الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم

محمد الأمين الهرري

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة المقدمة الجزء الأول دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولًا، واصطفاه من بين خلقه حبيبًا وخليلًا، وأنزل عليه الكتاب والحكمة ليكون للعالمين ضياءً ودليلًا، وجعل اتباع أمره والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم لمرضاته عز وجل طريقًا وسبيلًا، وأفضل الصلاة وأتم السلام تتواليان أبدًا سرمدًا على أشرف خلق الله وخاتم رسل الله؛ سيدنا وحبيبنا وشفيعنا ومعلمنا محمد بن عبد الله، وعلى آله المطهرين، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن خير ما بيِّن به كلام ربنا الكريم، وفسر به نظم القرآن العظيم، حديث سيدنا رسول الله الصادق الوعد الأمين، صلوات الله وسلامه عليه، الذي نقله لنا صحابته الأكرمون، فالتزموا وألزموا من بعدهم الاعتناء بهذا الكنز الثمين؛ لما في ذلك من خدمة لهذا الدين العظيم. وقد قيض الله بمنِّه وكرمه لخدمة السنة رجالًا أفذاذًا فحولًا، قاموا بحفظها وضبطها وحملها وروايتها وشرحها ودرايتها ونقلها على أتم وجه عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، حتى صارت ميسرة محفوظة، ومفسرة محظوظة. وما ذلك إلا لبشرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ودعائه لهم حيث قال: "نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلَف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين". ومن أهم ما اعتنى به علماء السنة المطهرة: "صحيحَا البخاري ومسلم" رضي الله عنهما وأجزل الأجر لهما، ولقد حظيا بالنصيب الأوفر، والقسط الأزخر، وقد أكرمنا الله عز وجل بنشر الطبعة اليونينية الأميرية لـ "صحيح الإمام البخاري" رحمه الله تعالى في طبعة مصححة مرقمة منقحة قيمة، فخرجت في أربع مجلدات. وأما كتاب الإمام مسلم تلميذ الإمام البخاري .. فكانت العناية به بعد فراغنا من العناية بسالفه، ومن توفيق الله تعالى بروز هذا الشرح الموسَّع له الذي يعدُّ موسوعة

في العلوم الحديثية، إذ هو لعالم جليل، وجهبذ ليس له بديل، بقر بطون الكتب سالكًا في ذلك طريق السلف الأولين، فقطع مفاوز الطلب حتى وصل إلى بحار العلم، وغاص في لججها، واستخرج دررها، وحَسْبُ من يقرأ في هذا الكتاب الثمين أن يرشف من هذا البحر رشفات، فتزيده ظمأ لإكمال هذا السفر الجليل؛ فإن مؤلفه -متع الله به- جمع فيه ما استطاع من خلاصة كتب السابقين، وزينه بدرر وفرائد تدل على مكانته العلمية الرفيعة، فجاء كحسناء تتيه بقدها المياد، ولا تأبه بأعين الحساد، وصار جديرًا بما أسماه به مؤلفه: "الكوكب الوهاج والروض البهاج"؛ فإنه كوكب يتوهج في سماء تلك الشروح، وروض يبهج قلوب طلبة هذا العلم الشريف؛ لما فيه من ورود وأزهار يفوح شذاها على من ينتشق ذلك الأريج. وختامًا: نرجو من الله تعالى أن يتقبل منا ذلك لوجهه الكريم، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وكتبه البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي- مكة المكرمة

ترجمة الشارح

ترجمة الشارح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإِني أريد أن أجمع بعض التراجم للشيخ محمد أمين بن عبد الله الهرري، نزيل مكة المكرمة، المدرس في دار الحديث الخيرية في القسم العالي من هذه الدار، وكان مدرسًا في الحرم الشريف نحو ثمان سنوات قبل أن يتفرغ للتأليف. اسمه: هو محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن، أبو ياسين الأرمي (¬1) جنسًا، العلوي قبيلة، الإِثيوبي دولة، الهرري منطقة، الكرِّي ناحيةً، البُوَيطِي قرية، السلفي عقيدة الشافعي مذهبًا، السعودي إِقامة، نزيل مكة المكرمة، جوار الحرم الشريف في المسفلة حارة الرشد سابقًا، وبحيِّ الزاهر الآن. مولده: ولد في الحبشة في منطقة الهرر في قرية بويطة، في عصر يوم الجمعة أواخر شهر ذي الحجة سنة (1348) من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات. نشأته: تربَّى بيدِ والده، وهو يتيم عن أمه، ووضعه عند المعلم وهو ابن أربع سنين، وتعلم القرآن وختمه وهو ابن ست سِنين، ثم حوَّله إِلى مدارس علوم التوحيد والفقه، وحفظ من توحيد الأشاعرة "عقيدة العوام" للشيخ أحمد المرزوقي، و"الصغرى" ¬

_ (¬1) الأرمي: نسبة إِلى شعب أُرمُو، وهي أكثر مَن في الحبشة بنسبة 85%، العلويُّ: نسبة إِلى عليِّ بن قَلْعو بن هُنْبَنَّا بن أرمو، أبو قبيلةٍ كبيرةٍ.

رحلته

و"صغرى الصغرى" و"الكبرى" و"كبرى الكبرى" للشيخ محمد السنوسي؛ لأن أهل الحبشة كانوا وَقْتَئذ من الأشاعرة. وحفظ من مختصرات فقه الشافعية كثيرًا كـ" مختصر بافضل الحضرمي"، و"مختصر أبي شجاع" مع "كفاية الأخيار"، و"عمدة السالك" لأحمد بن النقيب، و "زبد أحمد رسلان" ألفية في فقه الشافعية، وقرأ "المنهاج" للإِمام النووي مع شرح "مغني المحتاج"، و"المنهج" لشيخ الإِسلام الأنصاري مع شرحه "فتح الوهاب"، وقرأ كثيرًا من مختصرات فقه الشافعية ومبسوطاتها على مشايخ عديدة من مشايخ بلدانه. رحلته: ثم رحل إِلى سيبويه زمانه وفريد أوانه أبي محمد الشيخ موسى بن محمد الأديلي (¬1)، وبدأ عنده دراسة الفقه، بدأ بـ "شرح جلال الدين المحلي" على "منهاج النووي"، ثم بعد ما وصل إِلى (كتاب السلم) .. حوله شيخه المذكور -رحمه الله تعالى- إِلى دراسة النحو؛ لما رأى فيه من النجابة والاجتهاد في العلم، فقرأ عليه مختصرات النحو كـ"متن الآجرومية" وشروحها العديدة، و"متن الأزهرية"، و"ملحة الإِعراب" مع شرحه "كشف النقاب" لعبد الله الفاكهي، و"قطر الندى" مع شرحه "مجيب الندا" لعبد الله الفاكهي، وقرأ "الألفية" لابن مالك مع شروحها العديدة كـ"شرح ابن عقيل"، و"شرح المكودي"، و"شرح السيوطي". ثم اشتغل بكتب الصرف والبلاغة والعروض والمنطق والمقولات والوضع واجتهد فيها، وحفظ "ألفية ابن مالك" و"ملحة الإِعراب" و"لامية الأفعال" و"السلم" في المنطق، و"الجوهر المكنون" في البلاغة. وكان لا ينام كل ليلة حتى يختم القصائد المذكورة حفظًا، وكان قليل النوم في صغره إِلى كبره، حتى كان لا ينام غالبًا بعد ما كبر إِلا أربع ساعات من أربع وعشرين ساعة؛ لكثرة اجتهاده في مذاكرة العلم، وكان يدرس هذه الفنون جنب حلقة شيخه مع دراسته على الشيخ المذكور. ¬

_ (¬1) الأدَّيليِّ: بفتح الهمزة وتشديد الدال المفتوحة: نسبة إِلى أدَّيْلَ من أعمال دِرْدوا.

ثم رحل من عنده بعد ما لازمه نحو سبع سنوات إِلى شيخه خليل زمانه وحبيب عصره وأوانه الشيخ محمد مديد الأديلي أيضًا، فقرأ عنده مطولات كتب النحو كـ "مجيب الندا على قطر الندى" و"مغني اللبيب" كلاهما لابن هشام، و"الفواكه الجنية على المتممة الآجرومية" وغير ذلك من مطولات علم النحو، وكان يدرس أيضًا جنب حلقة شيخه وقرأ عليه أيضًا التفسير إِلى سورة (يس). ثم رحل من عنده بعد ما لازمه ثلاث سنوات إِلى شيخه الشيخ الحاوي المفسر في زمانه الشيخ إِبراهيم بن ياسين المَاجَتِيِّ (¬1)، فقرأ عليه التفسير بتمامه، والعروض من مختصراته ومطولاته كـ "حاشية الدمنهوري على متن الكافي"، و"شرح شيخ الإِسلام الأنصاري على المنظومة الخزرجية"، و"شرح الصبان على منظومته في العروض"، وقرأ عليه أيضًا مطولات المنطق والبلاغة، ولازمه نحو ثلاث سنوات. ثم رحل من عنده إِلى الشيخ الفقيه الشيخ يوسف بن عثمان الوَرْقِي (¬2)، وقرأ عليه مطولات علم الفقه كـ "شرح الجلال المحلي على المنهاج"، و"فتح الوهاب على المنهج" لشيخ الإِسلام مع "حاشيته" لسليمان البُجَيرِمي و"حاشيته" لسليمان الجمل، و"حاشية التوشيح على متن أبي شجاع"، و"مغني المحتاج" للشيخ الخطيب إِلى (كتاب الفرائض)، وقرأ عليه غير ذلك من كتب الفرائض كـ "حواشي الرحبية"، و"الفُرَاتِ الفائض في فَنِّ الفرائض" -هو كتاب جيد من مطولاتها- ولازمه نحو أربع سنوات. ثم رحل من عنده إِلى الشيخ إِبراهيم المُجِّي (¬3)، فقرأ عليه "فتح الجواد" لابن حجر الهيتمي على "متن الإِرشاد" لابن المقرئ الجزءين الأولين منه. ثم رحل من عنده إِلى شيخ المحدثين الحافظ الفقيه الشيخ أحمد بن إِبراهيم الكَرِّي، وقرأ عليه "البخاري" بتمامه، و"صحيح الإِمام مسلم" وبعض كتب الاصطلاح. ثم رحل من عنده إِلى مشايخ عديدة، وقرأ عليهم السنن الأربعة، والموطأ، وغير ذلك من كتب الحديث مما يطول بذكره الكلام. ¬

_ (¬1) المَاجَتِيِّ: نسبة إِلى ماجة من بلاد وَلَّو. (¬2) الورقي: نسبة إِلى وَرْقَةَ من أعمال مدينة هرر. (¬3) المُجِّي: نسبة إِلى قبيلة من قبائل نُولَى.

مؤلفاته

ثم رحل من عندهم إِلى الشيخ عبد الله نُورَوْ القَرْسِي (¬1)، فقرأ عليه مطولات كتب البلاغة كـ "شروح التلخيص" لسعد الدين التفتازاني وغيره، ومطولات كتب أصول الفقه كـ "شرح جمع الجوامع" لجلال الدين المحلي، وقرأ عليه من النحو "حاشية الخضري على ابن عقيل". وقرأ على غير هؤلاء المشايخ كتبًا عديدة من فنون متنوعة مما يطول الكلام بذكره من كتب السيرة وكتب الأمداح النبوية كـ "بانت سعاد" و"همزية البوصيري" و"بردته" و"القصيدة الوترية" و"الطرَّاف والطرائف" و"إِضاءة الدُّجُنَّة "-ألفية في كتب الأشاعرة- وغير ذلك مما يطول الكلام بذكره. وكان يدرِّس مع دراسته جنب حلقة مشايخه ما درس عليهم من أربع عشرة سنة من عمره، ثم استجاز من مشايخه هؤلاء كلهم التدريس استقلالًا فيما درس عليهم فأجازوا له، فبدأ التدريس استقلالًا في جميع الفنون في أوائل سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وسبعين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من الهجرة النبوية، فاجتمع عنده خلق كثير من طلاب كل الفنون زهاء ستمائة طالب أو سبعمائة طالب. وكان يدرِّس من صلاة الفجر إِلى صلاةِ العشاء الآخرة نحو سبع وعشرين حِصَّة من حصص الفنون المتنوعة، وكان يحيي ليله دائمًا بكتابةِ التآليف، وبما قدر الله له من طاعاته. مؤلفاته: مؤلفاته كثيرة من كل الفنون حتى أوشكت ألا تحصى، المطبوع المنتشر منها اثنا عشر كتابًا: 1 - الباكورة الجنية في إِعراب متن الآجرومية. 2 - الفتوحات القيومية في علل وضوابط متن الآجرومية. 3 - الدرر البهية في إِعراب أمثلة الآجرومية. 4 - جواهر التعليمات شرح على التقريظات ومقدمة علم النحو. 5 - هَديّة أولي العلم والإِنصاف في إِعراب المنادى المضاف. ¬

_ (¬1) القرسي: نسبة إِلى فَرسا ناحية من أعمال دردوا.

ومن الصرف: 6 - مناهل الرجال على لامية الأفعال. 7 - تحنيك الأطفال على لامية الأفعال. أيضًا ومن المصطلح: 8 - الباكورة الجنية على منظومة البيقونية. 9 - هداية الطالب المعدم على ديباجة صحيح مسلم. 10 - خلاصة القول المفهم على تراجم رجال صحيح مسلم (مجلدان). ومن كتب الأسماء والصفات: 11 - هدية الأذكياء على طيبة الأسماء في توحيد الأسماء والصفات. ومن التفسير: 2 1 - حدائق الرَّوْحِ والريحان في روابي علوم القرآن (ثلاثة وثلاثون مجلدًا، جمع فيه سبعة فنون بل ثمانية بل تسعة، لم يُسبق له نظيرٌ من كتب التفسير). وغير المطبوع منها من الفنون المتنوعة: من النحو: 3 1 - رفع الحجاب عن مُخَيَّمَات كشف النقاب حاشية على كشف النقاب على ملحة الإِعراب. 14 - هدية الطُّلاب في إِعراب ملحة الإِعراب. 15 - الصور العقلية على تراجم الألفية ومشكلاتها لابن مالك. 16 - التقريرات على حاشية الخَضِري على الألفية. 17 - المطالب السنية حاشية على الفواكه الجنية على متممة الآجرومية. 18 - التقريرات على مجيب النِّدا على قطر الندى كلاهما لعبد الله الفاكهي. ومن البلاغة: 19 - الدرُّ المصون على الجوهر المكنون لعبد الرحمن الأخضري. 20 - التقريرات على مختصر سعد الدين على تلخيص المفتاح.

ومن المنطق: 21 - الكنز المُكَتَّمُ على متن السلم للأخضري. 22 - التذهيب على متن التهذيب في المنطق. ومن العروض: 23 - الفتوحات الربانية على منظومة الخزرجية في العروض. 24 - التبيان على منظومة الصبان في العروض. ومن الحديث: 25 - النهر الجاري على تراجم البخاري ومشكلاته. 26 - رفعُ الصدود على سنن أبي داود على الربع الأول منه لم يكمل. ومن الأصول: 27 - التقريرات على شرح المحلي على جمع الجوامع في الأصول. ومن الفقه: 28 - سلم المعراج على مقدمة المنهاج. 29 - التقريرات على شرح المحلي وحاشيتي القليوبي وعميرة على المنهاج في فقه الشافعية. 30 - الإمداد من رب العباد حاشية على فتح الجواد على متن الإِرشاد في فقه الشافعية. 31 - أضوأ المسالك على عمدة الناسك لأحمد بن النقيب. 32 - التقريرات على التوشيح على غاية الاختصار. 33 - التقريرات على فتح الوهاب مع حاشية التجريد لسليمان البجيرمي. 34 - التقريرات على قصيدة زبد أحمد بن رسلان. ومن المدائح النبوية والسيرة المرضية: 35 - نيل المراد على متن بانت سعاد لكعب بن زهير الصحابي الجليل رضي الله عنه. 36 - البيان الصريح على بردة المديح للبوصيري. 37 - البيان الظريف على العنوان الشريف.

38 - المقاصد السنية على القصائد البرعية. 39 - التقريرات على همزية البوصيري. ومنها في المصطلح: 40 - جوهرة الدرر على ألفية الأثر لعبد الرحمن السيوطي. ومنها في التوحيد: 41 - فتح الملك العلام في عقائد أهل الإِسلام على ضوء الكتاب والسنة. 42 - نُزُلُ كِرَامِ الضيفان مقدمة حدائق الرَّوْح والرَّيحان. ومنها: 43 - مجمع الأسانيد ومظفر المقاصِدْ في أسانيدِ كل الفنون (يحتوي على أسانيد أربعمائة وخمسة وثمانين كتابًا) مطبوع. ومنها: 44 - نزهة الألباب وبشرة الأحباب على ملحة الإِعراب (مجلد ضخم على نحو أربعمائة صفحة) مطبوع. ومنها: 45 - الكوكب الوهاج والروض البهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، وهو الذي بين أيدينا الآن. ومنها: 46 - مُرْشِدُ ذوي الحجا والحاجة على سنن ابن ماجه. ومنها: 47 - المقاصد الوفية في جمع ما وقع في مسلم من الأسانيد الرباعية. ومنها: 48 - الجُهيريات في جمع الثمينيات. ومنها: 49 - البُويطيات في جمع التسيعيّات.

ومنها: 50 - بحيرة السَّيحون على الجوهر المكنون. ومنها: 51 - التقريرات على حاشية الصبان في المنطق. ومنها: 52 - التقريرات على حاشية البيجوري في المنطق. ومنها: 53 - التقريرات على البيجوري على متن السمرقندي في الاستعارة. ومنها: 54 - التقريرات على بلوغ المرام في تقاسيم الأحاديث وتفاصيلها على التراجم. ومنها: 55 - التقريرات على حاشية المخلوف على الجوهر المكنون في البلاغة. ومنها: 56 - التقريرات على شرح شيخ الإسلام وشرح الدمامينيّ، وكلاهما على المنظومة الخزرجية في العروض. ومنها: 57 - التقريرات على المقدمة الحضرمية الكبيرة، المسماة بـ "بافضل". ومنها: 58 - شرح المقدمة الحضرمية الصغيرة المسمى بـ "التبصير على المختصر الصغير". ومنها: 59 - التقريرات على حاشية أبي النجا على الأجرومية. ومنها: 60 - التقريرات على حاشية العطار على الأزهرية.

هجرته

ومنها: 61 - كتاب التقريرات على جمع ما وقع في فقه الشافعية من الصور. مجلد ضخم. ومنها: 62 - التقريرات على بعض ابن ماجه ... إلى غير ذلك. هجرته: هجرته من الحبشة إِلى هذه المملكة السعيدة كانت في تاريخ سنة ثمان وتسعين بعد ألف وثلاثمائة كما أرخه بقوله: هاجرت في ثمان وتسعين ... من بعد ألف وثلاثِ مِئِينْ وكان سبب هجرته: اتفاق الشيوعيين على قتله حين أسَّس في منطقته الجبهة الإِسلامية الأروميَّة، وجاهد بهم، وأوقع في الشيوعيين قتلًا ذريعًا، وحاصروه لقتله، وخرج من بين أيديهم بعصمة الله تعالى. وكان -بعد ما دخل هذه المملكة وحصل على النظام- مدرسًا في دار الحديث الخيرية من بداية سنة ألف وأربعمائة، وكان أيضًا مدرسًا في المسجد الحرام ليلًا نحو ثمان سنوات بإِذن رئاسة شؤون الحرمين. وله أسانيد عديدة من مشايخ كثيرة في جميع الفنون، خصوصًا في التفسير والأمهات الست، فسبحان المنفرد بالكمال، والله سبحانه وتعالى أعلم. ولقد أجزتُ لِحامل هذه الترجمة في الرواية عني جميعَ مروياتي من كل الفنون وجميع مؤلفاتي كذلك إِجازة عامة، وأوصيه وإِياي بتقوى الله تعالى في السر والعلن وصالحِ الدعوة لي في الحياة وبعد الممات، للأخ الفاضل. وعلى هذا جرى التوقيع من المجيز والختم منه.

الكوكب الوهاج والروض البهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ألَّفه وجَمَعه: محمد الأمين بن عبد الله الهرري ثم المكي، نزيل مكة المكرمة جوارَ الحرم الشريف في المسفلة، المدرّس في دار الحديث الخيرية نحوَ إحدى وثلاثين سنة وحاليًا، غفر الله سبحانه له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. آمين ولقد أجاد مَن قال في مدح كتب الحديث: لنا جلساء لا يُمَلُّ حديثُهُم ... أَلِبَّاءُ مأمونون غيبًا ومشهدا إِذا ما خَلَونا كان خيرُ حديثهم ... معينًا على نَفْيِ الهُمومِ مؤيِّدا يُفيدُوننا مِن عندهم عِلْمَ مَن مضى ... وعقلًا وتأديبًا ورأيًا مسدَّدا فلا رِيبة تُخْشى ولا سُوءَ عِشرة ... ولا نَتَّقِي منهم لسانًا ولا يدا فإنْ قلْتَ أموات فلسْتَ بكاذب ... وإِن قلتَ أحياء فلستَ مُفنّدا ***

خطبة الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبهِ نستعين خطبة الكتاب الحمدُ للهِ الذي شَرَحَ صُدُورَ أوليائِهِ بمعارفِ أحاديثِ خيرِ أنبيائه، ورَوَّحَ بسماعها أرواحَ أهلِ ودادهِ وأصفيائِه، فسَرَّحَ سرائِرَهم في رِياضِ روضةِ قُدْسِهِ وثنائِهِ، أحمدُهُ على ما تَفَضَّلَ من توفيقِهِ وإِرشادهِ، وأَسْدَى إِلينا من آلائهِ ونعمائهِ، وأشكرُهُ على فَضْلهِ المتواترِ، وطَوْلهِ الكاملِ الوافر، وأسألهُ المزيدَ من عطائِهِ، وكشفَ حِجَابه وغِطائِه. وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ الواحدُ الفَرْدُ الصَّمَد، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له في ذاتهِ وصفاتِه كُفُوًا أَحَد، الْمُنْفَرِدُ في صَمَدَانِيَّتِهِ بعِزِّ كبريائهِ، وَاصِلُ مَنْ تَبَتَّلَ إِليهِ إِلى حضرةِ قُرْبِهِ وولائِهِ، وساقي علومِ معارفهِ وأسرارِهِ قلوبَ أوليائهِ وأصفيائِهِ، ومُدْرِجُ أهلِ مُرَاقَبَتهِ ومُشَاهَدَتِه في سلسلةِ خاصَّتهِ وأَحبَّائِه. وأشهدُ أَنَّ سَيِّدنَا مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولهُ، المُرْسَلُ بصحيحِ القولِ وحَسَنِه إِلى كافَّةِ خَلْقِهِ من إِنْسِهِ وجِنِّهِ، رحمةً لأهلِ أرضهِ وسمائِه، الآمِرُ بالحقّ المشروعِ، والناهي عن المُخْتَلَقِ الموضوعِ، الماحي للوثنيَّةِ الموضوعة، بِبَوارقِ سُيوفهِ الخاطفة، وشُموسِ أنوارهِ الساطعة، فأشرقتْ مشكاةُ مصابيح الجامعِ الصحيحِ مِن أنوارِ شريعتهِ وأَنْبَائِهِ، صلَّى اللهُ -سبحانه- وسَلَّمَ عليهِ وعلى آَلهِ وأصحابهِ وخُلفائِه، وعلى كُلِّ مُتَمَسِّكٍ بدِينهِ وشريعتهِ، وداعٍ إِليهِ إِلى يومِ عَرْضِه ولقائِه. أمَّا بعدُ: فإِنَّ عِلْمَ الأحاديثِ النبويةِ بعدَ الكتابِ العزيزِ أعظمُ العلومِ قَدْرًا، وأرقاها شَرَفًا وفَخْرًا، إِذْ عليهِ مَبْنَى قواعدِ أحكامِ الشريعةِ الإِسلاميةِ، وبهِ تظهرُ تفاصيلُ مجملاتِ الآياتِ القرآنيةِ، وكيف لا ومَصْدَرُهُ ممَّنْ لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى؟ ! فهوَ المُفَسِّرُ للكتابِ وإِنما ... نَطَقَ النبيُّ لنا به عن ربهِ ولمَّا قَضَت نتائجُ العقول وأدلَّةُ الشَّرعِ المنقولِ أَنَّ سعادةَ الدَّارَينِ مَنُوطةٌ بمتابعةِ هذا

الرسولِ، وأَنَّ المحبَّةَ الحقيقيةَ باقتفاءِ سبيلهِ واجبةُ الحصولِ .. انْتَهَضَتْ هِمَمُ أعلامِ العلماءِ والسادةِ الفضلاءِ إِلى البحثِ عن آثارهِ: أقوالهِ وأفعالهِ وإِقرارِه، فحَصَّلُوا ذلك ضبطًا وحفظًا، وبَلَّغُوهُ إِلى غيرِهم مُشَافهة ونقلًا، ومَيَّزُوا صحيحَهُ من سقيمِهِ، ومُعْوَجَّهُ من مستقيمِهِ، إِلى أن انتهَى ذلكَ إِلى إِمامَي علماءِ الصحيحِ، المُبَرِّزَينِ في علمِ التعديلِ والتجريحِ: أبي عبد اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسماعيلَ الجُعْفِيِّ البُخَارِيِّ، وأَبي الحُسَينِ مسلمِ بنِ الحَجَّاجِ القُشَيرِيّ النَّيسابُورِيِّ، فجَمَعَا كتابَيهِمَا على شَرْطِ الصِّحَّةِ، وبَذَلا جُهْدَهُمَا في تَصْفِيَتِهِمَا مِنْ كُلِّ عِلَّةٍ، فتَمَّ لَهُمَا المُرادُ، وانعقدَ الإِجماعُ على تَلْقيبهما باسمِ "الصحيحينِ" (¬1) أو كاد (¬2)، فجزاهما اللهُ تعالى عنِ الإِسلامِ أفضلَ الجزاءِ، ووَفَّاهُما مِنْ أَجْرِ مَن انتفعَ بكتابَيهما أفضلَ الإِجزاءِ. غيرَ أنه قد ظَهَرَ لكثيرٍ من أئمَّةِ النَّقْلِ وجَهَابِذَةِ النقْدِ أَنَّ لمسلمٍ ولكتابهِ من المَزِيَّةِ ¬

_ (¬1) قلتُ: والاسم العلمي لكتاب "صحيح مسلم" كما سمَّاه به مؤلِّفُه هو: "المسند الصحيح المختصر من السُّنَن بنَقْلِ العَدْلِ عن العَدْلِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهذا الاسمُ يَدُلُّ على مضمونِ هذا الكتابِ وأُسُسِهِ التي أُنشئ عليها، وقد ورد هذا الاسم كاملًا عند الحافظ ابن خير الإِشبيلي في "فهرست ما رواه عن شيوخه" (ص 98)، والعلَّامةِ التُّجيبي في "برنامجه" (ص 83) إلَّا أنه قال: إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد اسمه مختصرًا عند غيرهما من الحُفَّاظ، انظر تفصيل ذلك في "تحقيق اسمي الصحيحين" (ص 33 - 52). (¬2) قال الإِمام أبو العباس القرطبي: (وأمَّا انعقادُ الإِجماعِ على تسميتهما بالصحيحَينِ .. فلا شكَّ فيهِ، بل قد صارَ ذِكْرُ الصحيحِ عَلَمًا لهما وإِنْ كان غيرهما بعدهما قد جمع الصحيح واشترط الصحة، كابي بكر الإِسماعيلي الجرجاني، وأبي الشيخ ابن حَيَّان الأصبهاني، وأبي بكر البَرْقاني، والحاكم أبي عبد الله، وإِبراهيم بن حمزة، وأبي ذرّ الهَرَوي، وغيرهم، لكنِ الإِمامان أحرزا قصب السباق، ولُقِّبَ كتاباهما بـ "الصحيحين" بالاتفاق. قال أبو عبد الله الحاكم: أهلُ الحجاز والعراق والشامِ يشهدون لأهل خُراسان بالتقدُّم في معرفة الحديث، لسَبْقِ الإِمامين البخاريِّ ومسلمٍ إِليه، وتفَرُّدِهما بهذا النوع. "المفهم" (1/ 99 - 100). وقال الإِمام عبد الحقِّ الإِشبيلي في مقدّمة كتابه "الجمع بين الصحيحين" (1/ 6): (والغَرَضُ من هذا المختصَرِ: أنْ يَخِفَّ به الكتابان على مَنْ أعياه حفظ الأسانيد، واعتمدَ في العلم بها على التقليد، لاسيما وقد اشتهرا في الصحة شهرةً لا مطعن عليها، وتَضَمَّنا من الأخبار ما لجأَ الناسُ في الأكثرِ إِليها، وحَسْبُكَ من هذين الكتابين أنهما إِنما يُعرفان بـ "الصحيحين").

ما يُوجِبُ لهما أولَويَّةً، فقد حكى القاضي أبو الفَضْلِ عِياضُ بن موسى الإِجماعَ على إِمامتهِ وتقديمهِ، وصِحَّةِ حديثهِ وتميُّزهِ، وثقتهِ وقَبُولِ كتابهِ. وكان أبو زرعة وأبو حاتم يُقَدِّمانهِ في الحديث على مشايخ عصرهما. وقال أبو عليٍّ الحُسَينُ بن علي النيسابوريُّ: ما تحت أديم السماء أصحُّ من كتاب مسلم (¬1). ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر: (وأمّا قولُ أبي علي النيسابوري .. فلم نَقِفْ قطُّ على تصريحه بأَنَّ كتابَ مسلمٍ أَصَحُّ من كتابِ البخاري، بخلاف ما يقتضيه إِطلاق الشيخ محيي الدين في "مختصره في علوم الحديث" وفي مقدمة "شرح البخاري" أيضًا حيث يقول: اتفق الجمهورُ على أَنَّ "صحيح البخاري" أصحّهما صحيحًا، وأكثرهما فوائد، وقال أبو علي النيسابوريُّ وبعضُ علماءِ المغربِ: صحيحُ مسلمٍ أَصَحُّ. اهـ ومقتضَى كلام أبي عليّ: نَفْي الأصحيَّة عن غير كتاب مسلمٍ عليه، أمَّا إِثباتُها له .. فلا؛ لأن إِطلاقه يحتملُ أنْ يريدَ ذلك، ويحتملُ أنْ يُريدَ المساواة، والله أعلم. والذي يظهرُ لي من كلام أبي علي: أنه إِنما قَدَّمَ "صحيحَ مسلمٍ" لمعنىً غيرِ ما يرجعُ إِلى ما نحن بصدده من الشرائطِ المطلوبةِ في الصحة، بل ذلك لأنَّ مسلمًا صَنَّفَ كتابَه في بلدهِ بحضورِ أصولهِ في حياةِ كثير من مشايخهِ، فكان يتحرَّزُ في الألفاظ، ويتحرَّى في السِّياق، ولا يتصدَّى لِمَا تصدَّى له البخاريُّ من استنباط الأحكام ليُبوِّبَ عليها، ولزمَ من ذلك تقطيعه للحديث في أبوابه، بل جَمَعَ مسلمٌ الطُّرُقَ كُلَّها في مكانٍ واحدٍ، واقتصرَ على الأحاديثِ دونَ الموقوفات، فلم يُعَرِّجْ عليها إِلا في بعض المواضع على سبيل النُّدور تبعًا لا مقصودًا، فلهذا قال أبو عليّ ما قال، مع أني رأيتُ بعض أئمتنا يُجَوِّزُ أن يكون أبو علي ما رأى "صحيح البخاري"، وعندي في ذلك بُعْدٌ، والأقربُ ما ذكرتهُ، وأبو علي لو صَرَّحَ بما نُسِبَ إِليهِ .. لكانَ محجوجًا بما قَدَّمْناهُ مجملًا ومفصّلًا، واللهُ الموفق. وأمَّا بعضُ شيوخِ المغاربةِ .. فلا يُحْفَظُ عن أحدٍ منهم تقييدُ الأفضليةِ بالأصحيَّة، بل أطْلَقَ بعضُهم الأفضلية، وذلك فيما حكاهُ القاضي أبو الفضلِ عياض في "الإِلماع" عن أبي مروان الطُّبْني، قال: كان بعض شيوخي يُفَضِّلُ صحيح مسلم على صحيح البخاري. اهـ وقد وجدتُ تفسيرَ هذا التفضيل عن بعض المغاربة؛ فقرأتُ في "فهرست أبي محمد التجيبي" قال: كان أبو محمد بن حَزْم يُفَضِّلُ كتاب مسلم على كتاب البخاري؛ لأنه ليس فيه بعد خطبتِه إلا الحديثُ السرد. اهـ وعندي: أَنَّ ابن حزم هذا هو شيخ أبي مروان الطبْني الذي أبهمه القاضي عياض، ويجوزُ أن يكونَ غيرَه، ومحلُّ تفضيلهما واحد. ومن ذلك قولُ مَسلَمة بن قاسم القرطبي -وهو من أقران الدارقطني- لمَّا ذكرَ في "تاريخه" =

وقال أبو مروان الطُبْنِيُّ (¬1): كان من شيوخي مَنْ يُفَضِّلُ كتابَ مسلمٍ على كتاب البخاري. وقال مَسْلَمة بن القاسم في "تاريخه": مسلم جليلُ القَدْرِ، ثقةٌ من أئمَّةِ المُحَدِّثين، وذَكَرَ كتابَهُ "الصحيحَ" فقال: لم يَضَعْ أَحَدٌ مِثْلَهُ. وقال أبو حامد بن الشَّرْقِيّ: سَمِعْتُ مسلمًا يقول: ما وَضَعْتُ شيئًا في هذا المسند إِلَّا بحُجَّةٍ، وما أسقطتُ منهُ إِلَّا بحُجَّةٍ. وقال ابنُ سفيان: قال مسلمٌ: ليس كُلُّ الصحيحِ وَضَعْتُ هنا، إِنَّما وَضَعْتُ ما أجمعوا عليهِ. وقال مسلمٌ: ولقد عَرَضْتُ كتابي هذا على أبي زُرْعة الرازيِّ فكُلُّ ما أشارَ عليَّ أَنَّ لهُ عِلَّةً .. تَرَكْتهُ، وما قال: هو صحيحٌ ليسَ له عِلَّةٌ .. أَخْرَجْتُه (¬2). ¬

_ = صحيح مسلم قال: (لم يَضَعْ أحدٌ مِثْلَهُ) فهذا محمولٌ على حُسْنِ الوضع وجودة الترتيب، وقد رأيتُ كثيرًا من المغاربة ممَّن صَنَّف في الأحكام بحذف الأسانيد كعبد الحق في "أحكامه" و"جَمْعِه" يعتمدون على كتاب مسلم في نَقْلِ المتونِ وسياقِها دون البخاري؛ لوجودِها عند مسلمٍ تامَّةً وتقطيع البخاري لها، فهذه جهةٌ أخرى من التفضيل لا تَرْجِعُ إِلى ما يتعلق بنفس الصحيح، والله أعَلم. "هدي الساري" (ص 12 - 13). وانظر في ذلك: "صيانة صحيح مسلم" (ص 67)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 14). و"شرح البخاري" (ص 7) وكلاهما للنووي، و"تحفة الأخباري" لابن ناصر الدين (ص 195 - 200)، و"عمدة القارئ والسامع" للسخاوي (ص 48 - 52)، و"الإِمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح" (2/ 562 و 578). (¬1) هو عبد الملك بن زِيَادة الله بن علي، أبو مروان الطُبْنِيُّ، من أهل بيت جلالة ورئاسة، وكانتْ له عنايةٌ تامَّةٌ في تقييد العلم والحديث، توفي سنة سبع وخمسين وأربعمائة. والطُبْنِيُّ: نِسْبة إِلى طُبْنَة، وهي بلدةٌ في طرف إِفريقية ممَّا يلي المغرب على ضفة الزاب، وهي بضمِّ الطاء المهملة، ثم موحدة ساكنة، ثم نون مفتوحة، ثم هاء. انظر ترجمته في: "جذوة المقتبس" (ص 284)، و"الصلة" لابن بشكوال (2/ 360)، و"معجم البلدان" (4/ 21)، و"تكملة الإِكمال" لابن نقطة (3/ 50) (زيادة)، و (4/ 68) (الطبني)، و"توضيح المشتبه" (6/ 41)، و"تبصير المنتبه" (3/ 879)، و"هدي الساري" (ص 12)، ووقع في "المفهم" للقرطبي (1/ 100): (الطِّيبي) فليُصحح. (¬2) انظر هذه الأقوال في "إِكمال المُعْلِم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (1/ 79 - 81)، و"المُفْهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (1/ 100 - 101)، و"تقييد =

هذا مع أَن الكتابَ أحسنُ الأحاديثِ مساقًا، وأكمل سياقًا، وأَقَلّ تكرارًا، وأتقنُ اعتبارًا، وأَيسَرُ للحِفْظِ، وأَسْرَعُ للضَّبْطِ، مع أنه ذَكَرَ صَدْرًا مِنْ علمِ الحديث، ومَيَّزَ طبقاتِ المحدثين في القديمِ والحديث (¬1). ولمَّا كان هذا الكتابُ بهذه الصِّفَةِ، ومُصَنِّفُهُ بهذه الحالةِ .. خَطَرَ لي أنْ أُعَلِّقَ عليهِ شرحًا يَفُكُّ مَبَانِيَه، ويَحُلُّ معانيَه، ويُفسِّرُ غَرائبَه، ويُبيِّنُ أغراضَه متنًا وسَنَدًا، ويشرحُ متابعتَه تابعًا ومتبوعًا، لفظًا ونحوًا ومعنىً، ويُبَيِّنُ موضعَ التراجمِ من الأحاديث، ويذكرُ التراجمَ للأحاديث التي لم يُتَرْجَمْ لها، وحكمةَ ما يُدْخِلُه في خلال الأسانيد مِن نحو: (يعني)، ومراجعَ الضمائر والإِشارات في نحو قوله: (مِثْلَه) و (نحوه) و (معناه)، وفي قوله: (بهذا الإِسناد) مما قد زَلَّتْ فيه أقدامُ كثيرٍ من ضُعفاءِ الطلَبة، وغَيرِ ذلك من الفوائد التي انْفَرَدَ بها عن سائرِ شُروح السابقين مما يطولُ ذِكْرُه، ويَصْعُبُ تَعْدَادُهُ ونشرُه -فيا كوكبًا وهَّاجًا للسالكين في مَسْرَاه، وروضا بهَّاجًا للنازلِينَ في مَغْنَاهُ- فَشَمَّرْتُ ذَيلَ العَزْمِ عن ساقِ الحَزْمِ، وأتيتُ بُيوتَ التصنيفِ من أبوابِها، وقُمتُ في جامعِ جوامعِ التأليفِ بَينَ أَئِمتِهِ بمحرابها، وأطلقتُ لسانَ القلمِ في ساحَاتِ الحِكَم بعبارةٍ صريحةٍ واضحةٍ، وإِشارةٍ قريبةٍ لائحة، لَخَّصْتُها من كلامِ الكُبراء الذين رَقَتْ في معارج علومِ هذا الشأن أفكارُهم، ومن إِشاراتِ الأَلِبَّاءِ الذين أنفقوا على اقتناصِ شواردِه أَعمَارَهُم، وبَذَلْتُ الجهدَ في تَفَهُّمِ أقاويلِ الفُهماءِ المُشَارِ إِليهم بالبَنَانِ، ومُمَارَسَةِ الدواوين المُؤَلَّفةِ في هذا الشأن. ولم أتردَّد عن الإِعادة في الإِفادة عند الحاجة إِلى البيان، ولا في ضبْط الواضح عند علماء هذا الشأن؛ قصدًا لنفع الخاصّ والعامّ، راجيًا ثوابَ ذي الطَّوْل والإِنعام. فدُونَك شرحًا قد أشرقَتْ عليهِ مِن شُرُفاتِ هذا الجامع أضواءُ نورِه اللامع، وصَدَعَ ¬

_ = المهمل" للغسّاني (1/ 66 - 67)، و"غرر الفوائد المجموعة" للعطار (2/ 764)، و"برنامج التجيبي" (ص 93). (¬1) يعني بـ (القديم): مَنْ تَقَدَّم زمانَ مسلم، وبـ (الحديث): زمانَ من أدركه، وهذا إِشارةٌ إِلى قول مسلم في صدر كتابه: أنه يعمدُ إِلى جملة ما أُسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات. "المفهم" (1/ 101).

خَطِيبُه على منبره السَّامي بالحُجَج القواطع القلوبَ والمسامع، أضاءَتْ بهجتُه فاختفَتْ منهُ الكواكبُ الطالعةُ قَبْلَه. وبالجملةِ: فإنما أنا من لوامع أنوارهم مُقْتَبس، ومن فواضِل فضائلهم مُلْتَمِس، وخَدَمْتُ بهِ الأبوابَ النبويةَ، والحضرةَ المصطفيةَ، راجيًا أن يُتَوِّجني بتاج القبول والإِقبال، ويُجيزني بجائزةِ الرِّضا في الحال والمآل، ويُتمّم مُرادي فيه وفي جميعِ الآمالِ. وسمّيتهُ: "الكوكب الوَهَّاج والروض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحَجَّاج" واللهَ سبحانه وتعالى أسألُ التوفيقَ والهدايةَ، والإِرشادَ إِلى سلوكِ طُرُقِ الصواب والسَّداد، والمساعدةَ لي من فُيوضاته الهاطلة وسُيولاته السائلة من أمطار سحائب جوده وفضله بمنه وكرمه وإِحسانه وطَوْله، وأنْ يُعينَني فيما قَصَدْتُه على التكميل، قبل أن يختَرِمَني الأجلُ والترحيل، فهو سبحانَهُ حسبي ونعْمَ الوكيل، وما أحسنَ قولَ بعضِهم (¬1): اغْتَنِمْ فِي الفَرَاغِ شُغْلَ عُلومٍ ... فَعَسَى أنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَهْ كَمْ صَحِيحٍ رَأَيتَ مِنْ غَيرِ سُقْمٍ ... ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصحيحةُ فَلْتَهْ وقد استحسنتُ قبلَ الشُّروعِ فيهِ أنْ أذكرَ مُقَدّماتٍ مشتملة على ما لا بُدَّ للطالب من معرفته. رَبِّ أَكْرِمْنِي بالنهاية كما وَفَّقْتَنِي بالبدايةِ، واجْعَلْ لِي في عُمُرِي البركةَ إِلى أنْ أكمّله وشَرْحَ ابنِ مَاجَهْ. آمين. 4/ 1 / 1419 هـ ¬

_ (¬1) وهو الإِمام البخاري رحمه الله تعالى، ذكر ذلك الحاكم في "تاريخ نيسابور". انظر "هدي الساري" للحافظ ابن حجر (ص 481)، و"عمدة القارئ والسامع" للحافظ السخاوي (ص 47)، و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (2/ 235)، والشطر الأولُ فيها: اغْتَنِمْ في الفراغ فَضْلَ ركوع. وعقّب الحافظ ابن حجر على هذين البيتين بقوله: (وكان من العجائب أنه هو وَقَعَ له ذلك أو قريبًا منه كما سيأتي في ذِكْر وفاته" (ص 493).

مقدمات

مقدِّماتٌ المقدمةُ الأُولى في ترجمة الإِمام مسلم رحمه الله تعالى هو الإِمام الحافظ الحُجَّة مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مُسْلِم القُشَيرِي (¬1)، أبو الحُسَين النَّيسابوري. روى عن القَعْنَبِي، وأحمد بن يونس، وإِسماعيل بن أبي أُوَيس، وداود بن عَمْرو الضبيّ، ويحيى بن يحيى النَّيسابوري، والهيثم بن خارجة، وسعيد بن منصور، وشَيبان بن فَرُّوخ، وخَلْقٍ كثير قد ذُكِرُوا في هذا الجامع. وروى عنه الترمذيُّ حديثًا واحدًا: عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن محمد بن عَمْرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة حديث: "أَحْصُوا هلال شعبانَ لرمضان" (¬2)، ما له في جامع الترمذي غيره. ¬

_ (¬1) قلتُ: اختُلف في نِسْبة الإِمام مسلم إِلى قبيلة قُشَير بن كعب، هل هو من أنفسهم أو من مواليهم؟ فقال الإِمام ابنُ الصلاح في "علوم الحديث" (ص 14) في (النوع الأول من أنواع علوم الحديث معرفة الصحيح من الحديث): (القُشَيري من أنفسهم)، وتَرَدَّدَ الحافظ الذهبيُّ في ذلك، فقال في "سير أعلام النبلاء" (12/ 558): (فَلَعَلَّهُ من موالي قُشَير)، وقال الإِمام القاسم بن يوسف التجيبي في "برنامجه" (ص 93): (تنبيه: رُوِّينا عن الحافظ أبي عَمْرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: أنه ذَكَرَ مسلمًا هذا فقال فيه: "القُشَيري من أنفسهم"، وكذلك رأيتُ كثيرًا من أهل الحديث يقولون فيه: "القُشيري" مطلقًا. وأخبرنا العلّامة النسّابة شرف الدين أبو محمد التوني -أُعجوبة زمانهِ في حفظ الأنساب- بقراءتي عليه في بعض تخاريجه ومجموعاته إِثْرَ حديثٍ وَقَعَ له مصافحة لمسلمٍ رحمه الله تعالى، قال فيه: "لكأني شافهتُ فيه الإِمامَ الناقدَ أبا الحُسَين مسلم بنَ الحَحاج المُضَري القيسي الهوازني العامري القُشَيري، مولى قُشَير بن كعب ... " انتهى كلام الشرف التوني، وقال فيه: "مولى قُشَير" وهو حُجَّةٌ في هذا الباب، والله تعالى أعلم بالصواب). (¬2) "سنن الترمذي" حديث رقم (687)، كتاب الصوم، 4 - باب ما جاء في إِحصاء هلال شعبان لرمضان.

وروى عنه أيضًا: أبو الفضل أحمد بن سلمة، وإِبراهيم بن أبي طالب، وأبو عَمْرو الخفَّاف، وحُسَين بن محمد القَبَّاني، وأبو عَمْرو الْمستَمْلِي، وصالح بن محمد الحافظ، وعلي بن الحَسَنِ الهلالي، ومحمد بن عبد الوهّاب الفرَّاء وهما من شيوخه، وعلي بن الحُسَين بن الجُنَيد، وابن خُزَيمة، ويحيى بن محمد بن صاعد، والسَّرَّاج، ومحمد بن عَبْد بن حُمَيد، وأبو حامد وعبد الله ابنا الشرقي، وعلي بن إِسماعيل الصفَّار، وأبو محمد بن أبي حاتم الرازي، وإِبراهيم بن محمد بن سفيان، ومحمد بن مَخْلَد الدُّوري، وإِبراهيم بن محمد بن حمزة، وأبو عَوَانة الإِسفراييني، ومحمد بن إِسحاق الفاكهي في "كتاب مكة"، وأبو حامد الأعمشي، وأبو حامد بن حسنويه، وخَلْقٌ آخرون. قال أبو عَمْرو المُسْتَمْلِي: أَمْلَى علينا إِسحاقُ بن منصورٍ سنة إِحدى وخمسين ومائتين، ومسلم ينتخبُ عليه وأنا أستملي، فنَظَرَ إِسحاقُ بن منصورٍ إِلى مسلمٍ فقال: لن نَعْدَمَ الخيرَ ما أبقاكَ اللهُ للمسلمين. وقال الحاكم (¬1): سمعتُ أبا عبد الله محمد بن يعقوب، سمعتُ أحمد بن سلمة يقول: عُقِدَ لمسلمٍ مجلسٌ للمذاكرة، فذُكِرَ لهُ حديثٌ فلم يعرفه، فانصرفَ إِلى منزله، وقُدِّمَتْ له سَلَّةٌ فيها تمرٌ، فكان يطلبُ الحديثَ ويأخذُ تمرةً تمرةً فأصبح وقد فَنِيَ التمرُ ووَجَدَ الحديثَ. زاد غيرهُ: فكان ذلك سببَ موتهِ (¬2). تُوفِّي عشية يوم الأحد، ودُفِنَ يوم الاثنين، قال محمد بن يعقوب: مات لخمسٍ بَقِينَ من رجب سنة إِحدى وستين ومائتين، وقد وافى سنّ الكهولة، مات وهو ابنُ خمسٍ وخمسين سنة، وقال غيره: وُلِدَ سنة أربع ومائتين (¬3). ¬

_ (¬1) في "تاريخ نيسابور" كما نصَّ على ذلك ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم"، (ص 63). (¬2) قال ابنُ الصلاح: فكان لموته سَبَبٌ غريبٌ نشأَ عن غمرةٍ فكريةٍ عِلمية. (المصدر السابق ص 62). (¬3) قال ابن الصلاح: مات مسلم رحمه الله سنة إِحدى وستين ومائتين بنيسابور، وهذا مشهور، لكنَّ تاريخَ مولدهِ ومقدارَ عُمُرِه كثيرًا ما تطلَّبَ الطلابُ عِلْمَه فلا يجدونه، وقد وَجَدْنَاه ولله الحمدُ، فذكرَ الحاكمُ أبو عبد اللهِ بنُ البَيِّع الحافظُ في كتاب "المزكّين لرواة الأخبار": أنه سَمعَ أبا عبد الله بنَ الأخرم الحافظَ يقولَ: تُوفِّي مسلمُ بن الحَجَّاج رحمه الله عشيّة يوم الأحد، ودُفن يوم الاثنين لخمسٍ بقين من رجب سنة إِحدى وستين ومائتين، وهو ابنُ خمسٍ = 26

قلتُ -القائل هو الحافظ ابن حجر-: حَصَلَ لمسلمٍ في كتابهِ حَظٌّ عظيمٌ مفرطٌ لم يحصل لأحدٍ مثله؛ بحيث إِنَّ بعض الناس كان يُفَضِّلُه على "صحيح" محمد بن إِسماعيل، وذلك لما اخْتَصَّ به من جَمْعِ الطُّرُق، وجَوْدَةِ السِّياق، والمحافظةِ على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا روايةٍ بمعنىً، وقد نَسَجَ على مِنْوَالِهِ خَلْقٌ من النَّيسَابُورِيِّينَ فلم يبلغوا شَأْوَه، وحفظت منهم أكثر من عشرين إِمامًا ممن صَنَّفَ المستخرج على مسلم، فسبحانَ المعطي الوهَّاب. وله من التصنيف غير الجامع: كتاب "الانتفاع بجلود السباع"، و"الطبقات" مختصر، و"الكنى" كذلك، و"مسند حديث مالك"، وذكره الحاكم في "المستدرك" (¬1) في كتاب الجنائز استطرادًا. وقيل: إِنَّه صَنَّف مسندًا كبيرًا على الصحابة لم يتمّ. قال الحاكم: كان تامَّ القامة، أبيضَ الرأس واللحية، يُرخي طرف عمامته بين كَتِفَيه. قال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفَرَّاء: كان مسلمٌ من علماء الناس وأوعية العلم، ما علمته إِلا خيرًا، وكانَ بَزَّازًا، وكان أبوه الحَجَّاجُ من المشيخة. وقال ابن الأخرم: إِنما أخرجتْ مدينتُنا هذه من رجال الحديث ثلاثةً: محمدَ بنَ يحيى، وإِبراهيمَ بنَ أبي طالب، ومسلم بن الحَجَّاج. وقال ابن عُقْدة: قَلَّما يقعُ الغلطُ لمسلمٍ في الرجال؛ لأنه كَتَبَ الحديثَ على وجهه. وقال أبو بكر الجارودي: حَدَّثنا مسلم بن الحجاج وكان من أوعية العلم. وقال مَسْلَمَة بن قاسم: ثقةٌ جليلُ القَدْرِ من الأئمة. ¬

_ = وخمسين سنة، وهذا يتضمَّن أَن مولده كان في سنة ستّ ومائتين، والله أعلم. "صيانة صحيح مسلم" (ص 62). وكذلك صرَّح ابنُ الأثير في "جامع الأصول" (1/ 109) أنه وُلِدَ سنةَ ستّ ومائتين. (¬1) (1/ 352) حديث رقم (1300)، ونصُّه فيه: وعند حديث مالك جَمْع مسلم بن الحجاج بَدَأَ بهذا الحديث من شيوخ مالك.

وقال ابنُ أبي حاتم: كتبتُ عنه، وكان ثقةً من الحُفَّاظ، له معرفةٌ بالحديث، وسُئِلَ عنه أبي فقال: صدوق. وقال بُنْدَار: الحُفَّاظُ أربعة: أبو زُرْعة، ومحمد بن إِسماعيل، والدَّارِمي، ومسلم". اهـ من " تهذيب التهذيب". ***

المقدمة الثانية في ميزة "جامعه"

المقدمة الثانية في ميزة "جامعه" قال في "كشف الظنون" (1/ 555): (الجامع الصحيح للإِمام الحافظ أبي الحُسَين مسلم بن الحَجَّاج القُشَيري النيسابوري الشافعي، المتوفى سنة إِحدى وستين ومائتين، هو الثاني من الكتب الستّة، وأحدُ الصحيحَينِ اللذّينِ هما أَصَحُّ الكُتب بعد كتاب الله العزيز). وذَكَرَ الإِمامُ النَّوَويّ في أول شرحهِ (1/ 14): أَن أبا عليٍّ الحُسَينَ بنَ عليّ النيسابوريَّ شيخَ الحاكمِ قال: (ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم)، ووافَقَهُ بعضُ شيوخِ المغرب، وعن النَّسائي قال: (ما في هذه الكتب كلّها أجود من كتاب البخاري). قال النوويّ: (وقد انْفَرَدَ مسلمٌ بفائدةٍ حسنةٍ، وهي كونهُ أسهلَ متناولًا من حيثُ إِنه جَعَلَ لكُلِّ حديثٍ موضعًا واحدًا يَلِيقُ بهِ، جَمَعَ فيهِ طُرُقَهُ التي ارتضاها، وأَوْرَدَ فيهِ أسانيدَهُ المتعددةَ، وألفاظَه المختلِفة، فيَسْهُلُ على الطالب النَّظَرُ في وُجُوهِهِ واستثمارُها، ويحصلُ له الثقةُ بجميعِ ما أورده مسلمٌ من طُرُقهِ، بخلافِ البخاري في ذلك. وعن مكي بن عبدان رحمه الله تعالى قال: سمعتُ مسلمًا يقول: لو أَن أهلَ الحديثِ يكتبون مئتي سنة الحديثَ .. فمدارُهم على هذا المسند -يعني صحيحَه- وقال: صنَّفْتُ هذا المسند من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة ((¬1). قال ابنُ الصلاح: (شَرْطُ مسلمٍ في "صحيحه": أن يكون الحديثُ متّصلَ الإِسنادِ، بنَقْلِ الثقة عن الثقة من أوله إِلى مُنتهاه، سالمًا من الشُّذوذ ومن العِلَّة، قال: وهذا حَدُّ الصحيح، وكم من حديثٍ صحيحٍ على شرط مسلم وليس بصحيحٍ على شرط البخاري؛ لكَوْنِ الرُّواةِ عنده ممن اجتمعتْ فيهم الشُّرُوطُ المُعْتَبَرَةُ، ولم يَثْبُتْ عند البخاري ذلك فيهم) (¬2). ¬

_ (¬1) "شرح النووي" (1/ 14 - 15)، وهو من كلام ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 69). (¬2) "صيانة صحيح مسلم" (ص 72 - 73).

وعددُ من احتجَّ بهم مسلمٌ في "الصحيح" ولم يحتجَّ بهم البخاريّ لسِتّ مئةٍ وخمسةٌ وعشرون شيخًا، ورُوي عن مسلم: أَنَّ كتابه (أربعةُ آلافِ حديثٍ) دون المُكَرَّرات (¬1)، وبالمُكَرَّرات (سبعةُ آلاف ومئتان وخمسةٌ وسبعون حديثًا) (¬2). ثم إِنَّ مسلمًا رَتَبَ كتابَه على الأبواب، ولكنه لم يذكر تراجمَ الأبواب، وقد ترجم جماعةٌ أبوابَه استنباطًا من الحديث بحسب ما ظَهَرَ لهم، ولكنه فيه أحاديث لم يذكروا ترجمتها، ولا تدخل في الترجمة السابقة، فيعترض بها على الترجمة؛ لعدم مطابقتها للترجمة، فتحتاج إِلى استنباط ترجمةٍ جديدةٍ لها من الحديث، وذلك موجودٌ فيه في مواضع عديدة (¬3). وذكر مسلمٌ في أول مقدمة "صحيحه" أنه قسم الأحاديثَ ثلاثةَ أقسام: الأول: ما رواه الحُفَّاظُ المُتْقِنُون المشهورون. الثاني: ما رواه المستورون المتوسطون في الحِفْظ والإِتقان. الثالث: ما رواه الضعفاء المتروكون، فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم. وقال ابنُ عساكر في "الإِشراف على معرفة الأطراف": (إِنه رَتَّبَ كتابَه على قسمَينِ، وقَصَدَ أنْ يذكر في الأول أحاديثَ أهلِ الثقة والإِتقان، وفي الثاني أحاديثَ أهلِ الستر والصِّدْق الذين لم يبلغوا درجة المُتثبّتين، فحال حلول المَنِيَّة بينه وبين هذه الأُمنيّة، فمات قبل إِتمامِ كتابه واستيعابِ تراجمه وأبوابه، غيرَ أَنَّ كتابَه مع إِعوازه ¬

_ (¬1) قال الحافظ الذهبي: (يعني بالمكرَّر: أنه إِذا قال: "حدثنا قتيبة وأخبرنا ابنُ رُمْح" .. يُعَدَّانِ حديثَينِ، اتَّفقَ لفظهما أو اختَلَفَ في كَلمة). "سير أعلام النبلاء" (12/ 566). (¬2) انظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 101 - 102)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 21). (¬3) قال الحافظ ابن الصلاح: (ثم إِنَّ مسلمًا -رحمه الله وإِيانا- رَتَّبَ كتابه على الأبواب، فهو مُبَوَّبٌ في الحقيقة، ولكنه لم يذكر فيه تراجمَ الأبواب؛ لئلّا يزداد بها حجمُ الكتاب أو لغير ذلك). قال الإِمام النووي بعد ذلك: (وقد ترجم جماعةٌ أبوابَه بتراجم، بعضُها جيّدٌ، وبعضُها ليس بجيد؛ إِمّا لقُصورِ في عبارة الترجمة، وإِمّا لركاكة لفظها، وإِمّا لغير ذلك، وأنا -إِن شاء الله- أحرصُ على التعبيرِ عنها بعباراتٍ تَلِيقُ بها في مواطنها، والله أعلم). "صيانة صحيح مسلم" (ص 103)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 21).

فصل في ذكر الكتب المخرجة على صحيح مسلم

اشْتَهر، وسار صيتُه في الآفاق وانتشَرَ) اهـ، ولم يذكر القسم الثالث (¬1). ثم إِنَّ جماعة من الحُفَّاظ استدركوا على "صحيح مسلم" وصَنَّفُوا كُتُبًا؛ لأنَّ هؤلاء تأخروا عنه وأدركوا الأسانيد العالية، وفيهم مَنْ أدرك بعضَ شيوخ مسلم فخَرَّجُوا أحاديثَه (¬2). قال الشيخ أبو عَمْرو بن الصلاح: (هذه الكتب المُخَرَّجة تلتحق بصحيِح مسلم في أَنَّ لها سِمَةَ الصحيح وإِنْ لم تَلْتَحِقْ به في خصائصه كلها، ويُستفادُ من مُخرَّجاتهم ثلاثُ فوائدَ: عُلُوُّ الإِسناد، وزيادةُ قُوَّة الحديث بكثرة طُرُقه، وزيادةُ ألفاظٍ صحيحة مفيدة. ثم إِنهم لم يلتزموا فيها الموافقة في ألفاظ الأحاديث من غير زيادةٍ ولا نَقْصٍ؛ لكونهم يَرْوُونها بأسانيد أُخر، فأوجب ذلك بعض التفاوت في بعض الألفاظ) (¬3). فصل في ذكر الكتب المخرجة على صحيح مسلم والكتب المستخرجة على صحيح مسلم كثيرة (¬4): الأول منها: مستخرج أبي جعفر أحمد بن حَمْدان بن علي النيسابوري (¬5)، ¬

_ (¬1) انظر "سير أعلام النبلاء" (12/ 573 - 574)، وكتاب "الإِشراف" لابن عساكر في أطراف السنن الأربعة، وانظر مقدمة "إِطراف المسند المعتلي" (1/ 29). (¬2) قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في "سير أعلام النبلاء" (12/ 568 - 569) ما يلي: (قلتُ: ليس في "صحيح مسلم" من العوالي إِلَّا ما قَلَّ كالقَعْنبي عن أفلح بن حُميد، ثم حديث حَمَّاد بن سلمة وهَمَّام ومالك والليث، وليس في الكتاب حديثٌ عالٍ لشُعْبة ولا للثَّوْري ولا لإِسرائيل، وهو كتابٌ نفيسٌ كاملٌ في معناه، فلمَّا رآه الحُفاظُ .. أُعجبوا به، ولم يسمعوه لنُزُولهِ، فَعَمَدُوا إِلى أحاديث الكتاب، فساقوها من مرويّاتهم عاليةً بدرجةٍ وبدرجتَين ونحو ذلك، حتى أَتَوْا على الجميع هكذا، وسَمَّوْه: "المستخرج على صحيح مسلم"، فَعَلَ ذلك عِدَّةٌ من فُرسان الحديث). (¬3) "صيانة صحيح مسلم" (ص 88)، وانظر "علوم الحديث" (ص 19 - 20). (¬4) انظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 88 - 90)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 26 - 27)، و"الإِمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح" (2/ 603 - 608). (¬5) قال الإِمام ابن الصلاح: (الزاهد العابد المُجاب، رَحَل في حديث واحدٍ منه إِلى أبي يعلى المَوْصلي، ورَحَلَ في أحاديثَ معدودةٍ منه لم يكن سمعها حتى سمعها، ورُوِّينا أنه سمعه منه =

المتوفى سنة إِحدى عشرة وثلاثمائة. والثاني: مستخرج أبي النَّضْر (¬1) محمد بن محمد بن يوسف الطُّوسي الشافعي، المتوفى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة. والثالث منها: المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن محمد بن رَجَاء النيسابوري الإِسفراييني الحافظ، وهو مُتَقَدِّمٌ يُشَارِكُ مسلمًا في أكثر شيوخه، ومات سنة ست وثمانين ومائتين. والرابع منها: مختصر المسند الصحيح المؤلَّف على كتاب مسلم للحافظ أبي عَوَانة يعقوب بن إِسحاق الإِسفراييني، المتوفى سنة ست عشرة وثلاثمائة، روى فيه عن يونس بن عبد الأعلى وغيرِه من شيوخ مسلم (¬2). والخامس منها: مستخرج أبي حامد أحمد بن محمد الشَّارَكي الفقيه الشافعي الهَرَوي، المتوفى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، يروي عن أبي يعلى المَوْصِلي (¬3). والسادس منها: المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن عبد الله الجَوْزَقي النيسابوري الشافعي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. والسابع: المسند المستخرج على كتاب مسلم للحافظ أبي نُعَيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، المتوفى سنة ثلاثين وأربعمائة. ¬

_ = الشيخ القدوة أبو عثمان سعيد بن إِسماعيل الزاهد الحِيري، فكان إِذا بلغ منه موضعًا فيه سُنَّةٌ لم يستعملها .. وَقَفَ عندها إِلى أن يستعملها). "صيانة صحيح مسلم" (ص 88 - 89)، و"سير أعلام النبلاء" (14/ 63 و 299). (¬1) قلتُ: كنيتهُ: (أبو النَّضْر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة كما في "الإِكمال" لابن ماكولا (7/ 347)، و"سير أعلام النبلاء" (15/ 490)، و"المقتنى في سرد الكنى" (2/ 115) رقم (6237). وتحرف في "الإِمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح" (2/ 607)، وحاشية "صيانة صحيح مسلم" (ص 90) إِلى: (أبي النصر) بالصاد المهملة، فتنبّه. (¬2) قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: (وزادَ في كتابه متونًا معروفة بعضُها لَيِّن). "سير أعلام النبلاء" (12/ 570). (¬3) قال الإِمام السبكي: (وللحافظ أبي حامد الشَّارَكي كتاب "المُخَرَّج على صحيح مسلم" لم أقف عليه). "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 45).

والثامن: المخرج على صحيح مسلم لأبي الوليد حَسَّان بن محمد القرشي الفقيه الشافعي، المتوفى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة (¬1). ومنهم من استدرك على البخاري ومسلم، ومن ذلك: كتاب الدارقطني المسمَّى بـ "الاستدراكات والتتبُّع"، وذلك في مئتي حديث مما في الكتابين، وكتاب أبي مسعود الدمشقي، ولأبي علي الغسَّاني في كتابه "تقييد المهمل" في جزء العلل منه استدراكٌ أكثرُه على الرُّواة عنهما (¬2)، وفيه ما يلزمهما. قال النووي: وقد أُجِيبَ عن كُلِّ ذلك أو أكثرِه (¬3). اهـ نقلًا عن "شرحه" (1/ 27) ملخصًا. ¬

_ (¬1) وقع في المطبوع من "تذكرة الحفاظ" (3/ 896): (مات أبو الوليد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة)، وتحرفت فيه (تسع) إِلى (أربع)، والصواب: (سنة تسع وأربعين وثلاث مئة) كما في "سير أعلام النبلاء" (15/ 495)، و"طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 228)، و"الأعلام" للزركلي (2/ 177). وقد تابع بعضهم ما وقع من تحريف فأرخ وفاته سنة (344)، انظر حاشية "سير أعلام النبلاء" (12/ 570)، وكتاب "الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح" (2/ 605)، والله أعلم. (¬2) قال الإِمام أبو علي الغسّاني الجَيَّاني في "تقييد المهمل" (2/ 565) ما نصُّه: (هذا كتابٌ يتضمَّن التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندَين الصحيحَين، وذلك فيما يخصُّ الأسانيد وأسماء الرواة، والحَمْلُ فيها على نَقَلَة الكتابين عن البخاري ومسلم، وبيانَ الصواب في ذلك. واعْلَمْ -وفقك الله-: أنه قد يندرُ للإِمامين مواضعُ يسيرةٌ من هذه الأوهام، أو لمن فوقهما من الرُّواة، لم تَقَعْ في جملة ما استدركه الشيخُ الحافظُ أبو الحسن عليُّ بن عمرَ الدارقطنيُّ عليهما، ونَبَّه على بعض هذه المواضع أبو مسعودٍ الدمشقي الحافظُ وغيرُه من أئمتنا، فرأينا أنْ نذكرها في هذا الباب لتَتِمَّ الفائدةُ بذلك، والله الموفق للصواب). قلتُ: وقد استغرق (كتاب التنبيه على الأوهام: فسم البخاري) من مطبوعة "تقييد المهمل": (2/ 565 - 760)، ثم أورد بعده (قسم مسلم) من (3/ 763 - 937)، وقال في نهايته: (ومَنْ جَمَعَ إِلى كتابنا هذا كتابَ "الاستدراكات" التي أملاها أبو الحَسَن علي بن عُمر الدارقطنيُّ عليهما في كتابيهما "الصحيحين" .. فقد جَمَعَ علمًا كثيرًا مما يتعلَّق بالكتابين، ومتنًا صالحًا من العِلَل وعلم الحديث). (¬3) قال الإِمام أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى في "المفهم" (1/ 99) ما يلي: (قد اجتهدَ البخاريُّ ومسلمٌ في تصحيح أحاديث كتابيهما غايةَ الاجتهاد، غيرَ أَنَّ الإِحاطةَ =

فصل آخر في شروحه

فصل آخر في شروحه ولصحيح مسلم أيضًا شروحٌ كثيرة (¬1): الأول منها: شرح الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي، المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة، وهو شرحٌ متوسط مفيدٌ، سمّاه "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحَجَّاج"، قال (1/ 5): (ولولا ضعفُ الهمَمِ وقِلَّةُ الراغبين .. لبسطتهُ فبلغتُ به ما يزِيدُ على مئةِ من المُجَلَّدات ... لكني أقتصرُ على التوسُّط) اهـ وهو مطبوع. والثاني: مختصر هذا الشرح للشيخ شمس الدِّين محمد بن يوسف القُونَوي الحنفي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. ¬

_ = والكمالَ لم يَكْمُلا إلا لذي العظمة والجلال؛ فقد خَرَّج النُقَّادُ -كأبي الحَسَن الدارقطني وأبي علي الجَيَّاني- عليهِما في كتابَيهما أحاديثَ ضعيفة، وأسانيدَ عليلة، لكنها نادرةٌ قليلة، وليس فيها حديثٌ مُتَّفَقٌ على تَرْكِهِ، ولا إسنادٌ مُجْمَعٌ على ضَعْفِهِ، لكنها ممّا اختُلِفَ فيه، ولم يَلُحْ لواحدٍ منهما في شيءِ منها قَدْحٌ فيُخفيه، بل ذلك على حسب ما غَلَبَ على ظَنِّه، وحَصَلَ في علمه، وأكثرُ ذلك ممَّا أردفاه على إِسنادِ صحيح قبلَه زيادةَ في الاستظهار، وتنبيها على الإِشهار، والله أعلم). وقال العلّامة ظفر أحمد العثماني التهانوي -رحمه الله- في "قواعد في علوم الحديث" (ص 467 - 468): (قلتُ: أمّا إِخراجُ مسلمٍ والبُخاريِّ عن بعض الضعفاء .. فلا يقدحُ في صحَّة كتابيهما، فإنَّ مدارَها على صحة الأحاديث المخرجة فيهما، لا على كون الرواة كلها رواة الصحيح، فإنهما لا يُخرجان للضعفاء إِلا ما تُوبِعُوا عليه، دون ما تفرَّدوا به، على أَن الضعفَ والثقةَ مرجعهما الاجتهاد والظنّ، فيُمكن أن يكون هؤلاء عندهما ثقاتٍ خلافًا للجمهور، اللهمَّ إِلّا أنْ يكونا قد صَرَّحَا بكونهم ضعفاء، فلا بُدَّ من القول بأنهما أخرجا أحاديثهم اعتضادًا ومتابعةً، ولا شكَّ أَن الصحيحَ يزدادُ قوةَ على قوة بكثرة الطُّرُق. وأمّا ما أخرجه مسلمٌ ممَّا تفرَّد به الضعفاءُ، وصحتهُ بعيدةٌ -كما ذكره القرشي- فلا شَكَّ في ضَعْفِهِ، ولكنْ لِكُلِّ سيف نَبْوة، ولكُلِّ جوادٍ كَبْوة، وهذا لا يقدحُ في صحة الكتاب من حيث المجموعُ والإجمال، ولا يقدح في مزيته على غير البخاري كذلك؛ فإن القليل النادر لا يُلْتَفَتُ إِليه، فالحقُّ أَن أصحيَّة الكتابين من غيرهما إِنما هي من حيث المجموع والإِجمال، لا من حيث التفصيل حديثًا حديثًا، فافهم ولا تكن من المتكلّفين). (¬1) انظر "الإِمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح" (2/ 632 - 646)؛ ففيه سردٌ لهذه الشروح مع بيان المطبوع منها.

والثالث: شرح القاضي عياض بن موسى اليَحْصُبي المالكي، المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، سمَّاه: "إِكمال المُعْلِم بفوائد مسلم" كمَّلَ بِهِ "المُعْلِم" للمازري، وهو مطبوع. والرابع: شرح أبي عبد الله محمد بن علي المازري، المتوفَّى سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وسمَّاه: "المُعْلِم بفوائد مُسْلِم"، وهو مطبوع. والخامس: شرحُ أبي العباس أحمد بن عُمر بن إِبراهيم القرطبي، المتوفى سنة ستّ وخمسين وستمائة، وهو شرحٌ على مُخْتَصَرٍ له، ذَكَرَ فيه أنه لمَّا لخَّصه ورَتَّبَه وبَوَّبَه .. شَرَحَ غريبَه، ونبَّه على نكتِ من إِعرابه، وعلى وجوه الاستدلال بأحاديثه، وسَمَّاه: "المُفْهِم لِمَا أَشْكَلَ من تلخيص كتاب مسلم"، أولُ الشرح (1/ 83): الحمدُ لله كما وَجَب لكبريائه وجلاله ... إِلخ. وهو مطبوع. والسادس: شرحُ الإِمام أبي عبد الله محمد بن خِلْفة (¬1) الوَشْتَانِيّ الأبّيّ المالكي، المتوفى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وهو كبيرٌ في أربع مجلدات، أوله (1/ 47): الحمد لله العظيم سلطانه ... إِلخ، سمّاه: "إِكمال إِكمال المُعْلِم"، ذكر فيه أنه ضَمَّنَه كتب شُرَّاحه الأربعة: المازري، وعِياض، والقُرطبي، والنَّوَوي، حيث قال في الديباجة: ولما كانت أسماء هذه الشروح يكثر دَوْرُها في الكتاب .. اكْتَفَيتُ عن اسم كل واحد بحرف من اسمه، فجعلت (م) للإِمام المازري، و (ع) للقاضي عِيَاض، و (ط) للقُرْطبي، و (د) لمحيي الدين النَّوَويّ، ولفظ "الشيخ" إِلى شيخه ابن عرفة، مع زيادات مكملة وتنبيه، ونَقَلَ عن شيخه أبي عبد الله محمد بن عرفة أنه قال: ما يَشُقُّ على فَهْمٍ شَيءٌ كما يَشُقُّ من كلامِ عِياض في بعض المواضع من "الإِكمال"، وهو مطبوع (¬2). ¬

_ (¬1) جاء في "نيل الابتهاج" (ص 287) المطبوع على هامش "الديباج المذهب" ما نصُّه: (وخِلْفة: بكسر المعجمة وفتحها، ثم لام ساكنة بعدها فاء ... وأمّا شرحه لمسلم: ففي غاية الجودة، ملأه بتحقيقات بارعة وزيادة حسنة نافعة سيما أوائله)، وهو مترجمٌ أيضًا في "الأعلام" للزركلي (6/ 115)، وقد تحرف (خِلْفة) في بعض المصادر إِلى (خليفة)، فتنبّه. (¬2) وقد طُبع معه أيضًا "مكمّل إكمال الإكمال" للإمام محمد بن يوسف السَّنُوسي، عالم تلمسان =

والسابع: شرح عماد الدِّين عبد الرحمن بن عبد العلي المصري، المعروف بـ (ابن السُّكَّري)، المتوفى سنة أربع وعشرين وستمائة. والثامن: شرح غريبه للإمام عبد الغافر بن إِسماعيل الفارسي، المتوفى سنة تسع وعشرين وخمسمائة، سَمَّاه: "المفهم في شرح صحيح مسلم". والتاسع: شرح شمس الدين أبي المُظَفّر يوسف بن قِزْأُوْغْلِي (¬1)، سِبْطِ ابن الجَوْزي، المتوفى سنة أربع وخمسين وستمائة. والعاشر: شرح أبي الفرج عيسى بن مسعود الزَّوَاويّ، المتوفى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهو شرح كبير في خمس مجلدات، جَمَعَ بين "المُعْلِم" و"الإِكمال" و"المنهاج" (¬2). والحادي عشر: شرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي، المتوفى سنة ست ¬

_ = وإمامها، المتوفى سنة خمس وتسعين وثمانمائة، قال في مقدمته (1/ 3): (وكان من أحسنِ شروح مسلم -فيما علمتُ- وأجمعِها: شرحُ الشيخ العلّامة أبي عبد الله الأُبّي، فاختصرتُ معظم ما في هذا الشرح الجامع من الفوائد، وضممتُ إِليه كثيرًا مما أغفله ممّا هو كالضروري لا كالزائد، وأكمتُه أيضًا بشرح الخطبة، فتمّ النفع والحمد لله بشرح جميع الكتاب، وجاء بفضل الله تعالى مختصرًا يقنع أو يُغني عن جميع الشروح وما فيها من تطويل أو مزيد إِطناب ... واعْلَمْ: أَن ما وجدتَ في هذا الكتاب من علامة (ب) .. فالمرادُ به: الشيخ الأبّي، وما وجدتَ من علامة (ع) .. فالمرادُ به: القاضي عياض، وما وجدتَ من علامة (ط) .. فالمرادُ به: القرطبي صاحب "المُفْهِم"، وما وجدتَ من علامة (ح) .. فالمرادُ به: محيي الدين النووي، رحم الله جميعهم). (¬1) قال الزركلي في "الأعلام" (8/ 246): (قِزْأُوغْلِي: بكسر القاف، وسكون الزاي، ثم همزة مضمومة، وغين ساكنة، ولام مكسورة، وياء: لفظٌ تركيٌّ ترجمتهُ الحرفية: "ابن البنت"؛ أي: (السِّبْط)، ومن الكُتَّاب من يحذف الألف والواو، تخفيفًا، فيكتبها "قِزُغلي" بالقاف المكسورة وضمّ الزاي، والنصُّ على هذا في تاريخ علماء بغداد "منتخب المختار" (ص 236) قال: والصواب: ضَمُّ الزاي وسكونُ الغين المعجمة). (¬2) قال الحافظ ابن فرحون المالكي: (شرح صحيح مسلم في اثني عشر مجلدًا، وسمَّاه: "إِكمال الإِكمال"؛ جَمَعَ فيه أقوال المازري والقاضي عِياض والنووي، وأَتى فيه بفوائد جليلة من كلام ابن عبد البرِّ والباجي وغيرهما)، زاد الحافظ ابن حجر: (وأبدى فيه سؤالات مفيدة وأجوبة عنها). "الديباج المذهب" (2/ 72 - 73)، و"الدرر الكامنة" (3/ 211).

وعشرين وتسعمائة، ذكره الشعراني، قال: وغالبُ مُسَوَّدَتِهِ بِخَطِّي. والثاني عشر: شرح الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة إِحدى عشرة وتسعمائة، سَمَّاه: "الديباج على صحيح مسلم بن الحَجَّاج"، وهو مطبوع. والثالث عشر: شرح الإمام قِوام السُّنَّة أبي القاسم إِسماعيل بن محمد الأصبهاني الحافظ، المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة (¬1). والرابع عشر: شرح الشيخ تقي الدِّين أبي بكر بن محمد الحِصْني الدمشقي الشافعي (¬2)، المتوفى سنة تسع وعشرين وثمانمائة. والخامس عشر: شرح الشيخ شهاب الدِّين أحمد بن محمد القَسْطَلَّاني الشافعي، المتوفى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وسَمَّاه: "منهاج الابتهاج بشرح مسلم بن الحَجَّاج"، بَلَغَ إِلى نحو نصفه في ثمانيةِ أجزاءٍ كبار. والسادس عشر: شرح مولانا عَلِيٍّ القاريّ الهَرَوي، نزيل مكة المكرمة، المتوفى سنة ستّ عشرة وألف، في أربع مجلدات (¬3). ولصحيح مسلم مختصرات: الأول منها: مختصر أبي عبد الله شرف الدِّين محمد بن عبد الله المُرْسِيّ، المتوفى سنة خمس وخمسين وستمائة. والثاني منها: مختصر زوائد مسلم على البخاري (¬4) لسراج الدِّين عُمر بن علي بن المُلَقِّن الشافعي، المتوفى سنة أربع وثمانمائة، وهو كبيرٌ في أربع مجلدات. والثالث منها: مختصر الإِمام الحافظ زَكِي الدين عبد العظيم بن عبد القَويّ المُنْذِري، المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة، وهو مطبوع. ¬

_ (¬1) قلتُ: وكتابه في شرح صحيح مسلم اسمه: "التحرير". (¬2) قال الحافظ السخاوي: (وهو في ثلاث مجلدات). "الضوء اللامع" (11/ 82). (¬3) انظر "الإِمام علي القاري وأثره في علم الحديث" (ص 401). (¬4) في "الضوء اللامع" (6/ 102): (وأنه شرح زوائد مسلم على البخاري في أربعة أجزاء).

والرابع منها: شرح هذا المختصر لعثمان بن عبد الملك الكردي المصري، المتوفى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. والخاص منها: شَرْحه أيضًا لمحمد بن أحمد الإسنوي، المتوفى سنة ثمان وستين وسبعمائة. وعلى مسلم كتابٌ لمحمد بن أحمد بن عَبَّاد الخَلَّاطِي الحنفي، المتوفى سنة اثنتين وخمسين وستمائة. وكتابُ أسماءِ رجاله لأبي بكر أحمد بن علي الأصبهاني، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين، والله أعلم. ***

المقدمة الثالثة مقدمة العلم

المقدّمة الثالثة مقدّمة العلم ينبغي لكُلِّ شارع في فَنٍّ من الفنون أن يعرف المبادئ العشرة المشهورة؛ ليكونَ على بصيرةٍ فيه من أَول الأمر، وإِلَّا .. صار كمَنْ ركب متن عمياء، وخبط خبط ناقة عشواء، وهي: الحَدُّ، والموضوع، والثمرة، والفضل، والنسبة، والواضع، والاسم، والاستمداد، وحكم الشارع، والمسائل. وقد جَمَعَها محمد بن علي الصبَّان في هذه الأبيات فقال: إِن مَبَادِي كُلِّ فَنٍّ عَشَرَهْ: ... الحَدُّ، والموضوعُ، ثُمَّ الثَمَرَهْ وَفَضْلُه، ونِسْبَةٌ، والوَاضِعْ ... والاسمُ، الاستمدادُ، حُكْمُ الشارِعْ مسائلٌ، والبعضُ بالبعضِ اكْتَفَى ... ومَنْ دَرَى الجميعَ حَازَ الشَّرَفا فالآن نشْرَعُ في علم الحديث ونقول: علم الحديث نوعان: علمُ الحديثِ روايةً، وعلمُ الحديثِ درايةً. فأمَّا عِلْمُ الحديثِ روايةً وهو الذي نُريدُ الشُّروعَ فيه: فحَدُّه: هو عِلْمٌ يشتملُ على ما أُضِيفَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو تقريرًا؛ أي: يشتملُ على رواية ذلك في نَقْلِهِ وضَبْطِهِ وتحريرِ ألفاظه. وموضوعهُ: ذاتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث أقوالُهُ وأفعالُه وتقريراتُه. وثمرتهُ -أي: فائدتهُ-: الاحترازُ عن الخطإ في نَقْلِ ذلك، وقيل: فائدتهُ: الفوزُ بسعادةِ الدارين كما في "التدريب" (1/ 41). وفضلهُ: فَوَقَانه على سائر العلوم. ونسبتهُ: تباينُه لسائر العلوم. وواضعُه: محمدُ بن شِهابِ الزهْرِيُّ في خلافة عُمر بن عبد العزيز؛ أي: إِنه أول

مَنْ دَوَّنَه وجَمَعَهُ بأَمْرِ عُمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى. واسمُه: عِلْمُ الحديث روايةً. واستمدادُه: من أقوالهِ وأفعالهِ وتقريراتهِ صلى الله عليه وسلم. وحُكْمُه: الوجوبُ العينيُّ فيما يتعلَّقُ بالواجبات، والنَّدْبُ في غيره. ومسائلُه: قضاياه الباحثةُ عن أقوالهِ وأفعالهِ وتقريراتهِ صلى الله عليه وسلم من حيثُ الرفعُ والوقفُ والاتصالُ والانقطاعُ؛ كقولهم: كُلُّ قولٍ أو فعلِ رُفِعَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو مرفوعٌ مثلًا. وأمَّا عِلْمُ الحديثِ دِرايةً؛ أي: من جهة الدِّرايةِ والتفكُّرِ في أسانيدهِ ومُتُونهِ فنقول: حَدُّه: عِلْمٌ بقوانين يُعرَفُ بها أحوالُ السَّنَدِ والمتنِ من صِحَّةٍ وحُسْنٍ وضَعْفٍ، وعُلُوٍّ ونُزُولِ، ورَفْعِ وقَطْعٍ، وكيفية التحمُّل والأداء، وصفات الرجال من عدالة وفِسْق، وغير ذلك. وموضوعُه: الراوي والمَرْويُّ من حيث القبولُ والردُّ. وثمرتهُ -أي: فائدتهُ-: معرفةُ ما يُقْبَلُ وما يُرَدُّ من ذلك. وفضلهُ: فوقانُه على سائر العلوم بالنظر إِلى ما يبحثُ فيه. ونسبتهُ: تباينهُ وتخالفهُ لسائر العلوم. وواضعهُ: القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الشهير بِالرَّامَهُرْمُزِيّ بفتح الميم وضمّ الهاء وسكون الراء الثانية وضمّ الميم الثانية. واسمهُ: علم مصطلح الحديث، ويُسَمَّى: علمَ الحديث دِرايةً كما تقدَّم. واستمدادهُ: من الأحاديث النبوية والآثار المرويّة. وحُكْمُه: وجوبُه العينيُّ على قارئ الحديث، والكفائيُّ على أهل كُلّ ناحية. ومسائلهُ: قضاياه الباحثةُ عن أحوال السَّنَد والمتن، كقولهم: كُلُّ حديثٍ اشتمل على اتصال السَّنَد والعدالة والضبط وخلا عن الشُّذوذ وعن العِلَّة القادحة .. فهو صحيح، وكقولهم: كُلُّ ما اخْتَلَّ فيه شيءٌ من ذلك .. فهو ضعيف.

قال الحافظ ابن حجر (¬1): وهو -أي: الرَّامَهُرْمُزِيُّ- أولُ مَنْ صَنَّفَ في اصطلاح هذا الفن، فعَمِلَ كتابَهُ المُسَمَّى بـ "المُحَدِّثِ الفاصِل" بكسر الدال المشددة والصاد، لكنّه لم يَسْتَوْعِب. اهـ من "لقط الدرر". فائدة في بيان الألفاظ التي جَرَتْ على ألسنتهم: (الطالب): هُوَ مُرِيدُ فَنِّ الحديثِ، الشارِعُ فيه بحيث لم يَصِلْ إِلى مرتبة الشيخ. (المُحَدِّث): مَنْ عرفَ رجال الرواية والمرويَّ في الذي حدَّث به. (الحافظ): مَنْ حَفِظَ مائة ألفِ حديثِ متنًا وإسنادًا، عالمًا بأحوال رواتها من تاريخ وفاةٍ وجَرْحٍ وتعديل. (الحُجَّة): مَنْ حَفِظَ ثلاثمائة ألف حديث متنًا وإِسنادًا كذلك. (الحاكم): مَنْ أحاط عِلْمُه بكُلِّ ما رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. (المُسْنِد) بكسر النون: هو مَنْ يروي الحديثَ بإسناده، سواءٌ كان عنده علمٌ به أو ليس له إلا مجردُ روايةٍ، وهو أدنى رُتْبَةً من الحافظ والمُحَدِّث، قال المُنَاويُّ: أخرج ابنُ أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" عن الزُّهْري أنه قال: لا يُولَدُ الحافظُ إلا في كُل أربعينَ سنة. اهـ منه. فائدة أخرى: والكتب المؤلَّفة في الحديث -أعني فَنَّ الرواية- تنقسم إلى خمسة أقسام: الأول: الجامع، وهو الكتاب الذي جُمعت فيه الأحاديث على ترتيب أبواب الفقه كالأمهات الست، أو على ترتيب الحروف الهجائية كجامع ابن الأثير. والثاني: المُسْنَد، وهو الكتاب الذي جمع فيه مسند كل صحابي على حدة، صحيحًا كان أو ضعيفًا، كمسند الإمام أحمد. والثالث: المُعْجَم، وهو الكتاب الذي ذكرت فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك، والغالب أن يكونوا مُرَتَّبِينَ على حروف الهجاء. ¬

_ (¬1) "شرح نخبة الفكر" (ص 2).

الفرق بين الحديث والسنة والخبر والأثر

والرابع: المَشْيَخةُ -بفتح الميم وسكون الشين وكسرها- وهو الكتاب الذي يشتمل على ذكرِ الشيوخ الذين لَقِيهم المؤلف وأخذ عنهم، أو أجازوه وإِن لم يَلْقَهم. والخامس: الجزء، وهو الكتاب الذي دُوِّن فيه حديث شخص واحد، أو مادة واحدة من أحاديث جماعة، ويُسَمَّى الجزءُ أيضًا بـ (الفائدة)، أفاده هامش "التدريب" (1/ 40 - 41). الفرق بين الحديث والسُّنَّة والخَبَر والأثر: أمَّا الحديث: فهو لغةً: ضِدُّ القديم، وأمَّا اصطلاحًا: فقد تَقَدَّمَ لكَ بيانُه وأنه ينقسمُ إِلى قسمين. وأمَّا السُّنَّة: فهي لغةً: الطريقةُ، واصطلاحًا: ما أُضِيفَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، فهي على هذا مرادفة للحديث بالمعنى المتقدّم. وقيل: الحديثُ خاصٌّ بقولهِ وفعلهِ، والسُّنَّةُ عامَّةٌ. وأمَّا الخبر: فهو لغةً: ضِدُّ الإِنشاء، واصطلاحًا: قيل: هو مرادفٌ للحديث بمعناه الاصطلاحي، وقيل: الحديثُ: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخبرُ: ما جاء عن غيره، ومِنْ ثَمَّ قيل لمن يشتغل بالحديث: مُحَدِّثٌ، وبالتواريخِ ونحوها: أَخْباريٌّ (¬1). وقيل: الحديثُ أَخَصُّ من الخبر، فكُلُّ حديثٍ خبرٌ ولا عكس. ¬

_ (¬1) قال السيوطي: (قولُهم: "أَخباريٌّ" عَدَّه ابنُ هشام من لحن العلماء، وقال: الصوابُ "الخَبَرِيّ" أي: لأن النِّسْبةَ إلى الجَمْع تُرَدُّ إلى الواحد، كما تقرَّر في علم التصريف، تقول في الفرائض: فَرَضِيٌّ. ونُكْتتُه: أَن المَرادَ النِّسْبةُ إلى هذا النوع، وخصوصيةُ الجمع مُلْغاةٌ، مع أنها مؤدّية إِلى الثقل). "تدريب الراوي" (2/ 208). قلتُ: وابن هشام هو محمد بن أحمد بن هشام اللخمي الأندلسي، وهذا النصّ من كتابه "المدخل إِلى تقويم اللسان وتعليم البيان" (ص 146 و 226).

وأمَّا "الأثَر: فهو لغةً: بقيةُ الدارِ المتهدِّمةِ ونحوها، واصطلاحًا: قيل: مرادفٌ للحديث كما قال النوويُّ (¬1): إِن المُحَدِّثين يُسَمُّونَ المرفوعَ والموقوفَ بالأثَر، ولهذا يُسَمى المُحَدِّثُ أَثَريًّا. وقال فقهاءُ خُراسان: الخبرُ: هو المرفوع، والأثَرُ: هو الموقوف. فلمَّا كان قولُ الصحابي بَقِيّةً من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان أصلُ الإِخبارِ إِنما هو عنه صلى الله عليه وسلم .. ناسب أن يُسَمَّى قولُ الصحابى: أثرًا، وقولُ المصطفى صلى الله عليه وسلم خبرًا. اهـ "لقط الدرر". *** ¬

_ (¬1) في "إرشاد طُلّاب الحقائق" (ص 76). وقال رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مسلم" (1/ 63): ) أمَّا قولُ مسلمٍ: "الأثَرُ: المشهورُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، .. فهو جارٍ على المذهب المختار الذي قاله المحدِّثون وغيرُهم، فاصطلح عليه السلفُ وجماهيرُ الخلف، وهو أَن الأثَرَ يُطلَقُ على المَرْويِّ مطلقًا، سواءٌ كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي. وقال الفقهاءُ الخُراسانيّون: الأثر: هو ما يُضاف إلى الصحابي موقوفًا عليه، والله أعلم).

المقدمة الرابعة في أسانيدي إلى الحافظ الإمام مسلم رحمه الله تعالى

المقدمة الرابعة في أسانيدي إلى الحافظ الإِمام مسلم رحمه الله تعالى ولي أسانيدُ عديدةٌ إِلى المؤلف، النازلُ منها إِلى أربع وعشرين واسطة، والعالي منها إِلى تسع وسائط، والمتوسِّطُ منها كثيرٌ منها إِلى خمس عشرة واسطة، ومنها إِلى ثماني عشرة واسطة، ومنها إِلى غير ذلك، ونذكر هنا سَنَدَينِ خوفًا من الإِطالة. الأول منها: ما ذكرته بقولي: الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ الأسانيدَ من خواصّ هذه الأُمَّة، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا ونبيِّنا وإمامنا وقدوتنا مُحَمَّدٍ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإِحسانٍ إِلى يوم الدين. أمَّا بعدُ: فيقولُ العبدُ الفقيرُ خويدمُ العلمِ في دار الحديث الخيرية -بمكة المكرمة نحو عشرين سنة، وفي الحبشة نحو سبع وعشرين سنة- محمدُ الأمينُ بن عبد الله الهرري ثم المكي: أروي الجامع الصحيح للإِمام الحافظ حُجَّة الإِسلام مسلم بن الحَجَّاج عن الشيخ المُسْنِد محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (1)، عن الشيخ المُعَمَّر جمعان بن سامون الجاوي الأندنوسي (2)، عن الشيخ نووي بن عمر الأندنوسي المكي (3)، عن الشيخ عبد الصمد بن عبد الرحمن الفلمباني الأندنوسي (4)، عن الشيخ محمد بن عثمان العقيلي الحلبي (5)، عن خليل بن علي المرادي (6)، عن محمد بن فضل الله الدمشقي (7)، عن أبي إِسحاق إِبراهيم بن سليمان نزيل دمشق (8)، عن الفقيه خير الدين بن أحمد العليمي الفارقي الرملي (9)، عن أحمد بن محمد الأمين بن عبد العال الحسيني الدمشقي (10)، عن أبيه (11)، عن الزين القاضي زكرياء بن محمد الأنصاري (12)، عن الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حَجَر العَسْقَلاني (13)، عن أبي إِسحاق إِبراهيم بن أحمد التنوخي المعروف بالبُرْهان الشامي (14)، عن المُسْنِد المُعَمَّر أحمد بن أبي طالب الحجَّار (15)، عن الأنجب بن أبي السعادات الحِمَّاني (16)، قال: أخبرنا أبو الفرج مسعود بن الحسن الثقفي (17)، عن الحافظ عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن مَنْدَه

(18)، عن الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي الشيباني (19)، عن أبي الحسن مكي بن عبدان التميمي النيسابوري وأبي حامد أحمد بن محمد بن الحسن المعروف بابن الشرقي (25)، كلاهما عن مؤلِّفه الحافظ مسلم بن الحَجَّاج القُشَيري النيسابوري قال: حدثنا قُتَيْبَة بن سعيدٍ (1)، قال: حَدَّثَنَا أبو عَوَانة (2)، عن زياد بن عِلاقة (3)، عن المغيرة بن شُعْبة (4): أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى حتى انْتفَخَتْ قدماه، فقيل له: أتكلف هذا وقد غُفِرَ لك ما تَقَدَّمَ من ذَنْبكَ وما تأَخَّرَ؟ ! قال: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا". فعلى هذا السَّنَدِ: يكون بيني وبين مسلم عشرون واسطة، وبيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمس وعشرون واسطة، وهذا السند من الأسانيد النازلة عندي. والثاني منهما: ما ذكرتُه بقولي: وأروي أيضًا هذا الجامع عن المحدِّث الفقيه الشيخ أحمد بن إِبراهيم الهرري (1)، قراءةً عليه عن الشيخ المعمَّر الكبير عبد الله بن آدم الهرري (2)، عن الشيخ عَلي شَنْدَا اليماني (3)، عن الشيخ إِبراهيم البيجوري (4)، عن الشيخ عبد الله الشرقاوي (5)، عن الشيخ محمد بن سالم الحفني (6)، عن الشيخ عبد العزيز الزيادي (7)، عن الشيخ محمد بن العلاء البابلي (8)، عن الشيخ سالم بن محمد السَّنْهُوري (9)، عن الشيخ محمد بن أحمد الغَيْطي (15)، عن القاضي زكرياء بن محمد الأنصاري (11)، عن الشيخ رضوان بن محمد العقبي (12)، عن محمد بن محمد المعروف بالكُوَيك (13)، عن عبد الرحمن بن عبد الحميد المقدسي (14)، عن أبي العباس أحمد بن عبد الدائم النابلسي (15)، عن محمد بن علي الحراني (16)، عن محمد بن فضل الفراوي (17)، عن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي (18)، عن محمد بن عيسى الجلودي (¬1) (19)، عن أبي ¬

_ (¬1) قوله: (الجلودي) بضم الجيم نسبة لسكة الجلود بين نيسابور الدارسة، وقيل بفتحها نسبة لجلودا اسم قرية فيها.

إِسحاق إِبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد المروزي (20)، عن جامعه الإمام الحافظ مسلم بن الحَجَّاج القُشَيري رحمه الله تعالى. فعَلَى هذا السَّنَدِ: يكون بيني وبين الإِمام مسلم عشرون واسطة، وهذا السند وكذا السند الذي بيني وبين المؤلف خمس عشرة واسطة من الأسانيد المتوسّطة مما يُوجَدُ عندي من أسانيده. وعندي من الأسانيد العالية ما يكون فيها بيني وبين الإمام مسلم تسعُ وسائط فما فوقها، ومن الأسانيد النازلة ما يكون فيها بيني وبين الإِمام مسلمٍ ثلاث وعشرون واسطةً فأكثر، فاقتصرتُ هنا على هذين السندين؛ لأنَّ خيرَ الأمورِ أوسطُها. وأعلى ما وقع له في جامعه الرباعيات كما مرَّ مثالهُ آنفًا، وليس لهُ حديثٌ ثلاثيٌّ، وقد أفرد بعضُ العلماءِ رباعياته في مُؤَلَّفٍ خاصٍّ به، وسنشيرُ إِليها إِنْ شاء الله تعالى في داخل الكتاب في مواضعها؛ لنجمعها في كتابِ مُؤَلَّفٍ بعد فراغنا من هذا الشرح بعون الله تعالى. ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهاج والرَّوْض البهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والآن نشرع في المقصود فنقول: وبالسندَينِ المذكورينِ وبغيرهما ممَّا هو مُدَوَّن عندي قال الإِمام الحافظ أبو الحُسَين مسلم بن الحَجَّاج القُشَيري النيسابوري رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) بَدَأَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى "جامعَه" بالبسملة ابتداءً حقيقيًّا، وهو الذي لم يُسْبَقْ بشيءٍ ما؛ اقتداءً بالقرآن العزيز في ابتدائه بها كسائر الكتب المنزلَة من السماء، كما يَشْهَدُ لذلك قولهُ صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة كل كتاب" (¬1). ولذلك جَرَى بعضُهم على أنها ليستْ من خصوصيات هذه الأمة، وعملًا بخبرِ؛ "كُلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم .. فهو أقطع" رواه الخطيب البغدادي، وعبد القادر الرهاوي (¬2). فالكلام على التشبيه البليغ؛ أَي: فهو كالأقطع الذي قُطع منه الأطراف. والمعنى: مُنْقَطِعُ البركةِ وقليلُ النَّفْعِ؛ فإِنه وإنْ تَمَّ حِسًّا .. فلا يَتِمُّ في المعنى. ولا يُعَارَضُ هذا الخبرُ المذكورُ بخبرِ: "كُلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيهِ بالحمدُ للهِ .. فهوَ أَقْطَع" (¬3)؛ لأن الابتداء نوعان: ¬

_ (¬1) أخرجه الخطيب البغدادي في كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/ 194)، عن أبي جعفر محمد بن علي، وهو مُعْضَل كما في "فيض القدير" للمناوي (3/ 191) نقلًا عن الحافظ السيوطي، وفيهما: "مفتاح" بدل: "فاتحة". (¬2) قال الحافظ السخاوي: (هذا حديث غريب أخرجه الخطيب في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1232)، ومن طريقه أخرجه الرهاوي في خطبة "الأربعين" له، وقال الحافظ: في سنده ضعف، وسقط بعض رواته). انظر "الفتوحات الربانية" (3/ 290)، و "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (1/ 12)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 43)، و"إِتحاف السادة المتقين" (3/ 466)، و "الفتاوى الحديثية" للسخاوي حديث رقم (48). (¬3) رواه أبو داود في "سننه" (5/ 172) في كتاب الأدب (21 - باب الهَدْي في الكلام) حديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حقيقيٌّ: وهو الابتداء بما تقدّم أمام المقصود ولم يسبقه شيء. وإضافيٌّ: وهو الابتداء بما تقدّم أمام المقصود وإنْ سَبَقَه شيءٌ. فيُحمل حديثُ البسملةِ على الحقيقيِّ، وحديثُ الحمدلةِ على الإِضافيِّ، ولم يعكس؛ تأسّيًا بالكتاب العزيز وعملًا بالإِجماع. ¬

_ = رقم (4840)، والنَّسائيُّ " عمل اليوم والليلة" حديث رقم (494 - 496)، وابنُ ماجه في "سننه" (1/ 610) في كتاب النكاح (19 - باب خطبة النكاح) حديث رقم (1894)، وابنُ حِبَّان في "صحيحه" كما في "الإحسان" (1/ 173 - 175) حديث رقم (1 - 2)، وأبو عوانة في "مسنده" كما في "إِتحاف المهرة" (16/ 72) حديث رقم (20404)، والدارقطنيُّ في "سننه" (1/ 229) في أول كتاب الصلاة، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" (3/ 208 - 209)، والخليليُّ في "الإِرشاد" (1/ 448)، وابنُ الأعرابي في "معجمه" (1/ 381) حديث رقم (361)، والسبكيُّ في "طبقات الشافعية الكبرى" (1/ 5 - 8)؛ كُلُّهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظُ أكثرهم: "كُلُّ أَمْرٍ ذي بالِ لا يُبْدَأُ فيهِ بالحمدُ لله أقطعُ"، من غيرِ إِدخال الفاءِ على خبر المبتدإ، وعند ابن ماجه: "بالحمدِ"، وعند أبي داود: "فهو أجذم"، وعند النسائي والخليلي وابن حبَّان في الرواية الأولى وابن الأعرابي: "فهو أقطع". قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى: (رُوّينا هذه الألفاظ كُلّها في كتاب "الأربعين" للحافظ عبد القادر الرهاوي، وهو حديثٌ حَسَنٌ، وقد رُوي موصولًا ومرسلًا، وروايةُ الموصولِ إسنادها جيد). انظر "الفتوحات الربانية" (3/ 290 - 291)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 43)، و"إِتحاف السادة المتقين" (3/ 466). وقال الحافظ السخاوى: (وهذا الحديث تَبعَ ابنَ الصلاح على تحسينه الإمامُ النوويُّ في "أذكاره"، وشيخُ شيوخِنا العراقيُّ، وادَّعَى بعضُهم الصحَّة. اهـ قال ابن علان: غَفَلَ عن ذِكر شيخه الحافظ ابن حجر فيمن حَسَّنه) "الفتوحات الربانية" (3/ 288) و"الفتاوى الحديثية" حديث رقم (48). وقد تتبع الإمام ابنُ السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (1/ 5 - 24) طرق هذا الحديث، واختلاف ألفاظه ورواياته ورواته، وشرح ألفاظه، واختصره الإمام الزبيديُّ في (إِتحاف السادة المتقين" (3/ 466 - 467)، وابنُ علّان في "الفتوحات الربانية" (3/ 287 - 292) مع زيادات وإضافات، فانظره إِذا شئت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعض الشُّرَّاح: والدليلُ على كون المؤلف قال البسملةَ. . نَقْلُ الثقات؛ فإنهم نَقَلُوا أنها مكتوبة بخطه في أول المتن، والغالبُ أَنَّ مَنْ كتَبَ شيئًا يَتَلَفَّظُ به خصوصًا مع النَّظَرِ لجلالة المؤلِّف رحمه الله تعالى، فحاشاه أنْ لا يعملَ بما رُويَ من قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذا كتبتم كتابًا. . فاكتبوا في أوله: بسم الله الرحمن الرحيم، وإِذا كتبتموها. . فاقرؤوها" (¬1). وجاء في الحثّ على تجويدِ البسملة وتحسينِ خَطِّها أحاديثُ، منها ما رُويَ أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاويةَ كاتبِ وَحْيِه: "يا معاوية؛ أَلقِ الدواة، وحَرِّف القلم، وانصب الباء، وفرّق السين -أي: فَرِّقْ أسنانَها- ولا تُعَوِّر الميم، وحَسِّن الله، ومُدَّ الرحمن، وجَوِّد الرحيم، وضَعْ قلمَك على أُذنك اليسرى؛ فإنه أذكرُ لك" (¬2). قال العلّامة البيجوري: (واعْلَمْ أَن البسملَة تُسَنُّ على كُلِّ أمرٍ ذي بالٍ -أي: ذي حالٍ- وشأنٍ عظيمٍ بحيث يهتمّ به شرعًا؛ للحديث المارّ، وتحرم على المحرَّم لذاته كشرب الخمر، وتكره على المكروه لذاته كنظره لفرج زوجته، بخلاف المُحَرِّم لعارضٍ كالوضوء بماءٍ مغصوبٍ والمكروهِ لعارضٍ كأكل البصل؛ فتُسَنُّ عليهما، وتَجِبُ في الصلاة عند الشافعية؛ لأنها آيةٌ من الفاتحة عندهم، فتعتريها أحكامٌ أربعة. وبقيت الإِباحة، وقيل: إِنها تُباح في المباحات التي لا شرف فيها كنَقْلِ متاعٍ من مكانٍ إِلى آخر، فعلى هذا: تعتريها الأحكامُ الخمسة) اهـ (¬3) وأراد المؤلفُ رحمه الله أن يبتدئ ثانيًا بالحمدلة ابتداءً نسبيا -وهو الذي لم يسبق بشيءٍ من المقصود- تأسّيًا بالقرآن الكريم، وعملًا بما رواه أبو داود والنسائي -وحَسَّنَه ¬

_ (¬1) أورده العلّامة محمد بن علي الصبّان في "الرسالة الكبرى في البسملة" (ص 37) بغير إِسناد. (¬2) أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" كما في "الدّر المنثور" (1/ 10)، و"كنز العمال" (10/ 314) حديث رقم (29566). (¬3) "حاشية البيجوري على ابن قاسم" (1/ 2).

الْحَمْدُ للهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابنُ الصلاح- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ كلامٍ لا يُبْدَأُ فيهِ بحمدِ اللهِ. . فهو أجذم"، وفي رواية ابن ماجه: "لا يُبْدَأُ بالحمدِ أقطع"، ورُوي: "بذكرِ اللهِ" (¬1)، فقال: (الحمدُ) والحمدُ لغةً: الثناءُ باللسان على الجميل الاختياري، سواء كان في مقابلة نعمةٍ أم لا، وعُرْفًا: فعلٌ يُنْبِيءُ؛ أي: يَدُلُّ على تعظيمِ المُنْعِم بسبب كونهِ مُنْعِمًا، سواء كان قولًا باللسان بأنْ يُثْني عليه بها، أو اعتقادًا بالجَنان بأن يعتقد اتّصافَه بصفات الكمال، أو عملًا وخدمةً بالأركان والأعضاء بأن يجهد نفسَه في طاعته، فموردُ العرفي -أي: محلّه- عامٌ، ومُتَعَلَّقهُ -أي: سببُه الباعثُ عليهِ وهو النعمة- خَاصٌّ. قال بعضهم: أفادْتكمُ النعماءُ مني ثلاثةً ... يَدِي ولسانِي والضميرَ المُحَجَّبا أي: جنس الاتصاف بجميع الكمالات في الذات والصفات والأفعال مستحقّ (للهِ) سبحانه وتعالى، ولم يعطف جملة الحمدلة على جملة البسملة إِشارةً إِلى استقلالِ كُلٍّ منهما في حصول التبرُّك به؛ أي: الحمد بأقسامه الأربعة، التي هي: حمدُ قديمٍ لقديمٍ وهو حمدُ اللهِ تعالى نفسه بنفسه أزلًا؛ كقوله: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}. وحمدُ قديم لحادثٍ، وهو حمدُ اللهِ تعالى لعباده؛ أي: لأنبيائه وأوليائه؛ كقوله في نبينا صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. ¬

_ (¬1) رواه الإِمام أحمد في "مسنده" (2/ 359) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، ومن طريقه أورده السبكيُّ في "طبقات الشافعية الكبرى" (1/ 15 - 16)، والسخاويُّ في "الفتاوى الحديثية" رقم (48) بلفظ: "كُلُّ كلامٍ أو أَمْرٍ ذِي بالٍ لا يُفتح بذِكْرِ الله. . فهو أبتر" أو قال: "أقطع"، ورواه الدارقطني في "سننه" (1/ 229) في أول كَتاب الصلاة بلفظ: "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بالٍ لا يُبدأ فيه بذِكْرِ اللهِ أقطع"، ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" برقم (497) مرسلًا عن الزهري بلفظ: "كُلُّ كلامٍ لا يُبدأ في أوله بذِكْرِ اللهِ. . فهوَ أبتر".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمدُ حادثٍ لحادثٍ، وهوَ حمدُ العبادِ بعضِهم لبعضٍ؛ كقول النبيِ صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكرٍ الصّدّيق: "ما طَلَعَتِ الشمسُ من بعدي ولا غرَبَتْ على رجلٍ أفضلَ من أبي بكرٍ الصّدّيق" (¬1) وكذلك قال في عُمَرَ ما قال (¬2). ¬

_ (¬1) هذا الحديث روي بألفاظ متقاربة من طريق ابن جُرَيج عن عطاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمشي أمام أبي بكر، فقال: "يا أبا الدرداء؛ أتمشي أمام مَنْ هو خيرٌ منك في الدنيا والآخرة؟ ! ما طلعت الشمسُ ولا غربت على أحدٍ بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر". أخرجه الإِمام عبد الله بن أحمد بن حنبل في "كتاب فضائل الصحابة" برقم (135) و (137) و (662)، وابنُ أبي عاصم في "كتاب السنَّة" (ص 562) حديث رقم (1224)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 325) وقال: (غريبٌ من حديث عطاءِ عن أبي الدرداء، تفرَّد به عنه ابنُ جُرَيج، ورواه عنه بقِيَّةُ بن الوليد وغيرهُ عن ابن جُرَيج)، والطبرانيُّ كما في "مجمع الزوائد" (9/ 44) (باب جامع في فضل أبي بكر الصدِّيق)، وقال الهيثميُّ: (وفيه بقِيَّةُ وهو مُدَلِّسٌ، وبقيةُ رجالهِ وُثِّقوا)، وابنُ عساكر وابنُ النجار وأبو نعيم في "فضائل الصحابة" كما في "كنز العمال" (11/ 556 - 557) حديث (326220 - 32622). وأخرجه الحافظ الطبراني أيضًا في "المعجم الأوسط" (8/ 150 - 151) حديث رقم (7302) من طريق إِسماعيل بن يحيى التيمي، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء يمشي بين يَدَي أبي بكر الصدِّيق فقال: "يا أبا الدرداء؛ تمشي قُدَّامَ رجلِ لم تطلُع الشمسُ بعد النبيين على رجل أفضل منه؟ ! " فما رُئِيَ أبو الدرداء بعد ذلك يمشي إلا خلفَ أبي بكر. لم يَرْو هذا الحديث عن ابن جُرَيج عن عطاءٍ عن جابرٍ إلا إِسماعيلُ بن يحيى، تَفَرَّدَ به رُويم بن يَزيد المقرئ، ورواه غيرهُ عن ابن جُريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء. (¬2) رواه الترمذي في "سننه" في كتاب المناقب (18 - باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه) حديث رقم (3684): عن محمد بن المثنى، عن عبد الله بن داود الواسطي أبي محمد، عن عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال عُمر لأبي بكر: يا خيرَ الناس بعد رسول الله، فقال أبو بكر: أَمَا إِنك إِنْ قلت ذاك. . فلقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما طلعت الشمسُ على رجلٍ خير من عُمر". قال الترمذي: (هذا حديث غريبٌ لا نَعْرِفُه إلا من هذا الوجه، وليس إِسنادُه بذاك). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمدُ حادثٍ لقديم، وهو حمدُنا لله سبحانه وتعالى. وأل في (الحمد) إِمَّا للاستغراق أو للجنس أو للعهد، واللام في (لله) إِمَّا للاستحقاق أو للاختصاص أو للملك، فيتحصَّل من ذلك احتمالات تسعة قائمة من ضَرْبِ ثلاثةٍ في ثلاثةٍ. والأَوْلَى منها: أن تكون أل للجنس واللامُ للاختصاص، فالمعنى حينئذٍ: جنسُ الحمد مختصٌّ لله، ويلزم من اختصاص الجنس اختصاص الأفراد؛ إِذْ لو خرج فردٌ منها لغيره تعالى. . لخرج الجنس في ضمنه، فهو في قوة أن يدعي أَنَّ الأفراد مختصة بالله بدليل اختصاص الجنس به، فهو كدعوى الشيء ببينةٍ، فالدعوى: هي اختصاصُ الأفراد، والبيّنةُ: هي اختصاصُ الجنس (¬1). ويمتنع منها واحدٌ، وهو جَعْلُ اللام للملك مع جَعْلِ أل للعهد إِذا جعل المعهود الحَمْدَ القديمَ فقط؛ لأن القديم لا يُمْلَكُ، فتضرب هذه الاحتمالاتُ التسعةُ في أقسام الحمد الأربعةِ بستٍّ وثلاثين، والأَوْلَى منها أربعةٌ، والممتنعُ أربعةٌ أيضًا، والجائزُ ثمانيةٌ وعشرون. وأركانُ الحمدِ خمسةٌ: حامدٌ، ومحمودٌ، ومحمودٌ به، ومحمودٌ عليه، وصيغةٌ، فإذا قلت: زيدٌ عالمٌ لكونه كرمك: فأنت حامدٌ، وزيدٌ محمودٌ، والعلم محمودٌ به، والكرم محمود عليه، والصيغةُ هي قولك: زيدٌ عالمٌ (¬2) فتضرب هذه الخمسةُ في الستة والثلاثين بمائة وثمانين، والممتنعُ منها عشرون، والأَوْلَى أيضًا عشرون، والجائزُ مائة وأربعون. وعلى كُلٍّ منها: فالجملةُ إِمَّا خبريةٌ لفظًا إِنشائيةٌ معنىً، أو خبريةٌ لفظًا ومعنىً، ¬

_ = ورواه الحاكم في "المستدرك" (3/ 90) في كتاب معرفة الصحابة من طريق عبد الله بن داود الواسطي. قال الحافظ الذهبي: (عبد الله بن داود ضَعَّفُوه، وعبد الرحمن مُتكَلَّمٌ فيه، والحديث شِبْه موضوع). وانظر "فيض القدير" للحافظ المناوي (5/ 454). (¬1) "حاشية البيجوري على ابن قاسم" (1/ 12). (¬2) "حاشية البيجوري على ابن قاسم" (1/ 12).

رَبِّ الْعَالمِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فتَضْرِبُ هاتين الصورتين في الحاصلِ يتخرَّج بثلاثمائة وستين، فالممتنعُ منها أربعون، وكذا الأَوْلى أربعون، والجائزُ منها مئتان وثمانون. وقال ابن الأنباري: الحمدُ مقلوب المدح، والمعنى: الحمدُ بأقسامهِ الأربعةِ مستحقٌّ لله سبحانه وتعالى، أو مختصٌّ به، أو مملوكٌ له تعالى. تنبيه: وقَرَنَ الحمد بالجلالة الدالَّةِ على استجماعهِ تعالى لصفات الكمال، واستحقاقهِ الحمدَ لذاته؛ لئلا يُتوهّمَ اختصاصه بصفةٍ دون أخرى، لأن تعليقَ الحكم بمشتق يُؤْذِنُ بعلِّيَّة ما منه الاشتقاقُ. وآثَرَ -كغيره- كلمةَ الحمدِ على الشُّكْرِ؛ لأن الحمدَ يَعُمُّ الفضائلَ، وهي الصفاتُ التي لا يَتَعَدَّى أثَرُها للغير، كالحُسْنِ والعلمِ والشجاعةِ، والفواضلَ وهي الصفاتُ المتعدية للغير كالكَرَم، والشكر يختص بالأخيرة. ولفظُ الجلالةِ: عَلَمٌ على الذات الواجب الوجود، الموصوف بجميع صفات الكمال، وهو أعرفُ المعارفِ على الإِطلاق، والمشهورُ: أَنَّ جملةَ الحمدلةِ خبريةٌ لفظًا إِنشائيةٌ معنىً، ويَصِحُّ أن تكون خبريةً لفظًا ومعنىً؛ لأنَّ الإِخبارَ بالحمد حَمْدٌ، فيحصلُ الحمدُ بها وإِنْ قَصَدَ بها الإخبار. (رَبِّ العالمين) أي: مالكِ جميعِ الخَلْقِ من الإِنس والجنّ والملائكة وغيرِهم، أو معبودِهم، أو جامعِهم، أو مُصْلِحِهِم مثلًا. قال البيجوري: (وأصلُ ربٍّ: رَابِبٌ؛ بناءً على أَنَّه اسمُ فاعل، فحُذفت الألفُ وأُدغمت الباءُ في الباء، ويَصِحُّ أن يكونَ صفةً مشبهةً فلا حذف، وهو من التربية، وهي تبليغُ الشيءِ حالًا فحالًا إِلى الحدّ الذي أراده المُربّي) (¬1). ويختصُّ المُحَلَّى بال وهو الربُّ بالله سبحانه، بخلاف المضاف لغير العاقل كما في قولهم: ربُّ الدار، وأمَّا المضافُ للعاقل. . فهو مختصٌّ به تعالى كما يَدُلُّ له ما ورد ¬

_ (¬1) المصدر السابق (1/ 13 - 14).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في "صحيح مسلم" (¬1): "لا يَقُلْ أحدُكم: ربّي، ولْيَقُلْ: سَيِّدِي مولاي" أي: لا يَقُلْ أحدُكم على غير الله تعالى: ربّي، بل سَيِّدِي ومولاي. ولا يَرِدُ قولُ نبي الله يوسف - عليه السلام -: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}؛ لأنَّ ذلك مختصٌّ بزمانه كالسُّجُودِ لغيره تعالى، فكان ذلك جائزًا في شريعته، وإِنما سُمِّي المالكُ بالربِّ؛ لأنه يُرَبّي ما يملكه. وقد أَتَى (الربُّ) لمعانٍ نَظَمَها بعضُهم في قوله: قريب محيط مالك ومدبر ... مربّ كثير الخير والمُول للنعم وخالقنا المعبود جابر كسرنا ... ومصلحنا والصاحب الثابت القِدَمْ وجامعنا والسيدُ احفظ فهذه ... مَعَانٍ أَتَتْ للربِّ فادْعُ لِمَنْ نَظَمْ رحمه الله تعالى. قوله: (العالمين) أصلُه من العلامة كما قال أبو عبيدة؛ لأنه ما مِنْ نوعٍ من العالم إلا وفيه علامةٌ على وجود خالقه، أو من العِلْم كما قاله غيرُه، فيَخْتَصُّ بأُولي العلم وهم الإِنسُ والجِنُّ والملائكة؛ لاختصاص العِلْم بهم، وهو بفتح اللام: اسمُ جمعٍ خاصٌّ بمَنْ يَعْقِلُ كما قال ابنُ مالك: أولو وعَالمُون عِلِّيُّونا ... وَأَرَضُونَ شَذَّ والسِّنُونا لا جمعٌ ومفردُه عالم بفتح اللام؛ لأنه اسم عامّ لِمَا سوى اللهِ تعالى (¬2)، والجمعُ خاصٌّ بمَنْ يَعْقِلُ، إذًا فهو اسمُ جمعٍ لا جَمْعٌ، والراجحُ: أنه شاملٌ للعاقلِ وغيرِه؛ تغليبًا للعاقل على غيره، أو تنزيلًا لغير العاقل منزلةَ العاقل. والتحقيقُ: أَن العالمين جمعٌ لعالمٍ لاسمُ جَمْعٍ له؛ لأنه كما يُطلق على ما سوى الله .. يُطلق على كُلِّ جنسٍ وعلى كُل نوعٍ وصِنْفٍ فيُقال: عالم الإنس وعالم الجنّ وعالم ¬

_ (¬1) في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها (3 - باب حكم إِطلاق لفظ العبد والأَمَة والمولى والسيد) حديث رقم (2249/ 15). (¬2) قال الإِمام النووي: (والمختار عند الجماهير من أصحاب التفسير والأصول وغيرهم: أَنَّ العالمَ اسمٌ للمخلوقاتِ كُلِّها، والله أعلم). "شرح صحيح مسلم" (1/ 43).

وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الملك، وبهذا الإِطلاق يَصِحُّ جمعُه على عالمين، لكنه جَمْعٌ لم يستوف الشُّروطَ؛ لأنه يشترط في المفرد: أن يكون عَلَمًا أو صفةً، وعالمٌ ليس بعَلمٍ ولا صفةٍ، بل قيل: إنه جمع استوفى الشروط؛ لأن العالم في معنى الصِّفة، لأنه علامة على وجود خالقه. واحترزنا بقولنا؛ (بفتح اللام) عن العالِمين بكسر اللام؛ لأنه جمع عالِمٍ بالكسر أيضًا، وليس مرادًا هنا. فائدة: والفرق بين اسمِ الجمع والجمع، واسمِ الجنس الإِفراديّ واسم الجنس الجَمْعِيّ، أَنَّ اسمَ الجَمْعِ: ما دَلَّ على الجماعة كدلالةِ المُرَكَّب على أجزائه كقَوْمٍ ورَهْطٍ، وأمَّا الجمعُ: فهو ما دَلَّ على الآحادِ المجتمعةِ كدلالة تكرار الواحد بحرف العطف كالزيدِين في (جاء الزيدون)؛ فإنه في قوة (جاء زيدٌ وزيدٌ وزيدٌ). واسمُ الجنس الإِفراديّ: ما دَلَّ على الماهية بلا قيدٍ؛ أي: مِنْ غير دلالةٍ على قِلَّةٍ أو كثرةٍ كماءٍ وترابٍ. واسمُ الجنس الجمعيّ: ما دلَّ على الماهية بقيد الجمعية كثَمَرٍ. اهـ وقولُه: (والعاقبةُ للمتقين) ساقطٌ في نُسَخ أكثر الشُّرَّاحِ كالأُبّي والسنوسي؛ أي: والجزاءُ الحَسَنُ مستحقٌّ للممتثلِين، أي: والجزاءُ الحَسَنُ مستحقٌّ للممتثلين أوامرَه تعالى والمُجْتَنِبين نواهيَه. و(العاقبةُ): مصدرٌ لِعَقَب الثُّلاثيِّ من بابَي ضَرَب ونصر، يُجْمَعُ على عواقب، و (المتقين): جمعُ سلامةٍ للمُتقِي اسمِ فاعلٍ من التقوى، وهي امتثالُ المأمورات واجتنابُ المنهيات. وقولهُ هذا مقتبسٌ من الكتاب العزيز تبرُّكًا به، والاقتباسُ عند البديعيين: أن يُضَمِّنَ المتكلِّمُ كلامَه شيئًا من القرآن أو الحديث لا على أنه منه. (وصَلَّى اللهُ على مُحَمَّدٍ) وثَلَّثَ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ إِذْ ذاك عادة العلماء في تآليفهم. قال بعضُهم: وإِثباتُ الصلاةِ والسلامِ في صدر الكُتُب والرسائل حَدَث في زمن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولاية بني هاشم، ثم مَضَى العملُ على استحبابه، ومن العلماء مَنْ يَخْتِمُ كتابَه بهما أيضًا فيَجْمَعُ بين الصلاتَينِ رجاءً لقبول ما بينهما؛ فإنَّ الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة ليست مردودةً، واللهُ أكرمُ من أنْ يَقْبَلَ الصلاتَينِ وَيرُدَّ ما بينهما. اهـ "بيجوري على ابن قاسم" (1/ 15). وإِنما ثَلَّثَ بها لما رُويَ في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} عن مجاهدٍ قال: (لا أُذْكَرُ إلا ذُكِرْتَ معي: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ) (¬1). قال النوويُّ: (ورُوِّينا هذا التفسير مرفوعًا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل - عليه السلام -، عن ربِّ العالمين). اهـ (¬2) وقد بَقِيَ على الإِمام مسلم رحمه الله تعالى أنْ يَشْفَعَ الصلاةَ بالتسليم عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أَمَرَ بها في كتابه العزيز. قال البيجوري: (ولَعَلَّهُ تَرَكَ السلامَ لكونهِ من المتقدِّمين الذين لا يَرَوْن كراهةَ الإِفراد، وهُمْ -وكذا السلفُ-: مَنْ كانوا قبلَ أربعمائة من الهجرة، والمتأخرون -وكذا الخَلَفُ-: مَنْ كانوا بعدها) (¬3). ورَجَّحَ النوويُّ ومَنْ تَبعَه من المتأخرين كراهةَ الإِفراد بشروطٍ ثلاثةٍ: الأول: أن يكون مِنَّا، بخلاف ما إِذا كان منه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه حَقُّه. ¬

_ (¬1) رواه الإِمام الشافعي في "الرسالة" (ص 16) عن ابن عُيَينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ به، ونقله عنه الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 43 - 44)، والسبكيُّ في "طبقات الشافعية الكبرى" (1/ 151)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 209) في كتاب الجمعة (باب ما يُستدلُّ به على وجوب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة) وزاد: ويُذكر عن محمد بن كعب القرظي مثل ذلك. (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 44)، وقال العلّامة السبكي: (في كتاب الترغيب والترهيب). "طبقات الشافعية الكبرى" (1/ 151). (¬3) "حاشية البيجوري" (1/ 14 - 16)، وانظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 44)، و"الفتوحات الربانية" (3/ 331)، و"مقدمة ابن الصلاح" (ص 168) النوع الخامس والعشرون، و"فتح المغيث" (2/ 163 - 164) (مبحث كتابة الحديث وضبطه)، و"فتح الملهم بشرح صحيح مسلم" (1/ 110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أن يكون في غير الوارد، أمَّا فيه. . فلا يُكره الإِفراد. الثالث: أن يكون من غير داخل الحجرة الشريفة، أمَّا هو. . فيقتصر على السلام بأن يقول بأدبٍ وخشوعٍ: السلامُ عليك يا رسول الله، فلا يُكره في حقِّه الإِفراد. وأتى بالعاطف هنا؛ إِشارةً إِلى عدم الاستقلال، وإِنما يظهر العطفُ إِذا جعلنا كُلًّا من الجملتَين خبريةً لفظا إِنشائيةً معنىً، بخلاف ما لو جُعلت جملةُ الحمدلةِ خبريةً لفظا ومعنىً، وجملةُ الصلاةِ خبريةً لفظًا إِنشائيةً معنىً، فإنَّ الصحيحَ عدمُ جوازِ عطفِ الإِنشاءِ على الإِخبار كعكسه، فتجعل الواو للاستئناف. والصلاةُ من الله: الرحمةُ المقرونةُ بالتعظيم، ومن الملائكة: الاستغفارُ، ومن غيرهم؛ التضرُّعُ والدعاء، ودَخَلَ في الغير جميعُ الحيوانات والجمادات؛ فإنه قد وَرَدَ: أنها صَلَّتْ وسَلَّمَتْ على سيِّدنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، كما صَرَّحَ به العلَّامةُ الحلبيُّ في "سيرته" كالعلامة الشَّنَواني في "شرح البسملة"، خلافًا لِمَنْ مَنَعَ ثبوتَ الصلاة من الحيوانات والجمادات، وعلى هذا: فهي من قبيل المشترك اشتراكًا لفظيًّا، وهو ما اتَّحَدَ لفظُه وتَعَدَّدَ معناه، كلفظ (عين)؛ فإنه وُضع للباصرةِ بوَضْعٍ وللجارية بوضعٍ وللذهب والفضة بوضعٍ وهكذا. واختار ابنُ هشام في "مغنيه" (2/ 607) أَنَّ معناها واحدٌ، وهو العطف بفتح العين، لكنه يختلفُ باختلاف العاطف، فهو بالنسبة لله الرحمةُ، وبالنسبة للملائكة الاستغفارُ. . . إِلخ، وعلى هذا: فهي من قَبيل المشترك اشتراكًا معنويًّا، وهو ما اتَّحَدَ لفظُه ومعناه واشتركتْ فيه أفرادُه كأَسَدٍ؛ فإنَّ لفظَه واحدٌ ومعناه واحدٌ، وهو الحيوان المفترس واشتركتْ فيه أفرادُه. والسَّلامُ: هو السلامةُ من النقائص والآفات، ولكن المُرادَ هنا: التحيَّةُ الدائمةُ اللائقةُ به صلى الله عليه وسلم، وهو تأمينُه مما يَخَافُه على أُمَّته لا على نفسه؛ لأنه قد غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنْبِه وما تأخَّر. والمعنى: وأُنشئ الرحمةَ المقرونةَ بالتعظيم والتحيةَ الدائمةَ اللائقةَ به صلى الله عليه وسلم على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.

خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و(مُحَمَّدٌ) عَلَمٌ لا صفةٌ، منقولٌ لا مُرْتَجَل، من اسم مفعول حُمِّد المُضَعَّف العين. وضابطُ المنقولِ: هو الذي سَبَقَ لهُ استعماذ في غير العلمية ثم نُقِلَ إِليها، وضابطُ المُرْتَجَلِ: هو الذي لم يَسْبِقْ له استعمالٌ في غير العلميةِ، فالأول كمُحَمَّد، والثاني كسُعاد. وهو في الأصل: اسمُ مفعولٍ من حُمِّد المُضَعَّفِ العين المبنيِّ للمجهول، ومعناه: مَنْ كَثُرَ حَمْدُ الناسِ لهُ بكثرةِ خصالهِ الحميدة، فلذلك سُمِّيَ به نبيُّنا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم (¬1). وقد قيل لجدّه عبد المطلب -وقد سَمَّاه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها-: لِمَ سَمَّيتَ ابنَك مُحَمَّدًا وليس من أسماء آبائه ولا قومك؟ فقال: رَجَوْتُ أَنْ يُحْمَدَ في السماء والأرض. وقد حَقَّقَ اللهُ رجاءَه كما سَبَقَ في عِلْمِهِ. اهـ بزيادة ما بين الشرطتين. (خَاتَمِ النبيين) أي: آخرِهم بَعْثًا وشَبَحًا -أي: ذاتًا- وأولهم فَضْلًا وقُرْبا، فلا نبيَّ بعدَه بل ولا مَعَه؛ لقوله لعليٍّ رضي الله عنه: "أنتَ منِّي بمنزلة هارون من موسى إِلَّا أنه لا نَبِيَّ بعدي" أخرجه الشيخان (¬2). ¬

_ (¬1) قال الإِمام أبو العباس القرطبي: (ومُحَمَّدٌ: مُفَعَّل من الحمد، وهو الذي كَثُرَتْ خصالُه المحمودةُ، قال الشاعر: ......................... ... إِلى الماجدِ القَرْمِ الجوادِ المُحَمَّدِ ولمَّا لم يكن في الأنبياء ولا في الرُّسُل مَنْ له من الخصال المحمودة ما لنبيِّنا. . خَصَّهُ اللهُ من بينهم بهذا الاسم، كيف لا؟ ! وهو الذي يَحْمَدُه أهلُ المَحْشَر كُلُهم، وبيده لواءُ الحمدِ تحتَه آدمُ فمَنْ دونه) "المفهم" (1/ 87 - 88). (¬2) اللفظ المذكور أخرجه الإِمام مسلم في "صحيحه" (4/ 1870) في كتاب فضائل الصحابة (4 - باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه) حديث رقم (2404/ 30) عن سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأخرجه الإِمام مسلمٌ أيضًا في الموضع المذكور برقم (2404/ 31 - 32)، والبخاري في "صحيحه" (7/ 71) بشرح "فتح الباري" في كتاب=

وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إِذا قرأنا بكسر التاء، وأمَّا بفتحها. . فمعناه: أي الذي خُتِمُوا به، فهو صلى الله عليه وسلم كالخاتَم والطابَع لهم كما ذكرناه في "الهداية"، وهو نعتٌ لـ (مُحَمَّدٍ)، أو عطفُ بيانٍ له، أو بَدَلٌ منه. والنبيّون: جمع نبيٍّ جمع سلامة (¬1). (و) صلَّى اللهُ سبحانه (على جميعِ الأنبياء) أي: كُلِّهم، جمع نَبيّ جمع تكسير، وهو إِنسانٌ أُوحي إِليه بشرعٍ ولم يُؤْمَرْ بتبليغِه، وقيل: هو الذي يأمر بشرع مَنْ قبله كأنبياء بني إِسرائيل من بعد موسى إِلى عيسى. وعبارة "حدائق الروح والريحان" نقلًا عن "روح البيان": (والرسولُ: مَنْ جاء بشرعٍ جديدٍ كموسى وعيسى ومُحَمَّدٍ صلى الله عليهم وسلّم، والنبيُّ: مَنْ جاء لتقرير شرعٍ سابقٍ كأنبياء بني إِسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام) اهـ منه. وجملتهم: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، وفي رواية: مئتا ألف وأربعة وعشرون ألفًا على الراجح. (و) جميعِ (المُرْسَلِين) أي: كُلِّهم، جمع مُرْسَل بفتح السين جمع سلامة، وهو إِنسانٌ أُوحِيَ إِليه بشَرْعٍ وأُمِرَ بتبليغه، وقيل: هو مَنْ أُمِرَ بتبليغِ شرعٍ أُرْسِلَ به كموسى وعيسى عليهما السلام. ¬

_ = فضائل الصحابة (9 - باب مناقب عليِ بن أبي طالب رضي الله عنه) حديث رقم (3706) عن سَعْد بن أبي وقاص بلفظ: "أَمَا تَرْضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"، زاد مسلم: "غيرَ أنه لا نبيَّ بعدي". ورواه البخاريُّ أيضًا في كتاب المغازي (8/ 112) (78 - باب غزوة تبوك) حديث رقم (4416) بلفظ: "أَلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبيٌّ بعدي". (¬1) وقال الإِمام السنوسي: (قولُه: "خاتم النبيين" بفتح التاء وكسرها؛ أي: هو آخرهم فلا نبيَّ بعده. وإِنما قال: "خاتم النبيين" ولم يَقُل: المرسلين وإنْ كان خاتمًا لهم أيضًا؛ لِمَا عُلِم أَنَّ النبوةَ أعمُّ من الرسالة باعتبار البشر، ونَفْيُ الأَعَمِّ يستلزم نَفْيَ الأخصِّ، فَلزِمَ من كونه خاتَم النبيين. . بمعنى لا نبيَّ بعدَه-: أنه خاتم المرسلين أيضًا؛ أي: لا رسولَ بعده، بخلاف العكس، فلو ذَكَرَ المرسلين مع النبيين. لكان حَشْوًا). "مكمل إكمال الإِكمال" (1/ 3).

أَمَّا بَعْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملتهم: ثلاثمائة وثلاثة أو أربعة أو خمسة عشر على الخلاف، لكن الصحيح: عدمُ حَصْرِهم بعددٍ؛ لقوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ}. قال السنوسيُّ: (وعَطْفُ المرسلين على النبيين عطفُ خاصٍّ على عامٍّ للتشريف لهم، ويحتملُ أن يكون لإِدخال المرسلين من الملائكة كجبريل وميكائيل عليهما السلام؛ فإنَّ المَلَكَ يُقالُ فيه: رسولٌ؛ لقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} ولا يُقال فيه: نَبيٌّ؛ بناءً على أَنَّ بين النبي والرسول عمومًا وخصوصًا من وجه) اهـ (¬1) والتحقيق الأَول. ومعنى كونِ الملائكةِ رُسُلًا: أنهم واسطةٌ بين الله وبين الخَلْق من البشر. وتَرَكَ الصلاةَ والسلامَ على الآلِ والصَّحْبِ؛ لأنهم تَبَعٌ له صلى الله عليه وسلم، فيُغتفر في التابع ما لا يُغتفر في المتبوع؛ لأن الصلاة عليهم ليستْ بطريق الأصالة (¬2). فائدة: وينبغي عند أرباب التصانيف في ديباجتهم ثمانيةُ أمور: أربعة على سبيل الوجوب الصناعي: البسملة، والحمدلة، والصلعمة، والشهادتان. وأربعةٌ على سبيل الندب الصناعي: أمَّا بعدُ، وتسميةُ الكتاب، وتسميةُ نفسِه، وبراعةُ المطلع وهو: أن يأتي المصنفُ في طالعة كتابه بما يُشْعِرُ بالفن الذي سيَشْرَعُ فيه، ولم يأتِ المؤلِّفُ بها هنا؛ لأنه من المتقدِّمين وليستْ هذه الأمورُ مُعْتَبَرةً عندهم. (أمَّا بعدُ) يَتَعَلَّقُ بها تسعةُ مباحث: الأول: في أمَّاها (¬3)، الثاني: في موضعها، الثالث: في معناها، الرابع: في إِعرابها، الخامس: في العامل فيها، السادس: ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 3). (¬2) انظر "الفتوحات الربانية" (3/ 340 - 341). (¬3) أي: في لفظ (أما) من (أما بعد)، فالضمير عائد إلى لفظة (أما بعد).

فَإِنَّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في أصلها، السابع: في حكم الإِتيان بها، الثامن: في أول مَنْ تَكَلَّمَ بها، التاسع: في الفاء بعدها. فأمَّا أمّاها: فهي لمجرد التأكيد، وقد تكون للتأكيد مع التفصيل في غير ما هنا. وأمَّا موضعُها: فيُؤخَذُ من قولهم: هي كلمةٌ يُؤتَى بها للانتقال من أسلوبٍ إِلى آخَرَ؛ أي: من غَرَضٍ إِلى آخر. وأمَّا معناها: فهو نقيض قَبْلُ، وتكون ظرفَ زمانٍ كثيرًا، ومكانٍ قليلًا، وهي هُنا للزمان لا غيرُ على الأصحّ، وقيل: هي صالحة هنا للزمان باعتبارِ أَنَّ زمنَ النُطْقِ بما بعدها بعد زمن النُّطْق بما قبلها، وللمكان باعتبار أَنَّ مكان رقم ما بعدها بعد مكان رقم ما قبلها. وأمَّا إِعرابُها: فلها أربعة أحوال: تُعرب في ثلاثة: إِحداها: أن تكون مضافةً فتُعرب إِمَّا نصبًا على الظرفية أو خفضًا بِمِنْ. وثانيها: أن يُحذف المضافُ إِليه ويُنْوَى ثبوتُ لفظِه فتُعْرَبُ الإِعرابَ المذكورَ ولا تُنَوَّنُ؛ لنية الإضافة. وثالثها: أنْ تُقْطَعَ عن الإِضافة لفظًا ولا يُنْوَى المضافُ إِليه فتُعْرَبُ أيضًا الإعرابَ المذكورَ لكنْ تُنَوَّنُ؛ لأنها حينئذٍ اسمٌ كسائر الأسماء النكرات. وتُبنى في حالة: وهي أنْ يُحْذَفَ المضافُ إِليهِ وينْوَى معناه دون لفظهِ، فتُبْنَى على الضمّ كما هنا. وأمَّا العاملُ فيها: فهو فعلُ الشرط إِنْ قلنا: إِنها من متعلّقات الشرط، والتقديرُ: مهما يَكُنْ من شيءِ بعد ما تَقَدَّمَ من البسملة والحمدلة والصلعمة (فـ) أقولُ (إنك) أيها المخاطَبُ الذي يطلبُ مني التأليفَ. . . إِلخ، وجوابُ الشرط إِنْ قلنا: إِنها من متعلَّقات الجزاء، والتقديرُ: مهما يكن من شيء (فـ) ـأقولُ بعد ما تقدّم من البسملة والحمدلة وغيرِهما (إِنك) أيها المخاطب. . . إِلخ.

يَرْحَمُكَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعلُها من متعلّقات الجزاءِ أَوْلَى؛ لأنه يكون وجودُ المؤلَّف معلَّقًا على وجودِ شيءٍ مطلق. وأمَّا أصلُها: فهو (مهما يَكُنْ من شيءِ. . .) كما تقدّم. وأمَّا حُكْمُ الإِتيانِ بها: فالاستحبابُ؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يأتي بأمَّا بعدُ في خُطَبِه ورسائلِه. وأمَّا أولُ مَنْ تَكَلَّمَ بها: فقد نَظَمَ الخلافَ فيهِ بعضُهم بقوله (¬1): جرى الخلف أمَّا بعدُ مَنْ كان بادئًا ... بها خمس أقوال وداود أقربُ وكانت له فصل الخطاب وبعده (¬2) ... فقُسٌّ فسَحْبان فكعب فيَعْرُبُ (¬3) وأمَّا الفاءُ: فإنها رابطةٌ لجواب أمَّا بشرطها. والخطابُ في قوله: (فإِنَّكَ) وفيما بعدَه من جميع الخُطْبة لأحد تلاميذه الذي طَلَبَ منه كتابةَ صحيحهِ الجامع (¬4)، وهي عادةٌ قديمةٌ بأن يذكر المؤلِّفُ سببَ التأليف، والكافُ ضميرُ المخاطَب في محل النصب اسم إِنَّ. وقولُه: (يَرْحَمُكَ اللهُ) أي: أَحْسَنَ اللهُ سبحانه إِليك، جملةٌ دعائيةٌ خبريةٌ لفظًا إِنشائية معنىً لقصده بها الإنشاء فلا تفيد الإنشاء إِلا بالقصد؛ لأنَّ الجملةَ المضارعيةَ موضوعةٌ للإِخبار، فتَتوَقَّفُ إِفادتُها الإِنشاءَ على القصد. ¬

_ (¬1) انظر "حاشية البيجوري على ابن قاسم" (1/ 8)، وفيه: مَنْ كان قائلًا لها. . . (¬2) قلتُ: قد ذكر هذه الأقوال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 404) وزاد عليها، ثم قال: (والأول أشبه، ويُجمع بينه وبين غيره بأنه بالنسبة إِلى الأولية المحضة، والبقية بالنسبة إِلى العرب خاصّة، ثم يُجمع بينها بالنسبة إِلى القبائل). (¬3) قوله: (فقُسٌّ) هو ابنُ سَاعِدة، و (سَحْبان) هو ابن وائل، و (كعب) هو ابن لؤي، و (يَعْرُبُ) هو ابنُ قَحْطان. اهـ مؤلفه (¬4) قلتُ: لعلّه أحمد بن سلمة بن عبد الله، أبو الفضل البزّار المعدِّل النيسابوري، المتوفى سنة ستّ وثمانين ومائتين، فقد قال الخطيب البغدادي في ترجمته في "تاريخ بغداد" (4/ 186): (رَافَقَ مسلمَ بنَ الحَجَّاج في رحلتهِ إِلى قتُيبة بن سعيد، وفي رحلتِه الثانية إِلى البصرة، وكتب بانتخابه على الشيوخ، ثم جَمَعَ له مسلمٌ الصحيحَ في كتابه)، والله أعلم.

بِتَوْفِيقِ خَالِقِكَ، ذَكَرْتَ أَنَّكَ هَمَمْتَ بِالْفَحْصِ عَنْ تَعَرُّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (بتوفيقِ خَالِقِكَ) متعلِّقٌ بقوله: (ذَكَرْتَ) وهو خبرُ إِنَّ؛ أي: فأقولُ لك أيها الطالب رحمك الله سبحانه وتعالى: إِنَّك ذكرتَ وأخبرتَ لي بسبب توفيق خالقك إِياك. والتوفيقُ: خَلْقُ قدرةِ الطاعة في العبد وتسهيلُ سبيل الخيرِ له. وعبارةُ السنوسي هنا: (قولُه: "بتَوْفِيقِ خَالِقِكَ" يَصِحُّ تَعَلُّقه بـ (يَرْحَمُكَ) قبلَه، أو بـ (ذَكَرْتَ) بعدَه، فعلى الأولِ: دعا له برحمةٍ مخصوصةٍ، وهي المتعلِّقةُ بالتوفيق، وعلى الثاني: دعا له بمُطْلَقِ الرحمة، وأخبره أَن ذِكْرَهُ ما ذَكَرَ إِنما كان بتوفيق الله تعالى) اهـ (¬1). وقولُه: (أنَّك هَمَمْتَ) مفعولُ ذَكَرْتَ، وهو بفتح الميم الأولى المُخَفّفة وسكون الثانية؛ أي: أَنَّك قصدتَ واعتنيتَ، يُقال: همَّ بالشيءِ همًّا من باب نَصَرَ إِذا قَصَدَه وعَزَم عليه. وقولهُ: (بالفَحْصِ) متعلِّقٌ بالتعرُّف في قوله: (عن تَعَرُّفِ) وهو مفعول هَمَمْتَ، و (عن) زائدة في المفعول، وفي "السنوسي" إِيماءٌ إِلى أَنَّ قوله: (بالفَحْصِ) متعلِّقٌ بـ (هَمَمْتَ) حيث قال: (وَتَعَلَّقَ هَمُّكَ بالفَحْصِ) (¬2) والأوضحُ ما قُلْنا. ¬

_ (¬1) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 4)، وقال القاضي عياض: (يحتملُ أن يكون دعا له بأن يرحمه الله بتوفيقه وهدايته؛ فإنها من جملة رحمةِ الله وفَضْلِه، ويحتملُ أن يعلَّق قوله: "بتوفيق خالقك" إِمَّا إِلى ما ذَكَرَه أو هَمَّ به من الفحص، والله أعلم). "إكمال المعلم" (1/ 88). وقال العلّامة السِّنْدي: (قولُه: "بتوفيق خالقك" متعلِّقٌ بقوله: "ذَكرْت"، وقُدِّمَ؛ لاشتماله على ذِكْرِ اسم الله تعالى، وجعلهُ متعلِّقًا بقوله: "يرحمك الله" غيرُ مناسب لفظًا ومعنىً، أنا لفظًا: فلأنَّ الظاهر حينئذٍ: بتوفيقه، وأمَّا معنىً: فلأنَّ إِطلاقَ الرحمةِ أحسنُ وأولى من تقييدها). "الحلّ المفهم لصحيح مسلم" (1/ 3). (¬2) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 4). ونصُّ عبارته: "أي: قصدتَ واعتنيتَ وتَعَلَّقَ هَمُّكَ بالفحص"، فليُحرر.

جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُنَنِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و(الفَحْصُ): شِدَّةُ الطلبِ والبحثُ عن الشيء، وبيانُ مَاهِيَّتِه والتنقيبُ عنه، وهو المرادُ هنا، وفي "اللسان": (ويُستعمل لشدَّةِ الطلب؛ لأن الدجاجةَ أو القَطَاةَ إِذا فَحَصَتْ في التراب. . فإنما تَطْلُبُ النهايةَ بسرعة) اهـ منه و(التعرُّفُ): تطلُّبُ معرفةِ الشيء، يُقال: تَعَرَّفَ الشيءَ إِذا تَطَلَّبَهُ حتى عرفه، والمرادُ به هنا: المعرفة. وعلى ما قُلْنا: ففي الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، وهو الأوضحُ الظاهرُ كما مرَّ، والتقديرُ: أمَّا بعدُ: فإنك أيها الطالبُ رَحِمَكَ اللهُ تعالى ذَكَرْتَ وأَخْبَرْتَ لي بتوفيق خالقي وخالقِك أَنَّك هَمَمْتَ وقَصَدْتَ معرفةَ (جُمْلَةِ الأخبارِ المأثورة) وجميعِ الأحاديثِ المنقولةِ (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) بالبحث والتفتيش عنها عند مَنْ يعرفُها حَقَّ المعرفة. وجُمْلَةُ الشيءِ جماعتُه؛ أي: جميعُه، يُجمع على جُمل، و (الأخبارُ): جمعُ خَبَر وهو لغةً: ضِدُّ الإنشاء، واصطلاحًا: ما أُضيفَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو تقريرًا كما مَرَّ في المقدمة. وقولُه: (في سُنَنِ الدِّينِ) متعلِّقٌ بالماثورةِ؛ أي: المنقولةِ عنه صلى الله عليه وسلم في بيان طُرُق الدِّين والإِسلام (و) شرائعهِ؛ أي: (أحكامِهِ) التي شَرَعَها اللهُ سبحانه وتعالى لعباده المُكَلَّفين على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم، وعَطْفُ الأحكامِ على السُّنَنِ عطفٌ تفسيريٌّ، والإِضافةُ في (سُنَنِ الدِّينِ) للبيان. وفي "السنوسي": (وعطفُ الأحكامِ على السُّنَنِ من عطف العامّ على الخاص؛ إِذِ السُّنَنُ من أحكام الدِّينِ، والمرادُ بـ"الدِّين": الإِسلامُ، وبـ"السُّنَنِ": المندوباتُ وما لم يَصِلْ إِلى حَدِّ الوجوب، و"الأحكامُ " تَشْمَلُ سائرَ الأحكام الخمسة وما يتعلَّقُ بها من خطاب الوَضْع) اهـ (¬1). ¬

_ (¬1) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 4).

وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ الْأَشْيَاءِ بِالْأَسَانِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واعْلَمْ: أَن الدِّينَ هو ما شَرَعهُ اللهُ تعالى من الأحكام على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، سُمِّيَ دِينًا لأنَّنا نَدِينُه ونَمْتَثِلُه، وشريعةً لأنَّ اللهَ شَرَعَهُ وبَيَّنَه، فالدِّينُ والمِلَّةُ والشَّرْعُ والشريعةُ بمعنىً واحد. وقولُه: (وما كان منها) معطوفٌ على قوله: (جُمْلَةِ الأخبار) أي: فإنَّك أخبرتَ لي أَنَّك قَصَدْتَ معرفةَ جميع الأخبارِ المأثورةِ في سُنَنِ الدِّين وأحكامهِ، وقَصَدْتَ معرفةَ ما كان من الأخبارِ مَأثورًا عنه صلى الله عليه وسلم (في) شأنِ (الثوابِ) كثرةً وقِلَّةً، وهو إِيصالُ الخيرِ إِلى العبد في مقابلة الطاعة، (و) مأثورًا في شأنِ (العقابِ) شِدَّةً وخِفَّةً، وهو إِيصالُ الشرِّ إِلى العبد في مقابلة المعصية. وفي "السنوسي" (قولُه: "وما كان منها في الثواب والعقاب" أي: وما كان من الأخبار المأثورة في بيان الثواب والعقاب، أي: في جنسِهما أو مقدارِهما) اهـ (¬1). (و) مأثورًا في شأن (الترغيبِ) تأكيدًا وضِدًّا، وهو الحَثُّ على ما فيه الثواب، (و) مأثورًا في شأن (الترهيبِ) مبالغة وضِدًّا، وهو الحذرُ عمَّا فيه العقاب. وفي "السنوسي": (قولُه: "والترغيبِ والترهيبِ" الترغيبُ: الحضّ على الشيء بذِكْرِ ما يُوجبُ الرغبةَ فيه والميلَ إِليه من ثواب أو مصلحةٍ دنيويةٍ أو أُخروية، والترهيبُ: التخويفُ من فِعْلِ الشيء بذِكْرِ عقوبته أو ما فيه من مفسدةٍ دنيويةٍ أو أُخرويةٍ، فالترغيبُ والترهيبُ أَعَمُّ من أحاديث الثواب والعقاب) اهـ (¬2). (و) ما كان منها مأثورًا في شأن (غيرِ ذلك) المذكور (من صُنُوفِ الأشياءِ) اللائي يهتم بها وأنواعها كالأمثال والقصص والتفسير والقراءة كقوله: "مَثَلُ المؤمنِ مَثَلُ الأترجة. . ." إِلخ مثلًا. وقولُه: (بالأسانيدِ) متعلِّقٌ بالتعرُّفِ؛ أي: ذَكَرْتَ لي أَنَّك قَصَدْتَ معرفةَ جملةِ ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإِكمال" (1/ 4). (¬2) "مكمل إكمال الإِكمال" (1/ 4).

الَّتِي بِهَا نُقِلَتْ، وَتَدَاوَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخبارِ المأثورةِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسانيدِ (التي بها) أي: بتلك الأسانيدِ (نُقِلَتْ) الأخبارُ وأُخِذَتْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: مَعْرِفَتها برجالِ الصحابة أو التابعين التي بواسطتها نُقِلَتْ تلك الأخبارُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. و(الأسانيدُ): جمع إِسنادِ، والمرادُ به: ذِكْرُ الراوي الذي وَقَفَ السَّنَدُ عنده كالصحابيِّ في المرفوع والتابعيِّ في الموقوف. (و) معرفتها بالأسانيد التي (تَدَاوَلَها) وتَنَاقَلَهَا (أهلُ العِلْمِ) والحديثِ؛ أي: معرفتها برجال الرواة من أتباع التابعين فمَنْ بعدَهم، التي تَنَاوَلَها أهلُ علمِ الحديثِ بعضُهم عن بعضٍ وتَنَاقَلُوها (فيما بينَهم) أي: في أنواع الحديث التي اشْتَهَرَتْ بينهم كالصحيحِ والحَسَنِ وغيرِهما، والمرادُ بالإسنادِ هنا: حكايةُ الطريقِ المُوصِلَةِ إِلى المتن. والحاصلُ: أَنَّ الأسانيدَ قسمان: أسانيدُ متناقلةٌ وهم الصحابة والتابعون، وأسانيدُ متداولةٌ وهُمْ مَنْ بعدَهم إِلى بداية السَّنَدِ. وأشارَ إِلى الأُولى بقوله: (التي بها نُقِلَتْ)، وإِلى الثانيةِ بقوله: (وتَدَاوَلَها أهلُ العِلْمِ) هذا ما ظَهَرَ لي بفهمي السقيم، يُقال: تداولوا الشيءَ بينهم إِذا تَنَاقَلُوهُ وتَنَاوَبُوا فيهِ، وفي "المختار": (تَدَاوَلَتْه الأيدي: إِذا أَخَذَتْهُ هذه مرّةً وهذه مَرَّةً أُخرى) اهـ. فائدتان: الأُولى منهما: قال السنوسيُّ: (واعْلَمْ: أَن الأسانيدَ جمعُ إِسنادٍ، وهو ذِكْرُ طريق الحديث، ويُسَمَّى ذلك الطريقُ في الاصطلاح: سندًا، والحديثُ الذي وَصَلَ إِليه: مَتْنًا) (¬1). وأشارَ بجَمْعِ الأسانيد إِلى تَنَوُّعِها واختلافِها بحسب اختلاف وُجُوهِ السماع من ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإِكمال" (1/ 4 - 5).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرُّواة، فمَرَّةً يقتضي السماعُ أنْ يُقَال في الأسانيد: حَدَّثَنِي، ومَرَّةً يقتضي أن يُقال: حَدَّثَنَا، ومَرَّةً يقتضي: أخبرني، ومَرَّةً يقتضي: أخبرنا، ونحو ذلك ممَّا سيأتي -إِنْ شاء الله تعالى- بيانُه. ولمَّا كان الفَرْقُ في ذلك بحسب اصطلاح أهل العلم من المحدثين. . أشارَ إِلى ذلك بقوله: (وتَدَاوَلَهَا أهلُ العِلْمِ)، وكما تختلف الأسانيدُ بهذا المعنى. . تختلفُ أيضًا باختلاف الرُّواة، وكُلُّ ذلك في الحديث الواحد أو في الأحاديث، فجمع الأسانيد بحسب ذلك، وقولهُ: (التي بها نُقِلَتْ) راجعٌ إِلى تلك الاختلافات كُلِّها، وقوله: (وتَدَاوَلَها أهلُ العلمِ فيما بينَهم) راجعٌ إِلى الاختلافات التي يقتضيها الاصطلاح. الثانية: اخْتُلِفَ في معنى المُسْنَد على ثلاثة أقوال: فقيل: هو الذي اتَّصَلَ إِسنادُه من مبدئه إِلى منتهاه، سواءٌ وَصَلَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم أو لا، ذَكَرَهُ أبو بكرٍ الخطيبُ الحافظُ عن أهل الحديث، قال: (وأكثرُ ما يُستعمل فيما جاءَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دونَ ما جاء عن الصحابة وغيرِهم) (¬1). وذكر أبو عُمر بن عبد البَرّ: (أَنَّ المُسنَدَ: ما رُفِعَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصّةً، وقد يكون متصلًا، وقد يكون منقطعًا) (¬2). وحكى أبو عُمر عن قومٍ: أَنَّ المُسْنَدَ لا يَقَعُ إلا على ما اتصَلَ مرفوعًا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابنُ الصلاح: (وبهذا القول قَطَعَ الحاكمُ الحافظُ) (¬3). ومما يتعلَّقُ بمعرفة المُسْنَد: معرفةُ المتّصل والمرفوع والموقوف والمقطوع. فالمُتَّصِلُ -ويُقال فيه أيضًا: الموصول-: هو ما اتَّصَلَ إِسنادُه بأنْ سَمِعَهُ كُلُّ واحد من رُوَاتِهِ من فوقه، من مبدئه إِلى منتهاه، سواءٌ كان مرفوعًا أو موقوفًا. ¬

_ (¬1) "الكفاية في علم الرواية" (ص 21). (¬2) "التمهيد" (1/ 21 - 23). (¬3) "علوم الحديث" (ص 40) و"معرفة علوم الحديث" (ص 17).

فَأَرَدْتَ، أَرْشَدَكَ اللهُ أَنْ تُوَقَّفَ عَلَى جُمْلَتِهَا مُؤَلَّفَةً مُحْصَاةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمرفوعُ: هو ما أُضِيفَ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّةً، فهو والمُسْنَد على القول الثاني مترادفان، والمُسْنَدُ أَخَصُّ منه على القول الثالث، وبينهما عمومٌ وخصوصٌ على القول الأول. وقال الحافظُ أبو بكر: (المرفوعُ: ما أَخْبَرَ به الصحابيُّ عن قولِ الرسول صلى الله عليه وسلم أو فِعْلِه) (¬1) فخصصه بالصحابة، قال ابنُ الصلاح: (ومَنْ جَعَلَ من أهل الحديث المرفوعَ في مقابلة المرسل. . فقد عَنَى بالمرفوع المُتَّصِلَ) (¬2). والموقوفُ: ما يُرْوَى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم، والأَثَرُ يُرَادِفُهُ عند جماعةٍ من العلماء. والمقطوع: هو ما جاء عن التابعين موقوفًا عليهم من أقوالهم وأفعالهم، وهو خلافُ المُنْقَطِع الذي سَقَطَ منه راوٍ فأكثرُ، ويُجْمَعُ على مقاطيع ومقاطع بياء قبل آخره وبدونها. اهـ "سنوسي". والفاءُ في قوله: (فَأَرَدْت) عاطفةٌ سببيةٌ على قوله: (هَمَمْتَ). وقولُه: (أَرْشَدَكَ اللهُ) سبحانه وتعالى؛ أي: هداك اللهُ سبحانه إِلى كُلِّ مطلوبٍ وخيرٍ، جملةٌ دعائيةٌ؛ أي: فبسبب هَمِّكَ تَعَرُّفَها أردتَ وأحببتَ (أنْ تُوَقَّفَ) بصيغة المجهول، قال النووي: (ضبطناه بفتح الواو وتشديد القاف، ولو قُرِئَ بتسكين الواو وتخفيف القاف. . لكان صحيحًا) (¬3) أي: فبسبب هَمِّكَ معرفتَها أردتَ وأحببتَ أنْ تُوقَّفَ وتطلع وتظهر (على) جميع تلك الأخبارِ و (جُمْلَتِها) حالةَ كونها (مُؤَلَّفَةً) ومجموعةً في كتابٍ جامعٍ لها، وحالةَ كونِها (مُحْصَاةً) أي: محصورةً بعددٍ يحصرُها ومضبوطةً بضابط يضبطها. وفي "السنوسي": (قوله: "مُؤَلَّفَةً" أي: مجموعةً على وَجْهٍ لا يَدْخُلُ فيه ¬

_ (¬1) "الكفاية" (ص 21). (¬2) "علوم الحديث" (ص 41). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 45).

وَسَأَلْتَنِي أَنْ أُلَخِّصَهَا لَكَ فِي التَّأْلِيفِ بِلَا تَكْرَارٍ يَكْثُرُ، فَإِنَّ ذَلِكَ زَعَمْتَ مِمَّا يَشْغَلُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ليس بحديثٍ؛ كاستِنباطِ فِقْهِ، أو نَقْلِ آراءِ العلماءِ، أو عاضدٍ من كتابٍ أو أَثَرٍ كما فعل البُخَارِيُّ رحمه الله تعالى. قولُه: "مُحْصَاةً" أي: مجتمعةً كُلَّها) اهـ (¬1). وقولُه: (وَسَأَلْتَنِيِ) معطوفٌ على قوله: (ذَكَرْتَ) أي: أمَّا بعدُ: فأقول لك: إِنك بتوفيق خالقك ذَكرْتَ لي أَنَّك هَمَمْتَ. . . إِلخ، وأقول لك: إِنك بتوفيق خالقك سألتَني وطَلَبْتَ مني (أنْ أُلَخِّصَها) أي: أنْ أذكرَ خلاصةَ تلك الأخبارِ المأثورةِ عنه صلى الله عليه وسلم؛ أي: التي خلصت من اختلاط أقوال الفقهاء وآراء العلماء والآيات القرآنية والتراجِم فيها، كما خلط البخاريُّ ذلك في "صحيحه" أي: سَألْتَنِي أنْ أَذْكُرَ خالصَ الأخبارِ من ذلك المذكور وصافيَها من مزج ذلك فيها وأُبيِّنَها (لَكَ) ولغيرك أيضًا، وأَجْمَعَها (في التأليفِ) أي: في الكتاب المؤلَّفِ الجامعِ لها، فالمصدرُ بمعنى اسم المفعول. وقولُه: (بلا تَكْرَارٍ) ولا تَرْدَادٍ متعلِّقٌ بـ (أُلَخِّصَ) أي: سَأَلتَنِي تلخيصها وتبيينَها لك بلا حصولِ تكرارٍ وإِعادةٍ لما ذُكِرَ أولًا وثَانيًا وَثَالِثًا في موضعٍ أو مواضعَ متعددةٍ وتراجِمَ مختلفةٍ. وقولُه: (يَكْثُرُ) عُرْفًا صفةٌ لتكرارٍ؛ أي: تلخيصَها لك بلا حصولِ تكرارٍ كثيرٍ في تلك الأخبار المبينة لك بلا غرض، فلا يَضُرُّ تكرارٌ يسيرٌ عُرْفًا لغرضٍ ما، كتكرارِ السَّنَدِ لبيان المتابعات، وتكرارِ المتن لحصول الزيادة في الرواية الثانية، أو حصول مخالفتها للرواية الأُولى في بعض الألفاظ. والفاءُ في قوله: (فإنَّ ذلك) التكرارَ (زَعَمْتَ) (¬2) وقلتَ: إِنه (مِمَّا يَشْغَلُكَ) ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإِكمال" (1/ 5). (¬2) انظر "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 45)، والمصدر السابق. وقال الإِمام ابنُ الصلاح: (وقوله: "أَنَّك تَزْعُمُ" مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم له دالٌّ على أَن زَعَمَ ليس مخصوصًا بالكذب وبما ليس بمُحَقَّق، بل قد يجيءُ بمعنى =

عَمَّا لَهُ قَصَدْتَ مِنَ التَّفَهُّمِ فِيهَا، وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويَصْرِفُكَ ويمنعُك (عَمَّا له قَصَدْتَ) أي: عن تحصيل المطلوب الذي قصدتَه حال كون ذلك المقصودِ والمطلوب لك (من التفهُّمِ) والتفقُّهِ (فيها) أي: في معاني تلك الأخبار منطوقًا ومفهومًا (والاستنباطِ منها) أي: استنباطِ الأحكام الفقهية واستخراجِها منها (¬1): مُعَلِّلَةٌ لعدم التكرار. والزعمُ في قوله: (زَعَمْتَ) بمعنى الاعتقاد والقول من غير تقييدِ أَنَّ هذا القولَ غَيرُ مَرْضِي؛ لأن الزعمَ في العُرْف: القولُ الفاسدُ أو القولُ بلا دليلٍ، ومن استعماله في القول الصحيح قولُ ضِمام بن ثعلبة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (زَعَمَ رسولُك) أي: قال، وقد أَكْثَرَ سيبويه في "الكتاب" من قوله: زعم الخليلُ كذا في أشياءَ يرتضيها. ¬

_ = قال، مُستعملًا في الحق المُحَقَّقِ وفي غيرِه، وقد نقل مصداقَ ذلك أبو عُمر الزاهد في "شرحه للفصيح" عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللُّغة من الكوفيين والبصريين، قال أبو العباس: ومنه قولُ الفقهاء: زَعَمَ مالكٌ، زَعَمَ الشافعيُّ، قال: معناه كُلُّه: قال، والله أعلم). "صيانة صحيح مسلم" (ص 143). وقال الإِمام الأُبّي: (الزُّعمُ بالضم -أي: بضم الزاي المعجمة-: اسمٌ، وبالفتح: مصدرُ زَعَمَ إِذا قال قولًا حقًّا أو كذبًا أو قولًا غيرَ موثوقٍ به. فمن الأول: حديث: "زعم جبريل"، ومن الثاني: قولُه تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ومن الثالث: بيتُ الأعشى: ونُبِّئتُ قيسًا ولم أبلُه ... كما زعموا خيرَ أهل اليمن فقال الممدوح: وما هو إلا الزعم، وأَبَى أن يُثيبه. وأمَّا حديثُ: "بئس مَطِيَّةُ الرجل زَعَمُوا" فَجَعَلَهُ ابنُ عطية من الثاني. واختُلف في قول سيبويه: زَعَمَ الخليلُ، فَجَعَلَهُ النوويُّ من الأول، وجَعَلهُ ابنُ عطية من الثاني). "إِكمال إِكمال المعلم" (1/ 55). (¬1) قال الإِمام عبد الحق الإِشبيلي رحمه الله تعالى في "الجمع بين الصحيحين" (1/ 6 - 7) ما يلي: (إِذِ التفقُّهُ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السبيلُ التي تشرق سناها، والثمرةُ التي يُستشفى بجناها، ومَنْ لم تَسْتنِر له تلك السبيل، ولا دَلَّ به ذلك الدليل. . فلم يحصل من العلم بالإِضافة إلا على النَّزْر اليسير والشيء القليل).

وَلِلَّذِي سَأَلْتَ -أَكْرَمَكَ اللهُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السنوسي: (وقوله: "يَشْغَلُكَ" هو بفتح الياء والغين المعجمة: مضارع شَغَلَ الثلاثي من باب فتَحَ، وهو اللغة الفصيحة الشهيرة، وعليها قولُه تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا}، وفيها لغةٌ رديئةٌ حكاها الجوهريُّ: أشغلَه يُشْغِلُه، فعَلَى هذه اللغةِ: يَصِحُّ أَنْ يُضْبَطَ قولهُ: "يشغلك" بضمِّ الياء وكسر الغين) اهـ (¬1) وفي الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، والمعنى: وإِنما لَخَّصْتُها لك بلا تكرارٍ؛ لأنك زَعَمْتَ وقُلْتَ: إِنَّ ذلك التكرارَ (ممَّا يَشْغَلُكَ) أي: من المانع الذي يصرفك ويمنعك (عَمَّا قَصَدْتَه) أي: عن تحصيل المهِمِّ الذي قصدتَه وأَردتَ تحصيلَه. وقولُه: (من التفهُّمِ) حالٌ من العائد المحذوف من قَصَدْتَ؛ أي: حال كون ذلك الذي قصدتَه من التفهُّم والإِدراك لمعنى الألفاظ الواردة (فيها) أي: في تلك الأخبار (والاستنباطِ منها) معطوفٌ على التفهُّم؛ أي: حالةَ كونِ المُهِمِّ الذي قصدتَه من التفهُّمِ والإِدراكِ لمعانيها منطوقًا ومفهومًا واستنباطِ الأحكام الفقهية واستخراجِها منها. و(الاستنباطُ): استخراجُ الشيءِ من الشيءِ، يُقال: استنبط الماءَ إِذا استخرجَه من مَنْبَعِه بِحَفْرٍ. قال السنوسيُّ: (وقولُه: "ولِلَّذي سَأَلْتَ" هو باللامِ الجارَّةِ خبرٌ مُقَدَّمٌ لقوله الآتي: "عاقبةٌ محمودةٌ" وكثيرًا ما يُوجَدُ في النُّسخ مُصَحَّفًا بحذف لام الجرّ) (¬2). أي: وللتلخيص الذي سألُتنيه (أَكْرَمَكَ اللهُ) سبحانَه بالعِلْمِ النافعِ، والظرفُ في ¬

_ (¬1) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 5)، وبعضه من كلام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 45). (¬2) "مكمل إِكمال الإكمال" (1/ 5)، وانظره في "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 46)، وقال العلَّامة السّنْدي: (قوله: "ولِلَّذِي سَأَلْتَ" بكسر اللام، والجارُّ والمجرورُ خبرٌ مقدَّم لقوله: "عاقبةٌ". ونَصَّ النوويُّ رحمه الله تعالى على أَنَّ الفتحَ غلطٌ، ويُمكن توجيهه على أنه مبتدأ، خبرُه: "عاقبةٌ" بتقدير المضاف؛ أي: ذو عاقبة. وكأنه لكونه تكلُّفًا بلا حاجةِ عدَّه غلطًا، والله تعالى أعلم) "الحلّ المفهم" (ص 5).

حِينَ رَجَعْتُ إِلَى تَدَبُّرِهِ، وَمَا تَؤُولُ بِهِ الْحَالُ إِنْ شَاءَ اللهُ عَاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ وَمَنْفَعَةٌ مَوْجُودَةٌ، وَظَنَنْتُ حِينَ سَأَلْتَنِي تَجَشُّمَ ذَلِكَ أَنْ لَوْ عُزِمَ لِي عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (حينَ رَجَعْتُ إلى تَدَبُّرهِ) وتَفَكُرِهِ متعلِّقٌ بالاستقرار الذي تَعَلَّقَ بهِ الخبرُ المذكورُ؛ أي: وللتلخيصِ المسؤول لك حين رَجَعْتُ وَوَجَّهْتُ قصدي إِلى التدبُّر والتأمُّل في كيفيته. وقولُه: (وما تَؤُولُ بهِ الحالُ) والشأنُ إِليه في محل الجرِّ معطوفٌ على الموصول في قوله: (وللَّذي سَأَلْتَ) أي: وللكتاب المُؤَلَّفِ الذي تَؤُولُ وتَرْجِعُ إِليهِ حالُ التلخيصِ المسؤولِ لك وشَأنُه ومآلُه. وقيّد بقوله: (إنْ شاءَ اللهُ) سبحانه وتعالى رجوعي إِليه؛ امتثالًا لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. وقولُه: (عاقبةٌ محمودةٌ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ للخبر المذكور، وهو راجعٌ إِلى قوله: (وللَّذِي سَألْتَ). وقولُهُ: (ومَنْفَعَةٌ موجودةٌ) معطوفٌ على هذا المبتدإ، وهو راجعٌ إِلى قوله: (وما تَؤُولُ به الحالُ)، والمعنى: ومآلٌ حسنٌ محمودٌ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى وعندَ الناسِ حاصلٌ للتلخيص الذي سأَلتَنِيه حينَ رَجَعْتُ إِليه، وانتفاعٌ مرجؤٌ وُجُودُه عند الناس ثابتٌ للكتاب الذي تَؤُولُ إِليهِ حالُ التلخيصِ المسؤول لك حين رَجَعْتُ إِليه. وقولهُ: (وظَنَنْتُ) بضم التاء للمتكلِّم -أي: أيقنتُ- جملةٌ مستأنفةٌ، وبه يتعلَّقُ الظرفُ في قوله: (حينَ سَأَلْتَني تَجَشُّمَ ذلك) أي: تَكَلُّفَه والتزامَ مشقتِه، والتجشُّمُ: التكلُّفُ، وأرادَ به المؤلِّفُ رحمه الله تعالى مُجَرَّدَ الفعلِ وإِنْ كان الفعلُ لا يخلو عن التكلُّف، يُقال: جَشِمَ الأمرَ من باب فَهِمَ، وتَجَشَّمَه أي: تَكَلَّفَه على مشقةٍ، وجَشَّمَه الأمرَ تجشيمًا وأجشمه أي: كَلَّفه إِياه. اهـ "مختار". أي: وأيقنتُ أيُها السائلُ حين سألتَني تَكَلُّفَ مشقةِ ذلك التلخيص وتَحَمُّلَها، وأَنْ في قوله: (أنْ لو عُزِمَ) وقُضِيَ (لي عليه) أي: على ذلك التلخيص: مُخَفَّفَةٌ من الثقيلةِ، واسمُها ضميرُ الشأن؛ أي: وظننتُ حين سألتَني تَحَمُّلَ مشقةِ ذلك التلخيص أَنَّه لو قُدِّرَ لي من الله سبحانه العزمُ والجزمُ عليه؛ أي: على ابتداء ذلك التلخيص

وَقُضِيَ لِي تَمَامُهُ، كَانَ أَوَّلُ مِنْ يُصِيبُهُ نَفْعُ ذَلِكَ إِيَّايَ خَاصَّةً قَبْلَ غَيْرِي مِنَ النَّاسِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقُضِيَ لي) أي: حُكِمَ لي من الله سبحانه (تمامُه) أي: تمامُ ذلك التلخيصِ الذي عَزَمْتُ على ابتدائه (. . كان أَوَّلُ مَنْ يُصِيبُه) ويَصِلُ إليه (نَفْعُ ذلك) التلخيصِ وثمرتُه وفائدتُه، برَفْعِ (أَوَّلُ) على أنه اسمُ كان (أيَّايَ) لا غيري، يعني نَفْسَه، وهو في محل نصب خبر كان. وقولُه: (خاصَّةً) مصدرٌ في محلّ الحال من ضمير إيَّاي، ولكنه على تأويل مشتق؛ أي: كان أولُ مَنْ يُصِيبُه نفعُ ذلك إياي حالةَ كوني مخصوصًا بوصول نفع ذلك التلخيص إليَّ أولًا (قبلَ) وصوله إِلى (غيري من) سائرِ (النَّاسِ) الذين أنتَ منهم أيها السائل لهذا التلخيص. وعبارة السنوسي هنا: (قولُه "عُزِمَ" بضم العين، وظاهرٌ أَنَّ الفاعلَ المُسْنَدَ إِليه العزمُ في الأصل هو الله تعالى؛ وتُعقّب بأنه لا يُسْنَدُ العزمُ إِلى الله تعالى؛ إِذِ المتبادرُ من العزم حصولُ خاطِر تصميمٍ في الذهن لم يكن قبلُ، قلتُ: ولهذا فَشَّرُوه بالجزم بعد التردُّد، وهذا مُحَالٌ في حقّه عزَّ وجلَّ، وأُجيبَ بأَنَّ المُرَادَ: لو سُهِّلَ لي سبيلُ العَزْمِ وخُلِقَ فيَّ قدرةٌ عليه، قلتُ: فيكون مجَازًا من باب التعبير بالمسبّب عن السبب، فإنَّ العَزْمَ ناشئٌ عن خَلْق الله تعالى ومسبّب له. وقيل: هو عبارةٌ عن الإِرادة فيكون المعنى: لو أراد اللهُ تعالى لي ذلك، وقيل معناه: المرادُ لو أُلْزِمْتُ؛ فإن العزيمة بمعنى اللُّزوم) اهـ (¬1). وجملةُ كان من اسمها وخبرها جوابُ لو الشرطيةِ، وجملةُ لو من فعلِ شرطِها وجوابِها خبرُ أنِ المخفَّفة، وجملةُ أنِ المخففة من اسمِها وخبرها في تأويلِ مصدرٍ سادٍّ مسدَّ مفعولَي ظَنَّ، تقديرُه: وظَنَنْتُ حين سألتَني تَحَمُّلَ مشقَّةِ ذلك التلخيصِ كوني خاصة أول مَنْ يُصِيبُه نَفْعُ ذلك لو عُزِمَ لي على ابتدائه وقُضِيَ لي تمامه من الله تعالى. ¬

_ (¬1) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 5)، وانظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 119 - 120)، و"شرح مسلم" للنووي (1/ 46)، و"المعلم بفوائد مسلم" (1/ 182)، و"إكمال المعلم" (1/ 89).

لِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْوَصْفُ، إِلَّا أَنَّ جُمْلَةَ ذَلِكَ أَنَّ ضَبْطَ الْقَلِيلِ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ، وَإِتْقَانَهُ، أَيْسَرُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ مُعَالَجَةِ الْكَثِيرِ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإِنما كنتُ أوَّل من يصيبه نَفْعُ ذلك (لأسبابٍ) وأمورٍ (كثيرةٍ) تَخُصُّني عن غيري (يَطُولُ بذِكْرِها) أي: بذكر تلك الأسبابِ وتفصيلِها وتَعْدَادِها (الوَصْفُ) أي: الكلامُ، والمُرَادُ بـ (ذِكْرِها): ذِكْرُها على سبيل التفصيل، وإِلَّا. . فهو قد تَعَرَّضَ لها على سبيل الجملة. وتلك الأسبابُ كاعتنائي بذلك التلخيص، والبحثِ عن خَفِيّ معاني المتون وعِلَل الأسانيد، والفِكْرِ في ذلك، ودوامِ الاعتناء به، ومراجعةِ أهل المعرفة؛ فإنه يُثَابُ على ذلك كُلِّه. وكلمةُ إِلَّا في قوله: (إلَّا أَنَّ جُملَةَ ذلك) استدراكيةٌ بمعنى لكنْ، اسْتَدْرَكَ بها على جملة قوله: (أَنَّك هَمَمْتَ بالفَحْصِ عن تَعَرُّفِ جُمْلَةِ الأخبارِ. . .) إِلخ. وجملةُ أَنَّ في قوله: (أَنَّ ضَبْطَ القليلِ) في محلِّ جرٍّ بلام التعليل المقدّرة معطوفة على علَّةٍ محذوفةٍ لخبرِ أَن المحذوفِ من قوله: (أَنَّ جُمْلَة ذلك)، والتقديرُ: لكنْ أَنَّ تَعَرُّفَ جملة ذلك المذكور من الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفةَ جميعه غيرُ ضروري وغيرُ مطلوب؛ لعُسْرِه وصعوبتِه على كثيرِ من الناس. وَلِـ (أَنَّ ضَبْطَ القليلِ) وإِثباتَه في الصُّدُورِ والسُّطُورِ (من هذا الشَّأْنِ) والعلمِ يعني: علمَ الحديثِ روايةً (وإِتقانَه) أي: وإِتقانَ القليلِ منه وإِحكامَه وإِيقانَه بتحقيق مُتُونِه وأسانيدهِ صِحَّةً وضَعْفًا (أَيسَرُ) وأسهلُ (على المَرْءِ) والطالبِ؛ لِقِلَّتِه وخِفَّتِه على الأذهان (من مُعَالجَةِ الكثيرِ) أي: من محاولةِ الكثير ومطالبةِ جَمْعِه (منه) أي: من هذا الشأن والفنِّ؛ لكثرتِه وثقَلِ حِفْظِه على الأذهان. يُقال: ضَبَطَ الكلامَ يَضْبطُه من باب ضَرَبَ إِذا حَفِظَهُ حفظًا بليغًا، وضَبَطَ الكتابَ إِذا صَحَّحَه وشَكَلَه، والضَّبْطُ هنا قسمان: إِمَّا ضبطُ صَدْرٍ، وهو: أنْ يُثْبِتَ ما سمعه بحيث يتمكَّنُ من استحضاره متى شاء. أو ضبطُ كتابٍ، وهو: أن يَصُونَه لديه منذ سَمعَ فيه وصَحَّحَه إِلى أن يروي منه.

وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ مَنِ الْعَوَامِّ، إِلَّا بِأَنْ يُوَقِّفَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ غَيْرُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويُقال: أَتْقَنَ الأَمْرَ إِتْقانًا إِذا أَحْكَمَهُ وأجَادَهُ، ويُقال: عَالجَ الأمرَ معالجةً وعِلاجًا إِذا زاولَه ومارسَه وحاولَه وطَالبَه. (ولا سِيَّما) أي: ولا مِثْلَ ضبطِ القليل الذي استقرَّ (عندَ مَنْ لا تمييزَ) ولا تفصيلَ (عندَه) بين صحيحِ الأحاديث وسقيمِها موجودٌ، وقولُه: (من العَوَامِّ) بيانٌ لـ (مَنْ) الموصولةِ؛ أي: حالةَ كون مَنْ لا تمييزَ عنده من جنس العوامّ الذين لم يُرْزَقُوا بعضَ التيقُّظِ والمعرفةِ بأسبابِها وعِلَلِها. وكلمةُ (لا سِيَّما) تُفِيدُ أَنَّ ما بعدها أَوْلَى بالحُكْم ممَّا قبلها، فيكون ما بعدها كالمُخْرَج عن مساواة ما قبلها إِلى التفضيل، والمعنى هنا: واحتياجُ مَنْ لا تمييزَ عنده إِلى ضبطِ القليل وإِتقانِه أَشَدُّ وآكَدُ من احتياجِ غيره إِليه، وليسَتْ أداةَ استثناء. والسِّيُّ -بتشديد الياء وقد تُخَفَّفُ- بمعنى المِثْل، ولا عاملةٌ عملَ إِن، سِيَّ: اسمُها منصوبٌ، وما: موصولةٌ في محل الجرّ مضاف إِليه، وهي واقعةٌ على ضبطُ القليل كما أشرنا إِليه في الحلّ. والظرفُ في قوله: (عندَ مَنْ لا تمييزَ) صلةٌ لِما الموصولة، وخبرُ لا محذوفٌ تقديرهُ: ولا مِثْلَ ضبطِ القليل الذي اسْتَقَرَّ عندَ مَنْ لا تمييزَ عنده موجودٌ؛ أي: وضبطُ القليلِ عند مَنْ لا تمييزَ عنده آكَدُ وأَشَدُّ وأَهَمُّ في المطلوبية من ضبط القليل عند غيره. وقد بسطنا الكلام في (لا سِيَّما) إِعرابًا ومعنىً في كتابنا "جواهِر التعليمات في شرح التقريظات"، فراجعْه إِن شئتَ الخوضَ فيه. والعوامُّ: جمع عامّة، والعامَّةُ: اسمُ فاعلٍ من عَمَّ الثلاثي، وهو خلاف الخاصّ، والعامَّة مؤنّث العام، وعامَّةُ الناسِ خلافُ خاصّتهم كما ذكرناه في "الهداية". وكلمةُ إلا في قوله: (إلَّا بأَنْ يُوَقِّفَه) أداةُ استثناءٍ مُلْغَاةٌ لا عملَ لها، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (بأَنْ) متعلِّقٌ بالتمييز في قوله: (عندَ مَنْ لا تمييزَ عندَه) أي: لا تمييز عنده إِلا بواسطة أنْ يُوقِفَه ويُطْلِعَه (على التمييزِ) والتفصيلِ بين أنواع الأحاديث (غيرُه) من أرباب المعرفةِ والتمييزِ بينها.

فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي هَذَا كَمَا وَصَفْنَا، فَالْقَصْدُ مِنْهُ إِلَى الصَّحِيحِ الْقَلِيلِ أَوْلَى بِهِمْ مِنَ ازْدِيَادِ السَّقِيمِ، وَإِنَّمَا يُرْجَى بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (يُوَقِّفَه) بفتح الواو وتشديد القاف المكسورة لا غير على الأفصح الأشهر، قال النوويُّ: (فلا يَصِحُّ أن يُقرأ هنا بالتخفيف؛ لأنَّ اللغةَ الفصيحةَ الشهيرةَ: وَقَّفْتُ فلانًا على كذا بالتشديد، فلو كان مخففًا. . لكان حَقُّه أن يُقال: بأنْ يَقفَه على التمييز، بخلاف ما قَدَّمناه في قوله: "تُوَقَّفَ على جُمْلَتِها") (¬1) أي: فإنه بالتخفيف والتشديد معًا. والفاءُ في قوله: (فإذا كان الأَمْرُ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحتْ عن جواب شرطٍ مُقَدَّرٍ، تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ ما ذكرتُه لك وأردتَ بيان ما هو الأَوْلَى والأَحْرَى. . فأقول لك: إِذا كان الأمرُ المرغوبُ والشأْنُ المطلوبُ (في هذا) الفنُ والشأنِ كائنًا (كما وَصَفْنا) هُ؛ أي: كائنًا كالحُكْم الذي ذَكَرْناه آنفًا مِن أَنَّ ضبطَ القليلِ أيسرُ على المَرْءِ من معالجة الكثير. وأَتَى المصنِّفُ بنون العظمة؛ إِشارةً إِلى استحقاقه العظمةَ؛ لكونه من أهل العلم على سبيل التحدُّث بالنِّعْمة، وجوابُ إِذا مذكورٌ بقوله: (فالقَصْدُ) أي: فالتوجُّهُ بالجَنَانِ والاشتغالُ باللِّسان. وقولُه: (منه) مُقَدَّمٌ على محلِّه؛ لأنه صفةٌ للقليل المذكور بعدَه، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (إلى الصحيحِ) متعلِّقٌ بالقَصْد؛ أي: فالقصدُ والتوجُّهُ بالقلب إِلى الصحيح (القليلِ) الكائنِ منه؛ أي: من هذا الفنّ، والاشتغالُ به باللسان؛ أي: صرفُ الهمَّة إلى تحصيلِ القليل منه وضَبْطِه (أَوْلَى) وأَحْرَى وأَحَقُّ (بهم) أي: بالعوامِّ الذين لا تمييزَ عندهم؛ لسهولتِه عليهم (من ازديادِ) واستكثار الحديث (السَّقِيمِ) والضعيف؛ لعدم معرفتهم بأسبابِه وعِلَلِه، وعدمِ صلاحيتهم للتمييزِ بين مراتبه، (وإنَّما يُرْجَى) ويطمع (بعضُ المنفعةِ) أي: حصولُ شيءٍ من المنفعة والفائدة. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 46).

فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ، وَجَمْعِ الْمُكَرَّرَاتِ مِنْهُ لِخَاصَّةٍ مِنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (في الاستكثارِ) متعلِّقٌ بـ (يُرْجَى)، أو بمحذوفٍ صفةِ لـ (المنفعة) على أَنَّ أَلْ في (المنفعة) جنسيةٌ، فهو بمنزلة النكرة، والسينُ والتاءُ في (الاستكثار) زائدتان أو للطلب؛ أي: وا نما يُرْجَى حصولُها في الاستكثار (من هذا الشَّأْنِ) والفنِّ، يعني: عِلْمَ الحديث. قال النوويُّ: (والمرادُ من عِلْم الحديث: تحقيقُ معاني المتون، وتحقيقُ علم الإِسناد، ومعرفةُ المُعَلَّل منه، لا مُجرَّدُ السماع والإِسماع والكتابة، والمرادُ بالإِكثارِ منه: الاعتناءُ بتحقيقه، والبحثُ عن خَفِيِّ معاني المتون وعِلَلِ الأسانيد، والفِكْرُ في ذلك، ودوامُ الاعتناء به، ومراجعةُ أهل المعرفة به، ومطالعةُ كُتُبِ أهل التحقيق فيه، وتقييدُ ما حَصَّلَ من نفائسه وغيرها، فيحفظُها الطالب بقَلْبِه، ويُقَيِّدُها بالكتابة، ثم يُدِيمُ مطالعةَ ما كتَبَه، ويتحرَّى التحقيق فيما يكتبُه ويَتَثبَّتُ فيه، فإنه فيما بعد ذلك يصيرُ معتمدًا عليه، ويُذَاكِرُ بمحفوظاته مِنْ ذلك منْ يشتغل بهذا الفنّ، سواءٌ كان مِثْلَه في المرتبة أو فوقَه أو تحتَه؛ فإنَّ بالمذاكرة يثبتُ المحفوظ ويتحرَّرُ ويتأكدُ ويتقرَّرُ ويزدادُ بحسب كثرة المذاكرة، ومذاكرةُ حاذِقٍ في الفن ساعةً أنفعُ من المطالعة والحفظ ساعاتٍ بل أيامًا. ولْيَكُنْ في مُذاكراتِه متحرِّيًا الإِنصافَ، قاصدًا الاستفادةَ أو الإفادةَ، غيرَ مُتَرَفِّعٍ على صاحبه بقَلْبه ولا بكلامه، ولا بغير ذلك من حالهِ، مُخَاطِبًا له بالعبارةِ الجميلةِ اللّينةِ، فبهذا ينموَ عِلْمُه، وتَزْكُو محفوظاتُه، والله أعلم) اهـ (¬1) وقوله: (وجَمْعِ المُكَرَّرات) معطوفٌ على (الاستكثار). وقوله: (منه) أي: من هذا الشأن والعلم. وقولهُ: (لخاصَّةٍ من الناس) متعلِّقٌ بـ (يُرْجَى) أي: وإِنما يُرْجَى حصولُ بعض المنفعةِ والفائدةِ في الاستكثار من هذا العلم وفي جميع الأحاديث المُكَرَّرات منه لخاصَّةٍ من الناس الذي هو ضدُّ العامة، وبيَّنَ الخاصَّةَ بقوله: حالة كون الخاصَّة ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 47 - 48).

مِمَّنْ رُزِقَ فِيهِ بَعْضُ التَّيَقُّظِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِأَسْبَابِهِ وَعِلَلِهِ، فَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ يَهْجُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (مِمَّنْ رُزِقَ) وأُعْطِيَ (فيه) أي: في هذا العلم (بعضَ التيقُّظِ والمعرفةِ)، أو الكائن ذلك الخاصّ ممَّن رُزِقَ وأُعْطِيَ في هذا العلم شيئًا من التيقُّظ والتنبُّه على غوامضه، وشيئًا من المعرفة والإِدراك (¬1) (بأسبابهِ وعِلَلِه) أي: بأسباب هذا العلم وعِلَلِه (¬2). والمرادُ بـ (أسبابه): الواقعةُ التي وَرَدَ فيها الحديثُ، والمرادُ بـ (عِلَلِه): أسبابٌ خَفِيَّةٌ تقتضي ضَعْفَ الحديثِ مع أَن ظاهرَه السلامةُ منها، وتَقَعُ تارةً في الإسناد وهو الأكثرُ، وتارةً في المتن. قال ابنُ الصلاح: (معرفةُ عِلَلِ الحديثِ من أَجَلِّ علوم الحديث وأَدَقِّها وأَشْرَفِها، وإِنما يَضْطَلعُ بذلك أهلُ الحِفْظِ والخِبْرَةِ والفَهْمِ الثاقب) اهـ (¬3) وسيأتي بيانُ حقيقة المُعَلَّل وبيانُ كونِ جَمْعِ طُرُقِ الحديث يُسْتَعَانُ به على معرفة عِلَلِه. (فذلك) الخاصُّ الذي رُزِقَ فيه بعضَ التيقُّظِ والمعرفةِ، وفي "السنوسي": (الإِشارةُ إِمَّا راجعة إِلى مَنْ رُزِقَ بعضَ التيقُّظ أو إِلى خاصَّةٍ من الناس بتأويله يالمذكور) (¬4). (إنْ شاءَ اللهُ) سبحانه وتعالى هُجُومَه على الفائدة، وعَلَّقَ بالمشيئة؛ امتثالًا للآية السابقة. (يَهْجُمُ) بضم الجيم من باب دخل؛ أي: يُقْدِمُ ويقع، وفي "المختار": ¬

_ (¬1) قال السنوسي: (قولُه: ممَّنْ رُزِقَ بعضَ التيقُّظ" بيانٌ للناس أو لخاصَّة، فمِنْ لبيان الجنس؛ أي: الذين رُزقوا، فعَلَى أنها بيانٌ للناس: لا يكون كُل مَنْ رُزِقَ بعضَ التيقُّظ ينفعه الاستكثارُ، عامًّا لكُل مَنْ رُزِقَ بعضَ التيقُّظ". "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 8). (¬2) قال السنوسي: (والضميرُ في "أسبابه وعِلَلِه" يعودُ على السقيم، وَيصِحُّ عَوْدُ الضمير في أسبابهِ على التيقُّظ، إلا أنه يلزم عليَه تفكيك الضمائر؛ إِذ الضميرُ في عِلَلِه لا يَصِحُّ فيه ذلك). (المصدر السابق). (¬3) "علوم الحديث" (ص 81) في النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلَّل. (¬4) "مكمل إكمال الإِكمال" (1/ 8).

بِمَا أُوتِيَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ جَمْعِهِ، فَأَمَّا عَوَامُّ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ بِخِلَافِ مَعَانِي الْخَاصِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (هَجَمَ على الشيء بَغْتةً من باب دَخَلَ، وهَجَمَ غَيرَه يتعدَّى ويلزم، وهَجَمَ الشتاءُ: دَخلَ، وهَجْمَةُ الشتاءِ: شِدَّةُ بَرْدِه، وهَجْمَة الصيفِ: حَرُّهُ) اهـ وقال النوويُّ: (هو بفتح الياء وكسر الجيم، هكذا ضبطناه، وهكذا هو في نُسَخِ بلادنا وأصولها، وذَكَرَ القاضي عِيَاضٌ أنه رُوي كذا، ورُوي "ينهجم" بنون بعد الياء. ومعنى "يَهْجُمُ": يَقَعُ عليها وينال بُغْيَتَهُ منها، قال ابنُ دُريد: انْهَجم الخباءُ إِذا وَقَعَ) (¬1). (بما أُوتِيَ) وأُعْطِيَ (منْ ذلك) التيقُّظِ؛ أي: بسبب ما أعطاهُ اللهُ سبحانه من ذلك التيقُّظِ والمعرفةِ، وفي "السنوسي": (الباء سببيةٌ، والإِشارةُ راجعةٌ إِلى بعض التيقُّظِ والمعرفة، أو إِلى نفس التيقُّظ والمعرفة، وهو أظهر، و"مِنْ" على الأول لبيان الجنس، وعلى الثاني للتبعيض، والله تعالى أعلم) اهـ (¬2) (على الفائدةِ) والمنفعةِ الكائنةِ (في الاستكثارِ مِنْ جَمْعِهِ) أي: في الإِكثار من جَمْعِ مُكَرَّراته؛ أي: مُكَرَّرات هذا العلم، ويبلغ إِلى تلك الفائدة وينال بُغْيَتَه منها. قال السنوسي: (وحاصلُ ما أشارَ إِليه الإِمامُ مسلمٌ رحمه الله تعالى: أَنَّ الصحيحَ القليلَ أعونُ على المقصود من الضبط والتفهُّم والدِّراية، بخلاف الكثير؛ فإنه يُوجبُ تَشَتُّتَ البالِ والسآمةَ، لا سيَّما إِنْ قَصُرَتْ درجتُه، وبالجملة: فليس العلمُ بكَثرة الرواية، وكثيرًا ما اشتغل بعضُ الناس بمُجَرَّدِ التكاثُر ففاته خيرٌ كثير حتى مات على أَرْدَأ جَهْلٍ، والعياذُ بالله) اهـ (¬3). (فأمَّا عَوَامُّ الناسِ الذين) لم يُرْزَقُوا بعضَ التيقُّظِ والمعرفِةِ في هذا الفنّ: فـ (هُمْ) موصوفون (بخلافِ) أي: بضِدّ (معاني الخاصّ) وأوصافه الكائن ذلك ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 47)، و "إكمال المعلم" (1/ 89). (¬2) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 8). (¬3) المصدر السابق.

فصل في ذكر نبذة من أقسام الحديث وبيان أنواعه

مِنْ أَهْلِ التَّيَقُّظِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَلَا مَعْنَى لَهُمْ فِي طَلَبِ الْكَثِيرِ، وَقَدْ عَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَةِ الْقَلِيلِ» ـــــــــــــــــــــــــــــ الخاصّ (مِنْ أهلِ التيقُّظِ والمعرفةِ) فيه وأصحابهما (. . فلا مَعْنَى لهم) أي: فلا فائدةَ لهؤلاءِ العوامّ المذكورين (في طَلَبِ) جَمْع (الكثيرِ) من هذا العلم (و) الحالُ أنهم (قد عَجَزُوا عن معرفةِ القليلِ) منه، ولم يقدروا على إِدراكه فضلًا عن الكثير منه. قال السنوسي (¬1): (قوله: "وقد عَجَزُوا لا هو بفتحِ الجيم في الماضي وكسرِها في المستقبل، وهي اللغةُ الفصيحة، وحَكَى الأصمعي لغةً أُخرى بعكس الأُولى، وفي القرآن: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} فجاء على اللغة الفصيحة). فصل في ذكر نبذة من أقسام الحديث وبيان أنواعه (¬2) قال ابنُ الصلاح: (الصحيح من الحديث: هو الحديث المُسْنَدُ الذي يَتَّصِلُ إِسنادُه بنَقْلِ العَدْلِ الضابطِ عن العَدْلِ الضابطِ إِلى مُنتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا مُعَلّلًا) (¬3). وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسَل والمُنْقَطِع والمُعْضَل والشاذّ، وما فيه علّةٌ قادحةٌ، وما في راويه نوعُ جَرْح. أمَّا الحسن: فهو قسمان: أحدهما: الحديثُ الذي لا يخلو رجالُ إِسناده من مستورٍ لم تتحقَّق أهليتُه، غيرَ أنه ليس مُغَفَّلًا كثيرَ الخطإ فيما يرويه، ولا هو مُتَّهمٌ بالكذب في الحديث، ويكون متنُ الحديث مع ذلك قد عُرِفَ بأنْ رُويَ مِثْلُه أو نحوُه من وجهٍ آخرَ أو أكثرَ حتى اعْتَضدَ، فيَخْرُجُ بذلك عن أن يكون شاذًّا ومنكرًا، وكلامُ الترمذي على هذا القسم يُتنزّل. ¬

_ (¬1) "مكمل إِكمال الإكمال" (1/ 8)، واختصره من كلام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 48). (¬2) ذكره الإِمام السنوسي في "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 6 - 8)، وهو مختصرٌ من كلام الإِمام ابن الصلاح في "علوم الحديث". (¬3) "علوم الحديث" (ص 10، 27 - 28، 32، 33، 35، 37 - 38، 89 - 90، 69 - 71، 81 - 83، 84 - 85، 47، 52 - 53، 54).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصِّدْقِ والأمانةِ غيرَ أنه لم يَبْلُغْ درجةَ رجال الصحيح؛ لكونه يَقْصُرُ عنهم في الحفظ والإِتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حالِ مَنْ يُعَدُّ ما يَتَفَرَّدُ به من حديثه منكرًا، ويُعْتَبَرُ في كل هذا -مع سلامة الحديث من أنْ يكونَ شاذًّا ومنكرًا- سلامتُه من أن يكون مُعَلّلًا، وعلى القسم الثاني يتنزّل كلام الخَطَّابي. وكتابُ أبي عيسى التِّرمذي رحمه الله تعالى أصلٌ في معرفة الحديث الحَسَن، وهو الذي نَوَّهَ باسمه وأَكْثَرَ من ذِكْره في "جامعه" (¬1)، ومن مَظَانِّه "سننُ أبي داود". وفي قول الترمذيِّ وغيرِه: (هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ) إِشكالٌ؛ لأن الحَسَنَ قاصرٌ عن الصحيح، ففي الجَمْعِ بينهما جَمْعٌ بين نَفْي ذلك وإِثباتِه، وجوابُه: أَنَّ ذلك راجعٌ إِلى الإسناد، فإذا رُويَ الحديثُ الواحدُ بإسنَادين أحدهما إِسنادٌ حَسَنٌ والآخرُ إِسنادٌ صحيحٌ. . فالمعنى أنه حَسَنٌ بالنِّسْبة إِلى إِسنادٍ، صحيحٌ بالنسبة إِلى إِسنادٍ آخر، أو أرادَ بالحَسَن معناه اللُّغَويّ، وهو ما تميلُ إِليه النفْسُ ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي. واعلم: أَنَّ الضعيفَ من الحديث: هو كُلُّ حديثٍ لم يجتمع فيه صفاتُ الحديثِ الصحيحِ ولا صفاتُ الحديث الحَسَن المذكوراتُ فيما تقدَّم، وتدخل تحته أقسامٌ كثيرةٌ نَفَاها أبو حاتم بن حِبَّان إِلى تسعةٍ وأربعين قسمًا، منها: الموضوع، والمقلوب، والشاذّ، والمُعَلَّل، والمُضْطَرِب، والمُرسَل، والمُنْقَطِع، والمعضَل، والمنكَر، إِلى غير ذلك من الأقسام المذكورة في علم الحديث. فالموضوع: شَرُّ الأحاديث الضعيفة، وحقيقتُه: هو المُخْتَلَقُ المصنوعُ، ولا تَحِلُّ روايتُه لأحدٍ في أيّ معنىً كان إِلَّا مقرونًا ببيان وَضْعِه، بخلاف غيره من ¬

_ (¬1) زاد الإِمام ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص 32): (ويوجَدُ في متفرّقاتٍ من كلام بعضِ مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما) اهـ، وهذا يُفِيدُ أَن ذكر الحديث الحَسَن انتشر وشاع قبل زمان الإِمام الترمذي، ولكن الإِمام الترمذي هو الذي شهره ونوّه بذِكْرِه واستعمله بكثرةٍ في كتابه، والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث الضعيفة التي تحتملُ الصِّدْقَ في الباطن حيث جازَ روايتُها في الترغيب والترهيب. ويُعرف وَضْعُ الحديث بإِقرارِ وَضعِه، أو ما يتنزَّل منزلتَه من قرينةِ حال الراوي والمَرْويّ، فقد وُضِعَتْ أحاديثُ طِوالٌ يَشْهَدُ بوَضْعِها ركاكةُ ألفاظِها ومعانيها، والواضعون أصنافٌ، وأعظمُهم ضررًا قومٌ منسوبون إِلى الزُّهْدِ، وَضَعُوا الحديثَ احتسابًا فيما زَعَمُوا فتقَبَّلَ الناسُ موضوعاتِهم. وأمَّا المقلوب: فهو نَحْوُ حديثٍ مشهورٍ عن سالم جُعل عن نافع؛ ليصيرَ بذلك غريبًا مرغوبًا فيه. قال ابنُ الصلاح: (وكذلك ما رُوِّينا: أَنَّ البُخَارِيَّ رحمه الله تعالى قَدِمَ بغدادَ، فاجتمعَ قَبْلَ مجلسهِ قومٌ من أصحاب الحديث وعَمَدُوا إِلى مائة حديثٍ فَقَلَبُوا متونَها وأسانيدَها، وجعلوا متنَ هذا الإِسناد لإِسنادٍ آخر، وإسنادَ هذا المتن لمتنٍ آخر، ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه، فلمَّا فَرَغُوا من إِلقاء تلك الأحاديث المقلوبة. . الْتَفَتَ إِليهم، فَرَدَّ كُلَّ متنٍ إِلى إِسناده، وكُلَّ إِسنادٍ إِلى مَتْنِه، فَأَذْعَنُوا له بالفَضْلِ) (¬1). وأمَّا الشاذُّ: فعن الشافعي: ليس معناه أن يرويَ الثقةُ ما لا يروي غيره، وإِنما الشاذُّ أنْ يرويَ الثقةُ حديثًا يُخَالِفُ ما روى الناسُ. وحكى الحافظُ أبو يعلى الخليليُّ نحوَ هذا عن جماعةٍ من أهل الحجاز، ثم قال: الذي عليه حُفَّاظُ الحديثِ: أَنَّ الشاذَّ من الحديث ما ليس له إِلا إِسنادٌ واحدٌ يَشُدُّ بذلك شيخٌ، ثقةً كان أو غيرَ ثقة، فما كان عن غير ثقةٍ. . فمتروكٌ لا يُقبل، وما كان عن ثقةٍ. . يُتوَقَّفُ فيه ولا يُحْتَجُّ به. وذَكَرَ الحاكمُ: (أَنَّ الشاذَّ هو الحديثُ الذي يَنْفَرِدُ بهِ ثِقَةٌ من الثقات، وذَكَرَ أنه ¬

_ (¬1) "علوم الحديث" (ص 91)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عقب إِيراده هذه القصة: (قلتُ: هنا نخضع للبُخاري، فما العجب من رَدَّه الخطأ إِلى الصواب، بل العجب من حفظه للخطإ على ترتيبِ ما ألقوه عليه من مرّةٍ واحدة) "تغليق التعليق" (5/ 415).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يغاير المُعَلّل مِن حيثُ إِنَّ المعلّلَ وُقِفَ على علّتِه الدَّالةِ على جهة الوَهَم فيه، والشاذَّ لم يُوقَفْ فيه على ذلك) (¬1). قال ابنُ الصلاح: (أمَّا ما حَكَمَ بهِ الشافعيُّ بالشذوذ. . فلا إِشكال في أنه شاذٌ غيرُ مقبول، وأمَّا ما حُكِيَ عن غيرهِ. . فيُشكل بما يَنْفَرِدُ به العَدْلُ الحافظُ الضابطُ كحديث: "إِنما الأعمال بالنيات"؛ فإنه حديثٌ قد تَفَرَّدَ بهِ عُمَرُ بن الخَطَّاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تَفَرَّد به عن عُمَرَ: علقمةُ بن وَقَّاص، ثم عن علقمة محمدُ بن إِبراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد) (¬2). فهذا وأشباهُهُ يُبيِّنُ لك أنه ليس الأمرُ في ذلك على الإِطلاق الذي أَتَى به الخليليُّ والحاكمُ، بل الأمرُ في ذلك على تفصيلِ نُبَيِّنُه فنقول: إِذا انفردَ الراوي بشيءٍ. . يُنْظَرُ فيه: فإِنْ كان ما انْفَرَدَ به مخالفًا لما رواه مَنْ هو أَوْلَى منه بالحفظِ لذلك وأضبط. . كان ما انفردَ به شاذًّا مردودًا. وإِنْ لم تَكُنْ فيه مخالفةٌ لما رواه غيرهُ، وإِنما هو أمرٌ رواه هو ولم يَرْوه غيرُه. . فيُنْظَر: فإنْ كان عَدْلًا حافظًا موثوقًا بإِتقانهِ وحفظهِ. . قُبِلَ ما انْفَرَدَ بهِ، ولم يَقْدَح الانفرادُ فيه. وإِنْ لم يَكُنْ ممَّنْ يُوثَقُ بحِفْظِهِ وإِتقانهِ لذلك الذي انْفَرَدَ به. . كان انفرادُهُ به مُزَحْزِحًا له عن حَيِّزِ الصحيح. ثمَّ هو بعدَ ذلك دائرٌ بين مراتبَ متفاوتةِ بحَسَبِ الحال فيه، فإن كان المنفردُ به غيرَ بعيدٍ من درجة الحافظِ الضابط المقبولِ تفرُّده. . اسْتَحْسَنَّا حديثَه ذلك، ولم نَحُطَّهُ إِلى قَبيل الحديث الضعيف، وإِنْ كان بعيدًا من ذلك. . رَدَدْنا ما انْفَرَدَ به، وكانَ من قَبيلِ الشاذّ المنكر. ¬

_ (¬1) "معرفة علوم الحديث" (ص 119). (¬2) "علوم الحديث" (ص 69 - 71).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيظهرُ بذلك أَن الشَّاذَّ المردودَ قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف. والثاني: الفَرْدُ الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يَقَعُ جابرًا لِمَا يُوجبُهُ التفرُّدُ والشُذُوذُ من النكارة والضَّعْف. وأمَّا المُنكَر: فهو الشاذُّ المردود. وأمَّا المُعَلَّل -ويُسمِّيه أهلُ الحديث المعلولَ؛ وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: العِلَّة والمعلول، مَرْذُولٌ عند أهلِ العربيةِ واللغة-: فهو الحديثُ الذي اطُّلِعَ فيه على عِلَّةِ تَقْدَحُ في صحتهِ مع أَنَّ ظاهرَه السلامةُ منها، ويتطرقُ ذلك إِلى الإِسنادِ الذي رجالهُ ثِقاتٌ، الجامعِ شروطَ الصحة من حيث الظاهرُ، ويُسْتَعانُ على إِدراكها بتفرُّدِ الراوي وبمخالفةِ غيره له مع قرائنَ تنضمُّ إِلى ذلك تُنَبِّهُ العارفَ بهذا الشأن على إِرسالِ في الموصول، أو وَقْفٍ في المرفوع، أو دخولِ حديثٍ في حديثٍ، أو وَهَمِ واهمٍ بغير ذلك. وكثيرًا ما يُعلّلون الموصولَ بالمرسل، مثل: أنْ يجيءَ الحديثُ بإسنادٍ موصولٍ، ويجيءَ أيضًا بإسنادٍ منقطعِ أقوى من إِسناد الموصول، ولهذا اشْتَمَلَتْ كُتُبُ عِلَلٍ الحديث على جَمْعِ طُرُقِه. قال الخطيبُ أبو بكر: السبيلُ إِلى معرفة علّة الحديث: أنْ يُجْمَعَ بين طُرُقهِ، ويُنْظَرَ في اختلافِ رُوَاتِهِ، ويُعتبر بمكانِهم في الحفظ ومنزلتِهم في الإِتقان والضبط. ورُوي عن عليّ بن المَدِيني قال: (البابُ إِذا لم يُجْمَعْ طُرُقُهُ لم يَتَبيَّنْ خطؤُه) (¬1). ثم قد تَقَعُ العِلَّةُ في إِسناد الحديث وهو الأكثر، وقد تَقَعُ فِي مَتْنِهِ، ثم ما يَقَعُ في الإِسناد قد يَقْدَحُ في صِحَّة الإسنادِ والمتنِ جميعًا كما في التعليل بالإِرسال والوقف، وقد يَقْدَحُ في صحَّةِ الإسناد خاصَّةً من غير قَدْحٍ في صحة المتن. ومن أمثلة ما وقعت العلّةُ في إِسناده من غير قَدْحٍ في المتن: ما رواه الثقةُ يَعلي بن ¬

_ (¬1) انظر "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 270) (مبحث كتب الطرق المختلفة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيدِ عن سفيان الثَّوْري عن عَمْرو بن دِينارٍ عن ابن عُمَرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيِّعانِ بالخِيارِ. . ." الحديث، فهذا إِسنادٌ مُتَّصلٌ بنقْلِ العَدْل عن العَدْل، وهو معلَّل غير صحيح، والمتنُ على كُلِّ حالٍ صحيحٌ، والعِلَّةُ في قوله: (عن عَمْرو بن دينار)، إِنما هو (عن عبد الله بن دينار)، كذا رواه الأئمَّةُ من أصحاب سفيان عنه، فوَهِمَ يَعلي بن عبيدِ في العُدُول إِلى عَمْرو بنِ دينارِ وإِنْ كان أيضًا ثقةً. ومثالُ العلَّة في المتن: ما انْفَرَدَ بهِ مسلمٌ بإخراجه في حديث أنسٍ من اللفظ المُصَرِّح بنَفْي قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فعَلَّل قوم روايةَ اللفظ المذكور لمَّا رأَوا الأكثرين إِنما قالوا فيه: فكانوا يستفتحون القراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} من غير تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ البسملة، وهو الذي اتَّفَقَ البخاريُّ ومسلم على إِخراجه في "الصحيح"، ورأَوْا أَن مَنْ رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وَقَعَ له، ففَهِمَ مِنْ قوله: كانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أنهم كانوا لا يُبَسْمِلُون، فرواه كما فَهِمَ وأَخطأَ؛ لأن معناهُ: أَن السورة التي كانوا يستفتحون بها من السُّوَر هي الفاتحة، وليس فيه تَعَرُّضٌ لذِكْرِ التسمية. وانْضَمَّ لذلك أمورٌ، منها: أنه ثَبَتَ عن أنسٍ أنه سُئِلَ عن الافتتاح بالتسمية فذَكَرَ أنه لا يَحْفَظُ فيه شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمَّا المُضْطَرِبُ من الحديث: فهو الذي تختلف الروايةُ فيه، فيرويه بعضُهم على وَجْهٍ، وبعضُهم على وَجْهٍ آخَرَ مخالفٍ له، وإِنما يُسَمَّى مضطربًا إِذا تساوت الروايتان، أمَّا إِذا تَرَجَّحَتْ إِحداهما بحيث لا تُقاومها الأُخرى. . فالحكمُ للراجحة، ولا يُطْلَقُ عليه حينئذٍ وصفُ المضطرب ولا له حُكْمُه. ثم قد يقعُ الاضطرابُ في متن الحديث، وقد يقعُ في الإسناد، وقد يقعُ ذلك من راوٍ واحدٍ، وقد يقعُ من رواةٍ، والاضطرابُ مُوجِبٌ لضعف الحديث؛ لإِشعاره بأنه لم يُضْبَطْ. وأما المُرْسَلُ: فقيل: هو قول التابعي مطلقًا: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، وقيلَ بقَيدِ أن يكون التابعيُّ كبيرًا، وهو الذي لَقِيَ جُمْلَةً من الصحابة وجَالسَهُم.

ثُمَّ إِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ مُبْتَدِئُونَ فِي تَخْرِيجِ مَا سَأَلْتَ وَتَأْلِيفِهِ، عَلَى شَرِيطَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: المُرْسَلُ ما سَقَطَ من إِسناده راوٍ فأكثرُ مطلقًا، وحاصله قولان. وأمَّا المُنْقَطعُ: فقال الحاكم: هو الإِسنادُ الذي يسقط منه راوٍ قبلَ الوصول إِلى التابعي، ويُطْلَقُ أيضًا على ما ذُكِرَ فيه بعضُ رواته بلفظٍ مُبْهَمٍ نحو: عن رجلٍ أو شيخٍ أو غيرِهما، وقال أبو عُمر بن عبد البرّ: (المرسلُ مخصوصٌ بالتابعين، والمنقطعُ أعمُّ منه، وهو كُلُّ ما لا يَتَّصِلُ إِسنادهُ) (¬1). وأمَّا المُعْضَل -بفتح الضاد-: فهو عبارةٌ عمَّا سَقَطَ من إِسناده اثنان فصاعدًا، وهو أَخَصُّ من المنقطع، فكُلُّ معضَلٍ منقطعٌ، وليس كُلُّ منقطعٍ مُعْضَلًا، قال ابنُ الصلاح (¬2): (وأصحابُ الحديث يقولون: أعضله فهو معضَل بفتح الضاد، وهو اصطلاحٌ مُشْكِلُ المأخذ من حيث اللغةُ، وبَحَثْتُ فوجدتُ له قولَهم: أَمْرٌ عَضِيلٌ؛ أي: مُسْتَغْلِقٌ شديدٌ، ولا التفاتَ في ذلك إِلى مُعْضِل بكسر الضاد وإن كان مِثْلَ عَضِيل في المعنى) اهـ سنوسي. ثم وَعَدَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى بما سيذكره في كتاب الإِيمان إِلى آخر الكتاب وبَيَّنَ طريقتَه في ذلك فقال: (ثُمَّ) بعد ما تقدَّم لك نَذْكُرُ ونقولُ: (إنَّا) نحن (إنْ شاءَ اللهُ) تعالى ابتداءَنا وشروعَنا فيما سيأتي (مُبْتَدِئوُن) أي: مفتتحون وشارعون (في تخريجِ) أي: في تلخيصِ وبيانِ (ما سألتَ) أيها الطالب تلخيصَه وبيانَه لك من جملة الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُقال: خَرَّج الشيءَ تخريجًا إِذا بَيَّنَ له وجهًا، وخرَّج اللبنَ إِذا أَخْرَجَ زُبْدَه وخلاصتَه، (و) شارعون في (تأليفِه) أي: في تأليفِ وجَمْعِ ما سألتَني جَمْعَه لك في كتابٍ مُؤَلَّفٍ من جملة الأخبار المأثورة. وقولُه: (على شَرِيطَةٍ) تنازَعَ فيه كُلٌّ من التخريج والتأليف، والشريطةُ لغةٌ في الشرط، معناها: إِلزامُ الشيء والتزامُه، يُقال: شَرطَ عليه كذا إِذا ألزمه، وشَرَطَه على نفسه إِذا التزمه، يَشرِطُه ويَشرُطُه بكسر الراء وضمّها لغتان، وجمع الشريطة: ¬

_ (¬1) "التمهيد" (1/ 19 - 21). (¬2) "علوم الحديث" (ص 54).

سَوْفَ أَذْكُرُهَا لَكَ، وَهُوَ إِنَّا نَعْمِدُ إِلَى جُمْلَةِ مَا أُسْنِدَ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَقْسِمُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شرائط، وجمع الشَّرْط: شُرُوط (¬1). وجملةُ قولهِ: (سوف أَذْكُرُها) وأُبيِّنُها (لكَ) قريبًا متصلًا بهذا الكلام، و (سوف) هنا بمعنى السين التي للاستقبال القريب في محلّ الجرّ صفة لشَرِيطةٍ. والمعنى: ثم إِنَّا شارعون في تخريج ما سألتَنيه وفي تأليفهِ حال كونه مقيّدًا بقيدٍ سأذكره لك متّصلًا بهذا الكلام؛ أي: مشتملًا على قيدٍ التزمتُه في ذلك التأليف. (وهو) أي: ذلك الشرطُ، وذَكَّرَ الضميرَ؛ لأنَّ التاءَ فيه ليستْ للتأنيث بل هي تاء المصدر؛ أي: وذلك الشرطُ ما يتضمّنه قولي (إنَّا) نحن (نَعْمِدُ) ونقصدُ في تأليفنا هذا (إِلى) ذِكْرِ (جُمْلَةِ) وبعضِ (ما أُسْنِدَ) ورُويَ بسندٍ متّصل من أوله إِلى آخره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالةَ كونهِ (من الأخبارِ) والأحاديثِ المرفوعةِ إِليه صلى الله عليه وسلم. وقوله: (نَعْمِدُ) بكسر الميم من باب ضَرَبَ، يُقال: عَمَدَ إِلى الشيء يَعْمِدهُ إِذا قصده واهْتَمَّ به. قال النووي: (وليس المرادُ بالجملة جميعَ الأخبار المُسْندةِ؛ لِمَا عُلِمَ أنه لم يذكر الجميعَ بل ولا النِّصْف؛ لأنه قد قال: ليس كُل حديثٍ صحيحٍ وضعتُه ها هنا) (¬2). وقولُه: (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) متعلق بـ (أُسْنِدَ). وقولهُ: (فنقْسِمُها) معطوفٌ على (نَعْمِدُ) أي: نقسمُها باعتبار صحّتِها وضعفِها ونجعلُها (على ثلاثةِ أقسامٍ) وأنواع: الأولُ: ما رواه الحُفَّاظُ الْمتقِنُون. ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 48)، و"مكمل إكمال الإكمال" (1/ 9). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 48).

وَثَلَاثِ طَبَقَاتٍ مِنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: ما رواه المستورون المتوسّطون في الحِفْظ والإِتقان. والثالث: ما رواه الضعفاء المتروكون. وأنه إِذا فَرَغَ من القسم الأول. . أَتْبَعَه الثانيَ، وأمَّا الثالث. . فلا يُعَرِّجُ عليه كما سيذكره فيما بعدُ. (و) نَقْسِمُها باعتبار حالِ رواتِها على (ثلاثِ طَبَقاتٍ) ودرجاتٍ كائناتٍ (من النَّاسِ) الراوين لها، الأول منها: الحُفَّاظ الْمُتقِنُون، والثاني: الحُفَّاظُ المستورون، الثالث: الضعفاء المتروكون. والطبقاتُ جمعُ طبقةِ، وهم القوم المتشابهون من أهل العصر الواحد (¬1). قال السنوسي: (وقد اختلف العلماءُ في إِتيانه في هذا الكتاب بالقسمين الأولين، فقال الإِمامان الحافظان أبو عبد الله الحاكمُ وصاحبُه أبو بكرٍ البيهقيُّ رحمهما الله تعالى: إِنَّ المنيَّة اخْتَرَمَتْ مسلمًا رحمه الله تعالى قبل إِخراج القسم الثاني، وإِنه إِنما ذَكَرَ القسمَ الأولَ فقط) (¬2). وذَهَبَ القاضي عِيَاضٌ (¬3) رحمه الله تعالى إِلى أنه أَتَى في أبواب هذا الكتاب ¬

_ (¬1) وقال العلامة محمد عبد الحيّ اللكنوي: (والطبقةُ عند أصحاب هذا الفنّ: عبارةٌ عن جماعةٍ اشتركوا في السنّ -ولو تقريبًا- ولُقِيِّ المشايخ، بأن يكون شيوخُ هذا شيوخَ ذلك، أو يُماثِل، وربما اكْتَفَوْا بالاشتراك في التلاقي) ثم أفاض في بيان طبقات الصحابة والتابعين واختلاف العلماء في تقسيمها باعتبارات معيّنة. "ظفر الأماني" (ص 94). (¬2) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 9)، و"المدخل إلى الصحيح" (ص 112)، وقال الإِمام أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى: (وظاهرُ هذا: أَنَّ مسلمًا أَدْخَلَ في كتابه الطبقتَين المتقدمتَين: الأولى والثانية، غيرَ أَن أبا عبد الله الحاكم قال: "إِنَّ مسلمًا لم يُدخل في كتابه إلا أحاديث الطبقة الأولى فقط، وأمَّا الثانية والثالثة. . فكان قد عَزَمَ على أن يُخرج حديثهما فلم يُقَدَّرْ له إِلا الفراغ من الطبقة الأولى واخترمته المنيَّة. . ." ومساقُ كلامه لا يقبل ما قاله الحاكم، فتأمله) "المفهم" (1/ 102). (¬3) "إِكمال المعلم" (1/ 86 - 87).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بحديث الطبقتَين الأُوليَين، وأتَى بأسانيد الثانية منهما على طريق الإِتباعِ للأولى والاستشهادِ بها، أو حيث لم يَجِدْ في الباب من الأولى شيئًا، وكأَنَّ الحاكمَ تأوَّلَ أنه إِنما أراد أنْ يُفْرِدَ لكُلِّ طبقةِ كتابًا ويأتي بأحاديثها خاصَّة منفردةً، وليس ذلك مرادَه (¬1). ¬

_ (¬1) وقال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (12/ 575 - 577) ما نصُّه: (قال الحافظ أبو القاسم ابنُ عساكر في أول "الأطراف" له بعد أنْ ذكر "صحيح البخاري": ثم سلك سبيله مسلمُ بن الحجّاج، فأخذَ في تخريج كتابهِ وتأليفه، وترتيبه على قسمين، وتصنيفه، وقصدَ أن يَذْكُرَ في القسم الأول: أحاديثَ أهلِ الإِتقان، وفي القسم الثاني: أحاديثَ أهل السَّتْرِ والصدقِ الذين لم يبلُغوا درجة المتَثَبْتين، فحالت المنيَّةُ بينه وبين هذه الأُمنيّة، فمات قبل استتمام كتابه، غيرَ أن كتابه مع إِعْوازِهِ اشتهَرَ وانتشر. وقال الحاكم: أراد مسلمٌ أن يخرج "الصحيح" على ثلاثة أقسام، وعلى ثلاثِ طبقاتٍ من الرُّواة، وقد ذَكر هذا في صدر خُطبته، فلم يُقدَّر له إِلا الفراغُ من الطبقة الأولى، ومات. ثم ذكر الحاكمُ مقالةً هي مُجرَّد دعوى، فقال: إِنه لا يَذْكُر من الأحاديثِ إلا ما رواه صحابيٌّ مشهورٌ له راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه أيضًا راويان ثقتان فأكثر، ثم كذلك مَن بعدهم، فقال أبو علي الجَيَّاني: المراد بهذا أَن هذا الصحابي أو هذا التابعي قد روى عنه رجلان، خَرَج بهما عن حدِّ الجهالة. قال القاضي عِياض: والذي تَأَوَّله الحاكمُ على مُسلم من اخترام المنيَّة له قبل استيفاء غرضِه إِلا من الطبقة الأولى، فأنا أقول: إِنكَ إِذا نظرتَ في تقسيم مَسلم في كتابهِ الحديث على ثلاثِ طبقاتٍ من الناس على غير تَكرار، فذكر أَن القسمَ الأولَ: حديثُ الحُفّاظ، ثم قال إِذا انقضى هذا. . أتبعْتُه بأحاديثِ مَن لم يُوصف بالحِذق والإِتقان، وذكر أَنَّهم لاحِقون بالطبقة الأولى، فهؤلاء مذكورون في كتابه لمن تَدَبَّر الأبواب، والطبقة الثانية قومٌ تكلَّم فيهم قومٌ، وزكَّاهم آخرون، فخَرَّج حديثَهم عمّن ضُعِّف أو اتُّهم ببدعة، وكذلك فعل البخاريُّ. ثم قال القاضي عِياض: فعندي أَنَّه أتى بطبقاتِه الثلاث في كتابه، وطرح الطبقةَ الرابعة. قلتُ: بل خرَّج حديث الطبقةِ الأولى، وحديثَ الثانية إِلا النَّزْرَ القليل مما يستنكرُه لأهل الطبقة الثانية، ثم خرَّج لأهلِ الطبقةِ الثالثة أحاديثَ ليست بالكثيرة في الشواهدِ والاعتبارات والمتابعات، وقَلَّ أن خَرَّج لهم في الأصول شيئًا، ولو استُوعبتْ أحاديثُ أهلِ هذه الطبقة في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنبيه: عاب عائبون على مسلم روايتَه في "صحيحه" عن جماعةٍ من الضعفاء والمتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا على شرط الصحيح، وأُجيب بأَوْجُهٍ ذَكَرَها ابنُ الصلاح رحمه الله تعالى: الأول: أن يكون ذلك فيمَنْ هو ضعيفٌ عند غيره ثقةٌ عنده، ولا يُقال: الجَرْحُ مُقَدَّمٌ؛ لأنَّ ذلك حيث يكون الجَرْحُ مُفَسَّرَ السببِ. الثاني: أن يكون ذلك واقعًا في المتابعاتِ والشواهدِ لا في الأُصول. الثالث: أن يكون ضَعْفُ الضعيفِ الذي احْتَجَّ به طَرَأَ بعد أَخْذِه عنه. الرابع: أنْ يَعْلُوَ بالشخص الضعيف إِسنادُه، وهو عنده من رواية الثقات نازلٌ، ¬

_ = "الصحيح". . لجاء الكتابُ في حجمِ ما هو مرَّة أخرى، ولنَزَل كتابُه بذلك الاستيعاب عن رُتبة الصحة، وهم كعطاءِ بن السائب، وليث بن أبي سليم، وَيزيد بن أبي زياد، وأبان بن صَمْعَة، ومحمدِ بن إِسحاق، ومحمد بن عَمْرو بن علقمة، وطائفةِ أمثالهم، فلم يُخَرِّج لهم إِلا الحديثَ بعد الحديث إِذا كان له أصلٌ، وإنما يسوق أحاديثَ هؤلاء، ويُكْثِر منها أحمدُ في "مُسنده"، وأبو داود، والنسائي وغيرهم، فإذا انحطُّوا إِلى إِخراج أحاديث الضُّعفاء الذين هم أهل الطبقة الرابعة. . اختاروا منها، ولم يستوعبوها على حسب آرائهم واجتهاداتهم في ذلك. وأما أهل الطبقة الخامسة، كمن أُجْمع على اطِّراحِه وَتَرْكِه لعدم فهمِه وَضَبْطِهِ، أو لكونه مُتَّهمًا. . فيندرُ أن يُخرج لهم أحمدُ والنسائيُّ، ويُورِدُ لهم أبو عيسى فيُبَينه بحسبِ اجتهاده، لكنه قليلٌ، ويُورِدُ لهم ابنُ ماجهْ أحاديثَ قليلة ولا يُبَيِّن، والله أعلم، وقل ما يورِد منها أبو داود، فإنْ أوردَ. . بَيَّنَهُ في غالب الأوقات. وأما أهل الطبقة السادمة كغُلاة الرانضة والجهميَّة الدعاة، وكالكذابين والوضّاعين، وكالمتروكين المهتوكين، كعُمر بن الصُّبْح، ومحمدِ المصلوب، ونوحِ بن أبي مريمٍ، وأحمد الجُوَيباري، وأبي حُذيفة البخاري. . فما لهم في الكتب حرفٌ، ما عدا عُمر؛ فإنّ ابنَ ماجهْ خرَّجَ له حديثًا واحدًا فلم يُصِبْ، وكذا خَرَّج ابن ماجهْ للواقديِّ حديثًا واحدًا، فدَلَّسَ اسمه وأبهمه) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقتصر على العالي، ولا يُطَوِّلُ بإضافة النازل إِليه مكتفيًا بمعرفة أهل الشأن ذلك، والله أعلم. اهـ سنوسي (¬1) فائدة: وجملةُ الضعفاء المتروكين الذين أدخلهم مسلمٌ في "جامعه" على سبيل المتابعة والمقارنة ستةَ عَشَرَ رجلًا: (1) يحيى بن فلان في المقدمة: مجهول، (2) مصعب بن شَيبة: لين الحديث، (3) عِيَاض بن عبد الله الفِهْري المَدَني: فيه لين، (4) الوليد بن أبي الوليد عثمان: فيه لين، (5) زَمْعة بن صالح: ضعيفٌ (¬2)، (6) سُلَيمان بن قَرْم بن معاذ: ضعيف (¬3)، (7) عبد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخطاب: ضعيف، (8) عبد الكريم بن أبي المُخَارِق البصري: ضعيف، (9) عبد الملك بن الربيع بن سَبْرة بن مَعْبَد الجُهني: ضعيف (¬4)، (10) علي بن ¬

_ (¬1) "صيانة صحيح مسلم" (ص 96 - 100)، و"مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 9). (¬2) قال الحافظ المري: (روى له مسلمٌ مقرونًا بمحمد بن أبي حفصة). "تهذيب الكمال" (9/ 389). قلتُ: وحديثه في "صحيح مسلم" (2/ 985) في كتاب الحج (80 - باب النزول بمكة للحاج وتوريث دورها) حديث رقم (1351/ 440). (¬3) قال الحافظ ابن حجر: (ذكره الحاكم في باب من عيب على مسلم إِخراج حديثهم، وقال: غمزوه بالغلوِّ في التشيُّع وسوء الحفظ جميعًا، أعني سُلَيمان بن قَرْم). قلتُ: روى له مسلمٌ حديثًا واحدًا في المتابعات (4/ 2034) في آخر كتاب البرّ والصلة والآداب (50 - باب المرء مع من أحبّ) حديث رقم (2640/ 165). قال الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (16/ 188): (سُلَيمَان بن قَرْم: هو بفتح القاف وإسكان الراء، وهو ضعيف، لكنْ لم يَحْتَجَّ به مسلمٌ بل ذكره متابعة، وقد سبق أنه يذكرُ في المتابعة بعضَ الضعفاء، والله أعلم). (¬4) قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (6/ 393): (وقال أبو الحَسَن بن القطّان: لم تَثْبُتْ عدالتُه، وإِنْ كان مسلمٌ أخرج له. . فغير مُحتَجٍّ به. اهـ، ومسلمٌ إِنما أخرج له حديثًا واحدًا في المُتْعة متابعةً، وقد نبَّهَ على ذلك المؤلِّفُ). يعني الحافظَ المِزِّيَّ في "تهذيب الكمال" (18/ 306 - 307). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد بن جُدْعان: ضعيف (¬1)، (11) عُمر بن حمزة بن عبد الله بن عُمر بن الخطاب: ضعيف (¬2)، (12) محمد بن يزيد بن محمد بن كثير الرفاعي: ضعيف (¬3)، (13) مُجَالِد بنَ سعيد بن عُمَير الهَمْداني: ضعيف (¬4)، (14) النعمان بن راشد الجَزَري: ضعيف ولكن احْتَجَّ به مسلم (¬5)، (15) أبو عَقِيل يحيى بن المتوكل صاحب بُهَيَّة: ضعيف، (16) يزِيد بن أبي زياد القُرشي الكوفي: ضعيف. ¬

_ = قلتُ: وحديثه رواه مسلم في "صحيحه" (2/ 1025) في كتاب النكاح (3 - باب نكاح المتعة. . .) حديث رقم (1406/ 22)، ولفظه: (أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمُتْعة عام الفتح حين دَخَلْنا مكة، ثم لم نَخْرُجْ منها حتى نهانا عنها). (¬1) روى له مسلم في "صحيحه" (3/ 1415) مقرونًا بثابتٍ البُناني في كتاب الجهاد والسير (37 - باب غزوة أحد) حديث رقم (1789/ 100). (¬2) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 83): (وأمَّا تضعيف القاضي عياض لحديث أبي هريرة بعُمر بن حمزة. . فهو مختلَفٌ في توثيقه، ومثلُه يُخْرِجُ له مسلمٌ في المتابعات)، وانظر أيضًا (2/ 497). (¬3) قلتُ: روى له الإِمام مسلم حديثين: أحدهما: في كتاب الزكاة (18 - باب الترغيب في الصدقة قبل أنْ لا يُوجد مَنْ يقبلها) حديث رقم (1013/ 62)، والآخر: في كتاب الفتن وأشراط الساعة (18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء) حديث رقم (157/ 54). وانظر "هدي الساري" (ص 236) و (442). (¬4) قلتُ: روى له مسلمٌ حديثًا واحدًا في "صحيحه" (2/ 1117) في كتاب الطلاق (6 - باب المطلّقة ثلاثًا لا نفقة لها) حديث رقم (42/ 1480) مقرونًا بغيره، فقال: حدثني زُهير بن حرب، حدثنا هُشَيم، أخبرنا سَيَّارٌ وحُصَينٌ ومغيرةُ وأشعثُ ومُجالِدٌ وإِسماعيل بن أبي خالد وداود، كُلُّهم عن الشعبي. قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/ 102): (ومُجَالِدٌ: هو بالجيم، وهو ضعيف، وإنما ذكره مسلمٌ هنا متابعةٌ، والمتابعةُ يدخل فيها بعضُ الضعفاء). (¬5) قلتُ: روى له مسلمٌ في المتابعات، وحديثه في "صحيحه" (4/ 1904) في كتاب فضائل الصحابة (15 - باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام) حديث رقم (2449/ 96).

عَلَى غَيْرِ تَكْرَارٍ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعٌ لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تَرْدَادِ حَدِيثٍ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى، أَوْ إِسْنَادٌ يَقَعُ إِلَى جَنْبِ إِسْنَادٍ، لِعِلَّةٍ تَكُونُ هُنَاكَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الزَّائِدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ حَدِيثٍ تَامٍّ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (على غيرِ تَكْرَارٍ) ولا إِعادةٍ متعلِّقٌ بقوله: (نَعْمِدُ) و (على) فيه بمعنى مِنْ؛ أي: إِنَّا نَعْمِدُ إِلى ذِكْرِ جملة ما أُسْنِدَ من الأخبار من غير تكرارٍ ولا تَرْدَادٍ، ولا إِعادةٍ لتلك الأخبار مرَّةً بعد مرَّةٍ (إلَّا أنْ يأتيَ) ويَقَعَ في الكتاب (مَوْضِعٌ) وَمَحَلٌّ (لا يُسْتَغْنَى فيه) أي: في ذلك الموضع (عن تَرْدَادِ) وتكرار (حديثٍ) موصوفٍ بأنْ يكونَ (فيه) أي: في ذلك الحديثِ (زيادةُ مَعْنىً) وفائدةٍ؛ أي: موصوف بكون معنىً زائد على الحديث السابق فيه. وقولُه: (أو إسنادٌ) بالرفع معطوفٌ على قوله: (موضعٌ) أي: أو يأتي في الكتاب إِسنادٌ لاحقٌ (يَقَعُ) ويذكر (إلى جَنْبِ إسنادٍ) أي: بعد إِسنادٍ سابقٍ. وقولُه: (لِعِلَّةٍ) متعلِّقٌ بـ (يَقَعُ) أي: يذكر ذلك اللاحق بعد السابق لعلةٍ وفائدةٍ (تكونُ) وتُوجَدُ (هُنَاكَ) أي: في الإِسناد اللاحق دون السابق كتصريحه بالسماع والسابقُ مُعَنْعَنٌ، أو في اللاحق عُلُوٌّ وفي السابق نزولٌ. والحاصلُ: أَن التكرارَ تارةً يكونُ للحديث بزيادةٍ فيه، وتارةً يكون للإسناد، وإِن اتَّحَدَ الحديثُ. . ففي هاتين الحالتين يحصل التكرار؛ (لأنَّ المَعْنَى الزائدَ في الحديثِ) اللاحقِ. وقولُه: (المُحْتَاجَ إليه) بالنصب صفةٌ للمعنى، وجملةُ قولهِ: (يقومُ مَقَامَ حديثٍ تامٍّ) في محلّ الرفع خبر أَنَّ؛ أي: وإِنما حَصَلَ التكرارُ حينئذٍ؛ لأنَّ المعنى الزائدَ في الحديثِ الثاني المحتاجَ إِليه في إِثبات حُكْمٍ من الأحكام قائمٌ مقامَ حديثٍ تامٍّ مستقلٍّ في عدم الاستغناء عن ذِكْرِه. (فـ) حينئذٍ (لا بُدَّ) ولا غِنىً (من إعادةِ) وتكرارِ (الحديثِ الذي فيه) أي: في ذلك الحديث (ما وَصَفْنا) هُ وذَكَرناه آنفًا (من الزيادةِ) المحتاجِ إِليها بقولنا: (عَنْ

أَوْ أَنْ يُفَصَّلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ترْدَادِ حديثٍ فيه زيادةُ معنىً). وقولهُ: (أو أنْ يُفَصَّلَ ذلكَ المَعْنَى) الزائدُ المحتاجُ إِليه في محل الجرّ معطوف على (إِعادةِ الحديث) أي: فلا بُدَّ من إِعادة الحديثِ الذي فيه ذلك المعنى الزائدُ بتمامه إِنْ لم يُمكن فَصْلُ ذلك المعنى الزائدِ من بَقِيَّةِ الحديث، بأن كان المعنى الزائدُ متعلِّقًا بالبقية من حيث المعنى أو الإِعرابُ، بحيث يختلُّ البيانُ وتختلُّ الدلالةُ بتَرْكِ بقية الحديث وذكرِ المعنى الزائد فقط، أو من فَصْل ذلك المعنى الزائد (من جُمْلَةِ الحديثِ) وبقيّتهِ، ويُذكر (على) حِدَتِه بلا إِعادة بقية الحديث مع (اختصارِهِ) أي: مع اختصار ذلك المعنى الزائد. والاختصارُ: إِيجازُ اللفظ مع استيفاء المعنى المرادِ، وقيل: رَدُّ الكلام الكثير إِلى القليل الذي فيه معنى الكثير (¬1) (إِذا أَمْكَنَ) فصْلُ ذلك المعنى الزائدِ من بقيّة الحديث، وذلك بأن كان الزائدُ غيرَ متعلِّقٍ بالباقي من حيث المعنى أو الإِعرابُ، بحيث لا يختلُّ البيانُ ولا تختلف الدلالة بتَرْكِه، سواءٌ جَوَّزْنا الروايةَ بالمعنى أم لا، وسواءٌ رواه قَبْلُ تامًّا أم لا. وحاصلُه: أَنَّ الحديثَ المُشْتَمِلَ على معنىً زائدٍ على ما ذُكِرَ أوَّلًا لا بُدَّ من إِعادته تامًّا إِنْ كان للمعنى الزائد منه تعلُّقٌ بما بقي تحقيقًا أو شكًا، أو من ذِكْرِ ذلك المعنى الزائدِ منه وَحْدَه إِنْ أمكنَ قَطْعُه وحدَه اختصارًا؛ لعدم تَعَلُّقِه بما بَقِيَ تحقيقًا (¬2). فائدة: وهذه المسألةُ -أعني روايةَ بعض الحديث- اختلف العلماءُ فيها، فمنهم مَنْ مَنَعَهُ مطلقًا بناءً على مَنْعِ الرواية بالمعنى، ومنَعَه بعضهم وإِن جازت الرواية بالمعنى إِذا لم يكن رواه هو أو غيرُه بتمامه قبل هذا، وجَوَّزَه جماعة مطلقًا، ونَسَبَه القاضي عِيَاضٌ إِلى مسلم، والصحيحُ -الذي ذهب إِليه الجمهورُ والمحققون- التفصيلُ، فيجوزُ ذلك من العارف إِذا كان ما تَرَكَهُ غيرَ مُتَعلِّقٍ بما رواه، سواء جَوَّزْنا الروايةَ بالمعنى أم لا، ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 49). (¬2) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 9 - 10).

وَلَكِنْ تَفْصِيلُهُ رُبَّمَا عَسُرَ مِنْ جُمْلَتِهِ، فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ إِذَا ضَاقَ ذَلِكَ أَسْلَمُ، فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِنْ إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه قبلُ تامًّا أم لا، والمنعُ فيما تعلَّق معناه بالمتروك. هذا إِذا ارتفعتْ منزلتُه عن التُّهمة، فأمَّا مَنْ رواه تامًّا ثم خاف إِنْ رواه ثانيًا ناقصًا أن يُتّهم بزيادةِ أوَّلًا أو بنسيانٍ لغفلةٍ أو قِلَّةِ ضَبْطٍ. . فلا يجوز له النقصان. قال النوويُّ: (وأمَّا تقطيعُ المصنِّفين الحديثَ الواحدَ في الأبواب. . فهو بالجواز أَوْلَى، بَلْ يَبْعُدُ طَرْدُ الخلاف فيه، وقد اسْتَمَرَّ عليهِ عملُ الأئمَّةِ الحُفاظِ الأَجِلَّةِ) (¬1). وحَمَلَ قومٌ قولَ مسلمٍ هنا على مذهب الجمهور من القول بالتفصيل، وهو ظاهر، والله أعلم. اهـ سنوسي (¬2). وقولُه: (ولكنْ تفصيلُهُ رُبَّما عَسُرَ) استدراكٌ على قوله: (أو أَنْ يُفَصَّلَ ذلك المعنى. . . إِذا أَمْكَنَ)؛ رفعًا لتوهُّم ثبوت تفصيله إِذا أمكن مطلقًا؛ أي: سواءٌ عَسُرَ أم لا؛ أي: ولكنْ تفصيلُ ذلك المعنى الزائدِ (من جُمْلَتِه) أي: من جُمْلَةِ الحديثِ وبَقِيَّتِه قد يَعْسُرُ وَيشُقُّ في بعض الأحاديث مع إِمكانه، بأنْ كان الزائدُ مرتبطًا بالباقي، أو يُشكّ في ارتباطه به (¬3). والجارُّ والمجرورُ في قوله: (مِنْ جُمْلَتِه) متعلِّقٌ بالمبتدإ لا بِعَسُرَ كما أشرنا إِليه في الحل. (فإعادتهُ) أي: فحينئذٍ إِعادةُ الحديثِ (بهَيئَتِهِ) أي: بتمامهِ (إذا ضَاقَ ذلك) أي: إِذا عَسُرَ وشَقَّ تفصيلُ الزائدِ من جُمْلَتِه، وهذه الجملة لا حاجةَ إِلى ذِكْرِها فهي حَشْوٌ، (أَسْلَمُ) من الخطإ والزَّللِ، وأَوْضَحُ في البيان والاستدلال. (فأمَّا ما وَجَدْنا بُدًّا) وغِنىً (مِنْ إعادتهِ) وذِكْرِهِ ثانيًا؛ أي: فأمَّا الحديثُ الذي وَجَدْنا بُدًّا وغِنىً من إِعادتهِ وتردادهِ (بجُمْلَتِه) وتمامهِ (من غيرِ) حصولِ (حاجةٍ مِنَّا إليه) أي: من غيرِ حصولِ حاجةٍ وعرض لنا إِلى إِعادته كبيان سماع راوٍ من شيخه؛ ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 49). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 9). (¬3) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 49).

فَلَا نَتَوَلَّى فِعْلَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى " فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّا نَتَوَخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الْأَخْبَارَ الَّتِي هِيَ أَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوبِ مِنْ غَيْرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنَّ المؤلِّفَ ربما أخرج الحديثَ الذي لا حاجة إِلى ذِكْرِه وإِعادته أصلًا ليُبَيِّنَ سماع راوٍ من شيخه لكونه أَخْرَجَ له قبلَ ذلك مُعَنْعَنًا كما ذكره السيوطي في "التدريب" (1/ 93). وقولُهم: (لا بُدَّ من هذا) معناه: لا عوضَ منه. اهـ سنوسي (¬1) (. . فلا نَتَوَلَّى فِعْلَه) أي: فلا نُلزم ولا نُوجِبُ على أنفسنا فعلَ إِعادةِ ذلك الحديث ولا نقصدُه، يُقال: تولَّى الشيء إِذا لزمه. (إنْ شاءَ اللهُ) سبحانه و (تَعَالى) أي: تَرَفَّع عن كُل ما لا يَلِيقُ بهِ عدمَ تولينا إِعادته، وعلَّقَ بالمشيئةِ لما مَرَّ. وهذا التفصيل هو ما الْتَزَمَ بهِ الإِمامُ مسلمٌ رحمه الله تعالى في "جامعه"؛ فإنه أعادَ أحاديثَ كثيرةً وكَرَّرَها، ولكنْ إِعادتُه وتكرارُه في كتابه كُلِّه متنًا أو سندًا لم تخلُ من فائدةِ وغَرَضٍ، فإِذا حَصَلَ التكرارُ في كتابه متنًا أو سندًا. . فلا بُدَّ من البحث عن غَرَضِه فيهِ. والفاءُ في قوله: (فأمَّا القِسْمُ الأَوَّلُ) فاءُ الفصيحةِ؛ لأنها أفصحت عن جوابِ شرطٍ مُقَدَّرٍ تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ أنا نَعْمِدُ إِلى جُمْلَةِ ما أُسْنِدَ من الأخبار فنَقْسِمُها على ثلاثةِ أقسامٍ وثلاثِ طبقاتٍ، وأردتَ بيانَ تلك الأقسامِ الثلاثةِ. . فأقول لك: أمَّا القسمُ الأولُ من أقسام الحديث الثلاثة وأقسام الطبقات الثلاثة: (فـ) مذكورٌ في ضمن قولي: (إنَّا) نحن (نَتَوَخَّى) أي: نتَحَرَّى ونقصدُ، وفي "المختار": (تَوَخَّى مرضاتَه: تَحَرَّى وقَصَدَ) اهـ (أنْ نُقَدِّمَ) في كُلِّ بابٍ وحُكْمٍ من الأحكام (الأخبارَ) أي: ذِكْرَ الأخبارِ والأحاديثِ (التي هي أَسْلَمُ) باعتبار متونها؛ أي: أكثرُ سلامةً (من العُيُوبِ) أي: من أسباب الضعف كالشُّذوذ والنَّكارة والاضطراب (مِنْ) سلامة (غيرِها) منها، والعيوبُ جَمْعُ عَيبٍ، والعَيبُ: النَّقِيصةُ والفسادُ. ¬

_ (¬1) "مكمل إِكمال الإِكمال" (1/ 10).

وَأَنْقَى مِنْ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِي الْحَدِيثِ، وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولهُ: (وأَنْقَى) -بالنون والقاف- معطوفٌ على قوله: (أَسْلَمُ) أي: ونُقَدِّم الأخبارَ التي هي أَنْقَى وأَصْفَى وأَخْلَصُ باعتبار أسانيدها من العيوب كالإرسال والانقطاع والتدليس والتخليط؛ أي: أكثرُ نقاءً من العيوب من نقاء غيرها منها. و(مِنْ) في قوله: (مِنْ أَنْ يكونَ نَاقِلُوها) تعليليةٌ (¬1) متعلِّقةٌ بـ (أَسْلَمُ) و (أَنْقَى) على سبيل التنازع. وعبارة السنوسي: (وهنا تمَّ الكلامُ على قوله: "أسلمُ" و"أنقى"، ثم ابتدأ ببيان سبب كونها أسلمَ وأنقى فقال: "مِنْ أنْ يكونَ ناقلوها أهل استقامةٍ" فالظاهرُ أَنَّ "مِنْ" تعليليةٌ، وعَدَلَ إِلى المضارع في قوله: "يكونَ"؛ لقَصْدِ الاستمرار، والله أعلم) اهـ (¬2) أي: فإِنَّا نتَوَخَّى أن نُقَدِّمَ الأخبارَ التي هي أَسْلَمُ وأَنْقَى من العُيُوبِ؛ لأجل كون رواتِها وناقليها (أهلَ استقامةٍ) وعدالةِ وثباتِ وثقَةٍ (في) علم (الحديثِ، و) أهلَ ¬

_ (¬1) قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى: (والظاهرُ أَنَّ لفظة "مِنْ" هنا للتعليل؛ فقد قال الإِمام أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر الأسدي في كتابه "شرح اللمع" في باب المفعول له: اعْلَمْ: أَنَّ الباء تقوم مقام اللام، قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}، وكذلك "مِنْ"، قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وقال أبو البقاء في قوله تعالى: {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}: يجوزُ أن يكون للتعليل، والله أعلم). "شرح صحيح مسلم" (1/ 50). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10)، وأكثر هذه العبارة من "شرح صحيح مسلم" النووي (1/ 50)، وقال العلّامة السِّنْدي: (قولهُ: "فإنَّا نتَوَخَّى" خبرٌ عن "القسمُ الأولُ" بحسب المعنى؛ أي: فهي الأخبارُ التي هي أَسْلَمُ من العيوب التي تَوَخَّينا أنْ نُقَدِّمها، وقولهُ: "أَسْلَمُ وأَنْقَى" هما من السلامة والنقاء، وهما يتعدّيان بكلمة "مِن"، ولا بُدّ لهما بعد ذلك من كلمة "مِنْ" التفضيلية، فمِنْ في قوله: "من العيوب" للتعدية، و "مِن" في قوله: "مِنْ غيرِها" تفضيليةٌ، وهما متعلِّقان بـ "أَسْلَم"، ولا بُدَّ من تقديرِ مثلهما "لأَنْقَى"، تركتا لفظًا لدلالة العطف عليه، وأمَّا "مِنْ" في قوله: "مِنْ أنْ يكونَ" فتعليليةٌ؛ أي: لأجلِ أن يكون، وهذا هو الصواب، وأمَّا اعتبارُها تفضيليةً بتقديرِ "ذات" فلا وَجْهَ له عند التأمّل الصائب، فليُفهم). "الحل المفهم" (ص 7).

إِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا، لَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَتِهِمْ اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ، وَلَا تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ، كَمَا قَدْ عُثِرَ فِيهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (إتْقَانٍ) وإِحْكامٍ وضَبْطٍ (لِمَا نَقَلُوا) ورَوَوْا من الأخبار حال كَوْنهم (لم يُوجَدْ في رِوَايَتِهِم) ونَقْلِهم غالبًا (اختلافٌ شديدٌ) أي: كثيرٌ؛ أي: مخالفةٌ كثيرةٌ لرواية غيرهم من الثقات، فلا تَضُرُّ المخالفةُ النادرةُ ولا اليسيرةُ في ضَبْطِهم؛ لأنه لا يُمكن الاحترازُ منها. وقولُه: (ولا تخليطٌ فاحشٌ) معطوفٌ على (اختلافٌ شديدٌ) أي: وحال كونهم لم يُوجَدْ في رواياتِهم نفسِها غالبًا تغييرٌ فاحشٌ واضطرابٌ كثيرٌ بخلاف النادر أو اليسير. . فلا يَضُرُّ في ضَبْطهم؛ لتعذُّرِ الاحتراز منه. وهذا تصريحٌ من المؤلِّف بما قاله أئمَّةُ الحديث: إِنَّ ضَبْطَ الراوي يُعْرَفُ بأن تكونَ روايتُه، غالبًا كما رَوَى الثقاتُ، لا يُخَالِفُهم إِلَّا نادرًا؛ فإنَّ النادر لا يَقْدَحُ لعدم إِمكان التحرُّزِ منه وإن كَثُرَت روايتهُ، فأشارَ مسلمٌ إلى الأول بقوله: (أهلَ استقامةٍ)، وإلى الثاني بقوله: (اختلافٌ شديدٌ ولا تخليطٌ فاحشٌ). أفاده السنوسي (¬1). والكافُ في قوله: (كمَا) متعلِّقةٌ بمحذوفٍ صفة لـ (اختلاف) و (تخليط)، وَ (ما) واقعةٌ على الاختلاف والتخليط. وقولُه: (قد عُثِرَ) بضم العين وكسر الثاء المثلثة مبنيًّا للمجهول بمعنى: اطُّلِعَ (¬2). وقولُه: (فيه) بمعنى (عليه) نائبُ فاعلٍ لـ (عُثِرَ)، والضميرُ فيه عائدٌ إِلى (ما) الواقعةِ على الاختلاف والتخليط. وقولُه: (على كثيرٍ من المُحَدِّثين) على فيه بمعنى في، والمعنى: حالة كونهم ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10)، وهو مختصر من كلام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 50). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10)، وقال الإِمام المازري: (معناه: فإن اطُّلعَ، من قول الله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا}. يُقال: عَثَرْتُ منه على خيانة، أي: اطَّلَعْتُ، وأعثرتُ غيري أطلعتُه، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيهِمْ} أي: أطلعنا عليهم أهلَ ذلك الزمان. "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 183).

وَبَانَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِهِمْ. فَإِذَا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ، أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ فِي أَسَانِيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالْمَوْصُوفِ بِالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يُوجَدْ في رواياتهم اختلافٌ شديدٌ وتخليطٌ فاحشٌ كائنان كالاختلاف والتخليط الذي قد عُثِرَ واطُّلِعَ عليه في حديثِ كثيرٍ من المُحَدِّثين المتروكين. وقولُه: (وبَانَ ذلك في حديثِهم) معطوفٌ على قوله: (قد عُثِرَ)، والإِشارةُ في ذلك راجعة إِلى (ما) في قوله: (كَمَا) الواقعةِ على الاختلاف والتخليط، والمعنى: وكالاختلاف والتخليط الذي بَانَ وظَهَرَ في حديث كثيرٍ من المُحَدِّثين المتروكين، ويحتملُ أَنَّ قوله: (قد عُثِرَ فيه) راجعٌ للاختلاف فقط، وأَنَّ قولَه: (بَانَ ذلك) راجعٌ إِلى التخليط فقط على سبيل اللَّفِّ والنَّشْر المُرَتَّب. والمعنى حينئذ: لم يُوجَدْ في روايتهم اختلافٌ شديدٌ كالاختلاف الذي قد عُثِرَ عليه في حديثِ كثيرٍ من المحدِّثين، ولا تخليطٌ فاحشٌ كالتخليط الذي بَانَ وظَهَرَ في حديثهم. والفاءُ في قوله: (فإذا نحنُ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحتْ عن جوابِ شرطٍ مُقَدَّرٍ تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ القسمَ الأولَ من أقسامِ الحديثِ وأقسام الرواة وأردتَ بيانَ القسم الثاني منها .. فأقول لك: إذا نحن (تَقَصَّينا أخبارَ هذا الصِّنْفِ) الأولِ، و (تَقَصَّينا) هو بالقاف؛ أي: أَتَينا بها على الكمال (¬1)، وذَكَرْنا قُصْواها وغايَتها؛ أي: إِذا انتهينا إِلى أحاديث هذا الصِّنْفِ الذين هم القسمُ الأول (من) أقسام طبقات (الناسِ) الناقلين للأخبار والأحاديث -يعني بهم أهلَ الاستقامةِ والإِتقانِ- أي: إِذا أتينا بها وفَرَغْنا منها ( .. أَتْبَعْناها) أي: أَتْبَعْنا أخبارَ هذا الصِّنْفِ الأول وأَرْدَفناها وأَلْحَقْنا بها على سبيل المتابعة (أخبارًا) أي: أحاديثَ (يَقَعُ) ويُذْكَرُ (في أسانيدِها) ورجالِها (بعضُ مَنْ ليس بالموصوفِ بالحِفْظِ) والضَّبْطِ (والإِتْقَانِ) والتحقيق. والباءُ في قوله: (بالموصوفِ) زائدةٌ في خبر ليس. والمعنى: ذكرنا عقبها للمتابعة أخبارًا يَقَعُ في أسانيدها راوٍ ليس موصوفًا بالحفظ ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 51)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10). زاد النووي: (يُقال: اقتصّ الحديث وقَصَّهُ وقصَّ الرؤيا أَتى بذلك الشيء بكماله).

كَالصِّنْفِ الْمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ، عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَهُمْ .. فَإِنَّ اسْمَ السَّتْرِ وَالصِّدْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والإِتقان البالغَينِ نهايتهما؛ أي: ليس موصوفًا وصفًا (كـ) وَصْفِ (الصِّنْفِ المُقَدَّم قَبْلَهُمْ) بهما؛ أي: كوَصْفِ الصِّنْفِ الذي اسْتَحَقَّ التقديمَ قَبْلَ مَنْ ليس موصوفًا بهما، فالضميرُ في قوله: (قبلَهم) عائدٌ على مَنْ ليس موصوفًا بالحفظ والإِتقان، وهو القسم الثاني من أقسام الطبقات. والمرادُ بـ (الصِّنْفِ المُقَدَّم): القسمُ الأولُ المذكورُ سابقًا وقد تقدَّم ذِكْرُ الاختلافِ: هل وَفَّى بهذا، أمَ اخْتَرَمَتْهُ المَنِيَّةُ دونَه؟ والراجحُ الأول. اهـ سنوسي (¬1). و(على) في قوله: (على أَنَّهم) تعليليةٌ بمعنى اللام متعلقةٌ بقوله: (أتبعَنْاها)، والضميرُ في (أَنَّهم) عائدٌ على (مَنْ ليس موصوفًا بالحفظ والإِتقان)، وخبرُ أَنَّ محذوفٌ دَلَّ عليه السِّيَاقُ، والمعنى: وإِنما أَتْبَعْناها أخبارَ مَنْ ليس موصوفًا بالحِفْظِ والإِتقانِ؛ لأنهم حُفَّاظٌ عُدُول مقبولون. و(إِنْ) في قوله: (وإنْ كانوا) غائيةٌ لا جوابَ لها على الأصحّ؛ أي: وإِنْ كان أهلُ القسمِ الثاني من الطبقات، أعني بهم مَنْ ليس موصوفًا بالحِفْظِ والإِتقان (فيما وَصَفْنا) هـ؛ أي: ذَكَرناه من الحفظ والإِتقان (دُونَهم) أي: دونَ الصِّنْفِ المُقَدَّم قبلَهم، وهم أهلُ القسم الأول من الطبقات. والفاءُ في قوله: (فإنَّ اسمَ السَّتْرِ) تعليليةٌ بمعنى اللام المتعلقة بخبرِ أن المحذوفِ؛ أي: وإنما كانوا حُفَّاظًا مقبولين لأنَّ مُسَمَّى السَّتر أي: العِفَّةِ والخُلُوِّ من الرذائل وخوارم المُروءات، و (السَّتْر) بفتح السين مصدرٌ، قال النوويُّ: (ويوجَدُ في أكثرِ الرواياتِ والأصولِ مضبوطًا بكسر السين، قال: ويُمكن تصحيحُه بأن يكون السِّتْر بمعنى المستور كالذِّبْح بمعنى المذبوح) (¬2)، والنِّقْض بمعنى المنقوض. (و) مُسَمَّى (الصِّدْقِ) في الأقوال والأخبار، والصدقُ نقيضُ الكذب والفضل ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10)، اختصره من كلام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 51) دون الإِشارة إلى ذلك. (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 51).

وَتَعَاطِي الْعِلْمِ يَشْمَلُهُمْ؛ كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والصلاح، (و) مُسَمَّى (تَعَاطِي العِلْمِ) أي: تناولِه، يُقال: تعاطى الشيءَ تعاطيًا إِذا تَنَاوَلَه، ويحتملُ أَنَّ إِضافةَ اسم إِلى السَّتْر وما بعده للبيان. وقولُه: (يَشْمَلُهم) -أي: يَعُمُّهم- خبرُ إِنَّ؛ أي: وإِنما كانوا مقبولينَ لا متروكينَ؛ لشُمُولِ اسم السَّتْرِ والصِّدْق وتعاطي العلمِ إِياهم كالصِّنْفِ الأول، وذلك يقتضي قبولَ خَبَرِهم. قال السنوسيُّ: (وقولهُ: "يَشْمَلُهم" هو بفتح الميم على اللغة الفصيحة؛ أي: يَعُمُّهم، ويجوزُ ضمُّها في لغةٍ، وماضي الأول مكسورُ العين، والثاني مفتوحها) (¬1). والمرادُ بـ (السَّتْرِ): أن يكون الراوي مستورَ الحالِ، وقد شَمِلَ "صحيحُ مسلم" رجالًا مستورين ومَنْ قيل في حقه: صدوقٌ، كما يُبَيِّنُ ذلك مسلمٌ نفسه. وهؤلاء الذين ليسوا موصوفين بالحفظ والإِتقان (كعطاءِ بنِ السَّائبِ) بن مالك أبي محمد -ويُقال: أبو السائب- الثقفي الكوفي التابعي، ثقة إِلا أنه اختلط في آخر عمره، وقال في "التقريب": صدوقٌ من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين ومائة، يروي عنه البخاريُّ (¬2) وأصحابُ السُّنَن. اهـ، ولم يَرْو عنه مسلم. روى عن أبيه وعن أنس بن مالك وسعيد بن جُبَير والحَسَن البصري، ويروي عنه إِسماعيلُ بن أبي خالد، وأثنى عليه أيوب السَّخْتِياني، وقال أحمد: ثقةٌ ثقةٌ رجلٌ صالحٌ، وتَكَلَّمُوا فيه لاختلاطه بأَخَرَةٍ، وضَعَّفَه ابنُ معين في روايةٍ. وقال العِجْلِيُّ: كان شيخًا ثقةً قديمًا، روى عن ابن أبي أوفى، فمَنْ سَمِعَ منه قبل اختلاطه .. فهو صحيحُ السماع، ومَنْ سَمِعَ منه متأخرًا أو شُكَّ فيه .. فهو ساقطٌ. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10)، وهو للنووي في المصدر السابق. (¬2) قلتُ: له في "صحيح البخاري" حديثٌ واحدٌ عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس في ذكْر الحوض مقرونٌ بأبي بشْر جعفر بن أبي وَحْشِيَّه أحدِ الأثبات، وهو في تفسير سورة الكوثر. وهذا الحديث (6578) رواه عنه هُشَيم، وسماعُ هُشَيم من عطاء بن السائب بعد اختلاطه، فلذلك أخرج له البخاري هذا الحديث مقرونًا بأبي بِشْر. انظر "هدي الساري" (ص 425)، و "فتح الباري" (11/ 470).

وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن السامعين منه قبلَ الاختلاطِ: سفيانُ الثوري وشُعْبة، وأمَّا مَنْ سَمِعَ منه بأَخَرَةِ .. فهو مضطربُ الحديث، منهم هُشَيمٌ وخالدٌ الواسطيُّ، إلا أَنَّ عطاءً بأَخَرَةٍ كان يتلقَّن إِذا لَقَّنوه في الحديث؛ لأنه غيرُ صالح الكتاب. اهـ وعلى هذا التفصيل: وَثَّقَه النَّسائيُّ وغيرُه، وأكده ابنُ حِبَّان في "الثقات" (¬1). انظر "تهذيب التهذيب" (7/ 203)، و "التاريخ" لابن مَعِين (3/ 403)، و "سير أعلام النبلاء" (6/ 110)، و "الثقات" لابن حِبَّان (7/ 251)، و "الكامل" لابن عدي (5/ 1999). فهو واللذان بعده وأضرابُهم من أمثلة الطبقة الثانية. (و) كـ (يَزِيدَ بن أبي زيادِ) القُرَشِيِّ الهاشميِّ مولاهم، أبي عبد الله الكوفي -ويُقال فيه أيضًا: يزيد بن زياد- رأى أنسًا، قال في "التقريب": ضعيفٌ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ فصار يتلقَّن، وكان شِيعيًّا، من الخامسة، مات سنة ستٍّ وثلاثين ومائة، روى عنه مسلم وأصحاب السنن. اهـ وقال السنوسي: (لا يُكْتَبُ حديثُه، خلافًا للدارقطنيِّ وابنِ عَدِيّ؛ فإنهما قالا: يُكْتَبُ حديثُه) اهـ (¬2) روى عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل وأبي جُحَيفة وإِبراهيم النَّخَعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي صالح السمَّان ومجاهد وعكرمة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وإِسماعيل بن أبي خالد وزائدة وشعبة وزُهَير بن معاوية وعبد العزيز بن مسلم وهُشَيم وأبو عَوَانة وجماعة. اهـ "خلاصة". ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر: (فيحصل لنا من مجموع كلام الأئمة: أَنَّ سفيانَ الثوريَّ وشُعْبَة وزُهَيرًا وزائدة وحَمَّاد بن زيدٍ وأيوبَ عنه صحيح، ومَنْ عداهم ويتَوقَّفُ فيه، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم، والظاهرُ أنه سمع منه مرتين: مرةَ مع أيوب كما يُومئ إِليه كلامُ الدارقطني، ومرةً بعد ذلك لمَّا دخل إِليهم البصرة وسمع منه مع جريرٍ وذويه، والله أعلم). "تهذيب التهذيب" (7/ 207)، و "هدي الساري" (ص 425). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10).

وَلَيثِ بْنِ أَبِي سُلَيمٍ، وَأَضْرَابِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أحمد: ليس بذاك، وقال ابنُ مَعِين: ليس بالقَويِّ، وكذا قال أبو حاتم (¬1). (و) كـ (لَيثِ بنِ أبي سُلَيمِ) بن زُنَيم -بالزاي والنون مُصَغَّرًا- واسم أبيه: أيمن، وقيل: أَنَس، أبي بكر القرشي مولاهم، أحدِ العلماءِ والنُّسَّاك. روى عن عكرمة ومجاهد وطبقتهِ، ويروي عنه (م عم) ومَعْمَر وشُعْبة والثَّوْري وخَلْقٌ. ضَعَّفَه الجماهيرُ وقالوا: اختلط واضطربتْ أحاديثُه، وقالوا: هو ممن يُكتب حديثُه، وقال أحمد: مُضْطَربُ الحديث، وقال الفُضَيل بن عِياض: ليثٌ أعلمُ أهلِ الكوفة بالمناسك، وقال في "التقريب": صَدُوقٌ اختلط أخيرًا -وفي المطبوع: جدًّا- ولم يَتَمَيَّزْ حديثُه فتُرِكَ، من السادسة مات سنة ثمانٍ وأربعين ومائة (¬2). قال السنوسي: (قوله: (وأَضْرَابِهم) أي: أشباهِهم وأمثالِهِم في الاختلاط، جمع ضَرْبٍ. قال أهل اللغة: يُقال ضَرْبٌ وضَرِيب بوزن كَرِيم بمعنى المِثْل، وجمعُ الأول: أضراب، وجمعُ الثاني: ضُرباء، وبهذا تعرفُ أَنَّ قول القاضي عياض في لفظ مسلم: إِن صوابَه "ضُربائهم" ليس بشيء) (¬3). ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (يَزِيد بن أبي زياد الكوفي مختلَفٌ فيه، والجمهورُ على تضعيف حديثه، إلا أنه ليس بمتروك، عَلَّق له البخاريُّ موضعًا واحدًا في "اللباس" عقب حديث أبي بردة عن عليّ في الفتنة). "هدي الساري" (ص 459). (¬2) قلتُ: هكذا أرَّخ الحافظ ابن حجر سنة وفاته، ولكن قال الحضرمي: مات سنة ثمان وثلاثين ومائة، وقال ابنُ منجويه: مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، وقال أبو عبد الله النخلي: مات سنة إِحدى أو ثنتين وأربعين ومائة. انظر: "تهذيب الكمال" (24/ 287)، و "التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 246) ترجمة (1051). وقال الحافظ المِزّي في آخر ترجمة (ليث بن أبي سُلَيم): (استشهدَ به البخاريُّ في "الصحيح"، وروى له في كتاب "رفع اليدين في الصلاة" وغيره، وروى له مسلمٌ مقرونًا بأبي إِسحاق الشَّيباني، وروى له الباقون". انظر: "تهذيب الكمال" (24/ 288)، و "هدي الساري" (ص 458). (¬3) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 10)، و "إِكمال المعلم" (1/ 100)، ونصُّ قول القاضي =

مِنْ حُمَّالِ الآثَارِ وَنُقَّالِ الأَخْبَارِ. فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِمَا وَصَفْنَا مِنَ المعِلْمِ وَالسَّتْرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرُوفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كسعيد بن إِياس الجُرَيري، قال في "التقريب": ثقةٌ، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وأربعين ومائة. وسَعِيد بن أبي عَرُوبَةَ: مِهران اليَشْكُري، قال في "التقريب": ثقةٌ، حافظ، له تصانيفُ، كثيرُ التدليس واختلط، وكان من أَثْبَتِ الناس في قتادة، من السادسة، مات سنة ست وخمسين ومائة. وأبي إِسحاق السَّبِيعي عَمْرو بن عبد الله الهَمْداني الكوفي، قال في "التقريب": مُكْثِرٌ ثقةٌ عابدٌ، من الثالثة، اختلط بأَخَرَةٍ، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: قبل ذلك. وغيرهم (من حُمَّالِ الآثارِ) الموقوفةِ بضم الحاء وتشديد الميم جمع حامل (ونُقَّالِ الأخبارِ) المرفوعةِ بضم النون وتشديد القاف، ويحتمل أنه من عطف الرديف. والفاءُ في قوله: (فهُمْ) مُعَلِّلةٌ لمعلولٍ محذوفٍ تقديره: وإِنما مَثَّلْنا بهؤلاءِ الثلاثةِ لأنهم (وإنْ كانوا بما وَصَفْنا) وذَكَرْنا، و (إِنْ) هنا شرطيةٌ، والباءُ متعلِّقةٌ بخبرِ كان الآتي. (من) تعاطِي (العِلْمِ و) اسمِ (السَّتْرِ) والعِفَّةِ و (مِنْ) مُبَيِّنَةٌ لـ (ما). والظرفُ في قوله: (عندَ أهلِ) هذا (العِلْمِ) والفَنِّ مُتَعَلِّقٌ بقوله: (معروفين) ¬

_ = عياض: (وَجْهُ العربية فيه: وضربائهم؛ إِذْ لم يَأتِ جَمْعُ فَعِيل على أفعال في الصحيح إلا في كلماتٍ قليلة). قلتُ: قول السنوسي اختصره -كما هي عادته- من كلام الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 52) ولم يُشِرْ إلى ذلك. ونصُّ عبارة الإِمام النووي: (وأمَّا قولُه: "وأضرابِهم" فمعناه: أشباههم، وهو جمعُ ضَرْب، قال أهلُ اللغة: الضَّريب على وزن الكَرِيم، والضَّرْب بفتح الضاد وإِسكان الراء، وهما عبارةٌ عن الشكل والمِثْل، وجمعُ الضَّرْب: أَضْرَاب، وجمعُ الضَّريب: ضُرَباء، ككَريم وكُرَماء، وأمَّا إِنكارُ القاضي عياضٍ على مسلم قولَه: "وأضرابهم"، وقولُه: إِنَّ صوابَه "ضُرَبائهم" .. فليس بصحيح؛ فإِنه حَمَلَ قولَ مسلمٍ: "وأضرابهم" على أنه جمعُ ضَرِيب بالياء، وليس ذلك جَمْعَ ضَرِيب، بل جمع ضَرْب بحذفِها كما ذكرتهُ، فاعْرِفْه).

فَغَيرُهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ مِمَّنْ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الإِتْقَانِ وَالاسْتِقَامَةِ فِي الرِّوَايَةِ يَفْضُلُونَهُمْ فِي الْحَالِ وَالْمَرْتَبَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي هو خبرُ كان، والمعنى: لأنهم وإِنْ كانوا معروفين ومشهورين بما ذَكَرْنا من العِلْم والسِّتْرِ عند أهل هذا الفنِّ. والفاءُ في قوله: ( .. فَغَيرُهُمْ) -أي: غيرُ هؤلاءِ الثلاثةِ- رابطةٌ لجواب "إِنْ" الشرطية، وقولُه: (مِنْ أقرانِهم) ونظائِرهم بيانٌ للغير، والأقرانُ: جمعُ قِرْن بكسر أوله وسكون ثانيه، والقِرْنُ: كُفْؤُك ونَظِيرُك في الشجاعة أو في العلم أو في غيرهما كالكرم، حالةَ كَوْنِ الأقران (مِمَّنْ) ثَبَتَ واسْتَقَرَّ واشْتَهَرَ (عندَهم ما ذَكَرْنا من الإِتقانِ) والتحقيقِ في الدِّراية (والاستقامةِ) والتثبُّتِ (في الروايةِ) والنَّقْلِ عن غيرِهم. وقولُه: (يَفْضُلُونَهُمْ) خبرٌ لقوله: (فغيرُهم) أي: يَفُوقُونَهم؛ أي: يفوقُ ويَفْضُلُ ذلك الغيرُ هؤلاءِ الثلاثةَ المذكورين وأَضْرَابَهم. (في الحالِ) أي: في العِفَّةِ والعدالةِ (والمرتبةِ) أي: في الحفظ وتعاطي العلم (¬1)، وإِنَّما فَضَلُوهم وفَاقُوهم (لأنَّ هذا) الذي ذَكَرْناه من الإِتقان والاستقامة ¬

_ (¬1) قال الإِمام المازري رحمه الله تعالى: (إِنْ قيلَ: كيف استجازَ ها هنا أن يقول: فلانٌ أعدلُ من فلان مع أنه صلى الله عليه وسلم قال في الطبيبَين: "لولا غَيبَتُهما لأعلمتُكما أيهما أَطَبُّ"؟ قيل: دَعَت الضرورةُ ها هنا لذِكرِ هذا؛ لأنه موضِعُ تعليم، والحاجةُ ماسّةٌ إِليه؛ لأنَّ العلماءَ إِذا تعارضت الأخبارُ عندهم .. قدّموا خبرَ مَن كان أَعْدَلَ وعَوَّلوا عليه وأفتوا الناس به، ولم تَدْعُ ضرورةٌ إِلى ذِكْرِ الأطَبّ من ذينك الطبيبَين كما دَعَتْ مسلمًا ها هنا، لا سيّما وقد يجوزُ استرشادُ الطبيبِ الموثوقِ بعِلْمِه المَرْجُوِّ النفع بمداواته وإِن كان هناك أوسع منه علما بالطب، ولا يجوزُ الأَخْذُ برواية الناقص في العدالة وأن يقدّم على رواية الأعدل منه. وقد أُجيز التجريحُ للشهود للضرورة إِليه ولم يُمنع؛ لكَوْنِهِ غِيبةَ، وقال صلى الله عليه وسلم فيمن استُشير في نكاحه: "إنه صعلوك"، وقال في الآخر: "إنه لا يَضَعُ عصاه عن عاتقه"، ولم يَرَ ذلك غِيبةً لمَّا كان مستشارًا في النكاح ودَعَت الضرورةُ إِليه. وقد اعتذرَ صاحبُ الكتاب -يعني مسلمًا- عن نفسه في ذلك بأَنَّ القصدَ بيانُ منازلِهم؛ اتباعًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَنْزِلُوا الناسَ منازلَهم"، والذي قلناه أبسط). "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 182 - 183).

عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَخَصْلَةٌ سَنِيَّةٌ. أَلا تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةَ الَّذِينَ سَمَّينَاهُمْ عَطَاءً وَيَزِيدَ وَلَيثًا بِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عندَ أهلِ) هذا (العِلْم) والفنِّ (درجةٌ رفيعةٌ) أي: مرتبةٌ عاليةٌ وهذا راجعٌ إِلى الإتقان (وخَصْلَةٌ سَنِيَّةٌ) أي: حالةٌ شريفةٌ، وهذا راجعٌ إِلى الاستقامة. (أَلا تَرَى) وتَنْظُرُ بقَلْبِكَ (أَنَّك) أيُها الطالبُ (إذا وَازنْتَ) بالنون؛ أي: قَابَلْتَ -قال القاضي عياض: (ويُروى: "وَازَيتَ" بالياء أيضًا وهو بمعنى الأول) (¬1) - (هؤلاءِ الثلاثةَ) المذكورين (الذين سَمَّيناهم) أي: ذَكَرْنا أسماءَهم آنفًا بقولنا: (عطاءً) هو ابنُ السائب (ويَزِيدَ) بنَ أبي زيادٍ (ولَيثًا) هو ابنُ أبي سُلَيم. وقولُه: (بمنصورِ بنِ المُعْتَمِرِ) مُتَعَلِّقٌ بِـ (وَازَنْتَ)، ومنصور هو ابنُ عبد الله السُّلَمي أبو عَتَّاب -بمثناة ثقيلة بعدها باء موحدة- الكوفي، أَحَدُ الأئمةِ الأعلامِ المشاهير. رَوَى عن إِبراهيم النَّخَعِي وأبي وائل والحَسَن البصري وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وأيوب وحُصَين بن عبد الرحمن والأعمش وسُلَيمان التَّيمي والثَّوري وشعبة وخَلْقٌ ممن لا يُحصون. وقال العِجْلِيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ، له نحو ألفَي حديث. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ وكان لا يُدَلِّسُ، من طبقة الأعمش، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. قال السنوسي: (وقد يُنْكَرُ على مسلمٍ بأَنَّ عادةَ أهلِ العلم إِذا ذَكَرُوا جماعةً في مِثْل هذا السِّياق .. قَدَّمُوا أجلَّهم مرتبةً، فيُقَدِّمون الصحابيَّ على التابعيِّ، والتابعيَّ على تابعهِ، وهنا عكس مسلمٌ؛ فإِنَّ إِسماعيلَ بنَ أبي خالدٍ تابعيٌّ مشهورٌ رأى أنس بنَ مالكٍ وسلمةَ بنَ الأكوع، وسَمِعَ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوْفَى وغيرَه من الصحابة، وأمَّا الأعمشُ: فرأى أنس بنَ مالك فقط، وأمَّا منصورُ بن الْمُعْتَمِرِ: فليس هو بتابعيٍّ وإِنما هو من تابعي التابعين. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 100)، وفيه: (ومعناهما: قارنتَ ومَثَّلْتَ).

وَسُلَيمَانَ الأَعْمَشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأُجيب بأنه ليس المراد به هنا التنبيه على مراتبهم، فلا حَجْرَ في ترتيبهم، ويحتمل أن يكون مسلمٌ قَدَّمَ منصورًا لرُجْحَانِه في ديانتِه وعبادتِه وإِنْ كان كُلٌّ من الثلاثة راجحًا على غيره لكنْ منصورٌ أرجحُهم. قال عبد الرحمن بن مهدي: منصورٌ أثبتُ أهلِ الكوفة. وقال سفيان: كنتُ لا أُحَدِّثُ الأعمشَ عن أحدٍ من أهل الكوفة إِلَّا رَدَّه، فإذا ذكرتُ منصورًا سَكَت. وقال أحمدُ بن حنبل: منصورٌ أثبتُ من إِسماعيل بن أبي خالد. وقال أبو حاتم: منصورٌ أثبتُ من الأعمش، وقالهُ يحيى بن مَعِينِ، ورُوي أنه صام ستين سنةً وقامها، وأمَّا عبادتُه وزُهْدُه وامتناعُه من القضاء حين أُكْرِهَ عليه فأكثرُ من أنْ يُحْصَى، وأشهرُ من أنْ يُذْكَرَ) اهـ (¬1). (و) بـ (سُلَيمَانَ) بنِ مِهْرَانَ المُلَقَّبِ بـ (الأعمشِ) (¬2)؛ لضعف بصره مع سَيلان دَمْعها، الكاهليّ مولاهم، أبي محمد الكوفي، أحَدِ العلماءِ الحُفَّاظ والقُرَّاء، رأى أنسًا يَبُولُ. روى عن عبد الله بن أبي أوفى وعكرمة -قال أبو حاتم: لم يسمع منهما- وزيد بن وهب وأبي وائل وإِبراهيم التَّيمي والشَّعْبي وخَلْق. ويروي عنه (ع) وأبو إِسحاق والحكم وزُبَيد -وهو من شيوخه- وسُلَيمان التَّيمي -وهو من طبقته- وشعبة وسفيان وزائدة ووكيع وخَلْقٌ. وقال ابنُ المَدِيني: له نحو ألف حديث وثلاثمائة، وقال ابن عُيَينَة: كان أقرأهم وأحفظَهم وأعلمَهم، وقال العِجلِيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ، وقال النَّسائِيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ، وعَدَّه في المُدَلِّسين. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 11)، وهو مختصرٌ من كلام الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 52 - 53). (¬2) هذا أول موضع في الكتاب جَرَى فيه ذِكْر أصحاب الألقاب، وقد تكلّم الإِمام النووي على ذلك بقاعدة مختصرة.

وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فِي إِتْقَانِ الْحَدِيثِ وَالاسْتِقَامَةِ فِيهِ .. وَجَدْتَهُمْ مُبَايِنِينَ لَهُمْ لَا يُدَانُونَهُمْ، لَا شَكَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ؛ لِلَّذِي اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ مِنْ صِحَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ عارفٌ بالقراءات وَرِعٌ لكنه يُدَلِّسُ، من الخامسة، مات في ربيع الأول سنة سبع أو ثمانٍ وأربعين ومائة، وكان مولده أول سنة إِحدى وستين. اهـ (و) بـ (إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ) البَجَليِّ الأحمسيِّ التابعيِّ المشهورِ، أبي عبد الله الكوفيِّ أَحَدِ الأئمَّةِ الأعلامِ. روى عن عبد الله بن أبي أَوْفَى وأبي جُحَيفَة وعَمْرو بن حُريث والشَّعْبي -وكان أعلمَ الناسِ به- وخَلْق، ويروي عنه (ع) وشعبةُ والسُّفْيانان وابنُ إِدريس، وقال ابنُ المَدِيني: له نحو ثلاثِمائة حديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ، من الرابعة، مات سنة ستٍّ وأربعين ومائة. وقولُه: (في إتقانِ الحديثِ) مُتَعَلِّقٌ بـ (وَازَنْتَ) أيضًا؛ أي: قَابَلْتَ الثلاثةَ الأُوَلَ بالثلاثةِ الأخيرةِ في إِتقانِ الحديث وحِفْظِه (و) في (الاستقامةِ) والتثبُّتِ (فيه) أي: في الحديث. وقولُه: (وَجَدْتَهُمْ) جوابُ (إِذا) أي: وَجَدْتَ الثلاثةَ الأُوَلَ (مُبَايِنِينَ) أي: مُخَالِفِينَ (لهم) أي: للثلاثة الأخيرةِ في قُوَّةِ الإِتقانِ والاستقامةِ، بل (لا يُدَانُونَهم) ولا يُقَارِبُونَهم فَضْلًا عن المقابلة؛ أي: لا تُدَانِي الثلاثةُ الأُوَلُ الثلاثةَ الأخيرةَ في قوتهما، بل بينَهم بَوْنٌ بائنٌ وفَرْقٌ فَارقٌ، و (لا شَكَّ) أي: لا رَيبَ ولا تَرَدُّدَ موجودٌ (عندَ أهلِ العِلْمِ) والمعرفةِ (بالحديثِ) والأخبار (في ذلك) أي: في كون الثلاثةِ الأُوَل مباينين للثلاثة الأخيرة في عدم مداناتهم إِياهم في الإِتقان والاستقامة. وقولهُ: (لِلَّذي اسْتَفَاضَ) وشاع عندهم تعليلٌ لنَفْي الشكِّ؛ أي: وإِنما لم يشكّوا ولم يتردّدوا في ذلك للأمر الذي استفاض وشاع واشتهر (عندَهم) أي: عندَ أهلِ العلم بالحديث. وقولُه: (مِنْ صِحَّةِ) بيانٌ للذي استفاض عندهم؛ أي: حالة كون ما استفاض

حِفْظِ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ، وَإِتْقَانِهِمْ لِحَدِيثِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ عَطَاءٍ وَيزِيدَ وَلَيثٍ. وَفِي مِثْلِ مَجْرَى هَؤُلاءِ إِذَا وَازَنْتَ بَينَ الأَقْرَانِ كَابْنِ عَوْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عندهم من صِحَّةِ وقُوَّةِ (حِفْظِ منصورٍ والأعمشِ وإسماعيلَ و) من صِحَّةِ (إتْقَانِهم) أي: إِتقانِ هؤلاء الثلاثة (لـ) نَقْلِ (حديثِهم) الذي رَوَوْه. والواوُ في قوله: (وأَنَّهُمْ) حاليةٌ؛ أي: والحالُ أَنَّ أهلَ العلمِ بالحديث (لم يَعْرِفُوا) ولم يَعْلَمُوا (مِثْلَ ذلك) أي: مِثْلَ ما استفاض عندَهم في منصورٍ وصَاحِبَيه من صِحَّةِ حفظِهم وإِتقانِهم. والجارُّ والمجرورُ في قوله: (من عَطَاءٍ ويزيدَ ولَيثٍ) متعلِّقٌ بمحذوف حالٍ من مفعول عرف، أو مفعولٌ ثانٍ له إِن كان بمعنى علم؛ أي: لم يعرفوا مِثْلَ ذلك حال كونه واقعًا من عطاء وصاحبيه وثابتًا لهم فضلًا عن الاستفاضة، والمعنى: لم يعرفوا وقوعَ مِثْلِ ذلك الحفظ والإِتقان من عطاءٍ وصاحبَيهِ فَضْلًا عن استفاضتهِ فيهم. وقولُه: (وفي مِثْلِ مَجْرَى هؤلاءِ) كلامٌ مستأنفٌ مفيدٌ لعموم الموازنة بين الأقران متعلِّقٌ بمحذوفٍ تقديرهُ: (و) تجري الموازنةُ والمقابلَةُ بين الأقران (في) غير هؤلاء المذكورين آنفًا (مِثْلَ مَجْرَى هؤلاءِ) أي: مِثْلَ جَرَيانِها في هؤلاء الستة المذكورين آنفًا في التبايُنِ والتباعُدِ بينهم (إذا وَازَنْتَ) وقَابَلْتَ (بينَ الأقرانِ) والأشباه غير هؤلاء الستة المذكورين. والمَجْرَى: مصدرٌ ميميٌّ بمعنى الجري، يُقال: جَرَى الماءُ وغيرُه من باب رَمَى، وجريانًا أيضًا، وما أَشَدَّ جِرْية هذا الماء بالكسر والسكون، وقوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} هما مصدران من أجريت السفينة وأرسيت، ومَجْراها ومرساها بالفتح من جرت السفينة ورست، والمَجْرَى: المَمَرُّ والطريق. وتلك الأقران (كابنِ عَوْنٍ) وهو عبد الله بن عَوْن بن أَرْطَبَان -بفتح فسكون ففتح- المزني مولاهم، أبو عون البصري أحدُ الأئمَّة الأعلام. روى عن عطاءٍ ومجاهدٍ وسالم والحَسَن والشَّعبي وخَلْق، ويروي عنه (ع) وشعبةُ والثَّوْرِيُّ وابنُ عُلَيَّةَ ويحيى القطان وخلائقُ.

وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ مَعَ عَوْفِ بْنِ أبي جَمِيلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابنُ مهدي: ما أحد أعلم بالسُّنَّة بالعراق من ابن عَوْن، وقال رَوْحُ بن عُبادة: ما رأيتُ أَعْبَدَ منه. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ فاضلٌ من أقران أيوب في العلم والعمل والسنّ، من السادسة، مات سنة خمسين ومائة. (وأيوبَ) بنِ أبي تَمِيمةَ كَيسان (السِخْتِيانيِّ) بفتح المهملة أو كسرها (¬1)، بعدها معجمةٌ ساكنة، ثم مثناةٌ فوقانيةٌ مكسورةٌ، ثم تحتانية، وبعد الألف نون، نسبة إِلى سِخْتِيان وهي الجلودُ؛ لأنه كان يبيعها (¬2)، أبي بكر البصري الفقيه، أحدِ الأئمَّة الأعلام. روى عن عَمْرو بن سَلِمة والحَسَن وعطاء وابن سيرين وخَلْق، ويروي عنه (ع) وابنُ سيرين من شيوخه وشعبة والسُّفْيانان والحَمَّادان وخَلْق. قال ابنُ عُلَيَّة: كُنَّا نقول عنده ألفا حديث، وقال شعبة: ما رأيتُ مِثْلَه، وقال حماد بن زيد: أيوبُ أفضلُ مَنْ جَالسْتُه وأَشَدُّه اتباعًا للسُّنَّة، وقال ابنُ عُيَينَة: ما لقيتُ مِثْلَه في التابعين، وقال ابنُ سعد: كان ثقةً ثَبْتًا حُجَّةَ جامعًا كثيرَ العِلْم، وُلِدَ سنة ستٍّ وستين. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ، من كبار الفقهاءِ العُبَّاد، من الخامسة، مات سنة إِحدى وثلاثين ومائة. إِذا وازنتهما (مَعَ عَوْفِ بنِ أبي جَمِيلَةَ) -بفتح الجيم- العَبْدي أبي سَهْل الهَجَرِيِّ البصري، المعروف بالأعرابيّ - ولم يكن أعرابيًّا. روى عن أبي العالية وأبي رجاء وأبي عثمان النَّهْدِي، ويروي عنه (ع) وشُعْبة ¬

_ (¬1) قال الحافظ الزبيدي في "تاج العروس" (1/ 552): (وَجَزَمَ شُرَّاح البخاري بأَنَّ الفتح هو الأكثر الأفصح). وفيه أوجه أخرى في ضبط السين والتاء من (السختياني)، فانظره إِذا شئت. (¬2) انظر "التمهيد" (1/ 339).

وَأَشْعَثَ الْحُمْرَانِيِّ -وَهُمَا صَاحِبَا الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ كَمَا أَنَّ ابْنَ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ صَاحِبَاهُمَا- إِلَّا أَنَّ الْبَوْنَ بَينَهُمَا وَبَينَ هَذَينِ بَعِيدٌ فِي كَمَالِ الْفَضْلِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ وَأَشْعَثُ غَيرَ مَدْفُوعَينِ عَنْ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَلَكِنَّ الْحَال مَا وَصَفْنَا مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغُنْدَر والنَّضْر بن شُمَيل وخَلْق، وَثَّقَه النَّسائيُّ وجماعةٌ. قال في "التقريب": ثقةٌ رُمِيَ بالقَدَرِ وبالتشيُّع، من السادسة، مات سنة ستّ أو سبع وأربعين ومائة. (و) مع (أَشْعَثَ) بنِ عبد الملك (الحُمْرَانِيِّ) بضم الحاء المهملة منسوب إِلى حُمْران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، أبي هانئ البصري، ثِقَة. قال في "التقريب": ثقةٌ فقيهٌ روى عنه (خت 4)، من السادسة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة. (وهُمَا) أي: عَوْفٌ وأَشْعَثُ (صاحبا الحَسَنِ) البصريِّ (و) محمدِ (ابن سيرينَ كَمَا أَنَّ ابْنَ عَوْنٍ وأيوبَ صاحباهُما) أي: صاحبا الحَسَنِ وابنِ سيرين (إلَّا أَنَّ البَوْنَ) أي: الفَرْقَ (بينَهما) أي: بين عَوْفٍ وأَشعَثَ (وبينَ هَذَينِ) أي: بين ابنِ عَوْنٍ وأيوبَ (بعيدٌ) أي: متباعدٌ. وقولهُ: (في كَمَالِ الفَضْلِ) والدِّيانةِ متعلِّقٌ بـ (البَوْن)، (و) في (صِحَّةِ النَّقْلِ) والرواية معطوفٌ على (كمالِ الفَضْلِ). و(إِنْ) في قوله: (وإنْ كان) غائيةٌ لا جوابَ لها؛ أي: وَإِنْ كان (عَوْفٌ وأَشْعَثُ غيرَ مَدْفُوعَينِ) أي: غيرَ محرومَينِ ومردودَينِ ومسلوبَينِ (عَنْ صِدْقٍ) في مقالٍ (وأمانةٍ) في حالٍ (عندَ أهلِ) هذا (العِلْمِ) والفنِّ، أو جوابُها معلومٌ ممَّا قبلها تقديره: وإِنْ كان عَوْفٌ وأَشْعَثُ غيرَ مدفوعَينِ .. فالبَوْنُ حاصلٌ بينهما وبينَ هذين. وقولُه (ولكنَّ الحال) استدراكٌ على قوله: (غيرَ مَدْفُوعَينِ) أي: ولكنَّ الحال والشأن في هؤلاء الأربعة هو (ما وَصَفْنا) وذَكَرْنا فيهم (من) البَوْنِ والفَرْقِ بينَهم في (المنزلةِ) والدرجةِ الثابتةِ لهم (عندَ أهلِ) هذا (العِلْمِ) والفنِّ.

وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا هَؤُلاءِ فِي التَّسْمِيَةِ؛ لِيَكُونَ تَمْثِيلُهُمْ سِمَةً يَصْدُرُ عَنْ فَهْمِهَا مَنْ غَبِيَ عَلَيهِ طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ، فَلَا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِي الْقَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإنَّما مَثَّلْنا هؤلاءِ) أي: وإِنما جَعَلْنا أسماءَ هؤلاءِ العَشَرَةِ المذكورين هنا مثالًا (في التسميةِ) أي: تسميةِ وتعيينِ أسماءِ الطبقة الأولى والثانية (ليكونَ تمثيلُهم) أي: لتكون أسماؤهم المذكورةُ في تمثيلنا هنا إِذا وقعت خارجًا في أسانيد أهل العلم (سِمَةً) أي: علامةً على قُوَّةِ الإِسنادِ إِنْ كانتْ من أسماء الطبقة الأولى، أو على ضَعْفِه إِنْ كانتْ من أسماء الطبقة الثانية، بحيث (يَصْدُرُ) ويرجعُ (عَنْ فَهْمِها) أي: عندَ فَهْمِ تلك العلامة والاطلاع عليها في أسانيد أهل العلم، فـ (عَنْ) بمعنى عند (¬1). و(مَنْ) في قوله: (مَنْ غَبِيَ) فاعلُ يَصْدُرُ. قال السنوسي: ("غَبِيَ" بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة؛ أي: خَفِيَ، ويُروى بالعين المهملة وياءين مُثنّاتَين، ويُروى: "عَمِيَ" بالعين والميم) اهـ (¬2) أي: بحيث يرجعُ مَنْ خَفِيَ (عليه طريقُ أهلِ) هذا (العِلْمِ) ورجالهم قاضيًا وَطَرَه وحاجتَه (في) معرفة (ترتيبِ) مراتبِ (أهلِه) أي: أهلِ هذا العلم (فيه) أي: في هذا العلم إِذا اطلع على تلك السِّمَةِ التي هي أسماؤهم في الأسانيد الواقعة خارجًا، فيعرف بالاطّلاع على أسماء الطبقة الأولى قوة في الأسانيد، وبالاطّلاع على أسماء الثانية ضعفها. وإِذا كانت أسماؤهم سِمَةً وعلامةً على ذلك ( .. فلا يُقَصَّرُ) أي: لا يُحطّ ولا يُنقص (بالرجلِ العالي القَدْرِ) أي: بالإسناد الذي ذُكِرَ فيه الشخصُ الرفيعُ القَدْرِ والمرتبةِ في هذا العلم بقوة الإِتقان والاستقامة. ¬

_ (¬1) قال الإِمام النووي: (وقولُه: "يَصْدُرُ" أي: يَرْجِعُ، يُقال: صَدرَ عن الماءِ والبلادِ والحَجِّ إِذا انصرفَ عنه بعد قضاء وطَرِه، فمعنى "يَصْدُرُ عن فهْمِهَا": ينصرفُ عنها بعدَ فَهْمِها وقضاءِ حاجتهِ منها). "شرح صحيح مسلم" (1/ 54). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 11).

عَنْ دَرَجَتِهِ، وَلَا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا أَنَّهَا قَالتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ الناسَ مَنَازِلَهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (عَنْ دَرَجَتِهِ) ومنزلتِه متعلِّقٌ بـ (يُقَصَّرُ) أي: لا يُحَطُّ ذلك الإِسنادُ عن عالي درجتِه وقُوَّتِه؛ لوجودِ سِمَةِ القُوَّةِ فيه (ولا يُرْفَعُ) أي: ولا يُعْلَى ويُقَوَّى إِسنادٌ ذُكِرَ فيه شخصٌ (مُتَّضِعُ القَدْرِ) والمنزلةِ والدرجةِ؛ أي: وَضِيعُ القَدْرِ وناقصُه (في) هذا (العِلْمِ) والفَنِّ بقلَّةِ الإِتقان والضبط والاستقامة. وقولُه: (فوقَ منزلتِه) متعلِّقٌ بـ (يُرْفَعُ)؛ أي: لا يُرْفَعُ ولا يُعْلَى ذلك الإِسنادُ فوقَ منزلتهِ ودرجتهِ، بل هو على ضعفه لوجودِ سِمَة الضعف فيه (ويُعْطَى كُلُّ ذي حَقٍّ) ومرتبةٍ (فيه) أي: في هذا العلم من عالي القَدْر ومُتَّضِعِه (حَقَّهُ) أي: ما يَسْتَحِقُّه من قُوَّةِ إِسنادٍ أو ضَعْفِه، (ويُنَزَّلُ) أي: يُبَوَّأُ كُلُّ ذي حَقٍّ منهما ويُعْطَى (منزلتَه) ودرجتَه من الإِتقان والاستقامة وضِدِّهما. (و) إِنما نُزِّلَ كُلُّ ذي حَقٍّ منزلتَه لِمَا (قد ذُكِرَ) ورُويَ (عن عائشةَ) الصِّدِّيقةِ أُمِّ المؤمنين أُمِّ عبد الله (رَضِيَ اللهُ) سبحانه و (تعالى عنها) أي: قَبِلَ اللهُ سبحانه وتعالى حسناتِها عنها وجازاها عليها (أنها قالتْ: أَمَرَنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه) وعلى آلِهِ (وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ الناسَ) أي: آحادَهم في الحقوقِ وبعضِ الأحكامِ؛ أي: إلا فيما قام الدليلُ على وجوب التسوية بينهم فيه كالحدودِ والقِصَاص وشِبْهِ ذلك (مَنَازِلَهُمْ) ومراتبَهم فيُعْطَى كُلُّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ أي: كُل ذي رفعةٍ رِفْعَتَه، وكُلُّ ذي ضَعَةٍ ضعتَه، لا فوقَه ولا دُونَه؛ لأن هذا هو العَدْلُ الواجبُ علينا بقوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. قال القرطبي: (واستدلالُ مسلمٍ بهذا الحديث يَدُلُّ ظاهرًا على أنه لا بأس به، وأنه ممَّا يُحْتَجُّ به عنده، وإِنما لم يُسْنِدْه في كتابه لأنه ليس على شَرْطِ كتابه، وقد أسنده أبو بكرٍ البَزَّارُ في "مسنده" عن ميمون بن أبي شَبيب، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لا يُعْلَمُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا من هذا الوجه، وقد رُويَ عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفًا.

مَعَ مَا نَطَقَ بِهَ الْقُرْآنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكره أبو داود في "مصنَّفه" (¬1) فقال: حدثنا يحيى بن إِسماعيل وابن أبي خلف (¬2)، أَنَّ يحيى بن يَمَانٍ أخبرهم، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب: أَنَّ عائشة مَرَّ بها سائلٌ فأَعْطَتْه كِسْرَةً، ومَرَّ بها رجلٌ عليه ثيابٌ وهيئةٌ فأقعدتْه فأَكَلَ، فقيل لها في ذلك فقالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أنْزِلُوا النَّاسَ مَنازِلَهم". قال ابنُ الأعرابي: قال أبو داود: ميمون لم يُدْرِكْ عائشة. وعلى هذا: فالحديثُ منقطعٌ، فقد ظَهَرَ لأبي داود من هذا الحديث ما لم يَظْهَرْ لمسلمٍ، ولو ظَهَرَ له ذلك .. لما جاز له أن يستدلَّ به إِلا أن يكون يعمل بالمراسيل، والله أعلم، على أَنَّ مسلمًا إِنما قال: وذُكِرَ عن عائشة وهو مُشْعِرٌ بضَعْفِه، وأنه لم يكن عنده ممَّا يعتمدُه (¬3). ومعنى هذا الحديثِ. الحضُّ على مراعاة مقاديرِ الناس ومراتبِهم ومناصبهم، فيُعَامَلُ كُلُّ أحدٍ منهم بما يَلِيقُ بحالِه، وبما يُلائِمُ منصبَه في الدِّين والعلم والشَّرَف والمرتبة؛ فإِنَّ الله تعالى قد رتب عبيدَه وخَلْقَه، وأَعْطَى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، وقال صلى الله عليه وسلم: "خِيَارُهم في الجاهلية خِيَارُهم في الإِسلام إِذا فقهوا" (¬4) اهـ (¬5). والظرفُ في قوله: (مَعَ ما نَطَقَ به القرآنُ) متعلِّقٌ بقوله: (ذُكِرَ عن عائشة) أي: لما ذكر عنها مع دلالة ما نَطَقَ به القرآنُ ونَزَلَ به وحواه على التنزيل المذكور المروي عن ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (5/ 173 - 174) في كتاب الأدب، (23 - باب في تنزيل الناس منازلَهم)، حديث رقم (4842). (¬2) وقع في "المفهم" للقرطبي (1/ 125): (حدثنا إِسماعيل بن أبي خلف) وفيه سقط، والصواب: (حدثنا يحيى بن إِسماعيل وابن أبي خلف) كما في المصدر السابق و "تحفة الأشراف" (12/ 330) حديث رقم (17669). (¬3) وانظر تخريج هذا الحديث بتوسع في "الجواهر والدرر" للحافظ السخاوي (1/ 4 - 9) وفيه الحكم بأنه حديث حسن، و "إِتحاف السادة المتقين" للحافظ الزَّبيدي (1/ 342 - 343). (¬4) رواه البخاري (3383)، ومسلم (6238/ 160) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) "المفهم" (1/ 125 - 127).

مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}. فَعَلَى نَحْو مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ قَوْمٍ هُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَّهَمُونَ أَوْ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْهُمْ .. فَلَسْنَا نتَشَاغَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة رضي الله عنها حالة كون ما نَطَقَ به ونَزَل (مِنْ قَوْلِ اللهِ) سبحانه و (تَعَالى {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} حادثٍ ولو نبيًّا مُرْسَلًا ومَلَكًا مُقَرَّبًا {عَلِيمٌ} أي: كثيرُ العلم منه، فدلَّت للفوقيةُ المذكورةُ في الآية على أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ ذي عِلْمٍ يُنَزَّلُ منزلتَه ومرتبتَه لا يُجَاوَزُ إِلى ما فوقها. والفاءُ في قوله: (فَعَلَى نَحْو ما ذَكَرْنا من الوُجُوهِ نُؤَلِّفُ) فاءُ الفصيحة داخلةٌ على (نُؤَلِّفُ)، و (على) متعلِّقٌ بـ (نُؤَلِّفُ)، و (نَحْو) بمعنى مِثْل، و (الوُجُوه) جمعُ وَجْهٍ بمعنى قِسْم، والمعنى: إِذا عَرَفْتَ ما ذكرتُه لك من تقسيم الأخبار والطبقات على ثلاثة أقسام وأردتَ بيانَ ما نُدْخِلُه في كتابنا من تلك الأقسام فأقول لك: نُؤَلِّفُ ونَجْمَعُ (ما سَأَلْتَـ) ـني جَمْعَه وتلخيصَه (من الأخبارِ) المأثورةِ (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) في كتابٍ مُشْتَمِلٍ على مِثْلِ ما ذَكَرْناه سابقًا من جملة الوجوه والأقسام الثلاثة، والذي ذُكِرَ منها هو القسم الأول والثاني من الأخبار والطبقات. والفاءُ في قوله: (فأمَّا ما كان منها) فاءُ الفصيحة أيضًا؛ لأنها أفصحتْ عن جوابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ القسمَينِ الأَولَينِ من الأقسام الثلاثة وعَرَفْتَ إِدخالهما في كتابنا وأردتَ بيانَ القسمِ الثالثِ وبيانَ حالِه وشأنِه .. فأقول لك: أمَّا ما كان من الأخبار منقولًا (عن قَوْمٍ) متروكين؛ لشِدَّةِ ضَعْفِهم (هُمْ) أي: أولئك القومُ (عندَ) جميع (أهلِ الحديثِ مُتَّهَمُون) بالكذب؛ لشُهْرَتِهم بوَضْع الأحاديث وتوليدها من عند أَنفسهم، والظرف في قوله: (عندَ أهلِ الحديثِ) متعلِّقٌ بـ (مُتَّهَمُون). (أو) مُتَّهَمُون (عندَ الأكثرِ منهم) أي: مِنْ أهلِ الحديثِ لا عند جميعهم. والفاءُ في قوله: ( .. فلَسْنا) رابطةٌ لجواب (أمَّا) في قوله: (فأمَّا ما كان ... ) إِلخ أي: فلسنا نحن (نَتَشَاغَلُ) ونتَعَاطَى ونَقْصِدُ؛ أي: لسنا

بِتَخْرِيجِ حَدِيثِهِمْ، كَعَبْدِ اللهِ بْنِ مِسْوَرٍ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، وَعَبْدِ الْقُدُّوسِ الشَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوب، وَغِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَسُلَيمَانَ بْنِ عَمْرٍو أبي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متشاغلين (بتخريجِ حديثِهم) ونَقْلِه عنهم؛ لشِدَّةِ ضَعْفِهم وشُهْرَةِ وَضْعِهم، وأولئك القومُ (كعبدِ اللهِ بنِ مِسْوَرٍ) بكسر الميم وسكون السين المهملة المُكَنَّى بـ (أبي جعفرٍ المدائنيِّ) أي: المنسوب إِلى المدائن، وهي بلدةٌ قرب بغداد، وكان فيها إِيوان كسرى، سُمِّيَتْ بلفظ الجَمْع لِعِظَمِها. فائدة: والفَرْقُ بين قولهم في النِّسْبة: المدني والمديني والمدائني، أَنَّ الأولَ منسوبٌ إِلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانيَ نِسْبةٌ إِلى عدة مدن منها مدينة المنصور بلدةٍ بخُراسان، والثالثَ نِسْبَةٌ إِلى بلدةٍ بقرب بغداد. (و) كـ (ـعَمْرِو بنِ خالدٍ) أبي حفص الأعشى الكوفي، روى عن الأعمش وهشام بن عُرْوة، وعنه عَمْرُو بن عبد الله الأَوْدِي، قال ابن عدي: مُنْكَر الحديث، وقال ابنُ حِبَّان: يروي عن الثقات الموضوعاتِ، لا تَحِلُّ الروايةُ عنه. (وعبدِ القُدُّوسِ) بن حبيبٍ الكَلاعي (الشاميِّ) بالشين المعجمة نسبة إِلى الشام، روى عن عكرمةَ وعطاءٍ وغيرِهما. (ومحمدِ بنِ سعيدٍ) الدِّمشقي أبي عبد الرحمن ويُقال: أبو عبد الله، ويُقال: أبو قيس (المصلوبِ) أي: الذي قُتِلَ وصُلِبَ في الزندقة، قتَلَه أبو جعفر. (وغِيَاثِ بنِ إبراهيمَ) الكوفيِّ الوَضَّاع. (وسُلَيمَانَ بنِ عَمْرٍو) -بفتح العين- قال السنوسي: (فالواو التي تُوجَدُ بعد الراء في عَمْرٍو هذا هي الواوُ التي تُزَادُ فيه للفَرْق بينه وبين عُمَرَ المضمومِ العين لا عاطفةٌ؛ لأنَّ ما بعدها عطفُ بيانٍ لسليمانَ بنِ عَمْرٍو لا رجلٌ آخر) (¬1) - المُكنَّى بـ (أبي داود النَّخَعِيِّ) أي: المنسوب إِلى نَخَع بفتح الخاء ابن عَمْرو بن عُلَة -بضم العين وفتح اللام ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 12).

وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِوَضْعِ الأَحَادِيثِ وَتَوْلِيدِ الأَخْبَارِ. وَكَذَلِكَ مَنِ الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْمُنْكَرُ أَو ـــــــــــــــــــــــــــــ المخففة- ابن جلد بن مالك بن أُدد أبي قبيلةٍ باليمن. (وأَشْبَاهِهِمْ) أي: نظائرِهم وأمثالِهم في الوَضْعِ والضَّعْفِ، كأبي داود الأَعْمى، وموسى بن دِهْقان، وحَكِيم بن جُبَير، وحمَّاد بن عَمْرٍو، وغيرِهم (ممَّن اتُّهِمَ) عند أهل الحديث (بوَضْع الأحاديث) واختلاقِها من عند نفسه. قال السنوسي: (والحديثُ الموضوعُ: هو المُخْتَلَقُ المصنوعُ، وربما أَخَذَ الواضعُ كلامًا لغيره مما فيه حكمةٌ وتَكَلَّمَتْ به الحُكَمَاءُ ونحو ذلك فيجعله حديثًا، وربما وَضَعَ كلامًا من عند نفسه. وكثيرٌ من الموضوعات أو أكثرُها يَشْهَدُ بوَضْعِها ركاكةُ لفظِها. وحُكْمُ وَضْعِ الحديثِ: التحريمُ بإِجماع المسلمين الذين يُعْتَدُّ بقولهم، وشَدَّ منْ لا يُعْتَدُّ به من المبتدعة كالكَرَّامية فقالوا: يجوزُ وَضْعُ الحديث في الترغيبِ والترهيبِ والزُّهْدِ، وقد سَلَكَ مسلكَهم بعضُ المتوسّمين بسِمَةِ الزهادة ترغيبًا في الخير بزَعْمِهم الباطل. قال النوويُّ: وهذه غباوةٌ ظاهرةٌ وجهالةٌ متناهيةٌ، ويكفي في الردِّ عليهم قولُه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعمِّدًا .. فليتبوأْ مقعدَه من النار") اهـ (¬1) وقولُه: (وتوليدِ الأخبارِ) وإِنشائِها وزيادتِها من عند نفسه: من عطف الرَّدِيف على ما قبله. (وكذلك) أي: وكهؤلاء المذكورين في عدم التشاغُل بحديثهم (مَنِ الغالبُ) والكثيرُ (على حديثِه) أي: في حديثهِ الذي يرويه، فعَلَى بمعنى في (المُنكَرُ) أي: الحديثُ المُنْكَرُ المردودُ، وهو الحديثُ الفردُ المُخَالِفُ لما رواه الثِّقاتُ، أو الفَرْدُ الذي ليس في راويه من الاستقامة والإِتقان ما يحتملُ معه تَفَرُّدُه (أَو) الغالبُ في حديثه ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" وبعضه من كلام الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 56).

الْغَلَطُ .. أَمْسَكْنَا أَيضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ. وَعَلامَةُ الْمُنْكَرِ فِي حَدِيثِ الْمُحَدِّثِ: إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا .. خَالفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ، أَوْ لَمْ تَكَدْ تُوَافِقُهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الغَلَطُ) والخطأُ، وهو ضِدُّ الصواب .. فإنّا نحن (أَمْسَكْنا) كلامنا وسكتنا (أيضًا) أي: كما لا نَتَشَاغَلُ بحديثِ أولئك أَمْسَكْنا (عن) رواية (حديثِهم) أي: عن رواية حديثِ مَنِ الغالبُ في حديثه المُنْكَرُ أو الغَلَطُ، وقولُه: (أَمْسَكْنا ... ) إِلخ تصريحٌ بما عُلِمَ من التشبيه السابق في قوله: (وكذلك). (وعلامةُ) الحديثِ (المُنْكَرِ) أي: أَمَارَتُهُ التي تَدُلُّ على نكارتِه إِذا وَقَعَ (في) جنسِ (حديثِ المُحَدِّثِ) وهو -أعني: المُحَدِّثَ- من اشتغل به رِوايةً ودِرايةً وجَمْعَ رُواةٍ، واطَّلَعَ على كثيرٍ من الرُّواةِ والرِّواياتِ في عصره. قال السنوسي: (وهذه العلامةُ التي ذَكَرَ علامةُ المنكرِ المردودِ، وقد يُطْلَقُ المُنْكَرُ في الاصطلاح على انفرادِ الثقةِ بحديثٍ، وليس هذا بمنكرٍ مردودٍ إِذا كان الثِّقَةُ ضابطًا مُتْقِنًا) اهـ (¬1) أي: علامةُ المنكرِ إِذا وَقَعَ في حديثِ المُحَدِّثِ أنه (إذا ما عُرِضَتْ) وقُوبِلَتْ (روايتهُ) أي: روايةُ المُحَدِّث (لـ) ـذلك (الحديثِ على روايةِ غيرهِ) أي: على روايةِ غيرِ المُحَدِّثِ له من الثقات حالةَ كَوْنِ ذلك الغير (مِنْ أَهلِ الحِفْظِ) والإِتقانِ (والرِّضا) والدِّيانة، وجوابُ إِذا قولُه: (خَالفَتْ روايتُه) أي: روايةُ ذلك المُحَدِّث (روايتَهم) أي: روايةَ أولئك الغير الذين كانوا من أهل الحفظ والرِّضا في جميع مُتُونِها وأسانيدِها (أَوْ لَمْ تَكَدْ) أي: لم تُقَارِبْ روايتُه (تُوَافِقُها) أي: تُوَافِقُ روايتَهم في جميع مُتُونها وأسانيدِها؛ أي: لا تُوَافِقُها إلا في قليل. قال السنوسيُّ: (استعمل كادَ هنا على طريق مَنْ قال: نَفْيُها نَفْيٌ وإِثباتُها إِثباتٌ؛ أي: لم تَقْرُبْ موافقتُها في الأكثر، وفي النادر قريب من الموافقة، ولو استعملَها على طريقِ مَنْ قال: ثبوتُها نَفْيٌ ونَفْيُها ثبوتٌ .. لفَسَدَ المعنى، والله أعلم) اهـ (¬2). ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 12)، وانظره في "شرح صحيح مسلم" (1/ 57). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 12)، وقال الإِمام النووي رحمه الله تعالى: (قوله: "أو لم =

فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ .. كَانَ مَهْجُورَ الْحَدِيثِ، غَيرَ مَقْبُولهِ وَلَا مُسْتَعْمَلِهِ. فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَرَّرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والفاءُ في قوله: (فإذا كان الأغلبُ) والأكثرُ: فاءُ الفصيحة؛ لأنها أَفْصَحَتْ عن جوابِ شرطٍ مُقَدَّرٍ تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ علامةَ المنكرِ وأردتَ بيانَ حُكْمِه .. فأقول لك: إِذا كان الأغلبُ والأكثرُ (من حديثِه) أي: من حديثِ المُحَدِّثِ كائنًا (كذلك) أي: المنكر أو الغلط ( .. كان) ذلك المُحَدِّثُ (مهجورَ الحديثِ) أي: متروكَه، وكان (غيرَ مقبولِه) أي: غيرَ مقبولِ الحديث (ولا مُسْتَعْمَلِهِ) بصيغة اسم المفعول؛ أي: وكان غيرَ مُسْتَعْمَلِ الحديث، والمعنى: أَن حديثَه مهجورٌ لفظًا غيرُ مقبولٍ معنًى، وغيرُ مستعمل حُكْمًا. والفاءُ في قوله: (فمِنْ هذا الضَّرْبِ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحتْ عن جوابِ شرطٍ مُقَدَّرٍ تقديرهُ: إِذا عَرَفْتَ أَنَّ مَنْ كان الأغلبُ في حديثه المُنْكَرَ أو الغلطَ كان مهجورَ الحديثِ غيرَ مقبولهِ ولا مُسْتَعْمَلِه، وأردتَ بيانَ أمثلةِ هذا الضَّرْبِ .. فأقول لك: من هذا الضَّرْبِ والنوع الذي كان الغالبُ من حديثه المُنْكَرَ أو الغَلَطَ حالةَ كَوْنِ ذلك الضَّرْبِ (من .. المُحَدِّثين) أي: من المشتغلين بالحديث رِوايةً ودِرايةً، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (فمِنْ هذا الضَّرْبِ) خبرٌ مُقَدَّمٌ لقوله: (عبدُ اللهِ بن مُحَرَّرٍ) وما عُطِفَ عليه، وهو بضمِّ الميم وبفتح الحاء المهملة وبراءين مهملتين الأُولى منهما مفتوحةٌ مشددةٌ. قال النوويُّ: (هكذا في روايتنا وفي أُصول أهل بلادنا، وهذا هو الصواب، وكذا ذكره البُخَاريُّ في "تاريخه" وأبو نصر بن ماكولا وأبو علي الغَسَّانيُّ الجَيَّانِيُّ ¬

_ = تَكَدْ تُوافِقُها" معناه: لا تُوافِقُها إِلَّا في قليل. قال أهلُ اللُّغة: "كادَ" موضوعةٌ للمقاربة، فإنْ لم يَتَقَدَّمْها نَفْيٌ .. كانتْ لمقاربة الفعل ولم يُفعل كقوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}، وإِنْ تَقَدَّمها نَفْيٌ .. كانت للفعل بعدَ بُطْءٍ، وإِنْ شئتَ .. قلتَ: لمقاربة عدم الفعل كقوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}).

وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيسَةَ، وَالْجَرَّاحُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَبُو الْعَطُوفِ، وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، وَحُسَينُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ ضُمَيرَةَ، وَعُمَرُ بْنُ صُهْبَانَ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وآخرُون من الحُفَّاظ، وذَكَرَ القاضي عِيَاضٌ: أَنَّ جماعةً من شيوخه رَوَوْه "مُحْرِزًا" بإِسكانِ الحاء وكسرِ الراء وآخرُه زايٌ، وهو غلطٌ، والصوابُ الأول. وعبدُ اللهِ بن مُحَرَّرٍ عامريٌّ هو من أتباع التابعين، روى عن الحَسَنِ وقتادةَ والزُّهْريّ ونافعٍ مولى ابن عُمر وآخرين من التابعين، واتَّفقَ الحُفَّاظُ على تَرْكِهِ) اهـ (¬1) (ويحيى بن أبي أُنَيسَةَ) بضمِّ الهمزة، ونونٍ مفتوحةٍ، وسينٍ مهملةٍ مُصغرًا، أبو زيد الجزري، ضعيف، من السادسة، مات سنة ستٍّ وأربعين ومائة، روى عنه (ت)، واسمُ أبي أُنَيسَةَ: زيدٌ. (والجَرَّاحُ) بفتح الجيم وتشديد الراء (بن المِنْهَالِ) بكسر الميم وسكون النون (أبو العَطُوفِ) بفتح العين وضمّ الطاء المهملتَين. (وعَبَّادُ بن كَثِيرٍ) الثقفيُّ البصريُّ، متروك، قال أحمد: روى أحاديث كَذِب، وقال في "التقريب": من السابعة، مات بعد الأربعين ومائة، وروى عنه (د ق). (وحُسَينُ بن عبد اللهِ بن ضُمَيرَةَ) بضمِّ الضاد المعجمة، وفتح الميم مصغرًا، ابن أبي ضميرة سعيد الحِمْيري المدني، روى عن أبيه، وعنه زيدُ بن الحُبَاب وغيرُه، كَذَّبَه مالكٌ، وقال أبو حاتم: متروكُ الحديثِ كَذَّابٌ، وقال أحمد: لا يُسَاوي شيئًا، وقال البخاريُّ: منكرٌ ضعيفُ الحديث. (وعُمَرُ بن صُهْبَانَ) بضمِّ الصاد المهملة وسكون الهاء، ويُقال: اسمُ أبيه محمدٌ، الأسلميُّ أبو جعفر المدنيُّ خالُ إِبراهيم بن يحيى، ضعيفٌ، من الثامنة، مات سنة سبع وخمسين ومائة، روى عنه (ق). (وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ) أي: قَصَدَ قَصْدَهم كحُبَيِّب -بضمِّ الحاء المهملة، وتشديد التحتية، بين موحدتين أُولاهما مفتوحة- ابن حَبِيب بوزن كَرِيم أخي حمزة الزيَّات، ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 57)، و "إِكمال المعلم" (1/ 101 - 102)، و "مشارق الأنوار" (1/ 396)، وانظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 120).

فِي رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْحَدِيثِ .. فَلَسْنَا نُعَرِّجُ عَلَى حَدِيثِهِمْ، وَلَا نَتَشَاغَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالَّذِي نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي قَبُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن أبي إِسحاق وغيرِه، وَهَّاهُ أبو زُرْعَة، وتَرَكَه ابنُ المبارك (¬1). وحبيبِ بن جَحْدَر أخي خصيب، كَذَّبَه أحمدُ ويحيى بن مَعِين وكأنهما رأياه (¬2). وحبيبِ بن أبي الأشرس، هو حبيب بن حسّان، له عن سعيدِ بنِ جُبَيرِ وغيرِه، رَوى عنه مروانُ بن معاوية وإِسماعيلُ بن جعفر، وقال ابنُ حِبَّان: منكر الحديث جِدًّا، وكان قد عشق نصرانيةَ فقيل: إِنه تَنَصَّرَ وتَزَوَّجَ بها. اهـ "ميزان الاعتدال" (1/ 450 - 451). (في روايةِ المُنْكَرِ من الحديثِ) ونَقْلِه. والفاءُ في قوله: (فَلَسْنا) فاء الفصيحةِ؛ لأنها أفصحت عن جوابِ شرطِ مُقَدَّرٍ تقديرُه: إِذا عَرَفْتَ أَنَّ هؤلاء المذكورين من الضَّرْب الذي كان الغالبُ من حديثهِ المُنْكَرَ أو الغَلَطَ، وأردتَ بيانَ حالِنا وشأنِنا في حديثهم .. فأقول لك: لَسْنا نحن (نُعَرِّجُ) ونلتفتُ ونعتمدُ (على حديثِهم) أي: على حديثِ هؤلاء المذكورين في حُكْمٍ من الأحكام، ولا نستدلُّ به عليه، يُقال: فلانٌ لا يُعَرَّجُ على كلامه؛ أي: لا يُعْتَمَدُ عليه (ولا نَتَشَاغَلُ بهِ) أي: لا نحاولُ ولا نشتَغِلُ بروايتِه ونَقْلِه. واللامُ في قوله: (لأن حُكْمَ أهلِ العِلْمِ) للتعليل، متعلِّقَةٌ بقوله: (فلَسْنَا نُعَرِّجُ)، (وَحُكْمَ) اسمُ أَنَّ. وقولُه: (والذي نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِهم) معطوفٌ عليه، والمعنى: وإِنما لم نُعَرِّجْ على حديثِهم؛ لأنَّ الحُكْمَ الذي حَكَمَهُ أهلُ هذا العلم والفنّ، والشَّرْطَ الذي نعرفُه ونعتقدُه من مذهبهم. وقولُه: (في قَبُولِ) تَنَازَعَ فيه كُلٌّ من قوله: (حُكْمَ) و (نَعْرِفُ) أي: لأنَّ ¬

_ (¬1) (ميزان الاعتدال) (1/ 457). (¬2) المصدر السابق (1/ 451).

مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ الْمُحَدِّثُ مِنَ الْحَدِيثِ: أَنْ يَكُونَ قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ فِي بَعْضِ مَا رَوَوْا، وَأَمْعَنَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ، فَإِذَا وُجِدَ كَذَلِكَ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيئًا لَيسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ .. قُبِلَتْ زِيَادَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحُكْمَ الذي حَكَمُوه في قَبُولِ (ما يَتَفَرَّدُ بهِ المُحَدِّثُ مِن) زيادةِ (الحديثِ) على غيرِه، والشَّرْطَ الذي نعرفهُ من مذهبهم في قَبُولِهِ. وقولهُ: (أَنْ يكونَ) خبرُ أَنَّ؛ أي: أن يكون ذلك المُحَدِّثُ المُتَفَرِّدُ (قد شارَكَ الثِّقاتِ) وصَاحَبَهم، والثِّقاتُ: جَمْعُ ثِقَةٍ، وهو من يُعْتَمَدُ عليهِ ويُؤتَمَنُ به، ويُستعملُ بلفظٍ واحدٍ للمذكر والمؤنث. وقولُه: (مِنْ أهلِ العِلْمِ والحِفْظِ) بيانٌ للثقات؛ أي: حالة كون أولئك الثقات من أهل هذا العلم والفنّ، ومن أهل الحفظ والضبط فيما نَقَلُوه. وقولُه: (في بعضِ ما رَوَوْا) مُتَعَلِّقٌ بـ (شَارَكَ)؛ أي: أن يكون ذلك المُحَدِّثُ المتفرِّدُ قد شَارَكَ الثِّقاتِ من أهل هذا العلم، وصَاحَبَهم في رواية بعض ما رَوَوْهُ ونَقَلُوه. وقولُه: (وأَمْعَنَ) واطمأَنَّ: معطوفٌ على (شَارَكَ). وقولُه: (في ذلك) متعلِّقٌ بالموافقة المذكورة بعده. وقولُه: (على المُوَافَقَةِ لهم) متعلِّقٌ بـ (أَمْعَنَ)، أي: وأن يكون ذلك المُحَدِّثُ المتفرِّدُ قد أَمْعَنَ وكَلَّف نفسَه على الموافقة للثقات في بعض ما رَوَوْه، وبَالغَ واسْتَقْصَى فيها؛ أي: في الموافقة لهم في ذلك. والفاءُ في قوله: (فإذا وُجِدَ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحتْ عن جوابِ شرطٍ مقدرٍ تقديره: إِذا عرفتَ الشرطَ المذكورَ، وأردتَ بيانَ حُكْمِ ما تَفَرَّدَ به، إِذا وُجِدَ الشرطُ المذكورُ .. فأقول لك: إِذا وُجدَ المُحَدِّثُ (كذلك) أي: مشاركًا للثقات في بعض ما رَوَوْه ومُمْعِنًا -أي: مُكَلِّفًا- نفسَه على الموافقة لهم في ذلك (ثم زادَ بعدَ ذلك) أي: بعدَ مشاركتِهم في ذلك (شيئًا) من الحديث (ليس) ذلك الشيءُ موجودًا (عندَ أصحابه) من الثِّقاتِ ( .. قُبِلَتْ زيادتُه) أي: زيادةُ ذلك المُحَدِّث، التي تَفَرَّد بها من الثقَات؛ لوجود الشرطِ المذكورِ من المشاركة لهم في بعض ما رَوَوْه.

فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلالتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والفاءُ في قوله: (فأمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ) فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جوابِ شرطٍ مقدرٍ تقديره: إِذا عرفتَ قبولَ ما تَفَرَّدَ به المُحَدِّثُ بالشرط المذكور، وأردتَ بيانَ حُكْمِ ما تفَرَّدَ به مع عدم الشرط المذكور .. فأقول لك: أمَّا مَنْ تَرَاهُ ... إِلخ، فـ (مَنْ) مبتدأُ سيأتي خبرُه بقوله: (فغيرُ جائزٍ قبولُ حديثِ هذا الضَّرْبِ)، و (ترى) علميةٌ لا بصريةٌ، ويُقال: عَمَدَ الشيءَ وإِلى الشيء، من باب ضرَبَ، إِذا قَصَدَ فِعْلَه، ومِثْلُ الشخصِ: نظيرُه في العلم والفَضْل. والزُّهْرِيُّ: هو محمد بن مسلم بن عُبَيد الله بن عَبْد الله بن شِهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرة بن كِلاب القُرَشِي الزُّهْري، أبو بكر المدني، أحدُ الأئمة الأعلام، وعالمُ الحجاز والشام، تابعيٌّ صغيرٌ، منسوبٌ إِلى زُهْرة بن كلاب. روى عن ابن عُمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وابن المُسَيِّب وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وأبانُ بن صالح وأيوبُ وابنُ عُيَينة وابنُ جُرَيج واللَّيثُ ومالكٌ وخلائقُ. قال ابنُ المَدِيني: له نحو ألفي حديث. وقال ابن شهاب: ما استودعتُ قلبي شيئًا قطّ فنسيتُه. وقال أيوب: ما رأيتُ أعلمَ من ابن شهاب. وقال في "التقريب": حافظٌ مُتْقِنٌ متَّفَقٌ على جلالتِه وإِتقانِه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومائة. ومِن أمثالِهِ: الحَسَنُ البصريُّ، ومحمدُ بن سيرين. والمعنى: أمَّا المُحَدِّثُ الذي تراه وتعلمه يَعْمِدُ ويقصدُ أن يرويَ عمَّنْ هو مِثْلُ الزُّهْري (في جلالتهِ) وفَضْلِه وعلمِه (و) في (كَثْرَةِ أصحابه) الذين يَرْوُون عنه. وقولُه: (الحُفَّاظِ) صفة أُولى للأصحاب؛ أي: أصَحابِه الموصوفين بالحفظِ والضَّبْطِ للأخبار، وقولُه: (المُتْقِنِينَ) صفةٌ ثانيةٌ لهم؛ أي: الموصوفين بالإِتقان والتحقيق (لحديثهِ) أي: للحديثِ الذي رَوَوْه عن الزُّهْري (و) لـ (حديثِ غيرهِ)

أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ -وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الاتِّفَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: وللحديثِ الذي رَوَوْه عن غير الزُّهْري كالحَسَنِ البصريِّ. والضميرُ في قوله: (جلالتِه) وما بعدَه عائدٌ على الزُّهْري. وقولُه: (أو لِمِثْلِ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ) معطوفٌ على قوله: (لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ) أي: أو مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ ويقصدُ أن يروي عمَّنْ هوَ مِثْلُ هشامِ بنِ عُرْوَةَ في جلالتهِ وكثرةِ أصحابهِ الحُفَّاظِ كمجاهد وعطاء. وهو هشام بن عروة بن الزُّبَير بن العَوَّام الأسدي، أبو المنذر، أحد الأئمة الأعلام. روى عن أبيه وزوجته فاطمة بنت المنذر، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعَمِّه عبد الله بن الزبير وأخويه عبد الله وعثمان وابن عمّه عباد بن عبد الله بن الزُّبَير وخلائقَ، ويروي عنه (ع) وأيوب وابن جُرَيج وشعبة ومَعْمَر ويونس والليث ومالك بن أنس وجماعةٌ. قال ابنُ المَدِيني: له نحو أربعمائة حديث، وقال ابنُ سعد: ثقةٌ حُجَّةٌ. وقال في "التقريب": ثقةٌ فقيهٌ ربما دَلَّسَ، من الخامسة، مات سنة خمس وأربعين ومائة، وله سبع وثمانون سنة، وتكَلَّمَ فيه مالكٌ وغيرُه. وقولُه: (وحديثُهما) مبتدأٌ، خبرهُ قولُه الآتي: (مبسوطٌ مُشْتَرَكٌ)، والجملةُ معترضةٌ أو حاليةٌ، والضميرُ فيه عائدٌ إِلى الزُّهْري وإِلى هشام بن عروة. والظرفُ في قوله: (عندَ أهلِ) هذا (العِلْمِ) والفنِّ متعلِّقٌ بقوله: (مبسوطٌ) أي: مُنْتَشِرٌ كثيرٌ عندهم (مُشْتَرَكٌ) بينهم؛ لأنه (قد نَقَلَ) ورَوَى (أصحابُهما) أي: أصحابُ الزُّهْرِيِّ وهشامِ (عنهما) أي: عن الزُّهري وهشام (حديثَهما) أي: الحديثَ الذي رَوَى الزهريُّ وهشامٌ عمَّنْ سَبَقَهما. وقولُه: (على الاتِّفاقِ) -قال النووي: (هو هكذا في معظم الأصول: "الاتفاق"- بالفاء أولًا والقاف آخرًا، وفي بعضها: "الإتقان" بالقاف أولًا والنون

مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ- فَيَرْوي عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا، وَلَيسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ .. فَغَيرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ آخرًا، والأول أجودُ، بل هو الصواب) اهـ (¬1) - متعلِّقٌ بـ (نَقَلَ)، أي: لأنه قد نَقَلَ أصحابُهما مع الاتّفاق والاشتراك (منهم في أكثرِه) أي: في أكثرِ حديثهما. والفاءُ في قوله: (فيَرْوي) عاطفةٌ على قوله: (يعْمِدُ) أي: أمَّا مَنْ تَرَاه يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ أو لِمِثْلِ هشامٍ فيروي (عنهما) أي: عن الزُّهْرِيِّ وهشامٍ جميعا، (أو) يروي (عن أَحَدِهما) فقط. وقولُه: (العَدَدَ) بالنصب مفعولُ يروي؛ أي: يروي عنهما أو عن أحدهما الأفرادَ الكثيرةَ الكائنةَ (من الحديثِ) حالة كون تلك الأفراد (مِمَّا لا يَعْرِفُه) ولا يرويه (أَحَدٌ من أصحابِهما) أي: أحدٌ من أصحاب الزهري وهشام. وجملةُ قولهِ: (وليس) حالٌ من فاعل يروي؛ أي: يروي عنهما أو عن أحدهما، والحالُ أنه ليس (مِمَّنْ قد شَارَكَهُمْ) أي: ممَّنْ قد شارك أصحابهما (في) رواية الحديث (الصحيحِ) ونَقْلِه عنهما الكائن ذلك الصحيح (مِمَّا عندَهم) أي: من الأحاديث التي حَصَلَتْ عندهم؛ أي: عند أصحابهما، ويحتمل أن يكون في كلامه قلب؛ أي: تقديمٌ وتأخيرٌ تقديره: وليس ممن شاركهم فيما عندهم من الصحيح؛ أي: في رواية ما استقرَّ عندهم من الصحيح عنهما. وقولُه: ( .. فغيرُ جائزٍ) خبرٌ لقوله: (أمَّا مَنْ تراه يَعْمِدُ) كما مَرَّ هناك؛ أي: فغيرُ جائزٍ (قَبُولُ حديث هذا الضَّرْبِ) والقسمِ (من) أقسامِ (النَّاسِ) الثلاثة، يعني: مَنْ تراه يَعْمِدُ لمِثْل الزهري أو لمِثْلِ هشامٍ. وفي قولهم: (واللهُ) سبحانه وتعالى أَجَلُّ وأَعَزُّ و (أعلمُ) مراعاةٌ لحُسْن كمال الأدب؛ لما فيه من تفويض العلم إِلى الذي عِلْمُه فوقَ كُلِّ ذي علم. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 58).

قَدْ شَرَحْنَا مِنْ مَذْهَبِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ بَعْضَ مَا يَتَوَجَّهُ بِهِ مَنْ أَرَادَ سَبيلَ الْقَوْمِ وَوُفِّقَ لَهَا، وَسَنَزِيدُ -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى- شَرْحًا وَإِيضَاحًا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الأَخْبَارِ الْمُعَلَّلَةِ إِذَا أَتَينَا عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (قد شَرَحْنا) وبَيَّنَّا وأَوْضَحْنا .. كلامٌ مستأنف، وفي بعض النسخ: (وقد شرحنا) بواو الاستئناف (مِنْ مَذْهَبِ الحديثِ) وأقسامهِ وأنواعهِ (و) من مذهبِـ (أهلِهِ) ورُوَاتِه؛ أي: من أقسامهم وطبقاتهم، يعني الأقسامَ الثلاثةَ من أقسامِ الحديث، وأقسامِ الرواة. والجارُّ والمجرورُ بيان مقدَّم لمفعول (شَرَحْنا)، وهو قولُه: (بعضَ ما يَتَوَجَّهُ به) (¬1)، أي: قد شَرَحْنَا بعضَ تقسيماتٍ يَتَوَجَّه ويَقْصِدُ ويُقْبِلُ بسبب معرفتها إِلى سبيلِ القوم ومذهبهم، و (مَنْ) في قوله: (مَنْ أرادَ سبيلَ القومِ) فاعلُ (يَتَوَجَّه)، و (سبيلَ القوَم) بالنصب، تَنَازَعَ فيه الفعلان قبله، والمعنى: وقد شَرَحْنا وبَيَّنَّا فيما تَقَدَّمَ لكَ بعضَ تقسيماتٍ يَتَوَجَّه ويُقْبِلُ بسبب معرفتها إِلى سبيل القوم المصطلحين وقاعدتهم مَنْ أراد وقَصَدَ معرفةَ سبيلِهم وإِتقانَ قاعدتِهم. وقولُه: (ووُفِّقَ لها) معطوفٌ على (أرادَ) أي: ورُزِقَ من الله سبحانه وتعالى التوفيقَ لسبيِلهم وطريقتِهم، وهو خَلْقُ قُدْرَةِ الطاعة في العبد وتسهيلُ سبيل الخير له؛ أي: أرادَ سبيلَ القوم مع التوفيق من الله تعالى، ومرادُه بالبعض الذي بَيَّنَه ما ذَكَرَه سابقًا، فنقسمها ثلاثةَ أقسامٍ، وثلاثَ طبقاتٍ من الناس إِلى هنا. (وسنزيدُ) نحن على ما تَقَدَّمَ (إِنْ شاءَ اللهُ) سبحانه و (تَعَالى) زيادَتَنا إِيَّاهُ (شَرْحًا) أي: بيانًا لسبيل القوم (وإيضاحًا) لقاعدتِهم. وقولُه: (في مواضعَ) متعلِّقٌ بـ (سَنَزِيدُ)، (من الكتاب عندَ ذِكْرِ الأخبارِ المُعَلَّلَةِ) أي: نزيدُ شرحًا وبيانًا عند ذِكْرِ الأحاديث التي وُجِدَتْ فيها عِلَّةٌ (إذا أَتَينا) وأَقْبَلْنا ومَرَرْنا (عليها) أي: على ذِكْرِ الأخبارِ المُعَلَّلةِ لغرضِ الإتْباعِ والاستشهاد. ¬

_ (¬1) قال القاضي عياض: (وقوله: "بعض ما يَتَوَجَّهُ به من أراد سبيلَ القوم" أي: يَقْصِدُ طريقَهم ويسلكُ مذهبَهم، قال الله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}، وقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} أي: قَصْدَكَ). "إِكمال المعلم" (1/ 105).

فِي الأَمَاكِنِ الَّتِي يَلِيقُ بِهَا الشَّرْحُ وَالإِيضَاحُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. وَبَعْدُ -يَرْحَمُكَ اللهُ-: فَلَوْلا ـــــــــــــــــــــــــــــ والمرادُ: أنه يُبَيِّنُ عِلَلَها في مواضعِ ذِكْرِها من اختلافهم في الأسانيد كالإِرسال والرفع والانقطاع والاتصال والزيادة والنقص والسماع والعنعنة، وقد تقدم الخلاف هل وَفَّى بهذا أم لا؟ والظاهرُ: أنه التزم ذلك في المقدِّمة، ولكنه لم يَفِ بما التزمه، وكأنه اخترمتْه المَنِيَّةُ قبل وفائه (¬1). و(إِذا) في قوله: (إِذا أَتَينا عليها) متعلِّقةٌ بالجواب المعلوم ممَّا قبلها، تقديره: إِذا أَتَينا عليها ومَرَرْنا بها نزيدُ شرحًا وإِيضاحًا، ويحتملُ أَنَّ (إِذا) ظرفٌ مجرَّدٌ عن معنى الشرط متعلِّقٌ بنَزِيدُ، وهو أَوْلَى؛ لعدم التقدير فيه. وقولُه: (في الأماكنِ) والمواضعِ متعلِّقٌ بـ (نَزِيدُ) أيضًا. وقولُه: (التي يَلِيقُ بها) ويناسبُ لها (الشَّرْحُ) والبيانُ (والإِيضاحُ) والإِظهارُ؛ لوجود غموضٍ وخَفَاءٍ فيها .. صفةٌ للأماكن. والمشيئةُ في قوله: (إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى) إِتياننا عليها .. مُتَعَلِّقَةٌ بـ (أَتَينَا) أو بـ (نَزِيدُ). والواوُ في قوله: (وبعدُ) نائبةٌ عن (أمَّا) النائبةِ عن (مَهْما يَكُن من شيءٍ)، والظرفُ من معمول الشرط، وكَرَّر لفظةَ: (وبعدُ)؛ لبُعدِ العهْدِ بها، قبل فراغه من المقدمة. وقولهُ: (يَرْحَمُكَ اللهُ) سبحانه وتعالى جملةٌ دعائيةٌ، خبريةُ اللفظ، إِنشائيةُ المعنى، معترضةٌ بين الشرطِ وجوابِه. والفاءُ في قوله: (فلولا) رابطةُ الجواب بالشرط، و (لولا): حرفٌ موضوعٌ للدلالة على امتناع الشيء لوجود غيره، وتلزم المبتدأ المحذوف خبره وجوبًا، ولا بُدَّ لها من جوابِ كجواب (لو) الشرطيةِ، والمعنى: مهما يَكُنْ من شيءٍ بعدَ ما ذكر من أقسام الحديث والطبقات فأقول لك أيها السائل يَرْحَمُك اللهُ سبحانه وتعالى: ¬

_ (¬1) انظر "إِكمال المعلم" (1/ 105).

الَّذِي رَأَينَا مِنْ سُوءِ صَنِيعِ كَثِيرٍ مِمَّنْ نَصَبَ نَفْسَهُ مُحَدِّثًا فِيمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ طَرْحِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالرِّوَايَاتِ الْمُنْكَرَةِ، وَتَرْكِهِمُ الاقْتِصَارَ عَلَى الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ مِمَّا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ الْمَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقْذِفُونَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لولا الأمر (الذي رَأَينَا) هـ وأَبْصرْناه موجودٌ حالةَ كونِ ذلك الأمرِ (من سُوءِ صَنيعِ كثيرٍ) أي: من قُبْحِ صَنِيعِ كثيرٍ من الناس وفُحْشِ عَمَلِه. وقولُه: (مِمَّنْ نَصَبَ) صفةٌ لـ (كثيرِ) أي: كائنين ممَّنْ نَصَبَ وجَعَلَ (نَفْسَهُ مُحَدِّثًا) للأحاديث النبوية. وقولُه: (فِيمَا يَلْزَمُهُمْ) متعلِّقٌ بسُوءِ؛ أي: مِنْ سُوءِ صَنِيعِهم فيما يَلْزَمُهم ويَتَعَيَّنُ عليهم، حالةَ كون ما يلزمهم (مِنْ طَرْحِ الأحاديثِ الضعيفةِ) ونَبْذِ الأخبارِ المُعَلَّلَةِ، من حيث المتونُ (و) من طَرْحِ (الرواياتِ المُنْكَرَةِ)، ونَبْذِ الأسانيد الواهية من حيث الإِسنادُ، وليس هذا من باب التكرار للتأكيد، بل له معنىً مستقلٌّ؛ لأنه قد يَصِحُّ متنُ الحديث مع ضَعْفِ إِسناده لكون بعض رجاله مُتَّهمًا، فلا يُعَرَّجُ على ذلك الإِسناد، ولا يُلْتَفَتُ إِليه، ويحتمل كونه من باب التكرار للتأكيد إِنْ فُسِّرَتِ الروايةُ بالمتن. وقولُه: (وتَرْكهِمُ) بالجرِّ معطوفٌ على (سُوءِ) أي: وحالةَ كونِهِ مِنْ تَرْكِ كثيرٍ من الناس (الاقتصارَ على) روايةِ (الأحاديثِ الصحيحةِ) مَتْنًا، (المشهور) سَنَدًا، وتَرْكِهم الاكتفاءَ بها حالةَ كَوْنِ تلك الأحاديثِ (مِمَّا نَقَلَه) أي: من الحديث الذي رواه (الثِّقاتُ) الْمُتقِنُون والحُفَّاظُ (المعروفون) أي: المشهورون (بالصِّدْقِ) والعدالةِ (و) العِفَّةِ و (الأمانةِ). وقوله: (بعدَ معرفتِهم) متعلق بـ (تركهم) أي: ومن ترك كثير من الناس بعد معرفتهم وإِدراكهم بَجَنانِهم (وإِقْرَارِهم) أي: اعترافِهم (بألسنتِهم). وقولُه: (أَنَّ كثيرًا) بفتح الهمزة تنازع فيه المصدران قبله، أعني بهما: المعرفةَ والإِقرارَ؛ أي: بعدَ إِيقانِهم بقلبهم وتَلَفُّظِهم بلسانهم أَنَّ كثيرًا (مِمَّا يَقْذِفُون بهِ) (¬1) ¬

_ (¬1) قال القاضي عياض: (وقولُه: "يَقْذِفُون به إلى الأغبياء" أي: يُلْقُون ذلك إِليهم، قال الله =

إِلَى الأَغْبِيَاءِ مِنَ النَّاسِ هُوَ مُسْتَنْكَرٌ وَمَنْقُولٌ عَنْ قَوْمٍ غَيرِ مَرْضِيِّينَ، مِمَّنْ ذَمَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِثْلُ مَالِكِ بْنِ أَنسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويُلْقُونَه (إِلى الأَغْبِياء) (¬1) أي: إِلى الغَفَلَة والجُهَّال (من الناسِ) من العوامّ. (والأغبياء) بالغين المعجمة والباء الموحدة: هم الغَفَلة والجُهَّال الذين لا فِطْنَةَ لهم (¬2). (هو) أي: ذلك الكثيرُ (مُسْتَنْكَرٌ) أي: مُنْكَرٌ عند قومٍ مَرْضِيّين، فالسين والتاء فيه زائدتان. (ومنقولٌ) أي: مَرْويٌّ (عن قومٍ) مُتَّهَمِين (غيرِ مَرْضِيِّين) أي: غيرِ مقبولين، عند الثقات الْمُتقنِين، كائنين (مِمَّنْ) أي: من الكذّابين الذين (ذَمَّ) وشَنَّعَ وقَبَّح (الروايةَ) والنَّقْلَ (عن هم) أي: عن أولئك الكذّابين. وقولُه: (أَئمَّة أهلِ الحديثِ) فاعلُ ذَمَّ، أي ذَمَّ الروايةَ عنهم أئمَّةُ أهلِ الحديثِ وحُفَّاظُهم، الذين هُمْ (مِثْلُ مالكِ بنِ أنسٍ) الإِمامِ الأعظمِ في الفروع. وهو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عَمْرو الأَصْبَحي -بفتح الهمزة والباء الموحدة بينهما صادٌ مهملةٌ ساكنةٌ- نسبة إِلى ذي أَصْبَح، وهو الحارث بن عوف بن مالك، من يعرب بن قحطان، وأصْبَح صَارَتْ قبيلة كما في "اللباب" (1/ 69)، أبو عبد الله المدني، الفقيه إمامُ دار الهجرة، وأحدُ أعلام الإسلام، ورأسُ المُتْقِنين، وكبير المُتَثَبِّتين، حتى قال البخاري: أَصَحُّ الأسانيدِ كُلِّها مالكٌ عن نافعٍ عن ابن عُمر. وقال الشافعي: مالكٌ حُحَّةُ اللهِ تعالى على خلقه، وقال ابنُ مهدي: ما رأيتُ أحدًا أَتَمَّ عقلًا ولا أَشَدَّ تقوى من مالك، وقال ابنُ المَدِيني: له نحو ألف حديث. ¬

_ = تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ}. وقد يكون "يَقْذِفُون" بمعنى يقولون ما لا يعلمون كما قال تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}. "إِكمال المعلم" (1/ 105 - 106). (¬1) قال القاضي عياض: (واختلفت رواياتُ شيوخنا في هذا الحرف الأخير، وصوابه: "الأغبياء" بالغين المعجمة والباء بواحدةٍ تحتها، وهي روايتنا من طريق السمرقندي، ومعناه: الجهلة الأغفال، وَيدُلُّ عليه قولُه آخر الفصل: "وقَذْفِهم بها إِلى العوامّ"). "إِكمال المعلم" (1/ 106). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 59).

وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَينَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن نافع والْمَقْبُري ونُعيم بن عبد الله وابن المنكدر وإِسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وأيوب وزَيد بن أَسْلَم وخَلْق، ويروي عنه (ع). ومن شيوخه: الزُّهْري ويحيى الأنصاري، ومن أقرانه: ابن جُرَيج وشُعْبة والثَّوْري وابن عُيَينة والقطان وخلائق. وُلِدَ سنة ثلاث وتسعين، وحَمَلَتْهُ أُمُّه ثلاثَ سنين، وتُوفِّيَ سنة تسع وسبعين ومائة، ودُفن بالبقيع، وقال في "التقريب": من السابعة بلغ تسعين سنة. (وشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ) بن الوَرْد العَتكي مولاهم، أبي بِسْطام بكسر الموحدة وسكون المهملة، الواسطي ثم البصري، أحد أئمة الإِسلام. روى عن معاوية بن قُرَّة، وأنس بن سيرين وثابت البُناني، والحكم وزُبَيد وزياد بن عِلاقة والأعمش وخلائق، ويروي عنه (ع) وأيوبُ وابنُ إِسحاق من شيوخه والثوريُّ وابنُ المبارك وأبو عامرٍ العَقَدِيُّ وعفّانُ بن مسلمٍ وخلائقُ. قال ابنُ المَدِيني: له نحو ألفي حديث، وقال أحمد: شعبةُ أُمَّةٌ وحدَه، وقال الحاكم: شعبة إِمام الأئمّة، وهو أولُ مَنْ تَكَلَّمَ في رجال الحديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ مُتْقِنٌ، من السابعة، مات سنة ستين ومائة. (وسفيانَ بنِ عُيَينَةَ) بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم، أبي محمد الأعور الكوفي ثم المكي، أحدِ أئمَّة الإِسلام. روى عن عَمْرو بن دينار والزُّهْري وزَيد بن أَسْلَمَ وصفوان بن سليم وخَلْقٍ كثيرٍ، ويروي عنه (ع) وشعبةُ ومِسْعَرٌ -من شيوخه- وابنُ المباركِ -من أقرانه- وأحمدُ وإِسحاقُ وابنُ مَعِين وابنُ المَدِيني وأُمَمٌ. وقال العِجْلِيُّ: هو أَثْبَتُهم في الزُّهْري، كان حديثُه نَحْوَ سبعةِ آلاف، وقال ابن وهب: ما رأيتُ أعلمَ بكتاب الله من ابن عُيَينَة، وقال الشافعيُّ: لولا مالكٌ وابنُ عُيَينَة .. لذهَبَ علمُ الحجاز. وقال في "التقريب": ثقة حافظ فقيه إِمام حُجَّة، إِلا أنه تَغَيَّرَ حفظُه في أَخَرَةٍ،

وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ربما دَلَّسَ لكنْ على الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أَثْبَتَ الناسِ في عَمْرو بن دينار، مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، وله إِحدى وتسعون سنة. (وسُفيان بن عُيينة: المشهورُ فيه ضمُّ السين والعين، وذَكَرَ ابنُ السكّيت جوازَ الحركات الثلاث فيهما، وذكر أبو حاتمٍ جوازَ الضمّ والكسر في العين) اهـ سنوسي. (ويحيى بنِ سعيدِ) المُلَقَّبِ بـ (القَطَّانِ) نِسْبَةً إِلى القُطْن لبَيعِه إِياه، وهو يحيى بنُ سعيد بن فَرُّوخَ -بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة- التميميُّ أبو سعيد القطان البصري الأحول، الحافظ الحجة، أَحَدُ أئمَّة الجَرْح والتعديل. روى عن سُلَيمان التَّيمي وحُمَيد الطويل وإِسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عُرْوة وعكرمة بن عَمَّار وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وشعبة وابنُ مهدي وأحمدُ وإِسحاقُ وابنُ المَدِيني وابنُ بَشَّارٍ وصَدَقةُ بن الفضل وبُنْدار وخلائق. وقال في "التقريب": ثقةٌ مُتْقِنٌ حافظٌ إِمامٌ قُدْوَةٌ، من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة، وله ثمان وسبعون سنة. (وعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيِّ) بن حَسَّان الأَزْدي مولاهم، أبي سعيد البصري اللُّؤْلؤي الحافظ الإِمام العَلَم. روى عن عُمَر بن ذَرّ وعكرمة بن عَمَّار وشُعْبة والثَّوْري ومالك وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وابنُ المبارك وهو من شيوخه وابنُ وهب وهو أكبر منه وأحمدُ وابنُ مَعِين وعَمْرو بن علي الفلّاس. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ حافظٌ عارفٌ بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة بالبصرة، عن ثلاث وستين سنة، وكان يَحُجُّ كُلَّ سنة.

وَغَيرِهِمْ مِنَ الأَئِمَّةِ .. لَمَا سَهُلَ عَلَينَا الانْتِصَابُ لِمَا سَأَلْتَ مِنَ التَّمْيِيزِ وَالتَّحْصِيلِ، وَلكِنْ مِنْ أَجْلِ مَا أَعْلَمْنَاكَ مِنْ نَشْرِ الْقَوْمِ الأَخْبَارَ الْمُنْكَرَةَ بِالأَسَانِيدِ الضِّعَافِ الْمَجْهُولَةِ وَقَذْفِهِمْ بِهَا إِلَى الْعَوَامِّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ عُيُوبَهَا .. خَفَّ عَلَى قُلُوبِنَا إِجَابَتُكَ إِلَى مَا سَأَلْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وغيرِهم) أي: وغيرِ هؤلاء المذكورين (من الأئمَّةِ) الحُفَّاظ كسُفْيانَ الثَّوْري وعبدِ الرحمن الأوزاعي، وابنِ المبارك. وقولُه: ( .. لَمَا سَهُلَ علينا) جوابُ لولا، واللامُ فيه رابطةٌ له جوازًا لِكَوْنِهِ مَنْفِيًّا بما، والمعنى: فلولا الأمرُ الذي رأيناه موجودٌ .. لم يَسْهُلْ علينا ولم يَتَيَسَّرْ لنا (الانتصابُ) أي: الظهورُ والاجتهادُ والتهيُّؤُ (لِما سَأَلْتَـ) ـنِيه وطَلَبْتَه منّي أيُّها السائلُ. وقولُه: (من التمييزِ) بيانٌ (لِمَا) الموصولةِ؛ أي: حالة كون ما سأَلتَنِيهِ من التمييز والتفصيل بين صحيحِ الأحاديث وسقيمِها، (و) من (التحصيلِ) أي: التلخيصِ لصحيحها عن سقيمها وجَمْعِه في كتابِ مُؤَلَّفٍ. و(لكنْ) في قوله: (ولكنْ مِنْ أَجْلِ ما أَعْلَمْناكَ) استدراكيةٌ استدرك بها على جواب لولا، أعْنِي قولَه: (لَمَا سَهُلَ علينا). والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بقوله الآتي: (خَفَّ على قلوبنا إِجَابَتُكَ)، يُقال: أعلمه الأمر وعلمه إِذا أطلعه عليه؛ أي: ولكنْ لأجل ما أطلعناك عليه بقولنا سابقًا: (أَنَّ كثيرًا ممَّا يَقْذِفُون به إِلى الأغبياء من الناس هو مُسْتَنْكَرٌ ومنقولٌ عن قومٍ غيرِ مَرْضِيِّين)، حالةَ كون ما أعلمناكَه (مِنْ نَشْر القوم) الكذَّابين وإِفشائِهم (الأخبارَ المُنْكَرَةَ) والأحاديثَ المُعَلَّلَةَ وهو منصوبٌ بالنَّشْر؛ لأنه مصدرٌ مضافٌ إِلى فاعلِه، وبه يتعلَّقُ قولُه: (بالأسانيدِ الضِّعافِ) بالوهم والكذب (المجهولةِ) العدالةِ ظاهرًا وباطنًا. وقولُه: (وقَذْفِهِمْ) معطوفٌ على النَّشْر؛ أي: ومِنْ قَذفِ أولئك القوم الكذَّابين وإِلقائِهم (بها) أي: بالأخبارِ المُنْكَرَةِ (إلى العَوَامِّ) والأغبياءِ (الذين لا يَعْرِفُونَ عُيُوبَها) أي: عُيُوبَ الأخبارِ وعِلَلَها ولا يُمَيِّزُون صحيحَها عن سقيمِها ( .. خَفَّ) وسَهُلَ ولم يَثْقُلْ (على قُلُوبِنا) وعقولِنا (إجابتُك) وطاعتُك (إلى ما سَأَلْتَـ) ـنِيه من التمييز والتحصيل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

مقدمة صحيح مسلم

(1) بَابُ وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ المُتْقِنِينَ، وَتَرْكِ الضُّعَفَاءِ الْمَتْرُوكِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) باب وجوب الرواية عن الثقات المُتْقِنين وتَرْك الضعفاء المتروكين واعْلَمْ: أَنَّ المؤلِّفَ رحمه الله تعالى لم يذكر التراجِمَ من الكُتُبِ والأبوابِ في "جامعه"؛ وفاءَ بما التزمه للسائل من جَمْعِ الأحاديث المرفوعة وتلخيصِها في كتابٍ مُؤَلَّفٍ من غير مَزْج غيرِها فيها، أو فرارًا من إِطالة المؤلَّف بمَزْجِ التراجم فيه لتقاصُر الهِمَم عن أَخْذِ المُطَوَّلات، وإِنما وَضَعَهَا بعضُ رواتِه، وزاد فيها بعضُ الشُّرَّاح له، ومع ذلك كثيرٌ من الأحاديث لا يطابق التراجمَ السابقةَ ولا اللاحقةَ، فلابدَّ من وَضْع التراجِم لها بحسب ما يُستنبط منها من الأحكام، ولو كان وَضْعُ التراجِم من المؤلِّف .. لم تختلف باختلاف النُّسَخ واختلاف الشُّرَّاح، كما لا تختلف تراجمُ البخاري وتراجمُ أصحاب السُّنَن بذلك. وقد يوجد تصحيفٌ من النُّسَّاخ في بعض المواضع من المتابعات، بجَمْعِ ضمير المتابع بصيغة اسم المفعول، أو تثنيتِه أو إِفرادِه على خلاف ما هو الصواب، كما يوجد ذكرها على الصواب في النسخ المخطوطة أو القديمة التي جُلّدت في مجلّدٍ واحد، ومع ذلك لم يُنبِّه عليها الشُّرَّاح في الشُّروح التي في أيدينا وسَنُبَيِّنُها إِنْ شاء الله في مواضعها، على ما هو الصواب، مع بيان الغوامض التي لم يُنَبِّه عليها أكثرُ الشُّرَّاح. و(البابُ) لغةً: فرجةٌ يُتَوَصَّلُ بها من خارجٍ إِلى داخل، ومن داخلٍ إِلى خارجٍ كباب الدار. واصطلاحًا: ألفاظٌ مخصوصةٌ دالَّةٌ على معانٍ مخصوصةٍ لها بدايةٌ ونهاية. وأولُ مَنْ وَضَعَ البابَ: أبو الأسودِ الدُّؤَلِيُّ رحمه الله تعالى، حين أملى عليه عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه أحكامَ النَّحو، ثم قال له: انح نَحْوَ هذا، وتتَبَّعْ وزِدْ عليه ما بَدَا لك، ثم سَمِعَ أبو الأسود رجلًا يقرأُ قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} بجرّ (رسوله) فوضع باب العطف والنعت.

وَاعْلَمْ -وَفَّقَكَ اللهُ تَعَالى-: ـــــــــــــــــــــــــــــ والترجمةُ هنا خاصَّةٌ بجزءٍ واحدٍ؛ لأنَّ وجوب تَرْكِ الرواية عن الكذّابين يستلزمه وجوبُ الرواية عن الثقات المُتْقِنين، فالترجمةُ حينئذٍ على جزءٍ واحدٍ. و(الوجوبُ) لغةً: الثُّبوت واللُّزوم، وشرعًا: ما يُتَابُ فاعلُه ويُعَاقَبُ تاركُه، والوجوبُ هنا شرعيٌّ لا صناعيٌّ. و(الرِّوايةُ): نَقْلُ الخَبَرِ وأَخْذُه عن الغير. و(الثِّقَاتُ): جمع ثِقَة، والثِّقَةُ: مَنْ يُؤْتَمَنُ في مَقَالِه وفَعَالِه، يُقال: وَثِقَ يَثِقُ بكسر الثاء فيهما ثِقَةً ووُثُوقا إِذا ائتمنه، والثِّقَةُ مصدرٌ بمعنى اسمِ المفعول؛ أي: موثوقٌ به. و(الكَذَّابون) جمع كَذَّاب وهو مبالغة كاذب، والكاذبُ: من اتَّصَفَ بالكَذِب، والكَذِبُ لغةً: الإِخبارُ عن الشيء على خلاف ما هو عليه، عَمْدًا كان أو سَهْوًا أو جَهْلًا، وشرعًا: الإِخبارُ عن الشيء على خلافِ ما هو عليهِ عَمْدًا. ومعنى الترجمة: هذا بابٌ معقودٌ للاستدلال على وجوبِ الاقتصارِ على رواية الأحاديث عن الثقات الحُفَّاظ المشهورين أو المستورين، وهما القسمان اللّذان أدخلهما المؤلِّفُ في "جامعه"، ووجوبِ تَرْكِ رواية الأحاديث عن الكَذَّابين الوضَّاعين المتروكين، وهو القسم الذي لم يُدخله في "جامعه". وبسَنَدِنا السابقِ المُتَّصِل إِلى المؤلِّف أقول: قال الإِمامُ مسلمٌ رحمه الله تعالى: (واعْلَمْ) بواو الاسئتناف كما في نسخة "شرح السنوسي" (¬1)، وفي بعض النسخ إِسقاطُها كما في نسخة شرح النووي (¬2)، وهي: كلمةٌ يُؤتَى بها إِذا كان ما بعدها أمرًا مُهِمًّا، والأمرُ فيه للسائل المتقدّم، أو لكُلّ طالب؛ أي: واعْلَمْ أيُّها السائلُ الذي سألني تأليفَ هذا الجامع، أو أيُّها الطالبُ لعلم الحديث رِوايةً ودِرايةً. وقولُه: (وَفَّقَكَ اللهُ تَعالى) وأَقْدَرَكَ على فِعْل الخيرات .. جملةٌ دعائيةٌ معترضةٌ بين العلم ومفعوله، تأكيدًا للأمر بعِلْمِ ما سيأتي واهتمامًا به؛ أي: واعْلَمْ: ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 13). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 60).

أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَينَ صحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنَ الْمُتَّهَمِينَ: أَنْ لَا يَرْويَ مِنْهَا إِلَّا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (أَنَّ الواجبَ) المتعيِّنَ الذي لا يجوزُ العُدُولُ عنه (على كُلِّ أَحَدٍ) من الرُّواةِ (عَرَفَ التمييزَ) وقَدَرَ على التفصيل (بينَ صحيحِ الرِّواياتِ) وسليمِها من العُيُوبِ بقُوَّةِ الإِتقان والضَّبْطِ في رُوَاتِها (و) بينَ (سَقِيمِها) أي: سقيمِ الرواياتِ وضعيفِها بعدم الإِتقان والضَّبْطِ في رُواتها وهذا بالنظرِ إِلى المُتُونِ. وقولُه: (وثِقَاتِ الناقلين) إِمّا معطوفٌ على (التمييزَ) منصوبٌ بالكسرة؛ أي: وعَرَفَ الثِّقاتِ الناقلين، وهو من إِضافة الموصوف إِلى الصفة كمسجدِ الجامع (لها) أي: لتلك الروايات (من المُتَّهَمِينَ) بالكذب والوضع، أو معطوفٌ على مدخولِ (بينَ) أي: عَرَفَ التمييزَ بين الثقات الناقلين لها والمُتَّهَمِين فيها، وهذا بالنظر إِلى الأسانيد. وقولُه: (أنْ لا يَرْويَ) خبرُ أَنَّ؛ أي: أَنَّ الواجبَ عليه أنْ لا يَرْويَ ولا يَنْقُلَ (منها) أي: من تلك الروايات (إلَّا ما عَرَفَ) أي: إلا حديثًا عَرَفَ (صِحَّةَ مَخَارِجِهِ) أي: صِحَّةَ رواياتهِ؛ لعدم الاضطراب والاختلاط فيها، وهذا بالنظر إِلى المتون. و(المخارج): جمع مَخْرَج، يُقال: خَرَجَ -من باب دَخلَ- خُرُوجًا ضدُّ دَخَلَ، ومَخْرَجًا أيضًا، وقد يكون المَخْرَج موضع الخُرُوج، يُقال: خَرَجَ مَخْرجًا حَسَنًا وهذا مَخْرَجُه، والمُخْرَج بضم الميم وفتح الراء يكون مصدرَ أَخْرَجَ الرباعي، واسمَ مفعولٍ، واسمَ مكانٍ، واسمَ زمانٍ. اهـ "مختار"، والمرادُ هنا المصدر. (و) عَرَفَ (السِّتَارَةَ) أي: الصِّيَانَةَ والعِفَّة عن الرذائل والعيوب (في نَاقِلِيهِ) ورُوَاتِه وهذا بالنظر إِلى الأسانيد. قال النووي: (السِّتارة بكسر السين: وهي ما يُسْتَرُ به، وكذلك السُّتْرة، وهي هنا إِشارةٌ إِلى الصِّيانة) (¬1) كما أَشَرْنا إِليه في الحلّ. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 60).

وَأَنْ يَتَّقِيَ مِنْهَا مَا كَانَ عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (وأنْ يَتَّقِيَ) معطوفٌ على خبرِ أَنَّ؛ أي: وأَنَّ الواجب عليه أنْ يَتَّقِيَ وَيتَحَرَّزَ وَيَتَجَنَّبَ (منها) أي: مِنْ تلك الروايات (ما كان) منقولًا (عن أهلِ التُّهَمِ) بالكذب والوَضْع، وعن أهل الشكّ في صِدْقِهم. وفي بعض النُّسَخ زيادةُ (مِنْها) بعد (كان)، وإِسقاطُها أَوْلى؛ لِما في إِثباتِها من التكرار بلا فائدة. قال النوويُّ: (قولُه: "وأنْ يَتَّقِيَ منها" ضبطناه بالتاء المثناة فوقُ بعد المثناة تحتُ وبالقاف من الاتقاء، وهو الاجتناب، وفي بعض الأصول: "وأنْ يَنْفِيَ" بالنون والفاء وهو صحيحٌ أيضًا، وهو بمعنى الأول) اهـ (¬1) ويُقال: (اتَّهَمَه في قوله) إِذا شَكَّ في صِدْقِه، والتهم: جمع تهمة، وهي اسمُ مصدرٍ من الاتِّهام، وما يتهم عليه. قال النووي: (وقولُه: "بين صحيح الرواياتِ وسَقِيمِها وثِقَاتِ الناقلين لها من المُتَّهَمِين" ليس هو من باب التكرار للتَّأكيد، بل له معنًى غير ذلك؛ فقد تَصِحُّ الروايات لمتن، ويكون الناقلون لبعض أسانيده مُتَّهَمِين، فلا يُشْتَغَلُ بذلك الإسناد) اهـ (¬2). وقولُه: (والمُعَانِدِينَ) معطوفٌ على (أهلِ التُّهَمِ) أي: وما كان منها منقولًا عن المُعَانِدِين للحقّ والمُعَارِضِين له والمُفَارِقِين للسُّنَّة والجماعةِ الكائنين (مِنْ أهلِ البِدَعِ) والاختراعاتِ الْمُحْدَثة، والخُرافات المُزَيَّفة. والبدَع -بكسر أوله وفتح ثانيه-: جمعُ بِدْعَة بكسرِ أوله وسكونِ ثانيه، وهي: كُلُّ ما اخْتُرِعَ وأُحْدِثَ على غيرِ مثالٍ سابق. فالاتّقاءُ عن رواية أهل البِدَع واجبٌ عند المؤلِّف مطلقًا؛ أي: سواء كانوا داعين إِلى بِدْعَتِهم أم لا، وهو ضعيَفٌ، والراجحُ: قبولُ الروايةِ من المبتدعة إِذا لم يكونوا ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 60). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 60).

وَالدَّلِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ داعين إِلى بِدْعَتِهم؛ لأنه لم يَزَل السَّلَفُ والخَلَفُ على قبولِ الرواية منهم والاحتجاجِ بها والسماعِ منهم وإِسماعِهم من غير إِنكارٍ منهم، والله أعلم. وعبارةُ النوويِّ هنا: (قولُه: "واعْلَمْ: أَنَّ الواجبَ على كُلِّ أَحَدٍ ... وأنْ يَتَّقِيَ منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع" هذا بيانٌ من المؤلِّف لمذهبه، قال العلماء من المُحَدِّثين والفقهاء والأُصوليين: المبتدع الذي يكفر ببدعته لا تُقبل روايتُه بالاتفاق، وأمَّا الذي لا يكفر بها .. فاختلفوا في روايته، فمنهم مَنْ رَدَّها مطلقًا لفِسْقِه ولا ينفعه التأويل، ومنهم مَنْ قَبِلَها مطلقًا إِذا لم يكن ممن يستحلُّ الكذب في نُصْرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواءٌ كانَ داعيةَ إِلى بدعته أو غيرَ داعية، وهذا القولُ مَحْكِيٌّ عن الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى، حيث قال: أَقْبَلُ شهادةَ أهل الأهواء إلا الخطَّابية من الرافضة؛ لكونهم يَرَوْن الشهادة بالزُّور لمُوافِقِيهم. ومن العلماء مَنْ قال: تُقبل إِذا لم يكن داعيةً إِلى بِدْعَتِه (¬1)، ولا تُقبل إِذا كان داعيةً، وهذا مذهب كثيرين، أو الأكثرِ من العلماء، وهو الأعدل الصحيح. وقال بعضُ أصحاب الشافعي: اختلف أصحابُ الشافعي في غير الداعية، واتَّفَقُوا على عدم قبول الداعية، وقال أبو حاتم بن حِبَّان -بكسر الحاء وبالموحدة-: لا يجوزُ الاحتجاجُ بالداعية عند أئمَّتنا قاطبةً، لا خلافَ بينهم في ذلك. وأمَّا المذهبُ الأولُ: فضعيفٌ جِدًّا؛ ففي "الصحيحين" وغيرِهما من كُتُبِ أئمَّةِ الحديث الاحتجاجُ بكثيرين من المبتَدعة غيرِ الدُّعاة، ولم يَزَل السَّلَفُ والخَلَفُ على قبول الروايةِ منهم، والاحتجاجِ بها، والسماعِ منهم، وإِسماعِهم من غير إِنكارٍ منهم، والله أعلم" اهـ بتصرف (¬2). ثم استدلَّ المؤلِّفُ على مذهبه فقال: (والدليلُ) وهو مبتدأٌ، والدليلُ لغةً: ما يدلُّ على الشيء، كدليل الطريق المسمَّى بالخَفِير، فهو فَعِيل بمعنى فاعل، واصطلاحًا: جزئيٌّ يُذْكَرُ لإِثبات القاعدة، ¬

_ (¬1) انظر "إكمال المعلم" (1/ 125). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 60 - 61).

عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللَّازِمُ دُونَ مَا خَالفَهُ: قَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمَّا المثال: فهو جزئيٌّ يُذكَرُ لإِيضاح القاعدة؛ أي: والدليلُ الذي يدلُّ لنا (على أَنَّ) الحُكْمَ (الذي قُلْنا) هـ حالةَ كَوْنِه (مِنْ) وجوبِـ (هذا) الاتّقاء المذكورِ (هُوَ) الحُكْمُ (اللازمُ) المُتَعَيِّنُ الذي لا يجوزُ العُدُولُ عنه (دُونَ ما خَالفَه) أي: دونَ الحُكْمِ الذي خَالفَ ما قُلْناه، وهو عدمُ وجوبِ الاتِّقاء المذكور. وذَكَرَ خبرَ المبتدإ بقوله: (قولُ اللهِ) سبحانه عَزَّ قَدْرُه و (جَلَّ ذِكْرُهُ) أي: تَنَزَّه ثناؤه عمَّا ليس أهلًا له: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ ورسولِه {إِنْ جَاءَكُمْ}) وأخبركم ({فَاسِقٌ}) أي: شخصٌ خارجٌ عن سِمَة العدالة ({بِنَبَإ}) أي: بِخَبَرٍ مُحْتَمِلٍ للصِّدْق والكَذِب ({فَتَبَيَّنُوا}) فتبحثوا وتفحصوا عن صِدْقِه وكَذِبِه، ولا تستعجلوا إِلى إِمضاء ما يقتضيه خَبَرُه. نَزَلَتْ هذه الآيةُ في الوليد بن عقبة أخي عثمان بن عفان رضي الله عنه لأُمِّه، بَعَثَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلى بني المُصْطَلق ليجيءَ بصدقاتِهم، وكان بينه وبينهم عداوةٌ في الجاهلية، فلمَّا سَمِعُوا به .. تَلَقَّوْه؛ تعظيمًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إِنهم منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب الرسولُ صلى الله عليه وسلم فأرادَ أنْ يغزوهم فنهاه اللهُ سبحانه عن ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} بخبرٍ {فَتَبَيَّنُوا} فتفحصوا، وقُرِئَ: {فتثبتوا} أي قِفُوا حتى يَتَبَيَّنَ لكم حقيقةُ ما جاءَ به من صِدْقِه أو كَذِبِه حذرَ ({أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا}) بالقَتْلِ والسَّبْي ملتبسين ({بِجَهَالةٍ}) أي: بجهالةِ حالهم ({فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}) أي: فتصيروا بعد ظُهورِ براءتهم عمَّا نُسِبَ إِليهم نادمين على ما فَعلْتُم في حَقِّهم من إِصابتهم بالقتلِ وغيرِه. فدَلَّ سبحانه وتعالى بمنطوق هذه الآية على أَنَّ خَبَرَ الفاسقِ ساقطٌ غيرُ مُعْتَبَر. وعبارةُ القرطبي هنا: (قولُه تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الفاسقُ في أصل اللغة: هو الخارجُ مطلقًا، والفِسق والفُسوق: الخروج، ومنه قولُهم: فَسَقَت الرُّطَبةُ .. إِذا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِها الأعلى، ومنه سُمِّيت الفأرةُ فويسقةً؛ لأنها تخرج من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جحْرِها للفساد، وهو في الشرع: خروجٌ مذمومٌ بحسب المخروج منه، فإِنْ كان إِيمانًا .. فذلك الفسق كُفْر، وإِن كان غيرَ إِيمانٍ .. فذلك الفسق معصية، وقُرئ في السبع {فَتَبَيَّنُوا} من البيان و {تَثَبَّتُوا) من التثبُّت، وكلاهما بمعنىً متقارب. ولم يختلف نَقَلَةُ الأخبار -فيما عَلِمْتُ- أَنَّ هذه الآيةَ نزلتْ بسبب الوليد بن عقبة، بَعَثَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى بني المُصْطَلِق مُصَدِّقًا، فلمَّا أبصروه .. أقبلوا نحوه فهابهم؛ لإِحْنَةٍ وعداوةٍ كانتْ بينهم في الجاهلية. وقيل: إِنهم لم يخرجوا إِليه، وأُخْبِرَ أنهم ارْتَدُّوا -ذكره أبو عُمر بن عبد البَرّ- فَرَجَعَ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم ارتدُّوا ومنعوا الزكاة، فَبَعَثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خالدَ بنَ الوليد وأَمَرَه بالتثبُّتِ في أَمْرِهم، فأتاهم ليلًا فسمع الأذان، ووَجَدَهم يُصَلُّون، وقالوا له: قد اسْتَبْطَأْنا المُصَدِّقَ وخِفْنا غَضَبَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فرجع خالدٌ إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فنزلت الآية. ومقتضى الآيةِ: أَنَّ الفاسق لا يُقبل خبرُه روايةً كان أو شهادةً، وهو مُجْمَعٌ عليه في غير المتأوِّل، ما خلا ما حُكي عن أبي حنيفة من حُكْمِه بصحة عقد النكاح الواقع بشهادة فاسقين، وحكمة ذلك أن الخبر أمانة، والفسق خيانة، ولا يُوثق بخَؤُوْنٍ. وقال الفقهاء: لا يقبل قولُه؛ لأنَّ جُرْأَته على الفسق تخرِم الثقةَ بقوله، فقد يجترئ على الكذب كما اجترأ على الفسق، فأمَّا الفاسق المتأوِّل الذي لا يَعْرِفُ فِسْقَ نفسِه، ولا يُكَفَّر ببدعته .. فقد اختُلف في قبول قوله، فقَبِلَ الشافعيُّ شهادتَه، ورَدَّهَا أبو بكر بنُ العربي المعافري صاحب "العواصم"، وفَرَّقَ مالكٌ بين أن يدعوَ إِلى بدعته فلا تقبل، أو لا يدعو فتُقبل، ورُوي عنه: أنه لا تُقبل شهادتُهم مطلقًا، وكُلُّهم اتفقوا على أَنَّ من كانتْ بِدْعَتُه تُجَرِّئُه على الكذب كالخطابية من الرافضة .. لم تُقبل روايتُه ولا شهادتُه) (¬1) كما مَرَّ عن النووي. ¬

_ (¬1) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1/ 107 - 108).

وَقَال جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وَقَال عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) قد دَلَّ سبحانه أيضًا على وجوب الاتقاء المذكور بمفهوم آيةٍ أُخرى حيث (قال جَلَّ ثناؤُه) وذِكْرُهُ في سورة البقرة: ({مِمَّنْ تَرْضَوْنَ}) لديانتِه وعدالتِه ({مِنَ الشُّهَدَاءِ}). قال القرطبيُّ: (والظاهرُ من هذا الخطاب: أنه لمن افتتح الكلام معهم في أول الآية في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، وهم المخاطَبون بقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}، وبقوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وعلى هذا الظاهرِ: فكُلُّ مَنْ رَضِيَه المتداينان والمتبايعان فأَشْهدَاهُ .. حَصَلَ به مقتضَى الخطاب، غيرَ أنهما قد يرضيان بمَنْ لا يَرْضَى به الحاكمُ ولا يَسْمَعُ شهادتَه، فلا ينتفعان بالإِشهاد، ولا يحصل به مقصودُ الشرع من الاستيثاق بالشهادة؛ إِذْ لم يَثْبُتْ بما فعلاه عقدٌ، ولا يُحفظ به مال. ولمَّا كان مقتضَى ظاهر الخطاب ذلك .. قال العلماء: إِنَّ المُخَاطَبَ بذلك الحُكَّام، إِذْ هم الذين يعرفون المَرْضِيَّ شرعًا من غيره، فتَثْبُتُ بمَنْ يَرْضَوْنه العقودُ، وتُحفظُ الأموالُ والدماءُ والأبضاعُ، ويحصل الفصلُ بين الخصوم فيما يتنازعون فيه من الحقوق، وذلك هو مقصودُ الشرعِ من قاعدة الشهادة قطعًا، ولا يحصل ذلك برِضَى غيرِهم، فتَعَيَّنَ الحُكَّامُ لهذا الخطاب الذي هو قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}. وإِذا تَقَرَّرَ هذا .. فالذي يرضاه الحاكمُ هو العَدْلُ الذي انتفتْ عنه التُّهَمُ القادحةُ في الشهادة، كالقرابةِ وجَرِّ المنفعةِ لنفسِه أو لولدِه أو لزوجتِه، وكالعداوةِ البيِّنَةِ والصداقةِ المفرطة، على تفصيلِ وخلافٍ يُعْرَفُ في الفقه) اهـ (¬1) (و) حيث (قال عَزَّ) أي: اتَّصَفَ بكُلِّ ما يَلِيقُ به من جميع الكمالات (وجَلَّ) أي: تَنَزَّه عن كُلٍّ ما لَا يَلِيقُ به من جميع النقائص، في سورة الطلاق: ({وَأَشْهِدُوا}) أيُّها الأزواجُ على إِمساكِكم إِياهنّ أو فراقِكم لهنّ ({ذَوَي عَدْلٍ}) أي: صاحبَي عدالةٍ كائنَينِ ({مِنْكُمْ}) أيها المؤمنون. ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 109 - 110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإِمام أبو العباس القرطبي: (وهذا دليلٌ على اشتراط العدالة في الشهادة، ومعناها في اللُّغة: الاستقامةُ، والاعتدالُ ضِدُّ الاعوجاج، ويُقال: عَدْل من العدالة والعدولة، ويُقال: عدل للواحد وللاثنين ولجماعة المذكر والمؤنث بلفظٍ واحدٍ إِذا قُصِدَ به قصدَ المصدر، وإِذا قصد به الصفةَ .. ثُنِّيَ وجُمع وذُكِّر وأُنّث، وهي عند أئمَّتنا: اجتنابُ الكبائرِ، واتّقاءُ الصغائرِ وما يُنَاقِضُ المروءةَ ويزْرِي بالمناصب الدينية. والعبارةُ الوجيزةُ عنها هي: حُسْنُ السِّيرة واستقامةُ السَّرِيرة شرعًا في ظنّ المُعَدِّل، وتفصيلُها في الفروع. وهل يُكتفى في ظنّ حصول تلك الأحوال في العَدْل بظاهر الإِسلام مع عدم الاطّلاع على فسقٍ ظاهرٍ أو لا بُدَّ من اختبار حاله حتى يُظَنّ حصول تلك الأمور في المُعَدّل؟ قولان لأهل العلم: الأول: مذهبُ أبي حنيفة. والثاني: مذهبُ مالكِ والشافعيِّ والجمهورِ، وهو مَرْويٌّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وعلى مذهب أبي حنيفة: فشهادةُ المسلمِ المجهولِ الحال مقبولةٌ، وهي على مذهب الجمهور مردودة. وقد أفادت الآيتان معنيَينِ: أحدُهما: اعتبارُ اجتماع أوصاف العدالة التي إِذا اجْتَمَعَتْ .. صَدَقَ على الموصوف بها أنه عَدْلٌ. والثاني: اعتبارُ نفي القوادح التي إِذا انتفتْ .. صَدَقَ على من انتفتْ عنه أنه مَرْضِيٌّ. فلابُدَّ من اجتماع الأمرين في قبول الشهادة، ولذلك لا يُكتفى عندنا في التزكية بأن يقول المزكّي: هو عَدْلٌ فقط، بل حتى يقول: هو عدلٌ مَرْضِيٌّ، فيَجْمَعَ بينهما. وأمَّا في الأخبار: فلا بُدَّ من اعتبار المعنى الأول، ولا يُشترط الثاني فيها؛ إِذْ

فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآيِ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيرِ الْعَدْلِ مَرْدُودَةٌ، وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ .. فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوزُ قبولُ أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الراوي لها العدل وَإِنْ جَرَّ لنفسهِ بذلك نفعًا أو لولدِه، أو ساق بذلك مَضَرَّةَ لِعَدُوِّه، كأخبار عليٍّ رضي الله عنه عن الخوارج. وسِرُّ الفرقِ: أنه لا يُتَّهَمُ أحدٌ من أهل العدالة والدِّين بأنْ يَكْذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ من ذلك، فكيف يقتحم أحدٌ من أهل العدالة والدِّين لشيءٍ من ذلك مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليس كَكَذِبٍ على أَحَدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا .. فَلْيَتَبَوَّأْ مقعدَه من النار"؟ والخبرُ والشهادةُ وَإِنِ اتَّفَقا في أصل اشتراط العدالة .. فقد يفترقان في أمورٍ عديدةٍ) اهـ (¬1). وسيأتي الإِشارةُ إِليه في كلام المؤلِّف. (فَدَلَّ) سبحانه وتعالى (بما ذَكَرْنا) وبَيَّنَّا (مِنْ هذهِ الآي) الثلاثةِ على (أَنَّ خَبَرَ الفاسقِ) ونَبَأَه (ساقطٌ) مهجورٌ مردودٌ (غيرُ مقبولٍ) في حُكْمٍ من الأحكام، وهذا ما دَلَّ عليه بمنطوق الآية الأولى. (و) دَلَّ أيضًا على (أَنَّ شهادةَ) الفاسقِ (غيرِ العَدْلِ مردودةٌ) غيرُ مقبولة، وهذا ما دَلَّ عليه بمفهوم الآيَتَينِ الأخيرَتَينِ (والخَبَرُ) أي: الروايةُ (وإنْ فَارَقَ معناهُ) أي: معنى الخبرِ وحُكْمُه (مَعْنَى الشَّهَادَةِ) أي: حُكْمها وهي الإِخْبَارُ عن حقٍّ للغير على الغير (في بعضِ الوُجُوهِ) والشُّروطِ كالذُّكورة والحُرِّيَّة والعدد، فإِنَّ هذه الثلاثةَ معتبرةٌ في الشهادة دون الخبر والرواية (فقد يَجْتمِعانِ) أي: الخبرُ والشهادةُ؛ أي: يَتَّفِقانِ (في أعظمِ مَعَانِيهِما) أي: في أكثرِ أحكامِهما وشروطِهما كالإِسلام والعدالة والبلوغ والعقل. قال النوويُّ: (وقولُ مسلمٍ: "والخَبَرُ وَإنْ فَارَقَ معناه مَعْنَى الشهادةِ ... " إِلخ من الدلائل الصريحة على عِظَمِ قَدْرِ مسلمٍ، وكثرةِ فِقْهِهِ. ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 109 - 110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعْلَمْ: أَنَّ الخَبَرَ والشهادةَ يَشْتَرِكان في أوصافٍ، ويَفْتَرِقان في أوصافٍ، فيَشْتَرِكان في اشتراطِ الإِسلامِ والعقلِ والبُلوغِ والعدالةِ والمُروءةِ وضَبْطِ الخبرِ أو المشهودِ به عند التحمُّل والأداء، ويَفْتَرِقانِ في الحُرِّيَّةِ والذُّكوريةِ والعددِ والتهمةِ وقبولِ الفرع مع وجود الأصل. فيُقبل خبرُ العبدِ والمرأةِ والواحدِ وروايةُ الفَرْع مع حضور الأصل الذي هو شيخه، ولا تُقبل شهادتُهم إِلَّا في المرأة في بعض المواضع مع غيرها. وتُرَدُّ الشهادة بالتُّهمة كشهادته على عَدُوِّه، وبما يَدْفَعُ به عن نفسه ضررًا أو يَجُرُّ به إِليها نَفْعًا ولولدِه ولوالدِه. واختلفوا في شهادة الأعمى: فمَنَعَها الشافعيُّ وطائفةٌ، وأجازها مالكٌ وطائفةٌ، واتَّفَقُوا على قبول خبره. وإِنما فَرَّقَ الشرعُ بين الشهادة والخبرِ في هذه الأوصاف؛ لأنَّ الشهادةَ تَخُصُّ فيظهر فيها التهمة، والخبرَ يعمّه وغيرَه من الناس أجمعين، فتنتفي التُّهمة، وهذا الذي قلناه كلام العلماء الذين يُعْتَدُّ بكلامهم، وقد شَذَّ عنهم جماعةٌ في أفراد بعض هذه الشروط، فمِنْ ذلك: شرطُ بعض أصحاب الأصول أن يكون تَحَمُّلُه الروايةَ في حال البلوغ، والإِجماع يَرُدُّ عليه، وإِنما يُعتبر البلوغ حال الرواية لا حال السماع، وجَوَّزَ بعضُ أصحاب الشافعي روايةَ الصبي وقبولَها منه في حال الصِّبا، والمعروفُ من مذاهب العلماء مطلقًا ما قَدَّمْناه. وشَرَطَ الجُبَّائيُّ المعتزليُّ وبعضُ القَدَرِيَّةِ: العددَ في الرواية، فقال الجُبَّائي: لا بُدَّ من اثنين عن اثنين كالشهادة، وقال القائلُ من القَدَرية: لا بُدَّ من أربعةٍ عن أربعةٍ في كُلِّ خَبَر. وكُلُّ هذه الأقوالِ ضعيفةٌ ومنكرةٌ مُطرحة، وقد تظاهرتْ دلائلُ النصوص الشرعية والحُجَجُ العقليةُ على وجوب العمل بخبر الواحد، وقد قَرَّرَ العلماءُ في كتب الفقه والأُصول ذلك بدلائله، وأوضحوه أبلغَ إِيضاح، وقد صَنَّفُوا مُصَنَّفاتٍ كثيرةً في قبولِ

إِذْ كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ غَيرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ. وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى نَفْيِ رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الأَخْبَارِ؛ كَنَحْو دَلالةِ الْقُرْآنِ عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهُوَ الأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر الواحد ووجوبِ العمل به، والله أعلم) اهـ (¬1). وقولُه: (إِذْ كان خَبَرُ الفاسقِ) عِلَّةٌ لقوله: (فقد يَجْتَمِعَانِ) أي: لأنه قد كان خبرُ الفاسقِ وروايتُه (كيرَ مقبولٍ عندَ أهلِ) هذا (العِلْمِ) يعني الحديثَ (كَمَا أَنَّ شهادتَه مردودةٌ) غيرُ مقبولةٍ (عندَ جميعِهم) أي: عندَ جميعِ أهل العلم. (ودَلَّتِ السُّنَّةُ) أي: سُنَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وحديثُه (على نَفْيِ) ورَدِّ (روايةِ المُنْكَرِ) والموضوعِ (من الأخبارِ) والأحاديث. ولفظُ (نَحْو) في قوله: (كنَحْو دَلالةِ القرآنِ) مُقْحَمٌ؛ أي: دَلَّتِ السُّنَّةُ على ذلك دَلالةً مِثْلَ دَلالةِ القرآن (على نَفْي خَبَرِ الفاسقِ) ورَدِّه (وهو) أي: ما ذُكِرَ من السُّنَّةِ، وذَكَّرَ الضميرَ؛ لأنَّ الخبرَ مُذَكَّرٌ، أو أعاده على السُّنَّة بمعنى المذكور (الأثَرُ المشهورُ) والحديثُ المأثورُ (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم). قال النوويُّ: (وكلامُه جارٍ على المذهب المختار الذي قاله المُحَدِّثون وغيرُهم، واصْطَلَحَ عليه السَّلَفُ والخَلَفُ، وهو أَنَّ الأثَرَ يُطْلَقُ على المَرْويِّ مطلقًا، سواءٌ كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أر عن صحابي، وقال الفُقهاءُ الخُرَاسانيّونَ: الآثَرُ هو ما يُضَافُ إِلى الصحابي موقوفًا عليه، والله أعلم) (¬2). وقولُه: ("مَنْ حَدَّثَ ... ) إِلخ في مَحَلِّ الرفع، بدلٌ محكيٌّ من (الأَثَرُ) أي: مَنْ رَوَى (عنّي) ونَسَبَ إِليَّ (بحديثٍ) لم أَقُلْه ولم أفعله ولم أُقَرِّرْه، والحالُ أنه (يُرَى) بضم الياء؛ أي: يُظَنُّ، أمَّا بفتحها: فهو بمعنى يَعْلَمُ، وكِلا الضَّبْطَينِ ثابتٌ كما سيأتي (أَنَّهُ) أي: أَنَّ ذلك الحديثَ المنسوبَ إِليَّ (كَذِبٌ) موضوعٌ مُخْتَلَقٌ. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 61 - 62)، وانظره في "إِكمال المعلم" (1/ 107 - 108)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 14). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 63).

فَهوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والفاءُ في قوله: ( .. فهو) رابطةٌ لجواب (مَنْ) الشرطية وجوبًا؛ أي: ذلك المحدث (أَحَدُ الكَاذِبينَ") أي: النَّاسِبِينَ إِليَّ ما لم أَقُلْه، وما لم أَفْعَلْه، وما لم أُقرِّره .. فله ما لهم من الوعيد. و(الكاذبين) قال النوويُّ: (بكسر الباء الموحدة وفتح النون على صيغة الجمع، وهذا هو المشهور، قال القاضي عياض: الروايةُ فيه عندنا "الكاذِبينَ" على صيغة الجمع، ورواه أبو نُعَيم الأصبهانيُّ في كتابه "المستخرج على صحيح مسلم" في حديث سَمُرة "الكاذبَينِ" بفتح الباء وكسر النون على التثنية، واحْتَجَّ به على أَنَّ الراويَ له يُشَارِكُ البادئَ بهذا الكذب، ثم رواه أبو نُعَيمٍ من رواية المغيرة: "الكاذبَينِ أو الكاذِبِينَ" على الشكّ في التثنية والجمع) (¬1). وقال القرطبي: (والمعنى على الجَمْع: فهو أَحَدُ الكَذَّابِينَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين قال اللهُ تعالى في حَقِّهم: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}؛ لأنَّ الكَذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم كَذِبٌ على الله تعالى. والمعنى على التثنية: أَنَّ المُحَدِّثَ والمُحَدَّثَ بما يَظُنَّان أو يَعْلَمانِ أنه كَذِبٌ: كاذبان، هذا بما حَدَّثَ والآخَرُ بما تَحَمَّلَ من الكذب مع عِلْمِه أو ظَنِّه لذلك) اهـ (¬2). قال النوويُّ: (وذَكَرَ بعضُ الأئمَّةِ جوازَ فتح الياء من "يرى"، وهو ظاهرٌ حَسَنٌ، فأمَّا مَنْ ضَمَّ الياءَ .. فمعناه: يُظَنُّ، وأما من فتحها .. فظاهرٌ، ومعناه: وهو يَعْلَمُ، ويجوزُ أن يكون بمعنى يُظَنُّ أيضًا، فقد حُكِيَ: رأى بمعنى ظَنَّ، وقيد ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 64 - 65)، و "إكمال المعلم" (1/ 115). وقال الإِمام ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 121): (ووجدتُ ذلك مضبوطًا محققًا في أصل مأخوذ عن أبي نعيم، مسموعًا عليه، مكرَّرًا -يعني التثنية والجمع في الكاذبين- في موضعين من كتابه، وقدَّم في الترديد التثنية في الذّكر، وهذه فائدة عالية غالية، ولله الحمد الأكمل). (¬2) "المفهم" (1/ 112).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك؛ لأنه لا يأثم إِلَّا بروايته ما يَعْلَمُه أو يَظُنُّه كَذِبًا، أمَّا ما لا يعلمه ولا يَظُنُّه .. فلا إِثْمَ عليهِ في روايته وَإنْ ظَنَّه غيرُه كَذِبًا أو عَلِمَه) اهـ (¬1) وعبارةُ القرطبي هنا: ("يُرى" قيّدناه عن مشايخنا مَبْنِيًّا للفاعل وللمفعول، فَيَرَى بِفَتْحِ الياءِ بمعنى: يَعْلَمُ المتعدِّية لمفعولين، وأَنَّ سَدَّتْ مَسَدَّهما، وماضي يَرَى: رأى مهموزًا، وإِنما تَرَكَت العربُ هَمْزَةَ المضارعِ؛ لكثرة الاستعمال، وقد نَطَقُوا به على الأصل مهموزًا في قولهم: أَلَمْ تَرَ مَا لاقَيتُ والدَّهْرُ أَعْصَرُ ... وَمَنْ يَتَمَنَّى العَيْشَ يَرْأَى وَيَسْمَعُ ورُبَّما تركوا هَمزةَ الماضي في قولهم: صَاحِ هَلْ رَيْتَ أو سَمِعْتَ بِرَاعٍ ... رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَا في الحِلابِ؟ ويحتملُ ما في الحديث أن يكون بمعنى الرأي فيكون ظنًّا من قولهم: رأيتُ كذا؛ أي: ظَهَرَ لي، وعليهما: يكون المقصودُ بالذَّمِّ الذي في الحديث المُتَعَمِّدَ للكذب عِلْمًا أو ظَنًّا، وأمَّا "يُرى" بالضمّ: فهو مَبْنِيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعلُه، ومعناها: الظَّنُّ وَإنْ كان أصلُها مُعَدًّى بالهمزة مِنْ رأى، إِلَّا أَنَّ استعماله في الظنّ أكثرُ وأشهرُ. ويفيد الحديثُ التحذيرَ عن أنْ يُحَدِّثَ أَحَدٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا بما تَحَقَّقَ صِدْقَه عِلْمًا أو ظَنًّا، إِلَّا أنْ يُحَدِّثَ ذلك على جهة إِظهارِ الكذب؛ فإِنه لا يتناوله الحديث) اهـ (¬2). وقال النوويُّ: (وأمَّا فِقْهُ الحديثِ .. فظاهرٌ، ففيه تغليظُ الكَذِب والتعرُّضِ له، وأَنَّ مَنْ غَلَبَ على ظَنِّه كَذِبُ ما يرويه فرواه .. كان كاذبًا، وكيف لا يَكون كاذبًا وهو مُخْبِرٌ بما لم يَكُنْ؟ ! ) اهـ (¬3) ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى سَنَدينِ لهذا الأثَرِ المشهورِ إِلى الصحابِيَّينِ، ثم ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" (1/ 65)، وانظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 121 - 122). (¬2) "المفهم" (1/ 111 - 112). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 65).

[1] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (قالا: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك) الأَثَرَ المذكورَ، فتقديمُ المتَنِ على السَّنَدِ جائزٌ بلا شَكَّ كعكسه المشهور المصطلَح عليه، حيث قال رحمه الله تعالى: [1] (حَدَّثَنا أبو بكرِ) عبدُ اللهِ بن محمد (بن أبي شَيبَةَ) إِبراهيم بن عثمان العَبْسي الواسطي الأصل، ثم الكوفي، ثقةٌ حافظٌ صاحب تصانيف، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين، يروي عنه (خ م د س ق)، اجتمع في مجلسه نحوُ ثلاثينَ ألفَ رجل، هو وأخوه عثمانُ بن أبي شيبة حافظان جليلان، وهو أَجَلُّ من عثمان، وأحفظُ منه، وكان عثمانُ أكبرَ منه سِنًّا وتأخّرتْ وفاةُ عثمان فمات سنة تسعٍ وثلاثين ومائتين. قال الإِمام النوويُّ: (ومن طُرَفِ ما يتعلّق بأبي بكر بن أبي شيبة ما ذكره أبو بكرٍ الخطيبُ البغداديُّ قال: حَدَّثَ عن أبي بكر بن أبي شيبة: محمدُ بن سَعْدٍ كاتبُ الواقدي ويوسف بن يعقوب أبو عَمْرو النيسابوري وبين وفاتيهما مائة وثمان أو سبع سنين، والله أعلم) (¬1). قال: (حَدَّثنَا وَكِيعٌ) -بفتح الواو- ابنُ الجَرَّاح بن مَلِيح -بوزن فَصِيح- الرُّؤَاسي -بضمِّ الراء وهمزةٍ ثم سينٍ مهملة- أبو سفيان الكوفي. قال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ عابدٌ، أحد الأئمَّة الأعلام، من كبار التاسعة، مات في آخر ستٍّ وأول سنة سبع وتسعين ومائة. (عن شُعْبَةَ) بنِ الحَجَّاج بن الورد العتكي مولاهم، أبي بِسْطام -بكسر الموحدة وسكون المهملة- الواسطيِّ ثم البصريِّ، أحدِ أئمَّة الإِسلام، ثقة حافظ متقن، من السابعة، مات سنة ستين ومائة. (عن الحَكَمِ) بن عُتَيبة -بالمثناة من فوق ثم الموحدة مصغّرًا- الكنديِّ مولاهم، أبي مُحَمَّدٍ أو أبي عبد الله الكوفي، أحدِ الأئمَّة الأعلام. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 64).

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ فقيهٌ، إِلا أنه ربما دَلَّسَ، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومائة أو بعدها، وله نيف وستون سنة. (عن عبد الرحمنِ بنِ أبي لَيلَى) الأنصاريِّ الأوسيِّ المدنيِّ ثم الكوفيِّ -واسمُ أبي ليلى: يسار، وقيل: بلال، وقيل: بُلَيلٌ مصغرًا، وأبو ليلى صحابيٌّ قُتِلَ مع عليّ رضي الله عنه بصِفِّين- أبي عيسى، أدرك مئةً وعشرين من الصحابة الأنصاريين، اختُلف في سماعه من عُمر. قال في "التقريب": ثقةٌ من الثانية، مات سنة ثلاثٍ وثمانين بوقعة الجماجم، وقيل: غرق بدُجَيل مع محمد بن الأشعث. قال عبد الله بن الحارث: ما ظننتُ أَنَّ النساءَ وَلَدْنَ مِثْلَه. قال النووي: (هو من أَجَلِّ التابعين، قال عبد الملك بن عُمَير: رأيتُ عبدَ الرحمنِ بنَ أبي ليلى في حَلْقَةٍ فيها نَفَرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمعون لحديثه ويُنصتون له، فيهم البراءُ بن عازب، وأمَّا ابنُ أبي ليلى المذكورُ في الفقه، والذي له مذهبٌ معروفٌ: فاسمُه: مُحَمَّدٌ، وهو ابنُ عبد الرحمن هذا، وهو ضعيفٌ عند المُحَدِّثين، والله أعلم) اهـ (¬1) (عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ) -بضمِّ الدال وفتحِها- ابنِ هلالٍ الفَزَارِيِّ أبي عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، نزيل البصرة، حليف الأنصار، قال ابن عبد البَرّ: كان من الحُفَّاظ المُكْثِرين، وقال ابنُ سيرين: كان سَمُرَةُ عظيمَ الأمانة، صَدُوقَ الحديث، يُحِبُّ الإِسلام وأهلَه، وقال ابنُ عبد البَرّ: تُوفِّي بالبصرة، وقيل: بالكوفة، سنة ثمان وخمسين، وقيل: تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية رضي الله عنهم أجمعين. وهذا مختصرُ ما يَتَعَلَّقُ بهذا السَّنَد، وَإنْ كان هو ليس غَرَضَنا لكنّه أولُ موضعٍ جَرَى فيه ذِكْرُهم فأَشَرْنا إِليه رمزًا، وهذا السَّنَدُ من السُّداسيات، ومن لطائفِه: أنه ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 64).

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيضًا، حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مَيمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روَى فيه كوفيٌّ عن كوفيٍّ عن بصريٍّ عن كُوفيٍّ عن كُوفيٍّ عن بصريٍّ، ففيه بصريان، وأربعةٌ كوفيون. ثم تَحَوَّلَ إِلى سَنَدٍآخَرَ وأشارَ إِلى تَحَوُّلهِ إِليه بالحاء المنحوتة عن التحوُّل فقال: (ح) أي: حَوَّلَ المؤلِّفُ السَّنَدَ (و) قال رحمه الله تعالى: (حدثنا أبو بكرِ بن أبي شَيْبَةَ) وقوله: (أيضًا) مفعولٌ مطلق لفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: إِضْتُ إلى التحديث عن أبي بكرٍ أيضًا؛ أي: رَجَعْتُ إِلى الإِخبارِ عنه رجوعًا، والجملةُ معترضةٌ. قال أبو بكر: (حَدَّثنَا وَكِيعُ) بن الجَرَّاح (عن شُعْبَةَ وسُفْيانَ) بنِ سعيد بن مَسْرُوق الثوْري، أبي عبد الله الكوفي، أحدِ الأئمَّة الأعلام. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ فقيةٌ عابدٌ إِمامٌ حُجَّةٌ، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دَلَّسَ، مات سنة إِحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة. كلاهما (عن حَبِيبٍ) هو ابن أبي ثابت: قيس، ويُقال: هند بن دينار الأسدي مولاهم، أبو يحيى الكوفي. روى عن زيدِ بن أرقم وابنِ عَبَّاس وابن عُمر، ويروي عنه الجماعة (ع). قال في "التقريب": ثقةٌ فقيةٌ تابعيٌّ جليلٌ، وكان كثيرَ الإِرسالِ والتدليس، من الثالثة، مات سنة تسع عشرة ومائة. قال أبو بكر بن عَيَّاش: كان بالكوفة ثلاثةٌ ليس لهم رابِعٌ: حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحَمَّاد، وكانوا أصحابَ فُتْيا، ولم يكنْ أَحَدٌ إِلا ذَلَّ لحبيبٍ (¬1). (عن ميمونِ بنِ أبي شَبِيبٍ) بفتح الشين، الربعي أبي نصر الكوفي ويُقال: الرقّي. روى عن معاذ بن جبل وعُمر وعلي وأبي ذَرٍّ وغيرِهم، ويروي عنه (من عم) وإِبراهيمُ النَّخَعِيُّ وحبيبُ بن أبي ثابت. ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 63).

عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": صدوقٌ كثيرُ الإِرسال، من الثالثة، مات سنة ثلاث وثمانين في وقعة الجماجم. (عن المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ) رضي الله عنه -بضمِّ الميم على المشهور، وحَكَى ابنُ السِّكِّيت وابنُ قتيبة وغيرُهما جوازَ كسْرِها (¬1) - ابن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبي محمد، وقيل: أبي عيسى، الصحابي المشهور، شَهِدَ الحُديبية وما بعدَها، أسلم عام الخندق، له مئةٌ وستّةٌ وثلاثون حديثًا، مات سنة خمسين، وقيل: إِحدى وخمسين. قال السنوسيُّ: (ومن طرف أخباره: ما حُكي أنه أَحْصَنَ في الإِسلام ثلاثمائة امرأةٍ، وقيل: ألف امرأة. واعْلَمْ: أَنَّ هذَينِ الإِسنادَين فيهما لطيفتان: الأولى: أَنَّ رُواتهما كُلّهم كوفيون إلا شعبة؛ فإِنه واسطي ثم بصري. الثانية: أَنَّ في كُلِّ واحدٍ من الإِسنادين تابعيًّا روى عن تابعي، في الأول: الحَكَم عن عبد الرحمن، وفي الثاني: حَبِيب عن ميمون) اهـ (¬2) (قالا) بألف التثنية؛ أي: قال سَمُرَةُ بن جُنْدُب والمغيرةُ بن شعبة: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك) (¬3) الأَثَرَ المشهورَ، وهو: "مَنْ حَدَّثَ عنِّي بحديثٍ يُرَى أنه كَذِبٌ .. فهو أَحَدُ الكاذِبينَ". وشارك المؤلِّفَ في رواية هذا الحديث: الإِمامُ أحمدُ في "مسنده" (4/ 252)، والترمذيُّ (2662)، وابنُ ماجهْ (39). وفي "كتاب الترمذي" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 63). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" 1/ 15، واختصره من "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 63). (¬3) قال الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 64): (وأمَّا ذِكْرُ مسلمٍ رحمه الله متنَ الحديث ثم قولُه: "حدثنا أبو بكر" وذَكرَ إِسناديه إِلى الصحابيين، ثم قال: "قالا: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك" .. فهو جائزٌ بلا شَكّ، والله أعلم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أنه قال: "اتقوا الحديث عنِّي إِلا ما علمتم، فمَنْ كَذَبَ عليَّ متعمدًا .. فليتبوأْ مقعدَه من النار، ومَنْ قال في القرآن برَأْيِه .. فليتبوأْ مقعدَه من النار" رواه الترمذي في "جامعه" (2951) وقال: حديث حَسَن. فصل: وفيه فوائد: الأُولى منها: أَنَّ الحاءَ التي تُوجَدُ بين الطريقَينِ .. اختُلف فيها، فقيل: إِنها مأخوذٌ من التحويل منحوتةٌ منه؛ لتحوُّلهِ وانتقالِه من إِسنادٍ إِلى آخَر، وإِنه يقول القارئ إِذا انتهى إِليها: (خ) ويستمرُّ في القراءة، ورأيتُ لبعض المتأخرين استحسان زيادة هاء السكت. قلتُ: وتَحْسُنُ زيادتُها في الوقف لا في الوصل، ولعل هذا الشيخَ المتأخِّرَ إِنما أطْلَقَ؛ لأنه يَرَى أَنَّ الوقفَ عليها يتعيَّنُ، وهو الأَوْلى؛ لاستقلالها بنفسها. وقيل: إِنها مأخوذٌ مِنْ حَال بين الشيئين إِذا حَجَز بينهما؛ لكونها حَالتْ بين الإِسنادَينِ، وعليه: فلا يُلفظ عند الانتهاء إِليها بشيءٍ؛ إِذْ ليستْ من الرواية. وقيل: إِنها رَمْزٌ إِلى الحديث، وإِنَّ أهلَ الحديثِ كُلّهم إِذا وَصَلُوا إِليها يقولون: الحديث، وقد كَتبَ جماعة من الحُفاظ موضعها: "صح"، فيُشْعِرُ بأنها رَمْزُ "صح". قال النوويُّ: (وحَسُنَتْ هنا كتابةُ "صح"؛ لئلا "يتَوَهَّمَ أنه سَقَطَ متنُ الإِسنادِ الأول، ثم هذه الحاءُ تُوجَدُ في كتب المتأخّرين كثيرًا، وهي كثيرةٌ في "صحيح مسلم" قليلةٌ في "صحيح البخاري"، فيتأكَّدُ احتياجُ قارئ هذا الكتاب إِلى معرفتها، وقد أرشدناه إِلى ذلك، فللهِ الحمدُ والنعمة، والفضلُ والمِنَّة) اهـ سنوسي (¬1). قلتُ: إِنَّ هذه الحاءَ نَحْتٌ من (حَوَّلَ) بصيغة الماضي المُسْنَدِ إِلى المؤلِّف، وأَنَّ الواوَ الداخلةَ بعدها على حَدَّثَنَا -مثلًا- عاطفةٌ للقَوْلِ المحذوفِ على (حَوَّلَ) ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 38)، و"مكمل إكمال الإكمال" (1/ 14).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المنحوتِ عنه المرموزِ إِليه بهذه الحاء، وهذه الحاء لا تُلفظ، بل الملفوظُ المقروءُ إِذا وَصَلَ القارئُ إِليها المنحوتُ عنه الذي هو (حَوَّلَ)؛ لأنَّ النَّحْتَ لا يُقْرَأُ ولا يُلْفَظُ، بل المنحوتُ عنه. نظيرُها: قولُهم: (انتهى) إِذا وصلوا إِلى (اهـ)، وقولُهم: (إِلى آخره) إِذا وصلوا إِلى (إِلخ)، وقولُهم: (قال المصنِّفُ) إِذا وصلوا إِلى (ص)، وقولُهم: (قال الشارح) إِذا وصلوا إِلى (ش)، فلا يقولون في هذه النحوت (اهـ) و (إِلخ) و (ص) و (ش)، فما الفَرْقُ بين هذه الحاء وبين هذه النحوت المذكورة وغيرِها ممَّا يَكْثُرُ في كلامهم كالبسملة والحوقلة والصلعمة والهيعلة وغيرها؟ ! وهذا الفَرْقُ فَرْقٌ بلا فارقٍ وقولٌ بلا دليلٍ، وهذا التفريق خَرْقٌ للقاعدة العربية في النَّحْت، والنَّحْتُ لغةً: مطلَقُ الاختصار، واصطلاحًا: أن يُخْتَصَرَ من كلمةٍ أو كلمتَينِ فأكثرَ حرفٌ أو حرفان فأكثرُ، فالنَّحْتُ لا يُقْرأُ؛ لأنه رَمْزٌ رُمِزَ به إِلى المنحوت المقروء. واصطلاحُ المحدِّثين في هذه الحاء اصطلاحٌ خارقٌ للقاعدة النحوية فلا يُتابَع، وإِنْ قاله أكابرُهم وحُفَّاظُهم .. فهم إِنما يُتَابَعُون في نَقْلِ الحديث لا في القاعدة النَّحْوية، فتقول أيها القارئُ إِذا وَصَلْتَ إِلى هذه الحاء: (حَوَّلَ وقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع ... ) إِلخ؛ أي: حَوَّل المؤلِّفُ -رحمه الله تعالى- وغَيَّرَ السَّنَدَ إِلى سَنَدٍ آخر، وقال: حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ... إِلخ، ولا تَسْتَغْرِبْ ما قُلْناه، ولا تَقُلْ: هذا ما وَجَدْنا عليه آباءَنا، ولقد أجادَ مَنْ قال: كَمْ تَرَكَ الأوائلُ للأواخِرِ ما لَم يَطَّلِعُوا عليهِ مِنَ المسائل، كَمْ فتح الإِلهُ فضلًا للأواخِر من الكُنوز ما لم يَفْتَح للأوائل. ولولا خوفُ الإِطالةِ .. لبسطتُ الكلامَ في هذه المقالة استدلالًا واستشهادًا، ولكنْ فيما ذكرنا كفايةٌ لمَنْ عنده رُسُوخٌ في القواعد العربية. الثانية: جَرَتْ عادةُ أهلِ الحديث بحَذْفِ (قال) فيما بين رجال الإِسناد في الخطّ، وينبغي للقارئ أن يلفظَ بها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: (وإِذا تكَرَّرَتْ كلمة "قال" كقوله: "حدثنا صالحٌ قال: قال الشَّعْبِيُّ" .. فإِنهم يحذفون إِحداهما في الخطّ؛ فَلْيَقُلْهما القارئُ، فلو ترَكَ القارئُ لفظةَ "قال" .. فقد أخطأ، والسماعُ صحيحٌ؛ للعِلْم بالمقصود، ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه، والله أعلم) (¬1)؛ لأنَّ حَذْفَ القولِ جائزٌ اختصارًا جاء به القرآنُ العظيمُ، وكذا قال ابن الصلاح أيضًا في "فتاويه" مُعَبِّرًا بـ (الأظهر). قال العراقي: (وقد كان بعض أئمة العربية -وهو العلامة شهاب الدين عبد اللطيف بن المرحّل- يُنْكِرُ اشتراطَ المحدِّثين التلفُّظَ بـ"قَال" في أثناء السند، وما أدري ما وَجْه إِنكارِه، لأن الأصل هو الفَصْلُ بين كلامَي المتكلِّمَينِ للتمييزِ بينهما، وحيث لم يفصل فهو مُضْمَر، والإِضمارُ خلافُ الأصل). قلتُ: وَجْهُ ذلك في غاية الظُّهور؛ لأن (أخبرنا وحَدَّثَنَا) بمعنى: (قال لنا)؛ إِذْ (حَدَّثَ) بمعنى (قال)، و (نا) بمعنى (لنا)، فقولُهم: (حَدَّثَنَا فلانٌ حَدَّثَنَا فلانٌ) معناه: قال لنا فلان قال لنا فلان، وهذا واضحٌ لا إِشكال فيه. وقد ظَهَرَ لي هذا الجوابُ وأنا في أوائل الطلب فعرضتُه لبعض المُدَرِّسين فلم يَهْتَدِ لفَهْمِه لجَهْلِه بالعربية، ثم رأيتُه بعد نحو عشر سنين منقولًا عن شيخ الإِسلام، وأنه كان يَنْصُرُ هذا القولَ ويُرَجِّحُه، ثم وقفتُ عليه بخطه فلله الحمد. ذكره السيوطي في "التدريب" (¬2). الثالثة: من لطائف صَنْعَةِ الإِسناد التي اخْتَصَّ بها الإِمامُ مسلمٌ في "جامعه" رحمه الله تعالى وتجده يتحرَّاها لِوَرَعِه أجزل اللهُ مثوبتَه: (الفَرْقُ) بين حَدَّثَنى وحَدَّثَنَا، وأخبرني وأخبرنا، فحَدَّثَني: فيما سمعه وحدَه من لفظ الشيخ، وحَدَّثَنَا: فيما سَمِعَه مع غيره، وأخبرني: فيما قَرَأَه وحدَه على الشيخ، وأخبرنا: فيما قُرِئَ على الشيخ بحضرته. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 36). (¬2) (2/ 115) (النوع السادس والعشرون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: وهذا الاصطلاح إِنما هو بحسب الأَوْلَى، ولو أَبْدَلَ حرفًا بآخَرَ .. صحّ. قال الأُبّي فيما يأتي: أمَّا أَنَّ قراءةَ الشيخ يُعَبَّرُ عنها بحدثني وحدثنا، وقراءةَ التلميذِ بأخبرني وأخبرنا .. فهو الذي عليه الأكثر، وأجازَ بعضُهم حَدَّثَنَا في قراءة التلميذ، ثم حيث يقول: حدثني أو حدثنا .. فإنما ذلك إِذا قَصَدَ الشيخ إِسماعَه، وإن لم يَقْصِدْ .. فإِنما يقول: قال الشيخ أو حَدَّثَ أو سمعتُه يقول، وحيث يقول: أخبرني أو أخبرنا .. فالأكثرُ على أنه يقولُه دون تقييد، ومنَعَهُ قومٌ حتى يقول: أخبرني قراءةً عليه. اهـ سنوسي (¬1). وأمَّا أنبأني وأنبأنا -وهو قليلٌ في "صحيح مسلم"- فهو بمعنى: أخبرني وأخبرنا. الرابعة: قال النووي: (ليس للراوي أنْ يَزِيدَ في نَسَبِ غير شيخه ولا صفتِه على ما سمعه من شيخه؛ لئلّا يكونَ كاذبًا على شَيخِه، فإِنْ أرَادَ تعريفَه وإِيضاحَه وإِزالةَ اللَّبْسِ المتطرِّقِ إِليه لمشابهة غيره .. فطريقُه أن يقول: قال حدثني فلانٌ يعني ابنَ فلان أو الفلاني، أو هو ابنُ فلان أو الفلاني أو نحو ذلك، فهذا جائزٌ حَسَنٌ، قد استعمله الأئمَّة. وقد أكثر منه البخاريُّ ومسلمٌ في "الصحيحين" غايةَ الإِكثار، حتى إِنَّ كثيرًا من أسانيدهما يَقَعُ في الإِسناد الواحد منها موضعان أو أكثرُ من هذا الضَّرْب، كقول البُخَارِيِّ في أول "كتابه" (¬2) في (باب مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانِه ويَدِه): قال أبو معاوية: حدثنا داود -هو ابنُ أبي هند- عن عامر قال: سمعتُ عبد الله، هو ابنُ عَمْرو. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 38 و 151)، و "إِكمال إِكمال المعلم" (1/ 50 - 51)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 15). (¬2) في كتاب الإيمان، حديث رقم (10).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول مسلم في "كتابه" (¬1) في (باب مَنع النساء من الخروج إِلى المساجد): حدثنا عبد الله بن مَسْلَمة، حدثنا سليمان -يعني ابنَ بلال- عن يحيى، وهو ابنُ سعيد. ونظائرُه كثيرةٌ في كتابَيهما، ولكنَّ كلمةَ (يعني) كثيرةٌ في مسلم قليلةٌ في البخاري، وكلمةَ (هو) بالعكس من (يعني). وإِنما يقصدون بهذا التورُّعَ من الكذب على الشيخ لو لم يَفْصِلُوا ما بعدَ (يعني) أو (هو) عمَّا قبلهما بكلمة (يعني) أو (هو)، والإِيضاحَ للراوي كما ذَكَرْنا أولًا؛ فإِنه لو قال: حدثنا داود أو عبد الله .. لم يُعْرَفْ مَنْ هو لكثرة المُشَارِكين في هذا الاسم، ولا يَعْرِفُ ذلك في بعض المواطن إِلا الخَوَاصُّ والعارفون بهذه الصَّنْعَةِ وبمراتبِ الرجال، فأوضحوه لغيرهم وخَفَّفُوا عنهم النظر والتفتيش، وهذا الفصلُ بـ (يعني) أو بـ (هو) يَعْظُمُ الانتفاعُ به؛ فإنَّ مَنْ لا يُعانِي هذا الفن قد يَتَوَهَّمُ أَنَّ قولَه: (يعني) وقولَه: (هو) زيادةٌ لا حاجةَ إِليها، وأَن الأَوْلَى حَذْفُها، وهو جهلٌ قبيحٌ، والله أعلم) اهـ بزيادة (¬2). والحاصِلُ؛ أَنَّ الغَرَضَ من الإِتيان بهما: الإِشعارُ بأنَّ ما بعدَهما ممَّا زَادَه من عندِ نفسه لا ممَّا سَمِعَه من شيخه إِيضاحًا للراوي، والتورُّعُ من الكذب على شيخه؛ لأنه لو لم يَأْتِ بهما .. لتوُهِّمَ أَنَّ ما بعدهما من كلام شيخه مع أنه ليس من كلامه. الخامسة: في بيان الفرق بين الكلمات الجارية في متابعات "صحيح مسلم". فإِنْ قلتَ: ما الفرق بين قولهِ: (بمِثْلِه) وقوله: (بنَحْوه) وقولهِ: (بمعناه) وقولهِ: (بنَحْو مِثْلِه) وقوله: (بنَحْو معناه)؛ قلتُ: الفرقُ بينها: أَنَّ قولَه: (بمِثْلِه) عبارةٌ عن الحديث اللاحق الموافِق للسابق في جميع لفظهِ ومعناه سواءً بسواءٍ، إِلَّا فيما استثنى منه بنحو قوله: غيرَ أنه قال: كذا وكذا. ¬

_ (¬1) في كتاب الصلاة، حديث رقم (445/ 144). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 38 - 39).

تتمة: في معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد والأفراد والشاذ والمنكر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأَنَّ قولَه: (بنحوه) عبارةٌ عن الحديث اللاحق الموافِق للسابق في بعضِ ألفاظه وبعضِ معناه. وأَن قولَه: (بمعناه) عبارةٌ عن الحديث اللاحق الموافِق للسابق في جميع معناه دون لفظه. وأَنَّ قولَه: (بنحو مثله) عبارةٌ عن الحديث اللاحق الموافِق للسابق في مُعْظَم معناه وألفاظِه. وأَنَّ قولَه: (بنحو معناه) عبارةٌ عن الحديث اللاحق الموافِق للسابق في مُعْظَم معناه دون لفظهِ. والفرقُ بين قولهِ: (بمثله) وقولهِ: (مثله): أَنَّ قولَه: (بمثله) آكد مماثلة من قوله: (مثله)؛ لأن الباءَ لتأكيد المماثلة، لأنَّ العرب لا تَضَعُ شيئًا بلا فائدة. وهذه الكلمات المختلفة كلها إِنما يذكرها في المتابعات غالبا، وقد يذكرها قليلًا في الشواهد، والفرقُ بين المتابعة والاستشهاد: أَنَّ المتابعةَ لا تكون إِلَّا في حديثِ صحابيٍّ واحدٍ، والاستشهادَ لا يكون إلا بحديث صحابي آخر. وإِنْ قلتَ: ما معنى المتابعة لغةً واصطلاحا وكم أقسامها؟ قلتُ: المتابعةُ لغةً: الموافقةُ، كمتابعة المأموم لإِمامه في أفعال صلاته، واصطلاحًا: موافقةُ الراوي الثاني للراوي الأول في لفظ الحديث أو في معناه كُلًّا أو بعضًا مع كون الصحابي الذي روى الحديث واحدًا. وهي قسمان: تامّة وناقصة، فالتامَّة: هي موافقةُ الراوي الثاني للراوي الأول في شيخه، وهي الغالبةُ في "صحيح مسلم"، والناقصةُ: هي موافقة الراوي الثاني للراوي الأول في شيخِ شَيخِه فما فوقُ دون شيخه، وهي الغالبةُ في "صحيح البخاري"، والنادرةُ في "صحيح مسلم". تتمة: في معرفة الاعتبار والمتابعة والشاهد والأَفراد والشاذّ والمنكَر قال النوويُّ: (مثلًا إِذا روى حَمَّادٌ حديثًا عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم .. يُنظر: هل رواه ثقة غير حماد عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيوب، أو عن ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة؟ فأيُّ ذلك وُجِدَ .. عُلِمَ به أَنَّ له أصلًا يُرجَعُ إِليه، فهذا النَّظَرُ والتفتيشُ يُسَمَّى اعتبارًا. وأمَّا المتابعةُ: فهي أن يرويه عن أيوب غيرُ حماد، أو عن ابن سيرين غيرُ أيوب، أو عن أبي هريرة غيرُ ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ أبي هريرة، فكُلُّ واحدٍ من هذه الأقسام سُمِّيَ متابعةً، وأعلاها الأُولى، وهي متابعةُ حَمَّادٍ في الرواية عن أيوب، ثم ما بعدها على الترتيب. وأمَّا الشاهد: فهو أنْ يُرْوَى حديثٌ آخَرُ بمعناه وتُسَمَّى المتابعةُ شاهدًا، ولا يُسَمَّى الشاهدُ متابعةً، وإِذا قالوا في نحو هذا: تَفَرَّدَ به أبو هريرة أو ابنُ سيرين أو أيوبُ أو حَمَّاد .. كان مُشْعِرًا بانتفاء وجوه المتابعاتِ كُلِّها. واعْلَمْ: أنه يدخل في المتابعات والاستشهاد روايةُ بعض الضعفاء، ولا يَصْلُحُ لذلك كُلُّ ضعيفٍ، وإِنما يفعلون هذا؛ لكون التابع لا اعتماد عليه، وإِنما الاعتمادُ على مَنْ قبلَه، وإِذا انْتَفَتِ المتابعاتُ وتمحض فردًا .. فله أربعةُ أحوال: حالٌ يكون فيها مخالفًا لروايةِ مَنْ هو أحفظُ منه، فهذا ضعيف، ويُسَمَّى شاذًّا ومنكَرًا. وحالٌ لا يكون فيها مخالفًا، ويكون هذا الراوي حافظًا ضابطًا متقنًا فيكون صحيحًا. وحالٌ يكون فيها قاصرًا عن هذا ولكنه قريبٌ من درجته، فيكون حديثُه حسنًا. وحالٌ يكون فيها بعيدًا عن حاله، فيكون شاذًّا منكرًا مردودًا. فتَحَصَّلَ أَنَّ الفَرْدَ قسمان: مقبولٌ ومردودٌ، والمقبول ضربان: فردٌ لا يُخالِف وراويه كاملُ الأهليَّةِ، وفرد هو قريبٌ منه، والمردودُ أيضًا ضربان: فردٌ مُخالِفٌ للأحفظ، وفردٌ ليس في راويه من الحفظ والإِتقان ما يَجْبُرُ تَفَرُّدَهُ، والله سبحانه وتعالى أعلم) اهـ (¬1). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإِنْ قلتَ: ما مرجعُ الضميرِ في قوله: بمثله بنحوه مثلًا؟ قلتُ: مرجعُ الضميرِ فيها المتابَعُ بصيغة اسم المفعول المذكورُ في السند السابق، ولكنه على تقدير مضاف هو لفظ حديث كما لم سيصرح به في بعض المواضع. فإِنْ قلتَ: ما مرجعُ اسم الإِشارة في قوله: بهذا الإِسناد؟ قلتُ: ترجع الإِشارةُ إِلى ما بعد شيخ المتابع المذكور في السند السابق، ويكون غالبًا التابعيَّ والصحابيَّ. فإِنْ قلتَ: كم جملةُ الأحاديث المرفوعة المذكورة في "صحيح مسلم" بلا مكرر؟ قلتُ: جملتُها (2321) ألفان وثلاثمائة وإحدى وعشرون، وكم جملتُها مع المكرَّر؟ قلتُ: جملتُها مع المكرَّر (7366) سبعة آلاف وثلاثمائة وستة وستون حديثًا (¬1). وإِنْ قلتَ: كم جملةُ رجالهِ بالإِجمال؟ قلتُ: جملةُ رجاله: ألفٌ وثمانِ مئةٍ وخمسةٌ وتسعون. وإِنْ قلتَ: كم جملةُ الضعفاء المتروكين الذين أدخلهم مسلمٌ في جامعه على سبيل المقارنة أو المتابعة؟ قلتُ: جملتُهم: ستةَ عَشَرَ رجلًا كما بَيَّنَّاهم سابقًا بأسمائهم. السادسة: قال النووي: (يُستحبُّ لكاتب الحديث إِذا مَرَّ بذِكْرِ الله عَز وجَل أنْ يكتبَ: عَز وجَل، أو تعالى، أو سبحانه وتعالى، أو جَل ذِكْرُه، أو تبارك اسمُه، أو تبارك وتعالى، أو جَلَّتْ عظمَتُه، أو ما أَشْبَهَ ذلك، وكذلك يَكْتُب عند ذِكْر النبي صلى الله عليه وسلم: صلَّى الله عليه وسلَّم بكمالهما، لا رامزًا إِليهما، ولا مُقْتَصِرًا على أحدهما. وكذلك يقول في الصحابي: رضي الله عنه، فإِنْ كان صحابيًّا ابنَ صحابيٍّ .. قال: رضي الله عنهما. وكذلك ينبغي أن يترحَّم على سائر العلماء والأخيار، ويكتب كُلِّ هذا وإِنْ لم يكن ¬

_ (¬1) كما حققناه بالعدِّ والحساب من أول الكتاب إلى آخره، انظر في آخر المجلد الآخر من هذا الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مكتوبًا في الأصل الذي يَنْقُلُ منه، فإِنَّ هذا ليس روايةً وإِنما هو دُعاء، وينبغي للقارئ أن يقرأَ كُلِّ ما ذكرناه وإِنْ لم يكن مذكورًا في الأصل الذي يَقْرَأُ منه، ولا يَسْأَمُ مِنْ تَكَرُّرِ ذلك، ومَنْ أغفلَ هذا حُرِمَ خيرًا عظيمًا، وفَوَّتَ فضلًا جسيمًا) اهـ (¬1). السابعة: قال النوويُّ: (جَرَت العادةُ بالاقتصار على الرَّمْزِ في "حدثنا" و"أخبرنا"، واستمرَّ الاصطلاحُ عليه من قديم الأعصار إِلى زماننا، واشْتَهَرَ ذلك بحيث لا يَخْفَى، فيكتبون من حَدَّثَنا: "ثنا" وهي الثاء والنون والألف، وربما حذفوا الثاء، ويكتبون من أخبرنا: "أنا"، ولا تحسنُ زيادةُ الباء قبل نا. وإِذا كان للحديث إِسنادان أو كثر .. كتبوا عند الانتقال من إِسناد إِلى آخر "ح" وهي حاء مهملة مفردة، والمختار: أنها مأخوذة من التحول؛ لتحوله من إِسناد إِلى إِسناد) (¬2) كما مَرَّ بَسْطُ الكلام فيها في الفائدة الأولى. الثامنة قال النوويُّ: (تكرَّر في "صحيح مسلم" قولُه: "حدثنا فلانٌ وفلانٌ، كليهما عن فلانٍ": هكذا يَقَعُ في مواضع كثيرة في أكثر الأصول "كليهما" بالياء، وهو مما يُستشكل من جهة العربية، وحَقُّه أنْ يُقال: "كلاهما" بالألف، ولكن استعماله بالياء صحيح، وله وجهان: أحدهما: أن يكون مرفوعًا تأكيدًا للمرفوعَينِ قبله، ولكنه كُتب بالياء لأجل الإِمالة، ويُقرأ بالألف كما كتبوا الرِّبا والربى بالألف والياء ويُقرأ بالألف لا غير. والوجه الثاني: أن يكون "كليهما" منصوبًا بفعل محذوف ويُقرأُ بالياء، ويكون تقديره: أعني كليهما) اهـ (¬3). ومن اصطلاحاته أيضًا: أَنَّ الضمير في (كلهم) أو (كلاهما) يَرْجِعُ إِلى ما قبل حاء التحويل وإِلى الشيخ الأخير من السند الأخير إِذا تكرَّر التحويل، وكذا القول في (قوله) جميعًا. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 39). (¬2) المصدر السابق (1/ 38). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 41 - 42).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنه إِذا ذُكِرَ (سفيان) وأُطلق .. فإِنه: إِنْ وَقَعَ ثانيَ السَّنَد .. فهو ابنُ عُيَينة، أو ثالثَه .. فهو الثَّوْرِيُّ غالبًا، إلا إِنْ رَوَى عن الزُّهْرِيِّ .. فهو ابنُ عُيَينة مطلقًا، أو رَوَى عنه وَكيعٌ .. فهو الثَّوْرِيُّ. ومنها: أنه إِذا ذُكِرَ ابنُ أبي زائدة وأُطلق: فإن وَقَعَ ثانيَ السَّنَدِ .. فهو يحيى، وإن وَقَعَ ثَالثَهُ .. فهو زكريا. ومنها: أنه إذا أَطْلَقَ أبا خيثمة: فإِنْ وَقَعَ في أول السَّنَدِ .. فهو زهيرُ بن حرب، وإِنْ وَقَعَ ثانيَ السَّنَدِ .. فهو زُهَيرُ بن معاوية. ومنها: إِذا أَطْلَقَ إِسحاقَ بنَ منصورٍ فإِنْ وَقَعَ في أول السَّنَدِ .. فهو الكَوْسَج، وإِنْ وَقَعَ ثانيَ السَّنَدِ .. فهو السَّلُوليُّ، إلى غيرِ ذلك مما اخْتَصَّ به مسلمٌ من الاصطلاحات، وقد ضَرَبْنا عن تعدادِها صَفْحًا خوفَ الإِطالة، وفيما ذَكَرْناه إِشارةٌ إِلى باقيها لمَنْ عنده إِلمامٌ باصطلاحاتِه، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

(2) باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2) بَابُ تَغْلِيظِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ [2] 1 - (1) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (2) باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم [2] 1 - (1) (وحَدَّثنَا أبو بكرِ بن أبي شَيبَةَ) والواو في قوله: (وحدثنا) للاستئناف النحوي؛ لأنها وَقَعَتْ في أول الترجمة، وفي أول حديث آخر، وتقدَّمتْ ترجمةُ أبي بكر بنِ أبي شَيبة قريبًا فلا عَوْدَ ولا إِعادة، فراجعْها إِنْ شئتَ. قال: (حَدَّثنَا غُنْدَرٌ) قال النوويُّ: (بضمِّ الغين المعجمة، وإِسكان النون، وفتح الدال المهملة، هذا هو المشهورُ في ضَبْطِه، وذكر الجوهريُّ في "صحاحه": أنه يقال: بفتح الدال وضمِّها، واسمُه: محمد بن جعفر الهُذَلي مولاهم، البصري، أبو عبد الله، وقيل: أبو بكر) (¬1) الحافظ، رَبِيب شُعْبة، جَالسه نحوًا من عشرين سنة. قال في "التقريب": ثقةٌ صحيحُ الكتابِ إلا أَنَّ فيه غَفْلَةً، من التاسعة، مات في ذي القعدة سنةَ ثلاث وتسعين ومائة، وقال ابنُ سعد: سنةَ أربع وتسعين ومائة. قال النوويُّ: (وغُنْدَرٌ: لَقَبٌ لمحمد بن جعفرِ، لَقَّبَه به ابنُ جُرَيج، رُوينا عن عُبَيد الله بن عائشة، عن بَكْر بن كُلْثُوم السُّلَمِيِّ قال: قَدِمَ علينا ابنُ جُرَيجِ البصرةَ، فاجتمع الناسُ عليه، فحدَّثَ عن الحَسَنِ البصريِّ بحديثٍ فأنكره الناسُ عليه، فقال ابنُ عائشة: إِنما سَمَّاه غُنْدَرًا ابنُ جُرَيجٍ في ذلك اليوم، كان يُكْثِرُ الشَّغَبَ عليه، فقال: اسْكُتْ يا غُنْدَر، وأهلُ الحِجازِ يُسَمّون المشغب غُنْدرًا؟ ! ومن طرف أخبار غُنْدَرٍ رحمه الله تعالى: أنه بَقِيَ خمسين سنةً يصوم يومًا ويُفْطِرُ يومًا) اهـ (¬2) (عن شُعْبة) بن الحَجَّاج العَتكِيّ، والواو في قوله: (ح وحَدَّثنَا) عاطفة للقول ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 65). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 65).

مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المحذوف على (حَوَّلَ) المنحوت عنه الحاء، والتقدير: حَوَّلَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى السَّنَدَ وقال: حَدَّثَنَا (محمدُ بن المُثَنَّى) بن عُبَيد بن قيس العَنَزي بفتح النون وبالزاي، أبو موسى البصري، المعروف بالزَّمِن، مشهورٌ بكُنْيتِه وباسمِه، الحافظ. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ، من العاشرة، وقال الخطيب: مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين. (و) محمدُ (بن بَشَّارِ) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري بُنْدَار -بضم الموحدة وفتحها وسكون النون- أحد أوعية السُّنَّة، وبُنْدَارٌ في الأصل: من في يده القانون وهو أصل ديوان الخراج، وإِنما قيل لهُ بُنْدار؛ لأنه كان بُنْدارًا في الحديث، جَمَعَ حديثَ بلده، كذا في "تهذيب الكمال" (24/ 11) وقال العجلي: بندار ثقةٌ كثيرُ الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النَّسائيُّ: صالحٌ لا بأسَ به. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وله بضع وثمانون سنة. وقال الذهبيُّ: انْعَقَدَ الإِجماع بَعْدُ على الاحتجاج ببُنْدَار (¬1). وفائدةُ هذه المقارنة: بيانُ كثرة طُرُقِه؛ لأنَّ الراوَيينِ ثقتان. كلاهما (قالا: حَذثنَا محمدُ بن جعفرٍ) الهُذَلِيُّ، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحَجَّاج بن الوَرْد العَتكي. وغَرَضُ المؤلِّف رحمه الله تعالى بهذا التحويل: بيانُ متابعة محمد بن المثنى وابن بشار لأبي بكر بن أبي شيبة في رواية هذا الحديث الآتي عن محمد بن جعفر، وإِنما لم يَجْمَعْ بين الثلاثة في سَنَدٍ واحدٍ مع أَنَّ صِيَغَهم واحدةٌ وهي (حَدَّثَنَا) بان قال: (قالوا حَدَّثَنَا محمدُ بن جعفرٍ أو غُنْدَرٌ)؛ تَوَرُّعًا من الكذب على أبي بكر بن أبي شيبة لو قال: (قالوا حدثنا محمد بن جعفر)؛ لأنه إنما قال: حدثنا غُنْدَرٌ؛ وتَوَرُّعًا من الكذب على الأخيرَينِ لو قال: (قالوا حدثنا غُنْدَرٌ)؛ لأنهما إِنما قالا: حدثنا ¬

_ (¬1) انظر "ميزان الاعتدال" (3/ 490).

عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن جعفر، وهذا من ألطف لطائف السند الذي ينبغي الاعتناءُ به لا البَحْثُ عن البصري والكوفي. (عن منصورٍ) هو ابنُ المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عَتَّاب -بمثناة ثقيلة بعدها باء موحدة- الكوفي، أحد الأئمة الأعلام المشاهير. روى عن إِبراهيم النَّخَعي ورِبْعِي بن حِراش والحَسَن البصري وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وشعبةُ ومِسْعَرٌ والأعمشُ وغيرُهم، وقال العجلي: ثقةٌ ثَبْث له نحو ألفي حديث، قال زائدة: صام منصورٌ أربعين سنةً وقام ليلَها. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ وكان لا يُدَلِّس، من الطبقة الخامسة، طبقة الأعمش، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. (عن رِبْعِيِّ) بكسر الراء المهملة، وإِسكان الموحدة (بنِ حِرَاشٍ) بكسر الحاء المهملة، آخره شين معجمة -وليس في "الصحيحين": (حِرَاش) بالحاء المهملة سواه، ومَنْ عداه بالمعجمة- العَبْسي -بموحدة ساكنة- أبي مريم الكوفي، التابعي الجليل، مُخَضْرَم. روى عن عُمر وعلي فرد حديث وغيرهما، ويروي عنه (ع) ومنصورُ بن المُعْتَمِر وعبدُ الملكِ بن عُمَيرٍ وغيرُهما، قال العِجْلِيُّ: من خيار الناس لم يكذب كذبةً قطُّ. قال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ مُخَضْرَم، من الثانية، مات سنة مائة، وقيل: مائة وأربع، وقيل: تُوفِّي في ولاية الحجاج، ومات الحَجَّاجُ سنة خمس وتسعين. وحُكي: أنه حَلَفَ لا يضحك حتى يعلم أين مصيرُه، فما ضَحِكَ إلا بعد موته، وكذلك حَلَفَ أخوه ربيعٌ أنْ لا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أم في النار؟ قال غاسلُه: لم يَزَلْ مُتَبَسِّمًا على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا، وأخوهما مسعود الذي جلس بعد موته وتَكَلَّمَ وقال في آخر كلامه: أَسْرِعُوا بي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإِنه أقسم أن لا يبرح حتى آتيه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 66)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 16).

أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْطُبُ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَكْذِبُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ .. يَلِجِ النَّارَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أَنَّه) أي: أَنَّ حِرَاشًا (سَمعَ عَلِيًّا رضي الله عنه) حالةَ كَوْنه (يَخْطُبُ) أي: يَعِظُ الناسَ، وهو عليُّ بن أبي طالب عبد منافِ بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشميُّ أبو الحسن، ابنُ عَمّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنُه علي بنته، من السابقين الأولين، وهو أوّلُ مَنْ أَسْلَمَ من الصبيان، وأَحَدُ العَشَرَة المُبَشَّرة، شَهِدَ بدرًا والمشاهدَ كُلِّها، أميرُ المؤمنين، يُكْنَى أبا تراب، وأُمُّه فاطمةُ بنتُ أَسَد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدتْ هاشميًّا، له خمسُمائة حديثِ وستةٌ وثمانون حديثًا، مات في رمضان شهيدًا ليلة الجمعة لإِحدى عشرة ليلة بقيت أو خلت منه سنة أربعين، وهو يومئذٍ أفضلُ مَنْ على وجه الأرض من الأحياء بإِجماع أهل السُّنَّة، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح، ومناقبُه كثيرةٌ ومشهورة. (قال) عليُّ بن أبي طالب -والجملةُ بدلٌ من جملة يَخْطُبُ-: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَكْذِبُوا عَلَيَّ" أي: لا تَرْوُوا أيها الناسُ عنِّي كَذِبًا (فإنَّه) أي: فإنَّ الشأنَ والحال (مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ) أي: يَرْو عنّي كَذِبًا ويَنْسُبْه إِليَّ ( .. يَلجِ النَّارَ") أي: يَسْتَحِقَّ وَيسْتَوْجِبْ وُلُوجَ النَّارِ ودُخُولَها عقوبةً له على كَذِبِه عليَّ (¬1). وشارك المؤلِّفَ في رواية هذا الحديث: البخاريُّ (106)، والترمذيُّ (2660)، وابنُ ماجهْ (31) (¬2). قال الإِمام أبو العبّاس القرطبي: (وقوله: "يَلِجِ النَّارَ" أي: يَدْخُلْها، مضارع "وَلَجَ" من باب وَعَدَ، ومصدرُه الوُلُوج، ومنه قوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ}. وصَدْرُ هذا الحديثِ نَهْيٌ، وعَجُزُه وعيدٌ شديدٌ، وهو عامٌّ في كُلِّ كاذبٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومُطْلَقٌ في أنواع الكذب. ¬

_ (¬1) انظر"شرح صحيح مسلم" (1/ 68). (¬2) والنسائي أيضًا في "السنن الكبرى" (3/ 457) في كتاب العلم (مَنْ كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) حديث رقم (5911).

[3] 2 - (2) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولمَّا كان ذلك .. هاب قومٌ من السلف الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كعُمَرَ والزُّبيرِ بنِ العَوَّام وأنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنهم أجمعين؛ فإِنَّ هؤلاء سمعوا كثيرًا وَحَدَّثُوا قليلًا، كما قد صَرَّحَ الزُّبَيرُ رضي الله عنه بذلك لَمَّا قال له ابنُه عبدُ اللهِ رضي الله عنه: إِني لا أسمعك تُحَدِّثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يُحَدِّثُ فلانٌ وفلانٌ؟ ! فقال: أَمَا إِني لم كن أُفارقه، ولكنِّي سمعتُه يقول: (مَنْ كَذَبَ عليَّ .. فليتبوأْ مقعدَه من النار"، وقال أنسٌ: إِنه يمنعني أنْ أُحَدِّثَكم حديثًا كثيرًا أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَذَبَ عليَّ ... " الحديث. ومنهم مَنْ سَمِعَ وسَكَتَ كعبد الملك بن إِياس، وكأَنَّ هؤلاءِ تَخَوَّفُوا من إِكثار الحديث الوقوعَ في الكَذِبِ والغلطِ فقَلَّلُوا أو سَكَتُوا، غيرَ أَنَّ الجمهورَ خَصَّصُوا عمومَ هذا الحديث، وقَيَّدُوا مُطْلَقَه بالأحاديث التي ذُكِرَ فيها "مُتَعَمِّدًا"؛ فإِنه يُفْهَمُ منها أَنَّ ذلك الوعيدَ الشديدَ إِنما يَتَوَجَّهُ لِمَنْ تَعَمَّدَ الكَذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريقةُ هي المرضيّة؛ فإِنها تَجْمَعُ بين مختلفات الأحاديث، إِذْ هي تخصيصُ العموم، وحَمْلُ المُطْلَقِ على المقيِّد مع اتحاد الموجِب والموجَب كما قَرَّرْناه في الأصول، هذا مع أَنَّ القاعدةَ الشرعيةَ القطعيةَ تقتضي: أَنَّ المخطئَ والناسِيَ غيرُ آثمَينِ ولا مؤاخذَينِ، لاسِيَّما بعد التحرُّز والحَذَر) (¬1). وفي هذين السندَينِ من اللطائف: في الأول منهما: روايةُ كوفي عن بصري عن بصري عن كوفي عن كوفي. وفي الثاني: روايةُ بَصْرِيَّينِ عن بصري عن بصري عن كوفي عن كوفي. ففي الأول ثلاثة من الكوفيين واثنان من البصريين، وفي الثاني أربعة من البصريين واثنان من الكوفيين. ثم استشهد لحديث عليٍّ بحديث أنسٍ رضي الله عنهما فقال: [3] (2) (وحَدَّثَنِي زُهَيرُ بن حَرْبِ) بن شَدَّاد الحَرَشِيّ -بفتح المهملتين بعدهما معجمة- مولاهم، أبو خيثمة النسائي الحافظُ نزيلُ بغداد. ¬

_ (¬1) "المفهم" 1/ 113.

حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن جَرِير بن عبد الحميد وهُشَيم وابن عُيَينة وغيرِهم، ويروي عنه (خ م د ق) و (س) بواسطةٍ، وله في "البخاري" و "مسلم" أكثرُ من ألف حديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ روى عنه مسلمٌ أكثرَ من ألف حديثٍ، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين، وهو ابنُ أربع وسبعين سنة. قال: (حَدَّثنَا إسماعيلُ يعني) شيخي زُهَيرٌ بإِسماعيل حين قال لي: حَدَّثَنَا إِسماعيلُ (ابنَ عُلَيَّةَ) أي: إِسماعيلَ ابنَ عُلَيَّة، وأَتَى بالعناية؛ إِيضاحًا للراوي، وإِشعارًا بأَنَّ ما بعدها لم يسمعه من شيخه، بل هو ممّا زَادَه من عند نفسه للإِيضاح، وتَوَرُّعًا من الكذب على شيخه؛ لأنه لو لم يَأتِ بالعناية .. لأَوْهَمَ أَنَّ هذه النِّسْبَةَ من كلام شيخه مع أنه من زيادته. وعبارةُ السنوسي هنا: (وإِنما قال "يعني"؛ لأن هذه النِّسْبَةَ لم يَسْمَعْها من شَيخِه، واحْتَرَزَ بها عن الكذب على شيخه، واحتاج إِلى النسبة للتعريف فقال: "يعني"، وهذا من وَرَعِه رحمه الله تعالى، وقد أَكْثَرَ البخاريُّ ومسلمٌ رحمهما الله تعالى من هذا الاحتياط، إِلا أَنَّ البخاريَّ كثيرًا ما يقول: "هو ابنُ فلان"، ومسلمٌ كثيرًا ما يقول: "يعني ابنَ فلانٍ"، وكلاهما سواء) (¬1). وقال النوويُّ: (ليس للراوي أن يزيدَ في نَسَبِ غير شيخه ولا في صفتِه على ما سَمِعَه من شيخه؛ لئلّا يكونَ كاذبًا على شيخه، فإِنْ أرادَ تعريفَه وإِيضاحَه وزوال اللَّبْسِ المُتَطَرِّقِ إِليه لمشابهة غيره .. فطريقهُ أن يقول: حدثني فُلانٌ يعني ابنَ فُلان، أو الفُلاني، أو هو ابنُ فلان، أو الفلاني، أو نحو ذلك، فهو جائزٌ حسن) اهـ (¬2). وقال أيضًا: (وعُلَيَّة -بضمِّ العين وفتح اللام-: هي أُمُّ إِسماعيل، وهي عُلَيَّهُ بنت حَسَّان مولاة لبني شَيبان، وكانت امرأةَ نبيلةَ عاقلةَ، وكان صالح المُرِّيُّ وغيرُه من وُجُوهِ البصرة وفقهائِها يدخلون عليها فتَبْرُزُ لهم وتُحَادِثُهم وتُسَائِلُهم، وأبوه إِبراهيم بن سهم بن مِقْسَم الأسدي، وإِسماعيل بصريٌّ وأصلُه من الكوفة، كنيتُه أبو بِشْر. قال ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 16). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 38).

عَنْ عَبْدِ آلْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَال: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ شعْبة: إِسماعيل بن عُلَيَّةَ ريحانةُ الفقهاء وسَيَّدُ المحدِّثين) (¬1). وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، من الثامنة، مات سنة ثلاثٍ وتسعين ومائة. قال: (عن عبد العزيزِ بنِ صُهَيبٍ) البُنَاني -بموحدة ونونين- نِسْبة إِلى بُنَانة بن سعد بن لؤي بن غالب مولاهم، البصري الأعمى. روى عن أنس وشَهْر، ويروي عنه شُعبةُ وابنُ عُلَيَّة. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الرابعة، مات سنة ثلاثين ومائة. (عن أنسِ بنِ مالكِ) بن النَّضْر بن ضمضم بن زَيد بن حَرَام الأنصاري الخَزْرَجي النَّجَّاري، خَدَمَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وله ألفٌ ومئتا حديثٍ وستةٌ وثمانون حديثًا. روى عن جماعةٍ من الصحابة، ويروي عنه (ع) وبنوه موسى والنَّضْرُ وأبو بكرٍ والحَسَنُ البصريُّ وثابتٌ البُنَانِيُّ وغيرُهم، مات سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة، وهو آخِرُ من مات بالبصرة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. (أنَّه) أي: أَنَّ أنسًا (قال: إِنه) أي: إِنَّ الشأنَ والحال (لَيَمْنَعُنِي) واللامُ فيه لامُ الابتداء (أَنْ أحَدِّثَكُمْ) أي: أنْ أُخْبِرَكم أيُها المخاطَبون (حديثًا كثيرًا) وأخبارًا مأثورةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬2)، وجملةُ (أَنَّ) المصدريةِ في قولهِ: (أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال) في تأويل مصدرٍ مرفوعٍ على أنه فاعل (لَيَمْنَعُنِي) أي: يَمْنَعُني ويَحْجُزُني من أنْ أُخْبِرَكم حديثًا كثيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 66). (¬2) قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى: (وأمَّا توزُعُ الزُّبير وأنسٍ وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والإِكثار منها .. فلكَوْنِهم خافوا الغلطَ والنسيانَ، والغالطُ والناسي وإِنْ كان لا إِثمَ عليه فقد يُنْسَبُ إِلى تفريطٍ لتساهلِه أو نحو ذلك، وقد تعلق بالنَّاسي بعض الأحكام الشرعية كغراماتِ المتلفات وانتقاضِ الطهارات وغيرِ ذلك من الأحكام المعروفات، والله سبحانه وتعالى أعلم). "شرح صحيح مسلم" (1/ 72).

"مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا .. فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهُ صلى الله عليه وسلم: ("مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا) أي: من افترى عليَّ كَذِبًا عَمْدًا وعِلْمًا ونَسَبَ إِليَّ ما لم أشرعه قولًا أو فعلًا أو تقريرًا ( .. فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ) أي: فَلْيتَّخِذْ مَقَرَّه ومنزلَه (من النَّارِ") الأُخروية؛ بسبب افترائِه واختلاقِه على كَذِبًا (¬1). قال القرطبيُّ: (أي: ليتّخذْ فيها منزلًا فإِنها مقرُّه ومسكنهُ، يُقال: تبوأت منزلًا؛ أي: اتخذته ونزلته، وبَوَّأْتُ الرجلَ منزلًا؛ أي: هيأتُه له، ومصدرُه: باءة ومباءة، وهذه صيغةُ أمرٍ، والمرادُ بها: التهديدُ والوعيدُ، وقيل: معناها الدُّعاءُ عليه؛ أي: بَوَّأَهُ اللهُ سبحانه ذلك، وقيل: معناها الإخبارُ بوقوع العذاب به في نارِ جهنَّم، وكذلك القولُ في حديث عليٍّ الذي قال فيه: "يَلِجِ النار" (¬2). وقد روى أبو بكرٍ البَزَّارُ هذا الحديثَ من طريق عبد الله بن مسعود وزادَ فيه: "ليُضِلَّ به" (¬3). وقد اغْتَرَّ بهذه الزيادة أُناسٌ ممن يَقْصِدُ الخيرَ ولا يعرفُه، فظَنَّ أَنَّ هذا الوعيدَ إِنما يتناولُ من قَصَدَ الإِضلال بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمَّا مَنْ قَصَدَ الترغيبَ في الأعمال الصالحة وتقويةَ مذاهب أهل السُّنَّة فوضع الأحاديث لذلك .. فلا يتناولهُ، وهذه جهالةٌ؛ لأن هذه الزيادةَ تُروى عن الأعمش ولا تَصِحُّ عنه، وليستْ معروفةً عند نَقَلَةِ ذلك الحديث مع شُهرته، وقد رواها أبو عبد الله الحاكمُ المعروف بابن البَيِّع من طُرُقٍ كثيرةٍ، وقال: إِنها واهيةٌ لا يَصِحُّ منها شيء، قال الشيخ رحمه الله تعالى: ولو صَحَّتْ .. لما كان لها دليلُ خطاب، دما نما كانت تكون تأكيدًا؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيرِ عِلْمٍ}، وافتراءُ الكذبِ ¬

_ (¬1) هذا الحديث رواه النسائي في "السنن الكبرى" (3/ 457 - 458) في آخر كتاب العلم (من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) حديث رقم (5913). (¬2) قال الإِمام المازري: (وأمَّا قولهُ عليه الصلاة السلام: "فليتبوأ" .. فإِنَّ الهَرَويَّ قال في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} أي: اتَّخذوها منازل، وقوله تعالى: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيثُ نَشَاءُ} أي: نتخذ منها منازل، ومنه الحديث: "فليتبوأ مقعده من النار" أي: لينزل منزله منها) "المعلم" (1/ 184)، و "إِكمال المعلم" (1/ 110 - 111). (¬3) قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 30) عن هذه الزيادة: (إنها زيادة باطلة باتفاق الحفاظ، وإنها لا تعرف صحيحة بحال).

[4] 3 - (3) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ على الله مُحَرَّمٌ مطلقًا، قصد به الإِضلال أو لم يقصد، قاله الطحاويُّ. ولأنَّ وَضْعَ الخبرِ الذي يُقْصَدُ به الترغيبُ كَذِبٌ على الله تعالى في وضع الأحكام؛ فإِنَّ المندوبَ قِسْمٌ من أقسام الأحكام الشرعية، وإِخبارٌ عن أَنَّ الله تعالى وَعَدَ على ذلك العملِ بذلك الثواب، فكُلُّ ذلك كَذِبٌ وافتراءٌ على الله تعالى، فيتناولُه عمومُ قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}. وقد استجازَ بعضُ فقهاء العراق نسبةَ الحُكْم الذي دَلَّ عليه القياسُ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبةً قولية، وحكايةً نقليةً، فيقول في ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ولذلك تَرَى كُتُبَهم مشحونةً بأحاديثَ مرفوعةٍ تَشْهَدُ متونُها بأنها موضوعةٌ؛ لأنها تُشْبهُ فتاوى الفقهاء، ولا تَلِيقُ بجزالة سيد الأنبياء، مع أنهم لا يُقِيمُون لها صحيحَ سَنَدٍ وَلا يُسْنِدُونها من أئمّة النقل إِلى كبيرِ أحد، فهؤلاء قد خالفوا ذلك النَّهْيَ الأكيد، وشَمِلَهم ذلك الذمُّ والوعيد، ولا شَكَّ في أَنَّ تكذيبَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ، وأمَّا الكَذِبُ عليه: فإِنْ كان ذلك الكاذبُ مُسْتَحِلًّا لذلك .. فهو كافرٌ، وإِنْ كانَ غيرَ مُسْتَحِلٍّ .. فهو مرتكبُ كبيرة، وهل يَكْفُرُ أم لا؟ اختُلِفَ فيه على ما مَرَّ) اهـ (¬1). ثم استشهد ثانيًا لحديث علي رضي الله عنه بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: [4] (3) (وحَدَّثنَا محمدُ بن عُبَيدٍ) مصغرًا بلا اضافة، ابن حِساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره موحدة (الغُبَرِيُّ) بضمِّ المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة، منسوبٌ إِلى غُبَر أبي قبيلةٍ معروفةٍ في بكر بن وائل، البصري. روى عن أبي عَوَانة وحَمَّاد بن زيد وجماعةٍ، ويروي عنه (م د س) وأبو زُرْعة وأبو حاتم وخَلْقٌ. وقال في "التقريب": ثقةٌ من العاشرة، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. قال: (حَدَّثنَا أبو عَوَانَةَ) بفتح العين وبالنون، الوَضَّاح -بتشديد الضاد المعجمة ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 114 - 115)، وانظر "إكمال المعلم" (1/ 111 - 113)، و "شرح صحيح مسلم" (1/ 70 - 71).

عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم حاء مهملة- ابنُ عبد الله اليشكريُّ بالمعجمة الواسطي البَزَّاز -بزايين- مشهورٌ بكُنْيته، أحدُ الأئمة الأعلام. روى عن قتادة وابن المُنْكَدِر وإِسماعيل السُّدِّي وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وشَيبان بن فَرُّوخ وخَلَفُ بن هشامٍ وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثبْتٌ، من السابعة، مات سنة خمسٍ أو ستٍّ وسبعين ومائة. (عن أبي حَصِينٍ) بفتح الحاء المهملة وكسر الصاد، عثمان بن عاصم بن حُصَين الأسدي الكوفي الفقيه، أحد الأئمة الأعلام الأَثْبات. روى عن ابن عَبَّاس وأبي صالح وغيرهما، ويروي عنه (ع) ومِسْعَرٌ وشُعْبَةُ وأبو عَوَانة وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ سُنِّيٌّ، من الرابعة، وربما دَلَّسَ، وقال العِجْلِيُّ: كان عالمًا صاحبَ سُنَّة، ووَثَّقَه ابنُ مَعِين والنَّسائيُّ وغيرُهما، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: بعدها. (عن أبي صالحٍ) السَّمان -ويُقال له: الزيَّات- المدني، كان يجلبُ السَّمْنَ والزَّيتَ إِلى الكوفة، واسمه ذَكْوان. روى عن سَعْد وأبي الدرداء وأبي هريرة وخَلْق، ويروي عنه (ع) وبنوه: عبد الله وسُهَيل وصالح، والأعمش، من الأئمة الثقات، وسمع منه الأعمشُ ألفَ حديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ من الثالثة، مات سنة إِحدى ومائة. (عن أبي هُرَيرَةَ) رضي الله تعالى عنه، واختُلف في اسمه واسم أبيه على نَحْوٍ من ثلاثين قولًا، وأَصَخُها: عبد الرحمن بن صَخْر، وهو مُكْثِرٌ من حفظ الحديث جِدًّا، له خمسةُ آلافِ حديثٍ وثلاثُ مئةِ وأربعة وسبعون حديثًا، وقيل: اسمه عبد الله بن عائذ، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن عمرو، وقيل غير ذلك، ويُقال: كان اسمُه في الجاهلية عبدَ شمس، وكنيته: أبو الأسود، فسَمَّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله، وكَنَاه أبا هريرة -قيل: لأجل هِرَّةٍ كان يحمل أولادها- الدَّوْسي اليَمَاني

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى آللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمَّدًا .. فَلْيَتَبَؤَأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". [5] 4 - (4) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثيرَ الطيِّبَ وعن أبي بكرٍ وعُمَرَ والفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وابنُ عباس وابنُ عُمَرَ وأنسٌ وغيرُهم، وقال ابن سعد: كان يُسبِّح كُلَّ يومٍ اثنتي عشرة ألف تسبيحة. قال الواقدي: مات سنة تسع وخمسين، عن ثمان وسبعين سنة. (قال) أبو هريرة: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ" وافْتَرَى (عليَّ) ونَسَبَ إِليَّ ما لم أشرِّعه قولًا أو فعلًا أو تقريرًا، حالةَ كونه (مُتَعَمِّدًا) أي: قاصدًا الكذبَ على عالمًا به ( .. فَلْيَتَبَؤأْ مَقْعَدَهُ) أي: فَلْيَتَّخِذْ منزلَهُ ومَقَرَّه (من النَّارِ") أي: من نارِ جهنَّم، أعاذنا اللهُ تعالى منها. وسَنَدُ هذا الحديث من خُماسياته، وفيه بصري وواسطي وكوفي ومدنيان (¬1). ثم استشهد ثالثًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال: [5] (4) (وحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بن عبد اللهِ بن نُمَيرٍ) بضمِّ النون مصغّرًا، الهَمْداني -بسكون الميم- الكوفي أبو عبد الرحمن الحافظ، أحدُ الأئمَّةِ الأعلام. روى عن أبي خالدٍ الأحمرِ وابنِ عُيَينةَ وأبي معاوية وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) ومُطَيّن وأبو يَعْلَى وخَلْقٌ، عَظَّمَه أحمدُ وأَجَلَّه. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ فاضل، من العاشرة، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. ¬

_ (¬1) رواه البخاري في كتاب العلم (38 - باب إِثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم) حديث رقم (110)، وفي كتاب الأدب (109 - باب مَنْ سَمَّى بأسماء الأنبياء) حديث رقم (6197) عن موسى بن إِسماعيل عن أبي عَوَانة به، وفي أوله زيادة: "سَمُّوا باسمي ... ومَنْ رآني في المنام ... ".

حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ قَال: أتَيتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُغِيرَةُ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، قَال: فَقَال الْمُغِيرَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ كذِبًا عَلَيَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ كذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (حَدَّثنَا أبي) عبدُ اللهِ بن نُمَيرٍ الهَمْدَانيُّ أبو هشام الكوفيُّ. روى عن إِسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة والأعمش وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وابنُ مَعِين وابنُ المَدِيني وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقةٌ صاحبُ حديثٍ من أهل السُّنَّة، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومائة، وله أربع وثمانون سنة. قال: (حَدَّثنَا سعيدُ بن عُبَيدٍ) مصغرًا بلا إِضافة، الطائيُّ أبو الهذيل الكوفيُّ. روى عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ وعليِّ بنِ ربيعة الوالبيِّ، ويروي عنه (خ م دت س) ووَكِيعٌ ويحيى القطَّانُ وعبدُ اللهِ بن نُمَيرٍ، وَثَّقَه أحمدُ والنَّسائيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من السادسة. قال: (حَدَّثنَا عَلِيُّ بن ربيعةَ) بن نَضْلة الوَالِبيُّ -بلام مكسورة وباء موحدة نسبة إِلى والب قبيلة أو قرية، كذا في "السنوسي" (¬1)، أبو المغيرة الكوفي. روى عن علي وسَلْمان والمغيرة، ويروي عنه (ع) والحكمُ وأبو إِسحاق وعثمانُ بن المغيرة، موثّق، له في (خ م) فرد حديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من كبار الثالثة. (قال: أَتَيتُ المسجدَ) أي: مسجدَ الكوفةِ (والمغيرةُ) بن شُعْبَةَ الثقفيُّ الصحابيُّ المشهورُ (أميرُ الكوفةِ) وقتئذٍ من جهة عليٍّ رضي الله تعالى عنه (قال) عليُّ بن ربيعة الوَالِبيُّ -والجملةُ تأكيدٌ لقال الأُولى-: (فقال المغيرةُ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقولُ: "إِنَّ كَذِبًا" وافتراءً (عَلَيَّ ليس ككَذِبٍ على أَحَدٍ) (¬2) غيري (فمَنْ كَذَبَ) وافترى (عَلَيَّ) حالة كونه (مُتَعَمِّدًا) ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 17). (¬2) قال الإِمام أبو العباس القرطبي: (أي: إِنَّ العقابَ عليه أشدُّ؛ لأنَّ الجرأة منه على الكذب =

فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". [6] وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيسٍ الأَسَدِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكَذِبَ ( .. فَلْيَتَبوَّأ مقعدَه من النَّارِ") أي: من عذابِ النَّارِ عُقُوبةً على كَذِبِه عليَّ؛ لأن الكَذِبَ عَلَيَّ كَذِبٌ على الله تعالى، والكَذِبُ على الله تعالى افتراءٌ، والافتراءُ كُفْرٌ، وعقوبةُ الكُفْرِ النَّارُ. وهذا السَّنَدُ من خُماسياته، ورواتُه كُلُّهم كوفيون، وشارك المؤلِّفَ في رواية حديث المغيرة: أحمدُ (4/ 245) و (252)، والبخاريُّ (1291). ثم ذكر المتابعةَ في حديث المغيرة فقال: [6] (وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حُجْرٍ) بضمِّ الحاء وسكون الجيم ابن إياس (السَّعْدِيُّ) أبو الحَسَن المروزي الحافظ، نزيلُ بغدادَ ثم مَرْو. روى عن شَرِيك وإِسماعيل بن جعفر وخَلْق، ويروي عنه (خ م ت س) وابنُ خزيمة، وَثَّقَه النَّسائيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ من صغار التاسعة، مات سنة أربع وأربعين ومائتين. قال: (حَدَّثنَا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ) بضمِّ الميم وسكون المهملة وكسر الهاء، القرشيُّ أبو الحَسَن الكوفيُّ، قاضي المَوْصِل الحافظ. روى عن الأعمش ومحمد بن قيس وإِسماعيل بن أبي خالد، ويروي عنه (ع) وخالدُ بن مَخْلَد ومحمد بن عُبَيد المُحاربي. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الثامنة، له غرائبُ بعدَ أنْ أَضَرَّ، مات سنة تسع وثمانين ومائة. قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن قيسٍ الأَسَديُّ) بفتح الهمزة والسين نسبة إلى بني أَسَد، الوالبيُّ -بالموحدة نسبة إِلى وَالِب أبي بَطْنٍ من أسد- الكوفيُّ. ¬

_ = أعظم، والمفسدةُ الحاصلةُ بذلك أشدُّ؛ فإِنه كَذِب على الله ووَضعُ شَرْعٍ أو تغييرُه). "المفهم" (1/ 114).

عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رَوَى عن علي بن ربيعة وأبي الضُّحَى والحَكَم والشَّعْبي، ويروي عنه (م د س) وشُعْبهُ والثَّوْرِيُّ ووَكِيعٌ، وَثَّقَه أحمدُ والنسائيُّ وأبو داود، قال ابنُ المَدِيني: له نحو عشرين حديثًا. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من كبار السابعة. (عن عَلِيِّ بنِ ربيعةَ الأسديِّ) الوَالِبيِّ، ثقةٌ من كبار الثالثة (عن المُغيرة بنِ شُعْبَة) الصحابيِّ الجليلِ (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم)، والجازُ والمجرورُ في قوله: (بمِثْلِهِ) متعلق بـ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن قيسٍ)؛ لأنَّ العامل في الجارِّ والمجرورِ في قولَه: (بمِثْلِه) و (بنَحْوهِ) و (بمعناه) هو العاملُ في المُتَابِع بصيغة اسم الفاعل، والضميرُ في (مثله) هنا عائدٌ إِلى سعيدِ بنِ عُبَيدٍ؛ لأنه المُتَابَع بصيغة اسم المفعول، ولكنه على تقدير مضاف هو لفظ حديث، والمعنى: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن قيس عن علي بن ربيعة بمِثْلِ ما حَدَّثَ سعيدُ بن عُبَيدٍ عن علي بن ربيعة. والمِثْلُ: عبارةٌ عن الحديث اللاحق الموافِق للسابق في جميع لفظه ومعناه إِلَّا فيما اسْتَثْنَى من الحديث كما ذَكَرَ الاستثناءَ هنا بقوله: (ولم يَذْكُرْ) أي: ولكنْ لم يذكر مُحَمَّدُ بن قيسٍ في حديثه لفظةَ: ("إِنَّ كَذِبًا عَلَي ليس ككَذِبٍ على أَحَدٍ") غيري، بل إِنما ذكره سعيد بن عبيد فقط، فالمتابعةُ تامَّةٌ هنا؛ لأن شيخَ المتابَع والمتابَع واحدٌ، وهو علي بن ربيعة. فإِذًا: غَرَضُ المؤلِّف بسَوْقِ هذا السَّنَدِ بيانُ متابعة محمد بن قيس لسعيد بن عُبَيدٍ في روايةِ هذا الحديث عن علي بن ربيعة، فهذا السَّنَدُ أيضًا من خُماسياته، ورجالُه كُلُّهم كوفيون إِلا عليَّ بنَ حُجْرٍ السعديَّ فهو مروزي. فجملةُ ما ذكَره المؤلِّفُ في هذا الباب من الأحاديث أربعة: واحدٌ منها للاستدلال على الترجمةِ وهو حديثُ عليّ رضي الله عنه، وثلاثةٌ للاستشهاد وهي حديثُ أنس بن مالك، وحديثُ أبي هريرة، وحديثُ المغيرة بن شعبة، وذكر في حديث المغيرة المتابعةَ هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السنوسي: وأمَّا متنُ الحديث: فهو حديثٌ عظيمٌ في نهاية من الصّحة، وقيل: إنه متواتر، قيل: رواه مئتان من الصحابة وفيهم العَشَرَةُ المشهودُ لهم بالجَنَّة رضي الله عنهم أجمعين. ومعنى: "فليتبوأْ مقعدَه من النار": فَلْيَنْزِلْ، وقيل: فَلْيَتَّخِذْ منزلَه من النار، قال الخَطَّابِيُّ: وأصلُه من مباءة الإِبل وهي أَعْطَانُها، ثم قيل: إِنه دُعَاءٌ بلفظ الأمر، وقيل: هو خبرٌ بلفظ الأمر، معناه: فقد استوجب ذلك فليوطن نفسه عليه، وتَدُلُّ عليه الروايةُ الأخرى: "يَلِجِ النَّارَ". ومعنى الحديث: إِنَّ هذا جزاؤه إلا أنْ يَعْفُوَ اللهُ تعالى، ثم إِنْ جُوزِيَ بالنار .. فلا يُخَلَّدُ فيها. والكَذِبُ عند أهل السُّنَّةِ: الإِخبارُ بالشيء على خلافِ ما هو عليه، عَمْدًا كان أو سَهْوًا، وشَرَطَ فيه النَّظَّامُ وأتباعهُ من المعتزلة العَمْدَ، وهو باطلٌ، وإنما العَمْدُ شرطٌ في حصول الإِثم بالكذب لا في تسميته كذبًا، وتقييدُ الكذبِ بالعَمْدِ في الحديث يَرُدُّ على المعتزلة؛ إِذْ لو اختصَّ الكَذِبُ بالعَمْدِ .. لم يكن لتقييده به فائدة، والمسألةُ مبسوطةٌ في كتب الأُصولِ وغيرِها. ولا شَكَّ أَنَّ الكَذِبَ عمدا كُلُّهُ حرامٌ إِلا ما استُثني، ويتأكّدُ تحريمُه في الخبر عنِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في الحقيقة كَذِبٌ على الله جَل وعلا؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يَنْطِقُ عن الهوى إِنْ هو إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، والجمهورُ على أَنَّ الكَذِبَ عليه صلى الله عليه وسلم من أعظم الكبائر، وحَكَى إِمامُ الحرمَينِ عن والده أبي محمد الجُوَيني: أَنَّ المُتَعَمِّدَ للكذب عليه صلى الله عليه وسلم كافرٌ، وهو بعيد. ثم اختُلف على الأول هل تُقبل روايتُه إِذا تاب وحَسُنَتْ توبتُه أو لا تُقبل توبتُه في ذلك أبدًا؛ فقال بالأول جمهورُ الشافعية، واختار النوويُّ الثاني (¬1). ويَقْرُبُ من الكَذِبِ عليه صلى الله عليه وسلم أر هو هو: اللَّحْنُ في حديثه، فَلْيَكُنِ المؤمنُ على تَحَفُّظِ عظيمٍ في ذلك. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 70).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تَقَدَّمَ أَنَّ بعض المبتدعة أجازَ الكَذِبَ فيما يَرْجِعُ إِلى الترغيب والترهيب، وهو مُخَالِفٌ لإِجماع المسلمين المُعْتَدِّ بهم، وقولُهم: "هذا كَذِبٌ له لا عليه" جهلٌ عظيمٌ، وتَعَلُّقُهم بزيادةِ مَنْ زادَ: "لِيُضِلَّ به" فرواه: "مَنْ كذب عليَّ مُتعمَّدًا ليُضِلَّ به .. فليتبوأ مقعدَه من النار"، أحسنُ ما قيل في الجواب عنه وأخصرُه: أَنَّ هذه الزيادةَ باطلةٌ باتّفاق الحُفَّاظ (¬1). قلتُ: يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَه النوويُّ في اللحن، ما نقلَه ابنُ الصلاح بسَنَدِه عن الأصمعي أنه كان يقول: إِن أَخْوَفَ ما أخافُ على طالب العلم إِذا لم يعرف النَّحْوَ أن يَدْخُلَ في جملة قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَذَبَ عليَّ .. فليتبوأْ مقعدَه من النار"؛ لأنه لم يَكُنْ يَلْحَنُ، فمهما رَويتَ عنه ولَحَنْتَ فيه .. كَذَبْتَ عليه. قال الشيخُ ابنُ الصلاح: (فحَقٌّ على طالب الحديث أن يتعلَّمَ من النَّحْو واللُّغَة ما يتخلَّصُ به من شَينِ اللحن والتحريف ومَعَرَّتِهما. رُوينا عن شُعْبة قال: مَنْ طَلَبَ الحديثَ ولم يُبْصِرِ العربيةَ .. فَمَثَلُه كمَثَلِ رجلٍ عليه بُرْنُسٌ ليس له رأس) (¬2) أو كما قال. وعن حَمَّاد بن سلمة قال: مَثَلُ الذي يطلبُ الحديثَ ولا يعرفُ النَّحْوَ مَثَلُ الحمارِ عليه مِخْلاةٌ لا شعيرَ فيها اهـ (¬3) وقال الجلالُ السيوطيُّ في "شرح ألفيته": وقد اتفَقَ العلماءُ على أَنَّ النَّحْوَ يُحتَاجُ إِليه في كُلِّ فَنٍّ من فنون العلم لاسِيّما التفسير والحديث؛ فإِنه لا يجوز لأَحَدٍ أن يتكلَّمَ في كتابِ الله تعالى وسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يكون مَلِيًّا بالعربية؛ لأنَّ القرآنَ عربيٌّ ولا تُفْهَمُ مقاصدُه إلا بمعرفة قواعد العربية، وكذلك سُنَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) انظر "المعلم" (1/ 184)، و"إِكمال المعلم" (1/ 111 - 113)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 68 - 71). (¬2) "علوم الحديث" (ص 194 - 195). (¬3) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 17 - 18).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعضهم: من فاته النحو فذاك الأخرس ... وفهمه في كل علم مفلس وقدره بين الورى موضوع ... وإِن يناظر فهو المقطوع لا يهتدي لحكمة في الذكر ... وماله في غامض من فكر ولبعضهم: قَدّمِ النحوَ على الفقه فقد ... يبلغ النحوي بالنحو الشرف أما ترى النحوي في مجلسه ... كهلال بان من تحت الشغف يخرج الألفاظ من فيه كما ... يخرج الجوهر من بطن الصدف ولبعضهم: والنحو حقًّا ختان الألسن ... من لا يعرفه كمن لم يختَن فاصرف فيه نفائس الزمن ... تكن حقًّا فائقًا في كل الفَنَن قال السنوسي: (وأمَّا التصحيفُ: فسبيلُ السلامة منه الأَخْذُ من أفواه أهل العلم والضَّبْط، واختُلِفَ إِذا وَقَعَ في الرواية لَحْنٌ أو تحريفٌ: فذهَبَ ابنُ سيرين وأبو معمر بن سَخْبَرة إِلى أنه يرويه على الخطإ كما سمعه، وهذا غُلُوٌّ في مَنع الرواية بالمعنى. وذَهَبَ الأوزاعيُّ وابنُ المبارك وغيرُهما من المُحَصِّلين إِلى أنه إِنما يرويه على الصواب، وهو لازمٌ على مذهب رواية الحديث بالمعنى، وقد سَبَقَ أنه قولُ الأكثرين. وأمَّا تغييرُ ذلك وإِصلاحُه في الكتاب: فالصوابُ تَرْكُه وتقريرُ ما وَقَعَ في الأصل على ما هو عليه مع التضبيبِ عليه وبيانِ الصواب خارجًا في الحاشية؛ فإِنَّ ذلك أجمعُ للمصلحة، وأَنْفى للمفسدة، وقد رُوينا: أَنَّ بعض أصحاب الحديث رُئِيَ في المنام وكأنه قد مَرَّ من شفتيه أو لسانهٍ شيءٌ، فقيل له في ذلك، فقال: لفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّرْتُها برأيي ففُعِلَ بي هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الشيوخ مَنْ جَسَرَ على تغييرِ الكُتُبِ وإِصلاحِها، وعن أحمد بن حنبل الفرقُ بينَ اللَّحْنِ الفاحشِ فيُصْلَحُ، وبينَ غيرِه فلا، والصوابُ الأولُ، وأنه لا تُصْلَحُ الكُتُبُ ولو كان لَحْنًا في القرآن) اهـ (¬1). *** ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 18)، وانظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 71 - 72).

(3) باب النهي عن الحديث بكل ما سمع

(3) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمعَ [7]- (5) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) باب النَّهْيِ عن الحديثِ بكُلِّ ما سَمعَ أي: بابٌ في ذِكْر الحديث الذي يَدُلُّ على النَّهْيِ والزَّجْرِ عن الحديثِ والروايةِ بكُلِّ ما سَمِعَ عن الناس من قبل أن يفحصَ ويبحثَ ويتثبَّتَ فيه ويستيقِنَ صِدْقَه، ثُمَّ استدلَّ المؤلِّفُ على الترجمة بقوله: [7] (5) (وحَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذِ) بن معاذ بن نَصْر بن حسّان (العَنْبَرِيُّ) نسبة إِلى عَنْبَر بطن من تميم، أبو عَمْرو البصري الحافظ. روى عن أبيه: معاذِ بن معاذٍ ومُعْتَمِر بن سُلَيمان، ويروي عنه (م د) وحَمَّاد بن حُمَيد و (خ س) بواسطةٍ، قال أبو داود: كان يحفظُ نحو عشرة آلاف حديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومائتين، ورَجَّحَ ابنُ مَعِين أخاه المُثَنَّى عليه. قال: (حَدَّثنَا أبي) معاذُ بن معاذ التميميُّ العَنْبري أبو المُثَنَّى البصري الحافظ قاضي البصرة. روى عن سُلَيمان التيمي وحُمَيد وابن عَوْن وشُعْبة وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإِسحاقُ وابنُ المَدِيني وغيرُهم، قال القطَّانُ: ما بالبصرةِ ولا بالكوفةِ ولا بالحجاز أَثْبَتُ مِنْ معاذ بن معاذ. وقال في "التقريب": ثقةٌ مُتْقِنٌ، من كبار التاسعة، مات سنة ستّ وتسعين ومائة. (ح وحَدَّثنَا) أي: حَوَّل المؤلِّفُ السَّنَدَ وقال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا (مُحَمَّدُ بن المُثنَّى) بن عبيد بن قيس العنزي -بفتح النون وبالزاي- أبو موسى البصري.

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ، من العاشرة، مات سنة (252) كلما مَرَّ. وفائدةُ هذا التحويل: بيانُ كثرة طُرُقِه؛ لأنَّ عُبَيدَ اللهِ بنَ معاذِ ومُحَمَّدَ بنَ المُثنَّى كليهما ثقتان. قال ابنُ المثنّى: (حَدَّثَنَا عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيِّ) بن حَسَّان الأَزْدِي مولاهم، أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ الإِمام العَلَم. روى عن عكرمة بن عَمَّار وشُعْبة والثَّوْري ومالك وخَلْق، ويروي عنه (ع) وابن المبارك وأحمد وابن مَعِين. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ حافظٌ عارفٌ بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن ثلاثِ وستين سنة، وكان يَحُجُّ كُلَّ سنة. (قالا) أي: قال معاذُ بن معاذ العنبريُّ وعبدُ الرحمنِ بن مهدي: (حَدَّثَنَا شُعْبةُ) ابنُ الحَجَّاج بن الورد العتكي البصري كلما مَرَّ (عن خُبَيبِ) بضمِّ الخاء مصغّرًا (بنِ عبد الرحمنِ) بن خُبَيب بن يَسَاف -بفتح أوله وثانيه مُخَفّفًا- الأنصاري أبي الحارث المدني. روى عن أبيه وعَمَّتِه أُنَيسَة ولها صحبةٌ، ويروي عنه (ع) وشُعْبَةُ وعبدُ الله وعبيدُ الله ابنا عُمر بن حفص بن عاصم. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الرابعة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وليس في مسلمٍ من اسمه "خُبَيب" إلا هذا الثقة، وليس خُبَيب بالمعجمة في "الصحيحين" إِلا ثلاثة: هذا، وخُبَيب بن عَدِيّ، وأبو خُبَيب كُنْيَةُ عبد الله بن الزُّبير (¬1). (عن حَفْصِ بنِ عاصِمِ) بن عُمر بن الخطَّاب العَدَوي المدني. روى عن أبيه وأبي هريرة وعَمِّه عبد الله بن عُمر، ويروي عنه (ع) وبنوه: عُمر ورباح وعيسى، وخُبَيب بن عبد الرحمن، وثقه النسائيُّ وغيره. ¬

_ (¬1) انظر "مشارق الأنوار" (1/ 222).

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُل مَا سَمعَ". [8] وَحَدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبة، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب، : ثقةٌ من الثالثة. (قال) حفصُ بن عاصم -وهو تابعيُّ-: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا ... ) الحديث، ففي هذا السَّنَدِ إِرسالٌ؛ أي: إسقاطُ الصحابيِّ الذي روى الحديثَ وهو أبو هريرة رضي الله عنه، ولكنه موصولٌ بَوجْهٍ آخر، ورجالُه كُلُّهم ثِقاتٌ، كُلُّهم بصريون إلا خُبَيب بن عبد الرحمن وحفص بن عاصم فهما مدنيان. أي: كفى المرء والشخص من جهة الكذب (أَنْ يُحَدِّثَ) ويَرْويَ (بكُلِّ ما سَمعَ") قبل أنْ يَتَثَبَّتَ فيه ويَسْتَيقِنَ. ثم ذكرَ المؤلِّفُ لهذا الحديث طريقًا آخرَ موصولًا فقال: [8] (وحَدَّثنَا أبو بكرِ) عبدُ اللهِ بن محمد (بن أبي شَيبةَ) الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن حَفْصٍ) المدائني أبو الحَسَن البغدادي. روى عن حَرِيز بن عثمان وشُعْبة، ويروي عنه (م د ت س) وأبو خيثمة وأحمد. وَثَّقَه ابنُ المَدِيني وغيره. وقال في "التقريب": صَدُوقٌ من التاسعة. قال: (حَدَّثَنَا شُعْبهُّ) بن الحَجَّاج بن الورد العتكي الواسطيّ (عن خُبَيبِ بنِ عبد الرحمنِ) المدني (عن حَفْصِ بنِ عاصِمِ) بن عُمر المدني (عن أبي هُرَيرَةَ) رضي الله عنه (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم). ومن لطيفة هذا السَّنَدِ: أَنَّ فيه روايةَ كوفي عن بغدادي عن كوفي عن المدنيين، وكِلا السَّنَدَينِ من السداسيات.

بِمِثْلِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والجارُّ والمجرورُ في قوله: (بمِثْلِ ذلك) متعلِّقٌ بـ (حَدَّثَنَا) عليُّ بن حفص)؛ لأنه العامل في المتابِع؛ أي: حَدَّثَنَا عليُّ بن حَفْصٍ عن شعبة بمِثْلِ ما حَدَّثَ معاذٌ العنبريُّ وعبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ عنه. وغَرَضُ المؤلِّفِ بسَوْقِ هذا السَّنَدِ الأخيرِ: بيانُ متابعة حفص بن علي لمعاذٍ وعبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن شُعْبة، فالمتابعةُ تامَّة، وفائدتُها: بيانُ كثرةِ طُرُقِه؛ لأنَّ السَّنَدَ الأولَ أَصَحُّ لكَوْنِ رجالِه كُلِّهم ثِقَات وإِنْ كان فيه إِرسالٌ من هذا السَّنَدِ الأخيرِ، لأنًه ليس كُلُّ رجالِه ثِقات؛ لأنَّ فيهم صدوقًا وهو عليُّ بن حفص، ولقُوَّةِ السند الأول قَدَّمَه على الثاني مع كونه مُتَّصلًا، ولا يَضُرُّ الإِرسالُ فيه لوَصْلِه بوَجْهٍ آخَرَ كما مَرَّ. وعبارة السنوسي هنا: (وأمَّا بَحْثُ الإِسنادِ: فقد وَقَعَ في الطريق الأول: "عن حفص عن النبي صلى الله عليه وسلم" مرسلًا؛ فإِنَّ حفصًا تابعيٌّ، وفي الطريق الثاني: "عن حفص عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، فالطريقُ الأولُ: رواهُ مسلم من رواية ابن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن شعبة، وكذا رواه غُنْدَرٌ عن شعبة فأَرْسَلَه، والطريقُ الثاني: عن علي بن حفص عن شُعْبة، وإذا ثَبَتَ أنه رُويَ مُتَّصِلًا ومُرْسَلًا .. فالعملُ على أنه مُتَّصِلٌ، هذا هو الصحيح، ولا يَضُرُّ كونُ الأكثرين أرسلوه؛ فإِنَّ الوصلَ زيادةٌ من ثقةٍ فيُقبل، وأمَّا قولُه في الطريق الثاني: "بمِثْلِ ذلك": فهي رواية صحيحة. واختلفوا إِذا أراد السامعُ أن يروي المتنَ بالإِسناد الثاني مقتصِرًا عليه، قال النوويُّ (¬1): "الأظهرُ مَنْعُه، وهو قولُ شُعْبة، وقال سفيان الثَّوْريُّ: يجوزُ بشَرْطِ أن يكون الشيخُ المُحَدِّثُ ضابطًا متحفظًا مميِّزًا بين الألفاظ، وقال يحيى بن مَعِين: يجوز في قوله: "مثله" ولا يجوز في "نحوه"، قال الخطيبُ البغداديُّ: وهذا قاله ابنُ مَعِينٍ بناءً على مَنع الرواية بالمعنى، وأمَّا على جوازها .. فلا فَرْقَ. وكان جماعة من العلماء يحتاطون في مِثْلِ هذا، فإِذا أرادوا روايةَ مِثْلِ هذا .. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 37).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أوْرَدَ أحدُهم الإِسنادَ الثانيَ ثم يقول: مِثْل حديث قبله متنه كذا، ثم يسوقه، واختار الخطيبُ هذا ولا شَكَّ في حُسْنِه. أمَّا إِذا ذَكَرَ الإِسنادَ وطَرَفًا من المتن، ثم قال: وذكر الحديث، أو قال: الحديث أو ما أَشْبَهَه، فأرادَ السامعُ أن يرويَ عنه الحديثَ بكَمالِه .. فطريقُه: أن يَقْتَصِرَ على ما ذَكَرَه الشيخُ، ثم يقول: والحديث بطوله كذا ... ويسوقه إِلى آخره، فإِنْ أرادَ أنْ يَرْويه مطلقًا ولا يفعل ما ذَكَرْنَاه .. فهو أوْلَى بالمَنْعِ ممَّا سبق في مثله ونحوه، وممن نَصَّ على مَنْعِه الأستاذُ أبو إِسحاق الإِسفراييني الشافعيُّ، وأجازَه أبو بكر الإِسماعيليُّ بشَرْطِ أن يكون السامعُ والمستمعُ عارفَينِ ذلك الحديث") اهـ من السنوسي (¬1). وعبارةُ القرطبي: (قولُه صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ"، هذا الحديث رواه مسلمٌ من طريقين: أحدهما: طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شُعْبة عن خُبَيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا ... " الحديث مرسلًا عن حفصِ ولم يذكر أبا هريرة، هكذا وَقَعَ عند كافة رواة "كتاب مسلم"، ووَقَعَ عند أبي العباس الرازيِّ وحدَه في هذا الإِسناد: عن أبي هريرة، فأَسْنَدَه وهو ثِقَةٌ. ثم أَرْدَفَ مسلمٌ الطريقَ الآخَرَ: عن علي بن حفص المدائني عن شُعْبة عن خُبَيب عن حفص عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْله. قال عليُّ بن عُمر الدَّارقُطْنِي: والصوابُ المرسلُ) (¬2) يعني عن شعبة كما رواه معاذٌ وابنُ مهدي وغُنْدَر (¬3). ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 19). (¬2) "المفهم" (1/ 116). (¬3) انظر "المعلم" (1/ 184)، و "إِكمال المعلم" (1/ 114)، و"غرر الفوائد المجموعة" (2/ 740 - 741).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: (وقد رواه أبو داود في "سننه" (¬1) أيضًا مرسلًا ومتصلًا، فرواه مرسلًا عن حفص بن عُمر النَّمَري عن شعبة، ورواه متّصلًا من رواية علي بن حفص (¬2)، وإِذا ثَبَتَ أنه رُوي متَّصلًا ومُرْسلًا .. فالعملُ على أنه متَّصل، هذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاءُ وأصحابُ الأُصولِ وجماعةٌ من أهل الحديث، ولا يَضُرُّ كونُ الأكثرينَ رَوَوْه مرسَلًا؛ فإِنَّ الوَصْلَ زيادةٌ من ثِقَةٍ وهي مقبولة) اهـ (¬3). وأمَّا بَحْثُ المتن: فقد قال القرطبي: (الباءُ في قوله: "بالمَرْءِ" زائدةٌ هنا في المفعول، وفاعلُ "كَفَى": "أنْ يُحَدِّثَ"، وقد تُزَادُ هذه الباءُ في فاعل "كَفَى" كما في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} "وكَذِبًا" "وشهيدًا": منصوبان على التمييز. ومعنى الحديثِ: أَنَّ مَنْ حَدَّثَ بكُل ما سَمعَ .. حَصَلَ لَهُ الحَظُّ الكافي من الكذب؛ فإِنَّ الإنسانَ يَسْمَعُ الغثَّ والسَّمِينَ، والصحيحَ والسَّقِيمَ، فإِذا حَدَّثَ بكُلِّ ذلك .. حَدَّثَ بالسَّقِيم وبالكَذِب، ثم يُحْمَل عنه فيكذبُ في نفسه أو يُكَذَّبُ بسببه، ولهذا: أشارَ مالكٌ بقوله: "ليس يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بكُلِّ مَا سَمِعَ، ولا يكون إِمامًا أبدًا وهو يُحَدِّثُ بكُلِّ ما سَمعَ" أي: إِذا وُجدَ الكذبُ في روايته .. لم يُوثق بحديثه، وكان ذلك جرحَةً فيه، فلا يصلح ليقتدي بهَ أحدٌ ولو كان عالمًا، فلو بَيَّنَ الصحيح من السقيم، والصادق من الكاذب .. سَلِمَ من ذلك، وتَفَصَّى عن عهدة ما يجبُ عليه من النصيحة الدينية) اهـ (¬4). وقال السنوسي: (وإِنما كان الحديثُ بكل ما سَمعَ كذِبًا؛ لأنه في العادة يكون فيه الصَّدْقُ والكَذِبُ، وما يتّفق نادرًا فيمَنْ حَفِظَ فلم يسمع إِلا الصِّدْقَ فغيرُ مُرادٍ ¬

_ (¬1) (5/ 265 - 266) كتاب الأدب (88 - باب في التشديد في الكذب) حديث رقم (4993). (¬2) قال أبو داود: (ولم يُسنده إلا هذا الشيخ) يعني علي بن حفص المدائني. (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 74). (¬4) "المفهم" (1/ 117).

[9] وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأنَا هُشَيمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحديث، وإِنما خرج مخرجَ الغالب، وفيه دليلٌ للأشعرية على أَنَّ الكَذِبَ لا يُشترط في الاتّصاف باسمه العمدُ، إلا أنْ يُقال: لمَّا عَلِمَ المُحَدِّثُ بكُلِّ ما سَمِعَ أنه لا يكونُ كُلُّه صدْقًا بحسب العادة .. صارَ متعمِّدًا للكذب، فلا يكونُ إِذْ ذاك دليلًا للأشعرية، والله أعلم) اهـ (¬1). قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى مستشهدًا بأَثَرِ عُمر رضي الله عنه: [9] (وحَدَّثنَا يحيى بن يحيى) بن بكر بن عبد الرحمن بن يحيى بن حَمَّاد التميمي الحَنْظَلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري الحافظ، أحدُ الأئمّة الأعلام. روى عن مالك وسُلَيمان بن بلال وهُشَيم وغيرِهِم، ويروي عنه (خ م ت س) وأحمدُ بن الأزهر وسلمةُ بن شَبيب وغيرُهم، وَثَّقَه النسائيُّ. وقال في "التقريب": ثقَةٌ ثَبْتٌ إِمامٌ، من العاشرة، مات سنة ست وعشرين ومائتين. (أنبأنا) أي: أخبرنا (هُشَيمٌ) بضم الهاء مصغّرًا، ابن بَشِير -بوزن عَظِيم- ابن القاسم بن دينار السُّلَمي أبو معاوية بن أبي خازم -بمعجمتين- الواسطي نزيل بغداد، الحافظ. روى عن أبيه وخالِه القاسمِ بنِ مِهْران وسُلَيمان التَّيمِيّ وعاصم الأحول وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وشعبةُ وأحمدُ والثَّوْرِيُّ ومالكُ بن أنسٍ وكلاهما كبرُ منه وابنُ المباركِ وخلائقُ، قال يعقوب الدَّوْرَقِيُّ: كان عند هُشَيمٍ عشرونَ ألفَ حديث، وقال العِجْلِيُّ: ثقةٌ يُدَلِّس. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ كثيرُ التدليسِ والإِرسالِ الخَفِيّ، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة وقد قارب الثمانين. وليس عندهم (هُشَيمٌ) إلا هذا. وقال النووي: (اتَّفَقَ أهلُ عَصْرِه فمَنْ بعدَهم على جلالتِه وكثرةِ حفظه وإِتقانه ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 19)، وانظر "إِكمال المعلم" (1/ 114 - 115).

عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصيانته، وكان مُدَلِّسًا، وقد قال في روايته هنا: "عن سُلَيمان التيمي"، وقد قَدَّمْنا أَنَّ المُدَلِّسَ إِذا قال: "عن" لا يُحْتَجُّ به إِلا أنْ يَثْبُتَ سماعُه من جهةٍ أُخرى، وأَنَّ ما كان في "الصحيحين" من ذلك .. فمحمولٌ على ثُبوت سماعه من جهةٍ أخرى، وهذا منه) (¬1). (عن سُلَيمَان) بنِ طَرْخان (التَّيمِيِّ) أي: المنسوب إِلى التَّيم؛ لأنه نَزَلَ فيهم فنُسِبَ إِليهم، أبي المُعْتَمِر البصري، أَحَدِ سادة التابعين عِلْمًا وعَمَلًا. روى عن أنسٍ وأبي عثمان التهْدِفي وطاوس وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وابنُه المُعْتَمِرُ وشُعْبةُ وابنُ المباركِ وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ، من الرابعة، مات سنة، ثلاثٍ وأربعين ومائة، عن سبعٍ وتسعين سنة، وقال ابنُ المَدِيني: له نحو مئتي حديث، وقال شُعْبة: وكان سُلَيمانُ التَيمِيُّ إِذا حَدَّث .. تَغَيَّرَ لونُه، وقال ابنُ سَعْدٍ: ثقةٌ كثيرُ الحديثِ يُصَلِّي الليلَ كُلَّه بوضوء العشاء الآخرة. (عن أبي عثمانَ) عبد الرحمنِ بنِ ملّ -بتثليث الميم وتشديد اللام على الأحوال الثلاثة- ابن عَمْرو بن عدي (النَّهْدِيِّ) بفتح النون وسكون الهاء، منسوب إِلى جَدٍّ من أجداده وهو: نَهْدُ بن زيدِ ... بن قُضاعة كما في "اللباب" (3/ 336). قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، من كبار الثانية، من كبارِ التابعين وفُضَلائِهم، مشهورٌ بكُنْيته، مُخَضْرَمٌ أَسْلَمَ على عهدِ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَلْقَهُ، كوفي بصري، كان بالكوفة مستوطنًا بها، فلمَّا قُتِلَ الحُسَينُ رضي الله عنه .. تَحَوَّل منها إِلى البصرة، وقال: لا أَسْكُنُ بلدًا قُتل فيه ابنُ بنتِ النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة خمس وتسعين أو بعدها، وله أكثرُ من مائة وثلاثين سنة. ورجال هذا السَّندِ كُلُّهم ثِقاث، ففيه رِوايةُ نيسابوري عن واسطي عن بصريَّين، وهو من رُباعياته. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 72 - 73).

قَال: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو عثمان النَّهْدِي: (قال عُمَرُ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه) ابن نُفَيل بن عبد العُزَّى العَدَويّ أبو حفص المدني، أحدُ فقهاء الصحابة، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ المشهودِ لهم بالجَنَّة، وأولُ مَنْ سُمِّي أميرَ المؤمنين، جَمُّ المناقب، له خمسُمائة وتسعةٌ وثلاثون حديثًا، يروي عنه (ع) وأبناؤه: عبدُ الله وعُبَيدُ الله وعاصمٌ، وعلقمةُ بن وَقاص، أَسْلَمَ بعد أربعين رجلًا، استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ووَلِيَ الخلافةَ عشر سنين ونصفًا، ودُفن في الحجرة النبوية رضي الله عنه. (بحَسْبِ المَرْءِ): أي كافي المرءِ (من) جهة (الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ) ويَرْويَ (بكُل مَا سَمعَ) قبل أن يَتَبَيَّنَ فيه ويَسْتَيقِنَ. قال السنوسي: (وقولُه: "بحَسْب المَرْءِ" بإِسكان السين وهو مبتدأ، والباءُ زائدةٌ، ومعناه: يَكْفِيه ذلك من الكذب؛ فإِنه قد استكثرَ منه، وقريبٌ منه: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ" أي: كَفَى المرءَ من الكذب حديثُه بكُلِّ ما سَمِعَ؛ أي: فقد أخَذَ من الكذب حظًّا وافرًا، فالظاهرُ أَنَّ الباءَ زائدةٌ على المفعول، و"أن يُحَدِّثَ": فاعلُ كَفَى، و"كذبًا": تمييز، والله أعلم) (¬1). قال النوويُّ: (وأمَّا معنى الحديث والآثار التي في البابِ: ففيها الزّجْرُ عن التحديث بكُلِّ ما سَمعَ الإِنسان؛ فإِنه يسمعُ في العادة الصِّدْقَ والكَذِبَ، فإِذا حَدثَ بكُلِّ ما سَمِعَ .. فقد كَذَبَ؛ لإِخباره بما لم يَكُنْ، وقد تَقَدَّمَ أَنَّ مذهبَ أهلِ الحقِّ: أَنَّ الكَذِبَ هو الإِخبارُ عن الشيء بخلاف ما هو، ولا يُشْتَرَطُ فيه التعمُّدُ، لكن التعمد شرْطٌ في كَونِه آثِمًا، والله أعلم) (¬2). ثم استشهد المؤلِّفُ ثانيًا بأثَرِ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 19). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 75).

[10] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ [10] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى) العنزي أبو موسى البصريُّ، (قال: حَدَّثَنَا عبدُ الرحمنِ) بن مَهْدِيٍّ الأزدي أبو سعيدٍ البصريُّ. (قال: حَدَّثَنَا سفيانُ) بن سعيد بن مسروق الثَّوْرِيُّ، أبو عبد الله الكوفي، أحدُ الأئمَّة الأعلام. روى عن زياد بن عِلاقة وحبيب بن أبي ثابت والأسود بن قيس وخلائق، ويروي عنه (ع) والأعمشُ وابنُ عجلان وكلاهما من شيوخه وشعبةُ -وهو من أقرانه- ومالكٌ وخَلْقٌ. قيل: رُويَ عنه عشرون ألفَ حديث، قال ابنُ المبارك: ما كتبتُ عن أفضلَ من سفيان، وقال العِجْليُّ: كان لا يَسْمَعُ شيئًا إِلَّا حَفِظَه، وقال الخطيب: كان الثوْرِيُّ إِمامًا من أئمَّة المسلمين، وعَلَمًا من أعلام الدِّين، مُجْمَعًا على إِمامتِه مع الإِتقانِ والضبْطِ والحِفْظِ والمعرفةِ والزُّهْدِ والوَرَع. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ فقيةٌ عابدٌ إِمامُ حُجَّةٌ، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دَلَّسَ، مات سنة إِحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة. فائدة: وإِذا أَطْلَقَ الإِمامُ مسلمٌ (سفيانَ) في "صحيحه" ولم ينسبْه .. فالعلامةُ التي تعرف بها أنه الثَّوْريُّ أو ابنُ عُيَينَة: إِذا ذَكَره ثانيًا في السَّنَد أو جنب الزُّهْرِي .. فهو ابنُ عُيَينة، وإِذا ذَكَرَهَ ثالثًا في السند أو روى عنه وَكِيعٌ .. فهو الثوْرِيُّ، وهذه القاعدة بالنَّظَرِ إِلى الغالب. (عن أبي إسحاقَ) السَّبيعي -بفتح السين- نِسْبة إِلى سَبِيع من هَمْدان، عَمْرو بن عبد الله الهَمْداني الكوفي، أَحدِ أَعْلام التابعين.

عَنْ أَبي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن جَرِير بن عبد الله البجلي وجابر بن سَمُرة وزيد بن أَرْقَم الخزرجي وابن عَبَّاس وخَلْق، ويروي عنه (ع) وابنُه يونس وحفيدُه إِسرائيل وقتادة وسُلَيمان التَّيمِي وشُعْبة والسُّفْيانان وخَلْق، وهو كالزُّهْري في كثرة الأصحاب، غزا مَرَّات، وكان صَوَّامًا قوَّامًا، وكان يقرأُ في ثلاث ليال. وقال في "التقريب": مكثرٌ ثقةٌ عابدٌ، من الثالثة، اختلط بأَخَرَةٍ، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: قبل ذلك. (عن أبي الأحوصِ) بالصاد المهملة، عوف بن مالك بن نَضْلَة -بفتح النون وسكون المعجمة- الجُشَمِيّ -بضمِّ الجيم وفتح الشين المعجمة- نسبة إِلى جُشَم من الأنصار، الكوفي مشهور بكُنْيته، لأبيه صحبة. روى عن أبيه وأبي موسى، ويروي عنه (م عم) وأبو إِسحاق وعبد الملك بن عُمَير وخَلْق، وَثَّقَه ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الثالثة، قتَلَتْه الخوارجُ في أيام ولاية الحَجَّاج على العراق. وهذا السَّنَدُ من خماسياته اثنان بصريان وثلاثة كوفيون، ومن لطائفه: أنه رَوَى فيه تابعيٌّ عن تابعي. (عن عبد الله) بن مسعود بن غَافِل -بمعجمة وفاء- ابن حبيب الهُذَلِيِّ أبي عبد الرحمن الكوفي، أَحَدِ السابقين الأولين إِلى الإِسلام، من كبار علماء الصحابة، صاحب النَّعْلَين، شَهِدَ بدرًا والمشاهد كُلها، له ثمانمائة حديثٍ وثمانية وأربعون حديثًا. يروي عنه (ع) وخَلْقٌ من الصحابة، ومن التابعين: علقمةُ ومسروقٌ والأسود، تَلَقَّنَ من النبي صلى الله عليه وسلم سبعين سُورة، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، عن بضع وستين سنة. والقاعدةُ: أَنَّ (عبد الله) إِذا أُطلق في الصحابي الذي يروي الحديث .. فهو ابن مسعود.

قَال: بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمعَ. [11] وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، قَال: أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: قَال لِي مَالِكٌ: أعْلَمْ: أَنَّهُ لَيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عبدُ الله الصحابيُّ الجليلُ: (بحَسْب المَرْءِ) أي: كَافِيه (من) جهة (الكَذِبِ) والافتراءِ (أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمعَ) (¬1). تقدَّم البحثُ عنه في أَثَر عُمر رضي الله عنه. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى ثالثًا بأَثَرِ مالكِ بنِ أنسٍ رحمه الله تعالى فقال: [11] (وحَدَّثَنِي أبو الطَّاهِرِ أحمدُ بن عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بن سَرْحٍ) بمهملات ثانيتها ساكنة، الأموي مولاهم، الفقيه المِصْري. روى عن ابن عُيَينة والوليد بن مسلم ووَكِيع والشافعي وخَلْق، ويروي عنه (م د س ق) وزكريا بن يحيى السَّاجِي وابنُ أبي داود. قال أبو حاتم: لا بأس به. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة خمسين ومائتين. (قال) أبو الطاهر: (أنا) أي: أخبرنا عبدُ اللهِ (بن وَهْبِ) بن مُسلم القُرَشي مولاهم، أبو محمد المِصْري الفقيه، أحدُ الأئمَّة. روى عن يونس بن يَزِيد وحَيوَة بن شُريح ومالك والثَّوْري وخلق، ويروي عنه (ع) والليث -شيخُه- وابن مهدي وسعيد بن منصور وخلق، قال أحمد: ما أَصَحَّ حديثه! وقال ابنُ مَعِين: ثقة، وقال أحمد بن صالح: حَدَّثَ بمائة ألف حديث. وقال في "التقريب": ثقة حافظٌ عابدٌ، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومائة، وله اثنان وسبعون سنة. (قال) ابنُ وَهْبٍ: (قال لي مالكٌ) أي: ابنُ أنسٍ، الإِمامُ الأعظمُ المَدَنِيُّ: (اعْلَمْ) يا عبد الله (أنَّه) أي: أَنَّ الشأنَ والحال (ليس) الشأن، فاسمُها ضميرُ ¬

_ (¬1) هذا الأثر رواه النَّسائي في "السنن الكبرى" في كتاب المواعظ عن سوَيد بن نَصْر، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان بلفظ: (كَفَى بالمَرْءِ إِثْمًا أن يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ). انظر "تحفة الأشراف" (7/ 126) حديث رقم (9508).

يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. [12] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُول: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشأن أيضًا، ويحتمل كونها بمعنى لا النافية؛ أي: اعْلَمْ أَنَّه لا (يَسْلَمُ) عن الخطإ (رجلٌ) أي: شخصٌ (حَدَّثَ) أي: يُحَدِّثُ كما في الأَثَرَينِ قبلَه (بكُلِّ ما سَمِعَ) من الناس؛ أي: لا يَسْلَمُ من الكذب في العادة (ولا يكونُ) ذلك الرجلُ (إمامًا) أي: مُقْتَدًى به (أبدًا) أي: في جميع أحواله في عِلْمِه ولا في عَمَلِه؛ أي: لا يُقْتَدى به في أقوالِه ولا في أفعالِه (وهو يُحَدِّثُ) أي: والحالُ أَنَّهُ يُحَدِّثُ ويَنْقُلُ ويُخْبِرُ (بكُل ما سَمعَ) قبلَ تمييز صحيحهِ من سقيمهِ وصِدْقِه من كَذِبه؛ لأن النُّقَّادَ يَطَّلِعُون على خَطَئِه فيتركون الاعتمادَ عليه فتسقط إِمامتُه (¬1). قال النوويُّ: (معنى هذا الكلام: أنه إِذا حَدَّثَ بكُل ما سَمِعَ .. كَثُرَ الخطأُ في روايته، فتُرِكَ الاعتمادُ عليه والأَخْذُ منه) اهـ (¬2). وقال القرطبيُّ: (إذا وُجدَ الكذبُ في روايته .. لم يُوثَقْ بحديثه، وكان ذلك جَرْحَةً فيه، فلا يصلح لِيَقْتَدِي به أحَدٌ ولو كان عالمًا، فلو بيَّنَ الصحيحَ من السقيمِ والصادقَ من الكاذبِ .. سَلِمَ من ذلك، وتَفَصَّى عن عُهْدَةِ ما يَجِبُ عليه من النصيحة الدينية) اهـ (¬3). ورجالُ هذا الأَثَرِ اثنان كلاهما مصريان ثقتان. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى رابعًا بأَثَرِ عبد الرحمن بن مهدي فقال: [12] (وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى) العَنَزي أبو موسى البصري. (قال) ابنُ المُثَنَّى: (سَمِعْتُ عبدَ الرحمنِ بنَ مَهْدِيٍّ) الأزدي البصري حالة كونه (يقولُ) أي: عبد الرحمن: (لا يكونُ الرجلُ) أي: الشخصُ (إمامًا) أي: مُؤْتَمًّا (يُقْتَدى به) ويتَّبَعُ في عِلْمِه وعَمَلِه (حتى يُمْسِكَ) نَفْسَه وَينزَجِرَ (عن) تحديث وإِخبار (بعضِ ما سَمِعـ) ــــه من الناس، ممَّا لم يَتَيَقَّنْ صِدْقَه وصِحَّتَه. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 19 - 20). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 75). (¬3) "المفهم" (1/ 117).

(4) باب التحذير عن أن يشنع في الحديث وأن يحدث قوما حديثا لا تبلغه أفهامهم

(4) بَابُ التَّحْذِيرِ عَنْ أَنْ يُشَنَّعَ فِي الْحَدِيثِ وَأَنْ يُحَدِّثَ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُه أَفْهَامُهُمْ. [13] وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَينٍ قَال: سَأَلَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاويَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (4) باب التحذير عن أن يشنع في الحديث وأن يحدث قومًا حديثًا لا تبلغه أفهامهم قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى: [13] (وحَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي الحنظلي مولاهم، النيسابوري. قال: (أنا) أي: أخبرنا (عُمَرُ بن عَلِيِّ بنِ) عطاءِ بنِ (مُقَدَّمِ) بوزن مُحَمَّدٍ الثقفيُّ المُقَدَّمِيُّ أبو حفص البصري. روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عُرْوة، ويروي عنه (ع) وابناه: محمدٌ وعاصمٌ، وقُتيبة، قال ابنُ سَعْد: ثقةٌ يُدَلِّسُ. وقال في "التقريب": وكان يُدَلِّسُ شديدًا، من الثامنة، مات سنة تسعين ومائة، وقيل: بعدها. (عن سفيانَ بنِ حُسَينِ) بن حسن، السُّلَمي مولى عبد الله بن خازم الواسطي أبي محمد أو أبي الحَسَن. روى عن ابن سِيرين والحَكَم بن عُتَيبة والزُّهْري والحَسَن، ويروي عنه (من عم) وشُعْبة وعَبَّاد بن العَوَّام وهُشَيم وغيرُهم، وَثَّقَه ابنُ مَعِين والنَّسائيُّ، وقال ابنُ سعد: ثقةٌ يُخْطِئُ كثيرًا. وقال في "التقريب": ثقةٌ في غير الزُّهْري باتفاقهم، من السابعة، مات بالرَّيِّ في خلافة المهدي، وقيل: في أول خلافة الرشيد. (قال) سفيان: (سَأَلَنِي إِياسُ بن معاويةَ) بن قُرَّة بن إِياس المُزَني أبو وَاثِلة البصري القاضي المشهور بالذكاء، ثقةٌ، من الخامسة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة، يروي عنه (خت من).

فَقَال: إِنِّي أَرَاكَ قَدْ كَلِفْتَ بِعِلْمِ الْقُرآنِ، فَاقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةً وَفَسِّرْ؛ حَتَّى أَنْظُرَ فِيمَا عَلِمْتَ، قَال: فَفَعَلْتُ، فَقَال لِيَ: أحْفَظْ عَلَيَّ مَا أَقُولُ لَكَ: إِيَّاكَ وَالشَّنَاعَةَ فِي الْحَدِيثِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) إِياسٌ لي في سؤاله: (إِنّي أَرَاكَ) يا سفيانُ (قد كَلِفْتَ) وَوَلعْتَ وانْجَذَبْتَ (بعِلْمِ القرآنِ) قراءةً وتفسيرًا (فاقْرَأْ) يا سفيانُ (عَلَيَّ سُورَةً) واحدةً من القرآن (وفَسِّرْ) ها لي (حتى) أستمعَ منك قراءتَه و (أَنْظُرَ) بقلبي (فيما عَلِمْتَـ) ــــه من معاني القرآن وفَهِمْتَه (¬1). قال السنوسيُّ: (قوله: "كَلِفْتَ" وهو بفتح الكاف وكسر اللام وبالفاء، معناه: وَلِعْتَ به ولازَمْتَه، وقال بعضُهم (¬2): الكلفُ: الإِيلاعُ بالشيء مع شغل قلبٍ ومشقة) (¬3). وفي "المفهم" (1/ 117): ("كَلِفْتَ" هو بكسر اللام، من الكَلَف بالشيء بفتح اللام، وهو الولوعُ به والمحبّةُ له والاعتناءُ به وهكذا صَحتْ روايتُنا فيه، وقد رُويَ من طريق الطبري: "عَلِقْتَ" وهو من العلاقة وهي المحبّة"). (قال) سفيانُ: (فَفَعَلْتُ) بضم التاء ما أَمَرَني به إِياسٌ من القراءةِ عليه والتفسيرِ له. قال سفيان: (فقال لي) إِياسٌ بعد ما قرأتُها عليه وفَسَّرْتُها له: (احْفَظْ عَلَيَّ) أي: اسْتَمعْ مني يا سفيان (ما أقولُـ) ـــه (لك) من النصيحة، واقْبَلْه مني، واجْعَلْه محفوظًا عندك غيرَ مَنْسِيٍّ، وذلك المقولُ هو قولي لك: (إيَّاكَ والشَّنَاعَةَ في الحديثِ) و (إِيَّاكَ) منصوبٌ على التحذيرِ بعاملٍ محذوفٍ وجوبًا؛ لقيام العاطف مقامَه، تقديرُه: بَاعِدْ نفسَك يا سفيانُ عن الشَّنَاعَةِ والنكارةِ والوَضْعِ والاختلاق ¬

_ (¬1) قال السنوسي: (قوله: "وَفَسِّرْ حتى أَنْظُرَ فيما عَلِمْتَ" يُوجَدُ بفتح التاء وهو الأظهر، وبضمّها، ويحتملُ أنْ تكونَ "في"حينئذٍ شبيةً، والله أعلم). "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 20) (¬2) وهو الزمخشري كما صرَّح بذلك ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 122)، وقول الزمخشري في كتابه "الفائق في غريب الحديث" (3/ 276). (¬3) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 20)، وهو من كلام الإِمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 75). وانظر "إِكمال المعلم" (1/ 116).

فَإِنَّهُ قَلَّمَا حَمَلَهَا أَحَدٌ إلا ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَكُذِّبَ فِي حَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والكذبِ في الحديثِ المَرْويِّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. و(الشَّنَاعَةُ) بفتح الشين: هي البشاعةُ والقبحُ، والشَّناعةُ في الحديث: هو ما يُسْتَقْبَحُ ويُسْتَنْكَرُ منه، يُقال: شَنُعَ الشيءُ -بالضم- أي: قَبُحَ، فهو أَشْنَعُ وشَنِيعٌ، وشَنِعْتُ بالشيءِ -بكسر النون-: أَنْكَرْتُه، وشَنَّعْتُ على الرجل مشدّدًا: ذَكَرْتُه بقُبْحٍ، وشَنِعْتُ بالشيء بكسر النون مخفّفًا: أنكرتُه، وشَنُعَ الشيءُ بضمّها: قَبُحَ في نفسه (¬1). قال النوويُّ: (ومعنى كلامه: أُحَذِّرُكَ يا سفيانُ أنْ تُحَدِّثَ بالأحاديثِ المنكرةِ التي يُشَنَّعُ بها على صاحبها، ويعَيَّبُ بها، ويُنْكَر ويُقَبَّحُ بها حالُ صاحبها فيُكذَّب أو يُسترابُ في روايته إِياها، فتَسْقُطُ منزلتُه عند الناس ويَذِلُّ في نفسه) اهـ (¬2) بزيادة. والحاصلُ: أنه حَذَّرَه ومَنَعَه عن رواية الأحاديثِ ذوات الشَّناعةِ والقَبَاحةِ والبَشَاعةِ. (فإِنَّه) أي: فإِنَّ الشأنَ والحال (قَلَّمَا حَمَلَها أَحَدٌ) أي: قَلَّ حَمْلُ أحدٍ من الناس تلك الأحاديثَ الشنيعةَ القبيحةَ المنكرةَ (إلا ذَلَّ في نَفْسِهِ) أي: إلا صار ذليلًا حقيرًا وَضِيعًا في ذاتهِ عند الناس بعدم الإِصْغاءِ إِلى حديثه (وكُذِّبَ في حديثهِ) أي: نُسِبَ إِلى الكذب في روايته بأنْ يُقال: فلانٌ كَذَّابٌ لا يُسْمَعُ حديثُه ولا يُقْبَلُ ولا يُكْتَبُ، فالبعرةُ خيرٌ من حديثه. قال السنوسيُّ: (قلتُ: وانْظُرْ هل هذا خاصٌّ بما لا يَعتقِد صحتَه، أو وإن اعتقدها إِذا كان يَرى أنه لا يُقبلُ منه ويُرَدُّ في وجهه؛ لأنه يَضَعُ من نفسه بغير فائدة؟ والثاني أظهرُ، ويَدُلُّ عليه أَثَرُ ابنِ مسعودٍ المذكورُ بعدَه، والله أعلم) اهـ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "إِكمال المعلم" (1/ 116)، و "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 76)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 20). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 76). (¬3) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 20).

[14] وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَنَا ابْنُ وَهْبِ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واعْلَمْ: أَنَّ دِلالةَ هذا الأَثَرِ على الترجمة المذكورة في هذه النسخة ظاهرةٌ؛ لأنه دلَّ عليها بمنطوقه، وأمَّا دلالتُه على الترجمة السابقة المذكورة في أكثر نسخ المتن والشُّرَّاحٍ .. فغَيرُ ظاهرة، كما أَنَّ أَثَرَ ابنِ مسعودِ الآتيَ لا يَدُلُّ عليها، فقد ظَهَرَ ممَّا ذَكَرْنَا أَنَّ ترجمةَ هذَينِ الأَثَرَينِ محذوفةٌ في أكثرِ النُّسَخِ، فتَدَبَّرْ. ثُمَّ ذَكَرَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى أَثَرَ ابنِ مسعودٍ استدلالًا على الجزء الأخير من الترجمة المذكورة في نسختها فقال: [14] (وحدَّثَنِي أبو الطَّاهِرِ) أحمدُ بن عَمْرِو بنِ سَرْح الأمويُّ المصريُّ (وحَرْمَلَةُ بن يحيى) بنِ عبد الله بن حَرْمَلة بن عمران التُّجِيبي أبو حفص المِصْريُّ، صاحبُ الشافعيِّ وتلميذُه. روى عن ابنِ وَهْبِ نَحوَ مئةِ ألف حديثٍ ومُؤمَّلِ بنِ إِسماعيل. ويروي عنه (م س ق) وحفيدُه أحمدُ بن طاهر والحَسَن بن سفيان وغيرُهم. وقال في "التقريب": صدوقٌ، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وأربعين ومائتين. (قالا) أي: قال أحمدُ بن عَمْرٍو وحرملةُ بن يحيى: (أنا) أي: أخبرنا عبدُ اللهِ (ابنُ وَهْبِ) بن مُسلم القُرَشي الفِهْري مولاهم، المِصْري، أَحَدُ الأئمَّة الأعلام (قال: أخبرني يونسُ) بن يَزِيد بن أبي النِّجَاد -بكسر النون- الأيلي -بفتح الهمزة وسكون التحتية بعدها لام- أبو يَزِيد الأموي مولى معاوية بن أبي سفيان، وفي (يونس) سِتُّ لُغَاتٍ: ضمُّ النونِ وكَسْرُها وفتحُها مع الهَمْزِ وتَرْكِه، وكذلك في (يوسف) اللغات الستُّ (¬1). روى عن عكرمة والقاسم ونافع وهشام بن عُرْوة وغيرِهم، ويروي عنه (ع) ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 19).

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَال: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ .. إلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وجَرِيرٌ وعَمْرُو بن الحارث واللَّيثُ والأوزاعيُّ وسُلَيمانُ بن بلالٍ وابنُ وَهْبٍ وعِدَّةٌ، وَثَّقَه النَّسائيُّ وغيرُه. وقال في "التقريب": ثقةٌ إلا أَنَّ في روايته عن الزُّهْرِيِّ وَهما قليلًا وفي غير الزُّهْري خطأَ، من كبار السابعة، مات سنة تسع وخمسين ومائة على الصحيح، وقيل: سنة ستين. (عن) محمد بن مسلم (ابنِ شِهاب) الزُّهْرِي المدني (عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عبد اللهِ بن عُتْبَةَ) بن مسعود الهُذَلي، أبي عبد الله المدني الأعمى الفقيه، أَحَدِ الفقهاء السبعة. روى عن عُمَرَ وابنِ مسعودٍ مرسلًا، وعن أبيه وعائشة، ويروي عنه (ع) وأخوه عون وعِراكُ بن مالكٍ والزُّهْرِيُّ وأبو الزِّناد وخَلْقٌ، قال أبو زُرْعَة: ثقةٌ مأمونٌ إِمامٌ، وقال العِجْلِيُّ: كان جامعًا للعلم. وقال في "التقريب": ثقةٌ فقيةٌ ثَبْتٌ، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثمان، وقيل: غير ذلك. (أَنَّ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ) الهُذَلِيَّ الصحابيَّ الجليلَ أبا عبد الرحمن الكوفيَّ (قال: ما أنتَ) أيَّها المخاطَبُ المرشدُ (بمُحَدِّثٍ) أي: بمُخْبِرٍ (قومًا) ضُعَفَاءَ الفَهْمِ والعَقْلِ (حديثًا لا تَبْلُغُهُ) ولا تُدْرِكُه (عُقُولُهم) وأَفْهَامُهم ( .. إلَّا كان) ذلك الحديثُ الذي عَجَزَتْ أَفْهَامُهم عن إِدراكهِ (لبعضِهم) أي: لبعضِ أولئك الأقوام (فتنةً) أي: سببَ فتنةٍ وضلالٍ وشِرْكٍ وحَيرَةٍ إِذا فَسَّرُوه بما ليس بمعناه. وعبارةُ القرطبي هنا: (أي: حديثًا لا يفهمونه ولا يُدْركُون معناه، والفتنةُ هنا الضَّلالُ والحَيرَةُ -كما ضَلَّتِ النصارى بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} - وتُفَسَّرُ الفتنةُ في القرآن بمعانٍ متعددةٍ مختلفةٍ، وأصلُها: الامتحانُ والاختبارُ، ومنه قولُهم: فتنتُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذهبَ بالنار، إِذا اختبرتَه بها، وهذا نحو ما رواه البُخَاريُّ من حديث علي رضي الله عنه: "حَدِّثُوا الناسَ بما يَعْرِفُون، أتحِبُّون أنْ يُكَذَّبَ اللهُ ورسولُه؟ ! ") اهـ (¬1) منه بتصرف وزيادة. وشارك المؤلِّف في رواية هذا الأثر: أبو داود (4992). *** ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 118).

(5) باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها

(5) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالاحْتِيَاطِ فِي تَحَمُّلِهَا [15] 6 - (6) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، قَال: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) باب النَّهْي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تَحَمُّلِها أي: هذا بابٌ في الاستدلال على النَّهْيِ والزَّجْرِ عن الرواية ونَقْلِ الأحاديث عن الضعفاء المتروكين، والاحتياط والحَزْم في تَحَمُّلِها؛ أي: في تَحَمُّلِ الرواية بانْ لا يَتَحَمَّلها عمَّن لا يُعْرَفُ حالُه. [15] (6) (وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ) بضمِّ النون مصغّرًا الهَمْدانيُّ أبو عبد الرحمن الكوفي، أَحَدُ الأئمة الأعلام (وزُهَير بنِ حَرْبِ) بن شَدَّاد الحرشيُّ أبو خيثمة الحافظ النَّسائيُّ، وفائدةُ المقارنةِ هنا: بيانُ كثرةِ طُرُقِه؛ لأنَّ الراويَينِ كلاهما حافظ. (قالا) أي: مُحَمَّدٌ وزُهَيرٌ: (حَدَّثنَا عبدُ اللهِ بن يَزِيدَ) القصيرُ مولى آل عُمر، أبو عبد الرحمن المقرئ، نزيل مكة. روى عن موسى بن عُلَيّ وحَيوَة بن شُرَيح، ويروي عنه (ع) وأحمد وإِسحاق وأبو خَيثَمة وخَلْق، وَثَّقَه النَّسائيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ فاضلٌ، أَقْرَأَ القرآنَ نيفًا وسبعين سنة، من التاسعة، وهو من كبار شيوخ البخاري، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين وقد قارب المائة. (قال: حَدَّثني سعيدُ بن أبي أيوبَ) واسمه: مِقْلاص بكسر الميم وسكون القاف وآخره صاد مهملة، الخُزَاعِيُّ مولاهم، المِصْري أبو يحيى. روى عن جعفرِ بن ربيعة ويَزِيدَ بن أبي حَبِيب، ويروي عنه (ع) وابنُ جُرَيج -وهو أكبرُ منه- وابنُ وَهْب، وَثَّقَةُ ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب"؛ ثقةٌ ثَبْت، من السابعة، مات سنة إِحدى وستين ومائة، وقيل: غير ذلك.

قَال: حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، عنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: "سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ .. فَإِيَّاكُمْ وَإيَّاهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال: حَدَّثَنِي أبو هانئ) هو بهمز آخره، حُمَيدُ بن هانئ الخولانيُّ المِصريُّ. روى عن عُلَيّ بن رَبَاح وعَمْرو بن مالك الْجَنبِيِّ وأبي عبد الرحمن الحُبُلي، ويروي عنه (م عم) وحَيوَةُ بن شُرَيح واللَّيثُ وابنُ وَهْبٍ وهو أكبرُ شيخٍ لابن وهب. وقال في "التقريب": لا بأسَ به، من الخامسة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة. (عن أبي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ) المِصْريِّ أبي عثمان الطُنْبُذي -ويقال: الإِفريقي- مولى الأنصار، رَضِيع عبد الملك بن مروان، التابعي المُحَدِّث. روى عن أبي هريرة وابنِ عُمر وسفيان بن وَهْب الخولاني، ويروي عنه (من دت ق) وبكرُ بن عَمْرٍو وحُمَيدُ بن هانئ وغيرُهم، وَثَّقَهُ ابنُ حِبَّان. وقال في "التقريب": مقبولٌ من الرابعة. (عن أبي هُرَيرَةَ) عبد الرحمنِ بنِ صَخْرٍ الدَّوْسيِّ المدنيِّ الصحابى الجليلِ المُكْثِرِ (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) وهذا السَّنَدُ من سُداسياته، وفيه من لطائف الإِسنادِ: أَنَّ واحدًا منهم كوفيٌّ، وواحدًا منهم مكيٌّ، وثلاثةً مصريون. (أنه) أي: أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم (قال: "سيكونُ في آخِرِ) زمان (أُمَّتي أُنَاسٌ) دَجَّالون كَذَّابون (يُحَدِّثُونكُمْ) أي: يُخْبِرُونكم من الأحاديث (ما) أي: حديثًا (لم تَسْمَعُوا) أي: تسمعوه (أنتم) من آبائكم (ولا آباؤُكم) ممَّنْ قبلَهم. والفاءُ في قوله: (فإيَّاكُمْ وإيَّاهُمْ") للإِفصاح، و (إِيَّاكم): منصوبٌ على التحذير بعاملٍ محذوفٍ وجوبًا تقديرُه: إِذا سمعتم كلامي هذا وأردتُم بيانَ ما هو اللازمُ لكم .. فأقول لكم: بَاعِدُوا أنفسَكم عن سماع أحاديث أولئك الدجَّالين، واحْذَرُوهم؛ لئلَّا يفتنوكم بتلك الأكاذيبِ المختلقةِ والأباطيلِ الموضوعةِ عن دِينكم، ولازِمُوا سُنَّتي وسُنَّةَ خلفائي وعَضُّوا عليها بالنواجذ. ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

[16] 7 - (7) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، قَال: حَدثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيحٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ [16] (7) (وَحَدَّثَنِي حرملةُ بن يحيى بنِ عبد اللهِ بنِ حَرْمَلَةَ بنِ عِمْرَانَ التُّجِيبيُّ) قال النوويُّ: (هو بمثناة فوقية مضمومة على المشهور، وقال صاحب "المطالع" (¬1): بفتح أوله وضمّه، قال: وبالضمّ يقوله أصحابُ الحديث وكثيرٌ من الأدباء، قال: وبعضُهم لا يُجِيزُ فيه إلا الفتح (¬2)، ويَزْعُمُ أَن التاءَ أصليةٌ، وفي باب التاء ذكره صاحب "العين" -يعني فتكون التاءُ أصليةً- إلا أنه قال: تُجيبُ وتَجُوبُ: قبيلة -يعني من كِنْدة- قال: وبالفتح قَيَّدْتُه على جماعةٍ من شيوخي وعلى ابن السَّرَّاجِ وغيرِه. وكان ابنُ السيد البَطَلْيَوْسِيُّ يَذْهَبُ إِلى صحَّةِ الوجهين، هذا كلام صاحب "المطالع"، وقد ذَكَرَ ابنُ فارس في "المجمل": أَن تجوب قبيلة من كندة، وتُجيب -بالضمّ- بَطْنٌ لهم شَرَفٌ، قال: وليسَتِ التاءُ فيهما أصليةً، وهذا هو الصواب الذي لا يجوزُ غيرُه. وأمَّا حُكْمُ صاحبِ "العين" بأَنَّ التاءَ أصليةٌ .. فخطأٌ ظاهرٌ، والله أعلم. وكُنيَةُ حرملة هذا: أبو حفص، وقيل: أبو عبد الله، المِصْرِي، وهو صاحب الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى، وهو الذي يروي عن الشافعي كتابَه المعروفَ في الفقه، والله أعلم) اهـ (¬3). (قال: حَدَّثنَا) عبدُ اللهِ (ابنُ وَهْبٍ) المصريُّ الحافظُ، (قال: حَدَّثَنِي أبو شُرَيحٍ) بضمِّ الشين المعجمة وآخرُه حاءٌ مهملة، عبدُ الرحمنِ بن شُرَيح بن عُبَيد الله المَعَافري -بفتح الميم والمهملة- الإسكندرانيُّ المِصْرِيُّ. روى عن أبي هانئ وأبي الزُّبير، ويروي عنه (ع) وابنُ المبارك وعبدُ الرحمن بن القاسم، وَثَّقه أحمد. وقال في "التقريب": ثقةٌ فاضلٌ، من السابعة، مات سنة سبع وستين ومائة. ¬

_ (¬1) انظر "مشارق الأنوار" (1/ 127). (¬2) قال الإِمام ابن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 170): (وليس ذلك بالقَويّ). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 76).

أَنَّهُ سَمعَ شَرَاحِيلَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنَّه سَمعَ شَرَاحِيلَ بن يَزِيدَ) بفتح الشين غير مصروف، المَعَافريَّ المصريَّ، صدوق، من السادسة، مات بعد العشرين ومائة، روى عنه (عخ مق د). (يقولُ: أخبرني مُسْلِمُ بن يَسَارِ) المِصْريُّ التابعيُّ المُحَدِّثُ (أنَّه) أي: أَنَّ مسلمَ بنَ يَسَارٍ (سَمعَ أبا هُرَيرَةَ) رضي الله عنه حالةَ كَوْنِه (يقولُ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يكونُ في آخِرِ الزمانِ" في أُمَّتي (دَجَّالونَ كَذَّابون). و(الدجَّالون): جَمْعُ دَجَّال، وهو الذي يُمَوِّه الباطلَ ويُزَيِّنهُ لِيَسْتُرَ به الحقَّ ويعدمَه، ويُنْكِرَ الحقَّ أصلَّا، كالدجَّال في آخر الزمان. قال النوويُّ: (قال ثعلبٌ: كُلُّ كَذَّابٍ فهو دجَّال، وقيل: الدجَّال المُمَوِّهُ، يُقال: دجل فلان إِذا موه، ودجل الحق بباطله إِذا غطاه، وحَكَى ابنُ فارسٍ هذا الثاني عن ثعلب أيضًا) (¬1). و(الكَذَّابون): جمع كَذَّاب، وهو الذي غلب كَذِبُه على صِدْقِه وإِن لم يموه كذبه، فذِكْرُ الكذَّاب بعد الدجَّال من ذِكْر العامّ بعد الخاصّ. وعبارةُ "المفهم" (1/ 119): (الدجَّالُ: الكذَّابُ المُمَوِّهُ بكذبه الملبّس به، يُقال: دجل الحق بباطله؛ أي: غطّاه، ودجل؛ أي: مؤه وكذب به، وبه سُمِّي الكذّاب الأعور، وقيل: سُمِّي بذلك لضَرْبِه في الأرض وقَطْعِه نواحيَها، يُقال: دجُل الرجل -بالفتح والضمّ- إِذا فَعَلَ ذلك، حكاه ثعلبٌ) (¬2). (يَأتُونَكُمْ) ويُخبرونكم (من الأحاديثِ) الموضوعةِ والأكاذيبِ الباطلةِ المنسوبةِ عندهم إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتسميتُها أحاديثَ بالنَّظَرِ إِلى زَعْمِهم، وإِلَّا .. فليستْ بأحاديثَ (بما لم تَسْمَعُوا أنتم) من آبائكم (ولا أباؤُكم) أي: وبما لم يَسْمَعْ آباؤكم عمَّن قبلهم. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 79). (¬2) انظر "إكمال المعلم" (1/ 117).

فَإيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السنوسيُّ: "قلتُ: وعلماءُ السُّوءِ والرُّهْبانُ على غير أصل سُنَّة، كُلُّهم داخلون في هذا المعنى، وما أكثرَهم في زماننا، نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى السلامةَ من شَرِّ هذا الزمان، وشَرِّ أهله) اهـ (¬1) وهذا من السَّنوسِيِّ في زمانه، فكيف في زماننا الذي صارَ فيه الحقُّ باطلًا، والباطلُ حقًّا، وصار النِّظامُ شرعًا، والشَّرْعُ مهجورًا؟ ! فإِنّا لله وإِنَّا إِليه راجعون، ويا مصيبة لا أبا حسن لها عَمَّت البلادَ وأسرت العباد؟ ! (فإِيَّاكم وإِيَّاهم) أي: فإذا رأيتموهم أيها المسلمون .. فبَاعِدُوا أنفسَكم عن مُجَالسَتِهم، وآذانَكم من سماع أباطيلهم المُمَوّهة، فإذا فَعَلْتُم ما أَمَرْتُكم به من مُجَانَبَتِهمِ ( .. لا يُضِلُّونَكُمْ) أي: لا يُضِلُّ أولئك الدَّجَّالون عَوَامَّكم؛ أي: لا يُوقِعُونَهم في الضَّلال والشِّرْك؛ لأنَّ العوامَّ يَقَعُون في الضَّلالِ بأقَلِّ شُبْهة (ولا يَفْتِنُونكُمْ") أي: لا يفتن أولئك الكَذَّابون خَوَاصَّكم وعلماءَكم بكثرةِ المجادلة والمنازعة، وإِيرادِ الشُّبهات والمُلبسات عليهم. قال القرطبيُّ: (قوله: "لا يُضِلُّونَكُمْ ولا يَفْتِنُونَكُمْ" كذا صَحَّت الروايةُ فيه بإِثبات النون، والصوابُ حَذْفُها؛ لأنَّ ثُبُوتَها يقتضي أنْ تكونَ خبرًا عن نَفْيِ وُقُوعِ الإِضلال والفتنة، وهو نقيضُ المقصود، فإِذا حُذِفَت .. احْتَمَلَ حَذْفُها وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك مجزومًا على جواب الأمر الذي تَضَمَّنَه "إِيَّاكُم"، فكأنه قال: أُحَذِّركم لا يُضِلُّوكم ولا يَفْتِنُوكم. وثانيهما: أنْ يكونَ قولُه: "لا يُضِلُّوكم" نَهْيًا، ويكونَ ذلك من باب قولهم: لا أرينَّك ها هنا؛ أي: لا تتعَرَّضُوا لإِضْلالِهم ولا لِفِتْنَتِهم. وهذا الحديثُ إِخبارٌ منه صلى الله عليه وسلم بأنه سيُوجَدُ بعده كَذَّابون عليه، يُضِلُّون الناسَ بما يَضعُونه وَيخْتَلِقُونه، وقد وُجِدَ ذلك على نَحْو ما قاله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الحديثُ من دلائل صدقه. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 21).

[17] وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَ أبو عُمر بن عبد البَرّ عن حَمَّاد بنِ زَيدٍ أنه قال: "وَضَعَت الزَّنَادِقَةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عَشَرَ ألف حديثٍ بَثُّوهَا في الناس" (¬1). وحُكِيَ عن بعض الوضَّاعِين أنه تاب فبكى وقال: أَنَّى لي بالتوبة وقد وَضَعْتُ اثني عشر ألف حديثٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كُلُّها يُعْمَلُ بها؟ ! وقد كَتَبَ أئمَّةُ الحديثِ كُتُبًا كثيرةً بيَّنُوا فيها كثيرًا من الأحاديثِ الموضوعةِ المنتشرةِ في الوجود، قد عَمِلَ بها كثيرٌ من الفقهاء الذين لا عِلْمَ عندهم برجال الحديث) اهـ من "المفهم" (1/ 119). وهذا السندُ الأخيرُ أيضًا من السُّداسيات، وفيه من لطائف الإِسنادِ: أَنَّ رجاله كُلَّهم مصريون إلا واحدًا فهو مَدَنِيٌّ. فإِنْ قلتَ: ما غَرَضُ المؤلِّفِ بتكرار هذا الحديث مَتْنًا وسَنَدًا؛ قلتُ: كَرَّرَ المَتْنَ؛ لما في الرواية الثانية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، ولما فيها من الزيادة التي لا تُقْبَلُ ذِكْرُها مفصولةً عن أصل الحديث، وكَرَّرَ السَّنَدَ لغَرَضِ بيانِ متابعة شَرَاحِيلَ بنِ يَزِيدَ لأبي هانئ في رواية هذا الحديث عن مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ، وفائدةُ هذه المتابعة: تقويةُ السَّنَدِ الأولِ؛ لأن المُتَابِعَ الذي هو شَرَاحِيلُ بن يَزِيدَ صدوقٌ يُقوِّي المُتَابَعَ الذي هو أبو هانئ؛ لأنه قيل فيه: لا بأسَ به. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بأَثَرِ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه فقال: [17] (وحَدَّثَنِي أبو سعيدٍ) عبدُ اللهِ بن سعيدِ بن حُصَين مصغّرًا (الأشجُّ) بالشين المعجمة والجيم المشددة -أي: المُلَقَّبُ بالأَشَجِّ؛ لما في وجهه من الشَّجَّة؛ أي: الشَّينِ- الكِنْدِيُّ الكوفيُّ الحافظُ، أحدُ الأئمَّةِ الأعلام. روى عن أبي خالدٍ الأحمرِ وابنِ إِدريس وهُشَيمٍ وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وابنُ أبي حاتم. ¬

_ (¬1) "التمهيد" (1/ 44).

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبَدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": ثقةٌ، من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين، وقال أبو حاتم: أبو سعيدِ الأَشَجُّ إِمامُ أهلِ زمانه. (حَدَّثَنَا وَكِيعُ) بن الجَرَّاح بن مَلِيح -بوزن فَصِيح- الرُّؤَاسِيُّ أبو سفيان الكوفي الحافظ، أحدُ الأئمة الأعلام. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ عابدٌ، من كبار التاسعة، مات في آخر سنة ستٍّ وأول سنة سبع وتسعين ومائة. قال: (حَدَّثَنَا الأعمشُ) سُلَيمَانُ بن مِهْرِانَ الكاهليُّ مولاهم، أبو محمد الكوفي، أحدُ العلماء الحُفَّاظ والقُرَّاء، له نحْوُ ألفِ وثلاث مئةِ حديثٍ، قال العِجْلِيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ، وقال النَّسائيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ وعَدَّه في المُدَلِّسين. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ عارفٌ بالقراءات وَرِعٌ لكنه يُدَلِّسُ، من الخامسة، مات في ربيع الأول سنة ثمانٍ وأربعين ومائة. (عن المُسَيَّبِ بنِ رافعٍ) الأسدي الكاهلي، أبي العلاء الكوفي الأعمى. روى عن البراءِ بنِ عازبٍ وحارثةَ بنِ وهبٍ وجابرِ بنِ سَمُرة وغيرِهم ويروي عنه (ع) ومنصورٌ والأعمشُ وأبو إِسحاق السَّبيعيُّ وغيرُهم، قال العَوَّامُ بن حَوْشَبٍ: كان يختمُ القرآن في ثلاثٍ ثم يُصْبِحُ صائمًا. وقال في "التقريب": ثقةٌ من الرابعة، مات سنة خمسٍ ومائة. وقال النوويُّ رحمه الله تعالى: (وأمَّا "المُسَيَّبُ بن رافعٍ" .. فبفتح الياء بلا خلافٍ، كذا قال القاضي عِياضٌ في "المشارق" (1/ 399) وصاحبُ "المطالع": أنه لا خلاف في فَتْح يائه، بخلاف سعيد بن المُسَيِّب؛ فإنهم اختلفوا في فَتْحِ يائه وكسرِها كما سيأتي في موضعه إِنْ شاء الله تعالى) (¬1). (عن عامرِ بنِ عَبَدَةَ) بهاء في آخره وبفتح الباء وإِسكانها وجهان، أشهرُهما ¬

_ (¬1) "شرح مسلم" (1/ 77).

قَال: قَال عَبْدُ اللهِ: إِنَّ الشَّيطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأَصَحُّهما: الفتح، قال القاضي عِيَاضٌ: (رُوّينا فتحَها عن عليِّ بنِ المَدِيني ويحيى بنِ مَعِينٍ وأبي مسلم المستملي، وهو الذي ذَكَرَه عبدُ الغَنيّ في "كتابه" (¬1)، وكذا رأيتُه في "تاريخ البخاري" (6/ 452) قال: ورُوِّينا الإِسكانَ عن أحمدَ بن حنبلٍ وغيرِه، وبالوجهين ذَكَرَه الدارقطنيُّ (¬2) وابنُ ماكولا (¬3)، والفتحُ أشهر. قال القاضي: وأكثرُ الرُّواة يقولون: "عبدٌ" بغير هاء، والصوابُ إِثباتُها، وهو قولُ الحُفَّاظ: أحمد بن حنبل وعلي بن المَدِيني ويحيى بن مَعِين والدارقطني وعبد الغني بن سعيد وغيرهم، والله أعلم) اهـ (¬4) وفي "الخلاصة": (عامر بن عَبَدَة) بفتحات العجلي أبو إِياس الكوفي. روى عن ابن مسعود، ويروي عنه (م) والمُسَيَّب بن رافع، وَثَّقَه ابنُ حِبَّان. وقال في "التقريب": وَثَّقَه ابنُ مَعِين، من الثالثة. (قال) عامرٌ: (قال عبدُ اللهِ) بن مسعودٍ الصحابيُّ الجليلُ صاحبُ النَّعْلَينِ الهُذَلِيُّ أبو عبد الرحمن الكوفي رضي الله عنه. وهذا الإِسنادُ من خُماسياته. قال النوويُّ: (واجتمع فيه لطيفتان من لطائف الإِسناد: إِحداهما: أَنَّ إِسنادَه كوفيٌّ كلُّه، والثانية: أَنَّ فيه ثلاثةً من التابعين يروي بعضُهم عن بعض، وهُم: الأعمشُ والمُسَيَّبُ وعامرُ بن عَبَدَة، وهذه فائدةٌ نفيسةٌ، قَلَّ أن يَجْتَمعَ في إِسنادٍ هاتان اللطيفتان) (¬5). (إنَّ الشيطانَ) المُتَمرِّدَ العَاتِيَ (لَيَتَمَثَّلُ) أي: لَيَتَصَوَّرُ (في صُورَةِ الرجلِ) العالِمِ الحافظِ الواعظ الناصح، وفيه دلالة على أَن الشيطانَ قادرٌ على أنْ يَتَشَكَّلَ بأيِّ صُورةٍ ¬

_ (¬1) "المؤتلف والمختلف" (ص 88). (¬2) "المؤتلف والمختلف" (3/ 1518)، وفيه ذِكْر أقوال الأئمة في ضبط (عبدة). (¬3) "الإكمال" (6/ 30). (¬4) "إِكمال المعلم" (1/ 117 - 118) وانظر في ذلك: "صيانة صحيح مسلم" (ص 122 - 123)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 77). (¬5) "شرح صحيح مسلم" (1/ 77).

فَيَأتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ، فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ شاءَ، حسنةً أو قبيحةً، (فيأتي القومَ) المُجْتَمِعِينَ في مجالس الخير ويحضرهم بصورة العالِمِ الوَرِعِ الدَّاعِي إِلى الله سبحانه وتعالى (فيُحَدِّثُهم) أي: فيُخْبِرُ الشيطانُ الجائي القومَ المجتمعين (بالحديثِ) الموضوعِ المُخْتَلَقِ (من الكَذِبِ) والافتراءِ ناسبًا إِلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (فَيتَفَرَّقُونَ) أي: فيتَفَرَّقُ القومُ المجتمعون بعد سماعهم حديثَ الشيطان. (فيقولُ الرجلُ منهم) أي: من القوم المجتمعين السامعين لحديث الشيطان بعد تَفَرُّقِهم عن ذلك المجلس لمَنْ رآه من قومٍ آخرين: واللهِ لقد (سمِعْتُ) اليومَ (رجلًا) عالمًا واعظًا وَرِعًا مُحَدِّثًا كأني (أَعْرِفُ وَجْهَهُ) وشَخْصَه (و) لكنْ (لا أَدْرِي ما اسْمُه) أي: لا أعرف أيَّ اسمٍ كان اسمُه، أو لا أَقْدِرُ جوابَ سؤالِ ما اسمه؛ أي: ما اسمُ ذلك الرجل المُحَدِّث؛ أي: فلكأنّي أعرفُ صورتَه، ولكنْ لو سألني أحدٌ عن اسمه .. ما أقدرُ جوابَه. وجملةُ قوله: (ولا أَدْرِي) في محلِّ نصبٍ معطوفةٍ على جملة قوله: (أَعْرِفُ وَجْهَه) على كونها صفةً أُولى لرجلًا. وجملةُ قولهِ: (يُحَدِّثُ) ذلك الرجلُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأقوام المجتمعين: صفةٌ ثانيةٌ لـ (رجلًا). فَدَلَّ هذا الأَثَرُ وما بعدَه بمفهومه على الجزء الأخير من الترجمة، وهو الاحتياطُ في تَحَمُّلِ الرواية، كما دَلَّ حديثُ أبي هريرة على الجزء الأول من الترجمة. وهذا الأثَرُ وأمثالُه لا يُتوَصَّلُ إِليه بالرَّأْيِ والاجتهادِ بل بالسَّمْع، والظاهرُ: أَنَّ الصحابةَ إِنما تستندُ في هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه يحتمل أن يُحدِّث به عن بعض أهل الكتاب.

[18] وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استطرد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى ثانيًا بأَثَرِ عبد الله بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: [18] (وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن رافعٍ) القُشَيرِيُّ مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري، الحافظُ الزاهدُ أحَدُ الرحَّالين. روى عن وَكِيع وعبد الرزاق -وهو من المكثرين عنه- وابن عُيَينة وغيرِهم، ويروي عنه (خ م دت س) وابنُ خُزَيمة وابنُ أبي داود وجماعةٌ. وقال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وأربعين ومائتين. وقال البُخاريُّ: كان من خيار الناس. (حَدَّثَنَا عبدُ الرَّزَّاقِ) بن هَمَّام بن نافع الْحِمْيَرِيُّ مولاهم، أبو بكرٍ الصَّنْعَانيُّ، أَحَدُ الأئمَّةِ الأعلامِ الحُفَّاظ. روى عن ابنِ جُرَيجٍ وهشامِ بنِ حَسَّان ومَعْمَرٍ ومالكٍ وخلائقَ، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإِسحاقُ وابنُ المَدِيني ومحمدُ بن رافعٍ وخَلْقٌ، قال أحمد: مَنْ سَمِعَ منه بعد ما ذَهَبَ بصرُه .. فهو ضعيفُ السماع. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ مصنِّفٌ شهيرٌ، عَمِيَ في آخر عمره فتَغَيَّرَ، وكان يَتَشَيَّعُ، من التاسعة، مات سنة إِحدى عشرة ومائتين عن خمسٍ وثمانين سنة. (أخبرنا مَعْمَرٌ) هو ابن راشد الأَزْدي الحُدَّاني مولاهم، أبو عُرْوة البصري، نزيلُ اليمن، شَهِدَ جنازة الحَسَن البصري، أحدُ الأئمّة الأعلام. روى عن ثابتٍ البُنَانِيِّ والزُّهْري وقتادة وابن طاوس وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأيوبُ من شيوخه، والثَّوْريُّ من أقرانه، وابنُ المبارك وخَلْقٌ، قال العِجْلِيُّ: ثقةٌ صالحٌ، وقال النَّسَائِيُّ: ثقةَ مأمونٌ. وضَعَّفَه ابنُ مَعِينٍ في ثابت. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، من كبار السابعة، مات سنة أربعٍ وخمسين ومائة وله ثمان وخمسون سنة.

عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن) عبد اللهِ (بنِ طاوسِ) بن كَيسان اليماني أبي مُحَمَّدٍ. روى عن أبيه وعطاءٍ وعكرمةَ بنِ خالدٍ، ويروي عنه (ع) وابنُ جُرَيجٍ ومَعْمَرٌ. كان من أعلم الناس بالعربية، وَثَّقَه أبو حاتم والنَّسَائِيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ فاضلٌ عابدٌ، من السادسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. (عن أبيه) طاوسِ بنِ كَيسانَ اليَمَانِيّ أبي عبد الرحمن الحِمْيَري مولاهم، الفارسي، يُقال: اسمُه ذكوان، وطاوسٌ لَقَبُه. روى عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وغيرِهم، وأرسل عن معاذ بن جبل، قال طاوس: أدركتُ خمسين من الصحابة، ويروي عنه (ع) ومجاهدٌ والزُّهْرِيُّ وأبو الزُّبَيرِ وعَمْرُو بن دينارٍ وخَلْقٌ. وقال في "التقريب": ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ، من الثالثة، مات سنة ستٍّ ومائة، وقيل: بعد ذلك. (عن عبد اللهِ بن عَمْرِو بنِ العاصِ) بنِ وائل أبي محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، أحد السابقين إِلى الإِسلام، وأحد المُكْثِرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، له سبعُمائة حديثٍ، ومن طُرَف أحوال عبد الله بن عَمْرو: أنه ليس بينه وبين أبيه في الولادة إِلا إِحدى عشرة سنة، وقيل: اثنتا عشرة. ويروي عنه (ع) وجُبَيرُ بن نُفَيرٍ وابنُ المُسَيِّب وعروةُ وطاوسٌ وخلائق. وقال في "التقريب": مات في ذي الحِجَّة لياليَ الحَرَّة على الأصح، بالطائف على الراجح، سنةَ خمسٍ وستين، وقال الليث: سنةَ ثمان. قال النوويُّ: (وأمَّا "العاصي": فأكثرُ ما يأتي في كُتُبِ الحديثِ والفِقْهِ ونحوها بحذف الياء وهي لغة، والفصيحُ الصحيحُ: "العاصي" بإِثباتِ الياء، وكذلك شَدَّادُ بن الهادي وابنُ أبي الموالي، فالفصيحُ الصحيحُ في كُل ذلك وما أَشْبَهَه إِثباتُ

قَال: إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فتقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء؛ لأنه من عَصَى يَعْصِي فهو اسمٌ منقوصٌ، ولا اغْتِرارَ بوُجُودِه في كُتُبِ الحديث أو أكثرِها بحذفها بناءً على أنه مِنْ عاصَ يَعِيصُ كبَاعَ يَبِيعُ بمعنى تَكَبَّرَ وتَجَبَّرَ، والله سبحانه وتعالى أعلم) اهـ بزيادة (¬1). وهذا السَّنَدُ من خُماسياته؛ ففيه روايةُ نيسابوري عن صَنْعاني عن بصري عن يماني عن يماني، ففيه روايةُ الوَلَدِ عن وَالِدِهِ. (قال) عبدُ اللهِ بن عَمْرِو: (إنَّ في) جَزائرِ (البحرِ) المحيط أو في جزائرِ جِنْس البحر (شياطينَ) ومردةً من الجنِ وعفاريتِهم (مَسْجُونةً) أي: محبوسةً في جزائره. (أَوْثَقَها) أي: أَوْثَقَ تلك الشياطينَ وسَجَنَها (سُلَيمَانُ) بن داودَ بنِ إِيشا، عليهما وعلى نبيّنا أفضلُ الصلاةِ وأزكى السلام؛ أي: سَجَنَ في جزائرِه مَنْ أَبَى وامْتَنَعَ منهم من أشغالِه وكَفَرَ به (يُوشِكُ) بضمِّ أوله وكسرِ شينه؛ أي: يَقْرُبُ في آخرِ الزمان (أنْ تَخْرُجَ) مِن مَحْبسها في البحر وتنتشرَ في أنحاءِ الأرض وآفاقِها (فتَقْرَأَ) تلك الشياطينُ (على الناسِ) أي: على عوائم الناس وأغبيائِهم شيئًا ليس من القرآن وَيزْعُمُونَه (قُرآنًا) أي: يقولون للناس: إِنه قرآن فخُذُوه منا وتَمَسَّكُوا به، واعْمَلُوا بما فيه؛ فإنه قرآنٌ أُنزل على نبيِّكم، فيُضِلُّونهم به ويَفْتِنُونَهم. قال السنوسيُّ: (معناه: تقرأُ شيئًا ليس بقرآن، وتقول: إِنه قرآنٌ؛ لِتَغُرَّ به عَوَامَّ الناس، فلا يَغْتَرُّون؛ لِحِفْظِ الله سبحانه وتعالى القرآنَ عن الزيادة والنقصان. ويحتملُ أنْ يكونَ المرادُ بالقرآن ما يجمعونه ويأتون بهِ؛ إِذْ أَصْلُ القرآنِ الجَمْعُ، ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 77)، وقال القاضي عياض: (هذا الاسم -يعني العاصي- رُوِّيناه عن أكثرهم ومُتْقِنيهم بالياء، وكذا قَيَّدَه الأصيليُّ، وغيرُه يقول: العاص بغير ياء، وكذا يرويه غيرُ واحدٍ من الشيوخ). "مشارق الأنوار" (2/ 121).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكُلّ شيءٍ جَمَعْتَه فقد قَرَأْتَه) اهـ (¬1). قال القرطبيُّ: (وقولُه: "يُوشِكُ" بضمِّ الياء وكسرِ الشين، وهي من أفعال المقاربة، وماضيها: أَوْشَكَ (¬2)، ومعناه: مقاربةُ وقوعِ الشيء وإِسراعُه، والوَشك بفتح الواو: السُرْعة، وأنكر الأصمعيُّ الكسرَ فيها، وحكى الجوهريُّ الضمَّ فيها. ويُستعمل "يُوشِكُ" على وجهين: ناقصة: تفتقرُ إِلى اسمٍ وخبرٍ، وتامّة: تستقلُّ باسمٍ واحدٍ، فالناقصةُ يَلْزَمُ خَبَرَها "أنْ" غالبًا؛ لِما فيها من تراخي الوقوع، وتكونُ بتأويل المصدر كقولك: يُوشِكُ زيدٌ أنْ يَذْهَبَ؛ أي: قَارَبَ زيدٌ الذهابَ، وربما حُذِفَتْ "أن" تشبيهًا لها بكاد، كقول الشاعر: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ ... في بعضِ غِرَّاتِه يُوافِقُهَا (¬3) والتامَّةُ تكتفي باسمٍ واحدٍ، وهو "أَنْ" مع الفعلِ بتأويلِ المصدر، بمعنى قَرُبَ، كما في أثَرِ عبد الله بن عَمْرو: يُوشِكُ أن تخرجَ. والقرآنُ أصلُه: الجمع، ومنه قول عَمْرو بن كلثوم يمدح ناقتَه: ذِراعَي عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ ... هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 21)، وبعضه من "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 80). (¬2) قال الإمام النووي: (ويُستعمل أيضًا ماضيًا فيُقال: أَوْشَكَ كذا؛ أي: قَرُبَ، ولا يُقبل قول مَنْ أنكره من أهل اللُّغة فقال: لم يُستعمل ماضيًا؛ فإنَّ هذا نَفْيٌ يُعَارِضُه إِثباتُ غيرهِ والسماعُ، وهما مُقَدَّمان على نَفْيه). "شرح صحيح مسلم" (1/ 80). (¬3) قال الإِمام ابن مالك النحوي: (ولا أعلم تجرُّده من "أنْ" إلا في قول الشاعر ... ، وفيما رواه أبو داود والترمذيُّ وابنُ ماجه والدارميُّ عن المقدام بن مَعْدِي كَرِب الكندي رضي الله عنه: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُوشِكُ الرجلُ متكئًا على أريكتِه يُحَدَّثُ بحديثٍ من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتابُ اللهِ، فما وَجَدْنا فيه من حلالِ .. استحللناه، وما وَجَدْنا فيه من حرامٍ .. حَرَّمناه). "شواهد التوضح والتصحيح" (ص 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه سُمِّيَ كتابُ اللهِ قُرْآنًا؛ لِمَا جَمَعَ من المعاني الشريفة، ثم قد يقال مصدرًا بمعنى القراءة كقول حَسَّان في عثمان رضي الله عنهما: ضَحَّوا بِأشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ لَهُ ... يُقَطِّعُ اللَّيلَ تَسْبِيحًا وقُرآنا أي: قراءةً. ومعنى هذا الأَثرِ: الإِخبارُ بأنَّ الشياطينَ المسجونةَ ستخرجُ فتُمَوِّهُ على الجَهَلَةِ بشيءٍ تقرؤُه عليهم، وتُلَبِّسُ به حتى يَحْسَبُوا أنه قرآنٌ، كما فَعَلَ مُسَيلِمَةُ الكَذابُ، أو تَسْرُدُ عليهم أحاديثَ تُسْنِدُها إِلى النبي صلى الله عليه وسلم كاذبةً، وسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِمَا جَمَعُوا فيها من الباطل، وعلى هذا: يُسْتَفَادُ من الأثر التحذيرُ من قبول حديثِ مَنْ لا يُعْرَفُ) اهـ (¬1). ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى ثالثًا بأثَرِ عبد الله بن عَبَّاس رضي الله تعالى عنهما فقال: ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 120 - 121)، وقال القاضي عياض: (قد حَفِظَ اللهُ كتابَه وضَمِنَ ذلك فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقد ثبت القرآنُ ووَقَعَ عليه الإِجماع، فلا يُزَادُ فيه حرفٌ ولا يُنقص حرف، وقد رام الروافضُ والمُلحدةُ ذلك فما يُمكن لهم، ولا يَصِحُّ أنْ يقبلَ مسلمٌ من أحدٍ قرآنًا يَدَّعيه ممَّا ليس بين الدَّفَّتَين. فإنْ كان لهذا الخبر أصلٌ صحيحٌ .. فلعلَّه يأتي بقرَآن فلا يُقبل منه كما لم يُقبل ما جاءتْ به القرامطةُ ومُسيلمة وسجاح وطليحة وشبهُهُم، أو يكونُ أرادَ بـ "القرآن" ما يأتي به ويَجْمَعُه من أشياءَ يذكرُها؛ إِذْ أصلُ القرآنِ الجمعُ، سُمّي بذلك لِمَا يجمعُه من القصصِ والأمرِ والنهي والوعدِ والوعيدِ، وكلّ شيءٍ جمعتَه .. فقد قرأتَه) اهـ "إِكمال المعلم" (1/ 119 - 120). قلتُ: وقد أورد الخطيبُ البغداديُّ في كتاب "الفقيه والمتفقّه" (2/ 322 - 323) (باب القول فيمن تصدَّى لفتاوى العامّة) عدَّةَ أحاديث في ذِكْر ووصف هؤلاء الشياطين الذين يُفقِّهون الناس، منها: (1035) - عن طاوس، عن عبد الله بن عَمْرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَوْشَكَ أنْ يَظْهَرَ فيكم شياطين، كان سليمانُ أَوْثَقَها في البحر، يُصَلُّون في مساجدكم، ويقرؤون معكم القرَآن، وإنهم لشياطين في صورة الإِنس". (1036) عن طاوس، عن عبد الله بن عَمْرو، قال: يُوشِكُ أنْ تَظْهَرَ الشياطينُ ممَّا أَوْثَقَ سليمانُ يُفَقِّهون الناس.

[19] وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ [19] (وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن عَبَّادِ) بن الزَّبْرِقان المكي نزيلُ بغداد. روى عن الدَّرَاوَرْدِيِّ وابنِ عُيَينة ومروان بن معاوية، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأحمد بن سعيد الدارمي وسُلَيمان بن تَوْبة وأحمد بن علي المروزي وغيرُهم، قال ابنُ مَعِين: لا بأس به. وقال في "التقريب": صدوقٌ يَهِمُ، من العاشرة، مات سنة أربعٍ وثلاثين ومائتين. ثُمَّ عَطَفَ على مُحَمَّد بن عبادٍ سعيدَ بنَ عَمْرٍو مقارنةً بينهما لتقوية السند؛ لأنَّ مُحَمَّدًا صَدُوقٌ، وسعيدٌ ثِقَةٌ، فاحْتَاجَ إِلى تقويةِ مُحَمَّدٍ بذِكْرِ سعيدِ بعدَه، وإِنما لم يَكْتَفِ بسعيدٍ الذي هو ثقةٌ لفواتِ غَرَضِ بيانِ كثرةِ طُرُقِه، ففي هذه المقارنة غرضان: تقويةُ السند، وبيانُ كثرةِ طُرُقِه فقال: (و) حدثني أيضًا (سعيدُ بن عَمْرٍو) الكِنْدِيُّ (الأَشْعَثيُّ) بالثاء المثلثة منسوبٌ إِلى جَدِّه؛ لأنه سعيدُ بن عَمْرو بن سَهْل بن إِسحاق بن محمد بن الأَشْعَث بن قيس الكِنْدِيُّ، أبو عَمْرو أو أبو عثمان الكوفي. روى عن جعفر بن سُلَيمان وابن عُيَينة، ويروي عنه (م) وأبو زرعة وَوَثَّقَه و (س) بواسطة. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة ثلاثين ومائتين. وقولُه: (جميعًا) تأكيدٌ لشَيخَيهِ؛ أي: حالةَ كَوْنِهما مجتمعَين في تحديثهما لي هذا الأثَرَ الآتي، وإِنما أَكَّدَ بجميعًا دون كلاهما لِشَكِّه في بقاء من روى له غيرهما أو للتفنُّن، كلاهما حَدَّثاني (عن) سفيانَ (بنِ عُيَينَةَ) بن ميمون الهلالي أبي محمد الأعورِ الكوفيِّ ثم المكيِّ، أحدِ الأئمَّة الأعلام، له نحو سبعة آلاف. قال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ فقيهٌ إِمامٌ حُجَّةٌ، إلا أَنَّه تَغَيَّرَ حِفْظُه بأخَرَةٍ، وكان ربما دَلَّسَ، من رؤوس الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة ثمانٍ وتسعين ومائة، وله إِحدى وتسعون سنة كما مَرَّ بَسْطُ الكلام في ترجمته.

قَال سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَال: جَاءَ هَذَا إِلَى ابْنِ عَباسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما أتى المؤلِّفُ رحمه الله تعالى بقوله: (قال) لنا (سعيدُ) بن عَمْرٍو في صيغة روايتِه لنا: (أخبرنا سُفيانُ) تَوَرُّعًا من الكذب عليه بصيغة العنعنة؛ لأنَّ الذي قال: (عن سفيان) هو مُحَمَّدُ بن عَبَّادٍ فقط لاسعيدٌ، ولو لم يَأْتِ بقوله: (قال سعيدٌ أخبرنا) .. لكان كاذبًا عليه بها. (عن هِشامِ بنِ حُجَيرٍ) بمهملة ثم جيم مصغرًا المكيِّ. روى عن طاوس ومالك بن أبي عامر الأَصْبَحي والحَسَن البصري، ويروي عنه (خ م س) وابنُ جُرَيجٍ ومُحَمَّدُ بن مسلمٍ الطائفيُّ وابنُ عُيَينَةَ وغيرُهم، وَثقَه العِجْلِيُّ، وقال أحمد: ليس بالقَويّ، قَرَنَه (م) بآخر، وله عنده حديثان، وله في (خ) فرد حديث (¬1). وقال في "التقريب": صدوقٌ له أوهامٌ، من السادسة. (عن طاوسِ) بن كَيسان اليَمَانِيِّ تقدَّمتْ ترجمتهُ قريبًا. وهذا السَّنَدُ من رُباعياته؛ ففيه رواية كوفي عن كوفي عن مكي عن يماني. (قال) طاوسٌ: (جاء هذا إلى) عبد اللهِ (ابنِ عِبَّاسٍ) رضي الله عنهما، ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَنَاف الهاشمي، أبي العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي، ابنِ عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبِه، وحَبْرِ الأُمَّةِ وفقيهِها، وترجمانِ القرآن. روى ألفًا وستَّ مئةٍ وستين حديثًا، يروي عنه أبو الشعثاء وأبو العالية وسعيدُ بن جُبَيرٍ وابنُ المُسَيِّب وعطاءُ بن يَسَارٍ وأُمَمٌ لا يُحصون. وُلِدَ قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالفَهْم في القرآن، فكان يُسَمَّى البَحْرَ؛ لسَعَةِ عِلْمِه، قال سَعْدُ بن أبي وقاص: ما رأيتُ أحدًا أحضرَ فَهْمًا، ولا ألبَّ لُبًّا، ولا أكثرَ عِلْمًا، ولا أَوْسَعَ حِلْمًا من ابن عَبَّاس، لقد ¬

_ (¬1) انظر "هدي الساري" (ص 448).

- يَعْنِي بُشَيرَ بْنَ كَعْبٍ - فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ، فَقَال لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُ فَقَال لَهُ: عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا، فَعَادَ لَهُ، فَقَال لَهُ: مَا أَدْرِي! أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَأَنْكَرْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رأيتُ عُمَرَ يَدْعُوه للمُعْضِلات وإنَّ حوله لأهل بدر (¬1). ومناقبُه جَمَّةٌ، مات سنة ثمانٍ وستين بالطائف، وهو أَحَدُ المُكْثِرين من الصحابة، وأَحَدُ العبادلة من فقهاءِ الصحابة. قال هشامُ بن حُجَيْرٍ: (يعني) طاوسٌ بقوله: جاء هذا: (بُشَيرَ) بضمِّ الموحدة، وفتح الشين، مصغّرًا (بنَ كَعْبٍ فَجَعَلَ) بُشَيرُ بن كَعْبٍ؛ أي: شَرَعَ (يُحَدِّثُه) أي: يُحَدِّثُ بُشَيرٌ لابن عباس ويُخْبِرُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديثَ كثيرةً (فقال له) أي: فكُلَّما حَدَّثَ بُشَيرٌ لابن عَباسٍ حديثًا .. يقولُ له (ابنُ عَبَّاسٍ) رضي الله تعالى عنهما: (عُدْ) أَمْرٌ من عادَ يعودُ عودًا إِذا رَجَعَ؛ أي: يقولُ ابنُ عَبَّاسٍ لبُشَيرٍ كُلَّما حَدَّثَ له حديثًا واحدًا: عُدْ وارْجعْ يا بُشَيرُ (لحديثِ كذا وكذا) أي: إِلى روايةِ حديثٍ صفتُه كذا وكذا، ارْجِعْ إِلى رَوايتِه لنا ثانيةً لِنَفْهَمَه ونَتَثَبَّتَ فيه (فعادَ) بُشَيرٌ (له) لذلك الحديث الذي كَنَى عنه بكذا وكذا؛ أي: فيعودُ بُشَيرٌ ويرجعُ إِليه ثانيًا؛ لِيَتَثَبَّتَ فيه ابنُ عباس. (ثُمَّ) بعد ما رجع بُشَيرٌ إِلى الحديثِ الأولِ وكَرَّرَه مرتين (حَدَّثَه) أي: يُحَدّثُ لابن عباس حديثًا آخَرَ جديدًا (فقال) ابنُ عباس (له) أي: لبُشَيرٍ: (عُدْ لحديثِ كذا وكذا) أي: يقولُ له ابنُ عَبَّاسٍ: ارْجِعْ إِلى حديثِ كذا وكذا؛ لِنتَثَبَّتَ فيه ونَفْهَمَه، يعني: إِعادةَ الحديثِ الثاني الذي حَدث له بعدَ ما كَرَّرَ له الحديثَ الأولَ مرتين الذي كَنَى عنه بكذا وكذا الثاني (فعادَ) بُشَيرٌ (له) أي: لهذا الحديث الثاني؛ أي: فَرَجَعَ بُشَيرٌ إِلى هذا الحديث الثاني. (فـ) ـلمَّا سكَتَ عنه ابنُ عَبَّاسٍ فلم يَرُدَّ له جوابًا من القبول أو الإِنكار .. (قال) بُشَيرٌ (له) أي: لابنِ عَبَّاسٍ: (ما أدري) ولا أعلمُ يا ابن عباس (أَعَرَفْتَ حديثي كُلَّه) أي: هل عَرَفْتَ صِحَّةَ أحاديثي كُلِّها وقَبِلْتَها مني (وَأَنكَرْتَ) على صِحَّة ¬

_ (¬1) انظر "سير أعلام النبلاء" (3/ 347).

هَذَا؟ ! أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ وَعَرَفْتَ هَذَا؟ ! فَقَال لَهُ أبْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (هذا) الحديثِ الأخيرِ؟ ! ؛ أي: ما أدري أقبلتَ أحاديثي كلَّها مع إنكارك هذا الأخيرَ (أَمْ أَنكرْتَ) وَرَدَدْتَ عَلَيَّ (حديثي كُلَّه وعَرَفْتَ) أي: قَبلْتَ (هذا) الأَخيرَ؟ ! ؛ أي: أم أَنْكَرْتَ أحاديثي كُلَّها مع قبولك هذا الأخير؛ لأنكَ سَكَت عني فلم تَرُدَّ علي شيئًا من الإِنكار أو القبول في جميع أحاديثي، فما بالُك يا ابنَ عباس؟ هل قَبِلْتَ الكُلَّ أم أَنكرْتَ الكُلَّ، أو قَبِلْتَ بعضَها وأنكرتَ بعضَها؟ فَبَيِّنْ لي رأيَك في أحاديثي كُلِّها. (فقال له) أي: لبُشَيرٍ (ابنُ عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما؛ أي: فلمَّا سَألَ بُشَيرٌ بن عَبَّاسٍ بيانَ رأْيِه في أحاديثه .. قال له ابنُ عَبَّاسٍ مُعَرِّضًا لِكَذِبِهِ في أحاديثه: (إنَّا) نحن معاشرَ الصحابةِ رضوان الله تعالى عليهم (كُنَّا) قبلَ هذا العصر الذي كَثُرَ فيه الكَذَّابُون والوَضَّاعون (نُحَدِّثُ) (¬1) ونَرْوي (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ ¬

_ (¬1) قال الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي: (قولُه: "إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ" هذه الكلمة إِنْ كانتْ على زِنَة المجهول .. فالمطابقةُ بين السؤال والجواب ظاهرةٌ إِلأ أنه يلزمُ أن يكون "الحديث" في قوله: "تَرَكنا الحديثَ عنه" مصدرًا مبنيًّا للمجهول؛ أي: تَرَكنا المبادرةَ إِلى كُلِّ مَنْ أَخَذَ يُحَدِّثُ سوى مَنْ نعتمدُ عليه ونعتدُّ به. وأمَّا إذا كانت الصيغةُ معلومةً .. ففيه نوعُ خفاء، والتوجيهُ أنْ يُقال: التفعيل ها هنا بمعنى المُفاعلة والمُشاركة، والمعنى: تَرَكْنا أنْ نُحَدِّث الآخرين فيُحَدِّثونا، وذلك لِمَا يلزمُ فيه أن نستمعَ ما ليس بمعروفٍ عنه صلى الله عليه وسلم). وقال العلّامة السِّنْدي: (قولُه: "نُحَدّث" ضُبط في غالب النُّسَخ بكسرِ الدال على بناء الفاعل، والوجهُ عندي: أنه على بناء المفعول، وهو كنايةٌ عن المَيل إلى سماع الحديث عن الناس .. والأَخْذِ منهم، فإِنَّ كذب الناس .. يمنعُ الأخذَ عنهم لا من تعليمهم، بل ينبغي أن يكون عِلّةً لتعليمِهم عقلًا، وهذا هو المُوافِقُ لسائرِ الروايات الآتية، فقولُه في الرواية الآتية: "كُنَّا نَحْفَظُ" أي: نأخذُ عن الناسِ الحديثَ ونحفظُه، وكذا الرواية الثالثة فإنها صريحةٌ في هذا المعنى، وقولُه: "تَرَكْنا الحديثَ" أي: تَرَكنْا ما يُحَدِّثُه الناسُ عنه؛ أي: تَرَكْنا أنْ نأخذَه بمُجَرَّدِ تحديثِهم، والله تعالى أعلم). وفي تقرير الشيخ محمد حسن المكي: (قولُه: "إنَّا كُنَّا ... " إِلخ، يعني: إِنما قلتُ لك: عُدْ؛ لإرادة التحقيق بسبب ظهور الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان، فلمَّا اشْتَبَهَ عليَّ بعضُ ألفاظِ حديثِك .. قلتُ لك: عُدْ، فوجدتُها صحيحةً وارْتَفَعَ =

إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ المصَّعْبَ وَالذَّلُولَ .. تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذْ لم يكُنْ يُكْذَبُ عليه) صلى الله عليه وسلم؛ أي: كُنّا نُحَدِّثُ ونَرْوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديثَ الحَقَّةَ الصادقةَ الصحيحةَ في الزمان الذي لا يُرْوَى عنه الكذبُ، ولا يُنْسَبُ إِليه وهو زمانُ الصحابةِ وقَرْنُهم (فلمَّا رَكِبَ النَّاسُ) في هذا العصرِ -يعني زمانَ التابعين وقَرْنَهم- الجَمَلَ (الصَّعْبَ) أي: العَسِرَ الذي لا يُطيع راكبَه، كَنَى به عن الأحاديث الموضوعة (و) الجَمَلَ (الذَّلُولَ) أي: السَّهْلَ الذي يُطِيعُ راكبَه، كَنَى به عن الأحاديثِ الصحيحةِ (¬1)؛ أي: فلمَّا خَلَطَ الناسُ بين الأحاديث الصحيحة والموضوعة ( .. تَرَكنا الحديثَ عنه) صلى الله عليه وسلم أي: قَلَّلْنا الروايةَ عنه صلى الله عليه وسلم، وتَرَكْنا الإِكْثارَ منها؛ خَوْفًا من وقوعِ الحديثِ في يَدِ مَنْ ليس أهلًا له، لكثرة الوَضَّاعين والكَذَّابين في هذا الزمان (¬2). قال النوويُّ: (وقولُه: "الصَّعْب والذَّلُول" هذا مَثَلٌ حَسَنٌ، وأصلُه في الإِبل، فالصَّعْبُ: العَسِرُ المرغوبُ عنه، والذِّلُول: السَّهْلُ الطيِّبُ المحبوبُ المرغوبُ فيه، فمعناه: فلمَّا سَلَكَ الناسُ كُل مَسْلَكِ ممَّا يُحْمَدُ ويُذَمُّ) (¬3). قال السنوسيُّ: (وقولُه: "تَرَكْنا الحديثَ عنه" يحتملُ أنْ يكونَ المرادُ تَرَكْنا حِفْظَه وقبولَه من الناس، ويحتملُ أنْ يكونَ المرادُ إِفادتَه ونشرَه. فإنْ قلتَ: وأيُّ مناسبةٍ في تَرْكِه إِفادةَ الحديثِ ونشرَه لعدم مُحافظة غيره، بل قد يقال المناسبُ عكسُه، قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ}. ¬

_ = اشتباهي فلا أنكرها حينئذ. "الحلّ المفهم" (1/ 13 - 14). (¬1) في المصدر السابق: (والمرادُ بـ (الصَّعْبِ": الحديثُ الكاذبُ؛ تشبيهًا له بالناقة الصعبة التي لا تُوصِلُك إلى المطلوب، وبـ "الذَّلُولَ" الحديثُ الصحيحُ؛ لأنه يُوصِلُك إِلى الجنَّة كما أَنَّ الناقة المطيعة تُوصِلُك إلى المطلوب). (¬2) قال الإِمامُ ابنُ عبد البرّ عقب إِيراده هذا الحديث: (وفي هذا الحديث دليل على أَنَّ الكَذِبَ على النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أَحَسَّ به ابنُ عَبَّاسٍ في عصره) "التمهيد" (1/ 44). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 80)، وانظر "إِكمال المعلم" (1/ 120).

[20] وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قلتُ: وَجْهُ المناسبةِ فيه أنه خاف أنْ يُزَادَ عليه، أو يُنْقَصَ منه، فلم يَرَ أمينًا لحَمْلِ الحَقِّ على وجهه: "ولا تؤتوا الحكمةَ غيرَ أهلِها فتظلموها"، وإذا قال هذا ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما في ذلك الزمان العظيم البركة .. فكيف حالُ هذا الزمان الذي فاض فيه على البسيطة عُبَابُ الشرِّ وأهلُه؟ ! والله المستعان، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلا بالله) اهـ (¬1). ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعة في أثَر ابنِ عَبَّاسٍ رحمهما الله تعالى فقال: [20] (وَحَدَّثَني مُحَمَّدُ بن رافعٍ) القُشَيرِيُّ أبو عبد الله النيسابوريُّ، ثقةٌ عابدٌ، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وأربعين ومائتين. قال: (حَدَّثَنَا عبدُ الرزَّاقِ) بن هَمَّام بن نافع الحِمْيَرِيُّ الصَّنْعانيُّ، أحدُ الأئمّة الأعلام، من التاسعة، مات سنة إِحدى عشرة ومائتين عن خمس وثمانين سنة. قال: (أخبرنا) وفي بعض النسخ: (أنبأنا) فهو بمعنى أخبرنا كما مَرَّ. (مَعْمَرٌ) هو ابنُ راشد الأَزْدي أبو عُرْوة البصريُّ نزيلُ اليمن، أحدُ الأئمة الأعلام، من كبار السابعة، مات سنة أربعٍ وخمسين ومائة، وله ثمان وخمسون سنة. (عن) عبد اللهِ (بنِ طاوسِ) بن كَيسان اليمانيِّ أبي محمد، ثقة فاضل، من السادسة، مات سنة اثْنتَين وثلاثين ومائة. (عن أبيه) طاوسِ بنِ كَيسان اليمانيِّ أبي عبد الرحمن الحِمْيَرِيّ مولاهم، الفارسي، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة ست ومائة، وقيل: بعد ذلك. وهذا السَّنَدُ من خُماسياته؛ ففيه رواية نيسابوري عن صَنْعاني عن بصري عن يماني عن يماني، كما مَرَّ هذا السَّنَدُ بعَينِه في أثَر عبد الله بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما. (عن) عبد اللهِ (بنِ عَبَّاسِ) بن عبد المطلب أبي العبَّاس المكي ثم المدني ثم ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 22).

قَال: إِنَّمَا كُنَّا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ وَالْحَدِيثُ يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأمَّا إِذْ رَكِبْتُمْ كُل صَعْبٍ وَذَلُولٍ .. فَهَيهَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطائفي حَبْر الأمة تَرْجُمان القرآن (قال) ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهِما لبُشَيرِ بنِ كَعْبٍ العَدَويِّ: (إنَّما كُنّا) نحن معاشرَ الصحابة (نَحْفَظُ الحديثَ) ونرْويه (والحديثُ) أي: والحالُ أَنَّ الحديثَ (يُحْفَظُ) ويُنْقَلُ (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) ولا يُكْذَبُ عليه (فأمَّا) تحديثُنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذْ رَكِبْتُمْ) أي: في الزمن الذي رَكِبْتُم فيه (كُلَّ) جَمَلٍ (صَعْبٍ) أي: عَسِرٍ لا يُطِيعُ راكبَه (و) كُلَّ جَمَلٍ (ذَلُولٍ) أي: سَهْلٍ يُطِيعُ راكبَه ( .. فهَيهَاتَ) أي: بَعُدَ عن الوقوع فَضْلا عن كَثْرَتِه. والفاءُ في (فهَيْهَاتَ) رابطةٌ لجوابِ (أمَّا) النائبةِ عن اسمِ الشَرْطِ وفِعْلِه واقعةٌ في غير موضعها؛ لأنَّ موضعَها موضعُ (أمَّا). وجملةُ (هَيهَاتَ) في محل الرفعِ خبرُ المبتدإ المُقَدَّرِ بعدَ (أمَّا)، والتقديرُ: فأمَّا تحديثُنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتَ ركوبكم الصَّعْبَ والذَّلُولَ .. فبعيدٌ عن الوُقُوع. وجملةُ المبتدإ المُقَدَّرِ مع خبرِه جوابُ (أمَّا) لا مَحَل لها من الإعراب؛ لأنَّ أصلَ الكلام: فمهما يَكُنْ من شيءٍ .. فتحديثُنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعيدٌ عن الوقوع. وجملةُ (أمَّا) الشرطيةِ مع جوابِها في محل النصب مقول لجوابِ (إِذا) المُقَدَّرَةِ؛ لأنَّ الفاءَ في قوله: (فأمَّا) فاءُ الفصيحة، والتقديرُ: إِذا عَرَفْتُم أنما كُنَّا نَحْفَظُ الحديثَ، والحديثُ يُحْفَظُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأردتم بيانَ حالِنا في هذا الزمن الفاسد .. فأقولُ لكم: أمَّا تحديثُنا في هذا الزمن الذي رَكِبْتُم فيه الصَّعْبَ والذَّلُولَ .. فبعيدٌ وقوعُه منا، وجملةُ إِذا المقدَّرةِ مستأنفةٌ. فإنْ قلتَ: ما غَرَضُ المؤلِّفِ بتكْرَارِ هذا الأثَرِ مَتْنًا وسَنَدًا؛ قلتُ: غَرَضُه في تَكْرارِ السَّنَدِ بيانُ متابعة عبد الله بن طاوسٍ لهشامِ بنِ حُجَيرٍ في رواية هذا الأثَرِ عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طاوس، وفائدةُ هذه المتابعةِ: تقويةُ السَّنَدِ الأولِ؛ لأن هشامَ بنَ حُجَيرٍ مُخْتَلَفٌ فيه أو صَدُوقٌ، وعبدُ اللهِ بن طاوسٍ ثقةٌ، وبيانُ كثرةِ طُرُقِه أيضًا. وأمَّا تَكْرَارُ المتنِ: فلِمَا في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأُولى في بعض الكلمات (¬1). قال السنوسيُّ: (ومعنى "هَيهَاتَ" هنا: بَعُدَتْ استقامتُكم، أو بَعُدَ أنْ نَثِقَ بحديثكم ونَسْمَعَ منكم ونعوِّلَ عليكم) (¬2). وإِعرابُه: هَيهَاتَ: اسمُ فعلٍ ماضٍ بمعنى بَعُدَ مبنيٌّ على الفتح لشَبَهِه بالحرف شبهًا استعماليًّا، وإِنما حُرِّك -مع كَوْن الأصلِ في المبني السكونَ- فرارًا من التقاء الساكِنَينِ، أو ليُعْلَمَ أَن له أصلًا في الإعراب، وكانت الحركةُ فتحةَ للخِفّة مع ثِقَلِه؛ لأن مدلولَه الفعلُ الثقيل، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُه: (هو) يعودُ على المبتدإ المُقَدَّر؛ أي: تحديثُنا بَعُدَ عن الوُقُوع، وجملةُ اسمِ الفعلِ في محلِّ الرفع خبرِ المبتدإ كما مَرَّ تقديرُه آنفًا. قال الأهدل: (وكلمة "هَيهَاتَ" مثلَّثة التاء عند الحجازيين، وبكَسْرِها عند التميميين، وبضَمِّها عند جماعةِ من النُّحاة، وفيها قريبٌ من أربعين لُغَةً على ما قيل، بل قيل: تنيف على الأربعين، وكُلُّها يُقَالُ فيها: اسمُ فعلٍ ماضٍ بمعنى "بَعُدَ" بضم العين. ثم مَنْ فتَحَ التاءَ .. وَقَفَ عليها بالهاء، ومَنْ كَسَرَها .. وَقَفَ عليها بالتاء، ومَنْ ¬

_ (¬1) هذا الأثر رواه النسائي في "السنن الكبرى" (3/ 440) في كتاب العلم (18 - حفظ العلم) حديث رقم (5869) عن محمد بن رافعٍ به، ورواهُ ابنُ ماجه في "سننه" (1/ 12) في المقدمة (3 - باب التوقّي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) حديث رقم (27) عن العباس بن عبد العظيم العنبري، عن عبد الرزاق به. (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 22)، وأصله من كلام القاضي عياض في "إِكمال المعلم" (1/ 120)، ونصُّه فيه: (ومعنى "هَيهَاتَ": أي: ما أَبْعَدَ استقامةَ أمرِكم، أو فما أبْعَدَ أن نَثِقَ بحديثكم ونسمَعَ منكم ونعوِّلَ على روايتكم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمَّها .. فقيل يقف بالهاء، وقيل: يقف بالتاء) اهـ (¬1) قال النوويُّ: ("وهَيهَاتَ" موضوعةٌ لاستبعادِ الشيء واليَأْسِ منه، قال الإِمام أبو الحسن الواحديُّ: "هَيهَاتَ": اسمٌ سُمِّي به الفعل، وهو بَعُدَ في الخبر لا في الأمر، قال: ومعنى "هيهات": بَعُدَ، وليس له اشتقاقٌ؛ لأنه بمنزلة الأصوات، قال: وفيه زيادةُ معنًى ليستْ في "بَعُدَ"، وهو أَنَّ المتكلِّمَ يُخْبرُ عن اعتقادِه استبعادَ ذلك الذي يُخْبِرُ عن بُعْدِه، فكأنَّه بمنزلة قوله: بَعُدَ جِدًّا، أو ما أشَدَّ بُعْدَه، لا على أنْ يَعْلَمَ المُخَاطَبُ مكانَ ذلك الشيءِ في البُعْد، ففي "هَيهَاتَ" زيادةٌ على "بَعُدَ"، وإِنْ كُنَّا نُفسِّرهُ به، ويُقال: هيهات ما قلتَ، وهيهات لما قلتَ، وهيهات لك، وهيهات أنت. قال الواحديُّ: وفي معنى "هيهات" ثلاثةُ أقوال: أحدها: أنه بمنزلة "بَعُدَ" كما ذَكَرْناه أولًا، وهو قولُ أبي عليٍّ الفارسيِّ وغيرِه من حُذَّاق النحويين. والثاني: أنه بمنزلة بعيدٍ، وهو قولُ الفَرَّاء. والثالث: أنه بمنزلة البعد .. وفي "هيهات" ثلاثَ عَشْرَةَ لغةً ذَكَرَهُنَّ الواحديُّ: "هيهاتَ" بفتح التاء وكسرها وضمّها مع التنوين فيهن وبحَذْفِه فهذه سِتُّ لُغَات وأَيهات بالألف بدل الهاء الأُولى وفيها اللُّغاتُ الستُّ أيضًا، والثالثةَ عَشْرَةَ: أَيهَا بحذف التاء من غير تنوين. وزادَ غيرُ الواحديِّ: أَيئَاتَ بهمزتين بدل الهاءين، والفصيحُ المستعمَلُ من هذه اللغات استعمالًا فاشيًا: "هَيهَاتَ" بفتح التاء بلا تنوين. قال الأزهريُّ: واتَّفَقَ أهلُ اللغةِ على أَنَّ تاءَ "هيهات" ليستْ أصليةً، واخْتَلَفُوا في الوقف عليها، فقال أبو عَمْرِو والكِسَائيُّ: يُوقَفُ بالهاء، وقال الفَرَّاءُ: بالتاء، وقد بسطتُ الكلامَ في هيهاتَ وتحقيقِ ما قيل فيها في "تهذيب الأسماء واللُّغات" ¬

_ (¬1) "الكواكب الدرية" (2/ 139).

211، وَحَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ سُلَيمَانُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ الْغَيلانِيُّ، حَدَّثنا أَبُو عَامِرٍ -يَعْنِي الْعَقَدِيَّ- حَدَّثَنَا رَبَاحٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ "4/ 185 - 188"، وأشرتُ هنا إِلى مقاصده، والله أعلم) اهـ (¬1). ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ثانيًا فقال: [21] (وحَدَّثَنِي أبو أيوبَ سُلَيمَانُ بن عُبَيدِ اللهِ) بنِ عَمْرو بن جابر المازنيُّ (الغَيلانِيُّ) البصريُّ. روى عن أُمَيَّة بنِ خالد وبَهْزِ بنِ أَسَد، ويروي عنه (م س) وجعفرُ بن أحمدَ بنِ سِنان، وَثَّقَه النَّسَائِيُّ. وقال في "التقريب": صدوقٌ، من الحادية عشرة، مات سنة ست أو سبعٍ وأربعين ومائتين. قال: (حَدَّثنَا أبو عَامرٍ) عبدُ الملكِ بن عَمْرٍو البصريُّ (يعني العَقَدِيَّ) قال النوويُّ: (بفتح العين والقاف منسوب إِلى العَقَدِ قبيلةٍ معروفةٍ من بجيلة، وقيل: من قيس وهُمْ من الأَزْد، وذَكَرَ أبو الشيخِ الإِمامُ الحافظُ (¬2) عن هارون بن سُلَيمان قال: سُمُّوا العَقَدَ لأنهم كانوا أهلَ بيتٍ لئامًا، فسُمُّوا عَقَدًا، وقيل: إِنه كان مولى للعَقَديين) (¬3). رَوَى عن أفلح بن حُمَيد وقُرَّة بن خالد وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإِسحاقُ وخَلْقٌ، قال النَّسائيُّ: ثقةٌ مأمونٌ. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة أربعٍ أو خمسٍ ومائتين. قال: (حَدَّثنَا رَبَاحٌ) بفتح الراء وبالموحدة، ابن أبي معروف بن أبي سارة المكي. روى عن مجاهدٍ وعطاءٍ، ويروي عنه (م ل س) والثَّوْرِيُّ وأبو على الحَنَفِيّ. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 80 - 81)، وانظر "إِكمال المعلم" (1/ 120 - 121). (¬2) انظر "تهذيب الكمال" (18/ 368). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 78).

عَنْ قَيسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَال: جَاءَ بُشَيرٌ الْعَدَويُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": صدوقٌ له أوهامٌ، من السابعة. وليس في مسلم من اسمه (رَبَاح) إِلَّا هذا الصَّدُوق (¬1). (عن قيسِ بنِ سَعْدٍ) الحَبَشي المكّي أبي عبد الله مفتي مكة. روى عن مجاهدٍ وطاوسٍ وعطاءٍ، ويروي عنه (م دس ق) وسيفُ بن سُلَيمان والحَمَّادانِ وطائفةٌ، وَثَّقَه أحمدُ. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من السادسة، وقال ابنُ سعد: مات سنة تسع عشرة ومائة. (عن مُجَاهِدِ) بن جَبْرٍ بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبي الحَجَّاج المخزومي مولاهم، المكي المُقرئ الإِمام المُفَسِّر. روى عن ابن عباسٍ وقَرَأَ عليه، قال مجاهدٌ: عَرَضْتُ عليه ثلاثين مرة، وعن أبي هريرة وجابرٍ وأمِّ سلمة، ويروي عنه (ع) وعكرمةُ وعطاءٌ وقتادةُ والحكم بن عُتَيبة وأيوبُ وخَلْقٌ، وَثَّقَه ابنُ مَعِينٍ وأبو زُرْعة. وقال في "التقريب": ثقةٌ إِمامٌ في التفسير وفي العِلْم، من الثالثة، مات سنة إِحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاثٌ وثمانون سنة. وهذا السَّندُ من خُماسياته: اثنان منهم بصريان، وثلاثةٌ مكيون. فإنْ قلتَ: لِمَ كَرَّرَ المؤلِّفُ هذا الأَثَرَ مَتْنًا وسَنَدًا؟ قلتُ: كَرَّرَ المَتْنَ لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأُولى في بعض الألفاظ، وكَرَّرَ السَّنَدَ لغرض بيان متابعة مجاهدٍ لطاوس في رواية هذا الأَثَرِ عن ابن عَبَّاس، وفيه أيضًا بيانُ كَثْرَةِ طُرُقِه. (قال) مجاهدٌ: (جاء بُشَيرٌ) مُصَغَّرًا، ابنُ كَعْبٍ (العَدَويُّ) البصريُّ، يُكْنَى أبا أيوب، حَدَّثَ عن أبي ذَرٍّ وأبي هريرة وأبي الدرداء، وحَدَّثَ عنه عبدُ اللهِ بن بديلٍ (¬2) وطَلْقُ بن حَبِيبٍ والعلاءُ بن زياد. اهـ قرطبي (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "تقييد المهمل" 1/ 260. (¬2) كذا وقع هنا: (عبد الله بن بديل) نقلًا عن "المفهم" للقرطبي، ولعلّ الصواب: (عبد الله بن بُرَيدَة)؛ فهو المذكور في الرواة عن بُشَير بن كعب، والله أعلم. انظر "تهذيب الكمال" (4/ 185) و (14/ 329) و "سير أعلام النبلاء" (4/ 351). (¬3) "المفهم" (1/ 123).

إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ، قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... ، قَال: فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسِ لَا يَأذَنُ لِحَدِيثِهِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ، فَقَال: يَا ابْنَ عَبَّاسِ؛ مَا لِي لَا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثي؟ ! أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَسْمَعُ؟ ! ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلى ابنِ عَبَّاسٍ) رضي الله تعالى عنهما (فجَعَلَ) أي: شَرَعَ بُشَيرٌ، وهو من أفعال الشُّروع، خبرُه جملةُ (يُحَدِّثُ) أي: شَرَعَ مُحَدِّثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديثَ كثيرةً، وقولُه: (ويقولُ) بُشَيرٌ تفسيرٌ ليُحَدِّثُ: (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) كذا وكذا (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) كذا وكذا، وتكرارُ (قال) كنايةٌ عن إِكثارِه التحديثَ. (قال) مجاهدٌ -وفي بعض النسخ إِسقاطُ قال-: (فجَعَلَ ابنُ عَبَّاسِ) أي: فصار ابنُ عَبَّاسٍ (لا يَأذَنُ) أي: لا يَسْتَمِعُ (لحديثهِ) أي: لحديثِ بُشَير؛ أي: لا يعتني لاستماعه، أي: لا يُصغي إِليه بأُذُنِه ولا يستمعُه، مِنْ أَذِنَ له يَأْذَنُ، من باب طَرِبَ إِذا استمع له وأصغى إِليه، ومنه قولهُ تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا}، ومنه سُمِّيَت الأُذُنُ أُذُنًا؛ لاستماعها إِلى الكلام والأصوات؛ أي: لا يستمعُ إِليه ولا يُصْغِي. (ولا يَنْظُرُ إليه) أي: لا ينظرُ ببصرِه إِلى بُشَيرٍ كهيئة المُعْرِضِ عن حديثِه ولا يَعْتَنِي به. (فقال) بُشَيرٌ لابن عباس: (يا ابنَ عَبَّاسٍ؛ مالي) أي: أيُّ شيء ثَبَتَ لي حالةَ كوني (لا أَرَاكَ تَسْمَعُ لحديثي؟ ! ) أي: لا تستمعُ ولا تُصْغِي إِلى حديثي وكلامي. وقولُه: (أُحَدِّثُكَ) مستأنفٌ أَتَى به لتأكيدِ ما قبلَه؛ أي: أُحَدِّثُك حديثًا مأثورًا (عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا تَسْمَعُ؟ ! ) أي: ولا تستمعُ ولا تُصْغي إِليه. فإنْ قلتَ: روايةُ مجاهدٍ هذه تَدُلُّ على أنه لا يستمع لحديثه، وروايةُ طاوسٍ السابقةُ تَدُلُّ على أنه يستمع لحديثه حين قال له ابن عباس: عُدْ لحديث كذا وكذا؛ لأنه لو لم يستمع لحديثه .. لم يَقُلْ ذلك، فبَينَ الروايتَينِ معارضةٌ؟ قلتُ: يُجمع بينهما بحَمْلِهما على تَعَدُّدِ الواقعة، أو يُقال: إِنَّ (لا) في قوله: (لا أَرَاكَ) زائدةٌ؛ أي: ما لي أَرَاكَ تَسْمَعُ لحديثي حالةَ كوني أُحَدِّثُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تَسْتَمِعُ إِليه؛ أي: لا تستمعُ ولا تُصْغي إِليه، فحينئذٍ لا مُعَارَضَةَ، هكذا ظَهَرَ لفَهْمِي السَّقِيم (¬1). (فقال ابنُ عَبَّاسٍ) لبُشَيرٍ اعتذارًا عن عدم استماعه لحديثه، وإِظهارًا لسببه: (إِنَّا) نحن معاشرَ الصحابة (كُنَّا مَرَّةً) أي: وقتا من الزمان، يعني قبلَ ظُهُورِ الكَذِبِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: كنا في الزمانِ الأولِ (إذا سَمِعْنا رجلًا) مفعولٌ به لسَمِعَ؛ أي: كلامَ رجل لأنَّ الذاتَ لا تُسْمَعُ. وجملةُ (يقولُ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) كذا وكذا، في محلِّ النصبِ صفة لـ (رجلًا) جَرْيًا على مذهب الجمهور من أَنَّ (يَسْمَعُ) إِذا دَخَلَتْ على ما لا يُسمع .. تَعَدَّتْ إِلى مفعولٍ واحدٍ، وإِنْ كان ذلك المفعولُ معرفةً .. كانت الجملةُ المذكورةُ بعدَه حالًا منه كسَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول، وإِنْ كان نكرةً .. كانت الجملةُ صفةً كَمَا هنا، وكقوله تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}؛ جَرْيًا على القاعدة المشهورة عندهم: إِنَّ الجُمَلَ إِذا وَقَعَتْ بعد المعارف .. تكون حالًا، وإِنْ وَقَعَتْ بعد النكرات .. تكون صفةً، وأمَّا عند الأخفش ومَنْ ¬

_ (¬1) وفي تقرير الشيخ محمد حسن المكي: (قولُه: "لَا يأْذَنُ لحديثِه" لظَنِّه أَن غَرَضَهُ مُجَرَّدُ إِسماع أحاديثه إِليَّ، وليس مقصودُه تحقيقَ أحاديثهِ مني، فلمَّا قال له بُشَيرٌ: "ما لي لا أراك ... " يعني: ليس مقصودي مُجَرَّدَ إِسماع الأحاديث، بل مقصودي تحقيق أحاديثي منك بأنها صحيحة أم لا، فلمَّا قال بُشَير هكذا .. اعتذرَ إِليه ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما في عدم إِصغائه إِليه في أول وهلة، ثم قال له: "أمَّا إِذا أردتَ التحقيقَ .. فاقرأْها عليَّ أسمعها منك وأُبَيِّنُها لك"، فجَعَلَ يُحَدِّثُه، فقال له ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: "عُدْ لحديثِ كذا، عُدْ لحديثِ كذا ... " إِلى آخر الحديث السابق، فاندفع التعارض. اهـ قال الشيخُ محمد زكريا الكاندهلوي: ولم يتعرض النووي لهذا التعارض، وحاصل ما أجاب به الشيخ: أنه وَقَعَ الاختصارُ في سياق الحديث، وحينئذٍ اندفاعُ التعارُضِ واضحٌ. وأجاب في تقريره الآخر بتعدُّد القصّة حيث كَتَبَ: قولُه: "إِنَّا كُنَّا مَرَّةً ... " أي: مَرَّةً أُولى قبل ظُهورِ الكذب "إلَّا ما نَعْرِفُ"، أمَّا أحاديثُك .. فلم أَعْرِفْها فلذلك لم أَكُنْ أستمع لها، وهذه القصَّةُ غيرُ القصَّةِ الأُولى، فلا تنافي) اهـ "الحل المفهم" (1/ 14 - 15).

ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَينَا إِلَيهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ .. لَمْ نأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إلا مَا نَعْرِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وَافَقَه .. فتكون الجملةُ في محلِّ النصب مفعولًا ثَانِيًا لسَمعَ، ومذهبُ الجمهورِ هو الصحيحُ كما هو مُقَرَّرٌ في مَحَلِّه. وأمَّا إِذا دَخَلَتْ على ما يُسمع .. فإنها تتَعَدَّى إِلى واحدِ فقط بلا خلاف، كسَمِعْتُ القرآنَ، وسَمِعْتُ الحديثَ، وسمعتُ الكلامَ. (ابْتَدَرَتْه أبصارُنا) أي: سَارَعَتْ وبَادَرَتْ إِلى النَّظَرِ إِليه أبصارُنا وأعينُنا محبَّةً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعِشْقًا إِلى سماعه (وأَصْغَينا) أي: اسْتَمَعْنا (إليه) أي: إِلى حديثِه (بآذانِنا) وأسماعِنا، قال القرطبيُّ: (أي: قَبلْنا منه، وأَخَذْنا عنه، هذا الذي قاله ابنُ عَبَّاسِ يَشْهَدُ بصِحَّةِ ما تَأوَّلْنا عليه قولَ ابنَ سيرين؛ فإنَّ ابنَ عَبَّاسٍ كان في أول مَرَّةٍ يُحَدِّثُ عن الصحابة ويأخذُ عنهم؛ لأن سماعَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قليلًا لِصِغَرِ سِنه، فكان حالُه مع الصحابة كما قال، فلمَّا تلاحق التابعون وحَدَّثُوا وظَهَرَ ما يُوجِبُ الرِّيبةَ .. لم يَأْخُذْ عنهم كما فَعَلَ مع بشُيرٍ العَدَويِّ) اهـ (¬1). (فلمَّا رَكِبَ الناسُ الصَّعْبَ) أي: الجَمَلَ العَسِرَ الذي لا يُطِيعُ راكبَه؛ أي: أَكْثَرُوا من رواية الأحاديثِ الموضوعةِ والضعيفةِ (و) رَكِبُوا الجَمَلَ (الذَّلُولَ) أي: الذي يُطِيعُ راكبَه؛ أي: وأَكْثَرُوا من رواية الأحاديثِ الصحيحةِ؛ أي: لمَّا أَكْثَرُوا من روايةِ كُلِّ ما سَمِعُوا من الأحاديث من غير تمييزٍ بين الصحيحة والضعيفة .. كُنَّا (لم نَأْخُذْ) ولم نَقْبَلْ (من الناس إلَّا ما نَعْرِفُ) صِحَّتَه ونَقْلَه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ حِفْظًا لِلدِّين، واحتياطًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخوفًا من اختلاط الأساطيرِ الباطلةِ والأقاويلِ المُخْتَلَقَةِ بحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه دلالةٌ على أنه يَنْبَغِي للمُحَدِّث أن يَتَثَبَّتَ ويَسْتَيقِنَ فيما يَرْويه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كما يَدُلُّ على ذلك قراءةُ (¬2): (يا أيها الذين آمنوا إِن ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 124). (¬2) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف."النشر في القراءات العشر" (3/ 251).

(6) باب اختيار الأحاديث الصحيحة وتلخيصها وطرح ما سواها من الكتاب الذي اشتمل عليها

(6) بَابُ اخْتِيَارِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَتَلْخِيصِهَا وَطَرْحِ مَا سِوَاهَا مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيهَا [22] حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضبِّيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا} ولا تَعْمَلُوا بِخَبَرِه حتى تتيَقَّنُوا صِدْقَه. قال القرطبيُّ: (قوله: "فلمَّا رَكِبَ الناسُ الصَّعْبَ والذَّلُولَ ... " إِلخ هذا مَثَلٌ، وأصلُه في الإِبل، ومعناه: أَنَّ الناسَ تَسَامَحُوا في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واجْتَرَؤُوا عليه فتحَدَّثُوا بالمَرْضِيِّ عنه الذي مَثَّلَه بالذَّلُول من الإِبل، وبالمُنْكَرِ منه المُمَثَّل بالصَّعْبِ من الإِبل. وقولُه: "لَمْ نأْخُذْ من الناسِ إِلَّا ما نَعْرِفُ" أي: إِلَّا ما نَعْرِفُ ثِقَةَ نَقَلَتِهِ وصِحَّةَ مَخْرَجِه) (¬1). (6) باب اختيار الأحاديث الصحيحة وتلخيصها وطرح ما سواها من الكتاب الذي اشتمل عليها وبالسَّنَدِ المُتَّصِلِ قال المؤلفُ رحمه الله تعالى: [22] (حَدَّثنَا داودُ بن عَمْرِو) بن زهير بن عَمْرو بن جَمِيل بالجيم المفتوحة، وقيل: بالحاء المهملة المضمومة (الضَّبِّيُّ) بفتح الضاد المعجمة بعدها باءٌ موحدة مشددة، أبو سُلَيمان البغدادي، كذا نَسَبَه ابنُ سَعْدٍ والبَغَويُّ، وقال الحاكم أبو أحمد: داودُ بن عَمْرو بن المُسَيّب، ويُقال: ابنُ زُهَير (¬2). روى عن نافعِ بنِ عُمَر الجُمَحِيِّ وابنِ أبي الزِّناد وحَمَّادِ بنِ زَيدٍ وغيرِهم، ويروي عنه (م) حديثَينِ و (س) والفَضْلُ بن سَهْلٍ وابنُ نَاجِيةَ والبَغَويُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة ثمانٍ وعشرين ومائتين. قال: (حَدَّثَنَا نافعُ بن عُمَرَ) بنِ عبد الله بن جميل القُرشي الجُمَحِي المكي الحافظ. روى عن ابنِ أبي مُلَيكَةَ وسعيدِ بن أبي هندِ وعبدِ الملك بن أبي محذورة وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وابنُ المبارك وابنُ مهدي ووَكِيعٌ وخَلْقٌ، وَثَّقَه أبو حاتم والنَّسائيُّ وابنُ مَعِينٍ. ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 124 - 125). (¬2) "تهذيب الكمال" (8/ 425 - 426).

عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَال: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاس أَسْألهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا ويخْفِي عَنِّي، فَقَال: وَلَدٌ نَاصِحٌ، أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الأُمُورَ اخْتِيَارًا وَأُخْفِي عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ، من كبار السابعة، مات سنة تسعٍ وستين ومائة. (عن) عَبْد الله بن عُبَيدِ الله -مصغّرًا- (ابنِ أبي مُلَيكَةَ) بضمِّ الميم مصغرًا: زُهَيرِ بن عبد الله بن جُدْعان بن عَمْرو بن كَعْب بن سَعْد بن تَيمِ بن مُرَّة التَّيمي، أبي بكر المكي، تَوَلَّى القضاءَ والأَذَانَ لابن الزُّبَير رضي الله عنهم. روى عن عائشةَ وأُمِّ سلمة وابنِ عَبَّاسٍ، وأَدْرَكَ ثلاثين من الصحابة، ويروي عنه (ع) وابنهُ يحيى وعطاءٌ وعَمْرُو بن دينارٍ وغيرُهم، وَثَّقَه أبو حاتم وأبو زُرْعة. وقال في "التقريب": ثقةٌ فقيهٌ، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة. (قال) ابنُ أبي مُلَيكَةَ: (كَتَبْتُ) رسالةً أرسلتُها (إلى ابنِ عَبَّاسٍ) رضي الله تعالى عنهما حالة كوني (أسألُه) أي: أسألُ ابنَ عَبَّاسٍ في تلك الرسالة (أَنْ يَكْتُبَ لي) أي: لأجلي من ديوان قضاء عليٍّ رضي الله عنه (كتابًا) جامعًا للقضاءِ الصحيحِ الواقعِ من عليٍّ، وللأحاديثِ الصحيحةِ المأثورةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا المُفْتَرَياتِ عليهما (ويخْفِي عنِّي) أي: يَكْتُمُ عنِّي ولا يَكْتُب لي ما كان في ذلك الدِّيوان من الأحاديثِ الموضوعة والأَقْضيةِ المُفْتَراة من الشِّيَع على عليٍّ رضي الله عنه. (فقال) ابنُ عَبَّاسٍ لمَنْ أرسلتُ إِليه بالرسالة: أنا (ولدٌ ناصحٌ) له؛ أي: أنا له كالولد الناصح لوالديه؛ ففيه تشبيهٌ بليغٌ، والنَّاصِحُ: مَنْ يُرِيدُ الخيرَ للغير، ويُبْغِضُ الشرَّ له، والنصيحةُ: إِرادةُ الخيرِ للغير، والخديعةُ: إِرادةُ الشرِّ للغير من حيثُ لا يَعْلَمُ. وفَسَّرَ النصيحةَ بقوله: (أنا أختارُ له) أي: لابن أبي مُلَيكَة، وأُلَخِّصُ له (الأُمُورَ) المجموعةَ في ذلك الديوان؛ أي: أنا أختارُ له (اختيارًا) وأُلَخِّصُ له تلخيصًا من الأمور المجموعة في ذلك الديوان من الأحاديث والأَقْضية؛ أي: أختارُ له منها الأحاديثَ الصحيحةَ والأقضيةَ الحَقَّةَ لا المُفْتَرَياتِ عليه، وألَخِّصُها له في كتابٍ جامعٍ لها. (وأُخْفِي عنه) أي: عن ابنِ أبي مُلَيكَة وأَسْتُر عنه، وأَكْتُم ما كان في ذلك الديوان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأحاديثِ الموضوعةِ والأَقْضيةِ المُفتراةِ ولا كتبها إِليه نصيحةً له وطلبًا للخيرِ له (¬1). قوله: (ويُخْفِي عنّي ... وأُخْفِي عنه) قال النوويُّ: (اختلف العلماءُ في ضَبْطِه، فقال القاضي عِيَاضٌ رحمه الله تعالى (¬2): ضَبَطْنا هذَينِ الحرفَين وهما: "ويُحْفِي عَنِّي، وأُحْفِي عنه" بالحاء المهملة فيهما عن جميع شيوخنا إلا عن أبي محمد الخُشَنِيّ؛ فإني قرأتُهما عليه بالخاء المعجمة، قال: وكان أبو بَحْرٍ يحكي لنا عن شيخه القاضي أبي الوليد الكِنَاني (¬3) أَنَّ صوابه بالمعجمة. قال القاضي عياضٌ: ويَظْهَرُ لي أَنَّ روايةَ الجماعةِ هي الصوابُ (¬4)، وأَنَّ معنى "أُحْفِي": أنقص، من إِحْفاءِ الشوارب وهو جَزُّها؛ أي: أَمسك عنّي من حديثك ولا تُكْثِر عليَّ) (¬5). وقال في "المشارق" (1/ 209): (ويكون الإِحفاءُ بمعنى الإمساكِ من قولهم: ¬

_ (¬1) قال الإمام ابن الصلاح: (وقوله: "أنا أختارُ له وأُخفي عنه" إِخبارٌ منه بإِجابته إِلى ذلك، وليس استنكارًا له في ضمن استفهام محذوفِ حرفُه). "صيانة صحيح مسلم" (ص 123). (¬2) "إِكمال المعلم" (1/ 121 - 122)، و"مشارق الأنوار" (1/ 209). (¬3) هو العلّامة أبو الوليد هشام بن أحمد الكِنَاني الأندلسي الطُّلَيطِلي المعروف بالوَقَّشي. قال القاضي عياض: كان غايةً في الضبط، نَسَّابة، له تنبيهات وردود، وقال ابن بشكوال: أخبرنا عنه أبو بَحْر الأسدي -وهو سفيان بن العاص- وكان مختصًّا به، وكان يُعظّمه ويقدّمه ويَصِفُه بالاستبحار في العلوم، توفي منة تسع وثمانين وأربعمائة. "سير أعلام النبلاء" (19/ 134 و 515)، و"الصلة" (2/ 653 - 654)، و"معجم البلدان" (5/ 381). والكِنَاني: بكسر الكاف ثم نون، وقد تحرف في "مكمل إكمال الإكمال" للسنوسي (1/ 22) إِلى (الكتاني)، وفي "إكمال المعلم" (1/ 121) إِلى (الكنَّاني)، فليُصحح فيهما. (¬4) حكى الشيخُ ابنُ الصلاح الروايةَ التي ذكرها القاضي عياضٌ ورَجَّحها، ثم قال: (وهذا تَكَلُّفٌ ليستْ فيه روايةٌ متصلةُ الإِسناد نضطرُّ إِلى قبوله، والله أعلم). "صيانة صحيح مسلم" (ص 123 - 124). (¬5) "شرح صحيح مسلم" (2/ 82 - 83).

قَال: فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سألني فحَفَوْتُه؛ أي: مَنَعْتُه، أي: أَمْسِكْ عني بعضَ ما معك ممَّا لا أحتملُه. وقد يكون الإِحفاءُ أيضًا بمعنى الاستقصاء أو الإِلحاح، ويكون "عنّي" بمعنى "عَلَيَّ" أي: اسْتَقْصِ ما تُحَدِّثني به وانْخُلْه لي، وجواب ابن عباس يَدُلُّ عليه). قلتُ (¬1): والظاهرُ: أَن (عَلَيَّ) في هذا الوجه للتعليل وقد صرَّح بذلك في "الإِكمال" (¬2). قال النوويُّ: (وذَكَرَ صاحبُ "مطالع الأنوار" قولَ القاضي، ثم قال: وفي هذا نَظَرٌ، قال: وعندي أنه بمعنى المبالغة في البِرِّ به والنصيحةِ له من قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}) (¬3). واختارَ الشيخُ أبو عَمْرو بن الصلاح رحمه الله تعالى روايةَ الخاء المعجمة (¬4)، قال النووي: (وهذا الذي اختاره من الخاء المعجمة هو الصحيحُ، وهو الموجودُ في معظم الأصول الموجودة بهذه البلاد، والله أعلم) (¬5). قال ابنُ الصلاح: (ومعنى" ويُخْفِي عنّي" أي: يَكْتُم عنّي أشياءَ ولا يَكْتُبها إِذا كان عليه فيها مقالٌ من الشِّيَعِ المختلفةِ وأهلِ الفتن؛ فإنه إِذا كَتَبَها .. ظَهَرَتْ، وإِذا ظَهَرَتْ .. خُولِفَ فيها وحَصَلَ فيها قال وقِيلَ مع أنها ليستْ مما يَلْزَمُ بيانُها لابن أبي مُلَيكَة، وإِنْ لَزِمَ .. فهو مُمْكِن بالمُشافَهَةِ دون المكاتبة. قال ابنُ الصلاح: وقولُه: "وَلَدٌ ناصحٌ" مُشْعِرٌ بما ذكَرْتُه، والله أعلم) (¬6). (قال) ابنُ أبي مُلَيكة: (فَدَعَا) أي: طَلَبَ ابنُ عَبَّاسِ (بقَضَاءَ عَلِيٍّ) أي: بإحضارِ ديوانٍ كُتِبَ فيه قضاءُ عليٍّ رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) القائل هو الإِمام السنوسي في "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 23). (¬2) "إِكمال المعلم" (1/ 122). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 82 - 83). (¬4) "صيانة صحيح مسلم" (ص 123). (¬5) "شرح صحيح مسلم" (1/ 83). (¬6) "صيانة صحيح مسلم" (ص 123).

فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ، وَيَمُرُّ بِهِ الشَّيءُ فَيَقُولُ: وَاللهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فـ) ـلمَّا أَحْضَرُوه ( .. جَعَلَ) أي: شَرَعَ ابنُ عَبَّاسِ (يَكْتُبُ) أي: يَنْسَخُ وَيَنْقُلُ (منه) أي: من ذلك الديوان الذي جُمعَ فيه قضاءُ عليٍّ رضي الله عنه (أَشياءَ) من الأحاديثِ الصحيحةِ والأَقْضيةِ الحَقَّةِ الصادقةِ (ويَمُرُّ به) أي: يَمُرُّ على ابن عباس في ذلك الديوان (الشَّيءُ) من الأَقْضِيةِ المُفْتَراةِ على عليٍّ رضي الله عنه (فيقولُ: واللهِ) أي: أقسمتُ باللهِ الذي أَنْزَلَ لنا الكتابَ الكريمَ وشَرَعَ لنا الشَرْعَ القَويمَ (ما قَضَى) وحَكَمَ (بهذا) القضاء الذي هو الضلالُ المبينُ والغَيُّ المُسْتَبينُ (عَلِيُّ) بن أبي طالبٍ، وهو فاعلُ قَضَى (إلَّا أنْ يكونَ) عليٌّ رضي الله عنه قد (ضَلَّ) وأخطأَ وخَرَجَ عن الشرع القَويم. قال النووي: (ومعنى هذا الكلام: ما يَقْضِي بهذا القضاءِ إلا ضَالٌّ، ولا يَقْضِي به عَلِيٌّ إلا أنْ يُعْرَفَ أنه ضَلَّ، وقد عُلِمَ أنه لم يَضِلَّ فيُعلم أنه لم يَقْضِ به، والله أعلم) (¬1). وعبارةُ السنوسي: (قولُه: "إلا أنْ يكونَ ضَلَّ" أي: لكنه قد عُلِمَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لم يَضِلَّ، فإِذًا عُلِمَ أنه لم يَقْضِ به، ويحتملُ أنْ يكونَ ضَلَّ بمعنى: أَخْطَأ أو نَسِيَ، وهو بعيدٌ؛ إِذْ لم يُؤْلَفْ من عليٍّ رضي الله عنه الخطأُ ولا النسيانُ في مِثْلِ هذا) اهـ (¬2). ورجالُ هذا الأثَرِ -أعني أثَرَ ابنِ عَبَّاسٍ- كُلُّهم مكيّون إلا واحدًا منهم، وهو داودُ بن عَمْرٍو الضَّبِّيُّ؛ فإنه بغداديٌّ، وهذا السند من ثُلاثياته في الأثَر؛ لأنه ليس له ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 83). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 23)، وقال القاضي عياض: (وقولُه: "ما قَضَى بهذا عَلِيٌّ إلا أن يكونَ ضَلَّ" المعنى: أنه لا يَقضِي به إلَّا ضالٌّ، وعَلِي غيرُ ضالّ، فلا يصِحُّ أن يكون قَضى به، لا أنه حَكَمَ بضلالِه إِنْ صَحَّ أنه قَضَى به، أو يكون الضلالُ هنا بمعنى الخطإ كما قال: {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي: المخطئين، وقيل: من الناسين). "إِكمال المعلم" (1/ 122 - 123).

[23] حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيرٍ، عَنْ طَاوُسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثياتٌ في الأحاديثِ المرفوعةِ، بل أَعْلَى ما فيها الرُّباعيات كما مَرَّ. ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى في هذا الأثَرِ المتابعةَ فقال: [23] (حَدَّثنَا عَمْرُو) بن محمد بن بُكَير بن سابور بمهملة (النَّاقِدُ) بالقاف والدال المهملة، أبو عثمان البغداديُّ نزيلُ الرقَّة، الحافظ. روى عن هُشَيمٍ وابنِ عُيَينَةَ وحاتمِ بنِ إِسماعيل ومُعْتَمِرٍ وغيرِهم، ويروي عنه (خ م د س) والفِرْيابِيُّ والبَغَويُّ، قال أبو حاتم: ثقة مأمونٌ (¬1). وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ وَهِمَ في حديث، من العاشرة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. قال: (حَدَّثَنَا سفيانُ بن عُيَينَةَ) بن ميمون الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي، أحدُ الأئمَّة الأعلام، من الطبقة الثامنة، مات سنة ثمانٍ وتسعين ومائة في رجب. (عن هشامِ بنِ حُجَيرٍ) بمهملة ثم جيم مصغّرًا، المكيِّ. روى عن طاوسٍ ومالك بن أبي عامر الأصبحي، ويروي عنه (خ م س) وابنُ جُرَيجٍ وابنُ عُيَينَةَ، وَثَّقَه العِجْلِيُّ، وقال أحمدُ: ليس بالقَويّ. وقال في "التقريب": صدوقٌ له أوهامٌ، من السادسة، وقد تقدَّم البسطُ في ترجمته. (عن طاوسِ) بن كيسان اليَمَانِيِّ أبي عبد الرحمن الحِمْيَرِيّ. روى عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس، ويروي عنه (ع) ومجاهدٌ والزهْرِيُّ وأبو الزُّبَير وهشامُ بن حُجَيرٍ. قال في "التقريب": ثقةٌ فقيةٌ، من الثالثة، مات سنة ستٍّ ومائة كما مَرَّ. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (6/ 262) الترجمة (1451)، وفيه: (ثقة أمين وصدوق).

قَال: أُتِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِكِتَابٍ فِيهِ قَضَاءُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَمَحَاهُ إلا قَدْرَ ... وَأَشَارَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ بِذِرَاعِهِ. [24] حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) طاوسٌ: (أُتِيَ ابنُ عَبَّاسٍ) رضي الله تعالى عنهما، بالبناء للمجهول، (بكتابٍ) أي: بديوانٍ مجموعٍ (فيه قَضَاءُ عَلِيٍّ رضي الله عنه) أي: ما قَضَى عليُّ بن أبي طالبٍ في زمن خلافته (فمَحَاهُ) ابنُ عَبَّاسٍ؛ أي: مَسَحَ ابنُ عَبَّاسٍ وأَزَال ما في الكتاب من الأَقْضِيةِ المُفتراةِ على عليٍّ رضي الله عنه (إلَّا قَدْرَ) منصوبٌ غَيرُ مُنَوَّنٍ؛ لنِيَّةِ المضافِ إِليه؛ أي: مَحَى من ذلك الكتاب إِلَّا قَدْرَ ذراعٍ من اليد، وهو شِبْران تقريبًا، وهو من أطراف الأصابع إِلى المِرْفَق (وأَشارَ سفيانُ بن عُيَينَةَ) أي: ولم يَذْكُرْ سفيانُ المضافَ إِليه المحذوفَ في قوله: (إلا قَدْرَ) ولكنْ أشارَ إِليه (بذِرَاعِهِ) أي: بذراعِ يدِه؛ أي: لم يَذْكُرْه بلسانِه، بل أشارَ إِلى ذراعه حين قال: (إلا قَدْرَ). وعبارةُ السنوسي هنا: (قولُه: "إلا قَدْرَ" هو منصوبٌ غيرُ مُنَوَّنٍ مضافٌ إِلى محذوفٍ فَسَّرَه سفيانُ بإِشارته إِلى ذِراعِهِ، والمعنى: محاه إلا قَدْرَ ذراعٍ) (¬1). قال النوويُّ: (والظاهرُ: أَن هذا الكتابَ كان درجًا مستطيلًا، والله أعلم) اهـ (¬2). وغَرَضُ المؤلِّفِ بسَوْقِ هذا السَّنَدِ: بيانُ متابعة طاوسٍ لابن أبي مُلَيكَة في رواية هذا الأَثَرِ عن ابن عباس، ولكنْ في السند الأول عُلُوٌّ، وفي هذا نُزُولٌ؛ لأنه من رباعياته، ورجالُه فيهم: بغدادي، ثم كوفيٌّ، ثم مكيٌّ، ثم يَمَانِيٌّ. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لأَثَرِ ابنِ عَبَّاسٍ بأَثَرِ أبي إِسحاق السَّبِيعيِّ فقال: [24] (حَدَّثنَا حَسَنُ بن عَلِيِّ) بن محمد الهُذلي نسبة إِلى هُذيل بن مُدْرِكة، أبو عليّ الخَلَّالُ (الحُلْوَانِيُّ) بضمِّ الحاء المهملة وسكون اللام، الريحانيُّ المكيُّ الحافظُ. روى عن عبد الصمد وعبد الرزّاق ووَكِيع وأبي معاوية وخَلْق، ويروي عنه (خ م د ت ق) ومحمد بن إِسحاق السرّاج. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 23). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 83).

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال: (حَدَّثَنَا يحيى بن آدمَ) بنِ سُلَيمان الأموي مولاهم، أبو زكريا الكوفي، أحدُ الأئمَّة الأعلام. روى عن فِطْر بن خليفة ومالك بن مِغْوَلٍ وعيسى بن طَهْمان وإِسرائيل وطائفةٍ، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإِسحاقُ وعليُّ بن المَدِيني ويحيى بن مَعِينٍ وخَلْقٌ. قال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ فاضلٌ، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين. قال: (حَدَّثنَا) عبدُ اللهِ (بن إدريسَ) بن يَزِيد بن عبد الرحمن الأَوْدِيُّ -بسكون الواو- أبو محمد الكوفيُّ، أحد الأئمَّة الأعلام. روى عن أبيه وعَمِّه داودَ وسُهَيلِ بنِ أبي صالحٍ وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإِسحاقُ وابنُ مَعِينٍ وعبدُ اللهِ بن أبي شَيبَةَ وخَلْقٌ، قال ابنُ مَعِين: ثقة في كُلِّ شيء. وقال في "التقريب": ثقةٌ فقيةٌ عابدٌ، من الثامنة، وقال أبو حاتم: ثقةٌ حُجَّةٌ إِمامٌ من أئمَّة المسلمين. ومن كلامِه: عَجِبْتُ ممَّنْ يَنْقَطِعُ إِلى رجلٍ ويَدَع أنْ يَنْقَطِعَ إِلى مَنْ له السماواتُ والأرضُ. مات سنة اثنتين وتسعين ومائة وله بِضْع وسبعون سنة (¬1). (عن) سُلَيمانَ بنِ مِهْران أبي مُحَمَّدٍ التابعيِّ (الأعمشِ) الكوفيِّ، تقدَّم البسطُ في ترجمته في مبحث أقسام الرواة فراجعْها إنْ شئتَ. (عن أبي اسحاقَ) السَّبِيعيِّ عَمْرِو بنِ عبد الله التابعيِّ الكوفيِّ، تقدّمتْ ترجمتُه أيضًا آنفًا. ¬

_ (¬1) وقال الإمام النوويُّ في ترجمته: (المُتَّفق على إِمامته وجلالته وإتقانه وفضيلته ووَرَعه وعبادته، رُوينا عنه أنه قال لبنتهِ حين بَكَتْ عند حضور موته: لا تبكي؛ فقد خَتَمْتُ القرآنَ في هذا البيت أربعة آلاف ختمة. قال أحمد بن حنبل: كان ابنُ إِدريس نسيجَ وَحْدِه. "شرح مسلم" (1/ 79).

قَال: لَمَّا أَحْدَثُوا تِلْكَ الأَشْيَاءَ بَعْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .. قَال رَجُل مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ: قَاتَلَهُمُ اللهُ، أَيَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا؟ ! ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السَّنَدُ من خُماسياته، ومن لطائفه: أَن فيه روايةَ تابعيٍّ عن تابعيٍّ، وهما: الأعمشُ وأبو إِسحاق، وأَن رجاله كُلَّهم كوفيون إلَّا الحُلْوانيَّ فإِنه مكيٌّ، وغَرَضُه بسَوْقِ هذا الأثرِ: الاستشهادُ لأَثَرِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما كما مَرَّ آنفًا. (قال) أبو إِسحاق: (لمَّا أَحْدَثُوا) أي: لمَّا أَحْدَثَت الروافِضُ والشِّيعةُ واخْتَلَقوا مِن عندِ أنفسهم (تلك الأشياءَ) المُفْتَرَاةَ على على رضي الله عنه من الأحاديثِ الموضوعةِ والأَقْضيةِ الباطلةِ والأقاويلِ الزائغةِ (بَعْدَ) وفاةِ (عَلِي) بنِ أبي طالب (رضي الله عنه .. قال رجل من أصحابِ عَلِيٍّ) أي: ممَّنْ صَاحَبَ عليًّا في حياتهِ ولازَمَهُ وعَرَفَ اقْضِيَتَه الحَقَّةَ وأحاديثَه الصحيحةَ، ولم أَرَ مَنْ عَيَّنَ ذلك الرجلَ، والله أعلم: (قَاتَلَهُمُ اللهُ) تعالى؛ أي: لَعَنَ اللهُ سبحانه وتعالى الروافضَ والشِّيعةَ، وبَاعَدَهُمْ عن رحمتهِ؛ جزاءً لهم على ما فعلوه من إِفسادِ أَقْضيةِ عليٍّ وأحاديثهِ بما خَلَطُوه فيها من الأَقْضيةِ المُفْتراةِ عليه والأحاديثِ الموضوعةِ المنسوبةِ إليه، فإنهم (أَيَّ عِلْمٍ) أَي: كاملَ عِلْمٍ وقضاءً صحيحًا (أَفْسَدُوا) بما خَلَطُوا به من الأَقاويلِ المُخْتَلَقَةِ والرواياتِ الموضوعةِ. و(أيَّ) هنا وصفيَّةٌ تَدُلُّ على الكمال، أُضِيفَتْ إِلى موصوفها؛ أي: علما كاملًا صادقًا صحيحًا حقًّا أفسدوه بما خَلَطُوا به من الأباطيلِ المفتراةِ على عليٍّ رضي الله عنه. قال النوويُّ: (فأشارَ بقوله: "أَي عِلْمٍ أَفْسَدُوا" إِلى ما أَدْخَلَتْهُ الروافضُ والشيعةُ في عِلْمِ عليٍّ رضي الله عنه وحديثهِ، وتَقَوَّلوه عليه من الأباطيل، وأضافوه إِليه من الرواياتِ والأقاويلِ المفتعلة والمُخْتَلَقة، وخَلَطُوه بالحق فلم يَتَمَيَّزْ ما هو صحيحٌ عنه ممَّا اخْتَلَقُوه. قولُه: "قَاتَلَهُمُ اللهُ" قال القاضي عِيَاضٌ: معناه: لَعَنَهُم اللهُ، وقيل: بَاعَدَهُم، وقيل: قَاتَلَهُم، قال: وهؤلاء اسْتَوْجَبُوا عنده ذلك لشَنَاعَةِ ما أَتَوْه، كما فَعَلَه كثيرٌ منهم وتَخَطَّوْا إِلى الكُفْرِ بقولهم، وإِلا .. فَلَعْنَةُ المسلمِ غيرُ جائزةٍ" اهـ (¬1)، ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 83)، وبعضه من كلام القاضي عياض في "إِكمال المعلم" (1/ 122)، =

[25] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا أبُو بَكْرٍ -يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ- ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى ثانيًا لأَثَرِ ابن عَبَّاسٍ بأَثَرِ المغيرة بنِ مِقْسَمٍ فقال: [25] (حَدَّثنَا عَلِيُّ بن خَشْرَمٍ) -بمعجمتين الثانية ساكنة والأُولى مفتوحة بزِنَة جَعْفَرٍ- ابن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال المَرْوَزيُّ أبو الحَسَن الحافظ، وهو ابنُ أُخْت بِشْر بن الحارث الحافي (¬1) رحمهما الله تعالى. روى عن الفَضْلِ بنِ موسى وابنِ عُيَينة وهُشَيمٍ وأبي بكرِ بنِ عَيَّاشٍ وغيرِهم، ويروي عنه (م ت س) وابنُ خُزَيمة ومحمدُ بن يوسف الفِرَبْرِيُّ وأُمَمٌ. قال في "التقريب": ثقةٌ، من صغار العاشرة، مات سنة سبعٍ وخمسين ومائتين. قال: (أخبرنا أبو بكرٍ -يعني ابنَ عَيَّاشٍ-) أي: يَعْنِي ويَقْصِدُ شيخي عَلِيُّ بن خَشْرمٍ بأبي بكرِ حين قال لنا: (أخبرنا أبو بكر): أبا بكرِ المنسوبَ إِلى عَيَّاش بن سالمَ، وأَتى بالعناية؛ إِشارةً إِلى أَنَّ هذه النِّسْبَةَ لم يَسْمَعْها من شَيخِه عليِّ بنِ خَشْرَمٍ، بل هي مما زادَ مِنْ عند نفسه؛ إِيضاحًا للراوي وَتَوَرُّعًا من الكذب على شيخه بنِسْبةِ ما لم يَقُلْه إِليه؛ لأنه لو أَسْقَطَ العنايةَ وقال: (أخبرنا أبو بكرِ بن عَيَّاش) .. لأَوْهَمَ أنها ممَّا سَمِعَه من شيخه مع أَن الأمرَ ليس كذلك. وفائدةُ العنايةِ ثلاثةٌ: الإِشارةُ إِلى أَنَّ هذه النِّسبة ليستْ من كلام شيخه، وإِيضاحُ الراوي، والتورُّعُ من الكذب على شيخه، وهكذا يقال فيما إِذا فَصَلَ بـ (هُوَ). واختُلف في اسم أبي بكر بن عَيَّاشٍ، فقيل: اسمهُ مُحَمَّدُ بن عَيَّاش بن سالم الكوفيُّ الأَسَدِيُّ مولاهم، الحَنَّاط -بمهملة- المُقْرئ، أحدُ الأئمَّة الأعلام، وقيل: عبد الله بن عَيَّاش، وقيل: سالم، وقيل: شُعْبة، وقيل: رُؤْبة، وقيل: مسلم، وقيل: خِداش، وقيل: مُطَرِّف، وقيل: حَمَّاد، وقيل: حَبيب، والصحيحُ ما قاله المُحَقِّقون: إِنَّ اسمَه كنيتُه، لا اسمَ له غيرها. ¬

_ = وانظر "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 23)، ومنه زيادة: (وتَخطَّوا إلى الكفر بقولهم) على نقل الإمام النووي عن القاضي عياض. (¬1) في "تهذيب الكمال" (20/ 421): (ابن عم بِشْر الحافي، وقيل: ابن أخته).

قَال: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ يَصْدُقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: (ورُوِّينا عن ابنهِ إِبراهيمَ قال: قال لي أبي: إِنَّ أباكَ لم يَأتِ فاحشةً قَطٌّ، وإِنه يختم القرآنَ منذ ثلاثين سنة كُل يوم مَرَّةً. ورُوِّينا عنه أنه قال لابنه: يا بُنَيَّ؛ إِيَّاك أنْ تَعْصِيَ اللهَ تعالى في هذه الغُرْفة؛ فإِني خَتَمْتُ فيها اثني عَشَرَ ألفَ ختمة. ورُوِّينا عنه أنه قال لِبنْتِهِ عند موته وقد بَكَتْ: يا بُنَيَّةُ لا تَبْكِي، أتخافين أن يُعَذِّبَني اللهُ تعالى وقد خَتَمْتُ في هذه الزاوية أربعةً وعشرينَ ألفَ ختمة؟ ! ) اهـ (¬1). روى أبو بكرِ بن عَيَّاشٍ عن حُصَين بن عبد الرحمن وأبي حَصِين عثمان بن عاصم وأبي إِسحاق السَّبيعي وغيرهم، ويروي عنه (خ من دت س ق) والثَّوْرِيُّ وابنُ المبارك ويحيى بن آدمَ وأحمدُ -وقال: ثقةٌ ربما غَلِط- وخَلْقٌ. وقال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ إلا أنه لمَّا كَبِرَ .. ساءَ حِفْظُه، وكتابُه صحيحٌ، من السادسة، مات سنة أربعٍ وتسعين ومائة وقد قارب المئةَ. (قال: سمعتُ المغيرةَ) بنَ مِقْسم -بكسر الميم وسكون القاف- الضَّبِّيَّ مولاهم، أبا هشامِ الكوفيَّ الفقيهَ الأعمى. روى عن إِبراهيمَ النَّخَعِيِّ والشَّعْبِيِّ ومُجاهدٍ وسِمَاكِ بنِ حَرْبٍ وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وشُعْبَةُ والثَّوْرِيُّ وزائدةُ وغيرُهم، وَثَّقَه العِجْلِيُّ وابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثقةٌ مُتْقِنٌ إلا أنه كان يُدَلِّسُ ولاسِيَّما عن إِبراهيم، من السادسة، مات سنة ستٍّ وثلاثين ومائة على الصحيح. وغَرَضُ المؤلِّفِ بسَوْقِ هذا الأَثَرِ: الاستشهادُ لأَثَرِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وهذا السَّنَدُ من ثُلاثياته في الأثر، ورجالُه مَرْوَزِيٌّ وكوفيان. أي: سمعتُ المغيرةَ حالةَ كَوْنِه (يقولُ: لم يَكُنْ يَصْدُقُ) أي: لم يَقُلْ أَحَدٌ ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 79)، وقال الإمام النووي عقب هذه الأخبار: (ولا ينبغي لِمُطَالعِه أن يُنْكِرَ هذه الأحرفَ في أحوالِ هؤلاء الذين تُستنزل الرحمة بِذِكْرِهم مستطيلًا لها، فذلك من علامة عدم فلاحِه إِنْ دام عليه، واللهُ يوفقنا لطاعتهِ بفضله ومِنَّتِهِ).

على عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ إلا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه) بن أبي طالب (في) روايةِ (الحديثِ) ونَقْلِه (عنه) أي: عن علي كلامًا صادقًا (إلَّا) شخصًا كان (من أصحاب عبد اللهِ بنِ مسعودٍ) رضي الله عنه وملازميه وحَمَلَةِ حديثهِ؛ فإنهم يَرْوُون عن عليِّ بن أبي طالبٍ حديثًا صحيحًا، وغيرُهم يَكْذِبونَ عليه. قال النوويُّ: (وقولهُ: لا يَصْدُقُ" ضُبِطَ على وجهين: أحدهما: بفتحِ الياءِ وإِسكانِ الصاد وضَمِّ الدال. والثاني: بضمِّ الياء وفتحِ الصادِ والدالِ المُشَدَّدة ((¬1). وقولُه: (إلا مِنْ أصحابِ عبد الله) ضَبَطُوا (مِنْ) على وجهين: أحدهما: أنها لبيان الجنس الذي هو الفاعلُ المحذوفُ. والثاني: أنها زائدةٌ في الفاعل. والمعنى على الأول: لم يَصْدُقْ أحَدٌ على عليٍّ إلا مَنْ كان مِنْ أصحابِ عبد الله، وعلى الثاني: لم يَصْدُقْ على علي إلا أصحابُ عبد الله (¬2). قال النوويُّ: (وخلاصةُ فِقْهِ هذه الآثار: أنه لا يُقْبَلُ روايةُ المجهول، وأنه يَجِبُ الاحتياطُ في نَقْلِ الحديثِ وأَخْذِه عمَّنْ رواه، فلا يُقْبَلُ إلَّا مِنْ أهلِه، وأنه لا ينبغي أنْ يُرْوَى عن الضعفاء) (¬3)، وأنه يَجِبُ على الراوي أن يُنقي الحديثَ الصحيحَ من الضعيف، إِذا رواه من الكتابِ المختلطةِ أحاديثُه على مَنْ عَرَفَ التمييزَ بينها وصَلُحَ له. *** ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 83 - 84). (¬2) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 83). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 84).

(7) باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة المكرمة

(7) بَابُ بيَانِ أَن الإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَكُونُ إلا عَنِ الثِّقَاتِ، وَأَنَّ جَرْحَ الرُّوَاةِ بمَا هُوَ فِيهِمْ جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ، وَأنَّهُ لَيسَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بَلْ مِنَ الذَّبِّ عَنِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (7) باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذَّب عن الشريعة المكرمة (بابُ بيانِ أَنَّ الإسْنَادَ) أي: رَفْعَ الحديثِ إلى قائله (مِنْ) حِفْظِ (الدِّينِ) والشَّريعةِ. وعبارةُ "المفهم" هنا (1/ 121 - 122): "أَنَّ الإِسنادَ من الدِّينِ" أي: من أُصُوله؛ لأنَّه لمَّا كان مرجعُ الدِّينِ إِلى الكتاب والسنةِ، والسُّنَّةُ لا تُؤْخَذُ عن كُلِّ أَحَدٍ .. تَعَيَّنَ النَّظَرُ في حالِ النَّقَلَةِ واتِّصَالِ روايتِهم، ولولا ذلك .. لاخْتَلَطَ الصادقُ بالكاذب، والحق بالباطل، ولمَّا وَجَبَ الفَرْقُ بينهما .. وَجَبَ النَّظَرُ في الأسانيد، وهذا الذي قاله ابنُ المبارك قد قاله أنسُ بن مالك وأبو هريرة ونافعٌ مولى ابن عُمَرَ وغيرُهم، وهو أمرٌ واضحُ الوجوبِ لا يُخْتَلَفُ فيه. وقال عقبةُ بن نافعِ لبَنِيه: يا بَنِيَّ؛ لا تَقْبَلُوا الحديثَ إلا من ثِقَةٍ. وقال ابنُ مَعِين: كان فيما أوصى به صُهَيبٌ بَنِيه أَنْ قال: يا بَنِيَّ؛ لا تَقْبَلُوا الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثِقة. وقال ابنُ عَوْنٍ: لا تأخذوا العِلْمَ إلا ممن يُشْهَدُ له بالطلب. وقال سُلَيمان بن موسى: لا يُؤْخَذُ العِلْمُ من صَحَفِيٍّ (¬1) -وهو مَنْ يُخطئ في قراءة الصحيفة، ومَنْ يَعْتَمِدُ في رواياته على الصُّحُف دون الرجال (¬2). ¬

_ (¬1) قال ابن هشام اللخمي: (ويقولون لمن يقتبس من الصُّحف: صُحُفي، والصوابُ عند النحويين البصريين أن ينسب إِلى واحدة الصُّحُف، وهي صَحِيفة، فيُقال: صَحَفيٌّ بفتحتين). "المدخل إِلى تقويم اللسان" (ص 146)، و"تدريب الراوي" (2/ 208). (¬2) وقال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (7/ 114) في ترجمة (عبد الرحمن بن عَمْرو الأوزاعي) المتوفى سنة سبع وخمسين ومائة، ما نصُّه: (قال الوليد بن مسلم: كان الأوزاعيُّ يقول: كان هذا العلم كريمًا، يتلقاه الرجالُ بينهم، فلمَّا دَخَلَ في الكُتُب ... دَخَلَ فيه غيرُ أهلهِ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أيضًا: قلتُ لطاوسٍ: إِن فُلانًا حَدَّثَني بكذا وكذا، فقال: إِنْ كان مَلِيًّا (¬1) .. فخُذْ عنه) اهـ (وأَنَّ الروايةَ) أي: وبيانِ أَنَّ روايةَ الحديثِ ونَقْلَه (لا تكونُ إلَّا عن الثِّقاتِ) المُتْقِنين، جَمْعُ ثِقة، وهو عَدْلٌ موثوقٌ به في عِلْمِه وعَمَلِه. (وأَنَّ جَرْحَ الرُّواة) أي: وبيانِ أَن جَرْحَ رُوَاةِ الحديث وتَعْييبَهم وتنقيصَهم (بما) أي: بِشَيءٍ (هو) أي: ذلك الشيءُ موجودٌ (فيهم) أي: في أولئك الرُّواة من العيوب التي تُوجبُ رَدَّ حديثهم وعدمَ قبولِه كالوَضْعِ والكَذِبِ وسُوءِ الحِفْظ وكثرةِ الخطإ والغَفْلَةِ وقِلَّةِ الدِّيانة، مما هو معلومٌ عندهم. ¬

_ = وروى مثلَها ابنُ المبارك عن الأوزاعي. ولا رَيبَ أَن الأَخْذَ من الصُّحُف وبالإِجازة يَقَعُ فيه خَلَلٌ، ولاسِيَّما في ذلك العصر، حيثُ لم يكن بعدُ نَقْطٌ ولا شَكْلٌ، فتَتَصَحَّفُ الكلمةُ بما يُحيل المعنى، ولا يَقَعُ مثلُ ذلك في الأَخْذِ من أفواهِ الرجال، وكذلك التحديثُ من الحفظ يَقَعُ فيه الوهم، بخلاف الرواية من كتابٍ مُحَرَّر). وقد عَقَدَ الخطيبُ البغداديُّ في كتاب "الفقيه والمتفقّه" (2/ 193) بابًا في اختيارِ الفقهاء الذين يُتعلَّم منهم، وذكر فيه أنه ينبغي للمُتعلِّم أن يكون قد أَخَذَ فِقْهَهُ من أفواهِ العُلماء لا مِنَ الصُّحُف، ثم ذكر الأخبار الواردة في التحذيرِ من الأَخذِ عن الصُّحُف وتَرْكِ التلقي بالمشافهة، فمنها: عن سُليمان بن موسى قال: (لا تقرؤوا القرآن على المصحّفين، ولا تأخذوا العِلْمَ من الصَّحَفيين). وعن ثَوْر بن يَزِيد قال: (لا يُفتي الناسَ الصَّحَفِيُّون). وقال أبو زُرْعة: (لا يُفتي الناسَ صَحَفِيٌّ، ولا يُقْرِئُهم مصحفي). وفي هذا المعنى نَظَمَ الحافظُ محمد بن محمد بن حسن التميمي الداري الشُّمُنّي المتوفى سنة (821) بيتَين لطيفَين، أوردهما الحافظُ السخاويُّ في "الضوء اللامع" (9/ 75) في ترجمته، وهما: مَنْ يَأخُذِ العِلْمَ عن شيخ مُشَافَهةً ... يَكُنْ من الزَّيفِ والتصحيفِ في حَرَمِ ومَنْ يَكُنْ آخِذًا للعِلْمِ من صُحُفٍ ... فعِلْمُهُ عندَ أهلِ العِلْمِ كالعَدَمِ (¬1) يعني: ثِقَةً ضابطًا مُتْقنًا يُوثَق بدينهِ ومعرفتهِ، ويُعْتَمَدُ عليه كما يُعتمد على معاملة المَلِيّ بالمال ثقةً بذمّته. "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 85).

261، حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (جائزٌ) خبرُ أَنَّ؛ أي: حلالٌ لا حَرَامٌ، وإِنْ صَدَقَ عليه اسمُ الغِيبة التي هي: ذِكْرُ أخيه بما يَكْرَهُ؛ أي: أَنَّ بيانَ عيوبِهم لِيَحْتَرِزَ الناسُ عن حديثهم -لا بقَصْدِ تنقيصِهم وتعييبِهم وفضيحتِهم بين الناس- حلالٌ جائرٌ لا حَرَامٌ، (بل) هو (واجبٌ) أي: بَلْ بيانُ ما فيهم من أسباب الجَرْحِ بالقَصْدِ المذكورِ واجبٌ مُتَحَتِّمٌ على مَنْ عَرَفَ حالهم (و) بيانِ (أَنَّه) أي: أَن جَرْحهم وبيانَ ما فيهم من العيوب (ليس من) نوع (الغِيبةِ المُحَرَّمةِ) أي: الممنوعةِ بنَصِّ الكتابِ والسُّنَّةِ، (بل) ذلك الجَرْحُ وبيانُ ما فيهم من العيوب (من) نوع (الذَّبِّ) والدَّفع لِمَنْ يلعبُ بالشريعة ويُرِيدُ إِفسادَها بخَلْطِ ما ليس منها فيها (عن الشريعةِ المُكَرَّمَةِ) والسُّنَّةِ المُطَهَّرةِ، والمِلَّةِ المحفوظةِ برعاية الله سبحانه وتعالى إِلى يوم القيامة. وهذه الترجمةُ الطويلةُ -وهي ترجمة الإِمام النووي (¬1) وترجمة الإمام السَّنُوسي (¬2) - مركبةٌ من أربعة أجزاء، لكُلٍّ منها يُطلب دليل من كلام المؤلِّف رحمه الله سبحانه وتعالى. قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى: [26] (حَدَّثنَا حَسَنُ بن الرَّبيعِ) -بفتح الراء مُكَبَّرًا- البَجَلِيُّ أبو على الكوفي البُورَانِيُّ -بضم الموحدة- الحَصَّارُ الخَشَّابُ. روى عن مهدي بن ميمون وأبي الأحوص وأبي عَوَانة وحَمَّادِ بنِ زيدٍ وغيرِهم، ويروي عنه (خ م د) وعثمان الدارميُّ وعليٌّ البَغَويُّ و (ت س) بواسطة وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة عشرين أو إِحدى وعشرين ومائة. قال: (حَدَّثنَا حَمَّادُ بن زَيدِ) بن دِرْهَم الأَزْدِي الجَهْضَمِيُّ أبو إِسماعيل البصريُّ. قال في "التقريب": قيل: إِنه كان ضريرًا، ولعلَّه طَرَأَ عليه؛ لأنه صَحَّ أنه كان يكتب، ثقةٌ ثَبْتٌ فقيةٌ، من كبار الثامنة، مات سنة تسعٍ وسبعين ومائة، وله إِحدى وثمانون سنة، يروي عنه (ع). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 84). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 23).

عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامِ، عَنْ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أيوبَ) بنِ أبي تَمِيمة كَيسان السَّخْتِياني العَنَزِيِّ البصريِّ الفقيه، أحدِ الأئمَّة الأعلام. روى عن عَمْرو بن سَلِمة وأبي عثمان النَّهْدِيِّ والحَسَنِ البصريِّ وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وابنُ سيرين -وهو من شيوخه- والسُّفْيَانَانِ والحَمَّادانِ وغيرُهم، قال ابنُ عُلَيَّة: كُنَّا نقولُ: عنده ألفا حديثٍ. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ من كبار الفقهاء العُبَّاد، من الخامسة، مات سنة إِحدى وثلاثين ومائة. (وهشامٍ) أي: ابنِ حَسَّان بالجرِّ معطوف على (أيوبَ) أي: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ عن أيوبَ وهشامٍ كليهما؛ أي: وعن هشامِ بنِ حسَّانَ الأزدي القُرْدُوسي -بضمِّ القاف وسكون الراء وضم الدال المهملة نسبة إِلى القَراديس بَطْنٍ من الأزد، نزلُوا البصرة كما في "اللباب" (3/ 24) - أبي عبد الله البصريِّ، أَحَدِ الأئمَّة الأعلام. روى عن حفصة ومحمد وأنس أبناء سيرين والحَسَنِ البصريِّ وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وعكرمةُ بن عَمَّارٍ وشُعْبةُ وزائدةُ وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقةٌ، من أَثْبَتِ الناسِ في ابن سيرين، وفي روايتهِ عن الحسن وعطاء مَقَالٌ؛ لأنه قيل: كان يُرسل عنهما، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمانٍ وأربعين ومائة. وفائدةُ هذه المقارنةِ: بيانُ كثرة طُرُقِه؛ لأنَّ الراوَيينِ ثقتان، يَصْلُحُ تَفَرُّدُ كُل منهما بالرواية. كلاهما رويا (عن مُحَمَّدٍ) هو ابنُ سيرين الأنصاري مولاهم، أبو بكرٍ البصريُّ، أَحَدُ الأعلام، إِمامُ وقته. روى عن مولاه أنسٍ وزيدِ بن ثابتٍ وعمرانَ بنِ حُصَيْنٍ وأبي هريرة وطائفةٍ من كبار التابعين، ويروي عنه (ع) والشَّعْبِيُّ وثابتٌ وقتادةُ وأيوبُ وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، من الثالثة، مات سنة عشرٍ ومائة. وهذا الإِسنادُ من رباعياته، كُلُّهم بصريون إلا حَسَنَ بنَ الرَّبِيع؛ فإنه كوفي.

وَحَدَّثَنَا فُضَيلٌ عَنْ هِشَامٍ، قَال: وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَينٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال حَسَنُ بن الرَّبِيع: (وحَدَّثنَا) أيضًا (فُضَيْلُ) بن عِيَاضٍ (عن هشامِ) بنِ حَسَّان القُرْدُوسي، عن محمد بن سِيرين، كما حَدَّثَنَا عنه حَمَّادُ بن زيدٍ عن محمد بن سِيرين، فهو معطوفٌ على قوله: (حَدَّثنا حَمَّادُ بن زَيدٍ). و(قال) الحَسَنُ بن الرَّبِيع -وفي بعض النُّسَخِ إِسقاطُ (قال) -: (وحَدَّثنَا مَخْلَدُ بن حُسَينٍ عن هشام عن مُحَمَّدِ بن سِيرينَ) كَمَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ عن هشامٍ عن مُحَمَّدٍ، فهو معطوفٌ أيضًا على (حَدَّثَنا حَمَّادُ بن زَيدٍ)، فجملةُ مَنْ رَوَى عن هشامٍ ثلاثةٌ: حَمَّادُ بن زَيدٍ، وفُضَيلُ بن عِيَاضٍ، ومَخْلَدُ بن حُسَينٍ، وأمَّا أيوبُ: فلم يَرْو عنه إِلَّا حَمَّادُ بن زَيد. وأمَّا فُضَيلٌ: فهو ابنُ عِيَاض بن مسعود بن بشْر التميمي اليَرْبُوعي، أبو على الخُراساني، أصلُه من خراسان، وسكن مكة، الزاهدُ المشهورُ، شيخُ الحَرَم، وأحدُ أئمَّة الهُدى والسُّنَّة. روى عن منصورٍ والأعمشِ وسُلَيمان التَّيمِيِّ، ويروي عنه (خ م دت س) والسُّفْيانانِ وابنُ المباركِ وخلائق. قال ابنُ المبارك: ما رأيتُ أَوْرَعَ من فُضَيل بن عِياض، وقال النَّسائيُّ: ثقة مأمونٌ، وقال ابنُ سَعْد: كان ثقةً فاضلًا نبيلًا عابدًا وَرِعًا كثيرَ الحديث. ومِنْ كلامِه: مَنْ خاف اللهَ .. لم يَضُرَّه أَحَدٌ، ومَنْ خافَ غيرَ اللهِ .. لم يَنْفَعْه أَحَدٌ. وقال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ إِمامٌ، من الثامنة، مات بمكة سنة سبعٍ وثمانين ومائة، وله ثمانون سنة. وأمَّا مَخْلَدٌ -بفتح الميم واللام وسكون الخاء المعجمة بينهنّ-: فهو ابنُ الحُسَينِ -بالضمّ مصغرًا- الأزديُّ المُهَلبِيُّ أبو محمد البصري. روى عن الأوزاعيّ وابنِ جُرَيجٍ وهشامِ بنِ حَسَّانَ وغيرِهم، ويروي عنه (من س) وابنُ المبارك وأبو إِسحاق الفزاري -وهما من أقرانه- والوليدُ بن مسلمٍ وطائفةٌ، وَثَّقَه العِجْلِيُّ.

قَال: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُونَ دِينَكُمْ. [27] حَدَّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ فاضلٌ، من كبار التاسعة، مات سنة إِحدى وتسعين ومائة. (قال) محمدُ بن سِيرين: (إِن هذا العِلْمَ) الحاضرَ بيننا، يعني علمَ الحديثِ روايةً (دِينٌ) أي: مَأخَذُ دِينِ الإِسلامِ وحُجَجُه ودلائلُه وبراهينُه ومُستنبطُه (فانْظُرُوا) وابْحَثُوا (عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينكُمْ) أي: فابْحَثُوا عن أحوال مَنْ تأخذون أدِلَّةَ دِينِكم وحُجَجَه منه هل هو ثقةٌ أم لا؟ فإنْ كان ثقةً .. فخُذُوا عنه، وإِلَّا .. فاطْرَحُوه وارْمُوه بالجدار واجعلوه وراءكم ظِهْرِيًّا؛ لأن هذا الدِّينَ أمانةٌ، والأمانةُ إِنما تُؤْخَذُ من أهلها. وغَرَضُ المؤلِّفِ بذِكْر هذا الأَثَرِ: الاستدلالُ على أَنَّ الروايةَ لا تكون إلا من الثِّقات (¬1). ثم ذَكَرَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثرِ ابنِ سيرين فقال: [27] (حَدَّثنَا أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بن الصَّباحِ) الدُّولابيُّ مولدًا، الرازيُّ مسكنًا، ثم البغداديُّ البَزَّاز، صاحبُ السُّنَن. روى عن شَرِيك وأبي الأحوص وابن المبارك وهُشَيم وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وابنُ مَعِين، ووَثَّقَه هو والعِجْلِيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، من العاشرة، مات سنة سبعٍ وعشرين ومائتين. قال: (حَدَّثنَا إِسماعيلُ بن زكرياءَ) بن مُرَّة الخُلْقَاني -بضمِّ الخاء المعجمة وفتح القاف بعد اللام الساكنة وآخره نون، نسبة إِلى بيع الخُلْقان جَمْع خَلَق من الثياب ¬

_ (¬1) وهذا الأثر أخرجه الترمذي في آخر كتاب الشمائل (ص 198) حديث رقم (397) عن محمد بن علي بن الحَسَن بن شَقِيق، عن النَّضْر بن شُمَيل، عن ابن عَوْن، عن ابن سيرين بلفظ: (هذا الحديثُ دِينٌ، فانظروا عَمَّنْ تأخذون دِينَكم).

عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَال: لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلونَ عَنِ الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرها كما في "الأنساب" (5/ 179) - الأسدي الكوفي أبو زياد، لَقَبُه: شَقُوصا بفتح المعجمة وضم القاف الخفيفة وبالمهملة. روى عن عاصم الأحول ومحمد بن سُوقة وعُبَيد الله بن عُمر، ويروي عنه (ع) ومحمد بن الصبَّاح وأبو الرَّبيعِ الزَّهْراني، وقال أحمد: ما به بأس. وقال في "التقريب": صدوقٌ يُخطِئُ قليلًا، من الثامنة، مات سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل: قبلها. (عن عاصمِ) بنِ سُلَيمانَ (الأحولِ) أبي عبد الرحمن البصري التميمي مولاهم، الحافظ. روى عن أنس وعبد الله بن سَرْجِس والشَّعْبي وأبي عثمان النَّهْدِيّ وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وقتادة وحَمَّاد بن زَيد وإسماعيل بن زكرياء وغيرُهم، قال ابنُ المَدِيني: له نحو مئةٍ وخمسين حديثًا، وَوَثَّقَه ابنُ مَعِين وأبو زُرْعة، قال أحمدُ: ثقةٌ من الحُفَّاظ. وقال ابنُ سَعْد: مات سنة إِحدى أو اثنتين وأربعين ومائة. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الرابعة، لم يَتكَلَّمْ فيه إِلا القطَّان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية. (عن) محمدِ (ابن سيرين) الأنصاري مولاهم، الحافظ البصري، تقدَّمت ترجمتهُ آنفًا. وهذا السَّنَدُ من رباعياته، وفيه روايةُ بغدادي عن كوفي عن بصري عن بصري، ومن لطائفه: أَنَّ فيه روايةَ تابعيٍّ عن تابعي، وبصريٍّ عن بصري، وغَرَضُه بسَوْقِ هذا السند: بيانُ متابعة عاصمٍ الأحول لهشامٍ وأيوبَ في رواية هذا الأَثَرِ عن محمد بن سيرين، وأمَّا تكرار مَتْنِه: فلِمَا في الرواية الثانية من المخالفة للرواية الأُولى في مُعْظَم الألفاظ، فلا اعتراضَ على المؤلِّف في تكرار هذا الأَثَرِ مَتْنًا وسَنَدًا؛ لأنه كان لغَرَض. (قال) مُحَمَّدُ بن سيرين: (لم يكونوا) أي: لم يَكُن السَّلَفُ الصالحُ من الصحابة والتابعين (يسألون) وَيبْحَثُون (عن الإسنادِ) أي: عن إِسنادِ الحديثِ

فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ .. قَالُوا: سَمُّوا لنا رِجَالكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَمؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وينْظَرُ إِلَن أَهْلِ الْبِدَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويُفَتِّشُون عن رجالهِ ورُواتِه هل هم من الثقات أم من الضعفاء؟ فيقبلون الحديثَ عَمَّن رواه، ولا يقولون له: مَنْ رواه لك؟ حتى كَثُرَت البدعةُ وانتشر أهلُها من الروافضِ والشِّيعةِ ومن المُرْجئة والقَدَرِيَّة. وعبارةُ القرطبي هنا: (قولُه: "لم يَكُونُوا يَسْأَلُون عن الإِسْنَادِ" يعني بذلك: مَنْ أَدْرَكَ من الصحابةِ وكُبراء التابعين. أمَّا الصحابةُ: فلا فَرْقَ بين إِسنادِهم وإِرسالِهم؛ إِذِ الكُلُّ عُدُولٌ على مذهب أهل الحقّ، كما أوضحناه في الأُصول، وكذلك كُلُّ مَنْ خَالفَ في قَبُولِ مراسيلِ غيرِ الصحابةِ .. وَافَقَ على قبول مراسيل الصحابة. وأمَّا كُبَراءُ التابعين ومُتَقَدِّمُوهم: فالظاهرُ مِنْ حالهم أنهم يُحَدِّثُون عن الصحابة إِذا أرسلوا .. فتُقْبَلُ مراسيلُهم، ولا ينبغي أنْ يُخْتَلَفَ فيها؛ لأن المسكوت عنه صحابيٌّ، وهم عُدُولٌ، وهؤلاء التابعون هُمْ كعُرْوةَ بنِ الزُّبَيرِ وسعيدِ بنِ المُسَيّب ونافعٍ مولى ابنِ عُمَرَ ومحمدِ بنِ سيرين وغيرِهم ممَّنْ هو في طبقتهم. وأمَّا مَنْ تأَخَّرَ عنهم ممَّن حَدَّثَ عن مُتَأخّري الصحابة وعن التابعين .. فذلك مَحَلُّ الخلاف، والصوابُ: قبولُ المراسيلِ إِذا كان المُرْسِلُ مشهورَ المَذْهَب في الجَرْح والتعديل، وكان لا يُحَدِّثُ إلا عن العُدُولِ كما أوضحناه في الأُصول) اهـ (¬1). (فلَمَّا وَقَعَتِ الفتنةُ) وانتشرت البدعةُ وكَثُرَ أهلُها ( .. قالوا) أي: السَّلَفُ الصالحُ مِنْ أهلِ السُّنَّة لكُلِّ مَنْ يروي لهم الحديثَ: (سَمُّوا لنا رِجَالكُمْ) أي: اذْكُرُوا لنا أسماءَ رِجالِكم الذين حَدَّثُوكم هذا الحديثَ وأخذتموه منهم؛ لنَعْرِفَ هل هم من الثِّقاتِ فنأخذَ حديثَهم؟ أو من الضُّعفاءِ فلا نَغْتَرَّ بحديثِهم؟ وهذا معنى قوله: (فيُنْظَرُ إلى) أنهم مِنْ (أهلِ السُّنَّة) والجماعةِ (فيُؤْخَذُ) ويُقْبَلُ حينئذٍ (حديثُهم) ويُعْمَلُ به، (وينْظَرُ إلى) أَنَّهم مِنْ (أهلِ البِدَعِ) والضَّلالةِ من الروافضِ والشِّيعةِ، جَمْعُ بِدْعَةٍ، ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 122).

فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ. [28] حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي لُغةً: كُلُّ ما ابْتُدِعَ واخْتُرعَ على غيرِ مثالٍ سابق، واصطلاحًا: كُلُّ ما اسْتُحْدِثَ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبعد الخلفاءِ الراشدين في أمورِ الدِّين، ممَّا لا يَنْطَبِقُ عليه قواعدُ الشَّرْعِ وأَدِلَّته، (فـ) ـإنْ كانوا من أهل البدَع والخُرافات فـ (ـلا يُؤْخَذُ حديثُهم) أي: لا يُقْبَلُ منهم ولا يُعْمَلُ به في حُكْمٍ من الأحكام الشرعية؛ لأنهم ليسوا من أهل الحديث، لعدم أمانتهم وثقَتِهم فيما حَدَّثُوه (¬1). وعبارةُ "المفهم" هنا (1/ 122 - 123): (قوله: "فلمَّا وَقَعَتِ الفتنةُ .. قالوا: سَمُّوا لنا رِجالكم" هذه الفتنةُ يعني بها -واللهُ أعلمُ- فتنةَ قَتْلِ عثمان وفتنةَ خُروجِ الخَوَارِجِ على عليٍّ ومعاوية؛ فإنهم كَفَّرُوهما حتى استحلُّوا الدماءَ والأموال، وقد اختُلف في تكفير هؤلاء، ولا يُشَكُّ في أَنَّ مَنْ كَفَّرَهم .. لم يَقْبَلْ حديثَهم، ومَنْ لم يُكَفِّرْهم .. اختلَفوا في قبول حديثِهم، كما بيَّناه فيما تقدَّم. فيعني بذلك -والله أعلمُ- أَنَّ قتَلَةَ عُثمان والخوارجَ لمَّا كانوا فُسَّاقًا قَطْعًا واخْتَلَطَتْ أخبارُهم بأخبارِ مَنْ لم يكن منهم .. وَجَبَ أنْ يُبْحَثَ عن أخبارِهم فتُرَدّ، وعن أخبارِ غيرِهم ممَّنْ ليس منهم فتُقبل، ثم يجري الحُكْمُ من غيرهم من أهل البدَع كذلك، ولا يَظُنُّ أحَدٌ له فَهْمٌ أنه يعني بـ (الفتنة) فتنة عليّ وعائشة ومعاوية؛ إِذ لا يَصِحُّ أن يُقال في أَحَدٍ منهم: مُبْتَدِعٌ ولا فاسقٌ، بل كُل منهم مُجْتَهِدٌ عَمِلَ على حَسَبِ ظَنِّه، وهُمْ في ذلك على ما أجمع عليه المسلمون في المجتهدين من القاعدة المعلومة، وهي: أَنَّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ ماجورٌ غيرُ مأثوم، على ما مَهَّدْناه في الأصول) اهـ ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لأَثَرِ ابن سيرين بأَثَرِ طاوس رحمهما الله تعالى فقال: [28] (حَدَّثنَا إسحاقُ بن إبراهيمَ) بنِ مَخْلَدٍ (¬2) (الحَنْظَلِيُّ) أبو يعقوب بن رَاهُويَه (¬3) ¬

_ (¬1) انظر "إِكمال المعلم" (1/ 125). (¬2) مَخْلَد: بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح اللام، وبعدها دالٌ مهملة. (¬3) رَاهْوَيهْ: بفتح الراء وبعد الألف هاء ساكنة، ثم واو مفتوحة وبعدها ياء مثنّاة من تحتها ساكنة =

أَخْبَرَنَا عِيسَى -وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ المَرْوَزِيّ، الإِمام الفقيه الحافظ عالِمُ خُراسان، واشْتَهَرَ بـ (ابن رَاهُوْيَه) ومعناه: المولودُ في الطريق؛ لأنَّ أباه وُلدَ في طريق مكة. قال الخَفَّافُ: أَمْلَى علينا أَحدَ عَشَرَ ألفَ حديثٍ من حِفْظه، ثم قرأها -يعني من كتابه- فما زَادَ ولا نَقَصَ. روى عن مُعْتَمِرِ بنِ سُلَيمان والدَّرَاوَرْدِيِّ وابنِ عُيَينَةَ وغيرِهم من أهل الحِجاز والشام والعراق وخُراسان، ويروي عنه (خ م د ت س)، وقال النَّسائيُّ ثقةٌ مأمونٌ أحدُ الأئمَّةِ الأعلام، وقال أحمدُ: لا أعلمُ لإِسحاقَ نظيرًا، إِسحاقُ عندنا من أئمَّة المسلمين، وإذا حَدَّثَك أبو يعقوب أميرُ المؤمنين .. فتَمَسَّكْ به. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ مجتهدٌ قَرِينُ أحمد بن حنبل، ذَكَرَ أبو داود أنه تَغَيَّرَ قبل موته بيسير، مات سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين، وله سبعٌ وسبعون سنة. قال إِسحاقُ بن إِبراهيم: (أخبرنا عيسى) بلا ذِكْر نِسْبَتِه، ثم قال الإِمامُ مسلمٌ المؤلِّفُ: (وهو) أي: عيسى الذي أَخْبَرَ لنا عنه إِسحاقُ هو: عيسى (ابنُ يونسَ) ابنِ أبي إِسحاق السَّبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إِسرائيل أبو عَمْرٍو الكوفيُّ، أحدُ الأئمَّة الأعلامَ. ¬

_ = وبعدها هاء ساكنة، لَقَبُ أبيه أبي الحَسَن إِبراهيم، وإِنما لُقِّبَ بذلك لأنه وُلِدَ في طريق مكة، والطريقُ بالفارسية (راه)، و (ويه) معناه: وُجدَ، فكأنه وُجدَ في الطريق. وقيل فيه أيضًا: "راهُويه" بضمِّ الهاء وسكوَن الواو وفتحَ الياء. وقال إِسحاق المذكور -يعني ابنَ راهوبه-: قال لي عبدُ اللهِ بن طاهر أميرُ خراسان: لِمَ قيل لك ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكرهُ أن يُقال لك هذا؟ قلتُ: اعْلَمْ أيُها الأميرُ: أَنَّ أبي وُلدَ في الطريق فقالت المراوزةُ: (راهويه) لأنه وُلدَ في الطريق، وكان أبي يَكْرَهُ هذا، وأمَّا أنا فلستُ أكرهُ ذلك "وفيات الأعيان" (1/ 200). وقال الإِمام النووي في ترجمة (أبي عُبَيد بن حربويه) ما يلي: (وحَرْبَوَيه: بحاء مهملة مفتوحة، ثم راء ساكنة، ثم باء موحدة ثم واو مفتوحتين، ثم ياء ساكنة، ثم هاء، ويُقال بضمِّ الباء مع إِسكان الواو وفتح الياء. ويجري هذان الوجهان في كُل نظائرِه كسيبويه وراهويه ونفطويه وعمرويه، فالأولُ مذهبُ النحويين وأهلِ الأدب، والثاني مذهبُ المحدِّثين). "تهذيب الأسماء واللغات" (2/ 258).

حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أَتَى المؤلِّفُ بـ (هُوَ) إِشعارًا بأنَّ هذه النِّسْبَةَ لم يَسْمَعْها من شيخِه إِسحاقَ، بل إِنما أَتَى بها من عند نفسِه إِيضاحًا للراوي، وتَوَرُّعًا من الكذب على شيخه، كما مَرَّ في مبحث (يعني). روى عيسى عن أبيه وأخيه إِسرائيل، وإسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وحَمَّادُ بن سلمة -وهو أكبرُ منه- وابنُ وَهْبِ وابنُ المَدِيني وعليُّ بن حُجْر، وَثَّقَه أبو حاتم، وقال ابنُ المَدِيني: بخ بخ ثقةٌ مأمونٌ. جاء يومًا إِلى ابن عُيَينة فقال: مرحبًا بالفقيهِ ابنِ الفقيه ابنِ الفقيه. وقال في "التقريب": ثقة مأمونٌ، من الثامنة، مات سنة إِحدى وتسعين ومائة، وقيل: سنة سبعٍ وثمانين ومائة. قال: (حَدَّثنَا) عبدُ الرحمنِ بن عَمْرٍو (الأوزاعيُّ) أبو عَمْرٍو الشاميُّ، الإمام العلم الفقيه، قال النوويُّ: (إِمامُ أهلِ الشام في زمانه بلا مُدافعة ولا مُخالفة، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس - الفاء أخت القاف- ثم تَحَوَّلَ إِلى بيروت فسَكَنَها مُرابطًا إِلى أن مات بها. وقد انعقد الإجماعُ على إِمامتِه وجلالتِه وعُلُوِّ مرتبته وكمالِ فضيلته، وأقاويلُ السلف كثيرةٌ مشهورةٌ في وَرَعِه وزُهْدِه وعبادتهِ، وقيامِه بالحقّ، وكثرةِ حديثهِ وفقْهِه وفصاحتهِ واتباعه للسُّنَّة، وإِجلالِ أعيان أئمّة زمانه من جميع الأقطارِ له، واعترافِهم بمَزِيَّتِه، ورُوِّينا من غيرِ وَجْهٍ أنه أفتى في سبعين ألفَ مسألة. رَوَى عن كبار التابعين عطاءٍ وابنِ سيرين وقتادةَ ونافعٍ وخَلقٍ، ويروي عنه "ع" ويحيى بن أبي كثيرٍ وقتادةُ والزُّهرِيُّ وهُمْ من مشايخه، وهُمْ من التابعين وليس هو من التابعين، وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر) اهـ (¬1). وقال في "التقريب": ثقةٌ جليلٌ، من السابعة، وقال ابنُ سَعْد: كان ثقةً مأمونًا فاضلًا، كثيرَ الحديثِ والعلمِ والفِقْه، وقال إِسحاقُ: إِذا اجتمعَ الأوزاغيُّ والثوريُّ ومالكٌ على الأَمْرِ .. فهو سُنَّة. مات في الحَمَّام سنة سبع وخمسين ومائة. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 85).

عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ مُوسَى قَال: لَقِيتُ طَاوُوسًا فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي فُلان كَيتَ وَكَيتَ، قَال: إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ مَلِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: (واخْتَلَفُوا في الأوْزاع التي نُسِبَ إِليها، فقيل: بَطْن مِن حِمْيَر، وقيل: قريةٌ كانتْ عند باب الفراديس من دمشق، وقيل: من أَوْزَاعِ القبائل؛ أي: فِرَقِهم وبقايا مجتمعة من قبائل شَتى. وقال أبو زُرْعة الدمشقي: كان اسمُ الأوزاعي عبدَ العزيزِ فسَمى نفسَه عبدَ الرحمن، وكان ينزل الأوزاعَ فغَلَبَ عليه ذلك، وقال مُحَمدُ بن سَعْد: الأوزاع بَطنٌ من هَمْدان، والأوزاعي من أنفسهم، والله أعلم) اهـ (¬1). (عن سُلَيمَانَ بنِ موسى) الأموي أبي أيوب الدمشقي الأَشْدَق، أحدِ الأئمة. روى عن جابرٍ مرسلا وطاوسِ وعطاءِ وكُرَيب وغيرِهم، ويروي عنه (من عم) وابنُ جُرَيجِ والأوزاعي وخَلْق. وقال في "التقريب": صدوقٌ فقيهٌ، في حديثه بعض لين وخَلَّط قبل موته بقليل، من الخامسة، وقال ابنُ سَعْدٍ: مات سنة تسع عشرة ومائة. (قال) سُلَيمانُ: (لَقِيتُ) أنا ورأيتُ (طاوسًا) هو ابنُ كَيسان اليماني الحِمْيَرِيُّ مولاهم الفارسي من الثالثة، مات سنة ست ومائة، (فقلتُ) لطاوسٍ: (حَدَّثَنِي فلانٌ) كنايةً عن رجلٍ مُبْهَمٍ (كَيتَ وكَيتَ) اسم مُبْهَمٌ بمعنى كذا وكذا في محل النصبِ مفعولٌ ثانٍ لحدثني مبني على فتح الجزأين؛ لتركبه تركيب خمسة عشر، (وهما بفتحِ التاء وكسرِها لُغَتان نَقَلَهما الجوهري في "صحاحه" عن أبي عبيدة) (¬2). (قال) لي طاوسٌ: (إنْ كان صَاحِبك) أي: راويك ومُحَدِّثُك الذي حَدثَكَ الحديثَ (مَلِيًّا) (¬3) أي: غَنِيًّا في الحديث، قال النووي: (يعني ثقةَ ضابطًا مُتْقِنًا، ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 85). (¬3) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (والمَلِئُ بالهمز: مأخوذٌ من المَلاء، يُقال: مَلُؤَ الرجلُ بضم اللام؛ أي: صارَ مليئًا، وقال الكرماني: المَلِي كالغَنِي لفظًا ومعنى، فاقتضى =

فَخُذْ عَنْهُ. [29] وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّد الدِّمَشْقِيَّ- ـــــــــــــــــــــــــــــ يُوثَقُ بدِينهِ ومعرفتهِ، ويُعْتَمَدُ عليه في الحديث كما يُعْتَمَدُ على المَلِيِّ بالمال في معاملتهِ على ما في الذِّمَّةِ ثقةً بذِمتِه) (¬1) ( .. فخُذْ عنه) أي: فاقْبَلْ منه حديثَه وارْو عنه؛ لأنه كان من أهل الحديث ومِنْ حَمَلَتِه فَيُرْوَى عنه، وإِلا .. فَارْمِ حديثَه وراءَك ظِهْرِيًّا. وغَرَضُ المؤلفِ بسَوْقِ هذا الأثرِ: الاستشهادُ به لأثرِ ابنِ سيرين الذي اسْتَدَل به أولًا، وهذا السنَدُ من خُماسياته، ومن لطائفه: أَن فيه روايةَ مروزي، عن كوفي، عن شامي، عن دمشقي، عن يماني، ورجالُه كُلهم ثقاتٌ، إِلَّا سُلَيمان بن موسى، فإنه صَدُوق. ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ طاوسٍ فقال: [29] (وَحَدَّثنا عبدُ الله بن عبد الرحمنِ) بنِ الفَضْلِ بنِ مِهْران أو بَهْرَام (الدَّارِمي) نسبة إلى دارم بن مالك بن حنظلة أحدِ أجداده، أبو محمد السمرقندي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب "المسند" و"التفسير" و"الجامع". روى عن يَزِيد بن هارون، ومروان بن محمد الدمشقي، ويعلي بن عبيد، وجعفر بن عون وجماعة، ويروي عنه (م د ت) والبخاريّ في غير الصحيح، إمام أهل زمانه. وقال في "التقريب": ثقةٌ فاضلٌ متقِنٌ، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وخمسين ومائتين، وله أربع وسبعون سنة. قال: (أخبرنا مروان) قال الإمامُ مسلمٌ: (يعني) أي: يَقْصِدُ شيخي عبدُ الله حين قال لنا: (أخبرنا مروانُ) مروانَ (بنَ مُحَمَّدِ) بنِ حَسَّان (الدمشقيَّ) الطَاطَري بمهملتين مفتوحتين -قال الطبراني: كُل مَنْ يبيعُ الكرابيسَ بدمشق، يُقال له: الطاطَري- أبو بكرٍ الأسدي. ¬

_ = أنه بغير همز، وليس كذلك؛ فقد قال الخطابي: إنه في الأصل بالهمز، ومَن رواه بتَركِها .. فقد سَهَّلَه). "فتح الباري" (4/ 465). (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 85).

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ مُوسَى قَال: قُلْتُ لِطَاوُسٍ: إِنَّ فُلانًا حَدَّثَنِي بِكَذَا وَكَذَا، قَال: إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ مَلِيًّا .. فَخُذْ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن سعيد بنِ عبد العزيز ومالكٍ والليث وسُلَيمانَ بنِ بلالٍ وسعيدِ بن بشير وغيرِهم، ويروي عنه (م عم) وسلمةُ بن شَبيبٍ وغيرُهم، وثَّقَهُ أبو حاتم. وقال في "التقريب": ثقة، من التاسعة، قال البُخَارِيُّ: مات سنة عشرٍ ومائتين. (حَدَّثنَا سعيدُ بن عبد العزيزِ) التَّنُوخي أبو محمد الدمشقي. روى عن مكحولٍ ونافعٍ والزهْرِي وخَلْقٍ، ويروي عنه (م عم) وشُعْبةُ والثوْرِيُّ وكلاهما من أقرانه وخَلْق، وثقَهُ ابنُ مَعِين وأبو حاتم والنسائي، وقال الحاكم: هو لأهل الشام كمالكٍ لأهل المدينة. وقال في "التقريب": ثقةٌ إمام، سواهُ أحمدُ بالأوزاعي، وقَدمَه أبو مُسْهِرٍ، لكنه اخْتَلَط في آخر عمره، من السابعة، مات سنة سبعٍ وستين ومائة، وقيل: بعدها. (عن سلَيمَانَ بنِ موسى) الأموي الدمشقي، (قال) سُلَيمَانُ بن موسى: (قلتُ لطاوسِ) بنِ كَيسَان اليَمَانِي الحِمْيَرِي مولاهم، الفارسى، وهذا السنَدُ من خُماسياته: ثلاثة منهم دمشقيون، وواحدٌ سمرقندي، وواحدٌ يماني، وغَرَضُه بسَوْقِ هذا السَّنَدِ: بيانُ متابعةِ سعيد بن عبد العزيز للأوزاعي في رواية هذا الأثرِ عن سُلَيمان بن موسى، وكررَ مَتْنَ الأثر لما في الرواية الثانية من المخالفة للرواية الأُولى في بعض الكلمات، فلا اعْتِرَاضَ على المؤلف في تَكْرَارِهِ الأثرَ مَتْنًا وَسَنَدًا؛ لما فيه من الغَرَضِ. (إن فُلانا) كناية عن رجلٍ مُبْهَم (حَدَّثَني بـ) حديثِ (كذا وكذا) كناية عن لفظِ الحديثِ المُبْهَمِ (قال) طاوسٌ: (إنْ كان صاحِبُكَ) الذي حَدثَكَ (مَلِيًّا) أي: غَنِيًّا في الحديث، بأن كان ثِقةً حافظًا مُتْقِنًا ( .. فَخُذْ عنه) أي: فاقْبَلْ منه حديثَه الذي رواه، وارْو عنه؛ فإنه حديث صحيح، وإلا .. فارْمِ [به] وراءَك ظِهْرِيًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيا لأثَرِ ابن سيرين بأثَرِ أبي الزناد فقال:

[30] حَدثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِي الْجَهْضَمِي، حَدثَنَا الأَصْمَعِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ [30] (حَدَّثَنا نَصْرُ بن عَلِي) بن نَصْر بن علي بن صُهْبان -بضم المهملة وسكون الهاء- الأزدي (الجَهْضَمِي) قال النووي: (بفتح الجيمِ وسكون الهاءِ وفتح الضاد المعجمة، قال السَّمْعَاني في كتابه "الأنساب" (3/ 435 - 436): هذه النسَبةُ إلى الجهاضمة وهي محلة بالبصرة. وكان من العلماء المُتْقِنين، وكان المستعينُ باللهِ بَعَث إليه ليُشخصه للقضاء، فدعاه أميرُ البصرة لذلك فقال: أرجعُ فأستخيرُ اللهَ تعالى، فرَجَعَ إلى بيته نصفَ النهار فَصَلَّى ركعتين، وقال: اللهمّ إنْ كان لي عندك خير فاقْبِضْني إليك، فنام، فأنْبَهُوهُ .. فإذا هو ميتٌ، وكان ذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمسين ومائتين) اهـ (¬1). وهو أحَدُ أئمة البصرة. روى عن المُعْتَمِر وَيزِيدَ بنِ زُريعٍ وابنِ عُيَينَةَ وَوَكِيعٍ وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأبو زُرْعة وأبو حاتم وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ، من العاشرة، مات سنة خمسين ومائتين أو بعدها. قال: (حَدثنَا) عبدُ الملكِ بن قُرَيب -مصغرًا- ابن عبد الملك بن علي بن أصْمَع الباهلي (الأصمعي) منسوب إلى الجد المذكور أبو سعيد البصري، أحدُ الأئمة الأعلام. روى عنِ أبي عَمْرو بنِ العلاء ومِسْعَرٍ ومالكٍ وخلائقَ، ويروي عنه (مق دت) وابنُ مَعِينٍ ونصْرُ بن علي وعُمر بن شَبَّةَ وخَلْق، وثقَهُ ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": صدوق سُني، من التاسعة، مات سنة ست عشرة ومائتين. قال النووي: (وكان الأصْمَعِيُّ من ثِقَاتِ الرُّواة ومُتْقِنِيهم، وكان جامعًا للّغة والغريب والنحو والأخبار والمُلَح والنوادر، قال الشافعيُّ رحمه الله تعالى: ما رأيتُ ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 86).

عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك العسكر أصْدَقَ لهجة من الأصمعي، وقال الشافعيُّ أيضًا: ما عَبَّرَ أحَدٌ من العرب بأحْسَنَ من عبارة الأصمعي، ورُوِّينا عن الأصمعي قال: أحْفَظُ سِت عشرةَ ألفَ أرجوزةٍ) (¬1). (عن) عبد الرحمن (ابنِ أبي الزنادِ) عبد الله بن ذَكْوان القُرَشِي الأموي مولاهم، أبي محمد المدني، ولأبي الزناد ثلاثةُ بنين يَرْوُون عنه: عبدُ الرحمنِ هذا، وقاسم، وأبو القاسم. روى عن أبيه وزَيدِ بنِ عَلِيٍّ وشُرَحْبِيلَ بنِ سَعْدٍ وغيرِهم، ويروي عنه (من عم) وابنُ جُرَيجٍ وابنُ وَهْبٍ وسعيدُ بن منصورٍ وخَلْق، وقال ابنُ مَعِين: ما حدثَ بالمدينة صحيح (¬2). وقال في "التقريب": صدوقٌ، من السابعة، ولما قَدِمَ بغدادَ تَغَيَّرَ حِفْظُه، وكان فقيهًا، مات سنة أربعٍ وسبعين ومائة. (عن أبيه) عبد الله بنِ ذَكْوان أبي عبد الرحمن المُلَقَّبِ بأبي الرناد بكسر الزاي. قال النووي: (وكان يَكْرَهُ هذا اللَّقبَ، واشْتَهَرَ به (¬3)، القرشي الأموي ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 86). (¬2) قلتُ: هكذا عزا الشارح هذا القول إلى ابن معين تبعًا للخزرجي في "الخلاصة"، والصوابُ أنه من قول ابن المَديني؛ فقد قال عبد الله بن علي بن المَدِيني عن أبيه: ما حدَّثَ بالمدينة .. فهو صحيح، وما حَدَّثَ ببغداد .. أفسده البغداديون. ورأيتُ عبد الرحمن -يعني ابنَ مهدي- خطط على أحاديث عبد الرحمن بن أبي الزناد. انظر "تاريخ بغداد" (10/ 229) و "تهذيب الكمال" (17/ 99)، والله تعالى أعلم. (¬3) ذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى قاعدة مختصرة في ذِكر أصحاب الألقاب فقال: (قال العلماءُ من أصحاب الحديث والفقه وغيرهم: يجوزُ ذكْرُ الراوي بلَقَبِهِ وصِفَتِهِ ونَسَبه الذي يكرهه إذا كان المرادُ تعريفه لا تنقيصَه، وجُوِّزَ هذا للحاجة كما جُوِّزَ جَرْحُهم للحاجة، ومثال ذلك: الأعمش والأعرج والأحول والأعمى والأصم والأشل والأثرم والرمِن والمفلوج وابن عُلَيَّة وغير ذلك، وقد صُنِّفت فيه كتب معروفة). "شرح صحيح مسلم" (1/ 53). وقال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (9/ 108) في ترجمة (إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم البصري) المشهور بابنِ عُليَّة وهي أُمه، ما نصه: (وكان يقول: مَنْ قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم، المدني، وكان الثوْرِي يُسَمِّي أبا الزنادِ أميرَ المؤمنين في الحديث، قال البخاري: أصَحُّ أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وقال مصعبٌ: كان أبو الزِّناد فقيهَ أهلِ المدينة) اهـ (¬1). وأبوه ذكوان هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عُمر رضي الله عنه. روى عن أنسٍ وابنِ عُمَرَ وعُمَرَ بنِ أبي سلمة مرسلا، وعن الأعرج فأكْثَرَ، وابنِ المُسَيب وطائفةٍ، ويروي عنه (ع) وموسى بن عقبة وعُبَيدُ الله بن عُمَرَ ومالكٌ والليثُ والسفْيانانِ وخلقٌ. ¬

_ = ابن عُلَيَّة .. فقد اغتابني). قلتُ: هذا سُوءُ خُلُق، رحمه الله، شيءٌ قد غَلَبَ عليه، فما الحيلة؟ قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم غيرَ واحدٍ من الصحابة بأسمائهم مُضَافًا إلى الأُم، كالزبير: ابن صَفيَّة، وعمار: ابن سُمَيَّة). وقال العلَّامة الشوكاني في آخر "رفع الريبة عما يجوزُ وما لا يجوزُ من الغِيبة" في الصورة السادسة وهي التعريف بالألقاب، ما يلي: (فإنْ قلتَ: فإنْ كان صاحبُ اللقب لا يُعْرَفُ إلا به، ولا يُعْرَفُ بغيرِه أصلًا .. قلتُ: إذا بَلَغَ الأمرُ إلى هذه النهاية، ووصَلَ البحَثُ إلى هذه الغاية .. لم يكن ذلك اللقبُ لقبًا، بل هو الاسمُ الذي يُعرف به صاحبُه؛ إذْ لا يُعرف باسم سواه قط، والتسمية للإنسان باسم يُعرف به لا سيما مَنْ كان من رُواة العلم الحاملين المبلغين ما عندهم منه إلى الناس أمرٌ تدعو إليه الحاجة، وإلا .. بَطَل ما يرويه من العلم، خصوصًا ما كان قد تَفَردَ به ولم يُشاركه فيه غيرُه، وعلى هذا يُحمل ما وَقَعَ في المصنفات من ذِكْر الألقاب؛ فإن أهلها وإنْ كان لهم أسماءٌ ولآبائهم ولأجدادهم .. فغيرُهم يشاركهم فيها، فقد يتفق اسمُ الرجل مع اسم الرجل، واسمُ أبيه مع اسم أبيه، واسمُ جده مع اسم جده، فلا يمتازُ أحدهما عن الآخر في كثير من الحالاتِ إلا بذِكْر الألقاب ونحوها، وحينئذ لم يبْقَ لتلك الأسماء فائدة؛ لأن المقصود منها أن يتميز بها صاحبُها عن غيره، ولم يحصل هذا الذي هو المقصودُ بها، بل إنما حصل من اللقب، فكان هو الاسمَ المميز في الحقيقة، فلم يكن ذلك من التنابز بالألقاب، فاعْرِفْ هذا وتدَبَّرْه؛ فإنه نفيس، وبه يَنْدَفع ما تَقدَّم من إيرادِ ما جَرَى عليه عملُ أئمة الرواية، وهكذا يرتفعُ الإشكالُ عن القارئ لتلك الكتب، فلا يُقال له: إنه ينبزُ بالألقاب ويغتابُ أهلها بقراءتها في كتب السُّنَّة). "الرسائل السلفية" (ص 57 - 58). (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 86).

قَال: أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِئَةً كُلُّهُمْ مَأمُونٌ مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ، يُقَالُ: لَيسَ مِنْ أَهْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أحمدُ: ثِقةٌ، كان سفيان يُسمِّيه أمير المؤمنين في الحديث، وقال الليثُ: رأيتُ أبا الزِّنادِ وخَلْفَهُ ثلاثُ مئةِ طالب. وقال في "التقريب": ثقة فقيه، من الخامسة، مات فجاةً سنةَ ثلاثين ومائة، وقيل: بعدها. وَغَرَضُ المؤلِّفِ بسَوْق هذا الأثَرِ: الاستشهادُ لأثَرِ ابنِ سيرين كما مَر آنفًا، وهذا الإسنادُ من رباعياته، وفيه رواية بصريينِ عن مدنيين. (قال) أبو الزِّنادِ: (أدْرَكْتُ بالمدينةِ) المُنَوَّرَةِ (مئةً) من الصالحين (كُلُّهم مأمون) أي: موصوف بالأمانة في دينهِ ودُنْياه ومع ذلك (ما يُؤخَذُ) ولا يُرْوَى (عنهم الحديثُ) النبويُّ (يُقالُ) في سبب ذلك: إن كُلَّهم (ليس من أهلِهِ) أي: من أهل الحديث؛ أي: ليسوا من الثقات الحفاظ المُتْقِنين، فأمانتُهم وصلاحُهم في دِينهِم لا يَنْفَعُهم في رواية الحديث عنهم؛ لعدم ضَبْطِهم وإتقانِهم (¬1). ¬

_ (¬1) وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى: (يعني أنهم كانوا موثوقًا بهم في دينهم وأمانتهم، غيرَ أنهم لم يكونوا حُفاظًا للحديث، ولا مُتْقنين لروايته، ولا متحرِّزين فيه، فلم تكن لهم أهليةُ الأخْذِ عنهم، وإنْ كانوا قد تعاطوا الحديث والرواية). "المفهم" (1/ 128). وقال القاضي عياض معقبًا على قول أبي الرناد: (ليس يُشترط في رواية الثِّقة عندنا وعند المُحققين من الفقهاء والأصوليين والمحدثين: كونُ المحدث من أهل العلم والفقه والحفظ وكثرة الرواية ومجالسة العلماء، بل يُشترط ضَبْطُه لِمَا رواه، إما من حِفْظِهِ أو كتابِهِ وإنْ كان قليلا عِلْمُه؛ إذْ عُلِمَ من إجماع الصدْرِ الأول قبولُ خبر العدل وإنْ كان أُميًا، وممن جاء بعدُ قبول الرواية من صاحب الكتاب وإن لم يحفظه، والروايةُ عن الثقات وإنْ لم يكونوا أهل علم. وقد ذَكَرَ أبو عبد الله الحاكمُ في أقسام الحديث الصحيح المختلَفِ فيه روايةَ الثقات المعروفين بالسماع وصحة الكتاب غير الحُفاظ ولا العارفين، قال: كأكثر مُحَدِّثي زماننا، قال: فهذا مُحتَجٌّ به عند أكثر أهل الحديث، قال: وإنْ لم يَرَ ذلك مالك ولا أبو حنيفة. قال القاضي عياض: والذي أقولُ: إن معنى قول أبي الزناد هذا -وقد رُوي نحوه عن مالكٍ وغيره-: أن هؤلاء لم يكونوا أهلَ ضَبْطٍ لِما رَوَوْه، لا مِنْ حفظهم ولا من كُتُبهم، أو قَصَدُوا إيثارَ أهل العلم وترجيحَ الرواية عن أهل الإتقان والحفظ؛ لكثرتهم حينئذٍ والاستغناءِ =

[31] حَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدثَنَا سُفْيَانُ، ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ الْبَاهِلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلِّفُ ثالثًا لأثَرِ ابن سيرين بأثَرِ سَعْدِ بنِ إبراهيم فقال: [31] (حَدثَنا محمدُ) بن يحيى (بن أبي عُمَر) العَدَني أبو عبد الله (المكي) الحافظُ نزيلُ مكة. روى عن فُضَيل بنِ عِيَاضٍ وأبي معاوية ومُعْتَمِرٍ وَخَلْقٍ، ويروي عنه (م ت س ق) وهلالُ بن العلاء ومُفَضَّلُ بن محمد الجَنَدِيُّ وغيرُهم، وثَّقَهُ ابنُ حِبان. وقال في "التقريب": صدوقٌ صَنَّفَ "المسند"، وكان لازَمَ ابنَ عُيَينَةَ، لكنْ قال أبو حاتم: كانتْ فيه غَفْلَةٌ، من العاشرة، مات سنة ثلاثٍ وأربعين ومائتين. قال: (حدثنا سُفْيان) بن عُيَينَةَ بنِ ميمون الهلالي مولاهم، أبو محمدٍ الأعورُ الكوفي ثم المكي، أحدُ الأئمة الأعلام، ثقة حافظٌ فقيه إمامٌ حُجةٌ إلا أنه تَغَيرَ حِفْظُه بأخَرَةٍ، وكان ربما دَلَّسَ لكنْ عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة ثمانٍ وتسعين ومائة، وله إحدى وتسعون سنة. وإنما فَسَّرْنا (سفيان) بـ (ابن عُيَينَة)؛ لأن الإمامَ مسلمًا إذا ذكَرَ (سفيان) وأطْلَقَ وكان ثانيَ السَّنَدِ .. فهو ابنُ عُيَيْنَةَ كما هنا، أو وَقَعَ ثالثَه .. فهو الثورِي، وهذا في أغلب اصطلاحاته كما يَدُلُّ عليه التصريحُ به بعد التحويل. ثم أتى المؤلِّفُ بحاء التحويل فقال: (خ) أي: حَوَّلَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى السَّنَدَ (و) قال: (حَدَّثَنِي أبو بكرِ) محمدُ (بن خَلَّادِ) بن كثير (الباهلي) البصري. روى عن ابنِ عُيَينة ومُعْتَمِرِ بن سُلَيمَانَ وابنِ فُضَيلٍ وخَلْقٍ، ويروي عنه (م د س ق) وأبو حاتم الرازي وعبدُ الله بن أحمد وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة أربعين ومائتين على الصحيح. ¬

_ = بهم عن سواهم، فأما أنْ لا يُقبل حديثُهم .. فلا، وقد وَجَدْنا هؤلاء رَوَوْا عن جماعة مِمنْ لم يَشْتَهِرْ بِعِلْمٍ ولا إتقان). "إكمال المعلم" (1/ 127 - 128).

-وَاللَّفْظُ لَهُ- قَال: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَينَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ قَال: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما عدل عن المقارنة إلى التحويل، مع أن شيخَ شيخَيه واحد وهو سفيان؛ تورعًا من الكذب على أحَدِ شَيخَيهِ لو جمَعَهما، فلو قال: (حدثنا محمد بن أبي عُمَرَ، وأبو بكرِ بن خَلَّادٍ قالا: حدثنا سفيانُ) .. لكان كاذبا على أبيِ بكر بنِ خَلاد؛ لأنه إنما سَمِعَهُ وهو مُنْفَرِدٌ، وأبو بكرٍ أيضًا إنما سمع سفيانَ وهو مُنْفرِدٌ؛ لأن قولَه: (سَمِعْتُ سفيانَ) بمعنى (حدثني سفيان). ولو قال: (حَدَّثَني محمد بن أبي عُمَرَ وأبو بكرٍ) .. لكان كاذبًا على محمد بن أبي عُمَرَ؛ لأنه إنما سمعه منه ومعه غيرُه، ففائدةُ التحويلِ هنا التورُّع من الكذب على أحَدِ شَيخَيهِ، مع بيان كثرة طُرُقِهِ، فانتَبهْ لهذه الدقيقة؛ فإنها كثيرة في "جامع الإمام مسلم". وأتَى بقوله: (واللفْظُ له) أَي: واللفْظُ الآتي لأبي بكرِ بنِ خَلادٍ لا لمحمد بن أبي عُمَرَ؛ لأنه إنما رَوَى معناه لا لفظَه تَحَرُّزًا من الكذب على محمد بن أبي عُمر، لأنه لو لم يَأتِ بهذه الجملةِ .. لأوْهَمَ أن الشيخَينِ كليهما رَوَيا اللَّفظَ الآتي، مع أن الراويَ له هو أبو بكرٍ فقط. فتَدَبرْ. (قال) أبو بكرِ بن خلَّاد: (سَمِعْتُ سفيانَ بنَ عُيَينةَ) الكوفي الأعورَ يَرْوي (عن مِسْعَرِ) -بكسر الميم وسكونِ السين المهملة وفتحِ العين المهملة- ابن كِدَام -بكسر أوله وتخفيفِ ثانيه- ابن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي، أحد الأئمة الأعلام. روى عن عطاء وسعيد بن أبي بُرْدة والحَكَم وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وسُلَيمَانُ التَّيمِي -وهو أكبر منه- وشعبةُ والثورِي -وهما من أقرانه- وخَلْق، قال محمد بن بشر: كان عنده ألفُ حديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، من السابعة، مات سنة ثلاثٍ أو خمسٍ وخمسين ومائة، وليس في مسلم (مِسْعَرٌ) إلا هذا. (قال) مِسْعَرُ بن كِدَام: (سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ إبراهيمَ) بنِ عبد الرحمن بن عوف الزهْريَّ المدنيَّ قاضيَ المدينة.

يَقُولُ: لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلا الثِّقَاتُ. [32] وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ -مِنْ أَهْلِ مَرْوَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن أنس وعبدِ الله بن جعفر وعبدِ الله بن شَداد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنُه إبراهيمُ والحَمادانِ والسُّفْيانانِ وأبو عَوَانة وغيرُهم، قال شعبةُ: كانَ ثَبْتًا فاضلًا، يصومُ الدهر، ويختمُ في يوم وليلة. وقال في "التقريب": كان ثقة فاضلًا عابدًا، من الخامسة، مات سنة خمسٍ وعشرين ومائة، وقيل: بعدها، وهو ابنُ اثنتين وسبعين سنة. حالةَ كَوْنهِ (يقولُ: لا يُحَدِّثُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقاتُ) أي: لا يُقْبَلُ حديثُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا من الحُفاظِ الثقاتِ المُتْقِنين الضابطين العُدُولِ؛ لأنَّ هذا الحديث دِينٌ، والدِّينُ أمانةٌ، والأمانةُ لا تُؤْخَذُ إلا من أهلها. وهذا السَّنَدُ من خُماسياته: واحدٌ منهم مكي أو بصري، وثلاثةٌ كوفيون، وواحدٌ مدني. ثم استدل المؤلِّفُ على الجزء الأول من الترجمة وهو قوله: (أَن الإسنادَ من الدِّينِ) بأثَرِ عبد الله بن المبارك فقال: [32] (وحَدَّثَني محمدُ بن عبد الله بنِ قُهْزَاذَ) قال النووي: (بقاف مضمومة، ثم هاء ساكنة، ثم زاي، ثم ألف، ثم ذال معجمة، هذا هو الصحيحُ المشهورُ المعروفُ في ضَبْطه، وحَكَى صاحب "مطالع الأنوار" (¬1) عن بعضهم: أنه قيَّده بضمِّ الهاء وتشديد الزاي وهو غيرُ منصرفٍ للعلمية والعجمة) (¬2). أبو جابرٍ المَرْوَزِيُّ، ولهذا قال المؤلِّفُ: (من أهل مَرْوَ) بلدةٍ من بلاد العجم مشهورةٍ، قال النووي: (ومَرْوُ غيرُ مصروفة -للعلمية والتأنيث- وهي مدينةٌ عظيمةٌ بخُراسان، وأُمهاتُ مدائنِ خُراسان أربع: نيسابورُ، ومَرْوُ، وبَلْخُ، وهَرَاةُ، والله أعلم) اهـ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "مشارق الأنوار" (2/ 199). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 87). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 88).

قَال: سَمِعْتُ عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْمُبَارَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن جعفرِ بنِ عَوْنٍ ويعلى بنِ عُبَيدٍ والنضْرِ بنِ شُمَيلٍ، ويروي عنه (م) وزكريا خَيَّاطُ السنةِ وابنُ أبي داود وغيرُهم، قال ابنُ أبي حاتم: ثقة. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وستين ومائتين. قال النووي: (وقال ابنُ ماكولا (¬1): مات محمدُ بن عبد الله بنِ قُهْزَاذَ يوم الأربعاء لعشرٍ خَلَوْنَ من المحرم سنة اثنتين وستين ومائتين، فتحَصَّلَ من هذا أن مسلمًا رحمه الله تعالى مات قبل شيخه هذا بخمسةِ أشهرٍ ونصفٍ كما قدمناه من تاريخ وفاة مسلم رحمه الله تعالى) (¬2). (قال) محمدُ بن عبد الله: (سَمِعْتُ عَبْدَانَ) بفتح العين وسكون الباء، وهو لَقَبٌ له ويُسَمَّى عبدَ الله (بنَ عثمانَ) بن جَبَلَةَ -بفتح الجيم والموحدة- ابن أبي رَوَّاد -بفتح الراء وتشديد الواو- الأزدي العَتكي -بفتحتين- نسبة إلى العَتيك بَطْنٍ من الأزد، أبا عبد الرحمن المَرْوَزي الحافظ المشهور. روى عن شُعْبة ومالكٍ وابنِ المبارك، ويروي عنه (خ م د ت س) والذُّهْليُّ وخَلْق. قال في "التقريب": ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين في شعبان. حالةَ كونه (يقولُ: سَمِعْتُ عبدَ الله بنَ المُبَارَكِ) بن واضح الحَنْظَلي مولاهم، أبا عبد الرحمن المروزي، أحدَ الأئمةِ الأعلام وشيوخ الإسلام. روى عن حُمَيدٍ وإسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ وحُسَينٍ المُعَلم وسُلَيمَانَ التيمي وهشامِ بنِ عُرْوة وجماعاتٍ من التابعين، ويروي عنه (ع) والسفْيانان -وهما من شيوخه- ومُعْتَمِرٌ وابنُ مهدي وسعيدُ بن منصورٍ وجماعاتٌ من كبارِ العلماء وأئمة عصره. وقد أَجْمَعَ العلماءُ على جلالتِهِ وإمامتِهِ وكبر محلِّه وعُلُوِّ مرتبتِه، قال ابنُ المبارك: كَتَبْتُ عن أربعةِ آلافِ شيخٍ فرَوَيتُ عن ألفِ شيخٍ. ¬

_ (¬1) "الإكمال" (7/ 129). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 87).

يَقُولُ: الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلا الإسْنَادُ .. لَقَال مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ. وَقَال مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدثَنِي الْعَباسُ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابنُ عُيَينَة: ابنُ المباركِ عالِمُ المشرقِ والمغربِ وما بينهما. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ فقيهٌ عالمٌ جوادٌ مجاهد، جُمِعَتْ فيه خصالُ الخير (¬1)، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. حالة كونهِ (يقولُ: الإسنادُ) أي: رَفْعُ الحديثِ إلى راويه والقَوْلِ إلى قائله (من) حِفْظِ (الدِّينِ) والسنة والشريعة، (ولولا الإسنادُ) مشروطٌ في قَبُولِ الحديثِ عن راويه ( .. لَقَال مَنْ شاءَ) مِنْ أهلِ الأهواءِ والأغبياءِ (ما شَاءَ) من الأحاديثِ الموضوعةِ والأقاويلِ المُفْتَراةِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُسْتَدِلًا على شهواتهِ ومسالكِه الباطلةِ ومذاهبِه الزائغة، كما فعَلَه كثيرٌ من أهل البدَعِ والخُرافات. وغَرَضُ المؤلِّفِ بِسَوْقِ هذا الأثَرِ: الاستدلال على الجزء الأَول من الترجمة كما مر آنفًا. وهذا الإسنادُ من ثُلاثياته في الأثرِ. قال النووي: (وفيه لطيفةٌ غريبةٌ من لطائف الإسناد وهي: أن رجاله -أعني هؤلاء الثلاثةَ المذكورين: محمدًا وعَبْدان وابنَ المبارك- كلهم خُرَاسانِيون مَرْوَزِيُّون، وهذا قَل أنْ يَتفِقَ مِثْلُه في هذه الأزمان) (¬2). ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى المتابعة في أثَرِ عبد الله بن المبارك فقال: (وقال) لنا (محمدُ بن عبد اللهِ) بن قُهْزَاذَ: (حَدثَني العَباسُ بن أي رِزْمَةَ) بكسر الراء وسكون الزاي، وفي "التقريب" يُقال: صوابُه عبد العزيز بن أبي رِزْمَة، اليَشْكُري مولاهم، أبو محمد المَرْوَزِي ثقة، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين. يروي عنه (د ت)، واسمُ أبي رِزْمة: غَزْوانُ، وليس في كتب الرِّجال: العباسُ بن أبي رِزْمة. ¬

_ (¬1) انظر هذه الخصال في "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 88). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 87).

قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: بَينَنَا وَبَينَ الْقَوْمِ: الْقَوَائِمُ، يَعْنِي الإِسْنَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عبدُ العزيزِ بن أبي رِزْمَةَ: (سَمِعْتُ عبدَ الله) بنَ المباركِ (يقولُ: بينَنا) معاشر المُحَدِّثين المتأخِّرين (وبينَ القومِ) السابقين، يعني الصحابةَ الذين نَقَلُوا الحديثَ من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة (القوائمُ) أي: الوسائطُ الذين هُمْ مِثْلُ القوائمِ للحيوان؛ أي: مِثْلُ الأرجُلِ والأيدي التي يقومُ بها الحيوانُ، فكَمَا أنه لا يُمْكِنُ وجودُ الحيوانِ إلا بالقوائم .. لا يُمْكِنُ وصولُ الحديثِ إلينا إلا بواسطتهم، ففيه استعارة تصريحية، حيث استعارَ قوائمَ البهائمِ للرُّواة. قال عبدُ العزيزِ بن أبي رزمَةَ: (يعني) عبدُ الله بن المباركِ بالقوائم: (الإسنادَ) أي: الرجال المُسلسلين بينه وبينَ الصحابةِ الناقلين عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبارةُ النووي هنا: (ومعنى هذا الكلام: إنْ جاء الحديثُ بإسنادٍ صحيحٍ .. قَبلْنَا حديثَهُ، وإلا .. تَرَكْنَاه، فجعل الحديثَ كالحيوان لا يقومُ بغيرِ إسنادٍ، كما لَا يقومُ الحيوانُ بغير قوائم) (¬1). وعبارةُ السنوسى هنا: (جعل الحديثَ كالحيوانِ أو كالبيتِ لا يقومُ بغيرِ قوائم، وقوائمُ الحديثِ إسنادهُ) اهـ (¬2). قال النووي: (ثم إنه وَقَعَ في بعض الأُصول: "العَباسُ بن رزْمَة" (¬3)، وفي بعضها: "العَبَّاسُ بن أبي رِزْمَةَ"، وكلاهما مُشْكِلٌ، ولم يَذْكر البُخاري في "تاريخه" وجماعة من أصحاب كتُبِ أسماء الرجال "العَباسَ بن رزْمَة"، ولا "العَباسَ بن أبي رِزْمة"، وإنما ذَكَرُوا عبد العزيز بن أبي رِزْمة أَبا محمد المَرْوَزِي، سمع عبد الله بن المبارك، ومات في المُحَرم سنة ست ومائتين، واسمُ أبي رِزْمَة: غَزْوَان، والله أعلم) اهـ (¬4). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 88). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 250). (¬3) انظر "تحفة الأشراف" (13/ 260)، و"تهذيب الكمال" (14/ 211). (¬4) "شرح صحيح مسلم" (1/ 88).

وَقَال مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالقَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وغرَضُ المؤلِّفِ بسَوْقِ هذا السنَدِ: بيانُ متابعة عبد العزيز بن أبي رِزْمَةَ لعَبْدان بن عثمان في رواية هذا الأثَرِ عن عبد الله بن المبارك، وإنما كَرَّرَ المَتْنَ لِمَا في الرواية الثانية من المُخالفة للرواية الأُولى. ورجالُ هذا السنَدِ ثلاثة أيضًا كُلُّهم مَرْوَزيُّون. ثم ذَكَرَ المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ عبد الله بن المبارك ثانيًا فقال: (وقال) لنا (محمدُ) بن عبد اللهِ بنِ قُهْزَاذَ: (سمعتُ أبا إسحاقَ إبراهيمَ) بنَ إسحاق (بنَ عيسى) البُنَاني مولاهم -بضم الباء وتخفيف النون- نِسْبة إلى بنانة من بني سَعْد بن لُؤَيّ بن غالب كما في "اللباب" (1/ 178) (¬1) (الطالقَانِي) بفتح الطاء، وسكون اللام وفتحها، وقاف، نسبة إلى طالقان: اسمِ بَلَدِ بين مَرْوَ الرُّوذ وبَلْخَ مما يلي الجبلَ من بلاد خُراسان، وإليها يُنْسَبُ إبراهيم هذا، وليس منسوبًا إلى طالقان قَزْوين، نزيل مَرْو، وربما نُسِبَ إلى جَده عيسى كما هنا في "صحيح مسلم". روى عن ابن المبارك ومالكٍ والدَّرَاوَرْدي والوليدِ بن مسلم ومُعْتَمِرِ بنِ سُلَيمَانَ وابنِ عُيَينَة وغيرهم، ويروي عنه (د ت مق) وأحمدُ بن حنبل ويحيى بن مَعِين والحُسَينُ بن محمد البَلْخِي ومحمدُ بن عبد الله بن قُهْزَاذَ وعِدة. قال ابنُ مَعِين: ثقةٌ، وفي موضع آخر: ليس به بأس، وقال يعقوب بن شَيبة: ثقةٌ ثَبْت يقولُ بالإرْجاء، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابنُ حِبان في "الثقات": يُخْطِئُ ويُخَالِفُ، وقال إبراهيم بن عبد الرحمن الدارمي: روى عن ابن المبارك أحاديثَ غرائبَ. وقال في "التقريب": صدوقٌ يُغرب، من التاسعة، مات بمَرْوَ سنة خمس عشرة ومائتين. وغَرَضُه بسَوْقِ هذا السند: بيانُ متابعةِ الطَالقاني لعَبْدان بن عثمان. ¬

_ (¬1) ونسبه ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه" (1/ 606) إلى (بنان) قرية من قرى مرو الشاهجان، ثم قال: (وقيل: هو مولى بُنانة).

قَال: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرحْمنِ؛ الْحَدِيثُ الذِي جَاءَ: "إِن منَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ: أَنْ تُصَلِّيَ لِأَبَوَيكَ مَعَ صَلاتِكَ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ"، قَال: فَقَال عَبْدُ اللهِ: يَا أَبَا إسْحَاقَ؛ عَمنْ هَذَا؟ قَال: قُلْتُ لَهُ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو إسحاق: (قلتُ لعبدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ) الحنظلي المَرْوزيّ: (يا أبا عبد الرحمنِ) كُنْية عبد الله بن المبارك (الحديثُ) مبتدأ (الذي جاء) ورُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والموصولُ صفة للمبتدإ؛ أي: رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بلَفْظِ: ("إن من البِرِّ) الكامل المطلوبِ، والإحسانِ الجميل المندوب لك أيها الإنسانُ (بعدَ البِر) والخيرِ الذي فَعَلْتَهُ لنفسك، والجازُ والمجرورُ في قوله: (إن من البِر) خبر مُقَدم لإن، واسمُها المصدرُ المُنْسَبِكُ من جملةِ قوله: (أنْ تُصَلِّيَ) الصلاةَ الشرعيةَ المندوبةَ (لأبَويكَ) أي: لوالِدَيكَ (مَعَ صَلاتكَ) الصلاةَ الشرعيةَ لنفسك، أو المرادُ بالصلاةِ: الصلاةُ اللغوية وهي الدعاءُ، وهذا لا خلافَ فيه في مطلوبيته. (و) إن من البر بعدَ البِر أنْ (تَصُومَ لهما) أي: للوالدَين الصومَ الشرعي (مَعَ صَوْمكَ") لنفسِكَ، أو المعنى: إن من البِر للوالدَينِ بعدَ موتهما -بعدَ البِرِّ والإحسان إليهما في حياتِهما- أنْ تُصَلِّي لهما مع صلاتك وتصومَ لهما مع صَوْمِك، وخبرُ المبتدإ في قوله: (الحديثُ الذي جاءَ) محذوف تقديرُه: الحديثُ الذي جاءَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ هل هو صحيح أم لا؟ فأجابه بقوله: ليس بصحيحٍ في ضِمْنِ قوله: (قال يا أبا إسحاق ... ) إلخ. (قال) أبو إسحاق: (فقال) لي (عبدُ اللهِ) بن المباركِ في الجواب: (يا أبا إسحاقَ؛ عَمَّنْ) رُويَ (هذا) الحديثُ؟ (قال) أبو إسحاق: (قلتُ له) أي: لعبدِ اللهِ بنِ المبارك: (هذا) الحديثُ (من حديثِ شِهابِ بنِ خِرَاشٍ) بالخاء المعجمة المكسورة؛ أي: من حديثٍ رواه شِهَابُ بن خِرَاشِ بنِ حَوْشَبٍ الشيباني أبو الصَّلْتِ الواسطي، ابنُ أخي العَوام بن حَوْشَب، نزل الكوفة.

فَقَال: ثِقَةٌ، عَمَّنْ؟ قَال: قُلْتُ: عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، قَال: ثِقَةٌ، عَمنْ؟ قَال: قُلْتُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، قَال: يَا أَبَا إِسْحَاقَ؛ إِن بَينَ الْحَجاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَينَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ، وَلكِنْ لَيسَ فِي الصدَقَةِ اخْتِلافٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": له ذِكْرٌ في مقدمة مسلم، صدون يُخْطِئُ، من السابعة، يروي عنه (د). (فقال) عبدُ اللهِ بن المبارك لأبي إسحاق: شِهَابُ بن خِراشٍ هو (ثِقة) في نفسه فـ (عَمنْ) رَوَى شهابٌ هذا الحديثَ وعمَّنْ أخَذَ منه؟ (قال) أبو إسحاق: (قلتُ) لعبدِ اللهِ بنِ المبارك: شِهَابُ بن خِرَاشٍ رَوَى هذا الحديثَ (عن الحَجاجِ بنِ دِينارِ) الواسطي. قال في "التقريب": لا بأسَ به، وله ذِكْر في مقدمة مسلم، من السابعة، يروي عنه (د ت سي ق). (قال) عبدُ اللهِ: حَجَّاجُ بن دينارٍ هو (ثِقَةٌ) في نفسه فـ (عَمَّنْ) رَوَى هذا الحديثَ؟ (قال) أبو إسحاق: (قلتُ) لعبدِ اللهِ بنِ المباركِ: فإنه يقولُ في راويته (قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) بلا ذِكْر واسطةٍ بينَه وبينَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم! (قال) عبدُ اللهِ بن المبارك: (يا أبا إسحاقَ؛ إن بينَ الحَجاج بن دينارِ وبينَ النبي صلى الله عليه وسلم مَفَاوزَ) أي: مسافاتٍ بعيدةً (تَنْقَطعُ) وتعجزَ (فيها) أي: في تلك المَفَاوزِ (أعناقُ المَطِي) أي: أعناقُ الإبلِ المركوبَةِ عن مَدِّها الذي يَحْصُلُ لها عند النشاط وتَنْثَنِي وَتعْطِفُ؛ لعَجْزِهَا عن السيرِ لطول المسافة. والأعناقُ: جمعُ عُنُقٍ، وهو الرقبة، والمَطِي: المركوبُ سواء كان من إبلٍ أو غيرِها، والأكثرُ استعمالُها في الإبل، سُمِّيَتْ مَطِيَّةً لأنها تُطْوَى بها المسافةُ في السير. فليس هذا الحديثُ بصحيحٍ؛ لانقطاعِ سَنَده، فلا يَصِح الاحتجاجُ به على صِحةِ الصلاةِ للوالدَينِ أو الصومِ لهما (ولكنْ ليس في) وُصُولِ ثوابِ (الصدَقَةِ) عنهما إليهما وانتفاعِهما بها (اختلاف) ونِزَاعٌ بين المسلمين؛ لثبوتِ جواز التصدقِ عنهما بالنص الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: (معنى هذه الحكايةِ: أنه لا يُقْبَلُ الحديثُ إلا بإسنادٍ صحيحٍ. وقولُه "مَفَاوزَ": جمعُ مَفَازَةٍ، وهي الأرضُ القَفْرُ البعيدةُ عن العمارةِ وعن الماء التي يُخَافُ الهلاكُ فيها. قيل: سُمِّيَتْ مَفَازَةً للتفاؤُلِ بسلامةِ سالِكها كما سمّوا اللدِيغَ سليمًا، وقيل: لأن مَنْ قَطَعَهَا .. فازَ ونجا، وقيل: لأنها تُهْلِكُ صاحبَها، يقال: فَوزَ الرجلُ إذا هَلَكَ. ثُمَّ إن هذه العبارةَ التي استعملها هنا استعارة حَسَنة، وذلك لأن الحَجاجَ بنَ دينارٍ هذا من تابعي التابعين، فأقَلُّ ما يُمْكِنُ أن يكون بينَهُ وبينَ النبي صلى الله عليه وسلم اثنان: التابعي والصحابيُّ، فلهذا قال "بينهُما مَفَاوزُ" أي: انقطاع كثير. وأمَّا قولُه: "فليس في الصدَقَةِ اختلافٌ" فمعناه: أن هذا الحديث لا يُحْتَج به ولكنْ مَنْ أرادَ بِرَّ والديهِ .. فليتصدق عنهما؛ فإن الصدقة تَصِلُ إلى الميت، ينتفعُ بها بلا خلافٍ بين المسلمين؛ وهذا هو الصواب. وأما ما حكاه أقضى القُضاةِ أبو الحسن المَاوَرْدِي البصري الفقيهُ الشافعي في كتابه "الحاوي" عن بعض أصحاب الكلامِ مِنْ أن الميتَ لا يَلْحَقُه بعد موته ثواب .. فهو مذهبٌ باطلٌ قَطْعًا، وخَطَأٌ بيِّن مُخَالِف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا التفاتَ إليه ولا تعريجَ عليه. وأما الصلاةُ والصومُ: فمذهبُ الشافعي وجماهيرِ العلماء: أنه لا يَصِلُ ثوابُهما إلى الميت، إلا إذا كان الصومُ واجبًا على الميت فقَضَاهُ عنه وَليه أو مَنْ أذِنَ له الوَلي .. فإن فيه قولَينِ للشافعي، أشهرُهما عنه: أنه لا يَصِح، وأصَحهما عند مُحَقِّقي متأخري أصحابهِ: أنه يصِح، وستأتي المسألةُ إنْ شاء الله تعالى في كتاب الصيام. وأمَّا قراءةُ القرآنِ: فالمشهورُ من مذهب الشافعي أنه لا يصِلُ ثوابُها إلى الميت، وقال بعضُ أصحابِه: يصِل ثوابُها إلى الميت، وذَهَبَ جماعاتٌ من العلماء إلى أنه يصِلُ إلى الميت ثوابُ جميع العبادات من الصلاة والصوم والقراءةِ وغير ذلك. وفي "صحيح البخاري" في "باب مَنْ مات وعليه نَذْرٌ" (¬1): أن ابنَ عُمَرَ أمَرَ مَنْ ¬

_ (¬1) "فتح الباري" (11/ 583) في كتاب الأَيمان والنذور في ترجمة (30 - باب مَن مات وعليه =

(8) باب الكشف عن معايب رواة الحديث ونقلة الأخبار وقول الأئمة في ذلك

(8) بَابُ الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُواةِ الْحَدِيثِ ونَقَلَةِ الأَخْبَارِ وَقَوْلِ الأَئِمةِ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مَاتَتْ أمُّها وعليها صلاة أنْ تُصَلِّي عنها. وحكى صاحبُ "الحاوي" عن عطاء بنِ أبي رَبَاح وإسحاقَ بنِ رَاهُويه أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت، ومال الشيخُ أبو سَعْدٍ عبدُ الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه "الانتصار" إلى اختيارِ هذا. وقال الإمام أبو محمدٍ البَغَويُّ من أصحابنا في كتابه "التهذيب": لا يَبْعُدُ أنْ يُطْعَم عن كل صلاةٍ مُدٌّ من طعام، وكُل هذه المذاهب ضعيفةٌ، ودليلُهم: القياسُ على الدُّعاء والصدقةِ والحجِّ، فإنَّها تَصِلُ بالإجماع. ودليلُ الشافعيِّ ومُوافقِيهِ: قولُ اللهِ تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابنُ آدمَ .. انْقَطَعَ عملهُ إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ أو عِلْم يُنتفَعُ به أو وَلَدٍ صالحٍ يدعو له". واختلف أصحابُ الشافعيِّ في ركعتي الطواف في حَج الأجير هل تَقَعَانِ عن الأجيرِ أم عن المستأجر؟ والله أعلم) اهـ من "النووي" رحمه الله تعالى (¬1). (8) باب الكشف عن معايب رواة الحديث ونقلة الأخبار وقول الأئمة في ذلك أي: هذا بابٌ في الاستدلال على جواز كَشْفِ وبيانِ عُيُوبِ رُواةِ الحديث من الأُمور التي تُوجِبُ عدمَ قبولِ حديثهم وتَرْكَ الاحتجاجِ به، كالخَطَإ والغفلةِ والوَضْعِ والكَذِب والاختلاطِ والاضطرابِ ممَّا يُوجبُ ضَعْفَهم، كسَب الصحابة رضوان الله عليهم. يُقال: كَشَفَ عن الشيء إذا بيَّنَه وأظْهَرَه للغير، والمَعَايِب: جَمْعُ مَعَاب، والمَعَابُ كالمَعَابة والمَعِيب، والعَابِ: الوَصْمَةُ والنقِيصةُ والرذيلة. وبابُ بيانِ حالِ نَقَلَةِ الأخبارِ وحُمَّالِ الآثارِ ورُوَاةِ الأحاديث من الضبْط والإتقان والحِفْظِ والثباتِ، ممَّا يُوجِبُ صِحَّةَ حديثهم وقَبُولَه وقُوَّتَهُم في أنفسهم، والنَّقَلَةُ: ¬

_ = نَذْر) بلفظ: وأمَرَ ابنُ عُمر امرأة جَعَلَتْ أُمها على نفسها صلاةَ بقُباء، فقال: (صَلي عنها). ووقع في "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 25): (من ماتت أمه ... أن يصلي عنها) وفيه تحريفان. (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 89).

وَقَال مُحَمد: سَمِعْتُ عَلِي بْنَ شَقِيقٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ عَلَى رُؤوسِ النَّاسِ: دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ جمعُ ناقِل ككَامِلٍ وكَمَلَة، وهو: مَنْ يَنْقُلُ الحديثَ ويرويه عن غيرِه، وبيانِ قول أئمةِ الحديث وحُفَّاظِه ونُقَّادِه في ذلك؛ أي: في كَشْف وبيانِ معايب الضعفاء والمتروكين من رُواة الحديث. ثم استدل المؤلِّفُ على الترجمة بقول عبد الله بن المبارك فقال: (وقال) لنا (محمدُ) بن عبد اللهِ بنِ قُهْزَاذَ المَرْوَزِي: (سمعتُ عَلِي) بنَ الحَسَنِ (بنَ شَقِيقِ) بن دينار بن مِشْعَب العبدي مولاهم -شُهِرَ بنِسْبَتِه إلي جَده شَقِيق- أبا عبد الرحمن المروزي، أحَدَ المشايخِ المشهورين. روى عن الحُسَينِ بن واقد وابنِ المبارك وعبدِ الوارث بن سعيد وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وابنُ مَعِين ومحمدُ بن عبد اللهِ بنِ قُهْزَاذَ وخَلْق، قال أحمدُ: لم يكن به بأس، رَجَعَ عن الإرجاء. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، من كبار العاشرة، مات سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل: قبل ذلك. حالةَ كونِه (يقولُ: سمعتُ عبدَ الله بنَ المُبَارَكِ) بن واضح المَرْوَزِي، حالةَ كونهِ (يقولُ على رؤوس الناسِ) وأعيانِهم وأشرافِهم وعلمائِهم: (دَعُوا) أيها المُحَدِّثُون، أمْرٌ من وَدَعَ بمعنى تَرَكَ؛ أي: اتْرُكُوا أيُها الناسُ (حديثَ عَمْرِو بنِ ثابتٍ) هو عَمْرو بن ثابت بن هُرْمُز البكريُّ أبو محمد الكوفي، وهو عَمْرُو بن أبي المقدام الحَداد، مولى بَكْر بن وائل. روى عن أبيه وأبي إسحاق السَّبِيعي والأعمشِ وغيرِهم، وذَكَرَ أنه رأى راعيًا رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه أبو داود الطيالسي ويحيى بن أبي بُكَيرٍ ويحيى بن آدم وعبدُ اللهِ بن صالح العِجْلِي وسعيدُ بن منصورٍ وآخرون. قال الحَسَنُ بن عيسى: تَرَكَ ابنُ المبارك حديثَه، وقال هَنَادُ بن السَّرِي: لم يُصَلِّ عليه ابنُ المبارك، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيفُ الحديث، وزاد أبو حاتم: كان رديءَ الرأْيِ شديدَ التشيع.

فَإِنهُ كَانَ يَسُبُّ السلَفَ. [33] وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ النضْرِ بْنِ أَبِي النضْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآجُرِّيُّ عن أبي داود: رافضي خبيث. وتوفي في خلافة هارون سنة اثنتين وسَبْعِين ومائة، وبالجملة فهو مُتفَق على ضَعْفِهِ. أي: سمعتُ ابنَ المبارك يقول: اتْرُكُوا أيها الناسُ روايةَ حديثِ عَمْرِو بنِ ثابتٍ الكوفي (فإنه) أي: فإنَّ عَمْرَو بنَ ثابتٍ رافضي خبيث من شِرَارِ الناس؛ لأنه (كان يَسُب) ويَشْتِمُ (السلَفَ) الصالحَ من الصحابة والتابعين، فسَب السلفِ من أسباب الجَرْح، فلا ترْوُوا حديثَه؛ فإنه غيرُ مقبول. ورُوَاةُ هذا الأثَرِ كُلُّهم مرْوَزِيُون، وغَرَضُه: الاستدلالُ به على جوازِ كَشْفِ معايب الرُّواة والتحذيرِ عن رواية أحاديث الضعفاء، وعلى وجوب الرواية عن الثقات بطريق المفهوم، وعلى قول الأئمة فيهم، فدَلَّ على أجزاء الترجمة كُلها. ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لأثَرِ عبد الله بن المبارك بالنظر إلى الجزء الثاني من الترجمة، وهو بيانُ حالِ نَقَلَةِ الأخبار بأثَرِ القاسمِ بن عُبَيد الله فقال: [33] (وحَدثني أبو بكرِ) كنيتُه اسمُه على المشهور، وقال عبدُ اللهِ بن أحمد الدَّوْرَقِي: اسمُه أحمد، وقال الحافظُ أبو القاسم ابنُ عساكر: اسمُه محمد (¬1) الحافظُ البغدادي (بن النضْر بنِ أبي النضْر) هاشم بن القاسم. قال النووي: (هكذا وَقَع في الأُصول: "أبو بكر بن النضْر بن أبي النضْر" منسوبًا إلى أبيه النضْر، وأكثرُ ما يُستعمل "أبو بكر بن أبي النضْر" منسوبًا إلى جَدّه أبي النضْر، واسمُ أبي النضْرِ: هاشمُ بن القاسم، ولَقَبُهُ قَيصَر (¬2)). روى عن جَدِّه أبي النضْر ومحمد بن بِشْر وحَجاج بن محمد وغيرهم، ويروي عنه ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 90 - 91). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 90 - 91)، انظر سبب هذا اللقب في "تهذيب الكمال" (30/ 133).

قَال: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثنا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ بُهَيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (م ت س) وأبو قُدامة السرخسيُّ وابنُ أبي خيثمة وأبو يَعْلَى والسَّرَّاجُ -وقال: سألتُه عن اسمِه فقال: اسمي وكُنْيتي أبو بكر- وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقة، من الحادية عشرة، وقال السراجُ: مات سنة خمسٍ وأربعين ومائتين. (قال) أبو بكر: (حَدَّثني) جَدِّي (أبو النَّضْرِ هاشمُ بن القاسمِ) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم، الحافظُ البغدادي، مشهور بكُنْيته ولَقَبُه: قَيصَر) كما مَر آنفًا، خُراساني الأصل. روى عن شُعْبَةَ (¬1) وابن أبي ذئب وحَرِيزِ بنِ عثمان وعكرمة بنِ عَمَّارٍ ووَرْقَاء بن عُمر وزُهَيرِ بنِ معاوية والليثِ وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وابنُه أو حفيدُه أبو بكر بن أبي النضْر وأحمدُ بن حَنبل وإسحاقُ بن رَاهُويه وعلي بن المَديني ويحيى بن مَعِين وآخرون، قال العِجْلِي: ثِقةٌ صاحبُ سُنَّة، كان أهلُ بغداد يَفْخَرُون به. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ، من التاسعة، مات سنة سبعٍ ومائتين، وله ثلاث وسبعون سنة. قال أبو النضْر: (حَدثنا أبو عَقِيلٍ) بفتح العين وكسر القاف، يحيى بن المتوكل الضريرُ المدنيُّ، وقيل: الكوفي (صاحبُ بُهَيةَ) ومولاها. قال النوويُّ): (ضَعَّفَهُ يحيى بن مَعِين وعليُّ بن المَدِيني وعَمْرُو بن علي وعثمانُ بن سعيدِ الداري وابنُ عَمَّارٍ والنسائي، ذَكَرَ هذا كُله الخطيبُ البغداديُّ في "تاريخ بغداد" (1/ 109 - 110) بأسانيده عن هؤلاء) اهـ (¬2). وقال في "التقريب": ضعيفٌ، من الثامنة، مات سنة سبع وستين ومائة. يروي عنه (من د). و(بُهَيَّة) هذه بضم الباء الموحدة وفتحِ الهاء وتشديد الياء، تصغير بَهْيَة بفتح الباء ¬

_ (¬1) قال الحافظ المِزيّ: (سمع منه ما أملاه ببغداد وهو أربعة آلاف حديث). "تهذيب الكمال" (30/ 131). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 91).

قَال: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون الهاء وفتح الياء المخففة، وهي امرأة تَرْوي عن عائشة أُم المؤمنين رضي الله عنها، وهي التي سَمَّتْهَا بهذا الاسم، ذَكَرَه أبو علي الغَسَّاني في "تقييد المهمل" (1/ 114) و (2/ 349)، وكانتْ مولاةً لها، وكان أبو عَقِيل هذا مولى بُهَيَّة، فرَوَى عنها وعُرِفَ بها فنُسِبَ إلى صُحْبَتِها، وقد خَرجَ عنها أبو داود (¬1). وفي "تهذيب التهذيب" (12/ 405): بُهَيَّة مولاةُ أبي بكر، رَوَتْ عن عائشة في الاستحاضة، وعنها أبو عقيل، قلتُ: قال ابنُ عَمار: ليستْ بحُجَّة. قال النووي: (فإنْ قيلَ: فإذا كان حالُ أبي عَقِيل الضعْفَ فكيف رَوَى له مسلم؟ فجوابه من وجهين: أحدُهما: أنه لم يذكره أصلًا ومقصودًا بل ذَكَرَه استشهادًا لما قبله. والثاني: أنه لم يَثْبُتْ جَرْحُه عنده مُفَسرًا، ولا يُقْبَلُ الجَرْحُ عنده إلا مُفَسرًا. وقيل: يُقْبَلُ مطلقًا. ثالثها: يُقبل من العالِم وإنْ لم يَذْكُرِ السَّبَبَ بخلاف غيره) اهـ بزيادة من السنوسي (¬2). ولعلَّ تقييدَ المؤلِّفِ له بـ (صاحبِ بُهَيَّة) احتراز عن أبي عَقِيلٍ -بفتح العين أيضًا- الدَّوْرَقيِّ اسمه بَشِير بن عُقْبَة الناجي السَّامي البصري؛ فإنه ثِقةٌ من السابعة، روى عن مجاهدٍ والحَسَنِ، ويروي عنه (خ م) والقَطَّانُ والأصْمَعِي. (قال) أبو عَقِيل: (كنتُ) أنا (جالسًا) أي: قاعدًا (عندَ القاسمِ بنِ عُبَيدِ اللهِ) ابنِ عَبْدِ الله بن عُمر بن الخَطَّاب العُمري أبي محمد المدنيِّ. روى عن أبيه وعَمِّه سالم، ويروي عنه (م س) ويحيى بن المتوكل أبو عقيل وعاصمُ بن محمد، وَثَّقَهُ ابنُ حِبَّان. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من السادسة، مات في حدود الثلاثين ومائة. ¬

_ (¬1) "سنن أبي داود" (1/ 195) في كتاب الطهارة، (110 باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة)، حديث رقم (284). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 91)، "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 26).

وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَال يَحْيَى لِلْقَاسِمِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؛ إِنهُ قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكَ عَظِيمٌ أَنْ تُسْألَ عَنْ شَيءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ فَلَا يُوجَدَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ وَلَا فَرَجٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) عندَ (يحيى بنِ سعيدِ) بن قيس الأنصاري النجاري أبي سعيدٍ المدني القاضي. روى عن أنسِ بن مالك وأبي سلمة بنِ عبد الرحمن وسعيدِ بنِ المُسَيّب والقاسمِ بن محمد وغيرهم، ويروي عنه (ع) والزهْرِيُّ -وهو من شيوخه- والأوزاعي ومالك والسُّفْيانانِ والحَمَّادان وخلائق، قال ابنُ سَعْد: كان ثقةً كثيرَ الحديثِ حُجَّةً ثَبْتًا. وقال في "التقريب": من الخامسة، مات سنة أربعٍ وأربعين ومائة أو بعدها. (فقال يحيى) بن سعيدٍ الأنصاري (للقاسمِ) بنِ عُبَيد الله العُمَرِي: (يا أبا مُحَمدٍ) وهي كُنْيَةُ القاسمِ كما مَر آنِفًا، سَماه بالكُنْيَة إكرامًا له؛ لأنَّ الخِطابَ بها خطابٌ بصيغة الإكرام كما هي العادةُ المعروفةُ. (إنه) أي: إن الشَّأنَ والحال، وقولُه: (قبيحٌ) مبتدأ ليس له خبرٌ، بل اكْتَفَى بمرفوعه، وهو صفةٌ مشبهةٌ عَمِلَتْ فيما بعدها الرفعَ؛ لاعتمادِها على مخبر عنه من القُبْحِ، وهو ضِد الحُسْن. (على مِثْلِكَ) متعلِّق بقَبيح. وقولُه: (عظيم) صفةٌ لقَبيح، وجملةُ قوله: (أنْ تُسْألَ عن شيء من أمْرِ هذا الدينِ) الإسلاميّ في تأويل مصدرٍ مرفوعٍ على الفاعلية لـ (قَبِيح) أي: إن الشَّأْنَ والحال قبيحٌ عظيم علي مِثْلِكَ، وعارٌ كبيرٌ وعَيبٌ شَنِيع أنْ تُسْألَ وتُسْتَفْتَى عن حُكْمِ من أحكام هذا الدِّين، وتُسْتَخْبَرَ عن أمرٍ من أُمُور هذا الدين (فلا يُوجَدَ) ولا يَحْصُلَ (عندَك) يا أبا محمد جواب (منه) أي: من ذلك الأمرِ الذي سُئِلْتَ عنه ولا يكون عندك (عِلْم) ومعرفةٌ بذلك الأمْرِ الذي هو من أُمُور هذا الدّين الإسلامي فروعًا وأُصولًا، كتابًا وَسُنَّةً. (ولا فَرَجٌ) أي: ولا كَشف وحَل لمشكلاتِه بالجواب الشافي والدليل الكافي. والفاءُ في قوله: (فلا يُوجَدَ) عاطفةُ للجملة الفعليةِ على جملةِ قوله: (تُسْأل) على كَونها مرفوعةً للمبتدإ الذي هو (قَبِيحٌ)، وجملةُ المبتدإ في محلّ الرفع خبرِ إن،

أَوْ عِلْمٌ وَلَا مَخْرَجٌ، قَال: فَقَال لَهُ الْقَاسِمُ: وَعَمَ ذَاكَ؟ قَال: لِأَنكَ ابْنُ إِمَامَي هُدَىً، ابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والتقديرُ: يا أبا محمّدٍ؛ إنّه عار عظيم وعَيبٌ شديدٌ كونك مسؤولًا عن أمْرٍ من أُمور هذا الدِّين وعن حُكْمٍ من أحكامه فعدم وجدان عِلْمه عندك، وعدم حلّ مشكلاته منك. (أو) قال يحيى بن سعيدٍ بَدَلَ قوله: (عِلْم ولا فَرَج): فلا يُوجَد عندك منه (عِلْم ولا مَخْرَج) أي: فلا يُوجَد عندك سَبَبُ مَخْرَجٍ من مُشكلاته، وهو الجوابُ الكافي والحَلُّ الشافي، و (المَخْرَج) مصدرٌ ميمي بمعنى الخروج؛ أي: سبب خروج من مشكلاته وجهله وهو الجواب الوافي، والبيان الصافي، والشك من أبي عَقِيل فيما قاله يحيى بن سعيدٍ من كلمتَي (فَرَج) و (مَخْرَج)، والمعنى واحد. (قال) أبو عَقِيل -وفي بعض النُّسَخ إسقاطُ (قال) من هنا- (فقال له) أي: ليحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ (القاسمُ) بن عُبَيد الله مُسْتَفْهِمًا عن سبب كون ذلك عَيبًا عنده: (وعَمَّ) أي: ولأجْلِ ما (ذاك؟ ) أي: كون عدم وجدان عِلْم أو مَخْرجٍ منه عندي عَيْبًا عظيمًا على مثلي، وعَمَّ قلتَ ذلك الكلام؟ وقولُه: (عَمَّ) جارٌّ ومجرورٌ خبر مُقَدَّم لـ (ذاك)، و (ما) استفهامية حُذِفَتْ ألِفُها؛ فَرْقًا بينها وبين ما الموصولة إذا دَخَل عليها حرفُ الجَر، نظيرُ قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}. (وذاك): اسمُ إشارةٍ للمفرد المذكر القريب أو المتوسّطِ في محل الرفع مبتدأ مؤخر وجوبًا؛ لكون الخبر مما يلزمُ الصدارة؛ أي: كون ذلك المذكور عيبًا على مثلي بأي سبب ولأجلّ أيّ عِلّة؟ (قال) يحيى بن سعيدٍ: وإنما كان عَدَمُ وجدانِ عِلْمٍ أو مَخْرَجٍ منه عَيبًا عظيمًا على مِثْلِكَ (لأنّك) يا أبا محمّدٍ (ابن إمامَي) ورئيسي (هُدىً) هذا الذين وأحكامه وابنُ مرجعَيْ مشكلات هذا الدين. وقولُه: (ابنُ أبي بكرٍ) الصديق (و) ابن (عُمَرَ) بن الخطاب بواسطةِ والدَيْكَ: بدلٌ من (ابنُ إمامَي هُدى)، بدلَ تفصيلٍ من مُجْمَل.

قَال: يَقُولُ لَهُ الْقَاسِمُ: أَقْبَحُ مِنْ ذَاكَ عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ أَنْ أَقُولَ بِغَيرِ عِلْم، أَوْ آخُذَ عَنْ غَيرِ ثِقَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: (إنما صَحَّت النسبتانِ على القاسم لأن أباه هو عُبَيدُ اللهِ بن عبد الله بن عُمر، وأُمه هي ابنةُ القاسم بن محمد بن أبي بكر، وباسم جَدِّه هذا كان يُكنى، فعُمَرُ جَدُّه لأبيه الأعلى، وأبو بكرٍ جَده الأعلى لأُمه، فصَدَقَتْ عليه النِّسْبتان) (¬1). (قال) أبو عَقِيل: (يقول له) أي: ليحيى الأنصاري (القاسمُ) أي: يقول القاسمُ ليحيى، فالمضارعُ هنا بمعنى الماضي، وعَبَّرَ بالمضارع حكايةً للحال الماضية، والمعنى: قال أبو عَقِيل: فقال القاسمُ ليحيى في الجواب: (أقْبَحُ) واللهِ وأشْنَعُ (من ذاك) الذي قُلْتَه من كَوْنِ فِقْدانِ فَرَجٍ ومَخْرَجٍ وجوابٍ لمَا سُئِلْتُ عنه عندي قَبيحًا، وقوله: (أقْبَحُ) خبرٌ مُقَدَّمٌ، وأتَى بالقَسَم تَأكيدًا للكلام، وقولُه: (من ذاك) مُتَعَلِّقٌ بأقْبَحَ، وكذلك قولُه: (عندَ مَنْ عَقَلَ) وعَرَفَ معرفةً حَقَّةً صادقةً صادرةً (عنِ اللهِ) سبحانه وتعالى .. متعلِّق به. والمصدرُ المُنْسَبِكُ عن جملة قوله: (أنْ أقولَ) وأُفتيَ وأُحَدِّثَ وأُجِيبَ (بغيرِ عِلْم) جازمٍ ومعرفةٍ يقينيةٍ .. مبتدأ مؤخر، والتقدير: وقولي في جوابِ ما سُئِلْتُ عنه منَ أمْرِ هذا الذين بغير عِلْمٍ ومعرفةٍ عندي، وجوابي عنه بغير دليلٍ من الكتاب والسُّنَّة .. أشَدُّ قُبْحًا وأشَدُّ شَناعَةً وأخوفُ عُقوبةً من قُبْحِ عدم وجْدانِ الجواب عندي عندَ مَنْ عَرَف بحُكْمِ شَرْعِ الله تعالى معرفةً صادرة عن معرفة كتابِ الله تعالى وسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لدخولي حينئذٍ في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتعمدًا .. فليتبوأْ مقعدَه من النار"؛ لأني إنما أُجيبُ حينئذٍ بادعاء معرفة كتابِ الله تعالى وسُنَّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس عندي معرفتُهما، فأكون حينئذ كاذبًا على رسوله صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك الوعيدُ منطبقًا عَلَيَّ، ولأن قولَ المَرْء فيما لا يعْلَمُ: (واللهُ أعلمُ) من مَئِنةِ عِلْمِه. وقولُه: (أو آخُذَ عن غيرِ ثِقَةٍ) معطوفٌ على (أنْ أقولَ)، فهو في تأويلِ مصدرٍ ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 127).

قَال: فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَه. [34] وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِي، قَال: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَينَةَ يَقولُ: أَخْبَروني عَنْ أَبي عَقِيلٍ صَاحِبِ بُهَيّةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوفٍ على مصدرٍ منسبكٍ من جملةِ (أنْ أقولَ)، والتقديرُ: وقولي في جوابِ ما سُئِلْتُ عنه من أمر هذا الذين بغير شبهة علم، أو أخذي ما هو شبهة علم عن غير ثقةٍ مأمون، فجوابي به ذلك السؤال أقْبَحُ عندَ مَنْ عَقَلَ عن الله سبحانه وتعالى من ذاك؛ أي: من قبح عدم وجْدان جواب ما سُئلت عنه من أمر هذا الذين عندي؛ لكوني ابنَ إمامَيِ الهدى والشريعة؛ لأنَّ العِلْمَ ليس بالنَسَب بل بالتعلُّم. (قال) أبو عَقِيل: (فَسَكَتَ) يحيى بن سعيد. وقولُه: (فما أجَابَهُ) تأكيد لقوله: (فَسَكَتَ) أي: فما أجاب يحيى للقاسم بن عُبَيد الله شيئًا من الكلام، ولا رَد عليه كلامَه، بل سكت عنه. وغَرَضُ المؤلِّف بسَوْقِ هذا الأثَرِ: الاستشهادُ لأثَرِ عبد الله بن المبارك الدال بمفهومه على أن هذا العِلْمَ لا يُؤْخَذُ إلا عن ثقةٍ حيث قال: (دَعُوا حديثَ عَمْرِو بنِ ثابتٍ ... ) إلخ، ورجالُ هذا الأثرِ أربعة: بغداديان ومدنيان. ثم ذكر المؤلّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ لأثَرِ القاسم بن عُبَيد الله فقال: [34] (وحَدثني بشْرُ بن الحَكَمِ) بن حبيب بن مِهْران بكسر الميم (العَبْدِي) أبو عبد الرحمن النيسابوري الزاهدُ الفقيهُ. روى عن مالكٍ وهُشَيم وابن عُيَينَةَ وجماعةٍ، ويروي عنه (خ م س) والحَسَنُ بن سفيان وخَلْق. قال في "التقريب": ثقة زاهدٌ فقيه، من العاشرة، مات سنة سبعٍ أو ثمانٍ وثلاثين ومائتين. (قال) بِشْرُ بن الحَكَمِ: (سمعتُ سفيانَ بنَ عُيينة) بن ميمون الهلالي أبا محمدٍ الأعورَ الكوفي ثم المكيَّ، أحدَ الأئمة الأعلام -قد تقدَّم البسط في ترجمته فرَاجِعْها- أي: قال بِشْرُ بن الحَكَم: سمعتُ سفيانَ حالةَ كَوْنه (يقول: أخْبَروني) أي: أخْبَرَني الناسُ (عن أبي عَقِيل صاحبِ بُهَيَّة) ومولاها، واسمه يحيى بن المتوكل.

أَنَّ ابْنًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ سَألوهُ عَنْ شَيءٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ عِلْمٌ، فَقَال لَهُ يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ: وَاللهِ إِني لأُعْظِمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ وَأَنْتَ ابْنُ إِمَامَيِ الْهُدَي -يَعْنِي عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: (وأما قولُ سفيان في الرواية الثانية: "أخْبَرُوني عن أبي عَقِيل" فقد يُقال فيه: هذه رواية عن مجهولين فكيف أدخله مسلم في جامعه؟ فيُجابُ عنه: بأن هذا في المُتابعة، والمتابعةُ وكذا الاستشهادُ يَذْكُرُون فيهما مَنْ لا يُحْتَج به على انفراده؛ لأنَّ الاعتمادَ في الاستدلال على ما قبلهما لا عليهما) اهـ بتصرف (¬1). (أن ابْنًا لعبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ) وهو القاسمُ بن عُبَيدِ اللهِ بنِ عبد الله بن عُمَر، وفي بعض النُّسَخ: (أن أبناءً) بصيغة الجَمْع وهو تحريف من النُّسَّاخ (¬2) (سألوه) أي: سأل الناسُ ذلك الابنَ (عن شيء) أي: عن أمرٍ من أُمورِ الدِّين (لم يَكُنْ عندَه) أي: عندَ ذلك الابنِ (فيه) أي: في ذلك الشيءِ (عِلْم) ومعرفة (فقال له) أي: لذلك الابنِ الذي لم يكن عنده عِلْم بذلك الشيء الذي سُئِلَ عنه (يحيى بن سعيد) الأنصاريُّ: (واللهِ) أي: أقسمتُ بالله الذي لا إله إلا هو (إنّي) أنا (لأعظِمُ) بضمِّ الهمزة مضارع لأَعْظَمَ الرباعي؛ أي: إني لأعُد عيبًا عظيمًا (أنْ يكونَ مِثْلُكَ) من أولادِ العُلماء الكبارِ والأصحابِ الأخيار (وأنتَ) أي: والحالُ أنك (ابنُ إمامَيِ الهُدَى) وقُدْوتَي الشريعة (يعني) يحيى بن سعيدٍ. ويَقْصِدُ بإمامَيِ الهُدَى: (عُمَر) بنَ الخَطَّابِ الذي هو جَدُّه الأعلى من جهة الأب (و) عبدَ اللهِ (بنَ عُمَرَ) بنِ الخَطَّابِ الذي هو جَدُّه الأقربُ من جهة الأب أيضًا. قال النووي: (وأما قولُ يحيى في الرواية الأُولى للقاسم بن عُبَيدِ الله: "لأنَّكَ ابنُ إمامَي هُدىً، ابنُ أبي بكرٍ وعُمَرَ" رضي الله عنهما، وفي الرواية الثانية: "وأنْتَ ابْنُ إمامَيِ الهُدَى يعني عُمَرَ وابن عُمَرَ" رضي الله عنهما .. فلا مُخالفَة بينهما، فإن ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 91 - 92). (¬2) قلت: وكذلك ورد محرّفًا في طبعة "تحفة الأشراف" (13/ 334) حديث رقم (19201) في ترجمة (القاسم بن عُبيد الله بن عبد الله بن عمر)، ويرده أن الحافظ المزي ترجم له في (13/ 447) بقوله: (ابنٌ لعبد الله بن عُمَر بن الخطاب) فتنبه لذلك، والله الموفق.

تُسْألُ عَنْ أَمْر لَيسَ عنْدَكَ فيه علْمٌ؟ ! فَقَال: أَعْظَمُ منْ ذَلكَ وَالله عنْدَ الله وَعنْدَ مَنْ عَقَلَ عَن الله أَنْ أَقُولَ بغَير علْم، أَوْ أُخْبرَ عَنْ غَير ثقَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ القاسم هذا هو ابنُ عُبَيد الله بن عبد الله بن عُمر بن الخطاب فهو ابنُهما، وأُمُ القاسم هي أُمُّ عبد الله بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فأبو بكر جَده الأعلى لأُمه، وعُمَرُ جَده الأعلى لأبيه، وابنُ عُمَرَ جَده الحقيقي لأبيه، رضي الله تعالى عنهم أجمعين) اهـ (¬1). وجملةُ قوله: (تُسْألُ) أنتَ يا قاسمُ، -وفيه التفاتٌ أو (مثْلُ) مقحمٌ- (عن أمْر) أي: عن حُكْم من أحكام هذا الذين (ليس عندَك) يا قاسمُ (فيه) أي: في ذلك الأمْر (علْمٌ) ومعرفة بذلك الأمر: خبر ليس، والمعنى: أقسمتُ بالله! إني لأَعُدُّ وأحْسبُ عَيبًا وعارًا قبيحًا أنْ يكونَ مثْلُك مسؤولًا عن أمرٍ ليس عنده فيه علْمٌ فتجهل؛ أي: كَوْن مثْلك مسؤولًا عن أمْر هذا الذين فجاهلًا فيه، وقيل: (المثْلُ) مُقْحَمٌ في قوله: (أنْ يكونَ مثْلُكَ) نظير قوله تعالى: {لَيسَ كَمثْله شَيءٌ}، والمعنى عليه واضح، أي: والله إني لأُعْظمُ أنْ تكونَ مسؤولًا عن أمْر هذا الذين فتجهل فيه والحالُ أنك ابنُ إمامَي الهُدى والشريعة. (فقال) القاسمُ ليحيى: (أَعْظَمُ من ذلك) الذي قُلْتَ عيبا وأشَد عَارًا (والله عندَ الله) سبحانه وتعالى (وعنْدَ مَنْ عَقَل) وعَرَفَ معرفةَ صادرةً (عن الله) سبحانه وتعالى، وقولُه: (أَعْظَمُ) مبتدأٌ أو خبرٌ مُقَدمٌ للمصدر المُنْسَبك من جملة قوله: (أنْ أقولَ بغير علْم) أي: أَعْظَمُ من ذلك الذي قُلْتَ عقوبةً عند الله تعالى وأشَد عارًا عندَ مَنْ عَقَل عن الله تعالى قولي وجوابي عن ذلك الأمر الذي سُئلْتُ عنه بغير شبهة علْم ولا مُسْتَنَد دليل؛ أي: جوابي عنه برَأْيٍ مَحْضٍ وظَن لا مُسْتَنَدَ له. (أو أُخْبِرَ) في جواب سؤال ذلك الأمر بشبهة علم صادرةٍ (عن غير ثقَة) مأمونٍ وعَدْل ضابطٍ موثوقٍ؛ لأن في الأول إنشاءَ أمْرٍ لم يكن من الذين، وفي الثاني كَذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما أشَد عقوبةً عند الله تعالى وأعْظَمُ عارًا عند ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 91)، وانظر "إكمال المعلم" (1/ 129 - 130).

قَال: وَشَهدَهُمَا أَبُو عَقيلٍ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكل حينَ قَالا ذَلكَ. [35] وَحَدثنا عَمْرُو بْنُ عَلي أَبُو حَفْصٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس من إظهار جَهْلي فيما سُئلْتُ عنه من أمْر هذا الدّين؛ لأن النَّسَبَ ليس مَنَاطَ العلْم بل مَناطُهُ التعلمُ. قال بِشْر بن الحَكَمِ: (قال) لي سفيانُ بن عُيَينَة: (وشَهدَهُما) أي: وحَضَرَ عند يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ والقاسم بن عُبَيد الله (أبو عَقيلٍ يحيى بن المُتَوَكِّل) صاحبُ بُهَيَّة (حين قالا) أي: حين قال الأنصاري والقاسمُ بن عُبَيد الله وتَكَلَّمَا (ذلك) الكلامَ المذكورَ سابقًا، وهذا السَّنَدُ من رُباعياته: واحد منهم نيسابوري، وواحدٌ مكي، واثنان مدنيان. وغَرَضُ المؤلّف بسَوْق هذا الأثَر ثانيًا مَتْنًا وسَنَدًا: بيانُ متابعة سفيان بن عُيَينَة لهاشم بن القاسم في رواية هذا الأثَر عن أبي عَقيل، وأما تكرارُ المتن .. فلِمَا في الرواية الثانية من المخالفة للرواية الأُولى في بعض الكلمات زيادةً ونقصًا، فللمؤلّف رحمه الله تعالى غَرَضٌ في التكرار فلا اعتراضَ عليه، وفائدةُ هذه المتابعة بيانُ كثرة طُرُقِه فقط؛ لأن المُتَابع والمُتَابَعَ كلاهما ثقتان. ثم استدل المؤلّف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة -وهو جوازُ جَرْحِ الرُّواة بما هو فيهم بالأثَر المأثور عن الأئمة الآتية فقال: [35] (وحَدثنا عَمْرُو بن عَلي) -وفي بعض النُّسَخ إسقاطُ الواو في (وحَدثنا) - ابن بَحْر بن كَنيزٍ بنون وزاي (أبو حَفْصٍ) الفَلَّاسُ (¬1) الصيرفي الباهلي البصريُّ الحافظُ، أحَدُ الأئمّة الأعلام. روى عن مُعْتَمر بن سُلَيمان وابن عُيَينَة ويحيى بن سعيد القطان وخَلْق، ويروي عنه (ع) وابنُ جريرٍ الطبريُّ وغيرُهم. ¬

_ (¬1) قال الحافظ أبو علي الغساني: (لقبَه عَفَّانُ بن مسلم الفَلاس ... قال أبو حفص عَمْرو بن علي الفلاس: روى عني عَفَّانُ حديثَين، فلم فلم خيره بشره، قال: حدثني أبو حفص الفلَّاس، ولم أكُنْ فلاسًا، فأوقَعَ على الفلاس). "تقييد المهمل" (3/ 1131 - 1132).

قَال: سَمعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعيدٍ قَال: سَالْتُ سُفْيَانَ الثَّوْريَّ وَشُعْبةَ وَمَالكا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، من العاشرة، مات سنة تسعٍ وأربعين ومائتين. (قال) أبو حفص: (سمعتُ يحيى بن سعيد) بن فَرُّوخَ -بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم خاء معجمة- التميمي أبا سعيدٍ القطانَ البصري الأحولَ، الحافظَ الحُجة، أحدَ أئمّة الجرح والتعديل. روى عن سُلَيمَان التيمي وحُمَيدٍ الطويل ويحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ وهشام بن عُرْوة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبةُ وابنُ مهدي وأحمدُ وإسحاقُ وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقة مُتْقنٌ حافظ إمامٌ قُدْوة، من كبار التاسعة، مات سنة ثمانٍ وتسعين ومائة، وله ثمان وسبعون سنة. (قال) يحيى القطَّانُ: (سألتُ سفيانَ) بنَ سعيد بن مسروق بن حبيب (الثوْري) أبا عبد الله الكوفي، أحَدَ الأئمة الأعلام. روى عن زيادِ بن علاقة وحبيب بن أبي ثابت والأسود بن قيس وزيد بن أسْلَم وخلائق، ويروي عنه (ع) والأعمشُ وابنُ عجلان وشعبةُ ومالكُ بن أنسٍ وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقة حافظ فقيه عابدٌ إمام حُجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دَلس، مات سنة إحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة. وقولُه: (وشُعْبةَ) بنَ الحَجاج العتكي مولاهم، أبا بسْطام الواسطي البصري، أحَدَ أئمة الإسلام. روى عن معاويةَ بن قُرَّة وأنس بن سيرين وثابتٍ البُنَانيّ وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وأيوبُ والثوري وابنُ المبارك وخلائق. قال في "التقريب": ثقة حافظ مُتْقن، من السابعة، مات سنة ستين ومائة. معطوف على (سفيانَ الثوْريَّ) وكذا ما بعدَه. (ومالكًا) هو ابنُ أنس أبو عبد الله، الفقيهُ المدني، إمامُ دار الهجرة، وأَحَدُ أئمّة الإسلام.

وَابْنَ عُيَينَةَ عَن الرجُل لَا يَكُونُ ثَبْتًا في الْحَديث فَيَأتيني الرجُلُ فَيَسْألُني عَنْهُ، قَالُوا: أَخْبرْ عَنْهُ أَنهُ لَيسَ بثَبْتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن نافع ونعيم بن عبد الله وابن المُنكَدر وغيرهم، ويروي عنه (ع) والزُّهْري ويحيى الأنصاري وشعبةُ والثوريُّ. وقال في "التقريب": من السابعة، بلغ تسعين سنةً، ومات سنة تسعٍ وسبعين ومائة، ودُفن بالبقيع. (و) سألتُ سفيانَ (بنَ عُيَينةَ) بن ميمون الهلالي أبا محمدٍ الأعورَ الكوفي ثم المكي، من الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة ثمانٍ وتسعين ومائة، وله إحدى وتسعون سنة. أي: قال يحيى بن سعيدٍ القطَّانُ: سألتُ هؤلاء الأئمّةَ الأربعةَ كُلهم عَمَّا أقولُ في جواب مَنْ سَألَني (عن) حال (الرجل) أي: عن حال الشخص الذي (لا يكون ثَبْتًا) متْقنًا (في) علْم (الحديث، فيأتيني الرجلُ) الآخَرُ (فيسألُني) ذلك الآخَرُ (عنه) أي: عن حال الرجل الأول هل هو ثَبْت في الحديث أم لا، فماذا أُخبر السائل؟ هل أكشفُ عن حاله نصيحةً للدّين، أم أستره خَوْفًا من الوقوع في الغيبة؟ (قالوا) أي: قال كُل من هؤلاء الأئمة الأربعة لي: (أَخْبر عنه) أي: أَخْبر السائل عن حال ذلك الرجل الضعيف، وبَيِّن له منزلتَه في علْم الحديث، واكْشفْ له عن حاله بقَصْد النصيحة والذبِّ عن الدِّين، لا بقَصْد الغيبة وإظهار معايبه، وأخْبرْهُ (أنّه) أي: أن ذلك الرجلَ المسؤولَ عنه (ليس بثَبْتٍ) ولا قَوي ولا مُتْقنٍ في الحديث لينْكَفَّ عن الرواية عنه. قال القرطبي: (وفُتْيا سفيان الثوْري ومَنْ بعدَه هي التي يَجبُ العملُ بها، ولا يختلفُ المسلمون في ذلك، وحاصلُه: أن ذكْرَ مساوئ الراوي والشاهد القادحَة في عدالتهما وفي روايتهما أمْر ضروري فيَجبُ ذلك؛ فإنه إنْ لم يُفْعَلْ ذلك .. قُبلَ خَبَرُ الكَذَاب وشهادةُ الفاسق، وغُشَّ المسلمون، وفَسَدَت الدنيا والدِّين، ولا يُلْتَفَتُ لقَوْل غَبيٍّ جاهلٍ يقول: ذلك غيبة؛ لأنها وإنْ كانت من جنس الغيبة فهي واجبة بالأدلّة القاطعة والبراهين الصادعة، فهي مستثناةٌ من تلك القاعدة للضرورة الداعية) (¬1). ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 129).

[36] وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ سَعيد، قَال: سَمعْتُ النضْرَ يَقُولُ: سُئلَ ابْنُ عَوْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد سَبقَ أن غَرَض المؤلف بسَوْق هذا الأثَر الاستدلالُ على الجزء الأخير من الترجمة، ورجالُه كُلُّهُم بصريون بالنظَر إلى شُعْبة، وأمَّا الثَّوْري فكُوفي، ومالك مَدَني، وابنُ عُيَينَةَ مَكيٌّ. ثم استشهد المؤلفُ لأثر هؤلاء الأئمّة الأربعة بأثَر ابن عَوْنٍ فقال: [36] (وحَدثنا عُبَيدُ الله بن سعيد) بن يحيى اليَشْكُري مولاهم، أبو قُدامة السرخسي، نزيلُ نيسابور، الحافظُ. روى عن ابن عُيَينَة وحفص بن غياث وأبي معاوية وخَلْق، ويروي عنه (خ م س) وابنُ خُزَيمة والسراج. قال في "التقريب": ثقة مأمون سُني، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين. (قال) عُبَيدُ الله: (سمعتُ النضْرَ) بنَ شُمَيل المازني أبا الحَسَن البصريَّ النحْوي نزيلَ مَرْوَ وشيخَها. روى عن حُمَيدٍ الطويل وابن عَوْن وشعبةَ وهشام بن عُرْوة وابن جُرَيح وحَمَّاد بن سلمة وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى النيسابوري وإسحاق بن رَاهُويه ويحيى بن مَعينٍ وعليُّ بن المَديني وإسحاقُ بن منصورٍ الكَوْسَجُ وغيرُهم، وثَّقَهُ النسائي وأبو حاتم وابنُ مَعين. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ، من كبار التاسعة، مات سنة أربعٍ ومائتين، وله اثنتان وثمانون سنة. حالة كَوْن النَّضْر (يقولُ: سُئلَ) عبدُ الله (بن عَوْن) بن أرْطَبان -بفتح فسكونٍ ففتح- المزني مولاهم، أبو عَوْن البصري، أحدُ الأئمّة الأعلام. روى عن عطاءٍ ومجاهد وسالم والحَسَن والشعْبي وخَلْق، ويروي عنه (ع) وشعبةُ والثَّوْريُّ وابنُ عُلَيَّةَ ويحيى القطان وخلائق، قال ابنُ مهدي: ما أحد أعلم بالسُّنَّة بالعراق من ابن عَوْن، وقال رَوْح بن عُبادة: ما رأيتُ أعْبَدَ منه.

عَنْ حَديثٍ لشَهْرٍ وَهُوَ قَائمٌ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَاب فَقَال: إن شَهْرًا نزكُوهُ، إن شَهْرًا نَزَكُوه. قَال مُسْلمٌ رَحمَهُ اللهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقة ثَبْت فاضل، من أقران أيوب في العلم والعمل والسنّ، من السادسة، مات سنة خمسين ومائة على الصحيح. ورجالُ هذا الأثَر ثلاثة: نيسابوري كوفي بصري، وكُلهم ثقات أثبات، وغَرَضُ المؤلِّف بذكْره: الاستشهادُ كما مَر. (عن حديثٍ لشَهْر) بن حَوْشَب؛ أي: عن حال حديث منسوب لشَهْر بن حَوْشَب هل هو صحيح أم ضعيف؟ (وهو قائمٌ) أي: والحالُ أن شَهْرا قائم (على أسْكُفة الباب) أي: على عتبة دار ابن عَوْن. قال النووي: (والأُسْكُفة -بضم الهمزة والكاف بينهما سين ساكنة وتشديد الفاء المفتوحة-: هي العَتَبةُ السفلى التي تُوطأ) (¬1). (فقال) عبدُ الله بن عَوْنٍ وَشهْرٌ يسمعُه: (إن شَهْرًا) ابنَ حَوْشَب (نَزَكُوه) أي: نَزَكَه أهلُ الحديث، وطَعَنُوه وتَكَلَّمُوا فيه بالجَرْح، فكأنه يقول: طَعَنُوه بالنيزَك، وهو الرمْحُ القصير. وقوله: (إن شَهْرًا نَزَكُوه) توكيد لفظي للجملة الأُولى. وعبارةُ السنوسي هنا: (قولُه: (نزَكُوه) هو بالنون والزاي المفتوحتَين، ومعناه: طَعَنُوا فيه وتَكَلَّمُوا بجَرْحه، فكأنه يقول: طَعَنوه بالنيزَك -بفتح النون والزاي والياء المثناة من أسفل بينهما- وهو الرمْحُ القصير. وهذه هي الروايةُ الصحيحةُ المشهورةُ، ورُويَ "تَرَكُوه" بالتاء الفوقية والراء المهملة وضَعَّفَهُ القاضي عيَاض (¬2)، وقال غيره: هي تصحيف، وتفسيرُ مسلم الآتي يَرُدُّها) (¬3) حيث (قال مسلمٌ رحمه الله) سبحانه وتعالى، وقولُه هذا يُسَمَّى عند ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 92). (¬2) "إكمال المعلم" (1/ 134)، وانظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 124). (¬3) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 26)، وهو مختصر من"شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 92 - 93).

يَقُولُ: أَخَذَتْهُ أَلْسنَةُ الناس، تَكَلَّمُوا فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ البديعيين تجريدًا، وهو أنْ يُجَرِّدَ المتكلِّمُ من نفسه شخصًا مُماثلًا له ويُخْبرَ عنه كأنّه غيرُه، أو (يقولُ: أَخَذَتْهُ ألسنةُ الناس تَكَلَّمُوا فيه) هو من كلام بعض رُواة جامعه عنه (يقولُ) أي: يُريدُ عبدُ الله بن عَوْنٍ بقوله: (نزكُوه): (أَخَذَتْه) أي: أَخَذَتْ شَهْرًا وَعَيَّبَتْه (ألسنةُ الناس) و (تكلمُوا فيه) أي: تَكَلمَ الناسُ في شَهْرٍ بالجَرْح وأسبابه. قال النووي: (والألسنةُ: جمعُ لسان على لُغَةِ مَنْ جَعَلَ اللسانَ مذَكَّرًا، وأما مَنْ جَعَلَهُ مُؤَنَّثًا .. فجَمْعُهُ ألْسُن، قاله ابن قتيبة) (¬1). وقال أيضًا: (ويَردُّ أيضًا روايةَ التاء: أن شَهْرًا ليس متروكًا، بل وَثَّقَه كثيرٌ من أئمة السلف كابن حَنْبلٍ وابن مَعينٍ، وقال أبو زُرْعة: لا بأسَ به، وقال الترمذي عن البُخَاريّ: "شَهْرُ بن حَوْشَبٍ حَسَنُ الحديث" (¬2). وأما ما ذُكِرَ من جَرْحِه أنه أخَذَ خريطةً من بيت المال .. فقد حَمَلَه العلماء المُحَقِّقُون على مَحْمَلٍ صحيحٍ، وقولُ أبي حاتم بن حبَّان (¬3): "إنه سَرَق من رفيقه في الحج عَيْبةً" غيرُ مقبولٍ عند المحققين بل أنكروه، والله أعلم) اهـ (¬4). وأما ترجمته: فهو شَهْرُ بن حَوْشَب -بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة- مولى أسماء بنت يَزِيد بن السكن، أبو سعيد ويُقال: أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن وأبو الجَعد، الشامي الحمْصي -وقيل: الدمشقي- الأشعري، أَرْسَلَ عن مولاته أسماءَ وابن عَباسٍ وعائشة وأُمّ سلمة وجابرٍ وطائفةٍ، ويروي عنه (م عم) وقتادةُ وثابتٌ ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 93). (¬2) "سنن الترمذي" (5/ 56)، حديث رقم (2697). (¬3) "كتاب المجروحين" (1/ 361). وانظر "تهذيب الكمال" (12/ 582 - 583). (¬4) "وشرح صحيح مسلم" (1/ 93)، وهذا الأثر رواه الترمذي في "سننه" (5/ 56) في أوائل كتاب الاستئذان (9 - باب ما جاء في التسليم على النساء) عقيب حديث شَهْر بن حَوشَب عن أسماء بنت يَزيد (2697): أنبأنا أبو داود المصَاحفيُّ البَلْخي، أخبرنا النضْرُ بن شُمَيل، عن ابن عَوْن، قال: إن شَهرًا نَزَكوه. قال أبو داود: قال النضر: نزكُوه؛ أي: طَعَنُوا فيه وإنما طَعَنُوا فيه؛ لأنه وَليَ أمْر السلطان.

[37] وَحَدَّثنا حَجاجُ بْنُ الشَّاعر، ـــــــــــــــــــــــــــــ والحَكَمُ وعاصمُ بن بَهْدَلة، وَثَّقَهُ ابنُ مَعين وأحمدُ. وقال في "التقريب": صدوقٌ كثيرُ الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة ومائة. وقال النوويُّ: (إنَّ شَهْرًا وَثَّقَهُ كثيرون من كبار أئمة السلف أو أكثرُهم، فَممنْ وَثَّقَه أحمدُ بن حنبل ويحيى بن مَعين وآخرون، وقال أحمدُ بن حنبل: ما أحْسَنَ حديثَه! ووَثَّقَهُ، وقال أحمدُ بن عبد الله العجْلي: هو تابعيّ ثقة، وقال ابنُ أبي خيثمة عن يحيى بن مَعين: هو ثقَةٌ، ولم يذكر ابنُ أبي خيثمة غيرَ هذا، وقال أبو زرعة: لا بأسَ به، وقال الترمذي: قال محمدٌ يعني البُخَاري: شَهْرٌ حَسَنُ الحديث، وقَوَّى أمْرَه، وقال: إنما تَكَلَّمَ فيه ابنُ عَوْن، ثم روى عن هلال بن أبي زينب عن شَهْر، وقال يعقوبُ بن شيبة: شَهْرٌ ثقةٌ. وقال صالحُ بن محمد: شَهْرٌ روى عنه الناسُ من أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام، ولم يُوقَفْ منه على كَذِب، وكان رجلا يَنْسُكُ -أي: يَتَعَبَّدُ- إلّا أنه روى أحاديثَ لم يَشْرَكْهُ فيها أحدٌ، فهذا كلامُ هؤلاء الأئمة في الثناء عليه) اهـ (¬1). ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى ثانيا بأثَر شُعْبَةَ فقال: [37] (وحَدثنا حَجاجُ بن الشاعر) وفي بعض النسخ: (وحَدثني). قال النووي: (هو حَجَّاجُ بن يوسف بن حَجَّاج الثقفي، أبو محمد البغدادي المعروفُ بابن الشاعر، الحافظ الرحَّال، كان أبوه يوسفُ شاعرًا صَحبَ أبا نُواس، وحَجَّاجٌ هذا يُوافقُ الحَجَّاجَ بنَ يوسف بن الحكم الثقفي أبا محمد الواليَ الجائرَ المشهورَ بالظُّلْمِ وسَفْك الدِّماء، فيُوافقُه في اسمه واسم أبيه وكُنْيته ونَسَبه، ويُخَالفُهُ في جَدِّه وعَصْره وعدالته وحُسن طريقته) (¬2). روى عن يونس المؤدِّب ورَوْح بن عُبادة وأبي النَّضْر وأبي علي الحنفي وعبد الرزاق ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 93). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 93).

حَدثنا شَبَابَةُ قَال: قَال شُعبَةُ: وَقَدْ لَقيتُ شَهْرًا فَلَمْ أَعْتَدَّ به. [38] وَحَدَّثَني مُحَمدُ بْنُ عَبْد الله بْن قُهْزَاذَ -منْ أَهْل مَرْوَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ وشَبَابَة، ويروي عنه (م د) وقال (¬1): هو خيرٌ من مائة مثل الرمادي، ويروي عنه أيضًا المحاملي وابنُ أبي حاتم. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة تسعٍ وخمسين ومائتين. قال الحَجَّاجُ: (حَدَّثنا شَبَابةُ) -بفتح الشين المعجمة وبالباءين الموحدتين- ابن سَوَّار أبو عَمْرو الفزَاري مولاهم، المدائني، أصلُه من خُراسان، قيل: اسمُه مروان وشَبَابَةُ لَقَبُه. روى عن يونس بن أبي إسحاق وحريز بن عثمان، ويروي عنه (ع) وأحمد وعَبَّاس الدوري. قال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ رُميَ بالإرجاء، من التاسعة، مات سنة أربعٍ أو خمس أو ستّ ومائتين. (قال) شَبَابَةُ بن سَوَّار: (قال شُعْبةُ) بن الحَجاج العتكي البصريُ: (وقد لَقيتُ) أي: رأيتُ (شهْرًا) ابنَ حَوْشَب وعَلمْتُ حالهُ (فلم أَعْتد به) أي: فلم أهْتَمَّ برواية حديثه ولم أعْتَنِ به؛ لأنه ليس ممَّن يُكتب حديثه ولا ممَّن يُوثَقُ به في الحديث، ولم أحسب حديثَه من الأحاديث الصحيحة. ورجالُ هذا السَّنَد ثلاثةٌ: واحدٌ منهم بغدادي، وواحدٌ مدائني، وواحد بصري. وغرَض المؤلِّف منه: الاستشهادُ لمَا قَبله، والله أعلم. ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لمَا قبلَه بأثَر سفيان الثَّوْري فقال: [38] (وحَدَّثني محمدُ بن عبد الله بن قُهْزَاذَ) المَرْوَزي أبو جابرٍ، ثقةٌ، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وستين ومائتين (من أهل مَرْوَ) بلدةٍ عظيمةٍ بخُراسان. ¬

_ (¬1) أي: أبو داود انظر "تهذيب الكمال" (5/ 468).

قَال: أَخْبَرَني عَليُّ بْنُ حُسَين بْن وَاقدٍ، قَال: قَال عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَك: قُلْتُ لسُفْيَانَ الثوْري: إن عَبَّادَ بْنَ كَثير ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) محمدُ بن عبد الله: (أخبرني عَلي بن حُسَين بن وَاقدٍ) بقاف القُرَشي أبو الحَسَن المَرْوَزي. روى عن أبيه وهشام بن سَعْد وابن المبارك، ويروي عنه (من عم) وسوَيد بن نَصْر وعلي بن خَشْرَم وغيرُهم، قال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال في "التقريب": صدوقٌ يَهمُ، من العاشرة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين. (قال) علي بن حُسَين: (قال عبدُ الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم، أبو عبد الرحمن المَرْوَزي، أحدُ الأئمة الأعلام: (قلتُ لسفيانَ) بن سعيد بن مسروق (الثوْري) أبي عبد الله الكوفي أحَد الأئمة الأعلام: (إن عَبادَ بنَ كثيرٍ) الثقفي البصري. روى عن أيوبَ السخْتياني ويحيى بن أبي كثير وعَمْرو بن خالد الواسطي وثابت البُناني وعبد الله بن طاوس وأبي الزبير وأبي الزناد وغيرهم، ويروي عنه إبراهيمُ بن طَهْمان وأبو خيثمة -وهما من أقرانه- وإسماعيلُ بن عَياش وغيرُهم. قال أبو طالب عن أحمد: هو أسوَأُ حالًا من الحَسَن بن عمارة وأبي شَيبة، رَوَى أحاديثَ كذب لم يَسْمَعْهَا، وكان صالحًا، قلتُ: فكيف روى ما لم يَسْمَعْ؟ قال: البَلَهُ والغَفْلَةُ (¬1). وقال الدُّوري عن ابن مَعين: ضعيف الحديث وليس بشيء، وقال ابنُ أبي مريم ¬

_ (¬1) هكذا وقع هنا تبعًا لما في "تهذيب التهذيب" (5/ 100): (البَلَهُ والغَفلَةُ)، وفي "تهذيب الكمال" (14/ 146): (البلاء والغفلة)، ولعل الصواب كما في "الجرح والتعديل" (6/ 85): (البلاء الغفلة)، والله أعلم.

مَنْ تَعْرِفُ حَالهُ، وإذَا حَدَّثَ .. جَاءَ بأمْرٍ عَظيمٍ، فتَرَى أَنْ أَقُولَ للناس: لَا تأخُذُوا عَنْهُ؟ قَال سُفْيَانُ: بَلَى، قَال عَبْدُ الله: فَكُنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن مَعِين: لا يُكتب حديثه، وقال ابنُ أبي حاتم عن أبيه: كان يسكن مكة، ضعيف الحديث، وفي حديثه عن الثقات إنكارٌ، وعن أبي زُرْعة: لا يُكتب حديثه، كان شيخًا صالحًا، لا يضبط الحديث. وذَكَرَه البخاري في "الأوسط" (2/ 81) في فصل: مَنْ مات ما بين الأربعين إلى الخمسين ومائة، وقال: سكتوا عنه، وقال العجْلي: ضعيفٌ متروكُ الحديث، وكان رجلا صالحًا. - وقال في "التقريب": من السابعة، مات بعد الأربعين ومائة، وروى عنه (د ق). ورجالُ هذا السَّنَد أربعةٌ، ومن لطائفه: أن رجاله كُلهم مَرْوَزيُّون إلا سفيان الثوْري فهو كوفي. (مَنْ تَعْرِفُ حالهُ) وضَعْفَه، بالتاء المُثَنَّاة فوقُ خطابًا لسفيان، يعني أنتَ عارفٌ بضَعْفه. (وإذا حَدَّثَ) للناس حديثًا ( .. جاءَ) عَبادٌ (بأمر عظيم) أي: بكَذبٍ عظيمٍ وافتراءٍ شديدٍ، فهو لا يَتَوَرَّعُ عن الكَذب ولا يُبالي في حديثه أَصَدَقَ أم كَذَب، أَ (فَتَرَى) يا سفيانُ، بتقدير همزة الاستفهام من الرأْي؛ أي: أفتَعْتَقدُ رَأْيًا سديدًا وقولًا حقًّا (أنْ أقولَ للناس) الذين يَرْوُون عنه الحديثَ (لا تَأخُذُوا) أيها الناس (عنه؟ ) أي: عن عَبَّاد بن كثير، ولا تَرْوُوا عنه الأحاديثَ؛ لأنه ليس من أهل الحديث؛ لئلّا يَغْتَرُوا بحديثه ويَضِلُّوا به، نصيحةً لهم وذَبًّا عن الذين وحفْظًا للسُّنَّة المطَهَّرة. (قال سفيانُ) الثوْري: (بلى) أي: نَعَمْ أرى ذلك رأيا سديدًا وقولا حقًّا، (بَلَى) هنا بمعنى (نَعَمْ) التي للتصديق لا لنفي النفي؛ لعدم سبقها بالنفي. قال عليُّ بن الحُسَين: (قال) لنا (عبدُ الله) بن المبارك: (فكنتُ) أنا بعد ذلك

إذَا كُنْتُ في مَجْلسٍ ذُكرَ فيه عَبَّادٌ .. أَثْنَيتُ عَلَيه في دينه وَأَقُولُ: لَا تَأخُذُوا عَنْهُ. وَقَال مُحَمَّدٌ: حَدثنا عَبْدُ الله بْنُ عُثْمَانَ، قَال: قَال أَبي: قَال عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَك: انتهَيتُ إلَى شُعْبةَ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (إذا كنتُ في مجلس) وحلقةٍ (ذُكرَ فيه) أي: في ذلك المجلس (عَبادُ) بن كثيرٍ ( .. أثْنَيتُ عليه) بالخير والصلاح (في دينه) وكثرة عبادته وشدة أمانته ويقينه (وأقولُ) بعد ثنائي عليه وذكْره بالخير: ولكنْ (لا تَأخُذُوا) ولا تَرْوُوا (عنه) أي: عن عَبَّادٍ الحديثَ؛ لأنه ليس من أهله؛ لقلَّة ضَبْطه وإتقانه، وكثرة غَفْلَته وخَطئه، واتّهام الناس له بالوَضْع والكَذب. ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى شاهدًا لأثر سفيان فقال: (وقال) لنا (محمدُ) بن عبد الله بن قُهْزَاذَ المَرْوَزي من الحادية عشرة: (حَدثنا عبدُ الله بن عثمانَ) بن جَبَلَة -بفتح الجيم والموحدة- ابن أبي رَوَّاد -بفتح الراء وتشديد الواو- الأزدي العَتكي -بفتح المهملة والمثناة- نسبة إلى بطن من الأزد يُسمى العَتيك، أبو عبد الرحمن المروزي الحافظ المُلَقَّب بعَبْدان. روى عن مالكٍ وشُعْبةَ وابن المبارك، ويروي عنه (خ م دت س) والذهْلي وخَلْق. وقال في "التقريب": ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين في شعبان. (قال) عبدُ الله بن عثمان: (قال أبي) عثمانُ بن جَبَلَة بن أبي رَواد العَتكى مولاهم، المَرْوَزي. روى عن عَمِّه عبد العزيز وقُرَّةَ بن خالد، ويروي عنه (خ م س) وابناه عبدان وعبد العزيز وأبو جعفر النَّفَيلي، وَثَّقَهُ أبو حاتم. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من كبار العاشرة، مات على رأس المائتين. (قال) لنا (عبدُ الله بن المبارك) المَرْوَزي: (انْتهَيتُ) أي: وَصَلْتُ (إلى شَعْبةَ) بن الحَجَّاج العتكي البصريّ وعَبادُ بن كثيرٍ جالس عنده، (فقال) لنا شعبةُ:

هَذَا عَبَّادُ بْنُ كَثيرٍ فَاحْذَرُوهُ. [39] وَحَدَّثَني الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَال: سَألْتُ مُعَلَّىً الرازيَّ عَنْ مُحَمد بْن سَعيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (هذا) الشخصُ الحاضرُ عندنا هو (عَبَّادُ بن كثير) الثقفي البصري الوَضَّاعُ الكَذَّابُ في الحديث (فاحْذَرُوه) أي: فاحْذَرُوا حديثَه واجْتَنبُوه ولا تَرْوُوا عنه؛ فإنه ضعيف يروي مناكيرَ عن الثقات، وليس أهلا للحديث، وهو يسمع كلامه. وهذا السَّنَدُ من خماسياته، ومن لطائفه: أن رُواتَهُ كُلهم مَرْوَزيُّون إلا شُعبة فإنه بصري. وغَرَضُه بسَوْق هذا السنَد: بيانُ متابعة عثمان بن جَبَلة لعَليِّ بن حُسَين عن عبد الله بن المبارك، أو غَرَضُه استشهادُه لسفيان بشُعْبة. ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ لعبد الله بن المبارك فقال: [39] (وحَدَّثني الفَضْلُ بن سَهْل) بن إبراهيم الأعرج أبو العباس البغدادي الحافظ. روى عن أبي أحمد الزُّبَيري وَيزيد بن هارون وعَفَّان ومحمد بن بشْر، ويروي عنه (خ م دت س) وابنُ مخلد والمحاملي. وكان ذكيًّا يحفظُ. وقال في "التقريب": صدوقٌ، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وخمسين ومائتين. (قال) الفضل: (سَألْتُ معَلَّى) بنَ منصور (الرازي) أبا يعلى الحنفي الحافظَ الفقيهَ. روى عن مالكٍ والليث وسُلَيمَانَ بن بلال وهُشَيمٍ وحَماد بن زيد وغيرهمْ، ويروي عنه (ع) وابنُه يحيى وأبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة وابنُ المَديني وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقةٌ سُني فقيهٌ، طُلبَ للقضاء فامْتَنَع، من العاشرة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين على الصحيح. (عن محمد بن سعيد) بن حسان بن قيس الأسدي -ويقال: الأزدي- الشامي الدمشقي المصلوب، ويقال: محمد بن سعيد بن عبد العزيز، ويُقال له: ابن أبي عُتبة، ويُقال: ابن أبي قيس، ويُقال: ابن أبي حسان، ويُقال: ابن الطبري، ويقال له غير ذلك في نَسَبِه، كنيتُه: أبو عبد الرحمن، ويُقال: أبو عبد الله، ويُقال: أبو قيس، وقد يُنْسَبُ لَجَدِّه، وقيل: إنهم قَلَبُوا اسمَه على مائة وَجْهٍ ليَخْفَى.

الذي رَوَي عَنْهُ عَبَّادٌ، فَأخْبَرَنِي عَنْ عيسَى بْن يُونس قَال: كُنْتُ عَلَى بَابه وَسُفْيَانُ عنْدَهُ، فَلَما خَرَجَ .. سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فأخْبَرني ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن عبد الرحمن بن غَنْم من وجْهٍ ضعيف وعُبادة بن نُسَي وربيعة بن يَزيد وغيرهم، ويروي عنه (ت ق) وابنُ عجلان والثوري وسعيدُ بن أبي هلال ومروانُ بن معاوية ويحيى بن سعيدٍ الأُموي وغيرُهم، كَذَّبُوه، وقال أحمدُ بن صالح: وَضَعَ أربعةَ آلاف حديث. وقال دُحَيْم: سمعتُ خالدَ بن يزيدَ الأزرقَ يقول: سمعتُ محمدَ بن سعيدٍ الأُرْدُني يقول: إذا كان الكلام حَسَنًا .. لم أُبال أنْ أجْعَلَ له إسنادًا. وقال العُقَيلي: يُغَيِّرُون اسمَه إذا حَدَّثُوا عنه. وقال النَّسائيُّ: الكَذَّابونَ المعروفون بوَضْع الحديث أربعةٌ: إبراهيمُ بن أبي يحيى بالمدينة، والواقديُّ ببغداد، ومُقاتل بخُراسان، ومحمدُ بن سعيدٍ بالشام. وقال عبدُ الله بن أحمدَ عن أبيه: قتَلَه المنصورُ على الزندقة وَصَلَبَه. وقال في "التقريب": من السادسة. وقولُه: (الذي) صفةٌ لمحمد بن سَعيدٍ؛ أي: الذي (رَوَى عنه عَبادُ) بن كثيرٍ (فأخْبَرَني) مُعَلّى بن منصورٍ (عن عيسى بن يُونُس) بن أبي إسحاق السبيعى -بفتح المهملة وكسر الموحدة- أخي إسرائيل أبي عَمْرو الكوفي، أحَد الأئمة الأعلام. روى عن أبيه وأخيه إسرائيلَ وإسماعيلَ بن أبي خالد وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وحَمَّادُ بن سلمة وهو أكبرُ منه، وابنُ وَهْبٍ وابنُ المَديني وغيرُهم، وثَّقَه أبو حاتم، وقال ابنُ المَديني: بخ بخ ثقة مأمون. وقال في "التقريب": ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة إحدى وتسعين ومائة، وقيل: سنة سبع وثمانين ومائة. (قال) عيسى بن يونس: (كنتُ) أنا يومًا واقفًا (على بابه) أي: على باب محمَّد بن سعيدٍ (وسفيانُ) بن سعيدٍ الثوْري جالس (عندَه) أَي: عندَ محمد بن سعيد، (فلمَّا خَرَجَ) سفيانُ الثوري من عند محمد بن سعيدٍ ( .. سألتُه) أي: سألتُ سفيانَ الثوري (عنه) أي: عن حال محمد بن سعيدٍ هل هو ثقة أم لا؟ (فأخبرني)

أنَّه كَذَّابٌ. [40] وَحَدَّثَني مُحَمدُ بْنُ أَبي عَتابٍ، قَال: حَدَّثَني عَفانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيانُ الثوريُّ: (أنه) أي: أن محمدَ بنَ سعيدٍ هذا هو (كَذاب) وَضَّاعٌ في الحديث، ليس بثقةٍ ولا مأمون، فلا تأخذوا عنه الحديثَ ولا تَرْوُوا حديثَه. وغَرَضُ المؤلِّف رحمه الله تعالى بسَوْق هذا السنَد: بيانُ متابعة عيسى بن يونس لعبد الله بن المبارك في رواية هذا الأثر عن سفيان الثوْري، وكَررَ المتنَ لمَا بين الروايتَين من المخالفة في الكلمات، وهذا السنَدُ من رُباعياته، وفيه روايةُ بغدادي، عن رازي، عن كوفي، عن كوفي. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لمَا تقدمَ في كَشْف معايب الرواة بأثَر يحيى بن سعيد القطان فقال: [40] (وحَدَّثَني مُحَمَّدُ بن أبي عَتَّاب) بالعين المهملة البغدادي، أبو بكرٍ الأعينُ، واسمُ أبي عَتابٍ: طريفٌ، وقيل: الحسن بن طريف. روى عن رَوْح بن عُبادة وأسود بن عامر وعبد الصمد بن النعمان وزَيد بن الحُباب وغيرهم. ويروي عنه (من ت) وأبو داود في غير "السُّنَنِ" وأبو زُرْعة وأبو حاتم وغيرُهم. قال عبد الخالق بن منصور عن ابن مَعين: ليس هو من أصحاب الحديث، وقال الخطيبُ: عَنَى بذلك أنَّه لم يكن من الحُفاظ لعلَله والنقاد لطُرقه مثْل علي بن المديني ونحوه، وأما الصِّدْقُ والضبْطُ لمَا سَمعَهُ .. فلم يكن مدفوعًا عنه. وقال في "التقريب": صدوقٌ، من الحادية عشرة، مات سنة أربعين ومائتين. (قال) محمدُ بن أبي عَتَّابٍ: (حَدَّثَني عَفَّانُ) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولى عَزْرة بن ثابت أبو عثمان الصفار البصري، أحَدُ الأئمة الأعلام. روى عن هشام الدَّسْتَوَائي وشُعْبة وهَمام وحَمَّاد بن سلمة وطبقتهم، ويروي عنه (ع) وإبراهيمُ الحربي وأبو زُرْعة وأحمدُ وإسحاقُ وابنُ مَعين وغيرُهم. قال العجْلي: ثقةٌ ثَبْتٌ صاحبُ سُنَّة، وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ من كبار

عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن سَعيدٍ الْقَطَّان، عَنْ أَبيه قَال: لَمْ نَرَ الصَّالحينَ في شَيءٍ أَكْذَبَ منْهُمْ في الْحَديث ـــــــــــــــــــــــــــــ العاشرة، قال ابنُ المَديني: كان إذا شَكَّ في حَرْفٍ من الحديث .. تَرَكَه، ورُبما وَهِمَ، وقال ابنُ عَدِي: اخْتَلَطَ سنةَ تسعَ عشرة، ومات سنة عشرين ومائتين قاله البخاري وأبو داود ومُطَيّن، وليس في مسلم (عَفَّان) إلا هذا الثقة الفاضل. (عن محمد بن يحيى بن سعيدٍ القَطَّان) أبي صالحٍ البصري وَلَد العالم المشهور. روى عن أبيه ومُعاذ بن مُعاذ وفُضَيْل بن عياض وابن عُيَينة وابن مهدي وغيرهم، ويروي عنه (مق) وعُبَيدُ الله بن معاذ ومحمدُ بن يحيى بن أبي حاتم الأَزْدي -وهُما من أقرانه- وصالح وأحمد ابنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان وطائفةٌ، وثَّقَهُ ابنُ حبَّان. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة ثلاثٍ وثلاثين ومائتين على الصحيح. (عن أبيه) يحيى بن سعيدٍ القطَّان أبي سعيدٍ الأحول التميمي الحافظ الحُجَّة. قال في "التقريب": ثقةٌ مُتْقنٌ حافظٌ إمام قُدْوَةٌ، من كبار التاسعة، مات سنة ثمانٍ وتسعين ومائة، وله ثمان وسبعون سنة. وهذا السَّنَدُ من رُباعياته، ومن لطائفه: أن رجالهُ كُلهم بصريون إلا محمد بن أبي عَتَّاب فهو بغدادي كما مَر. (قال) أبوه يحيى بن سعيدٍ القطَّانُ: (لم نَرَ الصالحين) قال النووي: (ضبَطْناهُ هُنا بالنون، وفي الموضع الآتي بالتاء المثنّاة فوق) (¬1) أي: لم نَعْلَم الصالحين؛ أي: العُبَّادَ الزُّهَّادَ المُراعين لحقوق الله وحقوق العباد (في شَيء) من أُمور الدين والدنيا (أكْذَبَ منهم في الحديث) أي: لم نَعْلَم الصالحين أكثرَ كَذبًا وخطأً في شيءٍ من أُمور الدين والدنيا من كَذبهم وخَطَئهم في رواية الحديث، حتى يَضَعُوا الأحاديثَ في الترغيب والترهيب بقَصْد الإرشاد للأمة والنصيحة لهم. قال النووي: (ومعناه: ما قاله مسلمٌ: إنَّه يجري الكذبُ على ألسنتهم ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 94).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يتعمَّدُونه؛ لكَونِهم لا يُعَانُون صناعةَ أهل الحديث، فيقَعُ الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه، ويَرْوُون الكذب ولا يعلمون أنه كَذِبٌ، وقد قدمْنا أن مذهبَ أهل الحق أن الكَذِبَ هو الإخْبَارُ عن الشيء بخلاف ما هو عليه عَمْدًا كان أو سَهْوًا أو غَلَطًا) اهـ (¬1). وقال القاضي عيَاضٌ: (يعني أنهم يُحَدِّثون بما لم يَصِحَّ لقلَّة معرفتهم بالصحيح، والعِلْم بالحديث، وقِلَّة حفْظهم وضَبْطهم لما سَمعُوه، وشُغلِهم بعبادتهم، وإضْرابهم عن طريق العلم، فكَذَبُوا من حيثُ لم يَعْلمُوا وإنْ لم يتَعَمَّدُوا ... وقد يقَعُ في الكَذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مَنْ غَلَبَتْ عليه العبادةُ ولم يكن معه علْمٌ فيَضَعُ الحديثَ في فضائل الأعمال ووجُوه البر، ويتساهلون في رواية ضعيفها ومُنْكَرِها وموضوعاتها، كما قد حُكيَ عن كثير منهم واعترفَ به بعضُهم، وهم يَحْسَبُون -لقلة علْمهم- أنهم يُحْسنُون صُنْعًا. ورُبَّما احْتَجُّوا في ذلك بالحديث المأثور عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا حُدِّثتم عني حديثًا تعرفونه ولا تُنْكرونهُ .. فَصدِّقُوا به قُلْتُه أو لم أقُلْهُ؛ فإني أقولُ ما يُعرف ولا يُنكر" وهو حديثٌ ضعَّفَه الأصيلي وغيرُه من الأئمة، وتأوَّلَهُ الطَّحَاوي وغيرُه، ومعناه -لو صحَّ ظاهره- وهو: أنه ما جاءَ عنهُ موافقًا لكتاب الله تعالى وما عُرِفَ من سُنَّته غَيرَ مُخَالف لشريعته ولا تَحَقَّقَ أنَّه قاله بلَفْظِه فيُصَدَّق به أي بمعناه لا بلفظه؛ إذْ قد صَحَّ من أُصول الشريعة أنه ¬

_ (¬1) المصدر السابق، وجاء في "الحل المفهم لصحيح مسلم" (1/ 15 - 16) ما يلي: (في تقرير المكي: قوله: "لم نَرَ الصالحين" وهم الذين يُحسنُون الظن بالناس لصلوحهم في أنفسهم، فلا يُميزون بين الصادق والكاذب، بل يَرْوون عن كل مَنْ يَدعي الحديث، فلهذا -أي: لعدم تحقيقهم- يكون أكثر رواياتهم كاذبةً ولا يعرفون به. اهـ وكتب عليه العلامة السّنْدي رحمه الله تعالى: قوله: "يجري الكذبُ على لسانهم" أي: لأنهم لكثرة اشتغالهم بالعبادة لا يتفرَّغُون لحفْظ الحديث، ولحُسْن نيتهم في نشر العلم لا ينتهون عن روايته فيقعون فيما يقولون) اهـ.

قَال ابْنُ أَبي عَتَّابٍ: فَلَقيتُ أَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْن سَعيدٍ الْقَطَّان، فَسَألْتُهُ عَنْهُ فَقَال عَنْ أَبيه: لَمْ تَرَ أَهْلَ الْخَير في شَيءٍ أَكْذَبَ منْهُمْ في الْحَديث. قَال مُسْلمٌ: يَقُولُ: يَجْري الْكَذبُ عَلَى لسَانهمْ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يُصَدَّق به؛ لاحتمال أنه قاله بغير هذا اللفظ، ولا يُكَذب به؛ إذ قد يحتمل أنه قاله) اهـ (¬1). (قال) محمدُ (ابنُ أبي عَتَّاب) البغدادي: (فَلقيتُ) بضمّ التاء للمتكلم، وقولُه: (أنا) تأكيد لتاء المتكلم، أتَى به دفْعًا لما قد، يتَوَهَّمُ أنه بفتح التاء للمخاطَب؛ أي: رأيتُ أنا (مُحَمَّدَ بنَ يحيى بن سعيدٍ القَطَّان) بعدما رَوَى لي عنه عَفَّانُ بن مسلم، وغَرَضُه بهذا الكلام: بيانُ عُلُوِّ سَنَده، وقولُه: (القطَّان) مجرورٌ صفةٌ لـ (يحيى)، وليس منصوبًا على أنه صفة لـ (محمد)، والله أعلم قاله النووي (¬2)؛ لأن (القطَّان) صيغةُ نَسَبٍ ليحيى بن سعيد؛ لأن معناه: صاحب قطن؛ لأنه كان يبيعُها على ما قيل، والله أعلم. (فسألتُه) أي: سألتُ محمد بن يحيى (عنه) أي: عن الأثَر الذي حَدَّثَنيه عنه عَفَّانُ بن مسلمٍ (فقال) لي محمدُ بن يحيى مُشَافَهَةً بلا واسطة حالةَ كونه راويًا لي هذا الأثر (عن أبيه) يحيى بن سعيدٍ القَطَّان: (لم تَرَ) أنتَ بتاء الخطاب لا بالنون كما في الرواية الأولى؛ أي: لم تَرَ أنتَ أيها المُخَاطَبُ (أهلَ الخير) والصلاح والعبادة (في شَيء) من أُمور الدين والدنيا، والجار والمجرورُ متعلق بقوله: (أكْذَبَ) أي: أكثرَ كَذبًا في شيءٍ (منهم) أي: منْ كَذبهم (في الحديث) أي: لم تَرَ أهلَ الخير والعبادة في شيءٍ أكذبَ منهم في الحديث، يعني به الغلطَ والخطأ، كما فَسرَهُ مسلم بذلك حين قال على سبيل التجريد: (قال مسلمُ) بن الحَجَّاج رحمه الله تعالى: (يقولُ) أي: يُريدُ يحيى بن سعيدٍ القَطَّانُ بقوله: (لم تَرَ أهلَ الخير في شيءٍ أكْذَبَ منهم في الحديث): (يَجْري الكَذبُ على لسَانهم) أي: يَقَعُ منهم الكَذبُ خَطأً وغَلَطًا، (و) الحالُ أنهم (لا ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 135 - 136). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 94).

يَتَعَمَّدُونَ الْكَذبَ. [41] حَدَّثَني الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَال: حَدثنا يَزيدُ بْنُ هَارُونَ، قَال: أَخْبَرَني خَليفَةُ بْنُ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ يَتَعَمَّدُون الكَذِبَ) بما جَرَى على لسانهم ولا يَقْصدُونه، بل يقصدون به الترغيبَ والترهيبَ إرشادا للناس وتذكيرًا وعظَةً لهم. قال القرطبيُّ: (وسَبَبُ هذا: أن أهلَ الخير غَلَبَتْ عليهم العبادةُ، فاشتغلوا بها عن الرواية، فنَسُوا الحديثَ، ثم إنهم تعرَّضوا للحديث فغَلِطُوا، أو كَثُرَ عليهم الوَهَمُ فتُرِكَ حديثُهم؛ كما اتَّفقَ للعمري وفَرْقد السَّبخي وغيرهما) اهـ (¬1). وَغَرضُ المؤلِّف بسوق هذا السند: بيانُ عُلُو سَنَده بعد نزوله ببيان مُشافهة ابن أبي عَتَّابٍ لمحمد بن يحيى بعدَ روايته عنه أولًا بواسطة عَفان بن مسلم، وكَرَّرَ المَتْنَ؛ لمَا في الرواية الثانية من المُخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، فلا اعتراضَ عليه في التكرار؛ لأنه كان لغَرَض. ثم استشهد المؤلِّف رحمه الله تعالى لمَا تَقَدمَ بأثَر خليفة بن موسى فقال: [41] (حَدَّثَني الفَضْلُ بن سَهْل) بن إبراهيم الأعرجُ أبو العباس البغدادي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين. (قال) الفَضْلُ بن سَهْل: (حَدثَنا يَزيدُ بن هارونَ) بن زاذان السُّلَمي مولاهم، أبو خالدٍ الواسطي، أحَدُ الأئمة الأعلام المشاهير. روى عن سليمان التَّيمي وحُمَيد الطويل والجُرَيري وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاقُ وابنُ مَعين وعليُّ بن المَديني وابنا أبي شَيبة وآخرون، قال أحمد: كان حافظًا مُتْقنًا. وقال العجْلي: ثقة ثَبْت. وقال أبو حاتم: إمام لا يُسأل عن مثْله. وقال في "التقريب": ثقة مُتْقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين، وقد قارب التسعين. (قال) يَزيدُ بن هارون: (أخبرني خليفةُ بن موسى) بن راشد العُكْلي بضم ¬

_ (¬1) "المفهم" (1/ 127 - 128).

قَال: دَخَلْتُ عَلَى غَالب بْن عُبَيد الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة وسكون الكاف نسبة إلى العُكْل بطن من تميم -قال ابنُ الأثير: وإنما عُكْل اسم أمَةٍ لامرأةٍ من حمْيَر كما في "اللباب" (2/ 352) - الكوفي. روى عن الشَّرْقيّ بن قُطَاميّ وغالب بن عُبَيد الله الجَزَري ومحمد بن ثابت البُناني، ويروي عنه ابنُ أخيه محمد بن عَباد بن موسى ويَزيدُ بن هارون. قال في "التقريب": مستورٌ من السابعة. (قال) خليفةُ بن موسى: (دَخَلْتُ علي غالب بن عُبَيد الله) العُقيليِّ الجَزَري. روى عن عطاءٍ ومكحولٍ ومجاهدٍ، ويروي عنه يحيى بن حمزة ويعلى بن عُبَيد وعَمْرُو بن أيوب الموصلي وآخرون، وسمعَ منه وَكيعٌ وتَرَكَهُ لكَوْنه قال: حدثنا سعيد بن المسيب والأعمش، وقال ابنُ مَعين: ليس بثقة، وقال الدارقطنيُ وغيرُه: متروك. روى عَمْرُو بن أيوب عن غالب الجَزَري عن نافع عن ابن عُمَرَ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أرادَ أن يأكل دجاجة .. أمرَ بها فرُبطَتْ أيامًا ثم يأكلها بعد ذلك). وبه: (كان يُقَبِّلُ وهو صائم ولا يُعيدُ الوضوء). وقال ابنُ حبَّان: روى غالبٌ عن عطاءٍ عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى معاوية سَهْمًا فقال: "هاك هذا حتى تُوافيني به في الجنة". قلتُ: ولم يوصله ابنُ حِبَّان إليه، أنبأنا به عبد الرحمن بن قدامة الفقيه قال: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن أحمد الجَوبري، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا أبو عمر بن حَيُّويَهْ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق المدائنى، حدثنا إسحاق بن أحمد العلاف، حدثنا موسى بن إسماعيل المنْقَريُّ، عن غالب بن عُبَيد الله، عن عطاء، عن أنسٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخَذَ سهمًا من كنانته فناوله معاويةَ وقال: "ائتني به في الجنة"، كذا قال عطاءٌ عن أنس. وبه إلى المدائني: حدثنا عمر بن شبّة، حدثنا وضاح حدثنا الوزير، عن غالب، عن عطاء، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نَاولَ معاويةَ سهمًا ... الحديث.

فَجَعَلَ يُمْلي عَلَيَّ: حَدَّثَني مَكْحُولٌ حَدَّثَني كَذَا، فَأخَذَهُ الْبَوْلُ فَقَامَ، فَنَظَرْتُ في الْكُراسَة؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا حديثٌ موضوعٌ، رواه الأصَمُّ عن عباس الدوري، حدثنا الوَضَّاح بن حسان الأنباري، حدثنا وزير بن عبد الله نحوه، والوضَّاحُ ضعيفٌ. اهـ ("الميزان" (3/ 3321 - 332). (فجَعَلَ) غالبُ بن عُبَيد الله (يُمْلي) ويَقْرأُ (عَلَي) والإملاءُ: حكايةُ القول لمَنْ يَكْتُبُه، والتلقينُ: حكاية القول لمَنْ يقولهُ حالةَ كَوْنه يقول في إملائه علي: (حَدثني مَكْحُول حَدَّثَني كذا) وكذا، وفي بعض النُّسَخ: (حَدثَني مَكْحُولٌ حَدثَني مَكْحُولٌ) بالتكرار بلا ذكْر لفظة (كذا). وأما مكحولٌ: فهو مكحول الشامي أبو عبد الله، روى عنه (م عم). قال في "التقريب": ثقة فقيه كثيرُ الإرسال مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة. وقولُه: (فأخَذَه البولُ) معطوفٌ على (جَعَل) أي: فأخذ غالبا البولُ؛ أي: دَافَعَه البولُ وضَغَطَهُ وأزعجه وأحْوَجَهُ إلى الخُروج (فقام) غالبٌ من مجلسه فخَرجَ لإخراج البول وتَرَك الكُراسة التي يملي عنها علي في مجلسه (فنظَرتُ في الكُراسَة) حين خرج. قال النووي: (وأما الكُرَّاسةُ آخرها هاء .. فمعروفةٌ، قال أبو جعفر بن النحاس في كتابه "صناعة الكتاب": "الكراسة معناها: الكُتُبُ المضمومُ بعضُها إلى بعض والوَرَقُ الذي قد أُلْصِقَ بعضُه إلى بعض، مشتقٌّ من قولهم: رَسْمٌ مُكَرسٌ إذا أَلْصَقَت الريحُ التُّرابَ به، قال: وقال الخليلُ: الكُرَّاسةُ مأخوذةٌ من أكْرَاس الغَنَم وهو أن تَبُولَ في الموضع شيئًا بعد شيء فيتَلبَّد، وقال أقضى القضاة الماوردي: أصلُ الكُرَّاس: العلْمُ، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها عِلْمٌ مكتوبٌ: كُراسة، والله أعلم) اهـ (¬1). قلت: وهي المعروفةُ الآن عند أهل المطابع بـ (الملْزَمة) 16 صفحة. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 95).

فَإذَا فيهَا: حَدَّثَني أَبَانٌ عَنْ أَنَسٍ، وَأَبَانٌ عَنْ فُلانٍ، فترَكْتُهُ وَقُمْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإذا فيها) أي: في الكُرَّاسَة: (حَدثَني أبانُ) بن أبي عياش فيروز أبو إسماعيل، مولى عبد القيس، البصري. روى عن أنس فأكثر، قال الفلاس: متروك الحديث، وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث، ترك الناس حديثه منذ دهر، روى عنه (د). ولفظُ (أبان) فيه وجهان لأهل العربية (¬1): أحدهما: الصَّرْفُ على جَعْل الهمزة فيه أصليةً فيكون وزنه فَعالًا وهو الصحيح، وهو الذي اختاره الإمام محمد بن جعفر في كتابه "جامع اللغة" والإمام أبو محمد بن السَّيد البَطَلْيَوْسي. الوجه الثاني: عدمُ الصرف للعلمية ووزن الفعل على جَعْل الهمزة فيه زائدةً فيكون أصلُه فعلًا ماضيًا على وزن أفعل، وعلى هذا: قال بعضُهم: من صَرف أبَانَ .. فهو أتَان (¬2). (عن أنسِ) بن مالك الأنصاري الخَزْرَجِيِّ النجَّاريِّ خادمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري، مات سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين، وهو آخرُ مَنْ مات بالبصرة من الصحابة. (و) حدثني (أبانٌ عن فُلانٍ) وفلانٍ كذا وكذا، والمعنى: فلما قام لبوله .. نظَرْتُ في الكُراسة التي يُمْلي عَلَيَّ منها فإذا في الكُرَّاسة: (حَدَّثَني أبان عن أنسٍ وأبَان عن فُلانٍ) بدلَ ما يُمْلي عليَّ بقوله: حدثني مكحول حدثني مكحول (فَتَرَكْتُه) أي: فتَرَكْتُ غالبَ بنَ عُبيد الله (وَقُمْتُ) من عنده؛ لظُهور كَذبه لي بمخالفة إملائة لمَا في الكُراسة. ¬

_ (¬1) انظر المصدر السابق، و"تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 97)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 128). (¬2) لكن قال الحافظ الزبيدي في "تاجِ العروس" (9/ 117): (وقال بعضُ أئمة اللغة: مَن لم يَعرف صَرْفَ أبان .. فهو أتان. نقله الشهابُ رحمه الله في "شرح الشفاء").

قَال: وَسَمعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَليٍّ الْحُلْوَانيَّ يَقُولُ: رَأَيتُ في كتَاب عَفَّانَ حَديثَ هشَامٍ أَبي الْمقْدَام ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة السنوسي رحمه الله: (يعني تركتُه لمخالفة ما أَمْلَى بلسانه وهو: "حَدثَنا مكحولٌ ... " لما في كُرَّاسه وهو: حَدثنا أبَان عن أنس) اهـ (¬1). وهذا السَّندُ من ثُلاثياته في الأثَر، ورجالُه بغدادي، عن واسطي، عن كوفي. ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لمَا مَرَّ بأثَر عفان بن مسلم بقوله: (قال) الإمامُ مسلم رحمه الله تعالى، عَبرَ بلفظ الغَيبة على سبيل التجريد: (وسمعتُ الحَسَنَ بنَ عَليِّ) بن محمد الهُذلي نسبة إلى هُذيل بن مُدْركة أبا عليٍّ الخَلَّال (الحُلْوَاني) الحافظَ المكي. روى عن عبد الصمد وعبد الرزاق ووَكيع وأبي معاوية وخلق، ويروي عنه (خ م د ت ق) ومحمد بن إسحاق السراج. قال في "التقريب": ثقة حافظٌ، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. (يقولُ) أي: حالة كون الحسن يقول: (رأيتُ في كتاب عَفانَ) بن مسلم الأنصاري البصري، ثقَة ثَبْت، من كبار العاشرة، مات سنة عشرين ومائتين؛ أي: رأيتُ في ثَبَته (حديثَ هشام) بن زياد بن أبي يَزيد القُرشي الأموي، مولى آل عثمان، المَكْنِيَّ بـ (أبي المقْدَام)، ويُقال له أيضًا: هشام بن أبي الوليد المدني. روى عن أبيه وأُمّه وأخيه والحَسَن البصري وأبي صالح السَّمان وعُمَرَ بن عبد العزيز ومحمد بن كعب القُرَظي وغيرهم، ويروي عنه وَكيع وزَيدُ بن الحُباب وابنُ المبارك والنضْر بن شُمَيل ويَزيد بن هارون وغيرُهم. قال ابن مَعين: ليس بثقة، وقال في موضع آخر: ضعيف ليس بشيء، وقال البُخاري: يتكلَّمون فيه، وقال أبو داود: غيرُ ثقة، وقال الترمذي: يُضَعَّفُ، وقال النَّسائيُّ وعليُّ بن الحُسَيْن بن الجنيد وأبو الفَتْح الأزدي: متروكُ الحديث، وقال أبو ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 28).

حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَال هِشَامٌ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بْنُ فُلانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حاتم: ضعيف الحديثِ ليس بالقوي، وقال ابنُ حِبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوزُ الاحتجاجُ به. وبالجملة اتَّفَقُوا على تَضْعِيفِه وتَرْكِه. وقال في "التقريب": متروك، من السادسة، روى عنه (ت ق). وقولُه: (حديثُ عُمَرَ بنِ عبد العزيزِ) بالرفعِ خبرٌ لمحذوفٍ تقديرُه: أي الذي هو حديثٌ رواه هشامٌ أولًا عن عُمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أُمَية بن عبد شمس الأُموي، أبي حفص، الحافظ أمير المؤمنين، وبالنصب بَدَلٌ من حديثِ عمر بن عبد العزيز. وعبارةُ السنوسي هنا: (قوله: "حديثُ عُمَرَ بنِ عبد العزيز" يجوزُ فيه الرفعُ على تقدير المبتدإ؛ أي: وهو حديثُ عمر، والنصبُ على أحد وجهَينِ: إمَّا على البدل من "حديثَ هشام"، أو على أنه مفعولٌ على إضمار أعني) اهـ (¬1) روى عن أنسٍ وعبدِ الله بن جعفر وابنِ المُسَيَّب، ويروي عنه (ع) وأيوب وحُمَيد والزهْري وخَلْق، قال ميمونُ بن مِهْران: ما كانت العلماءُ عند عمر بن عبد العزيز إلا تلامذة. وَلِيَ الخلافةَ في سنة تسعٍ وتسعين، ومات في رجب سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة، فمُدةُ خلافته سنتان ونصف (¬2)، فهو من الخلفاء الراشدين. (قال هشامُ) بن زياد أبو المقدام المذكورُ في ذلك الحديث المكتوب في كتاب عفان: (حَدَّثني رجل يُقَالُ له) أي: يسَمى (يحيى بن فُلانٍ) أي: ابن سعيد، وهذا بيان للحديث الذي رآه في كتاب عفان (عن محمدِ بنِ كَعْبِ) بن سُلَيم بن أسد ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 28)، وأصلُه من كلام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 95 - 96). (¬2) قال الحافظ المزيُّ في "تهذيب الكمال" (21/ 433): (وكانتْ ولايتُه تسعةً وعشرين شهرًا مثل ولاية أبي بكر الصّدّيق).

قَال: قُلْتُ لِعَفانَ: إنهُمْ يَقُولُونَ: هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ محمد بْنِ كَعْبٍ، فَقَال: إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ، كَانَ يَقُولُ: حَدثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحمدٍ، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي حمزة القُرَظِي المدني ثم الكوفي، وكان قد نَزَلَ الكوفةَ مدةً، أَحَدُ العلماء. روى عن أبي الدرداء مرسلًا، وعن فَضَالة بن عُبَيد وعائشة وأبي هُرَيرَة، ويروي عنه (ع) وابن المُنْكَدِر وَيزِيد بن الهاد والحَكَم بن عُتَيبة، قال عونُ بن عبد اللهِ: ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بتأويل القرآن من القُرَظي. وقال في "التقريب": ثقة عالم، من الثالثة، مات سنة عشرين ومائة، وقيل قبل ذلك. (قال) الحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ. (قلتُ لعَفانَ) بنِ مسلم: (إنهم) أي: إن الناسَ (يقولون: هشامٌ) وابنُ زياد أبو المِقْدام البصري (سَمِعَه) أي: سَمعَ هذا الحديثَ (من محمد بنِ كَعْبٍ) القرظي مشافهةً بلا واسطةٍ، فكيف يقول في كتابك: حدثني يحيى بن فلان عن محمَّد بن كعب بإثبات الواسطة؟ (فقال) عَفَّانُ بن مسلم للحَسَنِ الحُلْواني في جواب سؤاله واستفهامه: (إنما ابْتُلِيَ) هشامٌ وأُصِيبَ بجَرْحِ الناس له وضُعِّفَ عندهم (مِنْ قِبَلِ هذا الحديثِ) أي: بسبب هذا الحديث، يعني حديثَ عمر بن عبد العزيز؛ لأن هشاما (كان) تارةً (يقولُ: حَدَّثني يحيى) بن سعيد (عن محمدِ) بنِ كعب. (ثُمَّ ادعَى) أي: ثُمَّ بعدَ أنْ رَوَى عن يحيى عن محمدٍ .. ادعَى (بعدُ) أي: بعدَ أنْ رَوَى عن محمدٍ بواسطة يحيى، وكلمةُ (بعدُ) لا حاجةَ إليها؛ للاستغناء عنها بثُمَ؛ لأن مفادَهما واحد. (أنه) أي: هشامًا (سَمِعَهُ) أي: سمع ذلك الحديثَ (من محمدِ) بنِ كعبٍ، فكلامُه متناقض يُوْجِبُ الاضطرابَ في روايته المُوجِبَ لضَعْفِه في الحديث. وعبارةُ السنوسي هنا: (قولُه: "إنما ابْتُلِيَ هشامٌ" يعني: إنما ضَعفُوه من قِبَل هذا الحديث، كان يقول: حَدَّثني يحيى عن محمدٍ، ثم ادعى أنه سَمِعَهُ من محمَّد،

[42] حَدَّثَنِي محمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ قُهْزَاذَ، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ يَقُولُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذِي رَوَيتَ عَنْهُ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: ـــــــــــــــــــــــــــــ قد يُقال: هذا القَدْر لا يَقْتَضي ضَعْفًا؛ لأنه ليس فيه تصريح بكَذبٍ لاحتمال أنه سمعه من محمدٍ ثم نَسِيَه فحَدَّث به عن يحيى عنه ثم ذَكَرَ سماعَهُ من محمدٍ فرواه عنه؛ والجوابُ: أن الأئمة رحمة الله تعالى عليهم إنما ضَعَّفُوه بهذا لمَا قَامَتْ وظَهَرتْ لهم من القرائنِ المُؤْذِنَةِ لهم بعَدَمِ سماعِه من محمدٍ فحَكَمُوا ذلك بتلك القرائن) (¬1). ورجال هذا السَّنَد ثُنَائِيٌّ: مكيٌّ، عن بصري. ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرّ بأثَرِ عبد الله بن المبارك فقال: [42] (حَدَّثني محمدُ بن عبد اللهِ بن قُهْزَاذَ) الحافظُ المَرْوَزِيُّ أبو جابر، ثقةٌ، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وستين ومائتين. (قال) محمدُ بن عبد الله: (سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ عثمانَ بنِ جَبَلَةَ) بفتح الجيم والموحدة، ابن أبي رَوَّاد -بفتح الراء وتشديد الواو- الأزدي العَتكِيَّ، أبا عبد الرحمن المَرْوَزِيَ الحافظَ المُلَقَّب بـ (عَبْدان)، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين في شعبان. أي: سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ عثمان حالةَ كَوْنِه (يقول: قلت لعبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم، أبي عبد الرحمن المَرْوَزِي، أَحَدِ الأئمة الأعلام، ثقة ثَبْت، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. وهذا السند من ثُلاثياته، ومن لطائفِه: أن رجالهُ كُلهم مَرْوَزِيُّون. أي: قال عبدُ اللهِ بن عثمان: سألتُ عبدَ اللهِ بنَ المبارك بقولي له: (مَنْ هذا الرجلُ الذي رَويتَ) وحَدَّثْتَ لنا (عنه) أي: عن ذلك الرجل (حديثَ عبد اللهِ بنِ عَمْرٍو) وهو مفعولٌ به لرَوَيتَ. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 28)، وهو للنووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 96).

"يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمُ الْجَوَائِزِ"؟ قَال: سُلَيمَانُ بْنُ الْحَجاجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: ("يوم الفطر يوم الجوائز") بدلٌ محكى من (حديثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو) بدل كُلّ من كُل، والجوائز: جمع جائزة، وهي العطاء. وأما عبدُ اللهِ: فهو ابنُ عَمْرو بن العاص بن وائل السَّهْمِيُّ أبو محمَّد، وقيل: أبو عبد الرحمن، بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة، أَحَدُ السابقين إلى الإِسلام، وأَحَدُ المُكْثِرين من الصحابة، وأَحَدُ العبادلة الفقهاء، مات بالطائف على الراجح سنة خمسٍ وستين. وأمَّا حديثُ (يوم الفطر يوم الجوائز) فهو ما رُوي عنه: "إذا كان يومُ الفِطْرِ .. وَقَفَت الملائكةُ على أفواه الطُّرُقِ ونادَتْ: يا معشرَ المسلمين؛ اغْدُوا إلى رَبٍّ رحيمٍ، يأمرُ بالخير ويُثيبُ عليه الجَزِيل، أَمَرَكم فصُمْتُم، وأطعتم رَبكم، فاقْبَلُوا جوائزِكِم، فإذا صَلوا العيدَ .. نادى منادٍ من السماء: ارْجِعُوا إلى منازلكم راشدين فقد غفرْتُ ذُنُوبَكم كُلها، ويُسَمَّى ذلك اليومُ يومَ الجوائز" جمع جائزة، وهي العطاء. قال النوويُ: (وهذا الحديث رويناه في كتاب "المستقصى في فضائل المسجد الأقصى" تصنيف الحافظ أبي القاسم ابن عساكر الدمشقي رحمه الله تعالى) اهـ (¬1) وهو حديث موضوع. (قال) عبدُ الله بن المبارك في جواب استفهام عبد الله بن عثمان: ذلك الرجل الذي رَويتُ عنه ذلك الحديثَ هو (سُلَيمَانُ بن الحَجَّاج)، فهو خبرٌ لمبتدإ محذوفٍ كما قَدَّرْنا. وأما سُلَيمَان بن الحَجاجِ: فهو شيخٌ للدَّرَاوَرْدِي لا يُعرف عِدادُه في أهل الطائف، فقد روى الدرَاوَرْدِي عنه عن لَيثٍ عن مجاهدٍ عن ابن عَبَّاسٍ: (نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباهين وعن طعام المتبارين). وروى موسى بن أعيَن، عن بكر بن خُنيس، عن سُلَيمَان بن الحَجَّاج، عن خالد بن سعيد، عن أبي حازم، عن سَهْلٍ مرفوعًا: "إن لكُل شيءٍ شبحًا، وشبحُ الجهادِ الرباطُ" وفي رواية: "إن لكُل شيءٍ شيخًا، وشيخ الجهاد الرباط"، وهذا ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 97).

انْظُرْ مَا وَضَعْتَ في يَدِكَ مِنْهُ. قَال ابْنُ قُهْزَاذَ: وَسَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثٌ لا أَصْلَ له، بل هو من الموضوعات. اهـ من "الميزان". وقوله: (انظر ما وَضَعْتَ) هو بفتح التاء على الخطاب، ولا يمتنعُ الضمُّ أيضًا (¬1). والكافُ في قوله: (في يَدِكَ) عائدة إن عبد الله بن عثمان، والضميرُ في قوله: (منه) إن سُلَيمَان بن الحَجَّاج. والمعنى على رواية فتح التاء من (وَضَعْتَ): انْظُرْ وفتِّش يا عبدَ اللهِ ما وَضَعْتَ وجَمَعْتَ في يَدِكَ من الأحاديث، واطْرَحْ منها ما كان مَرْويّا منه؛ أي: من سُلَيمَان بن الحجاج، ولا تَرْوه للناس؛ فإنه مجهولٌ وأحاديثُه من الموضوعات. والمعنى على ضَمِّها: انْظُرْ وفتِّشْ ما جَعَلْتُ أنا في يَدِكَ من الأحاديث التي رَويتُها لك واطْرَحْ منها ما رَوَيتُه لك منه، أي: من سُلَيمَان بن الحَجَّاج؛ فإنه مجهولٌ ليس من أهل الحديث، وهذا الكلام جَرْحٌ وذَمٌّ لسُلَيمَان بن الحَجَّاج؛ لأنه مجهول كما هو مقتضَى السِّياق؛ لأن سِيَاقَ كلامِ المؤلِّف رحمه الله تعالى في كَشْفِ معايب الرُّواة لا في مَدْحِهِم، ولا تَغْتَرَّ بما قاله النوويُّ هنا: (وهو مَدْحٌ وثَنَاءٌ على سُلَيمَان بن الحَجَّاج) (¬2) فإنه؛ سَهْوٌ أو سبقُ قلمٍ منه. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بأثَرِ عبد الله بن المبارك أيضًا فقال: (قال) محمدُ بن عبد الله (ابن قُهْزَاذَ) المَرْوَزِي، والواو في قوله: (وسَمِعْتُ) عاطفةٌ ما بعدَها على قوله (سَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ عثمان) مع تكرار العامل الذي هو قال؛ أي: قال محمَّد بن قُهْزَاذَ: سَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ عثمان، وسَمِعْتُ أيضًا (وَهْبَ بنَ زَمْعَةَ) -بفتح الزاي وإسكان الميم وفتحها (¬3) - التميميَّ أبا عبد الله المَرْوَزيَّ. روى عن ابن المبارك وسفيان بن عبد الملك وعبد العزيز بن أبي رِزْمَة وغيرِهم، ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 97)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 28). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 97). (¬3) انظر المصدر السابق.

يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَال: قَال عَبْدُ الله -يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ-: رَأَيتُ: رَوْحَ بْنَ غُطَيفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروي عنه (من ت س) وأبو إسحاق الجُوزجاني ومحمد بن عبد الله بن قُهْزَاذَ وغيرُهم، وَثقَهُ النَسائيُّ. وقال في "التقريب": ثقة، من قُدماء العاشرة. حالةَ كَوْنِ وَهْب بن زَمْعَة (يَذْكُرُ) وَيَرْوي (عن سفيانَ بنِ عبد الملك) المَرْوَزِيِّ. روى عن ابن المبارك فقط، ويروي عنه (من دت) وابنُ رَاهُويه وعَبْدان. قال في "التقريب": ثقة، من قدماء العاشرة، مات قبل المائتين. (قال) سفيان: (قال عبدُ اللهِ) قال المؤلفُ رحمه الله تعالى إيضاحا لعبدِ اللهِ وإشعارًا بأن النِّسْبَةَ الآتيةَ ليستْ من كلام شيخه، بل ممَّا زَادَه من عند نفسه: (يعني) ويَقْصِدُ سفيانُ بن عبد الملكِ بعبد الله في قوله: (عبدُ اللهِ): (ابنَ المبارك) أي: يَقْصِدُ به عبدَ اللهِ بنَ المبارك. وهذا السَّنَدُ من رباعياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم مَرْوَزِيُّون. وقولُه: (رأيتُ رَوْحَ بنَ غُطَيفٍ) إلى قوله: (كُرْهَ حديثِه) مقولٌ لقال عبدُ الله؛ أي: قال سفيانُ بن عبد الملك: قال لنا عبدُ اللهِ بن المبارك: (رأيتُ) أي: لَقِيتُ (رَوْحَ) بفتح الراء المهملة (بنَ غُطَيفٍ) بضم الغين المعجمة ثم طاء مهملة مفتوحة، هذا هو الصواب (¬1). وحكى القاضي عِيَاضٌ عن أكثر شيوخه كالعُذري والطبري والسمرقندي: أنهم رَوَوْه غضيف بالضاد المعجمة وهو خطأ (¬2). قال البخاري في "تاريخه" (3/ 308): وهو منكر الحديث. وقال الذهبيُّ في "الميزان" (2/ 60): (رَوْح بن غُطَيف وَهَّاهُ ابنُ مَعِين، وقال ¬

_ (¬1) قال الحافظُ ابنُ الصلاح: (وإنما هو بالطاء المهملة من وجوهٍ معتمدة، وهو كذلك محفوظٌ معروف، وهو عندي على الصواب فيما انتخبتُه من أصلِ فيه سماعُ شيخنا أبي الحسن الطوسي، وعليه خَطُّ شيخِه الفَرَاوي، وقرأتُه عليه عند قبر مسلم، والله أعلم). "صيانة صحيح مسلم" (ص 126). (¬2) "إكمال المعلم" (1/ 137)، و"مشارق الأنوار" (2/ 144).

صَاحِبَ الدَّمِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَجَلَسْتُ إِلَيهِ مَجْلِسا، فَجَعَلْتُ أَسْتَحْيي مِنْ أَصْحَابِي ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائيُّ: متروكٌ، وله عن الزُّهْري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: "تُعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم"، انفرد به عنه القاسمُ بن مالك المزني (¬1)، وروى نَصْر بن حماد أحدُ التَّلْفَى عنه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: لا يُعادُ المريضُ إلّا بعد ثلاث. قلتُ: رَوْح بن غُطَيف -بطاء مهملة- عِدادُه في أهل الجزيرة) اهـ. وقولُه: (صاحبَ الدَّمِ) صفة لرَوْح، وقولُه: "قَدْرِ الدِّرْهَم" قال السنوسي: (الظاهرُ جرُّ قَدْرِ الدِّرْهَمِ على البدلية من الدَّمِ قبلَه، أو على أنه عطف بيانٍ له) (¬2). هكذا قالوا: وفيه نَظَرٌ؛ لأن المُبْدَلَ منه حينئذ على نِيَّة الطَّرْح، فإذا أسقطناه وقلنا: (صاحبَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ) فلا معنى له، والأَوْلى جَرُّه على أنه صفةٌ للدم على جَعْلِ أل فيه جنسية، والتقدير: صاحبَ الدَّمِ الموصوفِ بكَوْنهِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، ويَصِح نصبُه على الحالية من الدم، وعلى هذين الاحتمالين: فهو جامدٌ مُؤَوَّلٌ بمشتقٍّ؛ لأن الصفة والحال لا يكونان إلّا مشتقًا أو مؤولًا به. قال النوويُّ: (وأرادَ ابنُ المبارك بهذا الكلام وصفَه وتعريفَه بالحديث الذي رواه رَوْحٌ هذا عن الزهْري عن أبي سلمة عن أبي هريرة يرفعُه: تُعَادُ الصلاةُ من قَدْرِ الدرهم يعني من الدم) (¬3). قال عبدُ اللهِ بن المبارك: لَقِيتُ رَوْحَ بنَ غُطَيفٍ جالسًا في حلقتِه (وجلستُ إليه) أي: عنده أو جنبه؛ أي: جلست جنب حلقته (مجلسًا) أي: جلوسا قليلًا لاستماع حديثه تجربةً له، هل يروي أحاديث صحيحة أو مناكير موضوعة؟ (فجعلت) أي: فصرْتُ وكنت (أسْتَحْييِ) وأستخفي (من أصحابي) وزملائي أهل السُّنَّة والحديث، أي: فكنت وصرت مستحييًا من أصحابي ورفقتي، وجَعَلَ هنا من أخوات صارَ لا التي من أفعال الشُّروع. ¬

_ (¬1) وهو حديث باطل لا أصل له عند أهل الحديث. انظر "إكمال المعلم" (1/ 137)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 97). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 29). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 97).

أَنْ يَرَوْني جَالِسًا مَعَهُ؛ كُرْهَ حَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملةُ: (أنْ يَرَوْنِي جالسًا معه) أي: أن يراني أصحابي جالسًا معه، في تأويل مصدرٍ مجرورٍ على أنه بدلُ اشتمالٍ من أصحابي؛ أي: فصرتُ أستخفي من أصحابي من رؤيتهم إياي جالسا معه؛ أي: مع رَوْح بن غُطَيف. وقولُه: (جالسًا) إمَّا حالٌ من مفعول رأى إن كانتْ بصريةً، أو مفعولٌ ثانٍ لها إن كانتْ علمية. وقولُه: (كرْهَ حديثِه) مفعولٌ لأجله لأسْتَحْيي؛ أي: كنتُ أستحيي من أصحابي لأجل كراهية حديثه (¬1)؛ أي: رَوْحِ بنِ غُطَيفٍ. وقولُه: (أسْتَحْيِي) هو بياءين، ويجوزُ حذفُ إحداهما (¬2). وحَدَّ ابنُ الصلاح (¬3) الحياءَ بأنه خُلُقٌ يمنعُ من القبيح ومن التقصير من الحُقوق. وحدَّه الزمخشريُّ (¬4) بأنه تغَيُّرٌ وانكسارٌ يَلْحَقُ من فعلِ أو تَرْكِ ما يُذَمُّ به. وقال المازري: (والحياء هو غَرِيزةٌ في الأكثر، وإنما جُعِلَ من الإيمان المكتسَبِ في حديث: "والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمان"؛ لأنه يَمْنَعُ من المعصية كما يمنع منها الإيمان) (¬5). وقوله: (كُرْهَ) بضم الكاف ونصب الهاء على أنه مفعولٌ لأجله كما مَرَّ آنفًا، وهو بالضمِّ مصدرٌ سماعيٌّ لِـ (كَرِهَ) الثلاثي، وبالفتح مصدرٌ قياسيٌّ له كَسَمِعَ سَمْعًا. قال النوويُّ؛ (وهذا الحديث ذَكَره البخاريُّ في "تاريخه" (3/ 308)، وهو حديثٌ باطلٌ لا أصلَ له عند أهل الحديث، والله أعلم) (¬6). وقال السنوسيُّ: (وقد اختُلِفَ في العَفْو عن يسير النجاسة، فذهب أهلُ العراق ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 97). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 97). (¬3) "صيانة صحيح مسلم" (ص 197 - 198). (¬4) "الفائق" (1/ 340 - 341). (¬5) "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 196). (¬6) "شرح صحيح مسلم" (1/ 97).

[43] وَحَدَّثَنَا ابْنُ قُهْزَاذَ، قَال: سَمِعْتُ وَهْبًا يَقُولُ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَال: بَقِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى أنَّ قَدْرَ الدرهم من جميع النجاسات مَعْفُوٌّ عنه قياسًا على موضع الاستجمار، وذهب الشافعي إلى أنه لا يُعفى عن شيءٍ منها دمًا أو غيرَه، ويُغسل قليلُها وكثيرُها، وذهب مالكٌ إلى ذلك إلا في الدم فرأى العَفْوَ عن يسيرِه للمشقّة، واختُلف عنه في العفو عن يسير دم الحيض، وفي يسير دم غيره ويسير القيح والصديد قولان) اهـ (¬1). ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بأثَرِ عبد الله بن المبارك في بقيَّة فقال: [43] (وَحَدَّثَنا) وفي بعض النُّسَخ: (حَدَّثَني) محمدُ بن عبد الله (ابنُ قهْزَاذَ قال: سمِعْتُ وَهْبًا) وابنُ زمعة المَرْوَزِيُّ، حالة كون وَهْبٍ (يقولُ) ويروي (عن سفيانَ) بنِ عبد الملك المَروَزِي حالة كونه راويًا (عن) عبد اللهِ (ابن المبارك) الحافظ المَرْوَزِيِّ، ومن لطائف هذا السَّنَدِ: أن رجاله كُلَّهم مَرْوَزِيُون كسابقِه. (قال) عبدُ الله بن المبارك: (بقِية) بن الوليد بن صائد بن كعب الكَلاعي بفتح الكاف واللام المخففة نسبة إلى كَلاعة قبيلةٍ كبيرةٍ نزلتْ حِمْصَ من الشام، أبو يُحْمِد -بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم- الميتَمِي (¬2). روى عن بَحِير بن سَعْد ومحمد بن زياد الأَلْهاني وأُمَم، ويروي عنه (م عم) وابنُ جريج وشُعْبةُ وهما من شيوخه وكثيرُ بن عُبيد وأحمدُ بن الفَرج الحجازيُّ وخَلْق، له في (م) فرد حديث متابعة (¬3). وثقه الجمهورُ فيما سمعه من الثقات، وقال النَّسائيُّ: إذا قال حَدَّثَنا وأخبرنا .. فهو ثقة. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 29)، وهو مختصرٌ من كلام القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/ 138). (¬2) المَيتَمي: بفتح الميم وسكون الياء تحتها نقطتان، وبعدها تاء فوقها نقطتان، وبعدها ميم، هذه النسبة إلى مَيتَم وهو بَطْنٌ مِن حِمْيَر. انظر "اللباب" لابن الأثير (3/ 279 - 280)، و"تقييد المهمل" (2/ 465) و "تهذيب الكمال" (4/ 192) مع الحاشية. (¬3) رواه مسلمٌ في كتاب النكاح (16 - باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوته) حديث رقم (101/ 1429): عن إسحاق بن منصور، عن عيسى بن المُنْذِر، عن بقِية، عن الزبيدي، عن نافع، عن ابن عُمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دُعِيَ إلى عُرْسِ أو نحوه .. فَلْيُجِبْ".

صَدُوقُ اللِّسَانِ، ولكنهُ يَأخُذُ عَمنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. [44] حَدثنا قتيبة بْنُ سَعِيدِ، حَدّثَنَا جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": صدوقٌ كثيرُ التدليس عن الضعفاء, من الثامنة، مات سنة سبعٍ وتسعين ومائة، وله سبعٌ وثمانون سنة. وليس في رجال مسلم (بَقِيَّة) إلَّا هذا. أي: بَقِيَّةُ (صَدُوقُ اللسان) أي: صدوق في كلامهِ وحديثِه ليس كاذبا، (ولكنه) أي: ولكن بَقِيَّةَ (يأخذُ) أي: يروي الحديث (عمنْ أقْبَلَ) على الحديثِ وعَرَفه وضَبَطَهُ وأتْقَنَهُ يعني الثقات، أو عمنْ أقبل بَقِيَّةُ عليه؛ أي: عمنْ عَرَفَ حاله وصِدْقَه وثقتَه في الحديث (و) عَمَّنْ (أدْبَر) وتَوَلى عن الحديث ولم يعرفه ولم ويتقنه ولم يحفظه يعني الضعفاء, أو عمَّنْ أدْبَرَ بَقِيَّة عنه ولَم يَعْرِفْ حاله وصِدْقَه وَكذِبَه، فيروي الحديث عَمَّنْ سَمعَ منه، سواء كان من الثقات أو الضعفاء, فلا يُبالي أيًّا كان. ثم استشهد المؤلَّف رحمه الله تعالى لِمَا مَرّ بأثَرِ الشعْبِيِّ فقال: [44] (حَدَّثَنا قُتَيبةُ بن سَعِيدِ) بن جَمِيل -بفتح الجيم- ابن طَرِيف الثقفي مولاهم، وقتيبة تصغير قِتْبة بكسر القاف واحدة الأقتاب وهي الأمعاء، قال الصغاني: وبها سمَّي الرجل قتيبة ولُقَّب بها، واسمُه فيما قاله ابنُ مَنْدَهْ: علي بن سعيد بن جَميل، وقيل: يحيى بن سعيد، أبو رجاء البَغْلاني -بفتح الموحدة وسكون المعجمة- نسبة إلى بَغْلان قريةِ من قرى بَلْخ، أحد أئمّة الحديث. روى عن مالك والليث وإسماعيل بن جعفر، ويروي عنه (خ م د ت س) وابنُ ماجه بواسطة، ومن أقرانه أحمدُ والحُمَيدي، وثقَه ابنُ مَعِين وأبو حاتم. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبت، من العاشرة، مات سنة أربعين ومائتين عن تسعين سنة. (حَدَّثَنا جَرِيرٌ) وابنُ عبد الحميد بن قُرْط -بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة- الضَبّي -بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة- نسبة إلى ضَبَّة بن أُدّ، أبو عبد الله الكوفي ثم الرازي، وُلِدَ بقريةِ من قُرى أصبهان، ونشأ في الكوفة، ونزل الرَّي. روى عن عبد الملك بن عُمَير وأبي إسحاق الشيباني ويحيى بن سعيد الأنصاري،

عَنْ مغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسُلَيْمَان التَّيمي والأعمش وعاصم الأحول وسُهَيل بن أبي صالح وعبد العزيز بن رُفيع وعُمارة بن القَعْقاع وإسماعيل بن أبي خالد ومنصور بن المُعْتَمر ومغيرة بن مِقْسَم وَيزِيد بن أبي زياد وأبي حَيَّان التيمي وعطاء بن السائب وخَلْقٍ كثير، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإسحاقُ وابنا أبي شَيبة وقُتيبة وعَبْدان المَرْوَزي وأبو خَيثَمَة ومحمد بن قُدَامة المِصِّيصيُّ ومحمد بن قُدامة الطُوسي ومحمد بن قدامة السُّلَمِي وعلي بن المَدِيني ويحيى بن مَعِين ويحيى بن يحيى وأبو الربيع الزَّهْراني وعلي بن حُجْر وجماعةٌ. قال ابنُ سَعْد: كان ثقةً كثيرَ العِلْم يُرْحَلُ إليه، وله مصنَّفات. وقال في "التقريب": ثقةٌ صحيحُ الكتاب، قيل: كان في آخِرِ عُمُرِهِ يَهِمُ من حفظه، مات سنة ثمانٍ وثمانين ومائة، وله إحدى وسبعون سنة. اهـ وكان من السادسة. (عن مُغيرة) بن مِقْسَم -بكسر أوله وسكون ثانيه- الضَبّي مولاهم، أبي هشام الكوفي الفقيه، قيل: إنه وُلدَ أعمى. روى عن إبراهيم النَّخَعي، والشعْبي، وأبيه، وأبي وائل، ومجاهد، وغيرِهم، ويروي عنه (ع)، وشُعْبة، والثوْري، وزائدة بن قُدامة، وزُهَير بن معاوية، وجَرِير بن عبد الحميد، والمُفَضَّل بن مُهَلْهل، وهُشَيم، ومحمد بن فُضَيل، وأبو عَوانة، وإسرائيل، وإبراهيم بن طَهْمان، وخَلْق، وثقَه العِجْليُّ وابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثقةٌ مُتْقِنٌ إلّا أنه كان يُدَلِّسُ ولا سيَّما عن إبراهيم النَّخَعي، قال ابنُ فُضَيل: وكُنَّا لا نكتب عنه إلا ما قال: حَدَّثَنا إبراهيم. من السادسة مات سنة ست وثلاثين ومائة على الصحيح. (عن الشَّعْبِيِّ) عامر بن شَرَاحيل الحِمْيَريِّ أبي عَمْرو الكوفي الإِمام العَلَم، وُلدَ لست سنين خَلَتْ من خلافة عُمر. روى عن عُمر، وعليّ، وابن مسعود ولم يَسْمَعْ منهم، وعن أبي هريرة، وعائشة، وجَرِير، وابن عباس، وخَلْقٍ. قال: أدركتُ خمسمائة من الصحابة. ويروي عنه ابنُ سيرين، والأعمشُ،

قَال: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ وَكَانَ كَذَّابًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشُعْبَةُ، و (ع)، وخَلْقٌ، وقال أبو مِجْلَز: ما رأيتُ فيهم أفْقَه من الشعْبي. وقال في "التقريب": ثقة مشهورٌ فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة ثلاثٍ ومائة، وله نحو من ثمانين سنة، وقيل غير ذلك. (قال) الشَّعْبيُّ: (حَدثني الحارثُ) بن عبد الله (الأعورُ الهَمْداني) بإسكان الميم وبالدال المَهملة، الخَارِفي -بكسر الراء وبالفاء- نسبة إن خَارِف بَطْن من هَمْدان، أبو زُهَير الكوفي. روى عن عليّ، وابن مسعود، وزَيد بن ثابت وبُقَيرة امرأة سَلْمان، ويروي عنه الشَّعْبِيُّ، وأبو البَخْتَري الطائي، وأبو إسحاق السَّبيعي، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الله بن مُرَّة، وجماعةٌ. قال الشَّعْبيُّ: (وكان) الحارثُ الأعورُ (كَذابًا) أي: كثيرَ الكَذب في الحديث، وقال مُجَالدٌ: قيل للشعبي: كنتَ تَخْتَلِفُ إلى الحارث؟ قال: نعم، أختلفُ إليه أتَعَلَّمُ منه الحساب، كان أحْسَبَ الناس. وقال الدارقطنيُّ: الحارث ضعيف، وقال ابنُ عدي: عَامَّةُ ما يرويه غيرُ محفوظ، وقال ابنُ حِبَّان: كان الحارث غاليًا في التشيُّع، واهيا في الحديث. مات سنة (65)، وكذا ذَكَر وفاتَه إسحاقُ القَرَّابُ في "تاريخه"، وقرأتُه بخطّ الذهبي، والجمهورُ على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب، وهذا الشعبي يُكَذّبُه، ثم يروي عنه .. إلى آخر ما في "تهذيب التهذيب" (2/ 146 - 147) من اختلافهم فيه (¬1). ¬

_ (¬1) وقال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/ 153) في ترجمة (الحارث الأعور) ما نصُه: (قلتُ: قد كان الحارثُ من أوعية العِلْم، ومن الشيعة الأول، كان يقول: تعلمْتُ القرآن في سنتين، والوَحْيَ في ثلاث سنين. فأمَّا قول الشعْبي: "الحارثُ كَذَّابٌ" فمحمولٌ على أنه عَنَى بالكذب الخطأ لا التعمُّدَ، وإلا .. فلماذا يَرْوي عنه ويعتقدُه بتعمُّدِ الكذب في الدين؟ ! وكذا قال علي بن المَديني وأبو =

[45] حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الله بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ، حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السَّنَدُ من رباعياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم كوفيون إلَّا قتَيبة فإنه بَغْلانِيٌّ كما مرّ. ثم ذكر المؤلّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ الشعْبِيّ فقال: [45] (حَدثنا أبو عامر عبدُ اللهِ بن بَرَّادٍ) -بفتح الموحدة والراء المشددة ثم ألف ثم دال مهملة- ابن يوسف بن أبي بُردة بن أبي موسى (الأشعريُّ) الكوفي. روى عن عبد الله بن إدريس، وابن فُضَيل، وأبي أُسامة، ويروي عنه (م)، ومُطَيّن، والحَسَن بن سفيان، قال أحمد: ليس به بأس. وقال في "التقريب": صدوقٌ من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. قال أبو عامر: (حَدَّثَنا أبو أسامة) حَمادُ بن أسامة الهاشمي مولاهم، الحافظ الكوفي، مشهورٌ بكُنْيته. روى عن إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، والمُفَضَّل، والأَجْلَح، وهشام بن عُرْوة، وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع)، وأحمد، وإسحاق، وابنُ مَعِين، وابن المَدِيني، وأبو عامر، وخلائقُ. قال أحمد: ثقةٌ ما كان أثبتَه لا يكادُ يُخْطِئُ. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ ربما دَلسَ، وكان بأخَرَةٍ يحدث عن كُتُبِ غيره، من كبار التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين، وهو ابنُ ثمانين سنة. (عن مُفَضَّل) بن مُهَلْهَل السعدي أبي عبد الرحمن الكوفي، روى عن الأعمش ومنصور ومغيرة وبَيَان بن بِشْر وغيرِهم، ويروي عنه (م س ق) وابنُ إدريس وأبو أسامة ويحيى بن آدم وغيرُهم. وثقه ابنُ مَعِين وجماعةٌ. ¬

_ = خيثمة: هو كَذَّاب، وأمّا يحيى بن مَعِين فقال: هو ثقةٌ، وقال مَرَّةً: ليس به بأس، وكذا قال الإمامُ النَّسائيُّ: ليس به بأس، وقال أيضًا: ليس بالقويّ، وقال أبو حاتم: لا يُحتَجُّ به، ثم إن النسائي وأربابَ السُّنَن احْتَجُّوا بالحارث، وهو مِمَّنْ عندي وقفة في الاحتجاج به).

عَنْ مُغِيرَةَ، قَال: سَمِعْتُ الشعْبِيَّ يقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ نبيلٌ عابدٌ، من السابعة، مات سنة سبعٍ وستين ومائة. (عن مغيرة) بن مِقْسَم بن بُجْرة الكوفي (قال) المغيرةُ: (سمعتُ الشَّعْبيَّ) عامرَ بنَ شراحيل الكوفي. وهذا السَّنَدُ من خماسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم كوفيون، وغَرَضُه بِسَوْقِ هذا السند: بيانُ متابعة المُفَضَّل لجرير في رواية هذا الأثَرِ؛ عن المغيرة، وكَرَّرَ لفظَ الأَثرِ لِمَا فيه من المخالفة للرواية الأُولى في الألفاظ، ومن فوائد هذه المتابعة: التصريحُ بسماع المغيرة عن الشَّعْبي، وبيانُ كثرة طُرُقِه. أي: قال المغيرة بن مِقْسَم: سمعتُ الشَّعْبِي حالة كونه (يقول: حدثني الحارثُ) بن عبد الله (الأعورُ) الهَمْداني، وجملةُ قوله: (وهو يَشْهَدُ) في محل النصب حالٌ من فاعل (يقولُ) أي: سمعتُ الشَّعْبِي يقولُ: حَدَّثَني الحارثُ والحالُ أن الشَّعْبِيَّ يَشْهَدُ ويعترفُ بلسانِه (أنه) أي: أن الحارثَ الأعورَ (أحدُ الكَاذِبينَ) في الحديث، قال النوويّ: (بفتح النون على صيغة الجمع -وفي بعض النسخ "أحدُ الكَذَّابين" بصيغة المبالغة- والضميرُ في قوله: "وهو يَشْهَدُ" يعودُ على الشَّعْبي، والقائل "وهو يَشْهَدُ" المغيرةُ بن مِقْسَم) اهـ بزيادة (¬1). وقال السنوسي: (فإنْ قيل: فهذا كان أحدَ الكَاذِبِينَ فما بالُ الشعْبِي حَدَّثَ عنه؟ فالجوابُ: أن الأئمة رضوان الله عليهم إنما حَدَّثُوا عن مِثْلِ هؤلاء مع اعترافهم بكَذِبهِم لأَوْجُهٍ: منها: أن يعلموا طُرُقَ حديثهِم وضُرُوبَ رواياتِهم؛ لئلّا يأتي مجهولٌ أو مُدَلِّسٌ فيُبَدِّلَ اسمَ الضعيف ويجعلَ مكانه قويًّا فيعلم المُحَقِّقُ بمعرفته طُرُقَ الضعفاء ذلك. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 98).

[46] وَحَدَّثَنَا قتيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَال: قَال عَلْقَمَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أن يكون الرجل إنما ترك لأجْلِ غَلَطِه وسُوءِ حِفْظِه، أو يكون ممَّنْ أَكْثَرَ فأصابَ وأخطأ، والحُفَّاظُ يعرفون خطأه من صوابه فيَدَعُون تخليطَه ويستظهرون صحيحَ حديثِه لموافقة غيره، وبهذا احْتَجَّ الثَّوْرِيُّ حين نَهى عن الكلبي فقيل له: وأنتَ تروي عنه؟ ! فقال: أنا أعلمُ صِدْقَه من كَذِبِه، وهم لا يَرْوُون منها شيئًا للحُجَّةِ بها والعملِ بمقتضاها) (¬1). ثم استشهد المؤلِّف لما مَرّ بأثَرِ إبراهيم النَّخَعي فقال: [46] (وحَدَّثنا قُتَيبةُ بن سعيد) بن جَميل البَغْلاني. قال قتيبَةُ: (حدثنا جَرِير) بن عبد الحميد بن قُرْط الكوفي (عن مغيرة) بن مقسم الكوفي (عن إبراهيم) بن يَزِيد بن قيس بن الأسود النَّخَعي أبي عمران الكوفي الفقيه. روى عن عَلْقَمة وهَمَّام بن الحارث والأسود بن يَزِيد وأبي عُبَيدة بن عبد الله ومسروق عن عائشة -ورأى عائشة- وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) والحكم بن عُتَيبة الكندي مولاهم ومنصور والأعمش وابن عَوْن وزُبَيد اليَامِي وعِدَّةٌ. وكان لا يتكلَّمُ إلا إذا سُئِلَ، وكان عجبًا في الوَرَع والخير، مُتوقيًا للشُّهْرة، رأسًا في العِلْم، وقال مغيرة: كُنَّا نَهَابُ إبراهيم هَيبة الأمير. وقال في "التقريب": ثقةٌ إلّا أنه يُرسِلُ كثيرًا، من الخامسة، مات سنة ستٍّ وتسعين، وهو ابنُ خمسين أو نحوها. (قال) إبراهيم: (قال علقمةُ) بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة النَّخَعِيّ ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 29)، وهو مختصر من كلام القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/ 140 - 141)، وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب "التهذيب" (1/ 101) في ترجمة (أبان بن أبي عَيَّاش) ما يلي: (وحكى الخَلِيلي في "الإرشاد" بسَنَدٍ صحيحٍ: أن أحمد قال ليحيى بن معين وهو يكتبُ عن عبد الرزاق عن مَعْمَر عن أبان نسخةً: تكتبُ هذه وأنتَ تعلمُ أنَّ أبانًا كَذَّاب؟ ! فقال: يرحمك الله يا أبا عبد الله! أكتُبها وأحفظُها حتى إذا جاء كَذَّابٌ يرويها عن مَعْمَر عن ثابت عن أنس أقولُ له: كَذَبْتَ، إنما هو أبَان).

قَرَأْتُ الْقُرآنَ في سَنتَينِ، فَقَال الْحَارِثُ: الْقُرآنُ هَيِّنٌ، الْوَحْيُ أَشَدُّ. [47] وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو شِبْل الكوفيُّ، أحدُ الأئمّة الأعلام، مُخَضْرَم. روى عن أبي بكر وعُمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وحُذَيفة وطائفةٍ، ويروي عنه (ع) وإبراهيم النَّخَعي والشَعْبي وسَلَمة بن كُهَيل وخَلْق، قال إبراهيم: كان يقرأُ القرآنَ في خمس. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْتٌ فقيه عابدٌ، من الثانية. قال ابنُ سَعْد: مات سنة اثنتين وستين، قيل: عن تسعين سنة. (قرأتُ القرآن) وتَعَلَّمْتُه (في سَنَتَينِ، فقال الحارثُ) بن عبد الله الأعور في مقابلة قول علقمة: (القرآنُ هَيِّن) أي: تَعَلمُه سَهْل يُمكن في أقَل من سنتين (¬1) (الوَحْيُ) أي: تَعَلُّمُ الوَحْي والكتابةِ (أَشَدُّ) أي: أتعبُ وأحوجُ إلى الزمان الكثير (¬2). ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثرِ إبراهيم النخَعِيِّ فقال: [47] (وحَدَّثني حجاجُ) بن يوسف بن حَجَّاج الثقفي أبو محمَّد الذي يُقال له (ابنُ الشاعِرِ) البغدادي الحافظ الرحَّال، من الحادية عشرة، مات سنة تسعٍ وخمسين ومائتين. ¬

_ (¬1) وفي تقرير الشيخ محمَّد حسن المكي: (قولُه: "القرآنُ هَيِّن" أي: سَهْلْ حِفْظُه، لكن الأشدّ هو حفظ مجموع الوحي، وهو هذا القرآن مع شيءِ زائدٍ موجودٍ عند أهل البيت ليس عليه الاطلاع لأَحَدٍ. وكذلك زاد الشيعة على هذا القرآن زيادةً كثيرةً، وقالوا: إنها من القرآن طَرَحها عنه عثمان رضي الله تعالى عنه، فالوَحْيُ إشارة إلى مجموعها، وهذا تشيُّعٌ منه) "الحل المفهم" (1/ 16). (¬2) وقال الشيخ الكنكوهي: (قولُه: "الوَحْيُ أشَدُّ" أرادَ بالوحي السُّنَّة، فإنه الوحي الغير المتلوّ، ولا رَفض -أي: تَشَيُّع- في هذا الكلام بهذا المعنى). وقال العلامة السَّنْدي: (قولُه: "الوَحْيُ أشَدُّ" هذا ممّا أُنكر عليه، وكان بناءً على أنه قال ذلك على اعتقادِ أهل التشيُّع: أن القرَآنَ المعروفَ مغيّرٌ، والوحي المنزل غيره، نعوذُ بالله منه) "الحل المفهم" (1/ 16 - 17).

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ -يَعْنِي ابْنَ يُونس- حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحَجَّاجُ: (حَدَّثني أحمدُ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: (يعني) شيخي حجاجُ بن الشاعر، ويقصدُ بأحمدَ الذي روى عنه: أحمدَ (ابنَ يُونُسَ) نُسِبَ إلى جدهِ وشُهِرَ به؛ لأنه أحمدُ بن عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس التميمي اليَرْبُوعي نسبة إلى اليَرْبُوع بن مالك بَطْنٍ كبيرٍ من تميم كما في "اللباب" (3/ 409)، أبو عبد الله الكوفي. روى عن عاصم بن محمَّد وابن أبي ذئب وابن أبي ليلى والثوري، وإسرائيل، وخَلْقٍ كثير، ويروي عنه (خ م د) وأبو زُرْعَة، وعَبْد بن حُمَيد، وحَجاج بن الشاعر و (ت س ق) بواسطة، قال أحمدُ فيه: هو شيخ الإِسلام، وقال أبو حاتم: كان ثقةً مُتْقنًا. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ، من كبار العاشرة، مات سنة سبعٍ وعشرين ومائتين، وله أربع وتسعون سنة. قال أحمد بن يونس: (حَدَّثنا) وفي نسخة: أخبرنا (زائدةُ) بن قُدامة الثقَفي أبو الصَّلْتِ -بفتح أوله وسكون ثانيه- الكوفي أحدُ الأعلام الحُفَّاظ. روى عن سِماك بن حَرْب وزياد بن عِلاقة وعاصم بن بَهْدَلة، ويروي عنه (ع) وابن عُيَينَة وحُسَين الجُعْفي وابن مهدي وأحمد بن يونس. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ صاحب سُنَّة، من السابعة، مات سنة ستين ومائة، وقيل: بعدها. وليس في مسلم من اسمه (زائدة) إلَّا هذا الثقة. (عن) سُلَيمَان بن مِهْران (الأعمشِ) الكاهلي مولاهم، أبي محمَّد الكوفي. قال في "التقريب": ثقة حافظ عارف بالقراءات وَرِع لكنه يُدَلّس، من الخامسة، مات سنة ثمانٍ وأربعين ومائة. (عن إبراهيمَ) بن يزيد بن قيس بن الأسود النَّخَعي أبي عمران الكوفي، من

أَنَّ الْحَارِثَ قَال: تَعَلَّمْتُ الْقُرآنَ في ثَلاثِ سِنِينَ وَالْوَحْيَ في سَنتَينِ، أَوْ قَال: الْوَحْيَ في ثَلاثِ سِنِينَ وَالْقُرانَ في سَنتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامسة، مات سنة ست وتسعين، وهو ابنُ خمسين سنة كما مَرَّ آنفًا. وهذا السَّنَدُ من خُماسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم كوفيُّون إلّا حَجَّاج بن الشاعر؛ فإنه بغدادي، وغَرَضُه بسَوْق هذا السند: بيانُ متابعة الأعمش لمغيرة بن مِقْسَم في رواية هذا الأثَرِ عن إبراهيم النَّخَعي، وكَرَّرَ المتنَ لما بين الروايَتَينِ من المُخالفة. وجملةُ قوله: (أن الحارثَ) الأعورَ (قال ... ) إلخ مفعولٌ ثانٍ لـ (حدثني حَجَّاجُ بن الشاعر) أو لـ (حدَّثَنا) زائدة؛ أي: قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى: حدثني حجاج بن الشاعر بواسطة هؤلاء المشايخ: أن الحارثَ الأعورَ قال: (تَعَلَّمْتُ القرآنَ) وحَفِظْتُهُ (في) مُدَّة (ثلاثِ سنينَ و) تَعَلَّمْتُ (الوَحْيَ) والكتابةَ (في سَنَتَينِ) وهذا يَدُلُّ على أن القرآنَ أشَد من الكتابة. وقولُه: (أو قال) شَكٌّ من إبراهيم النَّخَعي؛ أي: قال إبراهيمُ أو قال الحارثُ: تَعَلَّمْتُ (الوَحْيَ) والكتابةَ (في ثلاثِ سنينَ و) تَعَلَّمْتُ (القرآن في سَنَتَينِ) وهذا يَدُلُّ على أن الكتابةَ أشَدُّ من القرآن، وهذا مُوَافِقٌ لما قاله علقمة بن قيس بالنسْبة إلى القرآن؛ لأن علقمة لم يذكر الوحي. وعبارةُ السنوسي هنا: (وأمّا قول الحارث: "تَعَلَّمْتُ القرآنَ في ثلاثِ سنينَ والوَحْيَ في سَنتَين، أو قال: الوَحْيَ في ثلاثِ سنينَ والقرآنَ في سنتَين"، وفي الرواية الأخرى: "القرآنُ هَيِّنٌ، الوَحْيُ أَشَدُّ" فقد ذَكَرَهُ الإمامُ مسلم رحمه الله تعالى في جملة ما أنكروه على الحارث وجُرِحَ به) (¬1). قال القاضي عِياض: (وأرجو أن هذا من أخفّ أقواله؛ لاحتماله الصواب، فقد فَسَّرَه بعضُهم أن المرادَ بالوحي هنا: الكتابةُ ومعرفةُ الخطّ، وعن الخَطَّابي مثلُه، وقال ابنُ دريد: وَحَى يَحِي وَحْيًا -من باب وَعَى- إذا كَتَبَ، وقال الهَرَويُّ في قوله ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 29).

[48] وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَال: حَدثني أَحْمَدُ -وَهُوَ ابْنُ يُونس- ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَنْ سَبِّحُوا} أي: كَتَبَ لهم في الأرض؛ إذْ كان لا يتكلم، وقيل: أوحى: رمز، وقال بعضُ اللغويين: وَحَى وأوحى واحد، وقاله صاحب "الأفعال") اهـ (¬1). قلتُ: كأنّه أرادَ بـ (الوَحْي): ما في الصحيفة التي في قِراب سيف عليّ رضي الله عنه؛ تعريضًا إلى كثرة ما فيها. وعبارة النووي هنا: (فقد ذَكَرَ الإمامُ مسلمٌ هذا الكلام في جملة ما أُنْكِرَ على الحارث، وجُرِّحَ به وأُخِذَ عليه من قبيح مذهبه وغُلُوِّه في التشيُّع وكَذِبِهِ، قال القاضي عِياض (¬2) رحمه الله: وأرجو أن هذا من أخَفِّ أقواله لاحتماله الصوابَ، فقد فَسَّرَهُ بعضُهم بأن الوَحْيَ هنا الكتابةُ ومعرفةُ الخط قاله الخَطَّابي، يُقال: أوحى وَوَحَى إذا كَتَبَ، وعلى هذا: ليس على الحارث في هذا دَرَكٌ، وعليه الدَّرَكُ في غيره، قال القاضي: ولكنْ لمّا عُرِفَ قُبْحُ مذهبه وغُلوُّه في مذهب الشيعة ودعواهم الوصيَّةَ إلى عليّ رضي الله عنه وسِرّ النبي صلى الله عليه وسلم إليه من الوحي وعلم الغيب ما لم يَطَلِعْ غيرُه عليه بزعمِهمِ .. سِيئَ الظنُّ بالحارث في هذا، وذُهِبَ به ذلك المذهب، ولعلَّ هذا القائل فهِمَ من الحارث معنى منكرًا فيما أراده، والله أعلم) اهـ (¬3). ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى ثانيًا المتابعةَ في أثرِ إبراهيم النَّخَعِي فقال: [48] (وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ) وابنُ الشاعر (قال) الحَجَّاجُ: (حَدَّثَني أحمدُ) قال المؤلفُ رحمه الله تعالى: (وهو) أي: أحمدُ الذي روى عنه شيخي حَجَّاجٌ: أحمدُ (ابنُ يونس)؛ أي: أحمدُ بن عبد الله بن يونس المنسوبُ إلى جدِّهِ كما مرَّ آنفًا، وأتى بلفظ (هو) ولم يَقُلْ (أحمد بن يونس) إيضاحًا للراوي وإشعارًا بأن هذه ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 139). (¬2) "إكمال المعلم" (1/ 139). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 98 - 99).

حَدَّثنا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ النِّسْبةَ ممّا زادَهُ من عند نفسه لا ممّا سمِعَهُ من شيخه، وتَحَرُّزًا من الكذب على شيخه بنِسْبَتِهِ إليه ما لَم يَقُلْه، وأتَى فيما قبله بلفظ (يعني) وهنا بلفظ (هو) -مع أن الغرضَ منهما واحدٌ- للتفنن، وهو عند البديعيين ذِكْرُ نوعَينِ من الكلام مع كَوْنِ المرادِ منهما واحدًا، لثِقَلِ تكرارِ أحدهما على اللسان، وهو من المحسنات البديعية اللفظية. قال أحمد بن يونس: (حَدَّثَنا زائدةُ) بن قُدامة الثَّقَفي الكوفي (عن منصورِ) بن المُعْتَمِرِ بن عبد الله السلمي أبي عَتَّابٍ -بمثناة بعدها جاء موحدة- الكوفي، أحد الأئمة الأعلام المشاهير. روى عن إبراهيم النَّخَعي وأبي وائل والحَسَن البصري وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وأيوب وحصين بن عبد الرحمن والثوْري ومِسْعَر وزائدة وخَلْق. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ وكان لا يُدَلِّسُ، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وقولُه: (و) عن (المغيرةِ) بن مِقْسَم الضبيِّ الكوفي بالجرّ معطوفٌ على (منصور). روى عن إبراهيم النخَعِي والشَّعْبي ومُجاهد وخلق، ويروي عنه (ع) وشُعْبةُ والثوْرِيُّ وزائدةُ وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقةٌ مُتقِنٌ إلا أنه كان يُدَلسُ ولا سِيما عن إبراهيم -ففائدةُ هذه المقارنة حينئذٍ: بيانُ كثرة طُرُقِه؛ لأن المغيرةَ ضعيفٌ عن إبراهيم، من السادسة، مات سنة ستٍّ وثلاثين ومائة على الصحيح. كلاهما (عن إبراهيمَ) بن يَزِيد النَّخَعي الكوفي. وغَرَضُه بِسَوْقِ هذا السَّنَدِ بيانُ متابعة منصورٍ للأعمش في رواية هذا الأثر عن إبراهيم، وكَرَّرَ المَتْنَ؛ لما بين الروايتَينِ من المخالفة، ومن لطائف هذا السند أيضًا: أن رجاله كُلَّهم كوفيون إلَّا حَجَّاج بن الشاعر كما مَرَّ آنفًا.

أَنَّ الْحَارِثَ اتُّهِمَ. [49] وَحَدَّثَنَا قتيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزيَّاتِ قَال: سَمِعَ مُرةُ الْهَمْدَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (أن الحارثَ اتُّهِمَ) بفتح همزة أن: مفعولٌ ثانٍ لي (حَدَّثني حَجَّاجٌ)، أو لما بعده كما مَرَّ؛ أي: حَدَّثني حَجَّاجُ بن الشاعر بواسطة هؤلاء المشايخ: أن الحارث بن عبد الله الأعورَ اتُّهِمَ بالكَذِب والوَضع في حديثه؛ لغُلُوِّه في التشيُّع، وسِيءَ به الظن بأنه قصد بالوحي ما زعموا أن عَليًّا رضي الله عنه اختص ببعضِ الوَحْي وعلمِ الغيب الذي أسَرَّ إليه النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يطلعه على غيره. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بأثَرِ مُرّة الهَمْداني فقال: [49] (وحَدَّثنا قتيبةُ بن سعيدِ) بن جميلِ بن طَرِيف البَغْلاني، قال: (حَدثنا جرير) وابنُ عبد الحميد بن قُرْط الكوفي، (عن حمزةَ) بن حَبيب بن عُمارة (الزيَّاتِ) -بالزاي وتشديد الياء نسبة إلى بَيع الزيت؛ لأنه كان يجلَب الزيتَ من الكوفة إلى حلوان- أبي عمارة الكوفي، أَحَدِ القُرّاء السبعة. روى عن أبي إسحاق السَّبِيعي وأبي إسحاق الشيباني والأعمش وحَبيب بن أبي ثابت ومنصور بن المُعْتَمِر وغيرِهم، ويروي عنه (م عم) وابن المَبارك وجَرِير بن عبد الحميد وأبو أحمد الزبيري ومحمد بن فُضَيل ووَكِيع وخَلْق. قال في "التقريب": صدوقٌ زاهدٌ ربما وَهِمَ، من السابعة، مات سنة ست أو ثمانٍ وخمسين ومائة. (قال) حمزةُ: (سَمِعَ مُرَّةُ) بن شَرَاحيل (الهَمْدَاني) بسكون الميم أبو إسماعيل الكوفي العابد يُقال له: مُرّة الطيب ومُرَّة الخير، لُقِّبَ بذلك لعبادته. روى عن أبي بكرٍ وعُمَرَ وعليّ وأبي ذرٍّ وحُذَيفَة وابن مسعود وطائفة، ويروي عنه (ع) والشعْبِي وطلحة بن مُصَرِّف وإسماعيل بن أبي خالد وعطاء بن السائب وعَمْرو بن مُرَّة وغيرُهم، وَثَّقهُ ابنُ مَعِين.

مِنَ الْحَارِثِ شَيئًا، فَقَال لَهُ: اقْعُدْ بِالْبَابِ، قَال: فَدَخَلَ مُرَّةُ وَأَخَذَ سَيفَهُ، قَال: وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ فَذَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ من الثانية، مات سنة ستٍّ وسبعين، وقيل: بعد ذلك. وليس في مسلم من اسمه (مُرَّة) إلَّا هذا الثقة. تنبيه: في هذا السند انقطاعٌ؛ لأن حمزة الزيَّات لم يُدْرِكْ مُرّة. أي: سَمِعَ مُرَّةُ الهَمْدَانِيُّ (من الحارثِ) الأعورِ (شيئًا) من الكلام ممَّا يَدُلُ على تشيُّعِه وكَذِبه ولم يُبيِّن ذلك الكلامَ (فقال) مُرَّةُ (له) أي: للحارثِ: (اقْعُدْ) في هذا المكان والْزَمْ (بـ) هذا (الباب) حتى أدْخُلَ البيتَ وأخرجَ إليك (قال) حمزةُ: (فدَخَلَ مُرَّةُ) البيتَ (وأخَذَ سيفَهُ) ليقتل الحارثَ كأنّه سمع منه ما يُوجبُ قَتْلَه (قال) حمزةُ: (وأحَسَّ الحارثُ بالشَّرِّ) والقتل الذي أراده؛ أي: عَلِمَ الحارَثُ بالقرينة بالشرِّ والضَّرَرِ الذي أراده؛ مُرَّة به (فذَهَبَ) الحارثُ وشَرَدَ ولم ينتظر خوفًا من إيقاع شَرِّه عليه، وإنفاذِ ضرره الذي أراده به، وهذا السَّنَدُ من رُباعياته، ورجالُه كُلُّهم كوفيون إلَّا قتيبة بن سعيد؛ فإنه بَغْلانِيٌّ كما مَرّ. قولُه: (وأحَسَّ بالشرِّ) قال النوويُ: (هكذا ضبطناه من أصول محققة: "أحَسَّ" ووَقَعَ في كثيرٍ من الأُصول أو أكثرِها: "حَسَّ" بغير ألف، وهما لُغتان، ولكن "أَحَسَّ" أفصحُ وأشهرُ، وبها جاء القرآن العزيز، بمعنى "عَلِمَ" و"أيقَنَ" كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ}. وأمّا قولُ الفقهاء وأصحابِ الأصول: "الحاسّة والحواسّ الخمس" .. فإنما يَصِحُّ على اللغة القليلة: "حَسَّ" بغير ألف (¬1)، والكثيرُ في "حَسَّ" بغير ألف أن تكون بمعنى "قتَل" كقوله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} (¬2). ¬

_ (¬1) انظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 126). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 99).

[50] وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيّ- حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلِّفُ لِمَا مَرَّ أيضًا بأثَرٍ آخَرَ لإبراهيم فقال: [50] (وحَدَّثني عُبَيدُ اللهِ بن سعيدِ) بن يحيى اليَشْكُري مولاهم، أبو قُدامة السرخسي نزيل نيسابور الحافظ. روى عن ابن عُيَينَة وحفص بن غِياث وأبي معاوية وابن مهدي، ويروي عنه (خ م س) وابن خُزَيمة والسرَّاج. قال في "التقريب": ثقة مأمونٌ سُنِّيٌّ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين. قال عُبَيدُ الله: (حَدَّثنا عبدُ الرحمنِ) قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى: (يعني) ويقصد شيخي عُبَيدُ اللهِ بعبد الرحمن الذي رَوَى عنه: عبدَ الرحمنِ (ابنَ مَهْدِيِّ) بن حسان الأزدي مولاهم، أبا سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ الإِمام العلم، وأتى بلفظ (يعني) إشارةَ إلى أن هذه النِّسْبَة لم يسمعها من شيخه. روى عن عُمر بن ذَرّ وعكرمة بن عمار وشُعْبة وحماد بن زيد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن المبارك وأحمد وابن مَعِين. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ حافظ عارفٌ بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة بالبصرة، عن ثلاثٍ وستين سنة كما مَرّ. قال عبد الرحمن: (حَدَّثنا حَمَّادُ بن زيدِ) بن دِرْهَم الأزدي أبو إسماعيل الأزرقُ البصري الحافظ مولى آل جَرِير بن حازم، أحَدُ الأعلام. روى عن أنس بن سيرين وثابت وأيوب وغيرِهم. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسعٍ وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون سنة. (عن) عبد الله (بنِ عَوْنِ) بن أرْطَبان -بفتح فسكونِ ففَتْحِ- المُزَنيِّ أبي عون البصري، أحَدِ الأعلام.

قَال: قَال لَنَا إِبْرَاهِيمُ: إِيَّاكُمْ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ؛ فَإِنَّهُمَا كَذَابَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن عطاء ومجاهد وإبراهيم النّخَعِي والشعْبي وخَلْق، ويروي عنه (ع) وشُعْبة والثَّوْري وغيرهم. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، من السادسة، مات سنة خمسين ومائة. (قال) ابنُ عَوْن: (قال لنا إبراهيمُ) بن يَزِيد النَّخَعِي الكوفيُّ، من الخامسة، مات سنة ستٍّ وتسعين، عن خمسين سنة. وهذا السَّنَدُ من خماسياته، ورجاله: ثلاثة منهم بصريون، وواحدٌ نيسابوري، وواحدٌ كوفي. وقولُه: (إيّاكم) منصوبٌ على التحذير بعاملٍ محذوف وجوبًا؛ لِيقام المعطوف مقامَه (والمغيرةَ بنَ سعيدٍ وأبا عبد الرحيمِ) معطوفان عليه؛ أي: بَاعِدُوا أيُها الناسُ أنفسَكم عن رواية حديثِ المغيرةِ بن سعيد وحديثِ أبي عبد الرحيم (فإنَّهما كَذابانِ) في الحديث. قال النووي: (وأمّا المغيرةُ بن سعيدِ: فقال النَّسائيُّ في كتابه "الضعفاء": هو كوفي دَجَّال، أُحرق بالنار زَمَنَ النَّخَعِيّ، ادعَى النبوة. وأمّا أبو عبد الرحيم: فقيل هو شقيق الضبي الكوفي القاصّ (¬1)، وقيل: هو سلمة بن عبد الرحمن النَّخَعي، وكلاهما يُكنى أبا عبد الرحيم، وهما ضعيفان، وسيأتي ذِكْرُهما قريبًا أيضًا إن شاء الله تعالى) اهـ (¬2). وفي "الميزان" للذهبي (4/ 160 - 162): (المغيرة بن سعيد البجلي: هو أبو عبد الله الكوفي الرافضي الكذَّاب، قال حماد بن عيسى الجهني: حدثني أبو يعقوب الكوفي سمعتُ المغيرة بن سعيد يقول: سألت أبا جعفر: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت برسول الله صلى الله عليه وسلم خائفًا، وأصبح الناس كلهم برسول الله صلى الله عليه وسلم آمنين، وقال حَمَّاد بن زيد عن ابن عَوْن قال لنا إبراهيم: إياكم ¬

_ (¬1) انظر "الكنى والأسماء" للدولابي (2/ 70)، و "لسان الميزان" (3/ 151). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغيرةَ بنَ سعيدٍ وأبا عبد الرحيم فإنهما كَذَّابانِ. وروى حَمَّاد عن الشعبي أنه قال للمغيرة بن سعيد: ما فَعَل حُبُّ علي؟ قال: في العَظْم والعَصَب والعُرُوق. وقال شَبَابَةُ: حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور، سمعتُ المغيرة بن سعيد الكَذَّاب يقول: إن الله يأمر بالعدل "علي" والإحسان "فاطمة" وإيتاء ذي القربى "الحسن والحسين" وينهى عن الفحشاء والمنكر، قال: فلان أفحش الناس والمنكر فلان كأنه ذَكَرَ الشيخَين. وقال جرير بن عبد الحميد: كان المغيرة بن سعيد كَذابًا ساحرًا. وقال الجوزجاني: قُتل المغيرة على ادعاء النبوة، كان أشعل النيران بالكوفة على التمويه والشعبذة حتى أجابه خلق، قال الأعمش: فقلت: واللهِ لأسالنّه، فقلتُ: كان عَلِي يُحيي الموتى؟ فقال: إي والذي نفسي بيده لو شاء أحيا عادًا وثمود، قلتُ: مِنْ أين علمتَ ذاك؛ قال: أتيت بعض أهل البيت فسقاني شربةَ من ماء، فما بَقِيَ شيء إلَّا وقد عَلِمْتُه. قال أبو معاوية: عن الأعمش قال: جاءني المغيرة بن سعيد، فلمُّا صارَ على عَتَبةِ الباب وَثَبَ إلى البيت فقلت: ما شأنك؟ فقال: إن حِيطانَكم هذه لخَبيثة، ثم قال: طوبى لمن يَرْوى من ماءِ الفُراتِ، فقلتُ: ولنا شراب غيره؟ قال: إنه يُلْقى فيه المحايضُ والجِيفُ، قلت: من أين تشرب؟ قال: من بئر، وكان ألحَنَ الناس فخرج يقول: كيف الطريقُ إلى بنو حَرام؟ قال أبو معاوية عن الأعمش قال: أوّل مَنْ سمعتُه يَنتقِص أبا بكرِ وعُمَرَ المغيرةُ المصلوبُ. قال كَثيرٌ النوَّاءُ: سمعتُ أبا جعفر يقول: برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد وبيان بن سمعان فإنهما كَذَبا علينا أهلَ البيت. قال عبد الله بن صالح العجلي: حدثنا فُضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، قال: دخَلَ عليُّ المغيرةُ بن سعيد وكنتُ أُشَبُّهُ وأنا شابٌّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَ من قرابتي وَشَبَهي وأملَه في، ثم ذكر أبا بكر وعمر فلَعنهما فقلتُ:

[51] حَدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يا عدو الله؛ أعندي؟ ! قال: فخَنَقْتُه خنقا حتى أدْلَع لسانه. قال أبو عوانة عن الأعمش قال: أتاني المغيرة بن سعيد فذَكَر عليًّا رضي الله عنه وذَكَر الأنبياءَ صلوات الله عليهم وسلامه ففَضَّلَه عليهم ثم قال: كان علي بالبصرة فأتاه أعمى فمسح على عينيه فأبصر، ثم قال له: أتُحب أن ترى الكوفة؟ قال: نعم، فحملت الكوفة إليه حتى نظر إليها، ثم قال لها: ارجعي فرجعت، فقلت: سبحان الله سبحان الله، فتركني وقام. قال ابن عدي: لم يكن بالكوفة أَلْعَنُ من المغيرة بن سعيد فيما يُرْوَى عنه من الزور عن عليّ، هو دائمُ الكذب على أهل البيت، ولا أعرف له حديثًا مسندًا، وقال ابن حزم: قالت فرقةٌ عادية بنُبوَّة المغيرة بن سعيد، وكان -لَعنَهُ الله- مَوْلَى بَجِيلَة. قال أبو بكر بن عياش: رأيتُ خالدَ بنَ عبد الله القسريَّ حين أُتِيَ بالمغيرة بن سعيد وأتباعِه فقتَل منهم رجلًا ثم قال للمغيرة أخيِه، وكان يُريهم أنه يُحيي الموتى، فقال: والله ما أُحيي الموتى، فأمَرَ خالدٌ بِطَنِّ قَصَبٍ فأضرم نارًا ثم قال للمغيرة: اعتنقْه، فأبَى، فعدا رجلٌ من أصحابه فاعتنقه والنارُ تَأكلُه، فقال خالد: هذا واللهِ أحَق منك بالرياسة، ثم قتَلَه وقتَلَ أصحابَه. قلتُ: وقُتل في حدود العشرين ومائة. وأما أبو عبد الرحيم: فهو كوفيّ زنديقٌ في زمن التابعين، ذكره الحاكمُ في كتاب "الإكليل". وأمَّا شَقِيقٌ الضبيُّ: فهو من قدماء الخوارج صدوق في نفسه، وكان يَقُصُّ في الكوفة، وكان أبو عبد الرحمن السلمي يَذُمُّه ويزجر الناسَ عنه) اهـ من "ميزان الاعتدال" للذهبي. ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرّ أيضًا بأثَر عاصم بن بَهْدَلَة فقال: [51] (حَدَّثَنا أبو كاملٍ) فُضَيل بن حُسَين -بالتصغير فيهما- ابنِ طلحة البصري (الجَحْدَرِي) بجيم مفتوحة، ثم حاء ساكنة، ثم قال مفتوحة، قال أبو سَعْد

حَدَّثنا حَمَّادٌ -وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ- قَال: حَدّثَنَا عَاصِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ السمعاني: (هو منسوبٌ إلى جَحْدَرٍ "اسمِ رجلًا") اهـ (¬1). روى عن الحَمَّادَينِ وأبي عَوَانة وسُليم بن أخضر وغيرهم، ويروي عنه (خت م د) و (س) بواسطة زكريا السَّجزي والبَغَوي وجَمْع. وثقَه ابنُ حِبان. وقال في "التقريب": ثقة حافظٌ، من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومائتين. قال أبو كامل: (حَدَّثَنا حَمَّادٌ) (قال المؤلفُ رحمه الله تعالى: (وهو) أي: حَمَّادٌ الذي روى عنه شيخي أبو كامل: هو حَمَّادُ (بن زيدِ) بن درْهَم -وأتى بـ (هُوَ) إشارةً إلى أنه لم يسمع هذه النِّسْبة من شيخه أبي كامل، بل ممّا زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي كما مرّ - الأزديُّ أبو إسماعيل الأزرق البصري. قال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ فقيهُ، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون سنة. (قال) حَمَّاد: (حَدَّثَنا عاصمُ) بن بَهْدَلة بفتح وسكون: اسم أمه، وقيل: أبوه، قاله ابن أبي داود (¬2)، وهو ابنُ أبي النَّجُود -بفتح النون وضم الجيم- الأسدي مولاهم، أبو بكر الكوفي، أحَدُ القُرّاء السبعة. روى عن أبي وائل وأبي صالح السمَّان وحُمَيْد الطويل، وقرأ على أبي عبد الرحمن السُّلَمي وزِرٍّ وروى عنهما، ويروي عنه (خ م مقرونًا عم) وشُعْبة والسُّفْيانان وزائدة والحمادان وخَلْق، وثقَه أحمدُ والعِجْلِيُّ وأبو زُرْعة. وقال في "التقريب": صدوق له أوهامٌ، حُجة في القراءة، وحديثُه في "الصحيحين" مقرونٌ -قرناه بآخر، وليس له عندهما غير حديثين (¬3) - مات سنة ثمان وعشرين ومائة، من السادسة. ¬

_ (¬1) "الأنساب" (3/ 206). (¬2) انظر "تهذيب الكمال" (13/ 474). (¬3) قال الحافظ ابن حجر: (ما له في "الصحيحين" سوى حديثَين، كلاهما من روايته عن زِرّ بن حُبَيش عن أُبَي بن كعب، قرنه في كُلٍّ منهما بغيره، فحديثُ البخاري في تفسير سورة المعوّذتين، وله في البخاري موضعٌ آخرُ معلَّق في الفتن). "هدي الساري" (ص 411). وانظر الحديثين في "تحفة الأشراف" (1/ 14 - 15) حديث رقم (18) و (19).

قَال: كُنَّا نأتِي أَبَا عَبْدِ الرحمنِ السُّلَمِي ونَحْنُ غِلْمَةٌ أَيفَاعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عاصمُ بن بَهْدَلَة: (كنَّا) معاشرَ الشباب (نأتي) ونجيءُ (أبا عبد الرحمن السُّلَمِي) بضمِّ السين، عبد الله بن حبيب بن رُبَيِّعَةَ -بضم الراء وفتح الموحدة وكسر المثناة المشددة آخره هاء- الكوفي التابعي الجليل المقرئ، مشهورٌ بكُنْيته، ولأبيه صحبة. روى عن عُمر وعثمان وعلى وابن مسعود وطائفة، ويروي عنه (ع) وإبراهيم النَّخَعي وعلقمة بن مَرْثد وعاصم بن بَهْدَلة، قال أبو إسحاق: أقْرَأَ القرآن في المسجد أربعين سنة، وثَّقَه النسائي. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثبتٌ، من الثانية، مات بعد السبعين. وهذا السَّنَدُ من رباعياته: اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان. وجملةُ قوله: (ونحن غِلْمَةٌ أيْفَاعٌ) حالٌ من فاعل (نأتي) أي: كُنَّا نأتي إلى أبي عبد الرحمن السُّلَمي لاستماعِ الحديث وقراءةِ القرآن حالةَ كَوْنِنا غلمانًا أيفاعًا؛ أي: أولادًا شيبة. وقولُه: (غِلْمَةٌ) بكسر الغين المعجمة وتسكين اللام: جمع غُلام، واسمُ الغلامِ يَقَعُ على الصبي من حين يُولَدُ على اختلاف حالاته إلى أن يبلغ. وقوله: (أيفاع) بفتح الهمزة وسكون الياء: جمع يافع؛ أي: شيبة (¬1). قال القاضي عِياضٌ: (معناه: شَبَبة بالغون، يُقال: غُلامٌ يافع ويَفَعٌ ويَفعة -بفتح الفاء فيهما- إذا شبَّ وبَلَغ، أو كادَ أنْ يبلغ، قال الثعالبي: إذا قارَبَ البلوغ أو بلَغَه .. يُقال له: يافع وقد أيفع وهو نادر، وقال أبو عبيد: أيفع الغلام إذا شارف الاحتلامَ ولم يَحْتَلِم) (¬2)، هذا آخر نقل القاضي عياض. قال النووي: (وكان اليافعَ مأخوذٌ من اليَفَاع بفتح الياء، وهو ما ارتفع من الأرض، قال الجوهري: ويُقال: غلمان أيفاع ويفعة أيضًا) اهـ (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 100)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 30). (¬2) "إكمال المعلم" (1/ 139). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 100).

فَكَانَ يَقُولُ لَنَا: لَا تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيرَ أَبِي الأَحْوَصِ، وإيَّاكُمْ وَشَقِيقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فكان) أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ (يقولُ) إرشادًا (لنا) ونصيحةً: (لا تُجَالِسُوا القُصَّاصَ) أي: لا تجلسوا مع الذين يَقُصُّون القَصَصَ والأخبارَ؛ لأنه لا تخلو أخبارُهم عن الأكاذيب والأباطيل. قال النووي: (والقُصَّاصُ بضم القاف: جمعُ قاصّ، وهو الذي يقرأ القَصَص والأخبارَ على الناس، قال أهل اللغة: القصة: الأمر والخبر، وقد اقتصصتُ الحديثَ إذا رويته على وجهه، وقصَّ عليه الخبر قَصصا بفتح القاف، والاسمُ أيضًا القَصَص بالفتح، والقِصص بالكسر اسم جمع للقصة) اهـ (¬1). وفي "القاموس": (يقال: قصّ أثره قصا وقصصا تتبعه، وقص الخبر أعلمه وبينه ومنه قولُه تعالى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} أي: رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصان الأثَرَ، ومنه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} نبيِّنُ لك أحْسَنَ البيانِ، والقاص: مَنْ يأتي ويخبر بالقصة) اهـ أي: لا تجلسوا مع القُصاص كلهم (غيرَ أبي الأحوصِ) وأمثالِه من الثقات المأمونين، أمّا أبو الأحوص .. فاجلسوا معه واستمعوا حديثَه؛ لأنه ثقة مأمون. (وأبو الأحوص) اسمه: عوف بن مالك بن نَضْلة -بفتح النون وسكون المعجمة -الجُشَمي -بضم الجيم وفتح المعجمة- الكوفي، مشهورٌ بكُنْيته. روى عن أبيه وأبي موسى الأشعري، ويروي عنه (م عم) وأبو إسحاق وعبد الملك بن عُمَير وعاصم وخَلْق، وثَّقَهُ ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثقة من الثالثة، قتَلَتْهُ الخوارجُ في أيام ولاية الحَجَّاج على العراق. (وَإيَّاكم وَشَقِيقًا) أي: وبَاعِدُوا أنفسَكم أيُها الغلمانُ عن مجالسةِ شَقِيقٍ واستماعِ حديثِه وروايتِه؛ فإنه كَذَّابٌ لا يُؤْمَنُ في حديثه. ¬

_ (¬1) المصدر السابق.

قَال: وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَلَيسَ بأبِي وَائِلٍ. [52] حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: (وأمّا شَقِيقٌ الذي نُهِيَ عن مجالسته: فقال القاضي عِيَاضٌ (¬1): هو شقيق الضبِّيُّ الكوفي القاصُّ ضَعَّفَهُ النسائيُّ، كُنْيته أبو عبد الرحيم، قال بعضُهم (¬2): وهو أبو عبد الرحيم الذي حَذَّر منه إبراهيم النَّخَعِيُّ قبل هذا آنفا، وقيل: إن أبا عبد الرحيم الذي حَذَّرَ منه إبراهيم هو سلمة بن عبد الرحمن النَّخَعِي، ذكر ذلك ابنُ أبي حاتم الرازي في كتابه عن ابن المَدِيني) اهـ (¬3) (قال وكانَ شَقيقٌ هذا) أي: الذي نَهَى عن مجالستِه أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ (يَرَى) ويعتقدُ (رأيَ الخوارج) ومذهبَهم، وهم قومٌ خَرَجُوا على المسلمين حين افتراقهم بعد وقعة صِفّين، واستباحوا سَفْكَ دمائِهم وأخْذَ أموالِهم، فقَاتَلَهم علي رضي الله عنه قَتْلَ استئصالٍ. (وليس) شَقِيقٌ هذا (بأبي وائلٍ) أي: ليس هذا الذي نُهِيَ عن مجالسته بشَقِيق بن سلمة أبي وائل الأسديِّ المشهورِ المعدودِ في كبار التابعين ومن العلماء العاملين. روى عن أبي بكر وعُمر وعثمان وعلي ومُعاذ بن جبل وطائفة، ويروي عنه (ع) والشعبي وعَمْرو بن مُرَّة ومغيرة بن مِقْسَم ومنصور وزُبَيد، تعلم القرآن في سنتين. وقال في "التقريب": ثقةٌ مُخَضرَمٌ، مات في خلافة عُمر بن عبد العزيز (¬4)، وله مائة سنة رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى بأثَرِ جرير بن عبد الحميد فقال: [52] (حَدثنا أبو غَسَّانَ) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة، والمسموعُ في كتُبِ المحدِّثين ورواياتِهم غَسَّانُ بغير صرفٍ للعلمية وزيادة الألف والنون، وذكره ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 142). (¬2) انظر "الكنى والأسماء" للدولابي (2/ 70)، و"لسان الميزان" (3/ 151). (¬3) "شرح مسلم" (1/ 100 - 101). (¬4) انظر "تهذيب الكمال" (12/ 554).

محمد بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ، قَال: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِي فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ؛ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن فارس في "المجمل" وغيرُه من أهل اللغة في باب (غسن) فالنون أصلية، وفي باب (غسس) فالنونُ زائدةٌ، وهذا تصريح بأنه يجوزُ صَرْفُه وتركُ صَرْفه، فمَنْ جَعَلَ النُّونَ أصليةً .. صَرَفه، ومَنْ جَعَلَها زائدةً .. لم يَصْرِفْه (¬1). (محمدُ بن عَمْرِو) بن بَكْر بن سالم التميمي العَدَوي الطلاس (الرازِيُّ) المعروف بزُنيج بزاي ونون وجيم مصغرًا. روى عن حَكَّام بن سَلْم وهارون بن المغيرة وطائفة، ويروي عنه (م د ق) وأبو حاتم -ووَثَّقَه- وأبو زرعة والحَسَن بن سفيان وغيرهم. قال في "التقريب": ثقةٌ، من العاشرة، مات في آخر سنة أربعين ومائتين أو أوّل التي بعدها. (قال) أبو غَسَّان: (سمعتُ جَرِيرًا) وابنُ عبد الحميد بن قُرْط الضبي الكوفي ثم الرازي، قال في "التقريب": ثقة من السابعة مات سنة ثمانٍ وثمانين ومائة، حالة كون جرير (يقول: لَقِيتُ جابرَ بنَ يَزِيدَ) بنِ الحارث (الجُعْفِيَّ) أبا عبد الله الكوفيّ، قال في "التقريب": ضعيف رافضي، من الخامسة، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وفي "الميزان" (1/ 384): (مات جابر سنة سبع وستين ومائة). يروي عنه (د ت ق). (فلم أكتُبْ) أنا (عنه) أي: عن جابرٍ الجُعْفِيِّ شيئًا من الحديث؛ لأنه (كان يُؤمِنُ) ويُصَدِّقُ ويعتقدُ (بالرجعة) قال النوويُّ: (هي بفتح الراء، قال الأزهريُّ وغيرُه: لا يجوزُ إلّا الفتح- وفي "القاموس": "ويؤْمِنُ بالرَّجْعة" بفتح الراء بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت - وأمَّا رجعةُ المرأةِ المُطلقة .. ففيها لغتان: الكسر والفتح. ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 101).

[53] حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عِياض: "وحُكي في هذه الرَّجْعة التي كان يُؤْمِنُ بها جابر الكسرُ أيضًا، ومعنى إيمانِه بالرَّجعة: هو ما تقولُه الرافضةُ وتعتقدُه بزَعْمِها الباطلِ أن عليّا رضي الله عنه في السحاب -فسوف يرجع إلى الأرض وينزل إليها ويُقاتِل مَنْ قتَلَ أولادَه- فلا نخرج -لقتال معاوية- مع مَنْ يخرج من ولده حتى يُنادي من السماء: أنِ اخْرُجُوا معه، وهذا نوع من أباطيلهم الكاذبة، وعظيم مِن جهالاتهم اللائقةِ بأذهانِهم السَّخيفةِ وعُقُولهم الواهية" اهـ بزيادة وتصرف (¬1). ثم ذَكَرَ المؤلفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في جَرْحِ جابرِ الجُعْفِي فقال: [53] (حَدثنا الحَسَنُ) بن علي بن محمَّد الهذلي أبو علي (الحُلْوَانِيُّ) المكي الحافظ، ثقة من الحادية عشرة مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال الحَسَنُ: (حَدثنا يحيى بن آدمَ) بن سُلَيمَان الأموي مولاهم، أبو زكريا الكوفي أحدُ الأئمّة الأعلام. روى عن فِطْر بن خليفة ومالك بن مِغْوَل وإسرائيل والثَّوْري وجَرِير بن حازم وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاق وعلي بن المَدِيني والحَسَن الحُلْواني وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقة حافظ من كبار التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين. قال يحيى: (حَدثنا مِسْعَرُ) بن كِدام، بكسر أولهما، ابن ظهير بن عبيدة الهلالي أبو سلمة الكوفي، أحدُ الأعلام. روى عن عطاء وسعيد بن أبي بُرْدة والحَكَم وغيرهم، ويروي عنه (ع) وسُليمان التَّيمي وشُعْبة والثَّوْري وخلق، ثقة ثَبْت من السابعة، مات سنة ثلاثٍ أو خمس وخمسين ومائة. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 101)، "إكمال المعلم" (1/ 142 - 143).

قَال: حَدّثَنَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ مَا أَحْدَثَ. [54] وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبِ، حَدّثَنَا الْحُمَيدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجالُ السَّنَدِ ثلاثة: مكيٌّ وكوفيان، وغَرَضُه بسَوْقِهِ: بيانُ متابعة مِسْعَر لجريرٍ في جَرْح جابر بن يَزيد الجُعْفِيّ. (قال) مِسْعَرٌ: (حَدَّثنا جابرُ بن يَزِيدَ) الأحاديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَبْلَ أنْ يُحْدِثَ) ويعتقدَ (ما أحْدَثَ) الآنَ واعتقَدهُ من الإيمان بالرَّجْعة، فتركنا الروايةَ عنه بعد ذلك، ودَلَّ هذا الأثَر بمفهومه: أن ما رواه المُحَدِّثُ قبل وقوع سبب الجَرْحِ منه .. يُقْبَلُ، وما بعدَه .. فلا، كما هو القاعدةُ عندهم. ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في جَرْح جابر الجُعْفي فقال: [54] (وحَدَّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبِ) المِسْمَعي -بكسر الميم الأولين وفتح الثانية- النَّيسابوريُّ أبو عبد الرحمن الحافظ نزيل مكة. روى عن أبي أسامة ويَزيد بن هارون وغيرهم، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن هارون الرُّوياني. قال في "التقريب": ثقة، من كبار الحادية عشرة، مات سنة سبع وأربعين ومائتين. قال سَلَمَةُ بن شَبيب: (حَدثنا الحُمَيديُّ) عبدُ اللهِ بن الزبير بن عيسى المكي أبو بكر. قال في "التقريب": ثقة حافظ فقيه، أَجَل أصحاب ابن عُيَينَة، من العاشرة، مات سنة تسع عشرة ومائتين، وقيل: بعدها، قال الحاكم: كان البخاري إذا وَجَدَ الحديثَ عن الحُمَيديّ .. لا يَعْدُوه إلى غيره، يروي عنه (خ من د ت س فق). قال الحُمَيدِيُّ: (حَدَّثنا سفيانُ) بن عُيَينَة بن ميمون الهلالي أبو محمَّد الأعور الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ، من الثامنة، مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، وله إحدى وتسعون سنة.

قَال: كَانَ الناس يَحْمِلُونَ عَنْ جَابِرٍ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَظْهَرَ، فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ .. اتَّهَمَهُ النَّاسُ في حَدِيثِهِ، وَتَرَكَهُ بَعْضُ الناس، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا أَظْهَرَ؟ قَال: الإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ. [55] وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجال هذا السَّندِ ثلاثة: واحد نيسابوريٌّ واثنان مكيان، وغَرَضُه بسَوْقِه: بيانُ متابعة سفيان لجريرٍ في جَرْحِ جابرِ أيضًا. (قال) سفيانُ: (كان الناسُ يَحْمِلُون) الحديثَ ويَرْوُونَه (عن جابرِ) بن يَزِيد الجُعْفِي (قَبْلَ أنْ يُظْهِرَ ما أظْهَرَ) من اعتقادِه بالرَّجْعة (فلمّا أظْهَرَ) وأحْدَثَ جابرٌ (ما أَظْهَرَ) من اعتقاده بالرجعة ( .. اتهَمَه) أي: اتَّهَم جابرًا (الناسُ) من المُحَدِّثين، وارْتابُوا (في حديثِه، وتَرَكه) أي: وتَرَكَ حديثَه (بعضُ الناسِ) ورَفَضُوه ولم يَعْتَدُوا به. (فقيل له) أي: لسفيان بن عُيَينَة: (وما أَظْهَرَ) جابر وأحْدَثَه؛ (قال) سفيانُ: أَظْهَرَ (الإيمانَ) والاعتقادَ (بالرَّجعة) أي: برجوعِ علي رضي الله عنه إلى الأرض وقتالِه مَنْ قتَل أولادَه. ثم ذكر المؤلِّفُ أيضًا المتابعةَ في جَرْحِ جابرٍ فقال: [55] (وحَدَّثنا حَسَنُ) بن على (الحُلْوَانيُّ) المكيّ، ثقة من الحادية عشرة. قال الحَسَنُ: (حَدَّثنا أبو يحيى) عبدُ الحميد بن عبد الرحمن (الحِمَّانِيُّ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم، منسوب إلى حِمَّان وهي قبيلة من تميم، الكوفيّ، لَقَبُهُ بَشْمِينُ بفتح الموحدة وسكون المعجمة وكسر الميم بعدها تحتانية ساكنة ثمّ نون. روى عن بُرَيْد بن أبي بُرْدة والأعمش والسُّفْيَانينِ وأبي حَنِيفة وجماعة، ويروي عنه (خ من د ت ق) وأبو بكر محمَّد بن خلف الحَدَّادي وأبو كُرَيب وخلق. قال أحمدُ وابنُ سَعْد: كان ضعيفًا، وقال العِجْلِيُّ: كوفيّ ضعيف الحديث

حَدّثَنَا قَبِيصَةُ وَأَخُوهُ: أنَّهمَا سَمِعَا الْجَرَّاحَ بْنَ مَلِيحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مُرْجئ، وقال ابنُ مَعِين: كان ثقةً ولكنه ضعيف العقل. وقال في "التقريب": صدوق يُخطئ ورُمِيَ بالإرجاء، من التاسعة، مات سنة اثنتين ومائتين. قال الحِمَّانِيُّ: (حَدَّثنا قَبِيصَةُ) -بفتح أوله وكسر الموحدة- ابن عُقْبة بن محمَّد بن سفيان بن عقبة بن ربيعة بن جُنَيدب بن رِئَابِ بن حَبيب بن سُوَاءة بن عامر بن صَعْصَعة السُّوائي -بضمِّ المهملة وتخفيف الواو والمد- أبو عامر الكوفيّ. روى عن الثَّوْري وشُعْبة ويونس بن أبي إسحاق وإسرائيل بن يونس والجَرَّاح -والد وَكِيع- وحَماد بن سَلَمَة وخلق، ويروي عنه (ع) -البخاري بلا واسطة والباقون بواسطة- وابنُه عُقْبَةُ وأبو بكر بن أبي شيبة وهَنَّاد بن السَّرِي وجماعة. قال في "التقريب": صدوق ربما خَالف، من التاسعة، مات سنة خمس عشرة ومائتين على الصحيح. وقولُه: (وأخوه) بالرفع بالواو معطوفٌ على (قَبيصةُ) أي: وحَدَّثَنا أيضًا سفيانُ بنُ عقبة السُّوائي الكوفي أخو قَبِيصة المذكور. روى عن حُسَين المُعَلِّم ومِسْعَر والجَرَّاح بن مَلِيح وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وابن أخيه عُقْبة بن قَبِيصة بن عُقْبةَ وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيب وأبو يحيى الحِمّاني وغيرهم. قال ابنُ مَعِين: لا بأس به، وقال العِجْلِيُّ: كوفي ثقة. وقال في "التقريب": صدوق، من التاسعة. وفائدة هذه المقارنةِ: تقويةُ السَّنَدِ؛ لأن كُلًّا من الراويَين صَدُوقٌ. (أنهما) أي: أن قَبِيصةَ وأخاه سفيانَ بنَ عُقْبة (سَمِعَا الجَرَّاحَ بنَ مَلِيحٍ) -بفتح الميم وكسر اللام- ابن عدي بن فرس بن جُمحة بن سفيان بن الحارث بن عَمْرو بن عُبيد بن رؤاس الرُؤاسي -بضم الراء بعدها واو بهمزة وبعد الألف مهملة- والدَ وَكِيع.

يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عِنْدِي سَبْعُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ كُلُّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن أبي إسحاق السَّبِيعي وعطاء بن السائب وسِماك بن حَرْب وعاصم الأحول وغيرهم، ويروي عنه (بخ م د ت ق) وابنه وَكِيع وقَبِيصة وسفيان ابنا عُقْبة وابن مهدي وغيرهم. قال ابنُ مَعين: ضعيف الحديث، وهو أمْثَلُ من أبي يحيى الحِمّاني، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: ليس بشيءٍ وهو كثيرُ الوَهم، وقال أبو حاتم الرازي: يُكتب حديثه ولا يُحْتَجُّ به، وقال النوويُّ: (وهذا الجَرَّاحُ ضعيفٌ عند المحدثين ولكنه مذكورٌ هنا في "المتابعات") اهـ (¬1). وقال في "التقريب": صدوقٌ يَهِمُ، من السابعة، مات سنة خمس -وقيل: ست- وسبعين ومائة. وغَرَضُه بِسَوْقِ هذا السَّنَدِ: بيانُ متابعةِ الجَرَّاح لجريرٍ في جَرْحِ جابر الجُعْفي، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم كوفيون، وهم ثلاثة: اثنان منهم ضعيفان، وواحدٌ صدوق. حالة كون الجَراح (يقولُ: سمعتُ جابرًا) ابنَ يَزيد الجُعْفِيَّ حالة كون جابرٍ (يقولُ: عندي) أي: في حفظي (سبعون ألفَ حديثٍ) رَوَيتُها ونَقَلْتُها (عن أبي جعفرٍ) محمدِ بن علي بن الحُسَين بن علي بن أبي طالب المعروفِ بـ (الباقرِ)؛ لأنه بَقَرَ العِلْمَ؛ أي: شَقَّه وفتحَهُ فَعَرَفَ أصلَه وتمَكنَ فيه، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وقولُه: (عن النبي صلى الله عليه وسلم) خبرٌ مُقَدَّم، وقولُه: (كُلُّها) مبتدأ مؤخر، والجملةُ الاسميةُ في محل الرفع صفةٌ لـ (سبعون)، أي: عندي سبعون ألف حديث مرويةٌ كُلُّها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يقوله لعدم تَوَرُّعه، ولتَوَغُّلِهِ في الكَذِب. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 102).

[56] وَحَدَّثَنِي حجاجُ بْنُ الشاعِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، قَال: سَمِعْتُ زُهَيرا يَقُولُ: قَال جَابِرٌ -أَوْ سَمِعْتُ جَابِرا يَقُولُ-: إِن عِنْدِي لَخَمْسِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلِّف رحمه الله تعالى المتابعةَ في جَرْح جابر الجُعْفي فقال: [56] (وحدثني حَجَّاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمَّد الذي يُقال له: (ابنُ الشاعر) الحافظ البغدادي، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة تسع وخمسين ومائتين. قال حَجَّاج: (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي اليَرْبُوعي الكوفي -وقد يُنْسَبُ إلى جَدِّه كما هنا- ثقة حافظ من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، وله أربع وتسعون سنة، كما مر البسط في ترجمته. (قال) أحمدُ بن يونس: (سمعتُ زُهَيرًا) وابنُ معاوية بنِ حُدَيج -بضمِّ المهملة الأولى مصغرًا آخره جيم- ابن الرُّحَيل بحاء مهملة مصغرًا- ابن زُهَير بن خيثمة الجُعْفي أبو خيثمة الكومي، أحَدُ الحُفاظ والأعلام، نزيلُ الجزيرة. روى عن سِماك بن حَرْب والأسود بن قيس وزياد بن عِلاقة وخَلْق، ويروي عنه (ع) والقطان وابن مهدي وأبو نعيم وغيرهم. قال شُعَيب بن حَرْب: زُهَير أحفظُ من عشرين مِثْل شُعْبة، وقال أبو زرعة: ثقة إلَّا أنه سَمعَ من أبي إسحاق بعد الاختلاط. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْت، من السابعة، مات سنة اثنتين أو ثلاثٍ أو أربع وسبعين ومائة، وكان مولده سنة مائة. ورجالُ هذا السَّنَدِ ثلاثة: بغداديٌّ وكوفيان، وغَرَضُه بِسَوْقه: بيانُ متابعة زهير لجريرٍ في جَرْح جابر الجُعْفي. أي: حالة كون زهير (يقولُ: قال جابر ... ) إلخ، وقال أحمد بن يونس (أو) قال زهيرٌ: (سمعتُ جابرًا يقولُ) والشك من أحمد بن يونس: (إن عندي لخمسين

أَلْفَ حَدِيثٍ، مَا حَدّثْتُ مِنْهَا بِشَيءٍ، قَال: ثُمَّ حَدَّثَ يَوْمًا بحَدِيثٍ فَقَال: هَذَا مِنَ الْخَمْسِينَ أَلْفًا. [57] وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيُّ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْوَليدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ألفَ حديثٍ) وفي هذه الجملة تأكيد النسبة بثلاث مؤكدات: بأن، وباللام، وباسمية الجملة؛ تنزيلًا للمخاطبين منزلة المنكرين للنسبة (ما حَدّثْتُ) أي: ما أخبرتُ أحدًا من الناس (منها) أي: من تلك الخمسين ألفا (بشيءٍ) لا قليلٍ ولا كثيرٍ. (قال) زُهَيرٌ: (ثُمَّ) بعد زمان من تلك المقالة (حَدّثَ) لنا (يومًا) من الأَيام (بحديثٍ) واحدٍ (فقال) جابرٌ: (هذا) الذي حَدَّثْتُهُ لكم الآن واحد (من) تلك (الخمسين ألفًا) التي كانت محفوظةً عندي، فكَذَبَ بمقالتِه هذه، وما عنده شيءٌ من الأحاديث الصحيحة فَضْلًا عن الخمسين ألفًا. ثم ذكر المؤلِّفُ أيضًا المُتابعةَ في جَرْح جابر الجُعْفي فقال: [57] (وحَدَّثني إبراهيمُ بن خالدٍ اليشْكُرِيُّ) أفرده بعضُهم عن أبي ثَوْر، وقيل: هو أبو ثَوْر الفقيه صاحب الشافعي، وأنكر ذلك ابن خَلْفُون، فقال: هو غيرُ أبي ثَوْر، من الحادية عشرة. روى عنه مسلمٌ في المقدمة عن أبي الوليد الطيالسي، وقال ابنُ خَلْفُون: لا أعرفُ اليَشْكُرِيَّ، ومَنْ ظَنَّ أنه أبو ثور .. فقد وَهِمَ، وقال الذهبيُّ: اليَشْكُرِي مجهول. وأمّا أبو ثَوْر إبراهيم بن خالد الكَلْبي: فثقةٌ من العاشرة، روى عن ابن عُيَينة وأبي معاوية ووكيع والشافعي وصَحِبَهُ وغيرِهم، ويروي عنه أبو داود وابن ماجه ومسلمٌ خارج "الصحيح" وغيرُهم، مات سنة أربعين ومائتين. (قال) إبراهيمُ بن خالد: (سمعتُ أبا الوليدِ) الطيالسي هشامَ بنَ عبد الملك الباهليَّ مولاهم، الحافظَ البصريَّ الإمامَ الحُجَّة. روى عن عاصم بن محمَّد العُمري وزائدة واللَّيث ومالك وهَمَّام بن يحيى وخَلْق، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن راهويه الحنظلي ومحمد بن المثنّى وبندَار وابن سَعْد

يَقُولُ: سَمِعْتُ سَلامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ يَقُولُ: عِنْدِي خَمْسُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنِ النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ. [58] وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدّثَنَا الْحُمَيدِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهم، قال أحمد: مُتْقِنٌ، وهو اليومَ شيخُ الإِسلام، ما أُقَدِّمُ عليه أحدًا من المُحَدِّثين. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْت، من التاسعة، مات سنة سبعٍ وعشرين ومائتين، وله أربع وتسعون. أي: سمعتُ أبا الوليد حالة كونه (يقولُ) أي: أبو الوليد: (سَمِعْتُ سَلَّامَ بنَ أبي مُطِيع) سَعْدٍ، أبا سعيدٍ الخُزَاعِيَّ مولاهم، البصري. روى عن أبي عِمْرَان الجَوْنيِّ وقتادة، ويروي عنه (خ م ت س ق) وابنُ مهديّ وابنُ المبارك ومُسَدَّدٌ وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقة صاحبُ سُنة، في روايته عن قتادة ضَعْفٌ، من السابعة، مات سنة أربع وستين، وقيل: بعدها. حالة كون سلَّام (يقولُ: سَمِعْتُ جابرًا الجُعْفِيَّ) حالة كونه (يقولُ: عندي) أي: في حفظي أو في كتابي، وهو خبرٌ مُقَدَّمٌ لقوله: (خمسون ألفَ حديثٍ) مروية (عن النبي صلى الله عليه وسلم) لتَوَغُّلِهِ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وغَرَضُ المؤلّفِ رحمه الله تعالى بسَوْقِ هذا السَّنَدِ: بيانُ متابعة سلام بن أبي مُطِيع لمن سَبق في جَرْحِ جابر الجُعْفي، ورجالُهُ ثلاثة: واحد منهم مجهول، واثنان ثقتان بصريان. ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في جَرْء جابرٍ الجُعْفِيِّ فقال: [58] (وحَدَّثَني سَلَمَة بن شَبِيبٍ) المِسْمَعي أبو عبد الرحمن النيسابوري، نزيل مكة، ثقة، من كبار الحادية عشرة، مات سنة سبعٍ وأربعين ومائتين. قال: (حَدثنا الحُمَيديُّ) عبدُ اللهِ بن الزبير بن عيسى المكي من العاشرة، مات سنة تسع عشرة ومائتين.

حَدَّثنا سُفْيَانُ قَال: سَمِعْتُ رَجُلًا سَألَ جَابِرًا عَنْ قَوْلهِ عَزَّ وَجَل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيرُ الْحَاكِمِينَ} فَقَال جَابِرٌ: لَمْ يَجئْ تأويلُ هَذِهِ، قَال سُفْيَانُ: وَكَذَبَ، فَقُلْنَا لِسُفْيَانَ: وَمَا أَرَادَ بِهَذَا؟ فَقَال: إِن الرَّافِضَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (حَدَّثنا سفيانُ) بن عُيَينة بن ميمون الهلالي أبو محمَّد الأعور الكوفي ثم المكي، من الثامنة، مات في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة، ومَرَّ لك قريبا بحثُ هذا السَّنَدِ فرَاجِعْهُ. (قال) سفيانُ: (سَمِعْتُ رجلًا) حالةَ كَوْنه (سَأَلَ جابرًا) الجُعْفِيَّ (عن) معنى (قوله عَزَّ) أي: اتَّصَفَ بجميعِ الكمالاتِ (وجَلَّ) أي: تنزَّهَ عن جميع النقائص ({فَلَنْ أَبْرَحَ}) أُفَارِقَ ({الْأَرْضَ}) أرضَ مصر ({حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}) والدَي بالعَوْدِ إليه ({أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي}) بخَلاص أخي ({وَهُوَ}) سبحانه وتعالى ({خَيرُ الْحَاكِمِينَ}) أعدلُ الحاكمين بين عباده. (فقال جابِرٌ) الجُعْفِيَّ في جواب السائل عن معنى الآية: (لم يَجِيءْ) ولم يَأتِ الآنَ (تأويلُ هذه) الآيةِ وتفسيرُها؛ فإنها ستُفسر تفسيرًا خارجيًّا ظاهرًا لكُل أحَد. (قال سفيانُ) بن عُيَينَةَ: (وكَذَبَ) جابر الجُعْفِيُّ في قوله: لم يَأتِ تأويلُها الآن؛ فإنَّ الآية نَزَلَتْ في حكاية ما وَقَعَ لإخوةِ يوسف - عليه السلام -. قال الحُمَيدِيُّ: (فقُلْنا لسفيانَ) بن عُيَينَة: (وما أرادَ) جابرٌ (بهذا؟ ) أي: بقوله: لم يَأتِ تأويلُها؛ أي: ما أرادَ بالتأويل الذي سيأتي؟ (فقال) سفيان: أراد بذلك ما تعتقده الرافضةُ من رأيهم الفاسدِ ومذهبهم الباطلِ، وذلك (إن الرافضةَ) وفي "شرح النووي": (سُمُّوا رافضةً من الرفض وهو الترك، قال الأَصْمَعِيُّ وغيرُه: سُمُّوا رافضةً لأنهم رفضوا زيدَ بن عليّ فتركوه) (¬1). وفي "القاموس": (رَفَضَه يَرْفُضُه من بابي ضرب ونصر رَفْضًا بالتسكين، ورَفَضًا بالتحريك إذا تركه، والروافض: كل جُندٍ تركوا قائدهم، والرافضة: الفِرْقة منهم، وفِرْقة من الشّيعة بايعوا زيدَ بنَ عليٍّ ثم قالوا له: تَبَرَّأْ من الشيخين فأبَى وقال: كانا ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 103).

تَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا في السَّحَابِ، فَلَا نَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ -يُرِيدُ عَلِيًّا أَنَّهُ يُنَادِي-: اخْرُجُوا مَعَ فُلانٍ، يَقُولُ جَابِرٌ: فَذَا تَأويلُ هَذِهِ الآيَةِ، وَكَذَبَ؛ كَانَتْ في إِخْوَةِ يُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزيرَي جَدِّي، فتَرَكُوْه ورَفَضُوه وارْفَضوا عنه، والنسبة إليه رافضي) اهـ أي: فقال سفيانُ: إنَّ الرافضةَ؛ أي: الفِرْقةَ الذين رَفَضُوا وخَلَعُوا زيدَ بنَ عليٍّ (تقولُ) وتعتقد: (أن عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه لم يَمُتْ بل هو مُسْتَتِرٌ (في السَّحَاب) والغيم ومستقرٌّ فيه، (فلا نَخْرُجُ) بفتح النون وضمّ الراء على صيغة المسند إلى المتَكلِّمين؛ أي: فلا نَخْرُجُ نحن على معاوية ولا نُقَاتِلُه (مَعَ مَنْ خَرَجَ) على معاوية بن أبي سفيان وقاتَلَه من الشيعة (مِنْ وَلَدهِ حتى يُنَادِيَ) وَيصْرُخ (مُنَادٍ من) جهة (السماء يُرِيدُ) جابرٌ بذلك المنادي من السماء (عَلِيًّا) وابنُ أبي طالب رضي الله عنه (¬1). وقولُه: (أنه) أي: أن عليًّا (يُنادي) من السماء: جملة في محل النصب بدل من (عليًّا)؛ أي: يُرِيدُ جابر أن عليًّا يُنادي ويقول في ندانه: (اخْرُجُوا) أيها الناس لقتال معاوية (مَعَ) ولدي (فُلانٍ) انتقامًا من معاوية لمَا فَعَلَ بأولادي من القَتْلِ الذريعِ. (يقولُ جابر) الجُعْفِيُّ: (فذا) لك النداءُ الذي ناداهُ عليّ من السماء (تأويلُ) الإذنِ المذكورِ في (هذه الآيةِ) بقوله: {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} قال سفيانُ بن عُيَينَة: افْترَى (وكَذَبَ) جابر الجُعْفيُّ؛ لأنه (كانتْ) الآيةُ نَزَلَتْ (في) حكاية قصّة (إخوةِ يوسفَ) الصديقِ ابنِ يعقوبَ (صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في جَرْحِ جابرٍ بوَجْهِ آخَرَ بالسَّندِ السابقِ، فقال: ¬

_ (¬1) قال الشيخ الكنكوهي: (قوله: "فإن الرافضة تقول ... " ولعلَّ منشأَ انتزاعهم: ما وَردَ من أن مناديًا ينادي حين يخرج المهدي - عليه السلام - يسمعه كُلُّ أحد: إن هذا ... فاتبعوه واخرجوا معه. فذهبوا بالرواية هذا المذهب وجعلوا المناديَ عَليًّا مع أنه الهاتف). "الحل المفهم" (1/ 17).

[59] وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ، حَدَّثَنِي الْحُمَيدِيُّ، حَدّثَنَا سُفْيَانُ قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا يحدث بِنَحْوٍ مِنْ ثَلاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ مَا أَسْتَحِلُّ أَنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيئًا وَأَن لِي كَذَا وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ [59] (وحَدَّثني سَلَمَةُ) بن شَبيب المِسْمَعيُّ النيسابوريُّ، قال: (حَدَّثني الحُمَيدي) عبدُ اللهِ بن الزبير المكيُّ، قال: (حَدثنا سفيانُ) بن عُيَينَة، (قال) سفيانُ: (سَمِعْتُ جابرًا) الجُعْفِيَّ (يحدث) ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم (بنَحْو) أي: بقَدْر أو بقريبٍ (من ثلاثين ألفَ حديثٍ، ما أستَحِلُّ) أي: ما أحل أنا (أنْ أَذْكُر منها) أي: من تلك الثلاثين ألف حديث وأرويَ منها (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا لأحَدٍ من الناس (و) لو (أن لي) بسبب ذِكْرِها (كذا وكذا) من الأموال أو من حُمر النَّعَم؛ أي: ولو قُدِّرَ لي في مقابلةِ ذِكْرِها وروايتِها كذا وكذا من المكافأة بالأموال النفيسة. تتمة فيما جرحوا به جابرًا الجُعْفِيَّ: وروى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أنه قال: يا جابرُ؛ لا تموت حتى تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، قال إسماعيلُ: فما مَضَت الأيام والليالي حتى اتُّهِمَ بالكذب. وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه قال: ترك يحيى القَطَّانُ جابرًا الجُعْفِي، وحدثنا عنه عبد الرحمن قديما ثم تركه بأخَرَةِ، وترك يحيى حديث جابر بأَخَرَة. وقال أبو يحيى الحِمَّاني: سمعتُ أبا حنيفة يقول: ما رأيتُ فيمن رأيتُ أفضلَ من عطاءٍ ولا أكذبَ من جابر الجُعْفِي، ما أتيتُه بشيءٍ إلا جاءني فيه بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث لم يظهرها. وقال جرير بن عبد الحميد عن ثعلبة قال: أردت جابرًا الجعفي، فقال لي لَيثُ بن أبي سُلَيم: لا تَأْتِه؛ فإنه كَذاب. وقال النسائيُّ وغيرُه: متروك، وقال يحيى: لا يُكتب حديثه ولا كرامة، وقال أبو داود: ليس عندي بالقَوي في حديثه. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ألا تعجبون من سفيان بن عُيَينَة لقد تركتُ جابرًا لقوله لما حُكِيَ عنه أكثر من ألف حديث ثم هو يحدِّث عنهُ. وقال جريرُ بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الحميد: لا أستحلُّ أن أُحَدِّثَ عن جابر الجُعْفِي، كان يُؤْمِنُ بالرَّجْعة. وقال ابنُ حِبان: كان جابر الجُعْفِي سيئًا من أصحاب عبد الله بن سَبَإ، كان يقول: إن عليّا يَرجِعُ إلى الدنيا. وقال يحيى بن يعلى المحاربي: طَرَحَ زائدةُ حديثَ جابر الجُعْفِي وقال: هو كذَاب يُؤْمِنُ بالرَّجْعة. وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا أبي عن جدّي قال: إنْ كنتُ لآتي جابرًا الجُعْفِيَّ في وقتٍ ليس فيه خيارٌ ولا قِثّاءٌ، فيتحوَّلُ حولَ حوضه ثم يخرج إلي بخيارٍ أو قثّاء فيقول: هذا من بستاني. وقال عباس الدُّوري عن يحيى: لم يَدعْ جابرًا مِمن رآه إلا زائدةُ، وكان جابرٌ كذابا ليس بشيء. وقال شهاب بن عباد: سمعتُ أبا الأحوص يقول: كنتُ إذا مررتُ بجابر الجعفي .. سألت ربي العافية، وذكر شهاب أنه سمع ابن عُيَينَة يقول: تركتُ جابرًا الجُعْفِيَّ، وما سمعتُ منه قال: دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليا فعلّمه مما تعلّم، ثم دعا علي الحَسَنَ فعلّمه مما تعلّم، ثم دعا الحَسَنُ الحُسَينَ فعلَّمه مما تعلَّم، ثم دعا ولدَه حتى بلغ جعفر بن محمَّد قال سفيان: فتَرَكْتُهُ لذلك. قال ابن عدي: حدثنا علي بن الحسن بن قديد، حدثنا عُبيد الله بن يزيد بن العوام، سمعتُ إسحاق بن مُظْهِر، سمعتُ الحُمَيدي، سمعتُ سفيان، سمعتُ جابرًا الجُعْفِيَّ يقول: انتقل العِلْمُ الذي كان في النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي، ثم انتقل من عليّ إلى الحَسَنُ، ثم لم يَزَلْ ينتقلُ حتى بلغ جعفرًا. قال الشافعي: سمعتُ سفيان: سمعتُ من جابر الجعفي كلاما بادَرْتُ خِفْتُ أن يقع علينا السقفُ. قال سفيان: كان يُؤْمِنُ بالرَّجْعة، وقال الجُوزجاني: كَذابٌ، سألتُ أحمدَ عنه فقال: تَرَكَه عبدُ الرحمن فاستراح. وقال شعبة: عن جابر، عن عَمَّار الدُّهْنِي، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعًا: "مَنْ بنى لله مسجدًا ولو مِثْلَ مَفْحَصِ قَطاة .. بَنَى الله له بيتا في الجنة". حدثنا يوسف بن يعقوب الضبعي، حدثنا سفيان وشعبة، عن جابر، عن أبي عازب، عن النعمان بن بَشير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء خطأ إلا السيف، وفي كل خطإ أرش". حدثنا شريك، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بضَبُعَةٍ من غزوةِ الطائف فجعلوا يضربونها بالعصا ويَرَوْن أنها ميتةٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ضَعُوا فيها السكين واذكروا اسمَ اللهِ وكُلُوا". قال إسماعيل السُّدّي: حدثنا شريك، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "كُتب عليَّ النحرُ ولم يُكتب عليكم، وأُمِرْتُ بصلاة الضُّحى ولم تُؤمروا". قال الذهبيُّ: أجاز لي المسلم بن محمَّد وغيره أن الكندي أخبرهم قال: أنبأنا الشيباني، أنبأنا الخطيب، أنبأنا محمَّد بن الحسين القطان، أخبرنا الخُلْدي، حدثنا أحمد بن علي الخزّاز، أنبأنا أسيد بن زيد، حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجُعْفِي، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: دَخَلَ على الحَسَنُ والحُسَينُ فوهبتُ لهما دينارًا وشققتُ مرطي بينهما فردَّيتهما، فخرجا مسرورَينِ يضحكان، فلقيهما النبي صلى الله عليه وسلم كفةَ كفةَ (¬1) فقال: "قُرَّةُ الأعْيُنِ! مَنْ كساكما ووهبكما دينارًا .. فجزاه الله خيرًا" قالا: أُمُّنا عائشةُ، قال: "صَدَقْتُما هيَ والله أُمُّكما وأُمُّ كُل مؤمن"، قالت: فوالله! ما صنَعْتُ، وما قال أحَبُّ من الدنيا وما فيها إلي. هذا حديث منكر ورواته الثلاثة رافضية، ولكن لا يتهمون في نقل فضل عائشة رضي الله عنها، قال ابن عدي: عامَّةُ ما قذفوه به أنه كان يُؤْمِنُ بالرجْعة، وليس لجابر ¬

_ (¬1) قوله: (كفة كفة) حال مركبة في محل النصب مبني على فتح الجزئين ومعناه: مواجهة كان كل واحد منهما كف صاحبه عن مجاوزته إلى غيره؛ أي: منعه، والكفة: المرة من الكف، وهما مبنيان على الفتح. اهـ "النهاية".

قَال مُسْلِمٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الرَّازِيَّ قَال: سَأَلْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَقُلْتُ: الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ لَقِيتَهُ؟ قَال: نَعَمْ، شَيخٌ طَويلُ السُّكُوتِ، يُصِرُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجُعْفِي في "سنن أبي داود" سوى حديثٍ واحدٍ في سجود السهو. اهـ من "الميزان" (1/ 379 - 383). ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لما مَرّ من جَرْح الرواة بقوله: (قال مسلمٌ) وفيه من المحسنات البديعية التجريد، وهو: أن يُجَرِّدَ المتكلِّمُ من نفسه شخصًا مماثلًا لنفسه ويُخْبِرَ عنه كأنه غيرُه، والواوُ في قوله: (وسَمِعْتُ) عاطفةٌ على محذوفٍ تقديره: سمعتُ غيرَ أبي غسَّان وسمعتُ (أبا غسَّان محمدَ بَن عَمْرِو) ابن بَكْر بن سالم التميميَّ (الرازيّ) ثقة من العاشرة مات في آخر سنة أربعين ومائتين أو أول التي بعدها. (قال) أبو غسَّان: (سألتُ جريرَ بنَ عبد الحميد) الضبِّيَّ الكوفي ثم الرازيَّ، ثقة. من السابعة مات سنة ثمانٍ وثمانين ومائة. قال أبو غسَّان: (فقلتُ) لجرير بنِ عبد الحميد: (الحارث بن حَصِيرةَ) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملَتينِ وآخره هاء. ويجوزُ في (الحارث) الوجهان: الرفعُ، والنصبُ على الاشتغال. وهو الحارث الأزدي أبو النعمان الكوفي، روى عن زيد بن وَهْب وعِكْرمة وطائفة، ويروي عنه (بخ مق ص عس) ومالك بن مِغوَل وعبد الله بن نُمَير. قال أبو أحمد الزُّبَيري: كان يُؤْمِنُ بالرَّجعة، وقال يحيى بن مَعِين: ثقة خَشَبي، يُنسبون إن خَشَبةِ زيدِ بن عليّ لمّا صُلِبَ عليها، وقال النَّسائيُّ: ثقة، وقال ابنُ عدي: يُكتب حديثُهُ على ضَعْفِهِ، وهو من المتحرّقين بالكوفة في التشيُّع. وقال في "التقريب": صدوق يُخطئ، ورُمي بالرَّفض، من السادسة، وله ذِكْرٌ في مقدمة مسلم. أي: قال الرازيُّ: فقلتُ لجرير بن عبد الحميد: الحارث بن حَصيرة الكوفي هل (لَقِيتَه) ورأيته؟ فـ (قال) جريرٌ: (نَعَمْ) لَقِيتُه هو (شيخٌ طويلُ السُّكُوتِ) أي: كثيرُ الصَّمْتِ والسكوت (يُصِرُّ) ويستمرُّ ويدومُ (على أمْرٍ عظيمٍ) وهو التشيُّع فلا يتوب عنه ولا يُقلع.

[60] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَال: حَدثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ قَال: ذَكَرَ أَيُوبُ رَجُلا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلِّف رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ من كَشْفِ معايب الرواة بأثَرِ أيوب السَّخْتِياني فقال: [60] (حَدَّثني أحمدُ بن إبراهيمَ) بن كثير بن زَيد البغداديُّ (الدَّوْرَقِيُّ) قال النوويُّ: (هو بفتح الدال والراء بينهما واوٌ ساكنة، نِسْبة إلى دَوْرَق بلدةٍ من بلاد فارس أو غيرها، وقيل: كان أبوه ناسكًا؛ أي: عابدًا، وكانوا في ذلك الزمان يُسَمُّون الناسكَ دَوْرقيًا، وهذا القول مَرْويٌّ عن أحمد الدَّوْرَقيّ هذا، وهو من أشهر الأقوال، وقيل: هي نِسْبَةٌ إلى القَلانِس الطِّوال التي تُسمى الدَّوْرَقية) اهـ (¬1). وهو الحافظ الثقة أخو يعقوب. روى عن هُشَيْم ويَزيد بن زُرَيع وحفص بن غِياث وابن مهدي وخَلْق، ويروي عنه (م د ت ق) وبقِيّ بن مَخْلَد وعبد الله بن أحمد بن حنبل ويعقوب بن شَيبة وغيرُهم. قال في "التقريب": ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومائتين. عن ثمان وسبعين سنة. (قال) الدورَقيُّ: (حَدَّثني عبدُ الرحمنِ بن مَهْديِّ) بن حسان الأزدي مولاهم، أبو سعيد البصري الحافظ الإِمام العَلَم. قال في "التقريب": ثقة ثَبْت حافظ عارف بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة ثمانٍ وتسعين ومائة بالبصرة، عن ثلاث وستين سنة. (عن حمّادِ بنِ زيدِ) بن دِرْهَم الأزدي الجَهْضَمِيِّ، أبي إسماعيل البصري، ثقة ثَبْت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسعٍ وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون سنة. (قال) حَمَّادٌ: (ذَكَرَ أيوبُ) بن أبي تَميمة كَيسان السَّخْتياني أبو بكر البصري، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة؛ أي: ذَكَرَ أيوبُ لنا (رجلًا) من ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 103 - 104)، وانظر هذه الأقوال في "تاريخ بغداد" (4/ 6)، و"الأنساب" (5/ 391 - 393).

يَوْمًا فَقَال: لَمْ يَكُنْ بِمُسْتَقِيمِ اللِّسَانِ، وَذَكَرَ آخَرَ فَقَال: هُوَ يَزِيدُ في الرَّقْمِ. [61] حَدَّثَنِي حجاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المُحَدِّثين (يومًا) من الأيام؛ أي: ذَكَرَهُ بالجَرْح (فقال) أيوبُ السَّخْتياني: (لم يَكُنْ) ذلك الرجلُ (بمستقيمِ) أي: بقويمِ (اللسانِ) وصدوقِه، (وذَكَرَ) أيوبُ أيضًا رجلًا (آخَرَ) وجَرَحَه (فقال) أيوبُ: (هو) أي: ذلك الآخَرُ (يَزيدُ في الرَّقْم) أي: في رقم سعر البضاعة بأن يكتب على السِّلْعة ما قيمتُه عشرون بثلاثين، وما قيمتُه عشرة بخمسةَ عَشْرَة؛ ليغترَّ الناظرُ إلى ذلك الرقم بزيادة الثمن ويأخذه. وعبارة السنوسي هنا: (قولُه: "هو يَزيدُ في الرَّقْمِ" وكذلك قولُه: (لم يَكُنْ بمستقيم اللسان" هذا كُلُّه كنايةٌ عن الكذب، وجَعَلَهُ في الأول كالتاجر الذي يَزيدُ في رقم السِّلْعة ويكذبُ فيها ليربحَ على الناس ويَغُرَّهم بذلك الرقم ويشتروا عليه) (¬1). ورجالُ هذا السَّنَدِ أربعةٌ كُلُّهم بصريون إلا أحمد الدَّوْرَقيّ فبغدادي. ثم استشهد المؤلِّف رحمه الله تعالى بأثَرٍ آخَرَ لأيوبَ فقال: [61] (حَدَّثني حجاجُ) بن يوسف الثقفي الذي نِسْبَتُهُ (بن الشاعر) البغدادي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة تسع وخمسين ومائتين. قال الحَجَّاجُ: (حَدَّثنا سُلَيمَانُ بن حَرْبٍ) الأزْدي الوَاشِحي نسبة إلى وَاشِح بَطْن من الأزْدِ، البصري قاضي مكة، أحد الأئمّة الأعلام. روى عن شُعْبة والحَمَّادَينِ وجَرِير بن حازم وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعَمْرو بن علي الفلاس، وأحمد وغيرهم. قال أبو حاتم: حَضَرْتُ مجلسَه ببغداد فحَزَرُوا مَنْ فيه أربعين ألف رجل. قال في "التقريب": ثقة إمام حافظ، من التاسعة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وله ثمانون سنة (¬2). ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 31)، وهو من كلام القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/ 145). (¬2) قلتُ: بل له أزيدُ من أربع وثمانين سنة؛ فقد قال يعقوب بن سفيان: قال سليمان بن حرب في =

حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زيدٍ قَال: قَال أَيُّوبُ: إِن لِي جَارًا -ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ- وَلَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَلَى تَمْرَتَينِ .. مَا رَأَيتُ شَهَادَتَهُ جَائِزَةً. [62] وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافعٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشاعِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سُلَيمانُ: (حَدثنا حَمَّادُ بن زَيدِ) بن دِرْهَم الأزْدي أبو إسماعيل البصري، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة وله إحدى وثمانون سنة. (قال) حَمَّادٌ: (قال أيوبُ) بن أبي تَميمة السَّخْتيانيُّ البصريُّ: (أن لي جارًا) من جيران داري (ثم ذَكَرَ) أيوبُ (من فَضْلِهِ) أي: من فَضْلِ ذلك الجار ومنقبته من صلاحه وعبادته وزهده ووَرَعِهِ وعِلْمه، ثم قال: (و) لكنْ (لو شَهِدَ عندي على تَمْرَتَينِ) أنهما لفُلانٍ فيما إذا حَصَلَتِ الخصومةُ فيهما ( .. ما رأيتُ شهادتَه) بهما أنهما لفُلانٍ (جائزةً) أي؛ مقبولةً مثْبِتَةً للحقِّ للمُدَّعي لقلَّةِ صِدْقِهِ، وهذا أيضًا كناية عن كَذِبِ ذلك الجار. ورجالُ هذا السند أيضًا كُلُّهم بصريون إلا حَجَّاج بن الشاعر؛ فإنه بغدادي. ثم استشهدَ المؤلِّف رحمه الله تعالى بأثَرٍ آخَر لأيوبَ أيضًا فقال: [62] (وحَدَّثني محمدُ بن رافع) القُشَيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري الحافظ أحد الرحالين. روى عن وَكِيع وابن نُمَير وابن عُيَينَة وغيرهم، وَيرْوي عنه (خ م د ت س) وابنُ خُزَيمة وابنُ أبي داود وجماعةٌ. قال في "التقريب": ثقة عابدٌ، من الحادية عشرة. وقولُه: (وحَجَّاجُ بن الشاعرِ) الثقفيُّ: معطوفٌ على (محمدُ بن رافع)، وفائدةُ هذه المقارنةِ: بيانُ كثرةِ طُرُقِه. ¬

_ = ذي الحجة سنة ست عشرة ومائتين: إذا دخل صفر .. فقد استكملتُ سبعًا وسبعين سنة. وقال البُخاري: قال سليمان بن حرب: ولدتُ في صفر سنة أربعين ومائة. "تهذيب الكمال" (11/ 391).

قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَال: قَال مَعْمَر: مَا رَأَيتُ أَيُوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَط ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالا) أي: قال كُلٌّ من محمد بن رافع وحَجَّاج بن الشاعر: (حَدَّثنا عبدُ الرزاق) ابن هَمَّام بن نافع الحِمْيري الصنْعاني أحَدُ الأئمة الأعلام. روى عن ابن جُرَيج وهشام بن حسَّان ومَعْمَر ومالك وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاق وابن المَديني وغيرهم. قال أحمد: مَنْ سَمعَ منه بعد ما ذَهَبَ بصرُه .. فهو ضعيفُ السماع، وقال ابنُ عدِيّ: لم نَرَ بحديثه بأسًا إلا أنهم نَسَبُوه إلى التشيُّع. وقال في "التقريب": ثقة حافظ مصنِّفٌ شهيرٌ عَمِيَ في آخر عمره فتَغَيَّرَ، وكان يتشيَّع، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، عن خمس وثمانين سنة. وليس في "صحيح مسلم" عبد الرزَّاق إلا هذا الثقة. (قال) عبد الرزاق: (قال) لنا (مَعْمَر) وابنُ راشد الأزْدي مولاهم، أبو عُرْوة البصري، نزيل اليمن، شهد جنازة الحسن البصري، أحد الأئمة الأعلام. روى عن ثابت البُناني والزُّهري وهَمَّام بن مُنَبه وقتادة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأيوب وابن المبارك وغيرهم. قال في "التقريب": ثقة ثَبْت فاضل، من كبار السابعة، مات سنة أربعٍ وخمسين ومائة، وله ثمان وخمسون سنة. أي: قال مَعْمَرٌ: (ما رأيتُ) أي: ما سمعتُ (أيوبَ) السَّخْتيانيَّ البصريَّ (اغْتَابَ) أي: ذَكَرَ بسوءٍ ونَقِيصَةٍ (أحدًا) من الناس. وقولُه: (قَطُّ) ظرفٌ مستغرِقٌ لِمَا مَضَى من الزمان في محلّ النصب على الظرفية مبني على الضم تشبيهًا له بأسماء الغايات متعلّق برأيتُ بمعنى سمعتُ، والمعنى: ما سمعتُ أيوب السَّخْتياني في زَمَنِ من الأزمنة الماضية ذَكَرَ أحدًا من الناس بسُوءٍ

إلا عَبْدَ الْكَرِيمِ -يَعْنِي أَبَا أُمَيَّةَ- فَإنهُ ذَكَرَهُ فَقَال: رَحِمَهُ اللهُ، كَانَ غَيرَ ثِقَةٍ، لَقَدْ سَأَلنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ ثُمَّ قَال: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلا عبدَ الكريمِ) بنَ أبي المُخارِق المعلمَ البصريَّ نزيل مكة، واسم أبيه قيس، وقيل: طارق. وقال في "التقريب": ضعيف، وله ذِكْرٌ في مقدّمة مسلم. قال المؤلِّف رحمه الله تعالى: (يعني) ويقصدُ مَعْمَر بعبد الكريم: عبدَ الكريمِ المَكْنِيَّ (أبا أمَيّةَ؛ فإنه) أي: فإن أيوبَ (ذَكَرَه) أي: ذَكَرَ عبدَ الكريمِ بنَقِيصَةٍ (فقال) أيوبُ في ذِكْره بنَقيصة: (رَحِمَهُ اللهُ) تعالى وأحْسَنَ إليه بالعَفْو عن كذبه (كان) عبدُ الكريمِ (غيرَ ثِقَةٍ) أي: غيرَ مأمونٍ في حديثه، واللهِ (لقد سألني) عبدُ الكريمِ (عن حديث لعكرمةَ) بنِ خالدٍ المخزوميِّ المكي فحَدَّثْتُهُ، (ثم) سمعتُه بعد ذلك (قال) أي: عبد الكريم للناس (سمعتُ عكرمةَ) يُحَدِّثُ كذا وكذا بلا واسطة، فنَفْيُ الواسطةِ بينه وبين عكرمة فيما سَمِعَهُ عن أيوب عن عكرمة يَدُلُّ على كذبه. وقال السنوسيُّ: (قد يُقال: في التجريح بمِثْلِ هذا نظرٌ؛ لاحتمال أنه سمعه من عكرمة ثم نَسِيَه فسأل عنه، ثم ذَكَرَه بعدُ، والجوابُ: أنه عَرَف كَذِبَهُ بقرائنَ مُنْضَمَّةٍ إلى ذلك) (¬1). وقال النوويُّ: (وهذا القَطْعُ بكذبهِ وكوبه غيرَ ثقةٍ بمثل هذه القضية قد يُستشكل من حيث إنه يجوزُ أن يكون سَمِعَه من عكرمة ثم نَسيَه، فسأل عنه ثم ذكره فرواه عنه، ولكنْ عَرَف كَذِبَه بقرائن. وممَّن نَصَّ على ضَعْفِ عبد الكريم هذا: سفيانُ بن عُيَينَة وعبدُ الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمدُ بن حنبل وابنُ عدي، وكان عبدُ الكريم هذا من فضلاء فقهاء البصرة والله أعلم) اهـ (¬2) ورجالُ هذا السَّنَدِ منهم نيسابوريٌّ وصَنْعَانِيٌّ وبصري كما عرفتَ. ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (11/ 31). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 104).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة: قال الذهبي: (وعبد الكريم بن أبي المُخَارِق البصري أبو أمية روى عن الحَسَن البصري وطاوس، ويروي عنه "ت س ق" (¬1) والثوري ومالك وجماعة. قال مَعْمَرٌ: قال لي أيوبُ: لا تَحْمِلْ عن عبد الكريم أبي أُميّة؛ فإنه ليس بشيء، وقال الفَلَّاس: كان يحيى القطان وابنُ مهدي لا يُحَدِّثان عن عبد الكريم المُعلّم، وروى عثمان بن سعيد عن يحيى: ليس بشيء، وقال أحمد بن حنبل: قد ضرَبْتُ على حديثه، هو شِبْه المتروك، وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال الحُميدي: حدثنا سفيان قلتُ لأيوب: يا أبا بكر؛ ما لك لم تُكْثِرْ عن طاوس؟ قال: أتيتُه لأسمع منه فرأيتُه بين ثقيلَين: عبد الكريم أبي أُميَّة ولَيث بن أبي سُلَيم فتركتُه. قلتُ: وقد أخرج له البخاري تعليقًا ومسلمٌ متابعةَ، وهذا يَدُلُّ على أنه ليس بِمُطَّرحٍ. قال أبو عُمر بن عبد البَرّ: بصري لا يختلفون في ضَعْفِهِ، إلّا أن منهم مَنْ يقبلُه في غير الأحكام خاصّة ولا يحتجّ به، وكان مُؤَدِّبَ كتابٍ، حسَن السَّمْتِ، غَرَّ مالكًا منه سَمْتُهُ، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، كما غَرَّ الشافعيَّ من إبراهيم بن أبي يحيى حِذْقُه ¬

_ (¬1) قال الحافظ المِزّي في "تهذيب الكمال" (18/ 265): (استشهد به البخاريُّ، وروى له مسلمٌ في "المتابعات"، وأبو داود في "كتاب المسائل"، والباقون). وعلّم له: (خت م ل ت س ق)، وتعقبه الحافظُ ابنُ حجر في "تقريب التهذيب" (ص 361) فقال: (له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان عن سُليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس، في الذكر عند القيام، قال سفيان: زاد عبد الكريم ... فَذَكَر شيئًا، وهذا موصول، وعَلّمَ له المِزِّيُّ علامة التعليق، وله ذِكْرٌ في مقدمة مسلم)، وعلّم له: " خ م ل ت س ق". وانظر أيضًا "هدي الساري" (ص 421).

[63] حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونَباهَتُه، وهو أَيضًا مُجْمَعٌ على ضَعْفِهِ، ولم يُخرِّج مالك عنه حُكْمًا بل ترغيبًا وفضلًا. قال أبو الفتح اليَعْمُري (¬1): لكن لم يُخرج عنه مالكٌ إلَّا الثابت من غير طريقه كحديث: "إذا لم تَسْتَحِ .. فاصْنَعْ ما شئتَ"، "ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة"، وقد اعتذرَ مالكٌ لمّا تبيَّن أمره، وقال: غَرَّني بكثرة بُكائه في المسجد أو نحو هذا. وقد مات هو وعبد الكريم الجزري الحافظ في عام سبعةٍ وعشرين ومائة، واشتركا في الرواية عن سعيد بن جُبَير ومجاهد والحَسَن، وروى عنهما الثَّوريُّ وابنُ جريج ومالك، وقد يشتبهان في بعض الروايات) اهـ من "الميزان" (¬2). ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بأثَرِ قتادة في أبي داود الأعمى فقال: [63] (حَدَّثني الفَضْلُ بن سَهْلِ) بن إبراهيم الأعرج أبو العباس البغدادي الحافظ. روى عن أبي أَحْمد الزُّبَيري ويَزيد بن هارون وعفَّان بن مسلم وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن مَخْلَد وغيرهم، وكان ذكيًّا يحفظ. ¬

_ (¬1) هو محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن أَحْمد الربعي، المعروف بابن سيِّد النَّاس، الإِمام العلّامة الحافظ المحدِّث الأديب الناظم الناثر، قال الحافظ الذهبي في "المعجم المختصّ" ترجمة رقم (332): (وكَتَبَ بخطّه المليح كثيرًا، وخَرَّجَ وَصَنفَ وصَحَّحَ وعَلَّلَ وفَرَّعَ وأصَّلَ، وقال الشِّعْر البديع، وكان حُلْوَ النادرة، كَيِّسَ المحاضرة، جالستُه وسمعتُ بقراءته، وأجاز لي مروياته .. وكان أثريًّا في المعتقد يُحبُّ الله ورسوله، تُوفِّي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ودُفِنَ بالقرافة). وله ترجمة حافلة في "الوافي بالوفيات" (1/ 289 - 311)، و"الدرر الكامنة" (4/ 208 - 213). (¬2) "ميزان الاعتدال" (2/ 646 - 647).

قَال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَال: قَدِمَ عَلَينَا أَبُو دَاوُودَ الأَعْمَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين. (قال) الفَضْلُ: (حَدَّثنا عَفَّانُ بن مُسْلِمٍ) بن عبد الله الأَنْصَارِيّ أبو عثمان الصَّفَّار البَصْرِيّ أحد الأئمة. روى عن هشام الدَّسْتَوائي وشُعْبة وهَمَّام بن يحيى وحَمَّاد بن سلمة وطبقتهم، ويروي عنه (ع) وإبراهيم الحربي وأبو زُرْعة وأَحمد وإسحاق وخلائق. قال العِجْلِيُّ: ثِقَة ثَبْت صاحب سُنَّة. وقال في "التقريب": ثِقَة ثَبْتٌ من كبار العاشرة، وقال ابنُ عدي: اختلط سنة تسع عشرة، ومات سنة عشرين ومائتين، قاله البُخَارِيّ وأبو داود ومُطَيَّن. وليس في مسلم (عفَّان) إلَّا هذا الثقة الفاضل. قال عفَّانُ بن مسلم: (حَدثنا هَمَّامٌ) هو ابنُ يحيى بن دينار الأَزدِيّ العَوْذِي -بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة- أبو عبد الله البَصْرِيّ، أحد الأئمة الأعلام. روى عن الحَسَنِ وعطاء ونافع وأنس بن سيرين وغيرهم، ويروي عنه (ع) والثوري -وهو من أقرانه- وصفان وابن المبارك وابن مهدي وغيرهم. وقال أَحْمد: ثَبْتٌ في كلِّ المشايخ، وقال أبو حاتم: ثِقَة صدوقٌ في حِفْظِهِ شيء. وقال في "التقريب": ثِقَة، ربما وَهِمَ، من السابعة، مات سنة أربع أو خمس وستين ومائة. (قال) هَمَّامٌ: (قَدِمَ علينا) أي: دَخَلَ علينا في البصرة (أبو داود) أي: نُفَيع بن الحارث القاصّ (الأعمى) أي: المكفوف بصره، قال النوويُّ: (متَّفَقٌ على ضعْفِهِ، قال عَمْرو بن عليّ: هو متروك، وقال يحيى بن مَعِين وأبو زُرْعة: ليس هو بشيء، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وضَعَّفَه آخرون) اهـ (¬1). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 105)، و"الجرح والتعديل" (8/ 490).

فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، قَال: وَحَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقتَادَةَ فَقَال: كَذَبَ، مَا سَمعَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فَجَعَلَ) أبو داود؛ أي: شرع يُحَدِّثُ لنا الحديثَ و (يقولُ: حَدَّثنا البَرَاءُ) بن عازب بن الحارث الأَنْصَارِيّ الأوسي، أبو عمارة، نزل الكوفة، له ثلاثمائة حديث وخمسة أحاديث. (قال) هَمَّامٌ (و) جعل يقول أَيضًا: (حَدَّثنا زيدُ بن أرْقَمَ) بن زيد بن قيس الأَنْصَارِيّ الخزرجي الصحابي، نزل الكوفة، له تسعون حديثًا، وفي بعض النسخ إسقاط (قال) الثَّانية. قال هَمَّامُ بن يحيى: (فَذَكَرْنا ذلك) الذي يقول أبو داود من روايته عن البراء وعن زيد بن أرقم (لقتادةَ) بن دعامة بن قتادة السَّدُوسي أبي الخطَّاب، البَصْرِيّ الأَكمَه، أحد الأئمة الأعلام، حافظ مفسِّر مدلِّس، من رؤوس الطَّبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومائة. ورجالُ هذا السَّند كلهم بصريون إلَّا الفضل بن سهل؛ فإنَّه بغدادي. (فقال) قتادةُ: (كَذَبَ) أبو داود فيما يقول لكم؛ لأنه (ما سَمعَ منهم) أي: من الصَّحَابَة، البراءِ بن عازب وزيدِ بن أرقم وغيرهما من سائر الصَّحَابَة ممَّن زَعَمَ أنَّه رَوَى عنهم، فإنَّه زعم أنَّه رأى ثمانية عشر بدريًّا، كما صرّح به في الرواية الأُخرى في الكتاب؛ أي: لم يسمع من واحدٍ من الصَّحَابَة بل (إنما كان ذلك) الأعمى فقيرًا محتاجًا (سائلًا) أي: طالبًا صَدَقَةً من المال. وجملةُ قوله: (يَتكَفَّفُ النَّاسَ) صفةٌ لـ (سائلًا)؛ لأنَّ الجُمَلَ بعد النكرات تكون صفةً غالبًا؛ أي: سائلًا يسألُ النَّاسَ المال، باسطًا كفَّه إليهم كما هو شأن السائل. وقولُه: (زَمَنَ طاعونِ الجارفِ) ظرفٌ متعلِّقٌ بـ (سائلًا)، وإضافةُ (طاعون) إلى (الجارف) من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع؛ أي: كان سائلًا مشغولًا بطلب المال لا بطلب الحديث في زمن الطاعون الجارف؛ أي: في زمن الوباء الذي جرف النَّاس واستأصلهم وأمات كثيرًا منهم من الصَّحَابَة وغيرهم في سنة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سبعٍ وثمانين على المشهور كما سيأتي بيانُ الخلاف فيه. قال النوويُّ: (قولُه: "يَتكَفَّفُ الناسَ" معناه: يسألهم في كَفه أو بكفه، ووَقَعَ في بعض النُّسَخ: "يتطفَّف" بالطاء المهملة، وهو بمعنى (يَتكَفَّفُ) أي: يسأل النَّاسَ في كَفهِ الطفيفَ وهو القليلُ، وذكر ابنُ أبي حاتم في كتابه "الجَرْح والتعديل" (8/ 490) (¬1) وغيره: "يَتنطَّف"، ولعلَّه مأخوذٌ من قولهم: ما تَنَطَّفْتُ بهِ؛ أي: ما تَلَطَّخْتُ به) (¬2). قولُه: (زمن طاعون الجارِف) قال النووي: (والطاعون: وَباء معروف، وهو بُثَرٌ وورَمٌ مؤلم جدًّا، يخرج مع لهب ويَسْوَدُّ ما حوله أو يَخْضَرُّ أو يحمرُّ حمرةً بنفسجيَّةً كَدِرَةً، ويحصلُ معه خفقانُ القلبِ والقيء) (¬3). قال القاضي عياض: (وسُمِّي الجارفَ لكثرة مَنْ مات فيه من النَّاس، وسُمي الموتُ جارفًا لاجترافه النَّاس، وسُمِّي السَّيلُ جارفًا لاجترافِه ما على وجه الأرض، والجَرْفُ: الغَرْفُ مِنْ فوق الأرض، وكَسْحُ ما عليها) (¬4). وقال النووي: (وأمَّا زمنُه: فقد اختلفتْ فيه أقوالُ العلماء رحمهم الله تعالى اختلافًا شديدًا متباينًا تباينًا بعيدًا: فمنْ ذلك: ما قاله الإمامُ الحافظُ أبو عُمر بن عبد البَرّ في أول "التمهيد" (1/ 341) قال: مات أيوبُ السَّخْتيانيُّ في سنة اثنتين وثلاثين ومائة في طاعون الجارف. ونَقَلَ ابنُ قتيبة في "المعارف" (ص 610) عن الأصمعيّ: أن طاعون الجارف ¬

_ (¬1) وفيه: (يَتَضَيَّفُ)، وكتب المحقق ما نصُّه: (صورته في ك: يتطيف، وفي م: يلطف، وفي "التهذيب": يتكلف، وهو الظاهر، لكن أثبتنا ما يقرب شكله ممّا في الأصلين مع أدائه أصل المعنى). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 105). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 105). (¬4) "إكمال المعلم" (146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان في زمن ابن الزُّبير سنة سبع وستين (¬1)، وكذا قال أبو الحسن عليُّ بن محمَّد بن أبي سَيفِ المدائنيُّ في كتاب "التَّعازي": إن طاعون الجارف كان في زمن ابن الزُّبير سنة سبع وستين في شوال، وكذا ذكر الكَلابَاذِيُّ في كتابه في "رجال البُخَارِيّ" معنى هذا؛ فإنَّه قال: وُلدَ أَيُّوب السختياني سنة ستٍّ وستين، وفي قول: إنه ولد قبل الجارف بسنة. وقال القاضي عِياض (¬2) في هذا الموضوع: كان طاعون الجارف سنة تسع عشرة ومائة. وذكر الحافظُ عبدُ الغنيِّ المَقْدِسِيُّ في ترجمة "عبد الله بن مُطَرِّف" (¬3) عن يحيى القطَّان قال: مات مُطَرِّف بعد طاعون الجارف، وكان الجارفُ سنةَ سبعٍ وثمانين. وذكر في ترجمة "يونس بن عُبيد": أنَّه رأى أنس بن مالك، وأنه وُلدَ بعد الجارف، ومات سنة سبع وثلاثين ومائة (¬4). فهذه أقوال متعارضة، فيجوزُ أن يُجمع بينها بأن كل طاعون من هذه الطواعين يُسمَّى جارفًا؛ لأنَّ معنى الجَرْفِ موجودٌ في جميعها. وكانت الطواعين كثيرة، ذكر ابنُ قتيبة في "المعارف" (ص 601) عن الأصمعيّ: أن أول طاعون كان في الإِسلام طاعون عَمواس بالشَّام في زمن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيه تُوفِّي أبو عُبَيدة بن الجَرَّاح ومعاذ بن جبل وامرأتاه وابنُه. ثم الجارِف في زمن ابن الزُّبير. ثم طاعون الفَتيات؛ لأنه بدأ في العذارى والجواري بالبصرة وبواسط وبالشام والكوفة، وكان الحَجَّاج يومئذ بواسطٍ في ولاية عبد الملك بن مروان، وكان يُقال ¬

_ (¬1) في المطبوع: (سنة تسع وستين). (¬2) "إكمال المعلم" (1/ 146). (¬3) انظر "تهذيب الكمال" (16/ 150). (¬4) في "تهذيب الكمال" (32/ 533): (وقال حَمَّاد بن زيد: وُلدَ قبل الجارف، وقال فهد بن حَيّان: مات سنة تسع وثلاثين ومائة، وقال محمَّد بن سَعْد: مات سنة أربعين ومائة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ له: طاعون الأشراف، يعني لِمَا مات فيه من الأشراف. ثم طاعون عَدِيّ بن أرطأة سنة مائة. ثم طاعون غُراب سنة سبع وعشرين ومائة، وغراب: اسم رجل. ثم طاعون مسلم بن قتيبة سنة إحدى وثلاثين ومائة في شعبان وشهر رمضان وأقْلع في شوال، وفيه مات أَيُّوب السَّخْتياني، قال: ولم يَقَعْ في المدينة ولا بمكة طاعونٌ قط، هذا ما حكاه ابن قتيبة. وقال أبو الحسن المدائنيّ: كانت الطواعينُ المشهورةُ العِظامُ في الإِسلام خمسةً: طاعونُ شِيرَوَيهِ بالمدائن على عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في سنة ستٍّ من الهجرة. ثم طاعون عَمَواس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان بالشَّام، مات فيه خمسةٌ وعشرون ألفًا. ثم طاعون الجارف في زمن ابن الزُّبير في شوال سنة تسع وستين، هلك في ثلاثة أيام في كُلِّ يومِ سبعون ألفًا، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابنًا، ويقال: ثلاثةٌ وسبعون ابنًا، ومات لعبد الرَّحْمَن بن أبي بَكْرة أربعون ابنًا. ثُمَّ طاعون الفَتيات في شوال سنة سبع وثمانين. ثم كان طاعون في سنة إحدى وثلاثين ومائة في رجب، واشتدَّ في شهر رمضان، فكان يُحْصَى في سِكَّة المربد في كل يوم ألفُ جنازة أيامًا، ثُمَّ خَفَّ في شوال، وكان في الكوفة طاعون، وهو الذي مات فيه المغيرة بن شُعْبة سنة خمسين، هذا ما ذكره المدائني. وكان طاعون عَمَواس سنة ثماني عشرة، وقال أبو زُرْعة الدمشقيُّ: كان سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة، وعَمَواس: قريةٌ بين الرملة وبيت المقدس نُسِبَ الطاعون إليها لكونه بَدَأَ فيها، وقيل: لأنه عَمَّ النَّاس وتَواسَوا فيه، ذكر القولين الحافظ عبدُ الغني في ترجمة "أبي عُبَيدَة بن الجَرَّاح رضي الله عنه" (¬1). ¬

_ (¬1) انظر "تهذيب الكمال" (14/ 57)، و"سير أعلام النبلاء" (1/ 23).

ترجمة لأبي داود الأعمى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعَمَوَاس بفتح العين والميم. فهذا مختصر ما يتعلَّقُ بالطاعون، فإذا عُلِمَ ما قالوه في طاعون الجارف .. فإن قتادة وُلِدَ سنة إحدى وستين، ومات سنة سبع عشرة ومائة على المشهور، وقيل: سنة ثماني عشرة. ويلزم من هذا: بُطْلَان ما فَسَّرَ به القاضي عِيَاضٌ رحمه الله تعالى طاعونَ الجارف هنا، ويتعيَّن أحدُ الطاعونَين، فإمَّا سنة سبع وستين، فإن قتادة كان ابنَ ستِّ سنين في ذلك الوقت ومِثْلُه يضبطُه، وإمَّا سنة سبعٍ وثمانين وهو الأظهرُ إنْ شاء الله تعالى، والله أعلم) اهـ (¬1). ترجمة لأبي داود الأعمى: نُفَيْع -بضمِّ أوله وفتح ثانيه مصغرًا - ابن الحارث، أبو داود الأعمى الهَمْدانيّ الدَّارمي القاصُّ، ويُقال له: السَّبيعي الكُوفيّ؛ لأنهم مواليه، وقد دَلَّسَهُ بعضُ الرواة فقال: نافع بن أبي نافع. روى عن عمران بن حُصَيْن ومَعْقل بن يَسَار وأبي بَرْزَة الأسلمي وبُرَيدة بن الحُصَيب وابن عباس وابن عُمر وابن الزُّبير وزَيد بن أرقم وأبي الحَمْراء وأنس وعبد الله بن سَخْبَرة وغيرهم، ويروي عنه (ت ق) وأبو إسحاق -وهو أكبرُ منه- وابنُه يونس بن أبي إسحاق وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وزياد بن خَيثَمة وعائذ الله المُجاشعي وعليبن الحَزَوَّر والثَّوْري والمسعودي وهَمَّام وأبو الأحوص وشَرِيك وغيرهم. قال شريك: دخلتُ على أبي داود الأعمى فجعل يقول: سمعتُ أَبا سعيد وسمعتُ ابنَ عُمر وسمعتُ ابنَ عَباس، ثم أعادها في ذلك المجلس فجعل حديثَ ذا لذا وحديثَ ذا لذا. وقال أَحْمد بن أبي يحيى: سمعت أَحْمد بن حنبل يقول: أبو داود الأعمى يقولُ: سمعتُ العبادلةَ ... ولم يَسْمَعْ منهم شيئًا. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 105 - 107).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أَيضًا: سمعتُ ابنَ معين يقول: أبو داود الأعمى يَضَعُ ليس بشيء. وقال أبو حاتم: منكرُ الحديث، ضعيف الحديث. وقال البُخَارِيّ: يتكلمون فيه. وقال التِّرْمِذِيّ: يُضَعَّفُ في الحديث، وقال النَّسائيّ: متروك الحديث، وقال في موضع آخر: ليس بثقة ولا يُكتب حديثه، وقال العُقيلي: كان ممَّنْ يَغْلُو في الرَّفْضِ، وقال ابنُ عدي: هو في جملة الغالية بالكوفة، وقال ابنُ حِبَّان في "الضعفاء": نُفيع أبو داود الأعمى يروي عن الثِّقات الموضوعاتِ توهّمًا، لا يجوز الاحتجاجُ به. وهو الذي روى عن زيد بن أرقم: قالوا: يَا رسول الله؛ ما لنا في هذه الأضاحي؟ قال: "بكُل شعرةٍ حسنة" رواه سلام بن مسكين عن عائذ الله عن أبي داود الأعمى. وقال محمَّد بن كثير: حَدَّثَنَا الحارث بن حَصِيرة -صدوق لكنه رافضي- عن أبي داود السَّبيعي عن عمران بن حصين قال: كنتُ جالسًا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعليٌّ رضَي الله عنه إلى جنبه، إذْ قَرَأ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} فارْتَعَدَ عليٌّ رضي الله عنه، فضرب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على كتفِه وقال: "لا يُحِبُّك إلَّا مؤمنٌ ولا يُبْغِضُك إلَّا منافقٌ إلى يوم القيامة". وقال الساجيُّ: كان منكرَ الحديث يكذب، حَدَّثَنَا أَحْمد حَدَّثَنَا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي داود عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ غنيٍّ إلَّا سَيَودُّ أنَّه كان أُعطي في الدنيا قُوتًا"، قال الساجيُّ: وهذا الحديث يُصَحِّحُ قولَ قتادة فيه أنَّه كان سائلًا؛ لأن هذا حديثُ السؤَّال. وقال الحاكم: روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة. وذكره البُخَارِيُّ في "الأوسط" في (فصل من مات من العشرين إلى الثلاثين بعد المائة). وقال في "التقريب": أبو داود الأعمى مشهور بكُنْيَتِه، كُوفِيّ، متروك، من الخامسة.

[64] وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لْحُلْوَانِيُّ، قَال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ قَال: دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى عَلَى قتَادَةَ، فَلَمَّا قَامَ .. قَالُوا: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابنُ عبد البَرِّ: أجمعوا على ضَعْفِه، وكَذَّبَهُ بعضُهم، وأجمعوا على تَرْكِ الرواية عنه. اهـ من "تهذيب التهذيب" (10/ 470 - 472)، و"الميزان" (4/ 272 - 273). ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ قتادة فقال: [64] (وحَدَّثنا حَسَنُ بن عليٍّ) بن محمَّد الهُذَلِيُّ -نسبةٌ إلى هُذَيل بن مُدْرِكة- أبو على (الحُلْوَانِيُّ) المكيُّ، ثِقَةٌ حافظٌ من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. (قال) الحَسَنُ: (حَدَّثنا يَزِيدُ بن هارونَ) بن زاذان السُّلَمي مولاهم، أبو خالد الواسطيّ، أحد الأئمة الأعلام، ثقةٌ مُتْقن عابدٌ من التاسعة، مات سنة ستٍّ ومائتين. قال يَزيدُ بن هارون: (أخبرنا هَمَّامٌ) هو ابن يحيى الأَزدِيّ أبو عبد الله البَصْرِيّ، من السابعة، مات سنة أربع أو خمس وستين ومائة. (قال) هَمَّامٌ: (دخل أبو داود الأعمى) نُفَيعُ بن الحارث الكُوفِيّ من الخامسة (على قتادة) بن دِعامة السدوسي البَصْرِيّ رأس الطَّبقة الرابعة. ورجالُ هذا الأَثَرِ أربعةٌ: اثنان منهم بصريان، وواحد مكّيّ، وواحد واسطيّ. وغرضه بسوق هذا السند: بيانُ متابعة يَزيد بن هارون لعفَّان بن مسلم في رواية هذا الأثر عن هَمَّام، وفائدةُ المتابعةِ: بيانُ كثرة طُرُقِه؛ لأنَّ الراوَيَين ثقتان. (فلمَّا قامَ) أبو داود الأعمى من عند قتادة ومَشَى ( .. قالوا) أي: قال النَّاسُ الجالسون عند قتادة بعضهم لبعض: (إنَّ هذا) القائمَ من عندنا (يَزْعُمُ) أي: يقول، والزعم: القول الفاسد والقول بلا دليل، ولذلك قالوا: الزعمُ مَطِيَّةُ الكذب (أنَّه) أي: أن هذا القائمَ الخارجَ من عندنا - يعنون أَبا داود الأعمى - (لَقِيَ) ورأى (ثمانية عَشَرَ) رجلًا (بَدْرِيًّا) أي: من الصَّحَابَة الذين حضروا وقعة بدر روى عنهم.

فَقَال قتادَةُ: هَذَا كَانَ سَائِلًا قَبْلَ الْجَارِفِ، لا يَعْرِضُ في شَيءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يَتكَلَّمُ فِيهِ، فَواللهِ! مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً، وَلَا حَدَّثنا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً إلا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال قتادةُ) بن دِعامة لإِظهار بُطْلان ما زَعَم وادَّعَى: (هذا) الرَّجل القائم الخارج من عندنا الزاعم لقاء هؤلاء الصَّحَابَة (كان سائلًا) أي: طالبًا الصدقةَ من النَّاس مشغولًا بطلب رزقِه وقُوته من أيدي النَّاس (قبلَ) وقوع الطاعون (الجارفِ) أي: الذي جرف وأهلك كثيرًا من النَّاس من الصَّحَابَة وغيرهم؛ أي: مشغولًا بسؤال النَّاس قبل الجارف الذي أهلك أكثرَ الصَّحَابَة. (لا يَعْرِضُ) بفتح الياء وكسر الراء؛ أي: لا يلتفتُ ولا يَرْغَبُ (في شيءٍ من هذا) العِلْمِ؛ أي: عِلْمِ رواية الحديث؛ أي: لا يَعْتَني بالحديث (ولا يَتكَلَّمُ فيه) أي: في شيءٍ من الحديث حِفْظًا وضَبْطًا وروايةً في زمن البدريين، فكيف عن لقائهم والرواية عنهم؟ ! فهو كَذَّابٌ في ذلك الزعم. قال قتادة: (فوالله) الذي لا إله غيرُه؛ أي: أقسمتُ به (ما حَدَّثنا الحَسَنُ) البصريُّ الذي هو من كبار التابعين رأس الطَّبقة الثالثة (عن) شخصٍ (بَدْرِيٍّ) أي: حاضرٍ وقعةَ بَدْرٍ (مُشَافَهَةً) أي: مُخاطَبةً ومكالمةً معه بلا واسطةٍ، فكيف يحَدّثُ هذا الأعمى الذي هو من الطَّبقة الخامسة عن البدريين؟ ! فهو كَذَّابٌ فيما يزعم. وقولُه: (مُشَافَهَةً) مصدرٌ لشافه الرباعي من باب فاعل يُقال: شافهه مشافهة إذا أدنى شفتَه من شفتِه وكَلَّمَه، وهو مصدرٌ منصوبٌ على الحالية من (الحَسَنُ) على تأويله بالمشتق؛ أي: حالة كونه مشافهًا مخاطبًا للبَدْرِيِّ، أو على النيابة عن المصدرِ؛ أي: تحديثَ مشافهة. (ولا حَدَّثنا سعيدُ بن المُسَيّبِ عن بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً) أي: بلا واسطةٍ (إلَّا) ما روى سعيدُ بن المُسَيّب (عن سَعْدِ بنِ مالكٍ) أي: عن سَعْد بن أبي وَقَّاص. قال النوويُّ: (والمرادُ بهذا الكلام: إبطالُ قولِ أبي داود هذا وزَعْمِهِ أنَّه لَقِيَ ثمانيةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا، فقال قتادة: الحَسَنُ البصريُّ وسعيدُ بن المُسَيّب أكبرُ من أبي داود

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمى وأجَلُّ وأقدمُ سِنًّا، وأكثرُ اعتناءً بالحديث وملازمة أهله، وبالاجتهادِ في الأخْذِ عن الصَّحَابَة، ومع هذا كُله ما حَدَّثنا واحد منهما عن بَدْرِيٍّ واحدٍ، فكيف يزعم أبو داود الأعمى أنَّه لَقِيَ ثمانيةَ عَشر بدريًّا؟ ! هذا بُهْتَانٌ عظيم) اهـ (¬1) والمرادُ بـ (الحَسَنُ): الحَسَنُ بن أبي الحسن، واسمُ أَبيه يَسَار -بالتحتانية والمهملة- البصريُّ الأنصاريُّ مولاهم، أبو سعيد، الإمامُ أحَدُ أئمة الهدى والسُّنَّة، رُمي بالقَدَر ولا يَصِحُّ. رَوَى عن جُنْدب بن عبد الله وأنس وعبد الرَّحْمَن بن سَمُرة ومَعْقِل بن يَسَار وأبي بَكْرة وسَمُرة، وأرْسَلَ عن كثيرِ من الصَّحَابَة، ويروي عنه (ع) وأيوب وحُمَيد ويونس وقتادة ومَطَر الورَّاق وخلائق. قال في "التقريب": ثِقَةٌ فقيهٌ فاضلٌ مشهور، وكان يُرسل كثيرًا ويُدَلِّس، وهو رأسُ أهلِ الطَّبقة الثالثة، مات سنة عشر ومائة، وُلدَ سنة إحدى وعشرين لسنتَينِ بقيتا من خلافة عُمر رضي الله عنه. وأمَّا سَعيدٌ: فهو سعيدُ بن المُسَيب بن حَزْن -بوزن سَهْل- ابن أبي وهْب بن عَمْرو القُرَشِيُّ المخزومي، أبو محمَّد المدنِي الأعور، سَيِّدُ التابعين، وأحَدُ العلماء الأثْبات والفقهاء السبعة بالمدينة، جَمَعَ بين الحديث والفقه وتعبير الرؤيا والزُّهْد والوَرَع، كان أحفظَ النَّاس لأحكام عُمر بن الخطاب وأقضيتِه حتَّى سُمي راويةَ عُمر، واتفقوا على أن مرسلاته أصَحُّ المراسيل، وُلد سنة خمس عشرة. روى عن عُمر في (عم) وأُبيٍّ وأبي ذَرٍّ وأبي بَكْرَة في (ق) وعليٍّ وعثمان وسَعْد بن أبي وقَّاص في (خ م) وطائفة، ويروي عنه الزُّهْرِيّ وعَمْرو بن دينار وقتادة وبُكَير بن الأشَجّ ويحيى بن سعيد الأَنْصَارِيّ و (ع) وخلق كثير. قال في "التقريب": من كبار الثَّانية، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين. قال السنوسي: (وأمَّا والدُهُ المُسَيّب: فصحابيٌّ مشهورٌ رضي الله عنه، وهو بفتح ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 107).

[65] حَدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء على المشهور، وحَكَى صاحب "مطالع الأنوار" (¬1): أن أهلَ المدينةِ يكسرونها، قال: ويُحكى أن سعيدًا كان يكره الفتح) (¬2). وأمَّا سَعْدُ بن مالك: فهو سَعْدُ بن أبي وقَّاص، مالك بن أُهَيب -وقيل: وُهَيب مصغرًا كلاهما- ابن عبد مناف بن زُهْرة الزُّهْرِيّ المدنِيُّ أبو إسحاق، شَهِدَ بدرًا والمشاهدَ كُلَّها، وهو أحد العشرة المبشرة وآخرهم موتًا، وأول مَنْ رَمَى في سبيل الله، وفارسُ الإِسلام، وأحد ستة الشورى، ومناقبُه أكثرُ من أن تُحصر، له مئتا حديث وخمسة عشر حديثًا. روى عنه (ع) وبنوه إبراهيم وعامر وعمر ومحمد وخلق، وكان سابعَ سبعةٍ في الإِسلام، مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وحُمل إلى البقيع سنة خمسٍ وخمسين على المشهور، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة سبع. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ من جَرْحِ الرواة بأثَرِ رَقَبَة بن مَصْقَلَة فقال: [65] (حَدَّثنا عثمانُ) بن محمَّد (بن أبي شَيبَةَ) إبراهيم بن عثمان العَبْسي مولاهم، أبو الحَسَن الحافظ الكُوفيّ. روى عن شَريك وابن المبارك وهُشَيم وجَرير بن عبد الحميد وابن عُيَينَة، ويروي عنه (خ م دق) و (سي) بواسطة، وأبو زرعة وزكريا بن يحيى السِّجْزِي وابنُه محمَّد وخَلْق، قال ابنُ مَعِين: ثِقَة أمين. ¬

_ (¬1) انظر "مشارق الأنوار" (1/ 399). وفيه وفي "صيانة صحيح مسلم" (ص 170) وفي "شرح صحيح مسلم" للنووي: (عن علي بن المَدِيني: أن فتح الياءِ قولُ أهل العراق، وأمّا أهل المدينة فيقولون: المُسَيِّب بكسر الياء)، وزاد الإمام ابن الصلاح: (ووجدتُ أَبا عامر العَبْدَريَّ الحافظَ الأديبَ قد ضَبَطَهُ بخَطِّهِ بفتح الياء وبكسرها معًا، وهذا غريبٌ مستطرف). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 32)، وهو مختصر من كلام الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 107).

حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ رَقَبةَ: أَن أَبَا جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيَّ الْمَدَائِنِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ شهيرٌ وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن، من العاشرة، مات سنة تسعٍ وثلاثين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة. قال عثمان: (حَدَّثنا جريرٌ) هو ابن عبد الحميد بن قُرْط الضبيُّ الكُوفيّ ثم الرَّازيّ، أبو عبد الله القاضي. قال في "التقريب": ثِقَةٌ صحيحُ الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يَهِمُ من حفظه، مات سنة ثمانٍ وثمانين ومائة وله إحدى وسبعون سنة. اهـ من السادسة. (عن رَقَبةَ) بفتح الراء والقاف والباء على لفظ رقبة الإنسان، وهو رَقَبَةُ بن مَصْقَلة، ويُقال: مَسْقَلة بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح القاف، ابن عبد الله العَبْدي أبي عبد الله الكُوفيّ، وكان عظيمَ القدر جليلَ الشأن رحمه الله تعالى. روى عن نافع وعطاء وقيس بن مسلم وثابت وأبي إسحاق وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وسُلَيمانُ التَّيمي وأبو عَوَانة وابنُ فُضَيل وجَرِير بن عبد الحميد وابنُ عُيَينة وغيرُهم. قال في "التقريب": ثِقَةٌ مأمون، وكان يمزح، من السادسة، مات سنة تسعٍ وعشرين ومائة. وهذا السند من ثلاثياته، ومن لطائفه: أن رجالهُ كُلَّهم كوفيون. (أن أَبا جعفرٍ) عبدَ الله بن مِسْوَر بن عون بن جعفر بن أبي طالب القُرَشِيَّ (الهاشميَّ المدائِنيّ) أي: المنسوبَ إلى مدائن بلدةٍ بُقرب بغداد. والفرقُ بينه وبين المَدِيني بالياء والمَدَنِي بدون ياء: أن الأولَ منسوبٌ إلى مدائن كسرى فيها إيوانه، وهي بلدةٌ بقرب بغداد، سُمِّيت بلفظ الجمع لِعِظَمِها كما مَرَّ في أول الكتاب. وأنَّ المَدِينيَّ -بالياء- منسوبٌ إلى مدينة أَصبهان. والمَدَنِيَّ إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المعروف وإنْ خَالفَتْهُ عبارةُ النووي كما سيأتي. وأمَّا أبو جعفر هذا: فهو الذي تقدَّم ذكرُه في أول الكتاب في الضعفاء والواضعين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال النوويُّ: (واعْلَمْ: أنَّه وَقَعَ في الأصول هنا: "المَدَنِيّ"، وفي بعضها: "المدِينيّ" بزيادة ياء، ولم أرَ في شيءٍ منها هنا: "المدائنيّ"، ووَقَعَ في أول الكتاب: "المدائنيّ" -وهو الصوابُ هنا أَيضًا؛ لأنه هو هو- فأمَّا المَدِينيُّ والمَدِنيُّ: فنِسْبةٌ إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقياسُ: المَدَنِيُّ بحذف الياء، ومَنْ أثبتَها .. فهو على الأصل، وروى أبو الفضل محمَّد بن طاهر المقدسيُّ في كتاب "الأنساب المُتفقة في الخطّ المتماثلةِ في النَّقْطِ والضَّبْطِ" بإسناده عن البُخَارِيّ قال: المَدِيني -يعني بالياء-: هو الذي أقام بالمدينة ولم يُفارِقْها، والمدني: الذي تَحَوَّلَ عنها وكان منها) اهـ كلام النووي (¬1)، وفيه نظرٌ، والصوابُ ما قلْنَاه أوّلًا. وفي "القاموس": (والنِّسْبَةُ إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مَدَنِيٌّ بلا ياء، وإلى مدينة المنصور وأصفهان وغيرِهما: مديني بالياء، وإلى المدائن: مدائني، والمدائنُ: مدينةُ كِسْرى قرب بغداد سُمِّيَتْ بلفظ الجمع لكِبَرِها) اهـ. تتمة لأبي جعفر: وأبو جعفر: هو عبد الله بن المِسْوَر بن عون بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي المدائنيّ، ليس بثقة، وقال أحمدُ وغيرُه: أحاديثه موضوعة، وقال جَرِيرٌ عن رَقَبَة بن مَسْقَلة: إنَّ عبد الله بن مِسْوَر المدائنيّ وَضَعَ أحاديثَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتملها النَّاسُ عنه. وروى معاوية بن صالح عن يحيى قال: أبو جعفر المدائنيّ هو عبد الله بن محمَّد بن مِسْوَر بن محمَّد بن جعفر، كذا نسبه. وقال أَحْمد: روى عنه عمرو بن مرة وخالد بن أبي كريمة وعبد الملك بن أبي بشر، وتركتُ أنا حديثه، وكان ابن مهدي لا يُحَدِّثنا عنه، وقال النّسائيُّ والدارقطنيُّ: متروك. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 108). انظر "الأنساب" للسمعاني (12/ 153) (المدينيّ)، و"معجم البلدان" (5/ 82).

كَانَ يَضَعُ أَحَادِيثَ كَلَامَ حَقٍّ وَلَيسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، وَكَانَ يَرْويهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال عفان: حَدَّثَنَا عبد الواحد بن زياد حَدَّثَنَا خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن المِسْوَر قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لي ثوب أتوارى به وكنتَ أحَقَّ من شكوتُ إليه فقال: "لك جيران؟ " قال: نعم، قال: "فيهم أحدٌ له ثوبان؟ " قال: نعم، قال: "ويعلم أنَّه لا ثوب لك؟ " قال: نعم، قال: "ولا يعود عليك بأحد ثوبيه؟ " قال: لا، قال: "ما ذلك بأخيك". وقال أَيُّوب بن سويد: حَدَّثني سفيان عن خالد بن أبي كريمة عن عبد الله بن مسور عن محمَّد بن الحَنَفِيَّة عن أَبيه مرفوعًا: "ذروا العارفين المحدثين من أمتي، لا تنزلوهم الجنة ولا النَّار حتَّى يكون الله هو الذي يقضي فيهم". وقال الخَطيب: رُوي عن محمَّد ابن الحنفية، ثم ساق الخَطيب من طريق جعفر بن عون عن خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر نزيل المدائن قال: أتَتْ فاطمةُ تسأل أباها صلى الله عليه وسلم شيئًا فقال: "أَلَا أَدُلُّكِ على ما هو خيرٌ لك؟ ! تقولين حين تأوين إلى فراشك: اللهم؛ أَنْتَ الدائم الذي خلقت كل شيء ولم يخلقه معك خالق ... " وذكر الحديث. اهـ من "الميزان" (2/ 504 - 505). أي: أن أَبا جعفرٍ المذكور (كان يَضَعُ) ويختلقُ ويفتري من عند نفسه (أحاديثَ) أي: أخبارًا يَنْسِبُها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتْ (كلامَ حَقٍّ) بالنصب بدلٌ من (أحاديثَ) أي: كلامًا صحيحَ المعنى موافقًا للشرع ولكنها كاذيبُ ينسبُها إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (وليستْ من أحاديثِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وكان) أبو جعفرٍ (يَرْويها) أي: يروي تلك الأحاديثَ الأكاذيبَ وينقلُها (عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) إلى النَّاس، ويروي النَّاسُ عنه مُضِيفين إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تلك الأخبار. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بأَثَرِ يونس بن عُبَيد فقال:

[66] حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَال: حَدَّثَنَا نعيمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَال أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ [66] (حَدَّثنا الحَسَنُ) بن عليّ الهُذلي أبو علي (الحُلْوَانِيُّ) المكيّ ثِقَة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. (قال) الحَسَنُ: (حَدَّثنا نُعَيمُ) مصغّرًا (بن حَمَّادِ) بن معاوية بن الحارث الخُزَاعِيّ أبو عبد الله المَرْوَزِيّ الحافظ صاحب التصانيف. روى عن أبي حمزة السُّكَّرِيّ وهُشَيم وأبي بكر بن عيّاش وابن عُيَينَة وغيرهم، ويروي عنه (مق د ت ق) و (خ) تعليقًا وموصولًا وابنُ مَعِين وأبو زرعة وأبو حاتم وخَلْق، وَثَّقَه أحمدُ وابنُ مَعِين والعِجْلِيّ. وقال في "التقريب": صدوقٌ يُخْطئ كثيرًا، فقيهٌ عارفٌ بالفرائض، من العاشرة، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين على الصحيح. (قال أبو إسحاقَ إبراهيمُ بن محمدِ بنِ سفيانَ) قال النوويُّ: (هكذا وَقَعَ في كثيرٍ من الأُصول المحققة قولُ أبي إسحاق، ولم يَقَعْ قولُه في بعضها، وأبو إسحاق هذا صاحبُ مسلم وراويةُ الكتابِ عنه، فيكون قد سَاوَى مسلمًا في هذا الحديث وَعَلا فيه برجلٍ) اهـ (¬1) أي: قال أبو إسحاق صاحب مسلم وراوية "جامعه" عنه: (وحدثنا) أَيضًا (محمَّد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد بن فارس الذُّهليُّ النَّيسابوري، ثِقَة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين ومائتين على الصحيح وله ست وثمانون سنة (خ عم)، "عن نعيم بن حماد"، كما حَدَّثَنَا الإِمام مسلم عن الحسن الحلواني عن نعيم بن حماد، فيكون على هذا السند بين أبي إسحاق وبين نعيم بن حماد واسطة واحدة، وهو محمَّد بن يحيى، فَحَصَل له عُلُوٌّ برجل، فساوى مسلمًا في هذا الحديث كما قاله النووي. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 108).

قَال: حَدَّثنا نعيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونس بْنِ عُبَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي روايته عن مسلم عن الحسن الحلواني عن نعيم بن حماد بينه وبين نعيم بن حماد واسطتان، وهما شيخه مسلم والحسن الحلواني، فحصل له نزول برجلين. والواو في قوله: (وحدثنا محمَّد بن يحيى) عاطفة على محذوف تقديره: قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن سفيان: حَدَّثَنَا الإِمام مسلم بن الحجاج، حَدَّثَنَا الحسن الحلواني قال: حَدَّثَنَا نعيم بن حماد، وحدثنا أَيضًا محمَّد بن يحيى. (قال: حَدَّثَنَا نعيم بن حماد) المَرْوَزِيُّ، قال نعيمٌ: (حَدَّثنا أبو داودَ) سُلَيمَانُ بن داود بن الجارود (الطَّيَالِسِيُّ) البصرَيُّ، أحْدُ الأعلام الحُفَّاظ. روى عن ابن عَوْن وهشام بن أبي عبد الله وعَبَّاد بن منصور وخلائق، ويروي عنه (م عم) وجَرِير بن عبد الحميد -شيخُه- وأحمدُ وابنُ المَدِيني وخَلْق، ورُوي أنَّه حَدَّثَ من حفظه أربعين أَلْف حديث. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ غَلِطَ في أحاديث، من التاسعة، مات سنة أربع ومائتين. (عن شُعْبةَ) بن الحَجَّاج العَتكِيّ الواسطيّ، أحَدِ الأئمة الأعلام، وهو أولُ مَنْ تَكَلَّمَ في رجال الحديث. وقال في "التقريب": ثِقَة حافظ مُتْقن، من السابعة، مات سنة ستين ومائة. (عن يُونُسَ بنِ عُبَيدٍ) هو ابنُ دينار العَبْدي مولاهم، أبو عبد الله، ويقال: أبو عُبَيد البَصْرِيّ. روى عن إبراهيم التَّيمي وثابت البُناني والحَسَن البَصْرِيّ ومحمَّد بن سيرين وجماعة، ويروي عنه (ع) وابنه عبد الله وشُعْبة والثَّوري ووُهَيب والحَمَّادان وخَلْق، وثَّقَه أحمدُ وأبو حاتم.

فصل في ترجمة عمرو بن عبيد

قَال: كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيدٍ يَكْذِبُ في الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثِقَة ثَبْت فاضل وَرِع، من الخامسة، مات سنة تسع وثلاثين ومائة. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم بصريون على الطريق الثاني إلَّا نُعَيم بن حَمّاد فإنَّه مَروزِيٌّ، وعلى الطريق الأول اثنان بصريان وواحدٌ مكّيّ وواحدٌ مَرْوزي. (قال) يونسُ بن عُبَيدٍ: (كان عَمْرُو بن عُبَيدِ يَكْذِبُ) ويَضَعُ (في الحديثِ) فهو كذَّابٌ ليس من أهله، فلا يُحْتَجُّ به ولا يُكتب حديثه، وهو عَمْرو القَدَري المعتزلي الذي كان صاحب الحَسَن البَصْرِيّ. وفي "التقريب": (عَمْرو بن عُبَيد بن باب بموحدتين، التَّمِيمِيّ مولاهم، أبو عثمان البَصْرِيّ، المعتزلي المشهور، كان داعيةً إلى بدعتِه اتَّهَمَه جماعةٌ مع أنَّه كان عابدًا، من السابعة، مات سنة ثلاثٍ وأربعين ومائة أو قبلها) اهـ فصل في ترجمة عَمْرو بن عُبَيد: وقال في "الميزان" (3/ 273 - 276): (عَمْرو بن عُبَيد بن باب أبو عثمان البَصْرِيّ المعتزلي القدري مع زُهْدِه وتألُّهِه. روى عن الحَسَنُ وأبي قِلابة، ويروي عنه الحَمَّادان وعبد الوارث ويحيى القطَّان وعبد الوهَّاب الثَّقَفيّ وعلي بن عاصم، وولاؤه لبني تميم، وكان أبوه من شُرَط الحجَّاج. قال الشَّافعيّ عن سفيان: إنَّ عَمْرو بن عبيد سُئل عن مسألةٍ فأجاب فيها، وقال: هذا من رأي الحَسَن، فقال له رجلٌ: إنهم يَرْوون عن الحسن خلافَ هذا، قال: إنما قلتُ هذا من رَأْي الحَسَنِ، يُرِيدُ نَفْسَه. وقال ابنُ عَوْن عن ثابت البُناني قال: رأيتُ عَمْرو بن عُبَيد في المنام وهو يَحُكُّ آيةَ من المصحف، فقلت: أمَّا تتقي الله؟ قال: إنِّي أُبَدِّلُ مكانها خيرًا منها. ورواه محمَّد بن المثنَّى عن عبد الرَّحْمَن بن جبلة عن ثابت بن حَزْم القُطعيِّ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدَّثَنَا عاصم الأحول قال: جلستُ إلى قتادة فذكر عَمْرو بن عُبَيد فوقع فيه، فقلت: لا أرى العلماء يَقَعُ بعضُهم في بعض، فقال: يَا أحول؛ أوَ لا تدري أن الرَّجل إذا ابتدع فينبغي أن يُذْكَر حتَّى يُحْذَر؟ ! فجئتُ مغتمًا فرأيت عمرو بن عبيد يَحُكُّ آيةً من المصحف، فقلتُ: سبحان الله، قال: إنِّي سأُعيدها، فقلت: أعدها، قال: لا أستطيع. رواه هُدبة بن خالد عنه. وقال ابنُ مَعِين: لا يُكتب حديثه، وقال النَّسائيّ: متروك الحديث، وقال أَيُّوب ويونس: يكذب، وقال حميد: كان يكذب على الحَسَنُ، وقال ابنُ حِبَّان: كان من أهل الوَرَع والعبادة إلى أنْ أحْدَثَ ما أحْدَثَ، واعتزل مجلسَ الحَسَنُ هو وجماعة معه، فسُمُّوا المعتزلة، قال: وكان يشتم الصَّحَابَة ويكذب في الحديث وَهَمًا لا تعمُّدًا. وقال الدارقطنيُّ وغيرُه: ضعيف. وقال الهيثم بن عبد الله: حَدَّثَنَا حماد بن زيد قال: كنت مع أَيُّوب ويونس وابن عَوْن، فمَرَّ بهم عَمْرُو بن عُبَيدٍ، فسَلَّمَ عليهم ووقف فلم يَرُدُّوا - عليه السلام -. وقال هارون بن موسى: كُنّا عند يونس بن عُبَيد، فجاء ابن كثير فقلتُ: من أين؟ قال: من عند عَمْرو بن عُبَيد، أخبرني بشيءٍ واستكتمني قال: لا جمعة بعد عثمان. وقال عبد الوهَّاب بن الخَفَّاف: مررتُ بعَمْرو بن عُبَيد وحدَه، فقلت: ما لك؟ تركوك؟ قال: نَهَى النَّاسَ عني ابنُ عَوْن فانتهوا. حَدَّثَنَا يحيى بن حميد الطَّويل، عن عمرو بن النضر، قال: سُئل عَمْرو بن عُبَيد يومًا عن شيء وأنا عنده فأجاب فيه، فقلتُ: ليس هكذا يقول أصحابنا، فقال: ومَنْ أصحابك لا أَبا لك؟ ! قلتُ: أَيُّوب ويونس وابن عَوْن والتَّيمي، قال: أولئك أرجاس أنجاس أموات غير أحياء. وقال مسلم بن إبراهيم: سمعت حماد بن سلمة يقول: ما كان عندنا عَمْرُو بن عُبَيد إلَّا عُرَّةً (¬1)؛ أي: جربًا. ¬

_ (¬1) في "القاموس": والعُر والعُرة بضم أولهما: الجرب، أو بالفتح: الجَرَبُ، وبالضم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الفلّاس: سمعتُ يحيى يقول: قلت لعَمْرو بن عُبَيد: كيف حديث الحسن عن سَمُرة في السكتتين؟ فقال: ما تصنع بسَمُرة قبح الله سَمُرة؟ ! وقال محمود بن غَيلان لأبي داود: إنك لا تروي عن عبد الوارث، قال: وكيف أروي عن رجلٍ يزعمُ أن عَمْرو بن عُبَيد خيرٌ من أَيُّوب ويونس وابن عَوْن؟ ! وقال سهم بن عبد الحميد: مات ابن يونس بن عبيد فعزاه النَّاس فأتاه عمرو فقال: إن أَبَاك كان أصلك، وإن ابنك كان فرعك، وإن امرءًا قد ذَهَبَ أصلُهُ وفرعُه لَحَرِيّ أنْ يقلَّ بقاؤهُ. وقال الفلّاس: عَمْرو متروك صاحب بدعة، قد روى عنه شعبة حديثين، وحدث عنه الثَّوريّ بأحاديث، قال: سمعتُ عبد الله بن سلمة الحضرميّ يقول: سمعتُ عَمْرو بن عُبَيد يقول: لو شهد عندي عليّ وطلحة والزُّبير وعثمان على شِراك نعلي .. ما أجزتُ شهادتهم. قال مؤمل بن هشام: سمعتُ ابنَ عُلَيَّة يقول: أولُ مَنْ تَكَلَّمَ في الاعتزال وَاصِلٌ الغَزَّالُ، ودخل معه في ذلك عمرو بن عبيد فأعجب به وزَوَّجَه أخته، وقال لها: زَوَّجْتُكِ برجلٍ ما يَصلح إلَّا أن يكون خليفة. وقال نُعَيم بن حماد: قيل لابن المبارك: لِم رَويتَ عن سعيد وهشام الدستوائي وتركتَ حديث عَمْرو بن عبيد ورَأْيُهم واحد؟ قال: كان عَمْرٌو يَدْعو إلى رأيه ويُظهر الدعوة، وكانا ساكتين. قال علي بن عاصم: قال عَمْرو بن عُبَيد: النَّاسُ يقولون: إن النائم لا وضوءَ عليه، لقد نام رجلٌ إلى جنبي في القيام في رمضان فأَجْنبَ. قال أبو معمر: حَدَّثَنَا عبد الوارث، حَدَّثَنَا عَمْرو بن عُبَيد عن الحَسَنُ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صَلَّيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يَزَلْ يَقْنُتُ بعد الركوع في صلاة الغداة حتَّى فارقتُه). أخرجه الدارقطني. ¬

_ = قروح في أعناق الفصلان، وداء يتمعط منه وبر الإبل، واستعرهم الجرب: فشا فيهم، ورجل عَرٌّ -بفتح أوله-: بيِّنُ العرر؛ أي: الجرب. اهـ منه بتصرف.

[67] حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ، قَال: سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: قُلْتُ لِعَوْفِ بْنِ أَبي جَمِيلَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال سفيان وعبد الوارث، عن عَمْرو، عن الحَسَنُ، عن سَعْدٍ مرفوعًا: "إذا تغولت (¬1) الغولُ .. فأَذِّنوا بالصلاة". وقال عُبيد الله بن عَمْرو الرقّي: عن عَمْرو بن عُبَيد، عن الحَسَنُ، عن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرة بحديث: "لا تسأل الإمارة". وساق ابن عدي في ترجمة عَمْرو بن عُبَيد جملةَ أحاديث غالبُها محفوظةُ المتون، وطَوَّلَ ترجمته، وكذلك فَعَلَ العُقَيلي. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لأثَرِ يونس بن عُبَيد بأَثَرِ عَوف بن أبي جَمِيلة فقال: [67] (حَدَّثني عَمْرُو بن عَلِيِّ) بن بحر بن كَنِيز (أبو حَفْصٍ) الفلّاس الصيرفيُّ الباهليّ البَصْرِيّ الحافظ، أحدُ الأئمة الأعلام. روى عن مُعْتَمِر بن سُلَيمَان وابن عُيَينَة ويحيى القطَّان وخلق، ويروي عنه (ع) وابن جرير وغيرهم. قال في "التقريب": ثِقَة حافظ من العاشرة، مات سنة تسع وأربعين ومائتين. (قال) عَمْرٌو: (سمعتُ مُعَاذَ بنَ مُعَاذٍ) التَّمِيمِيّ العَنْبريّ أَبا المُثنَّى البَصْرِيّ الحافظ. روى عن سُلَيمَان التَّيمي وحُميد وابن عَوْن وشعبة وقُرَّة وخَلْق، ويروي عنه (ع) وأَحمد إسحاق وابن المَدِيني وابن مَعِين وغيرهم، قال القطَّان: ما بالبصرةِ ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ. وقال في "التقريب": ثِقَة مُتْقِن من كبار التاسعة، مات سنة ستٍّ وتسعين ومائة. أَي: سمعتُ معاذَ بن معاذ حالة كونه (يقولُ: قلتُ) أنا (لِعَوْفِ بنِ أبي جَمِيلَةَ) بفتح الجيم، العبدي أبي سَهْل الهَجَرِيّ البَصْرِيّ المعروف بالأعرابي. ¬

_ (¬1) وفي "النهاية": (إذا تغولت الغيلان .. فبادروا بالأذان) أي: ادفعوا شرها بذكر الله تعالى. اهـ

إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ: أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "مَنْ حَمَلَ عَلَينَا السِّلَاحَ .. فَلَيسَ مِنَّا"، قَال: كَذَبَ وَاللهِ عَمْرٌو، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن أبي العالية وأبي رجاء وأبي عثمان النَّهْدي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشُعْبَة وغُنْدَر والنَّضْر بن شُمَيل وخَلْق، وَثَّقَه النَّسَائِيُّ وجماعةٌ. وقال في "التقريب": ثِقَة رُمِيَ بالقدر وبالتشيُّع، من السادسة، مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة، وله ستٌّ وثمانون سنة. (إنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ) البصريَّ القدريَّ المعتزليَّ الذي كان صَاحَبَ الحَسَنَ البصريَّ (حَدَّثنا عن الحَسَنِ) البصريِّ: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ حَمَلَ) وشهر وأظهر؛ لأجل الاعتداء (علينا) معاشرَ المسلمين (السِّلَاحَ) أي: آلةَ الحرب والقتل سيفًا كان أو رُمحًا أو قوسًا أو غيرها ( .. فليس) عَمَلُه (منّا) أي: من عَمَلِنا وطريقتِنا؛ لأن المسلم لا يعتدي على المسلم ولا يقتلُه، بل ينصرُه ويحفظُه لأُخُوّة الإِسلام كما يحفظُ الأخُ من النَّسَبِ أخاه وينصرُه ولا يَخْذُلُه. (قال) عَوْف بن أبي جَمِيلة: (كَذَبَ واللهِ عَمْروٌ) أي: أقسمتُ بالله كَذَبَ عَمْرُو بن عُبَيدٍ في نسبة هذا الحديث إلى الحَسَن البَصْرِيّ؛ لأنه ليس من مروياته وإنْ كان الحديثُ صحيحًا في نفسه، وأَتَى بالقَسَمِ؛ تأكيدًا لكَذِبهِ. والحاصلُ أن قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَمَلَ علينا السلاح .. فليس منّا" حديث صحيحٌ مَرْويٌّ من طُرُقٍ كثيرةٍ، وقد ذَكَرَه مسلمٌ في "جامعه"، ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم (¬1): ليس ممن اهْتَدَى بِهَدْينا، واقْتَدى بعِلْمنا وعَملِنا وحُسْن سيرتنا، كما يقول الرجلُ لولده إذا لم يَرْضَ فعلَه: لستَ منِّي، وهكذا القولُ في كُلِّ الأحاديث الواردة بنحو هذا القول. قال النوويُّ: (ومرادُ مسلمٍ رحمه الله تعالى بإيرادِ هذا الحديث: بيانُ أن عَوْفًا جَرَحَ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ وقال: كَذَبَ، وإنما كَذَّبَهُ مع أن الحديثَ صحيحٌ؛ لكَوْنِه نَسَبَه إلى الحَسَنُ، وكان عَوْفٌ من كبار أصحاب الحَسَنُ والعارفين بأحاديثه، فقال: كَذَبَ ¬

_ (¬1) انظر "إكمال المعلم" (1/ 147).

وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلهِ الْخَبِيثِ. [68] وَحَدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ في نِسْبَتِه إلى الحَسَنِ، فلم يَرْو الحَسَنُ هذا الحديث ولم يَسْمَعْهُ هذا الكَذَّابُ من الحَسَن) (¬1). (ولكنَّه) أي: ولكنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ (أَرادَ) أي: قصدَ برواية هذا الحديث بسَنَدٍ كَذِبٍ (أنْ يَحُوزَها) أي: أنْ يَضُمَّ روايةَ هذا الحديث (إلى قوله) ومذهبِه (الخبيثِ) أي: الباطلِ وهو الاعتزالُ، ويقويه بها ويستدلّ عليه بها. قال النوويُّ: (والمعنى: كَذَبَ بهذه الروايةِ المنسوبةِ إلى الحَسَنُ ليعضدَ بها مذهبَهُ الباطلَ الرديءَ وهو الاعتزال؛ فإنهم يَزْعُمون أن ارتكابَ المعاصي يُخرج صاحبَها من الإيمان ويُخلده في النَّار، ولا يُسمّونه كافرًا بل فاسقًا مخلّدًا في النَّار، وسيأتي الردُّ عليهم بقواطع الأدلَّة في كتاب الإيمان إن شاء الله تعالى) (¬2). وهذا السَّنَدُ من ثلاثياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم بصريون. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ من جَرْحِ عَمْرِو بن عُبَيدِ بأَثَرِ أيوبَ السَّخْتِيانيِّ فقال: [68] (وحَدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بن عُمَرَ) بن مَيسَرة الجُشَمي مولاهم، أبو سعيد (القَوارِيرِيُّ) البصريُّ نزيل بغداد. روى عن حَمَّاد بن زيد وأبي عَوَانة وفُضَيل بن عياض وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س) وأبو زُرْعة والفِريابي والبَغَوي، وَثَّقَهُ ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثِقَة ثَبْت، من العاشرة، مات سنة خمسٍ وثلاثين ومائتين على الأصح، وله خمسٌ وثمانون سنة. قال عُبَيد اللهِ: (حَدَّثنا حَمَّادُ بن زيدِ) بن دِرْهم الأَزْدِيّ أبو إسماعيل البصريُّ، أحدُ الأئمة الأعلام. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 109). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 109 - 110).

قَال: كَانَ رَجُلٌ قَدْ لَزِمَ أَيُّوبَ وَسَمعَ مِنْهُ، فَفَقَدَهُ أَيُّوبُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ؛ إِنَّهُ قَدْ لَزِمَ عَمْرَو بْنَ عُبَيدٍ، قَال حَمَّادٌ: فَبَينَا أنا يَوْمًا مَعَ أَيُّوبَ وَقَدْ بَكَّرْنَا إِلَى السُّوقِ، فَاسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": ثِقَة ثَبْت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسعٍ وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون سنة. (قال) حَمَّادٌ: (كانَ رجلٌ) من الطلبة (قد لَزِمَ) وصَاحَبَ (أيوبَ) السَّخْتِيَانيَّ ليأخذَ عنه الحديثَ (وسَمعَ) ذلك الرجلُ الطالبُ (منه) أي: من أيوبَ الأحاديثَ (فـ) فارقه ولَزِمَ ذلك الرجلُ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ و (فَقَدَهُ أيوبُ) بفتح القاف؛ أي: فَقَدَ أيوبُ السختيانيُّ ذلك الرجلَ من حلقته وسأل عنه (فقالوا) أي: الحاضرون عنده لمّا سألهم عن ذلك الرَّجل: (يا أَبا بكرٍ) كنْيَة أَيُّوب السَّخْتِياني (إنّه) أي: إنَّ ذلك الرجلَ الذي سَألْتَ عنه (قد) صَاحَبَ و (لَزِمَ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ) الكَذَّابَ ليأخذَ عنه الحديثَ. (قال حَمَّادُ) بن زيدٍ: (فبَينَا أنا) بينا: ظرف زمان يلزم الإضافة إلى الجملة الاسمية، مضمّن معنى الشرط، متعلق بالجواب الآتي. وقولُه: (يومًا) ظرفٌ متعلِّقٌ بما تعلَّقَ به الخبرُ الظرفيُّ وهو قولُه: (مَعَ أيوبَ) وفي "القسطلاني": (أصلُ "بينا": بين، فأشبعت فتحة النُّون فصارتْ ألفًا، وهي ظرف زمان مكفوف بالألف عن الإضافة إلى المفرد، والتقديرُ بحسب الأصل) (¬1): فبين أوقات أنا ماشٍ مع أَيُّوب السختياني (وقد بَكَّرْنا) جملةٌ حاليةٌ من المبتدإ مع خبره؛ أي: والحالُ أنا وأيوب قد خَرَجْنا (إلى السُّوقِ) بُكْرَةً لقضاءِ حاجتنا، والسُّوقُ: موضعُ اجتماع النَّاس للبيع والشراء، سُمِّيَ به لقيامهم على سُوقهم. وجوابُ (بَيْنا) قولُه: (فاستقبلَه الرجلُ) والفاءُ زائدةٌ في جوابِ (بينا) جوازًا، والمعنى: فبينَ أوقات مشيي مع أَيُّوب يومًا من الأيام حالة كوننا مُبَكِّرين إلى السوق ¬

_ (¬1) "إرشاد الساري" (1/ 67).

فَسَلَّمَ عَلَيهِ أَيُّوبُ وَسَأَلَهُ، ثُمَّ قَال لَهُ أَيُّوبُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَزِمْتَ ذَاكَ الرَّجُلَ، قَال حَمَّادٌ: سَمَّاهُ -يَعْنِي عَمْرًا-، قَال: نعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ؛ إِنَّهُ يَجِيئُنَا بِأَشْيَاءَ غَرَائِبَ، قَال: يَقُولُ لَهُ أَيُّوبُ: إِنَّما نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لشراء حاجتنا .. استقبل أيوبَ ذلك الرجلُ الذي فَارَقَه ولَزِمَ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ؛ أي: جاءه من قبالته ووَاجَهَه (فسَلَّمَ عليه) أي: على ذلك الرَّجل (أيوبُ) السَّخْتِياني (وسَأَلَهُ) أي: سَأَلَ أيوبُ ذلك الرجلَ عن سبب فراقه إياه: هل أَنْتَ مريضٌ أم مسافرٌ؟ (ثُمَّ) بعد سؤاله إياه عن سبب فراقه واعتذاره بعذر كاذب (قال له) أي: لذلك الرَّجل (أيوبُ: بَلَغَني) فيما سمعتُ من النَّاس في شأنك (أنَّك) أيها الرجلُ المُعْتَذِرُ (لَزِمْتَ) وصَاحَبْتَ (ذاكَ الرجلَ) الكَذَّابَ لاستماعِ دَرْسه وأخْذِ الحديث عنه. (قال حَمَّادٌ: سمَّاه) أي: سمَّى أبوُ الرجلَ المُشارَ إليه بقوله: (ذاك الرَّجل) أي: ذَكَرَ أيوبُ اسمَهُ وصَرَّحَ بقوله: بَلَغَني أنَّكَ لَزِمْتَ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ، قال عُبَيدُ اللهِ بن عُمَرَ: (يعني) وَيقْصِدُ حَمَّادٌ بضمير سَمّاه (عَمْرًا) ابن عُبَيد. (قال) الرجلُ المذكورُ لأيوب: (نَعَمْ) حرفُ تصديقٍ قائمٌ مقامَ الجواب؛ أي: لَزِمْتُ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ وصَاحَبْتُهُ (يَا أَبا بكرٍ)؛ فـ (ـإنَّه) أي: لأنَّ عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ (يَجِيئُنا) أي: يُخْبِرُنا ويُحَدِّثُنا (بأشياءَ) أي: بأحاديثَ (غرائبَ) أي: قليلةِ الوجود عند غيره. (قال) حَمَّادٌ: (يقولُ له) أي: لذلك الرجلِ الطالبِ الذي يمدح عَمْرَو بن عُبَيدٍ، أي: فقال له (أيوبُ) السَّخْتِياني: (إنَّما نَفِرُّ) بكسر الفاء من فَرَّ يَفِرُّ من باب ضَرَبَ، أي: نهربُ، وقال حَمَّادٌ (أو) قال له أَيُّوب: إنما (نَفْرَقُ) بفتح الراء، ونخافُ، من فَرِقَ يَفْرَقُ من باب طَرِبَ إذا خاف؛ أي: نخافُ (من تلكَ) الأحاديث (الغرائبِ) التي يُحَدِّثُ بها عَمْرُو بن عُبَيدٍ؛ أي: مِنْ أن يَفْتَتِنَ بها النَّاسُ فيَضِلُّوا عن دينهم، والشكُّ من حَمَّادٍ في إحداهما.

[69] وَحَدَّثَنِي حجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيدٍ -يَعْنِي حَمَّادًا- قَال: قِيلَ لِأَيُّوبَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيدٍ رَوَى عَنِ الْحَسَنِ قَال: لا يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإِمام النوويُّ: (والمعنى: إنما نهربُ أو نخافُ من تلك الغرائب التي يأتي بها عَمْرُو بن عُبَيدٍ؛ مخافةً من كَوْنِها كَذِبًا فنَقَعُ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنْ كانتْ أحاديثَ، وإنْ كانتْ من الآراء والمذاهب .. فحَذَرًا من الوقوع في البِدع أو في مخالفة الجمهور) اهـ وهذا السَّنَدُ من ثلاثياته، ورجالُه كُلُّهم بصريون. ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ أَيُّوب فقال: [69] (وحَدَّثني حجَّاجُ) بن يوسف الثَّقَفيّ البغداديُّ الذي نسبتُه (ابنُ الشاعرِ) الحافظ الرحَّال، ثقةٌ، من الحادية عشرة، مات سنة تسع وخمسين ومائتين. قال حَجَّاجٌ: (حَدَّثنا سُلَيمَانُ بن حَرْبٍ) الأزديُّ البصريُّ، ثِقَة إمام حافظ، من التاسعة، مات سنة أربعٍ وعشرين ومائتين وله ثمانون سنة، قال سُلَيمَان بن حَرْبٍ: (حَدَّثنا ابنُ زيدٍ) قال المؤلف رحمه الله تعالى: (يعني) ويقصد سليمان بن حرب أو شيخي حجاجٌ بقوله: (حَدَّثَنَا ابن زيدٍ): (حَمَّادًا) وهو ابنُ زيد بن درهم الأزديُّ البصريُّ، من كبار الثامنة، مات سنة تسعٍ وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون سنة. وهذا السَّنَدُ من رباعياته، ورجالُه كُلُّهم بصريون إلَّا الحَجَّاج فإنَّه بغداديّ. (قال) حَمَّادٌ: (قيل لأيوبَ) السَّخْتِياني: (إن عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ) البصريَّ الكَذَّابَ (رَوَى) وحَدَّثَ (عن الحَسَنِ) البَصْرِيّ أنَّه؛ أي: أن الحَسَنَ (قال: لا يُجْلَدُ) أي: لا يُحَدُّ ولا يُضْرَبُ ضربَ حَد أربعين جلدة، وفي بعض النُّسَخ: (فقال) بالفاء العاطفة على (رَوَى)، وضميرُ الفاعلِ حينئذٍ يعودُ على عَمْرِو بنِ عُبَيد، (السَّكْرَانُ) أي: الشخصُ الذي سكر (من) شُرب (النَّبيذِ) الذي يُتَّخَذُ من الزَّبِيب أو التمر؛ لأنه حلالٌ.

فَقَال: كَذَبَ، أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ. [70] وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، حَدَّثنا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَال: سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ يَقُولُ: بَلَغَ أَيُّوبَ أَنِّي آتِي عَمْرًا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَقَال: أَرَأَيتَ رَجُلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) أيوبُ: (كَذَبَ) عَمْرُو بن عُبَيدٍ في رواية ذلك الأَثَرِ عن الحَسَنِ، (أنا) بنفسي (سمعتُ الحَسَنَ) البَصْرِيّ بأُذُني حالةَ كونِ الحَسَنِ (يقولُ: يُجْلَدُ) ويُحَدُّ حَدَّ الشربِ أربعين جلدة (السكْرانُ من) شرب (النَّبيذِ) المنبوذ من الزبيب أو التمر؛ لأنه حرامٌ كالخمر لإسكارِه (¬1). ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ أيوبَ فقال: [70] (وحَدَّثني حَجَّاجُ) بن يوسف الثَّقَفيّ البغداديُّ المعروفُ بـ (ابن الشَّاعر)، قال: (حَدَّثنا سُلَيمَانُ بن حَرْبٍ) الأزديُّ البصريُّ. (قال) سُلَيمَانُ بن حَرْبٍ: (سمعتُ) أنا (سَلَّامَ) بتشديد اللام (بنَ) سَعْد (أبي مُطِيعٍ)، أَبا سعيدٍ الخُزَاعِيَّ مولاهم، البصريَّ. روى عن أبي عِمْران الجَوْنيِّ وقتادة، ويروي عنه (خ م ت س ق) وابن مهدي وهُدْبة بن خالد وابن المبارك وسُلَيمَان بن حَرْبٍ ومُسَدَّد، وَثَّقَهُ أحمدُ. وقال في "التقريب": ثقةٌ صاحبُ سُنَّة، في روايته عن قتادة ضَعْفٌ، من السابعة، مات سنة أربعٍ وستين ومائة، وقيل: بعدها. وغَرَضُه بسَوْقِ هذا السَّنَدِ: بيانُ متابعة سلام بن أبي مطيع لحَمَّادِ بنِ زيدٍ في رواية أثَرِ أَيُّوب. أي: قال سليمانُ: سمعتُ سلّامًا حالة كونه (يقولُ: بَلَغَ) ووَصَلَ (أيوبَ) السَّخْتِيَانيَّ (أنِّي آتِي عَمْرًا) أي: أحضرُ حلقةَ عَمْرِو بنِ عُبَيدٍ وأستمعُ درسَه لآخُذَ حديثَه وأرويَ عنه، (فأَقْبَلَ) أيوبُ (عَلَيَّ) بوجهه (يومًا) من الأيام وأنا في حلقة درسه (فقال) لي أيوبُ: (أرأيتَ) أي: أَخْبِرْني يَا سَلَّام (رجلًا) مفعولٌ أولُ ¬

_ (¬1) وانظر "إكمال المعلم" (1/ 147 - 148).

لا تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِهِ، كَيفَ تَأْمَنُهُ عَلَى الْحَدِيثِ؟ ! [71] وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ لـ (رأيتَ)، وجملةُ قولهِ: (لا تَأْمَنُه) ولا تَثِقُ بِهِ من الخيانة والاعتداءِ (على دِينِه) بترك الواجبات وفعل المُحَرَّمات كالكذب على رسوله صلى الله عليه وسلم: صفةٌ لرجلًا على القاعدة المشهورة عندهم. وجملةُ (كيف تَأْمَنُه على الحديثِ؟ ! ) في محلِّ النصب مفعولٌ ثانٍ لـ (رأيتَ)، معلَّقةٌ عنها باسم الاستفهام، والمعنى: فكيف تأمنُ رجلًا لا أمانةَ له في دِينِه على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب فيه؟ ! والاستفهامُ إنكاريٌّ بمعنى النفي والنهي؛ أي: لا تأْمَنْ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ لا أمانةَ له في دِينِه. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ من جَرْحِ عَمْرو بن عُبَيدٍ بأَثَرِ أبي موسى فقال: [71] (وحَدَّثني سَلَمَةُ بن شَبيبٍ) المِسْمَعيُّ النيسابوريُّ أبو عبد الرَّحْمَن الحافظ نزيل مكة. قال في "التقريب": ثِقَةٌ، من كبار الحادية عشرة، مات سنة سبع وأربعين ومائتين. قال سَلَمَةُ: (حَدَّثَنا الحُمَيدِيُّ) عبد الله بن الزُّبَيرِ بن عيسى المكيُّ أبو بكر، ثِقَة حافظ فقيه، من العاشرة، مات سنة تسع عشرة ومائتين، وقيل: بعدها. قال الحُمَيدِيُّ: (حَدَّثَنا سفيانُ) بن عُيَينة الهلاليُّ الكُوفِيّ، ثِقَة حافظ من الثامنة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة. (قال) سفيانُ بن عُيَينَة: (سمعتُ أَبا موسى) إسرائيلَ بنَ موسى البَصْرِيَّ نزيلَ الهندِ. روى عن الحسَنِ البَصْرِيّ وأبي حازم سَلْمان الأَشجعيّ ومحمَّد بن سِيرين ووَهْب بن مُنَبِّه وغيرِهِمْ، وعنه (خ د ت س) وسفيان الثَّوْري وابنُ عُيَينة وحُسَين بن علي الجُعْفيّ ويحيى القطَّان.

تتمة لترجمة عمرو بن عبيد

يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيدٍ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابنُ مَعِين وأبو حاتم: ثِقَة، وقال النَّسائيّ: ليس به بأس، وذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات" وقال: وكان يُسَافِرُ إلى الهند، وقال الأَزدِيّ وحدَه: فيه لين. وليس هو الذي روى عن وهب بن مُنَبِّه وروى عنه الثَّوْري، ذاك شيخ يماني، وقد فَرَّقَ بينهما غيرُ واحد. وقال في "التقريب": ثِقَةٌ، من السادسة. وهذا السَّنَدُ من رباعياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم مكيون إلَّا أَبا موسى فإنَّه بصري هندي. أي: قال سفيانُ: سمعتُ أَبا موسى حالة كونه (يقول: حَدَّثنا عَمْرُو بن عُبَيدٍ) البصريُّ أحاديثَ صحيحةً (قبلَ أنْ يُحْدِثَ) ويَبْتَدِعَ ما أحدث من مذهبه الخبيث ومُعْتَقَدِه الرديء، وهو الاعتزالُ؛ لأنه صار معتزليًّا قدريًّا. وقولُه: (قبلَ أنْ يُحْدِث) بضمِّ الياء وسكون الحاء وكسر الدال، من أحدث الرباعي، يقال: أَحْدَثَ زيدٌ إذا فَعَلَ مُحْدَثاتِ الأمور ومخترعاتِ البدَع، ومنه حديثُ: "مَنْ آوى مُحْدِثًا". تتمة لترجمة عَمْرو بن عُبَيد: قال الذهبي (3/ 276 - 279): قال العقيلي: حَدَّثني جدّي يزيد بن محمَّد بن حماد العقيلي، سمعتُ سعيدَ بنَ عامرٍ وذُكِرَ عنده عَمْرُو بن عُبَيدٍ في شيء قاله فقال: كَذَبَ وكان من الكاذبين الآثمين. وقال نعيم بن حماد: سمعتُ معاذ بن معاذ يصيح في مسجد البصرة يقول ليحيى القطَّان: أَمَا تتقي اللهَ تروي عن عَمْرو بن عُبَيد وقد سمعته يقول: لو كانت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} في اللوح المحفوظ .. لم يكن لله على العباد حجة؟ ! قلتُ: صَحَّ أن يحيى بنَ سعيدٍ تَرَكَه بأَخَرَة. وقال كامل بن طلحة: قلتُ لحَمَّاد: يَا أَبا سلمة؛ رويتَ عن النَّاس وتركتَ عَمْرو بن عبيد؟ ! قال: إنِّي رأيتُ في المنام كأَنَّ النَّاسَ يُصلّون يوم الجمعة إلى القِبْلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مُدْبِرٌ عنها فعلمتُ أنَّه على بدعة فتركتُ الرواية عنه. وقال عفان: حَدَّثَنَا حماد بن مسلمة، قال لي حميد: لا تأخذن عن هذا -يعني عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ-؛ فإنَّه يكذبُ على الحسن، وقال حماد بن زيد: قلت لأبي أَيُّوب: إن عَمْرَو بنَ عُبَيدٍ روى عن الحَسَنِ: "إذا رأيتم معاويةَ على منبري .. فاقتلوه" فقال: كَذَبَ عَمْرو. قال أَحْمد بن حنبل: بلغني عن سفيان بن عُيَينة قال: قَدِمَ أيوبُ وعَمْرُو بن عُبَيدٍ مكة فطافا حتَّى أصبحا، ثم قدما بعد فطاف أَيُّوب حتَّى أصبح وخاصم عمرو حتَّى أصبح. وقال إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشَّهيد: حَدَّثَنَا قُرَيش بن أنس سمعتُ عَمْرو بن عُبَيد يقول: يؤتى بي يومَ القيامة، فأُقام بين يدي الله، فيقول لي: أَنْتَ الذي قلتَ إن القاتل في النَّار؟ فأقول: أَنْتَ قُلْتَه يَا ربّ، ثم أَتْلُو هذه الآيةَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فقلتُ -وما في البيت أصغر مني- أرأيت إن قال لك: أنا قلتُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} مِنْ أين علمتَ أني لا أَشاء أن أغفر لهذا؟ فما رَدَّ عليّ شيئًا. وقال يَزِيد بن زُرَيع: حَدَّثَنَا أبو عَوَانة غير مرة، قال: شهدتُ عمرَو بن عبيد أتاه واصلٌ الغَزَّال أبو حذيفة فقال -وكان خطيب القوم يعني المعتزلة- فقال له عمرو: تكلم يَا أَبا حذيفة، فخطب وأبلغ ثم سكت، ثم قال عمرو: تَروْنَ لو أَن ملكًا من الملائكة أو نبيًّا من الأنبياء يزيد على هذا؟ ! وقال مسلم بن إبراهيم: حَدَّثَنَا نوح بن قيس قال: كان بين أخي خالدٍ وبين عَمْرو بن عبيد إِخاءٌ، فكان يزورنا فهذا صلى في المسجد .. يقوم كأنه عود، فقلت لخالد: أما ترى عمرًا ما أَخْشَعَهُ وأَعْبَدَهُ؟ ! فقال: أما تراه إذا صلى في البيت كيف يصلي؟ قال: فنظرت إليه إذا صلى في البيت .. يلتفت يمينًا وشمالًا. وحدثنا عُبيد الله بن معاذ عن أَبيه: أنَّه سمع عَمْرو بن عبيد يقول ... وذكر حديث الصادق المصدوق فقال: لو سمعتُ الْأَعمش يقولُ هذا .. لكذَّبْته، ولو سمعتُه من

[72] حَدَّثَنِي عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد بن وهب .. لمَا صَدَّقْته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله .. ما قَبلْتُه، ولو سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا .. لرددتُه، ولو سمعتَ الله يقول هذا .. لقلتُ: ليس على هذا أخذتَ ميثاقًا. وقال سوّار بن عبد الله: حَدَّثَنَا الأصمعيّ: أن عمرو بن عبيد أتى أَبا عمرو بن العلاء فقال: يَا أَبا عمرو؛ آلله يُخْلِفُ وعْدَهُ؟ فقال: لن يخلفَ الله وعده فقال: فقد قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}، فقال أبو عمرو: من العُجمَة أُتِيتَ، الوعدُ غَيرُ الإيعاد ثم أَنْشَدَ: وَإِني وإِنْ أَوْعدتهُ أو وعدتُه ... لَمُخْلِفُ إِيعادي ومُنْجِزُ مَوْعِدي وروى جعفرُ بن محمَّد الرسْعَني ونصر بن مرزوق عن إسماعيل بن مسلمة القعنبي قال: رأيت الحسن بن أبي جعفر في المنام بعد ما مات، فقال لي: أيوبُ ويونسُ وابنُ عون في الجنة، فقلت: فعَمْرُو بن عبيد؟ فقال: في النَّار، ثم رأيته في الليلة الثَّانية فقال مثلَ مقالته، ثم رأيته الليلة الثالثة فقال كذلك، ثم قال: كم أقولُ لك؟ ! وقال مؤمل بن إسماعيل: رأيت همام بن يحيى في النَّوم فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، وأُمر بعمرو بن عبيد إلى النَّار، وقيل له: تقول على الله كذا وكذا، وتكذب بمشيئتِه، وتَمُنُّ بركعتين تصلِّيهما؟ ! وجاء عن محمَّد بن عبد الله الأَنْصَارِيّ: أنَّه رأى في النَّوم عَمْرو بن عُبَيد قد مُسِخَ قِرْدًا) اهـ. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله لما مَرَّ مِن جَرحِ الرُّواة وكَشْفِ معايبهم بأَثَرِ شُعْبة بن الحَجَّاج فقال: [72] (حَدَّثَني عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذِ) بن مُعاذ بن نَصْر (العَنْبَرِيُّ) أبو عَمْرٍو البصريُّ الحافظُ. روى عن أَبيه معاذ بن معاذ ومُعْتَمِر بن سُليمان، ويروي عنه (م د) وحَمَّاد بن حُمَيد و (خ س) بواسطة، وَثَّقَه أبو حاتم. وقال في "التقريب": ثِقَة حافظ من العاشرة، مات سنة سبعٍ وثلاثين ومائتين.

حَدَّثَنَا أَبِي قَال: كَتَبْتُ إِلَى شُعْبَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي شَيبَةَ قَاضِي وَاسِطٍ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: لا تَكْتُبْ عَنْهُ شَيئًا وَمَزِّقْ كِتَابِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال عُبَيدُ اللهِ: (حَدَّثَنَا أبي) معاذُ بن معاذ التَّمِيمِيُّ العنبريُّ أبو المُثنَّى البَصْرِيّ. روى عن سُلَيمَان التَّيمِي وحُمَيد وابن عَوْن وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإسحاقُ وخلق. وقال في "التقريب": ثِقَة مُتْقن من كبار التاسعة، مات سنة ستٍّ وتسعين ومائة. (قال) معاذُ بن معاذ: (كَتَبْتُ إلى شُعْبةَ) بن الحَجَّاج العتكيِّ الواسطيّ ثم البَصْرِيّ، ثِقَة متقن من السابعة، مات سنة ستين ومائة. وهذا السند من ثلاثياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلَّهم بصريون، وفيه رواية الوالد عن ولده. أي: كَتَبْتُ إلى شعبة حالة كوني (أسألُه) أي: أسأال شعبةَ (عن) حالِ (أبي شَيبةَ) إبراهيم بن عثمان (قاضي وَاسِطٍ) هل هو ثقةٌ أو ضعيف؟ وأبو شَيبة هو جَدُّ أولاد أبي شيبة وهم: أبو بكر وعثمان والقاسم بنو محمَّد بن إبراهيم بن عثمان، وواسط: اسمُ بلدةِ بناها الحَجَّاجُ بن يوسف بقرب بغداد، وسُمع من العرب صرفُه، ويجوزُ مَنْعُه من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. قال معاذُ بن معاذ: (فكَتَبَ إليَّ) شعبة: (لا تَكْتُبْ عنه) أي: عن أبي شيبة (شيئًا) من الحديث لا قليلًا ولا كثيرًا، ولا تَرْو عنه شيئًا؛ لأنه كَذَّابٌ، (و) إذا قرأْتَ رسالتي هذه واطَّلَعْتَ على ما فيها .. فـ (ـمَزِّقْ) رسالتي هذه وقطِّعْ (كتابي) أي: رسالتي هذه وأعْدِمها؛ خوفًا من وصولها إلى أبي شيبة فيَفْتِننا ويُؤْذينا؛ لأنه قاضي البلدة؛ فيقدر على إيصال الشرِّ والضَّرَرِ إلينا. وعبارة النووي هنا: (قولُه: "ومَزّقْ كتابي" بكسر الزاي، أَمْرٌ من مَزَّقَ المضعَّف بمعنى (قَطَّع) المضعّف أَيضًا؛ أي: قطِّعْ كتابي هذا وأعدمه؛ لئلا يراه النَّاسُ. أَمَرَه بتمزيقِه مخافةً من بلوغِه إلى أبي شيبة ووُقُوفِه على ذِكْرِه له بما يَكْرَهُ؛ لئلّا يناله

تتمة في ترجمة أبي شيبة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه أذىً، أو يَتَرَتَّبَ على ذلك مفسدةٌ) اهـ بتصرف وزيادة (¬1). تتمة في ترجمة أبي شَيبة: هو إبراهيمُ بن عثمان بن خُوَاسْتي (¬2) العَبْسيُّ -بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة- الكُوفيّ، قاضي واسط، وجدُّ أبي بكر بن أبي شيبة، مشهورٌ بكُنْيته، متروك الحديث، سكتوا عنه وتركوا حديثه، من السابعة، مات سنة تسعٍ وستين ومائة. روى عن خالِه الحَكَم بن عُتَيبة وأبي إسحاق السَّبيعي والأعمش وغيرهم، ويروي عنه (ت ق) وشُعْبة -وهو أكبر منه- وجَرِير بن عبدَ الحميد وشَبَابة والوليد بن مسلم وزَيد بن الحُباب ويَزيد بن هارون وعلي بن الجَعْد وعدة. وقال أَحْمد ويحيى وأبو داود: ضعيف، وقال يحيى أَيضًا: ليس بثقة، وقال البُخَارِيّ: سكتوا عنه، وقال التِّرْمِذِيّ: منكر الحديث، وقال النَّسائيّ والدُّولابي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال صالح جَزَرة: ضعيفٌ لا يُكتب حديثه، روى عن الحكم أحاديث مناكير. قال الذهبي: (وكذّبه شعبة لكَوْنِه رَوَى عن الحكم عن ابن أبي ليلى أنَّه قال: شَهِدَ صفّين من أهل بدر سبعون، فقال شعبة: كذب والله، لقد ذاكرتُ الحَكَمَ فما وجدنا شهد صفّين أحدًا من أهل بدر غير خُزَيمة. قلتُ: سبحان الله! أَمَا شَهِدَها عليٌّ؟ ! أما شَهِدَها عمّار؟ ! ومن مناكير أبي شيبة: ما روى البَغَويّ: أَنْبأنا منصور بن أبي مزاحم، أَنْبأنا أبو شَيبة عن الحَكَم عن مقسم عن ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوَتْرِ). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 10 1 - 111)، وقال القاضي عياض: (وقولُه: "ومَزّقْ كتابي" لعلَّه أمَره بتمزيقِه حَذَرًا أن يعتقد عليه ذلك أبو شيبة أو من له أمر الطعن علي من قدموا). "إكمال المعلم" (1/ 149). (¬2) خُوَاسْتِي: بخاء معجمة مضمومة، ثم واو مخففة، ثم أَلْف، ثم سين مهملة ساكنة، ثم تاء مثنّاة من فوق، ثم ياء مثناة من تحت. "شرح صحيح مسلم" (1/ 64).

[73] وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ، قَال: سمِعْتُ عَفَّانَ قَال: حَدَّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد وَرَدَ له عن الحكم أحاديث. وقد قال عبد الرَّحْمَن بن معاوية العتبي: سمعت عمرو بن خالد الحراني يقول: سمعت أَبا شيبة يقول: ما سمعت من الحكم إلَّا حديثًا واحدًا. ولأبي شيبة عن آدم بن عليّ عن ابن عمر: "ما أُهلكت أمة إلَّا في آذار، ولا تقوم الساعة إلَّا في آذار" لم يصح هذا، وقال أَحْمد بن حنبل: حديث "مَنْ بَشَّرَني بخُروج آذار .. بَشَّرْتُه بالجنة" هذا لا أصلَ له) اهـ من "الميزان" (1/ 47 - 48). وقال ابن حجر: (وقال عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عن يحيى بن مَعِين قال: قال يَزِيدُ بن هارون: ما قضى على النَّاس رجل -يعني في زمانه- أعدل في قضاءٍ منه، وكان يزيد على كتابته أيامَ كان قاضيًا. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وهو خير من إبراهيم بن أبي حَيَّة. قلت: وقال ابنُ سَعْد: كان ضعيفًا في الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن المبارك: ارْم به، وقال أبو طالب عن أَحْمد: منكر الحديث، قريب من الحسن بن عمارة) اهـ (¬1). ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لما مَرَّ بأَثَر حَمَّاد بن سلمة وهَمَّام بن يحيى فقال: [73] (وحَدَّثَنا) الحَسَنُ بن علي (الحُلْوَانِيُّ) أبو علي المكيّ الحافظ، ثِقَة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. (قال) الحَسَنُ: (سَمِعْتُ عَفَّانَ) بن مسلم بن عبد الله الأنصاريَّ أَبا عثمان البَصْرِيّ، ثِقَة حافظ ثَبْت من كبار العاشرة، مات سنة عشرين ومائتين. (قال) عَفَّانُ: (حَدّثْتُ) أنا (حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ) بن دينار البَصْرِيّ أَبا سلمة. قال في "التقريب": ثِقَة عابد، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومائة. ¬

_ (¬1) "تهذيب التهذيب" (1/ 145).

عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ بِحَدِيثِ عَنْ ثَابِتٍ، فَقَال: كَذَبَ، وَحَدَّثْتُ هَمَّامًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: حَدَّثْتُ حمَّادًا بحديثٍ مَرْويٍّ (عن صالحِ) بن بَشِير -بفتح الباء الموحدة- ابن وادع (المُرِّيِّ) بضم الميم وتشديد الراء، وقيل له: المُرِّي؛ لأنَّ امرأةً من بني مُرَّة أعتقتْه وأبوه عربيٌّ وأُمُّه معتقة للمرأة المُرّية، أبو بِشْر الزَّاهد الواعظ البَصْرِيّ القاصّ. قال في "التقريب": ضعيف من السابعة، مات سنة اثنتين وسبعين ومائة، وقيل: بعدها. روى عن الحَسَنُ وابن سيرين وثابت، ويروي عنه (ت) ويحيى بن يحيى وعفّان بن مسلم وخَلْق. وكان حَسَنَ الصوتِ بالقرآن، وقد مات بعضُ مَنْ سَمِعَ قراءتَه، وكان شديدَ الخوف من الله تعالى، كثيرَ البكاء، قال عَفَّانُ بن مسلم: كُنا نحضر مجلس صالح، فإذا أَخَذَ في قَصَصِه .. كأنه رجلٌ مذعورٌ يفزعك أمره من حزنه وكثرة بكائه كأنه ثَكْلَى. أي: حَدّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سلمة عن صالحٍ المُرِّيِّ (بحديثٍ) رواه (عن ثابت) هو ابنُ أسلم البُناني -بضم الموحدة وبنونين مخففتين- أبو محمَّد البَصْرِيّ. قال في "التقريب": ثِقَة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة. (فقال) حَمَّادُ بن سلمة: (كَذَبَ) صالحٌ المُرِّيُّ في نِسْبَةِ هذا الحديث إلى ثابت البُناني، قال السنوسيُّ: (معناه: جرَى الكَذِبُ على لسانه من غير تَعَمُّدٍ كما تقدَّم في كَذِب الصالحين؛ إذْ صالحُ هذا رحمه الله تعالى من كبار العُبَّاد الزُّهَّاد الصالحين) اهـ (¬1). قال عَفَّانُ أَيضًا: (وحَدَّثْتُ هَمَّامًا) هو ابنُ يحيى بن دينار الأَزدِيّ أبو عبد الله ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 33)، وعبارة الإِمام النووي هنا: (هو من نَحْو ما قَدَّمْناه في قوله: "لم نَرَ الصالحين في شيءٍ أكذبَ منهم في الحديث" معناه ما قاله مسلم: يجري الكذبُ على ألسنتهم من غير تعمُّدٍ، وذلك لأنهم لا يعرفون صناعة هذا الفنّ فيُخبرون بكُلّ ما سمعوه وفيه الكذبُ فيكونون كاذبين، فإنَّ الكذبَ: الإخبارُ عن الشيء على خلاف ما هو، سَهْوًا كان الإخبارُ أو عَمْدًا كما قَدَّمْناه). "شرح مسلم" (1/ 111).

تتمة في ترجمة صالح المري

عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ بِحَدِيثٍ، فَقَال: كَذَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصريُّ، ثِقَة، من السابعة مات سنة أربعٍ أو خمس وستين ومائة، (عن صالحٍ المُرِّيِّ بحديثِ فقال) هَمَّامُ بن يحيى: (كَذَبَ) صالحٌ في رواية هذا الحديث عن ثابتٍ، فجَرَحَه كلٌّ منهما بإثباتِ كذبه وإقراره، وهذا السَّنَدُ من ثلاثياته، ورجالُه كُلُّهم بصريون إلَّا الحُلْوانِيّ فمكي. تتمة في ترجمة صالح المُرِّي: قال الحافظ ابن حجر: (هو صالح بن بَشِير بن وادع بن أُبَيِّ بن أبي الأقعس، أبو بِشْر البَصْرِيّ، القاصّ المعروف بالمُرِّيّ. روى عن الحَسَنُ وابن سِيرين وقتادة وهشام بن حَسَّان وبسعيد الجُرَيريّ وأبي عمران الجَوْني وغيرهم، ويروي عنه (ت) وسَيَّار بن حاتم وأبو إبراهيم التَّرْجُماني وأبو النَّضْر ويونس بن محمَّد والهيثم بن الرَّبيع ومسلم بن إبراهيم وعفّان بن مسلم وعبد الواحد بن غياث وعُبَيد الله العَيشيّ ويحيى بن يحيى النَّيسابوريّ وطالوت بن عَبَّاد وغيرهم. قال عَبَّاسٌ عن ابن مَعِين: ليس به بأس، وقال المُفَضَّل الغَلَابيُّ وغيرُه عن ابن مَعِين: ضعيف، وقال محمَّد بن إسحاق الصَّغَاني وغيرُه عن ابن مَعِين: ليس بشيء، وقال جعفر الطَّيالِسيّ عن يحيى: كان قاصًّا وكان كُلُّ حديثِ يحدث به عن ثابتٍ باطلًا، وقال عبد الله بن عليّ بن المَدِيني: ضَعَّفَه أبي جِدًّا، وقال محمَّد بن عثمان بن أبي شَيبة عن عليّ: ليس بشيء، ضعيفٌ ضعيف، وقال عَمْرو بن عليّ: ضعيف الحديث، يُحَدِّثُ بأحاديث مناكير عن قوم ثقات ... وكان رجلًا صالحًا، وكان يَهِمُ في الحديث. وقال الجُوزجانيّ: كان قاصًّا واهي الحديث، وقال البُخَارِيّ: منكر الحديث، وقال الآجُرِّي: قلتُ لأبي داود: يُكتب حديثه؟ فقال: لا، وقال النَّسائيّ: ضعيف الحديث له أحاديث مناكير، وقال مَرَّةً: متروك الحديث، وقال صالح بن محمَّد: كان يَقُصُّ، وليس هو شيئًا في الحديث، يروي أحاديث مناكير عن ثابت وعن الجُرَيرِيّ وعن سُلَيمَان التَّيمي أحاديثَ لا تُعرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابنُ عَدِيّ: صالح المُرِّيّ من أهل البصرة، وهو رجل قاصّ حَسَن الصوت، وعامَّةُ أحاديثِه مُنكرات يُنْكِرُها الأئمّةُ عليه، وليس هو بصاحب حديث، وإنما أُتي من قِلَّةِ معرفته بالأسانيد والمتون، وعندي أنَّه مع هذا لا يَتَعَمَّدُ الكَذِبَ، بل يغلط شيئًا. وقال ابنُ حِبّان: أقْدَمَه المهديُّ إلى بغداد، وقال عفان: كان شديد الخوف من الله كثير البكاء، وقال الثَّوريّ لما سمع كلامه: هذا نذير قوم. قال خليفة: مات سنة "172"، وقال البُخَارِيّ: مات سنة ست وسبعين ومائة. قلتُ: قال ابنُ حِبَّان في "الضعفاء": صالح بن بَشِير المُرِّي كان من عُبَّاد أهل البصرة وقرائهم، وهو الذي يُقال له: صالح بن بَشِير المُرِّي الناجي، وكان مِنْ أحزن أهل البصرة صوتًا وأرقهم قراءة، غَلَبَ عليه الخيرُ والصلاحُ حتَّى غَفَلَ عن الإتقان في الحفظ، وكان يروي الشيء الذي سمعه من ثابت والحسن ونحو هؤلاء على التوهُّم فيجعله عن أنس، فظهر في روايته الموضوعاتُ التي يرويها عن الأثبات فاستحقّ الترك عند الاحتجاج، كان يحيى بن مَعِين شديد الحمل عليه، مات سنة "176"، وقيل: سنة "172". وقال أبو إسحاق الحربي: إذا أرسل .. فبالحَرِيّ أن يُصيب، وإذا أسند .. فاحذروه، وقال أبو أَحْمد الحاكم: ليس بالقَويّ عندهم، وقال عفان: كُنا عند ابن عُلَيَّة فذُكِرَ المُرِّي فقال رجلٌ: ليس بثقة، فقال آخر: منه اغتبتَ الرَّجل، فقال ابن عُلَيَّة: اسكتوا فإنما هذا دِين، وقال الدارقطني: ضعيف) اهـ من "تهذيب التهذيب" (4/ 382 - 383). وقال الحافظ الذهبي: (وقال إبراهيم بن الحجاج: حَدَّثَنَا صالح المُرِّي عن ثابت ويَزيد الرَّقاشيّ وميمون بن سِيَاهٍ عن أنس مرفوعًا: "إنَّ ربّكم حيي كريم يستحيي أن يَمُدَّ أَحَدُكم يديه إليه فيردّهما خائبتين". وقال داود بن منصور: عن صالح المُّرّي، حَدَّثَنَا عَمْرو مولى آل الزُّبير عن سالم عن أَبيه قال: كُنّا جلوسًا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يَطْلُعُ عليكم من هذا الباب رجلٌ من أهل الجنة" فإذا سَعْد.

[74] وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو النضر: حَدَّثَنَا صالح المُرِّي عن ثابت عن أنس مرفوعًا: "إن عُمَّار بيوتِ الله هم أهل الله". وقال مسلم بن إبراهيم الفراهيدي: حَدَّثَنَا صالح المُرِّي عن ثابت عن أنس مرفوعًا: "إنَّ الله مَنَّ عليَّ فيما مَنَّ بهِ أني أعطيتك فاتحة الكتاب، وهي من كنوز عرشي، ثم قَسَمْتُها بيني وبينك نصفين". وقال عبد الواحد بن غياث: حَدَّثَنَا صالح المُرِّي عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيبُ دعاءَ مِنْ قَلْبِ لَاهٍ". وقال أبو إبراهيم التَّرْجُماني: حَدَّثَنَا صالح المُرِّي عن هشام عن ابن سِيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خَرَج علينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القَدَرِ .. فغَضِب) اهـ من "الميزان" (2/ 289 - 290). ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ من كشف معايب الرواة بأَثَرِ شُعْبة بن الحَجَّاج في الحَسَنُ بن عُمارة فقال: [74] (وحَدَّثَنا محمودُ بن غَيلَانَ) العَدَويّ مولاهم، المَرْوَزيّ نزيل بغداد، الإِمام الحافظ. روى عن ابن عُيَينة والفَضْل بن موسى وأبي معاوية وغيرهم، ويروى عنه (خ م ت س ق) وأبو حاتم وأبو زرعة والذُّهْلي وغيرهم، وَثَّقَه النَّسَائِيّ وجماعةٌ. وقال في "التقريب": ثِقَة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، وقيل: بعد ذلك. قال محمودٌ: (حَدَّثَنا أبو داودَ) سُلَيمانُ بن داود بن الجارود الطَّيالِسيّ البَصْرِيّ، أحدُ الأئمة الأعلام الحُفَّاظ. روى عن ابن عَوْن وهشام بن أبي عبد الله وعَبَّاد بن منصور وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وجَرِير بن عبد الحميد -شيخُه- وأحمدُ وابن المَدِيني وغيرُهم، من التاسعةِ، مات سنة أربعٍ ومائتين.

قَال: قَال لِي شُعْبَةُ: ائْتِ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ فَقُلْ لَهُ: لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَرْويَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ؛ فَإِنَّهُ يَكْذِبُ، قَال أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ: وَكَيفَ ذَاكَ؟ فَقَال: حَدَّثَنَا عَنِ الْحَكَمِ بِأَشْيَاءَ لَمْ أَجِدْ لَهَا أَصْلًا، قَال: قُلْتُ لَهُ: بِأَيِّ شَيءٍ؟ قَال: قُلْتُ لِلْحَكَمِ: أَصَلَّى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ عَلَى قَتْلَى أحُدٍ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو داود: (قال لي شُعْبَةُ) بن الحَجَّاج العتكيُّ البَصْرِيُّ، من السابعة، مات سنة ستين ومائة: (إيتِ) أصله إِئْتِ بهمزتين أُولاهما مكسورة والثانية ساكنة، فقُلبت الثانيةُ ياءَ لكَسْرِ ما قبلها؛ لأنه أمرٌ من أتى يأتي بمعنى (جاء). أي: جئْ يَا أَبا داود (جريرَ بنَ حازمٍ) واذْهَبْ إليه، وهو جَرِيرُ بن حازم بن زيد الأَزدِيّ البَصْرِيّ، من السادسة، مات سنة سبعين ومائة (فقُلْ) يَا أَبا داود (له) أي: لجرير بن حازم: (لا يَحِلُّ لك) ولا يجوزُ (أنْ تَرْويَ) الحديثَ وتنقلَه (عن الحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ) بضم العين؛ (فإنّه) أي: فإنَّ الحَسَنَ بنَ عُمارة (يَكْذِبُ) في الحديث ويَضَعُه من عند نفسه، فإنَّه كَذَّابٌ وَضَّاعٌ، وهذا السَّنَدُ من ثلاثياته: اثنان منهم بصريان وواحدٌ مَرْوَزِيٌّ. (قال أبو داود) الطَّيالِسيُّ: (قلتُ لشُعْبَةَ) بن الحَجَّاجِ: (وكيف ذاك) الكذب الواقع من الحَسَنُ بن عُمارة؟ أي: فكيف تعرفُ يَا شعبة كَذِبَه وما علامتُه؟ (فقال) شُعْبَةُ: (حَدَّثَنا) الحَسَنُ بن عُمارة (عن الحَكَمِ) بن عُتَيبة -بالمثناة من فوق ثم الموحدة مصغّرًا- الكنديِّ مولاهم، أبي محمَّد أو أبي عبد الله الكُوفيّ، أحدِ الأئمة، ثِقَةٌ ثَبْتٌ فقيهٌ إلّا أنَّه ربما دَلَّسَ، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة ومائة أو بعدها, وله نيف وستون سنة. (بأشياء) كثيرةٍ من الأخبارِ (لم أَجِدْ) أنا ولم أَرَ (لها) أي: لتلك الأشياء (أصلًا) أي: مأخذًا ولا سَنَدًا. (قال) أبو داود: (قلتُ له) أي: لشعبة: (بأيِّ شيءٍ) من الأَمارات تعرف أنها لا أَصْلَ لها؟ (قال) شُعْبَةُ: (قلتُ للحَكَم) بن عُتَيبة: (أصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) صلاتَه على الجنازة (على قَتْلَى) يوَم (أحُدٍ) وشُهَدَائِه؟

فَقَال: لَمْ يُصَلِّ عَلَيهِمْ، فَقَال الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ: عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِن النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ صَلَّى عَلَيهِمْ وَدَفَنَهُمْ، قُلْتُ لِلْحَكَمِ: مَا تَقُولُ في أَوْلَادِ الزِّنَا؟ قَال: يُصَلَّى عَلَيهِمْ، فَقُلْتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُرْوَى؟ قَال: يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) لي الحَكُم بن عُتَيبة: (لم يُصَل) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلاتَه على الجنازة (عليهم) أي: على قَتْلَى أُحُدٍ وشُهدائِه، (فقال) لي (الحَسَنُ بن عُمَارَةَ) -بضم العين- راويًا (عن الحَكَمِ) بن عُتَيبة، حالة كون الحكم راويًا (عن مِقْسَمٍ)، قال في "التقريب": بكسر الميم وفتح السين، ابن بُجْرة بضم الموحدة وسكون الجيم، ويقال نَجْدَة بفتح النُّون وسكون الجيم وفتح الدال، أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث، وقيل: مولى ابن عباس للزُومِه له، صدوق من الرابعة وكان يُرسل، مات سنة إحدى ومائة، يروي عنه (خ عم). حالة كون مِقْسَمٍ يروي (عن ابنِ عَبَّاسِ) رضي الله تعالى عنهما: (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى) صلاته على الجنازة (عليهم) أي: على قتلى أُحُد (ودَفنهم) بيده الشريفة. (قلتُ للحَكَم): معطوفٌ بعاطفٍ مُقَدَّرٍ على قوله: (قلتُ للحَكم)، وفي بعض النُّسَخ: (فقلْتُ). أي: قال شعبةُ: وقلت أَيضًا للحَكَم بن عُتَيبة: (ما تقولُ) أي: أيَّ حُكْمٍ تقولُ يَا حَكَمُ (في أولادِ الزِّنا؟ ) أي: في أولادٍ ولدوا من وطء الزنا إذا ماتوا .. هل يُصَلَّى عليهم صلاة الجنازة أم لا؟ (قال) الحَكَمُ: (يُصَلَّى عليهم) أي: على أولاد الزِّنا صلاة الجنازة. قال شعبةُ: (فقلتُ) للحَكمِ: (من حديثِ مَنْ يُرْوَى) الصلاة عليهم؛ أي: بحديثِ مَنْ ثَبَتَت الصلاة عليهم؟ (قال) الحكَمُ: (يُرْوَى) حديثُ الصلاةِ عليهم (عن الحَسَنُ) بن أبي الحسن يَسَار (البَصْرِيّ) الأَنْصَارِيّ مولاهم، أبي سعيد أحد أئمّة الهدى والسُّنَّة.

فَقَال الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال الحَسَنُ بن عُمَارَةَ: حَدَّثَنا) حديثَ الصلاةِ على أولاد الزِّنا (الحَكَمُ) بن عُتَيبَةَ (عن يحيى بنِ الجَزَّارِ) بالجيم والزاي وبالراء آخره، قال صاحب "المطالع": (ليس في "الصحيحين" ولا في "الموطإ" غيره، ومَنْ سواه "خَزَّاز" بخاء وزايين، أو "خراز" بخاء وراء وزاي) (¬1). قال شعبةُ: فسألتُ الحَكَمَ عنه فقال: ما سمعتُ منه شيئًا. ويحيى بن الجَزَّار -بفتح الجيم ثم الزاي المشددة آخره راء مهملة- العُرَني -بضم المهملة وفتح الراء ثم نون- الكُوفيّ، مولى بَجِيلة، قيل: اسم أَبيه زَبّان بزاي وموحدة (¬2). روى عن علّي وأُبَيّ بن كعب وابن عباس والحُسَين بن عليّ وعائشة وأُمّ سلمة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) والحَكم بن عُتَيبة وحبيب بن أبي ثابت وغيرهم، وَثَّقَه أبو حاتم والنَّسَائِيُّ. وقال في "التقريب": صدوق رُمِيَ بالغُلُوِّ في التشيُّع، من الثالثة. (عن عَلِيِّ) بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطَّلب بن هاشم الهاشمي، أبي الحسن، ابنِ عَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنِهِ علي بنته، من السابقين الأولين، وهو أولُ مَنْ أسلم من الصبيان، وأحدُ العَشَرة المبشرة بالجنة، شَهِدَ بدرًا والمشاهدَ كُلَّها، أمير المُؤْمنين، يُكنى أَبا تراب، له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثًا. يروي عنه (ع) وأولاده الحَسَنُ والحُسين ومحمَّد وفاطمة وعُمر وابنُ عُمر والأحنف وأُمم، مات في رمضان شهيدًا ليلة الجمعة لإحدى عشرة بقيت أو خلت منه ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 112)، و"مكمل إكمال الإكمال" (1/ 34)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 127). (¬2) وقال بعضهم: (زَبَّان) لقب يحيى بن الجَزَّار، قال أبو علي الجَيَّاني: (روينا عن عبد الله بن أَحْمد بن حنبل عن أَبيه قال: كان ابن سيرين يُسمّي يحيى بن الجَزَّار زَبّانًا). "تقييد المهمل" (3/ 1105) و (1/ 263).

فصل في ترجمة الحسن بن عمارة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة أربعين، وله ثلاثٌ وستون سنة على الأرجح، ومناقبه كثيرة مشهورة. قال النوويُّ: (معنى هذا الكلام: أن الحَسَنَ بنَ عُمارة كَذَبَ فَرَوى هذا الحديث عن الحَكَم عن يحيى عن علي، وإنما هو عن الحَسَنِ البَصْرِيّ من قوله، وقد قَدَّمْنا أن مِثْلَ هذا وإنْ كان يحتمل كونه جاء عن الحَسَنُ وعن عليّ، لكن الحُفَّاظ يَعْرِفُون كَذِبَ الكَذَّابين بقرائن، وقد يَعْرِفُون ذلك بدلائلَ قطعيةٍ يَعْرِفُها أهلُ هذا الفنّ، فقولُهم مقبولٌ في كُلِّ هذا) اهـ (¬1). فصل في ترجمة الحَسَنُ بن عُمارة: هو الحَسَنُ بن عمارة بن المُضَرِّب -بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المشددة وبموحدة آخره- البَجَلي مولاهم، الكُوفيّ أبو محمَّد، كان على قضاء بغداد في خلافة أبي جعفر المنصور. روى عن بُرَيْد بن أبي مريم وحبيب بن أبي ثابت وشبيب بن غَرْقَدة والحَكَم بن عُتَيبة وابن أبي مُلَيكة والزُّهْري وأبي إسحاق السَّبيعي وفراس بن يحيى الهَمْدانيّ والمنهال بن عَمْرو ومحمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولى آل طَلحة وعَمْرو بن مُرَّة والأعمش وغيرهم، ويروي عنه (ت ق) والسُّفْيانان وعبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الحِمّاني وعيسى بن يونس وأبو بَحْر البَكْراوي وأبو معاوية وعبد الرَّزّاق وخلّاد بن يحيى ومحمَّد بن إسحاق بن يَسَار -وهو أكبرُ منه- وجماعة. قال النَّضْر بن شُمَيل عن شعبة: أفادني الحَسَنُ بن عُمارة سبعين حديثًا عن الحكم فلم يكن لها أصل، وقال ابن عُيَينة: كان له فَضْلٌ، وغيرُه أحفظُ منه. وقال أبو بكر المَرُّوذي عن أَحْمد: متروك الحديث، وقاله أبو طالب عنه وزاد: قلتُ له: كان له هَوىً؟ قال: لا, ولكن كان مُنْكَرَ الحديث، وأحاديثُه موضوعةٌ، لا يُكتب حديثه، وقال مَرَّةً: ليس بشيء. وقال ابنُ مَعِين: لا يُكتب حديثه، وقال مَرَّةً: ضعيفٌ، ليس حديثه بشيء، وقال عبد الله بن عليّ بن المَدِيني عن أَبيه: ما أحتاجُ إلى شعبة فيه، أَمْرُه أَبينُ من ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 112).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، قيل له: كان يَغْلَط، فقال: أي شيء كان يغلط؟ كان يَضَعُ. وقال أبو حاتم ومسلم والنَّسائيّ والدارقطني: متروك الحديث، وقال النَّسائيّ أَيضًا: ليس بثقةٍ، ولا يُكتب حديثه، وقال السَّاجِيُّ: ضعيفُ الحديث متروكٌ، أَجْمَعَ أهلُ الحديث على تَرْكِ حديثه، وقال الجُوزجانيّ: ساقط، وقال جَزَرَة: لا يُكتب حديثه، وقال عَمْرو بن عليّ: رجل صالح صدوق، كثير الوهم والخطإ، متروك الحديث، وقال ابن المبارك عن ابن عُيَينة: كنتُ إذا سمعتُ الحَسَنَ بنَ عُمارة يحدث عن الزُّهْرِيّ .. جعلتُ أصبعي في أذني. اهـ من "تهذيب التهذيب" (2/ 304 - 307). وفي "الميزان" (1/ 513 - 515): (الحَسَنُ بن عُمارة الكُوفيّ الفقيه مولى بجيلة، روى عن ابن أبي مُلَيكة وعَمْرو بن مُرّة وخلق، ويروي عنه "ت ق" والسُّفْيانان ويحيى القطَّان وشَبَابَة وغيرهم. قال سليمان بن أبي شيخ: حَدَّثني صِلَةُ بن سليمان قال: جاء رجل إلى الحَسَنُ بن عُمارة فقال: إنَّ لي على مِسْعَر بن كدَام سبعمائة درهم من ثَمَن دقيق وغير ذلك، وقد مَطَلَني ويقول: ليس عندي اليوم، فدفعها إليه ابن عُمارة وقال له: أَعْطِ مِسْعَرًا كُل ما أَرادَ ثم تعال. قال سُليمان: وكان رجل غريب يكتب الحديث عنه، فلمَّا وَدَّعَ الحَسَنَ بنَ عُمارة .. وصَلَهَ بخمسمائة درهم. وقال بكار بن أسود: حَدَّثَنَا إسماعيل بن أَبان قال: بلغ الحسن بن عمارة أن الأَعمش يَقَعُ فيه، فبعث إليه بكسوة، فلما كان بعد ذلك .. مَدَحَه الأَعمش، وروى حديثًا في: "إِنَّ القلوب جُبِلَتْ على حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إليها ... ". وقال شعبةُ: روى الحَسَنُ بن عُمارة أحاديثَ عن الحكم، فسألنا الحكمَ عنها فقال الحكمُ: ما سمعتُ منها شيئًا، وروى أبو داود عن شعبة قال: يكذب. وقال النَّضْر بن شُمَيل: قال الحسن بن عمارة: إن النَّاسَ كُلَّهم في حِلٍّ ما خلا شعبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو داود الطَّيالِسيّ: قال شعبة: ألا تعجبون من جرير بن حازم هذا المجنون، ومن حماد بن زيد أتياني يسألاني أن أَكَفَّ عن ذكر الحَسَنُ بن عُمارة، لا واللهِ لا أَكُفّ. وقال العُقَيلي: حَدَّثني عبد الله بن محمَّد بن صالح السمرقندي، حَدَّثني يحيى بن حكيم المقوم قال: قلت لأبي داود الطَّيالِسيّ: إن محمَّد بن الحسن صاحب الرأي حَدَّثَنَا عن الحَسَنُ بن عُمارة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن علي قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرن فطاف طوافين وسعى سعيين، فقال أبو داود وجمع يده إلى نحره: من هذا كان شعبة يشق بطنه من الحَسَنُ بن عُمارة. قال عليّ بن الحسن بن شَقِيق: قلتُ لابن المبارك: لِمَ تَرَكْتَ حديثَ الحَسَنُ بن عُمارة؟ قال: جَرَحَه عندي سفيانُ الثَّوْرِيُّ وشعبةُ. وقال الدُّولابي أبو بشر: حَدَّثني أبو صالح بن رواد بن الجراح العسقلاني، حَدَّثَنَا أبي وسألتهُ عن قصة شعبة والحَسَن بن عُمارة فقال: كان ابنُ عُمارة موسرًا، وكان الحَكم بن عُتَيبة مُقلًّا، فضَمَّه إلى نفسه، فكان الحكم يُحَدِّثُه ولا يمنعه، فحدثه بقريب عشرة آلاف قضية عن شريح وغيره، وسمع شعبة من الحكم شيئًا يسيرًا، فلما تُوفِّي الحكم .. قال شعبة للحسن: مِنْ رَأيكَ أن تُحدِّث عن الحكم بكل ما سمعتَهُ؟ قال: نعم، ما أَكْتُم شيئًا، قال: فقال شعبة: مَنْ أراد أن ينظر إلى أَكْذب النَّاس .. فلينظر إلى الحَسَنُ بن عُمارة، فقَبِل النَّاسُ منه وتركوا الحَسَنَ بنَ عُمارة. قال ابن أبي رواد: ودخلتُ أنا وشعبةُ على الحسن نعودُه في مرضه، فدار شعبةُ فقعد وَراء الحسنِ من حيثُ أن لا يراه فقال: فجعَلَ الحسنُ يقول للنَّاس كلهم: مَن قِبلي في حِلٍّ ما خلا شعبة .. ويومئ إليه. وقال أحمدُ بن حنبل: كان وَكِيع إذا أتَى على حديث الحَسَنُ بن عُمارة قال: أَجْرِ عليه، يعني: اضربْ عليه. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وكان من كبار الفقهاء في زمانه ولي قضاءَ بغداد).

[75] وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَال: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ وَذَكَرَ زِيادَ بْنَ مَيمُونٍ فَقَال: حَلَفْتُ أَلَّا أَرْويَ عَنْهُ شَيئًا، وَلَا عَنْ خَالِدٍ بْنِ مَحْدُوجٍ، وَقَال: لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيمُونٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ، فَحدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى بأَثَرِ يَزِيد بن هارون فقال: [75] (وحَدَّثَنا الحَسَنُ) بن عليٍّ (الحُلْوَانِيُّ) أبو علي المكيُّ من الحادية عشرة. (قال) الحَسَنُ: (سَمِعْتُ يَزِيدَ بنَ هارونَ) بن زاذان السُّلمي مولاهم، أَبا خالد الواسطيّ، أحد الأئمة الأعلام الحُفاظِ المشاهيرِ. روى عن سُلَيمَان التَّيمِي وحُمَيد الطَّويل والجُريري وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإسحاقُ وابنُ مَعِين وخلق، قال أَحْمد: كان حافظًا مُتْقِنًا، وقال العِجْليّ: ثِقَة ثَبْت، وقال أبو حاتم: إمامٌ لا يُسأل عن مثله. وقال في "التقريب": ثِقَة مُتْقِن عابد، من التاسعة، مات سنة ستٍّ ومائتين. (وذَكَرَ) يَزيدُ بن هارون (زيادَ بنَ ميمونٍ) الثَّقَفيَّ الفاكهيَّ (فقال) يزيدُ: (حَلَفْتُ) بالله وأقسمتُ على (أنْ لا أرويَ) ولا أُحَدِّثَ (عنه) أي: عن زياد بن ميمون (شيئًا) من الأخبارِ لا قليلًا ولا كثيرًا؛ لأنه كَذَّابٌ وَضَّاعٌ، (و) حَلَفْتُ أَيضًا على أنْ (لا) أرويَ (عن خالدِ بنِ مَحْدُوجٍ) - بميم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم قال مضمومة مهملة ثم واو ثم جيم- أبي روح الواسطيّ- رأى أنس بنَ مالك رضي الله تعالى عنه - لأنه كَذَّابٌ أَيضًا. ثم بَيَّنَ يَزِيدُ بن هارون رحمه الله تعالى سبَبَ عدم روايته عن زياد بن ميمون (وقال) يزيدُ: وإنما حَلَفْتُ على تَرْكِ روايتي عنه؛ لأني (لَقِيتُ) ورأيتُ يومًا (زيادَ بنَ ميمونٍ فسألتهُ) أي: فسألتُ زيادًا (عن حديثٍ، فحَدَّثني به عن بكْرٍ) بفتح الباء الموحدة وإسكان الكاف، ابن عبد الله (المُزَنِيّ) التابعي الجليل الفقيه رحمه الله تعالى، وهو بَكْر بن عبد الله بن عَمْرو بن هلال المُزَنِيّ أبو عبد الله البصريُّ، أحدُ الأئمة الأعلام. روى عن المغيرة وابن عبّاس وابن عُمر، قال ابنُ المَديني: له نحو خمسين حديثًا، ويروي عنه (ع) وقتادة وثابت وحُمَيد وخلق.

ثُمَّ عُدْتُ إِلَيهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثِقَة ثبَتْ جليل، من الثالثة، مات سنة ستٍّ أو ثمانٍ ومائة. قال يَزيدُ بن هارون: (ثُمَّ عُدْتُ) ورَجَعْتُ (إليه) أي: إلى زياد بن ميمون (فحَدَّثَنِي) زيادٌ (به) أي: بذلك الحديث الذي حَدَّثَني أولًا عن بَكْر المزني مَرَّةً ثانيةً (عن مُوَرِّق) بضمِّ الميم وفتح الواو وكسر الراء المشدّدة، ابن المُشَمْرِج بضمِّ الميم الأولى وفتح الشين المعجمة وسكون الميم وكسر الراء وبالجيم بوزن مُدَحْرِج، العِجْليّ أبي المُعْتَمِر البَصْرِيّ. روى عن عُمر وسَلمان الفارسيّ وأبي ذَرٍّ وأبي الدَّرداء وابن عبّاس وابن عُمر وجماعة، ويروي عنه (ع) وقتادة وعاصم الأحول وحُمَيد الطَّويل ومجاهدٌ وخلق، وَثَّقة النسائيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ، من كبار الثالثة، مات بعد المائة وليس عندهم (مُوَرِّق) إلَّا هذا. (ثُمَّ عُدْتُ) وَرَجعْتُ (إليه) أي: زيادٍ ثالثةً (فحَدَّثَني به) أي: بذلك الحديثِ (عن الحَسَنِ) بنِ أبي الحَسَنُ يَسَار البَصْرِيّ إمامِ الهُدى والسُّنَّة، (وكان) يَزِيدُ بن هارون (يَنْسُبُهما) أي: يَنْسُبُ زيادَ بنَ ميمون وخالدَ بن مَحْدُوج (إلى الكَذِبِ) ويقول: إنهما كذّابان. وقال النوويُّ: (وأما قولُه: "وكان يَنْسُبُهما إلى الكَذِبِ" .. فالقائلُ: هو الحُلْوَانِيُّ، والنَّاسِبُ: هو يزيدُ بن هارون، والمنسوبان: زيادُ بن ميمون وخالدُ بن مَحْدُوج. وأمَّا قولُه: "حَلَفْتُ أنْ لا أَرْويَ عنهما" .. ففعله نصيحة للمسلمين، ومبالغة في التنفير عنهما؛ لئلّا يَغْتَرَّ أحدٌ بهما فيرويَ عنهما الكذب فيقَعَ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما راج حديثهما فاحتجّ به. وأمَّا حُكْمُه بكذب زياد بن ميمون .. فلكَوْنِه حَدَّثَه بالحديثِ عن واحدٍ ثم عن آخرَ

نبذة من ترجمة زياد بن ميمون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم عن آخر، فهو جارٍ على ما تقَدَّمَ من انضمام القرائن والدلائل, على الكذب) اهـ (¬1). نبذة من ترجمة زياد بن ميمون: هو زياد بن ميمون الثَّقَفيّ الفاكهي، روى عن أنس، ويُقال له: زياد أبو عمار البَصْرِيّ، وزياد بن أبي عمار، وزياد بن أبي حسّان، يُدَلِّسُونه لئلا يُعرف في الحال. قال الليث بن عبدة: سمعتُ ابنَ مَعِين يقول: زياد بن ميمون ليس يسوى (¬2) قليلًا ولا كثيرًا، وقال مَرَّةً: ليس بشيء، وقال يَزِيد بن هارون: كان كذّابًا، وقال البُخَارِيّ: تركوه، وقال أبو زُرْعة: واهي الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال أبو داود: أتيتُه فقال: أستغفرُ اللهَ؛ وضَعْتُ هذه الأحاديث. وقال بشر بن عمر الزهراني: سأَلتُ زيادَ بنَ ميمون أَبا عَمَّار عن حديثٍ لأنس فقال: احسبوني كنتُ يهوديًّا أو نصرانيًّا، قد رَجَعْتُ عَمَّا كنْتُ أُحَدِّثُ به عن أنس، لم أسمع من أنس شيئًا. ومن مناكيره عن أنس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة". وقال صبّاح بن سَهْل: ضعيف، عن زياد بن ميمون، عن أنس مرفوعًا: "ليس من امرأةٍ تَحْمِلُ حملًا .. إلَّا كان لها كأجر القائم الصائم المُخْبتِ، فإذا وَضَعَتْ .. كان لها بكُلِّ رضعةٍ عِتْقُ رقبة، والرجلُ إذا جَامَعَ زوجتَه واغْتَسَلَ .. بَاهَى اللهُ به الملائكة". قال محمَّد بن الحارث صُدْرَة: حَدَّثَنَا مُفَضَّل بن فَضَالة، عن أبي عروة، عن زيادٍ أبيِ عَمَّار، عن أنسٍ مرفوعًا: "إن الله ليس بتاركٍ أحدًا يوم الجمعة من المسلمين إلَّا غَفرَ له". قلتُ: قد أدركه يحيى بن يحيى التَّمِيمِيّ. اهـ من "الميزان" (2/ 94 - 95). تتمة في ترجمة خالد بن مَحْدُوج: ويقال له: ابن مَقْدْوح، روى عن أنس وغيره، واسطيٌّ، رماه يَزِيد بن هارون ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 113). (¬2) يسوى كـ (يرضى)، وهي لغة قليلة كما في "ق". وكذلك ورد في "الضعفاء" لابن عدي بلفظ (يسوى).

قَال الْحُلْوَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ وَذَكَرْتُ عِنْدَهُ زِيَادَ بْنَ مَيمُونٍ فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكذب، وقال أبو حاتم: ليس بشيء، ضعيف جدًّا، وقال النَّسائيّ: متروك، وقال ابن عدي: يُكنى أَبا روح. قال البُخَارِيّ: كان يَزِيد بن هارون يرميه بالكذب، حَدّثَ عنه أبو أسامة. وقال أبو أسامة: حَدَّثني خالد بن مَحْدُوج، سمعتُ أنسًا يقول: (إنَّ داود عليه السلام ظَنَّ أن أحدًا لم يَمْدَحْ خالقَه أفضلَ مِمَّا مدَحَه، وأنَّ ملكًا نزل وهو قاعدٌ في المحراب ... ) الحديث. قال عبد الصمد بن عبد الوارث: حَدَّثَنَا خالد بن مَحْدُوج، سمعتُ أنسًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها آخر ليلة". وقال بِشْر بن محمَّد السُّكرِيُّ أحدُ الواهِين: عن خالد، عن أنس قال: (سُحِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبرائيل بخاتم فلبسه في يمينه، وقال: لا تَخَفْ شيئًا ما دامَ في يمينِك) اهـ من "الميزان" (1/ 642). ثُمَّ ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في جَرْح زياد بن ميمون فقال: (قال) الحَسَنُ بن عليّ أبو علي (الحُلْوَانِيُّ) المكيُّ: (سَمِعْتُ) أنا (عبدَ الصمدِ) ابنَ عبد الوارث بن سعيد العَنْبريّ مولاهم، أَبا سَهْل البَصْرِيّ الحافظ، روى عن هشام الدَّسْتوائي وشُعْبة وغيرِهما، ويروي عنه (ع) وابنُه عبدُ الوارث وأحمدُ وإسحاقُ وابنُ معِين. قال في "التقريب": صدوقٌ ثَبْتٌ في شُعْبة، من التاسعة، مات سنة سبعٍ ومائتين، وليس في مسلم من اسمه (عبد الصمد) إلّا هذا الصَّدُوق. ومفعولُ (سمعتُ) الثاني أو الجملة الواقعة حالًا من المفعول الأول محذوف تقديره: سمعتُ عبد الصمد يَذُمُّ زيادَ بنَ ميمون. وجملةُ قوله: (و) قد (ذَكَرتُ) أنا (عندَه) أي: عندَ عبد الصمد (زيادَ بنَ ميمونٍ) أَبا عَمَّار البَصْرِيَّ (فنَسَبَه) أي: فنَسَبَ عبدُ الصمدِ زيادًا (إلى الكَذِبِ) فقال: إنَّ زيادَ بنَ ميمون كَذَّابٌ في الحديث متروك .. حالٌ من فاعل (سَمِعْتُ).

[76] وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيلَانَ قَال: قُلْتُ لِأَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَمَا لَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَطَّارةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغَرَضُ المؤلِّفِ بسَوْقِ هذا السَّنَدِ بيانُ: متابعة عبد الصمد ليَزِيد بن هارون في جَرْح زياد بن ميمون. ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى الشاهدَ أَيضًا في جَرْح زياد بن ميمون فقال: [76] (وحَدَّثَنا محمودُ بن غَيلانَ) العَدَوي المَرْوزي، ثِقَة، من العاشرة، مات سنة (239)، أو بعدها. (قال) محمودٌ: (قلتُ) أنا (لأبي داودَ) سليمانَ بنِ داودَ (الطيالسيِّ) البصريِّ أَحَدِ الأئمة الحُفَّاظ، من التاسعة، مات سنة (204): (قد أَكْثَرْتَ) أنتَ يَا أَبا داودَ الروايةَ (عن عَبَّادِ بنِ منصورِ) الناجى أبي سلمة البَصْرِيّ قاضي البصرة، وكان قدريًّا مُدلّسًا، يروي مناكير كما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى. (فما لَكَ) يَا أَبا داود تروي عنه مع أنَّهم ضَعَّفُوه أ (لَمْ تَسْمَعْ) يَا أَبا داود (منه) أي: من عَبَّادِ بنِ منصورٍ؛ أي: فهل سمعتَ منه (حديثَ) المرأة (العَطَّارَةِ) أي: التي تبيعُ العِطْرَ بالمدينة المنورة التي يُقال لها: الحَوْلاء بنت تُوَيت (¬1). قال القاضي عِياضٌ رحمه الله تعالى: (هو حديثٌ رواه زيادُ بن ميمون هذا عن أنسٍ: أن امرأةً يُقال لها: الحولاء، عطَّارة كانت بالمدينة، فدخَلَتْ على عائشة رضي الله عنها وذَكَرَتْ خبرَها مع زوجها وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذكر لها في فضل الزوج، وهو حديثٌ طويل غير صحيح، ذَكَره ابنُ وَضَّاح بكماله، ويُقال: إنَّ هذه العَطَّارة هي الحَوْلَاءُ بنتُ تُوَيت) اهـ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر "تقييد المهمل" (1/ 143). (¬2) "إكمال المعلم" (1/ 151)، قلتُ: وحديث العطّارة الذي أشاروا إليه لفظُه: (كانت امرأة عطّارة يُقال لها: الحَوْلاء، فَجَاءَتْ إلى عائشة فقالت: يَا أُمّ المُؤْمنين؛ نفسي لك الفداء، إنِّي أُزيّن نفسي لزوجي كُلَّ ليلة حتَّى كأني العروس أُزفّ إليه ... ) الحديث بطوله، وفيه فضل الولادة والرضاع والفطام والمراودة والمعانقة والقُبْلة والمجامعة وغير ذلك. أخرجه ابنُ الجوزي في "الموضوعات" (2/ 270) ونقل عن الدارقطني قوله: هذا =

الذِي رَوَى لَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ؟ ! قَال لِيَ: أسْكُتْ فَأنَا لَقِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: أَلمْ تَسْمَعْ يا أبا داود مِن عَبَّاد بن منصور حديثَ العَطَّارة (الذي رَوَى) أي: رواه (لنا النَّضْرُ بن شُمَيلٍ؟ ) بالتصغير، المازني أبو الحسن البصري النحوي نزيلُ مَرْوَ وشيخُها، وهو صاحبُ سيبويه وتلميذُ الخليل. روى عن حُمَيد الطويل وبَهْز بن حكيم وابن عَوْن وشُعْبة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى النيسابوري وإسحاق بن راهويه ويحيى بن مَعِين وغيرُهم، وَثقَه النسائي وأبو حاتم وابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْت، من كبار التاسعة، مات سنة أربع ومائتين وله اثنتان وثمانون سنة. وغَرَضُه بسَوْق هذا السنَدِ: الاستشهادُ بأبي داود ليَزِيد بن هارون في جَرْح زياد بن ميمون. أي: ألم تَسْمَعْ حديثَ العطارة الذي رواه لنا النضْرُ بن شُمَيلِ عن عَباد بن منصور عن زياد بن ميمون عن أنس رضي الله عنه (¬1)؟ قال محمود بن غَيلان: (قال لي) أبو داود: (اسْكُتْ) يا محمودُ واكْفُفْ عفَا سألتَني؟ (فأنا) أُخبرك خبرًا عجبيا يُبيّنُ لك حال زياد بن ميمون، فإني (لَقِيتُ) ¬

_ = حديث باطل، وعنه الحافظُ السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/ 169)، وأورده الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (2/ 498). وأخرجه الحافظُ الطبراني في "المعجمِ الأوسط" (6/ 180 - 181) حديث رقم (5373) من طريق القاسم بن الحكم العُرَني، عن جرِير بن أيوب البَجَلي، عن حَمَّاد بن أبي سُلَيمان، عن زياد الثقفي، عن أنس قال: (كانت امرأةٌ بالمدينة عطارة ... ) فذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل نكاحِ الرجل أهله. وقال: لم يَرْو هذا الحديث عن حَماد بن أبي سُليمان إلا جَرِيرُ بن أيوب. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 392) (باب ما جاء في الجماع): (رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جَرِير بن أيوب البجلي، وهو ضعيف). (¬1) انظر "الحل المفهم" (1/ 19 - 20).

زِيَادَ بْنَ مَيمُونٍ وَعَبْدُ الرحْمنِ بْنُ مَهْدِي فَسَألْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ التِي تَرويهَا عَنْ أَنسٍ؟ فَقَال: أَرَأَيتُمَا رَجُلًا يُذْنِبُ فَيتوبُ، آليسَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِ؟ قَال: قُلْنَا: نَعَمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ورأيتُ (زيادَ بنَ ميمونٍ) أنا (وعبدُ الرحمنِ بن مَهْدِي) بالرفع معطوف على ضمير الفاعل في قوله: (لَقِيتُ)، ولم يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالضمير المنفصل استغناءً عنه بوجود الفاصل (¬1) وهو المفعول به أعني (زيادَ بنَ ميمونٍ) كما قال في "الخلاصة" (¬2): وإنْ على ضميرِ رفعٍ مُتَّصِلْ ... عَطَفْتَ فَافْصِلْ بالضميرِ المُنْفَصِلْ أو فاصلٍ مَا، وبلا فَصْلٍ يَرِدْ ... في النظْمِ فاشيًا وضَعْفَه اعْتَقِدْ أي: لَقِيتُ أنا وعبدُ الرحمنِ بن مَهْدِي زيادَ بنَ ميمونٍ (فسَألْناه) عن أحاديثِه التي رواها عن أنس بن مالك رضي الله عنه هل هي صحيحة أم لا؟ أي: فسألتُ أنا وعبدُ الرحمنِ زيادَ بنَ ميمونِ عن أحاديثه (فقُلْنا) أي: فقلتُ أنا وعبد الرحمن (له) أي: لزياد بن ميمون: (هذه الأحاديثُ التي تَرويها) وتُحَدثُها (عن أنسِ) بن مالك هل هي صحيحةٌ أم لا؟ (فقال) لنا زيادُ بن ميمون: (أرأيتُما) أي: أخبراني أنتما يا أبا داود ويا عبد الرحمن (رجلًا) أي: عن حال رجلٍ (يُذْنِبُ) ويعصي اللهَ سبحانه بالأكاذيب الباطلة (فيتوبُ) أي: فيرجعُ عن ذَنْبه ويتوبُ إليه، فـ (رجلًا): مفعولٌ أولُ لـ (رأيتُما)، و (يُذْنِبُ) صفةٌ لـ (رجلًا)، (فيتوبُ) معطوفٌ على (يُذْنِبُ). وجملةُ قوله: (أليس) الشأن (يتوبُ اللهُ) سبحانه وتعالى ويرجع (عليه؟ ) بالمغفرة .. جملة استفهامية في محل النصب مفعول ثانٍ لي (رأيتُما) عُلقَ عنها بالاستفهام، والمعنى: أخبراني أنتما رجلًا مُذْنبا تائبا إلى الله تعالى، ألَم يكن اللهُ تائبا عليه؟ (قال) أبو داود: (قلْنا) أي: قلتُ أنا وعبد الرحمن بن مهدي لزياد بن ميمون: (نَعَمْ) حرفُ تصديقٍ في الإثبات، ولكنها قائمة هنا مقام بَلى التي تَقَعُ جوابا ¬

_ (¬1) انظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 127)، "شرح صحيح مسلم" (1/ 113). (¬2) "ألفية ابن مالك" (ص 47) (عطف النسق).

قَال: مَا سَمِعْتُ مِنْ أنس مِنْ ذَا قَلِيلًا وَلَا كَثيرًا، إِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ الناسُ فَأنتمَا لَا تَعْلَمَانِ أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا. قَال أَبُو دَاوُودَ: فَبَلَغَنَا بَعْدُ أَنهُ يَرْوي، فَأتَينَاهُ أَنَا وَعَبْدُ الرحمن ـــــــــــــــــــــــــــــ للنفي؛ لتقدُّم النفْيِ عليها؛ أي: بلى يتوبُ اللهُ تعالى عليه. (قال) زيادُ بن ميمون: إنْ أردتما أنْ أُخْبِرَكما كلاما صادقا حقا .. فأقول لكما: أنا (ما سَمِعْتُ من أنسِ) بن مالك رضي الله عنه ولا شافهتُ منه (مِنْ) هـ (ذا) الحديثِ المُسْنَدِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا أصلًا (قليلًا) منه (ولا كثيرًا، إن كان) الشأن (لا يَعْلَمُ الناسُ) عدم لقائي أنسًا. و(لا) في قوله: (فأنتما لا تَعْلَمَانِ) زائدة؛ أي: فأنتما تعلمان (أني لم أَلْقَ) ولم أَرَ (أنسًا) رضي الله عنه، فكيف تُصَدِّقان روايتي عن أنس؟ فأنا كاذب في روايتي عنه، فأنا أتوبُ الآن إلى الله تعالى عن كذبي عليه، وأرجو الله تعالى قبول توبتي عنه. ويحتمل أن تكون (لا) من قوله: (لا تَعْلَمَانِ) أصليةً على تقدير همزة الاستفهام التقريري، والمعنى: إنْ كان الناسُ لا يعلمون عدم لقائي أنسًا .. أفأنتما لا تعلمان ذلك؟ ! بل أنتما تعلمان أني لم أرَ أنسا، فكيف تَصِح روايتي عنه (¬1)؟ ! (قال أبو داود) الطيالسي: (فبَلَغَنا) أي: وصلنا وسمعنا من الناس، وقولُه: (بعدُ) ظرفُ زمانٍ مبنيٌّ على الضم لحذفِ المضافِ إليه ونَيَّةِ معناه متعلِّق بِـ (يَرْوي) الآتي؛ أي: فبلَغَنا (أنه يروي) بَعْدُ؛ أي: بلغنا أن زيادَ بنَ ميمونٍ يروي عنْ أنس بعد ما قال لنا ذلك الكلامَ من تكذيبِ نفسه (فأتيناه) أي: أتينا زيادَ بنَ ميمون (أنا) تأكيدٌ لضمير الفاعل في أتيناه (وعبدُ الرحمنِ) بن مهدي بالرفع معطوفٌ على ضمير الفاعل كما مَرَّ نظيرُه آنفًا. ¬

_ (¬1) عبارة النووي هنا: (هكذا وقعَ في الأصول: "فأنتما لا تَعلَمَانِ"، ومعناه: فأنتما تَعلَمان، فيجوزُ أن تكونَ "لا" زائدة، ويجوزُ أن يكون معناه: أفأنتما لا تعلمان، ويكون استفهام تقرير وحذف همزة الاستفهام). "شرح صحيح مسلم" (1/ 113 - 114).

فصل في ترجمة عباد بن منصور الناجي

فَقَال: أتوبُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ فترَكْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: فأتيتُ أنا وعبدُ الرحمنِ زيادَ بنَ ميمونٍ مَرَّةً ثانيةً بذلًا للنصيحة له، فقلنا له: أتروي عن أنسٍ ثانيًا بعد ما كذبت نفسك في روايتك عنه وقلتَ لنا: أتوب إلى الله تعالى من ذلك الكذب؟ ! (فقال) زيادُ بن ميمونٍ في جواب كلامنا: (أتوبُ) ثانيا إلى الله من كذبي ثانيا، قال أبو داود: (ثُم كان) زيادُ بن ميمونٍ، وقولُه: (بعدُ) متعلق بقوله: (يُحَدثُ) كما مَر نظيرُه آنفا؛ أي: ثم كان زياد يُحَدِّثُ ويروي عن أنسٍ بعد ما كذب نفسه مَرةً ثالثةً (فتَرَكْناه) أي: فتَرَكْنا زيادًا على حاله وكذبه؛ لأنه أَبَى عن قبول النصيحة والتوبة إلى الله تعالى، فلا ينفعه الوعظُ والتذكيرُ. فصل في ترجمة عَبَّاد بن منصور الناجِي: - بالنون والجيم- أبي سلمة البصري القاضي بها. قال في "التقريب": صدوقٌ رُمي بالقَدَر، وكان يُدلس، وتغير بآخَرَة، من السادسة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائة. اهـ روى عن عكرمة وعطاء وأبي رجاء العُطَارِدي وأبي المُهَزم البصري والحَسَن وأيوب وهشام بن عُرْوة والقاسم بن محمد بن أبي بكر، ويروي عنه (خت عم) وإسرائيل وحمّاد بن سلمة ورَيْحان بن سعيد وزياد بن الربيع وابن أخته عَرْعَرة بن البِرِنْد وشُعْبة ويحيى القطّان وابن وَهْب ورَوْح بن عُبادة ووَكِيع والنضْر بن شُمَيل ويَزيد بن هارون وأبو داود الطيالسي وعدة. قال علي بن المَدِيني: قلتُ ليحيى بن سعيد: عَباد بن منصور كان قد تَغَيَّرَ؟ قال: لا أدري، إلّا أنا حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أرَ يحيى يرضاه. وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال جدي: عَبَّاد ثقةٌ، لا ينبغي أن يترك حديثُه لرأي أخطأ فيه، يعني القدر. وقال الدوري عن ابن مَعِين ليس بشيء، وكان يُرْمَى بالقَدَر، وقال أبو زرعة: لَيِّن. وقال أبو حاتم: كان ضعيفَ الحديث، يُكتب حديثه، ونرى أنه أَخَذَ هذه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحُصَين عن عكرمة. وقال علي بن المَدِيني: سمعتُ يحيى بن سعيد يقول: قلتُ لعَباد بن منصور: سمعتَ حديث: "ما مررتُ بملإ من الملائكة"، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحلُ ثلاثا، يعني من عكرمة، فقال: حدثني ابنُ أبي يحيى عن داود عن عكرمة. وقال أبو داود: وَليَ قضاء البصرة خمس مرات، وليس بذاك، وعنده أحاديثُ فيها نكارة، وقالوا: تَغَيرَ. وقال الآجُري: سألتُ أبا داود عن عَمْرو الأَغْضَفِ، فقال: قاضي الأهواز ثقة. قال لعَبَّاد بن منصور: مَن حَدثَك أن ابنَ مسعود رجَعَ عن قوله: "الشقيُّ من شقي في بطن أُمه"؟ قال: شيخ لا أدري من هو. فقال عَمْرو: أنا أدري من هو، قال: من هو؟ قال: الشيطان. وقال النسائي: ليس بحُجة، وقال في موضع آخر: ليس بالقَوي، وقال ابنُ عدي: في جملة مَنْ يُكتب حديثه، وقال رُسْتَه عن يحيى بن سعيد: مات عَباد وهو على بطن امرأته، وقال ابنُ قانع: مات سنة اثنين وخمسين ومائة. قلتُ: وفيها أرخه أبو موسى العَنَزِي وزكرياء الساجي وابنُ حِبان وقال: كان قدريا داعيةً إلى القَدَر، وكُل ما رَوَى عن عكرمة سَمِعَه من إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن داود بن الحُصَين عنه، فدَلسها عن عكرمة. وقال عَباس الدوري عن يحيى بن مَعِين: حديثه ليس بالقَوي، ولكنه يُكتب، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال مهنأ عن أحمد: كانت أحاديثه منكرة، وكان قدريا، وكان يُدلس، وقال ابنُ أبي شيبة: روى عن أيوب وعكرمة: وكان يُنسب إلى القدر، روى أحاديث مناكير، وقال أبو بكر البَزار: روى عن عكرمة أحاديث ولم يسمع منه، وقال العِجْلي: لا بأس به، يُكتب حديثه، وقال مَرةً: جائز الحديث. وقال ابنُ سَعْد: هو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة، وقال الجُوزجاني: كان يرى برأيهم، وكان سيءَ الحفظ، وتَغَيَّرَ أخيرًا، وقال الآجُري: عن أبي داود حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج، حدثنا معاذ بن معاذ، حدثنا عَبادُ بن منصورٍ على قَدَرية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه. اهـ من "تهذيب التهذيب" (5/ 103 - 105). وفي "الميزان" (2/ 377 - 378): (قال بندَار: حدثنا يحيى بن سعيد وحدثنا عَباد بن منصور، قال: رأيتُ عُمَرَ بنَ عبد العزيز يُصلي متربعا. وقال ريحان بن سعيد: سمعتُ عَباد بن منصور، قال: كان رجل منا يقال له: كابس بن زمعة بن ربيعة، فرآه أنس بن مالك فعانقه وبكى، وقال: مَنْ أَحَب أنْ ينظرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلينظر إلى كابس بن زمعة ... وذكر فيه قصةً طويلةً، فدفعه إلى معاوية وشهد سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له كما شَهِدَ أنس. وقال عبد الله بن بَكْر السهْمي: حدثنا عَباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يعمل عمل قوم لوط، وفي الذي يُؤتى في نفسه، وفي الذي يَقَعُ على ذات مَحْرَم، وفي الذي يأتي البهيمة؟ قال: يقتل. وقال يَزِيد بن زُرَيع: حدثنا عَباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا: نِعْمَ العبدُ الحجّام، يذهب بالدم، ويجلو البصر، ويجف الصلب. قال البخاري: ربما دَلس عَباد عن عكرمة. وقال حسنويه: حدثنا أبو سعيد الحداد، عن يحيى بن سعيد: قلتُ لعَباد بن منصور: عمنْ أخذتَ حديث اللعان؟ قال: حدثني إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن حُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وقرأتُ على أبي الحسين اليُونيني ببعلبك وعلى أبي الربيع المقدسي بالصَّنَمَينِ وعلى جماعةٍ بدمشق: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبدُ الأَول، أخبرنا الداودِي، أخبرنا ابن حمُّويه، أخبرنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا عَبْد بن حُمَيد، أخبرنا يزَيد بن هارون، أخبرنا عَباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما مررتُ بملإ من الملائكة ليلةَ أُسري بي إلّا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد". وقال علي بن المَدِيني: سمعتُ يحيى بن سعيد قال: قلتُ لعَباد بن منصور:

[77] حَدَّثنا حَسَن الْحُلْوَانِي قَال: سَمِعْتُ شَبَابَةَ قَال: كَانَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ يُحدثُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعتَ "ما مررتُ بملإ من الملائكة"، و (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحلُ ثلاثا)؛ فقال: حدثني ابنُ أبي يحيى، عن داود بن الحُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) اهـ. ثم استشهد المؤلِّفُ لِمَا مَرَّ من جَرْح الرواة بأثَرِ شَبَابة فقال: [77] (حَدثَنا حَسَنُ) بن علي (الحُلْوَانِي) أبو علي المكي، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. (قال) الحَسَنُ: (سَمِعْتُ) أنا (شَبَابةَ) بنَ سَوارِ المدائني أبا عَمْرٍو الفَزَارِيَ مولاهم، من التاسعة، مات سنة أربع أو خمسِ أو ست ومائتين، ثقة حافظ رُمِيَ بالإرجاء، (قال) شَبَابَةُ: (كان عبدُ القُدُوسِ) بن حبيب الكَلاعي الشامي أبو سعيد الدمشقي. روى عن عكرمة والشعْبي ومكحول والكبار، ويروي عنه الثوْرِي وإبراهيمُ بن طَهْمان وأبو الجهم وعلي بن الجَعْد وخلق. قال عبد الرزاق: ما رأيتُ ابنَ المبارك يُفْصِحُ بقوله: كَذاب إلا لعبد القُدوس، وقال الفلاس: أجمعوا على تَرْك حديثه، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابنُ عدي: أحاديثُه منكرةُ الإسناد والمتن. وقال إسحاق بن أبي إسرائيل وغيره: قالا: حدثنا عبد القدوس عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا إخواني؛ تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضا؛ فإن الله سائلكم عنه" وفي "الجعديات": أخبرنا عبد القدوس عن أبي الأشعث الصنْعَاني عن شَداد بن أوس مرفوعًا: "مَنْ قرض بيتَ شِعْرٍ بعد العشاء .. لم تُقْبَل له صلاة حتى يصبح". وقال ابن أبي عُمر العَدَني: حدثنا عبد القدوس بن حبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا: "ما مِنْ مسلمٍ يُصْبِحُ ووالداه عليه ساخطان .. إلا كان له بابان من النار وإن كان واحد .. فواحد". وجملةُ قوله: (يُحَدِّثُنا) خبرُ كان؛ أي: كان عبدُ القُدُّوسِ مُحَدثا إيانا أحاديثَ

فَيقُولُ: سُوَيدُ بْنُ عَقَلَةَ. قَال شَبَابَةُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الْقُدُّوسِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وَسَلَّمَ - أَنْ يتَّخَذَ الروْحُ عَرْضًا، قَال: فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ شَيءٍ هَذَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ منكرةَ الأسانيدِ والمتونِ (فيقولُ) عبدُ القُدُّوسِ في تحديثه إيانا أحاديثَ منكرةَ الإسنادِ: حَدثَنا (سُويدُ بن عَقَلَةَ) بالعين المهملة والقاف المفتوحتين وهو تصحيف ظاهر، وإنما هو (غَفَلَة) بالغين المعجمة والفاء المفتوحتَينِ. (قال شبَابةُ) أيضًا: (وسَمِعْتُ عبدَ القدوسِ يقولُ) في تحديثه أحاديثَ منكرةَ المُتُونِ: (نهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يُتخَذَ الرَّوْحُ) بفتح الراء (عَرْضًا) بالعين المهملة المفتوحة وإسكان الراء، وهو تصحيف قبيح وخطأ صريح، وصوابهُ: (الرُّوح) بضمِّ الراء، (وغَرَضا) بالغين المعجمة والراء المفتوحتَين (¬1). والمرادُ بذِكْر هذا الحديث: بيانُ تصحيفِ عبد القُدُوس وغباوته، واختلالِ ضَبْطه، وحصولِ الوَهَم في إسنادِه ومَتْنِه كما بيناه. قال النووي: (معنى الحديث: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يتخَذَ الحيوانُ الذي فيه الرُّوْح غرَضا؛ أي: هَدَفا للرمْي، فيُرمى إليه بالنُّشابِ وشِبْهِه) (¬2). وقد ذكر في (كتاب الصيد) على الصواب، وهو مِثْلُ نَهْيِه صلى الله عليه وسلم عن قَتْل المصبورة أو المُجَثَّمة، وهي ذات الروح من الطير وغيره تُصْبَرُ؛ أي: تُحْبَسُ ليُرمى عليها، وسيأتي هذا في كتاب الصيد، ولم يختلف العلماءُ في مَنْعِ كلها وأنها غيرُ ذكية. وفائدةُ الحديثِ: النهْيُ عن قَتْل الحيوان لغير منفعةٍ، والعبثِ بقَتْلِه، وفيه مع ذلك إفسادُ المال (¬3). (قال) شبَابَةُ بن سَوار: (فقيل له) أي: لعبد القدوس وسُئِلَ: (أي شيء) معنى (هذا) الحديث الذي رَويتَ لنا بقولك: (أن يتخذ الروْحُ عَرْضا)؟ بفتح الراء ¬

_ (¬1) انظر "صيانة صحيح مسلم" (ص 128)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 114). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 114). (¬3) "إكمال المعلم" (1/ 152).

قَال: يَعْنِي يَتَّخِذُ كَوَّةً فِي حَائِطِهِ (¬1)؛ لِيَدْخُلَ عَلَيهِ الروْحُ. وَسَمِعْت عُبَيدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ الْقَوَارِيرِي يَقُولُ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زيدٍ يَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَمَا جَلَسَ مَهْدِيُّ بْنُ هِلالٍ بِأيامٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأول وإسكانها في الثاني مع العين المهملة. (قال) عبدُ القُدوس: (يَعْنِي) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: نَهْيَ الرجلِ (يَتخِذُ كَوَّةً) بفتح الكاف على اللغة المشهورة، قال صاحب "المطالع": وحُكي فيها الضم (¬2)؛ أي: نَهَى أن يَتخِذَ الرجلُ ويفتحَ كوَّةً؛ أي: طاقةً نافذةً وفرجةً مفتوحةً (في حائِطه) أي: جدارِ بيته (لِيَدْخُلَ عليه) أي: على الرجل (الروْحُ) أي: النسيمُ والريحُ اللطيفةُ التي تَجْلِبُ له البرودةَ، وفي بعض النسَخ: (تتخَذَ) بالبناء للمجهول مع التاء الفوقانية بدل الياء التحتانية، ورَفْعِ (كَوَّة) على أنه نائب فاعل لِتتخَذَ، وتنكيرِ (حائط) بلا إضافةٍ لضميرِ الرجل، وهذا الذي رواه عبد القدوس تصحيف قبيح في اللفظ، وخطأ صريح في المعنى. ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَر بأثَرِ حَماد بن زَيد فقال: (وَسَمِعْتُ عُبيدَ اللهِ) فالواوُ فيه عاطفة على محذوف تقديرُه: سمعتُ من غير عُبَيد الله هذا الجَرْحَ الآتي، وسمعتُ عُبَيدَ الله أيضًا، وفي بعض النسخ: (قال) الإمامُ (مسلم) رحمه الله تعالى على سبيل التجريد البديعي: وسَمِعْتُ عُبيدَ اللهِ (بنَ عُمَرَ) بن مَيسَرة الجُشَمي مولاهم، أبا سعيد (القَوَارِيري) البصري، ثقة ثَبْت من العاشرة، مات سنة خمسٍ وثلاثين ومائتين على الأصِحّ، وله خمسٌ وثمانون سنة. حالة كون عبيد الله (يقولُ: سَمِعْتُ حَمادَ بنَ زْيدِ) بن دِرْهَم الأَزْدي أبا إسماعيل البصريَّ، ثقة ثَبْت من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون سنة. حالة كون حماد (يقولُ لرجلٍ) من الطلبة، والظرفُ في قوله: (بعدَ ما جَلَسَ) متعلِّق بيقولُ، وما مصدرية، والجار والمجرورُ في قوله: (مَهْدِي بن هلالِ بأيامٍ) ¬

_ (¬1) في النسخة التركية بلفظ: (يعني تتخَذُ كوة في حائطٍ). (¬2) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 114)، و "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 35).

تتمة في ترجمة مهدي بن هلال

مَا هَذِهِ الْعَينُ الْمَالِحَةُ التِي نَبَعَتْ قِبَلَكُمْ؟ قَال: نعَمْ يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، والتقديرُ: سمعتُ حَمادًا يقولُ لرجلٍ من أهل البصرة بعد جلوس مهدي بن هلال في البصرة للتدريس جلوسا ملتبسا بأيام قلائل، ومقولُ القولِ قولُه: (ما هذه العَيْنُ المالحةُ)، و (ما) فيه للاستفهام التعجبي، والعينُ: الماء الجاري في الشقوقِ من مَنْبَعِها، أصغر من النهر، وفيه استعارة تصريحية مُرشَّحة حيث استعارَ عَينَ الماء المالح للحديث الذي يُحَدثُه مهدي بن هلال بجامع البشاعة في كُل. وقولُه: (التي نَبعَتْ قِبَلَكُمْ) ترشيحٌ؛ لأنه يلائم المستعار منه؛ أي: ما هذه العينُ المُرةُ التي لا تقبل الشرب لملوحتِها ومرارتها التي نبعَتْ وجَرَتْ من منبعها إلى جهتكم وشربتموها مع مُلوحتِها، وعدم قبولها للشرب للعاقل، وهذه العين المالحة كنايةٌ عن ضَعْفِه وجَرْحِه، وهو الغَرَضُ من سَوْق هذا الأثَر. (قال) الرجلُ لحمَّاد بن زيد: (نَعَمْ) حرفُ تصديقٍ في الإثبات قائمة مقام الجواب؛ أي: جَرَتْ قِبَلَنا عينٌ مالحةٌ كما قلت (يا أبا إسماعيلَ) وهو كنْية حَماد بن زيد، كأنَّ الرجلَ وَافَقَ حَمادًا على جَرْح مهدي بن هلال؛ فإن مَهْدِيًا مُتَّفَقٌ على ضَعْفِه، قال النسائي هو بصريٌّ متروك. تتمة في ترجمة مهدي بن هلال: هو مهدي بن هلال أبو عبد الله البصري، روى عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح ويونس بن عُبَيد، ويروي عنه ابنه محمد وحمدان بن عُمر وجماعة. كَذَّبه يحيى بن سعيد وابنُ مَعِين، وقال الدارقطنيُّ وغيرُه: متروك، وقال ابنُ مَعِين أيضًا: صاحب بدعة يَضَعُ الحديث، وساق له ابنُ عدي أحاديثَ وقال: عامةُ ما يرويه لا يتابَعُ عليه. وقال أحمد بن خلاد القطان: حدثنا مهدي بن هلال، حدثنا يعقوب بن عطاء، عن عَمْرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: "ليس على من نام قاعدًا وضوءٌ حتى يضع جَنْبَه إلى الأرض". وقال زيد بن المبارك: حدثنا مهدي بن هلال، حدثنا ابن جُرَيج والمثنى وإبراهيم بن يزيد، عن عطاء، عن ابن عَباسٍ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

[78] وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِي قَال: سَمِعْتُ عَفانَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا عَوَانةَ قَال: مَا بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ حَدِيث .. إِلَّا أتَيتُ بِهِ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَياشٍ فَقَرَأَهُ عَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يُسَلِّمُ تسليمةً)، رواه عبد الرزاق، عن ابن جُرَيج، عن عطاء قوله، وكان مَهْدِي قَدَريًّا. قال ابنُ المَدِيني: كان يتهَمُ بالكذب. اهـ من "الميزان" (4/ 195 - 196). ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَر أيضًا بِأثَرِ أبي عَوَانة فقال: [78] (وحَدثَنا الحَسَنُ) بن على (الحُلْوَانِي) أبو علي المكي، ثقة حافظ من الحادية عشرة. (قال) الحَسَنُ: (سَمِعْتُ عَفانَ) بنَ مسلمِ الأنصاري البصري، ثقة ثَبْتٌ، من كبار العاشرة، مات سنة عشرين ومائتين. (قال) عَفانُ: (سَمِعْتُ أبا عَوَانَةَ) بفتح العين المهملة، الوَضاح -بتشديد المعجمة ثم حاء مهملة- ابنَ عبد الله اليشكري بالمعجمة الواسطي البرازَ، مشهور بكُنْيته، أحد الأئمة الأعلام. روى عن قتادة وابن المُنْكَدِر وإسماعيل السدي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشَيبان بن فَروخ وخَلَف بن هشام وقتيبة وخلق. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْت من السابعة، مات سنة خمسِ أو ست وسبعين ومائة. (قال) أبو عَوَانة: (ما بَلَغنِي) ووصَلَني (عن الحَسَنِ) البصري (حديث) واحد ولا أكثرُ (إلا أتيتُ) وجئتُ (به) أي: بذلك الحَدِيثِ الذي وصلني عن الحَسَنِ؛ أي: إلا أخبرتُ به (أبانَ بنَ أبي عَياش) الكذَابَ (فَقَرأَهُ) أي: فَقَرَأ أَبان ذلك الحديثَ (على) راويا عن الحسَن كاذبا. والمعنى: كُلما أخبرتُه عن الحَسَنِ .. يقول: أنا سمعتُه عن الحسن ويقرؤه على، و (أبان) يُصرف ولا يُصرف، والصرفُ أجودُ؛ لأن النونَ فيه أصلية، ذكره النووي وقال: (ومعنى هذا الكلام: أنه كان يُحَدثُ عن الحَسَنِ بكُل ما يُسْأل عنه وهو كاذب في ذلك) (¬1). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 115).

ترجمة أبان بن أبي عياش

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ترجمةُ أبان بن أبي عَياش: هو أبَانُ بن أبي عيَّاشٍ فَيرُوزَ -وقيل: دينارٍ- أبو إسماعيل مولى عبد القيس البصري الزاهد، أحد الضعفاء، وهو تابعي صغير، يروي عن أنس وغيره. قال في "التقريب": متروك من الخامسة، مات في حدود الأربعين ومائة. روى عن أنس فأكثر وسعيد بن جُبَير وخُلَيد بن عبد الله العَصَري وغيرهم، ويروي عنه (د) وأبو إسحاق الفزاري وعمران القطان وَيزِيد بن هارون ومعمر وغيرهم. قال الفلاس: متروك الحديث، وهو رجل صالح يكنى أبا إسماعيل، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يُحَدِّثان عنه، وقال البخاريُ: كان شعبةُ سَيِّءَ الرأي فيه، وقال عباد المهلبي: أتيتُ شعبة أنا وحَمادُ بن زيد فكلمْنَاه في أبان أن يُمسك عنه فأمسك، ثم لقيتُه بعدَ ذلك فقال: ما أراني يسَعُني السكوتُ عنه. قال شعيب بن حرب: سمعتُ شعبةَ يقول: لأَنْ أَشْربَ من بول حمارٍ حتى أَرْوَى أَحب إِليَّ مِن [أن] أقول: حَدثنا أبانُ بن أبي عَياش. وروى ابنُ إدريس وغيرُه عن شعبة قال: لأَنْ يزنيَ الرجلُ خيرٌ من أن يروي عن أبان. وقال ابنُ إدريس: قلتُ لشعبة: حدثني مهدي بن ميمون عن سَلْم العلويِّ قال: رأيتُ أبان بن أبي عَياش يكتب عن أنس بالليل فقال شعبة: سَلْم يَرَى الهلال قبل الناس بليلتين. وقال يَزِيد بن هارون: قال شعبة: داري وحماري في المساكين صدقة إنْ لم يكن أبان بن أبي عَياش يكذب في الحديث، قلت له: فَلِمَ سمعْتَ منه؛ قال: ومَن يصبرُ عن ذا الحديث؟ ! يعني حديثه عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن أُمِّه قالت: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع، ورواه خلاد بن يحيى حدثنا الثوْري عن أبان، وقال عبدان عن أبيه عن شعبة: لولا الحياءُ من الناس ما صليتُ على أبان. وقال يَزِيد بن زُريع: إنما تركت أبانا؛ لأنه روى حديثًا عن أنس فقلتُ له: عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: فهل يروي أنسٌ إلّا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال معاذ بن معاذ: قلت لشعبة: أرأيتَ وَقِيعَتَكَ في أَبانِ تبين لَك غَيرَ ذلك؟ فقال: ظَنٌّ يُشْبهُ اليقينَ. وقال عبد الله بن أحمد شَبُّوَيهِ -بفتح أوله وتشديد الباء الموحدة-: سمعتُ أبا رجاء يقول: قال حماد بن زيد: كلمْنَا شعبة في أن يكُف عن أبان بن أبي عياش لسِنّهِ وأهلِ بيته فضَمِن أن يفعل، ثم اجتمعا في جنازة فنادى مِنْ بعيد: يا أبا إسماعيل؛ إني قد رجَعْتُ عن ذلك لا يَحِلُّ الكف عنه؛ لأن الأَمْرَ دِين. وقال أحمد: هو متروك، كان وَكيع إذا مَر على حديثه .. يقول: رجل، ولا يُسميه استضعافًا له، وقال يحيى بن مَعِين: متروك، وقال مرةَ: ضعيف، وقال أبو عوانة: كنت لا أسمع بالبصرة حديثًا إلا جِئْتُ به أبانا فحدثني به عن الحسن، حتى جَمعْتُ منه مصحفا فما أستحلُّ أن أَرْوي عنه، وقال أبو إسحاق السعدي الجوزجاني: ساقط، وقال النسائي: متروك، ثم ساق ابنُ عدي لأبان جملة أحاديثَ منكرةٍ. ويُروى عن سفيان أنه قيل له: ما لك قليلَ الرواية عن أبانٍ؟ قال: كان نَسِيّا للحديث، وقال أحمد بن حنبل: قال عفان: أوَّلُ مَنْ أَهْلَكَ أبانَ بن أبي عَيَّاش أبو عوانة؛ جمعَ حديث الحسن فجاء به إلى أبان فقرأه عليه، وقال محمد بن المثنى: ما سمعت يحيى وعبد الرحمن يحدثان عن أبانِ بن أبي عياش شيئًا قط، وقال الحافظ أحمد بن علي الأَبارُ فيما رواه عنه العقيلي: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلتُ له: أترضى أبانَ بن أبي عياش؟ قال: لا. وروَى له أبو داود حديثًا واحدا مقرونا بقتادة في الصلاة، ثنا خُلَيد العَصَري عن أبي الدرداء: "خَمس مَنْ جاء بهن ... " الحديث وهو من روايةِ ابن الأعرابي، وقال ابنُ حِبان: كان أبان من العُباد الذي يسهر الليلَ بالقيام، ويطوي النهارَ بالصيام، سمع عن أنس أحاديثَ، وجالس الحسنَ، فكان يسمع كلامه ويحفظ، فإذا حدث .. ربما جعل كلامَ الحسن عن أنس مرفوعًا وهو لا يعلم، ولعله روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثرَ من ألف وخمسمائة حديث، ما لكثير منها أصل يُرجع إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحسن بن الفَرَج عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد، قال: جاءني أبان بن أبي عياش فقال: أُحب أن تُكلم شعبة أن يكُف عني، قال: فكلمْتهُ .. فكف عنه أياما، فأتاني في الليل فقال: إنه لا يحل الكف عنه؛ فإنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال ابن حبان: فَمِنْ تلك الأشياء التي سَمِعها من الحسن فجَعلهَا عن أنس: أنه روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ناقة جَدْعَاء فقال: "أيها الناسُ؛ كان الحق فيها على غيرنا وجب، وكان الموت فيها على غيرنا كتب ... " الحديث، رواه ابن أبي السري العسقلاني، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، حدثنا أبان بهذا. وقال ضمرة: حدثنا يحيى بن راشد عن أبان عن أنس مرفوعًا: (اسم الله الأعظم قول العبد: اللهم؛ إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام". وقال حماد بن سلمة: عن أبان عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت: كان جبرائيل عند النبي صلى الله عليه وسلم والحسين معي، فبكى فتركته، فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبرائيل: أتحبه يا محمد؟ قال: "نعم"، قال: إن أمتك ستقتله، وإن شِئْتَ .. أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، فأراه، فإذا الأَرْضُ التي يقال لها: كربلاء. والكربلاء: الموضعُ الذي قُتل فيه الحسين في طرفِ البرية عند الكوفة. وقال ابن عدي: حدثنا الحسينُ بن عبد الغفار، حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الفضل بن المختار عن أبان عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "ما أَطْيَبَ مَالك! منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرتُ عليها، وزوجتي ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالِك، كأني أنظر إليك على بابِ الجنة تَشْفَعُ لأمتي". وروى الفضل بن المختار عنه عن أنس مرفوعًا: "الجفاء والبغي بالشام"، قلت: لكن الفضل غير ثقة.

[79] وَحَدَّثَنَا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عدي: حدثنا أحمد بن محمد الغَزِّي، حدثنا محمدُ بن حماد الطهْراني، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن أنس: قال رجل: يا رسول الله؛ أوصني، قال: "خُذ الأمر بالتدبير، فإن رأيت في عاقبتِه خيرًا .. فامْضِ، وإنِ خِفْتَ غَيًّا .. فامْسِكْ! . وبه مرفوعًا: "من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فنصره .. نصره الله في الدنيا والآخرة، فإن لم ينصره .. أدركه الله به في الدنيا والآخرة، . وقال عمرو بن أبي سلمة: حدثنا زهير، حدثنا أبان وحميد عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَآتَيتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} قال: "ألف دينار". قلت: هذا من مناكير زهير بن محمد، قال ابن عدي: أرجو أنه لا يتعمد الكذب، وعامة ما أتى به من جهة الرواة عنه. ويُروى أن مالك بن دينار لقي أبانًا فقال: إِلَى كَمْ تُحدِّثُ الناسَ بالرخَصِ؟ فقال: يا أبا يحيى؛ إني لأَرْجُو أن تَرى مِنْ عفو الله ما تَخْرِقُ له كِسَاءَكَ هذا مِنَ الفرح. ورُوي أن أبانا رأوه بالمنام فقال: أوقفني الله بين يديه فقال: ما حَملَك على أن تكثر للناس من أبوابِ الرجاء؟ فقال: يا رب؛ أردت أن أُحببكَ إلى خَلْقِك فقال: قد غفرْتُ لك. اهـ من "الميزان" (1/ 10 - 15) مع زيادة من "التهذيب" (1/ 97 - 101). ثُمَّ ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى الشَّاهِدَ لأثرِ أبي عَوَانة فقال: [79] (وحَدثَنا سُويدُ بن سعيدِ) بن سهل الهرويُ الأصلِ، ثم الأنباريُّ، ثم الحَدثاني أبو محمد. روى عن حفص بن مَيسَرة وحَماد بن زيد ومالك وخَلْق، ويَرْوي عنه (م ق) والفِريابي والبغَوي، قال أحمدُ: أرجو أن يكون صدوقا. وقال في "التقريب": صدوق، إلا أنه عَمِيَ فصار يَتلقَّن ما ليس من حديثه، وأَفْحَشَ فيه ابنُ مَعِين فكَذَّبه، قال البخاري: مات سنة أربعين ومائتين وله مائة سنة، من قُدماء العاشرة.

حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ قَال: سَمِعْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ الزياتُ مِنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَياشٍ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ. قَال عَلِي: فَلَقِيتُ حَمْزَةَ، فَأخْبَرَني أَنهُ رَأَى النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي الْمَنَامِ، فَعَرَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سُوَيدٌ: (حَدثَنا عَلَي بن مُسْهِر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء، القرشي أبو الحسن، قاضي الموصل الحافظُ. روى عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة، ويروي عنه (ع) وخالد بن مَخْلَد وغيرهم. قال في "التقريب": ثقة له غرائب بعدَ أنْ أضر، من الثامنة، مات سنة تسع وثمانين ومائة. وغرَضُ المُؤَلفِ بسَوْق هذا السند: الاستشهادُ بأثرِ علي بن مُسْهِر لأبي عَوَانة في جَرح أبان بن أبي عَياش. (قال) علي بن مُسْهِر: (سَمِعْتُ) فعل وفاعل (أنا) تأكيد لضمير الفاعل (وحمزةُ الزياتُ) بالرفع معطوف على ضمير الفاعل؛ لوجود الفَصْلِ بالضميرِ المنفصل كما مَر نظيرُه قريبا. وأما حمزة الزيات: فهو حمزة بن حَبيب الزيات -لبَيعِه الريتَ- أبو عمارة الكوفي، أحد القُراء السبعة. روى عن الحَكَم وحَبيب بن أبي ثابت وعَمْرو بن مُرة، ويروي عنه (م عم) وابن المبارك وجَرِير بن عبد الحَميد وخَلْق. قال في "التقريب": صدوقٌ زاها ربما وَهِمَ، من السابعة، مات سنة ست أو ثمان وخمسين ومائة، وكان مولده سنة ثمانين. أي: سمِعْنا جميعا (من أبانِ بنِ أبي عَياش) الكَذَّابِ (نَحوًا) أي: قَدْرًا أو قريبا (من ألفِ حديثٍ) من الأحاديث الموضوعة. (قال علي) بن مُسْهِرٍ: (فلَفِيتُ) أنا يوما (حمزةَ) بن حبيب الزيات بعد ما سمعنا منه تلك الأحاديثَ الموضوعةَ (فأخبرني) حمزةُ (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام) أي: في النوم بعد ما تفارقنا (فَعَرَض) حمزةُ في تلك الرؤيا

عَلَيهِ مَا سَمِعَ مِنْ أَبَانٍ، فَمَا عَرَفَ مِنْهَا إِلَّا شَيئًا يَسِيرًا خَمْسَةً أَوْ سِتةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (عليه) أي: على النبي صلى الله عليه وسلم (ما سَمع من أبانِ) بنِ أبي عَيَّاش من تلك الأحاديث الموضوعة (فما عَرَفَ) النبي صلى الله عليه وسلم وما قَبِلَ (منها) أَي: من تلك الأحاديث التي سمعناها منه (إلا شيئًا يسيرًا) وعددا قليلًا منها، إمَّا (خمسةً) منها (أو سِتَّةً) أو سبعة مثلًا. قال القاضي عياضٌ رحمه الله تعالى: (هذا ومِثْلُه استئناسٌ واستظهارٌ على ما تَقَرَّرَ من ضَعْف أَبَانٍ، لا أنه يُقطع بأمر المنام، ولا أنه تَبْطُلُ بسببه سُنة ثَبَتَتْ، ولا تَثْبُتُ به سُنَّةٌ لم تَثْبُتْ، وهذا بإجماعِ العلماء) اهـ (¬1) وقال النووي: (وكذا نَقَلَ غيرُه من أصحابنا وغيرهم الاتفاقَ على أنه لا يُغير بسبب ما يراه النائمُ ما تَقَرَّرَ في الشرع، وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رآني في المنام .. فقد رآني حقا"؛ فإن معنى الحديث: أَن رُؤْيَتَه صحيحةٌ، وليستْ من أضغاثِ الأحلام وتلبيسِ الشيطان، ولكنْ لا يجوزُ إثباتُ حُكْم شرعي به؛ لأن حالة النوم ليستْ حالةَ ضبطٍ وتحقيقٍ لما يسمعه الرائي، وقد اتَّفَقُوا على أن مِنْ شَرْطِ مَنْ تُقبل روايتُه وشهادتُه: أن يكون متيقظا لا مغفَّلًا، ولا سيءَ الحفظ، ولا كثيرَ الخطإ، ولا مُخْتَل الضبط، والنائمُ ليس بهذه الصفَة، فلم تُقبل روايتُه لاختلالِ ضَبْطِه. هذا كُلُّه في منامٍ يتعلَّقُ بإثباتِ حُكْمٍ على خلافِ ما يَحْكُمُ به الوُلاة، أما إذا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمره بفعلِ ما هو مندوبٌ إليه، أو ينهاه عن مَنْهِي عنه، أو يُرشده إلى فعلِ مصلحةٍ .. فلا خلافَ في استحباب العمل على وَفْقهِ؛ لأن ذلك ليس حُكْمًا بمُجَرَّدِ المنام، بل بما تَقَرَّر من أصل الشيء، والله أعلم) اهـ (¬2). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لِمَا مَر من جَرح الرواة بأثَر أبي إسحاق الفَزَاري فقال: ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 153). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 115).

[80] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدَّارِمي، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِي، قَال: قَال لِي أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ: اكْتُبْ عَنْ بقِية مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلَا تَكْتُبْ ـــــــــــــــــــــــــــــ [80] (حَدَّثَنا عبدُ اللهِ بن عبد الرحمنِ) بن الفَضْل بن مهران أو بَهْرَام (الدَّارِمي) نسبة إلى دَارِم أحد أجداده، أبو محمد السمرقندي الحافظ، أحدُ الأئمة الأعلام، صاحب "المسند" و "التفسير" و"الجامع". روى عن يَزِيد بن هارون ويعلى بن عُبَيد وجعفر بن عون وغيرهم، ويروي عنه (م د ت) والبخاريُ في غير "الصحيح"، قال أحمدُ: إمامُ أهل زمانه. وقال في "التقريب": ثقة فاضل مُتْقن، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وخمسين ومائتين وله أربع وسبعون سنة. قال عبدُ اللهِ: (أخبرنا زكرياءُ بن عَدي) بن الصلْت التيمي مولاهم، أبو يحيى الكوفي الحافظ. روى عن شَرِيك وحَمَّاد بن زَيد وإبراهيم بن سَعْد، ويروي عنه (خ م ت س ق) وإسحاق بن راهويه وإسحاق الكَوْسَج وعَبْد بن حُميد وخلق. وقال في "التقريب": ثقة جليل من كبار العاشرة، مات سنة إحدى أو اثنتي عشرة ومائتين. (قال) زكرياءُ بن عَدِي: (قال لي أبو إسحاقَ الفَزَارِيُّ) بفتح الفاء، إبراهيمُ بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الكوفي، الإمام الجليل المُجْمَعُ على جلالتِه وتقدُّمِه في العلم وفضيلتِه. روى عن خالد الحذاء وحُمَيد الطويل وأبي طُوالة ومالك وخَلْق، ويروي عنه (ع) والأوزاعي والثوْري من شيوخه وخَلْق. وقال في "التقريب": ثقة حافظ له تصانيف، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومائة، وقيل: بعدها. أي: قال لي: (اكْتُبْ) يا زكرياء (عن بقيَّة) بن الوليد بن صائد (ما رَوَى) وحَدَّثَ من الأحاديث (عن) الثقاتِ (المعروفين) المشهورين (ولا تكتُبْ) يا زكرياء

ترجمة بقية الكلاعي

عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيرِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلَا تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشِ مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ وَلَا عَنْ غَيرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عنه) أي: عن بقِيَّة (ما رَوَى) من الأحاديث (عن) المجهولين (غيرِ المعروفين) بالحفظ والإتقان؛ فإنه ثقةٌ في المعروفين، ضعيفٌ في غيرهم (ولا يكتُبْ) يا زكرياء (عن إسماعيلَ بنِ عَيَّاشٍ ما رَوَى) من الأحاديث (عن) الثقات (المعروفين ولا) ما روى (عن غيرِهم) أي: عن غيرِ المعروفين من المجهولين؛ فإنه ضعيفٌ في الكُلِّ (¬1). قال النوويُّ: (وهذا الذي قاله أبو إسحاق الفَزَارِي في إسماعيل بن عَياش خِلافُ قولِ جمهور الأئمةِ، قال عَباسٌ (¬2): سمعتُ يحيى بنَ مَعِين يقول (¬3): إسماعيلُ بن عَياش ثقةٌ، وكان أَحَب إلى أهل الشام من بَقِية ... وقال عَمْرو بن علي: إذا حدث عن أهل بلاده .. فصحيح، وإذا حَدَّثَ عن أهل المدينة مثل هشام بن عروة ويحيى بن سعيد وسُهَيل بن أبي صالح .. فليس بشيء ((¬4). ترجمة بقِية الكَلاعي: هو بقِيَّة بن الوليد بن صائد بن كعب الكَلاعيُّ -بفتح الكاف واللام المخففة قبيلة كبيرة نزلت حمص من الشام، - أبو يُحْمِد -بضم الياء وكسر الميم وسكون الحاء المهملة- الحافظ. ¬

_ (¬1) هذا الأثر رواه الترمذيُّ في "سننه" (5/ 133) في كتاب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1 - باب ما جاء في مَثَلِ الله لعباده) عقب الحديث (2859) بالسند المذكور، ولفظه: (خُذُوا عن بقِية ما حَدثَكم عن الثِّقاتِ، ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عَياش ما حَدثكم عن الثِّقاتِ ولا غيرِ الثِّقات). (¬2) قلتُ: (عَبَّاس) بالباء الموحدة والسين المهملة، هو ابنُ محمد بن حاتم الدُّوري، أحد الأَثبات المصنِّفين، لازم يحيى بنَ مَعين وتخرَّج به، وسأله عن الرجال، وهو راوي كتاب "التاريخ" المطبوع من روايته مترجم في "سير أعلام النبلاء" (12/ 522) وغيره. فما في "مكمل إكمال الإكمال" للسنوسي (1/ 36): (عَيَّاش) بالتحتانية والشين المعجمة .. فتحريف. (¬3) "التاريخ" (2/ 36). (¬4) "شرح صحيح مسلم" (1/ 116)، وانظر أقوال الأئمة في (إسماعيل بن عَياش) في "تهذيب الكمال" (3/ 163 - 181).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن الأوزاعي وابن جُرَيج ومالك والزُّبَيدي وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وابن جُرَيج وشُعْبة وهما من شيوخه وكثير بن عُبَيد وخَلْق. له في (م) فرد حديث متابعة، وَثَّقَه الجمهورُ فيما سَمِعَه من الثقات، وقال النسائي: إذا قال: حدثنا وأخبرنا .. فهو ثقة. وقال في التقريب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة سبع وتسعين ومائة، وله سبع وثمانون سنة. قال ابن المبارك: بقِيه صَدُوق، ولكنه كان يكتب عَمَّنْ أقبلَ وأدبر، وقال أحمد: هو أَحَب إلي من إسماعيل بن عَياش، وقال يحيى بن مَعِين: عند بقِيَّة ألفا حديث صحاح عن شُعْبة، وكان يُذَاكِرُ شُعْبة بالفقه، وقال غيرُ واحدِ من الأئمة: بقِية ثقةٌ إذا رَوَى عن الثقات، وقال ابنُ عدِي: إذا روى عن أهل الشام .. فهو ثبت، وقال غيرُ واحدٍ: كان مُدَلِّسًا، فإذا قال: (عن) .. فليس بحُجة. قال ابنُ حِبَّان: سمع من شعبة ومالك وغيرهما أحاديث مستقيمة، ثم سمع من أقوام كذَّابين عن شعبة ومالك، فروى عن الثقات بالتدليس ما أَخَذَ عن الضعفاء. وقال أبو حاتم: لا يُحْتَج به، وقال أبو مُسْهِر: أحاديث بقِية ليستْ نَقِية، فكُنْ منها على تَقِيَّة. وقال أبو إسحاق الجُوزجاني: رَحِمَ الله بقية، ما كان يُبالي إذا وجد خُرافةَ عَمَّنْ يأخذه، فإنْ حَدث عن الثقات .. فلا بأس به. وقال عبد الله بن أحمد: سألتُ أبي عن ضَمْرة وبقِية: فقال: ضمرةُ أحب إلينا من الثقات المأمونين، رجل صالح لم يكن بالشام رجل صالح يشبهه رحمه الله تعالى. قال ابنُ عَدِي: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، حدثنا أبو مسهر، حدثنا بقِية، عن محمد بن زياد، عن أبي راشد، قال: أخذ بيدي أبو أُمامة وقال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قال: "يا أبا أمامة؛ إن من المؤمنين من يلين له قلبي". وقال أبو التقِيّ اليَزَني: مَنْ قال: إن بقية قال: حدثنا .. فقد كذب، ما قال قط إلا: حدثني فلان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن خزيمة: لا أحتج ببقية، حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: توهمتُ أن بقِيه لا يُحَدِّثُ المناكيرَ إلا عن المجاهيل، فإذا هو يُحَدِّثُ المناكيرَ عن المشاهير، فَعلِمْتُ مِنْ أين أُتِي. قال ابنُ حِبّان: دخلتُ حمص وأكبرُ همّي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبتُ النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أَجِدْ فرأيتهُ ثقة مامونا، ولكنه كان يُدَلِّس عن عُبيد الله بن عُمر وشعبة ومالك ما أخذه عن مثل المجاشع بن عمرو والسري بن عبد الحميد وعُمرَ بن موسى المِيتَمِيِّ وأشباههم، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم ما سمع من هؤلاء الضعفاء عنهم، فكان يقول: قال عبيد الله وقال مالك، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وعن بقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الوضع ببقيَّة وتخلَّص الواضعُ من التوسط. وكان ابن معين يُوثّقه، وقال مُضَرُ بن محمد الأسدي: سألتُ يحيى بن مَعين عن بقية فقال: ثقة إذا حَدَّث عن المعروفين، ولكن له مشايخ لا يُدْرى من هم. إلى أن قال ابنُ حِبَّان: حدثنا سليمان بن محمد الخُزاعي بدمشق، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا بقِية، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا: "مَنْ أَدْمن على حاجِبَيهِ بالمُشْطِ .. عُوفيَ من الوباء". وهذا من نسخةٍ كتبناها بهذا الإسناد كلها موضوعة، يشبه أن يكون بقِيَّة سمعه من إنسان واهٍ عن ابن جُرَيج، فدَلسَ عنه والتزق به. وبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جامع أحدكم زوجته .. فلا ينظر إلى فَرْجِها؛ فإن ذلك يُورِثُ العَمَى". وبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "تَرِّبوا الكتاب ومَسِّحوه من أسفله؛ فإنه أنجحُ للحاجة". وبه: "من أصيب بمصيبة فاحتسب ولم يَشْكُ إلى الناس .. كان حقًّا على الله أن يغفرَ له". ومن مناكير بقية: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة مرفوعًا: "بينما الخَضِر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يمشي في سوق بني إسرائيل ... " الحديث بطوله، هذا الحديث قال ابن جَوْصَا: سألتُ محمد بن عوف عنه فقال: هذا موضوع، فسألتُ أبا زرعة عنه فقال: حديث منكر. قال ابن عدي: لا أعلم رواه عن بقِيَّة غير سليمان بن عبيد الله الرقي، وقد ادعاه عبد الوهاب بن ضحاك العرضي وهو متهم، وأما سليمان .. فقال فيه ابن معين: ليس بشيء، فسَلِمَ منه بقية. ولبقِية عن يونس، عن الزهْري، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعًا: (من أدرك ركعةً من الجمعة وتكبيرتها فقط .. فقد أدرك الصلاة". رواه الثقات عن الزهْري فقالوا: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وما فيه: (من الجمعة). وقال سعيد بن عمرو السكوني: حدثنا بقِيَّة، حدثني ابن المبارك، عن جَرِير بن حازم، عن الزبير بن الخِرِّيت -بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء المكسورة- عن عكرمة، عن ابن عباس، مرفوعًا: (نهى عن طعام المتبارَيينِ)، وهذا صوابه مرسل. ولبقية عن شعبة كتاب فيه غرائب انفردَ بها بقية. قال مُهَنَّأُ بن يحيى: -وانفرد بهذا- حدثنا بقية عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعًا: "يحشر المكارون وقتلة الأنفس إلى جهنم في درجة واحدة". وحدثنا بقِيَّة، عن عبد الله بن عمر، عن أبي الزناد، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا نكاح إلا بإذن الرجل والمرأة". وقال بقِيَّة، عن شريك، عن كليب بن وائل، عن ابن عمر مرفوعًا: "لا تساكنوا الأنباط في بلادهم، ولا تناكحوا الخُوْزَ؛ فإن لهم أصولًا تدعوهم إلى غير الوفاء"، وهذا منكر، وقد دَلَّسَه عن شَرِيك. وقال سعيد بن عَمْرو: حدثنا بقِيَّة، عن الحُرّ بن مالك الفزاري، عن أبي محمد، عن حُذَيفة بن اليمان مرفوعًا: "اقرؤوا القرآن بلُحُون أهلِ العرب ... "الحديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال حماد بن زيد: عن بقِيَّة، عن معاذ بن رفاعة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَرُبُّ هذا العِلْمَ من كل خَلَفٍ عُدولُه، يَنْفُون عنه تحريفَ الغالِينَ ... " الحديث. وذكر العقيلي: حدثنا محمد بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن بن الحكم، عن وَكيع، قال: ما سمعتُ أحدا أَجْرَأَ على أن يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بَقِية. وقال كثير بن عبيد: أنبأنا بقِيَّة، حدثنا شعبة، حدثني عاصم الأحول، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثَوْبان مرفوعًا: (مَنْ تكفل لي ألا يسأل امرءًا شيئًا .. أتكفل له بالجنة". وقال ابن عدي: أنبأنا علي بن سراج، أنبأنا عطية بن بقية، أنبأنا أبي، عن محمد بن زياد، عن أبي أُمامة مرفوعًا: "السباقُ أربعة: أنا سابق العرب، وبلال سابق الحبشة، وصُهَيب سابق الروم، وسَلْمان سابق الفرس". قال أبو زرعة وأبو حاتم: هذا حديث باطل لا أصل له بهذا الإسناد. وقال ابن مُصَفَّى وآخرُ: حدثنا بقِيَّة، عن الأوزاعي، عن ابن جُرَيج، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا قال: "مجوس هذه الأمة القدرية". أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن عبد الرحيم بن أبي سعيد، أنبأنا أبو البركات بن الفزاري، أخبرنا محمد بن عبيد الله، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن، حدثنا أبو عَوَانة الحافظ، أنبأنا سعيد بن عمرو السكوني وعطية بن بقية وأبو عتبة الحِمْصيون، قالوا: حدثنا بقِيَّة، حدثنا الزبيدي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دُعِيَ إلى عُرْس ونحوه .. فَلْيُجِبْ". أخرجه مسلم في "صحيحه" عن ابن رَاهُويه، عن عيسى بن المنذر، عن بقِيَّة، وليس لبقية في "الصحيح" سواه، أخرجه شاهدا. وقال عَبَّاس الدُّوري: عن ابن مَعِين قال: إذا لم يُسَمِّ بقِيَّة شيخَه وكَنَاهُ .. فاعْلَمْ أنه لا يُساوي شيئًا.

ترجمة إسماعيل بن عياش

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابنُ عَدِي: وَبقِية يُخَالِفُ في بعض حديثه الثقات، وإذا روى عن أهل الشام .. فهو ثَبْت، وإذا روى عن غيرهم .. خلَّط كإسماعيل. اهـ "الميزان" (1/ 331 ط 33). ترجمة إسماعيل بن عَيَّاش: هو إسماعيل بن عَياش بن سُلَيم العَنْسي -بفتح العين وسكون النون يُنْسَب إلى عَنْسِ بن مالك حَيٌّ مِنْ مَذْحِج- أبو عُتْبة الحِمْصي عالم أهل الشام، مات ولم يُخَلَّف مثله. وقال في "التقريب": صَدُوق في روايته عن أهل بلده مُخَلَّط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومائة، وله بضع وتسعون سنة. وُلِدَ سنة ست ومائة، وطلب العلم، فروى عن شُرَحْبيل بن مُسْلم وهو أكبر مَنْ عنده ومحمد بن زياد الأَلْهاني -بفتح الهمزة وسكون اللام كالأنصاري نسبة إلى ألهان بن مالك أخي هَمْدان- وبَحِير بن سَعْد وصفوانِ بن عَمْرو وضَمْضَم بن زُرعة وعبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير والأوزاعي والزُّبَيْدي وغيرهم، ويروي عنه (عم) والثوري والأعمش -وهما من شيوخه- ومحمد بن إسحاق -وهو أكبر منه- وسَعِيد بن منصور وهَنَّاد بن السَّرِي واللَّيث بن سَعْد -ومات قبلَه- وبقِيَّة والوليد بن مسلم ومُعْتَمِر بن سليمان -وهُمْ من أقرانه- وخَلْق. قال الذهبي: (قال أبو اليمان: كان منزلُه إلى جنب منزلي، فكان يُحيي الليل، وربما قرأ ثم قطع قال: فسألتُه يوما فقال: وما سؤالك؟ قلتُ: أريدُ أن أعرف قال: إني أُصلي فاقرأ، فاذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها .. فأقطع الصلاة، فاكتبه، ثم أرجع إلى صلاتي. وروى يحيى الوُحاظي قال: ما رأيتُ أكبرَ نَفْسًا من إسماعيل بن عَياش، كُنّا إذا آتينا مزرعته لا يَرْضَى لنا إلا بالخروف والخَبيص، وسمعتُه يقول: إني ورثتُ من أبي أربعة آلاف دينار أنفقتُها في طلب العلم. وقال عثمان بن صالح السَّهْمي: كان أهل حمص يَتَنَقَّصُونَ عليّا حتى نشأ فيهم إسماعيلُ بن عَياش، فحَدَّثَهم بفضائِله، فكَفُّوا عن ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال داود بن عَمْرو الضبي: ما رأيتُ مع إسماعيل كتابًا قط، فقال له أحمد بن حنبل: فكم كان يحفظ؟ قال: شيئًا كثيرًا، فقال: يحفظ عشرة آلاف حديث؛ قال: عشرة آلاف وعشرة آلاف وعشرة آلاف، فقال أحمد: هذا كان مِثْلَ وكيع. وقال الفَسَويُّ: كنتُ أسمعهم يقولون: عِلْمُ الشام عند إسماعيل والوليد، فسمعتُ أبا اليَمَان يقول: كان أصحابنا لهم رَغْبةٌ في العلم، وكانوا يقولون: نَجْهَدُ ونتعِبُ أبداننا ونُسافر، فإذا جئْنَا .. وجَدنا كُل ما كتبنا عند إسماعيل بن عَياش. وقال الفَسَويُّ: تَكَلمَ قوم في إسماعيل، وهو ثقةٌ عَدْلٌ، أعلمُ الناس بحديث أهل الشام، أكثر ما تكلموا فيه قالوا: يُغْرِبُ عن ثقات الحجازيين. وقال الهَيثَم بن خارجة: سمعتُ يَزِيدَ بنَ هارون يقول: ما رأيتُ أحفظَ من إسماعيل بن عَياش، ما أدري ما الثوْري؟ وقال عَباس عن يحيى: ثقة. وروى ابنُ أبي خَيثَمة عن ابن مَعِين: ليس به بأس في أهل الشام. وقال دُحَيم: هو في الشاميين غاية، وخَلطَ عن المدنيين. وقال البخاري: إذا حَدثَ عن أهل بلده .. فصحيح، وإذا حَدثَ عن غيرهم .. ففيه نظر. وقال أبو حاتم: لَيِّن، ما أعلمُ أحدا كَفَّ عنه إلا أبا إسحاق الفَزَاري، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابنُ حِبان: كثيرُ الخطإ في حديثه فخرج عن حد الاحتجاجِ به. وقال أبو صالح الفراء: قلتُ لأبي إسحاق الفَزَاري: إني أريدُ مكة، وأُرِيدُ أنْ أَمُر بحمص فأسمع من إسماعيل بن عَياش، قال: ذاك رجل لا يَدْرِي ما يخرجُ من رأسه. وقال محمد بن المثنى: ما سمعتُ عبد الرحمن يُحَدثُ عن إسماعيل بن عَياش شيئًا قط. وقال عبد الله بن علي بن المَدِيني: سمعتُ أبي يقول: ما كان أحدٌ أعلمَ بحديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الشام من إسماعيل بن عَيَّاش لو ثَبَتَ على حديث أهل الشام، ولكنه خَلَّطَ في حديثه عن أهل العراق، وحدثنا عنه عبد الرحمن ثم ضَرَبَ على حديثه، فإسماعيل عندي ضعيف. وقال عبد الله بن أحمد: عَرَضْتُ على أبي حديثًا حَدَّثناه الفضلُ بن زياد الطسْتِي، حدثنا ابن عَياش، عن موسى بن عُقْبة، عن نافع، عن ابن عُمر مرفوعًا: "لا تقرأ الحائضُ ولا الجُنُبُ شيئًا من القرآن"، فقال أبي: هذا باطل، يعني أن إسماعيل وَهِمَ. وسُئِلَ أبي عن إسماعيل وبقِية فقال: بقِيَّة أَحَحب إليَّ. وقال إسماعيل: عن عبد الله بن دينار، وسعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير مرسلا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تعالى كَرِهَ لكم العبث في الصلاة، والرَّفَثَ في الصيام، والضحك عند المقابر". رواه عنه عبد الله بن المبارك. وله عن ابن جُرَيج، عن ابن أبي مُلَيكَة، عن عائشة مرفوعًا: "مَنْ قاءَ أو رعف فأحْدَثَ في صلاته .. فليذهب فليتوضأ ثُم لَيَبْنِ على صلاته" قال أحمد: صوابه مرسل. وقال ابنُ مَعِين: إسماعيل أَحَب إِليَّ من بقِيَّة وفَرَجِ بن فَضَالة. وقال ابنُ مَعِين: حدثنا إسماعيل، عن شُرَحْبيل، عن أبي أُمامة مرفوعًا: "الزعيم غارم". وقال إسماعيل: عن بَحِير بن سَعد، عن خالد، عن المقدام، عن أبي أيوب مرفوعًا: "كِيلُوا طعامَكم يُبَارَكْ لكم فيه". وقال إسماعيل: عن ابن جُرَيج، عن عمَرْو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعًا: "تعافوا الحُدُودَ بينكم، فما بلغني من حَدٍّ .. فقد وَجَب". وحدثنا محمد بن حِمْيَر، حدثنا إسماعيل، عن محمد بن عَمْرو، عن أبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا كَتَبَ أحدُكم كتابًا .. فَلْيترِّبْهُ؛ فإنه أَنْجَحُ للحاجة". وقال مُضَر بن محمد الأسدي البغدادي القاضي: سألتُ يحيى بنَ مَعِين عن إسماعيل بن عَياش فقال: عن الشاميين حديثُه صحيح، وإذا حَدثَ عن العراقيين والمدنيين .. خَلط ما شئت. وقال إسماعيل بن عَياشٍ عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا: "يكونُ في هذه الأمة رجل يُقال له: الوليد، هو أَشَد على هذه الأمة من فرعون على قومه"، قال ابنُ حِبان: وهذا باطل. وقال إسماعيل بن عَياش، عن ضَمْضَم بن زُرْعة، عن شُرَيح بن عُبَيد، عن أبي راشد الحُبْراني عن عبد الرحمن بن شِبل: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب)، وهذا منكر. وقال أبو داود: سمعتُ ابنَ مَعِين يقول: إسماعيل بن عَياش ثقة، وقال ابنُ خُزَيمة: لا يُحتَج به. وقد صَحَّحَ الترمذي لإسماعيل غَيرَ ما حديثٍ مِنْ روايتهِ عن أهل بلده خاصَّةً، منها حديثُ: "لا وَصِية لوارث"، وحديثُ: "بحَسْبِ ابن آدم أكلات يُقِمنَ صُلْبَه". وقال ابنُ عَياش، عن ضَمْضَم بن زُرْعة، عن شُرَيح بن عُبَيد، حدثنا أبو ظَبْيَة: أن أبا بَحْرِيَّة السَّكُوني حدثه عن مَالِكِ بن يسار السكُوني: أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم اللهَ .. فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظُهُورِها". لا يُعْرَفُ مالكٌ به) اهـ (¬1). ثُم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى الشاهِدَ لأثرِ أبي إسحاق في جَرح بقِيَّة فقال: ¬

_ (¬1) "ميزان الاعتدال" (1/ 240 - 244).

[81] وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي، قَال: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ قَال: قَال ابْنُ الْمُبَارَكِ: نِعْمَ الرجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلَا أَنهُ كَانَ يَكْنِي الأَسَامِيَ ويسَمِّي الْكُنَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ [81] (وحَدثَنا إسحاقُ بن إبراهيمَ) بن مَخْلَد (الحَنْظَلِي) أبو يعقوب بن رَاهُويه المَرْوَزِيُّ، الإمام الفقيه الحافظ، عالم خراسان، من العاشرة، مات سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين، وله سبعٌ وسبعون سنة. (قال) إسحاق: (سَمِعْتُ) أنا (بعضَ أصحاب عبد اللهِ) بنِ المبارك وبعضَ رواته. قال النووي: (وهذا البعضُ مجهولٌ، فلا يَصِح الاحتجاجُ به، ولكن ذكره مسلمٌ متابعةَ لا أصلًا) اهـ (¬1) (قال) ذلك البعضُ: (قال) عبدُ اللهِ (بن المباركِ) بن واضح الحنظلي مولاهم، أبو عبد الرحمن المَرْوَزي، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة: (نِعْمَ الرجلُ) رجلا، والمخصوصُ بالمَدْحِ: (بقِيَّةُ) بن الوليد بن صائد الكلاعيُ (لولا أنه) أي: لولا أن بقية (كان يَكْنِي) ويذكر الكنى (الأساميَ) المشهورةَ؛ أي: بَدَلَها. أي: لولا أنه يذكر الكُنى بدل أسماء مَنْ شُهِرُوا بالأسماء (ويسَمِّي الكُنَى) أي: ويذكر الأسماءَ بدلَ كُنْية مَنْ شُهِرُوا بالكُنى، و (لولا) هنا: حرفُ امتناعٍ لوجود؛ أي: موضوعةٌ للدلالة على امتناع مَدْحِه لوجود تبديلِه الأسماءَ المشهورةَ بالكُنى غيرِ المشهورة، وتبديلِه الكُنى المشهورةَ بالأسماء غيرِ المشهورة، و (أن): حرف نصب ومصدر وتوكيد، والهاء اسمها، وجملةُ (كان) في محلّ الرفع خبرها، وجملةُ (أن) في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ على كونه مبتدأَ لخبر محذوف وجوبا تقديرُه: نِعْمَ الرجلُ بقِيةُ لولا تكنيتُه الأسامي وتسميتُه الكنى موجودٌ، وجوابُ لولا الامتناعيةِ معلومٌ مما قبلَها كما قَدرْنا. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 117).

كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: (فمعنى هذا الكلام: أنه إذا رَوَى عن إنسانِ معروفٍ باسمه .. كَنَاه ولم يُسَمِّه، وإذا رَوَى عن معروفٍ بكُنْيَتِه .. سَماه ولم يَكْنِهِ، وهذا نوع من التدليس وهو قبيح مذموم؛ فإنه يُلبس أمر الضعيف على الناس ويوهِمُ أن ذلك الراويَ ليس هو ذلك الضعيفَ، فيُخرجه عن حالتِه المعروفةِ بالجَرْحِ المُتفَقِ عليه وعلى تَرْكِه إلى حالة الجَهَالة التي لا تُؤَثِّرُ عند جماعةِ من العلماء بل يَحْتَجون بصاحبها وتَقْتَضِي تَوَقفا عن الحُكْم بصحتِه أو ضَعْفِه عند الآخرين، وقد يعتضد المجهولُ فيُحْتَج به أو يُرَجحُ به غيرُه، أو يُستأنس به، وأقبحُ هذا النوع: أن يَكْنِيَ الضعيفَ أو يُسَمِّيَه بكُنْية الثقة أو باسمه -لاشتراكهما في ذلك وشهرةِ الثقة به- فيوهم الاحتجاجَ به) اهـ (¬1) وإنما قلنا: إنه كان يَكْنِي الأسامي؛ لأنه (كان) أي: بقِيَّة (دهرًا) أي: زمنا طويلا (يُحَدِّثُنا) ويَرْوي لنا (عن أبي سعيدٍ الوُحَاظِي)، قال النووي: (بضمِّ الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظاء المعجمة، وحكى صاحبُ "المطالع" (¬2) وغيرُه فتحَ الواو أيضًا) (¬3). أي: يقول لنا: حَدَّثَنا أبو سعيدٍ الوُحَاظِي، فظننا أنه يحيى بن صالحِ الوُحَاظِي أبو زكرياء الحِمْصِي، أحدُ كبار المُحَدِّثين والفقهاء، (فنَظَرْنا) وفتشْنا في أسانيدِه ورواياتِه (فإذا هو) أي: الوُحَاظِي الذي رَوَى عنه تقِيه وذَكَرَه في أسانيدِه (عبدُ القُدوسِ) ابنُ حبيبِ الكَلاعيُ المعروفُ باسمه لا بكُنْيتِه ونسْبَتِه، فابدل اسمَ عبد القُدوس المعروفِ باسمه المُتفَقِ على ضَعْفِه بكُنْيته ونسْبَتِه اللتَينِ لم يَشْتَهِرْ بهما عند الناس تلبيسا عليهم. قال النووي: (قال أبو علي الغَسَّانِي: "وُحَاظة بَطْنٌ من حِمْيَر"، وعبدُ القُدوسِ هذا: هو الشامي الذي تَقَدمَ تضعيفه وتصحيفُه، وهو عبد القُدوس بن حبيب ¬

_ (¬1) انظر "إكمال المعلم" (1/ 152)، وفيه: (وحُكي عن أبي الوليد الباجي فيه فتح الواو). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 117). (¬3) "شرح صحيح مسلم" (1/ 117).

[82] وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِي، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ: مَا رَأَيتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلهِ: (كَذابٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الكَلاعي -بفتح الكاف- أبو سعيد الشامي فهو كَلاعِي وُحَاظِي) كما تقدم في ترجمته. وغَرَضُ المؤلِّفِ رحمه اله تعالى بسوقِ هذا السنَدِ: الاستشهادُ بأثَرِ عبد الله بن المبارك لأبي إسحاق الفَزَارِي في جَرْح بقِيَّة بن الوليد. ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثَرِ عبد الله بن المبارك فقال: [82] (وحَدثَنِي أحمدُ بن يوسفَ) بن خالد بن سالم (الأَزْدِي) السلمي أبو الحَسَن المعروفُ بحمدان الحافظُ النيسابوري. روى عن حفص بن عبد الله وحفص بن عبد الرحمن وجعفر بن عَوْن وعبد الرزاق وخلق، ويروي عنه (م دس ق) وأبو عَوَانة ومحمد بن الحُسَين القطان، وَثَّقَه مسلم والدارقطني، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وستين ومائتين. (قال) أحمدُ بن يوسف: (سَمِعْتُ) أنا (عبدَ الرزاقِ) بن هَمَّام بن نافع الحِمْيَرِي مولاهم، أبا بكرِ الصنْعاني، أحدَ الأئمة الأعلام الحُفاظ. رَوَى عن ابن جُرَيج وهشام بن حَسان وثَوْر بن يَزِيد ومَعْمَر ومالك وخلائق. ويروي عنه (ع) وأحمدُ وإسحاقُ وابنُ المَدِيني وخلق. وقال في "التقريب": ثقة حافظ مصنف شهير، عَمِي في آخر عمره فتَغَيرَ، وكان يَتَشَيَّعُ، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة ومائتين، عن خمس وثمانين سنة، وليس في مسلم من اسمه (عبد الرزاق) إلا هذا الثقة. وغَرَضُه بسَوْق هذا السنَدِ: بيانُ متابعة أحمد بن يوسف لإسحاق بن إبراهيم في رواية هذا الأثَرِ عن ابن المبارك، ولكنها متابعة ناقصة. أي: قال أحمدُ بن يوسف: سمعتُ عبدَ الرزاق حالة كونه (يقولُ: ما رأيتُ) وما سمعتُ عبدَ اللهِ (ابنَ المباركِ يُفْصِحُ) ويُصَرِّحُ (بقوله): فلان (كَذاب) أي:

إِلا لِعَبْدِ الْقُدوسِ؛ فَإنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ: كَذابٌ. [83] وَحَدثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدارِمي، قَال: سَمِعْتُ أَبَا نعُيم وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وَضَّاع (إلا لعبدِ القُدوسِ) بن حبيب الكَلاعي (فإني سَمِعْتُه) أي: سمعتُ ابنَ المبارك حالة كونه (يقول له) أي: لعبدِ القُدُّوس هو (كَذاب) لا تكتبوا حديثَه ولا تأخذوا عنه. ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِما مَر من جَرْح الرواة بأثَر أبي نعيم فقال: [83] (وحَدثَني عبدُ اللهِ بن عبد الرحمنِ) بن الفضل بن مهران أو بَهْرَام (الدارِمي) أبو محمد السمرقندي الحافظُ، أحدُ الأئمة الأعلام. وقال في "التقريب": ثقة فاضل مُتْقن، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، وله أربع وسبعون سنة. (قال) عبدُ اللهِ بن عبد الرحمن: (سَمِعْتُ) أنا (أبا نُعَيبم) الفَضْلَ بنَ دكين -بضم المهملة- ودكين: لقبُه، واسمهُ: عَمْرو بن حَماد بن زهير التميمي مولاهم، الكوفي الأحول، الحافظ العلم، مشهور بكُنْيته، من أَجَل أهل زمانه ومن أتقنِهم. روى عن الأعمش وزكرياء بن أبي زائدة وجعفر بن بُرْقان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاق ويحيى بن مَعِين وأبو زرعة وخلق. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْت من التاسعة، مات سنة تسع عشرة ومائتين، وكان من كبار شيوخ البخاري. أي: قال الدَّارِمِي: سمعتُ أبا نعيم (و) الحالُ أنه قد (ذَكَرَ المُعَلى) بضم الميم وفتح العين بعدها لام مشددة مفتوحة (بنَ عُرفَانَ)، قال النووي: (بضم العين المهملة وإسكان الراء وبالفاء، هذا هو المشهور، وحُكِيَ فيه كسر العين، وبالكسر ضبطه أبو عامر العبدري، والمُعَلَّى هذا أسدي كوفي ضعيف، قال البخاريُّ رحمه الله تعالى في "تاريخه": هو منكر الحديث، وضَعَّفَه النسائي أيضًا وغيرُه).

فَقَال: قَال: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَال: خَرَجَ عَلَينَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ، فَقَال أَبُو نُعَيمٍ: أترَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ ! ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) أبو نُعَيم، جملةٌ تفسيريةٌ لجملة ذَكَرَ: ((قال) المُعَلى بن عُرْفَان: (حَدثَنا أبو وائلٍ) شَقِيقُ بن سلمة الأسدي التابعي الجليلُ الكوفي، أحدُ سادة التابعين مُخَضْرَم، وأحدُ العلماء العاملين. روى عن أبي بكر وعُمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جَبَل وطائفة، ويروي عنه (ع) والشَّعْبِي وعَمْرو بن مُرة ومغيرة بن مِقْسَم وخلق، وتعلم القرآن في سنتين. وقال في "التقريب": ثقة مُخَضْرَم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة. وجملةُ قوله: (قال) أبو وائل بدلٌ من قوله: (حَدثَنا أبو وائلٍ): (خَرَجَ علينا) معاشر الحاضرين من خيمتِهِ عبدُ اللهِ (بن مسعودِ) بن غافل بمعجمة وفاءٍ، الهُذَليُّ أبو عبد الرحمن الكوفي، أحدُ السابقين إلى الإسلام، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة. أي: قال المُعَلَّى: خَرَج علينا عبدُ اللهِ بن مسعودِ الصحابي الجليلُ من خَيمَتِه (بصِفِّينَ) أي: في وَقْعة صِفين، وجَعَلَ يُحَدثُنا كذا وكذا. قال النووي: (و"صِفِّين": بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة من بعدها ياءٌ في الأحوال الثلاثة: الرفع والنصبِ والجر، وهذه هي اللغة المشهورة، وفيها لُغَةٌ أُخرى حكاها أبو عُمر الزاهدُ عن ثعلب عن الفَراء وحكاها صاحب "المطالع" وغيرُه من المتاخرين: "صِفون" بالواو في حالة الرفع، وهي موضع الوقعة بين أهل الشام والعراق مع على ومعاوية رضي الله تعالى عنهم) (¬1). (فقال أبو نُعَيمٍ) للمُعَلَّى بن عُرْفان: (أترَاهُ) بضم التاء؛ أي: أترَى ابنَ مسعود وتَظُنُّه يا مُعَلَّى قد (بُعِثَ) من قبره (بعدَ الموتِ) والدفْنِ في المدينة، وخَرَجَ عليكم في صِفين؟ ! وهذا غيرُ معقولٍ؛ لأن البَعْثَ إنما يكون بعد النفخة الثانية، فكلامُك هذا كذبٌ بَحْتٌ وبُهْتانٌ عظيمٌ. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" 1/ 118.

نبذة من ترجمة المعلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النوويُّ: (معنى هذا الكلام: أن المُعَلى كَذَبَ على أبي وائل في قوله هذا؛ لأن ابنَ مسعودٍ رضي الله عنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، والأولُ قولُ الأكثرين، وهذا قبل انقضاص خلافة عثمان رضي الله عنه بثلاث سنين، وصِفين كانتْ في خلافة عليّ رضي الله عنه بعد ذلك بسنتَين، فلا يكون ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه خَرَجَ عليهم بصِفِّينَ إلّا أنْ يكونَ بُعِثَ بعد الموت، وقد عَلِمْتُم أنه لم يُبْعَثْ بعد الموت، وأبو وائل مع جلالتِه وكمالِ فضيلته وعُلُوِّ مرتبته والاتفاقِ على صيانته لا يقول: خَرَجَ علينا مَنْ لم يَخْرُجْ عليهم، هذا ما لا شَكَّ فيه، فتَعَيَّنَ أن يكونَ الكَذِبُ من المعَلَّى بن عُرْفان، مع ما عُرِفَ من ضَعْفِه) اهـ (¬1). نبذة من ترجمة المعَلَّى: هو المُعَلَّى بن عُرْفان الأسدي الكوفي، روى عن عَمِّه أبي وائل، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث. قال مصعب بن سعيد أبو خيثمة: حدثنا عيسى بن يونس، عن المُعَلى بن عرفان، عن شَقِيق، عن عبد الله، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرب .. تَنفَّس على الإناء ثلاثا، يحمد الله على كُل نَفَس، ويشكره عند آخرهنّ). قلتُ: وكان من غُلاة الشيعة، روى بجَهْلٍ بيِّنٍ عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه شَهِدَ صِفين. وقال النضْر بن سلمة: حدثنا جعفر بن عَوْن، حدثنا المُعَلَّى بن عُرْفان، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود: (أن رسول صلى الله عليه وسلم كَحَلَ عَينَ عليٍّ بِريقِه)، فيه النضْرُ وهو تَالِفٌ. وقال زكرياء بن يحيى الكسائي؛ -واه-: حدثنا علي بن القاسم -شيعي غال-، عن مُعَلَّى، عن شَقِيق، عن عبد الله: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عليّ وهو يقول: "الله وَلييّ وأنا وَليُّك، ومُعَادٍ مَنْ عاداك ومسالم مَنْ سالمك" اهـ من "الميزان" (4/ 149 - 150). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 118).

[84] حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِي وَحَسَن الْحُلْوَانِي كِلاهُمَا عَنْ عَفانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَال: كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَحَدَّثَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَيسَ بِثَبْتٍ، قَال: فَقَال الرجُلُ: اغْتَبْتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اسشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ من جَرْحِ الرُّواة بأثَرِ إسماعيل ابن عُلَية فقال: [84] (حَدثَنِي عَمْرُو بن عَلِي) بن بَحْر أبو حفص الفلَّاسُ الصيرفي الباهلي البصري. قال في "التقريب": ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة تسع وأربعين ومائتين. (و) حَدثَنِي أيضًا (حَسَنُ) بن علي بن محمد (الحُلْوَانِي) أبو علي الهُذلي المكي، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، ثقة حافظ. وفائدةُ هذه المقارنة: بيانُ كثرة طُرُقِه. حدثني (كلاهما) أي: كُلٌّ من عَمْرٍو وحَسَنٍ (عن عَفانَ بنِ مُسْلِمِ) بن عبد الله الأنصاري البصري، قال العِجْلِيُّ: ثقة ثَبْت صاحبُ سُنَّة. وقال في (التقريب: ثقةٌ ثَبْتٌ، من كبار العاشرة، مات سنة عشرين ومائتين. (قال) عَفانُ: (كنا عند إسماعيلَ) بنِ إبراهيم بن مِقْسَم -بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين- الأسدي القرشي مولاهم، أبي بِشْر البصري المعروفِ بـ (ابنِ عُلَيَّة) بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء المفتوحة اسم أُمه، وهي مولاةٌ لبني شَيبان، الحافظ، أحد الأئمة الأعلام. وقال في "التقريب": ثقة حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاثٍ وتسعين ومائة. (فحَدَّثَ رجلٌ) من الحاضرين في حلقة إسماعيل (عن رجلٍ) من الغائبين، فقال الرجلُ الأولُ: حَدَّثَنا فُلان عن فُلانٍ حديثَ كذا وكذا، قال عَفانُ بن مسلم: (فقلتُ) أنا للرجل المُحَدِّث: (إن هذا) الرجلَ الذي حَدَّثْتَ عنه (ليس بثَبْتٍ) أي: بقَويٍّ مُتْقِنٍ في الحديث، نصيحةً له وذَبًّا عن الدِّين. (قال) عَفانُ بن مسلم: (فقال) لي (الرجلُ) الذي حَدثَ: أنتَ يا عَفَّانُ (اغتبتَه) أي: اغْتَبْتَ الرجلَ الغائبَ الذي حَدثْتكم عنه، وذَكَرتَه بما يَكْرَهُه من قولك: (ليس بثَبْتٍ).

قَال إِسْمَاعِيلُ: مَا اغْتَابَهُ، وَلكِنهُ حَكَمَ أَنهُ لَيسَ بِثَبْتٍ. [85] وَحَدَّثنا أَبُو جَعْفَرٍ الدارمِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فسَمعَ إسماعيلُ ابنُ عُلَيَّة المُحَاوَرَةَ التي جَرَتْ بيني وبين الرجل فـ (ـقال إسماعيلُ) للرجل المُحدّث الذي قال اغتبتَه: (ما اغْتَابَهُ) أي: ما اغتاب عَفانُ ذلك الرجلَ الغائبَ الذي حَدثْتَ عنه بقوله: (ليس بثَبْتٍ) أي: ليس عَفانُ مغتابًا له بقوله ذلك، (ولكنه) أي: ولكن عفان (حَكَمَ) على الرجلِ الغائبِ بـ (ـأنَّه) أي: بأن ذلك الغائبَ (ليس بثَبْتٍ) أي: بقَوي مُتْقِنٍ في الحديث (¬1)، فهذا بيان لحاله لِمَنْ يَغْتَرُّ بحديثه، وزَجْرٌ للناس عن الأَخْذِ عنهِ، وحِفظ للدين عما يُخْتَرَعُ فيه، فكُل هذا واجبٌ على مَنْ قدَرَ عليه، وليس من الغِيبة في شيء. ثم استشهد المؤلِّفُ أيضًا لِمَا مَر من جَرْع الرواة بأثَرِ الإمام مالك فقال: [85] (وحَدثنَا أبو جعفرٍ) أحمدُ بن سعيد بن صخر (الدارِمي) نسبة إلى دارم بن مالك بَطْن كبير من تميم، النيسابوري الفقيه الحافظ، أحد الأئمة الأعلام. روى عن النضْر بن شُمَيل وعبد الصمد بن عبد الوارث وعثمان بن عمر بن فارس وغيرهم، ويروي عنه (خ م دت ق) وابن خزيمة وأبو عوانةَ. وقال في التقريب: ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين، ¬

_ (¬1) وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى بعد ذِكره قول ابن عُلية: (مِثْل هذا ليس بغيبة، بل لو لم يحسن مقصده وقصد محضَ التنقص والعيب لا بيانَ الحال لأجل الحديث .. لكان غِيبة، وكذلك لو لم يكن المتكلِّمُ من أهل هذا الشأن ولا مِمن يُلتَفَتُ إلى قوله فيه .. لَمَا جازَ له ذِكرُ ذلك ولكان غِيبة، وهذا كالشاهدِ ليس تجريحُهُ غِيبةً، ولو عابه قائل بما جرح به على طريق المُشاتمة والتنقص له .. أُدِّبَ له وكانت غِيبة. وقد قيل ليحيى بن سعيد: أَمَا تَخشى أن يكون هؤلاء الذين تَرَكتَ حديثَهم خُصماءَك عند الله؟ فقال: لأَنْ يكونوا خُصمائي أَحَب إلي من أن يكون خصمي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: لِمَ حَدثتَ عني حديثًا ترى أنه كَذِب؟ ! ). "إكمال المعلم" (1/ 159 - 160). وكان ابن المبارك رحمه الله تعالى يُنْكِرُ التدليسَ في الحديث، وقال له بعضُ الصوفية وسَمِعَه يَصِفُ بعضَ الرواة: يا أبا عبد الرحمن تغتاب؟ ! قال: اسْكُت، إذا لم نُبيِّنْ فمِن أين يُعرف الحقُّ من الباطل؟ ! "ترتيب المدارك" (1/ 309).

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَال: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أنسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ الَّذِي يَرْوي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَال: لَيسَ بِثِقَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان أكثر أيامه الرحلة في طلب الحديث. قال أبو جعفر: (حدثنا بشر) بكسر الباء الموحدة (بن عمر) بن الحكم الأَزدي الزهراني -بفتح الزاي نسبة إلى زهران بن كعب بطن من الأزد- أبو محمد البصري. روى عن عكرمة بن عمار وشعبة ومالك وسليمان بن بلال وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن راهويه وإسحاق الكوسج وغيرهم. وقال في التقريب: ثقة من التاسعة، مات سنة سبع -وقيل: تسع- ومائتين. (قال) بشر بن عمر: (سألت) أنا (مالك بن أنس) بن مالك بن أبي عامر الإمام الحافظ الفقيه المجتهد، إمام دار الهجرة. روى عن نافع والمقبري وابن المنكدر وغيرهم، ويروي عنه (ع) والزهري ويحيى الأنصاري -من شيوخه وممن مات قبله- وابن جريج وشعبة والسفيانانِ وخلائق. ولد سنة ثلاث وتسعين، وحملت به أمه ثلاث سنين، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع. وقال في "التقريب": من السابعة بلغ تسعين سنة. أي: سألت مالكًا (عن) حال (محمد بن عبد الرحمن الذي يروي) وينقل الحديث (عن سعيد بن المسيب) التابعي الجليل: هل هو ثقة أم لا؟ (فقال) مالك: (ليس) محمد بن عبد الرحمن المذكور (بثقة) أي: بثبت في الحديث، لا يكتب حديثه، وأما محمد المذكور: فهو ابن عبد الرحمن أبو جابر البياضي المدني، يروي عن سعيد بن المسيب، وهو الذي يقول فيه الشافعي: من حدث عن أبي جابر البياضي .. بيض الله تعالى عينيه. وقال يحيى بن سعيد: سألت مالكًا عنه، فلم يكن يرضاه، وقال أحمد: منكر الحديث، وعن مالك قال: كنا نتهمه بالكذب، وقال ابن معين: ليس بثقة، حدث

تتمة في صالح بن نبهان

وَسَألْتُهُ عَنْ صَالحٍ مَوْلَى التوْأَمَةِ فَقَال: لَيسَ بِثِقَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه ابن أبي ذئب، وروى عباس عن يحيى: كذاب، وقال النسائي وغيره: متروك الحديث. اهـ من "الميزان". وأما سعيد بن المسيب: فهو ابن حَزْنٍ -بوزن سهل- ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أبو محمد المدني الأعور سيد التابعين، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. وقال في "التقريب": ثقة، من كبار الثانية، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين. قال بشْر بن عُمر: (وسَألْتُه) أي: سألتُ مالكا (عن) حال (صالحِ) بن نَبْهان (مولى التَّوْأَمَةِ): هل هو ثقة أم لا؟ (فقال) مالك: (ليس) صالح (بثِقَةِ)؛ بل هو كَذاب لا يُكتب حديثُه. وقوله: (مولى التوْأَمَة) هو بتاء مثناة من فوق مفتوحة، ثم واو ساكنة، ثم همزة مفتوحة، قال القاضي عِياض (¬1): (ومَنْ ضَمَّ التاءَ وهَمَزَ الواوَ .. فقد أخطأ، قال: والتوأمة هذه هي بنت أُمَية بن خَلَف الجُمَحي، قاله البخاريُ وغيرُه، قال الواقدي: وكانتْ مع أُخْتِ لها في بَطْنٍ واحدٍ فلذلك قيل لها: التوأمة، وهي مولاة أبي صالح من فوق، وأبو صالحٍ هذا اسمهُ نَبْهان، وتضعيفُ مالكٍ رحمه الله تعالى صالحًا هذا قد خَالفَه في ذلك غيرُه، فقال يحيى بن مَعِين: صالح هذا ثقة حُجة، فقيل: إن مالكا تَرَكَ السماعَ منه، فقال: إنما أدركه مالك بعد ما كَبِرَ وخَرِفَ، وكذلك الثوْرِي إنما أدركه بعدما خَرِفَ فسمع منه أحاديثَ منكرةً، ولكنْ مَنْ سَمعَ منه قبل أن يختلط .. فهو ثَبْت) اهـ "سنوسي" (¬2). تتمة في صالح بن نَبْهان: هو صالح بن نَبْهان المدني مولى التوأمة، وهي ابنة أمية بن خلف. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 157 - 158). (¬2) "مكمل إكمال الإكمال" 1/ 37)، وانظره في "صيانة صحيح مسلم" (ص 129)، و"شرح صحيح مسلم" (1/ 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روى صالح هذا عن أبي هريرة وغيره، قال الأصمعي: كان شعبة لا يروي عنه ويَنهى عنه، وقال بشر بن عمر سألت مالكا عنه فقال: ليس بثقة، وروى عبد الله بن أحمد عن يحيى بن معين: ليس بقوي، وقال أحمد: مالك أدرك صالحا وقد اخْتلطَ وهو كبير، وما أَعْلَمُ به بأسا، مَنْ سمع منه قديما .. فقد روى عنه أكابر أهل المدينة. وقال يحيى القطان: لم يكن بثقة. وقال ابن عيينة: جلست إلى صالح مولى التوأمة فسألته: كيف سمعت أبا هريرة؟ كيف سمعت ابن عباس؟ فقالوا: إنه رجل قد اختلط .. فتركته. وقال الجوزجاني: سماع ابن أبي ذئب منه قديم، وأما الثوري .. فجالسه بعد التغير، وقال النسائي: ضعيف، وروى عباس عن ابن معين: ثقة وقد كان خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل .. فهو ثبت. وقال أحمد بن أبي مريم عن يحيى: ثقة حجة، فقلت له: إن مالكا تركه فقال: إن مالكا إنما أدركه بعد أن خرف، والثوري إنما أدركه بعد أن خرف فسمع منه منكرات، لكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف. وقال أبو حاتم: ليس هو بقوي، وقال ابن المديني: ثقة إلا أنه خرف وكبر فسمع منه الثوري بعد الخرف، وسماع ابن أبي ذئب من قبل ذلك، وقال عثمان بن سعيد عن يحيى: ثقة. وقال ابن حبان: تغير في سنة خمس وعشرين ومائة، وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز فاستحق الترك. وقال الحميدي: سمعت سفيان يقول: لقيت صالحًا مولى التوأمة سنة خمس أو ست وعشرين ومائة أو نحوها وقد تغير، ولقيه الثوري بعدي، فجعلت أقول له: أسمعت من ابن عباس؟ أسمعت من أبي هريرة؟ أسمعت من فلان؟ فلا يجيبني بها، فقال شيخ عنده: إن الشيخ قد كبر.

وَسَألْتُهُ عَنْ أَبِي الْحُوَيرِثِ فَقَال: لَيسَ بِثِقَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن صالح مولى التوأمة فقال: صالح الحديث. وقال علي بن الجعد: حدثنا ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من صلى على ميت في المسجد .. فلا شيء له" قال ابن حبان: هذا باطل. وقال عاصم بن علي: حدثنا ابنُ أبي ذئب، عن صالح، عن أبي هريرة: أنه كان ينعت النبي صلى الله عليه وسلم: (كان شبح الذراعين، أهدب العينين، بعيد ما بين المنكبين، إذا أقبل .. أقبل معًا، وإذا أدبر .. أدبر جميعًا، بأبي وأمي لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا سخابًا في الأسواق). قال يحيى بن أبي زائدة: عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من أنشد ضالته في المسجد ... فقولوا: لا وجدت" فهذه الأحاديث صحاح عند ابن معين على ما قال. وقال بشر بن عمر أيضًا: (وسألته) أي: وسألت مالكا (عن) حال (أي الحويرث) بضم الحاء مصغرًا، عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري الزرقي المدني. أي: سألته عن حاله: هل هو ثقة أم لا؟ (فقال) مالك: (ليس) أبو الحويرث (بثقة) أي: بثبت قوي في الحديث. قال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم، وأنكر أحمد بن حنبل قول مالك: إنه ليس بثقة، وقال: روى عنه شعبة، وذكره البخاري في "تاريخه" ولم يتكلم فيه. قال الذهبي في "الميزان": أبو الحويرث: عبد الرحمن بن معاوية، روى عن ابن عباس وغيره، ويروي عنه (دق) وشعبة وجماعة. قال ابن معين وغيره: لا يحتج به، وقال مالك: ليس بثقة.

وَسَألْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فَقَال: لَيسَ بِثِقَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي قال: أبو الحويرث روى عنه سفيان وشعبة، فقلت: إن بشر بن عمر زعم أنه سأل مالكا عنه فقال: ليس بثقة، فأنكره، ثم قال: لا، قد حَدثَ عنه شعبة. وروى عثمانُ بن سعيدٍ وغيرهُ عن ابن مَعِين: ثقة، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو مَعْشَر نَجيح: عن أبي الحويرث قال: مكث موسى - عليه السلام - بعد ما كَلَّمَه اللهُ تعالى أرَبعين ليلةً لا يراه أَحَدٌ إلّا مات. وقال بِشْرُ بن عُمَرَ أيضًا: (وسَألْتُه) أي: وسألتُ مالكًا (عن) حال (شُعْبةَ) القرشي الهاشمي المدني أَبي عبد الله -أو أبي يحيى- مولى ابن عباس. سمع ابن عباس، رضي الله عنهما، ضَعَّفَه كثيرون مع مالك، وقال أحمدُ بنُ حنبل ويحيى بن مَعِين: ليس به بأس، قال ابن عدي: ولم أَجدْ له حديثًا منكرًا. وقولُه: (الذي رَوَى عنه ابنُ أبي ذِئْبٍ) فهو صفةٌ لشُعْبة؛ أي: سألتُه عن شُعْبَة المذكورِ: هل هو ثقةٌ أم لا؟ (فقال) مالكٌ: (ليس) شُعْبَةُ المذكورُ (بثِقَةٍ): أي: بثَبْتٍ في الحديث، لا يُكتب حديثه. أما شُعْبَةُ المذكورُ: فهو شُعْبة بن يحيى، وقيل: ابن دينار، مولى ابن عباس. روى عن ابن عباس أحاديث، ويروي عنه (د)، قال أحمدُ: ما به بأس، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال مالك: ليس بثقةٍ ولا تأخذن عنه شيئًا، وقال يحيى: لا يُكتب حديثه، وقال أيضًا: ليس به بأس، هو أَحَب إلي من صالح مولى التوْأَمَة، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وأما ابنُ أبي ذئب: فهو السيدُ الجليلُ محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب -واسمه هشام- ابن شعبة بن عبد الله القرشي العامري أبو الحارث المدني، فهو منسوب إلى جَد جَده.

ترجمة حرام بن عثمان

وَسَألْتُهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ فَقَال: لَيسَ بِثِقَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن نافع وشُرَحْبيل بن سَعْد والزُّهْري، وضَعَّفَه أحمدُ فيه، وحديثُه في "الصحيحين"، ويروي عنه (ع) والثوري ويحيى القطان وأبو نُعَيْم وخلق. وقال في "التقريب": ثقة فقيه فاضل، من السابعة، مات سنة ثمان وخمسين ومائة. وقال بشْرُ بن عُمَرَ أيضًا: (وسَألْتُه) أي: وسألتُ مالكا (عن) حالِ (حَرَامِ بنِ عثمانَ) الأنصاري السلمي: هل هو ثقة؟ (فقال) مالك: (ليس) حَرَامُ بن عثمان (بثِقَةٍ) أي: بِقَوي في الحديث. ترجمة حَرَام بن عثمان: بفتح الحاء والراء المهملتين، هو حَرَام بن عثمان الأنصاري السلمي المدني. روى عن ابن جابر بن عبد الله، وعنه معمر وغيره، وقال مالك ويحيى: ليس بثقة، وقال أحمد: ترك الناس حديثه، وقال الشافعي وغيره: الرواية عن حرام حرام، وقال ابن حبان: كان غاليًا في التشيع يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، وقال إبراهيم بن يزيد الحافظ: سألت يحيى بن معين عن حرام فقال: الحديث عن حرام حرام، وكذا قال الجوزجاني. قال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لحرام بن عثمان: عبد الرحمن بن جابر ومحمد بن جابر وأبو عتيق هم واحد؟ فقال: إن شئتَ .. جعلْتَهُم عشرة. وقال الدراوردي: حدثنا حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر، عن أبيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "صَلِّ في القميص الواحد إذا لم يكن رقيقا شُدَّ عليك وزُرَّ". وقال ابن أبي حازم: عن حرام، عن ابني جابر عن أبيهما مرفوعًا قال: "لو حج الأعرابي عشرًا .. كانت عليه حجة إذا هاجر من استطاع إليه سبيلًا"، وبه مرفوعًا:

وَسَألْتُ مَالِكًا عَنْ هَؤُلاءِ الْخَمْسَةِ فَقَال: لَيسُوا بِثِقَةٍ فِي حَدِيثِهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ "احتاطوا لأهل الأموال في العامل والواطئة -المارة- والنوائب وما يجب في الثمر من الحق". وقال مسلم الزنجي: حدثنا حرام بن عثمان، عن أبي عتيق، عن جابر مرفوعًا: "أنه حَرُم خرَاجُ الأمَةِ إلا أن يكون لها عَملٌ أو كَسْبٌ يُعْرفَ وَجْهُه". وقال زهير بن عباد: حدثنا حفص بن ميسرة، عن حرام بن عثمان، عن ابني جابر، عن أبيهما مرفوعًا: "لا يمين لولد مع يمين والد، ولا يمين لزوجة مع يمين زوج، ولايمين لمملوك مع يمين مليك، ولا يمين في قَطِيعَةٍ ولا في معصية". وقال عَبْد بن حُمَيد: حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثنا حرام بن عثمان، عن ابني جابر، عن أبيهما مرفوعًا: "إذا أتى أحدُكم باب حجرته .. فليُسلّم؛ فإنه يرجع قرينُه، فإذا دَخلَ .. فليسلم يَخْرُج ساكنُها من الشياطين، ولا تُبيِّتوا القُمامَة -الكُناسةَ- معكم ... " الحديث بطوله. وقال سُويد بن سعيد: حدثنا حفص بن ميسرة، عن حرام بن عثمان، عن ابن جابر -أراه عن جابر- قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في المسجد، فضَرَبنا بعسيب فقال: "أترقدون في المسجد؟ ! إنه لا يُرقد فيه" قال: فأجْفَلْنَا وأَجْفَلَ عليٌّ فقال: "تعال يا علي؛ إنه يَحِل لك من المسجدِ ما يحل لي، والذي نفسي بيده! إنك لَذَوَّادٌ عن حوضي يوم القيامة" وهذا حديث منكر جدًّا. اهـ من "الميزان" (1/ 468 - 469). وقال بِشْر بن عُمر: (وسَألْتُ مالكًا عن) حالِ (هؤلاءِ الخمسةِ) المذكورين: هل هم ثِقاتٌ في الحديث أم لا؟ (فقال) مالكٌ: (ليسوا) أي: هؤلاء الخمسةُ المذكورون (بثِقَةٍ في حديثِهم) لا في دِينهم؛ أي: ليسوا بأقوياء في رواية الحديث؛ لأنهم ليسوا من أهله لعدمِ إتقانهم وضبطهم فيما لم يحفظوا، وسُوء حفظهم، وكثرةِ خطئهم فيما حَفِظُوا، كما بسطنا الشرح عن أحوالهم فيما مَر.

وَسَألْتُهُ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ نَسِيتُ اسْمَهُ فَقَال: هَلْ رَأَيتَهُ فِي كُتُبِي؟ قُلْتُ: لَا، قَال: لَوْ كَانَ ثِقَةً .. لَرَأَيتَهُ فِي كُتُبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه الجملة مؤكدةٌ للجُمَل السابقة على قاعدة المتقدمين من ذِكْرِ الشيء مفصَّلًا ثم ذِكْرِه مُجْمَلًا؛ لأنه أضبطُ، بخلاف المتأخرين؛ فإنهم يذكرون الشيء أولًا مجملًا ثم يذكرونه مُفَصّلًا؛ لأنه أوقعُ وأرسخُ في النفس. وقال بِشْرُ بن عُمَرَ أيضًا: (وسَألْتُه) أي: وسألتُ مالكا (عن رجلٍ آخَرَ) غيرِ هؤلاء الخمسة (نَسِيتُ اسمَهُ) أي: اسمَ ذلك الآخَرِ وذَهَبَ عن قلبي الآن -وذلك الرجلُ اسمُه شُرَحْبِيلُ بن سَعْدٍ المدني الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى كما تَدُل عليه عبارة "الميزان" في ترجمة شُرَحْبيل بن سَعْد كما نقلناها في محلّه -أي: سألتُه هل هو ثقةٌ أم لا؟ .. (فقال) لي مالكٌ في الجواب: (هل رأيتَه) أي: هل رأيتَ اسمَ ذلك الرجلِ مكتوبًا (في كُتبُي) التي ألفْتُها وجَمَعْتُها في الحديث؛ (قلتُ) له: (لا) أي: ما رأيتُه في كتبك. (قال) مالكٌ: (لو كان) ذلك الرجلُ الآخَرُ الذي سألتَني عن حاله (ثِقَةً) وثَبْتًا مأمونًا ومُتْقنًا ضابطًا في الحديث ( .. لَرَأَيتَه) أي: لرأيتَ اسمَ ذلك الرجل الآخر مكتوبا (في كُتبُي) التي أَلَّفْتُها في الحديث؛ لأنه لو كان ثقةً .. لأَخَذْتُ عنه الحديثَ وأَدْخَلْتُ اسمَه في سِلْسلةِ سَنَدي وعدادِ رجالي الذين نَقَلْتُ عنهم الحديثَ، فدَل عدمُ كتابتِه في كتُبي على أنّه ليس بثقة (¬1). قال النووي: (وهذا الكلامُ تصريحٌ من مالك رحمه الله تعالى بأن مَنْ أَدْخَلَه في ¬

_ (¬1) قال الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/ 72) عقب قول الإمام مالك، ما نصه: (فهذا القولُ يُعطيك بأنه لا يَروي إلا عَمَّن هو عنده ثقةٌ، ولا يَلْزَمُ من ذلك أنه يروي عن كُل الثقات، ثم لا يَلْزَمُ مِما قال أن كُل مَنْ رَوَى عنه -وهو عنده ثِقَةٌ- أن يكون ثقةً عند باقي الحُفاظ؛ فقد يَخفَى عليه من حال شيخِه ما يَظهَرُ لغيره، إلا أنه بكُل حالٍ كثيرُ التحري في نَقد الرجال، رحمه الله) اهـ وانظر نحو ذلك في "الحل المفهم" (1/ 20).

[86] وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَال: حَدثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كتُبه (¬1) .. فهو ثقةٌ، فمَنْ وَجَدْناه في كتُبِه (¬2) .. حَكَمْنا بأنه ثقة عند مالكِ (¬3)، وقد لَا يكون ثقةً عند غيره. وقد اختلف العلماءُ في رواية العَدْلِ عن مجهولٍ هل يكون تعديلًا له؟ فذهب بعضُهم إلى أنه تعديلٌ؛ وذهب الجماهيرُ إلى أنه ليس بتعديلٍ، وهذا هو الصواب؛ فإنه قد يروي عن غير الثقة لا للاحتجاج به، بل للاعتبارِ والاستشهادِ، أو لغيرِ ذلك. أمَّا إذا قال مِثْلَ قول مالكِ أو نَحْوَه: فمَنْ أدخله في كتابه .. فهو عنده عَدْل، أما إذا قال: أخبرني الثقةُ .. فإنه يكفي في التعديل عند مَنْ يُوَافِقُ قولَ القائل في المذهبِ وأسبابِ الجَرْحِ على المختار، فأما مَنْ لا يُوافِقُه أو يَجْهَلُ حاله .. فلا يكفي في التعديل في حَقِّه؛ لأنه قد يكون فيه سببُ جَرْحٍ لا يراه القائلُ جارحا ونحن نراه جارحًا؛ فإنَّ أسبابَ الجَرْحِ تَخْفى ومُخْتَلَفٌ فيها، وربما لو ذَكَرَ اسمَه .. اطلَعْنَا فيه على جارح) اهـ (¬4) ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ من جَرْح الرواة بأثَرِ ابن أبي ذِئْب فقال: [86] (وحَدَّثنِي الفَضْلُ بن سَهْلِ) بن إبراهيم الأعرج أبو العباس الحافظ البغدادي. قال في "التقريب": صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين. (قال) الفضلُ بن سهل: (حَدثَنِي يحيى بن مَعِينٍ) بوزن أَمِير، ابن عون ¬

_ (¬1) في "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 37) في الموضعين: "كتابه". (¬2) في "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 37) في الموضعين: "كتابه". (¬3) قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي" (ص 779 - 780) ما نصُّه: (قاعدة: قال أحمد: كل من روى عنه مالكٌ .. فهو ثقة، وقال النسائي: لا نعلم مالكًا روى عن إنسانٍ ضعيفٍ مشهورٍ بالضعف إلا عاصم بن عُبيد الله فإنه روى عنه حديثًا، وعن عَمْرو بن أبي عَمْرو وهو أصلح من عاصم، وعن شريك بن أبي نمِر وهو أصلح من عَمرو، قال: ولا نعلمُ أن مالكا حَدثَ عن أحدٍ يترَكُ حديثُه إلا عن عبد الكريم بن أبي المُخَارِق أبي أُمَيَّة). (¬4) "شرح صحيح مسلم" (1/ 120)، وانظر بعضه في "إكمال المعلم" (1/ 158).

حَدَّثنا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا أبْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغطفاني مولاهم، أبو زكرياء البغداديُ، إمامُ الجَرْح والتعديل، الحافظُ الإمامُ العَلَمُ. روى عن عبد السلام بن حرب وعبد الله بن المبارك وحفص بن غياث وعبد الرزاق وابن عُيَينة ووَكِيع وخلائق، ويروي عنه (ع) وأحمد وداود بن رُشَيد تريناه، وعياض بن محمد وخَلْق. قال أحمدُ: كُلُّ حديثٍ لا يعرفه يحيى .. فليس بحديث. وقال في "التقريب": ثقة حافظ مشهور، من العاشرة، مات سنة ثلاثٍ وثلاثين ومائتين بالمدينة المنورة، وغُسل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم، وحُمل على سريره صلى الله عليه وسلم، ونُودِيَ بين يديه: هذا الذي يَذُب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله سبع وسبعون سنة إلا نحوًا من عشرة أيام. قال يحيى بن مَعِين: (حَدثنَا حَجَّاجُ) بن محمد مولى سليمان بن مجالد الترمذيُّ الأصلِ ثم البغدادي ثم المصيصي أبو محمدٍ الأعور. روى عن ابن جُرَيج وحَرِيز بن عثمان وشعبة وابن أبي ذئب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمدُ وابنُ مَعِين وقتيبة وخلق. قال أبو داود: بلغني أن يحيى كتَبَ عنه نحوًا من خمسين ألف حديث. وقال في "التقريب": ثقة ثَبْث لكنه اخْتَلَطَ في آخرِ عُمُرِه لمَّا قَدِمَ بغدادَ قبل موته، من التاسعة، مات ببغداد سنة ست ومائتين. قال حَجاجٌ: (حَدَّثنَا) محمدُ بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (ابنُ أبي ذِئْبٍ) هشام بن شُعبة بن عبد الله القُرَشِي المدني، نُسِبَ إلى جَد جَده كما مَر، ثقة فاضل، من السابعة، مات سنة ثمانٍ وخمسين ومائة. وهذا السنَدُ من رباعياته، ومن لطائفه: أن رجاله كلهم بغداديون إلا ابن أبي ذِئْب فإنه مَدَنِي! . حالة كون ابن أبي ذئب راويا (عن شُرَحْبِيلَ بنِ سَعْدٍ) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وبالموحدة المكسورة بعدها ياء ساكنة، اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والعلمية.

وَكَانَ مُتَّهَمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: (وكان شُرَحْبيلُ هذا من أئمة المغازي، قال سفيان بن عُيَينة: لم يكن أحدٌ أعلمَ منه بالمغازي، فاحتاج، وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل يطلبُ منه شيئًا فلم يُعْطِه أن يقول: لم يَشْهَدْ أبوك بدرًا. قال غيرُ سفيان: كان شُرَحْبيلُ مولىً للأنصار، وهو مَدَنِي، كُنْيته أبو سَعْد، قال محمد بن سَعْد: كان شيخا قديَما، رَوَى عن زيدِ بنِ ثابتٍ وعامَّةِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقِيَ إلى آخر الزمان حتى اخْتَلَطَ واحتاج حاجةً شديدةً، وليس يُحْتَج به) اهـ (¬1). (و) قال ابنُ أبي ذِئْب: (كان) شُرَحْبيلُ بن سَعْدٍ (مُتَّهمًا) بالكَذِبِ والوَضْعِ في الحديث، فليس بثقةٍ، لا يُكْتَبُ حديثُه، وَلا يُحْتَج به. وجملةُ قوله: (كان مُتَّهما) من كلام ابن أبي ذِئْب جَرَحَ بها شُرَحْبِيلَ بنَ سَعْدٍ، وهذه الجملةُ مَحَل الترجمةِ من هذا الأثر. وقال الذهبيُّ في "الميزان" (2/ 266): (شُرَحْبِيل بن سَعْد المدني روى عن زيد بن ثابت وأبي هريرة، ويروي عنه "دق". قال يحيى القطان: سُئل محمد بن إسحاق عنه فقال: نحن لا نَرْوي عنه شيئًا، ثم قال القطان: العَجَبُ من رجلٍ يُحَدثُ عن أهل الكتاب ويَرْغَبُ عن شُرَحْبيل -إنما قال ذلك القطانُ؛ لأنَّ ابنَ إسحاق قال يوما: أخبرنا الثقَةُ قال فُلانٌ اليهودي- قال الفَلاسُ: قد حَدثَ عنه موسى بن عُقْبة ويحيى بن سعيد الأنصاري وجماعة. وقال حجاج الأعورُ: عن ابن أبي ذِئْب قال: كان شُرَحْبِيلُ بن سَعْدٍ مُتهما، وقال غيرُ واحدٍ: عن ابن مَعِين: ضعيف، وروى بشر بن عمر عن مالك: ليس بثقة، وروى ابنُ المَدِيني عن سفيان قال: لم يكن أحد أعلمَ بالبدريين منه، أصابتْه حاجةٌ، وكانوا يخافون إذا جاء إلى رجل يطلب منه الشيءَ فلم يُعْطه أن يقول: لم يَشْهَدْ أبوك بدرًا، وقال أبو زُرْعة: فيه لِين، وقال ابنُ عُيَينَة: كان شُرَحْبِيلُ يُفتي، ولم يكن أحدٌ ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 120 - 121).

[87] وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الطَّالقَانِي يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: لَوْ خُيِّرْتُ بَينَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنةَ وَبَينَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَرَّرٍ .. لاخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ثُم أَدْخُلَ الْجَنةَ، فَلَمَّا رَأَيتُهُ .. كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلمَ بالمغازي منه، وقال ابنُ سَعْد: بَقِيَ حتى اختلط واحتاج، ليس يُحْتَج به، وقال النسائي: ضعيف، وقال الدارقطني: ضعيف يُعْتَبَرُ به، وذكره ابنُ حِبان في "ثقاته"، وقال ابنُ عدي: في عَامَّةِ ما يرويه إنكارٌ، وهو إلى الضعْف أقرب) اهـ بزيادة ما بين الشرطتين من الهامش. ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَر أيضًا بأثَر عبد الله بن المبارك في عبد الله بن مُحَرَّرٍ فقال: [87] (وحَدثَنِي محمدُ بن عبد اللهِ بنِ قُهْزَاذَ) أبو جابرٍ المَروَزِي، ثقةٌ، من الحادية عشرة، مات سنة اثنتين وستين ومائتين. (قال) محمدُ بن عبد الله بن قُهْزَاذَ: (سَمِعْتُ) أنا (أبا إسحاقَ الطالْقَانِي) بسكون اللام وبالقاف نسبة إلى طالقان بلدة بخراسان، البُنَاني -بضم الباء وتخفيف النون نسبة إلى بُنَانة من بني سعد بن لؤي بن غالب- إبراهيم بن إسحاق بن عيسى نزيل مَرْو، وربما نُسِبَ إلى جَدِّه، صدوق يغرب، من التاسعة، مات سنة خمس عشرة ومائتين روى عنه (من دت) كما مَر. أي: قال محمدُ بن عبد الله: سمعتُ أبا إسحاق حالة كونه (يقولُ: سَمِعْتُ) عبدَ اللهِ (بنَ المباركِ) بن واضح الحنظلي المَروَزِي، ثقة ثَبْت، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة حالة كون ابن المبارك (يقولُ): كنتُ أولًا قبل لقائي عبد الله بن مُحَرر (لو خُيرْتُ بين أنْ أَدْخُلَ الجَنة) قبلَ لقاءِ عبد الله بن مُحَرر (وبينَ أنْ أَلْقَى) وأَرَى (عبدَ اللهِ بنَ مُحَرَّرٍ) قبلَ دخولِ الجَنة ( .. لاخْتَرْتُ أنْ ألقاه) أي: أنْ أَلْقَى عبدَ اللهِ بنَ مُحَرَّرٍ أولًا (ثم أَدْخُلَ الجَنَّةَ) بعدَ لقائه؛ لاشتياقي إلى لقائه بسماعِ خَبَره، (فلما رأيتُه) ولاقَيتُه وعَرَفْتُ حاله ( .. كانتْ بَعْرَة) واحدة من بعار الإبل (أَحَب إلي) وأقدرَ وأعظمَ في قلبي (منه) أي: من عبد الله بن مُحَررٍ؛ لأن الخَبَرَ

ترجمة عبد الله بن محرر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس كالمُعاينة، وفي المَثَل السائر: (تَسْمَعَ بالمُعَيدِيِّ خيرٌ مِنْ أنْ تَرَاه). قال السنوسي: (ومعنى هذا الكلام: لو خُيِّرْتُ بين أنْ أدخلَ الجَنَّةَ قبل أنْ أَلْقَى عبدَ اللهِ بنَ مُحَررٍ وبينَ أنْ أتأخرَ حتى ألقاه .. لاخْتَرْتُ أنْ أتأخرَ حتى ألقاه، والله أعلم) (¬1). ترجمة عبد الله بن مُحَرَّر: بضمِّ الميم وفتح الحاء المهملة وبالراء المكرّرة الأولى مفتوحة، وقد تقدم في أول الكتاب، وقال في "الميزان" (2/ 500 - 501): (عبد الله بن المُحَرر الجَررَي، روى عن يَزِيد بن الأصمّ وقتادة، وروى عنه (ق). قال أحمد: ترك الناس حديثه، وقال الجوزجاني: هالك، وقال الدارقطني وجماعةٌ: متروك، وقال ابنُ حِبان: كان من خيار عباد الله تعالى إلا أنه كان يكذب ولا يعلم، ويقلب الأخبار ولا يفهم، وقد ولي الرقة للمنصور، وقال هلال بن منصور: ولّاه أبو جعفرٍ قضاءَ الرقة، وقال ابن معين: ليس بثقة. ومن بلاياه: روى عن قتادة عن أنسٍ: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن عن نفسه بعد ما بعث). رواه شيخان عنه. وروى مروان بن معاوية عن عبد الله بن محرر، عن قتادة، عن أنس رفعه: "أمرت بالأضحى والوتر ولم يُعزم عليَّ". وروى اثنان عنه، عن قتادة، عن أنس: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يسجد وهو يقول بشعره هكذا يكفه عن التراب، فقال: "اللهم؛ قبح شعره، فسقط". وروى ابن محرر عن قتادة، عن أنس رفعه: "لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن". قال علي بن ثابت وبقية: حدثنا عبد الله بن محرر، عن الزهري، عن أبي سلمة، ¬

_ (¬1) "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 38).

[88] وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثنا وَليدُ بْنُ صَالح قَال: قَال عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي هريرة مرفوعًا: "فَضَلَ العَالِمُ على العابد سبعين درجةً، ما بين الدرجتين مئةُ عامٍ حَضْرَ الفرس السريع". وروى حاتم بن إسماعيل عن عبد الله بن محرر، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة مرفوعًا: "جَنِّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم". وروى أبو يوسف القاضي عن ابن محرر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر مرفوعًا: نهى أن يَتْبَع الميتَ نارٌ أو صوتٌ. وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن محرر عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في العسلِ العُشْرُ") اهـ ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَر بأثَرِ زَيد بن أبي أنيسَة فقال: [88] (وحَدثَنِي الفَضْلُ بن سَهْلِ) بن إبراهيم الحافظُ البغداديُّ، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين. قال الفَضْل بن سَهْلٍ: (حَدَّثَنا وليدُ بن صالحٍ) النخَّاسُ -بنون ومعجمة ثم مهملة، بَيَّاعُ الدقيقِ- الضبي أبو محمد الجَزَرِيُ الفلسطيني نزيلُ بغداد. روى عن الحَمَّادَينِ وجَرِير بن حازم وإسرائيل وحفص بن غِياث وآخرين، ويروي عنه (خ م) وأبو توبة ويعقوب الدَّوْرَقي وأبو حاتم وغيرُهم، وَثقَه أبو حاتم. وقال في "التقريب": ثقة، من صغار التاسعة. (قال) الوليدُ بن صالحٍ: (قال عُبَيدُ اللهِ بن عَمْرِو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم، أبو وَهْب الجَزَرِيُّ الرَّقِّيُّ، أحدُ الأئمّة. روى عن عبد الملك بن عُمَيْر وعبد الله بن محمد بن عَقِيل وأيوب وغيرِهم، ويروي عنه (ع) وزكريا ويوسف ابنا عَدِيّ وغيرُهم. وَثَّقَه ابنُ مَعِينٍ والنسائي وابنُ سَعْد، وقال: ربما أخطأ. وقال في "التقريب": ثقة فقيهٌ ربما وَهِم، من السابعة، مات سنة ثمانين ومائة، وله تسعٌ وسبعون سنة.

قَال زَيدٌ -يَعْنِي أبْنَ أَبِي أنيسَةَ-: لَا تَأخُذُوا عَنْ أَخِي. [89] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي، قَال: حَدثَنِي عَبْدُ السلامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال زيدٌ) قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى: (يعني) عُبَيدُ اللهِ بن عَمْرٍو بـ (زَيدٍ) الذي رَوَى عنه: زيدَ (ابنَ أبي أنيسَةَ) بضم الهمزة وفتح النون مصغّرا، واسمُ أبي أُنيسَة: زيد أيضًا، والمعنى: يَقصِدُ عُبَيدُ اللهِ بن عُمَرَ بقوله: (قال زيد): قال زيدُ بن زيدٍ أبي أنيسَة الغَنَوي -بفتح المعجمة والنون- أبو أسامة الجَزَرِيُّ، شيخُ الجزيرة، أصلُه من الكوفة، ثم سكن الرُّهَا. روى عن الحَكَم وطلحة بن مُصَرِّف ونعيم المُجْمِر، ويروي عنه (ع) وأبو حنيفة وعمرو بن الحارث ومالك وغيرُهم. وقال في "التقريب": ثقة له أفراد، من السادسة، مات سنة أربع وعشرين ومائة، وله ست وثلاثون سنة. أي: قال زيدُ بن أبي أنيسَة: (لا تَأخُذُوا) الحديثَ ولا تَرْوُوه (عن أخي)، قال النوويُّ: (اسمه يحيى بن أبي أُنَيسَة، وهو المذكورُ في الرواية الآتية، وهو جَزَرِيّ يروي عن الزهْري وعَمْرِو بن شعَيب، وهو ضعيف، قال البخاريُّ: ليس هو بذاك، وقال النسائي: ضعيف متروك الحديث، وأما زيدٌ نفسُه .. فثقة جليل، احتج به البُخَارِي ومسلم، قال محمدُ بن سَعْد: كان ثقةً كثيرَ الحديثِ فقيها راويةً للعلم) (¬1). وهذا السَّنَدُ من رباعياته، ومن لطائفه: أن رجاله كُلهم جَزَرِيون إلا الفَضْل بن سَهْل فإنه بغدادي. ثم ذكر المؤلِّفُ رحمه الله تعالى المتابعةَ في أثرِ زيد بن أبي أنيسَة فقال: [89] (حَدثَنِي أحمدُ بن ابراهيمَ) بن كثير البغدادي (الدوْرَقي) بفتح الدال والراء بينهما واو ساكنة، نسبة إلى دَوْرَق بلدةٍ من بلاد فارس، الحافظُ الثقةُ، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومائتين، عن ثمان وسبعين سنة. (قال) أحمدُ بن إبراهيمَ: (حَدثَنِي عبدُ السلامِ) بن عبد الرحمن بن صَخْر بن ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 121).

ترجمة يحيى بن أبي أنيسة (ت)

الْوَابِصِيُّ، قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ الرَّقِّيُّ، عَنْ عُبيدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَال: كَان يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنيسَةَ كَذَّابًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن وابصة بن مَعْبَد الأسديُّ (الوَابصِيُّ) بكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة، نسبة إلى أحد أجداده - وابِصة بن مَعْبَد الأسدي، أبو الفضل الرَّقِّيُّ قاضيها. روى عن أبيه ووَكِيع، ويروي عنه (من د) وأحمدُ الدَّوْرَقِيُّ. وقال في "التقريب، : مقبولٌ، من الحادية عشرة، مات سنة سبعٍ وأربعين ومائتين أو بعدها، له شيءٌ في مقدّمة مسلم. (قال) عبدُ السلام: (حَدَّثَني عبدُ اللهِ بن جعفرِ) بن غيلان الأمويُّ مولاهم، أبو عبد الرحمن (الرَّقِّيُّ) بفتح الراء. روى عن أبي المَلِيح وعَبْثَر وابن المبارك، ويروي عنه (ع) وسلمة بن شَبيب ومحمد بن يحيى الذهْلي. وقال في "التقريب": ثقةٌ ولكنه تَغَيَّرَ بآخَرَةِ، من العاشرة، مات سنة عشرين ومائتين، له في (خ) فرد حديث. (عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو) الأسديِّ أبي وَهْب الجَزَرِيِّ الرَّقِّيُّ. (قال) عُبَيدُ اللهِ بن عَمْرٍو: (كان يحيى بن) زيدٍ (أبي أنيسَة كَذابًا) في الحديث، وَضَّاعًا من عند نفسه، فلا تأْخُذُوا منه الحديث. وغَرَضُه بسَوْقِ هذا السَّنَدِ: بيانُ متابعة عبد الله بن جعفر لوليد بن صالح في رواية هذا الأَثَرِ عن عُبَيد الله بن عَمْرو، ومن لطائفه: أن رجاله كُلُّهم رَقِّيُّون إلَّا أحمد بن إبراهيم فإنه بغدادي. ترجمة يحيى بن أبي أُنيسَة (ت): هو يحيى بن زيد أبي أُنيسَة - مصغرًا - الجَزَرِي الرُّهاوي أخو زَيد، روى عن ابن أبي مُلَيكَة ونافع، ويروي عنه عبد الوارث وعبد الله بن بَكْر وجماعة. قال الفلَّاس: صدوقٌ يَهِمُ، ثم قال: وقد اجتمعوا على تَرْك حديثه، وقال أحمدُ والدارقطنيُّ: متروك، وقال البخاري: ليس بذاك، وقال عليٌّ: سمعتُ يحيى

[90] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَال: حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: يحيى بن أبي أُنَيسَة أَحَبُّ إليَّ من حَجَّاجِ بن أرطاة وابنِ إسحاق، قال عُبَيد الله بن عَمْرو: قال لي زيدُ بن أبي أُنَيسَة: لا تَكْتُبْ عن أخي؛ فإنه كذّاب. وقال ابنُ مَعِين: ليس بشيء. قال خالد بن خداش: حدثنا علي بن ثابت، حدثنا جعفر بن بُرْقان قال: رأيت أزقاقًا على جسر الرقّة على الإبل عسل، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: ليحيى بن أبي أُنَيسَة يهديها للزُّهْري. وقال يحيى بن سعيد القطَّان: سمعتُ ابنَ عُيَينَة يقول: كانوا يجتمعون على كتاب يحيى بن أبي أُنَيسَة عند الزُّهْري. وقال عبد الله بن بَكْر السهمي: حدثنا يحيى بن أبي أُنَيسَة، عن الزُّهْري، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعًا: "غَيَّروا الشَّيبَ ولا تَشَبَّهُوا باليهود والنصارى". وقال مروان الفزاري: حدثنا يحيى بن أبي أُنَيسَة، عن الزُّهْري، عن علي بن حُسَين، عن صَفِيَّة رضي الله عنها قالت: (إنْ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَيُبَاشِرُ بعضَ أزواجِه وهي حائضٌ عليها إزارٌ إلى أنصاف فخذيها). وقال ابن أبي زائدة: حدثنا ابنُ أبي أُنَيسَة، عن الزُّهْري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: (طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته من وَجَعٍ كان به). وقال أبو معاوية: حدثنا يحيى بن أبي أُنَيسَة، عن أبي الزُّبَير، عن جابرٍ مرفوعًا: "يأكل الوالدان من مال ولدهما بالمعروف، وليس للولدِ أن يأكل من مال والديه إلَّا بإذنهما". مات يحيى بن أبي أُنَيسَة سنة ست وأربعين ومائة. اهـ من "الميزان" (4/ 364 - 365). ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بأَثَرِ أيوب السَّخْتياني فقال: [90] (حَدَّثَني أحمدُ بن إبراهيمَ) الدَّوْرَقيُّ البغداديُّ، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة (246) وله (78) سنة. (قال) أحمدُ بن إبراهيم: (حَدَّثَني سُلَيمانُ بن حَرْبٍ) الأزديُّ الوَاشِحِي - نِسْبة إلى وَاشِح بطْن من الأَزْد - البصريُّ، قاضي مكة، ثقة، إمام حافظ، من التاسعة،

ترجمة فرقد بن يعقوب السبخي

عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ قَال: ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيّوبَ فَقَال: إِن فَرْقَدًا لَيسَ صَاحِبَ حَدِيثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة أربعٍ وعشرين ومائتين وله ثمانون سنة. (عن حَمَّادِ بنِ زيدِ) بن درهم الأزدي أبي إسماعيل البصريِّ، ثقة ثَبْت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسعٍ وسبعين ومائة وله إحدى وثمانون سنة. (قال) حَمَّادُ بن زيدٍ: (ذُكِرَ) بالبناء للمجهول (فَرْقَدٌ). قال النووي: (بفتح الفاء والقاف وإسكان الراء بينهما، بوزن جَعْفَر، وهو فرقد بن يعقوب السَّبَخِيُّ -بفتح السين المهملة والباء الموحدة وبالخاء المعجمة، منسوب إلى سبخة البصرة- أبو يعقوب التابعيُّ العابدُ، لا يُحْتَجُّ بحديثه عند أهل الحديث؛ لكونه ليس صَنْعَتَه، وقال يحيى بن مَعِين في روايةِ عنه: ثقة) اهـ (¬1). (عند أيوبَ) بنِ أبي تَمِيمة كَيْسان السَّخْتياني العَنَزيّ أبي بكرٍ البصريّ الفقيهِ، أحدِ الأئمة الأعلام، كان ثقةً ثَبْتًا حُجَّةً من كبار الفقهاء العُبَّاد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. (فقال) أيوبُ: (إنَّ فَرْقَدًا ليس صاحبَ حديثٍ) أي: مُتْقِنَه وضابطَه وحافظَه، فلا تأخذوا عنه الحديثَ؛ لأنه ليس من أهله، فلا تَغْتَرُّوا به ولا تكتبوا عنه شيئًا منه. وهذا السَّنَدُ من رباعياته، ورجالُه كُلُّهم بصريون إلَّا الدَّوْرَقي فإنه بغداديٌّ كما بينَّاه. ترجمة فَرْقَد بن يعقوب السبخي: هو فَرْقَد بن يعقوب السَّبَخي أبو يعقوب البصري أحد زُهّاد البصرة منسوب إلى سَبَخَة البصرة، وقيل: هو من سبخة الكوفة. روى عن سعيد بن جُبَير ومرة الطيب وإبراهيم النَّخَعي وغيرهم، ويروي عنه (ت ق) والحمَّادان وجعفر بن سُلَيمان وعبد الواحد بن زياد وهَمَّام ومغيرة بن مسلم وغيرهم، قال أبو حاتم: ليس بقَويٍّ، وقال ابن معين: ثقة، وقال البخاري: في ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 122).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أيضًا هو والدارقطني: ضعيف. وروى محمد بن حميد قال: حدثنا جرير عن مغيرة قال: أول من دلَّنا على إبراهيم النخعي فرقد السبخي، وكان حائكًا، وكان من نصارى أرمينية. وقال حماد بن زيد: ذكر فرقد عند أيوب فقال: لم يكن بصاحب حديث، وقال يحيى القطان: ما يعجبني الرواية عن فرقد، وقال أبو طالب عن أحمد: رجل صالح ليس بقوي في الحديث، لم يكن صاحب حديث، وقال الجوزجاني عن أحمد: يروي عن مرة منكرات، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس بذاك، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة. وقال الترمذي: تكلم فيه يحيى بن سعيد، وروى عنه الناس، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال يعقوب بن شيبة: رجل صالح ضعيف الحديث جدًّا. وقال ابن عدي: كان يعد من صالحي أهل البصرة، وليس هو كثير الحديث، وقال ابن سعد: وكان فرقد ضعيفًا منكر الحديث، وقال العجلي: بصري لا بأس به، وقال الخُرَيبِي: كان رجلًا صالحًا وغيره أثبت منه، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه فحرك يده كأنه لم يرضه، وقال ابن المديني: لم يكن بثقة، وقال الساجي: وقد اختلف فيه، وليس بحجة في الأحكام والسنن، وقال الحاكم أبو أحمد: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كانت فيه غَفْلَة وردَاءةُ حفظ، فكان يرفع المراسيل وهو لا يعلم، ويسند الموقوف من حيث لا يفهم، فبطل الاحتجاج به. اهـ "تهذيب" و"ميزان". وروى جرير عن يعلى بن حكيم قال: دخل فرقد على الحسن البصري فقال: السلام عليك يا أبا سعيد، فقال الحسن: من هذا؟ قالوا: فرقد، قال: ومن فرقد؟ قالوا: إنسان يكون بالسبخة، قال: يا فرقد؛ ما تقول فيمن يأكل الخبيص؟ قال: لا أحبه ولا أحب من يحبه ولا أتولاه، فقال الحسن: أترونه مجنونًا؟ ! قال هُدْبَةُ بن خالد: حدثنا همام بن يحيى، قال: حدثنا فرقد في بيت قتادة، عن يزيد بن الشخير، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

[91] وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ ذُكِرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ اللَّيثِيُّ .. فَضَعَّفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ "أكذب الناس الصَّوَّاغون والصبّاغون" رواه أحمد عن عبد الصمد عن همام. وروى حماد بن سلمة، عن فرقد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَدَّهِن بالزَّيت غير المُقَتَّت عند الإحرام). وقال عنبسة بن سعيد -واه- قال: حدثنا فَرْقَد السَّبَخي، عن مرة الطيب، عن أبي بكر الصديق مرفوعًا: "ملعون مَنْ ضَرَّ أخاه المسلمَ أو مَا كَرَهُ". وقال صدقة بن موسى - ضعيف -: عن فَرْقَد، عن مُرَّةَ الطيب، عن أبي بكر الصِّدِّيق مرفوعًا: "لا يدخل الجنّةَ خَبٌّ ولا بخيلٌ ولا سيءُ الملكة". وقال محمد بن سعد: مات فَرْقَد بن يعقوب البصري السبخي الضعيف بالطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة، وهو ممن اختلفوا في ضعفه فلا يحتج به في الأوامر والنواهي. اهـ من "الميزان". ثم استشهد المؤلِّفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بَأَثَرِ يحيى القطَّان فقال: [91] (وحَدَّثَنِي عبدُ الرحمنِ بن بشرِ) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العَبْدِيُّ) أبو محمد النيسابوري. روى عن ابن عُيَينة ويحيى القطان والنَّضْر بن شُمَيل، ويروي عنه (خ م د ق) ومكي بن عبدان. وقال في "التقريب": ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة ستين ومائتبن. (قال) عبدُ الرحمنِ بن بِشْرٍ: (سَمِعْتُ) أنا (يحيى بنَ سعيدِ) بن فَرُّوخَ أبا سعيدٍ (القَطانَ) البصريَّ ثقة مُتْقِن حافظ، من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة. أي: سمعتُه وقد (ذُكِرَ) بالبناء للمجهول (عندَه) أي: عند يحيى القطَّان (محمدُ بن عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيد بنِ عُمَيرٍ الليثيُّ) المكيُّ - ويُقال له: محمدٌ المُحْرِمُ - يقول: هوَ ضعيف ضعيف (فضَعَّفَه) أي: فضَعّفَ محمدًا المذكور يحيى بن سعيد؛

نبذة من ترجمة محمد بن عبد الله الليثي

جدًّا، فَقِيلَ لِيَحْيَى: أَضْعَفُ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ؟ قَال: نَعَمْ، ثُمَّ قَال: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا يَرْوي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: حَكَمَ بضَعْفِه في الحديثِ وتركِه وعدمِ الاحتجاجِ به. وقولُه: (جِدًّا) بكسر الجيم، وهو مصدر جَدَّ يَجدُّ جدًّا من باب حَنَّ يَحِنُّ، يُقال: جَدَّ في الأمرِ إذا بَالغَ فيه، وهو منصوبٌ على المفعولية المطلقة؛ لأنه صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ تقديرُه: ضغَفه تضعيفا جِدًّا بليغًا؛ أي: بالغًا الغايةَ. نبذة من ترجمة محمد بن عبد الله الليثي: وهو محمد بن عَبْدِ الله بن عُبَيد الليثي المكي، ويُقال له: محمدٌ المُحْرِمُ. روى عن عطاء وابن أبي مُلَيكَة، ويروي عنه النُّفَيلي وداود بن عَمْرٍو الضَّبِّي وعدّة. ضَعَّفَه ابنُ مَعِين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك. وقال النُّفَيلِيُّ: حدثنا محمد بن عَبْد الله بن عُبَيد بن عُمَير، عن عَمْرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه: (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد)، ورواه مطرف الصنعاني عن ابن جُرَيج عن عَمْرو بن شُعَيب. وروى عبد الله بن نافع عن محمد بن عَبْد الله بن عُمَير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن ابن عُمر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن السبيل إلى الحج فقال: "الزاد والراحلة". قال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. وروى ضمرة عن ابن شَوْذَب قال: قال عكرمة لمحمد: ما أعلم أحدًا شرًّا منك، قال: كيف؟ قال: لأن الناس يستقبلون هذا البيت بالتلبية وأنت تستدبره بها، قال: وكان محمد يحرم السنة كلها، وإذا انصرف إلى أهله .. لبى بالحج. اهـ من "الميزان" (3/ 590 - 591). (فقيل ليحيى) بنِ سعيدٍ القطَّان: محمدٌ هذا (أَضْعَفُ من يعقوبَ بنِ عَطَاءِ) بن أبي رباح المكيِّ؟ (قال) يحيى: (نَعَمْ) أي: هو أضعفُ من يعقوب بن عطاء، (ثُمَّ قال) يحيى: (ما كُنْتُ أَرى) بضم الهمزة وفتحها؛ أي: ما كُنْتُ أَظُنُّ وأعتقدُ (أن أحدًا) من الناس (يَرْوي) ويأخذُ الحديثَ (عن محمدِ بنِ عَبْدِ الله بن عُبَيد بن عُمَير)

نبذة من ترجمة يعقوب بن عطاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الليثي المكي لشِدَّة ضَعْفِه وشُهْرَتِه بالمناكير. نبذة من ترجمة يعقوب بن عطاء: هو يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، مولى قريش، الحجازي المكي. روى عن أبيه وخالد بن عبد الله بن كيسان وصفية بنت شيبة وعمرو بن الشريد وداود بن أبي عاصم وأبي الزبَير والزُّهْري وغيرهم، ويروي عنه (س) وأبو عَمْرو بن العلاء - وهو أكبرُ منه - وزمعة بن صالح وعُمر بن ذر الهمداني المُرْهِبِيُّ وعنبسة بن عبد الواحد القرشي وشُعْبة والسُّفْيانان وابن المبارك وعبد الرزاق ومكي بن إبراهيم وآخرون. قال عمرو بن علي: ما سمعت يحيى ولا عبد الرزاق يُحَدِّثان عن يعقوب بن عطاء شيئًا قط، وقال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث، وقال ابن مَعِين والنسائي وأبو زرعة: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالمتقن، يكتب حديثه، وقال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث صالحة، وهو ممن يكتب حديثه، وعنده غرائب وخاصة إذا روى عنه أبو إسماعيل المؤدب وزمعة وأبو قرة. وذكره ابنُ حِبَّان في "الثقات"، وقال: مات سنة خمس وخمسين ومائة، وكان له يومَ مات ستٌّ وثمانون سنة، رُبَّما أخطأ، يُعْتَبَرُ حديثُه من غير رواية زمعة عنه؛ فإن المُعتَبِرَ إذا اعْتَبَرَ حديثَهُ الذي بَيَّن فيه بالسماع ولم يَرْو عنه إلَّا ثقةٌ .. لم يَجِدْ إلَّا الاستقامة. قلت: وقال الساجي: قال أحمد: ضعيفٌ، وقال ابنُ معين: ليس بذاك. اهـ من (تهذيب التهذيب) (11/ 392 - 393). وقال إسحاق بن سليمان: حدثنا يعقوبُ بن عطاءِ، عَنْ أَبِيه، عن جابر: كُنَّا نَنْكِحُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقَبْضة من الطعام. وقال أبو إسماعيل المؤدِّبُ عن يعقوب عن أبيه عن ابن عباس قال: جاءت أُمُّ سُلَيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: حَجَّ أبو طلحة وابنُه وتركاني، فقال: "يا أم سليم؛ عمرةٌ في رمضان تُجزئك عن حجة" اهـ من "الميزان" (4/ 453).

[92] حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ الْقَطَّانَ ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لِمَا مَرَّ بتضعيف يحيى القطان بالجماعة المذكورين فيما بَعْدُ فقال: [92] (حَدَّثَني بشْرُ بن الحَكَمِ) بن حبيب بن مِهْران العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوريُّ الزاهدُ الفَقيهُ. روى عن مالك وهُشَيم وابن عُيَينة وجماعة، ويروي عنه (خ م س) والحَسَن بن سفيان وخَلْقٌ. قال في "التقريب": ثقة زاهد فقيه، من العاشرة، مات سنة سبعٍ أو ثمانٍ وثلاثين ومائتين. (قال) بِشْرُ بن الحَكَم: (سمعتُ) أنا (يحيى بنَ سعيدٍ القَطانَ) يقول: فلان ضعيفٌ وفلانٌ ضعيفث وفلان ضعيفٌ، والحالُ أنَّه قد (ضَعَّفَ حَكِيمَ بنَ جُبَيرٍ) الأسدي ويقال: مولى الحكم بن أبي العاص الثقفيَّ الكوفيَّ. روى عن سعيد بن جُبَير وأبي جُحَيفة وأبي الطفيل وعَلْقَمةَ وموسى بن طلحة وأبي وائل وإبراهيم النَّخَعي وغيرِهم، ويروي عنه الأعمشُ والسُّفيانان وزائدةُ وفِطْرُ بن خليفة و (عم) وجماعةٌ. قال أحمد: ضعيفُ الحديث مضطرب، وقال ابنُ مَعِين: ليس بشيء، وقال ابنُ المَدِيني: سَألْتُ يحيى بنَ سعيدٍ عنه فقال: كَمْ رَوى؟ إنما روى شيئًا يسيرًا، قلتُ: مَنْ تَركه؟ قال: شعبةُ مِنْ أجلِ حديث الصدقة، يعني حديثَ: "مَنْ سأَل وله ما يُغْنِيه ... ". وروى عباسٌ عن يحيى في حديث حكيمِ بن جبير حديثَ ابن مسعود: "لا تَحِلُّ الصدقةُ لمن عنده خمسون درهمًا" فقال: يرويه سفيان عن زبيد، ولا أعلم أحدًا يرويه غير يحيى بن آدم، وهذا وَهَمٌ، لو كان كذا .. لحدث به الناس عن سفيان، ولكنه حديث منكر، يعني: إنما المعروفُ بروايتِه حكيمُ بن جُبَير. وروى الثوري عن حكيم بن جببر عن إبراهيم بن الأسود عن عائشة: (ما رأيت

وَعَبْدَ الأَعْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدًا أشد تعجيلًا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عبيد الله بن موسى: عن فطر، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن علقمة، عن علي: "أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين". وروي عن علي بن مسهر، عن الأعمش، عن حكيم بن جبير، عن يعقوب بن سفيان، عن عبد العزيز بن مروان، عن أبي هريرة، عن سلمان قلت: يا رسول الله؛ أن الله لم يبعث نبيًّا إلا بين له من يلي بعده، فهل بين لك ذلك؟ قال: "نعم، علي" هذا حديث موضوع باطل، ثم كيف يروي هذا مثل عبد العزيز بن مروان وفيه انحراف عن علي رضي الله عنه. رواه ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق العقيلي عن أحمد بن الحسين عن ابن حميد وليس بثقة. اهـ "ميزان" (1/ 583 - 584). وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود، نسأل الله السلامة، غال في التشيُّعِ، وقال ابنُ مهدي: انما روى أحاديث يسيرة وفيها منكرات، وقال الساجي: غيرُ ثبْتٍ في الحديث فيه ضعف، وروى عنه الحسن بن صالح حديثًا منكرًا، وقال الآجري عن أبي داود: ليس بشيء. وسمعتُ يحيى بنَ سعيدٍ (و) قد ضَعَّف (عبدَ الأعلى) يقول: فلانٌ ضعيفٌ، وهو عبد الأعلى بن عامر الثعلبيُّ الكوفيُّ. روى عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي ومحمد بن الحنفية وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جُبَير ويلال بن أبي موسى الفزاري وأبي جميلة الطهوي وغيرهم، ويروي عنه (عم) وابنه علي وابن جُرَيج ومحمد بن جحادة وإسرائيل بن يونس وإبراهيم بن طَهْمان والثوري وشعبة وورقاء وأبو عَوَانة وأبو الأحوص وشريك وغيرهم. قال عبيد الله بن أبي الأسود عن يحيى بن سعيد: سألتُ الثَّوْرِيَّ عن أحاديثه عن ابن الحنفية فضَعَّفَها، وقال أحمد عن ابن مهدي: كُلُّ شيءٍ روى عبد الأعلى عن ابن الحنفية إنما هو كتابٌ أَخَذَه ولم يسمعه، وقال عمرو بن علي: كان عبد الرحمن لا يحدث، قال: وكان يحيى يحدثنا عنه، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ضعيف

وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنَ مُوسَى بْنِ دِينَارٍ، قَال: حَدِيثُهُ رِيحٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث ربما رَفَعَ الحديثَ وربما وقَفَه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يقال: إنه رفع إليه صحيفةً لرجل يقال له عامرُ بن هَنِيٍّ كان يروي عن ابن الحنفية، وقال ابن عدي: يحدث بأشياء لا يُتابع عليها، وقال الساجي: صدوق يَهِم، وقال يحيى بن سعيد: تَعْرِفُ وتُنْكِر، قال أبو علي الكَرابيسي: كان مِنْ أَوْهَى الناس، وقال العقيلي: تركه ابن مهدي والقطان، وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث، وصحح الطبري حديثه في الكسوف، وحسن له الترمذي، وصَحَّحَ له الحاكم وهو مِنْ تَسَاهُلِه، وقال أحمد: روايته عن ابن الحنفيةِ شبْه الريح، كأنه لم يصححها، وضعفها أيضًا سفيان الثوري. قيل: مات سنة تسع وعشرين ومائة. وقوله: (وضعَّفَ يحيى بن موسى بن دينار) قال النووي: هكذا وقع في الأصول كلها بإثبات لفظة (ابن) بين يحيى وموسى، وهو غلط بلا شك، والصواب حَذْفهَا، كذا قاله الحفاظ منهم أبو علي الغساني الجياني وجماعات آخرون، والغلط فيه من رواة "كتاب مسلم" لا من مسلم. ويحيى هو ابن سعيد القطان المذكور أولًا، فضَعَّفَ يحيى بن سعيد القطان حكيمَ بن جبير وعبدَ الأعلى بن عامر وموسى بن دينار وموسى بن دهقان وعيسى، وكُلُّ هؤلاء متفق على ضعفهم، وأقوالُ الأئمة في تضعيفهم مشهورة. وصوابُ العبارة هنا: (وضَعّف يحيى بن سعيد القطانُ موسى بن دينار) وهو موسى بن دينار المكي، روى عن سعيد بن جبير وجماعة، قال البخاري: ضعيف، وكان حفص بن غياث يكذبه، وقال علي: سمعتُ يحيى القطان يقول: دخلْتُ على موسى بن دينار أنا وحفص فجعلْتُ لا أريده على شيء إلَّا لقيته، وقال أبو حاتم: مجهول، وضعفه الدارقطني. اهـ من "الميزان". (قال) يحيى بن سعيد: (حديثه) أي: حديث موسى بن دينار، وهو مبتدأ خبره (ريح) أي: مثل ريح هابَّة تَمُرُّ على الشيء ولا أثر لها من قدامها ولا من ورائها ولا في نفسها، وفي الكلام تشبيه بليغ؛ أي: لا أصل ولا سند لحديثه.

وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ دِهْقَانَ وَعِيسَى بْنَ أَبِي عِيسَى الْمَدَنِيَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وضعف) يحيى بن سعيد أيضًا (موسى بن دهقان) بكسر الدال البصريَّ، مدني الأصل. روى عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وأبان بن عثمان بن عفان والربيع بن أَبِي كعب - وقيل: الربيع بن كعب بن عجرة - ويروي عنه وكيع وأبو معشر البَراء وعثمان بن عمر بن فارس وغيرهم. قال علي بن المديني: سمعت يحيى القطان وذكر موسى بن دهقان فقال: أَفْسَدُوه، وأخَّره. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: شيخٌ ليس بالقوي، وقال الآجري: قيل لأبي داود: كان موسى بن دهقان ساحرًا؟ قال: كان عرافًا، وقال النسائي والدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: ليس له كثير حديث، وقال العقيلي: قال ابن معين: ضعيف الحديث. وذكره ابن البرقي في (باب من كان الغالب عليه الضعف في حديثه وترك بعض أهل العلم حديثه) فرأيت بخط الذهبي: عاش إلى أيام الأوزاعي، ورأيته في "تاريخ البخاري": موسى بن دهقان يقولون: تغير بأَخَرة، وذكره ابن حبان في "الثقات". (و) ضعف يحيى بن سعيد القطان أيضًا (عيسى بنَ أبي عيسى المدني) قال النووي: (فهو عيسى بن ميسرة أبو موسى - ويقال: أبو محمد - الغفاري المدني، أصله كوفي، يقال له: الخياط والحناط والخباط، الأول إلى الخياطة، والثاني إلى الحنطة، والثالث إلى الخبط، قال يحمى بن معين: كان خياطا، ثم ترك ذلك وصار حناطًا، ثم ترك ذلك وصار يبيع الخبط) اهـ فهو عمل المعايش الثلاثة، قال ابن سعد: وكان يقول: أنا خياط وحناط وخباط، كلًّا قد عالجت، وكان قدم المدينة للتجارة فَلَقِيَ الشَّعْبِيَّ، مات سنة إحدى وخمسين ومائة في خلافة أبي جعفر. روى عن أنس والشعبي وأبي الزناد ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة وعَمْرو بن شعيب وغيرهم، ويروي عنه (ق) ومروان بن معاوية ووكيع وابن أبي فديك

قَال: وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو خالد الأحمر وصفوان بن عيسى وعمر بن هارون البلخي وعبيد الله بن موسى وغيرهم، ضعفه أحمد وغيره، وقال الفلاس والنسائي: متروك، وقال أحمد: لا يساوي شيئًا، وقال ابن عدي: روى أحاديث لا يتابع عليها متنًا ولا سندًا، وقال عمرو بن علي: متروك الحديث ضعيف جدًّا، وقال النسائي في "التمييز": ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال حماد بن يونس: لو شئت أن يحدثني عيسى بكل ما يصنع أهل المدينة .. حدثني به، وقال ابن حبان: كان سيء الحفظ والفهم فاستحق الترك. وضعفه أيضًا العجلي والساجي والعقيلي ويعقوب بن شَيبَةَ وآخرون. وبالجملة اتفقوا على ضعفهِ وتركهِ وعدم الاحتجاج به. وقال يعقوب بن حميد: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن عيسى بن أبي عيسى، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قلت: يا رسول الله؛ من أسرع الناس فناءً؟ قال: "قومك، قال: يتبعون أفنادًا - جماعات - يضل بعضهم بعضًا". وقال ابن أبي فديك: أخبرني عيسى بن أبي عيسى، عن أبي الزناد، عن أنس مرفوعًا: "الحسد يأكل الحسنات" فذكره مروان بن معاوية. حدثني عيسى بن أبي عيسى - أظنه عن موسى بن أنس - مرفوعًا: "سيدُ إدامكم الملحُ". وقال صفوان بن عيسى: حدثنا عيسى الحناط، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: "هل أَصَبْنا نُسُكَنا؟ " فقال: لقد استبشر أهلُ السماء بنسككم. (قال) الإمامُ مسلمٌ رحمه الله تعالى على سبيلِ التجريدِ البَدِيعيّ: (وسَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عيسى) والواوُ فيه عاطفةٌ على محذوفٍ تقديرُه: سمعتُ غيرَ الحسنِ وسمعتُ الحسنَ بنَ عيسى بن ماسرْجس -بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها- أبا علي النيسابوريّ مولى ابن المبارك، أَسْلَم على يديه.

أما عبيدة .. فترجمته

يَقُولُ: قَال لِي ابْنُ الْمُبَارَكِ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَرِيرٍ .. فَاكْتُبْ عِلْمَهُ كُلَّهُ إلا حَدِيثَ ثَلَاثَةٍ: لَا تَكْتُبْ حَدِيثَ عُبَيدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَالسَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن مولاه وأبي الأحوص وجرير بن عبد الحميد، ويروي عنه (م د) وأحمدُ بن حنبل والبغوي وابنُ صاعد وخَلْقٌ. وقال في "التقريب": ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين ومائتين منصرِفًا من الحج. حالةَ كون الحسنِ (يقول: قال لي) عبدُ الله (بن المباركِ) بن واضح الحنظليُّ أبو عبد الرحمن المروزي، ثقة ثَبْت، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة: (إذا قَدِمْتَ) الكوفةَ (على جَرِيرِ) بن عبد الحميد ( .. فاكْتُبْ) يا حَسَنُ (عِلْمَه) أي: عِلْمَ جريرٍ وحديثَه (كُلَّه) أي: كُلَّ عِلْمِه وجميعَ حديثِه (إلَّا حديثَ ثلاثةٍ) أي: إلَّا حديثًا رواه جرير عن واحد من الثلاثة المذكورين فيما بَعْدُ. وجملةُ قولِه: (لا يَكْتُبْ حديثَ.) إلخ بيانٌ لمعنى الاستثناء المذكور قبله وتَفْصِيلٌ له؛ أي: لا تَكْتُبْ عنه حديثًا رواه جريرٌ عن (عُبَيدَةَ) بضم العين فقط، قال النوويُّ: (هذا هو الصحيحُ المشهورُ في كتب المؤتلف والمختلف وغيرهما، وحكى صاحبُ "المطالع" عن بعضِ رُواة البُخاري: أن ضَبْطه بضَمِّ العين وفَتْحِها). (بنِ مُعتِّبٍ) بضم الميم وفتح المهملة وكسر المثناة فوق المشددة، بعدها موحدة، وعُبيدة هذا ضَبِّيٌّ كوفي، كنيتُه: أبو عبد الكريم. (و) لا حديثًا رواه عن (السَّرِيِّ بنِ إسماعيلَ) هَمْدانِيّ - بإسكان الميم - كوفي. (و) لا حديثًا رواه عن (مُحَمَّدِ بنِ سالمٍ) هَمْداني كوفي أيضًا، فاستوى الثلاثةُ في كونهم كوفيِّينَ متروكين، فهؤلاء الثلاثة مشهورون بالضَّعْفِ والتَّرْكِ عندهم (¬1). أمَّا عُبيدةُ .. فترجمتهُ: هو عُبَيدَةُ بن مُعَتِّب الضبي، أبو عبد الكريم الكوفي الضريرُ. ¬

_ (¬1) انظر "شرح صحيح مسلم" (1/ 123).

أما السري بن إسماعيل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن إبراهيم النَّخَعي والشعْبي وأبي وائل وعاصم بن بَهْدَلة وغيرِهم، ويروي عنه (خت د ت ق) وشعبةُ والثوري ووكيع وهُشيم وعبدُ الله بن نمير وعليُّ بن مسهر وآخرون. قال عَمرُو بن علي: رَآني يحيى بن سعيد القطان أكتبُ حديثَ عبيدة بن معتب فقال: لا تكتبه، وقال أيضًا: كان عبيدة الضبي سيء الحفظ ضريرًا، متروكَ الحديث، وذكره ابن المبارك فيمن تَرَك حديثه، وقال الذهبي: ضعفه أبو حاتم والنسائي، وقال أحمد بن حنبل: تركُوا حديثه، وروى عباس عن يحيى: ليس بشيء، وروى معاوية عن يحيى: عُبيدة بن معتب الضبي ضعيف. وقال ابن خزيمة في "صحيحه": لا يجوز الاحتجاجُ بخبره عندي، له معرفة بالأخبار، قال: وسمعت أبا قلابة يَحكِي عن هلال بن يحيى: سمعتُ يوسف بن خالد يقول: قلتُ لعبيدة بن معتب: هذا الَّذي تَرْويه عن إبراهيم سمعته كُلَّه؟ قال: منه ما سمعتُه ومنه ما لم أسمعه أَقِيس عليه، قال: قلت: فحدِّثْنِي بما سمعت؛ فإني أعلمُ بالقياس منك. وقال شعبة: أخبرني عبيدة قبل أن يتغير، وقال أبو موسى الزمِنُ: ما سمعتُ القطان وابنَ مهدي حدَّثا عن سفيان عن عبيدة بشيء قط. وقال الطيالسي: حدثني شعبة عن عبيدة بن معتب، عن إبراهيم، عن سهم بن مِنْجاب، عن قَزعة، عن قَرْثَع، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ قبل الظهر لا سلامَ بينهن تفْتَحُ عندها أبوابُ السماء". أما السَّرِي بن إسماعيل: بفتح السين المهملة وكسر الراء المخففة وتشديد الياء التحتانية، فترجمته: هو السَّرِيّ بن إسماعيل الكوفي، ابن عم الشعبي، روى عنه وعن سعيد بن وهب وقيس بن أبي حازم، ويروي عنه (ق) وابنه جرير وإسماعيل بن أبي خالد وخالد بن كثير ومحمد بن مسلم -قيل: هو أبو الزبير، وقيل: الزهري- ويونس بن بكير وجرير بن عبد الحميد ومكي بن إبراهيم وعبيد الله بن موسى وجماعة.

أما محمد بن سالم

قَال مُسْلِم بْنُ الْحَجَّاجِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال يحيى القطان: استبان لي كذبه في مجلس واحد، وكان يحيى لا يحدث عنه، وقال النسائي: متروك، وقال الحسن بن عيسى: سمعت ابن المبارك يقول: لا يكتب عن جرير بن عبد الحميد حديث السري بن إسماعيل ومحمد بن سالم وعبيدة. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: ليس بالقوي، وهو أحب إليَّ من عيسى الخياط، وقال أبو طالب عن أحمد: ترك الناس حديثه، وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال الجوزجاني: يُضَعَّفُ حديثُهُ، وقال الآجري عن أبي داود: ضعيف متروك الحديث، يجيء عن الشعبي بأوابد، وقال ابن عدي: وأحاديثه التي يرويها لا يتابعه عليها أحد، خاصة عن الشعبي؛ فإن أحاديثه عنه منكرات، وهو إلى الضعف أقرب، وقال إبراهيم الحربي: كان كاتبَ الشعبي لما كان قاضيًا، وولي القضاء بعده، وفيه ضعف، وقال ابن سعد: كان قليلَ الحديث، وقال البزار: ليس بالقوي، وقال الساجي: ضعيف جدًّا، وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، وكان ابن معين شديد الحمل عليه. ومن مناكيره: حدثنا الشعبي، سمعتُ النعمانَ، سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الخمر من خمس ... " الحديثَ، وقد رواه عنه جماعة. اهـ من "تهذيب التهذيب" (3/ 459 - 460) و"الميزان" (2/ 117). أما محمد بن سالم: فترجمته: هو محمد بن سالم أبو سهل الهَمْداني - بسكون الميم - الكوفي صاحب الشعْبي، ضَعَّفُوه جدًّا، قال ابنُ المبارك: اضْرِبُوا على حديثه، وقال يحيى القطان: ليس بشيء، وكانَ أحمد لا يروي حديثه، وقال السعدي: غيرُ ثقة، وقال ابن معين: ضعيف، يُقال: له مُؤَلَّفٌ في الفرائض. اهـ من "الميزان" (3/ 556). وفي قولِ الإمام الحافظ الحجةِ أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشان القشيري النيسابوري، المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين، المدفون بنَصْر آباد ظاهر نيسابور، مؤلَّف هذا الجامع الصحيح: (قال مسلمُ بن الحَجَّاج) وفي بعض النسخ: (قال مسلمٌ) بإسقاط لفظِ (بن

وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ في مُتَّهَمِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحَجَّاج)، من المحسنات البديعية المعنوية: التجريدُ كما مَرَّ مرارًا وسيأتي كثيرًا، وهو أن يُجرِّدَ المُتَكَلِّمُ من نَفْسِه نَفْسًا مماثلةً لها ويُخْبِرَ عنها كأنَّها غيرُها؛ أي: أقولُ قاصدًا نَفْسِي. قال مسلمُ بن الحَجَّاجِ رحمه الله تعالى: (وأَشْبَاهُ ما ذَكَرْنا) أي: أمثالُ ما قَدَّمْناه ونظائرهُ، جمعُ شبه بكسر أوله وسكون ثانيه: مصدر بمعنى الشبيه، وفي "المختار": والشِّبه بكسر أوله وسكون ثانيه، والشبه بفتحتين لغتان بمعنىً، يقال: هذا شِبْهٌ وبينهما شَبَهٌ بالتحريك، والجمعُ: مَشَابِهُ على غيرِ قياس كما قالوا: مَحَاسِن ومذاكير. اهـ منه والفرقُ بين الشبيهِ والمثيلِ والنظيرِ: أن الشبيهَ هو الَّذي يشبه الشيء في أقلِّ الوجوه، والنظير هو الَّذي يشبه الشيء في كثرها، والمثيل هو الذي يشبه الشيء في جميعها، كما ذكرناه في شرحنا على "زيد أحمد بن رسلان" في الفقه الشافعي في مقدمته نقلًا عن كتاب "الفروق" للقرافي. وقَوْله: (من كلامِ أهلِ العِلْمِ) والحديثِ بيانٌ لِمَا الموصولةِ، حالٌ منها، وعائدها محذوفٌ، والمرادُ بـ (أهل العلم) هنا: أئمةُ الجَرْح والتعديل كشُعْبة بن الحَجَّاج وهو أولُ من ابْتكَرَ في فَن الجرح، ومحمدِ بنِ سَعْدٍ والدارقطنيِّ والنَّسائيِّ ويحيى القطَّان وغيرهم. وقوله: (في مُتَّهمِي رُوَاةِ الحديثِ) حالٌ من كلام أهل العلم، والمُتَّهَمُون: جمع مُتَّهم، اسمُ مفعول من اتهم الخماسي، أصله: اوْتَهم فهو مُوْتَهم؛ لأنَّ ثلاثيَّهُ: وَهِمَ، وفي "المختار": وَهِمَ في الحساب: غَلِطَ فيه وسها، وبابه فهم، ووَهَم في الشيء من باب وعد: إذا ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره، وتوفم: ظن، وأَوْهَم غَيرَه إيهاما، وهَّمَه أيضًا توهيما واتهمه بكذا، والاسم التُّهَمةُ بفتح الهاء، وأوهمَ الشيء؛ أي: تركه كُلَّه، يقال: أَوْهَمَ من الحساب مئةً؛ أي: أسقطَ، وأوهم من صلاته ركعةً. اهـ والرواةُ: جمعُ راوٍ، اسم فاعلٍ مِن رَوَى الحديث يَرْوي بالكسر من باب رَمَى إذا

وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ .. كَثيِرٌ، يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ عَلَى اسْتِقْصَائِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ نَقَلَه مِنْ غيره، وإضافةُ المُتهَمِين إلى الرُّواة من إضافةِ الصِّفة إلى الموصوف. وقولُه: (وإخْبَارِهِمْ) بكسر الهمزة معطوفٌ على (كلامِ أهلِ العِلْمِ) عطفًا تفسيريًّا؛ أي: ومن إِخْبارهم وكَشْفِهم (عن مَعَايِبِهمْ) متعلِّق بإِخْبَارِهم، والضميرُ عائدٌ إلى المُتَّهمين، والمعايبُ كالعيوب: جمعُ عيب على غير قياس، والعيبُ: النقيصة حسًّا أو معنىً. وقولُه: (كثيرٌ) خبرٌ عن قوله: (وأَشْبَاهُ) ولم يُجمع؛ لأنَّ فيه فعيلًا يُخْبَرُ به عن الجَمْع؛ لأنه يستوي فيه المفردُ والمثنَّى والجمع. وجملةُ قوله: (يَطُولُ الكتابُ بذِكْرِهِ) خبرٌ ثانٍ أو علةٌ لمحذوفٍ تقديره: أعرضنا عن ذِكْرِه بتمامه؛ لأنه يطولُ كتابُنا طولًا مُمِلًّا بذِكْر ما ذُكِرَ من الأشباه (على استقصائِه) وبلوغ غايته ونهايته، والضميرُ في قوله: (بذِكْرِه) وقوله: (على استقصائِه) عائدٌ على الأَشْبَاه، وأفرده في الموضعَينِ؛ لاكتسابه الإفرادَ من المضاف إليه الَّذي هو (ما) الموصولةُ، أو نظرًا إلى أنَّه بمعنى المذكور، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (على استقصائه) متعلِّقٌ بالذِّكْرِ، و (على): بمعنى مع، يُقال: اسْتَقْصى في المسألة إذا بلغَ قُصواها وغايتَها في ذِكْرِهَا وبيانِها، واسْتَقْصَى في الكلام إذا أَكثَرَ وبَالغَ فيه. والمعنى: وأشباهُ ما قَدَّمْناه في كتابنا من أولِ الباب إلى هنا وأمثالُهُ حالة كَوْنِ ما قَدَّمْناه من كلامِ أهل العلم والجرح والتعديل في بيانِ خطإ رواة الحديث المُتهَمِينَ بالخطإ والغلَطِ والكذب في رواياتهم، ومن إخبار أهل العلم والجرح وكشفهم عن معايب الرواة المُتَّهَمِين بالخطإ والغلط والكذب كثيرٌ يَصْعُبُ علينا إيرادُه وتعدادُه في هذا الموضع، فأعْرَضْنَا عن استيفائِه واستقصائهِ صَفْحًا؛ لأنه يَطُولُ كتابنا وجامعُنا هذا بذكرِ أشباهِ ما قَدَّمْنَا مِنْ كلامهم في ذلك مع استقصائه واستيفاء جميعه بتمامه طُولًا مُملًا للراغب فيه. (و) لكنْ (فيما ذَكَرنا) هُ وقَدَّمْناه من كلامهم في ذلك (كفاية) أي: اكتفاءٌ به

لِمَنْ تَفَهَّمَ وَعَقَلَ مَذْهَبَ الْقَوْمِ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنُوا. وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الْكَشْفَ عَنْ مَعَايِبِ وُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَاقِلِي الأَخْبَارِ، وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ حِينَ سُئِلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ عما تركناه من كلامهم في ذلك، والكفاية بكسر الكاف: مصدر سماعي لكَفَى الثلاثي، يُقال: كفاه مؤُونته؛ أي: يَكْفِيه كفايةً إذا تحملها، واكتفى بالشيء إذا استغنى به عن طلبِ غيره، والكِفايةُ: الاكتفاء والاستغناءُ بالشيء عن طلب غيره. والجارُّ والمجرورُ في قوله: (لِمَنْ تَفَهَّمَ) متعلِّقٌ بالكفاية؛ أي: وفيما ذَكَرْنَاه استغناءٌ عن طلب غيره مْمَّا تَرَكناه لِمَنْ تَفَهَّمَ ما قَدَّمناه، وتَفَعَّلَ هنا بمعنى الثلاثي؛ أي: كفايةٌ واستغناء عن طلب غيره لِمَنْ فَهِمَ ما قَدَّمْنَاه حَقَّ الفَهْمِ منطوقًا ومفهومًا. وقولُه: (وعَقَلَ) معطوفٌ على (تَفَهَّمَ) أي: لمَنْ تَفَهَّمَ ما قَدَّمْنا وعَقَلَ مع ذلك وعَرَفَ (مَذْهَبَ القومِ) النُّقَّاد الذين هم أهلُ الجَرْح والتعديل، وطريقتَهم واصطلاحَهم (فيما قالوا من ذلك) الكلام الَّذي أوردوه في مُتَّهَمِي رُواة الحديث وغيرهم، كقولهم: فلانٌ صدوقٌ، أو لا بأس به، أو فيه لِين، أو ضَعفٌ، أو ضعيفٌ، أو متروكٌ، أو لا يُكتب حديثُه، أو يُكتب، أو يُعْتَبَرُ به، وكقولهم: فلان ثقةٌ، أو ثَبْتٌ، أو ثقةٌ ثَبْتٌ، أو ثقةٌ مُتْقِنٌ، أو مأمونٌ، إلى غير ذلك من عباراتهم في الجَرْح والتعديل. وقولُه: (وبَيَّنُوا) معطوفٌ على (قالوا) عطفَ رديفٍ؛ أي: عَرَفَ مذهبهم واصطلاحهم فيما قالوه من إِثْبَاتِ الجَرْحِ والتعديل، وفيما بيَنُوه من معايب الرواة المتَّهمين، (وإنَّما أَلْزَمُوا) أي: وإنما أَلْزَمَ علماءُ الجرح والتعديل (أنفسَهم) وأَوْجَبُوا عليها (الكَشْفَ) والبحث والتفتيشَ (عن مَعَايِبِ) ونقائصِ مُتَّهَمِي (رُوَاةِ الحديثِ) المرفوعِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم (و) معايبِ (ناقلي الأخبارِ) الموقوفةِ على الأصحاب أو الأتباع، ويحتملُ أنَّه من عطف المرادف. وقولُه: (وأَفْتَوْا بذلك) معطوفٌ على (أَلْزَمُوا)، واسمُ الإشارةِ راجعٌ إلى المعايب؛ أي: وإنما أَلْزَمُوا أنفسَهم الكَشْف والبَحْثَ والتفتيشَ عن معايب الرواة وَأَفْتَوْا بذلك أي: أجابوا وأخبروا بذلك المذكور من معايب الرواة (حِينَ سُئِلُوا)

لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ؛ إِذِ الأَخْبَارُ في أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأتِي بِتَحْلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: حين سُئل علماءُ الجرح عن ذلك أي: عن تلك المعايب، وقولُه: (لما فيه) متعلِّق بأَلْزمُوا مُعلِّلٌ له، والضميرُ عائدٌ على الكشف والإفتاء. وقولُه: (مِنْ عَظيمِ الخطرِ) والهلاكِ على حَذْفِ مضافٍ؛ أي: وإنما أَلْزَمُوا أنفسَهم البَحْثَ عن معايب الرواة والإخبار بها لمن سألهم؛ لما في ذلك الكشفِ والإفتاءِ بها للناس السائلين عنها مِنْ دفع الخطر العظيم والهلاك الجسيم في الدِّين؛ لأنهم لو أعرضوا عن ذلك وتركوا الناسَ على حالهم .. لتناقَلُوا الأحاديثَ الضعيفةَ والأخبارَ الموضوعة عن قومِ غير مَرْضِيِّين وعَمِلوا بها في أحكام دينهم وسُننِ شريعتهم من التحليل والتحريم فضلُّوا وأضلُّوا، والضلالُ والإضلالُ من أعظمِ الهلاكِ الدِّينيِّ. فاللامُ في قوله: (لِمَا) حرفُ جرٍّ وتعليلٍ، و (ما) موصولةٌ في محلِّ الجر باللامِ، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (فيه) صلةٌ لما الموصولة، وفي قولِهِ: (من عظيم الخطر) متعلِّقٌ بالاستقرار المحذوف الواقع صلةً لما الموصولةِ أو حالٌ من ما الموصولةِ أو من ضمير الاستقرار. والجارُّ والمجرورُ في (لما) تَنَازَعَ فيه كُلٌّ من (أَلْزَمُوا) و (أَفْتَوْا) والإضافةُ في قوله: (عظيمِ الخَطَرِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف وهو على تقديرِ مضافِ كما مَرَّ، وتقديرُ الكلام: وإنَّما أَلْزَمُوا أنفسَهم البَحْثَ عن مَعايبِ الرواة وأَخْبَرُوا تلك المعايبَ حين سُئِلُوا عنها؛ لأَجْلِ الأمرِ الَّذي استقرَّ وثَبَتَ في ذلك البَحْثِ والإخبار عنها حالة كون ذلك الأمر المستقرِّ فيه من دفع الخطر العظيم والهلاك العميم عن الأُمَّةِ الإسلاميةِ الَّذي هو الهلاكُ الأبديُّ في الدِّين. و(إذ) من قوله: (إذِ الأَخْبَارُ) تعليليةٌ، و (الأَخْبارُ) بفتح الهمزة: جمعُ خَبَرٍ وهو مبتدأ، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (في أَمْرِ الدِّين) وشأنِه: صفةٌ للأَخْبار؛ لأن ألْ فيه جنسيةٌ، فهو بمنزلة النكرة على حَدِّ قوله: ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّني ... فمضيتُ ثمّتَ قلتُ لا يَعْنِيني وقوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ". وجملةُ قولهِ: (إِنَّمَا تَأتِي بِتَحْلِيلٍ ... ) إلخ خَبرُ المبتدإ، والجملةُ الاسميةُ مع

أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْي، أَوْ تَرْغِيب أَوْ تَرْهِيبٍ، فَإذَا كَانَ الرَّاوي لَهَا لَيسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما عُطِفَ عليها جملةٌ تعليليةٌ لا مَحَل لها من الإعراب، فهي عِلَّةٌ للعلّة المذكورة قبلها أعني قوله: (لما فيه من عظيمِ الخَطَرِ)، والتقدير: وإنما قلنا لما في ذلك من دَفْعِ عظيمِ الخَطَر؛ لأن الأخبارَ والأحاديثَ الواردةَ في بيان أَمْرِ الدِّين وشؤونه إنما تأتي وتجيء بتحليلِ أمرٍ؛ أي: بإظهار حِلِّيَّةِ أَمْرٍ من الأمور. (أو) تأتي بـ (تحريمٍ) أي: بإظهارِ حُرْمَةِ أَمْرٍ من الأُمور، (أو) تأتي بـ (أَمْرٍ) بواجبٍ من الواجبات أو مندوب من المندوبات، (أو) تأتي بـ (نَهْيٍ) عن مُحَرَّمٍ من المُحَرَّمَات أو عن مكروهٍ من المَكروهات، (أو) تأتي بـ (ترغيبٍ) وتطميعٍ في مثوبةٍ من المَثُوبات، (أو) تأتي بـ (ترهيبٍ) وتخويفٍ عن عقوبةٍ من العقوبات. والفاءُ في قوله: (فإذا كان الراوي لها) عاطفةٌ لجملةِ إذا الشرطيةِ على الجملة الاسمية في قوله: (إذِ الأَخْبَارُ في أَمْر الدِّينِ) على كونها عِلّةَ للعلِّةِ؛ لأنَّ جملةَ إذا الشرطيةِ من تمام العلّة؛ أي: فإذا كان الراوي والناقلُ لتلك الأخبارِ الواردةِ في أمرِ الدِّين (ليس) أي: ذلك الراوي (بمَعْدِنٍ) أي: بَمَرْكَزٍ ومَحَلٍّ (للصِّدْقِ) وهو الإِخْبَارُ عن الشيء على وَفْقِ ما هو عليه (والأمانة) والديانة، والأمانةُ: حِفْظُ ما عنده من الحقوق حتَّى يُؤَدِّيَها إلى مُستحقيها، بأنْ كان محلٍّا للكذب والخيانة، أي: فإذا كان الراوي لها كاذبًا خائنًا غيرَ مستقيم اللِّسان والدِّينِ. و(ثُمَّ) في قوله: (ثُمَّ أَقْدَمَ على الروايةِ عنه) بمعنى الواو، أو بمعنى الفاء التي للتعقيب، والإقدامُ على الشيء: الهُجُومُ عليه بَغْتَةً من غيرِ تَرَوٍّ ولا تَفَكُّرٍ فيه. و(مَنْ) في قوله: (مَنْ قَدْ عَرَفَهُ) فاعلٌ لـ (أَقْدَمَ)، والجملةُ الفعليةُ معطوفةٌ على جملة الشرط، أعني جملة كان، والضميرُ البارزُ في (عَرَفَهُ) عائدٌ على الراوي الكاذبِ الخائنِ ولكنه على تقدير مضاف كما يبيّن قريبًا، والمعنى: أي: فإذا كان الراوي لتلك الأخبار الواردةِ في أُمور الدِّين عادمَ الصدق والأمانة غيرَ مستقيم اللسان والدِّين ثم أَقْدَمَ وهَجَمَ على رواية تلك الأخبار عن ذلك الكاذب الخائن ونَقَلَهَا عنه مَنْ قد عُرِفَ كذبُه وخيانتُه.

وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفتَهُ .. كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ، غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملةُ قوله: (ولم يُبَيِّنْ ما فيه لغيرِه) حالٌ من فاعل (أَقْدَمَ) أي: ثُمَّ أَقْدَمَ على الرواية عن ذلك الكَذَّابِ الخائن مَنْ قد عَرَفَه؛ أي: مَنْ قد عَرَفَ خيانةَ ذلك الخائِنِ وكَذِبَه، والحالُ أن ذلك العارفَ لم يُبيِّنْ ولم يُخْبِرْ ما فيه؛ أي: ما في ذلك الكاذب الخائن من الكذب والخيانة لغيره؛ أي: لغير ذلك العارفِ حال كَوْنِ ذلك الغَيرِ (مِمَّنْ جَهِلَ معرفتَه) أي: معرفةَ ذلك الكاذب وجهله للحديث، ففي الكلام اكتفاءٌ، وهو عند البديعيين: ذِكْرُ أحدِ متقابلين وحَذْفُ الآخر؛ لعِلْمِه من المذكور كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي: والبردَ، أو المرادُ بالمعرفة: الصِّدْقُ ومُقَابِلُه الكَذِبُ؛ أي: والحالُ أن ذلك الغيرَ ممَّنْ جَهِلَ صِدْقَ ذلك الخائن وكَذِبه. وجملةُ قوله: ( .. كان آثمًا) جوابُ (إذا)؛ أي: كان ذلك المُقْدِمُ العارفُ الَّذي رَوَى الحديثَ عن الكاذب الخائنِ غير مبين لحاله لمن يروي لهم ممن لا يعرفون حال ذلك الكاذب آثمًا عاصيًا. وقولُه: (بفِعْلِهِ) متعلِّقٌ بـ (آثمًا)، وهو من إضافة المصدرِ إلى فاعله، والضميرُ عائدٌ على المُقْدَمِ العارف الَّذي كتمَ حال الكاذب عن الناس. وقولُه: (ذلك) مفعولٌ به للمصدرِ المذكورِ، واسمُ الإشارة راجعٌ إلى إقدامه على الرواية عن الكاذب ونَقْلِ حديثه إلى مَنْ لا يعرفون حال الكاذب غيرَ مُبيِّنٍ حاله لهم؛ أي: كان ذلك المُقْدِمُ الهاجمُ على رواية الأحاديث الموضوعة عن الكاذب لمن لا يعرفون حاله وحالها من غير بيان لحالِه وحالها لهم آثمًا عاصيًا؛ بسبب فعلِ ذلك المُقدِم الهاجمِ ذلك الإقدامَ على الرواية للأحاديث الموضوعة لمن لا يعرفون حالها وحال راويها مع كِتمان حالِها وحاله عنهم؛ لدخوله في عُموم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا .. فَلْيَتَبَوَّأْ مقعدَه من النار"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تَكْذِبُوا عَلَيَّ؛ فإنه مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ .. يَلجِ النارَ". وقولُه: (غَاشًّا لِعَوَامِّ المسلمين) خبرٌ ثانِ لـ (كان) أي: وكان ذلك المُقْدِمُ على رواية الأحاديث الكاذبة مع معرفته لحالها من غير بيان لحال راويها لمن يروي لهم غاشًّا

إِذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الأَخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا، أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا وَأَقَلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا أَكَاذِيبُ لَا أَصْلَ لَهَا، مَعَ أَنَّ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ غارًّا لعوامِّ المسلمين في دينهم بسبب روايته تلك الأحاديث الموضوعة من غير بيان لحالها لهم، وكان كمن غَشَّ الناس ببَيع البضاعةِ الفاسدةِ لهم من غير بيان لعَيبِها لهم، ففي الكلامِ إمَّا استعارةٌ تصريحيةٌ تبعيةٌ أو تشبيهٌ بليغٌ، والعوامُّ: جمعُ عامة، وهم الدِّين لم يُرْزَقُوا التيقُّظَ والمعرفةَ بأسبابِ الحديث وعِلَلِهِ وأسبابِ الردِّ والقبولِ كما مَرَّ في أول الكتاب. و(إذْ) في قوله: (إذْ لا يُومَنُ) حرفُ تعليلٍ، عَلَّلَ بها جوابَ الشرط؛ أي: وإنما كان غاشًّا لعوامّ المسلمين؛ لأنه لا يُؤْمَنُ (على بعضِ مَنْ سَمعَ تلك الأخبارَ) الموضوعةَ والأحاديثَ الكاذبةَ (أَنْ يَسْتَعْمِلَها) كُلَّها (أو يَسْتَعْمِلَ بعضَها) في حُكْمٍ من الأحكام الشرعية من التحليل والتحريم والأَمْرِ والنَّهْي؛ أي: لا يُؤْمَنُ على مَنْ سَمِعَها العملُ بها في حُكْمٍ من الأحكام مُستدلًا بها لظَنِّه صحَتَها، فالمرادُ بالبعض: هُمُ العوامُّ الذين لم يرزقوا معرفةَ عِلَلِ الحديث وأسبابه. وجملةُ قوله: (وأَقَلُّها أو أَكْثَرُها أكاذيبُ) حالٌ مِنْ مفعولِ (يَسْتَعْمِلَها) أي: لا يُؤمن على بعض مَنْ سَمعها من العوامّ العملُ بها كُلّها أو ببعضها في حُكْمٍ من الأحكام، والحالُ أن أقلَّ تلك الأخبار التي أَقْدَم على الرواية بها من يعرف حالها وحال راويها من غير بيان لحالهما أو كثرَها، أي: معظمها أكاذيبُ باطلةٌ وأساطيرُ عاطلةٌ (لا أَصْلَ لها) أي: لا مَخْرَجَ ولا مأخَذَ ولا سَنَدَ لها، فيكون ذلك المُقْدِمُ على روايتها من غير بيان لحال مَنْ رَوَى عنه لمن يروي لهم غاشًّا لهم بظاهرِ صحتها حتَّى عَمِلُوا بها في حُكْمٍ من الأحكام فيستحقّ العقوبة الأُخروية؛ لدخوله في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَشَّ .. فليس منّا"، وفي بعض النُّسَخ: (ولعلَّها أو أكثرَها أكاذيبُ). والظرفُ في قوله: (مَعَ أَنَّ الأخبارَ الصِّحَاحَ) متعلِّقٌ بقوله: (ثُمَّ أَقْدَمَ) أي: ثُمَّ أَقْدَمَ على الرواية بالأحاديث الكاذبة مع أن الأخبارَ الصحيحةَ المتواترةَ (من روايةِ الثِّقَاتِ) الأَثْباتِ (و) من رواية (أهلِ القَنَاعةِ) الذين يقنعون ويكتفون بالأحاديث

أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى نَقْلِ مَنْ لَيسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَقْنَعٍ. وَلَا أَحْسِبُ كَثيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ مِنَ النَّاسِ عَلى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الضِّعَافِ وَالأَسَانِيدِ الْمَجْهُولَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة عن رواية الأحاديث الكاذبة (أكثرُ) مِنْ أَنْ تَقِلَّ وأَشْهَرُ (مِنْ أَنْ) تَخْفَى حتَّى (يُضْطَرَّ) ويُحْتَاجَ حاجةً ضروريةً (إلى نَقْلِ) ورواية أخبارِ (مَنْ ليس بِثِقَةٍ) ولا مأمونٍ في حديثه (ولا مَقْنَعٍ) أي: ولا صاحبِ قناعةٍ بالأحاديث الصحيحة عن نَقْلِ الأحاديث السقيمة .. كان آثمًا بِفِعْلِهِ ذلك غاشًّا لعوامّ المسلمين. وفي "المنهاج": (قوله: "وأهل القَناعة" هي بفتح القاف؛ أي: الذين يقنع بحديثهم لكمال حفظِهم وإتقانهم وعدالتهم، قوله: "ولا مَقْنَعٍ" هو بفتح الميم والنون) اهـ (¬1). قلتُ: والمقنع مصدر ميمي بمعنى القناعة، يقال: قنع من باب سلم قناعة ومقنعًا، والقناعةُ: الرِّضا بالقسم، فهو قَنِعٌ بوزن فَرِح وقَنُوع بوزن رَسُول، وأَقْنَعَهُ الشيءُ؛ أي: أَرْضَاه، وقال بعضُ أهل العلم: إنَّ القُنُوع بضمتين أيضًا قد يكون بمعنى الرِّضا، والقانع بمعنى الرَّاضي، وأنشد بعضُهم: وقالوا قَدْ زُهِيتَ فقلْتُ كَلَّا ... ولكنِّي أَعزَّنِيَ القُنُوعُ وقال لبيدٌ: فمنهم سعيدٌ آخذ بنصيبه ... ومنهم شَقِيٌّ بالمعيشة قانعُ وفي المثل: (خَيرُ الغنى القُنُوعُ، وشَرُّ الفقرِ الخُضُوعُ). قال: ويجوز أن يكون السائلُ سُمِّي قانعًا؛ لأنه يَرْضَى بما يُعْطَى قَلَّ أو كَثُرَ، ويقبله ولا يَرُدُّه، فيكون معنى الكلمتَينِ راجعًا إلى الرِّضا. اهـ "مختار". (ولا أَحْسِبُ) أي: لا أَظُنُّ (كثيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ) ويعتمدُ (من الناسِ) صفةٌ لـ (كثيرًا) وبيانٌ له (على ما وَصَفْنا) متعلِّقٌ بـ (يُعَرِّجُ) أي: ولا أَحْسِبُ كثيرًا من الناس حالة كونه مِمَّنْ يُعَرِّجُ ويُقِيمُ ويستمرُّ ويدومُ على نشْرِ وإفتاءِ ما وَصَفْنا وذكَرْنا (مِنْ هذه الأحاديثِ الضِّعَافِ) من حيث المتونُ (و) من (الأسانيدِ المجهولةِ) من حيث ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 124).

وَيَعْتَدُّ بروَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بمَا فِيهَا مِنَ التَّوَهُّنِ وَالضَّعْفِ. إِلا أَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى رِوَايَتِهَا وَالاعْتِدَادِ بِهَا إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَوَامِّ، وَلأَنْ يُقَال: مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلَانٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَألَّفَ مِنَ الْعَدَدِ! ! ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجالُ، يُقال: عَرَّجَ فلانٌ على المنزل تَعْرِيجًا إذا حَبَسَ مَطِيَّتَهِ عليه وأقام، والتعريجُ على الشيء الإقامةُ عليه. اهـ من "المختار". وقولُه: (وَيَعْتَدُّ) معطوفٌ على (يُعَرِّجُ)، يُقال: اعْتَدَّ لكذا إذا تَهَيَّأ له، واعْتَدَّ به: اهْتَمَّ به؛ أي: ولا أَحْسِبُ كثيرًا من الناس مِمَّنْ يُعَرِّجُ ويستمرُّ على نشر ما ذكرنا من الأحاديثِ الضعيفةِ والأسانيدِ المجهولةِ ويَعْتَدُّ؛ أي: يَتَهَيَّأُ ويَهْتَمُّ (بروايتِها) أي: بروايةِ تلك الأحاديث الضعيفة ونشرِها بين الناس (بَعْدَ معرفتِه) أي: بعد معرفة ذلك المعرج (بما فيها) أي: بما في تلك الأحاديث الضعيفةِ والأسانيدِ المجهولة (من التَّوَهُّنِ) في الأسانيدِ (والضَّعْفِ) في المُتُونِ. والوهن: الضعف، والتوهن: المبالغة في الضَّعْف؛ لأن باب تَفَعّل يأتي للمبالغة، وفي "المختار": (وَهَنَ من باب وَعَدَ، ووَهَنَه غيرُه يَتَعَدَّى وَيَلْزَمُ، ووَهِنَ بالكسر يهِنُ وَهْنًا لغةٌ فيه، وأَوْهَنَهُ غيره وَوَهَّنَه تَوْهِينًا إذا أضعفه) اهـ منه. و(إلّا) في قوله: (إلا أن الَّذي يَحْمِلُه) ويَحَثُّهُ (على روايتها) أي: على رواية تلك الأحاديث الضعيفة (و) على (الاعتدادِ) والاهتمامِ (بها) أَي: بنشْرِ تلك الأسانيد المجهولة: أداةُ استثناءٍ مُفَرَّغ. وقولُه: (إرادةُ التَّكَثُّر) من الأحاديثِ وقَصْدُهُ (بذلك) أي: برواية تلك الأحاديث الضعيفة (عندَ العَوَامِّ) الدِّين لم يُرزقوا معرفةَ أسباب الحديث وعِلَلِه: خبرُ (أَنَّ)، وجملةُ (أَنَّ) في تأويلِ مصدرٍ منصوبٍ على كونه مفعولًا ثانيًا لـ (أحْسِبُ)، ولكنْ مع تأويله باسم الفاعل. واللامُ في قوله: (وَلأَنْ يُقَال) زائدةٌ، وجملةُ (أنْ) المصدريةِ مع صِلَتِها في تأويل مصدرٍ مجرورٍ على كونه معطوفًا على التكثُّر في قوله: (إرادة التَّكَثُّر). أي: وإرادةُ قول الناس فيه (ما أَكثَرَ ما جَمَعـ) ـــــــــهُ (فلانٌ من الحديثِ) في حفظِه (وَأَلَّفَـ) ـــــــــهُ وجَمَعَهُ في كتابٍ مُؤَلَّفٍ (من العَدَدِ! ) الكثيرِ.

فصل في المسائل المنثورة والجمل التي تتعلق بهذا الباب

وَمَنْ ذَهَبَ في الْعِلْمِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ .. فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلًا أَوْلَى مَنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى عِلْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ و(ما) في قوله: (ما أَكْثَرَ ما جَمَعَ فلانٌ) تعجُّبيَّةٌ في محلّ الرفع مبتدأ، وجملةُ فعل التعجُّب خبرُ (ما)، وتقديرُ الكلام: ولا أَحْسِبُ كثيرًا من الناس مِمَّنْ يُعَرِّجُ ويستمرُّ على نشرِ ما وَصَفْنَا وذَكَرْنَا من الأحاديث الضعيفة والأسانيد المجهولة ويَهْتَمُّ بروايتها بعد معرفته ما فيها من التوهنِ والضَّعْفِ إلَّا كونَ الحاملِ له على روايتها والاهتمام بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، وإرادة قولهم فيه: ما أَكْثَرَ ما جَمَعَهُ فُلانٌ من الحديث وأَلَّفَه من العدد الكثير! أي: ما أَظُنُّ حاملَه على ذلك إلَّا إرادة التكثُّر بذلك عند العوامّ وقولهم فيه: ما أَكْثَرَ ما جَمَعَ فلانٌ وأَلَّفَه من العدد! (ومَنْ ذَهَبَ) وقَصَدَ (في) هذا (العِلْمِ) أي: في عِلْمِ الحديثِ (هذا المَذْهَبَ) أي: هذا القصدَ؛ أي: إرادةَ التكثُّرِ بذلك عند العوامّ وقولهم فيه: ما أَكْثَرَ ما جَمَعَ فُلان (وسَلَكَ هذا الطريقَ) أي: دخل هذا السبيل المذموم من نشرِ الأحاديث الضعيفة والأسانيد المجهولة ( .. فلا نَصِيبَ له) أي: فلا حَظَّ له؛ أي: لذلك القاصِد ذلك المقصد (فيه) أي: في هذا العلم (وكان) ذلك القاصد، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (بأَنْ يُسَمَّى جاهلًا) مُتَعَلِّقٌ بقوله: (أَوْلى) الَّذي هو خبرُ كان؛ أي: وكان ذلك القاصدُ أَوْلَى وأَحْرَى وأَحَقَّ بتسميتِه جاهلًا (مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلى عِلْمٍ) من العلوم ويقال فيه: فلانٌ عالمَّ مُحَدِّث، فعِلْمُه زيوف لا نقود، وقَصْدُه خبيثٌ لا طيب. فصل في المسائل المَنْثُورَة والجُمل التي تتعلِّقُ بهذا الباب: الأُوْلى منها: قال النووي: (اعْلَمْ: أن جَرْح الرواة جائزٌ، بل واجبٌ بالاتفاق؛ للضرورة الداعية إليه لصيانة الشريعة المكرمة، وليس هو من الغيبة المُحَرَّمة، بل من النصيحة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ولم يَزَلْ فضلاء الأمة وأخيارُهم وأهلُ الورع منهم يفعلون ذلك كما ذكر مسلمٌ في هذا الباب عن جماعات منهم ما ذكره. ثمَّ على الجارح تقوى الله تعالى في ذلك، والتَّثَبُّتُ فيه، والحذرُ من التساهل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بجرحِ سليمٍ من الجرح أو بنقص من لم يظهر نقصه، فإنَّ مفسدة الجرح عظيمة، فإنها غيبةٌ مؤيَّدة مبطلة لأحاديثه، مسقِطةٌ لسُنَّةٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورادَّةٌ لحُكْمٍ من أحكام الدِّين. ثم إنما يجوزُ الجَرْحُ لعارفٍ به مقبول القول فيه، أمَّا إذا لم يكن الجارحُ من أهل المعرفة، أو لم يكن ممّن يُقبل قولُه فيه .. فلا يجوزُ له الكلامُ في أحد، فإنْ تَكلَّمَ .. كان كلامُه غيبةً مُحرَّمةً، كذا ذَكَرَه القاضي عِياضٌ رحمه الله تعالى (¬1)، وهو ظاهرٌ، قال: وهذا كالشاهد يجوز جَرْحُهُ لأهل الجرح، ولو عابه قائلٌ بما جُرِّح به .. أُدِّبَ وكان غيبة. الثانية: الجرحُ لا يُقبل إلَّا من عَدْلٍ عارفٍ بأسبابه، وهلْ يشترط في الجارح والمُعدِّل العدد؟ فيه خلافٌ للعلماء، والصحيحُ: أنَّه لا يشترط، بل يصيرُ مجروحًا أو عدلًا بقولِ واحدٍ؛ لأنه من باب الخبر فيُقبل فيه الواحد. وهل يُشترط ذِكْرُ سبب الجَرْح أم لا؟ اختلفوا فيه: فذهب الشافعي وكثيرون إلى اشتراطه؛ لكونه قد يعدّه مجروحًا بما لا يجرح لخفاء الأسباب ولاختلاف العلماء فيها. وذهب القاضي أبو بكر بن الباقلّاني في آخرين إلى أنَّه لا يُشترط. وذهب آخرون إلى أنَّه لا يُشترط من العارف بأسبابه ويشترط من غيره. وعلى مذهب من اشترط في الجرح التفسيرَ تقول: فائدةُ الجَرْح فيمن جرح مطلقًا: أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح (¬2). ثم مَنْ وُجِدَ في "الصحيحين" ممّن جَرَحَه بعضُ المتقدِّمين يُحمل ذلك على أنَّه لم يثبت جَرْحُه مفسَّرًا بما يجرح. ولو تَعارَضَ جَرْحٌ وتعديلٌ .. قُدِّمَ الجرحُ على المختار الَّذي قاله المحققون والجماهير، ولا فرق بين أن يكون عددُ المعدِّلين أكثر أو أقلَّ، وقيل: إذا كان ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 160). (¬2) انظر "إكمال المعلم" (1/ 131 - 132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعدِّلون أكثرَ .. قُدِّمَ التعديل، والصحيحُ الأول؛ لأن الجارح اطَّلَعَ على أَمْرِ خَفِيٌّ جَهِلَه المُعَدِّل (¬1). الثالثة: قد ذَكَرَ الإمامُ مسلمٌ رحمه الله تعالى في هذا الباب: أن الشَّعْبيُّ رَوَى عن الحارث الأعور وشَهِدَ أنَّه كاذب، وعن غيره: حَدَّثَني فلان وكان مُتَّهَمًا، وعن غيره الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين، فقد يُقال: لِمَ حَدَّثَ هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يُحْتَجُّ بهم؟ ويُجاب عنه بأجوبة: - أحدها: أنهم رَوَوْها ليَعْرِفُوها وليُبيِّنُوا ضَعْفَها؛ لئلّا يلتبس في وَقْتٍ عليهم، أو على غيرهم، أو يتشكَّكُوا في صحتها. - ثانيها: أن الضعيفَ يكتب حديثه ليعتبرَ به، أو يُستشهدَ، ولا يُحتجّ به على انفراده. - ثالثها: أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيحُ والضعيف والباطلُ فيكتبونها، ثم يُمَيِّزُ أهلُ الحديث والإتقان بعضَ ذلك من بعض، وذلك سهل عليهم معروفٌ عندهم، وبهذا احْتَجَّ سفيانُ الثوريُّ رحمه الله تعالى حين نَهَى عن الرواية عن الكلبي، فقيل له: أنتَ تروي عنه؟ فقال: أنا أعلم صِدْقَه من كَذِبِه. - رابعها: أنهم قد يَرْوُون عنهم أحاديثَ الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال والقصص وأحاديث الزُّهْد ومكارم الأخلاق ونحو ذلك، مما لا يتعلَّقُ بالحلال والحرام وسائر الأحكام، وهذا الضرْبُ من الحديث يجوزُ عند أهلِ الحديث وغيرهم التساهلُ فيه، وروايةُ ما سوى الموضوع منه والعملُ به؛ لأن أصولَ ذلك صحيحةٌ مُقَرَّرَةٌ في الشرع، معروفةٌ عند أهله. وعلى كُلِّ حالٍ: فإن الأئمة لا يَرْوُونَ عن الضعفاء شيئًا يَحْتَجُّون به على انفرادِه في الأحكام؛ فإن هذا شيء لا يفعله إمامٌ من أئمة المحدِّثين، ولا مُحَقِّقٌ من غيرهم من العلماء، وأمَّا فِعْلُ كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه .. فليس بصواب، بل قبيح جدًّا، وذلك لأنه إن كان يَعْرِفُ ضَعْفَه .. لم يَحِلَّ له أنْ يَحْتَجَّ بِهِ؛ ¬

_ (¬1) انظر المصدر السابق (1/ 160 - 161).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنهم مُتَّفِقُونَ على أنَّه لا يُحْتَجُّ بالضعيف في الأحكامِ، وإنْ كان لا يَعْرِفُ ضَعفَه .. لم يَحِلَّ له أن يهجمَ على الاحتجاج به من غير بَحْثٍ عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفًا أو بسؤال أهل العلم به إنْ لم يكن عارفًا، والله أعلم. الرابعة: في بيان أصناف الكاذبين في الحديث وحكمهم، وقد نقحها القاضي عياض (¬1) رحمه الله تعالى فقال: "الكاذبون ضَرْبان: أحدهما: ضَرْبٌ عُرِفُوا بالكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أنواع: منهم مَنْ يَضَعُ عليه ما لم يَقُلهُ أصلًا: إما تراقعًا واستخفافًا كالزنادقة وأشباههم ممن لم يَرْجُ للدِّين وقارًا، وإمَّا حِسْبَةً بزعمهم وتدينًا كجهلة المتعبِّدين الذين وَضَعُوا الأحاديثَ في الفضائل والرغائب، وإمّا إغرابًا وسمعةً كفسقة المحدِّثين، وإمّا تعصُّبًا واحتجاجًا كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب، وإمَّا اتباعًا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلبِ العذرِ لهم فيما أتوه، وقد تعيَّن جماعةٌ من كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلمِ الرجال. ومنهم من لا يضع مَتْن الحديث ولكن ربما وضع للمتن الضعيف سندًا صحيحًا مشهورًا، ومنهم من يَقْلِب الأسانيدَ أو يزيدُ فيها، ويتعمَّد ذلك، إمَّا للإغراب على غيره، وإمَّا لرفعِ الجهالة عن نفسه. ومنهم من يَكذِبُ فيدَّعي سماع مَا لم يسمع ولقاءَ مَنْ لَمْ يَلْقَ ويُحدِّث بأحاديثهم الصحيحة عنهم. ومنهم من يعمدُ إلى كلام الصحابة وغيرهم وحِكَمِ العرب فينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء كُلُّهم كذابون متروكو الحديث، وكذلك من تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاكٌّ فيه .. فلا يُحَدِّث عن هؤلاء ولا يقبل ما حدَّثُوا به، ولو لم يَقَعْ منهم ما جاؤوا به إلَّا مرة واحدة كشاهد الزُّور إذا تَعَمَّدَ ذلك .. سَقَطَتْ شهادته. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 153 - 156).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واختُلف هل تُقبل روايتُه في المستقبل إذا ظَهَرَتْ توبتُه؟ قلتُ: المختارُ الأظهرُ قبولُ توبته كغيره من أنواع الفسق، وحُجَّةُ مَنْ رَدَّها أبدًا وإنْ حَسَنُتْ توبتُه: التغليظُ وتعظيمُ العقوبة في هذا الكذب، والمبالغة في الزَّجْر عنه كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس كَكَذِبٍ على أحد". قال القاضي: والضرب الثاني: مَنْ لا يستجيزُ شيئًا من هذا كُلِّه في الحديث، ولكنه يكذب في حديث الناس، قد عُرف بذلك، فهذا أيضًا لا تُقبل روايتُه ولا شهادتُه، وتنفعه التوبة ويرْجع إلى القبول. فأمَّا من يندر منه القليل من الكذب ولم يُعرف به .. فلا يقطع بجرحه بمثله؛ لاحتمال الغلط عليه والوهم، وإن اعترف بتعمُّد ذلك المرة الواحدة ما لم يضر به مسلمًا .. فلا يجرح بهذا وإنْ كانت معصيةً لندُورها، ولأنها لا تلحق بالكبائر الموبقات، ولأنَّ أكثر الناس فَلَّما يَسْلَمُون مِنْ مُواقعات بعض الهَنَات، وكذلك لا يسقطها كذبه فيما هو من بابِ التعريض أو الغلوِّ في القول؛ إذْ ليس بكَذِبٍ في الحقيقة وإنْ كانت في صورة الكذب؛ لأنه لا يدخل تحت حدِّ الكذب، ولا يُرِيدُ المُتكَلِّمُ به الإخبار عن ظاهر لفظه وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أمَّا أبو الجهم: فلا يَضَعُ العصا عن عاتِقِه! ، وقد قال إبراهيم الخليل - عليه السلام -: هذه أختي". هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى، وقد أتقن هذا الفصل، والله أعلم) اهـ (¬1) * * * ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 124 - 127).

(9) باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء المعنعنين ولم يكن فيهم مدلس

(9) باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء المُعَنْعِنينَ ولم يكن فيهم مدلس ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء المُعَنْعِنينَ ولم يكن فيهم مدلس هكذا هذه الترجمة في "النووي" (¬1)، وفي "السَّنوسي": (باب ما تَصِحُّ به رواية الرواة بعضهم عن بعض والتنبيه على من غلط في ذلك) أي: باب في بيان صحة الاحتجاج والاستدلال على حكم من الأحكام كالتحليل والتحريم والوجوب والندب مثلًا بالحديث المعنعن؛ أي: بالحديث الَّذي رُوي بلفظ العنعنة؛ أي: بلفظ: عن فلان عن فلان، وكذا أن فلانًا، قال: على الأصح إذا أمكن واحتمل لقاءُ المعنعنين؛ أي: تلاقي الذين نقل عنهم الحديث بلفظ عن فلان لا بلفظ حدثنا فلان مثلًا، ولم يكن فيهم؛ أي: في أولئك المعنعنين مُدَلِّسٌ؛ أي: مَنْ يفعل التدليس. والمُعَنْعَنُ بصيغة اسم المفعول لغةً: الكلامُ الَّذي كَثُر فيه لفظُ "عَنْ" من قولهم: عَنْعَنَ الكلامَ إذا ذكرَ فيه لفظَ عَنْ بكثرة. واصطلاحًا: هو الحديثُ الَّذي رُوي بلفظ "عن" من غير بيانِ للتحديث أو الإخبار أو السماع أو نحوها. ومثلُه المؤنَّنُ بنونين، أُولاهما مشددة بصيغة اسم المفعول أيضًا. وهو لغةَ: الكلامُ الَّذي ذكر فيه لفظ "أَن" من أَأَنَّ الكلامَ إذا ذكرَ فيه لفظَ "أن" بكثرة. واصطلاحًا: هو الحديث الَّذي رُوي بلفظ "أَنَّ" من غير تصريح للتحديث أو الإخبار أو السماع أو نحوها، وقيل: إنَّ المعنعن والمؤنَّن لفظان مولَّدان. مثال المعنعن كقول بعضِ الرواة: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ومثال المؤنن كقول بعضهم: حدثنا فلان أن فلانًا قال كذا وكذا. وحُكْمُهَا الاتصال والصحة عند الجمهور بشرطين (¬2): ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 127). (¬2) انظر "إكمال المعلم" (1/ 164 - 165)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 130 - 131).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: سلامةُ معنعنه أو مُؤَنِّنِهِ من التدليس. وثانيهما: ثبوت ملاقاته لمن روى عنه بعن أو بأن عند البخاري والجمهور، واكْتفَى مسلم عن الشرط الثاني بثبوت كونهما في عصر واحد كما سيأتي مبسوطًا) اهـ من "الباكورة". والتدليسُ لغةً: الإخفاءُ من قولهم دَلَّسَ العيب في المبيع إذا أخفاه وستره فيه. واصطلاحًا: قسمان: الأول: تدليس الإسناد، وهو: أن يسقط الراوي شيخه لكونه صغيرًا أو ضعيفًا، أو يرتقي إلى شيخ شيخه أو إلى من فوقه ممن هو معاصر لذلك الراوي، فيُسند ذلك إليه بلفظ لا يقتضي الاتصال؛ لئلَّا يكون كذبًا كقوله: عن فلان أو أن فلانًا قال كذا. والثاني: تدليس الشيوخ، وهو: أن يُسَمِّي الراوي شيخَه الَّذي سمع منه بغير اسمه المعروف عند الناس، أو يَكْنِيَهُ أو يُلقِّبه أو ينسبه بكنية غير مشهورة فيه أو لقب غير مشهور فيه؛ أو نسبة غير مشهورة فيه؛ لكي تصعب تلك الطريقُ على غيره (¬1). اهـ منها وعبارة النووي رحمه الله تعالى: (والتدليس قسمان: أحدهما: أَنْ يَرْويَ عَمَّنْ عَاصَرَهُ ما لم يسمعه منه مُوهمًا سماعَه منه قائلًا: قال فلان أو عن فلان أو نحوه، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره؛ لكونه ضعيفًا أو صغيرًا تحسينًا لصورة الحديث. وهذا القسمُ مكروهٌ جدًّا، ذَفه أكثرُ العلماء، وكان شعبةُ مِنْ أَشَدِّهم ذمًّا له، وظاهرُ كلامه: أنَّه حرامٌ، وتحريمهُ ظاهرٌ؛ فإنه يُوهِمُ الاحتجاجَ بما لا يجوزُ الاحتجاجُ به، ويتسبَّبُ أيضًا إلى إسقاط العمل بروايات نفسه مع ما فيه من الغُرور، ثم إن مفسدته دائمة، وبعض هذا يكفي في التحريم فكيف باجتماع هذه الأمور؟ ! ثم قال فريق من العلماء: مَنْ عُرف منه هذا التدليس .. صار مجروحًا لا تُقبل له رواية في شيءٍ أبدًا وإنْ بَيَّنَ السماع، والصحيحُ: ما قاله الجماهير: أن ما رواه بلفظ محتمل لم يُبيِّن فيه السماع .. فهو مرسل، وما بَيَّنَهُ فيه كسمعتُ وحدَّثَنا وأخبَرَنا ¬

_ (¬1) انظر "إكمال المعلم" (1/ 176 - 180).

وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا في تَصْحِيحِ الأَسَانِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشِبْهِها .. فهو صحيحٌ مقبولٌ يُحْتَجُّ به، وفي "الصحيحين" وغيرِهما من كُتُب الأصول من هذا الضرب كثيرٌ لا يحصى، كقتادة والأعمش والسُّفْيَانَين وهُشَيم وغيرهم، ودليل هذا: أن التدليسَ ليس كذبًا وإذا لم يكن كذبًا .. فقد قال الجماهير: إنه ليس محرمًا، والراوي عدلٌ ضابط، وقد بيَّن سماعَه فوجَبَ الحُكْمُ بصحته، والله أعلم. واعْلَم: أن ما كان في "الصحيحين" عن المُدَلِّسين بعَنْ ونحوها .. فمحمولٌ على ثبوت السماع من جهةٍ أخرى، وقد جاء كثيرٌ منه في "الصحيحين" بالطريقين جميعًا، فيذكر رواية المدلِّس بعَنْ ثم يذكرها بالسماع ويقصد به هذا المعنى الَّذي ذكرتُه. وأمَّا القسم الثاني: فأنْ يُسَمِّي شيخَه أو غَيره أو ينسبَه أو يَصِفَه أو يَكْنِيَهُ بما لا يُعرف به كَرَاهَةَ أن يُعرف، ويَحْمِلُه على ذلك كونه ضعيفًا أو صغيِرًا أو يستنكف أن يروي عنه لمعنًى آخر، أو يكون مُكثرًا من الرواية عنه فيُرِيدُ أنْ يُغيِّرَه كراهةَ تكرير الرواية على صورةِ واحدةِ، أو لغير ذلك من الأسباب، وكراهةُ هذا القسم أَخَفُّ، وسببُها: توعيرُ طريقِ معرفته، والله أعلم) اهـ من "النووي" أيضًا (¬1). قال المؤلِّفُ رحمه الله تعالى: (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي) ومُدَّعي علم (الحديثِ) ومنتسبيه، يقال: انتحل شِعْر غيرِه أو قولَ غيرِه إذا ادَّعاه لنفسه، وتَنَحَّلَ مثله، وفلان ينتحل مذهب كذا وقبيلة كذا إذا انتسب إليه. اهـ "مختار". أي: وقد تَكَلَّمَ بعضُ العلماء الذين يَدَّعُون لأنفسهم معرفة علم مصطلح الحديث وينتسبون إليه حالة كونه (من أهلِ عَصْرِنا) وزماننا وقَرْينا، والعَصْر بفتح وسكون: الدهر، وكذا العُصْرُ بضم فسكون، والعُصُر بضمتين مثل عُسْر وعُسُر، قال امرؤ القيس الكندي من بحر الطويل: أَلَا عِمْ صباحًا أيها الطَّلَلُ البالي ... وهل يَعِمَنْ مَنْ كان في العُصُرِ الخالي والجمع: العُصُور اهـ "مختار" والجارُّ والمجرورُ في قوله: (في تصحيح الأسانيد) وتقويتها وتضعيف الأسانيد ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 33).

وَتَسْقِيمِهَا بِقَوْلٍ لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا .. لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا وَمَذْهَبًا صَحِيحًا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وتَسْقِيمِها) وتمريضها: متعلِّقٌ بـ (تَكَلَّم)، وكذلك قولُه: (بقَوْلٍ) بديعٍ وكلامٍ مختَرعٍ: متعلِّقٌ بـ (تكَلَّم). وجملةُ لو الشرطيةِ مع جوابها في قوله: (لو ضَرَبْنا) وأَعْرَضْنا (عن حكايتِهِ) وإيرادِ لفظِه: صفةُ لـ (قَوْلِ)، والحكايةُ لغةً: المماثلةُ، واصطلاحًا: إيرادُ اللفظِ المسموع بهيئته وصفته بلا تغييرٍ كما ذكره الخُضَري في باب الحكاية؛ أي: تَكَلَّمَ بِقَوْلٍ موصوفٍ بقولنا لو ضَرَبْنا وصَفَحْنا وأَعْرَضْنا عن حكاية ذلك القول وإيراد لفظه (وذِكْرِ فَسَادِهِ) أي: فساد معني ذلك القول ومُقْتَضَاه، وقوله: (صَفْحًا) أي: إعراضًا مصدرٌ معنويٌّ لقوله: (ضرَبْنَا) كقولهم: قعدتُ جلوسًا وقمتُ وقوفًا، وفي "المختار": وصَفَح عنه: أعرض عن ذنبه، وبابُه قطع، وضرَبَ عنه صَفْحَا أعرض عنه وتركه. اهـ وفي التنزيل: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الْذِّكْرَ صَفْحًا}. وقال النووي: (كذا هو في الأصول: "ضَرَبْنَا"، وهو صحيح وإن كان لُغَةً قليلةً، قال الأزهريُّ: يُقال: ضربْتُ عن الأمر وأَضْرَبْتُ عنه بمعنى كَفَفْتُ وأَعْرَضْتُ، والمشهورُ الَّذي قاله الأكثرون: أضربت بالألف) اهـ (¬1). وقولُه: ( .. لكان رَأْيًا متينًا) أي: قَويًّا (ومَذْهَبًا صحيحًا) أي: غيرَ فاسدٍ - جوابُ لو الشرطية، واللامُ رابطةُ الجواب بالشرط، يُقال: رأى في الفقه رأيًا إذا قال فيه باجتهاده من غير دليل، فالرَّأْيُ: القولُ بالاجتهاد، ويقال: متُن الشيء إذا صلب، وبابه ظرف، فهو متين؛ أي: صُلْبٌ قوي، ومَتْنا الظهر: مُكْتَنِفا الصلبِ عن يمين وشمال من عصب ولحم، يُذكر ويُؤنث. اهـ "مختار". والمذهبُ: الطريقُ، يُقال: ذَهَب يَذْهَب من باب قَطَعَ ذهابًا وذُهوبًا ومَذْهبًا بفتح الميم إذا مرَّ، والمذهبُ لغةً: الممرُّ والطريقُ، واصطلاحًا: حُكْمٌ مخصوصٌ لقومٍ مخصوصين اتفقوا عليه وذهبوا إليه. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 128 - 129).

إِذِ الإِعْرَاضُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُطَّرَح أَحْرَى لإِمَاتَتِهِ وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ، وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: تَكَلَّمَ بقولِ مخترعٍ موصوفٍ بكون الإعراض عنه فكرًا قويًّا وطريقًا صحيحًا؛ أي؛ أعرضنا إعراضًا عن إيراد لفظه وبيان فساد معناه. و(إذْ) في قوله: (إذِ الإعراضُ) حرفُ تعليلٍ، علّل بها كون الإعراض عنه رأيًا متينًا ومذهبًا صحيحًا؛ إذِ الإعراضُ (عن) ذِكْرِ (القَوْلِ المُطَّرَح) أي: الساقطِ الواهي وتَرْكُ إيرادِه لفظًا ومعنَى (أَخرَى) وأَوْلَى (لِأمَاتَتِهِ) أي: لَإماتَةِ ذلك القول وإعدامِه (وإخْمَالِ ذِكْرِ قائِلِهِ) أي: إسقاطِ ذِكْرِ قائل ذلك القَوْلِ عن ألسنة الناس حتَّى يصيرَ هو وقولُه نَسْيًا مَنْسيًّا عند الناس. وقولُه: (وأَجْدَرُ) وأَحَقُّ بـ (أَنْ لا يكونَ ذلك) أي: حكايتُه وذِكْرُ فسادِه (تنبيهًا) وإيقاظًا (للجُهَّال) والعوامّ (عليه) -أي: على نَشْرَهِ وإفشائهِ- معطوفٌ على (أَحْرَى)، وقولُه: (أَنْ لا يكونَ) على تقدير الباء المتعلِّقة بأَجْدَرُ، ويحتملُ أن تكون جملةُ: (أَنْ لا يكونَ) على تقديرِ لامٍ معلَّلة لمحذوف، و (أَجْدَرُ) عطف على (أَحْرَى)، والتقدير: وإنما كان الإعراضُ عن القَوْلِ المَطَّرَحِ أَحْرَى لإِمَاتَتِهِ وأَجْدَرَ بإخمال ذِكْرِ قائله؛ لئلا يكون ذلك المذكورُ من حكايته وذِكْرِ فسادهِ مُوقظًا للجُهَّالِ على إفشائِهِ ونشرِهِ. يُقال: طَرَحَ الشيءَ وبالشيء: رماه، وبابُه قَطَعَ، واطَّرحه بتشديد الطاء: أَبْعَدَه، والمَطَّرَحُ: القولُ المبعدُ عن الصواب، والمُطارحة: إلقاءُ القومِ المسائلَ بعضهم على بعض، تقول: طَارَحَه الكلامَ متعدِّيًا إلى مفعولين. وقولُه: (أَحْرَى لإِمَاتَتِه) أي: أَشَدُّ تحرِّيًا وقَصْدًا لإِماتَتِه، والتحرِّي في الأشياء: طَلَبُ ما هو أَحْرَى بالاستعمال في غالب الظَّنِّ؛ أي: أَجْدَرُ وأَخْلَقُ، واشتقاقُه من قولهم: هو حَرِيٌّ أَنْ يَفْعَلَ كذا؛ أي: أَجْدَرُ وخَلِيقٌ، وفلان يَتَحَرَّى كذا؛ أي: يتوخَّاه ويقصدُه. وإِمَاتَةُ القولِ: إسقاطُه وإخراجُه عن حَيِّزِ الاعتبار في اللِّسان والجَنان والآذان بحيث لا يُلفظ ولا يُعتقد ولا يُسمع، وفي "القاموس": يُقال: خَمَل ذِكْرُه وصَوْتُهُ

غَيرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ، وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، وإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَإ الْمُخْطِئِينَ وَالأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ .. رَأَينَا الْكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلهِ وَرَدَّ مَقَالتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الرَّدِّ أَجْدَى عَلَى الأَنَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خمولًا: خَفِيَ، وأَخْمَلَهُ اللهُ تعالى فهو خاملٌ: ساقِطٌ لا نَبَاهَة له، وهو من باب نَصَرَ كما صَرَّحَ به أئمةُ اللغة خلافًا لما نقله جماعةٌ من أئمة اللغة الأندلسيين أنَّه يقال: خَمُلَ خَمَالةً ككَرُمَ كَرَامةً. أفادَه شارح "القاموس" (¬1). ويقال: هو أَجْدَرُ بكذا؛ أي: أَحَقُّ به وجَدِيرٌ به؛ أي: خَلِيقٌ به. وقولُه: (غيرَ أنّا) استدراكٌ، على قوله: (لكان رَأْيًا مَتِينًا ومَذْهَبًا صحيحًا) أي: لكنْ أنا (لمَّا تَخَوَّفْنا) وخشينا (من شُرُورِ العَوَاقِبِ) أي: من ضَرَرِ عاقبةِ ذلك القولِ المَطَّرَحِ على غَالبِ الناسِ وفتنتِهم به ومَيلِهم إليه (و) من (اغْتِرَارِ الجَهَلةِ) وانخداع العوامّ (بمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ) ومُخْتَرَعَاتِهَا ومُبْتَدَعَاتِها (و) من (إسْرَاعِهم) أي: ومن إسراع الجَهَلَةِ ومبادرتهم (إلى اعتقادِ) حقية (خَطَإ المُخطئين) وانحرافِ المنحرفين عن الصواب (و) إلى اعتقادِ أرجحية (الأقوالِ الساقطةِ) والآراءِ الضعيفةِ المتروكةِ (عندَ العُلماءِ) الراسخين والجماهيرِ المحققين والحُفَّاظ المشهورين. و(لمَّا) هنا: حرفُ شرطٍ غيرُ جازمٍ كَـ (لَوْ)، وقولُه: (تَخَوَّفْنَا) فعلُ شرطٍ لها، وقولُه: (رَأَينا .. ) إلخ جوابُ الشَّرْطِ لها. أي: رَأَينا (الكَشْفَ) والبيانَ (عن فَسَادِ قولِه) أي: عن خطإ قول ذلك المنتحل، وفسادِ زعمِه، وقولُه: (الكَشْفَ) مفعولٌ أولُ لـ (رأينا)، وقولُه: (ورَدَّ مَقَالتِهِ) بالنصبِ معطوفٌ على (الكَشْفَ) أي: رَأَينَا الكَشْفَ وَرَدَّ مقالتِه الساقطةِ؛ أي: وَرَدَّ مقالةِ ذلك المنتحل وإنكارَها (بقَدْرِ ما يَلِيقُ) ويُنَاسِبُ (بها) أي: بتلك المقالة (من الرَّدِّ) والإنكار، وهو بيانٌ لما الموصولةِ في قوله: (بقَدْرِ ما يَلِيقُ). وقولُه: (أَجْدَى) وأَنفَعُ: مفعولٌ ثانٍ لِـ (رَأَينا)، وكلمةُ (على) في قوله: (على الأنام) بمعنى اللام؛ أي: رأينا الكَشْفَ والبيانَ عن فسادِ قولهِ، ورأينا رَدَّ مقالتِه بقَدْرِ ما يَلِيقُ بها أَنْفَعَ وَأَفْيَدَ للعوامِّ والجُهَّالِ الذين هُمْ كالأنعام والبهائمِ في عدم ¬

_ (¬1) "تاج العروس" (7/ 310).

وَأَحْمَدَ لِلْعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ معرفة مصالحهم، وهو اعتقادُ أصوبية القول السديد واتباعُ المذهب الصحيح عند العلماءِ الأخيار والأئمةِ الأعلام. وعبارةُ النووي: ("أَجْدَى" بالجيم و"الأنام" بالنون، ومعناه: أَنْفَع للناس، هذا هو الصواب، ووَقَعَ في كثيرٍ من الأُصول: "أَجْدَى عن الآثام" بالثاء المثلثة، وهذا وإنْ كان له وَجْهٌ .. فالوَجْهُ هو الأول، ويُقال في الأنام أيضًا: الأنيم، حكاه الزبيديُّ والواحديُّ وغيرُهما) اهـ (¬1). (وأَحْمَدَ) بالنصب معطوفٌ على (أَجْدى) أي: رأينا ذلك الكَشْفَ والرَدَّ أَنْفَعَ وأَفْيَدَ للأنام والعوامِّ الذين لم يُرْزَقُوا التيقُّظَ في الحديث، وأَحْسَنَ (للعاقبةِ) أي: لعاقبة أمرهم الَّذي هو اعتقادُ خطإ المخطئين؛ لأنه ربما يكون هذا الكَشْفُ والردُّ سببًا لرجوعهم عن ذلك الاعتقادِ السيء، فتكون عاقبتُهم محمودةً بالرجوع عن ذلك الاعتقاد، وأَتَى بقوله: (إنْ شاءَ اللهُ) سبحانه وتعالى كَشْفَنا فسادَ قوله وَرَدَّنا مقالتَه؛ لِمَا مَرَّ في أول الكتاب فَجَدَّدَ العَهْدَ به. اللغة: (لَمَّا تَخَوَّفْنا) يقال: تخوفت عليه الشيء؛ أي: خفت، وتفعَّل هنا لمبالغة الثلاثي، وفيِ "القاموس": خاف يخاف إذا فزع خوفا وخَيفًا ومخافَةً وخِيفةً بالكسر، وأصلها: خِوْفة وجمعها: خيف؛ أي: لمَّا خفنا مخافةً بليغةً (من شُرُورِ العَوَاقِبِ). و(الشرور): جمع شَرّ، والشرُّ بفتح الشين ويُضمّ: نقيضُ الخير، يقال: شرَّ يَشُرُّ وَيشِرُّ من بابي ضرب ونصر (¬2)، شرًّا وشرارة إذا فعل ضررًا. و(العواقب): جمع عاقبة، وعاقبةُ كُل شيءٍ: آخِرهُ ومآلُه. و(الاغترار): الانخداعُ بما ظاهرهُ صحيحٌ وباطِنُهُ فاسدٌ. و(الجَهَلَةُ): جمع جاهل، ككَمَلَةٍ جمع كامل، والمرادُ بالجاهل هنا: العامِّيُّ ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 129). (¬2) قال في: "تاج العروس": (قال شيخنا: هذا اصطلاح في الضم والكسر مع كون الماضي مفتوحا، وليس هذا مما ورد بالوجهين، ففي تعبيره نظر ظاهر).

وَزَعَمَ الْقَائِلُ الَّذِي افْتَتَحْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ قَوْلِهِ وَالإِخْبَارِ عَنْ سُوءِ رَويَّتِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الَّذي لم يُرْزَقْ معرفةَ أسباب الحديث وعلله. وإضافةُ (مُحْدَثات) إلى (الأُمور) من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: بالأمور المُحْدَثة، والمُحْدَثَةُ: كُل ما أُحدث واختُرع على غير مثالٍ سابقٍ. و(الأُمورُ): جمعُ أَمْر بمعنى الشيء، لا الأمر بمعنى الطلب؛ فإنه يُجمع على الأوامر. و(الخطأ): ضِدُّ الصواب، والمخطئين: جمع مخطئ، والمخطئ: هو مَنْ خَالفَ الصوابَ في اعتقادهِ أو قوله أو فعلِه. و(ساقطة القول): خطؤُه ورديئه، وساقطة الناس: لئيمهم في حسبه ونفسه، وقوم سَقْطَى بوزن مَرْضَى: لئامُهم، يقال سقط الشيء من يده من باب دخل. و(الكشف): إزالة الستر عن الشيء والبيان والشرح، و (ردّ المقالة): إنكاره على قائله. (وأَجْدَى على الأنام): من جداه جدوى: أعطاه جدوى، والجدوى: ما ينفع ويغني عن الغير، وفي "القاموس": الأنام كسحابٍ وساباطٍ وأميرٍ: الخَلْقُ، أو الجن والإنس، أو جميع ما على وجه الأرض. اهـ (وزَعَمَ) أي: قال قولًا فاسدًا لا دليلَ عليه هذا (القائلُ)؛ لأن الزعمَ: القولُ الرديء الَّذي لا دليلَ عليه (الَّذي افْتَتَحْنَا) وابتَدأْنا الآن (الكلامَ على الحكايةِ) والرواية (عن قولِهِ) أي: قولِ ذلك الزاعم، وقد قدَّمْنا آنفًا أن الحكايةَ: إيراد الكلام المسموع بهيئته وصفته، و (على) في قوله: (على الحكاية) بمعنى في، و (عَنْ) في قوله: (عَنْ قوله) زائدةٌ في المعنى؛ أي: وزعم هذا القائل الَّذي افتتحنا الكلام في حكايةِ قوله وإيرادِ لفظه. وقولُه: (والِأخْبَارِ) بالجرِّ معطوفٌ على الحكاية؛ أي: وافتتحنا الكلامَ في الإخبار (عن سُوءِ) وقُبْحِ (رَويَّتِهِ) وفِكْرِه، والرَّويَّةُ بفتح الراء وكسر الواو وتشديد الياء المفتوحة: الفِكْرُ والعقيدةُ، يُقال: روَّى في الأمر ترويةَ نَظَرَ فيه وفكَّرَ، والاسمُ: الروية.

أَن كُلَّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ فِيهِ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، وَقَدْ أَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا في عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَجَائِزٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملةُ أن في قوله: (أن كُلَّ إسنادٍ لحديثٍ) سَادة مسدّ مفعولي (زَعَمَ)، وفي "الكواكب الدرية" (1/ 137): (والأكثرُ وقوعُها على أنْ بالتخفيف وأنَّ بالتشديد وصِلَتِهما فيسدّان مسدّ مفعوليها كما قاله سيبويه والجمهورُ. وقال الأخفشُ: إنَّ المفعولَ الثاني محذوفٌ. قال السيرافي: والزعمُ: قولٌ يقترن به اعتقادٌ صَحَّ أو لم يَصِحَّ) اهـ. وبمعناه قولُ غيره: الزعمُ: قولٌ يُطْلَقُ على الحقّ والباطل، وأكثرُ ما يقال فيما شُكَّ فيه، ولم يستعمل في القرآن إلَّا للباطل، وقد استُعمل في غيره للصحيح كقول هِرَقْل لأبي سفيان: زعمت، وكقول أبي طالب في مدح النبي صلى الله عليه وسلم: ودعوتَني وزعمتَ أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينا قال السُّبْكِيُّ: ولكنْ إذا تَأَمَّلْته .. وجدتَه يُستعمل حيث يكون المتكلِّمُ شاكًّا، فهو كقَوْلٍ لم يَقُم الدليلُ على صحته، وإنْ كان صحيحًا في نفس الأمر. اهـ والجارُّ والمجرورُ في قوله: (لحديثٍ) صفةٌ أُولى لـ (إسْنَادِ) أي: أن كُلَّ إسنادٍ كائنٍ لحديث، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (فيه) أي: في ذلك الإسناد متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ لقوله: (فُلانٌ عن فُلانٍ) وهو مبتدأٌ مؤخرٌ محكيٌّ، والجملةُ الاسميةُ في محل الجر صفة ثانية لإسنادٍ؛ أي: زَعَمَ أن كُلَّ إسنادٍ كائنٍ لحديث موصوفٍ ذلك الإسناد بكَوْنِ فلانٍ عن فلان موجودًا فيه؛ أي: موصوفٍ بوجود العَنْعَنة فيه. والواو في قوله: (وقد أحاط العِلْمُ) واليقينُ: حاليةٌ، والجملةُ حالٌ من الضمير المستكنّ في الجاز والمجرور في قوله: (فيه فُلانٌ عن فُلانٍ) أي: والحالُ أنَّه قد أحاط عِلْمُ أهل عصرهما، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (بأنَّهما) متعلِّقٌ بأحاط؛ أي: وقد أحاطَ عِلْمُ أهل عصرهما بأنَّ فلانًا الراوي وفلانًا المروى عنه (قد كانا) ووُجدا (في عصرٍ واحدٍ) وقَرْنٍ واحدٍ؛ أي: والحالُ أنَّه قد تَيَقَّنَ أهلُ عصرِهما بوجدانهما في زمنٍ واحدٍ. وجملةُ قوله: (وجائزٌ ... ) إلخ في محلّ النصب على الحال معطوفة على جملة

أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَى الرَّاوي عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ وَشَافَهَهُ بِهِ، غَيرَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وقد أحاطَ العِلْمُ ... ) إلخ؛ أي: زَعَمَ هذا القائلُ أن كُلَّ إسنادٍ فيه فُلانٌ عن فُلانٍ والحالُ أنَّه قد أحاط العِلْمُ بأنهما قد وُجدَا في عصرِ واحدٍ وأنه جائزٌ أي: مُمْكِنٌ (أَنْ يكونَ الحديثُ الَّذي رَوَا) هـ (الراوي) بالعنعنة. وقولُه: (عَمَّنْ رَوَى عنه) متعلَّقٌ بقوله: (قد سَمِعَه)، وقولُه: (منه) حَشْوٌ في هذه النسخة كما هو ساقطٌ في بعض النُّسخ، وفي الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، وضميرُ المفعول في (سَمِعَه) راجعٌ إلى الحديث، والتقديرُ: والحالُ أنَّه جائزٌ مُمْكِنٌ أن يكون الحديثُ الَّذي رواه الراوي بالعنعنة قد سَمِعَه عمَّنْ روى عنه بِأُذُنِه بلا واسطة. وقولُه: (وشَافَهَهُ بهِ) معطوفٌ على (سَمِعَه) تأكيدًا له، وضميرُ الفاعلِ المستترُ في شَافَه عائدٌ على الشيخَ الَّذي روى عنه، وضميرُ المفعولِ البارزُ فيه عائدٌ على التلميذ الراوي، وضميرُ (به) عائدٌ على الحديث، والجملةُ موكِّدةٌ لما قبلها كما قُلْنا آنفًا؛ أي: وشَافَه الشيخُ المَرْويُّ عنه التلميذَ الراويَ عنه بالحديث وخَاطَبه وكَلَّمَه به بلسانه بلا واسطة، وفي "المختار": المشافهة: المخاطبةُ مِنْ فِيه إلى فِيه) اهـ. والحاصلُ: أن قولَه: (جائزٌ) مبتدأٌ ليس له خبرٌ، بل استغنى بمرفوعه، و (الحديثُ) اسمُ يكون، و (الَّذي) صفةٌ للحديث، وجملةُ (رَوَى الراوي) صلةُ الموصول، والعائدُ محذوفٌ كما قَدَّرْناه، وقولُه؛ (عَمَّنْ رَوَى عنه) متعلِّقٌ بقوله: (قد سَمِعَه)، وجملةُ: (قد سَمِعَه) خبرُ يكون، وقولُه: (منه) حَشْوٌ لا حاجةَ إليه، وقولُهُ: (وشَافَهَه به) معطوفٌ على (قد سَمِعَه) والتقديرُ: وجائزٌ أن يكون الحديثُ الَّذي رواه الراوي بالعنعنة مسموعًا له عمَّنْ رَوَى عنه بأذنه أو مشفوهًا به عنه بلسانه، وجملة (يكون) مع (أَنْ) المصدرية في تأويل مصدرٍ مرفوعٍ على الفاعلية لـ (جائزٌ)، والتقديرُ: والحالُ أنَّه جائزٌ كونُ الحديثِ الَّذي رواه الراوي بالعنعنة مسموعًا عمَّنْ روى عنه باُذُنِه أو مشفوهًا به عنه بلسانه. وقولُه: (غيرَ أنَّه) استثناءٌ واستدراكٌ من احتمال كون الحديث مسموعًا له عمَّنْ رَوَى عنه المذكور بقوله: (وجائزٌ أنْ يكونَ الحديثُ ... ) إلخ؛ أي: غَيرَ أن الشأن

لَا نَعْلَمُ لَهُ مِنْهُ سَمَاعًا، وَلَمْ نَجِدْ في شَيءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمَا الْتَقَيَا قَطُّ، أَوْ تَشَافَهَا بِحَدِيثٍ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والحال (لا نَعْلَمُ له) أي لذلك الراوي بالعنعنة (منه) أي: ممَّنْ رَوَى عنه متعلِّقٌ بقوله: (سماعًا) أي: لكنْ أن الشأنَ والحال لا نعلم له سماعًا منه. وجملةُ قوله: (ولم نَجِدْ) نحن (في شيءٍ من الروايات) الجارية بينهما: معطوفةٌ على جملة قوله: (لا نَعْلَمُ) على كَوْنِها خبرًا لأَنَّ، وجملةُ (أن) في قوله: (أنَّهما) أي: أن الراويَ والمَرْويَّ عنه (التقيا) واجْتَمَعا في مكانٍ واحدٍ: في تأويلِ مصدرٍ منصوبٍ على أنَّه مفعولٌ به لـ (نَجِدْ)، إنْ قلنا: إنه من وُجدان الضالّة؛ لأنه يتعدَّى إلى مفعول واحدٍ، أو سادٌّ مسدَّ مفعوليها إن قلنا: إنه بمعنى عَلِمَ. وقولُه: (قَطُّ) ظرفٌ مستغرقٌ لِمَا مَضَى من الزمان متعلِّقٌ بـ (لَمْ نَجِدْ)؛ لأنه لا يتعلَّقُ إلَّا بالماضي المَنْفِيِّ لفظًا أو معنًى. وقولُه (أو تَشَافَها) أي: تَشَافَهَ الراوي والمَرْويُّ عنه وتَخَاطَبَا (بحديثٍ) ما، قليلٍ أو كثيرٍ: في محل الرفع معطوف على (التَقَيَا) على كونه خبرًا لأنَّهما، وجملةُ أنَّهما في تأويلِ مصدرٍ منصوبٍ على أنَّه مفعولٌ به لـ (نَجِدْ)، والتقديرُ: ولم نَجِدْ قَطُّ في شيءٍ من الروايات الواقعة بينهما التقاءَهما أو تشافُهَهما بحديثٍ. وجملةُ: (لم نَجِدْ) في محلّ الرفع معطوفة على جملة قوله: (لا نَعْلَمُ) على كونها خبرًا لأنَّ في قوله: (غيرَ أنَّه) والتقدير: غير أنَّه عادِمٌ عِلمُنا سماعًا له منه، وعادم وجدانُنَا في زمن من الأَزْمِنَةِ الماضية في شيء من الروايات الجارية بينهما التقاءَهما بأبدانهما أو تشافهَهما بحديث. والاستثناء في (غيرَ) منقطعٌ، فهو بمعنى لكن الاستدراكية، وجملة أن من اسمِها وخبرِها في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ على كونه مبتدأ، خبرُه محذوفٌ، والتقديرُ: لكنْ عدمُ عِلْمِنا سماعًا له منه وعدم وجداننا في زمن من الأزمنة في شيءٍ من الروايات التقاءهما بأبدانهما أو تشافُهَهُما بحديثٍ موجود، والجملةُ الاسميةُ جملة استدراكية لا مَحَلَّ لها من الإعراب. وجملةُ أن في قوله: (أن الحُجَّة لا تقومُ عنده ... ) إلخ في محلّ الرفع خبر لأنَّ

بِكُل خَبَرٍ جَاءَ هَذَا الْمَجِيءَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا مِنْ دَهْرِهِمَا مَرَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ في قوله: (أن كُلَّ إسنادٍ لحديثٍ فيه فُلانٌ عن فُلانٍ)، والتقديرُ: وزَعَمَ هذا القائلُ الَّذي افْتَتَحْنَا الكلامَ في حكايةِ قوله أن كُلَّ إسنادٍ لحديثٍ فيه عَنْعَنَةٌ أن الحُجَّة لا تقومُ به، أي: أن الاحتجاجَ والاستدلال على حُكْمٍ من الأحكام الشرعية من التحريم والتحليل مثلًا لا يَصِحُّ عنده (بكُلِّ خَبَرٍ) وحديثٍ (جاءَ) وخَرَجَ (هذا المجيءَ) أي: هذا المَخْرجَ؛ أي: مخرجَ العنعنة. وجملةُ (لا تقومُ) خبر أن، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (بكُلِّ خبرٍ) متعلِّقٌ (بالحُجَّةَ)؛ لأنه اسمُ مصدرٍ بمعنى الاحتجاج. وجملةُ (جاء) صفةٌ لـ (خَبَرٍ)، والتقديرُ: أن الاحتجاج والاستدلال بكُلِّ خَبَرٍ جاء هذا المجيءَ على حُكْمٍ من الأحكام الشرعية غيرُ صحيح عنده، وجملةُ أن هذه - أعني الثانيةَ - في محل الرفع خبر لأنَّ الأولى -أعني قوله: (أن كُلَّ إسنادٍ ... ) إلخ - تقديره: زَعَمَ هذا القائلُ أن كُلَّ إسنادٍ فيه فلانٌ عن فلانٍ غيرُ صحيحِ الاحتجاجِ والاستدلالِ به عنده، وجملةُ أن الأُولى في تأويل مصدرٍ سادٍّ مَسَدَّ مفعولَي زَعَمَ، تقديرُه: زَعَمَ هذا القائلُ الَّذي افْتَتَحْنَا الكلامَ في حكايةِ قوله والإخبارِ عن سُوء رَويَّتِه عدم صحةِ الاحتجاجِ عنده بكلِّ خبرِ جاء مجيءَ العنعنة. و(حتَّى) في قوله: (حتَّى يكونَ عندَه) جازةٌ متعلِّقةٌ بتقومُ، قال النوويُّ: (هكذا ضبطناه "حتَّى يكونَ" بالتاء المثناة من فوق في "حتَّى" وبالياء المثناة من تحت في "يكونَ"، وهكذا هو في الأصُول الصحيحة المعتمدة، ووقَعَ في بعض النَّسخ: "حين نكون" بالياء في "حين" وبالنون في "نكون"، وهو تصحيف، والله أعلم) (¬1). أي: أن الحُجَّةَ لا تقومُ عنده بكُلِّ خَبَرٍ جاء هذا المجيءَ حتَّى يكونَ ويَحْصُلَ عنده أي: عند ذلك الزاعم (العِلْمُ) أي: عِلْمُ أهلِ عصرهما (بأنَّهما) أي: بأنَّ الراويَ والمَرْويَّ عنه (قد اجْتَمَعَا) في زَمَنٍ (مِنْ دَهْرِهِما) أي: من عُمُرِهما (مَرَّةً) أي: ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 129 - 130).

فَصَاعِدًا، أَوْ تَشَافَهَا بِالْحَدِيثِ بَينَهُمَا، أَوْ يَرِدَ خَبَرٌ فِيهِ بَيَانُ اجْتِمَاعِهِمَا وَتَلَاقِيهِمَا مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِمَا فَمَا فَوْقَهَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ، وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ تُخْبِرُ أَنَّ هَذَا الرَّاويَ عَنْ صَاحِبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ اجتماعًا مرَّةَ، فمرَّةَ: منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنه صفةٌ لمصدرٍ محذوف، ويصح نصبه على الظرفية، والمعنى حينهحذ: قد اجتمعا زمانًا مَرَّةً من دهرهما. والفاءُ في قوله: (فصَاعِدًا) عاطفةٌ لمحذوفٍ على (اجْتَمَعَا)، وصاعدًا؛ حالٌ مفيدةٌ لازدياد العدد حُذِفَ عاملُها وصاحبُها وجوبًا، والتقدير: بأنهما قد اجتمعا مرَّة واحدةً من دهرهما فزادَ العددُ؛ أي: عَدَدُ مَرَّاتِ اجتماعِهما حال كونه صاعدًا؛ أي: زائدًا على مَرَّةٍ واحدةٍ، وقد بسطنا الكلام على هذه الحال في شرحنا "نزهة الألباب على ملحة الإعراب"، فراجعه إن أردت الخوضَ في هذه الحال. (أو) حتَّى يَحْصُلَ العِلْمُ بأنهما قد (تَشَافَها) وتخاطبا بشفتيهما (بالحديث) الَّذي جَرَتْ روايتُه (بينَهما) أي: بين الراوي والمَروي عنه، وقولُه: (أو يَرِدَ) معطوفٌ على (يكونَ) أي: لا تقومُ الحُجَّةُ به حتَّى يَحْصُلَ العِلْمُ باجتماعهما مرَّةً واحدةً أو بتشافههما بالحديث أو حتَّى يَرِدَ (خَبَرٌ) وحديثٌ (فيه) أي: في سَنَدِ ذلك الحديثِ (بيانُ) وتصريحُ (اجتماعِهما) بأبدانهما (وتلاقِيهما) بأعْيُنِهما (مَرَّةً) واحدةً، ظرفٌ تَنَازَعَ فيه المصدران؛ أي: وقتًا واحدًا (مِنْ دَهْرِهِما) وعُمْرِهِما (فَمَا فوقَها) معطوفٌ على (مَرَّةَ) أي: فيه بيانُ اجتماعِهما وتلاقيهما في وقتٍ واحدٍ من دهرِهما أو في وقتٍ فوقَ مَرَّةٍ واحدةٍ. و(ما) في قوله: (فمَا فوقَها) موصوفةٌ، و (فوقَها) صفةٌ لها؛ أي: اجتماعهما مَرَّةً واحدةً فوقتًا كائنًا فوقَها؛ أي: فوقَ المرَّةِ الواحدة. (فإنْ لم يَكُنْ) ولم يُوجَدْ (عندَه) أي: عندَ ذلك الزاعم (عِلْمُ ذلك) أي: عِلْمُ اجتماعِهما مَرَّةً من دَهْرِهِما أو عِلْمُ تَشَافُهِهِما بالحديث (ولم تَأْتِ) أي: ولم تَجِيءْ (روايةٌ صحيحةٌ) مَتْنًا وسَنَدًا (تُخْبِرُ) تلك الروايةُ وتدُلُّ على (أن هذا الراويَ عن صاحبِه) وشيخه بالعنعنة.

قَدْ لَقِيَهُ مَرَّةً وَسَمعَ مِنْهُ شَيئًا .. لَمْ يَكُنْ في نَقْلِهِ الْخَبَرَ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ ذَلِكَ - وَالأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا - حُجَّةٌ، وكَانَ الْخَبَرُ عِنْدَهُ مَوْقُوفًا حَتى يَرِدَ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (قد لَقِيَه) خبرُ (أن) أي: تدلُّ على أن هذا الراويَ قد لَقِيَ صاحبَه ورآه ولو (مَرَّةً) واحدةً من دهرِهما (وسَمعَ منه) أي: من صاحبه (شيئًا) من الحديث قليلًا أو كثيرًا. وقولُه: (فإنْ لم يَكُنْ ... ولم تَأْتِ) فعلُ شرطِ جوابُه قولُه: ( .. لم يَكُنْ في نَقْلِهِ) أي؛ في نقل ذلك الراوي (الخبرَ) والحديث (عمن روى عنه ذلك) الخبر، والجارُّ والمجرور في قوله: (في نَقْلِه) خبرٌ لـ (يكُن) مُقَدَّمٌ على اسمها الآتي، وقولُه: (الخَبَرَ) مفعولٌ لـ (نَقْلِهِ)؛ لأنه مصدرٌ مضافٌ إلى فاعله، والجارُّ والمجرورُ في قوله: (عَمَّنْ رَوَى عنه) متعلِّقٌ بـ (نَقْلِه). وقولُه: (ذلك) مفعولُ (روى)، وفي بعض النسخ: (علم ذلك) بزيادة لفظة: (عِلْم) قبل ذلك، وهو تصحيف من النُّسَّاخ، والإشارةُ في (ذلك) راجعة إلى (الخَبَرَ) وهو حَشْوٌ لا حاجة إليه، وكذلك قوله: (والأَمْرُ كما وَصَفْنا) حَشْوٌ لا حاجة إليه. أي: والحالُ أن الأمر والشأن كائن كما وصفنا وذكرنا من عدم علم اجتماعهما وتلاقيهما وعدم إتيانِ روايةٍ صحيحةٍ تدلُّ على ذلك، وهذه الجملةُ معترضةٌ بين (يَكُنْ) واسمها وهو قولُه: (حُجَّةٌ)، والتقديرُ: فإنْ لم يكن عنده عِلْمُ ذلك ولم تَرِدْ رواية صحيحة تدلُّ على ذلك ... لم يَكُنْ في نَقْلِهِ ذلك الخَبَرَ عَمَّنْ رَوَى عنه بالعنعنة حُجَّةٌ والأمرُ كما وَصَفْنا؛ أي: لم يَكُنْ في ذلك الخبرِ فائدةُ احتجاجٍ ولا استدلالٍ على حُكْمٍ من الأحكام الشرعية، ولم يَثْبُتْ به حُكْمٌ من الأحكام (¬1). (وكان) ذلك (الخَبَرُ) الَّذي في إسناده: عَنْ فلانٍ عن فلان (عندَه) أي: عندَ هذا الزاعمِ الَّذي اشترط الاجتماعَ والتلاقيَ أو إتيان روايةِ صحيحةٍ تدُلُّ على التلاقي (موقوفًا) على مَنْ رَواه بالعنعنة (حتَّى يَرِدَ عليه) أي: عنده؛ أي: عند هذا الزاعم، فـ (ــــــــــعلى) هنا بمعنى عندَ؛ أي: كان الخبرُ موقوفًا على راويه حتَّى يرد ويثْبت عند هذا الزاعم سماعُه منه لشيءٍ من الحديث. ¬

_ (¬1) انظر "الحلّ المفهم" (1/ 21 - 22).

سَمَاعُهُ مِنْهُ لِشَيءٍ مِنَ الْحَدِيثِ قَل أَوْ كَثُرَ في رِوَايَةِ مِثْلِ مَا وَرَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتملُ كونُ (على) على معناها متعلِّقةَ بقوله: (موقوفًا)، ففي الكلام حينئذٍ تقديمٌ وتأخيرٌ، والتقديرُ: وكان هذا الخبرُ المَرْويُّ بالعنعنة عند هذا الزاعم (موقوفًا عليه) أي: على راويه المُعَنْعِنِ حتَّى يَرِدَ ويَثْبُتَ (سَمَاعُهُ) أي: سماعُ ذلك المُعَنْعِنِ (منه) أي: من صاحبه وشيخه (لشيءٍ من الحديث) سواءٌ (قَلَّ) ذلك الشيءُ الَّذي سمعه منه (أو كَثْرَ). وقولُه: (في روايةٍ مِثْلِ مَا وَرَد) متعلِّقٌ بـ (يَرِد) أي: حتَّى يَرِدَ ويَثْبُتَ في روايةِ مَتْنٍ مُماثلٍ لما وَرَدَ ورُوي بالسَّنَدِ المُعَنعن سمَاعُهُ لشيءٍ من الحديث، وهذا على قراءة (مثل) بإضافة (رِوَايةٍ) إليه، وفي بعض النسخ بتنوين (رواية) وجَرِّ (مِثْلِ) على أنَّه صفةٌ لرواية، والمعنى: حتَّى يرد سماعُه منه في روايةٍ مماثلةٍ لما ورد ورُويَ بالعنعنة. فصل قال النوويُّ: (وحاصلُ ما في هذا الباب: أن مسلم رحمه الله تعالى ادَّعى إجماع العلماء قديمًا وحديثًا على أن المُعَنْعَن وهو الَّذي فيه (فُلانٌ عن فُلانٍ" محمولٌ على الاتصال والسماع إذا أمكن لقاءُ مَنْ أضيفت العنعنةُ إليهم بعضهم بعضًا، يعني مع براءتهم من التدليس. ونَقَلَ مسلمٌ رحمه الله تعالى عن بعض أهل عصره أنَّه قال: لا تقومُ الحُجَّةُ بها ولا يُحمل على الاتصال حتَّى يَثْبُتَ أنهما التَقَيَا في عُمُرِهما مَرَّةً فأكثرَ، ولا يكفي إمكانُ تلاقيهما، قال مسلمٌ: وهذا قولٌ ساقطٌ مخترَعٌ مستحدثٌ لم يُسْبَقْ قائله إليه، ولا مُسَاعِدَ له مِنْ أَهل العلم عليه، وأن القولَ به بدعةٌ باطلةٌ. وأَطْنَبَ مسلمٌ رحمه الله تعالى في الشناعة على قائله، واحتج مسلم بكلام مختصَرُه: أن المعنعن عند أهل العلم محمولٌ على الاتصال إذا ثَبَتَ التلاقي مع احتمالِ الإرسال، وكذا إذا أمكن التلاقي). وهذا الَّذي صارَ إليه مسلمٌ قد أنكره المحققون وقالوا: هذا الَّذي صارَ إليه مسلمٌ ضعيفٌ، والذي رَدَّه هو المختارُ الصحيحُ الَّذي عليه أئمَّةُ هذا الفنِّ كعليِّ بن المديني والبُخَاريِّ وغيرِهما.

وَهَذَا الْقَوْلُ - يَرْحَمُكَ اللهُ - في الطَّعْنِ في الأَسَانِيدِ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُسْتَحْدَثٌ، غَيرُ مَسْبُوقٍ صَاحِبُهُ إِلَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد زادَ جماعةٌ من المتأخرين على هذا، فاشترط القابسيُّ أن يكونَ قد أَدْرَكَه إدراكًا بَيِّنًا، وزاد أبو المظفّر السَّمْعانيُّ الفقيهُ الشافعيُّ فاشترط طولَ الصُّحْبة بينهما، وزادَ أبو عَمْرٍو الدانيُّ المُقْرِئ فاشترط معرفتَه بالرواية عنه. ودليلُ هذا المذهبِ المختار الَّذي ذَهَبَ إليه البُخَارِيُّ وغيرُه: أن المعنعن مع التلاقي إنما يُحمل على الاتصال؛ لأن الظاهرَ من المعنعن غير المدلِّس: أنَّه لا يُطلق ذلك إلَّا مع السماع، بخلاف ما إذا لم يُعرف التلاقي. وذَهَبَ بعضُ أهل العلم إلى أن المعنعن لا يُحْتَجُّ به مطلقًا؛ لاحتمال الانقطاع، وهذا المذهبُ مردودٌ بإجماع السلف، ودليلُهم ما أَشَرْنا إليه من حصول غلبة الظن مع الاستقراء، هذا حُكْمُ المُعَنْعَن. واخْتُلِفَ في كلمةِ "أَنَّ" كقوله: حدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أن سعيدَ بن المُسَيِّب قال كذا أو حدَّثَ بكذا أو نحوه، فالجمهورُ أن لفظةَ "أَنَّ" كعَنْ، فيُحمل على الاتصال بالشرط المتقدم، وقال أحمدُ بن حنبل ويعقوب بن شَيبة وأبو بكرِ البَرْدِيجِيُّ: لا تُحمل (أن) على الاتصال، والصحيحُ الأولُ، وكذا: قال وحدَّث وذَكَرَ وشِبْهُها، فكلُّه محمولٌ على الاتصالِ والسماع) اهـ (¬1). هذا كُلُّه حُكْمُ غير المُدَلِّس، وأمَّا المُدَلِّسُ .. فقد مَرَّ الكلامُ فيه. (وهذا القولُ) أي قول الَّذي شَرَطَ في صحة الاحتجاج بالمُعَنْعَنِ الاجتماعَ والتلاقيَ أو التشافُهَ أو إتيانَ روايةِ صحيحةٍ تَدُلُّ على ذلك. وقولُه: (يَرْحَمُكَ الله) سبحانه وتعالى جملةٌ دعائيةٌ خاطبَ بها مَنْ سأله تأليفَ هذا الجامع كما مَرَّ في أول الكتاب. أي: وهذا القولُ الَّذي قيل: (في الطعْنِ في الأسانيدِ) المُعَنْعَنَةِ وتضعيفها وعدمِ صحةِ الاحتجاج بها (قولٌ مُخْتَرَعٌ) أي: مختلقٌ اختلقه قائلُه مِنْ عندِ نفسه، (مُسْتَحْدَثٌ) أي: مُبْتَدَعٌ لم يَقُلْه أَحَدٌ من السَّلفِ (غَيرُ مسبوقٍ صاحبُه) أي: قائلُه (إليه) أي: إلى ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 127 - 128).

وَلَا مُسَاعِدَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيهِ، وَذَلِكَ أَن الْقَوْلَ الشائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيهِ بَينَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ وَالرِّوايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ رَوَى عَنْ مِثْلِهِ حَدِيثًا، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لَهُ لِقَاؤُهُ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ؛ لِكَوْنهِمَا جَمِيعًا كَانَا في عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَأتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قول هذا القول واختراعِه (ولا مُسَاعِدَ) أي: لا معضِّدَ ولا مُعِينَ ولا مُوَافِقَ (له) أي: لصاحب هذا القول أحَدٌ (مِنْ أهل العِلْمِ) والحديثِ الراسخين فيه (عليه) أي: على صِحَّةِ هذا القول الَّذي اخْتَرَعَهُ من اشتراط الشروط المذكورة في الأسانيدِ المعنعنة. (وذلك) أي: ودليلُ ذلك الَّذي قُلْنا مِنْ أَنَّ هذا القولَ الَّذي يَشْتَرِطُ الشُّروطَ المذكورةَ في الأسانيد المعنعنة قولٌ مختَرعٌ مستحدَثٌ، وهو مبتدأٌ، خبرُه جملةُ أن في قوله: (أن القولَ الشائعَ) المستفيضَ بين الناس (المُتَّفَقَ عليه) أي: على صحته (بينَ أهلِ العلم) والمعرفةِ (بالأَخْبَارِ) والأحاديثِ أي: بأسبابها وصحتها وضعفها من حيثُ المتونُ (و) أهلِ العلمِ بـ (الرِّواياتِ) الصحيحة والضعيفة من حيثُ الأسانيدُ. وقولُه: (قديمًا وحديثًا) منصوبان بنَزْعِ الخافضِ المتعلِّق بالمُتَّفَقِ عليه؛ أي: أن القولَ المُتَّفَقَ عليه بينهم في الزمنِ القديم والزمن الحديثِ؛ أي: الأخيرِ. وجملةُ أن في قوله: (أَنَّ كُل رجلٍ ثِقَةٍ) خبرٌ لأن الأُولى، أعني قوله: (أن القولَ الشائعَ)، و (كُلَّ رجلٍ) اسمُ أن هذه؛ أي: أن كُلَّ راوٍ رجلًا كان أو امرأةً (ثقةٍ) صفةٌ لرجلٍ؛ أي: أن كُل راوٍ موثوقٍ به مأمونٍ (رَوَى) وحَدَّثَ بالعنعنة (عن) راوٍ (مِثْلِهِ) أي؛ مُمَاثِلٍ له في الموثوقية، وعدمِ التدليسِ (حديثًا) مفعول (رَوَى) أي: رَوَى عنه بالعنعنة حديثًا قلَّ أو كَثُرَ. (وجائزٌ مُمْكِنٌ) أي: والحالُ أنَّه جائزٌ مُمْكِنٌ؛ أي: مُحْتَمِلٌ، فمُمْكِنٌ: عطفُ بيانٍ لجائزٌ (له) أي: لذلك الرجل الراوي (لقاوه) أي: لقاءُ مثلِه الَّذي رَوَى عنه؛ أي: وجائزٌ مُمْكِنٌ تلاقيهما (والسَّمَاعُ) أي: سماعُ الرجل الراوي الحديثَ (منه) أي: من مثله الَّذي رَوَى عنه (لِكَوْنِهِما) أي: لكَوْنِ كُلِّ من الراوي والمَرْويِّ عنه، فهو تعليل لإمكان اللقاء والسماع منه حالة كونهما (جميعًا) أي: مجتمعَينِ (كانا) أي: الراوي والمَرْويُّ عنه (في عصرٍ) وقَرْنٍ ووقتٍ (واحدٍ) أي: متَّحِدٍ. و(إِنْ) في قوله: (وإنْ لم يَأْتِ) غائيةٌ بمعنى لَوْ، لا جوابَ لها على الأصحِّ،

في خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا، وَلَا تَشَافَهَا بِكَلَامٍ .. فَالرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ، وَالْحُجَّةُ بِهَا لَازِمَةٌ، إلا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاويَ لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيئًا، فَأَمَّا وَالأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الإمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ معترضة بين اسمِ أن وخبرها؛ أي: وإنْ لم يَجِيءْ (في) أيِّ (خبرٍ) قليلٍ أو كثير (قَط) أي: في زَمَنِ من الأزمنة الماضية. وجملةُ (أن) من اسمها وخبرها في قوله: (أنَّهما اجْتَمَعَا ... ) إلخ، في تأويلِ مصدرٍ مرفوعِ على أنَّه فاعل (يَأتِ) أي: هانْ لم يَأتِ في خَبَرٍ من الأخبارِ أنهما اجتمعا بأبدانهما في مكانٍ واحدٍ (ولا) أنَّهما (تَشَافَهَا) وتخاطبا بشفتيهما (بكلامٍ) من حديثٍ أو غيرِه. والجملةُ الابتدائيةُ في قوله: ( .. فالروايةُ ثابتةٌ) في محل الرفع خبر، لأنَّ المفتوحة في قوله: (أَنَّ كُلَّ رجلٍ ثقةٍ) أي: وذلك أن القولَ الشائِع المُتَّفَقَ عليه أن كُلَّ رجلٍ ثقةٍ رَوَى عن ثقةٍ مثله، فالروايةُ الجاريةُ بينهما ثابتةٌ؛ أي: صحيحةٌ مقبولةٌ. وقولُه: (والحُجَّةُ بها لازمةٌ) معطوفٌ على الجملة التي قبلها، أي: والاحتجاجُ بتلك الرواية؛ أي: بما رُويَ فيها لازمةٌ؛ أي: مُلْزِمَةٌ مثبتةٌ لمقتضاها يجب بها ويلزم بها ما تَدُلُّ عليه من الأحكام الشرعية. ثم استثنى عن كونها ثابتةً لازمةً قولَه: (إلَّا أن يكونَ هناك) أي: في محلّ تلك الرواية (دلالة بيِّنَةٌ) أي: قرينةٌ واضحةٌ تَدُلُّ على (أَنَّ هذا الراويَ) الَّذي رَوَى بالعنعنة (لم يَلْقَ) ولم يَرَ (مَنْ رَوَى عنه) أي: شيخَه الَّذي رَوى عنه (أو) لقيه، ولكنْ (لم يَسْمَعْ منه) أي: من شيخِه الَّذي رَوَى عنه (شيئًا) من الحديث قليلًا ولا كثيرًا. (فأَمَّا) إنْ لم تكن قرينةٌ واضحةٌ تَدُلُّ على أنَّه لم يَلْقَه أو لم يَسْمَعْ منه شيئًا (والأَمْرُ) أي: والحالُ أن الأمر؛ أي: أَمْرَ تلاقيهما أو تشافُهِهما (مُبْهَمٌ) أي: مجهولٌ وقوعُه أو عدمُ وقوعِه (على الإِمْكَانِ) أي: مع الإمكان، فـ (ـــعلى) بمعنى مع. وقولُه: (الَّذي فَسَّرْنا) هـ وبَيَّنَّاه وذَكَرْنَاه آنفًا صفةٌ للإمكانِ؛ أي: فأمَّا إِنْ لم تكن

فالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا حَتى تَكُونَ الدَّلَالةُ الَّتِي بَيَّنَّا. فَيُقَالُ لِمُخْتَرعِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي وَصَفْنَا مَقَالتَهُ، أَوْ لِلذَّابِّ عَنْهُ: قَدْ أَعْطَيتَ في جُمْلَةِ قَوْلكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ عَنِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قرينةٌ تدلُّ على عدم تلاقيهما أو تشافههما والحالُ أن أَمْرَ تلاقيهما أو تشافههما مجهولٌ وقوعه أو عدمُ وقوعه مع إمكان واحتمال وقوعه الَّذي فَسَّرْناه وَبيَّنَاه آنفًا بقولنا: (وجائزٌ مُمْكِنٌ له لقاؤُه والسماعُ منه لكَوْبهما جميعًا كانا في عصرٍ واحدٍ ... ) إلخ. وقولُه: ( .. فالروايةُ ... ) إلخ، جوابُ أمَّا الشرطية؛ أي: فروايةُ ذلك الرجل الثقةِ عن مثلة محمولةٌ (على السَّمَاع) أي: على سماع ذلك الثقة عن مثله للإمكان المذكور، فقوله: (فالرواية) مبتدأٌ (على السَّمَاعِ) خبرُه، والجملةُ جوابُ أمَّا. وقولُه: (أبدًا) أي: في جميع الأحاديث التي رَوَى عنه ظرفٌ متعلِّق بالاستقرار الَّذي تَعَلَّقَ به الخبر، (حتَّى تكونَ) وتُوجَدَ (الدَّلالةُ) والقرينةُ (التي بَيَّنَّا) ها وذَكَرْناها بقَوْلنا: (إلَّا أنْ يكون هناك دلالةٌ بيِّنةٌ أن هذا الراويَ لم يَلْقَ مَنْ رَوَى عنه ... ) إلخ. (فيُقَالُ لمُخْتَرِعِ هذا القولِ) ومختلقه وزَاعِمِهِ، وقولُه: (الَّذي وَصَفْنا) وذَكَرْنَا صفةٌ للمخترع (مقالتَه) التي هي اشتراطُ التلاقي والتشافُه بحديثٍ؛ أي: يُقال لمختلق هذا القول إن رأيناه (أو لِلذَّابِّ) والدافع (عنه) والناصرِ والمتعصِّب له إنْ لم نَره، وفي بعض النَّسَخ العطفُ بواو بدل (أو) وهي أوضح؛ أي: يقال له أو لمن يَذُبُّ عنه: إنك (قد أَعْطَيتَ) وأَقْرَرْتَ (في جُمْلَةِ قولِكَ) أي: في بعضِ مُحاوراتِكَ في غيرِ هذا المقام، ومفعولُ أَعْطى قولُهُ: (أَنَّ خَبرَ الواحدِ) بفتح همزة أن؛ أي: أن الحديث الذي ثَبَتَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم برواية الراوي الواحدِ المنفردِ (الثَّقَةِ) أي: الموثوق به المأمونِ (عن الواحدِ الثِّقَةِ) مثله (حُجَّةٌ) شرعيةٌ (يَلْزَمُ العملُ بهِ) في حُكْمٍ من الأحكام الشرعية مطلقًا، سواء عُلِمَ اجتماعهما وتلاقيهما أم لا. والمعنى: فيقال لمخترع هذا القول الَّذي هو اشتراطُ التلاقي أو للذاب عنه: إنك قد أعطيت وأقررت في جملةِ مقالاتك الخارجية في غيرِ المقام أن خبرَ الواحدِ الثقة عن

ثُمَّ أَدْخَلْتَ فِيهِ الشَّرْطَ بَعْدُ فَقُلْتَ: حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُمَا قَدْ كَانَا الْتَقَيَا مَرَّةَ فَصَاعِدًا، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ شَيئًا، فَهَلْ تَجِدُ هَذَا الشرْطَ الَّذِي اشْتَرَطْتَهُ عَنْ أَحَدٍ يَلْزَمُ قَوْلُهُ؟ وَإِلَّا .. فَهَلُمَّ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الواحد الثقة حُجَّةٌ يَلْزَمُ العملُ به كما هو مذهبُ جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم؛ أي: أنتَ أقرَرْتَ ذلك في غير هذا المقام كما أَقَرَّ به جماهيرُ المسلمين. (ثُمَّ أَدْخَلْتَ) أنتَ أيها المخترعُ (فيه) أي: في كونِ خبر الواحدِ الثقةِ حُجَّةً (الشَّرْط) المذكورَ لك من اشتراط اجتماعهما وتلاقيهما وتشافُهِهما بالحديثِ بينهما (بَعْدُ) أي: بَعْدَ ما أقررت أولًا كونَه حُجَّةً مطلقًا كما أقرَّ به الجماهيرُ. وقوله: (فقُلْتَ) في إدخالِ الشرط: معطوفٌ على قوله: (ثُمَّ أَدْخَلْتَ) وتفسيرٌ له؛ أي: فقُلْتَ: لا يكون خبرُ الواحدِ الثقةِ عن الواحد الثقة حُجَّةً (حتَّى نَعْلَمَ) نحن (أنهما) أي: أن الراويَ والمَرْويَّ عنه (قد كانا الْتَقَيَا) واجْتَمَعَا (مَرَّةَ) واحدةً من دهرهما (فصَاعِدًا) أي: فما فوقها من المرَّات؛ أي: فازداد عددُ التقائهما على مَرَّةٍ واحدةٍ حالة كونه صاعدًا وعاليًا. والمعنى: لا يكون خبرُ الواحد حُجَّةً حتَّى نعلم تلاقيهما مَرَّةً واحدةً فأكثرَ (أو) حتَّى نعلمَ بروايةٍ صحيحةٍ أن الراويَ (سَمعَ منه) أي: من المَرْويِّ عنه (شيئًا) من الحديث قَلَّ أو كثر. (فهل تَجِدُ) أي: فهل وجدتَ أيها المخترع (هذا الشَّرْطَ الَّذي اشْتَرَطْتَهُ) وأوجبته في قبولِ خبر الواحدِ الَّذي هو شرط التلاقي والتشافه؟ أي: هل وجدتَ ورأيتَ هذا الشرط منقولًا (عن أحدٍ) من العلماء (يَلْزَمُ) ويثبتُ (قولُه) ويقبل وَيصِح الاحتجاج به؟ (وإلَّا) أي: وإن لِم تَجِدْه منقولًا عن أحدِ من العلماء المقبولينَ ( .. فهَلُمَّ) لنا؛ أي: هَاتِ لنا (دليلًا) تسْتَدِلُّ به (على ما زعمت) وقلت واخترعْتَ من اشتراط هذا الشرطِ في قبولِ خبرِ الواحد الثقة. وفي "المختار": (هَلُمَّ يا رجلُ بفتح الميم بمعنىً، يَسْتَوي فيه الواحد والجمع والمؤنث في لغة أهل الحجاز قال تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا}. وأهْل نجدٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصرفونه فيقولون للاثنين: هَلُمَّا، وللجمع: هَلُمُّوا، وللمرأة هَلُمِّي، وللنساء هلممن، والأول أفصح) اهـ تنبيه: قال النووي: (هذا الَّذي قاله مسلمٌ رحمه الله تعالى تنبيهٌ على القاعدة العظيمة التي يَنْبَني عليها معظمُ أحكام الشرع وهو وجوب العمل بخبر الواحد، فينبغي الاهتمامُ بها والاعتناءُ بتحقيقها، ونذكر هنا طرفًا في بيان خبرِ الواحد والمذاهبِ فيه مختصرًا. قال العلماء: الخبرُ ضربان: متواترٌ، وآحادٌ. فالمتواترُ: ما نقله عددٌ لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم، ويستوي طرفاه والوسطُ، ويخبرون عن حِسِّيٍّ لا عن مظنون، ويحصل العلم بقولهم، ثم المختارُ الَّذي عليه المحققون والأكثرون أن ذلك لا يضْبَطُ بعددٍ مخصوصٍ، ولا يشترط في المخبرين الإسلام ولا العدالة، وفيه مذاهب أخرى ضعيفة وتفريعات معروفة مستقصاة في كتب الأصول. وأمَّا خبرُ الواحد: فهو ما لَمْ يوجَدْ فيه شروطُ المتواتر، سواء كان الراوي له واحدًا أو أكثر، واخُتلف في حُكْمه. فالذي عليه جماهيرُ المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول: أن خبرَ الواحدِ الثقةِ حُجَّةٌ من حجج الشرع يَلزم العمل به، ويفيد الظن ولا يفيدُ العِلْمَ، وأن وجوبَ العملِ به عرفناه بالشرع لا بالعقل. وذهبت القدريَّة والرافضةُ وبعضُ أهل الظاهر إلى أنَّه لا يجبُ العملُ به، ثمَّ منهم مَنْ يقول: مَنَع من العمل به دليلُ العقل، ومنهم مَنْ يقول: مَنَع ذلك دليل الشرع، وذهب طائفة إلى أنَّه يجب العملُ به من جهة دليلِ العقل. وقال الجُبَّائيُّ من المعتزلة: لا يجب العملُ إلَّا بما رواه اثنان عن اثنين، وقال غيره: لا يَجِبُ العملُ إلَّا بما رواه أربعةٌ عن أربعةٍ. وذَهَبَتْ طائفةٌ من أهل الحديث إلى أنَّه يُوجِبُ العلم، وقال بعضهم: يُوجبُ العِلْمَ الظاهرَ دون الباطن.

فَإنِ ادَّعَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ بِمَا زَعَمَ مِنْ إِدْخَالِ الشَّرِيطَةِ فِي تَثْبِيتِ الْخَبَرِ .. طُولبَ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذَهَبَ بعض المحدِّثين إلى أن الآحادَ التي في "صحيح البخاري" أو "صحيح مسلم" تفُيد العِلْمَ دون غيرها من الآحاد، وهذا القول باطل لا يَصِح. وهذه الأقاويل كُلُّهَا -سوى قول الجمهور- باطلةٌ، فإبطال مذهب من قال: لا حُجَّةَ فيه ظاهرٌ، فلم تزل كتب النبي صلى الله عليه وسلم وآحاد رسله يُعمَلُ بها، ويُلزمهم النبي صلى الله عليه وسلم العملَ بذلك، واستمرَّ على ذلك الخلفاءُ الراشدون فمَنْ بعدهم، ولم تَزَل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمَنْ بعدَهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أَخْبَرَهم بسُنَّةٍ، وقضائهم به، ورجوعهم إليه في القضاء والفُتْيا، ونَقضهم به ما حَكَمُوا به على خلافه، وطلبهم خبرَ الواحد عند عدم الحُجَّة ممَّنْ هو عنده، واحتجاجهم بذلك على مَنْ خالفهم، وانقياد المُخَالف لذلك، وهذا كُلُّه معروفٌ لا شَك في شيءِ منه، والعقل لا يُحيل العملَ بخبر الواحد، وقد جاء الشرع بوجوب العمل به، فوجب المصيرُ إليه. وأمَّا من قال: يُوجِبُ العِلْمَ .. فهو مكابر للحِس، وكيف يحصلُ العِلْمُ واحتمالُ الغلط والوَهَمِ والكذبِ وغير ذلك مُتَطَرِّقٌ إليه؟ والله أعلم) اهـ (¬1). (فإنِ ادَّعَى) هذا المخترعُ (قولَ أحدِ من عُلَمَاءَ السَّلَفِ) والسَّلَفُ: هُمْ مَنْ كانوا قبل الأربعمائة سنةٍ، والخَلَفُ من كانوا بعدها كما مَرَّ في أول الكتاب، أي: فإن ادَّعى هذا الزاعم الاستدلال بقولِ أحدٍ من علماء السَّلَف (بما زَعَم) أي: على ما زَعَمَه وقاله باختراعه. وقولُه: (مِنْ إدْخَالِ) هذه (الشَّرِيطَةِ) التي شرطها: بيانٌ لما زعم، والشريطة: لغة في الشرط كما مرَّ؛ أي: من اشتراطِه هذه الشريطة التي هي عِلْمُ التَّلقي والاجتماع (في تثبيتِ الخَبَرِ) أي: في إثبات الخبرِ المعنعن وقبوله ( .. طُولبَ) هذا الزاعمُ (به) أي: ببيان ذلك القولِ؛ أي: ببيانِ صاحب ذلك القول. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 130 - 132)، وبعضه للقاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/ 168 - 170).

وَلَنْ يَجِدَ هُوَ وَلَا غَيرُهُ إِلَى إِيجَادِهِ سَبيلًا. وَإِنْ هُوَ ادَّعَى فِيمَا زَعَمَ دَلِيلًا يَحْتَجُّ بِهِ .. قِيلَ لَهُ: وَمَا ذَاكَ الدَّلِيلُ؟ فَإنْ قَالً: قُلْتُهُ؛ لأَنِّي وَجَدْتُ رُوَاةَ الأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَرْوي أَحَدُهُمْ عَنِ الآخَرِ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُعَايِنْهُ وَلَا سَمعَ مِنْهُ شَيئا قَطُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولن يَجِدَ) هذا الزاعمُ، وقولُه: (هو) تأكيدٌ لضمير الفاعل المستتر في (يَجِدَ) ليعطف عليه قولَهُ: (ولا غَيرُهُ) كما هو القاعدة عند النُّحاة؛ أي: ولن يَجِدَ هذا الزاعم هو ولا غيره ممَّنْ يَذُبُّ عنه. وقوله: (إلى إيجاده) أي: إيجاد قول أحدٍ من علماء السلف متعلِّقٌ بمحذوف صفة لقوله: (سبيلًا) أي: ولن يَجِدَ هو ولا غيره سبيلًا موصلًا لهم إلى تحصيل قول أحدٍ من علماء السلف؛ لعدم وجوده. وقولُه: (وإنْ هو ادَّعَى) من باب الاشتغال؛ أي وإن ادَّعى هو؛ أي: هذا الزاعم (فيما زَعَمَ) أي: على ما زَعَمَ واخْتَرع وقال من اشتراط الشرط المذكور (دليلًا) غير أقوال السلف (يَحْتَجُّ به) أي: يَستدل به على ما زَعَمَ؛ أي: فإن ادَّعى هذا الزاعم وجودَ دليلٍ له يحْتَجُّ بذلك الدليل على ما زعم غيرَ أقوال العلماء ( .. قيلَ له) أي: لهذا الزاعم (وما ذاك الدليلُ) الذي تستدلُّ به على ما زعمت من اشتراط الشرط المذكور لك؟ (فإنْ قال) هذا الزاعم في بيان دليله الذي طلبناه منه: (قُلْتُه) أي: قلتُ ذلك الشرط وشرطته في قبول الخبر المعنعن (لأنّي وَجَدْتُ رُواةَ الأَخْبَارِ) والأحاديثِ ونُقَّالها (قديمًا وحديثًا) أي: في الزمن القديم والزمن الحديث؛ أي: في الأزمنةِ الأُولى أزمنة السلف والأزمنة الأخيرة أزمنة الخلف؛ أي: قلته لأني رأيتهم (يَرْوي) وينقل (أحدُهم) أي: بعضُهم (عن) البعض (الآخَرِ الحديثَ و) الحالُ أن البعض الراوي (لم يعاينه) أي: لم يعاين البعض الآخر الذي روى عنه ولم يشاهده ولم يجتمع معه وفي بعض النسخ: ولمَّا. (ولا سَمعَ) ذلك الراوي (منه) أي: من صاحبه الذي رَوَى عنه (شيئًا) من الحديث قليلًا ولا كثيرًا مشافهةً؛ أي: وجدتُهم يروي بعضُهم عن بعضٍ الحديثَ والحالُ أن الراوي لم يجتمع (قَطُّ) مع صاحبه الذي روى عنه ولم يسمع منه الحديثَ قطُّ مشافهةً.

فَلَمَّا رَأَيتُهُمُ اسْتَجَازُوا رِوَايَةَ الْحَدِيثِ بَينَهُمْ هكَذَا عَلَى الإِرْسَالِ مِنْ غَيرِ سَمَاعٍ - وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ لَيسَ بِحُجَّةٍ - احْتَجْتُ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ سَمَاعِ رَاوي كُل خَبَرٍ عَنْ رَاويهِ، فَإذَا أنا هَجَمْتُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلمَّا رأيتُهم) أي: فلمَّا رأيتُ رواةَ الأخبارِ ووجدتُهم (اسْتَجَازُوا) فالسين والتاء زائدتان، فلمَّا رأيتهم أجازوا وصحَّحُوا (روايةَ الحديثِ) ونقله فيما (بينَهم) حالة كونهم (هكذا) أي: لم يُعاين بعضُهم بعضًا ولم يسمع منه شيئًا من الحديث مشافهةً. وقولُه: (على الإرسالِ) متعلِّقٌ باسْتَجَازوا، وكذا يتعلَّق به قوله: (من غيرِ سماعِ) بعضهم من بعض مشافهةً؛ أي: فلمَّا أجازوا رواية الحديث فيما بينهم هكذا مع إمكانِ الإرسال والانقطاع من غير سماع بعضهم من بعض بلا واسطة، والمرادُ بالإرسال هنا: الانقطاعُ لا الإرسالُ المتعارفُ بينهم. (والمُرْسَلُ) أي: والحالُ أن المرسلَ والمنقطعَ (من الروايات في أَصْلِ قولِنا) أي: في أرجح قولنا، أراد المؤلف بنون العظمة نفسه؟ لما مَر في أول الكتاب؟ أي: في أرجح قولي (و) أرجح (قولِ أهل العِلْمِ بالأَخْبَار) والأحاديث. وقوله: (ليس بحُجَّةٍ) يُحْتَجُّ بها على حُكْمٍ من الأحكام الشرعية: خبرٌ عن قوله: (والمُرْسَلُ). وقولُه: (احْتَجْتُ) أنا جواب لما في قوله: (فلمَّا رأيتهم اسْتَجَازُوا ذلك ... احتجتُ (لِمَا وَصَفْتُ) وذَكَرْتُه (من العِلَّةِ) وهي عدمُ كون المرسل حُجَّةً في أصل قولنا وقول أهل العلم. وقولُه: (إلى البَحْثِ) متعلِّقٌ باحْتَجْتُ؛ أي: احْتَجْتُ وافتقَرْتُ لأجل العلَّة المذكورة إلى البحث والتفتيش (عن سماعِ راوي كلِّ خَبَر) وحديثِ (عن رَاويه) أي: عن راوي ذلك الراوي وصاحبه الذي روى له وهو متعلق بـ (سماع). وقولُه: (فإذا أنا هَجَمْتُ) واطَّلَعْتُ: من باب الاشتغال؛ أي: فإذا هَجَمْتُ واطَّلَعْتُ أنا (على سَمَاعِهِ) أي: على سماع الراوي (منه) أي: من صاحبه الذي

لِأَدْنَى شَيءٍ .. ثَبَتَ عِنْدِي بِذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرْوي عَنْهُ بَعْدُ، فَإنْ عَزَبَ عَنِّي مَعْرِفَةُ ذَلِكَ .. أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَوْضِعَ حُجَّةٍ لإِمْكَانِ الإِرْسَالِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رَوَى له (لأَدْنَى شيءٍ) من الحديث وأَقَلِّهِ مشافهةً؛ أي: اطَّلعتُ على سماعه منه مشافهةً لشيءٍ قليلٍ من الحديث. وقولُه: (ثَبَتَ عندي بذلك) جواب إذا، وفي بعض النُّسَخ: (ثَبَتَ عنه عندي) بزيادة (عنه)، وهي تحريف من النسَّاخ؛ أي: قُبل عندي بسبب سماعه منه أدنى شيءٍ من الحديث (جميعُ ما يَرْوي) ذلك الراوي الذي ثبت له سماعُه لأدنى شيءٍ (عنه) أي: عن صاحبه الذي ثَبَتَ سماعُه منه لأدنى شيءٍ فيما (بَعْدُ) متعلِّقٌ بَـ (يرِوي) أي: جميعُ ما يَرْوي عنه بعد ذلك الأدنى الذي ثَبَتَ سماعه منه. (فإنْ عَزَبَ) وبَعُدَ (عنّي) ولم يَحْصُلْ لي (معرفةُ ذلك) أي: معرفة سماعه منه لأدنى شيءٍ من الحديث ( .. أَوْقَفْتُ الخَبَر) أي: حَكَمْتُ بكون ذلك الخبر الذي حَدَّثه من لم يَثْبُتْ سماعُه لأدنى شيءٍ موقوفًا على راويه لا متصلًا (ولم يَكُنْ) ذلك الخبرُ (عندي مَوْضِعَ حُجَّةٍ) أي: موضع احتجاجٍ واستدلالٍ به (لإِمْكَانِ الإِرْسَالِ) والانقطاع (فيه) أي: في ذلك الخبر الذي رواه مَنْ لم يَثْبُتْ سماعُه لأدنى شيء. قال النووي: (قولُه: "فإنْ عَزَب عني معرفةُ ذلك أَوْقَفْتُ الخَبَر" يُقال: عَزَب الشيءُ عنّي بفتح الزاي، يَعْزِبُ بكسرها وَيعْزُب بضمّها -من بابَي ضَرَب ونَصَر- لغتان فصيحتان قُرئ بهما في السبع، والضمُّ أكثرُ وأشهرُ، ومعناه: ذهب، وقوله: "أَوْقَفْتُ الخَبَر"، كذا هو في الأُصول "أَوْقَفْتُ"، وهي لُغَةٌ قليلة، والفصيحُ المشهورُ: وَقَفْتُ بغير ألف. وقال أيضًا: قولُه: "والمُرْسَلُ في أصلِ قولنا وقولِ أهل العلم بالأَخْبَارِ ليس بُحَجَّةٍ" هذا الذي قاله هو المعروفُ من مذاهب المحدِّثين، وهو قولُ الشافعي وجماعة من الفقهاء، وذهب مالكٌ وأبو حنيفة وأحمدُ وأكثرُ الفقهاء إلى جواز الاحتجاج بالمرسل) (¬1). ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل في بيان اصطلاحاتٍ في ألقاب الحديث التي يُحتاج إليها وقد ذكرناها فيما سبق، ولكن هذا الموضع يليق بذِكْرها أيضًا: فمنها المرفوع: وهو لغة: كل ما رُفِعَ على غيره حسًّا كان أو معنىً، وسُمّي الحديثُ به لارتفاع درجته بإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. واصطلاحا: كُل ما أُضيفَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً، لا يقعُ مُطْلَقُه على غيره، قولًا كان أو فعلًا أو همًّا أو تقريرًا أو صفةً، سواء كان صريحًا أو حكمًا، وسواء أضافه صحابيُّ أو تابعيُّ أو من دونهما، فدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلَّق، وخرج الموقوف والمقطوع. ومنها الموقوف: وهو لغةً: الشيءُ المحبوسُ كالمال الموقوف على سبيل الخير، واصطلاحًا: كُل ما أُضِيفَ إلى الصحابي قولًا كان أو فعلًا أو نحوه، وخلا عن قرينةِ الرفع، سواء اتَّصَلَ إسنادُه إلى الصحابي أم لا، فدخل فيه المنقطع والمعضل والمعلَّق. وخرج بقولنا: (وخلا عن قرينة الرفع) ما إذا وجدتْ فيه قرينة الرفع بأنْ لم يكن للاجتهاد فيه مَدْخل .. فهو في حُكْم المرفوع، كلما في رواية البخاري: (كان ابنُ عمر وابنُ عباس يُفْطِرانِ ويَقْصُران في أربعة بُرُد) (¬1)، فمثْلُ هذا لا يُفعل بالاجتهاد. ويُستعمل في غيره مقيدًا فيقال: حديثُ كذا وَقَفَه فلانٌ على عطاءٍ مثلًا. ومنها المقطوع: وهو لغةً: الشيءُ الذي قُطع وانفصل عن الغير كالعضو المقطوع. واصطلاحا: كُلُّ ما أُضيفَ إلى التابعي أو إلى مَنْ دونه، قولًا كان أو فعلًا، حيث خلا عن قرينة الرفع أو الوقف، وإلا .. فيكون مرفوعًا أو موقوفًا، وقرينةُ الرفع كقول الراوي عن التابعي: من السُّنَّة كذا. ¬

_ (¬1) كتاب تقصير الصلاة (4 - باب في كم يقصر الصلاة؟ ) قبل الحديث (1086).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها المنقطع: وهو لغةً: الشيءُ المنفصلُ عن غيره كالعُضْو المنقطع عن الجسد. واصطلاحا: الحديثُ الذي سَقَطَ من سنده قبل الصحابي راوٍ واحدٌ أو راويان في موضعين، أو ذُكِرَ في سنده راوٍ مُبْهَمٌ، فإنْ كان الساقطُ رجلين فأكثر .. سُمِّيَ أيضًا معضَلًا بفتح الضاد المعجمة. ومنها المرسل: وهو لغةً: الشيءُ المطلق كالبهيمة المرسلة للرعي. واصْطلاحًا: الحديثُ الذي سَقَطَ من سنده صحابيٌّ، وهو خلافُ الصحيح عندهم؛ إذْ لو عُلِمَ أن الساقط هو الصحابيُّ .. لما ساغ لأحدٍ أن يختلف في حُجيَّتِهِ، فالصحيحُ أن يقال في ضابطه: إن المرسل هو ما رَفَعَه التابعيُّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان التابعيُّ صغيرًا أو كبيرًا. وهو عند الفقهاء وأصحابِ الأُصول والخطيب الحافظ أبي بكر البغدادي وجماعةٍ من المحدّثين: ما انقطع إسنادُه على أيِّ وجْهٍ كان انقطاعه، فهو عندهم بمعنى المنقطع. وقال جماعة من المُحدّثين أو أكثرهم: لا يُسَمَّى مرسلًا إلّا ما أَخْبَرَ فيه التابعيُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم مذهب الشافعي والمُحدّثين أو جمهورهم وجماعةٍ من الفقهاء أنه يُحتجّ به، وذهب مسلمٌ رحمه الله تعالى وجماعة إلى الاحتجاج به إلى آخر ما تَقَدَّم ذكره في اصطلاحات أنواع الحديث. هذا في مرسل غير الصحابي، وأمّا مرسل الصحابي-: وهو روايته ما لم يُدركه أو يحضره كقول عائشة رضي الله عنها: (أولُ ما بُدِئَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة) -: فمذهب الشافعي والجماهير أنه يُحْتَجُّ به، وقال أبو إسحاق الإسفرائيني الشافعي: لا يُحْتَجُّ به إلا أن يقول: إنه لا يروي إلّا عن صحابي، والصواب الأول.

فَيُقَالُ لَهُ: فَإنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي تَضْعِيفِكَ الْخَبَرَ وَتَرْكِكَ الاحْتِجَاجَ بِهِ إِمْكَانَ الإِرْسَالِ فِيهِ .. لَزِمَكَ أَنْ لَا تُثْبِتَ إِسْنَادا مُعَنْعَنًا حَتى تَرَى فِيهِ السَّمَاعَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِه. وَذلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَلَينَا بِإِسْنَادِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قُلتُ: (وفي جَعْلِهم قولَ عائشة هذا من باب المرسل نظرٌ؛ لاحتمال أن تكون سمعته من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ويترجَّحُ ذلك؛ إذ لا مانع منه فلا يكون مرسلًا كغيره، وقد يُجاب بأنَّ مرادهم: أنه في حكم المرسل لمَّا لم يتحقق سماعها له من النبي صلى الله عليه وسلم بناءً على التمسُّك بالأقلِّ وأنَّ الاتصال لا يثبت إلا باليقين وما يَقْرُبُ منه) اهـ سنوسي مع زيادة من "الباكورة". (فيُقَالُ له) أي: لهذا الزاعم: (فإنْ كانت العِلَّةُ) والسببُ (في تَضْعِيفِكَ) وتسقيمك (الخَبَرَ) والحديثَ المعنعن (و) في (تَرْكِكَ الاحتجاجَ) والاستدلال (بهِ) أي: بالحديثِ المعنعنِ (إمْكَانَ الإِرْسَالِ) والانقطاعِ (فيه) أي: في الحديث ( .. لَزِمَكَ) أيها الزاعمُ: جوابُ (إِنْ) الشرطية في قوله: (فإنْ كانت العِلَّةُ) أي: لَزِمَك بمقتضى هذه العلّة (أَنْ لا تُثْبتَ) ولا تَقْبَلَ (إسنادًا مُعَنْعَنًا) أي: إسنادًا فيه (عن فُلان عن فُلان)، وجملةُ أن المصدرية مع ما في حيِّزها في تأويلِ مصدرٍ مرفوعٍ على الفاعلية لـ (لَزِمَكَ) أي: فإنْ كانت العِلَّةُ في تضعيفك الخبرَ وعدم قبوله إمكان الإرسال فيه .. لَزِمَك عدم إثباتك إسنادًا معنعنًا وعدمُ قبوله (حتى تَرَى) وتعلمَ (فيه) أي: في الإسنادِ المعنعنِ (الشمَاعَ) أي: سماعَ كُل راو من رجاله عَمَّنْ رَوَى عنه (مِنْ أَوَّلِهِ) أي: من طرفي الأول، وهو الذي يلينا (إلى آخرِهِ) أي: إلى طرفه الآخر، وهو الذي يلي الصحابيَّ، ولَزِمَك أيضًا تضعيفُ الأحاديثِ الصحيحةِ المشهورةِ. (وذلك) اللُّزومُ في الموضعين (أَنَّ الحديثَ) المعنعنَ (الوَارِدَ علينا) أي: الواصلَ إلينا (بإسنادِ هشامِ بنِ عُرْوَةَ) بنِ الزبَير بنِ العَوَّام (عن أبيه) عروةَ (عن عائشة) أُمِّ المؤمنين رضي الله تعالى عنها.

فَبيَقِينٍ نَعْلَمُ أَنَّ هِشَامًا قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَأَن أَبَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ، كَمَا نَعْلَمُ أَن عَائِشَةَ قَدْ سَمِعَتْ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ يَجُوزُ -إِذَا لَمْ يَقُلْ هِشَامٌ فِي رِوَايَةِ يَرْويهَا عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ أَوْ أَخْبَرَنِي- أَنْ يَكُونَ بَينَهُ وَبَينَ أَبِيهِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ إِنْسَانٌ آخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (فَبِيَقِينٍ) متعلِّقٌ بقوله: (نَعْلَمُ)، وجملةُ (نعْلَمُ) في محل الرفع خبر (أن) في قوله: (أن الحديث)، وجملة أن في تأويل مصدرِ مرفوع على كونه خبرًا لذلك، والجملةُ الاسميةُ مستانفةٌ استئنافًا بيانيًّا؛ أي: نَعْلَمُ علمًا مُلْتَبسًا بيقين وإدراكٍ جازمٍ (أَن هشامًا) وإنْ عَنْعَنَ (قد سَمعَ من أبيه) عُرْوَةَ بلا واسَطةٍ (و) نَعْلَمُ بيقينٍ (أن أباه) عروةَ وإنْ عَنْعَنَ (قد سَمعَ من عائشة) أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها. وقوله: (كما نَعْلَمُ) الكافُ صفةٌ لمصدر محذوفٍ، و (ما) مصدريةٌ، والتقديرُ: فنَعْلَمُ سماعَ هشامٍ عن أبيه عن عائشةَ عِلْمًا يقينيًا كائنًا كعلمنا يقينًا (أَنَّ عائشةَ قد سَمِعَتْ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم). (و) مع علمنا يقينًا سماع هشام عن أبيه وسماع أبيه عن عائشة (قد يَجُوزُ) ويحتمل (إذا لم يَقُلْ هشامُ) بن عروة (في روايةٍ يَرْويها) أي: يروي تلك الروايةَ (عن أبيه) عروة. وقولُه: (سَمِعْتُ أو أخبرني) مقول محكي ل (يقُلْ)، و (إذا) ظرفٌ مُجَرَّدٌ عن معنى الشرط متعلِّقٌ بيجُوزُ. وجملةُ قوله: (أَنْ يكونَ بينَه) أي: بينَ هشامٍ (وبينَ أبيه) عروةَ: في تأويلِ مصدرٍ فاعلُ (يَجُوزُ)، والظرفان خبرٌ مُقَدَّم لـ (يكونَ). والجارُّ والمجرورُ في قوله: (في تلك الروايةِ) التي لم يُصَرِّحْ فيها بسَمِعْتُ أو أخبرني متعلِّق بالاستقرار الذي تعلق الظرفان به. وقولُه: (إنسان آخَرُ) أي: غيرُ عروة: اسمُ يكونَ مؤخَّرٌ، والتقديرُ: ومع عِلْمِنا

أَخْبَرَهُ بِهَا عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَسْمَعْهَا هُوَ مِنْ أَبِيهِ لَمَّا أَحَبَّ أَنْ يَرْويَهَا مُرْسَلًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ السماع المذكور علمًا يقينيًّا قد يحتمل كون إنسان آخر كائنا بينه وبين أبيه وقتَ عدم قوله: سَمِعْتُ أو أخبرني. وقولُه: (أَخْبرهُ) أي: أَخْبَرَ ذلك الإنسانُ هشامًا (بها) أي: بتلك الرواية التي لم يُصَرّح فيها بالسماع أو بالإخبار: صفةٌ ثانيةٌ لإنسانٌ؛ أي: إنسانٌ آخَرُ مخْبِرٌ إياهُ بها (عن أبيه و) الحالُ أن هشامًا (لم يَسْمَعْهَا) أي: لم يَسْمَعْ تلك الرواية (هو) أي: هشامٌ، و (هو) تأكيدٌ لضمير الفاعل المستتر في (يَسْمَعْها) أي: يحتملُ أنْ يكونَ بينه وبينَ أبيه إنسانٌ آخرُ مخبر له إيَّاها والحالُ أنه لم يسمعها (مِنْ أَبيه) عروةَ. ويحتمل كون جملة قوله: (ولم يسمعها هو من أبيه) معطوفةً على جملة قوله: (أن يكونَ) على كونها فاعلًا لـ (يجوزُ)، والتقديرُ: ومع علمنا ذلك قد يجوزُ ويحتملُ كونُ إنسانٍ آخرَ بينه وبين أبيه وعدمُ سماعِه إياها من أبيه وقت عدم قوله: سمعتُ أو أخبرني. وقوله: (لَمَّا) بفتح اللام وتشديد الميم ظرفٌ بمعنى حينَ متعلِّقٌ بقوله: (لَمْ يَقُلْ)، وجملة (أَحَبَّ) مضافٌ إليه ل (لمَّا)، والتقدير: وقد يجوز إذا لم يَقُلْ هشامٌ: سمعتُ أو أخبرني حين محبَّتِه. وجملةُ قوله: (أَنْ يَرْويها) في تأويل مصدرٍ منصوبٍ على المفعولية لـ (أحَبَّ) أي: حينَ محبته رواية تلك الرواية حالة كون الحديث (مُرْسلًا) بفتح السين؛ أي: منقطعًا، وضُبِطَ (لِمَا) بكسر اللام على أنها جارة معللة لعدم قوله، وتخفيف (ما) على أنها مصدرية، وجملة (أَنْ يَرْويَها) مفعول أَحَبَّ، (مُرْسلًا) بكسر السين على أنه حالٌ من فاعل (يَرْويها)، والجار والمجرورُ متعلِّقٌ بيقُلْ أيضًا، والتقديرُ: وقد يجوزُ أنْ يكونَ بينه وبين أبيه إنسانٌ آخَرُ إذا لم يَقُلْ: سمعتُ أو أخبرني لمحبته روايتَه إياها حالة كونه مرسِلًا؛ أي: مُسْقِطًا الواسطةَ بينَه وبينَ أبيه. وقوله: (لَمَّا أَحَبَّ) قال النوويُّ: (ضَبَطْناه "لَمَّا" بفتح اللام وتشديد الميم،

وَلَا يُسْنِدَهَا إِلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ، وَكَمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ .. فَهُوَ أَيضًا مُمْكِنٌ فِي أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ كُل إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ لَيسَ فِيهِ ذِكْرُ سَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ فِي الْجُمْلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ و"مُرْسلًا" بفتح السين، ويجوزُ تخفيف "لما" وكسر سين "مُرْسِلا") اهـ (¬1). قلت (¬2): يَعْني مع كسر اللام في (لما) على أنها للتعليل. وقولُه: (ولا يُسْنِدَها) بالنصب معطوفٌ على (يَرْويَها)، والتقديرُ: حينَ أحبَّ أنْ يَرْويها مُرْسلًا وأَحَبَّ أنْ لا يُسْنِدَ تلك الرواية ولا يَنْسُبَها (إلى مَنْ) قد (سَمِعَها منه) الذي هو الواسطة بينه وبين أبيه، وجملة قوله: (ولا يُسْنِدَها) مفسِّرةٌ لجملةِ قوله: (أَنْ يَرْويَها مُرْسَلًا). وجملةُ قوله: (وَكَمَا يُمْكِنُ ذلك ... ) إلخ مستأنفةٌ، والكافُ فيه صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، و (ما) مصدريةٌ؛ أي: وكَمَا يُمْكِنُ ذلك؛ أي: كَوْنُ إنسانٍ آخر (في) رواية (هشامٍ عن أبيه .. فهو) أي: كونُ إنسانٍ آخر. وقولُه: (أيضًا) مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ مُقَدَّم على مَحَلِّه؛ أي: إضت أيضًا؛ أي: رجعتُ رُجوعًا إلى بيان الإمكان (مُمْكِنٌ) خبرٌ عن ضمير الغائب؛ أي: فهو مُمْكِنٌ أيضًا (في) رواية (أبيه عن عائشةَ) رضي الله تعالى عنها، والمعنى: فكَوْنُ إنسانٍ آخَرَ مُمْكِن أيضًا في رواية أبيه عن عائشة إمكانا كإمكانه في روايةِ هشامٍ عن أبيه. (وكذلك) أي: ومثل ذلك المذكور من إسناد هشام عن أبيه في الاحتمال المذكور (كل إسنادٍ لحديثٍ) أيَّ: إسنادٍ كان (ليس فيه) أي: في ذلك الإسنادِ (ذِكْرُ) وتصريحُ (سماع بعضهم من بعضٍ) وإخباره عنه (وإنْ كان) الشأنُ والحالُ، فـ (كان) شأنيةٌ (قد عُرِفَ) وصُرِّحَ (في الجُمْلَةِ) أي: في بعض الأسانيد غير ذلك الإسناد المعنعن. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 133). (¬2) القائل هو السنوسي في "مكمل إكمال الإكمال" (1/ 42).

أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم قَدْ سَمعَ مِنْ صَاحِبِهِ سَمَاعًا كَثيرًا .. فَجَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْزِلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَةِ فيَسْمَعَ مِنْ غَيرِهِ عَنْهُ بَعْضَ أَحَادِيثِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ عَنْهُ أَحْيَانا وَلَا يُسَمِّيَ مَنْ سَمعَ مِنْهُ، وَيَنْشَطَ أَحْيَانًا فَيُسَمِّيَ الرجُلَ الَّذِي حَمَلَ عَنْهُ الْحَدِيثَ وَيَتْرُكَ الإِرْسَال ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملةُ قوله: (أن كُلَّ واحدٍ منهم) نائبُ فاعلٍ لـ (ـعُرِفَ) أي: وإنْ كان الشأنُ قد عُرِفَ وعُلِمَ في الأسانيد أن كُل واحدٍ من رُواته (قد سَمعَ منْ صاحبه) وشيخه الذي رَوَى له (سماعًا كثيرًا). وقولُه: (فجائز) إلى آخره تصريحٌ بما عُلِمَ من التشبيه في كذلك؛ أي: فكَما جازَ ذلك في إسنادِ هشام عن عروة .. يجوزُ ويحتمل (لِكُلِّ واحدٍ منهم)، وفي بعض النُّسخ: (على كُل واحدٍ منهم) والحرفان بمعنى في؛ أي: فكذلك يَحْتَمِلُ في كُلِّ واحدٍ من هؤلاء الرُّواة (أَنْ يَنْزِلَ) من شيخِه وصاحبه الذي رَوَى عنه أولًا (في بعضِ الروايةِ فيَسْمَعَ) وَيرْويَ (من غَيره) أي: من غير صَاحبه الذي رواه أولًا حالة كون ذلك الغير راويًا (عنه) أي: عن صاحبه وشيخه الأول. وقولُه: (بعضَ أحاديثه) مفعولُ (يَسْمَع) أي: أَنْ يَنْزِلَ ويَسْمَعَ بعضَ أحاديثِ صاحبه وشيخه عن غيره حالة كون ذلك الغير راويا عن صاحبه وشيخه. وقولُه: (ثُمَّ يُرْسِلَه) كسلًا في بعض الأحيان: معطوفٌ على (يَسْمَعَ) أي: ثم يروي بعد سماعه من ذلك الغيرِ كسلًا عن ذِكْرِه (عنه) أي: عن صاحبه وشيخهِ الأولِ كأنَّه سَمِعَه منه لا من ذلك الغير. وقولُه: (أحيانًا) أي: في بعض الأزمنة: ظرفٌ متعلِّقٌ بـ (يُرْسِلَهُ). وجملةُ قوله؛ (ولا يُسَمِّي) أي: والحالُ أنه لا يذْكُرُ في السند اسمَ (مَنْ سَمعَ منه) ذلك البعض وهو ذلك الغيرُ: حالٌ من فاعل (يُرْسِلَه). (وَينْشَطَ أحيانًا) بفتح الياء والشين من نَشِطَ الرجلُ بالكسر إذا خَفَّ جِسْمُه، يَنْشَطُ بالفتح من باب عَلِمَ نشاطًا بالفتح فهو نشيط ضد كَسِلَ؛ أي: وينشط ويخف في بعض الأحيان. (فيُسَمِّيَ) أي: فيَذْكُرَ في السَّنَدِ (الرجلَ الذي حَمَلَ) وروى (عنه الحديثَ ويَتْرُكَ الإرْسَال) أي: إسقاطَه من السند.

وَمَا قُلْنَا مِنْ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْحَدِيثِ مُسْتَفِيضٌ مِنْ فِعْلِ ثِقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَسَنَذْكُرُ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَلَى الْجهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَدَدا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. فَمِنْ ذَلِكَ: أَن أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِي وَابْنَ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعًا وَابْنَ نُمَيرٍ وَجَمَاعَةً غَيرَهُمْ رَوَوْا عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ] لِحِلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وما قُلْنا) هـ وذَكَرْناه (مِنْ هذا) المذكور من الإرسال وتركه (موجودٌ في) رواياتِ أهل (الحديث مُسْتَفِيضٌ) شائعٌ فيها حالة كونه (مِنْ فِعْلِ ثِقَاتِ المُحَدِّثين) وعَمَلِهم (و) من عادةِ (أئمَّةِ أهلِ) هذا (العِلْمِ) والحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم. (وسَنَذْكُرُ) قريبًا إن شاء الله تعالى (من رواياتهم) أي؛ من روايات ثقاتِ المحدِّثين وأئمتهم (على الجهة التي ذكرنا) ها والكيفية التي بيناها من إرسالهم في حالة عدم النشاط وتركه في حالة نشاطهم (عددًا) قليلًا يكون سِمةً (يُسْتَدَلُّ بها على) عَدَدٍ (أَكْثَرَ منها إنْ شاءَ الله) سبحانه و (تعالى) ذِكْرَنا إياها. وأنَّثَ الضمير العائد على العدد مع كونه مذَكَّرًا؛ نظرًا إلى كونه بمعنى الأفراد. (فـ) ـنقول (مِنْ ذلك) العدد الذي وَعَدْنا ذكره ليكون سمةً يُسْتَدَلُّ بها على غيره: (أن أيوبَ) بنَ أبي تميمة كَيسانَ (السَّخْتِيَانيَّ) العنَزيَّ البصريَّ، ثقة ثَبْت حُجَّة من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة، (و) عبدَ اللهِ (بنَ المُبَارَكِ) بن واضح الحنظلى المَرْوزِيَّ، ثقة ثَبْت من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومائة، (ووَكِيعًا) هو ابنُ الجَرَّاح بن مليح الرُّؤَاسيُّ الكوفي، ثقة حافظٌ من كبار التاسعة، مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين ومائة، (و) عبدَ الله (ابنَ نُمَيرٍ) بالنون مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة صاحب حديث، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومائة، (و) أن (جماعةً غيرَهم) أي: غير هؤلاء الأربعة كابن جُرَيج وشُعْبة ومَعْمَر واللَّيث ويونس بن يزيد (رَوَوْا) أي: رَوَى كُلٌّ من هؤلاء (عن هشام بن عُرْوَةَ) بن الزبير بن العوام (عن أبيه) عُرْوةَ (عن عائشةَ) أُمِّ المؤمنين (رضي الله عنها قالتْ) عائشةُ: (كنتُ أُطَيِّبُ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لحِلِّهِ) أي: عند حِلّه التحلُّلَ

وَلحُرْمِهِ بِأطْيَبِ مَا أَجِدُ، فَرَوَى هَذِهِ الرِّوايَةَ بِعَينهَا اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُدُ الْعَطَارُ وَأَبُو أُسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولَ (ولِحُرْمِهِ) أي: وقَبْلَ إحرامه عند إرادة الإحرام (بأَطْيَب ما أَجدُ) أي: بأحسنِ ما أَجِدُ من أنواع الطِّيب. قال النوويُّ: (يُقال: حُرْمه بضم الحاء وكسرها لغتان، ومعناه: لإحرامه، قال القاضي عياضٌ (¬1) رحمه الله تعالى: قَيَّدْناه عن شيوخنا بالوجهين، قال: وبالضم قيَّدَه الخَطَّابيُّ والهَرويُّ، وخطَّأ الخطَّابيُّ أصحابَ الحديث في كسره، وقَيَّدَه ثابتٌ بالكسر، وحَكَى عن المُحدِّثين الضمَّ وخطأهم فيه وقال: صوابه الكسر كما قال: لحلِّه. وفي هذا الحديث استحبابُ التطيُّب عند الإحرام، وقد اختلف فيه السَّلَفُ والخَلَفُ، ومذهب الشافعيِّ وكثيرين: استحبابه، ومذهبُ مالك في آخرين: كراهته، وسيأتي بَسْطُ المسألة إن شاء الله تعالى في كتاب الحجّ) اهـ (¬2). وروى هشامٌ في هذه الرواية عن أبيه عروةَ مُرْسِلًا؛ أي: مُسْقِطًا لعثمان بن عروة الذي كان واسطةً بينه وبين أبيه (فَرَوَى هذه الروايةَ بعَينِها) أي: بلفظها عن هشام بن عروة: (اللَّيثُ بن سَعْدِ) بن عبد الرحمن الفهمي -بفتح أوله وسكون ثانيه- نسبةٌ إلى بني فهم مولاهم، أبو الحارث المصري، ثقة ثَبْت إمام فقيه مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمسٍ وسبعين ومائة. (وداودُ) بن عبد الرحمن (العَطارُ) أبو سليمان المكيُّ. روى عن عَمْرو بن دينار ومنصور بن صفية وابن جُرَيج وغيرهم، ويروي عنه (ع) وقتيبة ويحيى بن يحيى وابن وهب، ثقة من الثامنة، مات سنة خمس وسبعين ومائة له في (خ) فرد حديث. (و) حَمَّادُ بن أسامة الهاشميُّ مولاهم (أبو أسامةَ) (¬3) الكوفي. ¬

_ (¬1) "إكمال المعلم" (1/ 172 و 4/ 88). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 134). (¬3) في بعض النسخ تأخير (وأبو أُسامة) بعد قوله: (ووُهَيب بن خالد)، وكذلك في "النكت الظراف" المطبوع مع " تحفة الأشراف" (12/ 16) حديث رقم (16365).

وَحُمَيدُ بْنُ الأَسْوَدِ وَوُهَيبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ قَال: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في "التقريب": ثقةٌ ثبتٌ ربما دَلَّسَ، من كبار التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين وهو ابن ثمانين سنة. (وحُمَيدُ بن الأسود) بن الأشقر البصريُّ، أبو الأسود الكرابيسيُّ نسبة إلى بيع الكرابيس وهي الثيابُ كما في "اللباب" (3/ 98). روى عن هشام بن عروة وابن عَوْن وعبد العزيز بن صُهَيب وعبد الله بن سعيد بن أبي هند وغيرهم، ويروي عنه (خ عم) وحفيده أبو بكر بن محمد بن أبي الأسود وعبد الرحمن بن مهدي وبكر بن خلف وابن المبارك وسعيد بن عامر ومُسَدَّد وابن المديني وآخرون. وقال في "التقريب": صدوقٌ يهم قليلًا، من الثامنة، وقال أبو حاتم: ثقة، وقال الساجيُّ والأزدي: صدوقٌ عنده مناكير. (ووُهَيبُ بن خالدِ) بن عجلان الباهليُّ مولاهم، أبو بكر البصريُّ. روى عن حُمَيد الطويل وأيوب وخالد الحذَّاء وداود بن أبي هند وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسماعيل ابن عُلَيَّة وابن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم. وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ لكنه تغيَّرَ قليلًا بآخَرَةٍ، من السابعة، مات سنة خمس وستين ومائة. كلهم (عن هشامِ) بن عروة (قال: أخبرني) أخي (عثمانُ بن عُرْوَةَ) بن الزبَير بن العَوَّام الأسديُّ المدنيُّ. روى عن أبيه في (خ م) فرد حديث، ويروي عنه (خ م دس ق) وأخوه هشام وابن عُيَينة، وثَّقَه ابنُ مَعِين والنسائيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ، من السادسة، مات قبل الأربعين ومائة. (عن عُرْوَةَ) بنِ الزُّبَير (عن عائشةَ) أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم) فَرَوَى هشامٌ في هذه الطريقة مُسْنِدًا بذِكْر عثمان الذي سَمِع من

وَرَوَى هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ .. يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَأنَا حَائِضٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عروة، لا مُرْسلًا كما في الطريقة الأولى، فالإسنادُ في حالة النشاط والإرسالُ في غيرها من دأبِ المحدِّثين وأئمَّةِ أهلِ العلم، فلا يَقْتَضِي ضَعْفَ الحديث وعدم الاحتجاج به (¬1). (وَرَوَى هشامُ) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشةَ) مُرْسلًا (قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكفَ) ولبث في المسجد بنيه العبادة ( .. يُدْنِي) ويُقَرِّبُ من طاقة المسجد وهو في المسجد (إليَّ رأسَه) وأنا في حجرتي لأُرَجِّل شَعَره (فأُرَجِّلُه) أي: فَأُرَجِّلُ شَعَرَه وأسَرِّحُه (وأنا حائضٌ) أي: والحالُ أني غيرُ طاهرٍ، فأَرْسَلَ هشامٌ بإسقاط عمرة بين عروة وعائشة. قال النووي: (وفي هذا الحديث جُمَلٌ من العِلْم: منها: أن أعضاءَ الحائضِ طاهرةٌ، وهذا مُجْمَعٌ عليه، ولا يَصِحُّ ما حُكِيَ عن أبي يوسف من نجاسة يدها. وفيه: جوازُ ترجيل المعتكف شَعَرَه، ونَظَرُهُ إلى امرأته، ولمسها شيئًا منه بغير شهوةٍ منه. واستدلَّ بهذا الحديث أصحابُنا وغيرُهم على أن الحائضَ لا تدخل المسجد، وأنَّ الاعتكافَ لا يكونُ إلا في المسجد، ولا يظهر فيه دلالةٌ لواحدِ منهما؛ فإنه لا شكَّ في كون هذا هو المحبوبَ، وليس في هذا الحديث أكثرُ من هذا، فأمَّا الاشتراطُ والتحريمُ في حقِّها .. فليس فيه، لكنْ لذلك دلائلُ، أُخَرُ مقرَّرَةٌ في كتب الفقه. واحْتَجَّ القاضي عِيَاضٌ (¬2) رحمه الله تعالى به على أن قليلَ الملامسة لا تَنْقُضُ الوضوءَ ورَدَّ به على الشافعي، وهذا الاستدلالُ منه عَجَبٌ، وأيُّ دلالة فيه لهذا؟ ! وأين في هذا الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمس بشرة عائشة رضي الله عنها ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 134 - 135). (¬2) "إكمال المعلم" (1/ 173).

فَرَوَاهَا بِعَينهَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان على طهارةٍ ثمَّ صلَّى بها؟ فقد لا يكون متوضئًا، ولو كان .. فما فيه أنه ما جَدَّدَ طهارةً، ولأن الملموس لا ينتقض وضوؤه على أحد قولي الشافعية، ولأن لمس الشعر لا ينقض عند الشافعي، كذا نَصَّ في كُتُبِهِ، وليس في الحديث أكثرُ من مسّها الشعر، والله أعلم) اهـ (¬1). (فَرَوَاها) أي: فَرَوَى هذه الروايةَ (بَعْيِنها) أي: بلفْظِهَا (مالكُ بن أنَّسٍ) بن مالك أبو عبد الله المدنيُّ الإمامُ الأعظمُ الفقيهُ، من السابعة، مات سنة تسعٍ وسبعين ومائة، وله تسعون سنة، ودُفن بالبقيع، وقبره مشهورٌ هناك. (عن) محمد بن مسلم بن عُبَيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي (الزُّهْرِيِّ) أبي بكر المدني، عالم الحجاز والشام. قال في "التقريب": حافظٌ مُتْقِنٌ مُتَّفَقٌ على جلالته وإتقانِه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمسٍ وعشرين ومائة، (عن عُرْوَةَ) بنِ الزُّبَيرِ المدنيِّ، (عن عَمْرَةَ) بنتِ عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة الأنصارية المدنيةِ الفقيهةِ، سَيّدة نساء التابعين. رَوَتْ عن عائشة وأُمّ حبيبة وأُمّ سلمة وطائفة، ويروي عنها (ع) وأبو بكر بن حَزْم وسُلَيمان بن يَسَار والزهري وخلق، وثَّقَها ابنُ المديني وفخَّمَ شأنَها. وقال في "التقريب": ثقةٌ من الثالثة ماتت قبل المائة. (عن عائشة) مسندًا رضي الله عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم) فأَرْسَلَ هشامٌ في الطريقة الأولى بإسقاط عَمْرة بنت عبد الرحمن التي روى عنها عروةُ بن الزبَير، وأسند الزهْرِيُّ بذكْرِها ولم يُرْسِلْ كما أرسل هشامٌ في روايته. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: (وقد نقل الحُمَيدِيُّ عن سفيان بن عُيَينَةَ: قال لي عثمان بن عروة: ما يَرْوي هشامٌ هذا الحديث إلا عنّي، قلتُ: فعلى هذا: إمَّا أن يكون هشامٌ دَلَّسه، وإمَّا أن يكون ممَّن رواه عنه بدن ذِكْر عثمان سواه) "النكت الظراف" (12/ 16) حديث (16365).

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ورَوَى) محمدُ بن مسلمٍ (الزُّهْرِيُّ) المدنيُّ. (وصالحُ بن أبي حَسَّان) المدنيُّ. روى عن عبد الله بن حنظلة بن الرَّاهب وسعيد بن المُسَيّب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الله بن أبي قتادة، ويروي عنه (ت س) بواسطة وابنُ أبي ذئب وخالدُ بن إلياس وبُكَير بن الأَشجّ. قال الترمذيُّ: سمعتُ محمدًا يقول: صالحُ بن حَسَّان منكرُ الحديث، وصالحُ بن أبي حسان الذي روى عنه ابنُ أبي ذئب ثقة، وقال النسائيُّ: مجهول، وقال أبو حاتم: ضعيفُ الحديث، قلتُ: وقال السَّاجِيُّ: مستقيمُ الحديث، وذكره ابنُ حِبّان في "الثقات". وقال مسلمٌ في مقدّمة صحيحه: رَوَى الزُّهْرِيُّ وصالح بن أبي حَسَّان عن أبي سلمة عن عائشة في قُبْلة الصائم، وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فأَدْخل بينه وبين أبي هريرة اثنين، أوردَ مسلمٌ ذلك فيما اختلفَ فيه الثقاتُ بالزيادةِ والنَّقْصِ. اهـ من "تهذيب التهذيب" (4/ 385 - 386). وقال في "التقريب": صالح بن أبي حسان المدني، صدوقٌ من الخامسة (ت س). قال النووي: (قوله: "ورَوَى الزهْرِي وصالحُ بن أبي حَسَّان" هكذا هو في الأُصول ببلادنا، وكذا ذكره القاضي عياضٌ (¬1) عن معظم الأصول ببلادهم، وذَكَرَ أبو علي الغَسَّاني (¬2) أنه وَجَدَ في نسخة الرازي أحد رواتهم: صالح بن كيسان، قال أبو علي: وهو وَهَمٌ، والصوابُ: صالح بن أبي حَسَّان، وقد ذَكَرَ هذا الحديث النسائي (¬3) وغيرُه من طريق ابن وَهْب عن ابن أبي ذئب عن صالح بن أبي حَسَّان، عن أبي سلمة. قلتُ: قال الترمذيُّ عن البخاري: صالحُ بن أبي حسَّان ثقة، وكذا وثَّقه غيره، ¬

_ (¬1) "المعلم" (1/ 185)، و"إكمال المعلم" (1/ 173). (¬2) "تقييد المهمل" (3/ 767). (¬3) "السنن الكبرى" (2/ 200 - 201) في كتاب الصيام، حديث رقم (3059).

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَال يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما ذَكَرْتُ هذا؛ لأنه ربَّما اشْتَبَهَ بصالح بن حسَّان أبي الحارث البصري المدني -ويُقال: الأنصاري- وهو في طبقة صالح بن أبي حَسَّان هذا، فإنهما يرويان جميعًا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، ويروي عنهما جميعًا ابنُ أبي ذئب، ولكن صالح بن حَسَّان مُتَّفَقٌ على ضَعْفِه، وأقوالُهم في ضَعْفِه مشهورةٌ، وقال الخطيبُ البغداديُّ في "الكفاية": أجمع نُقَّادُ الحديثِ على تَرْكِ الاحتجاج بصالح بن حَسَّان، هذا لسوءِ حفظه وقلّة ضبطه، والله أعلم. اهـ (¬1). (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني أحدِ الأئمة، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمه كنيته. روى عن أبيه وعثمان بن عفان وطلحة وعُبادة بن الصامت وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه عمر وأولاد إخوته سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن وعبد المجيد بن سُهيل بن عبد الرحمن وزرارة بن مصعب بن عبد الرحمن والأعرجُ وغيرُهم. وقال ابنُ سعد: كان ثقة فقيهًا كثير الحديث، مات سنة أربع وتسعين. (عن عائشةَ) مرسلًا عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ) بعض نسائهِ (وهو صائمٌ). (فقال يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم، أبو نصر اليمامي، أحد الأعلام. روى عن أنسٍ وجابرٍ وأبي أُمامة وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهلال بن أبي ميمونة وآخرين، ويروي عنه (ع) وابنُه عبد الله وأيوبُ ويحيى بن سعيدِ الأنصاريُّ والأوزاعي وآخرون. قال شعبة: يحيى بن أبي كثيرِ أحسنُ حديثًا من الزهْري، وقال أبو حاتم: إمامٌ لا يُحَدِّثُ إلا عن ثِقَةٍ. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 135).

فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي الْقُبْلَةِ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ: أَن عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ لكنه يُدَلّسُ ويرْسِلُ، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وقال النووي: (وأمَّا يحيى بن أبي كثير: فتابعيٌّ صغيرٌ، كنيته أبو نصر، رأى أنس بن مالك، وسمع السائبَ بنَ يزيد، وكان جليل القَدْر، واسمُ أبي كثير: صالحٌ، وقيل: يسار، وقيل: نشيط، وقيل: دينار) اهـ (¬1). (في هذا الخَبَرِ) والحديثِ الواردِ (في) شَأْنِ (القُبْلَةِ) أي: في قُبْلَةِ الصائم المرأةَ، قال: (أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف، قال النوويُّ: (واسمُ أبي سلمة هذا عبدُ الله بن عبد الرحمن، هذا هو المشهور، وقيل: اسمه إسماعيل، وقال عَمْرو بن علي: لا يُعرف اسمه، وقال أحمد بن حنبل: كُنْيَتُه هي اسمه، حَكَى هذه الأقوال فيه الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسيُّ رحمه الله تعالى، وأبو سلمة هذا من أَجَلِّ التابعين ومن أَفْقَهِهم، وهو أحدُ الفقهاء السبعة على أحد الأقوال فيهم) اهـ (¬2). أي: أخبرني أبو سلمة مسندًا: (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم الأُموي الحافظ، أمير المؤمنين من الرابعة، مات سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة (أخبره) أي أخبر أبا سلمة (أن عروة) بن الزبير (أخبره) أي: أخبر عمر بن عبد العزيز (أن عائشة أخبرته) أي: أخبرتْ عروة بن الزبير (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها) أي: يقبل: عائشة (وهو) صلى الله عليه وسلم (صائم). قال النوويُّ: (اجتمَعَ في هذه الروايةِ أربعةٌ من التابعين يروي بعضهم عن بعض: أولهم: يحيى بن أبي كثير، وهو من أغرب لطائف الإسناد. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 135). (¬2) المصدر السابق (1/ 136).

وَرَوَى أبْنُ عُيَينَةَ وَغَيرُهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ قَال: أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْخَيلِ، وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه لطيفةٌ أخرى أيضًا: وهو أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر؛ فإنَّ أبا سلمة من كبار التابعين، وعُمَرُ بن عبد العزيز من أصاغرهم سنًّا وطبقةً وإنْ كان من كبارهم علمًا وقدرًا ودينًا ووَرَعًا وزُهْدًا وغير ذلك) (¬1). (وَرَوَى) سفيانُ (بن عُيَينة) بن أبي عمران ميمون الهلاليُّ مولاهم، أبو محمدِ الأعورُ الكوفيُّ ثم المكيُّ. وقال في "التقريب": ثقةٌ حافظٌ إمامٌ حُجَّةٌ إلا أنه تغيَّرَ حفظُه في أَخَرَةٍ، من رؤوس الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة ثمانٍ وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة. و(وغيرُه) أي: وغير ابنِ عُيَينة كالثَّوْري وشعبة والحَمَّادَينِ مُرْسِلِين (عن عَمْرِو بن دينارٍ) الجمحي مولاهم، أبي محمد المكي أحد الأئمة الأعلام. قال في التقريب: ثقة ثَبْت، من الرابعة، مات سنة خمس أو ست وعشرين ومائة في أولها. (عن جابرِ) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي محمد المدني رضي الله عنه صحابي ابن صحابي مشهور، مات في المدينة بعد السبعين وهو ابن أربع وتسعين. وقال الفلَّاسُ: مات سنة ثمان وسبعين عن أربع وتسعين سنة. (قال) جابرٌ: (أَطْعَمَنا) أي: أَحَلَّ لنا (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الخيلِ ونهانا عن) أَكْلِ (لُحُومِ الحُمُرِ الأهلية) أي: الإنسية، خَرَجَ بالأهلية الوحشية؛ فهي حلال، وفي بعض النُّسَخ إسقاطُ (الأهليَّةِ) وهو خطأٌ من النُّساخ؛ لأنه قيدٌ لا بُدَّ منه لصحة المعنى. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم": (1/ 135 - 136).

فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا النَّحْوُ فِي الرِّوَايَاتِ كَثيِرٌ يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فرواه) أي: فَرَوَى هذا الحديثَ بعينه مسندًا (حَمَّادُ بْنُ زيدِ) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصريُّ، ثقةٌ ثبت فقيهٌ، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون سنة (عن عَمْرِو) بن دينار الجمحي، (عن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ) بن أبي طالب الهاشمي المدني أبي محمد الإمام المعروف بابن الحنفية، نسب إلى خولة بنت جعفر الحنفية المنسوبة إلى بني حنيفة. روى عن أبيه وعثمان وعمار، ويروي عنه (ع) وبنوه إبراهيم وعبد الله والحسن وعَمْرو بن دينار وخلق. وقال في "التقريب": ثقة عالم، من الثانية، مات سنة ثمانين. (عن جابرِ) بن عبد الله الصحابيِّ الجليل، (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم) فأَرْسَلَ ابنُ عُيَينة عن عَمْرو بن دينارٍ بإسقاط محمد بن علي، وأسند حَمَّادٌ بذِكْرِه (¬1). (وهذا النَّحْوُ) أي: وهذا المِثْلُ -وفي هذا التركيب تقديمٌ وتأخيرٌ- أي: ونَحْوُ هذا المذكور من الإرسال في بعض الروايات والإسناد في بعضها وهو مبتدأٌ، وقوله، (في الرِّوايات) متعلَّقٌ بقوله: (كثيرٌ)، وهو خبرُ المبتدإ؛ أي: ومِثْلُ هذا المذكور كثيرٌ في رواياتهم (يَكْثُرُ تَعْدَادُه) ويَصْعُبُ إحصاؤهُ بحيث يطولُ الكلام علينا. وقولُه: (وفيما ذَكَرْنَاه) (منها) أي: من الروايات المرسلة والمسندة: خبرٌ مقدمٌ. ¬

_ (¬1) في "سنن الترمذي" (4/ 223) كتاب الأطعمة (5 - باب ما جاء في أكل لحوم الخيل) عقب حديث سفيان عن عَمْرو بن دينار عن جابر (1793): (قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، وهكذا روى غيرُ واحدٍ عن عَمْرو بن دينار عن جابر، ورواه حَمَّادُ بن زَيدٍ عن عَمْرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر، وروايةُ ابنِ عُيَينة أَصَحُّ، قال: وسمعتُ محمدًا يقول: سفيان بن عُيَينة أحفظُ من حَمَّاد بن زيد).

كِفَايَةٌ لِذَوي الْفَهْمِ. فَإذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَ مَنْ وَصَفْنَا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ فِي فَسَادِ الْحَدِيثِ وَتَوْهِينهِ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الرَّاويَ قَدْ سَمعَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ شَيئًا: إِمْكَانَ الإِرْسَالِ فِيهِ .. لَزِمَهُ تَرْكُ الاحْتِجَاجِ فِي قِيَادِ قَوْلهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (كِفَايةٌ) وغنىً عن الزيادة عليها (لذوي الفَهْمِ) الثاقب ولأصحاب العقل الكامل: مبتدأٌ مؤخَّرٌ فلا حاجة إلى إكثارها وتعدادها وإطالةِ الكلام بها؛ لأنَّ الذكيَّ يعرفُ بالإشارة ما لا يعرفه الغبيُّ بألف عبارة. والفاء في قوله: (فإذا كانت العِلَّةُ) والسبب فاءُ الفصيحة؛ لأنها أفصحتْ عن جواب شرطٍ مقدَّرٍ تقديره: إذا عرفت ما ذكرته لك من التفاصيل وأردتَ بيان حاصله .. فأقول لك: فإذا كانت العِلَّةُ ... وإذا شرطيةٌ، وجملةُ كان فعل شرطها، و (العِلَّةُ) اسمُ كان، والعلَّةُ: المرضُ وَحَدثٌ يشغل صاحِبَهُ عن وجهه، كأنَّ تلك العلَّةَ صارت شُغْلًا ثانيًا منعه عن شُغله الأول اهـ "مختار". أي: فإذا كان السببُ (عندَ مَنْ وَصَفْنا) وذكرنا (قولَه) وزَعْمَه الفاسدَ (مِنْ قَبْلُ) متعلِّقٌ بوصفنا، وهو الذي يَشْتَرِطُ التلاقي والاجتماعَ في الاحتجاج بالحديث المعنعن (في فَسَادِ الحديثِ) وضَعْفِه في نفسه (وتَوْهِينِهِ) أي: وتضعيف الحديث والحُكْمِ بضعفه، والجارُّ والمجرورُ متعلِّق بالعِلَّةِ. و(إذا) في قوله: (إذا لم يُعْلَمْ) مُجَرَّدٌ عن معنى الشرط تَنَازَعَ فيه المصدران قبله؛ أي: وإنْ كان السببُ عنده في ضَعْفِ الحديث وتوهينه وَقْتَ عدمِ عِلْمِ (أَنَّ الراويَ قد سَمعَ مِمَّنْ رَوَى عنه شيئًا) من الحديث قليلًا ولا كثيرًا؛ أَي: وقتَ عدم سماع الراوي مَمَّنْ رَوَى عنه شيئًا) من الحديث. وقولُه: (إمْكَانَ الإِرْسَالِ) والانقطاع خبرُ كان، (فيه) أي: في إسنادِ الحديثِ المعنعنِ وقولُه: ( .. لَزِمَه) أي: لَزِمَ ذلك الزاعمَ جوابُ إذا، وقولُه: (تَرْكُ الاحتجاجِ) والاستدلال فاعلُ لَزِمَ. وقولُه: (في قِيَادِ قوله) أي: بمقتضَى قوله ومُوجَبِ زَعْمِه: متعلِّقٌ بـ (لَزِمَه)، وهو بقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحتُ؛ أي: بمقتضى قوله وما يقوده إليه، و (في) بمعنى الباء.

بِرِوَايَةِ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ سَمعَ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ، إِلَّا فِي نَفْسِ الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ السَّمَاعِ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَنِ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ نَقَلُوا الأَخْبَارَ أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ تَارَاتٌ يُرْسِلُونَ فِيهَا الْحَدِيثَ إِرْسَالًا وَلَا يَذْكُرُونَ مَنْ سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَتَارَاتٌ يَنْشَطُونَ فِيهَا فَيُسْنِدُونَ الْخَبَرَ عَلَى هَيئَةِ مَا سَمِعُوا، فَيُخْبِرُونَ بِالنُّزُولِ فِيهِ إِنْ نَزَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (بروايةِ مَن يُعْلَمُ) متعلِّقٌ بالاحتجاج؛ أي: لَزمَه بمقْتَضَى قولي وموجَبِ زعمه الفاسدِ تركُ الاحتجاج والاستدلال برواية مَنْ يُعْلَمُ (أنَّه قد سَمعَ مِمَّنْ) أي: من شيخهِ الذي (رَوَى عنه) مشافهةً. والاستثناء في قوله: (إلَّا في نَفْسِ الخَبَرِ) مُفَرَّغٌ، والجار والمجرورُ متعلِّقٌ بـ (تَرْكُ) أي: تَرْكُ الاحتجاج بروايتِه المعنعنة إلّا في نَفْسِ الخبرِ والحديثِ (الذي فيه) أي: في ذلك الخبر (ذِكرُ السَّمَاعِ) أي: ذِكْرُ سماعه من شيخه والتصريحُ به. وقولُه: (لِمَا بيَّنَّا مِنْ قَبْلُ) علَّةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: وإنما قلنا: لزمَه في حديثِ راوٍ واحدٍ الاحتجاجُ بحديثه إذا صرَّحَ بالسَّماع؛ وتَرْكُه إذا لم يُصَرِّحْ بالسماع لما بيّنّا وذكَرْنا من قبل هذا المكان من الحالات الواقعةِ (عن الأئمَّةِ الذين نقلوا الأخبارَ) والعاداتِ الجاريةَ على ألسنتهم مِنْ (أنَّهم كانتْ لهم تاراتٌ) وجملة أن المفتوحة في محل الجرِّ بمن البيانية سِيقت لبيانِ ما الموصولةِ في قوله: (لِمَا بيَّنَّا)؛ لأن حذف الجارِّ مع أن وأَنْ مُطَّرِد كما هو القاعدةُ عندهم. أَي: مِنْ أنهم كانتْ لهم حالاتٌ ليس لهم فيها نشاطٌ فـ (يُرْسِلُون فيها) أي: فيَرْوون في تلك الحالات (الحديثَ إرْسالًا) أي: روايةً مرسلةً أي: منقطعةً (ولا يَذْكُرُون) فيها (مَنْ سَمِعُوه منه) أي: مَنْ سَمِعُوا الحديثَ منه، وعَطْفُ جملة (لا يَذْكُرون) على (يُرْسِلُون) للتفسير. (و) كانت لهم (تاراتٌ) أي: حالاتٌ (يَنْشَطُون فيها) أي: يَجِدُون فيها خِفَّةً ونشاطًا (فيُسْنِدُونَ الخَبرَ) أي: فيَرْوُون فيها الخبر والحديث روايةً مسندةً (على هَيئَةِ ما سمِعُوا) أي: على صفة ما سمعوه من غير إرسالٍ ولا إسقاطِ راوٍ. وقوله: (فيُخْبِرُون) معطوفٌ على يُسْنِدون؛ أي: فَيُخْبرُونَ الحديثَ (بالنُّزُولِ) والإسنادِ والإتمامِ (فيه) في سَنَدِه بلا إسقاط راوٍ (إنْ نَزَلُوا) أي: إنْ أَرادوا النُّزول والاتمامَ في السَّنَد.

وَبِالصُّعُودِ إِنْ صَعِدُوا كَمَا شَرَحْنَا ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ الأَخْبَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) يَرْوُون (بالصُّعُودِ) والعُلُوِّ (إنْ صَعِدُوا) أي: إنْ أرادوا الصُعُودَ والعُلُوِّ في السند (¬1). وهو راجعٌ إلى قوله: (فيُرْسِلُون) (كَمَا شَرَحْنَا) وبيَّنَّا (ذلك) الإرسال والإسنادَ حالة كونه منقولًا (عنهم) أي: عن أئمةِ الحديث ونُقالِ الأخبار بقولنا: (فجائزٌ لكُلِّ واحدٍ منهم أنْ يَنْزِلَ في بعض الرواية فيَسْمَعَ من غيره عنه بعضَ أحاديثِه ثُمَّ يُرْسِلَه عنه) ... إلخ. (وما عَلِمْنا) ولا عَرَفْنا (أحدًا من أئمَّةِ السَّلَفِ مِمَّنْ يَستَعْمِلُ الأخبارَ) والأحاديثَ ¬

_ (¬1) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: (قال مسلمٌ عن الرواة: "فيُخبرون بالنُّزول فيه إنْ نزَلُوا، وبالصُّعُودِ إنْ صَعِدُوا" يُريد بذلك في الروايات والنزول فيها: هي الرواية عن الأقران وطبقة المحدّث ومَنْ دونه، أو بسَنَدٍ يُوجَدُ أعلى منه وأقل رجالًا، والصُّعودُ: الروايةُ بالسَّنَدِ العالي، والقُرْبُ فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقِلّة عددِ رجاله، أو مِنْ إمامٍ مشهورٍ حَدَّث به. هذا هو طريق أهل الصَّنعة ومذهبهم، وهو غاية جهدهم وحرصهم، وبمقدارِ عُلُوِّ حديث الواحد منهم .. تكثرُ الرحلةُ إليه والأخذُ عنه، مع أن له في طريق التحقيق والنظر وجهًا، وهو: أن أخبارَ الآحادِ ورواياتِ الأفراد لا تُوجبُ عِلْمًا، ولا يُقطع على مغيَّب صدقها؛ لجوازِ الغفلات والأوهام والكذب على آحاد الروَاة، لكنْ لمعرفتِهم بالصِّدْقِ ظاهرًا وشهرتِهم بالعدالة والستر غَلَبَ على الظن صحةُ حديثهِم وصِدْقُ خبرهم، فكلفنا العمل به، وقامت الحُجَّةُ بذلك بظاهر الأوامر الشرعية، ومعلوم إجماع سلف هذه الأُمّة، ومغيب أمر ذلك كلّه لله تعالى. وتجويزُ الوهم والغلط غيرُ مستحيل في كُلِّ راو ممَّن سُمِّيَ في سند الخبر، فإذا كثروا وطال السَّنَدُ .. كَثُرَتْ مظانٌّ التجويز، وكُلَّما قَلَّ العددُ .. قَلَّتْ، حتى إنَّ من سمع الحديثَ من التابعيِّ المشهورِ عن الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم .. كان أقوى طمأنينةً بصحّة حديثه، ثم مَنْ سَمِعَه من الصحابي .. كان أعلى درجةً في قُوّة الطمأنينة، وإنْ كان الوَهَمُ والنسيانُ جائزًا على البشر، حتى إذا سَمِعَه من النبي صلى الله عليه وسلم .. ارتفعتْ أسبابُ التجويز، وانْسَدَّتْ أبوابُ احتمالات الوَهَمِ وغير ذلك؛ للقَطْع أنه عليه الصلاة والسلام لا يجوزُ عليه شيءٌ من ذلك في باب التبليغ والخبر، وأنَّ جميعَ ما يُخْبرُ به حقٌّ وصِدْق) "إكمال المعلم" (1/ 175 - 176).

وَيَتَفَقَّدُ صِحَّةَ الأَسَانِيدِ وَسَقَمَهَا .. مِثْلَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَيَحْيى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فتَّشُوا عَنْ مَوْضِعِ السَّمَاعِ فِي الأَسَانِيدِ كَمَا ادَّعَاهُ الَّذِي وَصَفْنَا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ، وإنَّمَا كَانَ تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ سَمَاعَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويَستدِلُّ بها، فالسين والتاء فيه زائدتان؛ أي: ممَّن يبحث عن صحة العمل بالأخبار لصحتها وعدمها لضَعْفِها (وَيَتَفَقَّدُ) أي: ومِمَّن يُفتِّشُ ويبحث (صِحَّةَ الأسانيد) أي: يبحث عن صحتها بسلامتها من العلل والانقطاع والإرسالِ (وسَقَمَها) أي: عن ضَعْفِها بعدم سلامتها من ذلك، يعني بهم أئمةَ الجَرْح والتعديل (مِثْلَ أيوبَ) بن أبي تميمة (السَّخْتِيَانِيِّ و) وعبدِ الله (ابنِ عَوْنٍ ومالكِ بنِ أَنَسً) الإمامِ الأعظم (وشُعْبَةَ بنِ الحَجَّاجِ) العتكيِّ -وهو أوَّلُ من ابتكر في فن الجَرْح والتعديل- (ويحيى بنِ سعيدٍ القَطَّان وعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ ومَنْ بعدَهم مِنْ أَهْلِ الحديثِ) وأئمّةِ الجَرْحِ والتعديل كالثَّوْرِيِّ والأوزاعيِّ وابنِ المديني وابنِ سَعْدٍ وابنِ مَعِينٍ والنَّسائيِّ والعِجْلِى والسَّاجيِّ. وقوله: (فَتَّشُوا) وبَحَثُوا مفعولٌ ثانٍ لقوله: (وما عَلِمْنا) أي: وما عَلِمْنا أحدًا من أئمّةِ السلف أهلِ الجَرْح والتعديل كهؤلاء المذكورين آنفا فتَّشُوا وبَحَثُوا (عن مَوْضِعِ السَّمَاعِ) ووجُودِه (في) كُل (الأسانيد) سواء كان الراوي مُدَلِّسًا أم لا. والكافُ في قوله: (كما ادَّعَاهُ الذي وَصَفْنا قولَه مِنْ قَبْلُ) صفةٌ لمصدر محذوفٍ، و (ما) موصولة بدليل ذِكْرِ العائد في قوله: (ادَّعَاهُ)، والموصولُ فاعلُ (ادَّعَاهُ)، والتقديرُ: وما عَلِمْنا أحدًا من علماء السلف فتَّشُوا عن موضع السماعِ في كُل الأسانيدِ تفتيشا مِثْلَ التفتيش الذي ادَّعاهُ وشَرَطَهُ هذا الزاعمُ الذي وَصَفْنا وذكَرْنَا قوله من قبل هذا المقام من أول الباب إلى هنا. (وإنّما كان تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ) أي: طَلَبُ منْ طَلَبَ (منهم) أي: من أئمة السلف واشتراطُ مَنْ شَرَطَ منهم (سَمَاعَ) كُل راوٍ مِنْ (رُوَاةِ الحديثِ مِمَّنْ رَوَى عنهم) أي: ممَّنْ رَوَى عنه من الرواة، ولعلَّ الصوابَ: (مِمَّنْ رَوَوْا عنهم)؛ لأن مرجعَ ضمير الفاعل جمعٌ.

إِذَا كَانَ الرَّاوي مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِي الْحَدِيثِ وَشُهِرَ بِهِ، فَحِينَئِذٍ يَبْحَثُونَ عَنْ سَمَاعِهِ فِي رِوَايَتِهِ، وَيَتَفَقَّدُونَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ كَي تَنْزَاحَ عَنْهُمْ عِلَّةُ التَّدْلِيسِ، فَمَنِ ابْتَغَى ذَلِكَ مِنْ غَيرِ مُدَلِّسٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ مَنْ حَكَينَا قَوْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُه: (سماعَ) مفعولُ (تَفَقَّد)، وخبرُ (كان) متعلَّقُ الظرفِ في قوله: (إذا كان الراوي)؛ لأن (إذا) ظرفٌ مُجَرَّدٌ عن معنى الشرط متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرِ (كان)، والتقديرُ: وإنما كان شَرْطُ من شَرَطَ سماعَ كُل راوٍ عَمَّنْ رَوَى عنه وقْتَ كونِ الراوي (مِمَّنْ عُرِفَ) وعُلِمَ عندهم (بالتدليسِ) أي: بإسقاطِ مَنْ روى عنه أو بتسميته بغير اسمه المعروف (في) حال رواية (الحديثِ وشُهِرَ بهِ) أي: بالتدليس، وقد تقدَّمَ لك بيانُ أن التدليس عندهم قسمان: تدليسُ الإسناد: وهو أنْ يُسْقِطَ الراوي شيخه لكونه ضعيفًا ويرتقيَ إلى شيخ شيخه ويذكرَه. وتدليسُ الشيوخ: وهو أنْ يُسَمِّي شيخَه بغير اسمه المعروفِ عند الناس. (فحينئذٍ) أي: فحِينَ إذْ كان الراوي ممَّنْ عُرِفَ بالتدليس وشُهِرَ به (يَبْحَثُون) ويُفَتِّشُون (عن سَمَاعِهِ) أي: عن سماع ذلك الراوي عمَّنْ رَوَى عنه (في روايتِهِ) أي: في قبول روايته ذلك الحديثَ (ويَتَفَقَّدُون) أي: يَطْلُبون (ذلك) السماعَ (منه) أي: من ذلك الراوي المُدَلِّسِ ولا يقبلونَ الرواية عنه؛ لإمكان إرساله وتدليسه. وقوله: (كَي تَنْزَاحَ) وتَبْعُدَ عِلَّةٌ لقوله: (يَتَفَقَّدُون) أي: يَطْلُبون السماعَ منه لكي تنزاحَ وتبعدَ وتَزُولَ (عنهم) أي: عن أئمّة السلف (عِلَّةُ) احتمالِ (التدليسِ) والإرسالِ التي تُوجِبُ عدمَ قبولِ حديثه وتَرْكَ الاحتجاج به. والفاءُ في قوله: (فمَنِ ابْتَغَى ذلك) للإفصاح، و (منْ) شرطيةٌ، جوابُها محذوفٌ كما سنُقَدِّره فيما بَعْدُ، تقديرُه: إذا عَرَفْتَ قانونَ أئمةِ السلف وأردتَ بيان حُكْمِ مَنْ خَالفَهُمْ .. فأقول لك: مَنِ ابْتَغَى وطَلَبَ ذلك السماعَ (من) راوٍ (غيرِ مُدَلِّسٍ) أي: غير مُتَّهَمٍ بالتدليس. وقولُه: (على الوَجْهِ) متعلِّقٌ بـ (ابْتَغَى) أي: طَلَبَ السماعِ على الوجه والطريق (الذي زَعَمَ) وقال: (مَنْ حَكَينا) وذَكَرنَا (قولَه) فيما تَقدَّمَ من اشتراط العلم

فَمَا سَمِعْنَا ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَمَّينَا وَلَمْ نُسَمِّ مِنَ الأَئِمَّةِ. فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتلاقي والاجتماع في الحديث المعنعن مطلقًا .. فليس بمصيبِ، ولا مُوافِقٍ لاصطلاحاتِ السلف. والفاءُ في قوله: ( .. فما سَمِعْنا ذلك) معلِّلَةٌ للجواب المحذوف الذي قَدَّرْناه آنفًا؛ أي: فليس بمُصِيبٍ للحق ولا موافقا لهم؛ لأنّا ما سَمِعْنا ذلك التفتيش عن السماع في الحديث المعنعن، سواء كان الراوي مُدَلِّسًا أم لا؛ أي: ما سَمِعْنا ذلك التفتيش (عن أَحَدٍ) كائنٍ (مِمَّنْ سَمَّينا) وذَكَرْنا أسماءهم آنفًا بقولنا: مِثْلَ أيوبَ وابنِ عَوْنٍ ... إلخ (و) عن أحدِ كائنٍ ممَّنْ (لم نُسَمِّ) ولم نَذْكُرْ أسماءهم هنا (من الأئمَّة) أي: من أئمة السلف كابن المديني والبخاري وابنِ سَعْدٍ وابن مَعِين، وقولُه: (من الأئمة) بيانٌ لكُل مَنْ سَمَّى ومَنْ لم يُسَمِّ. قال النوويُّ: ("قوله: فما ابتغى ذلك ... " إلخ هكذا وقع في أكثر الأصول "فما ابْتُغِيَ" بضم التاء وكسر الغين المعجمة على ما لم يُسَمّ فاعله. قلتُ: وعلى هذا: فالفاءُ استئنافيةٌ، و"ما" نافيةٌ، و"ذلك" نائبُ فاعل، وفي بعضها: "فما ابْتَغَى" بفتح التاء والغين -أي: فما ابْتَغَى ذلك أحدٌ من أئمة السلف- وفي بعض الأصول المحققة: "فمن ابْتَغَى" وهي أصوبُ ولكل واحدٍ وَجْهٌ) اهـ بزيادة (¬1). والفاءُ في قوله: (فمِنْ ذلك) للإفصاح؛ لأنها أفصحتْ عن جواب شرطٍ مُقَدَّرٍ تقديرُه: إذا عَرَفْتَ أن العنعنة الواقعة من غير المدلِّس محمولة على السماع وإنْ لم يحصل العِلْمُ بالتلاقي والاجتماع والمشافهة بحديثِ عند أهل الحديث وأئمة السلف وأردتَ التمثيلَ لها .. فأقول لك: من ذلك المذكور من العنعنة المحمولة على السماع إذا كانتْ من غير المُدَلِّس (أن عبدَ اللهِ بنَ يَزِيدَ) بن زيد بن الحصين (الأنصاريّ) الأوسيَّ الخطميَّ أبا موسى الصحابي الجليلَ، شَهِدَ الحديبية وهو ابنُ سَبع عَشْرَةَ سنة، ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 137).

- وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَدْ رَوَى عَنْ حُذَيفَةَ وَعَنْ أَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ له سبعةٌ وعشرون حديثًا، يروي عنه (ع) وابْنُهُ موسى والشعْبِيُّ وابنُ سيرين، وله في البخاري حديثان. (و) هو صحابيٌّ؛ لأنه (قد رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم) وهذه الجملةُ معترضةٌ بين أن وخبرِها وهو قولُه: (قد رَوَى) اعْتُرِضَ بها لغرض تأكيد الصحبة، وجملة أن في تأويل مصدرٍ مرفوعٍ على كونه مبتدأ مؤخرًا لقوله: (فَمِنْ ذلك)، تقديرُه: فروايةُ عبد الله بن يَزِيد كائنةٌ من العنعنة المحمولة على السماع، والجملةُ في محل النصب مقولٌ لجواب إذا المقدَّرة. أي: أن عبدَ الله بنَ يزيدَ قد رَوَى (عن حُذَيفَةَ) بنِ اليَمَان- واسمُ اليمانِ: حُسَيلٌ مصغرًا، ويُقال: حِسْل -بكسر فسكون- العَبْسِيِّ -بموحدة ساكنة- أبي عبد الله الكوفيِّ حليف الأنصار، الصحابيِّ الجليل من السابقين، وقد صَحَّ في "صحيح مسلم" عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعةُ من الفتن والحوادث، وأبوه صحابيٌّ أيضًا، استشهد يومَ أحدٍ، له مائة حديث، يروي عنه (ع) وأبو الطفيل والأسود بن يزيد وزيد بن وهب ورِبْعي بن حِراش، مات في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين، وقال عمرو بن علي: بعد قَتْل عثمان بأربعين ليلة. (وعن أبي مسعودٍ) عقبةَ بن عَمْرو بن ثعلبة بن أسيرة -بفتح الهمزة وكسر السين المهملة- ابن عطية بن جدارة -بجيم- ابن عوف بن الخَزْرَج (الأنصاريِّ) البَدْرِيِّ، عَدَّه فيمن شهد بدرًا البُخَاري تبعًا لابن شهاب، وكذا عَدَّه منهم: الحكم ومحمدُ بن إسحاق التابعيون، وقال سعيدُ بن إبراهيم: لم يَشْهَدْها (¬1)، له مائة وحديثان، يروي عنه (ع) وابنه بَشِير بن أبي مسعود وأبو وائل وقيس بن أبي حازم، مات قبل الأربعين، وقيل: بعدها. ¬

_ (¬1) وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 137): (قال الجمهور: سكن بدرًا ولم يشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم).

عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثًا يُسْنِدُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَّلَّمَ، وَلَيسَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رَوَى عبدُ اللهِ بن يَزِيدَ (عن كُل واحدٍ منهما) أي: عن كُلٍّ من حُذَيفة وأبي مسعود (حديثًا) حديثًا، وفي بعض النُّسَخ: (وعن كُل واحدٍ منهما) بزيادة الواو. قال النوويُّ: (هكذا وقع في الأصول: "وعن" بالواو، والوَجْهُ حذْفُها؛ لأنها تُغَيِّرُ المعنى) (¬1). ومن لطائف هذا السَّنَدِ: روايةُ صحابي عن صحابي؛ أي: رَوَى عن كُلٍّ منهما حديثًا (يُسْنِدُه) وَيرْفَعهُ (إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم). أمَّا حديثُه عن أبي مسعودٍ: فهو حديثُ نفقةِ الرجل على أهله، وقد أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحَيهما" (¬2). وأمَّا حديثه عن حُذَيفة .. فقولُه: "أخبرني النبيِّ صلى الله عليه وسلم بما هو كائنٌ ... " الحديثَ، أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" (4/ 2217) (¬3). (وليس في روايته) أي: في رواية عبد الله بن يزيدَ (عنهما) أي: عن حُذَيفَة ¬

_ (¬1) المصدر السابق (1/ 138). وفي "الحل المفهم" (1/ 25): (وقولُه: "وعن كُل واحدٍ منهما " أي: منفردًا في روايته. وهكذا في تقرير المكي إذْ قال: قوله: " وعن كُل واحدٍ منهما" أي: معًا، والأول كان انفرادًا) اهـ قلتُ: وهذا توجيه جيد، فحينئذٍ لا يُحتاج إلى ما اضْطَرَّ إليه النوويُّ وتبعه صاحب "فتح الملهم" إذْ قال: "قوله: "وعن كُلِّ واحدٍ" .. كذا هو في الأصول، "وعن" بالواو، والوَجْهُ حذفُها؛ فإنها تُغَيِّرُ المعنى") اهـ، وقد عرفتَ معنى الكلام على تقدير وجود الواو. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب النفقات (1 - باب فضل النفقة على الأهل) حديث رقم (5351) بلفظ: "إذا أنفق المسلم نفقةً على أهله وهو يحتسبها .. كانتْ له صدقة". ومسلمٌ في كتاب الزكاة (2/ 695 - 696)، (14 - باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين .. ) حديث رقم (1002/ 48)، ولفظه: "إنَّ المسلم إذا أنفق على أهله نَفَقَةً وهو يحتسبُها ... ". (¬3) في كتاب الفتن (6 - باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة) حديث رقم (2891/ 24).

ذِكْرُ السَّمَاعِ مِنْهُمَا، وَلَا حَفِظْنَا فِي شَيءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ شَافَهَ حُذَيفَةَ وَأَبَا مَسْعُودٍ بِحَدِيثٍ قَطُّ، وَلَا وَجَدْنَا ذِكْرَ رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُمَا فِي رِوَايَةٍ بِعَينهَا، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ مَضَى وَلَا مِمَّنْ أَدْرَكْنَا أَنَّهُ طَعَنَ فِي هَذَينِ الْخَبَرَينِ اللَّذِينِ رَوَاهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ حُذَيفَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ بِضَعْفٍ فِيهِمَا، بَلْ هُمَا وَمَا أشْبَهَهُمَا عِنْدَ مَنْ لاقَينَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبي مسعودٍ (ذِكْرُ السماعِ) أي: ذِكْرُ سماعِه (منهما) ولا تصريحُه (ولا حَفِظْنا) ولا سَمِعْنا (في شيءٍ من الرواياتِ) عن عبد الله (أن عبدَ اللهِ بنَ يَزِيدَ شَافَهَ) وخَاطَبَ (حُذَيفَةَ وأبا مسعودٍ بحديثٍ) أي: بنقْلِ حديثٍ عنهما (قَط): ظرفٌ مستغرِقٌ لمِا مَضَى متعلِّقٌ بـ (حفظْنا) أي: ما حَفِظْنا ولا سَمِعْنا في زَمَنٍ من الأزمنةِ الماضيةِ في شيءٍ من الروايات أنه شافههما بحديث. (ولا وَجَدْنا) ولا رأينا (ذِكْرَ رُويَتِهِ) أي: ذِكْرَ رؤيةِ عبد الله (إيَّاهُمَا) أي: حُذَيفَةَ وأبا مسعودٍ (في روايةٍ) أي: في روايته عنهما (بعَينها) أي: بعين تلك الرواية؛ أي: في روايةٍ معينةٍ عنهما. (ولم نَسْمَعْ) نحن (عن أَحَدٍ مِنْ أهلِ العِلْمِ) والحديثِ وأئمةِ السلف (ممَّنْ مَضَى) ومَرَّ زَمَنُهُ قبلنا وسَبَقَنَا (ولا) عن أحدٍ (ممَّنْ أَدْرَكْنا) ولَحِقْنا زمنَه واجتمَعْنا معه (أنَّهُ) أي: أن أحدًا من هؤلاء المذكورين؛ أي: لم نسمع أن أحدًا من هؤلاء (طَعَنَ) وجَرَحَ (في هذَينِ الخَبرَينِ) والحديثين (اللَّذَينِ) صفة للخبرينِ (رَوَاهُمَا) وحَدَّثَهُما (عبدُ الله بن يَزِيدَ) الأنصاريُّ (عن حُذَيفَةَ) بنِ اليمان (وأبي مسعودٍ) الأنصاريَّ البَدْرِيِّ. وقولُه: (بضَعْفٍ) متعلِّقٌ بـ (طَعَنَ) أي: جرحهما بضَعْفٍ وعلَّةٍ (فيهما) أي: في هذينِ الخبرَينِ. (بَلْ هُمَا) أي: هذان الخبران وهو مبتدأٌ (وما أَشْبَهَهُما) أي: وما أشبهَ هذَينِ الخبرَين في عدم ذِكْر السماع والملاقاة وعدم العلم بالمشافهة، وهو معطوفٌ على المبتدإ. وقولُه: (عندَ مَنْ لاقَيْنا) ورَأَينا حال كونه (مِنْ أَهْلِ العِلْمِ) والمعرفة

بالْحَدِيثِ مِنْ صِحَاحِ الأَسَانِيدِ وَقَويِّهَا يَرَوْنَ اسْتِعْمَال مَا نُقِلَ بِهَا وَالاحْتِجَاجَ بمَا أَتتْ مِنْ سُنَنٍ وَآثَارٍ، وَهِيَ فِي زَعْمِ مَنْ حَكَينَا قَوْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَاهِيَةٌ مُهْمَلَةٌ، حتَّى يُصِيبَ سَمَاعَ الرَّاوي عَمَّنْ رَوَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (بالحديث) متعلِّقٌ بالاستقرار الذي تعلَّقَ به الخبرُ في قوله: (من صِحَاح الأسانيدِ وقَويِّها) لا من سقام الأسانيد وضعافها اللاتي (يَرَوْنَ) ويعتقدونَ (استعمال ما نُقِلَ) ورُويَ (بها) أي: بتلك الأسانيد؛ أي: يَرَوْنَ ويَعْتقدون العمل بالأحاديث التي نُقِلَتْ بها في حُكْمٍ من الأحكام الشرعية. وإضافة (صِحَاحِ الأسانيد) من إضافة الصِّفة إلى الموصوف؛ أي: من الأسانيد الصحيحة وقويِّها، وقولُه: (يَرَون) صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ وقع صفةً للأسانيد كما قَدَّرْناه آنفًا. (و) يَرَون (الاحتجاجَ) والاستدلال (بما أَتَتْ) وجاءت به تلك الأسانيد (مِنْ سُنَنٍ) مرفوعة (وآثارٍ) موقوفة على حكم من الأحكام الشرعية (وهي) أي: تلك الأسانيد (في زَعْم) بفتح الزاي وضمّها وكسرها ثلاث لغات مشهورات، وهو القولُ بلا دليل، وهي مبَتدأٌ. والجارُّ والمجرورُ في قوله: (في زَعْم) (مَنْ حَكَينا) وذكرنا (قوله) الفاسدَ (مِنْ قَبْلُ) أي: من قبل هذا المقام: متعلِّقٌ بقوله: (واهيةٌ) وهو خبرُ المبتدأ، والتقديرُ: وهي شديدةُ الضعف (مُهْمَلَةٌ) أي: مُعَطَّلَةٌ عن الاستعمال غيرُ مقبولةٍ في زعْمِ مَنْ حَكَينا قوله من قبل. قال النووي: (ولو قال: "ضعيفةٌ" بدلَ "واهيةٌ" .. لكان أحسن؛ فإنَّ هذا القائل لا يدَّعِي أنها واهيةٌ شديدةُ الضعْفِ متناهيةٌ فيه كما هو معنى واهية، بل يَقْتَصِرُ على أنها ضعيفة لا تقومُ بها الحُجَّة) اهـ (¬1). أي: وفي زعم من حكينا قوله مهملة مُعَطَّلة عن الاستعمال (حتى يُصِيبَ) ويجدَ ذلك الزاعمُ ويَعْلَمَ (سماعَ الراوي عَمَّنْ رَوَى) عنه والتصريحَ به. ¬

_ (¬1) "شرح صحيح مسلم" (1/ 138).

وَلَوْ ذَهَبْنَا نُعَدِّدُ الأخْبَارَ الصِّحَاحَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّا يَهِنُ بِزَعْمِ هَذَا الْقَائلِ وَنُحْصِيهَا .. لَعَجَزْنَا عَنْ تَقَصِّي ذِكْرِهَا وَإِحْصَائِهَا كُلِّهَا، وَلَكِنَّا أَحْبَبْنَا أنْ ننصِبَ مِنْهَا عَدَدًا يَكُونُ سِمَةً لِمَا سَكَتْنَا عَنْهُ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولو ذَهَبْنا) وأجرينا في الكلام وأطلْناه حالة كوننا (نُعَدِّدُ) ونحسُبُ (الأخبار الصِّحَاحَ) والأسانيدَ السليمةَ (عندَ أهلِ العِلْمِ) بالحديث وأئمة السلف حالةَ كَوْنِ تلك الأخبار (مِمَّا يَهِنُ) ويضعفُ (بزَعْمِ هذا) الزاعمِ (القائل) بالقول المخترع؛ أي: ممَّا يَهِنُ عنده لعدم توفُّر الشروط التي يعتبرها. وقولُه: (ممَّا يهنُ) هكذا في الأصول المحققَّة والنسخ القديمة بلفظ ما الموصولة وهي الصواب، وفي بعض النُّسخ: (مِمَّنْ) بلفظ (مَنْ) التي هي للعاقل وهي تحريفٌ من النُّسَّاخ؛ لأنَّ الأخبارَ ليستْ من العُقلاء. وقولُه: (ونُحْصِيها) أي: ونُحْصِي تلك الأخبارَ ونضبطُها بعددٍ معينٍ: معطوفٌ على (نُعَدِّدُ) أي: ولو ذَهَبْنا نُعَدِّدُها وشرعنا في تعدادها بأنْ قُلْنا: واحد اثنان ثلاثة إلى آخرها، ونحصيها ونجمعها ونضبطها في عدد معين كمائة وألف مثلًا. وقولُه: ( .. لَعَجَزْنا) جوابُ لو الشرطية في قوله: (ولو ذَهَبْنا)، (عن تَقَصِّي ذِكْرِها) أي: لَعَجَزْنا عن ذِكْرِ قصواها وغايتها في تعدادنا إياها (و) عن (إحصائها) وضَبْطِها (كُلِّها) وجَمْعِها في عددٍ مُعَيَّنٍ؛ لخروجها عن قبول ذلك بالكثرة. وقولُه: (كُلِّها) بالجرِّ تأكيدٌ للضمير المجرور، يُقال: قصا المكان بَعُدَ، وبابه سما، فهو قاصٍ وقَصِيٌ، ومنه قوله تعالى: {مَكَانًا قَصِيًّا} وقصَا عن القوم: تباعدَ عنهم، فهو قاص وقَصِيٌّ، وبابه أيضًا سما، واستقصى في المسألة وتقصَّى فيها؛ أي: بلغ غايتها في البحث عنها. اهـ "مختار" بتصرف (ولكنَّا أَحْبَبْنَا) وقَصَدْنا (أَنْ ننصِبَ) ونَذْكُرَ (منها) أي: من تلك الأخبار الصحاح التي تَهِنُ بزَعْمِ هذا القائل (عددًا) قليلًا (يكونُ سِمَة) وعلامةً (لِـ) معرفةِ (ما سَكَتْنا عنه منها) أي: من تلك الأخبار؛ أي: نذْكُر منها عددًا قليلًا يكون علامة عليها لِمَنْ أرادَ معرفة ما سكتنا عن ذكره منها؛ أي: عددًا يكون له كالنُّصُب المنصوبة على الطريق ليهتدي بها مَنْ لا يَعْرفُ الطريق، كالألواح المكتوب عليها أسماء الجهات

وَهَذَانِ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ - وَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المركوزة عند مقاطع الطريق، وفي قوله: (ننصِبُ) استعارةٌ تصريحيةٌ تبعية. ومِنْ ذلك العددِ القليلِ الذي أحببنا جعله سمة لما سكتنا عنه منها ما ذَكَرْناه في ضمن قولنا: (وهذان أبو عثمان النَّهْدِيُّ وأبو رافعٍ الصائغُ) (هذان): مبتدأ، و (أبوَ عثمانَ وأبو رَافعٍ): بَدَلٌ منه أو عطف بيانٍ له، والخبرُ يأتي في قوله: (قد أَسْنَدَ كُلُّ واحدٍ منهما) وما بينهما اعتراضٌ، وفي كثير من النسخ: (وهذا أبو عثمان) بالإفراد، ولعلَّه تحريفٌ من النُّسَّاخ، والصوابُ ما قُلنا. وأما أبو عثمان النهدي: فهو عبد الرحمن بن ملّ -بتثليث الميم ولام مشددة- ابن عمرو بن عدي النهدي -بفتح النون وسكون الهاء نسبة إلى نهد بن زيد بن قضاعة كما في "اللباب"- مشهور بكنيته، مخضرمٌ، الكوفي، أسلم وصدَّق ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم. روى عن عمر وعلي وأبي ذر، ويروي عنه (ع) وقتادة وأيوب وأبو التياح والجريري وخلق، وثقه ابن المديني وأبو حاتم والنسائي. وقال في "التقريب": ثقة ثبت من كبار الثانية، مات سنة خمس وتسعين وله أكثر من مائة وثلاثين سنة. وأما أبو رافع الصائغ: فهو نفيع المدني، مولى ابنة عمر بن الخطاب، نزيل البصرة. روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه عبد الرحمن وحسن وحميد بن هلال وخِلاس بن عمرو وثابت البناني وقتادة وسليمان التيمي وغيرهم. وقال ثابت: لما أعتق أبو رافع .. بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: كان لي أجران فذهب أحدهما. وثقه العجلي، وقال في "التقريب": ثقة مشهور بكنيته، من الثانية. وقوله: (وهما) أي: أبو عثمان وأبو رافع، والواو اعتِرَاضِيَّة، (هما) مبتدأ

مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَصحِبَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْبَدْرِيينَ هَلُمَّ جَرًّا، ـــــــــــــــــــــــــــــ خبره (ممن أدرك الجاهلية) أي: زمَنَها، والجملة الاسمية معترضة؛ لاعتراضها بين المبتدأ والخبر لبيان شأنهما، وفي بعض النسخ: (وهما من أدرك الجاهلية) بحذف الجار في (من)، ولعلها تحريف من النساخ؛ أي: كانا رجلين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والجاهليةُ: ما كان قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سموا بذلك لكثرة جهالاتهم. وقوله: (وصحبا) معطوف على أدرك؛ أي: وممن صحبا (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقوله: (من البدريين) بيان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: حالة كونهم من الذين حضروا غزوة بدر ومن الأحديين ومن أصحاب الشجرة. وقوله: (هلم جرًا) هلم هنا: اسم فعل أمر بمعنى استمر، وجرًا بمعنى استمرارًا مفعول مطلق معنوي لـ (هلم)، والمعنى: استمر أيها المخاطب استمرارًا في عد، طبقات الصحابة من الأحديين وأصحاب بيعة الرضوان مثلًا. اهـ من رسالتنا "هدية أولي العلم والإنصاف". وقال القاضي عياض: (و "هلم جرًا" ليس هذا المقامُ موضعَها؛ لأنها إنما تستعمل فيما اتصل إلى زمان المُتَكَلِّم بها، وإنما أراد مسلم بها من البدريين فمن بعدهم من الصحابة). وقوله: (جَرًّا) منون، قال صاحب "المطالع": (قال ابن الأنباري: معنى هَلُمَّ جرًّا: سيروا وتَمَهَّلُوا في سيركم وتَثَبَّتوا فيه، وهو من الجرّ، وهو تَرْكُ النَّعم في سيرها. فيُستعمل فيما دُوومَ عليه من الأعمال، قال ابنُ الأنباري: وانتصَبَ جَرًّا على المصدر، أي: جُرُّوا جَرًّا، أو على الحال، أو على التمييز) اهـ (¬1) ¬

_ (¬1) انظر "مشارق الأنوار" (1/ 144).

وَنَقَلا عَنْهُمُ الأَخْبَارَ حَتَّى نَزَلا إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قلتُ: وفي كونه تمييزًا بُعْدٌ كما في "حاشية الصبّان على الملوي"، وقال القاضي زكريا نقلًا عن العلامة الجمال بن هشام: إنه بعد اطلاعه على كلام غيره وتوقفه في أنه عربي .. قال: إنَّ (هَلُم) هنا يُقال: لا بمعنى المجيء الحسي ولا بمعنى الطلب حقيقة، بل بمعنى الاستمرار على الشيء، وبمعنى الخبر، وعُبِّرَ عنه بالطلب كما في قوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} وجرًا مصدر جره إذا سحبه يبقى مصدرًا مؤكدًا لعامله وهو (هلم) الذي بمعنى استمر. والمعنى هنا: استمر في عد طبقات الصحابة استمرارًا، فحينئذ إعرابه: (هلم): اسم فعل أمر بمعنى استمر مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، و (جرًا) مفعول مطلق معنوي منصوب بـ (هلم)، وجملة اسم الفعل جملة طلبية لا محل لها من الإعراب، أو يجعل حالًا مؤكدة لعاملها والتقدير: استمر في عد طبقاتهم حالة كونك مستمرًا فيه. وليس المراد الجر الحسي، بل التعميم كما في السحب في قولهم: هذا الحكم منسحب على كذا؛ أي: شامل، فكأنه قيل هنا: استمرارًا أو مستمرًا نظير قولهم: كان ذلك الأمر عام كذا وهلم جرًا؛ أي: واستمر ذلك في بقية الأعوام. اهـ من "شرح الشيخ أحمد الملوي على متن السلّم" لعبد الرحمن الأخضري في المنطق بتصرف وزيادة من "حاشية الصبان" عليه. وقال ابن يعقوب: وأصل (هلم): أن تستعمل لطلب الإقبال، ثم استعيرت لطلب الاستمرار، وكأنه يقول هنا: يستمر عد الطبقات هكذا استمرارًا، وعبر عن هذا الاستمرار بالجر -أي: الانجرار- لأن الأمر المنجَرَّ مستمرٌّ. اهـ من "حاشية الصبان على الملوي". وقوله: (ونَقَلا) معطوفٌ على (أَدْرَكَ) أيضًا على كونه صلةَ لـ (مَن) الموصولة؛ أي: وممَّنْ نقلا (عنهم) أي: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأخبارَ) والأحاديث من كبارهم وقدمائهم (حتى نَزَلا إلى) النَّقْلِ عن متأخِّريهم

مِثْلِ أَبي هُرَيرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَذَويهِمَا - قَدْ أَسْنَدَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصغارهم (مِثْلِ أبي هُرِيرَةَ) عبد الرحمن بن صَخْرِ الدَّوْسيِّ (¬1) (و) عبد الله (بنِ عُمَرَ) بن الخطاب (وذويهما) أي: أشباههما من متأخري الصحابة وصغارهم كابن عباس وابن الزُّبير رضي الله عنهم. قولُه: (وذَويهما) قال النوويُّ: (فيه إضافةُ "ذي" إلى غير الأجناس، والمعروفُ عند أهل العربية: أنها لا تُستعمل إلّا مضافةً إلى الأجناس كذي مال، وقوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، وقد جاء في الحديث وغيره من كلام العرب إضافةُ ألفاظٍ منها إلى المفردات كما في الحديث: "وتصلُ ذا رحمك" وكقولهم: ذو يزن وذو نُوَاس وأشباهها، قالوا: هذا كُلُّه مُقَدَّرٌ فيه الانفصالُ، فتقديرُ ذي رحمك: الذي له معك رحمٌ) اهـ (¬2). وجملةُ قوله: (قد أَسْنَدَ كُل واحدٍ منهما) خبرٌ عن قوله: (وهذان أبو عثمان وأبو رافعِ) كما مَرَّ هناك الإشارة إليه؛ أي: رَوَى كُل واحدٍ من أبي عثمان وأبي رافع بسَندٍ مُتَّصِلٍ (عن أُبَيِّ بنِ كَعْبِ) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني، سَيّد القرَّاء، كتب الوحي وشهد بدرًا وما بعدها، له مائة وأربعة وستون حديثًا. روى عنه (ع) وابن عباس وأنس وسَهْل بن سَعْد وسويد بن غَفَلَة ومسروق وخَلْق كثير. وكان رَبْعَةَ نحيفًا أبيضَ الرأس واللحية، وكان ممَّنْ جَمَعَ القرآن، ومن فُضلاءِ الصحابة، وله مناقبُ جَمَّةٌ رضي الله عنه. وقال في "التقريب": اختُلف في سنة موته اختلافًا كثيرًا، قيل: سنة تسع عشرة، وقيل: سنة اثنين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين، وقال بعضُهم: صَلَّى عليه عثمانُ رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) في "الحل المفهم" (1/ 26): (أي: مِمَّنْ لم تَطُلْ صحبتُه). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 139).

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، وَلَمْ نَسْمَعْ فِي رِوَايَةٍ بِعَينهَا أَنَّهُمَا عَايَنَا أُبَيًّا، أَوْ سَمِعَا مِنْهُ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا) واحدًا (ولم نَسْمَعْ) نحن (في روايةٍ بعَينِها) أي: في روايةٍ معيَّنة (أنّهما) أي: أن أبا عثمان وأبا رافع (عاينا) ورأيا (أُبيًّا) بعينهما (أو سَمِعَا منه) أي: من أُبَيٍّ بلا واسطة (شيئًا) من الحديث، ومع ذلك فروايتُهما عنه صحيحةٌ محمولةٌ على السماع منه. فأمَّا حديثُ أبي عثمان عن أُبَيٍّ .. فقولُه: (كان رجلٌ لا أعلمُ أحدًا أَبْعَدَ بيتًا من المسجدِ منه ... ) الحديث، وفيه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم له: "أعطاك الله ما احْتَسَبْتَ" أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/ 460 - 461) (¬1). وأمَّا حديثُ أبي رافع عنه فهو: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشرَ الأواخرَ من رمضان، فسافرَ عامًا، فلمَّا كان العام المقبلُ .. اعتكف عشرين يومًا" رواه أبو داود والنسائي وابنُ ماجهْ في "سننهم" (¬2)، ورواه جماعات من أصحاب المسانيد أيضًا (¬3). ¬

_ (¬1) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة. (50 - باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد) حديث رقم (663/ 278). ولفظ الرواية الأولى: كان رجل لا أعلمُ رجلًا أبعد من المسجد منه ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد جمع اللهُ لك ذلك كُلَّه". وفي الرواية الثانية: كان رجلٌ من الأنصار بيتُه أقصى بيتٍ في المدينة .. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لك ما احْتَسَبْتَ". (¬2) أخرجه أبو داود في "سننه" (2/ 0 83) في كتاب الصوم (77 - باب الاعتكاف) حديث رقم (2463)، والنسائيُّ في "السنن الكبرى" (2/ 259) كتاب الاعتكاف (2 - الاعتكاف في العشر التي في وسط الشهر) حديث رقم (3344)، و 2/ 270 (18 - من كان يعتكف كلّ سنة ثم يسافر) حديث رقم (3389)، وابنُ ماجه في "سننه" (1/ 562 - 563) كتاب الصيام (58 - باب ما جاء في الاعتكاف) حديث رقم (1770) واللفظُ المذكورُ له. (¬3) رواه الإمام أحمد في "مسنده" وابنه عبد الله في زياداته (5/ 141)، وابن خُزَيمة في "صحيحه": (3/ 346)، وابن حِبان كما في "الإحسان" (5/ 268) (تحقيق الحوت)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 439)، وأبو عوانة كما في "إتحاف المهرة" (1/ 262) حديث رقم (122).

وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيبَانِيُّ -وَهُوَ مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَكَانَ فِي زَمَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا- وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَبَرَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأَسْنَدَ) أيضًا (أبو عَمْرٍو) سَعْدُ بن إياس (الشَّيبَانِيُّ) الكوفي، أدرك زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَرَه. روى عن علي وابن مسعود، ويروي عنه (ع) وسلمة بن كُهَيلْ ومنصور والأعمش. وقال في "التقريب": ثقةٌ مخضرَمٌ، من الثانية، مات سنة خمسٍ أو ستٍّ وتسعين، وهو ابن مائة وعشرين سنة. (وهو مِمَّنْ أَدْرَكَ الجاهليّةَ، وكان في زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلًا) كاملًا (¬1). وقولُه: (وأبو مَعْمَرٍ) معطوفٌ على (أبو عَمْرٍو) (عبدُ اللهِ بن سَخْبَرَةَ) بسين مهملة مفتوحة ثم خاء معجمة ساكنة ثم موحدة مفتوحة، عطفُ بيانٍ أو بدلٌ من (أبو مَعْمَرٍ)، الكوفيُّ الأَسْدِيُّ بإسكان المهملة. روى عن علي وخَبَّاب وعبد الله بن مسعود، ويروي عنه (ع) والنَّخَعي ومجاهد، وَثَّقَه ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثقة من الثانية، مات في إمارة عبد الله بن الزُّبير. أَسْنَدَ (كُلُّ واحدٍ منهما) أي: كُلُّ مِنْ أبي عَمْرٍو وأبي مَعْمَرٍ (عن أبي مسعودٍ) عقبةَ بنِ عَمْرٍو (الأنصاريِّ) البَدْرِيِّ (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم خَبَرَينِ) أي: حديثَينِ. فأمَّا الحديثان اللذان رواهما الشيبانيُّ .. فأحدُهما حديث: جاء رجلٌ إلى النبي ¬

_ (¬1) في "الحلّ المفهم" (1/ 26): (في تقرير المكي: أي: بالغًا ولم يكن صبيًّا) اهـ. قلت: وذلك لأنَّ الغرض من هذا الكلام: بيان معاصرته لأبي مسعود، وإثبات إمكان اللقاء والسماع منه على أبلغ وجه؛ فإنَّ للكبير من القدرة على السماع واللقاء ما ليس للصبي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم فقال: (إنه أُبْدِع (¬1) بي) (¬2)، والآخرُ: جاء رجلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقةٍ مخطومةٍ .. فقال: "لك بها يومَ القيامة سبعُمائة ناقة كُلُّها مخطومة" أخرجهما مسلم (¬3) وأسند أبو عَمْرٍو الشيبانيُّ أيضًا عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ حديث: "المستشارُ مؤتَمنٌ " رواه ابنُ ماجَهْ وعَبْدُ بن حُمَيدٍ في "مسنده" (¬4). وأمَّا حديثًا أبي مَعْمَرٍ .. فأحدُهما: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنا في الصلاة ... ) أخرجه مسلم (1/ 323) (¬5)، والآخرُ: "لا تُجزئ صلاةٌ لا يُقيم الرجلُ فيها صُلْبَه في الرُّكُوع والسجود" رواه أبو داود والترمذيُّ والنَّسايُّ وابنُ ماجهْ وغيرُهم من أصحاب السُّنَن والمسانيد، قال الترمذي: هو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (¬6)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) بضم الهمزة على البناء للمجهول، ومعناه: هلكت دابتي وهي مركوبي وكنت معدمًا للمركوب. والحديث يأتي في (باب إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب)، ولفظه: عن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني أُبْدِع بي فاحملني)، فقال: "ما عندي" فقال رجل: يا رسول الله؛ أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ دَلَّ على خير .. فله مثلُ أجرِ فاعله". (¬2) أخرجه مسلم (3/ 1506) في كتاب الإمارة (38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير) حديث رقم (1893/ 133). (¬3) أخرجه مسلم (3/ 1505) في كتاب الإمارة (37 - باب فضل الصدقة في سبيل الله وتضعيفها) حديث رقم (1892/ 132). (¬4) أخرجه ابن ماجه في "سننه" (2/ 1233) في كتاب الأدب (37 - باب المستشار مؤتمن) حديث رقم (3746)، وعَبْد بن حُمَيد كما في "المنتخب" (ص 06 1) حديث رقم (235). (¬5) في كتاب الصلاة (28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها ... ) حديث رقم (432/ 122). (¬6) أخرجه أبو داود (1/ 533 - 534) في كتاب الصلاة (148 - باب صلاة من لا يُقيم صُلْبه في الركوع والسجود) حديث رقم (855)، والترمذيُّ (2/ 51) (196 - باب ما جاء فيمن لا يُقيم صُلْبه في الركوع والسجود) حديث رقم (265)، والنَّسائيُّ (2/ 183) (88 - إقامة الصلب في الركوع) حديث (1027)، و (2/ 412) (54 - باب إقامة الصلب في السجود) حديث رقم (1111)، وابن ماجه (1/ 282) (16 - باب الركوع في الصلاة) حديث رقم (870).

وَأَسْنَدَ عُبَيدُ بْنُ عُمَيرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، وَعُبَيدُ بْنُ عُمَيرٍ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأَسْنَدَ عُبَيدُ بن عُمَيرٍ) بن قتادة الليثي أبو عاصم المكيُّ القاصُّ، مُخَضْرَمٌ. روى عن أُبيٍّ وعُمَرَ وعليّ وعائشة وأم سلمة وأبي موسى رضي الله عنهم، ويَرْوي عنه (ع) وابنه عُبيد الله وابن أبي مُلَيكة ومجاهد وعطاء وعَمْرو بن دينار. قال ثابتٌ: أَوَّلُ مَنْ قَصَّ عُبَيدُ بن عُمَيرٍ، وَثَّقَه أبو زُرْعة. وقال في "التقريب": وُلِدَ على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره مسلمٌ في مقدّمته، وعَدَّه غيرُه في كبار التابعين، وكان قاصَّ أهلِ مكة، مُجْمَع على ثقته، مات قبل ابن عُمر سنة أربع وستين. (عن أُمِّ سَلَمَةَ) هند بنت أبي أمية حذيفةَ المخزومِيَّة (زَوْجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) تَزَوَّجها سنة اثنتين من الهجرة بعد بدر (¬1)، وبنى بها في شوال، وكانتْ قبلَه عند أبي سلمة. رَوَتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي سلمة بن عبد الأسد وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي عنها (ع) وابناها عمرو وزينب -ابنا أبي سلمة- وسُلَيمان بن يَسَار وأُسامة بن زيد وجماعة. وعاشتْ بعد ما تَزَوَّجَها الرسولُ صلى الله عليه وسلم ستين سنة، ماتتْ سنة اثنتين وستين، وزوجها أبو سلمة شَهِدَ أُحدًا، ورمي بسَهْمٍ فعاش مدة خمسة أشهر أو سبعة ومات. (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا؛ وعُبَيدُ بن عُمَيرٍ وُلِدَ في زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم) وحديثُ عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ عن أُمّ سلمة هو قولُها: لمَّا مات أبو سلمة .. ¬

_ (¬1) ومثله في "الاستيعاب" لابن عبد البرّ، وقال النووي والسنوسي: تزوجها سنة ثلاث، وقال الحافظ الذهبي: دخل بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سنة أربع من الهجرة. انظر "الاستيعاب" (4/ 421 - 422) في هامش "الإصابة"، و "شرح صحيح مسلم" (1/ 140)، و"مكمل إكمال الإكمال" (1/ 45)، و"سير أعلام النبلاء" (2/ 202).

وَأَسْنَدَ قَيسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ - وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَخْبَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قلتُ: غريبٌ وفي أرضِ غُرْبَةٍ، لأَبكينَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عنه). أخرجه مسلم (¬1). (وأَسْنَدَ قَيسُ بن أبي حازمٍ) البجليُّ الأحمسيُّ أبو عبد الله الكوفي، أحدُ كبارِ التابعين وأعيانِهم، مخضرَم، ويُقال: له رؤية، وهو الذي يُقال: إنه اجْتَمَعَ له أن يروي عن العَشَرة. واسم أبي حازم: عبدُ عوف، وقيل: عوف بن عبد الحارث البجلي صحابيّ، ويروي عنه (ع) والحَكَم بن عُتَيبة وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش، وَثَّقه ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": من الثانية، مات بعد التسعين أو قبلها وقد جاوز المائة وتغيَّر، وقال خليفة: مات سنة ثمان وتسعين. (- وقد أَدْرَك زَمَنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم - عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أَخْبَارٍ) أي: ثلاثةَ أحاديث: الأول: حديث: لا إن الإيمان ها هنا، وإن القَسْوَةَ وغِلَظَ القلوب في الفَدَّادين" (¬2)، والثاني: حديث: "إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد" (¬3). والثالث: حديث: "لا أكاد أدرك الصلاة مما يُطَوِّلُ بنا فلانٌ"، أخرجها كُلَّها ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" (2/ 635) في كتاب الجنائز (6 - باب البكاء على الميت) حديث رقم (922/ 10). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق (15 - باب خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال) حديث رقم (3302)، ومسلمٌ في كتاب الإيمان (1/ 71) (21 - باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه) حديث رقم (51/ 81). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الكسوف (13 - باب لا تنكسف الشمس لموت أحدٍ ولا لحياته) حديث رقم (1057)، ولفظه: (الشمس والقمر لا ينكسفان ... "، ومسلمٌ في كتاب الكسوف (2/ 628) (5 - باب ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة) حديث رقم (911/ 21 و 22 و 23).

وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي لَيلَى -وَقَدْ حَفِظَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَصَحِبَ عَلِيًّا- عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا. وَأَسْنَدَ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ البُخَاريُّ ومسلمٌ في "صَحِيحَيهِما" (¬1). (وأَسْنَدَ عبدُ الرحمنِ بن أبي لَيلَى) اسمه يَسار -ويقال: بلال، ويقال: داودُ بن بلال- بن بُلَيل بن أُحَيحة الأنصاري الأوسي، أبو عيسى الكوفي. روى عن عُمر ومعاذ وبلال وأبي ذرّ، وأدرك مئةً وعشرين من الصحابة الأنصاريين، ويروي عنه (ع) وابنه عيسى ومجاهد وعَمْرو بن ميمون -أكبر منه- والمنهال بن عَمْرو وخلق. قال عبد الله بن الحارث: ما ظننتُ أن النساء وَلَدْنَ مثله، وَثَّقَه ابنُ معين. وقال في "التقريب": ثقة، من الثانية، مات سنة ثلاث وثمانين بوقعة الجماجم، وقيل: غرق بدُجَيل مع محمد بن الأشعث. (وقد حَفِظَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّاب) وقال في "التقريب": واختُلف في سماعه عن عُمر (وصَحِبَ عَلِيًّا) ابن أبي طالب. وقولُه: (عن أَنَسِ بنِ مالكٍ) متعلِّقٌ بـ (أسْنَدَ) أي: رَوَى عن أنس (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا) واحدًا وهو قولُه: (أمر أبو طلحة أُمَّ سُلَيمٍ: اصنعي طعاما للنبي - صلى الله عليه وسلم -) أخرجه مسلم (¬2). (وأَسْنَدَ رِبْعِيُّ بن حِرَاشي) بكسر المهملة العبسيُّ -بموحدة- أبو مريم الكوفي، مخضرَم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الأذان (61 - باب تخفيف الإمام في القيام) حديث رقم (702) بلفظ: (أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أَجْل فلان ممّا يُطيل بنا)، ومسلمٌ في كتاب الصلاة (1/ 340) (37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام) حديث رقم (466/ 182). (¬2) في كتاب الأشربة (3/ 1613) (20 - باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ... ) حديث رقم (2040/ 143)، وفيه: (أنْ تَصْنَعَ للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا).

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَينِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن عُمر وعليّ فَرْد حديث وأبي مسعودٍ عقبة بن عَمْرٍو وأبي ذرٍّ وأبي موسى، ويروي عنه (ع) ومنصور بن المُعْتَمِر وعبد الملك بن عُمَير وأبو مَالك الأشجعي ونعيم بن أبي هند، قال العِجْليُّ: من خيار الناس لم يَكْذِبْ كَذْبةً قط. وقال في "التقريب": ثقةٌ عابدٌ مخضرَم، من الثانية، مات سنة مائة، وقيل: مائة وأربع، وليس في مسلم من اسمه رِبْعِيّ إلّا هذا التابعي الثقة الجليل. (عن عِمْرَانَ بنِ حُصَينِ) بن عُبيد الخزاعي أبي نُجيد مصغرًا، أسلم عام خيبر، له مائة وثلاثون حديثًا. (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثَينِ) أحدُهما: في إسلام حُصَين والدِ عمران وفيه قولُه: (كان عبد المطلب خيرًا لقومك منك) رواه عَبْد بن حميد في "مسنده" والنسائيُّ في كتابه "عمل اليوم والليلة" (¬1) بإسناديهما الصحيحين. والحَدِيثُ الآخرُ: "لأَعُطينّ الراية رجلًا يُحِبُّ الله ورسولَه" رواه النَّسائيُّ في "سننه" (¬2). (و) أَسْنَدَ رِبْعِيُّ بن حِرَاشِ أيضًا (عن أبي بكْرَةَ) نُفَيع بن الحارث بن كَلَدة -بفتحتين- ابن عمرو الثقفي، كُني بأبي بَكْرة لأنه نَزَلَ عليها من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكناه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بها، له مائة واثنان وثلاثون حديثًا، وكان أبو بَكْرة ممن اعتزل يوم الجمل فلم يُقَاتِلْ مع أَحَدٍ من الفريقين. (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا) واحدًا، وهو قولُه صلى الله عليه وسلم: "إذا المسلمان حَمَلَ أحدُهما على أخيه السِّلاحَ .. فهُمَا على جُرُفِ جهنَّم" أخرجه مسلمٌ (¬3) ¬

_ (¬1) (ص 548 - 549) (ما يُؤْمَرُ به المشرك أن يقول) حديث رقم (994). (¬2) "السنن الكبرى" (5/ 46) كتاب المناقب (4 - فضائل عليّ رضي الله عنه) حديث رقم (8150). (¬3) كتاب الفتن وأشراط الساعة (4/ 2214) (4 - باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما) حديث رقم (2888/ 16).

وَقَدْ سَمِعَ رِبْعِيٌّ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَرَوَى عَنْهُ. وَأَسْنَدَ نَافِعُ بْنُ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْخُزَاعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار إليه البخاريُّ (¬1). (وقد سَمعَ رِبْعِيُّ) بن حِرَاش هذا الحديث الذي رواه عن أبي بكرة (من عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ) رضي الله عنه (وَروَى عنه) أي: عن علي بن أبي طالب أيضًا وهو معطوفٌ على (سَمِعَ). (وأَسْنَدَ نافعُ بن جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ) النوفليُّ أبو محمد المدنيُّ. روى عن أبيه والعبّاس بن عبد المطلب والزُّبَير بن العَوَّام وعلي بن أبي طالب وأبي شُرَيح، ويروي عنه (ع) وعروة بن الزبير والزُّهْرِيُّ وعَمْرُو بن دينار وخَلْق، وَثَّقَه أبو زرعة. وقال في "التقريب": ثقةٌ فاضلٌ، من الثانية، مات سنة تسع وتسعين. (عن أبي شُرَيحٍ) خويلد بن عَمْرو بن صخر بن عبد العُزى بن معاوية (الخُزَاعِيِّ) الكعبي، أسلم يوم الفتح، وكان يحمل أحد ألوية بني كعب. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود، ويروي عنه (ع) وأبو سعيد المَقْبُري ونافع بن جُبَير بن مُطْعِم. قال ابنُ سَعْد: مات بالمدينة سنة ثمان وستين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، والأولُ أصَحُّ؛ لأنه تاريخ عمرو بن سعيد بن العاص وهو يبعث البعوث إلى مكة لقتال ابن الزبير وكان ذلك في خلافة يزيد بن معاوية بعد سنة ستين. اهـ "تهذيب التهذيب" (12/ 125 - 126). ¬

_ (¬1) قلتُ: وقع في "إكمال المعلم" (1/ 184): (وأشارَ إليه البخاريُّ في الإيمان)، وكذلك عزاه الحافظ المِزّيُّ في "تحفة الأشراف" (9/ 43) حديث رقم (11672) إلى كتاب الإيمان، والصواب: في كتاب الفتن، كما نبَّهَ على ذلك الحافظ ابنُ حجر في "النكت الظراف". انظر "فتح الباري" (13/ 31) كتاب الفتن (10 - باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما) حديث رقم (7083)، وهو حديث معلَّقٌ رواه مسلم موصولًا من هذا الطريق، وقد تقدم عزوه في التعليقة السابقة.

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا. وَأَسْنَدَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا) واحدًا، وهو حديث: "مَنْ كان يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر .. فَلْيُحْسِنْ إلى جاره"، أخرجه مسلمٌ في كتاب الإيمان هكذا من رواية نافع بن جُبَير (¬1)، وقد أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ أيضًا من رواية سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري (¬2). (وأَسْنَدَ النُّعْمَانُ بن أبي عَيَّاشٍ) بتحتانية مشددة وشين معجمة، الزرقيُّ الأنصاريُّ أبو سلمة المدنيُّ، واسمُ أبي عياش والدِ النعمان: زيدُ بن الصامت، وقيل: زيد بن النعمان، وقيل: عبيد بن معاوية بن الصامت وقيل: عبد الرحمن. روى عن أبي سعيد الخُدْري وابن عُمر وجابر وخولة بنت قيس، ويروي عنه (م ت س ق) وأبو حازم وابن عجلان ويحيى بن سعيد الأنصاري وسُهَيل بن أبي صالح وغيرهم، وَثَّقَه ابنُ مَعِين. وقال في "التقريب": ثقةٌ من الرابعة. أي: رَوَى (عن أبي سعيدٍ) سَعْدِ بنِ مالك بن سنان -بنونين- ابن عُبيد بن ثعلبة بن عُبَيد بن خُدْرة -بضم المعجمة- ابن عوف بن الحارث بن الخَزْرَج (الخُدْرِيِّ) منسوب إلى خُدْرة بن عوف، له ولأبيه صحبة، استُصغر يومَ أُحد، ثم شهد ما بعدها، وبايع تحت الشجرة، وكان من علماء الصحابة، له ألف ومائة حديث وسبعون حديثًا. ¬

_ (¬1) (1/ 69) (19 - باب الحثّ على إكرام الجار والضيف ... ) حديث رقم (48/ 77). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب (31 - باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يؤذ جاره) حديث رقم (6019) وفي (85 باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه) حديث رقم (6135)، وفي كتاب الرقاق (23 - باب حفظ اللسان) حديث رقم (6476)، ومسلمٌ في كتاب اللقطة (3/ 1352 - 1353) (3 - باب الضيافة ونحوها) حديث رقم (48/ 14 و 15 و 16)، وفي رواية البخاري الأولى: "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فليُكرم جاره"، وفي باقي الروايات: " ... فليُكرم ضيفَه".

ثَلاثَةَ أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَسْنَدَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيثِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروي عنه (ع) وطارق بن شهاب وابن المُسَيّب والشَّعْبي ونافع وخلق، مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين -وقيل: سنة أربع وسبعين- وهو ابنُ أربع وسبعين سنة. (ثلاثةَ أحاديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم): أمَّا الأولُ منها: فقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صام يومًا في سبيل الله .. بَاعَدَ اللهُ وَجْهَه عن النار سبعين خريفًا" (¬1). والثاني: "إنَّ في الجنة شجرةَ يسيرُ الراكبُ في ظِلِّها ... " (¬2) أخرجهما معًا البخاريُّ ومسلمٌ. والثالث: "إنَّ أدنى أهلِ الجنةِ منزلةً رجلٌ صَرَفَ اللهُ وَجْهَه عن النار ... " الحديث أخرجه مسلمٌ (¬3). (وأَسْنَدَ عطاءُ بن يَزِيدَ الليثيُّ) ثم الجُنْدَعي بجيم مضمومة فنون ساكنة ودال مفتوحة مهملة وعين مهملة كما في "المغني"، أبو محمد -وقيل: أبو يزيد- المدني ثم الشامي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاريُّ في كتاب الجهاد (36 - باب فضل الصوم في سبيل الله) حديث رقم (2840)، ومسلمٌ في كتاب الصيام (2/ 808) (31 - باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق) حديث رقم (1153/ 167 و 168). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق (51 - باب صفة الجنة والنار) حديث رقم (6552)، ومسلمٌ في كناب الجنة (1 - باب إنَّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها) حديث رقم (2828/ 8)، ولفظه: "إنَّ في الجنة شجرةً يسيرُ الراكبُ الجوادَ المُضَمَّرَ السريعَ مائة عامٍ ما يَقْطَعُها". (¬3) في كتاب الإيمان (1/ 175 - 176) (84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها) حديث رقم (188/ 311)، وقد وَرَدَ في هذا الحديث وفي أحاديث أخرى رواها مسلمٌ في "صحيحه" التصريحُ بسماع النعمان بن أبي عَيَّاش من أبي سعيد الخدري.

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن تميم الداري وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي أيوب الأنصاري وحُمْران بن أبان وعبيد الله بن عدي بن الخِيار، ويروي عنه ابنه سليمان والزُّهْري، وأبو عبيد صاحب سليمان بن عبد الملك وأبو صالح السمَّان وسُهَيل بن أبي صالح السمَّان. .. وهلال بن ميمون الرملي- وغيرهم. قال علي بن المَدِيني: سكن الرملة وكان ثقةً، وقال النسائيُّ: أبو يزيد عطاء بن يزيد شامي ثقة، وقال ابنُ سَعْد: كناني من أنفسهم، توفي سنة سبع ومائة وهو ابن اثنتين وثمانين. اهـ " تهذيب التهذيب" (7/ 217). (عن تميمِ) بن أوس بن خارجة (الدَّارِيِّ) نسبة إلى الدار بن هانئ من لخم، كان راهبَ عصرِه وعابدَ أهل فِلَسْطِينَ -وقيل: نسبة إلى جده الدار بن هانئ بن حبيب، وقيل: نِسْبة إلى دارين وهو موضع في بلادِ البحرين، تُجْلب إليه العُطُور مِن بلادِ الهند، والأولُ أصحُّ- أبِيَ رُقَيَّة بقاف وتحتانية مصغرًا، الصحابي المشهور، أسلم سنةَ تسع، وسكنَ بيت المقدس بَعْد ما قُتل عثمان، له ثمانيةَ عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديث. روى عنه سيّدُ البشر صلى الله عليه وسلم خَبَر الجسَّاسِة وذلك في (خ م)، وناهِيكَ بهذه المنقبةِ الشريفةِ، وتدَخلُ في رواية الأكابر عن الأصاغر، ويروي عنه أنسٌ ..... وعطاءُ بن يَزيد وشَهْرُ بن حَوْشَب وقَبيصة بن ذُؤَيب- وعِدَّةٌ. كان صاحبَ لَيل وتلاوةٍ، قال ابنُ سيرين: جَمَعَ القرآنَ وكان يختمُ في ركعة، وقال مسروق: صلَّى ليلةً حتى أصبح يقرأ آيةَ يُرَددها: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} الآية، وقال أبو نعيم: أوَّلُ مَنْ سَرَّج في المساجد تميم، وقال أنس: اشترى حُلةً بألفٍ ليخرج فيها إلى الصلاة، وقال السائب بن يَزِيد: هو أوَّلُ مَنْ قَصَّ بإذنِ عُمر، توفي سنة أربعين. (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا) واحدًا وهو حديث: "الدِّينُ النصيحة". تتمة: وعبارةُ النووي هنا: (وأمَّا تميم الدَّارِيُّ .. فكذا هو في "مسلم"، واخْتَلَفَ فيه

وَأسْنَدَ سُلَيمَان بْنُ يَسَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواةُ "الموطإ"، ففي رواية يحيى وابن بُكَير وغيرهما: الدَّيري بالياء، وفي رواية القعنبي وابن القاسم وأكثرهم: الدَّاري بالألف. واختلَف العلماءُ في أنه إلى مَنْ نُسبَ؟ فقال الجمهور: نسبة إلى جَدٍّ من أجداده وهو الدارُ بن هانئ؛ فإنه تميمُ بن أوس بن خارجة بن سُود -بضم السين- ابن جَذِيمة -بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة- ابن ذراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نُمارة بن لَخْم وهو مالكُ بن عدي. وأمَّا مَن قال: (الديري) .. فهو نسبة إلى دَيرٍ كان تميم فيه قبل الإسلام وكان نصرانيًّا، هكذا رواه أبو الحُسَين الرازيُّ في كتابه "مناقب الشافعي" بإسناده الصحيح عن الشافعي أنه قال في النسبَتَينِ ما ذكرناه، وعلى هذا أكثرُ العلماء. ومنهم من قال: الداري بالألف نسبة إلى دَارين، وهو مكان عند البحرين وهو محطُّ السُّفُن، كان يُجلب إليه العِطر من الهند، ولذلك قيل للعطّار: داري. ومنهم مَنْ جعله بالياء نسبةً إلى قبيلة أيضًا، وهو بعيدٌ شاذٌ حَكَاهُ والذي قبلَه صاحبُ "المطالع" قال: وصَوَّبَ بعضُهم الديري (¬1). قلتُ: وكلاهما صوابٌ، فنُسِبَ إلى القبيلة بالألفِ وإلى الدير بالياء؛ لاجتماع الوصفين فيه. قال صاحب "المطالع": وليس في "الصحيحين" و"الموطإ" داريٌ ولا ديريٌّ إلّا تميم) اهـ (¬2). (وأَسْنَدَ سُلَيمَانُ بن يَسَارٍ) الهلاليُّ المدني مولى ميمونة، أحدُ الفقهاء السبعة. روى عن زيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة ومولاته ميمونة رضي الله عنها، وأَرْسَلَ عن جماعة، ويروي عنه (ع) ومكحول وقتادة والزُّهْري وعَمْرو بن شعيب. قال ابنُ سعد: كان ثقةً عالمًا رفيعًا فقيهًا كثيرَ الحديث. ¬

_ (¬1) انظر "مشارق الأنوار" (1/ 267). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 142).

عَنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا. وَأَسْنَدَ حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في "التقريب": ثقةٌ فاضلٌ، من كبار الثالثة، مات سنة مائة -وقيل: مع أربع، وقيل: مع سبع- عن ثلاث وسبعين سنة. (عن رافعِ بنِ خَدِيجِ) بن رافع بن عدي بن تَزِيد بن جُشم بن حارثة الأنصاري الأوسي، صحابي شَهِدَ بدرًا وما بعدها، له ثمانية وسبعون حديثًا، ويروي عنه (ع) وابنه رفاعة وبُشَير بن يَسَار وطاوس وعطاء. عاش ستًّا وثمانين سنة، وقال خليفة: مات سنة أربع وسبعين. (عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا) واحدًا، وهو حديث المحاقلة، أخرجه مسلم رحمه الله تعالى (3/ 1181) (¬1). (وأَسْنَدَ حُمَيدُ بن عبد الرحمنِ الحِمْيَرِيُّ) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء منسوب إلى حِمْيَر بن سبإ بن يشجب البصري. روى عن أبي بَكْرة وابن عُمر وأبي هريرة وابن عباس وثلاثة من ولد سعد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه عبد الله ومحمد بن المنتشر وعبد الله بن بُرَيدة ومحمد بن سيرين وأبو بشر وعَزْرة بن عبد الرحمن وأبو التيَّاح وداود بن أبي هند وغيرهم. قال العِجْلِيُّ: بصري ثقة، وكان ابنُ سيرين يقول: هو أفقهُ أهل البصرة. وقال في "التقريب": ثقة فقيه من الثالثة. (عن أبي هُرَيرَةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحاديثَ) قال النووي: (من هذه الأحاديث حديث: "أفضلُ الصيام بعد رمضان شهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأفضلُ الصلاةِ بعد الفريضة صلاةُ الليلِ" أخرجه مسلمٌ (¬2) منفردًا به عن البخاري. ¬

_ (¬1) في كتاب البيوع (18 - باب كراء الأرض بالطعام) حديث رقم (1548/ 113). (¬2) في كتاب الصيام (2/ 821) (38 - باب فضل صوم المحرم) حديث رقم (1163/ 202 و 203).

فَكُلُّ هَؤُلاءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ نَصَبْنَا رِوَايَتَهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمَّينَا لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُمْ سَمَاع عَلِمْنَاهُ مِنْهُمْ فِي رِوَايَةٍ بِعَينهَا، وَلَا أَنَّهُمْ لَقُوهُمْ فِي نَفْسِ خَبَرٍ بِعَينهِ، وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو عبد الله الحُمَيدِيُّ رحمه الله تعالى في آخر مسند أبي هريرة من "الجمع بين الصحيحين" (¬1): ليس لحُمَيدِ بن عبد الرحمن الحِمْيَرِيِّ عن أبي هريرة في "الصحيح" غيرُ هذا الحديث، قال: وليس له عند البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة شيءٌ، وهذا الذي قاله الحُمَيدِيُّ صحيحٌ. وربما اشْتَبَهَ حُمَيدُ بن عبد الرحمن الحِمْيَريُّ هذا بحُمَيدِ بنِ عبد الرحمن بن عوف الزهْرِيِّ الراوي عن أبي هريرة أيضًا، وقد رولا له في "الصحيحين" عن أبي هريرة أحاديثَ كثيرةً، فقد يقِفُ مَنْ لا خبرةَ له على شيءٍ منها فيُنكر قولَ الحُميدي؛ توهُّمًا منه أن حُمَيدًا هذا هو ذاك، وهو خطأٌ صريحٌ وجهلٌ قبيحٌ، وليس للحِمْيَرِيِّ عن أبي هريرة أيضًا في الكتب الثلاثة التي هي تمامُ أصول الإسلام الخمسة -أعني سنن أبي داود والترمذي والنسائي- غيرُ هذا الحديث، والله أعلم) اهـ (¬2). (فكُل هؤلاءِ) الفضلاء (التابعينَ) لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (الَّذين نَصَبْنا) نحن وَبيَّنَّا فيما سبق (رِوَايتَهم) وَنقْلَهم الأحاديثَ المذكورةَ (عن الصحابة الذين سَمَّينا) وذكَرْنا أسماءهم رضوان الله عليهم. فقولُه: (فكُل هؤلاءِ) مبتدأُ خبرُه جملةُ قوله: (لم يُحْفَظْ) ولم يُنْقَلْ (عنهم) أي: عن هؤلاء التابعين (سَمَاعٌ) نائب فاعل، وجملةُ (عَلِمْناه) صفةٌ لسماعٌ، والضميرُ المنصوبُ هو الرابط بين الجملة الوصفية والموصوف، وقولُه: (منهم) متعلِّقٌ بسمَاعٌ، والضميرُ للصحابة. وقولُه: (في روايةٍ) متعلِّقٌ بـ (عَلِمْناه) أي: لم يُحْفَظْ عنهم سماعُهم منهم عَلِمْناه في روايةٍ (بعينها ولا) حَفِظْنا (أنّهم) أي أن هؤلاء التابعين (لَقُوهُمْ) أي: لَقُوا أولئك الصحابةَ (في نَفْسِ خَبَرٍ) وحديثٍ (بِعَينهِ (¬3)، وهي) أي: والحالُ أن هذه ¬

_ (¬1) (3/ 322) رقم (2773). (¬2) "شرح صحيح مسلم" (1/ 143 - 144). (¬3) قلتُ: لكنْ يَعْكُرُ على ما قاله الإمامُ مسلمٌ من نَفْيه سماعَ هؤلاء التابعين عن الصحابة: أنه ذَكَرَ =

أَسَانِيدُ عِنْدَ ذَوي الْمَعْرِفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواياتِ السابقةَ (أسانيدُ) صحيحةٌ (عندَ ذوي المعرفةِ) والعلمِ؛ أي: عندَ أصحاب ¬

_ = في جملتهم النعمانَ بنَ أبي عَيَّاش، وأنه أسند ثلاثة أحاديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد له عدة أحاديث في "صحيحه" فيها التنصيص على سماعه من أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه. جاء في كتاب الفضائل (4/ 1793) (9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته": 26 - (2290) حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاريَّ، عن أبي حازم، قال: سمعتُ سَهْلًا يقولُ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أَنا فَرَطُكم على الحوض، مَنْ وَرَدَ .. شَرِبَ ... ". قال أبو حازم: فسَمعَ النعمانُ بن أبي عَيَّاش وأنا أُحَدِّثُهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعتَ سَهْلًا يقول؟ قال: فقلتُ: نعم، قال: وأنا أشهدُ على أبي سعيدِ الخُدْريِّ لسَمِعْتُه يَزيدُ فيقول: "إنهم مني" فيُقال: إنك لا تَدْري ما عَمِلُوا بعدك، فأقولُ: "سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بعدي"). وجاء في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (4/ 2176) (1 - باب إنَّ في الجنة شجرة يسيرُ الراكب في ظِلّها مائة عام لا يقطعها): 8 - (2827) حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحَنْظَلِيُّ، أخبرنا المخزوميُّ، حدثنا وُهَيبٌ، عن أبي حازم، عن سَهْل بن سَعْد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ فيِ الجَنَّة لشجرةً يسيرُ الراكبُ في ظلها مائة عام لا يَقْطَعُها"، قال أبو حازم: فحَدَّثْتُ به النعمان بنَ أبي عَيَّاشِ الزُّرَقِيَّ فقال: حدثني أبو سعيدِ الخُدْريُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجنة شجرةً يسيرُ الراكبُ الجوادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مئةَ عامِ فما يَقْطَعُها). وورد أيضًا في الكتاب المذكور (4/ 2177) (3 - باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء): 10 - (2830) حدثنا قتيبةُ بن سعيدِ، حدثنا يعقوبُ -يعني ابنَ عبد الرحمن القاريَّ- عن أبي حازم، عن سَهْل بن سَعْد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهلَ الجَنَّةِ لَيَتَراءَوْن الغُرْفَةَ في الجنة كما تَرَاءَوْن الكوكبَ في السماء"، قال: فحَدَّثْتُ بذلك النعمانَ بنَ أبي عيَّاش، فقال: سمعتُ أبا سعيد الخُدْريَّ يقول: "كَمَا تَرَاءَوْن الكوكبَ الدُّرِّيَّ في الأُفُقِ الشَّرْقيِّ أو الغَرْبيِّ". ففي هذه الأحاديث الثلاثة التصريح بسماع النّعمان بن أبي عَيَّاش الزُّرَقي من أبي سعيد الخُدْري، والله أعلم.

بالأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ مِنْ صِحَاحِ الأَسَانِيدِ، لَا نَعْلَمُهُمْ وَهَّنُوا مِنْهَا شَيئًا قَطُّ، وَلَا الْتَمَسُوا فِيهَا سَمَاعَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضِ؛ إِذِ السَّمَاعُ لِكُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ مُمْكِنٌ مِنْ صَاحِبهِ، غَيرُ مُسْتَنْكَرٍ، لِكَوْنِهِمْ جَمِيعًا كَانُوا فِي الْعَصْرِ الَّذِي اتَّفَقُوا فِيهِ. وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي أَحْدَثَهُ الْقَائِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعرفة والعلم (بالأَخْبَارِ) والأحاديثِ الصحيحةِ والضعيفةِ (و) عندَ أصحابِ الخبرة بـ (الرواياتِ) الصحيحة والسقيمة. وقولُه: (من صِحَاحِ الأسانيدِ)؛ صفةٌ لأسانيدُ؛ أي: وهي أسانيدُ كائناتٌ من جملة الأسانيد الصحيحة عند ذوي المعرفة بالأخبار والروايات. (لا نَعْلَمُهُمْ) أي: لا نَعْلَمُ أهلَ العلمِ وأئمّة السَّلَفِ (وَهَّنُوا) بتشديد الهاء مفعولٌ ثانٍ لـ (نَعْلَمُ)، أي: لا نَعْلَمُ أحدًا من أئمة السلف وَهَّنَ وضَعَّفَ (منها) أي: من هذه الروايات السابقة (شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا (قَط) ظرفٌ مستغرِقٌ لِمَا مَضَى من الزمان متعلِّقٌ بـ (نَعْلَمُ) أي: لم نَعْلَمْ قطُّ أحدًا منهم وَهَّنَ شيئًا من هذه الروايات. وقولُه: (ولا الْتَمَسُوا) معطوفٌ على (وَهَّنُوا) أي: ولا عَلِمْنا أحدًا منهم الْتَمَس وطلب (فيها) أي: في هذه الروايات (سَمَاعَ بعضِهم من بعضٍ) أي: سماعَ هؤلاء الرُّواة بعضِهم من بعض. وقولُه: (إذِ السَّمَاعُ لِكُلِّ واحدٍ منهم) تعليلٌ لعدم الالتماس؛ أي: وإنما لم يَلْتَمِسُوا تصريحَ سماع بعضهم من بعض فاكْتَفَوْا بالعنعنة؛ لأنَّ سماعَ كُلِّ واحدٍ منهم (مُمْكِنٌ من صاحبِهِ) أَي: لأنَّ سماعَ كُلِّ راوٍ من صاحبه وشيخِه الذي رَوَى له مُمْكِنٌ عادةً (غيرُ مُسْتنكَرٍ) عقلًا؛ أي: غيرُ مُنْكَرٍ عقلًا، لا تُنْكِرُه عقولُ أهل المعرفة والخبرة بالروايات، فالسين والتاء فيه زائدتان. وقولُه: (لِكَوْنِهم جميعًا) تعليلٌ للإمكان؛ أي: وإنما كان مُمْكنًا غيرَ مُنْكَرٍ لكَوْنِ كُلِّ راو وصاحبه حال كَوْنِهم جميعًا (كانوا) ووُجِدوا (في العَصْرِ) والزمنِ (الذي اتَّفَقُوا) أي: اتَّفَقَ خَلْقهم (فيه) أي: في ذلك العصر، فاكْتَفَوْا عن علمِ السماع واللقاءِ بإمكانهما؛ إذِ المعاصرةُ تقتضِيهما غالبًا وإنْ لم يُعلما. (وكان هذا القولُ) المُطَّرَحُ (الذي أَحْدَثَه) واخْتَرَعَه هذا (القائلُ) الزاعمُ

الَّذِي حَكَينَاهُ فِي تَوْهِينِ الْحَدِيثِ بِالْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُعَرَّجَ عَلَيهِ وَيُثَارَ ذِكْرُهُ؛ إِذْ كَانَ قَوْلًا مُحْدَثًا وَكَلامًا خَلْفًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَلَفَ، وَيَسْتَنْكِرُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ خَلَفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الذي حَكَيناه) أي: حَكَينا قولَه ووصَفْنَاه وذَكَرْناه فيما سَبَقَ من أول الباب إلى هنا. وقولُه: (في تَوْهِينِ الحديثِ) متعلِّقٌ بأَحْدَثَه واخْتَرَعَه وقاله في تضعيف الحديث المعنعن. وقولُه: (بالعِلَّةِ) متعلِّقٌ بـ (تَوْهِينِ)، وقولُه: (التي وَصَفَ) صفةٌ للعِلَّة، وهي عدمُ العلم بالملاقاة والسماع وعدمُ المشافهة؛ أي: الذي أحدثه وقاله في تضعيف الحديث المعنعن بالعلّة التي وَصَفَها وذَكَرَها. وقولُه: (أَقَلَّ) خبرُ (كان) أي: وكان هذا القولُ الذي أحدثه واخترعه هذا الزاعمُ في قبول الحديثِ المُعَنْعَنِ واشْتَرَطه فيه أَقَلَّ وأَحْقَرَ وأضْعَفَ (مِنْ أنْ يُعَرَّجَ) ويعَوَّلَ ويعْتَمَدَ (عَلَيهِ) في هذا العلم (و) أَقَلَّ وأَدْوَنَ من أنْ (يُثارَ) وينْشَرَ ويشَاعَ (ذِكْرُه) بين عوامّ الناس وخاصّتِهم؛ لئلَّا يغْتَرَّ به مَن لم يُرْزَقِ التيقُّظَ والمعرفةَ في هذا العلم بأسبابِه وعِلَلِه. وقوله: (إذْ كان) تعليلٌ لجملة الكَوْن؛ أي: وإنما كان أَقَلَّ من ذلك؛ لأنَّ هذا القولَ كان (قولًا مُحْدَثًا) أحدثه زاعمُه واخترعَه مِنْ عند نفسه من غير سابقيةٍ له من علماء السلف (و) كان (كلامًا خَلْفًا) أي: ساقطًا لم يَقُلْه أحدٌ من الخَلَف -والخَلْفُ بفتح الخاء وسكون اللام: الكلامُ الساقطُ عن ألسنة الناس فلا يقوله أحدٌ، والفاسدُ في قلوبهم فلا يعتقده أحدٌ، فلا اعتبارَ له عندهم قَلْبًا وقالبًا. أي: كان قولًا (لم يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أهلِ العِلْمِ سَلَفَ) ففي الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ لغرض السَّجْع، وهذه الجملةُ راجعةٌ لقوله: (قَوْلًا مُحْدَثًا)، والتقديرُ: أي: كان قولًا مُحْدَثًا لم يَقُلْه أحدٌ سَلَفَ من أئمّةِ هذا العلم (و) كلامًا (يَسْتنكِرهُ) أي: يُنكره، فالسينُ والتاءُ فيه زائدتان للمبالغة في الإنكار (مَنْ بَعْدَهُمْ) أي: مَنْ بعدَ السلفِ (خَلَفَ) وتأَخَّرَ، وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ أيضًا لغرض السَّجْع، وهو راجعٌ لقوله: (كلامًا خَلْفًا)، والتقديرُ:

فَلَا حَاجَةَ بِنَا فِي رَدِّهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا شَرَحْنَا؛ إِذْ كَانَ قَدْرُ الْمَقَالةِ وَقَائِلِهَا الْقَدْرَ الَّذِي وَصَفْنَاهُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى دَفعِ مَا خَالفَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيهِ التُّكْلانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: وكان كلامًا خَلْفًا ساقطًا يُنكره مَنْ خَلَفَ وجاء بعد السلف؛ أي: وكان قولًا مُحْدَثًا بعد السَّلَف، وكلامًا ساقطًا عند الخَلَف، فلا يُعَوَّلُ عليه لكَوْنِه مُخْتَرَعًا، ولا يُنْشَرُ لكونه ساقطًا، وقد تقدَّم لك في أول الكتاب أن السلف: من كانوا قبل تمام أربعمائة سنة من الهجرة، والخَلَف: مَنْ كانوا بعدها، وقيل: السلف: أهل القرن الأول والثاني، والخلف: مَنْ كان بعدهما، والله أعلم. والفاءُ في قوله: (فلا حاجةَ) للإفصاح؛ لأنها أفصحتْ عن جوابِ شرطٍ مُقَدَّرِ تقديرُه: إذا عَرَفتَ قَدْرَ هذا القول وأردتَ بيانَ شأننا فيه .. فأقول لك: لا حاجةَ ولا افتقارَ ولا ضرورةَ (بنا في رَدِّه) أي: في رَدِّ هذا القول وإنكارِه إلى الإتيان (بـ) ـــكلامِ (أكثرَ مِمَّا شَرَحْنا) وَبيَّنَا في رَدِّه وذَكَرْنا في إنكارِه. وقولُه: (إذْ كان) تعليلٌ لنفي الحاجة؛ أي: وإنما لم نَحْتَجْ في رَدِّه إلى كلامٍ أكثرَ ممّا قُلْنا؛ لأنه كان (قَدْرُ) هذه (المقالةِ) المخترعة المستحدثة في رَدِّها (و) قَدْرُ (قائلِها) في الإنكار والاحتجاج عليه. وقولُه: (القَدْرَ الذي وَصَفْناه) خبرُ كان؛ أي: كان قيمتُها وجزاؤُها القَدْرَ الذي وَصَفْنا وذَكَرْنا سابقًا، فلا حاجةَ إلى إطالة الكلام في رَدِّها والإنكارِ عليه. (واللهُ) سبحانه وتعالى الإلهُ (المُسْتَعَانُ) أي: الذي يُسْتَعَانُ بحَوْلهِ وقوَّتِه (على دَفْع وَردِّ (ما خَالفَ) ونَاقَضَ (مَذْهَبَ العُلَمَاءِ) وطريقَ القُدماء من السلفِ الكرام والأئمةِ الأعلام (وعليه) سبحانه وتعالى لا على غيرِه (التُّكْلانُ) والاعتمادُ في إثبات منهج أهل الحقّ والصواب، وإليه الرُّجْعَى والمآب. و(التُّكْلان) بضم التاء وإسكان الكاف: الاتكالُ والاعتمادُ على الغير، وفي "القاموس": وَكَلَ باللهِ يَكِلُ من باب وعبد، وتَوَكَّلَ على الله وأَوْكَلَ واتَّكَلَ: اسْتَسْلَمَ إليه، ووَكَلَ إليه الأمرَ وَكْلًا ووُكولًا: سَلَّمَه وتَرَكَهُ، والتَّوكُّلُ: إظهارُ العَجْزِ والاعتمادُ على الغير، والاسم التُّكْلانُ. اهـ ***

خاتمة المقدمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة المقدمة اللهم؛ لك الحمد وإليك المُشْتكَى، وبك المستغاث وأنت المستعانُ، وعليك المُتَّكل، ولا حول لا قوة إلَّا بك، فأَيِّدنا برحمة تُصْلحُ بها ظاهِرَنَا وباطننا وديننا ودنيانا وآخرتَنا، وتَعصِمُنا بها من كل سوءِ يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلَّم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين آمين. إلى هنا وقفت الأقلام، وتم لنا المرام على مقدمة الإمامِ، والصلاة والسلام على مصطفى الأنام سيدنا محمد، من أرسلْتَه رحمة للأنام، وعلى آله وصحبه الكرام آمين. قال مؤلفه وجامعه: وقع الفراغ من هذا المجلد الأول من "الكوكب الوهاج والروضِ البهاج على صحيح مسلم بن الحَجَّاج" منتصفَ الليلِ، ليلَةِ الأحد، الليلةِ العاشرة من شهر ربيع الآخر من شهور سنة ألف وأربعمائة وتسع عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والصِلات والتحيات، وعلى آله وصحبه ذوي المراتبِ العلية والمقامات السنية، وتابعيهم إلى يوم القيامة. انتهى المجلد الأول، ويليه المجلد الثاني وأوله كتاب الإيمان. ولقد أجاد من قال: سبحانك لا عِلْم لنا إلا ما ... علَّمْتَ وأَلْهَمْتَ لنا إلهاما وهذا المُجلَّدُ الذي مَنَّ الله عليَّ بكتابتِه بتوفيقه وتيسيره تكملةٌ لما وضَعْتُه أوَّلًا على مقدمةِ الإمام من العُجالة التي وضعْتُها بأمرٍ مِن مشايخنا الهرريين لما صَعُبَتْ عليهم هذه المقدمةُ الَّتي سميتُها: (هداية الطالب المُعْدِم على ديباجة الإمام مسلم) التي انْتشَر نَفْعُها في العرب والعجم، مخطوطةً ومطبوعةً، فله الحمدُ والشكرُ على هذه المِنَّةِ.

خاتمة المجلد الأول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاتمة المجلد الأول وها أنا أقولُ: وقولي هذا: فالحمدُ لله على ما حَبانا، والشكرُ له على ما أولانا، وأسأله أَنْ يُدِيم نفعه بين عبادِه، وَيرُدَّ عنه جَدَلَ منكره وجاحدِه، ويَطْمِسَ عنه عَين كائِده وحاسِده. والمَرْجُو مِمَّن صرف وجهه إليه، بعَين القبول والرغبةِ لديه: أن يُصلح خطأَه وسَقْطته، ويُزيل زَلله وهفوته بعد التأمل والإمعان، لا بمجرد النظر والعِيان؛ لأنَّ الإنسان مركزُ الجهل والنسيان، لا سيما حليفُ البطالة والتَّوانِ، عن عبادة مولاه المَنَّان، ليكون ممن يدفع السيئةَ بالحسنة، لا مِمَّنْ يُجازي الحسنةَ بالسيئة. علَّمنا الله وإياكم علومَ السالفين، وجَنَّبنا وإياكم زُيوفَ الخالفين، وأَدَّبنا وإياكم بآداب الأخيار، وأذَاقنا وإياكم كُؤوسَ المعارف والأسرار، بمغارف معارفِ السُّنن المطهرة واتباع مكارم الأخلاق المُصْطَفية، على صاحبها أفضلُ الصلوات وأزكى التحية، سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآل كلِّ وجميع الأولياء والمقربين، وعلينا وعلى سائر عباد الله الصالحين والحمد لله رب العالمين. آمينَ آمينَ لا أَرْضَى بواحِدة ... حتَّى أُكَمِّلَها ألفين آمينا قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: إنما النفس كالزجاجة والعلـ. م سراجٌ وحكمةُ الله زَيتُ فإذا أَبْصَرَتْ .. فإنك حَيٌّ ... وإذا أظلمَت .. فإنك مَيتُ وقال ابن السيد: أخُو العلمِ حيٌّ خالدٌ بعد موتِه ... وأوصالُه تحتَ التُّراب رَميم وذُو الجهل مَيتٌ وهو مَاشٍ على الثَّرَى ... يُظَن من الأحْيَاء وهو عَدِيم وقال بعضهم: يا خَادمَ الجسم كَمْ تَسْعَى لخدمتِه ... وتَطلُب الربحَ مِمَّا فيه خُسران

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليكَ بالنَّفْسِ فاسْتكْمِلْ فضائلَها ... فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ وقال ابنُ سينا: لا تُكْثِرَنَّ مِنَ الجماعِ فإنه ... ماءُ الحياةِ يُصَبُّ في الأَرحام ولبعضِهم: إنّما الدُّنيا فَناءٌ ... ليس للدنيا ثُبوتُ إنما الدنيا كَبَيتٍ ... نسَجَتْهُ العنكبوتُ ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الثاني

شَرْحُ صَحِيحِ مُسلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المجلد الثاني من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح الإمام مسلم بن الحجاج ألفه وجمعه محمد الأمين بن عبد الله الأثيوبي الهرري نزيل مكة المكرمة المدرس في دار الحديث الخيرية منذ عشرين سنة وحاليًا وكان مدرسًا في الليل في الحرم المكي نحو عشر سنوات حتى منعه النظام الجديد غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين آمين. شعر ما حوى العلم جميعًا أحد ... لا ولو مارسه ألف سنة إنما العلم بعيد غوره ... فخذوا من كل علم أحسنه شعر آخر ألا أيها الإخوان صلوا وسلموا ... على المصطفى في كل وقت وساعة فإن صلاة الهاشمي محمد ... تنجي من الأهوال يوم القيامة آخر يا من يجيب دعا المضطر في الظلم ... يا كاشف الضر والبلوى مع السقم شفع نبيك في ذلي ومسكنتي ... يوم القيامة يا ذا الفضل والكرم آخر لا تكشفن من مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله سترًا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا

كتاب الإيمان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) كِتَابُ الإِيمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله العظيم سلطانه، العميم فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب السنة المطهرة والحكمة المنورة، الماحي بهداه ظلم الضلالة، الخاتم بعلاه شرف النبوة والرسالة صلى الله سبحانه وتعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأنصار والمهاجرين وعلى أتباعهم إلى يوم الدين، أما بعد: فلما فرغت من شرح مقدمة هذا الجامع بما عندي من رشحات العلم تفرغت لشرح الكتاب بما عندي من قطرات العلم نقليًا وعقليًا فقلت وقولي هذا: (كتاب الإيمان) وجملة أبوابه خمسة وتسعون (95) إلَّا ما سنزيد عليها. أي هذا كتاب معقود في ذكر الأحايث الواردة في بيان حقيقة الإيمان والإسلام والإحسان وبيان شعبه والحكمة في فصلهم بين أنواع المسائل بالتراجم - إما بالكتاب أو بالباب أو بالفصل مثلًا - التسهيل على الناظر في الكتاب وتنشيط الطالب وفي معناه الشارح والحافظ والمطالع والراوي والمروي عنه والمتبرك بقراءة الحديث اهـ سنوسي. أما التسهيل فلأن من أراد مسئلة قصدها في ترجمتها وأما التنشيط فلأن المتعلم إذا ختم ترجمة ربما اعتقد أنه كاف في ذلك النوع فينشط في قراءة غيره بخلاف ما إذا كان التصنيف كله جملة واحدة كهذا الجامع فإن مؤلفه اقتصر على ما التزمه في المقدمة من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع أحاديث مرفوعة بلا زيادة شيء عليها ولكن شراحه وضعوا له التراجم كل بحسب ما ظهر له من معاني الأحاديث ولذلك اختلفت تراجمه وبقيت عنهم أحاديث كثيرة لا تدخل في تراجمهم فتحتاج إلى وضع ترجمة لها كما سنبينها في مواضعها إنَّ شاء الله تعالى. (واعلم) أن للمصنفين فيما وقعت بدايتهم به اختيارات ولكل واحد منهم في ذلك اختيار وأنسب ما توجه به بداية مسلم بكتاب الإيمان أن يقال إنه رأى الإيمان شرطًا في التكليف والأصل تقديم الشرط على المشروط له وأما بداية البخاري بكتاب بدء الوحي فلأن الوحي أصل الإيمان ومأخذه فهو مأخذ كل التكاليف وأصله فلذلك اختار البداية به، وأما أصحاب السنن فاختاروا البداية بكتاب الطهارة لأن الطهارة شرط في الصلاة التي هي أصل أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقال بعضهم: بدءوا بالطهارة لأنها مفتاح الصلاة التي هي أهم العبادات ولذلك ورد "مفتاح الجنة الصلاة ومفتاح الصلاة الطهور" انتهى. (ثم اعلم) أن (¬1) الأولى للقارئ أن يصرح بقراءة الترجمة فيقول كتاب الإيمان كتاب الطهارة كتاب الصلاة مثلًا، أما أولًا فلأنها جزء من ذلك التصنيف ويتأكد ذلك من مريد الرواية، وأما ثانيًا فلأنها تفتقر إلى البيان كغيرها. (قلت) (¬2) هذا صحيح في التراجم التي وضعها مؤلف الكتاب كتراجم البخاري وأبي داود أما مثل تراجم كتاب مسلم هذا فقد لا يسلم فيها ما ذكره الأبي لأنها ليست من وضع مسلم حتى يصدق عليها أنها جزء من الكتاب ويطالب القارئ بقراءتها وإنما هي من وضع المشايخ ولهذا نجد الاختلاف فيها كثيرًا بحسب اختلاف اختياراتهم فلا ينهض فيها ذِكْرُه والله أعلم. ثم قال الأبي: ولم أر من تعرض لبيان كل الترجمة وإنما نجدهم يتكلمون على الجزء الثاني فقط فيقولون: في كتاب الطهارة مثلًا، الطهارة لغة كذا واشتقاقها من كذا وهي في العرف كذا وكذا قال: وقد رأيت أن أتكلم على كلها تكميلًا للفائدة، فكتاب الإيمان مثلًا مركب إضافي والمركب الإضافي قيل إنَّ حده لقبًا يتوقف على معرفة جزئيه لأن العلم بالمركب بعد العلم بجزئيه وقيل لا يتوقف لأن التسمية سلبت كلًّا من جزئيه عن معناه الإفرادي وصيرت الجميع اسمًا لشيء آخر ورُجِّح الأول بأنه أتم فائدة وعليه اختلف ¬

_ (¬1) الأبي. (¬2) السنوسي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل الأولى البداية ببيان المضاف لأنه الأسبق في الذكر وقيل بل بالمضاف إليه لأنه أسبق في المعنى إذ لا يعلم المضاف إليه من حيث هو مضاف حتى يعلم ما أضيف إليه وهو أحسن لأن المعاني أقدم من الألفاظ وعليه فالإيمان لغة التصديق بأي شيء كان لأنه مصدر آمن الرباعي يقال آمن بالله وبرسوله يؤمن إيمانًا إذا صدقهما، وشرعًا التصديق بأشياء مخصوصة ستعرفها إنَّ شاء الله تعالى. وأما الكتاب فمن جملة التراجم التي يترجمون بها والتراجم بفتح الجيم جمع ترجمة والترجمة لغةً: تفسيرُ لغةٍ لمن لا يعرفها بلغة يعرفها، يقال: ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر ومنه الترجمان يجمع على تراجم كزعفران وزعافر بكسر الجيم وضمها لغة، واصطلاحًا إسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة لها مبتدأ ومختتم وجملة التراجم التي يترجمون بها تسعة، الأول منها الكتاب هو لغة مصدر لكتب من باب نصر يقال كتب يكتب كتبًا وكتابًا وكتابة فلكتب ثلاثة مصادر الأول مجرد من الزيادة، والثاني مزيد بحرف، والثالث مزيد بحرفين وقالوا إنَّ الكتاب مشتق من الكتب واعترضهم أبو حيان بأن المصدر لا يشتق من المصدر وأجيب بأن المصدر المزيد يشتق من المجرد ومحل قولهم المصدر لا يشتق من المصدر إذا كانا مجردين أو مزيدين فلا ينافي أن المزيد يشتق من المجرد أي فالكتاب لغة مصدر بمعنى الضم والجمع يقال تكتبت بنو فلان إذا اجتمعت وانضم بعضهم إلى بعض ويقال كتب إذا خط بالقلم لما فيه من اجتماع الكلمات والحروف وانضمام بعضها إلى بعض وعطف الجمع على الضم من عطف الأعم على الأخص لأن الضم جمع مع تلاصق ولا يشترط في الجمع التلاصق فبينهما العموم والخصوص المطلق فكل ضم جمع ولا عكس، وقيل من عطف المرادف بناء على أنه لا يشترط في كل منهما التلاصق فبينهما الترادف، واصطلاحًا اسم لألفاظ مخصوصة دالة على جنس من الأحكام مشتملة على أبواب وفصول وفروع ومسائل غالبًا وقد لا يشتمل على ذلك. والثاني الباب وهو لغة فرجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج ومن خارج إلى داخل واصطلاحًا اسم لألفاظ مخصوصة دالة على نوع من الأحكام مما دخل تحت الكتاب مشتملة على فصول وفروع ومسائل غالبًا، والثالث الفصل وهو لغة الحاجز بين الشيئين، واصطلاحًا اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة مما دخل تحت الباب مشتملة على فروع ومسائل، والرابع الفرع وهو لغة ما انبنى على غيره ويقابله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل، واصطلاحًا اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة مشتملة على مسائل مما دخل تحت الفصل، والخامس المسألة وهي لغة السؤال واصطلاحًا مطلوب خبري يبرهن عليه، أي يقام عليه البرهان في العلم كما في قولنا الوتر مندوب فثبوت الندب للوتر مطلوب خبري يقام عليه البرهان في العلم، والسادس التنبيه وهو لغة الإيقاظ واصطلاحًا اسم لكلام مفصل لاحق معلوم من كلام مجمل سابق أي اسم للفظ عُبر به عن البحث اللاحق المعلوم من البحث السابق إجمالًا، والسابع المقدمة وهي لغة ما تقدم أمام الشيء كمقدمة الجيش، واصطلاحًا اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة قُدمت أمام المقصود سواء كانت مقدمة كتاب كمقدمة هذا الجامع، أو مقدمة علم كمقدمة المبادئ العشرة، والثامن منها الخاتمة وهي لغة آخر الشيء واصطلاحًا اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معانٍ مخصوصة جُعلت آخر كتاب أو باب، والتاسع منها التتمة وهي لغة كل ما يتم به الغير واصطلاحًا اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة جُعلت متممة لما قبلها من الكتاب أو الباب أو الفصل وهو قريب من معنى الخاتمة، والعاشر: الفائدة: وهي لغةً: كل ما استفيد من علم أر مال أو جاه، واصطلاحًا: اسم لجملة من العلم مشتملة على مسألة أو مسائل، فالكتاب كالجنس الحقيقي مثل الحيوان والباب مثل النوع كالإنسان والفرس، والفصل كالصنف مثل العرب والعجم، والمسائل مثل الأفراد كزيد وعمرو انتهى من حاشية البيجوري على شرح الغزي بتصرف وزيادة. وبالجملة فالكتاب أعم من الباب وهو أعم من الفصل وهو أعم من الفرع وهو أعم من المسألة اهـ منه أيضًا. وأما هذه الترجمة من جهة الإعراب فكتاب إما خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا الآتي كتاب الإيمان، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره كتاب الإيمان هذا محله، والأول هو المشهور أو مفعول لفعل محذوف تقديره خذ كتاب الإيمان أو إقرأه، وأما كونه مجرورًا بحرف جر محذوف تقديره انظر في كتاب الإيمان فهو شاذ لأنه يلزم عليه حذف حرف الجر وإبقاء عمله أو مفعول لاسم فعل محذوف تقديره هاك كتاب الإيمان، وقد بسطنا الكلام في الأوجه الجارية في إعراب التراجم في شرحنا مناهل الرجال على لامية الأفعال فراجعه إنَّ شئت فقد ذكرنا فيه سبعة أوجه من إعراب التراجم فكتاب الإيمان هنا اسم لألفاظ مذكورة في هذا الجامع من هنا إلى كتاب الطهارة فمن كتاب الإيمان.

1 - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، ووجوب الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وبيان الدليل على وجوب التبري ممن لا يؤمن بالقدر، وإغلاظ القول في حقه

1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1 - بَابُ بَيَان الإِيمَان وَالإِسْلامِ وَالإِحْسَان، وَوُجُوبِ الإِيمَان بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالى، وَبَيَان الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ، وَإِغْلاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ وفي بعض النسخ بدل هذه الترجمة باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامات الساعة، أي هذا باب معقود في بيان معنى الإيمان والإسلام والإحسان شرعًا فمقصود هذا الباب إيضاح معاني هذه الأسماء في الشرع دون اللغة، فإن الشرع قد تصرف فيها على ما يأتي بيانه، وأما معنى الإيمان لغة فقد تقدم لك، وأمّا الإسلام فهو لغة الاستسلام والانقياد، وأما الإحسان فهو لغة جعل الشيء حسنًا والإتيان به جيدًا يقال أحسن في كذا إذا أجاد فعله، وباب معقود في بيان وجوب الإيمان بالقدر أي بثبوت صفة القدر لله تعالى، والقدر بفتح الدال وإسكانها لغة مصدر قدرت الشيء إذا أحطت بمقداره واصطلاحًا عبارة عن تعلق علم الله سبحانه وتعالى وإرادته أزلًا بالكائنات قبل وجودها فلا حادث إلَّا وقد قدره سبحانه وتعالى أزلًا أي سبق علمه به، وتعلقت به إرادته قال السنوسي: وقيل إنَّ القضاء عبارة عن جمع الكائنات كلها في اللوح المحفوظ، والقدر عبارة عن إيجادها شيئًا فشيئًا، وقيل عكسه، ولهذا يُمثل الشيوخ القضاء والقدر على هذين القولين بصبرةٍ مجموعة ثم تفصيلها بالكيل شيئًا بعد شيء وقيل القضاء والقدر مترادفان، وقال القاضي عياض: وزعم كثير أن معنى القدر جبر الله تعالى للعبد على ما قدره وقضاه وليس كذلك اهـ قال الأبي: يريد القاضي وإنما هو ما تقدم من تعلق العلم فمجموع ما في القدر من الأقوال مع ما ذكره القاضي عن كثير أربعة. والقول بالقدر وإثباته كان عقيدة أهل الإسلام كلهم إلى أن ظهرت طائفة آخر زمن الصحابة فقالت: لا قدر في الأزل، وإنما الأمر أُنُفٌ بضم الهمزة والنون بمعنى مستأنف لم يسبق به قدر بمعنى أن الله تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها وإنما يعلمها بعد أن تقع، قال القاضي عياض: وقال بمذهب هذه الطائفة الجهمية وقوم من الرافضة وطائفة من المعتزلة، وهذا هو الجزء الثاني من أجزاء الترجمة وباب معقود أيضًا في بيان الدليل

قَال أَبُو الْحُسَينِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: بِعَوْنِ اللهِ نَبْتَدِئُ، وَإِيَّاهُ نَسْتَكْفِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ على وجوب التبري أي على وجوب البراءة ممن لا يؤمن ولا يعتقد بثبوت صفة القدر لله تعالى، وقطع العلاقة منه لأنه كافر، وهذا هو الجزء الثالث من أجزاء الترجمة، وفي بيان إغلاظ القول وتشديده في حقه أي في حق من لا يؤمن بالقدر بعدم قبول إنفاقه في سبيل الله تعالى، وجميع أعماله الصالحة، وهذا هو الجزء الرابع من أجزاء الترجمة، وهذا الباب هو الباب الأول من أبواب كتاب الإيمان كما أشرنا إليه بالترقيم. وبالسندين لنا المتصلين إلى المؤلف رحمه الله تعالى (قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري) أي المنسوب إلى قشير بوزن زبير بن كعب بن ربيعة أبي قبيلة من العرب كما في القاموس، وقدم الكنية على الاسم جريًا على مذهب الجمهور أنه إذا اجتمع الاسم والكنية يجوز تقديم الكنية على الاسم نحو: قال أبو بكر سعيد، وتأخيرها عنه نحو قال سعيد أبو بكر قال ابن عنقاء: والأصح أن تقديمها على الاسم حيث اجتمعا هو الراجح، وإن لم يجب، ولا سيما إذا أشعرت بمدح أو ذم لئلا يتوهم أنها لقب فإن قُصد الإشعار ابتداءً بتعظيم المسمى كما هنا وجب تقديمها لأنه مما يقصد به التعظيم ولا شيء فيها من معنى النعت، فإذا صُدرت عُلم أن المسمى معظم وأنها كنية لا لقب اهـ كواكب، وضابط الكنية هي ما صُدِّرت بأب أو أم كأبي بكر وأم كلثوم، وعُلم منه أن الكنية مجموع الاسمين المتضايفين لا ما بعد الأب والأم، وهذه الجملة القولية يحتمل كونها من كلام المؤلف رحمه الله تعالى على سبيل التجريد البديعي، وكونها من كلام بعض الراوة عنه، وأما قوله الآتي حدثني أبو خيثمة إلى آخر الكتاب فمقولٌ لقول محذوف معطوف على نبتدي تقديره قال أبو الحسين نبتدي بعون الله ونستكفي إياه فنقول: حدثني أبو خيثمة إلخ وقوله (رحمه الله) سبحانه وتعالى جملة دعائية خبرية اللفظ إنشائية المعنى، فكأنه قال اللهم ارحمه وقوله (بعون الله) أي بمعونة الله سبحانه وتعالى وإمداده وتوفيقه لا بمعونة غيره متعلق بقوله (نبتدئ) قدمه عليه لإفادة الحصر والقصر أي قال أبو الحسين نريد أيها السائل بداية ما سألتني تأليفه بمعونة الله تعالى وتوفيقه، وكذلك تقديم المعمول على عامله في قوله (وإياه) سبحانه وتعالى (نستكفي) في طلب المعونة، الغرض منه إفادة الحصر وفي المختار كفاه مؤونته يكفيه كفاية وكفاه الشيء واكتفى به واستكفيته الشيء فكفانيه. اهـ أي نكتفي بالله في طلب الإعانة على هذا

وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلَّا بِاللهِ جَل جَلالُهُ. 1 - (8) حَدَّثَنِي أَبُو خَيثَمَةَ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التأليف ولا نطلب المعونة من غيره تعالى، وجملة قوله (وما توفيقنا) وإقدارنا على هذا التأليف حاصل (إلا بـ) ــحول (الله) وقوته سبحانه وتعالى، حال من فاعل نبتدئ وما مهملة لانتقاض نفيها بإلا والتوفيق خلق قدرة الطاعة في العبد وتسهيل سبيل الخير له، وضده الخذلان وهو خلق قدرة المعصية في العبد وتمكين سبيل الشر له وقوله (جل) وتنزه وتقدس (جلاله) وعظمته عن كل ما لا يليق به تعالى من سمات الحدوث والنقص جملة تنزيهية ساقها لتنزيهه تعالى عما لا يليق به. (تتمة) فإن قلت إنَّ قوله بعون الله نبتدئ معترض بأنه لا يصدق عليه أنه ابتدأ بكتاب الإيمان لأنه كتب قبله بأوراق كثيرة (قلت) مراده بالبداية هنا البداية بما هو المقصود الأصلي من التأليف وهو جمع الأحاديث المرفوعة في كتاب مؤلف لأنه المسؤول لسائله وما قبله ليس مقصودًا أصليًّا له ولذلك أعرض عن الكلام فيه بعض الشراح. أي قال أبو الحسين رحمه الله تعالى بعون الله نبتدئ فنقول: (1) - ص ص (8) (حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بفتح المهملتين بعدهما شين معجمة مولاهم النسائي الحافظ نزيل بغداد، روى عن جرير بن عبد الحميد وهشيم وابن عيينة وحفص بن غياث وخلق، ويروي عنه (خ م د ق) مباشرة و (س) بواسطة وأبو يعلى وله في البخاري ومسلم أكثر من ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث من العاشرة مات في ربيع الآخر سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وهو ابن أربع وسبعين سنة. قال ابن منجويه: روى عنه الإمام مسلم في جامعه مباشرة في عشرين بابا (20) روى عنه في: (1) كتاب الإيمان عن وكيع وإسماعيل بن علية، وروى عنه في (2) باب الوضوء عن جرير بن عبد الحميد ويزيد بن هارون وعمر بن يونس الحنفي وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الصمد بن عبد الوارث وهاشم بن القاسم ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبي الوليد الطيالسي وعفان بن مسلم وإسحاق الأزرق وحجين بن المثنى وعبد الله بن نمير وروح بن عبادة، وروى عنه في (3) باب الصلاة عن أبي معاوية

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعاذ بن هشام وأبي عامر العقدي وعبد الله بن يزيد المقرئ وعبد الرحمن بن مهدي، وعنه في (4) باب الجنائز عن الضحاك بن مخلد ومحمد بن فضيل وشبابة بن سوار ومروان بن معاوية وأبي أحمد الزبيري وحسين بن محمد وعبد الله بن إدريس ومحمد بن عبيد وعنه في (5) باب الزكاة عن علي بن حفص، وعنه في (6) الجهاد والزكاة أيضًا عن حجاج بن محمد، وعنه في (7) باب الحج عن عبدة بن سليمان والحسن بن موسى والوليد بن مسلم ووهب بن جرير وعثمان بن عمر، وعنه في (8) باب الطلاق عن هشيم بن بشير، وعنه في (9) باب اللعان عن إسحاق بن عيسى، وعنه في (10) باب الإيمان واللباس عن إسماعيل بن أبي أويس، وفي (11) باب حق المماليك عن محمد بن حميد العمري، وعنه في (12) باب الضحايا عن معن بن عيسى، وعنه في (13) باب اللباس أيضًا عن زيد بن الحباب، وعنه في (14) باب الطب عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وعنه في (15) باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم عن حبان بن هلال، وعنه في (16) باب الفضائل عن عمرو بن عاصم ويونس بن محمد وأحمد بن إسحاق الحضرمي، وعنه في (17) باب التوبة عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وعنه في (18) باب الأمثال عن بشر بن السري، وعنه في (19) باب الفتن عن معلي بن منصور، وعنه في (20) باب تشميت العاطس عن القاسم بن مالك فجملة الأبواب التي روى فيها مسلم عن زهير بن حرب عشرون بابا اهـ بتصرف. قال زهير بن حرب (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح بوزن فصيح الرؤاسي أبو سفيان الحافظ الكوفي من قيس عيلان، أحد الأئمة الأعلام تقدمت ترجمته في أوائل المقدمة، وقال في التقريب: ثقة حافظ عابد من التاسعة مات في آخر سنة (196) ست وتسعين ومائة، ويقال إنَّ أصل وكيع من نيسابور من قرية من قرى أستوا مات بفيد منصرفًا من الحج وكان حافظًا متقنًا اهـ أصبهاني. وقال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم من وكيع ولا أحفظ منه، وقال مرة: كان مطبوع الحفظ وكان وكيع حافظًا حافظًا وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرًا كثيرًا اهـ. وقال ابن منجويه: روى عنه الإمام مسلم بواسطة في (1) كتاب الإيمان وفي (2)

عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الوضوء وفي (3) الصلاة وفي (4) الدعاء وفي (5) الأشربة وفي (6) الصوم وفي (7) الجنائز وفي (8) الحج وفي (9) الأحكام وفي (10) النكاح وفي (11) البيوع وفي (12) القدر وفي (13) الجهاد وفي (14) الفتن وفي (15) البر وفي (16) الزهد فجملة الأبواب التي روى فيها مسلم عن وكيع بن الجراح ستة عشر بابا تقريبًا. وروى وكيع (عن كهمس) بفتح الكاف والميم وإسكان الهاء بينهما آخره سين مهملة ابن الحسن التميمي من النمر بن قاسط أبي الحسن البصري كان نازلًا في بني قيس بالبصرة روى عن أبي الطفيل وضريب بن نقير مصغرين وعبد الله بن بريدة وعبد الله بن شقيق وخلق، ويروي عنه (ع) وجعفر بن سليمان وابن المبارك ووكيع ومعتمر بن سليمان وعدة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات سنة (149) تسع وأربعين ومائة قال ابن منجويه روى عنه مسلم بواسطة في كتاب الإيمان والجهاد والذبائح وفي الصلاة والصوم فجملة الأبواب التي روى فيها مسلم عن كهمس بن الحسن خمسة ولكن في الصلاة في موضعين (عن عبد الله بن بريدة) مصغرًا ابن حصيب مصغرًا أيضًا الأسلمي أبي سهل المروزي قاضي مرو أخي سليمان بن بريدة كانا توأمين ولد عبد الله قبل سليمان، روى عن أبيه وابن مسعود وابن عباس وابن عمر، ويروي عنه (ع) وابناه سهل وصخر وقتادة ومحارب بن دثار وخلق وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، قال ابن حبان: مات سنة (115) خمس عشرة ومائة وهو ابن مائة سنة (100) له في (خ) فرد حديث من روايته عن أبيه. وقال ابن منجويه: روى عنه مسلم بواسطة في (1) كتاب الإيمان وفي (2) باب الدعاء وفي (3) كتاب الصلاة في موضعين وفي (4) الجنائز في موضعين وفي (5) الجهاد وفي (6) الحدود وفي (7) الذبائح وفي (8) الفتن فجملة الأبواب التي روى فيها الإمام مسلم عن عبد الله بن بريدة ثمانية أبواب. (عن يحيى بن يعمر) بفتح الميم ويقال بضمها وهو غير مصروف لوزن الفعل والعلمية من بني عوف بن بكر بن أسد بن يشكر بن عدوان أبو سليمان، ويقال أبو سعيد ويقال أبو عدي البصري ثم المروزي قاضيها ولاه قتيبة بن مسلم، روى عن ابن عمر وأبي هريرة وعثمان وعلي وعمار وأبي ذر وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري

ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعائشة وجماعة، ويروي عنه (ع) ويحيى بن عقيل وسليمان التيمي وعبد الله بن بريدة وقتادة وعكرمة وعطاء الخراساني وغيرهم، وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة فصيح وكان يرسل من الثالثة مات قبل المائة بخراسان وقيل بعدها، وقال الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور يحيى بن يعمر فقيه أديب نحوي مبرز أخذ النحو عن أبي الأسود نفاه الحجاج إلى خراسان فقبله قتيبة بن مسلم وولاه قضاء خراسان، وقال ابن منجويه: روى الإمام مسلم عن يحيى بن يعمر في كتاب الإيمان وفي كتاب الصلاة في موضعين وفي القدر وفي الدعاء فجملة الأبواب التي روى فيها مسلم عن يحيى بن يعمر أربعة. وهذا السند من سباعياته مع ابن عمر وعمر بن الخطاب، ومن لطائفه أن فيه رواية بغدادي عن كوفي عن بصري عن مروزيين وفيه رواية الولد عن والده وحكمه الصحة. (خ) أي حول المؤلف رحمه الله تعالى من الإسناد الأول إلى إسناد آخر فقال (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان بن الحر بن مالك التميمي (العنبري) من ولد كعب بن العنبر أبو عمرو الحافظ البصري تقدمت ترجمته، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين. وقال ابن منجويه روى عنه الإمام مسلم مباشرة في كتاب الإيمان وفي الصلاة والزكاة والحج وغيرها من أبواب عديدة (وهذا) الحديث الآتي (حديثه) أي لفظ حديث عبيد الله بن معاذ، ولفظ روايته، وأما زهير بن حرب فروى معناه لا لفظه الآتي أشار بذلك إلى أن هذا الحديث متفق عليه بينهما في المعنى لا في اللفظ، لأن زهيرًا رواه بلفظ آخر وغرضه بذكر هذه الجملة التورع من الكذب على زهير بن حرب كما سيأتي. قال عبيد الله بن معاذ (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري الحافظ قاضي البصرة، روى عن سليمان التيمي وحُميد وابن عون وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاق وأبو خيثمة وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وخلق، قال القطان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ، وقال في التقريب: ثقة متقن من كبار التاسعة مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، وولد سنة (119) تسع

(فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه

حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة ومائة في آخرها، وهو أسن من يحيى بن سعيد بشهرين، وقال ابن منجويه: روى عنه الإمام مسلم في (1) كتاب الإيمان وفي (2) كتاب الصلاة في موضعين وفي (3) الجنائز و (4) الزكاة و (5) البيوع و (6) الحدود و (7) الديات و (8) الضحايا و (9) الدعاء و (10) الرحمة فجملة الأبواب التي روى فيها الإمام مسلم عن معاذ بن معاذ عشرة تقريبًا، ومن لطائف هذا السند أن فيه رواية بصري عن بصري وولد عن والد، وغرضه بهذا التحويل بيان متابعة معاذ بن معاذ لوكيع في رواية هذا الحديث عن كهمس وفائدة هذا التحويل مجرد بيان كثرة طرقه لأن كلًّا من المُتابع والمتابَع ثقة، قال معاذ بن معاذ (حدثنا كهمس) بن الحسن (عن) عبد الله (بن بريدة) أتى بهذا الراوي لبيان لفظ رواية عبيد الله فإنه لم يصرح لفظ عبد الله وتحرزًا من الكذب عليه وإلا فلا حاجة إلى ذكر ما بعد شيخ المتابع كما هو القاعدة عندهم وقوله في السند الأول (عن يحيى بن يعمر) حشو لا حاجة إلى ذكره كما سيأتي جميع ذلك في الفصل الآتي. (فصل) في بيان دقائق هذا السند ولطائفه (واعلم) أن مسلمًا رحمه الله تعالى سلك في هذا الجامع طريقة في نهاية الحسن في الإتقان والاحتياط والتدقيق والتحقيق مع الاختصار البليغ والإيجاز البديع دالة على غزارة علمه ودقة نظره وحذقه وذلك يظهر في الإسناد تارة، وفي المتن تارة وفيهما تارة، فينبغي للناظر في كتابه أن يتفطن لما ذكرته، فإنه يرى عجائب من النفائس وغرائب من الدقائق، وبدائع من اللطائف تقر بآحاد أفرادها عينه وينشرح لها صدره وتنشطه للاشتغال بهذا العلم. (واعلم) أيضًا أنه لا يعرف أحد شارك مسلمًا في هذه النفائس التي يشير إليها من دقائق علم الإسناد، وكتاب البخاري وإن كان أصح وأجل وأكثر فوائد في الأحكام والمعاني فكتاب مسلم قد اختص بلطائف من علم الإسناد وزوائد يمتاز بها تجده يتحراها فمنها: أنه قال أولًا: حدثني أبو خيثمة ثم قال في الطريق الآخر وحدثنا عبيد الله بن معاذ ففرق لورعه واحتياطه بين حدثني وحدثنا لأن الأول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ، والثاني فيما سمعه منه مع غيره وفي ذلك تنبيه على القاعدة المعروفة عند أهل هذه الصنعة التي ذكرناها سابقًا وهي أنه يقول فيما سمعه من لفظ الشيخ وحده حدثني، وفيما سمعه منه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع غيره حدثنا، وفيما قرأه وحده على الشيخ أخبرني، وفيما قُرئ بحضرته في جماعة على الشيخ أخبرنا، وهذا اصطلاح معروف عندهم وهو مستحب عندهم، ولو تركه وأبدل حرفًا من ذلك بآخر صح السماع، ولكن ترك الأولى. ومنها: أنه قال في الطريق الأول: حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر، ثم في الطريق الثاني أعاد الرواية عن كهمس عن ابن بريدة عن يحيى فقد يقال هذا تطويل لا يليق بإتقان مسلم واختصاره، فكان ينبغي أن يقف في الطريق الأول على وكيع ويجمع معاذًا ووكيعًا في الرواية عن كهمس عن ابن بريدة والجواب عنه أن مسلمًا رحمه الله تعالى لدقة نظره وعظيم إتقانه وشدة احتياطه وخوفه من الله تعالى رأى أن الاختصار هنا يحصل به خلل، وذلك أن وكيعًا في هذا السند قال عن كهمس ومعاذًا قال حدثنا كهمس وقد عُلم مما قدمناه في باب المعنعن أن العلماء قد اختلفوا في الاحتجاج بالمعنعن، ولم يختلفوا في المتصل بحدثنا، فاتى مسلم رحمه الله تعالى بالروايتين كما سمعنا ليُعرف المتفق عليه من المختلف فيه وليكون راويًا باللفظ الذي سمعه ولهذا في كتابه نظائر. قلت: وهذا من أظهر دليل على شدة ورعه رحمه الله تعالى، فإن مذهبه على ما سبق أن المعنعن والمتصل بلفظ حدثنا واحد، بل قدَّم الإجماع على ذلك فيما سبق ومع هذا لم يتركه الورع أن يبدل لفظ الراوي بما هو بمعناه عنده فلله دره ما أزكاه من ورع والله أعلم. ومنها أنه في رواية وكيع قال عن عبد الله بن بريدة، وفي رواية معاذ قال عن ابن بريدة ولم يسمه فلو أتى بأحد اللفظين عنهما معًا حصل الخلل فإنه إنَّ قال ابن بريدة لم يُدْرَ اسمُه، وهل هو عبد الله أو أخوه سليمان بن بريدة، وإن قال عبد الله بن بريدة كان كاذبًا على معاذ فإنه ليس في روايته عبد الله. وأما قوله في الراوية الأولى عن يحيى بن يعمر فلا يظهر لذكره أولًا فائدة، وعادة مسلم وغيره في مثل هذا أن لا يذكروا يحيى بن يعمر في الطريق الأول لأن الطريقين اجتمعا في ابن بريدة ولفظهما عنه بصيغة واحدة وهي العنعنة. قال النووي: إلَّا أني رأيت في بعض النسخ في الطريق الأولى عن يحيى فحسب

قَال: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس فيها ذكر ابن يعمر، فإن صح هذا فهو مزيل للاعتراض الذي ذكرناه، فإنه يكون فيه فائدة كما قررناه في ابن بريدة والله أعلم. ومنها قوله (وحدثنا عبيد الله بن معاذ وهذا حديثه) فهذه عادة لمسلم رحمه الله تعالى، وقد أكثر منها وقد استعملها غيره قليلًا، وهي دالة على تحقيقه وشديد ورعه واحتياطه ومقصوده بيان أن الروايتين اتفقتا في المعنى، واختلفتا في بعض الألفاظ، وهذا لفظ فلان، والآخر بمعناه والله أعلم. وأما قوله (ح) بعد يحيى بن يعمر في الرواية الأولى فهي حاء التحويل من إسناد إلى إسناد آخر، وقد قدمنا ما قيل فيها مع ردنا عليه، هذا ما يتعلق بالإسناد. (قال) يحيى (كان أول من قال) وخاض (في) نفي (القدر بالبصرة معبد الجهني) وقوله (أول) بالنصب خبر كان مقدم على اسمها، وقال بمعنى خاض وقوله (في القدر) على حذف مضاف تقديره في نفي القدر وإنكاره، والمعنى كان معبد الجهني أول من قال بنفي القدر، وخاض فيه فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أهل الحق، قال الأبي: قيل إنَّ معبدًا هو أول من قال بالقدر، وهو ظاهر ما للآمدي، وقيل بل قيل قبله بمكة وهو ظاهر ما للثعالبي فإنه قال احترقت الكعبة وابن الزبير محصور بمكة من قبل يزيد بن معاوية، وهو أول يوم قيل فيه بالقدر، فقال أناس: احترقت بقدر الله تعالى، وقال أناس: لم تحترق بقدره، وكان سبب احتراقها أن أصحاب ابن الزبير كانوا يوقدون النار حول الكعبة فطارت شرارة فأحرقت الأستار فاحترقت، وقيل إنَّ بعض أصحابه رفع نارًا على رمح فطارت الشرارة فاحترقت، وقال الأبي: فقوله بالبصرة على الأول في موضع الحال من معبد، أي كان معبد أول من قال بنفي القدر حالة كونه بالبصرة، وعلى الثاني متعلق بقال، والباء بمعنى في الظرفية، والتقدير أول من قال في البصرة بنفي القدر معبد. وقوله (بالقدر) القدر مصدر قَدَرْتُ الشيء بتخفيف الدال أقدره بكسرها وأقدره بضمها من بابي ضرب ونصر قدرًا بفتح أوله وسكون ثانيه وقدرًا بضمه وسكونه إذا أحطت بمقداره، ويقال فيه قدّرت أقدّر تقديرًا مشدد الدال للتضعيف، فإذا قلنا إنَّ الله تعالى قدر الأشياء فمعناه أنه تعالى علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه فلا مُحْدَث في العالم العلوي والسفلي إلَّا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته، هذا هو المعلوم من دين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السلف الماضين، والذي دلت عليه البراهين، وقد حكى أرباب المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارئ سبحانه عالمًا بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنما يعلمها بعد وقوعها، وقالوا: لأنه لا فائدة لعلمه بها قبل إيجادها وهو عبثٌ، وهو على الله سبحانه وتعالى محال. قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد روي عن مالك أنه فسر مذهب القدرية بنحو ذلك، وهذا المذهب هو الذي وقع لأهل البصرة وهو الذي أنكره ابن عمر، ولا شك في تكفير من يذهب إلى ذلك فإنه جحد معلومًا من الشرع ضرورة ولذلك تبرأ ابن عمر منهم، وأفتى بأنهم لا تقبل منهم أعمالهم ولا نفقاتهم، وأنهم كما قال تعالى فيهم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 45] وهذا المذهب هو مذهب طائفة منهم تسمى السُّكَيتية، وقد تُرك اليوم فلا يعرف من ينسب إليه من المتأخرين من أهل البدع المشهورين. والقدرية اليوم مطبقون على أن الله تعالى عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، ومعنى القدر عند القائلين به اليوم أن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم بقدرتهم ومشيئتهم على جهة الاستقلال وأنها ليست مقدورة لله تعالى، ولا مخلوقة له، وهو مذهب مبتدع باطل بالأدلة العقلية والسمعية المذكورة في كتب أئمتنا المتكلمين اهـ قرطبي. (والبصرة) بفتح الباء وضمها وكسرها ثلاث لغات حكاها الأزهري والمشهور الفتح، ويقال لها البُصيرة بالتصغير، قال صاحب المطالع: ويقال تدمر، ويقال لها المؤتفكة لأنها ائتفكت بأهلها في أوائل الدهر، والنسبة إليها بصري، بفتح الباء وكسرها وجهان مشهوران، قال السمعاني: يقال البصرة قبة الإسلام وخزانة العرب بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بناها سنة سبع عشرة (17) من الهجرة وسكنها الناس سنة ثماني عشرة، ولم يُعبد الصنم قط على أرضها هكذا كان يقول لي أبو الفضل عبد الوهاب بن أحمد بن معاوية الواعظ بالبصرة، قال أصحابنا: والبصرة داخلة في أرض سواد العراق، وليس لها حكمه والله أعلم اهـ نووي. (معبد) معبد هذا هو معبد بن عبد الله بن محمد، وقيل معبد بن خالد والصحيح أن لا يُنسب، وهو بصري كان من جلساء الحسن، قتله الحجاج بن يوسف صبرًا، قال الأبي: إنما قتل وصلب بسبب هذه البدعة اهـ، روى عن عمر مرسلًا، وعن عمران،

فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّينِ أَوْ مُعْتَمِرَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروي عنه قتادة ومالك بن دينار وعوف الأعرابي، قال أبو حاتم: وكان صدوقًا في الحديث ورأسًا في القدر، قدم المدينة فأفسد فيها ما شاء الله تعالى، وقال يحيى بن معين هو ثقة اهـ قرطبي (الجهني) بضم الجيم أي المنسوب إلى جهينة ولكن لم يكن جُهنيا، وإنما نزل بجهينة فنسب إليها، وجهينة اسم قبيلة من قضاعة لأنه جهينة بن سود بضم السين بن أسلم بضم اللام بن الحاف بن قضاعة نزلت الكوفة، وبها محلة تنسب إليهم وبقيتهم نزلت البصرة، قال السمعاني: وممن نزل جهينة فنسب إليهم معبد الجهني ثم اختلفوا في قضاعة فقال الأكثر: إنه ابن معد بن عدنان، وعدنان من ذرية إسماعيل - عليه السلام -، وقيل هو ابن مالك بن حمير، وحمير يمن، واليمن ليست من ذرية إسماعيل لأن يمنًا هو يعرب بن قحطان بن عبد الله بن هود - عليه السلام - وإنما سُمي يمنًا لقول هود - عليه السلام - له أنت أيمَنُ وَلَدَي نَقِيبَةَ، ونقيبة: اسم زوجة هود، لها منه ولدان، فالعرب عربان: يمينية وإسماعيلية، ومن يجعل العرب كلها من إسماعيل يقول في يمن إنه ابن قيدر بن إسماعيل، والصحيح أنه ابن قحطان، واحتج من قال إنه ابن معد بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قضاعة فقال: "هو ابن معد" وكان بكره، وبقول زهيرٍ: قضاعية أو أختها مضرية فجعل قضاعة ومضر أخوين، ومضر هو ابن نزار بن معد، واحتج من قال إنَّه ابن مالك بحديث عقبة بن عامر الجهني قال: قلت ممن نحن يا رسول الله؟ قال: "من مالك بن حمير" وبقول أبي مريم الصحابي: نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر ... قضاعة بن مالك بن حمير وقد تعارض القولان في قضاعة، وذكر ابن الكلبي ما يُوفق بينهما فقال: فارق مالك بن حمير زوجته عُكرة وهي حامل منه فتزوجها معد وقد ولدت قضاعة، وقيل ولدته على فراشه فنسب إليه اهـ الأبي. قال يحيى بن يعمر (فانطلقت) أي ذهبت (أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري) أي المنسوب إلى حمير أبي قبيلة باليمن، أي خرجنا من البصرة إلى مكة حالة كوننا (حاجين) أي قاصدين الحج (أو) قال (معتمرين) أي قاصدين العمرة، وأكد ضمير

فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ فِي الْقَدَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الفاعل في انطلقت بقوله: أنا ليصح عطف ما بعده عليه كما قال ابن مالك في الخلاصة: وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل أي لأن المتصل المرفوع كالجزء مما اتصل به، فلو عطف عليه كان كالعطف على جزء الكلمة فإذا أكد بالمنفصل دل إفراده مما اتصل به بالتأكيد على انفصاله في الحقيقة فحصل له نوع استقلال، ولم يجعل العطف على هذا التوكيد لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه، فكان يلزم كون المعطوف تأكيدًا للضمير المتصل وهو باطل اهـ صبان. وأما حميد بن عبد الرحمن فهو الحميري بكسر الحاء المهملة، وسكون الميم وفتح الياء منسوب إلى حمير بن سبأ بن يشجب البصري، روى عن أبي بكرة وابن عمر وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم وثلاثة من ولد سعد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه عبيد الله ومحمد بن المنتشر وعبد الله بن بريدة ومحمد بن سبرين وأبو بشر وأبو التياح، وداود بن أبي هند وغيرهم قال العجلي: بصري ثقة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الثالثة، روى عنه المؤلف بواسطة في كتاب الإيمان وفي الصوم والوصايا واللباس قوله (حاجين أو معتمرين) هكذا في الرواية الصحيحة بـ (ـــأو) التي للشك فكأنه عرض ليحيى شك في حالهما، هل كانا حاجين أو كانا معتمرين، وبأنه وقع في بعض النسخ حاجين ومعتمرين بالواو الجامعة على أنهما كانا قارنين وفيه بُعدٌ والصحيح الأول والله أعلم اهـ من المفهم، قال يحيى بن يعمر (فقلنا) أي فقلت أنا وحميد بن عبد الرحمن أي قال أحدنا للآخر (لو لقينا) أي ليت لقاءنا ورؤيتنا (أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) موجود لنا وقوله (فسألناه) أي سألنا ذلك الأحد (عما يقول هولاء) أي عن حكم ما يقول هؤلاء المبتدعة الظاهرة في البصرة (في) شأن (القدر) من نفيه وإنكاره، هل هو مذهب صحيح أم لا، والمعنى نتمنى لقاءنا واحدًا ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسؤالنا إياه عن حكم ما يقولون في القدر من نفيه هل له أصل صحيح أم لا؟ فلو هنا للتمني، ويصح كونها شرطية جوابها قوله فسألناه، والفاء زائدة في جوابها

فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ (¬1) دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلامَ إِليَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فوفق) بضم الواو وكسر الفاء المشددة (لنا عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، قال صاحب التحرير معناه: جُعل عبد الله بن عمر وفقًا لنا أي موافقًا مصادفًا لنا وهو من الموافقة التي هي كالالتحام، يقال: أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين أهلَّ لا قبله ولا بعده، وهي لفظة تدل على صدق الاجتماع والالتئام وفي مسند أبي يعلى الموصلي فوافق لنا بزيادة ألف والموافقة المصادفة اهـ نووي بتصرف. قدر لنا موافقة عبد الله بن عمر ومصادفته والاجتماع معه بغتة حالة كون عبد الله (داخلًا المسجد) الحرام (فـ) ـــلما رأيناه (اكتنفته أنا) أي جئت أنا عبد الله بن عمر من إحدى كنفيه وناحيتيه وجهتيه (و) اكتنفه (صاحبي) أي جاءه صاحبي من كنفه وجانبه الآخر وأكد الضمير المتصل بالمنفصل ليصح العطف عليه كما مر قريبًا يعني صرنا في ناحيتيه أي بجانبيه ثم فسر بقوله جاءه (أحدنا عن) جهة (يمينه و) جاءه (الآخر عن) جهة (شماله) وكنفا الطائر جناحاه وفي هذا تنبيه على أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به احترامًا له وتأدبًا معه. قال القرطبي: مشيا معه كذلك لأنها مشية المتأدب مع من يعظَّم لأنهما لو مشيا أمامه منعاه المشي ولو مشيا من جهة واحدة كلفاه النظر إليهما وكانت هذه الهيئة أحسن ما أمكنهما. قال السنوسي: (قلت) إنما يتكلف النظر إليهما لو كانا يكلمانه معًا بل الظاهر أنهما اكتنفاه ولم يكونا من جهة واحدة لئلا يفوت المتطرف منهما سماع صوته لبعده. اهـ قال يحيى بن يعمر (فظننت أن صاحبي) ورفيقي حميد بن عبد الرحمن (سيكل الكلام) أي يفوض شأن المكالمة مع عبد الله بن عمر وسؤاله عما يقول هؤلاء في القدر (إلي) أي إلى نفسي أي حسبت أن صاحبي يسكت ويفوض الكلام مع عبد الله بن عمر إلي ويتركه لي لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني فقد جاء عنه رواية لأني كنت أبسط لسانًا منه. اهـ نووي. وهذا اعتذار منه عن توهم اعتراض ينسب إليه من عدم المبالاة بصاحبه واستئثار ¬

_ (¬1) في النسخة التركية: (عبد الله بن عمر بن الخطاب).

فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬1)؛ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه عليه بالمسابقة إلى الكلام فبين وجه اعتذاره عن ذلك، وذلك أنه علم من صاحبه أنه يأكل الكلام إليه إما لكونه أسن منه أو لكونه أحسن منه سؤالًا وأبلغ بيانًا وأبسط لسانًا، وإما لحياءٍ يلحق صاحبه يمنعه من السؤال، وإما إيثارًا له والله أعلم. اهـ قرطبي مع زيادة. قال يحيى بن يعمر (فقلت) أنا لعبد الله بن عمر مخاطبًا له بكنيته احترامًا له وتعظيمًا (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن عمر. وفي اقتصاره على الكنية دليل على ما كان عليه السلف من الاقتصاد في كلماتهم وترك الإطراء والمدح وإن كان حقًّا، فقد كان ابن عمر من أعلم الناس وأفضلهم، وابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ومع ذلك فلم يمدحوه بشيء من ذلك مع جلالته، ولا أطروه محاسبة منهم لأنفسهم على ألفاظهم، واكتفاء بما يُعلم من فضائل الرجل عن القول والمدح الذي يخاف منه الفتنة على المادح والممدوح. (إنه) أي إنَّ الشأن والحال (قد ظهر قبلنا) أي في ناحيتنا وجانبنا في البصرة (ناس) أي طائفة من المبتدعة أي فشا مذهبهم وانتشر في البصرة وهو من الظهور الذي يضاد الخفاء (يقرؤون القرآن) أحسن القراءة ويجودونه لاعتنائهم بالقرآن، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لناس على القاعدة المشهورة أن الجمل والظروف إذا وقعت بعد النكرات تكون صفة وإذا وقعت بعد المعارف تكون حالًا غالبًا وقوله (ويتقفّرون العلم) معطوف على يقرؤون، قال النووي: وهذه اللفظة بتقديم القاف وتأخير الفاء أي يتتبعون العلم ويطلبونه لشدة اهتمامهم بالعلم، يقال اقتفر أثره إذا تتبعه هذا هو المشهور، وقيل معناه يجمعون العلم، ورواه أبو العلاء بن ماهان (يتفقرون) بتقديم الفاء على القاف ومعناه يبحثون عن أسراره ويستخرجون غوامضه ومن طريق ابن الأعرابي (يتقفون) بتقديم القاف على الفاء مع الواو بدلًا من الراء من قفوته إذا تتبعته، ومنه سميت القافة لتتبعها الآثار، قال تعالى {وَقَفَّينَا عَلَى آثَارِهِمْ} وكل متقارب المعنى ولبعضهم (يتقعرون) بالعين أي يطلبون قعره أي غامضه ومنه تقعر في كلامه إذا أتى بالغريب منه وفي رواية أبي يعلى الموصلي (يتفقهون) بزيادة الهاء أي يتعلمون العلم. ¬

_ (¬1) في نسخة: (فقلت: أبا عبد الرحمن).

الْعِلْمَ -وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: فاللغات خمس روي الحديث منها بالأوليين وإنما كانت رواية ابن ماهان أشبه بسياق الحديث لأن تفقر بتقديم الفاء هي بمعنى بحث وبحث أخص من طلب وهذه الطائفة كانت من الذكاء وصحة القريحة بمنزلة رفيعة لأن معنى (وذكر من شأنهم) عظم أمرهم وشأنهم في العلم بحيث يكترث بقولهم وإذا كانوا كذلك فالأشبه أن يُعَبَّر عنهم بما معناه يبحثون لا يطلبون انتهى. (وذكر) يحيى بن يعمر (من شأنهم) أي من شأن هؤلاء المبتدعة وحالهم ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به، قال السنوسي: ففيه حذف المفعول تعظيمًا له بالإبهام أي ذكر من شأنهم في البحث عن العلم واستخراج غوامضه شيئًا عظيمًا أو بالتعميم لتذهب النفس فيه كل مذهب ممكن ويحتمل أن يكون الغرض في حذفه صون اللسان عن ذكره ويكون المعنى وذكر من شأنهم في نفي القدر والابتداع في العقائد ما يجب أن يصان اللسان عن ذكره، وقال النووي: وهذه الجملة من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر والظاهر أنه من كلام ابن بريدة الراوي عن يحيى مباشرة انتهى. وقال القرطبي: وإنما ذكر له ما ذكر من أوصافهم تنبيهًا له على الاعتناء بمقالتهم والبحث عنها ليوضح أمرها فإن كلامهم قد وقع من القلوب بالموقع الذي لا يزيله إلَّا إيضاح بالغ وبرهان واضح ولما فهم ابن عمر ذلك أفتى بإبطال مذهبهم وفساده وحكم بكفرهم وتبرأ منهم واستدل على ذلك بالدليل القاطع عنده من الحديث المرفوع. وعبارة السنوسي والغرض من وصفهم بالاجتهاد في العلم والتوسع فيه الموجب لهم القدوة وتقليد الغير المبالغة في استدعاء ابن عمر رضي الله عنهما لاستفراغ الوسع في النظر فيما يزعمون لأن أقوال الأغبياء قد لا يهتم العلماء بشأنها ويكتفون في ردها بأدنى نظر فجواب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بعد تلك الأوصاف من أثبت شيء وأحقه، وقد يكون الغرض في ذكر ما وصفهم به من العلم وكونهم مع ذلك يزعمون ما يزعمون إظهار التشكي والتلهف بما نال المسلمين من مصيبتهم، إلَّا أن هذا إنما يحسن إذا كان ابن عمر قد أحس ببدعتهم وسوء نظرهم، وإنما سأل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ليحقق العلم من معدنه، ويرسخ ما كان في رويته، وهذا هو الظاهر إذ يبعد أن يخفى أمر أقوالهم على مثل يحيى بن يعمر، ويدل عليه قوله يزعمون على ما يأتي في

وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَن لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى الزعم ومن هنا يصح أن يكون الغرض من ذكر أوصافهم مجموع الأمرين، والله تعالى أعلم انتهى. ويستفاد من سؤال يحيى بن يعمر لابن عمر عن هذه البدعة مبادرة بيان ما كان عليه السلف من إنكار البدع، وفزعهم فيما يطرأ على الدين منها إلى ما عند الصحابة في ذلك من علم، إذ هم المأمور بالاقتداء بهم، وبيان جواز مذاكرة العلم في الطريق وكرهه بعضهم، والصحيح الجواز لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع للناس يسألونه. وما رُوي أن قاضي المدينة سأل مالكًا عن حديث وهو ماش فأمر به إلى السجن، فقيل: إنه القاضي، فقال: القاضي أحق أن يُؤدب، لم يثبت عنه انتهى كلام القاضي عياض، قال السنوسي: قلت: وإن ثبت فلا ينافي مقتضى ما ذكرنا إذ لعله إنما أدبه لكون الطريق الذي سأله فيه لا يليق أن يذكر فيه الحديث لقذرٍ فيه ونحوه، أو لكونه قد أعد وقتًا ومجلسًا مخصوصين للحديث فسؤاله عن الحديث في غيرهما يدل على عدم الاهتبال بشأنه، وأما سؤال ابن عمر في هذه القضية وإن كان ماشيًا فلعله كان في المجلس أو في موضع طاهر يليق بذكر الحديث وغيره، مع أن السائلين إنما استفتياه في واقعة اضطرا إلى استعلام رأيه فيها، وأما وقوف النبي صلى الله عليه وسلم لسؤال الناس فإنما كان بمنى، وهي موضع أعد لعبادة الله تعالى وذكره كالمسجد والصحراء التي أعدت لصلاة العيد ونحوها فليس لقراءة القرآن فيها جناح. اهـ وجملة أن في قوله (وأنهم يزعمون) في تأويل مصدر معطوف على مفعول ذَكَرَ المحذوف والتقدير وذكر يحيى بن يعمر من شانهم وفضلهم في العلم وقراءة القرآن شيئًا عظيمًا، وذكر أنهم أي أن هؤلاء المبتدعة التي ظهرت في البصرة يزعمون أي يقولون قولًا باطلًا بلا دليل (أن لا قدر) ولا قضاء سابق في علم الله، وأن هنا مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة لا النافية خبرها، وجملة أن المخففة في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي زعم، أي وذكر زعمهم أن لا قدر أي عدم سابقية علم الله سبحانه بالأشياء أزلًا، وجملة قوله (وأن الأمر) والعلم أي وأن علم الله تعالى بالأشياء (أُنف) بضمتين أي مستأنف تابع لوجودها وواقع بعد وقوعها معطوفة على جملة أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المخففة عطفًا تفسيريًّا، أي وذكر زعمهم عدم سابقية تقدير الله سبحانه الأشياء أزلًا وكون علم الله تعالى بالأشياء مستأنفًا تابعًا لوجودها وقوله (يزعمون) قال الأبي: الزعم بالضم اسم مصدر وبالفتح مصدر زعم إذا قال قولًا حقًّا أو كذبا أو غير موثوق به، فمن الأول حديث زعم جبريل، ومن الثاني قوله تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ومن الثالث بيت الأعشى: ونبئت قيسًا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن فقال الممدوح وما هو إلَّا الزعم، وأبي أن يثيبه، والحديث المذكور هنا من الثاني، وأما حديث الترمذي بئس مطية الرجل زعموا فجعله ابن عطية من الثاني، واختلف في قول سيبويه: زعم الخليل، فجعله النووي من الأول، وجعله ابن عطية من الثالث انتهى. والمراد بالقدر المذموم نَفْيُهُ المذكورِ في الحديث عِلْمُ اللهِ سبحانه وتعالى الأشياء بمقاديرها وأحوالها وأزمانها أزلًا قبل إيجادها، وقد تُرك اليوم وهو الذي عليه معبد وأتباعه ويسمى القدر الأول. والقدر الثاني هو عبارة عن تأثير قدرة العبد، والقائل به المعتزلة حيث قالوا: العبد يخلق أفعاله، والخير من الله، والشر من غيره، والمعتزلة تنقسم إلى عشرين فِرقة يكفر بعضها بعضًا، وجميع الفرق العشرين فرقةٌ واحدة من الفرق الثلاث والسبعين، وسموا معتزلة لاعتزال أصلهم واصل بن عطاء، كان يجلس إلى الحسن فلما قال بتخليد العاصي اعتزله الحسن، فسُمي هو وأصحابه معتزلة. ويلقبون أيضًا بالقدرية لقولهم: إنَّ قدرة العبد مؤثرة ويسمون أنفسهم أصحاب العدل لقولهم إنَّ الله سبحانه لا يفعل إلَّا الخير، ويجب عليه رعاية الأصلح. قوله (وأن الأمر) أي وأن علم الله تعالى بالأشياء (أُنُفٌ) بضم الهمزة والنون أي مستأنف تابع لإيجادها لم يسبق به سابقة علم الله تعالى ولا مشيئته، وإنما أفعال الإنسان موجودة بعلم الإنسان واختياره، مأخوذ من أَنف الشيء وأنْفُ كل شيء أوله، ومنه أنف الوجه لأنه أول الأعضاء في الشخوص، وأنف السيل أوله كقول امرئ القيس: قد غدا يحملني في أنفه ... لاحق الأيطل محبوك ممر وروض أُنُفٌ لم يرع من قبل، وكذلك كأس أُنُفٌ لم يشرب بها قبل وإنما ابتدئ

فَقَال: إِذَا (¬1) لَقِيتَ أُولَئِكَ .. فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بَرَاءٌ (¬2) مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرب بها الآن، ومنه قوله تعالى {مَاذَا قَال آنِفًا} أي هذه الساعة المستأنفة، وأنزلت علي سورة آنفًا. وعبارة النووي هنا (وأن الأمر) أي أمر الخلائق إيجادًا وإعدامًا (أنف) أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه، وهذا القول قول غلاتهم وليس قول جميع القدرية، وكذب قائله وضل وافترى عافانا الله وسائر المسلمين من ذلك آمين. (فقال) عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما ليحيى بن يعمر (إذا لقيت) ورأيت (أولئك) المبتدعة الذين ينفون القدر، أي تقدير الله سبحانه الكائنات في الأزل (فأخبرهم أني بريء منهم) أي أعلمهم أن عبد الله بن عمر بريء من دينهم الذي هو نفي القدر (وأنهم) أي وأن أولئك المبتدعة (براء مني) أي بريئون من ديني الذي هو إثبات القدر، أي لا علاقة بيني وبينهم لأن ديننا مختلف، وهذا محل الجزء الثالث من الترجمة، وهو وجوب التبري ممن لا يؤمن بالقدر، قال النووي: وهذا الذي قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ظاهر في تكفيره القدرية القائلين بنفي القدر لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان. وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وهذا في القدرية الأولى الذين ينفون تقدم علم الله تعالى بالكائنات، قال: والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة، وأما معبد وأصحابه فتبع لهم، وأمّا أصحاب القدر الثاني الذي هو عبارة عن تأثير قدرة العبد، والقائل به المعتزلة ففي كفره قولان والله أعلم، وقال غير القاضي ويجوز أنه لم يُرد بهذا الكلام التكفير المخرج عن الملة فيكون من قبيل كفران النعمة، إلَّا أن قوله (ما قبله الله منه) ظاهر في التكفير فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر. ثم قال ابن عمر (والذي يحلف به عبد الله بن عمر) أي أقسمت بالإله الذي يحلف ويقسم به ابن عمر وغيره، قال القرطبي: هو كناية عن اسم الله تعالى لأنه الذي ¬

_ (¬1) في نسخة: (قال: فإذا). (¬2) في نسخة: (برآء).

ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما

لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ .. مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يُحلف به وإنما ترك ذكره تعظيمًا لاسم الله تعالى لئلا يتخذ غرضًا وسُلمًا للحلف به في كل شيء والله أعلم. وذكر المُقسم عليه بقوله (لو أن لأحدهم) أي أقسصت بالإله الذي يُحلف به على أنه لو كان لأحد هؤلاء المبتدعة الذين ينفون القدر (مثل) جبل (أحد) جبل معروف بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم خصه بالذكر لشرفه على غيره بكونه في الجنة (ذهبًا) تمييز لمثل قال نفطويه سمي الذهب ذهبًا لأنه يذهب ولا يبقى (فأنفقه) أي فأنفق ذلك الذهب المماثل لأُحد في سبيل الله وطاعته (ما قبل الله) سبحانه وتعالى (منه) أي من ذلك الأحد المنفق نفقاته (حتى يؤمن) أي إلى أن يؤمن ويصدّق ويعتقد (بالقدر) أي بثبوت القدر لله تعالى، أي علمه بالكائنات أزلًا، لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، فإذا لم يؤمن بالقدر فهو كافر، ونفقات الكافر غير مقبولة، لأن الإيمان شرط في قبول الحسنات، لأنه أساس الأعمال الصالحة، وهذا موضع الجزء الأخير من الترجمة الذي هو إغلاظ القول في حق من لم يؤمن بالقدر. قال القرطبي: وهذا صريح في أنه كفَّرهم بذلك القول المحكي عنهم بما حكم الله سبحانه به على الكفار في {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} وقد قلنا إنَّ تكفير هذه الطائفة مقطوع به لأنهم أنكروا معلومًا ضروريًّا من الشرع انتهى. وقال الأبي: ونفي الخلاف عن كفر القائلين بذلك خلاف قول الإمام، وقول الإمام إنَّ كفر هؤلاء هو أحد القولين، فأثبت الخلاف فيه وأيضًا فإن الآمدي وغيره عمم الخلاف في كل ذي هوىً من أهل القبلة. اهـ (ثم قال) ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مستدلًا على وجوب الإيمان بالقدر (حدثني أبي) ووالدي (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه. ترجمة عمر بن الخطاب وولده عبد الله رضي الله عنهما وهو السيد الجليل عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي العدوي وأمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت العاص بن هشام بن المغيرة

قَال: بَينَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو حفص المدني أحد فقهاء الصحابة وثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأول من سمي بأمير المؤمنين جم المناقب استخلف في رجب سنة ثلاث عشرة بعد أبي بكر رضي الله عنهما ثم استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة مصدر الحاج يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة فكانت خلافته عشر سنين ونصفًا. له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثًا (539) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر رضي الله عنه، ويروي عنه (ع) وأبناؤه عبد الله وعاصم وعبيد الله وعلقمة بن وقاص وغيرهم. وروى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان والوضوء والصلاة في خمسة مواضع والجنائز في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في موضعين والحج والبيوع والنكاح والباس والجهاد في موضعين وفي باب الفضائل فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. وأما عبد الله بن عمر فهو أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ولد قبل المبعث بسنة، وهاجر مع أبيه، واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وشهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان يوم أحد سنة ثلاث، وشهد بيعة الرضوان، واعتزل في الفتن عن الناس، ومات سنة ثلاث وسبعين (73) بمكة وهو ابن سبع وثمانين (87)، ودفن فيها بفخ، وهو أحد المكثرين من الصحابة، ومن العبادلة، وكان من أشد الناس اتباعًا للسنة، له ألف حديث وستمائة وثلاثون حديثًا (1630). روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه وأخته حفصة وعائشة وغيرهم، ويروي عنه بنوه سالم وحمزة وعبيد الله، ومولاه نافع وابن المسيب ويحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن وخلق، وروى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز والزكاة والصوم والحج والبيوع واللعان والأشربة والفتن والعتق فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. (قال) عمر بن الخطاب رضي الله عنه (بينما نحن) أي وقتما نحن جالسون (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي يوم من الأيام، قال الأبي (بينا) بالألف و (بينما) بالميم والألف ظرفا زمان يضافان إلى الجمل الاسمية والفعلية، وخفض المفرد

إِذْ طَلَعَ عَلَينَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بهما قليل، وهما في الأصل بين التي هي ظرف مكان أشبعت الحركة فصارت بينا، وزيدت عليها الميم فصارت بينما، ولما فيهما من معنى الشرط يفتقران إلى جواب يتم به المعنى، والأكثر في جوابهما عند الأصمعي أن يصحبه إذ أو إذا الفجائيتان والأفصح عند غيره أن يتجرد عنهما، ومنه قولهم (فبينا نحن نرقبه أتانا) فمعنى الحديث وقت جلوسنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجأنا الرجل، ولفظة ذات في قوله (ذات يوم) زائدة للتوكيد ترفع احتمال أن يراد باليوم مطلق الزمان، فهي مع اليوم بمنزلة قولهم (رأيت عين زيد) وهو ظرف زمان، والعامل فيه معنى الاستقرار الذي في الخبر اهـ. وقوله (إذ طلع) وظهر (علينا رجل) جواب بينما، وإذ حرف فجأة، أي فاجأنا وبغتنا طلوع رجل عجيب وظهوره علينا. (فائدة) في إعراب بينما: بين: ظرف زمان في محل النصب على الظرفية الزمانية مبني على الفتح لشبهها بالحرف شبهًا افتقاريًّا، لافتقارها إلى الجملة التي تضاف إليها أو لشبهها بالحرف شبهًا معنويًّا لتضمنها معنى حرف الشرط، ما: زائدة زيدت لتأكيد معنى بين، والظرف متعلق بالجواب الآتي، أعني طلع رجل. نحن: مبتدأ، عند رسول الله ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف خبر المبتدأ والجملة الاسمية في محل الجر مضاف إليه لبينما على كونها شرطًا لها، ذات يوم: ظرف متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر إذ حرف فجأة رابطة لجواب بينما بشرطها طلع رجل فعل وفاعل والجملة جواب بينما لا محل لها من الإعراب وجملة بينما في محل النصب مقول قال، والمعنى وقت جلوسنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام فاجأنا طلوع شخص على صورة ذكر بالغ من بني آدم، قال الأبي: ولم يقل إذ دخل علينا رجل إشعارًا بعظم الرجل وجلالته، لأنه مستعار من طلعت الشمس وفي ضمن كلامه أنهم تعجبوا من صورة إتيانه الموهمة أنه جني أو ملك لأنه لو كان بشرًا لكان إما من المدينة أو من قربها والأول منتف إذ لم يعرفه منهم أحد والثاني كذلك إذ ليس عليه أثر سفر من غبار ونحوه. وقوله (شديد بياض الثياب) صفة أولى لرجل وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها أصله شديد بياض ثيابه وقوله (شديد سواد الشعر) صفة ثانية له وهو من إضافة الصفة إلى مرفوعها أيضًا، أي شديد سواد شعره.

لَا يُرَى عَلَيهِ أَثَرُ السَّفَرِ (¬1)، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبَتَيهِ، وَوَضَعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (لا يرى عليه أثر السفر) أي أماراته من غبار وعرق صفة ثالثة لرجل، قال النووي: ضبطناه هنا وفي الجمع بين الصحيحين، وغيره بضم الياء التحتانية على صيغة المجهول وضبطه الحافظ أبو حازم العبدوي (¬2) هنا (نرى عليه أثر السفر) بالنون المفتوحة على صيغة المعلوم، وكذا هو في مسند أبي يعلى الموصلي وكلاهما صحيح. ويستفاد من طلوعه على تلك الحالة الحسنة استحباب تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على العلماء والفضلاء والملوك فإن جبريل - عليه السلام - أتى معلمًا للناس بحاله ومقاله واستحباب التجمل لحضور مجالس العلم ولذلك كان الإمام مالك إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتطيب وتمكن في الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله (حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم) غاية لمحذوف تقديره دنا حتى جلس الخ، قال الأبي: وقال إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل بين يديه لأن له سمة الشيخ إذ لم يأت متعلمًا وإنما أتى معلمًا أي فدنا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأسند) أي ضم ذلك الرجل الداخل (ركبتيه) أي ركبتي نفسه (إلى ركبتيه) صلى الله عليه وسلم (ووضع) ذلك الرجل الداخل (كفيه) أي كفي نفسه (على فخذيه) أي على فخذي نفسه، قال النووي: معناه إنَّ الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على هيئة المتعلم والله أعلم. اهـ وقال غيره: الضمير في فخذيه يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الأبي: وفيما سيأتي للبزار ما يرفع الخلاف الواقع في ضمير فخذيه هل يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى جبريل - عليه السلام - وإن كان عوده إلى جبريل أقرب إلى التوقير، قال القرطبي: وقد روى النسائي هذا الحديث من حديث أبي هريرة وأبي ذر وزاد فيه زيادة حسنة فقالا: كان ¬

_ (¬1) في نسخة زيادة: (ولا يعرفه منا أحد). (¬2) العبدوي: نسبة إلى عَبْدَويه أحد أجداده، وهو الإِمام الحافظ الثقة المكثر أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه الهذلي. انظر "لب اللباب" للسيوطي، وقد تصحف إلى العدوي في بعض نسخ شروح مسلم، وله ترجمة في "سير أعلام النبلاء" (17/ 333).

وَقَال: يَا مُحَمَّدُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أهو هو حتى يسأل فطلبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانًا من طين -دكة مرتفعة يقعد عليها- فجلس عليه وإنا لجلوس عنده صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم ريحًا كان ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف السماط - الصف من الناس - فقال السلام عليكم يا محمد فرد - عليه السلام -، قال أأدنوا يا محمد؟ قال ادنه، فما زال يقول أأدنو - مرارًا - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ادنه حتى وضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر بقية الحديث بنحو ما ذكر مسلم رحمه الله تعالى. ففي هذا الحديث مع الزيادة المذكورة من الفقه، ابتداء الداخل بالسلام على جميع من دخل عليه وإقباله بالسلام على رأس القوم فإنه قال السلام عليكم فعم ثم قال: يا محمد فخص، وفيه أيضًا الاستئذان في القرب من الإمام مرارًا وإن كان الإمام في موضع مأذون في دخوله، وفيه أيضًا ترك الاكتفاء بالاستئذان مرة أو مرتين على جهة التعظيم والاحترام، وفيه جواز اختصاص العالم بموضع مرتفع من المسجد إذا دعت إلى ذلك ضرورة تعليم أو غيره وقد بين فيه أن جبريل وضع يديه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع الاحتمال الذي في لفظ رواية مسلم فإنه قال فيه (فوضع كفيه على فخذيه) وهو محتمل. وإنما فعل جبريل ذلك والله أعلم تنبيهًا على ما ينبغي للسائل من قوة النفس عند السؤال وعدم المبالاة بما يقطع عليه خاطره وإن كان المسؤول ممن يُحترم ويُهاب، وعلى ما ينبغي للمسؤول من التواضع والصفح عن السائل، وإن تعدى على ما ينبغي من الاحترام والأدب انتهى. وأخذ بعضهم من الحديث أن تكون جلسة المتعلم كذلك لأن الجلوس على الركبتين أقرب إلى التواضع وإسناد الركبتين إلى الركبتين أبلغ في الاستماع وألزم للجواب فإن جلوس السائل كذلك يدل على حرصه والمسؤول إذا علم حرص السائل ألزم نفسه الجواب، وقيل إنما جلس جبريل كذلك لأن له دالة الشيخ، ولهذا قال: صدقت، وإنما يقوله من طابق قول المسؤول ما عنده اهـ سنوسي. (وقال) ذلك الرجل (يا محمد) قال القرطبي ناداه باسمه كما تناديه الأعراب

أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الإِسْلامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعمية لحاله، قال الأبي: وقد تقدم أنه لدالة المعلم، قال السنوسي: قلت: إنما تصح الدالة لو كان خاليًا معه، أما مع حضور الناس فلا يصح أن يخاطبه إلَّا بما يسوغ لهم أن يخاطبوه به لا سيما وقد جاء في هذه القصة (ليعلمهم دينهم) فكيف يصح أن يصدر منه ما ينافي ذلك فالأصح في الاعتذار ما سبق أعني التعمية، أو يقال كان هذا قبل منع ندائه صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك قبل نزول قوله تعالى {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} الآية. (أخبرني عن) حقيقة (الإسلام) وماهيته شرعًا، وأما لغة فالإسلام هو الاستسلام والانقياد ومنه قوله تعالى {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي انقدنا، وشرعًا هو الانقياد بالأفعال الظاهرة الشرعية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس عنه: "الإسلام علانية والإيمان في القلب" رواه ابن أبي شيبة في مصنفه. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام) أي حقيقة الإسلام وأجزاؤه وأركانه خمسة، فإن (قلت) جَعْلُ الإسلام اسمًا للخمسة يوجب أن لا يكون مسلمًا إلَّا من فعل الجميع، وليس الأمر كذلك لحديث: "من قال لا إله إلَّا الله دخل الجنة" فجعل النطق بالشهادتين وحده كافيًا لأن لا إله إلَّا الله كناية عنهما، وعند الشافعية من قال: لا إله إلَّا الله فهو مسلم، ويطالب بالأخرى، فإن أبي منها قُتل، ولهم قول آخر أنه لا يُقتل، وعند المالكية من صلى ثم أبي الإسلام قال الأكثر: يُقتل. (قلت) فرق بين النظر في الشيء من حيث بيان حقيقته وبين النظر فيه من حيث معرفة ما يجزئ منه فما يجزئ منه حُكمٌ من أحكامه، والأحكام جعلية فيجوز أن يعرّف الشارع حقيقة ويجعل بعض أجزائها بمنزلتها في الحكم كما هنا عرف الإسلام بأنه فعل الأركان ثم جعل أحدها كافيًا في دخول الجنة اهـ أبي. الأول منها (أن تشهد) أي أن تقر بلسانك وتعتقد بقلبك (أن لا إله) أي أنه لا معبود بحق في الوجود (إلا الله) أي إلَّا الذات الواجب الوجود لذاته المستجمع لجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص (و) أن تشهد (أن محمدًا) ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم (رسول الله) صلى الله عليه وسلم؛ أي مرسل من الله سبحانه

وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعالى إلى كافة المكلفين من الثقلين بتكاليف شرعها الله تعالى لهم على لسانه، قال الأبي: والنبي من خص من البشر بالوحي إليه والرسول من أمر بتبليغ ما أوحي إليه فيشتركان في الوحي إليهما ويفترقان في الأمر بالتبليغ، وقال الزمخشري: يشتركان في أن لكل منهما معجزة ويفترقان في أن الرسول من أنزل عليه كتاب والنبي من لا وإنما أمر أن يدعو إلى شريعة غيره. وقال السنوسي: واختلف في النبي مع الرسول هل بينهما عموم وخصوص مطلق أو وجهي لصدق اسم الرسول دون النبي على الملك وعكسه فيمن أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ أو أمر إلَّا أنه لم ينزل عليه كتاب على الخلاف ويجتمعان فيمن وجد فيه كلا الأمرين من البشر. والشهادة لغة: مطلق الإخبار وشرعًا: الإخبار بحق للغير على الغير بشرائط مذكورة في كتب الفروع وليس مرادًا هنا، بل المراد هنا الإقرار باللسان مع التصديق بالقلب. (و) الثاني أن (تقيم الصلاة) المفروضة وتؤديها بشرائطها وأركانها وآدابها والمراد بإقامتها إدامة فعلها مستوفاة جميع ذلك. وخصت الصلاة بلفظ تقيم دون أخواتها لكثرة ما تتوقف عليه من الشرائط والفرائض والسنن والآداب، والصلاة لغة: الدعاء ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيهِمْ} أي ادع لهم، وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة غالبًا والدعاء جزء منها. (و) الثالث أن (تُؤتي الزكاة) المفروضة وتؤديها في مصارفها المبينة في القرآن الكريم، والزكاة لغة: النماء والزيادة، يقال زكا الزرع والمال، وسُمي أخذ جزء من مال المسلم الحرِّ زكاة لأنها إنما تؤخذ من الأموال النامية، أو لأنها قد نمت وبلغت النصاب، أو لأنها تُنمي الأموال بالبركة وحسنات مؤديها بالتكثير، وشرعًا اسم لمال مخصوص يجب على شخص مخصوص في مال مخصوص يصرف لشخص مخصوص على وجه مخصوص. (و) الرابع أن (تصوم) شهر (رمضان) الذي أنزل فيه القرآن، والصوم لغة: الإمساك مطلقًا، ومنه قوله تعالى حكاية عن مريم {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي إمساكًا عن

وَتَحُجَّ الْبَيتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيهِ سَبِيلًا"، قَال: صدَقْتَ، قَال: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام، وشرعًا: الإمساك في جميع النهار عن أشياء مخصوصة كما سيأتي في محله. (و) الخامس أن (تحج البيت) أي أن تقصد زيارة الكعبة ومشاعر مخصوصة بأعمال مخصوصة (إن استطعت إليه سبيلًا) أي إنَّ أطقت وقدرت وصولًا إليه بأن وجدت زادًا وراحلة تصلح لك ذهابًا وإيابًا، فالسين والتاء فيه زائدتان، أو للمبالغة في معنى الرباعي لا للطلب. والحج لغة: هو القصد، وهو بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، وقُرئ بهما قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ} وشرعًا: قصد بيت الله المعظم لفعل عبادة مخصوصة والاستطاعة هي القدرة على الشيء، والتمكن منه، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)} وسيأتي اختلاف العلماء في الاستطاعة في محله، وقال الأبي: والبيت اسم جنس وغلب على الكعبة حتى صار عليها كالعلم ويعني بالاستطاعة الزاد والراحلة لا مطلق القدرة على الوصول لأنها شرط في التكليف. (قال) الرجل الداخل السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (صدقت) أي نطقت يا محمد كلامًا صادقًا صحيحًا فيما أجبت (قال) عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فعجبنا) أي تعجبنا نحن معاشر الحاضرين (له) أي لذلك الرجل السائل المصدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والعجب انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر خفي سببه، ولذلك قيل إذا ظهر السبب بطل العجب، أي تعجبنا من حال ذلك السائل حالة كونه (يسأله) أي يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لا يعلم ما سأل عنه (و) حالة كونه (يصدقه) أي يصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبره له كأنه يعلمه، قال القرطبي: إنما تعجبوا لأن تصديقه يقتضي أن له بهذه الأشياء علمًا، وهي لا تعلم إلَّا من قبله صلى الله عليه وسلم وليس هو بمعروف السماع منه صلى الله عليه وسلم. وعبارة النووي (قوله تعجبنا) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، إنما هذا كلام خبير بالمسؤول عنه، ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. (تتمة) قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تشهد أن لا إله إلَّا الله إلخ والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته إلخ قال: هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن، وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والحج والصوم لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يُشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله، ثم إنَّ اسم الإيمان يتناول ما فُسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان، ومقويات وحافظات ومتممات له، ولهذا فسر صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم، ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة، أو بدل فريضة لأن اسم الشيء مطلقًا يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهرًا إلَّا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم "ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" واسم الإسلام يتناول أيضًا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن، ويتناول أصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام، قال فتحصل مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان، وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا، هذا آخر كلام ابن الصلاح. واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يُحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلَّا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلًا إلَّا إذا عجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية أو لغير ذلك فإنه يكون مؤمنًا. أما إذا أتى بالشهادتين فلا يشترط معهما أن يقول وأنا بريء من كل دين خالف الإسلام إلَّا إذا كان من الكفار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى العرب فإنه لا يحكم بإسلامه إلَّا بأن يتبرأ، ومن أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى من شرط أن يتبرأ مطلقًا وليس بشيء، أما إذا اقتصر على قوله لا إله إلَّا الله ولم يقل محمدٌ رسول الله فالمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء أنه لا يكون مسلمًا ومن أصحابنا من قال يكون مسلمًا ويطالب بالشهادة الأخرى، فإن أبى جُعل مرتدًّا، ويحتج لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلَّا الله فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ... " وهذا محمول

قَال: فَأَخبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ، قَال: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الجماهير على قول الشهادتين واستغنى بذكر إحداهما عن الأخرى لارتباطهما وشهرتهما والله أعلم. أما إذا أقر بوجوب الصلاة أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها فهل يجعل بذلك مسلمًا؟ فيه وجهان لأصحابنا فمن جعله مسلمًا قال: كل ما يكفر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلمًا، أما إذا أقر بالشهادتين بالعجمية وهو يحسن العربية فهل يجعل بذلك مسلمًا؟ فيه وجهان لأصحابنا الصحيح منهما أنه يصير مسلمًا لوجود الإقرار، وهذا الوجه هو الحق، ولا يظهر للآخر وجه، وقد بينت ذلك مُستقصى في شرح المهذب والله أعلم. (واعلم) أن مذهب أهل الحق أنه لا يُكفَّر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يُكفَّر أهل الأهواء والبدع، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلَّا أن يكون قريبَ عَهْدِ بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة أو نحوه ممن يخفى عليه فيُعرف ذلك فإن استمر حُكم بكفره، وكذا حُكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة والله أعلم انتهى نووي. (قال) الرجل السائل (فأخبرني) يا محمد (عن) حقيقة (الإيمان قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له حقيقة الإيمان وأركانه ستة الأول (أن تؤمن) وتصدق (بـ) ـــوجود (الله) سبحانه وتعالى وأنه لا يجوز عليه العدم وأنه تعالى موصوف بصفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر والحياة وغيرها وأنه تعالى منزه عن صفات النقص التي هي أضداد تلك الصفات وعن صفات الأجسام والمتحيزات وأنه واحد صمد فرد خالق جميع المخلوقات متصرف فيها بما يشاء من التصرفات يفعل في ملكه ما يريد ويحكم في خلقه ما يشاء. (واعلم) أن سؤال جبريل - عليه السلام - عن الإيمان والإسلام بلفظ (ما) كما في حديث أبي هريرة الآتي يدل على أنه إنما سأل عن حقيقتهما عنده لا عن شرح لفظهما في اللغة، ولا عن حكمهما لأن ما في أصلها إنما يسأل بها عن الحقائق والماهيات، ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تؤمن بالله وبكذا وكذا فلو كان سائلًا عن شرح لفظهما في اللغة لما كان هذا جوابًا له، لأن المذكور في الجواب هو المذكور في السؤال، ولمّا كان الإيمان في اللغة معلومًا عندهما أعاد في الجواب لفظه، وبين له

وَمَلائِكَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متعلقاته وأنه قصره على تصديق بأمور مخصوصة اهـ قرطبي. وقال القاضي عياض: فرَّق في هذا الحديث بين الإيمان والإسلام فجعل الإيمان عمل قلب، والإسلام عمل جوارح، ومثله في حديث ضمام، وفسَّر في حديث الوفد الإيمان بما فسر به الإسلام هنا وبالجملة الإيمان لغة: هو التصديق بأي شيء كان وهو في الشرع التصديق والنطق معًا فأحدهما ليس بإيمان، أما التصديق فلأنه لا ينجي وحده من النار، وأما النطق فهو وحده نفاق، وتفسيره في هذا الحديث الإيمان بالتصديق والإسلام بالعمل إنما فسر به إيمان القلب، والإسلام في الظاهر، لا الإيمان الشرعي والإسلام الشرعي، فإنَّ الشرعي من كل منهما ما أنجى من الخلود، وليس المُنجي منه إلَّا التصديق والنطق معًا، ثم كمال كل واحدٍ من الإيمان الشرعي والإسلام الشرعي إنما هو بالأعمال المذكورة في الحديث، فإذا كمل أحدهما بذلك أنجى من النار رأسًا، ثم بإضافة العمل إلى الإيمان يقبل الزيادة والنقص عند الأشاعرة انتهى منه. (و) الثاني أن تؤمن بـ (ــــملائكته) أي أن تصدق بوجودهم على ما وصفوا به في كتاب الله سبحانه وتعالى من أنهم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26 - 27] ومن أنهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] ومن أنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20]، ومن أنهم سفراء الله بينه وبين رسله، والمتصرفون كما أذن لهم في خلقه. والملائكة جمع ملك، وقد اختلف في اشتقاقه ووزنه، فقال ابن شميل: لا اشتقاق له، وقال ابن كيسان فعل من المُلك، وقال أبو عبيدة: هو مفعل من لأك أي أرسل، وقال غيره: إنه مأخوذ من الألوكة وهي الرسالة، فكأنها تؤلك في الفم قال لبيد: وغلام أرسلته أمه ... بألوكٍ فبذلنا ما سأل فأصله على هذا مالك فالهمزة فاء الفعل لكنهم قلبوها إلى عينه فقالوا ملأك ثم سهلوه فقالوا ملاك، وقد جاء على أصله في الشعر، قال أبو وجزة يمدح عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: فلستَ لإنسيّ ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب وقيل هو ملكٌ من مَلَك.

وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) الثالث أن تؤمن بـ (ـــكتبه) أي أن تصدق بأنها كلامه الحق سواء نزلت مكتوبة كالتوراة أو وحيًا كالقرآن جملة كهي، أو نجومًا كهو. (و) الرابع أن تؤمن بـ (ـــرسله) أي أن تصدق بأن لله سبحانه رُسلًا صادقين فيما أخبروا به عن الله تعالى مؤيدين من الله تعالى بالمعجزات الدالة على صدقهم وأنهم بلّغوا عن الله رسالاته، وبينوا للمكلفين ما أمرهم الله ببيانه لهم، وأنه يجب احترامهم وأن لا يفرق بين أحد منهم. (و) الخامس أن تؤمن بـ (ـــاليوم الأخر) أي أن تصدق بوجود اليوم الآخر وبمجيئه، وبجميع ما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وأنهما دارا ثوابه وجزائه للمحسنين والمسيئين، إلى غير ذلك مما صح نصه وثبت نقله، وسُمي آخرًا لأنه آخر أيام الدنيا، ولأنه آخر الأزمنة المحدودة، وقيامةً لقيام الناس على أقدامهم. (و) السادس أن (تومن بالقدر) قال الأبي: قيل أعاد معه لفظة تؤمن لعلمه أن الأمة تختلف فيه، أي وأن تصدق بالقدر أي بتقدير الله سبحانه الكائنات في الأزل على هيئة وجودها فيما لا يزال أي علمه بمقاديرها وهيئاتها وأزمنتها وأمكنتها قبل وجودها وقوله (خيره وشره) بدل من القدر، بدل تفصيل من مجمل، أي وأن تصدق بخير ذلك المقدر ونفعه للعباد كالإيمان والطاعات، وبشره وضره للعباد كالكفر والمعاصي من الله تعالى، وهو ما دل عليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات: 96] وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر: 49] وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] ويدل عليه إجماع السلف والخلف على صدق قول القائل: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس" رواه مسلم ومالك في الموطأ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال السنوسي: فكأنه أعاد العامل فيه اعتناء بشأنه وتنبيهًا على أن المصيبة تجيء الأمة منه، ويدل أيضًا على اعتنائه بهذا النوع إعادته له مع دخوله في الإيمان بالله تعالى إذ من الإيمان بالله تعالى الإيمان بقدم جميع صفاته، وأنه يستحيل على ذاته الحوادث، ويدخل في صفاته علمه وإرادته المعبر عن قدمهما بالقدر اهـ منه. (تنبيه) مذهب السلف وأئمة الفتوى من الخلف أن من صدق بهذه الأمور الستة

قَال: صَدَقْتَ. قَال: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ، قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ تصديقًا جازمًا لا ريب فيه ولا تردد ولا توقف كان مؤمنًا حقيقة، وسواء كان ذلك عن براهين ناصعة أو عن اعتقادات جازمة، على هذا انقرضت الأعصار الكريمة وبهذا صرحت فتاوى أئمة الهدى المستقيمة حتى حدثت مذاهب المعتزلة المبتدعة فقالوا: إنه لا يصح الإيمان الشرعي إلَّا بعد الإحاطة بالبراهين العقلية والسمعية وحصول العلم بنتائجها ومطالبها، ومن لم يحصل إيمانه كذلك فليس بمؤمن، ولا يجزئ إيمانه بغير ذلك، وتبعهم على ذلك جماعة من متكلمي أصحابنا كالقاضي أبي بكر، وأبي إسحاق الإسفرايني وأبي المعالي في أول قوليه، والأول هو الصحيح، إذ المطلوب من المكلفين ما يطلق عليه إيمان كقوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136] وقوله: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الفتح: 13]. والإيمان هو التصديق لغة وشرعًا فمن صدق بذلك كله ولم يجوِّز نقيض شيء من ذلك فقد عمل بمقتضى ما أمره الله به على نحو ما أمره الله تعالى ومن كان كذلك فقد تَقَصَّى عن عهدة الخطاب، إذ قد عمل بمقتضى السنة والكتاب، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده حكموا بصحة إيمان كل من آمن وصدق بما ذكرناه ولم يفرقوا بين من آمن عن برهان أو عن غيره، ولأنهم لم يأمروا أجلاف العرب بترديد النظر ولا سألوهم عن أدلة تصديقهم ولا أرجئوا إيمانهم حتى ينظروا وتحاشوا عن إطلاق الكفر على أحد منهم بل سموهم المؤمنين والمسلمين، وأجروا عليهم أحكام الإيمان والإسلام، ولأن البراهين التي حررها المتكلمون ورتبها الجدليون إنما أحدثها المتأخرون، ولم يَخُض في شيء من تلك الأساليب السلف الماضون فمن المحال والهذيان أن يُشترط في صحة الإيمان ما لم يكن معروفًا ولا معمولًا به لأهل ذلك الزمان وهم من هم فهمًا عن الله تعالى وأخذًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبليغًا لشريعته، وبيانًا لسنته وطريقته اهـ من القرطبي. (قال) الرجل السائل (صدقت) يا محمد، أي نطقت كلامًا صادقًا فيما أخبرت به من الإيمان ثم (قال) الرجل (فأخبرني) يا محمد (عن) حقيقة (الإحسان) قال القاضي عياض: يعني بالإحسان الإخلاص لأنه فسره بما معناه ذلك، قال الأبي: وقيل يعني به إجادة العمل من أحسن في كذا إذا أجاد فعله، وهو بهذا التفسير أخص من الأول، ثم هو سؤالٌ عن الحقيقة ليعلمها الحاضرون كالذي قبله (قال) رسول الله صلى الله عليه

"أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ .. فَإِنَّهُ يَرَاكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم مجيبًا له: الإحسان هو (أن تعبد الله) سبحانه وتعالى (كأنك تراه) سبحانه وتعالى، أي حال كونك مستحضرًا خشية من يراه سبحانه، آتيًا بعبادتك مستوفاة الشرائط والأركان، فهذا إشارة إلى مقام المشاهدة، وهو أن تعبد الله سبحانه كأنك تراه (فإن لم تكن) أنت (تراه) سبحانه وتعالى (فإنه) سبحانه (يراك) أيها العابد، أي فإن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية فاعبده وأنت بحيث إنه يراك، أي فصور نفسك كأنك أعمى يفعل شيئًا عند بصير يخاف منه، وهذا يُسمى عندهم مقام المراقبة، وبهذا تعلم أن للعبد في عبادته ثلاثة مقامات: الأول: أن يفعلها على الوجه الذي يسقط معه التكليف أي مستوفاة الشرائط والأركان، الثاني: أن يفعلها وقد استغرق في بحار المشاهدة حتى كأنه يرى الله تعالى، وهذا مقامه صلى الله عليه وسلم كما قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" والثالث: أن يفعلها كذلك وقد غلب عليه أن الله يراه ويراقبه وهذا أنزل مما قبله، وكل من المقامات الثلاث إحسان، إلَّا أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة إنما هو الأول لأن الإحسان بالأخيرين من صفة الخواص ويتعذر من كثير. (فإن قلت) لِمَ آخر السؤال عن الإحسان مع أنه مطلوب في كل من الإسلام والإيمان؟ (قلت) آخره عنهما لأنه صفة الفعل، أو شرط في صحته، والصفة بعد الموصوف، وبيان الشرط متأخر عن المشروط اهـ من الأبي. قال القاضي عياض: واشتمل الحديث على جميع وظائف العبادة الظاهرة والباطنة حتى إنَّ علوم الشريعة كلها ترجع إليه، ومنه تشعبت، قال الأبي: في جعل الإحسان قسمًا ثالثًا نظر لأنه فسره بالإخلاص، والإخلاص شرط العمل أو صفته، وشرط الشيء وصفته ليسا بقسيم له، ولاشتمال الأقسام الثلاثة على ما ذكر قصر السؤال عليها. قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه) إلخ هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدّرنا أن أحدًا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن الصمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلَّا أتى به فقال صلى الله عليه وسلم: "اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان" فإن

قَال: فَأَخبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَال: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يَقْدَم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعًا من تلبسه بشيء من النقائص احترامًا لهم واستحياءً منه فكيف بمن لا يزال مُطلعًا عليه في سره وعلانيته اهـ منه. (قال) الرجل (فأخبرني) يا محمد (عن الساعة) أي عن القيامة، أي عن وقت مجيئها، قال الزمخشري: وسميت ساعة لسرعة قيامها أو تفاؤلًا لما هي عليه من الطول، كما سُمِّي المهمه مفازة، أو لأنها عند الله تعالى كساعة، وليس السؤال عن وقت مجيئها ليعلم الحاضرون كالمسؤول عنه في الأسئلة السابقة بل لينزجروا عن السؤال عنها، فإنهم أكثروا السؤال عنها كما قال تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ}. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له (ما المسؤول عنها) أي عن الساعة يريد نفسه (بأعلم من السائل) يريد جبريل - عليه السلام - أو المراد التعميم لكل سائل ومسؤول عنها، فلما أجيبوا بأنه لا يعلمها إلَّا الله سبحانه كفوا عن السؤال عنها، لأن معنى ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، لا علم لي ولا لك ولا لأحد بها، وكان الأصل أن يقال هكذا ولكن عدل عنه إلى المذكور ليعم كل سائل ومسؤول، ويحتمل أن تكون الفائدة في العدول إلى المذكور التنبيه على أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يصرح بعدم علمه من غير توقف بأن يقول: لا أعلم، لأن ذلك لا يُنقصه بل يدل على ورعه وتقواه ووفور عقله، ويكون المراد علة هذا بالمسؤول نفسه صلى الله عليه وسلم وفيه على هذا مبالغة في التواضع حيث يقول ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. (فإن قلت) إذا كان المعنى نفي العلم عن الجميع فالتركيب لا يقتضيه بل يقتضي العكس لأن نفي الأفضلية في شيء يقتضي التساوي في مطلق ثبوته، فإذا قلت: ما زيد بأعلم من عمرو فالمعنى إنهما شريكان في العلم وإن زيدًا لا يزيد (قلت) لا يقتضي التساوي في أصل الثبوت بل هو أعم من التساوي في الثبوت أو النفي، وحُمل الحديث على التساوي في النفي، وإن كان الأعمّ لا إشعار له بالأخص المعيَّن لأن عدم إشعاره بذلك إنما هو باعتبار ذات الأعم وإلا فقد تصحب الأعم قرينة لفظ أو سياق يكون

قَال: فَأَخْبِرْنِي عَن أَمَارَتِهَا، قَال: "أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بحسبها يشعر بأحد أخصائه على التعيين، وهو هنا كذلك، والقرينة اللفظية هي قوله: "في عداد خمس" أي في عداد الخمس التي لا يعلمها إلا الله تعالى، والسياقة هي أن الأصل في السائل عدم العلم، وجبريل - عليه السلام - هنا سائل، فالمعنى: أنت لا تعلم، وأنا لست بأعلم منك، فكلانا لا يعلم، وقيل في الجواب إنه إنما ينفي الأعلمية بوقتها على التعيين، ولهما علم بأن لها مجيئًا في وقت ما وهو العلم المشترك اهـ من الأبي. قال القرطبي: (والساعة) في أصل الوضع مقدارٌ ما من الزمان غير معين ولا محدود لقوله تعالى: {مَا لَبِثُوا غَيرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] وفي عرف أهل الشرع عبارة عن يوم القيامة، وفي عرف الميقاتيين جزء من أربعة وعشرين جزءًا من أوقات الليل والنهار. (قال) الرجل السائل إن لم تخبرني يا محمد عن وقت مجيئها (فأخبرني عن أمارتها) وعلاماتها، أي عن القرائن الدالة على قربها، والأمارات جمع أمارة بفتح الهمزة وبالهاء، والأمارُ بحذفها هي العلامة، قال القرطبي: وهي تنقسم إلى معتاد كالمذكورين في الحديث، وكرفع العلم، وظهور الجهل وكثرة الزنا وشرب الخمر وإلى غير معتاد كالدجال ونزول عيسى - عليه السلام - وخروج يأجوج ومأجوج والدابة وطلوع الشمس من مغربها، قال ابن رُشد: واتفقوا على أنه لا بد من ظهور هذه الخمسة، واختلفوا في خمسة أُخر خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب والدخان ونار تخرج من قعر عدن تروح معهم حيث راحوا وتقيل معهم حيث قالوا، وزاد بعضهم وفتح القسطنطينية وظهور المهدي، ويأتي الكلام على المهدي إن شاء الله تعالى. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمارات التي تدل على قرب الساعة كثيرة منها (أن تلد) وتضع (الأمة) أي الرقيقة المستفرشة (ربتها) أي مالكها هكذا جاء في رواية بالتأنيث، وفي أخرى ربها بالتذكير، وفي الأخرى بعلها وهو السيد، والرب المالك، وأُنث بالرواية الأولى على معنى النسمة ليشمل الذكر والأنثى، وقيل كراهية أن يقول ربها تعظيمًا للفظ الرب ولذا ورد: "لا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي". قال القرطبي واختلف في معنى قوله: "أن تلد الأمة ربتها" على ثلاثة أقوال: أحدها أن المراد بها أن يستولي المسلمون على بلاد الكفار فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه، وعلى هذا فالذي يكون من أشراط الساعة

وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ استيلاء المسلمين على المشركين، وكثرة الفتوح والتسري، وثانيها: أن يبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك فتتداول الأمهات المستولدة فربما يشتريها ولدها أو ابنتها ولا يشعر بذلك، فيصير ولدها ربها، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد والاستهانة بالأحكام الشرعية، وهذا على قول من يرى تحريم بيع أمهات الأولاد وهم الجمهور، ويصح أن يحمل على بيعهن في حال حملهن وهو محرم بالإجماع. وثالثها: أن يكثر العقوق في الأولاد فيُعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب، ويشهد لهذا قوله في حديث أبي هريرة: "المرأة" مكان الأمة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يكون الولد غيظًا" رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جماعة لم يعرف حالهم. وفي السنوسي: قال الأكثرون هو كناية عن كثرة أولاد السراري وأمهاتهم، فإن ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، ولا شك أنها مال لأبيه، وقد يتصرف الولد في مال أبيه قبل الموت تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال. وقيل إن الإماء يلدن الملوك فتكون أمه من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته، وهذا قول إبراهيم الحربي اهـ، وأما بعلها في الرواية الأخرى فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد فيكون بمعنى ربها على ما ذكرناه فيه قال أهل اللغة بعل الشيء ربه ومالكه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما والمفسرون في قوله سبحانه وتعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)} أي ربًا وقيل المراد بالبعل في الحديث الزوج ومعناه نحو ما تقدم أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري وهذا أيضًا معنى صحيح إلا أن الأول أظهر لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى والله أعلم اهـ نووي. (و) منها (أن ترى) أنت يا محمد (الحفاة) جمع حاف وهو الذي لا يليس في رجله شيئًا (العراة) جمع عار وهو الذي لا يلبس على جسده ثوبًا (العالة) مخفف اللام جمع عائل وهو الفقير، والعيلة الفقر يقال عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، وأما أعال

رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في الْبُنْيَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل يُعيل إذا كثر عياله فليس مرادًا هنا (رعاء الشاء) والرعاء بكسر الراء وبالمد جمع راع وأصل الرعي الحفظ قال النووي: ويجمع أيضًا على رعاة كغزاة (والشاء) جمع شاة وهو من الجمع الذي يفرق بينه وبين واحده بالهاء، وهو كثير فيما كان خلقةً لله تعالى كشجرة وشجر وثمرة وثمر، وإنما خص أهل الشاء بالذكر لأنهم أضعف أهل البادية، وجملة قوله (يتطاولون) أي يتفاخرون (في البنيان) أي في طولها، في محل النصب حال من مفعول ترى لأن الرؤية هنا بصرية. وهذه الأوصاف هي الغالبة على أهل البادية، ومقصود هذا الحديث الإخبار عن تبدل الحال وتغيره بأن يستولي أهل البادية الذين هم هذه صفاتهم على أهل الحاضرة ويتملكوا بالقهر والغلبة فتكثر أموالهم وتتسع في حطام الدنيا آمالهم، فتنصرف هممهم إلى تشييد المباني وهدم الدين وشريف المعاني، وأن ذلك إذا وجد كان من أشراط الساعة ويؤيد هذا ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع بن لكع" رواه أحمد (5/ 389) والترمذي (2210) واللكع اللئيم، وقد شوهد هذا كله الآن عيانًا، فكان ذلك على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى قرب الساعة حجة وبرهانًا. وفيه دليل على كراهية ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "يؤجر ابن آدم في كل شيء إلا ما يضعه في هذا التراب" رواه البخاري (5672) بلفظ: "إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب" ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع حجرًا على حجر، ولا لبنة على لبنة، أي لم يشيد بناءً ولا طوله ولا تأنق فيه اهـ من المفهم. (فإن قلت) الساعة كما ذكر الله تعالى شيء عظيم فأشراطها ينبغي أن تكون كذلك فالدجال وإِخوانه من ذلك القبيل فما وجه العظم في أن تلد الأمة ربتها وتطاول الرعاء في البنيان (قلت) هو إما باعتبار ما يشعر أن به من تبدل الحال وتغيرها بانقلاب الأعزة أذلة كما في جعلها كناية عن كثرة أولاد السراري، فإن الأمهات بعد عزة التربية والحاجة إليهن في ذلك صرن ذليلات بالسلاطة عليهن، وإما باعتبار ما يشعر أن به من تناهي الحال المنذرة بالانحطاط وقرب الساعة، وإما باعتبار ما يشعر أن به من تغيير أحكام الله

قَال: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَال لِي: "يَا عُمَرُ؛ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى كما في جعلها كناية عن بيع أمهات الأولاد انتهى من الأبي. (قال) عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (ثم) بعد هذه الأسئلة والأجوبة (انطلق) وذهب الرجل السائل للنبي صلى الله عليه وسلم (فلبث) أي أقام النبي صلى الله عليه وسلم بعد انطلاقه وانصرافه، قال النووي هكذا ضبطناه (لبث) آخره ثاء مثلثة من غير تاء، وفي كثير من الأصول المحققة (لبثت) بزيادة تاء المتكلم المضمومة فيكون عمر هو الذي أخبر بذلك عن نفسه، وكلاهما صحيح، والمعنى عليه أي قال عمر ثم انطلق الرجل (فلبثث) أنا (مليًّا) بتشديد الياء أي زمانًا طويلًا وهو من الملاوة وهي القطعة من الدهر وفي ميمها الحركات الثلاثة وقد يُفسر الطول هنا بما في رواية أبي داود والترمذي: "ثم قال لي بعد ثلاث يا عمر ... " إلخ وفي شرح السنة للبغوي: "بعد ثالثة" وظاهر هذا أنه قال له بعد ثلاث ليال. وظاهر هذا الحديث معارض لقوله في حديث أبي هريرة الآتي بعد هذا: "ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا علي الرجل فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا جبريل" الحديث، فيجمع بينهما بأن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس لحاجة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال، وأخبر عمر رضي الله عنه بعد ثلاث، إذ لم يكن حاضرًا وقت إخبار الباقين والله أعلم اهـ نووي بتصرف. (ثم قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عمر أتدري) أي هل تعلم جواب استفهام (من السائل) لي في الأمس عن الإسلام والإيمان والإحسان، أي هل تعلم جنسه واسمه ولم جاء، وقوله من السائل مبتدأ وخبر والجملة الاستفهامية سادة مسد مفعولي درى، قال عمر (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (الله ورسوله أعلم) بذلك السائل جنسه واسمه وحكمة مجيئه، قال الأبي: إن أعلم على بابه من المفاضلة، لأن تعجبهم من صورة إتيانه الموهمة أنه جن أو ملك كاف في الشركة، أي الله ورسوله أعلم به منا، وإن ظننا أنه جن أو ملك، (قال) رسول اللْه صلى الله عليه وسلم (فإنه جبريل) والفاء في قوله (فإنه جبريل) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا فوضتم علم جنسه

أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ واسمه وسبب مجيئه إلى الله ورسوله وأردتم بيان ذلك لكم فأقول لكم إن جنس ذلك السائل هو الملك، وإن اسمه جبريل، وحكمة مجيئه أنه (أتاكم يعلمكم دينكم) أي أتاكم حالة كونه معلمًا إياكم قواعد دينكم وأساسه وأصوله أي حالة كونه مريدًا التسبب في تعلمكم دينكم بسؤاله إياي، وجملة يُعلم في محل النصب حال من فاعل أتاكم، كما قدرنا، قال السهيلي: جبريل - عليه السلام - ملك متوسط بين الله تعالى ورسله عليهم السلام ولفظه سرياني، ومعناه عبد الرحمن أو عبد العزيز فيما ذُكر عن ابن عباس مرفوعًا، والأصح فيه الوقف، والأكثر على أن آخر الاسم هو الله تعالى، وقال ابن دريد وغيره: إن الإضافة في لسان العجم عكس ما هي عند العرب، فيقولون في غلام زيد مثلًا: زيد غلام، فعلى هذا يكون إيل عبارة عن عبد وأول الاسم هو الله تعالى. وعبارة المفهم قوله: "إنه جبريل" دليل على أن الله تعالى مكن الملائكة من أن يتمثلوا فيما يشاؤوا من صور بني آدم، كما قد نص على ذلك في قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَويًّا} [مريم: 17] وقد كان جبريل يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وقد كان لجبريل صورة خاصة خلق عليها لم يره النبي صلى الله عليه وسلم عليها غير مرتين كما صح الحديث بذلك، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف جبريل لكن في آخر الأمر، فأما قبل ذلك فقد جاء في كتاب البخاري التصريح بأنه لم يعرف جبريل إلا في آخر الأمر انتهى. وقال القاضي عياض: ما تقدم من قوله: ما المسؤول عنها، وما يأتي من قوله صلى الله عليه وسلم رُدوا علي الرجل يدلان على أنه لم يعرفه في الحال، ويحتمل أن يكون عرفه في الحال وأخفى ذلك عن الحاضرين لحكمة الله تعالى في ذلك، ويكون قوله: ما المسؤول عنها بيانًا لأنها لا تخفى على جبريل، وقال لهم: ردوا علي الرجل ليبين لهم بلا شبهة أنه ليس آدميًّا، وتأويل أنه لم يعرفه المصرح به في صحيح البخاري أصح وهو قوله: "أتاكم يعلمكم دينكم وما أتى في صورة إلا عرفته بها إلا في هذه". قال الأبي: (فإن قلت) قد صح أن عِظمه سد ما بين السماء والأرض فكيف انحصر في قدر الإنسان (قلت) اختلف في الجواب عنه، فقيل يُذهب الله تعالى عنه القدر الزائد ثم يعيده سبحانه إليه، وقيل التمثيل إنما هو في عين الرائي لا في جسد جبريل - عليه السلام - وقيل لجبريل حقيقة ملكية لا تختلف، وإنما تختلف الصور، والصور قوالب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أقدره الله تعالى على التشكل بضروبها، فقد رآه مرة في صورة دحية الكلبي ورآه أخرى في صورة فحل من الإبل فاتحًا فاه يريد أن يثب على أبي جهل حين أراد أن ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا كالروح بالنسبة إلى البدن والروح لا تختلف وإنما يختلف البدن ألا ترى أنه في الجنة ينقلب البدن إلى عالم الأجسام اللطيفة النورانية الملكية، بعد أن كان كثيفًا ثخينًا، والروح لم تختلف فحقيقة جبريل - عليه السلام - كلها معلومة للنبي صلى الله عليه وسلم في أي قالب كانت هكذا قالوا والله أعلم وليس فيه نص صريح. اهـ من الأبي. وقوله (يعلمكم دينكم) أي قواعد دينكم أو كليات دينكم، قال النووي: فيه أن الدين اسم للثلاثة الإسلام والإيمان والإحسان اهـ. قال القاضي عياض: وهذا الحديث قد اشتمل على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه. قال القرطبي: فيصلح هذا الحديث أن يقال فيه إنه أم السنة لما تضمنه من جمل علم السنة كما سُميت الفاتحة أم القرآن، لما تضمنته من جمل معاني القرآن، كما بسطنا الكلام فيها في تفسيرنا حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن فراجعه. قال النووي (واعلم) أن هذا الحديث يجمع أنواعًا من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام كما حكيناه عن القاضي عياض، وقد تقدم في ضمن الكلام السابق، بيان جمل من فوائده، ومما لم نذكره من فوائده أنه يدل على أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم بأهل المجلس حاجة إلى مسألة لا يسألون عنها، أن يسأل هو عنها ليحصل الجواب للجميع، وعلى أنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل ويدنيه منه ليتمكن من سؤاله غير هائب ولا منقبض، وأنه ينبغي للسائل أن يرفق في سؤاله والله أعلم انتهى. (واعلم) أن حكم سند هذا الحديث الصحة ودرجته أنه صحيح، وغرض المؤلف بذكره الاستدلال به على الترجمة، لأنه دل على الجزئين الأولين من الترجمة، وهو بيان معاني الإسلام والإيمان والإحسان الشرعية، وبيان وجوب الإيمان بالقدر وهو من

2 - (000) وَحَدَّثَنِي (¬1) مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الغُبَرِيُّ وَأبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصول لا من الشواهد والتوابع، وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أبو داود (4695) والترمذي (2613) والنسائي (9718) وابن ماجه (63) وأحمد (1/ 51) ثم استتبع المؤلف رحمه الله تعالى لحديث كهمس فقال: (2) - متا 1 (00) (وحدثني محمد بن عبيد) مصغرًا بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره موحدة (الغبري) بضم الغين المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة، أبو عبد الله البصري روى عن أبي عوانة وحماد بن زيد وإسماعيل بن علية وجماعة ويروي عنه (م د س) وأبو زرعة وأبو حاتم وخلق، وقال في التقريب ثقة من العاشرة مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وقال ابن منجويه روى عنه المؤلف عن حماد بن زيد في كتاب الإيمان، وفي باب الجنائز وفي غيرهما، وعنه عن أبي عوانة في كتاب الأدب، وعنه عن جعفر بن سليمان في باب (المرء مع من أحب) وجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيهما خمسةٌ تقريبًا (و) حدثني أيضًا (أبو كلامل) فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) بفتح الجيم وبعدها حاء ساكنة البصري، روى عن الحمادين وأبي عوانة وسُليم بن أخضر ويروي عنه (م د س) وزكريا الساجي والبغوي وجمع، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والصلاة والصوم والحج والجهاد، وباب حق الجار وغيرها، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة تقريبًا. (و) حدثني أيضًا (أحمد بن عبدة) بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري، روى عن حماد بن زيد وأبي عوانة وعبد الواحد بن زياد وفضيل بن عياض وخلق، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن محمد البغوي وابن خزيمة وخلق، وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب ثقة من العاشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والصلاة والزكاة وغيرها. وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، لأن كلًّا من الثلاثة ثقة، ومن لطائفه أن كلًّا ¬

_ (¬1) في نسخة: (حدثني).

قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بُرَيدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَال: لَمَّا تَكَلَّمَ مَعْبَدٌ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ في شَأنِ القَدَرِ .. أَنْكَرْنَا ذَلِكَ، قَال: فَحَجَجْتُ أَنَا وَحُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَجَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم بصريون من العاشرة، ثلاثتهم (قالوا حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري أحد الأئمة الأعلام، روى عن أنس بن سيرين وعاصم بن بهدلة وثابت وأيوب ومطر الوراق، وخلق ويروي عنه (ع) والثوري وابن مهدي وابن المديني وخلق، وقال في التقريب ثقة فقيه من كبار الثامنة مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة وله (81) سنة وكان ضريرًا يحفظ حديثه كله، وكان جده درهم من سبي سجستان، روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان والبيوع والفتن والوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج والنكاح واللباس والأيمان والجهاد والأطعمة والأدب وجملة الأبواب التي روى عنه فيها أربعة عشر تقريبًا. (عن مطر) بفتحتين بن طهمان بفتح فسكون أبي رجاء (الوراق) كان يكتب المصاحف فقيل له الوراق السلمي مولاهم الخراساني ثم البصري، روى عن أنس مرسلًا وعكرمة وعبد الله بن بريدة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وابن أبي عروبة والحمّادان وغيرهم قال أحمد هو في عطاء ضعيف وقال في التقريب صدوق كثير الخطأ من السادسة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء والصلاة والحج وكتاب البيوع وفي بيع المدبر وفي صفة أهل الجنة وأهل النار فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة تقريبًا. وغرض المؤلف رحمه الله تعالى بسوق هذا السند بيان متابعة مطر الوراق لكهمس بن الحسن في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن بريدة متابعة تامة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن مطرًا المتابع ضعيف أو صدوق فلا يقوى المتابع ومن لطائف هذا السند أن رواته كلهم بصريون (عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال) يحيى (لما تكلم معبد) الجهني (بما تكلم به في شأن القدر) وحكمه وهو نفسه (أنكرنا) نحن أهل السنة (ذلك) الكلام الذي تكلم به في شأن القدر عليه (قال) يحيى بن يعمر (فحججت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حجة) هو بكسر الحاء المهملة وفتحها

وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ كَهْمَسٍ وَإِسْنَادِهِ، وَفِيهِ بَعْضُ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانُ أَحْرُفٍ. 3 - (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لغتان فالكسر هو المسموع من العرب والفتح هو القياس كالضربة وشبهها وذكر المؤلف هنا ما ذكر من المتن لما فيه من المخالفة لما في الرواية الأولى فلا اعتراض عليه. وقوله (وساقوا الحديث) بواو الجماعة تحريف من النساخ لأن المتابع هنا واحد وهو مطر الوراق والصواب (وساق الحديث) أي وذكر مطر الوراق الحديث (بمعنى حديث كهمس) السابق لا بلفظه (و) بـ (ـــإسناده) أي وبإسناد كهمس يعني عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وقوله بإسناده حشو لا حاجة إليه لأنه ذكر هنا تمام السند (وفيه) أي وفي ذلك المعنى الذي رواه مطر الوراق (بعض زيادة) من الألفاظ التي عبر بها عن ذلك المعنى على ما رواه كهمس (ونقصان أحرف) وألفاظ مما رواه كهمس والمعنى وفي ذلك المعنى الذي رواه مطر شيء من الزيادة على ما رواه كهمس وشيء من النقصان مما رواه كهمس، ولو قال أولًا بنحو معنى حديث كهمس لاستغنى عن هذه الجملة الركيكة. وقد مر لك في أوائل المقدمة أن قوله بنحو معناه عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للحديث السابق في بعض معناه دون لفظه. ثم استتبع المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث كهمس فقال: (3) - متا 2 (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المؤدب السمين المروزي ثم البغدادي روى عن يحيى بن سعيد القطان ووكيع وابن علية وابن عيينة وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأحمد بن الحسن الصوفي وجماعة وثقه الدارقطني وابن عدي وأفرط ابن معين فكذبه، وقال في التقريب صدوق ربما وهم وكان فاضلًا من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين. وروى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الصوم وفي الحج في ثلاثة مواضع وفي الديات وفي الأحكام وفي الجهاد وفي اللباس وفي الأمثال وفي الفتن في موضعين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا. قال محمد بن حاتم: (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم خاء معجمة (القطان) التميمي أبو سعيد البصري كان من

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ وَحُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالا: (لَقِينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَذَكَرْنَا الْقَدَرَ وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ ... ) فَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ كَنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ سادات أهل زمانه حفظًا وورعًا وفهمًا وفضلًا ودينًا وعلمًا وهو الذي مهد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن في البحث عن النقل وترك الضعفاء أحد أئمة الجرح والتعديل، روى عن عثمان بن غياث وسليمان التيمي وحميد الطويل ويحيى بن سعيد الأنصاري وخلق، ويروي عنه (ع) وشعبة وابن مهدي وأحمد وإسحاق وابن المديني وخلائق، وقال في التقريب: ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة وله ثمان وسبعون (78) سنة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في مواضع وفي الوضوء وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم وفي الحج وفي كفارة المرض وفي النكاح وفي البيوع وفي الديات وصفة الحشر وعذاب القبر فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابا تقريبًا. قال يحيى (حدثنا عثمان بن غياث) بغين معجمة وثاء مثلثة الراسبي أو الزهراني البصري روى عن عبد الله بن بريدة وأبي عثمان النهدي وعكرمة، ويروي عنه (خ م د س) وشعبة ويحيى القطان وغيرهم، قال ابن المديني: له نحو عشرة أحاديث، وقال أحمد: ثقة يرى الإرجاء، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في ثلاثة أبواب فقط في كتاب الإيمان وفي فضل عثمان بن عفان رضي الله عنه وفي باب الدعاء. قال عثمان بن غياث (حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن قالا) أي قال يحيى وحميد (لقينا عبد الله بن عمر) أي رأيناه في المسجد الحرام (فذكرنا) نحن له شأن (القدر) أي ما نقول ونعتقد فيه من وجوبه لله تعالى ووجوب الإيمان به (و) ذكرنا له (ما يقولون فيه) أي ما يقول مبتدعة البصرة، معبد وأصحابه فيه من نفيه وعدم وجوب الإيمان به (فاقتص) عثمان بن غياث (الحديث) السابق عن عمر وذكره، وقوله (كنحو حديثهم) بضمير الجمع من تحريف النساخ والصواب (كنحو حديثهما) بضمير التثنية، لأن المتابع بصيغة اسم المفعول اثنان كهمس ومطر والكاف في قوله كنحو حديثهما زائدة لأن الكاف بمعنى المثل والمثل

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ شَيء مِنْ زِيَادَةٍ وَقَدْ نَقَصَ مِنْهُ شَيئًا. 4 - (00) وَحَدَّثَنِي حَجاجُ بْنُ الشاعِرِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنحو ضدان فلا يجتمعان، والمعنى واقتص عثمان بن غياث الحديث (عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) نحو حديثهما أي نحو حديث كهمس ومطر الوراق والضمير في قوله (وفيه) عائد إلى النحو الذي رواه عثمان بن غياث أي وفي ذلك النحو الذي رواه عثمان بن غياث (شيء من زيادة) على حديث كهمس ومطر (وقد نقص) عثمان بن غياث (منه) أي من الحديث المروي عن عمر (شيئًا) قليلًا من النقص وهذه الجملة حشو لا حاجة إليها لأن مضمونها مفهوم من قوله كنحو حديثهما وغرض المؤلف رحمه الله تعالى بسوق هذا السند بيان متابعة عثمان بن غياث لكهمس بن الحسن ومطر الوراق عن عبد الله بن بريدة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع كليهما ثقتان. ثم استتبع المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبد الله بن بريدة فقال: (4) - متا 3 (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي الحافظ روى عن يونس بن محمد المؤدب وروح بن عبادة وعبيد الله بن موسى وحجاج بن محمد وعفان بن مسلم وخلق ويروي عنه (م د) والمحاملي وابن أبي حاتم وغيرهم وقال في التقريب ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (259) تسع وخمسين ومائتين. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحج في موضعين وفي النكاح وفي البيوع في أربعة مواضع وفي الجهاد وفي الفضائل في ثلاثة مواضع وفي باب الصيد وفي الذبائح وفي باب الضحايا وفي الطب وفي الدعاء وفي باب صفة الجنة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة عشر بابا تقريبًا. قال الحجاج: (حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب الحافظ روى عن حرب بن ميمون وفليح ونافع بن عمر والحمادين وجماعة ويروي عنه (ع) وابنه إبراهيم وأحمد وعلي بن المديني وابنا أبي شيبة وحجاج بن الشاعر وجماعة، وثقه

حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن معين ويعقوب بن شيبة وقال في التقريب ثقة ثبت من صغار التاسعة مات سنة (207). روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان وفي الصلاة وفي النكاح في موضعين وفي باب الأطعمة وفي الفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب قال يونس بن محمد (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي أبو محمد البصري أحد الأئمة الأعلام نزل في تيم وكان يلقب بالطفيل، روى عن أبيه سليمان وحميد الطويل ومنصور وكهمس وأيوب ويروي عنه (ع) وابن المبارك وابن مهدي وعفان والثوري، وثقه أبو حاتم وابن معين وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة من كبار التاسعة مات سنة (187) وليس معتمر عندهم إلا هذا الثقة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في ثلاثة مواضع، وفي الوضوء (الماء من الماء) وفي اللِّعان والجهاد، وفي الصوم وفي الحج وفي النكاح وفي الأدب وفي الشعر فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة تقريبًا. (عن أبيه) سليمان بن طرخان أبي المعتمر البصري التيمي نزل في التيم فنسب إليهم، أحد سادة التابعين علمًا وعملًا، وكان أبوه طرخان مكاتبًا لبني قرة، وكانت امرأته مكاتبة لبني سليم، فأعتقت قبل طرخان فولدت سليمان وهي حرة، قال المعتمر بن سليمان: قال لي أبي: اكتب القيسي فإن أمي مولاة لقيس وأبي عبد لقيس أحدهما قيس بن ثعلبة والآخر قيس عيلان. روى عن أنس وأبي عثمان النهدي وطاوس ويحيى بن يعمر، ويروي عنه (ع) وابنه المعتمر وشعبة وابن المبارك وخلق، وقال في التقريب: ثقة عابد من الرابعة مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة عن (99) تسع وتسعين سنة وقيل (97) سبع وتسعين. روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم وفي النكاح وفي الجهاد والزكاة في موضعين وفي الحج وفي الأشربة في ثلاثة مواضع وفي ذكر موسى والقدر وفي الفضائل وفي الجامع وفي الفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابا تقريبًا. (عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بنحو حديثهم) تحريف من النساخ ولعل الصواب (بنحو حديثه) لأن

5 - (9) حَدَّثَنَا (¬1) أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ المتابع واحد وهو سليمان بن طرخان، والمعنى روى أبو المعتمر سليمان بن طرخان بنحو حديث عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر فغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة أبي المعتمر لعبد الله بن بريدة في رواية هذا الحديث عن يحيى بن يعمر. وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابَع ثقتان ورجال هذا السند اثنان منهم بغداديان، وثلاثة بصريون، ومن لطائفه أن فيه رواية ولد عن والده في موضعين، ورواية صحابي عن صحابي والله أعلم. فجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله سبحانه وتعالى في حديث عمر بن الخطاب من المتابعة ثلاثةٌ، متابعة مطر الوراق لكهمس، ومتابعة عثمان بن غياث لكهمس ومطر، ومتابعة سليمان بن طرخان لعبد الله بن بريدة، ثم استشهد المؤلف لحديث عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما بعد ما استدل على الترجمة بحديث عمر تقوية له فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ... إلخ وفي بعض النسخ هنا ترجمة وهي (باب الإيمان ما هو وبيان خصاله). (5) - ش (9) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم الكوفي الحافظ أحد الأئمة الأعلام ممن كتب وصنف وجمع، روى عن إسماعيل بن عُلية وشريك وهشيم وابن المبارك وجرير بن الحميد وابن عيينة وخلق، ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو زرعة وأحمد بن علي المروزي وخلق. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان في موضعين وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الجنائز والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين وفي النكاح في ثلاثة مواضع وفي الفضائل في موضعين وفي الجهاد وفي اللباس وفي الأطعمة في موضعين وفي الطب وفي الدعاء وفي صفة الحشر، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة عشر تقريبًا. (و) كذلك حدثنا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بمهملتين ثم شين معجمة أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن المتقارنين ثقتان وقوله (جميعًا) حال من الفاعل أتى به ¬

_ (¬1) في نسخة: (وحدثنا).

عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَال زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَيانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ابْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للتأكيد، أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن سهم بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم مولى بني أسد بن خزيمة الحافظ البصري المعروف بـ (ــا بن عُلية) بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء اسم أمه وهي أيضًا مولاة لبني أسد بن خزيمة، روى عن أبي حيان يحيى بن سعيد التيمي وأيوب وعطاء بن السائب وروح بن القاسم وخلق ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وزهير بن حرب وعلي بن حجر وأحمد وابن راهويه وخلق، وقال في التقريب: ثقة حافظ من الثامنة ولد سنة عشر ومائة (110) ومات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة في ذي القعدة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الجهاد في موضعين وفي الفضائل في موضعين وفي التفسير وفي الصلاة وفي الزكاة والنكاح وفي الصوم في ثلاثة مواضع وفي الحج في خمسة مواضع وفي الوصايا والفتن في موضعين وفي الأشربة في موضعين وفي الأطعمة وفي القدر، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابا تقريبًا. (قال زهير) بن حرب في صيغة روايته عنه (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بصريح صيغة السماع وبذكر اسمه واسم أبيه، وأما أبو بكر بن أبي شيبة فروى عنه بالعنعنة، وبنسبته إلى أمه لكونه معروفًا بها، وفصل بين صيغتي شيخيه تورعًا من الكذب على أحدهما لو اقتصر على إحدى الصيغتين. أي روى كل منهما عن ابن عُلية حالة كون ابن علية راويًا (عن أبي حيان) يحيى بن سعيد بن حبَّان بمهملة وتحتانية التيمي تيم الرباب بفتح الراء إخوة بني عدي الكوفي المدني العابد، روى عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير وأبيه وعمه يزيد بن حيان والشعبي وخلق، ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن علية وأيوب وشعبة وابن المبارك والثوري وجماعة، قال العجلي: ثقة صالح صاحب سنة، وقال في التقريب: ثقة عابد من السادسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الجهاد وفي الفضائل في موضعين وفي الهبة والفتن والتفسير، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة تقريبًا (عن أبي زرعة) هَرِم (بن عمرو بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي، وقيل اسمه عمرو وقيل عبد الله وقيل عبد الرحمن وقيل جرير مشهور

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَومًا بَارِزًا لِلناسِ، فَأتَاهُ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الإِيمَانُ؟ قَال: "أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بكنيته، روى عن أبي هريرة وجده جرير بن عبد الله ومعاوية وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو حيان التيمي وعلي بن مُدرك وعمه إبراهيم بن جرير وإبراهيم النخعي وغيرهم، ثقة من الثالثة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي باب الفتن وفي غيرهما. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه تقدمت ترجمته في أوائل الكتاب (قال) أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (بارزًا للناس) أي ظاهرًا بالبَراز خارجًا إليه لأجلهم، وهو الفضاء ومنه قوله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} وقوله: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} وقوله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} وقوله: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ} (فأتاه) أي جاءه صلى الله عليه وسلم (رجل) غير معروف لهم (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله ما الإيمان) أي ما حقيقته وماهيته وأركانه وأجزاؤه، لأن ما يسأل بها عن الحقيقة، وأما قوله في حديث أبي هريرة يا رسول الله بدل قوله في حديث عمر يا محمد فهو نقل بالمعنى، وحديث عمر نقل باللفظ والله أعلم. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لسؤاله الإيمان أي حقيقته وأركانه (أن تؤمن) وتصدق (بالله) أي بوحدانيته تعالى (و) بوجود (ملائكته) أي وبوجود عباد له مكرمين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (و) بإنزال (كتابه) الذي أنزله على بعض رسله، والمراد بكتابه الجنس الصادق بجميع كتبه المنزلة على رسله وهي مائة وعشرة (و) بـ (ــلقائه) سبحانه وتعالى بالموت (و) بإرسال (رسله) بشريعته إلى جميع المكلفين ليأمروهم بها (وتؤمن بالبعث الآخر) بكسر الخاء واللقاء الموت والبعث الآخر القيام للحساب، قال القاضي عياض: وصف البعث بالآخر تأكيدًا أو لأن الخروج من الأرحام بعث أول اهـ. وقال النووي: واختلف في المراد بالجمع بين الإيمان بلقاء الله تعالى والإيمان بالبعث، فقيل اللقاء يحصل بالانتقال إلى دار الجزاء والبعث بعده عند قيام الساعة،

قَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الإِسْلامُ؟ قَال: "الإِسْلامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّه وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شيئًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل اللقاء ما يكون بعد البعث عند الحساب ثم ليس المراد باللقاء رؤية الله تعالى فإن أحدًا لا يقطع لنفسه برؤية الله تعالى لأن الرؤية مختصة بالمؤمنين ولا يدري الإنسان بماذا يختم له. وأما وصف البعث بالآخر فقيل هو مبالغة في البيان والإيضاح وذلك لشدة الاهتمام به وقيل سببه أن خروج الإنسان إلى الدنيا بعث من الأرحام، وخروجه من القبر للحشر بعث من الأرض، فقيد البعث بالآخر ليتميز عن الأول والله أعلم. وإنما أعاد العامل في قوله (وتؤمن بالبعث الآخر) وكذا الجار، ولم يكتف بالعطف على لفظ الجلالة اهتمامًا بشأنه لأن مشركي مكة وغيرهم من سائر المشركين ينكرونه. (قال) الرجل السائل (يا رسول الله) هذا نقل بالمعنى كما عرفت (ما الإسلام) أي ما حقيقته وماهيته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإسلام) أي حقيقته وماهيته (أن تعبد الله) سبحانه وتعالى وتوحده وقوله (ولا تشرك به) سبحانه وتعالى (شيئًا) من المخلوقات حيوانًا ولا جمادًا مَلَكًا أو إنسانًا أو جنًّا حيًّا أو ميتًا، تفسير له، وهذا نقل بالمعنى، وأما حديث عمر (أن تشهد أن لا إله إلا الله) نقل باللفظ، قال النووي: أما العبادة فهي الطاعة مع خضوع فيحتمل أن يكون المراد بالعبادة هنا معرفة الله تعالى والإقرار بوحدانيته فعلى هذا يكون عطف الصلاة والصوم والزكاة عليها لإدخالها في الإسلام لأنها لم تكن دخلت في العبادة، وعلى هذا إنما اقتصر على هذه الثلاثة لكونها من أركان الإسلام، وأظهر شعائره، والباقي ملحق بها ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقًا، فيدخل جميع وظائف الإسلام فيها، فعلى هذا يكون عطف الصلاة وما بعدها عليها من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيهًا على شرفه ومزيته كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} ونظائره. وأما قوله (ولا تشرك به شيئًا) فذكره بعد العبادة التي هي التوحيد مع دخول عدم الشرك فيها للتفسير، ولأن الكفار كانوا يعبدونه سبحانه وتعالى في الصورة، ويعبدون معه أوثانًا يزعمون أنها شركاء لله تعالى، فنفى به عملهم هذا اهـ. كما يقولون: (لبيك اللهم

وَتُقِيمَ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه هو وما ملك) (و) أن (تقيم الصلاة المكتوبة) أي المفروضة، أي أن تؤديها بأركانها وشرائطها وآدابها أو تُديم إقامتها وتحافظ عليها (و) أن (تؤدي) أي تصرف (الزكاة المفروضة) أي الواجبة في مصارفها الثمانية المبينة في القرآن الكريم. قال النووي إقامة الصلاة إدامتها، وقيل هو فعلها على ما ينبغي لها ويطلب فيها، قال: والأول أوجه، قال الأبي: بل المعنى الثاني أوجه لأنه يستلزم الأول، والكتب في الصلاة والفرض في الزكاة بمعنى واحد، وغاير بينهما كراهية تكرير اللفظ بعينه، فهو مذموم إلا أن يفيد معنى زائدًا، وهذا هو المسمى عند البديعيين بالتفنن وهو ذكر نوعين من الكلام لثقل تكرار أحدهما على اللسان، قال الأبي: ويظهر لي أنه إنما فعل ذلك أعني تخصيص الصلاة بالكتب والزكاة بالفرض لأنه عُرف الشرع فقد قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وقال صلى الله عليه وسلم: "وخمس صلوات كتبهن الله" وقال أيضًا: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" وقال أيضًا: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل"، وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر إلى غير ذلك من آية وحديث. وخص الزكاة بلفظ الفرض لأن الفرض التقدير، وفي الزكاة تقديرات، تقدير النصاب، وتقدير القدر المخرج وتخمين الثمر على الشجر إلى غير ذلك، وقال المارزي وقيدتا بالكتب والفرض لأن في كل منهما ما هو غير واجب كركعتي الفجر وسائر النوافل في الصلاة، وكالزكاة المعجلة قبل الحول فإنها تسمى زكاة وليست بفرض وتجزئ عند بعضهم، وكزكاة الفطر على القول بأنها سنة وكسائر صدقات التطوع. قال القرطبي: وتقييده في فذا الحديث الصلاة بالمكتوبة والزكاة بالمفروضة دليل على أن النوافل لا تدخل في مسمى الإسلام الشرعي فيخرج الصلوات المسنونات وغيرها، وزكاة الفطر على قول من يرى أنها سنة، وصدقات التطوع وهذا كله يدور على القول بدليل الخطاب على ما أوضحناه في الأصول انتهى. (و) أن (تصوم) شهر (رمضان) قال القرطبي: وهذا دليل على جواز أن يقال

قَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الإِحْسَانُ؟ قَال: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ .. فَإِنهُ يَرَاكَ". قَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَال: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رمضان بلا إضافة شهر إليه خلافًا لمن يقول لا يقال رمضان بل يقال شهر رمضان متمسكًا في ذلك بحديث لا يصح، وهو أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى" أخرجه ابن عدي في الكامل من حديث أبي معشر ولا يحتج به، ولو سلمنا صحته لكانت الأحاديث التي فيها ذكر رمضان من غير شهر هي الأولى بالصحة، لأنها أصح وأشهر ولأن مثبته منكر إذ لم يوجد في شيء من أسماء الله تعالى رمضان، ولأن المعنى الذي اشتق منه رمضان محال على الله تعالى، وحُكي عن القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني أنه قال: إنما يكره ذلك فيما يدخل في الكلام لبسًا مثل جاء رمضان ودخل رمضان، وأما صمنا رمضان فلا بأس به انتهى. (قال) الرجل السائل (يا رسول الله ما) حقيقة (الإحسان) والإخلاص في العمل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له الإحسان (أن تعبد الله) أي أن تخلص عملك لله تعالى (كأنك تراه) وتشاهده، أي إن الإحسان عبادتك له مستحضرًا في عملك خشوعًا وخضوعًا مثل خضوعك له حين تراه وتشاهده لو رأيته (فإنك) أيها العابد لربه (أن لا تراه) أي إن لم ترَ ربك حين تعبده (فإنه) سبحانه وتعالى (يراك) أي يرى ذاتك وعملك، ويعلم أنك أخلصت فيه أم لا، والمعنى أخلص عملك له إخلاصًا كإخلاص من يراه ويشاهده ويقوم بين يديه ولا يلتفت إلى غيره. (قال) الرجل (يا رسول الله متى) قيام (الساعة) وأي وقت مجيء القيامة، قال القرطبي: مقصود هذا السؤال امتناع السامعين من السؤال عنها إذ قد كانوا أكثروا السؤال عن تعيين وقتها كما قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} وهو كثير في الكتاب والسنة فلما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يعلمها إلا الله يئس السائلون من معرفتها فانكفوا عن السؤال عنها، وهذا بخلاف الأسئلة الأُخر فإن مقصودها استخراج الأجوبة عنها ليستعملها السامعون ويعمل بها العاملون انتهى. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له (ما المسؤول عنها) يريد نفسه

بِأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَن اشرَاطِهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ (بأعلم من السائل) يريد الرجل، أي أنا وأنت وغيرنا من المخلوقات سواءٌ في عدم علم وقت مجيء الساعة لأنها من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه فلا يعلم أحد وقت مجيئها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، قال الرجل السائل (ولكن) حدثني يا رسول الله عن أشراطها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سأحدثك عن أشراطها) أي في الزمن القريب أخبرك عن أشراط الساعة وأماراتها التي تدل على قربها، وإنما أوَّلنا هذا الحديث هكذا ليحصل الجمع بين هذا الحديث الوارد بطريق أبي هريرة، وبين الحديث الوارد بطريق عمر السابق قبل هذا، لأن بين الحديثين معارضة، لأن قوله في حديث عمر (فأخبرني عن أماراتها) يدل على أن المبتدئ بالسؤال جبريل - عليه السلام - والمجيب هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله هنا في حديث أبي هريرة (ولكن سأحدثك عن أشراطها) يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب وأخبر له بلا سبق سؤال منه، فيجمع بينهما بأن جبريل - عليه السلام - ابتدأ بالسؤال المقدر كما قدرناه فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (سأحدثك عن أشراطها) فذكر في حديث عمر السؤال والجواب، وذكر في حديث أبي هريرة الجواب وحذف السؤال، فبهذا يزول التعارض بين الحديثين والله أعلم. وعبارة القرطبي هنا قوله (سأحدثك عن أشراطها) هكذا في حديث أبي هريرة وفي حديث عمر (قال فأخبرني عن أماراتها) ووجه الجمع بينهما أنه لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم سأحدثك عن أشراطها حتى قال له جبريل فأخبرني عن أمارتها فذكر في إحدى الروايتين السؤال والجواب، وفي الأخرى الجواب فقط والله أعلم انتهى. (فائدة) قال الأبي: إذا ورد حديثان في معنى بطريقين بينهما تنافٍ فلا بد من الجمع بين الطريقين، وطريق الجمع إن اتحد الموطن أن يُذكر وجهٌ يناسب، وإن تعدد الموطن فالجمع بان يذكر أيضًا وجهٌ يناسب، أو يقال إنه ذكر في موطن ما لم يذكر في موطن آخر، وهذا الحديث مع الأول من هذا القبيل، ففي الأول المبتدئ بالسؤال جبريل - عليه السلام -، وفي هذا النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينهما بأن يكون جبريل - عليه السلام - ابتدأ بالسؤال فقال النبي صلى الله عليه وسلم سأحدثك، فذكر في الأول السؤال وفي الثاني الجواب انتهى. وقوله (سأحدثك عن أشراطها) قال النووي: والأشراط بفتح الهمزة جمع شرط

إِذَا وَلَدَتِ الأمَةُ رَبَّهَا .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتِ العُرَاةُ الْحُفَاةُ رُؤُوسَ النَّاسِ .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ في الْبُنْيَانِ .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الشين والراء، والأشراط العلامات وقيل مقدماتها وقيل صغار أمورها قبل تمامها وكله متقارب انتهى. قال القرطبي: ومنه سُمي الشُرَطُ لأنهم يجعلون لأنفسهم علامات يُعرفون بها، فقيل أشراط الساعة مقدماتها، وأشراط الشيء أوله، ومنه سُمي الشُرطان لتقدمه الربيع، وقيل الأشراط جمع شرط وهو الدون من الشيء، فأشراط الساعة صغار أمورها المتقدمة عليها ومنه سُمي الشُرَطُ انتهى. قال الأبي: الشُرطان هي المنزلة المعروفة، وذكرها الزجاج في مقدمة شرح أدب الكتاب بالسين المهملة، وذكر بعض أهل اللغة أنهما سيان انتهى. ثم ذكر الأشراط الموعودة فقال منها (إذا ولدت) أي وضعت (الأمة) أي الرقيقة وفي بعض الروايات "إذا ولدت المرأة" أي حرة كانت أو رقيقة (ربها) أي سيدها ومالكها (فذاك) أي ولادها ووضعها ربها (من) بعض (أشراطها) أي من بعض أشراط الساعة وأمارات قربها وتقدم ما فيه من التفاسير (و) منها (إذا كانت) الأعراب (العراة) جمع عار وهو الذي لا شيء عليه من اللباس (الحفاة) جمع حاف وهو الذي لا نعل له (رووس الناس) وسادتهم وساستهم، قال الأبي: ليس قوله رؤوس الناس بمناف لقوله الأول يتطاولون في البنيان لأن تطاولهم لتغلبهم على الناس اهـ (فذاك) أي كونهم سادة الناس (من أشراطها). (و) منها (إذا تطاول رعاء البهم) أي تفاخروا بالطول (في البنيان) والعمائر (فذاك) التطاول والتباهي (من أشراطها) أي من أشراط قربها كما هو شأن أهل زماننا. والرِعاء بكسر الراء جمع راعٍ، وقد مر لك أنه يجمع على رعاة كغازٍ وغُزاة يقال: تطاول في البنيان إذا تفاخر وتباهى على غيره بطول بنيانه علي بنيانه، ويقال تطاول إذا تسابق وتغالب في طول البنيان مع غيره فغلبه فيه، أي إذا تطاول رِعاء الشاء البهم، والبهم بفتح الباء وسكون الهاء هي صغار الغنم، أي الصغار من أولاد الغنم الضأن والمعز جميعًا، وقيل من الضأن خاصة، وقيل من المعز خاصة وأصله كل ما استبهم من

في خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُن إِلَّا اللهُ، ، ثُمَّ تَلا - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام أي انغلق عليه واستعجم فلم يقدر عليه ومنه سُميت البهيمة لاستبهامها عن العقل، وقيل هو صغير الحيوان من غير الآدمي مطلقًا، والصغير ما ولد لشهرين، قال القاضي عياض: ووقع في البخاري (رعاء الإبل البُهم) بضم الباء أي السواد جمع بهيم، ثم رويناه بكسر الميم صفة للإبل لأن الإبل شرها السود، وبضمها صفة للرعاء لأن السواد غالب ألوانهم، وقيل معنى كون الرعاء بُهمًا أنهم عالة فقراء لا شيء لهم، من قوله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس حفاة عراة بُهمًا" ولا يبعد أن يعني بالبهم العرب لأن غالب ألوانهم الأدمة، ويؤيده أن في بعض الروايات قال: يعني العرب تفسيرًا للبهم، وحديث: "بعثت إلى الأحمر والأسود قيل إنَّ الأسود السودان والعرب، والأحمر غيرهم من البيض، وقيل الأسود الشياطين، والأحمر الإنس وهو عند بعض رواة البخاري. (البهم) بفتح الباء ولا وجه له مع ذكر الإبل، وقال الخطابي البهم المجهول الذي لا يُعرف من أبهم الأمر، ومن جر الميم جعله صفة للإبل أي السود لردائتها والله أعلم. قال القرطبي: واقتصر في هذا الحديث على ذكر بعض الأشراط التي يكون وقوعها قريبًا من زمانه وإلا فالشروط كثيرة، وهي أكثر مما ذكر هنا كما دل عليه الكتاب والسنة، ثم إنها منقسمة إلى ما يكون من نوع المعتاد كهذه الأشراط المذكورة في هذا الحديث، وكرفع العلم وظهور الجهل وكثرة الزنا وشرب الخمر إلى غير ذلك، وأما التي ليست من النوع المعتاد فكخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها والدخان والنار التي تسوق الناس وتحشرهم على ما يأتي. وقوله (في خمس) متعلق بمحذوف تقديره هي في عداد خمس (لا يعلمهن) أحد (إلا الله) تعالى أي انفرد الله سبحانه وتعالى بعلمهن فلا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمس لقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيبِ لَا يَعْلَمُهَا إلا هُوَ} [الأنعام: 59] فلا طريق إلى علم شيء من ذلك إلا أن يُعلم الله تعالى بذلك أو بشيء منه أحدًا ممن شاء كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا (26) إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27] (ثم تلا) وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبيان تلك الخمس قوله

{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى ({إِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({عِنْدَهُ}) لا عند غيره ({عِلْمُ}) وقت قيام ({السَّاعَةِ}) أي القيامة، قال الفراء: إن معنى هذا الكلام النفي أي ما يعلمه أحد إلا الله عزَّ وجلَّ والساعة جزء من أجزاء الجديدين سميت بها القيامة لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أي عنده تعالى علم وقت قيام الساعة وما يتبعه من الأحوال والأهوال فهو متفرد بعلمه فلا يعلمه أحد سواه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل كما قال تعالى {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هُوَ} فلا يدري أحد في أي سنة وفي أي شهر وفي أي ساعة من ساعات الليل والنهار تقوم الساعة اهـ من "حدائق الروح والريحان". وجملة قوله {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} معطوفة على ما يقتضيه الظرف في قوله (عنده علم الساعة) من الفعل تقديره إن الله سبحانه يثبت عنده علم الساعة وينزل الغيث، بالتشديد والتخفيف قرائتان سبعيتان وهذا من حيث ظاهر التركيب وأما من حيث المعنى فهو معطوف على الساعة فيكون العلم مسلطًا عليه أي وعنده علم وقت نزول الغيث وسمي المطر غيثًا لأنه غياث الخلق به رزقهم وعليه بقاؤهم والغيث مخصوص بالمطر النافع والمعنى أي وينزل الغيث في زمانه الذي قدره من غير تقديم ولا تأخير إلى محله الذي عينه في علمه من غير خطأ ولا تبديل فهو منفرد بعلم زمانه ومكانه وعدد قطراته، روي مرفوعًا "ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا السماء تمطر فيها يصرفه الله تعالى حيث يشاء" وفي الحديث "ما سنة بأمطر من أخرى ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار" فمن أراد استجلاب الرحمة فعليه بالتوبة والندامة والتضرع إلى قاضي الحاجات بأخلص المناجاة. ({وَيَعْلَمُ}) سبحانه وتعالى ({مَا فِي الْأَرْحَامِ}) أي ما في أرحام النساء من الجنين أي يعلم ذاته أذكر أم أنثى حي أم ميت وصفاته أتام الخلق أم ناقصه حسن أم قبيح أحمر أم أسود سعيد أم شقي. أي يعلم أوصافه في حالة كونه نطفة قبل تمام خلقه وما يعرفه الناس الآن بالعلم الحديث فبعد تمام خلقه والأرحام جمع رحم بيت منبت الولد ووعاؤه ({وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ}) من النفوس وما تعرف ({مَاذَا}) أي أي شيء ({تَكْسِبُ}) وتفعل ({غَدًا}) أي

وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} [لقمان: 34] ـــــــــــــــــــــــــــــ يومًا تاليًا ليومها الذي هي فيه أي لا يعرف أحد من الناس ماذا يفعل غدًا وماذا يحصل له فيه من خير أو شر ووفاق وشقاق وربما يعزم على خير فيفعل الشر وبالعكس، والمعنى أي وما تدري نفس من النفوس كائنة ما كانت من غير فرق بين الملائكة والأنبياء والجن ماذا تكسب غدًا من كسب دين أو كسب دنيا ({وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ}) من النفوس وإن أعملت حيلها ({بِأَيِّ أَرْضٍ}) ومكان ({تَمُوتُ}) أي لا تدري أين مضجعها من الأرض أفي بحر أم في بر أفي سهل أم في جبل كما لا تدري في أي وقت تموت وإن كانت تدري أنها تموت في الأرض في وقت من الأوقات وربما أقامت بمكان ناوية أن لا تفارقه إلى أن تدفن به ثم تدفن في مكان لم يخطر لها ببال قط وأنشدوا: إذا ما حِمامُ المَرْء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير ومن ادعى أنه يعلم شيئًا من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه. ({إِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({عَلِيمٌ}) يعلم الأشياء كلها هذه الخمسة وغيرها ({خَبِيرٌ}) يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها. (فإن قلت) لم عد هذه الخمسة المذكورة في الآية مع أن كل المغيبات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. (قلت) خصها لما أن السؤال عنها كثر كما ذكر في سبب النزول وكان أهل الجاهلية يسألون المنجمين عن هذه الخمسة زاعمين أنهم يعرفونها وتصديق الكاهن فيما يخبره من الغيب كفر لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنًا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد" والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار. قال ابن العربي: فليس لأحد أن يدعي علم إحداها فمن قال ينزل المطر غدًا أو أكسب فيه كذا كفر، وإن استند في نزول المطر إلى أمارة فإن الله تعالى لم يجعل لواحدة منهن أمارة إلا ما جعل للساعة وكذلك إن ادعى علم ما في الرحم إلا أن يستند في ذلك إلى التجربة كقول الطبيب إن كان الثقل في الجانب الأيمن أو كانت حلمة ثديها الأيمن هي السوداء قالوا ولد ذكر وإن كان أحد الأمرين في الأيسر فالولد أنثى، وقال أيضًا وليس قوله تكسف غدًا من ذلك لأن الكسوف يعرف بالحساب لكن قال علماؤنا يؤدب لتطريقه الشك للعوام. انتهى

قَال: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ"، فَأَخَذُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولابن رشد في جامع المقدمات اختلف في المنجم يقضي بتنجيمه فيدعي علم شيء من المغيبات كقدوم زيد وحدوث الفتن والأهوال فقيل يقتل دون استتابة وقيل يستتاب كالمرتد فإن تاب وإلا قتل. ولمالك في كتاب السلطان: يزجر عن اعتقاد ذلك ويؤدب حتى يتوب قال وليس هذا باختلاف وإنما هو لاختلاف حال المنجم فإن اعتقد تأثير الكواكب في ذلك ويستمر بقوله ذلك قتل بدون استتابة لأنه زنديق وإن كان يظهر ذلك وينتصر له استتيب كالمرتد وإن كان لا يعتقد التأثير وإنما يرى القرانات والطوالع أدلة عادية في ذلك فهذا يزجر ويؤدب كما قال مالك لأنه أتى بدعة تسقط أمانته وشهادته ولا يحل تصديقه لقوله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيبَ إلا اللَّهُ} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية وينبغي أن يعتقد فيما يصيبون فيه أنه بمقتضى التجربة لأنه سبحانه استأثر بعلم ذلك اهـ الأبي. قال القرطبي: فمن ادعى علم شيء من هذه الأمور كان في دعواه كاذبًا إلا أن يسند ذلك إلى رسول بطريق تفيد العلم القطعي ووجود ذلك متعذر بل ممتنع. وأما ظن الغيب فلم يتعرض شيء من الشرع لنفيه ولا لإثباته فقد يجوز أن يظن المنجم أو صاحب خط الرمل أو نحو هذا شيئًا مما يقع في المستقبل فيقع على ما ظنه فيكون ذلك ظنًّا صادقًا إذا كان عن موجب عادي يقتضي ذلك الظن وليس بعلم فيفهم هذا منه؛ فإنه موضع غلط بسببه رجال وأكلت به أموال. ثم اعلم أن أخذ الأجرة والجعل على ادعاء علم الغيب أو ظنه لا يجوز بالإجماع على ما حكاه أبو عمر ابن عبد البر وفي الحديث أبواب من الفقه وأبحاث يطول تتبعها والله أعلم اهـ. (قال) أبو هريرة رضي الله عنه (ثم) بعد هذا السؤال المذكور (أدبر) وذهب (الرجل) السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدبرًا موليًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن حوله ليظهر لهم أن الرجل السائل هو جبريل - عليه السلام - (ردوا علي) هذا (الرجل) السائل المدبر وأرجعوه إلي (فأخذوا) أي شرعوا في رده وذهبوا وراءه

لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيئًا، فَقَال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا جِبْرِيلُ، جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ". 6 - (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ليردوه) أي ليردوا الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (فلم يروا شيئًا) أي فلم يجدوا من الرجل شيئًا لا ذاتًا ولا أثرًا ولا حركة ولا صوتًا فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم لم يجدوا شيئًا من آثار الرجل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا) الرجل الذي سألني وذهب وأدبر هو (جبريل) الأمين - عليه السلام - (جاء) ونزل إلي (ليعلم الناس) أصول (دينهم) وأساسه أي جاء ليتسبب في تعلم الناس أصول دينهم بسؤاله إياي إذ لم تسألوني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (6) - متا (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) مصغرًا الهمداني بسكون الميم أبو عبد الرحمن الكوفي الحافظ أحد الأئمة الأعلام روى عن محمد بن بشر وأبي خالد الأحمر وسفيان بن عيينة ووكيع وخلق، ويروي عنه (ع) ومطين وأبو يعلى وخلق، عظمه أحمد وأجلّه وقال: أي فتى وقال النسائي: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة حافظ فاضل من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان في موضعين وفي الصلاة في موضعين وفي الدعاء وفي الوضوء وفي الحج وفي النكاح وفي الحدود وفي الجهاد في ثلاثة مواضع وفي باب المرء مع من أحب في موضعين وفي باب العاطس فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا. قال ابن نمير (حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي من عبد القيس أبو عبد الله الكوفي أحد العلماء الحفاظ روى عن أبي حيان وهشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد وخلق، ويروي عنه (ع) ومحمد بن عبد لله بن نمير وابن المديني وأبو كريب وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (203) ثلاث ومائتين. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في

حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيمِيُّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيرَ أَن في رِوَايَتِهِ: "إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ بَعْلَهَا"، يَعْنِي السَّرَارِيَّ. ثلاثة مواضع والصوم والطلاق والهبة في موضعين والأشربة وفي الأحكام والفتن وفي الجهاد فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة تقريبًا. قال محمد بن بشر (حدثنا أبو حيان) يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) تيم الرباب الكوفي المدني العابد ثقة من السادسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة تقدم ما فيه من المباحث قريبًا فراجعه، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا محمد بن بشر وكذا قوله (مثله) مفعول ثان لقوله حدثنا محمد بن بشر لأن العامل في قوله بهذا الإسناد وفي قوله مثله أو نحوه أو معناه مثلًا هو العامل في المتابع بكسر الباء، واسم الإشارة في قوله بهذا الإسناد راجع إلى ما بعد شيخ المتابع بفتح الباء، والمتابع بفتح الباء هنا إسماعيل بن علية وشيخه أبو حيان وما بعد أبي حيان هو أبو زرعة وأبو هريرة والضمير في مثله عائد إلى المتابع بفتح الباء المذكور في السند السابق وهو إسماعيل بن علية والمعنى حدثنا محمد بن بشر بهذا الإسناد عن أبي حيان مثل ما روى إسماعيل بن علية عن أبي حيان والمثل عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه إلا ما استثنى بقوله (غير أن في روايته) أي في رواية محمد بن بشر (إذا ولدت الأمة بعلها) أي سيدها بدل قول ابن علية (ربها) وهذا بيان لمحل المخالفة بين المتابع والمتابع والأمة هنا هي الجارية المستولدة وبعلها سيدها وربها كما سماه الله تعالى بعلًا في قوله {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)} في الصافات، في قول ابن عباس وحكي عنه أنه قال: لم أدر ما البعل حتى قلت لأعرابي لمن هذه الناقة فقال أنا بعلها ويسمى الزوج بعلًا ويجمع على بعولة كما قال تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} في البقرة {وَهَذَا بَعْلِي شَيخًا} في هود. وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة (السراري) كلام مدرج من بعض الرواة والسراري بتشديد الياء ويجوز تخفيفها لغتان معروفتان الواحدة سرية بالتشديد لا غير، قال ابن السكيت: كل ما كان واحده مشددًا من هذا النوع جاز في جمعه التشديد والتخفيف والسرية الجارية المتخذة للوطء مأخوذة من السر وهو النكاح، قال الأزهري: السرية فعلية من السر وهو النكاح، قال: وكان أبو الهيثم يقول: السر السرور

7 - (10) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل لها سرية لأنها سرور مالكها، قال الأزهري وهذا القول أحسن والأول أكثر اهـ نووي. وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن بشر لإسماعيل ابن علية في رواية هذا الحديث عن أبي حيان التيمي وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع إعادة الحديث بتمامه لما بين الروايتين من المخالفة بالزيادة وبتغيير بعض الكلمات فقال: (7) - متا (10) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد أبو خيثمة النسائي من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وقد مر قريبًا ما فيه من المباحث فراجعه، قال زهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط -بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة- بن هلال، بن قيس الضبي الكوفي ثم الرازي أبو عبد الله القاضي روى عن عمارة بن القعقاع وهشام بن عروة والأعمش ومنصور والمختار بن فلفل وغيرهم، ويروي عنه (ع) وزهير بن حرب وقتيبة وإسحاق ويحيى بن يحيى وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم، قال في التقريب: ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة وله إحدى وسبعون سنة. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان في موضعين وفي الوضوء وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الجنائز وفي الزكاة في موضعين وفي الصوم وفي الحج في ثلاثة مواضع وفي البيوع في ثلاثة مواضع وفي الهبة والأطعمة واللباس وفي الفتن وفي الجهاد وفي الأدب وفي القدر وفي باب من مات له ثلاث فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابا. (عن عمارة) بضم العين بن القعقاع بن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة الضبي بالمعجمة والموحدة الكوفي ابن أخي عبد الله بن شبرمة، روى عن أبي زرعة وعبد الرحمن بن أبي نعم وجماعة، ويروي عنه (ع) وجرير بن عبد الحميد ومحمد بن فضيل وعبد الواحد والأعمش وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من السادسة أرسل عن ابن مسعود.

وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاع- عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "سَلونِي"، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم واللباس فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب تقريبًا. وأتى المؤلف بقوله (وهو ابن القعقاع) إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي بأنه ابن القعقاع لا عمارة بن رويبة الثقفي ولا عمارة بن عمير التيمي ولا عمارة بن غزية الأنصاري الصحابي، لأن جملة من اسمه عمارة في مسلم أربعة (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من الثالثة وقد مر ما فيه من المباحث قريبًا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا (سلوني) أيها الناس عما بدا لكم من المشاكل في دينكم، قال النووي: أمرهم بسؤالهم إياه ليس بمخالف النهي عن سؤاله المذكور في الآية فإن هذا المأمور به هو فيما يحتاج إليه وهو موافق لقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} اهـ. قال القرطبي: سبب قوله هذا أنهم لما أكثروا عليه الأسئلة استشعر أنه كان هناك من يسأل تعنتًا وتجهيلًا فغضب لذلك حتى احمر وجهه وجعل يقول سلوني سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم عنه ما دمت في مقامي هذا فدخل الناس من ذلك خوف ورعب فلم يزل كذلك حتى برك عمر بين يديه وجعل يقول رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا حتى سكن غضبه صلى الله عليه وسلم وسيأتي الحديث بكماله إن شاء الله تعالى وأنزل الله تعالى في ذلك الوقت قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] فانكف الناس عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قالوا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فلما انكفوا عن ذلك امتثالًا لنهي الله سبحانه وتعالى وتعظيمًا لحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الله ذلك منهم فأرسل السائل البصير جبريل - عليه السلام - فأجابه العالم الخبير النبي صلى الله عليه وسلم فجعل العلم للسامعين الممتثلين من غير سؤال كما قد كفى الله المؤمنين القتال، وقد نبه على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا جبريل أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا.

فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيهِ، فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الإِسْلامُ؟ قَال: "لَا تُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ"، قَال: صَدَقْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي قوله (سلوني) أمر العالِم الناسَ أن يسألوه عما يحتاجون إليه وأنهم إن لم يحققوا السؤال ابتدءوا بالتعليم كما فعل جبريل - عليه السلام - (فـ) ــلما رأوا غضبه صلى الله عليه وسلم (هابوه) أي خافوا النبي صلى الله عليه وسلم وجملة أن المصدرية في قوله (أن يسألوه) مع ما في حيزها في تأويل مصدر منصوب على البدلية من ضمير النصب في هابوه بدل اشتمال أي هابوا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما يحتاجون إليه في دينهم خوفًا من غضب الله تعالى لغضبه صلى الله عليه وسلم (فجاء) في ذلك الوقت (رجل) لا يعرفونه (فجلس) أي قعد الرجل واضعًا ركبتيه (عند ركبتيه) صلى الله عليه وسلم على صورة المتعلم المتأدب (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله) وهذا النداء لا يعارض نداءه في حديث عمر بقوله يا محمد لأن حديث عمر نقل باللفظ وهذا نقل بالمعنى وفي هذا تعليم لهم لأدب الجلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جلس على ركبتيه وأدب النداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يا رسول الله (ما) حقيقة (الإسلام) وماهيته وأجزاؤه التي يتركب منها. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لسؤاله: الإسلام هو (لا تشرك بالله) أي عدم إشراكك بالله سبحانه وتعالى (شيئًا) من المخلوقات فهو مفعول به لتشرك ويصح كونه مفعولًا مطلقًا أي لا تشرك بالله شيئًا من الإشراك أي شركًا جليًّا ولا خفيًّا والأول أولى لأن المقام مقام الانقياد الظاهري لا مقام الإحسان، وفي نسخة الأبي (قال أن لا تشرك بالله) بزيادة أن المصدرية (وتقيم الصلاة) أي وتؤدي الصلاة المكتوبة في أوقاتها المحدودة بأركانها وآدابها وشرائطها المخصوصة (وتؤتي الزكاة) أي: وتعطي الزكاة المفروضة وتصرفها في مصارفها المذكورة في الكتاب العزيز (وتصوم) نهار شهر (رمضان) وتمسك نفسك عن تناول المفطرات بنية مخصوصة مبيتة، وهذا صريح في الرد على من يقول لا يقال رمضان إلا بإضافة شهر إليه لأنه من أسمائه تعالى كما مر بسط الكلام فيه ولم يذكر الحج لأنه لم يفرض وقتئذ (قال) الرجل السائل (صدقت) يا رسول الله فيما أخبرتني في بيان ماهية الإسلام.

قَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الإِيمَانُ؟ قَال: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِه وَشَرِّه" (¬1)، قَال: صَدَقْتَ. قَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الإِحْسَانُ؟ قَال: "أَنْ تَخشَى الله كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ .. فَإنَّهُ يَرَاكَ"، قَال: صَدَقْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم (قال) الرجل السائل ثانيًا (يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (ما) حقيقة (الإيمان) وما ماهيته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له الإيمان (أن تؤمن) وتصدق (بـ) ـــوحدانية (الله) سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله (و) بوجود (ملائكته) الكرام الذين لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى (و) بإنزال جنس (كتابه) على بعض رسله المرسلين إلى المكلفين بالتكاليف الشرعية والنظام الإلهية (و) بوجوب (لقائه) سبحانه وتعالى بالموت وعرضه عليه للمجازاة (و) بإرسال (رسله) الذين أرسلهم إلى المكلفين بالتكاليف الإلهية (وتؤمن) أي تصدق (بـ) ـــوجوب (البعث) والإحياء والحشر من القبور إلى أرض المحشر للعرض على رب العالمين، وأعاد العامل والجار والمجرور هنا وفيما بعده للاهتمام بهما لكثرة من ينكرهما جهلًا أو تعنتًا (وتؤمن) أي تصدق (بـ) وجوب (القدر) والعلم الأزلي بمقادير الأشياء لله سبحانه وتعالى، وقوله (خيره) أي خير ذلك المقدر ونفعه للعباد كالإيمان والطاعات (وشره) أي شر ذلك المقدر وضرره على العباد كالكفر والمعاصي بدل من القدر بدل تفصيل من مجمل وفيه رد على من يقول الخير من الله تعالى والشر من العباد، وفي نسخة الأبي (وتؤمن بالقدر كله خيره وشره) بزيادة كله، وفي نسخة النووي (وتؤمن بالقدر كله) بحذف خيره وشره (قال) الرجل السائل (صدقت) يا رسول الله فيما أخبرتني في بيان حقيقة الإيمان. ثم (قال) الرجل السائل ثالثًا (يا رسول الله ما) حقيقة (الإحسان) وماهيته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان (أن تخشى الله) سبحانه وتعالى وتخافه (كأنك تراه) وتشاهده سبحانه وتعالى بعينيك وبصرك (فإنك إن لا تكن تراه) أي إن لم تكن تراه سبحانه وتعالى (فإنه) سبحانه (يراك) أي يرى ذاتك وعملك ويعلم ظواهرك وبواطنك فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء (قال) الرجل (صدقت) يا رسول الله في بيان معنى الإحسان. ¬

_ (¬1) في نسخة: (وتؤمن بالقدر كلِّه).

قَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ قَال: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا رَأَيتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّهَا .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأيتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيتَ رِعَاءَ الْبَهْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) الرجل السائل رابعًا (يا رسول الله متى تقوم الساعة) أي أيَّ وقت تقوم القيامة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما المسؤول عنها) أي ليس الذي سُئل عن وقت قيامها يريد نفسه الشريفة (بأعلم) بها (من السائل) يريد جبريل - عليه السلام - أي أنا وأنت وغيرنا سواء في عدم علم وقت مجيئها لأنها من المغيبات التي استأثر الله بعلمها قال الرجل السائل (و) لكن حدثني عن أشراطها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (سأحدثك) أي أُحدثك وأخبرك في الزمن القريب (عن أشراطها) أي عن أشراط الساعة وأماراتها التي تدل على قربها وهي كثيرة فمنها أنك (إذا رأيت المرأة) حرة كانت أو أمة (تلد) وتضع (ربها) وسيدها (فذاك) أي وضعها وولادها ربها وسيدها (من أشراطها) أي من أشراط الساعة وأمارات قربها وهذا كناية عن كثرة السراري بالنسبة إلى الأمة وكثرة العقوق بالنظر إلى الحرة (و) منها أنك (إذا رأيت الحفاة) من النعال (العراة) من اللباس لعالتهم وفقرهم (الصم) جمع أصم وهو الذي لا يسمع بأذنه (البكم) جمع أبكم وهو الذي لا ينطق بلسانه وهو كناية عن قلة عقلهم وعدم فصاحتهم أي وإذا رأيت الفقراء الجهلة كانوا (ملوك) أهل (الأرض) ورؤساءهم وسادتهم وقادتهم (فداك) أي كون هؤلاء المذكورين سادة أهل الأرض ورؤساءهم (من أشراطها) أي من أشراط الساعة وأمارات قربها، قال القاضي عياض: أي وإذا صار الجهلة ملوكًا، وقيل المعنى وإذا صار الملوك صمًّا بكمًا عن الخير لشغلهم بالدنيا وما ذكرناه أولًا أولى إذ ليس في الحديث ما يدل على أن هذه صفتهم وهم ملوك وإنما يعني إذا صار ملكًا من هذه صفته اهـ. قال الأبي: فشرط الساعة وأماراتها على الأول أن يملك من فقد منه شرط الإمامة وعلى الثاني فساد حال من ملك وجعلوا صمًّا بكمًا لأنهم لما لم ينتفعوا بتلك الجوارح فكأنهم لم تخلق لهم، وقال النووي: المراد بهم الجهلة السفلة الرعاء كما قال سبحانه {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} أي لما لم ينتفعوا بجوارحهم هذه فكأنهم عدموها هذا هو الصحيح في معنى الحديث اهـ (و) منها أنك (إذا رأيت رعاء البهم) أي رعاة الغنم والبهم بفتح الباء وسكون الهاء هي صغار الغنم قيل من المعز والضأن جميعًا وقيل من الضأن خاصة وقيل من المعز

يَتَطَاوَلُونَ في الْبُنْيَانِ .. فَذَاكَ مِنْ أَشرَاطِهَا، في خَمْسٍ مِنَ الْغَيبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ، ثُم قَرَأَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} [لقمان: 34]. قَال: ثُم قَامَ الرَّجُلُ، فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رُدُّوهُ عَلَيَّ" فَالْتُمِسَ .. فَلَم يَجِدُوهُ، فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ خاصة وقيل هو صغار الحيوان من غير الآدمي على الإطلاق كما مر (يتطاولون) أي يتفاخرون ويتباهون (في) طول (البنيان) والعمائر والقصور (فذاك) أي تطاولهم في البنيان (من أشراطها) أي بعض أمارات قربها هي أي الساعة (في) عداد وحساب (خمس من) أمور (الغيب) أي من الأمور المغيبات عن علم الخلائق اللاتي إلا يعلمهن إلا الله) سبحانه وتعالى (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان تلك الخمس قوله تعالى ({إِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({عِنْدَهُ عِلْمُ}) وقت قيام ({السَّاعَةِ}) والقيامة {و} علم الوقت الذي ({يُنَزِّلُ}) فيه ({الْغَيثَ}) والمطر {وَ} إنه سبحانه وتعالى ({يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}) أي في أرحام النساء من الأجنة أذكر أم أنثى مثلًا {و} إنه ({مَا تَدْرِي}) ولا تعرف ({نَفْسٌ}) من النفوس ولو ملكًا مقربًا ونبيًّا مرسلًا ({مَاذَا تَكْسِبُ}) أي أيّ عمل وكسب تكسبه ({غَدًا}) أنه ({مَا تَدْرِي}) ولا تعلم ({نَفْسٌ}) من النفوس ({بِأَيِّ أَرْضٍ}) من أنحاء الأرض ({تَمُوتُ}) وتفنى وإنما استأثر الله سبحانه بعلم هذه الأمور الخمس وغيرها من المغيبات لـ ({إِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({عَلِيمٌ}) بظواهر الأشياء كما أنه ({خَبِيرٌ}) ببواطنها. (قال) أبو هريرة (ثم) بعد فراغه من السؤال (قام الرجل) السائل وأدبر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن حوله (ردوه) أي ردوا هذا الرجل السائل المدبر ليبين لهم بلا شبهة أنه ليس آدميًّا أي أدركوه وردوه (علي فالتمس) الرجل ليرد عليه صلى الله عليه وسلم (فلم يجدوه) أي لم يروه ولم يعرفوا أين ذهب هل صعد في السماء أم دخل في الأرض (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهم حين فقدوا الرجل (هذا) الرجل السائل المدبر هو (جبريل) - عليه السلام - (أراد) بسؤاله إياي (أن تعلموا) أي أن

إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ تتعلموا بحذف إحدى التاءين، قال النووي: (تعلموا) رويناه بفتح التاء والعين أي تتعلموا وبإسكان العين اهـ. فجلى الأول مضارع تعلم الخماسي، وعلى الثاني مضارع علم الثلاثي أي أراد جبريل أن يتسبب في تعلم دينكم بسؤاله إياي (إذ لم تسألو) ني. وغرض المؤلف بسوق هذا الحديث متنًا وسندًا أن غرضه من حيث السند بيان متابعة عمارة بن القعقاع لأبي حيان التيمي في رواية هذا الحديث عن أبي زرعة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن كلا من المتاج والمتابَع ثقة وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد نسائي وإنما كرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات فلا اعتراض عليه في التكرار لأنه لغرض، وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة هذا البخاري (50) وأبو داود (4698) والنسائي (10118) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عمر بن الخطاب وغرضه بسوقه الاستدلال على الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني حديث أبي هريرة وغرضه بسوقه الاستشهاد لحديث عمر رضي الله عنه وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

2 - باب عدم وجوب ما عدا الصلوات الخمس وما عدا صيام رمضان، وما عدا الزكوات المفروضة

2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ 8 - (11) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2 - بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ مَا عَدَا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَمَا عَدَا صِيَامَ رَمَضَانَ، وَمَا عَدَا الزَّكَوَاتِ المَفْرُوضَةَ أي باب معقود في الاستدلال على عدم وجوب ما سوى الصلوات الخمس من الصلوات المسنونة وعلى عدم وجوب ما سوى صيام شهر رمضان من نوافل الصوم وعلى عدم وجوب ما سوى الزكاة المفروضة من صدقات النفل إلا أن ينذر في كل منها. وهذه الترجمة التي وضعناها هي المأخوذة من منطوق الحديث الآتي ولعلها هي الواضحة، وترجم له النووي بقوله: (باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام) ولعل هذه الترجمة غير مطابقة للحديث لأن الحديث لم يقتصر على الصلوات، والسؤال وقع فيه عن الإسلام لا عن الصلوات فقط، فشرحه بالصلاة والصيام والزكاة وبالجملة فالترجمة غير مناسبة للحديث. وترجم له السنوسي بقوله: (باب بيان الصلاة التي هي أحد أركان الإسلام) وهي غير مناسبة أيضًا، وترجم له الأبي بقوله: (باب حديث هل عليَّ غيرها) وهذه واضحة مطابقة لمنطوق الحديث فلا غبار عليها وترجم له القرطبي بقوله: (باب وجوب التزام شرائع الإسلام) وفيها غموض ومحلها من الحديث قوله (ولا أنقص) ولكن لا يدل على وجوب الالتزام والله سبحانه وتعالى أعلم. وبالسندين المتصلين المذكورين في أوائل المقدمة أروي لكم صحيح مسلم وأقول قال المؤلف رحمه الله سبحانه وتعالى: (8) - أصول (11) (حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي) مولاهم أبو رجاء البغلاني بغلان بلخ وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة قال أبو العباس السراج مات ليومين خليا من شهر رمضان سنة (240) أربعين ومائتين عن تسعين (90) سنة روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي كتاب الصلاة في خمسة مواضع وفي الزكاة في موضعين وفي الحج في موضعين وفي الأشربة فجملة الأبواب

عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ أَبِي سُهَيلٍ، عَنْ أبِيهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا. (عن مالك بن أنس) بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي نسبة إلى ذي أصبح وهو الحارث بن عوف بن مالك من يعرب بن قحطان وأصبح صارت قبيلة، أبي عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة وقد تقدم بسط الكلام في ترجمته، وقال في التقريب: من السابعة ولد سنة (94) أربع وتسعين ومات سنة تسع وسبعين ومائة (179) ودفن بالبقيع بلغ (90) تسعين سنة. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الحج في أربعة مواضع، وفي الصلاة في سبعة مواضع وفي الصوم وفي الزكاة في أربعة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي الطب وفي البيوع في أربعة مواضع، وفي كفارة المرضى، وفي الجهاد وفي الصيد في موضعين وفي الضحايا وفي ذكر الجان وفي البر وفي القدر، وفي العتق فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابا تقريبًا، فجملة المواضع التي روى فيها عن الإمام مالك (35) خمسة وثلاثون موضعًا تقريبًا. وقوله (فيما قُرئ عليه) أي على مالك، والحال أن قتيبة عنده بمنزلة قوله أخبرنا (عن أبي سهيل) نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبي سهل المدني حليف بني تيم قريش أخي الربيع بن مالك عم مالك بن أنس الإمام التابعي، سمع أنس بن مالك، روى عن أبيه وابن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن أخيه مالك بن أنس الإمام ومحمد وإسماعيل ابنا جعفر بن أبي كثير والدراوردي والزهري وغيرهم، وثقه أبو حاتم وغيره، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة مات بعد الأربعين ومائة (140) روى عنه المؤلف في بابين فقط في الإيمان وفي الصوم في موضعين. (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي جد مالك الإمام الفقيه حليف عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي أبي أنس المدني، روى عن طلحة بن عبيد الله وأبي هريرة وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبناؤه أبو سهيل وأنس والربيع وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية مات سنة (74) أربع وسبعين على الصحيح. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء في موضعين، وفي الصوم وفي البيوع فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة أبواب تقريبًا.

أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَويَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنه) أي أن أبا أبي سهيل (سمع طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن مرة التيمي أبا محمد المدني شهد أحدًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بالشام حين غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وقدم بعد ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدرٍ، فضرب له بسهمه وأجره شهد له بالجنة، ومات وهو عنه راضٍ، فهو أحد العشرة وأحد ستة الشورى وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، له ثمانية وثلاثون حديثًا قتل يوم الجمل بالبصرة سنة (36) ست وثلاثين، وله ثلاث وستون سنة (63) يروي عنه (ع) ومالك بن أبي عامر الأصبحي والسائب بن يزيد وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي وبنوه موسى ويحيى وعيسى وعمران وإسحاق وسماه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وطلحة الفياض. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الحج فقط، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رواته كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بغلاني، وأن فيه رواية تابعي عن تابعي ورواية ولد عن والد. حالة كون طلحة (يقول جاء رجل) لم يسم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بجاء، أي جاء وأقبل إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لم نعرفه وقوله (من أهل نجد) وسكانه صفة أولى لرجل، والنجد ما ارتفع من الأرض وضده الغور وهو ما انخفض منها، وسُمي تهامة وهما بحكم العرف جهتان مخصوصتان، وقوله (ثائر) شعر (الرأس) أي قائمه ومنتفشه ومرتفعه لقلة تعهده، من قولهم ثار الشيء إذا ارتفع، ومنه ثارت الفتنة إذا قامت، وهذه صفة شعر أهل البادية غالبًا بالرفع صفة ثانية لرجل، ويجوز نصبه على الحال من رجل لتخصصه بالجار والمجرور، قال القاضي عياض: يستفاد من الحديث أن ذكر مثل هذا الوصف على غير وجه التنقيص ليس بغيبةٍ. وجملة قوله (نسمع دوي صوته) أي شديد صوت ذلك الرجل ورفيعه (ولا نفقه ما يقول) لبعده عنا، صفة ثالثة لرجل أو حال ثانية منه، قال القرطبي: رُوي نسمع ونفقه بالنون المفتوحة فيهما مبنيين للفاعل، وبالياء التحتانية المضمومة فيهما مبنيين للمفعول وكلاهما واضح الصحة، قال السنوسي والأول هو الأشهر الأكثر الأعرف. اهـ وإنما لم

حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ وَالليلَةِ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ يفهموا ما يقول لأنه نادى من بُعد فلما دنا فهموه كما قال حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: وأما دوي صوته فهو بعده في الهواء، ومعناه شدة صوت لا يفهم ورفيعه ومنه صوت الرعد وقيل هو الصوت الذي لا يفهم ومنه صوت النحل، وهو بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء هذا هو المشهور، وحكى صاحب المطالع فيه ضم الدال أيضًا اهـ، والصوت عرض سيال مجرد من الحروف ينتهي بانتهائه كاصوات البهائم والرياح والأشياء الساقطة فإن اشتمل على الحروف سمي لفظًا كما هو مقرر في محله. وفي المفهم قيل إن هذا الرجل هو ضمام بن ثعلبة الذي سماه البخاري في حديث أنس المذكور بعد هذا وإن الحديثين حديث واحد وهذا فيه بعد لاختلاف مساقهما وتباين الأسئلة فيهما ولزيادة الحج في حديث أنس ويبعد الجمع بينهما فالأولى أن يقال هما حديثان مختلفان والرجل في هذا الحديث غير معلوم وكذلك القول في كل ما يرد من الأحاديث التي فيها الأسئلة المختلفة كحديث أبي أيوب وجابر وغيرهما مما يذكر بعد هذا وقد رام بعض العلماء الجمع بينها وزعم أنها كلها حديث واحد فادعى فرطًا وتكلف شططًا من غير ضرورة نقلية ولا عقلية انتهى، وقوله (حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) غاية لمحذوف تقديره ووقف علينا حتى دنا وقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا في قوله (فإذا هو) أي الرجل الحاضر فجائية (يسأل عن) شرائع (الإسلام) وفرائضه لأن هذا السائل إنما سأل عن فرائض الإسلام وشرائعه لا عن حقيقته إذ لو كان سؤاله ذلك لأجابه بما أجاب به جبريل - عليه السلام - في حديثه السابق ولما رواه البخاري في هذا الحديث فإنه قال (فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام) وكان النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه إنما سأل عما تعين فعله وفرض من شرائع الإسلام الفعلية لا القلبية ولذلك لم يذكر له الحج لأنه لم يكن واجبًا عليه لأنه غير مستطيع أولًا لأن الحج على التراخي أو لأنه كان قبل فرض الحج والله أعلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤاله الإسلام أي شرائعه المتعينة وفرائضه المكتوبة (خمس صلوات) موزعة على أوقاتها المحددة: (في اليوم والليلة) اللذين هما أربع وعشرون ساعة وقدم اليوم هنا على الليل مع أن الليل مقدم عليه كما هو

فَقَال: هَل عَلَيَّ غَيرُهُنَّ؟ قَال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطوَّعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف في القرآن لأن أول ما وجب من الصلاة في اليوم هو الصبح أو الظهر (فقال) الرجل السائل عن شرائع الإسلام مستفهمًا عن الزيادة يا رسول الله (هل علي غيرهن) أي غير الصلوات الخمس من الصلوات الواجبة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له بالنفي (لا) عليك غيرهن يدل هذا على أن الوتر ليس بلازم ولا واجب وهو مذهب الجمهور وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب ولا يسميه فرضًا لأن الفرض عنده ما كان مقطوعًا بلزومه كالصلوات الخمس وقوله (إلا أن تطوع) أي تنفلت وتبرعت بالزيادة بما ورد في الشرع، قال النووي: المشهور فيه تطوع بتشديد الطاء على إدغام إحدى التاءين في الطاء لأن أصله تتطوع بتاءين إحداهما تاء المضارعة والأخرى تاء المطاوعة، وقال ابن الصلاح هو محتمل للتشديد والتخفيف على حذف إحدى التاءين قال أصحابنا وغيرهم من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم إلا أن تطوع استثناء منقطع ومعناه لكن يستحب لك أن تطوع وجعله بعض العلماء استثناء متصلًا واستدلوا به على أن من شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامه، ومذهبنا أنه يستحب الإتمام ولا يجب والله أعلم انتهى. قال الأبي: القائل بوجوب التطوعات بالدخول فيها مالك والحنفية واحتجوا بالحديث وقرروه بنحو ما ذكر، قالوا لأن الاستثناء من النفي إثبات والمنفي وجوب شيء آخر فيكون المثبت وجوب التطوعات وأجاب القائل بأنها لا تجب بأن الحديث دل على نفي وجوب شيءآخر مطلقًا شرع فيه أو لم يشرع والاستثناء منقطع أي لكن يستحب أن تتطوع وقد علمت أن الأصل في الاستثناء الاتصال والمنفصل مجاز والأصل عدمه اهـ. وعبارة المفهم هنا قوله (إلا أن تطوع) ظاهر في أن معنى هذا الكلام هل يجب علي من تطوع الصلوات شيء غير هذه الخمس فأجابه بأنه لا يجب عليه شيء إلا أن تطوع فيجب عليك وهذا ظاهر لأن أصل الاستثناء أن يكون من الجنس والاستثناء من غير الجنس مختلف فيه ثم هو مجاز عند القائل به فإذا حملناه على الاستثناء المتصل لزم منه أن يكون التطوع واجبًا ولا قائل به لاستحالته وتناقضه فلم يبق إلا ما ذهب إليه مالك، وهو أن التطوع يصير واجبًا بنفس الشروع فيه كما يصير واجبًا بالنذر، فالشروع فيه التزام له وحينئذ يكون معنى قوله (إلا أن تطوع) إلا أن تشرع فيه وتبتدئه، ومن ادعى

وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ"، فَقَال: هَلْ عَلَيَّ غَيرُهُ؟ فَقَال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطوَّعَ"، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ، فَقَال: هَلْ عَلَى غَيرُهَا؟ قَال: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ"، قَال: فَأدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ! لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه استثناء من غير الجنس طُولب بتصحيح ما ادّعاه وتمسك مانعه بالأصل الذي قررناه انتهى. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وصيام شهر رمضان) معطوف على خمس صلوات أي فرائض الإسلام خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام شهر رمضان في السنة في العبادات البدنية (فقال) الرجل السائل يا رسول الله (هل عليّ غيره) أي غير صيام شهر رمضان كصيام المحرم وشعبان (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له بالنفي (لا) عليك غيره (إلا أن تطوع) أي تبرعت وتنفلت غيره من صيام النوافل (وذكر له) أي للرجل السائل (رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة) أي وجوبها على الوجه المذكور في أحاديث الزكاة، قال الأبي: فيه صحة نقل الحديث بالمعنى لأنه لما نسي عين اللفظ .. قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة كما يقول بعض الرواة أو كما قال اهـ وقال السنوسي: وفيه نظر لأن من قال ذكر فلان كذا واقتصر لا يصدق عليه أنه نقل كلامه لا لفظًا ولا معنى والله أعلم اهـ. (فقال) الرجل السائل (هل علي غيرها) أي غير الزكاة المفروضة من صدقات النفل (قال) رسول الله مجيبًا له بالنفي (لا) عليك غيرها (إلا أن تطوع) أي إلا إن تبرعت من صدقات النفل. (قال) الراوي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه (فأدبر الرجل) السائل، أي ذهب من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مدبرًا موليًا ظهره إلينا (وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (يقول) في إدباره وذهابه (والله) أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره إلا أزيد على هذا) الفرض الذي ذكره لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا أنقص منه) شيئًا، وفي المفهم قيل معناه لا أغير الفروض المذكورة بزيادة فيها كان يصلي الظهر خمس ركعات أو بنقصان فيها كأن يصليها ركعتين أو ثلاثًا ولا يصح أن يقال إن معناه لا أفعل شيئًا زائدًا على هذه الفروض المذكورة من السنن ولا من فروض أخر إن فرضت، فإن ذلك لا يجوز أن يقوله ولا يعتقده لأنه منكر والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على مثله انتهى.

فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المنهاج هنا: فإن قيل كيف قال: لا أزيد على هذا، وليس في هذا الحديث جميع الواجبات ولا المنهيات الشرعية ولا السنن المندوبات؟ فالجواب أنه جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود قال: "فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئًا" فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام وقوله مما فرض الله تعالى علي يزول الإشكال في الفرائض وأما النوافل فقيل يحتمل أن هذا كان قبل شرعها وقيل يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول لا أصلي الظهر خمسًا وهذا تأويل ضعيف، ويحتمل أنه أراد أن لا يصلي النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض، وهذا مفلح بلا شك وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة وترد بها الشهادة إلا أنه ليس بعاصٍ بل هو مفلحٌ ناجٍ والله أعلم انتهى. قال الأبي: قوله (والله لا أزيد) لا يقال كيف أقسم على أن لا يفعل الخير وقد صح النهي عن ذلك، لأنه إنما أقسم لا يزيد في الفرائض، وعدم ذكره الحج يحتمل أنه رآه غير مستطيع اهـ. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح أن صدق) أي فاز وظفر بالمطلوب ونجح من المكروه إن صدق فيما قال، وفي المنهاج قيل هذا الفلاح راجعٌ إلى قوله: لا أنقص خاصة والأظهر أنه عائد إلى المجموع، بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحًا، لأنه أتى بما عليه، ومن أتى بما عليه فهو مفلح وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحًا لأن هذا مما يعرف بالضرورة، فإنه إذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى. قال الهروي: العرب تقول لكل من أصاب خيرًا مفلح قال ابن دريد: أفلح وأنجح إذا أدرك مطلوبه وأصل الفلاح الشق والقطع قال الشاعر: قد علمت خيلك أني الصحصح ... إن الحديد بالحديد يفلح أي يشق فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه، وقد استعمل الفلاح في البقاء كما قال: لو كان حيٌّ مُدْرِكَ الفَلاحِ ... أدركها ملاعب الرماح

9 - (00) حَدَّثَنِي يحيى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر: نحلُّ بلادًا كلها حل قبلنا ... ونرجو الفلاح بعد عادٍ وحمير وقد جاء في هذا الحديث استعمال الصدق في الخبر المستقبل وفيه رد على ابن قتيبة إذ خص الصدق والكذب بالخبر الماضي وسمى المطابقة في المستقبل وفاءً وعدمها خلفًا قال الباجي: والحديث يرد عليه، ويرد عليه أيضًا قوله تعالى: {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] قال النووي: واعلم أنه لم يأت في هذا الحديث ذكر الحج ولا جاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبي هريرة وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ولم يذكر في بعضها الزكاة وذكر في بعضها صلة الرحم وفي بعضها أداء الخمس ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان فتعارضت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصًا وإثباتًا وحذفًا. وقد أجاب القاضي عياض وغيره بجواب لخصه ابن الصلاح وهذبه فقال: ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو باختلاف صادر من الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات وإن اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات أن ذلك ليس بالكل وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه. ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الآتي قريبًا اختلفت الروايات في خصاله بالزيادة والنقصان مع أن راوي الجميع واحد وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنه في قضية واحدة ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة الثقة من أنّا نقبلها هذا آخر كلام ابن الصلاح وهو تقرير حسن انتهى. وغرض المؤلف بسوق هذا الحديث الاستدلال به على الترجمة فدل عليها بمنطوقه فلا غبار عليه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (2678) وأبو داود (391) والنسائي (1/ 277) و (8/ 118) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث طلحة بن عبيد الله فقال: (9) - متا (00) (حدثني يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف أبو زكريا البغدادي العابد روى عن إسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن علية وعبد الله بن المبارك

وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهُشيم ووكيع وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو يعلى وآخرون، قال حسين بن محمد بن فهم: كان ثقة ورعًا، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات لإحدى عشرة مضت من ربيع الأول سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وله (77) سبع وسبعون سنة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الجنائز والحج والطب والنكاح وفي الصيد وفي اللباس وفي صفة النار فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا ثم ذكر المقارنة معه بقتيبة بن سعيد بيانًا لكثرة طرقه فقال: (و) حدثني (قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف البغلاني وقد مرت ترجمته قريبًا فلا عود ولا إعادة، وإنما احتاج إلى ذكره ثانيًا بالمقارنة لأنه روى له أولًا عن مالك وهنا عن إسماعيل بن جعفر وأيضًا سمع المؤلف عنه أولًا ومعه غيره ولذلك قال حدثنا قتيبة عن مالك وهنا سمع منه وحده ولذلك قال حدثني قتيبة. وقوله (جميعًا) حال من يحيى وقتيبة أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير أبي إبراهيم أو أبي إسحاق الأنصاري الزرقي بضم الزاي وفتح الراء نسبة إلى بني زريق بطن من الأنصار من الخزرج مولاهم المدني أحد الكبار روى عن أبي سهيل والعلاء بن عبد الرحمن وشريك بن عبد الله وعمارة بن غزية وغيرهم ويروي عنه (ع) وقتيبة بن سعيد ويحيى بن أيوب ويحيى بن يحيى وخلق، له خمسمائة حديث وثقه أحمد بن حنبل وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (180) ثمانين ومائة. ويروي عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ستة مواضع وفي الجنائز في موضعين وفي الطلاق وفي الصوم في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين وفي الزكاة وفي الأطعمة وفي البيوع وفي الجهاد وفي النكاح فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا (عن أبي سهيل) نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني تقدمت ترجمته قريبًا (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني تقدمت ترجمته قريبًا أيضًا (عن طلحة بن عبيد الله) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بهذا الحديث) متعلق بما عمل في

نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "افْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ" أَوْ: "دَخَلَ الْجَنةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المتابع بكسر الباء المحذوف وكذا قوله (نحو حديث مالك) منصوب بذلك العامل المحذوف والتقدير حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل بهذا الحديث نحو حديث مالك عن أبي سهيل، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن جعفر لمالك في رواية هذا الحديث عن أبي سهيل وقد تقدم لك في الفوائد أن النحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه ولكن النحو هنا بمعنى المثل لأن الحديثين متماثلان بدليل الاستثناء المذكور بقوله (غير أنه) أي لكن أن إسماعيل بن جعفر (قال) في روايته (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح) الرجل وظفر بالمطلوب (وأبيه) أي أقسمت بأبيه (إن صدق) الرجل فيما قال بزيادة (وأبيه) (أو) قال أبو سهيل (دخل) الرجل (الجنة وأبيه إن صدق) فيما قال بإبدال أفلح بدخل والشك من إسماعيل بن جعفر أو من غيره، فيما سمعه من أبي سهيل ولو قال بدل ما هنا (مثل حديث مالك) لكان أوضح وأوفق باصطلاحاته التي بيناها في الفوائد السابقة. وعبارة المفهم هنا (قوله أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق) شك من بعض الرواة في هذا الطريق، وقد جاء طريق آخر بالجزم على أحدهما كما تقدم ثم معنى اللفظين واحد لأن دخول الجنة تفسير للفلاح، فلا يضر الشك، وإنما ذكره الراوي متحريًا انتهى. قوله (وأبيه) قال القاضي عياض لعل هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى أو لم يقصد الحلف به كعادة العرب في إجراء هذا في كلامهم لا يريدون به الحلف وإنما اليمين ما قصد، وهذا هو الجواب المرضي قاله النواوي، قال الأبي: وقيل النهي عن الحلف بالآباء إنما هو لخوف تعظيم غير الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يتوهم فيه ذلك، والمراد بالنهي الوارد هو قوله صلى الله عليه وسلم "لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" رواه البخاري (6646) ومسلم (1646) من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. قال النواوي وفي هذا الحديث من الفوائد بيان أن الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام التي أطلقت في سائر الحديث هي الصلوات الخمس وبيان أنها في كل يوم وليلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على كل من كلف بها وقولنا بها احتراز عن الحائض والنفساء، فإنها مكلفة بأحكام الشرع إلا الصلاة وما ألحق بها مما هو مقرر في كتب الفقه وفيه أيضًا أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة وهذا مجمع عليه واختلف قول الشافعي رحمه الله تعالى في نسخه في حق النبي صلى الله عليه وسلم والأصح نسخه وفيه أيضًا أن صلاة الوتر ليست بواجبة، وأن صلاة العيد أيضًا ليست بواجبة، وهذا مذهب الجماهير، وذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وطائفة إلى وجوب الوتر، وذهب أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي إلى أن صلاة العيد فرض كفاية وفيه أيضًا أنه لا يجب صوم يوم عاشوراء ولا غيره سوى رمضان، وهذا مجمع عليه واختلف العلماء هل كان صوم عاشوراء واجبًا قبل إيجاب رمضان أم كان الأمر به ندبًا وهما وجهان لأصحاب الشافعي أظهرهما لم يكن واجبًا، والثاني كان واجبًا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وفيه أيضًا أنه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابًا وفيه غير ذلك والله أعلم. * * *

3 - باب عرض الرجل ما عنده على المحدث؛ ليستثبت فيه، واكتفاء الحاضرين بسؤال البادي الوافد الإمام عما أشكل عليهم من أمور الدين إذا هابوه

3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ 10 - (12) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيرٍ النَّاقِدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 3 - بَابُ عَرْضِ الرَّجُلِ مَا عِنْدَهُ عَلَى المُحَدِّثِ؛ ليسْتَثْبِتَ فِيهِ، وَاكْتِفَاءِ الحَاضِرِينَ بِسُؤالِ البَادِي الوَافِدِ الإِمَامَ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا هَابُوهُ أي هذا باب معقود في بيان جواز عرض الرجل ما عنده من العلم على المحدث والعالم ليستثبت فيه أي فيما عنده من بعض العلم ويستيقنه ألا ترى أن البخاري ترجم لهذا الحديث بقوله: (باب القراءة والعرض على المحدث) وهذا الذي ذكرنا ظاهر في دلالة منطوق الحديث عليه وباب بيان جواز اكتفاء الحاضرين عند المحدث أو العالم أر المفتي أو المرشد بسؤال الشخص البدوي الوافد عليه له عن سؤالهم له عما أشكل عليهم من أمور الدين إذا خافوا من سؤاله هيبة منه، وهذا أيضًا مما يدل عليه منطوق الحديث، ولم يترجم لهذا الحديث الأبي والسنوسي وجعلاه شاهدا لحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وترجم له النووي بقوله (السؤال عن أركان الإسلام) والسؤال عنها تقدم في حديث جبريل وفي حديث طلحة بن عبيد الله وليس في ترجمته كبير فائدة والله أعلم. (10) - س (12) وبالسند المتصل قال المؤلف رحمه الله تعالى (حدثني عمرو بن محمد بن بكير) بن شابور بشين معجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي الحافظ، روى عن أبي النضر هاشم بن القاسم وسفيان بن عيينة وحاتم بن إسماعيل ومعتمر بن سليمان وغيرهم، ويروي عنه (خ م دس) والفريابي والبغوي وغيرهم، قال أبو حاتم: ثقة مأمون، وقال في التقريب ثقة حافظ من العاشرة مات ببغداد سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الجنائز في ثلاثة مواضع وفي الزكاة في موضعين وفي النكاح في موضعين وفي البيوع وفي الجهاد وفي الصلة والبر وفي حق الجار وفي القدر وفي الزهد فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا.

حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ (¬1)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال عمرو بن محمد (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي الحافظ مشهور بكنيته ولقبه قيصر خراساني الأصل روى عن سليمان بن المغيرة وعكرمة بن عمار وعبيد الله الأشجعي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد وأبو بكر بن أبي النضر ابنه أو حفيده وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وآخرون، قال العجلي: ثقة صاحب سنة، كان أهل بغداد يفتخرون به، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (207) وله ثلاث وسبعون سنة (73) روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم والجهاد وفي التفسير وفي الأشربة وفي الأدب وفي الفضائل وفي صفة الجنة وفي آخر الكتاب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا. قال أبو النضر (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري يقال مولى قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل روى عن ثابت البناني والحسن وابن سيرين وغيرهم، ويروي عنه (ع) والثوري وأبو أمامة وهاشم بن القاسم وغيرهم، قال في التقريب: ثقة من السابعة مات سنة (165) خمس وستين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والنكاح والأطعمة وشرف النبي صلى الله عليه وسلم وعذاب القبر والجهاد والفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني نسبة إلى بنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب، أو إلى موضع لهم بالبصرة مولاهم أبي محمد البصري أحد الأعلام روى عن أنس وابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن مغفل وخلق من التابعين، ويروي عنه (ع) وسليمان بن المغيرة وشعبة والحمادان ومعمر وأمم، قال في التقريب: ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم في موضعين والحج والأطعمة والجنائز واللباس والبر وفي ذكر الأنبياء وفي الأشربة وفي الفضائل في موضعين وفي أبواب الرفق والاستغفار فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. (عن أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي ¬

_ (¬1) في نسخة زيادة: (أبو النضر).

قَال: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النجاري وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام أبي حمزة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا (1286) روى عن معاذ بن جبل ومحمود بن الربيع وعتبان بن مالك وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعمر وجماعة من الصحابة، ويروي عنه (ع) وثابت وأبو قلابة والزهري وسليمان التيمي وبنوه موسى والنضر وأبو بكر والحسن البصري وخلق لا يحصون مات سنة (93) اثنتين أو ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الجنائز وعذاب القبر في موضعين وفي الصوم والنكاح والجهاد في موضعين وفي الدلائل وفي الفضائل في ثلاثة مواضع وفي الرؤيا وفي الدعاء في موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، ورجاله خمسة اثنان منهم بغداديان وثلاثة بصريون. (قال) أنس رضي الله عنه (نهينا) أي زجرنا ومنعنا معاشر الصحابة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] (أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء) لا ضرورة لنا إليه في الدين فلا يعارض ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "سلوني" لأن ذلك في السؤال عما يحتاجون إليه والحاصل أنه يجمع بين الآية والحديث بأن النهي في الآية في السؤال عما لا يحتاجون إليه والأمر في الحديث في السؤال عما يحتاجون إليه (فكان) الشأن (يعجبنا) ويُحبنا ويبشرنا (أن يجيء) ويأتي (الرجل من أهل البادية) أي من سكان البادية، والبادية ضد الحاضرة والعمران، والبدوي من سكن البادية، والبداوة بكسر الباء وحكي فتحُها الإقامةُ بالبادية (العاقل) صفة للرجل لأنه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه، وبحسن السؤال والمراجعة إن احتيج إليها فيكثر الانتفاع بالجواب لأن هذه أسباب كثرة الانتفاع بالجواب، قال القاضي عياض واستحبابهم أن يكون بدويًّا لكونه لم يبلغه النهي عن السؤال، أو لأنه أعذر في جفاء الأعراب، ولهذا جاء في الحديث "من بدا جفا" وأن يكون عاقلًا ليسأل عن المحتاج إليه ويجيد السؤال والمراجعة إن احتيج إليها فيكثر النفع اهـ.

فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَال: يَا مُحَمَّدُ؛ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَن اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: ومثله اتفق لأصحاب مالك كانوا لا يكثرون من سؤاله هيبة له، فكانوا يتمنون أن يقدم الغريب فيسأله اهـ. والمراد بالبدوي هنا من لم يبلغه النهي عن السؤال وإن كان حضريًّا وقوله (فيسأله) بالنصب معطوف على يجيء، وجملة (ونحن نسمع) حال من ضمير المفعول في يسأله والرابط محذوف والتقدير أي فيسأل ذلك الرجل البدوي النبي صلى الله عليه وسلم والحال أنا نسمعه صلى الله عليه وسلم أي نسمع جوابه فنستفيد منه (فجاء رجل من أهل البادية) وسكانها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: هذا الرجل هو ضمام بكسر الضاد المعجمة بن ثعلبة البكري أخو بني سعد بن بكر قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع قاله أبو عبيدة، وقيل سنة سبع وقال محمد بن حبيب سنة خمس وهو أبعدها لأن فرض الحج لم يكن نزل إذ ذاك وأولى ما يقال إن ضمامًا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع كما قاله أبو عبيدة وغيره من أهل التواريخ ولأنها كانت سنة الوفود، وذلك أن الله تعالى لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهزم جمع هوازن وأسلمت قريش كلها دوخ الله العرب ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك سنة ثمان من الهجرة فدخل الناس في دين الله أفواجًا وقدم رؤساء العرب وفودًا على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع فسميت سنة الوفود لذلك. (فقال) الرجل (يا محمد) قال القاضي عياض: لعل هذا كان قبل النهي عن ندائه صلى الله عليه وسلم باسمه في قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} بل نادوه بأفخم الأسماء وأحبها إليه صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يا نبي الله، ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية ولم تبلغ الآية هذا القائل وجاء في هذا الحديث أنه ناداه يا رسول الله فلعله بعد أن تعلم ما يجب من تعظيمه صلى الله عليه وسلم ومعرفة حق الرسالة والأول كان في أول ما قدم اهـ، أي فقال: يا محمد (أتانا) أي جاء إلينا (رسولك) أي سفيرك الذي أرسلت إلينا للدعوة إلى الإسلام (فزعم) أي قال رسولك المذكور (لنا) وأخبرنا (أنك) يا محمد (تزعم) وتقول للناس (أن الله) سبحانه وتعالى

أَرْسَلَكَ، قَال: "صَدَقَ"، قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (أرسلك) وبعثك برسالته إلى كافة الناس فهل كلامه صادق أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الوافد نعم (صدق) رسولي فيما أخبركم عني. قال النووي: فقوله (زعم وتزعم) مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه دليل على أن زعم ليس مخصوصًا بالكذب والقول المشكوك فيه بل يكون أيضًا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه وقد جاء من هذا كثير في الأحاديث، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "زعم جبريل كذا" وقد أكثر سيبويه وهو إمام العربية في كتابه الذي هو إمام كتب العربية من قوله زعم الخليل، زعم أبو الخطاب يريد بذلك القول المحقق، وقد نقل ذلك جماعات من أهل اللغة وغيرهم، ونقله أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين والله أعلم انتهى. قال القاضي عياض ظاهر سياق الحديث أنه كان أسلم، وإنما كان مستثبتًا مشافهًا للنبي صلى الله عليه وسلم لكن في البخاري أنه قال في آخر الحديث: آمنت بما جئت به وكلا الوجهين محتمل اهـ. وقد أخذ الحاكم من الحديث استحباب الرحلة لطلب علو السند، قال: لأن هذا البدوي لم يقنع بما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى رحل للسماع منه ولا حجة له فيه لأنه لم يرحل لطلب علو السند بل لما يجب عليه من العمل باليقين مع القدرة عليه بالسماع ممن لا يجوز عليه الوهم في التبليغ، كما يجوز على غيره مع ما كان يجب على المسلمين من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم والهجرة إليه والتبرك به اهـ أبي. قال القرطبي اختلف العلماء في هذا الرجل فقيل إنه كان كافرًا، وهو دليل سياق الحديث ونص قول ابن عباس في بعض الطرق، فلما فرغ ضمام من أسئلته قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، ثم أتى قومه فعرض عليهم الإسلام فأسلموا فما سمعنا بواحد أفضل من ضمام، وقيل إنه كان مؤمنًا وهو ما فهمه البخاري من الحديث لأنه ترجم الحديث بالقراءة والعرض على الشيخ. (قال) الرجل السائل للنبي صلى الله عليه وسلم تقريرًا لا استفهامًا ليرتب عليه ما سيذكره ولا يخفى عليك حسن مساقه لأنه قرر أولًا وجود الصانع ثم أقسم به هل

فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَال: "اللهُ"، قَال: فَمَنْ خَلَقَ الأرضَ؟ قَال: "اللهُ"، قَال: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَال وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَال: "اللهُ"، قَال: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأرضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَال؛ آللهُ أَرْسَلَكَ؟ قَال: "نَعَمْ". قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَن عَلَينَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَوْمِنَا وَلَيلَتِنَا، قَال: "صَدَقَ"، قَال: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ؛ آللهُ أمَرَكَ بِهَذَا؟ قَال: "نَعَمْ". قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أن عَلَينَا زَكَاة في أَمْوَالِنَا، قَال: "صَدَقَ"، قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أرسله فقال إن كنت رسولًا (فمن خلق السماء) أي أوجدها ورفعها بغير عمد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم مجيبًا له (الله) سبحانه وتعالى خلقها وأوجدها من العدم ورفعها بغير عمد (قال) الرجل (فمن خلق الأرض) وأوجدها ومهدها بلا أوتاد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (الله) عزَّ وجلَّ خلقها ومهدها بغير أوتاد (قال) الرجل (فمن نصب) وأركز (هذه الجبال) الموجودة على الأرض وجعلها أوتادًا للأرض (وجعل فيها) أي في هذه الجبال وخلق فيها (ما جعل) وخلق من الأشجار والأحجار والعيون والمعادن (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (الله) سبحانه وتعالى خلقها وجعلها أوتادًا للأرض، وخلق ما فيها من صنوف المخلوقات والمعادن (قال) الرجل (فـ) ــأقسم لك وأسالك (بـ) ــالإله (الذي خلق السماء) ورفعها بغير عمد (وخلق الأرض) وجعلها مهادًا (ونصب هذه الجبال) وأركزها وجعلها أوتادًا لم يكن تحليفه اتهامًا وإنما هو تأكيد للكلام (الله) بإدخال همزة الاستفهام التقريري على لفظ الجلالة أي هل الله سبحانه وتعالى (أرسلك) وبعثك بدعوة الخلق إلى التوحيد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) حرف تصديق قائم مقام الجواب أي الله سبحانه أرسلني بهذا التوحيد (قال) الرجل (وزعم رسولك) أي قال لنا سفيرك الذي أرسلت إلينا (أن علينا) معاشر المكلفين (خمس صلوات في يومنا وليلتنا) أي أداءها وفعلها بشرائطها وأركانها في بعض أوقات نهارنا وليلتنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي فيما أخبركم من ذلك أي أخبركم كلامًا صادقًا واقعًا من جهتي (قال) الرجل (فـ) ـأقسمت لك (بالذي أرسلك) وبعثك بهذا الدين (الله) أي هل الله سبحانه (أمرك) يا محمد (بهذا) أي بأداء خمس صلوات في يومنا وليلتنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) الله أمرني بهذا المذكور (قال) الرجل (وزعم رسولك) يا محمد (أن علينا زكاة) أي أداء زكاة مفروضة (في أموالنا) ومواشينا وثمارنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي فيما أخبركم من وجوبا الزكاة في أموالكم (قال) الرجل

فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ؛ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَال: "نَعَمْ". قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَينَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا، قَال: "صَدَقَ"، قَال: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ؛ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَال: "نَعَمْ". قَال: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَينَا حَجَّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا، قَال: "صَدَقَ". قَال: ثُمَّ وَلَّى، قَال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ؛ لَا أَزِيدُ عَلَيهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَئِنْ صَدَقَ .. لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فـ) ـأسألك (بالذي أرسلك آلله أمرك بهذا) أي بأداء زكاة أموالنا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) أمرني الله سبحانه وتعالى بأداء زكاة الأموال إلى مصارفها (قال) الرجل (وزعم رسولك) يا محمد (أن علينا) معاشر المكلفين (صوم شهر رمضان) الذي أنزل فيه القرآن (في سنتنا) وأعوامنا كلها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي فيما أخبركم من صيام شهر رمضان في كل سنة (قال) الرجل (فـ) ـأسألك (بالذي أرسلك) إلينا (آلله أمرك بهذا) أي بصوم شهر رمضان في السنة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) أمرني الله سبحانه بصوم شهر رمضان (قال) الرجل (وزعم) أي قال (رسولك) يا محمد (أن علينا) معاشر المكلفين (حج البيت) أي قصد الكعبة بالنسك المعلوم شرعًا ومن في قوله (من استطاع) وقدر (إليه سبيلًا) أي ذهابًا إلى البيت والكعبة بأن وجد زادًا وراحلة بدل من الضمير المجرور في علينا بدل بعض من كل (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدق) رسولي في جميع ما أخبركم من ذلك. قال القاضي عياض: وفيه جواز التحليف في الأمور المهمة والأخبار الهائلة، وجواز الحلف عليها قال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} الآية. (قال) أنس بن مالك راوي الحديث (ثم) بعد الأسئلة المذكورة وأجوبتها (ولى) الرجل أي ذهب الرجل موليًا مدبرًا ظهره إلينا فـ (ـقال) في إدباره وذهابه (والذي بعثك) أي أقسمت بالإله الذي بعثك وأرسلك (بـ) ـالدين (الحق) والصراط المستقيم (لا أزيد عليهن) أي على هذه الفرائض التي أخبرنا بها رسولك وقررته عليها (ولا أنقص منهن) أي من هذه الفرائض المذكورة شيئًا (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لمن عنده والله (لئن صدق) هذا الرجل فيما يقول من عدم النقصان فيها (ليدخلن الجنة) يوم القيامة بفضله وكرمه تعالى لا بعمله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: هذه جمل تدل على أنواع من العلم، قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال الرجل وملاحة سياقه وترتيبه فإنه سأل أولًا عن صانع المخلوقات من هو ثم أقسم عليه به أن يَصْدقه في كونه رسولًا للصانع ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين وذكاء متين ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر لا لافتقاره إليها، كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة هذا كلام صاحب التحرير، قال القاضي عياض: والظاهر أن هذا الرجل لم يأت إلا بعد إسلامه وإنما جاء مستثبتًا ومشافهًا للنبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم انتهى. وفي هذا الحديث أيضًا فوائد من العلم منها أن الصلوات الخمس متكررة في كل يوم وليلة وهو معنى قوله في يومنا وليلتنا وأن صوم شهر رمضان يجب في كل سنة، قال ابن الصلاح وفيه دلالة لصحة ما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزمًا من غير شك وتزلزل خلافًا لمن أنكر ذلك من المعتزلة وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قرر ضمامًا على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك ولا قال يجب عليك معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية اهـ وفي هذا الحديث العمل بخبر الواحد وفيه غير ذلك والله أعلم. وفي هذا الحديث بسط الكلام بين يدي الحاجة لقوله: إني سائلك ومشدد عليك، وفيه الصبر على سؤال الجاهل ولزوم تعليمه ما يحتاج إليه في دينه وفيه جواز الاعتذار لقوله: فلا تجدن عليّ، قال الأبي (قلت) الألفاظ التي أخذت منها هذه الأشياء لم تقع في مسلم وإنما هي في البخاري وقد أخرج البخاري هذا الحديث من طريق أنس وقال فيه عن أنس رضي الله عنه بينما نحن جلوس في المسجد دخل علينا رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال أيكم محمد بن عبد الله والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال الرجل: أبْنَ عبد المطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك" فقال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك فقال: "فسل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال اللهم نعم وذكر نحو حديث مسلم. وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث بأكمل من هذا وقال فيه ما يدل

11 - (00) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن ضمامًا إنما أسلم بعد أن أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسئلته المتقدمة فلما أن فرغ قال ضمام: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص) فقال رسول الله: "إن يصدق ذو العقيصتين (أي الضفيرتين) يدخل الجنة" رواه أبو داود (487) ثم قدم على أهله فعرض عليهم الإسلام فما أمسى ذلك اليوم في حاضره من رجل ولا امرأة إلا مسلمًا، قال ابن عباس فما سمعنا بوافدٍ قط كان أفضل من ضمام ونادى هذا الرجل النبي صلى الله عليه وسلم يا محمد ويا بن عبد المطلب ولم يناده بالنبوة ولا بالرسالة إما لأنه لم يؤمن بعد كما قلناه، وإما لأنه باق على صفة أهل البادية والأعراب إذ لم يتأدب بعد بشيء من آداب الشرع ولا علم ما يجب عليه من تعزير النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره فإن الله تعالى قد نهى أن يُنادى النبي صلى الله عليه وسلم بيا محمد حين قال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] اهـ قرطبي. ثم إن الرجل استمر على أسئلته إلى أن حصل على طلبته فانشرح صدره للإسلام وزاحت عنه الشكوك والأوهام وذلك ببركة مشاهدته أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم فلقد كان كثير من العقلاء يحصل لهم العلم بصحة رسالته بنفس رؤيته ومشاهدته قبل النظر في معجزته كما قال أبو ذر: (فلما رأيته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب) حتى قال بعضهم: لو لم تكن فيه آيات مبينة ... لكان منظره ينبيك بالخبر والحاصل من حال هذا السائل أنه حصل له العلم بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحة رسالته لمجموع قرائن لا تتعين إحداها ولا تنحصر أعدادها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 193) والبخاري (63) وأبو داود (486) والترمذي (614) والنسائي (4/ 121 - 124). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (11) -متا (00) (حدثني) وفي بعض النسخ وحدثني بزيادة الواو (عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي نزيل بغداد وسكن نيسابور، روى عن بهز بن أسد وابن عيينة والقطان وابن مهدي ووكيع وغيرهم، ويروي عنه (م)

حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، قَال: قَال أَنَسٌ: كُنَّا نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيءٍ ... وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن أبي داود ومكي بن عبدان، وثقه صالح بن محمد الأسدي وقال في التقريب: ثقة من صغار العاشرة مات سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، وقيل تسع وخمسين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الحج في موضعين وفي البيوع وفي بيع المدبر وفي الدعاء وفي الأمئال وفي التفسير فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. قال عبد الله بن هاشم (حدثنا بهز) بالباء والزاي، وفي بعض النسخ أخبرنا بهز بن أسد العَمِّيُّ بفتح العين وتشديد الميم يُنسب إلى مرة بن وائل، ويقال لولده بنو العم كما في المغني أبو الأسود البصري أخو المعلي بن أسد، روى عن سليمان بن المغيرة وشعبة وحماد بن سلمة ووهيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن هاشم وأبو بكر بن نافع العبدي وعبد الرحمن بن بشر وأثنى عليه وقال: ما رأيت رجلًا خيرًا منه وغيرهم، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت، وقال أبو حاتم: إمام صدوق ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات بعد المائتين وقيل قبلهما وليس في رجال مسلم من اسمه بهز إلا هذا الثقة. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في الإيمان في أربعة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الزكاة وفي الصوم وفي الحج في ثلاثة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي البيوع وفي الجهاد وفي الحدود وفي الذبائح وفي الدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. قال بهز (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري من السابعة (عن ثابت) البناني البصري من الرابعة. (قال) ثابت (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه (كنا) معاشر الصحابة (نهينا في القرآن) بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} الآية (أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء) لا نحتاج إليه في الدين (وساق) بهز وذكر (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث هاشم بن القاسم أبي النضر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة بهز بن أسد لهاشم بن القاسم في رواية هذا الحديث عن سليمان بن المغيرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع ثقتان والقاعدة أن الضمير في (ساق) ونحوه عائد إلى المتاج وهو هنا بهز والضمير في (بمثله) عائد إلى المتابع وهو هاشم بن القاسم والجار والمجرور فيه متعلق بحدثنا بهز. * * *

4 - باب من اقتصر على فعل ما وجب عليه، وانتهى عما حرم عليه دخل الجنة

4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4 - بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيهِ، وانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ هذه الترجمة يشهد بصحتها الأحاديث المذكورة فيها فأما حديث أبي أيوب فمن حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم دل السائل على فعل ما وجب عليه وقال إن تمسك بما أمر به دخل الجنة، وأما حديث أبي هريرة فكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم دل السائل على فعل ما وجب عليه ثم قال: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" وأما حديث جابر فمن حيث إن السائل إنما سأله عن دخول من فعل ما يجب عليه وانتهى عما حَرُم عليه الجنة فأجابه بـ (ـنعم) ولم يذكر لهم في هذه الأحاديث شيئًا من فعل التطوعات فدل على صحة ما ذكرناه من الترجمة وعلى جواز ترك التطوعات على الجملة لكن من تركها ولم يعمل شيئًا منها فقد فوت على نفسه ربحًا عظيمًا وثوابًا جسيمًا ومن داوم على ترك شيء من السنن كان ذلك نقصًا في دينه وقدحًا في عدالته، فإن كان تركه تهاونًا به ورغبة عنها كان ذلك فسقًا يستحق به ذمًّا، وقال علماؤنا لو أن أهل بلدة تواطؤوا على ترك سنة لقوتلوا عليها حتى يرجعوا, ولقد كان صدر الصحابة ومن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتهم على الفرائض، ولم يكونوا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما وإنما احتاج أئمة الفقهاء إلى ذكر الفرق بينهما لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها، وخوف العقاب على الترك ونفيه إن حصل تركٌ ما بوجهٍ ما وإنما سكت النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء السائلين عن ذكر التطوعات ولم يذكرها لهم كما ذكرها في حديث طلبة بن عبيد الله لأن هؤلاء والله أعلم كانوا حديثي عهد بإسلام فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحال لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا، أو لئلا يعتقدوا أن تلك السنن والتطوعات واجبة، فتركهم إلى أن تنشرح صدورهم بالفهم عنه والحرص على تحصيل ثواب تلك المندوبات فتسهل عليهم. ومن المعلوم أن هؤلاء ما سُوغ لهم ترك الوتر ولا صلاة العيدين ولا غير ذلك مما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلين ولا يجترئون على ترك ذلك للذي يعلم من حرصهم على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى تحصيل الثواب والله تعالى أعلم اهـ مفهم.

12 - (13) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنه لم يترجم لهذه الأحاديث الأبي ولا السنوسي رحمهما الله تعالى وترجم لها النواوي بقوله (باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة) ثم ذكر في هذا الباب حديث أبي أيوب وأبي هريرة وجابر رضي الله عنهم، أما حديثًا أبي أيوب وأبي هريرة فرواهما أيضًا البخاري، وأما حديث جابر فانفرد به مسلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث أبي أيوب فقال: (12) - س (13) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) مصغرًا الهمداني بسكون الميم، الكوفي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وقد سبق أن جملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب مع بسط الكلام في ترجمته، قال محمد بن عبد الله (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي أبو هشام روى عن عمرو بن عثمان وهشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وغيرهم ويروي عنه (ع) وابنه محمد بن عبد الله وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وزهير بن حرب ومحمد بن المثنى وخلق وثقه ابن معين وقال في التقريب ثقة صاحب حديث من أهل السنة من كبار التاسعة مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة وله (84) أربع وثمانون سنة. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في الإيمان في موضعين وفي الوضوء وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الجنائز وفي الصوم في موضعين وفي الحج في ثلاثة مواضع وفي النكاح وفي الطلاق وفي الفرائض وفي حق المملوك وفي القسامة وفي الحدود وفي الجهاد في موضعين وفي الأشربة وفي الفضائل وفي الدعاء وفي الأطعمة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابا تقريبًا. قال عبد الله بن نمير (حدثنا عمرو بن عثمان) بن عبد الله بن موهب بفتح الميم والهاء وإسكان الواو بينهما التيمي مولاهم أبو سعيد الكوفي روى عن أبيه وموسى بن طلحة وعدة ويروي عنه (خ م س) ويحيى القطان وعبد الله بن نمير ووكيع وشعبة وغيرهم، وثقه ابن معين وقال في التقريب ثقة من السادسة وسماه شعبة محمدًا فأخطأ كما سيأتي، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب في الإيمان وفي الصلاة وفي الزكاة فقط، قال عمرو بن عثمان (حدثنا موسى بن طلبة) بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن

قَال: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي أبو عيسى، ويقال أبو محمد المدني، تحول إلى الكوفة فنزلها ومات بها، روى عن أبي أيوب الأنصاري وأبي هريرة وعثمان بن أبي العاص وعن أبيه وأبي ذر وابن عمر وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعثمان بن عبد الله بن موهب وعمرو بن عثمان وجماعة، وثقه العجلي، وقال في التقريب: ثقة جليل من الثانية، قيل إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات بالكوفة سنة (103) ثلاث ومائة على الصحيح. روى عنه المؤلف في خمسة أبواب في الإيمان والصلاة والزكاة والصوم والفضائل فقط (قال) موسى بن طلحة (حدثني أبو أيوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، شهد العقبة وبدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة له مائة وخمسون حديثًا (150) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بن كعب، ويروي عنه (ع) وموسى بن طلحة وعطاء بن يزيد وعروة بن الزبير وعبد الله بن حنين وجابر بن سمرة وجماعة، وله فضائل كثيرة، وقال في التقريب: من كبار الصحابة، مات غازيًا بالروم بقسطنطينية سنة خمسين (50) وقيل بعدها. روى المؤلف عنه في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الحج وفي الدعاء في ستة أبواب تقريبًا وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا أبا أيوب الأنصاري فمدني، ومن لطائفه أن فيه رواية ولد عن والد (أن أعرابيًّا) أي أن رجلًا منسوبًا إلى الأعراب بفتح الهمزة، وهم سكان البوادي، والأعرابي ساكن البادية ضد الحضري والعربي ضد العجمي (عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قام في عرض الطريق ووسطه لإيقاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعه من السير حتى يجيبه سؤاله (وهو) صلى الله عليه وسلم (في) سير (سفر) وقطع مسافة (فأخذ) الأعرابي وأمسك (بخطام ناقته) صلى الله عليه وسلم العضباء ليتمكن من سؤاله، قال الأزهري: الخطام بكسر الخاء الحبل الذي يُخطم به البعير في أنفه وهو أن يؤخذ حبل من ليف أو شعر أو كتان فيُجعل في أحد طرفيه حلقة يسلك فيها الطرف الآخر حتى يصير كالحلقة ثم يُقلد البعير في عنقه ثم يثنى على مخطمه أي على أنفه، وفي القاموس: والخطام ككتاب

أَوْ بِزِمَامِهَا- ثُمَّ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ -أَوْ يَا مُحَمَّدُ- أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَال: فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَال: "لَقَدْ وُفِّقَ أَوْ لَقَدْ هُدِيَ"، قَال: "كَيفَ قُلْتَ؟ "، قَال: فَأَعَادَ، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كل ما وضع في أنف البعير ليقاد به اهـ (أو) قال أبو أيوب فأخذ (بزمامها) والشك من موسى بن طلحة أو ممن هو دونه، والزمام بكسر الزاي أيضًا ما يجعل في أنف البعير ليقاد به، وهو بمعنى الخطام إلا أن الخطام يثنى بعضه في العنق، وقال صاحب المطالع: الزمام للإبل ما تشد به رؤوسها من حبل وسير وغيره لتقاد (ثم قال) الأعرابي (يا رسول الله أو) قال الأعرابي (يا محمد) والشك من الراوي (أخبرني) أي علِّمني (بما يقربني) ويدنيني (من الجنة) أي بعمل يقربني ويدخلني الجنة إذا عملته، وهو الأعمال الصالحة من الواجبات والمندوبات (و) بـ (ـما يباعدني) ويزحزحني (من النار) وهو الإيمان الصادق والإخلاص في الأعمال، وقيل عطفه على ما قبله من عطف اللازم على الملزوم لأنه يلزم من قربه إلى الجنة بعده من النار (قال) أبو أيوب (فكف النبي صلى الله عليه وسلم) نفسه عن المشي أو عن الجواب له انتظارًا للوحي (ثم نظر) صلى الله عليه وسلم (في أصحابه) أي إلى جهتهم تعجبًا مما وُفق له هذا الأعرابي من الكلم الجامع (ثم قال) صلى الله عليه وسلم والله (لقد وفق) هذا الأعرابي الخير العظيم والتوفيق خلْق قدرة الطاعة في العبد وتسهيل سبل الخير له، وضده الخذلان وهو خَلْق قدرة المعصية في العبد وتسهيل سبيل الشر له (أو) قال صلى الله عليه وسلم والله (لقد هدي) هذا الرجل إلى الصراط المستقيم، والشك من الراوي (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف قلت) أيها الأعرابي استثباتًا في سؤاله (قال) أبو أيوب الأنصاري (فأعاد) الأعرابي سؤاله فقال: أخبرني يا محمد بما يقربني من الجنة ... إلخ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) في جوابه العمل الذي يباعدك من النار هو (تعبد الله) سبحانه وتعالى وتوحده حالة كونك (لا تشرك به شيئًا) من المخلوقات وتقدم لك بيان حكمة الجمع بين هذين اللفظين (و) العمل الذي يقربك من الجنة هو (تقيم الصلاة) المكتوبة وتؤديها بشرائطها وأركانها وآدابها، قال النواوي: إن أريد بالعبادة التوحيد فعطف الصلاة عليه تأسيسٌ وإن أريد بها الطاعة فعطفها من عطف الخاص على العام تشريفًا

وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ". 13 - (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للخاص بذكره مرتين اهـ، وقال القاضي عياض أو لأن جوابه كان بحسب ما يرى أنه آكد في حق السائل (وتوتي الزكاة) المفروضة وتصرفها إلى مصارفها المبينة في الكتاب العزيز (وتصل) ذا (الرحم) والقرابة لك وتحسن إليه بالسلام فما فوقه من زيارةٍ وغيرها، قال النواوي: أي وتحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر لك على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعتهم أو غير ذلك (دع الناقة) واتركها لتمشي بي فقد أجبت سؤالك فلا حاجة لك إلى إمساكها لأني حصلت مقصودك، قال النواوي: إنما قال ذلك لأنه كان ممسكًا لها بخطامها أو زمامها ليتمكن من سؤاله بلا مشقة، فلما حصل جوابه قال له: دعها واتركها وخل طريقها لتمشي بي. ويستفاد من هذا الحديث جواز الفتوى والاستفتاء في السفر والملاطفة مع الجاهل والجلف والوقوف في الطريق لإجابة السائل، وأن التوحيد الخالص يباعد صاحبه من النار، وأنَّ فعل الواجبات، وإن ترك المندوبات يقرب صاحبه إلى الجنة، وجواز ترك المندوبات، وأن صلة الرحم من الواجبات، وأنه مما يقرب صاحبه إلى الجنة، وجواز مدح الشخص في وجهه حيث قال: لقد وفق هذا، وأن التوفيق يحصل بفعل الواجبات وأن الخذلان يحصل بتركها، وجواز مغ الجاهل العالم من أشغاله حتى يُعلِّمه إلى غير ذلك من الفوائد المستفادة منه كالاستثبات في السؤال قبل الجواب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث من أصحاب الأمهات البخاري (1396) والنسائي (1/ 34) وغرضه بسوق هذا الحديث الاستدلال به على الجزء الأول من أجزاء الترجمة وهو أن الاقتصار على فعل الواجبات دون المندوبات يُدخل الجنة ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أيوب الأنصاري فقال: (13) -متا (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المروزي صدوق من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه (م د) وقد تقدم البسط لك في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابا فراجعه (و) حدثني أيضًا (عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي أبو محمد النيسابوري، روى عن بهز بن أسد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرزاق وابن عيينة وغيرهم ويروي

قَالا: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه (خ م د ق) ومكي بن عبدان وابن الشرقي، وقال في التقريب: ثقة من صغار العاشرة مات سنة (260) ستين ومائتين. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء والجنائز والصوم والأحكام والطلاق والجهاد في ثلاثة مواضع وفي الفضائل وفي الأطعمة وفي صفة أهل الجنة وأهل النار وفي عذاب القبر وفي التفسير والهبة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابًا، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن الأول صدوق والثاني ثقة فقوى الأول بالثاني (قالا) أي قال محمد بن حاتم وعبد الرحمن بن بشر (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري الإمام الحافظ وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات بعد المائتين وقيل قبلهما وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا قال بهز بن أسد (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد مولى بني عتيك أبو بسطام البصري أصله واسطي الإمام الحافظ المتقن الحجة أمير المؤمنين في الحديث، وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث وكان يخطئ في أسماء الرجال قليلًا، وقال ابن سعد كان من سادات أهل زمانه حفظًا وإتقانًا وورعًا وفضلًا، وقال الشافعي لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وقال أحمد هو أم الحديث وحده في هذا الشأن، وقال صالح جزرة أول من تكلم في الرجال شعبة ثم القطان ثم أحمد، وقال في التقريب: ثقة حافظ من السابعة ولد سنة (83) ثلاث وثمانين ومات سنة (160) مائة وستين وكان له يوم مات (77) سبع وسبعون سنة، وتقدم بعض الكلام في ترجمته في المقدمة فراجعه. روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان وفي الصلاة في أحد عشر موضعًا وفي الوضوء في موضعين وفي اللباس في سبعة مواضع وفي العلم وفي الصوم في ثمانية مواضع وفي الجنائز في أربعة مواضع وفي الرؤيا في موضعين وفي الدعاء وفي الفضائل في ثلاثة مواضع وفي الأشربة في ثلاثة مواضع وفي الجهاد في سبعة مواضع وفي الحج في ستة مواضع وفي النكاح في ثلاثة مواضع وفي البيوع في ثلاثة مواضع وفي الأيمان وفي العتق وفي النذور وفي الأدب في ثلاثة مواضع وفي صحبة المملوك وفي الصيد في ثلاثة مواضع وفي الضحايا في موضعين وفي الطب في موضعين وفي دلائل النبوة وفي سن النبي صلى الله عليه وسلم وفي باب الرفق وفي صفة الحشر وفي الفتن في

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ: أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. 14 - (00) (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة وعشرون بابا فجملة المواضع التي روى عنه فيها أربعة وثمانون موضعًا تقريبًا. قال شعبة (حدثنا محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب وأبوه عثمان) بن عبد الله بن موهب، قال النواوي هكذا هو في جميع الأصول في الطريق الأول عمرو بن عثمان، وفي الثاني محمد بن عثمان واتفقوا على أن الثاني وهمٌ وغلط من شعبة وأن صوابه عمرو بن عثمان كما في الطريق الأول، قال الكلاباذي وجماعات لا يحصون من أهل هذا الشأن هذا وهم من شعبة فإنه كان يسميه محمدًا وإنما هو عمرو وكذا وقع على الوهم من رواية شعبة في كتاب الزكاة من البخاري والله أعلم انتهى. وأما عمرو بن عثمان فقد تقدمت ترجمته في الطريق الأول قريبًا فراجعها وأما أبوه عثمان فهو ابن عبد الله بن موهب القرشي التيمي مولاهم أبو عبد الله الأعرج المدني، وقد ينسب إلى جده، روى عن موسى بن طلحة وجعفر بن أبي ثور وعبد الله بن أبي قتادة وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) وشعبة وأبو عوانة والثوري، وثقه ابن معين وقال في التقريب: ثقة من الرابعة مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الحج في ثلاثة أبواب فقط، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه, لأن الراويين ثقتان (أنهما) أي أن عمرًا وعثمان (سمعا موسى بن طلحة) حالة كون موسى (يحدث عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بمثل هذا الحديث) السابق متعلق بحدثنا شعبة أي حدثنا شعبة بن الحجاج عن عمرو بن عثمان وأبيه بمثل حديث عبد الله بن نمير عن عمرو بن عثمان، فغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لعبد الله بن نمير، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع ثقتان، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي أيوب الأنصاري فقال: (14) - متا (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن بن يحيى بن حماد (التميمي) الحنظلي مولاهم أبو زكريا النيسابوري الحافظ أحد الأئمة الأعلام،

أَخْبَرَنَا أبُو الأَحْوَصِ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أبُو الأَحْوَصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن أبي الأحوص ومالك وأبي معاوية ومعاوية بن سلام وعبد الرحمن بن مهدي وخلق، ويروي عنه (خ م ت س) وأحمد بن الأزهر وسلمة بن شبيب وإسحاق الدارمي وغيرهم، وثقه النسائي، وق الذي التقريب: ثقة ثبت إمام من العاشرة مات في آخر صفر سنة (226) ست وعشرين ومائتين، وكان من سادات أهل زمانه علمًا ودينًا وفضلًا ونسكًا وإتقانًا، روى عنه المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز وفي الصوم في موضعين وفي الحج في خمسة مواضع وفي الهبة وفي النكاح في موضعين وفي البيوع وفي الوصايا وفي الجهاد وفي الصيد وفي الأشربة وفي اللباس وفي الأدب وإماطة الأذى وفي العلم وفي صفة الدنيا وفي صفة الآخرة وفي الرؤيا فجملة الأبواب التي روى عنه فيها عشرون بابا تقريبًا. قال يحيى (أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولى بني حنيفة الحافظ الكوفي روى عن أبي إسحاق السبيعي وسماك بن حرب والأسود بن قيس وأشعث بن أبي الشعثاء وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وقتيبة وهناد بن السري وغيرهم، قال ابن معين: ثقة متقن له نحو أربعة آلاف حديث من السابعة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الحج في أربعة مواضع وفي الزكاة في موضعين وفي الصوم وفي الهبة وفي الفضائل وفي الضحايا وفي اللباس وفي الطب وفي الجهاد فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. (ح وحدثنا) أي حول المؤلف السند وقال حدثنا (أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الحافظ الكوفي ثقة من العاشرة، وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا. قال أبو بكر (حدثنا أبو الأحوص) وفائدة هذا التحويل بيان صيغتي شيخيه تورعًا من الكذب على أحدهما لو جمعهما في صيغة واحدة، فقال حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر قالا حدثنا أبو الأحوص أو أخبرنا أبو الأحوص لأن بين حدثنا وأخبرنا فرقًا في اصطلاح الإمام مسلم كما عرفت.

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَال: "تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيئًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ حالة كون أبي الأحوص راويًا (عن أبي إسحاق) الهمداني السبيعي نسبة إلى سبيع بطن من همدان عمرو بن عبد الله الحافظ الكوفي روى عن موسى بن طلحة والبراء بن عازب وحارثة بن وهب وعمرو بن ميمون وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو الأحوص وشعبة والأعمش ومالك بن مغول والثوري وغيرهم وقال في التقريب مكثر ثقة عابد من الثالثة اختلط بآخره ولد سنة تسع وعشرين (29) في خلافة عثمان ومات سنة (129) تسع وعشرين ومائة وقيل سنة (132) ثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الزكاة وفي الحج في ثلاثة مواضع وفي الجهاد في موضعين وفي القدر وفي الدعاء في موضعين وفي الطلاق وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا. حالة كون أبي إسحاق راويًا (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبي عيسى المدني ثم الكوفي من الثانية كما بسطت ترجمته آنفًا (عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي وقد مرت ترجمته آنفًا. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري وأن فيه رواية تابعي عن تابعي وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي إسحاق لعمرو بن عثمان في رواية هذا الحديث عن موسى بن طلحة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع ثقتان. (قال) أبو أيوب (جاء رجل) من الأعراب (إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال) ذلك الرجل (دلني على عمل) أي أخبرني عن عمل (أعمله) أي إذا عملته أنا (يدنيني) أي يقربني ذلك العمل بفضل الله تعالى (من الجنة) دار الكرامة (ويباعدني) ذلك العمل (من النار) دار الخذلان والهوان (قال) النبي صلى الله عليه وسلم مجيبًا له العمل الذي يباعدك من النار أن (تعبد الله) سبحانه وتوحده حالة كونك (لا تشرك به) سبحانه في عبادتك له (شيئًا) من المخلوقات شركًا جليًّا ولا غيره.

وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ". فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ (¬1) .. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) العمل الذي يقربك إلى الجنة أن (تقيم الصلاة) المكتوبة (وتؤتي الزكاة) المفروضة (و) أن (تصل ذا رحمك) أي وأن تحسن إلى صاحب قرابتك، قال القاضي عياض: ذو بمعنى صاحب وأصلها ذوو لقولهم في التثنية ذَوَيَّ ولا تنفك عن الإضافة ولا تضاف إلا إلى اسم جنس ظاهر كذى مال وشذت إضافتها إلى غيره من علم أر صفة أو ضمير أو فعل كقولهم في العلم جاء ذو نواس وذو يزن وفي الفعل إذهب بذي تسلم وجاء ذوك أي صاحبك وهي في جميع ذلك مؤولة بان الإضافة فيها على نية الانفصال كأنه قال الذي له كذا أو الذي تسلم أر الذي له رحم لأن الرحم ليست باسم جنس اهـ وقال القرطبي: الرحم اسم جنس بمعنى القرابة فإضافة ذي إليها على الأصل فتكون القرابة جنسًا أضيف إليه ذو فإن حكمها أن تضاف إلى الأجناس وهذا أولى من قول من قال إن الرحم هنا اسم عين دمانها بمنزلة قولهم ذو نواس وذو يزن وذو رعين لأن هذه أسماء أعلام لا أسماء أجناس وذو بمعنى صاحب وهي من الأسماء الستة التي اعتلت بحذف لاماتها في الإفراد وأما إعرابها فرفعها بالواو ونصبها بالألف وجرها بالياء وقد ذكر النحويون أوزانها وأحكامها فراجع كتبهم إن شئت اهـ بتصرف. قال أبو أيوب الراوي (فلما أدبر الرجل) وذهب موليا دبره إلينا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تمسك) هذا الرجل وفعل (بما أمر به) من التوحيد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصلة الرحم (دخل الجنة) جزاء على امتثاله الأوامر، قال الأبي: في الكلام اكتفاء وحذف والتقدير إن فعل ما أمر به وكف عما نهي عنه دخل الجنة لأن دخولها موقوف على الأمرين وقد لا يحتاج إلى هذا التقدير لأن الأظهر في أن تعبد الله أن المراد بالعبادة الطاعة والطاعة تكون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فعطف الصلاة وما بعدها على العبادة من عطف الخاص على العام إظهارًا لمزيته. قال السنوسي (فإن قلت) وقف دخولها على الأمرين تسويغ لترك السنن (قلت) قد تقدم الجواب في حديث لا أزيد يعني أن معناه لا أزيد في الفرائض بأن صلى الظهر خمسًا. ¬

_ (¬1) ليس في نسخة ذكر (الرجل).

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ: "إِنْ تَمَسَّكَ بِهِ". 15 - (14) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (إن تمسك بما أمر به) قال النووي كذا هو في معظم الأصول المحققة وكذا ضبطناه أمر بضم الهمزة وكسر الميم مبنيًّا للمفعول وبه بالباء الموحدة الجارة وضبطه الحافظ أبو عامر العبدري بما أمرته به بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق التي هي ضمير المتكلم وكلاهما صحيح وأما ذكره صلى الله عليه وسلم صلة الرحم في هذا الحديث وذكر الأوعية في حديث وقد عبد القيس وغير ذلك في غيرهما فقال (ع) وغيره ذلك بحسب ما يخص السائل ويعنيه والله أعلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى (وفي رواية) أبي بكر (بن أبي شيبة إن تمسك به) أي إن تمسك بما ذكر من عبادة الله سبحانه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصلة الرحم وفعله دخل الجنة وإنما كرر متن الحديث في هذا الطريق ولم يكتف بالرواية الأولى لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات ولما فيها من الزيادة التي لا تقبل الفصل عن الحديث فلا اعتراض على المؤلف في تكراره المتن والسند لما فيه من الغرض المذكور والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي أيوب الأنصاري بحديث أبي هريرة فقال: (15) - ش (14) (وحدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصغاني الحافظ البغدادي أصله من خراسان روى عن عفان بن مسلم وسعيد بن الحكم بن أبي مريم وأبي الجواب وأبي اليمان وشجاع بن الوليد وغيرهم ويروي عنه (م عم) وإسماعيل الصفار ومحمد بن يعقوب الأصم وخلق، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة (270) سبعين ومائتين. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في موضعين وفي الوضوء وفي الصلاة في موضعين وفي الأشربة في موضعين وفي الفضائل وفي اللباس وفي الظلم وفي ذكر النفاق فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا. قال أبو بكر (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولى عزرة بن ثابت ويقال مولى زيد بن ثابت أبو عثمان البصري أحد الأئمة الأعلام، روى عن وهيب بن خالد

حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وحماد بن سلمة وأبي عوانة وعبد الواحد بن زياد وشعبة وهشام الدستوائي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن إسحاق الصغاني وأحمد وإسحاق وابن معين وخلائق قال العجلي ثقة ثبت من كبار العاشرة وقال ابن عدي اختلط سنة تسع عشرة ومائتين (219) ومات سنة (220) عشرين ومائتين وليس في مسلم عفان إلا هذا الثقة الفاضل. روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصلاة في موضعين وفي اللباس والجنائز وفي حق المملوك وفي الجهاد وفي الأدب وفي دلائل النبوة وفي الفتن في موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. قال عفان (حدثنا وهيب) مصغرًا بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري روى عن يحيى بن سعيد التيمي وعمرو بن يحيى بن عمارة وخالد الحذاء وعبد الله بن طاووس وغيرهم، ويروي عنه (ع) وصفان بن مسلم وحيان بن هلال وإسماعيل بن علية وابن المبارك وابن مهدي والقطان وغيرهم، قال ابن سعد: ثقة حجة كثير الحديث أحفظ من أبي عوانة، وقال في التقريب ثقة ثبت لبهه تغير قليلًا بأخرةٍ من السابعة مات سنة (165) خمس وستين ومائة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الجنائز وفي الحج في ثلاثة مواضع وفي الأشربة وفي النكاح وفي العتق وفي اللباس وفي صفة الجنة وفي ذكر الحوض وفي البيوع فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. قال وهيب (حدثنا يحيى بن سعيد) بن حيان بمهملة وتحتانية أبو حيان التيمي تيم الرباب الكوفي، روى عن أبي زرعة وأبيه وعمه يزيد بن حيان وغيرهم، ويروي عنه (ع) ووهيب بن خالد وإسماعيل بن علية وغيرهم من السادسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، وقد مر قريبًا البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي روى عن جده وأبي هريرة ومعاوية وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو حيان التيمي وعلي بن مدرك وعمارة بن القعقاع وفضيل بن غزوان وغيرهم ثقة من الثالثة رأى عليًّا، روى المؤلف عنه في كتاب الإيمان وفي الفتن وفي غيرهما (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه المدني المكثر قد تقدم البسط في ترجمته.

أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ .. دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَال: "تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ"، قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيئًا أَبَدًا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى .. قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .. فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته واحد منهم بغدادي واثنان بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني حالة كون أبي هريرة يروي (أن أعرابيًّا) أي أن رجلًا من سكان البوادي (جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الأعرابي (يا رسول الله دلني على عمل) أي أخبرني عن عمل (إذا عملته) وفعلته (دخلت الجنة) وزحزحت من النار (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم العمل الذي يدخلك الجنة إذا عملته أن (تعبد الله) عزَّ وجلَّ وتطيعه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات حالة كونك (لا تشرك به) تعالى (شيئًا) من المخلوقات في الطاعة والعبادة وأتى بنفي الإشراك بعد العبادة لأن بعض الكفار يعبدون الله سبحانه مع الإشراك كما تقول قريش في طوافها: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك) وقوله (وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان) معطوف على قوله (تعبد الله) من عطف الخاص على العام إظهارًا لمزيته نظير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} وتقدم لك حكمة تقييد الصلاة بالمكتوبة والزكاة بالمفروضة مع كون المعنى واحدًا. (قال) الأعرابي (والذي نفسي بيده) أي أقسمت بالإله الذي روحي بيده (لا أزيد على هذا) الواجب الذي بينته لي (شيئًا) من العبادة (أبدًا) أي في جميع الأزمنة المستقبلة (ولا أنقص منه) شيئًا (قال النبي صلى الله عليه وسلم) لمن حوله (من سره) وبشره (أن ينظر) ويبصر (إلى رجل من أهل الجنة) ويراه (فلينظر إلى هذا) الرجل فإنه من أهل الجنة، قال النواوي: فالظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في الرجل أنه علم بالوحي أن الرجل يوفي بما التزم وأنه يدوم على ذلك ويدخل الجنة اهـ بتصرف، وهذا الرجل داخل في جملة الجماعة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. وغرض المؤلف بسوق حديث أبي هريرة هذا الاستشهاد به لحديث أبي أيوب الأنصاري الذي استنبطوا منه الترجمة السابقة فإن مضمون الحديثين واحد إلا أن في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول زيادة صلة الرحم وفائدة الاستشهاد تقوية رواية الصحابي الأول برواية الصحابي الثاني يعني أن الأول لم ينفرد بسماع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل شاركه فيه غيره. * * *

5 - باب من حرم الحرام، وأحل الحلال، وفعل ما تمكن من الواجبات دخل الجنة

5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ .. دَخَلَ الجَنَّةَ 16 - (15) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5 - بَابُ مَنْ حَرَّمَ الحَرَامَ، وَأَحَلَّ الحَلَالَ، وَفَعَلَ مَا تَمَكَّنَ مِنَ الوَاجِبَاتِ دَخَلَ الجَنَّةَ أي باب في بيان عاقبة من اعتقد حرمة الحرام واجتنبه واعتقد حلية الحلال وإن لم يفعله بل يكفي فيه اعتقاد حليته فقط يعني أن من لم ينكر حرمة الأول وحلية الثاني وفعل ما سهل عليه من الواجبات لقرب عهده بالإسلام وإن لم يفعل جميعها دخل الجنة وهذه الترجمة التي ترجمتها لحديث جابر رضي الله عنه من زيادتي استنباطًا من منطوق حديث جابر لأن حديثه لم يدخل في الترجمة التي ترجم بها النووي والقرطبي لحديث أبي أيوب الأنصاري لأن منطوق حديثهما مختلف بدليل اختلاف السائل ولم يترجم الأبي ولا السنوسي لحديث جابر ولا لحديث أبي أيوب ولا لحديث أبي هريرة ولا لحديث أنس الماضي بل جعلا هذه الأحاديث تبعًا لترجمة حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى لهذه الترجمة المستنبطة من حديث جابر فقال: (16) - س (15) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الحافظ الكوفي من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته مرارًا وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا (16) (وأبو كريب) مصغرًا محمد بن العلاء بن كريب الهمداني بسكون الميم الحافظ الكوفي مشهور بكنيته أحد الأثبات المكثرين روى عن أبي معاوية ووكيع وابن نمير وأبي أسامة وخالد بن مخلد وابن إدريس وابن فضيل وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو حاتم وأبو زرعة وعبد الله بن أحمد بن حنبل وخلق، وقال في التقريب ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين في آخر جمادى الآخرة وله (87) سبع وثمانون سنة، وأوصى أن تدفن كتبه معه فدفنت قال ابن عقدة ظهر له بالكوفة ثلاثمائة ألف حديث. روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة

-وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيبٍ- قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مواضع وفي الصوم وفي النكاح وفي البيوع وفي الحدود وفي الأدب وفي دلائل النبوة وفي العلم فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن الراويين ثقتان. وأتى بقوله (واللفظ) الآتي (لأبي كريب) تورعًا من الكذب على أبي بكر بن أبي شيبة وإشعارًا بأنه إنما روى معنى الحديث الآتي لا لفظه (قالا) أي قال أبو بكر وأبو كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين التميمي السعدي مولى أسعد بن زيد مناة الكوفي الضرير عمي وهو صغير أحد الأئمة الأعلام روى عن الأعمش وعاصم الأحول وهشام بن عروة وهشام بن حسان ويحيى بن سعيد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ويحيى بن يحيى وإسحاق الحنظلي وابن نمير وزهير بن حرب وخلق، وفي التقريب: ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يَهِمُ في حديث غيره من كبار التاسعة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة وله (82) اثنان وثمانون سنة وقد رمي بالإرجاء روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز والزكاة والحج والصوم والجهاد في موضعين وفي باب الرحمة والفضائل وفي باب الظلم والدعاء في موضعين وفي التفسير وفي باب التوبة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابا تقريبًا. (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي أحد العلماء الحفاظ والقراء رأى أنسًا، روى عن أبي سفيان وأبي صالح وإسماعيل بن رجاء وعبد الله بن مرة وأبي وائل وإبراهيم النخعي وأبي حازم وخلق ويروي عنه أبو معاوية وحفص بن غياث وعيسى بن يونس وجرير وشعبة وعلي بن مسهر وعبد الله بن نمير ووكيع وجماعة، وقال العجلي: ثقة ثبت، وقال النسائي: ثقة ثبت وعده في المدلسين، وفي التقريب ثقة حافظ بالقراءة ورع لكنه يدلس من الخامسة، قال عمرو بن علي ولد عمر بن عبد العزيز سنة إحدى وستين مقتل الحسين وولد معه الأعمش ومات في ربيع الأول سنة (148) ثمان وأربعين ومائة عن (84) أربع وثمانين سنة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم في موضعين وفي الزكاة في خمسة مواضع وفي

عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلة في موضعين والعلم والزهد وفي الجهاد في موضعين وفي الأشربة وفي الأطعمة وفي الفضائل فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي الإسكاف نزيل واسط، روى عن جابر بن عبد الله وأبي أيوب وابن عباس وأنس ويروي عنه (م عم) والأعمش فأكثر وأبو بشر وحُصين بن عبد الرحمن وأبو إسحاق وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي غيرها، وقد تقدم أن في سين سفيان ثلاث لغات الضم والكسر والفتح وقال الأعمش هنا عن أبي سفيان مع أنه مدلس والمدلس إذا قال عن لا يحتج بحديثه إلا إذا صرح بالسماع من طريق آخر، وقد تقدم أن ما وقع في الصحيحين عن المدلسين بعن فمحمول على ثبوت سماعهم من طريق آخر والله أعلم. (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام بمهملتين مفتوحتين بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري ثم السلمي بفتحتين أبي عبد الرحمن أو أبي عبد الله المدني الصحابي ابن الصحابي مشهور، له ألف وخمسمائة حديث وأربعون حديثًا شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم والعقبة مع أبيه وغزا تسع عشرة غزوة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعمر بن الخطاب وغيرهم. ويروي عنه أبو سفيان وأبو صالح وأبو الزبير وعمرو بن دينار وأبو جعفر محمد بن علي وعطاء بن أبي رباح وأبو سلمة بن عبد الرحمن وخلق، مات بالمدينة سنة (79) ثمان أو تسع وسبعين بعد أن عمي وله (94) أربع وتسعون سنة، وصلى عليه أبان بن عثمان وهو والي المدينة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في موضعين وفي الوضوء في موضعين، وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الجنائز في موضعين وفي الصوم في موضعين وفي الحج وفي البيوع وفي النكاح في موضعين وفي الحدود وفي الجهاد في الفضائل وفي الأشربة وفي الدلائل وفي الفتن وفي العُمْرَى من قوله، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة عشر بابا تقريبًا.

قَال: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَرَأَيتَ إِذَا صَلَّيتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَال، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم كوفيون إلا أبا سفيان فإنه مكي أو واسطي وجابرًا فإنه مدني، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي. (قال) جابر رضي الله عنه (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) وجاءه (النعمان بن قوقل) بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة آخره لام بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عمرو بن عوف، ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق فيمن استشهد بأحد وكان شهد بدرًا وأخرج البغوي من طريق خالد بن مالك الجعدي قال: وجدت في كتاب أبي أن النعمان بن قوقل الأنصاري قال: أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في خُضر الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيته يطأ فيها وما به من عرج" وأخرج ابن قانع وابن منده من طريق أبي إسحاق الفزاري عن الحسن بن الحسن عن أبي ثابت بن شداد بن أوس قال: قال النعمان فذكر نحوه، قال ابن منده يروى هذا الحديث لعمرو بن الجموح، وأخرج مسلم من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي سفيان وأبي صالح عن جابر نحو حديث قبله متنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم النعمان بن قوقل فقال: يا رسول الله إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أأدخل الجنة قال: "نعم ... " إلى آخر ما في الإصابة، ويقال إن قوقلًا لقب واسمه ثعلبة انتهى من الإصابة في تمييز الصحابة. (فقال) النعمان (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إذا صليت) الصلاة (المكتوبة وحرمت الحرام) كله، قال النووي: قال ابن الصلاح: الظاهر أنه أراد به أمرين: أن يعتقده حرامًا، وأن لا يفعله، بخلاف تحليل الحلال فإنه يكفي فيه مجرد اعتقاده حلالًا وإن لم يفعله (وأحللت الحلال) أي اعتقدت حِليته، وهذا كله كناية عن الوقوف عند حدود الشرع والله أعلم، وقال القرطبي: معنى أحللت الحلال اكتسبت الحلال، ومعنى حرمت الحرام امتنعت من كسب الحرام هذا عرف الحلال والحرام في الشرع، وأما في أصل الوضع فيصلح أن يطلق الحلال على كل ما للإنسان أن يفعله شرعًا ولا يمتنع منه، والحرام على ما مُنِعَ الإنسانُ من فعله مطلقًا انتهى منه. (أأدخل الجنة) بهمزتين أولاهما للاستفهام الاستخباري والثانية همزة المتكلم.

فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ". 17 - (00) وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم) تدخل الجنة، ونعم حرف جواب وتصديق قائم مقام الجواب، تقع بعد الإثبات ويستفاد من الحديث أن من أقرَّ بتكاليف الشرع كلها بلسانه واعتقدها بقلبه أمرًا أو نهيًا، وفعل ما تمكن من الواجبات، وإن لم يفعل السنن دخل الجنة، والحديث مطابق للترجمة بمنطوقه فلا غبار عليه، وهذا الحديث مما انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات وأخرجه أحمد (3/ 348). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر فقال: (17) - متا (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ـابن الشاعر) الحافظ البغدادي من الحادية عشرة مات سنة (259) تسع وخمسين ومائتين وقد مر البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا تقريبًا. (و) حدثني (القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الطحان أبو محمد الكوفي روى عن عبيد الله بن موسى وحسين الجعفي وخالد بن مخلد وغيرهم ويروي عنه (م ت س ق) وغيرهم، ووثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة مات في حدود (250) الخمسين ومائتين وروى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والوضوء وغيرها، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن الراويين ثقتان (قالا) أي قال الحجاج بن يوسف والقاسم بن زكرياء (حدثنا عبيد الله بن موسى) بن باذام العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي الحافظ صاحب المسند روى عن شيبان بن عبد الرحمن وإسرائيل والحسن بن صالح وابن جريج والثوري وخلق، ويروي عنه (ع) وحجاج بن الشاعر والقاسم بن زكرياء وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وإسحاق بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم، وثقه ابن معين والعجلي، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة، كان يتشيع مات سنة (213) ثلاث عشرة ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الجنائز والحج في ثلاثة مواضع والجهاد وصفة النبي صلى الله عليه وسلم فجملة الأبواب التي

عَنْ شَيبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَال: قَال النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ ... بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى المؤلف عنه فيها سبعة تقريبًا (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبي معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي المؤدب، روى عن الأعمش والحسن وقتادة وعثمان بن عبد الله بن موهب ويحيى بن أبي كثير وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن موسى وأبو أحمد الزبيري وزائدة ويونس المؤدب وغيرهم، قال أحمد: ثبتٌ في كل المشايخ، وقال في التقريب: ثقة صاحب كتاب من السابعة مات سنة (164) أربع وستين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والجنائز والزكاة والحج وفي الأحكام وفي الجهاد فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب. (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي ثقة حافظ ولكنه يدلس من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا تقريبًا. (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات المدني، كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة مولى جويرية بنت الحارث امرأة من قيس، ويقال مولى لعبد الله بن غطفان، روى عن جابر بن عبد الله وأبي هريرة وعن عطاء بن يزيد وأبي سعيد الخدري وابن عمر وغيرهم، ويروي عنه (ع) والأعمش وطلحة بن مُصرِّف وعبد الله بن دينار وأبو حصين وبنوه عبد الله وسهيل وصالح وعطاء بن أبي رباح، قال في التقريب: ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة والجنائز في موضعين والحج في موضعين والزكاة والأشربة والبيوع والدلائل، وفي حق المملوك فجملة الأبواب التي روى عنه فيها تسعة. (و) عن (أبي سفيان) طلبة بن نافع القرشي المكي صدوق من الرابعة تقدم البسط في ترجمته قريبًا وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه, لأن الثاني منهما لا يصلح لتقوية الأول لأنه ثقة، والثاني صدوق، كلاهما (عن جابر) بن عبد الله بن حرام الصحابي الجليل رضي الله عنهما، قد تقدمت ترجمته آنفًا (قال) جابر (قال النعمان بن قوقل) رضي الله عنه (يا رسول الله) أرأيت إذا صليت المكتوبة ... الحديث وساق شيبان بن عبد الرحمن (بمثله) أي بمثل ما روى أبو معاوية

وَزَادَ فِيهِ: (وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيئًا) ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الأعمش، والضمير في بمثله عائد إلى أبي معاوية (وزاد) شيبان بن عبد الرحمن على أبي معاوية (فيه) أي في ذلك المِثل الذي رواه عن الأعمش لفظة (ولم أزد على ذلك شيئًا) أي قال النعمان بن قوقل يا رسول الله: أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال ولم أزد على ذلك شيئًا أأدخل الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم" أي قال نعمان ولم أزد على ذلك المذكور من فعل المكتوبة وتحريم الحرام وتحليل الحلال شيئًا من النوافل. قال الأبي: قوله (ولم أزد) يحتمل أن يكون اكتفى منه بذلك لقرب عهده بالإسلام حتى يأنس ويحرص على الخير وتسهل عليه الفرائض، ويحتمل أنه قال ذلك لأنه لم يتفرغ للنوافل لشغله بالجهاد أو غيره من أعمال البر والله أعلم اهـ منه. وقولنا (وزاد فيه) بلا ألف التثنية هي النسخة التي شرح عليها الأبي والسنوسي، وهي الصحيحة لأن المتابعة بين من روى عن الأعمش أي بين شيبان وأبي معاوية وفي النسخة التي شرح عليها النووي (وزادا) بألف التثنية، وهي تصحيف من النساخ، ويدل عليه إفراد الضمير في بمثله لأنه يرجع إلى المتابع المذكور في السند الأول وهو أبو معاوية كما ذكرنا أولًا، ولو قال (بمثلهما) بضمير التثنية لكانت نسخة الألف صحيحة لأن المتابعة حينئذ بين اثنين واثنين، والمعنى حينئذ، وساق حجاج بن الشاعر والقاسم بن عبيد الله بمثلهما أي بمثل حديث أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وزاد الحجاج والقاسم على أبي بكر وأبي كريب (فيه) أي في ذلك المثل الذي ساقاه فالمتابعة على هذه النسخة ناقصة لأن شيخ الأولين أبو معاوية، وشيخ الأخيرين عبيد الله بن موسى فتكون المتابعة في الرواية عن الأعمش بواسطة في الكل، ولكن اتفقت جميع النسخ على إفراد ضمير (بمثله) فحينئذ فالنسخة الصحيحة نسخة الأبي والسنوسي ونسخة النواوي مصحفة والله أعلم هذا ما ظهر لفهمي السقيم. وهذا السند من سداسياته، ورجاله أربع منهم كوفيون واثنان مدنيان، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعيين، وغرضه بسوقه بيان متابعة شيبان لأبي معاوية في الرواية عن الأعمش كما مر آنفًا، كما يدل عليه إفراد ضمير بمثله والله أعلم تأمل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

18 - (00) وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ -وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ اللهِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ (18) - متا (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي بكسر الميم الأولى وفتح الثانية أبو عبد الله النيسابوري، ويقال أبو عبد الرحمن نزيل مكة، روى عن الحسن بن أعين ومروان بن محمد الدمشقي وعبد الرزاق ويزيد بن هارون وغيرهم، ويروي عنه (م عم) والروياني بن هارون وقال في التقريب: ثقة من كبار الحادية عشرة مات سنة (247) سبع وأربعين ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والزكاة في موضعين وفي الفتن فجملة ما روى عنه فيها أربعة أبواب تقريبًا. قال سلمة بن شبيب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) بفتح الهمزة وبالعين المهملة الساكنة آخره نونٌ والأعين عندهم من في عينيه سعة، القرشي مولاهم مولى بني مروان أبو علي الحراني وقد ينسب إلى جده كما في مسلم روى عن معقل بن عبيد الله وفليح بن سليمان وزهير بن معاوية وفضيل بن غزوان وغيرهم، ويروي عنه (خ م س) وسلمة بن شبيب ولوين وأحمد بن سليمان الرهاوي، قال في التقريب: صدوق من التاسعة مات سنة (210) عشر ومائتين روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة والجهاد والأطعمة وحديث الرجل، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ستة تقريبًا. قال الحسن (حدثنا معقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف (وهو ابن عبيد الله) وأتى بهو إشارة إلى أن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي كما مرت نظائره، الجزري أبو عبد الله العبسي بالموحدة مولى لبني عبس الحراني روى عن أبي الزبير وزيد بن أبي أنيسة وإبراهيم بن أبي عبلة وعطاء بن أبي رباح والزهري وغيرهم، ويروي عنه (م د س) والحسن بن أعين ووكيع وأحمد بن يونس والثوري والفريابي وغيرهم، وثقه أحمد والنسائي وابن حبان، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة مات سنة ست وستين ومائة (166). روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الحج وفي النكاح في موضعين وفي البيوع وفي الأشربة والطب والقدر وفي توبة كعب بن مالك فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه

عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَال: أَرَأَيتَ إِذَا صَلَّيتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَال، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها ثمانية (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرُس بفتح التاء المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء القرشي الأسدي مولاهم مولى حكيم بن حزام المكي أحد الأئمة ثقة ولكنه يدلس، روى عن جابر وابن عباس وعائشة في (م عم) وعبد الله بن عمروفي (ق) ولكن لم يلقه، وابن عمر في (م) وخلق، ويروي عنه (ع) ومعقل بن عبيد الله وسفيان الثوري وابن جريج وقرة بن خالد وأيوب السختياني والليث وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي وابن عدي وقال أبو حاتم وأبو زرعة لا يحتج به، وكان مدلسًا واسع العلوم له في (خ) حديث واحد وقرنه (م) بآخر، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الصوم وفي الحج في أربعة مواضع وفي الطلاق في موضعين والأشربة والأطمعة وفي الدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. (عن جابر) بن عبد الله بن حرام الأنصاري السلمي بفتحتين المدني الصحابي ابن الصحابي رضي الله تعالى عنه، تقدم البسط في ترجمته قريبًا وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا وهذا السند من خماسياته ورجاله واحد منهم نيسابوري واثنان حرانيان وواحد مكي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سفيان في رواية هذا الحديث عن جابر، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع وهو أبو الزبير صدوق مدلس لا يصلح لتقوية أبي سفيان لأنه ثقة، وإنما كرر متن الحديث فيه لما في هذه الراوية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وفيها زيادة صوم رمضان. حالة كون جابر يروي (أن رجلًا) وهو النعمان بن قوقل المذكور في الرواية الأولى (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل في سؤاله (أرأيت) أي أخبرني يا رسول الله (إذا صليت الصلوات) الخمس (المكتويات) أي المفروضات على المكلفين (وصمت) شهر (رمضان وأحللت الحلال) واكتسبته (وحرمت الحرام) أي امتنعت من

وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَال: "نَعَمْ"، قَال: وَاللهِ؛ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرام (ولم أزد على ذلك) المذكور (شيئًا) من النوافل (أأدخل الجنة) أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) تدخل الجنة (قال) الرجل (والله) أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره، أتى بالقسم تأكيدًا للكلام (لا أزيد على ذلك) المذكور (شيئًا) من النوافل ولا أنقص منه شيئًا. * * *

6 - باب بيان مباني الإسلام

6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ 19 - (16) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ -يَعْنِي سُلَيمَانَ بْنَ حَيَّانَ الأَحْمَرَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ 6 - بَابُ بَيَانِ مَبَانِي الإِسْلَامِ أي باب معقود في بيان القواعد والأُسَسِ التي يُبنى ويؤسس عليها الإسلام والدين، والمباني جمع مبنى، ومبنى الشيء ما يبنى عليه ذلك الشيء، ولا بد من المغايرة بينهما إلا أن يقال الإضافة فيه بيانية أي باب بيان المباني التي هي الإسلام، واخترت هذه الكلمات في الترجمة تبركًا بمادة الحديث، وترجم النواوي لهذا الحديث بقوله: (باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام) وترجم الأبي بقوله: (باب قوله صلى الله عليه وسلم بُني الإسلام على خمس) ولم يترجم له السنوسي وفي بعض نسخ المتن (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بُني الإسلام على خمس) وسبب اختلاف أسماء التراجم في صحيح مسلم رحمه الله تعالى لأنها ليست من وضع المؤلف، بل ترجم له كل من الشراح وغيرهم بما ظهر له من منطوق الحديث أو مفهومه ولو كانت هي من المؤلف لما اختلفت كما لا تختلف تراجم البخاري وغيره، قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى: (19) - استدلال (16) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني) بسكون الميم أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا. فائدة: قال النواوي: وكل ما وقع في الصحيحين من الهمداني فهو بسكون الميم وبالدال المهملة انتهى. قال محمد بن نمير (حدثنا أبو خالد يعني) أي يقصد شيخي محمد بن نمير بأبي خالد (سليمان بن حيان الأحمر) أتى بالعناية إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه محمد بن نمير، بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخه، ولقب بالأحمر لشدة حمرته، الأزدي الجعفري الكوفي، روى عن أبي مالك الأشجعي والأعمش وهشام بن حسان ويحيى بن سعيد وحسين المعلم وعبيد الله بن عمر وابن عجلان وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن نمير وابن أبي شيبة وأبو كريب

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو سعيد الأشج وخلق، وثقه ابن معين وابن المديني، وقال ابن سعد مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الجنائز وفي الصوم في موضعين وفي الحج وفي البيوع وفي النكاح والجهاد في موضعين وفي الدعاء وفي الضحايا وفي الأدب وفي صفة الحشر فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. (عن أبي مالك الأشجعي) سعد بن طارق بن أشيم المسمى في الرواية الثانية الكوفي، روى عن سعد بن عبيدة وربعي بن خراش وموسى بن طلحة وأنس وابن أبي أوفى، ويروي عنه (ع) وأبو خالد الأحمر وابن أبي زائدة ومروان بن معاوية ويزيد بن هارون ومحمد بن فضيل وعلي بن مسهر وغيرهم، ثقة من الرابعة مات في حدود (140) سنة مائة وأربعين، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصلاة كذلك وفي الوضوء وفي الزكاة وفي الفتن وفي الدعاء فجملة الأبواب التي روى فيها ستة أبواب (عن سعد بن عبيدة) مصغرًا السلمي بضم السين أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي، روى عن ابن عمر والمسور بن الأحنف وأبي عبد الرحمن السلمي والبراء بن عازب، ويروي عنه (ع) وأبو مالك الأشجعي والسدي والأعمش ومنصور بن المعتمر وزبيد بن الحارث وحصين بن عبد الرحمن وعلقمة بن مرثد، ثقة من الثالثة مات في ولاية عمر بن هبيرة على العراق. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة وفي النكاح والحدود والجهاد والفضائل والقدر وفي الدعاء وفي عذاب القبر، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما العدوي المكي الصحابي المجتهد في اتباع السنة أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة، وتقدمت ترجمته بالبسط فيها وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عمر فإنه مكي مدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الإسلام) وأسس (على خمسة) أركان أو أسس أو أمور أو أشياء مثلًا، قال النواوي: ووقع في

عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ"، فَقَال رَجُلٌ: الْحَجُّ وَصِيَامُ رَمَضَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصول المعتمدة (بُني الإسلام على خمسة) بالهاء في الطريق الأول والرابع نظرًا إلى كون المعدود مذكرًا وفي الثاني والثالث (على خمس) بلا هاء نظرًا إلى كون المعدود مؤنثًا أي على خمس قواعد أو دعائم أو خصال مثلًا، وفي بعض الأصول المعتمدة في الرابع بلا هاء، وكلاهما صحيح لأن أسماء العدد آحادها تجري على خلاف القياس إذا أُفردت، وإذا ركبت مع العشرة تجري على القياس، وأما العشرة فتجري على القياس مطلقًا، قال الأبي: فإن قلت المبني على الشيء غير ذلك الشيء فكيف يصح هذا التركيب (قلت) إن أريد بالإسلام ما تقدم في حديث جبريل - عليه السلام - فعلى هنا بمعنى من؛ لأن الإسلام نفس الخمس والتقدير بني الإسلام من خمس دعائم وإن أريد به ما هو أعم من ذلك من جميع الأحكام التي شرعت ففيه استعارة تمثيلية مثل الدين مع أركانه الخمس ببيت أو بخباء أقيمت على خمس أعمدة لأن الخمس هي أسس الدين اهـ بتصرف. فتكون (على) حينئذ على بابها والجار والمجرور في قوله (على أن يوحد الله) سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله ولا يُشرك به بدل من الجار والمجرور في قوله على خمس بدل تفصيل من مجمل، ويوحد هو بضم الياء المثناة من تحت وفتح الحاء المهملة مبني للمجهول، أي بني الإسلام على توحيد الله تعالى (و) على (إقام الصلاة) المكتوبة وأدائها بآدابها في أوقاتها المحددة (و) على (إيتاء الزكاة) المفروضة، وصرفها في مصارفها (و) على (صيام) شهر (رمضان) في السنة (و) على أداء (الحج) مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلًا (فقال رجل) من الحاضرين عند ابن عمر عند روايته لهذا الحديث، وعيَّن أبو علي البغدادي ذلك الرجل في مبهم الأسماء بأنه يزيد بن بشر السكسكي اهـ من الأبي، وعبارة النواوي: أما اسم الرجل الذي رد عليه ابن عمر رضي الله عنهما تقديم الحج على الصوم فهو يزيد بن بشر السكسكي ذكره الخطيب البغدادي في كتابه الأسماء المبهمة اهـ. (الحج وصيام رمضان) أي قل يا بن عمر في روايتك هذا الحديث "وإيتاء الزكاة والحج وصيام رمضان" بتقديم الحج على صيام رمضان لأن الحديث هكذا رُوي

قَال: "لَا، صِيَامُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ"، هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) ابن عمر رضي الله عنهما للرجل (لا) أقول الحج وصيام رمضان بتقديم الحج على الصوم لأن الحديث الذي سمعته ليس على ذلك الترتيب بل أقول في روايتي وايتاء الزكاة و (صيام رمضان والحج) بتأخير الحج عن الصوم (هكذا) أي على هذا الترتيب بتأخير الحج (سمعته) أي سمعت هذا الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلا أغيره عن الترتيب الذي سمعته إلى ما قلت أيها الرجل من تقديم الحج على الصوم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 26، 93) والبخاري (8) والترمذي (2736) والنسائي (8/ 107) قال المازري: إن كان ابن عمر يرى أن الواو ترتب فإنكاره بيِّن لأنه يجب نقل المسموع ويستفاد منه تقديم كفارة الفطر في رمضان على الهدي الواجب في الحج إذا أوصى بهما وضاق الثلث لإشعار الترتيب بأن ما قدم آكد والوصايا إنما يقدم فيها الآكد وإن لم يره فإنكاره لأنه يمنع نقل الحديث بالمعنى، قال القاضي عياض أو لأنه راعى التاريخ في النزول فجاء بالفرائض على نسقها لأن فرض الحج تأخر، قال النواوي: أو لأنه فهم أن الرجل أنكر أن يكون الحديث رُوي بتقديم رمضان فقال: لا تنكر كذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الأبي (قلت) على تقدير أن لا يراه فليس من النقل بالمعنى لأن الرواية قد صحت عنه بتقديم الحج إلا أن يقال بأنه نسي ويَبعد (فإن قلت) إذا صحت الرواية عنه بتقديم الحج واستبعدت أن يكون نسي فلم أنكر (قلت) لأنه فهم أن الرجل حصر الرواية في تقديم الحج ولا يصح أيضًا التوجيه بأنه راعى التاريخ في النزول فإنه إنما علل بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تُلغى العلة المنصوصة وتعتبر المستنبطة وفرض الصوم نزل في سنة اثنتين وفرض الحج سنة تسع على الصحيح، وقيل سنة خمس انتهى من الأبي. وقال النواوي: وأما تقديم الحج وتأخيره ففي الرواية الأولى والرابعة تقديم الصيام، وفي الثانية والثالثة تقديم الحج ثم اختلف العلماء في إنكار ابن عمر على الرجل الذي قدم الحج مع أن ابن عمر رواه كذلك كما وقع في الطريقين المذكورين والأظهر والله أعلم أنه يحتمل أن ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم فرواه أيضًا على الوجهين في وقتين فلما رد عليه الرجل وقدم الحج قال ابن عمر: لا ترد علي ما لا علم لك به ولا تعترض بما لا تعرفه، ولا تقدح فيما لا تتحققه بل هو بتقديم الصوم هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في هذا نفي لسماعه على الوجه الآخر، ويحتمل أن ابن عمر كان سمعه مرتين بالوجهين كما ذكرنا ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي رده فأنكره فهذان الاحتمالان هما المختاران في هذا المقام انتهى. قال القرطبي: قوله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس) يعني أن هذه الخمس أساس دين الإسلام وقواعده التي يُبنى عليها وبها يقوم وإنما خص هذه الخمس بالذكر ولم يذكر معها الجهاد مع أنه به ظهر الدين وانقمع به عُتاة الكافرين لأن هذه فرض دائم على الأعيان ولا تسقط عمن اتصف بشروط ذلك، والجهاد من فروض الكفايات وقد يسقط في بعض الأوقات بل وقد صار جماعة كثيرة إلى أن فرض الجهاد قد سقط بعد فتح مكة، وذكر أنه مذهب ابن عمر والثوري وابن سيرين ونحوه لسحنون من أصحابنا إلا أن ينزل العدو بقوم أو يأمر الإمام بالجهاد فيلزم عند ذلك، وقد ظهر من عدول ابن عمر عن جواب الذي قال له: (ألا تغزو) إلى جوابه بقول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس" أنه كان لا يرى فرضية الجهاد في ذلك الوقت خاصة، أو على أنه يرى سقوطه مطلقًا كما نقل عنه. وحديث ابن عمر هذا قد رُوي من طرق ففي بعضها شهادة أن لا إله إلا الله، وفي بعضها على أن تعبد الله وتكفر بما دونه، فالأولى نقل باللفظ والأخرى نقل بالمعنى والأصل نقل الحديث باللفظ وهو المتفق عليه. وقد اختلف في جواز نقل الحديث بالمعنى من العالم بمواقع الكلم وتركيبها على قولين الجواز والمنع، وأما من لا يعرف فلا خلاف في تحريم ذلك عليه اهـ. قال القاضي عياض: وأما نقل الحديث بالمعنى فقد قدمنا أن مالكًا يمنعه خوف أن يفعله من يجهل أنه يجهل، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها" وذكرنا أنه كان يتحرى فيه الواو والفاء، وأنه كان يرى إصلاح الحرف الذي لا يشك في إسقاطه. واختلف في اللحن، فقال الشعبي وأحمد: يُصْلَحُ

20 - (00) وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهم لم يكونوا يلحنون، وهاب ذلك بعضهم فيروي الحديث على ما هو عليه ويُنبه على اللحن، وهو موجود في الموطأ وكتب الصحيح حتى في حروف من القرآن تركوها كما رووها ووقع الوهم فيها ممن روى، وقال النسائي: إن تكلم به بعض العرب تُرك لأنه كان صلى الله عليه وسلم يُخاطب كلًّا بلغته وإن لم يتكلم به أحدٌ قالوا فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن انتهى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (20) - متا (00) (حدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود (العسكري) نزيل الري روى عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة وأبي معاوية ويزيد بن زريع ومروان بن معاوية وحفص بن غياث وغيرهم، ويروي عنه (م) والحسن بن سفيان وعلي بن أحمد بن بسطام، وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال في التقريب: أحد الحفاظ له غرائب من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، فجملة من اسمه سهل من رجال مسلم ستة ثلاثة صحابيون، واثنان ثقتان وواحد صدوق كما بيناهم في الخلاصة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصوم في أربعة مواضع وفي اللباس والفتن وفي الفضائل في موضعين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب. قال سهل بن عثمان (حدثنا يحيى بن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني بسكون الميم الوادعي مولاهم، مولى لامرأة من وادعة، أبو سعيد الحافظ الكوفي روى عن أبي مالك الأشجعي، وعاصم الأحول وأبيه وحجاج بن أرطأة ومسعر وهشام بن عروة وعبيد الله بن عمر وغيرهم، ويروي عنه (ع) وسهل بن عثمان وابن أبي شيبة وأبو كريب وإبراهيم بن موسى الرازي ويحيى بن يحيى وغيرهم قال أحمد وابن معين: ثقة، وقال ابن المديني: هو من الثقات لم يكن بالكوفة بعد الثوري أثبت منه، وقال أيضًا: انتهى العلم إليه في زمانه، وقال في التقريب: ثقة متقن من كبار التاسعة، مات سنة (184) ثلاث أو ربع وثمانين ومائة؛ وله ثلاث وتسعون سنة (93)، روى المؤلف عنه في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع والنكاح والبيوع في موضعين والفضائل وفي الصوم والحج في ثلاثة مواضع والوصايا والحدود والشعر،

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ، قَال: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيدَةَ السُّلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. قال يحيى (حدثنا سعد بن طارق) أبو مالك الأشجعي الكوفي تقدم البسط في ترجمته في الطريق الأول وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا (قال) سعد بن طارق (حدثني سعد بن عبيدة السلمي) أبو حمزة الكوفي تقدم أيضًا البسط في ترجمته هناك وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا (عن) أبي عبد الرحمن عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا السند من خماسياته، ورجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد من أهل الري وواحد مكي مدني، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن زكرياء لأبي خالد الأحمر في رواية هذا الحديث عن سعد بن طارق، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن المتابع المذكور في السند الأول أعني أبا خالد الأحمر صدوق ويحيى بن زكرياء ثقة متقن، وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات وفي ترتيبها (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الإسلام) والدين وأسس (على خمس) دعائم ذكر اسم العدد هنا نظرًا إلى أن المعدود مؤنث كما مر بُني (على أن يعبد الله) سبحانه وتعالى ويُطاع بضم الياء مبنيًّا للمجهول (ويكفر بما دونه) تعالى ويُعصى وينكر، وقوله (وإقام الصلاة) معطوف على المصدر المؤول من أن المصدرية وما في حيزها، أي بني على عبادة الله تعالى وعلى إقام الصلاة وأدائها (و) على (إيتاء الزكاة) المفروضة وصرفها في مصارفها بشروطها (و) على (حج البيت) وقصد الكعبة بالنسك المشروع فيها (و) على (صوم) شهر (رمضان). قال القرطبي: وفي هذه الرواية والتي بعدها تقديم الحج على الصوم وهي وهم من بعض الرواة والله أعلم لأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما سمع المستعيد يقدم الحج على الصوم زجره ونهاه عن ذلك وقدم الصوم على الحج وقال هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك في أن نقل اللفظ كما سُمع هو الأولى والأسلم والأعظم للأجر لقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه" رواه أبو داود

21 - (00) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ -وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (3660) والترمذي (2658) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه وقوله "نضر الله امرأ" دعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة، ويحتمل أن يكون محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على ترتيب هذه القواعد لأنها نزلت كذلك الصلاة أولًا ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج. ويحتمل أن يكون ذلك لإفادة الأوكد فالأوكد فقد يستنبط الناظر في ذلك الترتيب تقديم الأوكد على ما هو دونه إذا تعذر الجمع بينهما كمن ضاق عليه وقت الصلاة وتعين عليه في ذلك الوقت أداء الزكاة لضرورة المستحق فيبدأ بالصلاة، أو كما إذا ضاق وقت الصلاة على الحاج فيتذكر العشاء الآخرة وقد بقي عليه من وقت صلاة العشاء الآخرة ما لو فعله فاته وقت الوقوف بعرفة فقد قال بعض العلماء: إنه يبدأ بالصلاة وإن فاته الوقوف نظرًا إلى ما ذكرناه وقيل يبدأ بالوقوف للمشقة في استئناف الحج، ومن ذلك لو أوصى رجل بزكاة فرَّط في أدائها وبكفارة فطر رمضان وضاق الثلث عنهما بدأ بالزكاة أولًا لأوكديتها على الصوم، وكذلك لو أوصى بكفارة الفطر من رمضان وبالهدي الواجب في الحج قدم كفارة الفطر وهذا كله على أصل مالك فإن ذلك كله يخرج من الثلث، وأما من ذهب إلى أن ذلك يخرج من رأس المال فلا تفريع على ذلك بشيء مما ذكرناه والله تعالى أعلم، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر فقال: (21) - متا (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبو عمرو البصري من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه عن أبيه في الإيمان وغيره قال عبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو لمثنى البصري، روى عن كهمس وعاصم بن محمد وقرة بن خالد وشعبة وحميد الطويل وابن عون وسليمان التيمي وغيرهم ويروي عنه (ع) وابنه عبيد الله بن معاذ وزهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة والمثنى بن معاذ ومحمد بن المثنى وخلق، قال في التقريب: ثقة متقن من كبار التاسعة مات سنة ست وتسعين ومائة (196). روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصلاة كذلك وفي الجنائز وفي الزكاة والبيوع والحدود والديات والضحايا والدعاء وفي باب الرحمة وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا قال معاذ بن معاذ (حدثنا عاصم وهو) أي

ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ- عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال عَبْدُ اللهِ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عاصم الذي روى عنه شيخ شيخي معاذ بن معاذ هو عاصم (بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي المدني رضي الله عنهم أجمعين، وأتى بهو إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل هي مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي وفصلها بهو تورعًا من الكذب على شيخه كما مر، روى عن أبيه محمد وإخوته واقد بن محمد وزيد بن محمد وعمر بن محمد، ويروي عنه (ع) ومعاذ بن معاذ وشبابة وبشر بن الفضل وغيرهم، قال في التقريب: ثقة من السابعة روى عنه المؤلف عن أبيه في الإيمان والجهاد وعنه عن أخيه واقد في العتق وعنه عن أخيه زيد بن محمد في الجهاد فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة أبواب تقريبًا فجملة من اسمه عاصم في مسلم سبعة وتفصيلها في الخلاصة. حالة كون عاصم راويًا (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني روى عن جده عبد الله بن عمر وابن الزبير وابن عباس وسعيد بن زيد بن عمرو ويروي عنه (ع) وبنوه الخمسة عاصم وواقد وعمرو وأبو بكر وزيد والأعمش وبشار بن كدام وغيرهم، قال أبو زرعة ثقة وقال في التقريب: ثقة من الثالثة. روى عنه المؤلف عن جده عبد الله بن عمر في الإيمان والجهاد والطب وحق الجار وعنه عن سعيد بن زيد في البيوع فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب تقريبًا. (قال) محمد بن زيد (قال) لنا جدي (عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما المكي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم بصريان واثنان مدنيان وواحد مكي مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن زيد لسعد بن عبيدة في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن كلًّا من المُتابع والمتابع ثقة فلا تقوية بالثاني للأول وإنما كرر المتن في هذا السند لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام) وأسس الدين (على خمس) دعائم

شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". 22 - (00) وَحَدَّثَنِي ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ، قَال: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله) بجر شهادة وحذف الجار، وكذا ما عطف عليه بدل من خمس بدل تفصيل من مجمل (فإن قلت) كيف يصح الإبدال من خمس لأن شرط بدل البعض من الكل وكذا بدل الاشتمال اشتماله على الرابط، ولا رابط هنا. (قلت) اشتراط ذلك إذا لم يستوف العدد وهنا استوفي أو يقال الرابط مقدر تقديره شهادة أن لا إله إلا الله منها وكذا يقال فيما بعدها، أي إقرار وحدانية الله تعالى، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم باللسان واعتقادهما بالقلب (وإقام الصلاة) المكتوبة وأدائها في وقتها المحدد (وإيتاء الزكاة) المفروضة وصرفها في مصارفها (وحج البيت) وقصده للعبادة المخصوصة، لمن استطاع إليه سبيلًا (وصوم) شهر (رمضان) في السنة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (22) - متا (00) (وحدثني) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال محمد بن نمير (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث، من كبار التاسعة مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابا تقريبًا، قال عبد الله بن نمير (حدثنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية القرشي الأموي المكي، روى عن عكرمة بن خالد وسالم وقاسم ونافع وسعيد بن ميناء ومجاهد، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن نمير وأبو عاصم ووكيع وابن وهب والثوري ويحيى القطان، قال ابن معين ثقة حجة، وقال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة (151) إحدى وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في موضعين وفي الصوم واللباس والعلم والفتن والحدود والأطعمة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. (قال) حنظلة (سمعت عكرمة بن خالد) بن العاص بن هشام المخزومي المكي،

يُحَدِّثُ طَاوُسًا: أَنَّ رَجُلًا قَال لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَلَا تَغْزُو؟ فَقَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي الطفيل، ويروي عنه (خ م د ت س) وحنظلة بن أبي سفيان وعبد الله بن عطاء وقتادة وأيوب، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات بعد عطاء بمكة روى عنه المؤلف في بابين في كتاب الإيمان وفي القدر. حالة كون عكرمة (يحدث طاوسًا) ابن كيسان الحميري مولاهم أبا عبد الرحمن اليماني من الثالثة مات سنة (106) ست ومائة يوم التروية، قال المازري: قوله (يحدث طاوسًا) كذا للجلودي وهو الصحيح ولابن ماهان (يحدث عن طاوس) وهو وهم (أن رجلًا) من الحاضرين عند ابن عمر واسمه يزيد بن بشر كما مر (قال لعبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي المكي المدني، وهذا السند من خماسياته أيضًا، ورجاله اثنان منهم كوفيان وثلاثة مكيون. وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عكرمة بن خالد لسعد بن عبيدة في رواية هذا الحديث عن ابن عمر وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للسابقة بزيادة قوله ألا تغزو وبتأخير حج البيت، وفي سوق بعض الكلمات، أي قال الرجل لابن عمر (ألا تغزو) وتجاهد في سبيل الله تعالى يا ابن عمر (فقال) ابن عمر مجيبًا للرجل (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الإسلام بني) وأسس (على خمس) دعائم (شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت) فليس الغزو والجهاد من أركان الإسلام فليس واجبًا عليّ وجوبًا عينيًّا فلا أجاهد لأني مشغول بما هو أهم منه. قال النواوي أما قوله (ألا تغزو) بهمزة الاستفهام التقريري فهو بالتاء المثناة من فوق للخطاب ويجوز أن يكتب بالألف بعد الواو لوقوعها متطرفة على عادة المتقدمين وبحذفها لكون الواو جزء كلمة على عادة المتأخرين وهو الأصح حكاهما ابن قتيبة في أدب الكاتب اهـ بتصرف وزيادة، وقد بسطنا الكلام على هذه الألف في شروحنا على متن الأجرومية فراجعها إن أردت التحقيق فيها وأما جواب ابن عمر له بحديث بني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام على خمس فالظاهر أن معناه ليس الغزو بلازم على الأعيان فإن الإسلام بُني على خمس ليس الغزو منها والله أعلم قاله النواوي. قال الأبي: أجابه بذلك لأنه فهم عن السائل أنه يعتقد أن الجهاد فرض عين فبين له في الحديث أنه ليس من مباني الإسلام اهـ. قال القاضي عياض فيُحتج به لكونه اليوم فرض كفاية، وهو قول الثوري وابن شبرمة وسحنون قالوا وإنما كان فرض عين قبل الفتح فقط، إلا أن يعين الإمام طائفة أو ينزل العدو بقوم من المسلمين، وقال الداودي: إنما سقط بالفتح عمن بعد من الكفار وهو فرض عين على من يليهم انتهى. وقال النواوي: وأما اقتصاره في الرواية الرابعة على إحدى الشهادتين فهو إما تقصير من الراوي في حذف الشهادة الأخرى التي أثبتها غيره من الحفاظ، وإما أن يكون وقعت الرواية من أصلها هكذا، ويكون من الحذف للاكتفاء بإحدى القرينتين ودلالتها على الأخرى المحذوفة والله أعلم انتهى. * * *

7 - باب وفود وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بمأمورات الشرع، ونهيهم عن منكراته، وأمرهم بحفظها وتبليغها إلى من وراءهم، وجواز مدح الرجل في وجهه

7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7 - بَابُ وُفُودِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْرِهِمْ بِمَأْمُورَاتِ الشَّرْعِ، وَنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرَاتِهِ، وَأَمْرِهِمْ بِحِفْظِهَا وَتَبْلِيغِهَا إِلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَجَوازِ مَدْحِ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ وفي القاموس وفد إليه وعليه يفد وفدًا ووفودًا ووفادة قدم وورد، وهم وفود ووفد وأوفاد ووفد والوافد السابق من الإبل، قال الأبي: الوفد الجمع المختار للقدوم على العظماء من بُعدٍ للمهمات، فإن لم يقدموا من بعد فليسوا بوفد، قال صاحب التحرير: الوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقاء العظماء، والمصير إليهم في المهمات واحدهم وافد، وفي القسطلاني: والوفد اسم جمع لا جمع لوافد على الصحيح، قال القاضي وهم القوم يأتون ركبانًا اهـ. قال ووفد عبد القيس هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أربعة عشر راكبًا، وقيل سبعة عشر الأشج العصري رئيسهم ومزيد بن مالك المحاربي وعبيدة بن همام المحاربي وصحار بن العباس المري وعمرو بن مرحوم العصري والحارث بن شعيب العصري والحارث بن جندب من بني عايش، ولم نعثر بعد طول التتبع والبحث على أكثر من أسماء هؤلاء. قال القاضي عياض: قدموا عام الفتح سنة ثمان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة، قال النووي: وكان سبب وفادتهم أن منقذ بن حيان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فبينا منقذ بن حيان قاعد إذ مر به النبي صلى الله عليه وسلم فنهض إليه منقذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمنقذ بن حيان؟ كيف قومك؟ " ثم سأله عن أشرافهم رجلًا رجلًا يسمي كلًّا باسمه، فأسلم منقذ وتعلم الفاتحة و (اقرأ باسم ربك) ثم قفل إلى هجر وكتب معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فكتم الكتاب أيامًا وكان يصلي فقالت زوجته لأبيها المنذر بن عائذ بالذال المعجمة بن الحارث والمنذر هو المسمى بالأشج سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم به لأثر كان في وجهه: يا أبي إني

23 - (17) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنكرت فعل بعلي منذ قدم من يثرب إنه ليغسل أطرافه ثم يستقبل الجهة تعني مكة. فيحني ظهره مرة ويقع إلى الأرض أخرى ذلك ديدنه منذ قدم فاجتمعا فتجاريا ذلك فوقع الإسلام في قلبه، فنهض بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه عمرو ومحارب فقرأه عليهم فأسلموا وأجمعوا على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنوا من المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجلسائه: "أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الأشج العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين إذ لم يسلم قوم حتى وتروا" وترجم النواوي لهذا الحديث بقوله: (باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه) وترجم له الأبي بقوله: (أحاديث وفد عبد القيس) وترجم له السنوسي بقوله: (باب الأمر بالإيمان بالله عزَّ وجلَّ ورسوله) وترجم له القرطبي بقوله: (باب إطلاق اسم الإيمان على ما جعله في حديث جبريل إسلامًا). وبسندنا المتصل قال المؤلف رحمه الله تعالى: (23) - س (17) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره المقرئ أبو محمد البغدادي أحد الأئمة الأعلام روى عن حماد بن زيد وأبي الأحوص ومالك بن أنس وأبي عوانة، ويروي عنه (م د) وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وليس في مسلم من اسمه خلف إلا خلف بن هشام هذا ثقة، وخلف بن خليفة صدوق من الثامنة، روى عنه مسلم في ثلاثة أبواب باب الإيمان وباب الصلاة وباب النكاح، قال خلف بن هشام (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة ولد سنة (78) ثمان وسبعين ومات سنة (179) تسع وسبعين ومائة وله إحدى وثمانون سنة (81) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا (عن أبي جمرة) بالجيم والراء المفتوحتين بينهما ميم ساكنة اسمه نصر بن عمران بن عصام وقيل ابن عاصم بن واسع بن جمرة الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة اليزني البصري، وقد روى عن ابن عباس رجل آخر يقال له أبو حمزة بالحاء المهملة

قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، ح ـــــــــــــــــــــــــــــ والزاي اسمه عمران بن أبي عطاء القصاب اهـ قرطبي. روى عن ابن عباس وابن عمر وعائذ بن عمرو المزني وجويرية بن قدامة وأنس بن مالك وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه علقمة وأبو التياح والحمادان وخلق، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة ثبت مشهور بكنيته نزيل خراسان من الثالثة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، فجملة من اسمه نصر في مسلم ثلاثة كلهم موثقون بصريون: نصر بن عاصم الليثي البصري، نصر بن علي الجهضمي، نصر بن عمران هذا، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين والجنائز والأشربة والحج ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الفضائل في موضعين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة تقريبًا. (قال) أبو جمرة (سمعت) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي أبا العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وحبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن، روى ألفًا وستمائة وستين حديثًا دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفقه في دين الله وعلم تأويل كتابه، وكان بحرًا لا ينزف ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ومات بالطائف سنة (68) ثمان وستين، وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر وعلي وميمونة وأم الفضل وأبي هريرة والصعب بن جثامة وغيرهم، ويروي عنه أبو جمرة وأبو زميل سماك وسعيد بن جبير وأبو رجاء وأبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وأبو عثمان النهدي وطاوس وخلق. روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الجنائز وفي الصوم في أربعة مواضع وفي الحج في عشرة مواضع وفي اللباس في موضعين وفي الجهاد في موضعين وفي القدر وفي البيوع وفي الذبائح وفي الطب وفي فضائل عمر وفي إسلام أبي ذر وفي الدعاء وفي ذكر الجن وفي الأحكام، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من أول رباعياته ورجاله اثنان منهم بصريان وواحد بغدادي وواحد مكي مدني طائفي.

وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى -وَاللَّفْظُ لَهُ- أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) أي حول المؤلف السند وقال حدثنا يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي أبو زكرياء النيسابوري أحد الأئمة الأعلام روى عن عباد بن عباد وأبي الأحوص ومالك وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) ثقة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين. وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابا تقريبًا وأتى بقوله (واللفظ له) أي اللفظ الآتي ليحيى بن يحيى، وأما خلف بن هشام فروى معنى الحديث الآتي لا لفظه تورعًا من الكذب على شيخه خلف بن هشام قال يحيى (أخبرنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي بفتح المهملة والمثناة الفوقية الأزدي المهلبي أبو معاوية البصري، روى عن أبي جمرة الضبعي وعاصم الأحول وعبيد الله بن عمر وهشام بن عروة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وعبد الله بن عون الهلالي وأحمد وقتيبة وابن معين وغيرهم وثقه ابن معين وأبو داود، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم من السابعة مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وقيل (181) إحدى وثمانين ومائة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة وفي الحج والطلاق والأشربة والأدب في موضعين وفي الطب وفي العلم فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي جمرة) نصر بن عمران الضبعي البصري (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عباد بن عباد لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن أبي جمرة واحتاج إلى التحويل لاختلاف شيخي شيخيه مع اختلاف صيغتيهما، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع كلاهما ثقتان. قال النواوي وقوله في الرواية الثانية (أخبرنا عباد بن عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما) قد يتوهم من لا يُعاني هذا الفن أن هذا تطويل لا حاجة إليه وأنه خلاف عادته وعادة الحفاظ فإن عادتهم في مثل هذا أن يقولوا عن حماد وعباد عن أبي جمرة عن ابن عباس وهذا التوهم يدل على شدة غباوة صاحبه وعدم مؤانسته بشيء من هذا الفن فإن ذلك إنما يفعلونه فيما استوى فيه لفظ الرواة وهنا اختلف لفظهم ففي رواية حماد عن أبي جمرة سمعت ابن عباس، وفي رواية عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس

قَال: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ حَالتْ بَينَنَا وَبَينَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَا نَخْلُصُ إِلَيكَ إلا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا التنبيه الذي ذكرته ينبغي أن يتفطن لمثله ويستيقظ الطالب لمعرفة هذه الدقيقة ليعرف عظم إتقان مسلم رحمه الله تعالى وجلالته وورعه ودقة نظره وحذقه وحسن سياقه في كتابه. (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (قدم) وحضر (وفد) أي الجماعة المختارة من (عبد القيس) قبيلة مشهورة من بني معد بن عدنان، وهم أربعة عشر رجلًا وقيل سبعة عشر كما مر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) عام الفتح سنة ثمان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى مكة (فقالوا) أي قال أولئك الوفد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله) وقوله (إنا) ناصب واسمه وقوله (هذا الحي) أي هذا الشعب منصوب على الاختصاص بعامل محذوف وجوبًا لجريانه مجرى المثل تقديره نخص هذا الحي، والجملة الاختصاصية معترضة بين إنَّ وخبرها جئ بها لتأكيد الكلام وقوله (من ربيعة) خبر إن أي إنا كائنون من قبيلة ربيعة، قال صاحب المطالع: الحي في الأصل اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض وإنما قالوا نحن من ربيعة لأن عبد القيس هو ابن أفْصَى بفتح الهمزة والصاد المهملة المفتوحة ابن دَعْمَى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ومضر هو أيضًا ابن نزار (وقد حالت) وحجزت (بيننا وبينك كفار مضر) وإنما حالت بينهم لأنهم كانوا ينزلون البحرين وكانت مضر بينهم وبين المدينة فلا يمكنهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم (فلا نخلص إليك) أي فلا نصل إليك في المدينة أي لا نقدر الوصول إليك لتعلُّم ديننا (إلا في شهر الحرام) أي إلا في الشهر الذي حرُم فيه القتال وسفك الدماء ونهب الأموال، والمراد به جنس الأشهر الحرم أو رجب ومعنى كلامهم هذا أنا لا نقدر على الوصول إليك خوفًا من أعدائنا الكفار إلا في الشهر الحرام فإنهم لا يتعرضون لنا فيه كما كانت عادة العرب من تعظيم الأشهر الحرم وامتناعهم من القتال فيها، قال الأبي: وإنما لا يخلصون إليه إلا في الشهر الحرام لأن العرب في الجاهلية كانت تُخيف السبل ويُغير بعضهم على بعض إلا في الأشهر الحرم تعظيمًا لها لأن الله سبحانه كان حرم القتال فيها على عهد إبراهيم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - عليه السلام - ودام ذلك التحريم إلى أن مضى صدر الإِسلام فنزلت آية السيف بإباحة القتال في رجب وبقي تحريمه في الثلاثة وقيل إن تحريمه في رجب لم ينسخ، قال السهيلي: وسر تحريم القت الذيها أن إبراهيم - عليه السلام - لما أسكن ذريته مكة ودعا بقوله {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ} الآية، كان فيما فرض الله تعالى من الحج وسن من العمرة مصلحة جلب الأقوات إليهم في المواسم ولما علم الله تعالى أن ذؤبان العرب -أي لصوصهم وصعاليكهم- لا تضع إخافة السبل حرم القتال في أشهر الحج الثلاثة وهي ذو القعدة وتالياه وفي شهر العمرة رجب الفرد ليأمن الحجاج والعمار واردين وصادرين. وكانت أشهر الحج ثلاثة لأنها الأمد الذي يصل الحاج فيه إلى مكة ويرجع من أقصى بلاد العرب وجعل العمرة شهرًا لأنها لا تكون من أقصى بلاد العرب كالحج ألا ترى أن الناس لا يعتمرون من المغرب ومن أرادها من أهله جعلها مع الحج وأقصى بلاد المعتمرين نصف شهر فجعل لها شهرًا لأنه الأمد الذي يصل فيه المعتمر ويرجع اهـ أبي. وقوله (إلا في شهر الحرام) كذا هو في الأصول كلها بإضافة شهر الحرام وفي الرواية الأخرى (إلا في أشهر الحرم) والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم مسجد الجامع وصلاة الأولى، ومنه قول الله تعالى {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} فعلى مذهب الكوفيين هو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عندهم وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الإضافة ولكن هذا كله عندهم على حذف في الكلام للعلم به فتقديره شهر الوقت الحرام وأشهر الأوقات الحرم، ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة وجانب المكان الغربي، وصلاة الساعة الأولى ونحو ذلك والله أعلم. اهـ نواوي قال القرطبي: هو في بعض النسخ منكر ويصح أيضًا لكل واحد من الأربعة ولكن إنما يعنون به رجب الذي أضافه إليهم في قوله: "ورجب مضر" قال الأبي: وعن أبي عبيدة أنه إنما كان أولًا مختصًا بقريش وكانت مشيختهم تعظمه ثم فشا في مضر وكنانة، وكانت تبالغ في احترامه ينزعون فيه السلاح ويُنصلون فيه الأسنة ويسمونه مُنصل الأسنة، والأصم لأنه كانت لا تسمع فيه قرقرة السلاح اهـ أبي. قال النواوي: ثم إن قولهم (إلا في شهر الحرام) المراد به جنس الأشهر الحرم

فَمُرْنَا بِأَمْرٍ .. نَعْمَلُ بِهِ، وَنَدْعُوا إِلَيهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَال: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ"، ثُمَّ فَسَّرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي أربعة أشهر حُرم كما نص عليه القرآن العزيز، وتدل عليه الرواية الأخرى بعد هذه (إلا في أشهر الحرم) والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، هذه الأربعة هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء من أصحاب الفنون، ولكن اختلفوا في الأدب المستحسن في كيفية عدها على قولين حكاهما الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، قال والكُتَّاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنة واحدة، قال وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وقوم ينكرون هذا ويقولون: جاءوا بهن من سنتين، قال أبو جعفر: وهذا غلط بيِّن وجهل باللغة لأنه قد علم المراد وأن المقصود ذكرها وأنها في كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين، قال والأولى والاختيار ما قاله أهل المدينة لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قالوا من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة رضي الله عنهم، قال: وهذا أيضًا قول أكثر أهل التأويل، قال النحاس: وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور، قال: وجاء من المشهور ثلاثة مضافات شهر رمضان وشهرا ربيع، يعني والباقي غير مضافات، وسمي الشهر شهرًا لشهرته وظهوره والله أعلم. انتهى. (فمرنا) يا رسول الله (بأمر) من مأمورات الشرع نمتثله و (نعمل به) ونتبعه وانهنا عن منهي من منهيات الشرع نحاذره ونجتنبه ففي الكلام اكتفاء (وندعوا إليه) أي إلى ذلك الأمر (من) بقي (وراءنا) وخلفنا وتخلف في بلادنا من قومنا، وجملة قوله (ندعو) معطوف على جملة قوله نعمل على كونها صفة لأمر. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (آمركم) أيها الوافدون (بأربع) أي بأربع خصال من المأمورات (وأنهاكم) أي أحذركم (عن أربع) خصال من المنهيات، وقوله (الإيمان بالله) سبحانه بالجر بدل من أربع الأولى أو عطف بيان لها أي آمركم بالإيمان بالله تعالى وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف والجملة صفة لأربع تقديره هي الإيمان أي آمركم بأربع موصوفة بكونها حقيقة الإيمان والإسلام وأركانهما، والإيمان هنا بمعنى الإِسلام لأنه أطلق الإيمان على ما هو أركان الإسلام في حديث جبريل السابق ففيه توسع (ثم فسرها)

لَهُمْ فَقَال: "شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فسر وبين تلك الأربع التي هي الإيمان باللهِ تعالى (لهم) أي لوفد عبد القيس ولكنه لم يتمها في هذه الرواية لأنه سقط منها الصوم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في بيانها لهم (شهادة أن لا إله إلا الله) بالجر بدل من أربع بدل تفصيل من مجمل، أي آمركم بشهادة أن لا إله إلا الله (و) شهادة (أن محمدًا رسول الله) إلى كافة الثقلين فهذه واحدة من تلك الأربع (و) آمركم بـ (ـإقام الصلاة) المكتوبة في أوقاتها المحددة شرعًا بآدابها وأركانها وهذه ثانية من تلك الأربع (و) آمركم بـ (ـإيتاء الزكاة) المفروضة وصرفها إلى مصارفها المبينة في الكتاب العزيز، وهذه ثالثة من تلك الأربع، والخصلة الرابعة هي الصوم، واتفقوا على أن سقوط الصوم في هذا الطريق إنما هو من الرواة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: "شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وقوله (وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) من الكفار في مصارف خمس الفيء في تأويل مصدر معطوف على أربع أي آمركم بأربع وبأداء خمس ما غنمتم. قال النواوي: أمرهم بالأربع التي وعدهم بها ثم زادهم خامسة يعني أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر فكانوا أهل جهاد وغنائم. قال ابن الصلاح: وأما عدم ذكر الصوم في هذه الرواية فهو إغفال من الراوي وليس من الاختلاف الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل من اختلاف الرواة الصادر من تفاوتهم في الضبط والحفظ، وكذا قاله القاضي عياض، وهو ظاهر لا شك، قال القاضي: وكانت وفادة عبد القيس عام الفتح قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ونزلت فريضة الصوم في السنة الثانية قبلها، وفريضة الحج نزلت سنة تسع بعدها على الأشهر. وقوله (وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) فيه إيجاب الخمس من الغنائم، وإن لم يكن الإمام في السرية الغازية، ويقال خمس بضم الميم وإسكانها، وكذلك الثلث والربع والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر بضم ثانيها وشمكن والله أعلم اهـ نواوي بتصرف. وقوله (وأنهاكم عن) الانتباذ في وعاء (الدباء) إلخ تفصيل للأربع المذكورة في قوله

وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُقَيَّرِ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ أولًا "وأنهاكم عن أربع" والدباء بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة القرع أي نوع منه وهو الذي لا يؤكل وجوفه مرٌّ مرارة شديدة إذا يبس وأخرج ما في جوفه من الحبوب والفضلات صار إناء للماء ووعاء للسمن والعسل ونحوهما وكاسًا للشرب وإبريقًا للوضوء لأنه يثمر على أشكال مختلفة وهو كثير في الحبشة خصوصًا في منطقة الهرر يزرع لغرض اتخاذه إناءً أو وعاءً في لغة الأرمية بقي، وعلة النهي عن الانتباذ فيه لأنه يسرع التخمير إلى ما انتبذ فيه فربما يشرب وهو مسكر (و) أنهاكم عن الانتباذ في إناء (الحنتم) بفتح المهملة وإسكان النون وهو جرار خضر مطلية بما يسد الخرق اهـ قسطلاني. وقال النواوي: واختلف فيها فأصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر وهذا التفسير ثابت في صحيح مسلم في كتاب الأشربة عن أبي هريرة، والثاني أنها الجرار كلها خضرًا كانت أو بيضًا أو حمرًا، والثالث أنها جرار يؤتى بها من مِصر مقيَّرات الأجواف، والرابع أنها جرار حمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر، والخامس أنها جرار حمر أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر، والسادس أنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم اهـ. وعلة النهي عن الانتباذ فيها إمالك ونها مزفتة يسرع إليها التخمير وإما لأنها كانت يحمل فيها الخمر فنهى عن ذلك خوفًا أن تستعمل قبل إجادة غسلها وإما لأنها من الدم النجس والشعر فنهى عن ذلك للمنع من غسلها اهـ من الأبي. (قلت) والجرار جمع جرة وهو إناء صنع من طين ثم شوي بنار فصار فخارًا. (و) أنهاكم عن الانتباذ في (النقير) بالنون المفتوحة والقاف المكسورة وهو الجذع المنقور أي أصل النخل الذي ينقر ويقور وسطه فيجعل إناءً مثل البراميل التي تتخذ من خشب (و) عن الانتباذ في الإناء (المقير) أي الإناء المطلي بالقار سواء كان من خشب أو نحاس أو رصاص أو غيرها والقار هو الزفت وقيل الزفت نوع من القار والصحيح الأول فقد صح عن ابن عمر أنه قال المزفت هو المقير والقار نوع من المعادن تطلى به السفن مع شحم الحوت اهـ شيخنا. قال النواوي: ومعنى الانتباذ فيها أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وإنما خصت هذه الأربع بالنهي عنها دون سائر الأواني لأنه يسرع

زَادَ خَلَفٌ فِي رِوَايَتِهِ: "شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَعَقَدَ وَاحِدَةً". 24 - (. . .) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه الإسكار فيها فيصير حرامًا نجسًا وتبطل ماليته فنهى عنه لما فيه من إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه، ولم ينه عن الانتباذ في أسقية الأدم بل أذن فيها لأنها لرقتها لا يخفى فيها المسكر بل إذا صار مسكرًا شقتها غالبًا. ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر ثم نسخ بحديث بريدة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا" رواه مسلم في الصحيح، وهذا الذي ذكرناه من كونه منسوخًا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، قال الخطابي: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل، قال: وقال قوم التحريم باق وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - والله أعلم. (زاد خلف) بن هشام (في روايته) هذا الحديث على يحيى بن يحيى فقال (شهادة أن لا إله إلا الله وعقد) النبي - صلى الله عليه وسلم - أي عد بعقدة أصابعه عند قوله شهادة أن لا إله إلا الله (واحدة) أي خصلة واحدة من الخصال الأربع التي أمر بهن أي أشار بعقدة أصابعه إلى أنها واحدة من تلك الأربع ثم عد الباقي بعقدته كذلك والله أعلم فالزيادة التي زادها خلف لفظة (وعقد) ودلت هذه الزيادة على أن عدَّ التسبيح والتكبير والتحميد يكون بعقد الأصابع لا بالأصبع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عد هذه الأربع بالعقد لا بالأصابع، روى الإمام مسلم هذا الحديث في الإيمان وفي الأشربة عن خلف بن هشام عن حماد بن زيد عن أبي جمرة وعن يحيى بن يحيى عن عباد بن عباد عن أبي جمرة، وروى أيضًا في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار ثلاثتهم عن غندر عن شعبة عن نصر بن عمران، ورواه أيضًا في الإيمان عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وعن نصر بن علي عن أبيه كلاهما عن قرة به، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (53) وأبو داود (3692) و (3694) و (3696) والترمذي (2614) والنسائي (8/ 323). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (24) - متا (. . .) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان العبسي بسكون الموحدة مولاهم الحافظ الكوفي من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا. (و) حدثنا (محمَّد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي بفتح النون والزاي أبو موسى البصري المعروف بالزَّمِن مشهور بكنيته وباسمه كان صاحب كتاب، وكان لا يحدث إلا من كتابه، روى عن محمَّد بن جعفر وابن أبي عدي وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن حماد ويحيى بن سعيد القطان وابن عيينة ومعتمر وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو زرعة وأبو حاتم وبَقِيُّ بن مخلد وخلق، قال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة وقال الخطيب مات في ذي القعدة سنة (252) ثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الجنائز وفي الصوم وفي الحج في خمسة مواضع وفي الطلاق وفي العتق وفي الجهاد في موضعين وفي الزهد وفي الأطعمة في موضعين وفي اللباس وفي الفضائل وفي العلم وفي باب الرحمة وفي الكفارة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (محمَّد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي أبو بكر البصري وقيل أبو إسحاق، ويقال له بندار بضم الباء وفتحها وسكون النون، أحد أوعية الحديث وبُندار في الأصل من بيده القانون وهو أصل ديوان الخراج، وإنما لُقب بُندارًا لأنه كان بندارًا في الحديث جمع حديث بلده، روى عن محمَّد بن جعفر غندر والمعتمر ويزيد بن زُريع ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن هشام ويروي عنه (ع) وابن خزيمة وابن صاعد وخلق، وقال العجلي: بندار ثقة كثير الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة ولد سنة سبع وستين ومائة في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة مات بالبصرة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين وله بضع وثمانون سنة (80) وقال الذهبي: انعقد الإجماع بعد على الاحتجاج ببندار، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة وفي الزكاة وفي الحج في موضعين وفي النكاح وفي العتق وفي الجهاد وفي الأدب وفي الفضائل في موضعين وفي الدعاء وفي الفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا (وألفاظهم) أي وألفاظ حديث هؤلاء الثلاثة (متقاربة) في المعنى متشابهة في

قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، وقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ لا متماثلة، ولكن (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (حدثنا غُندر) فذكره بلقبه (عن شعبة وقال الآخران) محمَّد بن المثنى وابن بشار (حدثنا محمَّد بن جعفر) فذكراه باسمه ونسبه وقالا عنه (حدثنا شعبة) بصيغة السماع، قال السنوسي وهذا من احتياط مسلم رحمه الله تعالى فإن غندرًا محمَّد بن جعفر، ولكن أبو بكر ذكره بلقبه والآخران باسمه ونسبه وقال أبو بكر: غندر عن شعبة بصيغة العنعنة، وقال الآخران عنه حدثنا شعبة فحصلت المخالفة بينه وبينهما من وجهين، ودال غندر مفتوحة على المشهور وحكى الجوهري ضمها اهـ. أي قال الآخران (حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله المدني البصري صاحب الكرابيسي الإمام الحافظ ربيب شعبة جالسه نحوًا من عشرين سنة المعروف بغندر بضم فسكون ففتح أو ضم سماه بذلك ابن جريج لأنه كان يكثر الشغب عليه وأهل الشام يُسمون المشغب غندرًا، روى عن شعبة وابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وحسين المعلم وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى وبشر بن خالد وابن بشار وأحمد بن حنبل وعدة، قال في التقريب: ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة من التاسعة مات في ذي القعدة سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وكان ابن امرأة شعبة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الزكاة في موضعين وفي البيوع وفي دلائل النبوة، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها المؤلف ستة أبواب تقريبًا. قال محمَّد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثمَّ البصري أحد أئمة الإِسلام ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابا تقريبًا. (عن أبي جمرة) نصر بن عمران الضبعي البصري من الثالثة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، وقد تقدم قريبًا البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب فقط، وهذا السند من خماسياته ثلاثة أو أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد طائفي أو مكي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لعباد بن عباد في رواية هذا الحديث

قَال: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَينَ يَدَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَينَ النَّاسِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْأَلُهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي جمرة، وكرَّر متن الحديث ولم يكتف بالأول لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات ولما فيها من الزيادة. (قال) أبو جمرة (كنت) أنا (أترجم) وأفسر الكلام الجاري (بين يدي ابن عباس وبين الناس) أي أفسر الجاري بين ابن عباس وبين الناس الذين يستفتونه فلفظة يدي زائدة كما جاء حذفه في رواية البخاري، أو بمعنى الجملة والذات أي بين ذات ابن عباس ونفسه وبين الناس كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ: 40] أي قدم، أو بمعنى قدام أي كنت بين يدي ابن عباس وقدامه حالة كوني أترجم وأفسر المحاورة الجارية بينه وبين الناس عند استفتائهم وإفتائه ففي الكلام على هذا تقديم وتأخير وحذف. والمعنى كنت أبلغ كلامه وأفسره لمن لا يفهمه وعُرْفُ الترجمة التعبير بلغة عن لغة لمن لا يفهم، قال القاضي عياض: كان أبو جمرة فارسيًّا يترجم لمن حضر من الفارسيين، وقيل كان يُفْهِم كلام ابن عباس لمن لا يفهمه لزحام أو بعد، وفيه دليل على أن ابن عباس كان يكتفي في الترجمة بواحد لأنه مخبر، وقد اختلف فيه فقيل يجوز لأنه من باب الخبر لا من باب الشهادة وهو المشهور، ووجهه ابن رشد بأنه الأصل في كل ما يبعث فيه القاضي كقيس الجراحات والقسم والاستنكاه في الخمر، وقيل لا يكفي الواحد بل لا بد من اثنين لأنها شهادة وهذا القول لسحنون وابن عبدوس. قال ابن الصلاح: وعندي أنَّه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خَفي عليه من الناس إما من زحام منع من سماعه فأسمعهم وإما لاختصار منع مِن فهمه فَأفْهَمَهم أو نحو ذلك قال: وإطلاقه لفظ الناس يُشعر بهذا والظاهر أن معناه أنَّه يُفهمهم عنه ويفهمه عنهم (فأتته) أي فأتت ابن عباس وجاءته (امرأة) لم أر من ذكر اسمها حالة كون المرأة (تسأله) أي تسأل ابن عباس وتستفتيه (عن) حكم (نبيذ الجر) أي عن حكم النبيذ الذي انتبذ وبُلَّ في إناء الجرِّ هل يجوز شربه أم لا؟ والجرُّ بفتح الجيم اسم جمع والواحدة جرة كتمر وتمرة ويجمع على جرار وهي قلال من فخار غير أنها مطلية بالزجاج وهو الحنتم ونبيذ الجر هو ما ينبذ فيها من التمر

فَقَال: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيسِ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَنِ الْوَفْدُ" أَوْ "مَنِ الْقَوْمُ؟ " قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَال: "مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ - أَو الْوَفْدِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره وإنما سألته عن حكم النبيذ في الجرار هل يحل أم لا فذكر لها ما يدل على منع ذلك ثمَّ أخذ في ذكر الحديث بقصة. ففيه ما يدل على أن المفتي يجوز له أن يذكر الدليل مستغنيًا به عن النص على الفتيا إذا كان السائل بصيرًا بموضع الحجة اهـ قرطبي. وفي هذا دليل على جواز استفتاء المرأة للرجال الأجانب وسماعها صوتهم، وسماعهم صوتها للحاجة اهـ نووي. قال الأبي: وذكره قضية الوفد دليل على أن مذهب ابن عباس أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باق حكمه ليس بمنسوخ وقد قدمنا الخلاف فيه. (فقال) ابن عباس استدلالًا على إفتائه إياها (إن وفد عبد القيس) وجماعتهم المختارة للوفود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أربعة عشر وسبعة عشر رجلًا (أتوا) وجاؤوا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من بلادهم لتعلم قواعد دينهم (فقال) لهم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوفد أو) قال لهم (من القوم) أي من أي قبيلة ومن أي بلاد والشك من بعض الرواة قاله القرطبي، وفي القسطلاني والشك من شعبة أو من شيخه، والوفد الوافدون وهم القادمون والزائرون يقال وفد يفد من باب وعد فهو وافد والجمع وافدون ووفود والقوم وفد، وقال ابن عباس في قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] ركبانًا اهـ منه. فـ (قالوا) أي قال وفد القيس مجيبين لسؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحن (ربيعة) أي وفد من قبيلة ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان لأنَّ عبد القيس من أولاده (قال) لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البخاري (فقال) (مرحبًا بالقوم أو الوفد) على الشك أيضًا وقوله مرحبًا مصدر ميمي مشتق من الرحب بضم الراء وهو السعة والرحب بفتح الراء هو الشيء الواسع يقال رحب رحبًا إذا اتسع وهو منصوب بفعل مضمر وجوبًا لجريانه مجرى المثل تقديره صادفت رحبًا أو أتيت رحبًا فاستأنس ولا تستوحش، وقال القاضي عياض: قوله مرحبًا كلمة تستعمل للبر وحسن اللقاء وانتصابه بفعل مقدر أي

غَيرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى"، ـــــــــــــــــــــــــــــ صادفت رحبًا وسعة وفيه جواز قول الرجل لغيره مرحبًا وكذا ترجم عليه البخاري، وفيه وفد الرعية على الإمام وتبليغهم عنه. وقوله (غير خزايا) بالنصب حال من فاعل العامل المحذوف في مرحبًا أي أتيتم وصادفتم رحبًا وسعة حالة كونكم غير مُذلين ولا مهانين ولا مفضوحين بوطء البلاد وقتل الأنفس وسبي النساء، قال النواوي: ونَصْبُهُ هو المعروف وبالجر صفة للقوم والخزايا جمع خزيان كحيارى جمع حيران وندامى جمع ندمان كما قال تأبط شرًّا: فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا ... به كدحة والموت خزيان ينظر من خزي يخزى خزيًا إذا ذل أو من خزي يخزى خزاية إذا خجل واستحيى، فالمعنى على الأول غير أذلاء وعلى الثاني غير مستحيين لقدومكم مبادرين دون حرب يوجب استحياءكم قال النواوي: غير خزايا بالنصب حال كما مر، وقال صاحب التحرير: ويُروى بالجر صفة للقوم، قال الأبي: الأولى على البدل لأنَّ في جعله صفة وصف المعرفة بالنكرة إلا أن تجعل أل في القوم جنسية كما هي في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني قوله (ولا الندامى) قال النواوي هكذا في الأصول الندامى بالألف واللام وخزايا بحذفها، وروي في غير هذا الموضع بالألف واللام فيهما، وروي بإسقاطهما فيهما، قال القرطبي: والندامى جمع نادم من الندم لكنه على غير قياس لأنَّ قياس ندامى أن يكون جمع ندمان من المنادمة يعني المنادم على اللهو والخمر والندمان هو المجالس على الخمر وساقيها كما قال الشاعر: فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلِّم وليس هذا مرادًا هنا وإنما جمع نادمًا هذا على ندامى إتباعًا لخزايا على عادتهم في إتباع اللفظِ اللفظَ وإن لم يكن بمعنى كما قالوا إني لآتيه بالغدايا والعشايا فجمعوا الغدوة على غدايا لما ضموه إلى العشايا كما قال شاعرهم وهو قلاخ بن حبابة وقيل ابن مقبل: هتاك أخبية ولَّاج أبوبة ... يخلط بالبر منه الجد واللينا

قَال: فَقَالُوا: إِنَّا نَأْتِيكَ (¬1) مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنَّ بَينَنَا وَبَينَكَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فجمع الباب على أبوبة لما أتبعه أخبية، ولو أفرده لما جاز ذلك ومن هذا النوع قوله - صلى الله عليه وسلم - للنساء المتبعات للجنازة: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" رواه ابن ماجه (1578) وفي إسناده دينار بن عمر ضعيف، ولولا مراعاة الإتباع قال موزورات بالواو لأنه من الوزر، وقال محمَّد بن جعفر القيرواني القزاز في جامعه يقال في النادم ندمان فيكون ندامى على القياس، ومعنى هذا الكلام التأنيس والإكرام والثناء عليهم بأنهم بادروا بإسلامهم طائعين من غير خزي لحقهم من قهر وسباء وإسار، ثمَّ إنهم لما أسلموا كذلك احتُرِمُوا وأُكْرموا وأُخْبوا فلم يندموا على ذلك بل انشرحت صدورهم للإسلام وتنورت قلوبهم بالإيمان وغير خزايا منصوب على الحال أي أتيتم في هذه الحال وروي ولا الندامى ولا ندامى معرفًا وغير معرف وهما بمعنى واحد انتهى. (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (فقالوا) أي فقال الوفد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إنا) نحن (نأتيك من شقة) بضم الشين أي من سفرة ومرحلة (بعيدة) ومسافة طويلة، قال النووي: الشقة السفر الطويل وصفها بالبعد تأكيدًا وقيل هي المسافة، وضم شينها أفصح من الكسر لأنها لغة القرآن، سُميت شقة لأنها تشق على الإنسان، وقيل هي المسافة وقيل الغاية التي يخرج إليها الإنسان (وإن بيننا) معاشر ربيعة (وبينك) يا رسول الله (هذا الحي) والقبيل المعروف، بالنصب على أنَّه اسم إن، حالة كونهم (من كفار مضر) بن نزار بن معد بن عدنان، أي من بني مضر لأنَّ بني ربيعة يسكنون في البحرين، وبنو مضر يسكنون بين المدينة وبين البحرين (وإنا) نحن (لا نستطيع) ولا نقدر (أن نأتيك) ونصل إليك (إلا في شهر الحرام) كذا في الرواية الصحيحة بتعريف الحرام، وإضافة الشهر إليه وهو من باب إضافة الشيء إلى صفته كما قالوا مسجد الجامع وصلاة الأولى وهو على تقدير محذوف فكأنه قال شهر الوقت الحرام ومسجد المكان الجامع وصلاة الساعة الأولى ويعنون بشهر الحرام رجبًا لأنه متفرد بالتحريم من شهر الحل بخلاف سائر الأشهر الحرم فإنها متوالية ولذلك قال فيها ثلاثة سرد وواحد فرد يعنون به رجبًا وهو الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه إنه شهر مضر رواه البخاري ومسلم وأبو داود. ¬

_ (¬1) في نسخة: (فقالوا: يا رسول الله؛ إنا نأتيك).

فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ (¬1) بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا. . نَدْخُلْ (¬2) بِهِ الْجَنَّةَ، قَال: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، قَال: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، وَقَال: "هَلْ تَدْرُونَ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما نسبه إليهم إما لأنهم انفردوا بابتداء احترامه أو لتخصيصهم الاحترام به أو لزيادة تعظيمهم له على غيرهم والله أعلم، وفي رواية في شهر حرام بتنكيرها وهو يصلح لرجب وحده ولجميع الأشهر الحرم وحاصل قولهم هذا إنه اعتذار عن امتناع تكرر قدومهم عليه (فمرنا بأمر) بتنوين أمر وقوله (فصل) صفة له أي أخبرنا وحثَّنَا بأمر بين واضح ينفصل به المراد عن غيره ولا يشكل معه أي قل لنا قولًا بليغًا يفصل بين الحق والباطل نظير قوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13] قال الأبي: قوله (بأمر فصل) بتنوين الكلمتين الأمر يحتمل أنَّه ضد النهي ففصل معناه فارق بين الحق والباطل كقوله: "قل آمنت بالله ثمَّ استقم" ويحتمل أنَّه الفعل أي مرنا بعمل أي بصيغة افعل ففصل على هذا بمعنى مُفَصَّلٍ مُبَيَّن كما بين الإِسلام بأركانه الخمسة وبعضهم فسر فصلًا بكونه دائمًا غير معروض للنسخ وهذا المعنى يدل على أنهم جوزوا النسخ اهـ. (نخبر به) أي بذلك الأمر بالرفع على أنَّه صفة لأمر وبالجزم جوابًا للأمر وبالجزم جوابًا للأمر (من) تركنا (وراءنا) وخلفنا في البلاد إذا رجعنا إليهم (ندخل به الجنة) بإسقاط واو العطف الثابتة في بعض الرواية مع الرفع على الحال المقدرة أي نخبر مقدرين دخول الجنة به أو على الاستئناف أو على البدلية أو على الصفة بعد الصفة ومع الجزم جوابًا للأمر جوابًا بعد جواب، وفي بعض الرواية وندخل بإثبات الواو العاطفة، وحينئذ فلا يتأتى الجزم في الثاني مع رفع الأول لعدم المعطوف عليه اهـ قسطلاني. قال القرطبي: قوله (نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة) قيدناه على من يوثق بعلمه نخبر به مرفوعًا وندخل مرفوعًا ومجزومًا فرفعهما على الصفة لأمر وجزم ندخل على جواب الأمر المتضمن للجزاء فكأنه قال إن أمرتنا بأمر واضح فعلنا به ورجونا دخول الجنة بذلك الفعل. اهـ. (قال) ابن عباس (فأمرهم) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بأربع) خصال (ونهاهم عن أربع) خصال (قال) ابن عباس (أمرهم بالإيمان بالله وحده) والتصديق بوحدانيته (وقال) لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هل تدرون) وتعلمون (ما ¬

_ (¬1) في نسخة: (نخبر) بالرفع والجزم. (¬2) في نسخة: (ندخل) بالرفع والجزم.

الإِيمَانُ بِاللهِ؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ"، وَنَهَاهُمْ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإيمان بالله) أي جواب ما حقيقة الإيمان بالله تعالى (قالوا) أي قال الوفد (الله ورسوله أعلم) به (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان بالله تعالى له أربعة دعائم أحدها (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - (و) ثانيها (إقام الصلاة) المكتوبة وأداؤها في أوقاتها المحددة (و) ثالثها (إيتاء الزكاة) المفروضة وصرفها إلى مصارفها المبينة شرعًا (و) رابعها (صوم) شهر (رمضان) والإمساك عن المفطرات بنية العبادة (و) قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا آمركم بـ (ــأن تودوا) وتدفعوا (خمسًا) بضم أوله وثانيه وإسكانه كما مر (من المغنم) أي مما غنمتم من الكفار في مصارف خمس الفيء وهو معطوف على قوله أمرهم بأربع فليس داخلًا في الأربع المأمور بها. وعبارة القرطبي هنا: قوله (فأمرهم بأربع) إلخ ثمَّ إنه ذكر خمسًا ووعد أربعًا فقيل إن أولى الأربع الموعود بها هو إقام الصلاة وذكر كلمة التوحيد تبركًا بها وتشريفًا لها كما قيل ذلك في قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] في قول كثير من أهل العلم، وقيل إنما قصد إلى ذكر الأركان الأربع التي هي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام ثمَّ ظهر له أنهم أهل غزو وجهاد لما ذكروا له من مجاورتهم كفار مضر، فأخبرهم على وجه التنبيه أنَّه يلزمهم أداء الخمس، ولم يقصد عد الجهاد، لأنه لم يكن حينئذ فرض لأنَّ وفادتهم كانت سنة ثمان قبل خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونزل فرضه بعد الفتح من العام والله أعلم. وإنما لم يذكر لهم الحج لأنه لم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مضر، أو لأنَّ وجوب الحج على التراخي والله أعلم، وقد تقدم القول في الإيمان والإِسلام وأنهما حقيقتان متباينتان في الأصل وقد يتوسع فيطلق أحدهما على الآخر كما جاء هنا، فإنَّه أطلق الإيمانَ على الإِسلام لأنه عَنْه يكون غالبًا وهو مَظهرهُ انتهى بزيادة فيه. قال ابن الصلاح: والإشكال إنما جاء من توهم عطف أداء الخمس على شهادة وليس بمعطوف عليها، وإنما هو معطوف على أربع كما مر بيانه اهـ (ونهاهم عن) الانتباذ

الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، قَال شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَال: "النَّقِيرِ"، قَال شُعْبَةُ: وَرُبَّمَا قَال: "الْمُقَيَّرِ"، وَقَال: "احْفَظُوهُ، وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ"، وقَال أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: "مَنْ وَرَاءَكُمْ"، وَلَيسَ فِي رِوَايَتِهِ (الْمُقَيَّرِ). 25 - (. . .) وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في إناء (الدباء) والقرع اليابس المر (والحنتم والمزفت) أي وعن الانتباذ في أوانيها. (قال شعبة وربما قال) أبو جمرة وزاد ونهاهم عن الانتباذ في (النقير قال شعبة) أيضًا (وربما قال) أبو جمرة (المقيَّر) بدل المزفت وهو الإناء المطلي بالقار وهو الزفت، وقيل الزفت نوع من القار، والصحيح الأول فقد صح عن ابن عمر أنَّه قال: المزفت المقير اهـ نووي. قال في فتح الباري: وليس المراد أنَّه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لئلا يلزم من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزفت لأنه بمعناه بل المراد أنَّه كان جازمًا بذكر الثلاث الأُوَل شاكًّا في الرابع وهو النقير فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره وكان أيضًا شاكًّا في التلفظ بالثالث فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه والدليل عليه أنَّه جزم بالنقير في الرواية السابقة انتهى. قال القرطبي قوله (ونهاهم عن أربع) أي عن الانتباذ في هذه الأواني الأربع فالمنهي عنه واحد بالنوع وهو الانتباذ، ثمَّ إنه تعدد بحسب هذه الأوعية الأربع التي هي الدباء وما بعدها وخص هذه بالنهي لأنها أوانيهم التي كانوا ينتبذون فيها (وقال) لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (احفظوه) أي احفظوا هذا المذكور الذي ذكرته وبينته لكم من الأوامر والنواهي بامتثال مأموراتها واجتناب منهياتها (وأخبروا) بفتح الهمزة وكسر الموحدة (به) أي بهذا المذكور قومًا تركتموهم (من ورائكم) وخلفكم في البلاد وبلغوه إليهم بكسر الميم على أنها جارَّة (وقال أبو بكر) بن أبي شيبة (في روايته) وأخبروا به (من وراءكم) بفتح الميم على أنها موصولة أي أخبروا به من تركتموه ورائكم من قومكم، قال النواوي: هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول الأول بكسر الميم والثاني بفتحها وهما يرجعان إلى معنى واحد اهـ (وليس في روايته) أي في رواية أبي بكر (المقير) أي ذكر المقير، ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس فقال: 25 - متا (. . .) (حدثني عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان بن

حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحر بن مالك التميمي العنبري أبو عمر البصري ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في كتاب الإيمان وغيره عن أبيه ومعتمر بن سليمان قال عبيد الله (حدثنا أبي) معاذُ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة متقن من كبار التاسعة مات سنة (196) ست وتسعين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف، روى عنه في عشرة أبواب. (ح وحدثنا نصر بن علي) أي حول المؤلف رحمه الله تعالى السند وقال: حدثنا نصر بن علي بن نصر بن علي بن صهبان بضم المهملة وسكون الهاء الأزدي (الجهضمي) بفتح الجيم والضاد المعجمة وإسكان الهاء بينهما أبو عمر البصري، روى عن أبيه وعبد العزيز بن عبد الصمد وبشر بن المفضل وسفيان بن عيينة وعيسى بن يونس ويزيد بن زريع وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو زرعة وأبو حاتم والذهلي وابن خزيمة وغيرهم، ثقة من العاشرة مات سنة (250) خمسين ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والجنائز والزكاة والحج والنكاح والأشربة في موضعين والطب واللباس في موضعين والأدب والديات والجهاد والأطعمة والفضائل والصلة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابا تقريبًا (قال) نصر بن علي (أخبرني أبي) علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي الصغير أبو الحسن البصري، روى عن قرة بن خالد ووهب بن جرير وشعبة وهشام الدستوائي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه نصر ومعلي بن أسد وغيرهم، ثقة من كبار التاسعة مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، وقال أبو العباس السراج مات سنة (250) خمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي باب الصلة وغيرهما، وفائدة هذا التحويل بيان كثرة طرقه واختلاف شيخي شيخيه (قالا جميعًا) أي قال معاذ بن معاذ وعلي بن نصر، حالة كونهما مجتمعَين في التحديث عن قرة بن خالد، قال النواوي: قوله (قالا جميعًا) لفظة جميعًا منصوبة على الحال ومعناه اتفقا واجتمعا على التحديث بما يذكره إما مجتمعين في وقت واحد، وإما في وقتين، ومن اعتقد أنَّه لا بد أن يكون ذلك في وقت واحد فقد غلط غلطًا بينًا انتهى (حدثنا قرة بن خالد) السدوسي أبو خالد البصري ويقال له أبو محمَّد، روى عن أبي جمرة وقتادة وأبي الزبير

عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. . . بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَال: "أَنْهَاكُمْ عَمَّا يُنْبَذُ فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ"، وَزَادَ ابْنُ مُعَاذٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ قَال: وَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لِلأَشَجِّ - أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيسِ -: ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحمد بن سيرين وحميد بن هلال وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومعاذ بن معاذ وعلي بن نصر وخالد بن الحارث ويحيى بن سعيد وغيرهم، ثقة ضابط من السادسة مات سنة (155) خمس وخمسين ومائة، وقيل أربع وخمسين روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين والزكاة والحج في موضعين وفي البيوع والديات والجهاد والنفاق والطلاق والفتن والفضائل والزهد وآخر الكتاب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابا تقريبًا. (عن أبي جمرة) نصر بن عمران الضبعي البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة قرة بن خالد لشعبة في رواية هذا الحديث عن أبي جمرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رواته كلهم بصريون إلا ابن عباس، وفيه أيضًا رواية ولد عن والد. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) والجار والمجرور في قوله (بهذا الحديث) متعلق بحدثنا قرة لأنه العامل في المتابع وقوله (نحو حديث شعبة) مفعول ثانٍ لحدثنا قرة، وفيه تصريح بالمتابع بصيغة اسم المفعول (وقال) قرة بن خالد في روايته قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنهاكم عما ينبذ في الدباء) إلخ بصيغة المضارع المجهول، بدل قول شعبة: (نهاهم عن الدباء) إلخ بصيغة الماضي، وبزيادة عما ينبذ وبلا شك، أي قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهاكم أنا عن شرب ما ينبذ ويبل في هذه الأواني من التمر والزبيب لأنها سريعة الإسكار أي شرب ما ينبذ في إناء الدباء (و) في إناء (النقيرُ و) في إناء (الحنتم و) في إناء (المزفت) أي المطلي بالزفت (وزاد) عبيد الله (بن معاذ في حديثه) وروايته (عن أبيه) معاذ بن معاذ أي زاد على نصر بن علي هذه الجملة المذكورة بقوله (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشج) أي للرجل الذي في وجهه أثر شجة وجراحة قديمة وقوله (أشج عبد القيس) بدل من الأشج أو عطف بيان له اسم ذلك الأشج المنذر بن عائذ بالذال المعجمة العصري

"إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَينِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح العين والصاد المهملتين على الصحيح المشهور الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون أو الكثيرون، وقال ابن الكلبي: اسمه المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف، وقيل اسمه المنذر بن عامر، وقيل المنذر بن عبيد، وقيل اسمه عائذ بن المنذر، وقيل عبد الله بن عوف (إن فيك) أيها الأشج (خصلتين) أي حالتين (يحبهما الله) سبحانه وتعالى هما (الحلم) أي العقل الكامل والفكرة الثاقبة (والأناة) أي التأني والتثبت في الأمور وترك العجلة. وإنما قلنا الأصح المشهور أن اسمه المنذر بن عائذ لما روى أبو داود من حديث أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان في وفد القيس قال: فلما قدمنا المدينة تبادرنا من رواحلنا نقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجله وانتظر المنذر حتى أتى عيبته (بفتح العين والباء الموحدة بينهما ياء ساكنة وعاء يوضع فيه الثياب ثمَّ يوضع على الرحل) فلبس ثوبه ثمَّ أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "إنك فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة فقال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم جبلني الله عليهما فقال: بل الله جبلك عليهما قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله" رواه أبو داود (5225) والحِلم بكسر الحاء هنا العقل يقال منه حَلُم الرجل يحلم بضم اللام إذا صار حليمًا، وتحلم إذا تكلف ذلك، والأناة بفتح الهمزة وبالقصر الرفق والتثبت في الأمور، يقال منه تأنى الرجل يتأنى تأنيًا ومنه قول الشاعر: أناة وحلمًا وانتظارًا بهم غدًا وقد يقال الحلم على الأناة، وقد ظهر من حديث أبي داود أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إنما قال ذلك للأشج لما ظهر منه من رفقه وترك عجلته، وقد روي في غير كتاب أبي داود أنَّه لما بادر قومه إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - تأنى هو حتى جمع رحالهم وعقل ناقته ولبس ثيابًا جُددًا ثمَّ أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على حال هدوء وسكينة فأجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جانبه. ثمَّ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لوفد عبد القيس: "تبايعون على أنفسكم وعلى قومكم؟ " فقال القوم: نعم فقال الأشج: يا رسول الله إنك لن تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه نُبايعك على أنفسنا وترسل معنا من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا

26 - (. . .) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أبى قاتلناه قال: صدقت إن فيك لخصلتين. . ." الحديث. انظر روايات الحديث في مجمع الزاوئد (9/ 287 - 390) فالأولى هي الأناة والثانية هي العقل. قال القاضي عياض: فالأناة تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل والحلم هذا القول الذي قاله الدال على كمال عقله وجودة نظره في عواقب الأمور اهـ. قال الأبي: لا يقال لو كان ما تكلم به في شأن قومه هو مقتضى الحلم لكان الأولى به النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ هو الأحق بكل كمال لأنا نقول إنما هو مقتضى الحلم بالنسبة إلى من يجهل عاقبة الأمر كالأشج، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلعله أوحي إليه بأنهم يؤمنون كما اتفق أو لعله يستخبر عقله بذلك والله أعلم اهـ. قال القرطبي: وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك للأشج من الفقه جواز مدح الرجل مشافهة بما فيه إذا أُمنت عليه الفتنة وقد فعله - صلى الله عليه وسلم - لكثير من أصحابه فقال في أبي بكر: "ليس أحدٌ أمن علي في صحبته من أبي بكر ولو كنت متخذًا خليلًا لا تخذت أبا بكر خليلًا" وقال لعمر: "ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك غيره" وقال لعليٍّ: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" والأصل منع ذلك حتى يثبت الأمن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والمدح فإنَّه الذبح" رواه أحمد (4/ 99) وابن ماجه (3743) كلاهما من حديث معاوية رضي الله تعالى عنه وانظر فتح الباري (10/ 478) ولقوله للمادح: "ويلك قطعت عنق أخيك" رواه البخاري (2662) في الشهادات، ومسلم (3000) في الزهد، وسيأتي بسط الكلام فيه هناك إن شاء الله تعالى ولما فرغ المؤلف من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما استدلالًا ومتابعة استشهد له بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وذكر فيه أيضًا متابعتين فقال: (26) - ش (18) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف العابد أبو زكريا البغدادي روى عن إسماعيل بن علية وإسماعيل بن جعفر ومروان بن معاوية وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم ثقة ورع من العاشرة مات لإحدى عشرة مضت من ربيع الأول سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وله سبع وسبعون (77) سنة.

"فائدة في المختلطين"

حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا، قال يحيى بن أيوب (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن سهم بن مقسم الأسدي القرشي أبو بشر البصري المعروف بـ (ــابن علية) اسم أمه مولاة لبني أسد بن خزيمة، ثقة حافظ من الثامنة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف قد روى عنه في خمسة عشر بابا تقريبًا قال ابن علية (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) بفتح العين هكذا يقوله أهل الحديث وغيرهم عَروبة بغير ألف ولام، وقال ابن قتيبة: أن قولهم عَروبة لحنٌ، والصواب ابن أبي العروبة بالألف واللام، واسم أبي العروبة مهران اليشكري مولاهم يكنى أبا النضر ولا عقب له، يقال إنه لم يمس امرأة قط، الحافظ البصري روى عن قتادة وأبي معشر زياد بن كليب ومطر الوراق والنضر بن أنس والحسن وخلق ويروي عنه (ع) وشعبة وابن علية وعلي بن مسهر وعبدة بن سليمان وابن أبي عدي وخلق، ثقة حافظ له تصانيف، كثير التدليس، واختلط في آخر عمره، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة مات سنة (156) ست وخمسين ومائة. قال النواوي: واختلاطه مشهور، قال ابن معين وخُلِّط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن سنة اثنتين وأربعين ومائة، ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء ويزيد بن هارون صحيح السماع منه بواسط، وأثبت الناس سماعًا منه عبدة بن سليمان (قلت) وقد مات سعيد بن أبي عروبة سنة ست وخمسين ومائة، وقيل سنة سبع وخمسين ومائة. " فائدة في المختلِطين" (وقد تقرر من القاعدة) التي قدمناها أن من علمنا أنَّه روى عن المختلط في حال سلامته قبلنا روايته واحتججنا بها، ومن روى في حال الاختلاط أو شككنا فيه لم نحتج بروايته وقد قدمنا أيضًا أن من كان من المختلطين محتجًا به في الصحيحين فهو محمول على أنَّه ثبت أخذ ذلك عنه قبل الاختلاط والله أعلم. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والنكاح والحدود واللباس والدعاء، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن سدوسٍ السدوسي الأعمى أبي الخطاب

قَال: حَدَّثَنَا مَنْ لَقِيَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ الْقَيسِ - قَال سَعِيدٌ: وَذَكَرَ قَتَادَةُ: أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ، فِي حَدِيثِهِ هَذَا-: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، يقال إنه وُلد أكمه، وكان من علماء الناس بالقرآن والفقه، وكان من حفاظ أهل زمانه جالس سعيد بن المسيب أيامًا فقال له سعيد: قم يا أعمى فقد نزفتني. روى عن أنس بن مالك وزرارة بن أوفى وأبي العالية وعبد الله بن شقيق وابن المسيب وابن سيرين وخلق، ويروي عنه (ع) وأيوب وسعيد بن أبي عروبة وهمام بن يحيى وهشام الدستوائي وشعبة وحسين المعلم وخلق، قال ابن المسيب: ما أتانا عراقي أحفظ من قتادة، وقال في التقريب: ثقة ثبت حافظ مفسر مدلس وهو رأس الطبقة الرابعة، مات كهلًا بواسط سنة (117) سبع عشرة ومائة وهو ابن ست وخمسين سنة (56) ولد سنة (61) إحدى وستين، وليس في مسلم من اسمه قتادة إلا هذا التابعي الجليل. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في موضعين والوضوء في موضعين والصلاة في سبعة مواضع وفي الجنائز في موضعين وفي الصوم في موضعين وفي الحج في أربعة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي الجهاد في موضعين وفي الدلائل وفي صفة أهل الجنة وفي العتق والبيوع وفي اللباس في ثلاثة مواضع وفي اللعان وفي الديات وفي الذبائح والأطعمة وفي الطب والرؤيا وفي المناقب وفي الظلم وفي الرحمة وفي التوبة وفي فداء المسلم في موضعين وفي النجوى، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة وعشرون بابا تقريبًا. (قال) قتادة (حدثنا من لقي) ورأى (الوفد) والجماعة (الذين قدموا) وجاؤوا (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عبد القيس). (قال سعيد) بن أبي عروبة (وذكر) لنا (قتادة) في بيان من لقي أولئك الوفد أنَّه سمع (أبا نضرة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة يروي (عن أبي سعيد الخدري) - رضي الله عنه - (في حديثه) أي في حديث أبي سعيد (هذا) المرويِّ في وفد القيس (أن أناسًا) ورهطًا (من عبد القيس قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال النواوي: معنى هذا الكلام حدث قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري كما جاء مبينًا في الرواية التي بعد هذه من رواية ابن أبي عدي.

فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَبَينَنَا وَبَينَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما أبو نضرة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وإسكان الطاء وبضم القاف وفتح الطاء المهملة العبدي العوقي بفتح المهملة والواو ثمَّ قاف، وقيل بسكون الواو نسبة إلى عوقة بطن من عبد القيس البصري، روى عن أبي سعيد الخدري وابن عباس وابن عمر وعلي وأبي موسى الأشعري وأبي ذر الغفاري وأبي هريرة وجماعة، ويروي عنه (م عم) وقتادة وأبو قزعة وأبو مسلمة وأبو الأشهب والجريري وكهمس بن الحسن وعاصم الأحول وخلق، وثقه ابن معين والنسائيُّ وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (108) ثمان أو تسع ومائة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في موضعين والزكاة في ثلاثة مواضع وفي الصوم في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين والنكاح في موضعين والفضائل في موضعين والفتن والبيوع في ثلاثة مواضع وفي النفاق وفي صفة النار، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا. وأما أبو سعيد الخدري فاسمه سعد بن مالك بن سنان بنونين بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خُدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخدري أي المنسوب إلى خدرة أحد أجداده المدني وأمه أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي بن النجار له ولأبيه صحبة، استصغر بأحد ثمَّ شهد ما بعدها وبايع تحت الشجرة وكان من علماء الصحابة، وكان أبوه مالك صحابيًّا قتل يوم أحد شهيدًا، له ألف ومائة حديث وسبعون حديثًا. ويروي عنه (ع) وطارق بن شهاب وابن المسيب والشعبي ونافع وخلق مات بالمدينة سنة (65) خمس وستين، وقيل سنة (74) أربع وسبعين، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الحج وفي البيوع وفي الدعاء وعذاب القبر وفي الفتن وفي الجهاد، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب. وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن أيوب فإنَّه بغدادي وأبا سعيد فإنَّه مدني (فقالوا) أي أولئك الوفد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا نبي الله إنا) نحن (حي) أي قبيلة (من) بني (ربيعة) بن نزار بن معد بن عدنان (وبيننا) أي وبين بلدتنا من البحرين (وبينك) أي وبين بلدتك المدينة المنورة (كفار) من بني (مضر) بن نزار

وَلَا نَقْدِرُ عَلَيكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْمُرْ (¬1) بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ (¬2) بِهِ الْجَنَّةَ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: اعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولا نقدر) أي لا نستطيع الحضور (عليك) لصد هؤلاء الكفار إيانا (إلا في أشهر الحرم) أي إلا في الأشهر المحرم فيها القتال والإغارة في الجاهلية في شريعة إبراهيم - عليه السلام - وهي شوال وذو القعدة والمحرم ورجب (فمرنا بأمر) أي دلنا على أمر فاصل بين الحق والباطل نعمل به في حق أنفسنا بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات و (نأمر به) أي بذلك الأمر (من) تركنا (وراءنا) وخلفنا من قومنا في بلادنا وتبلغه إليهم ليعملوا به (وندخل) نحن وهم (به) أي بالعمل بذلك الأمر (الجنة) دار الكرامة (إذا نحن) وهم (أخذنا به) أي بذلك الأمر وتمسكنا به ودمنا عليه (فقال) لهم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمركم) أيها الوفد الكرام (بأربع) خصال من قواعد الإِسلام وأساسه (وأنهاكم) أيها الضيف العظام وأحذركم (عن أربع) خصال من المنهيات وتلك الأربع التي هي من المأمورات أقول لكم في بيان أولاها (اعبدوا الله) سبحانه وتعالى أي أفردوه بالعبادة (ولا تشركوا به) سبحانه وتعالى في عبادتكم إياه (شيئًا) من الإشراك لا جليًّا ولا خفيًّا أو شيئًا من المخلوقات إنسًا أو جنًا أو ملكًا حيوانًا أو جمادًا حيًّا ولا ميتًا (و) أقول لكم في بيان ثانيتها (أقيموا الصلاة) المكتوبة في الليل والنهار وأدوها في أوقاتها المحددة بآدابها وأركانها وشرائطها (و) أقول لكم في بيان ثالثتها (آتوا الزكاة) المفروضة في أموالكم واصرفوها إلى مصارفها (و) أقول لكم في بيان رابعتها (صوموا) شهر (رمضان) في السنة (و) أزيد لكم خصلة خامسة غير قواعد الإِسلام وأقول لكم في بيانها (أعطوا الخمس من) أصل (الغنائم) التي غنمتموها من الكفار واصرفوه في مصارف خمس الفيء، وهذه الجملة معطوفة في المعنى على آمركم بأربع، أي آمركم بأربع من المأمورات وأقول أيضًا أعطوا خمس ما غنمتم ندبًا لأنه لم يفرض الجهاد وقتئذ. ¬

_ (¬1) في نسخة: (نأمرُ) بالرفع. (¬2) في نسخة: (ندخلُ) بالرفع.

وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ"، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ؟ قَال: "بَلَى، جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ، فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيعَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأنهاكم) أي أحذركم وأمنعكم (عن) الانتباذ في (أربع) من الأواني المذكورة وإنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الأربع الأواني بالذكر لأنها أغلب أوانيهم ويلحق بها في النهي ما كان في معناها كأواني الزجاج والحديد والنحاس وغير ذلك مما يعجل الإسكار بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - في جواب قولهم (فبم نشرب يا رسول الله؟ ) فقال: "في أسقية الأدم" ولأن ما عدا تلك الأربع في معناها فيلحق بها على طريقة نفي الفارق اهـ قرطبي. وقوله (عن الدُّباء) أي عن الانتباذ في إناء القرع اليابس. . . إلخ بدل من أربع بدل تفصيل من مُجمل (و) عن الانتباذ في إناء (الحنتم) والجرار المعمولة من الطين المطلية بالزجاج لأنها تعجل إسكار النبيذ كالدباء (و) عن الانتباذ في الإناء (المزفت) أي المطلي بالزفت من أي نوع كان من رصاص أو نحاس أو خشب أو حديد (و) عن الانتباذ في جذع النخل (النقير) أي المنقور وسطه وأخرج ما فيه وجُعل إناء. (قالوا) أي قال وفد عبد القيس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا نبي الله ما عِلمك) أي ليس علمك (بالنقير) موجودًا فكيف تنهانا عن الانتباذ فيه، فإنَّه ليس من أواني الحجاز، فإنَّه من أواني بلادنا، قال الأبي: قوله (ما علمك بالنقير) هو استبعادٌ لمعرفته إياه إذ لم يكن بأرضه - صلى الله عليه وسلم - انتهى. فـ (ما) حجازية وعلمك اسمها وبالنقير متعلق بعلمك وخبر ما محذوف كما قدرنا آنفًا فالجملة الاسمية منفية فلذلك أجابه ببلى، أي أنت لا تعلم بالنقير فكيف تنهانا عنه (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - نفيًا لنفيهم علمه بالنقير (بلى) أي ليس الأمر كما زعمتم بل علمي به موجود، أي بلى أعلمه هو (جذع) نخل وأصله (تنقرونه) أي تقورون وسطه وتخرجون ما فيه من الجمار اليابس وتجعلونه إناء (فتقذفون) وترمون (فيه من القطيعاء) أي من التمور الصغار الحبوب وتخلطون تلك القطيعاء بالماء وتمزجونها به فيحلو وتشربونه بعد غليانه فتسكرون منه، قوله (جذع) والجذع أصل النخلة وساقها، ويجمع على جذوع وقوله (تنقرونه) من نقر من باب نصر يقال نقر الشيء إذا ثقبه وقور ما فيه وأخرجه فصار مجوفًا خالي الجوف قوله (فتديفون) قال القاضي عياض: رويناه بالدال والذال وبفتح التاء فيهما كتبيعون، وقال بعضهم الصواب بكسر الذال المعجمة تذِيفون

- قَال سَعِيدٌ: أَوْ قَال: مِنَ التَّمْرِ - ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ. . شَرِبْتُمُوهُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ - أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ - لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيفِ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ من ذاف يذيف كباع يبيع وضمها مع المهملة تدُوفون من داف يدوف كقال يقول، ورويناه بضم الياء رباعيًّا مع المهملة، وأنكره بعضهم وقال إنما هو بفتحها ثلاثي كله وحكى بعضهم أداف الدواء بالماء رباعيًّا فالروايتان صحيحتان فالمعنى في الجميع تخلطون، قال النواوي: وضبطه بعض رواة مسلم بضم التاء في المعجمة والمهملة والإهمال في الدال أشهر في اللغة، قال ووقع في الأصول كلها في الموضع الأول (فتقذفون فيه) بتاء مثناة فوق مفتوحة ثمَّ قاف ساكنة ثمَّ ذال معجمة مكسورة ثمَّ فاء ثمَّ واو ثمَّ نون ومعناه تلقون فيه وترمون، وأما القطيعاء فبضم القاف وفتح الطاء وبالمد هو نوع من التمر صغار الحبوب يقال له شهريز بالشين المعجمة وبالمهملة وبضمهما أو بكسرهما، وقد حكى ابن دريد دُفْتُ الدواءَ وغيرَه بالماء أدُوفُهُ بإهمال الدال، وحكى غيره أنَّه يقال ذُفْتُه أَذُوفه وسُمٌّ مَذُوفٌ ومَذِيفٌ ومَذْوُوفٌ ومذاف بالذال المعجمة، وحكى غيره أنَّه يقال أداف الدواء بالدواء فالرواية على هذا صحيحة ومعناه خلَط ومزَج. قال إسماعيل بن علية (قال) لنا شيخنا (سعيد) بن أبي عروبة (أو قال) لنا قتادة عند روايته لنا هذا الحديث (من التمر) بلفظ العموم بدل قوله أولًا من القطيعاء بلفظ الخصوص والشك من سعيد بن أبي عروبة وقوله (ثمَّ تصبون) وتسكبون (فيه) أي في ذلك النقير (من الماء) فوق القطيعاء وتخلطونه مع القطيعاء وتمزجونه معها، معطوف على تقذفون، وثم هنا بمعنى الفاء المفيدة للتعقيب لا للتراخي، وقوله (حتى) غاية لمحذوف تقديره وتتركونه بلا شرب حتى (إذا سكن) وهدأ (غليانه) واشتداده وفورانه (شربتموه) أي شربتم ذلك المخلوط في النقير، وقوله (حتى) غاية لمحذوف أيضًا تقديره وسكرتم منه حتى (إن أحدكم) أيها الوافدون (أو) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أبو سعيد الخدري أو قتادة (إن أحدهم) أي إن أحد أقوامكم وجماعتكم، والشك من أبي سعيد أو من أبي نضرة أو من سعيد، قال السنوسي والشك من الرواي اهـ (ليضرب ابن عمه) أو ابن خاله (بالسيف) فيقتله أو بالعصا فيجرحه، قال السنوسي: معنى هذا الكلام إذا شرب أحدكم سكر فلم يبق له عقل وهاج به الشر فيضرب ابن عمه الذي هو عنده من أحب أحبابه، وهذه مفسدة عظيمة نبه بها على ما سواها من المفاسد الواقعة من السكران كالقذف والزنا والسرقة والنهب والغصب.

قَال: وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ، قَال: وَكُنْتُ أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللهِ قَال: "فِي أَسْقِيَةِ الأَدَمِ الَّتِي يُلاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو سعيد الخدري (وفي) أولئك (القوم) الوافدين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعني وفد عبد القيس (رجل أصابته جراحة كذلك) أي بسبب سُكْرِ ضَاربهِ من شرب النبيذ والكاف بمعنى الباء السببية متعلقة بمحذوف صفة لجراحة، أي جراحة واقعة بسبب سكر ضاربه، قال القاضي عياض: اسم ذلك الرجل جهم بن قثم، وكانت جراحته في ساقه وهذا الرجل ليس هو أشج عبد القيس لأنَّ اسمهما مختلف كما ذكر هنا وفيما تقدم ولأن الأصل في الشجاج أن لا يكون إلا في الرأس أو في الوجه وهذا جراحته في ساقه، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه) علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - إذ أخبر عن مغيب وقع ولم يواجه الرجل بذلك على عادته في الستر، قال أبو سعيد الخدري (قال) ذلك الرجل الذي به جراحة (وكنت) أنا (أخبؤها) أي أسترها أي أستر تلك الجراحة بثيابي (حياء) أي خجلًا وخوفًا (من) اطلاع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) عليها قال ذلك الرجل الجريح (فقلت) أنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نهانا عن الانتباذ في الأواني الأربع يا رسول الله (ففيم) أي ففي أي إناء ننتبذ و (نشرب يا رسول الله) و (مَ) في قوله ففيم استفهامية في محل الجر بفي مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة إذا دخل عليها حرف جر نظير قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] الجار والمجرور متعلق بنشرب (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواب سؤاله انتبذوا واشربوا (في أسقية الأدم) أي في أواني الجلود المدبوغة والإضافة في قوله: في أسقية الأدم بمعنى من البيانية نظير باب ساج وخاتم حديد، والأسقية جمع سقاء كأكسية جمع كساء وهو إناء يتخذ من جلد السخلة يكون للماء واللبن، والأدم بفتحتين وكذا الأُدم بضمتين كما هو القياس جمع أديم وهو الجلد التام الدبغ، قال السيرافي: لم يجمع فعيل على فعل إلا في أديم وأدم وأفيق وأفق وقضيم وقضم والأفيق الجلد غير التام الدبغ، والقضيم الصحيفة التي لم تكتب (التي يلاث) ويلف الخيط (على أفواهها) وتربط به. قال النواوي: وأما يلاث فبضم المثناة من تحت وتخفيف اللام آخره ثاء مثلثة كذا ضبطناه وكذا هو في أكثر الأصول، وفي أصل الحافظ أبي عامر العبدري تُلاث بضم

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ، وَلَا تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الأَدَمِ، فَقَال نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ المثناة فوق وكلاهما صحيح فمعنى الأول يُلفُّ الخيط على أفواهها ويُربط به، ومعنى الثاني تُلف الأسقية على أفواهها كما يقال ضربته على رأسه انتهى، وهو مثل ما في الطريق الآخر "عليكم بالموكى" أي بالأسقية التي توكى وتربط أفواهها بالوكاء وهو الخيط الذي تربط به، قال ابن قتيبة وأصل اللوث الطيُّ تقول لثت العمامة طويتها على رأسي، قال القاضي عياض: وحضهم على أسقية الأدم لأنها لرقة جلودها لا ينتهي ما فيها لحد التخمير إلا وينشق (قالوا) أي قال الوفد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلبًا منه للترخيص لهم في تلك الأواني الأربع (يا رسول الله إن أرضنا) وبلادنا بلاد البحرين (كثيرة الجرذان) والفيران (ولا تبقى بها) أي فيها (أسقية الأدم) أي لا يطول بقاء أواني الجلد المدبوغ فيها ولا تدوم لأنَّ الجرذان تأكلها. قال النواوي: قوله (كثيرة الجرذان) كذا ضبطناه كثيرة بالهاء في آخره ووقع في كثير من الأصول كثير بغير هاء قال ابن الصلاح: صح في أصولنا كثير بغير هاء التأنيث، والتقدير فيه على هذا أرضنا مكان كثير الجرذان ومن نظائره قوله تعالى {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] والجرذان بكسر الميم وإسكان الراء وبالذال المعجمة جمع جُرذ بضم الجيم وفتح الراء كصُرد وصردان، والجُرذ أطلق كثير من المحدثين أنَّه الفأرة وقيل ذكرها وقيل نوع منها كبار، وقال بعضهم هو الضخم من الفيران ويكون في الفلوات ولا يألف البيوت ذكره الفيومي في المصباح المنير (فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وإن أكلتها الجرذان) أي اشربوا في أسقية الأدم لا في الأواني الأربع المذكورة وإن أكلت تلك الأسقية الفيران وقوله (وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان) هكذا هو في الأصول مكررًا ثلاث مرات مبالغة في التأكيد والتشديد عليهم، قال القرطبي: ولم يعذرهم بذلك لأنهم يمكنهم التحرز بتعليق الأسقية أو باتخاذ ما يهلك الفيران من حيوان أو غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد تمسك بعض أهل العلم بظاهر هذا النهي عن الانتباذ في تلك الظروف فحمله على التحريم وممن قال هذا ابن عمر وابن عباس على ما يأتي في الأشربة فسنبين هنالك

قَال: وَقَال نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأَشَجٌ عَبْدِ الْقَيسِ: "إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَينِ يُحِبُّهُمَا اللهُ تعالى: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ". 27 - (. . .) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إن شاء الله تعالى أن ذلك منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم - "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرًا" رواه مسلم من حديث بريدة - رضي الله عنه - كما مر. (قال) أبو سعيد الخدري (وقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس) المنذر بن عائذ بالذال المعجمة على الأصح سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأشج لأثر كان في وجهه، والشج في الأصل جرح الرأس اهـ. من هامش مسلم، وفي الصحاح رجل أشج بين الشجج إذا كان في جبينه أثر الشجة وعلى هذا يدل كون هذا الرجل غلب عليه الأشج لأنه إنما يغلب على الإنسان ما كان ظاهرًا من أمره، ولما كانت ظاهرةً في وجهه نسبه إليها كل من كان رآه منه فغلب عليه ذلك ولو كانت في ساقه لما غلب عليه ذلك والله أعلم، وأصل الشج القطع والشق ومنه قولهم شجت السفينة البحر أي شقته وشججت المفازة قطعتها. وتعريف النبي - صلى الله عليه وسلم - بحال ذلك الرجل يدل على أنَّه عرفه بعينه غير أنَّه لم يواجهه بذلك حسن عشرة منه - صلى الله عليه وسلم - على مقتضى كرم خلقه فإنَّه كان لا يواجه أحدًا بما يكرهه اهـ قرطبي. (إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى الحلم والأناة). وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 23) والنسائيُّ (8/ 306) ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: (27) - متا (. . .) (حدثني محمَّد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي بفتح النون والزاي أبو موسى البصري المعروف بالزَّمِن مشهور بكنيته وباسمه الحافظ ثقة ثبت من العاشرة مات في ذي القعدة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا (و) محمَّد (بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي أبو بكر البصري ويقال أبو إسحاق ويقال له بندار وإنما لقب به

قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَال: حَدَّثَنِي غَيرُ وَاحِدٍ لَقِيَ ذَاكَ الْوَفْدَ - وَذَكَرَ: أَبَا نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -: أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه كان بندارًا في الحديث جمع حديث بلده، وكان ممن يُحفظ حديثه روى عن محمَّد بن جعفر وابن أبي عدي وعبد الوهاب الثقفي ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم ويروي عنه (ع) وابن خزيمة وابن صاعد وخلق وقال العجلي: بندار ثقة كثير الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، ولد سنة (167) سبع وستين ومائة في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة، ومات بالبصرة سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين وله (80) بضع وثمانون سنة، وتقدم أن المؤلف روى عنه في اثنى عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأنَّ المتقارنين ثقتان (قالا) أي قال المحمدان (حدثنا) محمَّد (بن أبي عدي) إبراهيم قاسم أبي عدي إبراهيم وابنه محمَّد الراوي للحديث، وقيل: هو إبراهيم السلمي مولاهم أبو عمرو البصري. روى عن سعيد بن أبي عروبة وابن عون وشعبة وسليمان التيمي وحميد الطويل وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد وابن معين وابن المثنى وابن بشار وعمرو بن علي وأبو بكر بن نافع وغيرهم وثقه أبو حاتم والنسائيُّ وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والجنائز والفضائل والدعاء والفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا. (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران الحافظ البصري من السادسة مات سنة (156) ست وخمسين ومائة (عن قتادة) بن دعامة البصري من الرابعة مات سنة (117) سبع عشرة ومائة (قال) قتادة (حدثني غير واحد) أي ناس كثير ممن (لقي) ورأى (ذاك الوفد) الذين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عبد القيس (وذكر) لنا قتادة (أبا نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ثقة من الثالثة مات سنة (108) ثمان ومائة يروي (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري المدني مات سنة (65) خمس وستين، وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد الخدري فإنَّه مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي عدي لإسماعيل بن علية في رواية هذا الحديث عن سعيد بن أبي عروبة (أن وفد عبد القيس) الذين وفدوا

لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. . . بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ، غَيرَ أَنَّ فِيهِ: "وَتَذِيفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيعَاءِ، أَو التَّمْرِ وَالْمَاءِ" وَلَمْ يَقُلْ: (قَال سَعِيدٌ: أَوْ قَال: مِنَ التَّمْرِ). 28 - (. . .) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الحديث والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث ابن علية) متعلق بما عمل في المتابع بكسر الباء أي حدثنا ابن أبي عدي بمثل حديث إسماعيل بن علية المذكور في السند السابق واستثنى من المماثلة بقوله (غير أن فيه) أي في ذلك المثل الذي رواه ابن أبي عدي (وتذيفون) بالفاء بدل القاف في قوله في الرواية الأولى فتقذفون (فيه من القطيعاء أو التمر والماء ولم يقل) ابن أبي عدي في روايته لفظة (قال سعيد أو قال من التمر) وتذيفون من ذاف يذيف كباع يبيع ومعناه تخلطون كما مر. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري فقال: (28) - متا (. . .) (حدثني محمَّد بن بكار) بن الزبير العيشي الصيرفي (البصري) ويقال فيه البغدادي روى عن أبي عاصم ومحمد بن طلحة بن مصرف وإسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن زكرياء وحسان بن إبراهيم وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو يعلى وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر وهو ابن ثلاث وتسعين (93) وولد سنة (145) خمس وأربعين ومائة، قال أبو العباس السراج سمعت ابنه يقول ذلك روى عنه المؤلف في الإيمان والحج وصفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة أبواب تقريبًا. (تتمة) وفي التهذيب جمع غير واحد من أهل العلم بالرجال بين محمَّد بن بكار البصري وبين محمَّد بن بكار البغدادي منهم أبو إسحاق الحبال من مشايخ مسلم وأبو علي الجياني في مشايخ أبي داود، ويحتمل أن يكون الكلام فيهما واحدًا لأنَّ أكثرهم أطلقوا القول في محمَّد بن بكار من غير نسبة والله أعلم. انتهى منه. قال محمَّد بن بكار (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني مولاهم يروي عنه (ع) ومحمد بن بكار وعبد بن حميد وأبو غسان

عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــ المسمعي ومحمد بن المثنى وإسحاق بن منصور وغيرهم روى عن ابن جريج وحيوة بن شريح وحنظلة بن أبي سفيان وعبد الحميد بن جعفر وابن عون والثوري وعثمان بن مرة وغيرهم، قال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات في ذي الحجة سنة (212) اثني عشرة ومائتين، قال عمرو بن علي سمعت أبا عاصم يقول: ولدت سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة، ومات سنة اثنتى عشرة ومائتين، وهو ابن تسعين سنة وأربعة أشهر. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في موضعين والأطعمة في ثلاثة مواضع والبيوع في موضعين والصوم في موضعين والحج والطلاق والضحايا في موضعين والأشربة والذبائح والفتن فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) نُسب إلى جده لشهرته به القرشي الأموي مولاهم مولى أمية بن خالد بن أسيد أبي خالد ويقال أبو الوليد الفقيه المكي أحد الأئمة الأعلام روى عن أبي قزعة وأبي الزبير والزهري ويعلي بن مسلم وسليمان الأحول وعمرو بن دينار وخلق ويروي عنه (ع) وأبو عاصم النبيل وعبد الرزاق وحجاج بن محمَّد وروح بن عبادة وعبد الله بن وهب وجماعة ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل من السادسة مات سنة (150) خمسين ومائة وقيل سنة (149) تسع وأربعين ومائة وقد جاوز السبعين، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الجهاد في ثلاثة مواضع وفي الصلاة في ثمانية مواضع وفي الحج في عشرة مواضع والبيوع في ثلاثة مواضع وفي الجنائز في ثلاثة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي القدر وفي الزكاة وفي الصوم في أربعة مواضع وفي العتق وفي النذور في موضعين وفي الديات وفي التفسير وفي آخر الكتاب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابا تقريبًا. (ح وحدثني محمَّد بن رافع) أي حول المؤلف رحمه الله تعالى السند وبه قال حدثني محمَّد بن رافع بن أبي زيد القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ الزاهد روى عن عبد الرزاق وأبي أحمد الزبيري وشبابة ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك ويحيى بن آدم وأبي أسامة وأبي النضر هاشم بن القاسم وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن خزيمة وابن أبي داود وجماعة وقال في التقريب: ثقة عابد من الحادية عشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، قال البخاري وكان من خيار عباد الله،

وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو قَزَعَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال النسائي: ثقة مأمون روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي النكاح في موضعين وفي الحدود والأطعمة والفضائل والطلاق والضحايا وفي الطب وفي ذكر الجان فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا. وقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لمحمد بن رافع لا لمحمد بن بكار لأنه إنما روى معنى الحديث الآتي أتى به تورعًا من الكذب على محمَّد بن بكار لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن كلا الشيخين رويا لفظ الحديث الآتي قال محمَّد بن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني أحد الأئمة الأعلام الحفاظ، روى عن ابن جريج ومعمر بن راشد والثوري وزكرياء بن إسحاق وعبيد الله بن عمر ومالك وخلائق، ويروي عنه (ع) وأحمد وإسحاق وابن المديني وابن معين ومحمد بن رافع وخلق قال أحمد: من سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع، وقال في التقريب: ثقة حافظ مصنف شهير عمي في آخر عمره فتغير وكان يتشيع من التاسعة مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين عن خمس وثمانين سنة (85) وليس في مسلم من اسمه عبد الرزاق إلا هذا الثقة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين وفي الوضوء والجنائز والصوم والزكاة والحج فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا قال عبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي من السادسة وفائدة هذا التحويل بيان كثرة طرقه وبيان اختلاف صيغتي شيخيه لأنَّ ابن بكار قال: عن ابن جريج بالعنعنة وابن رافع، قال: أخبرنا ابن جريج بصيغة السماع. (قال) ابن جريج (أخبرني أبو قزعة) بفتح القاف وسكون الزاي لا غير على الصحيح سويد بن حجير مصغرين وبتقديم الحاء المهملة على الجيم والد قزعة الباهلي البصري انفرد مسلم بالرواية عنه دون البخاري، روى عن أبي نضرة والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وأنس وحكيم بن معاوية وأرسل عن عمران بن حصين ويروي عنه (م عم) وداود بن أبي هند وابن جريج وحاتم بن أبي صغيرة ومعقل بن عبيد الله وشعبة وثقه ابن المديني وأبو داود وأكثر الأئمة على تضعيفه، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة،

أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ أَخْبَرَهُ، وَحَسَنًا أَخْبَرَهُمَا: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيسِ لَمَّا أَتَوْا نَبِيَّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. . قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ جَعَلَنَا اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة أبي قزعة لقتادة في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأنَّ أبا قزعة مختلف فيه فلا يصلح لتقوية السند الأول، وهذا السند من سداسياته، ورجال سند محمَّد بن بكار كلهم بصريون إلا ابن جريج فإنَّه مكي وأبا سعيد الخدري فإنَّه مدني وسند محمَّد بن رافع منهم نيسابوري وصنعاني ومكي وبصريان ومدني (أن أبا نضرة) المنذر بن مالك (أخبره) أي أخبر أبا قزعة وقوله (وحسنًا) ابن مسلم بن يَنَّاقٍ بالنصب معطوف على ضمير المفعول في أخبره أي أن أبا نضرة أخبر أبا قزعة وحسن بن مسلم وقوله (أخبرهما) أي أخبر أبو نضرة أبا قزعة وحَسنًا (أن أبا سعيد الخدري) إلخ توكيد لفظي لجملة أخبره المذكورة قبله كما يقال: جاءاني زيد وعمرو جاءني وقالا كذا وكذا والمعنى أن أبا نضرة أخبر أبا قزعة والحسن بن مسلم بن يناق أن أبا سعيد الخدري (أخبره) أي أخبر أبا نضرة. قال النواوي: معنى هذا الكلام أن أبا نضرة أخبر بهذا الحديث أبا قزعة وحسن بن مسلم كليهما ثمَّ أكد ذلك بأن أعاد فقال أخبرهما أن أبا سعيد أخبره يعني أخبر أبو سعيد أبا نضرة أن وقد عبد القيس إلخ، وأما الحسن المذكور هنا فهو الحسن بن مسلم بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون وآخره قاف المكي روى عن أبي نضرة وطاوس ومجاهد وصفية بنت شيبة، ويروي عنه (ع) وعمرو بن مرة وإبراهيم بن نافع وابن جريج وشبل بن عباد وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات قديمًا بعد المائة بقليل، روى عنه المؤلف في الإيمان بالمقارنة وفي الصلاة والزكاة في موضعين والحج في موضعين وفي اللباس فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب. أي أن أبا سعيد الخدري أخبر أبا نضرة (أن وفد عبد القيس) وجماعتهم المختارة منهم للوفود على النبي - صلى الله عليه وسلم - (لما أتوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءوه (قالوا) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا نبي الله جعلنا الله) سبحانه وتعالى (فداءك) ووقايتك عن كل مكروه وسُوء، والمعنى: يقيك الله سبحانه ويحفظك عن المكاره وفي القاموس فداه يفديه من باب رمى فِداءً ككساء وفدى كرضا وعصا وافتدى به وفاداه أعطى شيئًا فأنقذه، والفداء ككساء وكعلى وإلى وكَفِتْيةٍ ذلك المعطي وفداه تفدية

فِدَاءَكَ؛ مَاذَا يَصْلُحُ لَنَا مِنَ الأَشْرِبَةِ؟ فَقَال: "لَا تَشْرَبُوا فِي النَّقِيرِ"، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ جَعَلَنَا اللهُ فِدَاءَكَ؛ أَوَ تَدْرِي مَا النَّقِيرُ؟ قَال: "نَعَمْ، الْجِذْعُ يُنْقَرُ وَسَطُهُ، وَلَا فِي الدُّبَّاءِ، وَلَا فِي الْحَنْتَمَةِ، وَعَلَيكُمْ بِالْمُوكَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: جُعلت فداك انتهى (ماذا يصلح) ويحل (لنا من) الأواني أن ننتبذ فيه بـ (بالأشربة) أي أيُّ إناء يحل لنا الانتباذ فيه ونشرب فيه الأشربة (فقال) لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تشربوا) ما انتبذتموه (في النقير) لأنه يتخمر ويُسْكِرُ (قالوا يا نبي الله جعلنا الله فداءك) ووقايتك عن كل مكروه والهمزة في قوله (أو تدري) للاستفهام التقريري داخلة على محذوف والواو عاطفة لجملة تدري على ذلك المحذوف والتقدير أتنهانا عن النقير وهل تدري وتعلم جواب (ما) هو (النقير) فما استفهامية في محل الرفع مبتدأ والنقير خبره (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نعم) حرف تصديق يُجاب بها في الإثبات قائم مقام الجواب المحذوف أي أدري وأعلم جواب سؤال ما هو النقير، النقير هو (الجذع) أي أصل النخل (ينقر) ويُقور (وسطه) أي جوفه وداخله فيجعل إناء للماء وغيره (ولا) تشربوا (في الدباء) أي في إناء القرع المُر اليابس فهو وما بعده معطوفان على قوله في النقير (ولا) تشربوا (في الحنتمة) أي في إناء الجرة المطلية بالزجاج ونحوه وقوله (وعليكم) اسم فعل أمر منقول بمعنى الزموا (بالموكى) أي الزموا الشرب بما انتبذ في الإناء الموكى أي في السقاء الرقيق الذي يوكى ويُربط فمه بالوكاء، والوكاء الخيط الذي يربط ويشد به فم القربة والسقاء لئلا تدخله الهوام والحشرات فتفسد ما فيه من الماء واللبن والسمن مثلًا، قال النواوي: الموكى هو بضم الميم وإسكان الواو مقصور غير مهموز وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عباس وغرضه بسوقه الاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي سعيد الخدري وغرضه بسوقه الاستشهاد لحديث ابن عباس وذكر فيه متابعتين أيضًا واختار حديث ابن عباس في الاستدلال به على الترجمة لأنه أصح من حديث أبي سعيد الخدري لأنَّ حديث ابن عباس من المتفق عليه وحديث أبي سعيد انفرد به مسلم عن البخاري. فصل قال النواوي: هذا ما يتعلق بألفاظ هذا الحديث، وأما أحكامه ومعانيه فأنا أشير إليها ملخصة مختصرة مرتبة ففي هذا الحديث وفادة الرؤساء والأشراف إلى الأئمة عند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمور المهمة، وفيه تقديم الاعتذار بين يدي المسألة، وفيه بيان مهمات الإِسلام وأركانه ما سوى الحج، وقد قدمنا أنَّه لم يفرض في تلك السنة، وفيه استعانة العالم في تفهيم الحاضرين والفهم عنهم ببعض أصحابه: كما فعله ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقد يُستدل به على أنَّه يكفي في الترجمة في الفتوى والخبر قول واحدٍ وفيه استحباب قول الرجل لزواره والقادمين عليه مرحبًا ونحوه كأهلًا وسهلًا والثناء عليهم إيناسًا وبسطًا وفيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه وأما استحبابه فيختلف بحسب الأحوال والأشخاص. وأما النهي عن المدح في الوجه فهو في حق من يخاف عليه الفتنة بما ذكرناه، وقد مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواضع كثيرة في الوجه فقال لأبي بكر - رضي الله عنه - "لست منهم" وقال - صلى الله عليه وسلم - فيه "يا أبا بكر لا تبكِ إن أمن الناس علي في صُحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا" وقال له أيضًا "وأرجو أن تكون منهم" أي من الذين يُدعون من أبواب الجنة وقال - صلى الله عليه وسلم - "ائذن له وبشره بالجنة" وقال - صلى الله عليه وسلم - "أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" وقال - صلى الله عليه وسلم - "دخلت الجنة ورأيت قصرًا فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك" فقال عمر - رضي الله عنه - بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟ ! وقال له "ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجك" وقال - صلى الله عليه وسلم - "افتح لعثمان وبشره بالجنة" وقال لعلي - رضي الله عنه - "أنت مني وأنا منك" وفي الحديث الآخر "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" وقال - صلى الله عليه وسلم - لبلال "سمعت دقَّ نعليك في الجنة" وقال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن سلام "أنت على الإِسلام حتى تموت" وقال للأنصاري "ضحك الله - عَزَّ وَجَلَّ -أو عجيب من فعالكما" وقال للأنصار "أنتم من أحب الناس إلي" ونظائر هذا كثيرة من مدحه - صلى الله عليه وسلم - في الوجه. وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يُقتدى بهم - رضي الله عنهم - أجمعين فأكثر من أن يُحصر والله أعلم، وفي حديث الباب أيضًا من الفوائد أنَّه لا عتب على طالب العلم والمستفتي إذا قال للعالم أرضح لي الجواب ونحو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه العبارة، وفيه أنَّه لا بأس بقول رمضان من غير ذكر الشهر، وفيه جواز مراجعة العالم على سبيل الاسترشاد والاعتذار ليتلطف له في جواب لا يشق عليه وفيه تأكيد الكلام وتفخيمه ليعظم وقعه في النفس، وفيه جواز قول الإنسان لمسلم جعلني الله فداك فهذه أطراف مما يتعلق بهذا الحديث وهي وإن كانت طويلة فهي مختصرة بالنسبة إلى طالبي التحقيق والله أعلم وله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة. انتهى. ***

8 - باب بيان أول ما يجب على المكلفين، وأن الدعوة إلى الإسلام على التدريج، وأن دعوة المظلوم مستجابة

8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ 29 - (19) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 8 - بَابُ بَيَانِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى التَّدْرِيجِ، وَأَنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ أي هذا باب معقود لبيان أول ما يجب على المكلفين وهو الإقرار بالشهادتين مع اعتقاد معناهما اعتقادًا جازمًا، ودل عليه الحديث بقوله: "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذًا بتقديم الدعوة إلى الشهادتين على سائر الأركان، وباب معقود لبيان أن الدعوة إلى الإِسلام على التدريج أي شيئًا فشيئًا بتقديم الأهم فالأهم لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بدعوتهم أولًا إلى الشهادتين ثمَّ إلى الصلاة ثمَّ إلى الزكاة، وبيان أن دعوة المظلوم وشكايته إذاية الظالم إياه إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ - مستجابة ولو كان المظلوم كافرًا. وترجم لهذا الحديث النواوي بقوله (باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإِسلام) وهكذا الترجمة في أكثر نُسخ المتن وترجم له السنوسي بقوله (باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإيمان) وهي متقاربة لترجمة النواوي، وترجم له الأبي بقوله (باب حديث معاذ) - رضي الله عنه - وترجم له القرطبي بقوله (باب أول ما يجب على المكلفين) وترجمتنا أعم وأوضح والله أعلم. وذكر المؤلف في هذا الباب حديث بعث معاذ إلى اليمن فقط، وهو من أصح الأحاديث لأنه متفق عليه في الصحيحين وذكر فيه متابعتين فقط وبالسندين المتصلين قال المؤلف رحمه الله تعالى: (29) - س (19) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أحد الأئمة الأعلام من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني من العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) راهويه أي الذي ولد في الطريق بن مخلد أبو يعقوب الحنظلي الإمام الفقيه الحافظ المروزي عالم خراسان، كان من سادات أهل زمانه فقهًا وعلمًا وحفظًا ونظرًا، قال الخفاف أملى علينا أحد عشر ألف حديث من حفظه ثمَّ قرأها من كتابه فما زاد ولا نقص، روى عن وكيع بن الجراح وعبد الرزاق والنضر بن شميل وجرير بن عبد الحميد وعبد الوهاب الثقفي وسليمان بن حرب وأبي معاوية وابن عيينة وأبي أسامة ومعاذ بن هشام وخلق، ويروي عنه (خ م د ت س) وقال: ثقة مأمون أحد الأئمة، وقال أحمد: لا أعلم لإسحاق نظيرًا، إسحاق عندنا من أئمة المسلمين، وإذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به، وقال في التقريب: ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود أنَّه تغير قبل موته بيسير، سكن نيسابور ومات بها ليلة السبت لأربع عشرة ليلة من شعبان سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين وله (72) اثنتان وسبعون سنة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز في ثلاثة مواضع والزكاة والصوم في موضعين والحج والبيوع في موضعين والعيوب والوصايا في موضعين والحدود والجهاد في أربعة مواضع والذبائح والأطعمة في موضعين والأدب والطب واللباس والفضائل وفي فضائل الصحابة في موضعين وكفارة المرض والزهد وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد وعشرون بابا تقريبًا، ومن أفراد حديثه في صحيح مسلم في (باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت) حديث (76). . . وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر" الحديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة مشهور، ومن حديث الأعمش عنه تفرد به إسحاق ذكره الأصبهاني في كتاب رجال مسلم (1/ 50). وقوله (جميعًا) حال من الثلاثة أي حالة كونهم مجتمعين في الرواية عن وكيع أي متفقين فيها سواء كانت في زمن واحد أم لا أكد بجميعًا دون كلهم إشارة إلى أن من روى عنه هذا الحديث غير محصور في هؤلاء الثلاثة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة

عَنْ وَكِيعٍ، قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيفِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ طرقه لأنَّ هؤلاء الثلاثة من الثقات الأثبات (عن وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبي سفيان الكوفي الحافظ أحد الأئمة الأثبات روى عن كهمس بن الحسن وزكرياء بن إسحاق والثوري والأعمش ومسعر وفضيل بن غزوان وهشام بن عروة وخلق، ويروي عنه ابن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق وأبو سعيد الأشج وابن نمير ويحيى بن يحيى وعمرو الناقد وخلائق كثير، وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار التاسعة مات في آخر سنة (196) ست وتسعين ومائة. روى عنه مسلم في الإيمان والوضوء في موضعين والزكاة وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الدعاء في موضعين وفي الأشربة في خمسة مواضع وفي الصوم في أربعة مواضع وفي الجنائز في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين والأطعمة والأحكام والنكاح والبيوع في ثلاثة مواضع وفي الجهاد وفي الفتن في موضعين وفي الزهد والقدر وفي البر وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية عشر بابا تقريبًا، وقد تقدمت ترجمته في المقدمة وفي أوائل كتاب الإيمان ولكن ما هنا فيه زيادة على ما تقدم، وفيه بعض نقص، قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) لنا (أبو بكر) بن أبي شيبة عند روايته لنا (حدثنا وكيع) بصيغة السماع، وأما أبو كريب وإسحاق فرويا عن وكيع بصيغة العنعنة، وإنما أتى بهذه الجملة أعني قوله (قال أبو بكر) تورعًا من الكذب على شيخه أبي بكر بنسبة العنعنة إليه مع الآخرين لو لم يأت بهذه الجملة (عن زكرياء بن إسحاق) المكي روى عن يحيى بن عبد الله بن صيفي وأبي الزبير وعمرو بن دينار وعطاء ويروي عنه (ع) ووكيع وأبو عاصم وبشر بن السري وروح بن عبادة وعبد الرزاق وجماعة، وقال في التقريب: ثقة رُمي بالقدر من السادسة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والبيوع والطلاق والجهاد وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا (قال) زكرياء بن إسحاق (حدثني يحيى بن عبد الله) بن محمَّد بن يحيى (بن صيفي) المكي المخزومي مولاهم، ويقال مولى عثمان بن عفان روى عن عكرمة بن عبد الرحمن وأبي معبد مولى ابن عباس وأبي سلمة بن سفيان وعتاب بن حُنين وسعيد بن جبير، ويروي عنه زكريا بن إسحاق

عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإسماعيل بن أمية وابن جريج وعبد الله بن أبي نجيح وغيرهم، وثقه النسائي وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، روى عنه المؤلف في بابين فقط في الإيمان وفي الصوم. (عن أبي معبد) نافذِ بالنون والفاء والذال المعجمة، ويقال بالقاف والدال المهملة مولى ابن عباس وكان أصدق مواليه، وكان في عداد أهل الحجاز، روى عن مولاه، ويروي عنه (ع) وعمرو بن دينار ويحيى بن عبد الله بن صيفي وأبو الزبير وسليمان الأحول والقاسم بن أبي بزة وفرات القزاز، قال أحمد وابن معين وأبو زرعة ثقة وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال الحميدي عن سفيان عن عمرو بن دينار أخبرني أبو معبد وكان من أصدق موالي ابن عباس، وقال ابن سعد: قال محمَّد بن عمر: مات بالمدينة سنة (104) أربع ومائة، وكان ثقة حسن الحديث، وفيها أرَّخه غير واحد اهـ من التهذيب، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، وفي الأبي وعند ابن ماهان عن أبي معبد الجهني وهو وهم، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب في الإيمان والصلاة والحج. (عن) عبد الله (ابن عباس) - رضي الله عنهما - حبر الأمة وترجمان القرآن وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابا تقريبًا (عن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس بن عائذ بمعجمة بن عدي بن كعب الأنصاري الخزرجي أبي عبد الرحمن المدني الصحابي الجليل أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد بدرًا والمشاهد والعقبة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ممن جمع القرآن قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "يأتي معاذ يوم القيامة إمام العلماء" وكان إليه المنتهى في العلم والأحكام والقرآن ومات بالشام بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة (18) في خلافة عمر وله (33) ثلاث وثلاثون سنة وقُبِرَ ببيسان في شرقيه. يروي عنه (ع) وابن عباس وأنس وابن عمر ومن التابعين عمرو بن ميمون وأبو مسلم الخولاني ومسروق والأسود بن هلال وأبو الطفيل عامر بن واثلة روى عنه المؤلف في بابين في الإيمان والصلاة وله مائة وسبعة وخمسون حديثًا (157) اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بحديث، وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه كوفيان ومكيان ومدنيان وطائفي، وأن فيه رواية صحابي عن صحابي ورواية مولى عن

- قَال أَبُو بَكْرٍ: رُبَّمَا قَال وَكِيعٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مُعَاذًا - قَال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "إِنَّكَ تَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاه (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (ربما قال) لنا (وكيع) عند روايته هذا الحديث (عن ابن عباس أن معاذًا) بدل قوله في الرواية الأولى (عن معاذ بن جبل) أي ذكر (أن) المفتوحة المشددة بدل (عن) الجارة. قال السنوسي: قوله (عن ابن عباس عن معاذ) في الطريق الأول وفي الآخر (أن معاذًا) إذا حدث صحابي عن صحابي فلا فرق بين عن وأنَّ في صحة الاتصال عند الأكثر، وقال جماعة: أن تقتضي الانقطاع لكنه مرسل صحابي فهو في حكم المتصل على المشهور خلافًا لأبي إسحاق الإسفراييني فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى فذكر الأمرين انتهى. قال النواوي هذا الذي فعله مسلم رحمه الله تعالى في نهاية التحقيق والاحتياط والتدقيق فإن الرواية الأولى قال فيها عن معاذ، والثانية أن معاذًا، وبين أن وعن فرق فإن الجماهير قالوا أن كعن فيحمل على الاتصال، وقال جماعة لا تلتحق أن بعن بل تحمل أن على الانقطاع ويكون مرسلًا ولكنه هنا يكون مرسل صحابي فله حكم المتصل على المشهور من مذاهب العلماء وفيه قول أبي إسحاق الإسفراييني أنَّه لا يحتج به فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى وبين اللفظين والله أعلم. انتهى. (قال) أي معاذ بن جبل قال (بعثني) وأرسلني (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى اليمن للدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الشرائع كما بعث إلى كسرى وقيصر والنجاشي وملك البحرين وملك اليمامة وإلى جبلة بن الأيهم ملك غسان وإلى المقوقس القبطي ملك الأسكندرية فقارب المقوقس الإِسلام وأهدى إلى رسول الله بغلته الشهباء ومارية القبطية وأختها سيرين فاستولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مارية ولده إبراهيم، ووهب أختها لحسان بن ثابت شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فولدت له عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، ولم يكن في أولئك القوم الذين أرسل إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبح ردًّا من كسرى فإنَّه مزق كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اللهم مزق ملكه" فمُزق كل ممزق فـ (ــقال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند التوديع مبينًا لي كيفية الدعوة (إنك) يا معاذ (تأتي

قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. . فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. . فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. . فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. . فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قومًا من أهل الكتاب) الأول التوراة والإنجيل وتذهب إليهم للدعوة إلى التوحيد والإِسلام، قال الأبي: الكتابي من أنزل على رسول قومه كتاب أو التزم أحكامه من غير المسلمين فيدخل فيه من تهود أو تنصر من المشركين، ويخرج من فعل ذلك من المسلمين لأنَّ المرتد لا يُقر، قال النواوي: ولما كان أكثر أهل اليمن أهل كتاب نبهه بقوله ذلك ليتهيأ لمناظرتهم، قال القرطبي: يعني اليهود والنصارى لأنهم كانوا في اليمن أكثر من مشركي العرب أو أغلب، وإنما نبهه على هذا ليتهيأ لمناظرتهم ويُعِدَّ الأدلة لإفحامهم لأنهم أهل علم سابق بخلاف المشركين وعبدة الأوثان اهـ (فادعهم) أي فادع أولئك الكتابيين أولًا (إلي شهادة) وإقرار (أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) إلى كافة الناس. قال القرطبي: احتج به من قال إن أول الواجبات الإقرار ولا يصح لأنَّ هذا الدعاء هو الذي يقدم بين يدي القتال، وقد اختلف في وجوب تقديمه، والحديث دليل عليه، قال الأبي: (فإن قال المحتج) لولا أنها أول الواجبات لم يقدمها (أُجيب) بأنها إنما قدمت لتوقف القتال عليها، والخلاف الذي في أول الواجبات إنما هو في أول الواجبات بعد البلوغ (فإن هم أطاعوا) وقبلوا (لذلك) الذي دعوتهم إليه من الإقرار بالشهادتين مع الإذعان بهما (فأعلمهم) أي فأخبرهم (أن الله) سبحانه وتعالى (افترض) أي فرض وأوجب (عليهم) وافتعل هنا بمعنى الثلاثي (خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا) وقبلوا (لذلك) الذي فرض عليهم من الصلوات الخمس (فأعلمهم) أي فأخبرهم (أن الله) سبحانه (افترض) أي فرض وأوجب (عليهم صدقة) وزكاة (تؤخذ من أغنيائهم) أي من أغنياء أهل اليمن (فترد) أي تصرف وتوزع (في فقرائهم) أي في فقراء أهل اليمن ومستحقيها منهم فيحرم نقلها إلى غيرهم، أو في فقراء المسلمين ومستحقيهم فيجوز نقلها إلى غير أهل اليمن كما هو مذهب مالك (فإن هم أطاعوا) وقبلوا (لذلك) الذي فرض عليهم من الصدقة المذكورة (فإياك وكرائم أموالهم) أي حذر نفسك وباعدها عن أخذ كرائم أموالهم ومواشيهم أي عن أخذ خيارها ونفائسها نظرًا لأرباب الأموال ورفقًا بهم،

وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أخذ شرارها ومعيبتها نظرًا لحقوق المستحقين، بل خذ منهم أوساطها نظرًا للجانبين (واتق دعوة المظلوم) أي وتحرز استجابة دعوة الذي ظلم بأخذ كرائم أمواله وقبول لعنته عليك (فإنَّه) أي فإن الشأن والحال (ليس بينها) أي بين دعوة المظلوم ولو كافرًا (وبين الله) أي وبين قبول الله إياها (حجاب) أي حاجز ومانع فإنها سريعة القبول والاستجابة على الظالم وتأخير الإجابة في بعض الأحيان إمهال للظالم لا إهمال. وهذا الحديث من أصح الأحاديث فإنَّه شارك المؤلف في روايته أحمد وأصحاب الأمهات الخمس فقد رواه أحمد في (1/ 233) والبخاري في (1458) و (4347) و (7371) وأبو داود في (1584) والترمذي (625) والنسائيُّ (5/ 52 وَ 55) وابن ماجه (1783). (قوله فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله) إلخ قال القرطبي وهذا الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به معاذًا هو الدعوة قبل القتال التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُوصي بها أمراءه وقد اختلف في حكمها على ما يأتي في الجهاد وعلى هذا فلا يكون في حديث معاذ حجة لمن تمسك به من المتكلمين على أن أول واجب على كل مكلف معرفة الله تعالى بالدليل والبرهان بل هو حجة لمن يقول إن أول الواجبات التلفظ بكلمتي الشهادة مصدقًا بها وقد اختلف المتكلمون في أول الواجبات على أقوال كثيرة منها ما يُشنع ذكره ومنها ما ظهر ضعفه. والذي عليه أئمة الفتوى وبهم يقتدى كمالك والشافعيُّ وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السلف أن أول الواجبات على المكلف الإيمان التصديقي الجزمي الذي لا ريب معه بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما جاءت به الرسل على ما تقرر في حديث جبريل كيفما حصل ذلك الإيمان وبأي طريق إليه توصل، وأما النطق باللسان فمظهر لما استقر في القلب من الإيمان وسبب ظاهر تترتب عليه أحكام الإِسلام وتفصيل ما أجملناه يستدعي تفصيلًا وتطويلًا يُخرج كلامنا عن المقصود. انتهى. وقوله (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) إلخ قال القاضي عياض يحتج بهذا الحديث من قال عدم خطاب الكفار بالفروع لأنه لم يُخاطبهم بها إلا بعد الإيمان وأجاب عنه الآخر بأنه إنما قدم الإيمان لأنه آكد كما قدم الصلاة على الزكاة لذلك ولأن الإيمان شرط أداء لا شرط وجوب اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: تقديم الإيمان جيء به على صورة تقديم الشرط وتقديم الصلاة إنما هو تقديم نسق فليس التقديمان سواء، وعلى أنَّه شرط أداء يكون معنى (افترض) طالبهم بالامتثال، وأما تعلق الوجوب فكان بالبلوغ والأظهر في إخبارهم بذلك على التدريج لكونه أدعى إلى الإجابة اهـ. وعبارة القرطبي هنا وقد احتج بهذا الحديث من قال إن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة من حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - إنما خاطبهم بالتوحيد أولًا فلما التزموا ذلك خاطبهم بالفروع التي هي الصلاة والزكاة. وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين أحدهما أنَّه لم ينص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه إنما قدم الخطاب بالتوحيد لما ذكروه، بل يحتمل ذلك، ويحتمل أن يقال إنه إنما قدمه لكون الإيمان شرطًا مصححًا للأعمال الفروعية لا للخطاب بالفروع، إذ لا يصح فعلها شرعًا إلا بتقدم وجوده ويصح الخطاب بالإيمان وبالفروع معًا في وقت واحد، وإن كانت في الوجود متعاقبة، وهذا الاحتمال أظهر مما تمسكوا به ولو لم يكن أظهر فهو مساوٍ له فيكون هذا الخطاب مُجملًا بالنسبة إلى هذا الحكم. وثانيهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رتب هذه القواعد ليبين الأوكد فالأوكد والأهم فالأهم والله أعلم واقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذكر القواعد الثلاث لأنها كانت هي المتعينة عليهم في ذلك الوقت، ولا يظن أن الصوم والحج لم يكونا فرضا إذ ذاك لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان في سنة تسع وقد فرض الحج وقتئذ، وأما الصوم فقد فرض في السنة الثانية من الهجرة، ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ باليمن على الصحيح، وفي تفسير الثعالبي أنَّه رجع من اليمن وهو - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ فسجد لرسول الله فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ما هذا يا معاذ؟ " فقال: هكذا رأيت اليهود والنصارى تسجد لأحبارها وأساقفتها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كذبوا إنما السجود لله تعالى" وقول من قال إن الرواة سكتوا عن ذكر الصوم والحج قولٌ فاسد لأنَّ الحديث قد اشتهر واعتنى الناس بنقله سلفًا وخلفًا فلو ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له شيئًا من ذلك لنقل والله أعلم. قال السنوسي: ويؤخذ من هذا الحديث أن الوتر ليس بواجب لأنَّ بعث معاذ كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد مشروعية الوتر فلو شرع بصفة الوجوب لذكر. انتهى. قوله (فترد على فقرائهم) احتج به البخاري على عدم نقل الزكاة ولا يظهر لاحتمال عود الضمير على المسلمين لا على فقراء تلك البلدة وفيه دليلٌ لمالك على أن الزكاة لا تجب قسمتها على الأصناف المذكورين في الآية يعني مما سوى العاملين وأنه يجوز للإمام أن يصرفها إلى صنف واحدٍ من الأصناف المذكورين في الآية إذا رأى في ذلك مصلحة دينية وفيه دليل لمن قال إنه يجب على من وجبت عليه أن يدفعها للإمام العادل الذي يضعها في مواضعها ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يلي تفرقتها بنفسه إذا أقام الإمام من تدفع إليه وفي ذلك تفصيل يعرف من الفروع (قوله وإياك وكرائم أموالهم) أي خيارها ونفائسها كالمعلوفة وذات اللبن والكرائم جمع كريمة، قال صاحب المطالع: الكريمة جامعة صفة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف، حذره عن ذلك رفقًا بأرباب الأموال، وكذلك لا يأخذ من شرار المال ولا معيبه رفقًا للفقراء فلو طابت نفس رب المال بشيء من كرائم أمواله جاز للمصدِّق أخذها منه ولو أن المصدق رأى مصلحة للفقراء في أخذ المعيبة جاز أخذها، قال النواوي: وهكذا الرواية (فإياك وكرائم أموالهم) بالواوفي قوله وكرائم، قال ابن قتيبة: ولا يجوز أن يقال إياك وكرائم أموالهم بحذفها لأنَّ العطف هنا قائم مقام العامل المحذوف وجوبًا في التحذير وإعرابه فإياك الفاء رابطة لجواب إن الشرطية وجوبا، إيا ضمير نصب منفصل في محل النصب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا لقيام العطف مقامه مبني على السكون والكاف حرف دال على الخطاب تقديره باعد نفسك عن أخذ كرائم أموالهم وجملة التحذير في محل الجزم بإن الشرطية على كونها جوابًا لها. قوله (واتق دعوة المظلوم) أي واحذر الأسباب التي يدعو بها عليك المظلوم بأخذ كرائم أمواله وهي أخذ كرائم ماله، قال الأبي في حديث الدارقطني: ولو كانت من كافر، قال النواوي وفيه وعظ الإمام أُمراءه وتحذيرهم من الظلم، وقال القرطبي: وفيه جواز الدعاء على الظالم قال الأبي: لأنَّ التحذير من قبوله إقرار له، وقد أجازه مالك حتى في الصلاة، وإنما النظر في أيهما أرجح الدعاء أم الترك والصواب الفرق فيترجح الدعاء على من عمَّ ظلمه لأنه من الفساد في الأرض، ويترجح الترك فيمن ظلمه لأنه أوفر للأجر وفي الآثار ما يدل على الأمرين.

(فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب) الرواية الصحيحة فيه (فإنَّه) بضمير المذكر على أن يكون ضمير الأمر والشأن ويحتمل أن يعود على مذكر الدعوة فإن الدعوة دعاء، ووقع في بعض النسخ (فإنها) بضمير المؤنث وهو عائد على لفظ الدعوة، ويستفاد منه تحريم الظلم وتخويف الظالم وإباحة الدعاء للمظلوم عليه والوعد الصدق بأن الله تعالى يستجيب للمظلوم فيه غير أنَّه قد تعجل الإجابة فيه، وقد يؤخرها إملاءً للظالم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" رواه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ثمَّ قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102]. وكما قد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إن الله تعالى يرفع دعوة المظلوم على الغمام ويقول لها لأنصرنك ولو بعد حين" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال القاضي عياض وفي الحديث أن الشهادتين يعصمان الدم وأن أحدهما لا تعصم وأن تمام الإيمان بالتزام قواعده، وأن الشهادتين دونها لا تنفعان، قال الأبي: انظر عدم نفعهما فإنَّه منافٍ أنهما يعصمان الدم والمشهور عندنا فيمن أقر بالشهادتين وأبي بقية الخمس أنَّه يقتل لكن بعد التشديد عليه، وقال أصبغ: لا يقتل، وقال المُتَيطِيُّ: والعمل على المشهور، وأما أن إحداهما لا تعصم فتقدم أن عند الشافعية من قال لا إله إلا الله هو مسلم، ويطالب بالأخرى فإن أبي منها قتل، ولهم قول آخر أنَّه لا يقتل انتهى. (فصل في جمع ما يستفاد من هذا الحديث) قال النواوي ويستفاد من هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وفيه أن الوتر ليس بواجب لأنَّ بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به، وفيه أن السنة أن الكفار يُدعون إلى التوحيد قبل القتال وفيه أنَّه لا يحكم بإسلامه إلا بالنطق بالشهادتين وهذا مذهب أهل السنة كما قدمنا بيانه في أول كتاب الإيمان، وفيه أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة وفيه بيان عظم تحريم الظلم وأن الإمام ينبغي له أن يعظ ولاته ويأمرهم بتقوى الله تعالى ويبالغ في نهيهم عن الظلم ويُعرفهم قبح عاقبته، وفيه أنَّه يحرم على الساعي أخذ كرائم الأموال في أداء الزكاة بل يأخذ الوسط ويحرم على رب المال إخراج شر المال وفيه أن الزكاة

30 - (. . .) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تدفع إلى كافر ولا تدفع أيضًا إلى غني من نصيب الفقراء، واستدل به الخطابي وسائر أصحابنا على أن الزكاة لا يجوز نقلها من بلد المال لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فترد في فقرائهم" ولكن هذا الاستدلال ليس بظاهر لأنَّ الضمير في فقرائهم محتمل لفقراء المسلمين، ولفقراء أهل تلك البلدة والناحية، وهذا الاحتمال أظهر، واستدل به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والزكاة والصوم والحج وتحريم الزنا ونحوها لكونه - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم" فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم، ولكن هذا الاستدلال ضعيف فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون بالصلوات وغيرها في الدنيا، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإِسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يُزاد في عذابهم بسببها في الآخرة، ولأنه رتب ذلك في الدعاء إلى الإِسلام وبدأ بالأهم فالأهم، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالصلاة قبل الزكاة، ولم يقل أحد أنَّه يصير مكلفًا بالصلاة دون الزكاة والله أعلم. ثمَّ اعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه وهذا قول المحققين والأكثرين، وقيل ليسوا مخاطبين بها، وقيل مخاطبون بالمنهيِّ دون المأمور والله أعلم قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: وهذا الذي وقع في حديث معاذ من ذكر بعض دعائم الإِسلام دون بعض هو من تقصير الراوي وقد بينا الرد عليه عن القرطبي فيما تقدم فراجعه والله أعلم. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه فقال: (30) - متا (. . .) (حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله نزيل مكة، روى عن بشر بن سري ومروان بن معاوية وعبد العزيز الدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وسفيان بن عيينة ومعن بن عيسى وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء ومفضل بن محمَّد الجندي وأبو حاتم وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وطائفة وثقه ابن حبَّان، وقال في التقريب: صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم كانت فيه غفلة من العاشرة مات في آخر ذي الحجة بعد الموسم سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين.

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة والحج في موضعين والنكاح والجهاد والذبائح والأدب ودلائل النبوة ووفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابا تقريبًا. قال ابن أبي عمر (حدثنا بشر بن السري) الأفوه أبو عمرو البصري ثمَّ المكي الواعظ كان يتكلم كثيرًا فسمي الأفوه رُمي بالتجهم واعتذر وتاب، روى عن زكرياء بن إسحاق وهمام بن يحيى وحماد بن سلمة وسفيان الثوري وعدة، ويروي عنه (ع) وأحمد وابن المديني وابن أبي عمر وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم ومحمود بن غيلان وثقه ابن معين وقال أبو حاتم: ثبت، وقال البخاري: كان صاحب مواعظ فتكلم فسُمي الأفوه، وقال في موضع آخر صاحب خير وصدق ومن كلامه: ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك اهـ وقال في التقريب: ثقة متقن من التاسعة مات سنة (196) خمس أو ست وتسعين ومائة وله (63) ثلاث وستون سنة. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة ووفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والفضائل، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب تقريبًا، قال بشر بن السري (حدثنا زكرياء بن إسحاق) وقد تقدمت قريبًا ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب. (ح وحدثنا عبد بن حميد) أي حوَّل المؤلف السند وقال رحمه الله تعالى حدثنا عبد بن حميد بن نصر الكَسِّيُّ بفتح الكاف وتشديد السين المهملة أو الشين المعجمة نسبة إلى كَسَّ مدينة فيما وراء النهر، أبو محمَّد الحافظ مؤلف المسند والتفاسير، وقيل اسمه عبد الحميد بن حميد وبذلك جزم ابن حبَّان وغير واحد، روى عن أبي عاصم وعبد الرزاق ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبي عامر العقدي وجعفر بن عون وأبي نعيم وغيرهم، ويروي عنه (م ت) وابن خزيم الشاشي وعمر البحيري، وقال في التقريب: ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين وليس في مسلم من اسمه عبد إلا هذا الثقة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والزكاة والصوم والحج في موضعين وفي البيوع في موضعين وفي الجهاد في موضعين وفي الأطعمة في موضعين

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَال: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا. . ." بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الفضائل في موضعين وفي العلم وفي الدعاء وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا. وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شيخي شيخيه في الرواية عن زكريا بن إسحاق لأنَّ بشر بن السري قال حدثنا زكريا بن إسحاق بصيغة السماع، وقال أبو عاصم عن زكرياء بن إسحاق بصيغة العنعنة. قال عبدُ بن حميد (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد الشيباني مولاهم أبو عاصم النبيل البصري الحافظ ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (212) اثنتي عشرة ومائتين، وتقدمت ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا. (عن زكرياء بن إسحاق) المكي (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) المخزومي المكي (عن أبي معبد) نافذ مولى ابن عباس المدني (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما-، وغرض المؤلف بسوق هذين السندين بيان متابعة بشر بن السري وأبي عاصم النبيل لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث عن زكريا بن إسحاق، وكلا السندين من سداسياته فالسند الأول رجاله مكيون لأنَّ أبا معبد وابن عباس يقال لهما مكيان، والسند الثاني أيضًا رجاله كلهم مكيون إلا عبد بن حميد فإنَّه كَسيٌ وأبا عاصم فإنَّه بصري (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن) ففي هذه الرواية زيادة لفظة إلى اليمن (فقال) النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل (إنك ستأتي قومًا) ففي هذه الرواية زيادة سين الاستقبال والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث وكيع) تنازع فيه كل من حدثنا بشر بن السري وحدثنا أبو عاصم لأنَّ الجار والمجرور في قوله بمثل حديث فلان وبمثله وبنحوه مثلًا متعلق بما عمل في المتابع كما مر مرارًا. قال النواوي قوله "عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا" وهذا اللفظ يقتضي أن الحديث من مسند ابن عباس وكذلك الرواية التي بعده وأما الأولى فمن مسند معاذ، ووجْهُ الجمع بينهما أن يكون ابن عباس سمع الحديث من معاذ فرواه تارة عنه متصلًا، وتارة أرسله فلم يذكر معاذًا، وكلاهما صحيح كما قدمنا أن مرسل الصحابي

31 - (. . .) حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا لم يُعرف المحذوف يكون حجة، فكيف وقد عرفناه في هذا الحديث أنَّه معاذ، ويحتمل أن ابن عباس سمعه من معاذ وحضر القضية فتارة رواها بلا واسطة لحضوره إياها، وتارة رواها عن معاذ إما لنسيانه الحضور، واما لمعنى آخر والله أعلم. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ فقال: (31) - متا (. . .) (حدثنا أمية بن بسطام) بكسر الموحدة وسكون السين وفتح الطاء - وحكى في المغني فتح الباء والصرف وعدمه ولكن الأصح منعه من الصرف للعلمية والعجمة، قال الجوهري في الصحاح: بسطام ليس من أسماء العرب، وإنما سَمَّى قيس بن مسعود ابنه بسطامًا باسم ملك من ملوك فارس كما سموا قابوس فعربوه بكسر الباء والله أعلم - ابن المنتشر العيشي بالشين المعجمة نسبة إلى بني عائش بن مَلِك بن تيم الله بن ثعلبة سكنوا البصرة، وكان أصله العايش ولكانهم خففوه، قال الحاكم أبو عبد الله والخطيب أبو بكر البغدادي: العيشيون بالشين المعجمة بصريون، والعبسيون بالباء الموحدة والسين المهملة كوفيون، والعنسيون بالنون والسين المهملة شاميون، وهذا الذي قالاه هو الغالب اهـ. نووي أبو بكر البصري روى عن يزيد بن زُريع ومعتمر بن سليمان، ويروي عنه (خ م س) وأبو زرعة ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في بابين في الإيمان والوضوء وفي غيرهما. قال أمية (حدثنا يزيد بن زُريع) بزاي ثمَّ راء مهملة مصغرًا التميمي العيشي بتحتانية أبو معاوية البصري الحافظ أحد الأئمة الأعلام روى عن روح بن القاسم ويونس بن عبيد وسعيد بن أبي عروبة وخالد الحذاء والجريري وأيوب وخلق، ويروي عنه (ع) وأمية بن بسطام ومحمد بن المنهال ويحيى بن يحيى وأبو كامل الجحدري وسهل بن عثمان ونصر بن علي وأحمد بن عبدة وخلائق، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامثة مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الوضوء في موضعين وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز والزكاة والعتق والذبائح وفي الحج في موضعين والديات والجهاد والحدود في موضعين وفي كفارة المرضى وفي النكاح فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا.

حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال يزيد بن زُريع (حدثنا روح) وأتى بقوله (وهو ابن القاسم) إشعارًا إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل هي مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي التميمي العنبري أبو غياث بكسر الغين المعجمة الحافظ البصري، روى عن إسماعيل بن أمية والعلاء بن عبد الرحمن في مواضع، وسُهيل وعطاء بن أبي ميمونة وعمرو بن دينار وخلق، ويروي عنه (خ م د س ق) ويزيد بن زُريع وابن علية وعون بن عمارة، قال ابن المديني له نحو مائة وخمسين حديثًا (150) وقال في التقريب: ثقة حافظ من السادسة مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والنكاح والبيوع والفرائض والهبة والوصايا والأحكام واللباس والأدب في موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي المكي أحد العلماء والأشراف، روى عن يحيى بن عبد الله بن صيفي ومحمد بن يحيى بن حبَّان وعياض بن عبد الله وعكرمة وأيوب بن خالد وسعيد المُقرئ وجماعة، ويروي عنه (ع) وروح بن القاسم والسفيانان ومعمر ويحيى بن أيوب وبشر بن المفضل وابن جريج وغيرهم، قال ابن المديني له نحو سبعين حديثًا، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب ثقة ثبت من السادسة مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة وقيل قبلها. روى عنه المؤلف في الإيمان والزكاة في موضعين والصوم وفي النكاح في موضعين والعتاق والبيوع والجهاد وفي ذكر خلق الأشياء وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) المكي (عن أبي معبد) نافذ الحجازي مولى ابن عباس (عن ابن عباس) - رضي الله عنهما، وهذا السند من سباعياته ورجاله ثلاثة منهم بصريون وأربعة مكيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن أمية لزكريا بن إسحاق في رواية هذا الحديث عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وأما تكرار المتن في هذه المتابعة فلما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث

مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ. . قَال: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيهِ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا عَرَفُوا الله. . فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا. . فَأَخْبِرْهُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذًا إلى اليمن قال) لمعاذ على سبيل التوديع والإيصاء (إنك) يا معاذ (تَقدَمُ) وتأتي بفتح الدال من باب فَهِمَ (على قوم) من (أهل كتاب) أي من اليهود والنصارى (فليكن أول ما تدعوهم إليه) بنصب أول على أنَّه خبر يكن مقدم على اسمها (عبادة الله عَزَّ وَجَلَّ) برفع عبادة على أنَّه اسم يكن مؤخر ومعنى عَزَّ اتصف بجميع الكمالات وجلَّ تنزه عن جميع النقائص لأنَّ العزة من صفات الجمال، والجلالة من صفات الجلال، وقد تقدم أن أصل العبادة التذلل والخضوع وسُميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى، والمراد بالعبادة هنا هو النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله كما جاء مفسرًا في الرواية السابقة "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" (فإذا عرفوا الله فأخبرهم) أي إن أطاعوا بالنطق بذلك أي بكلمتي التوحيد كما قال في الرواية السابقة "فإن هم أطاعوا بذلك فأعلمهم" فسمى الطواعية بذلك والنطق به معرفة لأنه لا يكون غالبًا إلا عن المعرفة. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى قوله (فإذا عرفوا الله) إلخ هذا يدل على أنهم ليسوا بعارفين الله تعالى وهو مذهب حُذاق المتكلمين اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته لدلالة السمع عندهم على هذا وإن كان العقل لا يمنع أن يعرف الله تعالى مَنْ كذَّب رسولًا، وقال القاضي أيضًا: ما عرف اللهَ تعالى مَنْ شبَّهه وجسَّمه من اليهود أو أجاز عليه البَدَاءَ أو أضاف إليه الولدَ منهم، أو أضاف إليه الصاحبةَ والولدَ، أو أجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى أو وصفَهُ بما لا يليق به أو أضاف إليه الشريك، والمعاند في خلقه من المجوس والثنوية فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به إذ ليس موصوفًا بصفات الإله الواجبة، فإذن ما عرفوا الله تعالى فتحقق هذه النكتةَ واعتمد عليها. أي فأخبرهم (أن الله) سبحانه وتعالى (فرض) وأوجب (عليهم) أي على المكلفين منهم (خمس صلوات في يومهم وليلتهم) والإضافة فيهما من إضافة الظرف إلى المظروف (فإذا فعلوا) ذلك المذكور من الصلوات الخمس وقبلوها والتزموها (فأخبرهم) أي

أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا. . فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فأعلمهم (أن الله) سبحانه وتعالى (قد فرض) وأوجب (عليهم) أي على المتصف منهم بشروط وجوب الزكاة عليه (زكاة) وصدقة (تؤخذ من أغنيائهم) أي من أغنياء أهل اليمن (فتُرد) وتوزع (على فقرائهم) أي على المستحقين منهم، وفي بعض الرواية (تؤخذ من أموالهم) فيُستدل بلفظة من أموالهم على أنَّه إذا امتنع من الزكاة أُخذت من ماله بغير اختياره، وهذا الحكم لا خلاف فيه، ولكن هل تبرأ ذمته ويجزيه ذلك في الباطن فيه وجهان لأصحابنا والله أعلم اهـ. نووي. (فإذا أطاعوا) وقبلوا (بها) أي بأدائها إلى فقرائهم (فخذ منهم) تلك الزكاة (وتوق) أي تجنب وتحرز (كرائم أموالهم) أي أخذها رفقًا بهم. ***

9 - باب الأمر بقتال الناس حتى يوحدوا الله تعالى، ويقروا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم-، ويلتزموا شرائع دينه، وأن من فعل ذلك فقد عصم دمه وماله إلا بحقهما

9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. . فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا 32 - (20) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 9 - بَابُ الأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالى، وَيُقِرُّوا بِرِسَالةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالهُ إِلَّا بِحَقِّهِمَا أي هذا باب معقود في بيان أمر الله عَزَّ وَجَلَّ نبيه وخلفائه وولاة دينه بقتال المكلفين من الناس ويجاهدونهم حتى يقروا بوحدانية الله تعالى ويقروا برسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ويلتزموا أحكام دينه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات وبيان أن من فعل ذلك المذكور وأتى به قوليًّا كان أو فعليًّا فقد عصم وحقن دمه من الإراقة، وماله من الأخذ والسلب إلا بحقهما؛ أي إلا بالحقوق المتعلقة بهما شرعًا كإراقة دمه للقصاص والحدود وأخذ ماله للزكاة والغرامة. وترجم له النواوي بقوله (باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمَّد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقهما ووُكِلت سريرته إلى الله تعالى، وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإِسلام واهتمام الإمام بشعائر الإِسلام). وهكذا الترجمة في أكثر نسخ المتن، وترجم له الأبي بقوله (باب أحاديث أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وترجم له السنوسي بقوله (باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمَّد رسول الله) وترجم له القرطبي بقوله (باب يُقاتَلُ الناس إلى أن يوحدوا الله ويلتزموا شرائع دينه) وسبب اختلاف التراجم في صحيح مسلم عدم وضع المؤلف لها خوفًا من إطالة الكتاب فترك للناس مجالًا فترجم كل بما ظهر له من معاني الحديث منطوقًا أو مفهومًا كما مر بياننا لذلك في أوائل الكتاب وبالسندين المتصلين إلى المؤلف رحمه الله تعالى قال المؤلف: (32) - س (20) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بفتح الجيم بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني (بغلان بلخ) ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (240)

حَدَّثَنَا لَيثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مائتين وأربعين عن تسعين (90) وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا ليث بن سعد) بن عبد الرحمن بن الحارث الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري الإمام عالم مصر وفقيهها ورئيسها روى عن عقيل بن خالد ومحمد بن عجلان ونافع والزهري وسعيد المقبري وعطاء وقتادة وخلائق، ويروي عنه (ع) وقتيبة بن سعيد ومحمد بن رُمح وشعيب بن الليث ويحيى بن يحيى وشبابة بن سوار وابن وهب وعدَّة، قال ابن بكير: هو أفقه من مالك، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من السابعة مات في النصف من شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وكان مولده يوم الخميس في شعبان سنة (94) أربع وتسعين، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في ستة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الزكاة في خمسة مواضع والبيوع في خمسة مواضع والجهاد في أربعة مواضع والرؤيا وحق الجار والفضائل والفتن والصوم والحج والنكاح والحدود والأشربة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة عشر بابا تقريبًا. (عن عُقيل) بضم العين مصغرًا بن خالد بن عقيل بفتح أوله مكبرًا القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان الأيلي بفتح الهمزة بعدها ياء ساكنة ثمَّ لام المصري سكن المدينة ثمَّ الشام ثمَّ مصر، روى عن الزهري وسلمة بن كهيل وسالم وخلق، ويروي عنه (ع) وليث بن سعد والمفضل بن فضالة ويحيى بن أيوب وغيرهم، وثقه أحمد، قال أبو حاتم: هو أثبت من معمر، وقال في التقريب: ثقة ثبت من السادسة مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة على الصحيح، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع وفي غيرها (عن) محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي (الزهري) أبي بكر المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام رأى عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان من أحفظ أهل زمانه وأحسنهم سياقًا لمتون الأخبار، وكان فقيهًا فاضلًا رحمه الله تعالى، روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وأبي سلمة بن عبد الرحمن ونافع مولى أبي قتادة وسهل بن سعد وأنس ومحمود بن الربيع وخلق، ويروي عنه (ع) وعُقيل بن خالد ويونس بن يزيد وصالح بن كيسان وابن عيينة ومعمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة والأوزاعي والليث بن سعد وخلائق

قَال: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يحصون، قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث، وقال أيوب: ما رأيت أعلم من ابن شهاب، وقال في التقريب: ثقة حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة مات ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة (125) خمس وعشرين ومائة في ناحية الشام. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في ثمانية مواضع وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الحج في ثلاثة مواضع، والأشربة وفي الفضائل في ثلاثة مواضع وفي الجنائز في موضعين وفي الصوم وفي النكاح في سبعة مواضع وفي الطلاق واللعان والاستئذان والبيوع في موضعين والجهاد في موضعين والهبة والأطعمة واللباس وفي الطب في موضعين وفي لا هامة في موضعين ودلائل النبوة وفضل عثمان والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة وعشرون بابا تقريبًا. (قال) الزهري (أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي الأعمى أبو عبد الله المدني حليف بني زهرة الفقيه أحد الفقهاء السبعة، روى عن أبي هريرة وزيد بن خالد وعبد الله بن عباس وعائشة وأم قيس وعمر وابن مسعود مُرسلًا، ويروي عنه (ع) والزهري وصالح بن كيسان وموسى بن أبي عائشة وطلحة بن يحيى وعِراك بن مالك وعبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن وأبو الزناد وخلق، قال أبو زرعة: ثقة مأمون إمام، وقال العجلي: كان جامعًا للعلم وقال في التقريب: ثقة فقيه ثبت من الثالثة مات سنة (94) أربع وتسعين، روى عنه المؤلف في الإيمان والطب في ثلاثة مواضع والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والطلاق في موضعين والأطعمة والفتن وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه المدني الأزدي الدوسي من دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزمه له على شبع بطنه، وكانت يده مع يده يدور حيث ما دار إلى أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، عِداده في أهل المدينة، وكان ينزل ذا الحليفة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير الطيب وعن أبي بكر وعمر والفضل بن عباس وعائشة، ويروي عنه (ع) وابن عباس وابن عمر وأنس وواثلة

قَال: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ ابُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجابر وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن يعقوب مولى الحُرَقَة وأبو صالح وأبو حازم وأبو سلمة ومحمد بن سيرين والأعرج وهمام بن منبه وخلائق لا يحصون له خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا اتفقا على ثلاثمائة وخمسة وعشرين، وانفرد (خ) بتسعة وسبعين و (م) بثلاثة وتسعين، قال ابن سعد: كان يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، قال الواقدي: مات أبو هريرة سنة (59) تسع وخمسين عن ثمان وسبعين (78) وجملة ماروى عنه المؤلف أربعمائة حديث وثمانية عشر حديثًا (418) وهذا السند من سداسياته اثنان منهم مصريان وثلاثة مدنيون وواحد بغلاني. (قال) أبو هريرة (لما توفي) ومات (رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر) أي جعل خليفة عنه صلى الله عليه وسلم (بعده) أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (وكفر من كفر) أي ارتد من ارتد (من العرب) إلا أهل ثلاثة مساجد، مسجد المدينة ومسجد مكة ومسجد جُوَاثَا، قال ابن إسحاق: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد مسجد المدينة ومسجد مكة ومسجد جُواثا. قال الخطابي في شرحه لهذا الحديث: لا بد من تقديم ما يتم به معناه وذلك أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب حتى لم يُصلِّ لله إلا بمكة والمدينة ومسجد عبد القيس بقرية تُسمى جُواثا من أرض البحرين، وكان عُمَّاره من الأزد، وبقوا محصورين حتى قتل مسيلمة الكذاب وفُتحت اليمامة، وكان أهل الردة ثلاثة أصناف: صنف ارتد ولم يتمسك من الإسلام بشيء ثم من هؤلاء من عاد إلى جاهليته، ومنهم من ادعى نبوة غيره صلى الله عليه وسلم وصدقه كأتباع مسيلمة باليمامة والأسود العنسي بصنعاء، وصنف تمسك بالإسلام إلا أنه أنكر وجوب الزكاة وقال: إنما كانت واجبة في زمانه صلى الله عليه وسلم وتأول في ذلك قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103]، وصنف تمسك به واعترف بوجوبها إلا أنه امتنع من دفعها لأبي بكر وفرقها بنفسه قال: وإنما كانت تفرقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا المصنف من أطاع بدفعها لأبي بكر كبني يربوع جمعوا صدقاتهم وأرادوا دفعها لأبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة وفرقها بنفسه عليهم،

قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأبِي بَكْرٍ: كَيفَ تُقَاتِلُ الناسَ وَقَدْ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .. فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ"؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال الصنفين الأولين وعدم سبيهم، وإنما اختلفوا في سبي ذراريهم، فقوتلوا حتى قُتل الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب وتفرقت جموعهما اهـ. وأما الصنف الثالث أعني بهم الذين اعترفوا بوجوبها ولكن امتنعوا من دفعها إلى أبي بكر فهم الذين أشكل أمرهم على عمر فباحث أبا بكر في ذلك حتى ظهر له الحق الذي كان ظاهرًا لأبي بكر فوافقه على ذلك، فلذلك قال: (فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) وقوله (قال عمر) مُرتب على محذوف تقديره لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب وأراد أبو بكر قتالهم قال عمر (بن الخطاب لأبي بكر كيف تقاتل) وتجاهد يا أبا بكر هؤلاء (الناس) الذين تمسكوا بالإسلام واعترفوا بوجوب الزكاة ولكن امتنعوا من دفعها إليك متأولين بما ذكر في الآية السابقة (و) الحال أنه (قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرت) من جهة ربي (أن أقاتل الناس) وأجاهدهم (حتى يقولوا) ويقروا (لا إله إلا الله) مع قرينتها محمد رسول الله (فمن قال) وأقر منهم (لا إله إلا الله) وأني رسول الله (فقد عصم) وحقن وحفظ (مني ماله) من الأخذ والسلب (ونفسه) من القتل والأسر، وعَصَمَ بمعنى منع مأخوذ من العصمة، والعصمة: المنع والامتناع والعصام الخيط الذي يُشد به فم القربة، سُمي بذلك لمنعه الماء من السيلان، والضمير في قوله (إلا بحقه) عائد على الإسلام، أي إلا بحق الإسلام، أي إلا أن نأخذ ماله أو نقتل نفسه بالحق الذي أوجب عليه إسلامه، وقوله لا إله إلا الله، وفي بعض الرواية (إلا بحقها) أي إلا أن يترك حقًّا من حقوق كلمة لا إله إلا الله، أي إلا أن نأخذه أو نقتله بالحق الذي أوجبت عليه تلك الكلمة المشرفة، أي تمسكه وقوله بها من امتثال جميع شرائع الدين، والمعنى إلا أن يمنع حقًّا من حقوق الكلمة، ومن حقوقها أداء الزكاة، قال القرطبي: والحق المستثنى هو ما بينه في الحديث الآخر بقوله: "زِنىً بعد إحصان أو كفرٌ بعد إيمان أو قتل النفس التي حرم الله" رواه الدارمي في مسنده (2/ 171) (وحسابه) أي وحساب سرائره (على الله) سبحانه وتعالى لأنه تعالى هو المطلع عليها فمن أخلص في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إيمانه وأعماله جازاه الله عليها جزاء المخلصين ومن لم يُخلص في ذلك كان من المنافقين يُحكم له في الدنيا بأحكام المسلمين وهو عند الله تعالى من أسوء الكافرين. ويستفاد منه أن أحكام الإسلام إنما تُدار على الظواهر الجلية لا على الأسرار الخفية. (تنبيه) قال الأبي: هذا الحديث نصٌّ في أن رِدتهم كانت بعد موته صلى الله عليه وسلم وللزمخشري خلافه قال: ارتدت مُذحج في حياته صلى الله عليه وسلم ورئيسهم الأسود العنسي فاستولى على اليمن وأخرج عُمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ وسادات اليمن فأهلكه الله عزَّ وجلَّ على يد فيروز الديلمي فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فسر المسلمون ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد ثم جاء علمه بعد شهر، وقال في مسيلمة الكذاب ارتدت بنو حنيفة ورئيسهم مسيلمة فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يُورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، وتُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاربه أبو بكر وقُتل على يد وحشي قاتل حمزة، وكان وحشي يقول: قتلت خير الناس في الجاهلية وشرها في الإسلام، يريد في جاهليتي، قال أعني الزمخشري: وإنما الذي ارتد في عهد أبي بكر فزارة وغطفان وبنو سُليم وبنو يربوع وبعض تميم قوم سجاح التي تنبأت، وغسان قوم جبلة بن الأيهم، قال الخطابي: وبسبي ذراريهم قال أبو بكر، ومنهم استولد عليٌّ أم ولده محمد ابن الحنفية، وبعدم سبيهم قال عمر؛ ولما وُلِّي رد عليهم ذريتهم وحكم فيهم بحكم المرتدين، قال القاضي عياض: وبرأي أبي بكر قال الأصبغ المالكي، وبرأي عمر قال الأكثر. ثم اختلف الصحابة في قتال الصنفين الآخرين، فرآه أبو بكر للأول منهما بكُفْرِه والثاني لامتناعه من دفع الزكاة، وأباه عمر وعذرهم بالتأويل والجهل لقرب عهدهم بالإسلام، وسيأتي احتجاج كل منهما، ولم تكن الصحابة تُسمي هذين الصنفين كفارًا لأنهم لم يرتدوا حقيقة وإنما هم بغاة، وكان القياس أن يسموا بغاة لكن لما عاصروا

فَقَال أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ؛ لأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بَينَ الصَّلاةِ وَالزكَاةِ، فَإِن الزكَاةَ حَقُّ المَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف الأول ودخلوا في غماره وكان هو الأكثر انسحب عليهم اسم الردة ألا ترى أن مقاتلة علي رضي الله عنه لما انفردوا ولم يدخلوا في غمار المشركين كيف سموا بُغاة اهـ الأبي. واعلم أن ظاهر قول عمر لأبي بكر (كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) أن من نطق بكلمة التوحيد فقط حُكم له بحكم الإسلام، وهذا الظاهر متروك قطعًا إذ لا بد مع ذلك من النطق بالشهادة بالرسالة أو بما يدل عليها لكنه سكت عن كلمة الرسالة لدلالة كلمة التوحيد عليها لأنهما متلازمان فهي مرادة قطعًا ثم النطق بالشهادتين يدل على الدخول في الدين والتصديق بكل ما تضمنه وعلى هذا فالنطق بالكلمة الأولى يُفيد إرادة الثانية كما يقال قرأت (الحمد لله رب العالمين) والمراد جميع السورة، ويدل على صحة ما قلناه الروايات الأُخر التي فيها "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" وفي لفظ آخر "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به" غير أن أبا بكر وعمر لم يحضر لهما في وقت هذه المناظرة غير ذلك اللفظ الذي ذكره إذ لو حضر لهما قوله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" لارتفع البحث بينهما لأن هذا اللفظ نص في المطلوب، وأوضح في الدلالة مما استدل به أبو بكر من قوله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة انتهى من القرطبي. (فقال أبو بكر) مجيبًا لعمر (والله) الذي لا إله غيره (لأقاتلن من فرق بين الصلاة) بأدائها (و) بين (الزكاة) بامتناعه من دفعها (فإن الزكاة حق) وجب في (المال) كما أن الصلاة حق على البدن يُريد بذلك لورودهما في القرآن موردًا واحدًا. وفي القرطبي: يعني أبو بكر بهذا والله أعلم: أن الله تعالى قد سوَّى بين الصلاة والزكاة في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وفي غيرها فقد جمع الله تعالى بينهما في الأمر بهما، والصلاة المأمور بها واجبة قطعًا فالزكاة مثلها فمن فرق بينهما قوتل؛ ويمكن أن نشير بذلك إلى قوله تعالى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] ودليل خطابها أن من لم يفعل جميع ذلك لم يُخل

وَاللهِ؛ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ .. لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سبيله فيُقاتل إلى أن يُقتل أو يتوب، وبهذه الآية وبذلك الحديث استدل الشافعي ومالك ومن وافقهما على قتل تارك الصلاة وإن كان معتقدًا لوجوبها اهـ. قال النواوي: وفيه العمل بالقياس كما جاء في بعض الطرق: "أرأيت لو لم يصلوا" قال الخطابي: وهذا يدل على أن خطاب قتال الممتنع من الصلاة متفق عليه عندهم، ولذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه، قال الأبي: وبسْطُ احتجاجهما أن عمر رأى القتال منفيًّا بقول الكلمة فإذا قيلت وجب الكف ورأى أبو بكر: أن الاستثناء صيره موقوفًا عليها وعلى أداء الزكاة، والموقوف على أمرين ينعدم عند انعدام أحدهما، لأن المعنى عصموا إلا أن يمنعوا حقًّا من حقوق الكلمة ومن حقوقها أداء الزكاة ولعل عمر لم يخف عنه ذلك ولكن حمل الحق المستثنى على ما بينه في الحديث الآخر بقوله: "زِنىً بعد إحصان أو كفرٌ بعد إيمان أو قتل النفس التي حرم الله" اهـ. قال القاضي عياض: واقتصارهما على الاحتجاج على حديث الشهادتين يدل على أنهما لم يسمعا ما في حديث أبي هريرة من زيادة قوله: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة إذ لو سمعها عمر لم يحتج بالحديث لأنه حجة عليه، ولو سمعها أبو بكر لم يحتج بالعموم في قوله إلا بحقها ولا بالقياس لأنه نص في المطلوب، قال القرطبي: ولعلهما سمعا ونسيا، قال النواوي نقلًا عن الخطابي: أو يكون أبو هريرة هو الذي أسقط ذلك اتكالًا على فهم المخاطبين القضية وأنه لم يقصد إلا ذكر ما اتُّفِقَ عليه بين الشيخين، قال الأبي: العموم الذي في (بحقها) هو أن التقدير إلا أن يتركوا حقًّا أيَّ شيء كان اهـ. قال أبو بكر (والله) الذي بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم (لو منعوني عقالًا) وحبلًا يعقل به إبل الزكاة المدفوعة كانوا يؤدونه) ويدفعونه (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم) أي لقاتلت الناس (على منعه) أي على منع ذلك العقال أي على امتناعهم من دفعه إليَّ، وهذا غايةٌ في تقليل ما يمنعونه، قال النواوي هكذا في مسلم عقالًا وكذا في بعض روايات البخاري، وفي بعضها عناقًا بفتح العين وبالنون هي الأنثى من ولد المعز وكلاهما صحيح، وهو محمول على أنه كرر الكلام مرتين فقال في مرة

فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَوَاللهِ؛ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيتُ الله عَز ـــــــــــــــــــــــــــــ عقالًا وفي الأخرى عناقًا فروي عنه اللفظان فأما رواية العناق فهي محمولة على ما إذا كانت الغنم صغارًا كلها بأن ماتت أمهاتها في بعض الحول فإذا حال حول الأمهات زكَّى السخال الصغار بحول الأمهات سواء بقي من الأمهات شيء أم لا، هذا هو الصحيح المشهور، وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابنا: لا يُزكي الأولاد بحول الأمهات إلا أن يبقى من الأمهات نصاب، وقال بعض أصحابنا: إلا أن يبقى من الأمهات شيء، ويتصور ذلك فيما إذا مات معظم الكبار وحدثت صِغار وحال حول الكبار على بقيتها وعلى الصغار والله أعلم. وأما رواية عقالًا فقد اختلف العلماء فيها على خمسة أقوال أحدها: أنها الفريضة من الإبل رواه ابن وهب عن مالك، وثانيها: أنها صدقة عامٍ قاله الكسائي، وثالثها: أنها كل شيء يؤخذ في الزكاة من أنعام وثمار وحبوب لأنه يُعقل عن مالكه قاله أبو سعيد الضرير، ورابعها: ما يأخذه المصدق من الزكاة من عين المال المُزكى فإن أخذ عِوضها قيل أخذ نقدًا، وخامسها: أنها اسم لما يعقل به البعير ويربط به قوائمه لئلا يشرد قاله أبو عبيد، وقال: قد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة على الصدقة فكان يأخذ مع كل قرينين عقالًا (أي حبلًا يربطهما به) ورِواءً (الحبل الذي تُربط به المزادتان والمزادة الراوية التي ينقل بها الماء) والأشبه بمساق قول أبي بكر أن يراد بالعقال ما يعقل به البعير ويُربط به ظلفه لئلا يشرد وفي هامش متن مسلم وهو ما شد به ظلف البعير بذراعه حال بروكه حتى لا يقوم فيشرد انتهى، لأنه خرج مخرج التقليل والله أعلم. وهو الصحيح الذي لا ينبغي العدول عنه، وعلى هذا اختلفوا في المراد بمنعوني عقالًا فقيل قدر قيمته وهو ظاهر متصور في زكاة الذهب والفضة والمعشرات والمعادن والركاز وزكاة الفطر وفي المواشي أيضًا في بعض أحوالها كما إذا وجب عليه سن فلم يوجد عنده ونزل إلى سن دونها واختار أن يرد عشرين درهما فمنع من العشرين قيمة عقال، وكما إذا كانت غنمه سِخالًا وفيها سخلة فمنعها وهي تساوي عقالًا ونظائر ما ذكرته كثيرة معروفة في كتب الفقه، وقيل معناه منعوني زكاة لعقال إذا كان من عروض التجارة، وهذا تأويل صحيح أيضًا اهـ نووي. (فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو) أي ما الشأن والحال (إلا أن رأيت الله عز

وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنهُ الْحَقّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجل قد شرح) وبسط (صدر أبي بكر) وقلبه (للقتال) أي لقتال مانعي الزكاة (فعرفت أنه) أي أن قتالهم هو الأمر (الحق) والرأي الصواب، ومعنى رأيت علمت وأيقنت، ومعنى شرح فتح ووسَّع وليَّن ومعناه علمت بأنه جازمٌ بالقتال لما ألقى الله عزَّ وجلَّ في قلبه من الطمأنينة لذلك واستصوابه ذلك، ومعنى قوله: عرفت أنه الحق أي بما أظهر من الدليل وأقامه من الحجة فعرفت بذلك أن ما ذهب إليه هو الحق لا أن عمر قلد أبا بكر رضي الله عنهما، فإن المجتهد لا يُقلد المجتهد، وقد زعمت الرافضة أن عمر رضي الله عنه إنما وافق أبا بكر تقليدًا، وبنوه على مذهبهم الفاسد في وجوب عصمة الأئمة، وهذه جهالة ظاهرة منهم والله أعلم. اهـ نواوي قال الأبي: وإنما لم يمكن أنه قلده لأنه لا يحل لمجتهد أن يقلد غيره، لأنه ظنَّ نفسه أقوى لا سيما وقد قال: علمتُ، والمقلِّد غير عالم وإنما اشترط الروافض عصمة الإمام لأن الموجب عندهم لنصبه صون الأمة عن الخطأ، فإن لم يكن معصومًا لم يؤمن عليه الخطأ؛ فيفتقر إلى إمام وتسلسل، وعندهم أن الإجماع إنما كان حجة لاشتماله على قوله: فإذا أجمعت الأمة دل إجماعهم على حصول قوله معهم وإن لم يظهر، وقوله: حجة فيكون الإجماع حجة، وعندهم أن نصب الإمام واجب على الله؛ لأن نصبه لطف؛ ويجب على الله تعالى فعل اللطف، وكان لطفًا لأنه يوضح الدلائل ويدفع الشبهات ويحث على فعل الواجبات ويزجر عن المحرمات، وكل هذا مبني على قاعدة التحسين ووجوب الأصلح ولا يصحان عندنا، قال ابن التلمساني: وأقرب ما يرد به عليهم: أن المصلحة لا تظهر إلا بعصمة نوابه أيضًا وهم لا يشترطونها. اهـ ويعني بالحق الذي علم: قتال مانعي الزكاة لا ردَّ سبي ذراري المرتدين لأنه لم يوافقه على سبيهم إلا في الظاهر لما يجب عليه من طاعة الإمام ولذا لما وُلِّى ردهم، ولو وافقه في الباطن لم يردهم لأن بموافقته انعقد الإجماع إذ لا مخالف غيره، وإذا انعقد الإجماع لم تجز مخالفته وهذا هو الحكم في أصول الفقه أن المجتهد إذا رأى غير ما أفتى به الإمام العدل المجتهد؛ وسكت اتباعًا له لما يلزمه من طاعته ثم فقد ذلك الإمام تعين على ذلك المجتهد أن يرجع إلى رأي نفسه لكن بعد تجديد النظر لاحتمال أن يتغير اجتهاده.

33 - (00) وَحَدَّثَنا أَبُو الطاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحديث فوائد من الفقه منها: أنه حُجة لقتال أهل البغي والتأويل، ومنها الرجوع عن الرأي لظهور الحق، ومنها عدم تخطئة أحد المتناظرين الآخر لأن عمر لم يُخَطِّئ أبا بكرٍ وإنما احتج عليه، ومنها أن فعل الإمام إذا اشتهر ولم يُعْلَم له مخالف إجماعٌ بشرط كون الحاضرين لا يداهنون في حق خلافًا لأكثر الأصوليين، ومنها أن الإجماع لا ينعقد مع مخالفة الواحد؛ خلافًا لبعضهم، ومنها أن اتفاق أهل العصر عقب اختلافهم إجماع اهـ الأبي، ومنها أن الزكاة لا تسقط عن المرتد برِدَّته؛ بل يُؤخذ منه ما وجب عليه منها؛ فإن تاب وإلا قتل وكان ماله فيئًا اهـ قرطبي، ومنها أنه أدل دليل على شجاعة أبي بكر رضي الله عنه وتَقَدُّمه في الشجاعة والعلم على غيره، وشدة حماسته للدين فإنه ثبت للقتال في هذا الموطن العظيم الذي هو أكبر نعمةِ أنعم الله تعالى بها على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها أنه استنبط رضي الله عنه من العلم بدقيق نظره ورصانة فكره ما لم يشاركه في الابتداء به غيره فلأجل هذا ولغيره مما أكرمه الله تعالى به أجمع أهل الحق على أنه أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها جواز مُراجعة الأئمة والأكابر ومناظرتهم لإظهار الحق، ومنها أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد جميع ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها وجوب الجهاد، ومنها عصمة مالِ من أتى بهما ونفسه ولو كان عند السيف، ومنها جريان الأحكام الشرعية على الظاهر وتفويض ما في السرائر إلى الله تعالى، ومنها جواز القياس والعمل به، ومنها وجوب قتال مانعي الزكاة أو الصلاة أو غيرهما من واجبات الإسلام قليلًا كان أو كثيرًا لقوله: (لو منعوني عقالًا أو عناقًا ... ) ومنها جواز التمسك بالعموم لقوله: (فإن الزكاة حق المال) ومنها وجوب الزكاة في السخال تبعًا للأمهات، ومنها اجتهاد الأئمة في النوازل وردِّها إلى الأصول ومناظرة أهل العلم ورجوع من ظهر له الحق إلى قول صاحبه، إلى غير ذلك من الفوائد الفقهية اهـ نووي بتصرف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (33) - متا (00) (وحدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح المصري القرشي الأموي مولى بني أُمية ثقة أو صدوق من العاشرة مات سنة (255) خمس وخمسين

وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأنه روى عن عبد الله بن وهب في الإيمان وغيره. (و) حدثنا أيضًا (حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري صاحب الشافعي وتلميذه، روى عن ابن وهب في مواضع، صدوق من الحادية عشرة مات سنة ثلاث أو أربع وأربعين ومائتين (244) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتُستَري بضم التاء وسكون السين وفتح التاء الأخيرة نسبة إلى تستر بلدة بالأهواز لكونه يتجر فيها، روى عن عبد الله بن وهب في الإيمان وغيره، والمفضل بن فضالة، وأزهر السمان وضِمام بن إسماعيل وعدة، ويروي عنه (خ م س ق) والفريابي والبغوي، وقال في التقريب: صدوق تُكلِّم في بعض سماعاته، من العاشرة مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين. وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن كلًّا من الرجال الثلاثة صدوق يُقوي بعضهم بعضًا، ولكن (قال أحمد) بن عيسى (حدثنا) ابن وهب (وقال الآخران) أبو الطاهر وحرملة (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، وإنما فرَّق بين صيغ مشايخه تورعًا من الكذب على بعضهم، لأن بين حدثنا وأخبرنا فرقًا في اصطلاح مسلم؛ ولوجمعهم فقال: قالوا حدثنا ابن وهب لكان كاذبًا على أبي طاهر وحرملة، ولو قال: قالوا أخبرنا لكان كاذبًا على أحمد بن عيسى، وهذا من ألطف لطائف السند فافهمه، روى عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد وعمرو بن الحارث وسليمان بن بلال ومالك وحيوة بن شريح ومخرمة بن بكير وليث بن سعد وجرير بن حازم وخلائق، ويروي عنه (ع) وأبو الطاهر وحرملة وأحمد بن عيسى وهارون بن سعيد الأيلي ومحمد بن سلمة المرادي وهارون بن معروف وعِدَّة، قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن صالح حدَّث بمائة ألف حديث، وقال أحمد بن حنبل: ما أصحَّ حديثه، وقال في التقريب: ثقة حافظ عابد من التاسعة مات سنة (197) سبعٍ وتسعين ومائة وله اثنان وسبعون (72) سنة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في خمس مواضع والزكاة والحج والبيوع في أربعة مواضع وفي الطب والحدود في ثلاثة مواضع والعتق والأحكام في موضعين والجهاد في ثلاثة مواضع والفتن والصيد فجملة

قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَال: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان ويقال ابن أبي النجاد الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام أبو يزيد القرشي الأموي مولى معاوية بن أبي سفيان، روى عن الزهري ونافع وهشام بن عروة وعكرمة والقاسم وعدة، ويروي عنه (ع) وابن وهب وحسان بن إبراهيم وابن المبارك والليث بن سعد وجرير بن حازم وسليمان بن بلال والأوزاعي وجماعة وثقه النسائي وغيره، وقال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء وفي الصلاة في موضعين وفي الصوم وفي الحج والبيوع والوصايا فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبو بكر المدني أحد الأئمة الأعلام، من رؤوس الطبقة الرابعة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابا تقريبًا. (قال) ابن شهاب (حدثني سعيد بن المسيب) بن حَزْن بوزن سهل وبضد معناه بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أبو محمد المدني، كان ختن أبي هريرة على ابنته وأعلم الناس بحديثه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب، روى عن عمر وعن أبي هريرة وأبيه المسيب بن حزن وعبد الله بن عمر وأبيّ وأبي ذر وأبي بكرة وغيرهم، ويروي عنه (ع) والزهري وداود بن أبي هند وعمرو بن مُرة وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري وخلائق، وكان من أجلة فقهاء التابعين ونُسَّاكهم وخيارهم؛ وأعلم من بقي منهم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال في التقريب؛ كان من كبار الثانية مات سنة (94) ثلاث أو أربع وتسعين، وقيل سنة خمس، وقال عمرو بن علي: مات سنة (94) أربع وتسعين وقد ناهز الثمانين. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في ثلاثة مواضع والصلاة في ثلاثة مواضع والجنائز والزكاة والصوم والحج في ثلاثة مواضع والنكاح والبيوع في موضعين والأشربة والإفك والفضائل في خمسة مواضع والهبة والضحايا واللباس وفي الحيوان وخُلُق النبي

أن أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُ: أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَال: لَا إِلَهَ إِلا اللهُ .. عَصَمَ مِني مَالهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ". 34 - (00) حَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم والجهاد فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة عشر بابا تقريبًا (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (أخبره) أي أخبر سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُمرت) أي أمرني ربي (أن أقاتل الناس) وأجاهدهم لإعلاء كلمة التوحيد (حتى يقولوا) ويُقروا بألسنتهم أن (لا إله إلا الله) وأني رسول الله ويعتقدوا معناها اعتقادًا جازمًا (فمن قال لا إله إلا الله) وأني رسول الله واعتقدها وعمل بمقتضاها فقد (عصم) وحقن وحفظ ومنع (مني ماله) من أن يؤخذ (ونفسه) من أن تقتل (إلا بحقه) أي إلا بحق الإسلام من غرامة المتلفات والقصاص والحدود (وحسابه) أي مناقشته وجزاؤه على ما في سرائره (على الله) سبحانه وتعالى خيرًا كان أو شرًّا إنما عليَّ البلاغ وعلى الله الحساب، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن المسيب لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وإنما كرر متن الحديث ولم يكتف بالرواية الأولى لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالاختصار، وفي هذه الرواية روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وفي الأولى روى عنه بواسطة عمر رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته؛ ورجاله اثنان منهم مصريان وواحد أيلي وثلاثة مدنيون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (34) - متا (00) (حدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) نسبة إلى ضَبَّة بفتح الضاد وتشديد الباء المفتوحة بن أَدّ بن طابخة أبو عبد الله البصري بكسر الباء وفتحها نسبة إلى بَصرة بلدة بالعراق، وأما البُصري بضم الباء فنسبة إلى بُصرى بضم الباء مقصورًا بلدة بحوران بالشام روى عن عبد العزيز الدراوردي وحماد بن زيد وسُليم بن أخضر ويحيى القطان وسُفيان بن عيينة ويزيد بن زُريع وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن محمد البغوي وابن خزيمة وخلق، وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: من العاشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، روى المؤلف عنه في الإيمان في

أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنِ الْعَلاءِ، ح وَحَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بن بِسْطَامَ وَاللَّفْظُ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعين وفي الصلاة وفي الزكاة في موضعين وفي الحج والطلاق وفضائل الصحابة في موضعين وفي الجنائز فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب، قال أحمد بن عبدة (أخبرنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي أبو محمد المدني الجُهني مولاهم؛ روى عن العلاء بن عبد الرحمن ويزيد بن الهاد والحارث بن فضيل وصفوان بن سليم وزيد بن أسلم ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد بن عبدة وابن أبي عمر وبشر بن الحكم وسعيد بن أبي مريم وقتيبة وعلي بن خَشرم وخلائق، قال النسائي ليس بالقوي، وقال ابن معين: ثقة حجة، وقال في التقريب: صدوق من الثامنة؛ كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، قرنه (خ) بآخر وكذا مسلم هنا، وأتى بالعناية في قوله (يعني الدراورديَّ) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي، نسبة إلى دراورد قيل: قرية بخراسان، وقيل: موضع بفارس، كان جده منها، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز في موضعين وفي الحج والنكاح والبيوع والنذور والفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي مولى حُرَقَة، وحرقة بطن من جُهينة أبي شبل المدني أحد الأعلام، روى عن أبيه عبد الرحمن ومعبد بن كعب وأنس بن مالك وعباس بن سهل بن سعد وعِدة، ويروي عنه (م عم) والدراوردي وإسماعيل بن جعفر ومالك بن أنس وشعبة ومحمد بن جعفر وسفيان بن عيينة وابن جريج وخلق، وثقه أحمد، وقال ابن معين: ليس بذاك، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم؛ من الخامسة مات سنة بضع وثلاثين ومائة (133) في خلافة المنصور، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والبيوع في أربعة أبواب تقريبًا كذا قال الأصبهاني. (ح وحدثنا أُمية بن بسطام) أي حوَّل المؤلف السند وقال حدثنا أمية بن بسطام بن المنتشر العيشي أبو بكر البصري، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في الإيمان والوضوء وغيرهما، وأتى بجملة قوله (واللفظ له) أي ولفظ الحديث الآتي

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ (¬1) حَتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ويؤْمِنُوا بِي ـــــــــــــــــــــــــــــ لأمية بن بسطام تورعًا من الكذب على أحمد بن عبدة لأنه إنما روى معنى الحديث لا لفظه، قال أمية (حدثنا يزيد بن زُريع) مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة؛ وهو ابن إحدى وثمانين سنة (81) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا، قال يزيد بن زريع (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث البصري الحافظ ثقة حافظ من السادسة مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابا. وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شيخيه لأن أحمد بن عبدة قال: أخبرنا عبد العزيز وأمية بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن زُريع، وبيان كثرة طرقه مع ما في السند الثاني من النزول. (عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة بضم الحاء وفتح الراء بعدها قاف بطن من جهينة المدني، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره ويروي عنه (م عم) وابنه العلاء ومحمد بن إبراهيم النخعي، قال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، والسند الأول من خماسياته ورجاله كلهم مدنيون إلا أحمد بن عبدة فإنه بصري، والسند الثاني من سداسياته ورجاله ثلاثتهم بصريون وثلاثة منهم مدنيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، ولما فيها من الزيادة على الرواية الأولى فلا اعتراض على المؤلف في تكرار الحديث متنًا وسندًا لأنه لغرض (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه (قال أُمرت) أي أمرني ربي (أن أقاتل الناس) وأجاهدهم كافة (حتى يشهدوا) ويقروا بألسنتهم ويذعنوا بقلوبهم (أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي) أي ويصدقوا برسالتي إلى الخلق كافةً (و) يقبلوا ¬

_ (¬1) في نسخة ذهني: (أقاتل الناس) بحذف (أمرت).

وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ .. عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُم إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ". 35 - (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بما جئتـ) ـهم (به) من التكاليف الشرعية بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (فإذا فعلوا ذلك) المذكور وأذعنوا به من الإقرار بالشهادتين وقبول ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى فقد (عصموا) وحقنوا (مني دماءهم) من الإراقة (وأموالهم) من الغنم والسلب (إلا بحقها) أي إلا بحق كلمة الشهادة وموجبها من القصاص والزكاة وغيرهما (وحسابهم) على ما في سرائرهم ومجازاتهم عليه (على الله) سبحانه وتعالى لا عليَّ، فإنما عليَّ البلاغ المبين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 35 - متا (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الحافظ الكوفي ثقة ثبت حافظ من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا. قال أبو بكر (حدثنا حفص بن غياث) بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي قاضي الكوفة، روى عن الأعمش وداود بن أبي هند وعاصم الأحول وهشام بن حسان وهشام بن عروة وخالد الحذاء وابن جريج وخلق، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وابنه عمر بن حفص ومحمد بن نمير وعمرو الناقد وأبو كريب وزهير بن حرب وخلائق، قال في التقريب: ثقة فقيه تغير حفظه قليلًا في الآخر بعد ما استقضِي، من الثامنة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة؛ وقد قارب الثمانين روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والحج في موضعين والزكاة والنكاح والبيوع والنذور والأطعمة وفي المعروف وفي من مات له ثلاثة وفي صفة النار وفي الزهد وفي العاطس فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابا تقريبًا. (عن) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي المعروف

الأعمَشِ، عَن أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناسَ ... " بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ (¬1) ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ (ـالأعمش) قال العجلي: ثقة ثبت وعَدَّه في المدلسين، وقال في التقريب: ثقة حافظ لكنه يدلس من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة عن (84) أربع وثمانين سنة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا تقريبًا. (عن) طلحة بن نافع القرشي المكي المعروف بـ (ـأبي سفيان) صدوق من الرابعة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء وفي الصلاة في موضعين وغيرها وتقدم البسط في ترجمته (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي بفتحتين أبي عبد الرحمن المدني الصحابي بن الصحابي مات في المدينة بعد السبعين (70) وقال الفلاس مات سنة (78) ثمان وسبعين عن (94) أربع وتسعين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد مدني. وقوله (وعن أبي صالح) المدني ذكوان السمان الزيات مولى جُويرية بنت الحارث امرأة من قيس، وقيل: مولى عبد الله بن غطفان، معطوف على قوله عن أبي سفيان ثقة من الثالثة مات ليالي الحرة سنة ثلاث وستين (63) مقتولًا، وذكر العجلي أنه تابعي مدني موثوق به. وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر المدني فالأعمش له سندان سندٌ عن أبي سفيان عن جابر، وسند عن أبي صالح عن أبي هريرة. (قالا) أي قال جابر بن عبد الله وأبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرت أن أقاتل الناس) وساق أبو صالح عن أبي هريرة (بمثل حديث) سعيد (بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه فغرض المؤلف بسوق هذا السند بالنسبة إلى حديث أبي هريرة بيان متابعة أبي صالح لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وبالنسبة إلى حديث جابر الاستشهاد لحديث أبي هريرة. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية حديث أبي هريرة هذا أصحاب الأمهات ¬

_ (¬1) وقع هنا في نسخة ذهني: (خ).

36 - (21) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ- قَالا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخمس وأحمد بن حنبل، رواه أحمد (2/ 377 و 423 و 475 و 502 و 527 و 528) والبخاري (2946) وأبو داود (1556) و (2640) والترمذي (2610) والنسائي (5/ 14) وابن ماجه (3927). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر فقال: (36) - ش (21) (وحدثني أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي من العاشرة، مات سنة (235) وفي بعض النسخ هنا زيادة حاء التحويل فالأولى إسقاطها لأن المحل ليس محل تحويل فهي تحريف من النساخ، وفي هامش متن مسلم علامة التحويل هنا ساقطة في بعض النسخ، قال أبو بكر (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات في آخر سنة (196) ست وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية عشر بابا تقريبًا (ح وحدثني محمد بن المثنى) أي حول المؤلف السند وقال: حدثني محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس أبو موسى العنزي البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) ثنتين وخمسين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا تقريبًا، قال ابن المثنى (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري، روى عن هَمَّام بن يحيى ومهدي بن ميمون وهشام بن أبي عبد الله وسفيان الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وخلق، ويروي عنه (ع) وابن المثنى ومحمد بن حاتم وعبيد الله القواريري وأبو بكر بن نافع العبدي ويحيى بن يحيى وزهير بن حرب وخلائق، وقال في التقريب: ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، من التاسعة مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن (63) ثلاث وستين سنة، وكان يحج كل سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة وفي الوضوء في ثلاثة مواضع والصوم والحج والدلاثل والبيوع في موضعين والوصايا والجهاد في ثلاثة مواضع واللباس والشعر والفضائل والصيد وغيرها، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن مهدي) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه محمد بن المثنى بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، وفائدة هذا التحويل بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال وكيع

جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الرحمن وقوله (جميعًا) حال من فاعل قالا أتى به تأكيدًا له، أي حالة كونهما مجتمعين في التحديث عن سفيان (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهب أبو عبد الله الكوفي الثوري ثور بن عبد مناة بن أدبن طابخة، ويقال: ثور تميم، كان من سادات أهل زمانه فقهًا وورعًا وحفظًا وإتقانًا، روى عن أبي الزبير وقيس بن مسلم والأعمش وسعد بن إبراهيم وسالم بن أبي النضر ومنصور وعلقمة وأيوب بن موسى وسماك بن حرب وخلائق، ويروي عنه (ع) وابن مهدي ووكيع ومعاوية بن هشام ويحيى بن سعيد وعبد الرزاق وأبو أسامة وعبدة بن سليمان وعِدة، قال العجلي: كان لا يسمع شيئًا إلا حفظه، وقال الخطيب: كان الثوري إمامًا من أئمة المسلمين وعلمًا من أعلام الدين، وقال في التقريب: ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، وله أربع وستون سنة (64)، وكان موته بالبصرة في دار عبد الرحمن بن مهدي. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في ثلاثة مواضع والصلاة في تسعة مواضع وفي النكاح في ثلاثة مواضع وفي الحدود في خمسة مواضع وفي الجنائز في موضعين وفي الحج في أحد عشر موضعًا وفي الزكاة في موضعين وفي الصوم في ثلاثة مواضع وفي البيوع في أربعة مواضع والطلاق في خمسة مواضع وفي الوصايا وفي الجهاد في موضعين وفي الضحايا وفي الأشربة والأطعمة في موضعين وفي الطب في موضعين وفي ذكر الأنبياء وفي القدر في موضعين وفي الفتن والزهد في ثلاثة مواضع وفي العتق وفي الأدب وفي ملك اليمين، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة وعشرون بابا تقريبًا والمواضع قريب إلى مائة موضع (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم ثقة يدلس صدوق؛ من الرابعة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا. وهذان السندان من خماسياته، الأول منهما رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد مدني، والثاني منهما اثنان منهم بصريان وواحد كوفي وواحد مكي وواحد مدني.

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ الناسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللهُ .. عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ"، ثُمَّ قَرَأَ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيهِمْ بِمُصَيطِرٍ (22)} [الغاشية: 21 - 22]. 37 - (22) حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِي مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرت) أي أمرني ربي (أن أقاتل الناس) وأجاهدهم (حتى يقولوا) ويشهدوا أن (لا اله إلا الله) وأني رسول الله (فإذا قالوا لا إله إلا الله) مع عديلتها (عصموا) وحقنوا (مني دماءهم وأموالهم) من الإراقة والأخذ (إلا بحقها) أي إلا بحق كلمة لا إله إلا الله، وموجب شريعة الإسلام (وحسابهم) أي مناقشتهم ومجازاتهم على ما في سرائرهم (على الله) سبحانه وتعالى وإنما على البلاغ لا المحاسبة (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم استدلالًا على ما قاله (إنما أنت) يا محمد (مذكر) أي مخوف لهم من عذاب الله تعالى ومُرغب لهم في ثوابه من التذكير وهو كل ما اشتمل على الترغيب والترهيب (لست) يا محمد (عليهم بمسيطر) أي بمسلط عليهم فتجبرهم على الإيمان والإسلام؛ فإنما الهداية بيدي وعليك البلاغ، وعبارة النواوي هنا: معناه إنما أنت واعظ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم أُمر إذ ذاك إلا بالتذكير ثم أُمر بعد بالقتال، والمسيطر المسلط وقيل: الجبار وقيل الرب، وغرض المؤلف بسوق حديث جابر الاستشهاد لحديث أبي هريرة وإنما استدل على الترجمة بحديث أبي هريرة واستشهد بحديث جابر ولم يعكس لأن حديث أبي هريرة أصح من حديث جابر وحديث ابن عمر الآتي لأن حديث جابر شارك المؤلف في روايته الترمذي فقال: هذا حديث حسن صحيح. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر فقال: (37) - ش (22) (حدثنا أبو غسان) بالصرف وعدمه وهو أولى (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية وإسكان المهملة بينهما، منسوب إلى مسمع بن ربيعة أحد أجداده (مالك بن عبد الواحد) البصري، روى عن عبد الملك بن الصباح وأبي عاصم وعبد العزيز بن عبد الصمد ومعاذ بن هشام وبشر بن المفضل وغيرهم، ويروي عنه (م د

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يَشْهَدُوا: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَن مُحَمَّدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وموسى بن هارون، وثقه ابن حبان وقال: يُغْرِبُ، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (230) ثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي التثاؤب والنكاح والطلاق واللعان وفي حق الجار وصفة الجنة وفي الفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب، قال المسمعي (حدثنا عبد الملك بن الصباح) المسمعي أبو محمد البصري روى عن شعبة وهشام الدستوائي وعبد الحميد بن جعفر وابن عون وثور، ويروي عنه (خ م س ق) وأبو غسان المسمعي ومحمد بن بشار وإسحاق الحنظلي، وقال في التقريب صدوق من التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة له في (خ) فرد حديث (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبي بسطام البصري ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابا تقريبًا (عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر) العدوي المدني روى عن أبيه وسعيد بن مرجانة ونافع وابن أبي مُليكة وصفوان بن سُليم وابن المنكدر، ويروي عنه (خ م د س) وابنه عثمان وأخوه عاصم بن محمد بن زيد وشعبة، وثقه أحمد وأبو داود وابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي العتق وفي الأطعمة في ثلاثة أبواب فقط (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر القرشي العُمري المدني، روى عن جده عبد الله بن عمر وابن الزبير وابن عباس وسعيد بن زيد بن عمرو ويروي عنه (ع) وبنوه الخمسة عاصم وواقد وعمر وأبو بكر وزيد والأعمش وغيرهم، قال أبو زرعة: ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب في الإيمان والجهاد والطب وحق الجار والبيوع (عن) أبي عبد الرحمن (عبد الله بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي المدني الصحابي الجليل تقدم البسط في ترجمته وهذا السند من سداسياته ثلاثة منهم بصريون وثلاثة مدنيون (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرت أن أقاتل الناس) أي أمرني ربي بقتالهم (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) ففي رواية ابن عمر التصريح بالشهادتين فيدل على أنه لا بد من النطق

رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا .. عَصَمُوا مِني دِمَاءَهُم وَأَمْوَالهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ". 38 - (23) وَحَدَّثَنَا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشهادتين، والسكوت عن شهادة الرسالة في حديث أبي هريرة لدلالة كلمة التوحيد عليها لأنهما متلازمتان فهي مُرادة قطعًا؛ كما يدل عليه حديث ابن عمر كما مر (ويقيموا الصلاة) المكتوبة بشرائطها وأركانها (ويؤتوا الزكاة) المفروضة في مصارفها المبينة في الكتاب (فإذا فعلوا) ذلك المذكور من النطق بالشهادتين وأداء الصلاة وإيتاء الزكاة فقد (عصموا) وحفظوا وحصنوا (مني دماءهم) من الإراقة (وأموالهم) من الأخذ (إلا بحقها) أي: إلا بحق ملة الإسلام وموجب الشريعة (وحسابهم) على ما في سرائرهم (على الله) سبحانه وتعالى وغرضه بسوق هذا الحديث الاستشهاد لحديث أبي هريرة، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (25) فقط. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة ثالثًا بحديث طارق بن أشيم فقال: (38) - ش (23) (وحدثنا سُويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الأنباري -نسبة إلى الأنبار بلدة على الفرات- ثم الحدثاني بفتحتات آخره نون -نسبة إلى الحديثة بلد آخر على الفرات- أبو محمد روى عن مروان بن معاوية وعلي بن مسهر وحفص بن ميسرة ومالك ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ومعتمر بن سليمان وغيرهم، ويروي عنه (م ق) والفريابي والبغوي، قال أحمد: أرجو أن يكون صدوقًا، وقال أبو حاتم: صدوق مدلس، وقال في التقريب: صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه وأفحش ابن معين فيه فكذبه، قال البخاري مات سنة (240) أربعين ومائة وله مائة سنة (100) من قدماء العاشرة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي النكاح في موضعين وفي الأيمان وفي الجامع والجهاد واللباس والفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعةٌ. وقوله (وابن أبي عمر) معطوف على سويد أي وحدثنا أيضًا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله الحافظ نزيل مكة، روى عن مروان بن معاوية وفُضيل بن عياض وأبي معاوية وخلق، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء وابنه عبد الله بن

قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ -يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيِّ- عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن أبي عمر صدوق ولكن قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر موضعًا، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن المتقارنين صدوقان (قالا) أي قال سويد ومحمد بن أبي عمر (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة الحافظ واسع الرواية جدًّا روى عن أبي مالك الأشجعي ويزيد بن كيسان وعاصم الأحول وإسماعيل بن أبي خالد وسليمان التيمي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وسويد بن سعيد وابن أبي عمر ومحمد بن عباد وعمرو الناقد وابن نمير وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ، من الثامنة مات فجاة قبل يوم التروية بيوم سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والحج والنكاح والبيوع في موضعين والأطعمة في موضعين والنذور والأدب والأحكام والجهاد والضحايا والأشربة والدعاء، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ثلاثة عشر، وأتى بالعناية في قوله (يعنيان الفزاري) أي يعني سويد بن سعيد ومحمد بن أبي عمر بمروان مروان الفزاري إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي وتورعًا من الكذب على شيخيه. تتمة: (الفزاري) بفتح الفاء فزاي خفيفة فألف فراء كما في المغني نسبة إلى فزارة بن ذبيان، وكان ضربه أخ له ففزره فسُمي فزارة اهـ ابن الملقن. (عن أبي مالك) سعد بن طارق بن أشيم بوزن أكرم الأشجعي الكوفي ثقة من الرابعة، مات في حدود (140) مائة وأربعين سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب (عن أبيه) طارق بن أشيم بن مسعود الكوفي الأشجعي -نسبة إلى قبيلة مشهورة تدعى أشجع بن ريث بن غطفان- صحابي له أربعة عشر حديثًا انفرد له (م) بحديثين وله عند الباقي أيضًا حديثان آخران، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان والدعاء، ويروي عنه (م ت س ق) وابنه أبو مالك، وقال مسلم: لم يرو عنه غير ابنه سعد بن طارق (قال) طارق بن أشيم (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال) بلسانه (لا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله موقنًا بها بقلبه (وكفر) أي جحد (بـ) ـجميع (ما) كان (يعبد من دون الله) سبحانه وتعالى حيوانًا كان أو جمادًا ميتًا

حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ". 39 - (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمَرُ، ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان أو حيًّا مَلَكًا كان أو جنيًّا أو إنسيًّا (حَرُم ماله ودمه) أي مُنع شرعًا أخذ ماله وإراقة دمه بذمة الإيمان والإسلام (وحسابه) على ما في سرائره (على الله) سبحانه وتعالى وإنما عليَّ البلاغ المبين وهذا السند من رباعياته ورجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد هروي أو عدني أو مكي، وغرضه بسوق هذا الحديث الاستشهاد لحديث أبي هريرة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث طارق بن أشيم بن مسعود رضي الله عنه فقال: (39) - متا (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا قال أبو بكر (حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان بتحتانية الأزدي الكوفي، قال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا (خ وحدثنيه زهير بن حرب) أي حول المؤلف السند وقال حدثني أيضًا هذا الحديث -حديث طارق بن أشيم- زهير بن حرب بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف سماعه من شيخيه، لأنه قال في أبي بكر حدثنا وفي زهير حدثني، قال زهير (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي أحد الأئمة الأعلام، روى عن أبي مالك الأشجعي وحماد بن سلمة وأبان بن يزيد وسليمان التيمي وداود بن أبي هند وحماد بن زيد وخلائق، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم وهارون بن عبد الله ويعقوب الدورقي، قال أحمد: كان حافظًا متقنًا، وقال العجلي: ثقة ثبت، وقال أبو حاتم إمام لا يُسأل عن مثله، وقال في التقريب: ثقة متقن عابد، من التاسعة مات سنة (206) ست ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والجنائز والزكاة والصوم والحج في ستة مواضع والزهد والفضائل في موضعين والبيوع في موضعين

كِلاهُمَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَن وَحَّدَ الله ... "، ثُم ذَكَرَا بِمِثْلِهِ (¬1) ـــــــــــــــــــــــــــــ والأدب في موضعين والحدود في موضعين والضحايا والأيمان واللباس والأشربة والأطعمة والفتن والبر، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة عشر بابا. (كلاهما) أي كلٌّ من أبي خالد ويزيد بن هارون (عن أبي مالك) سعد بن طارق الأشجعي الكوفي (عن أبيه) طارق بن أشيم الكوفي الأشجعي (أنه) أي أن طارق بن أشيم (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من وحدَّ الله) أي أقر بتوحيد الله وكفر بما يُعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله (ثم ذكرا) أي بعد قولهما (من وحد الله) ذكر أبو خالد الأحمر ويزيد بن هارون (بمثله) أي بمثل حديث مروان الفزاري، وفي أكثر النسخ إسقاط ألف ذكرا والأوضح إثباتها لأن المتابع اثنان، وغرض المؤلف بسوق هذين السندين بيان متابعة أبي خالد ويزيد بن هارون لمروان بن معاوية في رواية هذا الحديث عن أبي مالك الأشجعي، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابَع ثقتان فلا يحتاج المُتابَع إلى تأكيده، وبيان اختلافهما في لفظ (من وحد الله) وفي لفظ (من قال لا إله إلا الله). وهذان السندان من رباعياته فالسند الأول منهما رجاله كلهم كوفيون، والثاني رجاله نَسائي وواسطي وكوفيان، وهذا الحديث مما انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعةٌ الأول حديث أبي هريرة وذكر فيه ثلاث متابعات وغرضه بذكره الاستدلال على الترجمة واختاره للاستدلال لأنه أصح ما في الباب لأنه اتفق على روايته أحمد وأصحاب الأمهات الست، والثاني حديث جابر، وشارك المؤلف في روايته الترمذي، والثالث حديث عبد الله بن عمر وشارك المؤلف في روايته البخاري، والرابع حديث طارق بن أشيم وأخره لأنه مما انفرد به مسلم رحمه الله تعالى عن غيره، وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬

_ (¬1) وقع في نسخة ذهني: (ثم ذكر) بصيغة المفرد.

10 - باب صحة إيمان من كان آخر كلامه من الكفار: لا إله إلا الله، والنهي عن الاستغفار للمشركين، وكون الهداية بيد الله تعالى لا بيد أحد من مخلوقاته ولو نبيا مرسلا أو ملكا مقربا

10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 10 - بَابُ صِحَّةِ إيمَانِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الْكُفَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَالنَّهْي عَنِ الاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَكَوْنِ الْهِدَايَةِ بِيَدِ اللهِ تَعَالى لَا بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَو نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ مَلَكًا مُقَرَّبًا أي بابٌ في الاستدلال على صحة إيمان من كان آخر كلامه قبل الغرغرة لا إله إلا الله من الكفار، وبابٌ في النهي عن استغفار المؤمنين للمشركين ولو كانوا آباءهم أو أقاربهم بعد موتهم على الشرك، وبابُ كون هداية المرء بمشيئة الله تعالى وإرادته لا بيد غيره فلا ينفعه غيره ولو كان قريبًا له أو صديقًا، فليست الهداية بأيدي المرسلين ولا بمشيئة المقربين. وترجم النواوي لهذا الحديث بقوله: (بابُ الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين والدليل على أن من مات على الشرك فهو في أصحاب الجحيم ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل). أي باب ذكر الدليل على صحة إسلام وإيمان من حضره أمارات الموت ومقدماته ما لم يشرع في وقت النزع والقبض للروح وهو وقت الغرغرة، والغرغرة صوت ترديد النَفَسِ في الصدر، وصوت ترديد الماء في الحلق، يقال: غرغر المحتضر إذا جاد بنَفْسِهِ وباب الدليل على أن من مات على الشرك فهو في عداد أصحاب الجحيم والنار ولا ينقذه أي لا يخلصه من ذلك أي من دخول الجحيم وعذابها شيء من الوسائل والأسباب كاستغفار النبي والمؤمنين له والتصدق عنه في الدنيا وشفاعة الشافعين له في الآخرة. وترجم له السنوسي بهذه الترجمة، وفي نسخ المتون هكذا، وترجم له الأبي بقوله: (باب وفاة أبي طالب) وترجم له القرطبي بقوله: (باب في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}) وقد تقدم لك أن سبب اختلاف تراجم صحيح مسلم عدم كونها من وضع المؤلف بل ترك مجالًا للناس في التراجم؛ فترجم كل من الشراح بما ظهر له من الحديث منطوقًا ومفهومًا والله أعلم.

40 - (24) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ قَال: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (40) - س (24) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة بن عمران أبو حفص (التجيبي) المصري صاحب الشافعي وتلميذه، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث، ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وحفيده أحمد بن طاهر وابن قتيبة العسقلاني والحسن بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، وروى عنه المؤلف في مواضع في كتاب الإيمان والصلاة والزكاة والحج وغيرها، قال حرملة (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه؛ أحد الأئمة ثقة حافظ عابد؛ من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة وله (72) اثنان وسبعون سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) عبد الله بن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان القرشي مولاهم أبو يزيد الأيلي ثقة من كبار السابعة، مات بمصر سنة (159) تسع وخمسين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة حافظ متقن من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا، قال ابن شهاب (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حَزْن بفتح المهملة وسكون الزاي القرشي المخزومي أبو محمد المدني، أحد الأثبات الثقات، من كبار الثانية، مات بعد التسعين (90) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبيه) مسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي أبي سعيد المدني له ولأبيه صحبة، له سبعة أحاديث اتفقا على حديثين وانفرد (ح) بآخر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أُبى وأبي سفيان بن حرب، ويروي عنه (خ م د س) وابنه سعيد، وعده الأزدي وغيره فيمن لم يرو عنه إلا واحد، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والجهاد وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قال) مسيب بن حزن (لما حضرت) وحلت ونزلت (أبا طالب) عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوفاة) أي أمارات الموت ومقدماته ودلائله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك قبل معاينة المَلَك وبداية النزاع والقبض؛ ولو كان في حال المعاينة والنزع لما نفعه الإيمان لقوله تعالى: {وَلَيسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} ويدل على أنه قبل المعاينة محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم ومع كفار قريش، كذا في النواوي، وأبو طالب هذا هو ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم ووالد علي بن أبي طالب، واسمه عبد مناف، وقيل: اسمه كنيته والأول أصح، واسم عبد المطلب شيبة وكان يقال له: شيبة الحمد واسم هاشم: عمرو؛ وهاشم لقب له لأنه أول من هشم الثريد لقومه، واسم عبد مناف: المغيرة، واسم قصي: زيد، وقيل له مُجمِّعٌ لأنه جمع إليه قومه، وكان والد النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله قد توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حملٌ في بطن أمه على الأصح فوُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشأ في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي، فكفله عمه أبو طالب؛ ولم يزل يُحبه حُبًّا شديدًا ويحوطه ويحفظه إلى أن بعث الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالنبوة فنصره أبو طالب وأعانه وأجاره ممن يريد به سوءًا، وقام دونه وعادى في حقه قريشًا وجميع العرب إلى أن ناصبوه القتال، وجاهروا بالعداوة والأذى؟ وطلبوا أن يسلمه لهم فلم يفعل؛ ثم إن قريشًا وجميع أهل مكة تعاقدوا فيما بينهم وتحالفوا على هجره وجميع بني هاشم ومقاطعتهم وعلى أن لا يقاربوهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يصلوهم بشيء من وجوه الرفق كلها حتى يُسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة؛ فانحاز أبو طالب وبنو هاشم في شعبهم وأقاموا على ذلك نحو ثلاث سنين في جهد جهيد وحال شديد؛ إلى أن نقض الله سبحانه أمر الصحيفة وأظهر أمر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما هو مذكور في كتب السيرة. وكان أبو طالب يَعرفُ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله ويقول لقريش تعلمون والله أن محمدًا لم يكذب قط، ويقول لابنه علي اتبعه فإنه على الحق؛ غير أنه لم يدخل في الإسلام ولم يتلفظ به، ولم يزل على ذلك إلى أن حضرته الوفاة؛ فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم طامعًا في إسلامه وحريصًا عليه باذلًا في ذلك جهده؛ مستفرغًا ما عنده؛ لكن عاقت دون ذلك عوائق الأقدار التي لا ينفع معها حرص ولا اقتدار.

جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَمِّ؛ قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً .. أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لما حضرت وحلت أبا طالب أسبابُ الموت من المرض المُخَرِّف وما يتبعه (جاءه) وحضره (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في منزله وبيته (فوجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنده) أي عند أبي طالب (أبا جهل) عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة (وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة) من صناديد قريش (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمه أبي طالب (يا عم) منادى مضاف حذفت منه ياء الإضافة اجتزاءً عنها بالكسرة، لأنه كان شقيق والده عبد الله بن عبد المطلب (قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها) يوم القيامة (عند الله) تعالى بالإيمان، وقوله (لا إله إلا الله) مقول محكي لقل، وقوله (كلمةً) أحسن إعراب فيها النصب على أنها بدل من لا إله إلا الله، ويجوز رفعها على إضمار المبتدأ أي هي كلمة، والجملة بدل من لا إله إلا الله أيضًا و (أشهد) بالرفع في محل النصب أو الرفع صفة لكلمة، ويجوز الجزم فيه على أنه جواب الأمر أي إن تقل أشهد لك، وكل ذلك ترغيب وتذكير لأبي طالب وحرص على نجاته، ويأبى الله إلا ما يريد. قال الأبي: قوله (قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى) الأظهر أنها كناية عن الشهادتين، لأنه لا يثبت حكم الإسلام عندنا إلا بهما وتقدم ما للشافعية في ذلك، ويحتمل أنه لم يسأله إلا كلمة التوحيد لأنه كان يعلم صحة رسالته؛ حسبما دلت عليه السير والتعبير بلفظ أشهد، وفي الآخر بأحاجج بعثٌ لأبي طالب على أن يقول الكلمة المشرفة، وقال القاضي عياض: وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك من قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} الآية، ولو وقعت شهادة أبي طالب لكان فيها تطييب لقلبه صلى الله عليه وسلم لعلمه بموته على الإسلام كقوله في قتلى أحد: "أنا شهيد على هؤلاء" ولقلْبِ عمِّه لما يرجو له من جزيل الثواب بشهادته له مع ما تقدم له من نُصرته والذب عنه، وإن كانت في الكفر غير نافعة لكن يرجى له نفعها لموته على الإسلام لمكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نالته بركته مع كفره وموته عليه فكيف بموته على الإسلام وسيأتي استيفاء الكلام على هذا الفصل إن شاء الله تعالى.

فَقَال أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ؛ أَتَرْغَبُ عَن مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيهِ، ويعِيدُ لَهُ تِلْكَ المَقَالةَ .. حَتى قَال أَبُو طَالِبٍ -آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ-: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشهادته صلى الله عليه وسلم فضيلة لمن رزقها كما قال في الصابر على شدة المدينة "كنت له شهيدًا أو شفيعًا" (فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية) لأبي طالب (أترغب) وتعرض (عن ملة) أبيك (عبد المطلب) وعن دينه دين الإشراك إلى دين هذا الصابئ الذي هو التوحيد الذي يدعوك إليه وتريد الموت عليه وهذا لا ينبغي، ولم يقولا له لا تفعل وعدلا إلى هذا اللفظ لأنه أبعث لأبي طالب على الإباية (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لم يبرح (يعرضها) أي يعرض كلمة التوحيد (عليه) أي على أبي طالب ويلقنها له ليقولها (ويعيد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لأبي طالب (تلك المقالة) أي قوله يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله تعالى ويكررها له ليقولها، وجملة يعيد معطوفة على جملة يعرضها والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أبي طالب يعرض عليه الشهادة ويكررها عليه، قال القاضي عياض: وفي بعض النسخ (ويعيدان له) بضمير التثنية العائد على أبي جهل وابن أبي أمية أي يعيدان له مقالتهما له أترغب عن ملة عبد المطلب وهذا أشبه من ويعيد، والمعنى أنهما أعادا على أبي طالب قولهما له أترغب عن ملة عبد المطلب حتى أجابهما إلى ذلك. وقوله (حتى قال أبو طالب) غاية لقوله فلم يزل أي فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ملقنًا له ومكررًا عليه تلك المقالة حتى قال أبو طالب (آخر ما كلمهم) أي كلم الحاضرين عنده من النبي صلى الله عليه وسلم والرجلين وغيرهم وآخر منصوب بنزع الخافض أي إلى أن قال أبو طالب في آخر كلامه إياهم (هو) مستمر (على ملة عبد المطلب) ودينه دين الشرك لم يقل أنا على الحكاية لحسن الأدب وهذا الشأن في نقل كل قبيح، وعبارة النواوي هنا فهذا من أحسن الآداب والتصرفات وهو أن من حكى قول غيره القبيح أتى به بضمير الغيبة لقبح صورة لفظه الواقع (وأبى) أي امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) أي من قولها وإقرارها، قال الأبي: والحديث نص في أنه مات مشركًا وهو مفهوم قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} وحديث وجدته في غمرات من نار

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا وَاللهِ؛ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَم أُنْهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأخرجته إلى ضحضاح، قال السهيلي: ورأيت في بعض كتب المسعودي وقيل: إنه مات مؤمنًا ولا يصح لما تقدم من الآي والأحاديث ولا يحتج لذلك بما في السير من قول العباس: والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها يا رسول الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم أسمعها، ولو أن العباس شهد بذلك بعد إسلامه قُبِلَتْ شهادته لأن العدل إذا قال سمعت وقال الأعدل لم أسمع أخذ بقول من أثبت لأن عدم السماع قد يكون لسبب (فإن قُلت) قد ذكرت أن السير تدل على أنه كان مصدقًا بقلبه، وقدمت الخلاف في صحة إيمان من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهل يدخل في إيمانه ذلك الخلاف. (قلت) لا يدخل لأنه صرح بالنقيض في قوله: (وهو على ملة عبد المطلب) اهـ. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأبي طالب (أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك وقولي هذا (والله) أي أقسمت لك بالله الذي لا إله غيره (لأستغفرن لك) أي لأطلبنَّ لك من الله سبحانه غفران شركك وذنوبك (ما لم أُنْهَ) أي ما لم أُمنع (عنك) أي عن الاستغفار لك، أي ما لم يمنعني ربي من الاستغفار لك، أي مدة عدم منع ربي ونهيه عن الاستغفار لك، فما مصدرية ظرفية وأنه فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بحذف الألف، وقال النواوي (أَمَ والله) هكذا رويناه بإسقاط الألف وهي في كثير من الأصول بالألف، قال ابن الشجري: هي ما المزيدة للتوكيد رُكبت مع همزة الاستفهام ولها معنيان: أحدهما بمعنى حقًّا نحو أما والله، وثانيهما بمعنى الاستفتاح نحو أما إن زيدًا منطلق أي ألا، وأكثر ما يحذف معها الألف في القسم ليدلوا على شدة اتصال الحرف الثاني بالأول لأن الكلمة إذا بقيت على حرف واحد لم تقم بنفسها فعُلم بحذف ألف ما افتقارها إلى الاتصال بالهمزة والله سبحانه وتعالى أعلم. وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وكان الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبًا لنفس أبي طالب، وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل، قال ابن فارس؛ مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا، وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام. قال الأبي: الأظهر أن استغفاره عن اجتهاد لأن ابن العربي ذكر عن عمرو بن دينار أنه صلى الله عليه وسلم قال استغفر إبراهيم - عليه السلام - لأبيه وهو مشرك لأستغفرن له

عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113]، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَال لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)} [القصص: 56] ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لم أُنه (فأنزل الله عز) أي اتصف بالعزة وجميع الكمالات (وجل) أي تنزه عن جميع النقائص ({مَا كَانَ}) ينبغي ({لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}) قال المفسرون: وهو خبر بمعنى النهي، ولو في قوله ({وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}) أي أصحاب قرابة لهم غائية لا جواب لها ({مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ}) وظهر ({لَهُمْ}) أي للنبي والمؤمنين ({أَنَّهُمْ}) أي أن المشركين ({أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}) أي النار بموتهم على الشرك. قال الأبي: (فإن قلت) لو كان استغفار النبي صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد لم تجئ الآية بخلافه لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم في اجتهاده (قلت) جاءت الآية على سبيل النسخ لا لتبيين ضد الخطإ (وأنزل الله) سبحانه و (تعالى) أيضًا النهي الضمني (في) خُصوص (أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ({إِنَّكَ}) يا محمد ({لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}) هدايته ({وَلَكِنَّ اللَّهَ}) سبحانه وتعالى ({يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}) ويريد هدايته ({وَهُوَ}) سبحانه وتعالى ({أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}) أي عالم بمن سبقت لهم الهداية وقُدرت لهم أزلًا، قال النواوي فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب ولكنها عامة، فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى، قال الفراء وغيره معنى قوله تعالى: {مَنْ أَحْبَبْتَ} يكون على وجهين أحدهما من أحببته لقرابته، والثاني من أحببت أن يهتدي، قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم معنى قوله {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي بمن قدر له الهدى والله أعلم. اهـ ويستفاد من الحديث أنه لا يجوز الاستغفار للمشركين ولو أقرب قريب، وأن الهداية بيد الله تعالى لا بيد أحد؛ ولو نبيًّا مرسلًا وملكًا مقربًا، ويجوز الاستغفار للمؤمنين والمسلمين الأحياء والأموات سواء كانوا أقرباء أو بعداء. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري (4675) والنسائي (4، / 90 - 91) وأورده استدلالًا به على الترجمة دون حديث أبي هريرة الآتي لكونه أصح منه لأنه من المتفق عليه بين الشيخين.

41 - (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبراهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَالا: أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، ح وَحَدَّثَنَا حَسَنْ الْحُلْوَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث مسيب بن حزن فقال: (41) - متا (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه أبو يعقوب المروزي سكن نيسابور، ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل، من العاشرة، مات ليلة السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وثلاثين بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) الكشي بالسين المهملة أو الشين المعجمة أبو محمد ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وليس من اسمه عبد في مسلم إلا هذا الثقة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال إسحاق وعبد (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي الحداني مولاهم أبو عروة البصري نزيل اليمن شهد جنازة الحسن البصري، روى عن ثابت البناني والزهري وهمام بن منبه في مواضع وعاصم الأحول وقتادة وعبيد الله بن عمر وأيوب وهشام بن عروة وخلق، ويروي عنه (ع) وعبد الرزاق وسفيان بن عيينة وابن المبارك وعيسى بن يونس وإسماعيل بن علية ويزيد بن زريع وخلائق، قال العجلي: ثقة صالح، وقال النسائي: ثقة مأمون وضعفه ابن معين في ثابت، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل؛ من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة وله ثمان وخمسون سنة (58)، روى عنه المؤلف في الإيمان في مواضع وفي الصلاة وفي الجنائز وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الحج والنكاح والفضائل في موضعين وفي الرفق وفي اللعان، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب. (ح وحدثنا حسن) أي حول المؤلف السند وقال: حدثنا حسن بن علي بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) الريحاني الحافظ المكي روى عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبي عاصم وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الرزاق ورَوح بن عُبادة وجماعة ويروي عنه (خ م د ت ق) ومحمد بن إسحاق السراج، وقال في التقريب: ثقة حافظ له

وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ- قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تصانيف، من الحادية عشرة، مات بمكة في ذي الحجة سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان في مواضع وفي الوضوء وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الحج في موضعين وفي الجهاد والأطعمة وفي ذكر الحوض وفي الفضائل في أربعة مواضع، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب (و) حدثنا (عبد بن حميد) أيضًا (قالا) أي قال حسن الحلواني وعبد بن حميد (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد، روى عن أبيه وعبد العزيز بن عبد المطلب وشعبة وابن أخي الزهري والليث وغيرهم، ويروي عنه (ع) والحسن الحلواني وعبد بن حميد وعمرو الناقد وأبو بكر بن النضر وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم بن ميمون وحجاج بن الشاعر وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة فاضل من صغار التاسعة مات سنة (208) ثمان ومائتين وأتى المؤلف رحمه الله تعالى بقوله (وهو ابن إبراهيم بن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخيه بل زادها من عنذ نفسه إيضاحًا للراوي كما مرت نظائره مرارًا (قال) يعقوب (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد وقاضيها؛ وأحد الأئمة الأعلام روى عن صالح بن كيسان والزهري وابن إسحاق، ويروي عنه (ع) وابنه يعقوب وعبد الصمد بن عبد الوارث ويزيد بن هارون ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وغيرهم، وثقه أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم والعجلي؛ وكان من كبار العلماء، وقال في التقريب: ثقة حجة من الثامنة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في أربعة مواضع والصوم والأحكام والأطعمة وذكر الحوض والفضائل وصفة الجنة والفتن والبر والصلة والنكاح وفي فضائل الصحابة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغ مشايخه لأنه في السند الأول قال: قالا أخبرنا عبد الرزاق، وفي السند الثاني قال: قالا حدثنا يعقوب، وفي السند الأول قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، وفي السند الثاني قال يعقوب: حدثني أبي عن صالح، مع بيان كثرة طرقه (عن صالح) بن كيسان الغفاري

كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيرَ أَن حَدِيثَ صَالِحٍ انتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الآيَتَينِ، وَقَال فِي حَدِيثِهِ: (وَيَعُودَانِ فِي تِلْكَ الْمَقَالةِ)، وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ مَكَانَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: (فَلَمْ يَزَالا بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبي محمد أو أبي الحارث المدني روى عن الزهري والحارث بن فضيل والأعرج وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعروة بن الزبير، ويروي عنه (ع) وإبراهيم بن سعد ومالك وابن جريج وابن عيينة ومعمر وخلق؛ مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز تابعي رأى عبد الله بن عمر، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه؛ من الرابعة مات بعد الأربعين ومائة (140). روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة في موضعين والحج في أربعة مواضع وفي الفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب تقريبًا (كلاهما) أي كل من معمر بن راشد وصالح بن كيسان رويا (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني والإشارة في قوله (بهذا الإسناد) راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع بصيغة اسم المفعول والمتابَعُ يونس بن يزيد المذكور في السند الأول وشيخه ابن شهاب وما بعده هو سعيد التابعي ومسيب الصحابي والمعنى كلاهما رويا عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه (مثله) أي مثل ما روى يونس عن ابن شهاب فالضمير في مثله يرجع إلى يونس، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر وصالح ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب متابعة تامة، وقوله: مثله عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه إلا فيما استثناه بنحو غير أنه قال كذا وكذا، واستثنى هنا بقوله (غير أن حديث صالح) بن كيسان (انتهى) وتمَّ (عند قوله) أي عند قول الراوي الذي هو مسيب بن حزن (فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيه) أي في أبي طالب القرآن (ولم يذكر) صالح (الآيتين) (وقال) صالح (في حديثه) أي في روايته (ويعودان) أي يعود أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية (في) قول (تلك المقالة) التي قالا أولًا وهي قولهما لأبي طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب (وفي حديث معمر) بن راشد أي في روايته لهذا الحديث (مكان هذه الكلمة) أي بدل قوله: ويعودان في تلك الكلمة، وقوله (وفي حديث معمر) خبر مقدم لقوله (فلم يزالا به) وهو مبتدأ مؤخر محكي، أي فلم يبرح أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ملتبسين بأبي طالب يمنعانه عن قول: لا إله إلا الله حتى كان آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب، وهذان السندان من سداسياته: فالأول

42 - (25) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَأبْنُ أبِي عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يزِيدَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ منهما رجاله فيهم مروزي ثم صنعاني ثم بصري وثلاثة مدنيون، والثاني رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد مكي، وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث مسيب بن حزن بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: (42) - ش (25) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان أبو عبد الله المكي سكن بغداد روى عن مروان بن معاوية وسفيان بن عيينة وحاتم بن إسماعيل وأنس بن عياض والدراوردي وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأحمد بن سعيد الدارمي وسليمان بن توبة وأحمد بن علي المروزي وآخرون، وقال في التقريب: صدوق يهم؛ من العاشرة مات ببغداد في آخر ذي الحجة سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في موضعين وفي البيوع في موضعين وفي الأشربة (و) حدثنا أيضًا محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني سكن مكة أبو عبد الله المكي، روى عن مروان بن معاوية وبشر بن السري وعبد العزيز الدراوردي وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء وابنه عبد الله بن محمد بن أبي عمر وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق، قال أبو حاتم كانت به غفلة، من العاشرة مات في آخر ذي الحجة بعد الموسم سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن الراويين صدوقان كلاهما (قالا حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة؛ مات قبل التروية بيوم فجأة سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وقال في التقريب: ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ؛ من الثامنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (عن يزيد) بن كيسان اليشكري الأسلمي أبي إسماعيل أو أبي مُنين بنونين مصغرًا الكوفي، روى عن أبي حازم سلمان الأشجعي ومعبد أبي الأزهر، ويروي عنه (م عم) وخلف بن خليفة ومروان بن معاوية ويحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة وعبد الواحد بن زياد وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من السادسة، ولم أرَ من أرخ وفاته، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان

وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ- عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: "قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .. أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فَأَبَى، فَأنْزَلَ اللهُ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] ـــــــــــــــــــــــــــــ والصلاة واللباس والأطعمة والنكاح والفضائل، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا. وأتى بقوله (وهو ابن كيسان) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي وتورعًا من الكذب على شيخه (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي جالس أبا هريرة خمس سنين، روى عنه وعن الحسن والحسين وابن عمر، ويروي عنه (ع) ويزيد بن كيسان والأعمش وفضيل بن غزوان وأبو مالك الأشجعي وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة؛ مات على رأس المائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج وغيرها، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها خمسة تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني الصحابي الجليل المكثر رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من خماسياته ثلاثة من رجاله كوفيون وواحد مكي وآخر مدني. (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه) أبي طالب (عند) نزول أمارات (الموت) به (قل) يا عمِّ (لا إله إلا الله) كلمة (أشهد لك بها) على الإيمان (يوم القيامة) يوم العرض على الله سبحانه وتعالى للمحاسبة والمناقشة على الأعمال يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الشرك (فأبى) وامتنع عمه أن يقولها خوفًا أن تعيره قريش على ذلك فتأسف النبي صلى الله عليه وسلم على عدم إيمانه؛ حين مات على الشرك؛ لما كان يحوطه وينصره في حياته (فأنزل الله) سبحانه وتعالى عتابًا لنبيه على ذلك التأسف ({إِنَّكَ}) يا محمد ({لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}) وتمنيت هدايته لقرابته مثلًا؛ فإن الهداية بيدي أهدي من أشاء وأضل من أشاء لحكمة في ذلك وإنما عليك البلاغ أتم (الآية) من سورة القصص رقم (56). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

43 - (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: "قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .. أَشهَدُ لَكَ بِهَا يَومَ الْقِيَامَةِ"، قَال: لَولا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيشٌ -يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الجَزَعُ- لأَقرَرْتُ بِهَا عَينَكَ، فَأنْزَلَ اللهُ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] ـــــــــــــــــــــــــــــ (43) - متا (00) (حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون) أبو عبد الله البغدادي المؤدب، قال ابن عدي والدارقطني ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم؛ وكان فاضلًا؛ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال محمد بن حاتم (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي مولاهم أبو سعيد البصري الأحول الحافظ الحجة، وقال في التقريب: ثقة متقن حافظ إمام قدوة؛ من كبار التاسعة، مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة. وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن سعيد لمروان بن معاوية في رواية هذا الحديث عن يزيد بن كيسان، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن يحيى بن سعيد أوثق من مروان بن معاوية، لأن مروان بن معاوية مدلس؛ وإن كان ثقة، وروى أيضًا عن يزيد بن كيسان بالعنعنة ويحيى بصيغة الاتصال. قال يحيى (حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه) أبي طالب عند موته (قل) يا عمِّ (لا إله إلا الله أشهد لك بها) الإيمان (يوم القيامة قال) أبو طالب (لولا) مخافة (أن ثعيرني) وتعيبني (قريش) حين قلتها حالة كونهم (يقولون) في تعييري (إنما حمله) أي إنما حمل أبا طالب وحثه (على) قول (ذلك) المذكور من كلمة لا إله إلا الله (الجزع) وفقد الصبر على سكرات الموت (لأقررت) وأبردت (بها) أي بكلمة لا إله إلا الله (عينك) وفرحتك بها، وإقرار العين وإبرادها كناية عن السرور، فتأسف النبي صلى الله عليه وسلم لإبائه من الإيمان (فأنزل الله) سبحانه وتعالى في ذلك قوله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الآية، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة على الرواية الأولى. ومعنى قوله (لولا أن تعيرني قريش) أي لولا مخافة أن تسبني قريش وتقبح عليَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك الكلمة ولولا حرف امتناع لوجود، والمبتدأ مقدر بعدها والخبر محذوف وجوبًا لقيام جوابها مقامه لأنه من المواضع التي يجب حذف الخبر فيها كما بيناها في الفتوحات القيومية على متن الآجرومية والتقدير لولا مخافة تعيير قريش بها عليَّ موجودة لأقررت بها عينك وعَيَّر يتعدى بنفسه ومنه قول النابغة: وعيرتني بنو ذبيان خشيته ... وما عليَّ بأن أخشاك من عارِ ويقال عيرته بكذا تعييرًا والعامة تقول بالباء، والأول كلام العرب، وجملة قوله (يقولون) حال من قريش (إنما حمله) وبعثه وحثه (على ذلك) أي على النطق بالشهادتين (الجزع) بالجيم والزاي على الرواية الصحيحة لا يعرف غيرها في صحيح مسلم وهو بمعنى الخوف من الموت، وفي كتاب أبي عبيد (الخرع) بالخاء المعجمة والراء المهملة، وقال: يعني الضعف والخور وكذلك قال ثعلب وفسره به، قال شمر بن حمدويه الهروي يقال: خرع الرجل إذا ضعف وكل رخوٍ ضعيف خريع وخرع والخرع الفصيل الضعيف، قال: والخَرَعُ الدهش ومنه قول أبي طالب، وفي الصحاح: الخَرَعُ بالتحريك الرخاوة في الشيء وقد خَرعَ الرجل بالكسر أي ضعف فهو خرع ويقال لمشفر البعير إذا تدلى خريع، ومعنى (لأقررت بها عينك) أي سررتك بها وفرحتك بقولها وأبلغتك أمنيتك، قال ثعلب: أقر الله عينك أي بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عيناه، ومنه قولهم فيمن أدرك ثاره: وقعت بقُرِّك أي أدرك قلبك ما كان يتمنى، وقال الأصمعي معناه برَّد الله دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة، قال غيره: ودمعة الحُزن حارة؛ ولذلك يقال: أسخن الله عينه، أي أراه ما يسوءه فيبكي فتسخن عينه، وقال ابن الأخضر: وما هنا منه؛ لأن المعنى أبرد الله عينه لأن الحزين يبكي فتسخن عينه، وغيره لا يبكي فتبقى عينه باردة، قال الأبي: فالمعنى على الأول: أراك الله ما يسرك وعلى الثاني لا أحزنك الله، ومعنى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية أي لا تقدر على توفيق من أراد الله خذلانه. وكَشْفُ ذلك بأن الهداية الحقيقية هي خلق القدرة على الطاعة وقبولها، وليس ذلك إلا لله تعالى، والهداية التي تصح نسبتها لغير الله تعالى بوجه ما هي الإرشاد والدلالة كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي ترشد وتبين كما قال تعالى {إِنْ عَلَيكَ إلا الْبَلَاغُ} وما ذكرناه هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الذي تدل عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البراهين القاطعة وحديث أبي هريرة هذا شارك المؤلف في روايته الترمذي فقط في رقم (3187). وجملة ما ذكر المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان فقط. الأول حديث مسيب بن حزن وذكر فيه متابعة واحدة وغرضه بذكره الاستدلال به على الترجمة واختاره للاستدلال لأنه أصح من حديث أبي هريرة لأنه من المتفق عليه. والثاني حديث أبي هريرة وذكر فيه أيضًا متابعة واحدة وغرضه بذكره الاستشهاد لحديث المسيب. ***

11 - باب من لقي الله تعالى عالما به غير شاك فيه دخل الجنة، أولا: إن كان بريئا من الكبائر، أو عملها وتاب عنها، أو أدركه العفو، أو بعد عقوبته عليها إن لم يتب عنها ولم يدركه العفو من الله تعالى وحرمه الله تعالى على النار

11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 11 - بَابُ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى عَالِمًا بِهِ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوَّلًا: إِنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ الكَبَائِرِ، أَوْ عَمِلَهَا وَتَابَ عَنْهَا، أَوْ أَدْرَكَهُ الْعَفْوُ، أَوْ بَعْدَ عُقُوبَتِهِ عَلَيهَا إِنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا وَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعَفْوُ مِنَ اللهِ تَعَالى وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعَالى عَلَى النَّارِ أي باب معقود في بيان أنه (من لقي الله تعالى) ومات حالة كونه (عالمًا) وموقنًا بوجوده بصفاته الكمالية (غير شاك فيه) أي في وجوده تعالى (دخل الجنة) جواب من الشرطية (أولًا) أي بلا سبق دخول نار (إن كان بريئًا من) الذنوب (الكبائر) الموبقات وغيرها (أو عملها) أي عمل الكبائر (و) لكن (تاب عنها) توبة نصوحًا (أو) لم يتب عنها ولكن (أدركه العفو) والغفران من الله تعالى بمحض فضله وكرمه (أو) دخل الجنة (بعد عقوبته) ومجازاته (عليها إن لم يتب عنها) أي عن تلك الكبائر (ولم يدركه العفو) والغفران (من الله تعالى). وحقيقة العلم هي وضوح أمر ما وانكشافه على غايته بحيث لا يبقى له بعد ذلك غاية في الوضوح، ولا شك في أن من كانت معرفته بالله تعالى ورسوله كذلك كان في أعلى درجات الجنة، وهذه الحالة هي حالة النبيين والصديقين ولا يلزم فيمن لم يكن كذلك ألا يدخل الجنة فإن من اعتقد الحق وصدق به تصديقًا جازمًا لا شك فيه ولاريب دخل الجنة كما قدمناه وكما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة: "من لقي الله وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله غير شاك فيهما دخل الجنة" وكما قال: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أبو داود (3116) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فحاصل هذين الحديثين أن من لقي الله تعالى وهو موصوف بالحالة الأولى والثانية دخل الجنة، غير أن هناك فرقًا بين الدرجتين كما بين الحالتين كما صرحت به الآيات الواضحات كقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] اهـ قرطبي. وترجم النواوي لهذا الحديث بقوله: (باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا).

44 - س (26) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ كِلاهُمَا عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك ترجم له السنوسي وكذلك في أكثر نسخ المتون، وترجم له الأبي بقوله: (باب أحاديث من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة). وفي بعض نسخ المتون (باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكٍّ فيه دخل الجنة وحُرِّم على النار). وترجم له القرطبي بقوله: (باب من لقي الله تعالى عالمًا به دخل الجنة) وهذه قريبة إلى ترجمتنا السابقة والاختلاف بينهما، اختلاف لفظي مآلها واحد، ولكن ترجمتنا أوضح منها لما اشتملت عليه من القيود التي لا بد من اعتبارها المأخوذة من الأحاديث منطوقًا ومفهومًا والله أعلم. (44) - س (36) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الحافظ الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن المتقارنين كلاهما ثقتان كلاهما) أي كل من أبي بكر وزهير بن حرب رويا (عن إسماعيل بن إبراهيم) بن سهم بن مقسم الأسدي مولاهم أبي بشر البصري المعروف بابن علية، وهي أمه مولاة لبني أسد بن خزيمة أيضًا، وكان يكره أن يقال له ابن علية، ثقة من الثامنة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا وجملة قوله (قال أبو بكر حدثنا ابن علية) أتى بها تورعًا من الكذب على أحد شيخيه، لأنه لو اقتصر على قوله عن إسماعيل بن إبراهيم لكان كاذبًا على شيخه أبي بكر، ولو اقتصر على قوله حدثنا ابن علية لكان كاذبًا على شيخه زهير، فبين صيغة كل من الشيخين تورعًا من الكذب على أحدهما، قال النواوي: وهذا من احتياط مسلم رحمه الله تعالى، فإن أحد الراويين قال: ابن علية، والآخر قال: إسماعيل بن إبراهيم فبينهما ولم يقتصر على أحدهما انتهى.

عَنْ خَالِدٍ، قَال: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن خالد) بن مهران بكسر الميم المجاشعي مولاهم أبي المُنَازل بضم الميم وكسر الزاي البصري الحذاء بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة، قال النواوي: لم يكن خالدٌ حذاء قط، أي ما حذا نعلًا قط ولا باعها؛ ولكنه تزوج امرأة من الحذائين فنزل عليها بينهم فنسب إليهم هذا هو المشهور، وقال فهد بن حيان: بالفاء إنما كان يقول احذوا على هذا النحو فلُقب بالحذاء، وخالد يُعدُّ في التابعين انتهى بتصرف. روى عن الوليد بن مسلم أبي بشر وأبي عثمان النهدي وأبي قلابة وأبي معشر وأبي المنهال ومحمد وأنس وحفصة بني سيرين وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن علية وابن سيرين شيخه وشعبة والحمادان وعبد الوهاب الثقفي ووهيب وخلق، وقال في التقريب: ثقة يرسل، من الخامسة، مات سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة، مات في أولها. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الجنائز في موضعين والزكاة والصوم في موضعين والحج والبيوع والأحكام والجهاد وفي سن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الفتن في موضعين وفي القدر وفي آخر الكتاب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا. (قال) خالد الحذاء (حدثني الوليد بن مسلم) بن شهاب التميمي العنبري أبو بشر البصري روى عن حُمران بن أبان وأبي المتوكل الناجي وأبي الصديق الناجي وغيرهم، ويروي عنه (م د س) وخالد الحذاء ومنصور بن زاذان وسعيد بن أبي عروبة ويونس بن عبيد وجماعة، وثقه أبو حاتم وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الصلاة في بابين فقط. قال النواوي: وربما اشتبه على بعض من لا يعرف الأسماء بالوليد بن مسلم الأموي مولاهم الدمشقي أبي العباس صاحب الأوزاعي ولا يشتبه ذلك على العلماء به فإنهما مفترقان في النسبة إلى القبيلة والبلدة والكنية كما ذكرنا؛ وفي الطبقة فإن الأول أقدم طبقة وهو في طبقة كبار شيوخ الثاني، ويفترقان أيضًا في الشهرة والعلم والجلالة فإن الثاني متميز بذلك كله قال العلماء انتهى علم الشام إليه وإلى إسماعيل بن عياش، وكان أجل من ابن عياش بن مسلم العنسي أبي عتبة الحمصي ثقة فيما رواه من الشاميين ضعيف في غيرهم روى عنه (عم) رحمهم الله تعالى أجمعين والله أعلم. اهـ نواوي. (عن حُمران) بضم أوله وسكون ثانيه بن أبان ويقال: ابن أبي مولى عثمان بن

عَنْ عُثْمَانَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ: أَنهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ .. دَخَلَ الْجنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عفان اشتراه في زمن أبي بكر الصديق كان من سبي عين التمر القرشي الأموي مولاهم أبي يزيد المدني، روى عن مولاه عثمان بن عفان ومعاوية، ويروي عنه (ع) والوليد بن مسلم أبو بشر وعطاء بن يزيد وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، مات سنة (75) خمس وسبعين، وقيل غير ذلك، وليس في مسلم حُمران إلا هذا، روى عنه المؤلف في بابين فقط الإيمان والوضوء (عن عثمان) بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الأموي أبي عمرو المدني ذي النورين؛ مجهز جيش العسرة؛ وأحد العشرة؛ وأحد الستة، هاجر الهجرتين له مائة وستة وأربعون حديثًا (146) يروي عنه (ع) وأبناؤه أبان وسعيد وعمرو وأنس، ومروان بن الحكم وخلق، قال ابن عمر: كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، وقال ابن سيرين: كان يُحيي الليل كله بركعة، قال عمرو بن علي: قتل يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين (35) وله اثنتان وثمانون سنة (82) قال عبد الله بن سلام: لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا يُغلق إلى يوم القيامة رضي الله عنه وأرضاه، روى عنه حمران وعمرو بن سعيد بن العاص وأبو أنس الأصبحي مالك وزيد بن خالد الجهني وعبد الله بن شقيق وأبان بن عثمان وسعيد بن العاص وسعيد بن المسيب وغيرهم ممن سبق آنفًا. روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في ثلاثة مواضع وفي الصلاة وفي الحج في موضعين وفي القدر روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا، وهذا السند من سداسياته ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي، ومن لطائفه أن فيه رواية مولى عن مولى. (قال) عثمان رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات وهو) أي والحال أنه (يعلم) ويوقن (أنه لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا الله) سبحانه وتعالى (دخل الجنة) أولًا إن كان بريئًا من الكبائر أو تاب عنها أو ستره الله عليها، وإلا فبعد المجازاة عليها. قوله (وهو يعلم) قال المازري: فيه الرد على من يقول من المرجئة إن النطق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشهادتين دون اعتقادٍ كاف، وقال القاضي عياض: ويحتج به من يرى أن التصديق بالقلب دون النطق كافٍ، ولا يكفي عند أهل السنة إلا لمن بلسانه آفة، أو اخترمته المنية ولا حجة له فيه؛ لأنه قد فسره قوله في الحديث الآخر (من قال لا إله إلا الله) فلا بد من الجمع بين الاعتقاد والنطق عند أهل السنة. وحديث عثمان هذا انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد ورواه في (1/ 65 و 69) قال القاضي عياض: جاءت في هذا الباب أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة، للسلف فيها خبط كثير، ففي هذا (من مات وهو يعلم) وفي حديث معاذ (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) وعنه في آخر (من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة) وفي آخر (من لقيه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه حرمه الله تعالى على النار) وهو بمعنى حديث عبادة بن الصامت وحديث عتبان، وفي حديث أبي هريرة (لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍّ إلا دخل الجنة) وفي آخر عنه (لا يحجب عن الجنة) وفي حديث أبي ذر وأبي الدرداء (ما من عبد قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) قال المازري: ولما دلت الظواهر على نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة واقتضت هذه الأحاديث أمنهم تعين فيها التأويل صونًا لظاهر الشرع من التناقض، فأولها ابن المسيب بأن ذلك كان قبل نزول الفرائض، وأما بعد نزولها فالعاصي في المشيئة، وأولها الحسن بحملها على من مات ولم يعصِ، وحملها البخاري على من مات وهو تائب. قال النواوي: ويبعد فيها تأويل ابن المسيب لأن أبا هريرة أحد رواتها وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر وكانت الفرائض فُرضت، وأولها ابن الصلاح بأن إسقاط ما زاد على الشهادتين يجوز أن يكون من الرواة لا من النبي صلى الله عليه وسلم، قال الأبي (قلت): الأحاديث تدور على سبعة من أجلة الصحابة وعشرة من التابعين؛ فيبعد أن يسقطها الجميع، ثم لعل أبا هريرة تحمله قبل إسلامه، قال القاضي عياض: لا يمتنع حمل الأحاديث على ظاهرها وتستغني عن التأويل، فإن العاصي عندنا في المشيئة يجوز أن يُغفر له بدءًا فيلتحق بمن لم يعصِ فلا يدخل النار إلا دخول ورود، ويجوز أن ينفذ فيه الوعيد فيدخلها ثم لا بد له من دخول الجنة فأحاديث دخول الجنة وعد على ظاهره، إذ لا بد له من دخول الجنة بدءًا أو بعد الجزاء، وأحاديث حرَّم الله عليه النار يعني حرَّم

45 - (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلود فيها، وحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة هو على ظاهره من أنه يدخلها بدءًا إما لأنه ختم كلامه بذلك كفَّر عنه أو كثَّر أجره حتى رجحت حسناته، وكذلك حديث يدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاء لأن ما أضاف إلى الشهادتين من أمر عمن كفَّر أيضًا أو كَثَّر حسناتِه، قال النواوي والأصح في دخول الورود أنه الجواز على الصراط. قال المازري: مذهبنا في العاصي بالكبائر أنه تحت المشيئة كما تقدم، وقالت المرجئة: لا تضره مع الإيمان معصية، وكفرته الخوارج، وقالت المعتزلة: فاسق ليس بمؤمن ولا كافر مخلد في النار، وأحاديث الباب ترد على الخوارج والمعتزلة، وهي ظاهرة في مذهب المرجئة. قال الأبي: جواز المغفرة بدءًا يوجب أن لا يدخل أحدٌ من الأمة النار فتُخالف ما تقدم من أنه لا بد من نفوذ الوعيد في طائفة، ويجاب بأن الغرض من هذا الأصل مخالفة المعتزلة في قولهم: يجوز العفو ثم لا يلزم من الجواز الوقوع حتى يوجب ما ذكرتم، أو يقال إن ذلك مخصوص بالطائفة التي ينفذ فيها الوعيد اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عثمان رضي الله تعالى عنه فقال: (45) - متا (00) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي العطار بن مُقدَّم (المقدمي) بضم الميم وفتح الدال المشددة، نسبة إلى جده مُقدَّم المذكور أبو عبد الله الثقفي مولاهم البصري، روى عن بشر بن المفضل ووهب بن جرير وأبي عوانة ويحيى بن سعيد القطان والمعتمر بن سليمان وعبد الرحمن بن مهدي وحماد بن زيد وأبي داود الطيالسي وغيرهم، ويروي عنه (خ م س) وأبو يعلى والحسن بن سفيان وأبو زرعة ووثقه، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في ثلاثة مواضع وفي الزكاة في ثلاثة مواضع وفي الحدود وفي الأطعمة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة أبواب تقريبًا. قال محمد بن أبي بكر (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق أبو إسماعيل الرقاشي

حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، قَال: سَمِعْتُ حُمْرَانَ يَقُول: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ... " مِثْلَهُ سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقاف مولاهم البصري، روى عن خالد الحذاء وأبي مسلمة وأبي ريحانة وابن عون ويحيى بن سعيد وداود بن أبي هند وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن أبي بكر المقدمي ونصر بن علي وحامد بن عمر البكراوي وأبو كامل الجحدري وأحمد وخلق وقال أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال ابن المديني: كان يصلي كل يوم أربعمائة ركعة ويصوم يومًا ويفطر يومًا، وقال في التقريب: ثقة عابد من الثامنة مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في ستة مواضع والجنائز والنكاح في ثلاثة مواضع والصوم والبيوع والحج واللباس والعتاق والقسامة والطب وفي التوبة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثلاثة عشر بابًا تقريبًا قال بشر بن المفضل (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي أبو المنازل البصري ثقة من الخامسة مات سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة (عن الوليد) بن مسلم (أبي بشر) العنبري البصري ثقة من الخامسة ولم أر من أرخ موته (قال) الوليد بن مسلم (سمعت حُمران يقول سمعت عثمان) بن عفان رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من سداسياته أيضًا، ورجاله أربعة منهم بصريون واثنان مدنيان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة بشر بن المفضل لإسماعيل بن إبراهيم في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع والمتابع ثقتان، وفيها أيضًا تصريح السماع في ثلاثة مواضع، حالة كون عثمان (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) من مات وهو يعلم ... الحديث. وقوله (مثله) مفعول ثان لقوله حدثنا بشر بن المفضل، والضمير فيه عائد إلى إسماعيل بن إبراهيم، أي وحدثنا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء مثل ما حدث إسماعيل بن إبراهيم عن خالد، وقوله (سواء) بالنصب حال من مثله لتخصصه بالإضافة مؤكدة لمعنى المماثلة، أي حالة كون ذلك المثل مساويًا لحديث إسماعيل بن إبراهيم لفظًا ومعنىً. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عثمان بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:

46 - (37) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، قَال: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ الأشجَعِي عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (46) - ش (37) (حدثنا أبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر بن أبي النضر) هاشم بن القاسم البغدادي وأكثر ما ينسب أبو بكر إلى جده أبي النضر، وهنا نسبه المؤلف إلى أبيه النضر اسمه محمد أو أحمد كما قررناه، وقيل: اسمه كنيته، روى عن جده أبي النضر هاشم بن القاسم ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبي عاصم النبيل ومحمد بن بشر وحجاج بن محمد وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) وأبو قدامة السرخسي وابن أبي خيثمة وأبو يعلى والسراج وقال: سألته عن اسمه فقال اسمي وكنيتي أبو بكر وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والجهاد والمناقب والعلم والزهد والذبائح، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة تقريبًا، (قال) أبو بكر (حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم) ابن مسلم بن مقسم التميمي، ويقال الليثي مولاهم الحافظ البغدادي مشهور بكنيته ولقبه قيصر، خراساني الأصل، روى عن عبيد الله الأشجعي وسليمان بن المغيرة وعكرمة بن عمار، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن النضر وزهير بن حرب وغيرهم، وثقه العجلي، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال أبو النضر (حدثنا عبيد الله) بن عبد الرحمن (الأشجعي) ويقال ابن عبيد الرحمن بالتصغير الكوفي نزيل بغداد، روى عن مالك بن مغول وعبد الملك بن أبجر والثوري فأكثر وهشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأبو النضر هاشم بن القاسم وأبو كريب وأحمد بن جواس وعثمان بن أبي شيبة وخلق، قال ابن معين: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة مأمون من كبار التاسعة، أثبت الناس كتابًا في الثوري، مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة وفي شرف النبي صلى الله عليه وسلم والزهد والعلم والمداحين، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ستة تقريبًا. (عن مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الواو البجلي أبي عبد الله الكوفي أحد علماء الكوفة، روى عن طلحة بن مُصرِّف وأبي إسحاق السبيعي والحكم بن عتيبة وعون بن أبي جُحيفة وعبد الله بن بُريدة وسماك بن حرب وغيرهم، ويروي عنه (ع)

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبيد الله الأشجعي وعبد الله بن نمير وعبد الله بن المبارك ووكيع وشعبة والسفيانان ويحيى بن سعيد وطائفة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار السابعة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز وفي الحج والفرائض والوصايا والجهاد والذبائح، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ثمانية. (عن طلحة بن مصرف) بضم الميم وفتح الصاد وكسر الراء المشددة -وغلط من فتحها بصيغة اسم المفعول- بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية الهمداني اليامي من بني يام بن دافع بن مالك بن همدان أبي محمد الكوفي أحد الأئمة الأعلام، روى عن أبي صالح السمان وأنس وابن أبي أوفى وسعيد بن جبير، ويروي عنه (ع) ومالك بن مغول والزبير بن عدي وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ومنصور بن المعتمر والأعمش ومسعر وشعبة وخلائق، وقال في التقريب: ثقة قارئ فاضل من الخامسة، وقال العجلي: كان من أقرأ أهل الكوفة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الأيمان وفي الزكاة في موضعين وفي الوصايا في موضعين، روى عنه في أربعة أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات المدني مولى جويرية بنت الحارث امرأةٍ من قيس، روى عن أبي هريرة وجابر، ويروي عنه (ع) وطلحة بن مصرف، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني؛ أحد الصحابة المكثرين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه أربعمائة حديث وثمانية عشر حديثًا وهذا السند من سباعياته، ورجاله اثنان منهم بغداديان وثلاثة كوفيون واثنان مدنيان، قال القاضي عياض: هذا السند استدركه الدارقطني بأن غير الأشجعي لم يروه من هذا الطريق إلا مرسلًا، فقالوا: مالك عن طلحة عن أبي صالح مرسلًا، قال النواوي: قال ابن الصلاح: الإرسال وإن قدح في السند لم يقدح في صحة المتن؛ لأن ما وصله الثقة وأرسله غيرُهُ الحُكْمُ فيه للوصل عند المحققين لأنه زيادة ثقة، ولذا قال الشيخ أبو مسعود إبراهيم بن

قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، قَال: فَنَفِدَت أَزْوَادُ الْقَوْمِ، قَال: حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِم، ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد الدمشقي في جواب هذا الاستدراك: الأشجعي ثقة مُجَوِّدٌ فإذا جود ما قصر فيه غيره حُكم له به ومع ذلك فالحديث له أصل ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برواية الأعمش له مُسْنَدًا، وبرواية يزيد بن أبي عبيد وإياس بن سلمة بن الأكوع عن سلمة، قال الشيخ ابن الصلاح: رواه البخاري عن سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما شك الأعمش فهو غير قادح في متن الحديث فإنه شك في عين الصحابي الراوي؛ وذلك غير قادح لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول. (قال) أبو هريرة (كنا) معاشر الصحابة (مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير) أي في سفر غزوة تبوك كما سيأتي التصريح به، والمسير مصدر ميمي بمعنى السير يريد به السفر (قال) أبو هريرة (فنفدت) أي فرغت وفنيت من نفد ينفد من باب فرح ومنه قوله تعالى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} (أزواد القوم) جمع زاد وهو ما يتزود به المسافر لسفره من طعام وشراب وماء (قال) أبو هريرة فجاعوا وعطشوا (حتى هم) النبي صلى الله عليه وسلم وقصد (بنحر) وتذكية (بعض حمائلهم) أي حمائل القوم ونوقهم وأبعرتهم التي يحملون عليها أمتعتهم ويركبونها في حال سيرهم، قال السنوسي: والضمير في هَمَّ يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: وليس هذا الهم من وحي لما اتفق من عمر، وإنما هو عن اجتهاد، ومستند النظر فيه أنه من ارتكاب أخف الضررين، قال النواوي: وفي هذا الذي هم به النبي صلى الله عليه وسلم بيان لمراعاة المصالح؛ وتقديم الأهم فالأهم، وارتكاب أخف الضررين لدفع أضرهما والله أعلم. قال الأبي: والهم وسط بين العزم والخطرات التي لا تندفع اهـ. قال في المفهم: كان هذا الهم من النبي صلى الله عليه وسلم بحكم النظر المصلحي لا بالوحي، ألا ترى كيف عرض عمر بن الخطاب عليه مصلحة أخرى ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم رجحانها فوافقه عليها؛ وعمل بها ففيه دليل على العمل الصالح وعلى سماع رأي أهل العقل والتجارب، وعلى أن الأزواد والمياه إذا نفدت أو قلت جمع الإمام ما بقي منها وقوتهم به سواء، وهذا كنحو ما مدح به النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين فقال: "الأشعريون إذا قل زادهم جمعوه فاقتسموه بينهم بالسوية

قَال: فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أزْوَادِ الْقَوْمِ .. فَدَعَوْتَ الله عَلَيهَا، قَال: فَفَعَلَ، قَال: فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ فهم مني وأنا منهم". والنحر طعن لَبَّة الإبل ونحوها من كل ما طال عنقه عند التذكية بدل ذبح ما قصر عنقه من البقر والغنم ونحوهما وقوله (حمائلهم) رُوي بالحاء المهملة وبالجيم وكلاهما صحيح والحمائل بالحاء المهملة جمع حمولة بفتح الحاء ومنه قوله تعالى {حَمُولَةً وَفَرْشًا} وهي الإبل التي تُحمل عليها الأثقال وتسمى رواحل لأنها يُرحل عليها، وتسمى نواضح إذا استُقي عليها والبعير ناضح والناقة ناضحة قاله أبو عبيد، وبالجيم جمع جمالة بكسرها مثل حجر وحجارة، والجمل هو الذكر دون الناقة (قال) أبو هريرة (فقال) عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله لو جمعت ما بقي) بكسر القاف على وزان رضي وبفتحها على وزان سعى، والكسر لغة أكثر العرب وبها جاء القرآن الكريم والفتح لغة طيء، أي لو أمرت بجمع ما بقي (من أزواد القوم) في أيديهم فجمعت عندك (فدعوت الله) أي سألت الله سبحانه وتعالى إنزال البركة (عليها) أي على تلك البقية المجموعة وجواب لو الشرطية محذوف تقديره لكان أصلح لهم وأبقى، ويصح كونها للتمني أي نتمنى جمعك إياها فدعوتك عليها بالبركة والبركة زيادة الخير معنىً، قال النواوي: وفي هذا بيان جواز عرض المفضول على الفاضل ما يراه مصلحة لينظر الفاضل فيه فإن ظهرت له مصلحة فعله (قال) أبو هريرة (ففعل) النبي صلى الله عليه وسلم ما استشار به عمر فنادى في الناس فجمعوا ما بقي في أيديهم من الأزواد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على نطع مبسوطة عنده، قال النواوي: وفيه جواز خلط المسافرين أزودتهم وأكلهم منها مجتمعين، وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض، وجعله بعض أصحابنا سُنة اهـ. قال الأبي: في هذا الأخذ نظر لأن هذا جمع خاص لضرورة مع أن الأكل لم يكن من الأزودة بل من الزيادة ولا حق فيها لأحد ويأتي الكلام على جمع الأزودة في حديث الأشعريين إن شاء الله تعالى. قال القرطبي: وفيه أن الأزودة والمياه إذا قلت يجمع الإمام ما بقي منها ويقوتهم منه بالسوية، قال الأبي وفيه من النظر ما تقدم (قال) أبو هريرة (فجاء ذو البر) أي

بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ، قَال: وَقَال مُجَاهِدٌ: وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ، قُلْتُ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى؟ قَال: كَانُوا يَمُصُّونَهُ ويشْرَبُونَ عَلَيهِ الْمَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب القمح (ببره) أي بما بقي عنده من بره وقمحه (و) جاء (ذو التمر) أي صاحبه (بتمره) أي بما بقي عنده من تمره (قال) طلحة بن مصرف (وقال مجاهد) بن جبر في روايته عن أبي هريرة أي زاد على ما رواه لنا أبو صالح لفظة (و) جاء (ذو النواة) أي صاحب نوى التمر (بنواه) أي بالنوى الذي بقي عنده، قال القرطبي: قوله (وذو النواة بنواه) كذا الرِّواية في النوى بالتأنيث في الأوَّل وهو بمعنى النوى، ومعناه (وذو النوى بنواه) كما قال: (وذو البُرِّ ببُرِّه، وذو التمر بتمره) اهـ. والنوى لب التمر الذي لا يؤكل، قال القاضي عياض قوله (قال وقال مجاهد) فاعل قال طلحة بن مصرف، وقال مجاهد مقول محكي لقال أي قال طلحة لفظة وقال مجاهد ... إلخ. قال النواوي: قال الشَّيخ أبو عمرو وجدته في كتاب أبي نُعيم المُخرج على صحيح مسلم وذو النواة بنواه، قال: وللواقع في كتاب مسلم وجه صحيح، وهو أن يجعل النواة عبارة عن جملة من النوى أفردت عن غيرها كما أطلق اسم الكلمة على القصيدة أو تكون النواة من قبيل ما يستعمل في الواحد والجمع اهـ. قال مجاهد (قلت) لأبي هريرة (وما كانوا) أي وأي شيء كان الأصحاب (يصنعون) ويفعلون (بالنوى) ويستفيدون منه، هل يدقونه ويأكلون دقيقه أو يأكلون بقايا لحوم التمر منه، و (ما) في قوله (وما كانوا) استفهامية في محل نصب مفعول مقدم وجوبًا ليصنعون، وكان زائدة بين الفعل ومفعوله، أي وأي شيء يصنعون بالنوى، ويحتمل أصالتها، وجملة يصنعون خبرها (قال) أبو هريرة لمجاهد (كانوا) أي كان الأصحاب (يمصونه) أي يمصون النوى ويلتذون ما بقي عليه من طعم التمر (ويشربون عليه) أي على النوى (الماء) العذب ويقتاتون بذلك لضيق حالهم وفراغ ما عندهم من الزاد. وقوله (يمصونه) في الميم الفتح والضم وهما معًا مضارع مصصت بكسر الصاد، وأمَّا مَصَصْتُ بفتحها فمضارعه بضم الميم لا غير، وفي الأمر من نحو مَصَّ الرمانة ومَصَّها خمس لغات على ما ذكره ثعلب فتح الميم مع فتح الصاد وكسرها وضم الميم مع الحركات الثلاث في الصاد، والمعروف في مصها مما اتصل بضمير المؤنثة المفردة فتح

قَال: فَدَعَا عَلَيهَا حَتَّى مَلأَ الْقَوْمُ أَزْودَتَهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصاد ويجوز كسرها وضمها اهـ أبي. وفي المختار مَصَّ الشيء يمصه بالفتح مصًا وامتصه أيضًا والتمصص المص في مهلة، وأمصه الشيء فمصه والمصمصة المضمضة ولكن بطرف اللسان والمضمضة بالفم كله وفي الحديث: "كُنَّا نمصمص من اللبن ولا نمصمص من التمر" اهـ. (قال) أبو هريرة (فدعا) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (عليها) أي على تلك الأزودة المجموعة البركة، أي دعا الله عزَّ وجلَّ إنزال البركة وجعلها فيها والبركة كثرة الشيء معنى لا حسًّا. وقوله (حتَّى ملأ القوم) غاية لمحذوف دل عليه ما سيأتي في الرّواية الآتية تقديره، فدعا عليها ثم قال خذوا منها في أوعيتكم فأخذوا منها في أوعيتهم حتَّى ملأ القوم أوعية (أزودتهم) الفارغة من الزاد، فالكلام على حذف مضاف ففيه مجاز بالحذف فالعلاقة المحلية. قال القرطبي: قوله (حتَّى ملأ القوم أزودتهم) هكذا الرِّواية وصوابه مزاودهم فإنَّها هي التي تملأ بالأزودة، وهي جمع زاد: وهو ما يحمله المسافر معه في السَّفر من الطَّعام والماء والمزاود جمع مزادة: وهي ما يحمل فيه الزاد من الأوعية والأزودة لا تملأ بل إنَّما تُملأ بها أوعيتها فسمى المزاود أزودة لأنها تُجعل فيها على عادتهم في تسمية الشيء باسم محله كقولهم: سأل الوادي، وإنَّما السائل السيل لا الوادي، وقد عبر عنها في الرِّواية الأخرى بالأوعية اهـ بتصرف. قال ابن الصلاح: الأزودة جمع زاد: وهي لا تملأ إنَّما تُملأ بها أوعيتها قال: ووجهه عندي أن يكون المراد حتَّى ملأ القوم أوعية أزودتهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه اهـ. قال القاضي عياض: قوله (أزودتهم) كذا الرِّواية وهي جمع زاد ولعلّه مزاودهم كما قال في الآخر أوعيتهم، أو يكون من تسمية الشيء باسم ما يحله كتسمية النساء ظعائن، وإنَّما الظعائن الهوادج التي تحملهن، وتسمية الأسقية الروايا، وإنَّما الروايا الإبل التي تحملها، قال الأبي: فيكون من مجاز المجاورة. قال القاضي عياض: تكثير القليل من أعلام نبوته صَلَّى الله عليه وسلم المتواترة،

قَال: فَقَال عِنْدَ ذَلِكَ: "أشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَني رَسُولُ الله، لَا يَلقَى الله بِهِمَا عَبْدٌ غَيرَ شَاكٍّ فِيهِمَا .. إِلا دَخَلَ الْجَنةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استوفينا أحاديثه في "الشفا" وأيضًا فإن خبر صحابي بحضرة ملئهم عن واقع شاهده الجميع ولم ينكروه مع أنهم لا يقرون على منكر يتنزل منزلة التواتر لأنَّ سكوتهم كالنطق، قال الأبي: إلَّا أن الفرق بينه وبين التواتر؛ أن التواتر يفيد العلم بنفسه، والخبر المذكور يفيده بالعادة، ثم الأظهر في التكثير أنَّه إنَّما وقع في النوع المُقتات غالبًا، وكأن الشيخ يختار أن التكثير وقع في الجميع ولا يظهر لأنَّ غير المُقتات كالنوى إنَّما يُحتاج إليه عند الضرورة وقد ارتفعت، وكيفية التكثير يحتمل أنها بإعادة أمثال ما يُرفع أو أنها بتزييد الأمثال دفعة اهـ أُبي. قال السنوسي: قوله إنَّما يُحتاج إليه عند الضرورة كأنه قصر الحاجة في النوى على مصه عند الضرورة وكأنه لا فائدة له إلَّا ذلك، وقد تكون الفائدة فيه هنا التكثير من الخارق وعلامة النبوة. أو إعداده لعلف رواحلهم، وقول مجاهد: وذو النوى بنواه يدل على أن التكثير وقع في الجميع، كما ذكر عن الشَّيخ ابن عرفة، وقد يحتمل أن فائدة إحضار النوى أنَّه صار بدعوته صَلَّى الله عليه وسلم تمرًا كغيره، والفرق بين هذا الاحتمال والاحتمال الذي اختار الأبي ظاهرٌ، وهو أقرب من احتماله من حيث إنه ظهرت به الفائدة لإحضار ذي النوى نواه بخلاف احتماله ولا ينافي هذا الاحتمال قوله في الحديث: وما كانوا يصنعون بالنواة، قال يمصونه ويشربون عليه الماء لأنَّ المراد بقوله يمصونه حكاية ما مضى من فعلهم. (قال) أبو هريرة (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (عند ذلك) أي عندما ملؤوا أوعيتهم (أشهد أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله) سبحانه وتعالى حقًّا، تعجبًا من إجابة هذه الدعوة وظهور هذه البركة ثم قال (لا يلقى الله) سبحانه (بهما) أي بهاتين الشهادتين، ولقاؤه كناية عن موته كما مر (عبد) من عباد الله تعالى فاعل يلقى، حالة كونه (غير شاك) حال من عبد لتخصصه بصفة محذوفة كما قدرنا أي غير متردد (فيهما) أي في معناهما (إلَّا دخل الجنَّة) إن كان بريئًا من الكبائر أو تاب عنها أو عفا الله عنها وإلا فبعد العقوبة على ذنبه؟ وحديث أبي هريرة هذا ذكره المؤلف استشهادًا به لحديث عثمان

47 - (00) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوَيةَ، قَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي استدل به على الترجمة، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة مما انفرد المؤلف بروايته عن أصحاب الأمهات وغيرهم، ولذلك أورده على سبيل الاستشهاد لا على سبيل الاستدلال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (47) - متا (00) (حدَّثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري نزيل الري روى عن أبي معاوية ويزيد بن زُريع وغيرهما، ويروي عنه (م) والحسن بن سفيان، وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال في التقريب: أحد الحُفاظ له غرائب، من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا. (و) حدَّثنا أيضًا (أبو كريب محمَّد بن العلاء) بن كُريب الهمداني الكوفيِّ مشهور بكنيته، أحد الأثبات المكثرين، ثقة من العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا. وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، لأنَّ سهل بن عثمان صدوق أو ثقة له غرائب كما مر آنفًا وأكد بقوله (جميعًا) أي حالة كونهما مجتمعين في الرِّواية عن أبي معاوية إشعارًا بأنه شاك في بقاء من روي له عن أبي معاوية، أي كلاهما (عن أبي معاوية) محمَّد بن خازم التميمي مولاهم الضَّرير الكوفيِّ عَمِي وهو صغير ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، وقد رُمي بالإرجاء، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا، وأتى بقوله (قال أبو كريب حدَّثنا أبو معاوية) تورعًا من الكذب على أبي كريب ببيان صيغته لأنَّه أتى بصيغة السماع لا بالعنعنة (عن) سليمان بن مهران الملقب بـ (ـالأعمش) الكاهلي مولاهم أبي محمَّد الكوفيِّ، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورعٌ لكنَّه يدلس من الخامسة مات في ربيع الأوَّل سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات، مولى جُويرية بنت الحارث امرأة من قيس، المدني ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -شَكَّ الأَعْمَشُ- قَال: لَما كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر قال الأعمش (أو) قال أبو صالح (عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك بن سنان بن خدرة بضم الخاء المعجمة له ولأبيه صحبة، مات بالمدينة سنة (65) خمس وستين وقيل: أربع وسبعين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (شك الأعمش) فيما سمعه عن أبي صالح هل قال عن أبي هريرة أو قال عن أبي سعيد الخدري، فأتى بالصيغتين لاحتمال وقوع كل منهما عن أبي صالح. قال القاضي عياض: وهذا السند أيضًا مما استدرك به الدارقطني على المؤلف بأن الأعمش شَكَّ، قال النواوي: أجاب ابن الصلاح بأن الشَّك في عين الراوي العدل لا يقدح في صحة الحديث لأنَّ القصد النقل عن ثقة وقد حصل، قال الخطيب البغدادي: وإذا قال الراوي حدثني فلان أو فلان قُبِلَ بلا خلاف، وإذا صح ذلك في غير الصحابي ففي الصحابي أجدر وأولى انتهى. وهذا السند من خماسياته، ورجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمش لطلحة بن مصرف في رواية هذا الحديث عن أبي صالح، وكرر متن الحديث لما في هذه الرِّواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وبالزيادة. (قال) أبو هريرة أو أبو سعيد (لما كان غزوة تبوك) أي زمن غزوة تبوك لا اليوم نفسه، قال النواوي: هكذا ضبطناه يوم غزوة تبوك، والمراد باليوم هنا الوقت والزمان لا اليوم الذي هو ما بين طلوع الفجر وغروب الشَّمس، وليس في كثير من الأصول أو أكثرها ذكر اليوم هنا، وأمَّا الغزوة فيقال فيها أيضًا الغزاة، وأمَّا تبوك فهي من أدنى أرض الشام إلى الحجاز (قال السهيلي) وكان سبب هذه الغزاة أن قومًا من اليهود أتوا النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم إن كنت صادقًا في أنك نبي فالحق بالشام فإنَّها أرض الأنبياء والمحشر فصدقهم فغزا لا يريد إلَّا الشام فبلغهم فلما بلغ تبوك أنزل الله سبحانه آيات من سورة بني إسرائيل بعدما ختمت {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} فأمر بالرجوع إلى المدينة فرجع وسميت تبوك باسم عين فيها هنالك وهي التي أمر النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أن لا يمس أحدٌ من مائها شيئًا فسبق إليها رجلان وهي تَبِضُّ

أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا .. فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا، فَأكَلْنَا وَاذَهَنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بشيء من الماء فجعلا يُدخِلان فيها سَهمَيهِما ليكثر ماؤها فسبهما النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وقال ما زِلْتُما تبوكَانها (¬1) منذ اليوم فسميت تبوك من ذلك اليوم اهـ الأبي. (أصاب النَّاس) أي أخذ الأصحاب الذين مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (مجاعة) وحلت بهم فاقة والمجاعة بفتح الميم مصدر ميمي وهو الجوع الشديد (فقالوا) بالفاء في نسخة شرحها الأبي وفي نسخة شرح النواوي وأكثر المتون (قالوا) بلا فاء أي قال النَّاس الذين معه صَلَّى الله عليه وسلم على سبيل المشاورة (يا رسول الله لو أذنت لنا) في نحر نواضحنا لنأكل لحومها لسد ما حل بنا من الجوعة (فنحرنا) وذكينا (نواضحنا) وإبلنا التي نركبها ونحمل عليها أمتعتنا (فأكلنا) لحومها (وادهنا) أي واتخذنا من شحومها دهنًا ندهن به ونستصبح به وجواب لو الشّرطيّة محذوف تقديره لكان خيرًا ومصلحة لنا، قوله (لو أذنت لنا) أي لو أمرتنا بنحرها وأكل لحمها والنواضح من الإبل التي يُستقى عليها قال أبو عبيد الذكر منها ناضح والأنثى ناضحة كما مر، قوله (وادهنا) ليس المقصود منه ما هو المعروف من الإدهان والتمسح بالدهن وإنَّما معناه اتخذنا دهنا من شحومها نتأدم منها ونستصبح بها، وعبارة الأبي ومعنى ادهنا أخذنا الشحم من لحومها وقولهم (لو أذنت لنا) هذا من أحسن آداب خطاب الكبار والسؤال منهم فيقال لو فعلت كذا أو أمرت بكذا لو أذنت في كذا وأشرت إلى كذا وجواب لو محذوف لعلمه من السياق تقديره لو أذنت لنا لكان خيرًا لنا أو لكان صوابًا ورأيًا متينًا أو مصلحة ظاهرة وما أشبه ذلك وهذا أجمل من قولهم للكبير افعل كذا بصيغة الأمر. وقوله هنا (لو أذنت لنا) يعارض ما مر في الرّواية السابقة من قولهم (حتَّى هم بنحر حمائلهم) لأنَّ الاستئذان المذكور هنا يدل على أنهم هموا أولًا قبل النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وما سبق يدل على أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم هم أولًا فبينهما معارضة، فكيف يجمع بين الروايتين (قلت) يجمع بينهما بأنهم استأذنوا له أولًا فهم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بذلك. ¬

_ (¬1) قوله (تبوكانها) من باك يبوك من باب قال: يقال باك العين إذا ثور ماءها وحركه بعود ونحوه ليخرج اهـ قاموس.

فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلم: "افْعَلُوا"، قَال: فَجَاءَ عُمَرُ فَقَال: يَا رَسُولَ الله؛ إِنْ فَعَلْتَ .. قَلَّ الظهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ الله لَهُمْ عَلَيهَا بِالْبَرَكَةِ، لَعَل الله أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "نَعَمْ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحديث أنَّه لا ينبغي للعسكر من الغزاة أن يضيعوا دوابهم التي يستعينون بها في القتال بغير إذن الإمام ولا يأذن لهم إلَّا إذا رأى مصلحة أو خاف مفسدة ظاهرة لأنَّ في تضييعها إضعافًا لهم وكذلك ما يخاف من تضييعه في الحضر فوقه مصلحة عامة كبيع السلاح ونحوه (فقال) لهم (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم افعلوا) ما قلتم من نحرها وأكل لحمها والادهان بشحومها (قال) أبو هريرة أو أبو سعيد الخدري (فجاء عمر) بن الخطاب إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم (فقال) له صَلَّى الله عليه وسلم على سبيل المشاورة (يا رسول الله إن فعلت) ما طلبوا منك وأذنت لهم فيه فنحروا وأكلوا لحمها (قل الظهر) والمركوب لهم، وفي ذلك ضياعهم، قال النواوي: وفي قول عمر هذا جواز الإشارة على الأئمة والرؤساء، وأن للمفضول أن يشير عليهم بخلاف ما رأوه إذا ظهرت مصلحته عنده، وأن يُشير عليهم بإبطال ما أمروا بفعله، والمراد بالظهر هنا الدواب سميت بذلك لكونها يُركب على ظهرها أو لكونها يستظهر بها ويستعان بها على السَّفر انتهى. (ولكن ادعهم) يا رسول الله أي ادع النَّاس وناد فيهم بالإتيان إليك ببقايا أزوادهم فيأتوا إليك (بفضل أزوادهم) أي بما فضل وبقي عندهم من بقية أزوادهم (ثم) بعد إتيانهم إليك ببقايا أزوادهم وجمعها عندك (ادع الله) سبحانه وتعالى (لهم) أي لأجلهم (عليها) أي على تلك البقايا المجموعة (بالبركة) والزيادة فيها والإكثار منها معنىً، والبركة زيادة الشيء وكثرته معنى لا حسًّا (لعل الله) سبحانه وتعالى ونرجوه (أن يجعل في ذلك) المجموع من بقايا الأزواد بركة وزيادة وكثرة معنوية، فمفعول يجعل محذوف كما قدرناه لعلمه من السياق. قال النواوي (قوله أن يجعل في ذلك) هكذا وقع في الأصول التي رأينا وفيه محذوف تقديره يجعل في ذلك بركة أو خيرًا أو نحو ذلك فحذف المفعول به لأنَّه فضلة، وأصل البركة كثرة الخير وثبوته، وتبارك الله ثبت الخير عنده، وقيل غير ذلك اهـ. (فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) لعمر (نعم) حرف تصديق في الإثبات قائم

قَال: فَدَعَا بِنِطَع فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، قَال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، قَال: وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، قَال: وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكِسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ، قَال: فَدَعَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مقام الجواب تقديره أي سأفعل ما قلت لي على سبيل المشاورة من جمع بقايا الأزواد والدعاء عليها، قال الأبي: وهذا من النسخ قبل الفعل، لأنَّ إذنه الأوَّل إباحة، والإباحة حكم شرعي فرفعها نسخ انتهى. قال السنوسي: وفيه نظر لأنَّ الإباحة أولًا إنَّما كانت للضرورة وقد ارتفعت بما ظهر من البركة، وارتفاع الحكم لارتفاع سببه ليس بنسخ اهـ. (قال) أبو هريرة أو أبو سعيد (فدعا) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وطلب منهم (بنطع) أي بإحضار جلد مدبوغ وبسطه عنده ليجمع عليه الأزواد، والتطوع على وزان ضلع، بساط متخذ من أديم، وكانت الأنطاع تبسط بين أيدي الملوك والأمراء حين أرادوا قتل أحدٍ صبرًا ليصان المجلس من الدم وإليه أشار أبو الطَّيِّب بقوله: إذا ضرب الأمير رقاب قوم ... فما لكرامة مد النطوعا وفيه أربع لغات مشهورة أشهرها كسر النون مع فتح الطاء، والثانية فتحهما، والثالثة فتح النون مع إسكان الطاء، والرابعة كسر النون مع إسكان الطاء؛ أي فدعا بنطع فأحضر (فبسطه) أي فأمر ببسطه وفرشه (ثم دعا) ونادى في النَّاس (بفضل أزوادهم) أي بجمع بقايا أزوادهم على ذلك النطع (قال) أبو هريرة أو أبو سعيد (فجعل الرجل) منهم أي شرع أن (يجيء) ويحضر (بكف ذرة) وحفنتها ومدها ويحتمل كون جعل من أفعال الشروع كما فسرنا، وكونه من أخوات صار أي صار حاضرًا بكف ذرة والذرة بضم الذال وتخفيف الراء المفتوحة حب مقتات معروف لها أنواع كثيرة تصل إلى ثلاثين نوعًا، وهي في أصلها نوعان ذرة حبشية وهي كبار الحبوب وذرة شامية وهي صغار الحبوب، وأصغرها حبًا نوع يسمى بالدخن (قال) أبو هريرة (ويجيء) الرجل (الآخر بكف تمر) أي بمد تمر وحفنته (قال) أبو هريرة (ويجيء الآخر بكسرة) خبز وقطعتها، وقوله (حتَّى اجتمع) غاية لمحذوف أي فجمعوها حتَّى اجتمع (على النطع) المفروش (من ذلك) الطَّعام المجموع (شيء يسير) أي شيء قليل لا يسعهم عادة. (قال) أبو هريرة (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه) أي على ذلك

بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَال: "خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُم"، قَال: فَأخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وعَاء إلا مَلَؤُوهُ، قَال: فَأَكَلُوا حتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَتْ فَضْلَة، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى الله بِهِمَا عَبْدٌ غَيرَ شَاكٍّ .. فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المجموع في النطع (بالبركة) أي طلب من الله تعالى بذل وافتقار بإنزال البركة والنماء المعنوي فيه بحيث يكفي ذلك الشيء اليسير كلهم ببركة دعائه صَلَّى الله عليه وسلم (ثم) بعد دعائه على ذلك المجموع (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لكل منهم (خذوا) من هذا المجموع اليسير كل بقدر حاجته واجعلوه (في أوعيتكم) أي في ظروفكم ومزاودكم وأوانيكم جمع وعاء وهو الإناء الذي يوعى ويحفظ فيه الطَّعام (قال) أبو هريرة (فأخذوا) أي فأخذ كل منهم من ذلك المجموع اليسير قدر حاجته وجعلوه (في أوعيتهم) ومزاودهم وملؤوا كل ما عندهم من الأواني والأوعية (حتَّى ما تركوا) أي حتَّى لم يتركوا (في العسكر) والجيش (وعاء) وإناء فارغًا (إلَّا ملؤوه) أي إلَّا ملؤوا ذلك الوعاء الفارغ من ذلك الطَّعام المجموع وجعلوه مملوءًا بالطعام (قال) أبو هريرة (فكلوا) أي عقب ما ملؤوا الأوعية أكلوا مما بقي على النطع (حتَّى شبعوا) وملؤوا بطونهم من أكل ذلك الطَّعام (وفضلت) بكسر الضَّاد وفتحها لغتان مشهورتان فيه أي بقيت (فضلة) وبقية أي شبعوا وفضل منهم شيء فاضل بعد أكلهم وشبعهم (فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) عند ذلك (أشهد أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله) حقًّا إلى كافّة الثقلين، وقال أيضًا (لا يلقى الله) سبحانه وتعالى (بهما) أي بهاتين الشهادتين (عبد) من عباد الله تعالى حالة كونه (غير شاك) ولا متردد فيهما والفاء في قوله (فيحجب) أي يمنع، عاطفة سببية، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره لا يكون لقاء عبد ربه بهما حالة كونه غير متردد فيهما فحجبه (عن الجنَّة) وهو بضم الياء وفتح الجيم على صيغة المبني للمفعول وعبارة المفهم هنا (قوله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنَّة) يعني كلمتي التوحيد المتقدمتين (ويحجب) يمنع ورويناه بفتح الباء ورفعها، فالنصب بإضمار أن بعد الفاء في جواب النفي وهو الأظهر والأجود وفي الرَّفع إشكال لأنَّه يرتفع على أن يكون

48 - (28) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره فهو يحجب وهو نقيض المقصود فلا يستقيم المعنى حتَّى تقدر لا النافية؛ أي فهو لا يحجب، ولا تحذف لا النافية في مثل هذا والله أعلم. وظاهر هذا الحديث أن من لقي الله وهو يشهد أن لا إله إلَّا الله وحده دخل الجنَّة ولا يدخل النَّار، وهذا صحيح فيمن لقي الله تعالى بريئًا من الكبائر، فأمَّا من لقي الله تعالى مرتكب كبيرة ولم يتب منها فهو في مشيئة الله تعالى التي دل عليها قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الصحيحة المفيدة بكثرتها حصول العلم القطعي، أن طائفة كثيرة من أهل التوحيد يدخلون النَّار ثم يخرجون منها بالشفاعة أو بالتفضل المعبر عنه بالقبضة في الحديث الصَّحيح المتفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري، أو بما شاء الله تعالى فدل ذلك على أن الحديث المتقدم ليس على ظاهره فيتعين تأويله، ولأهل العلم فيه تأويلان: أحدهما أن هذا العموم يراد به الخصوص ممن يعفو الله تعالى عنه من أهل الكبائر ممن يشاء الله تعالى أن يغفر له ابتداءً من غير توبة كانت منهم ولا سبب يقتضي ذلك غير محض كرم الله تعالى وفضله، كما دل عليه قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وهذا على مذهب أهل السنة والجماعة خلافًا للمبتدعة المانعين تفضل الله تعالى بذلك، وهو مذهب مردود بالأدلة القطعيّة العقلية والنقلية وبسط ذلك في علم العقائد. وثانيهما: أنهم لا يُحجبون عن الجنَّة بعد الخروج من النَّار، وتكون فائدته الإخبار بخلود كل من دخل الجنَّة فيها، وأنَّه لا يُحجب عنها ولا عن شيء من نعيمها والله تعالى أعلم انتهى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عثمان بن عفَّان بحديث عبادة بن الصَّامت رضي الله تعالى عنهما فقال: (48) - (28) (حدَّثنا داود بن رُشيد) بالتصغير الهاشمي مولاهم أبو الفضل الخوارزمي نزيل بغداد، روى عن الوليد بن مسلم وصالح بن عمر ويحيى بن سعيد الأموي وهُشيم وإسماعيل بن عليه ومروان بن معاوية وغيرهم، ويروي عنه (م) و (خ) عن رجل فرد حديث و (د س ق) وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات لستٍ خلت

حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ -يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ- عَنِ ابن جَابِرٍ، قَال: حَدَّثَنِي عُمَيرُ بْنُ هَانِئٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من شعبان سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصَّلاة في موضعين والجنائز والبيوع واللباس والصوم، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة. قال داود (حدَّثنا الوليد) بن مسلم القرشي الأموي مولاهم أبو العباس الدّمشقيّ عالم الشام، روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي وشيبان ومحمد بن مطرف وغيرهم، ويروي عنه (ع) وداود بن رُشيد وإسحاق بن موسى الأنصاري وزهير بن حرب ومحمد بن مهران الرَّازي وإسحاق الحنظلي وغيرهم، قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة لكنَّه كثير التدليس، أعني تدليس التسوية، وهو أن يسقط من سنده غير شيخه لكونه ضعيفًا أو صغيرًا، ويأتي بلفظ محتمل أنَّه عن الثقة الثَّاني تحسينًا للحديث، وهو شر أقسام التدليس، من الثامنة كان مولده سنة (119) تسع عشرة ومائة، ومات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصَّلاة في موضعين والجنائز في موضعين والعتق والجهاد في موضعين والفتن، روى عنه في ستة أبواب تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن مسلم) إشعارًا بأنه لم يسمع هذه النسبة من شيخه، (عن) عبد الرحمن بن يزيد (ابن جابر) نُسب إلى جده لشهرته به الأزدي أبي عتبة الدّمشقيُّ الداراني، روى عن عُمير بن هانئ والقاسم بن مخيمرة وبُسر بن عبيد الله ورُزيق بن حيان مولى ابن فزارة ومسلم بن عامر وطائفة ويروي عنه (ع) والوليد بن مسلم الدّمشقيُّ ويحيى بن حمزة وابن المبارك وابنه عبد الله بن عبد الرحمن وخلق، قال ابن أبي داود: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والجنائز والجهاد في ثلاثة مواضع وفي الأحكام وفي صفة الحشر والفتن، روى عنه في ستة أبواب (قال) ابن جابر (حدثني عُمير بن هانئ) العنسي بسكون النون ومهملتين أبو الوليد الدّمشقيُّ الداراني، روى عن جُنادة بن أبي أميَّة ومعاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة، ويروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وعبد الرحمن بن ثابت وثقه العجلي، قال أبو داود: قُتل صبرًا بداريا أيَّام يزيد بن الوليد سنة (127) سبع وعشرين ومائة، وقيل: المقتول ابنه، وقال في التقريب: ثقة من كبار الرابعة، روى عنه المؤلف في بابين فقط في الإيمان والجهاد.

قَال: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَال: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحْ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عمير (حدثني جنادة بن أبي أميَّة) الأزدي أبو عبد الله الدّمشقيُّ مختلف في صحبته واسم أبي أميَّة كثير روى عن عبادة بن الصَّامت وعمر وعلي في (ع) ويروي عنه (ع) وعمير بن هانئ وبُسر بن سعيد وابنه سليمان، قال العجلي: تابعي ثقة مات سنة (67) سبع وستين، روى عنه المؤلف في بابين في الإيمان والجهاد، قال جنادة بن أبي أميَّة (حدَّثنا عبادة بن الصَّامت) بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وزيادة هاء في آخره بن قيس بن أصرم بن فهو بن غَنْم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري أبو الوليد الدّمشقيُّ شهد العقبتين وبدرًا وهو أحد النقباء له مائة وأحدٌ وثمانون حديثًا (181) اتفقا منها على ستةٍ وانفرد (خ) بحديثين وكذا (م) يروي عنه جُنادة بن أبي أميَّة وعبد الرحمن بن عُسيلة الصنابحي ومحمود بن الرَّبيع وأبو إدريس الخولاني وأبو الأشعث الصنعاني وخلق، وقال في التقريب: يدري مشهور مات بالرملة سنة (34) أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون سنة روى عنه المؤلف في الإيمان والجهاد والصلاة والبيوع والحدود في موضعين، روى عنه في خمسة أبواب، وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم شاميون إلَّا داود بن رشيد فإنَّه خوارزمي سكن بغداد (قال) عبادة بن الصَّامت (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من قال) عن صميم قلبه (أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده) أي حالة كونه منفردًا في ذاته وصفاته وحالة كونه (لا شريك له) في أفعاله (و) أشهد (أن محمدًا عبده) لا شريكه (ورسوله) لا ابنه (و) أشهد (أن عيسى) ابن مريم (عبد الله) لا شريكه (وابن أمته) مريم بنت عمران لا ابنه كما تزعمه النصارى (وكلمته) أي كلمة الله سبحانه (ألقاها) أي أوصلها (إلى مريم) بنت عمران أي مخلوق بكلمة كن لا بواسطة أب كغيره من بني آدم ألقاها أي أوصل موجب تلك الكلمة، وهو ذات عيسى إلى رحم مريم وأوجده فيه (وروح) نفخ (منه) سبحانه في رحم مريم، قال النواوي: هذا حديث عظيم الموقع، وهو أجمعُ أو من أجمعِ الأحاديث المشتملة على العقائد فإنَّه صَلَّى الله عليه وسلم جمع فيه ما يُخرِج عن جميع ملل الكفر على اختلافِ عقائدهم وتباعدِها فاختصر صَلَّى الله عليه وسلم في هذه الأحرف على ما يباين به جميعهم وسُمي عيسى عليه السَّلام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلمةً لأنَّه كان بكلمة بن فحسب من غير أب بخلاف غيره من بني آدم، قال الهروي: سُمي كلمة لأنَّه كان وحصل عن الكلمة فسُمي بها كما يقال للمطر رحمة لأنَّه حصل برحمة الله وإحسانه على عباده قال الهروي وقوله تعالى (وروح منه) أي رحمة منه، قال: وقال ابن عرفة أي ليس من أب إنَّما نفخ في أمه الروح، وقال غيره (وروح منه) أي مخلوقة من عنده وعلى هذا يكون إضافتها إليه إضافة تشريف كناقة الله وبيت الله، وإلا فالعالمُ له سبحانه وتعالى ومِن عندِهِ والله أعلم انتهى. وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن أردت الخوض فيه، قال الأبي: قوله في حديث عُبادة بن الصَّامت (من قال أشهد أن لا إله إلَّا الله) إلخ لا يشترط في داخل الإسلام المنطق بلفظة أشهد ولا التعبير بالنفي والإثبات، فلو قال الله واحد ومحمد رسول الله كفى، وأمَّا كون المنطق بذلك شرطًا في حصول الثواب المذكور فمحتمل اهـ. وقوله (أن عيسى) إلى آخره قال القاضي عياض: سُمي عيسى كلمة لأنَّه كان عن كلمة الله تعالى ثم اختلف فيها، فقيل هي كلمة كُن، وقيل هي التي بشر بها الملك مريم، فمعنى ألقى على هذا الأخير أعلمها، وسُمي روح الله لأنَّه حدث عن نفخ جبريل عليه السَّلام في درع أمه من أمر الله تعالى فنسبه الله إليه وسُمي الرِّيح روحًا لأنه ريح يخرج عن الروح، وقيل المراد بكونه روحًا أنَّه حياة، وقيل رحمة، وقيل برهان لمن اتبعه، وقيل لأنَّه نُفخت فيه الروح دون أبٍ كما قال في آدم عليه السَّلام {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}. قال الأبي: قيل إن ذكر "عبده ورسوله" تعريض بالنصارى فيما ادعت من البنوة والتثليث وباليهود فيما قذفت به مريم عليها السَّلام وأنكرت من رسالته. وسمع بعض عظماء النصارى قارئًا يقرأ {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} فقال: هذا دين النصارى، يعني هذا يدل على أنَّه بعض منه تعالى، فأجابه الحسن بن علي بن واقد صاحب كتاب النظائر بأن الله تعالى يقول {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} فلو أريد بروح منه أنَّه بعضه كان ما في السموات وما في الأرض بعضًا منه، وإنَّما يريد بروح منه أنَّه من إيجاده وخلقه فأسلم النصراني اهـ.

وَأَن الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ .. أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القرطبي: قوله (وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم) هذا الحديث مقصوده إفادة التَّنبيه على ما وقع للنصارى من الغلط في عيسى وأمه عليهما السَّلام والتحذير عن ذلك بأن عيسى عبد الله لا إله ولا ولد، وأمه أمة الله تعالى ومملوكة له، لا زوجة، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوًا كبيرًا. ويستفاد من هذا ما يلقنه النصراني إذا أسلم، وقد اختلف في وصف عيسى بكونه كلمة، فقيل لأنَّه تكوَّن بكلمة كن من غير أب، وقيل لأنَّ الملك جاء أمه بكلمة البشارة به عن الله تعالى، وهذان القولان أشبه ما قيل في ذلك، ومعنى ألقاها أي أعلمها بها، يقال: ألقيت عليك كلمة أي أعلمتك بها، وسُمي عيسى روح الله لأنَّه حدث عن نفخة الملك وإضافته إلى الله تعالى لأنَّ ذلك النفخ كان من أمره وقدره. وسُمي النفخ روحًا لأنه ريح يخرج من الروح، قاله المكيون، وقيل: سُمي عيسى بذلك لأنه روى لمن اتبعه، وقيل لأنَّه تعالى خلق فيه الروح من غير واسطة أبٍ كما قال في آدم {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}. (و) أشهد (أن الجنَّة) دار الكرامة (حق) أي أمر ثابت موجود مخلوق (و) أشهد (أن النَّار حق) أي ثابت موجود مخلوق، قال السنوسي: ولعل فائدة ذكر الجنَّة والنار أيضًا التخلص من عقائد الدهرية ومن يقول بنفي المعاد البدني لأنَّه قد قال به بعض من يُعد نفسه من المسلمين وليس منهم، وعطف جملة قوله (وأن عيسى) إلخ شبه عطف خاص على عام اعتناء بشأنها لما عرض فيها من الجهالات ولأن استحضار الجزئيات في ضمن كلياتها، واللوازم الخفية عند حضور ملزوماتها مما يحتاج إلى زيادة تنبيه ودقة نظر، وإلا فذكر كلمتي الشهادة مع تحقُّق معناهما على ما يجب يتضمن جميع ذلك. وقوله (أدخله الله) سبحانه وتعالى جواب من الشّرطيّة في قوله (من قال) أي أدخل الله سبحانه وتعالى ذلك القائل دار الكرامة (من أي أبواب الجنَّة شاء) أي من إحدى الأبواب الثمانية في الجنَّة شاء الدخول منها تكرمة له بسبب هذا الذكر؛ أي يخير في الدخول من أيها شاء تكرمة له، ولكنه يدخل من الباب الذي سبق في علمه تعالى دخوله منه. قال الأبي: ولا يعارض هذا الحديث حديث إن في الجنَّة بابا يقال له باب الريان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يدخله إلَّا الصائمون لأنَّه يقتضي أن هذا القائل لو أراد الدخول منه لم يمكن لأنَّه لا يلزم من التخيير الدخول فإنَّه قد يخير ولا يخلق الله تعالى عنده إيثار الدخول منه انتهى. قال القرطبي: قوله (أدخله الله من أي أبواب الجنَّة شاء) ظاهر هذا يقتضي أن قول هذه الكلمات يقتضي دخول الجنَّة والتخيير في أبوابها وذلك بخلاف ما ظهر من حديث أبي هريرة الآتي في كتاب الزكاة فإن فيه ما يقتضي أن كل من كان من أهل الجنَّة إنَّما يدخل من الباب المعين للعمل الذي كان يعمله غالبًا الداخل فإنَّه قال فيه: فمن كان من أهل الصَّلاة دُعي من باب الصَّلاة ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وهكذا الجهاد، والجمع بين الظاهرين أن كل من يدخل الجنَّة مخير في الدخول من أي باب شاء غير أنَّه إذا عُرض عليه الأفضل في حقه دخل منه مختارًا للدخول منه من غير جبر عليه ولا منع له من الدخول من غيره ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، والله سبحانه وتعالى أعلم. (تنبيه): قالوا: والحكمة في كون أبواب الجنَّة ثمانية أنها على عدد خصال الإسلام المشهورة المذكورة في حديث جبريل عليه السَّلام ويزاد عليه الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن أكثر مما يناسب واحدًا منها كان من أهل بابه، ومن أكثر مما يناسب الجميع كان من أهل الأبواب الثمانية، والأبواب الثمانية طرقٌ للجنات الثمانية، كل باب طريق لجنة منها كما أن أبواب النَّار السبعة طرق لطبقاتها السبع، (وحكمة) كون أبواب النَّار سبعة على ما قال بعضهم أنها بعدد الجوارح التي يعصي المكلف بها وهي الفم والأنف والعين والأذن واليد والرجل والفرج وباقي البدن يرجع إلى هذه وهي الأصل أعاذنا الله تعالى بفضله من جميعها وجعلنا ممن يكرم بالدعاء من أبواب الجنَّة كلها بلا سبق محنة ومناقشة. ووجه التنعم بأبواب الجنَّة المدخول منها: إما التنعم بالجنات التي كل باب طريق لواحدة منها أو لأنَّه أُعد في كل باب من أنواع النعيم والمسرات ما لم يُعد في الآخر أو لإظهار الاعتناء برفع الحجر عمن مُكن من الدخول من جميعها أو لجميع ما ذكر وهو أظهر والله تعالى أعلم. وهذا الحديث أعني حديث عبادة بن الصَّامت مما انفرد الإمام

49 - (00) حَدَّثَنَا (¬1) أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الأوزَاعي، ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم من أصحاب الأمهات ثم ذكر المتابعة في هذا الحديث فقال: (49) - متا (00) (حدَّثنا أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد العبدي البغدادي أبو عبد الله المعروف بـ (الدُّورقيُّ) بفتح الدال والراء بينهما واو ساكنة نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس أخو يعقوب بن إبراهيم الدُّورقيُّ أصغر من أخيه بسنتين روى عن مبشر بن إسماعيل وعبد الصَّمد بن عبد الوارث وأبي داود الطَّيالسيُّ ويزيد بن زُريع وحفص بن غياث وغيرهم، ويروي عنه (م د ت ق) وبقي بن مخلد وعبد الله بن أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (246) ست وأربعين ومائتين عن ثمان وسبعين (78) سنة، وكان مولده سنة ثمان وستين ومائة (168). قال أحمد بن إبراهيم (حدَّثنا مبشر بن إسماعيل) بضم الميم وكسر المعجمة المشددة الكلبي مولاهم أبو إسماعيل الحلبي، روى عن الأوزاعي وجعفر بن بُرقان وصفوان بن عمرو وغيرهم ويروي عنه (ع) وأحمد بن إبراهيم الدُّورقيُّ وأحمد بن حنبل ومحمد بن مِهران الجمال ونصر بن عاصم وخلق، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، وقال في التقريب: صدوق من التاسعة مات بحلب سنة (200) مائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان فقط. (عن) عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الشامي أبي عمرو (الأوزاعي) نسبة إلى أوزاع بطن من حمير وقيل إن الأوزاع قرية بدمشق إذا خرجت من باب الفراديس، ويقال إنَّما قيل له الأوزاعي لأنَّه من أوزاع القبائل، روى عن عمير بن هانئ والزهري ويحيى بن أبي كثير وقتادة وعطاء وابن سيرين ومكحول ونافع وخلق، ويروي عنه (ع) ومبشر بن إسماعيل وعيسى بن يونس والوليد بن مسلم ويحيى القطان وخلق، وقال في التقريب: ثقة جليل من السابعة، مات في الحمام سنة (157) سبع وخمسين ومائة وكان من فقهاء أهل الشام وزهادهم، وقال إسحاق: إذا اجتمع الأوزاعي والثوري ومالك على أمر فهو سنة. ¬

_ (¬1) في نسخة: (حدثني).

عَنْ عُمَيرِ بْنِ هَانِئٍ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: "أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ"، وَلَمْ يَذْكُرْ: "مِنْ أَبي أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ" (¬1) ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ستة مواضع والزكاة والصوم والحج والبيوع في ثلاثة مواضع والنبوة والدعاء والهبة والجهاد والأشربة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا (عن عمير بن هانئ) العنسي أبي الوليد الدّمشقيُّ ثقة من كبار الرابعة وتقدم البسط في ترجمته قريبًا وأن المؤلف روى عنه في بابين فقط، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة الأوزاعي لابن جابر في رواية هذا الحديث عن عُمير بن هانئ، والجار والمجرور في قوله (في هذا الإسناد) وكذا في قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع بكسر الباء، ولفظة (في) في قوله (في هذا الإسناد) بمعنى الباء التي للتعدية، وعدل إليها فرارًا من تعلق حرفي جر متماثلين في اللفظ والمعنى بعامل واحد لو قال (بهذا الإسناد بمثله)، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع الذي هو ابن جابر، وهو التَّابعي والصحابي، والضمير في (بمثله) عائد إلى المتابَع بفتح الباء المذكور في السند السابق كما هو القاعدة المقررة في اصطلاحات مسلم وكذا في غيره، وهو ابن جابر والمعنى وحدثنا الأوزاعي بهذا الإسناد عن عمير بن هانئ بمثل ما حدث ابن جابر عن عمير بن هانئ، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأوَّل لأنَّ الأوزاعي أوثق من ابن جابر مع بيان محل اختلافهما في المتن، وهذا السند أيضًا من سداسياته ورجاله كلهم شاميون إلَّا أحمد بن إبراهيم فإنَّه دورقي. وتقدم لك أن المثل عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه إلَّا فيما استثنى بنحو قوله (غير أنَّه) أي لكن أن الأوزاعي (قال) في روايته لهذا الحديث (أدخله) أي أدخل (الله) سبحانه ذلك القائل (الجنَّة) دار الكرامة (على ما كان) أي مع ما وقع وحصل منه (من عمل) أي سواء كان عمله صالحًا أو سيئًا، أو سواء كان عمله الصالح قليلًا أو كثيرًا (ولم يذكر) الأوزاعي في روايته لفظة (من أي أبواب الجنَّة شاء) كما ذكره ابن جابر. قال القرطبي: قوله (على ما كان من عمل) أي يُدخله الجنَّة ولا بد سواء كان عمله صالحًا أو سيئًا وذلك بأن يغفر له السيء بسبب هذه الأقوال أو يربي ثوابها على ذلك ¬

_ (¬1) في نسخة: (أبواب الجنَّة الثمانية).

50 - (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيث عَنِ ابنِ عَجْلانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العمل السيء، وكل ذلك يحصل إن شاء الله تعالى لمن مات على تلك الأقوال، إما مع السلامة المطلقة وأمَّا بعد المؤاخذة بالكبائر على ما قررناه سابقًا اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبادة بن الصَّامت رضي الله تعالى عنه فقال: (50) - متا (00) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بفتح الجيم بن طريف الثَّقفيّ مولاهم أبو رجاء البغلاني بفتح الباء وسكون المعجمة نسبة إلى بغلان بلدة بنواحي بلخ، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين عن (90) تسعين سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدَّثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولى بني فهم من قيس عيلان، أبو الحارث المصري، عالم مصر وفقيهها ثقة ثبت فقيه عالم مشهور من السابعة، ولد يوم الخميس في شعبان سنة (94) أربع وتسعين، ومات في النصف من شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا (عن) محمَّد (بن عجلان) بفتح العين وسكون الجيم القرشي مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة، أبو عبد الله المدني، روى عن محمَّد بن يَحْيَى بن حبان وبكير بن عبد الله بن الأشج وإبراهيم بن عبد الله بن حنين وعامر بن عبد الله بن الزُّبير وعبادة بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت وغيرهم، ويروي عنه (م عم) والليث بن سعد ويحيى القطان وابن عيينة وأبو خالد الأحمر وحاتم بن إسماعيل وخالد بن الحارث وروح بن القاسم ومالك ومنصور وشعبة والسفيانان وغيرهم، وروى عنه (م) متابعة وكذا (خ) تعليقًا، وذكره من الضعفاء، ووثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: "صدوق من الخامسة، إلَّا إنه اختلط عليه أحاديث أبي هريرة، وقال الحاكم أخرج له (م) ثلاثة عشر حديثًا كلها في الشواهد، مات سنة (138) ثمان وثلاثين ومائة، وفي التقريب سنة (148) ثمان وأربعين ومائة. قال ابن منجويه: روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة والحج والبيوع في موضعين والأحكام والجهاد في موضعين والفضائل وفي ذكر الجان، وجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب. قال النواوي: كان عابدًا فقيهًا، وكان له حلقة في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وكان يُفتي، وهو تابعي أدرك أنسًا وأبا الطفيل قاله أبو نعيم، روى عن أنس

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى بن حَبَّانَ، عَنِ ابنِ مُحَيرِيزٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والتابعين، ومن طرف أخباره أنَّه حملت به أمه أكثر من ثلاث سنين، وقد قال الحاكم: أبو أحمد في كتاب الكُنى محمَّد بن عجلان يعد في التّابعين، ليس هو بالحافظ عنده، ووثقه غيره، وقد ذكره مسلم هنا متابعةً، قيل: إنه لم يذكر له في الأصول شيئًا والله أعلم اهـ. (عن محمَّد بن يَحْيَى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة بن منقذ بن عمرو بن مالك بن خنساء بن مبذول الأنصاري المازني أحد بني مازن النجاري أبي عبد الله المدني الفقيه كانت له حلقة في مسجد الرسول صَلَّى الله عليه وسلم تابعي سمع أنس بن مالك، روى عن عبد الله بن محيريز وعمه واسع وأبيه وأنس بن مالك والأعرج وعمرو بن سليم وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن عجلان ويحيى الأنصاري وعبيد الله بن عمرو وعمرو بن يَحْيَى الأنصاري ومالك وإسماعيل بن أميَّة وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الرابعة، مات سنة (121) إحدى وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والبيوع والقدر والجهاد والنكاح، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية أبواب. (عن) عبد الله (بن محيريز) بمهملة وراء آخره زاي مصغرًا بن جنادة بن وهب القرشي الجمحي بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة، من أنفسهم أبي عبد الله المكيِّ كان يتيمًا في بيت أبي محذورة بمكة ثم نزل بيت المقدس، التَّابعي الجليل، سمع جماعة من الصّحابة منهم عبادة بن الصَّامت وأبو محذورة وأبو سعيد الخدري وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. روى عن الصنابحي في الإيمان، وأبي محذورة في الصَّلاة وأبي سعيد الخدري في النكاح، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثلاثة فقط، ويروي عنه (ع) ومحمد بن يَحْيَى بن حبان ومكحول والزهري، وثقه العجلي، وقال في التقريب: ثقة عابد من الثالثة مات سنة (99) تسع وتسعين، قال الأوزاعي: من كان مقتديًا فليقتد بمثل ابن محيريز، فإن الله تعالى لم يكن ليضل أمة فيها مثل ابن محيريز، وقال رجاء بن حيوة بعد موت ابن محيريز: والله إن كنت لأعد بقاء ابن محيريز أمانًا لأهل الأرض. (عن) عبد الرحمن بن عُسيلة بضم العين وفتح السِّين المهملتين الشامي المُرادي أبي عبد الله (الصنابحي) بضم الصاد المهملة نسبة إلى صنابح بطن من مراد، التَّابعي الجليل، رحل إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فقبض النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو في

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أنَّهُ قَال: دَخَلتُ عَلَيهِ وَهُوَ فِي الْمَوتِ فَبَكَيتُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الطَّريق وهو بالجحفة قبل أن يصل بخمس ليال أو ست، فدخل المدينة وقد استخلف أبو بكر فأقام بها مدة فسمع أبا بكر الصِّديق وخلائق من الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم انتقل إلى الشام فسكنها، وقد يشتبه على غير المشتغل بالحديث الصنابحي هذا بالصنابح بن الأعسر الصحابي رضي الله عنه، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وكان كثير المناقب، وقال في التقريب: ثقة من كبار التّابعين، مات في خلافة عبد الملك. روى عن عبادة بن الصَّامت في الإيمان والحدود، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن محيريز وأبو الخير مرثد بن عبد الله (عن عبادة بن الصَّامت) الأنصاري الخزرجي أبي الوليد الدّمشقيُّ، وهذا السند من سباعياته، ورجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد مكي وواحد مصري وواحد بغلاني، ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض: ابن عجلان وابن حبان وابن محيريز والصنابحي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الصنابحي لجنادة بن أميَّة في رواية هذا الحديث عن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه، وفائدة هذه المتابعة بيان أكثرة طرقه (أنَّه) أي أن الصنابحي (قال دخلت) يومًا (عليه) أي على عبادة بن الصَّامت (وهو) أي والحال أن عبادة بن الصَّامت (في) مقدمات (الموت) وسكراته، قال الصنابحي (فبكيت) أنا لمَّا رأيت لما نزل به تأسفًا على فراقه لنا بالموت وجملة القول في قوله: (قال دخلت) صفة لمحذوف متعلق بخبر أن المحذوف تقديره أنَّه حدث بحديث قال فيه: دخلت على عبادة بن الصَّامت في حال سكراته فبكيت لما رأيته في تلك الحالة ... إلخ، قال النواوي: وأمثال هذا التركبب كثير في كلامه، وفيه حذف تقديره عن الصنابحي أنَّه حدث عن عبادة بن الصَّامت بحديث قال فيه: دخلت عليه ... إلخ، ومثله ما سيأتي قريبًا في كتاب الإيمان في حديث: "ثلاثة يؤتون أجرهم" قال مسلم رحمه الله تعالى حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى قال أنا هشيم عن صالح بن صالح عن الشعبي قال: رأيت رجلًا سأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو إن من قبلنا من أهل خراسان ناسًا يقولون كذا وكذا فقال الشعبي حدثني أبو بردة عن أبيه فهذا الحديث من النوع الذي نحن فيه، فتقديره قال قال هشيم حدثني صالح عن الشعبي بحديث قال فيه صالح رأيت رجلًا سأل الشعبي، ونظائر هذا كثير في كلامه سننبه على كثير منها في مواضعها إن شاء الله تعالى والله أعلم.

فَقَال: مَهْلًا لِمَ تَبْكِي؟ ! فَوَاللهِ؛ لَئِنِ اسْتُشهِدتُ .. لأَشْهَدَنَّ لَكَ، وَلَئِنْ شُفِّعتُ .. لأَشْفَعَنَّ لَكَ، وَلَئِنِ استَطَعْتُ .. لأَنْفَعَنَّكَ، ثُمَّ قَال: وَاللهِ؛ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَكُم فِيهِ خَيرٌ .. إلا حَدَّثتُكُمُوهُ، إلا حَدِيثًا وَاحِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) عبادة لما رأى بكائي (مهلًا) بسكون الهاء أي أمهلني مهلًا يا صنابحي وأنظرني إنظارًا لأسألك عن سبب بكائك على فقال (لم تبكي) بكسر اللام وفتح الميم، وتبكي مضارع مرفوع بضمة مقدرة للثقل؛ أي لأي شيء تبكي، ولأي سبب تبكي، فاللام حرف جرٍّ و (مَ) استفهامية حذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها، فرقًا بينها وبين ما الموصولة. وفي نسخ شرح الأبي (لا تبكِ) بجزم الفعل بلا الناهية، قال الأبي: يحتمل بكاؤه لما رأى به من كرب الموت، أو لأنَّه لفقد الانتفاع به، والأظهر أنَّه لذكره القدوم على الله تعالى لأنَّه المناسب لتسليته بما ذكر (فإن قلت) إنه لو بكى لشيء مما ذكر لم ينهه لأنَّ البكاء لشيء منها واجب أو مندوب (قلت) ليست لا للنهي؛ لأنَّه لم يبك بصوتٍ حتَّى ينهاه وإنَّما هي لبيان العاقبة كما هي في قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} ثم قال (فـ) ـأقسمت لك (و) حلفت بـ (ـالله) الذي لا إله غيره (لئن استُشْهِدتُ) أي لئن طُلب مني الشهادة لك عند الله سبحانه بالإيمان والعمل الصالح (لأشهدن لك) عند الله سبحانه يوم القيامة (ولئن شُفعت) أي ولئن أُذن لي في الشفاعة لك عند الله يوم القيامة، أو قبلت شفاعتي فيك (لأشفعن) أي لأطلبن (لكّ) الخير والنجاة عند الله تعالى، والشفاعة طلب الخير للغير من الغير (ولئن استطعت) وقدرت على النفع لك، بأي شيء من المنافع في الدُّنيا والآخرة، فالسين والتاء فيه زائدتان، أي ولئن أطقت على النفع لك (لأنفعنك) أي لأجتهدن في تحصيل النفع لك في الدين والدنيا والآخرة، ولئن حييت فأنا مستعد لمنافعك وإن مُتُّ فأنا فرط لك فلا تبكين يا أخي (ثم قال) عبادة (والله) أي أقسمت لك بالله الذي نفسي بيده إما من حديث سمعته من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أو ما شيء من الأحاديث التي سمعتها من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (لكم) أيها الحاضرون عندي (فيه) أي في ذلك الحديث (خيرٌ) أي نفع إما في الدين أو في الدُّنيا (إلَّا حدثتكموه) وأخبرتكموه (إلَّا حديثًا واحدًا) لم أحدثكموه خوفًا من اتكالكم عليه، وكلمة

وَسَوفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ اليَومَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفسِي، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ شَهِدَ: أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ .. حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ النَّارَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سوف في قوله (وسوف أحدثكموه اليوم) بمعنى السِّين التي للاستقبال القريب؛ أي وسأحدثكموه اليوم أي في هذا الزمن الحاضر (و) لا أمهله عنكم لأنَّه (قد أحيط بنفسي) وروحي؛ أي قد أحاطت بجسدي مقدمات الموت واشتملت عليه وأحاطت بروحي ملائكة الموت لقبضها، فأنا قرُبتُ من الموت ويئست من الحياة والمعافاة فسأخبركموه الآن تأثمًا من كتمان العلم. وكلمة قولهم (وقد أحيط به) في الأصل تقال في الرجل يجتمع عليه أعداؤه فيقصدونه فيأخذون عليه من كل الجوانب بحيث لا يبقى له في الخلاص مطمع فيقال أحاطوا به أي أطافوا به من جوانبه ومقصوده هنا قرب موتي. وقوله (ما من حديث) إلى آخره، قال الأبي نفي الخير عن الأحاديث الذي دل عليه المفهوم إنَّما هو بالنسبة إليهم كما ذكر وإلا ففي كل حديث خير لا محالة قال القاضي عياض فيه دليل على أنَّه كتم ما خشي الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل أحد وذلك فيما ليس تحته عمل ولا فيه حد من حدود الشريعة، قال ومثل هذا عن الصّحابة رضي الله عنهم كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعوا إليه ضرورة أولًا تحمله عقول العامة أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين والأمراء وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة وذم آخرين ولعنهم والله أعلم، ثم قال (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول من شهد) وأقر بلسانه واعتقد بقلبه (أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله) أدخله الله الجنَّة و (حرم الله) سبحانه (عليه النَّار) أي حرمه الله تعالى على النَّار فلا يدخلها ولا تحرقه. ففي العبارة قلب أو حذف مضاف تقديره حرم الله عليه دخول النَّار، فهذه الرِّواية وإن ساقها للمتابعة تدل بمنطوقها على الجزء الأخير من الترجمة كما تدل عليه الرِّواية الأولى بمفهومها، ويستفاد من هذه الرِّواية وجوب رواية حديث فيه منفعة ومصلحة للناس، إما في الدين أو في الدُّنيا، وكتمان حديث ليس لهم فيه خير أو لا تفهمه عقولهم لئلا يفتتنوا به فيضلوا أوفيه مضرة كما مر آنفًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة: الأوَّل حديث عثمان بن عفَّان، وغرضه يذكره الاستدلال به على الترجمة، وذكر فيه متابعة. واحدة. والثاني حديث أبي هريرة، وغرضه يذكره الاستشهاد لحديث عثمان، وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث حديث عبادة بن الصَّامت، وغرضه يذكره الاستشهاد ثانيًا لحديث عثمان، وذكر فيه متابعتين كما أشرنا إلى ذلك كله فيما سبق. * * *

12 - باب بيان حق الله سبحانه وتعالى على العباد، وحقهم على الله تعالى، وتبشير من لقي الله تعالى بالتوحيد بالجنة، وتركه خوفا من اتكالهم على مجرد التوحيد

12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ 51 - (29) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأزدِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 12 - بَابُ بَيَان حَقِّ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى الْعِبَادِ، وَحَقِّهِمْ عَلَى اللهِ تَعَالى، وَتَبْشير مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالى بالتَّوحِيدِ بِالْجَنَّةِ، وَتَرْكِهِ خَوْفًا مِنِ اتِّكالِهِمْ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوحِيدِ أي هذا باب معقود لبيان ما يحق ويجب لله سبحانه وتعالى على عباده المكلفين من عبادته بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، وعدم الإشراك به شركًا جليًّا ولا خفيًّا، وبيان ما يحق ويجب للعباد على ربهم بمقتضى وعده وفضله إذا عبدوه ولم يشركوا به شيئًا، من عدم تعذيبهم وإدخالهم الجنَّة وتبشير من مات على التوحيد بالجنة في حق من لا يخاف منه الاتكال وتركه في غيره. وترجم الأبي لهذا الحديث بقوله (باب حديث معاذ) وترجم له القرطبي بقوله (باب حق الله تعالى على العباد) ولم يترجم له النواوي ولا السنوسي ولا أكثر نسخ المتن، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (51) - س (29) (حدَّثنا هدَّاب بن خالد) بن الأسود بن هُدبة (الأزدي) القيسي الثوباني أبو خالد البصري يقال فيه: هَدَّاب بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة آخره جاء موحدة، ويقال فيه هدبة بضم أوله وسكون ثانيه وقد ذكره مسلم رحمه الله تعالى في مواضع من الكتاب يقول في بعضها هدبة وفي بعضها هداب واتفقوا على أن أحدهما اسمٌ والآخر لقب، ثم اختلفوا في الاسم منهما فقال أبو علي الغساني وصاحب المطالع وعبد الغني المقدسي وغيرهم: هدبة هو الاسم، وهداب لقب، وقال غيرهم: هداب اسمٌ وهُدبة لقب، واختاره ابن الصلاح، وأنكر الأول وقال أبو الفضل الفلكي: إنه كان يغضب إذا قيل له هُدبة، وذكره البُخاريّ في تاريخه فقال: هدبة بن خالد ولم يذكره هدابًا فظاهره أنَّه اختار أن هدبة هو الاسم، والبخاري أعرف من غيره فإنَّه شيخ البُخاريّ ومسلم رحمهم الله تعالى أجمعين. روى عن هَمام بن يَحْيَى وحماد بن سلمة وسليمان بن المغيرة وأخيه أميَّة بن خالد

حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجرير بن حازم وحماد بن زيد وحماد بن الجعد وصدقة بن موسى وغيرهم، ويروي عنه (خ م د) وأبو حاتم وحرب بن إسماعيل وعبد الله بن أحمد والبزار، وقال في التقريب: ثقة عابد، وقال ابن معين ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النَّسائيّ: ضعيف، وقال ابن عدي: لم أرَ له حديثًا منكرًا، وهو كثير الحديث صدوق لا بأس به، وقد وثقه النَّاس، وقال في التقريب: تفرد النَّسائيّ بتليينه، من صغار التاسعة، قال أبو داود: مات سنة (241) إحدى وأربعين ومائتين، وقيل سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين (238). روى عنه المؤلف في الإيمان والجهاد والفضائل وآخر الكتاب في أربعة أبواب تقريبًا، قال هداب (حدَّثنا هَمَّام) بن يَحْيَى بن دينار الأزدي العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة، مولى بني عَوذ بن سود بن الحجر أبو عبد الله البصري أحد الأئمة الأعلام، روى عن قتادة ويحيى بن أبي كثير ومحمد بن جحادة وأنس بن سيرين وعطاء بن أبي رباح والحسن ونافع وغيرهم، ويروي عنه (ع) وهدَّاب بن خالد وعفان وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون وعبد الصَّمد بن عبد الوارث وبشر بن السري وشيبان بن فروخ وأبو داود وخلق، وقال أحمد: ثبت في كل المشايخ، وقال أبو حاتم: ثقة، في حفظه شيء، وقال في التقريب: ثقة ربَّما وهم من السابعة، مات سنة (164) أربع وستين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء وفي الصَّلاة في أربعة مواضع وفي الزكاة والحج والبيوع في موضعين والديات والفضائل في موضعين والرحمة والزهد والعلم وفي حديث من كذب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابا تقريبًا، قال همام (حدَّثنا قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي الأعمى أبو الخطَّاب البصري، روى عن أنس بن مالك وابن المسيب وابن سيرين وخلق، ويروي عنه (ع) وهمام بن يَحْيَى وسعيد بن [أبي] عروبة وهشام الدستوائي وخلق، ثقة ثبت رأس الطبقة الرابعة، مات كهلًا سنة (117) سبع عشرة ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة وعشرين بابًا تقريبًا، قال قتادة (حدَّثنا أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي النجاري أبو حمزة البصري، خادم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا (1286) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَال: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لَيسَ بَينِي وَبَينَهُ إلا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس بن عائذ الأنصاري الخزرجي، أبي عبد الرحمن المدني له (157) مائة وسبعة وخمسون حديثًا، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في الإيمان والصلاة في بابين. وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم بصريون إلَّا معاذ بن جبل فإنَّه مدني ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) معاذ (كنت ردف النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم) أي راكبًا خلفه وراء المؤخرة كما هو شأن الرديف، قال النواوي: أما قوله (ردف) فهو بكسر الراء وإسكان الدال وهي الرّواية المشهورة التي ضبطها معظم الرواة، وحكى القاضي عياض أن أبا علي الطبري الفقيه الشَّافعي أحد رواة الكتاب ضبطه بفتح الراء وكسر الدال من غير ياء نظير عجل وحذر وزمن، اسم فاعل من فعل المكسور وليس بمعروف في الأسماء، وإن صحت رواية الطبري، والردف بكسر الراء وسكون الدال والرديف بالياء كلاهما صحيح رواية ولغة، وهما اسمان للراكب خلف الراكب، يقال منه ردفته أردفه بكسر الدال في الماضي، وفتحها في المضارع، إذا ركب خلفه وأردفته أنا بألف وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز بمعنى أركبته على الردف أي على الموضع الذي يسمى الردف وهو عجز الدابة أي كنت راكبًا معه صَلَّى الله عليه وسلم على دابته، والحال أنه (ليس بيني وبينه) صَلَّى الله عليه وسلم (إلَّا مؤخرة الرجل) أي إلَّا خشبة تسمى مؤخرة الرجل وهو الخشب الذي يستند إليه الراكب بظهره، وهذا كناية عن شدة قربه، لأنَّ القرب أوقع في نفس السامع لأنَّه أدل على الضبط، وأمَّا مؤخرة فبضم الميم بعدها همزة ساكنة ثم خاء مكسورة وهذا هو الصَّحيح، وفيه لغة أخرى (مُؤَخرة) بفتح الهمزة وفتح الخاء المشددة وأنكر ابن قتيبة فتح الخاء، وقال ثابت: مؤخرة الرجل ومقدمته بفتحهما، ويقال: آخرة الرجل بهمزة ممدودة وهذه أفصح وأشهر، فهذه ثلاث لغات مع التاء ومثلها مع حذف تاء التأنيث، فمجموع اللغات فيه ست، ومثلها يجري في مقدم الرجل، قال القرطبي: هكذا وقع ها هنا مؤخرة وقرأناه على من يوثق بعلمه بضم الميم وفتح الراء والخاء مشددة على أنها اسم مفعول لأنها تؤخر وأنكر هذا اللفظ يعقوب وابن قتيبة وقالا: المعروف عند العرب آخرة الرحل، كما جاء في حديث أبي ذر، ولكن قد جاء مؤخرة في شعر أبي ذؤيب، والرحل للبعير كالسرج للفرس والإكاف للحمار اهـ.

فَقَال: "يَا مُعَاذَ (¬1) بْنَ جَبَلٍ"؛ قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يا معاذ بن جبل) بفتح قال معاذ على الإتباع لحركة ابن وهو الأشهر وبضمها على أصل حركة بناء المنادى المفرد ولا خلاف في نصب ابن لأنَّه صفة منصوبة تبعًا لمحل المنادى المفرد كما هو القاعدة المشهورة عند النُّحاة في لفظ ابن واقع بين علمين (قلت) إجابة لندائه (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة يا (رسول الله وسعديك) أي وأطعتك طاعة بعد طاعة. قال النواوي: وقوله (لبيك وسعديك) في معنى لبيك أقوال نشير هنا إلى بعضها وسيأتي إيضاحها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى، والأظهر أن معناها: إجابة لك بعد إجابة للتأكيد، وقيل: معناها قربًا منك وطاعة لك، وقيل أنا مقيم على طاعتك، وقيل محبتي لك، وقيل غير ذلك، ومعنى سعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وتكريره صَلَّى الله عليه وسلم نداء معاذ فلتأكيد الاهتمام بما يخبره، وليكمل تنبه معاذ فيما يسمعه، وقد ثبت في الصَّحيح أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لهذا المعنى والله أعلم انتهى. (فائدة مستظرفة) وأعلم أن لبيك مثنى مصدر لَبَّ الثلاثي، أو اسم مصدر لألَبَّ الرباعي من قولهم: ألب بالمكان إذا أقام به أضيف إلى ضمير المخاطب، وهو وسعديك من الألفاظ المثناة لفظًا [و] معناها التكرار لأنهم لما قصدوا به التكثير جعلوا التثنية علمًا على ذلك، لأنها أول تضعيف العدد وتكثيره، وفي القاموس: لب بالمكان كألبَّ إذا أقام به، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابًا بعد إلباب، وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري، من قولهم: تَلُبُّ داره تواجهها أو معناه: محبتي لك من قولهم امرأة لَبَّةٌ أي محبة لزوجها أو معناه إخلاصي لك من قولهم حَسَبٌ لباب أي خالص، والَّلبُّ بالفتح اللازم المقيم، وبالضم السُّمُّ وخالص كل شيء، ومن النخل والجوز ونحوهما قلبها، والعقل (ج) أَلْبَابٌ وأَلُبٌّ وأَلْبُبٌ، وأصله لَبَبْتُ لبين لك أي أجبتك إجابة بعد إجابة، وإعرابه: لببت فعل وفاعل والتاء ضمير المتكلم في محل الرَّفع فاعل لبين منصوب على المفعولية المطلقة وعلامة نصبه الياء لأنَّه ملحق بالمثنى الذي رفعه بالألف، ونصبه وجره بالياء، والنون عوضٌ عن التنوين والحركة، لكَ جار ومجرور ¬

_ (¬1) في نسخة: (يا معاذُ) بالرَّفع والنصب.

ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَال: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"؛ قُلْتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ الله وَسَعْدَيكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَال: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَل"؛ قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيكَ، قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ متعلق بلبين لأنَّه مصدر ليس الثلاثي فحذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف فصار لبيك، وقيل: يقدر عامله من معناه تقديره أجبت لبيك أي أجبتك إجابتين. وفي الصبان على الأشموني (قوله لبيك) أصله أُلِبُّ لك إلبابين أي أقيم لطاعتك إلبابًا كثيرًا لأن التثنية لإفادة التكرير نحو {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَينِ} فحُذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وحُذفت زوائده، وحُذف الجار من المفعول وأضيف المصدر إليه فصار لبيك، كل ذلك ليسرع المجيب إلى التفرغ واستماع الأمر والنهي، ويجوز أن يكون من لبَّ بمعنى ألب، فلا يكون حينئذ محذوف الزوائد لأنَّ أصله ألب لبين لك قاله الرضيُّ اهـ. وسعديك اسم مصدر لأسعد الرباعي بمعنى ساعد وأعان وفي القاموس أسعده إذا أعانه، وسعديك إسعادًا بعد إسعاد وهو منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا مقدرٍ من لفظه، تقديره أُسْعِدُ سعديك أصله أُسعد سعد بن لك، أُسعد فعل مضارع من أسعد الرباعي مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا سعد بن منصوب على المفعولية المطلقة بأسعد وعلامة نصبه الياء لأنَّه ملحق بالمثنى في إعرابه كحواليك وعلامة نصبه الياء، والنون عوض عن التنوين والحركة، لك جار ومجرور متعلق بسعديك لأنَّه اسم مصدر لأسعد الرباعي فحُذفت النون للإضافة واللام للتخفيف فصار أسعد سعديك فحُذف العامل لنيابة المصدر منابه فصار سعديك، فالناصب في لبيك فعل من لفظه أو من معناه، وفي سعديك فعل من لفظه، وقال الموضح وغيره: ولا يستعمل سعديك إلَّا بعد لبيك فهو كالتوكيد له، وأمَّا لبيك فيستعمل وحده وأنشد لسان الحال: إن يُغْنِيا عَنِّي المُسْتَوطِنا عَدَنْ ... فإنني لستُ يومًا عنهما بِغَنْ قال يس: وعوام مصر يفردون سعديك عن لبيك اهـ حمدون. (ثم) بعد إجابتي له صَلَّى الله عليه وسلم (سار) ومشى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم راكبًا على دابته (ساعة) أي زمنًا قليلًا لا خصوص الساعة المعروفة عند الميقاتيين (ثم قال) ثانيًا (يا معاذ بن جبل) فـ (ـقلت) إجابة لندائه (لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال) ثالثًا (يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك) فـ (ـقال) في المرة

"هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ " قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "فَإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا"، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثم قَال: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"؛ قُلْتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيكَ، قَال: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ " قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالثة (هل تدري) وتعلم يا معاذ (ما حق الله على العباد) أي ما يحق ويجب لله سبحانه على عباده المكلفين، وما استفهامية في محل الرَّفع مبتدأ، وحق الله خبرها، والجملة الاسمية سادة مسد مفعولي درى لأنها علقت عنها باسم الاستفهام والكلام على حذف مضاف؛ أي هل تدري جواب ما حقيقة حق الله على العباد لأنَّ (ما) يُسئل بها عن الحقيقة (قال) معاذ (قلت الله ورسوله أعلم) سلوكًا مسلك التأدب معه صَلَّى الله عليه وسلم (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مبينًا له (فإن حق الله) سبحانه وتعالى (على العباد) والفاء في قوله فإن حق الله فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا فوضت العلم إلى الله ورسوله وأردت بيانه لك فأقول لك إن أصل وأساس ما يجب لله تعالى على عباده (إن يعبدوه) أي أن يفردوه بالعبادة (ولا يشركوا به) سبحانه (شيئًا) من المخلوقات أو شيئًا من الإشراك كما مر نظيره (ثم سار) صَلَّى الله عليه وسلم (ساعة) أي زمنًا قليلًا (ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال) لي (هل تدري) وتعلم (ما حق العباد) أي جواب ما حقيقة ما يجب ويثبت للعباد (على الله) سبحانه وتعالى بمقتضى وعده ومحض فضله (إذا فعلوا ذلك) الواجب لله سبحانه عليهم وأدوه فعلًا كان أو قولًا أو اعتقادًا (قال) معاذ (قلت الله ورسوله أعلم قال) صَلَّى الله عليه وسلم مبينًا له حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك (إن لا يعذبهم) في الآخرة بالنار، في حق من كان بريئًا من الكبائر أو تاب عنها أو عفا الله عنها وأن لا يخلدهم في العذاب في حق من لم يكن كذلك. قال الأبي: (قوله هل تدري ... إلى آخره) هو استفهام حقيقة، وحق الله تعالى على العباد ما أوجبه عليهم، من حق الشيء إذا ثبت وحقهم عليه هو ما وجب لهم شرعًا بوعده الصادق لا بالعقل كما تقوله المعتزلة، ويحتمل أنَّه من مجاز المقابلة كـ (مكروا ومكر الله)، إذ لا يجب عليه تعالى شيء، قوله (ولا يشركوا به) قال بعضهم: إنه إشارة إلى الإخلاص اهـ منه قال القرطبي: وحق الله على عباده ما أوجبه عليهم بحكمه وألزمهم

52 - (00) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إياه بخطابه، وحق العباد على الله هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق، وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد، فالله تعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر إذ لا أمر فوقه ولا بحكم العقل، إذ العقل كاشف لا موجب. وإنَّما كرر النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم نداء معاذ ثلاثًا ليستحضر ذهنه وفهمه، وليشعره بعظم ما يلقيه عليه كما مر انتهى. وهذا الحديث شارك المؤلف رحمه الله تعالى في روايته البُخاريّ (7373) والترمذي (2645) وابن ماجة (4296) وأحمد (5/ 238). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: (52) - متا (00) (حدَّثنا) عبد الله بن محمَّد (أبو بكر بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الحافظ الكوفيِّ ثقة حافظ صاحب تصانيف من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا قال أبو بكر (حدَّثنا أبو الأحوص سلام بن سليم) الحنفي مولاهم الحافظ الكوفيِّ ثقة متقن من السابعة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا. (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله بن ذي يُحْمِد الهمداني السبيعي بفتح السِّين نسبة إلى سَبِيعِ من همدان، ثقة عابد من الثالثة اختلط بآخره، مات سنة (129) تسع وعشرين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا. (عن عمرو بن ميمون) الأودي أبي عبد الله الكوفيِّ، روى عن معاذ بن جبل وعائشة وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى، ويروي عنه (ع) وأبو إسحاق السبيعي والشعبي وزياد بن علاقة والربيع بن خثيم وغيرهم، وقال في التقريب: مخضرم مشهور ثقة عابد، مات سنة (74) أربع وسبعين وقيل بعدها.

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَال: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصوم والجهاد والدعاء في أربعة أبواب تقريبًا (عن) أبي عبد الرحمن (معاذ بن جبل) الأنصاري الخزرجي المدني رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلَّا معاذ بن جبل فإنَّه مدني، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن ميمون لأنس بن مالك في رواية هذا الحديث عن معاذ بن جبل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأنَّ المتابع بفتح الباء أقوى من المتابع بكسرها لأن الأوَّل صحابي فلا يحتاج إلى التقوية (قال) معاذ بن جبل (كنت ردف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي راكبًا خلفه (على حمار) له صَلَّى الله عليه وسلم (يقال له) أي لذلك الحمار (عُفير) بضم أوله مصغرًا، بعين مهملة مضمومة ثم فاء مفتوحة هذا هو الصواب في الرِّواية وفي الأصول المعتمدة وفي كتب أهل المعرفة بذلك قال ابن الصلاح: وقول القاضي عياض إنه بغين معجمة متروك، قال ابن الصلاح: وهو الحمار الذي كان له صَلَّى الله عليه وسلم قيل: إنه مات في حجة الوداع قال وهذا الحديث يقتضي أن يكون هذا في مرَّة أخرى غير المرة المتقدمة في الحديث السابق، فإن مؤخرة الرحل تختص بالإبل ولا تكون على حمار (قلت) ويحتمل أن يكونا قضية واحدة، وأراد في الحديث الأوَّل قدر مؤخرة الرحل والله أعلم اهـ نووي. قال القرطبي وهو تصغير أعفر تصغير ترخيم كسُويَد تصغير أسود، والمشهور اسم حماره صَلَّى الله عليه وسلم أنَّه يعفور، وقال أيضًا: إن كانت هاتان الروايتان قضية واحدة فقد تجَوَّز بعض الرواة في تسمية الإكاف رحلًا، ويحتمل أن تكون تلك قضية واحدة تكررت مرتين والله أعلم. وقال أيضًا: وفي الحديث ما يدل على جواز ركوب اثنين على حمار واحد وعلى تواضع النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم اهـ. وفي الأبي: ولم يذكر في هذه الرِّواية "أنَّه ليس بيني وبينه إلَّا مؤخرة الرحل" فإن كانت القضية واحدة فيكون الراوي تجوز في إطلاق الرجل على الإكاف وإن تكررت فواضح اهـ.

قَال: فَقَال: "يَا مُعَاذُ؟ أتَدرِي (¬1) مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟ ! " قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "فَإِن حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيئًا"، قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؛ أفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ، قَال: "لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) معاذ (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يا معاذ) بلا نسبة إلى جبل (أتدري) أي هل تدري وتعلم إما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال) معاذ (قلت) له (الله ورسوله أعلم قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مبينًا للحقَّين إذا فوضت عليهما إلى الله ورسوله وأردت بيانهما (فـ) ـأقول لك (إن حق الله على العباد) أي ما يجب لله تعالى على عباده (أن يعبدوا الله) سبحانه ويطيعوه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (و) أن (لا يشركوا به) تعالى (شيئًا) من المخلوقات حيًّا وميتًا جنيًّا وإنسيًّا وملكًا جمادًا وحيوانًا أو لا يشركوا به شيئًا من الإشراك جليًّا ولا خفيًّا، قال بعض الشيوخ: وهذا إشارة إلى مقام الإخلاص كما مر آنفًا (وحق العباد) أي ما يستحقونه على ربهم بمقتضى وعده وفضله (على الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (إن لا يُعذب) في الآخرة (من لا يشرك به شيئًا) من المخلوق أو شيئًا من الإشراك، وهو على التأويل المار فلا تغفل عنه (قال) معاذ (قلت يا رسول أفلا أبشر النَّاس) بهذه البشارة العظيمة، والهمزة فيه للاستفهام التقريري داخلة على محذوف والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير أأكتم هذه البشارة فلا أبشر بها النَّاس؟ (قال) لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (لا تبشرهم) أي لا تبشر النَّاس بهذه البشارة، والفاء في قوله (فيتكلوا) أي فيكتفوا بمجرد التوحيد عن العمل الصالح عاطفة سببية والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النَّهي نظير قوله تعالى {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبِي} وعلامة نصبه حذف النون لأنَّه من الأفعال الخمسة والواو فاعل والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن منك يا معاذ تبشير النَّاس بهذه الشارة فاتكالهم على مجرد التوحيد فتفوتهم الدرجات العُلى. ¬

_ (¬1) في نسخة: (تدري).

53 - (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أبِي حَصِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنَّما كرر المتن في هذه الرِّواية الثَّانية لما فيها من المخالفة للرواية الأولى ببعض زيادة وبعض نقصان، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فقال: (53) - متا (00) (حدَّثنا محمَّد بن المثني) بن عبيد بن قيس العنزي بفتح العين والنون أبو موسى البصري المعروف بالزَّمن ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (و) محمَّد (ابن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري الملقب بِبُندار، ثقة من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين (252) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأنَّ الراويين كلاهما ثقتان، وأتى بجملة قوله (قال ابن المثني حدَّثنا محمَّد بن جعفر) إشارة إلى أن ابن بشار إنَّما روى بالعنعنة لا بصيغة السماع، وهذا هو لطيفة تقديمه في الذكر عند المقارنة أي قال حدَّثنا محمَّد بن جعفر الهذلي مولاهم المدني أبو عبد الله البصري الملقب بغندر، من التاسعة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا، قال محمَّد بن جعفر (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري، ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا. (عن أبي حصين) بفتح الحاء المهملة، عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفيِّ أحد الأئمة الإثبات روى عن الأسود بن هلال وأبي صالح ويحيى بن وشباب والشعبي وأبي وائل وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبة وزائدة والثوري وإبراهيم بن طهمان ومالك بن مغولى وأبو عوانة وخلق، وقال في التقريب: ثقة ثبت سني وربما دلس عالم صاحب سنة، وثقه ابن معين والنَّسائيُّ وغيرهما وكان يقول إن عاصم بن بهدلة أكبر منه بسنة من الرابعة مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة وقيل بعدها، روى عنه المؤلف في

وَالأَشْعَثِ بْنِ سُلَيمٍ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلالٍ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُعَاذُ؛ أَتَدْرِي مَا حَق الله عَلَى الْعِبَادِ؟ ! " قَال: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "أَنْ يُعْبَدَ الله وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيءٌ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإيمان والصلاة والجنائز والحدود والجهاد في خمسة أبواب (و) عن (الأشعث بن سليم) بن الأسود المحاربي الكوفيِّ وسليم أبوه هو أبو الشعثاء، روى عن الأسود بن هلال وأبيه أبي الشعثاء وجعفر بن أبي ثور والأسود بن يزيد ومعاوية بن سويد بن مقرن، ويروي عنه (ع) وشعبة وأبو الأحوص وشيبان بن عبد الرحمن والثوري وزائدة وزهير بن معاوية وأبو عوانة وأبو إسحاق الشيباني وليث بن أبي سليم، وقال في التقريب ثقة من السادسة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء وفي الصَّلاة في موضعين والنكاح والحج والأطعمة في ستة أبواب وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. أي روى شعبة عنهما (أنهما) أي أن أبا حصين وأن الأشعث بن سليم (سمعا الأسود بن هلال) المحاربي أبا سلام الفقيه الكوفيّ فقيه جليل مخضرم روى عن معاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وعمر وابن مسعود وثعلبة بن زهدم، ويروي عنه (خ م د س) وإبراهيم وأبو حصين وأشعث بن أبي الشعثاء وعدة، وقال في التقريب: ثقة من الثَّانية مات سنة (84) أربع وثمانين وثقه ابن معين والنَّسائيُّ والعجلي وأثنى عليه أحمد، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في بابين فقط. حالة كون الأسود (يحدث) ويروي (عن) أبي عبد الرحمن (معاذ بن جبل) الأنصاري الخزرجي المدني، وهذا السند من سداسياته ورجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأسود بن هلال لعمرو بن ميمون وأنس بن مالك في رواية هذا الحديث عن معاذ بن جبل. (قال) معاذ بن جبل (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يا معاذ أتدري) أي هل تدري وتعلم (ما حق الله) تعالى (على العباد قال) معاذ (الله ورسوله أعلم) بذلك (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حق الله على العباد (إن يعبد الله) بالبناء للمجهول أي يفرد الله سبحانه وتعالى بالعبادة (ولايشرك به) سبحانه وتعالى (شيء) من المخلوقات ببناء الفعل للمجهول أيضًا وهذا هو الظاهر في الرِّواية والمعنى أعني بناء يشرك للمفعول

قَال: "أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ ! " فَقَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَال: "أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ". 54 - (00) حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَين ـــــــــــــــــــــــــــــ ورفع شيء وقال ابن الصلاح: ووقع في الأصول شيئًا بالنصب ووجهه على رواية ضم ياء يشرك أن يكون منصوبًا على المصدر لا على المفعول به أي لا يشرك به إشراكًا ويكون الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل اهـ بينوسي. (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (أتدري) وتعلم يا معاذ (ما حقهم) أي ما حق العباد (عليه) سبحانه وتعالى (إذا فعلوا) أي إذا فعل العباد (ذلك) المذكور من عبادته وعدم الإشراك به (فقال) معاذ (الله ورسوله أعلم قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حقهم على الله تعالى (إن لا يعذبهم) الله تعالى أي عدم تعذيب الله إياهم لأنهم أدوا حقه فوجب لهم عليه ما وعدهم بمقتضى فضله وهو إدخالهم الجنَّة بلا سبق تعذيب أو بعد المجازاة على سيء أعمالهم وكرر متن الحديث في هذه المتابعة لما فيها من المخالفة للرواية قبلها في بعض الكلمات ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث معاذ بن جبل فقال: (54) - متا (00) (حدَّثنا القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمَّد الطحان الكوفيّ وربما نسب إلى جده روى عن حسين الجعفي وعبيد الله بن موسى وخالد بن مخلد، ويروي عنه (م ت س ق) وغيرهم ووثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة مات في حدود (250) الخمسين ومائتين روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان والصلاة والوضوء وغيرها قال القاسم (حدَّثنا حسين) بن علي بن الوليد الجعفي مولاهم أبو عبد الله الكوفيِّ، قال النواوي: هكذا حسين بالسين في الأصول وهو الصواب ووقع في بعض الأصول حصين بالصاد وهو غلط وهو حسين بن علي الجعفي وقد كررت روايته عن زائدة في الكتاب ولا يعرف حصين بالصاد عن زائدة، روى عن زائدة والأعمش ومجمع بن يَحْيَى وجعفر بن برقان وفضيل بن مرزوق وغيرهم ويروي عنه (ع) والقاسم بن زكرياء وإسحاق بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة عابد من التاسعة مات سنة (203) ثلاث أو أربع ومائتين وله (84) أربع

عَنْ زَائدَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلالٍ قَال: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ .. فَأجَبْتُهُ، فَقَال: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى النَّاسِ؟ ! ... " نَحْوَ حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو خمس وثمانون سنة، روى عن المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين وفي الفضائل في أبواب ثلاثة تقريبًا. (عن زائدة) بن قدامة الثَّقفيّ البكري أبي الصلت -بفتح أوله وسكون ثانيه- الكوفيِّ، روى عن أبي حصين والمختار بن فلفل وهشام بن حسَّان وسماك بن حرب وأبي الزناد ومنصور وهشام بن عروة وزياد بن علاقة وخلق، ويروي عنه (ع) وحسين الجعفي ومعاوية بن عمرو وأبو أسامة وموسى القارئ وابن عيينة وابن مهدي وأحمد بن يونس وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت صاحب سنة من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة وقيل بعدها وليس في مسلم زائدة إلَّا هذا الثقة. روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في ثلاثة مواضع والنكاح في ثلاثة مواضع والدلائل والحدود والفضائل والضحايا والدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة تقريبًا. (عن أبي حصين) بفتح الحاء المهملة عثمان بن عاصم الأسدي الكوفيِّ (عن الأسود بن هلال) المحاربي الكوفيِّ (قال) الأسود (سمعت معاذًا) بن جبل (يقول دعاني) أي ناداني (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأجبته) أي فأجبت نداءه (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (هل تدري) وتعلم يا معاذ (ما حق الله) سبحانه وتعالى (على النَّاس) المكلفين وقوله (نحو حديثهم) بضمير الجمع تحريمٍ من النساخ والصَّواب نحو حديثه بالإفراد لأنَّ المتابع بفتح الباء واحد وهو شعبة وهو مفعول لفعل محذوف تقديره وساق زائدة نحو حديث شعبة عن أبي حصين، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة زائدة بن قدامة لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن أبي حصين وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأنَّ المتابع والمتابع كلاهما ثقتان. قال النواوي: قوله في آخر روايات حديث معاذ (نحو حديثهم) يعني أن القاسم بن زكريا شيخ مسلم في الرّواية الرابعة رواه نحو رواية شيوخ مسلم الأربعة المذكورة في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الروايات الثلاثة المتقدمة وهم هداب وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثني وابن بشار والله أعلم اهـ. والصَّواب ما قلنا لأن المتابعة لا تقع غالبًا في مشايخ مسلم بل إنَّما يأتي فيهم بحاء التحويل ورجال هذا السند كلهم كوفيون إلَّا معاذ بن جبل فإنَّه مدني. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثًا واحدًا حديث معاذ بن جبل وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

13 - باب الدليل على أنه لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب

13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ 55 - (30) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 13 - بَابُ الدَّليلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ اسْتيقَان الْقَلْبِ أي هذا باب معقود في ذكر الحديث الذي يدل على أن الشأن والحال لا يكفي في الإيمان الذي يدخل به الجنَّة مجرد تلفظ الشهادتين بلا استيقان لمعناهما بل لا بد ولا غنى في حصوله من اعتقاد معناهما اعتقادًا جازمًا لا تردد معه كما يدل عليه منطوق حديث أبي هريرة الذي استدل به على الترجمة ومنطوق حديث أنس الذي استشهد به بالنظر إلى ما زاده البُخاريّ في روايته كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ولم يترجم لهذا الحديث النواوي وكذا السنوسي وأكثر نسخ المتن ولا القاضي عياض وترجم له الأبي بقوله (باب حديث أبي هريرة) وترجم له القرطبي بعين ما ترجمنا به له رحمهم الله تعالى أجمعين. قال القرطبي: وهذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين إن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان وأحاديث هذا الباب تدل على فساده بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق والحكم للمنافق بالإيمان الصَّحيح وهو باطل قطعًا. ثم استدل المؤلف لهذه الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (55) - س (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بفتح المهملتين مولاهم أبو خيثمة النَّسائيّ ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية عشر بابًا تقريبًا قال زهير (حدَّثنا عمر بن يونس) بن القاسم (الحنفي) أي المنسوب إلى بني حنيفة أبو حفص اليمامي، روى عن عكرمة بن عمار وعن أبيه يونس، ويروي عنه (ع) وزهير بن حرب ومحمد بن بشار وأبو ثور وخلق وثقه ابن معين والنَّسائيُّ وقال في "التقريب" ثقة من التاسعة مات سنة (206) ست ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والطلاق والجهاد وخلق النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم والفضائل والتوبة فجملة

حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّار، قَال: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ، قَال: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ قَال: كُنا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا. قال عمر بن يونس (حدَّثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة، روى عن أبي كثير يزيد بن عبد الرحمن بن أذينة وأبي زميل سماك الحنفي وإياس بن سلمة بن الأكوع ويحيى بن كثير وشداد بن عبد الله وسالم بن عبد الله ويروي عنه (م عم) وعمر بن يونس والنضر بن محمَّد بن مصعب بن المقدام وهاشم بن القاسم وابن المبارك وابن مهدي وخلق وثقه ابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من الخامسة يغلط وكان مجاب الدعوة مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والزكاة في موضعين والصوم والبيوع والفتن والأشربة والفضائل وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب. (قال) عكرمة (حدثني أبو كثير) يزيد بن عبد الرحمن بن أذينة الغبري السحيمي بمهملتين مصغرًا اليمامي الضَّرير، روى عن أبي هريرة في الإيمان والأشربة والفضائل ويروي عنه (م عم) ويحيى بن أبي كثير وعكرمة بن عمار والأوزاعي وعقبة بن التوأم وثقه أبو حاتم وأبو داود والنَّسائيُّ، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة فقط كما ذكرنا آنفًا (قال) أبو كثير (حدثني أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني الصحابي الجليل المكثر وهذا السند من خماسياته ورجاله ثلاثة منهم يماميون وواحد نسائي وواحد مدني (قال) أبو هريرة (كنا) معاشر الصّحابة (قعودًا) أي جلوسًا في المسجد (حول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي جانبه، قال أهل اللغة يقال قعدنا حوله وحوليه وحواليه وحواله بفتح الحاء واللام في جميعها أي على جوانبه قالوا ولا يقال حواليه بكسر اللام اهـ نووي. والحال أنه (معنا أبو بكر وعمر) وهذا من فصيح الكلام وحسن الأخبار فإنهم إذا أرادوا الإخبار عن جماعة فاستكثروا أن يذكروا جميعهم بأسمائهم ذكروا أشرافهم أو بعض أشرافهم ثم قالوا: وغيرهم، وأمَّا قوله (معنا) بفتح العين فهذه اللغة المشهورة ويجوز تسكينها في لغة حكاها صاحب المحكم والجوهري وغيرهما. وفي شروح الألفية أن (مع) من الأسماء الملازمة للإضافة غالبًا وتكون اسمًا

فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَينِ أَظْهُرِنَا، فَأَبْطَأ عَلَينَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَفَزِعْنَا وقُمْنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لموضع الاجتماع نحو زيد معك ولزمان الاجتماع نحو جئتك مع العصر وقد تكون أطلق الاجتماع من غير اعتبار مكان ولا زمان نحو قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} وقد تجرد عن الإضافة فيلزم نصبها على الحال نحو جاء الزيدان معًا أي جميعًا وقد حكى جرها بمن نحو ذهبت من معه أي من عنده وفيها لغتان فتح العين وسكونها ولغة السكون قليلة كما قال في الخلاصة: ومع مع فيها قليل ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل يعني نقل في لغة السكون إذا التقت العين الساكنة مع ساكن بعدها وجب تحريكها لالتقاء الساكنين فمن حركها بالفتح فللتخفيف ومن حركها بالكسر فعلى أصل التقاء الساكنين وقد بسطنا الكلام فيها في شرحنا نزهة الألباب على ملحة الإعراب فراجعه وإنما أطلنا الكلام فيها هنا مع أن المقام ليس من مقام البحث عنها دفعًا لأوهام أطال بها الكلام هنا بعض الشراح سهوًا أو غفلة لئلا يغتر بها الطلاب والله أعلم، وقوله (في نفر) حال من أبي بكر وعمر أي حالة كونهما مع نفر وجماعة آخرين وفي القاموس النفر محركًا النَّاس كلهم ومادون العشرة من الرجال كالنفير يجمع على أنفار اهـ. (فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) وخرج (من بين أظهرنا) أي من مكان بين أظهرنا ووسطنا هكذا هو هنا وفيما سيأتي (كنت بين أظهرنا) بلا نون أي بيننا ورواه الفارسي بين ظهرينا، وقال الأصمعي: والعرب تقول بين أظهركم وظهرَيكم وظهرانَيكُم بصيغة الاثنين قال الخليل أي بينكم (فأبطأ) أي آخر الرجوع (علينا وخشينا) أي خفنا (أن يقتطع) ويؤخذ (دوننا) أي قبل الوصول إلينا والرجوع علينا أي خفنا أن يصاب بمكروه من عدو إما بأسر أو بقتل لأنَّ أعداءه اليهود والمنافقين كثير في المدينة وقتئذ وعبارة القرطبي هنا (أن يقتطع دوننا) أي يحال بيننا وبينه بأخذ أو هلاك اهـ. قال الأبي (قوله فخشينا) قلت خشْيَتُهم إن كانت قبل نزول {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فواضح وإلا فذاك لفرط كلفهم به كما يقال المحب مولع بسوء الظن اهـ. (وفزعنا) أي بادرنا إلى طلبه وفي بعض النسخ (ففزعنا) بفاء التعقيب (وقمنا) من مكاننا لطلبه وفي بعض النسخ (فقمنا) بفاء التعقيب أيضًا وعبارة القرطبي هنا قوله (ففزعنا وقمنا) أي تركنا ما كُنَّا فيه وأقبلنا على

فَكنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتغِي رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، حَتَّى أَتيتُ حَائِطًا لِلأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أجِدُ لَهُ بَابًا؟ فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعْ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خارِجَةٍ -وَالرَّبِيعُ: الْجَدْوَلُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ طلبه من قولهم فزعت إلى كذا إذا أقبلت عليه وتفرغت له ومنه قوله الشاعر: فزعت إليكم من بلايا تنوبني ... فألفيتكم منها كريمًا ممجدًا وقد دل على ذلك قوله فكنت أولى من فزع أي أولى من أخذ في طلبه وليس هو من الفزع الذي هو الذعر والخوف لأنَّه قد قال قبل هذا فخشينا أن يقتطع دوننا ثم رتب فزعنا عليه بفاء التعقيب المشعرة بالتسبب، والفزع لفظ مشترك يطلق على ذينك المعنيين وعلى الإغاثة اهـ. قال القاضي عياض: الفزع يكون بمعنى الخوف وبمعنى الهيوب للشيء والاهتمام به وبمعنى الإغاثة والمعاني الثلاثة صالحة للإرادة هنا أي ذعرنا لاحتباس النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عنا، والأظهر أنَّه الهيوب وقول القرطبي: لا يصح إرادة الخوف لقوله (فخشينا) ثم رتب عليه بفاء السبب (ففزعنا) تعقبه الأبي بأن كونه بمعنى الخوف لا يمنع من عطفه ويكون من عطف الشيء على نفسه إرادة الاستمرار نحو {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} أي فكذبوا تكذيبًا بعد تكذيب اهـ. قال أبو هريرة (فكنت أول من فزع) وبادر في طلبه (فخرجت) من بين القوم حالة كوني (أبتغي) وأطلب (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) فتتبعت أثره ومشيت وراءه (حتَّى أتيت) وجئت (حائطًا) أي بستانًا وسمي بذلك لأنَّه محوط بحائط لا سقف له (لـ) ـبعض (الأنصار) وقوله (لبني النجار) جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله للأنصار بدل بعض من كل وهم بطن معروف من الخزرج (فدرت به) أي فطفت وجلت حولى ذلك الحائط قائلًا في نفسي (هل أجد له) أي لذلك الحائط (بابا) ومدخلًا أدخل به لأطلب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في ذلك الحائط (فلم أجد) له بابا ومدخلًا وإذا في قوله (فإذا ربيع) فجائية وربيع مبتدأ أو جملة (يدخل) صفة له والخبر محذوف أي فإذا ربيع يدخل في الحائط موجود والمعنى فدرت بالحائط فلم أجد له مدخلًا ففاجأني ربيع ونهر صغير يدخل (في جوف حائط) أي في وسط ذلك الحائط جارٍ ماؤه (من) ماء (بئر خارجة) عن ذلك الحائط. وقوله (والربيع الجدول) -أي النهر الصَّغير والساقية كلام- مدرج من الراوي.

فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثعْلَبُ، فَدَخَلْتُ (¬1) عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَال: "أَبُو هُرَيرَةَ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: أما الرَّبيع فبفتح الراء على وزن الرَّبيع الفصل المعروف من فصول السنة والجدول بفتح الجيم وهو النهر الصَّغير والساقية التي يجري فيها ماء سقي الأشجار وجمع الرَّبيع أربعاء، كنبي وأنبياء وقوله (بئر خارجة) هكذا ضبطناه بالتنوين في بئرٍ وفي خارجةٍ على أن خارجة صفة لبئر وذكر أبو موسى الأصبهاني وغيره أنَّه روي على ثلاثة أوجه أحدها هذا المذكور والثاني من بئرٍ خارجَهُ بتنوين بئر وبهاء في آخر خارجه مضمومة وهي هاء ضمير الحائط أي من بئر في موضع خارج عن الحائط، والثالث من بئر خارجة بإضافة بئر إلى خارجة آخره تاء التأنيث وهو اسم رجل والوجه الأوَّل هو المشهور الظاهر والبئر مؤنثة مهموزة يجوز تخفيف همزتها وهي مشتقة من بئرت أي حفرت وجمعها في القلة أبؤر وأبئار بهمزة بعد الباء فيهما ومن العرب من يقلب الهمزة في أبئار وينقل فيقول آبار وجمعها في الكثرة بشار بكسر الباء بعدها همزة والله أعلم. (فاحتفزت) أي تضاممت بجسمي وتصاغرت ليسعني الجدول (كما يحتفز) ويتضام ويتصاغر (الثعلب) الذي يريد الدخول في المضيق، قال القرطبي: رواه عامة الشيوخ في المواضع الثلاثة بالراء من الحفر، وروي عن الجلودي بالزاي وهو الصواب يعني به تضاممت ليسعني المدخل ويؤيده تشبيهه بفعل الثعلب وهو صفة الدخول في المضايق ومنه حديث علي رضي الله عنه "إذا صلت المرأة فلتحتفز" أي فلتتضام وتنزو (¬2) إذا سجدت ذكره أبو عبيد في غريبه (2/ 305) والزمخشري في الفائق (1/ 402) وابن الأثير في النهاية (1/ 407) واختار صاحب التحرير رواية الراء وليس مختاره بمختار، وفي القاموس احتفز في مشيته احتث واجتهد، واحتفز في سجوده تضام، واحتفز في جلوسه استوى جالسًا على وركيه، والثعلب معروف وهو حيوان ذو مكر وحيلة والذكر منه ثعلب وثعلبان بضم أوله، والأنثى ثعلبة وجمعه ثعالب كما يستفاد من القاموس (ودخلت على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) وهو في الحائط (فقال) لي أنت (أبو هريرة) فهو خبر ابتدأ محذوف، قال الأبي: (قوله أبو هريرة) هو تقرير أو تعجب لاستغرابه من أين دخل مع سد الأبواب اهـ. (فقلت نعم) أي أنا أبو هريرة (يا رسول الله) فنعم حرف تصديق في ¬

_ (¬1) في نسخة: (فاحتفزت فدخلت). (¬2) تنزو: تجتمع وتتَضامُّ بعضها إلى بعض. اهـ

قَال: "مَا شَأْنُكَ؟ "، قُلتُ: كُنْتَ بَينَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ، فَأَبْطَأتَ عَلَينَا، فَخَشِينَا أَن تُقْتَطَعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ، فَأتَيتُ هَذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثعْلَبُ، وَهَؤُلاءِ النَّاسُ وَرَائِي، فَقَال: "بَا أَبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الإثبات قائم مقام الجواب بخلاف بلى فإنَّه في النفي (قال) لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (ما شأنك) أي حالك وشغلك الذي جاء بك هنا (قلت) يا رسول الله (كنت) أنت جالسًا (بين أظهرنا) أي بيننا (فقمت) وخرجت من بيننا (فأبطأت) أي أخرت الرجوع (علينا فخشينا) أي خفنا (إن تقطع) وتصاب بمكروه من عدو (دوننا) أي قبل الوصول إلينا (ففزعنا) معاشر الجالسين معك أي بادرنا وأسرعنا في طلبك لخوفنا عليك من إذاية عدو (فكنت) أنا (أول من فزع) وبادر في طلبك (فأتيت هذا الحائط) الذي أنت فيه وجئته ودرست به لطلب المدخل فوجدت جدولًا (فاحتفزت) أي فانضممت بجسمي ليسعني الجدول (كما يحتفز الثعلب) الذي يريد الدخول في المضيق فدخلت عليك يا رسول الله (وهؤلاء النَّاس) أي وأولئك النَّاس الذين قمت من بينهم حاضرون (ورائي) وخلفي وراء هذا الحائط، قال القرطبي: يعني بهم النفر الذين كانوا مع النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فقام من بينهم وأخذوا في طلبه وهم المعنيون للنبي صَلَّى الله عليه وسلم بقوله: "فمن لقيت من وراء هذا الحائط" ولا شك في أن أولئك هم من أهل الجنَّة وهذا ظاهر اللفظ ويحتمل أن يقال إن ذلك القيد ملغي والمراد هم وكل من شاركهم في التلفظ بالشهادتين واستيقان القلب بهما وحينئذ يرجع إلى التأويل والتفصيل الذي ذكرناه في الباب قبل هذا انتهى. قال الأبي: الأظهر في دخوله محل الغير بلا استئذانه أنَّه دهش وتحير لغيبة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عنه ويبعد أن يكون دخوله لعلمه طيب نفس رب الحائط لأنَّه يبقى حق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في الدخول عليه وإنَّما جعل الإذن لأجل البصر ويحتمل أنَّه دالة، قال النواوي: ولا يختص تصرَّف الدالة بالحائط بل وكذا ركوب الدابة ولبس الثوب وأكل الطَّعام قال أبو عمر وأجمعوا على أنَّه لا يتعدى إلى الدنانير والدراهم ونحوها وفي ثبوت هذا الإجماع نظر مع العلم بطيب نفس صاحبها ولعلّه في الدراهم الكثيرة المشكوك في طيب نفس صاحبها فإنَّه اتفق على المنع في صورة الشَّك قال الأبي: يعني صورة الشَّك في كل شيء (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يا أبا هريرة و) الحال أنه (أعطاني نعليه) لتكونا أمارة على أنَّه لقيه وإعطاؤهما له تأكيد وإلا

هُرَيرَةَ"؛ وَأَعْطَانِي نَعْلَيهِ، قَال: "اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَينِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائطِ، يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ مُسْتَيقِنًا بِهَا قَلْبُهُ .. فَبَشِّرْهُ بِالْجَنةِ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ فخبره مقبول وقوله (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (اذهب) وارجع إلى النَّاس (بنعلي هاتين) فيه فائدة لطيفة فإنَّه أعاد لفظة (قال) لطول الكلام وحصول الفصل بقوله: (يا أبا هريرة؛ وأعطاني نعليه) وهذا حسن شائع في كلام العرب بل جاء أيضًا في كلام الله تعالى في قوله تعالى {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} قال الواحدي: قال محمَّد بن يزيد: قوله تعالى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} تكرير للأول لطول الكلام، قال ومثله قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)} أعاد أنكم لطول الكلام والله أعلم اهـ. نووي. وأمَّا إعطاؤه النعلين فلتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم يعرفون بها أنَّه لقي النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم ويكون أوقع في نفوسهم لما يخبرهم به عنه صَلَّى الله عليه وسلم ولا ينكر كون مثل هذا تأكيدًا وإن كان خبره مقبولًا بدون هذا والله أعلم اهـ منه. وقال القرطبي: وفي دفع النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم لأبي هريرة بنعليه دليل على جواز عَضُدِ خبر الواحد بالقرائن تقوية لخبره، وإن كان لا يتهم، وفيه اعتبار القرائن والعلامات والعمل على ما تقتضيه من الأعمال والأحكام انتهى. قوله (فمن لقيت) إلخ معطوف على اذهب على كونه مقولًا لقال ومن شرطية أي قال لي: اذهب بنعليَّ هاتين، و (من) لقيت ورأيت (وراء هذا الحائط) وخارجه حالة كونه (يشهد) ويقر (إن لا إله إلَّا الله) حالة كونه (مستيقنًا) أي موقنًا (بها) أي بمعنى هذه الكلمة مع عديلتها محمَّد رسول الله (قلبه) فاعل مستيقنًا (فبشره) أي بشر ذلك الذي رأيته (بالجنة) أي بدخول الجنَّة دار الكرامة. قال النووي: معنى هذا الكلام أخبرهم أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنَّة وإلا فأبو هريرة لا يعلم استيقان قلوبهم، وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أنَّه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون المنطق، ولا المنطق دون الاعتقاد بل لا بد من الجمع بينهما، وقد تقدم إيضاحه في أول الكتاب وذكر القلب هنا للتأكيد ونفي توهم المجاز وإلا فالاستيقان لا يكون إلَّا بالقلب انتهى. وقال القرطبي: واليقين هو العلم الراسخ في القلب الثابت فيه، يقال منه يقنت

فَكَانَ أوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ، فَقَال: مَا هَاتَانِ النَّعْلانِ يَا أَبَا هُرَيرَةَ؟ قُلْتُ (¬1): هَاتَانِ نَعْلا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله مُسْتَيقِنًا بِهَا قَلْبُهُ .. بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَينَ ثَدْييَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر بالكسر معناه أيقنت واستيقنت وتيقنت كله بمعنى واحد وربما عبروا بالظن عن اليقين، وباليقين عن الظن، قال أبو مسعدة الأسدي: تحسَّبَ هَوَّاسٌ وأيقن أنني ... بها مُفتدٍ من واحد لا أغامره يقول تشمم الأسد ناقتي يظن أنني أفتدي بها منه وأتركها له ولا أقاتله، قاله الجوهري، وقال غيره: اليقين هو السكون مع الوضوح، يقال: يقن الماء أي سكن وظهر ما تحته، فذهبت من عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم آخذًا نعليه (فكان أول من لقيت) ورأيت بعد مفارقة النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بنصب أول على أنَّه خبر كان مقدم على اسمها ورفع (عمر) على أنَّه اسمها مؤخر لكونه أعرف من المضاف أي فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من رأيته من النَّاس بعد ذهابي من عند النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم آخذًا بنعليه (فقال) عمر (ما هاتان النعلان) اللتان تمشي بهما (يا أبا هريرة قلت) له (هاتان نعلا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعثني بهما) إلى النَّاس على أني (من لقيتـ) ـه ورأيته (من) النَّاس (وراء هذا الحائط) والبستان حالة كونه (يشهد) ويقر (إن لا إله إلَّا الله) حالة كونه (مستيقنًا بها) أي موقنًا بمعناها (قلبه بشرته بالجنة) أي بدخولها، قال القرطبي: المبشر من لقي منهم أو من غيرهم مع المشاركة في السبب المذكور، قال النواوي: وفي بعض الأصول (فقلت هاتين نعلا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) بنصب هاتين ورفع نعلا وهو صحيحٌ، معناه فقلت: أعني هاتين هما نعلا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فنصب هاتين بإضمار أعني وحذف هما التي هي المبتدأ للعلم به، وأمَّا قوله (بعثني بهما) فهكذا ضبطناه بهما على التثنية وهو ظاهر، ووقع في كثير من الأصول، أو أكثرها (بها) من غير ميم، وهو صحيحٌ أيضًا، ويكون الضمير عائدًا إلى العلامة فإن النعلين كانتا علامة والله أعلم اهـ. نووي. (فضرب عمر) بن الخطاب (بيده) في صدري (بين ثديي) بفتح المثلثة وسكون الدال وبياءين مفتوحتين ثانيتهما مشددة تثنية ثدي، وهو مذكر، وقد يؤنث في لغة قليلة، ¬

_ (¬1) في نسخة: (فقلت).

فَخَرَرْتُ لاسْتِي، فَقَال: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيرَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلفوا في اختصاصه بالمرأة، فمنهم من قال يكون للرجل والمرأة، ومنهم من قال: هي للمرأة خاصة، فيكون إطلاقه في الرجل مجازًا واستعارة، وقد أكثر إطلاقه في الأحاديث على الرجل (فخررت) أي سقطت (لاستي) أي على استي ودبري، والاسْتُ بكسر الهمزة اسم من أسماء المدبر، فالمستحب في مثل هذا الكناية عن قبيح الأسماء، واستعمال المجاز والألفاظ التي تُحصِّلُ الغرض ولا يكون في صورتها ما يستحيا من التصريح بحقيقة لفظه، وبهذا الأدب جاء القرآن العزيز والسنن كقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وقوله: {وَكَيفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} وقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}، وقد يستعملون صريح الاسم لمصلحة راجحة وهي إزالة اللبس أو الاشتراك أو نفي المجاز أو نحو ذلك كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} وقوله صَلَّى الله عليه وسلم: "أنكتها" وكقوله صَلَّى الله عليه وسلم: "أدبر الشَّيطان وله ضراط" وكقول أبي هريرة رضي الله عنه: الحدث فساء أو ضراط، ونظائر ذلك كثير، واستعمال أبي هريرة هنا لفظ الاست من هذا القبيل والله أعلم اهـ نووي. وعبارة القرطبي (قوله فخررت لاستي) أي على استي كما قال تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} أي عليها من الخرور وهو السقوط، وكأنه وكزه في صدره فوقع على استه، وقال القاضي عياض: (قوله فضرب عمر) لم يقصد عمر رضي الله عنه بضربه إذايته، ولا رد أمره صَلَّى الله عليه وسلام وإنما رأى المصلحة في عدم التبشير خوف الاتكال فتكثر أجورهم، والتبشير وإن كان للخواص لكن خاف أن يصل العوام، ولذا صوبه صَلَّى الله عليه وسلم مع أن المصادر عنه ليس أمرًا حقيقة بل تطييب لنفوس الصّحابة وفي الحديث إشارة أهل الفضل والوزراء على الإمام وإن لم يستشرهم، ووقفهم بعض أمره حتَّى يعرضوا عليه ما رأوه فيه ورجوع الإمام إلى صواب ذلك. اهـ (فقال) عمر لأبي هريرة (ارجع يا أبا هريرة) إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا تبشر النَّاس بذلك قال أبو هريرة (فرجعت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأجهشت بكاءً) أي تهيأت لبكاء وأخذت فيه، قال أبو عبيد: الجهش أن يفزع الإنسان إلى الإنسان مريدًا للبكاء كالصبي يفزع إلى أمه، فقال: جهشت جهوشًا وأجهشت إجهاشًا لغتان، وقال أبو زيد جهشت للبكاء والحزن والشوق جهوشًا فهو بالجيم والشين

وَرَكِبَنِي عُمَرُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أثَرِي، فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيرَةَ؟ "، قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ، فَضَرَبَ بَينَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لاسْتِي، قَال: ارْجِعْ فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان، قال النووي: هكذا وقع في الأصول التي رأيناها وهما صحيحان، وقال القاضي عياض: والإجهاش هو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد، وقال الطبري: هو الفزع والاستغاثة وأمَّا قوله (بكاء) فهو منصوب على المفعول له، وقد جاء في رواية للبكاء، والبكاء يمد ويقصر لغتان اهـ نووي. (وركبني عمر) أي تبعني ولحقني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة ولا تأخر، وقال القاضي عياض: تبعني في العين والوقت ومنه حديث حذيفة: "إنَّما تهلكون إذا صريح تمشون الركبان كأنكم يعاقيب الحجل" أراد أنكم تمضون على وجوهكم دون تثبت ولا استئذان من هو أسنُّ منكم، يركب بعضكم بعضًا فعل اليعاقيب، واليعاقيب جمع يعقوب وهو ذكر الحجل اهـ. و(إذا) في قوله (فإذا هو) أي عمر (على أثري) أي ورائي وخلفي فجائية والفاء عاطفة ما بعدها على قوله فأجهشت بكاء، والتقدير فتهيأت للبكاء عند النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ففاجأني حضور عمر على أثري، وأمَّا قوله (على أثري) ففيه لغتان مشهورتان فصيحتان: كسر الراء وإسكان الثاء وفتحهما (فقال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما لك) أي أي شيء ثبت لك، وأي مشكلة نزلت بك تتهيأ للبكاء (يا أبا هريرة قلت) له جوابًا لاستفهامه لما ذهبت من عندك (لقيت) واستقبلت (عمر) بن الخطاب (فأخبرته) أي فأخبرت عمر (بـ) ـالأمر (الذي بعثتني) وأرسلتني (به) من تبشير من لقيته بالجنة (فضربـ) ـني في صدري (بين ثديي) أي بين ثديين لي (ضربة) شديدة؛ أي وكزني وكزة شديدة (خررت) وسقطت منها (لاستي) أي على استي ودبري ثم (قال) لي عمر معطوف بعاطف مقدر على ضرب (ارجع) يا أبا هريرة إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا تخبر النَّاس بهذه البشارة، فحمل عمر البشارة على العموم، ولكن مراد النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الخصوص فخشي عمر في الخصوص أن يفشو ويتسع (فقال له) أي لعمر (رسول الله) صَلَّى الله عليه وسلم (يا عمر ما حملك) وبعثك (على ما فعلت) بأبي هريرة من منعه من

"يَا عُمَرُ (¬1)؛ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ "، قَال: يَا رَسُولَ الله؛ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيرَةَ بِنَعْلَيكَ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ مُسْتَيقِنًا بِهَا قَلْبُهُ .. بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ؟ ! قَال: "نَعَمْ"، قَال: فَلَا تَفْعَلْ؛ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيهَا فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ، قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَخَلِّهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ التبشير ورده عليَّ (قال) عمر جوابًا لاستفهامه صَلَّى الله عليه وسلم (يا رسول الله بأبي أنت وأمي) أي أنت مَفْدِيٌّ من كل مكروه بأبي وأمي، أو أفديك بأبي وأمي، وفي هذا جواز قول الرجل للآخر بأبي أنت وأمي، وقد كرهه بعض السلف وقال: لا يُفدَّى بمسلم، والأحاديث الصحيحة تدل على جوازه سواء كان المفدى بهما مسلمين أم لا وسواء كانا حيين أو ميتين؛ لأنَّه ليس المراد الحقيقة وإنَّما هو على معنى الحنانة والبر (أبعثت) أي هل أرسلت يا رسول الله (أبا هريرة) إلى النَّاس حالة كونه ملتبسًا (بنعلبك) على أنَّه (من لقي) ورأى من النَّاس حالة كون ذلك المَلْقِيِّ له (يشهد) ويقر (إن لا إله إلَّا الله مستيقنًا بها) أي موقنًا بمعنى هذه الكلمة (قلبه بشره بالجنة) أي بدخولها (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (نعم) أرسلته ليبشر النَّاس بالجنة (قال) عمر للنبي صَلَّى الله عليه وسلم (فلا تفعل) يا رسول الله ذلك التبشير (فإني أخشى) وأخاف (إن يتكل النَّاس) ويعتمدوا (عليها) أي على تلك الشهادة، ويكتفوا بمجردها عن إكثار الأعمال الصالحة، فليس في تبشيرهم بذلك مصلحة لهم لقلة عملهم وأجورهم حينئذ (فخلهم) يا رسول الله أي اتركهم على حالهم واجتهادهم في العمل الصالح حالة كونهم (يعملون) أي يكثرون من العمل الصالح (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) لأبي هريرة إذا كان الأمر كذلك؛ أي اتكالهم على مجرد الشهادة (فخلهم) يا أبا هريرة على حالهم، فلا تخبرهم بهذه البشارة مخافة اتكالهم على مجردها. قال الأبي: والأظهر أن عمر لم يسمع حديث معاذ المتقدم لقوله: فإني أخشى، فهو من إلهاماته النفسية، ويكون سكوته صَلَّى الله عليه وسلم عن ذلك اتكالًا على ما سبق بيانه، وقال الأبي أيضًا: وليس هذا من النسخ قبل الفعل لأنَّه قد بلغ البعض، قال القاضي عياض: وفي هذا رجوع الإمام إلى ما ظهر له صوابه، ولا خلاف أن له صَلَّى الله عليه وسلم أن يجتهد في أمور الدُّنيا ويرجع إلى رأي غيره في ذلك كما فعل في تلقيح ¬

_ (¬1) في نسخة: (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يا عمر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النخيل والنزول ببدر ومصالحة أهل الأحزاب. انتهى "بشارة": وعندما وصلت إلى هذا المحل من الكتابة في جوف الليلة الحادية والعشرين من شعبان ليلة الخميس في تاريخ (21/ 8 / 1419 هـ) كسلت من الكتابة ورقدت، ورأيت في المنام كأني بنيت بيتًا كان سقفه في السماء، وأركان جداره في مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها وفي قصدي جعل بعضه مساجد، وبعضه مدارس للمسلمين، والنّاس يأتون إليه ويتعجبون منه، وجاء رجل أبيض أحسن النَّاس قدًا وهيئة وجمالًا وطاف بذلك البيت وتعجب منه ويقول بصوت رفيع: رحم الله امرأ بنى بما لم يبن غيره، وأظن ذلك الرجل النبي صَلَّى الله عليه وسلم أر الإمام مسلمًا وأكبر ظني أنَّه النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، ورأيت في تلك الرؤيا بشارة عظيمة لا أستطيع وصفها الآن والحمد لله على هذه البشارة، قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} وإلى المقصود نرجع فنقول: قال الأبي: واختلف هل له صَلَّى الله عليه وسلم أن يجتهد في الشرعيات؟ وهل هو معصوم في اجتهاده أم هو كغيره؟ والصَّواب أن له ذلك لقوله تعالى {لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ} الآية، ولحكمه برأيه في أسرى بدر، وأنَّه معصوم في ذلك لأنَّ اجتهاده ركن من أركان الشريعة تستنبط منه الأحكام ويقاس عليه فكيف يتصور فيه الخطأ ومخالفة الحق، وإنَّما الحق والصَّواب ما فعله، وإنَّما الشرع ما اجتهد فيه، وخطأ المجتهدين إنَّما هو بعدم توفيقهم إلى فهمهم مراده صَلَّى الله عليه وسلم وهذا كله على أن المصيب واحد، وأمَّا على أن كل مجتهد مصيب فالأمر واضح. قال الأبي: جواز الاجتهاد له صَلَّى الله عليه وسلم للأكثر، وتوقف فيه إمام الحرمين، ومنعه الجبائي وابنه والإمامية، والحقُّ ما ذُكر من عصمته فيه، وحكى الطُّوسي عن جماعة: جواز ذلك عليه، قالوا: ولكن لا يقر عليه، واختاره ابن الحاجب، ولم نزل نسمع إنكار هذا القول وترجيح ابن الحاجب له انتهى. قال القرطبي: (وأعلم) أن ضرب عمر لأبي هريرة حتَّى سقط لم يكن ليؤذيه ويوقعه، ولكن إنَّما كان ليوقفه ويمنعه من النهوض بالبشرى حتَّى يراجع النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك من عمر اعتراضًا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولا ردًّا لأمره وإنَّما كان ذلك سعيًا في استكشاف عن مصلحة ظهرت له لم يعارض بها حكمًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شرعًا، إذ ليس فيما أمره به إلَّا تطييب قلوب أصحابه أو أمته بتلك البشرى، فرأى عمر أن السكوت عن تلك البشرى أصلح لهم لئلا يتكلوا على ذلك فتقل أعمالهم وأجورهم، ولعل عمر قد كان سمع ذلك من النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم كما سمعه معاذ رضي الله عنهما على ما يأتي في حديث معاذ الآتي قريبًا فيكون ذلك تذكيرًا للنبي صَلَّى الله عليه وسلم بما قد سمع منه، ويكون سكوت النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم عن ذلك تعديلًا على ما قد كان تعذر لهم تبيانه لذلك، ويكون عمر لما خصه الله تعالى به من الفطنة وحضور الذهن تذكّر ذلك واستبلد أبا هريرة إذ لم يتفطن لذلك ولا تذكره فضربه تلك الضربة تأديبًا وتذكيرًا، وفي هذا الحديث دليل على جواز تخصيص العموم بالمصلحة المشهود لها بالاعتبار، وقد اختلف فيه الأصوليون، وفيه عرض المصالح على الإمام وإن لم يستدع ذلك، وفيه أبواب لا تخفى، والله عزَّ وجلَّ أعلم انتهى. قال النواوي: (وأعلم) أن حديث أبي هريرة هذا مشتمل على فوائد كثيرة تقدم في أثناء الكلام منه جمل ففيه جلوس العالم لأصحابه ولغيره من المستفتين وغيرهم يُعلمهم ويفيدهم ويفتيهم، وفيه ما قدمناه أنَّه إذا أراد ذكر جماعة كثيرة فاقتصر على بعضهم ذكر أشرافهم أو بعض أشرافهم، ثم قال: وغيرهم، وفيه بيان ما كانت الصّحابة عليه رضي الله تعالى عنهم من القيام بحقوق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وإكرامه والشفقة عليه والانزعاج البالغ لما يطرقه صَلَّى الله عليه وسلم، وفيه اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والاعتناء بتحصيل مقاصده، ودفع المفاسد عنه، وفيه جواز دخول الإنسان مِلك غيره بغير إذنه؛ إذا علم أنَّه يرضى ذلك لمودة بينهما أو غير ذلك، فإن أبا هريرة رضي الله عنه دخل الحائط وأقره النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يُنقل أنَّه أنكر عليه، وهذا غير مختص بدخول الأرض، بل يجوز له الانتفاع بأدواته وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته، وركوب دابته ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنَّه لا يشق على صاحبه هذا هو المذهب الصَّحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء رحمة الله تعالى عليهم، وصرح به أصحابنا، قال أبو عمر ابن عبد البر: وأجمعوا على أنَّه لا يتجاوز الطَّعام وأشباهه إلى الدراهم والدنانير وأشباههما وفي ثبوت الإجماع في حق من يقطع بطيب قلب صاحبه بذلك نظر، ولعل هذا يكون في الدراهم والدنانير الكثيرة التي يشك أو قد يشك في رضاه بها، فإنهم اتفقوا على أنَّه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقًا فيما

56 - (31) حَدَّثَنَا إِسحَاقُ بن مَنْصُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تشكك في رضاه به، ثم دليل الجواز في الباب الكتاب والسنة وفعل وقول أعيان الأمة، فالكتاب قوله تعالى: {لَيسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} إلى قوله {أَوْ صَدِيقِكُمْ} والسنة هذا الحديث وأحاديث كثيرة معروفة بنحوه وأفعال السلف وأقوالهم في هذا أكثر من أن تحصى وتحصر والله تعالى أعلم. وفيه أيضًا إرسال الإمام المتبوع إلى أتباعه بعلامة يعرفونها ليزدادوا بها طمأنينة، وفيه ما قدمناه من الدلالة لمذهب أهل الحق أن الإيمان المنجي من الخلود في النار لا بد فيه من الاعتقاد والنطق، وفيه جواز إمساك وكتم بعض العلوم التي لا حاجة إليها للمصلحة، أو لخوف المفسدة، وفيه إشارة بعض الأتباع على المتبوع بما يراه مصلحة وموافقة المتبوع له إذا رآه مصلحة، ورجوعه عما أمر به بسبب وفيه جواز قول الرجل للآخر بأبي أنت وأمي كما مر تفصيله عن القاضي عياض رحمهم الله تعالى جميعًا. وحديث أبي هريرة هذا انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات، فموضع الترجمة منه قوله "فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة". ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث معاذ رضي الله عنهما فقال: (56) - ش (31) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام بفتح الباء وسكون الهاء في الأصل اسم للكوكب الذي في السماء الخامسة من السبعة السيارة المسمى عندهم بالمريخ، المعروف بالكوسج، لقب به لأن أسنانه كانت ناقصة مقطعة الأطراف، أبو يعقوب التميمي الحافظ المروزي ثم النيسابوري، روى عن معاذ بن هشام والنضر بن شميل وجعفر بن عون وعبد الصمد بن عبد الوارث وأبي عاصم النبيل وعبد الرزاق وروح بن عبادة وحسين بن علي الجعفي كلهم في كتاب الإيمان وغيرهم. ويروي عنه (خ م ت س) وابن أبي داود وأحمد بن حمدون الأعمش وخلق، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة (251) إحدى وخمسين ومائتين. روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في مواضع والوضوء والصلاة وفي الحج في موضعين والبيوع في أربعة مواضع والنكاح والطلاق والوصايا والقسامة والحدود

أخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَال: حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، قَال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والجهاد والأطعمة وفضائل الصحابة والقدر والتوبة وذكر الجن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا، قال إسحاق بن منصور (أخبرنا معاذ بن هشام) ابن أبي عبد الله واسمه سنبر الدستوائي أبو عبد الله البصري نزيل اليمن، روى عن أبيه وشعبة وابن عون وأشعث بن عبد الملك وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن منصور وأبو غسان المسمعي في الإيمان بلفظة غريبة، وإسحاق الحنظلي ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وزهير بن حرب وغيرهم، قال ابن معين: صدوق ليس بحجة، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من التاسعة مات سنة (200) مائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والحج في أربعة أبواب تقريبًا. (قال) معاذ بن هشام (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر بفتح السين والموحدة بينهما نون ساكنة الدستوائي بفتح الدال والمثناة بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى دستواء من كور الأهواز، وكان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها، أبو بكر الربعي الحافظ البصري روى عن قتادة وأبي الزبير ويحيى بن أبي كثير ومطر الوراق وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه معاذ ووكيع ويزيد بن زريع وابن المبارك وابن مهدي وغندر وخلق، قال العجلي ثقة ثبت، وقال في التقريب: ثقة ثبت وقد رمي بالقدر من كبار السابعة مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين وفي الصلاة في أربعة مواضع وفي الحج في موضعين وفي النكاح في موضعين والهبة وفي الأطعمة، روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا. (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه أحد الأئمة الأعلام، حافظ مفسر مدلس ثقة ثبت من رؤوس الطبقة الرابعة، مات كهلًا سنة (117) سبع عشرة ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) قتادة (حدثنا أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي النجاري أبو حمزة البصري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه أم سليم بنت ملحان، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، روى عن معاذ بن جبل.

أن نَبِيَّ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ -وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ- قَال: "يَا مُعَاذُ"؛ قَال: لَبيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيكَ، قَال: "يَا مُعَاذُ"؟ قَال: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيكَ، قَال: "يَا مُعَاذُ"؛ قَال: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيكَ، قَال: "مَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته، ورجاله أربعة منهم بصريون وواحد نيسابوري وواحد مدني، ومن لطائفه أن فيه رواية ولد عن والد، ورواية صحابي عن صحابي وكلهم ثقات إلا معاذ بن هشام فإنه صدوق، أي حدثنا أنس بن مالك (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم) بنصب نبي الله على أنه اسم أن، والواو في قوله (ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل) واو الحال، والجملة الاسمية في محل النصب حال من اسم أن، وجملة قوله (قال يا معاذ) خبر أن وجملة أن في تأويل مصدر منصوب على أنه مفعول ثانٍ لقوله حدثنا أنس، وقد سبق لك أن الرديف هو الراكب خلف الراكب، والرحل للبعير كالسرج للفرس. والمعنى حدثنا أنس بن مالك عن معاذ بن جبل قول النبي صلى الله عليه وسلم له يا معاذ حالة كون معاذ راكبًا خلفه صلى الله عليه وسلم على الرحل (قال) معاذ مجيبًا لندائه صلى الله عليه وسلم (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة يا (رسول الله وسعديك) أي وأسعدك إسعادًا في طاعتك، وقد تقدم البحث عن هاتين الكلمتين في حديث معاذ السابق. قال القاضي عياض: وفي الحديث جواز قول الرجل للرجل في الجواب عند دعائه له لبيك وسعديك، ومعنى لبيك إجابة لك بعد إجابة، وقيل: لزومًا لطاعته وطوعًا بعد لزوم ومعنى سعديك إسعادًا لك بعد إسعاد، وقيل: معنى لبيك مداومة على طاعتك، ومعنى سعديك مساعدة أوليائك على طاعتك، وقال سيبويه: معناه قربًا منك ومتابعة لك من ألبَّ فلان على كذا إذا داوم عليه ولم يفارقه، وأسعد فلان فلانًا على أمره وساعده، وقال: إذا استعمل في حق الله تعالى فمعناه لا أناى عنه في شيء تأمرني به وأنا متابعٌ أمرك وإرادتك انتهى منه. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيًا (يا معاذ قال) معاذ ثانيًا (لبيك رسول الله وسعديك قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثالثًا (يا معاذ قال) معاذ ثالثًا (لبيك رسول الله وسعديك قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الرابعة (ما من

عَبْدٍ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. إِلا حَرَّمَهُ اللهُ (¬1) عَلَى النارِ"، قَال: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أفَلا أُخْبِرُ بِهَا الناسَ فَيَسْتَبشِرُوا (¬2)؟ ، قَال: "إِذا يَتَّكِلُوا"، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله) قال القرطبي هكذا وقع هذا الحديث في رواية مسلم عن جميع رواته فيما علمته، وقد زاد البخاري فيه "صدقًا من قلبه" وهي زيادة حسنة تنص على صحة ما تضمنته الترجمة المتقدمة، وبها حصلت مطابقة الحديث للترجمة وتنص أيضًا على فساد مذهب المرجئة كما قد قدمناه، ومعنى صدق القلب تصديقه الجازم بحيث لا يخطر له نقيض ما صدق به، وذلك إما عن برهان فيكون علمًا أو عن غيره فيكون اعتقادًا جزمًا انتهى. أي ما عبدٌ مقر للشهادتين موقن بمعناهما (إلا حرمه الله) أي حرم الله سبحانه وتعالى ذلك العبد، أي إحراق ذلك العبد (على النار) الأخروية، قال الأبي وهذا أخص من حديث دخل الجنة، فهو أحوج إلى التأويل، فأولها الحسن بحملها على من مات ولم يعص الله، وحملها البخاري على من مات وهو تائب كما مر ولا يعارضه قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} لما تقدم أن الصحيح فيه أنه الجواز على الصراط اهـ. وقال القرطبي: ويجوز أن يحرم الله من مات على الشهادتين على النار مطلقًا ومن دخل النار من أهل الشهادتين بكبائره حرم على النار جميعه أو بعضه كما قال في الحديث الآخر "فيحرم صورهم على النار"رواه البخاري (7439) وقال: "حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود" رواه البخاري (6573) ومسلم (182) ويجوز أن يكون معناه إن الله يحرمه على نار الكفار التي تنضج جلودهم ثم تبدل بعد ذلك كما قال تعالى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرَهَا} (قال) معاذ (يا رسول الله أ) أكتم هذه البشارة (فلا أخبر بها الناس) والفاء في قوله (فيستبشروا) عاطفة سببية، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخبرهم إياها (إذًا) أي إن أخبرتهم (يتكلوا) ويعتمدوا على مجرد الشهادتين ويكتفوا بها عن إكثار ¬

_ (¬1) في نسخة: (إلا حرم الله). (¬2) في نسخة: (أفلا أخبر بها فيستبشروا).

فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ موْتهِ تأَثُّمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمال الصالحة، فإذن حرف جواب، ويتكلوا منصوب بها (فأخبر بها) أي بهذه البشارة (معاذ عند) نزول مقدمات (موته) عليه (تأثمًا) أي طلبًا للخروج من إثم كتمان العلم، قال الهروي: يقال تأثم إذا أزال إثم كتم العلم عن نفسه لأن تَفَعّل يرد لإزالة الشيء بالنفس فتحنث أزال الحنث عنه، وتحرَّج أزال الحرج، وتأثم أزال إثم كتم العلم عنه، وتقذَّر إذا تباعد عن القذر، قال المازري: والأظهر أنه لا يعني ذلك في الحديث، لأنه إنما سكت امتثالًا للنهي بقوله: فلا تبشرهم، فأين الإثم حتى يزيله، قال القاضي عياض: يحتمل أنه سمع حديث أبي هريرة فرآه ناسخًا، أو رأى أن قوله لا تبشرهم ليس نهيًا حقيقة وإنما هو كسر عزيمة عن التبشير أو رآه نهيًا، ولكن عن إشاعته للعوام خوف الاتكال وهذا هو الظاهر، ويؤيد هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة فمن لقيت وراء هذا الحائط يعني من النفر الذين كانوا معه ولذا ترجم البخاري عليه بباب تخصيص قومٍ دون قوم بالعلم خوف أن لا يفهموا. قال الأبي: لو تأثم لواحدة من هذه الثلاث لم يؤخر الإخبار إلى الموت إلا أن يقال إن الكتم إنما يتحقق بالموت أو يقال إنه رأى النهي عن التبشير إنما هو خوف الاتكال وخوف الاتكال إنما يكون في بدء الأمر أما بعد رسوخ الدين وتقرر الشريعة فلا يخاف ذلك فتأثم في التأخير إلى الآن اهـ. قال النواوي: ومعنى تأثم معاذ أنه كان يحفظ علمًا يخاف فواته وذهابه بموته فخشي أن يكون ممن كتم علمًا وممن لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ سننه فيكون إثمًا فاحتاط وأخبر بهذه السنة مخافة من الإثم وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن الإخبار بها نهي تحريم، وقال ابن الصلاح منعه صلى الله عليه وسلم من التبشير العام خوفًا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم فيغتر ويتكل، وأخبر به صلى الله عليه وسلم على الخصوص من أمن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة، فإنه أخبر به معاذًا فسلك معاذ هذا المسلك فأخبر به من الخاصة من رآه أهلًا لذلك وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري وإنما أورده استشهادًا، ولم يورده استدلالًا مع كونه أصح من حديث أبي هريرة الذي أورده استدلالًا لعدم صراحته في الترجمة على رواية مسلم. * * *

14 - باب الحكم على الظاهر في إسلام الشخص، وحسن الظن بكمال إيمانه، وصحة إسلامه

14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ 57 - (32) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ -يَعْنِي ابنَ الْمُغِيرَةِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ 14 - بَابُ الْحُكْمِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي إِسْلَامِ الشَّخْصِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَمَالِ إيمَانِهِ، وَصِحَّةِ إِسْلَامِهِ ولم يترجم لهذا الحديث النواوي ولا السنوسي ولا القاضي عياض وترجم له الأبي بقوله (باب حديث عتبان). (57) - (32) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي بفتح المهملة والموحدة مولاهم أبو محمد الأبلي بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام وفروخ يكنى بأبي شيبة، روى عن سليمان بن المغيرة ومهدي بن ميمون وعبد الوارث وأبي الأشهب جعفر وحماد بن سلمة وغيرهم، ويروي عنه (م د س) وأحمد بن علي المروزي وأبو يعلى وعبدان، وقال أحمد: ثقة، وقال في التقريب: صدوق يهم ورمي بالقدر، وقال في التقريب: من صغار التاسعة مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في موضعين وفي الزكاة والحج والطلاق والجهاد والأشربة والزهد وفي دلائل النبوة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرة تقريبًا. (فائدة) وفروخ غير منصرف للعلمية والعجمة قال صاحب كتاب العين فروخ اسم ابن لإبراهيم الخليل - عليه السلام - هو أبو العجم، وكذا قال صاحب المطالع وغيره: إن فروخ ابن لإبراهيم - عليه السلام - وأنه أبو العجم قاله النواوي. قال شيبان (حدثنا سليمان) بن المغيرة القيسي مولى قيس بن ثعلبة أبو سعيد البصري، روى عن ثابت البناني وسعيد الجريري وابن سيرين والحسن، ويروي عنه (ع) وشيبان بن فروخ وحيان بن هلال وأبو أسامة وشبابة بن سوار والنضر بن شميل وهدبة بن خالد وغيرهم، قال ابن معين: ثقة ثقة، وقال أحمد: ثبت ثبت، وقال في التقريب: ثقة من السابعة وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن المغيرة) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه

قَال: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عِتْبَانَ، فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي (قال) سليمان بن المغيرة (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم أبو محمد البصري، روى عن أنس بن مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي عثمان النهدي وأبي رافع وابن عمر وابن الزبير وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة عابد من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم البسط في ترجمته مرارًا (قال) أنس (حدثني محمود بن الربيع) بن سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي الحارثي أبو محمد أو أبو نعيم المدني صحابي صغير عَقِلَ مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من دلو في دارهم وهو ابن خمس سنين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عتاب بن مالك وعبادة بن الصامت، ويروي عنه (ع) وأنس وهو أكبر منه والزهري ورجاء بن حيوة وغيرهم مات سنة (99) تسع وتسعين وله ثلاث وتسعون (93) سنة، روى عنه المؤلف في بابين في الإيمان والصلاة (عن عتبان) بكسر المهملة وسكون المثناة (بن مالك) بن عمرو الأنصاري الخزرجي السلمي المدني صحابي مشهور له أحاديث اتفقا على حديث وكان أعمى يؤم قومه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه أنس بن مالك ومحمود بن الربيع في الإيمان والصلاة ويروي عنه (خ م س ق) مات في خلافة معاوية وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد أُبلِّي وفيه لطيفتان من لطائف السند إحداهما أنه اجتمع فيه ثلاثة صحابيون بعضهم عن بعض وهم أنس ومحمود وعتبان والثانية أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر فإن أنسًا أكبر من محمود سنًّا وعلمًا ومرتبة رضي الله عنهم أجمعين، وقد قال في الرواية الثانية الآتية عن ثابتٍ عن أنس قال: حدثني عتبان بن مالك، وهذا لا يخالف الأول فإن أنسًا سمعه أولا من محمود عن عتبان ثم اجتمع أنس بعتبان فسمعه منه والله أعلم اهـ نووي. (قال) محمود (قدمت المدينة) أي جئت من أطرافها إلى وسطها (فلقيت) أي رأيت (عتبان) بن مالك السلمي (فقلت) له ما (حديث بلغني عنك) بواسطة الناس، قال النواوي: هذا اللفظ شبيه بما تقدم في هذا الباب من قوله (عن ابن محيريز عن

قَال: أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشيءِ، فَبَعَثْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ: أَني أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَنْزِلِي فَاتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَال: فَأَتَى النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ وَمَنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ وَهُوَ يُصَلي فِي مَنْزِلِي وَأَصْحَابُهُ يَتَحَدثُونَ بَينَهُمْ، ثُم ـــــــــــــــــــــــــــــ الصنابحي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وقد قدمنا بيانه واضحًا وتقرير هذا الذي نحن فيه (حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بحديث قال فيه محمود قدمت المدينة فلقيت عتبان) اهـ. وقوله (حديث بلغني) خبر لمحذوف تقديره ماحديث بلغني عنك أو مبتدأ خبره محذوف تقديره حديث بلغني عنك بينه وحدثه لي. (قال) عتبان بن مالك في روايته لمحمود (أصابني في بصري) وعيني (بعض الشيء) أي بعض النقص في نظرها وفي الرواية الآتية (أنه عمي) والعمى ذهاب البصر بالكلية فبينهما معارضة، قال النواوي: يحتمل أنه أراد ببعض الشيء العمى وهو ذهاب البصر جميعه ويحتمل أنه أراد به ضعف البصر وذهاب معظمه وسماه عمىً في الرواية الأخرى لقربه منه ومشاركته إياه في فوات بعض ما كان حاصلًا له في حال السلامة والله أعلم اهـ. (فبعثت) أي أرسلت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بـ (أني أحب) وأتمنى (أن تأتيني) يا رسول الله في بيتي (فتصلي) لي صلاتك المبروكة (في منزلي) وداري (فاتخذه) أي فأتخذ ذلك المكان الذي صليت فيه من بيتي وأجعله (مصلى) لي أي مكان صلاة لي إذا عجزت عن الخروج إلى مسجد قومي لظلام أو سيل. قوله (فاتخذه مصلى) قال القاضي عياض: طلب ذلك لينال بالصلاة حيث رسم له فضل ما فاته من الصلاة في جماعة قومه فإنه كان يتخلف عنها لسيل أو ظلام للعذر الذي أصابه وفي الصلاة في الدور وفي العتيبة لا بأس أن يجعل الرجل محرابًا في بيته، قال ابن رشد: وله حرمة المسجد وكان الشيخ يقول ليست له، قال القاضي: وفيه التخلف عن الجماعة لمثل هذا العذر (قال) عتبان (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم) أي جاء إلى منزلي وفي بعض النسخ فأتاني (و) جاء معه (من شاء الله) سبحانه وتعالى مجيئهم معه (من أصحابه) رضوان الله تعالى عليهم (فدخل) النبي صلى الله عليه وسلم منزلي (وهو) أي والحال أنه يريد أن (يصلي في منزلي) فشرع في الصلاة (وأصحابه) أي والحال أن أصحابه الذين جاءوا معه (يتحدثون) فيما (بينهم) في شؤون المنافقين وصفاتهم (ثم) بعد

أَسْنَدُوا عُظْمَ ذَلِكَ وَكُبرَهُ إِلَى مَالِكِ بنِ دُخْشُمٍ، قَالُوا: وَوَدُّوا (¬1) أَنهُ دَعَا عَلَيهِ فَهَلَكَ، وَوَدُّوا (¬2) أَنهُ أَصَابَهُ شَرٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ما تحدثوا في الأمور التي تعلقت بهم (أسندوا عظم ذلك) التحدث أي نسبوا معظم حديثهم وجله (وكبره) أي أكثره (إلى مالك بن دخشم) وجعلوا فيه والمعنى أنهم تحدثوا وذكروا شؤون المنافقين وأقوالهم الشنيعة وأفعالهم القبيحة وما يلقون منهم ونسبوا معظم ذلك إلى مالك بن دخشم قال النواوي (عظم) بضم العين واسكان الظاء أي معظمه، وأما كبره فبضم الكاف وكسرها وعطفه على عُظْم من عطف الرديف، وقال القاضي: وفيه التنبيه على أهل الريب المتهمين في الدين ومجانبتهم (والدُّخشم) ضُبط بالميم وبالنون بدل الميم (الدخشن) مكبرًا ومصغرًا، فهذه أربع لغات وزاد ابن الصلاح كسر الدال وبالميم وبالنون مكبرًا لا غير فاللغات ست (قالوا) أي قال المتحدثون عنده صلى الله عليه وسلم في مالك بن الدخشم ما قالوا في شأنه من أمارات النفاق (و) الحال أنهم قد (ودوا) وأحبوا وتمنوا (أنه) صلى الله عليه وسلم (دعا عليه) أي دعا على مالك بن الدخشم بالهلاك (فهلك) مالك بدعائه صلى الله عليه وسلم عليه (وودوا) أي أحبوا (أنه) أي الشأن والحال (أصابه) أي أصاب مالك بن دخشم (شر) أي ضرر وآفة فهلك، لأنهم وجدوا مؤانسته ومحادثته ومخاللته مع المنافقين، فلذلك حكموا عليه بالنفاق وتمنوا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه فهلاكه، وفي بعض الأصول (قال ودوا أنه دعا عليه) بإفراد قال عن ضمير الجمع، أي قال عتبان بن مالك ودوا ... إلخ وفي بعضها أيضًا (بشرٍ) بزيادة الباء الجارة والكل صحيح، وفي هذا دليل على جواز تمني هلاك أهل النفاق ووقوع المكروه بهم. (واعلم) أن مالك بن دخشم هذا من الأنصار وهو مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري قال ابن عبد البر واختلفوا في شهوده العقبة قال ولم يختلفوا في أنه شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد قال ولا يصح منه النفاق فقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه اهـ. قال النووي وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على إيمانه باطنًا وبراءته من النفاق بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري: "ألا تراه ¬

_ (¬1) في نسخة: (ودوا). (¬2) في نسخة: (ودوا).

فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الصلاةَ .. وَقَال: "أَلَيسَ يَشْهَدُ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَني رَسُولُ اللهِ؟ ! " قَالُوا: إِنهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ، قَال: "لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَني رَسُولُ اللَّهِ .. فَيَدْخُلَ النارَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى" فهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه قالها مصدقا بها معتقدا صدقها متقربا بها إلى الله وشهد له في شهادته لأهل بدر بما هو معروف فلا ينبغي أن يُشك في صدق إيمانه رضي الله عنه وفي هذه الزيادة رد على غلاة المرجئة القائلين بأنه يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد فإنهم تعلقوا بمثل هذا الحديث وهذه الزيادة تدمغهم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. (فقضى) أي أتم (رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة) التي كان مشغولا بها حين دخل المنزل (وقال) للمتحدثين الذين رموه بالنفاق (1) تقولون إنه منافق و (ليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالوا) في جواب استفهام رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن مالك بن الدخشم (يقول ذلك) المذكور من الشهادتين بلسانه (وما هو) أي وما اعتقاد مضمون ذلك المذكور من الشهادتين (في فلبه) وروعه فإيمانه لساني لا قلبي كما أن إيمان سائر المنافقين كذلك. قال القاضي عياض: مستندهم في أنه ليس في قلبه القرائن كصُفُوِّهِ إلى المنافقين، قيل: وتخلفه عن هذا المشهد الكثير البركة وعدم فرحه بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دارهم والمبادرة إلى لقائه ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يوافقهم على ذلك إذ لم يثبت نفاقه فلم يترك صلى الله عليه وسلم صحة الظاهر لريبة الباطن، بل زاد في البخاري "ألا تراه كيف قالها يبتغي بها وجه الله" فهذا يدل على صحة إيمانه اهـ. ولفظه في صحيح البخاري في كتاب الصلاة في باب المساجد في البيوت "فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن أو ابن الدخيشن فقال بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟ قال: الله ورسوله أعلم! قال: فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يشهد أحد) من الناس (أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار) بنصب يدخل بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة

أوْ تَطْعَمَهُ"، قَال أَنَسٌ: فَأَعجَبَنِي هَذَا الْحَدِيثُ، فَقُلْتُ لابنِي: اكْتُبْهُ، فَكَتَبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في جواب النفي، والتقدير لا يكون شهادة أحد أن لا إله إلا الله فدخوله النار (أو) قال فـ (ـتطعمه) النار وتأكله، فأو للشك من الراوي وقوله "فيدخل النار" هو موضع الترجمة من الحديث من الحكم على الظاهر وحسن الظن بكمال إيمانه وصحة إسلامه، لا يدخلها أصلًا إن لم تكن عليه كبائر أو تاب عنها أو عفا الله عنه بحق الشهادتين أو لا يدخلها دخول الخلود، وكذلك تأويل اللفظ الآخر "فتطعمه النار" أو فتطعم جميعه، لما جاء أن أهل التوحيد لا تأكل النار جملة أجسادهم وأنها تتحاشى عن مواضع سجودهم وقلوبهم ودارات وجوههم ومواضع من أجسادهم كما رواه أحمد في المسند بلفظ "فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، وابن ماجه بلفظ "تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود". (قال أنس) بن مالك راوي الحديث (فأعجبني) أي أحبني وأعشقني (هذا الحديث فقلت لابني) لم أر من ذكر وعيَّن اسمه (اكتبه) أي اكتب لي هذا الحديث يا ولدي ليكون محفوظًا مصونًا عندي (فكتبه) لي ولدي فكان مصونًا عندي. قال النواوي: وفي هذا الحديث فوائد من العلم تقدم كثير منها فمنها التبرك بآثار الصالحين، قال الأبي: يُريد لأن الأصل التأسي وإلا فلا مساواة اهـ. ومنها زيارة العلماء والفضلاء والكبراء أتباعهم وتبريكهم إياهم، ومنها جواز استدعاء المفضول للفاضل لمصلحة تعرض ومنها جواز الجماعة في صلاة النافلة لأنه ورد في الحديث من طرق كثيرة أنه أم أهل الدار فلعل حديثهم كان في صلاة أخرى غير التي أثمَ فيها أوفيها، وكان المتحدثون غير متوضئين، ومنها أن السنة في نوافل النهار ركعتان كالليل، ومنها جواز الكلام والتحدث بحضرة المصلين ما لم يشغلهم ويدخل عليهم لبسًا في صلاتهم أو نحوه، ومنها جواز إمامة الزائر المزور برضاه، ومنها ذكر من يُتهم بريبة أو نحوها للأئمة وغيرهم ليتحرز منه ومنها جواز كتابة الحديث وغيره من العلوم الشرعية لقول أنس لابنه اكتبه بل هي مستحبة، وجاء في الحديث النهي عن كتب الحديث، وجاء الإذن فيه فقيل: كان النهي لمن خيف اتكاله على الكتاب وتفريطه في الحفظ مع تمكنه منه، والإذن لمن لا يتمكن من الحفظ، وقيل: كان النهي أولًا لما خيف اختلاطه بالقرآن والإذن بعده لما أمن من ذلك وكان بين السلف من الصحابة والتابعين خلاف في جواز كتابة الحديث ثم أجمعت الأمة على جوازها واستحبابها والله أعلم، ومنها البداءة بالأهم فالأهم فإنه صلى الله عليه وسلم

58 - (00) حَدَّثَنَا (¬1) أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمادٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ في حديث عتبان هذا بدأ أول قدومه بالصلاة ثم أكل، وفي حديث زيارته لأم سليم بدأ بالأكل ثم صلى لأن المهم في حديث عتبان هو الصلاة، فإنه دعاه لها، وفي حديث أم سليم دعته للطعام، ففي كل واحد من الحديثين بدأ بما دُعي إليه ومنها جواز استتباع الإمام والعالم أصحابه لزيارة أو ضيافة أو نحوها، ومنه غير ذلك مما قدمناه وما حذفناه وفي الأبي: قال مكي في القوت: كره كَتْبَ الحديث الطبقةُ الأولى من التابعين خوف أن يشغل به عن القرآن فكانوا يقولون احفظوا كما كنا نحفظ، وأجاز ذلك من بعدهم، وما حدث التصنيف إلا بعد موت الحسن وابن المسيب وغيرهما من كبار التابعين. فأول تأليف وُضع في الإسلام كتاب ابن جريج، وضعه بمكة في الآثار وشيء من التفسير عن عطاء ومجاهد وغيرهما من أصحاب ابن عباس، ثم كتاب معن بن زائدة الشيباني باليمن فيه سنن، ثم الموطأ ثم جامع سفيان الثوري وجامع سفيان بن عيينة في السنن والآثار وشيء من التفسير فهذه الخمسة أول شيء وضع في الإسلام انتهى. وحديث عتبان بن مالك هذا شارك المؤلف في روايته البخاري في مواضع، والنسائي وابن ماجه ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال رحمه الله تعالى: (58) - (حدثنا أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري روى عن بهز بن أسد وعبد الرحمن بن مهدي وغندر ويحيى بن كثير، وبشر بن المفضل وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) وزكريا الساجي وجماعة، وقال في التقريب: مشهور بكنيته، صدوق من صغار العاشرة، مات بعد (245) الأربعين ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والزكاة والصوم والنكاح ودلائل النبوة وصفة النار والعلم فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب، قال أبو بكر: (حدثنا بهز) بن أسد العمي بفتح المهملة أبو الأسود البصري أخو المعلى بن أسد، روى عن حماد بن سلمة وشعبة ووهيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن نافع العبدي وعبد الرحمن بن بشر وأبو غسان وغيرهم، ثقة ثبت من التاسعة مات بعد (200) المائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، قال بهز (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري ¬

_ (¬1) في نسخة: (حدثني).

عَنْ ثَابِتِ (¬1) عَنْ أنسٍ، قَال: حَدثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ: أَنهُ عَمِيَ فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد الأئمة الأعلام، روى عن ثابت البناني وداود بن أبي هند وأيوب وقتادة وحُميد ويحيى بن سعيد الأنصاري وخلق ويروي عنه (م عم) وبهز بن أسد والنضر بن شميل وعبد الأعلى بن حماد والحسن بن موسى وعفان بن مسلم وعبد الرحمن بن مهدي وشيبان بن فروخ وعدة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة روى المؤلف عنه في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والحج والطلاق والأحكام في أربعة مواضع والجهاد في ثلاثة مواضع والأدب وفي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي سن النبي صلى الله عليه وسلم وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكر موسى وفي آخر الدعاء وفي الفضائل وفي الجامع وفي الدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابًا تقريبًا (عن ثابت) بن أسلم البناني أبي محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين ومائة (123) وتقدم البسط في ترجمته قريبًا وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا تقريبًا (عن أنس) بن مالك الأنصاري الخزرجي أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثنى عشر بابًا تقريبًا (قال) أنس بن مالك (حدثني عتبان بن مالك) الأنصاري السلمي المدني تقدمت ترجمته قريبًا وهذا السند من سداسياته وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن المغيرة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه ومن لطائف هذا السند أن رواته كلهم بصريون إلا عتبان بن مالك فإنه مدني فلا يقال إن هذا السند مخالف للسند الأول لأن أنسًا روى في الأول عن محمود عن عتبان وهنا روى عن عتبان بلا واسطة محمود لأنه يجاب عنه بأن أنسًا سمعه أولًا من محمود عن عتبان ثم اجتمع أنس مع عتبان فسمعه منه كما مر هناك (أنه) أي أن عتبان بن مالك (عمي) أي فقد بصره (فأرسل) أي بعث عتبان "لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) يطلب منه الإتيان إليه في منزله (فقال) عتبان بواسطة من أرسله إليه ¬

_ (¬1) في نسخة: (حدثنا ثابت).

تَعَالَ فَحُطَّ لِي مَسْجِدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَجَاءَ قَومُهُ، وَنُعِتَ رَجُلٌ مِنْهُم يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ الدُّخشُمِ ... ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يا رسول الله (تعال) إلي وأقبل إلى منزلي (فخط لي) أي أعلم لي على موضع من بيتي لأتخذه (مسجدًا) أي موضعًا أجعل فيه صلاتي متبركًا بآثارك (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى منزل عتبان ليعين له موضعًا يصلي فيه من بينه (وجاء قومه) أي قوم عتبان وجيرانه وجماعته إلى بيت عتبان لما سمعوا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته لينالوا بركة هذا المشهد العظيم البركة (ونعت) بالبناء للمجهول أي وصف (رجل منهم) أي من قوم عتبان وجيرانه بصفة النفاق (يقال له) أي لذلك الرجل الموصوف بالنفاق (مالك بن الدخشم) أي يسمى بهذا الاسم أي سأل بعض الحاضرين عن علة تغيبه عن هذا المشهد العظيم فأجابه البعض الآخر إنه منافق لا يحب الله ورسوله. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: هكذا رويناه من طريق السمرقندي (فنعت) وهو وهم، والصواب (فتغيب رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم) هكذا رواه العذرى وجماعة بدليل افتقاده في الأحاديث الأخر اهـ. وغرضه بتكرار هذا المتن بيان مخالفته للرواية الأولى (ثم ذكر) حماد بن سلمة (نحو حديث سليمان بن المغيرة) أي شبيه روايته وقد تقدم لك أن مراده بقوله نحو حديث فلان هو الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه وبعض معناه والله أعلم. * * *

15 - باب بيان صفة من ذاق طعم الإيمان وحلاوته

15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ 59 - (33) حَدَّثَنَا مُحَمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكّي ـــــــــــــــــــــــــــــ 15 - بَابُ بَيَانِ صِفَةِ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَان وَحَلاوَتَهُ أي باب معقود في بيان صفة من ذاق ووجد لذة الإيمان وحلاوته وحلاوة الإيمان ولذته عبارة عما يجده المؤمن الموقن المطمئن قلبه به في إيمانه من انشراح صدره وتنويره بمعرفة ربه ومعرفة رسوله ومعرفة نعمة الله عليه حيث أنعم عليه بالإسلام ونظمه في سلك أمة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وحبب إليه الإيمان والمؤمنين وبغض إليه الكفر والكافرين وأنجاه من قبيح أفعالهم وركاكة أحوالهم وعند مطالعة هذه المنن والوقوف على تفاصيل تلك النعم تطير القلوب فرحًا وسرورًا وتمتلئ إشراقًا ونورًا فيالها من حلاوة ما ألذها وحالة ما أشرفها، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بدوامها وكمالها كما من علينا بابتدائها وحصولها، فإن المؤمن عند تذكر تلك النعم والمنن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة، غير أن المؤمنين في تمكنها ودوامها متفاوتون وما منهم إلا وله منها شرب معلوم وذلك بحسب ما قسم لهم من هذه المجاهدة الرياضية والمنح الربانية، وترجم لهذا الحديث الآتي النواوي وكذا القاضي عياض، وأكثر المتون التي بأيدينا بقولهم: (باب الدليل على أن من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي الكبائر). وفي هذه الترجمة زيادة أجنبية عن الحديث، ولذلك عدلت عنها إلى الترجمة التي ذكرناها، وترجم لها القرطبي بقوله: (باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته). وترجم له الأبي بقوله: (باب قوله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا). وكذا ترجم له السنوسي رحمهم الله تعالى جميعا، وهاتان الأخيرتان أوفق للحديث بلا زيادة على منطوقه والله أعلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (59) - س (33) (حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر) العدني الأصل أبو عبد الله (المكي) أي نزيل مكة، روى عن عبد العزيز الدراوردي وعبد الوهاب الثقفي وسفيان بن

وَبِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ -وَهُوَ ابْنُ مُحَمدٍ الدَّرَاوَرْدِي- عَنْ يَزِيدَ ابْنِ الْهَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عيينة وفضيل بن عياض وخلق، ويروي عنه (م ت س ق) وهلال بن العلاء ومفضل بن محمد الجندي وأبو زرعة الرازي وأبو حاتم وأبو زرعة الدمشقي وطائفة، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، صنف المسند لكن كانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، ثم قارن به غيره فقال (و) حدثنا أيضًا (بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري الزاهد الفقيه، روى عن الدراوردي ومالك وهشيم وابن عيينة وجماعة، ويروي عنه (خ م س) والحسن بن سفيان وخلق، وقال في التقريب: ثقة زاهد فقيه، من العاشرة، مات في رجب سنة (238) سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في بابين فقط باب الإيمان وباب الوضوء، وهو روى فيهما عن الدراوردي، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن محمد بن أبي عمر صدوق فيه غفلة. (قالا) أي قال محمد بن يحيى وبشر بن الحكم (حدثنا عبد العزيز) وأتى بهو في قوله (وهو ابن محمد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخيه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، أي قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد (الدراوردي) منسوب إلى دراورد قرية بخراسان، الجهني مولاهم أبو محمد المدني، روى عن يزيد بن عبد الله بن الهاد والعلاء بن عبد الرحمن والحارث بن فضيل، ويروي عنه (ع) وابن وهب وابن مهدي وخلق، صدوق من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، قرنه (خ) بآخر وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا (عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) بلا ياء عند المحدثين، والمختار عند علماء العربية إثباتها لعدم ما يوجب حذفها، الليثي أبي عبد الله المدني، روى عن محمد بن إبرهيم بن الحارث التيمي وعبد الله بن دينار وسعد بن إبرهيم وعبد الله بن خباب وأبي حازم سلمة بن دينار وغيرهم، ويروي عنه (ع) والدراوردي والليث بن سعد وبكر بن مضر وإبراهيم بن سعد وشيخه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك وجماعة وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة مكثر، من الخامسة مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين

عَنْ مُحَمدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَن عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَباسِ بْنِ عَندِ الْمُطَّلِبِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والصوم والحج والنكاح والعتق والديات والأحكام والجهاد والأشربة وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي المعروف، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا. (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد بن صخر بن تيم التيمي القرشي أبي عبد الله المدني، روى عن عامر بن سعد وعيسى بن طلحة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعلقمة بن وقاص وعطاء بن يسار وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويزيد بن الهاد ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي وعدة، قال ابن سعد: كان فقيهًا محدثًا، وقال في التقريب: ثقة له أفراد، من الرابعة، مات سنة (120) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والزكاة في موضعين والصوم والحج والبيوع والجهاد والأحكام واللباس والزهد فجملة الأبواب التي روى [المؤلف] عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا. (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري القرشي المدني، روى عن عباس بن عبد المطلب وأبيه وأبي هريرة وعائشة وابن عمر وعثمان وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن إبراهيم التيمي وابنه داود والزهري وأبو طُوالة، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات سنة (104) أربع ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والجنائز في موضعين والزكاة والنكاح والطب والبيوع والجهاد والمرض، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا. (عن العباس بن عبد المطلب) بن هاشم الهاشمي أبي الفضل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهر إسلامه يوم الفتح وكان فيما قبل يكتم إيمانه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عِداده في المكيين له خمسة وثلاثون (35) حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث و (م) بثلاثة، ويروي عنه (ع) وبنوه عبد الله وكثير وعبيد الله وعامر بن سعد صحابي مشهور مات بالمدينة في خلافة عثمان سنة (32) اثنتين وثلاثين وقيل سنة (34) أربع وثلاثين وله (88) ثمان وثمانون سنة روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان فقط، وهذا السند من سداسياته، وفيه من اللطائف أن رجاله كلهم حجازيون، أربعة

أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللَهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمدٍ رَسُولًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم مدنيون واثنان مكيان (أنه) أي العباس رضي الله عنه (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول ذاق) ووجد (طعم الإيمان) أي حلاوته ولذته، وهو فعل ومفعول به وفاعله مَن الموصولة في قوله (من رضي) واختار (بالله) عزَّ وجلَّ من جهة كونه (ربًا) أي مالكًا وواليًا ومعبودًا له، وكفر بما سواه (و) رضي (بـ) دين (الإسلام) من جهة كونه (دينًا) ومذهبا وطريقة له، وأكر بما سواه من الأديان الباطلة الزائفة (وبمحمد) صلى الله عليه وسلم من جهة كونه (رسولًا) وإماما ومقتدى له في شريعته، فلا يأتم بغيره من الأنبياء والمرسلين مع تصديق واعتقاد كونهم رسل الله سبحانه إلى عباده. قال صاحب التحرير: معنى رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره فمعنى الحديث وجد حلاوة الإيمان ولذته من لم يطلب غير الله تعالى ربا واكتفى به معبودًا ولم يسع في غير طريق الإسلام من اليهودية والنصرانية وغيرهما ولم يسلك ولم يتبع إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه، وقال القاضي عياض: معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه وخامر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشته قلبه لأن من رضي أمرًا سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهلت عليه طاعات الله تعالى ولذَّت له والله أعلم، قال القرطبي والرضا بهذه الأمور الثلاثة على قسمين: رضا عام ورضا خاص فالرضا العام: هو أن لا يتخذ غير الله ربا ولا غير دين الإسلام دينا ولا غير محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا له، وهذا الرضا لا يخلو عنه كل مسلم إذ لا يصح التدين بدين الإسلام إلا بذلك الرضا. والرضا الخاص: هو الذي تكلم به أرباب القلوب، وهو ينقسم على قسمين رضا بهذه الأمور، ورضا عن مجريها تعالى كما قال محمد بن خفيف الشيرازي: الرضا قسمان: رضا به ورضا عنه، فالرضا به مُدبِّرًا، والرضا عنه فيما قضى، وقال أيضًا: هو سكون القلب إلى أحكام الرب وموافقته على ما رضي واختار، وقال الجنيد: الرضا دفع الاختيار، وقال المحاسبي: الرضا هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام، وقال أبو علي الروذباري: ليس الرضا أن لا يحس بالبلاء، إنما الرضا أن لا يعترض على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم، وقال أحمد بن محمد النوري: هو سرور القلب بمُر القضاء، وسُئلت رابعة العدوية عن الرضا فقالت: إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة، وبالجملة فالرضا باب الله الأعظم، وفيه جماع الخير كله كما قال عمر لأبي موسى فيما كتب إليه: أما بعد فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر انتهى. قال النواوي: وهذا الحديث من أفراد مسلم رحمه الله تعالى، لم يروه البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى، وشارك المؤلف في روايته أحمد (1/ 208) والترمذي (2758). ***

16 - باب بيان عدد شعب الإيمان، وأفضلها، وأدناها، وأن الحياء شعبة منها وبيان فضيلته

16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته 60 - (34) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 16 - بَابُ بَيَان عَدَدِ شُعَبِ الإِيمَان، وَأَفْضَلِهَا، وَأَدْنَاهَا، وَأنَّ الحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْهَا وبيان فضيلته أي هذا باب معقود في بيان عدد ما للإيمان من الشعب، وبيان أفضل تلك الشعب وأكثرها أجرًا وبيان أقلها أجرًا، وبيان كون الحياء خصلة من خصال الإيمان، وشعبة من تلك الشعب وبيان فضيلة الحياء وخيريته. وترجمتنا هذه نفس ترجمة النواوي رحمه الله تعالى، وهكذا في أكثر نسخ المتن، وفي بعضها (باب شعب الإيمان) وترجم له السنوسي بقوله: (باب الحياء من الإيمان) وترجم له الأبي بقوله: (باب أحاديث الحياء) وترجم له القرطبي بقوله: (الإيمان شعب والحياء شعبة منها) وترجمة القاضي عياض موافقة لترجمة النواوي، ولعل النواوي تبع ترجمة القاضي لأنه أسبق منه قال المؤلف رحمه الله تعالى: (60) - س (34) (حدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى بن برد اليشكري مولاهم أبو قدامة السرخسي نزيل نيسابور، روى عن أبي عامر العقدي وروح بن عبادة وأبي أسامة ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم، ويروي عنه (خ م س) وابن خزيمة والسراج، وقال في التقريب: ثقة مأمون سُنِّي من العاشرة، مات سنة (241) إحدى وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والحج والنكاح والجهاد وقصة الخضر والفضائل والدعاء، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا. ثم قارن به آخر فقال (و) حدثنا (عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّيُّ بفتح الكاف وتشديد المهملة نسبة إلى كَسَّ مدينة فيما وراء النهر، أبو محمد الحافظ ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن الراويين ثقتان. (قالا) أي قال عبيد الله وعبد بن حميد (حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن

الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قيس (العقدي) بفتح المهملة والقاف القيسي مولاهم الحافظ البصري، روى عن سليمان بن بلال وقرة بن خالد وشعبة وهشام الدستوائي وإبراهيم بن طهمان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن سعيد وعبد بن حميد وحجاج بن الشاعر وإسحاق بن منصور وزهير بن حرب وإسحاق الحنظلي وعدة، قال النسائي: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة، مات سنة (204) أربع أو خمس ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والزكاة والصوم في موضعين والحج في موضعين والجهاد في موضعين والدعاء والدلائل وصفة النار، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة تقريبًا، قال أبو عامر (حدثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي مولاهم أبو أيوب، وقيل: أبو محمد المدني مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد العلماء الأعلام، كان يفتي بالمدينة وكان بربريًّا جميلًا حسن الهيئة، روى عن عبد الله بن دينار وزيد بن أسلم وشريك بن عبد الله بن أبي نمر والعلاء بن عبد الرحمن وعمر بن يحيى وعُمارة بن غزية ويحيى بن سعيد وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو عامر العقدي وعبد الله بن وهب وخالد بن مخلد والقعنبي ويحيى بن يحيى وموسى بن داود ويحيى بن حسان وعدة وثقه أحمد وابن معين، قال البخاري مات سنة (177) سبع وسبعين ومائة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين، وفي الصلاة في خمسة مواضع والزكاة في ثلاثة مواضع والصوم في موضعين والحج في خمسة مواضع والنكاح والطلاق واللعان في موضعين والبيوع في ثلاثة مواضع والفتن في موضعين والأطعمة في موضعين واللباس، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن المدني، روى عن أبي صالح السَّمان وعبد الله بن عمر وسليمان بن يسار ونافع وأنس، ويروي عنه (ع) وسليمان بن بلال وسهيل بن أبي صالح ويزيد بن الهاد وإسماعيل بن جعفر ومالك بن أنس وموسى بن عقبة والثوري وابن عيينة وشعبة وعبيد الله بن عمر والضحاك بن عثمان وغيرهم وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان ودلائل النبوة والصلاة والحج والزكاة والطلاق، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة تقريبًا.

عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي صالح) ذكوان السمان مولى جويرية بنت الحارث القيسية المدني، ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) إحدى ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد نيسابوري أو كَسِّيٌّ (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإيمان) أي خصال الإيمان (بضع وسبعون شعبة) أي خصلة، قال القرطبي: الإيمان في هذا الحديث يُراد به الأعمال بدليل أنه ذكر فيه أعلى الأعمال وأكثرها أجرًا وهو قول لا إله إلا الله، وأدناها أي أقربها وأقلها أجرًا وهو إماطة الأذى أي إزالة ما يؤذي الناس كالشوك والحجر عن الطريق، وهما عملان فما بينهما من قبيل الأعمال، وقد تقدم أن أصل الإيمان في اللغة التصديق وفي عرف الشرع تصديق القلب واللسان، وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع ها هنا "أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق وقدمنا أن تمامَ الإيمان بالأعمال وكماله بالطاعات وإن التزامَ الطاعات وضمَّ هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنها خُلُقُ أهل التصديق فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه - عليه السلام - على أفضلها بالتوحيد المتعين على كل مسلم الذي لا يصح شيء من هذه الشعب إلا بعد صحته، وأدناها رفع ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم وإن لم يقع الأذى بعد وبقي بين هذين الطرفين من أعداد أبواب الإيمان ما لو تكلف حصرها بطريق الاجتهاد لأمكن اهـ إكمال المعلم. ومقصود هذا الحديث أن الأعمال الشرعية تسمى إيمانًا على ما ذكرناه آنفًا وأنها منحصرة في ذلك العدد غير أن الشرع لم يعين ذلك العدد لنا ولا فصله وقد تكلف بعض المتأخرين تعديد ذلك فتصفح خصال الشريعة وعددها حتى انتهى بها في زعمه إلى ذلك العدد، ولا يصح له ذلك لأنه يمكن الزيادة على ما ذكر، والنقصان مما ذكر ببيان التداخل والصحيح ما صار إليه أبو سليمان الخطابي وغيره أنها منحصرة في علم الله تعالى وعلم رسوله، وموجودة في الشريعة مفصلة فيها، غير أن الشرع لم يوقفنا على أشخاص تلك الأبواب، ولا عين لنا عددها ولا كيفية انقسامها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما كُلفنا به من شريعتنا، ولا في علمنا إذ كل ذلك مفصل مبين في جملة

وَالْحَيَاءُ: شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشريعة فما أُمرنا بالعمل به عملناه، وما نُهينا عنه انتهينا، وإن لم نُحط بحصر أعداد ذلك والله تعالى أعلم. وقال القاضي عياض: البضع والبضعة بكسر الباء فيهما وفتحها قليل، القطعة من الشيء والفرقة منه، وأما البضعة من اللحم فبالفتح لا غير، وهما في العدد مما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل من الثلاثة إلى التسعة، وقيل هما ما بين اثنتين إلى عشرة، وما بين اثني عشر إلى عشرين ولا يقالان في أحد عشر ولا اثني عشر، وقال أبو عبيدة لا يبلغ بهما نصف العقد وإنما هما من واحد إلى أربعة، وقال الخليل: البضع والبضعة سبعة، والشعبة بضم أوله وسكون ثانيه في أصلها واحدة الشعب وهي أغصان الشجرة والشعبة معناها الخصلة، وأصلها الفرقة والقطعة من الشيء ومنه شعب الإناء وشعبها الأربع، وشعوب القبائل أي عظامها وواحد شعوب القبائل شعبة بالفتح وقيل بالكسر، وشعب الإناء بالفتح صدعه، وفي الحديث "إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة" رواه البخاري، والمراد هنا أن الإيمان ذو خصال معدودة، وقد ذكر الترمذي هذا الحديث فقال: "بضع وستون أو بضع وسبعون" كما سيأتي في مسلم، ولا يُلتفت لهذا الشك فإن غيره من الثقات قد جزم بأنه بضع وسبعون، ورواية من جزم أولى اهـ مفهم، فمعنى الحديث الإيمان بضع وسبعون خصلة (والحياء) بالمد من الاستحياء (شعبة) أي خصلة (من) خصال (الإيمان) أي خصلة واحدة من خصال الإيمان المحصورة في العدد المذكور، فهو من الأعداد المحصورة بالنص، لأن الحياء يمنع من المعصية؛ كما يمنع الإيمان منها، وقد يعد الحياء من الإيمان بمعنى التخلق والتزام ما يوافق الشرع ويحمد منه، فرب حياء مانع من الخير مُجبن عن قول الحق، وفعله مذموم، ورب حياء يمنع من المأث والرذائل فهو محمود يجازى عليه كما جاء في الحديث الآخر "لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء" رواه مالك في الموطإ، وكان الحياء من خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يكون الحياء في بعض الناس غريزة وطبعًا جُبل عليه، ولكن استعماله على قانون الشريعة يجب، فيحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، وقد يكتسبه من لم يجبل عليه ويتخلق به، ولهذا كله قال: "الحياء لا يأتي إلا بخير" اهـ عياض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: والحياء انقباض وحشمة يجدها الإنسان من نفسه عند ما يُطَّلَعُ منه على ما يستقبح ويذم عليه، وأصله غريزي في الفطرة، ومنه مكتسب للإنسان كما قال بعض الحكماء في العقل: رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومصنوع ولا ينفع مصنوع ... إذا لم يك مطبوع كما لا تنفع العين ... وضوء الشمس ممنوع هذه الأبيات أوردها الماوردي في أدب الدين والدنيا، وهذا المكتسب هو الذي جعله الشرع من الإيمان، وهو الذي يكلف به، وأما الغريزي فلا يكلف به، إذ ليس ذلك من كسبنا، ولا في وسعنا، ولم يكلف الله نفسًا إلا وسعها، غير أن هذا الغريزي يحمل على المكتسب ويعين عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بخير" "والحياء خير كله" كما سيأتي في مسلم، وأول الحياء وأولاه الحياء من الله تعالى، وهو أن لا يراك حيث نهاك وذلك لا يكون إلا عن معرفة بالله تعالى كاملة ومراقبة له حاصلة وهي المعبر عنها بقوله "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" كما سبق في مسلم. وقد روى الترمذي من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "استحيوا من الله حق الحياء فقالوا: إنا نستحيي والحمد لله، فقال: ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وتذكر الموت والبلى فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء" رواه أحمد (1/ 387) والترمذي (2460). قال الشيخ وأهل المعرفة في هذا الحياء منقسمون كما أنهم في أحوالهم متفاوتون كما تقدم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جُمع له كمال نوعي الحياء، فكان في الحياء الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها وفي حيائه الكسبي في ذروتها اهـ مفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 414 و 445) والبخاري (9) وأبو داود (4676) والترمذي (2614) والنسائي (8/ 110) وابن ماجه (57)، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة فقال:

61 - (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (61) - متا (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي نزيل بغداد روى عن عبد الحميد ويزيد بن هارون ووكيع وإسماعيل بن علية وعمر بن يونس الحنفي وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وخلق لا يحصون، ويروي عنه (خ م د ق) و (س) بواسطة، وأبو يعلى وله في (خ م) أكثر من ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين. روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء وفي الصلاة في موضعين وفي الجنائز والزكاة في موضعين والجهاد والحج في خمسة مواضع والطلاق واللعان واللباس وفي حق المماليك والضحايا والطب وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل في ثلاثة مواضع والتوبة وفي الأمثال والفتن وتشميت العاطس، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرون بابًا تقريبًا، قال زهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثم الرازي، روى عن سهيل وعمارة بن القعقاع والأعمش وغيرهم، ويروي عنه (ع) وزهير بن حرب وقتيبة وإسحاق وخلق، ثقة من السابعة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، ويقال فيه مولى جويرية بنت أحمد الغطفانية، روى عن عبد الله بن دينار وعطاء بن يزيد الليثي وأبيه والنعمان بن أبي عياش والقعقاع بن حكيم وسعيد بن يسار وخلق، ويروي عنه (ع) وجرير بن عبد الحميد ومالك بن أنس والسفيانان وروح بن القاسم ويعقوب بن عبد الرحمن ووهيب وخلق، وثقه ابن عيينة والعجلي، له في (خ) فرد حديث عن النعمان بن أبي عياش، وقال في التقريب: صدوق من السادسة مات في خلافة المنصور، وقال أحمد: ما أصلح حديثه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والزكاة في موضعين والحج في ثلاثة مواضع والنكاح في موضعين والدعاء والجهاد واللباس والحيوان والتثاؤب والدماء والصوم في ثلاثة مواضع والفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر تقريبًا (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة من الرابعة مات سنة (127) سبع

عَنْ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ: شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعشرين ومائة (عن أبي صالح) السمان المدني مولى جويرية بنت الحارث ثقة ثبت من الثالثة (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نسائي وواحد كوفي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سهيل لسليمان بن بلال في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن دينار وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابَع الذي هو سليمان بن بلال ثقة وسهيل الذي هو المتابع له صدوق فلا يقويه، فلا تقوية فيها بل فيها بيان كثرة طرقه (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان) أي خصاله (بضع وسبعون) أي ثلاث وسبعون خصلة مثلًا، قال سهيل (أو) قال لي عبد الله بن دينار الإيمان (بضع وستون شعبة) أي خصلة، والشك من سهيل فيما سمعه من عبد الله بن دينار (فأفضلها) أي فأفضل تلك الشعب المذكورة السبعين أو الستين أي أصلها وأساسها وأكثرها أجرًا (قول لا إله إلا الله وأدناها) أي أقربها من الدنو بمعنى القرب، وأسهلها فعلًا وأقلها أجرًا (إماطة الأذى) أي تنحية ما يؤذي الناس وإزالته وإبعاده (عن الطريق) المسلوك للناس والمراد بالأذى كل ما يتوقع إذايته للمارة من حجر أو مدر أو شوك أو غصن متدل في هواء الطريق أو غيره. (والحياء) أي الاستحياء من الله تعالى أو من الناس غريزيًّا كان أو كسبيًّا كما مر (شعبة) أي خصلة واحدة (من) خصال (الإيمان) وأموره. قوله (أو بضع وستون) قال النواوي: قال البيهقي هذا الشك الواقع في رواية سهيل إنما هو من سهيل وهو من رواية أبي داود، وقد روي عن سهيل بضع وسبعون من غير شك، وأما سليمان بن بلال فإنه رواه عن عبد الله بن دينار على القطع من غير شك وهي الرواية الصحيحة أخرجها في الصحيحين، غير أنها فيما عندنا في كتاب مسلم بضع وسبعون، وفيما عندنا من كتاب البخاري بضع وستون، وقد نُقلت كل واحدة عن كل واحد من الكتابين ولا إشكال في أن كل واحدة منهما رواية معروفة في طرق روايات هذا الحديث واختلفوا في الترجيح، قال والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل، قال: ومنهم من رجح رواية الأكثر، وإياها اختار الحكيمي فإن الحكم لمن حفظ الزيادة جازمًا بها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (فأفضلها لا إله إلا الله) قال القاضي عياض تقدم أن الإيمان هو التصديق والنطق، وأنه قد يتجوز فيه فيطلق على الأعمال كما هنا، والأعمال أدلة التصديق فليست بخارجة من الإيمان وكان التوحيد أعلاها لأنه شرط في جميعها، وإماطة الأذى أدناها أي أقربها وإن لم تقع به إذاية وبين هذين من بقية العدد ما يقدر المجتهد على حصره بغلبة الظن، وقد فعله بعضهم، لكن الحكم بأن ما عينوه من تلك الخصال هو مراد الشرع يصعب؛ لأنه لو أبدل بعضها بغيره أمكن، نعم يجب الإيمان بالعدد المذكور، وأما بتعيين آحاده فلا، ولا يقدح جهل عينها في الإيمان، لأن الإيمان وفروعه معلومة، قال ابن حبان بكسر الحاء: أردت حصرها فعددت طاعات الإيمان التي أُطلق عليها اسمه في القرآن فنقصت، فعددت طاعاته التي أطلق عليها الإيمان في السنة فنقصت أيضًا فضمصت هذه لهذه فبلغت سبعًا وسبعين، فعلمت أنه مراد الشارع، قال الأبي: التعرض لحصرها بالعدد هو بناءٌ على أن المراد بالبضع والسبعين العدد حقيقة، وقيل: المراد به التكثير من باب: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية، وإن الشعب لا نهاية لها، قال: ويؤيد ذلك أن أحدها الحياء، وهو لا تنحصر آحاده بدليل أنه لما قال: "استحيوا من الله حق الحياء قالوا إنا لنستحيي يا رسول الله قال ليس ذلك بل الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك الدنيا وآثر الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" وقد يكون هذا وجه تخصيص الحياء بالذكر مع دخوله في الشعب، أي هذه خصلة واحدة لا تنحصر آحادها، وقيل في وجه تخصيص الحياء: إنه الباعث على سائرها لأن المستحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، ثم إن الشعب وإن كثرت فهي ترجع إلى تكميل النفس بالطاعة العلمية والعملية، فالعلمية العلم بوجود الله تعالى، وما يجب له وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه، والعملية الوقوف عند أمره ونهيه اهـ منه. وإنما كرر المؤلف الحديث في هذه الرواية لما فيها من الزيادة على الرواية الأولى، ولما فيها من ذكر الشك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال:

62 - (35) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (62) - ش (00) (35) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (زهير بن حرب) الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن كلًّا من الرواة الثلاثة من الثقات الأثبات (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون أبي عمران أبو محمد الهلالي مولاهم الأعور الكوفي أحد الأئمة الأعلام، روى عن الزهري وعمرو بن دينار وسهيل بن أبي صالح وزياد بن علاقة، وأبي الزناد وهشام بن عروة وعاصم الأحول وخلق، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وابن نمير ومحمد بن عباد المكي وإسحاق الحنظلي وابن أبي عمر وقتيبة ويحيى بن يحيى وخلق، وقال العجلي هو أثبتهم في الزهري، كان حديثه نحو سبعة آلاف، وقال ابن وهب ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة، وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وقال في التقريب: ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه في آخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، وقال ابن عيينة: سمعت من عمرو بن دينار ما لبث نوح في قومه، مات في رجب سنة (198) ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة (91). روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في سبعة مواضع وفي الجنائز وفي الزكاة في ثلاثة مواضع والصوم في ستة مواضع، وفي الحج في ثلاثة عشر موضعًا والنكاح في أربعة مواضع والبيوع في موضعين وفي الحيوان والأيمان والضحايا في موضعين والعتق والجهاد في أربعة مواضع والأطعمة في أربعة مواضع والأدب والرؤيا في ثلاثة مواضع والاستئذان والطب والشعر والفضائل وكفارة المرضى وفي المعروف

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ (¬1) النَّبِيُّ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَال: "الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والدعاء والفتن والزهد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة وعشرون بابًا تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي (الزهري) أبي بكر المدني أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاث وعشرين بابًا تقريبًا. (عن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني الفقيه، أحد الفقهاء السبعة على قولٍ، أبي عمر أو أبي عبد الله، روى عن أبيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق ورافع بن خديج، ويروي عنه (ع) والزهري وحنظلة بن أبي سفيان وعمر بن محمد بن زيد وموسى بن عقبة وعمر بن حمزة وعمرو بن دينار وعبيد الله بن عمر وغيرهم، وقال في التقريب: كان ثقة ثبتًا عابدًا فاضلًا كان يُشبه بأبيه في الهَدي والسَّمْتِ من كبار الثالثة مات سنة (106) ست ومائة على الأصح، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم والحج والبيوع والعلم والزهد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبي عبد الرحمن المكي أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة مات سنة أربع وسبعين (74) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد مكي (أنه) أي أن الشأن والحال هكذا في نسخة الأبي والسنوسي بزيادة أنه (سمع النبي صلى الله عليه وسلم) فعل وفاعل (رجلًا يعظ) ويمنع (أخاه في الحياء) أي عن كثرة الحياء ويؤنبه، ويقبح له فعله ويزجره عن كثرته وأنه من العجز، وينهاه عنه (فـ) ـــنهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي ينهى أخاه عن الحياء أن يمنع أخاه من الحياء و (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للناهي دعه، أي اترك أخاك على حيائه فإن (الحياء) شعبة (من) شعب (الإيمان) وخصلة من خصاله قال القرطبي: زجر النبي صلى الله عليه وسلم الواعظ لعلمه أن الرجل لا يضره كثرة الحياء وإلا فكثرته مذمومة، والمعنى دعه على فعل الحياء، وكف عن نهيه عنه، ووقعت لفظة (دعه) في رواية البخاري، ولم تقع في مسلم. ¬

_ (¬1) في نسخة: (عن أبيه سمع).

63 - (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المفهم هنا قوله صلى الله عليه وسلم (دعه) زجر للواعظ لأنه صلى الله عليه وسلم علم أن ذلك الشخص لا يضره الحياء في دينه، بل ينفعه ولذلك قال له: "دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير" وقد يُفرط الحياء على الإنسان حتى يمنعه ذلك الحياء من القيام بحق الله تعالى من الأمر بالمعروف وتغيير المنكر، ويحمله على المداهنة في الحق وكل ذلك حياء مذموم شرعًا وطبعًا يحرم استعماله ويجب الانكفات عنه فإن ذلك الحياء أحق باسم الجبن والخور، وأولى باسم الخفر. وحديث ابن عمر هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 56 و 147) والبخاري (24) وأبو دا ود (4795) والترمذي (2618) وا لنسائي (8/ 121) وابن ماجه (58)، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (63) - متا (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّي أبو محمد الحافظ ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا قال عبد (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مصنف شهير عَمي في آخر عمره فتغير، من التاسعة مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت فاضل من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا. (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأخبرنا معمر واسم الإشارة راجع إلى ما بعد الزهري، أي أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلخ، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري وهذا السند من سداسياته، ورجاله مختلفون اثنان منهم مدنيان وواحد كَسِّيٌّ وواحد صنعاني وواحد بصري وواحد مكي وقوله (وقال) معمر معطوف على أخبرنا معمر أي أخبرنا معمر عن الزهري وقال معمر في روايته عن

مَرَّ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سالم عن أبيه أنه قال (مر) النبي صلى الله عليه وسلم (برجل من الأنصار) لم أرَ من ذكر اسمه، وقوله (يعظ أخاه) أي يمنع ذاك الرجل أخاه عن كثرة الحياء صفة ثانية لرجل وغرضه بذكر هذه الجملة بيان محل المخالفة بين سفيان ومعمر لأن سفيان قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم وقال معمر: مر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من شدة حفظ مسلم وإتقانه وكثرة تورعه رحمه الله تعالى والله أعلم. ***

17 - باب في مدح الحياء، وامتناع مقاومة النص بكلام الحكماء

17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ 64 - س (36) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ -وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى- قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 17 - بَابُ فِي مَدْحِ الْحَيَاءِ، وَامْتِنَاعِ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ بِكَلامِ الحُكَمَاءِ أي باب معقود في مدح الحياء وبيان أن الحياء كله غريزيًّا كان أو كسبيًّا خير، ولا يحمل صاحبه إلا على خير، ولم أرَ أحدًا من الشراح ترجم لهذا الحديث، ولكنه حديث مستقل لا يدخل في الترجمة السابقة، ولذلك ترجمت له بل له فائدة مستقلة لا تفهم مما سبق، وهو امتناع مقابلة النص قرآنًا كان أو حديثًا بكلام الناس ومعارضته به، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (64) - س (36) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي أبو موسى البصري مشهور بكنيته وباسمه كان صاحب كتاب لا يحدث إلا عن كتابه، روى عن محمد بن جعفر وابن مهدي وغيرهما، ويروي عنه (ع) وأبو زرعة وأبو حاتم والذهلي وخلق، ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (ومحمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري أحد أوعية الحديث، ولذلك لقب ببندار، روى عن غندر وابن أبي عدي وعبد الوهاب الثقفي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن خزيمة وابن صاعد وغيرهم ثقة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين وله بضع وثمانون سنة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن المتقارنين ثقتان، وأتى بقوله (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (لابن المثنى) لا لابن بشار، لأنه إنما روى معنى الحديث الآتي لا لفظه تورعًا من الكذب على ابن بشار، لأنه لو ترك هذه الجملة لأوهم أن ابن بشار روى لفظ الحديث الآتي كابن المثنى، وليس كذلك، (قالا) أي قال ابن المثنى وابن بشار (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم المدني البصري أبو عبد الله ربيب شعبة، روى عن شعبة وابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن المثنى وابن بشار وابن بشر وغيرهم ثقة من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا، قال محمد بن جعفر (حدثنا

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ يُحَدِّثُ: أَنهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنهُ قَال: "الْحَيَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه ثقة ثبت من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) قتادة (سمعت أبا السوار) بفتح السين المهملة وتشديد الواو آخره راء مهملة، قيل: اسمه حسان بن حُريث بالمثلثة وقيل بالعكس، وقيل حسان بن حُريف مصغرًا آخره فاء، وقيل منقذ وقيل حُجير بن الربيع العدوي، وقيل أبو محذورة من بني عدي بن عبد مناف بن أُد بن طابخة البصري ثقة من الثانية، روى عن عمران بن حصين في الإيمان والصلاة، ويروي عنه (خ م س) وقتادة وأبو التياح وغيرهم. حالة كون أبي السوار (يحدث) بحديث يروي فيه (أنه سمع عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم الخُزاعي أبا نُجيد بضم النون مصغرًا البصري، أسلم عام خيبر له مائة وثلاثون حديثًا (130) اتفقا على ثمانية وانفرد (خ) بأربعة و (م) بتسعة، وكان من علماء الصحابة، يروي عنه (ع) وأبو السوار حسان بن حُريث العدوي وأبو قتادة تميم بن نذير العدوي وابنه نُجيد والحسن وابن سيرين ومطرف بن الشخير وخلق، بعثه عمر إلى البصرة ليُفقههم، وكانت الملائكة تسلم عليه، مات بالبصرة سنة (52) اثنتين وخمسين روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وغيرهما، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، حالة كون عمران (يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (قال الحياء) أي جنس الحياء الصادق بالبعض لأن الألف واللام فيه جنسية لا استغراقية، فيُعترض عليه بأن بعض الحياء مذموم لا خير فيه، فكيف يقال إن كل الحياء خير، لأن من الحياء ما هو مذموم كالحياء المانع من أداء الصلاة في وقتها في مجلس الفسقة أوالكفرة خوفًا من سخريتهم وضحِكهم به ومنه ما هو ممدوح كالحياء من فعل الرذائل والمعاصي، ومساوي الأخلاق بحضرة الصالحين.

لَا يَأْتِي إِلا بِخَيرٍ"، فَقَال بُشَيرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ، أَن مِنْهُ وَقَارًا، وَمِنْهُ سَكِينَةً، فَقَال عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى أي بعض الحياء (لا يأتي) ولا يأمر (إلا بخير) أي بما فيه محمدة شرعًا وعقلًا، والبعض الآخر يأمر ويبعث بشر كالحياء من فعل الواجبات بحضرة الفسقة والكفرة، وفي الأبي (قوله الحياء لا يأتي إلا بخير) قال النواوي: استشكل بأن الحياء قد يفرط بصاحبه حتى يمنعه من القيام بحقوق الله تعالى، ومعلوم أن هذا لا خير فيه، وأجاب ابن الصلاح بأن هذا ليس بحياء حقيقة، وإنما هو خور ومهانة، فلا يدخل في الحياء. (قلت) ما تقدم له في تفسير الحياء من قوله: إن الحياء خلق يمنع من القبيح ومن التقصير في الحقوق، وما يأتي من تفسير الحكماء يحقق أنه حياء حقيقة، وإنما الجواب: أنه عام مخصوص إن جعلت الأداة في الحياء للعموم، وإن لم تجعل فالحديث قضية مهملة، والمهملة في قوة الجزئية، ولا تناقض بين جزئيتين فالمعنى: بعض الحياء لا يأتي إلا بخير وبعض الحياء لا خير فيه وهذا البعض تعرفه من الكلام على الحديث الذي يأتي بعده انتهى. (فقال بشير) بضم الباء وفتح الشين (بن كعب) العدوي في مقابلة هذا الحديث (إنه) أي إن الشأن والحال (مكتوب في) كتب (الحكمة) أي في الكتب السالفة، ومكتوب مبتدأ ليس له خبر بل له مرفوع سد مسد الخبر لأنه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول لاعتماده على مخبر عنه، ومرفوعه هو جملة أن في قوله (أن منه) أي من الحياء (وقارًا) أي أن منه ما هو وقار، أي ما يحمل صاحبه على أن يوقر الناس، ويتوقر هو في نفسه (و) أن (منه) أي من الحياء (سكينة) بالنصب معطوف على وقارًا، أي وأن منه ما هو سكينة، أي ما يحمل صاحبه على أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس إليه من الأمور التي لا تليق بذوي المروءات (فقال عمران) بن حصين منكرًا عليه هذا القول (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و) أنت (تحدثني عن صحفك) وكتبك القديمة، ولم ينكر عمران على بشير هذا القول من حيث معناه، وإنما أنكره عليه من حيث إنه أتى به في معرض من يعارض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام

65 - (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ عَنْ إِسْحَاقَ -وَهُوَ ابْنُ سُوَيدٍ-: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكماء، ويقاومه به ولذلك (قال عمران أحدثك) وأخبرك يا بشير حديثًا (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني) أنت يا بشير كلام الحكماء (عن صحفك) وأوراقك المدونة من أقاويل الأولين التي لا أثر لها ولا سند لها كأنك تريد أن تعارض وترد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الآثار التي لا أثر ولا سند لها، وقيل إنما أنكره عليه لأنه خاف أن يُخلط بالسنة ما ليس منها، فسد ذريعة ذلك بالإنكار اهـ قرطبي. وحديث عمران هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (4/ 437) والبخاري (6117) وأبو داود (4796). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران فقال: (65) -متا (00) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) وقيل الشيباني أبو زكريا البصري روى عن حماد بن زيد ومعتمر بن سليمان وخالد بن الحارث ويزيد بن زُريع وغيرهم ويروي عنه (م عم) وأبو بكر بن عاصم وأبو بكر البزار وابن خزيمة وغيرهم، وثقه النسائي وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات بالبصرة سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والحج والجهاد والديات في خمسة أبواب تقريبًا، قال يحيى بن حبيب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزرق الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (عن إسحاق) بن سويد بن هُبيرة العدوي "نسبة إلى عدي بن كعب" التميمي البصري، روى عن أبي قتادة العدوي وعبد الرحمن بن أبي بكرة ومعاذة العدوية ويحيى بن يعمر وغيرهم ويروي عنه (خ م د س) والحمادان وإسماعيل بن علية وعبد الوهاب الثقفي وعدة وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد، وقال في التقريب: صدوق من الثالثة، مات في الطاعون سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، وله في البخاري فرد حديث مقرونًا بغيره، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصوم وفي الأشربة في ثلاثة أبواب، وأتى بهوفي قوله (وهو ابن سويد) تصغير أسود بحذف الزوائد

أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حَدَّثَ قَال: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ فِي رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا (¬1) بُشَيرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الْحَيَاءُ خَيرٌ كُلُّهُ"، قَال: أَوْ قَال: "الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيرٌ"، فَقَال بُشَيرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ -أَو ـــــــــــــــــــــــــــــ إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه، بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، وجملة أن في قوله (أن أبا قتادة حدث) إسحاق بن سويد في محل المفعول الثاني لحدثنا حماد، وهو أبو قتادة العدوي البصري مختلف في صحبته، اسمه تميم بن نذير بضم النون وفتح الذال المعجمة مصغرًا، وقيل تميم بن الزبير، وقيل تميم بن يزيد بالزاي، وقيل اسمه نذير بن قنفذ، روى عن عمر وعمران بن حصين، ويروي عنه (م د س) وإسحاق بن سويد وحُميد بن هلال، وثقه ابن معين له عندهم حديثان فقط، روى عن عمران بن حصين في الإيمان، وعن يسير بن جابر، ويقال أسير، في الفتن (قال) أبو قتادة (كنا عند عمران بن حصين) الخزاعي البصري الصحابي الجليل (في رهط) أي مع جماعة (منا) أي من العدويين، والرهط اسم لما دون العشرة من الرجال خاصة لا يكون فيهم امرأة وليس له واحد من لفظه، والجمع أرهط وأرهاط وأراهط وأراهيط. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون أيضًا، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي قتادة لأبي السوار في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين، وقال النواوي: إن رجال هذا السند والذي قبله كلهم بصريون، ومن ألطف لطائف السند اجتماع إسنادين متلاصقين رجالهما كلهم بصريون، وهذا من النفائس الموجودة في هذا الجامع (وفينا) معاشر الرهط (بشير بن كعب) العدوي (فحدثنا عمران) ابن حصين (يومئذ) أي يوم إذ كنا مجتمعين عنده فـ (ــقال) عمران في تحديثه لنا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء خير) مبتدأ وخبر وقوله (كله) تأكيد للمبتدأ، ويستفاد منه أن الألف واللام فيه استغراقية إلا إن قلنا إنه عام أريد به بعض أفراده كما مر (قال) أبو قتادة (أو قال) عمران بن حصين (الحياء كله خير) بتقديم كله على خير والمعنى واحد والشك من أبي قتادة (فقال بشير بن كعب إنا) معاشر الحكماء (لنجد) ونرى أو نعلم (في بعض الكتب) السالفة كالتوراة والإنجيل (أو) قال بشير إنا لنجد في ¬

_ (¬1) في نسخة: (في رهط وفينا).

الْحِكْمَةِ- أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا للَّهِ، وَمِنْهُ ضَعْفٌ، قَال: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَي احْمَرَّتَا عَينَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض كلام أهل (الحكمة) والفراسة، والشك من أبي قتادة أيضًا، وجملة أن في قوله (أن منه سكينة) سادة مسد مفعولي نجد أي نجد في كتب أهل النبوة الأولى أو في بعض كتب أهل الحكمة والفراسة أن من الحياء ما هو سكينة وخوف لله تعالى بالجوارح وهو اجتناب العبث بالجوارح والتأني في المشي وقوله (ووقارًا لله) عزَّ وجلَّ أي وما هو خوف من الله تعالى بالقلب المسمى بالخشوع، وقوله لله جار ومجرور تنازع فيه كل من سكينة ووقارًا، فالسكينة الخوف الظاهري من الله تعالى، والوقارُ الخوفُ الباطنيُّ من الله تعالى والمعنى أن من الحياء ما يُورث السكينة والوقار من الله تعالى، بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يخاف في ذلك لومة لائم. وهذا هو الطرف الوسط من الحياء الذي ليس فيه إفراط ولا تفريط، وقوله (ومنه) أي ومن الحياء ما هو (ضعف) بفتح الضاد وضمها لغتان مشهورتان، أي ما يُورث الضعف في صاحبه إشارة إلى طرف الإفراط في الحياء، وهو المسمى بالخور والعجز والضعف والحماقة، وهو أن يستحيي من كل شيء، فلا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يفعل المأمورات ولا يجتنب عن المنهيات خوفًا من لوم لائم، وأما طرف التفريط في الحياء فهو المسمى بالخلاعة، وهي التي لا يستحيي صاحبها من شيء، يعني من الله ومن غيره، فالخور مذموم لأنه يؤدي إلى ترك الواجب وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمنع من كثير من الخير كما قال صلى الله عليه وسلم: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" وإلى هذا الطرف أعني طرف الإفراط أشار بشير بقوله (ومنه ضعف) وأما طرف التفريط المسمى بالخلاعة والخديعة، فلا خفاء في ذمها أيضًا والممدوح الوسط من الحياء المسمى بالسكينة والوقار، وهذا هو المراد بالحياء المذكور في الحديث، لأنه عام أريد به بعض أفراده كما مر (قال) أبو قتادة (فغضب) أي وجد (عمران) بن حصين على بشير بن كعب (حتى) ظهر أثر الغضب على وجهه و (احمرتا عيناه) أي عينا عمران وتلونتا بلون الحمرة، وزال بياضهما لشدة غضبه على بشير، قال النواوي: قوله (احمرتا عيناه) هكذا في الأصول بالألف وهو صحيح جار على لغة أكلوني البراغيث، ومثله قوله تعالى {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} على

وَقَال: أَلا أُرَانِي (¬1) أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ، قَال: فَأَعَادَ عِمْرَانُ الْحَدِيثَ، قَال: فَأَعَادَ بُشَيرٌ، فَغَضِبَ عِمْرَانُ، قَال: فَمَا زِلْنَا نَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ مِنَّا يَا أَبَا نُجَيدٍ، إِنَّهُ لَا بَأسَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد الأقوال فيه، وحديث "يتعاقبون فيكم ملائكة" ومثله قول الشاعر: ألفيتا عيناك عند القفا ... أولى فأولى لك ذا واقية وهذه لغة مشهورة لبعض العرب، تسمى لغة أكلوني البراغيث، وفي سنن أبي داود (واحمرت عيناه) بغير ألف وهذا هو الظاهر الواضح (وقال) عمران لبشير معطوف على غضب وكلمة ألا في قوله (ألا أراني) حرف استفتاح وتنبيه أو للاستفهام التقريري وأراني بضم الهمزة وجملة قوله (أحدثك) مفعول ثان لأراني أي انتبه واستمع ما أقول لك، أرى نفسي محدثًا إياك حديثًا (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و) أنت (تعارض) وتأتي (فيه) أي في مقابلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام يعارضه ويضاهيه ويناقضه ويخالفه وتعترضه بكلام الحكماء وأما إنكار عمران رضي الله عنه على بشير فلكونه قال (ومنه ضعف) بعد سماعه قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه خير كله (قال) أبو قتادة (فأعاد عمران) بن حصين (الحديث) الذي حدثنا أولًا يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم الحياء خير كله، قال أبو قتادة (فأعاد بشير) بن كعب كلامه الأول يعني قوله (ومنه ضعف) (فغضب عمران) غضبًا شديدًا حتى هم به الشر (قال) أبو قتادة (فما زلنا) معاشر الرهط الحاضرين عنده نسكت غضب عمران و (نقول فيه) أي في شأن بشير (إنه) أي إن بشيرًا (منا) أي من المؤمنين (يا أبا نجيد إنه لا بأس به) أي لا نفاق به، فليس ممن يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل السنة والاستقامة فيُحمل كلامه على أنه قصد به الاعتراض على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو نجيد بضم النون وفتح الجيم آخره دال مهملة هو كنية عمران بن حصين رضي الله عنه عنه كني باسم ابنه نجيد. قال القاضي عياض: وغضب عمران على بشير حتى يشهد له الحاضرون أنه لا بأس به يحتمل أنه لمعارضته السنة بقول الحكماء أو صونًا للسنة أن يُذكر معها غيرها أو خوف أن يتطرق من في قلبه ريب لمثل هذا. ¬

_ (¬1) في نسخة: (ألا أرى).

66 - (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: المعارضة إنما هي إذا جُعلت الأداة في الحياء للعموم لأنه يصير التقدير كل حياء فيه خير، وقول الحكماء منه ضعف في قوة بعض الحياء لا خير فيه، والموجبة الكلية تناقضها السالبة الجزئية وقد سمعت ما فيه من البحث والصواب أنه إنما أنكر لإتيانه بكلام الحكماء في مقاومة كلام النبوة بدليل قوله: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك، وما أشار إليه بشير من كلام الحكماء هو أنهم يقولون كل فضيلة في كل شيء، إنما هي الوسط بين طرفيها المذمومين طرف الإفراط وطرف التفريط كما قال صلى الله عليه وسلم خير الأمور أوسطها فالعلم مثلًا فضيلة فطرف إفراطه الدهاء، وطرف تفريطه البلادة، فالدهاء مذموم لأنه يحمل على المكر وعلى الحكم بالفراسة، ولذا لما عزل عمر إياسًا عن القضاء، فقال: أعن سخط يا أمير المؤمنين؟ قال: لا ولكن كرهت أن أحمل الناس على فضل عقلك، وأما البلادة فلا خفاء في ذمها وكذا الشجاعة فضيلة، فإنما هي الوسط بين طرفي إفراطها وتفريطها فطرف إفراطها التهور، وطرف تفريطها الجبن، فالتهور مذموم لأنه يحمل على البغي وإلقاء النفس إلى الهلاك والموت حيث لا يحمد والجبن مذموم لأنه يمنع من حفظ النفس والمال، ويحمل على الهروب من الموت حيث يحمد، وهكذا يقررونه في جميع الفضائل التي الحياء أحدها فطرف إفراط الحياء الخور، وهو أن يستحيي من كل شيء، وطرف تفريطه الخلاعة، وهي أن لا يستحيي صاحبها من كل شيء فالخور مذموم لأنه يؤدي إلى ترك الواجب وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمنع من كثير الخير كما قال صلى الله عليه وسلم نعم النساء نساء الأنصار لم يمنَعْهن الحياء أن يتفقَّهْنَ في الدين، وإلى هذا الطرف يشير بشير بقوله: ومنه ضعف، وأما الخلاعة فلا خفاء في ذمها اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران ثانيًا فقال: (66) - متا (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه، ثقة ثبت حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل من العاشرة، مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين لأربع عشرة ليلة من شعبان، وله سبع وتسعون (97) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وعشرين بابًا تقريبًا، قال إسحاق (أخبرنا النضر) بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عنترة المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، نزيل مرو وشيخها، أصله من البصرة ومولده

أَخْبَرَنَا (¬1) أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَويُّ، قَال: سَمِعْتُ حُجَيرَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَدَويَّ يَقُولُ: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمرو الروذ خرج به أبوه هاربًا من الفتنة من مرو الروذ إلى البصرة سنة ثمان وعشرين ومائة (128) وهو ابن ست سنين، ثم رجع إلى مرو الروذ وسكنها ومات بمرو وبها قبره، روى عن أبي نعامة العدوي عمرو بن عيسى وحماد بن سلمة وشعبة وهشام الدستوائي وابن جريج وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسحاق الحنظلي وإسحاق بن منصور الكوسج ويحيى بن يحيى ويحيى بن معين وخلق، وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار التاسعة مات سنة (204) أربع ومائتين، وله اثنتان وثمانون (82) سنة، وكان من فصحاء الناس وعلمائهم بالأدب وأيام الناس، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والبيوع والأطعمة والفضائل والاستئذان والدعاء في موضعين وفي حديث الرَّحْلِ، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا. قال النضر بن شميل (أخبرنا أبو نعامة) بفتح النون عمرو بن عيس بن سويد بن هبيرة (العدوي) البصري، روى عن حُجير بن الرَّبيع في الإيمان وحفصة بنت سيرين وشويس أبي الرقاد، ويروي عنه (م ق) والنضر بن شميل ويحيى القطان ووكيع وأبو عاصم، وثقه ابن معين والنسائي، قال أحمد: اختلط قبل موته، وقال في التقريب: صدوق اختلط من السابعة وقال النواوي: هو من الثقات الذين اختلطوا قبل موتهم، وقد قدمنا في الفصول وبعدها أن ما كان في الصحيحين من المختلطين فهو محمول على أنه عُلم أنه أُخذ عنهم قبل الاختلاط اهـ (قال) أبو نعامة (سمعت حجير) بضم الحاء بعدها جيم مفتوحة آخره راء مصغر (بن الربيع العدوي) البصري، يقال: هو أبو السوار بتشديد الواو، روى عن عمران بن حصين في الإيمان وعمر، ويروي عنه (م) وأبو نعامة العدوي فرد حديث عند مسلم وحُميد بن هلال، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، وليس في مسلم حُجير إلا هذا. حالة كون حُجير العدوي (يقول) ويروي (عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (نحو حديث حماد بن زيد) مفعول ثان لقوله أخبرنا النضر أي أخبرنا ¬

_ (¬1) في نسخة: (حدثنا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النضر بن شميل عن عمران بن حصين بواسطة أبي نعامة عن حجير بن الربيع نحو حديث حماد بن زيد عن عمران بن حصين بواسطة إسحاق بن سويد عن أبي قتادة، فالمتابعة ناقصة، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم مروزيان وثلاثة بصريون وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة النضر بن شميل لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين، ولكنها متابعة ناقصة، لأن النضر روى عن عمران بواسطة أبي نعامة وحجير، وروى حماد بن زيد عن عمران بواسطة إسحاق بن سويد وأبي قتادة، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عمران بن حصين وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

18 - باب الأمر بالإيمان ثم بالاستقامة

18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ 67 - (37) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 18 - بَابُ الأَمْرِ بِالإِيمَانِ ثُمَّ بِالاسْتِقَامَةِ أي باب معقود في بيان أمره صلى الله عليه وسلم للسائل بالإيمان أولًا، ثم بالاستقامة والدوام والثبات عليه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وترجم لهذا الحديث النواوي وكذا أكثر المتون بقوله: (باب جامع أوصاف الإسلام) أي باب معقود لبيان لفظ جامع لأوصاف الإسلام وخصاله وأموره، لأن الاستقامة المذكورة في الحديث جامعة لأوصاف الإسلام وأحكامه، لأن أحكام الإسلام إما فعل وإما ترك، فالاستقامة والاعتدال في الدين إنما يحصل بفعل المأمورات وترك المنهيات، وكذا ترجم له القاضي عياض، وترجم له الأبي بقوله (باب قوله قل لي في الإسلام قولًا) وترجم له السنوسي بقوله (باب الإيمان بالله تعالى والاستقامة) وترجم له القرطبي بقوله (باب الاستقامة في الإسلام وأي خصاله خير) وترجمتنا أوضح وأوفق ثم استدلوا على الترجمة بقول المؤلف رحمه الله تعالى: (67) - س (37) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، ثقة ثبت حافظ من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، أحد الأثبات المكثرين، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وإلا فالراويان ثقتان (قالا) أي قال أبو بكر وأبو كريب (حدثنا) عبد الله (ابن نمير) مصغرًا الهمداني الخارفي، أبو هشام الكوفي، ثقة صاحب حديث، من كبار التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني نسبة إلى بغلان بلدة بنواحي بلخ، ثقة ثبت من

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحدٍ وعشرين بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأكد بقوله (جميعًا) دون كلاهما لشكه في انحصار من روى له عن جرير في هذين الشيخين أي حال كونهما مجتمعين في الرواية له (عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبي عبد الله الكوفي ثم الرازي، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني أيضًا قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت من كبار التاسعة مات سنة (201) إحدى ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات في موضعين لاختلاف مشايخ مشايخه وصيغة روايتهم، وإن كان شيخ الكل واحدًا حيث قال (كلهم) أي كل من ابن نمير في السند الأول، وجرير في السند الثاني، وأبي أسامة في السند الثالث رووا (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبي المنذر المدني، روى عن أبيه عروة وزوجته فاطمة بنت المنذر وعباد بن حمزة وعبد الرحمن بن القاسم وأخيه عثمان بن عروة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وخلق، ويروى عنه (ع) وأيوب وابن جريج وشعبة ومعمر ويونس وابن نمير وجرير بن عبد الحميد وأبو أسامة وأبو معاوية وسفيان بن عيينة ويحيى القطان وعدة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، وله سبع وثمانون سنة (87) وتكلم فيه مالك وغيره. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والجنائز والزكاة في أربعة مواضع والصوم في موضعين والحج في موضعين والذبائح واللباس والطب والعتق والنكاح والنذور والأطعمة والفضائل في ثلاثة مواضع والبيوع، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابًا تقريبًا (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام بن

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خويلد الأسدي أبي عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة، وأحد علماء التابعين، روى عن سفيان بن عبد الله الثقفي وأبي مراوح الليثي وحكيم بن حزام وعبد الله بن زمعة وأبي هريرة وعائشة خالته وأبيه وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وخلق، ويروي عنه (ع) وابنه هشام والزهري ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وأبوالزناد وخلائق، وقال في التقريب: ثقة مشهور فقيه من الثانية، مات سنة (94) أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عمر الفاروق. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في أربعة مواضع والزكاة والصوم في موضعين والحج في أربعة مواضع والنكاح والطلاق والبيوع والهبة والجهاد في موضعين والأدب والأمانة وفي ذكر النار والفتن وفي آخر الكتاب والفضائل وفي انْتَدَبَ الناسُ والزهدِ وفي العِلْم فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرون بابًا تقريبًا (عن سفيان بن عبد الله) بن ربيعة بن الحارث (الثقفي) أبي عمرو أو أبي عمر الطائفي عامل عمر على الطائف صحابي له حديثان انفرد له (م) بحديث، ويروي عنه (م ت س ق) وعروة بن الزبير حديثًا في الإيمان، قال النواوي: ولم يرو مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه لسفيان بن عبد الله الثقفي راوي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا وروى الترمذي هذا الحديث وزاد فيه: "قلت يا رسول الله ما أخوف ما أخاف على فأخذ بلسان نفسه ثم قال هذا" والله أعلم. وهذا السند من خماسياته، ورجاله في السند الأول كوفيان ومدنيان وطائفي، وفي السند الثاني بغلاني كوفي مدنيان طائفي، وفي السند الثالث مروزي كوفي مدنيان طائفي وفي السند الرابع كوفيان مدنيان طائفي (قال) سفيان بن عبد الله رضي الله عنه (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله قل لي في الإسلام) أي في أحكامه وخصاله وأموره (قولًا) جامعًا لها واضحًا في نفسه (لا أسال عنه) أي عن تفسير ذلك القول (أحدًا) من الناس (بعدك) أي بعد قولك لي وتعليمك إياي، قال الأبي: ولما كانت أحكام الإسلام من الأفعال والتروك وشرائط ذلك لا تنحصر، سأل بحسن نظره بيان جميع ذلك بقول جامع جلي يستغني بجمعه ووضوحه عن سؤال غيره صلى الله عليه وسلم، وعبارة القرطبي: أي علمني قولًا جامعًا لمعاني الإسلام وأحكامه واضحًا في

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: غَيرَكَ، قَال: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، فَاسْتَقِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه بحيث لا يحتاج إلى تفسير غيرك، أعمل عليه وأكتفي به، وهذا نظير قول الآخر له "علمني شيئًا أعيش به في الناس ولا تكثر عليَّ فأنسى فقال: لا تغضب" رواه أحمد والبخاري والترمذي ومالك في الموطأ من حديث أبي هريرة، وهذا الجواب هنا بقوله "قل آمنت بالله ثم استقم" دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أُوتي جوامع الكلم واختصر له القول اختصارًا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مخبرًا بذلك عن نفسه فيما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "أوتيت جوامع الكلم" فإنه صلى الله عليه وسلم جمع لهذا السائل في قوله "قل آمنت بالله ثم استقم" معاني الإسلام والإيمان كلها فإنه أمره أن يجدد إيمانه متذكرًا بقلبه وذاكرًا بلسانه، ويقتضي هذا استحضار تفصيل معاني الإيمان الشرعي بقلبه التي تقدم ذكرها في حديث جبريل، وأمره بالاستقامة على أعمال الطاعات والانتهاء عن جميع المخالفات إذ لا تتأتى الاستقامة مع شيء من الاعوجاج فإنها ضده اهـ منه. (وفي حديث أبي أسامة) وروايته لاأسال عنه أحدًا (غيرك) يا رسول الله لوضوحه، وهي أوضح من الرواية الأولى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال سفيان بن عبد الله (قل) يا سفيان مجددًا لإيمانك بقلبك ولسانك (آمنت بالله) أي صدقت بوحدانيته تعالى، وبجميع ما أتى به رسوله صلى الله عليه وسلم (فاستقم) على الشريعة ولا تعوج عنها بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات وفي بعض الروايات (ثم استقم) بثم التي للتراخي، قال الأبي: وكان هذا الجواب من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه أجمل فيه ما فصله في ثلاث وعشرين سنة أو عشرين على الخلاف كم بقي بعد البعثة، والمعنى اعتدل على طاعة الله تعالى عقدأ وقولًا وفعلًا وداوم على ذلك ولا يحصل منك اعوجاج منه. وقال القاضي عياض وجوابه هذا مطابق لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الآية ومعناها عند الأكثر وحدوا الله تعالى وآمنوا به ثم استقاموا على التكاليف فلم يحيدوا عن توحيدهم ولا أشركوا به غيره، والتزموا طاعته حتى لقوا الله تعالى على ذلك، وهذا نفس معنى هذا الحديث. وعطف الاستقامة بثم لبعد رتبتها عن رتبة الإقرار فهي للبعد في الرتبة لا في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزمان، وكانت رتبة الاستقامة أعلى لأن الاستقامة هي الدوام على الطاعة والوقوف على قدم الصدق. وعن ابن عباس رضي الله عنه لم يكن أشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أشق عليه من قوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} ولذا قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا له: "أسرع عليك الشيب يا رسول الله قال شيبتني هود وأخواتها" وقال صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا" وجعلها بعضهم للبعد في الزمان وانتزع من الحديث أن الكفار غير مخاطبين بالفروع، قال: لأنه لم يأمره بالاستقامة إلا بعد الإيمان، وزاد الترمذي في الحديث "قال الرجل يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليَّ فأخذ بلسان نفسه وقال هذا". قال أبو القاسم القشيري في رسالته: الاستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها حصول الخيرات ونظامها ومن لم يكن مستقيمًا في حالته ضاع سعيه وخاب جهده قال: وقيل الاستقامة لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهود ومفارقة الرسوم والعادات والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تحصوا" وقال الواسطي: الاستقامة الخصلة التي بها كملت المحاسن، وبفقدها قبحت المحاسن والله أعلم اهـ نووي. وهذا الحديث انفرد به مسلم بهذا اللفظ عن أصحاب الأمهات، ورواه أحمد (3/ 413) و (4/ 385) وروى الترمذي بنحوه في الزهد وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي أيضًا في السنن الكبرى بغير هذا اللفظ. * * *

19 - باب أي خصال الإسلام خير؟ وأي المسلمين أفضل؟

19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ 68 - (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 19 - بَابٌ أَيُّ خِصَالِ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ وَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ أي باب معقود في بيان جواب سؤال أي خصال الإسلام وأموره خير، أي أكثر نفعًا وأجرًا لمن فعله في الدنيا والآخرة، وفي بيان جواب سؤال أي أشخاص المسلمين أعظم درجة عند الله تعالى، وأكثر مدحًا عند الناس، وإنما ترجمت هكذا لأن الحديثين الآتيين السائل فيهما مختلف وإن كان الراوي واحدًا وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، قال القرطبي في الحديث الثاني قوله (أي المسلمين خير) فقال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" هذا السؤال غير السؤال الأول أعني قولَه: (أيُّ الإسلام خير) وإن اتحد لفظهما بدليل افتراق الجواب، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم عن هذا السائل أنما سأل عن أحق المسلمين باسم الخيرية وبالأفضلية، وفهم عن الأول أنه سأل عن أحق خصال الإسلام بالأفضلية، فأجاب كلًّا منهما بما يليق بسؤاله والله تعالى أعلم، وهذا أولى من أن تقول الخبران واحد وإنما بعض الرواة تسامح، لأن هذا التقدير يرفع الثقة بأخبار الأئمة الحفاظ العدول مع وجود مندوحة عن ذلك انتهى منه. وترجم له النواوي والقاضي عياض، وكذا أكثر نسخ المتن بقوله (باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل) أي باب بيان تفاضل أهل الإسلام بعضهم على بعض عند الله تعالى وعند الناس، وبيان أي أموره، أي أمور الإسلام وخصاله أفضل، أي أكثر أجرًا لمن فعله أو قاله، وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما (باب أي الإسلام خير) ففي هذه الترجمة قصور عن منطوق الحديث، وفي التي قبلها إيهام وغموض، فترجمتنا أوضح وأوفق، وضم القرطبي ترجمة هذا الحديث إلى الترجمة التي قبلها حيث قال: (باب الاستقامة في الإسلام وأي خصاله خير). (68) - س (38) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، قيل: اسمه يحيى وقيل عليٌّ وقتيبة لقبه كما مر في المقدمة، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين عن تسعين (90) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السابعة، مات في شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) بن المحرر بن سالم التجيبي بضم المثناة مولاهم أبو عبد الله المصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات بمصر سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا قال محمد بن رمح (أخبرنا الليث) بن سعد وأتى المؤلف رحمه الله تعالى بحاء التحويل مع إمكان الجمع بين شيخيه لاتحاد شيخهما بأن قال حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح قالا أخبرنا الليث لاختلاف صيغتهما لأن قتيبة قال حدثنا ليث ومحمد بن رمح قال أخبرنا الليث ولو جمع باخبرنا لكان كاذبًا على قتيبة، أو بحدثنا لكان كاذبًا على محمد بن رمح، ففائدة التحويل هنا بيان اختلاف صيغتيهما لأن بين حدثنا وأخبرنا فرقًا في اصطلاح الإمام مسلم رحمه الله تعالى (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها واسم أبي حبيب سويد أعتقَتْه امرأةٌ مولاةٌ لبني حَسْلِ بن عامر، وتزوج مولاةَ تُجِيبَ فولُد له يزيد وخليفة. روى عن أبي الخير مرثد بن عبد الله وعبد الرحمن بن شماسة المهري وعراك بن مالك وجعفر بن ربيعة وإبراهيم بن عبد الله بن حنين وخلق، ويروي عنه (ع) والليث بن سعد وعمرو بن الحارث ومحمد بن إسحاق وعبد الحميد بن جعفر وسليمان التيمي وعبد الله بن عياش ويحيى بن أيوب وجماعة، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه، وكان يرسل من الخامسة، مات في ولاية أبي جعفر سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، وقد قارب الثمانين. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في ثلاثة مواضع والصوم والنكاح في ثلاثة مواضع والنذور والدعاء في ثلاثة مواضع والبيوع والجهاد في موضعين واللباس والأدب فجملة الأبواب التي روى عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة الحميري اليزني بفتح الياء التحتانية والزاي نسبة إلى ذي يزن بطن من حمير، الفقيه المصري، روى عن عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن وعلة وعقبة بن عامر وأبي عبد الله الصنابحي

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: أَيُّ الإِسْلامِ خَيرٌ؟ قَال: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن عسيلة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة وعبد الرحمن بن شماسة وغيرهم، وقال العجلي: ثقة تابعي مصري، وقال ابن سعد: كان ثقة وله فضل وعبادة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة تسعين (90) وليس في مسلم مرثد إلا هذا. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والدعاء والنذور في موضعين والأحكام والضحايا واللباس ودلائل النبوة والحدود فجملة الأبواب التي روى عنه فيها تسعة تقريبًا. (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن سهم السهمي القرشي أبي محمد ويقال أبي عبد الرحمن، كان بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، له سبعمائة حديث اتفقا على سبعة عشر وانفرد (خ) بثمانية و (م) بعشرين، يقال إنه أسلم قبل أبيه، وكان يسكن مكة، ثم خرج إلى الشام وأقام بها إلى أن مات بمصر، ويقال: إنه مات بعُجْلان قرية من قرى الشام بالقرب من غزة من بلاد فلسطين ليالي الحرة في ولاية يزيد بن معاوية، وكانت الحرة سنة ثلاث وستين، ويقال إنه مات بالطائف على الراجح، وقيل مات بمكة، وقال عمرو بن علي مات عبد الله بن عمرو بن العاص سنة خمس وستين (65) وهو ابن اثنتين وسبعين (72). روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق في الدعاء، ويروي عنه (ع) وأبو الخير مرثد بن عبد الله ومسروق بن الأجدع وحُميد بن عبد الرحمن بن عوف وخلائق، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين وفي الصلاة والحج والدعاء وغيرها. وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم مصريون أئمة أجلة، إلا قتيبة فإنه بغلاني، أنه حدَّث (أن رجلًا) لم أرَ من ذكر اسمه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال في سؤاله (أيُّ الإسلام) أي أَيُّ خصال الإسلام وأموره وأحواله (خير) أي أنفع لصاحبه في الدنيا والآخرة، أي أيُّ خصلة من خصال الإسلام أنفع لصاحبها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له هي أي الخصلة الموصوفة بالخيرية والأفضلية لصاحبها (تطعم الطعام) للمحتاج بضم التاء من أطعم الرباعي فهو خبر لمبتدأ محذوف

وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مع إضمار أن المصدرية أي هي أن تطعم الطعام للمحتاج، نظير قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وحذفت أن المصدرية التي تخلص الفعل للاستقبال ليأتي الفعل بصورة المحتمل للحال إظهارًا للرغبة في حصوله والتعجيل به للمحتاج إليه، وبصورة المضارع لتصور حالته العظيمة؛ التي أثنى الله سبحانه بها على مطعمه بقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} وللرغبة في تجدد إعطائه واستمراره وصرح بمفعوله الذي هو الطعام احتراسًا من توهم التجوز بتطعم عن حديث حسنٍ أو علمٍ أو غير ذلك، و"تطعم" من الخطاب العام، وليس المقصود السائل فقط، أي تطعم يا من يصح منه الإطعام، ولما روي: "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" و (الطعام) اسم للمطعوم المقتات، وهو عند الفقهاء ما يعد طعامًا لا دواءً، وعند الأطباء ما يُنمِّي الأبدان وفي الكلام حذف مفعول ثانٍ، وهو الأول في الحقيقة والرتبة، لأنه فاعل في المعنى، أي المحتاج أو السائل ونحوه وحذف للعلم به أو يُنزَّل الفعل بالنسبة إليه كالقاصر عنه ليفيد العموم في المحتاج وغيره دفعًا للتحكم في تقديره مفعول دون آخر، والمراد إيجاد حقيقة الإطعام، وعن البيهقي يحتمل إطعام المحاويج أو الضيافة أو هما جميعًا، وللضيافة في التحابب والتآلف أثر عظيم انتهى من السنوسي وقوله (وتقرأ السلام) معطوف على تطعم أي وتلك الخصال النافعة لفاعلها إطعامُ الطعام للمحاويج وغيرهم، وقراءتك السلام أي التحية (على من عرفتـ) ـــه (ومن لم تعرفـ) ــه إذا كانوا مسلمين، أي وأن تسلم على كل من لقيته، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثير من الناس، ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداءً على كافر، قال القاضي: بذل السلام لكل أحدٍ دليل على أنه مُبتغىً به وجه الله تعالى، ولما كان التآلف والتواد به نظام شمل الإسلام، وهو أحد أركان الشريعة حض صلى الله عليه وسلم على السبب الجالب لذلك من الإطعام وإفشاء السلام والتهادي، كما نهى عن ضد ذلك من التقاطع والتدابر والتجسس والنميمة وذي الوجهين اهـ ع. قال النواوي: وخص الخصلتين بالذكر لعلمه من السائل التساهُلَ فيهما، لأن جوابه كان بحسب ما يفهم، قلت: وإلا فليستا بخير مطلقًا، قال السنوسي: والمراد بالسلام التحية بين الناس، وهو مما يزرع الود والمحبة في القلوب كما يفعل الإطعام وقد يكون في قلب المحبين ضغن فيزول بالتحية وقد يكون عدوا فينقلب بها صديقًا ولقد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجاد من قال: وحَيِّ ذوي الأضغان تحيي نفوسهم ... تحيتك الحسنى فقد يرفع العقل إني أُحيي عدوي عند رؤيته ... لأدفع الشر عني بالتحيات كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يزرع الود في فؤاد الكريم وهذه الأبيات الثلاثة بحورها مختلفة، الأول من الطويل والثاني من البسيط والثالث من الخفيف، وإذا كان في مجرد السلام، فكيف بالطعام، حتى قيل ما وضع أحد يده في صحفة غيره إلا ذل له، لا يقال فإذا كان يورث الذل فينبغي أن يجتنب، وذلك مما يقدح في الترغيب في الإطعام المستفاد من الحديث، لأنا نقول مما جُبلت عليه نفوس الأكثر قبول ما فيه نفع لها ولا تبالي بما يحصل معه من ذل ونحوه، بل قد تتلذذ بذلك الذل، لما اشتمل عليه من المنافع. (قلت) الإطعام المرغب فيه هو ما كان لفائدة شرعية، من طلب ثواب الله جل وعلا، فلا يبالي حينئذ ما أعطى ولا لمن أعطى، أو دفع عن نفسه وعرضه وماله أم لا، أما ما لا فائدة له أو كانت الفائدة غير شرعية، كقصد المباهاة وتكثير الانتفاع والثناء الدنيوي ونحو ذلك فليس بمقصود من الحديث، بل ربما كان بعضه محرمًا كالإطعام لبعض اللئام من الظلمة والفساق ممن يستعين بذلك على فساده ويغريه على أموال الناس، وتبقى لهم سنة سيئة في -أموال الناس على الدوام، قال السنوسي: قوله صلى الله عليه وسلم "على من عرفت ومن لم تعرف" ظاهر الحديث العموم فيمن يعقل ثم يُمكن تخصيصه بالمؤمنين، لأنهم هم الذين في توادهم وتراحمهم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وكالجسد الواحد، إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، ويمكن حمله على العموم فيتناول الكافر ولو حربيًّا، عند الاحتياج إلى ذلك لوعظ ونحوه، لأنه أرجى لقبولهم الإسلام، كما قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية، أو تُخصص أيضًا بالذمي، إما على رأي من يرى ابتداءهم بالسلام وإما باعتبار الرد إذا ابتدءوا به لأن تقرأ السلام يعم الأمرين الابتداء والرد، ويؤكد العموم من عرفت ومن لم تعرف لأنه يدل على كونه لله تعالى، لا لتوفية حق المعرفة، كما روي أنه يكون كذلك في آخر الزمان وقال بعضهم: ظاهر اللفظ يعم الكافر والمنافق والفاسق، (أجيب) بأنه خُص

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأدلة أخرى أو أن النهي متأخر، وكان هذا عامًّا لمصلحة التأليف، ومن شك فيه فالأصل العموم حتى يثبت الخصوص انتهى، قال بعض العلماء متممًا له وكذا القول في المطعم المقدر مفعولًا ثانيًا، لتطعم في احتمال العموم والخصوص، ويحتمل أن يكون مفعول تطعم الثاني المقدر من عرفت ومن لم تعرف لدلالة ذكره مع تقرأ عليه من حذف الأوائل للثواني، أو يكون من عرفت متنازعًا فيه لهما وأُضمر في الأول وحُذف لأنه فضلة، وتنازع المتعددين إلى أكثر من واحد غير ممتنع، خلافًا لمن منع، وإنما ذُكر مع تقرأ لخفة السلام على النفوس، ولو ذُكر مع الطعام أولًا لأوجب النفور، فلا يُصغى لما بعده، فأُضمر في الأول لسهولة الخطاب بالمحتمل فقبل، ثم صرح به مع ما لم يَشُق فحينئذ يُتفطن لإرادته أولًا، ولا يمكن الرد بعد القبول وللتأنس به في الثاني فيقاس عليه الأول لأنه آخره، وقد يقال إن الطعام لما كان يشق له لا سيما بالحجاز، اكتفى بمطلقه لأن الفعل المثبت يَعُمُّ على الصحيح ترغيبًا فيما يُفعل منه وإن قل، ويكون المعنى تُطعم من أمكن ولو كان واحدًا، أو ما أمكن ولو شق تمرة، ولما كان السلام لا يشق لم يكتف منه إلا بغايته، وكلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم لا يُحاط بفوائده، يُنفق فيه ذو السعة في العلم على قدر سعته، ومن دونه على قدره، والكل لم يُحصلوا من ذلك البحر الزاخر الذي لا يُحاط بأبعاده إلا ما هو في النسبة كنقطة أو أقل منها إلى العالم كله، وهنا يدخل أنواع الأطعمة والولائم، وتسمية أنواعها، وتقسيم ذلك إلى الأحكام الخمسة، كل ذلك مستوعب في كتب الفقه اهـ س. وفي الجملتين موازنة وطباق خفي، لأن تُطعم فعلٌ، والطعام جثة، وتقرأ قول، والسلام معنىً، وعدَّى تقرأ بعلى لأنهم شبهوا السلام لكونه قولًا وعبارة بالقراءة، فعَدَّوهُ تعديتها، ومنْ في قوله (من عرفت) الظاهر موصوليتها، وحُذف عائدها لطول الصلة، أو نكرة موصوفة. ومعنى السلام عليكم إما الدعاء بالسلامة على المسلم عليه أي سلمك الله من الآفات دنيا وأخرى، وإما الخبر أي سلمت مني فإني مسالم لك لا محارب، وإنما كان علمًا على الأمان لأن العادة بين المتحاربين لا يسلِّم بعضهم على بعض وكانت عادة الجاهلية إن سلموا لم يحاربوا، وعلى هذا لا ينبغي للمسلِّم أن يغتاب من سلم عليه، ولا أن يتعرض لإذايته حاضرًا ولا غائبًا لأنه مناقض لما أعطاه وأخبر به من الأمان،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن السلام على المعنيين إنشاء والتزام وقيل المعنى الله حفيظ عليكم، أو رقيب عليكم، فيكون السلام على هذا من أسمائه جل وعلا، قال بعضهم وهذا يتأول به من أجاز السلام على أهل المعاصي والظلم حال تلبسهم بذلك حتى كأنه يقصد وعظهم وتذكيرهم، وعلى في المعنيين بمعنى اللام أو على بابها على إضمار كون خاص، أي السلام مشتمل عليكم، وهو أبلغ، وقد بسطت الكلام على السلام وما يتعلق به من الشرائط والأحكام والصيغ في تفسيري حدائق الروح والريحان بما لا مزيد عليه فراجعه إن أردت الخوض في هذا المقام والله عزَّ وجلَّ أعلم. قال القاضي عياض: وقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: "أي الإسلام خير" أي أي خصال الإسلام خير "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" حض منه صلى الله عليه وسلم على تأليف قلوب المؤمنين، وأن أفضل خُلُقهم الإسلامية إلفة بعضهم بعضًا وتحببهم وتوادهم واستجلاب ما يؤكد ذلك بينهم بالقول والفعل، وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على التحابب والتوادد وعلى أسبابهما من التهادي وإطعام الطعام وإفشاء السلام، ونهى عن أضدادها من التقاطع والتدابر والتجسس والتحسس والنميمة وذي الوجهين. والألفة أحد فرائض الدين، وأركان الشريعة ونظام شمل الإسلام، وفي بذل السلام لمن عرفت ولمن لم تعرف إخلاص العمل فيه لله تعالى، لا مصانعة ولا تملقًا لمن تعرف دون من لا تعرف، وجاء في الحديث: "أن السلام آخر الزمان يكون معرفة" وفيه مع ذلك استعمال خُلُق التواضع وإفشاء شعار هذه الأمة من لفظ السلام، ومن قوله "أفشوا السلام بينكم" وقوله "تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" أي تسلم، قال أبو حاتم: تقول قرأ - عليه السلام -، وأقرأه الكتاب ولا تقول أقرأه السلام إلا في لغة رديئة، إلا أن يكون مكتوبًا فتقول: أقرأه السلام أي جعله يقرأه. وهذا الحديث استدل به على الجزء الأول من الترجمة، واستدل على الجزء الثاني منها بما سيأتي، والحق أن الحديثين مختلفان، وإن كان الصحابي الذي روى واحدًا بدليل اختلاف السؤال والجواب فيهما كما مر عن القرطبي، فإنه صلى الله عليه وسلم أجاب كلًّا من السائلين بما رآه أنفع له وأخص به، فقد يكون ظهر من أحدهما كبر وانبساط وانقباض عن الناس فأجابه بإطعام الطعام وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة

69 - (39) وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مراعاة ليده ولسانه فأجابه بالجواب الآخر، أو يكون صلى الله عليه وسلم تخوف عليهما ذلك، أو كانت الحاجة في وقت سؤال كل منهما للعامة أمسَّ بما جاوب به، وأجاب القائلون باتحاد الحديثين لاتحاد السائل بأن اختلاف الجواب لاختلاف أشخاص الحاضرين وأحوالهم والله عزَّ وجلَّ أعلم. ثم ذكر المؤلف الحديث الثاني لعبد الله بن عمرو الذي استدل به على الجزء الثاني من الترجمة فقال رحمه الله تعالى: (69) - س (39) (وحدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح المصري) القرشي الأموي مولاهم روى عن عبد الله بن وهب في الإيمان وغيره وابن عيينة والوليد بن مسلم ووكيع وابن القاسم والشافعي وخلق، ويروي عنه (م د س ق) والساجي وابن أبي داود وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، قال أبو الطاهر (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، روى عن يونس بن يزيد وعمرو بن الحارث وغيرهما، ويروي عنه (ع) وأبو الطاهر وحرملة بن يحيى وأحمد بن عيسى التستري وهارون وغيرهم، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، قال النواوي: أما عبد الله بن وهب فعلمه وورعه وزهده وحفظه وإتقانه وكثرة حديثه واعتماد أهل مصر عليه، وإخبارهم بأن حديث أهل مصر وما والاها يدور عليه فكله أمر معروف مشهور في كتب أئمة هذا الفن، وقد بلغنا عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى أنه لم يكتب إلى أحد وعنونه بالفقه إلا إلى ابن وهب رحمه الله تعالى، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبي أمية المصري الفقيه المقرئ، أحد الأئمة الأعلام، روى عن يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة وأبي يونس وبكر بن سوادة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن وهب وبكر بن مضر والليث ومالك وخلق، وثقه ابن معين، وقال ابن وهب لو بقي لنا عمرو ما احتجنا إلى مالك، وقال أيضًا: سمعت من ثلاثمائة وسبعين شيخًا فما رأيت أحفظ من عمرو بن الحارث، وقال في التقريب: ثقة حافظ فقيه من السابعة، مات سنة (148) ثمان وأربعين

عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيرٌ؟ قَال: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في أربعة مواضع والجنائز في موضعين والصوم في موضعين والحج والنكاح والجهاد والبيوع والأشربة والنذور والأحكام والدعاء، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي أبي رجاء المصري، ثقة فقيه من الخامسة، مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري، ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة (90) تسعين (أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص) القرشي أبا محمد المصري، وهذا السند من سداسياته، قال النواوي: وهذا السند والذي قبله رجالهما كلهم مصريون أئمة أجلة، وهذا من عزيز الأسانيد في مسلم، بل في غيره، فإن اتفاق جميع الرواة في كونهم مصريين في غاية القلة، ويزداد قلة باعتبار الجلالة والفضيلة والعلم فيهم، والله أعلم. تنبيه: وقولهم (بن العاص) يكتب آخره بلا ياء إن كان من عاصَ يَعيصُ على زنة باع بمعنى تكبر وتجبر، وبياء في آخره إن كان من عصى يعصي على وزن رمى يرمي بمعنى أذنب لأنه في الأول أجوف يائي، وفي الثاني ناقص يائي والكل محتمل، والأكثر عندهم كتابته بلا ياء. حالة كون عبد الله بن عمرو (يقول: إن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ المسلمين) أي أيُّ آحاد المسلمين وأفرادهم، قال الأبي: هو سؤال عن الآحاد، وفي الحديث الأول سؤال عن الخصال، ولذا افترق الجواب (خير) أي أفضل درجة عند الله تعالى وأكثر سلامة من الآفات في الدنيا والآخرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له خيرهم وأفضلهم درجة عند الله تعالى (من سلم) خبر لمحذوف كما قدرناه، أي من سلم ونجا (المسلمون من) إذاية (لسانه) سبًا وشتمًا وقذفًا وسخرية وزورًا وغيبة ونميمة مثلًا (و) بطش (يده) ضربًا وقتلًا وغيرهما، قال الأبي: فهو من باب ضَرَبْتُه الظهر والبطن، أي في الظهر والبطن، قال القاضي عياض: فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ومحاسنه، وخص هاتين الجارحتين لأنهما أظهر الجوارح في الكسب ولا يدل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن من ليس بهذه الصفة غير مسلم لأن المعنى على التفضيل لا على الحصر، كما يقال: الناس العرب، والمال الإبل، فالمراد حصر الكمال، أي الكامل الإسلام، والجامع خصاله من لم يؤذ مسلمًا بقول ولا فعل إذ أكثر الأفعال تزاول بالأيدي، فأضيفت عامتها إليها، ولا يفهم من هذا أن من ليس بهذه الصفة ليس بمسلم والله أعلم. وقد تقدم في الحديث الأول جواب آخر دل على أنه صلى الله عليه وسلم أجاب كل واحد من السائلين بما رآه أنفع له وأخص به، وقد يكون ظهر من أحدهما كبر وإمساك وانقباض من الناس، فأجابه بما في الحديث الأول من إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة مراعاة ليده ولسانه فأجابه بالجواب الآخر، أو يكون صلى الله عليه وسلم تخوف عليهما ذلك، أو كانت الحاجة في وقت سؤال كل واحد منهما للعامة أمسَّ بما جاوب به كما مر اهـ ع. قال القرطبي: وجمع في الحديث الأول في جواب السائل بين الإطعام والإفشاء لاجتماعهما في استلزام المحبة الدينية، والألفة الإسلامية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم" رواه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة، وفيه دليل على أن السلام لا يُقصر على من يعرِفُ بل على المسلمين عامة لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: "السلام شعارٌ لملتنا وأمان لذمتنا" رواه ابن الجوزي في الموضوعات والطبراني في الصغير والكبير، ورد السلام أوكد من ابتدائه، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى في كتاب السلام بأبسط مما هنا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث على اختلاف روايته البخاري (12) وأبو داود (5194) والنسائي (8/ 107) وابن ماجه (3253). قال النواوي: وفي هذه الأحاديث فوائد من العلم ففيها الحث على الإطعام والجود والاعتناء بنفع المسلمين، والكف عما يؤذيهم بقول أو فعل، بمباشرة أو تسبب، وعن احتقارهم والحث على تآلف قلوب المؤمنين، واجتماع كلمتهم وتوادهم واستجلاب ما يحصل ذلك اهـ وقال بعضهم: وفي اختلاف الجواب عن السؤال الواحد على القول به دليل على أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأعراف حتى في الفتاوى كما ذكره المتأخرون من أنها إذا كانت مبنية على العرف ينبغي أن تتنوع

70 - (40) حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بتنوعه، ولا يوقف فيها مع نصوص المتقدمين التي بنوها على عرفهم المنقضي، وكذا ينبغي للواعظين أن ينوعوا الوعظ بحسب ما تدعوا الحاجة إليه، ويؤخذ أيضًا من اختلاف الجواب لاختلاف الأحوال: وجوب تعليم الإمام أو المُذكر للناس ما جهلوه وتذكيرهم ما نسوه، وتحريضهم على مهم أهملوه، قالوا: ولهذا جرت عوائد خطباء المشرق وقدماء الأندلس بتنويع الخطيب بحسب الحاجة الوقتية للتنبيه على ما يفعل الناس لذلك، فيحصل للسامعين أعظم منفعة، وأكبر فائدة، وأهمل هذا أهل الغرب، بل طالما أنكره وانتقده من ينتمي منهم للعلم، ولو علم هذا ما اشتملت عليه خطبه صلى الله عليه وسلم، وخطب خلفائه رضي الله عنهم وأئمة الصدر الأول من ذلك، لما أنكره وهي طريقة مشهورة عن السلف اهـ من السنوسي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى للحديث الثاني من حديثي عبد الله بن عمرو بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: (70) - ش (40) (حدثنا حسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي "نسبة إلى هذيل بن مدركة" أبو علي الخلال (الحلواني) الريحاني المكي الحافظ، روى عن أبي عاصم وابن أبي مريم وعبد الصمد وعبد الرزاق وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت ق) ومحمد بن إسحاق السراج، ثقة حافظ له تصانيف من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّي "نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر" أبو محمد الحافظ، ويقال له عبد الحميد، روى عن أبي عاصم وعبد الرزاق وأبي عامر العقدي وغيرهم، ويروي عنه (م ت) وابن خزيمة الشاشي، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأكد بقوله (جميعًا) أي كل من حسن وعبد بن حميد إشارة إلى شكه في انحصار من روى له عن أبي عاصم في هذين أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية لي (عن أبي عاصم) الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبي عاصم النبيل الحافظ البصري، روى عن ابن جريج وحيوة بن شريح وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد بن حميد وحسن الحلواني وأبو غسان المسمعي وخلق، ثقة ثبت من التاسعة، مات

قَال عَبْدٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (212) اثنتي عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا، وأتى بجملة قوله (قال عبد أنبأنا أبو عاصم) تحرزًا من الكذب على شيخه عبد بن حميد بتصريح صيغة روايته لأنه لو لم يأت بها لأوهم أن عبد بن حميد روى عن أبي عاصم بصيغة العنعنة لا بصيغة السماع، ونظائر هذا كثير في جامعه رحمه الله تعالى. (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم المكي، أبي الوليد روى عن أبي الزبير والزهري وسليمان الأحول وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو عاصم النبيل وعبد الرزاق وروح بن عُبادة وعِدة، ثقة فقيه، وكان يدلس ويرسل من السادسة، مات سنة (150) خمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (أنه) أي أن ابن جريج (سمع أبا الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس القرشي مولاهم روى عن جابر وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن جريج والثوري وقرة بن خالد وأيوب السختياني وابن عيينة وخلائق صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا حالة كون أبي الزبير (يقول سمعت جابرًا) ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي المدني الصحابي الجليل أبا عبد الله، يروي عنه (ع) وطاوس وأبو الزبير وعطاء وغيرهم، مات سنة (78) ثمان وسبعين عن أربع وتسعين (94) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من خماسياته، ورجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد بصري وواحد مدني. حالة كون جابر (يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول المسلم) الكامل والمؤمن الفاضل (من سلم) ونجا (المسلمون) ومن في حكمهم كالذميين (من) إذاية (لسانه و) بطش (يده) والمعنى والمسلم الكامل هو من لم يؤذ مسلمًا بقول ولا فعل، وخص اليد من الجوارح لأن معظم الأفعال تُزَاوَلُ بها. قال السنوسي: وحمله على ظاهره من غير تقدير لا يصح فلا بد من تقدير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوفات ثلاثة واحد على المسلمين والثاني على مسلم والثالث على لسانه ويده والتقدير المسلم الكامل والمؤمن الصادق من سلم المسلمون ومن في حكمهم من يده ولسانه وجميع أعضائه مما يمكن أن يؤذى به حتى قلبه فإنه منهي عن الحقد والحسد للمسلمين، والبغض والغيبة بالقلب والتلذذ بتصور معايبهم واستجلاب حديث النفس والسرور بها وإضمار الشر لهم وما يناسب ذلك من صفات القلب، أي وكان متصفًا بما لا بد منه في تحقيق أصل الإسلام من التصديق والشهادتين ونحوهما، وهذا هو المعطوف الثالث على مسلم. وفي الحديث أيضًا (إن قيل) بظاهره أن الإذاية المحذورة تختص بالمسلم، فلا حجر في إذاية الكافر ذميًّا أو غيره، ولا في إذاية الحيوان البهيمي (قلت) الحديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وقال بعضهم: وجمع جمع المذكر في المسلمين تغليبًا، لأن المسلمات كذلك وخص اللسان لأنه معبر عما في النفس، واليد لأن أكثر الأفعال بها، والمسلمون بالنسبة إلى إذاية اللسان أعم منهم بالنسبة إلى إذاية اليد لأن اللسان يقول في ماضيهم، ومن يأتي ومن في الحال بخلاف اليد، وقد تشاركه اليد الكاتبة في ذلك، وإن إذاية الكتب لعظيمة، ونكتة ذكر اللسان دون القلب ليتناول المستهزئ، قال بعضهم: متممًا له لعله يشير إلى ما جاء في الحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا يهوي بها في قعر جهنم" الحديث، وقال بعضهم: ورمز بتقديم اللسان إلى معنى قوله صلى الله عليه وسلم لحسَّان "هَجوك المشركين أشق عليهم من رشق النبل". وعبارة المفهم هنا قوله "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" أي من كانت هذه حاله كان أحق بهذا الاسم وأمكنهم فيه، ويبين ذلك أنه لا ينتهي الإنسان إلى هذا حتى يتمكن خوف عقاب الله تعالى من قلبه، ورجاء ثوابه فيكسبه ذلك ورعًا يحمله على ضبط لسانه ويده، فلا يتكلم إلا بما يعنيه، ولا يفعل إلا ما يسلم فيه ومن كان كذلك فهو المسلم الكامل والمتقي الفاضل، ويقرب من هذا المعنى بل يزيد عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه، إذ معناه أنه لا يتم إيمان أحد الإيمان التام الكامل حتى يضم إلى سلامة الناس منه إرادته الخير لهم والنصح لجميعهم فيما يحاوله معهم، ويستفاد من حديث الباب أن الأصل في الحقوق النفسية والمالية المنع، فلا يحل شيء منها إلا بوجه شرعي، والله عزَّ وجلَّ أعلم اهـ.

71 - (41) وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَويُّ، قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث جابر هذا انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات في روايته. وغرضه بسوقه الاستشهاد به للحديث الثاني من حديثي عبد الله بن عمرو في الدلالة على الجزء الأخير من الترجمة، ثم استشهد له ثانيًا بحديث أبي موسى الأشعري فقال: (71) - ش (41) (وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد) بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي (الأموي) بضم الهمزة وفتح الميم أبو عثمان البغدادي، روى عن أبيه وابن المبارك وعيسى بن يونس، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن صاعد والمحاملي، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة ربما أخطأ من العاشرة، مات في نصف ذي القعدة سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والحج والأطعمة والفضائل في ستة أبواب تقريبًا (قال) سعيد (حدثني أبي) يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي أبو أيوب الكوفي، روى عن أبي بردة بُريد بن عبد الله وعثمان بن حكيم وطلحة بن يحيى وابن جريج ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابنه سعيد بن يحيى وداود بن رشيد وأحمد وإسحاق وابن معين وعلي بن حُجْرٍ وعِدة، وثقه ابن معين والدارقطني والنسائي، وقال في التقريب: صدوق يُغرب من كبار التاسعة، مات سنة (194) أربع وتسعين ومائة، وله (80) ثمانون سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والحج في موضعين والطب والفضائل وصفة الجنة والأطعمة في ثمانية أبواب تقريبًا. قال يحيى بن سعيد (حدثنا أبو بردة) الصغير بريد (بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى) الأشعري الكوفي، روى عن جده أبي بردة في مواضع من الإيمان وغيره والحسن وعطاء، ويروي عنه (ع) ويحيى بن سعيد الأموي وأبو أسامة وأبو معاوية وعبد الله بن إدريس وابن المبارك وعلي بن مسهر والسفيانان، وثقه العجلي والنسائي وابن معين وابن عدي، وقال في التقريب: ثقة يخطئ قليلًا من السادسة، روى عنه المؤلف في الإيمان وغيره. (عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى الأشعري الفقيه الكوفي، وقيل:

عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَال: "مَن سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ اسمه الحارث، وقيل: اسمه كنيته، روى عن أبيه وعليٍّ وعبد الله بن سلام وعائشة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأولاده سعيد وبلال وعبد الله ويوسف والشعبي وثابت وحُميد بن هلال وخلائق، وثقه ابن سعد وابن خراش، ثقة من الثالثة، مات سنة (104) أربع ومائة، وقيل غير ذلك، وقد جاوز الثمانين (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس بن سُليم مصغرًا بن حضَّار بفتح الحاء المهملة وتشديد الضاد المعجمة بن حرب بن عامر بن عَنْز بن بكر بن عامر بن عدي بن وائل بن ناجية بن الجماهر الأشعر، الأشعري الكوفي حليف آل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، قدم مكة فأسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر بثلاث، فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرهم، ولي البصرة لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وله بها فتوح، وولي الكوفة وله بها دار إلى جانب المسجد، وولد له، ومات بالكوفة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة في الوضوء، وعمار في الوضوء، وعمر في الجنائز والحج، ويروي عنه (ع) وابنه أبو بردة وامرأته وصفوان بن محرز وربعي بن حراش وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبو وائل وحِطان بن عبد الله وأنس بن مالك وخلائق، له ثلائمائة وستون حديثًا (360) اتفقا على خمسين وانفرد (خ) بأربعة و (م) بخمسة وعشرين، قال أبو نعيم: مات أبو موسى الأشعري في سنة (44) أربع وأربعين وهو ابن (66) ست وستين سنة وقيل ابن (63) ثلاث وستين، ويقال: إنه مات سنة (52) اثنتين وخمسين، وقيل سنة (50) خمسين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان في موضعين وفي الوضوء في موضعين وفي الصلاة في موضعين والجنائز والزكاة والصوم والحج في موضعين وفي الاستئذان، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية أبواب تقريبًا. وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا سعيد بن يحيى فإنه بغدادي. (قال) أبو موسى (قلت: يا رسول الله أي) آحاد أهل (الإسلام أفضل) على غيره، أي أعظم درجة عند الله تعالى، وأكثر أجرًا في الآخرة، وأمدح أخلاقًا في الدنيا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لأبي موسى رضي الله عنه أفضلهم (من سلم) ونجا (المسلمون) ومن أُلْحِقَ بهم (من) إذاية (لسانه و) ضرر (يده) وسائر جوارحه ظاهرًا

72 - (00) وحَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَال: حَدَّثَنِي بُرَيدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وباطنًا، مباشرة وتسببًا في حياتهم وبعد مماتهم، وغرضه بسوق هذا الحديث حديث أبي موسى الاستشهاد لحديث عبد الله بن عمرو وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري في كتاب الإيمان، والترمذي في الزهد، والنسائي في الإيمان، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري فقال: 72 - متا (00) (وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث المذكور يعني حديث أبي موسى الأشعري (إبراهيم بن سعيد الجوهري) الطبري أبو إسحاق البغدادي الحافظ صاحب المسند سكن عين رزبة مرابطًا روى عن أبي أسامة حماد بن أسامة وابن عيينة وعبد الوهاب الثقفي ووكيع وخلق ويروي عنه (م عم) وثقه النسائي والخطيب وابن صاعد وغيرهم، وله في مسلم حديث واحد وهو ما هنا، أو حديثان ثانيهما في الجهاد كلاهما عن أبي أسامة، وقال مسلم في دلائل النبوة: وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد حدثنا أبو أسامة، فجملة الأبواب التي روى عنه مسلم فيها ثلاثة الإيمان والجهاد ودلائل النبوة، وقال في التقريب: ثقة حافظ تُكلم فيه بلا حجة من العاشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وقيل: بعد الخمسين. قال إبراهيم (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الحافظ الكوفي، مشهور بكنيته، يروي عنه (ع) وإبراهيم بن سعيد الجوهري وأبو كريب وابن أبي شيبة وعبد الله بن براد الأشعري وإسحاق الحنظلي وهارون بن عبد الله وخلق، وروى هو عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة وهشام بن عروة والأعمش وإسماعيل بن أبي خالد والوليد بن كثير ومالك بن مغول ومسعر وزكرياء بن أبي زائدة وخلائق، وقال في التقريب: ثقة ثبت ربما دلس، وكان بآخره يُحدث عن كتب غيره، من كبار التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وهو ابن (80) ثمانين سنة. روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في ستة مواضع والجنائز والزكاة في أربعة مواضع والصوم في أربعة مواضع والأطعمة في موضعين والطب في موضعين والنكاح والحدود والضحايا والفتن والفضائل والقدر، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا (قال) أبو أسامة (حدثني بريد بن

عَبْدِ اللهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَال سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ ... ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله) بن أبي بردة، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا أبو أسامة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع، يعني عن أبي بُردة عن أبي موسى (قال) أبو موسى الأشعري (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي) آحاد (المسلمين أفضل) أي أعظم وأرفع درجة عند الله تعالى، قوله (فذكر مثله) معطوف على قوله حدثنا أبو أسامة والضمير في مثله عائد إلى يحيى بن سعيد الأموي، لأنه المتابع كما هو القاعدة في اصطلاحات الإمام مسلم رحمه الله تعالى. والمعنى حدثنا أبو أسامة بهذا الإسناد هذا الحديث الذي رواه أبو موسى فذكر أبو أسامة مثل حديث يحيى بن سعيد الأموي لفظًا ومعنى، إلا في قوله: أي المسلمين فإن يحيى قال فيه: أي الإسلام، وهذا السند أيضًا من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا إبراهيم بن سعيد فإنه بغدادي، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة أبي أسامة ليحيى بن سعيد الأموي في رواية هذا الحديث عن بريد بن عبد الله، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابعين ثقتان مع بيان اختلافهما في لفظة أيُّ الإسلام وأي المسلمين والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة، حديثان لعبد الله بن عمرو بن العاص ذكرهما استدلالًا بهما على جزأي الترجمة، والثالث حديث جابر بن عبد الله والرابع حديث أبي موسى الأشعري، وذكرهما استشهادًا بهما لحديثي عبد الله بن عمرو، وذكر في حديث أبي موسى المتابعة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

20 - باب بيان الخصال التي يجد بهن المرء حلاوة الإيمان

20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ 73 - (42) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 20 - بَابُ بَيَان الخِصَالِ الَّتِي يَجِدُ بِهِنَّ المَرْءُ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أي هذا باب معقود في بيان الصفات التي يجد المرء باتصافه بهن حلاوة الإيمان أي انشراحه في صدره وانبساطه في قلبه يعني استلذه واستطابه وأخذ بمجامع قلبه حتى يود أن لا يفارقه ولو في قدر نفس كأحب الأشياء عنده. وترجم القاضي عياض وكذا النواوي وأكثر المتون لحديث أنس الآتي بقولهم: (باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان) ففي هذه الترجمة ركاكة من حيث المعنى والإعراب، وترجم له الأبي بقوله: (باب محبة الله تعالى والحب في الله) وترجم له السنوسي بقوله (باب منه) فأدخله في الباب الذي قبله، وترجم له القرطبي بقوله (باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته) فجمعه مع حديث العباس بن عبد المطلب في ترجمة واحدة كما مر والله أعلم. (73) - س (42) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه، روى عن عبد الوهاب الثقفي، ويروي عنه (خ م د ت س) ثقة حافظ مجتهد من العاشرة، مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وعشرين بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمد بن يحيى بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، وقال أبو حاتم: كانت فيه غفلة، من العاشرة، مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي أبو بكر البصري الملقب ببندار، من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وقوله (جميعًا) تأكيد للثلاثة أكد به دون كلهم إشارة إلى أنه شاك في انحصار من روى له عن الثقفي في هذه الثلاثة، أي حدثوني (عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) حالة كونهم مجتمعين في روايتهم لي عن الثقفي وأما الثقفي فهو عبد الوهاب بن

قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد المجيد بن الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاص بن بشر بن عبيد بن دُهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جُشَم بن قَسِيّ بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان الثقفي أبو محمد البصري، وثقيف هو قَسِيّ بن منبه روى عن أيوب السختياني وداود بن أبي هند ويحيى بن سعيد وخالد الحذاء وجعفر بن محمد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن راهويه ومحمد بن أبي عمر ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى وعبيد الله القواريري ويحيى بن حبيب الحارثي وخلق، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين من الثامنة، مات سنة (194) أربع وتسعين ومائة، وله (84) أربع وثمانون سنة، وولد سنة (110) عشر ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضح والحج في موضعين والأشربة في موضعين والفتن، فجملة ما روى عنه فيه ستة أبواب تقريبًا، وأتى بجملة قوله (قال ابن أبي عمر حدثنا عبد الوهاب) تورعًا من الكذب على ابن عمر، لأنه لو لم يأت بها لأوهم أنه رواه عنه بصيغة العنعنة كغيره، مع أنه صرح بالسماع، وأنه ذكر فيه النسبة مع أنه صرح باسمه وهذا علامة على شدة تورعه وإتقانه. (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني أبي بكر البصري الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، روى عن أبي قلابة ومحمد بن سيرين وأبي الزبير وعمرو بن دينار ونافع وأبي العالية وعطاء بن أبي رباح وخلق، ويروي عنه عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وخلائق، قال ابن عيينة: ما لقيت مثله في التابعين، وقال ابن سعد كان ثقة ثبتًا حجة جامعًا كثير العلم من كبار الفقهاء العباد، ولد سنة (66) ست وستين، من الخامسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في ستة مواضع والجنائز في موضعين والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع والحج في ستة مواضع والنكاح والبيوع في خمسة مواضع واللعان في موضعين والطلاق والوصايا والجهاد في موضعين والفضائل في موضعين واللباس والدعاء في موضعين والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الأزدي الجرمي بفتح الجيم البصري من عُباد أهل البصرة وزهادهم، نزل

عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشام ومات بها، روى عن أنس بن مالك وثابت بن الضحاك ومعاذة ومالك بن الحويرث وأبي المهلب وخلق، وبروي عنه (ع) وأيوب ويحيى بن كثير وخالد الحذاء وأبو رجاء مولاه وعاصم الأحول وقتادة وعِدة، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة فاضل كثير الإرسال، من الثالثة، مات بالشام هاربًا من القضاء سنة (104) أربع ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز في موضعين والزكاة والحج في موضعين والنكاح والبيوع والجهاد والإيمان فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن أنس) بن مالك بن النضر خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري الخزرجي النجاري البصري، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا (1286) ويروي عنه (ع) وأبو قلابة وقتادة وثابت والحسن وحُميد الطويل وخلق لا يحصون، مات بالبصرة سنة (91) أحد وتسعين، وقيل (92) وقيل (93) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم بصريون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي ومحمد بن أبي عمر فإنه مكي أو عدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث) أي خصالٌ ثلاثٌ، فثلاث خلف عن موصوف محذوف، وهو المسوغ للابتداء بها نحو قولهم (مؤمن خير من مشرك) أي رجل مؤمن، وقولهم (ضعيف عاذ بقرملة) أي إنسان ضعيف والقرملة شجرة ضعيفة، ويحتمل أن يكون المسوغ الإبهام، لكونه للتعظيم كما التعجبية، وقولِهم (شرٌّ أهرَّ ذا ناب) على قول، وقال بعضهم المسوغ تخصصه بمضاف إليه محذوف أي ثلاث خصال ورُدَّ بأنه إنما يحسن ذلك لو لم يُنون ثلاث لنية المضاف إليه مع قلته جدًّا في مثل هذا لفقد شرطه وجملة (من كن فيه) أي من وُجدن تلك الثلاث وغلبن فيه خبر المبتدأ، والظاهر أن من شرطية، مبتدأ ثان خبرها الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف المذكور في محله ويحتمل كونها موصولة، وكان تامة بمعنى وُجد وحصل، والمراد بكونها فيه غلبتها عليه لأن به يتضح دلالتها وخُصت الثلاث بالذكر لأنها أعمال قلب لا يعرض لها الرياء، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: "الصدقة برهان" وكانت أدلة على حلاوة الإيمان لأنها مسببات عنه

وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجود المسبب يدل على وجود السبب، والثلاث متلازمة، فلا يوجد بعضها منفكًا عن الآخر حتى يُسأل عن مفهوم العدد، فيقال فمن وجدت فيه واحدة منهن (وجد) أي ذاق (بهن) أي بسبب وُجدانهن فيه (حلاوة الإيمان) ولذته، قال بعضهم فمعنى ذوقه حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضي الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي عياض: هو من معنى ذاق طعم الإيمان، لأن الثلاث لا توجد إلا ممن صح إيمانه وانشرح به صدره، فمعنى (وجد بهن حلاوة الإيمان) أي وجد الإيمان بسببهن لذيذًا في قلبه منشرحًا في صدره، مستطابًا له حتى لا يود أن يفارقه قدر لمحة، كأحب الأشياء عنده. وعبارة المفهم هنا: وإنما خص الثلاث بهذا المعنى لأنها لا توجد إلا ممن تنور قلبه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشفت له محاسن تلك الأمور التي أوجبت له تلك المحبة التي هي حال العارفين. قال الأبي: حلاوة الإيمان استعارة، شبه انشراح الصدر به بشيء ذي حلاوة، فهو لوجوده يستعذب الطاعة ويتحمل المشاق، فعن عتبة الغلام: كابدت الصلاة عشرين سنة ثم استمتعت بها بقية عمري، وعن الجنيد: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهوفي لهوهم، وعن ابن أدهم: والله إنا لفي لذة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف اهـ. قال السنوسي: والتحقيق في بيان الاستعارة أن يقال: شبه ميل القلب إلى الإيمان للرغبة فيه بميله للخلق، فيكون من تشبيه معقول بمعقول، فاستعير له اسمه، والجامع عقلي، وقد يقال: إنه من استعارة محسوس لمحسوس والجامع حسي، أو من استعارة معقول لمحسوس، والجامع محتمل، ويحتمل أن تكون استعارة ترشيحية لقرنها بما يلائم المستعار منه وهو الحلاوة نحو قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} والأظهر أنها استعارة بالكناية، أضمر تشبيه الإيمان بشيء حلو وأضيف إليه لازم من لوازمه وهو الحلاوة على سبيل التخييل اهـ. وعبارة إكمال المعلم "قوله ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" هذا الحديث هو بمعنى الحديث المتقدم "ذاق طعم الإيمان" وذلك أنه لا تتضح محبة الله ورسوله حقيقة، والحب للغير في الله وكراهة الرجوع إلى الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه، واطمأنت به

مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه وانشرح له صدره وخالط دمه ولحمه وهذا هو الذي وجد حلاوة الإيمان اهـ. ثم فصل تلك الثلاث فقال (من كان الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) صلى الله عليه وسلم (أحب إليه) أي أكثر محبوبية لديه (مما سواهما) من جميع الموجودات حتى على نفسه وولده ووالديه والظاهر أن من في قوله "من كان الله" وأن وما في حيزها في قوله "وأن يحب المرء" وفي قوله "وأن يكره" أنها أخبار لمبتدأ محذوف، أي هي أو أحدها وثانيها وثالثها أو مبتدءات، والخبر محذوف، أي منها ويضعف كونها أبدالًا من ثلاث بدل تفصيل من مجمل أو عطف بيانات، ويكون من كن فيه هو الخبر لما فيه من الفصل بين البدل والمبدل منه، وبين البيان والمبين بالخبر اهـ سنوسي. والتقدير إحدى تلك الثلاث خصلة من كان الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب عنده مما سواهما، وفي إكمال المعلم: ومعنى حب العبد لله سبحانه استقامته في طاعته والتزامه أوامره ونواهيه في كل شيء، ولذا قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضي الرب، فيحب ما أحب ويكره ما كره، فأصل المحبة هي ميل القلب إلى ما يوافقه، ويصح الميل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويتنزه الله تعالى عن أن يميل أو يمال إليه، فمعنى محبة العبد ربه طاعته له، وللمتكلمين فيها أقوال يرجع جميعها إلى هذا والخلاف بينهم لفظي اهـ. قال الأبي: الطاعة ثمرة المحبة، ولا يفسر الشيء بثمرته، ولا يمتنع تفسير محبة العبد لله تعالى بالميل حقيقية، والذي يتنزه الله سبحانه عنه إنما هو الميل إليه في الحس لإشعاره بالجهة والمكان وميل القلب إلى الشيء إشارة له، ولا يمتنع أن يتعلق ذلك به تعالى كما يتعلق به العلم الآن والرؤية في الآخرة اهـ. قال القرطبي: (وقوله من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) دليل على جواز إضافة المحبة لله تعالى وإطلاقها عليه، ولا خلاف في إطلاق ذلك عليه محبًا ومحبوبًا كما قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، وهو في السنة كثير. قوله: (مما سواهما) ثنى الضمير هنا ورَدَّ على الخطيب قوله: (ومن يعصهما فقد غوى) فقال بئس خطيب القوم أنت، قل ومن يعص الله ورسوله، أجاب عز الدين بأن منصب الخطيب قابل للزلل، فتثنية الضمير توهم أنه سوى بينهما، وأجاب غيره: بأن

وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كلامه صلى الله عليه وسلم جملة واحدة فإيقاع الظاهر فيها موقع الضمير مرجوح، وكلام الخطيب جملتان، وأجاب شارح المصابيح: بأنه إيماء إلى أن المعتبر مجموع المحبتين، حتى لو انفردت إحداهما لم تُفد، وأمر بالإفراد في الآخر إعلامًا بأن إحدى المعصيتين كافية في الذم اهـ الأبي. ولم يقل (ممن سواهما) تنبيهًا على حقارة ما سوى الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن في معناه ممن يحب الله تعالى، وتنزيلًا له منزلة ما لا يعقل إذ ذاك أصل استعمال ما لأنه مثله في عدم القدرة على جلب المنافع ودفع المضار مطلقًا، ففي اللفظ إيماء إلى أنه ينبغي أن يقصر المؤمن حبه على مولانا جل وعز، وما كان لأجله، وما سواه هباء لا يجدي حبه شيئًا، وقال بعضهم إنما عبر بما دون من ليعم العاقل وغيره، لأنها أدخل في العموم، فيعم المخلوقات كلها ورُد بأنه إذا اختلط العاقل وغيره فهما سواء ولذا جاء {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وجاء {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} في كافية ابن مالك: وعند الاختلاط خُيِّر من نطق ... في أن يجيء منهما بما اتفق (و) ثانيها (أن يحب) الرجل (المرء) المؤمن حالة كونه (لا يحبه) أي لا يحب ذلك المرء (إلا لله) أي إلا لأجل دين الله تعالى، وأخوته، لا لغرض دنيوي، قال القاضي: من ثمرة حب الله تعالى الحبُّ فيه، فلا يحب العبد إلا لله تعالى لأن من أحب شيئًا أحب ما هو من سببه كما قال صلى الله عليه وسلم: "من أحب العرب فبحبي أحبهم" يريد أن الحب في الله تعالى لا ينشأ إلا عن حب الله تعالى، ولا يمتنع أن يكتسب الحب في الله سبحانه باستحضار ما أعد الله تعالى للمتحابين فيه، وحسبك ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فذكر منهم رجلين تحابا في الله اهـ أبي. ونص عبارة القاضي هنا: ومن محبته ومحبة رسوله التزام شريعته ووقوفه عند حدوده، ومحبة أهل ملته وهو تمام محبته فيحب العبد لا يحبه إلا لله، لأن من أحب شيئًا أحب ما يحبه ومن يحبه ومن هو من سببه، قال النبي صلى الله عليه وسلم "من أحب العرب فبحبي أحبهم" رواه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل عن عثمان بن

وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عفان ولكنه واه لأنه من رواية حصين بن عمر الأحمسيِّ، قال البخاري فيه: منكر الحديث، وإذا حصل هذا بين المؤمنين حصلت منه الألفة الموجبة للتعاون على البر والتقوى والمودة في الدين والدنيا، والمحبة لله والبغض فيه من واجبات الإسلام، وهو قول مالك وغيره من أهل العلم انتهى. وقال القرطبي: قوله (وأن يحب المرء) إلخ يعني بالمرء هنا المسلم المؤمن لأنه هو الذي يمكن أن يخلص لله تعالى في محبته، وأن يتقرب إلى الله تعالى باحترامه وحرمته، فإنه هو الموصوف بالأخوة الإيمانية، والمحبة الدينية، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وكما قال تعالى {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. وقد أفاد هذا الحديث أن محبة المؤمن الموصلة لحلاوة الإيمان لا بد أن تكون خالصة لله تعالى غير مشوبة بالأغراض الدنيوية، ولا بالحظوظ البشرية، فإن من أحبه لذلك انقطعت محبته إن حصل له ذلك الغرض، أو يئس من حصوله، ومحبة المؤمن وظيفة معينة على الدوام، وُجدت الأغراض أو عدمت، ولما كانت المحبة للأغراض هي الغالبة قل وجدان تلك الحلاوة، بل قد انعدم لا سيما في هذه الأزمان التي قد انمحى فيها أكثر رسوم الإيمان والشريعة، وغلب عليها صداقة النصارى، والرسوم النظامية، وبالجملة فمحبة المؤمنين من العبادات التي لا بد فيها من الإخلاص في حسن النيات اهـ. (و) ثالثها (أن يكره) ويسخط (أن يعود) ويرجع ويصير (في) ملة (الكفر) والضلالة (بعد أن أنقذه الله) سبحانه وتعالى وأخرجه بسبب الإيمان (منه) أي من ذلك الكفر الخبيث (كما يكره) صفة لمصدر محذوف، أي وأن يكره عوده في الكفر بعد إخراج الله إياه منه كراهة مثل كراهته (أن يقذف) ويرمى (في النار) الأخروية أو مطلقًا، قال القرطبي: معنى يُقذف يُرمى، والقذف الرمي، وهذه الكراهة موجبة لما انكشف للمؤمن من محاسن الإسلام، ولما دخل قلبه من نور الإيمان، ولما خلصه الله من رذائل الجهالات وقبح الكفران. قال النواوي: وعاد هنا بمعنى صار لأن مجيء عاد ورجع بمعنى صار كثير في كلامهم، قال القاضي: وسبب محبة الشيء كونه حسنًا في الحس، كالصورة الجميلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصوت الحسن، أو في العقل كمحبة الصالحين، أو كونه محسنًا بجلب نفع أو دفع ضُر، وقد تجتمع الثلاث في واحد كما اجتمعت في رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع الله تعالى فيه من جمال الظاهر والباطن، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الطريق المستقيم والشفاعة فيهم. قال السنوسي: وجه كون هذه الكراهية موجبة لحصول حلاوة الإيمان أنها نتيجة حصول اليقين، فإن الكفر سبب الخلود في النيران، فالمؤمن يكرهه كما يكره النار لملازمته إياها فصار لقوة اليقين يتخيل أن الدخول في الكفر دخول في النار فكرهه كراهيتها، وإذا فعل هذا في الكفر فعله في سائر المعاصي لمشاركتها له في السببية لاستحقاق النار، وما يفرق به من احتمال العفو مقابل باحتمال عدمه، والعاقل يفر بمجرد احتمال الوقوع في أدنى شيء من المعاطب الدنيوية فكيف باحتمال الوقوع في هول الآخرة وعذابها الذي لا طاقة لمخلوق عليه إن أُريد بالكفر الكفر المقابل لأصل الإيمان، وأما إن أريد به كفر النعم، وعدم القيام بشكرها وهو الظاهر، تناول حينئذ بلفظه جميع المعاصي، والمراد بالعودة في الكفر مطلق الصيرورة والتلبس به، سواء تقدم اتصافه به أم لا، قال النواوي: ومن استعماله فيما لم يتقدم فيه الاتصاف قوله تعالى {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} ويحتمل أن تكون الآية من باب التغليب، وأن الخطاب للرُسُل مع أممهم الذين تقدم لهم الاتصاف بالكفر. قال الطيبي: إنما كانت الثلاث عنوان كمال الإيمان، والمحصل تلك اللذة لأنه لا يتم إيمان إلا مع تيقن أن المنعم القادر هو الله سبحانه، لا مانح ولا مانع سواه، وذلك يوجب صرف القلب إليه بالمحبة والتوكل، والجوارح بالطاعة والموافقة، وغيره تعالى وسائط عادية، وأن العطوف الساعي في المصالح والمنافع حقًّا هو الرسول صلى الله عليه وسلم فيتوجه بالسر إليه، ولا يحب ما يحبه إلا لكونه وسطًا بينه وبين ربه جل وعلا، ويتيقن وعده ووعيده بحيث يكون وعده ووعيده عنده كالحاصل، فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل مال اليتيم أكل النار، والعود في الكفر إلقاء فيها فيكرهه انتهى بالمعنى. وحديث أنس هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 103 و 174 و 230) والبخاري (16) والترمذي (2626) والنسائي (8/ 96) وابن ماجه (4033).

74 - (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ (¬1) يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه فقال: (74) - متا (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري المعروف بالزَّمن، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من المحمدين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغُندر، ربيب شعبة، ثقة إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا. قال محمد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البصري إمام الأئمة، ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا (30) (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه، ثقة ثبت حافظ مفسر مدلس من الرابعة، مات كهلًا سنة (117) سبع عشرة ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة وعشرين بابًا تقريبًا (26). حالة كون قتادة (يُحدث) ويروي (عن أنس) بن مالك بن النضر خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة قتادة بن دعامة لأبي قلابة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، لأن المتابع والمتابع كلاهما ثقتان، وكرر ¬

_ (¬1) في نسخة: (سمعت قتادة).

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ .. وَجَدَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا للهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متن الحديث فيها لما في هذه الرواية من المخالفة للراوية الأولى في بعض الكلمات، فلا اعتراض عليه في تكرار الحديث متنًا وسندًا، لأنه لغرض (قال) أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث) خصال أو خصال ثلاث وسوغ الابتداء بالنكرة ما تقدم (من كُنَّ) أي من وُجِدن تلك الثلاث وحصلن (فيه) وغلبن عليه، فكان تامة كما مر (وجد طعم الإيمان) أي ذاق حلاوة الإيمان ولذته وانشراحه في صدره وانبساطه في قلبه، أحدها خصلة (من كان يحب المرء) المسلم حالة كونه (لا يحبه) لغرض من الأغراض الدنيوية (إلا لله) أي إلا لأجل دين الله تعالى وأخوة الإيمان. (فإن قلت) لم قيد هذا الحب بأن يكون لله خالصًا، ولم يقيد حُب الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك (قلت) يُجاب عن ذلك بأجوبة: (أحدها) لما كانت محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث كونه رسولًا لله سبحانه لا تكون إلا لله جل وعلا، لم يشترط فيها أن لا يحبه إلا لله تعالى، لأنه تحصيل الحاصل. (ثانيها) أن مطلق حب الرسول صلى الله عليه وسلم يجر في الغالب إلى التصديق به، وذوق حلاوة الإيمان، لأن المحب ينقاد إلى محبوبه في غالب الأحيان ومحبه صلى الله عليه وسلم بإطلاق لا يخلو من نفع ولو ببعض التخفيف من عذاب النيران إذا كان من أهل الكفران، ويدل عليه حديث أبي طالب وأبي لهب عمَّيه، فترك هذا الشرط من حبه صلى الله عليه وسلم ترغيبًا للخلق في محبته الموجبة لكل الخير أو بعضه. (ثالثها) أن الذي ذكر من حبه صلى الله عليه وسلم هو المقام الأعلى منه، وهو الميل إليه، وإيثاره على كل شيء سواه حتى على نفس المحب لدخوله في عموم ما سواهما، وذلك مستلزم لحصول أعلى مراتب الإيمان فلا يحتاج إلى التقييد بهذا الشرط. (ورابعها) أن ذكر محبته صلى الله عليه وسلم مع محبة الله عزَّ وجلَّ ثم إضافته إليه إضافة تشعر بعظيم منزلته عنده ثم الجمع بينهما في ضمير واحد يدل على أن حبه من معنى حب الله تعالى، وأنه لأجله، فأغنى ذلك عن ذكر ذلك القيد، ولما انتفت هذه

وَمَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ". 75 - (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المعاني الأربعة في حب غيره صلى الله عليه وسلم شُرِط في الانتفاع الأخروي بذلك الحب أن لا يكون إلا لله تعالى، ولذا قيل المرء ولم يقل المؤمن أو المطيع ونحوه من الأوصاف المناسبة لأن ذلك يدل على كون الحب لله تعالى بالإيمان، وهذا الشرط يدل عليه بالتصريح على وجه أبلغ وهو الحصر بالاستثناء المفرغ لأنه أبلغ من التام، إذ بالتصريح بالمستثنى منه ينقطع احتمال ما سواه، ومع حذفه يحتمل تقدير كل ما يستثنى منه فكان لازمه أكثر، والحصر بالنفي وإلا أبلغ مما سواه من طرق الحصر اهـ سنوسي. (و) ثانيها خصلة (من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) حتى على نفسه وولده ووالديه (و) ثالثها خصلة (من كان أن يلقى) ويرمى (في النار أحب إليه من أن يرجع) ويصير (في الكفر) والضلال (بعد أن أنقذه الله) تعالى (منه) وأخرجه من ذلك الكفر بالإيمان ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (75) - متا (00) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (251) إحدى وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. قال إسحاق (أنبأنا النضر بن شميل) بن خرشة المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، نزيل مرو، ثقة ثبت من كبار التاسعة، مات سنة (204) أربع ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا، قال نضر بن شميل (أنبأنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي أو التميمي أو القرشي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، من كبار الثامنة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم أبي محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا

عَنْ أَنَسٍ قَالِ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ... " بِنَحْو حَدِيثِهِمْ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: "مِنْ أنْ يَرْجِعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصرَانِيًّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ تقريبًا (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ثابت البناني لأبي قلابة وقتادة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان الحديث، والجار والمجرور في قوله (بنحو حديثهم) متعلق بما عمل في ثابت، وضمير الجمع فيه تحريف من النساخ، والصواب (بنحو حديثهما) بضمير التثنية العائد إلى أبي قلابة وقتادة والتقدير: حدثنا ثابت بن أسلم عن أنس بن مالك بنحو حديث أبي قلابة وقتادة عن أنس فالمتابعة في التابعي، وجعل بعض العلماء ضمير الجمع عائدًا على مشايخ المؤلف في السندين الأولين فتكون المتابعة بين إسحاق بن منصور وبين إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن يحيى ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى فتكون المتابعة ناقصة، وهذا تكلف لا حاجة إليه لمخالفته لاصطلاحاته والله أعلم، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، والنحو هنا بمعنى المثل بدليل الاستثناء بقوله (غير أنه قال) أي لكن أن ثابتًا قال في روايته (من أن يرجع) ويصير (يهوديًّا أو نصرانيًّا) بدل قولهما (من أن يعود في الكفر) أو (يرجع في الكفر) ورجع هنا من أخوات صار الناقص يعمل عمل كان الناقصة، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس بن مالك فذكره ثلاث مرات مرة للاستدلال به على الترجمة ومرتين للمتابعة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

21 - باب عدم إيمان من لم يحب الرسول صلى الله عليه وسلم محبة أكثر من محبته لأهله وولده ووالده والناس أجمعين

21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 21 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةً أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ أي باب معقود في الاستدلال على عدم إيمان من لم يُحب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة أكثر وأشد من محبته لولده ووالده وأهله والناس أجمعين حتى على نفسه لدخولها في عموم الناس. وترجم القاضي والنواوي وأكثر المتون لهذا الحديث الآتي بقولهم: (باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة). وترجم له القرطبي بقوله: (باب لا يصح الإيمان حتى تكون محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم راجحة على كل محبوب من الخلق). ولم يترجم له الأبي والسنوسي، بل جعلا هذا الحديث تبعًا للترجمة السابقة، والأولى إفراده بالترجمة، وترجمتنا أولى وأوفق لمنطوق الحديث، وكذلك ترجمة القرطبي. قال بعضهم: ليس المراد بالمحبة هنا المحبة الطبيعية التابعة شهوة النفس، فإن محبة النفس والولد والمعشوق طبعًا أشد من غيرها، وليست هذه المحبة اختيارية يؤاخذ بها، إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، بل المراد هنا المحبة العقلية الاختيارية، وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، وإن خالف الطبع كالدواء يكره طبعًا، ويميل إليه العقل لصلاحه، والعاقل يعلم أن خير الدنيا والآخرة اتباع الرسول، وأنه أشفق عليه من نفسه والناس كلهم، فيرجح جانبه على كل مخلوق، ولا يتم الإيمان إلا بهذا وكماله أن يتبع طبعه عقله، حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه عقلًا وطبعًا ونحو هذا سلك الخطابي اهـ، قال بعضهم ومما يسهل التكليف بهذا على النفس أن يقدر الإنسان أنه لو رأى ما يؤلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلقاه عنه بنفسه، وسهل عليه فعله فإذا فعل ذلك فقد أدى ما عليه منه، وهذا مقام لا بد منه، ووراءه مقامات كثيرة متفاوتة اهـ قال بعض الشافعية: يجب أن يحزن على فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم من

76 - (43) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيا أكثر من الحزن على فقد الأبوين والولد، كما يجب أن يحب أكثر من النفس وغيرها، وهذا الذي ذكر هو في الحقيقة من لوازم الأحبية المذكورة في الحديث، وقال القاضي عياض: ومن محبته صلى الله عليه وسلم نصر سنته والذب عن شريعته، وتمني أن لو عاصره حتى يبذل النفس والمال دونه اهـ. (76) - س (43) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بفتح المهملتين بعدهما معجمة مولاهم أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا، قال زهير (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي القرشي البصري أبو بشر المعروف بـ (ـابن علية) اسم أمه، ثقة حافظ من الثامنة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا شيبان) بن فروخ المعروف بـ (ـابن أبي شيبة) وأبو شيبة كنية فرُّوخ الحبطي مولاهم، أبو محمد الأبلي بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام صدوق يهم، ورُمي بالقدر من صغار التاسعة، مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخ شيخيه مع اتحاد شيخيهما، ولبيان كثرة طرقه، قال شيبان (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري بفتح المثناة وتشديد النون البصري، أحد الأئمة الأعلام، روى عن عبد العزيز بن صهيب وحسين المعلم وداود بن أبي هند وأيوب السختياني وأبي التياح وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشيبان بن فروخ وابنه عبد الصمد وعبيد الله القواريري ويحيى بن يحيى ومُعلَّى بن منصور وأبو الربيع الزهراني وخلق، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والصوم والحج في موضعين والبيوع والأطعمة واللباس والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية تقريبًا (كلاهما) أي كل من إساعيل بن علية وعبد الوارث رويا (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني بموحدة مضمومة ونونين نسبة إلى بُنانة بن سعد بن لؤي بن غالب مولاهم البصري الأعمى، روى عن أنس وشهر، ويروي عنه (ع)

عَنْ أَنَسٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ -وَفِي حَدِيثٍ عَبْدِ الْوَارِثِ: "الرَّجُلُ"- حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وإسماعيل ابن علية وعبد الوارث وحماد بن زيد وهُشيم وشعبة وأبو عوانة ووهيب، وثقه أحمد، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والصوم والنكاح والطب في ستة أبواب تقريبًا. (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من رباعياته، وهو الخامس من رباعياته ورجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد نسائي أو أبلي (قال) أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبدٌ) وكذا الأمة لأنها شقيقته، أي لا يصح إيمان عبد من عباد الله المكلفين، ولا إيمان أمة من إماء الله تعالى المكلفات، ونكره ليفيد العموم، أي لا يصح إيمان أي عبد كان، عربًا ولا عجمًا، أعرابًا ولا أهل كتاب (وفي حديث عبد الوارث) بن سعيد أي في روايته لا يؤمن (الرجل) بدل قوله عبد (حتى أكون) أنا (أحب إليه) أي أكثر محبوبية لديه (من أهله) وأقاربه (وماله) الذي اقترفه وجمعه (و) من جميع (الناس) من أبنائه وآبائه وأصدقائه وأحبائه كلهم (أجمعين)، وفي الرواية الآتية (من ولده ووالده والناس أجمعين) قال الخطابي: لم يُرد به حب الطبع، بل أراد به حب الاختيار لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه، قال: فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفنى في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه هلاكك. وقال القاضي وابن بطال وغيرهما: المحبة ثلاثة أقسام محبة إجلال وإعظام، كمحبة الوالد ومحبة شفقة ورحمة، كمحبة الولد ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس، فجمع صلى الله عليه وسلم أصنات المحبة في محبته، قال ابن بطال: ومعنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك. قال القرطبي: هذا الحديث على إيجازه يتضمن ذكر أقسام المحبة فإنها ثلاثة: محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد والعلماء والفضلاء، ومحبة رحمة وإشفاق كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة غير من ذكرنا، وإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد أن تكون راجحة على ذلك كله، وإنما كان كذلك لأن الله تعالى قد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كمله على جميع جنسه وفضله على سائر نوعه بما جبله عليه من المحاسن الظاهرة والباطنة، وبما فضله من الأخلاق الحسنة والمناقب الجميلة فهو أكمل من وطئ الثرى، وأفضل من ركب ومشى وأكرم من وافى القيامة، وأعلاهم منزلة في دار الكرامة. قال القاضي: فلا يصح الإيمان إلا بتحقيق رفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن اهـ. قال القرطبي: وظاهر هذا القول أنه صرف محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى اعتقاد تعظيمه وإجلاله ولا شك في كفر من لم يعتقد ذلك عليه، غير أن تنزيل هذا الحديث على ذلك المعنى غير صحيح لأن اعتقاد الأعظمية ليس بالمحبة، ولا بالأحبية ولا مستلزم لهما، إذ قد يجد الإنسان من نفسه إعظام أمر أو شخص، ولا يجد محبته، ولأن عمر لما سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين" قال عمر: يا رسول الله أنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي قال: ومن نفسك يا عمر قال: ومن نفسي فقال: الآن يا عمر" رواه أحمد (4/ 336) وهذا كله تصريح بأن هذه المحبة ليست باعتقاد تعظيم بل ميل إلى المعتقد وتعظيمه وتعلق القلب به، فتأمل هذا الفرق فإنه صحيح ومع ذلك فقد خفي على كثير من الناس وعلى هذا المعنى الحديث والله أعلم أن من لم يجد من نفسه ذلك الميل وأرجحيته للنبي صلى الله عليه وسلم لم يكمل إيمانه، على أني أقول: إن كل من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به إيمانًا صحيحًا لم يخل عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة للنبي صلى الله عليه وسلم غير أنهم في ذلك متفاوتون فمنهم من أخذ تلك الأرجحية بالحظ الأوفى كما قد اتفق لعمر حتى قال: ومن نفسي، ولهند امرأة أبي سفيان حين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد كان وجهك أبغض الوجوه كلها إلي فقد أصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي ... الحديث، وكما قال عمرو بن العاص: لقد رأيتني وما أحد أحب إلي من رسول الله ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولا شك في أن حظ أصحابه من هذا المعنى أعظم لأن معرفتهم لقدره أعظم لأن المحبة ثمرة المعرفة فتقوى وتضعف بحسبها.

77 - (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن المؤمنين من يكون مستغرقًا بالشهوات محجوبًا بالغفلات عن ذلك المعنى في أكثر أوقاته فهذا بأخس الأحوال لكنه إذا ذكر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبشيء من فضائله اهتاج لذكره واشتاق لرؤيته بحيث يؤثر رؤيته بل رؤية قبره ومواضع آثاره على أهله وماله وولده ونفسه والناس أجمعين فيخطر له هذا ويجده وجدانًا لا شك فيه غير أنه سريع الزوال والذهاب لغلبة الشهوات وتوالي الغفلات ويخاف على من كان هذا حاله ذهاب أصل تلك المحبة حتى لا يوجد منها حبة فنسأل الله الجواد الكريم أن يمن علينا بدوامها وكمالها ولا يحجبنا عنها. اهـ قرطبي. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 177 و 207 و 275) والبخاري (15) والنسائي (8/ 114 - 115) وابن ماجه (167) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس هذا فقال: (77) - متا (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابا (و) حدثنا أيضًا محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابا، وفائدة المتابعة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من المحمدين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغندر، ثقة من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال محمد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، روى المؤلف عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا (قال) شعبة (سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي أبا الخطاب البصري، ثقة ثبت حافظ مفسر مدلس من الرابعة، مات كهلًا سنة (117) سبع عشرة ومائة، روى عنه المؤلف في ستة وعشرين بابًا، حالة كون قتادة (يحدث) ويروي (عن أنس بن مالك) بن النضر خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا.

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرض المؤلف بسوقه بيان متابعة قتادة لعبد العزيز بن صهيب في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن قتادة أثبت من عبد العزيز، وكرر متن الحديث في هذه الرواية لما فيها من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات فلا اعتراض على المؤلف في تكرار الحديث متنًا وسندًا لأنه لغرض (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم) أي لا يصح إيمان أحدكم أيها المسلمون (حتى أكون) أنا، مضارع كان المسند إلى المتكلم (أحب إليه) أي أكثر محبوبية لديه (من ولده ووالده) بدل قوله في الرواية الأولى "من أهله وماله" (و) من كل (الناس أجمعين) من سائر عشيرته وأقربائه وأصدقائه وأزواجه ومواليه. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أنس، وذكر فيه متابعة واحدة. ***

22 - باب الدليل على أن إيمان العبد لا يكمل حتى يحب لأخيه، أو جاره ما يحبه لنفسه من الخير

22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ 78 - (44) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال (¬1): "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ -أَوْ قَال: لِجَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 22 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَ الْعَبْدِ لَا يَكْمُلُ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ، أَوْ جَارِهِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيرِ أي باب معقود في بيان الدليل على أن إيمان الشخص رجلًا كان أو امرأة لا يكمل أي لا يصل إلى درجة الكمال حتى يحب ويرضى لأخيه المسلم، أي أن يكون لأخيه المسلم ما يحبه، أي ما يحب كونه وحصوله لنفسه من جنس الخير دينيًّا كان أو دنيويًّا، وترجم لهذا الحديث الآتي النووي والقاضي وأكثر المتون بقولهم: (باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير) وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما (باب لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو جاره) ولم يترجم له القرطبي رحمهم الله تعالى. (77) - س (44) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري من العاشرة (و) محمد (ابن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري من العاشرة (قالا) أي قال كل من المحمدين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري من التاسعة (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري من السابعة (قال) شعبة (سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي أبا الخطاب البصري من الرابعة حالة كون قتادة (يحدث عن أنس بن مالك) الأنصاري الخزرجي النجاري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم بصريون، حالة كون أنس يحدث (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: لا يؤمن أحدكم) أي لا يتم إيمان أحدكم أيها المؤمنون ولا يكمل (حتى يحب) ويرضى (لأخيه) المسلم أر الإنسان فيدخل الكافر (أو قال) لي أنس، فالشك من قتادة، أو قال لي قتادة فالشك من شعبة (لجاره) بدل قوله ¬

_ (¬1) ليست في نسخة.

- مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لأخيه (ما يحبـ) ـه (لنفسه) من الخيرات الدنيوية دينًا أو دُنيا، قال النواوي: وفي البخاري لأخيه دون شك، قال القاضي: والنفي هنا نفي كمال، أي لا يتم إيمان أحدكم حتى يكون للمؤمنين بهذه الصفة من كفه الأذى عنهم، وبذله المعروف لهم، ومودته الخير لجميعهم، وصرف الضر عنهم، والحديث -والله أعلم- إنما هو في أمور الدنيا، وأما في الآخرة فقد قال تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} قيل ظاهر الحديث على التسوية والمعنى حينئذ ما قلنا، وقيل على التفضيل، والمعنى عليه أي حتى يحب لأخيه أن يكون أحسن حالًا منه لأنه الذي يحب لنفسه، لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل، فإذا أحب لغيره ما يحب لنفسه كان هو من المفضولين، وقد روي هذا المعنى عن الفضيل بن عياض أنه قال لسفيان بن عيينة رحمهما الله تعالى: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك فما أديت لله نصحية، فكيف تود أنهم دونك. قال ابن الصلاح: وهذا المعنى قد يعد من الصعب الممتنع، وليس معنى الحديث كذلك، بل معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحبه لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهةٍ لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله سبحانه من ذلك، قال الأبي: ويترجح هذا المعنى بأن التكليف به أيسر وبالأول كالمتعذر، قال السنوسي: في كثير من الروايات أعني في غير مسلم (لا يؤمن) بحذف الفاعل، وفي رواية (أحدكم) وهو المراد في الأخرى، وحذفه أدخل في العموم لصحة إسناده إلى كل ما يصحّ الإسناد إليه لبطلان الترجيح بلا مرجح، أي لا يؤمن أحد أو عبد أو الرجل، وقد رُويت كلها أو مكلف أو من يصح منه الإيمان، وحذف الفاعل للعلم به ولدلالة السياق عليه وارد في كلامهم وإن قل ومنه قوله تعالى {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} أي الكائن في تلك الظلمة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر ... " أي الشارب. وأما رواية (أحدكم) فلكونها ظاهرة في خطاب الصحابة فتحتمل أن غيرهم مثلهم في ذلك ويحتمل أن يقال إنهم لشرفهم يطالبون بالأكمل وغيرهم لكونه أدنى منزلة منهم يكتفي منهم بأدنى من ذلك ويحتمل أن يكون من الخطاب العام، ومعنى الحديث عند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل السنة لا يؤمن أحدكم إيمانًا أكمل أو أفضل أو نحو ذلك، والحديث لا بد فيه من تقديرات وإلا فُهم منه غير المراد (الأول) في قوله لأخيه لأنه لما تعذر قصره على أخ النسب تعيَّن تقدير صفة تعممه وغيره، تقديرها أي لأخيه المؤمن إن فُسِّر الخير المذكور في رواية النسائي بما زاد على الإيمان من الصفات الدين ية والدنيوية وهذا التفسير أولى، قال الشيخ محمد بن مرزوق: وإن فُسِّر الخير بالأعم حتى يشمل الإيمان الذي هو أصل كل الخير وغيره يكون تقديرها أي لأخيه الإنسان فيتناول الكافر والمؤمن، قال ابن مرزوق: وهذا التقدير أولى لأنه أعم وأشمل من تقدير المؤمن ولأن من الواجبات محبة الإيمان لكل أحد، كما وجب محبة ما يستتبعه الإيمان من الطاعات أيضًا، إذ لا فرق، وإنما محبة ذلك للمؤمن على سبيل التأكيد والترجيح لتحصيله الإيمان، وأما الوجوب ففي حق الجميع انتهى. قال السنوسي بل التقدير الأول أولى لأوجه: (منها) ما قدمناه من زيادة وصف الأخ المسلم في بعض الروايات. (ومنها) أن الأخ إذا أطلق في الشرع في مثل هذا المقام لا يتبادر إلى الذهن منه إلا أخ الإيمان، كيف والله سبحانه إنما أثبت الأخوة بين المؤمنين فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ومفهوم الوصف أن غير المؤمنين ليس بأخ، وأما مفهوم الحصر هنا فلا ينفعنا لأنه إنما يقتضي قصر المؤمنين على الأخوة على سبيل المبالغة حتى كأنهم لا وصف لهم سواها. (ومنها) أن الحديث إنما سيق لتأكيد الشفقة والرحمة والتواضع والنصرة وكمال المؤازرة والمناصرة على كل خير، ولهذا ذكر لفظ الأخ الموجب لذلك كله. وهذه الأوصاف كلّها إنما تطلب في حق المؤمنين، إذ هم الذين كالبنيان يشد بعضهم بعضًا، وأما الكافرون فالمطلوب في حقهم ضد ذلك، والتسمية لهم شرعًا إنما هو بلفظ العداوة ونحوها مما هو مناف للمقصود بلفظ الأخ المذكور في الحديث، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} الآية، فذكر ما يُحرك القلوب ويهيج غضبها، ويحمي حمية ذوي التهمة للمبالغة في عداوة الكافرين والسعي في إهلاكهم وإذلالهم بقدر الإمكان، وقال تعالى في الثناء على قوم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} والقرآن والسنة مملوآن بمثل هذا مما هو كالمنافي لمعنى الأخوة حتى إن الشرع قطع بين المؤمن وذي نسبه من الكفار، وإن كان أقرب الناس إليه كولده وأبيه بعض أحكام النسب من الميراث ونحوه، وأما بغضنا للكفر وشدة حبنا للإيمان فمن أجل ذلك انقطعت الأخوة بيننا وبين الكفار وكيف تثبت الأخوة والمواصلة بيننا وبين من اتخذ مع مولانا شريكًا وخرق حجاب الهيبة بعبادة مخلوق دونه لا يملك نفعًا ولا ضرًّا، وكذب خواصه جل وعلا من خلقه الذين بعثهم رحمة ونعمة لا يقدر على شكرها وأفاض بهم أنوار المعارف وأنواع الخيرات دنيا وأخرى صلوات الله وسلامه على جميعهم، وبهذا يظهر أنه لا يحتاج إلى تقدير وصف المؤمن أو المسلم في الحديث لأن لفظ أخ غلب عُرفًا عليهما. (الثاني) في قوله (ما يحب) أي مثل ما يحب لنفسه، على حذف مضاف، ولو لم يقدر ذلك لأدى إلى معنى أن المرء لا يحب لنفسه شيئًا إذ الذي يحب لنفسه هو بعينه الذي يحب لغيره، وذلك لا يصح أن يكون لهما لاستحالة كون الشيء الواحد في الوقت الواحد في محلين فتعين صرفه لأخيه، ونقل ابن بطال: أن ظاهر يُحب لأخيه المساواة، ومعناه محبة التفضيل له على نفسه، لأن المرء يُحب أن يكون أفضل من غيره، فيصرف ذلك لأخيه فيبقى أن يُحب لنفسه أن يكون مفضولًا، قال بعضهم: يعني لاستحالة أن يكون كل منهما أفضل من جهة واحدة، فتعين أن يحب لنفسه المفضولية، وما ذكره إنما يلزم إذا كان يحب لنفسه الأفضلية دائمًا وذلك غير لازم، إذ قد يحب المساواة كثيرًا، وأن كان حبه الأفضلية أكثر. (الثالث) في قوله (لنفسه) عبر بالنفس لأنها أعز شيء على الإنسان، ولا بد من تقييده بما يليق بأخيه شرعًا من مصلحة دنيوية مباحة، أو أخروية، وإلا فقد يحب الإنسان لنفسه شهوة لا تحل فلا ينبغي أن يحب مثلها لأخيه. (الرابع) قال الشيخ محمد بن مرزوق: يزاد في الحديث، وذلك مع عدم تضايق الحقوق مثل أن يكون مع المكلف ما يحيي به نفسه فقط أو يستر به عورته فقط، فإنه يجب عليه أن يبدأ بنفسه قبل ابنه وأبيه وأخيه فضلًا عن الأجانب، لأن ذلك مقتضى أصول الشريعة كقوله صلى الله عليه وسلم "ابدأ بنفسك" وقوله للذي قال له عندي دينار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ "تصدق به على نفسك" الحديث، وقوله (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت". وحتى في قوله (حتى يحب) غابة لنفي الإيمان، وهي جارة، والفعل بعدها منصوب بأن واجبة الإضمار، ويمتنع رفع الفعل بعدها لاقتضاء ذلك كون يحب منفيًّا كيؤمن أي لا يكون إيمان ومحبة وهو باطل وضد المقصود، وقال بعضهم لا يصح العطف بحتى لأن عدم الإيمان ليس سببًا للمحبة انتهى. تنبيه: إنما قال في الحديث حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولم يقل (حتى يفعل بأخيه ما يفعل بنفسه) لوجوه: (منها) أن المحبة هي السبب الأقوى في الحمل على الفعل لأن من أحب شيئًا حبًّا صادقًا لا يصده شيء عن فعله، لقوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} وقوله: لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع فكأنه صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ضابط الفعل والحامل عليه على وجه العموم إلا لعارض. (ومنها) أن ذكر الفعل لا يغني عن المحبة، لأنه قد يفعل تكرهًا ولامتثال الأمر خاصة، وهو على الوجه الأول قد يوجب أشد البغض، أو يزيد فيه فيؤدي إلى خلاف المقصود بخلاف المحبة فإنها تغني عن الفعل لحصوله معها مع حصول المقصود من الألفة والتواد بين المؤمنين على أكمل وجه. (ومنها) أن الفعل أشق على النفس من المحبة، فكان التصريح باشتراطه في الإيمان يوجب النفرة عنه، فنبه طبيب الأطباء وحكيم الحكماء صلى الله عليه وسلم على ما يُحصِّل المقصود وتقبله النفوس. (ومنها) أن الفعل لا يَحْسن أن يُعد ضابطًا، لأنه كثيرًا ما يفعل الإنسان بنفسه أمورًا يكرهها لاسترقاق نفسه له، وأسر شهوته إياه، أو لغير ذلك من الإكراه ونحوه بخلاف المحبة فإنها مطردة منضبطة. (ومنها) غير ذلك مما لا ينحصر والله سبحانه وتعالى أعلم بأسرار كلامه صلى الله عليه وسلم. وقد اشتمل الحديث على الإيجاز للتقديرات المذكورة ولاسلتزامه الوفاء بجميع

79 - (00) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحقوق، سواء كانت في معاملة الخلق، أو في معاملة الخالق، لما أن القيام بحقوق الخلق لأجل الله تعالى يستلزم القيام بحقه جل وعلا، إذ هو المنعم تعالى بجميع النعم جملة وتفصيلًا وتفضل سبحانه بسبب التواد والوصلة، وهو الإيمان والإسلام، ومَن بمنِّه انتظم به شمل المؤمنين، وحصلت به المكارم وأنواع الخيرات كلها سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ولقد أجاد من قال في مدحه صلى الله عليه وسلم: أحل أمته في حرز ملته ... كالليث حلَّ مع الأشبال في أجم وقد عُدَّ هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وكله جوامع اهـ من السنوسي. وقال القرطبي: قوله "لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه" معناه لا يكمل إيمانه كما تقدم إذ من يَغش المسلم ولا ينصحه مرتكب كبيرة، ولا يكون كافرًا بذلك كما بيناه غير مرة، وعلى هذا فمعنى الحديث أن الموصوف بالإيمان الكامل من كان في معاملته للناس ناصحًا لهم مريدًا لهم ما يريده لنفسه، وكارهًا لهم ما يكرهه لنفسه، وتضمن أن يفضلهم على نفسه، لأن كل أحد يُحب أن يكون أفضل من غيره، فإذا أحب لغيره ما يُحب لنفسه فقد أحب أن يكون غيره أفضل منه وإلى هذا المعنى أشار الفضيل بن عياض حين قال لسفيان بن عيينة: إن كنت تريد أن يكون الناس مثلك فما أديت لله الكريم النصيحة فكيف وأنت تود أنهم دونك كما مر انتهى. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 176، 272، 278) والبخاري (13) والنسائي (8/ 115) والترمذي (2517) وابن ماجه (66). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (79) - متا (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم وأن المؤلف روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا. قال زهير (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري الأحول، ثقة متقن إمام حافظ قدوة من كبار التاسعة، مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن

حُسَينٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ -أَوْ قَال: لأخِيهِ- مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حسين) بن ذكوان (المعلّم) المُكْتِب الأزدي العوذي البصري، روى عن قتادة وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن بريدة، ويحيى بن أبي كثير وبُديل بن ميسرة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويحيى القطان وعبد الوارث بن سعيد وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس ويزيد بن هارون وعبد الله بن المبارك وروح بن عبادة وخلائق، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم من السادسة، مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز والصوم وبيع المدبر والدعاء والفتن والجهاد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حسين المعلم لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من زيادة القسم وتغيير بعض الكلمات، أنه صلى الله عليه وسلم (قال: والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد) أي: أقسمت بالله الذي رُوحي بيده لا يكمل إيمان عبد من عباد الله تعالى (حتى يحب) ويرضى أن يحصل (لجاره) وهو من بيته ملاصق لبيتك، أو قريب منه إلى أربعين دارًا على الخلاف المقرر في الفروع في باب الوصية للجار (أو قال) أنس أو قتادة (لأخيه) بدل جاره، والشك على ما مر بيانه آنفًا (ما يحب) حصوله (لنفسه) ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديثًا واحدًا حديث أنس، وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

23 - باب عدم إيمان من يخاف جاره ضرره

23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ 80 - (45) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 23 - بَابُ عَدَمِ إِيمَانِ مَنْ يَخَافُ جَارُهُ ضَرَرَهُ أي باب معقود في بيان الدليل على عدم إيمان من يخاف جاره ضرره، بخروجه من الملة إن استحل إيذاءه مع علمه بتحريمه، وبنقصان إيمانه إن لم يستحل، وترجم لهذا الحديث الآتي النواوي وكذا القاضي عياض وأكثر المتون بقولهم (باب بيان تحريم إيذاء الجار) وهذه الترجمة وإن دل عليها الحديث بمفهومه، فهي خارجة عن كتاب الإيمان أجنبية عنه، ولذلك عدلتُ عنها إلى ما قلت، وترجم الأبي والسنوسي لهذا الحديث والذي بعده بقولهما (باب إكرام الجار) وهذه أيضًا أجنبية، وترجم القرطبي لهذا الحديث والذي بعده بقوله (باب حسن الجوار وإكرام الضيف من الإيمان) وهذه منطبقة على كتاب الإيمان فهي صحيحة والله أعلم. (80) - س (45) (حدثنا يحيى بن أيوب) العابد المقابري بفتح الميم والقاف، أبو زكريا البغدادي روى عن إسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن علية ومروان بن معاوية وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو يعلى ومحمد بن إسحاق الصغاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وآخرون، قال حسين بن محمد بن فهم: كان ثقة ورعًا، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات لإحدى عشرة مضت من ربيع الأول سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل بفتح الجيم ابن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، روى عن مالك بن أنس وإسماعيل بن جعفر والدراوردي وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وأحمد والحميدي وجماعة، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (علي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، نزيل بغداد ثم مرو، روى عن إسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن عُلية وجرير بن عبد الحميد، وعلي بن مسهر وحسان بن إبراهيم وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س) وابن خزيمة، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة حافظ من صغار التاسعة،

جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَال: أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والجنائز في خمسة مواضع والصوم والأيمان والجهاد والشعر والفضائل واللعان والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأنهم كلهم ثقات. وقوله (جميعًا) حال من فاعل حدثنا في الجمع وأكد به دون كلهم لشكه في انحصار من روى له عن إسماعيل بن جعفر في هذه الثلاثة، أي حدثونا حالة كونهم مجتمعين في الرواية لنا (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزُّرقي، نسبة إلى زُريق بطن من الأنصار من الخزرج، مولاهم أبي إسحاق المدني، أحد الكبار، وثقه أحمد بن حنبل وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا. وأتى بقوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل) تورعًا من الكذب عليه، لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه روى عن إسماعيل أيضًا بالعنعنة (قال) إسماعيل (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي مولى حُرقة أبو شبل المدني أحد الأعلام، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة في خلافة المنصور، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة، والحرقة بطن من جُهينة المدني، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، وعن أبيه يعقوب ويروي عنه (م عم) وابنه العلاء ومحمد بن إبراهيم النخعي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، أحد المكثرين من الصحابة، وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن أيوب فإنه بغدادي، وقتيبة بن سعيد فإنه بغلاني، وعلي بن حجر فإنه مروزي، أي حدث عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة) أصلًا لعدم إيمانه، وخروجه عن الملة إن استحل ذلك بعد علم تحريمه، أو حتى يعاقب على ذنب الإيذاء إن لم

مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يستحل، لنقصان إيمانه بالمعاصي (من لا يأمن جاره بوائقه) أي مكايده وغوائله ومضاره وشروره، والبوائق كالموبقات في المعنى، جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والخديعة والمكر والفتك، قال القاضي: أي لا يدخل الجنة من لا يؤمن شره ولا مضرته، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن فكيف بالجار، وتربصه به الدوائر وتسبيبه له المضار فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار، وأنه لا يدخل الجنة حتى يعاقب ويجازى بفعله إلا أن يعفو الله عنه، وهذا وعيد شديد، وفيه من تعظيم حق الجار ما فيه، والظاهر في الحديث أنه خبر لا دعاء وفي رواية أخرى "والله لا يؤمن (ثلاثًا) من لا يأمن جاره بوائقه" رواها البخاري في صحيحه في كتاب الأدب، وفي "باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه" عن أبي شريح الخزاعي (8/ 12) وأحمد في المسند (2/ 288، 4/ 31، 6/ 385) والحاكم في المستدرك (1/ 10، 4/ 165). وهذه الرواية أصرح من ترجمتنا، ومعناها ليس من أهل الإيمان إن استحل ذلك بعد علمه بتحريمه، أو لا يتم إيمانه ولا يكمل لنقصانه بتلك المعصية إن لم يستحل ذلك، والرواية الأولى موافقة لها بالمفهوم لأن عدم دخول الجنة لعدم إيمانه. قال القاضي عياض: كون الرجل بحيث يُتقى شره معصية، فكيف بها مع الجار الذي عظم الشرع حُرمته وندب إلى إكرامه (فإن قلت) من لا يأمن جاره بوائقه إن وقعت منه إذاية أو تسبب فيها فواضح، وإن لم تقع فغايته أنه هَمَّ بها، فيُعارض بحديث "إذا هم عبدي بسيئة ولم يعملها فلا تكتبوها". (قلت) الهم الذي لا يكتب إنما هو الهم الذي لم يقع متعلقه في الخارج، كالهم بشرب الخمر ولم يشرب، وهذا وقع متعلقه لتأذي الجار بتوقع ذلك منه كالمحارب يخيف الطريق ولم يصب أو يقال الواقع منه والحالة هذه عزم لا هم، والعزم مؤاخذ به على الصحيح اهـ أبي. قال النواوي: وفي معنى هذا الحديث وأشباهه قولان: أحدهما أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخل الجنة أصلًا، والثاني أنه لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر ثم قد يُجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها أولًا إن لم يستحل الإيذاء، وإنما أولنا بهذين التأويلين لأنا قدمنا أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرًا على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولًا وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة والله أعلم اهـ. قال القرطبي (قوله لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) الجار هنا يصلح للمجاور لك في مسكنك، ويصلح للداخل في جوارك وحرمتك إذ كل واحد منهما سواء في وجوب الوفاء بحقه وتحريم أذيته تحريمًا أشد من تحريم أذى المسلمين مطلقًا فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مُضرًّا لجاره كاشفًا لعوراته حريصًا على إنزال البوائق به، كان ذلك منه دليلًا، إما على فساد اعتقاد ونفاق فيكون كافرًا ولا شك في أنه لا يدخل الجنة وإما على استهانة بما عظم الله تعالى من حرمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار فيكون فاسقًا عظيمًا ومرتكب كبيرة يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم عليه بالكفر، فإن المعاصي بريد الكفر فيكون من المصنف الأول، وإن سلم من ذلك ومات غير تائب فأمره إلى الله تعالى فإن عاقبه بدخول النار لم يدخل الجنة حين يدخلها من لم يكن كذلك، أو لا يدخل الجنة المعدة لمن قام بحقوق جاره، وعلى هذا التفصيل ينبغي أن يحمل ما في هذا الباب مما قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم إن فاعله لا يدخل الجنة مما ليس بشرك للأدلة المتقدمة، ولما يأتي في أحاديث الشفاعة. والبوائق جمع بائقة وهي الداهية التي توبق صاحبها أي تهلكه، وقد تقدم ذكرها والله أعلم اهـ. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة ولا متابعة فيه، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 373) وانفرد به عن أصحاب الأمهات. ***

24 - باب الدليل على أن الصمت إلا عن الخير، وإكرام الجار والضيف من الإيمان

24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ .. مِنَ الإِيمَانِ 81 - (46) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 24 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ إِلَّا عَنِ الْخَيرِ، وَإِكْرَامَ الْجَارِ وَالضَّيفِ مِنَ الإِيمَانِ أي باب معقود في بيان الدليل على أن السكوت إلا عما فيه ثواب، وإن إكرام الجار والإحسان إليه، وأن إكرام الضيف النازل عليك بإعطاء جائزته من خصال الإيمان الكامل وشُعبه. وترجم القاضي والنواوي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهم (باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان). وترجمتي أخصر وأولى وأوضح لسلامتها من الحشو، وموافقتها لسياق الحديث ولكونها موجزة وأدخل الحديث الآتي الأبي والسنوسي والقرطبي في ترجمة الحديث الذي قبله. (81) - س (46) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي أبو حفص المصري، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وابن قتيبة العسقلاني والحسن بن سفيان وحفيده أحمد بن طاهر، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في مواضع كثيرة عن ابن وهب، قال حرملة (أنبأنا) أخبرنا عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم مولى بني فهر، أبو محمد المصري الفقيه أحد الأئمة ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان، ويقال فيه: يونس بن يزيد بن أبي النجاد القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان أبو يزيد الأيلي، روى عن الزهري ونافع والقاسم وعكرمة، ويروي عنه (ع) وابن وهب وابن المبارك وغيرهم، ثقة من كبار السابعة، مات بمصر سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب.

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيَقُل خَيرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) القرشي الزهري أبي بكر المدني رأى عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف بن عبد عوف القرشي الزهري المدني أحد الأئمة الأعلام، كان من سادات قريش، روى عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وسالم مولى المهري وزينب بنت أم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وخلائق، ويروي عنه (ع) والزهري ويحيى بن أبي كثير وبكير بن الأشج وسعيد المقبري ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمرو بن دينار وأبو حازم سلمة بن دينار وابنه عمر وأولاد إخوته سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن والأعرج وخلائق، وقال ابن سعد: كان ثقة فقيهًا كثير الحديث، مات سنة (94) أربع وتسعين. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في ستة مواضع والصوم في ثلاثة مواضع والحج في ثلاثة مواضع والبيوع والهبة والأطعمة والأشربة والرؤيا والقسمة والجهاد والطب والفضائل، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة عشر تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني الصحابي الجليل، أحد المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه (قال من كان) يريد أن (يؤمن بالله) سبحانه وتعالى (و) بـ (ـاليوم الآخر) الإيمان الكامل الذي ينال به الدرجات العلى في الآخرة، إذا أراد أن يتكلم شيئًا (فلـ) ـيُفكر فيه أولًا ثم لـ (ـيقل) ويتكلم به إن كان ذلك الشيء (خيرًا) أي ما فيه ثواب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم جاهل وإجابة مُستفت مثلًا (أو) كان شرًّا أي ما فيه عقاب كالغيبة والنميمة والتجسس وشهادة الزور والكذب والسب والقذت مثلًا فـ (ـليصمت) أي فليسكت عنه ولا يتكلم به صونًا للسانه عن الخطيئة وحفظًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لنفسه عن العقوبة، وطلبًا لدينه البراءة، قال الأبي: هو من خطاب التهييج، أي من صفة المؤمن أن يتكلم بالخير ويسكت عن الشر فيسلم كقوله في الحديث الآخر "من سكت نجا". قال الأبي: فيتعارض صدر هذا الكلام وآخره في المباح، وجعل النووي المباح من قسم ما يطلب السكوت عنه، وقال القاضي: واختلف في المباح فقال ابن عباس: لا يكتب إذ لا يُجازى عليه، وقال عكرمة: يكتب لقوله تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} الآية، قال النووي: ولخص الشافعي معنى الحديث فقال: يَنْظرُ من يريد الكلام فإن لم يرَ ضررًا تكلم، وإن رآه أو شك فيه سكت، وخلاصة هذا الكلام من كمال الإيمان صون اللسان. و(صمت) من باب دخل ونصر، يقال: صمتَ يصْمُتُ صَمتًا وصُمُوتًا وصماتًا وصماتة إذا سكت. قال القرطبي: "قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" يعني من كان يؤمن بالله تعالى الإيمان الكامل المُنجي من عذاب الله المُوصل إلى رضوان الله تعالى لأن من آمن بالله حق إيمانه خاف وعيده ورجا ثوابه، ومن آمن باليوم الآخر استعد له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه، فيأتمر بما أُمر به وينتهي عما نُهي عنه، ويتقرب إلى الله تعالى بفعل ما يقرب إليه، ويعلم أن من أهم ما عليه ضبط جوارحه التي هي رعاياه، وهو مسؤول عنها جارحة جارحة، كما قال تعالى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] وقال أيضًا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وإن أكثر المعاصي عددًا وأيسرها فعلًا معاصي اللسان، وقد استقرأ المحاسبون لأنفسهم آفات اللسان فوجدوها تنيف على العشرين، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا جملة فقال "وهل يَكُبُّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال أيضًا "كل كلام ابن آدم عليه إلا ذكر الله تعالى أو أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر" رواه الترمذي وابن ماجه، وقال أيضًا "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا" رواه الترمذي، فمن علم ذلك وآمن به حق إيمانه اتقى الله في لسانه فيتكلم إذا غنم، ويسكت إذا سلم اهـ. وعبارة النووي هنا: وأما (قوله فليقل خيرًا أو ليصمت) فمعناه أنه إذا أراد أن يتكلم

وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه أو مندوبًا فليتكلم وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه، مندوبًا إلى الإمساك عنه مخافةً من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا، وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات أو المكروهات وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمانه: جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" وقوله صلى الله عليه وسلم "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه" وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له الوصية "لا تغضب" وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وقال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى: الصمت بسلامةٍ وهو الأصل، والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال، وقال: سمعت أبا علي الدقاق يقول: من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس، قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوت فلما علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظ النفس وإظهار صفات المدح والميل إلى أن يتميز من بين أشكاله بحسن النطق، وغير هذا من الآفات، وذلك صفة أرباب الرياضة، وهو أحد أركانهم في تهذيب الخُلُق، ورُوي عن الفضيل بن عياض أنه قال: من عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه، وعن ذي النون رحمه الله تعالى: أصون الناس لنفسه أمسكهم للسانه، والله أعلم اهـ نووي. (ومن كان) يريد أن (يؤمن بالله واليوم الآخر) الإيمان المنجي من عذاب الله والموصل له إلى كرامة الله تعالى (فليكرم جاره) بالإحسان إليه والإهداء له، وإعارة المواعين له، والجهد في قضاء حوائجه، والجار: من جاورك في مسكنك وفي الحديث الآخر (فلا يؤذ جاره) وفي الآخر "فليحسن إلى جاره" قال القاضي عياض: كلها ترجع إلى تعظيم حق الجار (ومن كان) يريد أن (يؤمن بالله واليوم الآخر) الإيمان الكامل الموصل إلى الدرجات العُلى (فليكرم ضيفه) بإظهار البشاشة له في الكلام، وبإحضار القِرى له وإكرام نزله، والضيف: القادم عليك النازل عندك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: معنى الحديث أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما، وكل ذلك تعريف بحق الجار، وحث على حفظه، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الجار في كتابه العزيز، وقال صلى الله عليه وسلم "ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: "إلى أقربهما منك بابا" أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع، وأحمد في المسند. قال الحافظ في الفتح: "أقربهما" أي أشدهما قربًا، وقيل: الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة، وقال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهدية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجبًا، قال الحافظ: وفي هذا الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم على العمل، قال: واختلف في حد الجار فجاء عن علي رضي الله عنه من سمع النداء فهو جار، وقيل من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار، وعن عائشة رضي الله عنها حد الجار أربعون دارًا من كل جانب، وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن، وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعًا "ألا إن أربعين دارًا جار" وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب "أربعون عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه" قال الحافظ: وهذا يحتمل كالأولى، ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة اهـ فتح 1/ 463. قوله "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" والضيف: القادم على القوم النازل بهم، وبقال: ضيف على الواحد والجمع، وبجمع أيضًا على أضياف وضيوف وضيفان، والمرأة ضيف وضيفة، وأضفت الرجل وضيفته إذا أنزلته بك ضيفًا، وضفت الرجل ضيافة إذا نزلت عليه، وكذلك تَضيَّفْتُهُ، والضيافة من مكارم الأخلاق، ومن محاسن الدين، ومن خلق النبيين والصالحين، وليست بواجبة عند عامة أهل العلم خلا الليث فإنه أوجبها ليلة واحدة محتجًا بقوله صلى الله عليه وسلم "ليلة الضيف واجبة على

82 - (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كل مسلم) رواه أبو داود من حديث المقدام بن معديكرب (3751) وبقوله صلى الله عليه وسلم "إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بحق الضيف فاقبلوه وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: "جائزته يوم وليلة" رواه البخاري ومسلم والجائزة العطية والصلة التي أصلها على الندب، وقلما يستعمل مثل هذا اللفظ في الواجب، وتأويل الجمهور أحاديث الليث بأن ذلك كان في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة، أو كان هذا للمجاهدين في أول الإسلام لقلة الأزواد، أو المراد به من لزمته الضيافة من أهل الذمة، إذا شرطت عليهم في عقد الذمة، وكمن اجتاز عليه محتاج مضطر وضيّف عليه، ثم اختلفوا فيمن يخاطب بالضيافة، فذهب الشافعي ومحمد بن عبد الحكم إلى أن المخاطب بها أهل الحضر والبادية، وقال مالك وسحنون إنما ذلك على أهل البوادي لتعذر ما يحتاج إليه المسافر في البادية، ولتيسر ذلك على أهل البادية غالبًا وتعذره على أهل الحضر ومشقته عليهم غالبًا، وقد روي "الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر" رواه القضاعي في مسند الشِّهاب من حديث ابن عمر (202) وابن عدي في الكامل (7/ 1) وقال القاضي إنه حديث موضوع لا أصل له. وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة هذا، أحمد (2/ 267، 269، 433، 463) والبخاري (6018) وأبو داود (5154) وابن ماجه (3971). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (82) - متا (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بمهملة مفتوحة وموحدة ساكنة مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة حافظ صاحب تصانيف من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا قال أبو بكر (حدثنا أبو الأحوص) سلَّام بن سليم الحنفي مولى بني حنيفة، الحافظ الكوفي ثقة متقن من السابعة، مات سنة تسع وسبعين ومائة (179) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا تقريبًا (عن أبي حصين) بفتح الحاء المهملة مكبرًا، عثمان بن عاصم بن حصين مصغرًا

عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيَقُلْ خَيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسدي أحد الأئمة الأثبات، روى عن أبي صالح والأسود بن هلال ويحيى بن وثاب والشعبي وغيرهم، ويروي عنه أبو الأحوص وشعبة والسفيانان، ثقة ثبت وربما دلس، من الرابعة، مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان مولى جُويرية بنت الحارث القيسية، المدني ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من خماسياته، ورجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صالح لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتاج والمتابَع كلاهما ثقتان، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وفي سياق الحديث والله أعلم. (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان) يريد أن يؤمن بالله واليوم الآخر) الإيمان الكامل المنجي (فلا يؤذي جاره) بإثبات الياء، على أن لا نافية، والكلام على تقدير مبتدأ محذوف، أي فهو لا يؤذي جاره، والجملة الاسمية جواب الشرط، أو على أن لا ناهية، والجزم بحذف حركة مقدرة على حرف العلة، وهو لغة فصيحة لبعض العرب كقوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد والإيذاء إيصال الضرر إلى الغير مباشرة أو تسببًا، كالسب والضرب والامتناع من إعارة المواعين وغير ذلك من كل ما يقابل الإحسان، وفي بعض الرواية "فلا يؤذ جاره" بحذف الياء للجازم (ومن كان يومن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) بتقديم القرى له وإظهار طلاقة الوجه له، وإظهار المخاطبة له بقول الرحب والسهل من كل ما اعتيد في إكرامه (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) أي ما يثاب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وتعليم جاهل، وإرشاد ضال، كما

أَوْ لِيَسْكُتْ". 83 - (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مر (أو ليسكت) عن كل ما يأثم به كالغيبة والنميمة والسب والشتم، وعن كل ما لا يعنيه من قيل وقال طلبًا للسلامة، وإعمالًا لفكره في مصنوعات الله تعالى، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة فقال: (83) - متا (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي أبو يعقوب بن راهويه المروزي الإمام الفقيه، قال أحمد: إسحاق عندنا من أئمة المسلمين، وقال في التقريب: ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل من العاشرة، مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وعشرين بابًا تقريبًا، قال إسحاق (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل الهمداني السبيعي أبو عمرو الكوفي أحد الأعلام، روى عن الأعمش والأوزاعي وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري وحسين المعلم وسليمان التيمي وإسماعيل بن أبي خالد وأبيه وأخيه إسرائيل، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن مهران وعلي بن خشرم وعلي بن حجر وعمرو الناقد وحماد بن سلمة وابن وهب ومسدد، وثقه أبو حاتم، وقال ابن المديني: بخ بخ ثقة مأمون، جاء يومًا إلى ابن عيينة فقال: مرحبًا بالفقيه بن الفقيه بن الفقيه، وقال في التقريب: مأمون من الثامنة، مات سنة (191) إحدى وتسعين ومائة، وقيل سنة (187) سبع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في سبعة مواضع والجنائز والزكاة والصوم والحج في موضعين والبيوع في موضعين والنكاح والجهاد والأدب في موضعين واللعان والفضائل وفضائل عُمَر والفتن والحشر والتفسير، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي من بني كاهل أبي محمد الكوفي ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني أحد المكثرين، وهذا السند أيضًا

قَال: قَال رَسُولُ الله صلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ... بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي حَصِينٍ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ". 84 - (47) حَدَثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرِ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من خماسياته ورجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمش لأبي حصين في رواية هذا الحديث عن أبي صالح، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (قال) أبو هريرة (قال رسول صلى الله عليه وسلم) الحديث والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث أبي حصين) متعلق بما عمل في المتابع والتقدير حدثنا الأعمش عن أبي صالح بمثل حديث أبي حصين عن أبي صالح، والمثل عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه إلا ما استثنى بقوله هنا (غير أنه) أي لكن أن الأعمش (قال) في روايته عن أبي صالح (فليحسن إلى جاره) بدل قول أبي حصين في الرواية السابقة "فلا يؤذي جاره" ومعنى الإحسان إلى الجار عدم إيذائه مع إكرامه والتبرع له في قضاء حوائجه ومهماته فهو اختلاف لفظي، قال القاضي عياض: قوله "فليكرم جاره" وفي الآخر "فلا يؤذ جاره" وفي الآخر "فليحسن إلى جاره" كلها ترجع إلى تعظيم حق الجار والإحسان إليه اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي شُريح رضي الله عنهما فقال: (84) - ش (47) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمد بن عبد الله بن نُمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي، كان أحمد بن حنبل يعظمه تعظيمًا عجيبًا يقول: أيُّ فتى، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، حالة كون زهير ومحمد بن عبد الله (جميعًا) أي متفقين في الرواية لي (عن) سفيان (بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم أبي محمد الأعور الكوفي ثم المكي، ثقة ثبت وربما يدلس عن الثقات من رؤوس الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، وتقدم البسط في

قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَن عَمْرٍو: أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه لأن المتقارنين ثقتان، وأتى بجملة قوله (قال ابن نمير حدثنا سفيان) تورعًا من الكذب على ابن نمير لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن ابن نمير روى عن سفيان بالعنعنة كزهير والحال أنه ليس كذلك (عن عمرو) بن دينار القرشي الجمحي مولاهم أبي محمد المكي الأثرم (¬1) أحد الأئمة الأعلام روى عن نافع بن جبير وسالم بن عبد الله بن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وعامر بن سعد وعطاء بن يسار ومحمد بن علي بن الحسين وخلائق، ويروي عنه (ع) وسفيان بن عيينة والحمادان والسفيانان وابن جريج وأيوب وشعبة وهُشيم وروح بن القاسم وجماعة، قال ابن المديني: له خمسمائة حديث، قال مسعر: كان ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة في أولها. روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع والوضوء في موضعين والصلاة في خمسة مواضع والجنائز والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع والحج في خمسة مواضع والنكاح في ثلاثة مواضع والبيوع في موضعين والعتق والجهاد في موضعين والأشربة والذبائح والطب ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين وفي القدر والضحايا والفضائل والهبة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة عشر بابًا تقريبًا (أنه) أي أن عمرو بن دينار (سمع نافع بن جبير) بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبا محمد المدني، وكان ينزل دار أبيه بالمدينة، روى عن أبي شريح الخزاعي، ومعاذ بن عبد الرحمن وأبي هريرة وابن عباس وعثمان بن أبي العاص وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعمرو بن دينار وحكيم بن عبد الله القرشي وسعد بن إبراهيم وعُروة بن الزبير والزهري وصالح بن كيسان وخلائق، وقال في التقريب: ثقة فاضل من الثانية، مات بالمدينة سنة (99) تسع وتسعين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز والحج في موضعين والنكاح والرؤيا والفضائل والطب والمناقب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا حالة كون نافع بن جبير ¬

_ (¬1) الأثرم: وصف من الثرم محركًا والثرم انكسار السن من أصلها أو سن من الثنايا والرباعيات أو خاص بالثنية يقال ثرم كفرح فهو أثرم وهي ثرماء اهـ قاموس.

يُخْبِرُ عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْخُزَاعِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلْيَقُلْ خَيرًا أَوْ لِيَسْكُتْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (يخبر) ويحدث (عن أبي شريح الخزاعي) بضم الخاء، ويقال العدوي، ويقال الكعبي اسمه خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن زِمَّانِ بن عدي بن ربيعة أخو بني كعب بن عمرو بن ربيعة، كما في التحفة، وقيل عمرو بن خويلد وقيل عبد الرحمن، وقيل عبد الرحمن وقيل غير ذلك، والمشهور الأول، صحابي أسلم يوم الفتح، وكان يحمل أحد ألوية بني كعب، عداده في أهل الحجاز، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود، ويروي عنه (ع) وأبو سعيد المقبري وسعيد بن أبي سعيد المقبري ونافع بن جبير، له عشرون حديثًا اتفقا على حديثين، وانفرد (خ م) بحديث، قال ابن سعد: مات بالمدينة سنة (68) ثمان وستين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وفي الأحكام، وهذا السند من خماسياته، رجاله واحد منهم نسائي أو كوفي واثنان مكيان واثنان مدنيان. (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) أي إلى من جاور سكنُه سكنَه بالبرِّ والإهداء والنصيحة له (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) قولًا وفعلًا (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) أي ما فيه محمدة عاجلًا أو آجلًا (أو ليسكت) عما فيه مذمة عاجلًا أو آجلًا، وأطنب في هذه الأحاديث بتكرير جملة الشرط إشارة إلى أن كل جملة منها مقصودة بالذات مستقلة عن غيرها بالاعتناء بها لأنه لو قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره وليكرم ضيفه وليقل خيرًا أو ليسكت) لو في بالمراد. وغرض المؤلف بسوق حديث أبي شريح هذا الاستشهاد به لحديث أبي هريرة، وشارك المؤلف في رواية حديث أبي شريح هذا أصحاب الأمهات الست، لأنه رواه البخاري في الأدب وفي الرقاق، ورواه مسلم في الإيمان وفي الأحكام، ورواه أبو داود في الأطعمة، ورواه الترمذي في البر والصلة وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي في الرقاق (في الكبرى) ورواه ابن ماجه في الأدب اهـ من تحفة الأشراف للمزي باختصار. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان: الأول حديث أبي

هريرة ذكره للاستدلال، وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي شريح ذكره للاستشهاد كما مر بيان ذلك آنفًا. ***

25 - باب وجوب إزالة المنكر بالقدر المستطاع وأن إزالته من الإيمان

25 - بَابُ وُجُوب إِزالةِ الْمُنْكَرِ بِالْقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ وَأنَّ إِزَالتَهُ مِنَ الإِيمَانِ 85 - (48) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ 25 - باب وجوب إزالة المنكر بالقدر المستطاع وأن إزالته من الإيمان أي باب معقود في بيان وجوب إزالة كل ما أنكره الشرع قولًا كان أو فعلًا بالقدر الذي يستطيعه في إزالته سواء كان باليد أو باللسان أو بالقلب. وترجم القاضي عياض والنواوي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهم (باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان) وفيها زيادة على منطوق الحديث، ولذلك عدلت عنها، وترجم له الأبي بقوله (باب أحاديث تغيير المنكر) والسنوسي بقوله (باب تغيير المنكر) والقرطبي بقوله (باب تغيير المنكر من الإيمان) وهذه كلها أوفق لمنطوق المتن. (85) - س (48) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية عشر بابًا تقريبًا (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق بن عدي الثوري ثور بن عبد مناة، وقيل ثور تميم، أبي عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا. (تنبيه): والقاعدة في صحيح مسلم أنه إذا ذكر سفيان وأطلق فالعلامة التي تعرف بها أنه الثوري أو ابن عيينة أنه إن كان ثاني السند فهو ابن عيينة وإن كان ثالث السند فهو الثوري، فهذه قاعدة أغلبية ليست مطردة اهـ شيخنا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كِلاهُمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري المعروف بالزمن، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه ولبيان كثرة طرقه، قال ابن المثنى (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغندر ربيب شعبة، ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال ابن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري أحد الأئمة الأعلام، ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (كلاهما) أي كل من سفيان في السند الأول وشعبة في السند الثاني، ولم يقل جميعًا كعادته في بعض المواضع إشارة إلى تيقنه بانحصار من روى له عن قيس بن مسلم في هذين الشيخين أعني سفيان وشعبة بن الحجاج (عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم العدواني، أبي عمرو الكوفي روى عن طارق بن شهاب والحسن بن محمد بن علي، ويروي عنه (ع) والأعمش والثوري وشعبة ومسعر وأبو العميس وصدقة بن أبي عمران وإدريس الأودي وخلق، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وكان مرجئًا، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، رُمي بالإرجاء، مات سنة (120) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصوم والحج وآخر الكتاب والتفسير في أربعة أبواب تقريبًا (عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جشم بن زفر بن عمرو بن لؤي بن رُهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي صحابي، أو ثقة، رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وغزا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثلاثًا وثلاثين غزوة أو ثلاثًا وأربعين، روى عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى وأبي سعيد الخدري في الإيمان، ويروي عنه (ع) وقيس بن مسلم وعلقمة بن مرثد وإسماعيل بن أبي خالد وعِدة وثقه ابن معين، قال خليفة: مات سنة (82) اثنتين وثمانين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصوم والحج والتفسير في أربعة أبواب تقريبًا والله أعلم.

-وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ- قَال: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهذا) الحديث الآتي لفظ (حديث أبي بكر) بن أبي شيبة، وأما ابن المثنى فروى معناه لا لفظه، وأتى المؤلف بهذه الجملة تورعًا من الكذب على محمد بن المثنى لأنه لو لم يأت بها لأوهم أن اللفظ الآتي لهما (قال) طارق بن شهاب (أول من بدأ بالخطبة) أي أول من قرأ الخطبة (يوم العيد قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد والمراد بالخطبة جنسها أعني الخطبتين (مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي، من أمراء بني أمية، ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين، وقيل أول من بدأ بها عمر بن الخطاب، ليدرك الصلاة من تأخر، وقيل لما رأى من ذهاب الناس عند فراغ الصلاة بلا استماع خطبة قدمها ليجلسوا وقيل عثمان وقيل معاوية وقيل ابن الزبير فعله أيضًا، والسنة وعمل الخلفاء وفقهاء الأمصار تقديم الصلاة على الخطبة، وعده بعضهم إجماعًا، ولعله بعد الخلات، أو لعله لم يعتد بخلاف بني أمية بعد إجماع الصدر الأول لأنهم كانوا ينالون من علي ويطعنون فيه في خطبهم، فكان الناس إذا فرغوا من الصلاة تفرقوا فِرارًا من سماع خطبهم، فقدموها ليجلس الناس، ولذا قال أشهب: من بدأ بها أعادها بعد الصلاة اهـ من الأبي. قال القرطبي: والقول بأن أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم أصح ما رُوي في أول من قدم الخطبة قبل الصلاة كما يدل عليه قول مروان للرجل (قد ترك ما هنالك) ورُوي أول من فعل ذلك عمر، وقيل عثمان، وقيل ابن الزبير، وقيل معاوية رضي الله عنهم أجمعين. (قلت) وبعيد أن يصح شيء من ذلك عن مثل هؤلاء لأنهم شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلوا معه أعيادًا كثيرة، والصحيح المنقول عنه صلى الله عليه وسلم والمتواتر عند أهل المدينة تقديم الصلاة على الخطبة فكيف يعدل أحد منهم عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه إلى أن توفي، فإن صح عن واحد من هؤلاء أنه قدم ذلك فلعله إنما فعله لما رأى من انصراف الناس عن الخطبة تاركين لاستماعها مستعجلين، أو ليدرك الصلاة من تأخر وبَعُد منزله، ومع هذين التأويلين، فلا ينبغي أن تترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمثل ذلك، وأولئك الملأ أعلم وأجل من أن يصيروا إلى ذلك والله أعلم.

فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ فَقَال: الصَّلاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَال: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ، فَقَال أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما مروان وبنو أمية فإنما قدموها لأنهم كانوا في خطبهم ينالون من علي كرم الله وجهه، ويُسمعون الناس ذلك فكان الناس إذا صلوا معهم انصرفوا عن سماع خطبهم لذلك، فلما رأى مروان ذلك، أو من شاء من بني أمية قدموا الخطبة ليُسمعوا الناس من ذلك ما يكرهون، والصواب تقديم الصلاة على الخطبة، وقد حكى فيه بعض علمائنا الإجماع (فقام إليه) أي إلى مروان (رجل) من الحاضرين ولم أرَ من ذكر اسمه (فقال) الرجل لمروان (الصلاة) أي صلاة العيد مفعولة (قبل الخطبة) أي قبل خطبة العيد في سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا تخطب قبل الصلاة أيها الأمير، فأبى مروان أن ينزجر بقول الرجل (فقال) مروان اعتذارًا عن بدئه بالخطبة (قد ترك) أيها الرجل (ما) يفعل (هنالك) أي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين من استماع الخطبة إذا أُخرت عن الصلاة، أي قد ترك الناس استماع الخطبة إذا أخرناها عن الصلاة، لأنهم منصرفون مستعجلون فلذلك قدمتها ليستمعوها، قال الأبي: قد ترك ما هنالك يعني من تقديم الصلاة، ثم الأظهر أن غيره سبقه بالترك، أو يحتمل أن يعني نفسه (فقال أبو سعيد) الخدري لمن حوله من الجالسين (أما هذا) الرجل الناهي لمروان عن بدئه بالخطبة (فقد قضى) وأدى (ما) وجب (عليه) من النهي عن المنكر الذي هو ترك السنة وابتداع البدعة من تقديم الخطبة على الصلاة، وقال القاضي عياض: (قوله فقام إليه رجل) ثم قال بعد فقال أبو سعيد "أما هذا فقد قضى ما عليه" يدل على أن الرجل غير أبي سعيد، وسيأتي في باب صلاة العيد حديث (أن أبا سعيد هو الذي جبذ بيد مروان إذ رآه يصعد المنبر، وكانا جاءا معًا فرد عليه مروان بمثل ما قال لهذا الرجل) فيحتمل أنهما حديثان جرى أحدهما لأبي سعيد، والآخر لغيره بحضرته اهـ. قال الأبي: ويبْعُد أنهما قضيتان بل هي واحدة بدأ فيها الرجل فلما لم يكف مروان ولم ينزجر قام أبو سعيد فقال ما ذكر، ولذا قال أبو سعيد: أما هذا فقد أدى ما عليه من الإنكار اهـ. قال النواوي: وكان الأحق بالبداية أبو سعيد، فلعله لم يحضر من أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد وهما في الكلام، أو حضر وخاف ولم يخف الرجل لمنعة قومه، أو إنه خاف وخاطر وذلك جائز في مثل هذا بل هو مستحب، أو حضر أبو سعيد وبادر الرجل قبله اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: ويبعد الجواب بأن أبا سعيد خاف لأنه غيَّر في الآخر بالقول والفعل إلا أن يقال إنه تشجع بعد بداية الرجل اهـ. قال القاضي عياض (قوله أما هذا فقد أدى ما عليه) إنكارهما بحضرة هذا الجمع وتسمية أبا سعيد ذلك مُنْكرًا يدل على أن السنة وعمل الخلفاء تقديم الصلاة على الخطبة، وأن ما روي من تقديم الخطبة عمن تقدم ذكره لا يصح، إذ لا ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه، وإنما يُغير ما أجمع على إنكاره وإحداثه، وعبارة القرطبي هنا قوله: (فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه) مقتضى هذا السياق أن المنكر على مروان رجل غير أبي سعيد، وأن أبا سعيد مُصَوِّب الإنكار، مُسْتَدل على صحته، وفي الرواية الأخرى أن أبا سعيد هو المنكر على مروان والمستدل، ووجه الجمع بينهما أن يقال إن كل واحد من الرجل وأبي سعيد أنكر على مروان فرأى بعض الرواة إنكار الرجل فرواه، ورأى بعضهم إنكار أبي سعيد فرواه، وقيل هما واقعتان في وقتين وفيه بُعدٌ. وفيه من الفقه أن سنن الدين والإسلام لا يجوز تغيير شيء منها ولا من ترتيبها وأن تغيير ذلك منكر يجب تغييره ولو على الملوك، إذا قدر على ذلك ولم يدع إلى منكر أكبر من ذلك وعلى الجملة فإذا تحقق المنكر وجب تغييره على من رآه وكان قادرًا على تغييره، وذلك كالمحدثات والبدع والخرافات والمجمع على أنه منكر، فأما إن لم يكن كذلك، وكان مما قد صار إليه الإمام وله وجه من الشرع فلا يجوز لمن رأى خلاف ذلك أن ينكر على الإمام، وهذا لا يختلف فيه، وإنما اختلف العلماء فيمن قلده السلطان الحسبة في ذلك هل يحمل الناس على رأيه ومذهبه أم لا على قولين اهـ. (وأما أبو سعيد الخدري) المدني فاسمه سعد بن مالك بن سنان بنونين بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة له ولأبيه صحبة، استصغر يوم أحد ثم شهد ما بعدها، وكان من علماء الصحابة له ألف ومائة حديث وسبعون حديثًا، يروي عنه (ع) وطارق بن شهاب وأبو نضرة ورجاء بن زمعة وعياض بن عبد الله وابن المسيب والشعبي ونافع وخلائق، مات بالمدينة سنة (65) ثلاث أو أربع أو خمس وستين، وقيل سنة (74) أربع وسبعين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى أللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا .. فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تقريبًا، وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله كلهم كوفيون إلا أبا سعيد الخدري فإنه مدني، وأما السند الثاني فرجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني. ثم استدل أبو سعيد الخدري على إنكار ما فعله مروان بقوله فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى) وعرف (منكم) أيتها الأمة (منكرًا) أي أمرًا أنكره الشرع لمضادته قواعده إما برؤيته أو بسماعه (فليغيره) أي فليزل ذلك المنكر إن قدر على إزالته (بيده) إن كان يحتاج في إزالته إلى اليد ككسر أواني الخمر وإراقتها، وكسر آلات الملاهي، ومنع الظالم من الضرب أو القتل (فإن لم يستطع) ولم يقدر على إزالته بيده (فـ) ـليزله (بلسانه) أي بقوله بوعظ الظالم وتذكيره مثلًا (فإن لم يستطع) ويقدر على إزالته بلسانه (فـ) ـليزله (بقلبه) أي فليكرهه بقلبه، ويعزم أن لو قدر على إزالته لأزاله (وذلك) التغيير بالقلب (أضعف الإيمان) أي أدنى خصال الإيمان في إزالة المنكر، والإيمان بمعنى الإسلام كما في القرطبي. (قوله فليغيره) قال القرطبي هذا الأمر للوجوب لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا يعتد بخلاف الرافضة في ذلك، لأنهم إما مُكفَّرُون فليسوا من الأمة، وإما مبتدعون فلا يعتد بخلافهم، لظهور فسقهم على ما حققناه في الأصول ووجوب ذلك بالشرع لا بالعقل، خلافًا للمعتزلة القائلين بأنه واجب بالعقل، وقد بينا في الأصول أنه لا يجب شيء بالعقل، وإنما العقل كاشف عن ماهيات الأمور ومميز لها لا موجب شيئًا منها. ثم إذا قلنا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب فذلك على الكفاية من قام به أجزأه عن غيره لقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] ولوجوبه شرطان: أحدهما: العلم بكون ذلك الفعل منكرًا أو معروفًا، والثاني: القدرة على التغيير فإذا كان كذلك تعين التغيير باليد إن كان ذلك المنكر مما يحتاج في تغييره إليها مثل كسر أواني الخمر وآلات اللهو كالمزامير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأوتار، والكِبَر بكسر الكاف وفتح الباء جمع كِبْر بكسر الكاف وسكون الباء كسِدْر وسِدَرِ وهو الطبل، ويجب إتلاف الطبل وكسره في غير الحرب، وكمنع الظالم من الضرب والقتل وغير ذلك، فإن لم يقدر بنفسه استعان بغيره، فإن خاف من ذلك ثوران فتنة وإشهار سلاح تعين رفع ذلك فإن لم يقدر بنفسه على ذلك غير بالقول المُرتجى نفعه من لين أو إغلاظ حسب ما يكون أنفع وقد يبلغ بالرفق والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرياسة، فإن خاف من القول القتل أو الأذى غيَّر بقلبه، ومعناه أن يكره ذلك المنكر بقلبه ويعزم على أن لو قدر على التغيير لغيره وهذا آخر خصلة من الخصال المتعينة على المؤمن في تغيير المنكر، وهي المعبر عنها في الحديث بأنها أضعف الإيمان أي أضعف خصال الإيمان في تغيير المنكر، ولم يبق بعدها للمؤمن مرتبة أخرى في تغيير المنكر، وقيل معناه أقل ثمراته، ولذلك قال في الرواية الأخرى "ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" كما رواها البخاري ومسلم والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أي لم يبق وراء هذه المرتبة مرتبة أخرى والإيمان في هذا الحديث بمعنى الإسلام على ما تقدم، وفيه دليل على أن من خاف على نفسه القتل أو الضرب يسقط عنه التغيير، وهو مذهب المحققين سلفًا وخلفًا، وذهبت طائفة من الغلاة إلى أنه لا يسقط وإن خاف ذلك اهـ من القرطبي. وقال الأبي: (قوله وذلك أضعف الإيمان) يعني أضعف خصاله الراجعة إلى كيفية التغيير لا خصاله مطلقًا لأنه قد تقدم أن أضعفها إماطة الأذى، وقد يعني أضعفها مطلقًا، ويجمع بين الحديثين بأن يكون إماطة الأذى والتغيير بالقلب متساويين في أنه لا أضعف منهما، وكان التغيير بالقلب أضعفها لأنه ليس بعده مرتبة أخرى للتغيير كما مر اهـ. وليست كراهته بقلبه بإزالةٍ وتغييرٍ للمنكر منه، ولكنه هو الذي في وسعه وطاقته، وقال السنوسي: (قوله فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه) الحديث إشارة إلى مراعاة الترتيب في كيفية التغيير وأنه يكون بالأخف فالأخف، يعني بالأيسر فما فوقه، والتغيير بالقلب أن يكره المعصية ويود أن لو قدر لأزالها، قال الأبي: وكان ابن عرفة يقول: إنه الدعاء بقطع المنكر، وإن دعا على المتعاطي جاز اهـ. قال النووي: ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف، قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} لأن الذي عليه هم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا القبول، كما قال تعالى {مَا عَلَى الرَّسُولِ إلا الْبَلَاغُ} وقالوا أيضًا: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلًا ما يأمر به مجتنبًا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مُخلًا بما يأمر به، والنهي وإن كان ملتبسًا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا أخل بأحدهما فكيف يباح له الإخلال بالآخر، وقالوا أيضًا: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية. ثم إنه إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما يأمر وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء. ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أُجمع عليه، أما المُختلف فيه فلا إنكار فيه لأنه على أحد القولين، كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين، أو أكثرهم، وعلى القول الآخر المصيب واحد والمُخطئ غير متعين لنا والإثم مرفوع عنه، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر والله أعلم. واعلم أن هذا الباب أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضُيع أكثره من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كَثُر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قد قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} وقال {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قال {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} إلى غير ذلك، وهذا الذي ذكره النووي هو في زمانه الذي هو كالنهار المشرق بالنسبة إلى زماننا الذي هو كالليل المظلم، الذي صار فيه الحديد خبثًا، والخبث حديدًا، والذهب نحاسًا، والنحاس ذهبًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والنظام شرعًا، والشرع منسيًّا، وما لنا إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، ومما يتساهل فيه الناس أن يُرى من يبيع سلعة معيبة ولا ينكر عليه، وقد نص العلماء على أنه يجب أن ينكر عليه، ويُعرَّف المشتري بذلك، ومن كلام الشافعي رحمه الله تعالى: من وعظ أخاه سرًّا نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فضحه وشانه، واعلم أن الأجر على قدر النَّصَب، ولا يتاركه أيضًا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقًا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومُحِبُّه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوَّه من سعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه وإنما كان إبليس عدوًا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم أن يوفقنا وأحباءنا وجميع المسلمين لمرضاته، وأن يعمنا بجوده ورحمته آمين، وهذا الحديث أعني حديث أبي سعيد الخدري قد شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 10، 20، 49، 54، 92) وأبو داود (1140) والترمذي (2173) والنسائي (8/ 111) وابن ماجه (4013). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

86 - (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (86) - متا (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم، مولى أسعد بن زيد مناة الضرير الكوفي، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، من كبار التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا. قال أبو معاوية (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة لكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن إسماعيل بن رجاء) بن ربيعة الزبيدي بضم الزاي مولاهم أبي إسحاق الكوفي، روى عن عبد الله بن أبي الهذيل وأبيه رجاء وأوس بن ضمعج وعِدة، ويروي عنه (م عم) والأعمش وشعبة وفِطر بن خليفة وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة، من الخامسة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والفضائل في ثلاثة أبواب تقريبًا. (عن أبيه) رجاء بن ربيعة الزُّبيدي بضم الزاي أبي إسماعيل الكوفي، روى عن أبي سعيد وعلي، ويروي عنه (م دق) وابنه إسماعيل مقرونًا في رواية الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق عن أبي سعيد الخدري ويحيى بن هاني المرادي، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من الثالثة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني الصحابي الجليل رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا سعيد الخدري فإنه مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة رجاء بن ربيعة لطارق بن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وإلا فرجاء بن ربيعة صدوق لا يصلح لتقوية طارق لأنه ثقة أو صحابي، وقوله (وعن قيس بن مسلم)

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي قِصَّةِ مَرْوَانَ، وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوف على قوله عن إسماعيل بن رجاء، أي قال أبو معاوية: وحدثنا الأعمش أيضًا عن قيس بن مسلم الجدلي الكوفي ثقة من السادسة، فقارن الأعمش في روايته هذا الحديث بين إسماعيل بن رجاء وقيس بن مسلم، وفائدة هذه المقارنة تقوية إسماعيل بن رجاء لأنه مختلف فيه بقيس بن مسلم لأنه ثقة. (عن طارق بن شهاب) الأحمسي الكوفي (عن أبي سعيد الخدري) المدني رضي الله عنه وقوله (في قصة) بداية (مروان) الخطبة قبل الصلاة (و) في (حديث أبي سعيد) أي وفي روايته الحديث المذكور (عن النبي صلى الله عليه وسلم) متعلق بحدثنا الأعمش وكذا قوله (بمثل حديث شعبة وسفيان) متعلق بحدثنا الأعمش، والمعنى حدثنا الأعمش في قصة مروان وحديث أبي سعيد عن قيس بن مسلم بمثل ما روى شعبة وسفيان عن قيس بن مسلم في قصة مروان وحديث أبي سعيد، فغرض المؤلف بسوق السند الثاني أعني رواية الأعمش عن قيس بن مسلم بيان متابعة الأعمش لسفيان وشعبة في رواية هذا الحديث عن قيس بن مسلم، وغرضه في السند الأول أعني رواية الأعمش عن إسماعيل بن رجاء بيان متابعة رجاء بن ربيعة لطارق بن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري ففي كلامه متابعتان فائدتهما بيان كثرة طرقه، وفيه مقارنة أيضًا فائدتها التقوية كما مر آنفًا. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وذكر فيه متابعة واحدة. ***

26 - باب مجاهدة خلوف السوء، وكون مجاهدتهم من الإيمان

26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ 87 - (49) حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 26 - بَابُ مُجَاهَدَةِ خُلُوفِ السَّوءِ، وَكَوْنِ مُجَاهَدَتِهِمْ مِنَ الإِيمَانِ أي هذا باب معقود في الاستدلال على مشروعية مجاهدة خُلوف السوء والشر، وعلى كون مجاهدتهم من شعب الإيمان وخصاله، والمجاهدة كالمقاتلة مفاعلة تكون من الجانبين، بخلاف تغيير المنكر فإنه من جانب المغير فقط، والخلوف بضم الخاء واللام جمع خلْف بإسكان اللام وهو الخالف بشر ومنه قوله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} وبالفتح الخَالف بخير هذا هو الأكثر في كلامهم، وسيأتي البسط فيه، ولم يُترجم لحديث ابن مسعود الآتي القاضي عياض ولا النواوي ولا أكثر نسخ المتون التي بأيدينا ولا السنوسي ولا القرطبي بل جعلوه تبعًا للترجمة السابقة، وترجم له الأبي بقوله (باب قوله صلى الله عليه وسلم ما من نبي بعثه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب) وهذه الترجمة لا تناسب كتاب الإيمان ولذلك عدلت عنها إلى ما قلت. (87) - (49) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ من العاشرة، مات ببغداد سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغدادي، وأكثر ما ينسب إلى جده، ثقة من الحادية عشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد الحافظ، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) الآتي (لعبد) بن حميد تورعًا من الكذب على الشيخين الأولين (قالوا) أي قال كل من الثلاثة مشايخ (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين (208) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه

قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في أربعة أبواب الإيمان والصلاة والزكاة والبر (قال) يعقوب (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني ثقة حجة من الثامنة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن صالح بن كيسان) الغفاري مولى بني غفار أبي محمد المدني ثقة ثبت فقيه تابعي، رأى عبد الله بن عمر، من الرابعة، مات بعد الأربعين ومائة (140) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا (عن الحارث) بن فضيل الأنصاري الخطمي أبي عبد الله المدني روى عن جعفر بن عبد الله بن الحكم في الإيمان والزهري ومحمود بن لبيد، ويروي عنه (م د س ق) وصالح بن كيسان وفُليح والدراوردي، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان (عن جعفر بن عبد الله بن الحكم) بن رافع بن سنان الأنصاري الأوسي المدني روى عن عبد الرحمن بن المسور في الإيمان ومحمود بن لبيد في الصلاة والزهد وأنس بن مالك في الأشربة والقعقاع بن حكيم في الأشربة وعمر بن الحكم في العلم وسليمان بن يسار في الفتن، ويروي عنه (م عم) والحارث بن فُضيل وابنه عبد الحميد بن جعفر ويحيى بن سعيد الأنصاري ويزيد بن أبي حبيب والليث، ثقة من الثامنة، وذكره ابن حبان في الثقات، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والزهد والأشربة في موضعين والعلم والفتن فجملة الأبواب التي روى عنه [المؤلف] فيها ستة تقريبًا (عن عبد الرحمن بن المسور) بكسر الميم بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري أبي المسور المدني روى عن أبي رافع في الإيمان وأبيه وسعد، ويروي عنه (م) وجعفر بن عبد الله بن الحكم والزهري، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث من الثالثة، مات سنة (90) تسعين، وله عند مسلم حديث واحد، روى عنه المؤلف في الإيمان فقط. (عن أبي رافع) المدني القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه إبراهيم، وقيل أسلم وقيل ثابت وقيل هرمز، يقال إنه كان للعباس فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه لما بشره بإسلام العباس، وكان إسلامه قبل بدر ولم يشهدها، وشهد

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي .. إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدًا وما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عبد الله بن مسعود، ويروي عنه عبد الرحمن بن المسور في الإيمان وأبو غطفان في الوضوء و (ع) وأولاده الحسن ورافع وعبد الله، مات في أول خلافة علي على الصحيح (عن عبد الله بن مسعود) بن غافل بن حبيب بن شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر الهذلي حليف بني زهرة أخي عتبة بن مسعود، أبي عبد الرحمن الكوفي، وأمه أم عبد بنت الحارث بن زهرة وقيل بنت عبد الحارث أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، من كبار علماء الصحابة، صاحب النعلين، شهد بدرًا والمشاهد، له ثمانمائة حديث وثمانية وأربعون حديثًا (848) كان عاملًا لعمر على القضاء وبيت المال بالكوفة، وابتنى بها دارًا جانب المسجد، وتوفي بالمدينة سنة (32) ثنتين وثلاثين، وصلى عليه الزبير بن العوام، ودفن بالبقيع، وكان له يوم مات نيف وستون سنة. يروي عنه (ع) وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإيمان وأنس بن مالك وقيس بن أبي حازم وخلق من الصحابة والتابعين، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين والصوم في ثلاثة أبواب تقريبًا. وهذا السند من تساعياته رجاله سبعة منهم مدنيون وواحد بغدادي وواحد كوفي، وأنزل ما وقع في مسلم من الأسانيد التساعيات، وهذا أول ما وقع فيه منها، ومن لطائف هذا السند أنه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض صالح والحارث وجعفر وعبد الرحمن، وأن فيه رواية صحابي عن صحابي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي) من الأنبياء (بعثه الله) سبحانه وتعالى وأرسله (في أمة) وجماعة من الأمم السابقة (قبلي)، أي ليس نبي من الأنبياء بعثهم الله تعالى إلى الأمم السابقة قبلي (إلا كان له) أي لذلك النبي (من أمته) وأتباعه (حواريون) أي أصفياء وخواص وبطائن يطلعهم على أسرار أموره وشؤونه (وأصحاب) أي جماعات صحبوه ولازموه لا يفارقونه. قال الأبي: قوله "إلا كان له من أمته" من أمة ذلك النبي وأتباعه الذين آمنوا به، ويطلق أيضًا على عموم أهل دعوته فيندرج فيهم أصناف الكفر، وأكثر استعمالها في

يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث بالمعنى الأول أي ما من رسول من الرسل المتقدمة، قال الأبي: قوله "حواريون وأصحاب" عُورض هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الذي أخبر فيه عن مجيء الأنبياء في أممهم يوم القيامة فإنه قال فيه "يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد" وأجيب بأن هذا العموم وإن كان مؤكدًا من بعد النفي فهو مؤول بأنه باعتبار أكثرهم وأغلبهم لا كلهم، أي ما من نبي باعتبار أكثرهم وأغلبهم لا كلهم، أو بأنه على حذف صفة أي ما من نبي له أتباع، وأجاب الشيخ ابن عرفة بأن ذلك في الأنبياء، وهذا في الرسل، والحواريون جمع حواري قيل: هم خاصة الأنبياء وبطانتهم الذين يطلعونهم على أسرارهم، فعطف الأصحاب عليه من عطف العام على الخاص، وهذا هو الأظهر في معناه، وقيل هم أفضل أصحابهم، وقيل خلطائهم الذين أخلصوا في حب أنبيائهم وخلصوا من كل عيب، ومنه حواري الخبز وهو الخبز الذي خُبز من الدقيق المنخول أي الذي نُخل وصُفي من النخالة، وسُمي الحواري لأنه أشرف الخبز، وقيل هم أنصارهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "لكل نبي من أمته حواريون وحواري الزبير" وقيل هم أخلاؤهم، وقيل في حواري عيسى خمسة أقوال، وقيل هم البيض الثياب، وقيل المبيضون لها، وقيل المجاهدون، وقيل الصيادون، وقيل المخلصون، والأصحاب جمع صحب كفرخ وأفراخ قاله الجوهري، وقال غيره أصحاب عند سيبويه جمع صاحب كشاهد وأشهاد، وليس جمع صحب لأن فعلًا لا يجمع على أفعال إلا في ألفاظ معدودة وليس هذا منها، والصحبة الخلطة والملابسة على جهة المحبة، يقال صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة بالفتح، وقد يُراد به الأصحاب، وجمع الصاحب صحب كراكب وركب، وصُحبة بضم الصاد كفاره وفرهة، وصِحاب بالكسر كجائع وجياع، وصحبان كشاب وشبان. (يأخذون) ويتمسكون (بسنته) أي بسنة ذلك النبي وشريعته فعلًا وقولًا واعتقادًا (ويقتدون) أي يأتمون (بأمره) ونهيه، أي يتبعون أمره بفعل المأمورات، ونهيه بترك المنهيات، ففي قوله بأمره اكتفاء، وجملة يأخذون ويقتدون صفة لحواريون وأصحاب، ويحتمل أن يكون يأخذون راجعًا للحواريين ويقتدون للأصحاب على سبيل اللف والنشر المرتب، أي حواريون يأخذون ويتخلقون بأخلاق ذلك النبي وصفاته الباطنة وشمائله الظاهرة كالكرم والجود والتواضع والحياء والصبر والحلم مثلًا، وأصحاب يقتدون بأمره

ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ .. فَهُوَ مُؤْمِنٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونهيه في الأحكام الظاهرة (ثم) أي بعد أولئك الحواريين والأصحاب بمهلة وتراخ، قال الأبي، في العطف، بثم تنبيه على أن تغيير السنن إنما يقع بعد طول زمن، ويحتمل أنها للبعد في الرتبة وضمير (إنها) للقصة وهو الذي يسميه النحويون ضمير القصة والشأن، ومعنى (تَخْلُف) تحدُث وتوجد (من بعدهم) أي من بعد أولئك الحواريين والأصحاب (خلوف) بضم الخاء واللام جمع خَلْف والخلفُ الآتي بعد غيره، وفي لامه الفتح والسكون فهو بالسكون الخالف بشر ومنه قوله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} وبالفتح الخالف بخير ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله" أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث، والعقيلي في الضعفاء، وحكى الفراء الضبطين في الذم والفتح في المدح لا غير وحكى أبو زيد الضبطين جميعًا فيهما جميعًا، والمعنى ثم يجيء ويأتي بعد أولئك السلف الصالح أقوام لا خلاق لهم في أمر الديانات، بترك المأمورات وفعل المنكرات، وجملة قوله (يقولون) صفة لخلوف على القاعدة المقررة عندهم، أي خلفاء سوء وشر، يقولون ويخبرون الناس (ما لا يفعلون) بأنفسهم أي يأمرون بالمأمورات ولا يفعلون بأنفسهم (ويفعلون) بأنفسهم (ما لا يؤمرون) أي ما لم يؤمروا به من البدع والخرافات والمنكرات، وعبارة المُفْهم هنا قوله (ثم إنها تخلف من بعدهم خُلوف) الرواية إنها بهاء التأنيث فقط، ويعود على الأمة أو على الطائفة التي هي معنى حواريين وأصحاب ويحتمل أن يكون ضمير القصة والخلوف بضم الخاء جمع خلف بفتح الخاء وسكون اللام وهو القرن بعد القرن واللاحق بعد السابق ومنه قوله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف: 169] ويقال فيه خلف بفتح اللام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله" رواه البيهقي كما في مشكاة المصابيح (248) والفاء في قوله (فمن جاهدهم) للإفصاح لأنها أفصحت عن شرط مقدر تقديره إذا عرفت حال أولئك القوم الخُلوف وشرهم وأردت بيان ما هو الواجب على المسلمين في حقهم فأقول لك من جاهدهم، أي من جاهد أولئك الخلوت وقاتلهم (بيده) بإشهار السلاح عليهم وطعنهم وضربهم بها إن احتيج إلى ذلك في إبطال شوكتهم وردهم إلى الحق (فهو) أي فذلك المجاهد بهم بيده (مؤمن) أي كامل الإيمان في باب إظهار الحق وإبطال الباطل، أي ومن جاهدهم

وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ .. فَهُوَ مُؤمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ .. فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ"، قَال أَبُو رَافِعٍ: فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيَّ، فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بِقَنَاةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بسلاحه وسنانه فهو مؤمن (ومن جاهدهم بلسانه) بتذكيرهم ووعظهم أو بسبهم وهجوهم (فهو مؤمن) أي كامل الإيمان في باب إبطال الباطل وإظهار الحق (ومن جاهدهم بقلبه) بأن كره ما هم عليه بقلبه ولم يرضه (فهو مؤمن) أي كامل الإيمان. وإن لم يفعل ذلك ولا أنكره بقلبه فقد رضيه، وليس ذلك من الإيمان في شيء كما قال (وليس وراء ذلك) الجهاد بقلبه، والظرف خبر مقدم لليس وقوله (من الإيمان) بيان مقدم لما بعده، وقوله (حبة خردل) اسمها مؤخر أي وليس وزن حبة خردل من الإيمان باقيًا وراء ذلك الجهاد بالقلب، أي ليست مرتبة من مجاهدة أهل الإيمان بهم باقية بعد ذلك الجهاد بالقلب، أي فالكراهة بالقلب نهاية ما يمكن من أهل الإيمان في جهاد من خالفهم من أهل الباطل والضلال والحبة بفتح الباء الموحدة واحد الحبوب، والحبوب للزرع بمنزلة الثمار للشجر والخردل بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة بينهما راء ساكنة، حب معروف من الأبازير له خواص عند أهل الطب، والحاصل أن المجاهدة لهؤلاء الخلوف بواحد من تلك الأسباب واجبة على من قدر عليها، فإن تركها مع القدرة فهو ناقص الإيمان لأنه ترك خصلة من خصال الإيمان إن لم يستحل تركها فإن استحلَّ فقد خرج من الملة فهو كافر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 458) وانفرد به عن أصحاب الأمهات كما ذكره في التحفة. (قال أبو رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند السابق (فحدثت) هذا الحديث الذي سمعته من عبد الله بن مسعود (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (فأنكره) أي فأنكر ذلك الحديث عبد الله بن عمر ورده (علي فقدم) وجاء (ابن مسعود) من الكوفة إلى المدينة (فنزل) ابن مسعود (بـ) ـوادي (قناة) بالفتح لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي وهو واد من أودية المدينة فيه مال من أموالها، كذا رواه السمرقندي بالقاف، ورواه الجمهور بفنائه بالفاء وبالمد، وبالضمير وهو تصحيف وخطأ، قال النواوي: الفناء في اللغة ما بين أيدي المنازل والدور، وفي اصطلاح الفقهاء هو ما فضل عن المارة من

فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ .. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا .. سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ، قَال صَالِحٌ: وَقَدْ تُحُدِّثَ بِنَحْو ذَلِكَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطريق الواسعة النافذة، فالشارع الضيق وغير النافذ لا فناء لهما، ولأرباب الأفنية أن ينتفعوا بما لا يضر بالمارة، واختلف هل لهم أن يكروها أم لا اهـ أبي. (فاستتبعني) أي فطلب مني المتابعة والذهاب معه (إليه) أي إلى ابن مسعود (عبد الله بن عمر) بن الخطاب بعد ما أنكر عليّ حديثه، وهو فاعل استتبع حالة كون ابن عمر (يعوده) أي يعود ابن مسعود ويزوره لكون ابن مسعود مريضًا هناك، قال أبو رافع (فانطلقت) أي ذهبت (معه) أي مع ابن عمر إلى ابن مسعود حالة كوننا زائرين له فوصلنا إليه في قناة (فلما جلسنا) أي جلست أنا وابن عمر عند ابن مسعود (سألت) أنا (ابن مسعود عن) إعادة رواية (هذا الحديث) الذي أنكره عليَّ ابن عمر (فحدثنيه) أي فحدث هذا الحديث ابن مسعود أي أعاد لي روايته (كما حدثته) أي على الوجه الذي حدثت أنا (ابن عمر) هذا الحديث أولًا فصدقني ابن مسعود في روايتي إياه حرفًا بحرف. (قال صالح) بن كيسان (وقد تحدث بنحو ذلك) الحديث السابق، أي وقد روي هذا الحديث المروي عن أبي رافع عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ قريب لذلك اللفظ السابق (عن أبي رافع) عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة ابن مسعود، قال القاضي: يريد أن صالح بن كيسان رواي هذا الحديث عن الحارث بن فضيل الخطمي عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور عن أبي رافع عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال إن هذا الحديث قد تحدث به عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُذكر فيه ابن مسعود، وقد ذكره البخاري في تاريخه كذلك مختصرًا عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه بلفظ "ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض" والحديث هكذا أخرجه الشيخان من رواية أنس بن مالك في أكثر من موضع، وأخرجه البخاري من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم في كتاب المغازي، ولا تنافي بين رواية ابن مسعود ورواية أنس وغيره، فإن الأمر بالصبر لا يُفيد النهي عن المجاهدة باليد واللسان والقلب والمجاهدة لهؤلاء الخلوف بواحد من

89 - (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أبْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَال: أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْفُضَيلِ الْخَطْمِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك الوسائل لا ينفك عن قدر من الصبر مناسب اهـ من تقرير إكمال المعلم بتصرف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: (89) - متا (00) (وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث المذكور يعني حديث ابن مسعود (أبو بكر) محمد (بن إسحاق بن محمد) الصاغاني أصله من خراسان نزيل بغداد، ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (270) سبعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا، قال أبو بكر (أخبرنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجُمحي مولاهم، الحافظ الفقيه أبو محمد المصري، روى عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وأبي غسان محمد بن مُطرِّف ويحيى بن أيوب ونافع بن يزيد وسليمان بن بلال وخلق، ويروي عنه (ع) ومحمد بن إسحاق الصاغاني والحسن بن علي الحلواني وابن معين وأبو حاتم ومحمد بن سهل بن عسكر التميمي وعِدة، وقال الإمام مسلم في القدر: وحدثني عِدة من أصحابنا عن سعيد بن الحكم وثقه العجلي وأبو حاتم وقال أبو داود: حجة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه من كبار العاشرة، مات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين وله (80) ثمانون سنة، قال ابن أبي مريم (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي الجُهني مولاهم أبو محمد المدني، أحد الأئمة الأعلام، قال ابن معين: ثقة حجة، وقال في التقريب: صدوق من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، قرنه (خ) بآخر، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا، (قال) عبد العزيز (أخبرني الحارث بن الفضيل) الأنصاري (الخَطْميُّ) أبو عبد الله المدني، ثقة من السادسة (عن جعفر بن عبد الله بن الحكم) الأنصاري الأوسي المدني، ثقة من الثامنة (عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة) القرشي الزهري المدني مقبول من الثالثة (عن أبي رافع) إبراهيم القبطي (مولى النبي صلى الله عليه وسلم) المدني (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله عنه، وهذا السند من ثمانياته، رجاله خمسة

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا كَانَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ ... "، مِثْلَ حَدِيثِ صَالِحٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ قُدُومَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاجْتِمَاعَ ابْنِ عُمَرَ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم مدنيون وواحد بغدادي وواحد مصري وواحد كوفي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد العزيز الدراوردي لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن الحارث بن الفضيل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المُتابع صدوق فلا يصلح لتقوية المُتابَع لأن المُتابَع ثقة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان من نبي) بزيادة كان لوقوعها بين ما النافية ومن الزائدة، وخبر المبتدأ محذوف تقديره ما من نبي موجود ويحتمل كون كان تامة أي (إلا وقد كان له حواريون يهتدون) أي يتمسكون (بهديه) أي بطريقته وشيمته وشمائله الظاهرة والباطنة، قال السنوسي: قوله (بهديه) بفتح الهاء وسكون الدال أي بطريقته وسمته اهـ (ويستنون) أي يقتدون (بسنته) أي بشريعته ويتبِعونها بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، واقتصر في هذه الرواية في سوق المتن على هذا القدر لأنه محل المخالفة بين الروايتين وباقي حديثها مثل حديث الرواية الأولى كما أشار إليه بقوله (مثل حديث صالح) بن كيسان وهو مفعول به لقوله حدثنا عبد العزيز لأن العامل في المثل والنحو مثلًا هو العامل في المتابع وهنا صرح بالمتابع والمعنى حدثنا عبد العزيز عن الحارث مثل ما حدث صالح بن كيسان عن الحارث (و) لكن (لم يذكر) عبد العزيز في روايته (قدوم ابن مسعود) من الكوفة إلى المدينة (و) لم يذكر أيضًا (اجتماع ابن عمر معه) أي مع ابن مسعود في وادي قناة لعيادته وهذا مما أنكره الحريري في كتابه درة الغوّاص فقال: لا يقال اجتمع فلان مع فلان لأن معنى المصاحبة مستفادة من مادة الاجتماع وإنما يقال اجتمع فلان وفلان، وقد خالفه الجوهري فقال في صحاحه: جامعه على كذا أي اجتمع معه عليه. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وذكر له متابعة واحدة والله أعلم. ***

27 - باب نسبة الإيمان والحكمة إلى اليمن وجعل القسوة وغلظ القلوب في ربيعة ومضر

27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ 90 - (50) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 27 - بَابُ نِسْبَةِ الإِيمانِ وَالْحِكْمَةِ إِلَى الْيَمَنِ وَجَعْلِ الْقَسْوَةِ وَغِلَظِ الْقُلُوبِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ أي باب معقود في بيان نسبة النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان والحكمة إلى أهل اليمن إشعارًا بكمال إيمانهم وقوة عزيمتهم فيه، من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم "الإيمان في أهل الحجاز" لأن معنى قوله الإيمان يمان أي قوته وكماله ونشاطه في أهل اليمن لأنهم آمنوا طواعية بلا سيف، ووفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فوجًا فوجًا، ومعنى الإيمان في أهل الحجاز أي مبدؤه ومنشؤه ومنبعه في الحجاز فلا معارضة بين الحديثين، ثم المراد بأهل اليمن الموجود منهم في ذلك الوقت لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه، وهذا الذي ذكرناه في معنى الحديث وجمعه هو الحق والصواب والله أعلم، وبيان جعله صلى الله عليه وسلم قسوة القلوب أي صلابتها وعدم لينها لموعظة وعدم خشوعها لتذكرة وغِلظها أي عدم فهمها وعقلها لما يقال لها من المواعظ في كفار ربيعة ومضر الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل عند سوقها وحدوها، وإنما نسبهما إليهم لشدة معاندتهم النبوة، ومناوأتهم أهل الدين ومعارضتهم له وفيهم ظهر مسيلمة الكذاب. وترجم القاضي عياض والنواوي وأكثر المتون لهذه الأحاديث الآتية بقولهم (باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه) وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما (باب الإيمان يمان) وترجم لها القرطبي بقوله (باب الإيمان يمان والحكمة يمانية) وترجمتنا أشمل وأسلم. (90) - س (50) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا.

حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو بكر (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي ثقة ثبت ربما دلس من كبار التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) أيضًا محمد بن عبد الله (بن نمير) بضم النون الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال محمد بن عبد الله (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة، من كبار التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) أيضًا (أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال أبو كريب (حدثنا) عبد الله (ابن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي أبو محمد الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، روى عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش وأبيه إدريس وعبيد الله بن عمر وداود بن جريج وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن حسان وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو كريب وابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب وإسحاق الحنظلي وعمرو الناقد وعِدة، قال ابن معين: ثقة في كل شيء، وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد من الثامنة وقال أبو حاتم: ثقة حجة إمام من أئمة المسلمين، مات سنة (192) اثنتين وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في خمسة مواضع والجنائز في موضعين والزكاة والصوم والأيمان والأدب والرقاق والجهاد في أربعة مواضع والطلاق وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والأطعمة واللباس والدعاء وذكر إبراهيم - عليه السلام - والقدر والتفسير في موضعين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات في ثلاثة مواضع لاختلاف مشايخ مشايخه، وإن كان شيخ الكل واحدًا (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثةِ مشايخ حدثوا (عن إسماعيل بن أبي خالد) البجلي الأحمسي أحمس بجيلة

ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ -وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَال: سَمِعْتُ قَيسًا ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم، واسم أبي خالد سعد وقيل هرمز وقيل كثير، أبي عبد الله الكوفي روى عن قيس بن أبي حازم والشعبي وعبد الله بن أبي أوفى وأبي جحيفة وعمرو بن حريث وأبي إسحاق السَّبِيعي وخلق، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن إدريس وأبو أسامة وعبد الله بن نمير ومعتمر بن سليمان وشعبة وهُشيم ووكيع وسفيان بن عيينة وخلق، قال ابن المديني: له نحو ثلاثمائة حديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (146) ست وأربعين ومائة، روى المؤلف عنه في الإيمان والصلاة في أربعة مواضع والزكاة والصوم والحج في ثلاثة مواضع والجهاد والفضائل في موضعين وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) وقيل الشيباني أبو زكريا البصري، روى عن معتمر بن سليمان وخالد بن الحارث ويزيد بن زريع وروح بن عبادة وحماد بن زيد وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو بكر البزار وابن خزيمة وغيرهم، ثقة من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وإنما فصل تحويله عن التحويلين السابقين مع أن مجمع الأسانيد كلها إسماعيل بن أبي خالد لبيان أن اللفظ الآتي له لا لغيره كما ذكره بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي ليحيى بن حبيب لا لأبي بكر ولا لابن نمير ولا لأبي كريب، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والحج والجهاد والديات في خمسة أبواب، قال يحيى (حدثنا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي مولى بني مرة، أبو محمد البصري وكان يلقب بالطُّفيل، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، وليس من اسمه معتمر عندهم إلا هذا الثقة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا (عن إسماعيل) بن أبي خالد، فإسماعيل ملتقى الأسانيد الأربعة (قال) إسماعيل (سمعت قيسًا) بن أبي حازم، وأبو حازم اسمه عبد عوف بن الحارث، وقيل اسمه عوف بن عبد الحارث بن عوف البجلي الأحمسي، أبا عبد الله الكوفي، أحد كبار التابعين وأعيانهم مخضرم، أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليُبايعه فجاء وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عن أبي مسعود الأنصاري وعبد الله بن مسعود وجرير بن عبد الله وعمرو بن العاص وعقبة بن عامر وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص

يَرْوي عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَال: أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى أللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَال: "أَلا إِنَّ الإِيمَانَ هَهُنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن أبي خالد والحكم بن عتيبة والأعمش وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، وقال خليفة مات سنة (98) ثمان وتسعين وقد جاوز المائة، روى المؤلف عنه في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة والنكاح والفتن والجهاد في موضعين والأدب والدعاء وصفة الدنيا والآخرة والزهري فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة تقريبًا، أي سمعت قيس بن أبي حازم حالة كونه (يروي) ويحدث (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بفتح الهمزة وكسر السين المهملة بن عُسيرة بضم العين بن عطية بن خدارة بضم الخاء المعجمة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي الحارثي البدري الكوفي، عده البخاري فيمن شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا لابن شهاب، وقال سعيد بن إبراهيم: لم يشهدها ولكن شهد العقبة، وإنما قيل له البدري لأنه من ماء بدر، سكن الكوفة، وابتنى بها دارًا، له مائة وحديثان (102)، يروي عنه (ع) وقيس بن أبي حازم وعلقمة بن قيس وعبد الرحمن بن يزيد وعبد الله بن سخبرة وعبد الرحمن بن يزيد وربعي بن حراش وأبو وائل، مات قبل الأربعين، وقيل بعدها، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة ثلاثة أبواب تقريبًا وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، فالسند الأول رجاله كلهم كوفيون وكذا الثاني والثالث، وأما الرابع فاثنان منهم بصريان وثلاثة كوفيون. (قال) أبو مسعود (أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده) الكريمة (نحو اليمن) أي جهته، وهو إقليم معروف سُمي يمنًا لأنه عن يمين الكعبة، أو باسم أول من نزلها وهو يمن بن هود - عليه السلام -، وسمي الشام شامًا لأنه عن يسار الكعبة، مأخوذ من اليد الشؤمى وهي اليسرى، وفي الأبي: والعرب قسمان يمنية وإسماعيلية، وأن يمنًا المُنتسب إليه هو يعرب بن قحطان، فكون الأنصار يمانيين هو أنهم من ولد يمن (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إن الإيمان) أي إن قوة الإسلام وقبوله ونصره (ها هنا) أي في هذه الجهة التي أشرت لكم إليها، قال القاضي: فقيل يعني به مكة لأنها من تهامة، وتهامة يمن، وقيل يعني مكة والمدينة لأنه قاله وهو بتبوك، وهما حينئذ بينه وبين اليمن، والمعنى عليهما مبدأ الإيمان مكة أو مكة والمدينة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: أراد تهامة التي هي مقابلة لنجد، وقيل: أراد الأنصار لأنهم يمانيون، واستحقوا ذلك لبدارهم إلى الإسلام طوعًا بخلاف أهل الحجاز القاسية قلوبهم عن ذكر الله تعالى، والمعنى عليه مُعظم أهل الإيمان وأنصار الدين يمانٍ، وقيل: أراد به الإقليم المعروف، والمعنى عليه: أهل اليمن أكمل الناس إيمانًا. وذكر الطحاوي سببًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان يمان" وهو أن عيينة بن حصن فضَّل أهل نجد على أهل اليمن لأنه منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت بل هم أهل اليمن الإيمان يمان، قال النووي: والظاهر إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على أهل اليمن حقيقة لأن من اتصف بشيء وقَويَ قيامه به وتأكد اطلاعه منه ينسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بتميزه به وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أعقاب موته، كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني رضي الله عنهما، وشِبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه، فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعارًا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا معارضة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر "الإيمان في أهل الحجاز" لأن معنى هذا مبدؤه وظهوره في أهل الحجاز ثم المراد بأهل اليمن الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه، هذا هو الحق والصواب في معنى الحديثين والجمع بينهما والله أعلم اهـ منه بتصرف. (واعلم) أن اليمن ليست من ذرية إسماعيل - عليه السلام - لأن يمنًا هو لقب يعرب بن قحطان بن عبد الله بن هود - عليه السلام -، وإنما سُمي يمنًا لقول هود - عليه السلام - له: أنت أيمن ولدي نقيبة، فالعرب عربان: يمن وإسماعيلية، ومن يجعل العرب كلها من إسماعيل يقول في يمن إنه ابن قيدر بن إسماعيل، والصحيح أنه ابن قحطان كما مر عند مبحث معبد الجهني. وعبارة المفهم هنا: قيل إن هذه الإشارة صدرت عنه صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك وبينه وبين اليمن مكة والمدينة، ويؤيد هذا قوله في حديث جابر: "الإيمان في أهل الحجاز" فعلى هذا يكون المراد بأهل اليمن أهل المدينة ومن يليهم إلى أوائل اليمن،

وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل كان عند الإشارة بالمدينة ويؤيده أن كونه بالمدينة كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فتكون الإشارة إلى سُبّاق أهل اليمن أو إلى القبائل اليمنية الذين وفدوا على أبي بكر لفتح الشام وأوائل العراق، وإليهم الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن" أي نصره في حياته وبعد مماته، ولكن قال العراقي: لم أجد لهذا الحديث أصلًا. (وإن القسوة) أي قسوة القلوب وصلابتها ويبوستها، وعدم لينها لقبول الموعظة والتذكرة، والقسوة ضد اللين، فتكون القسوة في الحجر كما أن اللين في المدر (وغلظ القلوب) أي عدم فهمها للموعظة، والغلظة ضد الرقة كما تراهما في جلد الجمل والسخلة، وقيل هما بمعنى واحد قال القرطبي: القسوة وغلظ القلوب اسمان لمسمى واحد، وهو نحو قوله تعالى {قَال إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] والبث هو الحزن ويحتمل أن يقال: إن القسوة يراد بها أن تلك القلوب لا تلين لموعظة ولا لتذكار، وغلظها أن لا تفهم ولا تعقل، وهذا أولى من الأول انتهى. قال (ب) وللحكماء فيهما تفاسير، وهما هنا كناية عن بعدهم عن الاعتبار، وأن العظة لا تؤثر فيهم اهـ. (في الفدادين) بالتشديد لا غير كما قاله الأصمعي وغيره، أي أن الغلظة والقسوة في قلوب الفدادين أي المصوتين (عند أصول أذناب الإبل) سوقًا لها، وحدوًا بها الملازمين لها، من فدّ الرجل يفد فديدًا من باب حنَّ إذا رفع صوته، يقال رجل فداد رفيع الصوت، قال (ط) والفدادون مشدد الدال جمع فداد، قال أبو عبيد: هم المكثرون من الإبل وهم جفاةٌ أهل خيلاء، واحدهم فَدَّاد وهو الذي يملك من المئين إلى الألف، وقال أبو العباس: هم الجمالون والبقَّارون والحمَّارون والرعيان، وقال الأصمعي: هم الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم، قال والفديد الصوت، وأما الفدادون بتخفيف الدال فهي البقر التي تحرث واحدها فدَّان بالتشديد، وإنما خص الإبل لأنها أكثر مال العرب وأهلها أهل جفاء، وقد يكون الجفاء والقسوة من طبيعة هؤلاء، ويكون وصفهم بأنهم أصحاب إبل كالتعريف لهم، وقوله: "حيث يطلع قرنا الشيطان" تعيين لمواضعهم كما قال في الرواية الأخرى: "رأس الكفر قبل المشرق" قال (ع) يعني المشرق، ويعني بالمشرق نجدًا، لأنها تكون من المدينة شرقًا، وكذلك هي من تبوك

حَيثُ يَطلُعُ قَرْنَا الشَّيطَانِ، فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شرقًا إن كان قال ذلك بتبوك، ويدل على أنه يعني نجدًا حديث ابن عمر حيث قال: "اللهم بارك لنا في يمننا وشامنا قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والطاعون وبها يطلع قرنا الشيطان" وحديث "اللهم اشدد وطأتك على مضر ... " قال وفي الحديث وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له، والظرف في قوله (عند أصول أذناب الإبل) متعلق بالفدادين، والأذناب جمع ذَنَبٍ محركًا وهو ما ينبت على رأس عجيزة الحيوان مثل الحبل يمسكون به عند سوق الإبل بأيديهم ذنبها ويمدحونها، والإبل حيوان معروف من النعم، والمعنى الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها، وقوله (حيث يطلع قرنا الشيطان) ظرف لغوٌ متعلق بمحذوف صفة للفدادين تقديره النازلين في الأماكن التي يظهر فيها حزبا الشيطان اللذان هما ربيعة ومضر، فالقرنان هما ربيعة ومضر وأضافهما إليه لاتباعهما له في معاندة النبوة، ومناوأة الدين، وقد يكون القرن بمعنى القوة، وهما أيضًا ربيعة ومضر لأن بهما يتقوى على ما همَّ به، وقال الخطابي: القرن يُضرب به المثل لما لا يحمد من الأمر، وهما في الأصل جانبا الرأس، وقيل: وهما هنا حقيقةً لما جاء أنه ينتصب قائمًا عند طلوعها، لتطلع بين قرنيه ليوهم أن له يسجد المصلون، والقرن أيضًا الجماعة الناجمة كحديث: "هذا قرن ظهر" أي أهل بدعة ظهروا، وقوله (في ربيعة ومضر) بدل من قوله في الفدادين أي إن القسوة وغلظ القلوب في ربيعة ومضر الكائنين بالمشرق، وربيعة ومضر في النسب أخوان، وهما ابنا نزار بن معد بن عدنان. قال الخطابي: ومضر أول من سنَّ حُداء الإبل تنشيطًا لها، لأنه كان من أحسن الناس صوتًا، قال القرطبي: واختلف في قرني الشيطان فقيل: هما ناحيتا رأسه العليا، وهذا أصل هذا اللفظ وظاهره، فإن قرن الشيء أعلاه في اللغة فيكون معناه على هذا أن الشيطان ينتصب قائمًا مع طلوع الشمس لمن يسجد للشمس ليسجد له، ويعبد بعبادتها، ويفعل هذا في الوقت الذي يسجد لها الكفار، كما قال صلى الله عليه وسلم "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها ثم إذا قاربت الغروب قارنها ثم إذا غربت فارقها" رواه مالك في الموطأ (1/ 219) والنسائي (1/ 275). وقيل: القرن الجماعة من الناس والأمة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "خير أمتي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" رواه البخاري ومسلم والترمذي، وعلى هذا فيكون معنى قرني الشيطان في الحديث: أنهما أمتان عظيمتان يعبدون غير الله تعالى، ولعلهم في ذلك الوقت ربيعة ومضر المذكوران في الحديث، أو أمتان من الفرس يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله تعالى كما جاء في الحديث "وحينئذ يسجد لها الكفار" كما مر تخريجه بقوله "إن الشمس تطلع" إلخ. وقال الخطابي: قرن الشيطان ضُرب به المثل فيما لا يحمد من الأمور، وقيل المراد بهذا الحديث ما ظهر بالعراق من الفتن العظيمة والحروب الهائلة، كوقعة الجمل وحروب صفين وحروراء وفتن بني أمية، وخروج الخوارج، فإن ذلك كان أصله ومنبعه العراق ومشرق نجد، وتلك مساكن ربيعة ومضر إذ ذاك والله أعلم انتهى. وقال السنوسي: قوله (عند أصول أذناب الإبل) معناه الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها ماسكين لذنبها. (قلت) فائدة ذكر هذا الظرف تصوير هذه الحالة المستهجنة، والإشارة إلى منافاتها لارتياض النفس بحسن أدلة الشريعة وفهم أسرارها، الحامل على لين القلب واتعاظه لوقوف هذه الأمور على ملازمة مجالس الفقه والحكمة، ومخالطة أرباب الصدور والعلماء العاملين، واكتساب محاسن أخلاقهم بملازمة صحبتهم، وترك أضدادهم، وما يوجب البعد عن مجالستهم من الأشغال الدنيوية والحرف المشغلة عن كل خير، وأين هذا ممن عكف نفسه على صحبة حيوان بهيمي، ورضي لنفسه أن تكون ملازمة لذنبها، ولقد أجاد من قال: عليك بأرباب الصدور فمن غدا ... مضافًا لأرباب الصدور تَصدرا وإياك أن ترضى بصحبة ساقط ... فتنحط قدرًا من علاك وتحقرا وبهذا تعرف أنه يدخل في معنى الحديث من لازم الجلوس مع أذناب الناس والجهلة منهم أو عكف نفسه على صحبة البهائم للتجارات أو الحراثة، أو رضي لنفسه بملازمة الأسواق ومحال الصخب وكثرة الصياح والتخليط لمجرد أمور الدنيا والله تعالى أعلم اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي مسعود

91 - (51) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَال: أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري رضي الله عنه أحمد (2/ 541) والبخاري (3302). ومطابقته للترجمة حاصلة بمنطوقه فلا غبار عليه، ثم استشهد له بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (91) - ش (51) (حدثنا أبو الربيع) العتكي (الزهراني) سليمان بن داود البصري، نزيل بغداد الحافظ، روى عن حماد بن زيد وعباد بن العوام وعبد الوارث وأبي عوانة وفُليح بن سليمان وإسماعيل بن زكريا ويزيد بن زُريع ومحمد بن حرب وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س) وأحمد وإسحاق ومحمد بن يحيى وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة لم يتكلم فيه أحد بحجة، من العاشرة، مات في رمضان سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والطلاق والجهاد والأدب والطب والرحمة في سبعة أبواب تقريبًا (قال) أبو الربيع (أنبأنا) أي أخبرنا (حماد) بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم، أبو إسماعيل البصري، أحد الأئمة الأعلام، قال أحمد: حماد بن زيد أحب إلينا من عبد الوارث، حماد من أئمة المسلمين، من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إليَّ من حماد بن سلمة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا. قال حماد (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني، واسم أبي تميمة كيسان مولىً لعنزة، أبو بكر البصري، من سادات أهل البصرة فقهًا وعلمًا وفضلًا وورعًا، أحد الأئمة الأعلام، قال ابن سعد كان ثقة ثبتًا حجةً جامعًا، كثير العلم، وقال في التقريب: ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. قال أيوب (حدثنا محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم، مولى أنس بن مالك، أبو بكر البصري، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه أحد الأئمة الأعلام، إمام وقته، كان من أورع أهل البصرة، فقيهًا فاضلًا متقنًا ضابطًا، يُعبِّر الرؤيا، روى عن أبي هريرة وعمران بن حصين ومولاه أنس بن مالك وعبد الله بن شقيق وأم عطية وعائشة

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى أللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "جَاءَ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحفصة بنت سيرين وأخيه معبد بن سيرين وخلائق، ويروي عنه (ع) والشعبي وأيوب وابن عون وهشام وسلمة بن علقمة وقتادة وعاصم الأحول وجرير بن حازم وعِدة لا يحصون، قال أحمد: لم يسمع من ابن عباس، وقال في التقريب: ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات في شوال سنة (110) عشرٍ ومائة وهو ابن (77) سبع وسبعين سنة، بعد الحسن بمائة يوم، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في خمسة مواضع وفي السهو والجنائز والزكاة والصوم والحج والبيوع والنكاح في موضعين والعتق واللعان والطب والوصايا في موضعين والديات في موضعين والفضائل والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني أحد المكثرين من الصحابة. وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة رضي الله عنه فإنه مدنيٌّ (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء) ووفد إلينا (أهل اليمن) وجملة قوله (هم أرق) وألين (أفئدة) أي قلوبًا، حال من أهل اليمن، ولكنه على تقدير الواو الحالية، أي جاءوا إلينا والحال أنهم ألين قلوبًا لقبول الموعظة والخير من أهل المشرق كفار مضر وربيعة، لا من أهل الحجاز، لأنه صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر والإيمان في أهل الحجاز واليمن من الحجاز كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. قال الأبي: تقدم لابن الصلاح أنه يعني باليمن القطر المعروف، ووصفهم بكونهم أرق أفئدة من ربيعة ومضر القاسية قلوبهم عن ذكر الله تعالى، وقال في هذا الطريق: هم أرق أفئدة، وفي الطريق الثاني هم أضعف قلوبًا وأرق أفئدة، وفي الثالث ألين قلوبًا وأرق أفئدة فاتفقت الطرق الثلاثة على إضافة الرقة إلى الأفئدة والضعف واللين إلى القلوب، قال (ط) فعلى أن الفؤاد والقلب بمعنى واحد فاللين والضعف والرقة معانٍ متقاربة، يرجع الجميع إلى سرعة قبول الموعظة، ضد ما اتصف به ربيعة ومضر من القسوة وغِلظ القلوب، وعلى أن الفؤاد اسم لداخل القلب فاللين والضعف سرعة انعطاف القلوب وتقلبها إلى الخير والرقة والصفاء، وعدم تكاثف الحجب، أي إن

الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قلوبهم أسرع انعطافًا إلى الخير لصفاء أفئدتها، وعدم الحجب، وقيل اللين والضعف خفض الجناح، ولين الجانب في الظاهر والرقة والشفقة على الخلق في الباطن، فكأنه يقول: هم أحسن في الظاهر والباطن. (الإيمان) أي قوة الإيمان وقبوله وطواعيته (يمان) أي منسوب إلى اليمن (والفقه) أي إدراك الأحكام الشرعية الفرعية والعملية (يمان) أي منسوب إلى اليمن (والحكمة) أي إدراك الأحكام الشرعية الأصولية الاعتقادية الموصل إلى معرفة الله ورسله وجميع السمعيات (يمانية) أي منسوبة إلى اليمن، والمعنى: أهل اليمن أكمل الناس إيمانًا وفقهًا وحكمة، فلا يلزم من نسبة الإيمان والفقه والحكمة إليهم نفي الثلاثة عن غيرهم، فلا تعارض بين قوله الإيمان يمان، وقوله الإيمان في أهل الحجاز، كما سيأتي، وقوله (يمان ويمانية) قال النووي: الجمهور بتخفيف الياء لأن ألفه زيدت بدلًا من ياء النسب المشددة، فلا يجمع بينهما وحكى المبرد وسيبويه عن بعض العرب فيها التشديد، قال أمية بن خلف: يمانيًّا يظلُّ يشبُّ كيرًا ... وينفخ دائمًا لهب الشُّواظ والفقه لغة الفهم، واصطلاحًا إدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها، والحكمة لغة ما منع من الجهل والجفاء، والحكيم من منعه عقله وحلمه من الجهل، حكاه ابن عرفة، واصطلاحًا العلم بالأحكام الاعتقادية المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس وتحقيق الحق، والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك، قاله النووي، وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك وزجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن من الشعر حكمة" وفي بعض الروايات "حِكمًا" وهي مأخوذة من حكمة الدابة وهي الحديدة التي هي اللجام سُميت بذلك لأنها تمنعها، وهذه الأحرف خ ك م حيثما تصرفت فيها فهي بمعنى المنع قال الشاعر: أبني حنيفة أَحْكِموا سفهاءكم ... إني خشيت عليكم أن أغضب وروى الطحاوي في سبب هذا الحديث أن عيينة بن حصن فضل أهل نجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كذبت بل هم أهل اليمن الإيمان يمان، والحديث الآخر

92 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه الطبراني عن معاذ بن جبل ولفظه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا يَعْرِضُ الخيل (¬1) فدخل عليه عيينة بن حصن فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أنت أبصر مني بالخيل، وأنا أبصر بالرجال منك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأي الرجال خير، فقال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، ويعرضون رماحهم على مناسج خيولهم، ويلبسون البرود من أهل نجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذبت بل خير الرجال رجال اليمن الإيمان يمان، قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ اهـ مجمع 1/ 44. وعيينة هو ابن حصن بن حذيفة الفزاري من قيس عيلان، واسم عيينة حذيفة فأصابته بَقْوَةٌ (شلَلٌ) فجُحِظَتْ عيناه فسُمي عيينة، ويكنى أبا ملاك وهو سيد بني فزارة وفارسهم، وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة فقال: "هو الأحمق المطاع". قال ابن سعد: وارتد عيينة حين ارتدت العرب، ولحق بطليحة الأسدي حين تنبأ فآمن به، فلما هُزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى أبي بكر الصديق، قال ابن عباس: فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون له: أي عدو الله كفرت بعد إيمانك؟ ! فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه، وقد نقل الذهبي عن المدائني عن عبد الله بن قائد قال: كانت أم البنين بنت عيينة عند عثمان فدخل عيينة على عثمان بلا إذن، فعاتبه عثمان، فقال: ما كنت أرى أني أُحجب عن رجل من مضر، فقال عثمان: إذن فأصب من العشاء، قال: إني صائم، قال: تصوم الليل؟ ! قال: إني وجدت صوم الليل أيسر عليَّ، هذا ما كان من بعض شأن عيينة. وغرض المؤلف بسوق هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة الاستشهاد لحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما جميعًا، وشارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 480، 488) والبخاري (3499) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (92) - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس أبو موسى العَنزي البصري المعروف بالزَّمن، ثقة ثبت من العاشرة، مات في ذي القعدة سنة (252) اثنتين ¬

_ (¬1) يعرض الخيل: من عرض الشيء فأعرض أي أظهره فظهر كقولهم كبه فأكب اهـ مختار.

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ح وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) اسمه إبراهيم مولى بني سُليم القسملي، نزل القساملة موضع بالبصرة، أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ، وَهِمَ في حديث، من العاشرة، مات ببغداد في ذي الحجة سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال عمرو (حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس (الأزرق) المخزومي الواسطي، أحد الأعلام، روى عن عبد الله بن عون وفُضيل بن غزوان والثوري وزكريا بن أبي زائدة والأعمش وخلق، ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعبد الله بن سعيد ومحمد بن أبي خلف وغيرهم، وقيل لأحمد: أثقة هو؟ قال: أي والله، ورُوي عنه أنه لم يرفع بصره إلى السماء نحوًا من عشرين سنة، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة وله (78) ثمان وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم والحج والدعاء في خمسة أبواب تقريبًا، وأتى بالتحويل لاختلاف شيخي شيخيه مع اختلاف صيغتهما (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي واسحاق بن يوسف رويا (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المُزني مولاهم، أبي عون البصري الخراز بفتح المعجمة والمهملة المشددة آخره زاي، قيل: كان أرطبان مولى عبد الله بن مُغَفَّل، وقيل: مولى عبد الله بن دُرَّة، روى عن محمد بن سيرين ومجاهد وأبي سعيد ونافع وهشام بن زيد وإبراهيم النخعي والشعبي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن أبي عدي وإسحاق الأزرق وأبو عاصم وإسماعيل بن عُلية ووكيع وحماد بن زيد ويزيد بن هارون والثوري وأبو خالد الأحمر وخلق، قال ابن مهدي: ما أحد أعلمَ بالسنة بالعراق من ابن عون، وقال روح بن عبادة: ما رأيت أعبد منه، ولد سنة (66) ست وستين قبل الجارف بثلاث سنين، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل من أقران

عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... " بِمِثْلِهِ. 93 - (00) وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أيوب في العلم والعمل والسن، كان من سادات أهل زمانه من السادسة، مات سنة (150) خمسين ومائة على الصحيح، وهو ابن خمس وثمانين سنة (85). روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والجنائز والزكاة والصوم في موضعين والحج في أربعة مواضع والهبة والجهاد والحدود والفضائل والفتن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة ... الحديث، والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق، والتقدير حدثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين بمثل ما حدث أيوب عن محمد بن سيرين من الحديث السابق. وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن عون لأيوب، ولم يكرر المتن لأن الحديثين متماثلان لفظًا ومعنى، فلا حاجة إلى الاستثناء، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذان السندان من خماسياته فالأول منهما رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، والثاني رجاله اثنان بصريان وواحد بغدادي وواحد واسطي وواحد مدني. تنبيه: وإنما كررت ذكر تراجم رجال الأسانيد مع كونه ظاهرًا معلومًا مما تقدم لقصد الإيضاح لمن لم يكن من أهل هذا الشأن، ليتوصل بما ذكرته إلى مطالعة تراجمهم، ومعرفة حالهم، لأنه ربما وقف على رجال هذا الباب فيريد معرفة طبقاتهم وأحوالهم فيصعُب عليه والله الموفق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (93) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين (و) حدثني أيضًا (حسن) بن علي بن محمد بن علي الهُذلي، أبو علي الخلال (الحلواني) الريحاني المكي، ثقة حافظ له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وتقدم البسط

قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الأَعْرَجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من عمرو والحسن (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبو يوسف المدني ثقة فاضل، من صغار التاسعة، مات سنة (208) ثمان ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب تقريبًا وأتى المؤلف بجملة قوله (وهو ابن إبراهيم بن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخه، قال يعقوب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، ثقة حجة من الثامنة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، وهو ابن (73) ثلاث وسبعين سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن صالح) بن كيسان المدني، أبي محمد الغفاري، ثقة ثبت فقيه تابعي، رأى عبد الله بن عمر، من الرابعة، مات بعد الأربعين ومائة (140)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا. (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني الهاشمي مولاهم، أبي داود القاري مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، روى عن أبي هريرة وعبد الله بن كعب بن مالك ومعاوية وأبي سعيد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وصالح بن كيسان وأبو الزناد وجعفر بن ربيعة ومحمد بن يحيى بن حبان ويحيى بن سعيد الأنصاري وسعد بن إبراهيم وخلائق، ثقة ثبت عالم حافظ قارئ من الثالثة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة بالإسكندرية. روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والحج والبيوع وفي ذكر عيسى - عليه السلام - وفي الفضائل، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا واحدًا عمرًا فإنه بغدادي، وحسنًا فإنه مكي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعرج لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابَع والمتابع ثقتان، وكرر متن الحديث في هذه المتابعة لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالزيادة والنقصان.

قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) الأعرج (قال أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم) أيها المؤمنون من الأنصار والمهاجرين (أهل) قطر (اليمن) مسلمين طائعين، وهذا الخطاب صريح في أن المراد بأهل اليمن أهل قطر اليمن لا الأنصار ولا أهل الحجاز، لأنهم هم المخاطبون، وفي هذه الرواية زيادة ضمير المخاطبين (هم أضعف قلوبًا) من مضر وربيعة، أي أسرع فهمًا وانفعالًا للخير (وأرق أفئدة) منهم أي أخشع وأصفى من الحجاب يعني قلوبهم ضعيفة سريعة لفهم الخيرات وقبولها، لا غليظة لا تفهم الخير ولا تقبله كقلوب مضر وربيعة، رقيقة خاشعة صافية من الحجاب لا قاسية كقلوبهم. (فائدة) والفرق بين الأفئدة والقلوب أن الفؤاد من القلب كالقلب من الصدر، يعني أن الفؤاد وسط القلب وباطنه وداخله الذي يحترق بسبب المحبة والعشق، ويتألم بسبب الحزن والهم والغم اهـ من تفسير حدائق الروح والريحان في سورة الأحزاب، والحاصل أن الصدر غِلاف القلب والقلب غلاف الفؤاد، فالفؤاد داخل الداخل، وبهذا ظهر الفرق بينهما، وفي القرطبي: والقلوب جمع قلب، سُمي به لأنه يتقلب كثيرًا كما قال الشاعر: وما سُمي الإنسان إلا لنسيه ... وما القلب إلا أنه يتقلبُ والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب، وقيل الفؤاد داخل القلب، أي اللطيفة القابلة للمعاني من العلوم والمحبة والحزن وغيرها اهـ بتصرف وزيادة. (الفقه) أي علم الأحكام الشرعية العملية (يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن (والحكمة) أي علم الأحكام الاعتقادية التي تهذب النفوس من الضلالة والشهوات، وتربيها بمعرفة الله تعالى ورسله وجميع السمعيات (يمانية) أي منسوبة إلى أهل اليمن، يعني أهل اليمن أكثر علمًا بالأحكام الشرعية العملية، وعلمًا بالأحكام الاعتقادية الموصلة إلى معرفة الله تعالى، فليس المراد نفي ذلك عن غيرهم، بل المراد تفضيلهم على غيرهم من ربيعة ومضر، في الفقه والحكمة في ذلك الوقت، لا في جميع الأزمنة، فليست تلك المنقبة لأولادهم، كما أن فضل الهجرة ليست لأولاد المهاجرين، وخلاصة ما ذكرناه أن من رق قلبه ولان قبل المواعظ وخضع للزواجر وسارع إلى الخير صفا للإيمان والفقه والحكمة كأهل

94 - (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اليمن، بخلاف من قسا قلبه وغلظ وكَثُفت حُجب الكبر والفخر والعجب عليه كأهل المشرق انتهى من إكمال المعلم. قال النووي: (قوله أضعف قلوبًا وأرق أفئدة) قال الشيخ ابن عرفة: المشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا ذِكْرُ الأفئدة بعد القلوب تفنُّنٌ، وهو ذكر نوعين من الكلام معناهما واحد لثقل تكرار أحدهما على اللسان كقولهم هذا ذهب عسجد، وهذا كذب مين، كما هو مقرر عند البديعيين، وقيل الفؤاد غير القلب، وهو عين القلب، وقيل باطن القلب، وقيل غشاء القلب، وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وُصفت بها قلوب الآخرين اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (94) - متا (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن بن يحيى بن حماد التميمي الحنظلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري، روى عن مالك وأبي الأحوص وأبي معاوية وخلق ويروي عنه (خ م ت س) وأحمد بن الأزهر وإسحاق والدارمي وعِدة، ثقة ثبت إمام من العاشرة، مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا (قال) يحيى بن يحيى (قرأت على مالك) وليس معي أحد وهو بمعنى أخبرني مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني الفقيه، إمام دار الهجرة، من السابعة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، ودفن بالبقيع بلغ تسعين سنة (90) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي الأموي مولاهم، مولى بنت شيبة المدني، وأبو الزناد لقبه اشتهر به، وكان تجرد منه، وكنيته أبو عبد الرحمن، روى عن الأعرج وعلي بن الحسين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومالك وابن عيينة وزائدة والمغيرة الحِزَامي وورقاء بن عمر وموسى بن عقبة والثوري والليث وأبو إسحاق الشيباني وعِدة، قال أحمد: ثقة أمير المؤمنين، وقال البخاري: أصح الأسانيد أبو الزناد عن

عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعرج عن أبي هريرة، وقال الليث: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاثمائة طالب، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الخامسة، مات في رمضان فجأة سنة (130) ثلاثين ومائة، وله ست وستون سنة (66)، روى المؤلف عنه في الإيمان والوضوء والصلاة والصوم في ثلاثة مواضع والزكاة واللعان والجهاد والفضائل والفتن، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا. (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الزناد لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن الأعرج، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في ألفاظ الحديث، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه أي عن الأعرج عن أبي هريرة أنه حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأس الكفر) أي قوة الكفر ومعظمه وشره، وكثرة أهله ورياستهم (نحو المشرق) أي كائن من قبل المشرق وجهته، وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له، ويكون هذا الكفر ما كانوا عليه من عداوة الدين والتعصب عليه، ويدل على صحة هذا التأويل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على مضر في غير موطن، وقوله في حديث حذيفة "لا تَدَعُ مضر عبدًا لله مؤمنًا إلا فتنوه أو قتلوه" وقد بينه حذيفة حين دخلوا عليه عند قتل عثمان حين ملؤوا حجرته وبيته من ربيعة ومضر فقال: لا تبرح ظلمة مضر كل عبد مؤمن تفتنه وتقتله، قال الطحاوي في مشكل الآثار: ولم يُرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه على مضر كل مضر، وكيف يكون يريد بذلك كل مضر وهو صلى الله عليه وسلم من مضر بل المراد بمضر هنا بعضهم والعرب تقول مثل هذا في الأشياء الواسعة، تضيف ما كان من بعضها إلى جملتها كما قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} ولم يُرد الجميع، وقيل رأس الكفر الدجال، لأنه يخرج من المشرق، قال النووي: كان المشرق في زمنه صلى الله عليه وسلم دار كفر، وكذا يكون في زمن الدجال وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن ومثار الترك الأمة الغاشمة العاتية. (والفخر) قال النووي: الفخر التفاخر بعرض الدنيا من نسب أو جاه أو مال،

وَالْخُيَلاءُ فِي أَهْلِ الْخَيلِ وَالإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القرطبي: الفخر التفاخر بالآباء الأشراف وكثرة الأموال والخَوَل "أي الخدم" والجاه وغير ذلك من مراتب أهل الدنيا (والخيلاء) بالمد وَزنه عند سيبويه فعلاء، التبختر في المشي والتكبر والتعاظم، يقال خال الرجل يخول فهو خال وذو خال ومخيلة ومنه قول طلحة لعمر: إنا لا نخول عليك، أي لا نتكبر، ويقال: اختال يختال اختيالًا إذا تكبر في مشيته فهو مختال، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقال ابن دريد: الخيلاء التكبر مع جر الإزار والمعنى والافتخار على الغير بما أوتي من عرض الدنيا والترفع في نفسه على الغير، واحتقار الناس كائنان (في أهل الخيل والإبل) أي عند أصحابها غالبًا (الفدادين) أي المصوتين الرافعين أصواتهم حُداءً لها عند سوقِها، والخيل اسم جنس لحيوان معروف سريع الجري يسمى الفرس، لا واحد له من لفظه يُجمع على خيول، سُمي بذلك لاختياله في مشيته وأول من ركبها واتخذها مركبًا إسماعيل - عليه السلام -، أخذها جائزة له على مساعدته لأبيه إبراهيم في بناء البيت، من أجياد واد على يمين جبل أبي قبيس بوحي إلى أبيه عليهما السلام، وكانت قبل ذلك من الوحوش، كما بسطنا الكلام على ذلك في تفسيرنا حدائق الروح والريحان، والإبل اسم جنس لواحد من النعم الثلاثة، وأول من اتخذها آدم - عليه السلام -، وقوله (أهل الوبر) بالجر بدل من أهل الخيل، أي في أهل الحيوان ذي الوبر الذي يتخذونه بيوتًا لأنفسهم، والوَبَر بالتحريك للإبل كالصوف للضأن، والشعر للمعز والبقر، ولذلك قال تعالى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]. قال الإمام: الخيلاء بالمد مشية مكروهة، هي التبختر في المشي، وهو من أفعال الجبابرة، وفي بعض الروايات "والرياء" وحكى ابن الصابوني أنه التجبر والاستحقار للناس، وقال الأصمعي: الفدادون الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم (أهل الوبر) أي أصحاب البيوت المتخذة من الوبر، أي من شعور سنام الإبل (والسكينة) أي السكون والطمأنينة والتواضع وعدم الكبر والوقار كما جاء في الحديث (في أهل الغنم) أي في أصحابها على خلاف ما ذكره في صفة الفدادين، قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن أكثر حال أهل الغنم وأهل الإبل وأغلبه ورأس الكفر معظمه، يُريد أن أكثر أهله ورياستهم هُناك أي من جهة المشرق. قال النووي: وأما قوله (في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر) فالوبر وإن كان

95 - (00) وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَال: أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإبل دون الخيل فلا يمتنع أن يكون قد وصفهم بكونهم جامعين بين الخيل والإبل والوبر اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (95) - متا (00) (وحدثني يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف، العابد أبو زكريا البغدادي، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا. (و) حدثني أيضًا (قتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، وقتيبة لقب له واسمه يحيى أو علي، وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا. (و) حدثني أيضًا عليُّ (بن حجر) بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم بن إياس بن مقاتل بن مُشَمْرِخ السعدي أبو الحسن المروزي، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلهم (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير أبي إبراهيم، ويقال: أبي إسحاق الأنصاري مولى بني زريق المدني، أحد الكبار، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا. وأتى بجملة قوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل) تورعًا من الكذب على ابن أيوب، لأنه لو لم يأت بها لأوهم أنه روى عن إسماعيل بالعنعنة كغيره، مع أنه ليس كذلك (قال) إسماعيل (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي مولى حُرقة، أبو شِبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة المدني، أحد الأعلام، وثقه أحمد، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة (133) بضع وثلاثين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي المدني ثقة من الثالثة، وتقدم البسط في ترجمته

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الإيمَانُ يَمَانٍ، وَالْكُفْرُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالرِّيَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْخَيلِ وَالْوَبَرِ". 96 - (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن المؤلف روى عنه في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلف فإنه بغدادي أو بغلاني أو مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وبالزيادة، وفي ترتيب الكلمات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الإيمان) أي قوة الإيمان وقبوله طوعًا ونصره (يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن، لدخولهم فيه طوعًا لا كرهًا (والكفر) أي قوة الكفر ورياسته (قبل المشرق) أي في جهة المشرق من كفار مضر وربيعة (والسكينة) أي الطمأنينة والتواضع (في أهل الغنم) أي في أصحابها (والفخر) أي التفاخر على الغير بما أوتي من عرض الدنيا (والرياء) أي المراءاة للغير بما فعل من الخير والمواساة، وفي الرواية السابقة بدل هذا (والخيلاء) (في الفدادين) أي في قلوب المصوتين في مواشيهم حُداء لها عند سوقها، وقوله (أهل الخيل) والفرس المختالة في جريها (و) أهل الإبل ذات (الوبر) بدل من الفدادين، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (96) - (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، صاحب الشافعي، أبو حفص المصري، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث، ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وحفيده أحمد بن طاهر، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) ثلاث أو أربع وأربعين ومائتين، روى عنه مسلم عن ابن وهب في مواضع كثيرة، وقال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولى بني فهر، أبو محمد المصري الفقيه أحد الأئمة، قال أحمد بن حنبل: ما أصح حديثه، وقال ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن صالح: حدَّث

قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بمائة ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وله (72) اثنان وسبعون سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان أبي النجاد الأموي مولى معاوية بن أبي سفيان [رضي الله عنه] الأَيليُّ أبو يزيد بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام، وثقه النسائي وغيره وقال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات بمصر سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا. (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) القرشي الزهري، أبي بكر المدني، رأى عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام، وقال في التقريب: حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) ابن شهاب (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الزهري المدني، أحد الأئمة الأعلام، ثقة كثير الحديث، من الثالثة، مات سنة (94) أربع وتسعين، وكان مولده سنة بضع وعشرين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الفخر) أي التفاخر على الناس (والخيلاء) أي الترفع والتكبر في نفسه (في الفدادين) أي في قلوب المصوتين عند أصول أذناب الإبل (أهل الوبر) بدل من الفدادين، أي أصحاب البيوت المتخذة من الوبر (والسكينة) أي الطمأنينة والاستكانة والتواضع (في أهل الغنم) على خلاف ما ذكره في صفة الفدادين. وهذا السند من سداسياته، رجاله اثنان منهم مصريان وواحد أيلي وثلاثة مدنيون،

97 - (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي سلمة بن عبد الرحمن لمحمد بن سيرين وعبد الرحمن الأعرج وعبد الرحمن بن يعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من بعض المخالفة للروايات السابقة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (97) - ... (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب المسند والتفسير والجامع، روى عن أبي اليمان ويحيى بن حسان ومحمد بن عبد الله الرقاشي ويزيد بن هارون وجعفر بن عون وخلق، ويروي عنه (م د ت) والبخاري في غير الصحيح، قال أحمد: إمام أهل زمانه، وقال في التقريب: ثقة فاضل متقن من الحادية عشرة، مات بسمرقند يوم عرفة سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، وله أربع وسبعون سنة (74) روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والصوم والبيوع والنذور والحدود في موضعين والجهاد في ثلاثة مواضع وفي الجنة وفي الجهاد ودلائل النبوة والضحايا والرؤيا والفضائل في موضعين والطب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا. قال الدارمي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي البهراني، نسبة إلى بطن من قضاعة يُسمى بَهران، الحمصي مشهور بكنيته مولى امرأة يقال لها أم سلمة، كانت عند عمر بن رؤبة التغلبي، روى عن سْعيب بن أبي حمزة وحَريز بن عثمان وصفوان بن عمرو وطائفة، ويروي عنه (ع) وعبد الله الدارمي ومحمد بن إسحاق الصغاني وأبو زرعة الدمشقي وخلق، وقال في التقريب: ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، من العاشرة، مات سنة (222) اثنتين وعشرين ومائتين بحمص، وكان مولده سنة (138) ثمان وثلاثين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وغيرهما. قال أبو اليمان (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة القرشي مولى بني أمية، أبو بشر الحمصي، واسم أبي حمزة دينار، أحد الأثبات المشاهير، روى عن الزهري في الصلاة والإيمان وغيرهما

عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: "الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ". 98 - (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله بن أبي حسين في الرؤيا، ونافع وابن المنكدر، ويروي عنه (ع) وأبو اليمان وأبو إسحاق الفزاري وابنه بشر وجماعة، وقال في التقريب: ثقة عابد، من أثبت الناس في الزهري، من السابعة، مات سنة (162) اثنتين وستين ومائة أو بعدها، روى عنه المؤلف في الصلاة والأيمان والرؤيا وغيرها (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، أبي بكر المدني، من الطبقة الرابعة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الزهري المدني عن أبي هريرة الدوسي، وهذا السند أيضًا من سداسياته، ثلاثة منهم مدنيون واثنان شاميان وواحد سمرقندي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة ليونس بن يزيد الأيلي في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأن شعيب بن أبي حمزة ثقة متقن، ويونس بن يزيد في روايته عن الزهري يَهِمُ كما مر، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، وكذا قوله (مثله) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى المتابَع المذكور في السند الأول، والإشارة في قوله بهذا راجعة إلى ما بعد شيخ المتابَع الذي هو يونس بن يزيد، والتقدير: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة بهذا الإسناد يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله، أي مثل ما روى يونس بن يزيد عن الزهري (و) لكنَّ شعيبًا (زاد) في روايته على يونس لفظة (الإيمان يمان والحكمة يمانية) ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (98) - متا (00) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) الدارمي أبو محمد السمرقندي قال (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي (عن شعيب) بن أبي حمزة، أبي بشر الحمصي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني، قال الزهري (حدثني سعيد بن المسيب) بن حزن بوزن سهل بن أبي وهب القرشي المخزومي، أبو محمد المدني، من كبار الثانية، ولد سنة (15) خمس عشرة، ومات بعد التسعين (90) وقد ناهز الثمانين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (أن أبا هريرة) الدوسي المدني (قال سمعت النبي صلى الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ". 99 - (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم يقول) إلخ، وهذا السند أيضًا من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان شاميان وواحد سمرقندي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن المسيب لمن روى عن أبي هريرة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث هنا لما فيها من بعض المخالفة للروايات السابقة، أي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه يقول (جاء) كم أيها المسلمون (أهل) قطر (اليمن هم أرق) وألين وأصفى (أفئدة) هي لب القلب وداخله (وأضعف) وأخشع (قلوبًا) غلاف الفؤاد وغِشاؤه (الإيمان) أي قوة الإيمان وقبوله وفقهه (يمان) أي منسوب إلى أهل اليمن (والحكمة) أي العلم النافع وهو العلم مع العمل (يمانية) أي منسوبة إلى اليمن (السكينة) أي الطمأنينة والتواضع (في أهل الغنم) أي أصحابها، لأنهم لا فخر ولا خيلاء عندهم (والفخر) أي التفاخر بعرض الدنيا (والخيلاء) أي التبختر في المشية والترفع على الغير (في الفدادين) أي في الرافعين أصواتهم حُداء في مواشيهم وحُرُوثهم (أهل) البيوت المتخذة من (الوبر) أي من شعور الإبل النازلين (قبل مطلع الشمس) أي جهة طلوع الشمس ومكانه، والمَطْلَعُ هو مما فيه وجهان: الفتح على القياس مطلقًا ظرفًا ومصدرًا، والكسر على الشذوذ لأنه من باب فَعل يفعل بضم مضارعه كنصر ينصر، يقال طلع الكوكب ونحوه، يطلع بالضم طُلوعًا إذا ظهر، ومطلعًا بالفتح على القياس، والكسر على الشذوذ أي طُلُوعًا، وهذا مطلَع الشمس بالفتح على القياس ومطلِع القمر بالكسر على الشذوذ أي مكان طُلوعها وزمان طلوعه اهـ من مناهل الرجال على لامية الأفعال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أبي هريرة فقال: (99) - (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة حافظ من

قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال أبو بكر وأبو كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم، مولى أسعد بن زيد مناة الضرير الكوفي، من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ قارئ ورعٌ، لكنه يدلس، من الخامسة، مات في ربيع الأول سنة (148) ثمان وأربعين ومائة عن (84) أربع وثمانين سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (عن أبي صالح) السمان ذكوان مولى جُويرية بنت الحارث القيسية المدني، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صالح لمن روى عن أبي هريرة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث في هذه الرواية لما فيها من المخالفة للروايات السابقة في بعض الكلمات وترتيبها. (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم أهل اليمن) والحال أنـ (ـهم ألين) وأضعف وأخشع (قلوبًا وأرق) وأصفى وأسرع لفهم الخيرات (أفئدة الإيمان) أي قوته ونصرته (يمان) أي منسوب إلى اليمن (والحكمة) أي العلم النافع (يمانية) أي منسوبة إلى اليمن (رأس الكفر) أي رياسته وحزبه وجنده كائنون (قبل المشرق) أي جهة شروق الشمس وطلوعها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

100 - (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: (رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ). 101 - (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ًابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (100) - متا (00) وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، اسمه يحيى ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال قتيبة وزهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي أبي محمد الكاهلي، عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا السند أيضًا من خماسياته، رجاله كوفيان ومدنيان وبغلاني أو نسائي، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا جرير، والإشارة فيه راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع، والمفعول الثاني لحدثنا جرير محذوف والتقدير حدثنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد المذكور في السند السابق، يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة مثله، أي مثل ما حدث أبو معاوية عن الأعمش، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش (و) لكن (لم يذكر) جرير في روايته عن الأعمش لفظة (رأس الكفر قبل المشرق) كما ذكره أبو معاوية، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (101) - (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري المعروف بالزمن ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) إبراهيم السلمي مولاهم، أبو عمر البصري ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني بشر بن خالد) الفرضي نسبة إلى علم

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (¬1)، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ: "وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَصْحَابِ الشَّاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الفرائض، أبو محمد العسكري ثم البصري، روى عن غندر وحسين الجعفي وأبي أسامة وعِدة، ويروي عنه (خ م د س) وابن خزيمة ووثقه النسائي وابن حِبان في كتاب الثقات، وقال في التقريب: ثقة يُغرب، من العاشرة، مات سنة (255) ثلاث أو خمس وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في كتاب الإيمان وغيره، قال بشر بن خالد (حدثنا محمد) بن جعفر الهذلي مولاهم، أبو عبد الله البصري ربيب شعبة المعروف بغندر، ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات في ذي القعدة سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه، مع اختلاف كيفية سماعه عنهما، وفائدة التحويل بيان كثرة طرقه. (قالا) أي قال محمد بن أبي عدي ومحمد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البصري ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبي محمد الكوفي، والجار والمجرور في قوله (بهدا الإسناد) متعلق بحدثنا شعبة وقوله (مثل حديث جرير) مفعول ثانٍ لحدثنا شعبة، والمعنى حدثنا شعبة عن الأعمش بهذا الإسناد، يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديثٍ حدثه جرير عن الأعمش، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وقوله (وزاد) إلخ استثناء من المماثلة، أي ولكن زاد شعبة في روايته على جرير قوله (والفخر) أي التفاخر بالدنيا (والخيلاء) أي التبختر في المشي (في أصحاب الإبل والسكينة) أي التواضع الظاهري (والوقار) أي التواضع الباطني (في أصحاب الشاء) جمع شاة، والشاة الواحدة من الغنم الذكر والأنثى أو يكون من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحُمر الوحش والمرأة، والجمع شاءٌ، أصله شاه وشياه وشِواه وأشاوه اهـ قاموس. وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثتهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي. ¬

_ (¬1) في نسخة: (حدثنا محمد؛ يعني ابن جعفر).

102 - (52) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي مسعود الأنصاري بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: (102) - ش (52) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، ثقة حافظ نظير أحمد بن حنبل من العاشرة، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابا، قال إسحاق (أخبرنا عبد الله بن الحارث) بن عبد الملك (المخزومي) أبو محمد المكي، روى عن ابن جريج والضحاك بن عثمان وثور بن يزيد، ويروي عنه (م عم) وإسحاق وقتيبة وأحمد، وثقه يعقوب بن شيبة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والطب والبيوع ثلاثة أبواب تقريبًا (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) القرشي الأموي مولاهم، أبي الوليد المكي، الفقيه أحد الأئمة الأعلام ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة (150) خمسين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (قال) ابن جريج (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تَدْرُسَ بوزن تَنْصُرَ الأسدي مولاهم المكي ثقة يُدلس، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي بفتحتين أبا عبد الله المدني الصحابي الجليل، مات بالمدينة بعد السبعين (70) وهو ابن (94) أربع وتسعين سنة، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد مروزي حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غِلظ القلوب) وعدم فهمها لما يقال لها (والجفاء) أي جفاء القلوب وقساوتها وعدم قبولها للخيرات (في) أهل (المشرق) وكفارها ربيعة ومضر (والإيمان) أي مبدؤه ومنشؤه (في أهل الحجاز) مكة والمدينة وما حولهما، سُمي بذلك لحجزه بين نجد وتهامة، قاله القتبي، وقال ابن دريد: لحجزه بين نجد والسراة، قال الأصمعي: إذا انحدرت من ذات عرق فقد أَتهَمْتَ إلى البحر، فإذا استقبلك الحِرار فذلك الحجاز، وسميت بذلك لأنها حجزت بالحرار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخمس وهي حرة شوران وحرة ليلى وحرة واقم وحرة النار وحرة منازل بني سُليم إلى المدينة "معجم البلدان واللسان" في مادة حجاز، وقيل حد الحجاز من جهة الشام ومما يلي تهامة بدر وعكاظ، قال بعض علمائنا: يجوز أن يكون المراد بالحجاز في هذا الحديث المدينة فقط، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإيمان ليارز إلى المدينة" رواه البخاري (187) ومسلم (147) ويأرز بمعنى يرجع اهـ قرطبي. قال الأبي: تقدم لابن الصلاح أن المراد باليمن القطر المعروف، وأنه لا يلزم من نسبة الإيمان إليه نفيه عن غيره، فلا تعارض بين قوله: الإيمان يمان، وقوله: الإيمان في أهل الحجاز اهـ. وحديث جابر هذا انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد (3/ 345). وجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة: الأول: حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره استدلالًا به على الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره استشهادًا به لحديث أبي مسعود وذكر فيه عشر متابعات، والثالث: حديث جابر بن عبد الله ذكره استشهادًا له ثانيًا والله أعلم. ***

28 - باب كون التحاب في الله تعالى من الإيمان، وبيان سببه

28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ 103 - (53) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 28 - بَابُ كَوْنِ التَّحابِّ فِي اللَّهِ تَعَالى مِنَ الإيمَانِ، وَبَيَانِ سَبَبِهِ أي هذا بابٌ معقود في الاستدلال على كون التحابب في دين الله تعالى شعبة من شعب الإيمان، وأن إفشاء السلام بينهم مما ينبته في قلوبهم، وترجم النووي والقاضي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهم: (باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سبب لحصولها)، وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما: (باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) إلى آخره، وترجم له القرطبي بقوله: (بابٌ المحبة في الله تعالى من الإيمان)، وترجمتنا أشمل وأخصر من ترجمتهم. (103) - س (53) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى المؤلف عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير، التميمي السعدي مولاهم الكوفي، من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، روى المؤلف عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ ولكنه يدلس، من الخامسة، مات في ربيع الأول سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي صالح) السمان، ذكوان مولى جُويرية بنت الحارث القيسية، المدني ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ: "لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي تُؤمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَي تَحَابُّوا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم لا تدخلون) أيها المؤمنون (الجنة) ابتداءَ (حتى تومنوا) إيمانًا كاملًا باجتماع شُعبه (ولا تؤمنوا) إيمانًا كاملًا يُوجب دخول الجنة ابتداءً (حتى تحابوا) وتوادوا في الله عزَّ وجلَّ أي حتى يُحب بعضكم بعضًا لأجل دين الله تعالى وطلب رضاه لا لغرض من الأغراض الدنيوية من قرابة وصداقة وزوجية وعطية. قال القرطبي: والإيمان المذكور أولًا هو التصديق الشرعي المذكور في حديث جبريل - عليه السلام -، والإيمان المذكور ثانيًا هو الإيمان العملي المذكور في قوله: الإيمان بضع وسبعون بابا كما سبق تخريجه، ولو كان الثاني هو الأول للزم منه أن لا يدخل الجنة من أبغض أحدًا من المؤمنين، وذلك باطل قطعًا، فتعين التأويل الذي ذكرناه انتهى. قال الأبي: لفظ الحديث يقتضي وقف دخول الجنة على التحاب، فلا يدخل الجنة كاره، ولا يقوله أهل السنة، وإنما قلنا ذلك لأن الموقوف على الموقوف على شيء موقوف على ذلك الشيء، فأجاب ابن الصلاح بأن المراد بالدخول دخول الجنة ابتداءً، وأجاب النووي: بان معنى الحديث وقف دخولها على الإيمان، ووقف كمال الإيمان على التحاب. (قلت) فعلى الأول الإيمان الثاني هو الأول، والمراد بهما الكمال، أي لا تدخلوا الجنة ابتداءً حتى تؤمنوا الإيمان الكامل، ولا تؤمنوا الإيمان الكامل حتى تتحابوا، وعلى الثاني هو غيره، ومدلول الجملتين مختلف ولا ارتباط لإحداهما بالأخرى، فمدلول الأولى وقف دخول الجنة على الإيمان المطلق، الذي هو التصديق، ومدلول الثانية وقف الإيمان الكامل على التحاب، والأول أسعد بالسياق. ويصح عندي وجه ثالث: وهو أن يكون الإيمان الثاني هو الأول، والمراد به المطلق، ولم يذكر الثاني من حيث الوقف عليه، بل من حيث النهي عن الاقتصار عليه، فالمعنى لا تدخلون الجنة حتى تُصدِّقوا ولا تقتصروا على التصديق بل حتى تضيفوا إليه التحاب. (فإن قلت) وَقْفُ الإيمانِ على التحاب إن كان التحاب من الجانبين كما تقتضيه المفاعلة لزم التكليف بفعل الغير ولا يجوز، وإن كان من جهة واحدة لزم التكليف بالأمر الجبلي، لأن المحبة جبلية.

أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَينَكُم" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) فعل الغير إن كان سببه من المكلَّفِ صحَّ التكليف به، وينصرف التكليف إلى ذلك السبب، والسبب هنا إفشاء السلام اهـ من الأبي. قوله (ولا تؤمنوا) قال النووي: معناه لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا" فهو على ظاهره وإطلاقه، فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنًا، وإن لم يكن كامل الإيمان، فهذا هو الظاهر من الحديث اهـ. وقوله أيضًا (ولا تؤمنوا) قال القرطبي: كذا صحت الرواية هنا بإسقاط النون، والصواب إثباتها كما قد وقع في بعض النسخ، لأن لا نافيةٌ، لا ناهية جازمة، فلزم إثباتها لعدم الجازم اهـ. وقال النووي: إنه في جميع الأصول والروايات هكذا (ولا تؤمنوا) بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة اهـ. (قلت) حذف النون هنا لمشاكلة ما قبله وما بعده، والمشاكلة من المحسنات اللفظية عند البديعيين، وحينئذ تقول في إعرابه: لا نافية، تؤمنوا: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة للمشاكلة، لأنه من الأفعال الخمسة، لأن المحذوف لعلةٍ كالثابت، فلا يضر حذفها في الخط واللفظ، وهذا هو الصواب الذي عليه علماء العربية لا غيره، والهمزة في قوله (أولا أدلكم على شيء) داخلة على محذوف تقديره أتستغربون ذلك ولا تفهمونه، أدلكم أيها المؤمنون على شيء (إذا فعلتموه) وقلتموه (تحاببتم) أي يحصل التحاب والتواد بينكم، أقول لكم في بيان ذلك الشيء (أفشوا) أي بقطع الهمزة المفتوحة أي أكثروا وأشيعوا (السلام بينكم) أيها المؤمنون خاصة، قال القرطبي: وإفشاء السلام إظهاره وإشاعته واقراؤه على المعروف وغير المعروف، ومعنى لا تؤمنوا حتى تحابوا، أي لا يكمل إيمانكم ولا يكون حالكم حال من كَمُلَ إيمانه حتى تُفْشُوا السلامَ الجالب للمحبة الدينية والألفة الشرعية. قال النووي: وفي الحديث حث عظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كُلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وبإفشائه يحصل ألفة المسلمين بعضُهم لبعض، واظهارُ

154 - (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأعمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي تُؤْمِنُوا ... " بِمِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حُرمات المسلمين، وقد ذكر البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبَذْلُكَ السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار، وروى غير البخاري هذا الكلام مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الثلاثة المذكورة من السلام على العالم، والسلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد، وفيها لطيفة أخرى، وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه ولا يخص أصحابه وأحبابه خلاف ما أنذر به صلى الله عليه وسلم آخر الزمان من كون السلام للمعرفة، فيقطع سبب التواصل الذي هو الإسلام، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (104) - (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب. قال زهير (أنبأنا) أي أخبرنا (جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) ثمانء وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابا (عن) سليمان بن مهران الكوفي، أبي محمد الكاهلي مولاهم المعروف بـ (الأعمش) لكون عينه عمشاء، ثقة حافظ من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأنبأنا جرير، والإشارة راجعة إلى ما بعد الأعمش، أي أخبرنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد، يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي) أي قسمت لكم بالإله الذي (نفسي) ورُوحي (بيده) تعالى المنزهة عن صفات الحدوث، بزيادة القسم في هذه الرواية لتأكيد الكلام، أي أقسمت لكم به على أنه (لا تدخلون الجنة) حين يدخلها السابقون (حتى تؤمنوا) الإيمان الكامل، وقوله (بمثل

حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ وَوَكِيعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أبي معاوية ووكيع) متعلق أيضًا بأنبأنا جرير، أي أخبرنا جرير عن الأعمش بهذا الإسناد بمثل ما رواه أبو معاوية ووكيع عن الأعمش. وهذا السند أيضًا من خماسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد نسائي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير لأبي معاوية ووكيع في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع بيان زيادة القسم في هذه الرواية، وبيان مخالفة صيغة رواية جرير لصيغتهما، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة، وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة في التحاب شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 391) وأبو داود (5193) والترمذي (2689). ***

29 - باب النصح من الإيمان

29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ 105 - (54) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ الْمَكِّيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 29 - بَابُ النُّصحِ مِنَ الإِيمَانِ أي هذا باب معقود في بيان أن النصح لمن سيأتي من شُعب الإيمان والدين المذكور في الحديث بمعنى الإيمان، وفي تركيب الحديث تقديم وتأخير كما سنبينه، وإنما عدلنا إلى هذه الترجمة لتوافق ترجمة كتاب الإيمان، وترجم للحديث الآتي النووي والقاضي وأكثر المتون بقولهم (بابُ بيانِ أن الدين النصيحة) وهكذا ترجم له الأبي والسنوسي، وفي بعض المتون إسقاط هذه الترجمة وهو خطأ من النساخ، لأن هذا الحديث لا يدخل في الترجمة السابقة، وأدخل القرطبي هذا الحديث في الترجمة السابقة حيث قال: (بابٌ المحبة في الله تعالى والنصح من الإيمان) وهي أولى وأدق، وترجمتي أخصر وأوفق للمقام أيضًا. والنصح والنصيحة كلاهما مصدرٌ سماعي لنصح، من باب فتح، يقال: نصح ينْصحُ نصيحةً ونُصحًا بضم النون، فأما نصحْتُ الثوب فمصدره نَصحًا بفتح النون قاله الجوهري، قال الخطابي: النصيحة كلمة يُعبر بها عن جملةٍ هي إرادة الخير للمنصوح له، وهي في اللغة الإخلاص من قولهم: نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط، قال نفطويه: يقال نصح له الشيء إذا خلص، ونصح له القول إذا أخلصه له من الغش، واصطلاحًا: إرادة الخير للغير، وقيل: هي مأخوذة من النصح بالفتح وهي الخياطة، والإبرة المِنصحة، والنصاح الخيط الذي يُخاط به، والناصح الخياط، فكان الناصح لأخيه يلمُّ شَعثه ويضمه كما تضم الإبرة خرق الثوب، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب، فالنصيحة كلمة وجيزة تجمع معاني كثيرة، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه. (105) - س (54) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزِّبِرْقَان (المكي) نزيل بغداد أبو عبد الله، روى عن سفيان بن عيينة ومروان بن معاوية وحاتم بن إسماعيل وأنس بن عياض والدراوردي وأبي صفوان الأموي وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) له في (ح) فرد حديث، وأحمد بن سعيد الدارمي وأحمد بن علي المروزي وغيرهم، وقال في

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَال: قُلْتُ لِسُهَيلٍ: إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ قَال: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا، قَال: فَقَال: سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي- كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: صدوق يهم من العاشرة مات ببغداد في آخر ذي الحجة سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والبيوع في موضعين والأشربة في أربعة أبواب. قال محمد بن عباد (حدثنا سفيان) بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم، أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي، وقال في التقريب: ثقة فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه في آخره، وكان ربما يدلس، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار، من رؤوس الطبقة الثامنة، مات سنة (198) ثمانٍ وتسعين ومائة، وله إحدى وتسعون سنة (91) روى عنه المؤلف في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) سفيان (قلت لسهيل) بن أبي صالح السمان ذكوان الزيات أبي يزيد المدني صدوق من السادسة، مات في خلافة المنصور، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابا تقريبًا (إن عَمْرًا) ابن دينار القرشي مولاهم، أبا محمد المكي ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثنين وعشرين بابًا تقريبًا (حدثنا عن القعقاع) بن حكيم الكناني المدني، روى عن أبي صالح وأبي يونس مولى عائشة وجابر بن عبد الله وابن عمر وعائشة وعلي بن الحسين وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وعمرو بن دينار، ذكره ابن عيينة في قصةٍ، ثم حدثه سفيان عن عطاء بن يزيد نفسه، ويروي عنه سهيل وزيد بن أسلم وجعفر بن عبد الله بن الحكم ويعقوب بن عبد الله بن الأشج وابن عجلان، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في موضعين والدعاء في موضعين وفي الأشربة في خمسة أبواب تقريبًا (عن أبيك) أبي صالح ذكوان مولى جُويرية بنت الحارث القيسية السمان المدني، ثقة ثبت، مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا. (قال) سفيان بن عيينة (ورجوت) أي ظننت أنا (أن يُسقط) سهيل (عني رجلًا) واحدًا من السند بينه وبين أبيه الذي هو القعقاع بن حكيم (قال) سفيان (فقال) لي سهيل حين رجوت منه بيان ذلك الرجل الذي أسقط، وجملة قوله (سمعته) مقول لقال الثانية، أي فقال لي سهيل: سمعت هذا الحديث (من) الشيخ (الذي سمعه) أي سمع هذا الحديث (منه) أي من ذلك الشيخ (أبي) أبو صالح حين حدثه لأبي (كان) ذلك الشيخ

صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ- ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيلٍ، عَن عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (صديقًا له) أي لأبي نزيلًا (بالشام) قال محمد بن عباد (ثم) بعدما أخبرنا سفيان هذه القصة التي جرت بينه وبين سهيل بن أبي صالح (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن سُهيل) بن أبي صالح (عن عطاء بن يزيد) الليثي من أنفسهم أبي يزيد المدني، وقيل الشامي، فرجا سفيان أولًا أن يسقط عنه سهيل رجلًا واحدًا من السند الذي هو القعقاع فحدث له سهيل عن عطاء بن يزيد فأسقط عنه رجلين القعقاع وأبا صالح، لأنه ظن أن سهيلًا سمعه من أبيه، فإذا هو سمعه من شيخ أبيه عطاء بن يزيد، قال القاضي عياض: وفيه دليل على حرص الأئمة على علو الإسناد واختصار الطريق، واتفق لسفيان في هذا السند سُقوط رجلين أكثر ممن ظنه أولًا، لأنه ظن أن لسُهيلًا سمعه من أبيه، فإذا هو سمعه من شيخ أبيه اهـ. وترتيب هذا السند قال مسلم: حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا سفيان عن سهيل (عن عطاء بن يزيد) الليثي الجندعي بضم الجيم، أبي يزيد المدني نزيل الشام، روى عن تميم الداري وعبيد الله بن عدي بن الخيار وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبي أيوب الأنصاري، ويروي عنه (ع) وسهيل بن أبي صالح وأبوه أبو صالح في قصةٍ ذكره ابن عيينة عن عمرو عن القعقاع عن أبي صالح عن عطاء الليثي، والزهري وأبو عبيد المذحجي، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات سنة خمس أو سبع ومائة (107) وهو ابن (82) اثنتين وثمانين سنة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في موضعين والزكاة والصلة في خمسة أبواب تقريبًا (عن تميم) بن أوس بن خارجة بن مسدَّد بن جذيمة بن ذراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن نمارة بن لخم، أبو رُقَيَّة الشامي بقاف وتحتانية مصغرًا (الداري) نسبة إلى الدار بن هانئ أحدِ أجداده، كان راهب عصره وعابد أهل فلسطين الصحابي المشهور، أسلم سنة تسع، وسكن بيت المقدس بعدما قتل عثمان، له ثمانية عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديث، روى عنه سيد البشر صلى الله عليه وسلم خبر الجساسة، وذلك في (خ م) وناهيك بهذه المنقبة الشريفة، وتدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر، كان صاحب ليل وتلاوة، وكان يختم القرآن في ركعة، قال مسروق: صلى ليلة حتى أصبح يقرأ آية يرددها {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} الآية، وقال أبو نعيم:

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الدِّينُ النصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَال: "للهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأئَمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أول من سرج في المساجد تميم الداري، وقال السائب بن يزيد: وهو أول من قص القصص بإذن عمر بن الخطاب، مات بالشام سنة (40) أربعين، وقبره ببيت جبرين من بلاد فلسطين، روى عنه عطاء بن يزيد الليثي في الإيمان وأنس وشهرٌ وقبيصة بن ذؤيب وعِدة، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مدنيان وواحد شامي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين) أي عماد الدين وقوامه (النصيحة) أي إرادة الخير لمن سيأتي في الحديث، والدين هنا بمعنى الإيمان ليُطابق الحديث ترجمة كتاب الإيمان، وفي العبارة تقديم وتأخير وحذف، والتقدير والنصيحة للغير من الدين والإيمان، أي إرادة الخير للغير من شعب الإيمان فلا يكمل إيمان المرء إلا بها (قلنا) معاشر الحاضرين النصيحة (لمن) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مُجيبًا لنا النصيحة (لله) سبحانه وتعالى، قال القاضي: النصيحة لله تعالى صحة الاعتقاد له بالوحدانية، ووصفه بصفات الإلهية وتنزيهه عن النقائص والرغبة في محابه والبعد عن مساخطه والإخلاص في عبادته، قال الخطابي: والنصيحة لله تعالى إنما ترجع إلى العبد لأن الله سبحانه غني عن نصح الناصحين (و) النصيحة (لكتابه) العزيز والقرآن الكريم، ومعنى النصيحة لكتابه الإيمان به، والعمل بما فيه، والتخلق بآدابه، وتحسين تلاوته والخشوع عند ذلك وتوقيره وتعظيمه، وتفهم معانيه وتدبر آياته، والتفقه في علومه، والدعاء إليه، والذب عنه من تأويل الغالين وتحريف المبطلين وطعن الملحدين (و) النصيحة (لرسوله) صلى الله عليه وسلم، ومعنى النصيحة له التصديق بنبوته، وطاعته فيما أمر به، ونهى عنه ونصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه ومحاربة من حاربه، وبذل النفوس والأموال دونه في حياته، وإحياء سنته بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها، والذب عنها ونشرها، والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة، والتأدب بآدابه الجميلة، وتوقيره وتعظيمه، ومحبة آل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته، (و) النصيحة (لأئمة المسلمين) وخلفائهم وأمرائهم وولاتهم، ومعنى النصيحة لهم طاعتهم في الحق، ومعاونتهم عليه وأمرهم به، وتذكيرهم إياه على أحسن الوجوه، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من أمور المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم، هذا إن أريد بالأئمة الخلفاء والولاة وهو المشهور، وإن أريد بهم العلماء فالنصح لهم

وَعَامَّتِهِمْ". 106 - (00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قبول روايتهم وتقليدهم في الأحكام وحسن الظن بهم، قال الخطابي: ومن النصيحة لولاة الأمور الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف، أو ظهر عثرة، وأن لا يُغرّوا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يُدعى لهم بالصلاح (و) النصيحة لي (عامتهم) وهم من عدا ولاة الأمور، ومعنى النصح لعامتهم إرشادهم لمصالحهم، ومعونتهم في أمر دينهم ودنياهم بالقول والعمل، وتنبيه غافلهم، وتعليم جاهلهم، ورِفد محتاجهم، وستر عوراتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع في الدين والدنيا إليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وسد خللهم، وترك حسدهم وغشهم، وبالجملة بأن يكون معهم كما قال صلى الله عليه وسلم أن تؤتيهم ما تحب أن يُؤتى إليك وتكره لهم ما تكره لنفسك، وإذا كان هذا في حق المسلمين فالأمراء والأئمة بذلك أولى. قال ابن بطال: والنصيحة فرض كفاية، وشَرْط لزومها أمن الناصح على نفسه وعلمه أنه يُقبل منه، فإن خشيَ الأذى فهو في سعة، قال الأبي: وتقدم عدم اشتراط ذلك في تغيير المنكر، فانظر الفرق، قال السنوسي: (قلت) أما الأمن على النفس فشَرطٌ فيهما، وأما القبول فلعل الفرق بين اشتراطه في النصيحة دون تغيير المنكر تحقُّق التلبس بالمفسدة في المنكر، فلا يسع السكوت عن تغييره باحتمال عدم القبول المحتمل للصدق والكذب بخلاف النصيحة فإن المفسدة لم يُقطع فيها بالوقوع فكانت أخف والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث أعني حديث تميم الداري قد شارك المؤلف في روايته أحمد (4/ 102) وأبو داود (4944) والنسائي (7/ 156) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث تميم الداري فقال: (106) - متا (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، أبو عبد الله السَّمين، روى عن عبد الرحمن بن مهدي وغيره، ويروي عنه (م د) وأحمد بن الحسن الصوفي وجماعة، وثقه الدارقطني وابن عدي وأفرط ابن معين فكذبه، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين،

حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ تَمِيمِ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... " بِمِثلِهِ. 107 - (00) وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال محمد بن حاتم (حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم، أبو سعيد البصري اللؤلؤي، الإمام العلم، روى عن الثوري وشعبة ومالك وخلق، ويروي عنه (ع) ومحمد بن حاتم ومحمد بن المثنى وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، من التاسعة، مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة بالبصرة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا، قال ابن مهدي (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أحد الأئمة الأعلام ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا. (عن سهيل بن أبي صالح) السمان أبي يزيد المدني صدوق من السادسة (عن عطاء بن يزيد الليثي) أبي يزيد المدني، ثقة من الثالثة (عن تميم) بن أوس بن خارجة (الداري) الصحابي المشهور (عن النبي صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بقوله حدثنا سفيان الثوري، والضمير فيه يعود إلى سفيان بن عيينة المذكور في السند السابق، والتقدير حدثنا سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح بمثل ما حدث سفيان بن عيينة عن سُهيل، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذا السند من سداسياته، ورجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بغدادي وواحد بصري وواحد كوفي وواحد شامي، وهذا من ألطف الأسانيد، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث تميم فقال: (107) - (00) (وحدثني أمية بن بِسْطام) بكسر الباء وسكون السين، وحُكي فتح الباء والصرف وعدمه، بن المنتشر العيشي بتحتانية ثم معجمة، نسبة إلى بني عائش بن مالك بن تيم الله، سكنوا البصرة، أبو بكر البصري، روى عن يزيد بن زُريع في الإيمان وغيره، والمعتمر بن سليمان في الوضوء، ويروي عنه (خ م س) وأبو زرعة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (231) إحدى

عَنْ يَزِيدَ (¬1) - يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ- حَدَّثَنَا رَوْحٌ -وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ- حَدَّثَنَا سُهَيلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ -سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبَا صَالِحٍ- عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... " بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلاثين ومائتين (عن يزيد) بن زُريع بزايٍ مُصغرًا التيمي العيشي، أبي معاوية البصري، ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، كما مر مرارًا، قال يزيد بن زريع (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري، أبو غياث البصري، يروي عن سهيل بن أبي صالح، ويروي عنه (خ م د س ق) ويزيد بن زُريع ثقة حافظ من السادسة، مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا. وأتى بجملة قوله (وهو ابن القاسم) إشارة إلى أن هذه النسبة ليست مما سمعها من شيخه بل زادها من عند نفسه، قال روح (حدثنا سهيل) بن أبي صالح أبو يزيد المدني (عن عطاء بن يزيد) الليثي المدني، وجملة قوله (سمعه) حال من سهيل، والضمير عائد على عطاء والتقدير حدثنا سهيل حالة كون سهيل سمع عطاء، وجملة قوله (وهو يُحدث أبا صالح) حال من عطاء، أي سمع سهيل عطاء يُحدث أباه أبا صالح (عن تميم) بن أوس (الداري) أي المنسوب إلى دار بن هانئ أحد أجداده (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بقوله حدثنا روح، والضمير عائد إلى سفيان بن عيينة، والتقدير حدثنا روح بن القاسم عن سهيل بمثل ما حدث سفيان بن عيينة عن سهيل، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة روح بن القاسم لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، مع بيان كيفية سماع سهيل عن عطاء، وهذا السند من سداسياته، ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد شامي والله أعلم. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث تميم الداري، وذكر فيه متابعتين. ¬

_ (¬1) في نسخة: (حدثنا يزيد).

30 - باب مبايعة الإمام على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم، وكونها من الإيمان

30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ 108 - (55) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 30 - بَابُ مُبَايَعَةِ الإِمَامِ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَونهَا مِنَ الإِيمَانِ أي باب معقودٌ في بيان مشروعية مبايعة الإمام على هذه الأمور وغيرها كإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكون تلك المبايعة من شعب الإيمان، لأن المبايعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا على أمور الدين والإيمان، فكانت من شعب الإيمان، ولم يترجم لهذا الحديث أحد من الشراح ولا أصحاب المتون إلا الأبي فقال فيه: (باب حديث جرير) والمبايعة مفاعلة من البيع، وكانوا إذا بايعوا الإمام قبضوا على يديه توكيدًا للأمر فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فجاءت المفاعلة في بايعت من ذلك، فالمبايعة وكذا البيعة لغةً: المعاهدة، واصطلاحًا معاهدة الإمام على تسليم النظر في كل الأمور إليه على وجه لا ينازع اهـ الأبي. (108) - (55) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا عبد الله بن نمير) بالنون مصغرًا، الهمداني الخارفي بمعجمة ثم ألف ثم مهملة من خارف همدان أبو هشام الكوفي، ثقة ثبت من كبار التاسعة، مات سنة (199) وله (84) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت ربما دلس، من كبار التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين وله (80) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي، أحمس بجيلة مولاهم، أبي عبد الله الكوفي، ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (146) ست وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث بن عوف البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، أحد كبار

عَنْ جَرِيرٍ قَال: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَي إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ التابعين، ثقة من الثانية، مات سنة (98) ثمان وتسعين، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (عن جرير) بن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي اليماني الأصل أبي عمرو، ويقال أبي عبد الله الصحابي الجليل، أسلم سنة عشر في رمضان، وبسط له النبي صلى الله عليه وسلم رداءه وأكرمه ووجهه إلى ذي الخلصة وهدمها، وعمل على اليمن في زمنه صلى الله عليه وسلم وكان سيدًا مطاعًا بديع الجمال، له مائة حديث، اتفقا على ثمانية، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بستة، عِداده في الكوفيين، سكنها زمانًا وتحول إلى قرقيسيا ومات بها سنة إحدى وخمسين (51)، ويروي عنه (ع) وابناه إبراهيم وعبد الله وحفيده أبو زرعة وقيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة والشعبي والمنذر بن جرير وعامر بن سعد البجلي وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن هلال وغيرهم، وروى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع، وروى عن معاوية في سِنِّ النبي صلى الله عليه وسلم وقال جرير: ما رآني النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم، ولا حجبني منذ أسلمت، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة وسن النبي صلى الله عليه وسلم في أربعة أبواب تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون. (قال) جرير (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعاهدته (على إقام الصلاة) المكتوبة وأدائها في أوقاتها المحددة (و) على (إيتاء الزكاة) المفروضة وصرفها إلى مصارفها الثمانية (و) على (النصح) وإرادة الخير (لكل مسلم) ومسلمة، والمبايعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا على أمور الدين، فكانت المبايعة من شعب الإيمان، فدل الحديث على صدر الترجمة بمنطوقه، وعلى عجزها بمفهومه، قال القرطبي: كانت مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه مرات متعددة في أوقات مختلفة بحسب ما كان يُحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر فلذلك اختلفت ألفاظها، فذكر في هذه الرواية أنها كانت على الثلاث، ولم يذكر الصوم وغيره من الشرائع لدخوله في مسمى الطاعة اهـ. وفي الرواية الآتية لجرير "على السمع والطاعة فَلقَّنِّي فيما استطعت والنصح لكل مسلم" ومثلها في حديث ابن عمر في صحيح البخاري، وفي حديث سلمة "أنهم بايعوه يوم الحديبية على الموت" وفي حديث عُبادة "بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة

109 - (00) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيادِ بْنِ عِلَاقَةَ، سَمِعَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرب على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول -أو نقوم- بالحق" وهذه قصص بحسب اختلاف الأحوال، فأما حديث عبادة "في المنشط والمكره" فهي كانت بيعة الأنصار في العقبة الثانية على بذل الأنفس والأموال دونه، وكذلك بيعة الشجرة، وأما ذكر جرير الصلاة والزكاة من بين سائر دعائم الإسلام فلكونهما قرينتين، وأهم أمور الإسلام وأظهرها، ولم يذكر الصوم وغيره من الشرائع لأنه داخل في السمع والطاعة اهـ، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير فقال: (109) - متا (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين (و) حدثنا أيضًا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين (و) حدثنا أيضًا محمد بن عبد الله (بن نمير) أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة مأمون حافظ من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، ولم يأتِ بحاء التحويل لاتحاد شيخهم واتحاد صيغة روايتهم عن شيخهم (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم، أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي، ثقة إمام حجة من رؤوس الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، روى عن زياد بن علاقة، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا (عن زياد بن علاقة) بكسر المهملة وبالقاف الثعلبي بالمثلثة أبي مالك الكوفي، ابن أخي قطبة بن مالك، روى عن جرير بن عبد الله وعمرو بن ميمون وعرفجة وعمه قطبة بن مالك والمغيرة بن شعبة وغيرهم، ويروي عنه (ع) والسفيانان والأعمش ومِسْعَر وشعبة وخلق، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (135) خمس وثلاثين ومائة، وقد جاوز المائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والصوم والجهاد واجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم. حالة كون زياد (سمع جرير بن عبد الله) بن جابر البجلي الأحمسي الكوفي

يَقُولُ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُل مُسْلِمٍ. 110 - (00) حَدَّثَنَا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته، رجاله كلهم كوفيون إلا على رواية زهير بن حرب فإنه نسائي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة زياد بن علاقة لقيس بن أبي حازم في رواية هذا الحديث عن جرير بن عبد الله، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وفيها أيضًا تصريح سماع زياد بن علاقة لجرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه. حالة كون جرير (يقول: بايعت) وعاهدت (النبي صلى الله عليه وسلم على النصح) وإرادة الخير الكل مسلم) ومسلمة وفي هذه الرواية اقتصار على النصح لكل مسلم، قال النواوي: وذكر الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده ما فيه منقبة ومكرمة لجرير بن عبد الله، وذلك أن جريرًا أمر مولاه أن يشتري له فرسًا، فاشترى له فرسًا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه باربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبد الله، فقال: فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائةً فمائةً وصاحبه يرضى، وجرير يقول: فرسك خير من هذا، إلى أن بلغ ثمانمائة درهم فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جرير رضي الله تعالى عنه فقال: (110) - متا (00) (حدثنا سريج) بسين مهملة وجيم آخره مصغرًا (بن يونس) بن إبراهيم بن الحارث المروزي الأصل، أبو الحارث البغدادي، روى عن هشيم وإسماعيل بن جعفر ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة وعبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر وعبد الله بن رجاء وعبَّاد بن عبَّاد وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن عبد الرحيم وأحمد بن علي المروزي والبغوي، قال أبو حاتم: صدوق، ووثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة عابد من العاشرة، مات لثمان بقين من ربيع الأول سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين له في (خ) فرد حديث وأكثر عنه (م) وليس في مسلم من اسمه سُريج إلا هذا، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والحج والجهاد والطلاق والطب والضحايا والفضائل وخلق الأشياء وصفة النار، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (يعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي)

قَالًا: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ عَنْ سَيَّارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو يوسف البغدادي أخو أحمد القيسي مولى عبد القيس، وإنما سموا دوارقة لأنهم كانوا يلبسون القلانس الطوال، قال أبو العباس السراج: ولد يعقوب سنة (166) ست وستين ومائة، وكان بينه وبين أخيه أحمد سنتان، روى عن هشيم بن بشير وابن علية وابن أبي حازم ويحيى بن أبي كثير ومروان بن معاوية ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو زرعة وأبو حاتم والبغوي وابن خزيمة والسراج وجماعة، وثقه الخطيب وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وله ست وتسعون (96) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والحج والطلاق والذبائح والفتن في ستة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من سريج ويعقوب (حدثنا هشيم) مصغرًا بن بشير بوزن عظيم بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية الواسطي ثم البغدادي، روى عن سيار وخالد الحذاء وحصين وداود بن أبي هند والأعمش وعبد العزيز بن صهيب ومغيرة ومنصور بن زاذان وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن حسان وأبي إسحاق الشيباني وحُميد الطويل وخلق، ويروي عنه (ع) وسُريج بن يونس ويعقوب الدورقي وعمرو الناقد وعبد الله بن مطيع ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل ومنصور بن أبي مزاحم وابن أبي شيبة وزهير بن حرب وخلق، قال يعقوب الدورقي: كان عند هُشيم عشرون ألف حديث، وقال العجلي: ثقة يُدلس، وقال في التقريب: ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، وقد قارب الثمانين (80) وليس عندهم هُشيم إلا هذا. روى عنه المؤلف في الإيمان في ثلاثة مواضع وفي الوضوء في موضعين والصلاة في موضعين والجنائز والزكاة والصوم في موضعين والحج في ثلاثة مواضع والإيمان في ثلاثة مواضع والحدود في موضعين والنكاح والطلاق والبيوع في ثلاثة مواضع والقسامة والأدب في موضعين والأطعمة والطب والدعاء والتفسير آخر الكتاب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية عشر بابًا تقريبًا. (عن سيار) بتقديم السين على الياء المشددة بن وردان العنزي بفتح النون من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، أبي الحكم الواسطي، روى عن الشعبي ويزيد الفقير وأبي وائل وزر بن حبيش، ويروي عنه (ع) وهشيم وقُرة بن خالد وشعبة، وثقه أحمد

عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ قَال: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي "فِيمَا اسْتَطَعْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، مات سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والنكاح والطلاق والجهاد في خمسة أبواب. (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي، شعب همدان، أبي عمرو الكوفي، الإمام العلم، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر، روى عن جرير بن عبد الله البجلي وأبي بُردة بن أبي موسى ومسروق والمغيرة بن شعبة وبُريدة وعروة بن المغيرة وعلقمة وابن عباس وعدي بن حاتم والنعمان بن بشير وخلائق، ويروي عنه (ع) وسيار بن وردان ومنصور بن عبد الرحمن وداود بن أبي هند وإسماعيل بن خالد ومنصور بن المعتمر وعِدة من الناس، قال أبو مجلز: ما رأيت فيهم أفقه من الشعبي، وقال في التقريب: ثقة مشهور فقيه فاضل من الثالثة، مات سنة (103) ثلاث ومائة وله نحو (80) سنة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والجنائز والبيوع في ثلاثة مواضع والذبائح في ثلاثة مواضع والصوم والصيد والطلاق والفتن في أربعة مواضع والهبة والتوبة والجهاد في خمسة مواضع والأحكام والفضائل في موضعين والضحايا والتفسير واللباس والدعاء في ثلاثة مواضع، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة عشر بابًا تقريبًا. (عن جرير) بن عبد الله البجلي الأحمسي الكوفي الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم بغداديان واثنان كوفيان وواحد واسطي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الشعبي لقيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة في رواية هذا الحديث عن جرير بن عبد الله، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. (قال) جرير (بايعت) وعاهدت (النبي صلى الله عليه وسلم على السمع) له فيما يقول ولأئمة المسلمين (و) على (الطاعة) والإجابة له ولأئمة المسلمين فيما يأمر وينهى (فلقَّنني) من التلقين: وهو حكاية القول لمن يقوله، ويقابله الإملاء: وهو حكاية القول لمن يكتبه، وقوله (فيما استطعت) قال القرطبي: رويناه بفتح التاء على مخاطبته صلى الله

وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، قَال يَعْقُوبُ فِي رِوَايَتِهِ، قَال: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم إياه، وعلى هذا فيكون قوله (فيما استطعت) من قول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا له به فلا يحتاج جرير إلى التلفظ بهذا القول وعليه فمعنى قوله (فلقنني النبي صلى الله عليه وسلم فيما استطعت) أي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم فقد بايعتك على السمع والطاعة فيما استطعتَ وقدرتَ عليه، ولم يشق عليك، وعلى هذا فالتلقين ليس على معناه الأصلي، ورويناه بضم التاء للمتكلم، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينطق بهذا اللفظ فكأنه قال له: قل فيما استطعتُ، وعليه فيحتاج جرير إلى النطق بذلك امتثالًا للأمر، وعليه فمعنى قوله (فلقنني النبي صلى الله عليه وسلم فيما استطعت) أي أمرني أن أقول بايعتك على السمع والطاعة فيما استطعت، وعلى هذا فالتلقين على معناه الأصلي، وهذا التلقين من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، إذ لو لم يقيده بذلك عَئَم في كل الأحوال، وقد يعجز في بعضها، وعلى الوجهين فمقصود هذا القول التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايع عليها هو ما يطاق ويستطاع، كما هو المشترط في أصل التكليف، كما قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} ويُشِعر الأمر بقول ذلك اللفظ في حال المبايعة بالعفو عن الهفوة والسقطة، وما وقع عن خطأ، أو تفريط اهـ من المفهم بزيادة والله أعلم. وقوله (والنصح لكل مسلم) بالجر معطوف على السمع والطاعة، وأما قول الإمام مسلم (قال) شيخي (يعقوب في روايته) لي هذا الحديث (قال) هشيم (حدثنا سيار) ففيه تنبيه على لطيفة وهو أن هشيمًا مُدلس، وقد قال عن سيار، والمُدلس إذا قال عن لا يحتج بحديثه إلا إذا ثبت سماعه من جهة أخرى، فروى مسلم رحمه الله تعالى حديثه هذا عن شيخين وهما سريج ويعقوب، فأما سريج فقال في روايته (حدثنا هشيم عن سيار) بالعنعنة، وأما يعقوب فقال في روايته (حدثنا هشيم قال حدثنا سيار) فبين مسلم رحمه الله تعالى اختلاف عبارة الراويين في نقلهما عبارة هشيم، وحصل منهما اتصال حديثه، ولم يقتصر مسلم رحمه الله تعالى على إحدى الروايتين، وهذا من دقيق إتقانه وتدقيق نظره، وحسن احتياطه رحمه الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. وهذا الحديث أعني حديث جرير شارك المؤلف في روايته أحمد (4/ 358، 361، 364، 365) والبخاري (57) وأبو داود (4945) والنسائي (7/ 153). ***

31 - باب بيان نقصان الإيمان بارتكاب المعاصي، ونفيه عن مرتكبها حال تلبسه بها على معني نفي كماله

31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 31 - بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الإِيمَان بِارْتْكَابِ الْمَعَاصِي، وَنَفْيِهِ عَنْ مُرْتَكِبِهَا حَال تَلَبُّسِهِ بِهَا عَلَى مَعْنَي نَفْيِ كَمَالِهِ أي هذا باب معقود في ذكر أن الإيمان ينقص بفعل المعاصي كما أنه يزيد بفعل الطاعات، وأن كمال الإيمان ينتفي عنه حال تلبسه بها بمعنى أن إيمانه ناقص غير كامل، وترجم القاضي والنواوي وأكثر المتون للأحاديث الآتية بترجمة قريبة من ترجمتنا وهي قولهم (باب نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله). وترجم لها الأبي بقوله (باب أحاديث قوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني وهو مؤمن) وترجم لها السنوسي بقوله (باب لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن إلى آخره) وترجم لها القرطبي بقوله (باب لا يزني الزاني حين يزني وهو كامل الإيمان) وهذه التراجم كلها وكذا ترجمتنا ألفاظها متقاربة ومعانيها متحدة والله أعلم. قال القرطبي: هذه الترجمة مُشعرة بأن هذه الأحاديث المذكورة تحتها ليست على ظواهرها بل متأولة، وهي تحتمل وجوهأ من التأويلات: أحدها ما ذُكِر في الترجمة وستأتي بقيتها إن شاء الله تعالى قريبًا، قال (م) واحتج الخوارج بحديث الباب على التكفير بالذنوب، والمعتزلة على أن الفاسق لا يسمى مؤمنًا، قال (ع) ونرد على الجميع بحديث أبي ذر رضي الله عنه الآتي: "وإن زنى وإن سرق" لأنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وحديث الباب عندنا مؤول فيُحمل على أنه لنفي الكمال أي لا يزني وهو كامل الإيمان، من باب نفي الشيء بنفي صفته نحو قولهم (لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا الإبل) أو يحمل على المُستحل للمعاصي المذكورة، وقيل معناه وهو آمنٌ من عقوبة الله تعالى، وتأوله الحسن والطبري على أنه لنفي اسم المدح، أي وهو يقال له مؤمن بل يقال له زانٍ أو شاربٌ أو سارقٌ، وتأوله المهلب على أنه لنفي البصيرة أي وهو ذو بصيرة، وحمله ابن عباس على أنه لنفي النور، أي وهو ذو نور، وذكر في ذلك حديثًا: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه فإن شاء رده إليه" أخرجه الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس، وقيل إنه نهيٌ لا خبر وهو بعيد

111 - (56) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يساعده اللفظ ولا الرواية، وقال ابن شهاب إنه من المتشابه فيُترك تأويله إلى الله تعالى، وقال أجروا هذه الأحاديث كما أجراها من كان قبلكم، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجروها ورأوها من المشكل، وذكر الطبري عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه أنكر هذا الحديث وغلَّط الرواة قال: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني المؤمن ولا يسرق، قال (د) وأحسن هذه التأويلات فيه الأول، قال (ط) بل حملها على المستحل أولى، قال الأبي: وهذا بعيد لأنه لا يبقى لذكر الزنا فائدة لأنه شأن كل ذنب يُستحل، وما ذكر عن ابن زيد لا يدفع الحاجة إلى التأويل بل يتأكد بأن الزنا واقع، وخبره صلى الله عليه وسلم واجب الصدق إلا أن يكون لا يزني المؤمن نهيًا لا خبرًا ويحتمل أن يكون المعنى: وهو مستحضر الإيمان، ويؤيده قول الفخر: لا يزني الزاني وهو عاقل، لأن المعصية مع استحضار العقوبة مرجوحة، والحكم بالمرجوح بخلاف المعقول، وتأوله بعضهم بأن المراد بالإيمان فيه الحياء، أي وهو مستحي من الله تعالى، والحياء شعبة من الإيمان كما تقدم، وحمله غيره على التشديد كقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالمِينَ}. (111) - (56) (حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن عمران التجيبي) بضم المثناة وكسر الجيم بعدها ياء ساكنة ثم موحدة، أبو حفص المصري، صاحب الشافعي وتلميذه، روى عن ابن وهب نحو مائة ألف حديث ومؤمل بن إسماعيل، ويروي عنه (م س ق) وحفيده أحمد بن طاهر وابن قتيبة العسقلاني والحسن بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) ثلاث أو أربع وأربعين ومائتين، روى عن ابن وهب في الإيمان وفي مواضع كثيرة. (أنبأنا) أي أخبرنا عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، أحد الأئمة، قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن صالح: حدث بمائة ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وله (72) اثنتان وسبعون سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولَانِ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مشكان الأيلي أبو يزيد القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان، وقال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومالْة، وقد تقدم أن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، ثقة متقن متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) ابن شهاب (سمعت أبا سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة من الثالثة، مات سنة (94) أربع وتسعين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) سمعت أيضًا (سعيد بن المسيب) بن حَزْنٍ القرشي المخزومي، أبا محمد المدني الأعور سيد التابعين، وأحد العلماء الأثبات، والفقهاء السبعة بالمدينة، من كبار الثانية، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا، حالة كونهما (يقولان: قال أبو هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) أي والحال أنه كامل الإيمان، بل إيمانه ناقص بسبب ذنب الزنا، وهذا أول مواضعِ الترجمة من الحديث. والزنا بالقصر ويمد، لغة: الصعود، يقال: زنأ في الجبل، إذا صعد فيه، وبابه رَمَى، وسْرعًا: هو إيلاج فرج محرم في فرج محرم شرعًا مشتهى طبعًا من حيث هو كذلك، فاحترزوا بمشتهى طبعًا من اللواط هاتيان البهيمة، وبقوله من حيث هو كذلك عن وطء المُحْرِمة والصائمة والحائض والنفساء فإنه تحريم من جهة الموانع الخارجية. قال القاضي: ولا خلاف بين أهل السنة أن هذا الحديث ليس على ظاهره، وأن المعاصي لا تُخرج أحدًا من سواد أهل الإيمان على ما قدمناه، ثم اختلفوا في تأويله وإمراره على ما جاء، ويفسره حديث أبي ذر رضي الله عنه "من قال لا إله إلا الله دخل

ولا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ"، قَال ابْنُ شِهَابٍ: فأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة وإن زنى وإن سرق" ومعلوم أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن فحديث الباب يقطع حجة المرجئة القائلين: إن المعاصي لا تضر المؤمن، وحديث أبي ذر يقطع حجة المعتزلة والخوارج وبعض الرافضة القائلين بأن المعاصي تُخرج من الإيمان وتوجب الخلود في النار، وأهل السنة والهدى جمعوا بين معانيها وقرروا الأحاديث على أصولها واستدلوا بحديث أبي ذر على منع التخليد بالمعاصي، وبهذا الحديث "لا يزني الزاني وهو مؤمن" على نقص الإيمان بالمعاصي كما وردت مفسرة في أحاديث كثيرة وآيٍ من القرآن منيرةٍ اهـ. (ولا يسرق) من باب ضرب (السارق حين يسرق وهو مؤمن) أي كامل الإيمان بل إيمانه ناقص بذنب السرقة وقتئذ، والسرقة لغة: أخذ الشيء خفية مطلقًا، وشرعًا: أخذ ما يبْلُغ نصابًا مُحرزًا في حرز مثله خفية وهي من الكبائر ويكفر مستحلها (ولا يشرب) الشارب (الخمر) والمسكر (حين يشربها وهو مؤمن) أي كامل الإيمان بل ناقصه بسبب ذنب الشرب (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فأخبرني) والفاء فيه عاطفة على محذوف تقديره أخبرني أبو سلمة وسعيد بن المسيب هؤلاء الثلاثة المذكورين فلم يزيدا عليهم، ولكن أخبرني (عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي المدني روى عن أبيه أبي بكر في الإيمان والصوم والنكاح وعن خارجة بن زيد في الوضوء ويروي عنه (ع) والزهري وابن جريج ومحمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وعبد الله بن أبي بكر وعبد الرحمن بن حِمْيَر، وثقه النسائي وابن سعد وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، مات في أول خلافة هشام، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب الإيمان والوضوء والصوم والنكاح. (أن) أباه (أبا بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي القرشي المدني، كان أحد الفقهاء السبعة، قيل اسمه محمد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد وُلد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته، وكان

كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَؤُلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: وَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ -يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ- حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيهًا عابدًا يصوم الدهر كله، روى عن أبيه وعن أبي هريرة وعمار وأبي مسعود وطائفة، ويروي عنه (ع) وبنوه سلمة وعبد الملك وعمر وعبد الله ومولاه سُمَيٌّ والزهري، وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد من الثالثة مات سنة (94) أربع أو خمس وتسعين بعدما عمي، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم في خمسة مواضع والبيوع في موضعين والفتن والنكاح في ستة أبواب تقريبًا (كان يحدثهم) أي يحدث عبد الملك ومن معه (هولاء) الثلاثة المذكورين من الزاني والسارق والشارب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته، رجاله اثنان منهم مصريان وواحد أيلي وأربعة مدنيون، وجملة قوله (ثم يقول) معطوفة على جملة يحدثهم أي كان أبو بكر يحدثهم هؤلاء الثلاثة ثم بعد ما حدثهم هؤلاء الثلاثة يقول لهم (وكان أبو هريرة يلحق معهن) أي يزيد ويروي مع هؤلاء الثلاثة الزاني والسارق والشارب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المنتهب ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ولا ينتهب) أي ولا يأخذ المنتهب أي الآخذ أموال الناس جهارًا اعتمادًا على قوته وغلبته (نُهبة) أي مالًا مأخوذًا جهارًا وغلبة (ذات شرف) صفة لنهبة أي مالًا صاحب قدر وقيمة عند الناس، لا مالًا تافهًا كثرة وفَلْس، وقوله (يرفع الناس إليه) أي إلى ذلك المنتهب (فيها) أي بسبب تلك النهبة (أبصارهم) للنظر إليه، والعجب من جراءته على حقوق الناس صفة ثانية لنهبة، والظرف في قوله (حين ينتهبها) أي حين ينتهب ويأخذ تلك النهبة بالقوة والغلبة متعلق بقوله: ولا ينتهب، وجملة قوله (وهو مؤمن) أي كامل الإيمان حال من فاعل قوله: ولا ينتهب. قال النواوي: (قوله: قال ابن شهاب فأخبرني عبد الملك بن أبي بكر أن أبا بكر كان يحدثهم هؤلاء عن أبي هريرة، ثم يقول: وكان أبو هريرة يُلحق معهن) إلخ ظاهر هذا الكلام أن قوله ولا ينتهب ... إلخ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام أبي هريرة رضي الله عنه موقوف عليه، ولكن جاء في روايةٍ أخرى ما يدل على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جمع ابن الصلاح رحمه الله تعالى في ذلك كلامًا حسنًا فقال: روى أبو نعيم في مستخرجه على كتاب مسلم رحمه الله تعالى من حديث همام بن منبه هذا الحديث وفيه "والذي نفسي بيده لا ينتهب أحدكم" وهذا مصرحٌ برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولم يُستغن عن ذكر هذا بأن البخاري رواه من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث الليث بإسناده هذا الذي ذكره مسلم عنه معطوفًا فيه ذكر النهبة على ما بعد قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نَسقًا من غير فصل بقوله: وكان أبو هريرة يُلحق معهن ذلك، وذلك مراد مسلم رحمه الله تعالى بقوله الآتي: واقتصَّ الحديث مع ذكر النهبة، ولم يذكر ذات شرف) وإنما لم يكتف بهذا في الاستدلال على كون النهبة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد يعد ذلك من قبيل المُدرج في الحديث من كلام بعض رواته استدلالًا بقول من فصل فقال: وكان أبو هريرة يلحق معهن، وما رواه أبو نعيم يرتفع عن أن يتطرق إليه هذا الاحتمال، وظهر بذلك أن قول أبي بكر بن عبد الرحمن: (وكان أبو هريرة يُلحق معهن) معناه يُلحقه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رأيًا من عند نفسه، وكأن أبا بكر خصها بذلك لكونه بلغه أن غيره لا يرويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك ما تراه من رواية مسلم رحمه الله تعالى الحديثَ من رواية يونس وعقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة من غير ذكر النهبة. ثم إن في رواية عقيل أن ابن شهاب روى ذكر النهبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن نفسه، وفي رواية يونس بن عبد الملك بن أبي بكر عنه فكان ابن شهاب سمع ذلك من ابنه عبد الملك عنه في رواية يونس ثم سمعه من أبي بكر نفسه في رواية عقيل. انتهى من منهاج النووي. قوله (ولا ينتهب نهبة) أي ولا يأخذ نهبة مالًا مأخوذًا جهرًا قهرًا، قال القرطبي: والنهبة بضم النون وكذا النُّهبى بضمها اسم لما يُنتهب من المال أي يؤخذ من غير قسمة ولا تقدير، ومنه سُميت الغنيمة نُهبى كما قال في الحديث المتفق عليه "وأصبنا نهب إبل" أي غنيمة إبل، لأنها تؤخذ من غير تقدير، تقول العرب: أُنهب الرجل ماله فانتهبوه ونهبوه وناهبوه، قاله الجوهري، وقوله (ذات شرف) هكذا بالشين المفتوحة المعجمة في الرواية المعروفة، والأصول المشهورة المتداولة، معناه ذات قدر عظيم وقيمة رفيعة، وقيل ذات استشراف يستشرف الناس ويتطلعون لها ناظرين إليها رافعين أبصارهم، ورواه الحربي (ذات سرف) بالسين المهملة المفتوحة، وقال معناه ذات مقدار كثير ينكره الناس، كنهب الفساق في الفتن الحادثة المال العظيم القدر مما يستعظمه الناس بخلاف التمرة والفلس، وما لا خطر له، قوله (يرفع الناس إليه أبصارهم) قال الحافظ ابن حجر:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه إشارة إلى حال المنهوبين، فإنهم ينظرون إلى من ينهبهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، قال: ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون خفية، والانتهاب أشد؛ لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة اهـ فتح (12/ 60) ومن أجل هذا شرط بعض الشافعية لكون الغصب كبيرة، أن يكون المغصوب نصابًا، وكذا السرقة اهـ منه (12/ 63). قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث التنبيه على جميع أنواع المعاصي، والتحذير منها، فنبه بالزنى على جميع الشهوات المحرمة، كشهوة النظر والكلام والسمع ولمس اليد ونقل الخطا إلى مثل تلك الشهوة كما قال صلى الله عليه وسلم: "فزنى العينين النظر وزنى اللسان الكلام وزنى اليد البطش وزنى الرجل الخُطا والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" رواه البخاري ومسلم وأبو داود. ونبه بالسرقة على اكتساب المال بالحيل الخفية، وبالنهب على اكتسابه على جهة الهجم والمغالبة، وبالغلول على أخذه على جهة الخيانة، هذا ما أشار إليه بعض علمائنا. (قلت) وهذا تنبيه لا يتمشى إلا بالمسامحة، وأولى منه أن يقال إن الحديث يتضمن التحذير عن ثلاثة أمور، وهي من أعظم أصول المفاسد، وأضدادها من أصول المصالح، وهي استباحة الفروج المحرمة والأموال المحرمة، وما يؤدي إلى الإخلال بالعقول، وخص بالذكر أغلب الأوجه حُرمة التي يؤخذ بها مال الغير بغير الحق، وظاهر هذا الحديث حُجة للخوارج والمعتزلة وغيرهم ممن يُخرج عن الإيمان بارتكاب الكبائر، غير أن أهل السنة يعارضونهم بظواهر أخرى أولى منها، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، وكقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت "ومن أصاب شيئًا من ذلك يعني من القتل والسرقة والزنا فعُوقب به فهو كفارة له ومن لم يُعاقب فأمره إلى الله إن شاء عفا، وإن شاء عذبه" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ويُعضد هذا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، ونحو هذا في الأحاديث كثير، ولما صحت هذه

112 - (00) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ المعارضة تعين تأويل تلك الأحاديث الأوَل وما في معناها، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال حَبْر القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إن ذلك محمول على المستحل لتلك الكبائر، وقيل معنى ذلك إن مرتكب تلك الكبائر يسلب عنه اسم الإيمان الكامل أو النافع الذي يفيد صاحبه الانزجار عن هذه الكبائر، وقال الحسن: يسلب عنه اسم المدح الذي سُمي به أولياء الله المؤمنون، ويستحق اسم الذم الذي سُمي به المنافقون والفاسقون، وفي البخاري عن ابن عباس يُنزع منه نور الإيمان، وروى في ذلك حديثًا مرفوعًا فقال: "من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه، فإن شاء أن يرده إليه رده" وكل هذه التأويلات حسنة والحديث قابل لها، وتأويل ابن عباس هذا أحسنها ولكن مر عليه الاعتراض انتهى من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (21/ 317، 386، 479) والبخاري (5578) وأبو داود (4689) والترمذي (2627) والنسائي (8/ 64) وابن ماجه (3936). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا فقال: (112) - متا (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي مولاهم أبو عبد الله المصري، روى عن أبيه في كتاب الإيمان وفي مواضع وعن ابن وهب في الفتن، ويروي عنه (م د س) وابن أبي داود، قال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين (قال) عبد الملك (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم من قيس عيلان، أبو عبد الملك المصري، روى عن أبيه في الإيمان وغيره، ويروي عنه (م د س) وابنه عبد الملك بن شعيب ويونس بن عبد الأعلى وآخرون، وثقه ابن حبان والخطيب وأحمد بن صالح، وقال في التقريب: ثقة نبيل فقيه من كبار العاشرة، مات سنة (199) وله أربع وستون (64) سنة (عن جدي) الليث بن سعد بن عبد الرحمن بن الحارث الفهمي مولى فهم من قيس عيلان، أبي الحارث المصري، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، وقال في التقريب:

قَال: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي ... " وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ، يَذْكُرُ مَعَ ذِكْرِ النُّهْبَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: (ذَاتَ شَرَفٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من السابعة، مات في شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا. (قال) ليث بن سعد (حدثني عُقيل) بضم أوله (بن خالد) بن عقيل بفتح أوله القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه أبو خالد الأيلي بفتح الهمزة بعدها ياء ساكنة ثم لام، سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، روى عن الزهري في الإيمان والصلاة وغيرهما، وسلمة بن كُهيل في الصلاة، وعن القاسم وسالم وغيرهم، ويروي عنه (ع) والليث بن سعد والمفضل بن فضالة ويحيى بن أيوب وغيرهم، وثقه أحمد والنسائي، وقال أبو حاتم هو أثبت من معمر وقال في التقريب: ثقة ثبت من السادسة، مات سنة (144) على الصحيح، وليس من اسمه عقيل في مسلم إلا هذا الثقة. (قال) عُقيل بن خالد (قال) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبو بكر المدني (أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المدني (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سباعياته، رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة منهم مدنيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عقيل بن خالد ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، ولكن في رواية يونس روى ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بواسطة عبد الملك، وفي رواية عُقيل روى عنه بلا واسطة عبد الملك كما مر بيانه، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (أنه) أي أن أبا هريرة (قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني واقتص) عُقيل بن خالد (الحديث) السابق عن يونس (بمثله) أي بمثل ما روى يونس عن ابن شهاب عن عبد الملك حالة كون عُقيل (بذكر) الحديث السابق (مع كر النهبة) فيه بقوله: "ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إلخ" كما ذكرها يونس عن ابن شهاب عن عبد الملك (و) لكن (لم يذكر) عقيل في روايته لفظة (ذات شرف) أي نهبة ذات كثرة وقوله (يذكر) بالبناء للفاعل مع حذف هاء المفعول اختصارًا، وكذا قوله: ولم يذكر بالبناء للفاعل مع ذكر

قَال ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا، إلا النُّهْبَةَ. 113 - (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، قَال: أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأوزَاعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المفعول، ويحتمل أن لا تكون محذوفة ويُبنى الفعل فيهما للمفعول أو يكون في موضع الحال، أي واقتص الحديث مذكورًا معه لفظ النهبة اهـ أبي. (قال ابن شهاب) بالسند السابق يعني بسند عُقيل بن خالد (حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن) كلاهما (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كلاهما رويا له بسند عُقيل بن خالد كما رويا له أولًا بسند يونس (بمثل حديث أبي بكر هذا) أي بمثل هذا الحديث الذي حدث له أبو بكر بن عبد الرحمن بسند عقيل (إلا النهبة) لم يذكراها له كما لم يذكراها له في سند يونس، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (113) - متا (00) (وحدثني محمد بن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء الجَمَّال بالجيم والميم المشددة أبو جعفر (الرازي) الحافظ روى عن عيسى بن يونس في الإيمان والوليد بن مسلم في الصلاة وحاتم بن إسماعيل في الصلاة والفضائل وعبد الرزاق في الحج وحماد بن خالد الخياط في الصيد وجرير بن عبد الحميد وابن علية وغيرهم، ويروي عنه (خ م د) وهارون بن إسحاق وأبو زرعة وأبو حاتم وطائفة، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا. (قال) محمد بن مهران (أخبرني عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل أبو عمرو الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال ابن المديني: حجة ثبت وقال في التقريب: من الثامنة مات سنة (191) إحدى وتسعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. قال عيسى (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبو عمرو الشامي، الإمام العلم الفقيه، روى عن الزهري وابن سيرين وعطاء وغيرهم، ويروي عنه (ع)

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُقَيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، وَذَكَرَ: (النُّهْبَةَ)، وَلَمْ يَقُلْ: (ذَاتَ شَرَفٍ). 114 - (00) وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعيسى بن يونس ويحيى بن أبي كثير وغيرهم، ثقة ثبت فقيه من السابعة، مات في الحمام سنة (157) سبع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا (عن الزهري) محمد بن مسلم المدني (عن) سعيد (بن المسيب) القرشي المدني (وأبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي المدني كلٌّ من الثلاثة (عن أبي هريرة) الدوسي المدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته ثلاثة منهم مدنيون، وواحد رازي وواحد كوفي وواحد شامي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأوزاعي لعقيل بن خالد في رواية هذا الحديث عن الزهري عن هؤلاء الثلاثة، كما أشار إليه بقوله (بمثل حديث عقيل عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة) والجار والمجرور في قوله: بمثل، متعلق بقوله حدثنا الأوزاعي لأنه العامل في المُتابِع، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. (وذكر) الأوزاعي (النهبة) كما ذكره عقيل (ولم يقل) الأوزاعي أيضًا لفظة (ذات شرف) كما لم يقله عقيل، وهاتان الجملتان أعني قوله (وذكر النهبة) وقوله (ولم يقل ذات شرف) يُغني عنهما قوله بمثل حديث عقيل لأن مفادهما مفهوم من معنى المماثلة، لأنه قال أولًا في رواية عُقيل (مع ذكر النهبة، ولم يذكر ذات شرف) فذِكْرُهما تصريحٌ بما علم من المماثلة، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (114) - متا (00) و (حدثني حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي، أبو علي الخلال (الحلواني) الريحاني المكي الحافظ، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَي مَيمُونَةَ وَحُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ القرشي الزهري أبو يوسف المدني القرشي، ثقة فاضل من صغار التاسعة، مات سنة (208) ثمان ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب تقريبًا، قال يعقوب (حدثنا عبد العزيز بن المطلب) بن عبد الله بن حَنْطَب المخزومي أبو طالب المدني، روى عن صفوان بن سُليم في الإيمان وسُهيل بن أبي صالح في الأيمان وموسى بن عقبة في الأشربة وفي سَدِّدُوا، ويروي عنه (ع) ويعقوب بن إبراهيم بن سعد وإسماعيل بن أبي أويس ومعن بن عيسى وشعبة والحمادان، وثقه أحمد، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة مات سنة (130) ثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا في الإيمان والأيمان والأشربة وفي سدِّدُوا (عن صفوان بن سليم) مُصغرًا، أبو الحارث أو أبو عبد الله الزهري مولاهم، مولى حُميد بن عبد الرحمن المدني، روى عن عطاء بن يسار في الإيمان والصلاة وصفة الجنة، وحُميد بن عبد الرحمن وعبد الله بن سلمان الأغر والأعرج في الصلاة، وعبد الله بن عمر وابن المسيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد العزيز بن المطلب والدراوردي وأبو علقمة الفَروي ومالك والليث ويزيد بن أبي حبيب وخلق، وقال في التقريب: ثقة عابد رُمي بالقدر، من الرابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم (مولى ميمونة) بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أبي محمد المدني أحد الأئمة الأعلام روى عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وزيد بن خالد وابن عباس وعائشة ومولاتِه ميمونة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وصفوان بن سليم وزيد بن أسلم وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمرو بن دينار وخلق، وقال في التقريب: ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة من صغار الثالثة، مات بالإسكندرية ودفن بها سنة ثلاث ومائة (103) وقيل (94) أربع وتسعين، وكان مولده سنة (19) تسع عشرة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ستة مواضع والجنائز والزكاة في موضعين والحج والطب في موضعين والبيوع والفضائل وجملة ما روى المؤلف عنه فيه تسعة أبواب تقريبًا (و) عن (حُميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري، أبي إبراهيم المدني، ويقال أبو عبد الرحمن، وأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وكانت أول مهاجرة هاجرت من مكة إلى المدينة، وفيها أُنزلت آية

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الممتحنة، روى عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر ومعاوية وعن أمه أم كلثوم وغيرهم ويروي عنه (ع) وصفوان بن سُليم وسعد بن إبراهيم والزهري ومحمد بن سيرين وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، مات سنة (105) خمس ومائة على الصحيح، وله (73) ثلاث وسبعون سنة. روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في موضعين والحج والنكاح والهبة واللباس والديات وفي ذكر الكذب وفي ذكر المنافقين، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، ورجاله كُلهم مدنيون إلا حسن بن علي الحلواني فإنه مكي (عن النبي صلى الله عليه وسلم). (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا، قال محمد (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ مُصنف شهير من التاسعة، مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بسكون العين بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا. (عن همام بن منبه) بن كامل بن سريج اليماني، أبي عقبة الصنعاني الذماريِّ، نسبة إلى ذمار قرية من قرى صنعاء على مرحلتين منها، ثقة من الرابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة على الصحيح (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، اثنان منهم صنعانيان وواحد نيسابوري وواحد بصري وواحد مدني،

ح حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي بعض النسخ (ح) أي حول المؤلف السند وقال (حدثنا قتية بن سعيد) بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني بغلان بلخ، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي، أبو محمد الجهني مولاهم المدني، وقال في التقريب: صدوق من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخي قتيبة بعبد العزيز عبد العزيز (الدراوردي) تورعًا من الكذب على شيخه، وإيضاحًا للراوي كما مر مرارًا. (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي، أبي شبل المدني بكسر المعجمة وسكون الموحدة، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: صدوق ربما وَهِم من الخامسة، مات شنة بضع وثلاثين ومائة (133) روى المؤلف عنه في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي مولاهم، أبي العلاء المدني، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، روى عن أبي هريرة في كتاب الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) الدوسي المدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني. (كل هولاء) المذكورين في أسانيد التحويلات يعني صفوان بن سُليم في السند الأول، ومعمر بن راشد في السند الثاني، والعلاء بن عبد الرحمن في السند الثالث، رووا عن أبي هريرة (بمثل حديث الزهري) أي بمثل ما حدث الزهري عن أبي هريرة بأسانيده السابقة، فغرض المؤلف بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة صفوان بن سليم ومعمر بن راشد وعلاء بن عبد الرحمن للزهري في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، ولكنها متابعة ناقصة لأن صفوان بن سليم روى عن أبي هريرة بواسطة عطاء بن يسار وحُميد بن عبد الرحمن، ومعمر بن راشد روى عن أبي هريرة بواسطة همام بن منبه، وعلاء بن عبد الرحمن روى عن أبي هريرة بواسطة أبيه عبد الرحمن بن يعقوب، كما أن

غَيرَ أَنَّ الْعَلَاءَ وَصَفْوَانَ بْنَ سُلَيمٍ لَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: (يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ)، وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ: (يَرْفَعُ إِلَيهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا، وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ) وَزَادَ: "وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ". 115 - (00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهري روى عن أبي هريرة بواسطة مشايخه المذكورين سابقًا، ثم استثنى المؤلف من المماثلة بقوله (غير أن العلاء) بن عبد الرحمن (وصفوان بن سليم ليس في حديثهما) لفظة (يرفع الناس إليه فيها أبصارهم) وقوله (وفي حديث همام) لعله تحريف من النساخ، ولعل الصواب (وفي حديث معمر) عن همام (يرفع إليه) أي إلى المنتهب (المومنون أعينهم فيها) أي في تلك النهبة أي بسببها (وهو) أي والحال أن المنتهب (حين ينتهبها) أي حين يأخذ تلك النهبة (مؤمن) أي كامل الإيمان والظرف متعلق بمؤمن، أو بقوله ولا ينتهب، والجملة الاسمية حال من فاعل قوله ولا ينتهب نهبة (وزاد) معمر في روايته عن همام على رواية الزهري وغيره لفظة (ولا يَغُلُّ أحدكم) بفتح الياء وضم الغين المعجمة وتشديد اللام ورفعها وهو من الغلول وهي الخيانة في المغنم وغيره، ولا يستعمل في المغنم غيره، وهو متعدٍّ في الأصل، لكن أُميت مفعوله فلم يُنْطق به اهـ من المصباح، أي زاد معمر في روايته على غيره لفظة ولا يغل أحدكم أيها المؤمنون، أي لا يأخذ أحدكم من الغنيمة (حين يَغل) وياخذ منها قبل القسمة (وهو مؤمن) أي كامل الإيمان والفاء في قوله (فإياكم إياكم) فاء الفصيحة، واياكم منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا لقيام التكرار مقامه، والتقدير إذا عرفتم أيها المؤمنون عقوبة هذه المعاصي ونقصان الإيمان بها وأردتم السلامة من مفسدتها فأقول لكم إياكم إياكم، أي باعدوا أنفسكم عن ارتكاب هذه المعاصي الموبقات لتسلموا من مفسدتها، قال النووي قوله (فإياكم إياكم) هكذا هو في الروايات إياكم إياكم مرتين ومعناه احذروا احذروا، يقال: إياك وفلانًا أي احذره، ويقال: إياك أي احذر من غير ذكر فلان كما وقع هنا) انتهى، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (115) - (00) (حدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أربعة عشر بابًا تقريبًا، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) اسمه إبراهيم السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) أربع وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبي بسطام الواسطي ثم البصري ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا (عن سليمان) بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت مدلس من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن ذكوان) أبي صالح السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صالح السمان لمن روى عن أبي هريرة في رواية هذا الحديث عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزني الزاني) أي من يريد الزنا ففيه مجاز الأَوْلِ، وكذا يقال فيما بعده (حين يزني وهو مؤمن) أي كامل الإيمان (ولا يسرق) السارق (حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب) الشارب (الخمر) أي المسكر (حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد) أي وتوبة هؤلاء العصاة بعد أي بعد ارتكابهم هذه المعاصي معروضة عليهم واجبة عليهم مقبولة منهم بشروطها عرضها الله تعالى على العصاة رحمة منه تعالى لعلمه بضعفهم عن دفع هوى النفس والشيطان فجعل التوبة مخلصة من ذلك وهي واجبة على الفور، قال النووي: وأجمع المسلمون على قبولها وأركانها: الإقلاع والندم والعزم على أن لا يعود فإن تاب من ذنب ثم عاود لم تبطل الأولى وتصح من بعض الذنوب خلافًا للمعتزلة في المسألتين، قال القرطبي: (قوله والتوبة معروضة بعد) هذا منه صلى الله عليه وسلم إرشاد لمن وقع في كبيرة أو كبائر إلى الطريق التي بها يتخلص وهي التوبة، ومعنى كونها معروضة، أي عرضها الله عزَّ وجلَّ على العباد حيث أمرهم بها، وأوجبها عليهم وأخبر

116 - (00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَفَعَهُ قَال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي. " ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن نفسه أنه تعالى يقبلها، كل ذلك فضل من الله تعالى ولطف بالعبد لما علم الله تعالى من ضعفه عن مقاومة الحوامل على المخالفات التي هي النفس والهوى والشيطان الإنسي والجني فلما علم الله تعالى أنه يقع في المخالفات رَحِمَه بأن أرشده إلى التوبة فعرضها عليه وأوجبها وأخبر بقبولها، وأيضًا فإنه يجب على النصحاء أن يعرضوها على أهل المعاصي ويعرفونهم بها وبوجوبها عليهم، وبعقوبة الله تعالى لمن تركها، وذلك كله لطف متصل إلى طلوع الشمس من مغربها أو إلى أن يغرغر العبد و (بعد) ظرف اعتباري مبني على الضم لقطعه عن الإضافة لفظًا وإرادة المضاف إليه ضمنًا، ويقابلها قبل، كما قال تعالى {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] انتهى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (116) - (00) (حدثني محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال محمد بن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن رافع الحميري، أبو بكر الصنعاني، ثقة من التاسعة، مات سنة (211) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من السابعة، مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، روى عنه المؤلف في أربع وعشرين بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبي محمد الكوفي، ثقة ثبت من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن ذكوان) أبي صالح السمان المدني، ثقة من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، حالة كون أبي هريرة (رفعه) أي رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني) الحديث (ثم ذكر) سفيان الثوري (بمئل حديث شعبة) بن الحجاج المذكور قبله، والجار والمجرور

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متعلق بأخبرنا سفيان، أي أخبرنا سفيان عن الأعمش بمثل ما أخبر شعبة عن سليمان الأعمش، وهذا السند من سداسياته، رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد نيسابوري وواحد صنعاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان لشعبة في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وذكر فيه خمس متابعات. ***

32 - باب بيان علامات النفاق التي هي ضد علامات الإيمان

32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ 117 - (57) حَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 32 - بَابُ بَيَانِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ عَلامَاتِ الإِيمَانِ أي باب معقود في بيان العلامات التي تدل على نفاق صاحبها التي هي ضد العلامات التي تدل على إيمان صاحبها، وترجم للأحاديث الآتية النواوي والقاضي وأكثر المتون بقولهم (باب بيان خصال المنافق) وترجم لها القرطبي بقوله (باب علامات النفاق) وترجم لها الأبي بقوله (باب أحاديث خصال المنافق) وكل هذه التراجم أجنبية عن ترجمة كتاب الإيمان إلا بالتأويل، وترجم لها السنوسي بقوله (باب ليس من الإيمان أخلاق المنافقين) وهذه أولى وأوفق لترجمة كتاب الإيمان كما أن ترجمتنا كذلك، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (117) - (57) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا عبد الله بن نمير) مصغرًا، الهمداني أبو هشام الكوفي، ثقة صاحب سنة من كبار التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة مأمون من العاشرة، مات سنه (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا قال محمد بن نمير (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني وأتى بحاء التحويل لاختلاف لفظ شيخيه لأن أبا بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير وقال محمد بن نمير حدثنا أبي فلبيان هذا الاختلاف أتى بحاء التحويل وإن كان مفاد اللفظين واحدًا قال عبد الله بن نمير على كلا السندين (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة ثبت مدلس من الخامسة مات سنة (148). (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا قال زهير (حدثنا وكيع) بن الجراح بن

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ من كبار التاسعة مات سنة (196) ست وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابًا تقريبًا قال وكيع (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة من السابعة مات سنة (161) روى عنه المؤلف في (34) بابًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران من الخامسة وأتى بحاء التحويل ثانيًا لبيان اختلاف صيغتي شيخي شيخيه لأن عبد الله بن نمير قال حدثنا الأعمش وسفيان الثوري قال عن الأعمش (عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي بمعجمة ثم مهملة مكسورة بعد الألف وفاء نسبة إلى خارف بطن من همدان وهو خارف بن عبد الله كما في اللباب، الكوفي روى عن مسروق في الإيمان والحدود والجهاد وغيرها وعبد الله بن عمر في النذور، والبراء بن عازب في الجهاد، وأبي الأحوص في الفضائل يروي عنه (ع) ومنصور والأعمش وطائفة وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث صالحة وقال العجلي تابعي ثقة وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (100) مائة وقيل قبلها، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب الإيمان والجهاد في موضعين والحدود والنذور والفضائل (عن مسروق) بن عبد الرحمن ويقال ابن الأجدع وهو لقب عبد الرحمن بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مرة بن سليمان بن معمر بن الحارث الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي الإمام القدوة الفقيه قال أبو سعيد السمعاني: سُمي مسروقا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وجد وقال الشعبي: كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح وكان شريح أعلم بالقضاء روى عن عبد الله بن عمرو وابن مسعود والمغيرة بن شعبة وخباب بن الأرت وعائشة وغيرهم ويروي عنه (ع) وعبد الله بن مرة والشعبي وأبو الشعثاء والد الأشعث وأبو الضحى وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وأبو إسحاق السبيعي وإبراهيم النخعي وخلق وقال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدًا على وجهه، وقال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله وقال العجلي كوفي تابعي ثقة وقال في التقريب ثقة فقيه مخضرم عابد من الثانية مات سنة (63) ثلاث وستين. روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة والصوم والحدود والجهاد واللباس والمناقب والفضائل في موضعين والبعث

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ .. كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أحد عشر بابًا تقريبًا. (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعَيدٍ بالتصغير بن سعد بن سهم السهمي أبي محمد وقيل أبو عبد الرحمن بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة أحد السابقين إلى الإسلام وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة أبواب في الإيمان والصلاة والحج روى عنه مسروق بن الأجدع وأبو الخير مرثد بن عبد الله مات بالطائف على الصحيح والسندان الأولان من هذه الأسانيد من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون إلاعبد الله بن عمرو فإنه طائفي والسند الثالث من سباعياته، ورجاله كلهم كوفيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي وعبد الله بن عمرو فإنه طائفي (قال) عبد الله بن عمرو (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع) خصال (من كن فيه) أي من وجدن فيه تلك الأربع وغلبن عليه لامن ندرن فيه ولابد من هذا التأويل لأنه قد تجتمع في الواحد ولا يُخرجه ذلك عن الإسلام، كما اجتمعت في إخوة يوسف - عليه السلام - فإنهم حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وأتمنوا فخانوا، فإنها إنما وقعت منهم ندرة ولم يصروا عليها مع كونها كانت منهم في الصغر، وقبل البلوغ على ما ورد، والله أعلم. (كان منافقًا خالصًا) أي شديد الشبه بالمنافقين، بسبب هذه الخصال، أو يكون نفاقه خالصًا في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام، أو يحمل على من فعلها واتخذها عادة، تهاونًا بالدين، أو يُحمل على النفاق اللغوي، لأنه لغة إظهار خلاف الضمير، ومن فيه هذه الخصال كذلك، فالكاذب يُظهر أنه صادق، والمخلف يُظهر أنه يفي، وكذا في بقيتها، وإنما أولنا كذلك دفعًا لما يقال هذه ذنوب، ونحن لا نكفر بالذنوب، فكيف يقول كان منافقًا خالصًا، قال القاضي: والأظهر في الحديث حمله على التشبيه، أي كان شبه منافق لتخلقه بأخلاقهم، ويكون معنى خالصًا أنه خالص في هذه الخصال، لا في النفاق حقيقة، ويكون نفاقه على من حدثه وائتمنه وعاهده، لا على الناس عمومًا، أو يحمل على أنه أراد منافقي زمنه صلى الله عليه وسلم، لأن أصحابه منزهون عنها، فكأنها لا توجد إلا في منافق حقيقة، وبحمله عليهم أخذ الحسن وابن المسيب وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وذكرا في ذلك أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ما أهمهما من ذلك فضحك

وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّة مِنْهُنَّ .. كَانَت فِيهِ خَلَّة مِنْ نِفَاقٍ حَتَّي يَدَعَهَا، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: "وما لكما ولهذا إنما خصصتُ بذلك المنافقين" قال الأبي قال: رجلٌ لابن المسيب نغص عليَّ هذا الحديث عيشي لأني لا أسلم من الأربع أو من واحدة، فضحك وقال: أهمني ما أهمك فسألت ابن عمر وابن عباس فقالا: أهمنا ذلك فسألناه صلى الله عليه وسلم فقال ما تقدم. وذكر الخطابي وجهًا آخر وهو أن المراد بذلك التحذير من اعتياده ويجر إلى الكفر لما جاء أن المعاصي بريد الكفر. اهـ "أبي" وجملة كان الناقصة جواب (من) الشرطية، وجملة (من) الشرطية خبر لقوله أربع وسوغ الابتداء بالنكرة تخصصه با لإضافة المقدرة وجملة (من) الشرطية في قوله (ومن كانت) ووجدت (فيه خلة) أي خصلة واحدة (منهن) أي من الأربع (كانت فيه) أي في ذلك الشخص (خلة) أي خصلة واحدة (من نفاق حتى يدعها) أي حتى يترك تلك الخلة معطوفة على جملة من الأولى إحداها كذبُ من (إذا حدث) وحاور مع الناس (كذب) أي خلط الكذب في محاورته (و) ثانيتها غدر وخديعة من (إذا عاهد) وعاقد عقد المهادنة أوالذمة مع الكفار (غدر) أي خدع ونقض العهد معهم بأن قاتلهم خديعة (و) ثالثتها خصلة من (إذا وعد) للناس بالمعروف (أخلف) ذلك الوعد ولم يفه (و) رابعتها خصلة من (إذا خاصم) وادعى على الناس شيئًا من الحقوق (فجر) أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب في دعواه قال أهل اللغة وأصل الفجور الميل عن القصد، وقد يكون الكذب ومعنى (إذا خاصم فجر) أي مال عن الحق واحتال في رده وإبطاله (والخلة) بفتح الخاء المعجمة الخصلة وجمعها خلال وبالضم الصداقة والزعم بضم الزاي قول غير محقق. قال ابن الأنباري في تسمية المنافق منافقًا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه سُمي بذلك لأنه يستر كفره فأشبه الداخل في النفق وهو السرب. ثانيها: أنه شُبِّه باليربوع الذي له جحر يقال له: القاصعاء، وآخر يقال له: النافقاء، فإذا أُخذ عليه من أحدهما خرج من الآخر، وكذلك المنافق يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي يدخل فيه. وثالثها: أنه شُبه باليربوع من جهة أن اليربوع يخرق في الأرض حتى إذا قارب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهرها أَرَقَّ التراب، فإذا رابه ريب دفع التراب برأسه فخرج، فظاهر جحره تراب، وباطنه حُفر، وكذلك المنافق ظاهره الإيمان، وباطنه الكفر اهـ. قال القرطبي: وظاهر هذا الحديث أن من كانت هذه الخصال الثلاث فيه خرج عن الإيمان وصار في النفاق الذي هو الكفر، الذي قال فيه مالك: النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة عندنا اليوم، وليس الأمر على مقتضى هذا الظاهر لما تقدم في أول الكتاب وأعدناه في الباب الذي قبل هذا. ولما استحال حمل هذا الحديث على ظاهره على مذهب أهل السنة، اختلف العلماء فيه على أقوال: أحدها: أن هذا النفاق هو نفاق العمل الذي سأل عنه عمرُ حذيفةَ، لما قال له: هل تعلم فيَّ شيئًا من النفاق؟ أي من صفات المنافقين الفعلية، ووجه هذا أن من كانت فيه هذه الخصال المذكورة كان ساترًا لها ومُظهرًا لنقائضها، فصدق عليه اسم المنافق. وثانيها: أنه محمول على من غلبت عليه هذه الخصال واتخذها عادة، ولم يبال بها تهاونًا بها واستخفافًا بأمرها، فأيُّ من كان هكذا كان فاسد الاعتقاد غالبًا فيكون منافقًا خالصًا. وثالثها: أن تلك الخصال كانت علامة المنافقين في زمانه، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا متجنبين لتلك الخصال، بحيث لا تقع منهم، ولا تعرف فيما بينهم، وبهذا قال ابن عباس وابن عمر، وروي عنهما في ذلك حديث، وهو أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ما أهمهما من هذا الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لكم وما لهن، إنما خصصت بهن المنافقين، أما قولي "إذا حدث كذب" فذلك فيما أنزل الله عليّ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} الآية أفأنتم كذلك؟ قلنا: لا، قال: لا عليكم من ذلك، وأما قولي "إذا وعد أخلف" وذلك فيما أنزل الله علي {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} الآيات الثلاث أفأنتم كذلك؟ قلنا: لا قال: لا عليكم، أنتم من ذلك بُرَآء، وأما قولي: "إذا اؤتمن خان" وذلك فيما أنزل الله عليَّ {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، فكل إنسان مؤتمن على دينه، فالمؤمن يغتسل من الجنابة في السر والعلانية، ويصوم ويصلي في السر والعلانية، والمنافق لا يفعل ذلك إلا في العلانية أفأنتم كذلك؟ قلنا: لا، قال: لا عليكم، أنتم من ذلك

غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: "وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ خَصلَةٌ مِنْهُنَّ .. كَانَتْ فِيهِ خَصلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ". 118 - (58) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بُرآء" رواه القاضي في إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم، وإلى هذا المعنى مال كثير من التابعين والأئمة انتهى. وحكى الخطابي أيضًا عن بعضهم أن هذا الحديث ورد في رجل بعينه منافق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجههم بصريح القول فيقول فلان منافق وإنما كان يشير إشارة كقوله صلى الله عليه وسلم مابال أقوام يفعلون كذا والله أعلم قال النووي وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال ولكن اختلف العلماء في معناه فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم فإن النفاق إظهار ما يبطن خلافه وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار اهـ. منه. ثم بين المؤلف رحمه الله تعالى محل المخالفة بين رواية عبد الله بن نمير ورواية سفيان الثوري فقال: كلاهما رويا عن الأعمش هذا الحديث (غير أن في حديث سفيان) الثوري وروايته عن الأعمش لفظة (وإن كانت فيه) أي في الشخص (خصلة) وحالة وصفة واحدة (منهن) أي من تلك الخصال الأربع (كانت فيه) أي في ذلك الشخص (خصلة) أي صفة واحدة (من) صفات أهل (النفاق) التي عرفوا بها واعتادوا لها فأتى سفيان بإن الشرطية في قوله (إن كانت) بدل قول عبد الله (ومن كانت) وأتى بخصلة بدل قول عبد الله خلة وقال أيضًا (كانت فيه خصلة من النفاق) بدل قول عبد الله (كانت فيه خلة من نفاق) وهذا اختلاف لفظي وبين ذلك تورعا من الكذب على سفيان لو لم يبينه، وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن عمرو شارك المؤلفَ في روايته أحمدُ (3/ 189 و 198) والبخاري (34) وأبو داود (4688) والترمذي (2634) والنسائي (8/ 116) ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن عمرو بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (118) - ش (85) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي العابد ثقة

وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ -وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى- قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو سُهَيلٍ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل بفتح الجيم بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني قيل اسمه يحيى، وقتيبة لقبه ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (240) أربعين ومائتين روى المؤلف عنه في سبعة أبواب تقريبًا كما مر بسطه وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه وأتى بجملة قوله (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (ليحيى) بن أيوب لا لقتيبة لأنه إنما روى معناه تورعًا من الكذب على قتيبة (قالا) أي قال كل من يحيى وقتيبة (حدثنا إسماعيل بن جعفر) ولم يأت هنا بحاء التحويل لاتحاد شيخهما مع اتحاد صيغتهما يعني إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبا إبراهيم المدني أخا محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (180) ثمانين ومائة وتقدم أن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، (قال) محمد بن جعفر (أخبرني أبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر) الأصبحي التيمي حليف بني تيم من قريش أخو الربيع بن مالك عم مالك بن أنس الإمام الفقيه المدني روى عن أبيه في الإيمان والصوم، وابن عمر وسهل بن سعد وأنس وسعيد بن المسيب وغيرهم ويروي عنه (ع) وابن أخيه مالك بن أنس بن أبي عامر ومحمد وإسماعيل ابنا جعفر بن أبي كثير والدراوردي في الصوم وغيرهم وثقه أبو حاتم وغيره وقال في التقريب ثقة من الرابعة مات بعد الأربعين ومائة (140) روى عنه المؤلف في الإيمان والصوم (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي التيمي جد مالك الإمام الفقيه حليف وعثمان بن عبيد الله القرشي التيمي أبي أنس المدني روى عن أبي هريرة في الإيمان والصوم وعثمان في الوضوء والبيوع وطلحة بن عبيد الله وعائشة وغيرهم ويروي عنه (ع) وابنه أبو سهيل في الإيمان وسالم أبو النضر في الوضوء وسليمان بن يسار وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية مات سنة (74) أربع وسبعين على الصحيح روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم مدنيون إلا يحيى فإنه بغدادي أو قتيبة فإنه بغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية المنافق) أي علامة نفاق الشخص

ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المتصف بالنفاق (ثلاث) أي ثلاث خصال إحداها كذب من (إذا حدث) وحاور مع الناس (كذب) أي حدث بالكذب وأخبر بما ليس في الواقع أو في الاعتقاد (و) ثانيها خُلف من (إذا وعد) للناس بالمعروف (أخلف) أي خالف مقتضى ذلك الوعد ولم يفه وهاتان الخصلتان ذكرهما في حديث عبد الله بن عمرو (و) ثالثهما خيانة من (إذا اؤتمن) أي إذا جعل أمينا على شيء كالوديعة (خان) في ذلك الشيء وخدع صاحبه فيه بانتفاعه به أو إتلافه وهذه الخصلة لم يذكرها في حديث عبد الله بن عمرو فجملة ما استفيد من الحديثين من خصال المنافق خمس خصال، قال القرطبي: وكونه صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث أبي هريرة أن علامة المنافق ثلاث وفي حديث عبد الله بن عمرو أنها أربع فيه معارضة بين الحديثين من حيث العدد قلنا يجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم استجد له من العلم بصفات المنافقين ما لم يكن عنده أولًا إما بالوحي أو بالمشاهدة لتلك الخصال منهم فذكر العدد الكثير وعلى مجموع الروايتين تكون خصالهم خمسًا: الكذب والغدر والإخلاف والخيانة والفجور في الخصومة ولا شك في أن للمنافقين خصالًا أخر مذمومة كما قد وصفهم الله تعالى بقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلا قَلِيلًا} [النساء: 142]. (فإن قلت) إذا كانت خصالهم كثيرة فلم خُصت هذه الخصال الخمس بالذكر (قلت) خصت بالذكر من بين خصالهم الكثيرة لأنها أظهر عليهم من غيرها عند مخالطتهم للمسلمين أو لأنها هي التي يضرون بها المسلمين ويقصدون بها مفسدتهم دون غيرها كالكسل عن الصلاة والمراءاة فيها والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى منه بتصرف وزيادة. قال النواوي: قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأولى أربع وفي الرواية الثانية ثلاث لا منافاة بينهما فإن الشيء الواحد قد تكون له علامات كل واحدة منهن تحصل بها صفته ثم قد تكون تلك العلامة شيئًا واحدًا، وقد تكون أشياء وقوله (وإذا عاهد غدر) هو داخل في قوله (وإذا اؤتمن خان) لأن الغدر خيانة فيما عليه من عهده وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث حديث أبي هريرة أحمد (3/ 357) والبخاري (33) والترمذي (3633) والنسائي (8/ 117).

119 - (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَال: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ -مَوْلَى الْحُرَقَةِ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (119) - متا (00) (حدثنا أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الحافظ أصله من خراسان البغدادي، قال الدارقطني: ثقة وفوق الثقة وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة (270) سبعين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا قال أبو بكر (أخبرنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم الحافظ الفقيه أبو محمد المصري ثقة ثبت فقيه من كبار العاشرة مات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا قال ابن أبي مريم (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبو إبراهيم المدني ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (180) كما مر آنفًا (قال) محمد بن جعفر (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب) الجهني الحرقي (مولى الحرقة) أبو شبل المدني قال في التقريب صدوق ربما وهم من الخامسة مات سنة بضع وثلاثين ومائة (133) روى المؤلف عنه في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي العلاء المدني قال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بغدادي وواحد مصري وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لمالك بن أبي عامر في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في قوله (من علامات النفاق) بزيادة (من) التبعيضية. (قال) أبو هريرة رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات) نفاق (المنافق) وأماراته (ثلاثة) من الأمور وأتى في هذه الرواية بمن التبعيضية

إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ". 120 - (00) حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ العَمِّيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّد بْنِ قَيسٍ أَبُو زُكَيْرٍ، قَال: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرحْمَنِ يحدِّث بِهَذَا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إشارة إلى عدم حصر علامات المنافق في هذه الثلاثة المذكورة هنا الأول كذب من (إذا حدث) مع النَّاس (كذب) أي أخبر بما خالف الواقع (و) الثاني خلف وعد من (إذا وعد أخلف) وعده (و) الثالث خيانة من (إذا اؤتمن) على شيء (خان) وخدع فيه، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (120) - متا (00) (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه على صيغة اسم المفعول (العمي) بفتح العين وتشديد الميم المكسورة نسبة إلى بني العم بطن من تميم أبو عبد الله وقيل أبو عبد الملك البَصْرِيّ الحافظ روى عن أبي زكير يحيى بن محمَّد وابن أبي عدي وأبي عاصم وأبي عامر العقدي ووهب بن جرير وغيرهم ويروي عنه (م د ت ق) وابن صاعد وخلق، قال أبو داود: ثِقَة ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة من الحادية عشرة، قال البَغَويّ: مات بالبصرة سنة (240) أربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والجنائز والحج والبيوع والأيمان واللباس وفضائل عمر والدعاء فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب تقريبًا، قال عقبة (حَدَّثَنَا يحيى بن محمَّد بن قيس أبو زكير) بضم الزاي مصغرًا آخره راء مهملة لقبه وكنيته أبو محمَّد الضَّرير المحاربِيّ مؤدب ابن جعفر المدنِيُّ نزيل البصرة روى عن العلاء بن عبد الرَّحْمَن في الإيمان وزيد بن أسلم وأبي طوالة وعن أَبيه وأبي حازم بن دينار وربيعة وهشام بن عروة وآخرين ويروي عنه (م ت س ق) وعقبة بن مكرم وابن المدينيّ وأَحمد بن صالح ونعيم بن حماد وبندار وغيرهم ضعفه ابن معين وابن حبان وروى (م) عنه متابعة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ كثيرًا من الثامنة (قال) أبو زكير (سمعت العلاء بن عبد الرَّحْمَن) الجهني الحرقي المدنِيُّ حالة كون العلاء (يحدث) لنا هذا الحديث المروي عن أبي هريرة والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) أي عن عبد الرَّحْمَن بن يعقوب عن أبي هريرة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم متعلق بقوله حَدَّثَنَا يحيى بن محمَّد لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع الذي هو محمَّد بن جعفر والمعنى حَدَّثَنَا يحيى بن محمَّد هذا الحديث عن أبي هريرة بهذا الإسناد يعني عن العلاء عن أَبيه عن أبي هريرة، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن

وَقَال: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ". 121 - (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حمَّادٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ محمَّد لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرَّحْمَن وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع ضعيف فلا يصلح لتقوية المتابع الذي هو محمَّد بن جعفر لأنه ثِقَة (و) لكن (قال) يحيى بن محمَّد في روايته عن العلاء (آية المنافق ثلاث) كما قال إسماعيل بن جعفر ولم يقل (من علامات المنافق ثلاثة) كما قال محمَّد بن جعفر وزاد يحيى بن محمَّد في الحديث على رواية محمَّد بن جعفر لفظة (وإن صام) ذلك المتصف بتلك الصفات الثلاث شهر رمضان (وصلى) الصلوات الخمس (وزعم) أي ظن وقال قولًا غير محقق (أنه مسلم) أي متصف بالانقياد الظاهر فهو منافق نفاقًا عمليًّا لا نفاقًا دينيًّا الذي هو الزندقة والزعم بضم الزاي قول غير محقق كما تقدم وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا عقبة بن مكرم فإنَّه بصري، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (121) - متا (00) (وحدثني) عبد الملك بن عبد العزيز القشيري (أبو نصر التمار) النَّسائيّ الحافظ من أهل نسا نزل بغداد واتجر بها في التمر وغيره ولذلك نسب إليه، روى عن حماد بن سلمة في الإيمان وصفة الحشر، وعن مالك وطائفة، ويروي عنه (م س) وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال: ثِقَة يعد من الأبدال وقال في التقريب: ثِقَة عابد من صغار التاسعة، وقال ابن سعد: وكان ثِقَة فاضلًا ورعًا خيِّرًا مات أول يوم من المحرم يوم الثلاثاء سنة (228) ثمان وعشرين ومائتين، روى المؤلف عنه في بابين فقط في الإيمان وصفة الحشر (و) حدثنا أَيضًا (عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهليّ مولاهم المعروف بالنَرسي بفتح النُّون وسكون الراء وبالمهملة نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى وقيل لقب لجده لقبته النَّبِط وكان يسمى نصرًا فقالوا نرس أبو يحيى البَصْرِيّ سكن بغداد، روى عن الحمادين ومعتمر بن سليمان ووهيب بن خالد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس، ويروي عنه (خ م د س) وأبو زرعة وزكريا وأبو يعلى وغيرهم، وثقه أبو حاتم، وقال النَّسائيّ: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: لا بأس به من كبار العاشرة وفي الكاشف: محدث ثبت، وقال البُخَارِيّ: مات في جمادى الآخرة سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والأدب والبر والرحمة والفرائض والغضب والقدر في سبعة أبواب تقريبًا وفائدة المقارنة بيان

قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِندٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى أللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ... بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحيَى بْنِ مُحَمَّدِ عَنِ الْعَلَاءِ ذَكَرَ فِيهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من أبي نصر وعبد الأعلى (حَدَّثَنَا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أو التَّمِيمِيّ أو القُرشيّ مولاهم أبو سلمة البَصْرِيّ ثِقَة عابد أثبت النَّاس في ثابت وتغير حفظه بآخره من كبار الثامنة مات سنة (167) سبع وستين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا. (عن داود بن أبي هند) القشيري مولاهم أبي بكر أو أبي محمَّد المصري أو البَصْرِيّ أحد الأعلام وكان أبوه من خراسان واسم أبي هند دينار وكان داود من خيار أهل البصرة من المتقنين في الروايات له نحو مائتي حديث، وقال في التقريب: ثِقَة متقن كان يهم بآخره من الخامسة مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة روى عن سعيد بن المسيّب والشعبي وعاصم الأحول وأبي العالية الرياحي والحسن والنعمان بن سلام وعمرو بن سعيد وأبي حرب بن أبي الأسود وأبي نضرة وغيرهم ويروي عنه (م عم) ويحيى بن سعيد وحماد بن سلمة وحفص بن غياث وعبد الوارث وهشيم وابن أبي عدي وإسماعيل بن عليّة وعبد الوهَّاب وعبد الأعلى وغيرهم، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في ثلاثة مواضع والحج والحدود والنكاح والجهاد واللباس فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية (عن سعيد بن المسيّب) بن حزن القُرشيّ المخزومي أبي محمَّد المدنِيّ الأعور سيد التابعين واحد العلماء الأثبات والفقهاء السبعة بالمدينة، وقال في التقريب من كبار الثَّانية مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدنِيُّ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان إلَّا أَبا نصر التمار فإنَّه نسائي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد بن سلمة ليحيى بن محمَّد في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة لأن حماد بن سلمة روى عن أبي هريرة بواسطة داود بن أبي هند وسعيد بن المسيّب، ويحيى بن محمَّد روى عنه بواسطة العلاء بن عبد الرَّحْمَن وأبيه (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث يحيى بن محمَّد عن العلاء) متعلق بحدثنا حماد لأنه العامل في المتابع (ذكر) حماد (فيه)

"وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي في ذلك المثل لفظة (وإن صام وصلى وزعم أنَّه مسلم) كما ذكره يحيى بن محمَّد وهذا تصريح بما علم من المماثلة والله أعلم. وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب حديثين الأول منهما: حديث عبد الله بن عمرو وغرضه بذكره الاستدلال به على الترجمة. والثاني: حديث أبي هريرة، وغرضه بذكره الاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو، وذكر فيه ثلاث متابعات والله تعالى أعلم. ***

33 - باب بيان حكم إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر

33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ 122 - (59) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قَال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ بِشرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 33 - بَابُ بَيَان حُكْمِ إِيمَانِ مَنْ قَال لأخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ أي هذا باب معقود لبيان حكم إيمان من قال لأخيه المسلم بصيغة الخبر كقوله فلان كافر أو بصيغة النداء كقوله يَا كافر أو اعتقد كفره هل يكفر بذلك القول أو الاعتقاد أم لا وترجم النووي والقاضي وأكثر المتون للحديث الآتي كترجمتنا وترجم له الأبي بقوله (باب تكفير الرَّجل أخاه) وترجم له السنوسي بقوله (باب من قال لأخيه كافر) وترجم القرطبي لهذا الحديث والأحاديث المذكورة بعده بقوله (باب إثم من كفر مسلمًا أو كَفَر حقه) والترجمة الأولى أعني ترجمة النووي ومن شاركه أوفق لترجمة كتاب الإيمان والله سبحانه وتعالى أعلم. (122) - (59) (حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا (قال) أبو بكر (حَدَّثَنَا محمَّد بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكُوفيّ ثِقَة حافظ من (9) مات سنة (203) روى عنه في (10) أبواب (و) حدثنا أَيضًا (عبد الله بن نمير) الهمداني أبو هشام الكُوفيّ ثِقَة ثبت من كبار (9) مات سنة (199) روى عنه في (17) بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي محمَّد بن بشر وعبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا عبيد الله) مصغرًا (بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب القُرشيّ العدوي العمري أبو عمر المدنِيُّ ويقال أبو عثمان أحد الفقهاء السبعة والعلماء الأثبات روى عن نافع في الإيمان وحبيب بن عبد الرَّحْمَن ومحمَّد بن يحيى بن حبان والقاسم بن محمَّد وأبي حازم والزهري ووهيب بن كيسان وثابت البناني وخلق، ويروي عنه (ع) ومحمَّد بن بشر وعبد الله بن نمير ويحيى القطَّان وأبو أسامة وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الله بن إدريس والمعتمر بن سليمان وأبو خالد الأحمر ومعمر بن راشد وعبد الوهَّاب الثَّقَفيّ وابن جريج وخلق قال النَّسائيّ ثِقَة ثبت وقدمه أَحْمد بن صالح على مالك في نافع وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزُّهْرِيّ عن عروة عنها، وقال في التقريب: ثِقَة ثبت من الخامسة مات سنة (147) سبع وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَن النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ .. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ والوضوء والصلاة في خمسة مواضع والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع والحج في أربعة مواضع والنكاح في موضعين والعتق والفتن والذبائح واللباس والفضائل فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا. (عن نافع) مولى عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب القُرشيّ العدوي مولاهم أبي عبد الله المدنِيُّ يقال إنه كان من أبرشهر ويقال إنه كان من أهل المغرب أصابه ابن عمر في بعض غزواته، روى عن مولاه ابن عمر وأبي هريرة وأبي لبابة بن عبد المنذر وأبي سعيد الخُدرِيّ ورافع بن خديج وعائشة وزيد بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمَّد وخلق ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن عمر ومالك وموسى بن عقبة والليث وأبو بكر بن نافع وأيوب والحكم بن عتيبة وزيد بن محمَّد وجرير بن حازم ويحيى بن سعيد الأَنْصَارِيّ وخلائق، قال البُخَارِيّ: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر وثقه العجلي والنَّسائيّ وابن خراش، وقال في التقريب: ثِقَة ثبت فقيه مشهور من الثالثة مات سنة (117) سبع عشرة ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في أربعة مواضع والجنائز في خمسة مواضع والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع والحج في ثلاثة مواضع والنكاح والطلاق والبيوع في أربعة مواضع والأطعمة واللباس وفي ذكر الجن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخَطَّاب القُرشيّ العدوي أبي عبد الرَّحْمَن المكيّ وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا كفر الرَّجل) منكم ونسب (أخاه) المسلم إلى الكفر بصيغة الخبر كقوله له أَنْتَ كافر أو بصيغة النداء كقوله له يَا كافر أو اعتقد الكفر فيه كاعتقاد الخوارج تكفير المُؤْمنين بالذنوب وليس من ذلك تكفيرنا أهل الأهواء والبدع على أحد قولين (فقد باء) أي رجع واتصف (بها) أي بخصلة الكفر ومعصيته (أحدهما) أي أحد القائل والمقول له إن كان المقول له كافرًا فذاك وإن كان مؤمنًا فقد رجعت خصلة الكفر على القائل كما تبينه الرواية الآتية والمراد بتكفيره نسبته إلى الكفر قولًا أو اعتقادًا كما في الأبي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي (فإن قلت) إذا لم يكن المقول له كذلك فغاية القائل أنَّه ساب أو كاذب أو شاتم ولا شيء من ذلك بكفرٍ عندكم فالحديث حجة للمكفر بالذنوب (قلت) أولها الإِمام بحمله على مستحل قول ذلك أو يجعل الضمير في (بها) عائدًا على السيئة المفهومة من السياق أي فقد باء بالسيئة أحدهما قال القاضي أو يجعل عائدًا على تنقيصه لأخيه أي فقد رجع بالنقيصة أحدهما وقيل رجع عليه تكفيره لأخيه لا الكفر حقيقة لأنه لما كفر مسلمًا فكأنه كفر نفسه أو كفر نعمة أخوة أخيه المسلم، قال النووي: فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافرًا فكأنه كفر نفسه إما لأنه كفر من هو مثله وإما لأنه كفر ما لا يكفره إلَّا كافر يعتقد بطلان دين الإِسلام والله أعلم. قال السنوسي: والحديث ظاهر في تحريم تكفير الرَّجل أخاه فإن وقع فهو سباب وإذاية، وقال مالك: من آذى مسلمًا أُدِّب. (والتكفير) نسبة الغير إلى الكفر، والكفر لغة: الستر والتغطية ومنه سمي الزارع كافرًا لستره البذر في الأرض ومنه قوله تعالى: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}، أي الزراع ومنه قول الشَّاعر: يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كَفَرَ النجوم غمامها أي ستر وغطى، والغمام السحاب، وشرعًا: جحد ما علم من الدين بالضرورة وهذا هو الذي جرى به العرف الشرعي وقد جاء فيه الكفر بمعنى جحد المنعم وترك الشكر على النعم وترك القيام بالحقوق ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للنساء (يكفرن الإحسان ويكفرن العشير) رواه الشيخان وأبو داود ومالك في الموطأ أي يجحدن حقوق الأزواج وإحسانهم ومن ها هنا صح أن يقال كفر دون كفر وظلم دون ظلم. قوله (فقد باء بها أحدهما) أي رجع بإثمها ولازم ذلك، قال الهروي: وأصل البوء اللزوم ومنه "وأبوء بنعمتك عليَّ" رواه أَحْمد والبخاري والتِّرمذيّ والنَّسائيّ وابن ماجه، أي أُقِرُّ بها وأُلزِمُها نفسي، وقال غيره من أهل اللغة: رجع بشرِّ، والهاء في (بها) عائدة إلى التكفيرة الواحدة التي هي أقل ما يدل عليها لفظ كافر ويحتمل أن يعود الضمير إلى الكلمة اهـ قرطبي. وعبارة القاضي عياض هنا قال الإِمام يحتمل أن يكون قال ذلك في المسلم مستحلًا فيكفر باستحلاله وإذا احتمل ذلك لم يكن فيه حجة لمن كفر بالذنوب ويحتمل

123 - (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَيَحْيَى بنُ أيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سعيد وَعَلِي بْنُ حُجْرٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ: أَنهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيضًا أن يكون مراده بقوله (باء بها) أي بمعصية الكذب في حق القائل إن كذب اهـ. وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات وشاركه أَحْمد (2/ 60) وسنده من خماسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد مكّيّ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (123) - متا (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن حماد (التَّمِيمِيّ) الحنظلي مولاهم أبو زكريا النَّيسَابُورِيّ الحافظ أحد الأئمة الأعلام ثِقَة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابا (و) حدثنا أَيضًا (يحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكريا البغدادي العابد كان ثِقَة ورعًا من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أَيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقَفيّ أبو رجاء البغلاني ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (245) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أَيضًا (علي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم ابن إياس السعدي أبو الحسن المروزي ثِقَة حافظ من صغار التاسعة مات سنة (244) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وقوله (جميعًا) حال من الأربعة أي حالة كونهم مجتمعين في الرواية (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأَنْصَارِيّ الزُّرَقيّ مولاهم أبي إسحاق المدنِيُّ ثِقَة ثبت من الثامنة مات سنة (185) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا (قال يحيى بن يحيى أخبرنا إسماعيل بن جعفر) بصيغة السماع لا بالعنعنة (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم -مولى عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب- أبي عبد الرَّحْمَن المدنِيّ ثِقَة من الرابعة مات سنة (127) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب (أنَّه سمع) عبد الله (بن عمر) بن الخَطَّاب أَبا عبد الرَّحْمَن العدوي المكيّ وهذا السند من رباعياته واحد منهم نيسابوري أو بغدادي أو بغلاني أو مروزي واثنان منهم

يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أيُّما امْرِيءٍ قَال لأخَيهِ: يَا كَافِرُ .. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَال، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مدنيان وواحد مكّيّ وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمر وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى فلا اعتراض متنًا وسندًا، حالة كون ابن عمر (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما) أي اسم شرط جازم مبتدأ مرفوع بالابتداء وما زائدة (امرئ) مضاف إليه لأي والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما معًا على الخلاف المقرر في محله (قال لأخيه) فعل شرط لأي (يَا كافر) مقول لقال (فقد باء بها) أي بكلمة الكفر (أحدهما) أي أحد القائل والمقول له جواب الشرط لأي دخلت عليه الفاء لاقترانه بقد. قوله (يَا كافر) وفي بعض النسخ (كافر) منونًا على أن يكون خبرًا لمبتدإ محذوف أي هو كافر، قال القرطبي: ضبطه بعضهم بغير تنوين على أنَّه منادى حذف منه حرف النداء أي يَا كافر وهو خطأ لأن حذف حرف النداء من النكرة قليل لا ينقاس والصواب تنوينه على الخبر أي هو كافر اهـ. وقوله (باء بها) أي بكلمة الكفر وكذا حار عليه وهو بمعنى رجعت عليه أي رجع عليه الكفر فباء وحار ورجع بمعنى واحد اهـ نووي، وقال القاضي (باء بها) أي بمعصية الكذب في حق القائل إن كذب. (إن كان) المقول له (كما قال) أي على ما قال به القائل ووصفه به من الكفر الحقيقي وجواب الشرط محذوف لعلمه من السياق تقديره فقد صدق القائل فيما وصفه به فيكون الكفر على المقول له، وقوله (وإلا) فيه إدغام إن الشرطية في لا النافية أي وإن لم يكن المقول له كما قال القائل بأن كان مسلمًا صحيح الإيمان (رجعت) أي رجعت كلمة الكفر ومعصية نسبته إلى الكفر (عليه) فيكون عاصيًا بنسبته إلى الكفر كذبًا إن استحل ذلك وإلا كان القائل كافرًا باستحلال نسبته إلى الكفر وقال القاضي رجعت عليه نقيصته لأخيه كما قال إذا لم يكن لذلك أهلًا بكذبه عليه وقيل إذا قاله لمؤمن صحيح الإيمان مثله ورماه بالكفر فقد كفر نفسه لأنه مثله وعلى دينه انتهى. وعبارة القرطبي هنا ومعنى هذا الكلام أن المقول له يَا كافر إن كان كافرًا كفرًا شرعيًّا فقد صدق القائل له ذلك وذهب بها المقول له وإن لم يكن كذلك رجعت للقائل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معرة ذلك القول وإثمه وذنبه وقوله (أحدهما) يعني به المقول له على كل وجه لقوله (إن كان كما قال) وأما القائل فهو المعني بقوله (وإلا رجعت عليه) وبيانه بما في حديث أبي ذر الذي قال فيه: "من دعا رجلًا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلَّا حار عليه" أي على القائل وحار رجع ويعني بذلك وزر ذلك وإثمه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثًا واحدًا وهو حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وذكر فيه متابعة واحدة.

34 - باب حكم إيمان من انتسب لغير أبيه وهو يعلم، وإيمان من ادعى لنفسه ما ليس له

34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ 124 - (60) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَربِ، حَدَّثَنَا عَبْد الصَمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ 34 - بَابُ حُكْمِ إِيمَانِ مَنِ انْتَسَبَ لِغَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ، وَإِيمَانِ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا لَيسَ لَهُ أي هذا باب معقود في بيان حكم إيمان من انتسب نفسه لغير أَبيه وهو يعلم أن ذلك الغير ليس أباه هل يكفر بذلك أم لا إن استحل ذلك يكفر وإلا فلا وبيان حكم إيمان من ادعى لنفسه ما ليس له كذبًا علمًا كان أو مالًا أو جاهًا. وترجم النواوي والقاضي وأكثر المتون للأحاديث الآتية بقولهم (باب بيان حال إيمان من رغب عن أَبيه وهو يعلم) ولم يترجم الأبي ولا السنوسي للأحاديث الآتية إلى حديث (سباب المسلم فسوق) بل أدخلا الأحاديث الآتية كلها في الترجمة السابقة وكذلك فعل القرطبي وترجمتنا أعم وأوفق لمنطوق الحديث. (124) - (60) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النَّسائيّ ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (234) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا، قال زهير (حَدَّثَنَا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد بن ذكران العنبري مولاهم أبو سهل البَصْرِيّ روى عن أَبيه وشعبة وحاجب بن عمر بن أبي خشينة وهمام وعبد العزيز بن مسلم وسليم بن حيان وحرب بن شداد وإبراهيم بن سعد والمثنَّى بن سعيد وغيرهم ويروي عنه (ع) وابنه عبد الوارث بن عبد الصمد وأبو خيثمة وأَحمد بن خراش وحجاج بن الشَّاعر والحسن بن عليّ الحلواني وإسحاق الحنظلي وإسحاق بن منصور وخلق وقال في التقريب: صدوق ثبت في شعبة من التاسعة مات سنة (207) سبع ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز والزكاة والحج في أربعة مواضع والبيوع والهبة والنكاح والأدب والجهاد في موضعين والحوض ودلائل النبوة وصفة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والقدر وصفة النَّار فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة عشر بابا قال عبد الصمد (حَدَّثَنَا أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكران التَّمِيمِيّ العنبري مولاهم أبو عبيدة البَصْرِيّ أحد الأئمة الأعلام روى عن حسين

حَدَّثَنَا حُسَينٌ المُعَلِّمُ عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المعلم وعبد العزيز بن صهيب وداود بن أبي هند والقاسم بن مهران وسعيد الجريري ويزيد الرشك وغيرهم ويروي عنه (ع) وابنه عبد الصمد وشيبان بن فروخ وعبيد الله القواريري ويحيى بن يحيى ومعلّى بن منصور وأبو الرَّبيع الزهراني وغيرهم، وقال في التقريب ثِقَة ثبت من الثامنة مات سنة (180) ثمانين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والصوم والحج في موضعين والبيوع والأطعمة واللباس والفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب، قال عبد الوارث (حَدَّثَنَا حسين) بن ذكران (المعلم) بضم الميم وتشديد اللام المكسورة المكتب بضم الميم وسكون الكاف وتخفيف التاء المكسورة بصيغة اسم الفاعل فيهما يقال لمن يعلم الصبيان العوذي بفتح العين وسكون الواو بعدها ذال معجمة نسبة إلى عوذة بطن من الأزد البَصْرِيّ روى عن عبد الله بن بريدة وقتادة في الإيمان والتفسير وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن أبي كثير وجماعة، ويروي عنه (ع) وعبد الوارث بن سعيد ويحيى القطَّان وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس ويزيد بن هارون وعبد الله بن المبارك والفضل بن موسى وروح بن عبادة وخلق قال في التقريب ثِقَة ربما وهم من السادسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز والصوم والجهاد والدعاء وبيع المدبر والفتن والتفسير فجملة الأبواب التي روى عنه فيها عشرة. (عن) عبد الله (بن بريدة) بضم الباء مصغرًا بن الحصيب أيضًا الأسلمي قاضي مرو، أخي سليمان بن بريدة، وكانا توأمين، ولد عبد الله قبل سليمان، أبي سهل المروزي، وهو وأخوه سيدان ثقتان تابعيان جليلان ولدا في بطن واحدة في عهد عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه. روى عن يحيى بن يعمر وعبد الله بن مغفل وسمرة بن جندب وعن أَبيه وابن عباس وابن مسعود وابن عمر ويروي عنه (ع) وحسين المعلم وكهمس ومطر الوراق وعثمان بن غياث ومالك بن مغول وخلق، وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم وقال في التقريب ثِقَة من الثالثة مات سنة (115) خمس عشرة ومائة وهو ابن مائة سنة (100) وله في (خ) من روايته عن أَبيه فرد حديث روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والصلاة في موضعين والجنائز في موضعين والجهاد والدعاء والحدود والذبائح

عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: أَن أَبا الأَسْوَدِ حدَّثهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "لَيسَ مِنْ رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة وبضم الميم أَيضًا من بني عوف بن بكر بن يشكر بن عدوان أبي سعيد البَصْرِيّ التابعي الجليل ويقال له أبو سليمان القيسي الجدلي قاضي مرو روى عن أبي الأسود الديلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعثمان وعلي وأبي ذر وغيرهم ويروي عنه (ع) وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل وسليمان التَّيميّ وغيرهم، وثقه أبو حاتم والنَّسائيّ وقال في التقريب: ثِقَة فصيح وكان يرسل من الثالثة مات قبل المائة بخراسان وقيل بعدها روى عنه المؤلف في أربعة أبواب في الإيمان والصلاة والقدر والدعاء (أن أَبا إلَّاسود) الديلي ظالم بن عمرو بن سفيان البَصْرِيّ التابعي الجليل، ويقال: عمرو بن ظالم، وقيل: ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان، ويقال: اسمه عمرو بن عثمان، شهد مع علي صفين، وولي البصرة لابن عباس ومات بها، روى عن أبي ذر في الإيمان والصلاة والزكاة، وأبي موسى الأَشْعريّ في الزكاة، وعمران بن حصين في القدر، وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وابن مسعود وجماعة، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يعمر وابنه حرب وعبد الله بن بريدة وجماعة، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة، وقال في التقريب: ثِقَة فاضل مخضرم، مات سنة (69) تسع وستين، وهو أول من تكلم في النحو (حدثه) أي حدث ليحيى بن يعمر (عن أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ، جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار الصحابي المشهور، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته، فلم يشهد بدرًا، وهو أول من حيا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بتحية الإِسلام، روى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (ع) وأبو الأسود الدؤلي وأنس بن مالك وابن عباس وأبو مراوح الليثيّ والمعرور بن سويد وخرشة بن الحسن ويزيد الرشك التَّيميّ وعبد الله بن شَقِيق وأبو نضرة وعبد الرَّحْمَن بن شماسة وخلق له مائتا حديث وأحد وثمانون حديثًا مات بالربذة وقُبِر هناك في خلافة عثمان سنة (32) اثنتين وثلاثين روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة وفي إسلامه في أربعة أبواب تقريبًا وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد نسائي وواحد مروزي وواحد مدني ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه ثلاثة تابعيون جلة روى بعضهم عن بعض ابن بريدة ويحيى وأبو الأسود (أنَّه) أتي أن أَبا ذر (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول ليس من رجل) من زائدة لوقوعها بعد النفي والتعبير بالرجل جرى على الغالب وإلا

ادَّعَى لِغَيرِ أبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمرأة كذلك أي ليس رجل ولا امرأة (ادعى) وانتسب (لغير أَبيه) ووالده أي انتسب إليه واتخذه أبًا أنفة عن أَبيه (وهو) أي والحال أن ذلك الرَّجل المنتسب لغير أَبيه (يعلمه) أي يعلم أن ذلك الغير ليس أباه ووالده (إلا كفر) ذلك المنتسب كفرًا حقيقيًّا يخرجه عن الملة إن استحل ذلك الانتساب لأنه استحل ما هو معلوم حرمته من الدين ضرورة وإلا كفر كفرًا بمعنى كفران نعمة الأبوة أي جحد حق أَبيه لأن انتسابه لغير أَبيه إما قذف أو كذب أو عقوق ولا شيء من ذلك بكفر، قال القرطبي أو أنَّه أطلق الكفر مجازًا لشبهه بفعل أهل الكفر لأنهم كانوا يفعلونه بالجاهلية، وعبارته هنا (قوله ليس من رجل) إلخ، أي انتسب لغير أَبيه رغبة عنه مع علمه به وهذا إنما يفعله أهل الجفاء والجهل والكبر لخسة منصب الأب ودناءته فيرى الانتساب إليه عارًا ونقصًا في حقه ولا شك في أن هذا محرم معلوم التحريم فمن فعل ذلك مستحلًا فهو كافر حقيقة، فيبقى الحديث على ظاهره، وأما إن كان غير مستحل فيكون الكفر الذي في الحديث محمولًا على كفران النعم والحقوق، فإنَّه قابل الإحسان بالإساءة، ومن كان كذلك صدق عليه اسم الكافر، وعلى فعله أنَّه كفر لغة، وشرعًا على ما قررناه، ويحتمل أن يقال أطلق عليه ذلك لأنه تشبه بالكفار أهل الجاهلية أهل الكبر والأنفة فإنهم كانوا يفعلون ذلك والله تعالى أعلم اهـ منه. قال النواوي: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم فيمن ادعى لغير أَبيه وهو يعلم أنَّه غير أَبيه كفر) فقيل: فيه تأويلان أحدهما: أنَّه في حق المستحل، والثاني: أنَّه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى، وحق أَبيه وليس المراد الكفر الذي يخرجه عن ملة الإِسلام، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم "يكفرن" ثم فسره بكفرانهن الإحسان وكفران العشير، ومعنى قوله: (ادعى لغير أَبيه) أي انتسب إليه واتخذه أبًا، وقوله صلى الله عليه وسلم "وهو يعلم" تقييد لا بد منه، فإن الإثم إنما يكون في حق العالم بالشيء. قال الأبي: انظر لو انتسب لغير أَبيه لضرورة كالمسافر ينزل الخوف به فيقول: أنا ابن فلان لرجل محترم لصلاح أو غيره، والظاهر أنَّه لا يتناوله الوعيد بخلاف ما لو انتسب لغير أَبيه ليُكرم أو يُعطى، الأظهر أن هذا يتناوله الوعيد لعدم الضرورة إليه. وانظر ما لو انتسب لأبيه من زنًا وكان الشيخ يقول: إنه أخف لأنه أبوه لغة لا شرعًا، ويدل على أنَّه أبوه لغة حديث جريج حيث قال الولد: أبي الراعي فلان، وأما

وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيسَ لَهُ فَلَيسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ، أَوْ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عكس ما في الحديث وهو أن ينسب الرَّجل إلى نفسه غير ولده، فيحتمل أنَّه من الباب ويحتمل أن لا. لأن ما في الحديث عقوق والعقوق كبيرة، وكان لبعض ذوي الخطط ربيب فكان يُناديه يا ولدي، فكان معاصروه يعدونها من مُجَرِّحاته. (ومن ادعى) وجعل لنفسه (ما ليس) حقًّا وثابتًا (له) في الحقيقة، ونسبه إلى نفسه من كل شيء سواء تعلق به حق لغيره أم لا، فيشمل من ادعى علمًا لا يحسنه أو يرغب في خطة ومرتبة لا يستحقها وكل ذلك يعده العلماء مما يجرح في الرواية (فليس منا) أي فليس ذلك المدعي من أهل هدينا وملتنا وشريعتنا فقد كفر وخرج بذلك عن ملتنا وديننا إن استحل ذلك أو ليس عمله من عمل أهل ديننا، فهو كاذب يُعاقب إن لم يستحل ذلك، فيكون كقول الرَّجل لولده إذا أساء لست ابني (وليتبوأ) أي وليتخذ (مقعده) أي مقره ومنزله (من النَّار) الأخروية، وهذا دعاء عليه أو خبر بلفظ الأمر، وهو أظهر القولين فيه، أي يكون مقعده ومنزله من النَّار مخلدًا فيها إن استحل ذلك أو هذا جزاؤه إن جُوزي على ذلك إن لم يستحل لأنه يجازى عليه إن لم يُغفر له، وقد يُعفى عنه، وقد يُوفق للتوبة فيسقط عنه ذلك. وفي هذا الحديث تحريم دعوى ما ليس له مالًا كان أو علمًا أو جاهًا أو منقبة أو صلاحًا، وفيه أنَّه لا يحل له أن يأخذ ما حكم له الحاكم بدعواه الكاذبة. وعبارة القرطبي هنا قوله: "من ادعى ما ليس له فليس منا" ظاهره التبري المطلق، فيبقى على ظاهره في حق المستحل لذلك على ما تقدم، ويُتأول في حق غير المستحل بأنه ليس على طريقة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعلى طريقة أهل دينه، فإن ذلك ظلم، وطريقة أهل الدين العدل وترك الظلم، ويكون هذا كقوله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب" رواه البُخَارِيّ ومسلم والتِّرمذيّ والنَّسائيّ، ويقرب منه قوله صلى الله عليه وسلم "من لم يأخذ من شاربه فليس منا" رواه التِّرْمِذِيّ والنَّسائيّ، وقوله (ومن دعا رجلًا بالكفر) على تقدير النفي ومن الزائدة ليصح الاستثناء الآتي، والتقدير أي وما من أحد دعا ونادى رجلًا بالكفر بأن قال له: يَا كافر (أو قال) له يَا

عَدُوَّ الله وَلَيسَ كَذَلِكَ، إلَّا حَارَ عَلَيهِ". 125 - (61) حَدثني هَارُونُ بْنُ سعيدٍ الأَيلِي، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عدو الله و) الحال أن ذلك الرَّجل (ليس كذلك) أي كافرًا أو عدوًا لله (إلَّا حار) ورجع نداؤه وقوله (عليه) أي على الداعي والقائل بالكفر الحقيقي إن استحل ذلك، وإلا فبكفران نعمة أخوة الإِسلام، فهو جاحد لنعمة الإِسلام ونعمة الله التي جعل بينهما فهو عاصٍ، وقوله (إلَّا حار عليه) قال النووي: هذا الاستثناء قيل إنه واقع على المعنى أي لا يدعوه أحد بالكفر إلَّا حار عليه، ويحتمل أنَّه معطوف على قوله (ليس من رجل) فيكون جاريًا على اللفظ، قال الأبي: إنما حُمل على الوجه الأول على المعنى الذي هو النفي؛ لأن المقصود إثبات أن يرجع بها, ولا يثبت ذلك إلَّا بالنفي، ليكون الاستثناء من النفي إثباتًا، ولو لم يُقدَّر النفي لم يثبت ذلك؛ لأن الاستثناء من الإثبات نفي عكس المطلوب. وقوله (عدو الله) قال النووي ضبطناه بالنصب على أنَّه منادى مضاف، وبالرفع على أنَّه خبر لمحذوف أي هو عدو الله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي ذر من أصحاب الأمهات البُخَارِيّ فقط (3508) وشاركه أَحْمد أَيضًا (5/ 166). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: (125) - ش (61) (حَدَّثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التَّمِيمِيّ السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية، نزيل مصر، روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، وابن عيينة وأبي ضمرة أنس بن عياض وطائفة، ويروي عنه (م د س ق) وأبو حاتم ومحمَّد بن وضاح وبقي بن مخلد وعاصم بن رازح والطحاوي وجماعة، قال أبو حاتم: شيخ، وقال النَّسائيّ: لا بأس به، وقال في موضع آخر: ثِقَة، وقال ابن يونس: ثِقَة، وضَعُفَ ولزم بيته وقال أبو عمر الكندي: كان فقيهًا من أصحاب ابن وهب، وقال في التقريب: ثِقَة فاضل من العاشرة، مات سنة (253) ثلاث وخمسين ومائتين وله (83) سنة، قال هارون (حَدَّثَنَا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم القُرشيّ مولاهم أبو محمَّد المصري الفقيه أحد الأئمة ثِقَة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة

قَال: أَخْبَرَنِي عَمْروٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: إِن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "لا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (197) وله (72) سنة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، (قال) ابن وهب (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأَنْصَارِيّ مولاهم أبو أمية المصري ثِقَة فقيه حافظ من السابعة، مات سنة (148) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بضم فسكون غير منصرف بن حسنة بفتحات كما في المغني الكندي الحسني نسبة إلى جده حسنة بن شرحبيل المصري، روى عن عراك بن مالك والأعرج وأبي الخير اليزني وأبي سلمة، ويروي عنه (ع) وعمرو بن الحارث ويزيد بن أبي حبيب وبكر بن مضر ويحيى بن أَيُّوب والليث بن سعد، وثقه أَحْمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والدعاء في موضعين والصلاة (عن عراك بن مالك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء، الغفاري الكناني المدنِيُّ، فقيه أهل دهلك، ودهلك جزيرة قريبة من أرض الحبشة من ناحية اليمن، نفاه إلى دهلك يزيد بن عبد الملك لكلمة قالها في أيام عمر بن عبد العزيز، روى عن أبي هريرة في الإيمان والزكاة والفضائل وغيرها، وحفصة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر في الوضوء وعروة بن الزُّبير في النكاح وعائشة في المعروف وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة في انشقاق القمر، ويروي عنه (ع) وجعفر بن ربيعة ويزيد بن أبي حبيب وسليمان بن يسار في الزكاة وخثيم بن عراك ابنه في الزكاة وبكير بن الأَشَج والحكم بن عتيبة وزياد بن أبي زياد، وقال في التقريب: ثِقَة فاضل من الثالثة، مات في خلافة يزيد بن عبد الملك بعد المائة (100)، روي عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والزكاة والنكاح والفضائل والمعروف وانشقاق القمر في سبعة أبواب (أنه) أي أن عراك بن مالك (سمع أَبا هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ، أحد المكثرين من الصَّحَابَة، وهذا السند من سداسياته رجاله، ثلاثة منهم مصريون وواحد أيلي واثنان مدنيان، حالة كون أبي هريرة (يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ترغبوا) ولا تأنفوا (عن) الانتساب إلى (آبائكم) الذين ولدوكم (فمن رغب) وأعرض وأنف (عن) الانتساب إلى (أبيه) الذي

فَهُوَ كُفْرٌ". 126 - (62) حَدَّثَنِي عَمْرٌو الناقِدُ، حَدَّثَنَا هُشَيمُ بْنُ بَشِيرٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أولده، أي ترك الانتساب إليه أنفةً عنه وانتسب إلى غيره، يقال رغب عنه: إذا تركه وكرهه، ورغب فيه: إذا أحبه (فهو) أي رغبته وأنفته وإعراضه عن الانتساب إلى أَبيه (كفر) حقيقةً أي خروج عن الملة إن استحل ذلك أو مجازًا أي جحدٌ لنعمة أبوة أَبيه إن لم يستحل فهو عاصٍ يُعاقب عليه، سماه كفرًا لأنه من عمل الكفار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ فقط في كتاب الفرائض عن أصبغ بن الفرج ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي ذر بحديث سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنهما فقال: (126) - ش (62) (حَدَّثني عمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور بمعجمة (النَّاقد) أبو عثمان البغدادي ثِقَة حافظ، وهم في حديث، من العاشرة مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا. قال عمرو (حَدَّثَنَا هُشيم) مصغرًا (ابن بشير) بوزن عظيم بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطيّ ثِقَة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي من السابعة، مات سنة (183) وله (85) سنة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية عشر بابًا تقريبًا، قال هشيم (أخبرنا خالد) بن مهران بكسر الميم القُرشيّ الخُزَاعِيّ مولاهم أبو المنازل البَصْرِيّ المعروف بالحذاء، قيل: ما حذا نعلًا قط ولا باعها, لكنه تزوج امرأة فنزل عليها وهي بين الحذائين فنُسب إليهم، ثِقَة ولكنه يُرسل من الخامسة، مات سنة (142) مات في أولها، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي عثمان) عبد الرَّحْمَن بن مِلُّ بتثليث الميم ولام مشددة بن عمرو بن عدي بن وهب بن سعد بن خزيمة بن كعب بن رفاعة بن مالك بن بهز بن زيد النهدي بفتح النُّون وسكون الهاء نسبة إلى نهد بن زيد من قضاعة البَصْرِيّ أسلم في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأدى إليه صدقاته وغزا في عهد عمر غزوات وكان مقيمًا بالكوفة فلما قتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما انتقل منها إلى البصرة وقال لا أسكن بلدًا قتل فيها ابن بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم روى عن سعد بن أبي وقَّاص وأبي بكرة

قَال: لَما ادُّعِيَ زَيادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الذِي صَنَعْتُمْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعمر وعلي وأبي ذر وعبد الله بن عباس وأبي بن كعب وسلمان وأبي سعيد الخُدرِيّ وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وخلقٍ ويروي عنه خالد الحذَّاء وعاصم الأحول وسليمان التَّيميّ وثابت البناني وأبو التَّيَّاح وداود بن أبي هند والجريري وقتادة وأيوب السختياني وخلائق ثِقَة ثبت عابد من كبار الثَّانية مات سنة (95) خمسٍ وتسعين وله أكثر من مائة وثلاثين سنة (130)، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والجنائز والفضائل في خمسة مواضع والجهاد في موضعين وفي الرحمة والدعاء في أربعة مواضع والتوبة والأطعمة واللباس واللعان فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (قال) أبو عثمان النهدي (لما ادعي) قال النووي ضبطناه بضم الدال وكسر العين مبنيًّا للمفعول أي لما نسب (زياد) بن عبيد الثَّقَفيّ إلى أبي سفيان ووجدتها بخط العبدري مفتوحة ووجهه أن زيادًا لما وافق معاوية في استلحاقه بأبيه أبي سفيان وصدقه فيه كأنه هو ادعى أنَّه ابن أبي سفيان أي لما وافق زياد معاوية في استلحاقه وجواب لما قوله (لقيت أَبا بكرة) مع ما عطف عليه وذلك أن زيادًا المذكور هو المعروف بزياد بن أبي سفيان ويقال فيه زياد ابن أَبيه ويقال له أَيضًا زياد بن سمية وهو أخو أبي بكرة لأمه وكان يعرف أولًا بزياد بن أبي عبيد الثَّقَفيّ ثم ادعاه معاوية بن أبي سفيان وألحقه بأبيه أبي سفيان بن حرب وصار من جملة أصحابه بعد أن كان من أصحاب علي رضي الله عنهم أي قال أبو عثمان لمّا نسب زياد بن عبيد الثَّقَفيّ أخو أبي بكرة لأمه إلى أبي سفيان واستلحق به أنكرت ذلك في نفسي وحسبت أن أَبا بكرة رضي الله عنه راض بذلك الاستلحاق فذهبت إليه فلقيته (فقك له) أي لأبي بكرة (ما هذا) الاستلحاق (الذي صنعتم) بأخيك زياد بن عبيد الثَّقَفيّ فهذا منكر في الشرع فكيف ترضى ذلك لأخيك وتركته عليه. وقال النووي: المعنى أي ما هذا الذي جرى لأخيك لأنه أخو أبي بكرة لأمه وقد أنكر النَّاس استلحاق معاوية له وكان أبو بكرة أحد من أنكر ذلك وحلف أن لا يكلم زيادًا أبدًا فلعل أَبا عثمان لم يبلغه إنكار أبي بكرة أو بلغه وعنى بقوله ما هذا الذي صنعتم بمعنى ما هذا الذي صنع أخوك (وأما أبو بكرة) فاسمه نُفَيع مصغرًا بن الحارث بن بمدة بفتحتين بن عمرو الثَّقَفيّ الصحابي الجليل عداده في البصريين سمي بأبي بكرة لأنه نزل عليها من حصن الطائف إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فكناه النَّبِيّ صلى الله عليه

إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقاصٍ يَقُولُ: سَمِعَ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ وَهُوَ يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى أَبًا في الإِسلامِ غَيرَ أَبِيهِ يَعلَمُ أَنَّهُ غَيرُ أَبِيهِ .. فَالْجَنَّةُ عَلَيهِ حَرَامٌ"، فَقَال أَبُو بَكْرَةَ: وَأنا (¬1) سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم بها له مائة واثنان وثلاثون حديثًا، روى عنه أبو عثمان النهدي في الإيمان وأبناؤه عبد الرَّحْمَن وعبيد الله ومسلم وعبد العزيز وكبشة وربعي بن حراش والحسن وابن سيرين وغيرهم، وقال في التقريب: أسلم بالطائف وهو ابن ثماني عشرة سنة ومات سنة (59) تسع وخمسين وقيل ثلاث وقيل اثنتين وكان له يوم مات (63) ثلاث وستون سنة وكان له أربعون ولدًا أعقب منهم الأربعة المذكورين آنفًا قال أبو عثمان وقلت لأبي بكرة استدلالًا على إنكاري ذلك (إني سمعت سعد بن أبي وقَّاص) حالة كون سعد (يقول سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول من ادعى) وأثبت لنفسه (أبًا) ينتسب إليه بعد أن دخل (في) دين (الإِسلام) وأنقذه الله تعالى من الشِّرك والجهالة وعلم حرمة ذلك الانتساب وقوله (غير أبيه) بدل من أبًا أو عطف بيان له أو صفة أي جعل لنفسه (أبًا) مغايرًا لأبيه الذي أولده بعد أن دخل في الإِسلام وعلم حرمته حالة كونه (يعلم أنَّه) أي أن ذلك الشخص الذي انتسب إليه (غير أَبيه) الذي أولده (فالجنة) أي فدخول الجنة (عليه) أي على ذلك المنتسب لغير أَبيه (حرام) أي ممنوع فهو مخلد في النَّار إن استحل ذلك الانتساب أو دخوله مع الفائزين وأهل السلامة حرام حتَّى يعاقب على ذلك الانتساب إن لم يستحل ذلك إلَّا إن تفضل الله عليه بالعفو والغفران (فقال أبو بكرة) لأبي عثمان النهدي (وأنا سمعته) أي سمعت هذا الحديث أَيضًا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) فحصل لأبي عثمان النهدي سماع هذا الحديث من صحابيين سعد بن أبي وقَّاص وأبي بكرة كما سيصرحه في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى (وأما سعد بن أبي وقَّاص) قاسم أَبيه مالك بن وهيب ويقال أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب أبو إسحاق القُرشيّ الزُّهْرِيّ المدنِيُّ شهد بدرًا والمشاهد كلها وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وآخرهم موتًا، وأحد ستة الشورى، وأول من رمى في سبيل الله تعالى وفارس الإِسلام، ومناقبه كثيرة من أن تحصر له مائتا حديث وخمسة عشر حديثًا روى عنه أبو عثمان النهدي وبنوه إبراهيم وعامر وعمر ¬

_ (¬1) في نسخة: (أنا) بلا واو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحمَّد وجابر بن سمرة وسعيد بن المسيّب و (ع) وخلائق وكان سابع سبعة في الإِسلام مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة وحمل إلى البقيع وصلى عليه مروان سنة تسع أو ثمان أو سبع أو ست وخمسين وهو ابن (74) أربع وسبعين سنة. روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والنكاح والفضائل والدعاء والجهاد في ستة أبواب وسند هذا الحديث من خماسياته رجاله واحد منهم بغدادي وواحد واسطيّ وثلاثة بصريون في رواية أبي بكرة أو اثنان بصريان وواحد مدني في رواية سعد بن أبي وقَّاص وقوله (سمع أذناي) كذا بلفظ الماضي وتثنية الفاعل وضبط (سمع أذني) بلفظ المصدر وإفراد الأذن أعني بسكون الميم وفتح العين على المصدر وبضمها قال سيبويه: تقول العرب سمع أذني لكذا وما تقدم هو الصواب انظر النواوي. (فصل) قال الأبي: وسبب استلحاق معاوية زيادًا لأبيه أبي سفيان أن عليًّا كان ولى زيادًا فارس فضبط أمرها بعد أن كان بين كورها اختلاف ثم ولاه اصطخر فلما قتل علي وبويع الحسن بعث معاوية إلى زياد يهدده فقام زياد خطيبًا وقال إن ابن آكلة الأكباد وذكر ألفاظًا أخر بعث يهددني وبيني وبينه ابنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين ألفًا واضعين قبائع سيوفهم تحت أذقانهم لا يرون شيئًا دون الموت أما والله إن خلص إلى ليجدني أَحْمد ضراب بالسيف فلما بايع الحسن معاوية وسلم إليه الخلافة دخل المغيرة بن شعبة على معاوية فأنشده معاوية: وإذا بحت بسر فإلى ... ناصح يستره أو لا تبح فقال: يَا أمير المُؤْمنين إن استودعتني تستودع ناصحًا شفيقًا ووعاء وثيقًا، قال: وما ذلك، قال: فكرت في أمر زياد واعتصامه بقلاع فارس فلم أنم الليلة، فقال المغيرة: ليس زياد هنالك يَا أمير المُؤْمنين، فقال معاوية: بئس الوطاء العجز، داهية العرب معه الأموال متحصن بقلاع فارس يدبر الرأي ويربط الخيل وما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت فإذا هو قد أعاد خدعة، فقال المغيرة: ائذن لي في إتيانه، قال: نعم وتلطف فأتاه فادار المغيرة من الكلام ما قال زياد في جوابه أشر علي الآن وارم الغرض ودع الفضول، فقال المغيرة: في محض الرأي بشاعة ولا خير في التصديق إنه لن يمد أحد يده إلى هذا الأمر غير الحسن وقد بايع لمعاوية فخذ لنفسك قبل التوطين ويستغنى عنك وهو يريد أن يلحقك بأبيه فأرى أن تشخص إليه وتلحق أهلك بأهله وتعير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النَّاس أذنًا صماء فقال لا أغرس عودًا في غير منبته وكتب معاوية إلى زياد علام تهلك نفسك اقدم إلى وأعلمني بما جبيت وما خرج عنك وما بقي وأنت آمن ثم إن شئت المقام عندي وإلا رجعت إلى مأمنك فلم يزل به المغيرة حتَّى أقدمه فسأله معاوية عما صار إليه من أموال فارس فأخبره بما بعث به إلى علي وبما أنفق في وجوه النفقة فصدقه وعرض عليه أن يلحقه بأبيه أبي سفيان فأبى فأرسلت إليه جويرية بنت أبي سفيان فأتاها فأذنت له ونشرت شعرها بين يديه وقالت له: أَنْتَ أخي أخبرني بذلك أبي فاعتزم على قبول الدعوة فأخرجه معاوية إلى الجامع وأحضر النَّاس وأحضر زيادًا وأربعة شهود أحدهم المنذر بن الزُّبير فشهد أنَّه سمع عليًّا يقول كنت عند عمر بن الخَطَّاب فقدم زياد بكتاب أبي موسى الأَشْعريّ فتكلم زياد بكلام أعجب عمر فقال أكنت قائلًا هذا للنَّاس على المنبر فقال هم أهون علي منك يَا أمير المُؤْمنين فقال أبو سفيان- وكان حاضرًا.: هو ابني فقلت وما يمنعك فقال هذا العير الناهق ثم شهد آخر بذاك فقام أبو مريم السلولي فقال ما أدري ما شهادة على ولكني كنت خمارًا بالطائف فمر بي أبو سفيان في سفر فطعم وشرب ثم سألني بغيًا فأتيته بسمية جارية بني عجلان وهي من أصحاب الرايات بالطائف فوقع بها ثم قال ما أصبت مثلها لقد سلت ماء ظهري استلالًا تبينت أثر العمل في عينها فقال له زياد مهلًا يَا أَبا مريم إنما بعثت شاهدًا ولم تبعث شاتمًا فقال قلت الحق على ما كان ولو أعفيتموني لكان أحب إلى فقام زياد وقال أيها النَّاس هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم ولست أدري حق ذلك من باطلة وإنما كان أبو عبيد أبًا مبرورًا ووليًا مشكورًا والشهود أعلم بما قالوا فقام يونس بن أبي عبيد الثَّقَفيّ فقال يَا معاوية قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر فعكست أَنْتَ وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت الولد للعاهر وللفراش الحجر فخالفت كتاب الله وسنة رسوله بشهادة أبي مريم على زنى أبي سفيان فقال معاوية يَا يونس والله لتنتهين أو لأطيرن بك طيرًا بطيئًا وقوعها فانفذ معاوية هذه الشهادة وأثبت زيادًا لأبي سفيان وولاه البصرة وللمؤرخين في ذلك حكايات وأشعار انتهى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه فقال:

127 - (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَأَبُو مُعَاويةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (127) - متا (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا، قال أبو بكر (حَدَّثَنَا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي مولاهم، أبو سعيد الكُوفيّ ثِقَة متقن من كبار التاسعة مات سنة (184) وله (93) سنة، روى عنه في (12) بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أَيضًا (أبو معاوية) محمَّد بن خازم بمعجمتين التَّمِيمِيّ السعدي مولاهم الضَّرير، عَمِّي في صغره، الحافظ الكُوفيّ ثِقَة، أحفظ النَّاس لحديث الأَعمش، من كبار التاسعة، مات سنة (195) وله (82) سنة روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، كلاهما (عن عاصم) بن سليمان الأحول أبي عبد الرَّحْمَن البَصْرِيّ الحافظ التَّمِيمِيّ مولاهم، روى عن أبي عثمان النهدي وصفوان بن محرز وأبي المتوكل وحميد الطَّويل وأنس بن مالك وعبد الله بن سرجس والشعبي ومحمَّد بن سيرين، ويروي عنه (ع) ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة وأبو معاوية وداود بن أبي هند وحفص بن غياث ومروان بن معاوية وزهير بن معاوية ومعمر بن راشد وأبو خالد الأحمر وشعبة وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وخلائق، وثقه ابن معين وأبو زرعة وقال أَحْمد: ثِقَة من الحفاظ، وقال في التقريب: ثِقَة من الرابعة، وقال ابن سعد: مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، لم يتكلم فيه إلَّا القطَّان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية، وكان قاضيًا في المدائن (عن أبي عثمان) عبد الرَّحْمَن بن مُل البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت عابد من كبار الثَّانية، مات سنة (95) وله (135) سنة (عن سعد) بن أبي وقَّاص مالك بن وهيب أبي إسحاق القُرشيّ الزُّهْرِيّ المدنِيُّ الصحابي الجليل (وأبي بكرة) نفيع بن الحارث بن بمدة الثَّقَفيّ البَصْرِيّ الصحابي الجليل، تقدمت ترجمتهما آنفًا، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان وثلاثة منهم بصريون، على رواية أبي بكرة، واثنان بصريان وواحد مدني على رواية سعد، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عاصم الأحول لخالد الحذَّاء في رواية هذا الحديث عن أبي عثمان النهدي، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث معها لما في الرواية الآتية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات (كلاهما) أي

يَقُولُ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مُحَمدًا صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إلى غَيرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيرُ أَبِيهِ .. فَالْجَنةُ عَلَيهِ حَرَام" ـــــــــــــــــــــــــــــ كل من سعد وأبي بكرة (يقول سمعته) أي سمعت لفظ الحديث الآتي (أذناي) بصيغة التثنية على أنَّه فاعل سمع (ووعاه) معطوف على سمع أي ووعى وحفظ معنى الحديث الآتي (قلبي) أي فؤادي وعقلي وقوله (محمد صلى الله عليه وسلم) بالنصب بدل من ضمير سمعته أي سمعت أذناي محمدًا صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول من ادعى) وانتسب (إلى غير أَبيه) أي غير والده وإن علا (وهو) أي والحال أن ذلك المنتسب (يعلم أنَّه) أي أن ذلك الغير (غير أَبيه) أي غير والده وإن علا سواء كان من أقاربه أو من الأجانب (فالجنة) أي فدخولها (عليه) أي على ذلك المنتسب (حرام) أي ممنوع أبدًا إن استحل ذلك الانتساب أو أولًا مع الفائزين حتَّى يعاقب ويجازى على ذلك الانتساب إن لم يستحل ولم يدركه العفو. قال القرطبي: والضمير في (سمعته أذناي) ضمير المصدر الذي دل عليه سمعته أي سمعت سمعًا أذناي كما تقول العرب ظننته زيدًا قائمًا أي ظننت ظنًّا زيدًا قائمًا وهذا الوجه أحسن ما يقال فيه إن شاء الله تعالى ويجوز أن يكون الضمير عائدًا على معهودِ مقصورٍ في نفوسهم، ومحمدًا بدل منه، والله أعلم، انتهى. وهذا الحديث أعني حديث سعد بن أبي وقَّاص وأبي بكرة رواه أَحْمد (1/ 174) و (5/ 46) وشاركه من أصحاب الأمهات البُخَارِيّ (6766) وأبو داود (5113) وابن ماجه (2610).

35 - باب حكم سباب المسلم وقتاله

35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ 128 - (63) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن بَكارٍ بن الرَّيَّان وَعَوْنُ ابن سَلَّامٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَدُ بْنُ طَلْحَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 35 - بَابُ حُكْمِ سِبَابِ الْمُسْلِمِ وَقِتَالِهِ أي باب معقود في بيان حكم إيمان من ساب مسلمًا أو قاتله فحكمهما الخروج من الملة إن استحلا ذلك وإلا فلا وترجم النواوي والقاضي والأبي والسنوسي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهم (باب بيان قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر). ولم يترجم له القرطبي بل أدخله في الترجمة السابقة وترجمتي أولى وأخصر لسلامتها مما يرد على ترجمتهم من اتحاد المترجم به والمترجم له مع وجوب كون الترجمة الحكم المستنبط من الحديث لئلا يتحد الدليل والمدلول عليه كما هو القاعدة. (128) - س (63) (حَدَّثَنَا محمَّد بن بكار) بالباء الموحدة المفتوحة والكاف المشددة (ابن الريان) بالراء المفتوحة والياء التحتانية المشددة الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي ثِقَة من (10) مات سنة (238) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أَيضًا (عون بن سلام) بتشديد اللام الهاشمي مولاهم أبو جعفر الكُوفيّ روى عن محمَّد بن طلحة بن مصرف في الإيمان والصلاة وأبي بكر النهشلي في الصلاة وزهير بن معاوية ويروي عنه (م) ومطين وطائفة، وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة مات سنة (230) ثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في بابين الإيمان والصلاة في موضعين (قالا) أي قال كل من محمَّد بن بكار وعون بن سلام (حَدَّثَنَا محمَّد بن طلحة) بن مصرف بن عمرو بن كعب بن مُحْدِبِ بن معاوية بن سعد بن الحارث بن ذهل بن سلمة بن يام الهمداني اليامي من بني يام بن رافع بن مالك من همدان أبو عبد الله الكُوفيّ روى عن زبيد اليامي في الإيمان والصلاة وعبد الله بن شبرمة في البر عن أَبيه والحكم بن عتيبة وطائفة ويروي عنه (خ م د ت ق) ومحمَّد بن بكار وعون بن سلام وشبابة بن سوار وأسد بن موسى وابن مهدي وأبو نعيم وخلق، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، وقال ابن معين: صالح، وقال مرة: ضعيف، وقال أَحْمد بن حنبل: لا بأس به إلَّا أنَّه لا يكاد يقول في شيء من حديثه حَدَّثَنَا، وقال أبو زرعة: صالح، وقال العقيلي: قال

ح وَحَدَّثَنَا محمدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمَنِ بن مَهدِي، حَدَّثَنَا سُفيَانُ، ح وَحَدثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنى، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جَعفَر، حَدَّثَنَا شُعبَةُ كُلهُم عَنْ زُبَيدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أَحْمد: ثِقَة، وقال العجلي: ثِقَة من السابعة مات سنة (167) سبع وستين ومائة روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب في الإيمان والصلاة والبر (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمَّد بن المثنَّى) بن عبيد بن قيس أبو موسى العنزي البَصْرِيّ ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابا تقريبًا، قال ابن المثنَّى (حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدي) بن حسان الأَزدِيّ مولاهم أبو سعيد البَصْرِيّ ثِقَة ثبت حافظ من التاسعة مات سنة (198) بالبصرة عن (63) وكان يحج كل سنة روى عنه المؤلف في (14) بابا قال ابن مهدي: (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد بن مسروق بن عدي الثَّوريّ ثور بن عبد مناة أبو عبد الله الكُوفيّ ثِقَة حافظ فقيه إمام حجة من السابعة مات سنة (161) وله (64) سنة روى عنه المؤلف في (24) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم البَصْرِيّ أبو عبد الله ربيب شعبة ثِقَة من التاسعة مات سنة (193) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا قال محمَّد بن جعفر (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البَصْرِيّ ثِقَة متقن من السابعة مات سنة (160) روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه التحويلات بيان كثرة طرقه كلهم) أي كل من محمَّد بن طلحة وسفيان وشعبة (عن زبيد) مصغرًا بن الحارث بن عبد الكريم اليامي من بني يام بن رافع بن مالك من همدان أبي عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ روى عن أبي وائل شَقِيق بن سلمة ومرة الهمداني ومحارب بن دثار وعمارة بن عمير وإبراهيم التَّيميّ وسعد بن عبيدة وإبراهيم بن سويد النَّخَعيّ وغيرهم، ويروي عنه (ع) والثوري وشعبة ومحمَّد بن طلحة وزهير بن معاوية وفضيل بن غزوان والحسن بن عبيد الله النَّخَعيّ وخلق وقال في التقريب: ثِقَة ثبت عابد من السادسة مات سنة اثنتين وعشرين ومائة (122) وليس في مسلم من اسمه زبيد إلا هذا الثقة. روى عنه المؤلف في الإيمان والجنائز والصوم والحج والجهاد والضحايا والدعاء في سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي وائل) شَقِيق بن سلمة الأسدي أحد بني مالك بن ثعلبة بن دودان الكُوفيّ من بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر أدرك النَّبِيّ صلى الله

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسعودٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوق، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم ولم يسمع منه شيئًا وكان من عباد أهل الكوفة واحد سادة التابعين واحد العلماء العاملين مخضرم روى عن عبد الله بن مسعود وحذيفة وأبي موسى والأشعث بن قيس ومسروق وعلقمة بن قيس وعمار بن ياسر وأم سلمة وخباب بن الأرت وأبي الهياج الأسدي وخلق ويروي عنه (ع) وزبيد بن الحارث ومنصور والأعمش وواصل وجامع بن أبي راشد وعمرو بن مرة ومغيرة بن مقسم تعلم القرآن في سنتين وقال في التقريب: ثِقَة مخضرم مات في خلافة عمر بن العزيز وله مائة سنة (100). روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والصلاة في أربعة مواضع والجنائْز في موضعين والزكاة في خمسة مواضع والجهاد في ثلاثة مواضع والبيوع والأطعمة والزهد فجملة الأبواب التي روى عنه فيها تسعة (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله تعالى عنه بن غافل بن خبيب بن شمخ بن مخزوم الهذلي أبي عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ أحد السابقين الأولين إلى الإِسلام صاحب النعلين وقد تقدم البسط في ترجمته مات بالمدينة سنة (32) اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم وغيرها وأسانيد هذا الحديث ثلاثة الأول سند محمَّد بن طلحة وهو من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلَّا محمَّد بن بكار فإنَّه بغدادي والثاني سند سفيان وهو من سداسياته ورجاله اثنان منهم بصريان وأربعة كوفيون والثالث سند شعبة وهو من سداسياته أَيضًا ورجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة كوفيون. قال النووي: قوله (كلهم عن زبيد) هكذا ضبطناه وكذا وقع في أصلنا وبعض الأصول ووقع في الأصول التي اعتمدها ابن الصلاح بطريقي محمَّد بن طلحة وشعبة ولم يقع فيها طريق محمَّد بن المثنَّى عن ابن مهدي عن سفيان وأنكر الشيخ قوله كلهم مع أنهما اثنان محمَّد بن طلحة وشعبة وإنكاره صحيح على ما في أصوله وأما على ما عندنا فلا إنكار فإن سفيان ثالثهما والله أعلم انتهى. (قال) عبد الله بن مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سباب المسلم) أي سب المسلم وشتمه مثل يَا خائن يَا حمار يَا ثور يَا كلب يَا كبش يَا بطة (فسوق) أي خروج عن الملة إن استحله وخروج عن حيز الاستقامة والعدل إلى حيز الجهالة والظلم إن لم

وَقِتَالهُ كفْرٌ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ يستحل أي فلا إيمان للساب إن استحله وإلا فلا، فيستحق التأديب بما يراه الإِمام كما قاله الإِمام مالك، وقال الأبي: السباب مصدر ساب من باب فاعل يقال سابه سبابًا ومساببة كقاتله يقاتله قتالًا ومقاتلة ثم يحتمل أنَّه بمعنى سب الثلاثي والمفاعلة ليست على بابها والإضافة حينئذ تصح أن تكون للفاعل أي سب المسلم المسلم وأن تكون للمفعول أي سب الرَّجل المسلم ويحتمل أنَّه على بابه من المفاعلة أي تشاتمهما فسق وخروج عن العدل إلى الظلم فيعارض حينئذ حديث"المتسابان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم" لأنه نص في أن إثم تشاتمهما إنما هو على البادئ فقط ويجاب بأن حديث السباب محتمل للمعنيين السابقين فيرد لذلك النص وإنما كان على البادئ لأنه المتسبب والآخر إنما هو مكافئ ولهذا قال"ما لم يعتد المظلوم" فيخرج حينئذ عن حد المكافأة وإثم المظلوم إنما هو تقديري فلا إثم عليه إن لم يعتد قال النووي والسب في اللغة الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيّبه والمحكم فيما هو سب العرف ومن قال لرجل يَا شارب الخمر أو يَا آكل الربا أو يَا خائن أو يَا حمار أو يَا ثور أو يَا كلب أو يَا خنزير أو يَا فاسق أو يَا فاجر أو يَا ابن الفاجرة عزَّر وإن قال له يَا فاجرًا بفلانة حدّ إلا أن يدعي مخرجًا مثل أن يراه ناظرًا لها أو مُقَبِّلًا فيحلف على أنَّه أراد ذلك فيعزر وجعل الشيخ ابن عرفة الهجاء من السب ويستثنى من السب ما كان للتأديب وهو ما أشار إليه النووي بقوله فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق كما أخبر به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعقوبته التأديب لأنه إذاية، وقال مالك من آذى مسلمًا أدب وقال القاضي والفسوق لغة الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها وشرعًا الخروج عن حد العدل إلى الظلم وعن الطاعة إلى الجهالة ومعنى سباب المسلم فسوق أي خروج عن امتثال الشرع وواجبه وسمي الفاسق فاسقًا لخروجه عن ميزان الشرع وانسلاخه عن أعمال البر، وقال القرطبي: ومعنى (سباب المسلم فسوق) أي خروج عن الذي يجب عليه من احترام المسلم وحرمة عرضه وسبه. (وقتاله) أي قتال المسلم لأجل إسلامه (كفر) أي خروج عن الملة وانسلاخ عن حكم الإِسلام والإيمان إن استحل ذلك أو جحد لنعمة أخوة الإِسلام التي جعلها الله سبحانه بينهم أو كفر لإحسانه ونعمته كفران الزوج أو يؤول به بشؤمه إلى الكفر أو من عمل أهل الكفر إن لم يستحل ذلك فهو عاص لا يخرجه عن الملة.

قَال زُبَيدٌ: فَقُلْتُ لأَبِي وَائِلٍ: أَنتَ سَمِعْتَهُ من عَبْدِ الله يَرويهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؟ قَال: نَعَم، وَلَيسَ في حَدِيثِ شُعْبَةَ قَوْلُ زُبَيدٍ لأَبِي وَائِلٍ. 129 - (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ المُثَنَّى عَنْ مُحَمَّد بنِ جَعْفَرٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القاضي: قوله (وقتاله كفر) أي قتاله من أَجل إسلامه واستحلال ذلك منه كفر حقيقي وقيل المعنى قتاله من أعمال أهل الكفر أو يكون كفر طاعة وكفر نعمة وغمطهما حيث جعلهما الله سبحانه مسلمين وألف بين قلوبهما ثم صار هو بعد يقاتله وقيل كفر بحق المسلم وجحد له بالمعنى لإظهاره إباحة ما أنزل الله من تحريم دمه وقتاله وترك ما أمر به من محبته وإكرامه وصلته فهو كفر بفعله وعمله لا بقوله واعتقاده وكل ذلك منهي عنه وفاعله جاحد حق أخيه المسلم وحق الله فيه، وقد يكون القتال بمعنى المدافعة والمشاررة أي دفع شره وأذاه كما في حديث المار بين يدي المصلي"فليقاتله" انتهى بتصرف وزيادة. وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود رواه أَحْمد (1/ 385 و 433 و 439 و 446 و 454 و 455) والبخاري (48) والتِّرمذيّ (2636) والنَّسائيّ (7/ 122) وابن ماجه (69) و (3939). (قال زبيد) بن الحارث اليامي بالسند السابق (فقلت ل) شيخي (أبي وائل) شَقِيق بن سلمة أ (أنت سمعته) أي أسمعت هذا الحديث (من عبد الله) بن مسعود حالة كون عبد الله (يرويه) أي يروي هذا الحديث (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال زبيد (قال) أبو وائل (نعم) سمعت عبد الله بن مسعود يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله (قال زبيد) من قول سفيان ومن قول محمَّد بن طلحة (و) هو في حديثهما لأنه (ليس في حديث شعبة) حكاية (قول زبيد لأبي وائل) والله أعلم، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (129) - متا (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكُوفيّ ثبت ثِقَة من العاشرة مات سنة (235) (و) حدثنا محمَّد (بن المثنَّى) بن عبيد أبو موسى العنزي البَصْرِيّ ثِقَة ثبت من (10) مات سنة (252) (عن محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم البَصْرِيّ أبي عبد الله من (9) مات سنة (193)

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن شعبة) بن الحجاج العتكي مولاهم أبي بسطام البَصْرِيّ من (7) مات سنة (160) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبي عثاب بمثلثة بعدها باء موحدة الكُوفيّ من بني بهشة بن سليم من رهط العباس بن مرداس ومجاشع بن مسعود السلميين روى عن أبي وائل وإبراهيم النَّخَعيّ وهلال بن يساف وأبي الضحى ومجاهد والحكم بن عتيبة والمسيب بن رافع وأبي إسحاق السبيعي وعمرو بن مرة وخلق ويروي عنه (ع) وشعبة وجرير بن عبد الحميد والثوري وإسرائيل وسليمان التَّيميّ ومسعر وشيبان وزائدة وأبو عوانة وحماد بن سلمة والمعتمر بن سليمان وخلائق، قال العجلي: ثِقَة ثبت له نحو ألفي حديث قال زائدة صام منصور أربعين سنة وقام ليلها، وقال في التقريب: ثِقَة ثبت وكان لا يدلس من الخامسة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في سبعة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في أربعة مواضع والحج في موضعين والنكاح والبيوع والجهاد والأدب في موضعين والمناقب والأحكام والضحايا والذبائح والنذور والرفق والقدر والدعاء والتفسير فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة عشر بابا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ ثِقَة حافظ من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب قال ابن نمير (حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأَنْصَارِيّ أبو عثمان الصفار البَصْرِيّ ثِقَة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (220) عشرين ومائتين روى عنه المؤلف في تسعة أبواب (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (عن) سليمان (الأَعمش) الكُوفيّ الكاهلي ثِقَة من الخامسة (كلاهما) أي كل من منصور والأعمش رويا (عن أبي وائل) شَقِيق بن سلمة الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود الكُوفيّ (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق برويا المقدر والضمير عائد على زبيد بن الحارث اليامي أي كلاهما رويا عن أبي وائل بمثل ما روى زبيد عن أبي وائل وغرض المؤلف بسوق هذين السندين بيان متابعة منصور والأعمش لزبيد اليامي في رواية هذا الحديث عن أبي وائل وفائدة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه المتابعة بيان كثرة طرقه وهذان السندان من سداسياته، الأول منهما رجاله اثنان بصريان وأربعة كوفيون، والثاني رجاله كذلك أَيضًا. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلَّا حديثًا واحدًا وهو حديث ابن مسعود وذكر فيه متابعة واحدة. ***

36 - باب الأمر بلزوم الإيمان والتمسك بشرائع الإسلام، والنهي عن الارتداد عن الإسلام، والتشبه بالكفار

36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ 130 - (64) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 36 - بَابُ الأمْرِ بِلزومِ الإيمَانِ وَالتَّمَسُّكِ بِشَرَائِع الإِسْلامِ، والنَّهْيِ عَنِ الارْتدَادِ عَنِ الإِسْلامِ، وَالتَّشَبُّهِ بِالْكفَّارِ أي هذا باب معقود في بيان الأمر بلزوم الإيمان والمواظبة عليه والتمسك بشرائع الإِسلام والعمل بها وهذا الجزء من الترجمة دل عليه الحديث الآتي بمفهومه وباب معقود في بيان النهي عن الارتداد والرجوع عن الإِسلام إلى الضلالة وعن التشبه بالكفار في أعمالهم بالمسلمين بمقاتلة بعضهم بعضًا وهذا الجزء دل عليه الحديث الآتي بمنطوقه. وترجم للحديث الآتي النووي والقاضي وأكثر المتون وهذا الأبي والسنوسي بقولهم (باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض). ولم يترجم له القرطبي بل أدخله في الترجمة السابقة واعترض على ترجمتهم هذه بأنه لم يبين في داخلها معنى الحديث المذكور بل إنما ذكر فيه لفظه وأيضًا بأن الترجمة عين الحديث المترجم له مع أن القاعدة عندهم أن الترجمة هي المعنى المستنبط من منطوق الحديث أو مفهومه واعترض أَيضًا بأنها لا تدخل تحت ترجمة كتاب الإيمان مع أن القاعدة عندهم دخول تراجم الأبواب تحت ترجمة الكتاب لأن الكتاب اسم لجنس من العلم مشتمل على أنواع داخلة تحته. (130) - س (64) (حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكُوفيّ ثِقَة ثبت من (10) مات سنة (235) (و) حدثنا أَيضًا (محمَّد بن المثنَّى) العنزي أبو موسى البَصْرِيّ ثِقَة ثبت من (10) مات سنة (252) (و) حدثنا أَيضًا محمَّد (بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي أبو إسحاق البَصْرِيّ المعروف ببندار لكونه بندار الحديث أي أوعيته ثِقَة من (10) مات سنة (252) وله (80) ثمانون سنة روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه،

جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، ح وَحَدْثَنَا (¬1) عُبَيدُ الله بن مُعَاذِ -وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدرِكٍ: سَمِعَ أَبَا زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ جدهِ جَرِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثوا لنا حالة كونهم (جميعًا) أي حالة كونهم مجتمعين متفقين في تحديثهم لنا (عن محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم الحافظ أبي عبد الله البَصْرِيّ من (9) مات سنة (193) (عن شعبة) بن الحجاج العتكي مولاهم أبي بسطام البَصْرِيّ من (7) مات سنة (160). (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان التَّمِيمِيّ العنبري أبو عمرو البَصْرِيّ ثِقَة حافظ من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في الإيمان وغيره وأتى بقوله (واللفظ له) اي لفظ الحديث الآتي لعبيد الله بن معاذ تورعًا من الكذب على أبي بكر وابن المثنَّى وابن بشار لأنهم إنما رووا معنى الحديث الآتي لا لفظه قال عبيد الله بن معاذ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنَّى البَصْرِيّ قاضي البصرة ثِقَة متقن من كبار التاسعة مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في عشرة (10) أبواب تقريبًا وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي مشايخه الراويين عن شعبة مع اختلاف صيغتهما, لأنه في السند الأول محمَّد بن جعفر وفي الثاني معاذ بن معاذ العنبري قال معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البَصْرِيّ أبو بسطام العتكي روى عنه المؤلف في ثلاثين (30) بابا تقريبًا (عن علي بن مدرك) النَّخَعيّ أبي مدرك الكُوفيّ روى عن أبي زرعة هرم بن عمرو بن جرير في الإيمان وهلال بن يساف وإبراهيم النَّخَعيّ ويروي عنه (ع) وشعبة والأعمش والمسعودي وقال في التقريب: ثِقَة من الرابعة مات سنة (120) عشرين ومائة (سمع) علي بن مدرك (أَبا زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليّ الكُوفيّ روى عن جده جرير وأبي هريرة ومعاوية وغيرهم ويروي عنه (ع) وعلي بن مدرك وعمارة بن القعقاع وغيرهم ثِقَة من الثالثة روى عنه المؤلف في الإيمان والفتن وغيرهما كما مر. حالة كون أبي زرعة (يحدث عن جده جرير) بن عبد الله بن جابر البَجَليّ الأحمسي أبي عمرو الكُوفيّ له صحبة من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عداده في الكوفيين سكنها زمانًا وتحول إلى قرقيسياء ومات بها سنة (51) إحدى وخمسين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة أبواب تقريبًا في الإيمان والصلاة والزكاة وهذان السندان ¬

_ (¬1) في نسخة: (حَدَّثَنَا) بلا واو.

قَال: قَال لِي النَّبِيُّ (¬1) صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ، ثُمَّ قَال: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض" ـــــــــــــــــــــــــــــ من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة كوفيون إلَّا في رواية أبي بكر بن أبي شيبة فعلى روايته أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان. (قال) جرير بن عبد الله (قال لي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع) يوم النحر بمنى، قال النووي والمعروف في الرواية حجة الوداع بفتح الحاء والمسموع من العرب فيها الكسر قال الهروي والقياس الفتح لأنها اسم المرة الواحدة لا الهيئة قالوا فيجوز الكسر فيها بالسماع والفتح بالقياس وسميت حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ودع النَّاس فيها وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم وأوصاهم أن يبلغ الشاهد فيها الغائب (استنصت النَّاس) أي اطلب منهم الإنصات وأمرهم به ليسمعوا مني هذه الأمور المهمة والقواعد التي سأقررها لهم وأحَمّلهم إيَّاها والاستنصات طلب الإنصات منهم والإنصات السكوت مع الإصغاء ومعنى استنصت أسكت النَّاس ليستمعوا مني قواعد دينهم ووصيتي إليهم بمصالح دينهم (ثم) بعد ما أسكتهم وأمرتهم بالاستماع فسكتوا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ترجعوا) ولا تنقلبوا (بعدي) أي بعد فراقي من موقفي هذا ويكون معنى بعدي خلافي أي لا تخلفوني في أنفسكم بعد الذي أمرتكم به أو بعد وفاتي أي لا ترتدوا ولا تصيروا بعد وفاتي (كفارًا) مستحلين حالة كونكم (يضرب بعضكم رقاب بعض) آخر مستحلين المقاتلة والمقاطعة بينكم فتكونون كافرين كفرًا حقيقيًّا ومفهوم هذا النهي الأمر بملازمة الإيمان والاعتصام بشرائع الإِسلام والمباعدة عن صنوف الشِّرك والضلال والمعنى لازموا عقيدة أهل الإيمان واعملوا بشرائع الإِسلام ولا ترجعوا بعد وفاتي على أعقابكم وتصيروا كفارًا مستحلين ضرب بعضكم رقاب بعض فتنقلبوا خاسرين مرتدين عن الإِسلام، وقال القرطبي: معنى لا ترجعوا كفارًا بعدي لا تشبهوا بالكفار في المقاتلة والمقاطعة وفيه ما يدل على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يعلم ما سيقع بعده في أمته من الفتن والتقاتل ويدل أَيضًا على قرب وقوع ذلك من زمانه فإنَّه خاطب بذلك أصحابه وظاهره أنَّه أرادهم لأنه بهم أعْنَى وعليهم أحْنَى ويحتمل غير ذلك اه. وقال الخطابي: معناه لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا اه، ¬

_ (¬1) في نسخة: (قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: المراد بالحديث أهل الردة وهذا القول إنما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة النحر إثر قوله "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" الحديث متفق عليه ثم قال ليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارًا الحديث فهو شرح لما تقدم منه صلى الله عليه وسلم في تحريم بعضهم على بعض ما أقاموا على الإِسلام، قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم "لا ترجعوا بعدي كفارًا" إلخ قيل في معناه سبعة أقوال، الأول: أن ذلك كفر شرعي في حق مستحل الضرب بغير حق لأنه استحل ما هو معلوم حرمته ضرورة أي لا تصيروا كفارًا باستحلال ضرب بعضكم بعضًا فتخرجوا عن الملة والإيمان" والثاني: كفر النعمة وحق الإِسلام والمعنى لا تصيروا جاحدين لنعمة الإِسلام وأخوته فيضرب بعضكم رقاب بعض، والثالث: أنَّه ما يقرب إلى الكفر ويؤدي إليه أي لا تفعلوا ما يؤول بكم إلى أن تصيروا كفارًا بضرب بعضكم رقاب بعض، والرابع: أنَّه فعلٌ كفعل الكفار أي لا تصيروا أشباه الكفار بضرب بعضكم رقاب بعض نظير قوله تعالى {كَيفَ تَكْفُرُونَ باللهِ} الآية أي كيف تتشبهون بالكفار نزلت في لبس الْأَنصار السلاح بعضهم لبعض لإفساد يهود بينهم وتذكيرهم إياهم أيامهم في الجاهلية حتَّى ثار بعضهم إلى بعض في السلاح وهذا أظهر الأقوال وهو اختيار القاضي عياض والقرطبي، والخامس: المراد حقيقة الكفر ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين مؤمنين، والسادس: أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح يقال: تكفر الرَّجل بسلاحه إذا لبسه أي لا تصيروا متسلحين يضرب بعضكم رقاب بعض، والسابع: لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا فتخرجوا عن الملة. انتهى بتصرف. وهذا كله على رواية الرفع في يضرب وهو في موضع الحال وأما على رواية الجزم فلا يستقيم المعنى عليه لأن الجزم في جواب النهي بتقدير شرط فينقلب النهي معه نفيًا، فإذا قلت لا تضرب زيدًا يكرمك فالتقدير إن لا تضربه يكرمك فإن لم يحسن النفي معه وجب الرفع فتقول لا تدن من الأسد يأكلك بالرفع إذ لا يصح إن لا تدن من الأسد يأكلك فلا يصح الجزم والحديث نظير هذا المثال فلا يصح الجزم فيه لأن المعنى حينئذ إن لا ترجعوا كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض فلا يصح ذلك. وقال المازري: تمسك بهذا الحديث الخوارج في التكفير بالذنوب لأن المعنى لا تكفروا بعدي بضرب بعضكم رقاب بعض والمبتدعة في أن الإجماع ليس بحجة قالوا

131 - (65) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِي، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ زَيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن نهي الأمة عن الكفر يدل على جوازه منهم لأنه لو كان ممتنعًا لم ينه عنه وإذا جاز أن يجتمعوا على الكفر فعلى الخطإ في الاجتهاد أولى، والجواب عن الأول أن كفارًا معناه مكفرين أي متسترين بالسلاح يضرب بعضكم رقاب بعض وأصل الكفر الستر وعن الثاني بأن كفارًا بمعنى جاحدين نعمة الله تعالى عليكم بأن أَلْف بين قلوبكم. وهذا الحديث أعني حديث جرير شارك المؤلف في روايته أَحْمد (4/ 358 و 363 و 366) والبخاري (121) والنَّسائيّ (7/ 127 و 128) وابن ماجه (3942). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جرير بحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (131) - ش (65) (وحدثني أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ ثِقَة حافظ من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في ستة عشر بابا (و) حدثني أَيضًا (أبو بكر) محمَّد (بن خلاد) بن كثير (الباهليّ) البَصْرِيّ روى عن محمَّد بن جعفر ويحيى بن سعيد القطَّان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى والوليد بن مسلم وعبد الرَّحْمَن بن مهدي وابن فضيل وغيرهم ويروي عنه (م د س ق) وأبو حاتم الرَّازيّ وعبد الله بن أَحْمد وبقي بن مخلد وغيرهم وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة مات سنة (240) أربعين ومائتين على الصحيح روى عنه المؤلف في الإيمان والصوم والجهاد والأطعمة والرؤيا واللباس في ستة أبواب تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال ابن أبي شيبة وابن خلاد (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البَصْرِيّ المعروف بغندر ثِقَة صحيح الكتاب إلَّا أن فيه غفلة من التاسعة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا قال محمَّد بن جعفر (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البَصْرِيّ ثِقَة متقن حافظ من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة روى عنه المؤلف في (30) ثلاثين بابا (عن واقد بن محمَّد بن زيد) بن عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب العدوي المدنِيُّ ثِقَة من السادسة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة أبواب (أنَّه) أي أن واقد بن محمَّد (سمع أباه) محمَّد بن زيد بن عبد الله بن

يحدِّث عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَنهُ قَال في حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "وَيحَكُمْ -أَوْ قَال: وَيلَكُمْ- لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر بن الخَطَّاب رضي الله تعالى عنهما العمري المدنِيُّ ثِقَة من الثالثة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب حالة كون محمَّد بن زيد (يحدث عن) جده (عبد الله بن عمر) بن الخَطَّاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل المكيّ أحد المكثرين من الصَّحَابَة مات سنة أربع وسبعين (74) بمكة ودفن بفخ وهو ابن أربع وثمانين سنة والفخ بفتح الفاء وتشديد الخاء المعجمة موضع بمكة دفن فيه ابن عمر ذكره في القاموس وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكّيّ إلَّا على طريقة ابن أبي شيبة فإنَّه كُوفِيّ والبصري اثنان فقط. (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال في حجة الوداع) في خطبة يوم النحر بمنى سنة عشر (ويحكم) أي أشرفتم على الهلاك واستحق لكم الترحم (أو قال) صلى الله عليه وسلم (ويلكم) وأو هنا للشك من الراوي، أي هلكتم هلاككم أو ألزمكم الله الهلاك فهما مفعولان به لفعل محذوف تقديره اسوجبتم الويح والترحم لكم أو ألزم الله الويل والهلاك لكم إلَّا ترجعوا) ولا ترتدوا (بعدي) أي بعد وفاتي فتصيروا (كفارًا) أي أشباه كفار غيركم حالة كونكم (يضرب) ويقطع (بعضكم رقاب بعض) آخر وأعناقه مستحلين المقاتلة بينكم. (فائدة) في الويح والويل والويس والويب وهما بمعنى الويل والويح في الأصل دعاء بالرحمة والويل دعاء بالهلاك أريد بهما هنا الحث والتحريض على ملازمة الإيمان والتمسك بشرائع الإِسلام والتحذير عن الرجوع إلى الكفر والارتداد على الأعقاب لا حقيقة الرحمة والهلاك وانتصابهما إما على المصدر بفعل ملاق لهما في المعنى دون اللفظ لأنهما من المصادر التي لم تستعمل أفعالها والتقدير استوجبتم ويحكم وهلكتم هلاككم وإما على المفعول والتقدير أوجب الله ويحكم وألزم ويلكم وعلى كلا التقديرين فالجملة في محل النصب مقول لقال كذا أفادته الجمل على الجلالين، وقد بسطنا الكلام على الويل في حدائق الروح والريحان فراجعه.

132 - (00) وَحَدْثَنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِمِثْلِهِ. 133 - (00) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بن يَحيَى، أخبَرَنَا عَبدُ الله بْنُ وَهبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث ابن عمر البُخَارِيّ وأبو داود والنَّسائيّ وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (132) - متا (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر العنبري أبو عمرو البَصْرِيّ ثِقَة حافظ من (10) مات سنة (237) قال عبيد الله بن معاذ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنَّى البَصْرِيّ ثِقَة متقن من (9) مات سنة (196) قال معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البَصْرِيّ من (7) (عن واقد بن محمَّد) بن زيد العدوي المدنِيُّ من (6) (عن أَبيه) محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر العدوي المدنِيُّ من (3) (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخَطَّاب (عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -) والجار والمجرور في قوله (بمثله) أي بمثل حديث محمَّد بن جعفر متعلق بقوله حَدَّثَنَا أبي أي حَدَّثَنَا أبي معاذ بن معاذ عن شعبة بن الحجاج بمثل ما حدث محمَّد بن جعفر عن شعبة وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان منهم مدنيان وواحد منهم مكّيّ وتقديم هذا السند أعني سند عبيد الله بن معاذ على السند الذي قبله أعني سند أبي بكر بن أبي شيبة من تصحيف النساخ وتحريفهم ولا تغتر بما في الشروح والمتون من تقديمه عليه والصواب ما شرحنا عليه كما في النسخ القديمة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (133) - متا (00) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة التجيبي أبو حفص المصري صدوق من الحادية عشرة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين روى عن عبد الله بن وهب في مواضع قال حرملة (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القُرشيّ

قَال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّد: أنَّ أبَاهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبو محمَّد المصري ثِقَة حافظ من التاسعة مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) عبد الله بن وهب (حَدَّثني عمر بن محمَّد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب العمري المدنِيُّ ثم العسقلاني نزل عسقلان روى عن أَبيه ونافع وحفص بن عاصم وسالم والقاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وجده زيد ويروي عنه (خ م د ص ق) وابن وهب ويزيد بن زريع وشعبة وغيرهم وثِقَة أَحْمد وأبو حاتم، وقال في التقريب ثِقَة من السادسة مات قبل الخمسين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة والجنائز في موضعين والصوم والبيوع في موضعين والنكاح واللباس في ثلاثة مواضع والأطعمة في موضعين والحوض، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة (أن أباه) محمَّد بن زيد العمري المدنِيُّ (حدثه) أي حدث لعمر بن محمَّد (عن) جده عبد الله (بن عمر) بن الخَطَّاب المكيّ [(عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم)] والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث شعبة عن واقد) متعلق بقوله أخبرنا عبد الله بن وهب أي أخبرنا عبد الله بن وهب عن عمر بن محمَّد عن أَبيه محمَّد بن زيد بمثل ما حدث شعبة عن واقد وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الله بن وهب لشعبة في رواية هذا الحديث عن محمَّد بن زيد ولكنها متابعة ناقصة لأن عبد الله بن وهب روى عن محمَّد بن زيد بواسطة عمر بن محمَّد وشعبة روى عن محمَّد بن زيد بواسطة واقد بن محمَّد وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه وهذا السند من خماسياته اثنان منهم مصريان واثنان مدنيان وواحد مكّيّ والله سبحانه وتعالى أعلم.

34 - باب حكم إيمان من طعن في النسب وناح على الميت

34 (*) - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ 134 - (66) وَحَدْثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ -وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمدُ بْنُ عُبَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 34 - بَابُ حُكْمِ إيمَانٍ مَنْ طَعَنَ في النَّسَبِ وَنَاحَ عَلَى الْمَيِّتِ أي هذا باب معقود في بيان حكم إيمان من طعن وعيَّب في نسب النَّاس وفي بيان حكم إيمان من ناح ورفع الصوت بالبكاء على الميت سواء كان مع الندب أم لا فحكم إيمانهما أنهما إن استحلا الطعن والنوح يكفران ويخرجان عن الملة وإلا فهما عاصيان بعملهما أعمال أهل الكفر والجاهلية. وترجم النواوي والقاضي وأكثر المتون للحديث الآتي بقولهما (باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة) وترجم له الأبي بقوله (باب قوله صلى الله عليه وسلم ثنتان في النَّاس هما بهم كفر) وترجم له السنوسي بقوله (باب الطعن في الأنساب والنياحة على الميت) ولم يترجم له القرطبي بل أدخل هذا الحديث في الترجمة السابقة وعدلت إلى ما ترجمت به ليوافق ترجمة كتاب الإيمان ولسلامته من اتحاد الترجمة والمترجم له، وبالسندين السابقين في أول الكتاب، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (134) - س (66) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ ثِقَة من العاشرة مات سنة (235) قال أبو بكر (حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير التَّمِيمِيّ مولاهم الكُوفيّ ثِقَة من كبار التاسعة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) مصغرًا الهمداني أبو عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ ثِقَة حافظ من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا وأتى بقوله (واللفظ له) اي لابن نمير تورعًا من الكذب على أبي بكر بن أبي شيبة وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه، قال محمَّد بن نمير (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكُوفيّ ثِقَة من أهل السنة من كبار التاسعة مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أَيضًا (محمَّد بن عبيد) -بلا إضافة- بن أبي أمية عبد الرَّحْمَن الطنافسي الأحدب أبو عبد الله الكُوفيّ روى عن الأَعمش ويزيد بن كيسان وهشام بن

كُلُّهُم عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "اثْنَتَانِ في النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْر: الطعْنُ في النسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عروة وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم ويروي عنه (ع) ومحمَّد بن عبد الله بن نمير عن أَبيه وعنه مقرونًا وابن أبي شيبة وإسحاق وأَحمد ويحيى بن معين وجماعة وقال في التقريب: ثِقَة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (204) أربع ومائتين وقال النَّسائيّ: ثِقَة، ووثقه أَحْمد وابن معين روى عنه المؤلف في باب الإيمان وفي باب المرء مع من أحب وفي الجنائز في موضعين (كلهم) أي كل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير ومحمَّد بن عبيد (عن) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم المعروف بـ (الأعمش) أبي محمَّد الكُوفيّ، قال النَّسائيّ: ثِقَة ثبت وعدَّه في المدلسين، من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة روى عنه المؤلف في ثلاثهّ عشر بابًا تقريبًا (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدنِيُّ مولى جويرية بنت الحارث القيسية ثِقَة ثبت من الثالثة مات سنة (101) إحدى ومائة وقال العجلي تابعي مدني موثوق به وفي الخلاصة مات ليالي الحرة سنة ثلاث ومائة (103) مقتولًا (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ مات سنة (59) تسع وخمسين وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتان) مبتدأ أول وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله (في النَّاس) أي خصلتان موجودتان في النَّاس (هما) مبتدأ ثان (بهم) متعلق بقوله (كفر) وهو خبر عن المبتدأ الثاني وصح الإخبار به عن المثنَّى مع كونه مفردًا لأنه مصدر يصلح للمفرد والمثنَّى والجمع بلفظه أي خصلتان موجودتان في النَّاس هما كفر قائم بهم كفرًا شرعيًّا يخرج من الملة إن استحلوها وإلا فهما من أعمال أهل الكفر وجاهلية واقعة منهم فهم عصاة بهما فلا يخرجان من الملة، أحدهما: (الطعن) والتعيير (في النسب) أي في نسب النَّاس وإن يقال فلان ليس ابن فلان لأنه لا يشبهه (و) ثانيهما: (النياحة) أي رفع الصوت بالبكاء (على الميت) أي على من مات والتقييد بالنساء فيما ورد من الأحاديث جرى مجرى الغالب لأن النوح على الميت من عادتهن وإلا فالرجل كذلك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة أَحْمد (2/ 496)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقط، وقال الأبي: قوله (هما بهم كفر) أي فيهم فالباء بمعنى في اهـ، وقال القرطبي: أي هما من خصال أهل الكفر والجاهليةكما قال صلى الله عليه وسلم "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الطعن في الأحساب والفخر بالإنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" رواه التِّرْمِذِيّ (1001) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال النواوي: في معنى هذا الحديث أقوال: أصحها أن معناه هما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية، والثاني أنَّه يؤدي إلى الكفر، والثالث أنَّه كفر النعمة والإحسان, والرابع أن ذلك في المُسْتَحِل، وفي هذا الحديث تغليظُ تحريم الطعن في النسب والنياحة وقد جاء في كل واحد منهما نصوص معروفة والله أعلم اهـ. وقال القاضي: قوله (هما بهم كفر) أي من أعمال أهل الكفر وعادتهم وأخلاق الجاهلية وهما خصلتان مذمومتان محرمتان في الشرع وقد كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يأخذ على النساء في بيعتهن أن لا ينحن وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منّا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البُخَارِيّ وغيره وكذلك نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن السخرية واللمز والنبز والغيبة والقذف وكل هذا من أعمال الجاهلية وقد قال الله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} فعرف نعمته بالإنساب للتعارف والتواصل فمن تسور على قطعها والغَمْضِ فيها فقد كفر نعمة ربه وخالف مراده وكذلك أمر تعالى بالصبر وأثنى على الصابرين ووعدهم رحمته وصلاته ووصفهم بهدايته وحتم الموت على عبادة فمن أبدى السخط والكراهة لقضاء ربه وفعل ما نهاه عنه فقد كفر نعمته فيما أعد للصابرين من ثوابه وتشبه بمن كفر من الجاهلية انتهى.

37 - باب حكم إيمان العبد الآبق

37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ 135 - (65) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَعديُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ -يعني ابْنَ عُلَيَّةَ- عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 37 - بَابُ حُكْمِ إيمَانِ الْعَبْدِ الآبِقِ أي هذا باب معقود في بيان حكم إيمان العبد الآبق أي الشارد عن سيده بلا إذنه فحكم إيمانه أنَّه يكفر ويخرج عن الملة إن استحل الإباق لاستحلاله ما هو معلوم من الدين بالضرورة وإلا فهو كافر كفرانًا بمعنى جحد حق مواليه فهو مؤمن عاص يستحق التأديب، وترجم النووي والقاضي وأكثر المتون بقولهم (باب تسمية العبد الآبق كافرًا) وترجم له الأبي بقوله (باب إباق العبد) وترجم له السنوسي بقوله (باب العبد الآبق إذا أبق فهو كافر) ولم يترجم له القرطبي وعدلت إلى ما ترجمت به ليوافق ترجمة كتاب الإيمان والله أعلم. (135) - س (65) (حَدَّثَنَا علي بن حجر) بن إياس بن مقاتل بن مشمرج (السعدي) أبو الحسن المروزي نزيل بغداد ثم مرو ثِقَة حافظ من صغار التاسعة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابا تقريبًا. قال علي بن حجر (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم بن سهم بن مقسم الأسدي أبو بشر المجري مولى بني أسد بن خزيمة وأمه علية مولاة أَيضًا لبني أسد ثِقَة حافظ من الثامنة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (يعني) ويقصد شيخي علي بن حجر بإسماعيل الذي أبهمه إسماعيل (ابن عليّة) تورعًا من الكذب على شيخه وإيضاحًا للراوي (عن منصور بن عبد الرَّحْمَن) الأشل الغداني بضم المعجمة قبل المهملة المشددة آخره نون البَصْرِيّ روى عن الشعبي في الإيمان وأبي إسحاق السبيعي والحسن البَصْرِيّ ويروي عنه (م د) وإسماعيل بن عليّة وشعبة وبشر بن المفضل وغيرهم، وثقه أَحْمد وابن معين وأبو داود، وقال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النَّسائيّ ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: صدوق يهم من الثالثة ولم أر من أرخ موته (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي شعب همدان أبي عمرو الكُوفيّ الإِمام

عَنْ جَرِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: "أيُّما عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ .. فَقَد كَفَرَ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيهِمْ" قَال مَنصُور: قَدْ وَاللهِ رُويَ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وَلَكِني أَكْرَهُ أَنْ يُرْوَى عَنِّي هَهُنَا بِالْبَصْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلم ثِقَة من الثالثة مات سنة (125) عشرين ومائة ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخَطَّاب وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابا (عن جرير) بن عبد الله البَجَليّ الأحمسي أبي عمرو الكُوفيّ ويقال فيه أبو عبد الله الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في الإيمان والصلاة والزكاة. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مروزي (أنَّه) أي أن الشعبي (سمعه) أي سمع جرير بن عبد الله حالة كونه (يقول أيما عبد) أي أيّ رقيق (أبق) وشرد وهرب (من مواليه) وأسياده (فقد كفر) كفرًا حقيقيًّا شرعيًّا وخرج عن الملة إن استحل ذلك الإباق وإلا فقد كفر وجحد وأنكر حق مواليه فهو عاصٍ (حتَّى يرجع إليهم) أي إلى مواليه وعبارة السنوسي معنى هذا الكلام أن منصورًا روى هذا الحديث عن الشعبي عن جرير موقوفًا عليه، ثم قال منصور -بعد حكايته إياه موقوفًا: والله إنه لمرفوع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فاعلموه أيها الخواص الحاضرون فإنما أكره أن أصرح برفعه من لفظ روايتي فيشيع عني بالبصرة المملوءة بالمبتدعة. انتهى. وقوله (أيما) اسم شرط جازم مبتدأ مرفوع وما زائدة وعبد مضاف إليه والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما، وأبق بفتح الباء أفصح من كسرها وهو فعل شرط فقد كفر جواب الشرط وقرن بالفاء لاقترانه بقد وهذا حديث موقوف على جرير ثم (قال منصور) بن عبد الرَّحْمَن بالسند السابق ورفعه إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال إنه (قد والله روي) هذا الحديث (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وفصل بين الفعل وقد بالقسم تأكيدًا للكلام (ولكني) أي ولكن أنا (كره أن يروي) ويحدث هذا الحديث (عني ها هنا) يعني (بالبصرة) البلدة المملوءة بالمبتدعة مرفوعًا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فإن البصرة كانت وقتئذ ممتلئة بأهل البدعة القائلين بتكفير أهل المعاصي وتخليدهم في النَّار وعبارة السنوسي هنا وكره منصور أن يحدث به بالبصرة لكثرة من بها من المعتزلة والمكفرين بالذنوب إذ لهم في هذا الحديث متمسك ولم يكره أن يحدث به بحضرة

136 - (00) حَدَّثَنَا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بن غِيَاثٍ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيّ، عَنْ جَرِيرٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أيما عَبْدٍ أَبَقَ .. فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخواص كما فعل اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير رضي الله تعالى عنه فقال: (136) - متا (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ ثِقَة حافظ من العاشرة مات سنة (235) قال أبو بكر (حدثنا حفص بن غياث) بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة ابن طلق بن معاوية النَّخَعيّ أبو عمر الكُوفيّ قاضي الكوفة قال في التقريب: ثِقَة فقيه تغير حفظه قليلًا في الآخر بعد ما استُقْضِيَ من الثامنة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا كما تقدم (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبي بكر البَصْرِيّ ثِقَة متقن كان يهم بآخره من الخامسة مات سنة (145) أربعين ومائة وقيل قبلها وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكُوفيّ (عن جرير) بن عبد الله البَجَليّ الكُوفيّ وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم بصري وأربعة كوفيون وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة داود بن أبي هند لمنصور بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن الشعبي وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن منصورًا مختلف فيه وبيان رفع الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى. (قال) جرير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد) أي أيّ رقيق (أبق) وشرد وهرب (فقد برئت) أي خلصت (منه) أي من ذلك العبد (الذمة) أي ذمة الإيمان وعهده وخرج ذلك العبد من الإيمان فيقتل إن فعل ذلك الإباق مستحلًا له أو ذمة الشرع وأمانه الذي جعله للمسلمين من كفاية الأعداء فيستحق عقوبة سيده له إن فعله غير مستحل له، وعبارة القرطبي هنا (قوله فقد برئت منه الذمة) أي ذمة الإيمان وعهده وحمايته وخفارته إن كان مستحلًا للإباق فيجب قتله بعد الاستتابة لأنه مرتد وإن لم يكن كذلك فقد خرج عن حرمة المُؤْمنين وذمتهم فإنَّه تجوز عقوبته على إباقه وليس لأحد أن يحول بين سيده وبين عقوبته الجائزة إذا شاءها السيد اهـ.

137 - (00) حَدَّثَنَا يَحْيَي بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي: (قوله برئت) يقال فيما هنا وفي الدين وغيرهما من الأشياء برئ بكسر الراء ويهمز ويسهل وأما برأ من المرض فلغة الحجاز فيها الفتح ولغة تميم الكسر ويهمز ولا يهمز ومضارعه يبرأ بالفتح على الوجهين في ماضيه يقال برئت من الرَّجل والدين أبرأ براءة وبرأت من المرض أبرأ برءًا وجاء في لغة برؤ بضم الراء أبرؤ من باب كرم، وقال القاضي أَيضًا: والمراد بالذمة هنا عهد الإيمان ويعني أنَّه خرج منه ويقتل إن فعله مستحلًّا وفي الحديث: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله وقد يعني بالذمة ضمان الشرع وأمانه الذي جعله للمؤمنين من كفاية الأعداء من الجن والإنس في بعض الأحيان ومنه سمي أهل الذمة لأنهم في أمان المسلمين وضمانهم فالمعنى أنَّه كان في ضمان الشرع وكفالته من عقوبة سيده له فلما أبق خفر بإباقه هذا الضمان والأمان أو يكون هذا في عبد كافر استحياه الإِمام فابق لدار الحرب فأسقط بإباقه ذمام الإِسلام بحقن دمه وصار كاحد الحربيين اهـ. قال النواوي وقال ابن الصلاح: وقد تكون الذمة هنا بمعنى الذمام وهو الاحترام أي لا احترام له. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جرير رضي الله عنه فقال: (137) - متا (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرَّحْمَن التَّمِيمِيّ الحنظلي أبو زكريا النَّيسَابُورِيّ أحد الأئمة الأعلام، وقال في التقريب: ثِقَة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا، قال يحيى (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضَّبِّيّ أبو عبد الله الكُوفيّ ثم الرَّازيّ ثِقَة صحيح الكتاب كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم وسكون القاف الضَّبِّيّ مولاهم أبي هشام الكُوفيّ الفقيه الأعمى روى عن الشعبي وإبراهيم النَّخَعيّ ونعيم بن أبي هند وأبي وائل وواصل بن حيان وغيرهم ويروي عنه (ع) وجرير بن عبد الحميد وإسرائيل وهشيم وزهير بن معاوية وشعبة وأبو عوانة وجماعة وثقه العجلي وابن معين، وقال في التقريب: ثقة متقن إلَّا أنَّه كان يدلس ولا سيما في إبراهيم من السادسة مات سنة (136)

عَنِ الشَّعْبِيِّ قَال: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الله يحدِّث عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِذَا أَبَقَ العَبْدُ لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلاةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ست وثلاثين ومائة على الصحيح. روى المؤلف عنه في الإيمان وفي أول الصلاة والحج والبيوع في ثلاثة مواضع والأطعمة والطب ودلائل النبوة والفضائل في موضعين فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ثمانية تقريبًا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكُوفيّ (قال) الشعبي كان جرير بن عبد الله) البَجَليّ الصحابي الجليل (يحدث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة مغيرة بن مقسم لمنصور بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن الشعبي وفائدتها تقوية هذا السند الأول وكرر متن السند لما في هذه الرواية أَيضًا من المخالفة للرواية الأولى (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (إذا أبق العبد) وهرب الرقيق من سيده (لم تقبل له) أي لذلك العبد (صلاة) ولا صيام ولا كل عمل صالح والصلاة كناية عن كل عمل صالح، وقال القرطبي: إن كان مستحلًا حمل الحديث على ظاهره لأنه يكون كافرًا ولا يقبل لكافر عمل وإن لم يكن كذلك لم تصح صلاته على مذهب المتكلمين في الصلاة في الدار المغصوبة لأنه منهي عن الكون في المكان الذي يصلي فيه ومأمور بالرجوع إلى سيده وأما على مذهب الفقهاء المصححين لتلك الصلاة فيمكن أن يحمل الحديث على مذهبهم على أن الإثم الذي يلحقه في إباقه أكثر من الثواب الذي يدخل عليه من جهة الصلاة فكأنه صلاته لم تقبل إذ لم يتخلص بسببهما من الإثم ولا حصل له منها ثواب يتخلص به من عقاب الله على إباقه فكان هذا كما قلناه في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن شارب الخمر لا تقبل منه صلاة أربعين يومًا" رواه التِّرْمِذِيّ (863 1) والنَّسائيّ (8/ 316) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما انتهى. قال النووي: وقد أول هذا الحديث المازري والقاضي عياض على أن ذلك محمول على المستحل للإباق فيكفر ولا تقبل له صلاة ولا غيرها ونبه بالصلاة على غيرها، وأنكر ابن الصلاح وقال: بل ذاك جار في غير المستحل ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فصلاة الآبق صحيحة غير مقبولة فعدم قبولها لهذا الحديث وذلك لاقترانها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعصية وأما صحتها فلوجود شروطها وأركانها المستلزمة صحتها ولا تناقض في ذلك ويظهر أثر عدم القبول في سقوط الثواب وأثر الصحة في سقوط القضاء وفي أنَّه لا يعاقب عقوبة تارك الصلاة هذا آخر كلام ابن الصلاح وهو ظاهر لا شك في حسنه وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث جرير أَحْمد (4/ 357 و 365) وأبو داود (4360) والنَّسائيّ (7/ 102). ***

38 - باب حكم إيمان من قال مطرنا بنوء كذا

38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا 138 - (68) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأْتُ َعَلَى مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بن كَيسَانَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 38 - بَابُ حُكْمِ إيمانِ مَنْ قَال مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا أي باب معقود في بيان حكم إيمان من قال مطرنا بنوء كذا أي بنجم كذا وكذا مع اعتقاد اختراعه وتأثيره في حصول المطر، وترجم للحديث الآتي النواوي والقاضي وأكثر المتون بقولهم (باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء) وترجم له الأبي بقوله (باب أحاديث أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) وترجم له السنوسي بقوله (باب من قال مطرنا بالأنواء فهو كفر) وترجم له القرطبي بقوله (باب نسبة الاختراع لغير الله سبحانه وتعالى حقيقة الكفر) وعدلت إلى ما ترجمت به ليوافق ترجمة كتاب الإيمان والله سبحانه وتعالى أعلم كما مر مرارًا: (138) - س (68) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التَّمِيمِيّ الحنظلي أبو زكريا النَّيسَابُورِيّ ثِقَة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) وروى المؤلف عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس وأنا وحيد فهو بمعنى أخبرني مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبي عبد الله المدنِيّ الفقيه إمام دار الهجرة أحد أعلام الإِسلام، وقال في التقريب: ثِقَة متقن من السابعة بلغ تسعين سنة (90) ومات سنة (179) تسع وسبعين ومائة وولد سنة (93) ثلاث وتسعين ودفن بالبقيع وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن صالح بن كيسان) الغفاري أبي محمَّد المدنِيُّ مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز تابعي رأى عبد الله بن عمر ثِقَة ثبت فقيه من الرابعة مات بعد الأربعين ومائة (140) روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا وتقدم البسط في ترجمته (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي الأعمى أبي عبد الله المدنِيُّ من سادات التابعين واحد الفقهاء السبعة ثِقَة ثبت فقيه من الثالثة مات سنة (94) أربع وتسعين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا، قال المازري: قيل هو في نسخة ابن ماهان عن صالح عن الزُّهْرِيّ عن عبيد الله وإدخال الزُّهْرِيّ بينهما خطأ لأن صالحًا أسن منه وهو يرويه عن عبيد الله بلا واسطة اهـ من الأبي.

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ صَلاةَ الصبحِ بِالحُدَيبِيَةِ في إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن زيد بن خالد الجهني) من جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة حديثه في أهل الحجاز أبي طلحة المدنِيُّ ويقال أبو عبد الرَّحْمَن صحابي مشهور له أحد وثمانون حديثًا اتفقا على خمسة وانفرد (م) بثلاثة روى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن عثمان وأبي طلحة الأَنْصَارِيّ ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعطاء بن يسار وعبد الله بن قيس بن مخرمة ويزيد مولى المنبعث وبسر بن سعيد وعبيد الله الخولاني وجماعة، مات بالكوفة في آخر ولاية معاوية وقيل بالمدينة سنة (78) وله (85) خمس وثمانون سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الوضوء في موضعين والصلاة والأحكام واللباس في خمسة أبواب. وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي وهو صالح عن عبيد الله (قال) زيد بن خالد (صلى) جماعة (بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية) أكثر الرواة يشددون ياء الحديبية، وهي لغة أهل اليمن، وأهل العراق يخففونها، وكذا الجعرانة، تقولها أهل المدينة بكسر العين وتشديد الراء، وأهل العراق يسكنون العين ويخففون الراء، وكذا ابن المسيّب أهل المدينة يكسرون الياء مشددة وأهل العراق يفتحونها، وكذلك قرأته وقيدته على من لقيته وقيدت عليه، والحديبية موضع فيه ماء بينه وبين مكة أميال، وصل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إليه وهو محرم بعمرة قبل فتح مكة فصده المشركون عن البيت، فصالحهم وشرط لهم وعليهم ولم يدخل مكة في تلك السنة، ورجع إلى المدينة فلما كان العام المقبل دخلها وسيأتي تفصيل ذلك كله إن شاء الله تعالى اهـ قرطبي. (في إثر سماء) أي عقب مطر (كانت من الليل) أي وقعت في الليل، وفي نسخة الأبي والسنوسي "إثر سماء" بحذف في، وعلى نسختنا هذه ففي زائدة، وإثر الشيء بكسر الهمزة وإسكان الثاء المثلثة بعده وعقبه، ويقال فيه أَثر بفتح الهمزة والثاء، والسماء هنا المطر، سُمي بذلك لأنه من السماء ينزل، وحقيقة السماء كل ما علاك فأظلك، قال القاضي جمع السماء أسمية وسُمى، وأصل السماء سماو لأنه من السمو قُلبت الواو

فَلَمَّا انْصَرَفَ .. أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَال: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَال رَبُّكُمْ؟ ، قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: "قَال: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فأَمَّا مَنْ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة، وهذا القلب مطرد، وسُمي المطر سماء تسمية للشيء باسم محله لأنه ينزل من السماء أي السحاب، وسمي السحاب سماء كما سُمي مُزنًا، لأن كل ما علا وأظل فهو سماء، وسماء كل شيء ما ارتفع منه اهـ. وفي تفسير الحدائق عند قوله تعالى {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} قال سلمان الفارسي: والسموات سبعٌ، اسم الأولى: رُفَيعٌ مصغرًا، وهي من زمردة خضراء، واسم الثانية: أرفلون وهي من فضة بيضاء، والثالثة: قيدوم وهي من ياقوتة حمراء، والرابعة: ماعون وهي من دُرة بيضاء، والخامسة: دبقاء وهي من ذهب أحمر، والسادسة: وَفناء وهي من ياقوتة صفراء، والسابعة: عروباء وهي من نور يتلألأ اهـ. وقد نظم بعضهم أسماء السموات السبع والكرسي والعرش العظيم فقال: أولاها رُفيعٌ ثانيها أرفلون ... ثالثها قيدوم رابعها ماعون خامسها دبقاء والسادس وَفناء ... سابعها عروباء سميت بهن السماء ثامنها هو الكرسي الكريم ... كذا تاسعها العرش العظيم (فلما انصرف) وفرغ وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح (أقبل) بوجهه الشريف (على الناس) الذين صلوا معه، وفي المفهم: أي فلما انصرف من صلاته وفرغ منها، ظاهره أنه لم يكن يثبت في مكان صلاته بعد سلامه بل كان ينتقل عنه، ويتغير عن حالته وهذا هو الذي يستحبه مالك للإمام في المسجد اهـ. (فقال) صلى الله عليه وسلم لهم (هل تدرون) وتعلمون (ماذا قال) أي ما الذي قاله (ربكم) وخالقكم في هذه الليلة، فما استفهامية في محل الرفع مبتدأ، وذا اسم موصول في محل الرفع خبر، وجملة قال صلة الموصول والعائد محذوف كما قدرناه والجملة الاستفهامية سادة مسد مفعولي درى معلق عنها باسم الاستفهام (قالوا) أي الحاضرون سلوكًا مسلك الأدب وتفويضًا للعلم إلى الله سبحانه (الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) صلى الله عليه وسلم (أعلم) أي عالمان ذلك لا نحن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) الله سبحانه (أصبح) أي دخل الصباح (من عبادي) فريق (مؤمن بي و) فريق (كافر) بي والفاء في قوله (فأما من قال) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط

مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرحْمَتِهِ .. فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بالْكَوْكَبِ، وأَمَّا مَنْ قَال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا .. فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مقدر، تقديره إذا عرفتم أن عبادي فريقان وأردتم بيان كل فريق فأقول لكم: أما من قال (مطرنا) أي رزقنا المطر (بفضل الله) سبحانه وتعالى أي بتفضله وتكرمه علينا (ورحمته) وإحسانه لنا (فذلك) أي قائل مُطرنا بفضل الله ورحمته (مؤمن بي) أي مصدق بأن المطر خلقي لا خلق الكوكب، أرحم به من أشاء من عبادي وأتفضل عليهم كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)} سورة الشورى: آية (28) (كافر بالكوكب) أي جاحد بتأثير الكوكب وإنشائه للمطر. (وأما من قال مُطرنا بنوء كذا وكذا) بنجم كذا وكذا كالثريا والدبران أي بطلوعه أو بغروبه وقت الفجر (فذلك) أي قائل مُطرنا بنوء كذا (كافر بي) أي جاحد بفضلي وإحساني ورحمتي (مؤمن بالكوكب) أي مصدق بتأثير الكوكب وإنشائه المطر، ومعتقد له، قال القرطبي: ظاهره أنه الكفر الحقيقي، لأنه قابل به المؤمن الحقيقي، فيُحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها لا من فعل الله تعالى كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين والعرب، فأما من اعتقد أن الله تعالى هو الذي خلق المطر واخترعه ثم تكلم بذلك القول "أعني مُطرنا بنوء كذا" فليس بكافر، ولكنه مخطئ من وجهين: أحدهما: أنه خالف الشرع فإنه قد حذر من ذلك الإطلاق، وثانيهما: أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز لأنا قد أمرنا بمخالفتهم فقال: "خالفوا المشركين" رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، وقال: "خالفوا اليهود" رواه أبو داود من حديث شداد بن أوس، ونُهينا عن التشبه بهم، وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال، ولأن الله تعالى قد منعنا من التشبه بهم في النطق بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي صلى الله عليه وسلم يقصدون ترعينه- حفظنا الله من إطلاقها وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم - وإن قصدنا بها الخير سدًا للذريعة ومنعًا من التشبه بهم فلو قال غير هذا اللفظ الممنوع يُريد به الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة" أي كثيرة الماء رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به الواقدي وفيه مقال، وفي هامش إكمال المعلم انفرد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به مالك في الموطأ وذكره بلاغًا، قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعرفه بوجه من الوجوه في غير الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في الأم ومعنى إذا نشأت بحرية أي إذا ظهرت سحابة من ناحية البحر ومعنى تشاءمت أي أخذت نحو الشام وغديقة تصغير غدقة، وقال مالك: معناه إذا ضربت ريح بحرية فأنشأت سحابًا ثم ضربت ريح من ناحية الشمال فتلك علامة المطر الغزير والعين مطر أيام لا يقلع اهـ منه. وقوله (بنوء كذا) والنوء لغة: النهوض بثقل يقال ناء الرجل بكذا إذا نهض به متثاقلًا ومنه قوله تعالى: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} "القصص آية 76" أي لتثقلهم عند النهوض بها ثم استعمل في ناء الكوكب إذا طلع، وقيل إذا غرب، ثم سُمي الكوكب نفسه نوأً، فقالوا مُطرنا بنوء كذا، أي بنجم كذا من تسمية الفاعل بالمصدر، وإنما نسبت العرب المطر إلى النجوم لأن ثمانية وعشرين كوكبًا معروفة المطالع في السنة وهي المسماة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة كوكب عند طلوع الفجر ويظهر نظيره، فكانت العرب إذا طلع نجم من المشرق وسقط آخر من المغرب فحدث عند ذلك مطر أو ريح أو حر أو برد فمنهم من ينسبه إلى الطالع، ومنهم من ينسبه إلى الغارب الساقط نسبة إيجاد واختراع، ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث، فنهى الشرع عن إطلاق ذلك لئلا يعتقد أحد اعتقادهم، ولا يتشبه بهم في نُطقهم والله أعلم، قال الزجاج في بعض أماليه: الساقطة في المغرب هي الأنواء، والطالعة في المشرق هي البوارح اهـ. وقد جمع منازل القمر الثمانية والعشرين في وسيلة الطلاب إلى علمي الفلك والحساب في ستة أبيات فقال: أولها الشرطين ثم البُطينْ ... ثم الثريا الواضح المستبينْ ودبران هَقعَةٌ وهَنْعةْ ... ذراعُ نَثْرةٌ وطرفُ جبهةْ والخرثانُ زُبرةَ تُسمى ... والصرفةُ العوا السماك ثما غَفْرٌ زُبَانا اكليلُ قلبٌ بعدَهْ ... وشولةٌ نعائمٌ وبلدهْ سعدٌ ذابحٌ سعدٌ بلعهْ ... سعدُ سعودٍ سعدُ الأخبيةْ والفرغُ ذو التقديمِ والفرغُ الأخير ... وبطنُ حوتٍ والرشا فيه شهيرْ

138 - (68) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: وأما معنى هذا الحديث فاختلف العلماء في كفر من قال مُطرنا بنوء كذا على قولين أحدهما هو كفر بالله سبحانه وتعالى، سالب لأصل الإيمان، مخرج من ملة الإسلام، قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقدًا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء، والشافعي منهم، وهو ظاهر الحديث، قالوا: وعلى هذا لو قال مُطرنا بنوء كذا معتقدًا أنه من الله تعالى وبرحمته، وأن النوء ميقات له وعلامة، اعتبارًا بالعادة، وكأنه قال: مطرنا في وقت كذا، فهذا لا يكفر، واختلفوا في كراهته والأظهر كراهته، لكنها كراهة تنزيه لا إثم فيها، وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره، فيساء الظن بصاحبها، ولأنها شعار الجاهلية، ومن سلك مسلكهم. والقول الثاني: في أصل تأويل الحديث أن المراد كفر نعمة الله تعالى لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب، ويؤيد هذا التأويل الرواية الأخيرة في الباب "أصبح من الناس شاكر وكافر"، وفي الرواية الأخرى "ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، وفي الرواية الأخرى "ما أنزل الله تعالى من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين" فقوله بها يدل على أنه كفر بالنعمة والله أعلم انتهى. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث، أعني حديث زيد بن خالد، أحمد (4/ 117)، والبخاري (846)، وأبو داود (3906)، والنسائي (3/ 165). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زيد بن خالد، بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (138) - ش (68) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة التجيبي، أبو حفص المصري صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) روى عن عبد الله بن وهب في مواضع (و) حدثني أيضًا (عمرو بن سواد) بتشديد الواو، بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح (العامري) السرحي بمهملات، أبو محمد المصري، روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، ويروي عنه (م دس ق) وابن قتيبة العَسْقَلِي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة

وَمُحَمدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَال الْمُرَادِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَال: حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَال رَبُّكُمْ؟ ! ـــــــــــــــــــــــــــــ (245) خمس وأربعين ومائتين (و) حدثني أيضًا (محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجمليُّ -بفتح الجيم والميم- مولاهم أبو الحارث، المصري الفقيه، روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، وعن ابن القاسم وجماعة، ويروي عنه (م د س) وقال النسائي: ثقة ثقة، وقال ابن يونس: كان ثبتًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، لأن الأولين من الثلاثة صدوقان، وأتى بقوله (قال المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن يونس) بصيغة التحديث، وبقوله (وقال الآخران) حرملة وعمرو (أخبرنا ابن وهب) بصيغة الإخبار تورعًا من الكذب على الأخيرين، لو قال في الكل حدثنا، ومن الكذب على الأول لو قال في الكل أخبرنا، لأن بين حدثنا وأخبرنا فرقًا في اصطلاح مسلم، أي قالوا أخبرنا عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولى بني فهر، أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد، مشكان القرشي الأموي، مولى معاوية بن أبي سفيان أبو يزيد الأيلي، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من كبار السابعة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) القرشي الزهريّ أبي بكر المدني، ثقة متقن حافظ، متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا (قال) ابن شهاب (حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، ثقة ثبت فقيه، من الثالثة مات سنة (94) روى عنه المؤلف في (8) أبواب تقريبًا. (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تروا) أي ألم تنظروا (إلى ما قال ربكم) وخالقكم بقلوبكم

قَال: مَا أَنْعمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ .. إلا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُم بِها كَافِرِينَ يَقُولُونَ: الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ". 139 - (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمرِو بْنِ الْحَارِثِ، ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سوَّادٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وتتفكروا فيه (قال) ربكم (ما أنعمت) وتفضلت (على عبادي) برًا وفاجرًا (من نعمة) أي من مطر (إلا أصبح فريق) وجماعة (منهم بها) أي بتلك النعمة (كافرين) أي إلا دخلوا في الصباح حالة كونهم كافرين جاحدين بها، على جعل أصبح تامة، أو كانوا جاحدين بها غير شاكرين عليها، على أنها ناقصة وجملة قوله (يقولون) حال ثانية أو خبر ثان لأصبح، أي حالة كونهم يقولون أمطرت (الكواكب) أ (و) يقولون مُطرنا (بالكواكب) أي بالنجوم، أي بطلوع نجم كذا أو غروبه. قال الأبي: (قوله ما أنعمت على عبادي من نعمة) وفي الآخر (ما أنزلت من بركة) -يعني بالنعمة والبركة المطر لا عموم النعم، ثم يحتمل أن هذه المقالة منهم كانت فيما قبل واستمرت، ويحتمل أنها إنما كانت فيما قبل الإخبار بهذا الحديث. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة، النسائي فقط، كما في التحفة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (139) - متا (00) (وحدثني محمد بن سلمة المرادي) أبو الحارث المصري الفقيه ثقة ثبت من الحادية عشرة، قال محمد بن سلمة (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ثقة من (9)، مات سنة (197) (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري، مولاهم أبي أمية المصري الفقيه المقرئ، أحد الأئمة الأعلام، ثقة فقيه حافظ، من السابعة، مات سنة (148)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني عمرو بن سواد) بن الأسود العامري أبو محمد المصري من (11) مات سنة (245) قال عمرو (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري القرشي قال ابن وهب (أخبرنا عمرو بن الحارث) الأنصاري المصري، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه لأن

أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيرَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةس .. إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِها كَافِرِينَ، يُنْزِلُ الله الْغَيثَ فَيَقُولُونَ: الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا"، وَفِي حَدِيثِ الْمُرَادِيِّ: "بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا". 140 - (69) وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المرادي قال: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث، وقال عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب أخبرنا ابن الحارث أي أخبرنا عمرو بن الحارث (أن أبا يونس) سليم بن جبير المصري (مولى أبي هريرة) الدوسي روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة والزكاة وغيرها ويروي عنه (م د ت) وعمرو بن الحارث وحيوة بن شريح، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (123) ثلاث وعشرين ومائة (حدثه) أي حدث عمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي يونس لعبيد الله بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أنزل الله) سبحانه وتعالى (من السماء) أي من السحاب سمي سماء لارتفاعه عن الأرض (من بركة) أي من مطر سمي بركة لأنه سبب لخيرات أهل الأرض وأرزاقهم (إلا أصبح) أي دخل في الصباح (فريق) وجماعة (من الناس بها كافرين) أي حالة كونهم كافرين وجاحدين بكونها من فضل الله سبحانه أو معرضين عن شكرها فإنه (ينزل الله) سبحانه وتعالى (الغيث) والمطر (فـ) ــهم (يقولون) أمطر (الكوكب كذا وكذا) أي أمطر النجم الفلاني مطرًا صفته كذا وكذا فيضيفون المطر إلى غير الله تعالى مع أنه الممطر (وفي حديث) محمد بن سلمة (المرادي) وروايته مطرنا (بكوكب) أي بنجم (كذا وكذا) كطلوع الثريا وغروب الهقعة والهنعة مثلًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بن خالد الجهني بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (140) - ش (69) (وحدثني عباس بن عبد العظيم) بن توبة بن كيسان (العنبري) أبو

حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ -وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ- حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيلٍ، قَال: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضل المروزي البصري الحافظ، قال القاضي: وعند العذري الغبري وهو تصحيف، روى عن النضر بن محمد في الإيمان وغيره وأبي هشام المغيرة بن سلمة المخزومي في الحج وأبي بكر الحنفي في الزهد ويزيد بن هارون ومعاذ بن هشام وخلق فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثلاثة. ويروي عنه (م عم) و (خ) تعليقًا وابن خزيمة، وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة مات بالبصرة سنة (246) قال العباس (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي بالجيم المضمومة والشين المعجمة الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي روى عن عكرمة في الإيمان والصوم والحج والأحكام وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل والنفاق وأبي أويس عبد الله في الصلاة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية ويروي عنه (خ م د ت ق) وعباس بن عبد العظيم وعبد الله الرومي وأحمد بن جعفر المعقري في الصلاة وأحمد بن يوسف الأزدي وغيرهم وثقه العجلي، وقال في التقريب: له أفراد من التاسعة، قال النضر بن محمد (حدثنا عكرمة) بن عمار العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة أحد الأئمة روى عن أبي زميل سماك الحنفي وإياس بن سلمة بن الأكوع ويحيى بن كثير وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وشداد بن عبد الله أبي عمار وسالم بن عبد الله ويزيد بن عبد الرحمن بن أذينة وغيرهم ويروي عنه (م عم) والنضر بن محمد وابن مهدي وابن المبارك وشعبة والسفيانان وخلق، وثقه ابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من الخامسة يغلط، وكان مجاب الدعوة مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب، وأتى بلفظة هو في قوله (وهو ابن عمار) إشارة إلى أن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل مما زاده من عند نفسه، وإيضاحًا للراوي، قال عكرمة (حدثنا أبو زُميل) مصغرًا سماك بن الوليد بكسر أوله وتخفيف الميم الحنفي اليمامي، نزيل الكوفة، روى عن ابن عباس في الإيمان والطلاق والجهاد والفضائل، ومالك بن مرثد، ويروي عنه (م عم) وعكرمة بن عمار ومسعَر وشعبة، وثقه أحمد وابن معين والعجلي، قال أبو حاتم: صدوق لا بأس به، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة (قال) أبو زُميل (حدثني ابن عباس) بن

قَال: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هذِهِ رَحْمَةُ الله، وَقَال بَعضُهُم: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَال: فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)} حتى بَلَغَ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم يماميون وواحد طائفي وواحد بصري (قال) ابن عباس (مُطر الناس) أي حصل المطر لهم (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي في زمان حياته (فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح من الناس) أي دخل في الصباح (شاكر) أي فريق شاكر لربه منهم (ومنهم كافر) أي وفريق كافر لنعمة ربه منهم (قالوا) أي قال الشاكرون (هذه) البركة والمطر (رحمة الله) تعالى وفضله وإحسانه فلهُ الشكر عليها (وقال بعضهم) الكافرون والله (لقد صدق) طلوع أو سقوط (نوء كذا وكذا) أي نجم كذا وكذا أي نجم الثريا أو الشرطين أو البطين [(قال) ابن عباس] (فنزلت هذه الآية) الكريمة أي نزل قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)} أي أقسم لكم بمواقعها والمراد بالنجوم نجوم السماء ومواقعها مطالعها أو مغاربها أو انكدارها وانتشارها في القيامة على اختلاف المفسرين في ذلك وقيل المراد بمواقع النجوم منازل القرآن لأنه نزل نجومًا وقيل مواقع النجوم محكم القرآن (حتى بلغ) القرآن النازل قوله تعالى {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكر رزقكم الذي هو المطر فالكلام على حذف مضاف ({أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}) أي التكذيب أي تكذيب كونه من الله تعالى حيث تقولون مطرنا بنوء كذا، قال ابن الصلاح: وظاهر هذا الكلام أن جميع هذا نزل في قولهم في الأنواء وليس الأمر كذلك بل النازل في ذلك قوله تعالى ({وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}) والباقي نزل في غير ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجميع من أجل ذلك ومما يدل على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب واختلف أيضًا في الرزق المذكور فقال ابن عباس {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا ونجم كذا وقال قطرب الرزق هنا الشكر والتحقيق أن معناه وتجعلون عوض شكر ربكم ونعمه قولَكم هذا وإضافة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمته لكم لغيره اهـ، وعن الهيثم بن عدي في لغة أزد شنوءة ما رزق فلان فلانًا أي ما شكر اهـ تفسير الطبري. قال القرطبي: وقوله (أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر) أصل الشكر الظهور ومنه قولهم (دابة شكور) إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكله من العلف والشاكر هو الذي يثني بالنعمة ويظهرها ويعترف بها للمنعم، وجحدها كفرانها فمن نسب المطر إلى الله تعالى وعرف منته فيه فقد شكر الله تعالى ومن نسبه إلى غيره فقد جحد نعمة الله تعالى في ذلك وظلم بنسبتها لغير المنعم بها فإن كان ذلك عن اعتقاد كان كافرًا ظالمًا حقيقة وإن كان عن غير معتقد فقد تشبه بأهل الكفر والظلم الحقيقي كما قلناه آنفًا وقد قابل في هذا الحديث بين الشكر والكفر فدل ظاهره على أن المراد بالكفر ها هنا كفران النعم لا الكفر بالله تعالى ويحتمل أن يكون المراد به الكفر الحقيقي ويؤيد ذلك استدلال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}. والقسم الإيلاء والحلف وهذا وأشباهه قسم من الله تعالى على جهة التشريف للمقسم به والتأكيد للمقسم له ولله تعالى أن يقسم بما شاء من أسمائه وصفاته ومخلوقاته تشريفًا وتنويهًا كما قال تعالى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} وقوله {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى (1)} وقوله {وَالْعَادِيَاتِ} وقوله {وَالْمُرْسَلَاتِ} {وَالنَّازِعَاتِ} ونحو هذا انتهى. وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث زيد بن خالد وذكره للاستدلال والثاني حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث ابن عباس وذكرهما للاستشهاد لحديث زيد بن خالد الجهني والله أعلم.

39 - باب بيان أن علامة الإيمان حب الأنصار، وأن علامة النفاق بغض الأنصار

39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ 141 - (70) حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ، قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 39 - بَابُ بَيَانِ أَنَّ عَلامَةَ الإِيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَأَنَّ عَلامَةَ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ أي هذا باب معقود في بيان أن حب الأنصار من حيث نصرتهم للرسول صلى الله عليه وسلم لا لغرض دنيوي علامة على إيمان الشخص وقوته وأن بغض الأنصار ومقتهم من تلك الحيثية علامة على نفاقه وكفره لأنه إنما بغضهم لبغض الرسول وبغض الرسول صلى الله عليه وسلم كفر وترجم النواوي والقاضي وأكثر المتون للأحاديث الآتية بقولهم (باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله تعالى عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق) وترجم لها القرطبي بقوله (حب علي والأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق) وترجم لها الأبي بقوله (باب أحاديث حب الأنصار) وترجم لها السنوسي بقوله (باب حب الأنصار من الإيمان) ولم يذكر عليًّا في الترجمة لأن حديثه مستقل ولذلك وضعت له ترجمة مستقلة فيما سيأتي: (141) - س (70) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس أبو موسى العنزي البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه المؤلف في (14) بابا قال محمد بن المثنى (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ من التاسعة مات سنة (198) بالبصرة روى عنه المؤلف في (14) بابا. (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام البصري ثقة متقن من (7) مات سنة (160) (عن عبد الله بن عبد الله بن جبر) بن عتيك الأنصاري المدني أهل المدينة يقولون جابر والعراقيون يقولون جبر ويقال لا يصح جبر إنما هو جابر روى عن أنس في الإيمان والوضوء وعن أبيه وابن عمر ويروي عنه (ع) وشعبة ومسعر في الوضوء ومالك، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (قال) عبد الله بن عبد الله (سمعت أنسًا) ابن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري خادم رسول الله

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "آَيَةُ الْمُنَافِقِ بُغْضُ الأنْصَارِ، وآيَةُ الْمُؤْمِنِ حُبُّ الأَنْصَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم، أبا حمزة، تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، ورجاله كلهم بصريون إلا ابن جبر فإنه مدني (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المنافق) أي علامة نفاق المنافق (بغض الأنصار) ومقتهم لأجل نصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيوائه (وآية المؤمن) أي علامة إيمان المؤمن (حب الأنصار) ومودتهم لأجل نصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيوائه. قال القرطبي: الآية العلامة والدلالة، وقد تكون ظنية وقد تكون قطعية، وحب الأنصار من حيث إنهم كانوا أنصار الدين، ومظهريه، وباذلين أموالهم وأنفسهم في إعزازه، وإعزاز نبيه وإعلاء كلمته، دلالة قاطعة على صحة إيمان من كان كذلك وصحة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وبغضهم كذلك دلالة قاطعة على النفاق، وأما من أبغضهم من غير تلك الجهات التي ذكرناها، بل لأمر طارئ، وحدث واقع من مخالفة غرض أو ضرر حصل، أو نحو ذلك لم يكن كافرًا ولا منافقًا بسبب ذلك اهـ بتصرف. قال الأبي: الأنصار في اللغة جمع ناصر وهم في العرف اسم لأنصاره صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج ولم يكن الأنصار اسمًا لهم في الجاهلية حتى سماهم به الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم. والأوس والخزرج أخوان شقيقان أبوهما الحارث بن ثعلبة وأمهما قيلة بنت كاهل بن عذرة قضاعية وقيل هي ابنة جفنة بن عمرو بن عامر وهم أعني الأنصار يمن من ولد يمن بن قحطان لا من ذرية إسماعيل - عليه السلام -. ثم قد علمت أن الحكم في القضية تارة يكون بحسب العنوان نحو الكاتب متحرك وتارة بحسب الموضوع نحو الإنسان كاتب والحكم في الحديث من القسم الأول فإن الأنصار من علمت سابقتهم في إعزاز الدين وبذلهم النفس والمال في نصرته صلى الله عليه وسلم فمن أحبهم من هذه الحيثية فهو مؤمن ومن أبغضهم منها فهو كافر فلا يتناول الحديث من أحبهم أو أبغضهم لذواتهم أو لأسباب أخر، نعم هو في بغضهم عاص فليجتهد في درء ذلك عن نفسه بأن يتذكر ما لهم من السابقة والمنزلة من رسول الله

142 - (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي، حَدَّثَنَا خَالِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (فإن قلت) والمهاجرون أيضًا لهم هذه الحيثية فلم خص الأنصار (قلت) إنما خصهم لأن المنافقين كانوا يتربصون بالمؤمنين الدوائر ويرون أن الحامي لهم منها إنما هم لمنعتهم ودارهم فكانوا يبغضونهم لذلك فجعل صلى الله عليه وسلم ذلك آية المنافق انتهى. ومعنى هذه الأحاديث أن من عرف مرتبة الأنصار وما كان منهم في نصرة دين الإسلام والسعي في إظهاره وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم وحبه إياهم وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارًا للإسلام كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه لسروره بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن أبغضهم كان بضد ذلك واستدل به على نفاقه وفساد سريرته اهـ من بعض هوامش المتن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (142) - متا (00) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) وقيل الشيباني أبو زكريا البصري روى عن خالد بن الحارث وحماد بن زيد ومعتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وروح بن عبادة وعبد الوهاب الثقفي وغيرهم. ويروي عنه (م عم) وأبو بكر بن عاصم وأبو بكر البزار وابن خزيمة وغيرهم ثقة من العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا قال يحيى بن حبيب (حدثنا خالد) بن الحارث بن سليم بن عبيد بن سفيان بن مسعود بن سكين الهجيمي أبو عثمان البصري روى عن شعبة وهشام بن أبي عبد الله وقرة بن خالد وسعيد بن أبي عروبة وعبيد الله بن عمر وابن جريج وهشام بن عروة وخلق ويروي عنه (ع) ويحيى بن حبيب والقواريري وعاصم بن النضر وأبو كامل وإسحاق الحنظلي ومحمد بن عبد الله الرازي وهريم بن عبد الأعلى وغيرهم، قال القطان: ما رأيت خيرًا منه ومن سفيان، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (186) ست وثمانين ومائة وولد له ستة عشر ابنًا. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في خمسة مواضع والنكاح في

-يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بن الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَال: "حُبُّ الأَنْصَارِ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضُهُمْ آَيَةُ النِّفَاقِ". 143 - (71) وَحدَّثَنِي زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَال: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَ وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ- ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعين والطلاق والنفاق والحج في موضعين والصوم وخلق النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والطب والفتن فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن الحارث) إشارة إلى أن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل هي مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي قال خالد (حدثنا شعبة بن الحجاج) بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة متقن من (7) مات سنة (160) روى عنه المؤلف (30) بابًا تقريبًا (عن عبد الله بن عبد الله) بن جبر بن عتيك الأنصاري المدني (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا ابن جبر فإنه مدني وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة خالد بن الحارث لعبد الرحمن بن مهدي في رواية هذا الحديث عن شعبة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حب الأنصار) لنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم وإيوائهم إياه (آية الإيمان) أي علامة إيمان الشخص وقوة يقينه (وبغضهم) أي بغض الأنصار لذلك (آية النفاق) أي علامة نفاق الشخص وكفره والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث البراء رضي الله تعالى عنهما فقال: (143) - ش (71) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بفتح المهملتين بعدهما معجمة، مولاهم أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وهو ابن (74) سنة، روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا. (قال) زهير (حدثني معاذ بن معاذ) التميمي العنبري، أبو المثنى البصري، ثقة متقن، من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن

وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عن عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ بن نصر بن حسان التميمي العنبري، أبو عمر البصري، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان وغيره، وأتى بقوله (واللفظ له) أي لفظ الحديث الآتي لعبيد الله بن معاذ، تورعًا من الكذب على زهير بن حرب لأنه إنما روى معنى الحديث الآتي لا لفظه، وأتى بحاء التحويل لاختلاف صيغة شيخيه، قال عبيد الله بن معاذ (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري قال معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري، من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا. (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، روى عن البراء بن عازب وابن أبي أوفى وجده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي، وزر بن حبيش وأبي حازم الأشجعي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبة والأعمش ومسعر ويحيى بن سعيد الأنصاري وزيد بن أبي أنس، وفضيل بن مروان وغيرهم، وثقه أحمد والعجلي والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (116) ست عشرة ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والحج والبيوع والذبائح في ثلاثة مواضع والفضائل والفتن والعصب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة تقريبًا (قال) عدي بن ثابت (سمعت البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي، أبا عمارة الكوفي، له ثلاثمائة وخمسة أحاديث (305) اتفقا على اثنين وعشرين، وانفرد (خ) بخمسة عشر (م) بستة، استصغر يوم بدر، وشهد أحدًا والحديبية، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأشربة وآخر الكتاب حديث الرحل، وأبي أيوب الأنصاري في عذاب القبر، ويروي عنه (ع) وعدي بن ثابت وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن يزيد وشقيق بن عقبة والشعبي وأبو جحيفة وخلق كثير، وقال في التقريب: مات سنة (72) اثنتين وسبعين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثمانية مواضع والأشربة وعذاب القبر وفي آخر الكتاب حديث الرحل في خمسة أبواب، وهذا السند من خماسياته، رجاله واحد منهم نسائي واثنان بصريان واثنان كوفيان على رواية زهير، وثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان على رواية عبيد الله بن معاذ، أي قال عدي بن ثابت

يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال فِي الأَنْصَارِ: "لَا يُحِبُّهُمْ إلا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إلا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أحَبَّهُ الله، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ"، قَال شُعْبَةُ: قُلْتُ لِعَدِيٍّ: سَمِعْتَهُ مِنَ الْبَرَاء؟ ؛ قَال: إِيَّايَ حَدَّثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت البراء حالة كونه (يحدث) ويروي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) عليه الصلاة والسلام (قال في) بيان منقبة (الأنصار) وفضلهم (لا يحبهم) أي لا يحب الأنصار لأجل نصرتهم نبيه صلى الله عليه وسلم ودينه ببذل أموالهم وأنفسهم له صلى الله عليه وسلم (إلا مؤمن) كامل الإيمان (ولا يبغضهم) لأجل ذلك (إلا منافق) كافر، والمنافق من يظهر الإسلام ويبطن الكفر (من أحبهم) أي من أحب الأنصار لأجل ذلك (أحبه الله) سبحانه وتعالى وجعله من أهل كرامته ومرضاته (ومن أبغضهم) أي ومن أبغض الأنصار لأجل ذلك (أبغضه الله) سبحانه وتعالى أي جعله من أهل بغضه ومقته وخذلانه. قال القرطبي: قوله (فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله) هذا من مقابلة اللفظ، ومعناه أن من أحبهم جازاه الله على ذلك جزاء المحبوب المحب من الإكرام والترفيع والتشفيع، وعكس ذلك في البغض، وظاهر هذا الكلام أنه خبر عن مآل كل واحد من المصنفين، ويصلح أن يقال إن ذلك الخبر خرج مخرج الدعاء لكل واحد من المصنفين، فكأنه قال: اللهم افعل بهم ذلك كما قال "صلى الله على محمد وآله" اهـ. وقال النواوي: ومعنى هذه الأحاديث أن من عرف مرتبة الأنصار، وما كان منهم في نصرة دين الإسلام والسعي في إظهاره، وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام، وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم وحبه إياهم، وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه، وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارًا للإسلام، كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصِدقه في إسلامه لسروره بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله، ومن أبغضهم كان بضد ذلك، واستدل على نفاقه وفساد سريرته والله أعلم اهـ. قال معاذ بن معاذ (قال) لنا (شعبة قلت لعدي) بن ثابت (سمعته) أي أسمعت هذا الحديث (من البراء) بن عازب بأذنك أم بواسطة (قال) عدي نعم (إياي) بلا واسطة (حدث) البراء، بلا واسطة بيني وبينه، وهذا الكلام من شعبة استثبات لسماع عدي من البراء لا للشك فيه، وهذا الحديث أعني حديث البراء، شارك المؤلف في روايته البخاري (3783) والترمذي (3896).

144 - (72) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدَّثَنَا يَعْقُوبُ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيّ- عَنْ سُهيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بن مالك ثانيًا بحديث أبي هريرة فقال: (144) - ش (72) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، روى عن يعقوب بن عبد الرحمن وأبي عوانة وأبي الأحوص وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وأحمد والحميدي وغيرهم، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، عن (90) تسعين سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القاريُّ بتشديد التحتانية، منسوب إلى القارة قبيلة معروفة من العرب، القرشي حليف بني زهرة المدني، روى عن سهيل وأبي حازم وموسى بن عقبة ومحمد بن عجلان وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن وهب وقتيبة وسعيد بن أبي مريم وسعيد بن منصور، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة والصوم والحج والنذور والبيوع في سبعة أبواب. وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخي قتيبة بيعقوب في قوله (حدثنا يعقوب) يعقوب (ابن عبد الرحمن القاري) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه، بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي (عن سهيل) بن أبي صالح السمان، أبي يزيد المدني، صدوق من السادسة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (عن أبيه) ذكوان السمان المدني مولى جويرية بنت قيس، ثقة من الثالثة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، الصحابي الجليل، أحد المكثرين من الصحابة، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بغلاني. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبغض) بضم أوله، على صيغة المعلوم، من أبغض الرباعي، بمعنى مقت (الأنصار) الأوس والخزرج الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهروا دينه، لأجل نصرتهم إياه، وإظهار دينه وإيوائه،

رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ". 145 - (73) وَحدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وبذل أموالهم وأنفسهم له (رجل يؤمن بالله) سبحانه وتعالى (و) بـ (اليوم الأخر) يوم الجزاء، فمن أبغضهم لأجل ذلك فهو كافر، ومن أحبهم لأجل ذلك فهو كامل الإيمان. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث، أعني حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه النسائي فقط، رواه في كتاب المناقب عن قتيبة أيضًا في السنن الكبرى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: (145) - ش (73) (وحدثنا عثمان بن محمد بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، أبو الحسن الكوفي الحافظ، وهو أكبر من أخيه أبي بكر بن أبي شيبة بثلاث سنين، روى عن جرير بن عبد الحميد وبشر بن المفضل وأبي خالد الأحمر وعبدة بن سليمان ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهُشيم ووكيع وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي وخلق، ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو زرعة وابنه محمد وأبو يعلى وخلق، قال ابن معين: ثقة أمين، وقال في التقريب: ثقة حافظ شهير وله أوهام، وقيل: كان لا يحفظ القرآن، من العاشرة، ولد في سنة (156) ست وخمسين ومائة، ومات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، وله ثلاث وثمانون (83) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والجنائز والصوم والحج والبيوع والتقاضي والحدود والجهاد واللباس ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي المداحين آخر الكتاب، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا، قال عثمان (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة، الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي

شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ كِلاهُمَا عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُبْغِضُ الأنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه وتقدم البسط في ترجمته مرارًا وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا قال أبو بكر (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الحافظ مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس من كبار التاسعة مات سنة (201) إحدى ومائتين وهو ابن (80) ثمانين سنة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (كلاهما) أي كل من جرير وأبي أسامة رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت حافظ قارئ من الخامسة مات في ربيع الأول سنة (148) ثمان وأربعين ومائة عن أربع وثمانين (84) سنة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابا تقريبًا (عن أبي صالح) السمان ذكوان الزيات مولى جويرية بنت الحارث القيسية المدني ثقة من الثالثة روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي النجاري الخدري المدني الصحابي الجليل تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو سعيد الخدري (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر) وهذا لفظ حديث أبي هريرة المذكور قبله وحديث أبي سعيد الخدري هذا انفرد به مسلم رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث أولها للاستدلال وباقيها للاستشهاد، الأول حديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث البراء، والثالث حديث أبي هريرة والرابع حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

40 - باب في بيان أن حب علي بن أبي طالب آية الإيمان، وبغضه آية النفاق

40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ 146 - (74) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأعْمَشِ، ح وَحَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 40 - بَابٌ في بَيَانِ أَنَّ حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ آيَةُ الإِيمَانِ، وَبُغْضَهُ آيَةُ النِّفَاقِ أي هذا باب معقود في بيان أن حب الشخص علي بن أبي طالب رضي الله عنه علامة على إيمانه وصدقه في الإسلام وأن بغضه علامة على نفاقه وكفره فمن أحبه لسابقيته في الإسلام وقدمه في الإيمان وغنائه فيه وذوده عنه وعن النبي صلى الله عليه وسلم ولمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته ومصاهرته وعلمه وفضائله كان ذلك منه دليلًا قاطعًا على صحة إيمانه ويقينه ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ومن أبغضه لشيء من ذلك كان على العكس. ولم يترجم لهذا الحديث أحد من الشراح وأصحاب المتون بل أدخلوه في الترجمة السابقة ووضعت له ترجمة مستقلة لأن حديثه مستقل عن أحاديث الأنصار فالأنسب له إفراده بالترجمة. (146) - ش (74) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (235) قال أبو بكر (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ من كبار التاسعة مات سنة (196) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا (أبو معاوية) أيضًا محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم الضرير الكوفي ثقة حافظ من كبار التاسعة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (عن) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم المعروف بـ (الأعمش) أبي محمد الكوفي ثقة ثبت من الخامسة مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن

-وَاللَّفْظُ لَهُ- أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرٍّ قَال: قَال عَلِيٌّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن التميمي الحنظلي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي ليحيى تورعًا من الكذب على أبي بكر لأنه إنما روى معناه لا لفظه قال يحيى (أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش) وأتى بحاء التحويل لاختلاف صيغة شيخيه لأن أبا بكر قال حدثنا ويحيى قال أخبرنا ولأن أبا بكر في روايته زيادة وكيع (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة من الرابعة مات سنة (116) وتقدم البسط في ترجمته قريبًا وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب (عن زر) بكسر أوله وتشديد الراء بن حبيش مصغرًا بن حباشة بضم المهملة بعدها موحدة ثم معجمة الأسدي أبي مريم الكوفي مخضرم روى عن علي في الإيمان وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب في الصلاة والصوم وعمر وعثمان والعباس، ويروي عنه (ع) وعدي بن ثابت وأبو إسحاق الشيباني وإبراهيم النخعي والمنهال بن عمرو وعاصم بن بهدلة وعبدة بن أبي لبابة، وقال في التقريب: ثقة جليل مات سنة (83) ثلاث أو اثنتين أو إحدى وثمانين وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة (127) وليس في مسلم زر إلا هذا المخضرم الثقة روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب كما ذكرنا آنفًا (قال) زر بن حبيش (قال علي) بن أبي طالب أبو الحسن الكوفي القرشي الهاشمي وأبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب وعبد المطلب اسمه شيبة بن هاشم وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف وعبد مناف اسمه المغيرة وقيل الحارث بن قصي وقصي اسمه يزيد وإنما سمي قصيا لأنه كان قاصيًا عن قومه في قضاعة ثم قدم وقريش متفرقة في القبائل فجمعهم حول الكعبة وسمي أيضًا مجمّع بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف توفيت مسلمة قبل الهجرة وقد زعم قوم أنها هاجرت وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنها وبكى عليها وكان علي رضي الله عنه أصغر بني أبي طالب كان أصغر من جعفر بعشر سنين وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين كان علي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ومات وهو عنه راض وقتل في رمضان بالكوفة سنة أربعين قيل ضرب

(وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ؛ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأمِّيِّ إلَيِّ: أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إلَّا مُنَافِقٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــ لتسع عشرة ليلة ومات ليلة إحدى وعشرين قيل توفي وهو ابن ثمان وخمسين وقيل ابن ثلاث وستين ومناقبه كثيرة مشهورة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المقداد بن الأسود في الوضوء له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثًا (586) اتفقا على عشرين وانفرد البخاري بتسعة و (م) بخمسة عشر يروي عنه (ع) وزر بن حبيش وشريح بن هانئ وعمر وفاطمة وعبد الله بن عباس وأولاده الحسن والحسين ومحمد وخلق لا يحصون. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين والصلاة في ثلاثة مواضع والجنائز والزكاة في ثلاثة مواضع والحج والنكاح في موضعين والفضائل فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ثمانية تقريبًا وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري. (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (فلق) وشق (الحبة) والثمرة بالنبات والحبة بفتح الحاء اسم لما يزرع من الحبوب وبكسرها اسم لما ينبت بنفسه منها وفلقها شقها بالنبات (وبرأ) أي خلق (النسمة) أي النفس وقيل الإنسان وقيل كل ذي روح وقيل كل ذي نفس بفتح الفاء وحكى الأزهري أن النسمة هي النفس وأن كل دابة في جوفها روح فهي نسمة، وعبارة القرطبي قوله (والذي فلق الحبة) أي شقها بما يخرج منها كالنخلة من النواة والسنبلة من حبة الحنطة والحبة بفتح الحاء اسم لما يزرع ويستنبت وبكسرها اسم لبذور يقول الصحراء التي لا تزرع اهـ، أي أقسمت لكم بقدرة الإله الذي أنبت النبات وخلق الأرواح وجواب القسم قوله (إنه) أي إن الشأن والحال (لعهد النبي الأمي) أي لوصيته (إلي) ووعده لي والعهد مبتدأ وإليَّ متعلق به وجملة قوله (أن لا يحبني) وما عطف عليه خبر المبتدأ والجملة الاسمية خبر إن المكسورة وجملة إن المكسورة جواب القسم وجملة القسم مع جوابه مقول لقال أي إنه لعهده إلى ووعده لي أن لا يحبني (إلا مؤمن) كامل الإيمان (ولا يبغضني إلا منافق) كافر أو عاصٍ. قال القرطبي: وقوله (ألا يحبني) بفتح همزة ألا لأنها همزة أن الناصبة للفعل المضارع ويحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة وكذلك روي (يحبني) بضم الباء وفتحها وكذلك (يبغضني) لأنه معطوف عليه والضمير في (إنه) ضمير الأمر والشأن والجملة بعده

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تفسير له وقوله (إنه لعهد النبي الأمي) والعهد الميثاق والأمي هو الذي لا يكتب كما قال (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والأمي منسوب إلى الأم لأنه باق على أصل ولادتها إذ لم يتعلم كتابة ولا حسابًا وقيل ينسب إلى معظم أمة العرب إذا الكتابة كانت فيهم نادرة وهذا الوصف من الأوصاف التي جعلها الله تعالى من أوصاف كمال النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه بها وإنما كان وصف نقص في غيره لأن الكتابة والدراسة والدربة على ذلك هي الطرق الموصلة إلى العلوم التي بها تشرف نفس الإنسان ويعظم قدرها عادة، فلما خص الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بعلوم الأولين والآخرين من غير كتابة ولا مدارسة كان ذلك خارقًا للعادة في حقه ومن أوصافه الخاصة به الدالة على صدقه التي نعت بها في الكتب القديمة وعرف بها في الأمم السابقة كما قال الله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ} [الأعراف: 157] فقد صارت الأمية في حقه من أعظم معجزاته وأجل كراماته وهي في حق غيره نقص ظاهر وعجز حاضر فسبحان الذي صيّر نقصنا في حقه كمالًا وزاده تشريفًا وجلالًا، قال القرطبي: وهذا الحكم الذي جرى في علي رضي الله عنه جارِ في أعيان الصحابة كالخلفاء الراشدين والعشرة والمهاجرين بل وفي كل الصحابة إذ كل واحد منهم له شاهد وغناء في الدين وأثر حسن فيه فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان وبغضهم له محض النفاق لكنهم لما كانوا في سوابقهم ومراتبهم متفاوتين فمنهم المتمكن الأمكن والتالي والمقدم خص الأمكن منهم بالذكر في هذا الحديث وإن كان كل منهم له في السوابق أشرف حديث وهذا كما قال العلي الأعلى {لَا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} إلى قوله {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]. (تنبيه) من أبغض بعض من ذكرنا من الصحابة من غير تلك الجهات التي ذكرناها بل لأمر طارئ وحدث واقع من مخالفة غرض أو ضرر أو نحو ذلك لم يكن كافرًا ولا منافقًا بسبب ذلك لأنهم رضي الله تعالى عن جميعهم قد وقعت بينهم مخالفات عظيمة وحروب هائلة ومع ذلك فلم يكفر بعضهم بعضًا، ولا حكم عليه بالنفاق، لما جرى بينهم من ذلك، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام، فإما أن يكون كلهم مصيبًا فيما ظهر له، أو المصيب واحد، والمخطئ معذور، بل مخاطب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعمل على ما يراه ويظنه، مأجور فمن وقع له بغض واحد منهم لشيء من ذلك فهو عاص، تجب عليه التوبة من ذلك، ومجاهدة نفسه في زوال ما وقع من ذلك بأن يذكر فضائلهم وسوابقهم، ومالهم على كل من بعدهم من الحقوق الدينية والدنيوية، إذ لم يصل أحد ممن بعدهم بشيء من الدنيا ولا الدين إلا بهم، وبسببهم وأدبهم وصلت لنا كل النعم واندفعت عنا الجهالات والنقم، ومن حصلت به مصالح الدنيا والآخرة فبغضه كفرانٌ للنعم، وصفقته خاسرة اهـ. وهذا الحديث أعني حديث علي كرم الله وجهه شارك المؤلف في روايته الترمذي (3737) والنسائي (8/ 117). ***

39 - باب ما في النساء من نقصان الإيمان والعقل بنقص الطاعات، وإطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله تعالى، وسؤال العالم عما أشكل من فتواه

39 (*) - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ 146 - (74) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ الْهادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 39 - بَابُ مَا فِي النِّسَاءِ مِنْ نُقْصَانِ الإِيمَانِ وَالْعَقْلِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وإِطْلاقِ لَفْظِ الْكفْرِ عَلَى غَيرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالى، وَسُؤَالِ الْعَالِمِ عَمَّا أَشْكَلَ مِنْ فَتْوَاهُ أي هذا باب معقود في بيان ما في النساء من الخصائص التي منها نقصان إيمانهن لنقص طاعتهن ونقصان شهادتهن لنقص عقلهن، وفي بيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله تعالى ككفران النعمة والحقوق، وفي بيان جواز سؤال الطالب العالم عما أشكل عليه في تعليمه وفتواه. وترجم القاضي والنواوي وأكثر المتون لهذا الحديث الآتي بقولهم: (باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله ككفر النعمة والحقوق) وترجم له الأبي بقوله: (أحاديث ما في النساء من قلة العقل) وترجم له السنوسي بقوله: (باب ما في النساء من نقص العقل والدين) وترجم له القرطبي بقوله: (باب كفران العشير وكفر دون كفر) وترجمتي أعم وأولى. (146) - (74) (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) بن المحرر بن سالم التجيبي بضم المثناة، مولاهم أبو عبد الله (المصري) روى عن الليث بن سعد في الإيمان وغيره وابن لهيعة وجماعة ويروي عنه (م ق) وبقي بن مخلد ومحمد بن زبان وخلق، وثقه أبو داود، وقال النسائي: ما أخطأ في حديث قط، وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة، مات بمصر سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين على الأصح، قال محمد بن رمح (أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن بن الحارث الفهمي مولاهم، مولى فهم من قيس عيلان، أبو الحارث المصري الإمام الحافظ، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، وقال ابن بكير: هو أفقه من مالك، وقال في التقريب ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي، أبي عبد الله المدني، قال النووي: وأسامة هو الهادِ لأنه كان يوقد نارًا ليهتدي إليها الأضياف

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عن رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ؛ تَصَدَّقْنَ وَأكْثِرْنَ الاسْتِغْفَارَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن سلك الطريق، وهكذا يقوله المحدثون الهادِ، وهو صحيح على لغة، والمختار في العربية الهادي بالياء لعدم ما يوجب حذف الياء اهـ. روى عن عبد الله بن دينار ومحمد بن إبراهيم التيمي وسعد بن إبراهيم وعبد الله بن خباب وسهيل والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، ويروي عنه (ع) والليث بن سعد والدراوردي وإبراهيم بن سعد ومالك وجماعة، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة مكثر، من الخامسة، مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم، مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبي عبد الرحمن المدني، ثقة من الرابعة، مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي، أبي عبد الرحمن المكي، تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم مصريان، واثنان مدنيان، وواحد مكي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر النساء) والمعشر: الجماعة المشتركة في أمر، فالإنسان معشر، والجن معشر، والنساء معشر والشياطين معشر (تصدقن) أي اصرفن الصدقة للمحتاجين، فإنها سترة من النار، وهذا نداء لجميع نساء العالم إلى يوم القيامة، وإرشاد لهن إلى ما يستخلصهن من النار، وهو الصدقة مطلقًا، واجبها وتطوعها، فالمراد هنا القدر المشترك بين الواجب والتطوع، قال القرطبي: ويعني بالصدقة غير الواجبة لا الواجبة، لقوله في بعض الروايات "ولو من حليكن" إذ لا زكاة في الحلي. (وأكثرن الاستغفار) أي طلب المغفرة لذنوبكن من الله تعالى، والاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى سواء كان مع توفر شروط التوبة أم لا، وقد يعبر به عن التوبة كما في قوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} أي توبوا، وإنما عبر عن التوبة بالاستغفار لأنه إنما يصدر عن الندم، وخوف الإصرار، وذلك هو التوبة، فأما الاستغفار مع الإصرار، فحال المنافقين والأشرار، وهو جدير بالرد، وتكثير الأوزار، وقد قال بعض العارفين: "الاستغفار باللسان توبة الكذابين" اهـ من المفهم بتصرف.

فَإِنِّي رَأَيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، فَقَالتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والفاء في قوله (فإني) معللة للأمر بالتصدق والاستغفار أي لأني (رأيتكن أكثر أهل النار) والعذاب، والرؤية هنا، إما علمية تتعدى إلى مفعولين، أي علمتكن بما عرفت من أحوالكن، أو بصرية تتعدى إلى مفعول واحد، وأكثر حال من ضمير المخاطبات لأن أفعل لا يتعرف بالإضافة إلى اسم الجنس، كما عليه ابن السراج وأبو علي الفارسي، أي أبصرتكن في النار مكاشفة، حال كونكن أكثر أهلها. وقول النووي هنا: (وقيل هو بدل من الكاف في رأيتكن) خطأ لفساد المعنى، لأن المبدل منه في نية الطرح فيكون المعنى رأيت أهل النار، والقصد الإخبار عن رؤيتهن لا عن رؤية أهل النار، تأمل، أي رأيت صنفكن لا المخاطبات، وأكثريتهن هو السبب في أمرهن بالإكثار. قال الأبي: (فإن قلت) أكثريتهن مع قوله في حديث أهل الجنة "لكل واحد منكم زوجتان" تدل على أن صنف النساء أكثر من صنف الرجال (قلت) أكثريتهن حينئذ لا تستلزم أكثريتهن دائمًا أو يقال الزوجتان إنما هما بعد الخروج من النار، أو أنهما ليستا بآدميتين كما يدل عليه قوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} انتهى. وعبارة المفهم أي اطلعت على نساء آدميات من نوع المخاطبات، لا على أنفس المخاطبات كما في الرواية الأخرى "اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء" رواه أحمد والبخاري والترمذي من حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه. (فـ) لما سمع النساء ذلك علمن أن ذلك كان لسبب ذنب سبق لهن و (قالت امرأة منهن جزْلة) بسكون الزاي لأنه اسم فاعل من فعُل المضموم يقال: جَزُلَ زيد فهو جزْلٌ وهي جزلة أي عاقل وعاقلة كما قال ابن مالك في لامية الأفعال: كوزن فاعلٍ اسمُ فاعلٍ جُعلا ... من الثلاثي الذي ما وزنه فَعُلا ومنه صيغ كسهل والظريف وقد ... يكون أفعلَ أو فعالًا أو فعلا وعبارة المناهل هنا مع المتن (ومنه صيغ) أي وبُني اسم الفاعل من مصدر فَعُل المضموم المذكور في آخر البيت السابق، على وزنين قياسيين، أحدهما فعْلٌ بفتح الفاء وسكون العين، وذلك (كسهل) أي كقولك سَهُلَ الأمر فهو سهل إذا لأن، وصعُبَ ضد سهل، فهو صعب وجَزُل زيد فهو جزل إذا كان عاقلًا، وثانيهما فعيل (و) ذلك

وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ الله أَكْثَرَ أَهْلِ النَّار؟ ! قَال: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفرْنَ الْعَشِيرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (كالظريف) أي كقولك ظرف الرجل فهو ظريف، إذا كان ذكيًا بارعًا إلى آخر ما هنالك، قال ابن دريد: الجزالة العقل، وفي كتاب العيني: امرأة جزلة أي ذات عجيزة عظيمة، والجزل العظيم من كل شيء، ومنه عطاء جزل، قال الأبي: ومن جزالتها أنها لم تسأل إلا عن السبب لتحترز منه، والمعنى أي فلما سمع النساء ذلك علمن أن ذلك كان لسبب ذنب سبق لهن، فبادرت هذه المرأة لجزالتها، وشدة حرصها على ما يخلص من هذا الأمر العظيم، فسألت عن ذلك فقالت (وما لنا يا رسول الله) مبتدأ وخبر (أكثر أهل النار) بالنصب حال من ضمير المتكلمين، أو خبر لكان المحذوفة، أي وأي شيء ثبت لنا حالة كوننا أكثر أهل النار، أو أي ذنب حصل لنا كنا أكثر أهل النار، أو في قولك لنا رأيتكن أكثر أهل النار، إن قلنا منصوب على الحكاية كما في النووي. فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث (قال) لأنكن (تكثرن اللعن) قال القاضي: اللعن لغة: الطرد وشرعًا: الطرد عن رحمة الله تعالى، ففيه أن اللعن وكفران العشير من الذنوب اهـ. أي يدور اللعن علي ألسنتهن كثيرًا لمن لا يجوز لعنه، وكان ذلك عادة جارية في نساء العرب، كما قد غلبت بعد ذلك على النساء والرجال، حتى إنهم إذا استحسنوا شيئًا ربما لعنوه فيقولون ما أشعره لعنه الله، وقد حكى بعضهم أن قصيدة ابن دريد، كانت تُسمى عندهم الملعونة، لأنهم كانوا إذا سمعوها قالوا: ما أشعره لعنه الله. (وتكفرن) أي تجحدن نعمة (العشير) والزوج وإحسانه إليكن، قال القاضي: العشير: الزوج والزوجة، لأنه من المعاشرة، وكل منهما معاشر الآخر، والعشير أيضًا الخليط والصاحب مطلقًا، والمراد به هنا الزوج لأنه شرحه بما يرجع إلى معنى الزوج، وأيضًا فاستحقاقهن النار يدل على أنه الزوج لعظم حقه عليهن دون غيره، قال النواوي: كفران العشير كبيرة للعقوبة عليه بالنار، وأما اللعن فمن المعاصي الصغائر، لا أنه كبيرة، لقوله: وتكثرن اللعن، والصغيرة إذا كثرت صارت كبيرة، واتفقوا على أنه لا يجوز لعن المعين، وإن كان كافرًا، لأن اللعن إبعادٌ عن رحمة الله تعالى، ولا يبعد عنها من لا تُعرف خاتمته، إلا أن يعلم بنص أنه مات أو يموت كافرًا كأبي لهب وإبليس، وأما اللعن بصفه كالحالقة وآكل الربا والظالم فجائز لوروده اهـ. والمراد بالعشير الزوج، وبالكفر كفران الحقوق، ويدل على صحة الأمرين حديث

وَمَا رَأَيتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ الموطأ الذي فيه "لكفرهن" قيل: أيكفرن بالله؟ فقال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط" رواه مالك في الموطأ من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما. قوله (وما رأيت من ناقصات عقل) معطوف على تكثرن، على كونه مقولًا لقال، وقال القرطبي: وقوله من ناقصات عقل، صفة لمحذوف هو مفعول أول لرأيت، على أن الرؤية علمية، وقوله أغلب مفعولٌ ثانٍ له، وإن قلنا إنها بصرية فهو صفة لذلك المحذوف، أي وما رأيت وعلمت أحدًا من ناقصات عقل (ودين أغلب) أي أكثر غلبة (لـ) رجل (ذي لب) أي صاحب عقل كامل (منكن) أي من إحداكن يا معشر النساء، وهذا تعجب من كثرة غلبتهن الرجال، أي إنكن مع ما فيكن من الرذيلتين، خُلقتن سالبات لنُهى الرجال ذوي العقل الكامل. واللب العقل، سُمي بذلك لأنه خلاصة الإنسان ولُبه ولبابه، ومنه سُمي قلب الحَبِّ لبًا، والعقل الذي نقصه النساء هو التثبت في الأمور، والتحقق فيها، والبلوغ فيها إلى غاية الكمال وهن في ذلك غالبات بخلاف الرجال. والدين هنا يُراد به العبادات، وليس نقصان ذلك ذمًا لهن، وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من أحوالهن على معنى التعجب من الرجال، حيث يغلبهم من نَقَصَ عن درجتهم، ولم يبلغ كمالهم، وذلك هو صريح قوله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وفي معنى الحديث في غلبتهن الرجال قول الأعشى في امرأته: وقذفتني بين عصرٍ مُؤتشب ... وهن شر غالب لمن غلب والعصر هو اليابس من عيدان الشجر، والمؤتشب: الملتف المشتبك، وقصته مذكورة في شرح القاضي فراجعها، وقول معاوية: يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام، وقول صاحبة أم زرع وأغلبه والناس يغلب، وذكر الغزالي: أن ابن المسيب بلغ في العمر ثمانين، وذهبت إحدى عينيه، وبقي أربعين سنة لا يُرى إلا من داره إلى المسجد، ومع هذا فكان يقول: أخوف ما أخاف على نفسي من النساء.

قَالتْ: يَا رَسُولَ الله؛ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَال: "أمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَينِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ، فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِي مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّين" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القاضي: وإدخال مسلم هذا الحديث في كتاب الإيمان لفائدتين: إحداهما: بيان أن الكفر قد يطلق على كفر النعمة، وجحد الحق وتغطيته، وهو معنى الكفر في اللغة .. والثانية: إظهار نقص الإيمان وزيادته بقوله "ناقصات عقل ودين". (قالت) تلك المرأة الجزلة (يا رسول الله وما نقصان العقل والدين) فينا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما نقصان العقل) فيكن، أي أما علامة نقصان العقل منكن (فشهادة امرأتين تعدل) وتساوي (شهادة رجل) واحد (فهذا) المذكور من مساواة شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد سببه (نقصان العقل) فيكنَّ، قال المازري: نقصان شهادتهن لا يستقل دليلًا على نقضان عقلهن، حتى يتم بما نبه الله سبحانه وتعالى عليه من عدم ضبطهن بقوله: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} أي إنهن قليلات الضبط والعقل: العلم، وقيل: قوة يميز بها بين الحسن والقبيح، واختلف في محله، قيل: هو في القلب، وقيل: هو في الرأس. (و) أما نقصان دينها فإنها (تمكث) وتجلس (الليالي) ذوات العدد الخمسة عشر، وما دونها حالة كونها (ما تصلي) ولا تؤدي الصلوات الخمس، لعارض الحيض والنفاس (و) إنها (تفطر) أيام الحيض (في رمضان فهذا) المذكور من ترك الصلاة والإفطار في رمضان (نقصان الدين) والعبادة، قال المازري: نقص دينها صحيح، إذا قلنا العبادات الدين، لأن من نقص عبادة نقص دينًا، ولا يعترض بالمسافر، فيقال: إنه يقصر وإنه ناقص الدين، لأن تركهن الصلاة إنما هو تنزيه لله تعالى، أن يعبدنه مستقذرات، بخلاف المسافر، فجاء النقص فيهن من هذا الوجه، وأيضًا فالنقص للمسافر غير لازم، لأن له أن لا يسافر فلا يسقط عنه، وهو لهن لازم إذ ليس لهن أن لا يحضن، وقد لا يحتاج إلى هذا، لأن المسافر إنما يغير العدد، وهن يتركن الصلاة جملة. قال النووي: والحديث بين في أن الحائض لا تثاب على تركها الصلاة، وقالوا في المسافر والمريض يتركان نوافل الصلاة لعذرهما، إنهما يكتب لهما ثواب ما كان يتنفلان

فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به في الصحة والحضر، وفُرِّق بأنهما كانت نيتهما الدوام لولا العذر، والحائض لم تكن نيتها الدوام، وإنما نظير الحائض من كان يتنفل مرة ويترك أخرى، فهذا لا يكتب له لأنه لم تكن نيته الدوام اهـ. وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر، شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 66) وابن ماجه (4003) والله أعلم. فصل في الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث قال النووي: ويستفاد من هذا الحديث جُمل من العلوم، منها الحث على الصدقة وأفعال البر، والإكثار من الاستغفار وسائر الطاعات، وفيه أن الحسنات يُذهبن السيئات، كما ذكره تعالى في الكتاب العزيز، وفيه أن كفران العشير والإحسان من الكبائر، فإن التوعيد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة، وفيه أن اللعن أيضًا من المعاصي الشديدة القبح، وليس فيه أنه كبيرة، فإنه صلى الله عليه وسلم قال تكثرن اللعن، والصغيرة إذا اكثرت صارت كبيرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لعن المسلم كقتله" واتفق العلماء على تحريم اللعن، فإنه في اللغة: الإبعاد والطرد، وفي الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره، معرفة قطعية، فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحدٍ بعينه، مسلمًا كان أو كافرًا، أو دابة، إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، كأبي لهب، أو يموت عليه كإبليس، وأما اللعن بالوصف فليس بحرام، كلعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، والمصورين، والظالمين، والفاسقين، والكافرين، ولعن من غير منار الدين، ومن تولى غير مواليه، ومن اتسب إلى غير أبيه، ومن أحدث في الإسلام حدثًا، أو آوى محدثًا، وغير ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية بإطلاقه على الأوصاف لا على الأعيان والله أعلم. وفيه أيضًا إطلاق الكفر على غير الكفر بالله تعالى، ككفر العشير، والإحسان، والنعمة، والحق، ويؤخذ من ذلك صحة تأويل الكفر في الأحاديث على ما أولناها، وفيه بيان زيادة الإيمان ونقصانه، وفيه وعظ الإمام وأصحاب الولايات، وكبراء الناس رعاياهم، وتحذيرهم المخالفات، وتحريضهم على الطاعات، وفيه مراجعة المتعلم العالم، والتابع المتبوع فيما قاله، إذا لم يظهر له معناه، كمراجعة هذه الجزلة رضي الله

145 - (00) وَحدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ عن بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز إطلاق رمضان من غير إضافة إلى الشهر، وإن كان الأفصح إضافته إليه. وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض فقد يستشكل معناه، وليس بمشكل، بل هو ظاهر، فإن الدين والإيمان والإسلام، كلمات مشتركة في معنى واحد كما قدمناه في مواضع، وتقدم أن الطاعات تُسمى إيمانًا ودينًا، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به، كمن ترك الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا إثم فيه، كمن ترك الجمعة أو الغزو أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر، وقد يكون على وجه هو مكلف به كترك الحائض الصلاة والصوم، فإن قيل إذا كانت معذورة فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها، كما يثاب المريض والمسافر، ويكتب له في مرضه وسفره، مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته وحضره، فالجواب أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض. كان يصلي النافلة في وقت، ويترك في وقت، غير ناوٍ الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (145) - (00) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح الأموي، مولاهم الفقيه المصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه عن عبد الله بن وهب في الإيمان وغيره، قال أبو الطاهر (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة (197)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن بكر بن مضر) بن

عَنِ ابْنِ الْهَادِ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. 147 - (75) وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي وَأَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَاقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن حكيم بن سليمان القرشي مولى شرحبيل بن حسنة، أبي عبد الملك أو أبي محمد المصري، روى عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادِ وجعفر بن ربيعة وعمرو بن الحارث ويزيد بن أبي حبيب، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن وهب وابن القاسم وقتيبة والوليد بن مسلم، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (174) أربع وسبعين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين والصوم والحج والجهاد والمعروف والزهد وانشقاق القمر فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة تقريبًا (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني من الخامسة مات سنة (139) وقد تقدم أن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو بكر بن مضر والإشارة راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع كما هو اصطلاح المؤلف وقوله (مثله) مفعول ثان لما عمل في المتابع المقدر والضمير فيه عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو ليث بن سعد والتقدير حدثنا بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن دينار العدوي المدني عن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المكي مثل ما حدث الليث عن يزيد بن الهاد وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان مدنيان وواحد مكي وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة بكر بن مضر لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن الهاد وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن ليث بن سعد من الثقات الإثبات لا يحتاج إلى تقويته والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم فقال: (147) - ش (75) (وحدثني الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) الريحاني المكي ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب (و) حدثني أيضًا (أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني أصله من خراسان البغدادي ثقة ثبت من الحادية عشرة وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية

قَالا: حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي مرْيَمَ، أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَال: أَخْبَرَنِي زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من الحسن وأبي بكر (حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن مسلم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم الحافظ الفقيه أبو محمد المصري ثقة ثبت فقيه من كبار العاشرة مات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا قال ابن أبي مريم (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، روى عن زيد بن أسلم والعلاء بن عبد الرحمن وهشام بن عروة وشريك بن أبي نمر وإبراهيم بن عقبة وأبي حازم بن دينار وغيرهم ويروي عنه (ع) وسعيد بن أبي مريم وخالد بن مخلد وجماعة، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من السابعة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والنفاق والزكاة واللباس والحشر فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا (قال) محمد بن جعفر (أخبرني زيد بن أسلم) أبو أسامة القرشي العدوي مولى عمر بن الخطاب المدني روى عن عياض بن عبد الله وعطاء بن يسار وحمران مولى عثمان وعبد الرحمن بن أبي سعيد وعبد الرحمن بن أبي وعلة وإبراهيم بن عبد الله بن حنين والأعرج وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن جعفر وحفص بن ميسرة وسعيد بن أبي هلال وهشام بن سعد والضحاك بن عثمان والسفيانان وسليمان بن بلال ومالك بن أنس وابن جريج وروح بن القاسم وخلق وقال في التقريب ثقة عالم وكان يرسل من الثالثة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في ثلاثة مواضع والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة والحج والبيوع والتوبة والفتن والهبة والجهاد والرحمة واللباس فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا (عن عياض بن عبد الله) بكسر أوله وتخفيف التحتانية آخره معجمة بن سعد بن أبي سرح بمهملات مع فتح أوله وسكون ثانيه القرشي العامري المكي روى عن أبي سعيد الخدري في الإيمان والزكاة وغيرهما وأبي هريرة ويروي عنه (ع) وزيد بن أسلم وداود بن قيس وإسماعيل بن أمية والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ومحمد بن عجلان في الزكاة وسعيد المقبري وبكير بن الأشج وغيرهم وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات على رأس المائة (100) (عن أبي سعيد الخدري) المدني سعد بن مالك بن سنان بنونين،

عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ له ولأبيه صحبة يروي عنه (ع) وعياض بن عبد الله في الإيمان وخلق لا يحصون وقد تقدم البسط في ترجمته (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بمثل معنى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الكلام حذف من الأول لعلمه من الثاني وغرضه الاستشهاد بحديث أبي سعيد لحديث ابن عمر كما مر آنفًا وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مكيان وواحد مصري إلا أبا بكر فإنه بغدادي كما مر. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية حديث أبي سعيد الخدري البخاري (370) بطوله في العيدين وفي الطهارة (114) وفي الزكاة (244) وفي غيرها والنسائي في الصلاة (671) وابن ماجه (197) اهـ من تحفة الأشراف وفي النكت الظراف للحافظ ابن حجر، والحاصل أن مسلمًا ما أخرج حديث أبي سعيد فيما يتعلق بالمنبر في كتاب الإيمان أصلًا لا سندًا ولا متنًا ولا حوالة وإنما أخرجه في العيدين (1184) وأخرج حديثه فيما يتعلق بالنساء في الإيمان وأحال به على حديث ابن عمر فعرف أنه أراد بعضه لا جميعه وهو ما يتعلق بنقص عقل النساء ودينهن فلذلك ذكره في كتاب الإيمان اهـ بتصرف واختصار. والواقع أن مسلمًا لم يسق لفظ حديث أبي سعيد الخدري وإنما أورد حديث ابن عمر بسند آخر إليه في قصة النساء ونقصان عقلهن ودينهن خاصة وأردفه بحديث أبي سعيد المذكور ثم أردفه بحديث أبي هريرة بقوله وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحاله أيضًا على حديث ابن عمر في قصة النساء ونقصان عقلهن ودينهن فليتأمل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: (ح) أي حول المؤلف من الاستشهاد بحديث أبي سعيد إلى الاستشهاد بحديث أبي هريرة (و) قال (حدثنا يحيى بن أيوب) والإتيان بحاء التحويل في الاستشهاد ليس عادة له والأولى إسقاط هذه الحاء أي حدثنا يحيى بن أيوب العابد المقابري بفتح الميم والقاف أبو زكريا البغدادي ثقة من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وتقدم

وَقُتَيبَةُ وَعَلِيُّ بن حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ -وَهُوَ ابنُ جَعْفَرٍ- عن عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمقْبُرِيِّ، عن أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب (و) حدثنا أيضًا (قتيبة) بن سعيد بن جميل الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (240) وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ثمانية أبواب (و) حدثنا أيضًا (علي بن حجر) بن إياس بن مقاتل بن مشمرج السعدي أبو الحسن ثقة حافظ من صغار التاسعة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني أخو محمد بن جعفر ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (180) ثمانين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا وأتى بقوله (وهو ابن جعفر) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زاده من عند نفسه (عن عمرو بن أبي عمرو) مولى المطلب بن عبد الله القرشي المخزومي أبي عثمان المدني واسم أبي عمرو ميسرة روى عن سعيد المقبري في الإيمان وأنس بن مالك في الحج والأعرج في النذور وعكرمة ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن جعفر ويعقوب بن إبراهيم والدراوردي ومالك وسليمان بن بلال وثقه أبو زرعة وقال أبو حاتم: ليس به بأس، وقال ابن معين: ليس بالقوي، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم من الخامسة مات بعد الخمسين ومائة (150) روى المؤلف عنه في ثلاثة أبواب الإيمان والحج والنذور (عن) سعيد بن أبي سعيد كيسان (المقبري) الليثي مولى بني ليث أبي سعد المدني روى عن أبي هريرة وعن أبيه أبي سعيد وعطاء بن ميناء وعبد الله بن رافع وعمرو بن سليم الزرقي وأبي سلمة وسعيد بن يسار وأبي شريح العدوي وعبد الله بن أبي قتادة وخلق ويروي عنه (ع) وعمرو بن أبي عمرو وأيوب بن موسى والوليد بن كثير وليث بن سعد ومالك بن أنس وابن أبي ذئب وخلق، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والحج في ثلاثة مواضع والنكاح والدعاء والجهاد في موضعين والرفق والأحكام فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم

عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مدنيون إلا يحيى بن أيوب فإنه بغدادي، وقتيبة فإنه بغلاني وعلي بن حجر فإنه مروزي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي روى كل من أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (بمثل معنى حديث ابن عمر) السابق (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وحديث أبي هريرة هذا أعني "يا معشر النساء تصدقن ... " الحديث، انفرد بروايته الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات وغيرهم، ولكن ذكره إحالة لا صريحًا، كما علمت وقوله بمثل معنى حديث ابن عمر راجع لكل من أبي سعيد الخدري وأبي هريرة كما أشرنا إليه في الحل، فجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب صريحًا وإحالة ثلاثة أحاديث، الأول حديث ابن عمر فذكره صريحًا للاستدلال به وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي سعيد الخدري والثالث حديث أبي هريرة وذكرهما بطريق الإحالة للاستشهاد لحديث ابن عمر والله أعلم. (فائدة) قال النواوي: وقد اختلفوا في المراد بالمقبري في قوله (عن عمرو بن أبي عمرو عن المقبري) هو أبو سعيد المقبري أو ابنه سعيد فإن كل واحد منهما يقال له المقبري وإن كان المقبري في الأصل هو أبو سعيد فقال الحافظ أبو علي الغساني عن أبي مسعود الدمشقي هو أبو سعيد، قال أبو علي: وهذا إنما هو في رواية إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو، وقال الدارقطني: خالفه سليمان بن بلال فرواه عن عمرو عن سعيد المقبري، قال الدارقطني: وقول سليمان بن بلال أصح، قال ابن الصلاح: رواه أبو نعيم الأصفهاني في كتابه المخرج على صحيح مسلم عن إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري هكذا مبينًا لكن رويناه في مسند أبي عوانة المخرج على صحيح مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سعيد ومن طريق سليمان بن بلال عن سعيد كما سبق عن الدارقطني فالاعتماد عليه إذًا هذا آخر كلام ابن الصلاح، ويقال فيه المقبري بضم الباء وفتحها وجهان مشهوران فيه وهي نسبة إلى المقبرة وفيها ثلاث لغات ضم الباء وفتحها وكسرها والثالثة غريبة، قال إبراهيم الحربي وغيره كان أبو سعيد ينزل المقابر فقيل له المقبري وقيل كان منزله عند المقابر وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعله على حفر القبور فقيل له المقبري -وجعل نعيمًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على إجمار المسجد فقيل له نعيم المجمر- واسم أبي سعيد كيسان الليثي المدني، والله أعلم انتهى. ***

40 - باب كون الطاعة لأمر الله والخضوع له من الإيمان الذي يوجب الجنة، وكون العصيان لأمره والتكبر عن السجود له من الكفر الذي يوجب النار

40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ 148 - (76) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ عَنِ الأعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 40 - بَابُ كَوْنِ الطَّاعَةِ لِأَمْرِ اللهِ وَالْخُضُوع لَهُ مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي يُوجِبُ الْجَنَّةَ، وَكَوْنِ الْعِصْيَانِ لِأَمْرِهِ وَالتَّكَبُّرِ عَنِ السُّجُودِ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ أي هذا باب معقود في الاستدلال على كون الطاعة والامتثال لأمر الله سبحانه والتذلل له من شعب الإيمان الذي يوجب الجنة وكون العصيان والمخالفة لأمره والتكبر عن السجود له من أنواع الكفر الذي يوجب النار. ولم يترجم للحديث الآتي النواوي ولا القاضي ولا أكثر المتون التي بأيدينا بل أدخلوه في ترجمة الحديث الآتي وترجم له الأبي بقوله (باب قوله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم السجدة) وترجم له السنوسي بقوله (باب من يسجد لله فله الجنة). (قلت) وترجمتي أعم وأنسب لترجمة كتاب الإيمان. وبالسندين المتصلين في أول الكتاب قال المؤلف رحمه الله تعالى: (148) - س (76) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (235) (و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) الكوفي محمد بن العلاء الهمداني ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (248) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قال) أي قال كل من أبي بكر وأبي كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي ثقة من كبار التاسعة مات سنة (195) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت من الخامسة مات سنة (148) (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني مولى جويرية بنت الحارث القيسية ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ابن آدم)

السَّجْدَةَ فَسَجَدَ .. اعْتَزَلَ الشَّيطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيلَهُ -وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُريبٍ يَا وَيلِي- أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلم آية (السجدة فسجد) لتلاوتها امتثالًا لأمره تعالى وخضوعًا وطاعة له تعالى (اعتزل) أي ابتعد (الشيطان) أي تباعد إبليس عنه كما يتباعد عنه عند الأذان وله ضراط حالة كون الشيطان (يبكي) ويحزن حسدًا لطاعته وإيمانه وامتثاله أمر ربه وقوله (يقول) حال من فاعل يبكي فيكون حالًا متداخلة أي حالة كونه يقول في بكائه أو من الشيطان فيكون حالًا مترادفة أي حالة كون الشيطان يقول (يا ويله) أي ياويلي ويا هلاكي أحضر إلي لأتعجب منك فهذا أوانك والأصل هنا ضمير المتكلم وأتى بدله بضمير الغائب صونًا لنفسه عن إضافة السوء إليها لأنه مما يستهجن عند البلغاء ونداء غير العاقل يكون للتعجب منه ونصبه على أنه منادى مضاف وضمير الغيبة بدل من ياء المتكلم في محل الجر مضاف إليه وعبارة النواوي هنا وقوله (يا ويله) هو من آداب الكلام وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم صرف الحاكي الضمير عن نفسه تصاونًا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه اهـ، وفي رواية (يا ويلتاه) والألف فيها للندبة والهاء للسكت وهذا في رواية أبي بكر بن أبي شيبة (و) أما (في رواية أبي كريب) فهو (يا ويلي) بكسر اللام على الأصل في كسر ما قبل ياء المتكلم للمناسبة مثل يا أبي ويا أمي وبفتحها بقلب ياء المتكلم ألفًا للتخفيف بعد قلب الكسرة فتحة ليسهل القلب وهذه الألف ضمير المتكلم في محل الجر مضاف إليه مبني على السكون وبهذا الألف ألغز بعضهم فقال ما ألف وقعت للمتكلم وهي في محل جر وأنشأ: أيا عالمًا لاحت شوارق نوره ... على الجو حتى ضاء كل جنابه فما ألف جاءت ضمير تَكَلم ... ومجرورة فاسمح برد جوابه فأجاب بعضهم بقوله: أيا سيدًا حاز المكارم جملة ... ولا زالت الألغاز تسمو ببابه أيا حسرتا بالباب جاءت مجيبة ... تنادي أنا مبد لكشف نقابه انتهى من رسالتنا هدية أولي الإنصاف في إعراب المنادى المضاف. (أمر ابن آدم) أي أمره ربه (بالسجود) للتلاوة أمر ندب عند قراءة آية السجدة (فـ) أجاب ربه و (سجد)

فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيتُ فَلِيَ النَّارُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السجود الذي هو من شعب الإيمان (فله الجنة) التي هي دار الكرامة جزاء له على طاعته وسجوده (وأمرت) أنا، أي أمرني ربي (بالسجود) أي سجود انحناء تحية لآدم أو بالسجود الشرعي لله تعالى وآدم قبلة كالكعبة (فأبيت) السجود أي امتنعت من إجابة أمر ربي بالسجود وعاندته وكفرت به واستكبرت عن السجود لآدم (فلي النار) دار الذل والهوان جزاء على إبائي وكفري وامتناعي من السجود الذي هو من شعب الإيمان. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 440 و 443) وابن ماجه (1052) قال الأبي: والأظهر في الشيطان أنه إبليس لقوله فعصيت ولم يبك ندمًا بل حسدًا أن دخل الجنة بالسبب الذي عصى هو به ولا يمتنع أن يكون بكاؤه حقيقة لأنه جسم ولا يتفق له هذا البكاء دائمًا لأن إذا ليست من ألفاظ العموم والويل الهلاك وهي كلمة تقال لمن وقع في هلكة يستحقها اهـ. قال القرطبي: ومعنى السجود لغة الخضوع والخشوع قال زيد الخيل رضي الله عنه. بجمع تصل البلق في حجراته ... ترى الأَكَم فيها سجدًا للحوافر والبلق جمع أبلق والفرس الأبلق ما كان فيه سواد وبياض وقوله (سجدًا) أي خاضعة ويطلق السجود أيضًا على الميل يقال سجدت النخلة أي مالت وسجدت الناقة إذا طأطأت رأسها قال يعقوب أسجد الرجل إذا طأطأ رأسه وسجد إذا وضع جبهته على الأرض وقال ابن دريد أصل السجود إدامة النظر مع إطراق إلى الأرض والحاصل أن أصل السجود الخضوع وسميت هذه الأحوال سجودًا لأنها تلازم الخضوع غالبًا ثم قد صار في الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض على وجه مخصوص والسجود المذكور في هذا الحديث هو سجود التلاوة لقوله (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد) وقد اختلف في حكمه فذهب الجمهور إلى أنه مندوب وفضيلة وصار أبو حنيفة إلى أنه واجب مستدلًا بهذا الحديث، ووجهه أن إبليس عصى بترك ما أمر به من السجود فذم ولعن وابن آدم أطاع بفعله فمدح وأثيب بالجنة فلو تركه لعصى إذ السجود نوع واحد فلزم من ذلك كون السجود واجبًا. (والجواب) أن ذم إبليس ولعنه لم يكن لأجل ترك السجود فقط بل لترك السجود

149 - (00) حَدَّثَنِي زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عتوًا على الله وكبرًا وتسفيهًا لأمره تعالى وبذلك كفر لا بترك العمل بمطلق السجود ألا ترى قوله تعالى مخبرًا عنه بذلك حين قال {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] وقال {لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإ مَسْنُونٍ} [الحجر: 33] وقال {أَنَا خَيرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]، سلمنا أنه ذم على ترك السجود لكن لا نسلم أن السجود نوع واحد، فقد قال بعض المفسرين: إن السجود الذي أمر الله به الملائكة إنما كان طأطأة الرأس لآدم تحية له وتعظيمًا وتشريفًا، وسجود التلاوة وضع الجبهة على الأرض على كيفية مخصوصة فافترقا، سلمنا أنه نوع واحد لكن منقسم بالإضافة ومتغاير بها، فيصح أن يؤمر بأحدها ويُنهى عن الآخر، كما يؤمر بالسجود لله تعالى، وينهى عن السجود للصنم، فما أمر به الملائكة من السجود لآدم محرم على ذريته كما قد حرم ذلك علينا وكيف يستدل بوجوب أحدهما على وجوب الآخر. فسجود الملائكة لآدم كان عبادة لله وطاعة لأمره، كما أمرنا نحن بالسجود للكعبة أي لجهتها تعظيمًا من الله تعالى لشأنها، وسيأتي الكلام في سجود القرآن في بابه إن شاء الله تعالى. وبكاء إبليس المذكور في الحديث ليس ندمًا على معصيته، ولا رجوعًا عنها، وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه مما أصابه من دخول أحد من ذرية آدم الجنة ونجاته، وذلك نحو ما يعتريه عند الأذان والإقامة ويوم عرفة، على ما يأتي إن شاء الله تعالى. وعبارة النواوي هنا وقد احتج أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإياهم بقوله (أمر ابن آدم بالسجود على أن سجود التلاوة واجب ومذهب مالك والشافعي والكثيرين أنه سنة وأجابوا عن هذه بأجوبة، أحدها أن تسمية هذا أمرًا إنما هو من كلام إبليس فلا حجة فيها فإن قالوا حكاها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكرها قلنا قد حكى غيرها من أقوال الكفار ولم يبطلها حال الحكاية وهي باطلة، والوجه الثاني أن المراد به أمر ندب لا إيجاب، والثالث المراد به المشاركة في السجود لا في الوجوب والله تعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (149) - متا (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وتقدم البسط في

حدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَعَصَيتُ فَلِي النَّارُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ترجمته قال زهير (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح بفتح الميم الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة مات في آخر سنة (196) ست وتسعين ومائة وتقدم البسط في ترجمته قال وكيع (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة ثبت حافظ قارئ ورع مدلس من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا وكيع وكذا قوله (مثله) مفعول ثان لحدثنا وكيع والضمير فيه عائد إلى أبي معاوية وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة وكيع لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، والمعنى حدثنا وكيع عن الأعمش بهذا الإسناد أي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش ثم استثنى من المماثلة قوله (غير أنه) أي غير أن وكيعًا (قال) في روايته (فعصيت) أي خالفت أمر ربي (فلي النار) جزاء على عصياني ومخالفتي بدل رواية أبي معاوية (فأبيت فلي النار) وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد نسائي. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

41 - باب إيمان من ترك الصلاة جحدا أو تهاونا

41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا 150 - (77) حَدَّثَنَا يحيى بْنُ يحيى التَّمِيمِيُّ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 41 - بَابُ إِيمَانِ مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ جَحْدًا أَوْ تهَاوُنًا أي هذا باب معقود في بيان حكم إيمان من ترك الصلاة ولو واحدة من الصلوات الخمس جحدًا وإنكارًا لوجوبها أو تهاونًا واستخفافًا لأمر الله تعالى بها وعدم مبالاة به مع إقرار وجوبها، فالجاحد لوجوبها أو وجوب واحد من أركان الإسلام أو وجوب غيرها مما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو كافر بالإجماع يقتل كفرًا ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يصلى عليه والتارك استخفافًا لها وتهاونًا بأمر الله تعالى مع إقرار وجوبها فالجمهور على أنه لا يكفر بل يستتاب فإن تاب وإلا يقتل حدًّا ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين فالحديث الآتي محمول على هذا التفصيل والله أعلم. وترجم لحديث جابر الآتي القاضي والنواوي وأكثر المتون بقوله (باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة) وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما (باب التكفير بترك الصلاة) وترجم له القرطبي بقوله (باب ترك الصلاة جحدًا أو تسفيهًا للأمر كفر) وترجمتي أوفق لترجمة كتاب الإيمان والله أعلم وبالسندين قال المؤلف: (150) - س (77) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن بن يحيى بن حماد (التميمي) الحنظلي مولاهم أبو زكريا النيسابوري ثقة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكوفي ثقة حافظ له أوهام من العاشرة مات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين وله (83) وهو أكبر من أبي بكر بن أبي شيبة بثلاث سنين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (كلاهما) أي كل من يحيى وعثمان رويا (عن جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط بن هلال بن قيس الضبي أبي عبد الله الكوفي القاضي ثقة صحيح الكتاب من السابعة مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابا تقريبًا.

قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن بَينَ الرَّجُلِ وَبَينَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأتى بقوله (قال يحيى أخبرنا جرير) تورعًا من الكذب على يحيى لأنه صرح بالسماع ولم يقل عن جرير كما قاله عثمان (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة حافظ من الخامسة مات سنة (148) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الإسكاف المكي نزيل واسط صدوق من الرابعة روى عن جابر في الإيمان والصلاة وغيرهما وتقدم البسط في ترجمته (قال) أبو سفيان (سمعت جابرًا) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبا عبد الله المدني الصحابي بن الصحابي روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا وهذا السند من خماسياته رجال اثنان منهم أو ثلاثة كوفيون أو كوفيان ونيسابوري وواحد مكي وواحد مدني. حالة كون جابر (يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن بين الرجل) المسلم وكذا المرأة (وبين) الاتصاف بـ (الشرك والكفر) وعطف الكفر على الشرك من عطف العام على الخاص لأن الكفر يكون بجحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثلًا (ترك الصلاة) المكتوبة أي فعل الصلاة المكتوبة، قال السنوسي إن ترك الصلاة معبر به عن ضده الذي هو فعلها لأن فعل الصلاة هو الحاجز بين الإيمان والكفر فإذا ارتفع رفع المانع اهـ. قال القرطبي: يعني أنه من ترك الصلاة لم يبق بينه وبين الكفر حاجز يحجزه عنه ولا مانع يمنعه منه أي قد صار كافرًا وهذا إنما يكون بالإجماع فيمن كان جاحدًا لوجوبها فأما من كان معترفًا بوجوبها متهاونًا بفعلها وتاركًا لها فالجمهور على أنه يقتل إذا أخرجها عن آخر وقتها أو عن وقتها الضروري ثم هل يقتل كفرًا أو حدًّا فيه خلاف فممن ذهب إلى الأول أحمد بن حنبل وابن المبارك وإسحاق وابن حبيب من أصحابنا وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وممن ذهب إلى الثاني مالك والشافعي وكثير من أهل العلم قالوا يقتل حدًّا إذا عرضت عليه فلم يفعلها ثم هل يستتاب أم لا قولان لأصحابنا، وقال الكوفيون لا يقتل ويؤمر بفعلها ويعزر حتى يفعلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح أنه ليس بكافر لأن الكفر الجحد كما تقدم وليس بجاحد ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال (خمس صلوات افترضهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا كان له عند الله عهد أن يغفر له ومن لم يأت بهن فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه) رواه أحمد (5/ 317 و 322) وأبو داود (425) والنسائي (1/ 230) ومالك في الموطأ (1/ 23). فهذا الحديث ينص على أن ترك الصلاة ليس بكفر وأنه مما دون الشرك الذي قال الله تعالى فيه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] واختلف العلماء في أخوات الصلاة من الفرائض كالزكاة والصيام والحج والوضوء والغسل من الجنابة هل يقتل الآبي من فعلها وإن اعترف بوجوبها أم يعاقب حتى يفعل وهل هو كافر أم عاص، مذهب مالك في أن من قال لا أتوضأ ولا أصوم أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن قال لا أزكي أخذت منه كرهًا فإن امتنع قوتل فإن قال لا أحج لم يجبر لكون فرضه على التراخي. وقال القرطبي: أيضًا هكذا أطلق أئمتنا وينبغي أن يقال إذا انتهى الممتنع إلى حالة يخاف معها الفوت كالهرم والمرض حمل على الفعل لئلا يُخَلِّيَ زمانه عن الحج مع استطاعته وأما من يقول إن الحج على الفور إذا حصلت الاستطاعة فقياس مذهبه يقتضي أن يحمل على الفعل في تلك الحال لكن أصحابنا لم يقولوا به ولا كفروه بترك الحج كما فعلوا في الصلاة لأن كون وجوبه على الفور ليس بمعلوم التحديد والتوقيف من الشرع كما هو في الصلاة وإنما قيل ذلك بالاجتهاد والظن والله أعلم. وقال ابن حبيب: من قال عند الإمام لا أصلي وهي عليّ قتل ولا يستتاب وكذلك من قال لا أتوضأ ولا أغتسل من الجنابة ولا أصوم وقال أيضًا من ترك الصلاة متعمدًا أو مفرطًا كافر ومن ترك أخواتها متعمدًا من زكاة وحج وصوم كافر وقاله الحكم بن عتيبة وجماعة من السلف اهـ من المفهم، وقال غيرهم لا يكفر إلا بجحد الوجوب واحتجوا بإجماع الصدر الأول على موارثته ودفنه في مقابر المسلمين وهكذا في الزكاة إذا امتنع منها ولم يصرح اهـ من الأبي. وهذا الحديث أعني حديث جابر شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 289) وأبو داود (4678) والترمذي (2622) وابن ماجه (1078).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: قوله (بين الرجل والكفر ترك الصلاة) أي بين المسلم وبين أن يتسم بسمة الكفر ترك الصلاة وقد يكون معنى الحديث أن بالصلاة يتميز المسلم من الكافر فإذا تركها دخل في أهل الكفر اهـ، قال الأبي: معنى الأول ترك الصلاة صفة أهل الكفر فإذا تركها اتصف بصفتهم ولا فرق بين الوجهين في المعنى لأن كلًّا منهما يرجع إلى كون الترك سببًا في الكفر، ويتضح ذلك بأن تعرف أن الكائن بين أمرين في هذا التركيب تارة يكون سببًا في حصول ما بعده لما قبله نحو بيني وبين رؤية الهلال أن انظر إليه وتارة يكون مانعًا من حصوله له نحو بيني وبين رؤيته هذا الجبل والحديث من القسم الأول ويشكل جعله من الثاني لأن الأصل في المانع أنه إذا أزيل حصل الممنوع وترك الصلاة إنما يزول بفعلها، وفعلها لا يكون موجبًا للكفر، وجعله النواوي من الثاني، وأخذ يتكلف بالجواب عنه، فقال: يتخرج على حذف فقال: والتقدير بين الرجل وبين الكفر عدم ترك الصلاة، وعدم تركها إنما يرتفع بالترك، وترك الصلاة كفر، وأنت تعرف أن ما ذكرناه أبين وأقرب اهـ أبي. فصل قال النواوي: وأما تارك الصلاة فإن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج عن ملة الإسلام، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلًا مع اعتقاد وجوبها، كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر، بل يفسق، ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدًّا كالزاني المحصن لكنه يقتل بالسيف، وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي رحمهم الله جميعًا أنه لا يكفر، ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يُصلي، واحتج من قال بكفره بظاهر هذا الحديث وبالقياس على كلمة التوحيد، واحتج من قال لا يقتل بحديث "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث"

151 - (00) حَدَّثَنَا أبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعيُّ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخلَدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس فيه الصلاة، واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" "ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة" "حرم الله على النار من قال لا إله إلا الله" وغير ذلك واحتجوا على قتله بقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم" وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أن فعله فعل الكفار والله أعلم. وقوله (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) هكذا هو في جميع الأصول من صحيح مسلم (الشرك والكفر) بالواو، وفي مستخرج أبي عوانة وأبي نعيم (أو الكفر) بأو، ولكل واحد منهما وجه، ومعنى بينه وبين الشرك ترك الصلاة، أن الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة، فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل، بل دخل فيه، ثم إن الشرك والكفر قد يُطلقان بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى، وقد يُفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم بالله تعالى، ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك كما مر، والله أعلم. انتهى من النواوي، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (151) - متا (00) (حدثنا أبو غسان) بالصرف وعدمه، مالك بن عبد الواحد (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى مسمع بن ربيعة البصري ثقة من العاشرة مات سنة (230) ثلاثين ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا قال أبو غسان (حدثنا الضحاك بن مخلد) بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (212) اثنتي عشرة ومائتين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا. (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم المكي ثقة فقيه مدلس

قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ: أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "بَينَ الرَّجُلِ وَبَينَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مرسل من السادسة مات سنة (150) خمسين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن جريج (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي ثقة مدلس من الرابعة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع جابر بن عبد الله) حالة كونه (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) بحذف إنّ ورفع ترك على أنه مبتدأ مؤخر والظرف خبر مقدم معناه بين المسلم وبين اتسامه باسم الكفار واستحقاقه من القتل ما استحقوه ترك الصلاة وقد يكون معنى الحديث إن بالصلاة والمواظبة عليها وتكرار ذلك في يومه وليلته يفترق المسلم من الكافر ومن ترك ذلك ولم يهتبل به ولا تميز بسيماء المؤمنين دخل في سواد أضدادهم من الكفرة والمنافقين اهـ من إكمال المعلم وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان مدنيان وواحد مكي وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سفيان في رواية هذا الحديث عن جابر وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن أبا سفيان صدوق وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بنقص إن الناصبة والله أعلم ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما شرحناه في هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة (77) سبعة وسبعون حديثًا ومع المكررة مائة وأحد خمسون حديثًا (151) وجملة ما فيه من الأبواب (41) أحد وأربعون بابا وهذا آخر ما أكرمني الله سبحانه وتعالى من هذا المجلد بإتمامه بعد ما وفقني بابتدائه في تاريخ 17/ 11 / 1419 هـ ـ تسع عشرة سنة من بعد ألف وأربعمائة قبيل المغرب في اليوم السابع عشر من شهر ذي القعدة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات وعلى آله السادات وأصحابه القادات وتابعيهم إلى يوم القيامات والحمد لله رب العالمين. ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الثالث دار المنهاج دار طوق النَّجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

ومما قيل في الزهد: - أتبني بناء الخالدين وإنما ... مقامك فيها لو عقلت قليل لقد كان في ظل الأراك كفاية ... لمن كان فيها يعتريه رحيل قال أبو الطيب المتنبي: - إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر صغير ... كطعم الموت في أمر كبير يرى الجبناء أن العجز عقل ... وتلك خديعة الطبع اللئيم وكل شجاعة في المرء تُغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القرائح والعلوم الحمد لله الذي شرح قلوب أصفيائه، بمعاني سنن خير أنبيائه، والصلاة والسلام على منبع الحكم والأحكام، سيدنا محمَّد علم الهدى ومنار الإِسلام، وعلى آله السادة الكرام، وأصحابه الأئمة الأعلام، وتابعيهم إلى يوم القيام، ما طلع وَناءَ نَجْمٌ في دُجى الظلام. (أما بعد) فلما فرغت من كتابة المجلد الثاني من شرح صحيح مسلم تفرغت إن شاء الله تعالى لبداية تسطير المجلد التالي، بقلم ما عندي من قطرات الفيض، ورشحات العلوم، فقلت مستمدًا من الله التوفيق والسداد إلى أقوم الطريق:

42 - (1) باب: كون الإيمان أفضل الأعمال على الإطلاق وتفضيل بعضها على بعض

42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ 152 - (78) (1) وحدثنا مَنْصُورُ بْنُ أبي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 42 - (1) بَابُ: كَوْنِ الإيِمَان أَفْضَلَ الأعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ أي هذا باب معقود في بيان دون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، وأساسها وأكثرها أجرًا على الإطلاق، بدنية كانت أو مالية، فعلية كانت أو قولية، وبيان مفاضلة بعض الأعمال على بعض بعد الإيمان. وترجم النواوي والقاضي وأكثر المتون للأحاديث الآتية بقولهم (باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال)، وترجم لها القرطبي بقوله (باب الإيمان بالله أفضل الأعمال)، وترجم لها الأبي بقوله (باب تفضيل بعض الأعمال على بعض) وترجم لها السنوسي بقوله (باب أفضل الأعمال الإيمان باللهِ) ومفاد هذه التراجم كلها واحد، ولكن ترجمتي أعم وأوفق للأحاديث الآتية، وبالسندين المتصلين السابقين قال المؤلف رحمه الله تعالى: (152) - س (78) (1) (وحدثنا منصور بن أبي مزاحم) التركي بضم المثناة الفوقية، أبو نصر البغدادي، واسم أبي مزاحم بشير بفتح الباء الموحدة، روى عن إبراهيم بن سعد وعبد الله بن المبارك ويحيى بن حمزة ومالك بن أنس وأبي الأحوص وفليح بن سليمان وغيرهم، ويروي عنه (م د س) وأَحمد بن عليّ المروزي وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم، وثقه الدارقطني، وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة مات لست بقين من ذي الحجة سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، وهو ابن ثمانين (80) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والنكاح والجهاد في موضعين والفتن في أربعة أبواب تقريبًا. قال منصور (حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ، أبو إسحاق المدنِيُّ، ثِقَة حجة، من الثامنة، مات سنة (183)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثني محمَّد بن جعفر بن زياد) بن أبي

أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: "سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: أَيُّ الأعمَالِ أَفْضَلُ؟ قَال: إِيمَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ هاشم أبو عمران الوركاني بفتحتين، وقيل بسكون الراء، نسبة إلى وركان اسم محلة أو قرية، الخُرَاسَانِيّ من أهل بغداد، روى عن إبراهيم بن سعد في الإيمان والنكاح والبيوع وغيرها وشريك وأبي الأحوص وطبقتهم، ويروي عنه (م د س) وأبو يعلى والبغوي، وابن معين من أقرانه ووثقه، وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة، مات سنة (228) ثمان وعشرين ومائتين، روى عنه المؤلف في الثلاثة الأبواب المذكورة آنفًا وغيرها، قال محمَّد بن جعفر (أخبرنا إبراهيم) وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شيخيه لأن منصورًا قال حَدَّثَنَا وقال محمَّد (أخبرنا إبراهيم) ولم ينسبه وفي اصطلاح مسلم فرق بين حَدَّثَنَا وأخبرنا كما علمت وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخي محمَّد بن جعفر بإبراهيم، إبراهيم (بن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه محمَّد بن جعفر بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي (عن) محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) القُرشيّ الزُّهْرِيّ أبي بكر المدنِيُّ عالم الحجاز والشَّام ثِقَة من الرابعة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى له في ثلاثة وعشرين بابا تقريبًا (عن سعيد بن المسيّب) بن حزن بوزن سهل القُرشيّ المخزومي أبي محمَّد المدنِيُّ ثِقَة من كبار الثَّانية مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا منصورًا أو محمَّد بن جعفر فإنهما بغداديان (قال) أبو هريرة (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل) أي أكثر أجرًا عند الله سبحانه وتعالى وأعظم أساسًا، قال الأبي: السائل هو أبو ذر رضي الله عنه وإنما سأل عنه ليلتزمه كعادتهم في الحرص على الخير، ويصح لغة إطلاق أن بعض الأفعال أفضل وأقبح من بعض، واختلف في إطلاق أوجب وأحل وأحرم فمنعه الباقلاني وتوقف فيه السيوري وعبد الحميد، والمنع مقتضى العربية لأن أفعل التفضيل لا يُبنى إلَّا مما يقبل الزيادة والنقص كالتعجب، وهذه الصفات لا تقبلهما إذ لا يقال واجبٌ جدًّا، وكذا في بقيتها وصحة اقتران لفظة جدًّا بصفة هي معيار ما يقبل الزيادة والنقص (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال وأساسها (إيمان

بِاللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: حَجٌّ مَبْرُورٌ". وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَال: "إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالله) سبحانه وتعالى أي تصديق بوجوده وبوحدانيته وبألوهيته وبجميع صفاته قال القاضي عياض: جعل الإيمان هنا عملًا، وهو غيره عند المتكلمين، لأنه عندهم التصديق. ويدل عليه حديث جبريل - عليه السلام -، لأنه جعله فيه عمل قلب، وجعل الإسلام عمل الجوارح، وتقدم لنا نحن أنه التصديق والنطق، وأن تمامه العمل، وأجمعوا على أنه لا يكون مؤمنًا تام الإيمان إلا بعقد وقول وعمل، وهذا الإيمان هو الذي يُنجي من النار رأسًا، ويعصم الدم والمال، ولهذا الارتباط الذي بين الثلاثة صح إطلاق الإيمان على مجموعها، وعلى كل واحد منها، وكان أفضل الأعمال لأنه شرط في كلها. وقد يحتمل أن يُريد بالإيمان المجعول أفضل الأعمال، الذكر الخفي، من تعظيم حق الله تعالى، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، وإدامة الذكر وتدبر آيات كتاب الله تعالى، وهي من أعمال القلب كما جاء في الحديث الآخر: "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي "أخرجه أحمد عن سعد بن مالك (1/ 172) قال القرطبي: ولا يخفى أن الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال كلها لأنه متقدم عليها، وشرط في صحتها، وقد يوجه كون الإيمان أفضل بأن شرف الصفة بشرف متعلقها، ومتعلق الإيمان هو الله تعالى وكتبه ورسله، ولا أشرف من ذلك، فلا أشرف في الأعمال من الإيمان، ولا أفضل منه اهـ. (قيل) له صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد الإيمان (ماذا) أفضل، أي: أيُّ عمل أفضل يا رسول الله، هكذا في نسخة الأبي والسنوسي والقرطبي بلفظ (قيل) وفي نسخة النواوي والقاضي وأكثر المتون (قال) بصيغة المعلوم أي (قال) السائل (ثم ماذا) وهو أبو ذر، ونسخة (قيل) أوضح وأنسب لقوله أولًا (سُئل) بصيغة المجهول (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها (الجهاد في سبيل الله) وطاعته وطلب مرضاته لإعلاء كلمته العليا، لا للحمية ولا للوطنية ولا للغنيمة ولا لإظهار الشجاعة (قيل: ثم) بعد الجهاد (ماذا) أي أيُّ شيء أفضل يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها (حج مبرور) أي حج لم يخالطه شيء من المآثم، هكذا رواية الحديث بلفظ "إيمان بالله" بلا زيادة شيء في رواية منصور بن أبي مزاحم (و) أما (في رواية محمد بن جعفر قال: إيمان بالله ورسوله) بزيادة لفظ رسوله بعد الجلالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قوله (ثم الجهاد في سبيل الله) ظاهر هذا الحديث أن الجهاد أفضل من سائر الأعمال بعد الإيمان, وظاهر حديث أبي ذر أن الجهاد مساوٍ للإيمان في الفضل حيث قال: "الإيمان والجهاد"، وظاهر حديث ابن مسعود يُخالفهما لأنه أخر الجهاد عن الصلاة وعن بن الوالدين، حيث قال: "الصلاة ثم بن الوالدين ثم الجهاد"، وتقدم في حديث عبد الله بن عمرو: "أي الإسلام خير؟ قال: تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" وفي حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو: "أي المسلمين خير؟ قال من سلم المسلمون من لسانه ويده" وصح في حديث عثمان: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وأمثال هذا في الصحيح كثير. ويجاب عنه بأن هذا الاختلاف ليس بتناقض, لأنه إنما اختلفت أجوبته صلى الله عليه وسلم لاختلاف أحوال السائلين، وذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُجيب كل سائل بالأفضل في حقه، وبالمتأكد في حقه فمن كان متاهلًا للجهاد، وراغبًا فيه، كان الجهاد في حقه أفضل من الصلاة وغيرها، وقد يكون هذا الصالح للجهاد له أبوان يحتاجان إلى قيامه عليهما, ولو تركهما لضاعا، فيكون بن الوالدين في حقه أفضل من الجهاد، كما قد استأذن رجل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: "أحي والداك" قال: نعم فقال: "ففيهما فجاهد" رواه أَحْمد والبخاري ومسلم والنَّسائيّ من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهكذا سائر الأعمال وقد يكون الجهاد في بعض الأوقات أفضل من سائر الأعمال وذلك في وقت استيلاء العدو وغلبته على المسلمين كحال هذا الزمان فلا يخفى على من له أدنى بصيرة أن الجهاد اليوم أوكد الواجبات وأفضل الأعمال لما أصاب المسلمين من قهر الأعداء وكثرة الاستيلاء شرقًا وغربًا جبر الله صدعنا وجدد نصرنا فالجهاد أولى بالتحريض والتقديم من الحج لما في الجهاد من المصلحة العامة للمسلمين مع أنَّه متعين متضيق في هذا الحال بخلاف الحج والله أعلم. والحاصل من هذا البحث أن تلك الأفضلية تختلف بحسب الأشخاص والأحوال ولا بعد في ذلك فأما تفصيل هذه القواعد من حيث هي فعلى ما تقدم من حديث ابن

153 - (00) وَحَدَّثَنِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر الذي قال فيه "بني الإِسلام على خمس"، قال النواوي: قال القفال فقد يكون السائل ذا نجدة فالجهاد في حق هذا أفضل وقد يكون له والدان لو خرج لجهاد لضاعا فالبر في حق هذا أفضل وقد يختلف جوابه بحسب ما يراه أليق بالزمان كما لو نزل العدو وخيف استئصاله وكما كان في صدر الإِسلام حين كان المراد إعزاز الدين وشهد لصحة هذه الاعتذارات حديث ابن عباس "حجة لمن لم يحج خير من أربعين غزوة وغزوة لمن حج خير من أربعين حجة" وقيل قدّم الجهاد في حديث أبي هريرة على الحج لأنه كان في أول الإِسلام ومحاربة أعدائه والجد في إظهاره، قال القفال: وقد يجمع بأن يكون الكلام على تقدير من أي من أفضل الأعمال كذا فيكون الإيمان أفضلها على الإطلاق وتستوي سائرها في كونها من أفضل، ثم يعرف فضل بعضها على بعض بدليل آخر، قال: ولا يمنع من هذا كونه في بعض الطرق معطوفًا بثم لأن ثم قد تكون للترتيب في الذكر لا في الحكم كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} وكقول الشاعر: قل لمن ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده (والحج المبرور) هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم كما قال تعالى {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال} قاله شمر. بفتح الشين وكسر الميم - بن حمدويه الهروي اللغوي الأديب المتوفى سنة (355) ومنه بن في يمينه وبيعه إذا سلم من الحنث والخديعة وقال الحربي المبرور هو المقبول أي المثاب عليه وقيل هو المبذول فيه النوال لأنه صلى الله عليه وسلم سئل "ما بن الحج قال إطعام الطعام وطيب الكلام" رواه الحاكم في المستدرك من البر الذي هو فعل الجميل ويكون من البر بمعنى الصدق فيكون الحج المبرور الصادق الخالص لله تعالى ويقال بن حجك بضم الباء مبنيًّا للمفعول وبر الله حجك بفتحها مبنيًّا للفاعل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة أَحْمد (2/ 330 و 388 و 531) والبخاري (50) والتِّرمذيّ (1658) والنَّسائيّ (5/ 113). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (153) - متا (00) (وحدثنيه) أي حَدَّثني الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة

محمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ ... مِثْلَهُ. 154 - (79) (2) حَدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه (محمَّد بن رافع) بن أبي زيد سابور القشيري مولاهم أبو محمَّد النَّيسَابُورِيّ ثِقَة عابد من الحادية عشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنيه أَيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمَّد الحافظ ثِقَة من الحادية عشرة مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، كلاهما (عن عبد الرَّزّاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصَّنْعانِيّ ثِقَة حافظ من التاسعة مات سنة إحدى عشرة ومائتين (211) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا قال عبد الرَّزّاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ الحداني مولاهم أبو عروة البَصْرِيّ نزيل اليمن ثِقَة ثبت من كبار السابعة مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن) محمَّد بن مسلم (الزُّهْرِيّ) أبي بكر المدنِيُّ ثِقَة من الرابعة روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابا والإشارة في قوله (بهذا الإسناد) راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع أي عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه وقوله (مثله) مفعول ثان لقوله أخبرنا معمر والضمير فيه عائد إلى إبراهيم بن سعد أي أخبرنا معمر بن راشد عن الزُّهْرِيّ مثل ما روى إبراهيم عن ابن شهاب وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسي وغرضه بسوقه بيان متابعة معمر لإبراهيم بن سعد في رواية الحديث عن الزُّهْرِيّ، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (154) - ش (79) (2) (حَدَّثني أبوالرَّبيع) العتكي (الزهراني) سليمان بن داود البَصْرِيّ ثِقَة من العاشرة مات في رمضان سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا. قال أبوالرَّبيع (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بن درهم الأزرق الأَزدِيّ أبو إسماعيل

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشام (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوحِ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: "قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ البَصْرِيّ ثِقَة ثبت فقيه من كبار الثامنة مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا قال حماد (حَدَّثَنَا هشام بن عروة) بن الزُّبير بن العوام القُرشيّ الأسدي أبو المنذر المدنِيُّ ثِقَة حجة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البَزَّار بالراء آخره المقرئ أبو محمَّد البغدادي ثِقَة من العاشرة مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والنكاح كما تقدم في ترجمته وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف كيفية سماعه من شيخيه ولذلك قال في الأول حَدَّثني، وفي الثاني حَدَّثَنَا وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لخلف بن هشام تورعًا من الكذب على أبي الرَّبيع لأنه إنما روى معنى الحديث الآتي لا لفظه، قال خلف بن هشام (حَدَّثَنَا حماد بن زيد عن هشام بن عروة) الأسدي المدنِيُّ (عن أَبيه) عروة بن الزُّبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدنِيُّ أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ثِقَة فقيه تابعي مشهور من الثَّانية مات سنة (94) أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عمر الفاروق روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي مراوح) بضم الميم وبالراء والحاء المهملة والواو المكسورة الغفاري ثم (الليثيّ) المدنِيُّ اسمه سعد، قيل له صحبة وإلا فتابعي بصري ثِقَة من الثالثة، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنَّه ثِقَة وليس يوقف له على اسم واسمه كنيته قال إلَّا أن مسلم بن الحجاج ذكره في الطبقات, فقال: اسمه سعد وذكره في الكنى ولم يذكر اسمه ويقال في نسبه الغفاري، ويقال الليثيّ قال أبو علي الغساني هو الغفاري ثم الليثيّ اهـ نواوي روى عن أبي ذر ويروي عنه (خ م س ق) وسليمان بن يسار وزيد بن أسلم وجماعة وثقه العجلي وابن حبان له عندهم حديثان (عن أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ جندب بضم القال وفتحها مع ضم الجيم بن جنادة بضم الجيم بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار الصحابي المشهور مات بالربذة سنة (32) اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بصري وبغدادي (قال) أبو ذر (قلت:

يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَال: الإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْجِهَادُ في سَبِيلِهِ قَال: قُمتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَال: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكثَرُهَا ثَمَنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا رسول الله؛ أيُّ الأعمال أفضل) أي أكثر أجرًا وأحبّ عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها (الإيمان بالله) تعالى وإفراده بالعبادة (والجهاد) أي المقاتلة مع الكفار (في سبيله) تعالى أي في طاعته وطلب مرضاته لإعلاء كلمة الله (قال) أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا (أي الرقاب) أي أيّ الأرقاء (أفضل) أي أكثر أجرًا في العتق (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها عتقًا (أنفسها) أي أرغبها وأحبها (عند أهلها) ومواليها لحسن خلقها ولحذاقتها وجمالها وجودة رأيها وعملها (وأكثرها) عند النَّاس (ثمنًا) أي قيمة لقوتها وشدتها ومعرفتها الصناعة. قال القرطبي: وأنفسها أغبطها وأرفعها، والمال النفيس هو المرغوب فيه قاله الأصمعيّ، وأصله من التنافس في الشيء الرفيع اهـ، قال النواوي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرقاب "أفضلها أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا" فالمراد بها والله أعلم إذا أراد أن يعتق رقبة واحدة أما إذا كان معه أَلْف درهم وأمكن أن يشتري بها رقبتين مفضولتين أو رقبة نفيسة مثمنة فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية فإن التضحية بشاة سمينة أفضل من التضحية بشاتين دونها في السمن، قال البَغَويّ من أصحابنا في التهذيب بعد أن ذكر هاتين المسألتين كما ذكرت: قال الشَّافعيّ رحمه الله تعالى في الأضحية: استكثار القيمة مع استقلال العدد أحب إليّ من استكثار العدد مع استقلال القيمة، وفي العتق استكثار العدد مع استقلال القيمة أحب إلى من استكثار القيمة مع استقلال العدد لأن المقصود من الأضحية اللحم ولحم السمين أوفر وأطيب والمقصود من العتق تكميل حال الشخص وتخليصه من ذل الرق فتخليص جماعة أفضل من تخليص واحد والله أعلم. وعبارة الأبي قوله "وأكثرها ثمنًا" هو من عطف التفسير وكانت أفضل لأنها ترجع لكثرة المتصدق به إذ الصدقة بدينار ليست كالصدقة بألف وأخذ اللخمي بظاهر الحديث فقال عتق الكافر الأكثر ثمنًا أفضل من عتق المسلم دونه ومقتضى الحديث لا فرق بين الذكر والأنثى، ومن شيوخنا من كان يرجح عتق الذكر لما يخشى من الفساد على الأنثى ولا يبعد أن يكون فك الأسير أفضل من العتق لأنه واجب وأيضًا فإن الاستخلاص من ذل الكفر آكد منه من ذل الرق اهـ.

قَال: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَل؟ قَال: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأخَرَقَ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إن ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟ قَال: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ الناسِ، فَإِنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو ذر (قلت) يَا رسول الله (فإن لم أفعل) ذلك الإعتاق أي إن لم أقدر عليه ولا تيسر لي ذلك فماذا أفعل لأن المعلوم من أحوالهم أنَّهم لا يمتنعون من فعل مثل هذا إلَّا إذا تعذر عليهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلها أن (تعين) وتساعد (صانعًا) بالصاد المهملة والنون أي من يعرف الصناعة والحرفة في صناعته وحرفته لتنال ثواب التعاون على البر كأن تعين للخياط في خياطته وللزراع في زراعته وللكاتب في كتابته مثلًا (أو تصنع) وتعمل (لأخرق) أي لمن لا يعرف الصناعة طلبًا لمرضاة الله سبحانه في العمل لا بالأجرة كأن تكتب لمن لا يعرف الكتابة أو تخيط لمن لا يعرف الخياطة مثلًا، والأخرق هو الذي ليس بصانع يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له. قوله (تعين صانعًا) والرواية المشهورة من جميع طرق مسلم في الحديث الآخر لهشام والزهري (ضايعًا) بالضاد المعجمة وبالياء التحتانية، لكن قال ابن المدينيّ والدارقطني إنه تصحيف من هشام ورواه عبد الغافر الفارسي "صانعًا" بالصاد المهملة والنون وهو الصواب لمقابلته لأخرق وهو الذي لا يحسن العمل يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء وهو ضد الحاذق بالعمل فإن حذقا في الصنعة قيل رجل صنع بفتح الصاد والنون بلا أَلْف وامرأة صناع بالألف بعد النُّون قال أبو ذؤيب في الرَّجل: وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع والمسرودة الدرع المثقوبة حلقها بالمسمار ليربط بعضها ببعض وقال آخر في المرأة: صناع بإشفاها حصان بشكرها ... جواد بقوت البطن والعرض وافر وفي رواية (جواد بزاد الركب) وفي رواية أَيضًا (والعرق زاجر) والإشفى للإسكاف وهو فعلى والجمع الأشافي والشكر بفتح الشين الفرج وبضمها الثناء بالمعروف (قال) أبو ذر (قلت: يَا رسول الله؛ أرأيت) أي أخبرني (إن ضعفت) وعجزت (عن بعض العمل) الذي يحتاج فيه الصانع إلى المساعدة له أو الأخرق إلى العمل له (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكف شرك) وضررك وإذايتك (عن) إيصاله إلى (النَّاس فإنَّها) أي

صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ". 155 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّد بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا، وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ) أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن خصلة كف نفسك ومنعها عن إذاية النَّاس (صدقة منك على نفسك) أي يكتب لك به ثواب التصدق بالمال إن فعلته امتثالًا لنهي الشارع، قال القرطبي: وهذا دليل على أن الكف فعل للإنسان داخل تحت كسبه ويؤجر عليه ويعاقب على تركه خلافًا لبعض الأصوليين القائل إن الترك نفي محض لا يدخل تحت التكليف ولا الكسب وهو قول باطل بما ذكرناه هنا، غير أن الثواب لا يحصل على الكف إلَّا مع النيات والقصود، وأما مع الغفلة والذهول فلا، كما ذكرناه آنفًا، والله سبحانه وتعالى أعلم، وهذا الحديث أعني حديث أبي ذر شارك المؤلف في روايته غيره، فإنَّه رواه أَحْمد (5/ 150، 163، 171) والبخاري (2518) والنَّسائيّ (6/ 19). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (155) - متا (00) (00) (حدثنا محمَّد بن رافع) القشيري مولاهم، أبو محمَّد النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة من الحادية عشرة، مات سنة (245) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، أبو محمَّد الحافظ، ثِقَة، من الحادية عشرة، مات سنة (249) وأتى بقوله (قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حَدَّثَنَا) لبيان اختلاف كيفية سماعهما، وتورعًا من الكذب على أحدهما، لو قال بها أخبرنا أو حَدَّثَنَا, لأن بينهما فرقًا في اصطلاح الإِمام مسلم أي قالا روى لنا (عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري مولاهم الصَّنْعانِيّ، ثِقَة من التاسعة، مات سنة (211) قال عبد الرَّزّاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ مولاهم، أبو عروة البَصْرِيّ، ثِقَة من السابعة، مات سنة (154) (عن) محمَّد بن مسلم (الزُّهْرِيّ) أبي بكر المدنِيُّ، ثِقَة من الرابعة (عن حبيب) الأعور المدنِيُّ (مولى عروة بن الزبير) روى عن مولاه عروة بن الزُّبير في الإيمان, وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق ويروي عنه (م د س) والزهري والضَّحَاك بن عثمان، وقال في التقريب: مقبول من الثالثة، مات في حدود الثلاثين ومائة (عن عروة بن الزُّبير) بن العوام الأسدي، أبي عبد الله المدنِيُّ ثِقَة فقيه

عَنْ أَبِي مُرَاوحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وسلَمَ. بِنَحْوهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَتُعِينُ الصَّانِعَ أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ". 156 - (80) (3) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مشهور من الثَّانية، مات سنة (94) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا (عن أبي مُراوح) سعد الغفاري الليثيّ المدنِيُّ، تابعي ثِقَة من الثالثة (عن أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ، جندب بن جنادة، الصحابي الجليل، وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسِّي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حبيب مولى عروة لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزُّبير وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه؛ لأن حبيبًا مولى عروة مقبول لا يصلح لتقوية هشام، ومن ألطف اللطائف في هذا السند أنَّه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهو الزُّهْرِيّ وحبيب وعروة وأبو مراوح فتابعيون معروفون، وأما حبيب مولى عروة فقد روى عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قال محمَّد بن سعد: مات حبيب مولى عروة هذا قديمًا في آخر دولة بني أمية فروايته عن أسماء مع هذا ظاهرها أنَّه أدركها وأدرك غيرها من الصَّحَابَة فيكون تابعيًّا والله أعلم اهـ نواوي. (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بنحوه) متعلق بـ (ما) عمل في المتابع وهو حبيب والضمير فيه عائد إلى هشام بن عروة، والنحو هنا بمعنى المثل، بدليل الاستثناء المذكور بعده، والمعنى حَدَّثَنَا حبيب مولى عروة عن عروة بمثل ما حدث هشام عن عروة (غير أنَّه) أي إلَّا أن حبيبًا (قال) في روايته لهذا الحديث (فتُعِينَ الصانع، أو تصنع لأخرق) بإدخال أن الجنسية على الصانع، وبزيادة الفاء الرابطة جوازًا لجواب شرط محذوف على تُعِينَ، والتقدير فإن لم يتيسر لك فعل ذلك فتعين الصانع، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: (156) - ش (80) (3) (حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي، الإِمام الحافظ الكُوفيّ، ثِقَة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حَدَّثَنَا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون

عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيزَارِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة وكسر الهاء، القُرشيّ، أبو الحسن الكُوفيّ، الحافظ قاضي الموصل، روى عن أبي إسحاق الشَّيبانِيّ سليمان بن فيروز والأعمش وأبي مالك الأَشجعيّ وهشام بن عروة والمختار بن فلفل وداود بن أبي هند وعبيد الله بن عمر وابن جريج وخلائق، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة ومنجاب بن الحارث، وسويد بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن حُجْر وهَنَّاد بن السري وخالد بن مخلد وعِدة، وثقه ابن معين، وقال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثِقَة من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في موضعين والحج في أربعة مواضع والنكاح في موضعين والطلاق والهبة والجهاد في موضعين والدعاء والصيد والمعروف وآخر الكتاب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا. (عن) سليمان بن أبي سليمان واسم أبي سليمان فيروز ويقال خاقان أبي إسحاق (الشَّيبانِيّ) مولاهم الكُوفيّ، روى عن الوليد بن العيزار وزر بن حبيش وعبد الرَّحْمَن بن الأسود وعبد الله بن شداد ومحارب بن دثار وأبي بردة والشعبي ويسير بن عمرو وجبلة بن سحيم وعبد الله بن السائب وعبد العزيز بن رفيع وخلائق ويروي عنه (ع) وعلي بن مسهر وعباد بن العوام وشعبة وخالد بن عبد الله وعبد الله بن إدريس وأبو إسحاق الفزاري والسفيانان وأبو عوانة وخلائق، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة مات سنة (138) ثمان وثلاثين ومائة. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والجنائز في موضعين والزكاة والصوم في موضعين والحج والبيوع في موضعين والحدود والذبائح في موضعين والأيمان والأشربة والطب والأطعمة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن الوليد بن العيزار) بفتح العين وإسكان التحتانية ثم زاي ابن حريث العبدي الكُوفيّ روى عن سعد بن إياس أبي عمرو الشَّيبانِيّ في الإيمان ويروي عنه (خ م ت س) وأبو إسحاق الشَّيبانِيّ وأبو يعفور وشعبة ومالك بن مغول وغيرهم وثقه أبو حاتم وابن معين، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة ولم أر من أرخ موته (عن سعد بن إياس أبي عمرو الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ نسبة إلى شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ قَال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَال: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا قَال: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَينِ قَال: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصعب بن عليّ بن بكر بن وائل ويقال فيه البكري أدرك زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يره، روى عن عبد الله بن مسعود وزيد بن أرقم وأبي مسعود الأَنْصَارِيّ وعلي في الإيمان والصلاة والجهاد ويروي عنه (ع) والوليد بن العيزار والحسن بن عبيد الله والحارث بن شبيل والأعمش ومنصور وسلمة بن كهيل، قال ابن معين: ثِقَة، وقال ابن سعد كان ثِقَة وله أحاديث، ووثقه العجلي، وقال في التقريب: ثِقَة مخضرم من الثَّانية مات سنة (96) خمس أو ست وتسعين وهو ابن (120) مائة وعشرين سنة (عن عبد الله بن مسعود) بن الحارث الهذلي حليف بني زهرة أخي عتبة بن مسعود الكُوفيّ مات بالمدينة سنة (32) اثنتين وثلاثين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم وتقدم البسط في ترجمته، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون. (قال) ابن مسعود رضي الله عنه (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل) الصالح (أفضل) أي أكثر أجرًا عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضله (الصلاة لوقتها) أي أداء الصلوات الخمس في وقتها المحدد لها، فاللام هنا للتأقيت بمعنى عند أي فعل الصلاة عند دخول وقتها كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي عند دلوكها وزوالها أو غروبها، من دلكت الشَّمس، من باب دخل، إذا زالت أو غربت كما قال في الرواية الأخرى "الصلاة على مواقيتها" وقد روى الدارقطني هذا الحديث من طريق صحيح وقال "الصلاة لأول وقتها" وهو ظاهر في أن أوائل أوقات الصلوات أفضل، كما ذهب إليه الشَّافعيّ (قال) ابن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد الصلاة (أي) العمل أفضل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضله (بن الوالدين) أي "الإحسان إليهما، وهو القيام بحقوقهما والتزام طاعتهما، والرفق بهما والتذلل لهما ومراعاة الأدب بهما في حياتهما والترحم عليهما والاستغفار لهما بعد موتهما، وإيصال ما أمكنه من الخير والأجر لهما، ومن البر لهما الإحسان إلى صديقهما، لما جاء في الصحيح "إن من أبر البر أن يصل الرَّجل أهل ود أَبيه" (قال) عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد بر الوالدين (أي) العمل أفضل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم

الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ". فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلا إِرْعَاءً عَلَيهِ. 157 - (00) (00) حدَّثنا محمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أفضله بعد بر الوالدين (الجهاد) والمقاتلة مع الكفار (في سبيل الله) وطاعته لإعلاء كلمته، لا لغرض آخر، قال ابن مسعود (فما تركت أستزيده) صلى الله عليه وسلم أي ما تركت طلب الزيادة منه في تفصيل الأعمال الفاضلة (إلا إرعاء) وإبقاءَ (عليه) نشاطه، ورفقًا به، وتسهيلًا عليه، ورعاية لحرمته وهيبة منه، لئلا أُحرجه وأنتقص من حرمته، ولو زدته لزادني، قال ابن القطاع: الإرعاء الإبقاء على الإنسان، ففيه من الفقه احترام العالم والفاضل، ورعاية الأدب معه، وإن وثق بحلمه وصفحه والله أعلم اهـ. قرطبي. وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود شارك المؤلف في روايته البُخَارِيّ (7534) والتِّرمذيّ (1899) والنسائي (1/ 93 و 94). قال النواوي: وفي هذا الحديث الحث على المحافظة على الصلاة في وقتها، ويمكن أن يؤخذ منه استحبابها في أول الوقت لكونه احتياطًا لها، ومبادرة إلى تحصيلها في وقتها، وفيه حسن المراجعة في السؤال، وفيه صبر المفتي والمعلم على من يُفتيه أو يعلمه، واحتمال كثرة مسائله وتقريراته، وفيه رفق المتعلم بالمعلم ومراعاة مصالحه، والشفقة عليه لقوله "فما تركت أستزيده إلَّا إرعاء عليه" وفيه جواز استعمال لو، لقوله "ولو استزدته لزادني" وفيه جواز إخبار الإنسان عما لم يقع، أنَّه لو كان كذا لوقع لقوله "ولو استزدته" إلخ اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (157) - متا (00) (00) (حدثنا محمَّد) بن يحيى (بن أبي عمر المكيّ) العدني أبو عبد الله، الحافظ نزيل مكة، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (243) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال ابن أبي عمر (حَدَّثَنَا مروان) بن معاوية بن الحارث (الفزاري) أبو عبد الله الكُوفيّ، نزيل مكة، الحافظ واسع الرواية جدًّا، ثِقَة ثبت من الثامنة، مات فجأة قبل يوم التروية بيوم سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى

حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيزَارِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسعودٍ، قَال: "قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَيُّ الأعمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجنَّةِ؟ قَال: الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (حَدَّثَنَا أبو يعفور) الأصغر، بالعين المهملة والفاء والراء، عبد الرَّحْمَن بن عبيد بن نسطاس بكسر النُّون وسكون السين المهملة المكررة بغير تنوين الثعلبي بمثلثة العامري البكالي، ويقال: البكاري الكُوفيّ ونسطاس غير مصروف للعلمية والعجمة، يُكنى أَبا صفية، روى عن الوليد بن العيزار في الأيمان، وأبي الضحى مسلم بن صبيح، وعن السائب بن يزيد النَّخَعيّ، ويروي عنه (ع) ومروان بن معاوية والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك ومحمَّد بن فضيل، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة. قال النواوي: وأبو يعفور هذا هو الأصغر، وقد ذكره مسلم أَيضًا في باب التطبيق في الركوع ولهم أبو يعفور الأكبر العبدي الكُوفيّ التابعي، واسمه واقد، وقيل: وقدان وقد ذكره مسلم أَيضًا في باب صلاة الوتر، وقال: اسمه واقد، ولقبه وقدان ولهم أَيضًا أبو يعفور الثالث اسمه عبد الكريم بن يعفور الجعفي البَصْرِيّ، يروي عنه قتيبة ويحيى وغيرهما، وآباء يعفور هؤلاء الثلاثة ثقات (عن الوليد بن العيزار) العبدي الكُوفيّ (عن أبي عمرو الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكُوفيّ، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون، إلَّا محمَّد بن أبي عمر، فإنَّه مكّيّ عدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي يعفور لأبي إسحاق الشَّيبانِيّ، في رواية هذا الحديث عن الوليد بن العيزار، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في أكثر الكلمات (قال) عبد الله بن مسعود (قلت: يَا نبي الله؛ أي الأعمال أقرب) أي أكثر تقريبًا لصاحبها (إلى الجنة) دار الكرامة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لعبد الله أقربها إلى الجنة (الصلاة) أي أداء الصلوات الخمس (على مواقيتها) أي في أوقاتها المحددة لها شرعًا، الآتي تفصيلها في كتاب الصلاة والمواقيت، جمع ميقات بمعنى الوقت، وعلى بمعنى في الظرفية، قال عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (وماذا) أي وما العمل الذي هو أقرب إلى الجنة بعد الصلاة (يَا نبي الله) والواو هنا بمعنى ثم بدليل الرواية السابقة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له، أقربها إلى الجنة بعد الصلاة (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما وإن

قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَال: الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ". 158 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيزَارِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَمْرٍو الشَّيبَانِيَّ قَال: حَدَّثَني صَاحِبُ هذِهِ الدَّارِ (وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ عليا، وطاعتهما في غير معصية الله تعالى، قال ابن مسعود (قلت: وماذا) أي ثم أي العمل أقرب إلى الجنة بعد بر الوالدين (يَا نبي الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له: أقرب العمل إلى الجنة بعد بر الوالدين (الجهاد) أي جهاد أعداء الله وقتالهم (في سبيل الله) تعالى، وطاعته لإعلاء كلمته ودينه، لا للغنيمة، ولا للوطنية والحمية، كما هو قتال أهل عصرنا، يَا لها مصيبة أي مصيبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (158) - متا (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان (العنبري) أبو عمرو البَصْرِيّ، ثِقَة حافظ من العاشرة، مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأنه روى عن أَبيه في الإيمان وغيره، قال عبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر العنبري، أبوالمثنَّى البَصْرِيّ، قاضي البصرة، قال القطَّان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ، قال في التقريب: ثِقَة متقن من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب، قال معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام الواسطيّ، ثم البَصْرِيّ، وهو أول من تكلم في رجال الحديث، ثِقَة حافظ متقن، من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا، قريب إلى مائة موضع (عن الوليد بن العيزار) العبدي الكُوفيّ (أنَّه) أي أن الوليد بن العيزار (سمع أَبا عمرو) سعد بن إياس (الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ حالة كون أبي عمرو قد (قال: حَدَّثني صاحب هذه الدار) (و) الحال أن أَبا عمرو قد (أشار إلى دار عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ، وفي بعض النسخ زيادة ابن مسعود، وداره كانت بالكوفة، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة كوفيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان

قَال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى الله؟ قَال: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: ثُمّ بِرُّ الْوَالِدَينِ قُلْتُ: ثُمّ أَيٌّ؟ قَال: ثُمَّ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله. قَال: حَدثني بِهِنَّ، وَلَو اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي". 159 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة شعبة لأبي يعفور في رواية هذا الحديث، عن الوليد بن العيزار، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الراوية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، فلا اعتراض على المؤلف في تكرار الحديث متنًا وسندًا لأنه لغرض. (قال) عبد الله بن مسعود (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال) الصالحة (أحب إلى الله) أي أكثر حبًّا ورضا عند الله تعالى وأكثر ثوابًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبها عند الله تعالى (الصلاة على وقتها) أي أداؤها في الوقت المحدد لها شرعًا، قال عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد الصلاة (أيـ) ـها أحب عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد الصلاة أحبها عند الله تعالى (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما وخدمتهما بما استطاع قال عبد الله بن مسعود (قلت) يَا رسول الله (ثم) بعد بر الوالدين (أيـ) ـها أحب عند الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد بر الوالدين أحبها عند الله تعالى (الجهاد) والمقاتلة للكفار (في سبيل الله) وطاعته طلبًا لمرضاته (قال) عبد الله بن مسعود (حَدَّثني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهن) أي بهذه الأعمال الفاضلة (ولو استزدته) أي ولو طلبت منه صلى الله عليه وسلم الزيادة على هذه الأعمال التي بينها لي بسؤالي عنها (لزادني) عليها في البيان، ولكني تركته إرعاءً عليه وهيبة منه، وتحرزًا من كثرة السؤال عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا، في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (159) - متا (00) (00) (حدثنا محمَّد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي، أبو إسحاق أو أبو بكر البَصْرِيّ، المعروف ببندار، ثِقَة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهذا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَزَادَ: وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ الله، وَمَا سَمَّاهُ لَنَا. 160 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن بشار (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهُذلي مولاهم، أبو عبد الله البَصْرِيّ المعروف بغندر، ثِقَة من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا قال ابن جعفر (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البَصْرِيّ، وقوله (بهذا الإسناد) جار ومجرور متعلق بقوله حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شعبة، من الإسناد السابق, لأنه شيخ المتابع، وقوله (مثله) مفعول ثانٍ لقوله حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر، والضمير في مثله عائد إلى معاذ بن معاذ المذكور في السند السابق؛ لأنه المتابع، والمعنى حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر عن شعبة عن الوليد عن الشَّيبانِيّ عن عبد الله بن مسعود، مثل ما حدث معاذ بن معاذ عن شعبة، وهذا السند أَيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمَّد بن جعفر لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه أَيضًا، ولم يكرر متن الحديث هنا؛ لأنه مثل حديث معاذ بن معاذ لفظًا ومعنىً، إلَّا ما استثنى بقوله (و) لكنه (زاد) محمَّد بن جعفر على معاذ بن معاذ بعد قوله (وأشار إلى دار عبد الله) لفظة (وما سماه لنا) أي قال الوليد بن العيزار، وأشار لنا الشَّيبانِيّ إلى دار عبد الله بن مسعود، والحال أن الشَّيبانِيّ ما سماه لنا، أي ما ذكر اسم عبد الله بن مسعود لنا فالزيادة لفظة (وما سماه لنا) وفي بعض النسخ إسقاط قوله (وأشار إلى دار عبد الله) من رواية معاذ بن معاذ، كما يدل عليه جعله بين هلالين، وعلى هذه النسخة فالزيادة جملة قوله "وأشار إلى دار عبد الله وما سماه لنا" برمته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (160) - متا (00) (00) (حدثنا عثمان) بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكُوفيّ، ثِقَة حافظ شهير، من العاشرة، مات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال عثمان بن أبي شيبة (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قُرْط الضَّبِّيّ،

عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "أَفْضَلُ الأعمَالِ (أَو الْعَمَلِ) الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عبد الله الكُوفيّ، ثِقَة ثبت من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن الحسن بن عبيد الله) بن عروة النَّخَعيّ أبي عروة الكُوفيّ، روى عن أبي عمرو الشَّيبانِيّ سعد بن إياس وإبراهيم بن سويد وسعد بن عبيدة وإبراهيم بن يزيد النَّخَعيّ وزبير بن الحارث وإبراهيم بن يزيد التَّيميّ وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وجرير بن عبد الحميد وعبد الله بن إدريس وعبد الواحد بن زياد وشعبة والثوري وزائدة وغيرهم، قال في التقريب: ثِقَة فاضل من السادسة، مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والأدب والدعاء والصوم في موضعين والحج فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي عمرو الشَّيبانِيّ) سعد بن إياس الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود الكُوفيّ الهذلي، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الحسن بن عبيد الله للوليد بن العيزار في رواية هذا الحديث عن الشَّيبانِيّ، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، وفي الاختصار (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الأعمال) وأكثرها أجرًا عند الله تعالى (أو) قال الراوي أفضل (العمل) بالإفراد، والشك من بعض الرواة (الصلاة لوقتها) خبر المبتدأ أي أداء الصلاة المكتوبة وفعلها في وقتها المحدد لها (وبر الوالدين) أي الإحسان إليهما وإن عليًّا ولو كانا مشركين، ما لم يكونا حربيين أو مرتدين. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة وذكره للاستدلال، وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي ذر وذكره للاستشهاد، وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عبد الله بن مسعود، وذكره للاستشهاد أَيضًا، وذكر فيه أربع متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

43 - (2) باب كون الشرك أقبح الذنوب، وقبح بعضها على بعض

43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ 161 - (81) (4) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورِ، عَنْ أبي وَائِلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 43 - (2) بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ، وَقُبْحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ أي هذا باب معقود في بيان كون الإشراك بالله تعالى أقبح الذنوب، وأشدها عقوبة وأمها وأساسها، كما أن الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال الصالحة وأكثرها أجرًا، وأساسها ومبناها فالنسبة بينهما نسبة التضاد والتباين، فناسب إدخال هذه الترجمة في ترجمة كتاب الإيمان, فلا اعتراض على المؤلف بذكرها هنا؛ لأن بينهما نسبة التباين والتضاد، وفي بيان كون بعضها أقبح وأشد عقوبة من بعض، كما أن بعض الأعمال الصالحة أفضل وأكثر أجرًا من بعض. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة فقال: (161) - س (81) (4) (حَدَّثَنَا عثمان) بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكُوفيّ، ثِقَة من العاشرة، مات سنة (239) (و) حدثنا أَيضًا (إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، وقال في التقريب: ثِقَة حافظ مجتهد، قرين أَحْمد بن حنبل من العاشرة، مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال إسحاق: أخبرنا جرير، وقال عثمان: حَدَّثَنَا جرير) لبيان اختلاف كيفية سماعهما لأن بين أخبرنا وحدثنا فرقًا في اصطلاح الإِمام مسلم، وتورعًا من الكذب على أحدهما لو اقتصر على إحدى الصيغتين، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، أي روى لنا جرير بن عبد الحميد الكُوفيّ، أبو عبد الله الضَّبِّيّ، ثِقَة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي، أبي عتاب بمثلثة بعدها باء موحدة، الكُوفيّ، ثِقَة ثبت، وكان لا يدلس، من الخامسة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا. (عن أبي وائل) شَقِيق بن سلمة الأسدي الكُوفيّ، أحد سادة التابعين، ثِقَة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة (100)، وتقدم البسط في

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبدِ اللهِ قَال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَال: أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَال: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ترجمته وأن المؤلف روى عنه في تسعة أبواب (عن عمرو بن شرحبيل) بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء المهملة الهمداني، أبي ميسرة الكُوفيّ، أحد الفضلاء، روى عن عبد الله بن مسعود في الإيمان وعمر وعلي، ويروي عنه (خ م د ت س) وأبو وائل والقاسم بن مخيمرة، وقال في التقريب: ثِقَة مخضرم، مات سنة (63) ثلاث وستين (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم فإنَّه مروزي (قال) عبد الله بن مسعود (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم) أي أشد عقوبة (عند الله) سبحانه وتعالى قال الأبي: لا يقال السؤال عن أفضل الأعمال لما تقدم من التزامه، والحرص عليه، وأما أعظم الذنوب فترك السؤال عنه أفضل وأرجح، ليقع الكف عن الجميع، ويشهد لذلك حديث "إن الله أخفى ثلاثًا في ثلاث". (قلت) السؤال عنه ليكون التحرز منه أكثر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمها عقوبة عند الله تعالى (أن تجعل لله) شريكًا، وتعتقد أن له تعالى (ندًا) أي مثلًا (وهو) أي والحال أن الله سبحانه وتعالى (خلقك) وحده، وليس له شريك في خلقك وإيجادك، قال المازري: الند: المثل، وجمعه أنداد، ومنه قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} قال الأبي: بل هو أخص منه لأنه المثل المناوئ من ند إذا نفر وخالف (فإن قلت) يلزم أن يكون غير المناوئ غير منهي عنه, لأنه لا يلزم من النهي عن الأخص، النهي عن الأعم والمثل منهي عن اتخاذه، خالف أم لم يخالف. (قلت) هو كقوله تعالى {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وفي قوله صلى الله عليه وسلم "وهو خلقك" تقبيح للجعل وبيان للفرق. قال القرطبي: معناه أن اتخاذ الإنسان إلهًا غير خالقه المنعم عليه مع علمه بأن ذلك المتخذ ليس هو الذي خلقه، ولا الذي أنعم عليه من أقبح القبائح، وأعظم الجهالات، وعلى هذا فذلك أكبر الكبائر وأعظم العظائم اهـ. (قال) ابن مسعود (قلت له) صلى الله عليه وسلم (إن ذلك) المذكور من جعل ندٍ له

لَعَظِيمٌ. قَال: قُلْتُ: ثُمّ أَيٌّ؟ قَال: ثُمّ أن تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أن يَطعَمَ مَعَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى، وهو خلقك وحده (لعظيم) أي لأمر عظيم، وذنب كبير حقًّا، لا شك فيه, لأن فيه جحد نعمة الخلق والإيجاد (قال) عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ذلك الجعل المذكور (أيٌّ) أي أيُّ الذنب أعظم عند الله تعالى، وأشد عقوبة، والتنوين في أيٌّ عوض عن المضاف إليه المحذوف, لأنها معربة بالضمة الظاهرة، وثم هنا للترتيب في الإخبار والذكر، ولا يصح كونها للترتيب الزماني، إذ لا يتصور فيه، ولا للترتيب الرتبي لأن شرطه كون المعطوف أعظم كقوله: "يرى غمرات الموت ثم يزورها" وهو هنا بالعكس فهي هنا للترتيب في الإخبار فقط. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أعظم الذنب بعد الإشراك (أن تقتل ولدك مخافة) أي كراهة (أن يطعم) ويأكل (معك) مالك فيدخل عليك الفقر، وهو بمعنى قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} أي فقر، وفي الأخرى {مِنْ إِمْلَاقٍ} فالأولى نهي للأغنياء أن يقتلوا خوف الفقر الآتي، والثانية للفقراء أن يقتلوا تخفيفًا للعيال، والحديث جامع لمعنى الآيتين، والعرب إنما كانت تفعله في البنات، لتخفيف المؤونة، ولفرط الغيرة لما يعرض من فضيحة النساء، ويتحملون ذلك في الذكر لما يرجون فيه من حماية الجانب وتكثير العشيرة، بخلاف البنات، قال السهيلي: وما ذكر أنَّهم يفعلونه خشية الإملاق أصح، وهو الموءودة المذكورة في قوله تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} وذكر الولد قيد في كون القتل أقبح لا في كونه كبيرة, لأنه ضد ما جبلت عليه الآباء من الرقة، فلا يقع إلَّا من جافي الطبع، لا سيما وقد قيل إنهم كانوا يدفنونه حيًّا. قال القرطبي قوله (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك) هذا من أعظم الذنوب لأنه قتل نفس محرمة شرعًا، محبوبة طبعًا، مرحومة عادة، فإذا قتلها أبوها كان ذلك دليلًا على غلبة الجهل والبخل، وغلظ الطبع والقسوة، وأنه قد انتهى من ذلك كله إلى الغاية القصوى، وهذا نحو قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] أي فقر، وهذا خطاب لمن كان فقره حاصلًا في الحال، فيخفف عنه بقتل ولده، مؤنته من طعامه ولوازمه، وهذه الآية بخلاف الآية الأخرى التي قال فيها {خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} سورة الإسراء، آية (31) فإنَّه خطاب لمن كان واجدًا لما ينفق عليه في الحال، غير أنَّه كان يقتله مخافة الفقر في ثاني حالٍ وكان بعض جفاة الأعراب وجهالهم ربما يفعلون ذلك، وقد قيل إن الأولاد في هاتين الآيتين هم البنات كانوا يدفنونهن أحياء أنفة وكبرًا ومخافة

قَال: قُلْتُ: ثُمّ أَيٌّ؟ قَال: ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العيلة والمعرة وهي الموءودة التي ذكر الله تعالى بقوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8 و 9] والحاصل أن أهل الجاهلية كانوا يصنعون كل ذلك فنهى الله تعالى عن ذلك وعظم الإثم فيه والمعاقبة عليه وأخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن ذلك من أعظم الكبائر. (قال) ابن مسعود (قلت) له صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد قتل الولد (أي) ذنب أعظم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أعظم الذنب بعد قتل الولد (أن تزاني حليلة جارك) أي أن تزني بمن يحل له وطؤها من حرة أو أمة فالمفاعلة ليست على بابها أو هي على بابها والمراد بزناها موافقتها له عليه ورضاها به، وذكر الحليلة خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له إذ لا فرق في قبح الزنا بالجارة بين كونها متزوجة أو عزبة وأما لفظ الجار فلم يخرج مخرج الغالب بل مخرج شدة قبح الزنا بها لأنه زنا وإبطال لحق الجار وفي حديث المقداد "لأن يزني أحد بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره" ولأن التمكن منه أقرب. اهـ سنوسي. وقال القاضي: خمس حليلة الجار, لأن الغالب أن الرَّجل إنما يزاني من قرب مكانه، وأمكن لقاؤه، ونبه بالحليلة على عظم حق الجار، وأنه يجب أن يغار على حليلة جاره من الفاحشة، مثل ما يغار على حليلة نفسه، وخص الثلاثة بالذكر، لاعتياد العرب لها في الجاهلية. وعبارة القرطبي بالحاء المهملة، هي التي يحل وطؤها بالنكاح أو بالتسري، سميت بذلك لكونها تحل له، وقيل لكونها تحل معه، والجار: المجاور في المسكن، والداخل في جوار العهد (وتزاني) تحاول الزنا يقال: المرأة تزاني مزاناة وزنى، والزنا وإن كان من أكبر الكبائر والفواحش، لكنه بحليلة الجار أفحش وأقبح، لما ينضم إليه من خيانة وهتك ما عظم الله ورسوله، من حرمته وشدة قبح ذلك شرعًا وعادةً، فلقد كانت الجاهلية يستمدحون بصون حرام الجار، ويغضون دونهم الأبصار، كما قال عنترة: وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ... حتَّى يواري جارتي مأواها ومن معنى ما ذكر أن الزنا بالجارة أيسر، ما روي أن ابنة لبعض الكبراء زنت بعبدها أو عبد أبيها فقيل لها: أبالعبد وأنت في نسبك، وأنت كذا وكذا، فقالت: "قرب

162 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُثمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَال: قَال عَبدُ الله: "قَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الوساد وطول السناد أفضى بي إلى الفساد" وتعني بالسناد طول الحديث، وقرب المكان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ، رواه في التفسير، وفي التوحيد وفي الأدب، وفي الديات، وفي غيرها، وأبو داود، رواه في الطلاق، والتِّرمذيّ في التفسير والنَّسائيّ في الكبرى, في التفسير، وفي المحاربة اهـ من التحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (162) - متا (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ، ثِقَة من (10) مات سنة (239) (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي، ثِقَة من العاشرة، مات سنة (238) (جميعًا) أي كلاهما (عن جرير) بن عبد الحميد الكُوفيّ الضَّبِّيّ، ثِقَة من الثامنة، مات سنة (188) (عن الأَعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكُوفيّ، ثِقَة من الخامسة، مات سنة (148) (عن أبي وائل) شَقِيق بن سلمة الأسدي الكُوفيّ ثِقَة مخضرم، مات وله (100) سنة في خلافة عمر بن عبد العزيز (عن عمرو بن شرحبيل) الهمداني الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، مات سنة (63) (قال) عمرو (قال عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون أَيضًا، إلَّا إسحاق بن إبراهيم فإنَّه مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأَعمش لمنصور بن المعتمر في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولَى، في بعض الكلمات، ولأن ابن مسعود أضاف السؤال في الرواية الأولى إلى نفسه، وفي هذه الرواية إلى رجل مبهم، ولا يضر جهالته لأنه صحابي. (قال رجل) لم أر من ذكر اسمه، وجهالته لا تضر في السند, لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول، كما مر آنفًا، أي سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكبر الذنوب فقال (يَا رسول الله؛ أي الذنب أكبر) أي أشد عقوبة (عند الله) تعالى (قال)

أَنْ تَدْعُوَ لله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: أن تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ". فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر الذنوب وأشدها عقوبة (أن تدعو) وتجعل في دعوتك وعبادتك (لله) سبحانه وتعالى (ندًا) أي مثلًا وشريكًا في العبادة والدعاء (وهو) أي والحال أن الله سبحانه وتعالى (خلقك) وأوجدك من العدم وحده لا شريك له في إيجادك (قال) الرَّجل السائل (ثم) بعد الإشراك (أي) أي أيُّ الذنب أكبر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبرها (أن تقتل ولدك) الذي هو أحب النَّاس إليك (مخافة) أي خشية (أن يطعم) بفتح الياء، أي أن يأكل (معك) مالك فيُدخل عليك الفقر (قال) الرَّجل السائل (ثم) بعد قتل الولد (أيٌّ) أي أيُّ الذنب أكبر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبرها وأشدها عقوبة (أن تزاني) أي أن تزني بـ (حليلة جارك) أي زوجته برضاها وذلك يتضمن الزنا، وإفسادها على زوجها، واستمالة قلبها إلى الزاني، وذلك أفحش، وهو مع امرأة الجار أشد قبحًا، وأعظم جرمًا, لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه، ويأمن بوائقه، ويطمئن إليه، وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كله بالزنا بامرأته، وإفسادها عليه مع تمكنه منها، على وجه لا يتمكن غيره منه، كان في غاية من القبح. (فأنزل الله) سبحانه وتعالى (عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (تصديقها) أي تصديق فتوى الرسول صلى الله عليه وسلم أي آية مصدقة لفتوى الرسول شاهدة لها قوله ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ}) ولا يعبدون ({مَعَ اللَّهِ}) سبحانه وتعالى ({إِلَهًا آخَرَ}) أي معبودًا آخر غير الله سبحانه وتعالى، والموصول في محل الرفع معطوف على الموصول في قوله {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} على كونه صفة لعباد الرَّحْمَن الواقع مبتدأ خبره قوله {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} إلخ، أي عباد الرَّحْمَن الذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ({وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}) قَتْلَها لإيمانها أو أمانها لكونها معصومة حينئذ ({إلا بِالْحَقِّ}) أي إلَّا مُحِقِّين في قتلها كان قتلوها لقصاص أو حدٍّ {وَ} الذين ({لَا يَزْنُونَ}) أي لا يطئون فرجًا محرمًا ({وَمَنْ

يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} ـــــــــــــــــــــــــــــ يَفْعَلْ ذَلِكَ}) المذكور من الإشراك والقتل والزنا ({يَلْقَ أَثَامًا}) أي عقوبة على ذلك وجملة الشرط معترضة بين المبتدأ والخبر المذكورين آنفًا. قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث أن هذه الآية نزلت بسبب هذا الذنب الذي ذكره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وليس كذلك, لأن التِّرْمِذِيّ قد روى هذا الحديث، وقال فيه: وتلا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآية، بدل فأنزل الله وظاهره أنَّه صلى الله عليه وسلم قرأ بعد ذكره الحديث ما قد كان أنزل منها، على أن الآية تضمنت ما ذكره في حديثه. قال النواوي: أما أحكام هذا الحديث ففيه أن أكبر المعاصي الشِّرك، وهذا ظاهرٌ لا خفاء فيه، وأن القتل بغير حق يليه وكذلك قال أصحابنا أكبر الكبائر بعد الشِّرك القتل وكذا نص عليه الشَّافعيّ رضي الله عنه في كتاب الشهادات من مختصر المزني وأما ما سواهما من الزنا واللواط وعقوق الوالدين والسحر وقذف المحصنات والفرار يوم الزحف وأكل الربا وغير ذلك من الكبائر فلها تفاصيل وأحكام تعرف بها مراتبها ويختلف أمرها باختلاف الأحوال والمفاسد المرتبة عليها وعلى هذا يقال في كل واحدة منها هي من أكبر الكبائر وإن جاء في موضع أنها أكبر الكبائر كان المراد من أكبر الكبائر كما مر في أفضل الأعمال والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. ***

44 - (3) - باب: بيان الكبائر وأكبرها

44 - (3) - بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 44 - (3) (بَابُ: بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا) أي هذا باب معقود في بيان بعض الكبائر وهي ضد الصغائر، وبيان أكبرها أي أشدها عقوبة وذكر هذا الباب وما بعده من الأبواب المتعلقة بالمعاصي في كتاب الإيمان استطرادي، والنسبة بينهما نسبة التضاد كما مر في الباب قبل هذا، واعلم أن الذنوب تنقسم إلى قسمين: كبائر وصغائر، فالكبائر: جمع كبيرة، قال ابن الصلاح: الكبيرة ما عظم من الذنوب بحيث يصح أن يقال عليه كبير عظيم، ولذلك أمارات ترتيب الحد والتوعد بالنار والاقتران بلعنة أو غضب أو بتسمية فاعلها فاسقًا وما عدا ذلك فهو صغيرة، قال عز الدين: ويعرف الفرق بينهما بأن تعرض مفسدة الذنب فإن نقصت عن مفسدة أقل الكبائر المنصوص عليها فهي صغيرة وإن ساوتها أو كانت أعظم فهي كبيرة فالشرك كبيرة بالنص، وتلطيخ الكعبة بالقذر وإلقاء المصحف فيه مساو لذلك، والزنا والقتل كبيرتان أَيضًا بالنص وحبس امرأة لمن يزني بها أو يقتلها لم ينص عليه ولكنه أعظم مفسدة من أكل مال اليتيم المنصوص عليه، والفرار يوم الزحف كبيرة بالنص، والدلالة للكفار على عورات المسلمين، مع العلم بأنهم يسبون أموالهم، لم ينص عليه، ولكنه أعظم من الفرار، وكذلك لو كذب على مسلم كذبة يعلم أنَّه يقتل بها بخلاف كذبة يؤخذ بها منه ثمرة فهذه صغيرة اهـ. قال القاضي عياض: وألحق العلماء بالكبائر الإصرار على الصغائر، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار" يعني أن الكبيرة يمحوها الاستغفار، والصغيرة كبيرة مع الإصرار، قال النواوي: واختلف في حد الإصرار، فقال عز الدين: هو تكرار الصغيرة تكرارًا يشعر بقلة المبالاة إشعار الكبيرة بذلك، أو فعل صغائر من أنواع مختلفة بحيث يشعر ذلك. قال النواوي: (واعلم) أنَّه لا شك في كون المخالفة قبيحة جدًّا بالنسبة إلى جلال الله تعالى ولكن بعضها أعظم من بعض وتنقسم باعتبار ذلك إلى ما تكفره الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو الحج أو العمرة أو الوضوء أو صوم عرفة أو صوم عاشوراء أو فعل الحسنة أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة وإلى ما لا يكفره ذلك كما ثبت في الحديث الصحيح "ما لم يغش كبيرة" فسمى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر، وما لا تكفره كبائر، ولا شك في حسن هذا, ولا يخرجها هذا

163 - (82) (5) حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّد بْنِ بُكَيرِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن كونها قبيحة بالنسبة إلى جلال الله تعالى فإنَّها صغيرة بالنسبة إلى ما فوقها لكونها أقل قبحًا، ولكونها متيسرة التكفير والله أعلم. انتهى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة فقال: (163) - س (82) (5) (حَدَّثني عمرو بن محمَّد بن بكير بن محمَّد النَّاقد) أبو عثمان البغدادي ثِقَة حافظ، من العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب، قال عمرو بن محمَّد (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم بن مِقسم الأسدي القُرشيّ مولاهم أبو بشر البَصْرِيّ المعروف بـ (ابن عليّة) اسم أمه، ثِقَة حافظ من الثامنة مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا (عن سعيد) بن إياس (الجُريري) بضم الجيم مصغرًا وبمهملتين من بني قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل أبي مسعود البَصْرِيّ روى عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة وأبي نضرة وأبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير وعبد الله بن شَقِيق وعبد الله بن بريدة وأبي الطفيل وأبي عثمان النهدي وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن عليّة وبشر بن منصور ويزيد بن زريع وعبد الوارث وسالم بن نوح وعبد الله بن المبارك وعبد الأعلى بن عبد الأعلى والثوري وخلائق. قال العجلي: بصري ثِقَة، وقال ابن سعد: كان ثِقَة إلَّا أنَّه اختلط في آخر عمره، وقال في التقريب: ثِقَة، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في خمسة مواضع والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع والحج في موضعين وصفة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والأطعمة والرحمة والدعاء والطب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب. (حدثنا عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة) نفيع مصغرًا ابن الحارث الثَّقَفيّ وهو أول مولود ولد في الإِسلام بالبصرة أبو بحر البَصْرِيّ ويقال له أبو حاتم روى عن أَبيه وعلي، ويروي عنه (ع) وسعيد الجريري وخالد الحذاء وإسحاق بن سويد ومحمَّد بن سيرين ويحيى بن أبي إسحاق وغيرهم، قال العجلي: تابعي بصري ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة، من الثَّانية، مات سنة (96) ست وتسعين.

عَنْ أَبِيهِ، قَال: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ (ثَلَاثًا) الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه المؤلف في الإيمان والصوم والبيوع والديات والأحكام والفضائل والمدح وآخر الكتاب فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا. (عن أَبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة بفتحتين ابن عمرو الثَّقَفيّ البَصْرِيّ، سمي بذلك لأنه نزل عليها من حصن الطائف إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فكناه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بها, له مائة واثنان وثلاثون حديثًا يروي عنه أولاده عبد الرَّحْمَن في الإيمان وعبيد الله ومسلم وعبد العزيز وكبشة وأبو عثمان النهدي وربعي بن حراش والحسن وابن سيرين وغيرهم، وقال في التقريب: أسلم بالطائف وهو ابن ثمان عشرة سنة ثم نزل البصرة ومات بها سنة (52) إحدى أو اثنتين وخمسين. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا عمرًا فإنَّه بغدادي (قال) أبو بكرة (كنا) معاشر الصَّحَابَة (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) حرف استفتاح وتنبيه (أنبئكم) أيها الأصحاب وأخبركم (بأكبر الكبائر) وأشدها عقوبة، وقوله (ثلاثًا) مفعول مطلق لِقال أي قال قولًا ثلاثًا أو مفعول به، أي قال ثلاث مرات، وجعله بين هلالين إشارة إلى أنَّه مدرج من كلام الراوي أدرجه لبيان عدد مرات قوله صلى الله عليه وسلم أحدهما (الإشراك باللهِ) سبحانه وتعالى في ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، قولًا كان أو فعلًا أو اعتقادًا جليًّا كان أو خفيًّا، قال القاضي عياض: معنى أكبر أشد عقوبة ولا خفاء بأن الشِّرك أكبرها، واختلفت الطرق فيما يلي الشِّرك، ففي هذا الطريق العقوق، وفي المتقدم القتل، وفي الآتي أكبر الكبائر شهادة الزور، ولا يدل ما جعل تاليه في طريق أنَّه لا أكبر منه بعد الشِّرك لمعارضة ما في الآخر. ووجه الجمع بينها، أنَّه إنما اختلف جوابه في ذلك, لأن جوابه كان بحسب ما الحاجة إلى بيانه حينئذ أمَسُّ، إما لكثرة ارتكابه أو خوف مواقعته، كما تقدم في تسمية أفضل الأعمال وجمع الطحاوي بأن قال: يُضم ما جعل ثاني الشِّرك في طريق إلى ما جُعل ثانيًا في الأخرى، ويجعلان في درجة واحدة من الإثم، وكذلك فيما جعل ثالثًا، وجمع بعضهم بأن قال القتل والزنا مقدمان على العقوق والغموس، فالطريق الذي جُعل العقوق فيها ثانيًا إنما هو لعدم حفظ الراوي، وإليه مال بعض من لقيناه، وليس بسديد, لأن

وَعُقُوقُ الْوَالِدَينِ. وَشَهَادَةُ الزُّورِ، (أَوْ قَوْلُ الزُّورِ) وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وسلَمَ مُتَكِئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ تحميل الراوي ما لم يرو وتغليطه فيما روى بابٌ لو فُتح دخل على الشريعة منه خَطْبٌ. (و) الثاني (عقوق الوالدين) وإن عليا، أي عصيانهما وقطع البر الواجب عنهما، وأصل العق الشق والقطع، ومنه قيل للذبيحة عن المولود عقيقة؛ لأنه يُشق حلقومها، قاله الهروي وغيره اهـ مفهم. وقال عز الدين: لم أقف فيه على ضابط أعتمده، فإنَّه لا تجب طاعتهما في كل شيء، وقد حرم على الولد أن يغزو إلَّا بإذنهما, لأنهما يتأذيان بما يصيبه من جرح أو قتل، وقال ابن الصلاح: العقوق هو فعل ما يتأذيان به تأذيًا غير هين مع كونه ليس من الواجبات، وقيل هو مخالفتهما فيما ليس بمعصية، وطاعتهما عند هذا القائل واجبة، فيما ليس بمعصية، وقد أوجب كثير طاعتهما في الشبهات، وإجازة بعضهم سفره للتجارة بغير إذنهما ليس بخلاف لما ذكرناه, لأنه كلام مطلق، وما ذكرناه تفسير له اهـ أبي. (و) الثالث (شهادة الزور) أي الشهادة بالكذب والباطل، وإنما كانت أكبر الكبائر لأنها يتوصل بها إلى إتلاف النفوس والأموال وتحليل ما حرم الله سبحانه، وتحريم ما حلل الله سبحانه، فلا شيء من الكبائر أعظم ضررًا، ولا أكثر فسادًا منها بعد الشِّرك، قال الأبي: ليست شهادة الزور كذلك وإنما هي أن يشهد بما لم يعلم عمدًا، وإن طابقت الواقع، كمن شهد أن زيدًا قتل عمرًا، وهو لا يعلم أنَّه قتله، وقد كان قتله، فإن كان لشبهة فليست زورًا لقوله في كتاب الاستحقاق: وإن شهدوا بموته ثم قَدِمَ حيًّا، فإن ذكروا عذرًا كرؤيتهم إياه صريعًا في القتلى، وقد طعن فظنوا أنَّه مات فليست بزور، وإلا فهي زور، وظاهر كلام الباجي أن غير العامد شاهد زور, لأنه قال: ومن ثبت أنَّه شهد بزور، فإن كان نسيانًا أو غفلة فلا شيء عليه، وإن كثر منه رُدت شهادته، ولم يُحكم بفسقه. قال النووي: القتل أعظم منها، وظاهر الحديث حتَّى لو أتلف بها اليسير، وقال عز الدين إنما ذلك إذا أتلف بها خطيرًا، وقد يضبط بنصاب السرقة، فإن نقص عنه احتمل أن يكون كبيرة سدًا للباب، كما جُعل شرب نقطة من الخمر كبيرة اهـ. (أو) قال أبو بكرة أو من دونه (قول الزور) بدل قوله (شهادة الزور) والشك من بعض الرواة (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين قال ألا أنبئكم وما بعده (متكئًا)

فَجَلَسَ، فَمَا زَال يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيتَهُ سَكَتَ". 164 - (83) (6) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ (وَهُوَ: ابْنُ الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عُبَيدُ الله بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي معتمدًا على نحو وسادة (فـ) ـلما بلغ قوله وشهادة الزور (جلس) وترك الاتكاء اهتمامًا بشأنها (فما زال) صلى الله عليه وسلم (يكررها) أي يكرر شهادة الزور تعظيمًا لأمرها (حتَّى قلنا) معاشر الحاضرين، أي حتَّى قال بعضنا لبعض (ليته) صلى الله عليه وسلم (سكت) أي صمت وانكف عن تكرارها، وإنما تمنوا سكوته شفقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكراهة لما يزعجه ويغضبه. وهذا الحديث أعني حديث أبي بكرة، شارك المؤلف في روايته أَحْمد والبخاري والتِّرمذيّ، رواه أَحْمد (5/ 36 و 38) والبخاري (2654) والتِّرمذيّ (2302). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي بكرة، بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال: (164) - ش (83) (6) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثيّ) أبو زكريا البَصْرِيّ، وثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة، مات بالبصرة سنة (248) ثمانٍ وأربعين ومائتين، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا، قال يحيى (حَدَّثَنَا خالد) بن الحارث بن سُليم بن عبيد الهُجيمي، أبو عثمان البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت من الثامنة، مات سنة (186) ست وثمانين ومائة، وولد له ستة عشر ابنًا، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابا، وأتى بقوله (وهو ابن الحارث) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه، بل زادها من عند نفسه، إيضاحًا للراوي؛ وتورعًا من الكذب على شيخه، كما مر مرارًا، قال خالد (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البَصْرِيّ، ثِقَة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثين بابًا تقريبًا، قال شعبة (أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر) بن أنس بن مالك الأَنْصَارِيّ، أبو معاذ البَصْرِيّ، روى عن جده أنس في الإيمان والاستئذان، والمعروف والقدر في أربعة أبواب، ويروي عنه (ع) وشعبة والحمادان وهُشيم، وثقه ابن معين وأبو داود والنَّسائيّ، وقال في التقريب: ثِقَة من الرابعة (عن أنس) بن مالك، خادم رسول الله صلى الله عليه

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ، في الْكَبَائِرِ قَال: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَينِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ". 165 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّد بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم، وتقدم البسط في ترجمته، وهذا السند من خماسياته، ومن ألطف لطائفه، أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أن شعبة واسطيّ بصري، فلا يقدح هذا في كونهم بصريين، وهذا من الطرق المستحسنة كالسند الآتي، وقوله: حَدَّثَنَا خالد (وهو ابن الحارث) قال النووي: قد قدمنا بيان فائدة قوله (وهو ابن الحارث) وهو إنما سمع في الرواية خالد، ولخالد مشاركون فأراد تمييزه، ولا يجوز له أن يقول: حَدَّثَنَا خالد بن الحارث, لأنه يصير كاذبًا على المروي عنه، فإنَّه لم يقل إلَّا خالد، فعدل إلى لفظة: وهو ابن الحارث، لتحصل الفائدة بالتمييز، والسلامة من الكذب اهـ. (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في) بيان (الكبائر) جمع كبيرة، وهي ما ورد فيها حد مقدر، أو وعيد شديد، كما مر بيان الخلاف فيها (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الكبائر هي (الشِّرك بالله) سبحانه وتعالى، وهو اسم مصدر من أشرك الرباعي (وعقوق الوالدين) أي منع حقوقهما، من الإحسان والبر (وقتل النفس) المحرم قتلها. بإيمان أو أمان. بغير حق (وقول الزور) أي شهادته، بلا شك في هذا الحديث في قول الزور، وزاد في حديث أنس رضي الله تعالى عنه قتل النفس، على ما ذكره في حديث أبي بكرة، لأن الزيادة بحسب ما تدعو الحاجة إلى بيانه في ذلك الوقت، فلا معارضة بين الحديثين، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في مواضع، والتِّرمذيّ في مواضع، والنَّسائيّ في مواضع اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (165) - متا (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن الوليد بن عبد الحميد) القُرشيّ البُسري -بضم الموحدة وسكون المهملة- من ولدِ بُسر بن أرطأة العامري، أبو عبد الله البَصْرِيّ الملقب بحمدان، روى عن محمَّد بن جعفر في الإيمان والوضوء والزكاة والجهاد وغيرها ووكيع ومروان بن معاوية وعبد الوهَّاب الثَّقَفيّ وابن مهدي والقطان، ويروي عنه (خ م س ق) وابن أبي عاصم وابن ناجية وابن خزيمة وخلق، وثقه النَّسائيّ

حَدَّثَنَا محمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَال: حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: "ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ الْكَبَائِرَ (أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ) فَقَال: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَينِ وَقَال: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَال: قَوْلُ الزُّورِ (أَوْ قَال شَهَادَةُ الزُّورِ)، قَال شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والقزويني، وقال في التقريب: ثِقَة، من العاشرة، مات سنة (250) خمسين ومائتين. قال محمَّد بن الوليد (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم، أبو عبد الله البَصْرِيّ، ربيب شعبة، المعروف بغندر ثِقَة إلَّا أن فيه غفلة من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته، وأن المؤلف روى عنه في ستة أبواب تقريبًا. قال محمَّد بن جعفر (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي البَصْرِيّ، من السابعة (قال) شعبة (حَدَّثني عبيد الله بن أبي بكر) بن أنس الأَنْصَارِيّ أبو معاذ البَصْرِيّ، ثِقَة من الرابعة (قال) عبيد الله (سمعت) جدي (أنس بن مالك) الأَنْصَارِيّ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبا حمزة البَصْرِيّ، وهذا السند أَيضًا من خماسياته رجاله كلهم بصريون، وهو من ألطف الأسانيد كما أشرنا إليه آنفًا وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمَّد بن جعفر لخالد بن الحارث في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات وفي ترتيبها وفي إدخال الشك فيه. (قال) أنس بن مالك (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر) (أو) قال أنس (سئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن الكبائر) والشك من عبيد الله أو ممن دونه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإخبار عنها أو في جواب السائل: الكبائر هي (الشِّرك بالله) سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا، أي: الإشراكُ به شيئًا من المخلوق في ذاته أو في صفاته أو في أفعاله (و) الثاني (قتل النفس) المحرم قتلها بغير حق مسلمًا كان أو ذميًا مباشرة أو تسببًا (و) الثالث (عقوق الوالدين) وإن عليا، أي منعهما حقوقهما (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم) وأخبركم (بأكبر الكبائر) أي بأشدها عقوبة (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أكبر الكبائر هو (قول الزور) أي قول الكذب والعمل به، شهادة أو حكمًا به (أو قال) عبيد الله (شهادة الزور) أي الشهادة بالكذب قال محمَّد بن جعفر (قال) لنا (شعبة وأكبر ظني) أي أرجح علمي (أنَّه) أي أن الذي قال لي

ظَنِّي أَنَّهُ شَهَادَةُ الزُّورِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الله بن أبي بكر (شهادة الزور) أي لفظة شهادة الزور، لا قول الزور، فقدم في هذه الرواية قتل النفس على عقوق الوالدين، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان: الأول حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه فذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني حديث أنس رضي الله تعالى عنه ذكره استشهادًا، وذكر فيه متابعة واحدة. ***

45 - (4) باب: بيان السبع الموبقات، والأمر باجتنابها الذي هو شعبة من الإيمان

45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ 166 - (84) (7) حدّثني هَارُونُ بْنُ سعيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهبٍ، قال: حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 45 - (4) بَابُ: بَيَانِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَالأمْرِ بِاجْتِنَابِهَا الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ أي هذا بابٌ معقود في بيان الكبائر السبع الموبقات، أي المهلكات لمرتكبها، هلاكًا أبديًّا وفي بيان الأمر بالاجتناب والابتعاد عنها، الذي هو شعبة من شعب الإيمان, وهذا الحديث لم يترجم له أحد من الشراح، مع أنَّه ليس داخلًا في الترجمة السابقة, لأنه ليس فيه بيان أكبر الكبائر، بل هو موضوع في عدِّ الموبقات، وإن كانت داخلة في عموم الكبائر، فالأولى أن يترجم له ترجمة خاصة، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى لهذه الترجمة فقال: (166) - س (84) (7) (حَدَّثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التَّمِيمِيّ السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) -بفتح الهمزة وسكون التحتانية- نزيل مصر، روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، وابن عيينة وأبي ضمرة أنس بن عياض وطائفة، ويروي عنه (م د س ق) وأبو حاتم ومحمَّد بن وضاح، وبقي بن مخلد، وعاصم بن رازح وجماعة، وثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثِقَة فاضل من العاشرة، مات سنة (253) وله ثلاث وثمانون سنة (83) قال هارون (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ مولاهم، أبو محمَّد المصري، ثِقَة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (حَدَّثني سليمان بن بلال) التَّيميّ مولاهم، أبو أَيُّوب، أو أبو محمَّد المدنِيُّ، ثِقَة من الثامنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن ثور) بلفظ الحيوان المعروف (بن زيد) الديلي -بكسر المهملة بعدها تحتانية- مولاهم مولى بني الذيل بن بكر المدنِي، روى عن سالم أبي الغيث والزهري، وعكرمة ويروي عنه (ع) وسليمان بن بلال ومالك والدراوردي، وثقه ابن معين من الخامسة، مات سنة (135) خمس وثلاثين ومائة، وليس في مسلم من اسمه ثور إلَّا هذا، روى عنه المؤلف في

عَنْ أَبِي الْغَيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ خمسة أبواب: الإيمان والفضائل وصفة الحشر والفتن والزهد (عن أبي الغيث) سالم مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القُرشيّ العدوي المدنِيُّ، روى عن أبي هريرة في الإيمان والفضائل، ويروي عنه (ع) وثور بن زيد وصفوان بن سُليم، وثقه ابن معين والنَّسائيّ، وقال في التقريب: ثِقَة من الثالثة، ولم أرَ من أرخ موته (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، وواحد مصري، وواحد أيلي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا) وابتعدوا واحذروا الكبائر (السبع الموبقات) أي المهلكات لمرتكبها الذي لم يتب عنها، في العذاب الأخروي، وقوله اجتنبوا أبلغ من اتركوا في المعنى، والموبقات جمع موبقة اسم فاعل من أوبق الرباعي، والوابقة اسم فاعل من وبق يبق وبوقًا، إذا هلك، والموبق مفعل منه كالموعد، مفعل من الوعد، ومنه قوله تعالى {وَجَعَلْنَا بَينَهُمْ مَوْبِقًا} [الكهف: 52] , وفيه لغة ثانية وَبِق بكسر الباء، يَوْبَق بالفتح وبقًا، وفيه لغة ثالثة وَبِق يَبِق بالكسر فيهما، وأوبقه أهلكه. وسُميت هذه الكبائر موبقات لأنها تُهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب، ولا شك في أن الكبائر أكثر من هذه السبع، بدليل الأحاديث المذكورة في هذا الباب، وفي غيره، ولذلك قال ابن عباس حين سُئل عن الكبائر؟ فقال هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع، وفي رواية عنه هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع. وعلى هذا فاقتصاره صلى الله عليه وسلم على هذه السبع في هذا الحديث يُحمل على أنها هي التي أُعلم بها في ذلك الوقت بالوحي، ثم بعد ذلك أعلم بغيرها، أو على أن تلك السبع هي التي دعت الحاجة إلى بيانها في ذلك الوقت، أو على أنها هي التي سُئل عنها في ذلك الوقت، وكذلك القول في كل حديث خص عددًا من الكبائر، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. قال الأبي: ولهذا لا يحتج بهذه السبع لإلغاء مفهوم العدد, لأن السبع إنما ذُكرت لإحدى الاحتمالات المذكورة آنفًا (قيل يَا رسول الله، وما هن؟ ) أي وما تلك السبع

قَال: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ التِي حَرَّمَ الله إلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أحدها (الشِّرك) أي الإشراك (باللهِ) سبحانه وتعالى عنه علوًا كبيرًا (و) الثاني (السحر) أي عمله وسيأتي الكلام على حقيقته وعلمه إن شاء الله تعالى، قال النواوي: والجمهور على أن تعلمه وتعليمه كبيرة، وأجاز بعض أصحابنا تعلمه ليعرفه، ويرد على مدعيه، ويفرق بينه وبين الكرامة والمعجزة، وحمل الحديث على فعله (و) الثالث (قتل النفس التي حرم الله) سبحانه وتعالى قتلها بإيمان أو أمان (إلا بالحق) الذي وجب عليها كالحد والقصاص (و) الرابع (أكل مال اليتيم) أي الانتفاع به، وخص الأكل لأنه معظم أوجه الانتفاع بالمال، قال الأبي: كان الأكل منه كبيرة لعدم الناظر له، ولما يؤدي إليه من ضياعه، واليتيم في الأناسي: من فقد أباه وفي البهائم من فقد أمه، قال ابن عطية: بشرط الصغر فيهما، من اليتم وهو الانفراد لانفراده عن والده، والحديث نص في منع الأكل منه حتَّى الولي، وقال به قوم، وأجاز الأكثر للولي أن يأكل بالمعروف، لقوله تعالى {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} وأجاب المانع بأنه أمر للولي أن يأكل من مال نفسه بالمعروف، ولا يُبذر خوف أن يحتاج فيمد يده إلى مال اليتيم، أو أنَّه أمر الولي أن يُقتر على اليتيم خوف أن يحتاج، أو أنَّه الأكل على طريق السلف، كما قال عمر رضي الله عنه "أنزلت نفسي في مال الله منزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت" والمذهب أنَّه إن خدم المال وقام به أكل بقدر الحاجة غنيًّا كان أو فقيرًا، وقال ابن رشد: وأجاز بعض العلماء للفقير خاصة أن يكتسي بقدر الحاجة، وإن لم يخدم المال، وإنما يتفقده ويتشرف عليه، فإن كان فقيرًا أكل ما لا ثمن له كاللبن والفاكهة، واختلف في الغني فقيل كالفقير، وقيل لا لقوله تعالى {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} وأما خلط الولي طعام اليتيم بطعامه ليأكل معه، ففي العتبية: إن نال اليتيم من ذلك أكثر من حظه فلا بأس به وإلا لم يعجبني اهـ. (و) الخامس (أكل الربا) يعني كسبه والعمل به اقتناه أو صرفه في أكل أو غيره، وإنما خص الأكل لأنه معظم ما يكسب له المال، والربا حقيقة وعادة إنما يستعمل في ربا الفضل والنساء وفيهما جاء التشديد في الآي، والأحاديث وهما المراد في الحديث، وإطلاقه على كل حرام مجاز، فلا يُحمل الحديث عليه، إذ لا يصدق على كل حرام أنَّه كبيرة، وأما ربا الفضل فكأن يقرضه عشرة بشرط أن يرد عشرين، وربا النساء فكأن يؤخر

وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة مؤجلة إلى سنة، إلى سنتين بشرط أن يقضيها بعشرين مثلًا كما هو مبسوط في محله. (و) السادس (التولي يوم الزحف) أي الإدبار والهرب يوم القتال، ووقت المقاتلة عن ضعف المسلمين، لا عن ما زاد عن الضعف، والزحف القتال وأصله المشي المتثاقل، كالصبي يزحف قبل أن يمشي، والبعير إذا أعيى فجر فرسنه -أي طرف خفه- وقد سُمي الجيش بالزحف لأنه يزحف فيه للازدحام، والتولي عن القتال إنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة، وإذا كان العدو ضِعفي المسلمين، أو أقل منهما، على ما سيأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى، وقال ابن العربي: يوم الزحف هو ساعة القتال، وقال ابن منير: والزحف هو الإدراب في أرض العدو، أي الدخول فيها، فالتولي بعده وقبل القتال كبيرة عليه لا على الأول. (و) السابع (قذف المحصنات) وكذلك قذف المحصنين، فهو كقوله "من أعتق شِركًا له في عبد" والمحصنات بكسر الصاد وفتحها قراءتان سبعيتان، والمراد بالمحصنات هنا العفائف، فالإحصان هنا العفة عن الفواحش، وقد بُني الإحصان في الشرع على خمسة أمور: العفة والإِسلام والنكاح والتزويج. أي الوطء -والحرية أي رمي المحصنات بالزنا (الغافلات) عما رمين به من الفاحشة أي هن بريئات من ذلك لا خبر عندهن منه (المومنات) بالله سبحانه وتعالى لا الكافرات ولو كتابية. قال النواوي: وأما عده صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من الكبائر فدليل صريح لمذهب العلماء كافة في كونه كبيرة، إلَّا ما حكي عن الحسن البَصْرِيّ رحمه الله تعالى أنَّه قال: ليس هو من الكبائر، قال: والآية الكريمة في ذلك، إنما وردت في أهل بدر خاصة، والصواب ما قاله الجماهير: أنَّه عام باق، والله أعلم. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته البُخَارِيّ (2766) وأبو داود (2874) والنَّسائيّ (6/ 257). ***

46 - (5) باب: من الكبائر شتم الرجل والديه

46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ 167 - (85) (8) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 46 - (5) بَابٌ: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيهِ أي هذا باب معقود في بيان أن شتم الرَّجل والديه، أي تسببه في شتمهما من الكبائر، وهذا نوع من العقوق, لأنه يحصل منه ما يتأذى به الوالدان تأذيًا ليس بالهين، وإنما فصلناه عما قبله بالترجمة, لأنه ليس من الكبائر الصريحة, لأنه من باب التسبب إليها، وتحريمه من باب قطع الذرائع، فيؤخذ منه النهي عن بيع العصير ممن يتخذ الخمر، والسلاح ممن يقطع الطريق، ونحو ذلك. (167) - س (85) (8) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثَّقَفيّ، أبو رجاء البغلاني ثِقَة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، عن تسعين (90) سنة، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب، قال قتيبة (حدثنا الليث) بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الفهمي مولاهم، أبو الحارث المصري، ثِقَة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في خمسة عشر بابًا تقريبًا. (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثيّ مولاهم، أبي عبد الله المدنِيُّ، ثِقَة مكثر من الخامسة، مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ، أبي إسحاق أو أبي إبراهيم المدنِيُّ، قاضي المدينة، روى عن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، ونافع بن جبير، ومحمَّد بن عمرو بن الحسن بن عليّ، وحفص بن عاصم، وأبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن، والأعرج، وعامر بن سعد، والقاسم بن محمَّد، وعبد الله بن جعفر وغيرهم، ويروي عنه (ع) ويزيد بن الهاد، ويحيى الأَنْصَارِيّ وشعبة وابنه إبراهيم بن سعد، وأبو عوانة، والثوري وعبد الله بن جعفر المَخْرَميّ، ومسعر وزكرياء بن أبي زائدة، وابن عيينة، وقال في التقريب: وكان ثِقَة فاضلًا عابدًا من الخامسة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة (72)، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في أربعة مواضع، والفضائل في خمسة

عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرّجُلِ وَالِدَيهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيهِ؟ قَال: نَعَمْ. يَسُبُّ أَبَا الرّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مواضع، وصفة الجنة والوصايا والأحكام، وفي الجهاد في موضعين والأطعمة في موضعين والأمثال في موضعين، والفتن وذكر الأنبياء، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا (عن حميد بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف الزُّهْرِيّ، أبي إبراهيم المدنِيُّ ثِقَة من الثَّانية، مات سنة (105) خمس ومائة على الصحيح، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل بن سهم السهمي القُرشيّ، أبي محمَّد المكيّ، الصحابي الجليل، وقد تقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة أبواب، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكّيّ، وواحد مصري، وواحد بغلاني. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من الكبائر) أي من أكبر الكبائر (شتم الرَّجل) وكذا المرأة أي سبه (والديه) وإن عليًّا، أي تسببه إلى شتم والديه، وإنما قلنا من أكبر الكبائر, لأن شتم المسلم الذي ليس بأب ولا أم كبيرة، فشتم الآباء والأمهات أكبر منه (قالوا) أي قال الأصحاب الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (يَا رسول الله وهل يشتم الرَّجل والديه) وهذا استفهام إنكار، واستبعادِ لوقوعِ ذلك من أحد من النَّاس، وهو دليل على ما كانوا عليه من المبالغة في بر الوالدين، ومن الملازمة لمكارم الأخلاق والآداب، وإلا فهو بعدهم كثير (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) حرف جواب في الإثبات قائم مقام الجواب، ولكن اجتمع هنا مع الجواب (يسب) أي يشتم هذا الولد (أَبا الرَّجل) الآخر، كأن يقول له: يَا ابن الكلب، يَا ابن الحمار (فيسب) ذلك الرَّجل الآخر (أباه) أي أَبا هذا الولد السابّ كأن يقول له: وأنت ابن الكلب وابن الحمار (ويسب) هذا الولد (أمه) أي أم الرَّجل الآخر (فيسب) ذلك الآخر (أمه) أي أم هذا الولد، وفي هذا دليل على أن سبب الشيء قد ينزله الشرع منزلة الشيء في المنع، فيكون حجة لمن منع بيع العنب ممن يعصره خمرًا، ويمنع بيع ثياب الخز ممن يلبسها

168 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ حَاتِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي لا تحل له، وهو أحد القولين للمالكية وفيه حجة لمالك على القول بسد الذرائع وهو نظير قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيرِ عِلْمٍ}. والذريعة هي: الامتناع مما ليس ممنوعًا في نفسه مخافة الوقوع في محظور على ما بيناه في الأصول. اهـ مفهم. قال القاضي: جعل هذا من الكبائر لأنه سبب لشتمهما وشتمهما من العقوق، وقد تقدم أن عقوقهم من أكبر الكبائر ففيه أن فعل السبب كفعل المسبب. وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن عمرو بن العاص شارك المؤلف في روايته أَحْمد والبخاري وأبو داود والتِّرمذيّ رواه أَحْمد (2/ 214)، والبخاري (5973)، وأبو داود (5141)، والتِّرمذيّ (1903). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمروٍ رضي الله تعالى عنهما فقال: (168) - متا (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم، الحافظ الكُوفيّ، ثِقَة حافظ، من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (ومحمَّد بن المثنَّى) بن عبيد العنزي، أبو موسى البَصْرِيّ ثِقَة ثبت، من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) محمَّد (بن بشار) العبدي أبو بكر البَصْرِيّ، ثِقَة، من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وقوله (جميعًا) حال من الثلاثة أي حالة كون كل من الثلاثة مجتمعين في الرواية (عن محمَّد بن جعفر) الهذلي مولاهم المدنِيُّ البَصْرِيّ أبي عبد الله، المعروف بغندر، ثِقَة، من التاسعة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابا تقريبًا (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبي بسطام البَصْرِيّ، ثِقَة حافظ متقن، من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون المروزي ثم القطيعي بفتح القاف أو البغدادي أبو عبد الله المؤدب، صدوق، من العاشرة، مات

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلَاهُمَا، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (235) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذا التحويل، بيان اختلاف صيغتي شيخيه واختلاف مشايخهما، قال محمَّد بن حاتم (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) بن فروخ التَّمِيمِيّ، أبو سعيد القطَّان البَصْرِيّ، ثِقَة متقن حافظ، من كبار التاسعة، مات سنة (198) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، قال يحيى (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثَّوريّ، أبو عبد الله الكُوفيّ، ثِقَة حافظ فقيه عابد إمام حجة، من السابعة، مات سنة (161) روى عنه المؤلف في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا. (كلاهما) أي كل من شعبة وسفيان (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ، أبي إبراهيم المدنِيُّ، وقوله (بهذا الإسناد) جار ومجرور متعلق بحدثنا شعبة، وحدثنا سفيان، على سبيل التنازع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المُتابَع، وقوله (مثله) مفعول ثانٍ لحدثنا شعبة وحدثنا سفيان على سبيل التنازع، والمعنى حَدَّثَنَا شعبة وحدثنا سفيان كلاهما عن سعد بن إبراهيم، بهذا الإسناد أي عن حميد بن عبد الرَّحْمَن عن عبد الله بن عمرو بن العاص، مثل ما حدث ابن الهاد عن سعد بن إبراهيم، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة وسفيان لابن الهادِ، في رواية هذا الحديث عن سعد بن إبراهيم، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذان السندان من سداسياته، الأول منهما رجاله ثلاثة منهم بصريون، واثنان مدنيان، وواحد مكّيّ، أو ثلاثة منهم بصريان وكوفي، والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكّيّ، وواحد بصري وواحد كُوفِيّ وواحد بغدادي أو مروزي، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

47 - (6) باب: لا يدخل الجنة من كان في قلبه كبر

47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ 169 - (86) (9) وحدّثنا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى ومُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حمَّادٍ، قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَني يَحْيَى بْنُ حمّادٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 47 - (6) بَابُ: لا يدخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ كِبْرٌ أي هذا باب معقود في بيان أنَّه لا يدخل الجنة أصلًا من في قلبه كبر، أي ترفع عن الحق، واحتقار للنَّاس إن استحل ذلك أو لا يدخلها أولًا، حتَّى يُجازى عليه أو يدركه العفو إن لم يستحله، وهكذا ترجم عن الحديث الآتي القرطبي، وهو الأوفق لمنطوق الحديث، وترجم له الأبي والسنوسي بقولهما: "باب لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر" وهذا أوفق أَيضًا، وترجم النواوي والقاضي، وأكثر المتون بقولهم: "باب تحريم الكبر وبيانه" وهذا لا يوافق منطوق الحديث. (169) - (86) (9) (وحدثنا محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (ومحمَّد بن بشار) العبدي البَصْرِيّ (وإبراهيم بن دينار) البغدادي، أبو إسحاق التمار، روى عن يحيى بن حماد، وحجاج بن محمَّد وأبي قطن عمرو بن الهيثم وأبي عاصم، وروح بن عبادة، وعبيد الله بن موسى، وإسماعيل بن عليّة، وسفيان بن عيينة، ويروي عنه (م) وأبو زرعة ووثقه، وموسى بن هارون، وأبو يعلى، ثِقَة ثبت من العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والحج والأيمان والأشربة والبيوع في موضعين والعتق في سبعة أبواب، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وقوله (جميعًا) حال من الثلاثة، أي حالة كونهم مجتمعين في الرواية (عن يحيى بن حماد) بن أبي زياد الشَّيبانِيّ مولاهم، أبي بكر البَصْرِيّ، ختن أبي عوانة وراويته، روى عن شعبة وأبي عوانة وعبد العزيز بن المختار، وحماد بن سلمة، وهمام بن يحيى وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) ومحمَّد بن المثنَّى، وبُندار وإبراهيم بن دينار وإسحاق الكوسج، وإسحاق الحنظلي وغيرهم، وقال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثِقَة عابد من صغار التاسعة، مات سنة (215) خمس عشرة ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والحوض في موضعين والأطعمة والبيوع في موضعين في أربعة أبواب. وأتى بجملة قوله (قال ابن المثنَّى حَدَّثني يحيى بن حماد) تورعًا من الكذب على

أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغلِبَ، عَنْ فُضَيلٍ الْفُقَيمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن المثنَّى, لأنه صرح بالسماع، ولم يرو بالعنعنة، قال يحيى بن حماد (أخبرنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البَصْرِيّ، ثِقَة من السابعة (عن أَبان بن تغلب) بفتح المثناة الفوقية وسكون المعجمة وكسر اللام، القارئ أبي سعيد الكُوفيّ، أحد الأئمة، روى عن فضيل بن عمرو الفقيمي، والأعمش في الإيمان, والحكم بن عتيبة في الصلاة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وشعبة وإدريس الأودي، وسفيان بن عيينة وآخرون، وثقه أَحْمد ويحيى وأبو حاتم، وقال في التقريب: مسلم فيه للتشيع، من السابعة، مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في بابين فقط الإيمان والصلاة (عن فضيل) بن عمرو (الفقيمي) بضم الفاء وفتح القاف مصغرًا، أبي النضر الكُوفيّ، روى عن إبراهيم النَّخَعيّ في الإيمان, وعائشة بنت طلحة في القدر، والشعبي في آخر الزهد، وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وأبان بن تغلب والعلاء بن المسيّب وعبيد المكتب، وثقه ابن معين، وقال العجلي كُوفِيّ ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة من السادسة، مات سنة (110) عشر ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة: الإيمان والقدر والزهد (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود أبي عمران (النَّخَعيّ) الفقيه الكُوفيّ، يرسل كثيرًا، وقيل: ابن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع، روى عن علقمة بن قيس، وهمام بن الحارث، وعبيدة السلماني وعبد الرَّحْمَن بن يزيد، والأسود بن يزيد، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ومسروق وعباس بن ربيعة، ورأى عائشة وخلائق، ويروي عنه (ع) وفُضيل الفقيمي والأعمش والمغيرة ومنصور، وأبو معشر زياد بن كُليب، وواصل الأحدب، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن عون، والحسن بن عبيد الله، وخلائق، وكان لا يتكلم إلَّا إذا سُئل، وكان عَجبًا في الورع والخير، متوقيًا للشهرة رأسًا في العلم، وقال مغيرة: كنا نهاب إبراهيم كما يهاب الأمير أثنى عليه العجلي والأعمش والشعبي، وقال في التقريب: ثِقَة إلَّا أنَّه يرسل كثيرًا، من الثَّانية، مات سنة (96) ست وتسعين وهو ابن خمسين أو نحوها بعد موت الحجاج بأربعة أشهر، وكان مولده سنة خمسين (50) روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في أربعة مواضع، والصوم والزكاة في موضعين، والحج في ثلاثة مواضع، والنكاح والديات والأيمان وانشقاق القمر والتفسير، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن

عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، "عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَةٍ مِنْ كِبْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عوف بن النخع النخعي البكري، أبي شبل الكوفي، روى عن عبد الله بن مسعود، وعائشة، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي الدرداء، وعثمان بن عفان، وعلي، وحذيفة، وطائفة، ويروي عنه (ع) وإبراهيم النخعي، والشعبي، وإبراهيم بن سويد، وعبد الرحمن بن يزيد، وسلمة بن كهيل. قال إبراهيم: كان يقرأ في خمس، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه عابد، من الثانية، قال ابن سعد: مات سنة (62) اثنتين وستين، وقال أبو نعيم: سنة (61) إحدى وستين، قيل عن تسعين سنة (90) ولم يولد له قط، وكان راهب أهل الكوفة عبادةً وفضلًا وعلمًا وفهمًا، وكان من أشبههم بعبد الله بن مسعود زهدًا وسمتًا وهديًا، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في أربعة مواضع، والحج في أربعة أبواب (عن عبد الله بن مسعود) بن غافل الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي أحد السابقين الأولين إلى الإسلام مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والصوم وغيرها، وتقدم البسط في ترجمته، وهذا السند من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم بصريون، وخمسة كوفيون، إلا إبراهيم بن دينار فإنه بغدادي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة) أصلًا، أو حتى يُجازى، إن لم يُدركه العفو (من كان في قلبه) وصدره (مثقال ذرة) أي وزن نملة صغيرة (من كبر) أي تكبر عن الحق، أو ترفع على الناس، أي لا يدخلها أصلًا، إن استحله لكفره به أو لا يدخلها ابتداءً حتى يُجازى عليه، إن لم يدركه العفو، إن لم يستحله، لأنه عاصٍ بكبيرة. قال القرطبي: الكبر وكذا الكبرياء هو لغة العظمة، يقال فيه: كَبُرَ الشيء بضم الباء أي عَظُم فهو كبير وكبار، فإذا أفرط قيل كبار بالتشديد، وعلى هذا فيكون الكبر والعظمة لمسمى واحد، وقد جاء في الحديث ما يُشعر بالفرق بينهما، وذلك أن الله تعالى قال: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قصمته" رواه مسلم وأبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقد فرق بينهما بأن عبَّر عن أحدهما بالإزار وعن الآخر بالرداء، وهما مختلفان، ويدل على ذلك أيضًا قوله: "فمن نازعني واحدًا منهما" إذ لو كانا واحدًا لقال: فمن نازعنيه، فالصحيح إذن الفرق،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجهه أن جهة الكبرياء يستدعي متكبَّرًا عليه، ولذلك لما فسر الكبر قال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وهو احتقارهم، فذكر المتكبَّر عليه وهو الحق أو الخلق، والعظمة لا تقتضي ذلك، فالمتكبر يُلاحظ ترفع نفسه على غيره بسبب مزية كمالها فيما يراه، والمُعظم يُلاحظ كمال نفسه من غير ترفع لها على غيره، وهذا التعظيم هو المعبر عنه بالعجب في حقنا إذا انضاف إليه نسيان منة الله تعالى علينا، فيما خصنا به من ذلك الكمال، وإذا تقرر هذا فالكبرياء والعظمة من أوصاف كمال الله سبحانه وتعالى، واجبان له إذ ليست أوصاف كمال الله وجلاله مستفادة من غيره، بل هي واجبة الوجود لذواتها بحيث لا يجوز عليه العدم، ولا النقص، ولا يجوز عليه تعالى نقيض شيء من ذلك، فكماله وجلاله حقيقة له بخلاف كمالنا، فإنه مستفاد من الله تعالى ويجوز عليه العدم، وطروء النقيض والنقص، وإذا كان هذا فالتكبر والتعاظم خَرَقٌ منا، ومستحيل في حقنا، ولذلك حرمهما الشرع، وجعلهما من الكبائر، لأن من لاحظ كمال نفسه، ناسيًا منة الله تعالى فيما خصه به، كان جاهلًا بنفسه وبربه، مغترًا بما لا أصل له، وهي صفة إبليس الحاملة له على قوله {أَنَا خَيرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12]، وصفة فرعون الحاملة له على قوله {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] ولا أقبح مما صار إليه فلا جرم كان فرعون وإبليس أشد أهل النار عذابًا، نعوذ بالله من الكبر والكفر، وأما من لاحظ من نفسه كمالًا، وكان ذاكرًا فيه منة الله تعالى عليه به، وأن ذلك من تفضله تعالى ولطفه، فليس من الكبر المذموم في شيء، ولا من التعاظم المذموم، بل هو اعتراف بالنعمة، وشكر على المنة، والتحقيق في هذا أن الخلق كلهم قوالب وأشباح، تجري عليهم أحكام القدرة فمن خصه الله تعالى بكمال، فذاك الكمال يرجع للمكمل الجاعل، لا للقالب القابل، ومع ذلك فقد كمَّل الله الكمال بالجزاء والثناء عليه، كما قد نقّص النقص بالذم والعقوبة عليه، فهو المعطي والمثني، والمُبلي والمعافي، كيف لا وقد قال العلي الأعلى "أنا الله خالق الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وقدرته عليه، والويل لمن خلقته للشر وقدرته عليه"، فلا حيلة تعمل مع قهر {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]. ولما تقرر أن الكبر يستدعي متكبَّرًا عليه والمتكبر عليه، إن كان هو الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أر الحق الذي جاءت به رسله، فذلك الكبر كفر، وإن كان

قَال رَجُلٌ: إِن الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَال: إِن اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَق وَغَمْطُ النَّاسِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غير ذلك، فذلك الكبر معصية وكبيرة، يخاف على المتلبس بها المصر عليها، أن تفضي به إلى الكفر، فلا يدخل الجنة أبدًا، فإن سلم من ذلك، ونفذ عليه الوعيد، عوقب بالإذلال والصغار، أو بما شاء الله من عذاب النار، حتى لا يبقى في قلبه من ذلك الكبر مثقال ذرة، وخلص ممن خبث كبره، حتى يصير كالذرة، فحينئذ يتداركه الله تعالى برحمته، ويخلصه بإيمانه وبركته، وقد نص على هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم في المحبوسين على الصراط، لما قال "حتى إذا هذبوا ونقوا أُذن لهم في دخول الجنة" رواه أحمد والبخاري انتهى. (قال رجل) من الحاضرين، قال القاضي: هو مالك بن مرارة الرهاوي، قال النواوي: "مُرارة" بضم الميم، والرهاوي بفتح الراء، ونسبه بعضهم إلى رُها بضمها حيٌّ من مذحج، وذكر الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك ابن بشكوال في اسم الرجل السائل، أقوالًا كثيرة: قيل هو عبد الله بن عمرو بن العاص، ذكره معمر في جامعه، وقيل: خريم بن فاتك، وقيل: معاذ بن جبل، هذا ما ذكره ابن بشكوال (إن الرجل) منا (يحب أن يكون ثوبه) ولباسه (حسنًا) أي جميلًا نظيفًا فاخرًا (و) أن يكون (نعله) وخفه (حسنة) أي فاخرة جميلة، قال الأبي: هذه المحبة وإن كانت بالطبع، فهي بعد ورود هذا الحديث شريعة، فيستحب العمل بجيمع ما تضمنه، لأن ما يحبه الشرع مطلوب، وتوهم الرجل بأن ذلك من الكبر، فأجيب بأنه ليس منه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا للرجل السائل، ليس الكبر المذموم كما زعمت من التجمل في اللباس والنعال، فإن ذلك محبوب عند الله تعالى فـ (إن الله) سبحانه وتعالى (جميل) أي منزه عن كل النقائص (يحب) ويرضى لعباده (الجمال) أي التجمل والتزين في اللباس والثياب في صلواتهم وفي مساجدهم، إنما (الكبر) المذموم عند الله تعالى الذي يمنع صاحبه من دخول الجنة أصلًا، أو ابتداءًا هو (بطر الحق) أي دفعه وإنكاره، وعدم قبوله، ترفعًا عنه وتجبرًا، والحق كل معروف في الشرع (وغمط الناس) أي إهانة الناس واحتقارهم، وعدم المبالاة بهم، يقال في الفعل منه غمطه يغمطه، من باب ضرب، وغمطه من باب علم. قوله (إن الله جميل يحب الجمال) الجمال لغة هو الحسن، يقال: جَمُل الرجل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجمل بالضم فيهما جمالًا فهو جميل، والمرأة جميلة، ويقال فيها جملاء، قاله الكسائي. قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن الجميل من أسماء الله تعالى، وقال بذلك جماعة من أهل العلم، إلا أنهم اختلفوا في معناه فقيل: معناه معنى الجليل قاله القشيري، وقيل: معناه ذو النور والبهجة، أي مالكهما قاله الخطابي، وقيل جميل الأفعال بكم، والنظر إليكم، فهو يحب التجمل منكم، في قلة إظهار الحاجة إلى غيره، قاله الصيرفي، وقال: الجميل المنزه عن النقائص الموصوف بصفات الكمال، الآمر بالتجمل له بنظافة الثياب والأبدان والنزاهة عن الرذائل والطغيان اهـ. قال القاضي: لا يُسمى الله تعالى إلا بما تواتر وانعقد عليه الإجماع، واختلف هل يُسمى بما ورد من طريق الآحاد واحتج المانع بأن التسمية ترجع إلى اعتقاد ما يجب له وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه، والمطلوب في ذلك القطع، والآحاد لا تفيده، واحتج المُجيز بأن الدعاء بالاسم والذكر به عمل، والعمل يكفي في طريقه الظن، والصواب الجواز لما احتج به المجيز، ولقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} قال الأبي: الذكر بالاسم والدعاء به فرع اعتقاد معناه، والمطلوب فيه القطع فالصواب المنع اهـ. قال القاضي: واختلف في تسميته تعالى، ووصفه بصفة كمال لم يرد فيها إذن ولا منع فأجيز ومنع، قال الأبي: قال المقترح القول بالمنع مدخول لأن المنع حكم شرعي، والفرض أنه لم يرد فيه شيء، قلت: والجواز أيضًا حكم شرعي فالصواب الوقف، وهو مذهب الإمام واتفقوا أنه لا يجوز القياس في أسمائه تعالى. قال القاضي: وصحت التسمية بـ (جميل) في هذا الحديث، ووردت أيضًا في حديث تعيين الأسماء من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن، وهو ضعيف. قلت: حديث إنها تسعة وتسعون دون تعيين، اتفق عليه الصحيحان، وحديث تعيينها ذكره الترمذي، وقال فيه إنه حسن، ولم يذكر فيه جميلًا، واختلف في معناه كما مر آنفًا نقلًا عن القرطبي، قال المازري: هو من أسماء التنزيه، لأن الجميل منا هو الحسن الصورة، وحسنها يستلزم السلامة من النقص، ويحتمل أنه بمعنى مُجمِّل أي مُحسِّن.

170 - (00) (00) حدَّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (بطر الحق) أي إبطاله وإنكاره، من قولهم ذهب دمه بطرًا أي باطلًا، وقال الزجاج: هو التكبر عن الحق فلا يقبله، وقال الأصمعي: البطر الحيرة أي يتحير عند الحق فلا يراه حقًّا وغمط الناس احتقارهم واستصغارهم، لما يرى من رفعته عليهم، وهو بالغين المعجمة والطاء المهملة، ويُروى "غمص" بالصاد المهملة في كتاب الترمذي، ومعناهما واحد، يقال: غمط الناس وغمصهم إذا احتقرهم، وقال القاضي: رواية الصاد لم تقع في الصحيحين، وهي في الترمذي وأبي داود. والمثقال: مفعال من الثقل، ومثقال الشيء وزنه، يقال هذا على مثقال هذا أي على وزنه وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود، شارك المؤلف في روايته أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، رواه أحمد (1/ 399 و 451) وأبو داود (4091) والترمذي (1999) وابن ماجه (59). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (170) - متا (. . .) (. . .) (حدثنا مِنْجَاب) بكسر أوله وسكون ثانيه ثم جيم ثم موحدة (بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمد الكوفي، روى عن علي بن مسهر في الإيمان والفضائل والآيات وغيرها، وعن القاسم بن معن، وبشر بن عمارة، وحاتم بن إسماعيل، وأبي الأحوص، وشريك، وابن المبارك، وجماعة، ويروي عنه (م) وأبو حاتم، والذهلي، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، وليس عندهم من اسمه منجاب إلا هذا. (وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الأنباري، نسبة إلى الأنبار بلدة على الفرات أبو محمد صدوق مدلس من قدماء العاشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، وله مائة سنة (100)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، لأن الثاني لا يصلح لتأكيد الأول (كلاهما) أي كل من منجاب وسويد رويا (عن علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر

قَال مِنْجَابٌ: أَخْبَرَنَا ابْن مُسْهِرٍ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الهاء، القرشي أبي الحسن الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا. وأتى بجملة قوله (قال منجاب أخبرنا ابن مسهر) تورعًا من الكذب على منجاب لأنه صرح بالسماع، ولم يرو بالعنعنة، ولم يذكر اسم شيخه بل نسبه (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ قارئ ورع مدلس، من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة عن (84) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي، أبي عمران الكوفي ثقة من الثانية، مات سنة (96) (عن علقمة) بن قيس النخعي، أبي شبل الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي، أبي عبد الرحمن الكوفي. وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا سويد بن سعيد، فإنه هروي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمش لفضيل الفقيمي في رواية هذا الحديث عن إبراهيم النخعي، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في أكثر الكلمات وترتيبها. (قال) عبد الله بن مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل النار) أي لا يخلد في النار (أحد في قلبه مثقال حبة) أي وزن حبة (خردل) حب معروف من الأبازير (من ايمان) تمييز لمثقال مجرور بمن البيانية. والمراد بالإيمان في هذا الحديث، التصديق القلبي المذكور في حديث جبريل عليه السلام، ويستفاد منه أن التصديق القلبي على مراتب، ويزيد وينقص على ما سيأتي في حديث الشفاعة إن شاء الله تعالى. وهذه النار المذكورة هنا هي النار المعدة للكفار التي لا يخرج منها من دخلها، لأنه قد جاء في أحاديث الشفاعة الآتية: أن خلقًا كثيرًا ممن في قلبه ذرات كثيرة من الإيمان، يدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة، أو بالقبضة من أرحم الراحمين، على ما يأتي، والجمع بين ما هنا من نفي دخول النار، وما هناك من إثبات دخولها أن النار

وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ". 171 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ دركات كما قال تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]، وأهلها في العذاب على مراتب ودركات كما قال تعالى {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] وأن نار من يعذب من الموحدين أخفها عذابًا، وأقربها خروجًا، فمن أدخل النار من الموحدين، لم يدخل نار الكفار، بل نارًا أخرى يموتون فيها ثم يخرجون منها، كما جاء في الأحاديث الصحيحة الآتية بعد هذا إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. (ولا يدخل الجنة أحد في قلبه) واعتقاده (مثقال حبة خردل من كبرياء) تمييز ذات لمثقال مجرور بمن البيانية، وقد تقدم لك أن الكبر والكبرياء بمعنى واحد، وهو الترفع عن قبول الحق، واحتقار الناس، كما مر في الحديث، أي لا يدخل الجنة أصلًا إن استحل ذلك، أو ابتداءً إن لم يستحل، ولم يدركه العفو كما مر، والمراد بذكر المثقال التمثيل بأقل درجات الإيمان، وهو مجرد التصديق، وأقل درجات الكبر بأقل مثاقيل الوزن والله أعلم. وفي القاموس: والخردل حب شجر مُسخِّن ملطف جاذب قالع للبلغم ملين هاضم نافع طِلاؤه للنقرس والنسا والبرص، ودخانه يطرد الحيات، وماؤه يسكن وجع الآذان تقطيرًا، ومسحوقه على الضرس الوجِع غاية، والخردل الفارسيُّ نبات بمصر يُعرف بحشيشة السلطان اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (171) - متا (. . .) (. . .) (حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري، المعروف ببندار، ثقة من العاشرة، مات سنة (252)، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال ابن بشار (حدثنا) سليمان بن داود بن الجارود (أبو داود) الطيالسي القرشي مولاهم، مولى الزبير بن العوام البصري، أصله فارسيّ وأمه مولاة لهذيل أحد الأعلام الحفاظ، روى عن شعبة، وهشام بن أبي عبد الله، وحبيب بن يزيد، ومعروف بن خربوذ، وسليمان بن معاذ، وأبي عوانة، وحرب بن شداد، وأبان بن يزيد، وغيرهم، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن بشار، ومحمد بن

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ فُضَيلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المثنى، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن منصور، وأحمد بن عثمان النوفلي، وهارون بن عبد الله، وأحمد بن عبدة، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وحجاج بن الشاعر وغيرهم، وروي أنه حدث من حفظه أربعين ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة حافظ، غلط في أحاديث، من التاسعة، مات سنة (204) أربع ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين، والزكاة، والصوم، والحج في موضعين، والطلاق، والحدود، والمناقب، والجهاد، والصيد والفضائل، والغيرة، والفتن، والزهد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو داود (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البصري، ثقة من السابعة (عن أبان بن تغلب) القارئ أبي سعيد الكوفي، ثقة من السابعة (عن فضيل) بن عمرو الفقيمي، أبي النضر الكوفي، ثقة من السادسة (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي أبي عمران الكوفي، ثقة من الثالثة (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة ثبت من الثانية (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي، وهذا السند من ثمانياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وخمسة كوفيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي داود ليحيى بن حماد في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالنقص عنها، ولو ذكر هذه المتابعة بعد السند الأول لكان أوضح وأنسب والله أعلم. (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة) أصلًا أو ابتداءً (من كان في قلبه مثقال ذرة) أي وزن نملة صغيرة (من كبر) أي من تكبر وترفع عن قبول الحق، وقد تقدم ما فيه من الكلام آنفًا فراجعه، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث ابن مسعود، وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

48 - (7) باب: من مات مؤمنا لا يشرك بالله تعالى شيئا دخل الجنة، ومن مات مشركا دخل النار، وبيان الموجبتين

48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا. . دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا. . دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ 172 - (87) (10) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. (قَال وَكِيعٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 48 - (7) بَابُ: مَنْ مَاتَ مُؤمِنًا لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ تَعَالى شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا دَخَلَ النَّارَ، وَبَيَان الْمُوجِبَتَينِ أي هذا باب معقود في بيان أن من مات موحدًا مؤمنًا بالله تعالى، وبما جاءت به رسله، حالة كونه لا يشرك بالله، في ألوهيته وربوبيته وعبادته شيئًا من المخلوق، جمادًا أو حيوانًا حيًّا أو ميتًا، ملكًا أو مرسلًا دخل الجنة أولًا مع الفائزين، إن لم يرتكب الكبائر أو تاب عنها، أو أدركه العفو أو بعد المجازاة، إن لم يكن كذلك، وبيان أن من مات مشركًا دخل النار، وإن أكثر من الصالحات، وبيان أن موجبة الجنة الإيمان، وأن موجبة النار الإشراك. (172) - س (87) (10) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون مُصغرًا الهمداني بسكون الميم، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي من خارف همدان، أبو هشام الكوفي، ثقة حافظ من كبار التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابا تقريبًا (ووكيع) بن الجراح بن مليح، بوزن فصيح الرؤاسي، بضم الراء أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات سنة (196) ست وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ من الخامسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابا تقريبًا (عن شقيق) بن سلمة الأسدي، أبي وائل الكوفي مخضرم، أحد سادة التابعين، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة (100) سنة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون، وأتى المؤلف رحمه الله بقوله (قال وكيع:

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) المحتمل للإرسال وبقوله (وقال ابن نمير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) الدال على الاتصال لكثرة احتياطه وشدة إتقانه وحفظه، فبين أن أحد الراويين وهو: ابن نمير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إشكال في اتصاله، وقال الآخر وهو وكيع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الأكثر: هو متصل، وقيل: مرسل، ثم الأكثر أن مرسل الصحابي حجة، بخلاف مرسل غيره، وهذا الحديث مرسل ومتصل، وفي الاحتجاج بهذا النوع خلاف، والصحيح صحته تغليبًا للاتصال، وقيل: الحكم للإرسال، وقيل: للأكثر رواة، وقيل: للأحفظ منهم اهـ سنوسي. وقد ترك القاضي والمازري الكلام عن حديث وكيع الحديث الأول في الباب، إما لخلو النسخة الأم منه أو للإرسال الواقع فيه، فإنه وإن كان الأكثر على أن مرسل الصحابي حجة، بخلاف مرسل غيره، فإن في الاحتجاج بهذا النوع خلافًا اهـ إكمال المعلم. قال النووي: هذا وما أشبهه من الدقائق التي ينبه عليها الإمام مسلم رحمه الله تعالى، دلائل قاطعة على شدة تحريه، وإتقانه وضبطه وعرفانه، وغزارة علمه وحذقه، وبراعته في الغوص على المعاني، ودقائق علم الإسناد، وغير ذلك، والدقيقة في هذا أن ابن نمير، قال رواية عن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا متصل لا شك فيه، وقال وكيع رواية عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما اختلف العلماء فيه، هل يُحمل على الاتصال، أم على الانقطاع. فالجمهور أنه يُحمل على الاتصال كسمعتُ، وذهبت طائفة إلى أنه لا يُحمل على الاتصال إلا بدليل عليه، فإذا قيل بهذا المذهب كان مرسل صحابي، وفي الاحتجاج به خلاف، فالجماهير قالوا يُحتج به، وإن لم يُحتج بمرسل غيرهم، وذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني الشافعي رحمه الله تعالى إلى أنه لا يُحتج به، فعلى هذا يكون الحديث قد رُوي متصلًا ومرسلًا، وفي الاحتجاج بما رُوي مرسلًا ومتصلًا خلاف معروف، قيل: الحكم للمرسل، وقيل: للأحفظ رواية، وقيل: للأكثر، والصحيح أنه

يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ النَّارَ". وَقُلْتُ أَنَا: وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تُقدَّمُ رواية الوصل، فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى، وذكر اللفظين، لهذه الفائدة، ولئلا يكون راويًا بالمعنى، فقد أجمعوا على أن الرواية باللفظ أولى، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. حالة كون الرسول صلى الله عليه وسلم (يقول من مات) حالة كونه (يشرك بالله شيئًا) من المخلوق أو شيئًا من الإشراك جليًّا أو خفيًّا (دخل النار) الأخروية، دخولًا مؤبدًا خالدًا مخلدًا فيها، إن كان شركًا جليًّا، أو دخولًا مؤقتًا إن كان خفيًّا، قال ابن مسعود (وقلت أنا) بمفهوم المخالفة والضمير المنفصل مؤكد للضمير المتصل (ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) قال القاضي عياض: يريد أنه لم يسمعه، وإنما قاله لأنه دليل القرآن، ومفهوم قوله "من مات مشركًا دخل النار" وأخذ بعضهم منه القول بدليل الخطاب، وهو أَخْذُ من لم يعرف دليل الخطاب، فإن دليل الخطاب إنما يفيد أنه لا يدخل النار، وابن مسعود لم يقل إنه يدخل الجنة من دليل الخطاب، بل من جهة أنه ليس ثم إلا جنة أو نار، فإذا انتفت إحداهما وجبت الأخرى. قال الأبي: يُريد أن دليل الخطاب المسمى بمفهوم المخالفة، هو إثبات نقيض الحكم المنطوق للمسكوت عنه، والمسكوت من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، ونقض الحكم المذكور الثابت له أن لا يدخل النار، وهو أعم من دخول الجنة، فابن مسعود لم يقل إنه يدخل الجنة بالمفهوم بل بواسطة ما ذكر، والمفهوم لا يتوقف على واسطة نحو في الغنم السائمة الزكاة، فمفهومه أن المعلوفة لا زكاة يها دون وقف على شيء، قال النووي: والأحسن أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لثبوته في حديث جابر، لكنه نسيه حين التحديث، فنسبه إلى ما ذكر اهـ. وعبارة المفهم هنا: وأما قول ابن مسعود (وقلت أنا ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) يعني بذلك أنه لم يسمع هذا اللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم نصًّا، وإنما استنبطه استنباطًا من الشريعة، فإما من دليل خطاب قوله صلى الله عليه وسلم "من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" أو من ضرورة انحصار الجزاء في الجنة والنار، أو من غير ذلك، وبالجملة فهذا الذي لم يسمعه ابن مسعود من النبي صلى الله عليه وسلم هو

173 - (88) (11) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حق في نفسه، وقد رواه جابر في الحديث بعد هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي: وأما حكمه على من مات يشرك بدخول النار، ومن مات غير مشرك بدخول الجنة، فقد أجمع عليه المسلمون، فأما دخول المشرك النار فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان، وسائر الكفرة ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام، وبين من انتسب إليها ثم حُكم بكفره بجحده ما يُكفر بجحده، وغير ذلك. وأما دخول من مات غير مشرك الجنة، فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولًا، وإن كان صاحب كبيرة، مات مصرًا عليها فهو تحت المشيئة، فإن عُفي عنه دخل أولًا، وإلا عُذب ثم أُخرج من النار، وخُلد في الجنة. والله تعالى أعلم. انتهى. وهذا الحديث أعني حديث ابن مسعود شارك المؤلف في روايته البخاري، فإنه رواه في الجنائز، وفي التفسير، وفي الإيمان والنذور، والنسائي فإنه رواه في التفسير في الكبرى في مواضع والله أعلم. وإنما اختار المؤلف في الاستدلال حديث ابن مسعود على حديث جابر الآتي، مع ما فيه من الاختلاف في الوصل والإرسال، لأنه أصح من حديث جابر، لأنه من المتفق عليه، وحديث جابر انفرد به مسلم عن البخاري، وغيره من أصحاب الأمهات، فلم يشاركه إلا أحمد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: (173) - ش (88) (11) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحهدة مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة صاحب تصانيف من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، لأن الراويين ثقتان (قالا) أي قال كلٌّ من أبي بكر وأبي كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: "أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَال: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ النَّارَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خازم بمعجمتين التميمي السعدي، مولى أسعد بن زيد مناة، الضرير الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (195) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم، الإسكاف المكي، نزيل واسط، صدوق من الرابعة، وقال أبو بكر البزار: هو في نفسه ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي بفتحتين، أبي عبد الله المدني، مات بالمدينة سنة (79) وله (94) سنة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، وواحد مكي، وواحد مدني. (قال) جابر (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) لم أر من ذكر اسمه (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله ما الموجبتان؟ ) أي موجبة الجنة، وموجبة النار، أي ما الخصلة الموجبة للجنة، والخصلة الموجبة للنار، وقال القرطبي: قوله (ما الموجبتان) هو سؤال من سمعهما ولم يدرِ ما هما؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما الإيمان والشرك، وسُميا بذلك لأن الله تعالى أوجب عليهما ما ذكره من الخلود في الجنة أو في النار اهـ. (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) ابتداءً، أو بعد المجازاة، أي من مات لا يتخذ معه شريكًا في الإلهية ولا في الخلق، ولا في العبادة، ومن المعلوم من الشرع، المجمع عليه من أهل السنة، أن من مات على ذلك فلا بد له من دخول الجنة، وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة (ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار) دخولًا مؤبدًا خالدًا فيها مخلدًا، أي ومن المعلوم من الأدلة الشرعية أن من مات على الشرك لا يدخل الجنة، ولا يناله من الله تعالى رحمة، ويُخلد في النار أبد الآباد من غير انقطاع عذاب، ولا تصرم آباد، وهذا معلوم من الدين مجمع عليه بين المسلمين.

174 - (00) (00) وحدّثني أَبُو أَيُّوبَ الْغَيلانِيُّ، سُلَيمَانُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أبِي الزُّبَيرِ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث أعني حديث جابر انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات وشاركه أحمد فرواه (3/ 391 - 392) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: (174) - متا (. . .) (. . .) (وحدثني أبو أيوب الغيلاني سليمان بن عبيد الله) بن عمرو بن جابر المازني الغيلاني البصري، روى عن أبي عامر العقدي في الإيمان، والحج، والدعاء، وبهز بن أسد في الحج، ويروي عنه (م س) وجعفر بن أحمد بن سنان، ووثقه النسائي، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (246) ست وأربعين ومائتين. (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي، أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر) الحافظ الرحال ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (259) تسع وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن الغيلاني صدوق فقواه بالحجاج (قالا) أي قال كل من أبي أيوب وحجاج بن الشاعر (حدثنا عبد الملك بن عمرو) بن قيس أبو عامر العقدي، القيسي البصري، نسب إلى العقد، لأنه مولى الحارث بن عباد من بني قيس بن ثعلبة، من بكر بن وائل، ثقة من التاسعة، مات سنة (204) أربع أو خمس ومائتين، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا، قال عبد الملك (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي أبو خالد البصري، ثقة ضابط من السادسة، مات سنة (155) خمس وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابا تقريبًا. (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس القرشي مولاهم، مولى حكيم بن حزام المكي، صدوق إلا أنه يدلس، من الرابعة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (حدثنا جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري، أبو عبد الله المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد مكي، وواحد مدني، إلا حجاج بن الشاعر فإنه بغدادي، وغرضه بسوق هذا

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ". قَال أَبُو أَيُّوبَ: قَال أَبُو الزَّبَيرِ: عَنْ جَابِرٍ. 175 - (00) (00) (وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السند بيان متابعة أبي الزبير لأبي سفيان في رواية هذا الحديث عن جابر، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (قال) جابر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لقي الله) ولقاء الله كناية عن الموت، أي من مات حالة كونه (لا يشرك به) سبحانه وتعالى (شيئًا) من المخلوق (دخل الجنة) ابتداءً، أو بعد المجازاة (ومن لقيه) سبحانه وتعالى أي من مات حالة كونه (يشرك به) سبحانه وتعالى (دخل النار) دخولًا مؤبدًا. قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى (قال) لنا (أبو أيوب) الغيلاني (قال) لنا (أبو الزبير) المكي، حينما حدث لنا هذا الحديث لفظة (عن جابر) بالعنعنة، وأما الذي قال: حدثنا جابر بن عبد الله فهو حجاج بن الشاعر، وأتى بهذه الجملة تورعًا من الكذب على أبي أيوب، لأنه لم يقل حدثنا جابر، ولو لم يأتِ بها لأوهم أنه قال: حدثنا جابر بصيغة السماع والله أعلم. قال النواوي: وأما قوله "قال أبو أيوب قال أبو الزبير عن جابر" فمراده أن أبا أيوب وحجاجًا اختلفا في عبارة أبي الزبير عن جابر، فقال أبو أيوب: عن جابر، وقال حجاج: حدثنا جابر، فأما حدثنا فصريحة في الاتصال، وأما عن فمختلفٌ فيها، فالجمهور على أنها للاتصال كحدثنا، ومن العلماء من قال: هي للانقطاع، ويأتي فيها ما قدمناه، إلا أن هذا على هذا المذهب يكون مرسل تابعي انتهى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: (175) - متا (. . .) (. . .) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي، أبو يعقوب المروزي ثم النيسابوري، ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (251) إحدى وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، قال

أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ) قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إسحاق (أخبرنا معاذ) بن هشام بن أبي عبد الله واسمه سنبر الدستوائي أبو عبد الله البصري، نزيل اليمن، صدوق ربما وهم، من التاسعة، مات سنة مائتين (200) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، وأتى المؤلف بقوله (وهو ابن هشام) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه، بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي الربعي، أبو بكر البصري، ثقة ثبت، من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس القرشي مولاهم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم بصريان، وواحد مروزي، وواحد مكي، وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشام الدستوائي لقرة بن خالد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال) من لقي الله لا يشرك به شيئًا. . . الحديث، وقوله (بمثله) جار ومجرور متعلق بقوله حدثني، لأنه العامل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى قرة بن خالد، وزاد الباء هنا في قوله بمثله تأكيدًا للمماثلة، لأن العرب لا تزيد شيئًا بلا فائدة، والمعنى حدثني أبي هشام، وساق بمثل حديث قرة عن أبي الزبير والله أعلم.

49 - (8) باب: ارتكاب المؤمن الكبائر لا يخرجه عن الإيمان ولا يمنعه من دخول الجنة

49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ 176 - (89) (12) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 49 - (8) بَابُ: ارْتِكَابِ الْمُؤْمِنِ الْكَبَائِرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الإِيمَانِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان أن ارتكاب المؤمن، وفعله الكبائر وإكثاره منها، لا يخرجه عن الملة، ولا عن زمرة أهل الإيمان ولا يمنعه ارتكابها دخول الجنة أولًا، إن أدركه عفو الله تعالى وإلا فبعد المجازاة عليها، ولم يترجم لهذا الحديث أحد من الشراح إلا القرطبي في مختصره، والأولى وضع ترجمة مستقلة له، كما وضعناها، لأن في منطوقه حكمًا لا يدخل تحت الترجمة السابقة والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد استدل المؤلف عليها فقال رحمه الله تعالى: (176) - س (89) (12) (وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي، أبو موسى البصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري، المعروف ببندار، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) إشارة إلى أن محمد بن المثنى صرح بصيغة الاتصال، وأما ابن بشار فروى بصيغة العنعنة، أي حدثنا محمد بن جعفر الهذلي مولاهم، أبو عبد الله البصري، المعروف بغندر، ثقة إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا، قال ابن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي، أبو بسطام البصري، إمام الأئمة، وهو أول من تكلم في رجال الحديث، ثقة حافظ متقن، من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في (30) بابًا تقريبًا (عن واصل) بن حيان (الأحدب) الأسدي، الإمام الكوفي بياع السابري، وهو ثوب رقيق جيد، نسبة إلى سابور، وهي كورة في بلاد فارس اهـ م ج. روى عن المعرور بن سويد في الإيمان وحق المملوك، وأبي وائل في الصلاة،

عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ، فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئا دَخَلَ الْجَنَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإبراهيم النخعي في الوضوء، وعبد الله بن أبي الهُذيل في الفضائل وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبة ومهدي بن ميمون، ومسعر، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، ومغيرة بن مقسم، وأبو إسحاق الشيباني، وجرير بن حازم، وجماعة، وثقه أبو داود، وقال في التقريب: ثقة ثبت من السادسة، مات سنة (120) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب (عن المعرور) بمهملات بوزن مكحول (بن سويد) مصغرًا، الأسدي أبي أمية الكوفي، روى عن أبي ذر في الإيمان والزكاة وحق المملوك والدعاء، وعبد الله بن مسعود في القدر، وعمر وخُريم بن فاتك، وأم سلمة، ويروي عنه (ع) وواصل الأحدب، والأعمش، والمغيرة بن عبد الله اليشكري، وعاصم بن بهدلة وغيرهم، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، وعاش (120) مائة وعشرين سنة، وهو أسود الرأس واللحية، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب (قال) المعرور (سمعت أبا ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني، الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، واثنان كوفيان وواحد مدني. قال النووي: وأما المعرور فهو بفتح الميم وإسكان العين المهملة، وبراء مهملة مكررة، ومن طرف أحواله، أن الأعمش قال: رأيت المعرور وهو ابن مائة وعشرين سنة؛ أسود الرأس واللحية، وأما أبو ذر، فتقدم أن اسمه جُندب بن جنادة على المشهور، وقيل غيره اهـ. أي قال المعرور: سمعت أبا ذر حالة كونه (يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (قال أتاني) أي جاءني (جبريل) الأمين (- عليه السلام - فبشرني أنه) أي أن الشأن والحال (من مات من أمتك) أمة الإجابة، حالة كونه (لا يشرك بالله) سبحانه وتعالى (شيئًا) من المخلوق في ألوهيته وربوبيته، أي بشرني بأن من مات من أمتك غير مشرك بالله تعالى شيئًا (دخل الجنة) أولًا، إن لم يرتكب الكبائر، أو أدركه العفو، وإلا فبعد المجازاة والعقوبة عليها. قال القرطبي: قوله عليه الصلاة والسلام "أتاني جبريل فبشرني" الحديث يدل على

قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر أمته، وتعلق قلبه بما يُنجيهم، وخوفه عليهم، ولذلك سكن جبريل قلبه بهذه البشرى، وهذا نحو من حديث عمرو بن العاص الذي قال فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم - عليه السلام - {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وقول عيسى - عليه السلام - {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وبكى وقال: "ربِّ أمتي أمتي" فنزل عليه جبريل فقال له مخبرًا عن الله تعالى: "إن الله سيرضيك في أمتك ولا يسوؤك" رواه مسلم برقم (202)، وهذا منه صلى الله عليه وسلم مقتضى ما جبله الله تعالى عليه من الخلق الكريم، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم اهـ. وقوله (لا يشرك بالله شيئًا) معناه بحكم أصل الوضع، لا يتخذ معه شريكًا في الألوهية ولا في الخلق كما قدمناه، لكن هذا القول قد صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي ألا ترى أن من وحد الله تعالى ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينفعه إيمانه بالله تعالى ولا توحيده، وكان من الكافرين بالإجماع القطعي اهـ منه. قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق قال) صلى الله عليه وسلم لأبي ذر نعم يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب الكبائر كلها، لأن عنده حجة الجنة الذي هو الإيمان. قال النواوي: وهذا حجة لأهل السنة، أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وخُتم لهم بالخلود في الجنة اهـ. وقال القاضي: قوله (وإن زنى وإن سرق) هذا على ما تقدم من أن الذنوب لا توجب التخليد في النار، وأن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة حتمًا، لكن من له ذنوب في مشيئة الله تعالى، من معاقبته عليها أو عفوه، ثم لا بد له من دخول الجنة اهـ. وقال الأبي: قوله "وإن زنى وإن سرق" قال ابن مالك لا بد هنا من تقدير أداة الاستفهام، أي أَوَ إن زنى وسرق يدخل الجنة؟ وقدره غيره أيدخل الجنة وإن زنى وسرق وتكون الجملة حالًا، وترك ذكر الجواب تنبيهًا لمعنى الإنكار اهـ.

177 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَال: حَدَّثَنِي حُسَين الْمُعَلِّمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أيضًا: وفيه أن الكبائر لا تُحبط الأعمال، لأن القائل بالإحباط يحيل دخول الجنة لمن هذه صفته اهـ. وهذا الحديث أعني حديث أبي ذر شارك المؤلف في روايته أحمد والبخاري وأبو داود، رواه أحمد (5/ 61) والبخاري (2388) وأبو داود (2646). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (177) - متا (. . .) (. . .) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بفتح المهملتين بعدهما معجمة مولاهم، أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا (وأحمد) بن الحسن (بن خراش) بكسر المعجمة وفتح الراء، نُسب إلى جده لشهرته به الخراساني، أبو جعفر البغدادي، روى عن عبد الصمد بن عبد الوارث، وعمرو بن عاصم وعمر بن عبد الوهاب الرياحي، وأبي عامر العقدي، وشبابة بن سوار، وأبي معمر، وحبان بن هلال، ومسلم بن إبراهيم وغيرهم، ويروي عنه (م ت) وعبد الله بن أحمد والسراج وجماعة، وثقه الخطيب، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، وله ستون (60) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين والوضوء والحج والنكاح والاستثذان، والجهاد في موضعين، والبر والصلة والطب فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (قالا) أي قال كل من زهير وأحمد بن خراش (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم، أبو سهل البصري، صدوق ثبت من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين، روى المؤلف عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال عبد الصمد (حدثنا أبي) عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري، أبو عبيدة البصري، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب. (قال) عبد الوارث (حدثني حسين) بن ذكوان (المعلم) المُكْتِبُ العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو بعدها معجمة مكسورة، الإمام البصري، ثقة ربما وهم من

عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ؛ أَنْ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ حَدَّثَهُ؛ أَن أَبَا الأسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ؛ "أَن أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ، عَلَيهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ أَتَيتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ السادسة، مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (عن) عبد الله (ابن بريدة) بن الحُصيب الأسلمي، أبي سهل البصري، أخي سليمان، كانا توأمين ولد عبد الله قبل سليمان، ثقة من الثالثة، مات سنة (115) خمس عشرة ومائة، وله (100) مائة سنة، قال ابن معين والعجلي وأبو حاتم: ثقة، وقال ابن خراش: صدوق كوفي نزل البصرة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (أن يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة وبضم الميم أيضًا، القيسي الجندلي بفتح الجيم أبا سليمان البصري، ثقة فصيح وكان يرسل، من الثالثة، مات قبل المائة بخراسان، وقيل: بعدها، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب (حدثه) أي حدث لعبد الله بن بريدة (أن أبا الأسود) ظالم بن عمرو على المشهور، وقيل: اسمه عمرو بن ظالم، وقيل: عثمان بن عمرو، وقيل: عمرو بن سفيان، وقيل: عويمر بن ظُوَيلم، وهو أول من تكلم في النحو، وولي قضاء البصرة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (الديلي) البصري -بكسر الدال وإسكان الياء- نسبة إلى بني الدِّيل، بطن من كنانة، هكذا يقول المحدثون، وأما أهل العربية فيقولون فيه (الدُّؤلي) بضم الدال بعدها همزة مفتوحة بعدها لام مكسورة - على وزان الجهني، وأطال النواوي الكلام فيه فراجعه، وأما نحن فاختصرنا الكلام فيه، لأنه ليس مهمًا هنا، ثقة فاضل مخضرم، مات سنة (69) تسع وستين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، (حدثه) أي حدث ليحيى بن يعمر (أن أبا ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني، الصحابي الجليل الزاهد (حدثه) أي حدث لأبي الأسود الديلي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الأسود للمعرور بن سويد في رواية هذا الحديث عن أبي ذر، وكرر متن الحديث، لما في هذه الرواية من المخالفة للراوية الأولى، وهذا السند من ثمانياته، رجاله ستة منهم بصريون، وواحد مدني، وواحد إما نسائي أو بغدادي، ومن لطائفه أن ثلاثةً من رجاله تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهم ابن بريدة ويحيى بن يعمر وأبو الأسود الديلي (قال) أبو ذر في تحديثه لأبي الأسود، وجملة القول بدل من جملة حدثه (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) وجئته (وهو نائم) أي والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم نائم راقد (عليه) صلى الله عليه وسلم (ثوب أبيض) أي ذو بياض، وذِكْرُ مثل هذا الكلام إشعار بتيقن الواقعة، والتثبت فيها (ثم أتيته)

فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيتُهُ وَقَدِ اسْتَيقَظَ، فَجَلَسْتُ إِلَيهِ. فَقَال: مَا مِنْ عَبْدٍ قَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ قُلْتُ: وَإنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ثَلاثًا. ثُمَّ قَال فِي الرَّابِعَةِ: عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ. قَال، فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (نائم) أيضًا وإذا فجائية، أي ثم أتيته ثانيًا ففاجأني نومه (ثم أتينه) ثالثة (وقد استيقظ) أي والحال أنه قد تيقظ وانتبه من نومه (فجلست إليه) أي فدخلت عليه، وجلست عنده (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من عبد) من عباد الله، وكذا الأمة لأن النساء شقائق الرجال (قال) ذلك العبد (لا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله، معتقدًا معناه، جازمًا به (ثم مات على ذلك) التوحيد (إلا دخل) ذلك العبد (الجنة) أولًا، إن لم يكن له ذنب، أو غفر له، أو بعد المجازاة والعقوبة إن كان له، ولم يدركه العفو، قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب غيرهما من الكبائر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب الكبائر، قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق قال) صلى الله عليه وسلم ثانيًا نعم يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وارتكب الكبائر، قال أبو ذر كررت السؤال له ثلاث مرات، وقال لي ذلك الجواب (ثلاثًا) أي قال لي يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق ثلاث مرات (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) المرة (الرابعة) يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق (على رغم) وذل (أنف أبي ذر) لوقوعه مخالفًا لما يريد ويظن، وقيل معناه: على كراهةٍ منه، وإنما قال أبو ذر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لاستبعاده العفو عن الزاني السارق، المنتهك لحرمات الله تعالى واستعظامه، وتصور أبي ذر بصورة الكاره الممانع، وإن لم يكن ممانعًا، وكان ذلك من أبي ذر لشدة نفرته من معصية الله تعالى وأهلها. (قال) أبو الأسود حاكيًا عن حال أبي ذر أو قال أبو ذر على سبيل التجريد (فخرج أبو ذر) من عنده صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أن أبا ذر (يقول) يدخل الجنة (وإن رغم) وذل ولصق بالتراب (أنف أبي ذر) وكره واستبعد دخوله، حكاية لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (عليه ثوب أبيض) قيل ذكره لتحقيق الرواية، لأن تحققها أثبت للسامع، والاستثناء في قوله (إلا دخل الجنة) مُفرغ، أي ليس لمن مات مؤمنًا حال سوى دخول الجنة وتكرير أبي ذر قوله (وإن زنى وإن سرق) استبعادٌ وتعجبٌ من دخول الجنة مع اتصافه بما ذكر من الزنا والسرقة، وإنما استبعده لحديث "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" المتفق عليه. وقوله (على رغم أنف أبي ذر) الرَّغم مصدر في رائه ثلاث حركات: الفتح والضم والكسر، وروي في الحديث بفتح الراء، وهو مصدر رَغم بفتح الغين، من باب فتح، وكسرها من باب فَهِم، مأخوذ من الرَّغام -بفتح الراء- وهو التراب، يقال: أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب، ورَغِم أنفي لله أي خضع وذل فكأنه لصق بالتراب، قال الأبي: وهذا معنى اللفظ لغة، ثم استعمل مجازًا مرسلًا في الذل، فأرغم الله أنفه معناه: أذله الله، من إطلاق السبب الذي هو الإلصاق بالتراب على المسبب الذي هو الذل، والمعنى: أي وإن خالف دخوله الجنة سؤال أبي ذر واعتقاده واستعظامه الغفران للمذنبين، وترداده السؤال عن ذلك، فأشبه من أُرغم بما لا يريد ولا يظن ذلًا وقهرًا، أو مجازًا بالاستعارة، فحذف المشبه، وأقيم المشبه به مقامه، ثم اشتق منه رَغم على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، وقيل إنه مأخوذ من المراغمة، وهي المغاضبة والاضطراب والتحير، ومنه قوله تعالى {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]، أي مهربًا واضطرابًا فالمعنى على الأول وإن ذل أنف أبي ذر، وعلى الثاني وإن اضطرب وغضب وتحير. قال القاضي: وكل هذا على وجه المجاز والإغياء "النهاية" في الكلام، وإلا فأبو ذر لا يكره أن يرحم الله عباده. وإنما واجه النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بهذه الكلمات، لما فهم عنه من استبعاده دخول من زنى ومن سرق الجنة، وكان وقع له هذا الاستبعاد بسبب ظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" الحديث، ومما هو في معناه فردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الوهم وأنكره، وكان هذا الحديث نصًّا صريحًا في الرد على المكفرة بالكبائر كما مر، وخروج أبي ذر قائلًا "وإن رغم أنف أبي ذر" رجوع منه عما كان وقع له من ذلك الاستبعاد، وانقياد للحق لما تبين له اهـ قرطبي وأبي بتصرف وزيادة.

50 - (9) باب: الاكتفاء بظاهر الإسلام، وترك البحث عما في القلوب، وتحريم قتل الإنسان بعد أن قال: لا إله إلا الله

50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ 178 - (90) (13) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 50 - (9) بَابُ: الاكْتِفَاءِ بِظَاهِرِ الإِسْلام، وَتَرْكِ الْبَحْثِ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَتَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ بَعْدَ أَن قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أي بابُ وجوب الاكتفاء والاجتزاء بالإسلام الظاهر من الإنسان بنطق الشهادتين في عصمة دمه وماله، وجريان أحكام الإسلام عليه، وترك البحث عما في قلبه من الاعتقاد، هل هو جازم أم لا، وبيان تحريم قتل الإنسان بعد أن أقر بالشهادتين، ولو في حالة الخوف، حكمًا عليه بظاهر إقراره، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على هذه الترجمة فقال: (178) - س (90) (13) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم، أبو الحارث المصري، ثقة من السابعة، مات في شعبان سنة (175) خمس وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في خمسة عشر بابًا تقريبًا. فائدة: ليث بن سعد: هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية، مولده بقرية فشندة، وهي الآن قلقشندة، من أعمال القليوبية، سنة ثلاث وتسعين، سمع عطاء بن أبي رباح، وابن شهاب الزهري، وهشام بن عروة، وخلقًا كثيرًا، وروى عنه خلقٌ كثيرٌ منهم ابن المبارك وابن لهيعة، قال ابن وهب: كل ما كان في كتب مالك، وأخبرني من أرضى من أهل العلم، فهو الليث بن سعد، وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: الليث أتبع للأثر من مالك، مات سنة (175) خمس وسبعين ومائة اهـ الطبقات الكبرى 7/ 517، تاريخ بغداد 13/ 27، سِير 8/ 1360. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم أبو عبد الله المصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات بمصر سنة (242) روى عن

(وَاللَّفْظُ مُتَقَارِبٌ) أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الليث بن سعد في الإيمان وغيره، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف سماع شيخيه، لأن قتيبة قال حدثنا ليث، وابن رمح قال أخبرنا الليث، وقوله (واللفظ) أي لفظ حديثهما (متقارب) أي حديثهما منشابه في بعض الألفاظ، وبعض المعاني، هو بمعنى قوله في بعض المواضع حدثنا فلان بنحو حديث فلان، قال ابن رمح (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، ثقة حافظ متقن، من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا (عن عطاء بن يزيد الليثي) من أنفسهم أبي يزيد المدني، ثقة من الثالثة، مات سنة (107) خمس أو سبع ومائة، وقد جاوز الثمانين (80) روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا (عن عبيد الله بن عدي بن الخيار) بكسر المعجمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي المدني، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقُتل أبوه ببدر، وكان هو في الفتح مميزًا، فعُدَّ في الصحابة لذلك، وعده العجلي وغيره في ثقات التابعين، روى عن المقداد بن الأسود في الإيمان، وعمر وعثمان وعلي، ويروي عنه (خ م د س) وعطاء بن يزيد الليثي، وجعفر بن أمية الضمري مات في آخر خلافة الوليد بن عبد الملك سنة تسعين (90) ومات الوليد سنة اثنتين وتسعين (92) (عن المقداد) بن عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي المدني، وكان في حجر الأسود بن عبد يغوث الكندي، فتبناه الأسود فنسب إليه، وقيل له المقداد (بن الأسود) وكان عمرو أبو المقداد حليف كندة، فلذلك قيل له الكندي، وكان المقداد يُعد في أهل الحجاز، يُكنى أبا الأسود، وكان له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم له اثنان وأربعون حديثًا، روى عنه عبيد الله بن عدي بن الخيار في الإيمان، وعلي بن أبي طالب في الوضوء، وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الأطعمة، وسُليم بن عامر في صفة الحشر، وأنس بن مالك، وابن عباس، وهمام بن الحارث وسليمان بن يسار، و (ع) وغيرهم، مات بالجُرُف سنة (33) ثلاث وثلاثين، وحُمل على رقاب الرجال إلى المدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وكان له يوم مات نحو من سبعين (70) سنة، وكان فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وليس عندهم من اسمه المقداد إلا هذا الصحابي الجليل.

أَنَّهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَاتَلَنِي، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَال: أَسْلَمْتُ لِلهِ، أَفَأقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بَعْدَ أَنْ قَالهَا؟ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْتُلْهُ قَال: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ قَال ذلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا، أَفَاقْتُلُهُ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَال" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، واثنان مصريان، أو مصري وبغلاني، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي وهو عبيد الله بن عدي عن صحابي وهو المقداد بن الأسود، وسيأتي بسط الكلام في المقداد إن شاء الله تعالى قريبًا. (أنه) أي أن المقداد بن الأسود (أخبره) أي أخبر لعبيد الله بن عدي (أنه) أي أن المقداد (قال يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إن لقيت) وقابلت (رجلًا من الكفار) الأعداء (فقاتلني) أي فقاتل معي (فضرب إحدى يدي) أي إحدى اليدين لي (فقطعها ثم لاذ) واعتصم وتحصن (مني بشجرة) واحتجب مني بها (فقال أسلمت لله) أي استسلمت نفسي لله تعالى، وآمنت به، وانقدت لأوامره وشرائعه وقبلتها (1) أضربه بسيفي (فأقتله يا رسول الله بعد أن قالها) أي بعد أن قال كلمة الإسلام، وأقر بالشهادتين لعدم صحة إسلامه، أم أتركه لصحة إسلامه، وعصمة دمه بكلمة الإسلام (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤالي (لا تقتله) ولا تزعجه، لكونه معصوم الدم بكلمة الإسلام (قال) المقداد (فقلت يا رسول الله إنه) أي إن ذلك الرجل الكافر (قد قطع يدي) وأبانها مني (ثم قال ذلك) الكلام، أي قال كلمة أسلمت لله (بعد أن قطعها) أي بعد أن قطع يدي (أ) أضربه بالسيف (فأقتله) أم أتركه لكونه معصوم الدم بكلمة أسلمت لله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) تقربه ولا (تقتله فإن) أبيت و (قتلته فإنه) أي فإن ذلك الرجل الذي قال كلمة الإسلام ثم قتلته (بمنزلتك قبل أن تقتله) في عصمة الدم، إذ قد نطق بما يوجب عصمته من كلمتي الإسلام (وإنك) يا مقداد (بمنزلته) أي بمنزلة ذلك الرجل (قبل أن يقول كلمته التي قالـ) ـها التي هي كلمة الإسلام، في كونك غير معصوم الدم معرضًا للقصاص، وقيل: أنت بمنزلته في استحقاق مُطلق الإثم، وإن اختلف بسببه هو في المقداد إثم مقصرٍ في الاجتهاد، وفي الرجل إثم كافر كما سيأتي بسط الخلاف فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (أرأيت إن جاء رجل من الكفار فقاتلني) فيه دليل على جواز السؤال عن أحكام النوازل قبل وقوعها، وقد روي عن بعض السلف كراهية الكلام في النوازل قبل وقوعها، وهذا إنما يُحمل على ما إذا كانت المسائل مما لا تقع، أو تقع نادرًا، فأما ما يتكرر من ذلك ويكثر وقوعه، فيجب بيان أحكامها على من كانت له أهلية ذلك، إذا خيف الثغور "خلو الزمان" عن المجتهدين والعلماء في الحال، أو في الاستقبال، كما قد اتفق عليه أئمة المسلمين من السلف، لما توقعوا ذلك فرعوا الفروع ودونوها، وأجابوا عما سُئلوا عنه من ذلك، حرصًا على إظهار الدين وتقريبًا على من تعذرت عليه شروط الاجتهاد من اللاحقين اهـ قرطبي. قال الأبي: قال ابن المنير: كان الإمام مالك لا يُجيب في مسألة حتى يسأل، فإن قيل نزلت أجاب، وإلا أمسك عن الجواب، ويقول: بلغني أن المسألة إذا نزلت أُعين عليها المتكلم، وإلا خُذل المتكلف، ولذا كان أصل مذهبه إنما هي أجوبة لا مسائل مرتبة، ومن ثم صعب مذهبه. قلت: وزاده صعوبة ما اتسع فيه أهل مذهبه من التفريعات والفروض، حتى إنهم فرضوا ما يستحيل وقوعه عادةً، فقالوا: ولو وطئ الخنثى نفسه فوُلد له هل يرث بالأبوة أو بالأمومة، وأنه لو تزايد له ولد من ظهره، وآخر من بطنه لم يتوارثا لأنهما لم يجتمعا في ظهرٍ ولا بطنٍ، وفرضوا مسألة الستة حملاء، واجتماع عيد وكسوف، مع أنه يستحيل عادة، واعتذر عن ذلك بعضهم بأنهم فرضوا ما يقتضيه الفقيه بتقدير الوقوع، ورده المازري: بأن تقدير الخوارق ليس من شأن الفقهاء اهـ أبي. قال السنوسي: ولو اشتغل الإنسان بما يخصه من واجب ونحوه، ويتعلم أمراض قلبه وأدويتها، وإتقان عقائده، والتفقه في معنى القرآن والحديث، لكان أزكى لعمله، وأضوأ لقلبه، لكن النفوس الردية وإخوتها من شياطين الإنس والجن لم تترك العقل أن ينفذ لوجه مصلحة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم اشغلنا بك عما سواك، واقطع عنا كل قاطع يقطعنا عنك يا أرحم الراحمين انتهى. وقوله (لاذ مني بشجرة) أي استتر، يقال: لاذ يلوذ لواذًا، إذا استتر، والملاذ ما يستتر به وقوله (أسلمت لله) أي دخلت في دين الإسلام، وتدينت به، وفيه دليل على أن كل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من صدر منه أمر ما يدل على الدخول في دين الإسلام، من قول أو فعل حُكم له بذلك الإسلام وأن ذلك ليس مقصورًا على النطق بكلمتي الشهادة، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد؛ وهم يقولون صبأنا صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" رافعًا يديه إلى السماء، ثم وَدَاهم، رواه أحمد والبخاري والنسائي من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. والتعبير بأسلمت في هذه الراوية، يحتمل أنه من راوي قول المقداد، لقول المقداد في الطريق الثاني فقال لا إله إلا الله فيكون نقلًا بالمعنى، ويحتمل أنه من تعبير المقداد فيحتج به للدخول في الإسلام، بكل ما يدل على الدخول فيه من قول أو فعل، مما يتنزل منزلة النطق بالشهادتين. قوله (أفأقتله) سأل لظنه أن الإسلام خوف السيف لا ينفع، فأخبره صلى الله عليه وسلم أن الحكم على الظاهر، ولعل المقداد لم يكن سمع حديث "أُمرت أن أقاتل الناس" اهـ أبي. قوله (فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) قال بعضهم معناه: قتلت مؤمنًا مثلك، لأن الكلمة عَصَمت دمه، وأنت بمنزلته إذ لعله كان يُخفي إيمانه من قوم كفار، وأُخرج كرهًا، وقطعَ يدك متأولًا جواز ذلك في الدفع عن نفسه، كما كنت أنت بمكة تُخفي إيمانك، وأخرج أهل مكة من معهم من المسلمين كرهًا، وتأولت جواز قتله بعد أن قال كلمته. ويشهد لهذا التأويل ما في البخاري من زيادة "وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد إذ كان يُخفي إيمانه بين قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتله، كذلك كنت أنت بمكة تُخفي إيمانك بين قوم كفار. قوله (وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) ظاهره في الكفر، وليس ذلك بصحيح، لأنه إنما قتله متأولًا أنه باق على كفره، فلا يكون قتله كبيرة، وإذا لم يكن قتله كبيرة لم يصح لأحد، وإن كان مكفرًا بالكبائر، أن يقول هذا كفر بوجه، فدل ذلك على أنه متأول، وقد اختلف في تأويله، فقال أبو الحسن بن القصار: هو مثله، في كونه غير معصوم الدم، معرضًا للقصاص.

179 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي رحمه الله تعالى: وهذا ليس بشيء، لانتفاء سبب القصاص، وهو العمد العدوان، وذلك منتف هنا قطعًا، لأن المقداد تأول ما تأوله أسامة بن زيد، أنه قال ذلك خوفًا من السلاح، ألا ترى قول المقداد إنه قد قطع يدي ثم لاذ مني بشجرة، فلما أهويت لأقتله قال لا إله إلا الله، غير أن هذا التأويل لم يُسقط عنهما التوبيخ والذم، ولا توقع المطالبة بذلك في الآخرة، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم لأسامة: "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة" وكرر ذلك عليه، ولم يستغفر له مع سؤال أسامة ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لم يسقط عنه التوبيخ والتأثيم، وإن كان متأولًا لأنه أخطأ في تأويله، وعلى هذا يمكن أن يُحمل قوله "إنك بمنزلته قبل أن تقتله" على أنه بمنزلته في استحقاق الذم والتأثيم، ويكون هذا هو التأويل الثاني فيه، غير أن الاستحقاق فيها مختلف، فإن استحقاق المقداد لذلك، استحقاق مؤمن مقصر في الاجتهاد، والآخر استحقاقه استحقاق كافر، وإنما وقع التشبيه بينهما في مجرد الاستحقاق فقط والله أعلم. التأويل الثالث: أنه بمنزلته في إخفاء الإيمان، أي لعله كان ممن يُخفي إيمانه بين الكفار، فأخرج مكرهًا، كما كنت أنت بمكة إذ كنت تُخفي إيمانك، ويعتضد هذا التأويل بما زاده البخاري في هذا الحديث، من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال للمقداد "إذا كان مؤمنٌ يُخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته كذلك كنت تُخفي إيمانك بمكة". وهذا الحديث أعني حديث المقداد بن الأسود شارك المؤلف في روايته أحمد والبخاري وأبو داود، رواه أحمد (6/ 4 - 6) والبخاري (4019) وأبو داود (2644). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المقداد رضي الله تعالى عنه فقال: (179) - متا (. . .) (. . .) (حدثنا (سحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي، أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ مجتهد، من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا. (وعبد بن حميد) بن نصر الكَسِّيُّ، نسبة إلى مدينة فيما وراء النهر، أبو محمد، ثقة

قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصَارِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمِ، عَنِ الأَوْزَعيِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (249) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كلٌّ من إسحاق وعبد (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (211) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب (قال) عبد الرزاق (أخبرنا معمر) -بسكون ثانيه- بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، ثقة ثبت فاضل، من كبار السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق بن موسى) بن عبيد الله بن موسى بن عبد الله (الأنصاري) الأوسي، الخطمي أبو موسى المدني، ثم الكوفي، روى عن الوليد بن مسلم في الإيمان والجهاد، ومعن بن عيسى في الوضوء وغيره، وأنس بن عياض في ذكر الجن والقدر، وابن عيينة، وابن وهب وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وابنه موسى، وابن خزيمة، وكان أبو حاتم يُطنب القول فيه، وفي صدقه وإتقانه، ووثقه النسائي والخطيب وقال في التقريب: ثقة متقن من العاشرة، مات بأرض حمص راجعًا من الحج سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب الإيمان والوضوء وذكر الجن وفي القدر، قال إسحاق (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم، أبو العباس الدمشقي ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة مات سنة (195) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (عن) عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمد (الأوزاعي) أبي عمرو الشامي، ثقة مأمون فاضل فقيه، من السابعة، مات في الحمام سنة (157) روى عنه المؤلف في اثني عشر يابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا. قال محمد بن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، قال عبد الرزاق

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا الأوزَاعيُّ وَابْنُ جُرَيجٍ فَفِي حَدِيثِهِمَا قَال: أَسْلَمْتُ لِلهِ. كَمَا قَال اللَّيثُ فِي حَدِيثِهِ. وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَفِي حَدِيثِهِ: فَلَمَّا أَهْوَيتُ لأَقْتُلَهُ قَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم، أبو الوليد المكي، الفقيه المشهور، ثقة فقيه، وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة (150) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه التحويلات بيان كثرة طرقه، وبيان اختلاف مشايخ مشايخه، وقوله (جميعًا) تأكيدٌ لكل من معمر في السند الأول، والأوزاعي في السند الثاني وابن جريج في السند الأخير، أي حالة كون كل من الثلاثة مجتمعين في الرواية (عن الزهري) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أبي بكر المدني، حافظ متقن من رؤساء الطبقة الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا، والجار والمجور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابعين الثلاثة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع الذي هو ليث بن سعد، وشيخه ابن شهاب، وما بعده عطاء الليثي، وعبيد الله والمقداد، أي حدثنا معمر والأوزاعي وابن جريج جميعًا عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي عن المقداد بن الأسود، مثل ما حدث ليث بن سعد عن ابن شهاب، إلا ما استثنى بقوله (أما الأوزاعي وابن جريج ففي حديثهما) أي في روايتهما لهذا الحديث لفظة (قال) ذلك الرجل الكافر (أسلمت لله). (كما قال الليث في حديثه) أي حالة كون مقولهما مثلما قال الليث في روايته (وأما معمر ففي حديثه) أي في روايته لفظة (فلما أهويت) وبسطت ومددت يدي إليه (لأقتله قال) ذلك الكافر (لا إله إلا الله) يدل ما قال في الرواية الأولى أسلمت، أي فلما ملت لقتله، قال الجوهري: أهوى إليه بيده ليأخذه، وقال الأصمعي أهويت بالشيء إذا أومأت إليه، ويقال أهويت له بالسيف، فأما هوى فمعناه سقط إلى أسفل، ويقال انْهوى بمعناه فهو منهوٍ. وهذه الأسانيد الثلاثة من سباعياته، الأول منها رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري، وواحد صنعاني، وواحد مروزي أو كسِّي، والثاني منها أربعة منهم مدنيون، واثنان شاميان، وواحد كوفي، والثالث منها أربعة منهم مدنيون، وواحد مكي، وواحد صنعاني وواحد نيسابوري وغرض المؤلف بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة

180 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معمر في السند الأول، ومتابعة الأوزاعي في السند الثاني، ومتابعة ابن جريج في السند الثالث لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، واعترض الدارقطني على مسلم بأن في رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي اضطرابًا، يوجب ضعف الحديث، فكيف أدخلها في جامعه؟ فالجواب: أنه ذكرها متابعة، وقد تقرر عندهم أن المتابعات يحتمل فيها ما فيه نوع ضعف، لعدم الاعتماد عليها، بل هي لمجرد الاستئناس أفاده النواوي. قال النووي: قوله (أما الأوزاعي وابن جريج في حديثهما) هكذا هو في أكثر الأصول، بفاء واحدة، وفي كثير منها (ففي حديثهما) بفائين، وهذا هو الأصل والجيد، والأول أيضًا جائز، فإن الفاء في جواب أما يلزم إثباتها، إلا إذا كان الجواب بالقول، فإنه يجوز حذفها؛ إذا حُذف القول، وهذا من ذلك، فتقدير الكلام أما الأوزاعي وابن جريج فقالا في حديثهما كذا، ومثل هذا في القرآن الكريم؛ وكلام العرب كثير، كقوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} أي فيقال لهم أكفرتم، وقوله عزَّ وجلَّ {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيكُمْ} والله أعلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المقداد رضي الله تعالى عنه فقال: (180) - متا (. . .) (. . .) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) روى عن ابن وهب في مواضع، قال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة (197) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، أبو يزيد الأموي، ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة (159) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري، أبي بكر المدني، من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في (23) بابًا تقريبًا.

قَال: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيثِي، ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ؛ أَنَّ عُبَيدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ؛ أَن الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو بْنَ الأسوَدِ الْكِنْدِيَّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأَيتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) ابن شهاب (حدثني عطاء بن بزيد الليثي) من أنفسهم (ثم الجندعي) نسبة إلى جندع بطن من ليث كما سيأتي، أبو يزيد المدني، ثقة من الثالثة (أن عبيد الله بن عدي بن الخيار) القرشي المدني (أخبره) أي أخبر لعطاء بن يزيد (أن المقداد بن عمرو) والده الذي أولده بالنصب، صفة أولى للمقداد، أي أن المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة، وكان حليفًا لبني زهرة، لمحالفته الأسود بن عبد يغوث الزهري، لأن الأسود حالفه أيضًا مع تبنيه إياه (ابن الأسود) بإثبات ألف ابن، لأنه ليس هنا واقعًا بين علمين متناسلين، وبنصب نونه لأنه صفة ثانية للمقداد، وكان الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة قد تبناه في الجاهلية، فنسب إليه، وصار به أشهر وأعرف، ولو قُرئ ابن الأسود بجر ابن لفسد المعنى، وصار عمرو بن الأسود، وذلك غلط صريح، وقوله (الكندي) بالنصب صفة ثالثة للمقداد، وهذا نسبة إلى كندة النسب الحقيقي له، مع ما سيأتي فيه من الاعتراض (وكان) المقداد (حليفًا لبني زهرة) لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري حالفه مع تبنيه إياه، كما مر آنفًا (وكان) المقداد (ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه) أي أن المقداد بن الأسود (قال يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إن لقيت) وقابلت (رجلًا من الكفار ثم ذكر) يونس بن يزيد عن ابن شهاب (بمثل حديث الليث) بن سعد الذي رواه عن ابن شهاب السابق أول الباب، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يونس بن يزيد لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذا السند من سباعياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، واثنان مصريان، وواحد أيلي، وفي هذا السند لطيفة تقدم نظائرها، وهو أن فيه ثلاثة تابعيين يروي بعضهم عن بعض، ابن شهاب وعطاء وعبيد الله بن عدي بن الخيار. تتمة: قوله (أن المقداد بن عمرو ابن الأسود الكندي) الزهري. قلت: ولهذا الاسم نظائر منها: عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم، وعبد الله بن أبي ابن سلول وعبد الله بن مالك ابن بحينة، ومحمد بن علي ابن الحنفية، وإسماعيل بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم ابن علية، وإسحاق بن إبراهيم ابن راهويه، ومحمد بن يزيد ابن ماجه، فكل هؤلاء ليس الأب فيهم ابنًا لمن بعده، فيتعين أن يُكتب ابن بالألف، وأن يعرب بإعراب الابن المذكور أولًا، قام مكتوم زوجة عمرو، وسلول زوجة أبي، وبحينة زوجة مالك وأم عبد الله، والحنفية زوجة علي رضي الله عنه، وعُلية زوجة إبراهيم، وراهويه هو إبراهيم والد إسحاق، وماجه -بالهاء- لقب يزيد، كراهويه لقب لإبراهيم، فهما نظيران، في كونهما لقبين لما قبلهما، هذا إذا قرأنا ماجه بالهاء فهو لقب ليزيد، فمعناه الحاذق الفطن، وأما إذا قرأناه بالتاء المربوطة، فهو اسم لأم محمد فيكون نظير إسماعيل بن إبراهيم ابن علية، ويكون معنى ماجه بالتاء المباركة. ومرادهم بهذا كله تعريف الشخص بوصفه، ليكمل تعريفه، فقد يكون الإنسان عارفًا بأحد وصفيه دون الآخر، فيجمعون بينهما ليتم التعريف لكل أحد، وقدَّم هنا نسبته إلى عمرو على نسبته إلى الأسود؛ لكون عمرو هو الأصل الوالد، وهذا من المستحسنات النفيسة. وكان المقداد رضي الله عنه من أول من أسلم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة منهم المقداد، وهاجر إلى الحبشة، يكنى أبا الأسود، وقيل: أبا عمرو، وقيل أبا معبد، وأما قولهم: في نسبه الكندي ففيه إشكال؛ من حيث إن أهل النسب قالوا: إنه بهراني نسبة إلى بهراء بن إلحاف بالحاء المهملة والفاء، ابن قضاعة لا خلاف بينهم في هذا، وممن نقل الإجماع عليه القاضي وغيره رحمهم الله تعالى. وجوابه أن أحمد بن صالح المصري كاتب الليث قال: إن والد المقداد حالف كندة فنسب إليها، وروينا عن ابن شماسة عن سفيان عن صُهابة -بضم الصاد المهملة وتخفيف الهاء وبالباء الموحدة- المُهري قال: كنت صاحب المقداد ابن الأسود في الجاهلية، وكان رجلًا من بهراء فأصاب فيهم دمًا فهرب إلى كندة فحالفهم، ثم أصاب فيهم دمًا فهرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث، فعلى هذا تصح نسبته إلى بهراء؛ لكونه الأصل، وكذلك إلى قضاعة وتصح نسبته إلى كندة لحلفه، أو لحلف أبيه، وتصح إلى زهرة لحلفه مع الأسود.

181 - (91) (14) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدِ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مُعَاوَيةَ، كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (عطاء بن يزيد الليثي ثم الجندعي) بضم الجيم وإسكان النون وبعدها دالٌ ثم عين مهملتان، وتفتح الدال وتُضم لغتان، نسبة إلى جندع بطن من ليث، فلهذا قال الليثي ثم الجندعي، فبدأ بالعام وهو ليث، ثم الخاص وهو جندع، ولو عكس هذا فقيل الجندعي ثم الليثي لكان خطأ، من حيث إنه لا فائدة في قوله الليثي بعد الجندعي، ولأنه أيضًا يقتضي أن ليثًا بطنًا من جندع وهو خطأ. وأما قوله (إن المقداد بن عمرو ابن الأسود إلى قوله أنه قال يا رسول الله) فأعاد أنه لطول الكلام، ولو لم يذكرها لكان صحيحًا، بل هو الأصل، ولكن لما طال الكلام جاز، أو حسن ذكرها ونظيره في كلام العرب كثير، وقد جاء مثله في القرآن العزيز والأحاديث الشريفة، ومما جاء في القرآن قوله جلّ وعزّ حكاية عن الكفار {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)} فأعاد أنكم للطول، ومثله قوله تعالى {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} فأعاد فلما جاءهم اهـ نواوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث المقداد ابن الأسود بحديث أسامة رضي الله تعالى عنهما فقال: (181) - ش (91) (14) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) قال أبو بكر (حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان -بتحتانية- الأزدي الكوفي، صدوق من الثامنة، مات سنة (224) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، من العاشرة، مات سنة (248) (و) حدثنا (إسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، ثقة من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في خمسة عشر بابًا تقريبًا، كلاهما رويا (عن أبي معاوية) محمد بن خازم التميمي مولاهم الكوفي، ثقة من التاسعة، وأتى بحاء التحويل لاختلاف صيغة مشايخه، لأن أبا بكر قال حدثنا، وأما أبو كريب وإسحاق فقالا: عن أبي معاوية، ولاختلاف مشايخهم (كلاهما) أي كل من

عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. وَهذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ. قَال: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي خالد وأبي معاوية رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة من الخامسة، مات سنة (148) (عن أبي ظبيان) الكوفي -بفتح الظاء المعجمة وكسرها وسكون الموحدة- فأهل اللغة يفتحون الظاء، ويلحِّنون من يكسرها، وأهل الحديث يكسرونها، اسمه حُصين -مصغرًا- بن جندب بن عمرو بن الحارث الجنبي -بفتح الجيم وسكون النون ثم موحدة- نسبة إلى جنب قبيلة من "قبائل اليمن، روى عن أسامة بن زيد في الإيمان، وجرير بن عبد الله في المناقب، وحذيفة وسلمان وعلي وطائفة، ويروي عنه (ع) والأعمش وحُصين بن عبد الرحمن وابنه قابوس، وسماك وعطاء، وقال في التقريب: ثقة من الثانية، مات سنة (90) تسعين، وقيل: سنة خمس أو ست وتسعين، روى عنه المؤلف في بابين (عن أسامة بن زيد) بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى القرشي الهاشمي مولاهم المعروف بالكلبي، يقال إنه من كلب اليمن، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، وأمه أم أيمن، واسمها بركة، وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم أبي زيد المدني، ويقال: أبو محمد، قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشرين سنة، وله مائة وثمانية وعشرون حديثًا، اتفقا على خمسة عشر، وانفرد كل منهما بحديثين، يروي عنه (ع)، وأبو ظبيان، وأبو عثمان النهدي، وكريب، وعطاء مولى سِباع، وعروة بن الزبير، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وأبو وائل، وكان قد نزل وادي القرى، ومات بالمدينة سنة (54) أربع وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقال الواقدي: توفي آخر خلافة معاوية رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، والسند الأول رجاله كلهم كوفيون إلا أسامة فإنه مدني، والسند الثاني أيضًا كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي (وهذا) الحديث الآتي (حديث) أي لفظ حديث (ابن أبي شيبة) وروايته، وأما أبو كريب وإسحاق فرويا معناه لا لفظه، وإنما أتى بهذه الجملة تورعًا من الكذب على بعض مشايخه (قال) أسامة بن زيد (بعثنا) أي أرسلنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية) أي مع سرية، وقطعة جيش، قال في القاموس: والسرية من خمسة أنفس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة اهـ

فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَينَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا. فَقَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ. فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذلِكَ. فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَقَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ. قَال: أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالهَا أَمْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فصبحنا) أي أتينا صباحًا (الحُرُقات) بضم الحاء لا غير، وبضم الراء وفتحها، والحرقات بصيغة جمع المؤنث السالم، اسم موضع (من) بلاد (جهينة) قال القرطبي: هو موضع معروف من بلاد جهينة، يُسمى بجمع المؤنث السالم كعرفات وأذرعات أي أتينا أهلها صباحًا، أي أول النهار، وقابلناهم وهزمناهم (فأدركت) أنا أي لحقت أنا (رجلًا) منهم بعد ما هرب (فـ) ـلما أدركته (قال) ذلك الرجل كلمة إلا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله، قال الأبي: ذكر الزمخشري وغيره: أن الرجل هو مرداس بن نهيك من أهل فدك، أسلم ولم يُسلم قومه، فلما أدركوه في سرية كان أميرها غالب بن فضالة، فرَّ قومه وبقي مرداس لتثبته في إسلامه، فلما رأى الخيل لجأ إلى عاقول من الجبل، فلما تلاحقت به الخيل، نزل وكبر وتشهد الشهادتين، وقال السلام عليكم، فقتله أسامة، واستاق غنمه، فوجد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدًا شديدًا، وقال أقتلتموه، قال أسامة: استغفر لي، فقال: كيف تصنع بلا إله إلا الله، فقال أسامة: استغفر لي، وقال: أعتق اهـ. قال أسامة (فطعنته) أي طعنت ذلك الرجل برمحي، وقتلته لظني أن الإسلام خوف السيف لا ينفع، كما لا ينفع عند الاحتضار، قال أسامة (فوقع) أي حصل (في نفسي) أي في قلبي هَمٌّ وندمٌ (من) قتل (ذلك) الرجل (فذكرته) أي فذكرت قتل ذلك الرجل (للنبي صلى الله عليه وسلم) مع بيان كيفية قتله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقال) ذلك المقتول (لا إله إلا الله وقتلته) بعدما قالها (قال) أسامة (قلت يا رسول الله إنما قالها) أي إنما قال ذلك الرجل كلمة الشهادة (خوفًا من السلاح) والقتل، فليس إسلامه عن صدق وعزمِ، بل قالها وقاية لنفسه وتحصنًا لها، ولهذا التأويل سقط عنه القصاص (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة (1) تركته قتيلًا مرميًا (فلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها) أي أقال قلب ذلك الرجل كلمة الشهادة صدقًا (أم لا) أي، أم لم يقلها صدقًا، بل تحصنًا وخوفًا من السلاح، أو المعنى حتى تعلم أقالها خوفًا من السلاح، أم

فَمَا زَال يُكَرِّرُهَا عَلَي حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يقلها خوفًا منه، وقال النواوي: الفاعل في قالها هو القلب، ومعناه أنك إنما كُلفت من العمل بما ظهر باللسان، وأما ما في القلب فلست بقادر على معرفته، أي أفلا شققت عن قلبه، لتنظر هل قالها القلب واعتقدها، وكانت فيه أم لم تكن فيه. قال القرطبي: أي قالها بقلبه، وتكلم بها مع نفسه، ففيه دليل لأهل السنة على أن حديث النفس كلام وقول، كما قال شاعرهم: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعل اللسان على الفؤاد دليلا فهو ردٌّ على من أنكر ذلك من المعتزلة، وأهل البدع، وفيه دليل على ترتيب الأحكام على الأسباب الظاهرة الجلية، دون الباطنة الخفية اهـ. لأن الباطن لا يُعرف ولا يوصل إليه، وأن من أسلم في هذه الحالة يُقبل منه، ويَحرُم قتله، قال الأبي: كان الشيخ يقول: إلا أن يكون القتل قد وجب عليه، كما لو تعرض لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم بما يُوجب قتله فلما قرب للقتل أسلم، فلا يقبل منه في رفع ما وجب عليه من القتل، كما لا تسقط توبة المحارب ما وجب عليه من القصاص. قال أسامة (فما زال) وانفك رسول الله صلى الله عليه وسلم (يكررها) أي يكرر كلمة أفلا شققت (عليَّ) وعبارة القرطبي قوله (فما زال يكررها) أي يكرر كلمة الإنكار، وظاهر هذه الرواية، أن الذي كرر عليه إنما هو قوله: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، وفي الرواية الأخرى أن الذي كرر عليه إنما هو قوله: كيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة، ووجه الجمع بينهما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كرر الكلمتين معًا، غير أن بعض الرواة ذكر إحدى الكلمتين، وذكر البعض الآخر منهم الكلمة الأخرى، وتكرار تلك الكلمة عليه إنكار شديد، وزجر أكيد، وإعراض عن قبول عذر أسامة الذي أبداه بقوله "إنما قالها خوفًا من السلاح" اهـ. أي فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر تلك الكلمة على (حتى تمنيت) ووددت وأحببت (أني أسلمت يومئذ) أي يوم إذ كرر عليَّ تلك الكلمة، ليكون إسلامي في ذلك اليوم جابًا وقاطعًا عني إثم قتل ذلك الرجل، لأن الإسلام يجب ويقطع عن صاحبه ما وقع عنه قبله من المعاصي، ويُسقط عنه المؤاخذة بها.

قَال فَقَال سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللهِ لَا أقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وإنما تمنى أسامة أن يتأخر إسلامه إلى يوم المعاتبة، ليسلم من تلك الجناية السابقة، وكأنه استصغر ما كان منه من الإسلام والعمل الصالح قبل ذلك، في جنب ما ارتكبه من تلك الجناية لما حصل في نفسه من شدة إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وعظمه، فإن قيل إذا استحال أن يكون قتل أسامة لذلك الرجل عمدًا لما ذكرتم، وثبت أنه خطأ، فلم لم تلزمه الكفارة والعاقلة والدية، فالجواب: أن ذلك مسكوت عنه، وغير منقول شيء منه في الحديث، ولا في شيء من طرقه، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم حكم بلزوم ذلك أسامة وعاقلته، ولم ينقل، وفيه بعد، إذ لو وقع شيء من ذلك لنقل في طريق من الطرق، مع أن العادة تقتضي التحدث بذلك والإشاعة ويَحتمِل أن يُقال إن ذلك كان قبل نزول حكم الكفارة والدية والله أعلم اهـ. قرطبي. وقد أجاب بعض أصحابنا عن عدم إلزام الدية بأجوبة نذكرها على ضعفها: أحدها أنها لم تلزمه، ولا عاقلته لأنه كان مأذونًا له في أصل القتال، فلا يكون مأخوذًا بما وقع منه من إتلاف نفس أو مالٍ، كما تسقط الدية في خطأ الإمام، وعمن أُذن له في شيء، فأتلفه غلطًا كالأجير والخاتن والطبيب، وثانيها إنما لم يلزمه ذلك لأن المقتول كان من العدو، وكان فيهم ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته، فلا تجب فيه دية، كما قال الله تعالى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ولم يحكم فيه بسوى الكفارة، وثالثها أن أسامة اعترف بالقتل، ولم تقم بذلك بينة، ولا تعقل العاقلة عمدًا ولا عبدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا، ولم يكن لأسامة مالٌ فيكون فيه الدية، ذكره القرطبي أيضًا، وقال: وهذه الأوجه لا تسلم من الاعتراض، وتتبع ذلك يُخرج الكلام عن المقصود اهـ منه. وقال ابن رشد: قتل أسامة ليس من العمد الذي فيه الإثم، ولا من الخطأ الذي فيه الدية والكفارة، وإنما هو عن اجتهاد تبين خطؤه، ففيه لأسامة أجر واحد، وإنما عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم لتركه الاحتياط، ولئلا يقع منه القتل مرة ثانية، فيمن قالها صدقًا، ولذا حلف أسامة ألا يقاتل مسلمًا، ولذا تخلف عن نصرة عليّ رضي الله تعالى عنهما اهـ سنوسي. (قال) أبو ظبيان (فقال سعد) بن أبي وقاص (وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله)

ذُو الْبُطَينِ يَعْنِي أُسَامَةَ. قَال: قَال رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}؟ فَقَال سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ. وَأَنْتَ وَأَصحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ. 182 - (00) (00) حدَّثنا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي حتى يقتل مسلمًا (ذو البطين) -تصغير بطن- لقب أسامة بن زيد، لأنه كان له بطن عظيم، كما فسره بعض الراوة بقوله (يعني) سعد بذي البطين (أسامة) بن زيد، وهذا اقتداء من سعد بن أبي وقاص بأسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، والمراد أنه لا يقتل مسلمًا، كما أن أسامة كذلك لما سبق أنه حلف أن لا يقاتل مسلمًا، لما اتفق له في هذه القضية، فهو من الوقف على الممتنع وقوعه، لا أن مقصوده التقليد، وأن أسامة إن قاتل، قاتل معه (قال) أبو ظبيان (قال رجل) من الحاضرين عند سعد، ولم أرَ من ذكر اسمه، وفي بعض النسخ "فقال" اعتراضًا على سعد في كلامه هذا (ألم يقل الله) سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ({وَقَاتِلُوهُمْ}) أي قاتلوا أيها المسلمون المشركين ({حَتَّى لَا تَكُونَ}) ولا توجد ({فِتْنَةٌ}) أي شرك (و) حتى ({وَيَكُونَ الدِّينُ}) والعمل ({كُلُّهُ}) أي جميعه خالصًا ({لِلَّهِ}) سبحانه وتعالى (فقال سعد) في جواب ذلك الرجل (قد قاتلنا) وجاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى لا تكون) ولا توجد (فتنة) ولا شرك، ودخل الناس في دين الله تعالى أفواجًا (وأنت) أيها الرجل (وأصحابك) من المتكالبين على الخلافة والرئاسة (تريدون) وتقصدون الآن (أن تقاتلوا) أي أن توقعوا المقاتلة والمعاداة بين المسلمين (حتى تكون) وتوجد (فتنة) ومخالفة وافتراق كلمة بينهم والله أعلم. وهذا الحديث أعني حديث أسامة بن زيد شارك المؤلف في روايته البخاري (4269) وأبو داود (2643). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما فقال: (182) - متا (. . .) (. . .) (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي، مولى عبد القيس (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) وله (96) سنة، وقد تقدم البسط في ترجمته روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا، قال يعقوب (حدثنا هُشيم) بن بشير -بوزن عظيم- بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية

أَخْبَرَنَا حُصَينٌ، حَدَّثَنَا أَبُو ظبْيَانَ، قَال: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ، قَال: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَينَةَ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الواسطي، نزيل بغداد، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة، مات سنة (183) وقد قارب (80) وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في ثمانية عشر بابًا تقريبًا، قال هُشيم (أخبرنا حُصين) -مصغرًا- ابن عبد الرحمن السلمي، أبو الهذيل الكوفي، روى عن أبي ظبيان، حُصين بن جندب، وعياض الأشعري، وسعيد بن جبير والشعبي، وأبي وائل، وحبيب بن أبي ثابت، وسالم بن أبي الجعد، وأبي سفيان، وكثير بن مرة وخلائق، ويروي عنه (ع) وهُشيم، ومحمد بن فضيل، وجرير، وشعبة، وعبد الله بن إدريس، وخالد بن عبد الله، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، والثوري، وعبثر بن القاسم، وعباد بن العوام، وجماعة، وقال في التقريب: ثقة تغير حفظه في الآخر، من الخامسة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة، وله (93) ثلاث وتسعون سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء، والصلاة في أربع مواضع، والصوم والحج، والدلائل والفضائل في موضعين، والجهاد في موضعين، وحق المملوك، والدعاء، لجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرة. قال حُصين (حدثنا أبو ظبيان) حُصين بن جندب الجنبي الكوفي، ثقة من الثانية، مات سنة (90) تسعين (قال) أبو ظبيان (سمعت أسامة بن زيد بن حارثة) المدني حالة كونه (يُحدث) ويروي أحاديث للناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم بغداديان، واثنان كوفيان، وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حُصين بن عبد الرحمن للأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي ظبيان وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في الرواية الآتية من المخالفة للرواية الأولى (قال) أسامة بن زيد (بعثنا) أي أرسلنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة) -بضم الحاء المهملة وفتح الراء وضمهما أيضًا- بصيغة الإفراد هنا، وهي المذكورة في ديات صحيح البخاري، وهي موضع (من) بلاد (جهينة) قبيلة مشهورة، كانت من قضاعة لأنه جُهينة بن سُود -بضم السين- بن أسلُم -بضم اللام- ابن إلحاف بن قضاعة بن معد بن عدنان، وعدنان من ذرية إسماعيل - عليه السلام - (فصبحنا الفوم) أي قوم جهينة، أي أتيانهم صباحًا وأغرنا عليهم (فهزمناهم) أي فرقناهم وشتتناهم هزيمة،

وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَال: لَا إِلهَ إلا اللهُ. فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ. قَال: فَلَمَّا قَدِمْنَا، بَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال لِي: يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ؟ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِثَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا. قَال: فَقَال: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَال لا إِلهَ إِلا اللهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أسامة (ولحقت) أي تبعت (أنا ورجل من الأنصار) لم أرَ من ذكر اسمه (رجلًا منهم) أي رجلًا من قوم جهينة (فلما غشيناه) أي فلما غشينا ذلك الرجل وأدركناه (قال) ذلك الرجل الكافر (لا إله إلا الله) محمد رسول الله، لأنها كناية عن الشهادتين، لأنهما اللتان تمنعان من القتل، ولا يبعد أن تكون كلمة التوحيد وحدها مانعة من القتل، لا سيما من مشرك (فكف عنه) أي انكف وامتنع (الأنصاري) عن قتله لما سمع منه كلمة الشهادة (و) أما أنا فقد (طعنت) الرجل (برمحي) وحربتي (حتى) عقرته و (قتلته) أي قتلت ذلك الرجل (قال) أسامة (فلما قدمنا) المدينة ورجعنا إليها (بلغ ذلك) أي وصل خبر قتلي لذلك الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم فـ) ـدعاني و (قال لي: يا أسامة أقتلته) -بهمزة الاستفهام التوبيخي التعجبي- أي أقتلت ذلك الرجل (بعد ما قال) أي بعد قوله (لا إله إلا الله) محمد رسول الله (قال) أسامة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إنما كان) ذلك الرجل (متعوذًا) أي معتصمًا مني بكلمة لا إله إلا الله لا مؤمنًا بها (قال) أسامة (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (أقتلته) يا أسامة (بعد ما قال لا إله إلا الله) أي بعد قوله كلمة الشهادة. قال النواوي: وأما قول أسامة في الرواية الأولى (فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم وفي هذه الرواية (فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته) إلخ، وفي الرواية الآتية (فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر الرجل فدعاه) يعني أسامة فسأله فيمكن الجمع بينها بأن أسامة وقع في نفسه من ذلك شيء بعد قتله ونوى أن يسأل عنه فجاء البشير فأخبر به قبل مقدم أسامة وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومهم فسأل أسامة فذكره وليس في قوله فذكرته ما يدل على أنه قاله ابتداءً قبل تقدم علم النبي صلى الله عليه وسلم به والله أعلم انتهى.

قَال: فَمَا زَال يُكَرِّرُهَا عَلَى حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ". 183 - (92) (15) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قال: سَمِعْتُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أسامة (فما زال) وبرح النبي صلى الله عليه وسلم (يكررها) أي يكرر كلمة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، أي فما زال مكررًا إياها (علي حتى تمنيت) ووددت (أني لم كن أسلمت) وآمنت (قبل ذلك اليوم) الذي عاتبني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وقع فيه قتلي إياه ليكون إسلامي بعده جابًا عني ما وقع مني من تلك الجريمة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث المقداد بحديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنهما فقال: (183) - ش (92) (15) (حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش) -بكسر الخاء المعجمة- الخراساني أبو جعفر البغدادي، وثقه الخطيب، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة مات سنة (242) وله (60) سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا، وتقدم البسط في ترجمته، قال أحمد بن الحسن (حدثنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوازع القيسي -بقاف- الكلابي، أبو عثمان البصري، روى عن المعتمر بن سليمان في الإيمان، وهمام في الصلاة والفضائل والتوبة، وسليمان بن المغيرة في الفضائل، وشعبة وجرير بن حازم وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأحمد بن الحسن بن خراش، وزهير بن حرب، والحسن الحلواني، وابن بشار، وابن المثنى وغيرهم، قال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق في حفظه شيء من صغار التاسعة، مات سنة (213) ثلاث عشرة ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والفضائل في موضعين والتوبة في أربعة أبواب تقريبًا، قال عمرو (حدثنا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي، مولى بني مُرة، أبو محمد البصري، أحد الأئمة الأعلام ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، وليس معتمر عندهم إلا هذا الثقة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا (قال) معتمر (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي مولاهم، أبا المعتمر البصري، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (143) عن (99) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا.

يُحَدِّثُ؛ أَن خَالِدًا الأَثْبَجَ، ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، حَدَّثَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَ: أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي سمعت أبي سليمان حالة كونه (يحدث) ويروي لنا (أن خالدًا الأثبج) -بفتح الهمزة بعدها شاء مثلثة ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة ثم جيم- لقب لخالد، قال أهل اللغة: الأثبج: هو عريض الثبج -بفتح الثاء والباء- وقيل: ناتئ الثبج، والثبج ما بين الكاهل والظهر، والكاهل مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق اهـ مصباح وقوله (ابن أخي صفوان بن محرز) صفة ثانية لخالدا، وهو خالد بن عبد الله بن محرز المازني البصري، روى عن عمه صفوان بن محرز في الإيمان، والحسن، ويروي عنه (م س)، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي، وإبراهيم بن طهمان، قال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من السابعة، وجملة قوله (حدث عن صفوان بن محرز) خبر قوله (أن خالدًا) وهو صفوان بن محرز -بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء آخره زاي ابن زياد المازني، الباهلي البصري، روى عن جندب بن عبد الله في الإيمان، وأبي موسى، وابن عمر في النجوى، وابن عباس، وأبي مسعود، ويروي عنه (خ م ت س ق) وابن أخيه خالد الأثبج وعاصم الأحول، وقتادة، وثابت، ومحمد بن واسع، قال ابن سعد: كان له فضل وورع، وكان ثقة، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (174) أربع وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في بابين الإيمان والنجوى. (أنه) أي أن صفوان بن محرز (حدث) خالدًا (أن جندب) -بضم الجيم وبضم الدال وفتحها (بن عبد الله) بن سفيان (البجلي) ثم العلقي -بفتحتين- نسبة إلى علقة بن عبقر بن أنمار، بطن من بجيلة، أبا عبد الله الكوفي ثم البصري، وربما نُسب إلى جده سفيان له ثلاثة وأربعون حديثًا (43) اتفقا على سبعة، وانفرد مسلم بخمسة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حذيفة في الفتن، ويروي عنه (ع) وصفوان بن محرز في الإيمان، في قتل أسامة رجلًا قال: لا إله إلا الله، والحسن بن أبي الحسن في الصلاة، وعبد الله بن الحارث النجراني في الصلاة، وأنس بن سيرين في الصلاة، والأسود بن قيس، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وعبد الملك بن عمير، وأبو عمران الجوني، ومحمد بن سيربن، وسلمة بن كهيل، وقال في التقريب: له صحبة، ومات بعد الستين (60).

بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلامَةَ، زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيرِ، فَقَال: اجْمَعْ لِي نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولًا إِلَيهِمْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبٌ وَعَلَيهِ بُرْنُسْ أَصْفَرُ. فَقَال: تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ. فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيهِ حَسَرَ الْبُرْنُس عَنْ رَأْسِهِ فَقَال: إِنِّي أَتَيتُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة قوله (بعث) أي أرسل، خبر أن، أي أن جندبًا بعث (إلى عسعس) بعينين مفتوحتين وسينين أولاهما ساكنة مهملات (بن سلامة) -بسين مفتوحة ولام مخففة- التميمي، أبي صفرة البصري، قال ابن عبد البر في الاستيعاب: هو بصري، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: إن حديثه مرسل، وإنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وكذا قال البخاري في تاريخه: حديثه مرسل، وكذا ذكره ابن أبي حاتم وغيره في التابعين، وهو من الأسماء المفردة، لا يُعرف له نظير والله أعلم اهـ نووي. (زمن فتنة ابن الزبير) ظرف متعلق ببعث، أي بعث جندب في زمن الفتنة الواقعة بين حجاج بن يوسف الثقفي المبير، وبين عبد الله بن الزبير، حين نزل الحجاج مكة لقتال ابن الزبير، إلى عسعس بن سلامة (فقال) جندب لسفيره إلى عسعس، قل أيها السفير لعسعس (اجمع لي نفرًا) أي طائفة (من إخوانك) وأصحابك في مجلس واحد (حتى أحدثهم) أي لكي أذكرهم وأعظهم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شؤون الفتنة، لئلا يقعوا في هذه الفتنة الحادثة (فبعث) عسعس (رسولًا) أي سفيرًا من عنده (إليهم) أي إلى نفر من أصحابه، ليجتمعوا في مجلس واحد انتظارًا لمجيء جندب بن عبد الله ليعظهم (فلما اجتمعوا) أي فلما اجتمع أولئك النفر من قوم عسعس (جاء جندب) بن عبد الله إلى مجلسهم (وعليه) أي وعلى جندب (برنس) بضم الباء وسكون الراء (أصفر) صفة برنس أي والحال أن على جندب برنسًا أصفر، والبرنس كل ثوب رأسه ملتصق به دراعة كانت أو جبة أو غيرهما اهـ نووي. (فقال) جندب للقوم المجتمعين استئلافًا لهم (تحدثوا بما كنتم تحدثون به) أولًا، أي دوموا في محادثتكم ولا تقطعوها لأجلي، فتحدثوا من أولهم إلى آخرهم (حتى دار الحديث) على جميع أهل الحلقة، ووصلت النوبة إليه (فلما دار الحديث) عليهم ووصلت النوبة (إليه) أي إلى جندب (حسر البرنس) وكشفه (عن رأسه) تهيؤًا وتأدبًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (فقال) جندب لأهل الحلقة (إني أتيتكم) وجئتكم،

وَلَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ. "إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ. قَال: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ اسَامَةُ بْنُ زَيدٍ. فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيهِ السَّيفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا في قوله (ولا أريد) زائدة لتأكيد الكلام بصورة النفي نظير قوله تعالى: {قَال مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أي جئتكم أيها الجماعة والحال أني أريد وأقصد (أن أخبركم) وأحدثكم حديثًا سمعته (عن نبيكم) محمد صلى الله عليه وسلم قال النواوي قوله (ولا أريد أن أخبركم) هكذا وقع في جميع الأصول وفيه إشكال من حيث إنه قال في أول الحديث بعث إلى عسعس فقال: اجمع نفرًا من إخوانك حتى أحدثهم، ثم يقول بعده أتيتكم ولا أريد أن أخبركم فيحتمل هذا الكلام وجهين: أحدهما أن تكون لا زائدة كما في قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} وقوله {قَال مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}، والثاني أن يكون على ظاهره والمعنى أتيتكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم بل أردت أن أعظكم وأحدثكم بكلام من عند نفسي لكني الآن أزيدكم على ما كنت نويته فأخبركم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم وأقول لكم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث) وأرسل (بعثًا) أي جيشًا (من المسلمين إلى قوم من المشركين) من جهينة (وإنهم) أي وإن جموع المشركين والمسلمين (التقو) أي تقابلوا وتقاتلوا (فكان رجل من المشركين إذا شاء) وأراد (أن يقصد إلى) قتل (رجل من المسلمين) ويغتاله (قصد) ذلك المشرك (له) أي لذلك المسلم واغتاله (فقتله) أي قتل ذلك المشرك المسلم غيلة (وإن رجلًا من المسلمين قصد غفلته) أي غفلة ذلك المشرك الفتاك للمسلمين. (قال) جندب بن عبد الله (وكنا) معاشر المسلمين (نحدث) بضم النون وفتح الدال المشددة مضارع مبني للمجهول مسند لجماعة المتكلمين من حدث الرباعي (أنه) أي أن ذلك الرجل المسلم (أسامة بن زيد) بن حارثة (فلما رفع) ذلك المسلم (عليه) أي على ذلك المشرك (السيف) أي سيفه ليقتله، هكذا في بعض الأصول المعتمدة رفع بالفاء وفي بعضها رجع بالجيم وكلاهما صحيح، والسيف منصوب على الروايتين فرفع لتعديه، ورجع بمعناه، فإن رجع يستعمل لازمًا ومتعديًا، والمراد هنا المتعدي، ومنه قول الله عز

قَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ، فَقَتَلَهُ. فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيفَ صَنَعَ، فَدَعَاهُ. فَسَأَلَهُ، فَقَال: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلانًا وَفُلانًا، وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا. وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيهِ، فَلَمَا رَأَى السَّيفَ قَال: لا إِلهَ إِلا اللهُ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَقَتَلْتَهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجل {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ} وقوله تعالى {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} والله أعلم اهـ نووي. (قال) ذلك المشرك الفتاك (لا إله إلا الله) محمد رسول الله (فقتله) أي فقتل ذلك المسلمُ المشركَ القائلَ كلمة التوحيد ظنًّا منه أنه إنما قالها تحصنًا وتعوذًا منه، وهزمَ المسلمون المشركينَ، فأرسلوا خبر انتصارهم على المشركين، قبل رجوعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فجاء البشير) أي حامل خبر البشارة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) أي فسأل ذلك البشير النبي صلى الله عليه وسلم عن خبرهم مع المشركين (فأخبره) أي فأخبر ذلك البشير النبيَّ صلى الله عليه وسلم خبر ما جرى بينهم وبين المشركين، وانتصارهم عليهم قبل قدومهم (حتى أخبره) صلى الله عليه وسلم ذلك البشير (خبر الرجل) المسلم (كيف صنع) وفعل بالمشرك، من قتلِه بعد ما قال لا إله إلا الله، فقَدِم جيش المسلمين المدينة (فدعاه) أي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل المسلم القاتل للمشرك (فسأله) أي فسأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك المسلم عن كيفية قتله، وحاله حين قتله، فأخبر ذلك المسلم للنبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية قتله، وحاله حين قتله (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل المسلم (لم قتلته) أي لم قتلت ذلك المشرك بعد ما قال لا إله إلا الله (قال) الرجل المسلم (يا رسول الله) قتلته لأنه (أوجع) وأوقع (في المسلمين) وجعًا وألمًا وضربًا كثيرًا (و) قتلًا ذريعًا حتى إنه (قتل فلانًا وفلانًا) من المسلمين (وسمى) ذلك الرجل المسلم (له) صلى الله عليه وسلم (نفرًا) من المسلمين، أي ذكر له صلى الله عليه وسلم أسماءَ نفرٍ من المسلمين المقتولين على يد ذلك المشرك وعددهم (وإني حملت) ووثبت (عليه) أي على ذلك المشرك، وشددت عليه (فلما رأى) وأبصر ذلك المشرك (السيف) مني واقعًا عليه (قال) ذلك المشرك (لا إله إلا الله) معتصمًا مني بكلمة التوحيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل المسلم القاتل توبيخًا وعتابًا له على قتله (أقتلته) أي أقتلت ذلك المشرك بعد ما قال لا إله

قَال: نَعَمْ قَال: فَكَيفَ تَصْنَعُ بِلا إِلهَ إِلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. قَال: وَكَيفَ تَصنَعُ بِلا إِلهَ إِلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: كَيفَ تَصْنَعُ بِلا إِلهَ إِلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا الله (قال) الرجل المسلم (نعم) أي أجل قتلته يا رسول الله بعد ما قال لا إله إلا الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل المسلم القاتل (فكيف تصنع) وتخاصم (بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) تخاصمك لذلك الرجل القائل لها (قال) الرجل المسلم القاتل (يا رسول الله استغفر لي) أي اطلب لي من الله تعالى مغفرة خطيئتي هذه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية لذلك المسلم (وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) تخاصمك لذلك المقتول القائل لها (قال) الراوي جندب بن عبد الله البجلي (فجعل) النبي صلى الله عليه وسلم وجعل هنا من أخوات صار، أي فصار النبي صلى الله عليه وسلم (لا يزيده) أي لا يزيد لذلك المسلم القاتل في جوابه حين قال له: استغفر لي يا رسول الله (على أن يقول) صلى الله عليه وسلم (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) تخاصمك لقائلها الذي قتلته. قال النواوي: وأما ما فعله جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه من جمع النفر ووعظهم، ففيه أنه ينبغي للعالم والرجل العظيم المُطاع وذي الشهرة أن يُسكِّن الناس عند الفتن، ويعظهم ويوضح لهم الدلائل. وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يوجب على أسامة قصاصًا ولا دية ولا كفارة، فقد يُستدل به لإسقاط الجميع، ولكن الكفارة واجبة، والقصاص ساقط للشبهة، فإنه ظنه كافرًا، وظن أن إظهاره كلمة التوحيد في هذا الحال، لا يجعله مسلمًا، وفي وجوب الدية قولان للشافعي، وقال بكل واحد منهما بعض من العلماء، ويجاب عن عدم ذكره الكفارة بأنها ليست على الفور، بل هي على التراخي، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة، جائز على المذهب الصحيح عند أهل الأصول، وأما الدية على قول من أوجبها فيَحتمِل أن أسامة كان في ذلك الوقت مُعسرًا بها فأخرت إلى يساره اهـ منه. وهذا الحديث أعني حديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: حديث المقداد بن الأسود، ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث أسامة بن زيد، وذكره للاستشهاد، وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث جندب بن عبد الله وذكره للاستشهاد أيضًا والله أعلم. ***

51 - (10) باب: إيمان من تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم

51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ 184 - (93) (16) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرِ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 51 - (10) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ تبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ أي هذا باب معقود في بيان حكم إيمان من تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم وتخلص منه بقوله: ليس منا من فعل كذا، فإنه إن استحل ذلك فهو كافر، وإن لم يستحله فهو عاصٍ، لا يخرج عن الملة. (184) - س (93) (16) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد النساني، أبو خيثمة الحرشي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا (ومحمد بن المثنى) العنزي، أبو موسى البصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي كل من زهير ومحمد بن المثنى (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ، أبو سعيد البصري التميمي، ثقة متقن من كبار التاسعة، مات سنة (198) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بلفظة هو في قوله (وهو القطان) إشارة إلى أن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه، بل مما زاده من عند نفسه، إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخه. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف مشايخ مشايخه قال أبو بكر (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة ثبت ربما دلس، من كبار التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وله (80) سنة (و) عبد الله (بن نمير) - مصغرًا- الهمداني، أبو هشام الكوفي، ثقة ثبت من كبار التاسعة، مات سنة (199) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى في التأكيد بقوله (كلهم) دون قوله جميعًا، إشعارًا إلى تيقنه بأن الذي روى له عن عبيد الله هؤلاء الثلاثة فقط، أي روى كل من يحيى بن سعيد، وأبي أسامة، وابن نمير (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العُمري، أبي عثمان المدني،

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ حَمَلَ عَلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد الفقهاء السبعة، والعلماء الأثبات، ثقة ثبت، قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزُّهْريّ عن عروة عنها، ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (147) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابا (عن نافع) مولى ابن عمر العدوي مولاهم، أبي عبد الله المدني، ثقة ثبت فقيه مشهور، من الثالثة، مات سنة (117) أو بعد ذلك، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي، أبي عبد الرحمن المكي، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته، الأول منهما رجاله اثنان منهم بصريان، واثنان مدنيان، وواحد مكي، أو اثنان نسائي وبصري. والثاني: منهما اثنان منهم كوفيان، واثنان مدنيان، وواحد مكي. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدَّثنا يحيى بن يحيى) التميمي الحنظلي، أَبو زكرياء النيسابوري، ثقة ثبت إمام، من العاشرة، مات سنة (226) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (واللفظ له) أي ولفظ الحديث ليحيى، تورعًا من الكذب على غيره، لأن غيره إنما رووا معنى الحديث الآتي لا لفظه (قال) يحيى بن يحيى (قرأت على مالك) بن أَنس القرشي التيمي، أبي عبد الله المدني، إمام دار الهجرة، ثقة حجة إمام فقيه، من السابعة، مات سنة (179) ودفن بالبقيع، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، وقد تقدم لك أن قوله: قرأت على مالك، بمعنى أخبرني مالك، حالة كون مالك راويًا (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما، وهذا السند من رباعياته، رجاله اثنان منهم مدنيان، وواحد نيسابوري، وواحد مكي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة مالك لعبيد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن نافع، وقدم سنده على سند مالك، مع كون العلوفيه، لأنه مقدم على مالك في الرواية عن نافع، كما مر آنفًا، وأتى بحاء التحويل لبيان أن اللفظ له، ولبيان علو سنده. (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حمل) ورفع وشهر (علينا) أي لأجل قتالنا

السِّلاحَ فَلَيسَ مِنَّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وحَرْبنا معاشر المسلمين (السلاح) أي سلاح القتل والحرب كالسيف والرمح والقوس (فليس) ذلك الحاملُ (منا) معاشر المسلمين، أي من أهل ديننا، إن استحل ذلك فهو كافر، وإلا فالمعنى فليس هو على هدينا وعملنا، فهو عاصٍ مذنبٌ، ليس بكافر، قال الأبي: وكان هذا جوابًا لأن هديه أخص من مطلق اتباعه، فلا يلزم من كونه ليس على هديه، أن لا يكون من أمته، إذ لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، ويعني بحمل السلاح، حملها لا بحق، وإن لم يقاتل، كالمحارب يحملها ولم يقاتل، فلا يتناول حملها لنصرة من تجب نصرته من المسلمين، قال النووي: كان ابن عيينة يكره تأويل هذا الحديث، لأن ترك التأويل أزجر وأرح اهـ. قال القرطبي: أي من حمل علينا مقاتلًا، كما في الرواية الآخرى "من سل علينا السيف فليس منا" ويعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وغيره من المسلمين، ولا شك في كفر من حارب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيكون قوله عليه الصلاة والسلام (فليس منا) أي ليس بمسلم بل هو كافر وأما من حارب غيره من المسلمين؛ متعمدًا مُستحلًّا من غير تأويل؛ فهو أيضًا كافر كالأول وأما من لم يكن كذلك، فهو صاحب كبيرة، إن لم يكن متأولًا تأويلًا مسوغًا. وقد تقدم أن مذهب أهل الحق لا يكفر أحدٌ من المسلمين بارتكاب كبيرة، ما عدا الشرك، وعلى هذا فيُحمل قوله عليه الصلاة والسلام (ليس منا) في حق مثل هذا، على معنى ليس على طريقتنا، ولا على شريعتنا، إذ سنة المسلمين وشريعتهم التواصل والتراحم، لا التقاطع والتقاتل، ويجري هذا مجرى قوله صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا" ونظائره، وتكون فائدته الردع والزجر عن الوقوع في مثل ذلك، كما يقول الوالد لولده إذا سلك غير سبيله: لستُ منك ولست مني، كما قال الشاعر: إذا حاولت في أسدٍ فجورًا ... فإني لستُ منك ولست مني وفي المازري "في أمرٍ" بدل في أسد. وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 3 و 16 و 53 و 142 و 150) والبخاري (7070) والنَّسائي (7/ 117 - 118) وابن ماجة (2576).

185 - (94) (17) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُصعَبٌ (وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ) حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهم فقال: (185) - ش (94) (17) (حدَّثنا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني، أَبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234)، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، (قالا) أي قال أَبو بكر وابن نمير (حدَّثنا مصعب) بن المقدام الخثعم بخاء معجمة مفتوحة، وثاء مثلثة ساكنة قبل عين مهملة - مولاهم، أَبو عبد الله الكوفي، روى عن عكرمة بن عمار في الإيمان، وزائدة في الصلاة، وإسرائيل في الجهاد، والثوري في الصلة، ومسْعر وغيرهم، ويروي عنه ابن أبي شيبة، وابن نمير، وإسحاق و (م ت س) ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد، وجماعة، وثقه ابن معين والدارقطني، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة (203) ثلاث ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أَبواب تقريبًا، وأتى بهوفي قوله (وهو ابن المقدام) إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخه (عن عكرمة بن عمار) العِجلي الحنفي أبي عمار اليمامي، أصله من البصرة، أحد الأئمة الأعلام، وثقه ابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من الخامسة، يغلط وكان مجاب الدعوة، مات سنة (159) روى عنه المؤلف في تسعة مواضع تقريبًا (عن إياس بن سلمة) بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن قُشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم الأسلمي أبو سلمة أو أَبو بكر المدني، روى عن أبيه في الإيمان والصلاة والنكاح وغيرها، ويروي عنه (ع) وموسى بن عبيدة وعكرمة بن عمار ويعلي بن الحارث وأَبو العميس وابن أبي ذئب وعدة، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (119) تسع عشرة ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة وليس في مسلم إياس إلَّا هذا الثقة (عن أبيه) سلمة بن عمرو بن الأكوع الصحابي الجليل الأسلمي أبي مسلم المدني بايع تحت الشجرة أول الناس وأوسطهم وأخرهم على الموت وكان شجاعًا راميًا يسابق الفرسان على قدميه له سبعة وسبعون حديثًا (77) يروي عنه (ع) وابنه إياس في

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ سَلَّ عَلَينَا السَّيفَ فَلَيسَ مِنَّا". 186 - (95) (18) حدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادِ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإيمان ويزيد بن أبي عبيد مولاه في الصلاة وهو آخر من حدث عنه والحسن بن محمد في النكاح وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وقال الزُّهْريّ في آخر حديث في الجهاد ثم سالت ابنًا لسلمة فحدثني عن أبيه مات سنة (74) أربع وسبعين عن (80) ثمانين سنة. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مدنيان وواحد يمامي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سل) وأخرج من غمده (علينا) أي لأجل قتالنا ومحاربتنا (السيف فليس) ذلك السال (منا) أي من أهل ملتنا وديننا فهو كافر إن استحل ذلك أو ليس على عملنا وهدينا الكامل وسيرتنا الفاضلة إن لم يستحل ذلك. وهذا الحديث أعني حديث سلمة بن الأكوع شارك المؤلف في روايته أحمد فقط ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم فقال: (186) - ش (95) (18) (حَدَّثَنَا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من العاشرة (وعبد الله بن براد) بفتح الموحدة والراء المشددة، ابن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي، روى عن أبي أسامة في الإيمان وغيره وعبد الله بن إدريس في الجهاد وابن فضيل، ويروي عنه (م) ومطين والحسن بن سفيان، قال أحمد: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات بالكوفة سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين (وأَبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (248) روى عنه المؤلف في عشرة أَبواب تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حَدَّثَنَا أَبو أسامة) حمَّاد بن أسامة الكوفي الهاشمي مولاهم ثقة ثبت لا يكاد يخطئ ولكن ربما دلس من كبار التاسعة مات سنة (201) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن بريد) بن

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ حَمَلَ عَلَينَا السِّلاحَ فَلَيسَ مِنَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، أبي بردة الصغير الكوفي، روى عن جده أبي بردة في مواضع والحسن وعطاء ويروي عنه (ع) ويحيى بن سعيد الأموي في الإيمان وأَبو أسامة وأَبو معاوية وعبد الله بن إدريس وابن المبارك وعلي بن مسهر وعدة، وثقه العجلي وابن معين والنَّسائي وابن عدي، وقال في التقريب: ثقة يخطئ قليلًا من السادسة (عن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري الكوفي، اسمه عامر بن عبد الله بن قيس، كان على قضاء الكوفة فعزله الحجاج، وجعل أخاه مكانه، روى عن أبيه في الإيمان والصلاة وغيرهما، وعن عائشة في اللباس، وعلي بن أبي طالب في اللباس والدعاء، والأغر المزني في الدعاء، ويروي عنه (ع) وبريد بن عبد الله بن أبي بردة والقاسم بن مخيمرة والشعبي وغيلان بن جرير وحميد بن هلال وابنه سعيد بن أبي بردة وأَبو إسحاق الشيباني وأَبو إسحاق الهمداني وخلق، روى عنه المؤلف في الإيمان وفي الصلاة في موضعين وفي اللباس في موضعين وفي الدعاء في موضعين فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة تقريبًا (عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس بن سليم الصحابي الجليل الكوفي روى عنه المؤلف في ثمانية أَبواب تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، قال النووي: وفيه لطيفة وهي أن رجاله كلهم كوفيون (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حمل علينا) أي لأجل قتالنا ومحاربتنا (السلاح) أي آلة الحرب والقتال (فليس منا) أي من أهل ملتنا، فهو كافر إن استحل ذلك الحمل وإلَّا فهو عاص صاحب كبيرة يطالب بالتوبة ومعنى الحديث ليس على سيرتنا الكاملة وعملنا الفاضل من التواصل والتوادد والتراحم لأنه عمل التقاطع والتباغض. وهذا الحديث أعني حديث أبي موسى الأشعري شارك المؤلف في روايته (خ ت ق) رواه البخاري في الفتن عن أبي كريب، ورواه التِّرمِذي في الحدود عن أبي كريب وأبي السائب، وابن ماجة في الحدود عن محمود بن غيلان وأبي كريب ويوسف بن موسى القطان اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال:

187 - (96) (19) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمْنِ الْقَارِيُّ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (187) - ش (96) (19) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم، أَبو رجاء البغلاني، اسمه يحيى، وقيل: على، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) عن (90) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة أَبواب تقريبًا، قال قتيبة (حَدَّثَنَا يعقوب) بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القاريُّ - بتشديد التحتانية - نسبة إلى حي من العرب القرشي، حليف بني زُهرة المدني ثم الإسكندراني، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، مات سنة (181) إحدى وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أَبواب تقريبًا، وأتى بقوله (وهو) في قوله (وهو ابن عبد الرحمن القاري) إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخه (خ) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا أَبو الأحوص محمد بن حيَّان) بالتحتانية البغوي البغدادي، روى عن ابن أبي حازم في الإيمان في صحيح مسلم في هذا الباب فقط، ومسلم بن خالد، وهُشيم وابن عُلية، وطائفة، ويروي عنه (م) فرد حديث، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن مَنيع، وموسى بن هارون وطائفة، قال ابن معين: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: كان ثبتًا وذكره ابن حبان في الثقات، وقال صالح بن محمد: صدوق، وقال في التقريب: من العاشرة مات في ذي الحجة سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، ولم يرو عنه المؤلف إلَّا في هذا الباب فقط قال أبو الأحوص (حَدَّثَنَا) عبد العزيز (ابن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم، أَبو تمام المدني، روى عن سهيل في الإيمان، وأبيه أبي حازم في الصلاة في موضعين والصوم وغيرهما، وهشام بن عروة في حق الجار، والعلاء، وابن الهادٍ، ويروي عنه (ع) وأَبو الأحوص محمد بن حيان البغوي، وقتيبة، ويعقوب الدورقي في الصلاة، ويحيى بن يحيى والقعنبي، وعلي بن حجر، وعمرو الناقد وغيرهم، قال أحمد: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، وقال ابن معين: ثقة صدوق، ليس به بأس، وقال النَّسائي: ثقة، وقال مرة لا بأس به وقال في التقريب: صدوق فقيه من الثامنة، مات وهو ساجد في الحرم النبوي سنة (184) أربع وثمانين ومائة، وله (82) ثنتان وثمانون سنة. وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه كلاهما) أي كل من يعقوب، وابن أبي حازم رويا (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان، أبي يزيد المدني، مولى

عَنْ أَبِيهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ حَمَلَ عَلَينَا السِّلاحَ فَلَيسَ مِنَّا. ومَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا". 188 - (97) (20) وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جويرية بنت أحمد الغطفانية، وثقه ابن عيينة، والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من السادسة، مات في خلافة المنصور، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وله في (خ) فرد حديث عن النعمان بن أبي عياش (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان الزيات المدني، مولى جويرية بنت الحارث، امرأة من قيس، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أَبواب تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذان السندان من خماسياته، رجال الأول: كلهم مدنيون إلَّا قتيبة فإنه بغلاني، وكذا رجال الثاني مدنيون إلَّا أبا الأحوص فإنه بغدادي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حمل) وشهر (علينا) أي لأجل محاربتنا معاشر المسلمين (السلاح) أي آلات الحرب (فليس منا) أي من أهل ديننا، أو ليس عمله من عملنا على التفصيل المار (ومن غشنا) أي من خدعنا، أي فعل بنا الغش، أي فعل بالمسلمين الغش، وكذا أهل الذمة والمعاهد والمستأمن، والغش بالفتح ضد النصح، وبالكسر اسم منه، يقال: غَشَّه إذا لم يمحضه النصح، أو أظهر له خلاف ما أضمره كغششته اهـ من القاموس. (فليس منا) أي من أهل ديننا وملتنا، إن استحل ذلك، أو على هدينا وعملنا، إن لم يستحل ذلك، على التفصيل المار، وهذا الحديث أعني حديث سُهيل عن أبيه شارك المؤلف في روايته ابن ماجة رواه في الحدود اهـ ت. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال: (188) - (97) (20) (وحدثني يحيى بن أيوب) العابد المقابري، أَبو زكرياء البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) وله (77) روى عنه المؤلف في ثمانية أَبواب تقريبًا.

وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ عَنْ أَبِيهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَال: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (قتيبة) بن سعد بن جميل الثقفي، أَبو رجاء البغلاني، ثقة من العاشرة، (و) علي (بن حُجر) -بضم المهملة وسكون الجيم- ابن إياس السعدي، أَبو الحسن المروزي، نزيل بغداد ثم مرو، وثقه النَّسائي، وقال في التقريب: ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأكد بقوله (جميعًا) دون كلهم، إشارة إلى عدم انحصار من روى له عن إسماعيل في الثلاثة المذكورة، أي حالة كون كل من الثلاثة مجتمعين في الرواية لي (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم، أبي إبراهيم، أو أبي إسحاق المدني، أخي محمد وكثير ويحيى، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) مائة وثمانين، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا. (قال ابن أيوب) في روايته عنه (حَدَّثَنَا إسماعيل) بصيغة السماع، دون قتيبة وعلي بن حجر، فإنهما رويا عنه بصيغة العنعنة، وأتى بهذه الجملة تورعًا من الكذب على ابن أيوب (قال) إسماعيل (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي مولاهم، أَبو شِبل -بكسر المعجمة وسكون الموحدة- المدني، أحد الأئمة الأعلام، صدوق ربما وَهم، من الخامسة، مات سنة (133) في خلافة المنصور، روى عنه المؤلف في أربعة أَبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرقي المدني، ثقة من الثالثة، روى عنه المؤلف في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مدنيون إلَّا مشايخ المؤلف فإنهم بغداديون. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صُبرة) -بضم الصاد وسكون الموحدة- أي كومة مجموعة من (طعام فأدخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يده فيها) أي في داخل تلك الصبرة، ليُجرب باطنها هل هو كظاهرها أم لا (فنالت) أي فأصابت (أصابعه) صلى الله عليه وسلم (بللًا) أي رطوبة في داخل الصبرة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الطَّعام (ما هذا) البلل الداخلي (يا صاحب الطَّعام) ومالكه (قال) صاحبه

أَصَابَتْهُ المَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَي يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيسَ مِنِّي" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أصابته) أي أصابت هذا الطَّعام (السماء) أي المطر (يا رسول الله قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ) دسيته وأخفيته في الداخل (فلا جعلته) أي أفلا جعلت هذا البلل ظاهرًا (فوق الطَّعام) وأعلاه (كي يراه) أي لكي يرى ويُبصر هذا البلل (الناس) الذين أرادوا شراءه، فلا يغتروا بظاهره (من غش) الناس، ودس لهم الشر وأراد بهم الضرر، ولم ينصح لهم (فليس) ذلك الغاش (مني) أي من أهل ملتي وديني، إن استحل ذلك، أو ليس على سيرتي وهدي إن لم يستحل، على وفق ما تقدم من نظائره. قوله (مر على صبرة) قال الأبي: الأظهر في مروره صلى الله عليه وسلم أنَّه يقصد إما لتفقد أمور المسلمين أو ليشتري ما يحتاج إليه، فعلى الأول يتأكد طلب مثله من الأئمة، أو يقيمون لذلك، وعلى الثاني ففيه رُجحان دخول أهل الفضل السوق لما يحتاجون إليه، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما يفعل الراجح، إلَّا أن يقال إنما فعله ليدل على الجواز، فيكون دليلًا على الجواز. قال ابن رشد: ولا خلاف في عدم كراهته، وقال مالك: وكان من شأن الناس الخروج إلى الأسواق، والجلوس بها، كان ابن عمر ربما أتى السوق وجلس فيه، حتَّى قال يحيى بن سعيد: ما أخذت كثيرًا من حديث ابن المسيب وسالم إلَّا في السوق حيث يجلسون منه. قال السنوسي: يترجح أو يجب في زماننا ترك الجلوس في الأسواق والطرقات لكثرة مناكرها، وعدم القدرة على تغييرها، والله تعالى أعلم. و"الصبرة" الطَّعام المصبور، من الصبر وهو الحبس لأنها حُبست للبيع، وعبارة المفهم وصُبرة الطَّعام هي الجملة المصبورة أي المحبوسة للبيع، والصبر هو الحبس. وقال النواوي: والصبرة -بضم الصاد المهملة وسكون الموحدة- الكومة المجموعة من الطَّعام، سُميت صُبرة لإفراغ بعضها على بعض، ومنه قيل للسحاب فوق السحاب صبير. قوله: (أصابته السماء) والسماء هنا هو المطر، سُمي بذلك لنزوله من السماء، وأصل السماء كل ما علاك فأظلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: قوله (أفلا جعلته فوق الطَّعام) يدل على أنَّه صبرها لبيعها جملة دون كيل، أو كل قفيز بكذا، لأنه هو الذي يتأتى فيه الغش، ومن هذا النمط بيع التين والعنب سللًا، ويجعل الجيد في الأعلى، وهو مما ينبغي التقدم فيه، وللمشتري الرجوع على البائع، إذا قوي الخلاف بين الأعلى والأسفل، لأنه من الغش، وإن لم يقو فلا رجوع له، إذ ليس من الغش لأنه من الغرر اليسير، الذي لا تخلو منه البياعات، فصار كالمدخول عليه، وأما ما يتفق في المقاطع من جعل طاقة التقليب أحسن فليس من الغش، لأن المشتري لا يقتصر على تقليبها، نعم هو غش إن كان المشتري ممن يجهل ذلك كالبدوي. ولم يأت في الحديث أنَّه أدبه، ولا أخرجه من السوق، فلعله ممن لم يتكرر منه ذلك فيكفي في أدبه القول. وتحصيل القول في ذلك أن المغشوش إن تعذر تخليص الغش منه كالخبز الناقص، واللبن بالماء والثوب الخفيف النسج، والجلد الدنيء الدبغ، فما كان من ذلك بيده يريده لنفسه تُرك له، وإن كان ليبيعه، ولم يقصد به الغش كمن اشتراه ليبيعه، أو كان من صنعته، وغلبته الصنعة أو ذكر وجهًا يُعذر به، بيع عليه بعد البيان ممن يستعمله لنفسه، أو يُوضع عند أمين ليُباع على ذلك، وإن قصد به الغش، فقال ابن عتاب: يؤدب ويخرج من السوق، ليرتاح المسلمون منه، وقال أيضًا هو وابن القطان: يُحرق الثياب والجلد، واختلفا في الخبز الناقص، فقال ابن عتاب يتصدق به بعد الكسر، لاستحلالهم أموال الناس، وقال ابن القطان: لا يتصدق به، إذ لا يحل مال مسلم إلَّا بإذنه، واختار ابن المناصف: أن يُحسب ما غش به من نقص كيل أو وزن، أو غير ذلك من نوع الغش، ويتصدق به عن أربابه، لأنه لغير معين، ويؤدب بقدر اجتهاد الحاكم كالغاصب، ويشهد لابن عتاب قول مالك في سماع ابن القاسم: ويتصدق باللبن المغشوش، ويشهد لابن القطان قوله في غير هذا السماع: لا يُحِل ذنب من الذنوب مال مسلم اهـ أبي. قوله: (من غش فليس مني) والغش ضد النصيحة، وهو بكسر الغين المعجمة، يقال: غَشه يَغِشه غشًّا وأصله من اللبن المغشوش، أي المخلوط بالماء تدليسًا اهـ مفهم. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حديث الصبرة شارك

189 - (98) (21) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف في روايته أَبو داود (3452) والتِّرمِذي (1315) وابن ماجة (2224). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن عمر بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهم فقال: (189) - ش (98) (21) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي مولاهم، أَبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام، من العاشرة، مات سنة (226) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا. قال يحيى (أخبرنا أَبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي السعدي، مولى أسعد بن زيد مناة الكوفي، من كبار التاسعة، مات سنة (195) وله (82) سنة، روى المؤلف عنه في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) (حَدَّثَنَا أَبو معاوية ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أَبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة، مات في آخر سنة (196) روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابًا تقريبًا وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه يحيى، وأبي بكر. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا) محمد (بن) عبد الله بن (نمير) الهمداني الخارفي، أَبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرة أَبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لمخالفة شيخه شيخ الأولين، قال ابن نمير (حدثني أبي) عبد الله بن نمير الهمداني، أَبو هشام الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (199) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، وقوله (جميعًا) تأكيد لأبي معاوية ووكيع وابن نمير، أي حالة كونهم مجتمعين في الرواية (عن الأعمَش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة ثبت مدلس، من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي الكوفي، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات

عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (100) مائة، روى عنه المؤلف في خمسة أَبواب (عن مسروق) بن الأجدع، وهو لقب عبد الرحمن بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مرة بن سليمان بن معمر بن الحارث الهمداني، أبي عائشة الكوفي، سُمي مسروقًا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وجد، ثقة فقيه مخضرم عابد، من الثانية، مات سنة (63) ثلاث وستين، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا (عن عبد الله) بن مسعود الهُذلي الكوفي الصحابي الجليل، صاحب النعلين، وهذه الأسانيد الثلاثة من سداسياته، ومن لطائفها أن رجالها كلهم كوفيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (قال) عبد الله بن مسعود (قال رسول الله صلى إله عليه وسلم ليس منا) أي من أهل ملتنا وديننا، لخروجه عن الملة إن استحل ذلك، أو ليس عمله من عملنا، أو على هدينا وسيرتنا إن لم يستحل ذلك، كنظائره السابقة (من ضرب الخدود) أي من لطمها، أو ضرب الصدور عند المصيبة، جمع خد وهو ما ارتفع من الوجنتين بين العذار والأنف، وضربه: لطمه ببسط الكفين، وأوفي قوله (أو شق الجيوب) مانعة خلو لا مانعة جمع، والجيوب جمع جيب، وهو فتح القميص المستطيل على الصدر، وشقها تقطيعها وهو كناية عن تقطيع الثياب الملبوسة عند المصيبة، سواء كان على الجيب أم لا (أو دعا) ونادى (بدعوى الجاهلية) أي بنداء أهل الجاهلية، قال القاضي: هي النياحة، وندبة الميت والدعاء بالويل وشبهه، نحو واكهفاه، واجبلاه، واسنداه، فإنه حرام نسبت إلى الجهل لكثرة جهلهم بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والمراد بالجاهلية، ما كان قبل الإسلام من الجاهلية اهـ. وعبارة الأبي: و"دعوى الجاهلية" رفع الصوت عند المصيبة بنياحة أو غيرها، وفي المفهم: و"دعوى الجاهلية، هنا هي النياحة، وندبة الميت، والدعاء بالويل، والنعي وإطراء الميت بما لم يكن فيه، كما كانت الجاهلية تفعل، ويَحتمِل أن يُراد بها نداؤهم عند الهياج والققال: يا بني فلان، مستنصرًا بهم في الظلم والفساد، وقد جاء النهي عنها في حديث آخر فقال: "دعوها فإنها منتنة" رواه أحمد (3/ 338) والبخاري (4907) ومسلم (2584) من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، وأمر بالانتماء إلى الإسلام فقال: "ادعوا بدعوة المسلمين التي سماكم الله بها" والأولى أليق بهذا الحديث، لأنه قرنه بضرب الخدود وشق الجيوب.

هَذَا حَدِيثُ يَحْيَى. وَأَمَّا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالا: "وَشَقَّ وَدَعَا" بِغَيرِ أَلِفٍ. 190 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود رواه أحمد (1/ 432 و 442 و 465) والبخاري (1294 و 1298) والتِّرمِذي (999) والنَّسائي (4/ 20) وابن ماجة (1584). وقوله (هذا) المذكور هنا بكلمة أو العاطفة لفظ (حديث يحيى) بن يحيى التميمي وروايته أتى به تورعًا من الكذب على غيره، ولذلك قال (وأما ابن نمير وأَبو بكر فـ) ــقد (قالا) بالف التثنية (وشق ودعا) با لواو العاطفة (بغير) زيادة (ألف) قبل الواو، والله سبحانه وتعالى أعلم ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (190) - متا (00) (00) (حَدَّثَنَا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان، أخو أبي بكر بن أبي شيبة، أكبر منه بثلاث سنين، العبسي مولاهم، أَبو الحسن الكوفي، ثقة حافظ شهير، له أوهام، من العاشرة، مات سنة (239) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال عثمان (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قرط -بضم أوله وسكون ثانيه آخره طاء مهملة- الضبي، أَبو عبد الله الكوفي، ثقة صحيح الكتاب، كان في آخر عمره يهم من حفظه، من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي، أَبو يعقوب المروزي، ثقة مأمون فقيه مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا. (وعلي بن خشرم) -بمعجمتين أولاهما مفتوحة وثانيتهما ساكنة بزنة جعفر- بن عبد الرحمن بن عطار بن هلال بن ماهان المروزي، أَبو الحسن الحافظ، روى عن عيسى بن يونس والدراوردي، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن وَهْب، وأنس بن عياض، ووكيع، وحجاج بن محمد وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) وابن خزيمة، والفربري وأممٌ، وقال في التقريب: ثقة من صغار العاشرة، مات سنة (257) سبع وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين، والصوم والحج والفرائض والجهاد والرحمة، فجملة الأَبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية، وفائدة

قَالا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ ... بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: "وَشَقَّ وَدَعَا". 191 - (99) (22) حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من إسحاق وعلي (حَدَّثَنَا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، أَبو عمرو الكوفي، ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة (191) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، وقوله (جميعًا) حال من جرير وعيسى، أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية (عن الأعمَش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبي محمد الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) جار ومجرور متعلق بما عمل في المتابع، والإشارة راجعة إلى ما بعد الأعمش، والتقدير روى كل من جرير وعيسى بن يونس عن الأعمش عن عبد الله بن فرة عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وعيسى لأبي معاوية ووكيع وعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن الأعمَش (وقالا) أي قال جرير وعيسى (وشق ودعا) بالواو العاطفة، كما قال ابن نمير وأَبو بكر، لا كما قال يحيى بن يحيى من أو العاطفة ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث ابن عمر بحديث أبي موسى رضي الله تعالى عنهم فقال: (191) - ض (99) (22) (حَدَّثَنَا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (القنطري) -بفتح أوله وسكون ثانيه- نسبة إلى قنطرة، موضع ببغداد، وفي السنوسي: القنطري منسوب إلى قنطرة بردان -بفتح الباء والراء- جسر ببغداد اهـ. أبو صالح السمسار، روى عن يحيى بن حمزة، وشعيب بن إسحاق، وهقْل بن زياد، وعيسى بن يونس، وابن المبارك، ومعاذ بن معاذ وغيرهم، ويروي عنه (م س ق) وأَبو زرعة، وأَبو يعلى وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان، والصلاة، والزكاة، وصفة الحشر، والأدب، والزهد، وشرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجملة الأَبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة تقريبًا. قال الحكم (حَدَّثَنَا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي، أَبو عبد الرحمن الشامي،

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمْنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ؛ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيمَرَةَ حَدَّثَهُ قَال: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى. قَال: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قاضي دمشق، روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والأوزاعي، ومحمد بن الوليد الزبيدي، وجماعة، ويروي عنه (ع) والحكم بن موسى وأَبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، ومنصور بن أبي مزاحم، ومحمد بن المبارك، ومروان بن محمد، وجماعة، وثقه ابن معين ودُحيم، ورماه بالقدر، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، وكان مولده سنة ثلاث ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والحج والبيوع، والجهاد في موضعين، وصفة الحشر، والضحايا في ستة أَبواب تقريبًا (عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأسدي أبي عتبة الدمشقي الداراني، روى عن القاسم بن مخيمرة، وعُمير بن هانئ، وبسر بن عبيد الله، وزريق بن حيان، مولى بني فزارة، ومسلم بن عامر، ويحيى بن جابر الطائي، وخلق، ويروي عنه (ع)، ويحيى بن حمزة، وابن المبارك، وابنه عبد الله بن عبد الرحمن، وخلق، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والجنائز والأحكام والجهاد في ثلاثة مواضع، وصفة الحشر والفتن في ستة أَبواب تقريبًا (أن القاسم بن مخيمرة) -بضم أوله وفتح المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم ميم مفتوحة الهمداني بسكون الميم أبا عروة الكوفي نزيل دمشق أحد الائمة الأعلام روى عن أبي بردة بن أبي موسى في الإيمان، وشريح بن هانئ في الوضوء، وعن أبي سعيد وعلقمة بن قيس وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر والحكم بن عتيبة، وقال في التقريب: ثقة فاضل من الثالثة مات سنة (105) مائة، وجملة قوله (حدثه) خبر أن، وضمير المفعول عائد إلى عبد الرحمن أي حدث القاسم لعبد الرحمن و (قال) له القاسم (حدثني أَبو بردة) الكبير عامر (بن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي ثقة من الثانية، روى عن أبيه في الإيمان والصلاة وغيرهما، روى عنه المؤلف في أربعة أَبواب تقريبًا. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان شاميان وواحد بغدادي (قال) أَبو بردة (وجع) بفتح الواو وكسر الجيم من باب فرح، أي مرض (أَبو موسى) الأشعري والدي الكوفي (وجعًا) أي مرضًا شديدًا (ذ) (فـ) شرف على الموت حتَّى (غشي)

عَلَيهِ، وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ. فَصَاحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيهَا شَيئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَال: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. "فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأغمي (عليه) لشدة مرضه، وفي بعض النسخ غشي عليه بلا فاء (ورأسه) أي والحال أن رأس أبي موسى (في حجر) ومقدم بدن (امرأة من أهله) وأزواجه، والحجر بفتح الحاء وكسرها مع سكون الجيم فيهما لغتان مقدم البدن من الفخذ والصدر (فـ) ـــأقبلت و (صاحت) أي ناحت ورفعت صوتها بالبكاء (امرأة) أخرى (من أهله) وأزواجه أيضًا وهي أم عبد الله بنت أبي دومة لها صحبة وحديث كما سيأتي قريبًا، وإنَّما قلنا امرأة أخرى جريًا على القاعدة المشهورة عندهم المذكورة في عقود الجمان لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي بقوله: ثم من القواعد المشتهرة ... إذا أتت نكرة مكررة تغايرت وإن يعرَّف ثان ... توافقا كذا المعرفان (فلم يستطع) أَبو موسى رضي الله عنه أي لم يقدر لشدة مرضه وغشيانه (أن يرد) وينكر (عليها) أي على أم عبد الله ما أتت به من المنكر الذي هو الصياح والنياحة (شيئًا) من الرد والإنكار لا قولًا ولا إشارة وهو منصوب على المفعولية المطلقة ليرد ثم أفاق من إغمائه وغشيانه (فلما أفاق) وصحا من إغمائه (قال) أَبو موسى معرضًا لها (أنا بريء) أي متبرئ (مما) أي من الشيء الذي (برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم) من منكرات الشرع (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وإنَّما قلت ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (برئ) أي تبرأ (من الصالقة) بالصاد والسين لغتان، أي من النائحة التي ترفع صوتها بالبكاء والندب عند المصائب (والحالقة) أي ومن التي تحلق شعرها في المصائب (والشاقة) أي ومن التي تشق جيبها وثوبها عند المصيبة، كما قال في الحديث الآخر "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب". والمعنى أنا بريء من تصويب فعلهن أو مما يستوجبن علي ذلك من العقوبة أو مما لزمني من بيان حكمه اهـ أبي. وأصل البراءة الانفصال عن الشيء والبينونة منه، ومنه البراءة من العيوب والدين وبارأ الرجل امرأته أي فارقها، ويحتمل أن يريد به أنَّه متبرئ

192 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من تصويب فعلهن هذا أو من العهدة اللازمة له في التبليغ، وهذا الحديث أعني حديث أبي موسى الأشعري شارك المؤلف في روايته البخاري (1296) وأَبو داود (3130) والنَّسائي (4/ 20) وابن ماجة (1586). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فقال: (192) - متا (00) (00) (حَدَّثَنَا عبد بن حميد) بن نصر الكسي نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر، أَبو محمد الحافظ، وقيل اسمه عبد الحميد وبذلك جزم ابن حبان وغير واحد، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (249) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أَبو يعقوب التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة (251) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من عبد واسحاق (أخبرنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي القرشي العمري أَبو عون الكوفي، روى عن أبي العميس في الإيمان والصلاة والحج والفضائل والتفسير وهشام بن سعد وهشام بن عروة في الوصايا وسفيان الثَّوري في الجهاد ويحيى الأنصاري وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد بن حميد واسحاق بن منصور وابن أبي شيبة والحسن بن علي الحلواني وهارون بن عبد الله وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: صدوق من التاسعة مات سنة (257) ست أو سبع ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة أَبواب تقريبًا، قال جعفر بن عون (أخبرنا أَبو عميس) بضم العين المهملة وفتح الميم وإسكان الياء وبالسين المهملة عتبة بضم أوله وسكون ثانيه، ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي، روى عن أبي صخرة جامع بن شداد في الإيمان وعون بن أبي جحيفة في الصلاة وعلي بن الأرقم وقيس بن مسلم في الصوم والحج وإياس بن سلمة بن الأكوع في النكاح وابن أبي مليكة في الفضائل وعبد المجيد بن سهيل في التفسير وغيرهم، ويروي عنه (ع) وجعفر بن عون وأَبو نعيم الفضل بن دكين وأَبو أسامة وأَبو معاوية وطائفة، وئقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من

قَال: سَمِعْتُ أَبَا صَخرَةَ يَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالا: أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ. قَالا: ثُمَّ أَفَاقَ. قَال: أَلَمْ تَعْلَمِي (وَكَانَ يُحَدِّثُهَا) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السابعة، روى عنه المؤلف في سبعة أَبواب تقريبًا، وذكره الحاكم في أفراد الكنى أنَّه لا يشاركه في كنيته أحد. (قال) أَبو عميس (سمعت أبا صخرة) بالهاء في آخره كذا وقع هنا وهو المشهور في كنيته ويقال فيها أيضًا أَبو صخر بحذف الهاء، جامع بن شداد المحاربي الكوفي، روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأبي بردة بن أبي موسى في الإيمان وحمران في الوضوء وصفوان بن محرز وجماعة، ويروي عنه (ع) وأَبو العميس ومسعر وشعبة في الوضوء والأعمش وشريك وغيرهم، قال ابن المديني: له نحو عشرين حديثًا، قال أَبو حاتم: ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في بابين حالة كون أبي صخرة (يذكر) ويروي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن جابر الدمشقي (وأبي بردة) عامر (بن أبر موسى) الأشعري (قالا) أي قال كل من عبد الرحمن وأبي بردة (أغمي) وغشي (على أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي (وأقبلت امرأته) أي جاءت زوجته (أم عبد الله) بنت أبي دومة الصحابية حالة كونها (تصيح) وتنوح عليه وترفع صوتها بالبكاء (برنة) وترجيع في صوتها وقلقلة، والرنة بفتح الراء وتشديد النون، قال صاحب اللسان: هي ترجيع الصوت بالبكاء، ويقال: أرنت فهي مرنة، ولا يقال رنت، وقال الجوهري: يقال أرنت ورنت، قال: والرنة والرنين والأرنان بمعنى نقلها الأبي (قالا) أي قال عبد الرحمن بن يزيد وأَبو بردة (ثم) بعد صياحها (أفاق) أَبو موسى وصحا من إغمائه و (قال) لها (ألم تعلمي) وتعرفي يا أم عبد الله، وجملة قوله (وكان) أَبو موسى قبل ذلك (يحدثها) أي يحدث أم عبد الله هذا الحديث الآتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة معترضة بين علم ومفعوليها، وجملة أن في قوله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سادة مسد مفعولي علم، أي ألم تعلمي يا أم عبد الله بروايتي لك من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أنا بريء) أي متبرئ (ممن) أي من فعل من (حلق) شعر رأسه عند المصيبة أي من تصويب

وَسَلَقَ وَخَرَقَ". 193 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ، حَدَّثَنَا هُشَيمٌ عَنْ حُصَينٍ، عَنْ عِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فعله أو مما يستوجبه من العقوبة أو مما لزمني من بيان حكمه والتبليغ إليه (وسلق) أي رفع صوته بالبكاء عند المصيبة ويقال بالسين وبالصاد ومنه قوله تعالى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} (وخرق) أي شق الثياب عند المصيبة تفجعًا على الميت والاستفهام في قوله ألم تعلمي للتقرير المضمن للإنكار أي أتبكي وتصيحي ولم تعلمي، وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد كسي أو نيسابوري إلَّا عبد الرحمن بن يزيد فإنه دمشقي وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صخرة للقاسم بن مخيمرة في رواية هذا الحديث عن أبي بردة بن أبي موسى، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه فقال: (193) - (00) (00) حَدَّثَنَا (عبد الله بن مطيع) بن راشد البكري أَبو محمد النيسابوري نزيل بغداد، روى عن هُشَيم في الإيمان وآخر الكتاب في التفسير وإسماعيل بن جعفر، ويروي عنه (م) والبغوي وأحمد بن الحسين الصوفي الصغير، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين، قال عبد الله (حَدَّثَنَا هُشَيم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أَبو معاوية الواسطي نزيل بغداد، روى عن حصين بن عبد الرحمن في الإيمان والوضوء والصلاة وغيرها وداود بن أبي هند والأعمش وأبي بشر جعفر، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن مطيع وخلق، ثقة ثبت كثير التدليس من السابعة مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابًا تقريبًا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي، وقال في التقريب ثقة تغير حفظه في الآخر من الخامسة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة وله (93) سنة، روى عنه المؤلف في عشرة أَبواب تقريبًا (عن عياض) بن عمرو (الأشعري) الكوفي، مختلف في صحبته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي موسى، وعن امرأة أبي موسى، ويروي عنه (م ق) وحُصين بن عبد الرحمن، والشعبي، وسماك بن حرب، وقال في التقريب: وجزم أَبو حاتم بأن حديثه مرسل، وأنه تابعي، رأى أبا

عَنِ امْرَأةِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِيه حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قال: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا دَاوُدُ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِنْدٍ) حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ صفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيدة بن الجراح، فيكون مخضرمًا، وقال ابن حبان: له صحبة (عن امرأة أبي موسى) الأشعري أم عبد الله (عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم) بمثل حديث أبي بردة عن أبي موسى، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم كوفيون، وواحد نيسابوري، وواحد واسطي، وغرضه بسوقه بيان متابعة امرأة أبي موسى لأبي بردة في رواية هذا الحديث عن أبي موسى، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه والله أعلم. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنيه) أي حدثني حديث أبي موسى الأشعري (حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي، أَبو محمد البغدادي، المعروف بـ (ــابن الشاعر) ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (259) تسع وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، قال حجاج (حَدَّثَنَا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري، أَبو سهل البصري، صدوق ثبت في شعبة، من التاسعة، مات سنة (257) سبع ومائتين، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (قال) عبد الصمد (حدثني أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم، أَبو عبيدة البصري، ثقة ثبت، رُمي بالقدر، ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أَبواب تقريبًا، قال عبد الوارث (حَدَّثَنَا داود) بن أبي هند القشيري مولاهم، أَبو محمد البصري، وقيل: أَبو بكر، وكان أبوه من خراسان، واسم أبي هند: دينار، وكان داود من خيار أهل البصرة، من المتقنين في الروايات، ثقة متقن، كان يهم بأخره، من الخامسة، مات سنة (140) أربعين ومائة، وقيل قبلها، روى عنه المؤلف في ثمانية أَبواب تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن أبي هند) إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه، بل مما زادها من عند نفسه، إيضاحًا للراوي، قال داود (حَدَّثَنَا عاصم) بن سليمان الأحول التميمي مولاهم، أَبو عبد الرحمن البصري، ثقة من الحفاظ، من الرابعة، لم يتكلم فيه إلَّا القطان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية، مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن صفوان بن محرز) -بضم الميم واسكان الحاء المهملة وكسر

عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء آخره زاي- بن زياد المازني، الباهلي البصري، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (174) أربع وسبعين ومائة، روى عن جندب بن عبد الله، وأبي موسى في الإيمان، وابن عمر في النجوى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بهذا الحديث، وهذا السند من سباعياته، رجاله خمسة منهم بصريون، وواحد كوفي، وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة صفوان بن محرز لأبي بردة في رواية هذا الحديث عن أبي موسى، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي، أَبو علي الخلال (الحلواني) المكي الحافظ، ثقة له تصانيف، من الحادية عشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في ثمانية أَبواب تقريبًا. قال الحسن (حَدَّثَنَا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري، أَبو سهل البصري، صدوق من التاسعة، مات سنة (257) قال عبد الصمد (أخبرنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أَبو بسطام البصري ثقة متقن حافظ، من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا (عن عبد الملك بن عُمير) بن سُويد بن جارية الفرس بفتح الفاء والراء وبالسين المهملة -نسبة إلى فرس، له سابق، اللخمي أبي عمر الكوفي، ويقال: أَبو عمرو القبطي، روى عن ربعي بن حراش، وعلقمة بن وائل، وموسى بن طلحة، وعبد الله بن الحارث، وأبي بردة بن أبي موسى، وجابر بن سمرة، وقزعة، ومحمد بن المنتشر، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، وخلائق، ويروي عنه (م ت س ق) وشعبة، وأَبو عوانة، وجرير بن عبد الحميد، والسفيانان، وزائدة، وهشيم، وزكرياء بن أبي زائدة وحماد بن سلمة، وخلائق، وقال في التقريب: ثقة فقيه تغير حفظه، وربما دلس، وقال ابن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال أحمد: مضطرب الحديث جدًّا، ما أرى له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها، من الثالثة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة، ولد لثلاثٍ بقين من خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان له يوم مات مائة سنة وثلاث سنين (103).

عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ قَال: "لَيسَ مِنَّا" وَلَمْ يَقُلْ "بَرِيءٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين، وفي الصلاة في ثلاثة مواضع، والجنائز والزكاة والصوم في ثلاثة مواضع، والحج والبيوع والوصايا والأحكام والفضائل والأطعمة في موضعين والشعر والدلائل والفتن في موضعين، واللعان، فجملة الأَبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة عشر تقريبًا. (عن ربعي بن حراش) -بكسر الحاء المهملة - الغطفاني من قيس عيلان، من عُبَّاد أهل الكوفة وكان أعور، أو العبسي، بموحدة أبي مريم الكوفي مخضرم، روى عن أبي موسى في الإيمان، وحذيفة في الصلاة، والزكاة والبيوع والفتن، وأبي مسعود عقبة بن عمرو، في البيوع والفتن، وأبي بكرة في الفتن، وأبي ذر وعمر وعلي، فرد حديث، ويروي عنه (ع) وعبد الملك بن عمير، وأَبو مالك الأشجعي، ونُعيم بن أبي هند، ومنصور بن المعتمر، قال العجلي: من خيار الناس، لم يكذب كذبة قط، وقال في التقريب: ثقة عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة (100) مائة، وقيل: إحدى ومائة، وقيل: أربع ومائة، في خلافة عمر بن عبد العزيز (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) الذي رواه أَبو بردة عن أبي موسى، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان بصريان، وواحد مكي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ربعي بن حراش لأبي بردة في رواية هذا الحديث عن أبي موسى، وفائدتها بيان كثرة طرقه أيضًا. (غير أن في حديث) أي إلَّا أن في رواية (عياض) بن عمرو (الأشعري) عن امرأة أبي موسى عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه (قال ليس منا) أي من أهل ملتنا أو من أهل هدينا وسيرتنا أو المعنى (قال) عياض في روايته (ليس منا) من حلق وسلق وخرق (ولم يقل) النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عياض أنا (بريء) ممن حلق وسلق وخرق، أو المعنى (ولم يقل) عياض في روايته أنا (بريء) ممن حلق، وهذا بيان لمخالفة رواية عياض لرواية غيره. وأما قوله (حدثني الحسن بن علي الحلواني) إلى آخره فقد ذكره مرفوعًا، فقال القاضي عياض قال الدَّارَقُطني: غير عبد الصمد من أصحاب شعبة إنما يرويه عن شعبة موقوفًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: وهذا لا يضر على المذهب الصحيح المختار، لأن الصحيح فيما رُفع تارة، ووقف تارة، أن الحكم للرفع، وقيل: للوقف، وقيل: للأضبط رواة، وقيل: للأكثر رواة، وفيما وصل تارة وأرسل تارة، أن الحكم للوصل، وقيل: للإرسال، والصحيح الأول، ومع هذا فالإمام مسلم لم يذكر هذا الإسناد معتمدًا عليه، بل إنما ذكره متابعة، فالمتابعات يُغتفر فيها ما لا يُغتفر في الأصول. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث، ستة أحاديث، الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال، والثاني: حديث سلمة بن الأكوع، والثالث: حديث أبي موسى، والرابع: حديث أبي هريرة وفيه متابعة واحدة، والخامس: حديث عبد الله بن مسعود وفيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي موسى الأشعري وفيه متابعتان، فهذه الخمسة الأخيرة ذكرها للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

52 - (11) باب: إيمان النمام، وغلظ تحريم النميمة

52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ 194 - (100) (23) وحَدَّثَنِي شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِي، قَالا: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 52 - (11) بَابُ: إِيمَانِ النَّمَّامٍ، وَغِلَظِ تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان حكم إيمان النمام، هل يخرج بالنميمة عن الملة أم لا، وبيان غلظ تحريمها؛ إذا لم تخرج صاحبها عن الملة، لأنه لا يدخل الجنَّة أولًا؛ حتَّى يُعاقب عليها، والنميمة: هي نقل كلام الناس من بعضهم إلى بعض؛ على وجه الإفساد بينهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على التَّرجمة فقال: (194) - س (100) (23) (وحدثني شيبان بن فروخ) الحبطي -بفتح المهملة والموحدة- مولاهم، أَبو محمد الأُبُلي -بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام- صدوق يهم، من صغار التاسعة، مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في عشرة أَبواب تقريبًا. (وعبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق (الضبعيُّ) -بضم المعجمة وفتح الموحدة- أَبو عبد الرحمن البصري، ابن أخي جويرية بن أسماء، روى عن مهدي بن ميمون في الإيمان والوضوء، وعمه جويرية بن أسماء في مواضع، وطائفة، ويروي عنه (خ م دس) ومحمد بن يحيى، وأَبو يعلى، وثقه أَبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة جليل، من العاشرة، قال أَبو داود مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، لأن شيبان بن فروخ صدوق. (قالا) أي: قال كل من شيبان، وعبد الله بن محمد (حَدَّثَنَا مهدي) بن ميمون الأزدي المعول بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو -نسبة إلى بطن من الأزد تُسمى مِعولة مولاهم، أَبو يحيى البصري، روى عن واصل بن حيان الأحدب الكوفي في الإيمان والوضوء والصلاة في أربعة مواضع، والصوم، والبيوع، والجهاد، والفضائل في موضعين، وهشام بن عروة، وابن سيرين، وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشيبان بن فروخ، وعبد الله بن محمد بن أسماء، وهشام بن حسان، وعبد الرحمن بن مهدي في الوضوء والصلاة والجهاد، ووكيع، والقطان وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة

(وَهُوَ ابْنُ مَيمُونٍ) حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ من صغار السادسة، مات سنة (172) اثنتين وسبعين ومائة، وجملة الأَبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أَبواب تقريبًا. وأتى بلفظة هو في قوله (وهو ابن ميمون) إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخيه وإشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته، قال مهدي بن ميمون (حَدَّثَنَا واصل) بن حيان (الأحدب) الأسدي الكوفي، روى عن أبي وائل في الإيمان والصلاة، والمعرور بن سويد في حق المملوك، وإبراهيم النخعي في الوضوء، وعبد الله بن أبي الهذيل في الفضائل، ويروي عنه (ع) ومهدي بن ميمون، وشعبة، ومسعر، وعبد الملك بن سعيد بن أبجر، ومغيرة بن مقسم وغيرهم، وثقه أبو داود، وابن معين، والنَّسائي، وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة ثبت من السادسة، مات سنة (120) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في خمسة أَبواب تقريبًا كما مر. (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي، أحد بني مالك بن ثعلبة بن دودان الكوفي، أحد سادة التابعين، مخضرم، أحد العلماء العاملين، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة (100) روى عنه المؤلف في تسعة أَبواب تقريبًا (عن حذيفة) بن اليمان، واسم اليمان: حُسيل -مصغرًا- ابن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطعة بن عبس، ويقال: حِسْل بكسر فسكون، العبسي بموحدة، أبي عبد الله الكوفي، وقيل المدائني، لأنه استوطنها، حليف الأنصار، الصحابي الجليل، من السابقين، وصح في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه ما كان، وما يكون إلى أن تقوم الساعة، من الفتن والحوادث، وأَبوه صحابي أيضًا، استشهد يوم أحد، له مائة حديث، اتفقا على اثني عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بسبعة عشر. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر في الفتنة، ويروي عنه (ع) وأبو وائل في الإيمان، وهمام بن الحارث، وزيد بن وَهْب، وربعي بن حراش، وصلة بن زفر في الصلاة والفضائل، وأَبو الطفيل في الجهاد والنفاق، وجندب بن عبد الله في الفتن، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وخلق روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والفضائل والجهاد والنفاق والفتن، في ستة أَبواب تقريبًا، مات بالمدائن سنة (36) ست وثلاثين،

أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا يَنِمُّ الْحَدِيثَ. فَقَال حُذَيفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلة، في أول خلافة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان بصريان، إلَّا شيبان بن فروخ فإنه أُبلي (أنَّه) أي أن حذيفة (بلغه) أي وصل إليه خبر (أن رجلًا) لم أرَ من ذكر اسمه أي أن رجلًا من المباحثين (ينم الحديث) أي يرفع كلام الناس إلى الأمير (فقال حذيفة) زجرًا له ولغيره عن النميمة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول لا يدخل الجنَّة) أصلًا أو أولًا (نمام) أي من ينقل قول الناس إلى غيرهم على وجه الإفساد بينهم، من نم المضاعف ينم بضم النون وكسرها، يقال نم الرجل الحديث نمًا، من بابي قتل وضرب إذا سعى به ليوقع فتنة ووحشة فالرجل نم تسمية له بالمصدر ونام مبالغة والاسم النميمة والنميم أيضًا اهـ مصباح، قال النواوي: والنميمة عرفًا نقل كلام الإنسان إلى غيره لقصد الإفساد بينهما. قال الغزالي في الإحياء: واعلم أن النميمة إنما تطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول فلان يتكلم فيك بكذا قال وليست النميمة مخصوصة بهذا بل حد النميمة كشف ما يكره كشفه من قول أو فعل سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو ثالث، فحقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه، وإنما قلنا أو فعل ليدخل فيه من أخبر بخبيئة إنسان لأنه من إفشاء السر كان رأه يخفي مالكٌ لنفسه فذكره فهو نميمة، وكل من حملت إليه نميمة وقيل له فلان يقول فيك أو يفعل فيك كذا فعليه ستة أمور، الأول أن لا يصدق القائل لأن النمام فاسق، والثاني أن ينهاه عن ذلك ويقبح عليه فعله لأن نهيه من النصيحة، والثالث أن يبغضه في الله تعالى لأنه مبغض عند الله تعالى فيجب بغض من أبغضه الله تعالى، والرابع أن لا يظن بأخيه الغاثب السوء، والخامس أن لا يحمل ولا يحكي عنه ما نقله إليه على سبيل التجسس والبحث عنه لأنه يصير نامًا أيضًا، والسادس أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي نميمته عنه فيقول فلان حكى كذا فيصير به نمامًا ويكون آتيًا ما نهى عنه هذا آخر كلام الغزالي بتصرف رحمه الله تعالى.

195 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكمها الحرمة إذا لم يكن فيها مصلحة شرعية فإنْ دعت حاجة إليها فلا منع منها وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانًا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله أو أخبر الإمام أو من له ولاية بأن إنسانًا يفعل كذا ويسعى بما فيه مفسدة ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وإزالته وكل هذا وما أشبهه فليس بحرام وقد يكون بعضه واجبًا وبعضه مستحبًا على حسب المواطن والله أعلم اهـ نواوي. ومعنى قوله (لا يدخل الجنَّة نمام) أي لا يدخلها أصلًا إن استحل النميمة لأنه خرج عن الملة باستحلالها فليس بمؤمن فهو كافر خارج عن الملة، أو لا يدخلها ابتداءً مع الفائزين إن لم يستحلها حتَّى يعاقب عليها إن لم يتب عنها أو لم يدركه العفو من الله تعالى فهو مؤمن عاص ليس بخارج عن الملة فإيمانه باطل إن استحلها وناقص إن لم يستحلها فبهذا التأويل دل الحديث على التَّرجمة ودخل تحت ترجمة كتاب الإيمان فترجمتنا أعم وأوفق وأولى من ترجمتهم كما بيناه وهذا الحديث أعني حديث حذيفة بن اليمان مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن غيره كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه فقال: (195) - متا (00) (00) (حَدَّثَنَا علي بن حجر) بن إياس بن مقاتل بن مشمرخ (السعدي) أَبو الحسن المروزي من صغار التاسعة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أَبو يعقوب المروزي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا) بيانًا لاختلاف صيغتي شيخيه لأن علي بن حجر قال عن جرير بالعنعنة أي قال إسحاق أخبرنا (جرير) بن عبد الحميد بن قرط بن هلال بن قيس الضبي أَبو عبد الله الكوفي ثقة من الثامنة مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة، الكوفي أحد الأعلام المشاهير ثقة ثبت وكان لا يدل من الخامسة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثٍ، قَال: كَانَ رَجُلٌ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ إِلَى الأَمِيرٍ، فَكُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ. فَقَال الْقَوْمُ: هذَا مِمَّنْ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ إِلَى الأَمِيرِ. قَال: فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَينَا. فَقَال حُذَيفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي ثقة إلَّا أنَّه يرسل كثيرًا من الخامسة مات سنة (96) ست وتسعين بعد موت الحجاج بأربعة أشهر، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا. (عن همام بن الحارث) بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي، روى عن حذيفة في الإيمان، وعائشة في الوضوء، وعدي بن حاتم في الصيد، والمقداد بن الأسود في المداحين آخر الكتاب وعمرو وعمار وأبي مسعود وجرير ويروي عنه (ع) وإبراهيم النخعي وسليمان بن يسار ووبرة بن عبد الرحمن، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة عابد من الثانية مات سنة (65) خمس وستين، روى عنه المؤلف في أربعة أَبواب تقريبًا (قال) همام (كان رجل) من المباحثين (ينقل الحديث إلى الأمير) أي إلى أمير الكوفة أخبار الناس (فكنا) نحن (جلوسًا) أي جالسين مع حذيفة (في المسجد) أي في مسجد الكوفة أو في مسجد المدائن (فقال القوم) الجالسون عند حذيفة بعضهم لبعض (هذا) الرجل الداخل (ممن ينقل الحديث) أي ممن يسمع حديث الناس وينقله (إلى الأمير) والوالي فانتبهوا له (قال) همام بن الحارث (فجاء) ذلك الرجل ودنا إلينا (حتَّى جلس إلينا) أي عندنا (فقال حذيفة) بن اليمان بقصد إسماعه هذا الحديث وزجره عن التجسس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنَّة) أصلًا لكفره أو ابتداءً مع الناجين لارتكابه الكبيرة (قتات) أي نمام يقال قته يقته قتًا، بضم القاف من باب شد يشد لا غير، قال القاضي: هو من تقتَّت الحديث إذا تسمَّعه وجمعه لنقله إلى غيره، وهو بمعنى ما في الرواية السابقة من قوله (نمام) وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون إلَّا علي بن حجر، وإسحاق بن إبراهيم فإنهما مروزيان، قيل: وإلَّا حذيفة فإنه مدائني، لأنه استوطن المدائن، على ما ذكره النواوي، وغرض المؤلف بسوق هذا السند بيان متابعة همام بن الحارث لأبي وائل في رواية هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وبيان اختلاف الروايتين، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى والله أعلم.

196 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيميُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَش، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه فقال: (196) - متا (00) (00) (حَدَّثَنَا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (حَدَّثَنَا أَبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة حافظ من كبار التاسعة، مات سنة (195) وله (82) سنة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أَبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة، مات سنة (196) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما رويا (عن الأعمَش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ قارئ، من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قالا حَدَّثَنَا منجاب) -بكسر أوله وسكون ثانيه ثم جيم ثم موحدة- (بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أَبو محمد الكوفي، ثقة من العاشرة مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والفضائل والآيات وغيرها. وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لمنجاب بن الحارث، تورعًا من الكذب على أبي بكر، قال منجاب بن الحارث (أخبرنا) علي (بن مسهر) -بضم الميم وسكون الميم وكسر الهاء- القرشي، أَبو الحسن الكوفي، قاضي الموصل، ثقة من الثامنة، له غرائب بعدما أضر مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (عن) سليمان بن مهران المعروف بـ (ــالأعمش) الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، قَال: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ حُذَيفَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَينَا، فَقِيلَ لِحُذَيفَةَ: إِنَّ هذَا يَرْفَعُ إِلَى السُّلْطَانِ أَشْيَاءَ. فَقَال حُذَيفَةُ، إِرَادَةَ أَنْ يُسْمِعَهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا يَدْخُلُ الْجَنةَ قَتَّاتٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من الخامسة (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن همام بن الحارث) النخعي الكوفي. (قال) همام بن الحارث (كنا جلوسًا مع حذيفة) بن اليمان (في المسجد) أي في مسجد الكوفة (فجاء رجل) من الجاسوس (حتَّى) دنا و (جلس إلينا) أي جنبنا وقربنا (فقيل لحذيفة) بن اليمان أي قال لحذيفة بن اليمان من يعرف ذلك الرجل الجاسوس طن هذا) الرجل الداخل علينا (يرفع إلى السلطان) وولاة الأمور (أشياء) من أخبار الناس وأحوالهم فانتبهوا له ولا تتحدثوا عنده شيئًا (فقال حذيفة إرادة أن يسمعه) أي لأجل قصد أن يسمع ذلك الرجل الداخل علينا لينزجر عن نميمته (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنَّة) أصلًا أو ابتداءً (قتات) أي نمام، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون وقيل إلَّا حذيفة، لأنه استوطن المدائن بلدة بقرب واسط، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمَش لمنصور بن المعتمر في رواية هذا الحديث عن إبراهيم النخعي، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى، فلا اعتراض عليه في تكراره السند والمتن، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، والله سبحانه وتعالى أعلم. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلَّا حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه وذكر فيه متابعتين. * * * * *

53 - (12) باب: إيمان المسبل إزاره، والمان بصدقته، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، ومن لا يكلمه الله تعالى يوم القيامة ولا ينظر إليه

53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ 197 - (101) (24) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 53 - (12) بَابٌ: إِيمَانِ الْمُسْبِل إِزَارَهُ، وَالْمَانِّ بِصَدَقَتِهِ، وَالْمُنَفِّقِ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَمَنْ لَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِ أي هذا بابٌ معقود في بيان حكم إيمان المسبل والمرخي إزاره، عن الحد المشروع، لأجل الخيلاء والكبر، وحكم إيمان المان بصدقته، أي الذي يمتن ويعدد بصدقته على المتصدق عليه وحكم إيمان المنفق والمُربح بسلعته وبضاعته المعروضة للبيع، بالحلف الكاذب، واليمين الفاجرة على أنَّه اشتراها بكذا، ولا يبيعها إلَّا بكذا، وحكم إيمان من لا يكلمه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة لغضبه عليهم، فإيمان هؤلاء إن استحلوا عملهم ذلك فهو باطل، لخروجهم عن الملة؛ باستحلال عملهم، وإلا فإيمانهم صحيح، ولكن هم عصاة يعاقبون على عملهم، وترجمتنا هذه أعم وأولى من تراجمهم، وأوفق لترجمة كتاب الإيمان، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى لهذه التَّرجمة فقال: (197) - س (101) (24) (حَدَّثَنَا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، من العاشرة، مات سنة (235) (ومحمد بن المثنى) العنزي أَبو موسى البصري، من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) محمد (بن بشار) العبدي، أَبو إسحاق البصري، المعروف ببندار، لكونه بُندار العلم أي أوعيته، من العاشرة، مات سنة (252) وله (85) سنة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من أبي بكر وابن المثنى وابن بشار (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم، أَبو عبد الله البصري، المعروف بغُندر، من التاسعة، مات في ذي القعدة سنة (193) وكان ابن امرأة شعبة، روى عنه المؤلف في ستة أَبواب تقريبًا (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبي بسطام البصري، ثقة متقن حافظ، من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في ثلاثين بابا (35) تقريبًا (عن علي بن مدرك) -بضم الميم يسكان الدال المهملة وكسر الراء على صيغة اسم الفاعل- النخعي، أبي مدرك

عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةٍ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، روى عن أبي زرعة في الإيمان، وهلال بن يساف، وإبراهيم، ويروي عنه (ع) وشعبة، والأعمش، والمسعودي، ثقة من الرابعة، مات سنة (125) عشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان. (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة من الثالثة، رأى عليًّا (عن خرشة) بخاء معجمة ثم راء مفتوحتين ثم شين معجمة (ابن الحُرِّ) بضم المهملة والراء المشددة، الفزاري الكوفي، أخي سلامة بنت الحر، كان يتيمًا في حجر عمر، قال أَبو داود: له صحبة، وقال العجلي: ثقة من كبار التابعين، فيكون من الثانية، روى عن أبي ذر في الإيمان، وعبد الله بن سلام في الفضائل، وعن عمر، ويروي عنه (ع) وأَبو زرعة، وربعي بن حراش، والمسيب بن رافع، من الثانية، مات سنة (74) أربع وسبعين (عن أبي ذر) جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار الغفاري المدني الصحابي المشهور أحد نجباء الصحابة تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرًا ومناقبه كثيرة جدًّا مات بالربذة وقبر هناك سنة (32) اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهم روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة وفي إسلام أبي ذر. وهذا السند من سباعياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة كوفيون وواحد مدني، إلَّا في سند ابن أبي شيبة فالكوفيون عليه أربعة والبصري اثنان والمدني واحد (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة) أنفار (لا يكلمهم الله) سبحانه وتعالى (يوم القيامة) تكليم رضًا عنهم بل يكلمهم تكليم سَخَطٍ وغضب عليهم كما جاء في صحيح البخاري "يقول الله لمانع الماء اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك" رواه البخاري (2369) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وكما حكى الله تعالى أنَّه يقول للكافرين {قَال اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، وقيل معناه لا يكلمهم بلا واسطة استهانة بهم، وقيل معنى ذلك الإعراض عنهم والغضب عليهم (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة ورضا بل ينظر إليهم نظر سخط وغضب، ونظر الله تعالى إلى عباده رحمته لهم وعطفه عليهم وإحسانه إليهم، وهذا النظر هو المنفي في هذا الحديث، فمعنى لا ينظر

وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَال: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَال أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: الْمُسْبِلُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إليهم لا يرحمهم من إطلاق السبب وإرادة المسبب وإلَّا فالله سبحانه وتعالى يرى كل موجود (ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم من ذنوبهم لعظم جرمهم، وقيل لا يثني عليهم ومن لا يثني عليه سبحانه يعذبه (ولهم) أي لأولئك الثلاثة (عذاب أليم) أي شديد الألم الموجع، أي لهم عذاب أليم مؤبد لا ينقطع على كفرهم إن استحلوا ذلك فلا إيمان لهم، أو عذاب شديد على جرمهم مجازاة عليه إن لم يستحلوا ذلك، فإيمانهم باق صحيح، فبهذا التَّأويلِ طابق الحديث التَّرجمة، ومعنى (عذاب اليم) مؤلم، قال الواحدي: هو العذاب الذي يخلص إلى قلوبهم وجعه، قال: والعذاب كل ما يعيي الإنسان ويشق عليه، قال: وأصل العذاب في كلام العرب من العذب وهو المنع، يقال: عَذَبْتُه عَذْبًا إذا منعته، وعَذَبَ عُذُوبًا أي امتنع، وسمي الماء عذبًا لأنه يمنع العطش فسمي العذاب عذابًا لأنه يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثل فعله والله أعلم اهـ نووي. (قال) أَبو ذرٍّ (فقرأها) أي قرأ هذه الآية يعني لا يكلمهم الله إلخ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكررها (ثلاث مرار) أي ثلاث مرات تأكيدًا لشأن هؤلاء الثلاثة (قال أَبو ذرٍّ) قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (خابوا) أي خاب هؤلاء الثلاثة وحرموا عن نيل المقاصد التي هي رضا الله تعالى وإحسانه ورحمته (وخسروا) في صفقتهم بطردهم عن رحمته تعالى واستحقاقهم لعذابه (من هم) أي من هؤلاء الثلاثة الذين لا يكلمهم الله تعالى ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم (المسبل) أي المرخي إزاره الجار طرفه على الأرض خيلاء، أي كبرًا وعجبًا كما جاء في الحديث الآخر "لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه بطرًا" وقد أخرجه أحمد في المسند عن ابن عمر بلفظ "لا ينظر الله عَزَّ وَجَلَّ إلى الذي يجر إزاره خيلاء" والخيلاء الكبر، والإزار ما يتحزم به، وكانت العرب لا تعرف السراويلات، وإنَّما تعرف الأزر، ذكر ابن عبد ربه: أن أعرابيًّا وجد سراويل، فأخرج يديه من ساقيه، وجعل يلتمس من أين يخرج رأسه فلم يجد فرمى به وقال: إنه لقميص شيطان، وخص الإزار لأنه أكثر لباس العرب، ويشهد لذلك قوله في الآخر "جر ثوبه" فعم جميع ما يلبس، فحكم الإزار والرداء

وَالْمَنَّانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والثوب في ذلك سواء، وقد روى أَبو داود من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "الإسبال في الإزار والقميص والعمامة فمن جر منها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة". رواه أَبو داود (4094) وفي طريق أخرى قال ابن عمر ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار "فهو في القميص" رواه أَبو داود (4095). قال القرطبي رحمه الله تعالى: وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحد الأحسن والجائز في الإزار، الذي لا يجوز تعديه، فقال فيما رواه أَبو داود والنَّسائي من حديث أبي سعيد الخدري: "أُزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل ذلك ففي النار" رواه أَبو داود (4093) والنَّسائي في السنن الكبرى (9715) والخيلاء: الكبر والعجب، ويدل هذا الحديث بمفهومه؛ على أن من جر ثوبه على غير وجه الخيلاء؛ لم يدخل في هذا الوعيد، ولما سمع أَبو بكر هذا الحديث "قال: يا رسول الله إن جانب إزاري يسترخي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لست منهم يا أبا بكر) أخرجه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (6062) إذ كان جره إياه لغير الخيلاء، بل لأنه لا يثبت على عاتقه. قال الأبي: وجر كل شيء بحسبه فجر السراويل والقميص إطالتهما لأسفل من الكعبين، وإطالة الكُمِّ، ففي العُتْبِيَّةِ رأى عمر رجلًا أطال كميه فقطعهما عليه على أطراف أصابعه. والوعيد المرتب على الجر والخيلاء إنما هو على الجر بالفعل، لا على الجر بالإمكان. فائدة: وأول من جر الثوب: قارون صاحب موسى بن عمران - عليه السلام - اهـ تفسير الحدائق نقلًا عن روح البيان. (والمنان) فعال من المَنِّ، وهو من صيغ المبالغة، فلا يتناول الوعيد المذكور إلَّا من كثر منُّه وهو في ذلك كذلك بخلاف إبطاله الصدقة، وقد فسره في الحديث فقال: "هو الذي لا يُعطي شيئًا إلَّا مَنَّهُ" أي إلَّا امتن به على المُعطى له، ولا شك في أن الامتنان بالعطاء مبطل لأجر الصدقة والعطاء، مؤذٍ للمُعطى له، ولذلك قال تعالى {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].

وَالْمُنَفقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما كان المن كذلك لأنه لا يكون غالبًا إلَّا عن البخل والعجب، والكبر ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم به عليه، فالبخيل يُعْظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها، والعجب يحمله على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه مُنعم بماله على المعطى له، ومتفضل عليه وإن له عليه حقًّا يجب عليه مراعاته، والكبر يحمله على أن يحتقر المُعطى له؛ وإن كان في نفسه فاضلًا، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم به عليه، إذ قد أنعم عليه مما يُعطي، ولم يحرمه ذلك، وجعله ممن يُعطي ولم يجعله ممن يسأل، ولو نظر ببصيرته لعلم أن المنة للآخذ لما يزيل عن المُعطي من إثم المنع، وذم المانع، ومن الذنوب ولما يحصل له من الأجر الجزيل، والثناء الجميل، ولبسط هذا موضع آخر. وقيل المنان في هذا الحديث هو من المَن الذي هو القطع، كما قال الله تعالى {لَهُمْ أَجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ} [فصلت: 8]، أي غير مقطوع، فيكون معناه البخيل، بقطعه عطاء ما يجب عليه للمستحق، كما قد جاء في حديث آخر "البخيل المنان" رواه أحمد من حديث أبي ذر رضي الله عنه فنعته به، لأن المن يستلزم البخل، لأن المان لا يمن إلَّا بما عظم في عينيه وشح بإخراجه، والجواد لا يستعظم فلا يمن ويدل على أنَّه يستلزمه قوله: وإن امرأً أهدى إلي صنيعة ... وذكَّرنيها مرة لبخيل وإذا كان التذكير بالنعمة يستلزم بالبخل فكيف بالمن الذي هو أخص منه، وإنما كان أخص منه، لأنه تقرير النعمة على من أسديت إليه، والمعنى الأول أظهر لقوله "لا يُعطي شيئًا إلَّا منها (والمنفق) أي المربح (سلعته) المعروضة للبيع (بالحلف الكاذب) أي باليمين الفاجرة، فهو بمعنى الرواية الأخرى "بالحلف الفاجر" ويقال: الحلف بكسر اللام وإسكانها. قال القرطبي: قوله: (والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) الرواية في المُنفق بفتح النون وكسر الفاء مشددة، وهو مضاعف نفق البيع ينفق نفاقًا إذا خرج ونفد، وهو ضد كسد، غير أن نفق المُخفف لازم، فإذا شُدد عُدي إلى المفعول، ومفعوله هنا سلعته، وقد وصف الحلف وهي مؤنثة بالكاذب، وهو وصف مذكر، وكأنه ذهب بالحلف مذهب القول فذكره، أو مذهب المصدر وهو مثل قولهم أتاني كتابه فمزقتها، ذهب بالكتاب مذهب الصحيفة والله تعالى أعلم.

198 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الأَعْمَشُ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وممن ذكر الإسكان ابن السكيت في أول كتابه "إصلاح المنطق" اهـ نواوي. قال القاضي: وقد جمعت هذه اليمين الكذب والغرور (أي غروره إياه بيمينه) وأخذ مال الغير بغير حق والاستخفاف بحق الله تعالى، فعلى القول في حد الكبيرة: إنه ما توعد عليها تكون تلك الثلاث كبائر لترتيبه الوعيد عليها إن لم يستحلها، وإلَّا فقد أخرجته من الملة وسلبته الإيمان. وهذا الحديث أعني حديث أبي ذر شارك المؤلف في روايته أَبو داود (4087) و (4088) والتِّرمِذي (1211) والنَّسائي (7/ 245) وابن ماجة (2208). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (198) - متا (00) (00) (وحدثني أَبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري ثقة من العاشرة مات سنة (245) أربعين ومائتين على الصحيح روى عنه المؤلف في ستة أَبواب، قال أَبو بكر (حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد بن فروخ القطان التميمي أَبو سعيد البصري الأحول أحد أئمة الجرح والتعديل ثقة متقن حافظ إمام قدوة من التاسعة مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بلفظ هو في قوله (وهو القطان) إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي قال يحيى (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع الثَّوري أَبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا. فائدة: إذا روى المؤلف عن سفيان وأطلق فالعلامة التي تعرف بها أنَّه ثوري أو ابن عيينة أنَّه إن وقع ثالث السند كما هنا فهو ثوري وإن وقع ثاني السند فهو ابن عيينة إلَّا في المقدمة فإنه يخالف فيها هذه القاعدة، قال سفيان (حَدَّثَنَا سليمان) بن مهران (الأعمَش) الكاهلي مولاهم أَبو محمد الكوفي ثقة حافظ قارئ من الخامسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة (عن سليمان بن مسهر) الفزاري الكوفي، روى عن خرشة بن الحر في الإيمان والفضائل ويروي عنه (م د س) والأعمش وإبراهيم النخعي، وثقه النَّسائي، له

عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "ثَلَاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَنَّانُ الَّذِي لا يُعْطِي شَيئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرٍ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ". 199 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عندهم حديثان، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، ووهم من ذكره في الصحابة (عن خرشة بن الحر) الفزاري الكوفي، ثقة من كبار التابعين، من الثانية، مات سنة (74) (عن أبي ذر) جندب بن جنادة بن سفيان الغفاري المدني، الصحابي المشهور، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون، واثنان بصريان، وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سليمان بن مسهر لأبي زرعة في رواية هذا الحديث عن خرشة بن الحر، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المُتال والمُتابَع ثقتان، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى، بنقص شيء وزيادة شيء (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة) أنفار (لا يكلمهم الله) سبحانه وتعالى (يوم القيامة) تكليم رضًا ورحمة، بل يكلمهم تكليم غضب وسخط كما مر البحث عنه، أحدهم (المنان الذي) يمتن ويذكر ويعدد ما أعطى على الفقير و (لا يعطي شيئًا إلَّا مَنَّهُ) أي منَ ذلك الشيء وذكره وعدده على المعطى له، ليتكبر به ويفتخر به عليه (و) ثانيهم (المنفق) أي المربح (سلعته) وبضاعته (بالحلف الكاذب) واليمين الفاجرة (و) ثالثهم (المسبل) أي المرخي (إزاره) على الأرض، والجار لها على الأرض، وقد تقدم بحث أي بحث على هذا الحديث قريبًا، فلا عود ولا إعادة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (199) - متا (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور يعني حديث أبي ذر الغفاري (بشر بن خالد) الفرض نسبة إلى علم الفرائض - العسكري، أَبو محمد البصري، روى عن محمد بن جعفر في الإيمان وغيره، وحسين الجعفي، وعدة، ثقة يغرب من العاشرة، مات سنة (255) قال بشر (حَدَّثَنَا محمد) بن جعفر الهذلي مولاهم، المعروف بغندر، أَبو عبد الله البصري، ثقة إلَّا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في ستة أَبواب تقريبًا.

(يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَن شُعْبَةَ، قَال: سَمِعْتُ سُلَيمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "ثَلَاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". 200 - (102) (25) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن جعفر) إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي، مولاهم أبي بسطام البصري، ثقة متقن إمام الأئمة، من السابعة، مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا. (قال) شعبة (سمعت سليمان) بن مهران الأعمَش الكاهلي، أبا محمد الكوفي، ثقة مدلس من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بمحذوف حال من سليمان، أي سمعت سليمان الأعمَش حالة كونه راويًا عن أبي ذر بهذا الإسناد، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو سليمان الأعمَش، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لسفيان الثَّوري في رواية هذا الحديث عن الأعمَش، أي حالة كون سليمان الأعمَش راويًا عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا السند أيضًا من سباعياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة منهم كوفيون، وواحد مدني، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه أيضًا، وذكر هنا من الحديث ما خالف فيه شعبة لسفيان بقوله (و) لكن (قال) شعبة في روايته عن الأعمَش (ثلاثة) سوغ الابتداء بالنكرة نية إضافة مخصصة، أي ثلاثة أنفار (لا يكلمهم الله) سبحانه وتعالى تكليم رضا ولطف (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة واحسان (ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم من خبيث أعمالهم لعظم جرمهم، لأن ذنوبهم جمعت ذنوبًا كثيرة (ولهم عذاب أليم) أي شديد الألم، يصل ألمه إلى قلوبهم، فخالف شعبة لسفيان بزيادة ولا ينظر إليهم إلخ، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (200) - ش (102) (25) (وحدثنا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُريرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ (قَال أَبُو مُعَاويةَ: وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ) وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أَبو بكر (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أَبو سفيان، ثقة من كبار التاسعة، مات في آخر سنة (196) روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابًا تقريبًا (وأَبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (195) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه كلاهما رويا (عن الأعمَش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي جالس أبا هريرة خمس سنين، ثقة من الثالثة، مات على رأس (100) المائة، روى عنه المؤلف في خمسة أَبواب تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، الصحابي الجليل أحد المكثرين، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون إلَّا أبا هريرة، فإنه مدني (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يكلمهم الله) سبحانه وتعالى (يوم القيامة) تكليم رضًا ورحمة (ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم الله سبحانه وتعالى من خبيث أعمالهم، وقبيح سيئاتهم بالعفو والغفران (قال أَبو معاوية) أي زاد أَبو معاوية في روايته على وكيع وقال (ولا ينظر الله إليهم) نظر رحمة وإحسان (ولهم) أي لهؤلاء الثلاثة (عذاب أليم) أي وجيع، يصل وجعه إلى قلوبهم، أحدهم (شيخ) وهو من طعن في من الكبر، بأن جاوز العمر الغالب ستين سنة (زانٍ) أي زنى ووطئ في فرج حرام بغير شبهة ولا إكراه (وملك كذاب) أي يكذب في رعيته (وعائل) أي فقير (مستكبر) أي متكبر على غيره، فالسين فيه زائدة، قال القرطبي: العائل الفقير والمعيل الكثير العيال، يقال: عال الرجل فهو عائل إذا افتقر، والعيلة الفقر، وأعال فهو معيل إذا كثر عياله. قال القاضي: ولا يقتضي الحديث أن غير الثلاثة معذور، لأنها إنما ذكرت لبيان أن العقوبة عليها أشد وكانت أشد لأن المعصية مع وجود الصارف عنها تدل على الاستخفاف بحق المعبود، والمعاندة له فالصارف للشيخ عن الزنا انكسار حدة شهوته،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكمال عقله، وطول إعذار الله سبحانه إليه، والصارف للملك عن الكذب قدرته على نيل اختياره دون كذب، إذ لا يخشى أحدًا، والصارف للعائل عن الاستكبار فقره، لأن الاستكبار إنما هو بالدنيا، وليست عنده فاستكباره عناد اهـ. وقال القرطبي: وإنما غلظ العقاب على هؤلاء الثلاثة لأن الحامل لهم على تلك المعاصي محض المعاندة، واستخفاف أمر تلك المعاصي التي اقتحموها، إذ لم يحملهم على ذلك حاملٌ حاجِي، ولا دعتهم إليها ضرورة كما يدعو من لم يكن مثلهم. وبيان ذلك أن الشيخ لا حاجة ولا داعية له تدعوه إلى الزنا، لضعف داعية النكاح في حقه ولكمال عقله، ولقرب أجله، إذ قد انتهى إلى طرف عمره، ومثله في ذلك الملك الكذاب، إذ لا حاجة له إلى الكذب، فإنه يمكنه أن يمشي أغراضه بالصدق، فإن خاف من الصدق مفسدة ورَّى، وأما العائل المستكبر فاستحق ذلك لغلبة الكبر على نفسه إذ لا سبب له من خارج يحمله على الكبر، فإن الكبر غالبًا إنما يكون بالمال والخدم والجاه، وهو قد عدم ذلك كله، فلا موجب له إلَّا غلبة الكبر على نفسه، وقلة مبالاته بتحريمه، وتوعيد الشرع عليه، مع أن اللائق به والمناسب لحاله الرقة والتواضع لفقره وعجزه اهـ. فلم يبق في زنا الأول، وكذب الثاني، واستكبار الثالث إلَّا ضربًا من الاستخفاف بحق الله تعالى، ومعاندة نواهيه وأوامره، وقلة الخوف من وعيده إذ لم يبق ثم حامل لهم على هذا سواه مع سبق القدر لهم بالشقاء، فهؤلاء الثلاثة إن استحلوا ذلك فقد خرجوا من الملة فلا إيمان لهم، وإلا فهم عاصون بارتكاب الكبائر فلا بد من معاقبتهم على ذلك إن لم يتوبوا، ولم يسمح الله لهم، فبهذا التأويل يطابق الحديث التَّرجمة. قال الأبي: فإن وجد من الشيوخ من لم تنكسر حدته، فلا يكون مساويًا للشاب لأن التعليل بالوصف لا يضره تخلف الحكمة في بعض الصور، كالملك المسافر يقصر وإن لم تلحقه المشقة فإن احتاج الملك إلى الكذب في مداهنة بعض المفسدين لم يلحقه الوعيد، لأنه أحد المواضع التي استثني فيها جواز الكذب، ويلحق بالثلاثة من شركهم في المعنى الموجب للوعيد كسرقة الغني فإنها ليست كسرقة المحتاج، ولا يبعد أن يكون المدح في أضداد هذه الأنواع أيضًا يتفاوت، فالعفة من الشاب أمدح منها من الشيخ، والصدق من غير الملك أمدح منه من الملك، والتواضع من الغني أمدح منه من الفقير،

201 - (103) (26) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةٍ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدل على ذلك حديث: "وسبعة يظلهم الله ... " فذكر شابًّا نشأ في طاعة الله تعالى انتهى. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة الوارد في (شيخ زانٍ وملك كذاب وعائل مستكبر) شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 433)، والنَّسائي (6/ 86)، وابن ماجة (2208). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر ثانيًا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (201) - ش (103) (26) (وحدثنا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي من العاشرة (وأَبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي ثقة من العاشرة، مات سنة (248) (قالا) أي قال أَبو بكر وأَبو كريب (حَدَّثَنَا أَبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (195) (عن الأعمَش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبي محمد الكوفي، ثقة من الخامسة، مات سنة (148) (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني، مولى جويرية بنت الحارث، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) روى عنه المؤلف في ثمانية أَبواب تقريبًا (عن أبي هريرة)، الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مدنيان (وهذا) الحديث الآتي لفظ (حديث أبي بكر) بن أبي شيبة، وأما أَبو كريب فروى معناه (قال) أَبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث) أنفسٍ، وذكر اسم العدد هنا بحذف الهاء، وهو صحيح على معنى ثلاثُ أنفسٍ، وجاء الضمير في لا يكلمهم مذكرًا على المعنى، أي ثلاثة أنفارٍ (لا يكلمهم الله) سبحانه وتعالى (يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) أحدهم (رجلٌ) أي شخص (على فضل ماء) أي على ماء فاضل عن حاجته وكفايته، كائن ذلك الماء (بالفلاة) أي بالمفازة

يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والفلاة بفتح الفاء هي المفازة والقفر التي لا أنيس بها (يمنعه) أي يمنع ذلك الماء (من ابن السبيل) أي من المسافر المار على ذلك الماء، أي يمنع ابن السبيل من شرب ذلك الماء الفاضل عن حاجته قال النواوي: ولا شك في غلظ تحريم ما فعل، وشدة قبحه، فإذا كان من يمنع فضل الماء الماشية عاصيًا، فكيف بمن يمنعه الأدمي المحترم فإن الكلام فيه فلو كان ابن السبيل غير محترم كالحربي والمرتد لم يجب بذل الماء له اهـ. قال القرطبي (قوله ورجل على فضل ماء بالفلاة) إلخ يعني بفضل الماء ما فضل عن كفاية السابق للماء وأخذ حاجته منه فمن وإن كذلك فمنع ما زاد على ذلك تعلق به هذا الوعيد، وابن السبيل: هو المسافر، والسبيل: الطَّرِيق، وسُمي المسافر بذلك لأن الطَّرِيق تبرزه وتظهره فكأنها ولدته، وقيل: سُمي بذلك لملازمته إياه، كما يقال في الغراب: ابن دأية لملازمته دأية البعير الدَّبِر لينقرها (والبعير الدَّبِرُ: هو الذي تقرحت دأيته، والدأية من البعير: هو الموضع الذي تقع عليه ظِلفة الرحل فيعقره) والفلاة: القفر كما مر. وهذا هو الماء الذي قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن منعه بقوله: "لا يُمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ" رواه البخاري، ومسلم، وأَبو داود، والتِّرمِذي، وابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في رقم (1566) وقد أجمع المسلمون على تحريم منع ذلك لأنه منع ما لا حق له فيه من مستحقه، وربما أتلفه أو أتلف ماله وبهيمته، فلو منعه هذا الماء حتَّى مات عطشًا اقتص منه عند مالك، لأنه قتله كما لو قتله بالجوع أو بالسلاح. قال الأبي: حمل الشراح هذا الماء على أنَّه غير مملوك الأصل، فهو من نوع ما قبله، فالصارف لهذا أيضًا كونه لا يملك أصله، وقد أخذ حاجته فمنعه، وقد استغنى عنه ككذب الملك مع ما فيه من تعريض مسلم للتلف اهـ. (و) ثانيهم (رجل بايع) أي ساوم (رجلًا) آخر وباع له (بسلعة) أي ببضاعة معروضة للبيع (بعد (صلاة (العصر فحلف) أي حلف وأقسم الرجل الأول وهو البائع (له) أي للرجل الثاني وهو المشتري (بالله) أي باسم الله أو بصفته ليغره على أنَّه (لأخذها) أي لأخذ تلك السلعة واشتراها (بـ) ــثمن قدره (كذا) أي ألف ريال (وكدا) أي وخمسمائة، مع

فَصَدَّقَهُ، وَهُوَ عَلَى غَيرِ ذلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنَّه أخذها بألف ريال فقط (فصدقه) أي فصدق المشتري البائع على أنَّه أخذها بألف وخمسمائة، فأعطاه ألفين، بزيادة خمسمائة أي ألف ريال (وهو) أي والحال أن أخذه تلك السلعة (على كير ذلك) المذكور من الذي أشار إليه بقوله: كذا وكذا، وهو ألف وخمسمائة، والمعنى أنَّه اشتراه بألف، ويزعم أنَّه اشتراها بالف وخمسمائة، ويبيعها بألفين. ومعنى الكلام أي: حلف له بعد صلاة العصر على أعين الناس فالتقييد بذلك لأنه وقت اجتماعهم وتكاثرهم، ولأنه وقت تلاقي ملائكة الليل والنهار، وفي ذلك تكثير للشهود منهم على كذب الحالف أو صدقه، فيكون أخوف، ذكره المفسرون عند تفسير قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} في سورة المائدة اهـ من هامش بعض المتون. وقال القاضي عياض (وقوله بعد العصر) قيده بذلك لشدة الأمر فيها، وحضور ملائكة الليل والنهار عندها، وشهادتهم على مجاهرته ربه بيمينه واستخفافه عظيمَ حقه انتهى. وعبارة المفهم هنا (قوله: ورجل بايع رجلًا سلعة) رويناه سلعة بغير باء، ورويناه بالباء فعلى الباء بايع بمعنى ساوم، كما جاء في الرواية الآخرى "ساوم" مكان بايع، وتكون الباء بمعنى عن كما قال الشاعر: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب أي عن النساء، وعلى إسقاطها يكون معنى بايع باع فيتعدى بنفسه، وسلعةً مفعول به وقوله (فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا) يعني أنَّه كذب فزاد في الثمن الذي به اشترى فكذب واستخف باسم الله تعالى حتَّى حلف به على الكذب، وأخذ مال غيره ظلمًا فقد جمع بين كبائر، فاستحق هذا الوعيد الشديد، وتخصيصه بما بعد العصر يدل على أن لهذا الوقت من الفضل والحرمة ما ليس لغيره من ساعات اليوم. وقال أيضًا: ويظهر لي أن يقال إنما كان ذلك لأنه عقب الصلاة الوسطى، كما يأتي النص عليه، ولما كانت هذه الصلاة لها من الفضل، وعظيم القدر أكثر مما لغيرها كان ينبغي لمصليها أن يظهر عليه عقبها من التحفظ على دينه، والتحرز على إيمانه أكثر مما ينبغي له عقب غيرها لأن الصلاة حقها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله

وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَا، فَإِنْ أعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، أي تحمل على الامتناع عن ذلك مما يحدث في قلب المصلي بسببها من النور والانشراح والخوف من الله تعالى، والحياء منه، ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزد من الله إلَّا بعدًا" رواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما. وإذا كان هذا في الصلوات كلها كانت الوسطى بذلك أولى، وحقها في ذلك أكثر وأوفى فمن اجترأ بعدها على اليمين الغموس التي يأكل بها مال الغير كان إثمه أشد وقلبه أفسد والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الذي ظهر لي، أولى مما قاله القاضي أَبو الفضل، فإنه إنما كان ذلك لاجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في ذلك الوقت لوجهين: أحدهما: لأن هذا المعنى موجود في صلاة الفجر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ثم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر" رواه البخاري ومسلم والنَّسائي، فتبطل خصوصية العصر لمساواة الفجر لها في ذلك. وثانيهما: أن حضور الملائكة واجتماعهم إنما هو في حال فعل هاتين الصلاتين لا بعدهما كما قد نص عليه في الحديث حين قال: "يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وتقول الملائكة أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون" وهذا يدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الملائكة لا يشاهدون من أعمال العباد إلَّا الصلوات فقط وبها يشهدون، فتدبر ما ذكرته فإنه الأنسب الأسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ قرطبي. (و) ثالثهم (رجل بايع) وعاهد (إمامًا) وسلطانًا على الإمامة حالة كونه (لا يبايعه) أي لا يريد مبايعته (إلا للدنيا) أي إلَّا لأجل نيل حظوظ الدنيا منه من المال والجاه وغيرهما لا لاتفاق الكلمة (فإن أعطاه) أي فإن أعطاه الإمام (منها) أي من الدنيا (وفى) وبرَّ ونفَّدَ تلك البيعة فلا ينقضها ولا يخدعه (وإن لم يعطه) أي وإن لم يُعطِ الإمام ذلك الرجل مراده (منها) أي من الدنيا (لم يفِ) ذلك الرجل بيعة الإمام، بل ينقضه ويسعى في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إبطالها، وقال القاضي: استحق ذلك لغشه الإمام والمسلمين، لأنه يظن أنَّه إنما بايعه ديانة، وهو قَصَدَ ضد ذلك، مع ما يثير من الفتن، لا سيما إن كان متبوعًا انتهى. قال القرطبي قوله: (ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلَّا لدنيا) إنما استحق هذا الوعيد الشديد لأنه لم يقم لله تعالى بما وجب عليه من البيعة الدينية، فإنها من العبادات التي تجب فيها النية والإخلاص، فإذا فعلهما لغير الله تعالى من دنيا يقصدها، أو غرض عاجلٍ يقصده بقيت عهدتها عليه لأنه منافق مراء غاش للإمام والمسلمين غير ناصح في شيء من ذلك، ومن كان هذا حاله كان مثيرًا للفتن بين المسلمين، بحيث يسفك دماءهم، ويستبيح أموالهم، ويهتك بلادهم، وسعى في إهلاكهم لأنه إنما يكون مع من بلَّغه إلى أغراضه، فيبايعه لذلك وينصره ويغضب له ويقاتل مخالفه، فينشأ من ذلك تلك المفاسد، وقد تكون هذه المخالفة في بعض أغراضه فينكث بيعته ويطلب هلكته، كما هو حال أكثر أهل هذه الأزمان، فإنهم قد عمهم الغدر والخذلان. قوله (فإن أعطاه منهما وفى) إلخ هكذا الرواية (وفى) بتخفيف الفاء و (يف) محذوف الواو والياء مخففًا، وهو الصحيح هنا رواية ومعنى، لأنه يقال وفى بعهده يفي وفاءً، والوفاء ممدود: ضد الغدر، ويقال: أوفى بمعنى وفى، وأما (وفَّى) المشدد الفاء فهو بمعنى توفية الحق وإعطائه، يقال: وفاه حقه يُوفيه توفية، ومنه قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)} [النجم: 37]، أي قام بما كلفه من الأعمال كخصال الفطرة وغيرها، كما قال الله تعالى: {فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124]. وحكى الجوهري: أوفاه حقه، وعلى هذا، وعلى ما تقدم فيكون أوفى بمعنى الوفاء بالعهد، وتوفية الحق والأصل أوفى: أطل على الشيء وأشرف عليه. واعلم: أن اختلاف بيان الثلاثة في أحاديث الباب أعني حديث أبي ذر وحديثي أبي هريرة محمول على اختلاف حاجة المُخاطبين بها إلى بيان تلك الثلاثة المذكورة في كل حديث من تلك الأحاديث هكذا ظهر لفهمي السقيم، ولم أرَ من ذكره، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة الثاني شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 253) والبخاري (2358) وأبو داود (3474) و (3475) والنَّسائي (7/ 247) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله تعالى عنه فقال:

202 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَش، بِهَذَا الإسْنَادِ ... مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (202) - متا (00) (00) وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أَبو خيثمة النَّسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا، قال زهير (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أَبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا سعيد بن عمرو) بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي (الأشعثي) بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة منسوب إلى جده الأشعث أَبو عثمان الكوفي روى عن عبثر بن القاسم في الإيمان وغيره، وسفيان بن عيينة في مواضع، ومروان بن معاوية في الصوم، وأبي ضمرة أَنس بن عياض في الصوم، وحاتم بن إسماعيل في الحج والبيوع وأبي أمامة في الأشربة، ويروي عنه (م) وأَبو زرعة ووثقه، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، روى عنه المؤلف في أربعة أَبواب تقريبًا كما بيناها، قال سعيد بن عمرو (أخبرنا عبثر) بمثلثة بوزن جعفر، ابن القاسم الزبيد -بالضم مصغرًا- أَبو زبيد بضم الزاي الكوفي روى عن الأعمَش في الإيمان، وسليمان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبي إسحاق الشيباني، ومطرف بن طريف، وحصين بن عبد الرحمن، والعلاء بن المسيب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وسعيد بن عمرو الأشعثي ويحيى بن يحيى وهناد بن السري، وخلف بن هشام، وأحمد بن يونس، وقتيبة وخلق، قال أَبو داود: ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين، والجنائز، والحج، والطلاق، والأشربة في موضعين، والأطعمة، والأدب، فجملة الأَبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية تقريبًا. (كلاهما) أي كل من جرير وعبثر رويا (عن الأعمَش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ مدلس، من الخامسة، مات سنة (148) والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتاج، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع من أبي صالح وأبي هريرة، وقوله (مثله) مفعول ثانٍ لما عمل في

غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ "وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا سِلْعَة". 203 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ المتابع، والضمير عائد إلى أبي معاوية في السند السابق، والتقدير كلاهما رويا عن الأعمَش عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث أبي معاوية عن الأعمَش، وهذان السندان من خماسياته، الأول منهما رجاله: كوفيان ومدنيان ونسائي، والثاني رجاله: ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير وعبثر لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمَش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، واستثنى عن المماثلة بقوله (غير أن في حديث جرير ورجل ساوم رجلًا سلعة) له معروضة للبيع بدل قوله في الرواية الأولى (ورجل بايع رجلًا) والله أعلم، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (203) - متا (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد) أَبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ وهمَ في حديث، من العاشرة مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في عشرة أَبواب تقريبًا، قال عمرو (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة بن ميمون الهلالي مولاهم، أَبو محمد الأعور المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، من الثامنة مات أول يوم من رجب سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، وله (91) إحدى وتسعون سنة، ودفن بالحجون، قال لابن أخيه الحسن بن عمران بن عيينة بجمع آخر حجة حجها: قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة، أقول في كل سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله عَزَّ وَجَلَّ من كثرة ذلك، قال: فلم يسأل الله تعالى فرجع فتوفي في السنة الداخلة، روى عنه المؤلف في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا. (عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم، أبي محمد المكي، ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (126) ستٍ وعشرين ومائة في أولها، روى عنه المؤلف في اثنين وعشرين بابًا تقريبًا (عن أبي صالح) ذكوان السمان مولى جويرية بنت الحارث القيسية، المدني، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد بغدادي، وغرضه بسوق هذا

قَال: أُرَاهُ مَرْفُوعًا. قَال: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصرِ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ فَاقْتَطَعَهُ" وَبَاقِي حَدِيثِهِ نَحْوُ حَدِيثِ الأَعْمَشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند بيان متابعة عمرو بن دينار لسليمان الأعمَش في رواية هذا الحديث عن أبي صالح، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر من متن الحديث لما فيه من المخالفة للراوية الأولى (قال) أَبو صالح (أراه) أي أرى هذا الحديث وأظنه (مرفوعًا) أي رواه أَبو هريرة ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاثة) أنفار (لا يكلمهم الله) يوم القيامة (ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم) أحدهم (رجل حلف) وأقسم (على يمين) أي على محلوف به من أسمائه تعالى أو صفاته، أي حلف بما يُحلف به شرعًا من أسمائه وصفاته، فعلى بمعنى الباء، واليمين بمعنى المحلوف به، ويجوز أن يقال: إن على صلة، وينصب يمين على أنَّه مصدر ملاق في المعنى لا في اللفظ كما في القرطبي (بعد صلاة العصر) خصها لأنها وقت اجتماع الشهود كما مر. (على) ادعاء (مال) امرئٍ (مسلم) أو ذمي لأن ماله محترم، وكذا اختصاصاتهما فحُكم له بيمينه مع شاهد (فاقتطعه) أي فاقتطع ذلك المال، وأخذه مع كذبه في دعواه (وباقي حديثه) أي حديث عمرو بن دينار (نحو حديث الأعمَش) أي مثله. ***

54 - (13) باب: إيمان من قتل نفسه بشيء، وأنه يعذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وغير ذلك

54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ 204 - (104) (27) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 54 - (13) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ قتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِهِ فِي النَّارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَغَيرِ ذَلِكَ أي هذا باب معقود في بيان حكم إيمان من قتل نفسه بشيء من الآلة، أو بغيره كالتردي من الجبل، فإنه إن استحل ذلك فقد خرج من الملة فهو كافر، وإلا فهو مؤمن عاصٍ فيعذب بما قتل به نفسه في النار الآخروية تغليظًا عليه، وبيان أنَّه لا يدخل الجنَّة إلَّا نفس مؤمنة وإن ارتكبت المعاصي، فلا تدخلها الكافرة لأن الله سبحانه وتعالى حرم الجنَّة على الكافرين، وغير ذلك المذكور مما سيأتي في الأحاديث الآتية: كإيمان من حلف بملة غير الإسلام. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على التَّرجمة فقال: (204) - س (104) (27) (حَدَّثَنَا أَبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة (وأَبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي (الأشج) الكوفي، روى عن وكيع في الإيمان، وحفص بن غياث في الصلاة وغيرها، ومحمد بن فضيل وأبي نعيم الفضل بن دكين في الصلاة، وأبي خالد الأحمر في الإيمان وابن إدريس وهُشيم وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن أبي حاتم، وقال في التقريب: ثقة من صغار العاشرة، مات سنة (257) سبع وخمسين ومائتين، وقال أَبو حاتم: هو إمام أهل زمانه، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من أبي بكر وأبي سعيد (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أَبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات في آخر سنة (196) ست وتسعين ومائة روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابًا تقريبًا (عن) سليمان بن مهران المعروف بـ (الأعمَش) الكاهلي، أبي محمد الكوفي، ثقة حافظ مدل من الخامسة، مات في ربيع الأول سنة (148) ثمان وأربعين ومائة وله (84) سنة روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.

عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي صالح) السمان المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان. فائدة: وقول الأعمَش في السند عن أبي صالح، مما يقدح في السند، لأن الأعمَش مدلس، والمدلس إذا قال عن لا يحتج به إلَّا إذا ثبت السماع من جهة أخرى، وقدمنا أن ما كان في الصحيحين عن المدلس بعن فمحمول على أنَّه ثبت السماع من جهة أخرى، وقد جاء هنا مبينًا في الطَّرِيق الآخر من رواية شعبة. (قال) أَبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل نفسه بحديدة) أي بآلة قتلء سواء كانت من حديد، أو رصاص، أو نحاس، أو ذهب، أو فضة مثلًا كسيف، أو رمح وخنجر (فحديدته) التي قتل بها نفسه في الدنيا تكون (في يده) يوم القيامة، فضيحة له على عمله حالة كونه (يتوجأ) ويطعن (بها) أي بتلك الحديدة (في بطنه) جزاءً له بجنس عمله (في نار جهنم) أي في نارٍ تُسمى بجهنم، ومعنى يتوجأ: يطعن، وهو مهموز من قولهم وجاته بالسكين أجاه أي ضربته، ووَجيءٌ هو فهو موجوء ومصدره وَجئًا مقصورًا ومهموزًا، فأما الوِجاء بكسر الواو والمد فهو رَضٌّ الأنثيين، وهو ضرب من الخصاء، حالة كونه (خالدًا) فيها أي ماكثًا في نار جهنم مكثًا طويلًا، أي مستحقًا الخلود والمكث الطويل فيها لجريمته (مخلدًا فيها) أي محكومًا عليه من جهة الله تعالى بالخلود والدوام فيها (أبدًا) أي أزمنة طويلة أو أزمنة لا نهاية لها، وقيل: مخلدًا وأبدًا بعد خالدًا من التأكيد اللفظي بمرادفه لأن صيغتهما مختلفتان. قال القرطبي: ظاهر قوله (خالدًا مخلدًا فيها أبدًا) التخليد الذي لا انقطاع له بوجه، وهو محمول على من كان مستحلًا لذلك، ومن كان معتقدًا لذلك كان كافرًا فلا إيمان له، وأما من قتل نفسه وهو غير مستحل، فهو عاص ليس بكافر فإيمانه صحيح فيجوز أن يعفو الله عنه كما سيأتي في الذي قطع براجمه فمات، والبراجم العُقد التي في ظهور الأصابع، ويجوز أن يراد بقوله (خالدًا مخلدًا فيها أبدًا) تطويل الآماد، فيكون المراد بالخلود في النار خروجه منها آخر من يخرج من أهل التوحيد، ويجري هذا

وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ مجرى المثل، فتقول العرب: خلد الله ملكك، وأبد أيامك، ولا أكلمك أبد الآبدين، ولا دهر الداهرين، وهو ينوي أن يكلمه بعد أزمان، ويجري هذا مجرى الإعياء في الكلام اهـ. قال القاضي: يُحمل الخلود على المستحل لخروجه عن الملة، أو يحمل الخلود على طول الإقامة لا الأبد، قال الأبي: وقد يكون هذا كناية عن كون عقوبته أشد من عقوبة قتله أجنبيًّا لأنه أوقع الذنب مع وجود الصارف، كزنا الشيخ، وكذب الملك، والصارف هنا حب الإنسان نفسه بالجبلة، ثم ينبغي تقيده بغير من قتل نفسه لظنه أن العدو يقتله، قال وفي الجهاد إذا خرق العدو سفينة للمسلمين جاز لهم طرح أنفسهم، لأنهم فروا من موت إلى موت، ولم يرَ ذلك ربيعة إلا لمن طمع بنجاة، فلا يقتل نفسه، وليصبر لأمر الله تعالى، وكان الشيخ ابن عرفة يُجوِّز لمن قطعت يده ظلمًا ترك المداواة حتى يموت، وإثمه على قاطعه، والظالم أحق أن يُحمل عليه، قال القاضي: وفي الحديث دليل لمالك ومن وافقه على أن القصاص من القاتل يكون بما قتل به محددًا كان أو غير محدد، اقتداءً بعقاب الله تعالى لقاتل نفسه في الآخرة، وبحكم النبي صلى الله عليه وسلم في اليهودي الذي رض رأس الجارية بين حجرين، فأمر برض رأسه بين حجرين، وبحكمه في العرنيين، ولأن العقوبات والحدود وضعت للزجر ومقابلة الفعل بالفعل والتغليظ على أهل الاعتداء والشرِّ اهـ. قال الأبي: لا يحتج به في المسألة، لأنه قياس على فعل الله تعالى، ولا يصح لأن أفعاله سبحانه غير معللة، وإنما القياس على أحكامه اهـ. وخالف أبو حنيفة مالكًا لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي: "لا قود إلا بالسيف" وذهب الطحاوي إلى أن ما احتج به مالك منسوخ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وصبر البهائم، وأجيب عنه بأن النهي عن المثلة والصبر إنما وقع إذا لم يكن المثلة والصبر على وجه شرعي وأما إذا كان على وجه شرعي فلا، فقطع اليد مثلة واجبة في حد السرقة، وقطع الأنف والأذن وقلع السن وكسره واجب في القصاص مع أن الكل مثلة اهـ إعلاء السنن (ومن شرب سمًا) قال القرطبي: والسم القاتل للحيوان، يقال: بضم السين وفتحها، فأما السُّم الذي هو ثقب الإبرة فالبضم لا غير اهـ.

فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا". 205 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال النواوي: هو بضم السين وفتحها وكسرها ثلاث لغات، الفتح أفصحهن، وفي المطالع أفصحهن الثالثة، وجمعه سِمَام اهـ. (فقتل نفسه) في الدنيا بذلك السم (فهو) أي ذلك الشارب (يتحساه) أي يتحسى ذلك السم ويشربه في تمهل ويتجرعه (في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ومن تردى) وتساقط بنفسه في الدنيا (من جبلٍ) وكل عالٍ (فقتل نفسه فهو) أي ذلك المتردي في الدنيا (يتردى) ويتساقط وينزل (في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا) وفي القاموس ردى في البئر من باب رمى إذا سقط فيها، ومثله تَرَدَّى ورَدَّاه غيره، وأرداه أسقطه فيها اهـ بتصرف وأما جهنم فهو اسم لطبقة من نيران الآخرة، عافانا الله تعالى منها ومن كل بلاء، قال يونس: وأكثر النحويين على أنها أعجمية لا تنصرف للعجمة والعلمية، وقال آخرون: هي عربية لم تنصرف للتأنيث والعلمية، سُميت بذلك لبُعد قعرها، قال رؤبة: يقال بئر جهنام أي بعيدة القعر، وقيل: هي مشتقة من الجهومة وهي الغِلَظ، ويقال: زيد جهم الوجه أي غليظه فسُميت جهنم لغلظ أمرها والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من النواوي. ويقال في قوله (خالدًا مخلدًا فيها أبدًا) في الأخيرين مثل ما قيل في الأول من أن المراد بالخلود الخلود الذي لا نهاية له في المستحل، والخلود الذي بمعنى طول المكث في غيره والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة، أحمد (2/ 254، 487، 488) والبخاري (5778) وأبو داود (3872) والترمذي (2044) و (2045) والنسائي (4/ 67066). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (205) - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا

حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهذَا الإِسْنَادِ مِثلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقريبًا، قال زهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حوَّل المؤلف السند (و) قال (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة من العاشرة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا، قال سعيد بن عمرو (حدثنا عبثر) -بوزن جعفر- بن القاسم الزبيدي، أبو زبيد الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (179) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا، قال يحيى (حدثنا خالد) بن الحارث بن عبيد الهُجيمي، أبو عثمان البصري، ثقة من الثامنة، مات سنة (186) وولد له ستة عشر ابنًا، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخي يحيى بقوله حدثنا خالدٌ خالدَ (بن الحارث) إيضاحًا للراوي، وإشعارًا بأن هذه النسبة مما زاده من عند نفسه، لا مما سمعه من شيخه، قال خالد (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام البصري، ثقة متقن من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا. وأتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه فلا يمكن الجمع بينهم، وفائدة هذه التحويلات بيان كثرة طرقه، مع بيان تصريح شعبة بسماع الأعمش عن أبي صالح، فقوي سند وكيع المعنعن عن أبي صالح بسند شعبة المصرِّح بسماع الأعمش، لأن الأعمش مدلس كما سيأتي عن النواوي، ولكن في السند الأخير نزول (كلهم) أي كل من جرير وعبثر وشعبة رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة من الخامسة مات سنة (148) وفي أكثر النسخ الموجودة عندنا إسقاط قوله (عن الأعمش) والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، أعني به جريرًا في السند الأول، وعبثرًا في الثاني، وشعبة في الثالث، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو التابعي والصحابي، وقوله (مثله) مفعول ثان

وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيمَانَ قَال: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ. 206 - (105) (28) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُعَاويةُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الدِّمَشْقِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لما عمل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو وكيع بن الجراح، والمعنى: روى كل من الثلاثة جرير وعبثر وشعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل ما روى وكيع عن الأعمش، وغرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة، بيان متابعة جرير وعبثر وشعبة لوكيع في رواية هذا الحديث عن الأعمش، فالسند الأول منها: من خماسياته، رجاله واحد منهم نسائي، واثنان كوفيان، واثنان مدنيان، وكذا السند الثاني من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مدنيان والسند الثالث: من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد كوفي، واثنان مدنيان. (و) لكن (في رواية شعبة عن سليمان) الأعمش (قال) لنا سليمان الأعمش (سمعت ذكوان) أبا صالح السمان مصرحًا بسماع الأعمش عن أبي صالح. وعبارة النواوي هنا قوله: (كلهم بهذا الإسناد ... ) إلخ يعني: أن هؤلاء الثلاثة المذكورين وهم: جرير وعبثر وشعبة رووه عن الأعمش كما رواه وكيع عنه في الطريق الأول، إلا أن شعبة زاد هنا فائدة حسنة حيث قال (عن سليمان) وهو الأعمش (قال سمعت ذكوان) وهو أبو صالح فصرح بالسماع، وفي الرويات الباقية يقول (عن) والأعمش مدلس لا يحتج بعنعنته، إلا إذا صح سماعه الحديث الذي عنعنه من جهة أخرى، فبين مسلم أن ذلك قد صح من رواية شعبة والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى، ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنهما فقال: (206) - ش (105) (28) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام من العاشرة، مات سنة (226) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا قال يحيى (أخبرنا معاوية بن سلَّام) بفتح السين وتشديد اللام، قال النواوي في مقدمة شرحه (سَلَّام) كله بالتشديد إلا عبد الله بن سلَّام الصحابي، ومحمد بن سلام شيخ البخاري (بن أبي سلام) الشامي (الدمشقي) أبو سلَّام

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ؛ أَنَّ أَبَا قِلابَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحبشي، وكان يسكن حمص، واسم أبي سلام جدُّ معاوية ممطور بفتح الميم الأولى وسكون الثانية وضم الطاء المهملة على صيغة اسم مفعول الثلاثي، روى عن يحيى بن أبي كثير في الإيمان والصلاة والصوم وغيرها، وعن أخيه زيد بن سلام في الوضوء والصلاة، وأبيه وجده، ونافع مولى ابن عمر والزهري، وجماعة، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى، والربيع أبو توبة، ويحيى بن حسان، ومحمد بن المبارك الصوري، ويحيى بن بشر الجريري، ويحيى بن صالح وعِدة، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، مات سنة سبعين ومائة (170) روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين، والصوم في أربعة أبواب. (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم، أبي نصر اليمامي، أحد الأئمة الأعلام، واسم أبي كثير صالح، وقيل: يسير، وقيل: يسار، وقيل: نشيط، وقيل: دينار من أهل البصرة، وانتقل إلى اليمامة ومات بها، روى عن أبي قلابة، وعبد الله بن زيد في الإيمان والحدود، وأبي سلمة في الإيمان والصلاة والصوم وغيرها، وزيد بن سلام في الوضوء والزكاة والجهاد، وعبد الله بن أبي قتادة في البيوع والأشربة وغيرهما، وهلال بن أبي ميمونة وأبي نضرة، وعبيد الله بن مقسم وخلائق، ويروي عنه (ع) ومعاوية بن سلام وهشام بن أبي عبد الله، وعكرمة بن عمار، والأوزاعي، وعلي بن المبارك، وأبان بن يزيد، وهمام، وأيوب وعِدة، قال شعبة: يحيى بن أبي كثير أحسن حديثًا من الزهري، وقال أبو حاتم: إمام لا يحدث إلا عن ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من الخامسة، مات باليمامة سنة (129) تسع وعشرين ومائة، وقيل: سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين، والوضوء والصلاة والجنائز والزكاة، والصوم في ثلاثة مواضع، والحج والبيوع في ستة مواضع، والجهاد والحدود والطلاق والهبة واللباس والأشربة في موضعين، والضحايا والأدب، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة عشر بابًا تقريبًا (أن أبا قِلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد الأزدي الجرمي -بجيم- البصري، ثقة فاضل كثير الإرسال من الثالثة، مات بالشام هاربًا من القضاء سنة (104) أربع ومائة، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا (أخبره) أي أخبر ليحيى بن أبي كثير (أن ثابت بن الضحاك) بن أمية بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم بن عمرو بن عوف بن الخزرج

أَخْبَرَهُ؛ "أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيرِ الإِسْلامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري الخزرجي أبا زيد البصري، صحابي مشهور بايع تحت الشجرة، له أربعة عشر حديثًا، اتفقا على حديث وانفرد مسلم بآخر، يروي عنه (ع) وأبو قلابة في الإيمان، وعبد الله بن معقل في البيوع، مات سنة (64) أربع وستين على الصواب قاله الفلاس، وقيل: سنة خمس وأربعين (45) والله أعلم. وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم بصريان، وواحد نيسابوري، وواحد شامي، وواحد يمامي (أخبره) أي أخبر لأبي قلابة (أنه) أي أن ثابتًا (بايع) وعاهد (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيعة الرضوان على الموت (تحت الشجرة) أي تحت شجرة الحديبية النازل تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت سمرة، وهذه البيعة بيعة الرضوان التي نزل فيها قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} سورة الفتح، آية (18)، وكانت قبل فتح مكة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، وكان سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد مكة معتمرًا فلما بلغ الحديبية وهي على ثمانية أميال من مكة صدته قريش عن دخول مكة، والوصول إلى البيت، فوجه لهم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه رسولًا إليهم، فتُحُدِّث أنهم قتلوه، فتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم، فبايع أصحابه تلك البيعة على الموت أو على أن لا يفروا، كما سيأتي بسط قصتها في موضعها إن شاء الله تعالى. (و) أخبره أيضًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف) وأقسم (على يمين) أي على شيء محلوف عليه، واليمين هنا بمعنى المحلوف عليه، بدليل ذكره المحلوف به، وهو قوله بملة غير الإسلام ويجوز أن يقال إن على صلة وينصب يمين على أنه مصدر ملاق لعامله في المعنى لا في اللفظ كقولهم: قعدت جلوسًا، أي من حلف يمينًا وأقسم قسمًا (بملة) وطريقة ودين (غير) ملة (الإسلام) وطريقته ودينه معتقدًا لتعظيم تلك الملة المغايرة لدين الإسلام اليهودية والنصرانية، متعمدًا في حلفه ويمينه بتلك الملة، عالمًا بحرمة ذلك، حالة كونه (كاذبًا) في تعظيم تلك الملة التي حلف بها مبطلًا مخطئًا في ذلك، وزاد شعبة هنا كاذبًا متعمدًا، والمراد بالحلف هنا ما يشمل التعليق كقوله: إن كان الأمر كذا وكذا فأنا يهودي أو نصراني، وفي المبارق: والمراد

كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قال، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحلف هنا التعليق كقوله: إن فعلت كذا وكذا فأنا يهودي أو نصراني، فأطلق الحلف هنا على التعليق لأجل البر لكونه داعيًا إلى الفعل أو الترك كاليمين، وإلا فحقيقة الحلف بالشيء هو القسم به بإدخال بعض حروفه عليه، وأطلق اليمين أيضًا على المحلوف عليه ذكرًا للكل وإرادة للبعض، فإن اليمين هو مجموع المقسم به والمقسم عليه اهـ. (فهو) أي ذلك الحالف بملة غير الإسلام (كما قال) أي على ما قال من اليهودية أو النصرانية لاعتقاده تعظيمها، وأما إن كان الحالف بذلك غير معتقد تعظيمها فهو آثم مرتكب كبيرة، قال الأبي: والحالف بالشيء معظم له، فإن عظم ما يُعظم صدق وإلا كذب، قال القاضي: فالحالف بملة غير الإسلام إن تعمد تعظيمها لاعتقاده حقيتها فهو كاذب كافر، وزيادة شعبة (كاذبًا) على هذا حسنةٌ، وإن لم يعتقد حقيتها بل حلف وقلبه مطمئن بالإيمان فهو كاذب في تعظيم ما لا يعظم، قال الأبي: فإن حُمِلَ الحديث على الأول لم يحتج إلى تأويل، وإن حُمل على الثاني فيتأول بنحو ما تقدم. والملة عرفًا: ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام فيتوسع فيها فتطلق على الملة الباطلة، فيقال: الكفر ملة واحدة، أي طريقة واحدة وإن اختلفت أديانها، ومن إطلاقها على ذلك هذا الحديث، وقوله تعالى: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ} ولتخصيصها عرفًا بملة الحق تجد بعض المتكلمين إذا نقل مذهب أهل السنة يقول: قال المِلِّيُّون اهـ. وعبارة المُفهم قوله (كاذبًا متعمدًا) يَحتمل أن يريد به النبي صلى الله عليه وسلم من كان معتقدًا لتعظيم تلك الملة المغايرة لملة الإسلام، وحينئذ يكون كافرًا حقيقة فيبقى اللفظ على ظاهره و (كاذبًا) منصوب على الحال من فاعل حلف، أي حلف في حال تعظيم تلك الملة التي حلف بها، فتكون هذه الحال من الأحوال اللازمة كقوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [البقرة: 91] لأن من عظَّم ملة غير الإسلام كان كاذبًا في تعظيمه دائمًا في كل حال، وكل وقت لا ينتقل عن ذلك. ولا يصح أن يقال إنه يعني بكونه كاذبًا في المحلوف عليه، لأنه يستوي في ذمه كونه صادقًا أو كاذبًا إذا حلف بملة غير الإسلام، لأنه إنما ذمه الشرع من حيث إنه حلف

وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيءٍ لا يَمْلِكُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بتلك الملة الباطلة معظمًا لها على نحو ما تعظم به ملة الإسلام الحق، فلا فرق بين أن يكون صادقًا أو كاذبًا في المحلوف عليه، والله تعالى أعلم. وأما إذا كان الحالف بذلك غير معتقد لذلك فهو آثم، مرتكب كبيرة، إذ قد نسب نفسه في قوله وحلفه إلى من يُعظم تلك الملة ويعتقدها فغلظ عليه الوعيد بأن صيره كواحد منهم مبالغة في الردع والزجر كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} المائد: 51]، وقال ابن المبارك: كل ما ظاهره تكفير ذي الذنب فإنما هو تغليظ، واختلف العلماء هل تجب كفارةٌ عليه أم لا؟ فذهب الجمهور أنه لا كفارةَ على من حلف بذلك، وإن كان آثمًا وهو الصحيح، كما قاله الإمام مالك لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" رواه البخاري تعليقًا (11/ 537) ولم يوجب عليه أكثر من ذلك، ولو كانت الكفارة واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقد ذهب بعض العراقيين إلى وجوب الكفارة عليه، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى اهـ. نعم يستحب لقائل ذلك أن يُكثر من فعل الخير كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: فليقل لا إله إلا الله، لأن الحسنات يذهبن السيئات. (ومن قتل نفسه) في الدنيا (بشيء) من المُزهقات سواء كان آلة أم لا (عُذب به) أي بذلك الشيء (يوم القيامة) في نار جهنم، وهذا محل الاستشهاد لحديث أبي هريرة (وليس على رجل) وكذا المرأة (نذر) أي وفاءُ نذرٍ واقعٍ منه (في شيء لا يملكه) عتقًا كان أو طلاقًا أو صدقة. وعبارة المفهم هنا (وقوله ليس على رجل نذر في شيء لا يملكه) هذا صحيح فيما إذا باشر النذرُ مِلكَ الغير، كما إذا قال: لله عليّ عتق عبد فلان أو هديُ بدنة فلان، ولم يعلق شيئًا من ذلك على ملكه له فلا خلاف بين العلماء أن ذلك لا يلزمه منه شيء، غير أنه حُكي عن ابن أبي ليلى في العتق أنه إذا كان موسرًا عتق عليه، ثم رجع ابن أبي ليلى عنه، وإنما اختلفوا فيما إذا علق العتق أو الهدي أو الصدقة على الملك مثل أن يقول: إن ملكت عبد فلان فهو حر، فلم يُلزمه الشافعي شيئًا من ذلك عمَّ أو خص تمسكًا بهذا

207 - (00) (00) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ) قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَال: حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، وألزمه أبو حنيفة كل شيء من ذلك عمَّ أو خص، لأنه من باب العقود المأمور بالوفاء بها، وكأنه رأى أن ذلك الحديث لا يتناول المعلق على الملك، لأنه إنما يلزمه عند حصول الملك لا قبله، ووافق أبا حنيفة مالك فيما إذا خص كقوله: إن تزوجت فلانة، أو ملكت فلانًا، وهو المشهور عنه، لأنه إنما لزمه بعد أن صار في ملكه فلا حرج فيه، وتمسكا بمثل ما تمسك به أبو حنيفة، وخالفه فيما إذا عمَّ رفعًا للحرج الذي أدخله على نفسه كقوله: كل امرأة أتزوجها أو عبدٍ أملكه، ولمالك قول آخر مثل قول الشافعي اهـ بتصرف، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنه فقال: (207) - (00) (00) (حدثنا أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المِسمَعي) بكسر الميم الأولى، وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة، نسبة إلى مِسمَع بن ربيعة البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (230) ثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. قال أبو غسان (حدثنا معاذ) بن هشام بن أبي عبد الله واسمه سَنْبَر الدستوائي، أبو عبد الله البصري، صدوق ربما وهم من التاسعة، مات بالبصرة سنة مائتين (200) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، وأتى بلفظة هو في قوله (وهو ابن هشام) إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي الرَّبَعي، أبو بكر البصري، ثقة ثبت وقد رمي بالقدر من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن يحيى بن أبي كثير) الطائي مولاهم، أبي نصر البصري أو اليمامي (قال) يحيى (حدثني أبو قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن ثابت بن الضحاك) بن أمية بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، أبي زيد البصري الصحابي المشهور، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشام الدستوائي لمعاوية بن سلام في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وفائدة هذه المتابعة بيان

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كثرة طرقه، وكرر متن الحديث فيها لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالزيادة، وفي سوق الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: ليس على رجل) أي على أي شخص مسلم (نذر) أي وفاء نذرٍ نذره (فيما لا يملكـ) ــه من المال أو العصمة مطلقًا، أي سواء عمَّم أو خصص لما في وفائه من الحرج، على الخلاف المار فيه (ولعن المؤمن) وكذا المؤمنة (كقتله) في كونه معصية كبيرة إن لم يستحله أو كفرًا مُخرجًا عن الملة إن استحله. وعبارة المفهم هنا (قوله لعن المؤمن كقتله) أي في الإثم، ووجهه أن من قال لمؤمن لعنه الله فقد تضمن قوله ذلك إبعاده عن رحمة الله تعالى التي رحم بها المسلمين، وإخراجه من جملتهم في أحكام الدنيا والآخرة، ومن كان كذلك فقد صار بمنزلة المفقود عن المسلمين بعد أن كان موجودًا فيهم، إذ لم ينتفع بما انتفع به المسلمون ولا انتفعوا به، فأشبه ذلك قتله، وعلى هذا فيكون إثم اللاعن كإثم القاتل، غير أن القاتل أدخل في الإثم لأنه أفقد المقتول حسًّا ومعنىً واللاعن أفقده معنىً فإثمه أخف منه لكنهما قد اشتركا في مطلق الإثم فصدق عليه أنه مثله والله أعلم اهـ. قال المازري: قوله (كقتله) أي في الإثم، وقال القاضي: وقيل: في الحرمة، ووجه التشبيه أن القصد باللعن قطعه عن الرحمة، كما يقطعه القتل عن التصرف، وقيل: لأن القصد إخراجه عن المؤمنين فينقص عددهم، كما ينقص عددهم بقتله، وقيل: لأن لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية، فهو كمن قتل في الدنيا اهـ، وقال الأبي: ولا فرق بين أن يقول: لعنه الله، أو في لعنة الله، وكان ابن عرفة يقول: إن اللعن في سياق التأديب لا يتناوله الحديث. قال السنوسي: يعني لأنه ليس المقصود منه حينئذ الدعاء، وإنما المراد منه إظهار الغضب والمبالغة في الزجر، فهو كقول المتكلم: تربت يمينك، وثكلتك أمك، وقاتله الله ونحوه مما لا يقصد به الدعاء وإنما يقصد به التعجب، أو توكيد الكلام ونحوه، إلا أنه ينبغي للمؤدب أن لا يُعوِّد لسانه قبيح الكلام، ويحترز من مثل ذلك جهده، فإن تأنسه به يجره إلى أن يقصد مدلوله اهـ، قال الأبي: وما يجري على ألسنة العوام من قولهم: نعله الله بتقديم النون ليس بلعن، لأنه من النعال.

وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلا قِلَّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السنوسي: وفيه نظر لأنه لفظ عرفي، وُضع عرفًا لما وضع له اللعن لغة، أو المقصود به عرفًا ما يقصد باللعن لغة، وإن وقع اللحن في اللفظ، والقصد له أثر في نقل الألفاظ كما هو المختار في الطلاق، إذا قال لزوجته اسقيني الماء وقصد به الطلاق اهـ. والحديث إنما هو في لعن المعين لا في اللعن في الصفة نحو لعن الله السارق فإن ذلك جائز لكثرة وروده اهـ أبي. (ومن قتل نفسه بشيء) من المزهق (في الدنيا عُذب به) أي بذلك الشيء الذي قتل به نفسه (يوم الفيامة) إظهارًا لعمله القبيح (ومن ادعى) لنفسه شيئًا من الفضائل ونسبه إليها سواء كان علمًا أو مالًا أو عملًا صالحًا أو غيرها أي ادعاه لنفسه (دعوى كاذبة) أي باطلة ليس لها أساس. قوله (كاذبة) قال النواوي: هذه هي اللغة الفصيحة يقال: دعوىً باطلٌ وباطلةٌ، وكاذبٌ وكاذبةٌ حكاهما صاحب المحكم، والتأنيث أفصح اهـ. (ليتكثر) قال النواوي: ضبطناه بالثاء المثلثة بعد الكاف، وكذا هو في معظم الأصول، وهو الظاهر، وضبطه بعض الأئمة المعتمدين في نسخته بالباء الموحدة، وله وجه وهو بمعنى الأول أي ليصير ماله كبيرًا عظيمًا اهـ. أي ليجعل ما عنده من الفضائل (بها) أي بتلك الدعوى الكاذبة كثيرًا أو كبيرًا (لم يزده الله) أي لم يزد الله سبحانه وتعالى لذلك المدعي (إلا قلة) في فضائله التي يدعيها دعوى كاذبة، وعبارة المفهم هنا يعني والله أعلم أن من تظاهر بشيء من الكمال، وتعاطاه وادعاه لنفسه وليس موصوفًا به لم يحصل له من ذلك إلا نقيض مقصوده وهو النقص فإن كان المدعى مالًا لم يبارك له فيه، أو علمًا أظهر الله جهله فاحتقره الناس فقل مقداره عندهم وكذلك لو ادعى دينًا أو نسبًا أو غير ذلك فضحه الله وأظهر باطله فقل مقداره عند الناس، وذل في نفسه فحصل على نقيض قصده، وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "من أسر سريرة ألبسه الله تعالى رداءها" ونحو قوله تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]، وقوله عليه الصلاة والسلام: "المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور" رواه مسلم والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها.

وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي: والحديث عام في كل متشبعٍ بما لم يعطه من مال أو نسب أو علم أو دين، كل هؤلاء غير مبارك له في دعواه، ومن معنى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للبركة". قال الأبي: وما يستعار للتجمل به في الأعراس، ظاهر كلام القاضي أن الحديث يتناوله، والظاهر أن لا لضرورة الحاجة إليه. وفائدة هذا الحديث الزجر عن الرياء وتعاطيه ولو كان بأمور الدنيا اهـ قرطبي. وعبارة القاضي هنا: هذا عام في كل دعوى يتشبع بها المرء بما لم يُعطَ من مال يحتال في التجمل به من غيره، أو نسب ينتمي إليه ليس من قبيلته، أو علم يتحلى به ليس من حملته، أو دينٍ يُرائي به ليس من أهله فقد أعلم صلى الله عليه وسلم أنه غير مبارك له في دعواه، ولا زاكٍ ما اكتسبه بها اهـ. وقوله (ومن حلف على يمين صبرٍ) أي ومن حلف على محلوف عليه يمينًا (فاجرة) كاذبة صبر وأكره عليها عند الحاكم ليقتطع بها مال امرئ مسلم شرطٌ حُذف جوابه، تقديره لقي الله وهو عليه غضبان، أو معطوف على قوله: ومن ادعى دعوى كاذبة، والتقدير أي ومن حلف على يمين صبر فهو مثلُهُ. وعبارة المفهم هنا (قوله ومن حلف على يمين صبرٍ فاجرة) كذا صحت الرواية في أصل كتاب مسلم لهذا الكلام مقتصرًا على ذكر جملةِ الشرط من غير ذكر جملة الجزاء، فيحتمل أن يسكت عنه لأنه عطفه على من التي قبلها، فكأنه قال ومن حلف يمينًا فاجرة كان كذلك، أي لم يزده الله بها إلا قلة، قاله القاضي عياض. وقال القرطبي: ويحتمل أن يكون الجزاء محذوفًا تقديره من فعل ذلك غضب الله عليه، أو عاقبه، أو نحو ذلك، كما جاء في الحديث الآخر "من حلف على يمين ليقتطع بها مال مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ويمين الصبر هي التي ألزم بها الحالف عند حاكم ونحوه، وأصل الصبر هو: الحبس، كما قال عنترة: فصبرت عارفة لذلك حرة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلع أي حبست في الحرب نفسًا معتادة لذلك كريمة لا ترضى بالفرار، وقال ثعلب:

208 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبر ثلاثة أشياء: الحبس والإكراه والجراءة، كما قال تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175]. أي ما أجرأهم عليها، والرواية "في يمين صبر" بالتنوين على أن صبرًا صفة ليمين أي: ذات صبر وإكراه وحبس وجرأة، ووصفت اليمين بأنها ذات صبر لأنها تحبس الحالف لها، أو لأن الحالف يجترئ عليها وذكر الصبر وقد أجراه صفة على اليمين وهي مؤنثة لأنه قصد قصد المصدر اهـ مفهم. فوصف اليمين بالصبر يصح على كل من المعاني الثلاثة لأنها هي التي يصبر صاحبها، أي يحبس لأجلها ويكره عليها، حتى يحلفها ويجترئ على حلفها، ويستفاد من هذا الحديث: أن الإيمان كلها التي تقتطع بها الحقوق على نية الطالب فلا تنفع فيها المعاريض والتورية، وإنما هي على نية صاحب الحق المحلوف له لا نية الحالف. قال القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف التجيبي: وهذا مما لا يختلف فيه أنه آثم فاجر في يمينه متى اقتطع بها حق مسلم، واختلف فيما إذا حلف لغيره متبرعًا متطوعًا أو مستحلفًا أو مكرهًا فقيل: ذلك كله على نية المحلوف له، وقيل على نية الحالف، وقيل: للمتطوع نيته بخلاف المستحلف، وقيل بعكسه، وكل هذه الأقوال في مذهبنا أعني المالكية اهـ إكمال المُعْلِم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنه فقال: (208) - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي، أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (238) روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا. (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج، أبو يعقوب التميمي المروزي، ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (251) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (وعبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري، أبو عبيدة البصري، حفيد عبد الوارث بن سعيد، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (252) روى عن أبيه في الإيمان والوضوء والصوم وغيرها، وأبي خالد الأحمر، ويروي عنه (م ت س ق) وابن خزيمة وأبو عروبة وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.

كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَبْةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ الأَنْصَارِيِّ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة رووا (عن عبد الصمد بن عبد الوراث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري، أبي سهل البصري، صدوق ثبت في شعبة، من التاسعة مات سنة (207) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبي بسطام البصري، ثقة ثبت متقن من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا. (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني، أبي بكر البصري، ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العُبَّاد، من الخامسة، مات سنة (131) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري، من الثالثة، مات سنة (104) (عن ثابت بن الضحاك) بن أمية (الأنصاري) الخزرجي، أبي زيد البصري الصحابي المشهور، مات سنة (64) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا الإسحاقين فإنهما مروزيان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أيوب ليحيى بن أبي كثير في رواية هذا الحديث عن أبي قلابة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا (عن عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبي بكر الصنعاني، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (211) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن) سفيان بن سعيد بن مسروق بن عدي (الثوري) نِسبة إلى جده ثور بن عبد مناة، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، مات سنة (161) روى عنه المؤلف في أربعة وعشرين بابًا (عن خالد) بن مهران المجاشعي أو القرشي أو الخزاعي مولاهم، أبي المنازل البصري (الحذاء) ثقة يرسل من الخامسة، مات سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي قلابة) البصري (عن ثابت بن الضحاك) الأنصاري البصري، وهذا السند من

قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَال، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ عَذَّبَهُ اللهُ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ". هذَا حَدِيثُ سُفْيَانَ، وَأَمَّا شُعْبَةُ فَحَدِيثُهُ: أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَال، وَمَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ ذُبِحَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته أيضًا، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد كوفي، وواحد صنعاني، وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة خالد الحذاء ليحيى بن أبي كثير في رواية هذا الحديث عن أبي قلابة. (قال) ثابت بن الضحاك (قال النبي صلى الله عليه وسلم من حلف) على شيء فِعلًا كان أو تركًا (بملةٍ) أي بطريقة (سوى الإسلام) أي غير طريقة الإسلام، أيًّا كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية وفي بعض النسخ "بملة غير الإسلام" والمراد بالحلف هنا، وفيما مر التعليق، كقوله: إن كان الأمر كذا، أو لم يكن الأمر كذا فأنا يهودي أو نصراني، تعظيمًا لتلك الملة، وإيثارًا لها على ملة الإسلام، حالة كونه (كاذبًا) في تعظيمها لأنها لا تستحق التعظيم (متعمدًا) أي قاصدًا الحلف بها عالمًا بحرمة حلفه بها (فهو) أي ذلك الحالف (كما قال) أي يكون على ما قاله وحلف به، تعظيمًا له من اليهودية أو النصرانية خارجًا عن الملة، مرتدًا عن الإسلام، قاطعًا لإيمانه (ومن قتل نفسه بشيء) من المهلكات في الدنيا (عذبه) أي عذب ذلك القاتل (اللهُ) سبحانه وتعالى يوم القيامة وعاقبه (به) أي بذلك الشيء (في نار جهنم) أعاذنا الله تعالى وجميع المسلمين منها (هذا) اللفظ المذكور هنا (حديث سفيان) الثوري، أي لفظ رواية سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة (وأما) حديث (شعبة) بن الحجاج عن أيوب عن أبي قلابة (فحديثه) أي فلفظ روايته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف بملة سوى الإسلام) أي غير ملة الإسلام، أيًّا كانت من ملل الكفر (كاذبًا) في تعظيمها، ولم يذكر شعبة هنا متعمدًا، كما ذكره سفيان (فهو كما قال) أي على ما قال من الدين، قاطع لإيمانه بذلك الحلف (ومن ذبح نفسه) في الدنيا (بشيء) من آلات الذبح كالسكين والخنجرة والسيف أو القتل كالبنادق والمسدسات والقذائف (ذُبح) بالبناء للمجهول (به) أي بذلك الشيء (يوم القيامة) في نار جهنم، أعاذنا الله تعالى منها، وهذا الحديث أعني حديث ثابت بن الضحاك شارك المؤلف رحمه الله تعالى في روايته أحمد (4/ 33، 34) والبخاري

209 - (106) (29) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (6652) وأبو داود (3257) والترمذي (2638) والنسائي (7/ 5، 6) وابن ماجه (2098)، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة وهو قوله: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة بحديث أبي هريرة الآتي رضي الله تعالى عنه فقال: (209) - س (106) (29) (وحدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري النيسابوري ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا. (وعبد بن حميد) بن نصر الكِسّي، أبو محمد، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (249) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا وأكد بقوله (جميعًا) دون كلاهما، إشارة إلى عدم انحصار من روى عن عبد الرزاق في هذين الشيخين، أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية لي (عن عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبي بكر الصنعاني، من التاسعة، وأتى بجملة قوله (قال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بصيغة السماع، تورعًا من الكذب عليه، لأنه لو لم يأت بها لأوهم أنه روى عن عبد الرزاق بصيغة العنعنة كابن حميد قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة البصري، ثقة ثبت فاضل، من كبار السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن شهاب القرشي (الزهري) أبي بكر المدني، ثقة حافظ متفق على جلالته وإتقانه من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا (عن) سعيد (بن المسيب) ابن حَزْن القرشي المخزومي، أبي محمد المدني، ثقة ثبت فقيه، أوسع التابعين علمًا، من كبار الثانية، مات سنة (94) أربع وتسعين، وقد ناهز الثمانين، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد بصري، وواحد صنعاني، وواحد إما نيسابوري أو كسي.

قَال: "شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حُنَينًا، فَقَال لِرَجُلٍ مِمَّنْ يُدْعَى بِالإِسْلامِ: هذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا حَضَرْنَا الْقِتَال قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، الرَّجُلُ الَّذِي قُلْتَ لَهُ آنِفًا: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَإِنَّهُ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِلَى النَّارِ. فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو هريرة (شهدنا) أي حضرنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا) قال القاضي: كذا لعبد الرزاق، وعند الزبيدي خيبر، وهو الصواب (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجل) ممن حضر معنا (ممن يُدعى) ويُسمى (بـ) ـــاسم (الإسلام) وينسب إليه في ظاهر حاله (هذا) الرجل الحاضر معنا (من أهل النار) أي ممن سبق عليه في علم الله عزَّ وجلَّ الشقاء، وكونه من أهل النار، وإن كان في ظاهر حاله من أهل السعادة والجنة، واسم ذلك الرجل قزمان (فلما حضرنا) معاشر المسلمين (القتال) أي معركة القتال مع المشركين (قاتل) ذلك (الرجل) الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك، أي جاهد الكفار وقاتلهم (قتالًا شديدًا) حتى قتل منهم كثيرًا (فأصابته) أي أصابت ذلك الرجل في حال قتاله مع الكفار (جراحة) شديدة وقروح كثيرة (فقيل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله الرجل) مبتدأ أي إن الرجل (الذي قلت له) أي قلت في شأنه وفي سببه، قال الفراء وابن الشجري وغيرهما من أهل العربية: اللام قد تأتي بمعنى في، ومنه قوله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي فيه. وقوله (آنفًا) أي قريبًا، قال النووي: وفيه لغتان: المد وهو أفصح، والقصر، منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بقلت، أي قلت في شأنه ما قلت، في الآنف أي في الزمن القريب وفي القاموس يقال: قال فلان آنفًا كصاحب وكتفٍ، وقُرئ بهما أي مذ ساعة، أي في أول وقتٍ يقرب منا اهـ أي قلت فيه آنفًا (إنه من أهل النار) والجملة مقول قلت، وخبر المبتدأ قوله (فإنه) أي فإن ذلك الرجل (قاتل) الكفار (اليوم) معنا (قتالًا شديدًا) أوقع القتل الذريع فيهم (وقد مات) الآن شهيدًا (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) كلا فإن مصيره (إلى النار) خالدًا فيها وسؤالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم سؤال تعجب لا استثبات إذ المعلوم الصدق لا يستثبت فيه، وتعجبهم من كونه من أهل النار مع ما ظهر منه من نصر الدين (فكاد) أي قرب (بعض المسلمين أن يرتاب) أي أن يشك في

فَبَينَمَا هُمْ عَلَى ذلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنهُ لَمْ يَمُتْ، وَلكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذلِكَ فَقَال: اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار مع ما ظهر منه من نصر الدين، أي قارب الشك ولم يقع منه شك وقوله (أن يرتاب) قال النووي: كذا هو في الأصول أن يرتاب فأثبت أن مع كاد وهو جائز ولكنه قليل، وهي لمقاربة الفعل، وقال الواحدي: نفيها إيجاب وإيجابها نفي، فكاد يقوم معناه قارب القيام ولم يقم، وما كاد يقوم قام بعد بطء (فبينما هم) أي المسلمون (على ذلك) الارتياب أي على مقاربته (إذ قيل) وإذ بسكون الذال هنا فجائية واقعة في جواب بينما، أي فاجأهم قول بعضهم لبعض (إنه) أي ذلك الرجل الذي قاتل قتالًا شديدًا وجُرح جرحًا شديدًا حيٌّ (لم يمت) الآن (ولكن به) أي بذلك الرجل (جراحًا شديدًا) أشرف بها على الموت، والجِراح بكسر الجيم جمع جراحة بكسرها أيضًا كما في القاموس، وذكر شديدًا مع كونه صفة لجمع مفرده مؤنث نظرًا إلى كونها بمعنى الآثار، لأنها آثار في الجسم، ولأن فعيلًا يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، نظير قوله تعالى {بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (فلما كان) ذلك الرجل (من الليل) أي في جوف الليل اشتد به الألم و (لم يصبر على) ألم (الجراح فقتل نفسه) وأزهق روحه بذباب سيفه كما سيأتي مبينًا في حديث سهل (فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم) أي أخبره صلى الله عليه وسلم بعض من رأى ذلك الرجل (بذلك) أي بخبر قتل الرجل نفسه (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله) قال الأبي: وتكبيره صلى الله عليه وسلم لا لزيادة إيمانه بل تعجيب للمخاطبين عند ظهور المطابقة لما قاله، لا سيما مع قوله فكاد بعض المسلمين يرتاب. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم "الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله" عند وقوع ما أخبر به من الغيب، دليل على أن ذلك من جملة معجزاته، وإن لم يقترن بها في تلك الحال تحدٍّ قولي وهذا على خلاف ما يقوله المتكلمون: أن من شروط المعجزة اقتران التحدي القولي بها، فإن لم يكن كذلك فالخارق كرامة لا معجزة، والذي ينبغي أن يقال إن ذلك لا يُشترط، بدليل أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا كلما ظهر لهم خارق للعادة على يدي النبي صلى الله عليه وسلم استدلوا بذلك على صدقه، وثبوت رسالته، كما قد اتفق لعمر رضي الله عنه حين دعا رسول الله على قليل الأزواد فكثرت،

ثُمَّ أَمَرَ بلالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، رواه أبو يعلى، وكقول أسامة: أشهد أنك رسول الله، وبدليل الاتفاق على نبع الماء من بين أصابعه، وتسبيح الحصى في كفه، وحنين الجذع من أظهر معجزاته، ولم يصدر عنه مع شيء من ذلك تحديًا بالقول عند وقوع تلك الخوارق ومع ذلك فهي معجزات، والذي ينبغي أن يقال إن اقتران القول لا يلزم، بل يكفي من ذلك قولٌ كليٌّ يتقدم الخوارق، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم الدليل على صدقي ظهور الخوارق على يدي، فإن كل ما يظهر على يده منها بعد ذلك يكون دليلًا على صدقه وإن لم يقترن بها واحدًا واحدًا قولٌ، ويمكن أن يقال إن قرينة حاله تدل على دوام التحدي، فيتنزل ذلك منزلة اقتران القول والله أعلم انتهى. (ثم أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلالًا) بن رباح مؤذنه أن ينادي في الناس (فنادى) بلال (في الناس إنه) أي أن الشأن والحال (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة) أي مؤمنة (وإن الله) سبحانه وتعالى (يويد) أي يعضد ويقوي وينصر (هذا الدين) الإسلامي (بالرجل الفاجر) أي الكافر المنافق كقزمان المذكور. قوله (ثم أمر بلالًا) قال القرطبي: وأمره بلالًا بالنداء إعلام بأن الإسلام دون تصديق وإن نفع في الدنيا لم ينفع في الآخرة إلا مع التصديق والإخلاص، وتنبيه على وجوب الإخلاص في الجهاد وأعمال البر، وتحذير من الرياء والنفاق. قوله (فنادى في الناس أنه) يجوز في همزة إن كسرها على تضمين النداء بمعنى القول، وفتحها على عدم التضمين، وقد قرئ في السبع قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} بفتح الهمزة وكسرها اهـ نووي. وقوله (إلا نفس مسلمة) أي مؤمنة، لأن الإسلام العريَّ عن الإيمان لا ينفع صاحبه في الآخرة، ولا يدخله الجنة، وذلك بخلاف الإيمان فإن مجرده يُدخل صاحبه الجنة، وإن عُوقب بترك الأعمال، فدل هذا على أن هذا الرجل كان مرائيًا منافقًا، ومما يدل على ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم إياه بالفاجر، وهو الكافر كما في قوله تعالى {وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" شارك المؤلف في روايته البخاري فقط، رواه البخاري في القدر، وفي

210 - (107) (30) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيُّ، حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهاد، وغرضه بسوقه الاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ثم استشهد له المؤلف رحمه الله تعالى بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه فقال: (210) - س (107) (30) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني قيل: اسمه يحيى، وقيل: عليٌّ، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) عن (90) تسعين سنة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القاريُّ -بتشديد الياء- نسبة إلى قارة -بتخفيف الراء- قبيلة معروفة من ثقيف، القرشي حليف بني زهرة، المدني ثم الإسكندراني، ثقة من الثامنة، مات سنة (181) إحدى وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، وأتى بلفظة هو في قوله (وهو ابن عبد الرحمن القاري) نسبة إلى قارة (حي من) أحياء (العرب) معروفٌ إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه، بل مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي. (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي، مولى الأسود بن سفيان، ويقال مولى لبني أشجع من بني ليث الأعرج التمار المدني القاص، من عُباد أهل المدينة وزُهادهم، روى عن سهل بن سعد وعبد الله بن أبي قتادة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي صالح السمان، والنعمان بن أبي عياش، وابن المسيب، وخلق، ويروي عنه (ع) ويعقوب بن عبد الرحمن وابنه عبد العزيز، ومالك بن أنس، والسفيانان، والحمادان، وسليمان بن بلال، وزائدة، وابن المنكدر وجماعة، وثقه ابن خزيمة وقال: لم يكن في زمانه مثله، وابن معين وأبو حاتم والنسائي، والعجلي، وقال في التقريب: ثقة عابد من الخامسة، مات في خلافة المنصور سنة (133) ثلاث وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والصوم في ثلاثة مواضع، والنكاح في موضعين، والطلاق واللباس والجهاد في موضعين، ودلائل النبوة، وصفة الجنة، واللعان والقدر والزهد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) أبي العباس المدني، له ولأبيه صحبة،

أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا. فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَال الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان اسمه حزن فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلًا، مشهور له مائة حديث وثمانية وثمانون حديثًا اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد (خ) بأحد عشر حديثًا ويروي عنه (ع) وأبو حازم في الإيمان والصلاة وغيرهما، والزهري في اللعان، وأبو سهيل الأصبحي، سكن المدينة، وكان آخر من مات بها من أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضوان الله تعالى عليهم. مات سنة (91) إحدى وتسعين، وله (100) مائة سنة، وهذا السند من رباعياته، رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى) وتقابل (هو) صلى الله عليه وسلم (والمشركون) معطوف على الضمير المستتر في التقى لتأكيده بضمير رفع منفصل (فاقتتلوا) أي فاقتتل المسلمون والمشركون قتالًا شديدًا (فلما مال) ورجع (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمسلمون (إلى) مركز (عسكره) صلى الله عليه وسلم (ومال) أي رجع (الآخرون) أي المشركون الأعداء (إلى) مركز (عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حال اقتتالهم مع الأعداء (رجل لا يدع) ولا يترك (لهم) أي للمشركين وهو صفة قدمت على موصوفها لقوله (شاذة) أي لا يدع نفسًا شاذة لهم، أي خارجة من جملتهم، والشاذ والشاذة الخارج والخارجة عن الجماعة، قال القاضي عياض: أنثت الكلمة على معنى النفس والنسمة، أو شبه الخارج عن الجماعة بشاذة الغنم، ومعناه أنه لا يدع أحدًا، على طريق المبالغة، قال ابن الأعرابي: يقال فلان لا يدع شاذة ولا فاذة، إذا كان شجاعًا لا يلقاه أحدٌ إلا قتله، وفي النسخة التي عليها شرح الأبي والسنوسي "شاذة ولا فاذة". وفي الأبي: الشاذ الخارج عن الجماعة، والفاذ المنفرد، وأنث الكلمتين على معنى النسمة أو على التشبيه بشاذة الغنم وفاذتها، قال القرطبي: بل هو مبالغة كعلامة ونسابة، وقال القاضي: هو كناية عن شجاعته، أي لا ينجو منه فارٌّ، وفيه جواز التغالي في الكلام، والتعبير بالعموم عن الكثرة مبالغة كقوله: لا يضع عصاه عن عاتقه اهـ الأبي.

إِلا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ. فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المفهم هنا قوله (لا يدع لهم شاذة ولا فاذة) الشاذ الخارج عن الجماعة، والفاذ المنفرد وأنث الكلمتين على جهة المبالغة كما قالوا علامة ونسابة، وفيه من الفقه ما يدل على جواز الإغياء -هو بلوغ الغاية في الأمر- في الكلام والمبالغة فيه؛ إذا احتيج إليه، ولم يكن ذلك تعمقًا ولا تشدقًا اهـ. (إلا اتبعها) أي إلّا اتبع تلك الشاذة ولحقها حالة كونه (يضربها بسيفه) فيقتله (فقالوا) أي قال المسلمون بعضهم لبعض (ما أجزأ) ولا دفع (منا) الأعداء (اليوم) أي في هذا اليوم (أحد) من المسلمين (كما أجزأ) أي مثل ما أجزأ ودفع منا (فلان) يريدون ذلك الرجل الذي لا يدع شاذة ولا فاذة، قيل: هو قزمان كما في القرطبي، وقال النواوي: وهذا الرجل الذي لا يدع شاذة ولا فاذة اسمه قزمان قاله الخطيب البغدادي، قال: وكان من المنافقين، وقال الأبي: إن صح نفاقه فمن خارج لا من الحديث، والسياق يدل على أنه ليس الرجل الأول، وفي المفهم (قوله ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلانٌ) كذا صحت روايتنا فيه رباعيًّا مهموزًا، ومعناه ما أغنى ولا كفى، وفي الصحاح أجزأني الشيء كفاني، وجزى عني هذا الأمر أي قضى، ومنه قوله تعالى {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيئًا} [البقرة: 48] أي لا تقضي، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة "تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك" رواه أحمد (4/ 302) قال: وبنو تميم يقولون: أجزأتْ عنك شاة بالهمز، وقال أبو عبيد جزأت بالشيء وأجزأت أي اكتفيت به وأنشد: فإن اللؤم في الأقوام عارٌ ... وإن المرء يُجزأ بالكراع وقال النواوي: قوله (ما أجزأ منا اليوم أحدٌ) إلخ أجزأ مهموز معناه ما أغنى وكفى أحد غناءه وكفايته اهـ. وقال القاضي: بالهمز أي ما كفى كفايته، وما أغنى غناءه، وقال الخليل: والعرب تقول جزأت الإبل بالرطب عن الماء، أي اكتفت به عنه، وهو بدون همز بمعنى القضاء، يقال: جزى عني أي قضى ومنه قولهم: جزاه الله خيرًا، أي قضاه، ويكون أيضًا بمعنى الكفاية، قال الخليل يقال: جزيت عن كذا اكتفيت عنه، وجزيته كافيته. قال الأبي: (فإن قلتَ) قولهم ما أجزأ أحدٌ شهادةٌ له فيعارض حديث أنتم

فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا. قَال: فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شهداء الله في أرضه فمن أثنيتم عليه خيرًا فهو من أهل الجنة (قلتُ) حديث أنتم خرج مخرج الغالب، وقد يتفق في بعض أن لا يكون كذلك، كهذا الرجل، قال السنوسي لا يحتاج إلى ذلك لأن حديث أنتم شهداء الله إنما ورد فيما يُعرف به حال الإنسان في الآخرة، فتكون هذه الشهادة بعد الموت، إذ المعتبر من الأعمال نفسها فلا تدل على حاله في الآخرة لعدم تحقق البقاء على الحالين إلى الموت، والمعتبر من العمل كما سبق خاتمته نسأله سبحانه حسن الخاتمة بفضله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ردًّا عليهم لما قالوه وظنوه كلا (أما) أي انتبهوا واسمعوا ما أقول لكم (إنه) أي إن ذلك الرجل الذي أثنيتم عليه (من أهل النار) خالدًا مخلدًا فيها لأنه منافقٌ مُراءٍ لا موحد مخلص، وفي رواية زيادة "فأعظم الناس ذلك" أي عظموه وكبُر عليهم، وإنما أعظموه لأنهم نظروا إلى صورة حاله، ولم يعرفوا الباطن والمآل فأعلم العليم الخبير البشير النذير بمُغيب الأمر وعاقبته، وكان ذلك من أدلة صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحة رسالته، ففيه التنبيه على ترك الاعتماد على الأعمال، والتعويل على فضل ذي العزة والجلال جل وعلا (فقال رجل من القوم) أي من المسلمين الذين سمعوا مقالة الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الرجل (أنا صاحبه) وملازمه حيثما كان (أبدًا) أي في جميع الأزمنة المستقبلة، حتى أعرف حاله. قال النواوي (أنا صاحبه) كذا في الأصول، ومعناه أنا أصحبه في خفية وألازمه لأنظر وأعلم السبب الذي به يصير من أهل النار، فإن فعله في الظاهر جميل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار، فلا بد له من سبب عجيب في سوء خاتمته لصدق خبره صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وفعل ذلك الرجل ملازمته ليزداد يقينًا، ولذلك كرر الشهادة. (قال) سهل بن سعد الراوي (فخرج) ذلك الرجل الذي أراد ملازمته للبحث عن حاله (معه) أي مع ذلك الرجل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه إنه من أهل النار، ولازمه ليلًا ونهارًا (كلما وقف) ذلك الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إنه من أهل النار (وقف) ذلك الملازم (معه) أي مع ذلك الذي قال فيه إنه من أهل

وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ. قَال: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَينَ ثَدْيَيهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذلِكَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النار (وإذا أسرع) ذلك الذي هو من أهل النار في مشيه (أسرع) ذلك الملازم (معه) أي مع ذلك الذي قيل فيه إنه من أهل النار (قال) سهل بن سعد الراوي (فجُرح) بضم الجيم (الرجل) الذي كان من أهل النار (جرحًا شديدًا) أشرف به على الموت فتألم ألمًا شديدًا (فـ) ـــجزع و (استعجل) أي طلب (الموت) وأراد عجلته (فوضع نصل سيفه) أي مقبضه الذي يُركب فيه الخشب (بالأرض) أي على الأرض، وفي القاموس: ونصل السيف حديدته كلها ما لم يكن له مقبض، وأنشدوا: ......................... ... كالسيف سُلَّ نصله من غمده ويقال عليها مِنصلٌ، والمراد بالنصل في هذا الحديث طرف النصل الأسفل الذي يُسمى القبيعة والرئاسي، ويتصل بالمقبض والخشب الذي يركب عليه (و) وضع (ذُبابه) بضم الذال وتخفيف الباء الموحدة المكررة، أي طرفه الأعلى المحدد المهلل، قال القرطبي: ونصل السيف حديدته، وهو هنا طرفه الأسفل المسمى قبيعة، الذي يلي المقبض، وذبابه طرفه الأعلى الرقيق المحدد المهلل، وغرباه حداه يعني جانبيه اللذين يُضرب بهما، وصدره من مقبضه إلى مضربه، ومضربه موضع الضرب منه وهو ما دون الذباب بشبرٍ، أي وضع مقبضه على الأرض وطرفه الأعلى (بين ثدييه) مثنى ثدي بفتح الثاء المثلثة وسكون الدال، ويجمع على أثدٍ نظير أيدٍ، وعلى ثُديٍّ بضم المثلثة وكسرها، والأفصح فيه التذكير، وتأنيثه لغةٌ، وقال الجوهري: ويستعمل في الذكر والأنثى، وخصه ابن فارس بالأنثى، ويقال لذلك المحل من الذكر ثَنْدوة بفتح المثلثة دون همز، وثُندؤة بضمها مع الهمز، وعلى قول ابن فارس يكون في هذا الحديث قد استعار الثدي للرجل (ثم تحامل) أي تثاقل (عليه) أي على ذباب سيفه فنفذ السيف في صدره (فقتل نفسه) أي أزهق روحه بذلك التحامل. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند) سماع (ذلك) الفعل الذي فعله بنفسه، من الرجل الملازم له أما (إن الرجل) أي الإنسان (ليعمل عمل أهل الجنة) من الأعمال الصالحة والطاعات الكثيرة، والجار والمجرور في قوله (فيما يبدو) ويظهر (للناس)

وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". 211 - (108) (31) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعاصرين له متعلق بيعمل (وهو) أي والحال أن ذلك الرجل المتعمق في العبادة مكتوب في علمه تعالى أنه (من أهل النار) الذين سبقت عليهم الشقاوة (وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار) من الشرك والمعاصي (فيما يبدو) ويظهر (للناس وهو) أي والحال أن ذلك الرجل المُلازم للشرك والمعاصي مكتوب عند الله تعالى أنه (من) السعداء (أهل الجنة) لسبق القلم بسعادته. قال القرطبي: وقوله (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس) دليل على أن ذلك الرجل لم يكن مخلصًا في جهاده، وقد صرح الرجل بذلك فيما يروى عنه أنه قال: "إنما قاتلت عن أحساب قومي" فتناول هذا الخبر أهل الرياء. فأما حديث أبي هريرة الذي قال فيه: "إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له بعمل أهل النار فيدخلها" رواه مسلم (2651) فإنما يتناول من كان مخلصًا في أعماله قائمًا بها على شروطها لكن سبقت عليه سابقة القدر فبدل به عند خاتمته، كما يأتي البسط فيه في كتاب القدر إن شاء الله تعالى انتهى. وهذا الحديث أعني حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه شارك المؤلف في روايته أحمد (4/ 135) والبخاري (4202). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ثانيًا بحديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه فقال: (211) - ش (108) (31) (حدثني محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب، قال محمد بن رافع (حدثنا) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي (الزبيري) مولاهم -وليس من ولد الزبير بن العوام- أبو أحمد الكوفي، روى عن شيبان بن عبد الرحمن، وقيس بن سليم العنبري، وحمزة الزيات، والثوري، وسعيد بن حسان، وعمار بن زريق، ومالك بن مِغْوَلٍ، وإسرائيل وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن رافع، وحجاج بن الشاعر، ونصر بن علي، وزهير بن حرب، وعمرو

(وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ) حَدَّثَنَا شَيبَانُ قَال: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الناقد وابن أبي شيبة، وعبيد الله القواريري، ومحمد بن عمرو بن جبلة، قال العجلي: كوفي ثقة يتشيع، وقال بندار: ما رأيت أحفظ منه، وقال أبو زرعة وابن خِراش: صدوق، وقال في التقريب: ثقة ثبت إلا أنه قد يُخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة (203) ثلاثٍ ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والجنائز والزكاة والحج والنكاح والطلاق والفرائض في موضعين، والمعروف والنفاق، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرة أبواب تقريبًا، وأتى بهو في قوله (وهو محمد بن عبد الله بن الزبير) إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه، بل مما زاده من عند نفسه، قال الزبيري (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم، النحوي نسبة إلى نحو بن شمس بطن من الأزد، لا إلى علم النحو، أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة من السابعة، مات سنة (164) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (قال) شيبان (سمعت الحسن) بن أبي الحسن الأنصاري، أبا سعيد البصري، واسم أبي الحسن يسار، مولى زيد بن ثابت أخو سعيد وعمار، وأمهم خيرة مولاة أم سلمة، روى عن جندب بن عبد الله، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة، وأبي رافع الصائغ نفيع، وسعد بن هشام، وعبد الرحمن بن سمرة، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وخلق، ويروي عنه (ع) وشيبان وجرير بن حازم، وأبو الأشهب، ويونس بن عبيد، وهشام بن حسان، وسليمان التيمي، وأيوب، وخالد الحذاء، وعبد الله بن عون، وخلائق، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس، وهو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة (110) عشر ومائة، قيل: ولد سنة (21) إحدى وعشرين لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين، والصلاة والأيمان والجهاد في أربعة مواضع، والحدود والدلائل والأشربة والفتن في ثلاثة مواضع، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا، حالة كون الحسن البصري (يقول إن رجلًا ممن كان قبلكم) من الأمم السابقة (خرجت) أي طلعت ونبتت (به) أي بذلك الرجل (قرحة) أي بثرة وخراج والقرحة -بفتح القاف وإسكان الراء- واحدة القروح: وهي حبيبات تخرج في بدن الإنسان، قال الأبي: وهذا الرجل وإن كان فيمن قبلنا

فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَإِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَال رَبُّكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ". ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلى الْمَسْجِدِ فَقَال: إِي وَاللهِ، لَقَدْ حَدَّثَنِي بِهذَا الْحَدِيثِ جُنْدَبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمقصود بذكره التحذير عن أن يقع أحد في مثله، فآذته تلك القرحة وآلمته (فلما آذته) وآلمته ألمًا شديدًا (انتزع) وأخرج (سهمًا) أي نشابًا (من كنانته) أي من جعبة سهامه وكيسها، والكنانة بكسر الكاف هي جعبة النشاب، والجعبة بفتح الجيم وسكون العين كيس من أديم توضع فيه السهام، سميت كنانة لأنها تكن السهام أي تسترها (فنكأها) بهمز آخره، أي نكأ تلك القرحة، أي قشرها وخرقها، وفتحها لإخراج ما فيها من الصديد والقيح، والقشر بالفتح إزالة القشر بالكسر، فخرج من تلك القرحة بعد قشرها الدم والماء لا القيح والصديد (فلم يرقأ) بهمز آخره، أي لم ينقطع عنه (الدم) بل سال منه كثيرًا (حتى مات) بسبب قشرها وسيلان الدم منه، يقال: رقأ الدم والدمع يرقأ رقوءًا، مثل ركع يركع ركوعًا إذا سكب وانقطع (قال ربكم) وخالقكم، وفي نسخة الأبي (فقال) بزيادة الفاء التعقيبية، أي قال ربكم في شأن ذلك الرجل على لسان نبي ذلك الزمان: أيتها الأمة إني (قد حرمت) ومنعت (عليه) أي على ذلك الرجل الذي قشر قرحته فمات (الجنة) أي دخولها أصلًا إن كان مستحلًا قتل نفسه، أو حتى يُعاقب ويُجازى على قتل نفسه إن لم يكن مستحلًا ذلك، قال القاضي: وتحريم الجنة عليه يدل على أنه فعله مستحلًا، أو يعني أنه لا يدخلها ابتداءً حتى يُجازى ويُعاقب، أو حتى يُحبس على الأعراف ويُطال حبسه إن لم يكن مستحلًا، قال النواوي: أو يكون من شرع أهل ذلك العصر التكفير بالذنوب الكبائر، ثم إن هذا محمول على أنه نكأها استعجالًا للموت أو لغير مصلحة، فإنه لو كان على طريق المداواة التي يغلب على الظن نفعها لم يكن حرامًا، والله أعلم انتهى. (ثم) بعد ما حدَّث لنا الحسن هذا الحديث لما سألناه عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مد) الحسن وبسط (يده) اليمنى (إلى المسجد) الذي كان في البصرة قريبًا منهم، تأكيدًا لسماعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن القصاص، قال الأبي: ومدُّ يده تأكيدٌ لثبوت السماع (فقال) الحسن (أي) أي نعم حدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن القصاص (والله) أي أقسمت لكم بالإله الذي لا إله غيره (لقد حدثني) وروى لي (بهذا الحديث) الذي حدثته لكم (جندب) بن عبد الله بن

عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي هَذَا الْمَسْجِدِ. 212 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان البجلي ثم العلقي -بفتحتين- نسبة إلى علقة بن عبقر بن أنمار بطن من بَجيلة، أبو عبد الله البصري، كان أولًا بالكوفة ثم صار إلى البصرة، ثم خرج منها، وحديثه عند أهل البلدتين جميعًا، الصحابي المشهور، وليس في مسلم جندب أي من ذكر باسم جندب إلا هذا الصحابي الجليل (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد) القريب منا يعني مسجد البصرة، لأن الحسن من أهل البصرة. وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد نيسابوري، وهذا الحديث أعني حديث جندب بن عبد الله شارك المؤلف في روايته البخاري فقط، رواه البخاري تعليقًا في كتاب الجنائز، وفي باب ذكر بني إسرائيل "أحاديث الأنبياء". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جندب بن عبد الله رضي الله تعالى عنه فقال: (212) - (00) (00) (وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي مولاهم (المقدمي) بضم أوله وفتح ثانيه وبالدال المشددة المفتوحة نسبة إلى جده مُقدم، أبو عبد الله البصري، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في خمسة أبواب قال محمد بن أبي بكر (حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو العباس البصري، روى عن أبيه في الإيمان والصلاة والحج وغيرها، وشعبة في الوضوء والجنائز والنكاح وغيرها، وهشام بن حسان في الطب، وابن عون، وعكرمة بن عمار وطائفة، ويروي عنه (ع) ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن المثنى، وإسحاق الحنظلي، ومحمد بن رافع، وزهير بن حرب، والحسن بن علي الحلواني وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة، مات سنة ستٍّ ومائتين (206) قال وهب (حدثنا أبي) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب، أحد الأئمة الأعلام رأى جنازة أبي الطفيل، روى عن الحسن، ويونس بن يزيد، وأبي فزارة، والنعمان بن راشد، وقتادة، ويعلي بن حكيم،

قال: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ الله الْبَجَلِيُّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَمَا نَسِينَا، وَمَا نَخْشى أَنْ يَكُونَ جُنْدَبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَرَجَ بِرَجُلٍ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خُرَاجٌ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيوب، وحرملة بن عمران، وابن سيرين، والأعمش، وطاوس، وخلائق، ويروي عنه (ع) وابنه وهب بن جرير، وشيبان بن فروخ، ويحيى بن آدم، وابن وهب، وبهز بن أسدٍ، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وخلق، وقال في التقريب: ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، من السادسة، مات سنة (170) سبعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والجنائز والحج في موضعين، والنكاح في موضعين، والإمارة والجهاد في ثلاثة مواضع، والفضائل والعتق، وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، والبيوع في موضعين، والأشربة في موضعين، والنذور والحيوان، والأطعمة واللباس، وذكر الجان، والرياء، ودلائل النبوة، والبِر، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة عشر بابًا تقريبًا (قال) جرير بن حازم (سمعت الحسن) البصري الأنصاري مولاهم، حالة كونه (يقول حدثنا جندب بن عبد الله البجلي) العلقي البصري (في هذا المسجد) القريب منا، يعني مسجد البصرة، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه: أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير لشيبان في رواية هذا الحديث عن الحسن، قال الحسن البصري (فما نسينا) ذلك الحديث الذي حدَّثَنَاه جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما غاب عن ذهننا، وما عزب عن ظهر قلبنا (و) مع ذلك (ما نخشى) ولا نخاف ولا يخطر ببالنا (أن يكون جندب) بن عبد الله (كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (فما نسينا وما نخشى) نوع من تأكيد الكلام وتقويته في النفس، والإعلام بتحقيقه، ونفي تطرق الخلل إليه (قال) جندب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) ونبت (بـ) ـــجسد (رجل فيمن كان قبلكم) من الأمم (خراج) بضم الخاء المعجمة، أي قرحة (فذكر) جرير (نحوه) أي نحو حديث شيبان عن الحسن، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، مع بيان محل المخالفة بين الروايتين، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث خمسة: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: حديث ثابت بن الضحاك ذكره للاستشهاد لحديث أبي هريرة، وذكر فيه متابعتين. والثالث: حديث أبي هريرة أيضًا، ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. والرابع: حديث سهل بن سعد الساعدي، ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة المذكور قبله. والخامس: حديث جندب بن عبد الله، ذكره أيضًا للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

55 - (14) باب: إيمان من غل من الغنيمة، وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون

55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ 213 - (109) (32) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَال: حَدَّثَنَي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، أَبُو زُمَيلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 55 - (14) بَابُ: إِيمَانِ مَنْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان حكم إيمان من غل وأخذ من الغنيمة خُفية قبل قسمتها، وبيان أنه لا يدخل الجنة أصلًا أو ابتداءً إلا المؤمنون الكاملون في الإيمان، أو المسيئون، وعدلت إلى هذه الترجمة عن تراجم غيري لتوافق ترجمة كتاب الإيمان والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: (213) - س (109) (32) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم، أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا، قال زهير (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم، أبو النضر البغدادي، ويلقب بقيصر، ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين وله (73) ثلاث وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا قال هاشم بن القاسم (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي، أبو عمار اليمامي، أصله من البصرة، أحد الأئمة الأعلام، قال ابن معين: ثقة، ووثقه أحمد، وقال ابن المديني: كان عكرمة عند أصحابنا ثقة ثبتًا، وقال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: صدوق من الخامسة يغلط، وكان مجاب الدعوة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. (قال) عكرمة (حدثني سِماك) بكسر أوله وتخفيف الميم، بن الوليد (الحنفي) أي المنسوب إلى بني حنيفة (أبو زُميل) بضم الزاي مصغرًا اليمامي، نزيل الكوفة، روى عن ابن عباس في الإيمان والطلاق والجهاد والفضائل، ويروي عنه (م عم) وعكرمة بن

قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ. قال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَال: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، فُلانٌ شَهِيدٌ. حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلانٌ شَهِيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمار، والأوزاعي، ومسعر، وشعبة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ليس به بأس من الثالثة، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة (قال) سماك الحنفي (حدثني عبد الله بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، أبو العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وترجمان القرآن، الصحابي الجليل، له ألف حديث وستمائة وستون حديثًا، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا وهو أحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة، مات بالطائف سنة (68) ثمانٍ وستين، (قال) ابن عباس (حدثني عمر بن الخطاب) بن نُفيل بن عبد العزى، أبو حفص المدني، أحد فقهاء الصحابة، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأول من سُمي أمير المؤمنين، جمُّ المناقب، له خمسمائةٍ وتسعة وثلاثون حديثًا، أسلم بعد أربعين رجلًا، استشهد في ذي الحجة سنة (23) ثلاثٍ وعشرين، وولي الخلافة عشر سنين ونصفًا، ودفن في الحجرة النبوية، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، كما مر البسط في ترجمته أوائل الكتاب، وهذا السند من سداسياته رجاله واحد منهم نسائي، وواحد بغدادي، واثنان يماميان، وواحد طائفي، وواحد مدني، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي. (قال) عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (لما كان يوم) وقعة (خيبر) بالخاء المعجمة آخره راء هكذا وقع في مسلم وهو الصواب، وذكر القاضي: أن أكثر رواة الموطأ رووه هكذا وأنه الصواب ورواه بعضهم حُنينًا بالحاء المهملة والنون وهو خطأ والله أعلم، وخيبر موضع في الحجاز على أميال من المدينة، وحنين موضع بالحجاز على أميال من مكة (أقبل) وجاء (نفر) أي جماعة والنفر من ثلاثة إلى عشرة (من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم) أي جاؤوا من موضع الوقعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فلان) منا (شهيد) أي قتل شهيدًا في المعركة (وفلان) أيضًا (شهيد) أي وجد قتيلًا في المعركة، وعددوا رجالًا من الشهداء (حتى) ذكروا و (مروا) في تعدادهم الشهداء (على رجل) من القتلى (فقالوا فلان) أيضًا (شهيد) أي قتل شهيدًا، وفسره في الحديث الآتي بأنه عبد رسول الله صلى الله عليه

فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا. إِنِّي رَأَيتُهُ فِي النَّارِ، فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أَوْ عَبَاءَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم قاله الأبي، وقال القرطبي: وهذا الرجل هو المسمى "مِدْعَمًا" بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين وكان عبدًا للنبي صلى الله عليه وسلم فبينا هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه سهم، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام اهـ. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا) أي ارتدعوا وانزجروا عما قلتم من أن فلانًا شهيدٌ فله الجنة، وكلا حرف ردع وزجر وردٍ لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد محكوم له بالجنة من أول وهلة، بل هو في النار بسبب غلوله (إني رأيته) من رأى الثلاثي المبني للفاعل أي أبصرته (في النار) أي في نار جهنم، وفي رواية "إني أريته" من أرى الرباعي المبني للمفعول، قال القرطبي ظاهره أنها رؤية عيان ومشاهدة، لا رؤية منام فهو حجة لأهل السنة على قولهم إن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا، وفيه دليل على أن بعض من يعذب في النار يدخلها ويعذب فيها قبل يوم القيامة، ولا حجة فيه للمكفرة بالذنوب لأنا نقول: إن طائفة من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم ثم يخرجون منها بتوحيدهم، أو بالشفاعة لهم كما سيأتي في أحاديث الشفاعة الصحيحة، ويجوز أن يكون هذا الغال منهم. وهذا موضع الترجمة من الحديث، لأن دخوله النار إما لكفره إن استحل الغلول، أو للتطهير إن لم يستحله (في بردة) أي بسبب بردة أو لأجلها (غلها) أي أخذ تلك البردة من الغنيمة خفية قبل قسمتها، وأو في قوله (أو عباءة) للشك من الراوي، أي أو قال النبي صلى الله عليه وسلم بسبب عباءة غلها من الغنيمة، والغُلول بضم الغين: الخيانة في المغنم خاصة، وقيل الخيانة في كل شيء يقال منه غَلَّ بفتح الغين يغُل بضمها في المضارع، قال ابن قتيبة وغيره الغلول مأخوذ من الغلل، وهو الماء الجاري بين الأشجار، فكان الغال سُمي بذلك لأنه يدخل الغلول في أثناء رحله، فأما الغِل بكسر الغين فهو الحقد والشحناء، قال الأبي: فمن غل الثلاثي حديث "من بعثناه على عمل فغل شيئًا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه" ومن أغل الرباعي حديث "لا إغلال ولا إسلال" فالإغلال: الخيانة، والإسلال: السرقة يقال: (رجل مُغل مُسل) أي خائن سارق.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا الْمُؤْمِنُونَ، قَال: فَخَرَجْتُ فَنَادَيتُ: ألا إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا الْمُؤْمِنُونَ". 214 - (110) (33) حدثني أَبُو الطَّاهِرِ، قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أنَسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والبردة كساء أسود صغير مربع يلبسه الأعراب قاله الجوهري، وقال غيره: هي الشملة المخططة، وهي كساء يؤتزر به، والعباءة ممدود الكساء المعروف، ويقال فيه عباية. (ثم) بعد ما قال في الرجل ذلك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمر بن الخطاب (اذهب) يا عمر إلى مجتمع الناس (فناد في الناس أنه) أي أن الشأن والحال بفتح همزة أن على تقدير الجار، أي نادِ بأنه، وبكسرها على أن النداء بمعنى القول، أي قل في الناس إنه نظير قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} بفتح الهمزة، وقُرئ بالكسر: أي اذهب يا عمر فناد في الناس أنه (لا يدخل الجنة) أصلًا (إلا المؤمنون) أي الموحدون (قال) عمر (فخرجت) من عنده صلى الله عليه وسلم (فناديت) في الناس بقولي (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم تبليغًا من الرسول صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن الشأن والحال (لا يدخل الجنة) ابتداءً أو بعد المجازاة (إلا المؤمنون) المخلصون أو المسيئون، وسياق الحديث يدل على أن ذلك الرجل لا إيمان له لاستحلاله الغلول، أو لأنه كان منافقًا مرائيًا، وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس عن عمر شارك المؤلف في روايته أحمد (1/ 30) والترمذي (1574). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بن الخطاب بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (214) - ش (110) (33) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح المصري القرشي مولاهم، مولى بني أمية، ثقة من العاشرة، مات سنة (255) روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، (قال) أبو الطاهر (أخبرني) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه أحد الأئمة، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة (197) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن مالك بن أنس) بن مالك

عَنْ ثَوْرٍ بْنِ زَيدٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْغَيثِ، مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهذَا حَدِيثُهُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ) عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: "خَرَجْنَا مَعَ النبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيبَرَ. فَفَتَحَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصبحي، أبي عبد الله المدني الفقيه، إمام دار الهجرة، ثقة ثبت حافظ فقيه، من السابعة مات سنة (179) وله (90) سنة روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن ثور بن زيد الديلي) بكسر الدال المهملة بعدها تحتانية ساكنة، وهو من رهط أبي الأسود الديلي، المدني، ثقة من السادسة، مات سنة (135) روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا (عن سالم أبي الغيث مولى) عبد الله (بن مطيع) بن الأسود القرشي العدوي المدني، روى عن أبي هريرة في الإيمان والفضائل، ويروي عنه (ع) وثور بن زيد، وصفوان بن سليم، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، واثنان مصريان. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) وله (90) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، وأتى بقوله (وهذا) الآتي (حديثه) أي لفظ حديث قتيبة تورعًا من الكذب على أبي الطاهر لأنه إنما روى معنى الحديث الآتي لا لفظه، قال قتيبة بن سعيد (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الدراوردي، أبو محمد الجهني مولاهم المدني، صدوق من الثامنة، مات سنة (189) قرنه (خ) بآخر، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن محمد) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه، وفائدة هذا التحويل بيان متابعة عبد العزيز لمالك في رواية هذا الحديث عن ثور، وفائدتها بيان كثرة طرقه، لأن عبد العزيز لا يصلح لتقوية مالك، لأنه صدوق، ومالك من أوثق الناس (عن ثور) بن زيد الديلي المدني (عن أبي الغيث) سالم مولى عبد الله بن مطيع المدني (عن أبي هريرة) المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني وبغلان قرية ببلخ. (قال) أبو هريرة (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله) سبحانه

عَلَيْنَا، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلا وَرِقًا، غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي، وَمَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لَهُ، وَهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُذَامَ، يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيدٍ مِنْ بَنِي الضُّبَيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعالى خيبر (علينا) معاشر المسلمين ونصرنا على أعدائنا اليهود (فلم نغنم) منها ولم نأخذ (ذهبًا ولا ورقًا) أي فضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ذكره الزمخشري في تفسير سورة الكهف، بل (غنمنا) منهم (المتاع) أي متاع البيت من المواعين (والطعام) أي الثمار والحبوب (والثياب) أي القماش والملبوس (ثم) بعد ما أخذنا هذه الغنائم منهم وجمعناها (انطلقنا) أي ذهبنا من قرية خيبر (إلى الوادي) أي إلى وادي خيبر ونزلنا فيه (ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ له) اسمه مدعم بكسر الميم وإسكان الدال وفتح العين المهملتين، كذا جاء مصرحًا به في الموطأ في هذا الحديث بعينه، وقال القاضي عياض: إنه غير مدعم، قال: وورد في حديث مثل هذا اسمه كركرة، ذكره البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها، قال الحافظ في الإصابة: كركرة مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان نوبيًا أهداه له هوذة بن علي الحنفي اليمامي، فأعتقه، وقال ابن منده: له صحبة ولا تعرف له رواية، وقال الواقدي: كان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو مملوك، وضبط النواوي (كركرة) بفتح الكاف الأولى وكسرها، وأما الثانية فمكسورة فيهما. (وهبه) أي وهب ذلك العبد (له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (رجل من) قبيلة (جذام) بضم الجيم (يُدعى) أي يسمى ذلك الرجل الجذامي (رفاعة بن زيد) حالة كونه (من) شعب (بني الضبيب) بضم الضاد مصغرًا، وفي القاموس وجُذام كغراب قبيلة بجبال حِسْمى من معد بن عدنان، ويصرف على تأويل الحي، قال القاضي: وفي هذا قبول النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من المشركين كما قبلها من المقوقس، وأكيدر دومة، وفروة بن نفاثة، وردها على بعضهم وقال: لا نقبل رفد مشرك، وكرهها في حديث ابن اللتبية وقال: "هدايا الأمراء غلول" واختلف في الأمير اليوم فقيل: لا يقبلها من مسلم ولا كافر، وقبولها كان خاصًّا به صلى الله عليه وسلم وقيل: لا يقبلها ممن في عمله، ويقبلها من المشركين، إلا أن يكون في قبولها توهين لأمر المسلمين وصدهم عن الظهور على العدو، فتكون

فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِيَ قَامَ عَبْدُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ. فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُول اللهِ! قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: كَلَّا. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيهِ نَارًا، أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيبَرَ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رشوة، وسيأتي بقية الكلام على ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. (فلما نزلنا) معاشر المسلمين (الوادي) أي وادي خيبر واسترحنا فيه (قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو مدعم المذكور أولًا حالة كونه (يحل) ويفك (رحله) وقتبه من ناقته صلى الله عليه وسلم والرحل هو مركب الرجل على البعير المسمى بالقتب (فرُمي) ذلك العبد (بسهم) غرب (فكان فيه) أي في ذلك السهم وبسببه (حتفه) أي موته، والحتف بفتح الحاء وسكون التاء الموت يُجمع على حُتوف، يقال: مات حتف أنفه أي من غير قتل ولا ضرب ولا سبب (فقلنا) معاشر المسلمين (هنيئًا) أي بشارةً له وفرحًا وفوزًا، فهو منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا لجريانه مجرى المثل، أو لقيامه مقام عامله تقديره هنؤ هنيئًا أي طاب طيبًا وفاز فوزًا، يقال هنئ الطعام هنيئًا إذا ساغ بسهولة، والهنيء والمهنأ ما أتاك بلا مشقة (له) أي لذلك العبد، فالجار والمجرور خبر مقدم، والمبتدأ قوله (الشهادة) أي الموت في سبيل الله تعالى، والجملة الاسمية معللة لجملة هنيئًا، أي هنؤ هنيئًا، وطاب طيبًا، لأن له الشهادة والموت في سبيل الله تعالى (يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ردًّا علينا لما قلنا فيه (كلا) أي ارتدعوا وانزجروا عن كلامكم هذا (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (نفس محمد) وروحه (بيده) يتصرف فيها كيف يشاء (إن الشملة) والفوطة: وهي كساء مخطط صغير يؤتز به (لَتلتهب) وتتقد وتشتعل (عليه) أي على هذا العبد (نارًا) يوم القيامة، والجملة الفعلية خبر إن، وقوله (أخذها) أي أخذ تلك الشملة (من الغنائم) التي أخذناها (يوم خيبر) من الكفار قبل قسمتها صلة لموصول محذوف تقديره أي إن الشملة التي أخذها من الغنائم يوم خيبر قبل قسمتها لتلتهب عليه نارًا، وقوله (لم تصبها) ولم تشملها (المقاسم) معطوف على أخذها بعاطف مقدر، والمقاسم جمع مقسم بمعنى القسمة، وتمييز الحصص، أي أن الشملة التي أخذها يوم خيبر ولم تصبها المقاسم لتلتهب عليه نارًا، ونارًا تمييز محول عن فاعل تلتهب، أي لتلتهب نارها عليه، وحال منه على تأويلها بمشتق.

قَال: فَفَزِعَ النَّاسُ. فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِراكٍ أَوْ شِرَاكَينِ، فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيبَرَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو هريرة (ففزع) أي فجع (الناس) الحاضرون من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك العبد (فجاء رجل) ممن سمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم (بشراك) واحد، والشراك: هو السير المعروف الذي يكون في النعل على ظهر القدم (أو) قال أبو هريرة بـ (ــــشراكين) بالتثنية، والشك من أبي الغيث، أو ممن دونه (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله أصبت) هذا الشراك أو هذين الشراكين، من الغنيمة قبل قسمتها (يوم خيبر) فاقبله مني، ففيه حذف مفعول أصبت، لعلمه من السياق. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل لك (شراك من نار) يوم القيامة على أخذك هذا الشواك من الغنيمة (أو) قال له الرسول صلى الله عليه وسلم لك يوم القيامة (شراكان من نار) عقوبة لك على أخذ هذين الشراكين، قال القاضي عياض: قوله (إن الشملة لتلتهب عليه نارًا) وفي الآخر (شراك أو شراكان من نار) تنبيه على المعاقبة عليهما، ويحتمل أنهما صارتا عليهما نارًا حقيقة، فتكون المعاقبة بهما أنفسهما فيعذبان بهما وهما من نار، ويحتمل أنهما سبب تعذيبهما بالنار، وفي هذا الحديث دليل لإحدى الروايتين عن مالك رحمه الله تعالى في منع أخذ المحتاج إليه من غير الطعام من الغنيمة، إلا أن يقال إنه أخذه لغير حاجة، بدليل أنها أخرجت من الرحل، ولو أخذت لحاجة لاستعملت فيها ولم تستتر، أو أنه أخذها للحاجة ولم يردها إلى الغنيمة بعد قضاء حاجته، والحديث يدل على أن القليل والكثير من الغلول سواء، وأنه لا يحرق متاع الغال إذا لم يذكر ذلك. قال النواوي: وأما أحكام الحديثين أعني حديث عمر، وحديث أبي هريرة فمنها: غلظ تحريم الغلول، ومنها أنه لا فرق بين قليله وكثيره حتى الشراك، ومنها أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غل إذا قتل، ومنها أنه لا يدخل الجنة أحد ممن مات على الكفر وهذا بإجماع المسلمين، ومنها جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده، ومنها أن من غل شيئًا من الغنيمة يجب عليه رده، وأنه إذا رده يقبل منه، ولا يحرق متاعه سواء رده أو لم يرده فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحرِّق متاع صاحب الشملة، وصاحب الشراك، ولو كان واجبًا لفعله، ولو فعله لنقل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما حديث: "من غل فأحرقوا متاعه واضربوه" وفي رواية "فاضربوا عنقها فضعيف بيَّن ابن عبد البر وغيره ضعفه، قال الطحاوي رحمه الله تعالى: ولو كان صحيحًا لكان منسوخًا، ويكون هذا حين كانت العقوبات في الأموال والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته البخاري وأبو داود والنسائي، رواه البخاري في الإيمان والنذور والمغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في كتاب السير "في الكبرى" قال المزي: قال أبو الحسن الدارقطني: قال موسى بن هارون: وَهِمَ ثور بن زيد في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يعني إلى خيبر، وإنما قدم المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد فتح الله عليه خيبر، قال أبو مسعود الدمشقي: وإنما أراد البخاري ومسلم من نفس هذا الحديث قصة مدعم في غلول الشملة التي لم تصبها المقاسم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها لتشتعل عليه نارًا، وقد روى الزهري عن عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحوها فقلت: أسهم لي، ورواه أيضًا عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص عن جده عن أبي هريرة، ولا يشك أحد من أهل العلم أن أبا هريرة قد شهد قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم خيبر، هو وجعفر بن أبي طالب وجماعة من مهاجرة الحبشة الذين قدموا في السفينة، فإن كان ثور وهم في قوله خرجنا، فإن القصة المرادة من نفس الحديث صحيحة اهـ من تحفة الأشراف. قال الحافظ ابن حجر: وذكر الحافظ أبو عبد الله بن منده: أن محمد بن إسحاق رواه عن ثور بلفظ أزال الإشكال، وهو عن أبي هريرة قال: "انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القُرى عشية فنزل وغلام يحط رحله ... " الحديث فلعل الوهم الذي في قوله خرجنا إلى خيبر من غير ثور بن زيد، قلت: ولعل المراد بقوله خرجنا إلى خيبر "خرجنا من خيبر" اهـ النكت الظراف. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عمر، ذكره للاستدلال، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد رضي الله تعالى عنهما. ***

56 - (15) باب: الدليل على أن المؤمن القاتل لنفسه لا يكفر إن لم يستحل القتل

56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ 215 - (111) (34) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيمَانَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بن حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 56 - (15) بَابُ: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْقَتْلَ أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الحديث الدال على أن المؤمن القاتل لنفسه لا يكفر ولا يخرج عن الملة بارتكابه قتل نفسه الذي هو من أكبر الكبائر، إن لم يستحل قتل نفسه وإلا فقد كفر كما هو معلوم من التفاصيل السابقة في الأحاديث المارة في الأبواب السابقة، ثم استدل المؤلف على الترجمة فقال: (215) - س (111) (34) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) (واسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، قرين أحمد بن حنبل، من العاشرة فات سنة (238) وأكد بقوله (جميعًا) دون كلاهما إشارة إلى عدم انحصار من روى له عن سليمان في هذين الشيخين، أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية لي (عن سليمان) بن حرب الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة، نسبة إلى واشح بطن من الأزد، أبي أيوب البصري، قاضي مكة روى عن حماد بن زيد في الإيمان والنكاح والجهاد وغيرها، وحماد بن سلمة، وجرير بن حازم وطبقتهم، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وإسحاق، وحجاج بن الشاعر، وهارون بن عبد الله، ويحيى القطان، ومحمد بن جعفر وغيرهم، قال أبو حاتم: هو إمامٌ حضرت مجلسه ببغداد فحزروا من فيه أربعين ألف رجل، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة، مات بالبصرة في ربيع الأول سنة (224) أربع وعشرين ومائتين وله (80) ثمانون سنة، وكان مولده سنة أربعين ومائة في صفر، روى عنه المؤلف في الإيمان والجهاد والنكاح وغيرها، وأتى بجملة قوله (قال أبو بكر حدثنا سليمان بن حرب) تورعًا من الكذب على أبي بكر، لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن أبا بكر روى عن سليمان بالعنعنة كإسحاق، مع أنه روى عنه بصيغة السماع، وأيضًا ذكر أبو بكر باسم أبي سليمان.

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ حَجَّاج الصَّوَّافِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، "أَنَّ الطُّفَيلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سليمان بن حرب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزرق الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، وله إحدى وثمانون (81) سنة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (عن حجاج) بن أبي عثمان (الصواف) الخياط، أبي الصلت بفتح وسكون الكندي مولاهم البصري، واسم أبي عثمان ميسرة أو سالم، روى عن أبي الزبير في الإيمان والصلاة وكفارة المرض والهبة، ويحيى بن أبي كثير في الصلاة وغيرها، وأبي رجاء مولى أبي قلابة في الحدود، ويروي عنه (ع) وحماد بن زيد، وابن أبي عدي في الصلاة، وإسماعيل بن علية، ويحيى بن سعيد، ومحمد بن بشر، ويزيد بن زريع وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة حافظ من السادسة، مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع، وكفارة المرض والهبة والحدود، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها خمسة أبواب تقريبًا. (عن أبي الزبير) المكي، محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، ثقة يدلس، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه يدلس، من الرابعة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي بفتحتين أبي عبد الرحمن المدني، صحابي بن صحابي، مات في المدينة سنة (78) ثمان وسبعين عن (94) أربع وتسعين سنة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، واثنان مدنيان، وواحد كوفي أو مروزي (أن الطفيل بن عمرو) بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهر بن غنم بن دوس (الدوسي) من دوس، أسلم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به بمكة، ثم رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس، فلم يزل مقيمًا بها داعيًا إلى الله تعالى حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بمن تبعه من قومه وفيهم أبو هريرة، فلم يزل مقيمًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض صلى الله عليه وسلم ثم كان مع المسلمين حتى قتل باليمامة شهيدًا، وروى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال: قتل الطفيل بن عمرو الدوسي عام

أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟ (قَال: حِصْنٌ كَانَ لِدَوسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) فَأَبى ذلِكَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لِلَّذِي ذَخَرَ الله لِلأَنْصارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيهِ الطُّفَيلُ بْنُ عَمْروٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب، وذكر المدائني عن أبي معشر أنه استشهد يوم اليمامة اهـ استيعاب. (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) وجاءه وهو صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وذلك أن الطفيل بن عمرو لما قدم مكة ذكر له ناس من قريش أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يختبر حاله، فأتاه فأنشده من شعره، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الإخلاص والمعوذتين، فأسلم في الحال وعاد إلى قومه، فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، ودعا قومه فأجابه أبو هريرة وحده، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال: يا رسول الله هل لك) رغبة في أن تكون (في حصن) أي في قصر (حصين) أي شديد الحِصن والحفظ لمن فيه عن أعدائه (و) في أن تكون في (منعة) أي في عزة وقوة وامتناع من أعدائك (قال) الراوي أعني جابرًا هو أي الحصن الذي دعا طفيل النبي صلى الله عليه وسلم إليه (حصن) أي قصر وقلعة (كان لدوس في الجاهلية) أي قبل الإسلام (فأبى) وامتنع (ذلك) أي المهاجرة إلى ذلك الحصن والمنعة (النبي صلى الله عليه وسلم) على الطفيل (للذي) أي لأجل أداء النصيب الذي (ذخر الله) سبحانه وتعالى وادخره وكتبه في سابق علمه (للأنصار) من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وقوله (هل لك في حصن) الحصن واحد الحصون وهي القصور والقلاع لكي يتحصن ويتحفظ فيها عن أعدائه (وحصين) على وزن فعيل للمبالغة أي شديد الحصن والحفظ لمن فيه عن أعدائه (ومنعة) بفتح النون وإسكانها ذكرهما ابن السكيت والجوهري وغيرهما، والفتح أفصح وهي العز والامتناع عمن يريده من أعدائه، وقيل المنعة بالتحريك جمع مانع كظالم وظلمة، وكافر وكفرة، أي وأن تكون في جماعة يمنعونك ويحفظونك ممن يقصدك بمكروه وضرار، ويقال فلان في منعة أي في عز وعشيرة يمنعونه. (فلما هاجر) وانتقل (النبي صلى الله عليه وسلم) من مكة (إلى المدينة هاجر) وارتحل (إليه) صلى الله عليه وسلم (الطفيل بن عمرو) من أرضه بلاد دوس إلى المدينة

وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهاجر معه) أي مع الطفيل بن عمرو (رجل من قومه) أي من قوم الطفيل لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (فاجتووا المدينة) أي كرهت طبائعهم هواء المدينة ولم يوافقها، وقوله (فاجتووا المدينة) هو بضم الواو الثانية ضمير جمع، وهو ضمير يعود على الطفيل والرجل المذكور ومن معهما، ومعناه كرهوا المقام بها لضجرٍ ونوع من سقم، قال أبو عبيد والجوهري وغيرهما: اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة، ويقال: اجتوى المدينة إذا كرهها، واجتويت البلدة إذا كرهتها وإن كانت موافقة لك في بدنك قال الخطابي: أصل الاجتواء استيبال المكان "ومعنى استوبل الأرض لم توافقه في بدنه وإن كان محبًا لها" كراهية المقام فيه لمضرة لحقته، وأصله من الجوى وهو داء يصيب الجوف. قوله (فاجتووا) هكذا الراوية في أكثر نسخ الشراح والمتون "وهاجر معه رجل فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه" إلخ بضمير الجمع في اجتووا والإفراد في غيره، وفي رواية "وهاجر معه رجال من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص" إلخ، وهاتان الروايتان فيهما تخليط بين الجمع والإفراد وهما غير صواب، والصواب رواية عبد (¬1) الغافر من رواة مسلم "وهاجر معه رجل من قومه فاجتوى المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له" إلخ بتوحيد رجل وعطف ما بعده على ما قبله بالإفراد على نسق واحد، كذا ذكره القرطبي في المفهم. أي فاجتوى الرجل الذي هاجر معه هواء المدينة وكرهه (فمرض) ذلك الرجل ووعك بحمى يثرب (فجزع) الرجل من ألم مرضه، وفقد الصبر عليه (فأخذ مشاقص له) بفتح الميم والشين المعجمة وبالقاف المكسورة والصاد المهملة على زنة مفاعل وهي جمع مشقص بكسر الميم وسكون الشين وفتح القاف وهو السهم العريض، وقال الداودي: هو السكين، ولا يصح، وقال الخليل وابن فارس وغيرهما: هو سهم فيه نصل عريض، وقال آخرون: سهم طويل ليس بالعريض، وقال الجوهري: المشقص ما طال وعرض، وهذا هو الظاهر هنا لقوله قطع بها براجمه ولا يحصل ذلك إلا بالعريض اهـ نووي. ¬

_ (¬1) هو عبد الغافر بن محمد الفارسي، أبو الحسين، ثقة صالح، من رواة صحيح مسلم، توفي سنة (448 هـ). اهـ سير أعلام النبلاء.

فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ. فَرَآهُ الطُّفَيلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيهِ. فَقَال لَهُ: مَا صَنَعِ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَال: غَفَر لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيكَ؟ قَال: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيلُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمَّ وَلِيَدَيهِ فَاغْفِرْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد أخذ مجموع مشاقصه التي في الجعبة وأخذ واحدًا منها فهو من إطلاق الجمع وإرادة المفرد (فقطع بها) أي بتلك المشاقص (براجمه) أي عقد أصابعه ومفاصلها، والبراجم بفتح الباء الموحدة وبالجيم المكسورة، وكذا الرواجب هي مفاصل الأصابع كلها واحدتها برجمة، وقال أبو مالك الأعرابي في كتاب "خلق الإنسان" الرواجب رؤوس العظام في ظهر الكف، والبراجم هي المفاصل التي تحتها (فشخبت) بالشين والخاء المعجمتين المفتوحتين في الماضي، وضم الخاء في المضارع، وقد تفتح فيه أيضًا، أي سالت (يداه) أي يدا ذلك الرجل أي سال دمهما، وقيل سال بشدة، قال ابن دريد: كل شيء سال فهو شخب بضم الشين وفتحها، وهو ما خرج من الضرع من اللبن، وكأنه الدفعة منه، ومنه المثل "شخبٌ في الأرض وشخبٌ في الإناء" وكأنه سُمي بذلك من صوت وقعته في الإناء، ويقال للذي يصيب مرة ويُخطئ في أخرى تشبيهًا له بالحالب الذي يفعل ذلك (حتى مات) ذلك الرجل بسبب قطع براجمه (فرآه) أي فرأى ذلك الرجل بعد موته (الطفيل بن عمرو في منامه) أي في حالة نومه (فرآه) أي فرأى الطفيل ذلك الرجل في نومه (وهيئته حسنة) أي والحال أن هيئة ذلك الرجل وصفته حسنة جميلة (ورآه) أيضًا حالة كونه (مغطيًا) وساترًا (يديه) بشيء عن الناس (فقال له) الطفيل في ذلك المنام (ما صنع) وفعل (بك ربك) أيها الرجل، هل سخط عليك أم رضي عنك (فقال) الرجل (كفر لي) ربي جميع ذنوبي (بـ) ـــسبب (هجرتي) وانتقالي من أرضي (إلى) مُهاجر (نبيه) صلى الله عليه وسلم (فقال) الطفيل للرجل، وفيه التفات لأن مقتضى الظاهر أن يقال فقلت له (ما لي) أي أيُّ شيء ثبت لي حالة كوني (أراك مغطيًا يديك) أي ساترًا كفيك عن الناس (قال) الرجل للطفيل مجيبًا لسؤاله (قيل لي) من جهة الله سبحانه وتعالى (لن نصلح منك) أي من جسدك (ما أفسدتـ) ـــه وقطعته من البراجم (فقصها) أي فقص هذه الرؤيا وأخبرها (الطفيل) بن عمرو (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر) فيه تقديم وتأخير أي اللهم فاغفر له وأصلح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليديه فالفاء زائدة لتحسين الخط، والواو عاطفة لمحذوف على اغفر، ويحتمل أن تكون الحرفان زائدتين، والجار والمجرور متعلق باغفر، والمعنى اللهم اغفر ذنب جناية قطعه ليديه. وفي المفهم (قوله غفر لي بهجرتي إلى نبيه) دليل على أن الكبائر قد تغفر بفعل القواعد وفيه نظر سيأتي في الطهارة إن شاء الله تعالى، وقوله (لن نصلح منك ما أفسدت) دليل على أن المغفرة قد لا تتناول محل الجناية فيحصل منه توزيع العقاب على المعاقب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم وليديه فاغفر" والظاهر أن هذا الرجل أدركته بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فغفر له وليديه، وكمل له ما بقي من المغفرة عليه، وعلى هذا فيكون قوله "لن نصلح منك ما أفسدت" ممتدًا إلى غاية دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له فكأنه قيل له لن نصلح منك ما أفسدته ما لم يدع لك النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث يقتضي أن قاتل نفسه ليس بكافر، وأنه لا يخلد في النار إن لم يستحل، وهو موافق لمقتضى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وهذا الرجل ممن شاء الله أن يغفر له، لأنه إنما أتى بما دون الشرك، وهذا بخلاف القاتل نفسه المذكور في حديث جندب فإنه ممن شاء الله أن يعذبه اهـ منه. قال القاضي: وفي هذا الحديث حجة لنا في جواز العفو، وعلى المعتزلة في قولهم: بتخليد العاصي، وعلى الخوارج في تكفيرهم بالذنوب، وعلى المرجئة في قولهم لا يضر مع الإيمان شيء. قال الأبي: لا يقال كيف يحتج به لجواز المغفرة، وهو قد عوقب في يده، لأن عدم العفو عند القائل به موجب لدخول النار، وهذا لم يدخلها اهـ. قال النواوي: وهذا الحديث حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة، أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة، وشرحٌ للأحاديث التي قبله، المُوهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب الكبائر في النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي فإن هذا عوقب في يديه والله أعلم اهـ. وهذا الحديث أعني حديث جابر بن عبد الله شارك المؤلف في روايته أحمد فقط (3/ 371) وانفرد به عن أصحاب الأمهات، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث جابر هذا. ***

57 - (16) باب ما يقبض عنده روح كل مومن ويبقى بعده على الأرض شرار الناس

57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ 216 - (112) (35) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو عَلْقَمَةَ الْفَرْويُّ. قَالا: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 57 - (16) بَابٌ مَا يُقْبَضُ عِنْدَهُ رُوحُ كُلِّ مُومِنٍ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عَلَى الأَرْضِ شِرَارُ النَّاسِ أي هذا باب معقودٌ في بيان ما يقبض عنده روح كل مؤمن، ويبقى بعده على الأرض شرار الناس من الريح اللينة. (216) - س (112) (35) (حدثنا أحمد بن عبدة) بسكون الباء بن موسى (الضبي) نسبة إلى ضَبَّة بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء المفتوحة بن أدِّ بن طابخة، أبو عبد الله البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي، نسبة إلى دراورد قرية بخراسان، أبو محمد الجهني مولاهم المدني، صدوق من الثامنة، مات سنة (189) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (أبو علقمة) الكبير عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي فروة المدني القرشي الأموي، مولى آل عثمان بن عفان (الفروي) بفتح الفاء وإسكان الراء نسبة إلى أحد أجداده، روى عن صفوان بن سليم في الإيمان، ويزيد بن خُصيفة في الصلاة، وعامر بن عبد الله بن الزبير، ويروي عنه (م د س) وأحمد بن عبدة الضبي، ويحيى بن يحيى، وإسحاق الحنظلي، والقعنبي، وسعيد بن منصور، وثقه النسائي، وقال ابن المديني: هو ثقة ما أعلم أني رأيت بالمدينة أتقن منه، وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: صدوق من الثامنة، مات سنة (190) تسعين ومائة، وله (100) مائة سنة، روى عنه المؤلف في بابين الإيمان والصلاة، وأما أبو علقمة الفروي الصغير فاسمه عبد الله بن هارون بن موسى بن أبي علقمة الفروي الكبير، قال ابن عدي: له مناكير وأورد له حديثين باطلين بإسناد الصحيح ليس له في الأمهات شيء، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن عبد العزيز بن محمد صدوق وأبا علقمة ثقة فقوي به عبد العزيز (قالا) أي قال كل من عبد العزيز وأبي علقمة (حدثنا صفوان بن سُليم) بالتصغير القرشي

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ، أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهري مولاهم، أبو عبد الله المدني، ثقة عابد رُمي بالقدر من السابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وصفة الجنة ثلاثة أبواب (عن عبد الله بن سلمان) الأغر المدني، أبي عبد الله الجهني مولى جهينة، روى عن أبيه في الإيمان، ويروي عنه (م) وصفوان بن سليم، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من السادسة، روى له مسلم حديثًا واحدًا في الإيمان "إن الله يبعث ريحًا من اليمن" (عن أبيه) سلمان الأغر، أبي عبد الله المدني الجهني مولاهم، أصله من أصبهان، روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة والحج في موضعين، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وأبي الدرداء، وعمار وأبي أيوب، ويروي عنه (ع) وابنه عبد الله في الإيمان، وبكير بن الأشج في الصلاة، وأبو بكر بن حزم، والزهري في الصلاة، وعمران بن أبي أنس، وقال في التقريب: ثقة من كبار الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر المدني الدوسي، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا أحمد بن عبدة فإنه بصري (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله) سبحانه وتعالى (يبعث) أي يرسل ويهيج (ريحًا من) قبل (اليمن) إقليم معروف، قال النواوي: قال هنا من اليمن، وفي حديث عبد الله بن عمر الآتي في كتاب الفتن من مسلم قال: من الشام فبين الحديثين معارضة، فيجمع بينهما باحتمال أنهما ريحان تهب إحداهما من اليمن، والأخرى من الشام، أو ريح واحدة مبدؤها من قبل اليمن، ثم تمر بالشام لتهب منه على من يليه والله أعلم، وقوله (ألين من الحرير) صفة لـ (ريحًا)، وذكَّره لأن الريح يُذكر ويؤنث، أي ريحًا أشد ليونة في مرورها على الإنسان من الحرير في ملامسته لجسد الإنسان، يعني لا تضره بل يلتذ بها، ويجد راحة منها، قال النواوي: لينت رفقًا بهم وإكرامًا لهم. قال الأبي: هذا أخذه من السياق وإلا فليس التسهيل دليلًا على التكرمة، ولا التصعيب دليلًا على الشقاء فكم شق على سعيد، وسهل على شقي، فعن زيد بن أسلم عن أبيه: "إذا بقي على المؤمن شيء من درجاته لم يبلغه من عمله شدد الله سبحانه عليه الموت ليبلغ بكرمه درجته في الآخرة، وإذا كان للكافر معروف لم يُجز به في الدنيا

فَلَا تَدَعُ أَحدًا فِي قَلْبِهِ (قَال أَبُو عَلْقَمَةَ: مِثْقَالُ حَبَّةٍ. وَقَال عَبْدُ الْعَزِيزِ: مِثْقَالُ ذَرَّةٍ) مِنْ إِيمَانٍ إِلا قَبَضَتْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سهل الله عليه الموت ليستكمل ثواب معروفه ليصير إلى النار". وعن عائشة رضي الله عنها لا أغبط أحدًا سهل عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدخل يده في قدح، ويمسح بها وجهه ويقول: "اللهم سهل علي الموت إن للموت لسكرات"، فقالت: فاطمة حينئذ: واكرباه لكربك يا أبتاه، فقال: "لا كرب لأبيك بعد اليوم"، ونزع معاذ نزعًا لم ينزعه أحد، فكان كلما أفاق قال رب اخنق خنقك فوعزتك لتعلم أن قلبي يحبك، وفي الخبر: موت الفجاءة راحة المؤمن وأخذة الفاجر. (فلا تدع) تلك الريح، أي لا تترك (أحدًا) من الناس (في قلبه قال أبو علقمة) الفروي في روايته (مثقال حبة) أي وزن حبة من خردل، والحبة واحدة الحبوب (وقال عبد العزيز) بن محمد في روايته (مثقال ذرة) أي وزن ذرة، والذرة نملة صغيرة تزن سبعون منها جناح بعوضة، أي قال أبو علقمة مثقال حبة (من إيمان) وقال عبد العزيز: مثقال ذرة من إيمان، والغرض بيان اختلاف روايتهما تورعًا من الكذب على أحدهما لو أتى براوية واحدةٍ، والمقصود منهما بيان كونه أقل قليل (إلا قبضته) أي إلا قبضت روحه، أو إلا قبضت ذلك الإيمان، وقبضه بقبض أهله، زاد في كتاب الفتن من حديث عبد الله بن عمرو "حتى لو أن أحدهم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع" وهو من معنى حديث "لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله" وحديث "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق" وكلها تعارض بحديث "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة" ويُجمع بينه وبينها بأن هذا الحديث على حذف مضاف تقديره إلى قرب قيام الساعة، وتبقى تلك على ظاهرها، قال النواوي: وأما قوله مثقال حبة، أو مثقال ذرة من إيمان ففيه بيان للمذهب الصحيح أن الإيمان يزيد وينقص اهـ. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ***

58 - (17) باب: ما يخاف من سرعة سلب الإيمان والحض على الأعمال الصالحة قبل تظاهر الفتن الشاغلة عنها

58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا 217 - (113) (36) حدّثني يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وقُتَيبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسَمْاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. قَال: أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 58 - (17) بَابٌ: مَا يُخَافُ مِنْ سُرْعَةِ سَلْبِ الإيمَانِ وَالْحَضِّ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَظَاهُرِ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ عَنْهَا أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الحديث الذي يدل على سرعة سلب الإيمان من قلب الرجل من حيث لا يحتسب، وعلى المبادرة بالأعمال الصالحة عند تظاهر الفتن الشاغلة عنها، وعلى التحذير من الإقبال على الدنيا وعلى مطامعها، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة فقال: (217) - س (113) (36) (حدثني يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف، أبو زكريا البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (و) حدثنا أيضًا (قتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، اسمه يحيى، وقيل علي، وقتيبة لقبه، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (علي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن إياس السعدي، أبو الحسن المرزوي، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، وأكد بقوله (جميعًا) دون كلهم إشارة إلى عدم انحصار من روى له عن إسماعيل في هؤلاء الثلاثة، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، أي حالة كون كل من الثلاثة مجتمعين في الرواية لي (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم، أبي إسحاق المدني، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بجملة قوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل) تورعًا من الكذب على ابن أيوب لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن ابن أيوب روى عن إسماعيل بالعنعنة كغيره، فرفع ذلك الوهم بهذه الجملة (قال) إسماعيل بن جعفر (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولى حرقة، أبو شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة المدني وثقه أحمد، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من الخامسة، مات سنة (133) روى عنه

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "بَادِرُوا بِالأَعمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيلِ الْمُظْلِمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا ويمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا ويصْبحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولاهم، أبي العلاء المدني، ثقةٌ من الثالثة، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، وواحد منهم إما بغدادي أو بغلاني أو مروزي والله أعلم. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بادروا) أي أسرعوا (بـ) ـــفعل (الأعمال) الصالحة، وسابقوا إليها (فتنًا) أي قبل هجوم فتن ومحن مانعة لكم عنها، سالبة لشرطها المصحح لها، الذي هو الإيمان، متراكمة عليكم (كـ) ـــتراكم (قطع) ظلمات (الليل المظلم) غير المقمر، المانعة من رؤية الأشياء المحسوسة بحاسة البصر، من أثر تلك الفتن أنه (يصبح الرجل) وكذا المرأة، أي يكون الرجل في الصباح (مومنًا) عاملًا للأعمال الصالحة (ويُمسي) أي ويكون ذلك الرجل الذي أصبح مؤمنًا في مساء ذلك اليوم (كافرًا) أي مسلوب الإيمان، مُعرضًا عن الأعمال الصالحة، لسرعة انقلاب حاله من الصلاح إلى الفساد بسبب تراكم تلك المحن، وغلبتها على قلبه، المفسدة له بما أثرت فيه من القسوة، وأوفي قوله (أو) قال الرسول صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة، أو من دونه (يُمسي) الرجل (مومنًا) أي يكون في المساء مؤمنًا عاملًا بالأعمال الصالحة (ويصبح) ذلك الرجل المؤمن في المساء، أي يكون في الصباح (كافرًا) أي مسلوب القلب عن الإيمان، كثير الخطأ والعصيان، راكبًا مراكب الهوى والطغيان، الشك من الراوي، إما من أبي هريرة فيما قال الرسول صلى الله عليه وسلم من الكلمتين، أو ممن دونه، وجملة قوله (يبيع دينه) حال من اسم يُمسي أو يصبح، أي يمسي كافرًا حالة كونه يستبدل دينه (بعرض) زائل وحُطام فانٍ، ومتاع يسير (من) زخارف (الدنيا) الدنية والجيفة الخسيسة عند أهل الله سبحانه، والعرض هنا بفتح العين والراء بمعنى المتاع العارض السريع الزوال، وأما هو بسكونها فهو ضد الطول، وأما بسكونها مع كسر العين فهو موضع المدح والذم من الإنسان والنسب. وعبارة المفهم هنا (وقوله بادروا بالأعمال فتنًا) أي سابقوا بالأعمال الصالحة قبل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هجوم المحن المانعة منها السالبة لشرطها المصحح لها الإيمان، كما قال يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ولا إحالة ولا بعد في حمل هذا الحديث على ظاهره لأن المحن والشدائد إذا توالت على القلوب أفسدتها بغلبتها عليها وبما تؤثر فيها من القسوة والغفلة التي هي الشقاء، ومفاد هذا الحديث الحض على اغتنام الفرصة، والاجتهاد في أعمال الخير والبر عند التمكن منها قبل هجوم الموانع، وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 306) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه "اغتنم خمسًا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك" وفي معناه أيضًا "حجوا قبل أن يمنع البَرُّ جانبه" وحديث "كان إذا خطب وذكر الساعة رفع صوته واحمرت وجنتاه كأنه منذر جش يقول: صبحكم مساكم" وحديث "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة". قال النواوي: معنى هذا الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة، المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف صلى الله عليه وسلم نوعًا من شدائد تلك الفتن، وهو أنه يمسي مؤمنًا ثم يصبح كافرًا أو عكسه شك الراوي، وهذا لعظم الفتن، ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم اهـ. قال القرطبي وقوله (يبيع دينه بعرض من الدنيا) عَرَضُ الدنيا بفتح العين والراء هو طمعها وما يعرض منها، ويدخل فيه جميع المال قاله الهروي، فأما العَرْض بإسكان الراء مع فتح العين فهو خلاف الطول، ويقال على أمور كثيرة، والعِرض بكسر العين وسكون الراء هو نسب الرجل وجسمه وذاته، ومقصود هذا الحديث الأمر بالتمسك بالدين والتشدد فيه عند الفتن، والتحذير من الفتن، ومن الإقبال على الدنيا وعلى مطامعها اهـ. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 4 30 و 523) والترمذي (2196). ***

59 (18) - باب: مخافة المؤمن أن يحبط عمله من الإيمان

59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان 218 - (114) (37) حدثنا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنهُ قَال: "لَمَّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ 59 (18) - بَابٌ: مَخَافَةُ الْمُؤمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنَ الإِيمَان أي هذا بابٌ معقود في بيان الحديث الدال على أن مخافة المؤمن من حبوط عمله الصالح الذي منه الإيمان، شعبة من شعب الإيمان فيثاب عليها فيكون من أهل الجنة. (218) - (114) (37) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقةٌ من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال ابن أبي شيبة (حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب بمعجمة ثم تحتانية من أبناء خراسان، روى عن حماد بن سلمة، وشيبان بن عبد الرحمن، وزهير بن معاوية، وحريز بن عثمان وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وحجاج بن الشاعر، وزهير بن حرب، وأحمد بن حنبل وخلق، وقال في التقريب: ثقةٌ من التاسعة، مات سنة (210) تسعٍ أو عشرٍ ومائتين، له في (خ) فرد حديث، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين، والصوم والحج والأدب والوصايا والحوض والرحمة والفضائل وذكر النفاق، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرة تقريبًا، قال الحسن (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أو التميمي أو القرشي مولاهم، أبو سلمة البصري، أحد الأئمة الأعلام، ثقةٌ عابد، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة، مات سنة (167) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) بضم الموحدة وبنونين مخففتين مولاهم، نسبة إلى بُنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب، أبو محمد البصري، ثقةٌ عابد من الرابعة، مات سنة (123) بضع وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي النجاري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد بغدادي، وواحد كوفي (أنه) أي أن أنسًا (قال: لما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا})

لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. جَلَسَ ثَابتُ بْنُ قَيسٍ فِي بَيتِهِ وَقَال: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَاحْتبَسَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ فَقَال: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَا شَأْنُ ثَابِتٍ؟ أَشْتَكَى؟ قَال سَعْدٌ: إِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالله وبرسوله ({لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}) [الحجرات: 2] صلى الله عليه وسلم ( ... إلى آخر الآية جلس ثابت بن قيس) بن شماس بمعجمة وميم مشددة مفتوحتين، وآخره سين مهملة الأنصاري الخزرجي، خطيب الأنصار، من كبار الصحابة، بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، شهد يوم اليمامة، واستشهد بها، أي جلس (في بيته) وترك الخروج إلى المسجد للصلاة (وقال) ثابت لمن سأله عن السبب في عدم خروجه (أنا من أهل النار) لأني أسأت الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جهير الصوت، فلذلك اشتد خوفه أكثر من غيره، حتى أمنه النبي صلى الله عليه وسلم وسكن روعه (واحتبس) أي جلس في بيته وانقطع (عن) الخروج إلى (النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ) بن النعمان الأنصاري الأشهلي، أبا عمرو سيد الأوس، شهد بدرًا واستشهد من سهم أصابه يوم الخندق، ومناقبه كثيرة، أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ عن حال ثابت بن قيس، هل هو مريض أم لا؟ ولم ترك الحضور في المسجد، لكون سعدٍ جِيرَانَهُ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ في سؤاله عن ثابت (يا أبا عمرو) كنية سعد بن معاذ كما مر آنفًا (ما شأن ثابت) بن قيس وحاله (أشتكى) أي هل اشتكى ومرض فترك الخروج إلى المسجد لعذر المرض أم هو صحيح، فالهمزة للاستفهام الاستخباري، واشتكى فعل ماض على وزن افتعل من الشكوى الذي هو المرض، وهمزة الوصل ساقطة نظير قوله تعالى {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ}. قال الأبي: لم يحتبس ولا خشي أنه من أهل النار لرفع صوته فيما تقدم لعدم النهي حينئذ، ولكن لكونه جهير الصوت، وأنه إذا حضر لا بد أن يتكلم، وقد نزلت الآية فخاف واحتاط وإن كان لما سبق فإنما ذلك لغلبة الخوف، وليست الشهادة له بالجنة بالتي تبيح له رفع الصوت ولكن فيها الدلالة على حفظه مما يخاف، وتيسيره لعمل أهل الجنة اهـ. (قال سعد) بن معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن ثابت بن قيس

لَجَارِي، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى. قَال: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النارِ؛ فَذَكَرَ ذلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (لجاري) أي منزله ملاصق لمنزلي (وما علمت له بشكوى) أي ما عرفت بشكوى ولا مرض حاصل له ولا سمعته، ولو كان مريضًا لسمعت مرضه (قال) أنس بن مالك راوي الحديث (فأتاه) أي فأتى ثابت بن قيس سعد بن معاذ وجاءه (فذكر) سعد (له) أي لثابت (قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسؤاله عنه (فقال ثابت) لسعد بن معاذ (أُنزلت هذه الآية) يعني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} بالنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولقد علمتم) فيما بينكم (أني من أرفعكم صوتًا) أي من أكثركم رفعًا للصوت (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأنا من أهل النار) لحبوط عملي برفع الصوت عند الرسول صلى الله عليه وسلم (فذكر ذلك) الذي قاله ثابت بن قيس (سعد) بن معاذ اللنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لسعد كلا كلا (بل هو) أي ثابت بن قيس (من أهل الجنة) فشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة. وثابت هذا هو: ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي، خطيب الأنصار، كان من نجباء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، كان جهير الصوت خطيبًا بليغًا وهو الذي خطب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مقدمه المدينة فقال: نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة" فقالوا رضينا. أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 234) وصححه ووافقه الذهبي. وهذا الحديث أعني حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في ثابت بن قيس رضي الله تعالى عنه مما انفرد به الإمام مسلم عن غيره. تنبيه: وفي ذكر سعد بن معاذ في هذا السند وعدم ذكره في الأسانيد الآتية نظرٌ، قال الحافظ ابن كثير: والصحيح أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا

219 - (00) (00) (وحدَّثنا قَطَنُ بْنُ نُسَيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس، وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم، والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة والله أعلم، فرواية حماد على ذلك مُعللة. قيل نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس فقد أخرج مالك والحاكم عن ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله إني أخشى أن أكون قد هلكت، ينهانا الله أن نحب أن نحمد بما لا نفعل، وأجدني أحب الحمد، وينهانا الله عن الخيلاء وإني امرؤ أحب الجمال، وينهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا رجل رفيع الصوت، فقال: "يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة" أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 234) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق ووافقه الذهبي. وقيل نزلت بسبب أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقد أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه. وعن عبد الله بن الزبير أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمِّر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك الآية اهـ من كتب التفسير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (219) - متا (00) (00) (وحدثنا قطن) بفتحتين (بن نُسَيْر) بنون وسين مهملة

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ ... بِنَحْو حَدِيثِ حَمَّادٍ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصغرًا، الغبري بضم المعجمة وفتح الموحدة الخفيفة نسبة إلى الغُبر بطن من يشكر، أبو عباد البصري المعروف بالذَّرَّاع، روى عن جعفر بن سليمان في الإيمان وبشير بن منصور، وعمرو بن النعمان، ويروي عنه (م د س) وأبو يعلى والبغوي، روى عنه المؤلف ثلاثة أحاديث قرنه في أحدها بيحيى بن يحيى، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق يُخطئ من العاشرة (حدثنا جعفر بن سليمان) الحَرَشيُّ الضُّبعيُّ بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة نزل فيهم، أبو سليمان البصري الزاهد، روى عن ثابت البُناني والجعد بن عثمان وأبي عمران الجوني، ويزيد الرشك، وسعيد الجريري، ويروي عنه (م عم) وقطن بن نُسير، ويحيى بن يحيى وقتيبة، ومحمد بن عبيد بن حساب، وسفيان، وابن المبارك، وابن مهدي، ومُسدد وطائفة وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: صدوق زاهد لكنه كان يتشيع من الثامنة، مات سنة (178) ثمان وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين، والوضوء والجهاد في موضعين، والمناقب، والمرء مع من أحب، والقدر والرحمة، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا. (عن ثابت البُناني) بن أسلم البناني البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جعفر بن سليمان لحماد بن سلمة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (قال) أنس كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار) أي واعظهم (فلما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية، والجار والمجرور في قوله (بنحو حديث حماد) بن سلمة متعلق بقوله حدثنا جعفر بن سليمان جريًا على القاعدة المطردة في كلامه، من أن الجار والمجرور في بمثله وبنحوه وبمعناه متعلق بما عمل في المتابع، أي حدثنا جعفر بن سليمان بنحو حديث حماد بن سلمة (و) لكن (ليس في حديثه) أي في حديث جعفر بن سليمان (ذكر سعد بن معاذ) ففي كلامه هنا وفيما سيأتي إشارة إلى أن رواية حماد معللة، والصحيح رواية غيره كما ذكرنا آنفًا في التنبيه.

220 - (00) (00) (وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرِ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (220) - متا (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور يعني حديث أنس بن مالك في ثابت بن قيس بن شماس (أحمد بن صعيد بن صخر) بن سليمان بن سعيد بن قيس بن عبد الله (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم، أبو جعفر المروزي، روى عن حبان بن هلال في الإيمان والصلاة والصوم وغيرها، وزكريا بن عدي في الوضوء، وعبيد الله بن عبد المجيد في الصلاة، وأحمد بن إسحاق الحضرمي في الحج، وأبي النعمان محمد بن الفضل في النكاح واللباس، وسليمان بن حرب في الجهاد، ويروي عنه (خ م د ت ق) وابن خزيمة وأبو عوانة، وقال أحمد بن حنبل: ما قدم علينا خراساني أفقه منه، وقال في التقريب: ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات بنيسابور سنة (253) ثلاث وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في موضعين، والصوم والحج والنكاح واللباس والجهاد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية أبواب تقريبًا. (حدثنا حَبَّان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة بن هلال الباهلي أو الكناني، أبو حبيب البصري، روى عن سليمان بن المغيرة في الإيمان، وأبان بن يزيد في الوضوء والجنائز والصوم والبيوع وغيرها، ووهيب في مواضع، وحماد بن سلمة في مواضع، وأبي عوانة في الجهاد، وهمام بن يحيى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل وغيرها، ويروي عنه (ع) وأحمد بن سعيد الدارمي، وإسحاق بن منصور، وأحمد بن خراش، وزهير بن حرب، وعبد بن حميد، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وخلق، قال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا حجة مأمونًا، امتنع من التحديث أولًا أي تأخر، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (216) ست عشرة ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والجنائز والصوم والبيوع والجهاد وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل وغيرها، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثمانية تقريبًا. (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم، أبو سعيد البصري، قال ابن معين:

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: لَمَّا نَزَلَتْ {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي الْحَدِيثِ. 221 - (00) (00) وحدّثنا هُرَيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الاسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة ثقة، وقال أحمد: ثبت ثبت، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، مات سنة (165) روى عنه المؤلِّف في تسعة أبواب تقريبًا (عن ثابت عن أنس قال) أنس (لما نزلت {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} صلى الله عليه وسلم (ولم يذكر) سليمان بن المغيرة (سعد بن معاذ في الحديث) وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم بصريون إلا أحمد بن سعيد فإنه مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سليمان بن المغيرة لحماد بن سلمة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني وفائدة المتابعة بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (221) - متا (00) (00) (وحدثنا هُريم) مصغرًا (بن عبد الأعلى) بن الفرات (الأسدي) أبو حمزة البصري، روى عن المعتمر بن سليمان في الإيمان والجهاد والحوض، وخالد بن الحارث في الفتن، ويزيد بن زريع، وعباس بن إسماعيل وغيرهم، ويروي عنه (م) وبقي بن مخلد، وعبد الله بن أحمد، وأبو يعلى الموصلي، وعبدان وآخرون، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، قال هُريم (حدثنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي، أبو محمد البصري، وكان يلقب بالطفيل، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (187) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (قال) المعتمر (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي، أبا المعتمر البصري، أحد سادات التابعين علمًا وعملًا، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة عن (99) تسع وتسعين سنة، روى عنه المؤلِّف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، حالة كون أبي سليمان (يذكر) ويروي (عن ثابت) البناني البصري (عن أنس) بن مالك البصري، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم بصريون، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أنس

لَمَّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ ... وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. وَزَادَ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَينَ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لما نزلت هذه الآية) يعني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية (واقتص) أي ذكر سليمان بن طرخان (الحديث) السابق الذي رواه حماد بن سلمة بتمامه وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سليمان بن طرخان لحماد بن سلمة في رواية هذا الحديث عن ثابت بن أسلم (ولم يذكر) سليمان (سعد بن معاذ) في روايته (وزاد) سليمان على غيره قال أنس بن مالك (فكنا) معاشر الصحابة (نراه) أي نظنه أي نظن ثابت بن قيس وقوله (يمشي بين أظهرنا) أي بين وسطنا، أو لفظ ظهر مُقحَم أي بيننا (رجل من أهل الجنة) فيه تقديم وتأخير، والتقدير وكنا نحن نظن ثابت بن قيس أنه رجل من أهل الجنة يمشي بيننا في الدنيا، بسبب شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة، قال النواوي: هو هكذا في بعض الأصول رجلًا بالنصب، وفي بعضها (رجلٌ) بالرفع وهو الأكثر، وكلاهما صحيح الأول على البدل من الهاء في نراه، والثاني على الاستئناف. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أنس رضي الله تعالى عنه، وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. ***

60 - (19) - باب: إسلام من أخلص في إسلامه، ومن لم يخلص فيه

60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ 222 - (115) (38) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: قَال أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنُؤَاخَذُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 60 - (19) - بَابُ: إِسْلامِ مَنْ أَخْلَصَ فِي إِسْلامِهِ، وَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ أي هذا باب معقود في بيان حكم إسلام من أخلص في إسلامه وأحسن، وحكم إسلام من لم يُخلصه من النفاق، وحكمهما: أن الأول يَجُبُّ ما قبله، والثاني لا يجب، ثم استدل على الترجمة بالحديث الآتي: (222) - س (115) (38) (حدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، أبو الحسن الكوفي، ثقة حافظ شهير له أوهام، من العاشرة، مات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، وهو أكبر من أخيه أبي بكر بن أبي شيبة بثلاث سنين، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال عثمان (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط بن هلال بن قيس الضبي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي، أبي عثَّاب بمثلثة بعدها موحدة الكوفي، ثقة ثبت وكان لا يدلس، من الخامسة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، أحد سادة التابعين، وأحد العلماء العاملين، ثقةٌ مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة (100). (عن عبد الله) بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم الهُذلي، أبي عبد الرحمن الكوفي، صاحب النعلين، توفي بالمدينة سنة اثتين وثلاثين (32) وصلى عليه الزبير بن العوام، ودفن بالبقيع، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله بن مسعود (قال أناس) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله؛ أنواخذ) الهمزة للاستفهام

بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ قَال: "أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الإِسْلامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستخباري، أي هل نُطالب ونعاقب (بما عملنا) وارتكبنا من الذنوب والمعاصي (في) زمن (الجاهلية) أي في زمن جهلنا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم يعني قبل الإسلام، كالقتل والزنا والشرك، قال الأبي: والأظهر أن السائل حديث عهد بالإسلام، لأن جب الإسلام ما قبله كان من معالم الدين التي لا تجهل، فـ (ــقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما من أحسن) وأخلص (منكم في الإسلام) والمراد بالإحسان هنا الدخول في الإسلام ظاهرًا وباطنًا، بأن لم يكن إسلامه ظاهريًّا ولا إيمانه لسانيًّا، والمعنى من أخلص منكم إسلامه عن النفاق (فلا يؤاخذ) أي لا يطالب ولا يعاقب (بها) أي بما عمل في الجاهلية من المعاصي، لأن الإسلام الصحيح يجب ما قبله ويهدمه (ومن أساء) في إسلامه وإيمانه ولم يخلصهما لله تعالى، بأن كان إسلامه ظاهريًّا، وإيمانه لسانيًّا، بأن أظهر الإسلام وقلبه مطمئنٌّ على كفره (أُخِذ) أي طُولب وعُوقب (بعمله في الجاهلية و) في (الإسلام) أي عُوقب على ما ارتكبه من المعاصي قبل الإسلام، وما ارتكبه بعد الإسلام، أي عُوقب بما ارتكبه قبل إظهاره صورة الإسلام، وبما عمل بعد إظهارها، لأنه لم يزل مستمرًا على كفره، فلا ينفعه إسلامه الظاهري. قال النواوي: والمراد بالإحسان هنا الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا، وأن يكون مسلمًا حقيقيًّا فهذا يُغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز والحديث الصحيح "الإسلام يهدم ما قبله" وبإجماع المسلمين، والمراد بالإساءة عدم الدخول في الإسلام بقلبه بل يكون منقادًا في الظاهر، مظهرًا للشهادتين غير معتقدٍ للإسلام بقلبه فهذا منافق باقٍ على كفره بإجماع المسلمين، فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام، وبما عمل بعد إظهارها لأنه مستمر على كفره، وهذا المعنى معروف في استعمال الشرع يقولون: حَسُنَ إسلام فلان إذا دخل فيه حقيقة بإخلاص، وساء إسلامه أو لم يحسن إسلامه إذا لم يكن كذلك والله أعلم. وعبارة المفهم هنا (قوله أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها) إلخ يعني بالإحسان هنا تصحيح الدخول في دين الإسلام والإخلاص فيه والدوام على ذلك من غير تبديل ولا ارتداد، والإساءة المذكورة في هذا الحديث في مقابلة هذا الإحسان هي

223 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ -وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفر والنفاق، ولا يصح أن يراد بالإساءة هنا ارتكاب سيئة ومعصية لأنه يلزم عليه أن لا يهدم الإسلام ما قبله من الآثام إلا لمن عُصم من جميع السيئات إلى الموت وهو باطل قطعًا فتعين ما قلناه. والمؤاخذة هنا هي العقاب على ما فعله من السيئات في الجاهلية، وفي حال الإسلام وهو المعبر عنه في الرواية الأخرى بقوله (أخذ بالأول والآخر) وإنما كان كذلك لأن إسلامه لما لم يكن صحيحًا ولا خالصًا لله تعالى لم يهدم شيئًا مما سبق، ثم انضاف إلى ذلك إثم نفاقه وسيئاته التي عملها في حال الإسلام فاستحق العقوبة عليها، ومن هنا استحق المنافقون أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار كما قال الله تعالى، ويستفاد منه أن الكفار مخاطبون بالفروع انتهى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (223) - متا (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون مصغرًا الهمداني بسكون الميم، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. قال محمد (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (199) وله (84) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة، مات سنة (196) روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، من العاشرة مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لأبي بكر بن أبي شيبة تورعًا من الكذب على محمد بن عبد الله بن نمير لأنه لو لم يأت به لأوهم أن محمد بن عبد الله بن نمير روى لفظ الحديث، ولهذا أتى أيضًا بحاء التحويل، قال أبو بكر (حدثنا وكيع عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم، أبي محمد

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَال: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلامِ لَمْ يُؤَاخَذ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلامِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ" 224 - (00) (00) (حدَّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، أَخبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، ثقةٌ ثبت مدلس قارئ من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي، أبي عبد الرحمن الهذلي، وهذا السند من خماسياته رجاله أيضًا كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سياق الحديث. (قال) عبد الله (قلنا) معاشر الصحابة وفيه بيان ما أبهمه في الرواية الأولى (يا رسول الله أنؤاخذ) أي هل نطالب (بما عملنا) وارتكبنا (في) زمن (الجاهلية) من الشرك وسائر المعاصي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لسؤالنا (من أحسن) وأخلص لله تعالى (في الإسلام) ولم ينافق بأن كان إسلامه بقلبه ولسانه وجوارحه (لم يؤاخذ) ولم يطالب (بما عمل) منها (في الجاهلية)، لأن الإسلام الخالص يجب ما قبله (ومن أساء في الإسلام) ولم يخلص في إسلامه بان كان إسلامه ظاهريًّا لا قلبيًّا (أُخذ) وطُولب وعُوقب (بـ) ـــما عمل في الزمان (الأول) أي في الجاهلية (و) بما عمل في الزمان (الآخر) أي بعد الإسلام الصوري الظاهري لأن إسلامه الصوري لا يجب ما قبله، ولا ما فيه لأنه كافر منافق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (224) - متا (00) (00) (حدثنا منجاب) بكسر أوله وسكون ثانيه ثم جيم ثم موحدة (بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمد الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (231) روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا، قال منجاب (أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي، أبو الحسن الكوفي قاضي

عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ مِثلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموصل، ثقة من الثامنة، له غرائب بعدما أضر، مات سنة (189) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن) سليمان (الأعمش) والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله أخبرنا علي بن مسهر، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع وكذا قوله (مثله) مفعول ثانٍ لأخبرنا والضمير عائد إلى المتابع الذي هو وكيع، والمعنى أخبرنا علي بن مسهر عن الأعمش بهذا الإسناد، يعني عن أبي وائل عن عبد الله مثل ما حدث وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله، وهذا السند أيضًا من خماسياته، ورجاله كلهم كوفيون كسابقيه، وغرضه بسوقه بيان متابعة علي بن مسهر لوكيع في رواية الحديث عن الأعمش، ولم يكرر متن الحديث هنا لأنه مثل حديث وكيع لفظًا ومعنىً، كما أشار إليه بقوله مثله، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

61 - (20) باب: الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج

61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ 225 - (116) (39) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ وإسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 61 - (20) بَابٌ: الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةُ وَالْحَجُّ أي هذا باب معقود في بيان الحديث الذي يدل على أن الإسلام الشرعي وهو الإسلام ظاهرًا وباطنًا، فهو بمعنى التصديق القلبي والانقياد الظاهري يهدم أي يزيل ويرفع ما قبله، أي المؤاخذة بما قبله من أعمال الجاهلية من الشرك والمعاصي كبائرها وصغائرها، أي يسقطه ويمحو أثره ففي قوله يهدم استعارة تصريحية تبعية حيث شبه إسقاط الإسلام أثر أعمال الجاهلية بهدم الجدار وإذهابه عن محله واشتق منه يهدم بمعنى يسقط على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية (وكذا) أي ومثل الإسلام في الهدم المذكور (الهجرة) والانتقال من مكة إلى المدينة لطلب رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (والحج) المبرور كما سيأتي البسط فيهما وفصلناهما بكذا إشارة إلى أن ذكرهما هنا استطرادي وإن ذكرا في الحديث لأن ترجمة الكتاب للإيمان. (225) - س (116) (39) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس (العنزي) بفتح العين والنون أبو موسى البصري ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو معن) بفتح الميم وسكون العين زيد بن يزيد الثقفي (الرقاشي) بفتح الراء المهملة والقاف المخففة وشين معجمة نسبة إلى رقاش بنت ضبيعة اهـ من تقريب التهذيب، البصري روى عن أبي عاصم في الإيمان والأطعمة، وخالد بن الحارث في الحج، ووهب بن جرير في النكاح والفضائل، وأبي عامر العقدي في دلائل النبوة، وعمر بن يونس في الفضائل وغيرها، ومعتمر بن سليمان، وغندر، ويروي عنه (م) والحسين بن إسحاق التستري، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج، أبو يعقوب التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة ثبت من الحادية عشرة، روى عنه المؤلف في سبعة عشرة بابًا تقريبًا. (كلهم) أي كل من الثلاثة (عن أبي عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني البصري، ثقةٌ ثبت من التاسعة، مات سنة (212) روى عنه المؤلف في

-وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى- حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ) قَال: أَخْبَرَنَا حَيوَةُ بْنُ شُرَيحٍ، قال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيب، عَنِ ابْنِ شَمَاسَةً الْمَهْرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اثني عشرة بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لابن المثنى) تورعًا من الكذب على غيره، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، قال ابن المثنى (حدثنا الضحاك) بصيغة السماع لا بالعنعنة، وأتى بالعناية في قوله (يعني) ابن المثنى بالضحاك (أبا عاصم) النبيل إشعارًا بأن هذه الكنية إنما زادها من عند نفسه أيضًا إيضاحًا للضحاك لا مما سمعه من شيخه ابن المثنى (قال) أبو عاصم النبيل (أخبرنا حيوة) بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الواو (بن شريح) بضم الشين مصغرًا بن صفوان التجيبي بضم أوله نسبة إلى تجيب بن ثومان بن سليم أبو زرعة المصري الزاهد، وقيل الحضرمي الكندي، روى عن يزيد بن أبي حبيب، وأبي يونس سليم، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، وكعب بن علقمة، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، والبراء، وأبي صخر وخلق، ويروي عنه (ع) وأبو عاصم، وابن وهب، وعبد الله بن يزيد، وابن المبارك، والليث وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه زاهد من السابعة مات سنة (158) وليس في مسلم من اسمه حيوة إلا هذا الثقة، روى عنه المؤلِّف في الإيمان والصلاة في موضعين، والجنائز والضحايا في موضعين، والنكاح في موضعين، والجهاد في موضعين، والصيد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها سبعة أبواب تقريبًا (قال) حيوة بن شريح (حدثني يزيد بن أبي حبيب) وأبو حبيب اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي، أبو رجاء المصري عالمها، ثقة فقيه وكان يرسل، من الخامسة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة، وقد قارب الثمانين (80) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا (عن) عبد الرحمن (بن شُماسة) بضم الشين المعجمة وتخفيف الميم بعدها سين مهملة، وفي القاموس شماسة كثمامة اسم اهـ. وقال القرطبي رويناه بفتح الشين وضمها (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء نسبة إلى مهرة اسم قبيلة، أبي عمرو المصري، روى عن عمرو بن العاص في الإيمان، وعقبة بن عامر في النكاح والجهاد، وأبي الخير مرثد بن عبد الله في النذور، وعائشة في الجهاد، وعبد الله بن عمر قوله في الجهاد، وأبي ذر الغفاري في الفضائل، وأبي بصرة في الفضائل، ويروي عنه (م عم) ويزيد بن أبي حبيب، وكعب بن علقمة، وحرملة بن عمران، والحارث بن يعقوب، وثقه العجلي وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من

قَال: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوْ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ. فَبَكَى طَويلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ. فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا ابَتَاهُ امَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة أو بعدها، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا كما بيناه. (قال) ابن شماسة (حضرنا عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم بن سُعَيد بضم أوله مصغرًا السهمي، الصحابي المشهور، أبا محمد القرشي المكي له تسعة وثلاثون حديثًا، اتفقا على ثلاثة، وانفرد (خ) بطرف حديث و (م) بحديثين، أسلم عند النجاشي، وقدم مهاجرًا في صفر سنة ثمان، ولاه النبي صلى الله عليه وسلم جيش السلاسل، عِداده في أهل مكة، وكان من دهاة قريش، مات بمصر -وكان واليًا عليها- ليلة الفطر سنة إحدى أو اثنتين وستين في ولاية يزيد بن معاوية وصلى عليه ابنه عبد الله بن عمرو، ثم صلى بالناس صلاة العيد، روى عنه عبد الرحمن بن شماسة المهري في الإيمان، وقيس بن أبي حازم، وأبو قيس مولاه في الصوم والأحكام، وأبو عثمان النهدي، وهذا السند من سداسياته، ورجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان بصريان، وواحد مكي إلا إسحاق بن منصور فإنه مروزي أي حضرنا عنده (وهو) أي والحال أن عمرًا (في سياقة الموت) أي في سكرة الموت وحضور مقدماته (فبكى) عمرو بكاءً (طويلًا و) الحال أنه (حول وجهه) وأعرض به عنا (إلى) جهة (الجدار) أي جدار البيت (فجعل ابنه) عبد الله بن عمرو أي شرع (يقول) له (يا أبتاه) أي يا أبي، منادى مضاف إلى ياء المتكلم والهاء للسكت وإعرابه يا حرف نداء، أبتا منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفًا قبلها تاء مزيدة للتفخيم منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة المناسبة بالتاء لاستدعائها فتح ما قبلها، وتاء التأنيث حرف زائدٌ للتفخيم مبني على الفتح، وحركوها بالفتح لمناسبة الألف لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، أبَ مضاف وياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف في محل الجر مضاف إليه مبني على السكون لشبهها بالحرف شبهًا وضعيًا والهاء حرف زائد للسكت مبني على السكون، وجملة النداء جزء مقول لا محل لها من الإعراب، وإن أردت الخوض في إعراب المنادى المضاف إلى ياء المتكلم فراجع رسالتنا هداية أولي العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف، والهمزة في قوله (أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم) للاستفهام التقريري الذي هو بمعنى نفي النفي، وما نافية، لا استفتاحية كما زعمه بعضهم لأن

بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ قَال: فَقَال: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف الاستفتاح لا يدخل على الأفعال (بكذا) وكذا كناية عن البشارات وقوله (أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) توكيد لفظي لما قبله، والمعنى قد بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا من البشارات فلا تبكِ يا أبتي فإنه فرط لكم. قال القاضي: وفي هذا ترجية المحتضر في رحمة الله تعالى بذكر أحاديث الرجاء وصالح عمله ليموت وقد غلب عليه الرجاء. قال الأبي: استحبه وفعله كثيرٌ، ومنه أنه قال المعتمر لابنه: يا بني حدثني بالرخص لعلي ألقى الله تعالى وأنا أحسن الظن به، ومثله عن ابن حنبل، وسليمان التيمي، وغلب الخوف على اخرين فلم يطمئنوا، قيل للداراني وقد احتضر: أبشر فإنك تقدم على رب غفور رحيم قال: أفلا تقولون احذر فإنك تقدم على ربٍ يجازي على الصغيرة ويؤاخذ بالكبيرة، والأول أرجح فإن الرجاء يجلب محبة الله تعالى التي هي غاية السعادة "ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه" ولذا قال صلى الله عليه وسلم "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى" وفي حديث آخر "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء". (قال) ابن شماسة (فـ) ــلما فرغ ولده من كلامه (قال) عمرو بن العاص (إن أفضل ما نعد) بضم النون من أعد الرباعي لا من عدَّ الثلاثي أي إن أفضل ما ندخره عند الله تعالى، وأكثره أجرًا (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) أي أفضل ما نتخذه عدة للقاء الله تعالى الإيمان بالله تعالى وتوحيده وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم والنطق بذلك، وقد تقدم أن الإيمان أفضل الأعمال كلها، ويتأكد أمر النطق بالشهادتين عند الموت ليكون ذلك خاتمة أمره وآخر كلامه و (إني قد كنت) في حياتي (على أطباق ثلاث) أي على أحوال ثلاث ومنازل ثلاث، جمع طبق، والطبق الحال ومنه قوله تعالى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} [الانشقاق: 19] أي حالًا بعد حال، وذكر اسم العدد مع كون المعدود مذكرًا نظرا إلى كون الطبق بمعنى المنزلة، وفي بعض الرواية (على أطباق ثلاثة) بالتاء نظرًا إلى لفظ الطبق.

لَقَدْ رَأَيتُنِي وَمَا أَحَدْ أَشَذَ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِني، وَلا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي "أَتَيتُ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ. قَال: فَقَبَضْتُ يَدِي. قال: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَال: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَال: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى منها أنه (لقد رأيتُني) أي والله لقد رأيت نفسي (و) الحال أنه (ما أحد) من الناس (أشد بغضًا) ومقتًا الرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا) أحد (أحب إليَّ أن كون قد استمكنت) أي تمكنت (منه) أي من قتله (فقتلته) أي قتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة بغضي إياه (فلو مت) أنا (على تلك الحال) والضلالة الكنت من أهل النار) وأهل العذاب المخلدين فيها أبدًا، فهذه هي الحالة الأولى من الأطباق الثلاث، والثانية ما ذكره بقوله (فلما جعل الله) سبحانه وتعالى (الإسلام) والإيمان (في قلبي) وألقاه في روعي (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) وجئته (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (ابسط يمينك) ومُدها إلي (فلأبايعك) بجزم الفعل على أن اللام لام الأمر وإسكانها لوقوعها بعد الفاء، والفاء لازمة على أن اللام للأمر واقعة في جواب شرط مقدر تضمنه الأمر الذي هو (ابسط)، لأن أمر المتكلم نفسه إنما يكون باللام، ومنه حديث "قوموا فلأصل لكم" والتقدير هنا إن بسطت إلي يمينك أبايعك، كما يكون أمر الغائب باللام نحو قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} ويصح أن تكون اللام لام كي، وتكون تعليلية، وينصب أبايعك بان مضمرة بعد اللام جوازًا، والتقدير ابسط يمينك إليَّ لكي أبايعك على الإسلام، وتقدم بيان معنى المبايعة في حديث جابر رضي الله عنه (فبسط) أي مد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمينه) إليَّ ليبايعني على الإسلام (قال) عمرو بن العاص (فـ) ـــلما بسط يمينه إلي (قبضت) أي: أمسكت (يدي) عن بسطها إليه فـ (ـــقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما لك) أي أيُّ شيء ثبت لك، أي أيُّ مانع منعك من بسط يدك إلي (يا عمرو) بعد ما بسطتُ يدي إليك (قال) عمرو (قلت) له صلى الله عليه وسلم (أردت) وقصدت (أن أشترط) عليك شيئًا من الشروط قبل المبايعة (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (تشترط بماذا) أي بأي شيء تريد أن تشترطه عليَّ يا عمرو. قال النواوي: ضبطناه (بماذا) بإثبات الباء، فيجوز أن تكون زائدة للتوكيد كما في

قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَال: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ نظائرها ويجوز أن تكون دخلت على معنى تشترط وهو تحتاط، أي تحتاط بماذا اهـ. قال الأبي: قلت زيادتها في خبر ما وليس وفاعل كفى ومفعوله وأفعل به ضرورة عند البصريين، فالتضمين أقرب، وإن كان فيه خلاف بين الأندلسيين، وعلى أنها زائدة فما مفعوله وصح ذلك لأن الاستفهام إذا قصد به الاستثبات صح أن يعمل فيه ما قبله اهـ. قال عمرو (قلت) له صلى الله عليه وسلم أريد أن أشترط على ربي (أن يغفر لي) بالبناء للمفعول، أي أن يغفر لي ربي جميع ما وقع مني من الشرك والمعاصي صغائرها وكبائرها فـ (ــقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما علمت) يا عمرو أي ألم تعلم يا عمرو (أن الإسلام) والإيمان (يهدم) ويسقط عن صاحبه (ما كان قبله) أي قبل الإسلام، أي يُسقط عنه جميع ما كان عليه من الحقوق مطلقًا، وجميع ما ارتكبه من الذنوب صغائرها وكبائرها (و) أما علمت (أن الهجرة) إلى الله تعالى وإلى رسوله لطلب رضاهما (تهدم) أي تذهب وتزيل وتمحو وتسقط (ما كان قبلها) من الذنوب والمعاصي مطلقًا (وأن الحج) المبرور (يهدم) أي يمحو ويزيل ويسقط (ما كان قبله) أي قبل الحج من الذنوب مطلقًا، وهذا موضع الترجمة من الحديث. قال القرطبي: وفي الهدم هنا استعارة وتوسع، لأن المراد به الإذهاب والإزالة لأن الجدار إذا انهدم فقد زال وضعه، وذهب وجوده، وقد عبر عنه في الرواية الأخرى بالجبِّ فقال: "يَجُبُّ" أي يقطع ومنه المجبوب وهو المقطوع ذكره، ومعنى العبارتين واحد، ومقصودها أن هذه الأعمال الثلاثة تسقط الذنوب التي تقدمتها كلها صغيرها وكبيرها فإن ألفاظها عامة خرجت على سؤال خاص، فإن عمرًا إنما سأل أن يغفر له ذنوبه السابقة بالإسلام فأجيب على ذلك، فالذنوب داخلة في تلك الألفاظ العامة قطعًا، وهي بحكم عمومها صالحة لتناول الحقوق الشرعية والحقوق الآدمية، وقد ثبت ذلك في حق الكافر الحربي إذا أسلم فإنه لا يطالب بشيء من تلك الحقوق، ولو قتل وأخذ الأموال لم يقتص منه بالإجماع، ولو خرجت الأموال من تحت يده لم يطالب بشيء منها، ولو أسلم الحربي وبيده مال مسلم عبيد أو عروض فمذهب مالك أنه لا يجب عليه رد شيء من ذلك تمسكًا بعموم هذا الحديث، وبأن للكفار شبه ملك فيما حازوه من

وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلا أَجَلَّ فِي عَينِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أمْلأَ عَينَيَّ مِنْهُ إِجْلالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أنْ أَصِفَهُ مَا أطَقْتُ، لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَينَيَّ مِنْهُ، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أموال المسلمين وغيرهم، لأن الله تعالى قد نسب لهم أموالًا وأولادًا فقال تعالى {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ} [التوبة: 55]. وذهب الشافعي إلى أن ذلك لا يحل لهم، وأنه يجب عليهم ردها إلى من كان يملكها من المسلمين، وأنهم كالغُصَّاب، وهذا يُبعده أنهم لو استهلكوا ذلك في حالة كفرهم ثم أسلموا لم يضمنوا بالإجماع على ما حكاه أبو محمد عبد الوهاب بن محمد الفامي الشافعي، فأما أسرى المسلمين الأحرار فيجب عليهم رفع أيديهم عنهم، لأن الحر لا يُملك، فهذا حكم الحربي، وأما من أسلم من أهل الذمة فلا يُسقط الإسلام عنه حقًّا وجب عليه لأحدٍ من مال أو دم أو غيرهما، لأن أحكام الإسلام جارية عليهم واستيفاء الفروع في كتب الفقه، وأما الهجرة والحج فلا خلاف في أنهما لا يُسقطان إلا الذنوب والآثام السابقة، وهل يُسقطان الكبائر أو الصغائر فقط موضع نظر يأتي في الطهارة إن شاء الله تعالى، قال الأبي: (قلت) الأظهر هدمهما ذلك، وإلا لم يكن لذكرهما مزية، لأن الوضوء يهدم الصغائر، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" وحديث "من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". (وما كان) أي ثم ما كان (أحد) من الناس (أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا) أحد (أجل) أي أعظم قدرًا وأهيب (في عيني منه) صلى الله عليه وسلم (وما كنت أطيق) وأقدر (أن أملأ عيني) بتشديد الياء لأنه من التثنية (منه) أي من نظره صلى الله عليه وسلم في حال حياته (اجلالًا) وهيبة وتعظيمًا (له) صلى الله عليه وسلم قال القاضي: وفي هذا إشارة إلى ما كانوا عليه من تعظيمه صلى الله عليه وسلم كما أُمروا به في قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوُهُ} الآية (ولو سئلت) الآن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وطُلب مني (أن أصفه) صلى الله عليه وسلم أي أن أذكر أوصافه لأحد (ما أطقت) ولا قدرت على ذلك، وذلك (لأني لم أكن أملأ عيني منه) بتشديد الياء أيضًا لأنه من التثنية، أي من نظره صلى الله عليه وسلم في حال حياته هيبة منه (ولو) كنت (مِتُّ على تلك الحال) التي هي توقيره صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ومحبته (لرجوت) من الله

أَنْ أَكُونَ مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيَها. فَإِذَا أَنَا مُتُّ، فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنَّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى (أن أكون من أهل الجنة) بسبب توقيره صلى الله عليه وسلم وهذه هي الحالة الثانية من الأحوال الثلاثة، وذكر الثالثة بقوله (ثم) بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (ولينا أشياء) أي أمورًا كثيرة من أمور الدين وأُمِّرنا عليها كولاية القضاء، وإمارة الجيش، وإمامة الصلاة مثلًا، وجملة قوله (ما أدري) ولا أعلم (ما حالي) وشأني (فيها) أي في تلك الأشياء أأصبت فيها أم أخطأت، وهل أثاب عليها أم أعاقب. (فـ) ـــالآن حضر أجلي، وأوصي إليكم، وأقول لكم (إذا أنا متُّ) وجهزت وحملت إلى المقابر (فلا تصحبني) أي فلا تصحب جنازتي ولا تتبعني إلى محل الدفن (نائحة) ونادبة أي رافعة الصوت بالبكاء علي ومعددة الشمائل (ولا) تصحبني (نارٌ) لما فيها من الفأل القبيح؛ بكون آخر ما يصحبه في الدنيا النار، قال القرطبي: إنما أوصى باجتناب هذين الأمرين لأنهما من عمل الجاهلية، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال القاضي: وصى فيهما امتثالًا للنهي عن ذلك، والنهي في النياحة على التحريم، وفي النار على الكراهة، وعلله ابن حبيب بخوف التفاؤل بالمصير إلى النار، وقيل: إنه من فعل الجاهلية؛ كانوا يفعلونه تغاليًا؛ وشُرعت مخالفتهم، وأوصت أسماء بنت أبي بكر أن لا تُتْبَع جنازتها بنارٍ (فإذا دفنتموني) ووضعتموني في اللحد، أي إذا فرغتم من دفني ووضعي في اللحد ونصب اللبن علي (فشنوا) أي صبوا وأهيلوا (عليَّ) أي على حفيرة قبري (التراب) أي تراب قبري (شنًا) أي صبًا لينًا برفق، قال النواوي: (سُنّوا علي التراب سنًّا) ضبطناه بالسين المهملة، وضبطناه (شنوا عليَّ التراب شنًا) بالشين المعجمة، وكذا قال القاضي: أنه بالمعجمة وبالمهملة بمعنى واحد وهو الصب، وقيل بالمهملة الصب في سهولة، وبالمعجمة الصب على التفريق اهـ، وهذه سنة في صب التراب على الميت في القبر قاله القاضي عياض، وقد كره مالك في العتبية (¬1) الترصيص أي البناء على القبر بالحجارة والطوب. قال الأبي: سن التراب في القبر صبه فيه دون الحد يمنع من وصوله إلى الكفن فإن ¬

_ (¬1) العتبية مسائل في مذهب الإمام مالك منسوبة إلى مصنفها محمد بن أحمد العتبي القرطبي توفي سنة (254 هـ).

ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْل قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ عنى بكونه سنة السنة عرفًا، فلم يرد فيه إلا وصية عمرو هذه وغايتها أنه مذهب صحابي، وقد يريد بالسنِّ أن يصب التراب فوق اللحد لا أن يعقد القبر كله بناء، ويؤيده ما ذكر عن العتبية من كراهية الترصيص: وهو إحكام البناء وطلاؤه، إلا أن يريد بالترصيص رفع البناء فوق القبر وهو بعيد اهـ. وفي العتبية: ولا أكره بناء اللحد باللبن، قال ابن رشد: قال ابن حبيب: أفضل اللحد اللبن ثم الألواح ثم القراميد (أي الآجر) ثم القصب ثم السنُّ (ثم) بعدما شننتم التراب عليَّ (أقيموا) أي امكثوا (حول قبري) أي جانبه (قدر ما) أي قدر زمنٍ (تنحر) وتذكى فيه (جزور) أي إبل، والجَزور بفتح الجيم التي تنحر من الإبل، والجزرة بفتحها وفتح الزاي من غير الإبل، وفي كتاب العين: الجزرة من الضأن والمعز خاصة، وهي مأخوذة من الجزر بفتح الجيم وسكون الزاي، وهو القطع، أي قدر زمنٍ تذكى وتنحر فيه إبلٌ (ويقسم) أي يُجزأ فيه الحمها) لو أريد ذلك، وقوله (حتى أستأنس) علةٌ لقوله أقيموا أي امكثوا والبثوا ودوموا حول قبري لكي أستأنس (بكم) أي بحضوركم حول قبري (وأنظر ماذا أراجع به) أي وحتى انظر الجواب الذي أراجع وأجيب به (رسل ربي) أي سؤال رسل ربي عن ربي ونبيِّي وديني وإمامي، والمراد بالجمع ما فوق الواحد؛ وهما منكر ونكير، وقيل الجمع على بابه لأن معهما غيرهما من الفتان والمفتن كما قيل، وإنما طلب الاستئناس بهم؛ لأنه أثبت له في المراجعة، وأخذ بعضهم منه القراءة على القبر لأنه إذا استأنس بهم فبالقرآن أولى، وفي هذا الحديث حجة على ثبوت سؤال القبر وفتنته، لأنه لا يقوله إلا بتوقيف، وعلى أن الميت يحيا في القبر للسؤال فيسمع ويعلم، ولا يعارضه قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]. للاختلاف في معنى الآية، واحتمال تأويلها فقد قيل إنك لا تسمعهم شيئًا ينفعهم، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة، وفي آذانهم وقر الكفر اهـ ابن كثير، ولصحة الآثار في فتنة القبر، أو أن المراد بالآية في غير هذا الوقت. وهذا الحديث أعني حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن غيره والله أعلم. قال النواوي: أما أحكام هذا الحديث ففيه عظم موقع الإسلام والهجرة والحج، وأن كل واحد منها يهدم ما كان قبله من المعاصي، وفيه استحباب تنبيه المحتضر على

226 - (117) (40) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إحسان ظنه بالله سبحانه وتعالى، وذكر آيات الرجاء، وأحاديث العفو عنده، وتبشيره بما أعده الله تعالى للمسلمين، وذكر حسن أعماله عنده؛ ليحسن ظنه بالله تعالى، ويموت عليه، وهذا الأدب مستحب بالاتفاق، وموضع الدلالة له من هذا الحديث قول ابن عمرو لأبيه: أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، وفيه ما كانت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله وفي قوله (فلا تصحبني نائحة ولا نار) امتثال لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقد كره العلماء ذلك فأما النياحة فحرام، وأما إتباع الميت بالنار فمكروه للحديث، ثم قيل سبب الكراهة كونه من شعار الجاهلية كما مر عن القرطبي. وقوله (ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور) إلخ فيه فوائد منها: إثبات فتنة القبر وسؤال الملكين، وهو مذهب أهل الحق، ومنها استحباب المكث عند القبر بعد الدفن لحظة نحو ما ذكر، وفيه أن الميت يسمع حينئذ مَنْ حول القبر، وقد يستدل به لجواز قسمة اللحم المشترك ونحوه من الأشياء الرطبة كالعنب، وفي هذا خلاف لأصحابنا معروف، قالوا: إن قلنا بأحد القولين إن القسمة تمييز حق ليست ببيع جاز، وإن قلنا بيع فوجهان أصحهما لا يجوز للجهل بتماثله في حال الكمال فيؤدي إلى الربا، والثاني يجوز لتساويهما في الحال. فإذا قلنا لا يجوز فطريقها أن يُجعل اللحم وشبهه قسمين ثم يبيع أحدهما صاحبه نصيبه من أحد القسمين بدرهم مثلًا ثم يبيع الآخر نصيبه من القسم الآخر لصاحبه بذلك الدرهم الذي له عليه فيحصل لكل واحد منهما قسم بكماله، ولها طرق غير هذا لا حاجة إلى الإطالة بها هنا والله أعلم اهـ من المنهاج. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمرو بن العاص بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال: (226) - ش (117) (40) (حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين، أبو عبد الله البغدادي وثقه ابن عدي والدارقطني وابن حبان، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم من العاشرة، مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (إبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار ثقة ثبت من

(وَاللَّفْظُ لإِبْرَاهِيمَ) قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ) عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ العاشرة، مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لإبراهيم) بن دينار تورعًا من الكذب على محمد بن حاتم، لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن محمد بن حاتم روى هذا اللفظ الآتي (قالا) أي قال محمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار (حدثنا حجاج) بن محمد الأعور الهاشمي، مولى سليمان بن مجالد مولى أبي جعفر الهاشمي المصيصي، أبو محمد، أصله ترمذي، سكن المصيصة، روى عن ابن جريج في الإيمان والصلاة والزكاة وغيرها، وشعبة، وابن أبي ذئب، وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار والوليد بن شجاع، وهارون بن عبد الله، وحجاج بن الشاعر، وزهير بن حرب في الزكاة، وعلي بن خشرم، ويحيى بن يحيى، وسريج بن يونس، وخلق، قال أبو داود: بلغني أن يحيى كتب عنه نحوًا من خمسين ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته، من التاسعة، مات ببغداد سنة (206) ست ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والزكاة في موضعين وغيرها، وأتى بقوله (وهو ابن محمد) إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من الشيخ بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم، أبي الوليد، أو أبي خالد المكي ثقة فقيه مشهور مدلس مُرسل من السادسة، مات سنة خمسين ومائة (150) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (قال) ابن جريج (أخبرني يعلى بن مسلم) بن هرمز البصري ثم المكي، روى عن سعيد بن جبير في الإيمان، والجهاد، وأبي الشعثاء، وعكرمة ومجاهد، وطلق بن حبيب، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن جريج، ومحمد بن المنكدر، وشعبة، وسفيان بن حسين وغيرهم وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة من السادسة. (أنه) أي أن يعلى (سمع سعيد بن جببر) بن هشام الأسدي مولاهم، مولى بني والبة بن الحارث من بني أسد، أبا عبد الله الكوفي، روى عن ابن عباس في الإيمان والصلاة، والصوم وغيرها، وابن عمر في الصلاة والحج واللعان وغيرها، وعبد الله بن

يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: إِن الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ. وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً. فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مغفل في الذبائح، وأبي عبد الرحمن السلمي في الكفارة، ويروي عنه (ع) ويعلي بن مسلم، وآدم بن سليمان، وعمرو بن مرة، وأبو الزبير في الصلاة والحج، وموسى بن أبي عائشة، والحكم، والأعمش وأيوب، وعمرو بن دينار وخلائق. وكان فقيهًا عابدًا ورعًا فاضلًا قتله الحجاج بن يوسف سنة خمس وتسعين (95) كهلًا وهو ابن تسع وأربعين سنة (49) فما أمهل بعده، وقال في التقريب: ثقةٌ ثبت فقيه عابد من الثالثة روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا. حالة كون سعيد بن جبير (يحدث عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، أبي العباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم المكي ثم المدني ثم الطائفي، مات بالطائف وقبر بها سنة (68) ثمان وستين، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من سداسياته، رجاله اثنان منهم مكيان، وواحد بغدادي، وواحد مصيصي، وواحد كوفي، وواحد طائفي (أن ناسًا من أهل الشرك) والكفر والمعاصي (فتلوا) أنفُسَ الناس بغير حق (فكثروا) من القتل (وزنوا) أي وطئوا فروجًا محرمة (فأكثروا) من الزنا (ثم أتوا) وجاءوا (محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إن) الدين (الذي تقولـ) ــه وتعتقده (وتدعو الناس إليه) الذي هو دين الإسلام (لـ) ـدين (حسن) أي حق لا باطل، مرغوب فيه لا عنه، وكلمة لوفي قوله (ولو تخبرنا) يا محمد (أن لما عملنا) هـ وفعلناه في حياتنا وأكثرنا منه (كفارة) وسترًا وعفوًا عند الله تعالى، إما شرطية حذت جوابها تقديره لأسلمنا وآمنا به، وهو أولى، لأن حذف الجواب كثير في القرآن، وفي كلام العرب كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ} أو للتمني بمعنى ليت، فلا تحتاج إلى جواب (فنزل) قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ}) أي لا يعبدون ({مَعَ اللَّهِ}) سبحانه وتعالى ({إِلَهًا آخَرَ}) أي معبودًا آخر ({وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}) قتلها ({إلا بِالْحَقِّ}) كالحد والقصاص والمحاربة ({وَلَا

يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)} [الفرقان: 68] ـــــــــــــــــــــــــــــ يَزْنُونَ}) أي لا يطئون فروجًا محرمة ({وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ}) المذكور من الشرك والقتل والزنا ({يَلْقَ}) أي يجد عند الله سبحانه وتعالى ({أَثَامًا}) أي عقوبة على ما اقترفه من ذلك {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} {إلا مَنْ تَابَ} ورجع عن ذلك المذكور {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} من الإيمان والطاعات {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 68 - 71] وهذا الاستثناء محل الاستشهاد من الآية. قال النواوي رحمه الله تعالى: غرض الإمام بذكر حديث ابن عباس الاستشهاد لحديث عمرو بن العاص على أن جَبَّ الإسلام لما قبله جاء به القرآن كما جاءت به السنة. قال الأبي: لم يتكلم على هذا الحديث الشارحون بأكثر من هذا ويظهر من الحديث أنهم كانوا كفارًا وهو نَصٌّ في غير مسلم، قال ابن عباس لما نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى {مُهَانًا} قال ناسٌ من المشركين كيف لنا بالدخول في الإسلام، وقد فعلنا جميع هذا فنزل قوله تعالى: {إلا مَنْ تَابَ} وهذا نص في أنهم كفار واستحسانهم لا يثبت به إسلامهم نعم يدل على قربهم منه، ولم يكونوا عالمين بأن الإسلام يجب ما قبله ولذا سألوا. واختلف في الاستثناء المذكور فقيل يرجع إلى الجميع فانتزع من الآية صحة توبة القاتل، وقيل يرجع إلى الشرك والزنا فلا تنتزع، وقال ابن عباس: إنما يرجع إلى الشرك، ومستند كل قائل قرائن، وفي هذا الأصل في أصول الفقه خلاف وهي مسألة الاستثناء المتعقب جملًا معطوفة بالواو هل يرجع إلى الجميع أو إلى الأخيرة وقيل بالوقف، وهذا الخلاف إنما هو عند عدم القرائن اهـ. قوله ({وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ}) وذا إشارة إلى واحد في أصل وضعها غير أن الواحد تارة يكون واحدًا بالنص عليه، وتارة يكون بتأويل، وإن كانت أمور متعددة في اللفظ كما في هذه الآية، وقوله تعالى: {عَوَانٌ بَينَ ذَلِكَ} في البقرة، فإنه ذكر قبل ذا أمورًا وأعاد الإشارة إليها من حيث إنها مذكورة أو مقولة فكأنه قال: ومن يفعل المذكور أو المقول، وفي هذه الآية حجة لمن قال إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهو الصحيح من مذهب مالك على ما ذكر في الأصول اهـ مفهم.

وَنَزَلَ: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (ونزل) معطوف على قوله أولًا فنزل أي ونزل أيضًا ({يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا}) وفرّطوا ({عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا}) ولا تيأسوا ({مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}) ونيل غفرانه. وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس شارك المؤلف في روايته البخاري (4810) وأبو داود (4273) والنسائي (7/ 86)، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول: حديث عمرو بن العاص ذكره للاستدلال، والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والله أعلم. (تتمة) في فضائل عمرو بن العاص ووفاته رضي الله تعالى عنه. قال البياسي: كان عمرو بن العاص داهية العرب رأيًا وعقلًا ولسانًا، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا خاطب رجلًا ولم يفهم يقول: سبحان من خلقك وخلق عمرو بن العاص، وولي مصر عشر سنين وثلاثة أشهر، أربعة لعمر، وأربعة لعثمان، وسنتين وثلاثة أشهر لمعاوية رضي الله عنهم وتوفي سنة ثلاث وأربعين وهو ابن تسعين سنة، وقيل غير ذلك، وترك من الناضِّ ثلاثمائة ألف دينار وخمسة وعشرين ألف دينار، ومن الوَرِق ألفي ألف دينار، وغلةَ ألفي ألف دينار، وضيعته المعروفةَ بالرَّهْطِ وقيمتها عشرة آلاف ألف درهم، ولما حضرته الوفاة نظر إلى ماله فقال: ليتك بعرًا، وليتني مت في غزوة ذات السلاسل، لقد دخلت في أمور ما أدري ما حجتي فيها عند الله، أصلحت لمعاوية دنياه؛ وأفسدت آخرتي؛ عَمي عني رشدي حتى حضر أجلي؛ لكأني به حوى مالي وأساء خلافتي في أهلي، ثم قال لابنه: ائتني بجامعة فشد بها يدي إلى عنقي ففعل؛ ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك أمرتني فعصيت ونهيتني فتجاوزت، ولست عزيزًا فانتصر، ولا بريئًا فأعتذر، ولكني أشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك، ثم وضع أصبعه في فمه كالمفكر المتندم حتى مات، وقال له ابنه عبد الله: يا أبت كنت تقول ليتني أحضر رجلًا عاقلًا قد نزل به الموت يحدثني بما يجد، وقد نزل بك فحدثني بما تجد، قال: يا بني لكاني في ضغث (¬1) ولكأنِّي أتنفس من سَمِّ الخياط، ولَكأَني غصنُ شوكٍ جُرَّ من قدمي إلى هامتي اهـ من الأبي. قال القرطبي: (وفي حديث عمرو بن العاص فوائد). ¬

_ (¬1) ضغث بالضاد والغين المعجمتين وهو اللوك بالأنياب والنواجذ كما في "اللسان".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: تبشير المحتضر وتذكيره باعماله الصالحة ليقوى رجاؤه، ويحسن بالله تعالى ظنه، ومنها أن الميت ترد عليه روحه ويسمع حِسَّ من هو على قبره وكلامهم، وأن الملائكة تسأله في ذلك الوقت، وهذا كله إنما قاله عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن مثله لا يدرك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فينبغي أن يرشد الميت في قبره حين وضعه فيه إلى جواب السؤال، ويذكر بذلك، فيقال له: قل الله ربي والإسلام ديني ومحمد رسولي؛ فإنه عن ذلك يسأل كما جاءت به الأحاديث على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وقد جرى العمل عندنا بقرطبة كذلك فيقال: قل هو محمد رسول الله تعالى، وذلك عند هيل التراب ولا يعارض هذا بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 33]، ولا بقوله تعالى: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [الروم: 52] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نادى أهل القليب وأسمعهم، وقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابًا، رواه أحمد والبخاري ومسلم، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد قال في الميت: "إنه يسمع قرع نعالهم" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أنس بن مالك، وإن هذا يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، وسيأتي استيفاء هذا المعنى في الجنائز إن شاء الله تعالى. (قلت) وهذا الذي قاله القرطبي رحمه الله تعالى من تلقين الميت في قبره بدعة ليس لها أصل لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء، ولم ينقل فعلها عن أحد من الصحابة، ولا واحد من السلف الصالح اهـ. وفي هذا الحديث أيضًا بيان ما كانت الصحابة عليه من شدة محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره، وفيه الخوف من تغير الحال والتقصير في الأعمال في حال الموت لكن ينبغي أن يكون الرجاء هو الأغلب في تلك الحال، حتى يُحسن ظنه بالله تعالى؛ فليقاه على ما أمر به رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ" رواه مسلم وأبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.

62 - (21) باب: إذا أسلم الكافر وأحسن .. أحرز ما قبله من أعمال البر

62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ 227 - (118) (41) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 62 - (21) بَابُ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَحْسَنَ .. أَحْرَزَ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان أنه إذا أسلم الكافر؛ وأخلص إسلامه من الشرك والنفاق؛ بأن كان إسلامه بجوارحه وبلسانه وبقلبه أحرز وجمع ثواب ما عمل قبل إسلامه، أعني في حالة كفره وجهله من أعمال الخير، كالصدقة والصلة والعتق، ببركة إسلامه أي يثاب عليه ببركة إخلاص إسلامه، بالقياس أي كما أن الإسلام الصحيح يجب ما قبله من السيئات يحرز ما قبله من الحسنات، واستدلالًا بظاهر حديث الباب كما في النواوي، وبحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الكافر فحَسُنَ إسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها ومحا عنه كل سيئة زلفها، وكان عمله بعد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى، قال النواوي: ذكره الدارقطني في غريب حديث مالك ورواه عنه من سبع طرق، وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإسلام كل حسنة عملها في الشرك، قال النواوي: قال ابن بطال بعد ذكره الحديث: ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما يشاء لا اعتراض لأحد عليه اهـ. (225) - س (118) (41) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي، أبو حفص المصري صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) روى عن ابن وهب في مواضع كثيرة، قال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه أحد الأئمة الأعلام، ثقةٌ حافظ عابد، من التاسعة مات سنة (197) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن مشكان أبي النجاد الأيلي، أبو يزيد الأموي مولاهم، ثقةٌ إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ من كبار السابعة، مات بمصر سنة (159) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) القرشي الزهري، أبي بكر المدني، أحد الأئمة الأعلام، ثقة متقن حافظ،

قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ قَال لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَرأَيتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات في رمضان في ناحية من الشام سنة (125) روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا (قال) ابن شهاب (أخبرني عروة بن الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد الأسدي، أبو عبد الله المدني، أحد الأعلام المشاهير، والفقهاء المعدودين، ثقة فقيه مشهور وكان رجلًا صالحًا لم يدخل في شيء من الفتن، من الثانية، مات سنة (94) أربع وتسعين، ومولده في أوائل خلافة عمر الفاروق، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا. (أن حكيم) بفتح الحاء المهملة مكبرًا (بن حزام) بكسر المهملة بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن أخي خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها، القرشي الأسدي، أبا خالد الحجازي المدني أسلم يوم الفتح، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل، ولد في جوف الكعبة، دخلت أمه الكعبة فولدته، قيل كان مولده قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان عالمًا بالأنساب، قال البخاري: عاش في الجاهلية ستين سنة (60) وفي الإسلام ستين سنة (65) فيكون المراد بالإسلام من حين ظهوره وانتشاره اهـ نووي، وقال الذهبي: لم يعش في الإسلام إلا بضعًا وأربعين سنة اهـ سير أعلام النبلاء، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين (54) على الصحيح، وكان له بالمدينة دار عند بلاط الفاكهة عند زقاق الصواغين، روى عن عروة بن الزبير في الإيمان والزكاة، وسعيد بن المسيب في الزكاة، وموسى بن طلحة، وعبد الله بن الحارث بن نوفل في البيوع، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا وله أربعون (40) حديثًا اتفقا على أربعة. وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان مصريان، وواحد أيلي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي، أي قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام الصحابي الجليل (أخبره) أي أخبر لعروة بن الزبير (أنه) أي أن حكيم بن حزام (قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت أمورًا) أي أخبرني يا رسول الله عن أمورٍ وأعمالٍ صالحة كنت أتحنث بها) أي أطلب بها البر والإحسان إلى الناس، وأقصد بها التقرب إلى الله تعالى كما في النهاية (في الجاهلية) أي في زمن

هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيءٍ؟ فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيرٍ". وَالتَّحنُّثُ: التَّعَبُّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهلية، قبل إسلامي وإيماني، أي أطلب بتلك الأمور الإحسان إلى الناس، والثواب عند الله تعالى، أي فعلتها في الجاهلية (هل لي فيها) أي في فعل تلك الأمور (من شيء) أي شيء من الأجر والثواب (فقال له) أي لحكيم بن حزام (رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت) يا حكيم حالة كونك مثابًا (على ما أسلفت) وقدمت في الجاهلية (من) عمل (خير) من صدقة، وصلة رحم مثلًا ببركة إسلامك، قال ابن بطال وغيره من المحققين: إن الحديث على ظاهره، لا تأويل فيه، وأن معناه إذا أسلم الكافر وحسن إسلامه، ومات على الإسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر وقوله (والتحنث التعبد) أي عبادة الله تعالى بشيء من القربات، كلام مدرج في آخر الحديث أدرجه وزاده الزهري تفسيرًا لمعنى التحنث المذكور في الحديث. قال المازري (قوله أسلمت على ما أسلفت) يقتضي أن من أسلم وقد فعل الخير في الجاهلية أنه يثاب على ذلك الخير والقواعد ترده، لأن شرط الثواب نية التقرب، ولا تصح من الكافر لجهله بالمتقرب إليه، كالناظر في دليل الإيمان فإنه لا يثاب لجهله بالمتقرب إليه، وإن كان مطيعًا بالنظر فيؤول الحديث بأن يكون معناه أسلمت وقد تعودت فعل الخير في الجاهلية، وسيدوم لك ذلك في الإسلام، لأنك تعودته، أو أسلمت وقد اكتسبت به ثناة جميلًا في الجاهلية وهو باق عليك في الإسلام، أو يعني أنه يزاد في تضعيف حسناته التي اكتسبها في الإسلام بسبب ما فعل من خير في الجاهلية، وقد قالوا في الكافر يفعل الخير أنه يخفف عنه بسبب ذلك وإذا صح التخفيف صحت الزيادة، قال القاضي: وقيل: إن على بمعنى الباء السببية، أي أسلمت ببركة ما أسلفت، وقال الحربي: المعنى ما سلف لك من خير فهو لك، كما يقال أسلمت على ألف درهم، أي على أن أحرزها وأعطاها، قال القرطبي: وهذا الذي قاله الحربي هو أشبهها وأولاها، وهو الذي أشرنا إليه في الترجمة، وقال الأبي: يحمل الحديث على ظاهره من إثابة الكافر، قال النواوي: وإليه ذهب ابن بطال، واحتج بحديث أخرجه الدارقطني من سبع طرق؛ ثبتت كلها عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أسلم الكافر وحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة أسلفها، ومحا عنه كل سيئة عملها" كما سبق في أول هذه الترجمة، قالا لأبي: والحديث نص في القضية، وهو تفسير لما

227 - (00) (00) وحدّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبدُ بنُ حُمَيدٍ (قَال الْحُلْوَانِيُّ: حَدَّثَنَا. وَقَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي) ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأم وتصح نية التقرب من الكافر، وما عللوا به من الجهل إن عنوا به أنه يجهله مطلقًا مُنع لأنه لا ينكر الصانع، وإن عللوا به أنه يجهله من وجه فهو استدلال بمحل النزاع لأن محل النزاع الجاهل بالله من وجه هل يصح منه نية التقرب أم لا، ثم الذي يقضي بصحة النية اتفاقهم على التخفيف، لأنه لولا صحة النية لم يصح التخفيف، وقول الفقهاء: (لا يعتد بعمل الكافر) معناه في أحكام الدنيا، ولا يمنع أن يثاب الناظر في دليل الإيمان إذا اهتدى للحق، أو يفرق بأن الناظر لم ينو التقرب، والكافر نواه، وأيضًا فالقياس يقتضيه فإن الإسلام إذا جب السيئات صحح الحسنات، وإثابة الكافر بتخفيف العذاب لا تمتنع، وإنما الممتنع إثابته بالخروج من النار اهـ أبي. (قلت) قد يعتد ببعض أفعال الكفار في أحكام الدنيا، فقد قال الفقهاء: إنه إذا وجب على الكافر كفارة ظهار أو غيرها فكفر في حال كفره أجزأه ذلك، وإذا أسلم لم تجب عليه إعادتها، واختلف أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى إذا أجنب الكافر واغتسل في حال كفره ثم أسلم هل تجب عليه إعادة الغسل أم لا، وبالغ بعض أصحابنا فقال: يصح من كل كافر كل طهارة من غسل ووضوء وتيمم إذا أسلم وصلى بها والله أعلم اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه فقال: (227) - متا (00) (00) (وحدثنا حسن) بن علي بن محمد الهذلي (الحلواني) أبو علي المكي، ثقة من الحادية عشرة، مات بمكة سنة (242) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكسي نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر، أبو محمد، الحافظ صاحب المسند والتفاسير، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (249) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال الحلواني حدثنا وقال عبد حدثني) تورعًا من الكذب على أحد شيخيه لو اقتصر على إحدى الكلمتين، إما حدثنا أو حدثني لاختلاف كيفية سماعهما، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه، أي قال كل

يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيم بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ قَال لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَي رَسُولَ اللهِ، أَرَأيتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ منهما حدثنا (يعقوب) بن إبراهيم بن سعد الزهري، أبو يوسف المدني، ثقة فاضل من صغار التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين (208) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، وأتى بلفظة هو في قوله (وهو ابن إبراهيم بن سعد) إشعارًا بأن هذه النسبة إنما هي من زيادته، لا مما سمعه من شيخه، قال يعقوب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، ثقة حجة، من الثامنة، مات سنة (183) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (عن صالح) بن كيسان المدني، أبي محمد أو أبي الحارث الغفاري مولاهم، ثقة ثبت فقيه، من الرابعة مات سنة (140) روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا. (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) القرشي الزهري، أبي بكر المدني، ثقة ثبت حافظ متقن متفق على جلالته، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) ابن شهاب (أخبرني عروة بن الزبير) بن العوام، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه من الثانية (أن حكيم بن حزام أخبره) أي أخبر لعروة بن الزبير، وهذا السند من سباعياته، رجاله كلهم مدنيون إلا الحلواني فإنه مكي، أو عبد بن حميد فإنه كسي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأن يونس بن يزيد في روايته عن الزهري خطأ قليل، ومن لطائف هذا السند أنه اجتمع فيه ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، لأن فيه صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عروة، وقد قدمنا أمثال ذلك في بعض الأسانيد، وكرر متن الحديث هنا لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالزيادة، وسوق بعض الكلمات. (أنه) أي أن حكيم بن حزام (قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي رسول الله) أي يا رسول الله (أرأيت أمورًا) أي أخبرني عن أمورِ وأعمال كنت أتحنث) أي أتعبد وأتقرب (بها) إلى الله تعالى، وأحسن بها إلى الناس (في الجاهلية) أي في زمن

الْجَاهِلِيَّةِ؛ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ. أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيرٍ". 228 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جهلي بالله تعالى حالة كون تلك الأمور (من صدقة) أي من بذل مالٍ للمحتاج بلا عوض؛ تقربًا إلى الله تعالى (أو عتاقة) أي فك رقبة من الرق لوجه الله تعالى (أو صلة رحم) أي إعطاء مالٍ أو إحسان إلى ذي رحم وقرابة لغرض صلته، وتجنبًا من قطيعته (أفيها) بهمزة الاستفهام الاستخباري، أي هل في تلك الأمور التي فعلتها قبل إسلامي (أجر) لي وثواب عليها يا رسول الله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت) على أن لك أجرًا (على ما أسلفت) وقدمت في الجاهلية (من) أعمال (خير) وبر فكما أن الإسلام يجب ما قبله من السيئات، يصحح ما قبله من الحسنات وقوله (أتحنث) قال الإمام المازري يقال: تحنث الرجل إذا فعل فعلًا خرج به عن الحنث، والحنث: الذنب، وكذلك تأثم إذا ألقى عن نفسه الإثم، ومثله تحرج وتحوب إذا فعل فعلًا خرج به عن الحرج والحوب، وفلان يتهجد إذا كان يخرج من الهجود، ويتنجس إذا فعل فعلًا يخرج به من النجاسة، وامرأة قذور إذا كانت تتجنب الأقذار، ودابة ريض إذا لم ترض، هذا كله عن الثعالبي، إلا تأثم فإنه عن الهروي، وأنشد غيرهما: تجنبت إتيان الحبيب تأثمًا ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه فقال: (22) متا) (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن راهويه المروزي، أبو يعقوب الحنظلي، ثقة ثبت قرين أحمد بن حنبل، من العاشرة مات سنة (238) روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر أبو محمد الكسي، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من إسحاق وعبد بن حميد (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، أحد الأئمة الأعلام، ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع من التاسعة، مات سنة (211)

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَفْعَلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة البصري، أحد الأعلام، ثقة ثبت فاضل من كبار السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم القرشي (الزهري) أبي بكر المدني، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله: أخبرنا معمر، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع، أي أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد، يعني عن عروة عن حكيم بن حزام قال: قلت يا رسول الله أشياء كنت أفعلها في الجاهلية الحديث الآتي، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد بصري، وواحد صنعاني، وواحد مروزي أو كسي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر لصالح بن كيسان، أو ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، أو تقوية السند الأول أعني ليونس. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي أيضًا قال إسحاق (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير، الكوفي التميمي السعدي مولى أسعد بن زيد مناة، يقال: عمِيَ وهو صغير، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، من كبار التاسعة، مات سنة (195) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. قال أبو معاوية (حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو المنذر المدني، ويقال: أبو عبد الله ثقة حجة فقيه، ربما دلس من الخامسة، مات سنة (145) وله (87) سنة، وتكلم فيه مالك وغيره، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن حكيم بن حزام) الأسدي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد كوفي، وواحد مروزي، وغرضه بهذا التحويل بيان متابعة هشام بن عروة للزهري في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزبير، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى. (قال) حكيم بن حزام (قلت يا رسول الله) أرأيت (أشياء) وأمورًا (كنت أفعلها)

فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (قَال هِشَامٌ: يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا) فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفتَ لَكَ مِنَ الْخَيرِ" قُلْتُ: فَوَاللهِ، لا أَدَعُ شَيئًا صنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلا فَعَلْتُ فِي الإِسْلامِ مِثْلَهُ. 229 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأتبرر بها (في الجاهلية) قبل إسلامي، وأتى بجملة قوله (قال هشام) في روايته (يعني) حكيم بن حزام بقوله كنت أفعلها (أتبرر بها) أي أطلب بتلك الأشياء البر والتقرب إلى الله تعالى، والإحسان إلى الناس، إشارة إلى ما أدرجه هشام في وسط الحديث في تفسير التحنث، كما بين ما أدرجه الزهري في تفسيره في آخر الحديث بقوله (والتحنث التعبد) في الرواية الأولى كما مر هناك، لأن الإدراج عندهم ثلاثة أقسام: إدراج في أول الحديث، أو في وسطه أو في آخره كما بيناه بما لا مزيد عليه في الباكورة البيقونية (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لحكيم بن حزام (أسلمت) وآمنت يا حكيم (على) أن جميع (ما أسلفت) وقدمت في الجاهلية من أعمال الشر يُجَبُّ عنك ويمحى، وعلى أن يكتب ويحسب (لك) جميع ما قدمته فيها (من الخير) والبر، قال حكيم (قلت) لنفسي (فوالله) أي فأقسمت بالله الذي لا إله غيره (لا أدع) ولا أترك (شيئًا) من الخير قد كنت (صنعته في الجاهلية) وفعلته فيها (إلا فعلت) وصنعت (في الإسلام مثله) أي مثل ذلك الذي فعلته في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة وغير ذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه فقال: (229) - متا (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه، وقال نفطويه اجتمع في مجلسه نحو ثلاثين ألفًا، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا عبد الله بن نمير) بالنون مصغرًا، الهمداني أبو هشام الكوفي، ثقة صاحب حديث، من كبار التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي، أبي

عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الإِسْلامِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرِ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المنذر المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (أن حكيم بن حزام) الأسدي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن هشام، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للروايات السابقة. (أعتق) أي فك عن الرق وحرر (في) زمن (الجاهلية مائة رقبة) أي مائة نسمة ونفس تقربًا إلى الله تعالى (وحمل) المحتاجين والفقراء وأركبهم (على مائة بعير) وجمل، والمعنى تصدق بها عليهم (ثم) أسلم و (أعتق في) زمن (الإسلام) أي بعد إسلامه (مائة رقبة) ونسمة، ليعاود عمله في الجاهلية (وحمل على مائة بعير) أي تصدق بها على الفقراء والمحتاجين، أو حمل الغزاة في سبيل الله تعالى على مائة بعير شكرًا على إنعام الله سبحانه إياه بنعمة الإسلام (ثم) بعد ما فعل هذا الخير العظيم (أتى) وجاء حكيم (النبي صلى الله عليه وسلم) فأخبره صلى الله عليه وسلم بما فعل في الجاهلية والإسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما أسلفت لك من الخير وقوله (فذكر) عبد الله بن نمير (نحو حديثه) أي نحو حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة، معطوف على قوله حدثنا عبد الله بن نمير، وفي أكثر المتون والشراح (نحو حديثهم) بضمير الجمع، فهو تحريف من النساخ، والصواب ما قلنا بإفراد الضمير، ولا تقل أيها الطالب هذا ما وجدنا عليه آبآءنا، وأنصف ولا تتعسف، وإن أردت التيقن فانظر عبارة المفهم هنا، فنص عبارته "فذكر نحوه" بالإفراد، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث حكيم بن حزام، أحمد (3/ 402 و 434) والبخاري (2538). ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث حكيم بن حزام، وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

63 - (22) باب: إطلاق الظلم على الشرك، وإخلاص الإيمان منه

63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ 230 - (119) (42) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 63 - (22) بَابُ: إِطْلاقِ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ، وَإِخْلاصِ الإِيمَان مِنْهُ أي هذا باب معقود في بيان إطلاق اسم الظلم الذي هو عام في أصله على خصوص الشرك والكفر، وبيان فضيلة إخلاص الإيمان منه، أي من الشرك، والظلم في أصله: وضع الشيء في غير موضعه، فالشرك من أعظم الظلم، إذ المشرك يعتقد الإلهية لغير مستحقها، ويطلق على المعاصي ظلم لأنها وضعت موضع ما يجب من الطاعة لله تعالى، وقد يأتي الظلم ويراد به النقص كما في قوله تعالى {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي ما نقصونا بكفرهم شيئًا، ولكن نقصوا أنفسهم حظها من الخير. (230) - س (119) (42) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) قال أبو بكر (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الثامنة، مات سنة (192) اثنتين وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي من التاسعة، مات سنة (195) (ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة، مات سنة (196) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلهم رووا (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقةٌ حافظ مدلس من الخامسة، مات سنة (119) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبي عمران الكوفي الفقيه، يرسل كثيرًا، ثقةٌ من الخامسة مات سنة (96) ست وتسعين (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي، أبي شبل الكوفي، مخضرم أحد الأعلام، ثقة ثبت عابد فقيه من الثانية، مات سنة (62) اثنتين وستين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي، أبي عبد الرحمن الكوفي له ثمانمائة حديث وثمانية وأربعون حديثًا اتفقا

قَال: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ. إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَال لُقْمَانُ لابْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] ـــــــــــــــــــــــــــــ على (64) وانفرد (خ) بـ (21) و (م) بـ (35) وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون، قال النواوي: هذا إسنادٌ رجاله كوفيون كلهم، وحفاظ متقنون في نهاية الجلالة، وفيهم ثلاثة أئمة أجلة فقهاء تابعيون، روى بعضهم عن بعض، سليمان الأعمش وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس، وقل اجتماع مثل هذا الذي اجتمع في هذا الإسناد والله أعلم اهـ. (قال) عبد الله بن مسعود (لما نزلت) هذه الآية قوله تعالى: ({الَّذِينَ آمَنُوا}) بالله ورسوله ({وَلَمْ يَلْبِسُوا}) أي لم يخلطوا ({إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}) أي بشرك، سورة الأنعام، الآية (82) تمامها {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (شق) جوابٌ لما أي ثقل (ذلك) الذي نزل في هذه الآية (على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا) أي أيٌّ منا إلا يظلم نفسه) بتفويت حظوظها الأخروية، والتقصير فيها، ولا يوجد منا أحد لم يذنب، فالأمن والاهتداء المذكور في آخر الآية، لا يوجد لنا لأنهم حملوا الظلم على عمومه، والمتبادر إلى الأفهام منه، وهو وضع الشيء في غير موضعه، وهو مخالفة الشرع بارتكاب المعاصي ولو صغيرة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهم (ليس هو) أي الظلم المذكور في هذه الآية (كما تظنون) أي على ما تظنونه من عمومه لكل مخالفة ومعصية (إنما هو) أي الظلم المذكور في هذه الآية (كما قال لقمان) أي مثل الظلم الذي قال لقمان الحكيم في شأنه (لابنه) وهو يعظه فيما حكاه الله سبحانه وتعالى عنه بقوله ({يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}) تعالى قلبًا وقالبًا غيره ({إِنَّ الشِّرْكَ}) بالله تعالى ({لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}) أي لظلم أكبر وأعظم لا ظلم أعظم منه لأن المشرك جعل الإلهية لغير الله تعالى، قوله (ولم يلبسوا) أي لم يخلطوا، يقال: لبست الأمر بغيره بفتح الباء في الماضي وكسرها في المضارع لبسًا إذا خلطته، ولبست الثوب بكسر الباء في الماضي وفتحها في المستقبل لبسًا ولباسًا (والظلم) في اللغة وضع الشيء في غير محله تقول ظلمت الأرض والطريق والسقاء، إذا حفرت في غير محل الحفر كالموضع الصلب، أو

231 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبرَّاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مشيت على غير الجادة، أو سقيت من السقاء قبل إخراج زبده، وهو في الشرع كذلك فالكافر ظالم لأنه وضع العبادة في غير محلها وكذلك العاصي لأنه وضع المعصية موضع الطاعة اهـ، إكمال المعلم. قال المازري: قوله (شق عليهم) لأنهم عمموا الظلم في نوعيه ظلم الكفر وظلم المخالفة حتى خصصه صلى الله عليه وسلم بقصره على ظلم الكفر فأخذ منه أنهم كانوا يقولون بالعموم، وفيه أيضًا تأخير البيان إلى وقت الحاجة اهـ المعلم. قال القاضي: لم يشق عليهم من هذا الوجه، بل من جهة حملهم الظلم على ما غلب استعماله فيه، وهو ظلم المخالفة حتى فسر لهم بأن المراد ظلم الكفر وليس فيه أيضًا تأخير البيان، لأن الآية ليس فيها تكليف بعمل، وإنما فيها التكليف باعتقاد صدق الخبر، وذلك يلزم باول وروده فأين الحاجة التي يؤخر البيان إليها اهـ، إكمال المعلم. قال القرطبي، وفي هذا الحديث ما يدل على أن النكرة في سياق النفي تعم لأن الصحابة فهمت من ذلك العموم، كل ظلم وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الفهم وبين لهم أن المراد بذلك ظلم مخصوص، وفي الآية دليل على جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص به. فائدة: قال النواوي: واختلف العلماء في لقمان الحكيم هل هو نبي أم لا؟ قال أبو إسحاق الثعلبي: اتفق العلماء على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًّا، إلا عكرمة فإنه قال: كان نبيًّا وتفرد بهذا القول، وأما ابن لقمان الذي قال له: لا تشرك بالله فقيل: اسمه أنعم ويقال مشكم والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود، أحمد (1/ 444) والبخاري (32) و (4776) والترمذي (3069). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (231) - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة من العاشرة (و) حدثنا (علي بن خشرم) بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وفتح الراء على وزن جعفر، بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال أبو الحسن المروزي ثقة من

قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى (وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ). ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو كُرَيبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صغار العاشرة، مات سنة (257) سبع وخمسين ومائتين، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، لأن المتقارنين ثقتان (قالا) أي قال كل من إسحاق وعلي (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، بفتح المهملة وكسر الموحدة، أخو إسرائيل أبو عمرو الكوفي، أحد الأعلام ثقة مأمون من الثامنة، مات سنة (191) إحدى وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر، بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (وهو ابن يونس) إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، وتورعًا من الكذب على شيخه، كما مر مرارًا فلا تغفل عنه. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا منجاب) بكسر الميم وإسكان النون وبالجيم آخره باء موحدة (بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمد الكوفي ثقة من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا، قال منجاب (أخبرنا) علي (بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من الثامنة، له غرائب بعد ما أضر مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته، ثقةٌ حافظ من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، وأوصى أن تدفن معه كتبه فدفنت، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، قال أبو كريب (أخبرنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي، أبو محمد الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (192) وأتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه، وفائدتها بيان كثرة طرقه (كلهم) أي كل من عيسى بن يونس، وعلي بن مسهر وابن إدريس رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهم الثلاثة المذكورة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع من إبراهيم وعلقمة وعبد الله، أي روى عيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وابن إدريس كلهم عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود.

قَال أَبُو كُرَيبٍ: قَال ابْنُ إِدْرِيسَ: حَدَّثَنِيهِ أَوَّلًا أَبِي، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنِ الأعْمَشِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من سداسياته، الأول منها: رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق وابن خشرم فإنهما مروزيان، والثاني: رجاله كلهم كوفيون أيضًا، وكذا الثالث: رجاله كلهم كوفيون، وهذه من ألطف الأسانيد، وغرضه بسوقها بيان متابعة ابن يونس وابن مسهر لابن إدريس وأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ولكن (قال أبو كريب قال) لنا عبد الله (بن إدريس حدثنيه) أي حدثني هذا الحديث يعني حديث عبد الله بن مسعود (أولًا أبي) إدريس بن يزيد الأودي الكوفي (عن أبان بن تغلب) والمختار عند المحققين صرف أبان، لأن نونه وألفه أصليتان، وتغلب بكسر اللام غير مصروف للعلمية ووزن الفعل القارئ أبي سعيد الكوفي ثقةٌ من السابعة مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان، والصلاة (عن الأعمش) ففيه نزول درجتين (ثم) بعدما سمعته من الأعمش بواسطتين (سمعته) أي سمعت هذا الحديث (منه) أي من الأعمش بلا واسطة فحصل له علو بدرجتين، قال النواوي: وهذا منه تنبيه على علو إسناده هنا، فإنه نقص عنه رجلان وسمعه عن الأعمش وقد تقدم مثل هذا في باب النصح من الدين اهـ. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وذكر فيه متابعة واحدة.

64 - (23) باب: شكاية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤاخذة على خطرات النفس، ونزول قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}

64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} 232 - (120) (43) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، وَأمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيشِيُّ (وَاللَّفْظُ لأُمَيَّةَ) قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 64 - (23) بَابُ: شِكَايَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى خَطَرَاتِ النَّفْسِ، وَنُزُولِ قَوْلهِ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} أي هذا باب معقود في بيان شكاية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤاخذة على خطرات النفس حين نزل قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} وبيان نزول قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} بعد شكايتهم من ذلك. (232) - س (120) (43) (حدثني محمد بن منهال الضرير) أبو عبد الله، أو أبو جعفر التميمي المجاشعي البصري، روى عن يزيد بن زريع في الإيمان وغيره، وأبي عوانة، وجعفر بن سليمان، وخلق، ويروي عنه (خ م د س) وأبو يعلى، ويوسف بن يعقوب القاضي، والدارمي، وأبو بكر الأثرم، وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين (و) حدثنا أيضًا (أمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) بتحتانية ثم معجمة، أبو بكر البصري، صدوق من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء وغيرهما، وأتى بجملة قوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لأمية) بن بسطام، لا لمحمد بن منهال تورعًا من الكذب على محمد بن منهال، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال محمد بن منهال وأمية بن بسطام (حدثنا يزيد بن زريع) بزاي ثم راء مصغرًا التميمي العيشي بتحتانية أبو معاوية البصري، أحد الأئمة الأعلام، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال يزيد (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث، بكسر المعجمة البصري، ثقة حافظ من السادسة، مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، وأتى بجملة قوله (وهو ابن القاسم) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من

عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} ـــــــــــــــــــــــــــــ شيخه (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، أبي شبل المدني، صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، أبي العلاء المدني، ثقة من الثالثة، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، ويروي عنه (م عم) وابنه العلاء، ومحمد بن إبراهيم النخعي (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة مدنيون (قال) أبو هريرة (لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) آية ({لِلَّهِ}) سبحانه وتعالى خلقًا ومِلكًا ومُلكًا جميع ({مَا فِي السَّمَاوَاتِ}) السبع {وَ} جميع ({مَا فِي الْأَرْضِ}) وما بينهما من العقلاء وغيرهم، قال القرطبي: و (ما) هذه بمعنى الذي، وهي متناولة لمن يعقل وما لا يعقل، وهي هنا عامة لا تخصيص فيها بوجه، لأن كل من في السموات ومن في الأرض وما فيهما وما بينهما خلق الله سبحانه وتعالى وملك لله تعالى ({وَإِنْ تُبْدُوا}) أي تُظهروا ({مَا فِي أَنْفُسِكُمْ}) وقلوبكم من الخطرات لغيركم أيها العباد ({أَوْ تُخْفُوهُ}) أي أو تخفوا ما في أنفسكم من الخواطر أي تسروه عن غيركم من العباد ({يُحَاسِبْكُمْ}) أي يؤاخذكم ({بِهِ}) أي بما في أنفسكم ({اللَّهُ}) سبحانه وتعالى ({فَيَغْفِرُ}) سبحانه وتعالى تلك الخطرات ({لِمَنْ يَشَاءُ}) الغفران له ({وَيُعَذِّبُ}) عليها ({مَنْ يَشَاءُ}) تعذيبه ({وَاللَّهُ}) سبحانه وتعالى ({عَلَى كُلِّ شَيءٍ}) شاءه من التعذيب والغفران ({قَدِيرٌ}) أي قادر، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه يفعل ما يشاء في عباده. قال القرطبي: و (ما) هذه أيضًا على عمومها، فتتناول كل ما يقع في نفس الإنسان من الخواطر ما يطيق دفعه منها وما لا يطيق، ولذلك أشفقت الصحابة رضي الله تعالى عنهم من محاسبتهم على جميع ذلك، ومؤاخذتهم به، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كلفنا ما نطيق الصلاة والصيام وغيرهما كالصدقة وهذه الآية لا نطيقها، ففيه دليل على أن موضوع ما للعموم، وأنه معمول به فيما طريقه الاعتقاد، كما هو معمول به فيما طريقه العمل، وأنه لا يجب التوقف فيه إلى البحث عن المخصص، بل يبادر إلى اعتقاد الاستغراق فيه وإن جاز التخصيص. انتهى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إيضاح معنى الآية {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} من الأمور الداخلة في حقيقتهما، والخارجة عنهما، المتمكنة فيهما من أولي العلم وغيره، أي كل ما فيهما خلقا ومِلكًا وتصرفًا له تعالى، لا شركة لغيره في شيء منهما بوجه من الوجوه، فلا يعبد فيهما سواه تعالى، ولا يعصى فيما يأمر وينهى، فلا تعبدوا أحدًا سواه، ولا تعصوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه، وله تعالى أن يُلزم من شاء بما شاء من التكاليف. {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} أي وإن تُظهروا ما في قلوبكم من السوء والعزم عليه، وذلك بالقول أو بالفعل. {أَوْ تُخْفُوهُ} أي تكتموا ما في قلوبكم عن الناس، ولم تظهروه لهم بالقول أو بالفعل. {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} أي يجازكم الله سبحانه به يوم القيامة، لأن الإبداء والإخفاء عنده سيان لأنه تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالمعول عليه في مرضاته تزكية النفوس، وتطهير السرائر، لا لوك اللسان وحركات الأبدان. والمراد بقوله {مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} الأشياء التي لها قرار في أنفسكم، وعنها تصدر أعمالكم كالحقد والحسد ونحوهما، ذاك أن الخواطر والهواجس قد تأتي بغير إرادة الإنسان، ولا يكون لها أثر في نفسه، ولا ينتج منها فعل يكون مترتبًا عليها، لكنه إذا استرسل معها حُسبت عليه. عملًا يُجازى به، لأنه مشى معها قدمًا باختياره، وقد كان يستطيع مطاردتها وجهادها، فالمظلوم مثلًا يذكر ظالمه فيشتغل فكره في دفع ظلمه والهرب من أذاه، وربما استرسل مع خواطره إلى أن تجره إلى تدبير الحيل للإيقاع به، ومقابلة ظلمه بما هو شر منه، فيكون مؤاخذًا عليه أبداه أو أخفاه. وصفة الحسد تبعث في نفس الحاسد خواطر الانتقام من المحسود، والسعي في إزالة نعمته، وهذه الخواطر مما يحاسب الحاسد عليها أبداها أو أخفاها، وهكذا يقال في كل أعمال القلب التي أمرنا الشارع بجهادها ومقاومتها، مما هو أثر لأخلاق وملكات وعزائم قوية تنشأ عنها أعمال هي آثار لها؛ إذا انتفت الموانع وتركت المجاهدة. ومحاسبة الله عباده أن يريهم أعمالهم الظاهرة والباطنة، ويسألهم لم فعلوها، ثم

قَال: فَاشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ. ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إن شاء غفر وإن شاء عذب، فمن لم تصل أعماله المنكرة إلى أن تكون ملكات له، فالله يغفرها له، ومن تكون كذلك فالله يعاقبه عليها، وهو المختار يفعل ما يشاء كما قال {فَيَغْفِرُ} أي فهو يغفر بفضله {لِمَنْ يَشَاءُ} أن يغفر له، وإن كان ذنبه كبيرًا و {وَيُعَذِّبُ} بعدله {مَنْ يَشَاءُ} أن يعذبه وإن كان ذنبه حقيرًا، حسبما تقضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح، ويعذب الكفار لا محالة، لأنه لا يغفر الشرك، وتقديم المغفرة على التعذيب لتقدم رحمته على غضبه، والذنب المغفور هو الذي يُوفق صاحبه لعملٍ صالحٍ يغلب أثره في النفس، وليس الأمر كما يزعم الجاهلون: أن الأمور فوضى، والكيل جزاف، فيقيمون على الذنوب، ويُصرون عليها ويمنون أنفسهم بالمغفرة {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} فكمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته تعالى على ما ذكر من المحاسبة، وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب. (قال) أبو هريرة (فاشتد ذلك) المذكور في هذه الآية من المحاسبة على ما في أنفسهم سواء أبدوه أو أخفوه، قال المازري: اشتد عليهم لظنهم أنهم كلفوا بالتحفظ من الخطرات، والتكليف بذلك من تكليف ما لا يطاق، لأن الخطرات لا يقدر على دفعها، فإن كان هذا هو المراد فالحديث يدل على أنهم كلفوا بما لا يطاق، وهو عندنا جائز، وإنما اختلف في وقوعه اهـ. قال النواوي: ولفظة (قال) مكررة مع الأولى، وإنما أعادها لطول الكلام، والفاء في قوله (فاشتد ذلك) زائدة في جواب لما. ولفظ رواية أحمد في مسنده: عن أبي هريرة قال: "لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" بحذف قال، وإسقاط الفاء. أي شق ذلك الذي نزل وثقل (على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجاؤوا مجلسه (ثم بركوا) أي جلسوا (على الركب) تأدبًا في حضرته صلى الله عليه وسلم، والركب جمع ركبة وهي المفصل بين الساق

فَقَالُوا: أَي رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ. الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيكَ هذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَتُرِيدُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفخذ، أي جلسوا جاعلين سوقهم تحت أفخاذهم، مقدمين ركبهم، جلسة المتأدبين عند الأكابر، ولفظ رواية أحمد ثم جثوا على الركب، ثم شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما نزل في هذه الآية (فقالوا) أي فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكايتهم من ذلك (أي رسول الله) أي: حرف نداء لنداء القريب (كلفنا من الأعمال ما نطيق) أي كلفنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا قبل نزول هذه الآية بما نطيق ونقدر عليه من الأعمال والطاعات التي هي (الصلاة والصيام والجهاد والصدقة) وقوله (ما نطيق) ما فيه اسم موصول في محل النصب على أنه مفعول ثانٍ لكُلِّف، أو على نزع الخافض كما قدرنا، وقوله (الصلاة) وما بعدها بالنصب على أنه بدل من ما الموصولة، وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف كما قدرنا (وقد أنزلت عليك) الآن (هذه الآية) يعني قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} الآية (ولا نطيقها) أي ولا نطيق ولا نقدر تحمل ما فيها من اجتناب هواجس النفس وخطراتها فادع الله لنا أن يسامح لنا ما فيها من المحاسبة على خواطر النفس، ولفظ أحمد "وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها". قال المراغي: إنما قالوا ذلك لأنهم قد دخلوا في الإسلام وكثير منهم تربوا في حجر الجاهلية وانطبعت في نفوسهم أخلاقها، وأثرت في قلوبهم عاداتها، وكانوا يتطهرون منها بالتدريج بهدي الرسول ونور القرآن، فلما نزلت هذه الآية خافوا أن يؤاخذوا على ما كان باقيًا في أنفسهم من العادات الأولى، وكانوا يحاسبون أنفسهم لاعتقادهم النقص، وخوفهم من الله عزّ وجلّ، فأخبرهم الله تعالى بأنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولا يؤاخذها إلا على ما كلفها، وهم مكلفون بتزكية أنفسهم ومجاهدتها بقدر الطاقة، وطلب العفو عما لا طاقة لهم به. وقد يكون بعضهم خاف أن تدخل الوسوسة والشبهة قبل التمكن من دفعها فيما تشمله الآية، فكان ما بعدها مبينًا لغلطهم في ذلك اهـ. ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القول منهم أجابهم بأن (قال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون) أي هل تريدون وتقصدون بذلك القول -بهمزة

أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَال أَهْلُ الْكِتَابَينِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَينَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ" قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ. فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفهام الإنكاري (أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم) التوراة والإنجيل، وفي لفظ أحمد "كما قال أهل الكتاب من قبلكم" أي أتقصدون بقولكم لي هذا القول كما قالت اليهود والنصارى لأنبيائهم من قبلكم حين كلفوا بأوامر ونواهٍ (سمعنا) ما قلتم لنا بآذاننا (وعصينا) أي خالفناكم فيما قلتم (بل) خالفوهم و (قولوا سمعنا) ما قلت لنا يا ربنا (وأطعنا) أي امتثلنا أوامرك يا إلهنا، وهب لنا (غفرانك) يا (ربنا) ومولانا فيما قصرنا في حقوقك الذي منه الشكاية من هذه الآية (وإليك) لا إلى غيرك (المصير) أي مصيرنا ومرجعنا للمحاسبة والمجازاة. والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ما فهموه من الآية الأولى، وبين لهم أن لله تعالى أن يكلف عباده بما يطيقونه وبما لا يطيقونه، ونهاهم عن أن يقع لهم شيء مما وقع لضُلَّال أهل الكتاب من المخالفة، وأمرهم بالسمع والطاعة والتسليم لأمر الله تعالى على ما فهموه، فسلم القوم لذلك، وأذعنوا ووطنوا أنفسهم على أنهم كُلفوا في الآية بما لا يطيقونه، واعتقدوا ذلك، فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقول ذلك (قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) وفي لفظ أحمد إسقاط هذا المكرر (فلما اقترأها) أي قرأ تلك الآية (القوم) من الأصحاب الذين شكوا منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الآية، وافتعل هنا بمعنى الثلاثي أتى به للمبالغة و (ذلت) أي لانت وخضعت والتذت (بها) أي بقراءة تلك الآية التي شكوا منها (ألسنتهم) أي ألسنة القوم الذين شكوا منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذعنت بها وأيقنت بها قلوبهم يعني آية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} وقوله (ذلت بها ألسنتهم) معطوف بعاطف مقدر كما قدرناه على اقترأها القوم، على كونه فعل شرط للما، وجوابها قوله (فأنزل الله) سبحانه وتعالى (في إثرها) أي عقب تلك الآية التي شكوا منها، يعني قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} والفاء زائدة في جواب لما، أي فلما قرأها القوم وذلت بها ألسنتهم، وأذعنت بها قلوبهم، أنزل الله تعالى في إثرها قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} إلخ ولفظ أحمد "فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها" وفي هامش بعض نسخ المتون قوله (فلما اقترأها ذلت بها ألسنتهم أنزل الله) كذا في

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جميع النسخ التي عندنا، وفي تفاسير ابن كثير والنيسابوري والخازن "فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها" إلخ، والمعنى (فلما قرأها القوم وارتاضت بالاستسلام لذلك ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها) إلخ وهذا كلام مستقيم حسن، وأما بدون العاطف فلا يستقيم إلا بوجود الفاء في أول أنزل، ولهذا زدناها عليه، كما هو المطبوع في المتن المصري، وفي المتن الذي تضمنه شرح النووي وغيره اهـ ما في الهامش. قوله (فأنزل الله في إثرها) أي عقب تلك الآية التي شكوا منها وهي قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} الآية، وهو بفتح الهمزة والثاء، وبكسر الهمزة مع إسكان الثاء لغتان اهـ نووي ({آمَنَ الرَّسُولُ}) أي صدق الرسول محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ({بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ}) أي بكل ما جاء به الوحي من ربه من العقائد والأحكام، تصديق يقين واطمئنان، وتخلق به، كما قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: "كان خلقه القرآن" ({وَالْمُؤْمِنُونَ}) أي الفريق المعروفون بهذا الاسم، وهو مبتدأ أول ({كُلٌّ}) مبتدأ ثان ({آمَنَ}) خبره، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والرابط بينهما الضمير الذي ناب التنوين منابه، وتوحيد الضمير في آمن مع رجوعه إلى المؤمنين لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم، من غير اعتبار الاجتماع، وهذا التركيب إذا وقفنا على قوله من ربه وجعلنا قوله والمؤمنون كلامًا مستأنفًا، واختاره أبو السعود، ويجوز أن يكون قوله والمؤمنون معطوفًا على الرسول فيوقف عليه، والضمير الذي عوض عنه التنوين راجع إلى المعطوفين معًا، والمعنى آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إليه من ربه ثمَّ فصل ذلك، وقال كل واحد من الرسول والمؤمنين أومن بالله خلا أنَّه قدم المؤمن به على المعطوف اعتناءً بشأنه وإيذانًا بأصالته - صلى الله عليه وسلم - في الإيمان به. أي كل واحد منهم آمن ({بِاللَّهِ}) سبحانه وتعالى وحده من غير شريك له في الألوهية والمعبودية ({وَمَلَائِكَتِهِ}) من حيث إنهم عباد مكرمون له تعالى من شأنهم التوسط بينه تعالى وبين الرسل بإنزال الكتاب وإلقاء الوحي ({وَكُتُبِهِ}) بتصديق أنَّه من عند الله تعالى وتحليل ما أحله وتحريم ما حرمه ({وَرُسُلِهِ}) باتباعهم وطاعتهم ولم يذكر الإيمان باليوم الآخر لاندراجه في الإيمان بكتبه.

{لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالى. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كل آمن برسله قائلين ({لَا نُفَرِّقُ}) ولا نميز ({بَينَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}) أي بين آحاد الرسل بأن نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض؛ كما قال اليهود والنصارى و (أحدٌ) هنا بمعنى الجمع أي الآحاد، فلذلك أضيف إليه بين لأنه لا يضاف إلا إلى متعدد، والأحد وضع لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد اسم لمفتتح العدد، والواحد أيضًا الذي لا نظير له، والوحيد الذي لا نصير له قوله ({وَقَالُوا}) معطوف على آمن، وصيغة الجمع باعتبار المعنى، وهو حكاية لامتثالهم الأوامر إثر حكاية إيمانهم، أي قال كل منهم ({سَمِعْنَا}) أي فهمنا ما جاءنا من الحق، وتيقنا بصحته ({وَأَطَعْنَا}) ما فيه من الأوامر والنواهي، قيل لما نزلت هذه الآية قال جبريل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد أثنى عليك وعلى أمتك غسل تعط فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ({غُفْرَانَكَ رَبَّنَا}) أي اغفر لنا غفرانك ربنا، نظير قوله {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] أي فاضربوا، أو نسألك غفرانك ذنوبنا المتقدمة، أو ما لا يخلو عنه البشر من التقصير في مراعاة حقوقك، وهذا الوجه أولى لئلا يتكرر الدعاء بقوله في آخر السورة {وَاغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286] فمسؤولهم هنا الغفران المعلق بمشيئته تعالى في قوله (فيغفر لمن يشاء) في الآية الأولى، وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران، لما أن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول ({وَإِلَيكَ}) ربنا ({الْمَصِيرُ}) أي المرجع، أي الرجوع بالموت والبعث إليك لا إلى غيرك. (فلما فعلوا) أي فعل القوم (ذلك) السمع والطاعة والاستسلام لما شكوا عنه من موجب الآية الأولى بقولهم: سمعنا وأطعنا غفرانك، وقرأوا هذه الآية الثانية (نسخها الله) سبحانه و (تعالى)، أي نسخ الآية الأولى، يعني قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] أي رفع عنهم موجبها ومقتضاها تهوينًا للخطب عليهم، ببيان أن المراد بما في أنفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة، لا ما يعم الخواطر التي لا يستطاع الاحتراز عنها (فأنزل الله) في نسخها (عز) أي اتصف بجميع الكمالات (وجل) أي تنزه عن جميع النقائص، قوله ({لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا}) أي لا يلزم الله نفسًا من النفوس ({إلا وُسْعَهَا}) أي إلا ما تطيق عليه، ويتيسر لها فضلًا منه

لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ورحمة، والتكليف: إلزام ما فيه كلفة ومشقة، والوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، وهذا إخبار من الله تعالى بعد تلقيهم تكاليفه بالسمع والطاعة والاستسلام بآثار فضله ورحمته لهم، إذ كلفهم بما يسهل عليهم ولا يصعب عليهم عمله، وفيه بشارة بغفران ما طلبوا غفرانه من التقصير، وبتيسير ما ربما يُفهم من الآية السابقة {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} إلخ، من المشقة والتعسير ({لَهَا}) أي للنفس ثواب ({مَا كَسَبَتْ}) من الخير الذي كلفت فعله، لا لغيرها استقلالًا أو اشتراكًا ({وَعَلَيهَا}) لا على غيرها بأحد الطريقين المذكورين عقاب ({مَا اكْتَسَبَتْ}) من الشر الذي كلفت تركه، وأضاف الاكتساب إلى الشر لبيان أن النفس مجبولة على فعل الخير والشر، تفعل بالتكلف والتأسي بالناس، ألا ترى أن الطفل ينشأ على الصدق؛ حتى يسمع الكذب من الناس فيتعلمه؛ وهو يشعر بقبحه وقد بسطنا الكلام في هذه الآيات في تفسيرنا "حدائق الروح والريحان" ومن أراد الخوض فيها فليراجعه. وقولوا يا عبادي في دعائكم إياي ({رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا}) أي لا تعاقبنا بما صدر منا بالنسيان أو الخطأ ({إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}) أي إن قصرنا في تكاليفك بالنسيان والخطأ الناشئين عن تفريط وقلة مبالاة، والفرق بينهما أن النسيان ضد العمد، والخطأ ضد الصواب، فيقارنه العمد، كما إذا رمى إنسانٌ صيدًا عمدًا فأخطأ وأصاب إنسانًا فقتله فهذا يُسمى خطأ عمدٍ، وقد بحثنا عن جميع ذلك في تفسيرنا فراجعه. وقوله (قال) الله سبحانه مجيبًا لهم دعاءهم (نعم) أي أجبت لكم دعاءكم فلا نؤاخذكم بالنسيان والخطأ، جواب لشرط محذوف، معلوم من السياق، تقديره فلما قال القوم: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، قال الله تعالى مجيبًا لهم: نعم، أي أجبت لكم دعاءكم هذا. وعبارة المفهم هنا و (نعم) حرف جواب، وهو هنا إجابة من الله سبحانه، لما دعوا به من ترك المؤاخذة، كما قال في الرواية الأخرى عن ابن عباس (قد فعلت) بدل قوله هنا (نعم) وهو إخبار من الله تعالى أنَّه أجابهم في تلك الدعوات، فكل داعٍ يشاركهم في إيمانهم وإخلاصهم واستسلامهم أجابه الله تعالى كإجابتهم؛ لأنَّ وعده تعالى صدق وقوله حق، وكان معاذٌ يختم هذه السورة بآمين كما يختم الفاتحة بها، وهو حسن، رواه أبو

{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قَال: "نَعَمْ" {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قَال: "نَعَمْ" {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر "الدر المنثور 2/ 137). وقولوا يا عبادي ({رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْرًا}) أي حملًا ثقيلًا، يأصر صاحبه أي يحبسه في مكانه والمراد به التكاليف الشاقة ({كَمَا حَمَلْتَهُ}) أي كما حملت الإصر ({عَلَى}) الأمم ({الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}) أي ربنا لا تكلفنا ما يشق علينا فعله كما كلفت من قبلنا من الأمم الذين بعثت فيهم الرسل كبني إسرائيل، إذ كان يجب عليهم قطع موضع النجاسة من الثوب إذا تنجس وكانوا يدفعون ربع المال زكاة، إلى غير ذلك من تكاليفهم، وفي تعليمنا هذا الدعاء بشارة بأنه لا يكلفنا ما يشق علينا كما صرح ذلك في قوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فلما قال القوم هذا الدعاء (قال) الله سبحانه وتعالى (نعم) أي أجبت لكم دعاءكم هذا، فلا أحمل عليكم إصرًا، وقولوا يا عبادي أيضًا ({رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}) من العقوبات، أو من البلايا والمحن، ولا ما يشق علينا من الأحكام، فلما قال القوم ذلك (قال) الله سبحانه (نعم) أي أجبت لكم دعاءكم هذا فلا أحملكم ما لا طاقة لكم به، وقولوا يا عبادي ({وَاعْفُ عَنَّا}) أي وامح عنا آثار ذنوبنا فلا تعاقبنا عليها ({وَاغْفِرْ لَنَا}) أي واستر لنا عيوبنا وذنوبنا عن أعين الملائكة، ولا تفضحنا على رؤوس الأشهاد ({وَارْحَمْنَا}) أي تعطف بنا وتفضل علينا برحمتك الواسعة، وتقديم طلب العفو والمغفرة على طلب الرحمة، لما أن التخلية مقدمة على التحلية ({أَنْتَ مَوْلَانَا}) أي مالكنا، ومتولي أمورنا أو ناصرنا ({فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}) أي أعنا عليهم بإقامة الحجة عليهم، والغلبة عليهم حين قتالهم، أو ادفع عنا شرهم وكيدهم، فإن من حق المولى أن ينصر عبده، ومن يتولى أمره على الأعداء، فلما قال القوم هذا الدعاء (قال) الله سبحانه وتعالى لهم (نعم) أي أجبت لكم دعاءكم هذا. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - شارك المؤلف في روايته أحمد فقط (2/ 412). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى له بحديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال:

233 - (121) (44) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ (قَال إِسْحاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيمَانَ، مَوْلَى خَالِدٍ، قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (233) - ش (121) (44) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا (أبو كريب) محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي ثقة حافظ من العاشرة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه، ثقة حافظ فقيه، من العاشرة، روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه وأتى المؤلف بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لأبي بكر) لا لأبي كريب، ولا لإسحاق تورعًا من الكذب عليهما، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا، وقال الآخران) أبو بكر وأبو كريب (حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهم أي قال كل من الثلاثة روى لنا (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة مات سنة (196) روى عنه المؤلف في ثمانية عشر بابًا تقريبًا. (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري، أبي عبد الله الكوفي، ثقة إمام حجة من السابعة، مات سنة (161) روى عنه المؤلف في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا (عن آدم بن سليمان مولى خالد) بن خالد بن عقبة بن أبي معيط القرشي الأموي مولاهم، أبي يحيى بن آدم الكوفي، ولم يدركه ابنه، روى عن سعيد بن جبير في الإيمان، وعطاء ونافع وآخرين، ويروي عنه (م ت س) والثوري وشعبة وإسرائيل، وثقه النسائي، وله في مسلم فرد حديث في الإيمان، وقال في التقريب: من السابعة، وليس في مسلم من اسمه آدم إلا هذا الصدوق (قال) آدم بن سليمان (سمعت سعيد بن جبير) بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم، مولى بني والبة بن الحارث من بني أسد، أبا عبد الله الكوفي، ثقة إمام حجة من الثالثة، مات سنة (95) كهلًا، قتله الحجاج فما أُمهل بعده، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (يُحدث عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبي العباس الطائفي، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - حبر الأمة، وترجمان

قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]. قَال: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيءٍ. فَقَال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا" قَال: فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَال: قَدْ فَعَلْتُ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ القرآن، له ألف حديث وستمائة وستون حديثًا اتفقا على خمس وسبعين حديثًا، وانفرد (خ) بثمانية وعشرين حديثًا، ومسلم بتسعة وأربعين حديثًا. وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس فإنَّه طائفي، وإلا إسحاق بن إبراهيم فإنَّه مروزي، ذُكر مقارنة (قال) ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (لما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى ({وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}) وقوله (قال) ابن عباس توكيد لفظي لقال الأول، وقوله (دخل قلوبهم) أي قلوب الأصحاب جواب لـ (لَمَّا) أي قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية دخل قلوبهم (منها) أي من مقتضى هذه الآية (شيء) من الخوف والهم (لم يدخل قلوبهم) قبل (من شيء) أي شيء مثله من المخاوف فمن زائدة، وقوله ثانيًا قلوبهم إظهار في مقام الإضمار، و (من) في قوله من شيء زائدة في الفاعل لوقوعها بعد النفي، والمعنى دخل قلوبهم منها شيء من الخوف، لم يدخلها قبل ذلك شيء مماثل له من الخوف، أي دخلها شيء شديد من الخوف لم يروا مثله قبل ذلك، فشكوا منها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال) لهم (النبي - صلى الله عليه وسلم - قولوا سمعنا) كتابك (وأطعنا) رسولك (وسلمنا) أوامرك (قال) ابن عباس (فألقى الله الإيمان) والتصديق (في قلوبهم) وألهمها القبول والاستسلام (فأنزل الله) سبحانه و (تعالى) في إثر ذلك قوله ({لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ}) ولا يلزم ({نَفْسًا}) من النفوس ({إلا وُسْعَهَا}) وطاقتها ({لَهَا مَا كَسَبَتْ}) أي جزاء ما فعلته من الخيرات لا لغيرها ({وَعَلَيهَا}) لا على غيرها عقاب ({مَا اكْتَسَبَتْ}) وافتعلت من الشر ({رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا}) ولا تعاقبنا ({إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}) أي قصرنا في حقوقك بالنسيان والخطأ فلما قالوا هذا الدعاء (قال) الله سبحانه وتعالى لهم (قد فعلت) وأجبت لكم دعاءكم يا عبادي، ثمَّ قالوا ({رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْرًا}) أي تكاليف شاقة ({كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} - قَال: قَدْ فَعَلْتُ {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} [البقرة: 286] قَال: قَدْ فَعَلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}) من الأمم السابقة، فلما قالوا هذا الدعاء (قال) الله سبحانه وتعالى لهم (قد فعلت) وأجبت لكم دعاءكم، ثمَّ قالوا ({وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}) فلما قالوا هذا الدعاء (قال) الله عَزَّ وَجَلَّ (قد فعلت) وأجبت لكم دعاءكم. وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - شارك المؤلف رحمه الله تعالى في روايته الترمذي والنسائيُّ في الكبرى جميعًا في التفسير عن أبي بكر، وأبي كريب، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمود بن غيلان أربعتهم عن وكيع عن سفيان، وقال الترمذي: حديث حسن. ***

65 - (24) باب: تجاوز الله تعالى لهذه الأمة عن حديث النفس وخواطرها

65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا 234 - (122) (45) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 65 - (24) بَابُ: تَجَاوُزِ اللهِ تَعَالى لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الأحاديث التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى تجاوز وسامح لهذه الأمة المحمدية ببركة نبيها عليه الصلاة والسلام حديث النفس، وخواطر القلوب إذا لم تقل، أو لم تفعل. واعلم أن للنفس ثلاث أمور: خاطر لا يُقصد ولا يندفع ولا يستقر، وهَمٌّ، وعَزْمٌ. فالخاطر خافت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن يكونوا كُلفوا بالتحفظ منه، ثمَّ رفع هذا الخوف، وأما الهم: وهو حديث النفس اختيارًا أن تفعل ما يوافقها فغير مؤاخذ به لحديث: "إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها"، وأما العزم: وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل، فقال الجمهور إنه غير مؤاخذ به لظاهر هذه الأحاديث الآتية، وقال القاضي: إنه مؤاخذ به، واحتج له بحديث: "إذا اصطف المسلمان بسيفيهما فالق حريصًا على قتل صاحبه" فإثمه بالحرص، وأجيب بأن اللقاء وإشهار السلاح فعلٌ، وهو المراد بالحرص اهـ أبي بتصرف. (234) - س (122) (45) (حدثنا سعيد بن منصور) بن عثمان بن شعبة، أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ومات بها، ولد بجوزجان، ونشأ ببلخ، وكان حافظًا جوالًا، روى عن أبي عوانة، وحسان بن إبراهيم، وفليح بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وأبي معاوية، ومروان بن معاوية، وأبي الأحوص، وخلائق، ويروي عنه (ع) وأحمد بن حنبل ورفع شأنه وفخم أمره، و (م) فأكثر، قال حرب الكرماني: أملى علينا عشرة آلاف حديث من حفظه، وقال في التقريب: ثقة مصنف، وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به، مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وقيل من العاشرة. روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة، والحج في أربعة مواضع،

وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنكاح، واللعان، والجهاد في ثلاثة مواضع، والفضائل، والبر، والدعاء، والقدر، والفتن، وصفة الجنة، والزهد، وصفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها خمسة عشر بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (محمَّد بن عبيد) بن حِسَاب -بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره باء موحدة- (الغُبَري) بضم الغين المعجمة، وفتح الباء الموحدة نسبة إلى بني غبر، الحافظ البصري، روى عن أبي عوانة، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وجماعة، ويروي عنه (م د س) وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعبد الله بن أحمد، وبقيُّ بن مخلد، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان، والجنائز، والأدب، وفي "المرء مع من أحب" وغيرها، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لسعيد) تورعًا من الكذب على الآخرين (قالوا) أي قال كلٌّ من الثلاثة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري، وقيل الكندي الواسطي البزاز، مشهور بكنيته، أحد الأئمة الأعلام، روى عن قتادة، وسماك بن حرب، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وأبي بشر، والأعمش، والحكم بن عتيبة، وأبي مالك الأشجعي، وخلائق لا يحصون، ويروي عنه (ع) وسعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، والغبري، وأبوالوليد، وأبو كامل، والقواريري، وشيبان بن فروخ، وخلائق، ثقة ثبت من السابعة، مات سنة (176) ست وسبعين ومائة، وليس من اسمه وضاح عندهم إلا هذا الثقة. روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة في أربعة مواضع، والحج في موضعين، والزكاة، والصوم في ثلاثة مواضع، والبيوع في موضعين، والنكاح في ثلاثة مواضع، والأدب في موضعين، والنذور، والفضائل في موضعين، والأحكام، والجهاد في أربعة مواضع وصفة الأنبياء، والصيد، والأشربة، والأطعمة في موضعين، واللباس، وفي من مات عنها ثلاثة من الأولاد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة عشر بابًا تقريبًا.

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن قتادة) بن دعامة السدوسي، أبي الخطاب البصري الأكمه، حافظ مفسر مدلس، ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة، روى عنه المؤلف في ستة وعشرين بابًا تقريبًا (عن زُرارة) بضم أوله (بن أوفى) العامري الحرشي بمهملتين مفتوحتين، وشين معجمة، نسبة إلى بني الحَرِيش بن كعب بن ربيعة، أبي حاجب البصري قاضيها، روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في الإيمان والنكاح، وعمران بن حصين في الصلاة والحدود والفضائل، وسعد بن هشام في الصلاة والدعاء، وأُسير بن جابر في الفضائل، ويروي عنه (ع) وقتادة، وعلي بن زيد بن جدعان، وأيوب، وعوف بن أبي جميلة، وقال في التقريب: ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة سنة (93) ثلاث وتسعين، وليس في مسلم من اسمه زرارة إلا هذا الثقة فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد مدني وواحد واسطي، إلا سعيد بن منصور فإنَّه خراساني، وقتيبة فإنَّه بغلاني، ذكرهما للمقارنة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله) سبحانه وتعالى (تجاوز لأمتي) أي سامح لهم (ما حدثت) وخطرت (به أنفسها) أي أنفس أمتي (ما لم يتكلموا) إن كان قولًا (أو يعملوا به) إن كان فعلًا. قوله (ما حدثت به أنفسها) قال النواوي: ضبط العلماء أنفسها بالنصب وبالرفع، وهما ظاهران، إلا أن النصب أظهر وأشهر، قال القاضي عياض: ويدل على النصب قوله: "إن أحدنا يحدث نفسه" قال الطحاوي: وأهل اللغة يقولون "أنفسها" بالرفع يريدون بغير اختيارها كما قال تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] قال ابن رشد: روي الحديث بالوجهين فمعنى الرفع ما وقع من الخطرات دون قصد، ومعنى النصب ما حدثت به أنفسها أن تفعله ولم تفعله، قال: ويؤيد هذا لفظ التجاوز، لأنه إنما يكون عما اكتسب. وفي المفهم قوله "ما حدثت به أنفسها" روايتنا نصب أنفسها على أنَّه مفعول حدثت، وفي حدثت ضمير فاعل عائد على الأمة، وأهل اللغة يقولون (أنفسها) بالرفع

235 - (. . .) (. . .) حدَّثنا عَمْروٌ النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنَّه فاعل حدثت، يريدون بغير اختيار، قاله الطحاوي، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه وقال القرطبي: يعني إن الذي لا يؤاخذ به هي الأحاديث الطارئة التي لا ثبات لها ولا استقرار في النفس، ولا ركون إليها، وهذا نحو مما قاله القاضي أبو بكر في قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: "إذا همَّ عبدي بحسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها له عشرًا، وإذا همَّ بسيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له سيئة واحدة" قال القاضي: إن الهم ها هنا ما يمر بالفكر من غير استقرار ولا توطين، فلو استمر ووطن نفسه عليه لكان ذلك هو العزم المؤاخذ به أو المثاب عليه، وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ولا يلتفت إلى قول من خالفهم في ذلك، فزعم أن ما يهم به الإنسان وإن وطن نفسه عليه لا يؤاخذ به متمسكًا في ذلك بقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لم يعمل أو يتكلم به" ومن لم يعمل بما عزم عليه ولا نطق به فلا يؤاخذ به، وهو متجاوز عنه، والجواب عن الآية: أن من الهم ما يؤاخذ به، وهو ما استقر واستوطن، ومنه ما يكون أحاديث لا تستقر فلا يؤاخذ بها كما شهد به الحديث، وما في الآية من القسم الثاني لا من الأول اهـ مفهم بتصرف. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 393 و 435 و 474 و 481) والبخاري (2528) وأبو داود (2209) والترمذي (1183) والنسائيُّ (6/ 156 - 157) وابن ماجه (2040). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (235) - متا (. . .) (. . .) (حدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ، وَهِمَ في حديث، من العاشرة مات سنة (232) اثنتين وثلاثين ومائتين روى عنه المؤلف في عشرة أبواب (و) حدثنا أيضًا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي بمهملتين مفتوحتين بعدهما معجمة، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه.

قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّار. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالا) أي قال كلٌّ من عمروٍ وزهير (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي القرشي مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن علية اسم أمه، ثقة حافظ من الثامنة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في خمسة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا علي بن مسهر) بضم الميم بسكون المهملة وكسر الهاء، القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (189) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا، (و) حدثنا أيضًا (عبدة بن سليمان) الكلابي من أنفسهم، أبو محمَّد الكوفي، يقال: اسمه عبد الرحمن، روى عن سعيد بن أبي عروبة، وصالح بن صالح بن حيٍّ، وطلحة بن يحيى، وهشام بن عروة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، والثوري، وعبيد الله بن عمر، والأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخلائق، ويروي عنه (ع) وأحمد، وإسحاق، وهنَّاد بن السري، وعمرو الناقد، وعثمان بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وأبو كريب، ثقة ثبت من صغار الثامنة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة في ستة مواضع، والحدود، وذكر الأنبياء، والحج، واللعان، والديات، والفضائل في موضعين، وحق الجار، والنكاح، والجهاد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها اثنا عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (ح) أي حول المؤلف السند أيضًا (و) قال (حدثنا) محمَّد (بن المثنى) بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) محمَّد (بن بشار) بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) كلٌّ من المحمدين (حدثنا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي)، وقيل: اسمه إبراهيم السلمي مولاهم، أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات

كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (194) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه (كلهم) أي كل من إسماعيل بن إبراهيم، وعلي بن مسهر، وعبدة بن سليمان، وابن أبي عدي (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم، أبي النضر البصري، الحافظ العلم، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة، مات سنة (156) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي، أبي الخطاب البصري (عن زرارة) بن أوفى العامري، أبي حاجب البصري (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي، المدني، وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من سداسياته، الأول منها: رجاله أربعة منهم بصريون، وواحد منهم مدني، وواحد منهم بغدادي أو نسائي، والثاني منها: رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد مدني، واثنان كوفيان، والثالث منها: كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأنَّ سعيد بن أبي عروبة، كان أثبت من أبي عوانة، ومن غيره في حديث قتادة كما مر آنفًا، وكرر متن الحديث في هذه الرواية لما فيها من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات، فلا اعتراض عليه في تكرار الحديث متنًا وسندًا، لأنه لغرض (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله عَزَّ وَجَلَّ تجاوز لأمتي عما) بزيادة الجار هنا على الرواية الأولى، أي عن ما (حدثت) وخطرت (به أنفسها) بالرفع والنصب على الوجهين أيضًا (ما لم تعمل) أمتي ذلك الخاطر، إن كان من الأعمال كالشرب والزنا والقتل مثلًا (أو) ما لم (تكلم به) أي بذلك الخاطر إن كان من الأقوال كالكذب والشتم والقذف مثلًا. قال الأبي: ليس في هذا الحديث ما يقتضي أن هذا التجاوز خاص بهذه الأمة، وفي العتبية قال رجل من أصحاب عيسى - عليه السلام -: إنك تمشي على الماء؟ ! فقال له عيسى: وأنت إن كنت لم تخطِ تمشي على الماء، فقال: لم أخط خطية قط، فقال له عيسى - عليه السلام -: فامش على الماء فمشى ذاهبًا، فلما رجع غرق ببعض الطريق، فدعا

236 - (. . .) (. . .) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ وَهِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى - عليه السلام - فأخرج، فقال له عيسى - عليه السلام -: ألم تزعم أنك لم تخط؟ ! فقال: لم أخط قط، ولكن وقع في نفسي أني مثلك، قال ابن رشد: هذا الذي عُوقب به صاحب عيسى - عليه السلام - يدل على أن هذا التجاوز خاص بهذه الأمة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (236) - متا (. . .) (. . .) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة من العاشرة، قال زهير (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة من التاسعة، قال وكيع (حدثنا مسعر) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح المهملة، بن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه بن ظهير بن عبيدة الهلالي العامري، من قيس عيلان، أبو سلمة الكوفي، أحد الأعلام، روى عن قتادة، وأبي صخر جامع بن شداد، والمقدام بن شريح، وواصل، والحكم بن عتيبة، وعبد الملك بن عمير، وأبي عون الثقفي، وعدي بن ثابت، وخلائق، ويروي عنه (ع) ووكيع، وسليمان التيمي، وأبو أسامة، ومحمد بن بشر، وابن أبي زائدة وعبد الله بن نمير، ويحيى القطان، ويحيى بن آدم، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل، وقال أحمد: كان ثقة خيارًا، حديثه حديث أهل الصدق، وقال ابن معين: ثقة، وقال ابن عمار: مسعر حجة، ومن بالكوفة مثله؟ ! من السابعة مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، وليس في مسلم مسعر إلا هذا، روى المؤلف عنه في الإيمان، والوضوء في موضعين، والصلاة في ثلاثة مواضع، والصوم والحج في موضعين، والجهاد في موضعين، والقدر والطب في موضعين والدعاء والزهد، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها عشرة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (هشام) بن أبي عبد الله، سنبر الدستوائي، أبو بكر البصري، ثقة ثبت من كبار السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج، أبو يعقوب التميمي المروزي، ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (251) روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، قال إسحاق (أخبرنا الحسين بن علي) بن

عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ شَيبَانَ. جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوليد الجعفي مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد من التاسعة، مات سنة (203) روى عن زائدة في الإيمان والصلاة وغيرهما، ومجمع بن يحيى في الفضائل في ثلاثة أبواب (عن زائدة) بن قدامة، أبي الصلت بفتح أوله وسكون ثانيه الكوفي، ثقة ثبت صاحب سنة، من السابعة مات سنة (160) روى عنه المؤلف في عشرة مواضع (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم، النحوي نسبة إلى نحو بن شمس من الأزد، لا إلى علم النحو، أبي معاوية البصري ثمَّ الكوفي ثمَّ البغدادي، ثقة صاحب كتاب من السابعة، مات سنة (164) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا. وقوله (جميعًا) حال من مسعر وهشام في السند الأول، ومن شيبان في هذا السند، أي روى كلٌّ من هؤلاء الثلاثة حالة كونهم مجتمعين، أي متفقين في الرواية (عن قتادة) بن دعامة البصري (بهذا الإسناد) يعني عن زرارة البصري، عن أبي هريرة المدني (مثله) أي مثل ما روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وهذان السندان، الأول منهما: من سداسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان، واثنان بصريان، وواحد نسائي، والسند الثاني: من سباعياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان بصريان، وواحد مدني، وواحد مروزي، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة مسعر وهشام وشيبان لسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وأتى بحاء التحويل في السند الثاني منهما لاختلاف شيخي شيخيه فلا يمكن الجمع بينهما، ولم يكرر متن الحديث هنا لاتحاد الحديثين لفظًا ومعنىً، كما دل عليه التعبير بقوله: مثله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

66 - (25) باب: كتابة الحسنة للمؤمن بمجرد همها، وعدم كتابة السيئة عليه بمجرد الهم

66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ 237 - (123) (46) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 66 - (25) بَابُ: كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ لِلْمُؤْمِنِ بِمُجَرَّدِ هَمِّهَا، وَعَدَمِ كِتَابَةِ السَّيِّئَةِ عَلَيهِ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ أي هذا بابٌ معقودٌ في ذكر الأحاديث التي تدل على أن الحسنة تكتب للمؤمن بمجرد الهم، وعلى أن السيئة لا تكتب عليه بمجرده، وذلك بفضل الله تعالى، وسعة رحمته عليهم. (237) - س (123) (46) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثبت ثقة من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي، أبو خيثمة الحرشي، ثقة من العاشرة (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي أبو يعقوب المروزي، ثقة من العاشرة، مات سنة (238) وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لأبي بكر) لا لغيره، تورعًا من الكذب على الآخرين، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا، وقال الآخران) أبو بكر وزهير (حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهم، أي قالوا روى لنا سفيان (بن عيينة) بن أبي عمران، ميمون الهلالي مولاهم أبو محمَّد الأعور الكوفي ثمَّ المكي، ثقة حافظ إمام حجة إلا أنَّه تغير حفظه في آخره، وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، من الثامنة، مات سنة (198) روى عنه المؤلف في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا، كما مر بيانه. (عن) عبد الله بن ذكوان القرشي الأموي مولاهم، الشهير بـ (ــأبي الزناد) أبي عبد الرحمن المدني، قال أحمد: أبو الزناد أمير المؤمنين، وقال البخاري: أصح الأسانيد: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الخامسة، مات فجأة سنة (130) ثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا.

عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم، أبي داود القارئ المدني، ثقة ثبت عالم من الثالثة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة بالإسكندرية، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان كوفيان، أو كوفي ونسائي، أو كوفي ومروزي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيما يرويه عن ربه (قال الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص، وهذا الآتي من الأحاديث القدسية (واعلم) أن الوحي ثلاثة أقسام: قرآن، وحديث قدسي، وحديث نبوي، فالقرآن: هو اللفظ المنزل على سيدنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - المتعبد بتلاوته، المعجز بأقصر سورة منه، والحديث القدسي: هو اللفظ المنزل على سيدنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - من غير تعبد بتلاوته ولا إعجاز، والحديث النبوي: هو الوحي المنزل على سيدنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - المعبر عنه بلفظ من عنده، فالقرآن والحديث القدسي نزل لفظهما من عند الله سبحانه وتعالى، والحديث النبوي نزل معناه من عند الله تعالى، وعبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ من عنده. (إذا هم) وقصد (عبدي بـ) ــارتكاب (سيئة) ومعصية، ولم يعزم عليه، كما قاله القاضي ومعناه عند غيره إذا عزم عليها ولم يفعلها، والفرق بين الهم والعزم أن الهم حديث النفس اختيارًا، أن تفعل ما يوافقها، والعزم تصميم النفس وتوطينها على الفعل، والمعنى إذا قصد ارتكابها ولم يفعلها، سواء عزم في قصده أم لا (فلا تكتبوها) أي فلا تكتبوا يا ملائكتي تلك السيئة التي هم بها (عليه) أي على عبدي (فإن عملها) أي فإن عمل تلك السيئة عامدًا مختارًا (فاكتبوها) أي فاكتبوا تلك السيئة عليه (سيئة) واحدة لا تزيدوا عليها كالحسنة (وإذا هم) أي قصد عبدي (بحسنة) أي بفعل حسنة وعزم عليه (فلم يعملها فاكتبوها) أي فاكتبوا تلك الحسنة التي عزم عليها، أو هم بها (حسنة) كاملة (فإن عملها) أي فإن عمل تلك الحسنة التي هم بها (فاكتبوها) أي فاكتبوا له تلك الحسنة التي فعلها أو قالها (عشرًا) أي بعشر حسنات، وهذا أقل ما تضاعف به الحسنة.

238 - (. . .) (. . .) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي هذا الحديث دليل على أن الحفظة تكتب أعمال القلوب، خلافًا لمن قال إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 315). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (238) - (. . .) (. . .) (حدثنا) وفي بعض النسخ حدثني (يحيى بن أيوب) العابد المقابري، أبو زكريا البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) وله (77) سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (قتيبة) بن سعيد الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا علي (بن حجر) بن إياس بن مقاتل السعدي، أبو الحسن المروزي، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي مولاهم، أبو إسحاق المدني، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (وهو ابن جعفر) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، صدوق ربما وهم من الخامسة، مات سنة (133) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم المدني، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، ويروي عنه (م عم) وابنه العلاء، ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، وواحد بغدادي أو بغلاني أو مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وغرضه بهذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث وبالزيادة.

عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بحَسَنَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبْتُهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ أَكْتُبْهَا عَلَيهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كتَبْتُهَا سَيِّئَةً وَاحِدَةً". 239 - (. . .) (. . .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) فيما يرويه عن ربه (قال الله عَزَّ وَجَلَّ إذا هم) وقصد (عبدي) المؤمن (بحسنة) وإن لم يعزم عليها (ولم يعملها كتبتها له حسنة) واحدة (فإن) هم بها و (عملها كتبتها) أي كتبت تلك الحسنة الواحدة التي عملها له مضاعفًا لها (عشر حسنات) وفي بعض النسخ "كتبتها له عشر حسنات" وما فوقها (إلى سبعمائة ضعف) وما فوقها، بدليل الرواية الآتية (وإذا هم) وقصد عبدي (بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة) ولم أزدها عليه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (239) - متا (. . .) (. . .) (وحدثنا محمَّد بن رافع) بن أبي زيد القشيري، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا. قال ابن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (211) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل من السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب (عن همام بن منبه) بن كامل بن سِيِج اليماني، أبي عقبة الصنعاني، ويقال: الذماري، من أبناء فارس، والذمار قرية من قرى صنعاء على مرحلتين منها، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، ومعاوية بن أبي سفيان في الزكاة، ويروي عنه (ع) ومعمر بن راشد،

قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةٌ مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا". وَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "قَالتِ الْمَلائِكَةُ: رَبِّ، ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً (وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ) فَقَال: ارْقُبُوهُ. فَإِنْ عَمِلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخوه وهب بن منبه في الزكاة، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة على الصحيح (قال) همام (هذا) الحديث الآتي (ما حدثنا) به (أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (عن محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم صنعانيان، وواحد مدني، وواحد بصري، وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث في هذه الرواية لما فيها من المخالفة لسائر الروايات في سوق الحديث، ولما فيها من الزيادة الكثيرة. (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة رواها عن أبي هريرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة أنَّه قال (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله عَزَّ وَجَلَّ إذا تحدث) وخطر وقصد (عبدي بأن يعمل حسنة) طلبًا لمرضاتي (فأنا أكتبها له حسنة) واحدة (ما لم يعملـ) ــها (فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها وإذا تحدث) عبدي (بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها) وأسترها (له ما لم يعملها فإذا عملها) عامدًا عالمًا مختارًا (فأنا أكتبها له) أي عليه (بمثلها) لا أزيد عليها ولا أضاعفها كالحسنة. (و) منها أنَّه قال (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الملائكة) يعني الحفظة أي تقول يا (رب ذاك) الخاطئ في قصده (عبدك يريد) أي يقصد (أن يعمل سيئة وهو) أي والحال أنَّه سبحانه وتعالى (أبصر) وأعلم (به) أي بذلك العبد منهم (فقال) الله سبحانه وتعالى أي فيقول الله سبحانه لهم (ارقبوه) أي ارقبوا ذلك العبد الذي يريد أن يعمل سيئة وانتظروه وأمهلوه ولا تستعجلوا به (فإن عملها) أي عمل تلك السيئة التي

فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ". وَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِمِثْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أرادها (فاكتبوها له) أي عليه (بمثلها) أي بعقوبة واحدة مثلها لا تزيدوا عليها (وإن تركها) أي ترك عمل تلك السيئة التي أرادها (فاكتبوها) أي فاكتبوا تركه إياها (له) أي لذلك العبد (حسنةً) كاملة لأنه (إنما تركها من جراي) بالقصر مع تشديد الراء وفتح الياء، أي من أجلي، وخوف عقوبتي، وفي نسخة من جرائي بالمد وهو لغة فيه، وتشديد الراء وتخفيفها على اللغتين، وفتح الياء وسكونها فيهما وفي نهاية ابن الأثير: أن امرأة دخلت النار من جرا هرة، أي من أجلها. وعبارة القرطبي هنا من جراء أي من أجل، وهي مشددة الراء في اللغتين، وقد خففت معهما، ومقصود هذا اللفظ أن الترك للسيئة لا يكتب حسنة إلا إذا كان خوفًا من الله تعالى، أو حياءً من الله، وأيهما كان فذلك الترك هو التوبة من ذلك الذنب، وإذا كان كذلك فالتوبة عبادة من العبادات إذا حصلت بشروطها، أذهبت السيئات وأعقبت الحسنات. وقوله تعالى (إنما تركها من جراي) إخبارٌ منه تعالى للملائكة بما لم يعلموا من إخلاص العبد في الترك، ومن هنا قيل: إن الملائكة لا تطلع على إخلاص العبد، وقد دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سأله عن الإخلاص ما هو؟ فقال: "قال الله عَزَّ وَجَلَّ: هو سرٌّ من سرِّي استودعته قلب من أحببت من عبادي"، وفي الحديث الآخر الذي يقول الله تعالى فيه للملائكة التي تكتب الأعمال حين تعرضها عليه: "ضعوا هذا واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرًا، فيقول الله: إن هذا كان لغيري، ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي" رواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح، ورواه البزار والبيهقيُّ في الشعب. (و) منها أنَّه قال (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحسن) وأخلص (أحدكم) أيها المؤمنون (إسلامه) وإيمانه من النفاق (فكل حسنة يعملها تكتب) له (بعشر أمثالها) وبما فوقها (إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب) عليه (بمثلها) فلا يزاد

حَتَّى يَلْقَى اللهَ". 240 - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، وقوله (حتى يلقى الله) سبحانه وتعالى بموته، وهو كناية عن الموت غاية لكتابة الحسنة له والسيئة عليه، على الكيفية المذكورة، ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (240) - متا (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. قال أبو كريب (حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان - بتحتانية - الأزدي الجعفري الكوفي، وثقه ابن معين، وابن المديني، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة، مات سنة (189) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا. (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي، أبي عبد الله البصري، نسبة إلى قراديس بطن من الأزد، وكان مولى العتيك، وإنما نسب إلى القراديس لأنه كان نازلًا في درب القراديس، وكان من البكائين، روى عن محمَّد بن سيرين في الإيمان والصلاة، والحسن البصري، وأبي معشر زياد، وحميد بن هلال في الوضوء، وقيس بن سعد في الصلاة، وحفصة بنت سيرين في الصلاة والجنائز والطلاق والجهاد، وأيوب بن موسى في الحدود، وعن أيوب غير منسوب لا أدري هو السختياني أو ابن موسى، ويروي عنه (ع) وأبو خالد الأحمر، وزائدة، والمعتمر وعبد الأعلى، وابن علية، وجرير بن عبد الحميد، والحمادان، والسفيانان، وخلائق، وضعفه القطان عن عطاء، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، من السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، أول يوم من صفر، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء، والصلاة في ثلاثة مواضع، والجنائز، والطلاق والجهاد، والحدود، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها سبعة أبواب تقريبًا (عن) محمَّد (بن سيرين) الأنصاري مولاهم، إمام وقته، ثقة ثبت عابد كبير القدر، من الثالثة مات سنة (110) عشر ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ". 241 - (124) (47) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله اثنان منهم كوفيان، واثنان بصريان، وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمَّد بن سيرين لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للروايات السابقة في سوق الحديث. (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من همَّ) وقصد (بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة) واحدة (ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشرًا) وما فوقها (إلى سبعمائة ضعف ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب) تلك السيئة عليه بمجرد الهم (وإن عملها كتبت) عليه سيئة واحدة. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال: (241) - ش (124) (47) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي -بفتح المهملة والموحدة - مولاهم، أبو محمَّد الأبلي -بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام - صدوق يهم، ورُمي بالقدر، قال أبو حاتم: اضطر الناس إليه أخيرًا، من صغار التاسعة مات سنة (236) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، قال شيبان (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي العنبري، أبو عبيدة البصري، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وله يوم مات (78) ثمان وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن الجعد) بن دينار اليشكري - بتحتانية مفتوحة بعدها معجمة ساكنة وكاف مضمومة - الصيرفي (أبي عثمان) البصري، صاحب الحُلى -بضم الحاء المهملة وفتح اللام المخففة - جمع حلية، روى عن أبي رجاء العطاردي في الإيمان والجهاد، وأنس في الفضائل

حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى؛ قَال: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ. فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنكاح والأدب وغير ذلك، ويروي عنه (خ م د ت س) وعبد الوارث، وجعفر بن سليمان، وأبو عوانة، ومعمر، وحماد بن زيد، وشعبة، وغيرهم، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا قال: (حدثنا أبو رجاء) اختلف في اسم أبيه، قيل: اسمه عمران بن ملحان -بكسر الميم وسكون اللام- وقيل: ابن تيم، وقيل: ابن عبد الله (العطاردي) مشهور بكنيته، البصري مخضرم، أسلم قبل فتح مكة، روى عن ابن عباس في الإيمان وآخر الدعاء، وعمران بن حصين في الصلاة والحج، وسمرة بن جندب في الرؤيا، وعمر وعلي وعائشة، وشهد معها يوم الجمل، ويروي عنه (ع) والجعد أبو عثمان، وأيوب، وعوف الأعرابي، وجرير بن حازم، وقال ابن سعد: له علم بالقرآن، أمَّ قومه أربعين سنة (40) ووثقه ابن معين، وقال في التقريب: مخضرم ثقة معمر، مات سنة (105) خمس ومائة، قال عمرو بن علي، وكان جاهليًّا، وأصابه سبيٌ، وأصله من اليمن، وبلغ ثلاثين ومائة (130) (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهاشمي الطائفي، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد أبلي، وواحد طائفي (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي) ويحدث بمعناه لا بلفظه فهو حديث نبوي لا قدسي (عن ربه تبارك) أي أكثر خيره وإحسانه لعباده (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من صفات النقص (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن الله) سبحانه وتعالى (كتب) أي قدر في سابق علمه مكتوبًا في اللوح المحفوظ (الحسنات) والخيرات، وهي كل ما فيه ثواب واجبًا كان أو مندوبًا (والسيئات) والمنكرات، وهي كل ما فيه عقاب كأن كتب أن الصلاة والزكاة والصيام مثلًا حسنة، وأن الزنا والقتل والقذف والسرقة مثلًا سيئة (ثمَّ بيَّن) سبحانه وتعالى (ذلك) المكتوب في علمه لعباده المكلفين على ألسنة رسله، قطعًا لعذرهم (فمن همَّ) وقصد (بـ) ــعمل (حسنة) من تلك الحسنات المكتوبة أزلًا (فلم يعملها) أي لم يُقدَّر له عملها (كتبها) أي كتب (الله) سبحانه وتعالى تلك الحسنة المقصودة له محفوظة له (عنده) تعالى

حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً. وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً". 242 - (. . .) (. . .) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها عَزَّ وَجَلَّ) له محفوظة (عنده) تعالى (عشر حسنات) وما فوقها (إلى سبعمائة ضعف) وما فوقها (إلى أضعاف كثيرة) لا يعلم مقدارها إلا الله سبحانه وتعالى، قال النووي: ففي قوله إلى أضعاف كثيرة تصريح بالمذهب الصحيح المختار عند العلماء، أن التضعيف لا يقف على سبعمائة ضعف، وحكى أبو الحسن أقضى القضاة الماوردي عن بعض العلماء: أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ضعف، وهو غلط لهذا الحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. (وإن همَّ بسيئة) وقصد عملها (فلم يعملها) أي لم يُقدر عليه عملها، خوفًا من الله تعالى لا لحياء من الناس كما يدل عليه ما جاء في الحديث الآخر: "إنما تركها من جراي" فصار تركه لها خوف الله تعالى، ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء، وعصيانه هواه حسنة، قاله القاضي (كتبها الله) أي كتب خصلة تركه إياها خوفًا منه حالة كونها محفوظة (عنده) تعالى (حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله) تعالى (سيئة واحدة) بلا تضعيف، ولم يقيد هنا السيئة المكتوبة بقوله عنده إشارة إلى أنها قد تمحى بالتوبة والاستغفار، أو بمحض فضله تعالى، كما سيأتي في الرواية الآتية، وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شارك المؤلف في روايته البخاري في كتاب الرقاق، والنسائيُّ في الكبرى في كتاب الرقائق، وفي النعوت، وغرضه بذكره الاستشهاد لحديث أبي هريرة كما مر آنفًا. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (242) - متا (. . .) (. . .) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام حجة، من العاشرة مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا، قال يحيى (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم الضاد المعجمة، وفتح الموحدة، نسبة إلى

عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَزَادَ "وَمَحَاهَا اللهُ، وَلا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إِلا هَالِكٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ضبيعة مصغرًا، لأنه نزل فيهم، أبو سليمان البصري الزاهد، وثقه أحمد وابن معين، وفيه شيء مع كثرة علومه، قيل: كان أمِّيًا، وهو من زهاد الشيعة، وقال في التقريب: صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة مات سنة (178) ثمان وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (عن الجعد) بن دينار (أبي عثمان) البصري، والجار والمجرور في قوله (في هذا الإسناد) متعلق بقوله: حدثنا جعفر، ولفظة (في) بمعنى الباء، وعدل إلى في فرارًا من توالي حرفي جرٍّ مُتَّحِدي المعنى متعلقين بعامل واحد، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع، وهو عبد الوارث المذكور في السند السابق، وكذا الجار والمجرور في قوله: (بمعنى حديث عبد الوراث) متعلق بقوله: حدثنا جعفر، والمعنى حدثنا جعفر بن سليمان عن الجعد أبي عثمان بهذا الإسناد يعني عن أبي رجاء عن ابن عباس، بمعنى حديث عبد الوارث عن الجعد أبي عثمان، وهذا السند أيضًا من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد طائفي، وواحد نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جعفر بن سليمان لعبد الوارث في رواية هذا الحديث عن الجعد أبي عثمان، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، لأنَّ جعفر بن سليمان لا يصلح لتقوية عبد الوارث، لأنه صدوق، وعبد الوارث ثقة. (وزاد) جعفر بن سليمان على عبد الوارث في روايته لهذا الحديث بعد قوله "كتبها الله سيئة واحدة" (ومحاها الله) أي ومحى الله سبحانه وتعالى تلك السيئة الواحدة المكتوبة عليه بعمله إياها وأزال أثرها عن صحف الملائكة بمحض فضله، أو باستغفاره عنها، أو بتكفير حسناته إياها وكلمة (على) في قوله (ولا يهلك على الله إلا هالك) بمعنى مع، ولكنه على تقدير مضاف، أي وإذا كان الأمر هكذا فلا يهلك مع سعة رحمته تعالى، وواسع فضله إلا هالك، أي إلا من حتم هلاكه أزلًا، وسُدت عليه أبواب الهدى، وكُتب عليه الحرمان من فضل الله تعالى ورحمته، مع سعة رحمة الله تعالى وفضله، وجعله السيئة حسنة إذا لم يعملها وإذا عملها واحدة، وجعله الحسنة إذا لم يعملها واحدة، وإذا عملها عشرًا إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، فمن حُرم هذه الرحمة الواسعة، وفاته هذا الفضل العظيم، وكثرت سيئاته حتى غلبت مع أنها أفراد قليلة حسناته، مع أنها أضعاف كثيرة، فهو الهالك المحروم، والله تعالى أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولن يهلك على الله إلا هالك" قال القاضي عياض: لأنه تعالى أكثر الحسنات فكتب بترك السيئة حسنة، وكتب الهمَّ بالحسنة حسنة، وإن عملها كتبها عشرًا إلى سبعمائة ضعف وأكثر، وقلل السيئات فلم يكتب الهم بالسيئة، وكتبها إن فعلت واحدة فلن يهلك مع سعة هذه الرحمة إلا من حقت عليه الكلمة انتهى. قال السنوسي: قوله (ولا يهلك على الله إلا هالك) الظاهر أن على بمعنى مع على حذف مضاف، أي لا يهلك مع فضل الله إلا هالك، أي محروم في علم الله تعالى، ونكتة التعبير بعلى التنبيه على ضعف العباد وأنهم لا يستطيعون لأنفسهم النهوض إلى شيء، لكنه تعالى تفضل بالهداية، وإكمال العقل، ودفع الموانع أولًا، ثم تفضل مع ذلك بتضعيف الثواب والمن بعلى الدرجات ثانيًا، فقد حمل بفضله المؤن كلها في ذلك، وبالغ في رفقه بالسير بالعباد في مراشدهم بحيث لا يهلك على هذا الفضل المركوب الهني السهل بحسب الظاهر إلا هالك، وجعل هذا الفضل مركوبًا لكل عاقل لركوبه على أسبابه العادية من العقل وغيره، من أسباب الهدايات، وتمكنه منها ثمَّ مع ذلك يسقط عن ظهرها ويهلك من سبق عليه من الله تعالى الشقاء، فكأنه متلبس بالهلاك حينئذ، والهلاك الواقع لا يمكن رفعه، وهذا نكتة التعبير باسم الفاعل الذي هو هالك للمبالغة في جعله ملتبسًا بالهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم الطف بنا بفضلك العميم الواسع في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين انتهى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول: حديث أبي هريرة، وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث ابن عباس، وذكر فيه متابعة واحدة.

67 - (26) باب: استعظام الوسوسة في الإيمان محض الإيمان وصريحه وخالصه

67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ 243 - (125) (48) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَال: "وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ" قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 67 - (26) بَابٌ: اسْتِعْظَامُ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ مَحْضُ الإِيمَانِ وَصَرِيحُهُ وَخَالِصُهُ أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان أن استعظام الوسوسة الواقعة في الإيمان، والخوف من وقوعها من محض الإيمان وخالصه، فلا تقتضي نقصًا في إيمانه. (243) - س (125) (48) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم، أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابا، قال زهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا (عن سهيل) بن أبي صالح ذكوان السمان، أبي يزيد المدني، صدوق من السادسة، مات في خلافة المنصور، قال ابن عيينة: كنا نعد سهيلًا ثبتًا في الحديث، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان الزيات المدني، مولى جويرية بنت الحارث امرأة من قيس، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (101) إحدى ومائة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد كوفي، وواحد نسائي (قال) أبو هريرة (جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فسألوه) فقالوا (إنا نجد) يا رسول الله (في أنفسنا) أي قلوبنا (ما) أي وسواسًا (يتعاظم أحدنا) أي يعدُّ أحدنا (أن يتكلم به) ويُظهره عظيمًا وخروجًا عن الإِسلام، أي يجد أحدنا في قلبه وسواسًا يحسب التكلم به وإظهاره ذنبًا عظيمًا، وخروجًا عن الدين، لاستحالته في حقه تعالى (قال) لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله (وقد وجدتموه) على تقدير همزة الاستفهام، والضمير عائد على الاستعظام الذي دل عليه يتعاظم والمعنى أوقد تجدون ذلك الاستعظام في قلوبكم (قالوا) أي قال أولئك السائلون من

نَعَمْ. قَال: "ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس (نعم) نجده في قلوبنا (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ذاك) أي استعظامكم تكلم تلك الوسوسة، وكراهة إظهارها هو (صريح الإيمان) أي محض الإيمان، وصريحه وخالصه، كما في النواوي وعلى هذا يؤول قوله: تلك محض الإيمان، فيقال: أي مخافة العقوبة من الوسوسة محض الإيمان وخالصه، والوسوسة على ما ذكره ابن الأثير: هي حديث النفس والأفكار. وعبارة السنوسي هنا: قوله (ما يتعاظم أحدنا) إلخ، أي يجد أحدنا التكلم به عظيمًا لاستحالته في حقه تعالى، كمن خلق الله تعالى؟ المذكور في الحديث الآتي، وكيف هو؟ ومن أي شيء هو؟ وغير ذلك مما يستلزم الاعتراف بوجود الصانع، واستقباحهم ذلك لعلمهم أنَّه سبحانه وتعالى لا يليق به شيء من ذلك، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير اهـ. وعبارة المفهم هنا: قوله (وقد وجدتموه) كذا صحت الرواية، وقد بالواو، ومعنى الكلام الاستفهام على جهة الإنكار والتعجب، فيحتمل أن تكون همزة الاستفهام محذوفة، والواو للعطف، والتقدير أقد وسوستم ووجدتموه، أو أحصل وقد وجدتموه، ويحتمل أن تكون الواو عوضًا عن الهمزة، كما قرأ قنبل عن ابن كثير قوله تعالى: {قَال فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123] أي أآمنتم قال أبو عمرو الداني: هي عوض عن همزة الاستفهام، وهذه الواو المذكورة مثلها، والضمير في وجدتموه عائد على التعاظم الذي دل عليه يتعاظم، وقال المازري: الضمير عائد على خوف العقوبة المفهوم من السياق، أي وجدتم خوفَ العقوبة على ذلك، خوفُ العقوبة عليه محضُ الإيمان، و (الصريح والمحض) الخالص الصافي، وأصله في اللبن، ومعنى هذا الحديث: أن هذه الإلقاءات والوساوس التي تُلقيها الشياطين في صدور المؤمنين، تنفر منها قلوبهم، ويعظم عليهم وقوعها عندهم، وذلك دليل على صحة إيمانهم ويقينهم ومعرفتهم بأنها باطلة، ومن إلقاءات الشياطين، ولولا ذلك لركنوا إليها، ولقبلوها ولم تعظم عندهم، ولا سموها وسوسة، ولما كان ذلك التعاظم، وتلك النفرة عن ذلك الإيمان، عبَّر عن ذلك بأنه خالص الإيمان ومحضه، وذلك من باب تسمية الشيء باسم مجاوره، أو باسم ما كان سببًا منه؛ لأنَّ محض الإيمان سبب الوسوسة اهـ وقال النووي: معنى هذا الحديث: أن استعظام هذا، وشدة الخوف منه، ومن

244 - (. . .) (. . .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ النطق به، فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالًا محققًا، وانتفت عنه الريبة والشكوك، وقيل: معناه: إن الشيطان يوسوس لمن أيس من إغوائه، فينكدر عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر، والشاك، وضعيف الإيمان، فإنَّه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد، ويؤيد هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيمان، أو الوسوسة علامة محض الإيمان، وهذا القول اختيار القاضي عياض، والله أعلم. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 441) وأبو داود (5111) والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (664). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (244) - متا (. . .) (. . .) (وحدثنا محمَّد بن بشار) بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) المعروف ببندار، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، قال محمَّد (حدثنا) محمَّد (بن أبي عدي) إبراهيم السلمي مولاهم، أبو عمرو البصري، ثقة من التاسعة، مات سنة (194) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا. (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبي بسطام البصري، ثقة حافظ متقن من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في ثلاثين بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني محمَّد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة بن أبي روَّاد) بتشديد الواو العتكي بفتح المهملة والمثناة، أو الباهلي مولاهم، أبو جعفر البصري، روى عن أبي الجواب ومحمد بن أبي عدي، وأبي عاصم، ومحمد بن جعفر غندر، وأبي أحمد الزبيري، وأبي عامر العقدي، وبشير بن عمر، وأمية بن خالد، وحرمي بن عمارة، ويروي عنه (م د)، ووثقه أبو بكر الأثرم بالمثلثة، وابن أبي عاصم، وأبو زرعة، وصالح بن محمَّد الأسدي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وطائفة، وقال في

وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيقٍ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (234) أربع وثلاين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء في موضعين، والحج، والنكاح، والحدود، والأدب، والطلاق، والبيوع، والجهاد، والفضائل في موضعين، وفداء المؤمن، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا. وأتى بحاء التحويل لاختلاف مشايخ مشايخه (و) حدثنا أيضًا (أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني، قال الدارقطني: ثقة فوق ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (270) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من محمَّد بن عمرو، وأبي بكر بن إسحاق (حدثنا أبو الجوَّاب) بفتح الجيم وتشديد الواو آخره باء موحدة، أحوص بن جواب الضبي الكوفي، روى عن عمار بن رزيق في الإيمان والبيوع والأطعمة، وسليمان بن قرم في الجامع، ويروي عنه (م) ومحمد بن عمرو بن جبلة، وأبو بكر إسحاق الصاغاني، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن عبد الله بن نمير، قال ابن معين: ثقة، وقال مرة: ليس بذاك القوي، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن حبَّان: كان متقنًا ربما وهم، وقال في التقريب: كوفي صدوق ربما وهم، من التاسعة (عن عمار بن رزيق) بتقديم الراء المضمومة على الزاي مصغرًا الضبي، أو التميمي، أبي الأحوص الكوفي، روى عن الأعمش في الإيمان والبيوع والأطعمة، وأبي إسحاق السبيعي في الصلاة والطلاق، وعبد الله بن عيسى في الصلاة، ومنصور في الجن، ومغيرة بن مقسم وغيرهم، ويروي عنه (م د س ق) وأبو الجواب، ويحيى بن آدم، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو أحمد الزبيري، وقبيصة، وخلق، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: لا بأس به من الثامنة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة (كلاهما) أي كل من شعبة، وعمار بن رزيق (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمَّد الكوفي من الخامسة مات سنة (148) عن (84) سنة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني، ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذان السندان من سداسياته، الأول منهما: رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد كوفي، واثنان مدنيان، والثاني منهما: رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان مدنيان، وواحد إما بصري أو

عَنِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، بِهذَا الْحَدِيثِ. 245 - (126) (49) حدَّثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَثَّامٍ، عَنْ سُعَيرِ بْنِ الْخِمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بغدادي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح في رواية هذا الحديث عن أبي صالح السمان، ومن لطائفهما أن فيهما رواية تابعي عن تابعي، وهما الأعمش وأبو صالح (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) والجار والمجرور في قوله (بهذا الحديث) المذكور في السند السابق متعلق بما عمل في المتابع وهو الأعمش، والمعنى حدثنا الأعمش عن أبي صالح بهذا الحديث الذي رواه سهيل عن أبي صالح، أي مثله لفظًا ومعنى، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأنَّ سهيلًا صدوق فقواه بالأعمش لأنه ثقة متقن، ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: (245) - ش (126) (49) (حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار) الهاشمي مولى بني هاشم، وقيل: مولى بني أمية، أبو يعقوب الكوفي، روى عن علي بن عثام في الإيمان، ويحيى بن سعيد الأموي، وأبي بكر بن أبي عياش، وإسماعيل بن علية، وغيرهم، ويروي عنه (خ م) وموسى بن هارون، وأبو زرعة، وأبو حاتم ووثقه، وأبو الأحوص وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (231) له في (خ) فرد حديث، قال يوسف (حدثني علي بن عثام) بمهملة مفتوحة ومثلثة مشددة بن علي الكلابي العامري، أبو الحسن الكوفي، روى عن سُعير بن الخِمْسِ في الإيمان، وشريك، وابن عيينة، وحماد بن زيد، ويروي عنه (م س) ويوسف بن يعقوب الصفار، وإسحاق، وأحمد بن سعيد، وأبو حاتم، والذهلي، وخلق، كان فقيهًا أديبًا صالحًا صدوقًا، قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة فاضل من العاشرة سكن نيسابور، ومات بطرطوس آخر أيام التشريق سنة (228) ثمان وعشرين ومائتين له في (م) فرد حديث (عن سعير) بمهملات مصغرًا (بن الخمس) بكسر المعجمة أوله، وسكون الميم، ثمَّ مهملة، التميمي أبي مالك، أو أبي الأحوص الكوفي، روى عن مغيرة بن مقسم، وزيد بن أسلم، وسليمان التيمي، وحبيب بن أبي ثابت، ويروي عنه (م ت س) وعلي بن عثام، والأحوص بن جواب، ويحيى بن يحيى له عشرة أحاديث، قال يحيى الحماني: اضطرب

عَنْ مُغِيرةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ؟ قَال: "تِلْكَ مَحْضُ الإِيمَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في اللحد فأخرجناه؛ فعاش بعد ذلك خمس عشرة سنة، وولد له، وثقه ابن معين وغيره، له في (م) حديث واحد في الوسوسة، وقال في التقريب: صدوق من السابعة، وقال النووي: سعير وأبوه لا يعرف لهما نظير، وقد اعْتُرض على هذا الإسناد اهـ. (عن مغيرة) بضم الميم بن مقسم بكسرها الضبي مولاهم، أبي هشام الكوفي، روى عن النخعي، ويروي عنه سعير، ثقة له غرائب من السابعة، وقال النسائي ليس بالقوي، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبي عمران الكوفي الفقيه، وقال في التقريب: ثقة إلا أنَّه يرسل كثيرًا، من الثانية مات سنة (96) وله (50) سنة، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا. (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي، أبي شبل الكوفي، مخضرم ثقة ثبت فقيه عابد، من الثانية مات سنة (62) اثنتين وستين، وله (90) تسعون سنة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (عن عبد الله) بن مسعود بن الحارث الهذلي، أبي عبد الرحمن الكوفي، من السابقين إلى الإِسلام، توفي ودفن بالمدينة سنة (32) اثنتين وثلاثين، وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وأنه اجتمع ثلاثة من الأتباع مغيرة وإبراهيم وعلقمة (قال) عبد الله (سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة) وشُكي إليه منها، هل تضر في إيماننا؟ وتؤثر فيه بالنقص، أو بالطمس (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجيبًا لهم (تلك) الوسوسة التي تشكون منها (محض الإيمان) وخالصه، أي علامة الإيمان المحض الخالص الصافي، فلا تضركم في إيمانكم، والوسوسة لغةً: الصوت الخفي، ومنه وسوسة الحُلي لخفي صوته عند حركته، وعرفًا: حديث النفس بالمرجوح، وبناء هذه الكلمة على التضعيف يدل على تكرار مقتضاها، وفي المفهم: والوسوسة وزنها فعللة، وهي صيغة مشعرة بالتحرك والاضطراب كالزلزلة والقلقلة والحقحقة، وأصل الوسوسة الصوت الخفي، ومنه سُمي صوت الحُلي الوسواس اهـ. فإذًا سبب الوسوسة محض الإيمان وصريحه، والوسوسة لمن وجدها علامة له على ذلك كما قاله - صلى الله عليه وسلم - وكأنه - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الوسوسة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما يوجد في النفس منها أخبر أن موجبها وسببها محض الإيمان، أو أنها علامة على ذلك. ولا يبقى بعد هذا التقرير والتفسير إشكال في متون هذا الحديث على اختلاف ألفاظها، قاله القاضي عياض، والحاصل أن وسوسة الشيطان وتحدثه في نفس المؤمن إنما هو لإياسه من قبوله إغواءه، وتزيينه الكفر له، وعصمة المؤمن منه، فرجع إلى نوع من الكيد والمخاتلة بالإيذاء بحديث النفس، بما يكره المؤمن من خفي الوساوس، إذ لا يطمع من موافقته له على كفره، ولا يكون هذا منه إلا مع مؤمن صريح الإيمان، ثابت اليقين، على محض الإخلاص، بخلاف غيره من كافرٍ وشاكٍّ وضعيف الإيمان، فإنَّه يأتيه من حيث شاء، ويتلاعب به كما أراد، والمؤمن معصوم منه، منافر له، فلما لم يمكنه منه مراده، رجع إلى شغل سره بتحديث نفسه، ودس كفره بحيث يسمعه المؤمن، فيشوش بذلك فكره، ويكدر نفسه، ويؤذيه باستماعه له، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" اهـ إكمال المعلم. وهذا الحديث أعني حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - مما انفرد به مسلم رحمه الله تعالى، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأوّل: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-، وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة كما مر، والله أعلم. ***

68 - (27) باب: التساؤل عمن خلق الخلق، ومن خلق الله، وبيان ما يقوله من وجد ذلك

68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ 246 - (127) (50) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 68 - (27) بَابُ: التَّسَاؤُلِ عَمَّنْ خَلَقَ الْخَلْقَ، وَمَنْ خَلَقَ اللهَ، وَبَيَانِ مَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ أيْ هذا بابٌ معقودٌ في بيان وقوع التساؤل عمن خلق الخلق، وخلق الله سبحانه وتعالى، وبيان ما يقوله من وجد شيئًا من ذلك، والتساؤل تراجع السؤال، وهو مفاعلة فيحتمل أنها بين رجلين، أو بين رجل والشيطان، والمعنى يجري السؤال في كل نوع من المخلوق حتى يصل إلى أن يقال من خلق الله سبحانه وتعالى. (246) - س (127) (50) (حدثنا هارون بن معروف) البغدادي، أبو علي الضرير، أصله من مرو، روى عن سفيان بن عيينة في الإيمان وآخر الكتاب، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة في الصلاة، والوليد بن مسلم في اللباس، وعبد العزيز الدراوردي في فضائل عمر، وحاتم بن إسماعيل في آخر الكتاب، ويروي عنه (خ م د) وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والذهلي، وغيرهم، وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال أبو حاتم: ثقة من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب. (و) حدثنا أيضًا (محمَّد بن عباد) بن الزبرقان المكي، نزيل بغداد، أبو عبد الله، وقال في التقريب: صدوق يهم من العاشرة، مات سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لهارون) تورعًا من الكذب على محمَّد بن عباد (قالا) أي قال كل من هارون ومحمد (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم، أبو محمَّد الأعور الكوفي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنَّه تغير حفظه في آخره، وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، من الثامنة، مات في رجب سنة (198) وله (91) سنة، روى عنه المؤلف في خمسة وعشرين بابًا تقريبًا.

عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَال: هذَا: خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلِكَ شَيئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي، أبي المنذر المدني، ثقة فقيه ربما دلس، من الخامسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، وله (87) سبع وثمانون سنة، وتكلم فيه مالك وغيره، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبي عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، ثقة فقيه مشهور، من الثانية مات سنة (94) أربع وتسعين على الصحيح، روى عنه المؤلف في عشرين بابا تقريبًا. (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد كوفي، وواحد بغدادي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزال) أي لا يبرح (الناس يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضًا عمن خلق الأشياء، كأن يقول قائل منهم من خلق الأرض؟ من خلق السموات؟ من خلق الجبال والأشجار مثلًا؟ (حتى) يصل تساؤلهم إلى أن (يقال: هذا) المذكور بقولهم (خلق الله) سبحانه وتعالى (الخلق) أي العالم كلهم (فمن خلق الله؟ ) تعالى علوًا كبيرًا، وأوجده لأنَّ كل موجود لا بد له من مُوجد وصانع، واسم الإشارة نائب فاعل ليقال، والجملة بعده بدل منه على كونها نائب فاعل ليقال. قال الأبي: قوله (حتى يقال هذا) إلخ والنائب مناب الفاعل في يقال اسم الإشارة، وصح ذلك فيه وهو مفرد، مع أن مقول القول لا يكون إلا جملة لأنه يؤدي معنى الجملة التي بعده، لأنها المشار إليها، والقول كما تحكى به الجملة، يُحكى به المفرد المؤدي معناها نحو قلت خطبة، لأنَّ خطبة في معنى الكلام الذي خطب به. ويصح في اسم الإشارة أن يكون مبتدأ والخبر محذوفًا، أي هذا معلومٌ، والجملة من المبتدأ والخبر هي النائبة مناب الفاعل في يقال، والله خلق الخلق بيان لجملة الإشارة اهـ. (فمن وجد) وعرف (من ذلك) الخاطر الباطل في نفسه (شيئًا) ما (فـ) ليعرض عنه و (ليقل) في دفعه (آمنت) وصدقت (بـ) وجود (الله) سبحانه وتعالى متصفًا بكل الكمالات،

247 - (. . .) (. . .) وحدّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيلانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ منزهًا عن كل النقائص، والمقصود بهذا القول الإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه. قال القرطبي: قوله (فليقل آمنت بالله) أمر بتذكر الإيمان الشرعي، واشتغال القلب به لتمحى تلك الشبهات، وتضمحل تلك الترهات، وهذه كلها أدوية للقلوب السليمة الصحيحة المستقيمة التي تَعْرِضُ الترهات لها، ولا تمكث فيها، فإذا استعملت هذه الأدوية على نحو ما أُمر به، بقيت القلوب على صحتها، وانحفظت سلامتها، فأما القلوب التي تمكنت أمراض الشبه فيها، ولم تقدر على دفع ما حل بها بتلك الأدوية المذكورة، فلا بد من مشافهتها بالدليل العقلي، والبرهان القطعي كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الذي خالطته شبهة الإبل الجُرْب، حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا عدوى" فقال أعرابيٌّ: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فمن أعدى الأول" رواه البخاري ومسلم وأبو داود فاستأصل الشبهة من أصلها. وتحرير ذلك على طريق البرهان العقلي أن يقال: إن كان الداخل أجربها فمن أجربه، فإن كان أجربه بعير آخر، كان الكلام فيه كالكلام في الأول، فإما أن يتسلسل أو يدور وكلاهما محال، فلا بد أن نقف عند بعير أجربه الله من غير عدوى، وإذا كان كذلك فالله سبحانه وتعالى هو الذي أجربها كلها أي خلق الجرب فيها، وهذا على منهاج دليل المتكلمين في إبطال وإنكار حوادث لا أول لها، على ما يعرف في كتبهم انتهى. فيقال لو لم يوجد شيء إلا من شيء تسلسل لا إلى نهاية وهو محال، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته البخاري (3276) وأبو داود (4721) و (4722) ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (247) - متا (. . .) (. . .) (وحدثنا محمود بن غيلان) العدوي مولاهم، أبو أحمد المروزي، نزيل بغداد الحافظ، روى عن أبي النضر في الإيمان، وعبد الرزاق في الصلاة، والنضر بن شميل في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والفضل بن موسى في الفضائل، وبشر بن السري في الأمثال، وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأبو

حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يَأْتِي الشَّيطَانُ أَحَدَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حاتم، وأبو زرعة، والذهلي، وأبوالأحوص العكبري، وغيرهم، وثقه النسائي، وجماعة، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات في رمضان أول شوال سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا. قال محمود (حدثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم، الحافظ البغدادي، مشهور بكنيته، ولقبه قيصر، خراساني الأصل، كان أهل البصرة يفتخرون به، ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين وله (73) سنة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. قال أبو النضر (حدثنا أبو سعبد) محمَّد بن مسلم بن أبي الوضاح، واسمه المثنى القضاعي الجزري (المؤدب) لقب بالمؤدب لأنه كان يؤدب المهدي وغيره من الخلفاء، نزيل بغداد، مشهور بكنيته، حديثه في البصريين، روى عن هشام بن عروة في الإيمان، وسليمان التيمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، ومسعر، وخلق، ويروي عنه (م عم) وابن مهدي وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وخلق، وثقه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، وابن سعد، وقال في التقريب: صدوق يهم من الثامنة، مات سنة (170) سبعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي، أبي المنذر المدني، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) أي عن أبيه عن أبي هريرة متعلق بقوله: حدثنا أبو سعيد لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع من التابعي والصحابي وهو سفيان بن عيينة، والمعنى أي حدثنا أبو سعيد المؤدب عن هشام عن أبيه عن أبي هريرة هذا الحديث الآتي، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان بغداديان، وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي سعيد المؤدب لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن هشام، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، مع بيان اختلاف متن الحديث في الروايتين، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في متن الحديث. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يأتي الشيطان أحدكم) أيها المؤمنون

فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللهُ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَزَادَ "وَرُسُلِهِ". 248 - (. . .) (. . .) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بوسوسته (فيقول) الشيطان (من خلق السماء) و (من خلق الأرض) ومن خلق الجبال، ومن خلق الأشجار مثلًا (فيقول) أحدكم في جواب سؤال الشيطان (الله) البارئ الخالق المصور خلق هذه المخلوقات بقدرته التي لا يعجزها شيء (ثمَّ) بعد هذا الحديث المذكور (ذكر) أبو سعيد المؤدب (بمثله) أي بمثل حديث سفيان السابق، يعني قوله: "خلق الله الخلق، فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل آمنت بالله" (و) لكن (زاد) أبو سعيد بعد لفظ الجلالة في قوله آمنت بالله لفظة (ورسله) أي قال أبو سعيد في روايته: فليقل آمنت بالله ورسله. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (248) - متا (. . .) (. . .) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم، أبو خيثمة النسائي، من العاشرة، مات سنة (234) (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكسي، أبو محمَّد الحافظ، ثقة حافظ من الحادية عشرة، مات سنة (249) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأكد بقوله (جميعًا) دون كلاهما، إشارةً إلى عدم انحصار من روى له عن يعقوب في هذين الشيخين، أي رويا حالة كونهما مجتمعين، أي متفقين، في الرواية لي (عن يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبي يوسف المدني، ثقة فاضل من التاسعة، مات سنة (208) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا، وأتى بقوله (قال زهير حدثنا يعقوب بن إبراهيم) تورعًا من الكذب على زهير، لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أنَّه روى عنه بالعنعنة بلا ذكر اسم أبيه كعبد بن حميد، فيكون كاذبًا عليه بنسبة العنعنة إليه، قال يعقوب (حدثنا) محمَّد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أبو عبد الله (ابن أخي) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، روى عن عمه محمَّد بن مسلم الزهري في الإيمان والصلاة

عَنْ عَمِّهِ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "يَأْتِي الشَيطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والنكاح وغيرها، ويروي عنه (ع) ويعقوب بن إبراهيم، ومعن بن عيسى، والقعنبي، وأمية بن خالد، وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من السادسة، مات سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة، قال الواقدي: قتله غلمانه بأمر ابنه (عن عمه) محمَّد بن مسلم الزهري، أبي بكر المدني، ثقة متقن من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) عمه ابن شهاب (أخبرني عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني من الثانية (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من سداسياته، رجاله خمسة منهم مدنيون، وواحد نسائي، أو كسِّي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأنَّ الزهري متفق على جلالته وإتقانه، وهشام تكلم فيه مالك وغيره، وإن كان ثقة. (يأتي الشيطان) بوسوسته (أحدكم) ويخطر في قلبه بالخاطر الباطل (فيقول) الشيطان لأحدكم في وسوسته (من خلق) وأوجد (كذا) أي السماء مثلًا (و) خلق (كذا) أي الأرض مثلًا، ويسترسل الشيطان في وسوسته (حتى يقول له) أي لأحدكم إضلالًا وإغواءً له (من خلق ربك) أيها المؤمن (فإذا بلغ) الشيطان في وسوسته وسؤاله له (ذلك) أي السؤال عمن خلق الرب جل وعلا (فليستعذ) أحدكم أي فليتعوذ أحدكم (بالله) سبحانه وتعالى من وسوسته وكيده وليلتجئ إلى الله تعالى في دفع شره ومكره وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء (ولينته) أي ولينزجر عن الاسترسال معه في وسوسته، وليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها. قال القاضي عياض: قوله (فليستعذ بالله) أي فليجأ إلى الله سبحانه في كشف ما نزل به من شغل سره بالوسوسة، وقوله (ولينته) أي وليقف عن التخطي إلى ما بعد وجوده تعالى، وما يجب له، وما يستحيل عليه، فإنَّه غاية ما ينتهي العقل إليه، ويكف عن التفكر فيما سوى ذلك.

249 - (. . .) (. . .) حدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل معناه: إذا استدل على كون الشيء مخلوقًا لله تعالى، بما فيه من آثار الصنعة ثمَّ قيل له: فمن خلق الله صرف الأمر إلى عدم النهاية، بأن يقول لو كان لله فاعل تسلسل لا إلى نهاية وقال القرطبي: هو نهي عن الإصغاء إلى تلك الوسوسة فإنَّه لا يقدر على دفعها، قال الأبي: فهو على الأولين من النهاية، وعلى الثالث من النهي، وقيل: إنما لم يأمره بالرد بالحجة، لأنَّ استغناءه تعالى عن المؤثر أمر ضروري، لا يحتاج إلى الاحتجاج والاستدلال عليه. وعبارة المفهم هنا: قوله (فليستعذ بالله ولينته) لما كانت هذه الوساوس من إلقاء الشيطان ولا قوة لأحد على دفعه إلا بمعونة الله تعالى وكفايته، أمر بالالتجاء إليه، والتعويل في دفع ضرره عليه، وذلك معنى الاستعاذة. ثمَّ عقب ذلك بالأمر بالانتهاء عن تلك الوساوس والخواطر، أي عن الالتفات إليها والإصغاء إليها، بل يعرض عنها ولا يبالي بها، وليس ذلك نهيًا عن إيقاع ما وقع منها، ولا عن أن لا يقع منه، لأنَّ ذلك ليس داخلًا تحت الاختيار ولا الكسب فلا يكلف بها، والله أعلم انتهى. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (249) - متا (. . .) (. . .) (حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي مولاهم، أبو عبد الله المصري، روى عن أبيه في الإيمان، وفي مواضع أخر، وعن ابن وهب في الفتن، ويروي عنه (م د س) وابن أبي داود، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (248) (قال) عبد الملك (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو عبد الملك المصري، أو البصري، روى عن أبيه في الإيمان وغيره، وموسى بن علي بن رباح، ويروي عنه (م د س) وابنه عبد الملك، ويونس بن عبد الملك وآخرون، ثقة نبيل فقيه، من كبار العاشرة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة، وله (64) سنة (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن بن الحارث الفهمي، مولى بني فهم، أبي الحارث المصري، قال ابن بكير:

قال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "يَأْتِي الْعَبْدَ الشَّيطَانُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ "؟ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ. 250 - (. . .) (. . .) حدّثني عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ هو أفقه من مالك، ثقة ثبت إمام فقيه مشهور، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، من السابعة، ولد يوم الخميس في شعبان سنة (94) ومات في النصف من شعبان سنة (175) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (قال) جدي (حدثني عُقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل بفتح العين مكبرًا الأيلي بفتح الهمزة بعدها ياء ساكنة ثمَّ لام، ثمَّ المصري، أبو خالد القرشي الأموي مولاهم، مولى عثمان بن عفان، سكن المدينة ثمَّ الشام ثمَّ مصر، ثقة ثبت من السادسة، مات سنة (144) روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وغيرهما (قال) عقيل (قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن أبا هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي العبد) مفعول مقدم (الشيطان) بوسوسته فاعل مؤخر (فيقول) الشيطان للعبد (من خلق كذا وكذا) وقوله (مثل حديث ابن أخي ابن شهاب) مفعول ثان لحدثني عُقيل، أي حدثني عُقيل بن خالد عن ابن شهاب، وساق مثل ما حدَّث ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب، وهذا السند من سباعياته، رجاله أربعة منهم مصريون، وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عُقيل بن خالد لمحمد بن عبد الله بن مسلم في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول مع بيان محل المخالفة بين الروايتين، لأنَّ محمَّد بن عبد الله بن مسلم، صدوق له أوهام، فقواه بعقيل بن خالد لأنه من الثقات الأثبات. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (250) - متا (. . .) (. . .) (حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، أبو عبيدة البصري، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (252) (قال) عبد الوارث (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري

عَنْ جَدِّي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا يَزَالُ النَّاسُ يَسْأَلُونَكُمْ عَنِ الْعِلْمِ، حَتَّى يَقُولُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم، أبو سهل البصري، صدوق من التاسعة، مات سنة (207) سبع ومائتين، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم، أبي عبيدة البصري، أحد الأئمة الأعلام، ثقة ثبت من الثامنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا. (عن أيوب) بن أبي تميمة، كيسان السختياني العنزي مولاهم، أبي بكر البصري، ثقة ثبت حجة من الخامسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (عن محمَّد بن سيرين) الأنصاري مولاهم، مولى أنس بن مالك، أبي بكر البصري، إمام وقته ثقة ثبت عابد من الثالثة، مات سنة عشر ومائة (110) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، فإنه مدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي، أيوب ومحمد بن سيرين، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمَّد بن سيرين لعروة بن الزبير في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية الآتية من المخالفة للرواية السابقة في سوق الحديث، وبالزيادة في آخرها من كلام أبي هريرة (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يزال الناس) الذين سيأتون بعد وفاتي (يسألونكم) يا أصحابي (عن العلم) والدين، وفي هذا إخباره - صلى الله عليه وسلم - عما سيكون، فقد كان، فيكون إما إخبارًا عن جهل السائلين، أو تنبيهًا على تعسف المجادلين، كما قاله القاضي، وليس فيه إرشاد لما يقول من عرض له ذلك كما في الذي قبله (حتى) يبالغوا في سؤالهم و (يقولوا) بحذف النون لدخول الناصب عليه، وفي بعض الأصول (حتى يقولون) بإثبات النون، وكلاهما صحيح، ولكن إثبات النون مع الناصب لغة قليلة، ذكرها جماعة من محققي النحويين، ومنها قول الشاعر من البسيط: يا صاحبي فدت نفسي نفوسكما ... وحيثما كنتما لقيتما رشدا أن تحملا حاجة لي خف محملها ... تستوجبا سنّةً عندي بها ويدا أن تقرآن على أسماء ويحكما ... مني السلام وأن لا تشعرا أحدا

هذَا اللهُ خَلَقَنَا. فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ". قَال، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَال: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، قَدْ سَأَلَنِي اثْنَانِ وَهذَا الثَّالِثُ، أَوْ قَال: سَأَلَنِي وَاحِدٌ وَهذَا الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ والشاهد في أن تقرآن حيث أهمل أن ورفع المضارع بثبوت النون، حملًا لها على ما المصدرية كما حملت ما عليها في العمل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كما تكونوا يول عليكم" رواه البيهقي في الشعب بحذف نون تكونوا، وأن تقرآن يُسبك بمصدر خبر لمبتدأ محذوف عائد على حاجة، والتقدير وهي قراءتكما السلام على أسماء محبوبتي، وويح منصوب على المفعولية المطلقة، وعامله محذوف من معناه تقديره ألزمكما الله تعالى ويحًا، والويح: كلمة ترحم بخلاف ويل: فهي كلمة عذاب، لأنه اسم لوادٍ في جهنم، أعاذنا الله منها، وجاءت هذه اللغة متكررة في الأحاديث الصحيحة كما ستراها إن شاء الله تعالى في مواضعها. وقوله (هذا) مبتدأ، وقوله (الله) عطف بيان له، أو بدل منه، نظير قوله: أقسم بالله أبو حفص عمر، وجملة (خلقنا) خبر المبتدأ، أي هذا الله الذي لا إله غيره خلقنا وأوجدنا من العدم يا معاشر المخلوقات (فمن خلق الله) أي فمن خلق الخالق الذي خلقنا؛ لأنَّ كل موجود لا بد له من موجد، فالجواب: آمنا بالله، فلا يعلم الله إلا الله، تعالى علوًا كبيرًا عما يقول المجادلون. (قال) محمَّد بن سيرين: روى لنا أبو هريرة هذا الحديث (وهو) أي والحال أن أبا هريرة (آخذٌ) أي ماسك وقابض (بيد رجل) من الحاضرين عنده (فقال) أبو هريرة (صدق الله) سبحانه وتعالى فيما أوحى إلى رسوله (و) صدق (رسوله) محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغ إلينا عن ربه فإنَّه (قد سألني) عمن خلق الله سبحانه وتعالى قبل هذا الرجل (اثنان) أي رجلان آخران (وهذا الثالث) مبتدأ وخبر، أي وهذا الرجل الذي مسكت يده هو الثالث لهما في السؤال عمن خلق الله تعالى، وكلمة (أو) في قوله (أو قال) للشك من الراوي، إما محمَّد بن سيرين أو من دونه أي أو قال لنا أبو هريرة (سألني) عمن خلق الله سبحانه رجل (واحد) من المسلمين من قبل اليوم (وهذا) الرجل الذي أخذت بيده هو (الثاني) لذلك الرجل الذي سألني قبل اليوم في السؤال عمن خلق الله سبحانه وتعالى.

251 - (. . .) (. . .) وَحَدّثنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ؛ قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: "لا يَزَالُ النَّاسُ". بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ، غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي الإِسْنَادِ، وَلكِنْ قَدْ قَال فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (251) - متا (. . .) (. . .) (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور، يعني حديث أبي هريرة (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي، أبو خيثمة النسائي، ثقة من العاشرة (ويعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) بفتح الدال والراء بينهما واو ساكنة، نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس، أبو يوسف البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، وله ست وتسعون سنة (96) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من زهير ويعقوب (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي القرشي مولاهم، أبو بشر البصري، وأتى بقوله (وهو ابن علية) اسم أمه، إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، ثقة حافظ من الثامنة، مات سنة (193) روى عنه المؤلف في خمسة عشر بابًا تقريبًا. (عن أيوب) بن أبي تميمة، كيسان السختياني العنزي مولاهم، أبي بكر البصري، ثقة حافظ من الخامسة (عن محمَّد) بن سيرين الأنصاري البصري (قال) محمَّد (قال أبو هريرة) الدوسي المدني (لا يزال الناس. . .) يسألونكم عن العلم الحديث، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد منهم مدني، وواحد نسائي أو بغدادي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن علية لعبد الوارث بن سعيد في رواية هذا الحديث عن أيوب. وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وقوله (بمثل حديث عبد الوارث) بن سعيد متعلق بقوله: حدثنا إسماعيل، لأنه العامل في المتابع، أي حدثنا إسماعيل عن أيوب بمثل ما حدث عبد الوارث عن أيوب، واستثنى من المماثلة بين الروايتين بقوله (غير أنَّه) أي أن إسماعيل (لم يذكر) لفظة عن (النبي - صلى الله عليه وسلم - في) سوق (الإسناد) فأوهم أن الحديث موقوف على أبي هريرة (ولكن قد قال) إسماعيل (في آخر الحديث)

صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ. 252 - (. . .) (. . .) وَحدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِيِّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلمة (صدق الله ورسوله) فأثبت أن الحديث مرفوع لا موقوف، فاتحدت الروايتان في إثبات الرفع. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (252) - متا (. . .) (. . .) (وحدثني عبد الله) بن محمَّد اليمامي، أبو محمَّد المعروف بـ (ــابن الرومي) نزيل بغداد، روى عن النضر بن محمَّد في الإيمان والصوم وغيرهما، وابن عيينة، وأبي معاوية، وطائفة، ويروي عنه (م) وأبو يعلى، والسراج، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين، قال ابن الرومي (حدثنا النضر بن محمَّد) بن موسى الجرشي بضم الجيم، وفتح الراء والشين المعجمة، الأموي مولاهم، أبو محمَّد اليمامي، ثقة له أفراد من التاسعة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا، قال النضر (حدثنا عكرمة) بن عمار العجلي الحنفي، أبو عمار اليمامي، أصله من البصرة، وثقه ابن معين، والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من الخامسة يغلط، وكان مجاب الدعوة، مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعه أبواب، وأتى بقوله (وهو ابن عمار) إشارة إلى أنَّه من زيادته لا مما سمعه من شيخه، قال عكرمة (حدثنا يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم، أبو نصر اليمامي، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، وقال أبو حاتم: إمام لا يُحدث إلا عن ثقة، وقال شعبة: يحيى أحسن حديثًا من الزهري، من الخامسة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. قال يحيى بن أبي كثير (حدثنا أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني، قال ابن سعد: كان ثقةً فقيهًا كثير الحديث، من الثالثة مات سنة (104) أربع ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم يماميون، واثنان مدنيان، وغرضه

قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَكَ، يَا أَبَا هُرَيرَةَ، حَتَّى يَقُولُوا: هذَا اللهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ " قَال: فَبَينَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ. فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، هذَا اللهُ. فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ قَال: فَأَخَذَ بِكَفِّهِ حَصى فَرَمَاهُمْ، ثُمَّ قَال: قُومُوا، قُومُوا، صَدَقَ خَلِيلِي. 253 - (. . .) (. . .) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لعروة بن الزبير، ومحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة والزيادة. (قال) أبو هريرة (قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزالون) أي لا يزال الناس (يسألونك يا أبا هريرة) عن الدين والعلم (حتى) يبالغوا متعنتين في سؤالهم و (يقولوا هذا الله) اسم الإشارة مبتدأ، ولفظ الجلالة عطف بيان له، أو بدل منه، والخبر محذوف جوازًا تقديره هذا الإله خلق الخلق (فمن خلق الله) سبحانه وتعالى (قال) أبو هريرة في بيان مصداق قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (فبينا أنا) جالس (في المسجد) النبوي (إذ جاءني) أي فاجأني مجيء (ناسٌ) ورهطٌ (من الأعراب) أي من سكان البادية، ممن ليس عندهم علم، وإذ هنا فجائية حرف لا محل له من الإعراب، جيء بها لربط جواب بينا (فقالوا) أي فقال لي أولئك الأعراب (يا أبا هريرة هذا الله) خلقنا (فمن خلق الله) سبحانه وتعالى (قال) أبو سلمة بن عبد الرحمن (فأخذ) أبو هريرة أي حفن (بكفه حصى) أي حفنة من الرمال الصغار (فرماهم) أي فرمى أولئك الأعراب بتلك الحصى مبالغة في زجرهم عن سؤالهم لتعنتهم فيه، (ثمَّ) بعد ما رماهم (قال) لهم (قوموا) عني (قوموا) من عندي مرتين تأكيدًا للكلام، لأنكم مجادلون متعنتون (صدق خليلي) وحبيبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبرني في حال حياته، من أن الناس يسألونك عمن خلق الله سبحانه وتعالى. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (253) - متا (. . .) (. . .) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي المؤدب، أبو عبد الله السمين، وثقه الدارقطني، وابن عدي، وقال في التقريب: صدوق ربما

حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهم، وكان فاضلًا من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا. قال محمَّد بن حاتم (حدثنا كثير بن هشام) الكلابي، أبو سهل الرقي، نزيل بغداد، روى عن جعفر بن برقان في الإيمان والصلاة، وهشام بن سنبر الدستوائي في الصلاة، وشعبة، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن حاتم، وابن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، وابن معين ووثقه، وقال العجلي: ثقة صدوق، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، مات سنة (207) سبع ومائتين، قال كثير بن هشام (حدثنا جعفر بن برقان) بضم الباء وكسرها وسكون الراء بعدها قاف، الكلابي مولاهم، أبو عبد الله الرقي، قدم الكوفة، روى عن يزيد بن الأصم في الإيمان والصلاة والجهاد والفضائل والصلة والأزواج والرحمة، وميمون بن مهران، وكان حافظًا لحديثهما، ويروي عنه (م عم) وكثير بن هشام، ووكيع، ومعمر، وزهير بن معاوية، وجماعة، صدوق يهم في حديث الزهري، من السابعة مات سنة (155) خمس وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب، قال جعفر (حدثنا يزيد بن الأصم) واسمه عمرو بن عبيد بن عدس بن معاوية بن عبادة بن البكَّاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري البكائي بفتح الموحدة، وتشديد الكاف، أبو عوف الكوفي، نزيل الرقة، أمه برزة بنت الحارث الهلالية، أخت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنهما، ويقال: له رؤية، روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة وغيرهما، وميمونة في الصلاة والنكاح والذبائح، ومعاوية بن أبي سفيان في الجهاد وابن عباس في الذبائح وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وجعفر بن برقان، وابنا أخيه عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله بن الأصم وغيرهم، ثقة من الثالثة، مات سنة (103) ثلاث ومائة، في إمارة هشام بن عبد الملك، وهو ابن ثلاث وسبعين (73) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا. (قال) يزيد بن الأصم (سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم رقيون، وواحد مدني، وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن الأصم لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيها من

"لَيَسْأَلَنَّكُمُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، حَتَّى يَقُولُوا: اللهُ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، فَمَنَ خَلَقَهُ؟ ". 254 - (128) (51) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المخالفة للرواية الأولى، أي سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول: والله الذي نفسي بيده (ليسألنكم الناس) يا أصحابي (عن كل شيء) من أمور الدين وغيره مما يحتاج إليه وغيره (حتى) يبالغوا في سؤالهم و (يقولوا الله خلق كل شيء فمن خلقه) سبحانه وتعالى. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: (254) - س (128) (51) (حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي) مولاهم، أبو عامر، وقيل: أبو محمَّد الكوفي، روى عن محمَّد بن فضيل بن غزوان في الإيمان، وعلي بن مُسْهر في الفضائل، وأبيه، وشريك، ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، ويروي عنه (م د ق) وأبو يعلى، والحسن بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (237) سبع وثلاثين ومائتين، قال عبد الله بن عامر (حدثنا محمَّد بن فضيل) بن غزوان بمعجمتين الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي الحافظ، روى عن المختار بن فلفل، وعمارة بن القعقاع، وأبيه الفضيل، وأبي مالك الأشجعي، وحصين بن عبد الرحمن، والأعمش، وعاصم الأحول وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن عامر بن زرارة، وابن أبي شيبة، وابن نمير، وأبو كريب، وإسحاق الحنظلي، وخلائق، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبَّان في الثقات. وقال في التقريب: صدوق عارف رمي بالتشيع، من التاسعة مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين، والصلاة في أربعة مواضع، والجنائز، والزكاة في موضعين، والحج، واللباس، والفتن، والزهد، والفضائل في موضعين، والدعاء وصفة النار، والبيوع في موضعين، والجهاد، والضحايا، والأشربة، والنكاح، والأيمان والصيد، وصفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتوبة، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرون بابًا تقريبًا. (عن مختار بن فلفل) بفاءين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة، مولى عمرو بن حُريث الكوفي، روى عن أنس في الإيمان، والصلاة، والحوض، وذكر الأنبياء،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ -: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يَزَالُونَ يَقُولُونَ: مَا كَذَا؟ مَا كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: هذَا اللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ". 255 - (. . .) (. . .) حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإبراهيم التيمي، والحسن البصري، وغيرهم، ويروي عنه (م د ت س) ومحمد بن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، وزائدة، والثوري، وغيرهم، وثقه أحمد، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من الخامسة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا. (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابي البصري، وهذا السند من رباعياته، رجاله كلهم كوفيون إلا أنس بن مالك فإنَّه بصري. (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله عَزَّ وَجَلَّ إن أمتك) يا محمَّد (لا يزالون) أي لا يبرحون (يقولون ما كذا ما كذا) أي ما شأنه، ومن خلقه، فهو كناية عن كثرة السؤال وكثرة قيل وقال، فلذلك كرره للتأكيد (حتى يقولوا) في تعنتاتهم (هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله) سبحانه وتعالى، وظاهر حديث أنس هذا أنَّه حديث قدسي، وأما حديث أبي هريرة فهو حديث نبوي، فذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة - رضي الله عنهما -. وهذا الحديث -أعني حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه- من أفراد مسلم رحمه الله تعالى لم يشاركه أحد في روايته، كما في التحفة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (255) - متا (. . .) (. . .) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب، ابن راهويه المروزي الفقيه، ثقة حافظ مجتهد من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في أحد وعشرين بابًا تقريبًا قال إسحاق (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثمَّ الرازي، أبو عبد الله القاضي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا.

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْ: "قَال: قَال اللهُ: إِنَّ أُمَّتَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. قال أبو بكر (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد من التاسعة، مات سنة (203) وله (84) سنة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والفضائل وغيرها (عن زائدة) بن قدامة الثقفي، أبي الصلت الكوفي، ثقة ثبت من السابعة مات سنة (160) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه، وفي السند الثاني أيضًا نزول (كلاهما) أي كل من جرير وزائدة رويا (عن المختار) بن فلفل الكوفي (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان الأول منهما من رباعياته، رجاله واحد مروزي، واثنان كوفيان، وواحد بصري، والثاني منهما من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا أنسًا فإنه بصري، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وزائدة لمحمد بن فضيل في رواية هذا الحديث عن مختار بن فلفل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، والجار والمجرور في قوله (بهذا الحديث) متعلق بما تعلق به الجار والمجرور في قوله: عن المختار، أي كلاهما رويا عن المختار بهذا الحديث المذكور، كما روى عنه محمد بن فُضيل، وقوله (غير أن إسحاق) أي لكان أن إسحاق بن إبراهيم (لم يذكر) في روايته قوله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله) عز وجل (إن أمتك) بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول منهما حديث أبي هريرة، وذكره للاستدلال به على الترجمة، وذكر فيه سبع متابعات، والثاني حديث أنس وذكره للاستشهاد. وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

69 - (28) باب إثم من اقتطع حق امرئ بيمينه

69 - (28) بَابُ إِثْمِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ بِيَمِينِهِ 256 - (129) (52) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: أَخْبَرَنَا الْعَلاءُ -وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ مَوْلَى الْحُرَقَةِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ 69 - (28) بابُ إثم من اقتطع حق امرئ بيمينه من القطع: وهو هنا الأخذ لأن من أخذ شيئًا لنفسه فقد قطعه عن مالكه، أي هذا بابٌ معقود في بيان عقوبة وإثم من أخذ حق امرئ بيمينه الكاذبة، سواء كان الحق مالًا أو اختصاصًا، وسواء كان صاحب الحق مسلمًا أو كافرًا معصومًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بالحديث الآتي: (256) - س (129) (52) (حدثنا يحيى بن أيوب) العابد المقابري، أبو زكريا البغدادي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) وله (77) سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، اسمه يحيى أو علي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) وله (90) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (علي بن حُجر) بن إياس السعدي، أبو الحسن المروزي، نزيل بغداد، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة (244) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا، وأكد بقوله (جميعًا) دون كلهم إشارة إلى أن من روى له عن إسماعيل غير محصور في هؤلاء الثلاثة، أي حالة كونهم مجتمعين أي متفقين في الرواية لي (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم، أبي إسحاق المدني، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (180) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر) تورعًا من الكذب على ابن أيوب، لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه حدث عن إسماعيل بالعنعنة كغيره، فرفع ذلك الإيهام بهذه الجملة، (قال) إسماعيل بن جعفر (أخبرنا العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، أبو شبل المدني صدوق ربما وهم، من الخامسة مات سنة (133) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب، وأتى بلفظة (هو) في قوله (وهو ابن عبد الرحمن مولى الحرقة) إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل هي من زيادته إيضاحًا للراوي، والحرقة بضم

عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاء وفتح الراء بطن من جهينة (عن معبد بن كعب) بن مالك الأنصاري (السلمي) بفتح المهملة واللام، منسوب إلى بني سلِمة بكسر اللام بطن من الأنصار، وفي النسب بفتح اللام على المشهور، وقيل: يجوز كسر اللام في النسب أيضًا اهـ نووي، المدني، كان أصغر الأخوة، روى عن أخيه عبد الله بن كعب في الإيمان، وأبي قتادة بن ربعي في الجنائز والبيوع، وأخويه عبد الله وعبيد الله، ويروي عنه (خ م س ق) والعلاء بن عبد الرحمن، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، والوليد بن كثير، وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول من الثالثة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا. (عن أخيه عبد الله بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي المدني، روى عن أبي أمامة الحارثي في الإيمان، وأبيه كعب بن مالك في الصلاة والبيوع والأطعمة وتوبة كعب، ويروي عنه (خ م د س ق) وأخواه معبد ومحمد ابنا كعب، وابنه عبد الرحمن بن عبد الله، والزهري، وعبد الرحمن بن هرمز، وعبد الرحمن بن سعد، وسعد بن إبراهيم، وروى أبو الزبير عن ابن كعب بن مالك لم يسمه، وثقه أبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة، يقال له رؤية، مات سنة (97) سبع وتسعين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والبيوع والأطعمة وتوبة كعب (عن أبي أمامة) بوزن ثمامة، إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي المدني، من بني الحارث بن الخزرج، وقيل: إنه بلوي حليف بني حارثة، وهو ابن أخت أبي بردة بن نيار، وقيل اسمه عبد الله بن ثعلبة، وقيل: ثعلبة بن عبد الله والمشهور الأول، وروي أنه لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى بدر، أجمع على الخروج معه، فأمره بالمقام على أمه، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت، فصلى عليها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أنيس الجهني، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن كعب بن مالك في الإيمان، وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا واحدًا فإنه بغدادي أو بغلاني أو مروزي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتطع) وأخذ مستحلًا أو غير مستحل (حق امرئ) وشخص (مسلم) أو كافر معصوم (بيمينه) الفاجرة على أنه حقه (فقد أوجب الله) سبحانه وتعالى وهيا وأثبت (له) أي لذلك المقتطع (النار) الأخروية، مجازاة

وَحَرَّمَ عَلَيهِ الْجَنَّةَ" فَقَال لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيئًا يَسِيرًا، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ له، أو مخلدًا فيها (وحرم عليه الجنة) أي دخولها ابتداءً، أو أصلًا (فقال له) صلى الله عليه وسلم (رجل) من الحاضرين أوجب الله له النار (وإن كان) الذي اقتطعه (شيئًا يسيرًا) أي حقًّا قليلًا (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوجب الله له النار (وإن) كان الذي اقتطعه (قضيبًا من أراك) أي غصنًا رطبًا صغيرًا من شجر أراك. قوله: (من اقتطع حق امرئ مسلم) واقتطع بوزن افتعل الخماسي، وعدل إلى التعبير به دون قطع، لأنه أخص لإشعاره بالعمد، قال النواوي: ولا يختص قطع الحق بكونه ماليًّا، فيدخل فيه الاختصاص، فلو حلف على جلد ميتة، أو على سِرجين، أو لاعن، أو حلف في نكاح، أو طلاق، وهو مبطل تناوله الوعيد المذكور في الحديث، وقال القاضي: ولا يختص أيضًا بكون الحق لمسلم، لأن الحديث خرج مخرج الغالب، فالمسلم وغيره سواء في حرمة قطع حقه فأما في العقوبة فينبغي أن يكون قطع حق الكافر أخف، قال الأبي: وكان الشيخ يختاره ويوجهه بما ثبت من رفع درجة المسلم على الكافر، بدليل أنه لا يقتل به، وغير ذلك. قوله (فقد أوجب الله له النار) قال القرطبي: أي إن كان مستحلًا لذلك لكفره باستحلاله، فإن كان غير مستحل له، وكان ممن لم يغفر الله له فيعذبه الله في النار ما شاء من الآباد، وفيها تحرم عليه الجنة، ثم يكون حاله كحال أهل الكبائر من الموحدين، ويستفاد من هذا الحديث: أن اليمين الغموس لا يرفع إثمها الكفارة، بل هي أعظم من أن يكفرها شيء، كما هو مذهب مالك على ما يأتي في الإيمان إن شاء الله تعالى انتهى. وقال القاضي عياض: عظصت هذه اليمين لأنها غموس، والغموس من أكبر الكبائر الموبقة مع ما فيها من تغيير حكم الشرع في الظاهر، من استحلال الحرام بها وإظهارها الباطل في صورة الحق، وتصييرها المحق في صورة المبطل، والمبطل في صورة المحق، ولهذا عظُم أمرها، وأمر شهادة الزور. قال الأبي: وكان الشيخ يقول إنها أخص من الغموس، لوجود الغموس في غير قطع الحق فلا يتناوله الوعيد، وكذلك لا يتناول قطع الحق بغير يمين كالغصب والحديث من نوع ما تقدم في الحاجة إلى التأويل.

257 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (وإن قضيبًا من أراك) هو بالنصب في أكثر النسخ على أنه خبر لكان المحذوفة، أو مفعول به لفعل مقدر تام، أي وإن قطع قضيبًا، وفي كثير منها (وإن قضيبٌ) بالرفع على أنه نائب فاعل لفعل محذوف تقديره وإن قُطع قضيب من أراك اهـ نووي بتصرف. وفي بعض هامش المتون: ولا يعرف للرفع هنا وجه، اللهم إلا أن يقدر كان تامة، ثم إن لفظ قضيب وجد في هامش نسخة مصغرًا فتُقرأ ياؤه مشددة مكسورة مع ضم أوله وفتح ثانيه والأراك: بفتحتين شجر من الحمض يستاك به، يُجمع على أُرُكٍ بضمتين، وأرائِك اهـ قاموس. وهذا الحديث أعني حديث أبي أمامة شارك المؤلف في روايته أحمد (5/ 260) والنسائي (8/ 246)، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه فقال: (257) - متا (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث أبي أمامة (أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البزاز، أبو موسى البغدادي الحافظ المعروف بالحَمَّال -بالحاء المهملة- روى عن أبي أسامة، وحجاج بن محمد، وابن أبي فُديك، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعبد الله بن يزيد المُقرئ، وحماد بن مسعدة، وأبي عاصم، وابن عيينة، وابن نمير وروح بن عبادة، وعدة، ويروي عنه (م عم) وابنه موسى بن هارون، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبغوي، وغيرهم، وثقه الدارقطني، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، وقد ناهز أي قارب الثمانين (80) روى عنه المؤلف في الإيمان في موضعين، والوضوء، والصلاة في ثلاثة مواضع، والحج في خمسة مواضع، والحدود والجهاد، والمناقب، والذبائح، والتفسير، في تسعة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، حالة كون كل من الثلاثة (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية لي (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة ثبت ربما دلس، من كبار التاسعة، مات سنة (201) وله

عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (80) سنة، روى المؤلف عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم، أبي محمد المدني، روى عن محمد بن كعب، وسعيد بن أبي هند، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وسعيد المقبري، وإبراهيم بن عبد الله بن حُنين، وعبيد بن عبد الله بن عمر، ونافع، وعدة، ويروى عنه (ع) وأبو أسامة، وسفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، وإبراهيم بن سعد، وغيرهم، وثقه ابن معين، وأبو داود، وقال في التقريب: صدوق عارف بالمغازي، رُمي برأي الخوارج، من السادسة مات سنة (151) إحدى وخمسين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في موضعين، والصوم، والبيوع في موضعين، والصيد، والأطعمة، والمناقب، والأدب، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها تسعة أبواب. (عن محمد بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام المدني- روى عن أخيه عبد الله بن كعب في الإيمان، وعن أبيه كعب بن مالك، ويروي عنه (م ق) والوليد بن كثير، والزهري، موثق له عندهما حديث واحد، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (أنه) أي أن محمدًا (سمع أخاه عبد الله بن كعب) المدني حالة كون أخيه (يحدث) ويروي (أن أبا أمامة) إياس بن ثعلبة (الحارثي) نسبة إلى حارثة بطن من الأنصار (حدثه) أي حدث أبو أمامة لعبد الله بن كعب (أنه) أي أن أبا أمامة (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بقوله: سمع أخاه، والضمير فيه عائدٌ إلى معبد بن كعب، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، وواحد كوفي، وواحد إما كوفي أو مروزي أو بغدادي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن كعب لمعبد بن كعب في رواية هذا الحديث عن أخيهما عبد الله بن كعب، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول، لأن معبدًا في السند الأول مقبول، ومحمدًا في السند الثاني ثقة، فقواه به. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي أمامة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال:

258 - (130) (53) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (258) - ش (130) (53) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي الحافظ الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا. قال أبو بكر (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ من كبار التاسعة، مات سنة (196) روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) مصغرًا الهمداني، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. قال ابن نمير (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي السعدي مولاهم الضرير الكوفي، ثقة ثبت من كبار التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة، وله (82) سنة، روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (وكيع) بن الجراح الرؤاسي، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لإسحاق لا لغيره، تورعًا من الكذب على غيره قال إسحاق (أخبرنا وكيع) بن الجراح، وأتى بحاء التحويل في الموضعين لاختلاف مشايخ المؤلف في كيفية روايتهم للمؤلف، لأن أبا بكر قال: حدثنا وكيع، ولم يزد عليه، وأما ابن نمير فقال: حدثنا أبو معاوية ووكيع، فزاد أبا معاوية، وأما إسحاق فقال: أخبرنا دون حدثنا فلبيان هذا الاختلاف أتى بحاء التحويل، ولم يقل حدثنا أبو بكر، وابن نمير واسحاق، قالوا حدثنا وكيع وأبو معاوية فلم يمكن الجمع بينهم لهذا الاختلاف، قال وكيع بالأسانيد الثلاثة، وأبو معاوية على السند الثاني، وتركه من الذكر هنا لأنه إنما روى المعنى لا اللفظ، (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي، أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ" قَال: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة (100) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي، أبي عبد الرحمن الكوفي، الصحابي الجليل (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) من حلف على يمين صبرٍ ... إلخ، وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، ورجالها كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، أي روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف) وأقسم (على يمين صبر) وكلمة على زائدة، ويمين مفعول مطلق معنوي لحلف، وإضافة يمين إلى صبر، من إضافة الموصوف إلى صفته، ولكنه على تقدير مضاف، والمعنى: من حلف يمينًا ذات صبر، أي أقسم قسمًا ذا صبر، قال النواوي (يمين صبر) هو بإضافة يمين إلى صبر، ويمين الصبر: هي التي يحبس الحالف نفسه عليها، أي يكلف نفسه عليها لعلمه أنها كاذبه اهـ بزيادة، وجملة قوله (يقتطع بها) صفة يمين، أي حلف يمينًا يأخذ بها (مال امرئ) أي حق امرئٍ وامرأةٍ (مسلم) وكذا كافر معصوم، كما مر (هو) أي ذلك الحالف (فيها) أي في تلك اليمين (فاجرٌ) أي كاذب مع علمه بالتحريم (لقي الله) سبحانه وتعالى ذلك الحالف، ولقاء الله كناية عن الموت (وهو عليه) أي على ذلك الحالف (غضبان) أي ساخط، وهو كناية عن تعذيبه، وإبعاده من رحمته. قال الأبي قوله (لقي الله وهو عليه غضبان) وفي الآخر (وهو عنه معرض) قال القاضي عياض: الإعراض والغضب والسخط في الحادث عبارة عن تغير الحال لإرادة إيقاع السوء بالغير، وكلٌ على الله سبحانه محال، فالثلاثة كناية عن إرادة الله تعالى تعذيبهم، أو عن تعذيبهم أو عن ذمهم اهـ. (قال) أبو وائل (فـ) ـخرج من عندنا عبد الله بعدما حدث لنا الحديث و (دخل) علينا بعد خروج عبد الله رضي الله تعالى عنهما (الأشعث بن قيس) بن معدي كرب الكندي، أبو محمد الصحابي الكوفي، له تسعة أحاديث، اتفقا على حديث واحد، يروي عنه (ع) وأبو وائل في خبن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع مال

فَقَال: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ؟ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا. قَال: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ، فِيَّ نَزَلَتْ، كَانَ بَينِي وَبَينَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ " فَقُلْتُ: لا. قَال: "فَيَمِينُهُ" قُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ امرئٍ مسلم بيمينه لقي الله وهو عليه غضبان" وذكر أن نزول الآية فيه بسببه، توفي بالكوفة حينَ صَالحَ الحسنُ معاوية، وصلى عليه الحسن، مات بعد علي بأربعين ليلة، سنة أربعين (40) أو إحدى وأربعين، وهو ابن ثلاث وستين (63) سنة (فقال) الأشعث بعدما دخل علينا (ما يحدثكم أبو عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود، أي أيَّ حديث حدثكم أبو عبد الرحمن (قالوا) أي قال الحاضرون في المجلس، وكان مقتضى السياق أن يقال (قلنا) حدثنا أبو عبد الرحمن حديث (كذا وكذا) كناية عن حديث عبد الله المذكور آنفًا (قال) الأشعث (صدق أبو عبد الرحمن) فيما حدثكم من الحديث المذكور (فيَّ) أي بسببي (نزلت) آية وعيد اليمين الفاجرة الآتية قريبًا، وذلك أنه (كان بيني وبين رجل) من المسلمين، لم أرَ من بَيَّنَ اسمه ونسبته (أرض باليمن فخاصمته) أي فرافعت ذلك الرجل (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) للدعوى عليه، فأخبرت للنبي صلى الله عليه وسلم خبر ما بيني وبينه من الخصومة (فقال) لي النبي صلى الله عليه وسلم لكوني مدعيًا عليه (هل لك) يا أشعث (بينة) أي شهود على أن الأرض لك، قال الأشعث (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) بينة ولا شهود على أن الأرض لي فـ (ـقال) النبي صلى الله عليه وسلم (فيمينه) أي فلك إذًا يمينه، وتحليفه على أن الأرض له لا لك، وظاهر هذا الحديث: أن المُدَّعى عليه إذا حلف انقطعت حجة خصمه، وبقي المُدَّعى فيه بيده، وعلى ملكه في ظاهر الأمر، غير أنه لا يَحْكُم الحاكم بملك ذلك، فإن غايته أنه حائز، ولم يجد ما يُزيله عن حوزه، فلو سأل المطلوب تعجيز الطالب بحيث لا تبقى له حجة فهل للحاكم تعجيزه وقطع حجته أو لا قولان: بالنفي والإثبات اهـ مفهم. قال الأشعث (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إذن) أي إذا طلب من الرجل يمينه فهو (يحلف) على أن الأرض له فهو لا يتورع عن اليمين الفاجرة، وكيف نثق وتصدق به في يمينه. قال النواوي (إذن يحلف) يجوز نصب الفعل بإذن لأنها من النواصب للفعل،

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذلِكَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ" فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. 259 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز رفعه على إلغاء إذن، وذكر ابن خروف في شرح الجمل: إن الرواية فيه برفع الفعل وهو الظاهر، لأن إذن هنا مهملة، لعدم توفر شروط عملها، لأن من شروطها أن يكون الفعل بعدها مستقبلًا، كقولك: إذن أُكرمك، لمن قال لك أزورك غدًا، لأن الحلف هنا حال لا مستقبل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك) أي عندما قلت له إذن يحلف الرجل ردعًا وزجرًا وتخويفًا للرجل من اليمين الفاجرة (من حلف على يمين صبر) أي حلف يمين صبر يريد أن (يقتطع) ويأخذ (بها مال امرئ مسلم) أي حق شخص مسلم، ومثله حق الكافر المعصوم كالذمي والمعاهد والمستأمن (هو) أي ذلك الحالف (فيها) أي في تلك اليمين (فاجر) أي كاذب متعمد عالم بالتحريم غير جاهل معذور (لقي الله) سبحانه، أي مات (وهو) سبحانه (عليه) أي على ذلك الحالف (غضبان) أي ساخط، وجملة لقي جواب من الشرطية (فنزلت) مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم آية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} أي يأخذون ففيه استعارة تصريحية تبعية مرشحة {بِعَهْدِ اللَّهِ} أي بحلفهم بما عاهد الله عليهم من التكاليف، كان قال: أقسمت بعهد الله {وَأَيمَانِهِمْ} من عطف العام على الخاص {ثَمَنًا قَلِيلًا} أي عوضًا يسيرًا من الدنيا من غير استحقاق له (إلى آخر الآية) (77) من آل عمران. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (259) - متا (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي، أبو يعقوب المروزي من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في (21) بابا، قال إسحاق (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الثامنة، مات سنة (188) روى عنه المؤلف في (16) بابًا تقريبًا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي، أبي عثَّاب -بمثلثة بعدها باء موحدة- الكوفي، ثقة ثبت وكان

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: كَانَتْ بَينِي وَبَينَ رَجُلِ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ. فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "شَاهِدَاكَ، أَوْ يَمِينُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يدلس، من الخامسة مات سنة (132) روى عنه المؤلف في (19) بابًا تقريبًا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، روى عنه المؤلف في (9) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي الصحابي الجليل، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون، إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة منصور للأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، مع بيان محل المخالفة بين الروايتين. (قال) عبد الله رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل ما سيأتي وما سبق في الرواية السابقة (من حلف) وأقسم (على يمين) أي يمينًا (يستحق بها مالًا) أي يثبت بها لنفسه حقية مال (هو) أي ذلك الحالف (فيها) أي في تلك اليمين (فاجر) أي كاذب متعمد عالم بالتحريم أو جاهل غير معذور (لقي الله) أي مات يوم مات (وهو) سبحانه وتعالى (عليه) أي على ذلك الحالف الفاجر (غضبان) غضبًا يبعده عن رحمته سبحانه. (ثم) بعد ما فرغ منصور من هذا الحديث المذكور (ذكر) باقي الحديث (نحو حديث الأعمش) أي مثل حديث الأعمش السابق من قوله "قال فدخل الأشعث بن قيس ... إلخ" (غير أنه قال) استثناء من المشابهة، أي لكن منصورًا قال في روايته (كانت بيني وبين رجل) من أهل اليمن (خصومة) أي مشاغبة ومنازعة (في) شأن (بئر) ماء، أنا أقول هي لي، ويدعي الرجل لنفسه، والبئر: الحفرة ذات ماء (فاختصمنا) أي اختصمت أنا وهو وترافعنا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليحكم بيننا بما أنزل الله عزَّ وجلَّ إليه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بينا له موضوع الخصومة وتفاصيلها (شاهداك أو يمينه) أي لك يا أشعث بن قيس ما يشهد به شاهداك أو تحليفه على أن البئر له لا لك، إن لم يكن لك شاهدان فتقطع الخصومة بينكما إذا حصل أحد الأمرين، قال القرطبي: و (قوله: شاهداك أو يمينه) دليل على اشتراط العدد في الشهادة، وعلى انحصار طرق الحِجاج في الشاهد واليمين، ما لم يَنْكُل المُدعَى عليه عن اليمين،

260 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، سَمِعَا شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن نكل حلف المُدَّعِي واستحق المُدَّعَى به، فإن نكل المدعِي أيضًا فلا حكم، ويترك المُدعَى به في يد من كان بيده اهـ. وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود شارك المؤلف في روايته أحمد (1/ 426) والبخاري (6676) وأبو داود (3243) والترمذي (2999) وابن ماجه (2323) والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (260) - متا (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله (المكي) أي نزيل مكة، وثقه ابن حبان، وكان لازم ابن عيينة، لكان قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (243) وروى عنه المؤلف في (11) بابًا تقريبًا، قال ابن أبي عمر (حدثنا سفيان) بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم، أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ فقيه من الثامنة، مات سنة (198) روى عنه المؤلف في (25) بابًا تقريبًا (عن جامع بن أبي راشد) الكاهلي الكوفي الصيرفي، روى عن أبي وائل في الإيمان والفتن، وأبي الطفيل، ويروي عنه (ع) والسفيانان، وشريك، قال العجلي: ثقة ثبت صالح الحديث، وكذا قال النسائي وأحمد، وقال في التقريب: ثقة فاضل من الخامسة، روى عنه المؤلف في بابين (و) عن (عبد الملك بن أعين) الشيباني مولاهم، الكوفي الأعور، روى عن أبي وائل في الإيمان، وعبد الله بن شداد، وأبي عبد الرحمن السلمي، ويروي عنه (ع) والسفيانان، قال أبو حاتم: هو من أعتى الشيعة، محله الصدق، صالح الحديث، يكتب حديثه، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: صدوق شيعي له في الصحيحين حديث واحد متابعة، من السادسة، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (سمعا) أي سمع جامع وعبد الملك (شقيق بن سلمة) أبا وائل الأسدي الكوفي، حالة كون شقيق (يقول سمعت) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي حالة كونه (يقول

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيرِ حَقِّهِ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ" قَال عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ قَرَأَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول من حلف) إلخ. وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا ابن أبي عمر فإنه مكي، ومن لطائفه: أن فيه رواية تابعي عن تابعي هما عبد الملك عن شقيق، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وبيان تصريح سماعهما عن أبي وائل بخلاف الأعمش مع أنه مدلس، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية السابقة في بعض الكلمات، أي من حلف وأقسم باسم الله تعالى أو بصفته (على) أخذ (مال) واختصاص (امرئ) وامرأة (مسلم) أو كافر معصوم (بغير حقه) أي بغير استحقاقه (لقي الله) سبحانه وتعالى يوم مات (وهو) سبحانه وتعالى (عليه غضبان) أي ساخط سخطًا يبعده عن رحمته (قال عبد الله) بن مسعود (ثم) بعد هذا الحديث (قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه) أي مصداق قوله وشاهده (من كتاب الله) سبحانه وتعالى، أي من القرآن، والمصداق بوزن مفعال صيغة مبالغة، أي كثير الصدق، بمعنى التصديق كالمطواف والمطلاق كثير الطواف والطلاق، وفي القاموس: ومصداق الشيء ما يصدقه، وذلك المصداق والشاهد هو قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية) إلى آخر الآية)، يعني آخر آية سبع وسبعين من سورة آل عمران، وتمامها {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. قال القرطبي: عهد الله هو ميثاقه، وهو إيجابه على المكلفين أن يقوموا بالحق، ويعملوا بالعدل، والأيمان: جمع يمين وهو الحلف بالله تعالى (ويشترون) أي يعتاضون، فكأنهم يُعطون ما أوجب الله عليهم من رعاية العهود والأيمان في شيء قليل حقير من عرض الدنيا و (الخلاق) الحَظُّ والنصيب (ولا يكلمهم) أي بما يسرهم إذ لا يكلمهم إعراضًا عنهم واحتقارًا لهم (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة (ولا يزكيهم) أي لا يثني عليهم

261 - (131) (54) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو عَاصِمٍ الْحَنَفِيُّ (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كما يُثني على من تزكى، وقيل: لا يُطهرهم من الذنوب، والأليم: الموجع الشديد الألم انتهى من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي أمامة بحديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنهما فقال: (261) - ش (131) (54) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم، أبو رجاء البغلاني، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (هناد بن السَّريِّ) بفتح المهملة وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة بن مصعب التميمي الدارمي، أبو السري الكوفي، الحافظ الصالح، روى عن أبي الأحوص في الإيمان وغيره، وعبدة بن سليمان في الصلاة، وعلي بن مسهر في الصلاة، ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة في الحج، وابن المبارك في الجهاد والصيد، وعبثر بن القاسم في الأدب، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ستة أبواب تقريبًا كما بينا، ويروي عنه (م عم) وأبو حاتم، وأبو زرعة، وأحمد بن منصور الرمادي، ومُطين، وبقي بن مخلد، وخلق وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة، مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، آخر يوم من شهر ربيع الآخر يوم الأربعاء، قال هناد بن السري وُلِدتُ سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة. (و) حدثنا أيضًا (أبو عاصم) أحمد بن جَوَّاس -بفتح الجيم وتشديد الواو آخره سين مهملة- (الحنفي) نسبة إلى بني حنيفة، قبيلة من ربيعة، نزلوا اليمامة، الكوفي ثقة من العاشرة، مات في المحرم سنة (238) روى عنه المؤلف في (3) أبواب، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لقتيبة) لا لغيره، تورعًا من الكذب على غيره، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الأربعة مشايخ (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم، الحافظ الكوفي ثقة متقن، من السابعة مات سنة (179) روى عنه المؤلف في (12) بابًا تقريبًا (عن سِمَاك) بكسر أوله وتخفيف الميم ابن حرب بن

عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة بن ربيعة بن عامر بن ذُهل بن ثعلبة الذهلي، أبي المغيرة الكوفي، روى عن علقمة بن وائل، ومصعب بن سعد، وجعفر بن أبي ثور، والنعمان بن بشير، وجابر بن سمرة، وتميم بن طرفة، والشعبي، وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو الأحوص، وأبو عوانة، وشعبة، وزائدة، وإسرائيل، وزهير بن معاوية، وخلائق، وقال ابن معين: ثقة، وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، قال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة، مات سنة (123) ثلاث وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة في موضعين، والزكاة، والحدود، في ثلاثة مواضع، والجهاد في ثلاثة مواضع، والأشربة، والأدب، والوصايا، والفضائل، والأيمان، والعتق، والتوبة، والكفارة، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها أربعة عشر بابًا. (عن علقمة بن وائل) بن حُجْر -بضم المهملة وسكون الجيم- الكندي الحضرمي ثم الكوفي، روى عن أبيه وائل في الإيمان والصلاة والديات والجهاد والأشربة، وعن المغيرة بن شعبة في الأدب، ويروي عنه (م عم) وسماك بن حرب، وأخوه عبد الجبار بن وائل في الصلاة، وإسماعيل بن سالم، وعبد الملك بن عمير، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا. (عن أبيه) وائل بن حجر بن سعد بن مسروق الحضرمي الكندي، أبي هُنيدة الكوفي، صحابي مشهور، وكان من ملوك اليمن، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأطلعه معه على المنبر له إحدى وسبعون إلا حديثًا انفرد له (م) بستة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (م عم) وابناه علقمة في الإيمان والصلاة، وعبد الجبار، ومولى لهم، وأم يحيى زوجته، وكُليب بن شهاب، وغيرهم، سكن الكوفة وعقبه بها، ومات في ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا قتيبة بن سعيد، فإنه بغلاني، وفيه أيضًا رواية تابعي عن تابعي هما: سماك عن وائل (قال) أبوه وائل بن حجر (جاء رجل من حضرموت) اسمه ربيعة بن عيدان الحضرمي -بفتح العين وسكون الياء التحتانية- على الصواب كما سيأتي مصرحًا في المتن، وحضرموت -بسكون الضاد علمٌ مركب

وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لأَبِي. فَقَال الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تركيبا مزجيًا على قطر من اليمن، قيل سُمي بذلك لأن صالحًا - عليه السلام - حين أمر بالخروج من حجر ثمود هاجر إلى اليمن، فلما دخل ذاك القطر مات، فقيل فيه حضر ومات، ثم غير عن صيغة الفعل إلى صيغة المصدر، فصار علمًا مركبًا لذلك القطر، كما بيناه في تفسيرنا "حدائق الروح" بما لا مزيد عليه (ورجل من كندة) اسم قبيلة في اليمن اسمه امرؤ القيس بن عابِس -بكسر الباء الموحدة والسين المهملة- الكندي كما سيأتي فيه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي) ربيعة بن عيدان (يا رسول الله إن هذا) الرجل الكندي (قد غلبني) وعدا عليَّ بالقوة واستولى (على أرضٍ) كانت ملكًا (لي) بالميراث من أبي وقد (كانت) تلك الأرض ملكًا (لأبي) قبل موته، فعادت إليَّ بالميراث، وفي الرواية الأخرى "انتزى على أرضٍ لي" فانتزى بمعنى غلب، وهو من النزو وهو الارتفاع، وهذا دليل على أن المُدعي لا يلزمه تحديد المُدعَى به، إن كان مما يُحَدُّ، ولا أن يصفه بجميع أوصافه كما يوصف المُسلَمُ فيه، بل يكفي من ذلك أن يتميز المُدعَى به تميُّزًا تنضبط به الدعوى، وهو مذهب مالك، خلافًا لما ذهبت إليه الشافعية، حيث ألزموا المدعي أن يصف المُدعى به بحدوده وأوصافه التامة المعينة كما يُوصف المسلم فيه، وهذا الحديث حجة عليهم، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكلفه بتحديد الأرض ولا تعيينها بأوصافها، بل لما كانت الدعوى متميزة في نفسها اكتفى بذلك. وظاهر هذا الحديث أن والد المُدَّعي قد كان توفي، وأن الأرض صارت للمدعي بالميراث ومع ذلك فلم يطالبه النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات الموت ولا بِحَصْرِ الورثة، فيحتمل أن يقال إن ذلك كان معلومًا عندهم، ويحتمل أن يقال لا يلزمه إثبات شيء من ذلك ما لم يناكره خصمه، وفيه أيضًا دليل على أن من نسب خصمه إلى الغصب حالة المحاكمة لم ينكر الحاكم عليه، إلا أن يكون المقول له ذلك لا يليق به اهـ. من المفهم. (فقال الكندي) امرؤ القيس بن عابس وهو المُدعَى عليه (هي أرضي) أي تلك الأرض ملكي كائنة (في يدي) وتحت تصرفي (أزرعها) وأحرثها وأنتفع بها كل سنة (ليس

لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَلَكَ يَمِينُهُ" قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيهِ، وَلَيسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ له) أي لهذا الحضرمي المُدعي (فيها) أي في تلك الأرض (حق) أي أثر استحقاق وملك لها من زرع وغراس، وفي هذا دليل على أن المُدعى فيه لا ينزع من يد صاحب اليد لمجرد الدعوى، وأنه لا يسأل عن سبب يده، ولا عن سبب ملكه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي) المُدعي وهو ربيعة بن عيدان (ألك بينة) أي حجة وشهود تبين وتخبر أنها لك (قال) الحضرمي (لا) أي ليست لي بينة ولا شهود تشهد أنها لي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) ـإذا لم يكن لك بينة (لك يمينه) أي يمين الكندي على أن الأرض له لا لك فتقطع الخصومة بينكما، وفي الطريق الأخرى "شاهداك أو يمينه" وفي هذا دليل على أن المدعي يلزمه إقامة البينة، فإن لم يقمها، حلف المُدعى عليه، وهو أمر متفق عليه، وهو مستفاد من هذا الحديث. فأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في رقم (13411) فليس بصحيح الرواية، لأنه يدور على مسلم بن خالد الزنجي، ولا يحتج به، قال في التهذيب: صدوق كثير الأوهام، من الثامنة، مات سنة (179) أو بعدها لكن معنى متنه صحيح بشهادة الحديث المتقدم له، وبحديث ابن عباس الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: "ولكن اليمين على من أنكر" رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 252). وفيه حجة لمن لا يشترط الخلطة في توجه اليمين على المدعى عليه، وقد اشترط ذلك مالك واعتذر له عن هذا الحديث بأنها قضية في عين، ولعله صلى الله عليه وسلم علم بينهما خلطة فلم يطالبه بإثباتها والله سبحانه وتعالى أعلم. (قال) الحضرمي (يا رسول الله إن الرجل) الكندي (فاجر) أي كاذب (لا يبالي) ولا يكترث (على ما حلف عليه) ولا يبحث عنه هل هو حق أم باطل، فيحلف على أي شيء كان، سواء كان صدقًا أو كذبًا (وليس) الرجل الكندي (يتورع) أي ينكفُّ ويخاف الله (من) الحلف على أي (شيء) أراد الحلف عليه، فيتبع هواه، ولا يمتثل أوامره ونواهيه.

فَقَال: "لَيسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذلِكَ" فَانْطَلَقَ لِيَخلِفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المفهم قوله (إن الرجل فاجر) إلخ، الفاجر: هو الكاذب الجريء على الكذب، والورع: المُنْكَفُّ، ومنه قولهم: (روعوا اللص ولا تورعوه) أي لا تنكفوا عنه، وظاهر هذا الحديث أن ما يجري بين المتخاصمين في مجلس الحكم من مثل هذا السب والتقبيح جائز ولا شيء فيه، إذ لم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم والجمهور لا يجيزون شيئًا من ذلك، ويرون إنكار ذلك، ويؤدبون عليه، تمسكًا بقاعدة تحريم السباب والأعراض، واعتذروا عن هذا الحديث، بأنه محتمل لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أن المقول له ذلك القول كان كما قيل له، فكان القائل صادقًا، ولم يقصد أذاه بذلك، وإنما قصد منفعة يستخرجها فلعله إذا شنع عليه فقد ينزجر بذلك فيرجع به للحق، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تركه ولم يزجره لأن المقول له لم يطلب حقه في ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ منه. (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس لك) يا حضرمي (منه) أي من الكندي (إلا ذلك) أي إلا يمينه (فانطلق) الكندي، وذهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي يحلف فيه من توجه عليه الحلف (ليحلف) على أن الأرض له لا للحضرمي، وقوله "فانطلق ليحلف" دليل على أن اليمين لا تبذل أمام الحاكم بل لها موضع مخصوص، وهو أعظم مواضع ذلك البلد كالكعبة بمكة، ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ومسجد بيت المقدس في الشام، وفي المساجد الجامعة من سائر الأمصار والبلدان، ولكن ذلك فيما ليس بتافه وهو ما لا تقطع فيه يد السارق، وهو أقل من ربع دينار عند مالك، فيحلف فيه حيث كان مستقبل القبلة، وفي ربع الدينار فصاعدًا لا يحلف إلا في تلك المواضع، وخالفه أبو حنيفة في ذلك فقال: لا تكون اليمين إلا حيث كان الحاكم. وظاهر هذا الحديث أن المدعى عليه إذا حلف انقطعت حجة خصمه، وبقي المدعى فيه بيده وعلى ملكه في ظاهر الأمر غير أنه لا يحكم له الحاكم بملك ذلك فإنه غايته أنه حائز، ولم يجد ما يحيى يله عن حوزه، فلو سأل المطلوب تعجيز الطالب بحيث لا تبقى له حجة فهل للحاكم تعجيزه وقطع حجته أم لا قولان: بالنفي والإثبات، وفي هذا الحديث أبواب من علم القضاء لا تخفى اهـ من المفهم.

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أَدْبَرَ: "أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ". 262 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر) الكندي وذهب من عنده إلى موضع الحلف، وهو عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) أي انتبهوا واستمعوا لما أقول لكم والله (لئن حلف) وأقسم هذا الكندي (على ماله) أي على أخذ مال الحضرمي (ليأكله) أي ليأكل مال الحضرمي وينتفع به (ظلمًا) أي بغير حق (ليلقين) هذا الكندي (الله) سبحانه وتعالى (وهو) أي والحال أن الله سبحانه وتعالى (عنه) أي عن هذا الكندي (معرض) عن النظر إليه والرحمة له، غضبًا عليه وسخطًا له. وعبارة المفهم (وهو عنه معرض) أي إعراض الغضبان كما قال في الحديث الآخر "وهو عليه غضبان" وقد تقدم القول في غضب الله تعالى وفي رضاه، وأن ذلك محمول إما على إرادة عقاب المغضوب عليه وإبعاده وإرادة إكرام المرضي عنه، أو على أثر تلك الإرادة وهو الانتقام أو الإكرام، وفيه دليل على ندبية وعظ المقدم على اليمين اهـ منه. وهذا الحديث أعني حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته أبو داود (3245) والترمذي (1340). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه فقال: (262) - متا (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في عشرين بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي ابن راهويه، أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ مجتهد من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا وفائدة المقارنة بيان لكثرة طرقه، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية لي (عن أبي الوليد) هشام بن عبد الملك البصري الطيالسي الباهلي مولاهم، الحافظ الإمام الحجة، روى عن أبي عوانة

قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَال: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الإيمان والحوض والفضائل والرحمة، وإسحاق بن سعيد في الوضوء، ويعلي بن الحارث المحاربي في الصلاة، والليث بن سعد في الجهاد، وهمام بن يحيى في الرحمة، ويروي عنه (ع) وزهير بن حرب، وإسحاق الحنظلي، وعبد بن حميد، وحجاج بن الشاعر، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، والحسن الحلواني، وإسحاق بن منصور، ومحمد بن المثنى، وغيرهم، قال أحمد: هو متقن، وهو اليوم شيخ الإسلام، ما أُقدم عليه أحدًا من المحدثين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وله (94) أربع وتسعون سنة، روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا. وأتى بجملة قوله (قال زهير حدثنا هشام بن عبد الملك) بذكر اسمه مع تصريح سماعه تورعًا من الكذب على زهير، لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أن زهيرًا روى عنه بالعنعنة مع ذكر كنيته، فرفع ذلك الإيهام بذكر هذه الجملة القولية، قال أبو الوليد (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري، البزاز الواسطي مشهور بكنيته، ثقة ثبت من السابعة، مات سنة (176) ست وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في تسعة عشر بابا تقريبًا. (عن عبد الملك بن عمير) بن سويد بن جارية اللخمي، أبي عمر الكوفي، ثقة فقيه تغير حفظه، وربما دلس من الثالثة، مات سنة (136) روى عنه المؤلف في (15) بابا تقريبًا. (عن علقمة بن وائل) الكندي الكوفي (عن أبيه وائل بن حجر) الكندي الكوفي، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي، وواحد بصري، وواحد إما نسائي، أو مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لسماك بن حرب في رواية هذا الحديث عن علقمة بن وائل، وفائدتها تقوية السند الأول، لأن سماكًا صدوق أو ضعيف ضعفه الثوري، ووثقه ابن معين، كما مر هناك، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث. (قال) وائل بن حجر (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا (فأتاه)

رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي أَرْضٍ. فَقَال أَحَدُهُمَا: إِنَّ هَذا انْتَزَى عَلَى أَرْضِي، يَا رَسُولَ اللهِ، فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (وَهُوَ امْرُؤُ الْقَيسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ. وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عِبْدَانَ). قَال: "بَيِّنَتُكَ" قَال: لَيسَ لِي بَيِّنَةٌ. قَال "يَمِينُهُ" قَال: إِذَنْ يَذهَبُ بِهَا. قَال: "لَيسَ لَكَ إِلا ذَاكَ" قَال: فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (رجلان) كندي وحضرمي وجملة قوله (يختصمان) صفة رجلان جريًا على القاعدة النحوية: من أن الجمل بعد النكرات صفات، أي جاءه رجلان مختصمان (في أرض) كانت بينهما في اليمن (فقال أحدهما) أي أحد الرجلين، وهو الحضرمي (إن هذا) الكندي (انتزى) وغلب واستولى (على أرضي) وأخذها (يا رسول الله في الجاهلية) أي قبل الإسلام، والجاهلية ما قبل النبوة، سموا بذلك لكثرة جهلهم بالله تعالى، ومعنى انتزى: أخذها، قال القاضي: أصل النزو الوثب، ثم كثير استعماله في كل ما يشبهه، ثم استعمل في الجماع فقالوا: نزا الفحل على الأنثى، وكل من حصل على أمر من سلطان، أو خرج عليه اهـ. وقوله (وهو) أي الذي انتزى على الأرض اسمه (امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه) أي خصم ذلك المنتزي، الذي يدعي عليه الأرض (ربيعة بن عبدان) الحضرمي -بكسر العين وسكون الموحدة- وضبطه بعض الحفاظ بكسر العين والموحدة وتشديد الدال المهملة، كلام مدرج من بعض الرواة، إما علقمة أو من دونه، أو أبوه، ولذلك جعلوه بين قوسين في أكثر المتون (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينتك) أي لك ما أثبتت بينتك (قال) الحضرمي (ليس لي بينة) ولا شهود يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لك (يمينه) أي تحليفه على أن الأرض له لا لك (قال) الحضرمي: إن كان المقطع للخصومة والمعول عليه في قطعها يمينه (إذن) يحلف الكندي و (يذهب) ويأخذ (بها) أي الأرض، وليس يتورع من الحلف على أي شيء، أو المعنى إن حلفته إذن يحلف ويذهب بها، ويذهب بالنصب على إعمال إذن، وبالرفع على إهمالها وهو الصواب لعدم كون الفعل بعدها مستقبلًا، لأن الذهاب بها ليس مستقبلًا لليمين (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي (ليس لك) يا حضرمي (إلا ذاك) المذكور من البينة أو يمينه (قال) وائل بن حجر (فلما قام) الكندي من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (لـ) ـيذهب إلى موضع الاستحلاف و (يحلف) فيه، وهو عند منبر رسول الله

فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضْبَانُ". قَال إِسْحَاقُ فِي رِوَايَتِهِ: رَبِيعَةُ بْنُ عَيدَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) زجرًا له عن أخذ الأرض باليمين الفاجرة (من اقتطع) وأخذ (أرضًا) لغيره حالة كونه (ظالمًا) في أخذها كاذبًا في ادعائها (لقي الله) سبحانه وتعالى، أي مات يوم مات (وهو) سبحانه وتعالى (عليه) أي على ذلك المُقتطِع (غضبان) أي ساخط (قال إسحاق) بن إبراهيم (في روايته) وخصمه (ربيعة بن عيدان) بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وهو الصواب. وفي هامش بعض المتون قوله (ربيعة بن عيدان) ذكر مسلم أن زهيرًا وإسحاق اختلفا في ضبط هذا الاسم، فقال زهير: عبدان بالموحدة، وقال إسحاق: عيدان بالمثناة التحتانية، ثم إن النووي ذكر في عِبدان بالموحدة ضبطين، الأول: كسر العين مع إسكان الباء الموحدة، والثاني: كسر العين والباء مع تشديد الدال، ولم يذكر في عيدان بالمثناة إلا فتح العين وإسكان الياء المثناة، وعبارة الإصابة في باب الراء مع الياء ربيعة بن عيدان بفتح المهملة وسكون التحتانية على المشهور اهـ. فصل في الأحكام التي تستفاد من أحاديث الباب قال النواوي: قوله صلى الله عليه وسلم "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه" إلخ فيه لطيفة وهي: أن قوله صلى الله عليه وسلم: "حق امرئ" يدخل فيه من حلف على غير مال كجلد الميتة، والسرجين وغير ذلك من النجاسات التي ينتفع بها، وكذا سائر الحقوق التي ليست بمال كحد القذف، ونصيب الزوجة في القسم وغير ذلك. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فقد أوجب الله تعالى له النار وحرم عليه الجنة" ففيه الجوابان المتقدمان المتكرران في نظائره، أحدهما: أنه محمول على المستحل لذلك، إذا مات على ذلك فإنه يكفر ويخلد في النار، والثاني: معناه فقد استحق النار، ويجوز العفو عنه، وقد حرم عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين، وأما تقييده صلى الله عليه وسلم بالمسلم فليس يدل على عدم تحريم حق الذمي، بل معناه: أن هذا الوعيد الشديد وهو أن يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان لمن اقتطع حق المسلم، وأما الذمي فاقتطاع حقه حرام، لكن ليس يلزم أن تكون فيه هذه العقوبة العظيمة، هذا كله على مذهب من يقول بالمفهوم، وأما من لا يقول به فلا يحتاج إلى تأويل، وقال القاضي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عياض: تخصيص المسلم لكونهم المخاطبين، وعامة المتعاملين في الشريعة، لا أن غير المسلم بخلافه، بل حكمه حكمه في ذلك والله أعلم. ثم إن هذه العقوبة لمن اقتطع حق المسلم ومات قبل التوبة، أما من تاب فندم على فعله ورد الحق إلى صاحبه وتحلل منه وعزم على أن لا يعود فقد سقط عنه الإثم، والله أعلم. وفي هذا الحديث دلالة على مذهب مالك والشافعي وأحمد والجماهير: أن حكم الحاكم لا يبيح للإنسان ما لم يكن له خلافًا لأبي حنيفة، وفيه بيان غلظ تحريم حقوق المسلمين، وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم "وإن قضيبًا من أراك". وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين هوفيها فاجر ليقتطع" فالتقييد بكونه فاجرًا، لا بد منه، ومعناه هو آثم، ولا يكون آثمًا إلا إذا كان متعمدًا عالمًا بأنه غير محق. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لقي الله تعالى وهو عليه غضبان" وفي الرواية الأخرى: "وهو معرض"، فقال العلماء: الإعراض والغضب والتسخط من الله تعالى هو إرادته إبعاد ذلك المغضوب عليه من رحمته، وتعذيبه وإنكار فعله وذمه والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما حديث الحضرمي والكندي ففيه أنواع من العلوم منها: أن صاحب اليد أولى من أجنبي يدعي عليه، ومنها أن المُدعى عليه يلزمه اليمين إذا لم يقر، ومنها أن البينة تقدم على اليد، ويقضى لصاحبها بغير يمين، ومنها أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة بها، ومنها أن أحد الخصمين إذا قال لصاحبه إنه ظالم أو فاجر أو نحوه في حال الخصومة يحتمل ذلك منه إذا عرف صدقه في ذلك، بخلاف ما لو قاله على سبيل المشاتمة والأذى المجرد، فإنه يؤدب حينئذ لعموم تحريم السباب، ومنها أن الوارث إذا ادعى شيئًا لمورثه وعلم الحاكم أن مورثه مات ولا وارث له سوى هذا المدعي جاز له الحكم به، ولم يكلفه حال الدعوى ببيّنة على ذلك، وموضع الدلالة أنه قال: غلبني على أرض كانت لأبي، فقد أقر بأنها كانت لأبيه، فلولا علم النبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم بأنه ورثها وحده لطالبه ببينة على كونه وارثًا، ثم بينة أخرى على كونه محقًا في دعواه على خصمه، فإن قال قائل قوله صلى الله عليه وسلم: "شاهداك" معناه شاهداك على ما تستحق به انتزاعها وإنما يكون ذلك بأن يشهدا بكونه وارثًا وحده، وأنه ورث الأرض فالجواب: أن هذا خلاف الظاهر، ويجوز أن يكون مرادًا والله أعلم انتهى منه. ومنها بيان سيرة القضاء البداية بالسماع من الطالب، ثم السماع من المطلوب هل يُقِرُّ أو ينكر، ثم طلب البينة من الطالب إذا أنكر المطلوب ثم توجيه اليمين على المطلوب إذا لم يجد الطالب بينة، ومنها أن الخصم إذا اعترف أن المدعى فيه في يد خصمه استُغني باعترافه عن تكليف خصمه إثبات كون يده عليه لقول الحضرمي: "إن هذا غلبني على أرض لي" فقال الآخر: "أرضي في يدي أزرعها" فلم يكلف النبي صلى الله عليه وسلم إثباتًا، ومنها أن الزراعة يدٌ وحوز، ومنها أن الدعوى في المعين لا تفتقر إلى خلطة أي إلى مخالطة الطالب، ومعاملته مع المطلوب، أو مع الناس بخلاف المرأة المحتجبة، والرجل المستور المنقبض عن مداخلة المدعى عليه وملابسته فلا تجب اليمين عليه إلا بخلطة، وذلك لما أخرجه مالك في الموطأ عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن، أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضي بين الناس، فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقًّا نظر فإن كانت بينهما مخالطة أو ملابسة حَلَّف الذي ادعى عليه، وإن لم يكن شيء من ذلك لم يُحلِّفه قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، ومنها بيان صورة سؤال الحاكم الطالب بأن يقول: "ألك بينة" ولا يقول له قرب بينتك، إذ قد لا يكون له بينة، ومنها الدلالة على أن للأيمان مواضع تُحلَّف فيها وتختص بها لقوله: "فانطلق ليحلف" وذلك عندنا لازم فيما له بال من الأموال، وذلك ما يوجب القطع في السرقة ربع دينار فصاعدًا، فلا يكون اليمين فيه إلا في المساجد الجامعة، وحيث يعظَّمُ منها كما مر، وقد احتج أبو سليمان الخطابي بهذا الحديث على وجوب اليمين عند المنبر، قال: لأنه إنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقيام هذا إنما كان إلى المنبر، والا فلماذا قام؟ يدل عليه حديث جابر بن عبد الله: "من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار" وحديث أبي أمامة بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه عدلًا ولا صرفًا" رواهما النسائي في الكبرى (3/ 491، 492). ومنها الدلالة على أن الحالف يكون قائمًا لقوله: "فلما قام ليحلف" لكن في قيامه هنا احتمال هل لنفس اليمين أو لينهض لموضعها كما مر آنفًا، ومنها غير ذلك مما يطول الكلام بذكره اهـ إكمال المعلم بفوائد مسلم. ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الرابع دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

ومما قيل في الزهد: أتبني بناء الخالدين وإنما ... مقامك فيها لو عقلت قليل لقد كان في ظل الأراك كفاية ... لمن كان فيها يعتريه رحيل قال أبو الطيب المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر صغير ... كطعم الموت في أمر كبير يرى الجبناء أن العجز عقل ... وتلك خديعة الطبع اللئيم وكل شجاعة في المرء تُغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القرائح والعلوم الحمد لله الذي شرح قلوب أصفيائه، بمعاني سنن خير أنبيائه، والصلاة والسلام على منبع الحكم والأحكام، سيدنا محمد علم الهدى ومنار الإسلام، وعلى آله السادة الكرام، وأصحابه الأئمة الأعلام، وتابعيهم إلى يوم القيام، ما طلع وَناءَ نَجْمٌ في دُجى الظلام. (أما بعد) فلما فرغت من كتابة هذا المجلد من شرح صحيح مسلم تفرغت إن شاء الله تعالى لبداية تسطير المجلد التالي، بقلم ما عندي من قطرات الفيض، ورشحات العلوم، فقلت مستمدًا من الله التوفيق والسداد إلى أقوم الطريق:

70 - (29) باب: من قتل دون ماله فهو شهيد

70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ 263 - (132) (55) حدّثني أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ أي هذا بابٌ معقود في بيان الحديث الذي يذكر فيه أن من قتل دون ماله فهو شهيد، ودون في أصلها ظرف مكان بمعنى أسفل وتحت وهو نقيض فوق، وقد استعملت في هذا الحديث بمعنى اللام التعليلية أو الباء السببية، أي لأجل الدفع عن ماله أو بسبب الدفع عن ماله ففيه مجاز وتوسع، ووجهه أن الذي يقاتل لأجل ماله إنما يجعله خلفه أو تحته، ثم يقاتل عليه اهـ من المفهم. وفي القاموس دون بالضم نقيض فوق، ويكون ظرفًا، وبمعنى أمام ووراء وفوق ضِدٌّ، وبمعنى غَيرٍ، قيل: ومنه حديث: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة" أي في غير خمس أواق قيل: ومنه أيضًا الحديث: "أجاز الخلع دون عقاص رأسها" أي بما سوى عقاص رأسها، أو معناه بكل شيء حتى بعقاص رأسها اهـ. (263) - س (132) (55) (حدثني أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا، قال أبو كريب (حدثنا خالد) بن مخلد البجلي مولاهم، أبو الهيثم الكوفي القطواني -بفتح القاف والطاء- نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، روى عن محمد بن جعفر بن أبي كثير، وسليمان بن بلال، ومالك بن أنس، ومحمد بن موسى، وعلي بن مسهر، ونافع القارئ وغيرهم، ويروي عنه (خ م س ق) وأبو كريب، وأحمد بن عثمان الأودي، والقاسم بن زكريا، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، ومحمد بن نمير، وإسحاق، وخلق، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه، وقال أبو داود: صدوق ولكنه يتشيع، وقال ابن معين: ما به بأس، وقال في التقريب: صدوق يتشيع، وله أفراد، من كبار العاشرة، مات سنة (213) ثلاث عشرة ومائتين، وقيل: بعدها، روى عنه المؤلف في الإيمان، والوضوء، والصلاة، والزكاة، والحج والبيوع، والأطعمة، والأدب، والطلاق، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن مخلد) إشارة إلى أن هذه النسبة من

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَال: "فَلَا تُعْطِهِ مَالكَ" قَال: أَرَأَيتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَال: "قَاتِلْهُ" قَال: أَرَأَيتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَال: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ" قَال: أَرَأَيتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَال: "هُوَ فِي النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادته، قال خالد بن مخلد (حدثنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: هو أخو إسماعيل، أكبر منه، ثقة من السابعة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، صدوق ربما وهم، من الخامسة مات سنة (133) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم المدني، ثقة من الثالثة روى عنه المؤلف في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، واثنان كوفيان (قال) أبو هريرة (جاء رجل) لم أرَ من ذكر اسمه (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إن جاء رجل) ظالمٌ (يريد) ويقصد (أخذ مالي) وغصبه قهرًا، أأعطيه مالي وأتركه ليأخذ أم أدفعه عنه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تعطه) أي فلا تتركه ليأخذ (مالك) وادفعه عنه (قال) الرجل (أرأيت) يا رسول الله (إن قاتلني) أي إن شاهرني بالسلاح ليقتلني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قاتله) أي فادفعه ولو بالقتل (قال) الرجل (أرأيت) أي أخبرني يا رسول الله (إن قتلني) ذلك الظالم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتلك ذلك الظالم بسبب الدفع عن مَالِكَ (فأنت شهيد) أي شهيد الآخرة قال الرجل (أرأيت إن قتلته) أي قتلت ذلك الظالم، أأضمنه بالقصاص أو بالدية أو هو مهدر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو) أي ذلك الظالم مهدر في الدنيا مخلد (في النار) في الآخرة إن استحله لكفره، أو معاقب في النار، إلا إن أدركه العفو، إن لم يستحله، لأنه عاصٍ. قوله (فأنت شهيد) سُمي بذلك لأنه حيٌّ، فكأنه يشاهد الأشياء، قيل: لأن أرواحهم شهدت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها إلا يوم القيامة، قاله النضر بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شميل، فهو فعيل بمعنى فاعل، وقال ابن الأنباري: سُمي شهيدًا لأن الله تعالى وملائكته عليهم السلام شهدوا له بالجنة، فهو شهيد بمعنى مشهود له، وقيل: سُمي شهيدًا لأنه يشهد عند خروج روحه ما أُعد له من الثواب والكرامة، وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه، وقيل: لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله، وقيل: لأن عليه شاهدًا يشهد بكونه شهيدًا وهو دمه، فإنه يبعث وجرحه يثغب دمًا، وقال الأزهري وغيره: سمي شهيدًا لأنه يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة على الأمم السابقة، قال تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وعلى هذا القول لا اختصاص له بهذا السبب، لأنه قد جاء هذا في جماعة من المسلمين. (واعلم) أن الشهيد ثلاثة أقسام: الأول: شهيد الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار بسبب القتال، فهو شهيد في الآخرة، لأنه ينال فيها ثواب الشهداء وكرامتهم، وشهيد في الدنيا: لأنه لا يغسل ولا يصلى عليه. والثاني: شهيد الآخرة فقط، لأنه يثاب ثواب الشهداء في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهو المبطون والمطعون، وصاحب الهدم، ومن قتل دون ماله، والغريق، والحريق، والتي ماتت في الطلق، ولهذا يغسل ويُصلى عليه، وله في الآخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون ثوابه مثل ثواب الأول. والثالث: شهيد الدنيا فقط، كمن غل من الغنيمة، والمقاتل للحمية، والوطنية، والمحمدة، وغيرها، إذا قتل في حرب الكفار فهذا له حكم الشهداء في الدنيا، لا يغسل ولا يصلى عليه، وليس له ثوابهما الكامل في الآخرة. وفي الحديث جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلًا أو كثيرًا لعموم الحديث، وهذا قول جماهير العلماء، وقال بعض المالكية لا يجوز قتله إذا طلب شيئًا يسيرًا كالثوب والطعام، وهذا ليس بشيء، والصواب ما قاله الجمهور، وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف، وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهبنا ومذهب غيرنا، والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة. وقوله (فلا تعطه مالك) معناه لا يلزمك أن تعطيه، وليس المراد تحريم الإعطاء اهـ

264 - (133) (56) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ -وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــ نووي. وقال القرطبي: وهذا دليل على أن المحارب لا يجوز أن يعطى شيئًا له بال من المال إذا طلبه على وجه المحاربة، ما أمكن لا قليلًا ولا كثيرًا، وأن المحارب يجب قتاله، ولذلك قال مالك: قتال المحاربين جهاد، وقال ابن المنذر: جمهور العلماء على قتال المحارب على كل وجه، ومدافعته عن المال والأهل والنفس، واختلف أصحابنا إذا طلب الشيء الخفيف كالثوب والطعام فهل يعطونه أم لا على قولين، وذكروا أن سبب الخلاف في ذلك هو هل الأمر بقتالهم من تغيير المنكر، فلا يعطون ويقاتلون، أو هو من باب دفع الضرر، وخرجوا من هذا الخلاف في دعائهم قبل القتال هل يدعونه قبله أم لا اهـ مفهم. وأما قوله (فإذا قتل فهو في النار) فمعناه أنه يستحق ذلك، وقد يجازى، وقد يعفى عنه إلا أن يكون مستحلًا لذلك بغير تأويل فإنه يكفر ولا يعفى عنه والله أعلم انتهى من النواوي. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث الإمام النسائي (7/ 114) فقط، ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم فقال: (264) - ش (133) (56) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) أبو علي المكي، ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (242) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب (و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج، أبو يعقوب التميمي المروزي، ثم النيسابوري ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (251) روى عنه المؤلف في (17) بابًا (و) حدثنا أيضًا (محمد بن رافع) القشيري مولاهم، أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد من الحادية عشرة، مات سنة (245) روى عنه المؤلف في (11) أحد عشر بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (وألفاظهم) أي ألفاظ حديث هؤلاء الثلاثة (متقاربة) متشابهة في المعاني والألفاظ ولكن (قال إسحاق) بن منصور (أخبرنا. وقال الآخران) أي الحسن ومحمد (حدثنا) فاختلفوا في كيفية السماع، فبين

عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، قَال: أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ الأَحْوَلُ؛ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَينَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَبَينَ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَا كَانَ تَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلافهم تورعًا من الكذب على بعضهم بصيغة أخبرنا أو بصيغة حدثنا في الجميع، أي قالوا روى لنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ شهير من التاسعة، مات سنة (211) عن (85) سنة روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا. قال عبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) القرشي الأموي مولاهم، أبو الوليد، أو أبو خالد المكي، ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل من السادسة، مات سنة (150) روى عنه المؤلف في (16) بابًا تقريبًا (قال) ابن جريج (أخبرني سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) خال ابن أبي نجيح المكي، واسم أبي مسلم عبد الله، روى عن ثابت مولى عمر بن عبد الرحمن في الإيمان، وطاوس في الصلاة والحج واللباس، وسعيد بن جبير في الوصايا، ومجاهد في الأشربة، ويروي عنه (ع) وابن جريج، وابن عيينة، وشعبة، قال أحمد: ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا. (أن ثابتًا) ابن عياض بن الأحنف الأعرج (مولى عمر بن عبد الرحمن) بن زيد بن الخطاب العدوي المكي، ثقة من الثالثة، روى عن عبد الله بن عمروفي الإيمان، وعن أبي هريرة في الوضوء والنكاح والأدب، ويروي عنه (خ م د س) وسليمان الأحول (أخبره) أي أخبر لسليمان الأحول (أنه) أي أن الشأن والحال (لما كان بين عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل السهمي، أبي محمد الطائفي، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المكثرين من الصحابة، له سبعمائة حديث (700) اتفقا على سبعة عشر، وانفرد (خ) بثمانية و (م) بعشرين، مات في ذي الحجة بالطائف سنة (65) خمس وستين (وبين عنبسة بن أبي سفيان) بن حرب، كان أخا معاوية (ما كان) من المخاصمة في حائط (تيسروا) أي تيسر كل منهما مع من كان معه من الأصحاب والمساعدين، أي تهيؤا وتأهبوا واستعدوا (للقتال) أي لإيقاع المقاتلة بينهما بالسلاح. ويروى أن عنبسة بن أبي سفيان أخا معاوية، كان عاملًا لمعاوية على مكة

فَرَكِبَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَوَعَظَهُ. فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو لِخَالِدٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والطائف، ذكره ابن منده وقال: أدرك عنبسة النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصح له صحبة ولا رؤية، قال الحافظ في الإصابة: إذا أدرك الزمن النبوي حصلت له الرؤية لا محالة ولو من أحد الجانبين، ولا سيما مع كونه من أصهار النبي صلى الله عليه وسلم أخته أم حبيبة أم المؤمنين، وقد اجتمع الجميع بمكة في حجة الوداع، ذكره في الإصابة (5/ 69) وانظر أسد الغابة (4/ 304). والذي كان بينه وبين عبد الله بن عمرو فصله الطبري فيما رواه عن حيوة، قال إن عاملًا لمعاوية أجرى عينًا من ماء ليسقي بها أرضًا فدنا من حائط لآل عمرو بن العاص، فأراد أن يخرقه ليُجري العين منه إلى الأرض، فأقبل عبد الله بن عمرو، ومرَّ إليه بالسلاح، وقالوا والله لا تخرقون حائطنا حتى لا يبقى منا أحدٌ، وذكر الحديث، والعامل المذكور هو عنبسة هذا، والأرض المذكورة كانت بالطائف، وإنما فعل عبد الله بن عمرو ما فعل، لما يدخل عليه من الضرر اهـ من هامش إكمال المُعْلِم (فركب) أي ذهب راكبًا حين سمع خبر تهيئهم للقتال (خالد بن العاص) عم عبد الله بن عمرو بن العاص، لأنه أخو عمرو بن العاص، ولفظة العاص تُقرأ بحذف الياء إن قلنا إنه من عاص يعيص إذا تكبر واستطال، فهو أجوف يائي كباع يبيع، وعلى هذا استعمال معظم المحدثين أو كلهم، ويُقرأ بإثبات الياء "العاصي" إن قلنا إنه من عصى يعصي عِصْيانًا، فيكون ناقصًا يائيًا كرمى يرمي وهو الفصيح من حيث اللغة (إلى) ابن أخيه (عبد الله بن عمرو) ليزجره ويمنعه من القتال مع عنبسة بن أبي سفيان (فوعظه) أي وعظ خالد لعبد الله بن عمرو، وذكره بالآيات الزاجرة والأحاديث الواردة في النهي عن اقتتال المسلمين (فـ) ـأبى عبد الله بن عمرو قبول وعظ خالد و (قال عبد الله بن عمرو لخالد) كيف أترك المدافعة عن مالي (أما علمت) يا خالد، أي ألم تعلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل دون ماله) أي لأجل الدفع عن ماله (فهو شهيد) أي يثاب ثواب شهداء المعركة في الآخرة كما مر بسط الكلام فيه قريبًا. وسند هذا الحديث أعني حديث عبد الله بن عمرو من سداسياته، وفي رواية الحلواني رجاله أربعة منهم مكيون، وواحد صنعاني، وواحد طائفي، وفي رواية إسحاق

تتمة ما في ثابت بن عياض

265 - (00) (00) وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحمد بن رافع ثلاثة منهم مكيون، وواحد طائفي، وواحد صنعاني، وواحد نيسابوري، وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن عمرو انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. تتمة ما في ثابت بن عياض وعبارة المزي في تحفة الأشراف: ثابت بن عياض بن الأحنف، مولى آل الخطاب، روى عن عبد الله بن عمرو حديث: "من قتل دون ماله فهو شهيد" رواه مسلم في الإيمان عن الحسن بن علي الحلواني، وإسحاق بن منصور، ومحمد بن رافع ثلاثتهم عن عبد الرزاق. وعن محمد بن حاتم عن محمد بن بكر وعن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم ثلاثتهم عن ابن جريج عن سليمان الأحول عن ثابت مولى عمر بن عبد الرحمن، قال لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال، فذكر الحديث والقصة اهـ من التحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فقال: (265) - متا (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور، أعني حديث عبد الله بن عمرو (محمد بن حاتم) بن ميمون، أبو عبد الله المروزي، وثقه الدارقطني، وكذبه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، ربما وهم، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابا. قال محمد بن حاتم (حدثنا محمد بن بكر) بن عثمان الأزدي البرساني -بضم الموحدة وسكون الراء ثم سين مهملة- نسبة إلى برسان قبيلة من الأزد، أبو عثمان البصري، روى عن ابن جريج في الإيمان والوضوء والصلاة وغيرها، وسعيد بن أبي عروبة في الصلاة والدعاء وغيرهما، وهشام بن حسان في الحدود، ويونس الأيلي، وجماعة، ويروي عنه (ع) ومحمد بن حاتم، وإسحاق الحنظلي في الوضوء والصلاة، وعبد بن حميد، وهرمز بن عبد الله، ومحمد بن بشار، ومحمد بن مرزوق، وإسحاق بن منصور، وثقه أبو داود، ومحمد بن سعد، وابن معين، والعجلي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من التاسعة مات سنة (204) أربع ومائتين، له في البخاري حديثان.

ح وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أحمد بن عثمان) بن أبي عثمان، عبد النور بن عبد الله بن سنان (النوفلي) نسبة إلى نوفل -بفتح النون وسكون الواو وفتح الفاء- يُكنى أبا عثمان، ويلقب بأبي الجوزاء -بالجيم والزاي- البصري الناسك، روى عن أبي عاصم في الإيمان والصوم والبيوع، وأبي داود الطيالسي في الصوم والفتن، وأزهر بن السمان في الهبة والجهاد، وقريش بن أنس في القصاص، وخالد بن مخلد، ووهب بن جرير، وعدة، ويروي عنه (م ت س) وابن خزيمة وابن جرير، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (246) ست وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا. قال أحمد بن عثمان (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني مولاهم، الحافظ البصري، ثقة ثبت من التاسعة، مات في ذي الحجة سنة (212) اثنتي عشرة ومائتين، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا. وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه (كلاهما) أي كل من محمد بن بكر وأبي عاصم رويا (عن) عبد الملك (بن جريج) وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، وهما اثنان، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو عبد الرزاق، وقوله (مثله) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير عائد على المتابَع المذكور في السند السابق، والتقدير: حدثنا محمد بن بكر وأبو عاصم عن ابن جريج بهذا الإسناد، أي عن سليمان عن ثابت عن عبد الله بن عمرو مثله، أي مثل ما حدث عبد الرزاق عن ابن جريج. وهذان السندان من سداسياته، الأول منهما: رجاله ثلاثة منهم مكيون، وواحد طائفي، وواحد بصري، وواحد مروزي، والثاني منهما: رجاله اثنان منهم بصريان، وثلاثة مكيون وواحد طائفي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة محمد بن بكر، وأبي عاصم لعبد الرزاق بن همام في رواية هذا الحديث عن ابن جريج، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ***

71 - (30) باب: من استرعي رعية فغشهم لم يدخل الجنة

71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ 266 - (134) (57) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الحديث الوارد في حكم من غش رعيته، يقال: استرعاه رعية إذا استحفظهم وفوض أمرهم إليه، والراعي كل من وَليَ أمر قوم، يُجمع على رعاة ورعيان ورعاء بضم الأول في الجميع، ويكسر في الأخير، والقوم رعية على وزن غَنيَّة، والاسترعاء من الرعاية: وهو الحفظ والصيانة، والغش ضد النصيحة، وعبَّرتُ في الترجمة باللفظ العام لورود الحديث كذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته" رواه الشيخان وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهكذا الرجل في أهل بيته والولد والعبد. (266) - س (134) (57) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي بفتحتين مولاهم، أبو محمد الأيُلِّيُّ، قال أحمد: ثقة، وقال في التقريب: صدوق يهم، قال أبو حاتم: اضطر الناس إليه أخيرًا، من صغار التاسعة مات سنة (236) روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا. قال شيبان (حدثنا أبو الأشهب) جعفر بن حيان بالتحتانية التميمي السعدي العطاردي نسبة إلى جده عُطارد -بضم ففتح- الحذَّاء الأعمى البصري، روى عن الحسن في الإيمان والجهاد وأبي نضرة في الصلاة والأحكام، وخليد العصري في الزكاة، وأبي رجاء العطاردي في آخر الدعاء، ويروي عنه (ع) وشيبان بن فروخ، والقطان، وأبو عاصم، وغيرهم، وثقه أحمد وأبو حاتم، وقال في التقريب: مشهور بكنيته، ثقة من السادسة، مات سنة (165) خمس وستين ومائة وله (95) خمس وتسعون سنة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا. (عن الحسن) بن أبي الحسن، اسمه يسار -بالتحتانية والمهملة- البصري، أبو سعيد الأنصاري مولاهم، أحد أئمة الهدى والسنة، ثقة فقيه فاضل مشهور، رأس أهل الطبقة الثالثة مات سنة (110) عشر ومائة، قيل: ولد سنة (21) إحدى وعشرين، لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا.

قَال: عَادَ عُبَيدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. قَال مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) الحسن (عاد عبيد الله بن زياد) قال النواوي: هو زياد ابن أبيه الذي يقال له: زياد بن أبي سفيان، أي زار عبيد الله وعاد (معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه) وكان عبيد الله إذ ذاك أميرًا على البصرة لمعاوية بن أبي سفيان. (قال معقل) بن يسار بن عبد الله بن مُعبِّر بن حرَّاق بن لاي بن كعب بن عبد ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أن بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ومزينة هم ولد عثمان بن عمرو، سُمي بأمه وهي مزينة بنت كلب بن وبرة بن ثعلبة بن إلحاف بن قضاعة بن حمير المزني البصري، أي المنسوب إلى مزينة قبيلة مشهورة، له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم كنيته أبو علي، ويقال أبو عبد الله، ويقال: أبو يسار، نزل البصرة وله بها دارٌ وكان من أصحاب الشجرة، له أربعة وثلاثون حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد (خ) بآخر و (م) بحديثين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن النعمان بن مقرن المزني، ويروي عنه (ع) والحسن البصري في الإيمان والجهاد، وأبو المليح عامر، وأبو الأسود مسلم بن مخراق والحكم بن عبد الله بن الأعرج، ومعاوية بن قرة، وغيرهم، مات بعد الستين (60) في ولاية عبيد الله بن زياد في آخر ولاية معاوية، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا. أي قال معقل بن يسار المزني لعبيد الله بن زياد، حين جاء عبيد الله معقلًا لعيادته من مرضه (إني محدثك) يا عبيد الله نصيحة لك ولأمثالك (حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) مشافهة وإني أظن الآن قد حضر أجلي و (لو علمت) وعرفت (أن لي حياة) وبقاء في الدنيا بعد اليوم (ما حدثتك) ذلك الحديث خوفًا من شَرّك وإذايتك وفتنتك. قال القاضي عياض: عدم تحديثه إياه يحتمل لعلمه أنه لا يتعظ كما ظهر منه مع غيره، ثم خاف معقل من إثم كتمان الحديث، ورأى تبليغه، أو لخوفه من فتنته لو ذكره في حياته لأن الحديث يثبت سوء حاله في قلوب الناس ويُهيّج عليه، ثم لما تحرج من كتم العلم، وعرف عدم وصول ضرره إليه بموته حدث، قال النواوي: والاحتمال الثاني

إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الظاهر، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسقط باحتمال عدم قبوله والله أعلم. وقال الأبي: والتوجيه بأنه لا يتعظ لا يصح لأنه ليس من شرط تغيير المنكر غلبة الظن بأن المغير عليه ينزجر إما اتفاقًا أو على الصحيح، فالصواب التوجيه بأنه خاف فتنته فإنّ تغيير المنكر، إنما يجب إذا لم يؤد إلى مفسدة أشد، ثم لما أمن شره عند الموت غير عليه بذكره الحديث له، لا أنه حدث تحرجًا من كتمان العلم لأنه لو تحرج من ذلك حدث غيره والله أعلم انتهى. وهذا السند من رباعياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد أُبُلي (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد) أي ليس عبد (يسترعيه الله) أي يستحفظه الله سبحانه (رعية) أي قومًا من المسلمين بتفويض أمورهم إليه، وجعلهم تحت ولايته وقوله (يموت) خبر ما الحجازية (حين يموت) متعلق بيموت، وجملة قوله (وهو غاش لرعيته) أي لتلك الرعية حال من فاعل يموت الأول، أي ليس ذلك العبد يموت يوم موته، والحال أنه غاش غير ناصح لها (إلا حرم الله) سبحانه وتعالى (عليه الجنة) أي دخولها أصلًا إن كان مستحلًا لغشها، أو ابتداءً حتى يُعاقب على غشه إن لم يستحله، والاسترعاء من الرعاية وهو الحفظ، والغش ضد النصيحة، فغش الإمام الرعية بتضييعه حدودهم وحقوقهم، وتركه سيرة العدل فيهم، والذب عنهم وعن دينهم فيما يطرأ عليه من التحريض، وترك حماية حوزتهم، فإن غشهم بشيء من ذلك ناله الوعيد المذكور، لأنه خان الله تعالى فيما ائتمنه عليه، وجعله خليفة منه فيه، وواسطة بينه وبين خلقه في تدبير أمورهم، والغش في شيء من ذلك كبيرة للتوعد عليه بالنار واعلم أنه لا يقصر الحديث على الأمراء بل هو عامٌّ في كل من وُكِل إليه حفظ غيره كما قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ" فالإمام راعٍ والرجل في أهله راعٍ، وكذا العبد والمرأة في مال السيد والزوج اهـ إكمال إكمال المعلم. قال القاضي عياض: ومعنى الحديث التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله شيئًا من أمرهم واسترعاه عليهم، ونصبه خليفة لمصلحتهم، وجعله واسطة بينه وبينهم في

267 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ يُونُسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تدبير أمورهم في دينهم ودنياهم، فإذا خان فيما اؤتمن عليه ولم ينصح فيما قلده واستخلف عليه، إما بتضييع لتعريفهم ما يلزمهم من دينهم، وأخذهم به والقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها، لكل متصدٍّ لإدخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم، أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم، وقد نبه صلى الله عليه وسلم أن ذلك من كبائر الذنوب الموبقة المبعدة عن الجنة، إذا دخلها السابقون والمقربون، إن أنفذ الله سبحانه عليه وعيده الموجب لعذابه بالنار، إن لم يستحل أو تحريم الجنة عليه رأسًا إن استحل اهـ منه. وهذا الحديث أعني حديث معقل بن يسار شارك المؤلف في روايته أحمد (5/ 25، 27) والبخاري (7150). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه فقال: (267) - متا (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي مولاهم، أبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام من العاشرة، مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين، روى عنه المؤلف في (19) بابًا تقريبًا. قال يحيى (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي، أبو معاذ البصري، ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة (182) روى عنه المؤلف في (12) بابًا تقريبًا (عن يونس) بن عبيد بن دينار القيسي العبدي مولاهم، أبي عبيد البصري، روى عن الحسن في الإيمان، والأيمان والنذور والجهاد والفتن، وإبراهيم التيمي، ومحمد بن زياد في الصلاة، وحُميد بن هلال، وزياد بن جُبير في الحج، وشعيب بن الحبحاب في النكاح، ومحمد بن سيرين في الطلاق والبيوع، والحَكَم الأعرج في الجهاد، وعمرو بن سعيد في الجهاد والاستئذان، وعمار مولى بني هاشم في سن النبي صلى الله عليه وسلم وثابت البناني في الفضائل، ويروي عنه (ع) ويزيد بن زريع، وإسماعيل بن علية، وخالد بن عبد الله، والثوري، وهُشيم، وحماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي، وعبد الأعلى، وشعبة،

عَنِ الْحَسَنِ؛ قَال: دَخَلَ عُبَيدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ وَجِعٌ، فَسَأَلَهُ فَقَال: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا لَمْ أَكُنْ حَدَّثْتُكَهُ. إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَسْتَرْعِي اللهُ عَبْدًا رَعِيَّةً، يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ" قَال: ألا كُنْتَ حَدَّثْتَنِي هَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ؟ قَال: مَا حَدَّثْتُكَ، أَوْ لَمْ أَكُنْ لأُحَدَّثَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهم، وثقه أحمد، وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل ورع من الخامسة، ولد بالكوفة، ونشأ بالبصرة، وكان من سادات أهل زمانه علمًا وحفظًا وإتقانًا وسُنةً وبغضًا لأهل البدع، مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري، أبي سعيد الأنصاري، من الثالثة (قال) الحسن (دخل عبيد الله بن زياد) ابن أبيه ابن أبي سفيان (على معقل بن يسار وهو) أي والحال أن معقلًا (وجِعٌ) أي ذو وجعٍ وألم، أي مريض مرضًا مات به (فسأله) أي فسأل عبيد الله معقلًا عن الأحاديث النبوية، أو فسأله عن حال مرضه، والأول أوفق لما بعده (فقال) معقل في جوابه (إني محدثك) يا عبيد الله -وكان أميرًا على البصرة- (حديثًا لم أكن حدثتكه) فيما مضى، قبل اليوم، وجملة الكون صفة لحديثًا، ولكنها سببية، وذلك الحديث (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يسترعي الله عبدًا رعية) أي لا يستحفظ الله سبحانه وتعالى عبدًا من عباده قومًا من المسلمين، ويوليه عليهم، ويجعله خليفة عنه فيهم فـ (ـيموت) بتقدير الفاء العاطفة السببية الواقعة في جواب النفي، نظير قوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا} والتقدير: لا يكون استرعاء الله سبحانه عبدًا من عباده قومًا من المسلمين فموته (حين بموت وهو) أي والحال أنه (غاش) غير ناصح (لها إلا حرم الله عليه الجنة) أصلًا وابتداءً (قال) عبيد الله (ألا) أي هلا (كنت حدثتني هذا) الحديث (قبل اليوم) في زمان صحتك قبل الوصول إلى هذه الحالة، وألا بالتشديد حرف تحضيض، وهو الطلب بعنف وإزعاج، أو عرض وهو الطلب برفق ولين، وهذا الأخير هو المناسب هنا، لأنه في مقدمات الموت (قال) معقل لعبيد الله (ما حدثتكـ) ـه قبل اليوم لأنك لا تتعظ ولا تنزجر ولا يؤثر فيك، أو لأني خفت من شرك وفتنتك، وكلمة أو في قوله (أو) قال معقل لعبيد الله (لم أكن) فيما قبل اليوم مريدًا (لأحدثك) لأنك صاحب

268 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا حُسَينٌ، يَعْنِي الْجُعْفِيَّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ مفسدة وشر وفتنة، للشك من بعض الرواة، من الحسن أو ممن دونه والله أعلم. واللام في قوله (لأحدثك) لام الجحود والنفي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبًا وهي اللام المسبوقة بكان المنفية بما، أو يكن المنفية بلم نحو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}، وقوله {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} وذكر ضابطها بعضهم في بيت واحد: وكل لام قبله ما كانا ... أو لم يكن فبالجحود بانا وقد بسطت الكلام فيها بما لا مزيد عليه في شروحنا على الآجرومية فراجعها إن أردت الخوض فيها، وهي متعلقة بخبر الكون المحذوف، والتقدير لم أكن مريدًا لتحديثه إياك، لأنك صاحب سيطرة وسطوة. وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن عبيد لأبي الأشهب في رواية هذا الحديث عن الحسن البصري، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع تقوية السند الأول لأن شيخه شيبان بن فروخ صدوق يهم، ويحيى بن يحيى ثقة ثبت، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه فقال: (268) - متا (00) (00) (وحدثنا القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي مولاهم، أبو محمد الكوفي الطحان، ثقة من الحادية عشرة، مات في حدود الخمسين ومائتين (250) روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا قال القاسم (حدثنا حسين) بن علي بن الوليد، أبو محمد الكوفي، وأتى بالعناية في قوله (يعني الجعفي) مولاهم، إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته ثقة عابد من التاسعة، مات سنة (203) ثلاث ومائتين، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا. (عن زائدة) بن قدامة الثقفي، أبي الصلت الكوفي، ثقة ثبت من السابعة، مات سنة (160) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي

قَال: قَال الْحَسَنُ: كُنَّا عِنْدَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ نَعُودُهُ، فَجَاءَ عُبَيدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ. فَقَال لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا. 269 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم، أبي عبد الله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال، من السادسة مات في أول يوم من صفر سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا (قال) هشام بن حسان (قال) لنا (الحسن) البصري (كنا عند معقل بن يسار) حالة كوننا (نعوده) من مرضه ونزوره (فجاء) بعدنا (عبيد الله بن زياد فقال له) أي لعبيد الله (معقل) بن يسار عِظة له وزجرًا عمَّا كان عليه من غش الرعية (إني أحدثك) يا عبيد الله وأذكرك (حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر) هشام بن حسان (بمعنى حديثهما) أي بمعنى حديث أبي الأشهب، ويونس بن عبيد عن الحسن البصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة هشام لهما، وفائدة المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، واثنان بصريان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه فقال: (269) - متا (00) (00) (وحدثنا أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة، نسبة إلى مِسمع بن ربيعة البصري، ثقة من العاشرة مات سنة (230) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري، ثقة من كبار العاشرة، مات سنة (215) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد المعروف بابن راهويه الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهم، وتورعًا من الكذب على بعضهم لو اقتصر على إحدى الصيغتين، لأن بين الصيغتين فرقًا في اصطلاح الإمام مسلم رحمه الله تعالى، أي قالوا

مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ؛ أَن عُبَيدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ. فَقَال لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ لَوْلَا أَنِّي فِي الْمَوْتِ لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ أمِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى لنا (معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله، واسمه سنبر الدستوائي البصري، نزيل اليمن، أبو عبد الله صدوق ربما وهم، من التاسعة مات سنة مائتين (200) روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا. (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله البصري الدستوائي، نسبة إلى دستواء كورة من كور الأهواز، كان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها، يكنى أبا بكر، ثقة ثبت من كبار السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي، أبي الخطاب البصري، ثقة ثبت من الرابعة، مات كهلًا سنة (117) سبع عشرة ومائة، روى عنه المؤلف في (25) بابًا تقريبًا (عن أبي المليح) الهذلي، عامر بن أسامة بن عمير البصري وقيل: اسمه زيد بن أسامة بن عمير، وقيل غير ذلك، روى عن معقل بن يسار في الإيمان والجهاد، ونبيشة الهذلي في الصوم، وعبد الله بن عمرو في الصلاة، وعائشة وابن عباس، وجماعة، ويروي عنه (ع) وقتادة، وأبو قلابة، وخالد الحذاء، وأيوب، وأولاده عبد الرحمن ومحمد ومبشر وزياد، وغيرهم، ثقة ثبت من الثالثة، مات سنة (98) وقيل: سنة (108) ثمان ومائة، وقيل بعد ذلك (أن عبيد الله بن زياد) البصري (عاد) أي زار (معقل بن يسار) المزني البصري الصحابي الجليل (في مرضه) أي في مرض معقل الذي مات به (فقال له) أي لعبيد الله (معقل) بن يسار لما سأله عبيد الله عن الأحاديث (إني محدثك) يا عبيد الله الآن (بحديث) ينفعك الله تعالى به إن عملت به، نصيحة لك (لولا أنى) الآن (في) مقدمات (الموت لم أحدثك به) أي بذلك الحديث خوفًا من شرك وضررك، لكون الحديث حجة على سوء عاقبتك، وفضيحة لك عند الناس، ولولا حرف امتناع لوجود، وجملة أن في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا لقيام جواب لولا مقامه، وجملة قوله لم أحدثك جواب لولا، والتقدير لولا كوني في مقدمات الموت موجودٌ ما حدثتك به (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمير) ولا والٍ من

يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمراء والولاة (يلي أمر المسلمين) في دينهم ودنياهم، ويتصرف فيهم بالحكم لهم وعليهم (ثم لا يجهد) ولا يسعى (لهم) أي لتحصيل مصالحهم دينًا ودنيا (و) لا (ينصح) لهم أي لا يريد الخير لهم، لأن النصيحة هي إرادة الخير للمنصوح له (إلا لم يدخل معهم الجنة) أصلًا إن استحل ذلك الغش، أو ابتداءً حتى جوزي على غشه، إن لم يدركه العفو من الله تعالى. وهذا السند من سداسياته، ورجاله كلهم بصريون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي المليح للحسن البصري في رواية هذا الحديث عن معقل بن يسار، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث. ***

72 - (31) - باب نزول الأمانة والإيمان في جذر قلوب الرجال، ورفعهما من بعض القلوب، وعرض الفتن عليها

72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا 270 - (135) (58) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الأحاديث التي تدل على نزول الإيمان ونزول الأمانة التي هي ثمرة الإيمان في أصل قلوب الرجال وتزايدهما بتعلم القرآن والحديث، وعلى رفعهما شيئًا فشيئًا من بعض القلوب بكثرة المعاصي، واتباع الشهوات، ونزولهما في أصل قلوب الرجال كناية عن خلق الله تعالى في تلك القلوب قابلية التزام حفظهما والقيام بهما. والمراد بالأمانة على المختار ما يصح به تكليف الإنسان بالإيمان والإيمانيات، وهي الصلاحية الفطرية التي بها يستعد لقبول الطاعات، والاحتراز عن المعاصي، وهذه الأمانة المودعة في قلب بني آدم بالنسبة إلى الإيمان الشرعي بمنزلة تخوم الزروع، وحبوب الأشجار المودعة في بطن الأرض، وأما القرآن والسنة فمثلُهما كمثل الغيث النازل من السماء، فالأرض الطيبة إذا أصابها هذا الغيث يخرج نباتها بإذن ربها، والتي خبثت لا تُخرج إلا نكدًا، بل ربما تضيع التخوم أيضًا، ذكره بشير أحمد قال: وقوله في جذر قلوب الرجال أي أن الأمانة أول ما نزلت في قلوب رجال الله واستولت عليها، فكانت هي الباعثة على الأخذ بالكتاب والسنة. (270) - س (135) (58) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين (235) روى عنه المؤلف في (16) بابًا تقريبًا. قال أبو بكر (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي مولاهم، الضرير الكوفي من التاسعة، مات سنة (195) وله (82) سنة روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ من كبار التاسعة، مات في آخر سنة (196) روى عنه المؤلف في (19) بابًا تقريبًا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه.

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لبيان أن أبا كريب لم يرو إلا عن أبي معاوية، ولو جمعهما لكان كاذبًا عليه، بنسبة الرواية عن وكيع إليه، مع أنه لم يرو عنه، قال أبو كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم كلاهما أي كل من أبي معاوية ووكيع رويا (عن) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي المعروف بـ (ـالأعمش) ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا (عن زيد بن وهب) الهمداني الجهني من قضاعة، أبي سليمان الكوفي، مخضرم هاجر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، روى عن حذيفة في الإيمان وغيره، وأبي ذر في الصلاة والزكاة، وعلي بن أبي طالب في الزكاة واللباس وعبد الله بن مسعود في الجهاد والقدر، وعبد الرحمن بن عبد رب الكعبة في الجهاد، وجرير بن عبد الله في المناقب، وعمر وعثمان وطائفة، ويروي عنه (ع) والأعمش، ومهاجر أبو الحسن، وعبد العزيز بن رفيع، وسلمة بن كهيل، وعبد الملك بن ميسرة، وإسماعيل بن أبي خالد، وخلائق، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه خلل كثير، وقال في التقريب: ثقة جليل، ولم يُصب من قال في حديثه خلل، مات بعد الثمانين، وقيل: سنة ست وتسعين (96) روى عنه المؤلف في ثمانية أبواب تقريبًا كما مر آنفًا. (عن حذيفة) بن اليمان العبسي -بموحدة- أبي عبد الله الكوفي، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، وأبوه صحابي أيضًا، استشهد يوم أحد له مائة حديث اتفقا على اثني عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بسبعة عشر، وقد صح في مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة من الفتن والحوادث، مات في أول خلافة علي سنة (36) ست وثلاثين، وقال عمرو بن علي: بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي. قال النواوي: وحذيفة مدائني كوفي، وقوله (عن الأعمش عن زيد) فيه أن

قَال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَينِ، قَدْ رَأَيتُ أَحَدَهُمَا وَأَنا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا "أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ في جِذرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمش مدلس، وقد قدمنا: أن المدلس لا يحتج بروايته إذا قال عن، وجوابه ما قدمناه مراتٍ في الفصول وغيرها: أنه ثبت سماع الأعمش هذا الحديث من زيد من جهة أخرى، فلم يضره بعد هذا قوله فيه عن. (قال) حذيفة (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين) يعني في خصوص الأمانة، وإلا فرواية حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وعنى بأحد الحديثين قوله: "حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" وبالثاني قوله: "ثم حدثنا عن رفع الأمانة" إلى آخره، قال الأبي: وكان الشيخ ابن عرفة يقول: هما حديث واحد، ولعل الحديث الثاني حديث عرض الفتن. قال حذيفة (قد رأيت) أنا (أحدهما) وهو نزول الأمانة في جذر القلوب (وأنا أنتظر) وأرقب (الآخر) أي مجيء الحديث الآخر، وهو حديث رفع الأمانة، الأول منهما ما ذكره بقوله (حدثنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادف المصدوق (أن الأمانة نزلت) وحلت وخُلقت (في جذر) بفتح الجيم وكسرها مع سكون الذال المعجمة، أي في أصل (قلوب الرجال) الكاملين، والنساء الكوامل يعني الصالحين والصالحات، أي وجدت في قلوبهم في أول خلقتها وصارت فطرة وطبيعة فيها حتى يعرض عليها ما يزيلها من الفتن، كما يشهد له حديث: "كل مولود يولد على الفطرة ثم أبواه يهودانه أو ينصرانه". قال صاحب التحرير: (والأمانة) المذكورة في الحديث هي الأمانة المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا} وهي عين الإيمان ونفسه، فإذا استمكنت الأمانة من قلب العبد قام حينئذ بأداء التكاليف، واغتنم ما يرد عليه منها، وجد في إقامتها والله أعلم. قال الطيبي: لعله إنما حملهم على تفسير الأمانة في قوله: "إن الأمانة نزلت" بالإيمان لقوله آخرًا "وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" وهلَّا حملوها على حقيقتها لقوله "ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة" فيكون وضع الإيمان آخرًا موضعها تفخيمًا لشأنها، وحثًا على أدائها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا دين لمن لا أمانة له".

ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ". ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ قَال: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: (والأمانة) كل ما يوكل إلى الإنسان حفظه، ويخلى بينه وبينه فتدخل فيها الودائع والتكاليف ومنها سُمي التكليف أمانة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ}. و(الجذر) الأصل من كل شيء، ومعنى إنزال الأمانة في القلوب، أن الله تعالى جبل القلوب الكاملة على القيام بحق الأمانة، من حفظها واحترامها وأدائها لمستحقها، وعلى النفرة من الخيانة فيها لتنتظم المصالح بذلك اهـ. وقال الأبي: ونزولها في أصل قلوب الرجال كناية عن خلق الله تعالى في تلك القلوب قابلية التزام حفظها والقيام بها، فلما نزل القرآن والسنة عمل بمقتضاها من خلقت فيه تلك القابلية اهـ. (ثم) بعد خلقتها في قلوبهم (نزل القرآن) بلفظه والسنة بمعناها (فعلموا) أي علم أولئك الرجال الذين خُلقت الأمانة في قلوبهم (من القرآن) وجوب القيام بتلك الأمانة، ولزوم حفظها، أي بما ذكر فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب (وعلموا من السنة) والحديث تفاصيلها، وكيفية القيام بها وأدائها فعملوا بها. وفي فتح الملهم: وقوله (ثم نزل القرآن) يعني كان في طباعهم الأمانة بحسب الفطرة التي فطر الناس عليها ووردت الشريعة بذلك فاجتمع الطبع والشرع في حفظها اهـ منه. والثاني من الحديثين وهو الذي ذكر حذيفة أنه ينتظره ما ذكره بقوله (ثم حدثنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن) كيفية (رفع الأمانة) والإيمان عن قلوب الرجال التي خلقت فيها وطبعت عليها، أي حدثنا عن كيفية رفعها شيئًا فشيئًا فـ (ــقال) في بيانها (ينام الرجل) الذي كان ممن نزلت الأمانة في جذر قلبه (النومة) أي المرة من النوم (فتقبض الأمانة) أي تؤخذ الأمانة والإيمان الذي هو بسببها أي يمحى نور الأمانة والإيمان (من قلبه) أي من جذر قلبه، والنوم في قوله (فينام الرجل النومة) كناية عن الغفلة الموجبة لارتكاب السيئة الباعثة على نقص الأمانة ونقص الإيمان فإن قلنا إن النوم على حقيقته فإن المذكور بعده أمر اضطراري فيكون ما قبله هو السبب له قوله (فتقبض الأمانة) يعني قبض بعضها بدليل ما بعده يعني يقبض بعض ثمرة الإيمان (فيظل أثرها) أي فيصير أثر

مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ محو نورهما منه من القلب (مثل الوكت) أي شبه السواد اليسير، والنقطة الصغيرة، قال الهروي: الوكت: بفتح الواو وسكون الكاف والتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير في الشيء، وقال غيره: هو سواد يسير، وقيل هو لون يحدث مخالف للون الذي كان قبله، يقال: وكتت البسرة إذا وقع فيها نكتة إرطاب من جانبها، فإن كانت في طرفها قيل مذنبة، وقال الزبيدي: الوكت نكتة في العين، وعين موكوتة، والوكت سواد العين (ثم ينام) الرجل المذكور ثانيًا (النومة) أي المرة من النوم (فتقبض الأمانة) أي يمحى نور الأمانة والإيمان (من قلبه) أي من جذر قلبه مرة ثانية زيادة على ما طمس في النومة الأولى (فيظل أثرها) أي فيصير أئر محوها، أي يكون المحل الذي محي منه نورهما من جذر قلبه في المرة الثانية (مثل المجل) أي شبه التنفط الذي يكون في اليد بسبب العمل بفاس أو نحوها شبه القبة فيه ماء قليل، وقال القرطبي: والمجل: هو أن يكون بين الجلد واللحم ماء، يقال: مَجِلت يده تمجل مجلًا، من باب علم، ومجلت تمجل من باب ضرب، ومجلت تمجل من باب قتل، إذا تنفطت من العمل، أي انتفخت جلدها وكان فيه ماء من أثر العمل، وفي النهاية: الوكتة: الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه، والجمع وكت، والمجل: تنفط اليد من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة اهـ. ويقال: نفطت يده نفطًا من باب تعب، ونفيطًا إذا صار بين الجلد واللحم ماء اهـ مصباح. ومعنى هذا الكلام أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أول جزء منها زال نوره وخلفته ظلمة كالوكت وهو الأثر اليسير، فإذا زال شيء آخر منها خلفته ظلمة هي فوق الأولى، وصار كالمجل وهو أثر محكم لا يزول إلا بعد مدة اهـ من الأبي. وقال أيضًا: رفعها يحتمل أنه حقيقة وهو عدم بقائها، ثم الأظهر أنه يرفع أهلها كحديث رفع العلم، ويحتمل أنه يرفعها في نفسها، وهو الذي يقتضيه لفظ الحديث، ورفعها إنما هو باعتبار الأكثر لقوله الآتي "إلا فلانًا وفلانًا" يعني أفرادًا من الناس. ثم مقالة حذيفة هذه إنما كانت والله أعلم وهو بالمدائن لا وهو في المدينة، لكثرة من بها حينئذ من الصحابة والتابعين، وكانوا يتحرون فلا يصح أن يقول حينئذ إلا فلانًا وفلانًا، نعم لم يمت حتى كثُر ما ذكر، لأنه مات في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن مغيب وقع كما أخبر اهـ منه. قال السنوسي: قال الطيبي: ثم في قوله "ثم ينام النومة" للتراخي في الرتبة وهي نقيضة ثم في قوله "ثم علموا القرآن ثم علموا من السنة" كما أن علم القرآن والسنة يزيد أصل الأمانة في القلوب ويربيها، كذلك ينقص استمرار رفع الأمانة وقبضها من أثرها، فإن أثر المجل المشبه بالنفاطة التي ليس فيها شيء أبلغ في الخلق من أثر الوكت، وفيه تشبيهان مفردان، شبهت حالهما مجموعة بحالة جمر أثر في عضو ثم نفط وارتفع، وإنما شبه أثر الأمانة أولًا بأثر الوكت ثم ثانيًا بأثر المجل، ثم شبهها بالجمر المدحرجة على الرجل تقبيحًا لحالها وتهجينًا لتستفز عنها النفس وتعافها، فإن الأمانة والخيانة ضدان، فإذا ارتفعت إحداهما تعاقبت الأخرى (قلت) قول الطيبي: وهي نقيضة ثم في قوله "ثم علموا القرآن" يعني في رواية المصابيح، وإلا فالذي في مسلم "ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة" فالعطف بثم إنما وقع عند مسلم في قوله "ثم نزل القرآن" ووقع العطف بالفاء فيما بعده، لكن الذي يجري في رواية "ثم علموا" يجري مثله في رواية ثم نزل. ومعنى قوله "ينام النومة" والله تعالى أعلم يغفل عن تعظيم أمر الله تعالى بأداء الأمانة وشدة عقوبة المخالفة، وتراكم أهوال الآخرة التي تذوب لمجرد سماع أدنى شيء منها القلوب، فكيف يكون الحال في مشاهدتها وانتشاب القلب والجوارح في مخالب دواهيها غفلة، حق لها أن تسمى لثقلها وتمكنها من العقل حتى غاب عن مراشده، وعما تفاقم أمره النومة المعروفة بالثقل وتغييب العقل والحواس، وليس هو من أهل التقوى الدائمي الانتباه والتيقظ في أمر دينهم، وقصارى الأمر أن يصيبهم من الغفلة ما هو في عدم استيلائه على العقل شِبْهُ السنة فيطرودنه على الفور بنور عقولهم ولا يتركونه للتمكن منهم حتى تصيبهم بسببه آفة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)} ثم إن ذلك العاقل مع معرفته بما أفسد بتلك الغفلة العظيمة، لم يحمله ذلك على دوام التيقظ وكمال التحرز والتترس بل التوبة النصوح حتى لا يقع في مثل تلك الغفلة بل عاد هو إلى مثل تلك الغفلة وأشد منها، والمؤمن لا يلدغ في دينه من جحر مرتين، وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم اغفر لنا ما مضى، وأصلحنا بما بقي، حتى نلقاك على أحسن حال، بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين اهـ سنوسي.

كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ. فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيسَ فِيهِ شَيءٌ (ثُمَّ أَخَذَ حَصَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (كجمر) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الوكت والمجل ولكنه على تقدير مضاف أي حالة كون أثر الوكت والمجل مثل أثر جمر، وشعلة نار أو أثر حصى (دحرجته) أي دحرجت ذلك الحجر وأسقطته (على رجلك) أي على عضو رجلك (فنفط) عضو الرجل، أي تنفط وانتفخ عضو الرجل، أي الموضع الذي وقع عليه الجمر والحصى من الرجل (فتراه) أي فترى ذلك الموضع الذي وقع عليه الجمر (منتبرًا) أي مرتفعًا منتفخًا (وليس فيه) أي في ذلك الموضع المنتفخ (شيء) من ماء ولا لحم ولا دم، أو المعنى أي تأثير ما بقي من الأمانة عنده كتأثير جمر، فيخيل للرائي أن الرجل ذو أمانة، وهو في ذلك بمثابة نقطة تراها متنفطة مرتفعة كبيرة لا طائل تحتها، وليس فيها شيء صالح، بل ماء فاسد، وعلى هذا المعنى يكون الجار والمجرور في قوله "كجمر" خبرًا لمبتدأ محذوف كما قدرنا. وقوله (كجمر) في القاموس الجمرة: النار المتقدة، تُجمع على جمر، كثمرة وثمر، والحصاة وهو المراد هنا بدليل ما بعده من قوله: ثم أخذ حصاة إلخ، وقوله (دحرجته) يقال دحرجه دحرجة ودحراجًا فتدحرج أي تتابع في حدورٍ وهبوطٍ من علو إلى سُفلٍ، والمُدَحْرَجُ المُدور، والدحروجة ما يدحرجه الجعل من بنادق الروث أو الغائط اهـ والمعنى كحصى دحرجته وأسقطته على ظهر قدمك فأثر فيه فترى أثره منتفخًا مرتفعًا ليس فيه شيء من ماء ولا لحم، وقوله (فنفط فتراه منتبًا) تذكير الفعل المسند إلى الرِّجْل، وكذا تذكير الضمير في قوله (فتراه منتبرًا) مع أن الرجل مؤنثة بالنظر إلى كونها بمعنى العضو كما في النواوي، والانتبار هو التورم والانتفاخ، وكل مرتفع منتبر، ومنه اشتق المنبر. وعبارة المفهم هنا قوله (منتبرًا) أي منتفخًا من الانتبار وهو الارتفاع ومنه انتبر الأمير إذا صعد على المنبر، وبه سمي المنبر لارتفاعه، ونبر الجرح أي ورم، والنبر نوع من الذباب يلسع الإبل فيرم مكان لسعه، وكل شيء ارتفع فقد نبر، وقال أبو عبيد: منتبرًا أي متنفطًا. وقوله (ثم أخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حصىً) من الحصيات أي حصاة، ووقع في بعض الأصول "ثم أخذ حصاة فدحرجه" بإفراد لفظ الحصاة وهو صحيح

فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ) فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لَا يَكَادُ أَحَدْ يُؤَدِّي الأمَانَةَ حَتى يُقَال: إِنَّ في بَنِي فُلانِ رَجُلًا أَمِينًا. حَتَّى يُقَال لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ، مَا أَظْرَفَهُ، مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فدحرجه) أي أسقط ذلك الحصى (على رجله) أي على ظهر قدمه، تمثيلًا وتصويرًا لتدحرج الجمر والحصى على الرجل المذكور في قوله: كجمر دحرجته على رجلك كلام مدرج في الحديث، أدرجه حذيفة رضي الله عنه لزيادة البيان والإيضاح قوله (فيصبح الناس) إلخ خبر معطوف على قوله فتقبض الأمانة، أي فيكون الناس الذين قبضت الأمانة من جذر قلوبهم (يتبايعون) في الصباح أي يتعاقدون عقد البيع والشراء في الصباح بعدما قبضت الأمانة من قلوبهم في نومة الليل يعني في الغفلة الواقعة منهم قبل ذلك حالة كونهم (لا يكاد) أي لا يقارب (أحدٌ) منهم (يؤدي الأمانة) الموضوعة عنده إلى مستحقها فيقل الأمناء فيهم (حتى يقال) من غاية قلة الأمانة في الناس (إن في بني فلان رجلًا أمينًا) أي شخصًا واحدًا يُؤْمن ويؤدي الأمانة لا غير، وتقل فيهم الأمانة التي هي ثمرة الإيمان، وتكثر فيهم الخيانة التي هي ثمرة النفاق ويتمرنون عليها (حتى يقال للرجل) المنافق الخائن منهم، أي حتى يقولوا للمنافق الخائن منهم من أرباب الدنيا، ممن له عقل في تحصيل المال والجاه، وطبع في الشعر والنثر، وفصاحة وبلاغة، وقوة بدنية، وشجاعة وشوكة، تعجبًا منه ومدحًا له (ما أجلده) أي ما أقواه في بدنه و (ما أظرفه) أي ما أحسنه في لسانه وأدبه، والظرف عند العرب في اللسان، والحلاوة في الفم، والملاحة في العين، وقال المبرد: الظريف مأخوذ من الظرف وهو الوعاء كأنه جعل وعاء للآداب، وقال غيره: يقال منه ظرف يظرف ظرفًا فهو ظريف وهم ظرفاء، وإنما يقال في الفتيان والفتيات أهل الخفة و (ما أعقله) أي وما أكمله في عقله، وحاصل قولهم ذلك أنهم يمدحونه بكثرة الجلادة والظرافة والعقل، ويتعجبون منه ولا يمدحون أحدًا بكثرة العلم النافع والعمل الصالح، وقوله (وما في قلبه) أي في قلب ذلك الرجل الممدوح حالٌ من الرجل، أي يمدحونه والحال أنه ما في قلبه (مثقال حبة) أي وزن حبة - واحد الحبوب - (من خردل) حب معروف من الأبازير، و (من) بيانية، أي مثقال حبة هي خردل، وقوله (من إيمان) تمييز لمثقال. قال العيني: وخلاصة ما ذكرناه أن القلب يخلو عن الأمانة، بأن تزول عنه شيئًا فشيئًا، فإذا زال جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وإذا زال شيء آخر منها

وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صار كالمجل وهو أثر كبير محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه، واعتقاب الظلمة إياها بجمر تدحرجه على رجلك حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر ويبقى التنفط اهـ عمدة القاري. فيصبح الناس بعد رفعها خونة فسقة حتى لا يوجد فيهم رجل أمين، ويمدحون الرجل منهم بالشجاعة والفصاحة ورصانة العقل، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. قال الأبي: وبالجملة فالمقصود من الحديث الإخبار عن تغير الحال برفع الأمانة من تلك القلوب التي جبلت على حفظها وعدم الخون فيها حتى لا يبقى فيها إلا مثل الوكت، ثم مثل المجل على ما تقدم. قال حذيفة (و) الله الذي نفسي بيده (لقد أتى) ومر (علي زمان وما أبالي) أي والحال أني ما أبالي، ولا أكترث في ذلك الزمان (أيكم بايعت) أي الذي عاقدت معه عقد البيع والشراء منكم، فأي موصولة، والله (لئن كان) الذي عاقدت معه (مسلمًا ليردنه علي) بحقي (دينه) أي حكم دينه، وخوفه من الله تعالى، أي يقضي لي ديني الذي عليه بعقد البيع والشراء. وفي المفهم وقوله (لا أبالي أيكم بايعت) من البيع لا من المبايعة، لأن اليهودي والنصراني لا يبايع بيعة الإسلام، ولا بيعة الإمامة، وإنما يعني أن الأمانة قد رفعت من الناس فقل من يؤمن على البيع والشراء اهـ. ومعنى قوله "وما أبالي أيكم بايعت" أي إنه لوثوقه سلفًا بوجود الأمانة في الناس كان يُقْدِمُ على مبايعة من اتفق له من غير بحث عن حاله فلما بدا التغير في الناس وظهرت الخيانة صار لا يبايع إلا من يعرف حاله من الناس، وأي هنا موصولة بمعنى الذي في محل النصب مفعول به لأبالي، وجملة بايعت صلتها والعائد محذوف والتقدير لا أبالي الذي بايعته منكم. وقوله "لئن كان مسلمًا" جواب عن سؤال مقدر كأن قائلًا قال له: لم تزل الخيانة موجودة، فأجاب بأنه وإن كان الأمر كذلك لكنه كان يثق بالمؤمن لذاته، وبالكافر لوجود ساعيه، وهو الذي يحكم عليه، وكانوا لا يستعملون في كل عمل قل أو جل إلا

وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أَوْ يَهُودِيًّا، لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ .. فَمَا كُنْتُ لِأبَايعَ مِنْكُمْ إِلا فُلانًا وَفُلانًا ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلم، فكان واثقًا بإنصافه وتخليص حقه من الكافر إن خانه بخلاف العصر الأخير الذي أشار إليه، فإنه صار لا يبايع إلا أفرادًا من الناس يثق بهم اهـ فتح الملهم (1/ 178). (ولئن كان) الذي أبايعه (نصرانيًّا أو يهوديًّا ليردنه عليَّ) في أداء حقي (ساعيه) أي كفيله وضمينه (وأما اليوم) الحاضر (فما كنت) مريدًا (لأبايع) بكسر اللام ونصب الفعل لأنها لام الجحود لوقوعها بعد كان المنفية بما، أي ما كنت مريدًا البيع مع أحد (منكم إلا فلانًا وفلانًا) أي إلا أفرادًا قلائل من الناس، لرفع الأمانة، وقلة الأمناء. وقد تقدم آنفًا أن معنى المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان، ومراده أني كنت أعلم أن الأمانة لم ترتفع وأن في الناس وفاءً للعهود فكنت أقدم على مبايعة من اتفق لي من غير بحث عن حاله، وثوقًا بالناس وأمانتهم فإنه إن كان مسلمًا فدينه وأمانته تمنعه من الخيانة، وتحمله على أداء الأمانة، وإن كان كافرًا فساعيه وهو الوالي عليه كان يقوم أيضًا بالأمانة في ولايته فيستخرج حقي منه، وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة فما بقي لي وثوق بمن أبايعه ولا بالساعي في أداء الأمانة فما أبايع إلا فلانًا وفلانًا، يعني أفرادًا من الناس أعرفهم وأثق بهم، والحاصل أنه أشار بقوله (إلا فلانًا وفلانًا) إلى العصر الأخير الذي أدركه، والأمانة فيهم بالنسبة إلى العصر الأول أقل، وأما الذي ينتظره فإنه حيث تفقد الأمانة من الجميع إلا النادر، وحاصل هذا الخبر أنه صلى الله عليه وسلم أنذر برفع الأمانة، وأن الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير خائنًا بعد أن كان أمينًا، وهذا إنما يقع على ما هو مشاهد لمن خالط أهل الخيانة، فإنه يصير خائنًا، لأن القرين يقتدي بقرينه السابق. وهذا الحديث أعني حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته أحمد (5/ 383) والبخاري (6497) والترمذي (2180) وابن ماجه (4053). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه هذا فقال:

271 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. جَمِيعًا عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (271) - متا (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) مصغرًا الهمداني، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا قال محمد (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني، أبو هشام الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (199) روى عنه المؤلف في (17) بابًا تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (196) روى عنه المؤلف في (19) بابًا تقريبًا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه. (ح) حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، ثقة مأمون من العاشرة، مات سنة (238) روى عنه المؤلف في (21) بابًا تقريبًا. وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه، قال إسحاق (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعى، أبو عمرو الكوفي، ثقة مأمون من الثامنة، مات سنة (191) روى عنه المؤلف في (17) بابًا تقريبًا وقوله (جميعًا) حال من عبد الله بن نمير ووكيع وعيسى بن يونس أي حالة كون كلِّ من الثلاثة مجتمعين في الرواية (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم، أبي محمد الكوفي، ثقة من الخامسة، مات سنة (148) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا. (بهذا الإسناد) أي كلهم رووا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة بن اليمان (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش، وهذان السندان من خماسياته، الأول منهما رجاله كلهم كوفيون، والثاني منهما أيضًا رجاله كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد الله بن نمير ووكيع وعيسى بن يونس لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش. * * *

73 - (32) باب الفتن التي تموج كموج البحر

73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ 272 - (136) (59) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، يَعْنِي سُلَيمَانَ بْنَ حَيَّانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ أي هذا بابٌ معقودٌ في ذكر الفتن التي تموج أي تضطرب ويدفع بعضها بعضًا كموج البحر واضطرابه وتحركه وارتفاعه شبهها بموج البحر في تتابعها وتواليها وعدم الفترةِ بينها، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة، وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة. وقد أخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن حذيفة قال: (لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة ما اشتبه عليك الحق والباطل) اهـ فتح (13/ 212). والفتن جمع فتنة كقرب وقربة، والفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار، ثم صارت في عرف الكلام عبارة عن كل أمر كشف الاختبار عن سوئه، قال أبو زيد: فتن الرجل فتونًا إذا وقع في الفتنة، وتحول عن حال حسنة إلى حال سيئة. (272) - س (136) (59) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي من العاشرة (ت 234) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا. قال محمد بن نمير (حدثنا أبو خالد) الأحمر، سليمان بن حيان - بتحتانية - الأزدي الكوفي، قال ابن معين وابن المديني: ثقة، وقال ابن معين مرة: صدوق ليس بحجة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة، وقال ابن سعد: مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني سليمان بن حيان) إشعارًا بأن هذه التسمية من زيادته، لا مما سمعه من شيخه (عن سعد بن طارق) بن أشيم الأشجعي، أبي مالك الكوفي، ثقة من الرابعة، مات في حدود مائة وأربعين (140) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (عن ربعي) بن حراش - بكسر الحاء المهملة - الغطفاني العبسي - بموحدة - أبي مريم الكوفي، من عباد أهل الكوفة، وكان أعور، ثقة عابد مخضرم من الثانية مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مائة أو إحدى ومائة (عن حذيفة) بن اليمان الكوفي، صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه.

قَال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَال: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ؟ فَقَال قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ. فَقَال: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ وَجَارِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ. قَال: تِلْكَ تُكَفَّرُهَا الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون. (قال) حذيفة رضي الله عنه (كنا عند عمر) بن الخطاب العدوي، أبي حفص الفاروق، أمير المؤمنين (فقال) لنا عمر (أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الأبي: يحتمل أنه استفهام حقيقة، وأنه كان سمع حديثًا في الفتن ولم يحفظه، ويحتمل أنه عرفه ولكن أراد أن يعلمه الحاضرون، وأي استفهامية في محل الرفع مبتدأ، وجملة سمع خبرها أي من سمع منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يذكر) شأن (الفتن) والامتحانات والبلايا الواقعة للمسلمين (فقال قومٌ) من الحاضرين لعمر (نحن سمعناه) أي سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن الواقعة للعباد (فقال) عمر للقوم العلكم تعنون) وتقصدون بالفتنة التي سمعتموها منه صلى الله عليه وسلم (فتنة الرجل) وامتحانه (في أهله) وأولاده أي شغله عن فعل الخيرات والعبادات بسبب خدمتهم وإطعامهم وسقيهم ومحادثتهم (و) فتنته في (جاره) أي شغله بسبب المحادثة معه عن فعل الخيرات أو تقصيره بترك الإهداء له، قالوا: وفتنة الرجل في أهله وماله وولده ضروب من فرط محبته لهم، وشجه عليهم، وشغله بهم عن كثير من الخير، كما قال تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} أو تفريطه وتقصيره فيما يلزم من القيام بحقوقهم، ومن تأديبهم وتعليمهم، فإنه راعٍ عليهم، ومسؤول عن رعيته، وكذلك فتنة الرجل في جاره بتقصيره في حقوقه والنصيحة له بالإرشادات والعظات. وقال القاضي: فتنة الرجل في أهله وماله وولده صرفه من فرط محبته لهم وشجه عليهم وشغله بهم عن كثير من الخير، كما قال تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} وكما قال صلى الله عليه وسلم: "الولد مجبنة مبخلة" فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. (قالوا) أي قال القوم لعمر (أجل) حرف تصديق في الجواب بمعنى نعم أي نعم قصدناها (قال) عمر (تلك) الفتنة، أي فتنة الرجل في أهله وجاره وماله لا بأس بها فإنها (تكفرها الصلاة) أي الصلوات الخمس (والصيام) أي صيام رمضان (والصدقة) أي

وَلكِنْ أَيكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ الفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَال حُذَيفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ. فَقُلْتُ: أَنَا. قَال: أَنْتَ، لِلهِ أَبُوكَ! . قَال حُذَيفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزكاة، أي تكون هذه الطاعات كفارة ساترة ماحية لتلك الفتنة عن الرجل إذا كانت من الصغائر (ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يذكر الفتن) العامة (التي تموج) وتضطرب وتنتشر موجًا واضطرابًا كـ (ــموج البحر) واضطرابه وتحركه، يقال: ماج البحر إذا تحرك ماؤه وارتفع، شبهها بموج البحر في شدتها وتواليها وكثرتها وتدافعها (قال حذيفة فأسكت القوم) بقطع الهمزة المفتوحة، أي صمتوا وسكتوا، وأطرقوا رؤوسهم، وإنما سكتوا لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة، وإنما حفظوا النوع الأول، قال جمهور أهل اللغة: سكت وأسكت لغتان، كلاهما بمعنى صمت، وقال الأصمعي: سكت بمعنى صمت، وأسكت بمعنى أطرق، وقال أبو علي البغدادي وغيره: سكت وأسكت بمعنى صمت، قال الهروي: ويكون سكت بمعنى سكن ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} وبمعنى انقطع، تقول العرب جرى الوادي ثلاثًا ثم سكت أي انقطع، ويقال سكت يسكت سكتًا وسكوتًا وسُكاتًا قال حذيفة (فقلت) لعمر (أنا) الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن المائجة موج البحر (قال) عمر (أنت لله أبوك) أي أنت سمعتها فلله در أبيك، أي درّ ارتفع به أبوك وكبر حتى أولدك، وهذه الجملة كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها مع التعجب، فإن الإضافة إلى العظيم تشريف للمضاف، ولهذا قالوا: بيت الله، وناقة الله، قال صاحب التحرير: فإذا وُجد من الولد ما يُحمد به قيل له: لله أبوك حيث أتى وأنجب بمثلك (قال حذيفة) فقلت لعمر في بيانها (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول: تعرض الفتن) أي تظهر الفتن والمخالفة والمنازعة والمقاتلة والمشاتمة بين المسلمين وتمر (على القلوب) وتؤثر فيها، ويظهر أثر قبولها على قلوب الناس (كالحصير) أي كما يظهر أثر الحصير وأوراقه على جنب النائم عليه (عودًا عودًا) أي ورقًا ورقًا، وهذا كناية عن شدة قبولها، وكثرة خوض الناس فيها، حتى يهلكوا فيها، ومعنى تعرض الفتن على القلوب: أي تلصق بعرض القلوب، أي جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم، ويؤثر فيه شدة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التصاقه به، أو المعنى تظهر الفتن للقلوب وتتوالى عليها فتنة بعد أخرى، كما يعرض الحصير على الناسج عودًا عودًا، أي ورقًا بعد ورق، قال السنوسي: وقيل معنى تعرض توضع عليها، وتبسط كما يبسط الحصير من عرض العود على الإناء، والسيف على الفخذين يعرضه إذا وضعه، وقيل هو من عرض الجند بين يدي السلطان لإظهارهم واختبار أحوالهم اهـ. وقوله (عودًا عودًا) قال النواوي: هذان الحرفان مما اختلف في ضبطه على ثلاثة أوجه: أظهرها وأشهرها عودًا عودًا بضم العين، وبالدال المهملة، والمعنى عليه كما مر آنفًا تظهر الفتن والمخالفة والمقاتلة بين المسلمين ويظهر أثرها على القلوب، كما يظهر أثر الحصير على جنب النائم عليه عودًا عودًا أي ورقًا ورقًا، والثاني (عَوْدًا عَوْدًا) بفتح العين وبالدال المهملة والمعنى عليه تعاد الفتن وتكرر على القلوب إعادة بعد إعادة، ومرة بعد أخرى حتى تتمكن في قلوب من قبلها، والثالث (عَوذًا عَوذًا) بفتح العين وبالذال المعجمة، والمعنى عليه تظهر الفتن على القلوب وتؤثر فيها عِياذًا عياذًا بالله تعالى منها أي نعوذ بالله منها عياذًا، أي استعاذة من شرها وضررها، فمعنى عوذًا عوذًا سؤال الاستعاذة منها فهو منصوب بعامل محذوف وجوبًا لنيابة تكراره عنه كقولهم: غفرًا غفرًا أي نستغفرك غفرانًا، والمعنى: نسألك يا رب أن تعيذنا منها، وأظهر الأوجه الثلاثة وأشهرها الأول كما مر آنفًا. وقوله (كالحصير) أي كما ينسج الحصير عودًا عودًا وشطبة بعد أخرى: الشطبة: السعفة الخضراء والسعفة ورقة النخل. وعبارة المفهم هنا (قوله كالحصير عودًا عودًا) ضُبط هذان الحرفان بثلاث تقييدات: الأول: ضبطه القاضي الشهيد بفتح العين المهملة والذال المعجمة، والثاني: ضبطه أبو بحرِ سفيان بن العاصي بضم العين ودالء مهملة، والثالث: ضبطه أبو الحسين بن سراج بفتح العين ودال مهملة، فمعنى الضبط الأول: سؤال الإعاذة والسلامة منها كما يقال غفرًا غفرًا أي اللهم اغفر اللهم اغفر، ومعنى الضبط الثاني: أن الفتن تتوالى واحدة بعد أخرى كنسج الحصير عودًا بإزاء عود، وشطبة بإزاء شطبة، أو كما

فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَينِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يناول مُهيئ القضبان للناسج عودًا بعد عود، ومعنى الضبط الثالث قريب من الثاني، يعني أن الفتنة كلما مضت واحدةٌ عادت أخرى كما يفعل ناسج الحصير، كلما فرغ من موضع شطبة أو عود عاد إلى مثله، والمعنى الثاني أمكن وأليق بالتشبيه والله أعلم اهـ. قال النواوي: ويترجح رواية ضم العين مع الدال المهملة، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد، قال القاضي: وهذا معنى الحديث عندي، وهو الذي يدل عليه سياق لفظه وصحة تشبيهه والله تعالى أعلم. (فأي قلب) من تلك القلوب التي عرضت الفتن عليها (أشربها) أي أشرب تلك الفتن وقبلها، ودخلت فيه دخولًا تامًّا، وألزمها وتمكنت فيه وحلت منه محل الشراب حتى لا تقبل الانفكاك منه، نظير قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حب العجل، وقولهم: ثوبٌ مشرب بحمرة) أي خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها (نكت) أي نقط (فيه) أي في ذلك القلب الذي أُشربها (نكتة) أي نقطة (سوداء) أي ذات سواد، أي ظهر فيه سواد يسير مثل النقطة، قال ابن دريد وغيره: كل نقطة في شيء تخالف لونه فهي نكتة (وأي قلب أنكرها) أي أنكر تلك الفتن وردها، ولم يقبلها واعتزل من الخوض فيها (نكت) أي نقط (فيه) أي في ذلك القلب الذي أنكرها، ولم يخض فيها (نكتة) أي نقطة (بيضاء) أي ذات بياض، والنكتتان كناية عن نقص الإيمان وكماله، فالنكتة السوداء كناية عن نقصِ نورِ إيمانِ مَنْ قَبِلهَا، وأُشربها بظلام تلك الفتن والنكتةُ البيضاء كناية عن سلامة نور إيمان من أنكرها، ولم يَخُض فيها مِنْ ظلامِ تلك الفتن، وقوله (حتى تصير على قلبين) غاية لقوله تعرض الفتن، أي تعرض الفتن وتظهر وتنتشر حتى تصير وتكون على قلبين: أحدهما ما ذكره بقوله: تعرض. (على) قلب (أبيض) بالنور التام من الإيمان أملس (مثل الصفا) أي مثل الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء، في عدم تأثره وقبوله لتلك الفتن (فلا تضره) أي فلا تضر ذلك القلب الأبيض الأملس مثل الصفا (فتنةٌ) واحدة من تلك الفتن التي توالت وتتابعت

مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على القلوب، بل هو ناجٍ سليم منها سلامة مؤبدة دائمة (ما دامت السماوات والأرض) أي مدة دوامهما، والقصد تأبيد سلامته من ضرر تلك الفتن. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان، وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء اهـ. والقلب الثاني ما ذكره بقوله (و) القلب (الآخر) الذي أشرب تلك الفتن وقبلها وتمكنت فيه (أسود) أي ذو سواد وظلام بانطماس نور إيمانه بتلك الفتن وخوضه فيها، وقوله (مرْبادًا) على زنة محمار، حال من الضمير المستتر في أسود، أي حالة كون ذلك القلب الآخر مربادًا أي مخلوطًا سواده ببقايا بياض نور الإيمان، وحالة كونه (كالكوز) والكأس (مجخيًا) بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مشددة مكسورة، أي حالة كونه كالكوز المجخي، أي المقلوب المنكوس الذي لا يقبل تعبئة الماء فيه، قال القاضي عياض: قال لي ابن السراج: ليس قوله كالكوز مجخيًا تشبيهًا لما تقدم من سواده، بل هو وصف آخر من أوصافه، بأنه قلب ونكس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة، ومثله بالكوز المجخي، أي المقلوب وبينه بقوله (لا يعرف) ذلك القلب الآخر الأسود ولا يقبل (معروفًا) من معروفات الشرع بل يرده وينكره (ولا ينكر) أي لا ينكر (منكرًا) من منكرات الشرع الذي هو من جنس هواه، بل لا يقبل شيئًا من المعروف (إلا ما أشرب) ذلك القلب (من هواه) وشهواته التي هي من جنس المنكرات، بل هو حليف الهوى، مفارق الهدى، قال السنوسي: قال بعضهم: يعني لا يعرف القلب إلا ما قيل من الاعتقادات الفاسدة، والشهوات النفسانية، قال الطيبي: ولعله أراد أنه من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح، أي ليس فيه خير إلا هذا، وهذا ليس بخير، فيلزم منه أن لا يكون فيه خير ألبتة اهـ. وقال القاضي: شبه القلب الذي لا يعي خيرًا بالكوز المنحرف الذي لا يثبت فيه الماء، وقال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الرجل إذا تبع هواه وارتكب المعاصي، دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الإيمان،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقلب مثل الكوز فإذا انكب انصب ما فيه، ولم يدخله شيء بعد ذلك. قال السنوسي: قلت والضمير في قوله (حتى تصير) للقلوب، أي حتى تصير القلوب على نوعين: أحدهما أبيض صلب لا تزلزل عقائده لواردة الفتن، ولا يتضرر بها في دينه لتحقق عرفانه ورسوخ إيقانه في تمييز الباطل من الحق، والبدعة من السنة، فلم يكن ماسورًا بالتقليد، ولا منخدعًا بالعوائد الفاسدة التي درج عليها الأكثر، ولهذا ضرب له المثل بالصفا، لأن الأحجار إذا لم تكن معدنية لم تتغير بطول الزمان، ولم يدخلها لون آخر، سيما النوع الذي ضرب به المثل، فإنه أبدًا على البياض الخالص الذي لا تشوبه كدرة. والنوع الآخر على ضد هذه الأوصاف يتزلزل لأقل فتنة وينخدع بأقل حالة فاسدة، وهذا حال العام والخاص في هذا الزمان، إلا من حُفِظَ من النادر جدًّا اهـ منه. وقال أيضًا: قلت كأن القلب باتباع الهوى انكب إلى الأرض فزال ما فيه واحتجب عنه غيوث الأنوار السماوية، وصارت إذا وردت عليه، إنما ترد على ظاهره، وتظل ذاهبة حتى لا ينتفع بها كالإناء المنكب على وجهه إذا ورد عليه مطر ونحوه، قال تعالى في معنى ذلك: {آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} إلى قوله: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} ومن تأمل حال من يتعاطى العلم في زماننا وجدهم إلا النادر جدًّا على هذا الوصف الذميم، قد اختلط عليهم الحال، وتلبست عليهم البدع بالسنن، وامتزج الحق عندهم بالباطل، حتى صاروا يوالون أهل البدع، ومن يذهب على غير أصل علم وسنة، بل صاروا يفعلون مثل أفعالهم، بل انتقل بهم الحال إلى الداء العضال الذي كاد أن يكون كفرًا، وهو الوقوف على أبواب الظلمة، ومن تحقق دفنه للسنة والشريعة، ويتعاطون الثناء عليهم، وإنشاء ما يقدرون عليه من الأسجاع والشعر في ذلك، وبالجملة فأكثرهم مخروب الظاهر والباطن، مسلوب من كل خير لا حظ لهم من العلم إلا نقل كلمة لا تجاوز حناجرهم. قال الطيبي عند كلامه على حديث: "اهتز العرش لمدح الفاسق" قال: اهتزاز العرش عبارة عن وقوع أمر عظيم، وداهية دهياء، لأن فيه رضاء بما فيه سخط الله تعالى وغضبه، بل يقرب أن يكون كفرًا، لأنه يكاد يفضي إلى استحلال ما حرم الله تعالى،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء المرائين في زماننا هذا، وإذا كان هذا حكم من مدح الفاسق فكيف بمن مدح الظالم، وركن إليه ركونًا، وقد قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} قال إنما عبر بالفعل في الموضعين ليفيد معنى، لا يكن منكم ركون ما إلى من وقع منه ظلم ما، قال في الكشاف: النهي يتناول الانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم اهـ منه أيضًا. وعبارة المفهم: وقوله: (على قلبين أبيض مثل الصفا) أي قلب أبيض فحذف الموصوف للعلم به، وأقام الصفة مقامَه، وليس تشبيهه بالصفا من جهة بياضه، ولكن من جهة صلابته على عقد الإيمان، وسلامته من الخلل والفتن، إذ لم يلصق به ولم يؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء، بخلاف القلب الآخر الذي شبهه بالكوز الخاوي، لأنه فارغ من الإيمان والأمانة. وقوله: (والآخر أسود مربادًا) ضبطوا مربادًا بثلاث تقييدات: الأول: مرباد على زنة مِفعال من اربادَّ السداسي مثل مصفارِّ من اصفارَّ وهو رواية الخُشَني عن الطبري، والثاني: مربد مثل مسود ومحمر من اربد واسود واحمر، وهو ضبط أبي مروان بن السراج، والثالث: مربئد بالهمز بين الباء والدال وهو ضبط العذري، وكأنه من ارباد لغة فيه، وقال بعض اللغويين: يقال احمر الشيء، فإذا قوي قيل: احْمَارَّ، فإذا زاد قيل: احمأر بالهمز، فعلى هذا تكون تلك الروايات كلها صوابًا، قال أبو عبيد عن أبي عمرو وغيره: الربدة لون بين السواد والغبرة، وقال ابن دريد: الربدة: الكدرة، وقال الحربي: هو لون النعام بعضه أسود وبعضه أبيض، ومنه اربدَّ لونه إذا تغير ودخله سوادٌ، وإنما سُمي النعام ربدًا لأن أعالي ريشها إلى السواد، وقال نفطويه: المربد الملمع بسواد وبياض، ومنه تربد لونه أي تلون فصار كلون الرماد. وقوله (كالكوز مُجَخِّيًا) قال الهروي: المُجَخِّي المائلُ، ويقال: جخَّى إذا فتح عضُدَيه في السجود، وكذلك جخَّ وقال شمر: جخَّى في صلاته: إذا رفع بطنه عن الأرض في السجود، وكذلك خوَّى، وقال أبو عبيد: المجخي المائل، ولا أحسبه أراد بميله إلا أنه منخرق الأسفل، شبه به القلب الذي لا يعي خيرًا ولا يثبت فيه، كما لا يثبت

قَال حُذَيفَةُ: وَحَدَّثتُهُ؛ أَن بَينَكَ وَبَينَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ. قال عُمَرُ: أَكسْرًا، لا أَبَا لَكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الماء في الكوز المنخرق، قال المؤلف: ولا يحتاج إلى هذا التقدير والتكلف، فإنه إذا كان مقلوبًا منكوسًا كما قال سعد، لم يثبت فيه شيء، وإن لم يكن منخرقًا، وقد فسره سياق الكلام حيث قال: لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه اهـ مفهم. وقوله (مربادًا) حال من الضمير في أسود، أي أسود حالة كون سواده مخلوطًا ببياض. وقوله (كالكوز) إما حال من الضمير في أسود، فيكون حالًا مترادفة، أو من الضمير في مرباد فيكون حالًا متداخلة، أي حالة كون ذلك القلب شبيهًا بالكوز الفارغ. وقوله (مجخيًا) حال من الكوز، أي حالة كون الكوز منكبًا منكوسًا مقلوبًا ليس فيه شيء. (قال حذيفة وحدثته) أي حدثت عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن بينك) يا عمر (وبينها) أي وبين تلك الفتن (بابا مغلقًا) أي مسكوكًا بالغلق (يوشك) بضم الياء وكسر الشين، أي يقرب ذلك الباب (أن يكسر) ويفتح فلا يغلق بعد ذلك، ومعنى ذلك أن تلك الفتن لا يخرج شيء منها في حياتك، قال ابن بطال: قول حذيفة (إن بينك وبينها بابا مغلقًا) ولم يقل له أنت الباب، وهو يعلم أنه الباب، فعرَّض له بما فهمه ولم يصرح، وذلك من حسن أدبه، وقد جاء في الصحيح أن عمر كان عارفًا بذلك، فإن قيل: لم شك في ذلك حتى سأل عنه؟ فالجواب: أن ذلك يقع مثله عند شدة الخوف، أو لعله خشي أن يكون نسي، فسأل من يذكره، قال الحافظ في الفتح: وهذا هو المعتمد، وراجع فتح الملهم. (قال) لي (عمر أ) يكسر ذلك الباب كسرًا) أم يفتح، فإن كسر فالمكسور لا يمكن إعادته بخلاف المفتوح، ولأن الكسر لا يكون غالبًا إلا عن إكراه وغلبة وخلاف عادة. وقوله (لا أبا لك) قال صاحب التحرير هذه كلمة تذكرها العرب للحث على الشيء، ومعناها: إن الإنسان إذا كان له أب وحزبه أمر، ووقع في شدة عاونه أبوه، ورفع عنه بعض الكل فلا يحتاج من الجد والاهتمام إلى ما يحتاج إليه حالة الانفراد،

فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ. قُلْتُ: لا، بَلْ يُكْسَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدم الأب المعاون، وإذا قيل (لا أبا لك) فمعناه جُدَّ في هذا الأمر وشمِّر وتأهب تأهُّب من ليس له معاون والله أعلم. وعبارة المفهم هنا: وقوله (أكسرًا لا أبا لك) استعظام من عمر لكسر ذلك الباب، وخوف منه أن لا ينجبر، لأن الكسر لا يكون إلا عن إكراه وغلبة، فكأن الباب المغلق عن دخول الفتن على الإسلام عمر رضي الله تعالى عنه وكسره قتله، واللام في لا أبا لك مقحمة، وكذلك في قولهم: لا يدي لفلان بهذا الأمر، ولا تريد العرب بهذا الكلام نفي الأبوة حقيقة، ، إنما هو كلام جرى على ألسنتهم كالمثل، ولقد أبدع البديع حيث قال في هذا المعنى: وقد يُوحَشُ اللفظُ وكلُّه ودَّ ... ويكرَهُ الشيءُ وما مِن فعله بدُّ هذه العرب تقول: "لا أبا لك" للشيء إذا أهم و"قاتله الله" ولا يريدون به الذم، و"وويل أمه" للأمر إذا تم، ولذوي الألباب في هذا الباب أن ينظروا إلى القول وقائله، فإن كان وليًّا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حسن. وإعراب (لا أبا لك) لا: نافية للجنس تعمل عمل إن، أبا: في محل النصب اسمها مبني بفتح مقدر منع من ظهوره التعذر لأنه اسم مقصور على لغة من يُلزم الأسماء الخمسة الألف كقوله: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها لك: اللام زائدة، والكاف ضمير متصل في محل الجر مضاف إليه لأبا وخبر لا محذوف وجوبًا تقديره موجودٌ (فلو) ثبت (أنه) أي أن ذلك الباب (فتح) فلو شرطية وجملة أن في تأويل مصدر فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط، وجوابه جملة (لعله) أي لعل ذلك الباب، وكلمة (كان) زائدة وجملة (يعاد) خبر لعل، وجملة لعل جواب لو الشرطية، والتقدير: فلو ثبت فتحه يرجى إعادته، قال حذيفة (قلت) لعمر (لا) يفتح (بل يكسر) ذلك الباب فلا يعاد إلى حاله الأول، لأن المكسور لا تمكن إعادته بخلاف المفتوح. قال الأبي: لا يُعنى بالفتن هنا الفتن الواقعة بعد قتل عمر كيوم الجمل وصفين،

وَحَدَّثْتُهُ، أَن ذلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَو يَمُوتُ. حَدِيثًا لَيسَ بِالأغَالِيطِ. قَال أَبُو خَالِدٍ: فَقُلْتُ لِسَعْدٍ: يَا أَبَا مَالِكٍ، مَا أَسْوَدُ مِرْبَادًا؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لا يصدق في أهلها أنهم لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، وإنما يصدق في قتلة عثمان، وفتنة الخوارج مع علي فما بعد اهـ. قال حذيفة (وحدثته) أي حدثت عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ذلك الباب) المغلق الذي وراءه الفتن (رجل يقتل) ظلمًا شهيدًا (أو يموت) على فراشه، بلا تسبب أحدِ إلى موته، أما الرجل الذي يقتل فقد جاء مبينًا في الصحيح أنه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وقوله (يقتل أو يموت) يحتمل أن يكون حذيفة سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم هكذا على الشك والمراد به الإبهام على حذيفة وغيره، ويحتمل أن يكون حذيفة علم أنه يقتل ولكنه كره أن يخاطب عمر بالقتل، فإن عمر كان يعلم أنه الباب كما جاء مبينًا في الصحيح، أن عمر كان يعلم مَنِ الباب، كما يعلم أن قبل غدِ الليلة، فأتى حذيفة بكلام يحصل منه الغرض، مع أنه ليس إخبارًا لعمر بأنه يقتل. وقوله (حديثًا ليس بالأغاليط) منصوب على المفعولية المطلقة بحدثته، والأغاليط وكذا المغاليط: الكلم التي يغالط بها، واحدها أغلوطة ومغلطة، والمعنى حدثته حديثًا صدقًا محققًا لا غلط ولا خطأ فيه، ليس هو من صحف الكتابيين، ولا من اجتهاد ذي الرأي، بل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الطيبي: أراد أن ما ذكرت له لم يكن مبهمًا كالأغاليط، بل صرحته تصريحًا، وقال القاري: وحاصله أنه لم يكن الكلام من باب التصريح بل من قبيل الرمز والتلويح، لكن عمر ممن لا تخفى عليه الإشارة فضلًا عن العبارة، بل هو من أصحاب الأسرار وأرباب الأنوار، راجع فتح الملهم. والحاصل أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر رضي الله عنه وهو الباب، فما دام حيًّا لا تدخل الفتن، فإذا مات دخلت الفتن، وكذا كان والله أعلم. (قال أبو خالد) الأحمر سليمان بن حيان بالسند السابق (ذ) لما سمعت هذا الحديث من سعد بن طارق وأشكل علي معناه (قلت لسعد) طالبًا منه إزالة الإشكال عني فيه (يا أبا مالك) كنية سعد بن طارق (ما) معنى مربادًا في قوله: والآخر (أسود مربادًا

شِدَّةُ الْبَيَاضِ في سَوَادٍ. قَال: قُلْتُ: فَمَا الْكُوزُ مُجَخِّيًا؟ قَال: مَنْكُوسًا. 273 - (00) (00) وحدَّثني ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأشجَعِيُّ، عَن رِبْعِيٍّ؛ قَال: لَمَّا قَدِمَ حُذَيفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال) لي سعد: معنى الاربداد الذي أخذ منه مرباد (شدة البياض) أي البياض الشديد الموجود (في) خلال (سواد) ووسطه، ولكن يُسمى هذا بلقًا لا اربدادًا، وهذا التفسير خطأ من بعض الرواة وتصحيف منه. قال القاضي عياض: كان بعض شيوخنا يقول إنه تصحيف، وهو قول القاضي أبي الوليد الكناني قال: أرى أن صوابه شبه البياض في سواد، وذلك أن شدة البياض في سواد لا يُسمى ربدة، وإنما يقال لها بلق إذا كان في الجسم، وحورٌ إذا كان في العين، والربدة إنما هو شيء من بياض يسير يخالط السواد كلون أكثر النعام، ومنه قيل للنعامة ربداء، فصوابه شبه البياض لا شدة البياض، والله أعلم. (قال) أبو خالد أيضًا (قلت) لسعد بن طارق (فما) معنى مجخيًا في قوله كـ (ــالكوز مجخيًا؟ قال) سعد معنى مجخيًا (منكوسًا) أي مقلوبًا مُنْكَبًّا. وهذا الحديث أعني حديث حذيفة بن اليمان انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد (5/ 405) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه فقال: (273) - متا (00) (00) (وحدثني) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني، أبو عبد الله المكي صدوق كانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في (11) بابًا. قال ابن أبي عمر (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، نزيل مكة، ثقة حافظ من الثامنة، مات قبل يوم التروية بيوم فجأة سنة (193) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا. قال مروان بن معاوية (حدثنا أبو مالك) سعد بن طارق (الأشجعي) الكوفي، ثقة من الرابعة، مات سنة (140) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (عن ربعي) بن حراش الغطفاني العبسي، أبي مريم الكوفي، ثقة عابد مخضرم من الثانية، مات سنة مائة (100) (قال) ربعي بن حراش (لما قدم حذيفة) بن اليمان الكوفي الكوفة في انصرافه ورجوعه

مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، جَلَسَ فَحَدَّثَنَا. فَقَال: إِن أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَمْسِ لَمَّا جَلَسْتُ إِلَيهِ سَأَلَ أَصْحَابَهُ: أَنُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْفِتَنِ؟ . وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أبِي خَالِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْسِيرَ أَبِي مَالِكِ لِقَوْلِهِ: "مِرْبَادًا مُجَخِّيًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ من المدينة (من عند عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (جلس) في حلقته، وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم كوفيون إلا ابن أبي عمر فإنه عدني مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة مروان بن معاوية لأبي خالد الأحمر في رواية هذا الحديث عن سعد بن طارق، أبي مالك الأشجعي، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. (فحدثنا) ما جرى بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما من الحوار في المدينة (فقال) حذيفة (إن أمير المؤمنين) عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم، وهو أول من سُمي بأمير المؤمنين، وقوله (أمسِ) ظرف زمان متعلق بقوله (لما جلست إليه) وهو هنا اسم للزمن الماضي، لا المعنى المعروف فيه، وهو أنه اسم لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه متصلًا به، وقد بسطنا الكلام عليه بما لا مزيد عليه في كتبنا النحوية كـ "جواهر التعليمات" و"نزهة الألباب"، فالمراد بقوله (أمس) الزمن الماضي لا أمس يومه، وهو اليوم الذي يلي يوم تحديثه، لأن مراده لما قدم حذيفة الكوفة في انصرافه من المدينة من عند عمر رضي الله تعالى عنهما، والمعنى أن أمير المؤمنين لما جلست عنده في المدينة في الزمن الماضي قبل رجوعي إلى الكوفة (سأل أصحابه) أي جلساءه فقال (أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) وحديثه (في الفتن وساق) أي ذكر مروان بن معاوية (الحديث) السابق، والباء في قوله (بمثل حديث أبي خالد) الأحمر زائدة، لتأكيد معنى المماثلة، ومثل بدل من الحديث، أو حال منه، أي وساق مروان مثل حديث أبي خالد، أو وساق الحديث المذكور، حالة كونه مماثلًا لحديث أبي خالد لفظًا ومعنى (ولم يذكر) مروان بن معاوية في روايته (تفسير أبي مالك لقوله مربادًا) في قوله ما أسود مربادًا، وتفسر قوله (مجخيًا) في قوله فما الكوز مجخيًا، وهذا استثناء من المماثلة في قوله: بمثل حديث أبي خالد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه فقال:

274 - (00) (00) (وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَثَّى، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمِ الْعَمِّي، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيمَانَ التيمِيِّ، عَنْ نُعَيمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (274) - متا (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنَزيُّ - بفتح النون وبالزاي - أبو موسى البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة (252) روى عنه المؤلف في (14) بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (عمرو بن علي) بن بحر بن كُنَيز - بنون وزاي - مصغرًا، الباهلي الصيرفي، أبو حفص البصري المعروف بالفلاس، روى عن ابن أبي عدي في الإيمان وغيره، وبشر بن المفضل في الوضوء، ومحمد بن جعفر غندر في الصلاة وغيرها، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى في النكاح، ويروي عنه (ع) وأحمد بن الحسن بن خراش، وزهير بن حرب، والحسن الحلواني، وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة، مات في آخر ذي القعدة بالعسكر سنة (249) تسع وأربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (عقبة بن مكرم) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه على صيغة اسم المفعول (العمي) بفتح العين وتشديد الميم نسبة إلى بني عم، أبو عبد الملك البصري، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (240) أربعين ومائتين، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي مولاهم، أبو عمرو البصري، وثقه أبو حاتم والنسائي، ثقة من التاسعة، مات بالبصرة سنة (194) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا. (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أي المنسوب إلى تيم لكونه نازلًا فيهم، أبي المعتمر البصري، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (143) وله (99) سنة، روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا (عن نعيم) مصغرًا (بن أبي هند) النعمان بن أشيم الأشجعي الكوفي، وهو ابن عم سالم بن أبي الجعد، وابن عم أبي مالك الأشجعي، روى عن ربعي بن حراش في الإيمان والبيوع والفتن، وأبي حازم سلمان في قصة أبي جهل، ويروي عنه (م ت س ق) وسليمان التيمي، ومغيرة بن مقسم، وشعبة، وغيرهم، وثقه

عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ أَن عُمَرَ قَال: مَنْ يُحَدِّثُنَا، أَوْ قَال: أَنُّكُمْ يُحَدِّثُنَا (وَفِيهِمْ حُذَيفَةُ) مَا قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْفِتْنَةِ؟ قَال حُذَيفَةُ: أَنَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ كَنَحْو حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَال في الْحَدِيثِ: قَال حُذَيفَةُ: حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيسَ بِالأغَالِيطِ. وقَال: يَعْنِي أَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائي، وقال في التقريب: ثقة رمي بالنصب من الرابعة، مات سنة (110) عشر ومائة، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا. (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي، ثقة من الثانية (عن حذيفة) بن اليمان الكوفي، صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وثلاثة كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة نعيم بن أبي هند لأبي مالك الأشجعي في رواية هذا الحديث عن ربعي بن حراش، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع بيان أن له علوًا ونزولًا في السند. (أن عمر) بن الخطاب (قال) لجلسائه في المدينة (من يحدثنا أو قال) عمر (أيكم يحدثنا) والشك من حذيفة أو ممن دونه، وقوله (وفيهم) أي وفي جلساء عمر وأصحابه (حذيفة) بن اليمان، كلام مدرج أدرجه ربعي أو من دونه، أي قال عمر: من يحدثنا (ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في) شأن (الفتنة) التي ستقع بين المسلمين (قال حذيفة أنا) أحدثكموها لأني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وساق) نعيم بن أبي هند (الحديث) السابق (كنحو) أي مثل نحو (حديث أبي مالك) الأشجعي (عن ربعي) بن حراش (و) لكن (قال) نعيم بن أبي هند (في) رواية هذا (الحديث: قال حذيفة حدثته) أي حدثت عمر (حديثًا ليس بالأغاليط) والأخطاء (وقال) ربعي بن حراش (يعني) حذيفة بقوله حدثته حديثًا ليس بالأغاليط (أنه) أي أن حذيفة حدثه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا عن الصحف ولا عن الرأي، وللإشارة إلى هذه الزيادة الواقعة في رواية نعيم وهي قوله (يعني أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع بين الكاف، ونحو في قوله كنحو حيث لم يقتصر على نحو أو على مثل فما هنا موافقة مع الزيادة في المتابعة، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديثًا واحدًا وهو حديث حذيفة بن اليمان، ولكن ذكر فيه متابعتين.

74 - (33) باب: غربة الإسلام في بدايته ونهايته، وأنه يأرز بين المسجدين

74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ 275 - (137) (60) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ، قَال ابْنُ عَبَّادِ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ أي هذا بابٌ معقود في ذكر الأحاديث الدالة على أن الإسلام كان في أول بدايته وظهوره غريبًا، أي قليل الأهالي والحَمَلة، ثم بعد ظهوره وانتشاره سيعود في آخر الزمان غريبًا، أي قليل الأهالي والحملة، والمراد أن الإسلام نشأ في أول أمره في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر وظهر فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيلحقه من الضعف والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة كابتدائه، وأصل الغربة البعد كما قال الشاعر: فلا تحرميني نائلًا عن جناية ... فإني امرؤ وسط العباب غريبُ وبه سُمي الغريب لبعد داره، وسمي النفي تغريبًا لذلك، وعلى أن الإيمان ليأرز أي لينضم ويجتمع بعضه إلى بعض، ويرجع إلى المدينة كما تنضم الحية إلى جحرها. (275) - س (137) (60) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان، أبو عبد الله المكي، نزيل بغداد، صدوق يهم من العاشرة، مات ببغداد في آخر ذي الحجة سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا. (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني ثم المكي، صدوق كانت فيه غفلة، من العاشرة مات سنة (243) روى عنه المؤلف في (11) بابا وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن كِلَا الراويين صدوق، وقوله (جميعًا) حال من الراويين، أي حالة كون كل منهما مجتمعين في الرواية (عن مروان) بن معاوية بن الحارث (الفزاري) أي المنسوب إلى بني فزارة، أبي عبد الله الكوفي، ثقة حافظ من الثامنة، مات فجأة سنة (193) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا. وأتى بقوله (قال ابن عباد حدثنا مروان) تورعًا من الكذب عليه، لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه روى عن مروان بالعنعنة، كابن أبي عمر مع أنه صرح بالسماع (عن يزيد) بن كيسان اليشكري، أبي إسماعيل، أو أبي مُنَين - بنونين مصغرًا - الكوفي، روى عن أبي

- يَعْنِي ابْنَ كَيسَانَ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: "بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ حازم سلمان الأشجعي في الإيمان والصلاة واللباس والأطعمة والنكاح والفضائل، ومعبد أبي الأزهر، ويروي عنه (م عم) ومروان بن معاوية، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة، وغيرهم وثقه ابن معين والنسائي، واعتمده مسلم، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من السادسة، وقال الدارقطني: كوفي ثقة، وقال أحمد: ثقة، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن كيسان) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا. (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الغطفاني الكوفي، مولى عزة الأشجعية، ثقة من الثالثة مات على رأس المائة (100) (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر المدني الدوسي، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون، وواحد مدني، وواحد مكي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبًا) أي نشأ الإسلام وطرأ ووجد حالة كونه غريبًا، أي قليل الأهالي والحملة (وسيعود) أي سيصير في آخر الزمان بعد ظهوره وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها، وغلبته على سائر الأديان والملل كما بدأ غريبًا) أي سيصير غريبًا قليل الأهل والحفظة، كما كان في بدايته، وأول ظهوره قليل الحملة والأصحاب. وفي المفهم: قوله: (بدأ الإسلام غريبًا) كذا روايته بهمز وفيه نظر، وذلك أن بدأ مهموزًا متعدٍ إلى مفعول كقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} ويقال: بدأ الله الخلق بدأَ وأبدأهم خلقهم، وبدأ في الحديث لا يقتضي مفعولًا فظهر الإشكال، ويرتفع الإشكال بأن يُحمل بدأ الذي في الحديث على طرأ فيكون لازمًا، كما اتفق للعرب في كثير من الأفعال اللازمة، حملُها على المتعدية فيعدونها وفي كثير من الأفعال المتعدية حملها على اللازمة فتكون لازمة، كما حملوا هنا بدأ المتعدي على طرأ اللازم فيكون لازمًا، كما قالوا رجع زيدٌ ورجعته، وفغر فاه، وفغر فوه، والتضمين في اللسان جائز كثير، وأنكر بعض مشايخنا همزه وقال إنما هو بدا بمعنى ظهر، وفي إنكاره بُعْدٌ من حيث الرواية، ومن جهة المعنى، لأن المراد أن الإسلام نشأ في آحاد وقلة، وسيلحقه النقص حتى يصير في آحاد وقلة، وبدا بمعنى ظهر يبعده عن هذا المعنى، فأما الرواية

فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ". 276 - (138) (61) وحدَّثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالهمز فصحيحة النقل عمن يعتمد على علمه وضبطه، وأما المعنى فبعيد عن مقصود الحديث كما قلنا آنفًا. ويحتمل أن يراد بالحديث المهاجرون، إذ هم الذين تغربوا عن أوطانهم فرارًا بأديانهم، فيكون معناه أن آخر الزمان تشتد فيه المحن على المسلمين، فيفرون بأديانهم ويغتربون عن أوطانهم كما فعل المهاجرون، وقد ورد في الحديث: "قيل: يا رسول الله من الغرباء؟ قال: هم النُّزَّاعُ من القبائل "إشارة إلى هذا المعنى والله أعلم. ولذلك قال الهروي: أراد بذلك المهاجرين لأنهم تغربوا عن أهليهم لله ورسوله، والنزاع: جمع نزيع أو نازع، وهو الذي نُزع عن أهله وعشيرته وبعد عن ذلك، ولكن ظاهر الحديث العموم، والأولى حمله عليه، وعدم القصر على المهاجرين. (فطوبى) أي فطيب العيش، أو الجنة (للغرباء) أي لمن تغرب بدينه طلبًا لسلامته من الفتن فيه، وقد مر تفسير الغرباء في الحديث، ومن حيث اللغة آنفًا فهو جمع غريب، وهو من بَعُدَ عن أهله وعشيرته وماله، وأما طوبى فاصله طُيبَى بوزن فُعلى -بضم الطاء وسكون الياء- فقلبت فيها الياء واوًا لانضمام ما قبلها، واختلف المفسرون في معناها في قوله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معناه فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نِعْمَ مالهم، وقال الضحاكْ غبطة لهم، وقال قتادة: حسنى لهم، وعن قتادة أيضًا معناه: أصابوا خيرًا، وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة، وقال ابن عجلان: دوام الخير، وقيل: الجنة، وقيل: شجرة في الجنة، وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث والله أعلم اهـ نواوي. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة في غُربة الإسلام شارك المؤلف في روايته ابن ماجه (3986) فقط. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال: (276) - ش (138) (61) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري مولاهم، أبو عبد الله

وَالْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الأعرَجُ قَالا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا عَاصمٌ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ - عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النيسابوري، الحافظ الزاهد ثقة عابد، من الحادية عشرة مات سنة (245) روى عنه المؤلف في (11) بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (الفضل بن سهل) بن إبراهيم (الأعرج) أبو العباس البغدادي، روى عن شبابة بن سوار في الإيمان، ويزيد بن هارون في الحج، ويحيى بن غيلان في الحدود، وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن مخلد، والمحاملي، وكان ذكيًّا يحفظ، وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة، مات ببغداد يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من صفر سنة (255) خمس وخمسين ومائتين، وله (73) نيف وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (قالا) أي قال كل من محمد والفضل (حدثنا شبابة بن سوار) الفزاري مولاهم، أبو عمرو المدائني، أصله من خراسان، قيل: اسمه مروان، وشبابة لقبه، روى عن عاصم بن محمد في الإيمان، والليث بن سعد في الوضوء والصلاة، وورقاء في الصلاة وغيرها، وشعبة في البيوع وغيرها، وشيبان بن عبد الرحمن في الزكاة، وسليمان بن المغيرة في النكاح والأطعمة، وابن أبي ذئب في الطب، ومحمد بن طلحة بن مصرف في البر، وعبد العزيز بين الماجشون في الظلم، وغيرهم، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، ويروي عنه (ع) ومحمد بن رافع، والفضل بن سهل، ومحمد بن حاتم في الزكاة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وإسحاق الحنظلي وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حافظ رُمي بالإرجاء من التاسعة مات سنة (206) ست ومائتين، وليس في مسلم شبابة إلا هذا الثقة، قال شبابة (حدثنا عاصم) بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وأتى بهو في قوله (وهو ابن محمد) القرشي العدوي (العمري) المدني، إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته على الشيخ، ثقة من السابعة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا. (عن أبيه) محمد بن زيد القرشي العدوي المدني، ثقة من الثالثة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا. (عن) جده عبد الله (بن عمر) بن الخطاب المكي، وهذا السند من خماسياته،

عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِن الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الْحَيَّةُ في جُحْرِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ رجاله اثنان منهم مدنيان، وواحد مكي، وواحد مدائني وواحد نيسابوري أو بغدادي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن الإسلام بدأ) ونشأ وظهر حالة كونه (غريبًا) أي قليل الأهل والأصحاب (وسيعود) أي وسيكون (غريبًا) أي قليل الأهل والأصحاب في آخر الزمان (كما بدأ) غريبًا، أي سيكون غريبًا غربة كغربته في بدايته، فطوبى لمن تغرب بسببه (وهو) أي دين الإسلام (يأرز) أي ينضم ويجتمع في آخر الزمان (بين المسجدين) المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن السراج: ليأرز بضم الراء، وحكى القابسي: فتح الراء، قال ابن دريد: أرز الشيء يأرز من باب نصر وفتح وضرب، وقال ابن التين: والصواب الكسر، وكلها بمعنى واحد. وفي السنوسي: قوله: ليأرز إلى المدينة بكسر الراء بعدها زاي معجمة، ويُروى ضمها وفتحها، والأول المشهور أي إذا ثبتت في الأرض، وشجرة أرزة أي ثابتة مجتمعة لا تتحرك، أي يجتمع الإسلام ويقوى أهله بين مسجدي مكة والمدينة لا تحركهم البدع والخرافات عن قدم النبي صلى الله عليه وسلم وإن انتشرت في سائر الأمصار والمدن، وحركت أهلها عن قدم النبي صلى الله عليه وسلم (كما تأرز) أي تلتف (الحية) وتجتمع برمتها (في جحرها) لا تخرج منه وقت خوفها على نفسها أو من البرودة. وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وغرضه بذكره الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الذي ذكره استدلالًا به على الترجمة. * * *

75 - (34) باب: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة

75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ 277 - (139) (62) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ (277) - س (139) (62) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (235) روى عنه المؤلف في ستة عشر بابًا تقريبًا، قال أبو بكر (حدثنا عبد الله بن نمير) مصغرًا الهمداني، أبو هشام الكوفي، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة (199) وله (84) سنة روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت ربما يدلس، من كبار التاسعة، مات سنة (201) وله (80) سنة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، لأن المتقارنين كلاهما ثقتان. (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري، أبي عثمان المدني، أحد الفقهاء السبعة، والعلماء الأثبات، ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة (147) روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة من العاشرة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. قال محمد (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني، أبو هشام الكوفي، قال عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمبر العمري، أبو عثمان المدني، وفائدة هذا التحويل التصريح بسماع عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر، لأنه قال في هذه الرواية: حدثنا عبيد الله، وفي الرواية الأولى: عن عبيد الله بالعنعنة، والتورع عن الكذب على محمد بن نمير، لأنه إنما روى عن أبيه فقط، وأما أبو بكر فقد روى عنه وعن أبي أسامة، ولو جمعهما

عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ حَفصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِن الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ في سند واحد فقال: حدثنا أبو بكر ومحمد بن نمير عن عبد الله بن نمير وأبي أسامة لكان كاذبًا عليه (عن خبيب بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف -بفتح أوله وثانيه مخففًا- الأنصاري الخزرجي الحارثي أبي الحارث المدني، خال عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، روى عن حفص بن عاصم في الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والفتن وغيرها، وعبد الله بن محمد بن معن، وأبيه وعمته أُنيسة، ولها صحبة، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن عمر، وعمارة بن غزية وشعبة ومالك، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا. (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، روى عن أبي هريرة في الإيمان والزكاة والحج، وأبيه عاصم بن عمر في الصلاة، وعبد الله بن عمر في الصلاة، وعبد الله بن مالك ابن بحينة في الصلاة، وأبي هريرة، أو أبي سعيد الخدري بالشك في الزكاة، ويروي عنه (ع) وخبيب بن عبد الرحمن، وبنوه عيسى وعمر ورباح، وعمر بن محمد بن زيد، وسعد بن إبراهيم، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الإيمان) وأهله (ليأرز) ويجتمع (إلى المدينة) دار هجرته صلى الله عليه وسلم من مبدئه إلى يوم القيامة (كما تأرز) وتجتمع (الحية إلى جحرها) وحفرتها، قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبارٌ بما كان في عصره وعصر من يليه من أصحابه وتابعيهم من حيث إن المدينة دار هجرتهم ومقامهم ومقصدهم، وموضع رحلتهم في طلب العلم والدين، ومرجعهم فيما يحتاجون إليه من مهمات دينهم ووقائعهم، حتى لقد حصل للمدينة من الخصوصية بذلك ما لا يوجد في غيرها، وفيه حجة على صحة مذهب مالك في تمسكه بعمل أهل المدينة، وكونه حجة شرعية وقال أبو مصعب الزهري في معنى هذا الحديث: إنما المراد بالمدينة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل المدينة، وأنه تنبيه على صحة مذهبهم وسلامتهم من البدع المحدثات، واقتدائهم بالسنن، والإيمان مجتمع عندهم وعند من سلك سبيلهم اهـ من المفهم. وقال القاضي عياض: ومعنى الحديث الإخبار عما اختصت به المدينة في زمنه صلى الله عليه وسلم من كونها ملجأ المهاجرين ومقصد المتشوقين لرؤيته صلى الله عليه وسلم للتبرك به، والتعلم منه، وفي زمن الخلفاء لأخذ سيرة العدل منهم والاقتداء بجمهور الصحابة وفي زمن التابعين فمن بعدهم، لأخذ السنة والعلم عمَّن بها من أئمة الهدى، وسُرُج الوقت، وفي كل زمن إلى هلم جرًا لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والتبرك بآثاره التي لا يحمل عليه إلا صحة الإيمان وكمال المحبة انتهى. قال الحافظ: إنها كما تنتشر الحية من جحرها في طلب ما تعيش به فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها كذلك الإيمان انتشر من المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم فيشمل ذلك جميع الأزمنة من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا وما بعده إلى يوم القيامة اهـ. قلت: وفيما قلنا وفيما قاله القاضي رد على من يخصه بوقت خروج الدجال، وهو وإن جاء في الصحيح عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "ليس من بلد إلا سيطأ الدجال إلا مكة والمدينة ليس لها من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها) فلا يرد عموم هذا الحديث اهـ من هامش الإكمال. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 422) والبخاري (1876) وابن ماجه (3111) والله أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثًا واحدًا لا متابعة فيه. ***

76 - (35) باب: ذهاب الإيمان، ورفعه من الأرض في آخر الزمان

76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ 278 - (140) (63) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُقَال في الأرضِ: اللهُ، اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ وذلك بعد نزول عيسى - عليه السلام - وموته وقبض أرواح المؤمنين بالريح اليمانية. (278) - س (140) (63) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرين بابًا تقريبًا. قال زهير (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم الصفار، أبو عثمان البصري، ثقة ثبت من كبار العاشرة، مات سنة (220) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا، وليس في مسلم من اسمه "عفان" إلا هذا الثقة. قال عفان (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي أو القرشي مولاهم، أبو سلمة البصري ثقة عابد من أثبت الناس في ثابت، من كبار الثامنة، مات سنة (167) روى عنه المؤلف في (16) بابًا تقريبًا. قال حماد (أخبرنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم، أبو محمد البصري، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة (123) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا. (عن أنس) بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، أبي حمزة البصري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا. وهذا السند من خماسياته، رجاله أربعة منهم بصريون، وواحد نسائي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى) انقرض المؤمنون، وانقطع الإيمان فـ (ــلا يقال في الأرض) لا إله إلا (الله) لا إله إلا (الله) ولفظ الجلالة بالرفع مختصرة من كلمة التوحيد، وكرر للتأكيد، ويدل على ما قلنا رواية ابن أبي جعفر: "لا تقوم الساعة على أحد يقول لا إله إلا الله" قال القاضي: روايتنا عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجميع: "الله الله" ورواه ابن أبي جعفر: "لا إله إلا الله" قلت: هو تفسير لرواية: "اللهُ اللهُ" لأن ذكر الاسم لا ينقطع لعدم إنكار الصانع اهـ. قال القرطبي: قوله: (حتى لا يقال في الأرض الله الله) كذا صوابه بالنصب، وكذلك قيدناه عن محققي من لقيناه، ووجهه أن هذا مثل قول العرب: (الأسد الأسد) و (الجدار الجدار) إذا حذروا من الأسد المفترس والجدار المائل، فهو منصوب على التحذير بفعل محذوف وجوبًا لقيام التكرار مقامه، كأنهم قالوا: احذر الأسد واحذر الجدار المائل، والتحذير ضابطه هو تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه، ولكن نصب ما هنا على الإغراء نظير قول الشاعر: أخاك أخاك إن من لا أخًا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح والإغراء ضابطه هو تنبيه المخاطب على أمر محمود ليلزمه، والتقدير هنا الزم الله وطاعته، ويصح التحذير فيه أيضًا على تقدير احذر الله في عقابه، وقيده بعضهم بالرفع على الابتداء وحذف الخبر، أي الله هو المعبود وفيه بُعدٌ، والوجه الذي ذكرناه في حلنا هو الصواب لدلالة رواية ابن أبي جعفر عليه، ولا يعارض هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة" رواه مسلم (156) من حديث جابر رضي الله عنه، لأن هذه الطائفة يقاتلون الدجال، ويجتمعون بعيسى - عليه السلام -، ثم لا يزالون على ذلك إلى أن يقبضهم الله بالريح اليمانية التي لا تبقي مؤمنًا إلا قبضته، فيبقى شرار الخلق بعدهم ليس فيهم من يقول: الله الله يتهارجون تهارج الحُمر فعليهم تقوم الساعة، على ما يأتي في كتاب الفتن اهـ من المفهم بتصرف. أي فيجمع بينهما بأن التقدير في حديث جابر إلى قرب قيام الساعة، وهو وقت بعث الريح، لأن بعثها أحد الأشراط، وقرب وقت الشيء بمنزلة حضوره والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي المرقاة: ومن هذا الحديث يُعرف أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين، والعباد الصالحين، وعموم المؤمنين، وهو المراد بما قاله الطيبي رحمه الله تعالى معنى (حتى لا يقال) حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد، وإليه ينظر قوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ

279 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعَمْرٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَقُومُ الساعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللهُ، اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} يعني ما خلَقْتُه خلقًا باطلًا بغير حكمة، بل خلَقْتُه لأُذكر وأُعبد، فإذا لم يُذكر ولم يُعبد فبالحرِيِّ أن يُخرب وتقوم الساعة، راجع فتح الملهم (1/ 182). وهذا الحديث أعني حديث أنس بن مالك شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 107، 201، 259، 268) والترمذي (2208) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (279) - متا (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، أبو محمد الحافظ، ثقة من الحادية عشرة مات سنة (249) روى عنه في اثني عشر بابا، قال عبد (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ من التاسعة، مات سنة (211) روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة البصري، ثقة ثبت من السابعة، مات سنة (154) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون، وواحد صنعاني، وواحد كسي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر لحماد في رواية هذا الحديث عن ثابت، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة بين الروايتين، وبين الراويين، لأن الأول منهما صرح بالسماع، والثاني روى بالعنعنة. (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة على أحد يقول) لا إله إلا (الله) لا إله إلا (الله) بل تقوم على شرار الناس وحثالتهم، يتسافدون في الطريق، ويتناهقون نهيق الحمير، لا يعرفون الله ولا يذكرونه، هم كالأنعام بل هم أضل سبيلًا. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس، وذكر له متابعة واحدة. * * *

77 - (36) باب: جواز الإخفاء بالإيمان والأعمال إذا خاف من إظهارها فتنة

77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً 280 - (141) (64) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث الدالة على جواز إخفاء الإيمان إذا خاف من إظهاره فتنة، بأن كان بين الحربيين وخاف من إظهاره قتلهم أو تعذيبهم. وعلى جواز إخفاء الأعمال الصالحة كالصلاة والصيام، إذا خاف من إظهارها فتنة من الولاة والأمراء، كأن كان بين الأمراء الذين يُخرجون الصلاة من أوقاتها المحددة لها، وخاف من فتنتهم إذا صلاها في وقتها قبلهم، فيصليها في وقتها سرًّا ثم يعيدها معهم طلبًا للسلامة من فتنتهم. (280) - س (141) (64) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (235) (و) حدثنا أيضًا (محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. (و) حدثنا أيضًا (أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (248) روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا. وأتى بقوله (واللفظ لأبي كريب) تورعًا من الكذب على الأولين لأنهما إنما رويا معنى الحديث الآتي لا لفظه، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من التاسعة، مات سنة (195) روى عنه المؤلف في أربعة عشر بابًا تقريبًا. (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم الكوفي، ثقة حافظ قارئ ورع، من الخامسة مات سنة (148) روى عنه المؤلف في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا.

عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَال: كُنا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: "أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلامَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن شقيق) بن سلمة الأسدي، أبي وائل الكوفي، ثقة مخضرم، مات سنة (100) روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. (عن حذيفة) بن اليمان العبسي - بموحدة - أبي عبد الله الكوفي، حليف الأنصار، أحد السابقين إلى الإسلام، له مائة حديث، مات سنة (36) بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وهما الأعمش عن شقيق. (قال) حذيفة (كنا) معاشر الصحابة يومًا (مع النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ: ولعله كان ذلك يوم خروجهم إلى أحد أو غيرها، قال: ثم رأيت في شرح ابن التين الجزم بأن ذلك كان عند حفر الخندق، وحكى الداودي احتمال أن ذلك وقع لما كانوا بالحديبية، لأنه قد اختلف في عددهم، هل كانوا ألفًا وخمسمائة، أو ألفًا وأربعمائة اهـ من هامش الإكمال. (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحصوا) أي عدوا (لي كم) شخصًا (يلفظ الإسلام) أي يتكلم بكلمة الإسلام، وقوله: (أحصوا) بقطع الهمزة، من أحصى الرباعي، ومنه قوله تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا} أي اضبطوا لي بالعدد المعلوم جملة من ينطق بالإسلام، وقوله (كم يلفظ) كم هنا استفهامية بمعنى أي عدد في محل الرفع مبتدأ، ومميزها محذوف تقديره كم شخصًا، ويلفظ بفتح الياء وكسر الفاء من باب ضرب، خبر كم الاستفهامية، الإسلام مفعول يلفظ على إسقاط الجار، أي عُدوا لي جملة الأصحاب، وأخبروني جواب كم عدد من يتلفظ بكلمة الإسلام اليوم، وفي المفهم: وأصل اللفظ الرمي، ومنه لَفَظه البحرُ أي رماه وأكلت الثمرة ولفظت نواها أي رميته، ومعناه هنا: كم ينطق الإسلام، وفي رواية البخاري إثبات الباء، ولكنها بلفظ آخر، ولفظها: "اكتبوا لي من يلفظ بالإسلام فكتبنا" وفي هذه الرواية دلالة على مشروعية كتابة دواوين الجيش، وقد يتعين ذلك عند الاحتياج إلى تمييز من يصلح للمقاتلة ممن لا يصلح، وفي رواية النسائي وغيره: "أحصوا لي من كان يلفظ بالإسلام" وفي رواية أبي يعلى الموصلي: "أحصوا كل من تلفظ بالإسلام".

قَال: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، أَتَخَافُ عَلَينَا وَنَحنُ مَا بَينَ السِّتَّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ؟ قَال: "إِنكُمْ لا تَدْرُونَ، لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) حذيفة (فقلنا) معاشر الحاضرين للنبي صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أتخاف علينا) العدو لأجل قلة عددنا وعُددنا، بلى نحن كثيرو العدد متوفرو العُدد، فالهمزة للاستفهام الإنكاري (ونحن) الآن من حيث العدد (ما بين الستمائة) وما فوقها (إلى السبعمائة) أي عددنا الآن عدد مبدؤه ستمائة وما دونها، ونهايته سبعمائة وما فوقها، فلا نخاف من العدو، من أجل القلة، وفي هذه الرواية إدخال أل على المضاف، مع أنه ليس من مواضعه، إلا أن يقال إن الألف واللام هنا زائدتان، فلا اعتداد بدخولهما، ولفظ المائة مجرور في الموضعين بالإضافة ووقع في رواية غير مسلم ستمائة إلى سبعمائة، وهذا ظاهر لا إشكال فيه من جهة العربية. ووقع في رواية البخاري فكتبنا له ألفًا وخمسمائة فقلنا تخاف ونحن ألف وخمسمائة، وفي رواية أخرى للبخاري أيضًا فوجدناهم خمسمائة، فبين هذه الروايات معارضة من حيث العدد فيجمع بينها بحمل رواية ألف وخمسمائة على جملة من أسلم من رجال ونساء وصبيان وعبيد في المدينة وفي غيرها، وبحمل رواية ستمائة إلى وسبعمائة على جملة الرجال خاصة، وبحمل رواية خمسمائة على المقاتلين خاصة. ولكن هذا الجمع يُناقضه ما وقع في البخاري في كتاب السير في باب كتابة الإمام الناس قال فيه: "فكتبنا له ألف وخمسمائة رجل" بزيادة لفظ رجل، والجمع الصحيح بحمل رواية ألف وخمسمائة على جملة رجال المسلمين في المدينة وما حولها، وحمل رواية ما بين الستمائة إلى السبعمائة على رجال المدينة خاصة وحمل رواية ما بين الستمائة إلى السبعمائة على رجال المدينة خاصة وحمل رواية خمسمائة على المقاتلة خاصة، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ نواوي بتصرف. وجمع الداودي بينها بحملها على تعدد الواقعة في مواطن كثيرة اهـ من هامش الإكمال. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثقوا بكثرتكم ولا تتكلوا عليها فـ (ــإنكم لا تدرون) أي لا تعلمون ما سيقع لكم ويصيبكم من الفتن، ولا تنفعكم كثرة العدد والعُدد معها العلكم أن تبتلوا) وتصابوا بالفتن والبلايا، ولعل هنا للإشفاق وهو الخوف من المكروه أي أشفق وأخاف عليكم أن تصابوا بالفتن المانعة لكم من إظهار الإيمان

قَال: فَابْتُلِينَا، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلا سِرًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ كما وقع لضعفاء المسلمين في مكة قبل الهجرة، فإنهم يخفون إيمانهم خوفًا من إذاية المشركين وتعذيبهم على الإيمان، أو المانعة لكم من إظهار الصلاة مثلًا. (قال) حذيفة (فابتلينا) أي اختبرنا وأصبنا بالفتن التي لا تدفعها الكثرة منا (حتى جعل الرجل منا) معاشر الصحابة وصار (لا يصلي) صلاة الفريضة في وقتها المحدد (إلا سرًّا) وخُفية في بيته، قال القرطبي: يعني بذلك والله أعلم ما جرى لهم في أول الإسلام بمكة حين كان المشركون يؤذونهم ويمنعونهم من إظهار صلاتهم حتى كانوا يصلون سرًّا اهـ من المفهم. قال الأبي: وهذا بعيد من السياق، ومن اللفظ لعطفه بالفاء في قوله (فابتلينا) وفي فتح الملهم قول حذيفة: فابتلينا يشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة، حيث كان يؤخر الصلاة ولا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سرًّا، ثم يصلي معه خشية وقوع الفتنة اهـ منه (1/ 183). قال النواوي فلعل ذلك كان في بعض الفتن التي جرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكان بعضهم يخفي نفسه ويصلي سرًّا مخافة من الظهور والمشاركة في الدخول في الفتنة والحروب والله أعلم اهـ. قال الأبى: ولعله قاله بعد وفاته صلى الله عليه وسلم حكاية عما اتفق لهم وهم في مكة، وإلا فأين وقع ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم اهـ والله أعلم. وهذا الحديث أعني حديث حذيفة رواه أحمد (5/ 384) والبخاري (3060) وابن ماجه (4029). ***

78 - (37) باب: إعطاء من يخاف على إيمانه والنهي عن الجزم بإيمان أحد من غير دليل قاطع عليه

78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ 281 - (142) (65) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث الدالة على مشروعية إعطاء المال أولًا لمن يُخاف على إيمانه بالارتداد إن لم يعط لها، والدالة على النهي عن قطع إيمان من لم يُعلم إيمانه بنص قاطع لأن الإيمان من أعمال القلب لا يطلع عليه أحد غير الله سبحانه وتعالى. (281) - س (142) (65) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني، أبو عبد الله المكي قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، مات سنة (243) روى عنه المؤلف في أحد عشر بابًا تقريبًا. قال ابن أبي عمر (حدثنا سفيان) بن عيينة بن أبي عمران، ميمون الهلالي مولاهم أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي، أحد الأئمة الأعلام، ثقة حافظ فقيه إمام حجة، وكان ربما يدلس لكن عن الثقات من الثامنة، مات في رجب سنة (198) وله (91) سنة روى عنه المؤلف في (25) بابًا تقريبًا. (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي (الزهري) أبي بكر المدني، أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام، ثقة حافظ متقن من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في (23) بابًا تقريبًا. (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة من الثالثة، مات سنة (104) روى عنه المؤلف في (9) أبواب تقريبًا. (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب، ويقال أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، أبو إسحاق المدني، أحد العشرة المبشرة وآخرهم موتًا، وأحد الستة أصحاب الشورى، له مائتا حديث وخمسة عشر حديثًا روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا.

قَال: "قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسْمًا، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْطِ فُلانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِنْ. فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ مُسْلِمٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان مكيان، وفيه رواية ولد عن والده، ورواية تابعي عن تابعي. قال المازري: اعترض الدارقطني والحميدي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهم على الإمام مسلم رحمهم الله تعالى بأن المحفوظ عند غيره رواية سفيان عن معمر عن الزهري، فكيف يرويه عن سفيان عن الزهري بإسقاط معمر مع أن سفيان مدلس، وأجيب عنه باحتمال أن سفيان سمع هذا الحديث من الزهري مرة بلا واسطة، وسمعه من معمر عن الزهري مرة أخرى فرواه على الوجهين، فلا يقدح أحدهما في الآخر، ولكن انضمت أمور اقتضت ما ذكروه منها: أن سفيان مدلس، وقد قال عن، ومنها: أن أكثر أصحابه رووه عن معمر عن الزهري فيجاب عنها بأن مسلمًا لا يروي عن مدلس قال عن إلا إن ثبت عنده سماعه ممن عنعن عنه، وبالجملة فهذا الكلام في الإسناد لا يؤثر في المتن، فالمتن صحيح على كل تقدير متصل والله أعلم. (قال) سعد (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا وقوله (قسمًا) مفعول مطلق مؤكد لعامله أي فرق تفرقة مالًا من أموال الله بين المستحقين من ضعفاء الإيمان، وترك واحدًا منهم بلا عطاء له، قال سعد (فقلت: يا رسول الله) مالك أعرضت عن فلان بلا إعطاء له، بل (أعط فلانًا) مثل الناس (فإنه) أي فإن فلانًا الذي أعرضت عنه وتركت الإعطاء له (مؤمن) أي مصدق بالله ورسوله، وفي قول سعد هذا جواز تنبيه الإمام على أمر ديني، وتكريره ذلك لجزمه بإيمان الرجل (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لسعد قل إنه مؤمن (أو مسلم) بسكون الواو، أي منقاد للأحكام الشرعية الظاهرية فلا تجزم بإيمانه، قال القاضي: ولما كان الإيمان عمل قلب لا يطلع عليه البشر رد على سعد جزمه بإيمان الرجل بقوله (أو مسلم) أي قل إنه مؤمن أو مسلم، لأن الإسلام هو الذي يمكن أن يعلم، فأو للتنويع أو للشك، فمن فتح الواو فقد أخطا وأحال معنى الحديث لأن الفتح يُصير الهمزة للاستفهام، وليس المعنى عليه وإنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم الرد على سعد جزمه بإيمان الرجل مع أنه لا يطلع عليه. وعبارة المفهم هنا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد استفهامه وإنما أشار له

أَقُولُهَا ثَلاثًا. ويرَدِّدُهَا عَلَيَّ ثَلاثًا "أوْ مُسْلِمٌ"، ثُم قَال: إِني لأُعطِي الرَّجُلَ وَغَيرُهُ أحَبُّ إِليَّ مِنْهُ، مَخَافَةَ أنْ يَكُبَّهُ اللهُ في النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى القسم الآخر المختص بالظاهر الذي يمكن أن يُدرك، فجاء بأو التي للتقسيم والتنويع اهـ. قال الأبي: فإن قلت: قد يشكل كونها للشك أو للتنويع لأنه لا يستقيم معه الرد لأن الحديث دل على أن الرجل يستحق الإعطاء، ومنع من إعطائه استئلاف غيره، وهو إنما يستحق الإعطاء إذا كان مؤمنًا. قلت: الرد على سعد إنما هو بجزمه بما لا يعلم لا من جهة حال الرجل، وما ذكره صاحب التحرير إنه كان كافرًا لا يصح اهـ. قال سعد (أقولها) أي أقول كلمة: يا رسول الله أعط فلانًا فإنه مؤمن (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (ويرددها) أي يكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم رد كلماتي (علي ثلاثًا) أي ثلاث مرات بقوله: قل فإنه مؤمن (أو مسلم ثم) بعد ردها عليَّ ثلاث مرات (قال) بيانًا لحكمة إعراضه عن الرجل وحرمانه من العطاء (إني لأعطي الرجل) الضعيف الإيمان استثلافًا له على إيمانه (وغيره) أي والحال أن غير ذلك الضعيف (أحب إلي) وأعجب عندي لقوة إيمانه (منه) أي من ذلك الضعيف الذي أعطيته (مخافة أن يكبه الله) سبحانه ويسقطه (في النار) الأخروية بسبب ارتداده أو سوء الظن بي وقوله مخافة مفعول لأجله لقوله لأعطي الرجل والضمير في يكبه يعود على الرجل المعطى أي أستئلف قلبه بالإعطاء مخافة كفره إذا لم يعط. وقوله (أن يكبه الله) هو بفتح الياء وضم الكاف من كب الثلاثي إذ هو المتعدي، أما الرباعي منه فهو قاصر، وذلك عكس ما اشتهر في الأفعال من كون الفعل اللازم بغير همزة فيُعدَّى بالهمزة، ولم يأت في لسان العرب فعل ثلاثيه متعد، ورباعيه غير متعد إلا كلمات قليلة وهي: كب وقشع ونسل ونزف ومري ونشق، يقال: أكب الرجل وكببته، وأقشع الغيم وقشعته الريح، وأنسل ريش الطائر ووبر البعير ونسلته، وأنزفت البئر قل ماؤها ونزفتها، وأَمْرَتِ الناقة در لبنها ومريتها، وأنشق البعير رفع رأسه ونشقته اهـ من الأبي. والحديث أصح دليل على صحة الفرق بين حقيقتي الإيمان والإسلام، وأن الإيمان

282 - (00) (00) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ؛ قَال: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقاصٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أعمال الباطن، وأن الإسلام من أعمال الجوارح الظاهرة، وفيه رد على غلاة المرجئة والكرامية حيث حكموا بصحة الإيمان لمن نطق بالشهادتين وإن لم يعتقد بقلبه، وهو قول باطل قطعًا، لأنه تسويغ للنفاق، وفيه حجة لمن يقول: (أنا مؤمن) بغير استثناء وتقييد بالمشيئة، وهي مسألة اختلف السلف فيها، فمنهم المجيز والمانع، وسبب الخلاف النظر إلى الحال أو إلى المآل، فمن منع خاف من حصول شك في الحال أو تزكية، ومن أجاز صرف الاستثناء إلى الاستقبال وهو غيب في الحال إذ لا يدري بما يُختم له به والصواب الجواز إذا أمن الشك والتزكية فإنه تفويض إلى الله تعالى اهـ من المفهم. وهذا الحديث أعني حديث سعد بن أبي وقاص شارك المؤلف في روايته أحمد (1/ 182) والبخاري (1478) وأبو داود (683) و (4684) و (4685) والنسائي (8/ 103، 104) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد رضي الله تعالى عنه فقال: (282) - متا (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة ثبت من العاشرة، مات سنة (234) روى عنه المؤلف في (25) بابًا تقريبًا. قال زهير (حدثنا يعقوب بن (براهيم) بن سعد الزهري، أبو يوسف المدني، ثقة فاضل من صغار التاسعة، مات سنة (208) روى عنه المؤلف في (4) أبواب تقريبًا. قال يعقوب (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله القرشي الزهري، أبو عبيد الله المدني (ابن أخي ابن شهاب) صدوق له أوهام من السادسة، مات سنة (152) روى عنه المؤلف في (3) أبواب تقريبًا. (عن عمه) محمد بن مسلم بن عبيد الله القرشي الزهري، أبي بكر المدني، ثقة متقن من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في ثلاثة وعشرين بابًا تقريبًا. (قال) الزهري (أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني من الثالثة (عن أبيه سعد) بن أبي وقاص، مالك بن أهيب الزهري المدني، أحد العشرة المبشرة.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى رَهْطًا، وَسَعْدٌ جَالِسْ فِيهِمْ. قَال سَعْدٌ: فَتَرَكَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لكَ عَنْ فُلانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ مُسْلِمًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم مدنيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أخي ابن شهاب لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، لأن المتابع صدوق فلا يصلح لتقوية المتابع، لأنه ثقة ثبت وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطًا) أي جماعة من المؤلفة شيئًا من مال الله تعالى، والرهط في الأصل الجماعة دون العشرة (وسعد) أي والحال أن سعد بن أبي وقاص (جالس فيهم) أي في أولئك الرهط، قال عامر بن سعد (قال) أبي (سعد) بن أبي وقاص (فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم) أي من أولئك الرهط (من لم يعطه) أي رجلًا واحدًا لم يعطه من ذلك العطاء (وهو) أي والحال أن ذلك الرجل المتروك (أعجبهم) أي أعجب أولئك الرهط (إليّ) وأحبهم عندي لقوة إيمانه، وأفضلهم وأصلحهم في اعتقادي، قال سعد (فقلت: يا رسول الله) (ما لك) ما استفهامية في محل الرفع مبتدأ، والجار والمجرور خبره، أي أيُّ شيء ثبت حتى أعرضت (عن فلان) وتركته عن العطاء (فوالله) أي فأقسمت لك بالله الذي لا إله غيره (إني لأراه) أي لأعلم ذلك المتروك (مؤمنًا) بالله ورسوله ومصدقًا بهما قال النواوي: هو بفتح الهمزة من (لأراه) أي لأعلمه ولا يجوز ضمها، فإنه قال غلبني ما أعلم منه، ولأنه راجع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، ولو لم يكن جازمًا باعتقاده لما كرر المراجعة اهـ. وقال في المفهم: الرواية بضم الهمزة بمعنى أظنه وهو من سعد حلف على ما ظنه فكانت هذه اليمين لاغية، ولذلك لم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمره بكفارة عنها، فكان فيه دليل على جواز الحلف على الظن، وأنها هي اللاغية، وهو قول مالك والجمهور اهـ. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لسعد قل لأعلمه مؤمنًا (أو مسلمًا) بأو التي

قَال: فَسَكَت قَلِيلًا. ثُم غَلَبَنِي مَا أَعلَمُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لكَ عَنْ فُلانٍ. فَوَاللهِ إِني لأرَاهُ مُؤمِنًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَو مُسْلِمًا" قَال: فَسَكَت قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا عَلِمْتُ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لكَ عَنْ فُلانِ، فَوَاللهِ إِني لأرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ مُسْلِمًا: إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيرُهُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ في النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ للتقسيم والتنويع عطفًا على مؤمنًا، وفيه دلالة على النهي عن الجزم بإيمان أحد بغير نص قاطع، وفيه دلالة على الجزء الأخير من الترجمة (قال) سعد (فسكت) عن المراجعة إليه (قليلًا) أي زمنًا قليلًا أو سكوتًا يسيرًا عرفًا (ثم) بعد سكوتي قليلًا (غلبني) وأزعجني وحثني على المراجعة (ما أعلم) وأعتقد (منه) أي من ذلك المتروك من صلاحه (فقلت) ثانيًا (يا رسول الله ما لك) أعرضت (عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسلمًا، فسكت قليلًا ثم غلبني ما علمت منه) من صلاحه عبر هنا بصيغة الماضي إشعارًا بتحقق اعتقاده فيه (فقلت) ثالثًا (يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أر مسلمًا إني لأعطي الرجل) من المسلمين (وغيره) أي والحال أن غيره (أحب إلي) وأفضل عندي (منه) أي من ذلك المعطى لصلاحه (خشية أن يكب) ويسقط ذلك المعطى (في النار على وجهه) إن لم يُعطَ لارتداده عن الإسلام بذلك الحرمان. وفي الإكمال: وليس مقال سعد مناقضًا للنبي، لكن لما قطع سعد على إيمانه قال له النبي صلى الله عليه وسلم وحثه لأن يقول "أو مسلمًا" مع قوله: "إني لأراه مؤمنًا" بمعنى أن هذه اللفظة التي تطلق على الظاهر أولى في الاستعمال إذ السرائر مخفية لا يعلمها إلا الله، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم في أمته على الظاهر. قال النواوي: وأما فقه هذا الحديث ومعانيه ففيه الفرق بين حقيقة الإسلام والإيمان، وفي هذه المسألة خلاف وكلام طويل، وقد تقدم بيان هذه المسألة وإيضاح شرحها في أول كتاب الإيمان، وفيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم: إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب، خلافًا للكرامية وغلاة المرجئة في قولهم يكفي الإقرار، وهذا خطأ ظاهر يرده إجماع المسلمين، والنصوص في إكفار المنافقين، وهذه صفتهم، وفيه الشفاعة إلى ولاة الأمور فيما ليس بمحرم، وفيه مراجعة

283 - (00) (00) (حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي، وَعَبْدُ بن حُمَيدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَال: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعدٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسؤول في الأمر الواحد، وفيه تنبيه المفضول الفاضل على ما يراه مصلحة، وفيه أن الفاضل لا يقبل ما يشار عليه به مطلقًا، بل يتأمله فإن لم تظهر له مصلحة فيه لم يعمل به، وفيه الأمر بالتثبت وترك القطع بما لا يعلم القطع فيه، وفيه أن الإمام يصرف المال في مصالح المسلمين الأهم منها فالأهم، وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرة المبشرة وأشباههم، وهذا مجمع عليه عند أهل السنة، وفيه جواز الحلف على الأمر المظنون تأكيدًا للكلام، وأنه لا كفارة فيها لأنها من لغو اليمين عند المالكية، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه فقال: (283) - متا (00) (00) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد الهذلي (الحلواني) أبو علي المكي ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (242) روى عنه المؤلف في (8) أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (عبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (249) روى عنه المؤلف في (12) بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (قالا) أي قال كل من الحسن وعبد بن حميد (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو يوسف الزهري المدني، وأتى بهو في قوله (وهو ابن إبراهيم بن سعد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته، وإيضاحًا للراوي، قال يعقوب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، ثقة حجة من الثامنة، مات سنة (183) روى عنه المؤلف في (14) بابًا تقريبًا. (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم، أبي الحارث المدني، ثقة ثبت فقيه من الرابعة مات سنة (140) روى عنه المؤلف في (5) أبواب تقريبًا. (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) الزهري، ثقة من الرابعة (قال) ابن شهاب (حدثني عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني (عن أبيه سعد)

أَنَّهُ قَال: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ. وَزَادَ: فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَارَرْتُهُ. فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلانٍ. 284 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِي، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمدٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أبي وقاص الزهري المدني، وهذا السند من سباعياته، رجاله ستة منهم مدنيون، وواحد إما مكي أو كسي، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهم صالح وابن شهاب وعامر، وفيه أيضًا رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن صالحًا أكبر من الزهري وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة صالح بن كيسان لابن أخي ابن شهاب في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن ابن أخي ابن شهاب صدوق له أوهام فقواه بصالح بن كيسان لأنه ثقة ثبت (أنه) أي أن سعد بن أبي وقاص (قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطًا) أي جماعة من المؤلفة قلوبهم شيئًا من مال الله تعالى (وأنا) أي والحال أني (جالس فيهم) أي بينهم، وساق صالح بن كيسان باقي الحديث (بمثل حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه) محمد بن شهاب (وزاد) صالح بن كيسان في روايته على ابن أخي ابن شهاب لفظة (فقمت) فساررته أي قال سعد: فقصت ناهضًا (إلى رسول الله) صلى الله عليه وسلم (فساررته) صلى الله عليه وسلم أي كلمته سرًّا (فقلت) له في مساررتي إياه (ما لك) يا رسول الله أعرضت (عن فلان) إلى آخر الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد رضي الله تعالى عنه فقال: (284) - متا (00) (00) (وحدثنا الحسن) بن علي (الحلواني) المكي قال الحسن (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد الزهري المدني، قال يعقوب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم المدني (عن إسماعيل بن محمد) بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري، أبي محمد المدني، روى عن أبيه محمد بن سعد في الإيمان والزكاة، وحمزة بن المغيرة في الصلاة، وعامر بن سعد في الصلاة والجنائز والحج، وحُميد بن

قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ هذَا. فَقَال في حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ بَينَ عُنُقِي وَكَتِفِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن عوف في الحج، ويروي عنه (خ م د ت س) وصالح بن كيسان والزهري ومالك وابن عيينة وعبد الله بن جعفر المخرمي وابن جريج وغيرهم، وثقه ابن معين والعِجلي (¬1) وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة حجة من الرابعة، مات سنة (134) أربع وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا. (قال) إسماعيل (سمعت) أبي (محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري، أبا القاسم المدني، أحد الثقات، نزيل الكوفة، كان يلقب ظل الشيطان لقصره، روى عن أبيه سعد بن أبي وقاص في الإيمان والصوم وفضائل عمر والوصايا، وعثمان بن عفان، ويروي عنه (خ م ت س ق) وابناه إبراهيم وإسماعيل، وأبو إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن أبي خالد، قال حُميد الحميري عن ثلاثة من ولد سعد في الوصايا، ويروي عنه أيضًا يونس بن جبير، وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد، قتله الحجاج بعد الجماجم بعد الثمانين، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث ليست بالكثيرة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة. حالة كون محمد (يحدث هذا) الحديث السابق عن أبيه سعد بن أبي وقاص الصحابي الجليل، وهذا السند أيضًا من سباعياته، رجاله كلهم مدنيون إلا الحسن الحلواني فإنه مكي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي، وهو صالح بن كيسان عن غير تابعي وهو إسماعيل بن محمد فإنه من أتباع التابعين، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن سعد لأخيه عامر بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبيهما سعد بن أبي وقاص، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع بيان الزيادة الآتية وهي قوله (فقال) محمد بن سعد أي ولكن زاد محمد بن سعد على عامر (في حديثه) أي في روايته عن أبيه سعد بن أبي وقاص، وقال: قال أبي سعد (فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة أي بكفه الكريمة (بين عنقي وكتفي) أي في رقبتي والعنق بضمتين يجمع على ¬

_ (¬1) هو عبد الغافر بن محمد الفارسي، أبو الحسين، ثقة صالح، من رواة صحيح مسلم، توفي سنة (448 هـ). اهـ سير أعلام النبلاء.

ثُمَّ قَال: "أَقِتَالًا؟ أَي سَعدُ، إِنِّي لأُعطِي الرَّجُلَ ... " ـــــــــــــــــــــــــــــ أعناق، القصبة التي هي مركز الرأس والكتف، مفصل بين فقار الظهر وعظم العضد وما بينهما يُسمى بالرقبة (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقتالًا أي سعد) الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري وقتالًا مصدر حذف فعله لدلالته عليه، ومعنى القتال هنا المدافعة والمكابرة كما في حديث رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما في المار بين يدي المصلي: "فإن أبي فليقاتلها أي فليدفعه ويمنعه من المرور، قال القاضي: لما لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيهه، وأخذ سعد يكرره شبه تكريره بالمدافعة، والمدافعة يُعبر عنها بالمقاتلة كما في الحديث المذكور، وكلمة أي في قوله: أي سعد حرف نداء لنداء القريب، والمعنى أتريد يا سعد مقاتلة ومدافعة لقسمي بينهم على ما أريد، ورده إلى ما تريد، وانتبه لحكمة قسمي هكذا فـ (إني لأعطي الرجل) وغيره أحب إلي ... " إلى آخر الحديث، وفي بعض النسخ زيادة (وذكر نحوه) أي وذكر محمد بن سعد عن أبيه نحوه، أي نحو ما ذكر عامر بن سعد عن أبيه لا مثله، والنحو كما قد عرفت، عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وذكر له ثلاث متابعات. * * *

79 - (38) باب: السؤال عن تظاهر الأدلة لطلب زيادة الإيمان وطمأنينة القلب

79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ 285 - (143) (66) وَحدَّثني حَرمَلَةُ بن يَحْيَى، أَخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ، اخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَن أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ أي هذا باب معقود في بيان مشروعية سؤال العبد لربه وطلبه منه إظهار الأدلة الواضحة الدالة على عظيم قدرته، وبديع صنعه لطلب زيادة إيمانه ويقينه بربه، على ما حصل له أولًا، وطلب زيادة طمأنينة قلبه وثباته على الإيمان على ما حصل له أولًا، والمراد بطلب زيادة اليقين والإيمان طلب الترقي من علم اليقين الحاصل بالاستدلال، إلى عين اليقين الحاصل بالمشاهدة، فإن بين العلمين تفاوتًا، فإن علم الاستدلال قد تتطرق إليه الشكوك في الجملة بخلاف المعاينة، فإنه ضروري لا تتطرق إليه الشكوك. (285) - س (143) (66) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي، أبو حفص المصري تلميذ الشافعي، صدوق من الحادية عشرة، مات سنة (244) روى عن ابن وهب في مواضع كثيرة في مسلم، قال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد من التاسعة، مات سنة (197) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا. قال ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، أبو يزيد الأموي مولاهم، مولى معاوية بن أبي سفيان، قال في التقريب: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلًا وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة (159) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا. (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة من الرابعة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في (23) بابًا تقريبًا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه كثير الحديث، من الثالثة مات سنة (94) روى عنه المؤلف في (14) بابًا تقريبًا.

وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وسعيد بن المسيّب) بفتح الياء على المشهور الذي قاله الجمهور، ومنهم من يكسرها، وهو قول أهل المدينة، قال ابن خلكان: روي عن ابنه سعيد أنَّه كان يكسرها ويقول: سيب الله من يُسيِّب أبي، بن حزن بوزن سهل القُرشيّ المخزومي، أبي محمَّد المدنِيُّ الأعور، سيد التابعين، ما أحد أوسع علمًا منه في التابعين، ولد سنة (15) ومات سنة (94) ثِقَة ثبت من كبار الثَّانية، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ، وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، واثنان مصريان، وواحد أيلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن) معاشر الأنبياء (أحق) وأولى وأحرى (بالشك) أي بتطرق الشك في الإيمان لو فُرض وقُدر في إيمان الأنبياء (من إبراهيم) الخليل صلى الله عليه وسلم، ولا يتطرق الشك في إيمان سائر الأنبياء عليهم السلام، فضلًا عن إبراهيم الذي هو خليل الرَّحْمَن، فليس سؤاله إراءة الإحياء للشك في قدرة الله تعالى على الإحياء، بل طلبًا لطمأنينة القلب، وزيادة الإيمان, والمعنى أن الشك مستحيل في حق إبراهيم، فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقًا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم - عليه السلام - لم يشك، وإنما خص إبراهيم بالذكر من بين الأنبياء لكون الآية قد يسبق منها إلى بعض الأذهان الفاسدة احتمال شك إبراهيم - عليه السلام -، وإنما رجح إبراهيم على نفسه تواضعًا وأدبًا، أو قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم أنَّه خير ولد آدم، قال صاحب التحرير: قال جماعة من العلماء: لما نزل قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قالت طائفة من المسلمين شك إبراهيم ولم يشك نبينا، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك منه. ثم قال: ويقع لي فيه معنيان أحدهما: أنَّه خرج مخرج العادة في الخطاب، فإن من أراد المدافعة عن إنسان، قال للمتكلم فيه: ما كنت قائلًا لفلان أو فاعلًا من مكروه فقله لي، وافعله معي، ومقصوده لا تقل ذلك فيه. وثانيهما: أن معناه أن هذا الذي تظنونه شكًا أنا أولى به، فإنَّه ليس بشك وإنما هو

إِذْ قَال: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] قَال: "وَيَرْحَمُ الله لُوطًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ طلب لمزيد اليقين، وقيل غير هذا من الأقوال، ولكن اقتصرنا على ما ذكرناه لكونه أصحها وأوضحها والله أعلم اهـ نووي. والظرف في قوله (إذ قال) متعلق بمحذوف حال من الشك تقديره: نحن أحق بالشك من إبراهيم، حال كون الشك مظنونًا منه وقت قوله ({رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} أي وقت طلبه من ربه إراءة كيفية إحياء الموتى، حين قال: {رَبِّ أَرِنِي} .. إلخ سأله عن إراءة كيفية إحياء الموتى مع إيمانه الجازم بالقدرة الربانية، فكان يريد أن يعلم بالعيان ما كان يوقن به بالوجدان. قال الحسن والضَّحَاك وقتادة وعطاء وابن جريج: سبب سؤاله أنَّه رأى جيفة مطروحة في شط البحر، وقد توزعها دواب البحر والبر، فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت منها، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت، فلما رأى إبراهيم ذلك تعجب منها وقال: يَا رب إنِّي قد علمت أنك لتجمعها من بطون السباع وحواصل الطيور وأجواف الدواب، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك فأزداد يقينًا، فعاتبه الله تعالى على ذلك حيث ({قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}) أي أتسألني عن ذلك ولم توقن وتصدق بقدرتي على الإحياء، قال العلماء: والهمزة فيه همزة استثبات كقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا ({قَال} إبراهيم ({بَلَى}) يَا رب آمنت وصدقت أنك قادر على الإحياء، وليس سؤالي لعدم إيماني بذلك ({وَلَكِنْ}) سألتك عن ذلك ({لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) أي ليوقن قلبي ويزداد طمأنينة وبصيرة بمضامة العيان إلى الاستدلال، أو سألتك لتسكن حرارة قلبي وأعلم بأني خليلك مجاب الدعوة، والمطلوب من السؤال أن يصير العلم بالاستدلال ضروريًا بالعيان. (فإن قلت): كيف قال: أو لم تؤمن وقد علم أنَّه أثبت النَّاس إيمانًا؟ (قلتُ): ليجيب بما أجابه به، لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين. وقصة إبراهيم هذه هي موضع الترجمة، وذكر ما بعدها لإتمام الحديث، قوله (قال ويرحم الله لوطًا) معطوف بعاطف مقدر على قال الأول، أي وقال رسول الله صلى الله

لَقَدْ كَانَ يَأْوي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ في السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم أَيضًا في شأن لوط بن هاران، ويرحم الله أي يكرم الله سبحانه وتعالى لوطًا برحمته وإحسانه وكرامته، والله (لقد كان) لوط (يأوي) ويلتجئ من إذاية قومه (إلى ركن) وملجأٍ (شديد) أي قويٍ وحصنٍ حصينٍ مانعٍ حافظٍ من إذاية العدو. قال النواوي: فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى، فإنَّه أشد الأركان وأقواها وأمنعها، ومعنى الحديث والله أعلم: أن لوطًا - عليه السلام - لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه، واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه، فقال في ذلك الحال: لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي، أو آوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط - عليه السلام - إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريقٍ ما لفعله، وأنه بذل وسعه في إكرامهم والمدافعة عنهم، ولم يكن ذلك إعراضًا منه - عليه السلام - عن الاعتماد على الله تعالى، وإنما كان لما ذكرناه من تطييب قلوب الأضياف، ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى، وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر، والله تعالى أعلم. وقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَيضًا في شأن يوسف بن يعقوب عليهما السلام (ولو لبثت) ومكثت (في السجن) والمحبس (طول لبث يوسف) - عليه السلام - أي لبثًا كاللبث الطَّويل الذي لبثه يوسف فيه لأنه لبث فيه سبع سنين (لأجبت الداعي) لي إلى الخروج منه وما تأنيت- ويوسف فيه ست لغات: ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه- وهذا ثناء على يوسف - عليه السلام - وبيان لصبره وتأنيه، والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه وتعالى أنَّه قال: {ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَال ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ}، فلم يخرج يوسف - عليه السلام - مبادرًا إلى الراحة، ومفارقة السجن الطَّويل، بل تثبت وتوقر وراسل الملك في كشف أمره الذي سُجن بسببه لتظهر براءته عند الملك وغيره، ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه، ولا خجل من يوسف ولا غيره فبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة يوسف في هذا، وقوة نفسه في الخير، وكمال صبره وحسن نظره، وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

286 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي بِهِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن نفسه ما قاله تواضعًا وإيثارًا للإبلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف - عليه السلام - والله أعلم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب التفسير، وابن ماجه في الفتن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (286) - متا (00) (00) (وحدثني به) أي بهذا الحديث المذكور، وجملة قوله (إن شاء الله) سبحانه وتعالى معترضة بين الفعل والفاعل جاء بها للتبرك لا للشك، وقد اعترض بها على مسلم من لا علم عنده ولا خبرة لديه فقال كيف يحتج مسلم بشيء يشك فيه، وهذا الاعتراض خيال باطل من قائله، فإن مسلمًا رحمه الله تعالى لم يحتج بهذا الإسناد، وإنما ذكره متابعة واستشهادًا للسند الأول، وقد قدمنا أنهم يحتمل عندهم في المتابعات والشواهد ما لا يحتمل في الأصول والله أعلم اهـ نووي. أي وحدثني (عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق، إن شاء الله تعالى تحديثه إياي ما سيأتي (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى بني ضبيعة، أبو عبد الرحمن البصري، ابن أخي جويرية بن أسماء، ثقة من العاشرة، مات سنة (231) روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء وغيرهما، قال عبد الله بن محمد (حدثنا جويرية) مصغرًا ابن أسماء بن عبيد الضبعي أبو المخارق البصري، روى عن مالك في الإيمان، والصلاة، والزكاة، والنكاح، والجهاد وذكر الأنبياء، ونافع في الجهاد، وذكر الجن، وفضل عمر، ويروي عنه (خ م دس ق) وابن أخيه عبد الله بن محمد وابن أخته سعيد بن عامر، وقال في التقريب: صدوق من السابعة، مات سنة (173) ثلاث وسبعين ومائة، وليس في مسلم جويرية إلا هذا (عن مالك) بن أنس بن مالك الأصبحي، أبي عبد الله المدني، إمام دار الهجرة، قال الشافعي: مالك حجة الله تعالى على خلقه، وقال ابن مهدي: ما رأيت أحدًا أتم عقلًا ولا أشد تقوى من مالك، ثقة حجة فقيه، من السابعة مات سنة (179) وله (90) سنة، روى عنه المؤلف في (17) بابا (عن) محمد بن مسلم

الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] قَال: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيةَ حَتى جَازَهَا. 287 - (00) (00) حدثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الزُّهْرِيّ) المدنِيُّ (أن سعيد بن المسيّب وأبا عبيد) بضم العين مصغرًا، بلا تاء تأنيث، مولى عبد الرَّحْمَن بن أزهر القُرشيّ الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، كان من فقهاء أهل المدينة ومتقنيهم، روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصوم، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في الضحايا، ويروي عنه (ع) والزهري وسعيد بن خالد، وقال في التقريب: ثِقَة من الثَّانية، مات سنة (98) (أخبراه) أي أخبرا وحدثا للزهري (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون، واثنان بصريان، ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه ثلاث من الأتباع: مالك والزهري وسعيد بن المسيّب، وغرضه بسوقه بيان متابعة مالك بن أنس ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزُّهْرِيّ، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول. والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث يونس عن الزُّهْرِيّ) متعلق بما عمل في المتابع، أي حَدَّثَنَا مالك عن الزُّهْرِيّ بمثل ما حدث يونس عن الزُّهْرِيّ، وقوله (وفي حديث مالك) استثناء من المماثلة، أي ولكن في رواية مالك ({وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) بلا ذكر لفظة بلى، وبزيادة قوله (قال) أبو هريرة (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه الآية) أي آية قصة إبراهيم (حتَّى جازها) أي حتَّى جاوزها وفرغ منها بقوله: {قَال فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (287) - متا (00) (00) (حدثناه) أي حَدَّثَنَا الحديث المذكور، يعني حديث أبي هريرة (عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثِقَة من الحادية عشرة، مات سنة (249) روى عنه المؤلف في (12) بابًا تقريبًا.

قَال: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. كَرِوَايَةِ مالكٍ بِإِسْنَادِهِ. وَقَال: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيةَ حَتَّى أَنْجَزَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عبد بن حميد (حَدَّثني يعقوب) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن إبراهيم بن سعد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته، القُرشيّ الزُّهْرِيّ، أبو يوسف المدنِيُّ، ثِقَة من التاسعة، مات سنة (208) روى عنه المؤلف في (4) أبواب تقريبًا. قال يعقوب (حَدَّثَنَا أبو أويس) عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدنِيُّ، ووالد إسماعيل بن أبي أويس حليف بني تميم من قريش، روى عن الزُّهْرِيّ في الإيمان, والعلاء في الصلاة، ويروي عنه (م عم) ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، والنضر بن محمَّد، وابناه إسماعيل وأبو بكر عبد الحميد، ومنصور بن أبي مزاحم، وثقه أَحْمد، قال الرشيد: أبو أويس أخرج له في (م) في المتابعات ولم يحتج به، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة مات سنة (167) سبع وستين ومائة، روى عنه المؤلف في بابين. (عن) محمَّد بن مسلم بن شهاب (الزُّهْرِيّ) أن سعيد بن المسيّب، وأبا عبيد أخبراه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكاف في قوله (كرواية مالك) في محل النصب اسم بمعنى مثل مفعول ثان لحدثنا أبو أويس، والتقدير حَدَّثَنَا أبو أويس عن الزُّهْرِيّ مثل رواية مالك، وحديثه (بإسناده) أي بإسناد مالك (و) لكن (قال) أبو أويس في روايته (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه الآية حتَّى أنجزها) أي حتَّى أتمها، بدل رواية مالك حتَّى جازها، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين: رواية مالك ورواية أبي أويس. وهذا السند من سداسياته، رجاله خمسة منهم مدنيون، وواحد كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي أويس لمالك في رواية هذا الحديث عن الزُّهْرِيّ، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه, لأن أَبا أويس صدوق يهم، ومالك من أوثق النَّاس فلا يصلح أبو أويس لتقوية مالك، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث أبي هريرة، وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

80 - (39) - باب: وجوب الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم جميع الناس وكونه أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة

80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ 288 - (144) (67) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي تدل على شمول رسالته صلى الله عليه وسلم جميع النَّاس عربًا وعجمًا كتابيًا ومشركًا وجاهليًا وعلى وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم على كل منهم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} وأما غيره صلى الله عليه وسلم من سائر الأنبياء فإنما أرسل إلى قومه فقط، كما يدل عليه الحديث الثاني في الباب، وبيان الأحاديث الدالة على كونه صلى الله عليه. وسلم أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، كما يدل عليه الحديث الأول في الباب والله تعالى أعلم. (288) - س (144) (67) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن جميل بفتح الجيم ابن طريف الثَّقَفيّ مولاهم، أبو رجاء البغلاني، ثِقَة ثبت من العاشرة، مات سنة (240) روى عنه المؤلف في (7) أبواب تقريبًا. قال قتيبة (حَدَّثَنَا ليث) بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن الحارث الفهمي مولاهم، أبو الحارث المصري، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، ثِقَة ثبت إمام مشهور من السابعة، مات في النصف من شعبان سنة (175) روى عنه المؤلف في (15) بابًا تقريبًا (عن سعيد) المقبري (بن أبي سعيد) المقبري كيسان، أبي سعيد المدنِي، مولى بني ليث، وقال في التقريب: ثِقَة من الثالثة، تغير قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة، مات سنة (125) روى عنه المؤلف في (10) أبواب تقريبًا. (عن أَبيه) أبي سعيد المقبري كيسان بن سعد المدنِيُّ، مولى أم شريك من بني الليث، وإنما سُمي بالمقبري لأنه وإن يحفظ مقبرة بني دينار، ويقال كان نازلًا بقرب مقبرة، روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة والزكاة والحج والجهاد وذكر الأنبياء والدعاء وصفة الجنة، وعن عمر، وعلي وأسامة، ويروي عنه (ع) وابنه سعيد وابن ابنه عبد الله بن سعيد، وجماعة، قال الواقديّ: كان ثِقَة كثير الحديث، وقال النَّسائيّ:

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى الله إِليَّ. فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لا بأس به، وقال في التقريب: ثِقَة من الثَّانية، مات سنة (100) مائة، وليس في مسلم كيسان إلَّا هذا الثقة روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا كما بيناه آنفًا. (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر المدنِيُّ الدوسي رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون، وواحد مصري، وواحدة بغلاني. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من الأنبياء من نبي) ما مهملة لانتقاض نفيها بإلا، ومن الأولى بيانية متعلقة بمحذوف صفة للمبتدأ، أو حال منه، ومن الثَّانية زائدة، ونبي مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة دخول من الزائدة عليه، أو تقدم النفي، أو وصفه بالصفة المقدمة على قول، وكلمة إلَّا في قوله (إلا قد أُعطي) مفرغة، ما بعدها خبر المبتدأ، والتقدير ما نبي من الأنبياء قبلي إلَّا قد أُعطي وأوتي (من الآيات) والمعجزات (ما) كان (مثله) لمن كان قبله من الأنبياء فـ (آمن) بالمد وفتح الميم بصيغة الماضي و (عليه) بمعنى به أي إلَّا أُعطي من المعجزات ما وجد مثله ونظيره لمن وإن قبله من الأنبياء فآمن به (البشر) قبله، والمعنى أي ما نبي من الأنبياء قبلي إلَّا أعطي من المعجزات معجزة مسبوقة بمثلها ونظيرتها التي آمن بها البشر قبله. وأما معجزتي العظيمة الظاهرة المستمرة فهي القرآن؛ الذي لم يُعطَ أحدٌ قبلي مثله فلهذا أنا أكثرهم تابعًا، وهذا معنى قوله (وإنما كان الذي أُوتيت) وأعطيت وخُصِّصت به (وحيًا) أي قرآنًا (أوحا) هـ (الله) سبحانه وتعالى وأنزله (إليَّ) فالقرآن كلام الله المُعجز المستمر على ممر السنين والدهور إلى قرب يوم القيامة (فـ) بسبب كونه معجزة مستمرة إلى يوم القيامة لا يبدل ولا يُغير ولا ينسخ (أرجو) وآمل من الله سبحانه وتعالى (أن أكون) أنا (كثرهم) أي أكثر الأنبياء (تابعًا يوم القيامة) وتابعًا تمييز محول عما هو المبتدأ في الأصل، أي أرجو أن يكون أتباعي أكثر من أتباعهم. قال القاضي عياض: أشار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "وإنما كان الذي أوتيت وحيًا" إلى أن سائر معجزات الأنبياء انقرضت بانقراضهم، ولم يُشاهدها إلَّا من كان حاضرًا لها، ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم من القرآن، وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته بينة واضحة لكل من يأتي إلى يوم القيامة، إلى ما انطوى عليه من الإخبار عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الغيوب، فلا يمر عصرٌ إلَّا ويظهر فيه معجزة مما أخبر أنها تكون، تدل على صدقه وصحة نبوته، وتجدد الإيمان في قلوب أمته اهـ. قال السنوسي: ولا خفاء في ظهور معجزة القرآن لجميع الخلق، أما لعلماء البلاغة فواضح وأما لغيرهم فلمشاهدة العجز منهم مع طول السنين، وكثرة المعادين للدين مع ما فيه من العلوم الجمة، والقصص الغريبة، والمواعظ الرائقة، وبالجملة فقد احتوى على خير الدنيا والآخرة، ثم هو شاهد على صدق نفسه بنفسه اهـ. وقال الأبي: أكثرية أتباعه صلى الله عليه وسلم إنما هي تكرمة من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم وإلا فمعجزة غيره كالعصا، وانفلاق البحر، ونتق الجبل، وإحياء الموتى، وخروج ناقة من الحجر، من الظهور لعامة البشر بحيث يؤمن لها البشر، وتكون أتباعها أكثر، وإنما معجزته صلى الله عليه وسلم كلام يتلى، إنما يدرك وجه إعجازه بتأمل اهـ والله أعلم. وعبارة النواوي هنا: واختُلف في معنى هذا الحديث على أقوال: الأول: معناه أن كل نبي أُعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله من الأنبياء، فآمن به البشر، وأما معجزتي العظيمة الظاهرة فهي القرآن، الذي لم يُعط أحد مثله، فلهذا قال: أنا أكثرهم تابعًا. الثاني: أن معناه أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل بسحر وشبهة، بخلاف معجزة غيري فإنَّه قد يُخيل الساحر بشيء مما يقارب صورتها، كما خيلت سحرة فرعون في صورة موسى - عليه السلام -، والخيال قد يروج على بعض العوام، والفرق بين المعجزة والسحر والتخييل يحتاج إلى فكر ونظر، وقد يُخطئ الناظر فيعتقدهما سواء. الثالث: أن معناه أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ولم يشاهدها إلَّا من حضرها بحضرتهم، ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرق العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات وعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة من مثله مجتمعين أو متفرقين في جميع الأعصار مع اعتنائهم بمعارضته فلم يقدروا، وهم أفصح القرون مع غير ذلك من وجوه إعجازه المعروفة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا" علم من أعلام النبوة، فإنَّه صلى الله عليه

289 - (145) (68) حدّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أخبر بهذا في زمن قلة المسلمين، ثم من الله تعالى وفتح على المسلمين البلاد، وبارك فيهم حتَّى انتهى الأمر واتسع الإِسلام في المسلمين إلى هذه الغاية ولله الحمد على هذه النعمة وسائر نعمه التي لا تحصى والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى منه. وهذا الحديث يدل على الجزء الأخير من الترجمة، وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في فضائل القرآن، وفي الاعتصام، والنَّسائيّ في التفسير في "الكبرى" وفي فضائل القرآن في الكبرى أَيضًا، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الأول من الترجمة بالحديث الآتي فقال: (289) - س (145) (68) (حَدَّثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي، أبو موسى المصري، روى عن ابن وهب في الإيمان والبيوع وغيرهما، وابن عيينة، والشافعي، والوليد بن مسلم وغيرهم، ويروي عنه (م س ق) وابنه أَحْمد بن يونس، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو حاتم وغيرهم، وثقه النَّسائيّ، وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثِقَة من صغار العاشرة، مات سنة (264) أربع وستين ومائتين، وله (96) ست وتسعون سنة، قال يونس (أخبرنا) وفي نسخة حَدَّثَنَا، عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ مولاهم، أبو محمَّد المصري، ثِقَة حافظ من التاسعة، مات سنة (197) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا. (قال) ابن وهب أخبرني عمرو غير هذا الحديث (وأخبرني) أَيضًا هذا الحديث الآتي (عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأَنْصَارِيّ مولاهم، أبو أمية المصري، ثِقَة فقيه حافظ، من السابعة مات سنة (148) روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا. (أن أَبا يونس) مولى أبي هريرة، سليم بن جبير الدوسي المصري، ثِقَة من الثالثة، مات سنة (123) روى عنه المؤلف في (4) أبواب تقريبًا. (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم مصريون إلَّا أَبا هريرة فإنَّه مدني.

أَنَّهُ قَال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّد بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أحدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالذي أُرْسِلْتُ بِهِ، إلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: قوله (وأخبرني عمرو) هو بالواو في أول وأخبرني وهي واو حسنةٌ فيها دقيقة نفيسة، وفائدة لطيفة، وذلك أن يونس سمع من ابن وهب أحاديث من جملتها هذا الحديث، وليس هو أولها، فقال ابن وهب في روايته الحديث الأول: أخبرني عمرو بكذا، ثم قال: وأخبرني عمرو بكذا، وأخبرني عمرو بكذا إلى آخر تلك الأحاديث، فإذا روى يونس عن ابن وهب غير الحديث الأول، فينبغي له أن يقول: قال ابن وهب وأخبرني عمرو فيأتي بواو العطف لأنه سمعه هكذا, ولو حذفها لجاز ولكن الأولى الإتيان بها ليكون راويًا كما سمع والله أعلم اهـ. ويحتمل أن تكون الواو عاطفة على محذوف تقديره أخبرني غير عمرو هذا الحديث الآتي، وأخبرني عمرو أَيضًا أن أَبا يونس حدثه إلخ والله أعلم. (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال: والذي نفس محمَّد بيده) أي أقسمت بالإله الذي نفس محمَّد وروحه بيده وتصرفه، وأتى بالقسم لتأكيد الكلام (لا يسمع بي) أي ببعثتي (أحد من هذه الأمة) مع تبيُّن معجزتي له، والمراد بـ (هذه الأمة) أمة الدعوة ممن هو موجود في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليهم الدخول في دينه وطاعته، وقوله (يهودي ولا نصراني) بغير واو العطف بدل من هذه الأمة بدل بعض من كل، وقد روى هذا الحديث عبد بن حميد، وقال: "لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني" بواو العطف، رواه أبو عوانة بهذا اللفظ، فحينئذ لا يدخل اليهودي ولا النصراني في هذه الأمة المذكورة، فيكون من عطف الخاص على العام، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما، وذلك لأن اليهودي والنصراني لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى (ثم) بعد سماعه إياي (يموت و) الحال أنَّه (لم يؤمن بـ) الدين (الذي أرسلت) وبعثت (به إلَّا كان) ذلك الأحد (من أصحاب النَّار) الأخروية وأهلها لكفره، وقوله (من هذه الأمة) والأمة تأتي بمعنى الواحد كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} وبمعنى الجماعة كقوله تعالى: {وَجَدَ عَلَيهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} وبمعنى الأتباع كقوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" وبمعنى أمة الدعوة أي كل من دعاه إلى الإيمان, وهي المرادة هنا لأن يهوديًّا ونصرانيًّا بالنصب بدل من الأمة، بدل بعض من كل، أو بدل من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد إن رفعا، والقضية حقيقية فلا مفهوم لاسم الإشارة حتَّى يقصر على من في زمنه صلى الله عليه وسلم بل هو عام فيه وفيمن سيوجد من الأمة إلى يوم القيامة، وقوله (ولا نصراني) جاء على الفصيح من أن المعطوف على المنفي بـ (لا) أن يكون معه النفي ومنه قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)}، وقوله (ثم يموت) والعطف بـ (ثم) يدل على أن الإيمان متى حصل نفع ولو بعد مدة من السماع وقيل إنما عطف بها للاستبعاد كما هو في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} أي لا أبعد في العقل من يهودي أو نصراني بعد انتظارهما بعثتي ثم لما بعثت لم يؤمنا بي فعلى هذا يختص الحديث بأهل الكتاب بخلاف ما تقدم اهـ. أُبّي. والحديث دليل على أن من لم تبلغه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أمره لا عقاب عليه ولا مؤاخذة كما يدل عليه قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ومن لم تبلغه دعوة الرسول ولا معجزته فكأنه لم يبعث إليه رسول كمن كان بأطراف العمران أو في بعض الجزائر المنقطعة ولهذا الأصل نقطع أن يأجوج ومأجوج بلغتهم الدعوة لما صح في حديث بعث النَّار، وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أنذرهم ليلة الإسراء وهذا لا يصح، وكما أن بلوغ الدعوة شرط فكذا فهم التكليف فإن وجد من الأعاجم من لم يفهم فهو بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، ويأتي الكلام على أهل الفترة إن شاء الله تعالى. اهـ. سنوسي. وهذا الحديث دليل على الجزء الأول من الترجمة. وعبارة القاضي وهذا الحديث دليل على أن من في أطراف الأرض وجزائر البحر المنقطعة ممن لم تبلغه دعوة الإِسلام ولا أمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن الحرج عنه في عدم الإيمان به ساقط لقوله: "لا يسمع بي" إذ طريق معرفته والإيمان به صلى الله عليه وسلم مشاهدة معجزته وصدقه أيام حياته صلى الله عليه وسلم أر صحة النقل بذلك والخبر لمن لم يشاهده وجاء بعده بخلاف الإيمان بالله تعالى وتوحيده الذي يوصل إليه بمجرد النظر الصحيح ودليل العقل السليم اهـ. وهذا في العصر الأول وأما الآن فلا عذر فقد تواصلت أقطار الأرض وأرجاؤها بالطائرات والبواخر والقواطير وبالهواتف. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أَحْمد (3/ 317) وهو مما انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات.

81 - (40) باب: الثلاثة الذين يؤتون أجرهم على إيمانهم وعملهم مرتين

81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ 295 - (145) (69) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ صَالِح بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيّ؛ قَال: رَأَيتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ سَأَلَ الشَّعْبيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي تبين الثلاثة الذين يعطون أجرهم على إيمانهم أو عملهم الصالح مرتين أي ضعفين. (290) - (146) (69) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التَّمِيمِيّ الحنظلي مولاهم أبو زكريا النَّيسَابُورِيّ ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا تقريبًا. قال يحيى: (أخبرنا) وفي نسخة: حَدَّثَنَا (هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطيّ ثِقَة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة مات سنة (183) روى عنه في (18) بابًا تقريبًا (عن صالح بن صالح) بن مسلم بن حي (الهمداني) بإسكان الميم وبالدال الثَّوريّ ثور همدان أبي حي الكُوفيّ روى عن الشعبي في الإيمان وسلمة بن كهيل وسماك بن حرب وعاصم الأحول، ويروي عنه (ع) وهشيم وعبدة بن سليمان وابناه الحسن وعلي والسفيانان وشعبة، وثقه أَحْمد وابن معين والنَّسائيّ والعجلي، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، وهشيم قال هنا عن صالح وهو مدلس وعنعنة المدلس تدل على الانقطاع. قلنا: وقد قدمنا أن مثل هذا إذا وقع في الصحيحين لا يقدح لأنه محمول على أن هشيمًا ثبت سماعه لهذا الحديث عن صالح بطريق آخر وإن لم يورده هنا. (عن الشعبي) شعب همدان عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكُوفيّ الإِمام العلم ولد لست سنين خلت من خلافة عمر، قال: أدركت خمس مائة من الصَّحَابَة، ثِقَة مشهور فقيه فاضل من الثالثة مات سنة (103) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا. أي حَدَّثَنَا صالح عن الشعبي بحديث وقصة طويلة (قال) فيها صالح (رأيت رجلًا من أهل خراسان) لم أر من ذكر اسمه وخراسان بضم الخاء المعجمة بلدة من بلاد فارس (سأل) ذلك الرَّجل (الشعبي) وفي بعض النسخ (يسأل الشعبي) قال النووي: وفي هذا الإسناد لطيفة

فَقَال: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ، في الرّجُلِ، إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمّ تَزَوَّجَهَا: فَهُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ. فَقَال الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَينِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتكرر مثلها وقد تقدم بيانها وهو أنَّه قال عن صالح عن الشعبي قال: رأيت رجلًا سأل الشعبي وهذا الكلام ليس منتظمًا في الظاهر ولكن تقديره حَدَّثَنَا صالح عن الشعبي، قال: رأيت رجلًا سأل الشعبي بحديث وقصة طويلة قال فيها صالح: رأيت رجلًا سأل الشعبي، والله أعلم. اهـ (فقال) ذلك الرَّجل في سؤاله الشعبي (يَا أَبا عمرو) كنية الشعبي (إن من) بفتح الميم على أنها موصولة أي إن من كان (قبلنا) بكسر القاف وفتح الباء ظرف مكان بمعنى الجهة أي إن من كان في ناحيتنا (من أهل خراسان يقولون) برأيهم (في الرَّجل إذا أعتق) وحرر (أمته) أي وليدته (ثم تزوجها) أي نكح تلك الوليدة المعتقة له (فهو) أي ذلك الرَّجل المتزوج عتيقته (كالراكب) أي مثل الراكب (بدنته) أي ناقته التي أهداها إلى الحرم فلا أجر له كما لا أجر في ركوب ناقته، قال القاضي: لا خلاف بين أهل العلم في جواز تزوج الرَّجل معتقته، وإنما اختلفوا فيمن جعل صداقها عتقها وهل يكون صداقًا أم لا؟ وبسطه يأتي في النكاح، واختلفوا في ركوب الرَّجل بدنته وبحثه في الحج (فقال الشعبي) ردًّا لما قال الرَّجل (حَدَّثني) عامر بن عبد الله بن قيس (أبو بردة بن أبي موسى) الأَشْعريّ ثِقَة من الثَّانية، قال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث، وقال العجلي: كُوفِيّ تابعي ثِقَة، روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن أَبيه) عبد الله بن قيس الأَشْعريّ الصحابي الجليل مات سنة (44) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد واسطيّ وواحد نيسابوري وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة) من الأنفار (يؤتون أجرهم) أي يعطون ثوابهم على أعمالهم (مرتين) أي ضعفين، قال الأبي: والحديث لم يخرج مخرج الحصر فلا مفهوم للعدد لأن غير الثلاثة أوتي الأجر مرتين بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ} الآية وحديث من توضأ مرتين، قال السنوسي: وإنما خصص الثلاثة بالذكر لأن جمع كل واحد منهم بين الأمرين المذكورين له في غاية الصعوبة ولهذا كان وجود هؤلاء الثلاثة نادرًا، أحدهم (رجل من أهل الكتاب) اليهود أو

آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ الله تَعَالى وَحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ النصارى (آمن) وصدق (بنبيه) الأول الإيمان الحقيقي قولًا وفعلًا ثم لم يزل على ذلك حتَّى جاء الإِسلام (وأدرك النَّبِيّ) محمدًا (صلى الله عليه وسلم فآمن به) أي فصدق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في رسالته (واتبعه) فيما أمر به (وصدقه) فيما أخبر به عن الله تعالى وفي بعض النسخ (وصدق به) كعبد الله بن سلام وأبي بن كعب وأضرابهما (فله) أي فلذلك الرَّجل (أجران) أي ثوابان، والأجران قيل أحدهما في اتباعه الحق الأول والآخر في اتباعه الحق الثاني وهذا لا يظهر بل هما في اتباعه الحق الثاني ضوعف له بسبب تمسكه بالأول لأن به تظهر الفائدة وإلا فمعلوم أن له في كل اتباع أجرًا وأما من لم يكن على حق في ذلك الدين فليس له إذا رآه وأسلم إلَّا أجر واحد ويبقى النظر فيمن كان على حق فيه ولم يدرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ككعب الْأَحبار فيحتمل أن يكون له أجر واحد ويحتمل أن يكون له أجران بناء على أن (أدرك) هل معناه أدركه بالزمان أو أدركه بالدليل، اهـ أُبِّي. وعبارة "المفهم" هنا وهذا الكتابي الذي يضاعف أجره هو الذي كان على الحق في شرعه عقدًا وفعلًا ثم لم يزل متمسكًا بذلك إلى أن جاء نبينا صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبع شريعته فهذا هو الذي يؤجر على اتباع الحق الأول والحق الثاني وأما من اعتقد الإلهية لغير الله تعالى كما تعتقده النصارى اليوم أو من لم يكن على حق في ذلك الشرع الذي ينتمي إليه فإذا أسلم جب الإِسلام ما كان عليه من الفساد والغلط ولم يكن له حق يؤجر عليه إلَّا الإِسلام خاصة، والله أعلم. (و) الثاني (عبد) أي رقيق (مملوك أدى) ووفى (حق الله تعالى) وفي بعض النسخ "حق الله عليه" (وحق سيده فله) أي لذلك الرقيق (أجران) قال الأبي: والأظهر أن الأجرين على أدائه حق الله تعالى زيادة على أدائه حق سيده، وعن بعضهم أنَّه رأى من دين عبده ما أعجبه فأعتقه، فقال له العبد: لم حرمتني أحد أجري (و) الثالث (رجل كانت له أمة فغذاها) بالذال المعجمة أي أطعمها من صغرها إلى كبرها (فأحسن غذاءها) بكسر الغين المعجمة والمد أي طعامها بإطعامها مما يطعم (ثم أدبها) بآداب الدين

فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ" ثُمَّ قَال الشَّعْبِيّ لِلْخُرَاسَانِيِّ: خُذْ هذَا الْحَدِيثَ بِغَيرِ شَيءٍ. فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والدنيا، والأدب ما في فعله محمدة وفي تركه مذمة أي علمها الأدب (فأحسن أدبها) أي كمله في كل شيء أو أدبها برفق ولين (ثم أعتقها) لله تعالى (وتزوجها) لإعفافها (فله) أي لذلك الرَّجل (أجران) أجر على عتقها وأجر على تزوجها، قال الأبي: وإذا كان له أجر على العتق فجملة ما له أربعة أجور لأن في تعليمه وتأديبه أجرين، والأجران له حتَّى لو تزوجها محبة وشهوة نفس وحتى لو أعتقها بنفس الشراء قبل التأديب والتعليم، وظاهر الحديث حتَّى لو جعل عتقها صداقها، وصح أنَّه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، فجعله مالك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وعممه الشَّافعيّ. (ثم) بعد فراغه من هذا الحديث (قال الشعبي للـ) رجل (الخُرَاسَانِيّ: خذ هذا الحديث) مني (بغير شيء) من الأجرة تعطيه لي على تعليمي إياك (فقد كان الرَّجل) من السلف (يرحل) ويسافر (في) طلب (ما دون هذا) الحديث منفعة (إلى المدينة) المنورة نور الله تعالى من نورها صلى الله عليه وسلم ففي هذا جواز قول العالم مثل هذا تحريضًا للسامع على حفظ ما قاله، وفيه أيضًا بيان ما كان عليه السلف رحمهم الله تعالى من تعظيم العلم والجد به وتحمل المشاق في طلبه بالرحلة إلى البلدان البعيدة في طلب حديث واحد أو مسألة واحدة، فعن جابر رضي الله عنه أنَّه رحل في طلب حديث واحد مسيرة شهر، وعن ابن المسيّب: إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد الأيام، وذكر الخَطيب أن ابن المبارك رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك قال: غفر لي برحلتي في طلب الحديث. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أَحْمد (4/ 405) والبخاري (3011) والتِّرمذيّ (1116) والنَّسائيّ (6/ 115). قال النووي: وفي هذا الحديث بيان فضيلة من آمن من أهل الكتاب بنبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم وأن له أجرين لإيمانه بنبيه قبل النسخ والثاني لإيمانه بنبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان فضيلة العبد المملوك القائم بحقوق الله تعالى وحقوق سيده، وبيان فضيلة من أعتق مملوكته وتزوجها وليس هذا من الرجوع في الصدقة في شيء بل هو إحسان إليها بعد إحسان. اهـ (تتمة) قال السنوسي يتمم ما ذكره الأبي من تعيين أحد الأمرين لحصول الأجرين:

291 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن نقول ضابطه ما تعظم فيه المشقة فيكون محل الأجرين في الكتابي إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم لا إيمانه بنبيه فيما سبق، (فإن قلت) لا يظهر أن أحدهما أشق من الآخر، بل قد يكون إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم أسهل لسبق ما يحمل عليه وهو الإيمان بنبيه المبين صفته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} الآية، (قلت) كان إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم أشق لأن أقل ما فيه انتصابه بذلك لعداوة أحبائه ومهاجرة أهله وأقاربه ووسمه عندهم برفض دينه الحق دين نبيه وبهذا يجاب عن ادعاء مشاركة من آمن من غير أهل الكتاب لهم في ذلك فإنهم ليس لهم دين حتَّى تركوه وإنما هم في ذلك كالبهائم، وكان محل الأجرين في حق العبد أداء حق الله تعالى لما فيه من كبير المشقة لوجود ما ينافره وهو حق السيد ولهذا أسقط سبحانه بفضله عن العبد بعض الواجبات كالحج والجمعة، (فإن قلت) وقد يعكس أَيضًا لأن المزاحمة كائنة من الجانبين، (قلت) طاعة السيد الباعث عليها لا يتوقف على الإيمان ولهذا تصدر من الكافر والمؤمن لأن لها بواعث من جهة السيد أما أداء طاعة الله تعالى على وجهها سيما في حال هذا المزاحم القوي فلا يحمل عليه إلَّا محض الإيمان وكان محل الأجرين في السيد المعتق التزوج لأن أكثر النَّاس يستنكف عن تزوج المعتقة استنكافهم عن تزوج الأمة، والله تعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأَشْعريّ رضي الله تعالى عنه فقال: (291) - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ، قال أبو بكر (حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمَّد الكُوفيّ ثِقَة ثبت من الثامنة مات سنة (187) روى عنه في (12) بابا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكيّ صدوق من العاشرة مات سنة (243) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا، قال ابن أبي عمر (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم أبو محمَّد الكُوفيّ ثِقَة حافظ فقيه إمام حجة من الثامنة مات سنة (198) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا.

ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُلُّهُمْ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر التَّمِيمِيّ العنبري أبو عمرو البَصْرِيّ ثِقَة من العاشرة مات سنة (237) روى عن أَبيه فقط في الإيمان وغيره، قال عبيد الله (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنَّى البَصْرِيّ ثِقَة متقن من التاسعة مات سنة (196) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا، قال معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي مولاهم أبو بسطام البَصْرِيّ ثِقَة حافظ من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (30) بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه، وفائدة هذه التحويلات تقوية السند الأول لأن هشيم بن بشير مدلس كثير الإرسال ومع ذلك روى عن صالح بالعنعنة فقواه بهؤلاء المشايخ (كلهم) أي كل من: عبدة بن سليمان وسفيان وشعبة رووا (عن صالح بن صالح) بن مسلم الهمداني أبي حيان الكُوفيّ، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) أي عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأَشْعريّ متعلق بما عمل في المتابعين، وكذا قوله (نحوه) أي نحو حديث هشيم مفعول به لما عمل في المتابعين، والضمير عائد إلى هشيم أي روى كل هؤلاء الثلاثة المتابعين: عبدة، سفيان، شعبة، عن صالح بن صالح نحو حديث هشيم بن بشير. وغرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعتهم لهشيم في رواية هذا الحديث عن صالح بن صالح وفائدتها تقوية السند الأول، الأول منها من سداسياته ورجاله كلهم كوفيون، والثاني منها أَيضًا من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد عدني، والثالث من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

82 - (41) - باب: ما جاء في نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ 292 - (147) (70) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّب؛ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "وَالَّذي نَفْسِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ أي هذا باب معقود في ذكر ما جاء من الأحاديث في نزول عيسى - عليه السلام - مؤيدًا وحاكمًا بشريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم التي أساسها الإيمان والإِسلام وبهذا التقدير يطابق الباب ترجمة كتاب الإيمان وإلا فذكره في كتاب الإيمان استطرادي لأن محله كتاب أشراط الساعة. (292) - (147) (70) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) الثَّقَفيّ مولاهم أبو رجاء البغلاني ثِقَة ثبت من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب، قال قتيبة (حَدَّثَنَا ليث) بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثِقَة ثبت من السابعة مات سنة (175) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا محمَّد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم أبو عبد الله المصري ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (242) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا، قال محمَّد بن رمح (أخبرنا الليث) بن سعد، وأتى بحاء التحويل مع أن شيخ شيخيه واحد وهو ليث بن سعد لبيان اختلاف صيغتيهما لأن قتيبة قال: حَدَّثَنَا، ومحمَّد بن رمح قال: أخبرنا، وهذا هو فائدة التحويل هنا (عن) محمَّد بن مسلم (ابن شهاب) القُرشيّ الزُّهْرِيّ أبي بكر المدنِيُّ ثِقَة متقن من الرابعة (عن) سعيد (بن المسيّب) بن حَزْن القُرشيّ المخزومي أبي محمَّد المدنِيُّ ثِقَة حافظ من كبار الثَّانية مات سنة (90) روى عنه في (17) بابا (أنَّه) أي أن سعيد بن المسيّب (سمع أَبا هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بغلاني والثاني منهما رجاله اثنان منهم مصريان وثلاثة مدنيون، حالة كون أبي هريرة (يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي

بِيَدِهِ، لَيُوشِكنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيهِ السَّلامُ حَكَمًا مُقْسِطًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بيده) وفي بعض النسخ: "والذي نفس محمَّد بيده" وأتى بالقسم تأكيدًا للكلام وإفادة لتحقق نزوله في المستقبل واللام في قوله (ليوشكن) رابطة لجواب القسم، ويوشكن بضم أوله وكسر ثالثه معناه ليقربن وهو من أفعال المقاربة، وجملة قوله (أن ينزل فيكم) أي في آخر هذه الأمة وإن كان خطابًا لبعضها ممن لا يدرك نزول عيسى (ابن مريم - عليه السلام -) في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية ليوشك لأنها هنا تامة كما قال ابن مالك في الخلاصة: بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد ... غنى بأن يفعل عن ثان فقد وقوله (حكمًا) أي حاكمًا بهذه الشريعة مجددًا لها لا نبيًّا أرسل بشريعة مستقلة ناسخة، حال من ابن مريم، وقوله (مقسطًا) أي عادلًا في حكمه صفة لـ (حكمًا)، والمعنى أقسمت لكم بالإله الذي نفسي بيده ليقربن نزول عيسى ابن مريم من السماء فيكم أيتها الأمة المحمدية حالة كونه حاكمًا عادلًا يحكم بينكم بالعدل والقسط بهذه الشريعة مجددًا لها تكرمة لهذه الأمة وهذه الشريعة، لا ينزل نبيًّا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة بل هو حاكم من حكام هذه الأمة لأن هذه الشريعة آخر الشرائع ونبيها آخر الأنبياء. والمقسط العادل يقال أقسط يقسط إقساطًا وقسطًا بكسر القاف فهو مقسط إذا عدل ومنه قوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وقسط يقسط من باب ضرب، قسوطًا وقسطًا بفتح القاف إذا جار ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)}. والأكثر على أن عيسى لم يمت بل رفع إلى السماء، وقال مالك: مات عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وقال ابن رشد: يعني بموته خروجه من عالم الأرض إلى عالم السماء، قال: ويحتمل أنَّه مات حقيقة ويحيا في آخر الزمان إذ لا بد من نزوله لتواتر الأحاديث بذلك، وكان أبو هريرة يلقى الفتى الشاب فيقول له: يَا ابن أخي إنك عسى أن تلقى عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام، تحقيقًا لنزوله فما ذكره ابن حزم من الخلاف في نزوله لا يصح. قال ابن العربي: ويروى أنَّه يتزوج امرأة من بني ضبة اسمها راضية ثم يموت ويصلي عليه المسلمون ويدفن في روضة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وفيها موضع قبر، ويقال: إنما بُقِّي له، والمحقق أن نزوله من أشراط الساعة وصح أنَّه الذي يقتل الدجال

فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيضَعَ الْجِزْيَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وبدعائه يهلك يأجوج ومأجوج، واختلف كم يلبث في الأرض فقال أبو داود: أربعين سنة، وقال ابن العربي: والأصح أنَّه سبعة أعوام، فإن قلت: بم يعرف النَّاس أنَّه عيسى؟ قلت: بصفاته التي تضمنتها الأحاديث المتواترة (فيكسر الصليب) بالنصب عطفًا على (ينزل) وبالرفع على الاستئناف معناه يكسره حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه وفيه دليل على تغيير المنكرات وآلات الملاهي بالكسر وتغيير ما نسبته النصارى إلى شرعها لأنه إنما ينزل ملتزمًا بشريعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقيل معنى "يكسر الصليب": يبطل أمره من قولهم كسر حجته، والفرق بين الصليب والصنم والوثن أن الصليب كل ما نحت على صورة آدمي وعبد، والصنم كل ما نحت على أي صورة كصورة العجل وعبد، والوثن كل ما عبد من دون الله تعالى سواء نحت أم لا كالشجر والحجر، قال القرطبي: وكسره الصليب يدل على أن شيئًا من ذلك لم يسوغه لهم وأن ذلك لا يقر إذا تمكن من تغييره وإزالته. اهـ (ويقتل الخنزير) بالنصب والرفع أَيضًا، قال النووي: وقتل الخنزير من قبيل إزالة المنكر وفيه دليل للمختار من مذهبنا ومذهب الجمهور أنَّه إذا وجدنا الخنزير في دار الكفر أو غيرها وتمكنا من قتله قتلناه وإبطال لقول من شذ من أصحابنا وغيرهم، فقال: يُترك إذا لم يكن فيه ضراوة، قال الأبي: وفيه دليل على أن ما وجد من الخنازير بأرض الكفر أو بيد من أسلم تقتل وقيل: تسرح، وقال ابن عرفة: لا بأس بقتل ما وجد من الخنازير بأرض الإِسلام لأنها مُفسدة (ويضع الجزية) بالوجهين أي يسقط الجزية ولا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلَّا الإِسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكفَّ عنه بها بل لا يقبل إلَّا الإِسلام أو القتل قاله الخطابي، قال القاضي: وقد يكون فيض المال هنا من وضع الجزية أي ضربها على جميع الكفرة فإنَّه لا يقاتله أحد فتضع الحرب أوزارها وانقاد له جميع النَّاس إما بالإِسلام وإما بإلقاء يد فيضع عليه الجزية ويضربها وهذا كلام القاضي وليس بمقبول، والصواب ما قدمناه وهو أنَّه لا يقبل إلَّا الإِسلام فعلى هذا قد يقال هذا خلاف حكم الشرع اليوم فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها ولا يجوز قتله ولا إكراهه على الإِسلام، وجوابه أن هذا الحكم ليس بمستمر إلى يوم القيامة بل هو مقيد بما قبل عيسى - عليه السلام -، وقد أخبرنا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الصحيحة بنسخه وليس عيسى - عليه السلام - هو الناسخ بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ، فإن عيسى - عليه السلام - يحكم

وَيفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ". 293 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الأعلَى بْنُ حمّادٍ، وَأَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بشرعنا فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم. اهـ نواوي. (ويفيض المال) بفتح الياء بالوجهين أَيضًا ولكن الرفع على الاستئناف أولى هنا لأن فيض المال ليس من فعل عيسى - عليه السلام - أي يكثر المال وتنزل البركات وتكثر الخيرات بسبب العدل وعدم التظالم وإلقاء الأرض أفلاذ كبدها كما جاء في الحديث الآخر وتقل أَيضًا الرغبات لقصر الآمال وعلمهم بقرب الساعة فإن عيسى علم من أعلام الساعة، والله أعلم. اهـ نواوي. قال القاضي أو لضربه الجزية على الجميع (حتَّى لا يقبله أحد) منك لغنى كل النَّاس حينئذ، قال ابن عرفة: إذا أفضت الحال في المال إلى أن لا يقبله أحد لا تسقط الزكاة، وقيل تسقط لأنها إنما وجبت لإرفاق الفقراء وهم غير موجودين، قال السنوسي فإن قلت لا يظهر لوجوب الزكاة أثر إذ كان لا يقبلها أحد قلت يظهر أثره في تمييز نصيب الزكاة من المال عند الحول وحفظه كالوديعة إلى أن يأتي له مستحق أو يرث الله الأرض ومن عليها وإذا لم يجد الإنسان من يستأجر لعمل، عمل بنفسه فإن عجز وجبت إعانته لأن المواساة كما تجب بالمال تجب بالنفس. وهذا الحديث -أعني حديث أبي هريرة بهذا اللفظ- شارك المؤلف في روايته أَحْمد (2/ 494) والبخاري (3448) وأبو داود (4324) والتِّرمذيّ (2234). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (293) - (00) (00) (وحدثناه عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهليّ مولاهم أبو يحيى البَصْرِيّ المعروف بالنرسي نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى وثقه أبو حاتم وقال في التقريب لا بأس به وقيل صدوق من كبار العاشرة مات سنة (237) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (و) حدثنا أَيضًا (أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكُوفيّ ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (16) بابًا

وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ؛ قال: حَدَّثَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقريبًا (و) حدثنا أَيضًا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النَّسائيّ ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (20) بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه أو تقوية عبد الأعلى بن حماد لأنه مختلف فيه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الهلالي مولاهم أبو محمَّد الكُوفيّ ثِقَة حافظ إمام حجة وكان ربما دلس لكن عن الثِّقات من الثامنة مات في رجب سنة (198) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنيه) أي حَدَّثني هذا الحديث المذكور (حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي أبو حفص المصري صدوق من الحادية عشرة مات سنة (244) روى عن ابن وهب فقط في مواضع كثيرة، قال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ مولاهم أبو محمَّد المصري ثِقَة حافظ من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) عبد الله بن وهب (حَدَّثني يونس) بن يزيد الأيلي أبو يزيد الأُموي مولاهم ثِقَة من السابعة مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغة السماع بين هذا السند والسند الأول مع بيان النزول فيه. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا حسن) بن عليّ (الحلواني) أبو علي الهذلي المكيّ ثِقَة من الحادية عشرة مات سنة (242) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمَّد الحافظ ثِقَة من الحادية عشرة مات سنة (249) روى عنه في (12) بابا كلاهما (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ أبو يوسف المدنِيُّ ثِقَة من التاسعة مات سنة (208) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا قال يعقوب (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد المدنِيُّ ثِقَة من الثامنة مات سنة (183) روى عنه في (14) بابا. (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم أبي محمَّد المدنِيُّ ثِقَة ثبت من الرابعة مات سنة (140) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لبيان مخالفته للسندين الأولين في صيغة السماع ولاختلاف مشايخ مشايخه في الكل ولبيان نزوله،

كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَينَةَ: "إِمَامًا مُقْسِطًا وَحَكَمًا عَدْلًا". وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ: "حَكَمًا عَادِلًا" وَلَمْ يَذْكُرْ "إِمَامًا مُقْسِطًا". وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ "حَكَمًا مُقْسِطًا" كَمَا قَال اللَّيثُ. وَفِي حَدِيثِهِ، مِنَ الزِّيَادَةِ "وَحَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والضمير في قوله (كلهم) عائد إلى ما قبل حاء التحويلات كما هو الاصطلاح له أي كل من سفيان في السند الأول ويونس في السند الثاني، وصالح في السند الثالث رووا (عن) محمَّد بن مسلم بن شهاب (الزُّهْرِيّ) المدنِيُّ ثِقَة متقن من رؤوس الطَّبقة الرابعة مات سنة (125) والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع الذي هو ليث بن سعد أي كل هؤلاء الثلاثة رووا عن الزُّهْرِيّ بهذا الإسناد يعني عن ابن المسيّب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما روى ليث بن سعد عن الزُّهْرِيّ إلَّا فيما سيستثني وهذه الأسانيد الثلاثة الأول منها من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كُوفِيّ وبصري أو كُوفِيّ ونسائي، والثاني منها من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، والثالث منها من سباعياته رجاله ستة منهم مدنيون وواحد مكّيّ أو كسي، وغرضه بسوق كل من الثلاثة الأسانيد بيان متابعة سفيان بن عيينة ويونس بن يزيد وصالح بن كيسان لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزُّهْرِيّ، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة فيما استثنى، والله سبحانه وتعالى أعلم. (و) لكن (في رواية ابن عيينة: إمامًا) قال الأبي: الأظهر أنَّه إمام طاعة خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته لا إمام صلاة (مقسطًا) أي عادلًا في خلافته لا جائرًا (وحكمًا عدلًا) أي حاكمًا عادلًا في حكمه وقضائه بين النَّاس لا ظالمًا رائشًا مائلًا عن الحق (وفي رواية يونس) بن يزيد (حكمًا عادلًا، ولم يذكر) يونس في روايته (إمامًا مقسطًا) كما ذكره ابن عيينة (وفي حديث صالح) بن كيسان وروايته (حكمًا مقسطًا كما قال الليث، وفي حديثه) أي في حديث صالح بن كيسان (من الزيادة) على غيره (وحتى تكون السجدة الواحدة) أي ثواب الركعة الواحدة (خيرًا) أي أفضل وأكثر

مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] الآيةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من) ثواب التصدق بـ (الدنيا وما فيها) أي وما في الدنيا والأرض من الأموال والمعادن والخزائن بأسرها، والجملة معطوفة على قوله "حتَّى لا يقبله أحد" في كونه غاية لفيض المال، قال النووي: فمعناه -والله أعلم- أن النَّاس تكثر رغبتهم في الصلاة وسائر الطاعات لقصر آمالهم وعلمهم بقرب القيامة وقلة رغبتهم في الدنيا لعدم الحاجة إليها وهذا هو الظاهر من معنى الحديث، وقال القاضي عياض: معناه أن أجرها خير لمصليها من صدقته بالدنيا وما فيها لفيض المال حينئذ ولهذا لا يوجد من يقبله ولهوانه وقلة الشح به وقلة الحاجة إليه للنفقة في الجهاد لوضع الحرب أوزارها حينئذ وتكون السجدة الواحدة بعينها أو عبارة عن الصلاة، وأهل الحجاز يسمون الركعة سجدة ومنه الحديث "صلينا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها" (ثم) بعد رواية هذا الحديث (يقول أبو هريرة) استشهادًا لهذا الحديث (اقرؤوا) أيها المسلمون (إن شئتم) مصداق هذا الحديث قوله تعالى ({وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}) أي وما من أهل الكتاب أحد يكون في زمن عيسى - عليه السلام - حين نزوله إلَّا آمن بعيسى ({قَبْلَ مَوْتِهِ}) أي قبل موت عيسى - عليه السلام - وعلم أنَّه عبد الله ورسوله وابن أمته وتكون الملة واحدة إسلامية، وفي هذا دلالة ظاهرة على أن مذهب أبي هريرة في الآية عود الضمير في موته على عيسى - عليه السلام - وهذا مذهب جماعة من المفسرين، قال النووي: وذهب كثيرون أو الأكثرون إلى أن الضمير في موته يعود على الكتابي، والمعنى وما من أهل الكتاب أحد يحضره الموت مهما كذب به إلَّا آمن عند موته قبل خروج روحه بعيسى - عليه السلام - وأنه عبد الله وابن أمته ولكن لا ينفعه هذا الإيمان لأنه في حضرة الموت وحالة النزع وتلك الحالة لا حكم لما يفعل أو يقال فيها فلا يصح فيها إسلام ولا كفر ولا وصية ولا بيع ولا عتق ولا غير ذلك من الأقوال لقول الله تعالى {وَلَيسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}، وهذا المذهب أظهر فإن الأول يخص الكتابي بزمن عيسى وظاهر الكتاب عمومه لكل كتابي في زمن عيسى وقبل نزوله ويؤيد هذا المذهب قراءة من قرأ (قبل موتهم)،

294 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ سَعِيدٍ، بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "وَاللهِ، لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخَنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل إن الهاء في (به) يعود على نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم والهاء في موته تعود على الكتابي والمعنى عليه وما أحد من أهل الكتاب إلَّا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلم أنَّه عبده ورسوله حقًّا قبل موت ذلك الكتابي والله سبحانه وتعالى أعلم ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (294) - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقَفيّ مولاهم أبو رجاء البغلاني ثِقَة من العاشرة مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال قتيبة (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثِقَة ثبت فقيه، قال ابن بكير: هو أفقه من مالك من السابعة مات سنة (175) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري أبي سعد المدنِيُّ ثِقَة من الثالثة مات سنة (125) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ثم نون ثم أَلف ممدودة هذا هو المشهور وقال صاحب المطالع يمد ويقصر نظير زكرياء اهـ. نووي. مولى ابن أبي ذباب المدنِيُّ أو البَصْرِيّ روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة والبيوع والدعاء والرحمة، ويروي عنه (ع) وسعيد بن أبي سعيد المقبري وأيوب بن موسى في الصلاة وعمرو بن دينار والحارث بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذباب، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بغلاني؛ وغرضه بسوقه بيان متابعة عطاء بن ميناء لسعيد بن المسيّب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية الأولى (أنَّه) أي أن أَبا هريرة (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لينزلن) من السماء عيسى (ابن مريم) في آخر الزمان، حالة كونه (حكمًا) بسنتي بين أمتي (عادلًا) في حكمه بينهم والفاء في قوله (فليكسرن الصليب) حرف عطف وتعقيب على قوله "لينزلن" وقوله (وليقتلن الخنزير) معطوف على قوله "فليكسرن الصليب" (وليضعن) أي ليسقطن

الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى مَالِ اللهِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (الجزية) فلا يقبلها بل لا يقبل إلَّا الإِسلام (ولتتركن القلاص) بكسر القاف جمع قلوص بفتحها وهي من الإبل كالفتاة من النساء والحدث من الرجال وهو نظير قوله تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)} أي يزهد النَّاس فيها ولا يرغبون في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والفقر والفاقة والعلم بقرب القيامة، وهذه الجملة معطوفة على جملة قوله "لينزلن" (فلا يسعى عليها) بضم الياء على صيغة المجهول أي لا يعتنى بها ولا يهتم بشأنها بل يتساهل أهلها فيها ولا يعتنون بها وهذا هو المعنى الظاهر، وقال القاضي عياض وصاحب المطالع معنى (لا يسعى عليها) أي لا يبعث إليها ساع ولا تطلب زكاتها إذ لا يوجد من يقبلها وهذا تأويل غير صحيح لعدم سقوط الزكاة بغنى النَّاس كما قدمنا والصواب التأويل الأول كما قال النووي، وإنما خصت القلاص بالذكر لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب، وجملة قوله "فلا يسعى عليها" معطوفة مفرعة على جملة "لتتركن"، وجملة قوله (ولتذهبن الشحناء) معطوفة على جملة "ينزلن" أو "تتركن" أي ولترفعن الشحناء أي العداوة الظاهرة بين النَّاس حتَّى بين الحيوانات المؤذية فيما بينها أنفسها وفيما بينها وبين النَّاس، وفي حديث أبي داود "ويضع الله الأمانة في الأرض فلا يبقى بين اثنين عداوة، فترتع الأسود والنمور مع الإبل والبقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الغلمان بالحيات لا يضر بعضها بعضًا"، (والتباغض) أي العداوة الباطنة من البغض وهو ضد الحب (والتحاسد) من الحسد وهو أن يتمنى زوال نعمة الله على المسلم وهو مذموم من الكبائر بخلاف الغبطة وهي أن تتمنى أن يكون لك مثلها من غير أن تزول عنه ويسمى أَيضًا بالتنافس (وليَدعُونَّ) بفتح الياء وضم العين وتشديد النُّون وفاعله ضمير عيسى - عليه السلام -، أي وليدعون عيسى - عليه السلام - النَّاس (إلى مال الله فلا يقبله) أي فلا يقبل المال من عيسى - عليه السلام - (أحد) من النَّاس لغنى النَّاس وعدم المحتاجين. اهـ من "المرقاة" لملا علي. وفي نسخة (وليدعون) بضم الياء وفتح العين وضم الواو وتشديد النُّون على صيغة المبني للمجهول والواو لجماعة الغائبين نائب فاعل أي وليدعى النَّاس إلى المال فلا يقبله أحد والداعي إما عيسى - عليه السلام - وإما غيره من أرباب الأموال، وإنما لا يقبله أحد لما قدمنا من كثرة الأموال وقصر الآمال وعدم الحاجة وقلة الرغبة فيه للعلم بقرب الساعة لأن عيسى علم من أعلام الساعة.

295 - (00) (00) أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، مَوْلَى أبي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث التِّرْمِذِيّ الطويل "إن الله إذا أهلك بدعائه يأجوج ومأجوج وأرسل طيرًا كالبخت تنقل جثثهم إلى البحر وطهر الأرض منهم بماء ينزله من السماء يقال للأرض أخرجي بركتك فحينئذ يأكل من الرمانة العصابة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتَّى يكون الفئام من النَّاس تكفيهم اللقحة الواحدة من البقر وإن الفخذ لتكفيهم اللقحة من الغنم فبينما هم كذلك إذ هبت ريح يقبض الله بها كل مؤمن ويبقى شرار النَّاس يتهارجون وعليهم تقوم الساعة"، و (الفخذ): قبيلة الرَّجل الأدنون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (295) - (00) (00) (أخبرني حرملة بن يحيى) التجيبي أبو حفص المصري صدوق من الحادية عشرة مات سنة (244) قال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ مولاهم أبو محمَّد المصري ثِقَة حافظ من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، قال ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد الأُموي ثِقَة إلَّا أن في روايته عن الزُّهْرِيّ وهمًا قليلًا وفي غير الزُّهْرِيّ خطأ من كبار السابعة مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزُّهْرِيّ أبي بكر المدنِيُّ ثِقَة متقن من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (قال) ابن شهاب (أخبرني نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو ابن عياش بتحتانية ومعجمة الأقرع المدنِيُّ (مولى أبي قتادة الأَنْصَارِيّ) قيل له ذلك للزومه له وكان مولى عقيلة بنت طالق الغفارية أبو محمَّد الغفاري مولاهم روى عن أبي هريرة في الإيمان وأبي قتادة في الحج والجهاد ويروي عنه (ع) والزهري وصالح بن كيسان وسالم أبو النضر وعمر بن كثير بن أفلح وغيرهم، وثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثِقَة من الثالثة (أن أَبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة نافع لسعيد بن المسيّب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيه من المخالفة للرواية السابقة فلا اعتراض عليه

"كَيفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وَإمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ متنًا وسندًا، و (كيف) في قوله (كيف أنتم) للاستفهام التعجبي من حسن الحال حينئذ لا من شدة الأمر، وهو في محل الرفع خبر مقدم و (أنتم) مبتدأ مؤخر أي ما أحسن حالكم أيتها الأمة (إذا نزل) من السماء عيسى (ابن مريم فيكم) أي في الأرض بينكم (وإمامكم) أي والحال أن إمامكم الذي يصلي بكم (منكم) أيتها الأمة لا عيسى ابن مريم بل يصلي عيسى خلف إمامكم تكرمة لهذه الأمة، حين يقول أميركم لعيسي: تعال فصل بنا, فيقول عيسى: لا بل أَنْتَ صل بنا، فيصلي عيسى وراء إمام المسلمين إبقاء لشريعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واتباعًا. له وإخزاء للنصارى وإقامة للحجة عليهم، والمعنى ما أحسن حالكم وقت نزول عيسى فيكم فإنكم تكونون على حالة حسنة في الدين والدنيا مستقيمين في الدين مبسوطين في الدنيا كما هو مبين في حديث جابر الآتي. قال القاضي عياض: قوله (وإمامكم منكم) وفي الحديث الآخر "فأمكم منكم"، فسّره في الكتاب ابن أبي ذئب فقال: فأمكم بكتاب الله وسنة نبيكم، وهذا كلام حسن لأن عيسى ليس يأتي لأهل الأرض رسولًا ولا نبيًّا مبعوثًا ولا بشريعة جديدة لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وشريعته ناسخة لجميع الشرائع راسخة إلى يوم القيامة وإنما يحكم عيسى بها، وأما قوله (إمامكم منكم) فهو مفسر أَيضًا في الحديث من رواية جابر في الأم، حيث قال: "فينزل عيسى فيقول أميرهم: تعال فصل بنا فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة من الله لهذه الأمة" وقوله (حكمًا مقسطًا وإمامًا عادلًا) دليل أَيضًا على أنَّه لم يأت بشرع محدث ولا أرسل بملة جديدة ولا جاء نبيًّا مبعوثًا. اهـ قال الأبي: قال ابن العربي: وقيل يعني بـ (منكم) أي من قريش، وقيل يعني الإِمام المهدي الآتي في آخر الزمان الذي صح فيه حديث التِّرْمِذِيّ من طريق ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذهب الدنيا حتَّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي واسم أَبيه اسم أبي"، ومن طريق أبي هريرة: "لو لم يبق من الدنيا إلَّا يوم لطوله الله حتَّى يلي ... " وفي أبي داود عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف" فالأجلى الذي انحسر شعر مقدم رأسه والأقنى من به احديداب في الأنف، وفيه أَيضًا عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة يعمل في النَّاس بسنة نبيهم ويلقي الإِسلام بجرانه إلى الأرض يلبث سبع سنين ثم يموت ويصلي عليه

296 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "كَيفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمون"، قال ابن العربي: وما قيل إنه المهدي بن أبي جعفر المنصور لا يصح فإنه وإن وافق اسمه اسمه واسم أَبيه اسم أَبيه فليس من ولد فاطمة وإنما هو المهدي الآتي في آخر الزمان. اهـ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (296) - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي أبو عبد الله المؤدب صدوق ربما وهم من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، قال ابن حاتم (حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزُّهْرِيّ أبو يوسف المدنِيُّ ثِقَة من التاسعة مات سنة (208) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا قال يعقوب (أخبرنا) محمَّد (ابن أخي ابن شهاب) عبد الله بن مسلم الزُّهْرِيّ المدني صدوق له أوهام من السادسة مات سنة (152) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن عمه) محمَّد بن مسلم بن شهاب الزُّهْرِيّ أبي بكر المدنِيُّ من الرابعة (قال) ابن شهاب (أخبرني نافع) بن عباس الغفاري مولاهم (مولى أبي قتادة الأَنْصَارِيّ) السلمي أي ملازمه، واسم أبي قتادة الحارث بن ربعي على المشهور وقيل عَمرو بن ربعي وقيل عون بن ربعي وقيل غير ذلك، روى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب ويروي عنه (ع) وولداه عبد الله وثابت ومولاه أبو محمَّد نافع بن عباس وأنس بن مالك وجماعة وشهد أحدًا والمشاهد, له مائة وسبعون حديثًا (170) اتفقا على أحد عشر وانفرد (خ) بحديثين و (م) بثمانية (أن أَبا هريرة قال) وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم مدنيون إلَّا محمَّد بن حاتم فإنَّه بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن أخي الزُّهْرِيّ يونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في لفظة (وأمكم) كما سيأتي قريبًا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنتم) أي ما أحسن حالكم (إذا نزل) عيسى (ابن مريم فيكم

وَأَمَّكُمْ؟ ". 297 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمكم) وفي بعض النسخ (فأمكم) بالفاء أي صار إمامًا وأميرًا وخليفة لكم وحكم بينكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبهذا التفسير وبما سبق في الرواية السابقة اندفعت المعارضة بين قوله "وإمامكم منكم" أي إمام الصلاة وقوله (وأمكم) أي صار إمامًا وأميرًا لكم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (297) - (00) (00) (وحدثنا) وفي بعض النسخ (حَدَّثني) (زهير بن حرب) بن شداد الخرشي أبو خيثمة النَّسائيّ ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (20) بابا، قال زهير (حَدَّثني الوليد بن مسلم) القُرشيّ الأُموي مولى بني أمية أبو العباس الدِّمشقيّ قال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث، وقال في التقريب ثِقَة لكنه كثير التدليس والتسوية أي يدلس تدليس التسوية وهو أن يسقط من سنده غير شيخه لكونه ضعيفًا أو صغيرًا ويأتي بلفظ محتمل أنَّه من الثقة الثاني تحسينًا للحديث، قال في التقريب: وهو شر أنواعه من الثامنة مات سنة (195) روى عنه في (6) أبواب قال الوليد (حَدَّثَنَا) محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القُرشيّ العامري أبو الحارث المدنِي أحد الأئمة الأعلام روى عن الزُّهْرِيّ في الإيمان واللعان والفرائض والهبة وغيرها، والقاسم بن عياش في الصوم، وسعيد المقبري في الحج، ونافع في العتق وغيره، ومهاجر بن مسمار في الجهاد ويروي عنه (ع) والوليد بن مسلم ووكيع ويحيى بن سعيد وابن أبي فديك وابن نمير وابن وهب وشبابة وخلق. وقال أَحْمد: يشبه بابن المسيّب وهو أصلح وأورع وأقوم بالحق من مالك. ولما حج المهدي دخل مسجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال له المسيّب بن زهير: قم؛ هذا أمير المُؤْمنين. فقال ابن أبي ذئب: إنما يقوم النَّاس لرب العالمين. فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي. وقال ابن معين: ثِقَة، وقال يعقوب بن شيبة: ابن أبي ذئب ثِقَة صدوق غير أن روايته عن الزُّهْرِيّ خاصة تكلم فيها بعضهم بالاضطراب، وقال

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "كَيفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ؟ ". فَقُلْتُ لابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: إِن الأَوْزَاعِيَّ حَدَّثَنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ: "وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ" قَال ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: تَدْرِي مَا أَمَّكُمْ مِنْكُمْ؟ قُلْتُ: تُخْبِرُنِي. قَال: "فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالى وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النَّسائيّ: ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة فقيه فاضل من السابعة مات سنة ثمان وخمسين ومائة (158) روى عنه في ثمانية أبواب كما بينا. (عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزُّهْرِيّ المدنِيُّ ثِقَة من الرابعة (عن نافع) بن عباس الغفاري مولاهم (مولى أبي قتادة) الأَنْصَارِيّ السلمي أي ملازمة أبي محمَّد المدنِيُّ (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد دمشقي وواحد نسائي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي ذئب لابن أخي ابن شهاب في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنتم) أي شيء عجيب حسن حالكم (إذا نزل فيكم) عيسى (ابن مريم فأمكم) أي صار إمامًا وأميرًا وخليفة لكم (منكم) أي بكتابٍ من ربكم وسنة نبيكم، قال الوليد بن مسلم (فقلت لابن أبي ذئب) محمَّد بن عبد الرَّحْمَن (إن) عبد الرَّحْمَن بن عمرو بن يحمد (الأوزاعي) نسبة إلى أوزاع قبيلة من حمير أو قرية بدمشق، أَبا عمرو الشَّاميّ ثِقَة فاضل جليل من السابعة مات في الحمام سنة (157) روى عنه في (12) بابا (حَدَّثَنَا عن الزُّهْرِيّ عن نافع عن أبي هريرة) بلفظ (وإمامكم) الذي يصلي بكم (منكم) لا عيسى، إشعارًا بأنه نزل مقررًا لشريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم قال الوليد بن مسلم: فـ (قال) لي (ابن أبي ذئب تدري) وتعلم جواب استفهام (ما) معنى (أمكم منكم) قال الوليد بن مسلم (قلت) لابن أبي ذئب: أنا ما أدري جواب هذا الاستفهام! وأنت (تخبرني) أي تخبرني أَنْتَ يَا ابن أبي ذئب جواب هذا الاستفهام (قال) ابن أبي ذئب معنى "أمكم منكم" أي (فأمكم بكتاب ربكم) أي صار إمامًا حاكمًا بينكم بكتاب ربكم وفرقانه الذي أنزله على محمَّد صلى الله عليه وسلم (تبارك) أي تكاثر وتزايد خيره سبحانه (وتعالى) أي ترفع عن كل ما لا يليق به من سمات النقص (و) بـ (سنة نبيكم) محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) أي حديثه وطريقته وشريعته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

298 - (148) (71) حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَحَجَّاجُ بن الشَّاعِرِ". قَالُوا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ) عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواه بهذا اللفظ أَحْمد (2/ 336) والبخاري (3449) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: (298) - (148) (71) (حَدَّثَنَا الوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس الكندي أبو همام الكُوفيّ روى عن حجاج بن محمَّد في الإيمان, وابن وهب في الجنائز والزكاة والحدود، وأبيه في الحوض، وعلي بن مسهر في الجهاد والأطعمة والفضائل، ويروي عنه (م د ت ق) وأبوه أبو بدر وإبراهيم الحربي وموسى بن هارون وابن أبي الدنيا وغيرهم، وقال ابن معين والنَّسائيّ: لا بأس به، وقال أبو حاتم: شيخ صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة من العاشرة مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين (243) على الصحيح روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (و) حدثنا أَيضًا (هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزَّاز. الحافظ المعروف بالحمال بالمهملة وثقه الدارقطني، وقال في التقريب ثِقَة من العاشرة مات. سنة (243) وقد ناهز. أي قارب الثمانين (80). (و) حدثنا أَيضًا (حجاج) بن يوسف بن حجاج المعروف بـ (ابن الشَّاعر) الثَّقَفيّ أبو محمَّد البغدادي ثِقَة حافظ من الحادية عشرة. مات سنة (259) روى عنه في (13) بابا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي. قال كل من الثلاثة (حَدَّثَنَا حجاج) بن محمَّد الأعور الهاشمي مولاهم المصيصي أبو محمَّد البغدادي التِّرْمِذِيّ الأصل نزل بغداد ثم سكن المصيصة ثِقَة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغدادَ قبل موته من التاسعة مات ببغداد سنة (206) مائتين وست روى عنه في (3) أبواب، وأتى بـ (هو) في قوله (وهو ابن محمَّد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته كما مر مرارًا (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) القُرشيّ الأُموي مولاهم أبي خالد المكيّ ثِقَة فقيه وكان يدلس ويرسل من السادسة مات سنة (150) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا, (قال) ابن جريج (أخبرني أبو الزُّبير) محمَّد بن مسلم بن تدرس القرشي مولاهم المكي ثِقَة مدلس، وقال في التقريب: صدوق مدلس من الرابعة مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (أنه) أي أن أَبا الزُّبير المكيّ (سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأَنْصَارِيّ السلمي أَبا

يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ يَقُولُ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَال: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَال صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرَّحْمَن المدنِي الصحابي ابن الصحابي مات بالمدينة سنة (94) روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بغداديان وواحد مدني، وغزضه بسوقه الاستشهاد بحديثه لحديث أبي هريرة السابق، حالة كون جابر (يقول سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول لا تزال طائفة) أي جماعة (من أمتي) أمة الإجابة، والطائفة هم الجماعة المتعددة من أنواع المُؤْمنين ما بين شجاع وفقيه ومحدث ومفسر ولا يلزم أن يكونوا كما ذكر النواوي مجتمعين في بلد واحد (يقاتلون) أعداءهم الكفار ردًّا لهم (على) دين (الحق) والطريق المستقيم، ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالًا من فاعل (يقاتلون) أي حال كونهم على الدين الحق (ظاهرين) أي عالين غالبين على من ناوأهم منتصرين عليهم (إلى) قرب (يوم القيامة) وقد تقدم أنَّه ليس بمعارض لحديث "لا تقوم الساعة حتَّى لا يقال الله الله" لأن المعنى هنا إلى قرب يوم القيامة كما قدرناه في الحل وهذا القرب هو حين تهب الريح المتقدمة الذكر. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فينزل عيسى ابن مريم) من السماء في سحابة وضبابة مطيرة في آخر الليل فيدخل على جماعة مجتمعين في مسجد بيت المقدس، أميرهم المهدي بعد ما أذنوا لصلاة الصبح وأقاموا، وفي العتبية قال مالك: بينا النَّاس قيام يستمعون لإقامة الصلاة فتغشاهم غمامة فإذا عيسى قد نزل. اهـ (فيقول أميرهم) وهو الإِمام المهدي لعيسى - عليه السلام - (تعال) أي أقبل إلى موقف الإِمام فـ (صل) إمامًا (لنا فيقول) عيسى - عليه السلام - (لا) أصلي إمامًا لكم ولكن أصلي خلف إمامكم فـ (إن بعضكم) أيتها الأمة المحمدية خلفاء (على بعض أمراء) عليهم، وجملة (إن) معللة للجملة المنفية المحذوفة مع بقاء النافي، وقوله (تكرمة الله) مصدر سماعي لي (كرَّم) المضعف غير قياسي لأنه إنما يكون قياسًا في المضعف المعتل اللام كزكى تزكية فهو إما منصوب على المفعولية المطلقة بفعله المحذوف والتقدير كرم الله سبحانه وتعالى (هذه الأمة) المحمدية تكريمًا وشرفها تشريفًا فلذلك أبي عيسى عليه

هذِهِ الأُمَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام عن الإمامة بهم أو على أنَّه مفعول لأجله للجملة المحذوفة تقديرها فيصلي عيسى وراءهم لأجل تكرمة الله تعالى هذه الأمة، قال ابن العربي: وفي امتناع عيسى عليه السلام من التقدم للإمامة إبقاء لشريعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واتباع له وإسخان لأعين النصارى وإقامة الحجة عليهم. اهـ عارضة الأحوذي. ودليل على أنَّه لم يأت بشرع محدث ولا أرسل بملة جديدة ولا جاء نبيًّا مبعوثًا. اهـ من الإكمال. وهذا الحديث -أعني حديث جابر- مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى من أصحاب الأمهات فجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب من الأحاديث اثنان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات والثاني حديث جابر وذكره للاستشهاد. ***

83 - (42) باب: بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان ولا العمل الصالح

83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ 299 - (149) (72) حدثنا يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي فيها ذكر الزمن الذي لا يقبل الله سبحانه وتعالى فيه الإيمان من نفسٍ لم تكن آمنت من قبل ولا يقبل الله فيها العمل الصالح من نفس لم تكن عملت في إيمانها خيرًا. (299) - (149) (72) (حَدَّثَنَا يحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكرياء العابد البغدادي، ثِقَة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقَفيّ مولاهم أبو رجاء البغلاني، ثِقَة ثبمت من العاشرة مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (وعلي بن حجر) بتقديم الحاء المضمومة وسكون الجيم ابن إياس السعدي أبو الحسن البغدادي ثم المروزي، ثِقَة من العاشرة مات سنة (244) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الأَنْصَارِيّ الزُّرَقيّ مولاهم أبو إسحاق المدنِيُّ، ثِقَة ثبت من الثامنة مات سنة (180) روى عنه في اثني عشر بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعنون) أي يعني كل من الثلاثة بإسماعيل المطلق عن النسبة (ابن جعفر) إشعارًا بأن هذه النسبة من الزيادة التي زادها من عند نفسه بلا سماع منهم إيضاحًا للراوي (عن العلاء) بن عبد الرَّحْمَن بن يعقوب الجهني الحُرَقي مولاهم أبي شبل المدنِيُّ، صدوق ربما وهم، من الخامسة مات سنة (133) روى عنه في (4) أبواب، وأتى بـ (ـهو) في قوله (وهو ابن عبد الرَّحْمَن) تورعًا من الكذب على شيخه وإيضاحًا للراوي (عن أَبيه) عبد الرَّحْمَن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم المدنِيُّ، ثِقَة من الثالثة روى عنه في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا واحدًا فإنَّه إما بغدادي أو بغلاني أو

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ قَال: "لا تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. فَيَوْمَئِذٍ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيرًا} [الأنعام: 158] ـــــــــــــــــــــــــــــ مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتَّى تطلع الشَّمس) بنفسها حقيقة (من مغربها) أي من أفق غروبها إشعارًا بأن الدنيا قد قرب انتهاؤها (فهذا طلعت) الشَّمس (من مغربها) أي من أفقها الغربي (آمن) بالله وبرسوله وبما جاء به وصدقهما (النَّاس كلهم أجمعون) كتابيين كانوا أو غيرهم لعلمهم أن الدنيا قد قرب انتهاؤها لأن طلوعها من مغربها من أشراطها (فيومئذ) أي فيوم إذ طلعت الشَّمس من مغربها، والظرف متعلق بقوله ({لَا يَنْفَعُ}) وقوله ({نَفْسًا}) مفعول مقدم، وقوله ({إِيمَانُهَا}) فاعل مؤخر، وجملة قوله ({لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}) أي من قبل طلوعها من مغربها صفة لـ (نفسًا)، وجملة قوله ({أَوْ كَسَبَتْ}) وعملت ({فِي إِيمَانِهَا خَيرًا}) معطوفة على (آمنت)، والتقدير فيومئذ لا ينفع نفسًا لم تكن آمنت من قبل أو لم تكن كسبت في إيمانها خيرًا إيمانها في ذلك اليوم أو كسبها في ذلك اليوم كالإيمان وقت الغرغرة وهذه الجملة نفس آية (158) من سورة الأنعام، وهذا الحديث من أفراد الإِمام مسلم رحمه الله تعالى لم يخرجه غيره كما في التحفة، وفي هامش الإكمال قوله ({لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}) في موضع الصفة للنفس أي لا ينفع نفسًا غير مؤمنة قبل إيمانها الآن إيمانها في ذلك اليوم وذلك لإغلاق باب التوبة ورفع الصحف والحفظة، وعدم نفع الإيمان حينئذ كعدم نفعه عند حضور الموت بجامع أن كلًّا منهما عاين أحوال الآخرة فهو في حكم الميت، وهل انقطاع نفع الإيمان والتوبة بأول طلوع لها من أفق من الآفاق بمغربه أو عند طلوعها من كل أفق على أصحابه من مغربهم؟ قولان. اهـ قال القرطبي: ومذهب أهل السنة حمل طلوع الشَّمس من مغربها وغيرها من الآيات على ظاهرها إذ لا إحالة فيها وهي أمور ممكنة في أنفسها وقد تظاهرت الأخبار الصحيحة بها مع كثرتها وشهرتها فيجب التصديق بها ولا يلتفت لشيء من تأويلات المبتدعة والباطنية لها. اهـ مفهم قال الطيبي: الآيات أمارات للساعة إما على قربها وإما على حصولها، فمن الأول الدجال ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج والخسف، ومن الثاني الدخان وطلوع الشَّمس من مغربها وخروج الدابة والنار التي تحشر النَّاس. اهـ وعبارة الأبي هنا. قوله (لا تقوم

300 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَابْنُ نُمَيرٍ، وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الساعة حتَّى تطلع الشَّمس من مغربها) طلوعها أحد الأشراط المنتظرة وهو على ظاهره، وتأولته المبتدعة القائلون بقدم العالم المحيلون لانعكاس حركة الأفلاك والكواكب السبعة المتحركة، وعدم نفع الإيمان حينئذ كعدم نفعه عند حضور الموت بجامع أن كلًّا منهما عاين أحوال الآخرة فهو في حكم الميت وأنت تعرف أن طلوع الشَّمس من المشرق تختلف فيه الآفاق فتطلع من أفق قبل أفق وكذلك إذا طلعت من المغرب، فعدم نفع الإيمان يحتمل أنَّه بأول طلوع يعرض لها حتَّى في أفق من لم تطلع عليه بأفقه بعد، ويحتمل أنَّه في حق من طلعت بأفقهم فقط، وأما من بعدهم فحتى تطلع بأفقهم وأنت أَيضًا تعرف أن الشَّمس إحدى الكواكب السبعة السيارة وأن حركتها في نفسها إنما هي من المغرب إلى المشرق وعكس حركة الفلك التي هي من المشرق إلى المغرب ولسرعة حركة الفلك ترى كأنها متحركة من المشرق إلى المغرب فطلوعها من المغرب يحتمل أنَّه بانعكاس حركة الفلك أو حركة نفسها والأول أظهر، ولم يرد هل يستمر طلوعها من المغرب بقية عمر العالم أر يومًا فقط. اهـ منه ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (300) - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا (و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ، ثِقَة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (وأبو كُريب) محمَّد بن العلاء بن كُريب الحافظ الكُوفيّ، ثِقَة من العاشرة مات سنة (248) وأوصى أن تدفن كتبه معه فدفنت روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حَدَّثَنَا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضَّبِّيّ مولاهم أبو عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ، صدوق من التاسعة مات سنة (195) روى عنه في (20) بابًا تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النَّسائيّ، ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (20) بابًا تقريبًا، قال زهير (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ أبو عبد الله. الكُوفيّ، ثِقَة من الثامنة مات سنة

كِلَاهُمَا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (188) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف مشايخ مشايخه وإن اتحد شيخ الكل وهو عمارة بن القعقاع (كلاهما) أي كل من ابن فضيل وجرير رويا (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة من السادسة روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليّ الكُوفيّ، ثِقَة من الثالثة روى عنه في (2) بابين تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدنِيُّ، وهذان السندان من خماسياته رجالهما كلهم كوفيون إلَّا اثنين زهير بن حرب فإنَّه نسائي وأبا هريرة فإنَّه مدني، وغرضه بسوقهما بيان متابعة أبي زرعة لعبد الرَّحْمَن بن يعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) بمثله (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) قال أبو بكر (حَدَّثَنَا حسين بن عليّ) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة من التاسعة مات سنة (203) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن زائدة) بن قدامة الثَّقَفيّ أبي الصلت الكُوفيّ، ثِقَة من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (عن عبد الله بن ذكوان) الأموي مولاهم أبي عبد الرَّحْمَن المدنِيُّ ويلقب بأبي الزِّناد مشهور به، وذكوان هذا هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه، قال أَحْمد: ثِقَة أمير المُؤْمنين، وقال البُخَارِيّ: أصح الأسانيد أبو الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال في التقريب: ثِقَة فقيه من الخامسة مات فجأة سنة (130) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الرَّحْمَن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدنِي القارئ، ثِقَة ثبت قارئ من الثالثة مات سنة (117) بالإسكندرية روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) بمثل حديث عبد الرَّحْمَن بن يعقوب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لعبد الرَّحْمَن بن يعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه.

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا محمَّد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة من الحادية عشرة مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا تقريبًا، قال ابن رافع (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري مولاهم أبو بكر الصَّنْعانِيّ، ثِقَة من التاسعة مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، قال عبد الرَّزّاق (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأَزدِيّ مولاهم أبو عروة البَصْرِيّ، ثِقَة من كبار السابعة مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب وفي بعض النسخ (خ) وأخبرنا محمَّد بن رافع أخبرنا عبد الرَّزّاق أخبرنا معمر (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصَّنْعانِيّ، ثِقَة من الرابعة مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرَّحْمَن بن صخر الدوسي المدنِيُّ (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) بمثل حديث عبد الرَّحْمَن بن يعقوب عن أبي هريرة، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة همام بن منبه لعبد الرَّحْمَن بن يعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث العلاء عن أَبيه عن أبي هريرة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) تنازع فيه العوامل في المتابعين الذين هم أبو زرعة وعبد الرَّحْمَن الأعرج وهمام بن منبه كما أشرنا إليه في الحل، والتقدير حَدَّثَنَا أبو زرعة وحدثنا الأعرج وحدثنا همام بن منبه عن أبي هريرة بمثل حديث عبد الرَّحْمَن بن يعقوب عن أبي هريرة، وفي بعض النسخ مثل العلاء بإسقاط الباء فظهر مما قررنا أن عبارة المؤلف فيها تصحيف من النساخ فهي غير صواب، والصواب بمثل حديث عبد الرَّحْمَن بن يعقوب عن أبي هريرة لأن المتابَع بفتح الباء لهؤلاء الثلاثة هو عبد الرَّحْمَن لا العلاء بن عبد الرَّحْمَن إلَّا إن جعلنا المتابعة ناقصة فجعلناها بين عمارة بن القعقاع وعبد الله بن ذكوان ومعمر بن راشد وبين العلاء بن عبد الرَّحْمَن ولكن لا ضرورة إلى هذا التكلف والصواب ما قلنا والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

301 - (00) (00) وحدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، جَمِيعًا عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَروَانَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ محمدُ بْنُ الْعَلَاءِ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (301) - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ من العاشرة (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النَّسائيّ، ثِقَة من العاشرة (قالا) أي قال كل من أبي بكر وزهير بن حرب (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكُوفيّ، ثِقَة من التاسعة مات سنة (196) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنيه) أي حَدَّثني الحديث الآتي (زهير بن حرب) الحرشي النَّسائيّ، ثِقَة من العاشرة، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماعه من زهير عن وكيع وسماعه من زهير عن إسحاق بن يوسف الأزرق، قال زهير (حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي أبو محمَّد (الأزرق) الواسطيّ، ثِقَة من التاسعة مات سنة (195) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (جميعًا) حال من وكيع وإسحاق أي حَدَّثَنَا كل منهما حالة كونهما مجتمعين في الرواية لنا (عن فضيل بن غزوان) بفتح المعجمة وسكون الزاي بن جرير الضَّبِّيّ مولاهم أبي الفضل الكُوفيّ روى عن أبي حازم في الإيمان والزكاة والأطعمة وصفة النَّار، وعمارة بن القعقاع في الزكاة والفضائل والزهد، وزُبَيد الياميّ في الحج، وعبد الرَّحْمَن بن أبي نُعْم في البيوع وحق المملوك، وأبي زرعة بن عمروفي البيوع، وطلحة بن عبيد الله بن كريز في الدعاء، ونافع في الغار، وسالم في الفتن ويروي عنه (ع) وابنه محمَّد ووكيع وإسحاق الأزرق وجرير بن عبد الحميد والمحاربي وعبد الله بن نمير والثوري وغيرهم، وقال في التقريب: ثِقَة من كبار السابعة مات سنة (140) في خلافة المنصور روى عنه في (13) بابا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا أبو كُريب محمَّد بن العلاء) بن كُريب الهمداني الكُوفيّ، ثِقَة من العاشرة، وأتى بجملة قوله (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (له) أي لأبي كُريب لا لغيره تورعًا من الكذب على غيره لأنه لو لم يأت بها لأوهم أن غيره روى اللفظ الآتي، قال أبو كُريب (حَدَّثَنَا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضَّبِّيّ

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ، لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأرْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكُوفيّ (عنْ أَبيه) فضيل بن غزوان الضَّبِّيّ الكُوفيّ (عن أبي حازم) سلمان الأَشجعيّ مولى عزة الكُوفيّ، ثِقَة من الثالثة مات سنة (100) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدنِيُّ رضي الله عنه وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته الأول منها رجاله كلهم كوفيون إلَّا أَبا هريرة فإنَّه مدني والثاني منها رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد واسطيّ وواحد نسائي والثالث منها رجاله. كلهم كوفيون إلَّا أَبا هريرة فإنَّه مدني، وغرضه بسوقها بيان متابعة أبي حازم لعبد الرَّحْمَن بن يعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة على الرواية الأولى (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث) من أمارات الساعة (إذا خرجن) وظهرن (لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) أي لا ينفع نفسًا لم تكن آمنت من قبل ظهور تلك الثلاث (أو) لم تكن (كسبت في إيمانها خيرًا) أي عملًا صالحًا من قبل ظهور تلك الثلاث إيمانها ولا كسبها عند ظهور تلك الأمارات الثلاث، إحدى تلك الثلاث (طلوع الشَّمس من مغربها و) ثانيتها (الدجال) أي خروجه من محبسه من الجزائر إلى الأرض لإفساد النَّاس وفتنتهم عن دينهم (و) ثالثتها (دابة الأرض) أي خروجها من جبل أجياد في مكة أيام التشريق والناس في منى تكتب على جبهة كل أحد، وقيل تخرج من جبل الصفا بمكة وهي فصيل ناقة صالح - عليه السلام - فإنه لما عقرت أمه هرب فانفتح له الحجر فدخل في جوفه ثم انطبق عليه الحجر فهو فيه حتَّى يخرج بإذن الله تعالى في آخر الزمان، وعن علي رضي الله تعالى عنه أنها تخرج في ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج كل يوم إلَّا ثلثها، وعن الحسن رحمه الله تعالى لا يتم خروجها إلَّا بعد ثلاثة أيام، وروي أن طولها ستون ذراعًا بذراع آدم - عليه السلام - لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، وروي أن الدابة تخرج من الصفا ومعها عصا موسى وخاتم سليمان فتضرب المؤمن بين عينيه بعصا موسى - عليه السلام - فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتَّى يضيء لها وجهه وتكتب بين عينيه مؤمن وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه فتفشو النكتة حتَّى يسود لها وجهه وتكتب بين عينيه كافر وتقول لهم أَنْتَ يَا فلان من أهل

302 - (150) (73) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَال ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة وأنت يَا فلان من أهل النَّار، فخروجها حق يجب الإيمان به قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِمْ} أي وإذا ثبت نزول العذاب على الكفار وذلك إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر وهو يكون بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ} ولم يرد نص صحيح بتعيين محل خروجها وتعيين جنسها والله أعلم. واختلف في أول الآيات خروجًا فقيل أولها طلوع الشَّمس من مغربها وقيل خروج الدابة، ومن رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر مرفوعًا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "وأيتها كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها" رواه ابن أبي شيبة (35/ 19) وفي حديث أنس "أول أشراط الساعة نار تخرج من اليمن تحشر النَّاس" رواه مسلم (2901) وأبو داود (1 431) والتِّرمذيّ (2184) وابن ماجه (4041) وفي حديث حذيفة بن أسيد "آخر ذلك النَّار" رواه مسلم وأبو داود والتِّرمذيّ، قال الأبي: يتعين أن يكون الآخر الطلوع ليصدق الحديثان وإلا تنافيا ولم يصدق إلَّا أحدهما لأنك إن جعلته الثاني من الثلاث لم يصدق الحديث الأول وكذلك إن جعلته الثالث. اهـ وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أَحْمد (2/ 445) والتِّرمذيّ (3074)، ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما فقال: (302) - (150) (73) (حَدَّثَنَا يحيى بن أَيُّوب) المَقابري بفتح الميم والقاف أبو زكريا البغدادي، ثِقَة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب ابن راهويه المروزي، ثِقَة حافظ مجتهد من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه كلاهما رويا (جميعًا) أي حالة كونكما مجتمعين في الرواية (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم القُرشيّ الأسدي مولاهم أبي بشر البَصْرِيّ المعروف بـ (ابن عليّة) أمه مولاة لبني أسد بن خزيمة أَيضًا ثِقَة حافظ من الثامنة مات سنة (193) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا، وأتى بجملة قوله ولكن (قال) يحيى (بن أَيُّوب حَدَّثَنَا ابن عليّة) بصيغة السماع تورعًا من الكذب عليه لأنه لو لم يأت بها لأوهم أنَّه روى بالعنعنة أَيضًا، قال ابن عليّة

حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيمِيِّ (سَمِعَهُ فِيمَا أَعْلَمُ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ قَال يَوْمًا: "أَتَدْرُونَ أَينَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا يونس) بن عبيد بن دينار القيسي مولى عبد القيس أبو عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت فاضل ورع من الخامسة مات سنة (139) روى عنه في ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن إبراهيم بن يزيد) بن شريك (التَّيميّ) تيم الرباب أبي أسماء الكُوفيّ العابد القدوة روى عن أَبيه في الإيمان والصلاة وغيرهما، والحارث بن سويد في الأشربة وكفارة المرضى، ويروي عنه (ع) ويونس بن عبيد والأعمش وعياش العامري وزبيد اليامي وعبد الرَّحْمَن بن أبي الشعثاء وبيان بن بشر وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال الأَعمش: كان إذا سجد تجيء العصافير فتنقر على ظهره، وقال لي: ما أكلت منذ أربعين ليلة إلَّا حبَّة عنب، وقال في التقريب: ثِقَة إلَّا أنَّه يرسل ويدلس من الخامسة مات سنة (92) اثنتين وتسعين، وقيل إن الحجاج قتله روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال يونس بن عبيد (سمعه) أي سمع إبراهيم بن يزيد الحديث (فيما أعلم) وأظن (عن أَبيه) يزيد بن شريك بن طارق التَّيميّ تيم الرباب أبي إبراهيم الكُوفيّ روى عن أبي ذر في الإيمان والصلاة والحج، وعلي بن أبي طالب في الحج والعتق، وأبي مسعود الأَنْصَارِيّ في حق المماليك، وحذيفة في الجهاد وابن مسعود ويروي عنه (ع) وابنه إبراهيم وإبراهيم النَّخَعيّ وجواب التَّيميّ والحكم بن عتيبة وهمام بن عبد الله التَّيميّ، وثقه ابن معين وابن حبان وقال في التقريب: أدرك الجاهلية من الثَّانية مات في خلافة عبد الملك روى عنه في ستة أبواب (6) تقريبًا، وجعل قوله (سمعه فيما أعلم) بين قوسين إشارة إلى أنَّه ساقط في بعض النسخ (عن أبي ذر) الغفاري الصحابي المشهور جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار تقدم إسلامه وتأخرت هجرته وهو أول من حيا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بتحية الإِسلام مات بالربذة سنة (32) في خلافة عثمان ودفن فيها له (281) حديثًا، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد بغدادي أو مروزي. (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال يومًا) من الأيام لمن عنده (أتدرون) أي هل تعلمون أيها الحاضرون، والاستفهام فيه استفهام استنطاق لا استفهام استخبار (أين تذهب هذه الشَّمس) أي إلى أي مكان تجري وتسير هذه الشَّمس المنيرة في السماء الرابعة (قالوا) أي قال الحاضرون (الله ورسوله أعلم) إلى أين تذهب (قال) رسول الله

"إِنّ هذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً، فَلَا تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يُقَال لهَا: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِنْ حَيثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ، فَتُصْبحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا، ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجدَةً. وَلا تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يُقَال لَهَا: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِنْ حَيثُ جِئْتِ. فَتَرْجِعُ، فَتُصْبحُ طَالِعَةٌ مِنْ مَطْلِعِهَا. ثُمَّ تَجْرِي لا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ، تَحْتَ الْعَرْشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (إن هذه) الشَّمس (تجري) وتسير في منازلها كل يوم (حتَّى تنتهي) وتصل آخر كل يوم (إلى مستقرها) أي إلى محل قرارها وسكونها ووقوفها ومحطتها في فلكها وسمائها (تحت العرش) طلبًا للاستئذان في الطلوع من مشرقها، وتقييد مستقرها بكونه تحت العرش بيان للمعلوم لأن السماوات والأرضين كلها تحت العرش (فـ) إذا وصلت إلى مستقرها ومركزها (تخر) وتسقط (ساجدة) وخاضعة لله تعالى طلبًا للاستئذان في الطلوع من مشرقها (فلا تزال كذلك) أي ساجدة طول الليل (حتَّى يقال لها) من جهته سبحانه وتعالى (ارتفعي) أيتها الشَّمس من سجودك و (ارجعي) طالعة (من حيث جئت) أي من مشرقك ومطلعك فقد أذنا لك في الطلوع من مشرقك (فترجع) إلى مطلعها (فتصبح) أي فتكون في الصباح (طالعة) أي خارجة (من مطلعها) أي من مشرقها المعتاد (ثم) بعد طلوعها في اليوم الثاني (تجري) وتسير في منازلها (حتَّى تنتهي) وتصل في اليوم الثاني (إلى مستقرها) وموقفها في فلكها وسمائها الذي كان (تحت العرش) والتقييد به بيان للمعلوم لأن كل مخلوق تحت العرش ومستقرها هو في سمائها (فتخر) أي تسقط في الليلة الثَّانية مثلًا (ساجدة) طلبًا للإذن في الطلوع في اليوم الثالث (ولا تزال) أي ولا تبرح (كذلك) أي ساجدة في مستقرها (حتَّى يقال لها ارتفعي) من سجودك و (ارجعي) طالعة (من حيث جئت) أي من مطلعك المعتاد (فترجع) إلى مطلعها (فتصبح) أي فتكون في الصباح (طالعة من مطلعها) المعتاد (ثم) بعد طلوعها (تجري) وتسير في منازلها هكذا ساجدة وطالعة كل يوم مدة بقاء الدنيا حالة كونها (لا يستنكر) أي لا ينكر فالسين والتاء زائدتان (النَّاس منها) أي من جريانها وسيرها طالعة وغاربة (شيئًا) مما يخالف عادتها في السير أي لا يجدون منها شيئًا بخلاف عادتها (حتَّى تنتهي) وتصل يومًا من الأيام (إلى مستقرها) وموقفها (ذاك) أي الذي تسجد فيه (تحت العرش) فتخر ساجدة طلبًا للاستئذان

فَيُقَالُ لَهَا: ارْتَفِعِي، أَصْبِحِي طَالِعَةً مِن مَغْرِبِكِ، فَتُصْبحُ طَالِعةً من مَغرِبِهَا". فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ؟ ذَاكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ في طلوعها من مطلعها (فيقال لها ارتفعي) من سجودك. و (أصبحي) وكوني في الصباح (طالعة من مغربك) أي من محل غروبك ولا ترجعي إلى مطلعك (فتصبح) أي فتكون في الصباح (طالعة من مغربها) إشعارًا بانتهاء الدنيا وخرابها وتغير نظامها المعتاد (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده (أتدرون متى ذاكم) أي هل تعلمون في أي زمن يقع ذاك أي طلوعها من مغربها، واسم الإشارة راجع إلى طلوعها من مغربها، والكاف حرف دال على خطاب الحاضرين، فإن لم تعلموا متى يقع ذاك فأنا أخبركم وأقول لكم (ذاك) أي زمن طلوعها من مغربها (حين لا ينفع) أي زمن لا ينفع فيه (نفسًا إيمانها) إذ ذاك أي لا ينفع نفسًا (لم تكن آمنت من قبل) أي من قبل ذلك (أو) لم تكن (كسبت في إيمانها خيرًا) وعملًا صالحًا، إيمانها وعملها في ذلك اليوم لانغلاق باب التوبة وارتفاع الحفظة إلى السماء. وفي المراح (قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}) أي لحد معين ينتهي إليه دورها فتقف في مستقر لها ولا تنتقل عنه، ومستقرها هو مكان تحت العرش تسجد فيه كل ليلة عند غروبها فتستمر ساجدة فيه طول الليل، فعند طلوع النهار يؤذن لها في أن تطلع من مطلعها أولًا، فإذا كان آخر الزمان لا يؤذن لها في الطلوع من المشرق بل يقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من المغرب، وقرئ (لا مستقر لها) على أن لا بمعنى ليس. اهـ قال النواوي (قوله حتَّى تنتهي إلى مستقرها) اختلف المفسرون، فقال جماعة بظاهر الحديث، قال الواحدي: وعلى هذا القول إذا غربت كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع من مغربها، وقال قتادة ومقاتل: معناه تجري إلى وقت لها وأجل لا تتعداه، قال الواحدي: وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وهذا اختيار الزجاج، وقال الكلبي: تسير في منازلها حتَّى تنتهي إلى آخر مستقرها الذي لا تجاوزه ثم ترجع إلى أول منازلها، واختار ابن قتيبة هذا القول. والله أعلم. وأما سجود الشَّمس فهو بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها. اهـ منه

303 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ) عَنْ يُونُسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ أَنَّ النَّبِيّ صلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ قَال يَوْمًا: "أَتَدْرُونَ أَينَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ ". بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث -أعني حديث أبي ذر الغفاري- شارك المؤلف في روايته البُخَارِيّ فقد رواه في التوحيد وفي التفسير، وأبو داود في الحروف، والتِّرمذيّ في الفتن وفي التفسير (يس)، والنَّسائيّ في التفسير (في الكبرى). والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (303) - (00) (00) (وحدثني عبد الحميد بن بيان) بموحدة مفتوحة ثم تحتانية بن زكريا بن خالد اليشكري أو السكري أبو الحسن (الواسطيّ) العطار روى عن خالد بن عبد الله الطَّحَّان في الإيمان والفضائل، وعلي بن هاشم بن البَريد ويروي عنه (م دق) وابن جرير، وثقه ابن حبان وقال في التقريب: صدوق من العاشرة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه في بابين، قال عبد الحميد (أخبرنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يزيد المزني مولاهم أبو الهيثم أو أبو محمَّد الواسطيّ الطَّحَّان أحد العلماء الأثبات، روى عن يونس بن عبيد وعمرو بن يحيى بن عمارة وخالد الحذَّاء وأبي إسحاق الشَّيبانِيّ وسهيل وحصين ومطرِّف بن طريف وإسماعيل بن أبي خالد والجريري وبيان بن بشر وغيرهم ويروي عنه (ع) وعبد الحميد بن بيان وعمرو بن عون ومحمَّد بن الصباح ويحيى بن يحيى ورفاعة بن الهيثم ومعلي بن منصور وسعيد بن منصور ووهب بن بقية وخلق، وقال في التقريب: ثِقَة ثبت من الثامنة مات سنة (282) اثنتين وثمانين ومائة روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في ثلاثة مواضع والوضوء والحج في موضعين والجهاد في ثلاثة مواضع والنكاح والفضائل فجملة الأبواب التي روى عنه فيها سبعة تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن عبد الله) إيضاحًا للراوي وتورعًا من الكذب على شيخه (عن يونس) بن عبيد بن دينار القيسي البَصْرِيّ (عن إبراهيم) بن يزيد (التَّيميّ) الكُوفيّ (عن أَبيه) يزيد بن شريك التَّيميّ الكُوفيّ (عن أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال يومًا أتدرون أين تذهب هذه الشَّمس) والجار والمجرور في قوله (بمثل حديث ابن عليّة) متعلق بـ (أخبرنا خالد) أي أخبرنا خالد بن

304 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيبٍ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَال: "يَا أَبَا ذَرِّ، هَلْ تَدْرِي أَينَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ " قَال، قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله الطَّحَّان عن يونس بن عبيد بمثل ما حدث إسماعيل ابن عليّة عن يونس بن عبيد، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم واسطيان واثنان كوفيان وواحد بصري وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة خالد الطَّحَّان لإسماعيل ابن عليّة في رواية هذا الحديث عن يونس بن عبيد، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (304) - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة من العاشرة (وأبو كُريب) محمَّد بن العلاء بن كُريب الهمداني مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة من العاشرة وأتى بجملة قوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لأبي كُريب) تورعًا من الكذب على أبي بكر (قالا) أي قال كل من أبي بكر وأبي كُريب (حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير التَّمِيمِيّ مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة من كبار التاسعة قال أبو معاوية (حَدَّثَنَا الأَعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة ثبت من الخامسة (عن إبراهيم) بن يزيد (التَّيميّ) تيم الرباب الكُوفيّ (عن أَبيه) يزيد بن شريك الكُوفيّ (عن أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ، وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا أَبا ذر فإنَّه مدني وفيه أَيضًا رواية ولد عن والد، وكرر متن الحديث لما فيه من المخالفة للرواية الأولى. (قال) أبو ذر (دخلت المسجد) النبوي (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أي والحال أن رسول الله (جالس فـ) ـغابت الشَّمس عقب دخولي المسجد لدلالة فاء التعقيب عليه و (لما غابت) وغربت (الشَّمس) أي قرصها (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يَا أَبا ذر هل تدري) وتعلم إلى (أين تذهب) وتغيب (هذه) الشَّمس والاستفهام فيه استفهام استنطاق لا استفهام استعلام (قال) أبو ذر (قلت) يَا رسول الله (الله ورسوله أعلم) إلى أين ذهابها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنَّها تذهب) الفاء فيه

فَتَسْتَأْذِنُ في السُّجُودِ، فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا". قَال، ثُمَّ قَرَأَ في قِرَاءَةِ عَبْدِ الله: وَذلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا. 305 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَال الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا) وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا فوضت علم ذلك إلي وأردت بيانه لك فأقول لك إنها تذهب وتجري إلى مستقرها تحت العرش (فتستأذن) أي فتطلب الإذن من ربها (في السجود) أي في سجودها سجود الاستئذان في الطلوع فتسجد (فيؤذن لها) في الطلوع من مشرقها (وكأنها) أي وكأن القصة (قد قيل لها) أي للشمس عند انقضاء الدنيا (ارجعي من حيث جئت) أي من مغربك (فتطلع من مغربها) وذلك حين لا ينفع الإيمان والعمل الصالح نفسًا لم تكن آمنت ولا كسبت من قبل (قال) أبو ذر (ثم) بعد ما ذكر لي هذا الحديث (قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق قوله ما (في قراءة عبد الله) بن مسعود من قوله تعالى (وذلك مستقر لها) أي وذلك الطلوع من مغربها مستقر لها أي أقصى منازلها في الغروب لا تجاوزه ثم ترجع على عادتها أو ذلك منتهى سيرها حيث يبطل سيرها وتسكن حركتها وتكور وينتهي هذا العالم إلى غايته. اهـ هامش الإكمال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (305) - (00) (00) (حدثنا أبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي (الأَشَج) الكُوفيّ أحد الأئمة الأعلام، ثِقَة من صغار العاشرة مات سنة (257) روى عنه في الإيمان والصلاة وغيرهما (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، ثِقَة من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه وأتى بجملة قوله (قال إسحاق أخبرنا وقال الأَشَج حَدَّثَنَا) لبيان اختلاف صيغتي سماع شيخيه وللتورع من الكذب على أحدهما لو اقتصر على إحدى الصيغتين أي قال حَدَّثَنَا (وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكُوفيّ، ثِقَة من كبار التاسعة مات سنة (196) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا، قال وكيع (حَدَّثَنَا الأَعمش) سليمان بن مهران الكُوفيّ (عن إبراهيم) بن يزيد (التَّيميّ) الكُوفيّ (عن أَبيه) يزيد بن شريك الكُوفيّ (عن

أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَال: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي ذر) الغفاري المدنِيُّ وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا أَبا ذر فإنَّه مدني أو إسحاق بن إبراهيم فإنَّه مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأَعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة بين الروايتين (قال) أبو ذر (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) معنى (قول الله تعالى) في سورة يس ({وَالشَّمْسُ تَجْرِي}) وتسير ({لِمُسْتَقَرٍّ}) أي إلى مستقر وموقف ({لَهَا}) تحت العرش (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المستقر هو (مستقرها) وموقفها (تحت العرش) والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث أبي ذر الغفاري ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

84 - (43) باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث التي تبين جواب كيف كان ابتداء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على أي حال كان ابتداء الوحي إليه صلى الله عليه وسلم هل كان بالرؤيا الصالحة أو بإرسال ملك أو بإلهام من الله تعالى، وإدخال هذه الترجمة في ترجمة كتاب الإيمان واضح لأن أصل ما يوحى إليه وأساسه الإيمان والإسلام. وقولنا (باب كيف كان) بإضافة (باب) إلى جملة (كان)، و (كيف) في محل النصب خبر (كان) إن كانت ناقصة وحال من فاعلها إن كانت تامة ولا بد قبلها من مضاف محذوف والتقدير باب جواب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما احتيج إلى هذا المضاف لأن المذكور في هذا الباب هو جواب كيف كان بدء الوحي لا السؤال بـ (كيف) عن بدء الوحي ثم إن الجملة من (كان) ومعمولها في محل جر بالإضافة ولا تخرج (كيف) بذلك عن الصدرية لأن المراد من كون الاستفهام له الصدر أن يكون في صدر الجملة التي هوفيها و (كيف) على هذا الإعراب كذلك. و(البدء) بفتح الموحدة وسكون المهملة آخره همزة من بدأت الشيء بدأ ابتدأت به، قال القاضي عياض: روي بالهمز مع سكون الدال من الابتداء، وبدوًا بغير همز مع ضم الدال وتشديد الواو من الظهور ولم يعرف الأخيرة الحافظ ابن حجر؛ نعم قال روي في بعض الروايات كيف كان ابتداء الوحي فهذا يرجح الأول وهو الذي سمعناه من أفواه المشايخ. و(الوحي) لغة: الإعلام في خفاء، وشرعًا: إعلام الله تعالى أنبياءه بما شاء من أحكامه أو أخباره، إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام، وقد يجيء لغة بمعنى الأمر نحو قوله {وَإِذْ أَوْحَيتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} وبمعنى التسخير نحو قوله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} أي سخرها لهذا الفعل وهو اتخاذها من الجبال بيوتًا، والتصلية في الترجمة وفي غيرها جملة خبرية يراد بها الإنشاء فكأنه قال اللهم صل عليه.

306 - (151) (74) حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَال: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (306) - (151) (74) (حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح) بمهملات ثانيتها ساكنة الأموي مولاهم المصري الفقيه، ثقة من العاشرة مات سنة (255) روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره قال أبو الطاهر (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي أبو يزيد الأموي، ثقة إلا أن في روايته خطأ مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، ثقة من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (قال) ابن شهاب (حدثني عروة بن الزبير) بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور من الثانية مات سنة (94) روى عنه في (25) بابا تقريبا (أن عائشة) بالهمز وعوام المحدثين يبدلونها ياء، الصديقة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) المبرأة من فوق سبع سماوات أم عبد الله بنت عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو القرشية ثم التيمية وأمها أم رومان بنت الحارث بن غنم بن مالك تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين وبنى بها وهي بنت تسع وقبض عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة بين سحرها ونحوها وكانت أحب أزواجه صلى الله عليه وسلم إليه نفسًا وأكثرهن علمًا وأفصحهن لسانًا ماتت سنة (58) ثمان وخمسين ولها خمس وستون سنة، لها (2210) ألفان ومائتان وعشرة أحاديث اتفقا على (174) مائة وأربعة وسبعين وانفرد (خ) باربعة وخمسين (54) و (م) بثمانية وستين (68) روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جذامة بنت وهب الأسدية في النكاح وأبي بكر الصديق رضي الله عنه في الجهاد ويروي عنها (ع) وعروة بن الزبير وأبو هريرة ومسروق وابن عمر وابن عباس وخلائق لا يحصون من الصحابة والتابعين، روى عنها المؤلف في بدء الوحي وفي الصلاة في خمسة مواضع وفي الوضوء في موضعين وفي الحج في خمسة مواضع وفي الجنائز في ثلاثة مواضع وفي الصوم في ثلاثة مواضع وفي النكاح

أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا قَالتْ: "كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الجهاد وفي الإفك فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنها فيها تسعة أبواب تقريبًا، والله أعلم. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (أخبرته) أي أخبرت لعروة (أنها قالت) بدل من جملة (أن) الأولى (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم) وقوله في السند (أن عائشة أخبرته) قال النواوي: لم تدرك عائشة بسنها هذه القضية فيحتمل أنها سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم أر من الصحابة فيكون مرسل صحابي ومرسله حجة عند جميع العلماء إلا ما شذ به أبو إسحاق الإسفراييني، وقوله (أول ما بدئ به) قال المازري: بدئ بذلك لأن فجأة الملك وصريح الوحي لا تطيقه القوى البشرية فبدئ به ليأنس ويستعد لعظيم ما أريد به حتى لا يأتيه الملك إلا بأمر عنده مقدماته ومن هذا المعنى ما كان يراه من الضوء وسماع الصوت وتسليم الحجر والشجر عليه. اهـ قال القرطبي: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره يرى ضوءًا ويسمع صوتًا ويسلم عليه الحجر والشجر وتناديه بالنبوة وهذه أمور ابتدئ بها تدريجيًا لما أراد الله به من الكرامة والنبوة واستلطافًا له لئلا يفجاه صريح الوحي ويبغته الملك فلا تحتمل ذلك قوته البشرية، وقوله (من الوحي الرؤيا الصادقة) وفي رواية البخاري (الرؤيا الصالحة) وهما بمعنى واحد أي غير الكاذبة وفي (من) هنا قولان أحدهما: أنها لبيان الجنس فكأنه قال من جنس الوحي لا للتبعيض، نعم هي كالوحي في الصحة وقيل للتبعيض. قال المازري: الرؤيا الصادقة جزء من النبوة في غير الأنبياء فكيف رؤيا الأنبياء التي هي وحي، وفي القسطلاني قوله (من الوحي) احترز به عما رآه من دلائل نبوته من غير وحي كتسليم الحجر عليه، قال الأبي: الوحي لغة: الإسراع ومنه قولهم الوحا الوحا؛ أي: الإسراع الإسراع، كما في اللسان، وعرفًا: سماع الكلام القديم بواسطة ملك أو دونه والنبي من خص من البشر بالوحي إليه، والرسول من أمر بتبليغ ما أوحي به إليه فالرسول أخص فيشتركان في الوحي إليهما ويفترقان في الأمر بالتبليغ وقال

فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزمخشري غير هذا كما تقدم في أول الكتاب، ثم إنه يصح إرسال من تقدمت نبوته وإرسال من لم تتقدم فيثبتان له دفعة لما تقدم من أن الرسالة أخص، والأظهر فيه صلى الله عليه وسلم وفي موسى - عليه السلام - أنهما من هذا القسم فرؤياه من حيث إنها تقدمت إرساله ليست وحيًا كما قاله القزاز، نعم هي شبه الوحي في الصحة إذ لا مدخل للشيطان فيها وهي رؤيا من ثبتت كرامته الرؤيا التي هي وحي ما كان بعد النبوة. اهـ والرؤيا الصادقة هي التي ليس فيها ضغث أي اختلاط واشتباه بخلاف الكاذبة المسماة بأضغاث الأحلام، وذكر النوم بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح والبيان (فكان) صلى الله عليه وسلم (لا يرى) في نومه (رؤيا) بلا تنوين لألف التأنيث المقصورة (إلا جاءت) تلك الرؤيا في اليقظة مجيئًا (مثل) مجيء (فلق الصبح) وضوئه في الوضوح والظهور كرؤيا دخول المسجد الحرام، و (مثل) صفة لمصدر محذوف أي إلا جاءت مجيئًا مثل فلق الصبح، والمعنى أنها شبيهة له في الضياء والوضوح أو المعنى مشبهة ضياء الصبح فيكون منصوبًا على الحال، وعبر بفلق الصبح لأن شمس النبوة قد كانت مبادي أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها، و (الفلق) الصبح لكنه لما كان مستعملًا في هذا المعنى وغيره أضيف للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص، وعن أمالي الرافعي حكاية خلاف أنه أوحي إليه صلى الله عليه وسلم شيء من القرآن في النوم أو لا، وقال: الأشبه أن القرآن نزل كله يقظة. وذكر السهيلي أن للوحي سبعة أنواع (الأول) منها (الرؤيا الصادقة) لقول ولد إبراهيم عليهما السلام: {يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} ولهذا الحديث. (الثاني) منها (النفث) في الروع لحديث: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". (الثالث) منها أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه وكان كذلك ليستجمع عند تلك الحالة فيكون أوعى لما يسمع. (الرابع) أن يمثل له الملك رجلًا كما كان يأتيه في صورة دحية الكلبي، وكان دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر أي بكر إلا خرجت تنظر إلى جماله، وقال ابن سلام في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا}: اللهو نظرهم إلى وجه دحية.

ثُمَّ إِلَيهِ الْخَلاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الخامس) أن يتراءى له جبريل في صورته التي خلق عليها له ست مائة جناح ينثر منها اللؤلؤ والياقوت (السادس) أن يكلمه الله سبحانه وتعالي من وراء الحجاب في اليقظة كما في ليلة الإسراء، وفي المنام كما في حديث الترمذي: "أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري! فوضع كفه على كتفي فوجدت بردها بين ثديي وتجلى لي علم كل شيء، فقال لي: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: وما هن؟ قلت: الوضوء عند الكريهات ونقل الأقدام إلى الحسنات وانتظار الصلاة إلى الصلاة، فمن فعل ذلك عاش حميدًا ومات شهيدًا وكان في ذنوبه كيوم ولدته أمه". (السابع) هو ما ثبت عن الشعبي من طرق صحاح أنه صلى الله عليه وسلم كان وكل به إسرافيل ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء ثم وكل به جبريل فجاءه بالقرآن، والحصر في السبعة استقرائي، قال السهيلي: ولم أره لغيري. اهـ من الأبي. وقوله (إلا جاءت مثل فلق الصبح) قال القاضي: فلق الصبح وفرقه ضياؤه وإنما يقال في الشيء إذا اتضح، وقال الأبي: صدق رؤياه صلى الله عليه وسلم يكون بخروجها نحو ما رأى كرؤياه دخول المسجد الحرام، ويكون بصدق التأويل كرؤياه بقرًا تنحر في غزوة أحد أنه أدخل يده في درع حصينة وأولها بالمدينة، قال ابن رشد: رؤيا الأنبياء عليهم السلام لازمة الوقوع لأنها حق لا أضغاث فيها ولا تخيل ولا مدخل للشيطان فيها ورؤيا غيرهم قد لا تخرج كما عبرت، ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم جزءًا من خمسة وأربعين جزءًا أو من ستة وأربعين جزءًا أو من سبعين جزءًا من النبوة أي في الإخبار عن الغيب إذ لو خرجت كلها كما عبرت لكانت نبوة، والرؤيا الصالحة: المبشرةُ بخير. اهـ (ثم حبب إليه) صلى الله عليه وسلم (الخلاء) أي الخلوة والانعزال والابتعاد من الناس أي ألهمه لينقطع عن العلائق الشاغلة ويتفرغ للقاء رسل ربه تعالي وسماع وحيه، وفي هذا تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من الشغل بالدنيا وتفرغه لذكر الله تعالي فيتفجر منه ينابيع الحكمة والمعرفة، والخلوة: أن يخلو عن غيره بل وعن نفسه بربه وعند ذلك يصير خليقًا بان يكون قالبه ممرًا لواردات علوم الغيب وقلبه مقرًا لها وخلوته

فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم إنما كانت لأجل التقرب لا على أن النبوة مكتسبة. اهـ قسطلاني، وأتى بـ (ثم) للتنبيه على تفاوت ما بين هذا المقام والمقام الأول لأن المقام الأول وقع فيه الإيحاء نومًا وهذا المقام وقع فيه الإيحاء يقظة و (الخلاء) بالمد مصدر بمعنى الخلوة أي الاختلاء وهو بالرفع نائب عن الفاعل وإنما أسند الفعل (حبب) إلى المفعول (الخلاء) اختصارًا للعلم بأن لا فاعل إلا الله جل وعلا وإنما لم يقل أحب الخلاء وإن كان أخصر لما في الأول من التنبيه على عظيم اعتناء الله تعالى به في تخصيصه بأشرف مقام من الانقطاع إليه بالعبادة وعدم الخوض فيما عليه طباع أهل الأرض في ذلك الزمان فاعتناؤه جل وعلا بنبيه صلوات الله وسلامه عليه هو الذي خلصه من طباع أبناء جنسه من المخلوقات حتى لم تكن له همة إلا في طاعته جل وعلا والتقرب إليه بلذيذ المناجاة، لا سيما إن قلنا إن خلوه للعبادة بغار حراء كان قبل الإيحاء إليه كما هو ظاهر كلام أهل الأصول ففيه من القرابة وعظيم التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى وعلى هذا يكون العطف بـ (ثم) لترتيب الإخبار لا للمهلة في الزمان. (فكان) صلى الله عليه وسلم (يخلو) أي يختلي عن الناس ويتجرد للعبادة (بغار حراء) في نقبه وكهفه بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالمد، وحكى الأصيلي فتحها والقصر وعزاها في القاموس للقاضي عياض قال وهي لغية وهو مصروت إن أريد المكان وممنوع إن أريد البقعة فهي أربعة التذكير والتأنيث والمد والقصر وكذا حكم قباء وقد نظم بعضهم أحكامهما في بيت فقال: حرا وقبا ذكر وأنثهما معا ... ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا قال الخطابي: والمحدثون يغلطون فيه في ثلاثة مواضع يفتحون الحاء وهي مكسورة ويكسرون الراء وهي مفتوحة ويقصرونه وهو ممدود، وحراء جبل بينه وبين مكة ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى، والغار نقب فيه وكهف يجمع على غيران والمغار والمغارة بمعنى الغار وتصغير الغار كوير، وجملة قوله (يتحنث فيه) أي يتعبد فيه أي في غار حراء في محل النصب خبر ثان لي (كان) أو حال من فاعل (يخلو)، وفي رواية البخاري (فيتحنث فيه) بالفاء العاطفة وهو بالحاء المهملة آخره مثلثة: التعبد كما سيأتي من الراوي وهو في أصله من الأفعال التي معناها السلب أي اجتناب فاعلها لمصدرها مثل تأثم وتحوب إذا اجتنب الإثم والحوب فمعنى يتحنث يجتنب الحنث

(وَهُوَ التَّعَبُّدُ) اللَّيَالِيَ أُولاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزوَّدُ لِذَلكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصل الحنث الإثم فكأنه بعبادته يمنع نفسه من الحنث أي الذنب، أو هو بمعنى يتحنف بالفاء أي يتبع الحنيفية دين إبراهيم والفاء تبدل ثاء مثلثة، والضمير في قوله (وهو التعبد) عائد إلى مصدر يتحنث أي والتحنث التعبد أي الاشتغال بالعبادة، وأصل التعبد تذلل العبد لسيده وخضوعه له بامتثال أوامره ونواهيه بلا معرفة لحكمتها وهذا التفسير للزهري أدرجه في الخبر كما جزم به الطيبي وقوله (الليالي أولات العدد) منصوب على الظرفية متعلق بقوله (يتحنث) لا بالتعبد لأن التعبد لا تشترط فيه الليالي بل مطلق التعبد، و (أولات) نصب بالكسرة على أنه صفة الليالي لأنه من ملحقات جمع المؤنث السالم، وفي رواية البخاري ذوات العدد وهما واحد في الحكم والمعنى أي فيتحنث ويشتغل بالعبادة في غار حراء الليالي صواحب العدد القليل مع أيامهن واقتصر عليهن للتغليب لأنهن أنسب للخلوة، ووصف (الليالي) بـ (أولات العدد) لإرادة التقليل كما في قوله تعالى: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} أو للكثرة لاحتياجها إلى العدد وهما المناسب للمقام، وأبهم العدد لاختلافه بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله وأقل الخلوة ثلاثة أيام وتأمل ما للثلاثة في كل مثلث من التكفير والتطهير والتنوير ثم سبعة أيام ثم شهر لما عند المؤلف والبخاري "جاورت بحراء شهرًا" وعند ابن إسحاق أن ذلك العدد شهر رمضان. فإن قلت أمر الغار قبل الرسالة فلا حكم له (أجيب) لأنه أول ما بدئ به صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء كما مر فدل على أن الخلوة حكم مرتب على الوحي لأن كلمة (ثم) للترتيب. (فإن قلت) لم خص حراء بالتعبد فيه دون غيره، قال ابن أبي جمرة: لمزيد فضله على غيره لأنه مجموع له فيه التحنث والخلوة والنظر إلى الكعبة المعظمة والنظر إليها عبادة فكان له صلى الله عليه وسلم فيه ثلاث عبادات الخلوة والتحنث والنظر إلى الكعبة. اهـ من القسطلاني بتصرف. وقوله (قبل أن يرجع إلى أهله) وعياله متعلق بـ (يتحنث)، وقوله (ويتزود) أي ويأخذ الزاد (لذلك) التحنث أو التعبد بالرفع عطفًا على (يتحنث) أي فكان يتحنث في غار حراء الليالي أولات العدد قبل أن يحن ويشتاق ويرجع إلى عياله وكان يتزود أي

ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَال: اقْرَأْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتخذ زادًا ذلك التحنث أو للخلوة قبل خروجه إلى حراء (ثم) بعد تحنثه تلك الليالي (يرجع إلى خديجة) رضي الله تعالى عنها (فيتزود) أي يأخذ الزاد (لمثلها) أي لمثل تلك الليالي، وتخصيص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل يحتمل أنه تفسير بعد الإبهام أو إشارة إلى اختصاص التزود بكونه من عندها دون غيرها، وفيه أن الانقطاع الدائم عن الأهل ليس من السنة لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينقطع في الغار بالكلية بل كان يرجع إلى أهله لضروراتهم ثم يخرج لتحنثه. واختلف في عبادة النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه هل كانت بشريعة من قبله أم كانت بما جعل الله سبحانه وتعالى في نفسه وشرح به صدره من نور المعرفة ومن بغضه لما كان عليه قومه من عبادة الأوثان وسوء السيرة وقبح الأفعال فكان يفر منهم بغضًا ويخلو بمعروفه أنسًا، ثم الذين قالوا إنه كان متعبدًا بشريعة من قبله فمنهم من نسبه إلى إبراهيم ومنهم من نسبه إلى موسى ومنهم من نسبه إلى عيسى وكل هذه أقوال متعارضة لا دليل قاطع على صحة شيء منها والأصح القول الثاني أي أنها بإلهام من الله تعالى لأنه لو كان متعبدًا بشيء من تلك الشرائع لعلم انتماؤه لتلك الشريعة ومحافظته على أحكامها وأصولها وفروعها ولو علم شيء من ذلك لنقل، إذ العادة تقتضي ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ممن تتوفر الدواعي على نقل أحواله وتتبع أموره، ولما لم يكن شيء من ذلك علم صحة القول الثاني. وقوله (حتى فجئه) الأمر (الحق) وهو الوحي غاية للتحنث أي كان يتحنث في غار حراء حتى جاءه الوحي بغتة وأتاه مرة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعًا للوحي، يقال فجئ بكسر الجيم يفجأ من باب علم وفجأ يفجأ بفتحها في الماضي والمضارع من باب فتح، وقوله (وهو) صلى الله عليه وسلم (في كار حراء) للتحنث جملة حالية (فجاءه الملك) وهو جبريل الأمين - عليه السلام - يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وهو ابن أربعين سنة كما رواه ابن سعد، والفاء في قوله (فجاءه) تفسيرية كهي في قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وتفصيلية أيضًا لأن المجيء تفصيل للمجمل الذي هو مجيء الحق (فقال) الملك له صلى الله عليه وسلم (اقرأ) يا محمد، يحتمل أن يكون هذا

قَال مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّي بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَال: اقْرَأْ. قَال: قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه وأن يكون على بابه من الطلب، فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال وإن قدر عليه بعد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية (قلت) وهو المطابق لمقتضى السياق (ما أنا بقارئ) أي لست عارفًا بالقراءة، وفي رواية "ما أحسن أن أقرأ" فـ (ما) نافية واسمها (أنا) وخبرها (بقارئ) وضعف كونها استفهامية بدخول الباء في خبرها وهي لا تدخل على ما الاستفهامية، وأجيب بأنها استفهامية بدليل رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال: "كيف أقرأ"، وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق "ماذا أقرأ" وبأن الأخفش جوز دخول الباء الزائدة على الخبر المثبت، قال ابن مالك في (بحسبك زيد) إن زيدا مبتدأ مؤخر لأنه معرفة وحسبك خبر مقدم لأنه نكرة والباء زائدة. (قال) صلى الله عليه وسلم (فأخذني) جبريل - عليه السلام - أي أمسكني إمساكًا شديدًا (فغطني) بالغين المعجمة ثم المهملة أي ضمني وعصرني، وعند الطبراني "فغتني" بالمثناة الفوقية بدل الطاء وهو حبس النفس وهو بمعنى غطني، قال ابن الأنباري: معنى "غتني" ضغطني وكأنه يضارع غطني، لأن المضغوط يبلغ منه الجهد وكذلك المغتوت، وفي "العين" غطه في الماء وغمسه، وفي حديث آخر "يغتهم الله في العذاب الأليم" أي يغمسهم ويقال غطه وغته وخنقه وغطسه بمعنى واحد (حتى بلغ) الغط (مني الجهد) أي الغاية والمشقة، والجهد بفتح الجيم ونصب الدال على أنه مفعول به لـ (بلغ) وفاعله ضمير الغط أي حتى بلغ ووصل الغط مني الجهد أي غاية وسعي ونهاية مشقتي، ويروى "الجُهد" بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه وغايته فهو فاعل، وهذا الغط من جبريل - عليه السلام - إشغال له عن الالتفات إلى شيء من أمور الدنيا وإشعار بالتفرغ لما أتاه به، وفعلُ ذلك ثلاثًا فيه تنبيه على استحباب تكرار التنبيه ثلاثًا، وقد استدل به بعضهم على جواز تأديب المعلم للمتعلمين ثلاثًا، وقال أبو سليمان: وإنما فعل ذلك ليبلو صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كئفه من أعباء الرسالة ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم وياخذه الرحضاء أي البهر والعرق، قال: وذلك يدل على ضعف القوة البشرية والوجل لتوقع تقصير فيما أمر به وخوف أن يقول غيره. اهـ من الإكمال. (ثم أرسلني) أي أطلقني (فقال) لي جبريل ثانيًا (اقرأ، قال: قلت) وفي رواية

مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَال: اقْرَأ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِني الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} ـــــــــــــــــــــــــــــ "فقلت" (ما أنا بقارئ) أي لست عارفًا بالقراءة قال (فأخذني) أي أمسكني (فغطني) أي ضمني المرة (الثانية حتى بلغ مني الجهد) بالفتح والنصب أي حتى بلغ مني غاية المشقة والجهد بالضم الطاقة قاله ابن قتيبة، وقال الشعبي: الجهد بالضم في القوة والجهد بالفتح في العمل، وقيل هما بمعنى واحد قاله البصريون (ثم أرسلني) أي أطلقني (فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ) ما نافية واسمها (أنا) وخبرها (بقارئ) والباء زائدة لمجرد النفي والتأكيد، وقال بعضهم إنها هنا للاستفهام وهو خطأ لأن هذه الباء لا تزاد على الاستفهام وإنما تصلح للاستفهام رواية من رواها (ما أقرأ) وتصلح أيضًا للنفي. اهـ مفهم (فأخذني فغطني) المرة (الثالثة حتى بلغ مني الجهد) قال القسطلاني: وهذا الغط ليفرغه عن النظر إلى أمور الدنيا ويقبل بكليته إلى ما يلقى إليه وكرره للمبالغة واستدل به على أن المؤدب لا يضرب صبيًّا أكثر من ثلاث ضربات، وقيل الغطة الأولى ليتخلى عن الدنيا، والثانية ليتفرغ لما يوحى إليه، والثالثة للمؤانسة، وعد بعضهم هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عن أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه جرى له عند ابتداء الوحي إليه مثله (ثم أرسلني) أي أطلقني من الغط (فقال: {اقْرَأ}) يا محمد {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. قال الطيبي: هذا أمر بإيجاد القراءة مطلقًا وهو لا يختص بمقروء دون مقروء، فقوله (باسم ربك) حال، أي: اقرأ مفتتحًا باسم ربك، أي قل: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن البسملة مأمور بها في ابتداء كل قراءة. اهـ قسطلاني، وفي الإكمال قال أبو الحسن بن القصار من المالكية: وفي قوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} رد على الشافعي في قوله "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من كل سورة وهذه أول سورة نزلت وليس ذلك فيها. اهـ ومقتضى كلام ابن القصار أن ما لم ينزل في تلك المرة من بقية السورة يكون ليس منها ولم يقل به أحد، وقال الأبي: لعل البسملة نزلت بعد. وقوله {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وصف مناسب مشعر بعلية الأمر بالقراءة، والإطلاق في قوله (خلق) أولًا على منوال يعطي ويمنع وجعله توطئة لقوله {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ

اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 3 - 5] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} أي الزائد في الكرم على كل كريم، وفيه دليل للجمهور على أنه أول ما نزل على الإطلاق، وروى الحافظ أبو عمرو الداني من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أول شيء نزل من القرآن خمس آيات إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وفي المرشد: أول ما نزل من القرآن هذه السورة في نمط، فلما بلغ جبريل {مَا لَمْ يَعْلَمْ} طوى النمط ومن ثم قال القراء إنه وقف تام. قال القرطبي: وهذا الحديث نص على أن أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وهو أولى من حديث جابر الآتي إذ قال: إن أول ما نزل من القرآن {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)}، وسياق حديث جابر لا ينص على ذلك بل سكت عما ذكرته عائشة من نزول {اقْرَأْ} في حراء، وذكر جابر أنه رجع إلى خديجة فدثروه فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} وعائشة أخبرت بأول ما نزل عليه في حراء، فكان قول عائشة أولى. والله تعالى أعلم. اهـ (قلت) يجمع بين الحديثين بأن حديث عائشة محمول على أن أول ما نزل من القرآن على الإطلاق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وحديث جابر محمول على أن أول ما نزل من القرآن بعد فترة الوحي ثلاث سنين يا أيها المدثر فلا معارضة بينهما حينئذ. والله سبحانه وتعالى أعلم. وقال هنا {مِنْ عَلَقٍ} فجمع ولم يقل من علقة لأن الإنسان في معنى الجمع، وخص الإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لشرفه ({الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}) أي الذي علم ما علم بواسطة القلم وغيره، أي فكما علم القارئ بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهما ({عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} من جميع ما يتمتع به من العلم ويمتاز به عن غيره من الحيوان، وكان في بدء أمره لا يعلم شيئًا. وفي الآية دليل على فضل القراءة والكتابة والعلم، ولعمرك لولا القلم ما حفظت العلوم ولا أحصيت الجيوش ولضاعت الديانات ولا عرف الأواخر معارف الأوائل وعلومهم ومخترعاتهم وفنونهم، وقد بسطنا الكلام في الكتابة والخطوط والقلم في تفسيرنا "حدائق الروح والريحان" بما لا مزيد عليه فراجعه إن شئت الخوض في هذا المقام. (فرجع بها) أي بهذه الآيات (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى أهله حال كونه

تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَال: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ. ثُمَّ قَال لِخَدِيجَةَ: أَي خَدِيجَةُ، مَا لِي وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. قَال: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (ترجف) بضم الجيم أي تخفق وتضطرب وترتعد (بوادره) جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان لما فاجأه من الأمر المخالف للعادة والمألوف فنفر طبعه البشري وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك الحالة لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها (حتى دخل) غاية للرجوع، وفي رواية البخاري "فدخل" (على خديجة) بنت خويلد أم المؤمنين التي ألف تأنيسها له فاعلمها بما وقع له (فقال) صلى الله عليه وسلم (زملوني زملوني) بكسر الميم مع التكرار مرتين أمر من التزميل وهو التلفيف أي لفوني بالثياب وغطوني بها، وقال ذلك لشدة ما لحقه من هول الأمر وشدة الضغط والعادة جارية بسكون الرِّعدة بالتلفُّف، وجمع الضمير في (زملوني) تعظيمًا لأهله أعني خديجة جريًا على عادة الإنسان لأنه يخاطب زوجته بصيغة الجمع (فزملوه) بفتح الميم أي لفوه بالثياب (حتى ذهب عنه الروع) بفتح الراء أي الفزع (ثم قال) صلى الله عليه وسلم (لخديجة) رضي الله تعالى عنها (أي خديجة) أي يا خديجة (ما لي) أي شيء عجيب ثبت لي، فـ (ما) تعجبية في محل الرفع مبتدأ والجار والمجرور خبره، قال الأبي: هو استعظام وخوف أن لا يطيق ما حمل من النبوة لا شك فيه وجملة قوله (و) قد (أخبرها) أي أخبر خديجة (الخبر) أي خبر ما رأى حال من فاعل (قال)، وقوله (قال) تأكيد لـ (قال) الأول وهو ساقط في رواية البخاري أي قال رسول الله لخديجة والله (لقد خشيت) وخفت (على نفسي) الموت من شدة الرعب أو المرض كما جزم به في بهجة النفوس، أو أني لا أطيق حمل أعباء الوحي لما لقيته أولًا عند لقاء الملك وليس معناه الشك في أن ما أتى من الله تعالى، وأكد باللام وبـ (قد) تنبيهًا على تمكن الخشية من قلبه المقدس وخوفه على نفسه الشريفة، وعبارة القاضي عياض هنا: (قوله: "لقد خشيت على نفسي" ليس بمعنى الشك فيما أتاه من الله تعالى لكنه عساه خشي أنه لا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يقدر على حمل أعباء الوحي فتزهق نفسه أو ينخلع قلبه لشدة ما لقيه أولًا من لقاء الملك أو يكون قوله هذا لأول ما رأى التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك وتحقيقه رسالة ربه فيكون ما خاف أولًا أن يكون

قَالتْ لَهُ خَدِيجَةُ: كَلَّا. أَبْشِرْ، فَوَاللهِ، مَا يُخزِيكَ اللهُ أَبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ من الشيطان فأما منذ ما جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز عليه الشك فيه ولا يخشى من تسلط الشيطان عليه) اهـ وذكر أبو بكر الإسماعيلي أنه لا يمتنع أن يخشى ذلك لأول ما جاءه الملك قبل أن يحصل له العلم الضروري بان الذي جاءه ملك لأن العلم الضروري لا يحصل دفعة، وقد أثنى الله سبحانه بهذا العلم فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} إلى قوله {وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}. قال القاضي: وعلى هذا الطريق الذي ذكرنا يحمل كل ما ورد من مثل هذا في حديث المبعث. اهـ وعليه يكون المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد خشيت على نفسي" أي خشيت أن لا أنهض باعباء الرسالة وأن أضعف عنها. اهـ من هامش الإكمال. وعبارة المفهم: (قوله: "لقد خشيت على نفسي" اختلف في سبب هذه الخشية وفي زمانها فقيل كانت عند رؤية التباشير وسمع الصوت قبل لقاء الملك وعند هذا يجوز أن يكون شك في حاله ولم يتحقق مآله وأما بعد مشافهة الملك وسماعه منه ما أخبره به وما قرأ عليه فلا يتصور في حقه شك في رسالته بوجه من الوجوه وإن كانت الخشية حصلت منه في هذا الحال فيحتمل أن كانت من ضعفه عن القيام بأعباء النبوة والرسالة وأنه لا يقدر عليها ويحتمل أن يكون خوفه من مباعدة قومه له ونفارهم عنه فيكذبونه ويؤذونه ويقتلونه وهذا في أول أمره قبل أن يعلم بمآل حاله وأن الله يعصمه من الناس وقول خديجة يشعر بهذا والله سبحانه وتعالي أعلم. اهـ (قالت له خديجة) وفي رواية البخاري (فقالت) بالفاء التعقيبية أي فقالت له صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها (كلا) هي هنا كلمة نفي وابعادٍ وردعٍ أي ارتدع عما قلت ولا تقل ذلك، أو لا خوف عليك وقد تأتي (كلا) بمعنى حقًّا وبمعنى ألا التي يستفتح بها الكلام (أبشر) أي أثبت لنفسك البشارة واعتقدها لك (فوالله) الذي لا إله غيره (ما يخزيك الله) سبحانه وتعالي (أبدًا) أي في زمن من الأزمان المستقبلة ولا يفضحك ولا يهينك في حال من الأحوال، وقوله (يخزيك) بضم المثناة التحتية وبالخاء المعجمة الساكنة والزاي المكسورة وبالمثناة التحتية الساكنة أي ما يفضحك الله

وَاللهِ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يهينك بل يثبتك حتى لا ينسب إليك الكذب فيما قلته ولا يسلط عليك شيطان بتخبطه الذي حذرته، وفي رواية (ما يحزنك) بفتح أوله وبالحاء المهملة الساكنة والزاي المضمومة أو بضم أوله مع كسر الزاي وبالنون من الحزن يقال حزنه وأحزنه ومعنى يحزنك أي ما يوقع بك ما تخافه من ذلك. وهذا من خديجة تأنيس له صلى الله عليه وسلم إن كان هذا أول ما رأى من المقدمات والتباشير وقبل تحقيقه الرسالة ولقاء الملك أو يكون قوله لما خشي من ضعف جسمه عن حمل ذلك. اهـ ع. (والله) وفي رواية البخاري إسقاط هذا القسم (إنك) بكسر الهمزة لوقوعها في جواب القسم أو لوقوعها في ابتداء الكلام على رواية إسقاط القسم، قال الدماميني: وفصلت هذه الجملة عن الأولى لكونها جوابًا عن سؤال اقتضته وهو سؤال عن سبب خاص فحسن التأكيد وذلك أنها لما أثبتت القول بانتفاء الخزي عنه وأقسمت عليه انطوى ذلك على اعتقادها أن ذلك لسبب عظيم فيقدر السؤال عن خصوصه حتى كأنه قيل هل سبب ذلك هو الاتصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف كما يشير إليه كلامها فقالت إنك (لتصل الرحم) أي القرابة أي تصل ذا رحمك بالزيارة والمواساة والإهداء إليه (وتصدق الحديث) أي تتكلم بصدق الكلام ولو كذَبوك أو كذَّبوك. اهـ ملا علي، وفي رواية البخاري إسقاط هذا (وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام وهو الذي لا يستقل بامره أو الثِّقل بكسر المثلثة وإسكان القاف ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} قال المازري: قال النحاس: الكَلُّ بفتح الكاف هو الثقل من كل شيء في المؤنة أو الجسم، والكل أيضًا اليتيم والضعيف والمسافر الذي أصابه الإعياء في الطريق لفقد ما يبلغه المقصد وحمل هؤلاء بالإنفاق عليهم فمعنى الكل هو الذي أصابه الكلال وهو الإعياء والمعنى إنك لتواصل ذا قرابتك وتتكلم كلامًا صادقًا وتنفق على الضعفاء الذين أصابهم الكلال (وتكسب المعدوم) أي تصير الفقير غنيًّا بعطاياك الوافرة، وسمي الفقير معدومًا لعجزه عن النظر في المعيشة فهو كالمعدوم أو تكسب الناس وتحصل لهم ما لا يجدونه عند غيرك من الفوائد والفضائل والمكارم، وذكر ثابت بن حزم الأندلسي اللغوي في دلائله في معنى هذا الكلام: إنك تصيب وتكسب ما يعجز غيرك من كسبه ويعدمه،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريمش وقد عرفوا بقريمش التجار، وسموا قريشًا من التقرش، والتقرش: التجارة على أحد الأقوال في معناه. وقال القاضي عياض: قوله (وتكسب المعدوم) رويناه عن الأكثر بفتح التاء مضارع كسب الثلاثي يقال كسب المال وكسبته زيدًا، وعن بعضهم بضمها مضارع أكسب الرباعي، قال القزاز: كسب الثلاثي حرف نادر، فالمعنى على أنه من الثلاثي المتعدي إلى واحدٍ، وتكسب المال الذي يعدم كسبه من غيرك لأنه صلى الله عليه وسلم كان مجدودًا في تجارته والعرب كانت تتمدح بكسب المال لاسيما قريش كما مر آنفًا، والمعنى على أنه من الثلاثي المتعدي إلى اثنين، وتكسب الناس المال الذي يعدم أي تعطيه غيرك، والمفعول الأول محذوف وكذلك المعنى على أنه من أكسب الرباعي وهذا المعنى أمدح في حقه وأليق بكرمه صلى الله عليه وسلم من الأول. انتهى. وعبارة القسطلاني هنا قوله (وتكسب المعدوم) بفتح الفوقية على وزن تضرب، والكسب استفادة المال؛ أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، وكسب يتعدى بنفسه إلى واحد نحو كسبت المال هالى اثنين نحو كسبت غيري المال وهذا منه، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: وتكسب بضم أوله من أكسب أي تكسب غيرك المال المعدوم أي تتبرع به له فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، أو تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق أو تكسب المال وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله ثم تجود به وتنفقه في وجوه المكارم، والرواية الأولى أصح كما قاله عياض والرواية الثانية قال الخطابي: الصواب المعدم بلا واو (وتكسب المعدم) أي الففير لأن المعدوم لا يكسب، وأجيب بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له، وفي تهذيب الأسماء للأزهري عن ابن الأعرابي: رجل عديم لا عقل له ومعدوم لا مال له، قال في المصابيح كأنهم نزلوا وجود من لا مال له منزلة العدم. اهـ وفي القرطبي وحكي عن ثعلب وابن الأعرابي أكسبت زيدًا مالًا ومنه قوله: فأكسبني مالًا وأكسبته حمدًا ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يكسب الناس ما لا يجدونه عند غيره من معدومات الفوائد والفضائل وهذا أولى في وصفه من قول من قال إن خديجة مدحته

وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ باكتساب المال الكثير الذي لا يجده غيره ولا يقدر عليه. اهـ (وتقري الضيف) بفتح أوله بلا همز ثلاثيًّا أي تكرمه، يقال: قريت الضيف أقريه قرىً وقراءً إذا أعطيته طعام الضيافة، ويقال للطعام الذي يضيفه به قرىً ويقال لفاعله قارٍ مثل قضى فهو قاض، وقال الأبي: وسمع بضمها رباعيًّا أي تهيئ له طعامه ونزله (وتعين على نوائب الحق) أي حوادثه جمع نائبة وهي الحادثة فيدخل فيه النوائب التي تتعرض للأغنياء من أداء دين أو دية أو قيام بوليمة، والمقصود أن جوده صلى الله عليه وسلم وصل للفقير والغني وعم كل الناس، وقيدت النوائب بالحق لأنها قد تكون في الحق والباطل كأداء دين من استدان لشرب الخمر أو الزنا إذا لم يتب، قال لبيد: نوائب من خير وشر كلاهما ... فلا الخير ممدود ولا الشر لازب ولذلك أضافتها إلى الحق، وفيه إشارة إلى فضل خديجة وجزالة رأيها، وهذه الخصلة جامعة لأفراد ما سبق وغيره وإنما أجابته بكلام فيه قسم وتأكيد بإن واللام لتزيل حيرته ودهشته واستدلت على ما أقسمت عليه بامر استقرائي جامع لأصول مكارم الأخلاق، وفيه دليل على أن من طبع على أفعال الخير لا يصيبه ضير، قال الأبي: والمعنى كلا لا يصيبك الله بمكروه لما جمع فيك من خصال الحمد، وفيه أن مكارم الأخلاق تقي مصارع السوء، وفيه تأنيس من وقع في مخافة، وفيه نبل خديجة وكمال عقلها. اهـ. وفيه مدح الإنسان في وجهه للحاجة إليه في بعض الأحوال، قال السنوسي: قولها (إنك لتصل الرحم ... ) إلخ؛ هو من الاستئناف البياني لوقوعه في جواب سؤال مقدر عن علة الحكم الخاص الذي حكمت به كأنه قال لها: من أين حكمت بان الله سبحانه لا يفعل بي ما ذكرت، فقالت: (إنك ... ) إلخ، وعبرت هنا بالمضارع لتصور تلك الأحوال الحسنة الشاقة على الكثير. وقولها (وتحمل الكل) كناية عن صبره على ما يثقل على النفس الصبر عليه، وقولها (وتكسب) بوزن تضرب (المعدوم) أي تقدر على كسب الشيء الذي يكون معدومًا وتحتاج إلى تحصيله لمعرفتك بطرق الاكتساب، فمدحته بما يستلزم كمال العقل الذي هو أشرف شيء مَنَّ به سبحانه وتعالى والنشاط الذي يكتسب به الإنسان المصالح الدنيوية والأخروية لنفسه ولغيره ضد ما عليه العاجز من الرجال الذي لا ينفع نفسه ولا غيره،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنها رضي الله عنها تقول: ما شرفت به من النبوة وقصدت به من الرسالة أنت أهله ومهيأ به بما أودع سبحانه فيك من الخلال الكريمة اللائقة، لذلك {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيثُ يَجْعَلُ رِسَالتَهُ} فهون عليك ولا تخف ولا تجزع أن لا تقوم بواجب الحق في ذلك، فلله در خديجة رضي الله عنها فما أرق تسليتها للنبي صلى الله عليه وسلم وأجملها، قولها (وتعين على نوائب الحق) قيل معناه تعين الملهوف على ما أصابه من النوائب التي يحق على حماة الحقيقة المعاونة فيها، قال بعضهم: ويحتمل أن تعني كما تكسب المعدوم مالًا كذلك تعين الغني الواجد الذي هو ضد المعدوم على ما ينوبه أي يعرض له من الحقوق الشرعية لإنفاقه على العيال ونحو وليمة النكاح مما يجب أو يندب إليه والعادات المباحة مما يستحسن في العادة أن يعان فيها الغني والفقير فقد جمع صلوات الله تعالى وسلامه عليه مكارم الأخلاق كلها واحتوى المحاسن كلها بل بأسرها شرعيها وعاديها، ويحتمل أن تريد وتعين نفسك على ما ينوبك من الحقوق وغيرك على ما ينوبه منها، ويكون وصفًا جامعًا لما تقدم من مكارم الأخلاق وغيرها مما لم تذكرها أو كانها فذلكة ونتيجة وكأنها قالت جمعت المحاسن فما عسى أن أعد منها. اهـ سنوسي. (تنبيهات): (الأول) يؤخذ من تحنث النبي صلى الله عليه وسلم بغار حراء طلب الخلوة للعبادة والعزلة عن الناس للاستعانة بها على حضور القلب والأمن من الرياء والسمعة وفيها السلامة من أكثر أنواع الشر وقد ينتهي إلى حد الوجوب بحسب الأزمنة والأحوال، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم زمان العزلة ونعت أهله وأمر فيه بالتفرد، فروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم وخفت وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه، فقلت: ما أصنع عند ذلك جعلني الله فداءك، قال: "الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر الخاصة ودع أمر العامة"، وذكر في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ذلك أيام الهرج"، قيل: وما أيام الهرج، قال: "حين لا يأمن الرجل جليسه". وذكر ابن مسعود في خبر آخر للحارث بن عميرة أنه قال: "إن يرفع من عمرك فسيأتي عليك زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه كثير سؤاله قليل عطفاؤه الهوى فيه قائد العلم"، قال: ومتى ذلك؟ قال: "إذا أميتت الصلاة وقبلت الرشا وبيع الدين بعرض يسير من الدنيا فالنجا ويحك ثم النجا".

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ، أَخِي أَبِيهَا. وَكَانَ امْرَءًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (الثاني) في غط جبريل - عليه السلام - للنبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أن نيل معالي الأمور لا يكون إلا بالصبر على ما يكره الإنسان وتحمل المشاق العظيمة بحسب تلك المعالي سنة الله تعالى في عباده، قال تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} {سَلَامٌ عَلَيكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. قال الشاعر: تريدين إدراك المعالي رخيصة ... ولا بد دون الشهد من إبر النحل الآخر: ومن لم يذق ذل التعلم ساعة ... تجرع كأس الجهل طول حياته الآخر: الصبر مفتاح ما يرجّى ... وكل خَير به يكون فاصبر وإن طالت الليالي ... فربما أمكن الحزون وربما نيل باصطبار ... ما قيل هيهات لا يكون الآخر: لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ اهـ. السنوسي (فانطلقت) أي مضت وذهبت (به) صلى الله عليه وسلم (خديجة) رضي الله عنها مصاحبة له صلى الله عليه وسلم لأنها تلزم الفعل اللازم المعدى بالباء بخلاف المعدى بالهمزة كأذهبته. اهـ. قسط (حتى أتت) خديجة (به) صلى الله عليه وسلم (ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو) أي ورقة (ابن عم خديجة أخي أبيها) لأنه تجتمع معه خديجة في أسد لأنها بنت خويلد بن أسد (وكان) ورقة (امرأ قد) ترك عبادة الأوثان

تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ. فَقَالتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَي عَمِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ و(تنصر) أي دخل في دين النصارى وفي رواية (وكان امرأً تنصر) (في الجاهلية) بإسقاط (قد) وذلك أنه خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها طريق الجاهلية إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين فأعجب ورقة النصرانية للقيه من لم يبدل شريعة عيسى عليه السلام والجاهلية ما قبل بعثته صلى الله عليه وسلم سموا بذلك لما كانوا عليه من فاحش الجهالة (وكان) ورقة أيضًا (يكتب الكتاب العربي) أي يعرف الخط العربي (فيكتب من الإنجيل بالعربية) أي باللغة العربية وذلك لتمكنه في دين النصارى ومعرفته بكتابهم يترجم عنه باللغة العربية مع أن الإنجيل سرياني أي يكتب عنه باللغة العربية (ما شاء الله) سبحانه وتعالي (أن يكتبـ) به منه، قيل إن التوراة عبرانية والإنجيل سرياني، والعبرانية نسبة إلى العبر بكسر العين وإسكان الموحدة فيهما زيدت الألف والنون في النسبة على غير قياس قيل سميت بذلك لأن الخليل - عليه السلام - تكلم بها لما عبر الفرات فارًا من نمروذ، وعن سفيان ما نزل من السماء وحي إلا بالعربية وكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تترجمه لقومها بلغتهم، والجار والمجرور في قوله (بالعربية) متعلق بقوله (ويكتب). ووقع في رواية البخاري (فكتب من الإنجيل بالعبرانية) وبين الروايتين معارضة ولكن الجمع بينهما ممكن، وكيفيته أن يقال: إنه تمكن من معرفة دين النصارى بحيث صار يتصرف في الإنجيل فيكتب أي موضع شاء منه إن شاء بالعبرانية وإن شاء بالعربية فانتفت المعارضة. اهـ من السنوسي. (وكان) ورقة (شيخًا كبيرًا) في السنن (قد عمي) وفقد بصره لكبر سنه وهذه جملة أكدت تحقق علمه وزيادة عقله بطول التجارب وكثرة ممارسة العلم وأهله (فقالت له) أي لورقة (خديجة) رضي الله تعالى عنها (أي عم) أي يا عمي، فـ (أي) حرف نداء لنداء القريب، (عم) منادى مضاف منصوبٌ بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بالكسرة، قال النواوي: وفي الرواية الأخرى (قالت خديجة أي ابن عم) هكذا هو في الأصول في الأول (عم) وفي الثاني (ابن عم) وكلاهما صحيح، أما الثاني فلأنه ابن عمها حقيقة كما ذكره أولًا في الحديث فإنه ورقة بن نوفل بن أسد وهي خديجة بنت خويلد بن أسد وأما الأول فسمته عمًا مجازًا للاحترام ومراعاة للأدب في خطاب

اسْمَعْ مِنِ ابنِ أَخِيكَ. قَال وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَآهُ. فَقَال لَهُ وَرَقَةُ: هذَا النَّامُوسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصغير الكبير وهذا عادة العرب في آداب خطابهم يخاطب الصغير الكبير بـ (يا عم) احترامًا له ورفعًا لرتبته ولا يحصل هذا الغرض بقولها يا ابن عم فيكون قد وقع منها الخطابان والله أعلم. اهـ وقولها (اسمع من ابن أخيك) ما يقول من عجائب ما رأى؛ جواب النداء، قالت رضي الله عنها (من ابن أخيك) تعني النبي صلى الله عليه وسلم ولم تقل من محمد تلطفًا منها فيما يوجب إقباله عليه بجميع فكره وكمال نصحه إذ جعلته عمًا له والعم أحد الأبوين ولهذا تلطف هو أيضًا فيما يزيل الوحشة عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يكتم عنه من أمره شيئًا بأن قال له: يا ابن أخي ماذا ترى، ولم يقل له يا محمد، أو قالت ذلك لأن الأب الثالث لورقة هو الأخ للأب الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عدولها رضي الله تعالى عنها عن حكاية أمر النبي صلى الله عليه وسلم مع معرفتها به إلى أن أحالت عليه حسن أدب لا سيما في حق النساء لاستعظام تقدمهن بنقل الكلام الذي يمكن ممن حضر من الرجال مطلقًا فكيف بصاحب القضية الذي هو أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء ومن أوتي جوامع الكلم وتستحيي الألسنة اللسن أن تفوه بكلمة عند حضور الرفيع المعظم صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، ويحتمل أن يكون إحالة عليه لتتلذذ بسماع الحكاية من فيه ثانيًا أو للاحتياط لاحتمال التقصير في النقل، وأيضًا فقرائن الأحوال عند سماع القضية من صاحبها لها أثر عظيم في زيادة فهم السامع، ولهذا رأينا بعض شيوخنا الأكابر رحمهم الله تعالى يزجر من ينقل له سؤال سائل مع حضوره ومن هذا المعنى اشتراط أهل المذهب في النقل عن الشاهد تعذر السماع منه وقووه مع ذلك باشتراط أن ينقل عنه اثنان فأكثر. اهـ سنوسي. (قال ورقة بن نوفل يا ابن أخي ماذا ترى) أي أي شيء ترى (فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما) وفي رواية بخبر ما (رآه فقال له) صلى الله عليه وسلم (ورقة) بن نوفل (هذا) الذي تراه هو (الناموس) بالنون والسين المهملة على وزن فاعول وهو صاحب سر الملك -والملك هنا هو الله سبحانه جل وعلا- والمراد به جبريل عليه السلام لأنه هو الذي يلقي إليه سبحانه وتعالى ما يوصل إلى أنبيائه عليهم السلام وقال

الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَي عَلَيهِ السَّلامَ، يَا لَيتَنِي فِيهَا جَذَعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن دريد: ناموس الرجل صاحب سره وكل شيء سترت فيه شيئًا فهو ناموس له يقال نمست السر بفتح النون والميم أنمسه بكسر الميم نمسًا أي كتمته، ونمست الرجل ونامسته ساررته، واتفقوا على أن جبريل - عليه السلام - يسمى الناموس واتفقوا على أنه المراد هنا، وعبارة المفهم هنا وقول ورقة (هذا الناموس) قال أبو عبيد في مصنفه: هو جبريل - عليه السلام -، وقال الهروي: وسمي جبريل ناموسًا لأن الله تعالى خصه بالوحي وعلم الغيب، وقال المطرز: قال ابن الأعرابي: لم يات في الكلام فاعول لام الكلمة سين إلا الناموس وهو صاحب سر الخير، والجاسوس وهو صاحب سر الشر، والجاروس وهو الكثير الأكل، والفاعوس وهو الحية، والبابوس وهو الصبي الرضيع، والراموس وهو القبر، والقاموس وهو وسط البحر، والقابوس وهو الجميل الوجه، والفاطوس وهو دابة يتشاءم بها، والفانوس وهو النمام، والجاموس ضرب من البقر ليس له سنام، قال ابن دريد في "الجمهرة" جاموس أعجمي وقد تكلمت به العرب، وقال غيره الحاسوس بالحاء المهملة من تحسسه بمعنى الجاسوس، وقال ابن دريد: الكابوس هو الذي يقع على الإنسان في نومه، والناموس موضع الصائد وناموس الرجل موضع سره وفي الحديث (ناعوس البحر) وسيأتي إن شاء الله تعالى. اهـ أي هذا الذي تراه هو الناموس (الذي أنزل) على صيغة المجهول (على موسى) بن عمران (- عليه السلام -) أي الذي أنزله الله تعالى بالوحي على موسى - عليه السلام - وإنما خص موسى بالذكر دون عيسى مع كونه أقرب ومع كونه تنصر ليسأل عن ذلك أهل العلم بالتوراة فيوافقونه عليه ويصدقون ورقة فتقوم له الحجة في فتواه بخلاف النصارى فإنهم إنما يعلمون لعيسى الألوهية لا النبوة ولأن نزول جبريل على موسى متفق عليه عند أهل الكتابين بخلاف عيسى فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوته وفي رواية الزبير بن بكار بلفظ عيسى. (يا ليتني فيها) أي يا محمد أو يا هؤلاء أو يا قوم أتمنى أن أكون موجودًا فيها أي في أيام نبوتك وبعثتك حالة كوني (جذعًا) بفتح الجيم وسكون الذال المعجمة أي شابًّا قويًّا حتى أبالغ في نصرك وجعل أبوالبقاء المنادى محذوفًا أي يا محمد وتعقب بان قالْل ليتني قد يكون وحده فلا يكون معه منادى كقول مريم {يَاليتَنِي مِتُّ} وأجيب بأنه قد يجوز

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يجرد من نفسه نفسًا فيخاطبها فكأن مريم قالت يا نفسي ليتني مت وتقديره هنا يا محمد ليتني أن أكون موجودًا في أيام دعوتك إلى التوحيد حالة [كوني] جذعًا أي شابًّا قويًّا لأنصرك نصرًا مؤزرًا على من عاداك والجذع هو الصغير من البهائم واستعير للإنسان أي يا ليتني كنت شابًّا عند ظهور نبوتك حتى أقوى على المبالغة في نصرتك. اهـ ق قال القرطبي: قوله (يا ليتني فيها جذعًا) الضمير في (فيها) عائد على النبوة أي في أيام نبوتك تمنى نصرته في مدة نبوته و (جذعًا) كذا صحت الرواية بالنصب فيه وعند ابن ماهان (جذع) بالرفع على أنه خبر (ليت) وكذا هو في "البخاري" ونصبه على أحد ثلاثة أوجه: (أولها) على أنه خبر كان مقدرة أي يا ليتني أكون فيها جذعًا وهذا على رأي الكوفيين كما قالوا في قوله تعالى: {انْتَهُوا خَيرًا لَكُمْ} أي يكون خيرًا لكم، ومذهب البصريين أن (خيرًا) إنما انتصب بإضمار فعل دل عليه انتهوا، والتقدير انتهوا وافعلوا خيرًا، وقال الفراء: هو نعت لمصدر محذوف تقديره انتهوا انتهاء خيرًا لكم. و(ثانيها) أنه حال وخبر ليت متعلق الجار والمجرور في (فيها) فيكون التقدير ليتني كائن فيها أي في مدة النبوة حالة كوني جذعًا. و(ثالثها) أن يكون ليت أعملت عمل تمنيت فنصبت اسمين كما قاله الكوفيون وأنشدوا عليه: يا ليت أيام الصبا رواجعا وهذا فيه نظر. اهـ وخص الجذع دون ما فوقه حرصًا على نمو قوته حتى يحضر معه جميع خطوبه والجذع هنا استعارة أو تشبيه بليغ فكأنه يقول: ليتني أكون شابًّا، فحذف الشاب واستعار له لفظ الجذع وهو من استعارة محسوس لمحسوس والجامع عقلي إذ المراد ما يترتب عليهما في الكفاية والإغناء وعبر بعضهم عن هذا الجامع بالقوة على النصرة وبعضهم جعله تشبيهًا وجعل وجه الشبه الأولية أي يا ليتني أن أكون أول من يجيبك ويؤمن كالجذع الذي هو أول الأسنان ولا خفاء بما فيه من الضعف. اهـ سنوسي. (فإن قلت) كيف تمنى ورقة مستحيلًا وهو عود الشباب (أجيب) بأنه يسوغ تمني

يَا لَيتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ المستحيل إذا كان في فعل خير أو بأن التمني ليس مقصودًا على بابه بل المراد به التنبيه على صحة ما أخبره به والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به أو قاله على سبيل التحسر لتحققه عدم عود الشباب. اهـ ق. (يا ليتني) أي يا محمد أتمنى أن (أكون حيًّا) لأنصرك على من عاداك (إذ يخرجك قومك) قريش من مكة، واستعمل إذ التي للمضي في المستقبل كإذا على حد قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} تنزيلًا له منزلته لتحقق وقوعه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو) بفتح الواو لأن الهمزة للاستفهام الإنكاري والواو عاطفة ما بعدها على قوله (حين يخرجك قومك) على مذهب الجمهور وعلى مقدر على مذهب الزمخشري (مخرجي هم) بتشديد الياء مفتوحة لأن أصله مخرجوني جمع مخرج من الإخراج فحذفت نون الجمع للإضافة إلى ياء المتكلم فاجتمعت ياء المتكلم وواو علامة الرفع وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت ثم أبدلت الضمة التي كانت قبل الواو كسرة وفتحت ياء مخرجي تخفيفًا لئلا يجتمع الكسرة والياءان بعد كسرتين، وهم مبتدأ خبره مخرجي مقدمًا ولا يجوز العكس لأنه يلزم منه الإخبار بالمعرفة عن النكرة لأن إضافة مخرجي غير محضة لأنها لفظية لأنه اسم فاعل بمعنى الاستقبال والهمزة للاستفهام الإنكاري لأنه استبعد إخراجه عن الوطن لا سيما حرم الله وبلد أبيه إسماعيل - عليه السلام - من غير سبب يقتضي ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان جامعًا لأنواع المحاسن المقتضية لإكرامه وإنزاله منهم محل الروح من الجسد. (فإن قلت) الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف نحو قوله تعالى: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} و {فَأَينَ تَذْهَبُونَ (26)} وحينئذ ينبغي أن يقول هنا: (وأمخرجي هم) لأن العاطف لا يتقدم عليه جزء مما عطف به. (أجيب) بأن الهمزة خصت بتقديمها على العاطف تنبيهًا على أصالتها في أدوات الاستفهام وهو له الصدر نحو {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} و {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} هذا مذهب سيبويه والجمهور، وقال الزمخشري وجماعة: إن الهمزة في محلها الأصلي وإن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، والتقدير أمعادي هم ومخرجي هم وإذا دعت الحاجة لمثل هذا التقدير فلا يستنكر بل مذهب الزمخشري ومن

قَال وَرَقَةُ: نَعَمْ. لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَومُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ معه أوضح في المعنى في مثل هذا المقام كما جرينا عليه وبيناه في تفسيرنا "حدائق الروح والريحان". (فإن قلت) على مذهب الجمهور كيف عطف قوله (أو مخرجي هم) وهو إنشاء على قول ورقة (إذ يخرجك قومك) وهو خبر، وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز وأيضًا فهو عطف جملة على جملة والمتكلم مختلف. (أجيب) بأن القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز إنما هو رأي أهل البيان، والأصح عند أهل العربية جوازه وأما أهل البيان فيقدرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو وهي المعطوف عليها فالتركيب سائغ عند الفريقين، أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح وأما المانعون فعلى التقدير المذكور، وقال بعضهم: يصح أن تكون جملة الاستفهام معطوفة على جملة التمني في قوله (ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك) بل هذا هو الظاهر فيكون المعطوف عليه أول الجملة لا آخرها الذي هو ظرف متعلق بها، والتمني إنشاء فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء، وأما العطف على جملة في كلام الغير فسائغ معروف في القرآن العظيم والكلام الفصيح قال تعالي: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} والله سبحانه وتعالي أعلم. اهـ ق. (قال ورقة نعم) أي هم يخرجونك (لم يأت رجل قط) أي لم يأت نبي من الأنبياء في زمن من الأزمنة السابقة (بمثل ما جئت به) من الوحي (إلا عودي) أي إلا عاداه الناس وآذوه لأن الإخراج من المألوف موجب لذلك (وإن يدركني) بالجزم بإن الشرطية (يومك) بالرفع فاعل يدركني أي يوم ظهورك وانتشار نبوتك (أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا) بالنصب على المصدرية (مؤزرًا) بضم الميم وفتح الزاي المشددة آخره راء مهملة مهموزًا أي قويًّا بليغًا مأخوذ من الأزر وهو القوة قال تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)} [طه: 31] ومنه تأزر النبت إذا اشتد وقوي، ولما كان ورقة سابقًا واليوم متأخرًا أسند الإدراك لليوم لأن المتأخر هو الذي يدرك السابق وهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل الدعوة إلى الإسلام فيكون مثل بحيرا، وفي إثبات الصحبة له نظر لكن في زيادات المغازي من رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق (فقال له ورقة:

307 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَندُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. قَال: قَال الزُّهْرِيُّ: وأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل ... ) الحديث، وفي آخره فلما توفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني"، وأخرجه البيهقي من هذا الوجه في الدلائل وقال: إنه منقطع، ومال البلقيني إلى أنه يكون بذلك أول من أسلم من الرجال وبه قال العراقي في نكته على ابن الصلاح، وذكره ابن منده في الصحابة. اهـ ق. وهذا الحديث -أعني حديث عائشة رضي الله تعالى عنها- شارك المؤلف في روايته أحمد (6/ 153 و 232) والبخاري (3) والترمذي (3636) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (307) - (00) (00) وحدثني محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا، قال محمد بن رافع (حدثنا عبد الرزاق) ابن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (قال) معمر (قال) محمد بن مسلم (الزهري) أبو بكر المدني ثقة متقن من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (وأخبرني عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبد الله المدني ثقة من (2) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا تقريبًا (عن عائشة) الصديقة أم المؤمنين أم عبد الله زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم المدنية، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري وفيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر ليونس بن يزيد الأيلي في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن معمرًا ثقة ثبت ويونس بن يزيد له أوهام وأخطاء وإن كان ثقة، وقوله في هذا السند (أخبرنا معمر قال: قال الزهري وأخبرني عروة) قال النووي: هكذا في جميع الأصول: (وأخبرني عروة) بالواو وهو الصحيح، والقائل (وأخبرني) هو

أَنَّهَا قَالتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَوَاللهِ لَا يُحْزِنُكَ اللهُ أَبَدًا. وَقَال: قَالتْ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. 308 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهري، وفي هذه الواو فائدة لطيفة قدمناها في مواضع وهي: أن معمرًا سمع من الزهري أحاديث قال الزهري فيها: أخبرني عروة بكذا وأخبرني عروة بكذا إلى آخرها فإذا أراد معمر رواية غير الأول قال: قال الزهري وأخبرني عروة بالواو ليكون راويًا كما سمع وهذا من الاحتياط والتحقيق والمحافظة على الألفاظ والتحري فيها والله أعلم. انتهى (أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من) جنس (الوحي ... وساق) معمر (الحديث بمثل حديث يونس) بن يزيد وشبهه لفظًا ومعنى إلا ما استثنى منه بقوله (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته (فوالله لا يحزنك الله أبدًا) بضم الياء وسكون الحاء وكسر الزاي أي لا يوقعك الله سبحانه في الحزن والهم في جميع الأزمنة المستقبلة (و) غير أنه (قال) أي معمر في روايته (قالت خديجة أي ابن عم اسمع من ابن أخيك) ما يقول من عجائب ما رأى، وفي هذه الرواية إبدال الحاء المهملة من الخاء المعجمة والنون من الياء في قوله (لا يحزنك) بدل لا يخزيك والحزن لازم يتعدى بالحرف كقوله تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيهِمْ} ويتعدى بالهمزة كقوله: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} وضبط بالوجهين هنا كما مر، وزيادة (ابن) على (عم) في قوله (أي ابن عم) والكلام هنا على حقيقته فلم يتابعه في هذا اللفظ فإن قول خديجة في رواية يونس (أي عم اسمع) كما مر ففيه مجاز على هذه الرواية، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (308) - (00) (00) وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي مولاهم أبو عبد الله المصري ثقة من (11) مات سنة (248) روى عنه في الإيمان والفتن وغيرهما عن أبيه (قال) عبد الملك (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم من قيس عيلان أبو عبد الملك المصري روى عن أبيه في الإيمان وغيره ويروي عنه (م د س) وابنه عبد الملك ثقة من (10) مات سنة (199) روى

عَنْ جَدِّي، قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، قَال ابْنُ شِهَابٍ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ يَقُولُ: قَالتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَرَجَعَ إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّل حَدِيثِهِمَا. مِنْ قَوْلِهِ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في الإيمان وغيره (عن جدي) ليث بن سعد بن ضبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري ثقة ثبت من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (قال) ليث بن سعد (حدثني عُقيل) بضم العين (بن خالد) القرشي الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان أبو خالد المصري سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، قال أبو حاتم: هو أثبت من معمر ثقة ثبت من (6) مات سنة (144) على الصحيح روى عنه في الإيمان والصلاة وغيرهما، أنه قال (قال) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبو بكر المدني (سمعت عروة بن الزبير يقول قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم من حراء (إلى خديجة) حالة كونه (يرجف) ويرتعد (فؤاده) وقلبه أي حالة كونه في رجوعه ووصوله إلى أهله يخفق قلبه ويضطرب من شدة الخوف ووحشة رؤية ما لم يعهد والمشقة التي نالته مع ذلك من الضغط والتكليف بقراءة ما ليس معه ولولا تثبيت الله سبحانه إياه لما اقتصر الأمر في ذلك على مجرد اضطراب القلب وخفقانه اللازم للفزع غالبًا، والسبب في هذا الرجف أن الفزع يذهب بحرارة البدن الباطنة وتفر أمامه متفرقة إلى مسام صحة الظاهر فيعقبها البرد فتأتي الرعدة فطلب صلوات الله وسلامه عليه التدثر ليتدفأ فترجع إليه الحرارة أو كأنه لقرب رؤية ما أفزعه مشاهد له في الحال يتصوره وشأن الإنسان عند رؤية ما يفزع تغميض عينيه وتغطية رأسه وبدنه غيبة من ذلك المحسوس. اهـ سنوسي. وهذا بدل ما قال في رواية يونس من قوله (فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره) وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وأربعة مصريون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عقيل بن خالد ليونس ومعمر في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدة هذه المتابعة تقوية السندين الأولين لأن عقيلًا أثبت منهما، قال ليث بن سعد (واقتص) عقيل بن خالد وذكر (الحديث) السابق (بمثل حديث يونس ومعمر) أي حالة كونه مماثلًا لحديثهما في اللفظ والمعنى إلا فيما استثنى بقوله (و) لكن (لم يذكر) عقيل بن خالد (أول حديثهما) أي أول حديث يونس ومعمر (من قوله) أي من قول الراوي (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ. وَتَابَعَ يُونُسَ عَلَى قَوْلِهِ: فَوَاللهِ، لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا. وَذَكَرَ قَوْلَ خَدِيجَةَ: أَيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. 309 - (152) (75) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأنْصَارِيَّ (وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة وتابع) عقيل بن خالد (يونس) بن يزيد أي وافقه (على) رواية (قوله) أي قول الراوي (فوالله لا يخزيك الله أبدًا) بالخاء المعجمة والياء التحتانية (وذكر) عقيل أيضًا (قول خديجة) لورقة (أي ابن عم اسمع من ابن أخيك) بزيادة لفظ (ابن عم) فخالف في هذا يونس ووافق معمرًا، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: (309) - (152) (75) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي مولاهم الفقيه المصري ثقة من (10) مات سنة (250) روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، قال أبو الطاهر (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (حدثني يونس) بن يزيد الأيلي أبو يزيد الأموي مولاهم ثقة إلا أن في روايته وهمًا وخطأ من (7) مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب (قال) يونس بن يزيد (قال) لنا محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري أبو بكر المدني ثقة متقن من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة فقيه كثير الحديث من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (أن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام (الأنصاري) السلمي بفتحتين أبا عبد الرحمن المدني له (1540) حديثًا، الصحابي بن الصحابي مات سنة (78) روى عنه في (16) بابا، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (وكان) جابر بن عبد الله (من) أشهر (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأكثرهم حفظًا للحديث وعلى هذا التقدير فلا إشكال لأنه بين شهرته وأكثريته حفظًا للحديث، وقيل إنما ذكر الراوي ذلك لأنه حدث حديثه

كَانَ يُحَدِّثُ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْي (قَال فِي حَدِيثِهِ) "فَبَينَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ لمن هو أصغر منه وخاف عليه لصغر سنه أن لا يعرف كون جابر صحابيًّا ثم استمر التحديث بذلك إلى الآن، قال الأبي: وكان منهم من يقول إنما قال ذلك للتنبيه على عِظَمِ ما يلقيه بعد. اهـ قال النواوي: قوله (أن جابر بن عبد الله الأنصاري وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) هذا نوع مما يتكرر في الحديث ينبغي التنبيه عليه وهو أنه قال عن جابر وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن جابر بن عبد الله الأنصاري من مشهوري الصحابة أشد شهرة بل هو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوابه أن بعض الرواة خاطب به من يتوهم أنه يخفى عليه كونه صحابيًّا فبينه إزالة للوهم واستمرت الرواية به، فإن قيل فهؤلاء الرواة في هذا الإسناد أئمة جلة فكيف يتوهم خفاء صحبة جابر في حقهم؟ فالجواب: أن بيان هذا لبعضهم كان في حالة صغره قبل تمكنه ومعرفته، ثم رواه عند كماله كما سمعه وهذا الذي ذكرته في جابر يتكرر مثله في كثيرين من الصحابة وجواب ذلك كله ما ذكرته، والله أعلم. اهـ وهذه الجملة -أعني جملة قوله (وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) - معترضة بين أن وخبرها وهو قوله كان يحدث) أي أن جابرًا كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا في بدئ الوحي إليه (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (يحدث عن فترة الوحي) إليه أي عن احتباس الوحي عنه وعدم تتابعه وتواليه في النزول، وجملة قوله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في حديثه) عن فترة الوحي (فبينا أنا أمشي) في زقاق مكة (سمعت صوتًا من) جهة (السماء فرفعت رأسي) إلى السماء لأنظر صاحب الصوت بدل من جملة (قال) الأول. قوله (عن فترة الوحي) وفترة الوحي احتباسه، قال الأبي: لم يقع في الحديث بيان كم فتر، وفي بعض الأحاديث أنه فتر سنتين ونصفًا، واختلف في إقامته بمكة بعد البعثة فروى ابن عباس ثلاث عشرة سنة وروى غيره عشرًا، قيل: ويجمع بين القولين بأن من اعتد بزمن الرؤيا وزمن فترة الوحي قال: ثلاث عشرة سنة، ومن لم يعتد بذلك قال:

فَإِذَا الْمَلَكُ الذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرًا، وفي بعض الأحاديث أنه لما فتر الوحي كان يأتي شواهق الجبال يهم أن يلقي نفسه منها فكان جبريل يتراءى له فيقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. اهـ قوله (فبينا أنا أمشي) قال السنوسي: (بين) في أصلها ظرف مكان يتخلل بين شيئين أو أشياء تحقيقًا أو تقديرًا ثم زيدت عليها الألف كما هنا أو (ما) نحو (بينما) فصارت ظرف زمان وكانت قبل اتصالها بهما تضاف إلى مفرد وبعده تضاف إلى جملة اسمية وكأنهما كفّاها عن عملها في المفرد الذي كانت تضاف إليه وقيل: (بينا) و (بينما) أصلان لأنفسهما وتقع بعدهما (إذا) كما هنا وتركها معهما أقيس وأكثر وأفصح، و (إذا) بعدهما يحتمل أن تكون للمفاجأة فيختلف فيها بالحرفية والظرفية الزمانية أو المكانية كالخلاف في (إذ) حيث تأتي للمفاجأة، وقيل (إذا) زائدة والعامل في (بينا) و (بينما) ما بعد (إذا) من فعل، وعلى القول بعدم زيادتها فالعامل فيهما فعل يدل عليه الفعل الذي بعد (إذا) وقيل ما يفهم من الكلام و (إذا) بدل منهما. واختلف أيضًا في العامل فيهما إن لم تكن (إذا) فقيل الفعل بعدهما وقيل معنى الجملة، ومن النحويين من زعم أنهما بعد زيادة الألف و (ما) تضافان إلى زمن مفرد مقدر فالتقدير في نحو بينا زيد قائم جاء عمرو بينا أوقات زيد قائم. وتقدير المعنى في الحديث على الجادة سمعت بين خلال مشيي صوتًا حين سمعت صوتًا من السماء أي من جهتها ولا يخفى تقديره على بقية الأقوال. والصوت الذي سمعه من جهة السماء هو نداء الملك إياه يا رسول الله أو يا محمد أو نحوه، وفاء (فرفعت) للتعقيب والتسبيب وفاء (فإذا) للتعقيب خاصة وهي عاطفة للجملة الاسمية على الفعلية وقيل زائدة لازمة وقيل كالتي في جواب الشرط و (إذا) للمفاجاة وفيها الخلاف السابق، قال بعض الشيوخ: ومن يراها حرفًا أظنه يجعلها مؤكدة لمعنى الفاء ولا يظهر لها غيره ونقله ابن مالك عن الأخفش ومعنى المفاجأة وقوع الأمر بالحضرة أول كل شيء وهذا معنى فاء التعقيب بلا مزيد والمعنى ففي أثناء أوقات مشيي في زقاق مكة فاجأني سماع صوت فرفعت رأسي أي بصري إلى السماء كما هو رواية البخاري (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) حاضر، والفاء في (فإذا) عاطفة و (إذا) فجائية نحو قولهم (خرجت فإذا الأسد بالباب) والملك مبتدأ والموصول صفته وخبر المبتدأ محذوف تقديره

جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ بَينَ السَّمَاءِ والأَرْضِ" قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ شاهد وقوله (جالسًا) بالنصب حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف وبالرفع خبر المبتدأ كما هو رواية البخاري، والتقدير فإذا الملك الذي جاءني بحراء شاهد أو حاضر حالة كونه جالسًا (على كرسي) بضم الكاف وقد تكسر، موضوع (بين السماء والأرض) ظرف في محل جر صفة لكرسي، والمعنى فرفعت بصري ففاجأني رؤية الملك الذي جاءني بحراء حالة كونه جالسًا على كرسي موضوع بين السماء والأرض، وفي قوله (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) دليل على صحة القول بأن (اقرأ) أول ما نزل ثم المدثر ولما لم يذكر هاتين الجملتين في التفسير من حديث ابن شهاب بل اقتصر على حديثه عن جابر قال من قال بحسب ما هناك إن المدثر أول ما نزل. وفي جلوس الملك على الكرسي لا سيما وهو مرتفع بين السماء والأرض بحيث لا يحتاج إلى ارتفاع على الكرسي دليل على جلوس العلماء للتعليم على الكرسي ليستمع الناس وليكونوا على السواء في مواجهته والأخذ عنه لا سيما إن كثروا، ومن ثم شرع المنبر في الجمع والأعياد ومحل الخطب، والملك وإن كان مستغنيًا عن الكرسي بإمكان ثبوته دونه في الهواء كما ثبت معه فيه لكنه تعليم وإشارة إلى التزام المعلم التؤدة والوقار والهيئة الحسنة كما كان مالك رحمه الله تعالى يلتزم الجلوس على المنصة حين يجلس للتحديث متجملًا متطيبًا، وإشارة إلى التحريض على التزام العلم فإنه يوصل صاحبه إلى المراقي العلمية من الكراسي والمنابر ونحوها في الدنيا والآخرة أي إن صبرت على مشاق التعلم من غيرك ارتفعت إلى مثل هذا المقام لتعلم غيرك. ومثل هذا الاستدلال ما في الجمعة من صحيح مسلم عن أبي رفاعة قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب؛ رجل غريب يسأل عن دينه فأقبل علي وأتي بكرسي حسبت قوائمه من حديد فقعد عليه يعلمني ثم أتى خطبته. اهـ سنوسي. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجُئِثْث) بجيم مضمومة ثم همزة مكسورة ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم تاء الضمير أي فزعت وخفت (منه) أي من الملك (فرقًا) أي خوفًا فهو مفعول مطلق معنوي لـ (جئثت) أي فزعت منه فزعًا وخفت منه خوفًا، وستأتي رواية (جثثت) بجيم ومثلثتين بمعناه وفي نسخة (فحثثت) بحاء مهملة وثاءين ومعناه أسرعت،

فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي" فَدَثَّرُونِي. فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية البخاري (فرعبت منه) بضم الراء وكسر العين المهملة مبنيًّا للمفعول، وللأصيلي (فرعبت) بفتح الراء وضم العين أي فزعت من الملك (فرجعت) إلى أهلي بسبب الرعب والفزع منه (فقلت) لهم (زملوني زملوني) بالتكرار مرتين أي لفوني بالثياب (فدثروني) بصيغة الماضي أي لفوني بالثياب لتزول عني الرعدة والفزع، والتزميل والتدثير بمعنى واحد وهو التلفيف. (فأنزل الله) سبحانه (تبارك) أي تزايد خيره وآلاؤه (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من سمات النقص {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] إيناسًا له وتلطفًا به والتدثير والتزميل بمعنى واحد، ودل هذا الحديث على أن السورة مكية وأن هذا سبب نزولها والمعنى يا أيها المدثر بثيابه، وعن عكرمة: أي المدثر بالنبوة وأعبائها. قال السهيلي: قال بعض أهل العلم في تسميته صلى الله عليه وسلم بالمدثر في هذا المقام ملاطفة وتأنيس، ومن عادة العرب إذا قصدت الملاطفة أن تسمي المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو فيها كقوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله عنه: "قم يا نومان" ولعلي رضي الله عنه وقد ترب جنبه: "قم أبا تراب" ولو ناداه سبحانه في حالة كربه هذه باسمه أو بالأمر المجرد عن هذه الملاطفة لهاله ذلك، ولكن لما بدأ بـ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أنس وعلم أن ربه راض عنه، ألا تراه كيف قال عندما لقي من أهل الطائف من شدة البلاء والكرب ما لقي "رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي" إلى آخر الدعاء فكان مطلوبه صلى الله عليه وسلم رضا ربه وبه كانت تهون عليه الشدائد. اهـ. ({قُمْ}) أي من اضطجاعك مدثرًا أو من نومك ({فَأَنْذِرْ}) أي حذر وخوف من العذاب من لم يؤمن بك أو بادر بإنذار قومك أو الناس أو الثقلين أجمعين لأنه بعث إلى الجميع وهو أولى، ولهذا لم يعلق بمفعول فيعم وإلا لزم التحكم أو ينزل منزلة اللازم أي أوجد الإنذار أو حذر من كذَّبَك أن ينزل عليهم من عذاب الله ووقائعه مثل ما نزل بمن كذب الرسل من قبلك، ودلت على المبادرة بالإنذار الفاء العاطفة على (قم) لأنها للتعقيب واقتصر على الإنذار لأن التبشير إنما يكون لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ

وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 3 - 5] وَهِيَ الأوثَانُ قَال: ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ. 315 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبٍ بْنِ اللَّيثِ، قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذاك من دخل فيه. {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}) أي واخصص ربك الذي خلقك وأمرك أن تقرأ باسمه وعلم الإنسان بالقلم ما لم يكن يعلم بالتكبير والتعظيم ولا يكبر عليك أمر من يخالفك من المخلوقين فإن جميعهم مربوب في قبضة ربك وربهم فهو الذي يكفيك أمرهم وينصرك عليهم، ودل على تخصيصه بالتكبير تقديمه على عامله وإدخال الفاء عليه التي تعطي فاء جواب الشرط وهو هنا شرط عام غير مخصوص بشيء بل عام في جميع الأحوال، يدل على أمره بالتزام ذلك في جميعها قال الزمخشري: كأنه قيل مهما يكن من شيء فلا تدع تكبيره يعني أي شيء وقع أو كنت فيه وقيل الفاء زائدة ({وَثِيَابَكَ}) أي لباسك ({فَطَهِّرْ}) من الأوساخ والنجاسات لتصلي فيها ({وَالرُّجْزَ}) أي وعبادة الرجز والأصنام ({فَاهْجُرْ}) أي فابتعد منها وفسر أبو سلمة الرّجز بقوله (وهي) أي الرجز (الأوثان) أي الأصنام. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد نزول هذه الآيات (تتابع الوحي) أي تواتر وتوالى وكثر نزول الوحي، ومقصد هذه السورة أمره صلى الله عليه وسلم بإنذار الخلق عذاب الله إن عبدوا غيره أو عصوه فيما أمرهم به من الاعتراف بوحدانيته وعباداته، وبراعة مطلعها نص في ذلك ووسطها وآخرها مناسب لذلك متصل بعضه ببعض حتى قيل إن (نذيرًا للبشر) حال من فاعل (قم)، وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري في مواضع كثيرة في بدء الخلق وفي التفسير والترمذي في التفسير والنسائي في التفسير في الكبرى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: (310) - (00) (00) وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري ثقة من (11) مات سنة (248) (قال) عبد الملك (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري مولاهم ثقة من (10) مات سنة (199) (عن جدي) ليث بن سعد

قَال: حَدَّثَنِي عُقْيَلُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمْنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِّي فَتْرَةً. فَبَينَا أَنَا أَمْشِي". ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ غَيرَ أَنهُ قَال: "فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا حَتَّى هَوَيتُ إِلَى الأَرْضِ" قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الفهمي مولاهم أصله من قيس عيلان أبي الحارث المصري ثقة من (7) مات سنة (175) (قال) ليث بن سعد (حدثني عقيل بن خالد) القرشي الأموي مولاهم أبو خالد المصري ثقة ثبت من (6) مات سنة (144) (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (ابن شهاب) الزهري أبي بكر المدني (قال) ابن شهاب (سمعت أبا سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني حالة كون أبي سلمة (يقول أخبرني جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي (أنه) أي أن جابرًا (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عقيل بن خالد ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن عقيلًا أوثق من يونس مع بيان محل المخالفة بين الروايتين؛ أي أن جابرًا سمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول ثم) بعد ما جاءني الملك بحراء (فتر) أي حبس وانقطع (الوحي) أي نزوله (عني فترة) أي مدة سنتين أو ثلاث (فبينا أنا أمشي) أي فبين أوقات مشيي في زقاق مكة (ثم) بعد هذه الكلمات (ذكر) عقيل بن خالد (مثل حديث يونس) بن يزيد لفظًا ومعنى ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي غير أن عقيل بن خالد (قال) في روايته (فجثثت) أي فزعت (منه) أي من الملك (فرقًا) أي خوفًا بمثلثتين بعد جيم مضمومة بخلاف رواية يونس فإنها بجيم مضمومة ثم همزة مكسورة ثم مثلثة ساكنة كما تقدم ومعناهما واحد (حتى هويت) وسقطت (إلى الأرض) بفتح الواو من هويت لأنه من باب رميت، وكسر الواو فيه غلط كما وقع في بعض النسخ، هوى إلى الأرض وأهوى إليها لغتان أي سقط، وقال الإمام المازري: صوابه أهويت بالألف، قال القاضي: هو الأصح الأشهر، وقيل هوى سقط من قرب وأهوى سقط من بعد وقيل هوى سقط بنفسه وأهوى أسقطه غيره ومنه قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} أي سقط وقوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)} أي أسقطها جبريل - عليه السلام - بعد أن رفعها إلى السماء (قال) عقيل في روايته.

وَقَال أَبُو سَلَمَةَ: وَ (الرُّجْزُ) الأَوْثَانُ. قَال: ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ بَعْدُ، وَتَتَابَعَ. 311 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقال أبو سلمة والرجز الأوثان) أي الأصنام فصرح عقيل بأنه مدرج من كلام أبي سلمة بخلاف يونس فإنه لم يصرح بذلك كما مر. قال جابر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد نزول سورة المدثر (حمي الوحي) أي كثر نزوله وازداد، من قولهم حميت النار أو الشمس أي قويت حرارتها، وأما قوله (بعد) أي بعد نزول هذه السورة أو بعد الفترة المذكورة فهو تصريح بما علم من كلمة ثم (وتتابع) أي تواصل نزوله وتلاحق مرة بعد مرة وجَعْلُه تأسيسًا أولى من جعله تأكيدًا لـ (حمي) لأن الكثرة تحصل بمرة فلا تقتضي التلاحق والتواصل. قال السنوسي: (قوله ثم حمي الوحي) أي اشتد تتابعه فذكر التتابع معه تقوية للمعنى وتفسير له. (قلت) معنى حمي الوحي كثر نزوله بعد نزول المدثر واستعير الحمي الذي هو شدة حر الشمس أو التنور للكثرة كما يستعار لشدة القتال في قولهم: حمي الوطيس، والوطيس التنور، وكذلك للجد في الأمور لأن الكثير يقوى ويثقل حمله كحر النار فهو من استعارة معقول لمعقول والجامع كذلك (وتتابع) ويروى وتواتر أي توالى في النزول على حال كثرته ولم تكن كثرة منقطعة فهو من الاحتراس وليس بمعنى واحد كما أشعر به كلام بعضهم كعياض. اهـ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: (311) - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) مات سنة (245) قال محمد (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة من (9) مات سنة (211) قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة من (7) مات سنة (154) (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني ثقة متقن من (4) مات سنة (125) والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع والإشارة راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع، والتقدير أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد يعني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الزهري المدني عن جابر بن

نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ وَقَال: فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} إلَى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاةُ. (وَهِيَ الأوثَانُ) وَقَال: "فَجُثِثْتُ مِنْهُ" كَمَا قَال عُقَيلٌ. 312 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله الأنصاري المدني (نحو حديث يونس) بن يزيد عن الزهري أي نظيره في بعض الألفاظ وبعض المعاني، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة معمر ليونس في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول. (و) لكن (قال) معمر في روايته (فأنزل الله تبارك وتعالي {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} إلى قوله {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وقوله (قبل أن تفرض الصلاة) الخمس، ظرف متعلق بـ (أنزل)، قال معمر أيضًا: قال أبو سلمة (و) الرجز (هي الأوثان وقال) معمر أيضًا (فجثثت منه) بمثلثتين (كما قال عقيل) جثثت بمثلثتين والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثاني حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: (312) - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من (10) مات سنة (234) روى عنه في (20) بابا، قال زهير (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم ثقة من (8) مات سنة (195) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا قال الوليد بن مسلم (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أبو عمرو الشامي نسبة إلى الأوزاع قبيلة من حمير وقيل إلى الأوزاع قرية بدمشق العلم الفقيه ثقة من السابعة مات سنة (157) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا (قال) الأوزاعي (سمعت يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبا نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا حالة كون يحيى (يقول سألت أبا سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (أيُّ) سور (القرآن) وآياته (أنزل قبل) أي قبل غيره من السور (قال) أبو سلمة بن عبد الرحمن:

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثرُ. فَقُلْتُ: أَو اقْرَأْ. فَقَال: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ قَال: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. فَقُلْتُ: أَو اقْرَأْ؟ قَال جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السورة التي أنزلت قبل غيرها سورة (يا أيها المدثر) قال يحيى (فقلت) لأبي سلمة (أو اقرأ) أي بل الذي أنزل أول هو سورة (اقرأ) (فقال) أبو سلمة (سألت جابر بن عبد الله) الأنصاري السلمي المدني (أيُّ) سور (القرآن أنزل قبل) أي قبل غيره، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد نسائي وواحد شامي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن المتابع أقوى من المتابع فلا يصلح لتقويته، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سياق الحديث وبالزيادة. (قال) جابر إن الذي أنزل قبل هو قوله تعالى ({يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}) وهذا ضعيف بل باطل والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق (اقرأ باسم ربك) كما صرح به في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأما (يا أيها المدثر) فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر والدلالة صريحة فيه في مواضع منها قوله وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال فأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا الذي جاءني بحراء" فالصواب أن أول ما أنزل من القرآن على الإطلاق (اقرأ)، وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي (يا أيها المدثر) وبهذا يجمع بين القولين، وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل من القرآن الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر، والله أعلم. اهـ. نواوي. قال أبو سلمة (فقلت) لجابر (أو اقرأ) أي بل الأول اقرأ (قال جابر) رضي الله تعالى عنه أنا (أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وصلم) به في مقام بيان أول ما نزل من القرآن فاستمع مني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (جاورت) أي اعتكفت ولبثت (بحراء) أي في غار حراء (شهرًا) واحدًا (فلما قضيت) وأتممت (جواري) أي مجاورتي واعتكافي في حراء (نزلت) من فوق جبل حراء (فاستبطنت بطن

الْوَادِي، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُم نُودِيتُ. فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ، يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلَامُ، فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ. فَأَتَيتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُوني فَدَثَّرُوني. فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ الوادي) أي فصرت في بطن وادي مكة (فنوديت) من فوقي أي ناداني مناد لم أر شخصه بقوله يا محمد أو يا رسول الله (فنظرت) طلبًا لرؤية شخصه (أمامي) وقدامي (وخلفي) وورائي (وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدًا) من الناس (ثم نوديت) يا محمد مرة ثانية (فنظرت) جميع جهاتي (فلم أر أحدًا) من الناس أيضًا (ثم نوديت) مرة ثالثة (فرفعت رأسي) إلى جهة السماء (فإذا هو) أي الملك الذي جاءني بحراء جالس (على العرش) أي على الكرسي الموضوع (في الهواء) كما صرح به في الرواية الأخرى "على كرسي بين السماء والأرض" قال أهل اللغة: العرش هو السرير وقيل سرير الملك قال الله تعالى: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} و (الهواء) بالمد هنا، ويكتب بالألف هو الجو بين السماء والأرض كما صرح به في الرواية الأخرى والهواء أيضًا الخالي كقوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالذي على العرش (جبريل - عليه السلام -) كلام مدرج من جابر أو ممن دونه (فأخذتني) أي فلما رأيته أصابتني (رجفة شديدة) أي رعدة شديدة وهزة واضطراب شديد، قال النواوي: هكذا هو في الرواية المشهورة (رجفة) بالراء، قال القاضي ورواه السمرقندي (وجفة) بالواو وهما صحيحان متقاربان ومعناهما الاضطراب. قال الأبي: ودلت هذه الأحاديث على أن للملائكة عليهم السلام صورًا مخصوصة بهم خلقوا عليها في الأصل كل منهم على ما خلق عليه وشكل، ثم إن الله سبحانه أقدرهم على التشكل بأي صورة شاؤوا من صورة بني آدم وغيرها لكن على صورة حسنة. اهـ (فأتيت) أهلي (خديجة) بنت خويلد رضي الله تعالى عنها (فقلت) لها (دثروني) بكسر المثلثة المشددة على صيغة الأمر مع ضمير الجمع تعظيمًا لأهله على عادة العرب أي لفوني بالثياب لتزول عني الرعدة (فدثروني) بفتحها على صيغة الماضي (فصبوا) بفتح الصاد المهملة على صيغة الماضي (علي) أي على جسدي (ماء) باردًا لتزول عني الحرارة

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}. 313 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّي، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فأفقت مما أصابني من الرجفة والحرارة، ففيه ينبغي أن يصب الماء على الفَزعِ ليسكن فزعه (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) علي بلا مُهْلة قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أي المتلفف بثيابه ({قُمْ}) من نومك ({فَأَنْذِرْ}) أي خوِّف الناس كافة من عذاب الله تعالى إن لم يؤمنوا به ({وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)}) أي خص ربك بالتكبير والتعظيم ({وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}) أي نظفها من الأقذار لتصلي فيها لربك، فاستدل جابر رضي الله عنه بهذا الحديث على أن هذه السورة أول ما نزل فيعارض حديث عائشة الدال على أن أول ما نزل من القرآن سورة (اقرأ) فيجمع بين الحديثين بأن أولية المدثر بالنظر إلى ما بعد الفترة وأولية اقرأ بالنظر إلى جميع القرآن، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: (313) - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي بفتحتين أبو موسى البصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال محمد بن المثنى (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمد البخاري نزيل البصرة روى عن علي بن المبارك في الإيمان والأشربة وغيرهما، وشعبة في الجنائز وغيرها، وعيسى بن حفص بن عاصم في الحج، ويونس بن يزيد في البيوع، وداود بن قيس في الصيد، وكهمس بن الحسن في الذبائح، وأبي عامر الخزاز في حق الجار، وعزرة بن ثابت في الغدر، وإسرائيل في حديث الرحل، ويروي عنه (ع) ومحمد بن المثنى وزهير بن حرب وإسحاق الحنظلي وحجاج بن الشاعر وأبو داود سليمان بن معبد وأبو غسان المسمعي وغيرهم، وثقه ابن معين وابن سعد وأحمد، وقال العجلي ثقة ثبت في الحديث، قيل كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات سنة (209) تسع ومائتين روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا كما بيناه آنفًا. قال عثمان بن عمر (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ممدودًا البصري روى عن يحيى بن أبي كثير في الإيمان والصلاة والزكاة والحج ويروي عنه (ع) وعثمان بن عمر وهارون بن إسماعيل الخزاز في الصلاة، ووكيع في الصلاة، ويحيى بن كثير في الزكاة وإسماعيل ابن علية وغيرهم، قال أبو داود: ثقة، وقال النسائي: لا بأس به وقال ابن حبان: كان متقنًا ضابطًا، وقال في التقريب: ثقة من كبار السابعة، ووثقه ابن المديني وابن نمير والعجلي (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي من الخامسة، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع أي أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بهذا الإسناد يعني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي، وغرضه بسوقه بيان متابعة علي بن المبارك للأوزاعي في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة (و) لكن (قال) علي بن المبارك في روايته (فإذا هو) أي الملك الذي جاءني بحراء (جالس على عرش) وسرير موضوع (بين السماء والأرض) بدل قول الأوزاعي (فإذا هو على العرش في الهواء). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

85 - (44) باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات الخمس التي هي أحد أركان في الإسلام

85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث التي تبين بإسرائه صلى الله عليه وسلم ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالبراق مع جبرائيل وموكب من الملائكة ثم عروجه إلى السماوات السبع وفرض الصلوات الخمس التي هي أحد أركان الإسلام عليه وعلى أمته في تلك الليلة، وبهذا التقدير دخل هذا الباب تحت ترجمة كتاب الإيمان والله أعلم. والإسراء لغة: مصدر أسرى الرباعي وهو السير ليلًا خاصة، وشرعًا: سيره صلى الله عليه وسلم ليلًا من مكة إلى بيت المقدس بالبراق ليعرج إلى السماوات من بيت المقدس لأن أبواب السماوات في حياله، قال الأبي: يقال في فعله سرى أو أسرى بمعنى، واتفق القراء على القراءة باسرى الرباعي، والمحدثون على الترجمة بالإسراء مصدره دون السرى مصدر الثلاثي، قال السهيلي: وإنما فعلوا ذلك لأن الثلاثي قاصر وتعدية القاصر بالباء تقتضي شركة الفاعل مفعوله في الفعل فإذا قلت: قعدت بزيد فالمعنى أنك قعدت معه وجذبته إلى الأرض، وتعديته بالهمزة لا تقتضي ذلك فإذا قلت: أقعدت زيدًا فالمعنى أنك جعلته يقعد بنفسه فلو وقعت القراءة والترجمة بالثلاثي المعدى بالباء لأوهم شركة الله سبحانه وتعالى عبده في السرى ويستحيل أن يشرك الله سبحانه عبده في السرى، والمفعول في الآية محذوف والتقدير أسرى البراقَ بعبده أي جعله يسري به وحذف لأن المقصود ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لا الدابة ولا يعترض بقوله تعالي: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} لأنه مجاز والمعنى أذهب الله بنورهم. اهـ قال النواوي: وقد لخص القاضي عياض رحمه الله تعالى في الإسراء جملًا حسنة نفيسة فقال: اختلف الناس في الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم عامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده صلى الله عليه وسلم والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل.

314 - (153) (76) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء وقد نبه مسلم على ذلك بقوله فقدم وأخر وزاد ونقص منها قوله (قبل أن يوحى إليه) وهو غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما قيل فيه إنه كان بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهرًا، وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، وقال الزهري: كان ذلك بعد مجثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وقال ابن إسحاق: أسري به صلى الله عليه وسلم وقد فشا الإسلام بمكة وفي القبائل وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله تعالى عنها صلت معه صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل بثلاث سنين وقيل بخمس، ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه وأما قوله في رواية شريك (وهو نائم) في الرواية الأخرى: "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان"، فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه وليس في الحديث ما يدل على كونه نائمًا في القصة كلها هذا كلام القاضي رحمه الله تعالى، وهذا الذي قاله في رواية شريك وأن أهل العلم أنكروها قد قاله غيره. وقد ذكر البخاري رحمه الله تعالى رواية شريك هذه عن أنس في كتاب التوحيد من صحيحه وأتى بالحديث مطولًا، قال الحافظ عبد الحق رحمه الله تعالى في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية: هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس وقد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بالفاظ غير معروفة وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث، قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعول عليها هذا كلام الحافظ عبد الحق رحمه الله تعالى. اهـ نووي. (314) - (153) (76) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأبلي، قال أحمد: ثقة وقال في التقريب: صدوق يهم ورمي بالقدر، قال أبو حاتم: اضطر الناس إليه أخيرًا، من صغار التاسعة مات سنة (236) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتْ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ (وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ شيبان (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة عابد أثبت الناس في ثابت من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا، قال حماد (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) مولاهم أبو محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري مات بالبصرة سنة (93) وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا شيبان بن فروخ فإنه أبلي بضمتين ثم لام مشددة مكسورة. أي حدثنا ثابت عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت) على صيغة المبني للمجهول وتاء المتكلم نائب فاعله (بالبراق) بضم الباء الموحدة اسم للدابة التي ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، قال الزبيدي وصاحب التحرير: هي دابة كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يركبونها وهذا الذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها يحتاج إلى نقل صحيح. قال الأبي: جاء في الحديث أنه لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوبه شمس أي نفر فقال جبريل: ألا تستحي يا براق ما ركبك قبله أكرم على الله منه، قال ابن بطال في شرح البخاري: وإنما شمس لبعد عهده بالأنبياء عليهم السلام وطول الفترة بينه وبين عيسى عليهما السلام فهو على هذا واحد بالشخص اشترك في ركوبه الجميع، قال السنوسي وقال غيره: إنما شمس أي نفر نشاطًا وفرحًا بركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فصار يلعب يقبل ويدبر ولم يضبط نفسه من شدة الفرح، قال ابن دريد: واشتقاقه من البرق لسرعته، وقيل سمي بذلك لشدة صفائه وتلألئه وبريقه، وقيل غير ذلك، وفي صفة البراق أقوال أحسنها أن وجهه كوجه إنسان وصدره ياقوتة حمراء وظهره درة بيضاء وعليه رحل من رحال الجنة وله جناحان يطير بهما كالبرق. اهـ سنوسي. كذا قالوا والله أعلم بحقيقتها. أي أتاني جبريل - عليه السلام - بالبراق من الجنة وقوله (وهو) أي البراق ذكره باعتبار

دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَويلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) قَال: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيتُ بَيتَ الْمَقْدِسِ .. فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ. قَال: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيتُ فِيهِ رَكْعَتَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المرجع (دابة أبيض) ذكر الوصف ولم يقل بيضاء اعتبارًا بمعنى البراق وكذا قوله (طويل) ولو نظر لفظ دابة لقال طويلة (فوق الحمار) في الكبر (ودون البغل) في الصغر (يضع حافره) أي طرف رجله الذي هو بمنزلة قدم الإنسان في الدابة (عند منتهى طرفه) أي عند نهاية بصره والطرف بسكون الراء البصر يعني أنه سريع بعيد الخطو تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم أو من الراوي على طريق النقل. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فركبته) أي ركبت البراق ومشيت به (حتى أتيت بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وبضم الميم وفتح القاف وشد الدال لغتان مشهورتان فعلى التخفيف يحتمل أنه مصدر كالمرجع أي بيت القدس والطهر الذي قدس وطهر عن أن يعبد فيه الأصنام ويحتمل أنه اسم مكان أي بيت المكان الذي فيه التقديس أي الطهارة إما من الأصنام أو من الذنوب (فريطته) أي ربطت البراق وقيدته بالحبل، يقال ربط من باب ضرب يربط ربطًا (بالحلفة) أي بحلقة باب مسجد بيت المقدس قاله صاحب التحرير، والمشهور في الحلقة سكون اللام وحكى الجوهري فيها الفتح، وجمعها على السكون حلق بفتح الحاء وكسرها وعلى الفتح حلق وحلقات، وفي ربطه دليل على أن اتخاذ الأسباب والاحتياط في الأمور لا ينافي التوكل وقوله (التي) صفة للحلقة (يربط) بالياء التحتانية وفي نسخة (تربط) بالفوقية وكلاهما صحيح من حيث العربية على تأويل الجمع أو الجماعة وذكَر الضميرُ في قوله (به) مع عوده إلى الحلقة على تأويلها بالحديد والحلقة ما يدخل فيه الغلق أي فربطته بالحديد الذي يَربط به (الأنبياء) أي أنبياء الأمم السابقة دوابهم أو براقهم على ما قيل إذا جاؤوا مسجد بيت المقدس لزيارته. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ربطها بالحلقة (دخلت المسجد) أي مسجد بيت المقدس (فصليت فيه) أي في المسجد (ركعتين) تحيته، قال الأبي: وفي السير أنه وجد فيه نفرًا من الأنبياء فصلى بهم، وفي الترمذي عن حذيفة أنه أنكر أن يكون صلى فيه، وقال: ما زايل ظهر البراق حتى رأى الجنة والنار وما وعده الله تعالى ثم رجع

ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ بِإنَاءٍ مِنْ خَمْرِ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاختَرْتُ اللَّبَنَ. فَقَال جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامَ: اخْتَرْتَ الْفِطرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الأرض، وقال السهيلي: ثبتت رواية أنه صلى بهم عند الأكثر وهي مقدمة على رواية من نفى (ثم) بعد فراغي من صلاة ركعتين (خرجت) من المسجد (فجاءني جبريل عليه السلام) حين أخذني من العطش أشد ما أخذني (بإناء) مملوء (من خمر وإناء) مملوء (من لبن) شبه ضيافة القادم فخيرني بينهما (فاخترت اللبن) أي إناءه فاخذته، وقد جاء في بعض الروايات أنه خيره فاختار اللبن (فقال) لي (جبريل - عليه السلام - اخترت الفطرة) أي الخلقة الأصلية وهي فطرة الإسلام أو الاستقامة أو الحنيفية، قال: وفسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة وجعل اللبن علامة عليها لكونه سهلًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين سليم العاقبة، بخلاف الخمر فإنها أم الخبائث وجامعة لأنواع الشر في الحال والمآل، وقال القاضي: لما كان اللبن حلالًا والخمر حرامًا صوب جبريل إيثاره اللبن، وفيه نظر لأن هذه الخمر ليست بحرام لأنها إن كانت من خمر الجنة فواضح وإن كانت من خمر الدنيا فلم تكن حينئذ حرمت لأنها إنما حرمت عام خيبر والله أعلم (ثم) بعد ما اخترت اللبن وشربته (عرج) بفتح العين والراء من باب قعد أي صعد (بنا) جبريل - عليه السلام - (إلى السماء) أي إلى سماء الدنيا، وتسمى برفيع مصغرًا وهي موج مكفوف، سميت بسماء الدنيا لدنوها وقربها إلى الأرض (فاستفتح) أي فطلب (جبريل) - عليه السلام - فتح باب سماء الدنيا من خازنها بدقه (فقيل) له أي فقال خازن سماء الدنيا لجبريل (من أنت) أي من المستفتح للباب بدقه وفي قوله (فاستفتح) أن للسماء أبوابًا وبوابين يحفظونها حقيقة، وفيه مشروعية الاستئذان بدق الباب (قال) جبريل - عليه السلام - للخازن أنا (جبريل) وفي قوله (أنا جبريل) بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت؟ فينبغي أن يقول: أنا زيد، مثلًا إذا كان اسمه زيدًا ولا يقول أنا لصحة النهي عن أن يقول أنا لما فيه من الإبهام فلا فائدة فيه (قيل) لجبريل (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه) أي إلى محمد صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض: وفي

قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ. فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ، فَفُتِحَ لَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الملك (أو قد بعث إليه؟ ) دليل على أن الملائكة عليهم السلام لا تعلم من الوحي المنزل إلا ما أعلموا بنزوله لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليه منذ مدة، وقيل معنى (أوبعث إليه) أي للعروج لأن إرساله كان مستفيضًا في السماء، وقيل إنهم كانوا يعلمون أنه يرسل وأما في أي وقت فلا، قال الأبي: قال السهيلي: يؤيد أنه للعروج تعدية الفعل بإلى وإلا لقيل أوبعث على أن في رواية أنس أن ملائكة سماء الدنيا قالوا: أوبعث ولم يثبت أنهم قالوه إلا في رواية أنس. اهـ قال النواوي: قول الملك (وقد بعث إليه) أي للإسراء وصعود السماوات وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة فهذا هو الصحيح والله أعلم. اهـ (قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) الباب أي فتحه الخازن لأجلنا، قال الأبي: فتحه الباب دون استئذان من الرب سبحانه يدل على أنه قدم له الإذن في ذلك وإلا فمن وكل إليه حفظ باب لا يفتحه إلا بإذن (فـ) لما فتح لنا وعلونا السماء (إذا أنا) راء (بآدم) أبي البشر - عليه السلام - (فـ) لما رآني آدم - عليه السلام - (رحب بي) أي قال لي مرحبًا أي أصبت رحبًا لا ضيقًا وهي كلمة تقال عند تأنيس القادم (ودعا لي بخير) الدنيا والآخرة، ولقاؤه آدم - عليه السلام - يدل على أنه لقي الأرواح إلا في عيسى - عليه السلام - ويحتمل أنه لقي الأجساد (ثم عرج) وصعد (بنا) جبريل - عليه السلام - من السماء الدنيا (إلى السماء الثانية) وتسمى بـ (أرفلون) وهي من مرمرة بيضاء، وما بين سماء الدنيا والأرض خمس مائة عام كما بين كل سماءين إلى السابعة، والإتيان بضمير الجمع في قوله (بنا) يدل على أنه كان معهما ملائكة آخرون ولعله كانا كلما عديا سماء تشيعهما الملائكة حتى يصلا سماء أخرى (فاستفتح جبريل - عليه السلام -) أي طلب فتح باب السماء الثانية من خازنها بدقه (فقيل) لجبريل (من أنت؟ ) الذي يدق الباب (قال) جبريل أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه) للعروج (قال) جبريل (قد بعث إليه) للعروج (ففتح لنا) باب السماء

فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيرِ، ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. فَاستَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية (فـ) لما علونا السماء الثانية (إذا أنا) راءٍ (بابني الخالة عيسى ابن مريم وبحيى بن زكرياء صلوات الله) تعالي وسلامه (عليهما) وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أي بابنين يقال لكل واحد منهما هو ابن خالة الآخر لأن أم مريم حنة بنت فاقوذا وأم يحيى إيشاع بنت فاقوذا وفي الحقيقة أم يحيى خالة لمريم لا لعيسى، قال الأزهري: قال ابن السكيت: يقال هما ابنا عم ولا يقال ابنا خال، ويقال هما ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة، قال الأبي وفي العتبية: قال مالك: بلغني أن عيسى ويحيى ابنا خالة وأن حملهما كان معًا ولكن يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر وأن أم يحيى قالت لمريم: إني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك لتفضيله بما أوتي من الآيات من إحياء الموتى وغيره ولم تكن ليحيى عيشة إلا عشب الأرض وإنه كان يبكي من خشية الله حتى لو كان على خده القار لأذابه دهان بخده للدموع لمجرى، والحديث وما في العتبية يردان ما قيل إن أم يحيى خالة لمريم لا لعيسى. اهـ منه. (فرحبا) بي أي قالا لي مرحبًا أي صادفت رحبًا وسعة لا ضيقًا (ودعوا لي بخير) عظيم، وذكر صلى الله عليه وسلم في باقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم نحوه ففيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم وإن كانوا أفضل من الداعي، وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة. اهـ نواوي (ثم عرج بي جبريل إلى السماء الثالثة) وتسمى بـ (قيدوم) وهي من حديد وفي أكثر النسخ (ثم عرج بنا) بضمير الجمع وهو أوفق للسياق وفي هذه النسخة أفرد الضمير نظرًا إلى أنه المقصود بالعروج (فاستفتح جبريل) من خازنها (فقيل) له (من أنت؟ قال) أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد صلى الله عليه وسلم، قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء الثالثة (فـ) لما فتح لنا وعلونا عليها (إذا أنا) راء (بيوسف) بن يعقوب عليهما السلام و (إذا هو) أي يوسف (قد أعطي) وألبس (شطر الحسن) ونصف الجمال

فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. ثَمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قَال: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} ـــــــــــــــــــــــــــــ كأن الجمال جزئ نصفين فأعطي أحدهما وقسم النصف الآخر بين أولاد آدم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أعطي الجمال الكامل، ويذكر عن الشيخ الفقيه العارف أبي محمد المرجاني أنه كان يقول في هذا الموضع: لا يقسم الفريضة إلا من يعرف عولها، فلولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي كل الحسن لم يعرف شطره. اهـ من الأبي، وفيه أيضًا (فإن قلت) وصفه يوسف - عليه السلام - بالحسن يدل أن الذي لقي الأجساد (قلت) الصحيح في الروح أنها جسم لطيف فتوصف بالحسن كما يوصف الجسد به. اهـ. (فرحب) بي يوسف - عليه السلام - (ودعا لي بخير) عظيم (ثم عرج بنا) جبريل - عليه السلام - (إلى السماء الرابعة) وتسمى بـ (الماعون) وهي من نحاس (فاستفتح جبريل - عليه السلام -) خازنها (قيل) لجبريل (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قال) خازن الباب أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل نعم (قد بعث إليه ففتح لنا) الباب (فـ) لما علونا على السماء الرابعة (إذا أنا) راء (بإدريس) بن يرد بن مهلايل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وهو أول من خاط الثياب وقبله يلبسون الجلود (فرحب) بي إدريس (ودعا لي بخير، قال الله عزَّ وجلَّ) في ذكر شأن إدريس ({وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}) أي رفعنا إدريس إلى مكان عال هو السماء الرابعة، قال الأبي: قال بعضهم: خص بأنه رفع إلى السماء الرابعة كما رفع عيسى إلى السماء إلا أنه مات في السماء الرابعة ولم يمت عيسى، وسبب رفعه فيما ذكر ابن عباس وغيره أنه كان له خليل من الملائكة فرفعه على جناحه بإذن الله سبحانه إلى السماء الرابعة فلقي بها ملك الموت فقال له: قيل لي اهبط إلى الرابعة واقبض بها روح إدريس وما أدري كيف؟ فقال له الملك الصاعد: هذا إدريس معي فقبض روحه، وقال مجاهد وغيره: إنه لم يمت والحديث نص أن هذا كان في الرابعة، وعن ابن عباس أن ذلك كان في السادسة، وثبت ذلك في بعض روايات حديث الإسراء، وقال جماعة: المراد بالرفع رفع المنزلة وهو في السماء كغيره من الأنبياء عليهم السلام. اهـ أبي

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ. فَاسْتَفْتَحَ جِبرِيلُ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ عَلَيهِ السَّلامُ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيبر. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيرٍ. ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم عرج بنا) جبريل (إلى السماء الخامسة) وتسمى (دبقاء) وهي من فضة (فاستفتح جبريل) خازنها (قيل) لجبريل (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا (جبريل قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) له أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء الخامسة (فـ) لما علونا على السماء الخامسة (إذا أنا) راء (بهارون) بن عمران (- عليه السلام - فرحب) هارون بي (ودعا لي بخير، ثم عرج بنا) جبريل (إلى السماء السادسة) وتسمى (وفناء) وهي من ذهب (فاستفتح جبريل - عليه السلام -) خازنها (قيل) لجبريل (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد) صلى الله عليه وسلم (قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء السادسة (فـ) لما علونا السماء السادسة (إذا أنا) راء (بموسى) بن عمران (- عليه السلام - فرحب) بي موسى (ودعا لي بخير، ثم عرج) بنا جبريل (إلى السماء السابعة) وتسمى (عروباء) وهي من ياقوتة حمراء والكرسي من ياقوتة بيضاء والعرش من ياقوتة حمراء وأبواب السماء كلها من ذهب وأقفالها من نور ومفاتيحها اسم الله الأعظم كذا قالوا ولكن ليس له أصل صحيح، وقد نظم بعضهم أسماء الأفلاك التسعة فقال: أولاها رفيع ثانيها أرفلون ... ثالثها قيدوم رابعها ماعون خامسها دبقاء والسادس وفناء ... سابعها عروباء سميت بهن السماء ثامنها هو الكرسي الكريم ... كذا تاسعها العرش العظيم (فاستفتح جبريل) خازنها (فقيل) له (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا

جِبرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: قَدْ بُعِثَ إِلَيهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ، مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهى، ـــــــــــــــــــــــــــــ (جبريل، قيل) له (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد صلى الله عليه وسلم، قيل) لجبريل أ (وقد بعث إليه؟ قال) جبريل نعم (قد بعث إليه ففتح لنا) باب السماء السابعة (فـ) لما علونا السماء السابعة (إذا أنا) راء (بإبراهيم) الخليل (- عليه السلام -) حالة كونه (مسندًا ظهره إلى البيت المعمور) قال القاضي عياض: يستدل به على جواز الاستناد إلى الكعبة وتحويل الظهر إليها فإذا جاز فيها ففي غيرها أجوز، ولقاؤه لهم في السماوات على هذا الترتيب يحتمل أنه لتفاوتهم في المنزلة فإن السماوات أيضًا متفاوتة أفضلها السابعة ثم دونها السادسة وهكذا إلى السفلى، وقال ابن بطال: وجدهم كذلك لأنهم سمعوا بقدومه فابتدروه كالغائب فمنهم من أبطأ ومنهم من أسرع، قال: وهذا الجواب عن كونه لقي هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. اهـ (وإذا هو) أي البيت المعمور (يدخله كل يوم سبعون ألف ملك) يصلون فيه ثم يخرجون منه و (لا يعودون إليه) أبدًا، قال الأبي: ذكر الخطيب البغدادي من طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف دحية أي رئيس مع كل دحية سبعون ألف ملك، وذكر ابن سنجر من حديث أبي هريرة قال في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء نهر يقال له الحيوان يدخله جبريل كل يوم ينغمس فيه انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة يخرج منها سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكًا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور ويصلوا فيه فيدخلون ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدًا، يُوَلَّى عليهم أحدهم ويؤمر أن يقف بهم من السماء موقفًا يسبحون الله فيه إلى قيام الساعة {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ}. قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثم ذهب بي) جبريل أي عرج بي لأن هذا هو المعراج الثامن (إلى السدرة المنتهى) أي السدرة التي ينتهي إليها علم ما تحتها من الملائكة فلا يجاوزونها فيطلعوا على ما فوقها وينتهي إليها علم ما فوقها من الملائكة فلا يجاوزونها إلى أسفل فيعلموا ما تحتها فهي كالحد الفاصل بين شيئين أي إلى أعلاها فإن

وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ. قَال: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى إِلَيَّ مَا أَوْحَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ السدرة أصلها في السماء السادسة وأغصانها وفروعها فوق السماء السابعة وهي هكذا في هذه الرواية (السدرة المنتهى) بإدخال الألف واللام عليها، وفي الروايات بعدها (سدرة المنتهى) قال النواوي: عن ابن عباس سميت بذلك لأن إليها ينتهي علم الملائكة عليهم السلام لم يجاوزها أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن مسعود: سميت بذلك لأن إليها ينتهي ما يهبط من فوق فيقبض عندها وإليها ينتهي ما يعرج من أسفل فيقبض عندها، وفي تفسير ابن سلام عن بعض السلف: سميت بذلك لأن إليها يُنْتَهى بروح المؤمن فتصلي عليها الملائكة. اهـ من الأبي (وإذا ورقها) أي أوراقها (كآذان الفيلة) في الكبر والسعة، والآذان جمع أذن وهي محل حاسة السمع، والفيلة بوزن عنبة جمع قيل حيوان معروف جسيم، قال السهيلي: وفي مسند الحارث "لو غطي بورقة منها هذه الأمة لغطتهم" (وإذا ثمرها) أي ثمارها (كالقلال) في الكبر بكسر القاف جمع قلة بضمها والقلة جرة كبيرة تسع قربتين فأكثر، قال الأبي يعني: قلال هجر لورودها كذلك في الحديث "فإذا ثمرها كقلال هجر" وهجر قرية من قرى المدينة تصنع بها القلال لا هجر التي بأرض البحرين، و (إذا) في الموضعين فجائية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما غشيها من أمر الله) أي قام بها من الحسن والبهاء (ما غشي) ماسم موصول في محل الرفع فاعل غشي من أمر الله حال منها أي فلما غطاها ما غطاها حالة كونه من الحسن والبهاء، وقوله (تغيرت) جواب لـ (ما) أي انتقلت من حالتها الأولى إلى حالة وصفة أحسن منها (فما أحد من خلق الله) تعالى (يستطيع) ويقدر (أن ينعتها) ويصفها (من) كمال (حسنها) وبديع صفتها، ويأتي أنه غشيها فراش من ذهب أي طير صغير، وفي رواية ابن جريج غشيها وأرخي عليها ستور من لؤلؤ وياقوت وزبرجد. وقوله (فأوحى الي) أي أعلم إلي وأظهر لي (ما أوحى) به أي ما أعلم من الأوامر والنواهي ومن أسرار معلوماته، وفيه اختصار أي ثم رفع إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام وهو المعراج التاسع ثم دلي الرفوف فزج به في النور فعند ذلك تأخر جبريل فقال له: أهنا يفارق الخليل خليله؟ فقال له: هذا مكاني فلو فارقته لاحترقت من النور أي ذهب نوري

فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ. فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ. فَقَال: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاةً. قَال: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِن أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ. قَال: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَط عَنِّي خَمْسًا. فَرَجَعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتلاشيت لشدة الأنوار وظهورها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فخاطبني ربي ورأيته بعيني بصري وأوحى. . . إلخ، وقوله (ما أوحى) أبهم ذلك إشارة إلى عظم ما أوحى به إليه وعدم إحاطة علم الخلائق به، وقوله (ففرض علي) من عطف الخاص على العام وإنما صرح به لتعلقه بالأمة، وأما عطاياه التي تخصه فلم يعبر عنها إذ لا يحيط بها العبارة ولا تحصيها الإشارة أي ففرض علي وعلى أمتي لأن الأصل عدم الخصوصية إلا بدليل يدل على التخصيص فذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته (خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت) من ذلك المستوى ومررت على إبراهيم الخليل فلم يقل لي شيئًا ووصلت (إلى موسى - عليه السلام -) في السماء السادسة (فقال) موسى (ما فرض) وأوجب (ربك) عليك و (على أمتك؟ قلت) فرض علينا (خمسين صلاة) في اليوم والليلة ففي هذا دلالة على شرف الصلاة من حيث إنها فرضت في المحل الأعلى (قال) موسى (ارجع إلى ربك) أي إلى محل مناجاته (فاسأله) أي فاسأل ربك (التخفيف) لأمتك والحط عنها (فإن أمتك لا يطيقون ذلك) أي لا يستطيعون القيام بذلك المفروض من خمسين صلاة (فإني) أي وإنما قلت لك ذلك لأني (قد بلوت) واختبرت وسايست (بني إسرائيل وخبرتهم) أي جربتهم حيث كلفهم الله سبحانه وتعالى بركعتين في الغداة وركعتين في وقت الزوال وركعتين في العشي فلم يطيقوا ذلك وعجزوا عنه وأمتك أضعف منهم فلا يقدرون خمسين صلاة في اليوم والليلة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرجعت إلى) محل مناجاة (ربي) أي إلى المكان الذي ناجيت فيه ربي فإن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك المكان محلًا لمناجاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يناجيه فيه ليجمع له بين الرفعتين الحسية والمعنوية كما جعل الطور محلًا لمناجاة موسى - عليه السلام - (فقلت: يا رب خفف على أمتي) وحط عنهم بعض الخمسين (فـ) أجابني بفضله ولطفه إلى شفاعتي و (حط عني) وعنهم (خمسًا) أي نقصها من تلك الخمسين (فرجعت) من محل

إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا. قَال: إِن أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذلِكَ، فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. قَال: فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُ بَينَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالى وَبَينَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ حَتَّى قَال: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُل يَوْمٍ وَلَيلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ. فَذلِكَ خَمْسُونَ صَلاةً ـــــــــــــــــــــــــــــ المناجاة ومررت على إبراهيم في السابعة ووصلت (إلى موسى) في السادسة فسألني موسى فقال: كم حط عن أمتك؟ (فقلت حط عني) ونقص (خمسًا) من تلك الخمسين فـ (قال) موسى ثانيًا (إن أمتك لا يطيقون ذلك) أي ما بقي من الخمسين (فارجع إلى) محل مناجاة (ربك فاسأله التخفيف) والتنقيص عن ذلك الباقي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلم أزل أراجع بين) محل مناجاة (ربي تبارك وتعالى وبين) مكان (موسى - عليه السلام -) من السماء السادسة تسع مرات كل مرة يحط عني خمسًا كل مرة يرى فيها ربه كما رآه في المرة الأولى فقد رأى ربه في تلك الليلة عشر مرات وهذا الحديث نص في أن الصلاة كانت خمسين بالفعل حتى انتهت بالحط إلى خمس فللخمس ثواب الخمسين، الحسنة بعشر أمثالها، وهل الحط نسخ أم لا فيه خلاف. والحكمة في أن موسى - عليه السلام - اختص بالمراجعة دون غيره من الأنبياء أن أمته كلفت من الصلوات بما لم يكلف به غيرها فثقلت عليهم فرفق موسى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم لكونه طلب أن يكون منها، وأيضًا فقد طلب موسى الرؤية فلم ينلها ومحمد نالها من غير طلب فأحب مراجعته وتردده ليزداد من نور الرؤية فيقتبس موسى من تلك الأنوار ليكون رائيًا من رأى ربه وفي هذا المعنى قال ابن وفا: والسر في قول موسى إذ يردده ... ليجتلي النور فيه حيث يشهده يبدو سناه على وجه الرسول فيا ... لله حسن جمال كان يشهده وقوله (حتى قال) الله سبحانه وتعالى في آخر المرات غاية لقوله (فلم أزل أراجع) ومن هنا إلى قوله (كتبت سيئة واحدة) حديث قدسي أي فلم أزل أكرر المراجعة حتى قال الرب لي جل جلاله في آخر المرات (يا محمد إنهن) أي إن الصلوات المفروضة عليك وعلى أمتك (خمس صلوات) عددًا (كل يوم وليلة) من أعماركم ولكن (لكل صلاة) من تلك الصلوات الخمس (عشر) أي يكتب ثواب عشر صلوات (فذلك) المفروض عليكم من الخمس (خمسون صلاة) من حيث الثواب والمضاعفة فقد تفضل سبحانه وتعالى

وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيئًا، فَإِن عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. قَال: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيتُ إِلَى مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيتُ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بتكثير الثواب على تلك الخدمة القليلة (ومن هم) وقصد من أمتك يا محمد (بـ) فعل (حسنة فلم يعملها كتبت له حسنة) كاملة بمجرد الهم (فإن عملها) أي عمل الحسنة التي هم بها (كتبت له) تلك الحسنة الواحدة التي عملها (عشرًا) أي بعشر حسنات من حيث المضاعفة والثواب (ومن هم بسيئة فلم يعملها) ولو حياء من الناس (لم تكتب) عليه تلك السيئة التي هم بها فلم يعملها (شيئًا) أي بشيء لا واحدة ولا أكثر (فإن عملها) أي عمل تلك السيئة التي هم بها غير معذور في فعلها (كتبت) عليه (سيئة واحدة) أي بلا مضاعفة عليه. والمراد بالهم ترجيح الفعل دون عزم ولا تصميم لأنه الذي يكتب في الخير ولا يكتب في الشر، وأما العزم والتصميم فيكتب في الخير والشر، وأما الهاجس والخاطر وحديث النفس فلا يؤاخذ الإنسان بها لا في خير ولا في شر وقد نظم بعضهم الخمسة بقوله: مراتب العقد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا يليه هم فعزم كلها رفعت ... سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنزلت) من محل المناجاة ومررت على إبراهيم (حتى انتهيت) ووصلت (إلى) مكان (موسى - عليه السلام -) في السماء السادسة (فأخبرته) أي فأخبرت موسى خبر ما جرى بيني وبين ربي من التخفيف والحط إلى خمس صلوات (فقال) موسى - عليه السلام - (ارجع) يا محمد (إلى) محل مناجاة (ربك فاسأله) سبحانه وتعالى (التخفيف) والحط عن خمس صلوات لأن أمتك لا تطيق خمس صلوات في اليوم والليلة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) لموسى (قد رجعت إلى ربي) مرات كثيرة لطلب التخفيف فأكثرت المراجعة إليه (حتى استحييت) بياءين بعد المهملة، وخفت (منه) أي من ربي أي من المراجعة إليه.

قَال الشيخُ أَبُو أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجِسِيُّ، حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث من أفراد الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم يروه غيره بهذا اللفظ كما أشار إليه القرطبي في المفهم، والله سبحانه وتعالى أعلم. ووقع عقب هذا الحديث في هامش بعض المتون وفي بعضها في نفس الكتاب: (قال الشيخ أبو أحمد) محمد بن عيسى الجلودي بضم الجيم نسبة لسكة الجلوديين بنيسابور الدارسة، وقيل بفتحها نسبة إلى جلود اسم قرية فيها راوي الكتاب عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد المروزي عن مسلم (حدثنا أبو العباس) أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري (الماسرجسي) بفتح السين المهملة وإسكان الراء وكسر الجيم نسبة إلى جده ماسرجس، قال أبو العباس (حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث) وقد علا هذا السند لأبي أحمد الجلودي برجل فإنه رواه أولًا عن ابن سفيان عن مسلم عن شيبان بن فروخ ثم رواه هنا عن الماسرجسي عن شيبان بن فروخ، وهذه الزيادة -أعني قوله: (قال الشيخ أبو أحمد) إلى آخره- تقع في بعض المتون في الهامش وفي أكثرها في نفس الكتاب وكلاهما له وجه فمن جعلها في الهامش فهو الظاهر المختار لكونها ليست من كلام مسلم ولا من كتابه فلا تدخل في نفس الكتاب إنما هي فائدة فشأنها أن تكتب في الهامش، ومن أدخلها في الكتاب فلكون الكتاب منقولًا عن عبد الغافر الفارسي عن شيخه الجلودي، وهذه الزيادة من كلام الشيخ الجلودي فنقلها عبد الغافر في نفس الكتاب لكونها من جملة المأخوذ عن الجلودي مع أنه ليس فيه لبس ولا إيهام أنها من أصل مسلم والله أعلم. اهـ نواوي.

86 - (45) باب: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره، واستخراج حظ الشيطان من قلبه

86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ 315 - (154) (77) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا لسُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُتِيتُ فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى زَمْزَمَ فَشُرِحَ عَنْ صَدْرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ 86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث الواردة في بيان شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في صغره وهو في بني سعد عند مرضعته السيدة حليمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها لأن شق المصدر وقع له مرتين مرة في صغره وهو عند حليمة السعدية ومرة في اكتهاله بعد النبوة عند الإسراء، وقيل ثلاث مرات. (315) - (154) (77) (حدثنا عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي سكن نيسابور ثقة صاحب حديث من صغار العاشرة مات سنة (255) روى عنه في (9) أبواب، قال عبد الله (حدثنا بهز بن أسد) العمي بالعين أبو الأسود البصري، قال أبو حاتم: إمام صدوق ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من التاسعة مات بعد المائتين وقيل قبلها روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، قال بهز (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، قال ابن معين: ثقة ثقة، وقال أحمد: ثبت ثبت، وقال في التقريب: ثقة من السابعة (7) مات سنة (165) خمس وستين ومائة روى عنه في تسعة (9) أبواب، قال سليمان (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني مولاهم أبو محمد البصري ثقة من (4) الرابعة، روى عنه في ثلاثة عشر (13) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) الأنصاري الخزرجي أبي حمزة البصري، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا عبد الله بن هاشم فإنه طوسي أو نيسابوري (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيت) بضم الهمزة على صيغة المجهول أي أتاني ملائكة ربي جبريل ومن معه وأنا في بني سعد عند حليمة السعدية رضي الله تعالى عنها فأخذوني (فانطلقوا بي) أي ذهبوا بي (إلى) مكة موضع (زمزم فشرح) أي فشق (عن صدري)

ثُمَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُنْزِلْتُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرج قلبي (ثم غسل) قلبي (بماء زمزم) فردوني إلى بني سعد عند مرضعتي (ثم أنزلت) على صيغة المجهول أي تركت عند مرضعتي، وإنما فسرنا كذلك ليوافق الحديث الذي بعده. قال الأبي: هذا الحديث ظاهره أن الشرح كان بمكة وفي حال الصغر، وفي الحديث الذي يليه أنه كان وهو يلعب مع الغلمان ببني سعد حوالي مكة، ويأتي في حديث: "فرج سقف بيتي" أنه كان ليلة الإسراء، فأما الجمع بين الأول والثاني فقد قال القاضي عياض: حديث وهو ببني سعد أصح، وإن صح أن الغَسل بمكة فيجمع بأن تكون الملائكة عليهم السلام أخذته من بني سعد وذهبت به صلى الله عليه وسلم إلى مكة لغَسله بماء زمزم فغسلوه فردوه إلى موضع أخذه من بني سعد، وأما الجمع بينهما وبين الثالث فقد أجاب السهيلي: بأن شق المصدر كان مرتين مرة في الصغر للتطهير من مغمز الشيطان حتى لا يلتبس بشيء من المعايب وحتى لا يكون في قلبه إلا التوحيد، ومرة في الاكتهال وبعد النبوة عندما أراد رفعه إلى حضرة القدس لتلقي فرض الصلاة ويصلي بملائكة السماء ومن شأن الصلاة الطهور فطهر ظاهرًا وباطنًا. اهـ أبي. قوله (ثم غسل بماء زمزم) قال الأبي: تخصيص الغسل به يشهد لفضيلته على غيره وحق له لأنه من تفجير جبريل - عليه السلام - لأم إسماعيل حين خافت عليه العطش، وذلك أن إبراهيم - عليه السلام - لما أراد تركها بمكة والرجوع إلى الشام، قالت: أعن أمر من الله تعالى تتركني بخلاء من الأرض قال: نعم، قالت: فإذًا لا أضيع، ثم جعلت تقف على الصفا مرة وعلى المروة أخرى تطلع هل ترى مارًا فرجعت وقد فجر جبريل - عليه السلام - بعقبه زمزم فلما وليت جرهم الحرم بعد إسماعيل - عليه السلام - وأحدثوا فيه الحوادث وأراد الله سبحانه إخراجهم منه عمد الحارث بن مُضاض الأصغر آخر ملوكهم حين علم أنه يُخرج إلى مال الكعبة فدفنه ليلًا بزمزم وعفى أثره بالتراب، وكان في المال غزالان من ذهب وأسياف كان من ساسان أو سابور من ملوك الفرس أهداها إلى الكعبة، فلم تزل كذلك دارسة الأثر إلى أن أراد الله سبحانه إظهار مائها قرب ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عبد المطلب الرؤيا التي أمر فيها بحفرها ودل على موضعها بأمارات ذكرت له في رؤياه فحفر فظهرت فلم ينزف إلى الآن، قال السهيلي: وكان سقط فيها حبشي فنزفت من أجله فوجد ماؤها يفور من ثلاثة أعين أكثرها ماء التي تلي الحجر

316 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِت الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسود، وقوله (ثم أنزلت) قال القاضي: رويناه عن الأكثر بضم الهمزة والتاء، فقال القاضي الوقشي- وكان معتنيًا بالألفاظ المشكلة متجاسرًا على إصلاحها برأيه: وهو تصحيف وصوابه: (تركت) إذ لا معنى لأنزلت، فعرضت قوله على شيخنا الحافظ ابن سرَّاج فقال: هذا تكلف وأنزلت بمعنى تركت معروف لغة ثم ظهر لي بعد ذلك أن أنزلت على بابها من الوضع بعد الرفع لأن معنى انطلقوا بي إلى حيث شقوا المصدر ثم ردوه وأنزلوه في الموضع الذي حمل منه ولم أزل أنا وغيري نعد هذا وما قبله من غرائب المعاني ودقائق كشف المشكلات حتى أوقفتني المطالعة على ما هو الجلاء فيه فإذا الحديث مقتطف من حديث طويل اقتصر فيه الراوي على ما ذكر في الأم وأحال على بقية الحديث وذلك يوجب أن تكون اللفظة مضبوطة بضم الهمزة وسكون التاء لأن البرقاني ذكر الحديث بطوله بسند مسلم قال فيه: "ثم أنزلت طست مملوءة حكمة وإيمانًا ثم حشي صدري بها" ثم ذكر بقية الحديث فاقتصر في الأم على (أنزلت) اهـ إكمال المعلم. وهذا الحديث أيضًا من أفراد مسلم رحمه الله تعالى، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله تعالى عنه فقال: (316) - (. . .) (. . .) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأبلي ثقة من (9) قال شيبان: (حدثنا حماد بن سلمة) الربعي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة من (8) (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) مولاهم نسبة إلى بنانة قبيلة معروفة أبو محمد البصري ثقة من (4) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا شيبان بن فروخ فإنه أبلي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن المغيرة في رواية هذا الحديث عن ثابت البناني، وفائدة المتابعة بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم صغير يلعب (مع الغلمان) أي مع غلمان بني سعد (فأخذه) أي فأخذ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسكه من بين الغلمان

فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَال: هَذَا حَظُّ الشَّيطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبِ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فصرعه) أي أسقطه على الأرض بلين ورفق، إذ صرع كل شيء بحسبه وهذا نص في أن الشق كان في بني سعد وقد تقدم الجمع بينه وبين الحديث السابق (فشق) صدره صلى الله عليه وسلم (عن قلبه) وفتحه (فاستخرج القلب) أي فأخرج قلبه من داخل المصدر فالسين والتاء زائدتان (فاستخرج) أي فأخرج (منه) أي من داخل القلب (علقة) أي قطعة دم متجمد فرماها عنه، قال القرطبي: والعلق الدم وهذه العلقة المنتزعة عنه هي القابلة للوساوس والمحركة للشهوات فأزيل ذلك عنه وبذلك أعين على شيطانه حتى سلم منه. اهـ وقال السهيلي: هذه العلقة يحتمل أنها الجزء الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا من عيسى وأمه عليهما السلام لقول أمها {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} ولا يدل ذلك أن عيسى - عليه السلام - أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أزيل ذلك عنه وغسل أثره وملئ حكمة وإيمانًا، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنها الجزء الذي يعلق بحب الدنيا وميل الشهوات ويعرض له السهو والنسيان وغير ذلك من طرق الشيطان، ويحتمل أنها الجزء القابل للوسوسة بتقدير العزيز العليم فطرح ثم غسل أثره حتى لا يجد الشيطان إليه سبيلًا كما طرحت عن يحيى - عليه السلام - شهوة النساء. اهـ وقال أيضًا: وإزالة حظ الشيطان يدل على عصمته منه في العلم والجسم وغير ذلك (فقال) جبريل - عليه السلام - (هذا) الجزء المخرج منك (حظ الشيطان) أي مركز تسلط الشيطان ومحل وسوسته (منك) أي من قلبك (ثم غسله) أي غسل قلبه صلى الله عليه وسلم من أثر تلك العلقة ودمها (في طست) بفتح الطاء وإسكان السين المهملتين إناء معروف وهي مؤنثة، وحكى القاضي كسر الطاء لغة والمشهور الفتح أي في إناء (من ذهب بماء زمزم ثم لأمه) بوزن ضربه أي ضم القلب المشقوق بعضه إلى بعض وجمعه وليس في هذا ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب لنا فإن هذا فعل الملائكة الكرام واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا، ولأنه كان في أول الأمر قبل تحريم النبي صلى الله عليه وسلم أواني الذهب والفضة (ثم أعاده) أي أعاد جبريل قلبه صلى الله عليه وسلم (في مكانه) أي في مكان القلب داخل الصدر وخاطه كما يفهم من كلام أنس الآتي بقوله "قد كنت

وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا: إِن مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ. قَال أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أرى أثر المخيط في صدره" (وجاء الغلمان) الذين كانوا يلعبون معه حين صرع حالة كونهم (يسعون) أي يعدون ويسرعون في المشي (إلى أمه) صلى الله عليه وسلم متعلق بـ (جاء)، وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بأمه (ظئره) أي مرضعته حليمة السعدية لا والدته آمنة الزهرية، تفسير مدرج من الراوي وهو بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة: وهي المرضعة، ويقال أيضًا لزوج المرضعة ظئر (فقالوا) أي قال الغلمان لمرضعته (أن محمدًا قد) صرع و (قتل) قتله جماعة لا نعرفهم (فاستقبلوه) صلى الله عليه وسلم أي جاءت حليمة وأهل بيتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (منتقع اللون) بالقاف المفتوحة أي متغير اللون لفزع وحزن حتى أشبه النقع أي التراب، قال الهروي: يقال انتقع لونه، وامتقع، والتمع بالعين المهملة، واستنقع، وانتسف بالسين المهملة، وانتشر، والتهم، والتمغ بالغين المعجمة، وانتشف بالشين المعجمة، وابتسر، كلها ألفاظ مترادفة معناها تغير لونه من حزن أو فزع. اهـ أبي بتصرف. (قال أنس) بن مالك راوي الحديث رضي الله عنه (وقد كنت) في زمن حياته صلى الله عليه وسلم (أرى) وأبصر بعيني (أثر ذلك المخيط) الذي خاط به جبريل صدره صلى الله عليه وسلم أي أمارة الخياطة وعلامتها (في صدره) صلى الله عليه وسلم والمخيط بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء: الإبرة أو ما يخاط به وهو الخيط والإبرة. وفي هذا دليل على جواز نظر الرجل إلى صدر الرجل ولا خلاف في جوازه، وكذا يجوز أن ينظر إلى ما فوق سرته وتحت ركبته إلا أن ينظر بشهوة فإنه يحرم النظر بشهوة إلى كل آدمي إلا الزوج لزوجته ومملوكته وكذا هما إليه، وإلا أن يكون المنظور إليه أمرد حسن الصورة فإنه يحرم النظر إليه وإلى وجهه وسائر بدنه سواء كان بشهوة أو بغيرها إلا أن يكون لحاجة [البيع] والشراء والتطبيب والتعليم ونحوها والله أعلم. اهـ نواوي. وعبارة المفهم هنا وهذا الحديث محمول على ظاهره وحقيقته إذ لا إحالة في متنه عقلًا ولا يستبعد من حيث إن شق المصدر وإخراج القلب موجب للموت فإن ذلك أمر

317 - (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأيلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عادي، وكانت جل أحواله صلى الله عليه وسلم خارقة للعادة إما معجزة وإما كرامة، وقال بعضهم: وهذا الشق إشارة إلى ما كثر في أمته في آخر الزمان من العمليات الباطنية المستغربة التي أوصل إليها العلم الحديث. اهـ وقال القرطبي أيضًا: وهذا الشق المذكور في حديث أنس رضي الله عنه هو غير الشق المذكور في حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة الآتي بدليل اختلاف الزمانين والمكانين والحالين، أما الزمانان فالأول في صغره والثاني في كبره، وأما المكانان فالأول كان ببعض جهات مكة عند مرضعته والثاني عند البيت، وأما الحالان فالأول نزع من قلبه ما كان يضره وغسل وهو إشارة إلى عصمته والثاني غسل وملئ حكمة وإيمانًا وهو إشارة إلى التهيؤ إلى مشاهدته ما شاء الله أن يشهده، ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك كان مرة واحدة في صغره وأخذ يُغلِّط بعضَ الرواة الذين رووا أحد الخبرين فإن الغلط به أليق والوهم منه أقرب، فإن رواة الحديثين أئمة مشاهير حفاظ ولا إحالة في شيء مما ذكروه ولا معارضة بينهما ولا تناقض فصح ما قلناه وبهذا قال جماعة من العلماء منهم القاضي المهلب بن أبي صفرة في شرح مختصر صحيح البخاري، والله تعالى أعلم. وحديث أنس هذا بهذا اللفظ شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 288) والنسائي (1/ 224 - 225) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: (317) - (. . .) (. . .) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر ثقة من العاشرة مات سنة (253) روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، قال هارون (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ عابد من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) عبد الله بن وهب (أخبرني سليمان) بن بلال القرشي التيمي أبو محمد أو أبو أيوب المدني ثقة من الثامنة مات سنة (177) سبع وسبعين ومائة روى عنه في (13) ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بـ (هو) في قوله (وهو ابن بلال) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل ذكرها من عند نفسه إيضاحًا للراوي (قال) سليمان

حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ؛ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَسَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ. وَقَدَّمَ فِيهِ شَيئًا وَأَخَّرَ. وَزَادَ وَنَقَصَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر) أبو عبد الله القرشي المدني روى عن أنس بن مالك في الإيمان والصلاة، وعبد الرحمن بن أبي سعيد في الوضوء وكريب في الصلاة والجنائز وعطاء بن يسار في الجنائز والزكاة وعبد الرحمن بن أبي عمرة في الزكاة، وعبد الله بن أبي عتيق في الأطعمة، وسعيد بن المسيب في الفضائل، ويروي عنه (خ م د س ق) ومالك والثوري ومحمد وإسماعيل ابنا جعفر بن أبي كثير وسليمان بن بلال، قال أحمد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الخامسة مات سنة أربعين ومائة (140) روى عنه في (7) أبواب (قال) شريك (سمعت أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة شريك لثابت البناني في رواية هذا الحديث عن أنس، وفائدتها بيان كثرة طرقه وكرر من الحديث ما فيه المخالفة بين الروايتين؛ أي سمعت أنسًا حالة كونه (يحدثنا عن) قصة (ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة) المشرفة إلى المسجد الأقصى أي يحدثنا (أنه) أي أن الشأن والحال (جاءه) صلى الله عليه وسلم (ثلاثة نفر) أفرد التمييز على غير قياس لأن القياس جمع تمييز الآحاد بأن يقال ثلاثة أنفار (قبل أن يوحى إليه وهو) صلى الله عليه وسلم (نائم في المسجد الحرام وساق) شريك (نحو حديث ثابت البناني وقدم) شريك (فيه) أي في النحو الذي حدثه (شيئًا) من الحديث على محله في رواية غيره (وأخر) شيئًا آخر منه عن محله (وزاد) شيئًا فيه (ونقص) عنه شيئًا ففي روايته مخالفة لرواية غيره بالتقديم والتأخير والزيادة والنقص. قال القاضي عياض: حديث شريك وقعت فيه أوهام أنكرها العلماء، وقد نبه على ذلك مسلم بقوله (وزاد ونقص) منها قوله (وذلك قبل أن يوحى إليه) فإنه غلط لأنهم اتفقوا على أن الإسراء كان بعد البعثة، قال الزهري: بخمس سنين، وقال الذهبي: بخمسة عشر شهرًا، وقال ابن إسحاق: أسري به وقد انتشر الإسلام بمكة والقبائل،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: قبل الهجرة بسنة، وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق لأنهم اتفقوا على أن خديجة صلت الصلاة بعد فرضها وأنها ماتت بعد فرضها وأنها ماتت قبل الهجرة قيل بثلاث سنين وقيل بخمس، ومنها قوله (وانطلقوا بي إلى زمزم) مع ذكره في الحديث المتقدم أن ذلك فعل به وهو ببني سعد وهو أصح من أنه كان بمكة، وقد جود حماد الحديث عن ثابت عن أنس وفصله وجعله حديثين وجعل حديث شق الصدر في الصغر وحديث الإسراء بعد ذلك بمكة وهو المشهور والصحيح. قال الأبي: قد تقدم الجمع بين الحديثين والتحقيق أنه قد تقدم لثابت عن أنس حديث الإسراء وحديث شق الصدر فقول مسلم وساق الحديث بقصته بمعنى حديث ثابت إن عنى حديث ثابت في الإسراء أشكل حديث شريك من ذكره أنه كان قبل أن يوحى إليه ولم يشكل من قوله (ثلاثة نفر) ولا من قوله (وهو نائم) لاحتمال أن يكون ذلك في بدء الأمر ثم جاؤوه، وإن عنى حديث شق الصدر أشكل من ذكره أنه كان بمكة وأنه وهو نائم وشق الصدر إنما كان وهو ببني سعد ولا يجاب بما يجاب به في حديث (فرج سقف بيتي). اهـ ولم يذكر المؤلف في هذه الترجمة إلا حديث أنس رضي الله تعالى عنه وذكر فيه ثلاث متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

87 - (46) باب: في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثانية، وتطهير قلبه وحشوه حكمة وإيمانا عند الإسراء به صلى الله عليه وسلم

87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ 318 - (155) (78) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "فُرِجَ سَقْفُ بَيتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث الدالة على شق صدره صلى الله عليه وسلم مرة ثانية وتطهير قلبه من نزغات الشيطان وحظوظ النفس والهوى والإفراغ فيه حكمة وإيمانًا والإسراء به والعروج إلى أعلى السماوات لمناجاة رب العالمين. (318) - (155) (78) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) أبو حفص المصري صدوق من (11) روى عن ابن وهب في مواضع كثيرة، قال حرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ثقة من (9) (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي أبو يزيد الأموي ثقة ولكن في روايته عن الزهري وهم وعن غيره خطأ، من السابعة مات سنة (159) (عن) محمد بن مسلم بن عبد الله (بن شهاب) الزهري المدني ثقة من الرابعة مات سنة (125) (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أنس بن مالك (كان أبو ذر) جندب بن جنادة الغفاري الصحابي المشهور المدني أحد نجباء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي أي كان أبو ذر الغفاري (يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرج) أي فتح (سقف بيتي) أي علو بيتي وداري فالسقف ضد السفل (وأنا) أي والحال أنا (بمكة) المشرفة وهذا الحديث ظاهر في أن شق الصدر كان في ليلة الإسراء وبعد النبوة وتقدم في حديث أنس أنه كان وهو يلعب مع الغلمان ببني سعد فتعارض الحديثان فجمع السهيلي بينهما بأن شق الصدر وقع مرتين: مرة في الصغر للتطهير من مغمز الشيطان حتى لا يلتبس بشيء من المعايب وحتى لا يكون في قلبه إلا التوحيد، ومرة في الاكتهال وبعد النبوة عندما أراد الله سبحانه

فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَة وإِيِمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعالى رفعه إلى حضرة القدس لتلقي فرض الصلاة وللصلاة بملائكة السماء وبالأنبياء، ومن شأن الصلاة الطهور فطهر ظاهرًا وباطنًا كما مر. (فنزل جبريل) الأمين (عليه السلام) من السماء (ففرج صدري) أي شقه بسكين القدرة وأخرج قلبي (ثم غسله) أي غسل قلبي (من ماء زمزم) أي بماء بئر زمزم فمن بمعنى الباء (ثم) بعد غسله (جاء) جبريل (بطست من ذهب) أصل الطست الطس فأبدل من أحد المثلين تاء، يقال في جمعه طساس كسهم وسهام، وطسوس كفلس وفلوس باعتبار المعنى، وعلى طسوت باعتبار اللفظ كما في المصباح، قال النواوي: وهي مؤنثة فجاء ممتلئ على معناها وهو الإناء وأفرغها على لفظها (ممتلئ) ذلك الإناء يعني إناء الطست (حكمة) أي علمًا مطابقًا للواقع (وإيمانًا) أي تصديقًا ويقينًا بما يجب الإيمان به، والمراد بالحكمة الأحكام الشرعية والفرعية، وبالإيمان علم العقائد الأصولية (فأرغها) أي أفرغ الطست وصبها أي أفرغ ما فيها من الحكمة والإيمان في قلبي الذي كان (في) داخل (صدري ثم) بعد إفراغ ما فيها في القلب (أطبقه) أي أطبق صدري وخاطه بخيط القدرة. (فإن قلت) الحكمة والإيمان معنى من المعاني والمعاني لا تقوم بأنفسها حتى تملأ الطست (قلت) إنهما كناية عن شيء قابل لهما تسمية للشيء باسم صفته فلما طهر قلبه بإزالة العلقة عوض منه ذلك الشيء، قال السهيلي: ولعل ذلك الشيء الثلج لأن في بعض طرق هذا الحديث (وهو يلعب مع الغلمان فجاء بطست فيه ثلج فغسل به قلبه) لأن الثلج يشعر بثلج اليقين وبرده على الفؤاد وملئ قلبه إيمانًا وكان مؤمنًا (ليزداد الذين آمنوا إيمانًا) قال النواوي؛ وأما جعل الإيمان والحكمة في إناء وإفراغهما مع أنهما معنيان، وهذه صفة الأجسام فمعناه والله أعلم أن الطست كان فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما فسمي إيمانًا وحكمة لكونه سببًا لهما وهذا من أحسن المجاز، والله أعلم. قال القاضي عياض: وفي حشو قلبه حكمة وإيمانًا في الصغر دليل على ما يقوله المحققون من أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الصغر. اهـ (ثم) بعد ما أطبق صدري وختمه (أخذ) جبريل (بيدي) اليمنى (فعرج) بفتحتين من

بِي إِلَى السَّمَاءِ. فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قَال جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ. قَال: مَنْ هَذَا؟ قَال: هذَا جِبْرِيلُ. قَال: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَال: نَعَمْ. مَعِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَأرْسِلَ إِلَيهِ؟ قَال: نَعَمْ. فَفَتَحَ. قَال: فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْودَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْودَةٌ. قَال: فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. قَال: فَقَال: مَرْحَبا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالابْنِ الصَّالِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب دخل أي صعد (بي إلى السماء) أي إلى جهة العلو حتى وصلنا السماء الدنيا (فلما جئنا) ووصلنا (السماء الدنيا) أي القربى إلى الأرض التي تسمى بـ (رفيع) على صيغة المصغر (قال جبريل - عليه السلام - لخازن السماء الدنيا) وبوابها (افتح) لنا الباب (قال) الخازن لجبريل (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل (هذا) المستفتح (جبريل) يريد نفسه إقامة للظاهر مقام المضمر الذي هو مقتضى السياق (قال) الخازن (هل معك أحد؟ قال) جبريل (نعم) معي أحد (معي محمد صلى الله عليه وسلم قال) الخازن أ (فأرسل) بتقدير همزة الاستفهام (إليه) أي إلى محمد صلى الله عليه وسلم للعروج (قال) جبريل (نعم) أرسل إليه بالعروج (ففتح) الخازن الباب (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فلما علونا) وصعدنا (السماء الدنيا) وكنا فوقها، والإتيان بضمير الجمع فيه وفي أمثاله يدل على أنه كان معهما ملائكة آخرون ولعله كان كما عديا سماء تشيعهما الملائكة حتى يصلا إلى سماء أخرى، و (الدنيا) صفة للسماء في موضع نصب، و (إذا) في قوله (فإذا رجل) قاعد فيها، فجائية أي فلما علونا فوقها فاجأنا رؤية رجل قاعد، وجملة قوله (عن يمينه) أي عن يمين ذلك الرجل القاعد (أسودة) أي أشخاص وجماعات في محل الرفع صفة لرجل والأسودة جمع سواد كقَذَال وأقذلة وسنام وأسنمة وزمان وأزمنة، وتجمع الأسودة على أساود، وقال أهل اللغة: والسواد الشخص، وقيل: السواد الجماعات وهم نسم بنيه (وعن يساره) أي يسار ذلك الرجل (أسودة) أي أشخاص وجماعات أيضًا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا نظر) ذلك الرجل القاعد (قبل يمينه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة يمينه (ضحك) الرجل سرورًا وفرحًا (وإذا نظر قبل شماله) أي جهتها (بكى) ذلك الرجل حزنًا وتأسفًا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) لي ذلك الرجل القاعد (مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا وهي كلمة

قَال: قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَال: هَذَا آدَمُ عَلَيهِ السَّلامُ. وَهَذِهِ الأَسْودَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأسودَةُ التِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. قَال: ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ. فَقَال لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. قَال: فَقَال لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَال خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا. فَفَتَحَ". فَقَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "فَذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقال عند تأنيس القادم، ولم يقل أحد منهم مرحبًا بالنبي الصادق لأن الصلاح شامل لسائر الخصال المحمودة الممدوحة من الصدق وغيره، فقد جمع بين صلاح الأنبياء وصلاح الأبناء كأنه قال: مرحبًا بالنبي التام في نبوته والابن البار في بنوته، وفي القاموس: رَحُب المكان ككرم وسمع رحبًا بالضم ورحابة فهو رَحْب ورحيب ورحاب بالضم اتسع كأرحب وأرحبه وسعه، وأرحب وأرحبي زجران للفرس أي توسعي وتباعدي، وامرأة رحاب بالضم واسعة، وقولهم مرحبًا وسهلًا أي صادفت سعة لا ضيقًا. اهـ منه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (قلت: يا جبريل من هذا؟ ) الرجل القاعد (قال) جبريل - عليه السلام - (هذا) الرجل القاعد (آدم) أبو البشر (- عليه السلام - وهذه الأسودة) التي (عن يمينه وعن شماله نسم بنيه) بفتح النون والسين المهملة جمع نسمة وهي نفس الروح أي أرواح بنيه (فأهل اليمين) منهم أي يمين الرجل هم (أهل الجنة والأسودة التي عن شماله) هم (أهل النار) أعاذنا الله سبحانه وتعالى وجميع المسلمين منها، يحتمل أن النار كانت في جهة شماله ويكشف له عنها حتى ينظر إليهم لا أنها في السماء لأن أرواحهم في سجين الأرض السابعة كما أن الجنة فوق السماء السابعة في جهة يمينه (فإذا نظر قبل يمينه ضحك) فرحًا بصلاحهم ونجاحهم في الدنيا والآخرة (وإذا نظر قبل شماله بكى) تأسفًا بخذلانهم وشقائهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ثم عرج) وصعد (بي جبربل) - عليه السلام - (حتى أتى السماء الثانية فقال) جبريل (لخازنها) وبوابها (افتح) لنا الباب (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فقال له) أي لجبريل (خازنها) أي خازن السماء الثانية وبوابها (مثل ما قال خازن السماء الدنيا) وبوابها حرفًا بحرف (ففتح) لنا باب السماء الثانية خازنها (فقال أنس بن مالك) راوي الحديث عن أبي ذر (فذكر) أبو ذر

أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِمْ أَجْمَعِينَ. وَلَمْ يُثْبِتْ كَيفَ مَنَازِلُهُمْ. غَيرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا. وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَال: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَإِدْرِيسَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ قَال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأخَ الصَّالِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنه) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم (وجد) أي رأى (في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله) سبحانه وتعالى وسلامه (عليهم أجمعين ولم يثبت) من الإثبات (كيف منازلهم) أي لم يعين أبو ذر لكل نبي سماء (غير أنه) أي غير أن أبا ذر (ذكر أنه) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم (قد وجد) ورأى (آدم - عليه السلام - في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة) نعم في حديث أنس عن مالك بن صعصعة عند الشيخين أنه وجد آدم في السماء الدنيا كما مر وفي الثانية يحيى وعيسى وفي الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وبين الروايتين معارضة بالنسبة إلى مقام إبراهيم - عليه السلام - إلا بأن يقال إن الإسراء كان مرتين أو لعله وجد إبراهيم في السادسة ثم ارتقى إبراهيم معه إلى السابعة والله أعلم. اهـ سنوسي (قال) أنس وفي رواية البخاري (قال أنس) بتصريح أنس، وقال القسطلاني ظاهره أن أنسًا لم يسمع من أبي ذر هذه القطعة الآتية وهي (فلما مر جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس) أي على إدريس (صلوات الله عليه قال) إدريس - عليه السلام - (مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) لم يقل والابن كما قال آدم لأنه لم يكن من آبائه صلى الله عليه وسلم، وقال القاضي عياض: عبر آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام بالابن لأنهم آباء له صلى الله عليه وسلم وعبر غيرهم بالأخ لأنهم ليسوا آباء باتفاق، وتعبير إدريس - عليه السلام - بالأخ يخالف ما يقوله أهل النسب والتاريخ إنه جد أعلى لنوح - عليه السلام - ويقولون هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وأخنوخ هو إدريس - عليه السلام - بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم - عليه السلام -، ولا خلاف في عد هذه الأسماء على هذا النحو، وإنما الخلاف في ضبط بعضها، وقيل في إدريس إنه إلياس وإلياس من ذرية إبراهيم لقوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} الآية، وعلى هذا فليس بجد لنوح، قال النواوي: التعبير بالأخ لا يمنع كونه أبًا

قَال: ثُمَّ مَرَّ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَال: هَذَا إِدْرِيسُ. قَال: ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ. فَقَال: مَرْحَبا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأخَ الصَّالِحِ. قَال: قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَال: هذَا مُوسَى. قَال: ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى. فَقَال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأخَ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَال: هذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. قَال: ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ. فَقَال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالابْنِ الصَّالِحِ. قَال: قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَال: هَذَا إِبْرَاهِيمُ". قَال ابْنُ شِهَابِ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ له صلى الله عليه وسلم لأنه قد يكون تلطفًا وتادبًا أو يعني أخوة الإيمان، قال الأبي: ويمنع كونه إلياس ما ثبت من أن إدريس رفع ولم يرد أن إلياس رفع (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ثم مر) بنا جبريل على إدريس (فقلت) لجبريل (من هذا؟ ) القائل الذي مررنا عليه (فقال) جبريل (هذا إدريس قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم مررت بموسى - عليه السلام - فقال) موسى (مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) لجبريل (من هذا؟ ) القائل (قال) جبريل (هذا موسى قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم مررت بعيسى فقال) عيسى (مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح، قلت) لجبريل (من هذا؟ ) القائل (قال) جبريل (هذا) القائل (عيسى ابن مريم) وليست (ثم) هنا للترتيب إلا إن قيل بتعدد المعراج لأن الروايات قد اتفقت على أن المرور به كان قبل المرور بموسى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم مررت بإبراهيم - عليه السلام - فقال) إبراهيم (مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) لجبريل (من هذا) القائل (قال) جبريل (هذا إبراهيم) الخليل - عليه السلام - (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالسند السابق (وأخبرني) أيضًا بالإفراد معطوف على أخبرني أنس بن مالك المعلوم من العنعنة السابقة (ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن حارثة بن محمد بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة من بني مالك بن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي المدني قاضي أهل المدينة زمن سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، ويقال اسمه كنيته، ويقال اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد، روى عن عمرو بن سليم الزرقي في الصلاة، وسلمان الأغر في الصلاة، وعمرة في الصلاة والجنائز والحج

أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولانِ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأقلامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرها، وعبد الله بن قيس بن مخرمة في الصلاة، وعباد بن تميم في الصلاة والحج، وعبد الله بن عمرو بن عثمان في الحج والأحكام، وعمر بن عبد العزيز في البيوع، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الأحكام، ويروي عنه (ع) والزهري وابنه عبد الله بن أبي بكر وأفلح بن حميد والوليد بن أبي هشام ويحيى بن سعيد الأنصاري ويزيد بن عبد الله بن الهاد وابن أبي حسين وغيرهم، تابعي ثقة من الثالثة مات سنة (120) عشرين ومائة وهو ابن (84) أربع وثمانين سنة، روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا كما بيناها (أن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائفي وتقدم البسط في ترجمته (و) أن (أبا حبة) بفتح المهملة وتشديد الموحدة عامر بن عبيد بن عمرو بن عمير بن ثابت (الأنصاري) المازني البدري له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء، ويروي عنه (م) وابن حزم في حديث أبي ذر في المعراج، وعبد الله بن عمرو بن عثمان وعمار بن أبي عمار، وقال في التقريب: والذي يظهر أن أبا حبة الذي روى حديث الإسراء وحديث لم يكن، وروى عنه ابن حزم وعمار بن أبي عمار وضبطه المحدثون بالموحدة غير الذي ذكر أهل المغازي أنه استشهد بأحد واختلفوا هل هو بالموحدة أو بالنون أو بالتحتانية، فإن شيخ عمار بقي إلى خلافة معاوية لتصريح عمار بالسماع منه والله أعلم. اهـ قال ابن حزم (كانا) أي ابن عباس وأبو حبة (يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم) بعد مروري على إبراهيم (عرج) بفتحات أو بضم الأول وكسر الثاني أي صعد (بي) جبريل (حتى ظهرت) وعلوت (لمستوى) أي على مصعد ومرتفع (أسمع فيه صريف الأقلام) أي تصويتها حال الكتابة، وقوله (لمستوى) بواو مفتوحة أي موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد، واللام فيه للعلة أي علوت لاستعلاء مستوى، وفي بعض الأصول (بمستوى) بموحدة بدل اللام، وقوله (صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى مما تنسخه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله أن يكتب لما أراد الله تعالى من أمره وتدبيره والله غني عن الاستذكار بتدوين الكتب إذ علمه محيط بكل شيء، وفي الأبي: وصريف الأقلام تصويتها حالة الكتابة وصريف العجل صوت أنيابه يحك بعضها بعضًا، وكتب الوحي بالأقلام في اللوح صحت فيه أحاديث وجاءت

قَال ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أَمَّتِي خَمْسِينَ صَلاةً. فَرَجَعْتُ بِذلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى فَقَال مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قَال قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيهِمْ خَمْسِينَ صَلاةً. قَال لِي مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ. فَإِن أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَال: فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطرَهَا. قَال: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ فَأَخْبَرْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ به الآيات والعقل لا يحيله فيجب الإيمان به دون تأويل والله أعلم بكيفية تلك الأقلام وذلك الكتب بحسب ما اقتضته حكمته سبحانه وإلا فهو غني عن الكتب والاستذكار. وفي الحديث بيان علو منزلته صلى الله عليه وسلم بحيث إنه بلغ من ملكوت السماوات ما لم يبلغه أحد. (قال ابن حزم) عن شيخيه (و) قال (أنس بن مالك) عن أبي ذر، قال الحافظ ابن حجر: كذا جزم به أصحاب الأطراف، ويحتمل أن يكون مرسلًا من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففرض الله) عزَّ وجلَّ علي و (على أمتي خمسين صلاة) أي في كل يوم وليلة كما في رواية ثابت عن أنس لكن بلفظ (ففرض الله علي) وذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته وبالعكس إلا ما يستثنى من خصائصه (فرجعت بذلك) المفروض من خمسين صلاة (حتى أمر بموسى) أي حتى وصلت إلى موسى وقصدت المرور عليه، وفي رواية البخاري "حتى مررت على موسى" بلفظ الماضي (فقال موسى - عليه السلام -: ماذا فرض) أي أي شيء أوجب (ربك على أمتك قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) لموسى (فرض عليهم خمسين صلاة، قال لي موسى - عليه السلام - فراجع ربك) يا محمد، وفي رواية (فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيته فيه فاسأله التخفيف عنهم (فإن أمتك لا تطيق ذلك) المفروض عليهم من خمسين صلاة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فراجعت ربي) وسألته التخفيف (فوضع) ربي أي أسقط عنهم (شطرها) أي بعضها، وفي رواية مالك بن صعصعة فوضع عني عشرًا، وفي رواية ثابت "فحط عني خمسًا" وزاد فيها أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة معتمدة يتعين حمل ما في الروايات عليها. اهـ قسط. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرجعت إلى موسى - عليه السلام - فأخبرته) أي

قَال: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَإِن أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَال: فَرَاجَعْتُ رَبِّي. فَقَال: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ. لا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ. قَال: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى. فَقَال: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيتُ مِنْ رَبِّي. قَال: ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى نَأْتِيَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى. فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرت موسى خبر ما جرى بيني وبين ربي من الحط عني، وفي رواية البخاري: "فرجعت إلى موسى فقلت: وضع شطرها" (قال) موسى - عليه السلام - (راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فراجعت ربي فقال) ربي في آخر المراجعات (هي) أي الصلاة المفروضة على أمتك (خمس) بحسب الفعل (وهي خمسون) بحسب الثواب قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} وفي بعض روايات البخاري "هن خمس وهن خمسون" واستدل به على عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر، وفيه جواز النسخ قبل الفعل خلافًا للمعتزلة، والحاصل مما زاده ثابت في روايته عن أنس من قوله (خمسًا خمسًا) أن المراجعة وقعت تسع مرات في كل مرة حط خمسًا فقوله شطرها أي جزءًا منها والمراد بالشطر الخمس (لا يبدل القول) بمساواة ثواب الخمس لخمسين أو لا يبدل القضاء المبرم لا المعلق الذي يمحو الله منه ما يشاء ويثبت فيه ما يشاء، وأما مراجعته صلى الله عليه وسلم ربه في ذلك فللعلم بأن الأمر الأول ليس على وجه القطع والإبرام (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرجعت إلى موسى فقال) موسى - عليه السلام - (راجع ربك) فاسأله التخفيف من خمس (فقلت) لموسى (قد) أكثرت المراجعة إلى ربي فـ (استحييت من) المراجعة إلى (ربي) الآن، وجه استحيائه أنه لو سأل الرفع بعد الخمس لكان كأنه قد سأل رفع الخمس بعينها ولا سيما قد سمع قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد مناجاة ربي والمراجعة إليه تسع مرات (انطلق) بفتح الطاء واللام وذهب (بي جبريل) عليه السلام (حتى نأتي سدرة المنتهى) وفي بعض روايات البخاري "إلى السدرة المنتهى" وهي في أعلى السماوات السبع، وسيأتي في حديث عبد الله أنها في السادسة فيحتمل أن أصلها فيها ومعظمها في السابعة، وسميت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أر لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها أو تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين فتصلي عليهم الملائكة المقربون كما مر (فـ) إذا هي قد (غشيها) وغطاها (ألوان) مختلفة وصفات

لا أَدْرِي مَا هِيَ. قَال: ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ. وَإذا تُرَابُهَا الْمِسْكُ". 319 - (156) (79) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (لَعَلَّهُ قَال) عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ (رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ متنوعة (لا أدري) ولا أعلم الآن (ما هي) أي جواب سؤال ما تلك الألوان لغرابتها وكثرتها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد وصولنا إلى سدرة المنتهى (أدخلت الجنة) لأنها في السماء السابعة (فإذا فيها) أي في الجنة (جنابذ) وقباب مخلوقة من (اللؤلؤ وإذا ترابها) أي تراب الجنة (المسك) أي كالمسك رائحة، والمسك طيب معروف ففيه تشبيه بليغ، والجنابذ بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم معجمة جمع جنبذة وهي القبة؛ والقبة بناء مدور معقود السطح مثل القبة الخضراء على ضريح النبي صلى الله عليه وسلم، واللؤلؤ الدر واحدتها لؤلؤة وهو جوهر نفيس بحري أبيض، والمسك دم غزال تحول، يطلع من سرته، ورجال هذا الحديث الستة ما بين مصري ومدني، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وفيه التحديث والإخبار بالجمع والإفراد، وفيه العنعنة والقول، وشارك المؤلف في روايته البخاري في بدء الخلق وفي الأنبياء، والترمذي في التفسير، والنسائي في الصلاة، ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر بحديث مالك بن صعصعة رضي الله تعالى عنهما فقال: (319) - (156) (79) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) إبراهيم السلمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن سعيد) بن مهران أبي عروبة اليشكري البصري ثقة من (6) روى عنه في سبعة أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة ثبت من (4) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة (93) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، قال قتادة بن دعامة (لعله) أي لعل أنس بن مالك (قال عن مالك بن صعصعة رجل من قومه) أي من قوم أنس، والشك في قوله (لعله من قتادة)، قال النواوي: قال أبو علي

قَال: قَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بَينَا أَنَا عِنْدَ الْبَيتِ بَينَ النَّائِم وَالْيَقْظَانِ، إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلاثَةِ بَينَ الرَّجُلَينِ، فَأُتِيتُ فَانْطُلِقَ بِي. فَأتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا. (قَال قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي: ـــــــــــــــــــــــــــــ الغساني: هكذا هذا الحديث بالشك عن أبي أحمد الجلودي وعند غيره عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة بغير شك، قال الدارقطني: لم يروه عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة غير قتادة والله أعلم، وأما مالك بن صعصعة فهو مالك بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري النجاري المازني له صحبة، له خمسة أحاديث اتفقا على حديث المعراج روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج ويروي عنه أنس بن مالك و (خ م ت س) وقال في التقريب: صحابي روى عنه أنس حديث المعراج وكأنه مات قديمًا (قال) مالك بن صعصعة (قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا عند البيت) أي بين أوقات كوني عند البيت الكعبة المشرفة حالة كوني (بين) حالة (النائم) التي هي الغفلة وعدم العلم بالشيء (و) بين حالة (اليقظان) والمنتبه التي هي التيقظ والعلم بالشيء أي كان حالي بين الحالتين حالة النوم وحالة اليقظة، وقد احتج بهذا الحديث أن الإسراء كان منامًا، قال القاضي: ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون ذلك في أول وصول الملك إليه وليس فيه ما يدل على أنه كان نائمًا في جميع القضية، وقال السهيلي: إنه كان مرتين، والصحيح أن الإسراء كان يقظة لا منامًا (إذ سمعت قائلًا يقول) هو أي محمد المطلوب لنا (أحد الثلاثة) النائم (بين الرجلين) منهم أي وسطهما، روي أنه كان نائمًا معه حينئذ عمه حمزة بن عبد المطلب وابن عمه جعفر بن أبي طالب كما في شروح البخاري في كتاب بدء الخلق وكتاب التوحيد (فأتيت) بالبناء للمفعول أي أتاني الملك في محل نومي (فـ) أخذني و (انطلق بي) أي ذهب بي إلى موضع زمزم (فأتيت) بالبناء للمفعول أي أتاني الملك (بطست) أي بإناء (من ذهب فيها) أي في تلك الطست شيء مالئ (من ماء زمزم) بالصرف وعدمه فغسلت به (فشرح) بالبناء للمفعول أي فشق (صدري) من نحري (إلى كذا) أي إلى مراق بطني (و) إلى (كذا) أي وإلى سرتي، قال سعيد بن أبي عروبة (قال) لنا (قتادة) بن دعامة (فقلت لـ) الرجل (الذي) هو جالس (معي) عندما حدثنا أنس بن مالك هذا الحديث، وفي صحيح البخاري (فقلت للجارود وهو إلى جنبي) وهو الجارود بن أبي سبرة بفتح المهملة

مَا يَعْنِي؟ قَال: إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ) فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَة، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ فَحُمِلْتُ عَلَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون الموحدة الهذلي أبو نوفل البصري صدوق من الثالثة مات سنة عشرين ومائة (120) (ما يعني) ويقصد أنس أو النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إلى كذا وكذا، (قال) الذي معي يعني أنس أو النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إلى كذا وكذا (إلى أسفل بطنه) ومكان سرته (فاستخرج) بالبناء للمفعول أيضًا معطوف على (شرح صدري) أي أخرج الملك (قلبي) من داخل صدري إلى ظاهره (فغسل) قلبي (بماء زمزم) وقوله (ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانًا وحكمة) فيه تقديم وتأخير، والتقدير ثم حشي قلبي وملئ إيمانًا وحكمة ثم أعيد مكانه داخل المصدر. وفي هذه القصة أدل حجة وأوضح برهان وأصح دليل على مذهب أهل الحق من أن الموت والحياة وسائر الأشياء من فعل الله تعالى وخلقه محضًا ليس يوجبهما سبب ولا تقتضيهما طبيعة ولا يشترط لوجودهما شرط لا يوجدان إلا معه ألبتة إلا من حيث أجرى الله العادة حتى إذا شاء خرقها وأنفذ قدرته كيف شاء وكانت بمجرد قدرته وإرادته خلافًا للفلاسفة ومن ضارع مذهبهم من المعتزلة، فإن شق الجوف وإخراج الحشوة وإخراج القلب وشقه ومعاناته وغسله وإخراج شيء منه كل ذلك مقتل في العادة وسبب يوجد معه الموت لا محالة وقد اجتمعت هذه كلها في هذه القصة ولم يمت صاحبها إذ لم يرد الله موته ولا قضاه بل كانت هذه المهالك في حق غيره أسبابًا لحياة نفسه وقوة روحه وكمال أجره. اهـ من إكمال المعلم. (ثم) بعد إعادة قلبي مكانه (أتيت) بالبناء للمفعول أي أتاني الملك (بدابة أبيض) ذكر الصفة نظرًا إلى كونها بمعنى المركوب أي أتانى بمركوب أبيض، وجملة قوله (يقال له) أي لذلك المركوب (البراق) أي السريع في السير، سمي به لسرعة سيره كالبرق الخاطف صفة ثانية لـ (دابة)، والظرف في قوله (فوق الحمار) صفة ثالثة لها، وقوله (ودون البغل) معطوف على (فوق) أي أتاني بمركوب أبيض مقول له البراق موسوم بكونه متوسطًا بين هذين الحيوانين (يقع خطوه) أي حافر خطوه، والجملة صفة رابعة لها (عند أقصى طرفه) بفتح الطاء وسكون الراء أي عند آخر موقع طرفه وبصره (فحملت عليه) أي

ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَينَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ. فَقِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَال: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَال: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قيل: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيهِ؟ قَال: نَعَمْ. قَال فَفَتَحَ لَنَا. وَقَال: مَرْحَبًا بِهِ. وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَينَا عَلَى آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ لَقِيَ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ عِيسَى وَيحْيى عَلَيهِمَا السَّلامُ. وَفِي الثالِثَةِ يُوسُفَ. وَفِي الرَّابِعَةِ إِدْرِيسَ وَفِي الْخَامِسَةِ هَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِمْ وَسَلَّمَ، قَال: ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى انتَهَينَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. فَأَتَيتُ عَلَى مُوَسَى عَلَيهِ السَّلامُ فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ. فَقَال: مَرْحَبًا بِالأخَ الصَّالِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حملني الملك على ذلك المركوب وأركبني عليه حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى فصلينا فيه تحية المسجد مع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ثم ربطنا البراق بحلقة باب المسجد (ثم انطلقنا) أي صعدنا بسلم وعرجنا (حتى أتينا السماء الدنيا فاستفتح جبريل - عليه السلام -) أي طلب فتح بابها من خازنها (فقيل) له أي قال له بواب السماء الدنيا (من هذا؟ ) المستفتح (قال) جبريل أنا (جبريل، قيل) له أي قال الخازن لجبريل (ومن معك؟ قال) جبريل معي (محمد صلى الله عليه وسلم قيل) له أ (وقد بعث إليه) أي إلى محمد صلى الله عليه وسلم (قال) جبريل (نعم) بعث إليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ففتح لنا) الخازن بابها (وقال) الخازن (مرحبًا به) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم أي صادف مكانًا رحبًا واسعًا لا ضيق فيه، وهي كلمة تقال لتأنيس القادم وإكرامه (ولنعم) وحسن (المجيء) والحضور الذي (جاء) هـ محمد صلى الله عليه وسلم ففيه حذف الموصول والاكتفاء بصلته (فأتينا) ومررنا في سماء الدنيا (على آدم) أبي البشر (عليه السلام، وساق) مالك بن صعصعة (الحديث بقصته) أي بقصته التي ذكرناها في آدم في روايتنا عن أبي ذر رضي الله عنه ثم قال (وذكر) النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لقي) ورأى (في السماء الثانية عيسى) ابن مريم (ويحيى) بن زكريا (عليهما) الصلاة و (السلام و) رأى (في الثالثة يوسف) بن يعقوب عليهما السلام (وفي الرابعة إدريس) - عليه السلام - (وفي الخامسة هارون) بن عمران أخا موسى (صلى الله) تعالى (عليهم) أي على هؤلاء الأنبياء (وسلم) عليهم (قال) نبي الله صلى الله عليه وسلم (ثم انطلقنا) وعرجنا من السماء الخامسة (حتى انتهينا إلى السماء السادسة، فأتيت على موسى - عليه السلام - فسلمت عليه، فقال) موسى تأنيسًا لي (مرحبًا) وسعة لا ضيقًا (بالأخ الصالح) إنما قال

وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى. فَنُودِيَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَال: رَبِّ، هذَا غُلامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِي. يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي. قَال: ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَينَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ. فَأَتَيتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: وَحَدَّثَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ، يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ. فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الأَنْهَارُ؟ قَال: أَمَّا النهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل وموسى من ذرية إسحاق وهما ابنا عم (والنبي الصالح فلما جاوزته) أي جاوزت موسى (بكى) موسى شفقة على قومه لما كان من ضلالهم ولما فاته من ثواب اتباعهم (فنودي) من الله تعالى فقيل له (ما يبكيك؟ ) أي أي شيء جعلك باكيًا يا موسى (قال) موسى يا (رب هذا) الأخ (غلام) خلق بعدي و (بعثته) وأرسلته (بعدي) حالة كونه (يدخل من أمته الجنة) عدد (أكثر مما يدخل) أي من العدد الذي يدخل (من أمتي) قال النواوي: معنى هذا أن موسى - عليه السلام - حزن على قومه لقلة المؤمنين منهم مع كثرة عددهم فكان بكاؤه حزنًا عليهم وغبطة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على كثرة أتباعه، والغبطة في الخير محبوبة لا مذمومة كالحسد، ومعنى الغبطة أنه ود أن يكون من أمته المؤمنين مثل هذه الأمة لا أنه ود أن يكونوا أتباعًا له وليس لنبينا صلى الله عليه وسلم مثلهم، والحاصل أنه إنما بكى حزنًا على قومه وعلى فوات الفضل العظيم والثواب الجزيل بتخلفهم عن الطاعة فإن من دعا إلى خير وعمل الناس به كان له مثل أجورهم كما جاءت به الأحاديث الصحيحة ومثل هذا يبكى عليه ويحزن على فواته. اهـ منه والله أعلم. (قال) نبي الله صلى الله عليه وسلم (ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة فأتيت) واطلعت (على إبراهيم) - عليه السلام - (وقال) مالك بن صعصعة (في الحديث وحدث نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى) في السماء السابعة (أربعة أنهار يخرج من أصلها) أي من أصل سدرة المنتهى، وساقها كما جاء مصرحًا بها في رواية البخاري في باب حديث الإسراء (نهران ظاهران) أي خارجان من ظاهرها (ونهران باطنان) أي خارجان من باطنها (فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ ) الخارجة منها (قال) جبريل (أما النهران الباطنان فنهران) جاريان (في الجنة) قال مقاتل: الباطنان هما السلسبيل

وَأمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيتُ الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا؟ قَال: هَذَا الْبَيتُ الْمَعْمُورُ، يَدْخُلُهُ كُل يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيهِمْ. ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَينِ أحَدُهُمَا خَمْرٌ وَالآخَرُ لَبَنٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والكوثر (وأما) النهران (الظاهران فالنيل) في مصر (والفرات) في العراق، قال القاضي عياض: وهذا يشعر أن أصل سدرة المنتهى في الأرض، وتعقب عليه النواوي فقال: وهذا الذي قاله القاضي ليس بلازم بل معناه أن الأنهار تخرج من أصلها ثم تجري حيث أراد الله تعالى حتى تخرج من الأرض وتسير فيها، قال: وهذا لا يمنعه عقل ولا شرع، وهو ظاهر الحديث فوجب المصير إليه والله أعلم. قال الأبي قوله (فالظاهران النيل والفرات) قال القاضي: وهذا يدل على أن أصل السدرة في الأرض ويعارضه كون الباطنين وهما السلسبيل والكوثر في الجنة والجنة في السماء أو فوقه، ويعارضه أيضًا ما تقدم أن السدرة في السماء السابعة، ووجه الجمع أن يكون أصلها في السماء وأنزل من أصلها إلى الأرض النيل والفرات أنزلا من الجنة على جناح جبريل - عليه السلام - فأودعهما بطون الجبال ثم إن الله تعالى يرفعهما عند رفع القرآن، وذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} وهو حديث ذكره النحاس وهو موافق أيضًا لما ذكره أصحاب الجغرافيا أن أصل النيل ومنبعه من جبل القمر وهو جبل في الحبشة (ثم رفع) أي كشف (لي) وظهر لي (البيت المعمور) بأنواع عبادات الملائكة وهو في السماء السابعة على حيال الكعبة في الأرض (فقلت: يا جبريل ما هذا؟ ) البيت (قال) جبريل (هذا) البيت هو (البيت المعمور) أي يسمى به (يدخله) أي يدخل هذا البيت (كل يوم) من أيام الدنيا (سبعون ألف ملك) يذكرون الله تعالى فيه بأنواع العبادات ثم يخرجون منه فـ (إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه) أبدًا، وقوله (آخر ما عليهم) بالرفع خبر لمحذوف تقديره هذا الدخول آخر ما عليهم من الدخول في ذلك البيت، وبالنصب على الظرفية والتقدير هذا الخروج في آخر ما عليهم من الدخول، والرفع أوجه، وفي هذا أعظم دليل على كثرة الملائكة عليهم السلام (ثم) بعد ما رفع لي البيت المعمور (أتيت) بالبناء للمجهول أي أتاني الملك (بإناءين أحدهما) فيه (خمر والآخر) فيه (لبن) وهذا ظاهر في أنه أتي بهما في السماء، وفي الحديث السابق أنه أتي بهما قبل العروج فيجمع بينهما بأنه أتي بهما مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء، والله أعلم

فَعُرِضَا عَلَيَّ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. فَقِيلَ: أَصَبْتَ، أَصَابَ اللهُ بِكَ. أُمَّتُكَ عَلَى الْفِطْرَةِ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلاةً". ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّتَهَا إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. 320 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فعرضا علي) أي عرض علي اختيار أحدهما (فاخترت اللبن، فقيل) لي أي قال لي الملك (أصبت) الفطرة ووفقتها أو الملة (أصاب الله) سبحانه وتعالى أي أراد الله (بك) يا محمد الفطرة والخير والفضل، وقد جاء أصاب بمعنى أراد كما في قوله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيثُ أَصَابَ (36)} أي حيث أراد، وقوله (أمتك على الفطرة) مبتدأ وخبر أي إنهم أتباع لك وقد أصبت الفطرة فهم يكونون عليها (ثم فرضت علي) وعلى أمتي (كل يوم) وليلة (خمسون صلاة، ثم ذكر) مالك بن صعصعة (قصتها) أي قصة خمسين صلاة (إلى آخر الحديث)، وحديث مالك بن صعصعة هذا شارك المؤلف في روايته أحمد (4/ 206) والبخاري (3207) والترمذي (3343) والنسائي (1/ 217 - 218)، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث مالك بن صعصعة رضي الله تعالى عنه فقال: (320) - (. . .) (. . .) (حدثني محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) روى عنه في (14) بابًا قال ابن المثنى (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري صدوق من التاسعة مات سنة (200) روى عنه في (4) أبواب (قال) معاذ (حدثنا أبي) هشام بن سنبر الدستوائي أبو بكر البصري ثقة من (7) مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه ثقة ثبت من (4) مات سنة (117) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم له (1286) حديثًا مات سنة (93) روى عنه في (12) بابًا (عن مالك بن صعصعة) بن وهب الأنصاري النجاري المازني الصحابي المشهور، له (5) أحاديث وكأنه مات قديمًا، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلا مالك بن صعصعة فإنه مدني، وفيه رواية صحابي عن صحابي وولد عن والد، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشام الدستوائي لسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَزَادَ فِيهِ: "فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيَمَانًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ كثرة طرقه. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر) هشام الدستوائي (نحوه) أي نحو حديث سعيد بن أبي عروبة (وزاد) هشام (فيه) أي في الحديث (فأتيت بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا فشق) صدري (من النحر) والنحر أعلى المصدر يقال نحر الإبل إذا طعن في لبتها واللبة أسفل العنق (إلى مراق البطن) والمراق بفتح الميم وتشديد القاف وهو ما سفل من البطن ورق من جلده، قال الجوهري: جمع لا واحد له من لفظه، وقال صاحب المطالع: واحدها مرق (فغسل) قلبي (بماء زمزم) وإنما اختاره على غيره من المياه لفضله على غيره من المياه أو لأنه يقوي القلب (ثم ملئ) قلبي (حكمة وإيمانًا) والحكمة كما قاله النواوي عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتملة على المعرفة بالله تعالى المصحوبة بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل، وقيل هي النبوة، وقيل هي الفهم عن الله تعالى، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي ذر والثاني حديث مالك بن صعصعة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

88 - (47) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء ليلة الإسراء صلوات الله وسلامه عليهم، ووصفه لهم، وصلاتهم

88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ 321 - (157) (80) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي وردت في بيان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء ليلة الإسراء ووصفه كلًّا منهم بأوصاف خاصة به وذكره لصلاتهم. والإسراء سير الليل يقال سريت مسرى وسرى وأسريت إسراء بمعنى واحد، وبالألف لغة أهل الحجاز، وقيل أسرى سار من أول الليل وسرى سار من آخره، والقول الأول أعرف، واختلف في كيفية هذا الإسراء وفي زمانه، فقيل كان كله منامًا وقيل كان كله يقظة وقيل كان إلى المسجد الأقصى يقظة وإلى ما بعد ذلك منامًا، وكل تلك الأقسام جائز، ولكن الذي عليه معظم السلف والخلف أنه أسري بجسده وحقيقته في اليقظة إلى آخر ما انطوى عليه الإسراء، وعليه يدل ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار ومبادرة قريش لإنكار ذلك وتكذيبه ولو كان منامًا لما أنكروه ولما افتتن به من افتتن إذ كثيرًا ما يرى في المنام أمور عجيبة وأحوال هائلة فلا يستبعد ذلك في النوم وإنما يستبعد في اليقظة. (321) - (157) (80) (حدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا وأتى بقوله (قال ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة ثقة إلا أن فيه غفلة من (9) مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا إشارة إلى أن ابن بشار روى له بالعنعنة، قال ابن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابًا تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (قال سمعت أبا العالية) رفغ مصغرًا ابن مهران ويقال فيروز الرياحي بكسر الراء مولاهم مولى أعرابية من رياح بن يربوع بطن من تيم أو إلى محلة لهم في مدينة البصرة البصري مخضرم إمام من الأئمة صلى خلف عمر ودخل على أبي بكر ورآه، روى عن ابن عباس

يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ) قَال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ فَقَال: "مُوسَى آدَمُ طُوَال، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ". وَقَال: "عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ. وَذَكَرَ مَالِكًا خَازِنَ جَهَّنَمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الإيمان والصلاة وذكر الأنبياء والدعاء ويروي عنه (ع) وقتادة وداود بن أبي هند وثابت وخلق، ثقة كثير الإرسال من الثانية مات سنة تسعين (90) روى عنه في أربعة أبواب (يقول: حدثني ابنُ عم نبيكم صلى الله عليه وسلم) قال قتادة (يعني) أبو العالية بابن عم نبيكم (ابن عباس) أي عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي البصري، وأتى بالعناية لغرض الإيضاح والتمييز عن غيره، وهذا الإسناد من سداسياته، قال النواوي: ومن لطائف هذا الإسناد أن رجاله كلهم بصريون وشعبة وإن كان واسطيًّا فقد انتقل إلى البصرة واستوطنها وابن عباس أيضًا سكنها. (قال) ابن عباس (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قصة (حين أسري به) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلتئذ (موسى) بن عمران وهو (آدم) أي متصف بلون الأُدْمة وهو يسير سواد يضرب إلى الحمرة وهو غالب ألوان العرب (طوال) بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو ومعناه طويل وهما لغتان (كأنه) أي كأن موسى - عليه السلام - في الطول (من رجال شنوءة) بشين معجمة مفتوحة ثم نون ثم واو ثم همزة ثم هاء قبيلة معروفة باليمن، قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: سموا بذلك من قولهم رجل فيه شنوءة أي تقزز وتنظف، قال الجوهري: الشنوءة التباعد من الأدناس ومنه أزد شنوءة وهم حي من اليمن ينسب إليهم شنئيٌّ، قال: قال ابن السكيت: ربما قالوا أزد شنؤة بالتشديد غير مهموز وينسب إليهم الشَّنَويُّ، وعبارة المفهم هنا وأزد شنوءة حي من اليمن شبه بهم موسى في كيفية خلقتهم وسموا شنوءة لشنوءتهم وهي تباعدهم عن الأنجاس والأقذار، يقال رجل فيه شنوءة أي تقزز وهي المباعدة عن الأقذار حكاه الجوهري، وقال القُتبي: سموا بذلك لأنهم تشانؤوا أي تباغضوا. اهـ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت أيضًا (عيسى) ابن مريم وهو (جعد) قال العلماء: المراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وليس المراد جعودة الشعر (مربوع) في القامة أي وسط ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الفاحش (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى (مالكًا خازن جهنم) وحافظها

وَذَكَرَ الدَّجَّال". 322 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (ابْنُ عَبَّاسٍ) قَال؛ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَرَرْتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيهِ السَّلامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورئيسها (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى (الدجال) الكذاب الذي يدعي الألوهية الذي خروجه من أشراط الساعة، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث -أعني حديث ابن عباس رضي الله عنهما- أحمد (1/ 215 - 232) وابن ماجه (2891). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (322) - (. . .) (. . .) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّي نسبة إلى كَسٍّ مدينة فيما وراء النهر ثقة حافظ من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا قال عبد (أخبرنا يونس بن محمد) بن مسلم المؤدب أبو محمد البغدادي ثقة ثبت من (9) مات سنة (207) روى عنه في (5) أبواب، قال يونس بن محمد (حدثنا شيبان بن عبد الرحمن) التميمي مولاهم أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة من (7) مات سنة (164) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أبي العالية) رفيع بن مهران البصري قال أبو العالية (حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس) وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد كَسِّي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شيبان بن عبد الرحمن لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. (قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت) وجاوزت (ليلة أسري بي) إلى المسجد الأقصى وعرج بي إلى السماوات السبع (على موسى بن عمران - عليه السلام -) وهو يصلي في قبره كما سيأتي في الرواية الآتية (فإن قلت) رؤيته لموسى وهو يصلي في قبره وصلاته بهم جميعًا في المسجد الأقصى يعارض ما تقدم من أنه وجدهم في السماوات (قلت) يحتمل أنه مر بموسى وهو يصلي في قبره ثم سبقه موسى إلى السماء، وأما صلاته بالأنبياء فيحتمل أنه في أول ما رأوه ثم سألوه ورحبوه، أو

رَجُلٌ آدَمُ طُوَالٌ جَعْدٌ. كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. وَرَأَيتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ. إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ. سَبِطَ الرَّأْسِ. وَأُرِيَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون رؤيته لموسى وصلاته بالأنبياء عليهم السلام بعد رجوعه من سدرة المنتهى، وفيه نظر. اهـ من الأبي. (قلت) والجواب الصحيح أنه مر على موسى وهو يصلي في قبره قبل وصوله إلى بيت المقدس ثم سبقه موسى إلى بيت المقدس وصلى بهم جميعًا ثم سبقه موسى إلى السماء ورحبه في السماء والله سبحانه أعلم. فإذا هو (رجل) بضم الجيم أي ذكر تام الخلق فهو بيان للمعلوم، وبكسر الجيم على وزن فَعِل أي رجل الشعر أي شعره متوسط بين السبوطة وهو استرسال الشعر كشعر الروم والجعودة وهي تكسر الشعر وانقباضه كشعر السودان، فالشعر الرجل ما كان فوق الجعودة ودون السبوطة كشعر العرب (آدم) أي أسمر لونًا أي متصف بالأدمة، وهي يسير سواد يضرب إلى الحمرة كما هي غالب ألوان العرب (طوال) بضم الطاء أي طويل (جعد) أي جعد الجسم أي مجتمعه وشديده وتامه، قال العلماء: والمراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وليس المراد جعودة الشعر فهو صفة مدح، ويحتمل أن يكون صفة شعر أي شعره جعد أي وسط بين السبط والقطط كما جاء في صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يكون مكررًا مع قوله أولًا (رجل) بكسر الجيم (كأنه) أي كأن موسى - عليه السلام - في طوله ونظافته (من رجال) قوم (شنوءة) حي معروف باليمن كما مر. (و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (رأيت عيسى بن مريم) - عليه السلام - حالة كونه (مربوع الخلق) أي متوسط القد والقامة ليس بالطويل ولا بالقصير، وحالة كونه مائلًا لونه من السواد (إلى الحمرة والبياض) المختلطين ليس لونه بالبياض الناصع ولا بالحمرة القانية بل لونه وسط بين اللونين بعيد عن السواد وحالة كونه (سبط) شعر (الرأس) أي مسترسله ليس فيه تكسر ولا تعقد، والسَّبِطِ بفتح السين وكسر الباء وبفتحهما لغتان مشهورتان فيه ويجوز إسكان الباء مع كسر السين وفتحها على التخفيف، قال أهل اللغة: الشعر السبط هو المسترسل ليس فيه تكسر، ويقال في تصريف فعله سَبِط يسبط سبطًا من باب فرح فرحًا (وأري) على صيغة الماضي المبني للمفعول أي أري رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة (مالكًا خازن النار) هكذا في رواية مسلم بضم همزة

وَالدَّجَّال". فِي آيَاتِ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ. {وَلَقَدْ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23]. قَال: كَانَ قَتَادَةُ يُفَسِّرُهَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَقِيَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أري) ونصب (مالكًا)، وفي رواية البخاري في هذا الحديث (ورأيت مالكًا) وهي المطابقة للسياق ووقع في أكثر الأصول (وأري مالك) بالرفع وقد يقال إنه تصحيف، ولكن له جواب حسن وهو أن يقال إنه منصوب ولكن رسم على لغة ربيعة لأنهم يرسمون المنصوب المنون على صورتي المرفوع والمجرور المنونين ويقرؤونه بالنصب (و) أري أيضًا (الدجال) الكذاب (في آيات) أي مع رؤية آيات وعجائب دالة على قدرته تعالى (أَراهُنَّ الله) سبحانه وتعالى (إياه) صلى الله عليه وسلم وأطلعه عليهن من العجائب الدالة على باهر قدرته تعالى وعظيم سلطانه كالجنة والنار وأهلهما، وقوله (وأري مالكًا) إلى آخر الحديث من كلام الراوي على هذه الرواية حاكيًا عنه صلى الله عليه وسلم وهو ابن عباس، واستدل الراوي على رؤيته صلى الله عليه وسلم لموسى بن عمران - عليه السلام - بقوله تعالى: ({فَلَا تَكُنْ}) يا محمد ({فِي مِرْيَةٍ}) وشك ({مِنْ لِقَائِهِ}) أي من لقائك ورؤيتك موسى تلك الليلة، قال النواوي هذا الاستشهاد بقوله تعالى: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} هو استدلال من بعض الرواة، والآية في سورة السجدة في رقم [23] (قال) شيبان بن عبد الرحمن بالسند السابق (كان قتادة) بن دعامة (يفسرها) أي يفسر هذه الآية بـ (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي) ورأى تلك الليلة (موسى) بن عمران (عليه السلام) وعبارة النووي هنا: وأما تفسير قتادة فقد وافقه عليه جماعة منهم مجاهد والكلبي والسدي، وعلى مذهبهم معناه: فلا تكن في شك من لقائك موسى، وذهب كثيرون من المحققين من المفسرين وأصحاب المعاني إلى أن معناها فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب وهذا مذهب ابن عباس ومقاتل والزجاج وغيرهم والله أعلم، وعبارة القاضي هنا وقول قتادة في آخر الحديث {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} يعني أن محمدًا لقي موسى عليهما السلام يعني ليلة الإسراء فالهاء على هذا عائدة على موسى، وقال غيره من المفسرين: الهاء عائدة على الكتاب أي فلا تكن في مرية من تلقي موسى الكتاب الذي أوتي، وعن الحسن: أن معناه ولقد آتينا موسى الكتاب فأوذي وكذب فلا تكن في مرية أنك ستلقى مثل ما لقيه من الأذى والتكذيب، وقيل في الآية تقديم وتأخير

323 - (00) (00) حدَّثنا أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعود إلى الرجوع للآخرة والبعث وما تقدم من قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} إلى قوله: {تُرْجَعُونَ} واعترض قصة موسى بين كلامين، وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} قال من لقاء موسى ربه عزَّ وجلَّ. اهـ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (323) - (. . .) (. . .) (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال بن أسد بن إدريس الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله الإمام الفقيه الحافظ الثقة الحجة أحد الأئمة الأعلام كان حافظًا متقنًا فقيهًا لازمًا للورع الخفي مواظبًا على العبادة الدائمة أغاث الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله تعالى حتى ضرب بالسياط للقتل فعصمه الله تعالى من الكفر وجعله علمًا يقتدى به وملجأ يلتجأ إليه، روى عن هشيم ومحمد بن جعفر في الإيمان، وعن معتمر بن سليمان ويحيى القطان في الصلاة والأدب، وعبد الله بن كثير ومحمد بن سلمة في الحج، وعبد الرحمن بن مهدي في الحدود، وعبد الرزاق ومعتمر في الجهاد، وأبي داود الطيالسي في الصيد، وابن أبي زائدة وابن علية في اللباس وشرف النبي صلى الله عليه وسلم، وسفيان بن عيينة في الأدب والفضائل، وغيرهم ويروي عنه (ع) وهذا أول موضع روى عنه المؤلف فيه، والشافعي وابن مهدي والأسود بن عامر ويزيد بن عامر من شيوخه وابن معين وخلق، وقال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد من أحمد بن حنبل، وقيل إنه يحفظ ألف ألف حديث وهو رأس الطبقة العاشرة مات سنة (241) إحدى وأربعين ومائتين في ربيع الأول وله (77) سبع وسبعون سنة روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا (و) حدثنا أيضًا (سريج) بالسين المهملة وبالجيم مصغرًا (بن يونس) بن الحارث المروزي أبو الحارث سكن بغداد العابد القدوة ثقة عابد من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين له في (خ) فرد حديث وأكثر منه (م) روى عنه في أحد عشر بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما (قالا: حدثنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي نزيل بغداد ثقة

أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الأزْرَقِ فَقَال: أَيُّ وَادٍ هذَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي من السابعة مات سنة (183) روى عنه في (18) بابا تقريبًا، قال هشيم (أخبرنا داود بن أبي هند) القشيري مولاهم أبو محمد البصري واسم أبي هند دينار ثقة متقن من الخامسة مات سنة (140) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي العالية) رفع بن مهران البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي هند لشيبان بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي العالية وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة بالزيادة وفي سوق الحديث. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر) في بعض أسفاره إلى مكة (بوادي الأزرق) أي في واد يسمى بالأزرق وهو واد بين مكة والمدينة (فقال) لمن حضره (أي واد هذا؟ ) أي بأي اسم يسمى هذا الوادي والأظهر في سؤاله أنه استفهام وأنه كان لا يعلم أنه وادي الأزرق ويحتمل أنه استنطاق (فإن قلت) عادتهم في الاستنطاق أن يقولوا الله ورسوله أعلم (قلت) إنما ذلك في الأمور العلمية وهذا خبر عن محسوس (فإن قلت) قد قالوا ذلك حين قال: أي بلد هذا؟ أي شهر هذا؟ وهما محسوسان، قلت: ذلك استجلاب لما عسى أن يخبرهم بما لا يعلمون. اهـ أبي، قال السنوسي قلت: هذا جواب بما هو مشترك بين المحلين فيحتاج إلى الفرق وقد يفرق بأن السؤال في حديث: "أي بلد هذا" سؤال عن واضح لكل أحد فتحقق السامعون أن المقصود منه شيء آخر مما جهلوه فحسن جوابهم بما يقتضي الأدب ويستمطر الفائدة وهو قولهم (الله ورسوله أعلم)، وأما وادي الأزرق فلم يتحققوا علمه به فتمسكوا بظاهر السؤال وامتثلوا في الجواب مقتضاه لا يقال فيرجع هذا إلى أنه استفهام حقيقة لا استنطاق لأنا نقول لا يرجع إليه إذ لا منافاة بين كون السؤال استنطاقًا بحسب قصد المتكلم واستفهامًا بحسب حمل المخاطب. اهـ منه. وقد يقال إن فائدة ذكر هذا الحديث التعريف بمنزلته صلى الله عليه وسلم من الله تعالى في إعلامه بهذه الأمور المغيبة. اهـ أبي.

فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الأَزْرَقِ. قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بالتَّلْبِيَةِ. ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى. فَقَال: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى. قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيهِ السَّلامُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقالوا) أي فقال الحاضرون (هذا وادي الأزرق) أي هذا واد يسمى بالأزرق ظنًّا منهم أنه لا يعرفه و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني انظر) الآن (إلى موسى - عليه السلام -) حالة كونه (هابطًا) ونازلًا (من) هذه (الثنية) الطريق بين الجبلين إلى هذا الوادي (وله جؤار) أي والحال أن له جؤارًا ورفع صوت (إلى الله) تعالى (بالتلبية) والإجابة، قال الإمام: الجؤار رفع الصوت وهو مهموز ومنه قوله تعالى: {فَإِلَيهِ تَجْأَرُونَ} أي ترفعون أصواتكم وتستغيثون به، يقال: جأر يجأر من باب فتح، قال عدي بن زيد: إنني والله فاقبل حلفتي ... بأبيل كلما صلى جأر قال السنوسي: وفيه رفع الصوت بالتلبية وهو سنة في شرعنا من غير إسراف إلا في المساجد فيسمع من يليه فقط خوف الرياء إلا في مسجد مكة ومنى فيعلن أي فيرفع صوته فيهما عند مالك رحمه الله تعالى لأن كل من بهما يلبي بلا رياء بخلاف غيرهما من مساجد البلاد التي الحجاج فيها قليل فتشهر فيها ذلك فتحدث فساد عملك، قال القاضي: وفيه من الفقه التلبية ببطن المسيل وأنه من سنن المرسلين وشرائعهم به احتج البخاري في المسألة لقوله إذا انحدر من الوادي، والتلبية هي قول الشخص (لبيك اللهم لبيك) إلى آخره، قال القرطبي: (قوله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى موسى) يحتمل أن يكون هذا النظر في اليقظة على ظاهره وحقيقته ليلة الإسراء وهو ظاهر حديث جابر وأبي هريرة الآتي ويحتمل أن يكون ذلك كله منامًا ورؤيا الأنبياء وحي وهو نص حديث ابن عمر والله أعلم (ثم أتى) ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم (على ثنية هرشى) والثنية الطريق بين الجبلين وهرشى بفتح الهاء وسكون الراء وبالشين المعجمة مقصورة الألف جبل من تهامة على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي ثنية هذه؟ ) الثنية أي بأي اسم تسمى هذه الثنية (قالوا) أي قال الحاضرون معه هي (ثنية هرشى) أي تسمى بهذا الاسم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني انظر) الآن (إلى يونس) بضم الياء والنون بينهما واو ساكنة وفيه لغات أخر (بن متى) بفتح الميم والتاء المشددة المفتوحة (- عليه السلام -) حالة كونه راكبًا (على

نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيهِ جُبَّةٌ مِنْ صوفٍ. خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ. وَهُوَ يُلَبِّي". قَال ابْنُ حَنْبَل فِي حَدِيثِهِ: قَال هُشَيمٌ: يَعْنِي لِيفًا. 324 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ناقة) هي الأنثى من الإبل (حمراء) صفة لناقة مؤنث الأحمر (جعدة) بفتح الجيم وسكون العين صفة ثانية لناقة أي مكتنزة اللحم تامة الجسم سمينة لا هزيلة، قال الإمام المازري: الناقة الجعدة هي المجتمعة الخلق الشديدة الأسر، وجملة قوله (عليه) أي على يونس خبر مقدم لقوله (جبة من صوف) في محل النصب حال ثانية من يونس أي حالة كونه لابسًا جبة من صوف، والجبة بضم الجيم وفتح الموحدة المشددة قباء محشو يلبس للبرد والصوف شعر الغنم ضأنًا أو معزًا وجملة قوله: (خطام ناقته) أي مقودها (خُلْبة) أي حبل من ليف حال ثالثة منه ولكنها سببية، وجملة قوله: (وهو) أي والحال أنه (يلبي) بالحج حال رابعة منه، والخطام بكسر الخاء المعجمة هو الحبل الذي يقاد به البعير يجعل على خطمه، والخطم من الدابة مقدم أنفها وفمها. اهـ قاموس، والخلبة بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وضمها الليف كما فسرها به هشيم في قوله (قال) أحمد (ابن حنبل في حديثه) أي في روايته (قال) لنا (هشيم) بن بشير (يعني) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي عنه بالخلبة (ليفًا) أي حبلًا من ليف، وفي القاموس: والخلبة الحبل من الليف الصلب الرقيق والليف غشاء أغصان النخل عند طلوعه وخيوط في ثمر شجر يشبه ثمره ثمر الخيار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه فقال: (324) - (. . .) (. . .) (وحدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من (10) روى عنه في (14) بابا، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن أبي عدي) إبراهيم السلمي مولاهم أبو عمرو البصري ثقة من (9) مات سنة (194) روى عنه في (7) أبواب (عن داود) بن أبي هند القشيري البصري ثقة من (5) (عن أبي العالية) رفيع بن مهران البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن أبي عدي

قَال: "سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَمَرَرْنَا بِوَادٍ، فَقَال: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ. فَقَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ (فَذَكَرَ مِنْ لَوْنِهِ وَشَعْرِهِ شَيئًا لَمْ يَحْفَظْهُ دَاوُدُ) وَاضِعًا إِصْبَعَيهِ فِي أُذُنَيهِ، لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ، مَارًّا بِهذَا الْوَادِي قَال: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَينَا عَلَى ثَنِيَّةٍ. فَقَال: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، أَوْ لَفَتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهشيم في رواية هذا الحديث عن داود، وفائدتها بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (قال) ابن عباس (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في بعض أسفاره (بين مكة والمدينة فمررنا بواد) أي في واد يسمى وادي الأزرق، والوادي اسم لمسيل الماء والمكان المنبطح بين الجبلين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي واد هذا؟ ) الوادي الذي نحن فيه أي بأي اسم يسمى (فقالوا) أي فقال الحاضرون عنده هو (وادي الأزرق) وهو واد بين مكة والمدينة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر) الآن (إلى موسى) بن عمران (- عليه السلام -) قال ابن أبي عدي (فذكر) النبي صلى الله عليه وسلم (من لونه) أي من لون موسى (و) صفة (شعره شيئًا لم يحفظه داود) بن أبي هند، وقوله (واضعًا إصبعيه في أذنيه) حال من موسى أي كأني أنظر إلى موسى حالة كونه مدخلًا أنملتي إصبعيه السبابتين في صماخي أذنيه، قال القاضي: فيه وضع الإصبع في الأذن عند الأذان، وقال أيضًا: وفي الإصبع عشر لغات الهمز بالحركات الثلاث وفي الباء الحركات الثلاث والعاشر أصبوع كعصفور حالة كونه (له جؤار) أي رفع صوت (إلى الله بالتلببة) أي بتلبية الحج حالة كون موسى (مارًا بهذا الوادي) أي بوادي الأزرق (قال) ابن عباس (ثم سرنا حتى أتينا على ثنية) أي على طريق بين الجبلين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي ثنية هذه) الثنية (قالوا: ثنية هرشى أو) قالوا (لفت) بالشك من الراوي بكسر اللام وسكون الفاء آخره مثناة من فوق وفيها وجهان آخران فتح اللام مع سكون الفاء وفتحهما معًا، قال ابن الأثير: ثنية لفت هي ثنية بين مكة والمدينة، قال القرطبي: روي عن أبي بحر أنه قال بفتح اللام وسكون الفاء، وقال ابن السراج: بكسر اللام وسكون الفاء، وأنشد بعضهم: مررت بلفت والثريا كأنها ... قلائد در حُلَّ عنها نظامها بالكسر، وقال القاضي الشهيد: بفتح اللام والفاء.

فَقَال: كَأَني أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ. عَلَيهِ جُبَّةُ صوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ، مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا". 325 (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَن ابْنِ عَنْ مُجَاهِدٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر) الآن (إلى يونس) بن متى حالة كونه راكبًا (على ناقة حمراء عليه) أي على يونس (جبة صوف) أي جبة منسوجة من شعر غنم، والجبة قباء محشو يلبس للبرد (خطام ناقته) أي زمام ناقته (ليف) أي حبل من ليف، وقوله (خلبة) بالرفع بدل أو عطف بيان من ليف وروي بالجر بإضافة ليف إليه، والخلبة بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وضمها قد فسرها في الحديث السابق بالليف حالة كون يونس (مارًا بهذا الوادي) أي وادي هرشى حالة كونه (ملبيًا) أي ذاكرًا بالتلبية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (325) - (. . .) (. . .) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من العاشرة، قال ابن المثنى (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم بن (أبي عدي) السلميُّ البصريُّ ثقة من التاسعة (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المزني أبي عون البصري ثقة ثبت فاضل من السادسة مات سنة (150) روى عنه في أحد عشر بابا (عن مجاهد) بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقرئ الإمام المفسر روى عن ابن عباس في الإيمان والصلاة والحج، وطاووس في الصوم والحج والجهاد، وأبي معمر عبد الله بن سخبرة في الصلاة والجهاد وغيرهما، وابن عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الصلاة والحج والأطعمة والدعاء، وأبي هريرة في الزكاة، وعائشة في الحج، وجابر في الحج، وقزعة في النكاح، وأبي عياض في الأشربة، ويروي عنه (ع) وابن عون والأعمش وسيف بن أبي سليمان في الصلاة والحج، وعمرو بن دينار والحكم بن عتيبة في الصلاة وغيرها، ومنصور في الصلاة، وبكير بن الأخنس ومزاحم بن زفر ومسلم البطين في الصوم، وسلمة بن كهيل، وطلحة بن يحيى بن طلحة، وأيوب السختياني وخلق لا يحصون، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة إمام في التفسير وفي العلم، وكان مولده سنة إحدى

قَال: "كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَذَكَرُوا الدَّجَّال. فَقَال: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ. قَال: فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَال ذَاكَ. وَلكِنَّهُ قَال: أَمَّا إِبْرَاهِيمُ، فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ. وَأمَّا مُوسَى، فَرَجُل آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةِ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وعشرين في خلافة عمر، وكان يقص مات بمكة وهو ساجد سنة (104) أربع ومائة وله (86) ست وثمانون سنة روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا. (قال) مجاهد (كنا عند) عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فذكروا) أي فذكر الناس الحاضرون عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (الدجال) أي شأن الدجال الكذاب (فقال) قائل من الحاضرين، قال النواوي: وذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين من رواية مسلم (فذكروا الدجال فقالوا) بلفظ الجمع (إنه) أي إن الشأن أو إن الدجال (مكتوب بين عينيه كافر قال) مجاهد (فقال ابن عباس لم أسمعه) أي لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال ذلك) الذي قلتموه من قولكم إنه مكتوب بين عينيه كافر (ولكنه) صلى الله عليه وسلم (قال أما إبراهيم) الخليل إن أردتم معرفة صفته (فانظروا إلى صاحبكم) يعني صلى الله عليه وسلم بصاحبكم نفسه الشريفة (وأما موسى) بن عمران فإن أردتم صفته (فـ) هو (رجل) أي شخص (آدم) أي ذو أدمة وسمرة لونًا (جعد) أي مكتنز الجسم تامه قويه خلقًا. قال القاضي عياض: الوصف بجعد جاء من طريق شعبة عن قتادة في صفة عيسى - عليه السلام -، ومن رواية شيبان عن قتادة في صفة موسى - عليه السلام -، وفي سائر الأحاديث إنما جاء في صفة الدجال قال المازري: قال الهروي: الجعد يكون صفة ذم كما في الدجال وصفة مدح كما في صفة موسى وعيسى عليهما السلام، وهو صفة ذم بمعنى البخل وبمعنى القصر وصفة مدح بمعنى الشديد الخلق وبمعنى غير سبط الشعر لأن السبوطة أكثر ما هي في شعر العجم فتحمل في صفتهما عليهما السلام على جعودة الجسم كما قال في موسى (ضرب من الرجال) أي وسط في اللحم، وفي عيسى (رجل بين رجلين في اللحم) ويصح حمله على جعودة الشعر فيكون بمعنى الرجل أي ليس بالقطط ولا بالسبط كما جاء في صفة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ من الأبي، راكب (على جمل) الذكر من الإبل (أحمر مخطوم) أي مربوط (بـ) خطام (خلبة) أي ليف (كأني أنظر إليه) أي إلى موسى الآن (إذا انحدر) وانهبط (في) بطن (الوادي)

يُلَبِّي". 326 - (158) (81) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "عُرِضَ عَلَى الأنْبِيَاءُ. فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حالة كونه (يلبي) بالحج، قال النواوي: (قوله إذا انحدر) هكذا هو في الأصول كلها (إذا) بالألف بعد الذال وهو صحيح إذ لا فرق بين (إذا) و (إذ) هنا لأنه وصف حاله حين انحداره فيما مضى. اهـ بتصرف، فيقال: عبر هنا بإذا التي للاستقبال على قصد حكاية الحال الماضية وفي الحديث التلبية ببطن الوادي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث جابر رضي الله تعالى عنهم فقال: (326) - (158) (81) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة من العاشرة، قال قتيبة (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة من السابعة (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم أبو عبد الله المصري ثقة من العاشرة، قال محمد بن رمح (أخبرنا الليث) بن سعد وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه لأن قتيبة قال: حدثنا، ومحمد بن رمح قال: أخبرنا (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي الأسدي مولاهم صدوق من الرابعة (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مصريان أو بغلاني ومصري وواحد مدني وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي الأنبياء) صلوات الله وسلامه عليهم ليلة أسري بي أي أريتهم قال الأبي: ويحتمل أنه من عرض الجيش على الأمير وعلى كل تقدير ففيه من رفع منزلته ما لا يخفى لا سيما إن كان من عرض الجيش. اهـ منه. و(إذا) في قوله (فإذا موسى) بن عمران فجائية (ضرب من الرجال) أي وسط في اللحم لا بالضخم ولا بالضئيل، وفي النهاية الضرب من الرجال الخفيف اللحم الممشوق المشدق، قال طرفة: أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد

كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيتُ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيهِ السَّلامُ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأْيتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) وَرَأَيتُ جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ". (وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ): "دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في خاء خشاش الحركات الثلاث وهو اللطيف الرأس قاله ابن السكيت، وقال أبو عبيد: هو الرجل الخفيف، وأيضًا الحية، وأيضًا ما يخش به وهو العود يدخل في أنف البعير عرضًا ويخرج طرفاه من الجهتين وفيهما حبل يقاد به فإذا استصعب جذب به فيؤلمه فينقاد، ومنه الحديث الآتي في آخر الكتاب في خبر الشجرة فانقادت عليه كالبعير المخشوش، وقال القاضي: وأما الخَشاش بالفتح فشرار الطير، وقيل صغارها وصغار دواب الأرض، وقال الأصمعي: هو النَّذل من كل شيء كالرخم وما لا يصيد من الطير، وأما الخِشاش الذي هو الشجاع فبالكسر، والخشاش من دواب الأرض والطير ما لا دماغ له، وقال غيره الخشاش بفتح الخاء الصغير الرأس اللطيف من الدواب، قال أبو حاتم هذا بالعكس (كأنه) أي كأن موسى (من رجال شنوءة) في الطول والنظافة والشنوءة حي باليمن طوال الأجسام (ورأيت عيسى ابن مريم - عليه السلام - فإذا أقرب من رأيت) والضمير في قوله (به) عائد إلى عيسى وهو متعلق بقوله (شبهًا) أي أقرب من رأيته مشبهًا بعيسى - عليه السلام - (عروة بن مسعود) بن معتب بالمهملة والمثناة المشددة ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي الصحابي الجليل الطائفي رضي الله تعالى عنه وهو عم والد المغيرة بن شعبة وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف أخت آمنة كان أحد الأكابر من قومه، قيل إنه المراد بقوله تعالى {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ} والمراد بالقريتين مكة والطائف وأرادوا الوليد بن المغيرة من أهل مكة وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف وهو المراد في حديث "ورأيت عيسى ابن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود" اهـ من الإصابة بتصرف (ورأيت إبراهيم) الخليل (صلوات الله) تعالى وسلامه (عليه فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم) وجليسكم (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بصاحبكم (نفسه) الشريفة، والعناية من كلام جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (ورأيت جبريل) الأمين (- عليه السلام - فإذا أقرب من رأيت به شبهًا دحية) بن خليفة الكلبي (وفي رواية ابن رمح دحية بن خليفة) بزيادة النسبة، وأما

327 - (159) (82) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ، قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ دحية بفتح الدال وكسرها لغتان مشهورتان فيه، فهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بفتح المعجمة وسكون الزاي ثم جيم ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبي صحابي مشهور أول مشاهده الخندق، وقيل أحد ولم يشهد بدرًا، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل - عليه السلام - ينزل على صورته جاء ذلك من حديث أم سلمة من حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما له ستة أحاديث، وقد نزل دمشق وسكن المزة إلى خلافة معاوية. اهـ من الإصابة بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [3651]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال: (327) - (159) (82) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من الحادية عشرة روى عنه في (11) بابًا تقريبًا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة حافظ من الحادية عشرة روى عنه في (12) بابا (وتقاربا في اللفظ) أي في لفظ ما روياه واتحدا في المعنى واختلفا في كيفية سماعهما فإنه (قال ابن رافع: حدثنا، وقال عبد: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة ثبت من السابعة مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (الزهري) المدني ثقة ثبت متقن من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (قال) الزهري (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن بوزن سهل القرشي المخزومي أبو محمد المدني تابعي ثقة ثبت من الثانية مات بعد (90) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر المدني الدوسي أحد المكثرين من الصحابة، وهذا السند من سداسياته ورجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري (قال) أبو هريرة (قال النبي صلى الله عليه وسلم

"حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ (فَنَعَتَهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) فَإِذَا رَجُلٌ (حَسِبْتُهُ قَال) مُضْطَرِبٌ. رَجِلُ الرَّأْسِ. كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. قَال: وَلَقِيتُ عِيسَى (فَنَعَتَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ (يَعْنِي حَمَّامًا) ـــــــــــــــــــــــــــــ حين أسري) وعرج (بي) بصيغة المبني للمفعول والظرف متعلق بقوله (لقيت) ورأيت (موسى) بن عمران (- عليه السلام - فنعته) أي فنعت موسى - عليه السلام - (النبي صلى الله عليه وسلم) ووصفه، وقال في وصفه (فإذا) هو (رجل) أي شخص قال أبو هريرة أو من دونه (حسبته) أي حسبت النبي صلى الله عليه وسلم أر أبا هريرة مثلًا (قال) في حال تحديثه لنا وصف موسى هو رجل (مضطرب) بوزن مفتعل من الضرب أي متوسط بين السمين والضئيل، قال (ع) المضطرب الطويل غير الشديد ضد الجعد الجسيم المكتنز، ورواية (ضرب) في الأول أصح لما دخل في هذه من الشك بقوله (حسبته) وأما رواية جسيم سبط فهي ترجع إلى الطول كما قال الشاعر: وجاءت به سبط البنان كأنما ... عمامته بين الرجال لواء ولا يتأول جسيم بسمين لأنه ضد ضرب وهو أيضًا إنما جاء في الدجال (رجل) بكسر الجيم شعرِ (الرأس) أي مسترسله (كأنه) أي كأن موسى في طوله ونظافته (من رجال شنوءة) حي في اليمن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولقيت) أي رأيت تلك الليلة (عيسى) بن مريم - عليه السلام - (فنعته) أي وصفه (النبي صلى الله عليه وسلم) فقال في نعته (فإذا) هو أي عيسى (ربعة) أي وسط بين الطويل والقصير، ويقال رجل ربعة ومربوع أي ليس بطويل ولا قصير بل وسط في قده (أحمر) أي متصف بالحمرة وهي لون بين البياض والسواد، قال القاضي: وفي البخاري أن ابن عمر أنكر ذلك وأقسم أنه لم يقله صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: يريد وإنما هو آدم كما وصفه بعد هذا، والآدم الأسمر (كأنما خرج) عيسى (من ديماس) أي من حمام يعني في نضارته وكثرة ماء وجهه، وفسر الراوي الديماس بقوله (يعني) أي يقصد النبي صلى الله عليه وسلم بالديماس (حمامًا) أي مكان اغتسال، وهو كلام مدرج من الزهري لأنه قال في وصفه كأن رأسه يقطر ماء، وذكر صاحب المطالع في الديماس ثلاثة أقوال: قيل هو السِّرب وقيل الكِن وقيل الحمَّام، فمعنى كأنما خرج من ديماس على أنه الكن كأنه لم تمسه

قَال: وَرَأَيتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ. وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ. قَال: فَأُتِيتُ بِإِنَاءَينِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ. فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ. فَقَال: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شمس وعلى أنه الحمام يعني نضرته وكثرة ماء وجهه. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورأيت إبراهيم صلوات الله) وسلامه (عليه) وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (وأنا أشبه ولده) أي أولاد إبراهيم (به) أي بإبراهيم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فأتيت) أي فأتاني جبريل - عليه السلام - (بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقيل لي) أي فقال لي جبريل (خذ) يا محمد (أيهما) أي أي الإناءين (شئت فأخذت) أي فاخترت إناء (اللبن فـ) أخذته و (شربته، فقال) لي جبريل - عليه السلام - (هديت) يا محمد أي وفقت (الفطرة) الإسلامية والملة الحنيفية (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل (أصبت) أي وافقت (الفطرة) والملة الحنيفية، والشك من أبي هريرة أو ممن دونه، و (أما) في قوله (أما إنك) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه يا محمد واستمع ما أقول لك إنك يا محمد (لو أخذت الخمر) وشربتها لـ (غوت) وضلت (أمتك) عن الفطرة لأنها أم الخبائث فهي علامة على غواية أمتك ولكن وفقك الله سبحانه بعلامة هداية أمتك، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3394] والترمذي [3829] بنحوه. "تتمة": قال القاضي عياض: أكثر الروايات أنه رآهم كذلك ليلة الإسراء (فإن قيل) كيف يحجون وهم في الآخرة وليست دار عمل (قيل) للعلماء عن ذلك أجوبة: (الأول) أنه إذا كان الشهداء أحياء فهؤلاء أولى، وإذا كانوا أحياء صح أن يحجوا ويتقربوا إلى الله تعالى وهم وإن كانوا في الآخرة فالدنيا لم تنقطع بعد فإذا فنيت وعقبتها الآخرة دار الجزاء انقطع العمل. (الثاني) الحج والصلاة ذكر ودعاء والآخرة دار الذكر والدعاء، قال تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا} الآية. (الثالث) أن يكون رآهم كذلك في المنام لقوله (بينا أنا نائم رأيتني أطوف). (الرابع) أن تكون مثلت له حالة حجهم في حياتهم ولذلك قال كأني أنظر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (الخامس) أنه لاستيقانه صحة ما أوحي به إليه من صفة حجهم أخبر عنهم كأنه يشاهدهم ولذا قال كأني أنظر. (قلت) وكان ابن عرفة يجيب بأن الموت إنما يمنع التكليف لا العمل. اهـ أبي. ***

89 - (48) باب: ذكر المسيح ابن مريم، والمسيح الدجال

89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ 328 - (160) (83) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ أي هذا باب معقود في ذكر المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - وفي ذكر المسيح الدجال أي المبالغ في الكذب لادعائه الألوهية وجمعهما في حديث واحد لاجتماعهما في الزمن في آخر الدنيا عندما يقتله عيسى - عليه السلام -. وسمي عيسى ابن مريم مسيحًا لسياحته لأنه لم يكن له مستقر من الأرض، وقيل لأنه صدق والمسيح الصديق، وقيل لأن زكرياء مسحه، وقيل لأنه لم يمسح ذا عاهة إلا عوفي (ع) وقيل لأنه ممسوح القدمين لا أخمص له، وقيل لأن الله تعالى مسحه أي أحسن خلقه فهو بمعنى جميل وقيل لمسحه الأرض أي قطعها، وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل لأنه مسح بالبركة حين ولد. وسمي الدجال مسيحًا لمسح إحدى عينيه فهو فعيل بمعنى مفعول، وقيل لمسحه الأرض ولا خلاف في المسيح ابن مريم أنه بفتح الميم وكسر السين خفيفة، واختلف في الدجال فالأكثر يقوله كذلك إلا أن عيسى - عليه السلام - مسيح هدى والدجال مسيح ضلالة، وفي كتاب أبي إسحاق بن جعفر: بكسر الميم وشد السين، وبعضهم يقوله كذلك بالخاء المعجمة، قال أبو الهيثم: من مسخه أي خلقه خلقًا ملعونًا، وبعضهم يقوله بكسر الميم وتخفيف السين وكذا وجدته في البخاري بضبط الأصيلي، قال ابن سراج: من كسر فيه الميم شدد السين، وأما تسميته دجالًا فقال ثعلب: لقطعه الأرض من دجل، وقيل لتمويهه من دجل إذا موه، ويقال لكل كذاب دجال لهذا المعنى. اهـ من الأبي. (328) - (160) (83) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي النيسابوري ثقة ثبت إمام من العاشرة مات سنة (226) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس بن مالك الأصبحي المدني ثقة متقن من السابعة مات سنة (179) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا، وقوله (قرأت على مالك) هو بمعنى أخبرني مالك (عن نافع) الفقيه العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه من الثالثة مات سنة (117) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا (عن عبد الله بن عمر)

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَرَانِي لَيلَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءِ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللَّمَمِ، قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً، ـــــــــــــــــــــــــــــ بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما له [1630] حديثًا العدوي المكي روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، وهذا السند من رباعياته وهو من أصح الأسانيد ويسمى سلسلة الذهب رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أراني) بفتح الهمزة، وفي السنوسي بضمها مضارع رأى من الرؤيا مسند إلى المتكلم أي أرى أنا نفسي في المنام (ليلة) وفي رواية (أراني الليلة في المنام) أي رأيت نفسي في هذه الليلة يعني البارحة (عند الكعبة) المشرفة سميت كعبة لتكعبها أي لارتفاعها وتربعها وكل بيت مربع عند العرب فهو كعبة، وقيل سميت كعبة لاستدارتها وعلوها ومنه كعب الرجل ومنه كعب ثدي المرأة إذا علا واستدار (فرأيت) في ذلك المنام (رجلًا آدم) أي أسمر أحسن في أدمته (كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال) وسمرتهم، والأدم بضم الهمزة وسكون الدال جمع آدم على وزان حمر وأحمر كسمر وأسمر وزنًا ومعنى (له) أي لذلك الرجل (لمة) بكسر اللام وتشديد الميم هو الشعر المتدلي الذي جاوز شحمة الأذنين فإذا بلغ المنكبين فهو جمة يجمع على لمم كقربة وقرب، وقال الجوهري: ويجمع على لمام بكسر اللام أي له لمة حسناء (كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها) بتشديد الجيم أي قد رجل ذلك الرجل تلك اللمة وسرحها بمشط مع ماء أو غيره (فهي) أي فتلك اللمة (تقطر ماء) أي تمطر وتصب الماء الذي رجلها به لقرب ترجيله وإلى هذا المعنى نحا القاضي الباجي، قال القاضي عياض: ومعناه عندي أن يكون ذلك عبارة عن نضارته وحسنه واستعارة لجماله ونظافته، قال الأبي: ولعله نبه بذلك على أن الغسل للطواف مشروع، وعبارة المفهم هنا وقوله في وصف عيسى (آدم) من الأدمة وهي لون فوق السمرة ودون السحمة بضم السين المهملة وسكون الحاء المهملة السواد، وكان الأدمة يسير سواد يضرب إلى الحمرة وهو غالب ألوان العرب، ولهذا جاء في رواية أخرى في وصف عيسى (إنه أحمر) مكان آدم وعلى هذا يجتمع ما في الروايتين، وقد روى البخاري من رواية أبي هريرة في صفة عيسى (إنه أحمر كأنما خرج من ديماس) أي حمام، وقد أنكر ابن عمر هذا وحلف أن النبي

مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَينِ أوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَينِ، يَطُوفُ بِالْبَيتِ. فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ، أَعْوَرِ الْعَينِ الْيُمْنَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم لم يقله (واللمة) بكسر اللام الشعر الواصل إلى المنكب كأنه ألم به، والجمة الشعر الواصل إلى شحمة الأذن وهو أيضًا يسمى الوفرة (فهي تقطر ماء) يعني أنه قريب عهد بغسل وكأنه اغتسل للطواف، وفي رواية (ينطف ماء) ومعناه يقطر (قد رجلها) أي مشطها وبقال (شعر مرجل) أي ممشوط مسرح والشعر الرجل منه حالة كون ذلك الرجل (متكئًا) حال من رجلًا لتخصصه بالصفة أو صفة له أي معتمدًا (على) عواتق (رجلين أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي (على عواتق رجلين) بزيادة لفظ عواتق جمع عاتق، قال أهل اللغة: هو ما بين المنكب والعنق وفيه لغتان التذكير والتأنيث والتذكير أفصح وأشهر، قال صاحب المحكم: ويجمع العاتق على عواتق كما ذكرنا، وعلى عتق بإسكان التاء، وعتق بضمها. اهـ نواوي. وجملة قوله (يطوف) ذلك الرجل (بالبيت) أي بالكعبة حال أو صفة ثانية لرجلًا (فسألت) من عندي في ذلك المنام فقلت له (من هذا؟ ) الرجل الطائف بالبيت (فقيل) لي في جواب سؤالي (هذا) الرجل الطائف هو (المسيح) عيسى (ابن مريم) عليهما السلام وطواف عيسى - عليه السلام - بالبيت إن كان رؤية عين فعيسى لم يمت وإن كان منامًا كما بينه ابن عمر في حدينه فرؤيا الأنبياء عليهم السلام حق فيؤول بما تقدم من طوافه قبل رفعه إلى السماء وبحتج بطوافه على منكبي رجلين من يجيز الطواف راكبًا وكذلك يحتج بطواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبًا وكره مالك ذلك إلا من عذر، ويجيب عن طواف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان لعذر ويؤيده ما في أبي داود من أنه دخل مكة وهو يشتكي وأنه طاف راكبًا ليراه الناس فيأخذوا عنه مناسكهم وعن طواف عيسى - عليه السلام - بأنه أيضًا يحتمل أن يكون لعذر أو أنها رؤيا منام أو أنه شرع من قبلنا فلا يلزمنا (ثم) بعد رؤية عيسى - عليه السلام - (إذا أنا) راء (برجل جعد) أي ذي شعر متقبض كثير التقبض (قطط) أي ذي شعر شديد الجعودة وهو بفتح القاف والطاء في المشهور، وزاد القاضي كسر الطاء وهما صفتا ذم، وعبارة المفهم و (الجعد) الكثير التكسر والتقبض و (القطط) بفتح الطاء وكسرها هو الشديد الجعودة الذي لا يطول إلا إذا جبذ كشعور غالب السودان وهما وصفان للدجال. اهـ (أعور العين اليمنى) أي معاب العين اليمنى أي مصابها بالعيب وعدم الإبصار وهذا هو الصحيح والمشهور، وقد وقع

كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في رواية اليسرى، وقد ذكرهما مسلم معًا آخر الكتاب وكأنه وهم ويمكن أن يحمل هذا على ما يتخيله بعض العامة من أن العوراء هي الصحيحة إذ قد بقيت منفردة عديمة قرينتها وليس بشيء بل العوراء هي التي أصابها العور أي العيب (كأنها) أي كأن عينه العوراء اليمنى (عنبة طافية) بغير همز أي ناتئة مرتفعة نتوء حبة العنب من بين أخواتها، أريد بها جحوظ عينه الواحدة؛ ومعناه أنها ممتلئة قد طفت وبرزت من طفا الحوت الميت على الماء إذا ارتفع فوقه وقد روي طافئة بالهمز من طفئت النار إذا انطفأت وانخمدت أي قد ذهب ضوؤها وتقبضت ويؤيد هذه الرواية قوله في أخرى (أنه ممسوح العين وأنها ليست حجرًا أي متحجرة متصلبة) ولا ناتئة وأنها مطموسة وهذه صفة حبة العنب إذا طفئت وزال ماؤها وبهذا فسر الحرف عيسى بن دينار وهذا يصحح رواية الهمز. وعلى ما جاء في الأحاديث الأخر (جاحظ العين وكأنها كوكب) وفي رواية عوراء نحفاء ولها حدقة جاحظة كأنها نخاعة في حائط مجصص، تصح رواية غير الهمز لكن يجمع بين الأحاديث وتصح الروايات جميعًا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بحجراء ولا ناتئة هي العوراء الطافئة بالهمز والعين اليمنى على ما جاء هنا وتكون الجاحظة والتي كأنها كوكب وكأنها نخاعة هي الطافية بغير همز العين الأخرى فتجتمع الروايات والأحاديث ولا تختلف. وعلى هذا تجتمع رواية أعور العين اليمنى مع أعور العين اليسرى إذ كل واحدة منهما في الحقيقة عوراء إذ الأعور من كل شيء المعيب ولا سيما بما يختص بالعين وكلا عيني الدجال معيبة عوراء فالممسوحة والمطموسة والطافئة بالهمز عوراء حقيقة والجاحظة التي كأنها كوكب وهي الطافية بغير همز معيبة عوراء لعيبها فكل واحدة منهما عوراء إحداهما بذهابها والأخرى بعيبها. اهـ إكمال المعلم (فسألت) من عندي في ذلك المنام وقلت (من هذا) الجعد القطط (فقيل) لي (هذا) الجعد القطط هو (المسيح الدجال) أي الكذاب المموه الحق بالباطل. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 37 و 131] والبخاري [3439] و [7407]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

329 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) عَنْ مُوسَى (وَهُوَ ابْنُ عُقْبَةَ) عَنْ نَافِعٍ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (329) - (00) (00) (حدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الله بن المسيب المخزومي (المسيبي) نسبة إلى جده المسيب بن السائب أبو عبد الله المدني نزيل بغداد روى عن أنس بن عياض في الإيمان والصلاة، وعن أبيه وابن عيينة ومعن بن عيسى، ويروي عنه (م د) وأبو يعلى وثقه غير واحد، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين في ربيع الأول روى عنه في بابين، قال محمد بن إسحاق (حدثنا أنس) بن عياض بن ضمرة بفتح الضاد وسكون الميم أو عبد الرحمن الليثي من أنفسهم أبو ضمرة المدني روى عن موسى بن عقبة في الإيمان والصلاة وغيرهما، والحارث بن أبي ذباب في الصلاة والقدر والدعاء، والضحاك بن عثمان في الصوم، وعبد الرحمن بن حميد في النكاح، وابن جريج في البيوع، وعبيد الله بن عمر في ذكر الجن والدعاء والزهد، وعن هشام وسهيل بن أبي صالح وصالح بن كيسان وربيعة، ويروي عنه (ع) ومحمد بن إسحاق المسيبي ومروان بن معروف وإسحاق بن موسى الأنصاري وسعيد بن عمرو الأشعثي وعلي بن خشرم ويحيى بن يحيى ومحمد بن عباد، وثقه النسائي وجماعة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة مات عن (200) مائتين وله (96) ست وتسعون سنة، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن عياض) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته وتورعًا من الكذب على المؤلف (عن موسى) بن عقبة بن أبي عياش بتحتانية ومعجمة الأسدي أبي محمد المدني مولى الزبير بن العوام، روى عن نافع وعبد الله بن دينار وأبي الزبير وسالم أبي النضر وعبد الواحد بن حمزة وأبي الزناد وسالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر وغيرهم ويروي عنه (ع) وأنس بن عياض وحفص بن ميسرة وابن جريج ويحيى بن عبد الله بن سالم ووهيب والثوري وزهير بن معاوية ومالك بن أنس وخلق روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في أربعة مواضع والجنائز والزكاة والحج في ثلاثة مواضع والدعاء والجهاد والفضائل والنكاح وفي "سددوا" فجملة الأبواب التي روى عنه فيها عشرة تقريبًا، وأتى بـ (هو) في قوله (وهو ابن عقبة) تورعًا من الكذب على شيخه وإشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن نافع) مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة مات سنة (117) سبع عشرة ومائة روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا (قال)

قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، بَينَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، الْمَسِيحَ الدَّجَّال. فَقَال: "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى لَيسَ بِأَعْوَرَ. أَلا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّال أَعْوَرُ عَينِ الْيُمْنَى، كَأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ" قَال: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرَانِي اللَّيلَةَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا تَرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ. تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَينَ مَنْكِبَيهِ، رَجِلُ الشَّعْرِ، يَقْطُرُ رَأسُهُ مَاءَ، وَاضِعًا يَدَيهِ عَلَى مَنْكِبَي رَجُلَينِ، وَهُوَ بَينَهُمَا يَطُوفُ بالْبَيتِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَرَأَيتُ وَرَاءَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نافع (قال عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن المكي له [1630] حديثًا، روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم مدنيون إلا ابن عمر فإنه مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن نافع، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (بين ظهراني الناس) أي حالة كونه جالسًا بين وسط الناس (المسيح الدجال، فقال) في ذكره تفسير لقوله ذكر (إن الله تبارك) أي تزايد وكثر بره وإحسانه لعباده (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من سمات النقص (ليس بأعور) أي ذا عور وعيب في العين (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم في بيان صفة الدجال (إن المسيح الدجال) أي الكذاب (أعور عين اليمنى) كذا بالإضافة على ظاهره عند الكوفيين ويقدر فيه مضاف محذوف عند البصريين فالتقدير أعور عين صفحة وجهه اليمنى (كأن عينه) اليمنى أي عين الدجال (عنبة) أي حبة عنب (طافية) أي بارزة مرتفعة خارجة من بين أخواتها (قال) ابن عمر (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أواني) أنا أي رأيت نفسي (الليلة) البارحة (في المنام عند الكعبة فإذا رجل آدم) أي أسمر فاجأني (كأحسن ما نرى من أدم الرجال) أي مثل ما ترى من الرجال الأدم في الجمال والحسن، والأدم جمع آدم كسمر وأسمر وزنًا ومعنى كما مر (تضرب) أي تصل (لمته) أي شعر رأسه المجتمع (بين منكبيه) أي كتفيه (رجل الشعر) بكسر الجيم أي سبط الشعر (يقطر) وينطف (رأسه) أي شعر رأسه (ماء واضعًا) ذلك الرجل (يديه على منكبي رجلين وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (بينهما) أي بين الرجلين متعلق بقوله (يطوف بالبيت) والجملة خبر المبتدأ (فقلت) لمن عندي (من هذا؟ ) الطائف (فقالوا) لي: هذا الطائف هو (المسيح ابن مريم، ورأيت وراءه) أي وراء هذا الطائف الذي قالوا فيه هو المسيح

رَجُلًا جَعْدًا قَطَطا، أَعْوَرَ عَينِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيتَ مِنَ النَّاسِ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيهِ عَلَى مَنْكِبَي رَجُلَينِ، يَطُوفُ بِالْبَيتِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ". 330 - (00) (00) حدثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن مريم وخلفه (رجلًا) أي شخصًا (جعدًا) أي متقبض الشعر كثير التكسر والتلفف (قططًا) أي شديد التقبض والتعقد الذي لا يطول حتى يحبك كشعر السودان (أعور عين) الصفحة (اليمنى كأشبه من رأيت) أي مثل أشبه من رأيت بضم التاء على التكلم وفتحها على الخطاب ويحتمل كون الكاف زائدة نظير قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} وهو أوضح (من الناس بابن قطن) بفتح القاف والطاء المهملة بعدها نون، اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن المصطلق واسم أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنهما قاله الدمياطي، والمحفوظ أنه هلك في الجاهلية كما قاله الزهري. اهـ قسطلاني ج (10) ص (211) وتشبيهه بابن قطن لا يوجب ذمًا لابن قطن، وفي البخاري: أن ابن قطن كان كافرًا، حالة كون ذلك الرجل الطائف (واضعًا يديه على منكبي رجلين) إحدى اليدين على أحدهما والأخرى على الآخر، حالة كون ذلك الرجل (يطوف بالبيت) والكعبة المشرفة، وقد تقدم أن طواف عيسى - عليه السلام - إن كان رؤية عين فعيسى لم يمت وإن كان منامًا فرؤيا الأنبياء حق فيؤول بما تقدم من عيسى من الطواف بالبيت قبل رفعه وأما طواف الدجال فإن كان رؤيا منام أيضًا فبيِّنٌ، وإن كان رؤيا عين فلا يعارض ما صح من أنه لا يدخل مكة ولا المدينة لأن ذلك إنما هو أيام فتنته (فقلت) لمن عندي (من هذا؟ ) الطائف (قالوا: هذا المسيح الدجال) أي الكذاب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (330) - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (حدثنا أبي) عبدُ الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من التاسعة مات سنة (199) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا قال عبد الله بن نمير (حدثنا حنظلة) بن الأسود أبي

عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "رَأَيتُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ رَجُلًا آدَمَ سَبِطَ الرَّأسِ، وَاضِعًا يَدَيهِ عَلَى رَجُلَينِ، يَسْكُبُ رَأْسُهُ (أَوْ يَقْطُرُ رَأْسُهُ). فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، أَو الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، (لا نَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَال) قَال: وَرَأَيتُ وَرَاءَهُ رَجُلًا أَحْمَرَ، جَعْدَ الرَّأْسِ، أَعْوَرَ الْعَينِ الْيُمْنَى، أَشْبَهُ مَن رَأَيتُ بِهِ ابْنُ قَطَنٍ. فَسَألْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الأموي المكي ثقة حجة من (6) مات سنة (151) روى عنه في (9) أبواب (عن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبي عمر أو أبي عبد الله المدني ثقة ثبت عابد من الثالثة مات سنة (106) ست ومائة على الأصح روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما القرشي العدوي أبي عبد الرحمن المكي، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت) في المنام بدليل ما في الرواية السابقة (عند الكعبة) أي عند البيت الحرام (رجلًا آدم) أي أسمر اللون (سبط) شعر (الرأس) أي مسترسله (واضعًا يديه على) منكبي (رجلين يسكب) أي يقطر (رأسه) ماء (أو) قال الراوي أو النبي صلى الله عليه وسلم (يقطر رأسه) ماء، والشك من أحد الرواة أو من ابن عمر، وفي المفهم قوله (يقطر رأسه ماء) يعني أنه قريب عهد بغسل وكأنه اغتسل للطواف، وفي الرواية الأخرى ينطف بكسر الطاء وضمها من النطف وهو القطر ومعناه يقطر. اهـ (فسألت) من عندي في ذلك المنام (من هذا) الطائف (فقالوا) هذا الطائف (عيسى ابن مريم أو) قالوا هو (المسيح ابن مريم) والشك من ابن عمر أو ممن دونه، قال ابن عمر أو الراوي عنه (لا ندري أي ذلك) المذكور من الكلمتين (قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو قال ابن عمر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ورأيت وراءه) أي وراء ذلك الطائف الذي قالوا فيه هو عيسى - عليه السلام - (رجلًا أحمر) اللون (جعد) شعر (الرأس) أي قططه (أعور العين اليمنى) أي مطموسها وفاقد الإبصار بها (أشبه من رأيت به) من الناس (ابن قطن) بن عبد العزى (فسألت) من عندي من الناس فقلت (من هذا؟ ) الرجل الأعور (فقالوا) هو (المسيح الدجال) أي الكذاب لادعائه الألوهية.

331 - (00) (00) حدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَينَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُل آدَمُ سَبِطُ الشعْرِ، بَينَ رَجُلَينِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً (أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً) قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (331) - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري صدوق من الحادية عشرة مات سنة (244) روى عن ابن وهب في مواضع كثيرة، قال حرملة (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة ثبت حافظ من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي الأموي ثقة من السابعة مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري المدني ثقة من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن شهاب لحنظلة بن أبي سفيان في رواية هذا الحديث عن سالم، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (قال) ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما أنا نائم) وأصل بينما بين ثم زيدت فيه ما وهي ظرف زمان مكفوف بما عن الإضافة إلى المفرد بحسب الأصل أي بين أوقات نومي (رأيتني) أي رأيت نفسي في ذلك المنام (أطوف) أي حالة كوني أطوف (بالكعبة) والبيت الحرام (فإذا رجل آدم) أي أسمر (سبط) أي مسترسل شعر (الرأس) فاجأني حالة كون ذلك الرجل يطوف (بين رجلين) حالة كونه (ينطف) بضم الطاء المهملة وكسرها أي يقطر ويسيل (رأسه ماء) لقرب عهده بالغسل (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد الرواة (أو يهراق) بضم الياء وفتح الهاء أي ينصب (رأسه ماء) والهاء في هراق بدل من همزة أراق يقال هراقه يهراقه والأصل هَرْيَقَه وزان دحرجه ولهذا تفتح الهاء من المضارع (قلت) لمن عندي (من هذا؟ ) الرجل الآدم (قالوا) لي

هَذا ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ، جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَينِ، كَأنَّ عَينَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ. أَقْرَبُ الناسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (هذا) عيسى (ابن مريم، ثم ذهبت) وشرعت (ألتفت) يمينًا وشمالًا (فإذا رجل أحمر) فاجأني (جسيم) ذلك الرجل أي سمين (جعد) شعر (الرأس) قططه (أعور العين) اليمنى ومطموسها (كأن عينه) اليسرى (عنبة) أي حبة عنب (طافية) أي بارزة خارجة من بين أخواتها (قلت) لمن عندي (من هذا؟ ) الأعور (قالوا) هذا الأعور هو المسيح (الدجال أقرب الناس به شبهًا) أي شبهًا به (ابن قطن) بن عبد العزى. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث ابن عمر وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

90 - (49) باب: تجلية الله سبحانه وتعالى وكشفه لنبيه صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حين كذبته قريش في إسرائه فأخبرهم عنها بأماراتها

90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا 332 - (161) (84) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيشٌ. قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلا اللهُ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي تدل على كشف الله سبحانه وتعالى وإظهاره لمحمد صلى الله عليه وسلم أوض بيت المقدس حين كذبته قريش في مسراه، وقالوا له: أخبرنا عن علاماتها؟ وسألوه عن بعضها، ويحتمل كشفها له بأن يخلق الله سبحانه وتعالى مثلها قريبًا منه أو ينقلها من محلها إلى قريب حتى يراها أو بإزالة الحائل بينه وبينها، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من الأبي بتصرف. (332) - (161) (84) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، وقوله حدثنا قتيبة في بعض النسخ مقدم على قوله حدثني حرملة، والصواب تأخيره عنه كما في نسخة الأبي والسنوسي كما وضعنا نسختنا هذه على نسختهما، قال قتيبة (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري ثقة ثبت إمام مشهور من السابعة مات سنة (175) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (عن عقيل) مصغرًا بن خالد الأموي مولى عثمان سكن المدينة ثم الشام ثم مصر أبي خالد المصري ثقة ثبت من السادسة مات سنة (144) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن الزهري) محمد بن مسلم المدني (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد بغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما كذبتني قريش) في مسراي حين أخبرتهم خبر إسرائي وفرض الصلاة عليهم وسألوني عن أمارات بيت المقدس (قمت في الحجر) أي في حجر إسماعيل - عليه السلام - (فجلا الله) سبحانه وتعالى (لي)

بَيتَ الْمَقْدِسِ. فَطَفِقْتُ أخْبِرُهُمْ عَن آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيهِ". 333 - (162) (85) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بتشديد اللام وتخفيفها وهما ظاهران أي كشف الله سبحانه لي وأظهر (بيت المقدس) أي أرضها (فطفقت) أي شرعت أن (أخبرهم عن آياته) أي عن آيات بيت المقدس وأماراته حين سألوني عنها (وأنا) أي والحال أني (أنظر إليه) أي إلى بيت المقدس بقدرة الله تعالى وتوفيقه، وهذا الحديث أعني حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه شارك المؤلف في روايته البخاري في التفسير وفي المناقب، والترمذي في التفسير، والنسائي في الكبرى. اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى له بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (333) - (162) (85) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (20) بابًا، قال زهير (حدثنا حجين) بحاء مهملة مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم ياء ثم نون مصغرًا (ابن المثنى) اليمامي أبو عمرو البغدادي قاضي خراسان ونزيل بغداد، روى عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون في الإيمان ودلائل الأنبياء، وعن الليث في الصلاة والحج والنكاح والطلاق وغيرها، ومالك ويعقوب القمي ويروي عنه (خ م دت س) وزهير بن حرب ومحمد بن رافع وأحمد وابن معين ومحمود بن غيلان، وثقه ابن سعد، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات ببغداد سنة (250) روى عنه في (6) ستة أبواب، قال حجين (حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون التيمي مولاهم أبو عبد الله المدني أحد الأئمة الأعلام وكان فقيهًا ورعًا متابعًا لمذاهب أهل الحرمين من أسلافهم روى عن عبد الله بن الفضل في الإيمان وذكر الأنبياء، وعن عمه يعقوب بن أبي سلمة، وعبد الرحمن بن القاسم في الحج، وعمر بن حسين في الحج، وعبيد الله بن عمر في اللباس، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة في الدلائل، ومحمد بن المنكدر في الفضائل، وعبد الله بن دينار في الظلم، وسهيل بن أبي صالح في حب الله تعالى، وقدامة بن موسى في الدعاء، ووهب بن كيسان في الزهد، ويروي عنه (ع) وحجين بن

(وَهُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ: "لَقَدْ رَأَيتُنِي فِي الْحِجْرِ، وَقُرَيشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَط. قَال: فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيهِ. مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيءٍ إلا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ. وَقَدْ رَأَيتُنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ المثنى وعبد الرحمن بن مهدي وأبو النضر وأبو عامر العقدي ويزيد بن هارون وجماعة ثقة من السابعة مات سنة أربع وستين ومائة (164) روى عنه في عشرة أبواب (10) تقريبًا وأتى بـ (هو) في قوله (وهو ابن أبي سلمة) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الإيمان، ونافع بن جبير في النكاح، والأعرج في ذكر الأنبياء، ويروي عنه (ع) وعبد العزيز بن أبي سلمة ومالك وزياد بن سعد وموسى بن عقبة وغيرهم ثقة من الرابعة (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نسائي وواحد بغدادي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتني) أي والله لقد رأيت نفسي عيانًا (في الحجر) أي في حجر إسماعيل (وقربش) أي والحال أن قريشًا (تسألني عن مسراي) أي عن مواضع إسرائي أي عن أماراتها (فسألتني) قريش (عن أشياء من) أمارات (بيت المقدس لم أثبتها) بضم الهمزة من أثبت الرباعي أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها (فكربت كربة) بضم الكاف فيهما أي فهممت همًا وغممت غمًا (ما كربت مثله) أي مثل ذلك الكرب (قط) أي فيما مضى من عمري، والضمير في مثله يعود على معنى الكربة وهو الكرب أو الغم أو الهم أو الشيء، قال الجوهري: الكربة الغم الذي يأخذ بالنفس وكذلك الكرب وكربه الغم إذا اشتد عليه، وقط بفتح القاف وتشديد الطاء ظرف مستغرق لما مضى من الزمان لازم للنفي متعلق بـ (كربت). (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرفعه الله) أي فكشف الله سبحانه وتعالى بيت المقدس (لي) وأظهره حالة كوني (أنظر إليه) بعيني فـ (ما يسألوني عن شيء) من أماراتها (إلا أنبأتهم) وأخبرتهم (به) أي بذلك الشيء المسؤول عنه (وقد رأيتني) أي

فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأنبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُل ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. وإذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيهِ السَّلامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثقَفِيُّ. وإذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ (يَعْنِي نَفْسَهُ) فَحَانَتِ الصَّلاةُ فَأمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قَال قَائِلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ولقد رأيت نفسي ليلة الإسراء (في جماعة من الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (فإذا موسى) بن عمران - عليه السلام - (قائم) في قبره حالة كونه (يصلي) ومثله في عيسى وإبراهيم عليهما السلام، قال الأبي: والأظهر أنها رؤية عين وأنها الصلاة المعهودة الشرعية، ويأتي في آخر الكتاب مررت على موسى وهو قائم يصلي في قبره (فإذا) هو (رجل ضرب) أي وسط في الجسم ليس بالضخم ولا بالضئيل (جعد) أي مكتنز الجسم تامه قويه (كأنه) أي كأن موسى في طوله وصفاء جسمه (من رجال شنوءة) بطن من الأزد مشهور في اليمن، وقوله (وإذا عيسى ابن مريم - عليه السلام -) معطوف على قوله فإذا موسى، وإذا في الموضعين فجائية ومعنى إذا عيسى ابن مريم (قائم) أي فاجأني قيامه حالة كونه (يصلي أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم) الخليلى (- عليه السلام - قائم) أي فاجأني قيامه حالة كونه (يصلي أشبه الناس به) أي بإبراهيم (صاحبكم) وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صاحبكم (نفسه) الشريفة كلام مدرج من الراوي لتفسير صاحبكم. (فإن قيل) كيف يصلون وهم في الآخرة غير عيسى وليست دار عمل (فالجواب) عن ذلك ما تقدم في جواب موسى ويونس وقد تكون الصلاة هنا بمعنى الدعاء والذكر وهو من عمل الآخرة، قال بعضهم: ويحتمل أن موسى لم يمت فتكون صلاته حقيقة كعيسى لحديث "أنا أول من تنشق عنه الأرض فإذا موسى آخذ بساق العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور" ولا يصح لما ذكر في آخر الكتاب من قضية موته وخبره مع ملك الموت، ولحديث "مررت على موسى وهو يصلي في قبره" لأن القبر إنما يكون للميت. (فحانت الصلاة) أي قرب الشروع في الصلاة التي صليت بهم بنحو الإقامة، والله أعلم. (فأممتهم) أي كنت إمامًا لهم في تلك الصلاة (فلما فركت من الصلاة) بهم (قال قائل) من الحاضرين معي ولعله جبريل - عليه السلام - كما في الحديث الآخر

هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيهِ. فَالْتَفَتُّ إِلَيهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (هذا) الحاضر معنا (مالك صاحب النار) وخازنها يسلم عليك (فسلم) يا محمد (عليه) أي على مالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم (فالتفت) بوجهي (إليه) أي إلى مالك (فبدأني) مالك (بالسلام) علي قبل أن أسلم عليه، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته النسائي في الكبرى في كتاب التفسير. اهـ تحفة. قوله (فأممتهم) قال القاضي عياض: (فإن قيل: رؤيته لموسى يصلي في قبره وصلاته بهم في بيت المقدس يعارض ما تقدم من أنه وجدهم في السماء (قيل) يحتمل أنه مر بموسى وهو يصلي في قبره ثم سبقه موسى إلى السماء، وأما صلاته بالأنبياء عليهم السلام فيحتمل أنها لأول ما رأوه ثم سألوه ورحبوا به، أو تكون رؤيته لموسى وصلاته بالأنبياء عليهم السلام بعد رجوعه من سدرة المنتهى). قال الأبي: (السؤال إنما هو على أنه أم بهم ببيت المقدس ولم يرد أنه رجع بعد نزوله إلى بيت المقدس فلا يصح الجواب بأنه أمهم بعد رجوعه عن السدرة وإنما يصح الجواب بذلك إذا كانت صلاته بهم في السماء حين لقيهم أولًا على منازلهم تلك فرحبوا به ثم لما رجع عن السدرة أمهم ويشهد لذلك سلام صاحب النار عليه فإن الظاهر أنه إنما سلم عليه في السماء. وفي الترمذي عن حذيفة أنه أنكر أن يكون صلى بهم وقال: ما زايل ظهر البراق حتى رأى الجنة والنار وما أعد الله سبحانه، وهذه شهادة على النفي وزيادة العدل مقبولة) اهـ من الأبي.

91 - (50) باب: في ذكر سدرة المنتهى

91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى 334 - (163) (86) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ عَدِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي يذكر فيها سدرة المنتهى. والسدر بكسر السين وسكون الدال شجر النبق بفتح النون وكسر الباء والواحدة سدرة بزيادة الهاء يجمع على سِدْرات بكسر السين وسكون الدال وسِدِرات بكسر المهملتين وسِدَرات بكسر السين وفتح الدال وسِدَر بكسر السين وفتح الدال وسُدُر بضمتين، والنبق بفتح أوله وسكون ثانيه وبكسرهما وككتف حمل السدر واحدتها بهاء. اهـ قاموس. وسدرة المنتهى في السماء السابعة، وسميت بالمنتهى قال كعب: لأنه ينتهي إليها علم كل ملك مقرب ونبي مرسل وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وفي حديث عبد الله "إليها ينتهي علم ما يعرج من الأرض وما يهبط من فوقها فيقبض عندها" وقيل غير ذلك. (334) - (163) (86) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال (حدثنا مالك بن مغول) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه البجلي الكوفي ثقة ثبت من السابعة مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد (بن نمير) الهمداني (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (جميعًا) أي حالة كون كل من ابن نمير وزهير بن حرب مجتمعين في الرواية (عن عبد الله بن نمير وألفاظهم) أي ألفاظ كل من الثلاثة أعني أبا بكر وابن نمير وزهير بن حرب (متقاربة) أي متشابهة في المعنى واللفظ، ولكن (قال) محمد بن عبد الله (بن نمير، حدثنا أبي) عبد الله، قال عبد الله بن نمير (حدثنا مالك بن مغول) وفائدة هذا التحويل بيان كثرة طرقه لأن مشايخه كلهم ثقات أثبات (عن الزبير بن عدي) الهمداني اليامي بالتحتانية أبي عبد الله ويقال أبي

عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: "لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. إِلَيهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأرضِ. فَيُقْبَضُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عدي الكوفي قاضي الري، روى عن طلحة بن مصرف في الإيمان، ومصعب بن سعد في الصلاة، وأنس بن مالك في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (ع) ومالك بن مغول وإسماعيل بن أبي خالد في الصلاة وعثمان بن زائدة ومسعر والثوري، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الخامسة مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا (عن طلحة) بن مصرف بن عمرو بن كعب الهمداني اليامي من بني يام بن دافع بن مالك بن همدان أبي محمد الكوفي ثقة قارئ فاضل من الخامسة روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن مرة) بن شراحيل الهمداني أبي إسماعيل الكوفي، ويقال له أبو شراحيل من عباد أهل الكوفة يقال له مرة الطيب ومرة الخير لقب بذلك لكثرة عبادته، روى عن عبد الله بن مسعود في الإيمان والصلاة، وأبي موسى في الفضائل ويروي عنه (ع) وطلحة بن مصرف وزبيد اليامي وعمرو بن مرة والشعبي وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة عابد من الثانية مات سنة (76) ست وسبعين وليس في مسلم من اسمه مرة إلا هذا الثقة (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي الجليل، وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي وأن فيهم ثلاثة أتباع الزبير وطلحة ومرة (قال) عبد الله (لما أسري) وعرج (برسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى السماوات السبع (انتهي به) أي وصِل به (إلى سدرة المنتهى وهي) أي سدرة المنتهى (في السماء السادسة) وقيل هي في الرابعة وإنها في الجنة، وعن كعب أنها في أصل العرش، وعن ابن عباس أنها عن يمينه، والأصح وقول الأكثر أنها في السابعة، قال النووي ويجمع بين الحديثين أي حديث أنها في السادسة وحديث أنها في السابعة بأن يكون أصلها في السادسة وتنتهي لعظمها إلى السابعة وقال الخليل: هي في السابعة وأظلت السماوات والجنة، وإضافة سدرة إلى المنتهى من إضافة الموصوف إلى الصفة كمسجد الجامع ولكنها صفة سببية أي السدرة التي ينتهي إليها وينقطع عندها علم الخلائق وكأنها حد لما فوقها وما تحتها (إليها) أي إلى السدرة (ينتهي) ويقف (ما يعرج) بالبناء للمفعول ويصعد (به من الأرض) إلى السماء من الأعمال (فيقبض) ممن

مِنْهَا. وَإِلَيهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا. فَيُقبَضُ مِنْهَا. قَال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] قال: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. قَال: فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيئًا، الْمُقْحِمَاتُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء به من الحفظة (منها) أي عندها ولا يقدرون أن يجاوزوها (وإليها) أي إلى السدرة (ينتهي) ويصل (ما يهبط به) بالبناء للمفعول وينزل به (من فوقها) قال في القاموس: هبط يهبط ويهبط هبوطًا من بابي ضرب ونصر إذا نزل من علو وهبطه كنصره أنزله كأهبطه. اهـ (فيقبض) الذي هبط (منها) أي عندها فلا يجاوز به إلى أسفل لأنها حد ما هبط وحد ما عرج (قال) عبد الله بن مسعود ومصداق ما قلته قوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}) وغطاها {مَا يَغْشَى} [النجم: 16] ما زاغ بصر محمد صلى الله عليه وسلم والتفت عن الحق سبحانه (قال) عبد الله رضي الله عنه في تفسير {مَا يَغْشَى} الذي يغشاها (فراش من ذهب) أي على لون ذهب، ويروى جراد من ذهب والفراش دويبة ذات جناحين تتهافت في ضوء السراج واحدتها فراشة، وهذا التفسير إشارة إلى ما لا يحصى كثرة وحسنًا من التجليات كما في تبصير الرحمن تفسير القرآن، وفي رواية ابن جريج "غشيها فراش من ذهب وأرخيت عليها ستور من لؤلؤ وياقوت وزبرجد"، وزاد بعضهم في روايته "فلما غشيها من أمر الله ما غشي تحولت ياقوتًا" أو نحو هذا والفراش كل ما يطير من الحشرات الصغار والديدان. اهـ إكمال. (قال) عبد الله (فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم) تلك الليلة (ثلاثًا) من الجوائز والعطايا (أعطي الصلوات الخمس) المكتوبة أي فرض عليه وعلى أمته تلك الليلة الصلوات الخمس وسميت جائزة باعتبار ما يترتب عليها من الثواب الجسيم (وأعطي) أيضًا (خواتيم سورة البقرة) أي وعد إجابة دعواتها (وغفر لمن [لم] يشرك بالله) سبحانه وتعالى أي ووعد أن يغفر لمن لم يشرك بالله تعالى (من أمته شيئًا) من المعبودات (المقحمات) بالرفع نائب فاعل لغفر أي الذنوب العظام التي تقحم وتهلك مرتكبيها وتوردهم النار وتقحمهم إياها أي تلقيهم فيها والتقحم السقوط والوقوع في المهالك، ومعنى الكلام من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات، وعبارة السنوسي: والمقحمات بضم الميم وسكون القاف وكسر الحاء وهي الذنوب العظام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها والتقحم الوقوع في الهلاك وهو مرفوع بغفر نائب عن فاعله. وقال النووي: ومعنى الكلام من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات، والمراد والله أعلم بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين لا أنه لا يعذب أصلًا لأنه قام الإجماع على إثبات عذاب بعض العصاة من الموحدين ويحتمل أن يكون المراد خصوص بعض من الأمة أي يغفر لبعض الأمة المقحمات. اهـ بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة النجم، والنسائي في الصلاة، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. ***

92 - (51) باب: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على صورته

92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ عَلَى صُورَتِهِ 335 - (164) (87) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ الْعَوَّامِ) حَدَّثَنَا الشيبَانِيُّ قَال: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ عَلَى صُورَتِهِ أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث الواردة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الأصلية له ستمائة جناح ساد الأفق. (335) - (164) - (87) (وحدثني أبو الربيع) سليمان بن داود العتكي (الزهراني) الحافظ البصري ثقة من العاشرة مات في رمضان سنة (234) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال أبو الربيع (حدثنا عباد) وأتى بـ (هو) في قوله (وهو ابن العوام) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته، وهو عباد بن العوام بن عمر بن عبد الله بن المنذر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي روى عن أبي إسحاق الشيباني في الإيمان والصلاة، وأبي سلمة سعيد بن يزيد في الصلاة، وأبي مالك الأشجعي في الزكاة، ويحيى بن أبي إسحاق في البيوع، وحصين بن عبد الرحمن في الهبة وطائفة، ويروي عنه (ع) وأبو الربيع الزهراني وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأحمد بن منيع وخلق، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة مات سنة (185) خمس وثمانين ومائة وله نحو سبعين سنة روى عنه في خمسة أبواب (5) تقريبًا. قال عباد بن العوام (حدثنا الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز أبو إسحاق الكوفي ثقة من الخامسة مات سنة (138) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا. (قال) الشيباني (سألت زر) بكسر أوله وتشديد الراء (بن حبيش) مصغرًا ابن حباشة بضم المهملة بعدها موحدة ثم معجمة الأسدي أبا مريم الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية، روى عن علي في الإيمان، وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب في الصلاة والصوم، وعمر وعثمان والعباس، ويروي عنه (ع) وأبو إسحاق الشيباني وعبدة بن أبي لبابة وعاصم بن كليب وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة جليل مات سنة (83) إحدى أو اثنتين

عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] قَال: أَخْبَرَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ؛ "أَن النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتمِائَةِ جَنَاحٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ثلاث وثمانين وهو ابن (127) مائة وسبع وعشرين سنة، روى عنه في (3) أبواب وليس في مسلم من اسمه زر إلا هذا الثقة (عن) معنى (قول الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص {فَكَانَ} مقدار مسافة ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين جبريل - عليه السلام - {قَابَ قَوْسَينِ} أي مقدار قوسين عربيين في القرب أي مقدار قرب إحدى قوسين إلى الأخرى، وذَكَر القوس لأن القرآن نزل بلغة العرب والعرب تجعل مساحة الأشياء بالقوس وأصل ذلك أن الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفاء والحلف والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كل واحد عن صاحبه، وفي معالم التنزيل: معنى قوله كان بين جبريل ومحمد عليهما السلام مقدار قوسين أنه كان بينهما مقدار ما بين الوتر والقوس كأنه غلب القوس على الوتر وهذا إشارة إلى تأكيد القرب، وقيل معنى {قَابَ قَوْسَينِ} قدر ذراعين ويسمى الذراع قوسًا لأنه يقاس به المذروع أي يقدر فلم يكن قريبًا قرب التصاق ولا بعيدًا بحيث لا يتأتى معه الإفادة والاستفادة وهو الحد المعهود في مجالسة الأحباء المتأدبين، وقيل في الكلام قلب أي وكان مسافة ما بينهما قدر مسافة ما بين قابي قوس لأن لكل قوس قابين وهذا كناية عن شدة الاتصال لأنه ضمه جبريل إلى نفسه حتى سكن عنه الروع، وفي القرطبي: والقاب ما بين المقبض والسية مخففة الياء وهي طرف القوس المنحني، وفي المصباح: سية القوس خفيفة الياء ولامها محذوفة طرفها المنحني ويقال لِسيتِها العليا يدها ولِسيتِها السفلى رجلها. {أَوْ أَدْنَى} أي بل كان قدر مسافة ما بينهما أقرب من ذلك أي من قاب قوسين على تقديركم أيها المخاطبون كما في قوله {أَوْ يَزِيدُونَ} فأو للشك من جهة العباد، كما أن كلمة لعل كذلك أي للترجي من العباد في مواضع من القرآن فإن التشكيك والترجي لا يصحان على الله تعالى أي لو رآهما راء منكم لقال هو قدر قوسين في القرب أو أدنى أي لالتبس عليه مقدار القرب (قال) زر بن حبيش (أخبرني ابن مسعود) في تفسير ذلك معناه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل) - عليه السلام - على صورته الأصلية (له ستمائة جناح) والله أعلم.

336 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}. قَال: "رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ ولَهُ سِتُمِائَةِ جَنَاحٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر البخاري رواه في التفسير وفي بدء الخلق، والترمذي رواه في التفسير في سورة النجم، والنسائي في الكبرى، وقال الترمذي: حسن صحيح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (336) - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من العاشرة، قال أبو بكر (حدثنا حفص بن غياث) بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي ثقة فقيه من الثامنة مات سنة (195) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أبي إسحاق الكوفي ثقة من الثامنة (عن زر) بن حبيش بن حباشة الأسدي أبي مريم الكوفي ثقة مخضرم (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة حفص بن غياث لعباد بن العوام في رواية هذا الحديث عن الشيباني، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (قال) عبد الله في تفسير قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} أي لم يكذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ولا قلبه {مَا رَأَى} ببصره من صورة جبريل - عليه السلام -، فما الأولى نافية والثانية موصولة وعائدها محذوف كما قدرناه أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبًا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره. اهـ من حدائق الروح والريحان. (قال) ابن مسعود معناه أنه صلى الله عليه وسلم (رأى جبريل - عليه السلام - له ستمائة جناح) قال النواوي: هذا الذي قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو مذهبه في هذه الآية، وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى، ثم اختلف هؤلاء فذهب جماعة إلى أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده دون عينيه، وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينيه، قال الإمام أبو الحسن الواحدي: قال المفسرون هذا

337 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيمَانَ الشَّيبَانِيِّ، سَمِعَ زِرَّ بْنَ حُبَيشٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}. قَال: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، لَهُ سِتُّمائَةِ جَنَاحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إخبار عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه عزَّ وجلَّ ليلة المعراج، قال ابن عباس وأبو ذر وإبراهيم التيمي: رآه بقلبه، قال: وعلى هذا رأى بقلبه ربه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده أو خلق لفؤاده بصرًا حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين، قال: وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس وعكرمة والحسن والربيع، قال المبرد: ومعنى الآية أن الفؤاد رأى شيئًا فصدق فيه، و (ما رأى) في موضع نصب أي ما كذب مرئيَّه، وقرأ ابن عامر {مَا كَذَبَ} بالتشديد، قال المبرد: معناه أنه رأى شيئًا فقبله، وهذا الذي قاله المبرد على أن الرؤية للفؤاد فإن جعلتها للبصر فظاهر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر هذا آخر كلام الواحدي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (337) - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ (العنبري) نسبة إلى أحد أجداده لأنه من ولد كعب بن العنبر أبو عمرو البصري ثقة من العاشرة، قال عبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبو المثنى البصري ثقة من التاسعة روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري ثقة من السابعة روى عنه في (30) بابًا (عن سليمان الشيباني سمع زر بن حبيش عن عبد الله) بن مسعود، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لعباد بن العوام وحفص بن غياث (قال) عبد الله في تفسير قوله {لَقَدْ رَأَى} محمد في تلك الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، قال) ابن مسعود ومن الآيات التي رآها أنه (رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح) والمعنى أي وعزتي وجلالي لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من الآيات التي هي كبراها وعظماها فأري من عجائب الملك والملكوت ما لا يحيط به نطاق العبارة، فقوله من (آيات ربه) حال قدمت على صاحبها، وكلمة (من) للبيان لأنه المناسب لمرام المقام وهو التعظيم والمبالغة ولذا لم تحمل على التبعيض

338 - (165) (88) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن يكون هو المفعول، ويجوز أن يكون الكبرى صفة للآيات والمفعول محذوف أي شيئًا عظيمًا من آيات ربه أي ولقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه وعجائبه الملكوتية، وقال النواوي: وفي الكبرى قولان للسلف إما أن يكون نعتًا للآيات لأنه يجوز نعت الجمع بالمفرد كقوله {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} أو صفة لمحذوف تقديره رأى من آيات ربه الآية الكبرى. اهـ روى البخاري وابن جرير وابن المنذر في جماعة آخرين عن ابن مسعود أنه قال في الآية رأى رفرفًا أخضر من الجنة سد الأفق أي فجلس عليه وجاوز سدرة المنتهى، والرفرف البساط وهو صورة همته البسيطة العريضة، ورأى في تلك الليلة طوائف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة الماوى وما في الجنان لأهل الإيمان وما في النيران لأهل الطغيان والظلم والأنوار وما تعجز عنه الأفكار وتحار فيه الأبصار وعلينا أن لا نحصر ما رآه في شيء بعينه بعد أن أبهمه القرآن إذ هو قد رأى من الآيات الكبرى ما يجل عنه الحصر والاستقصاء. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لأثر عبد الله بن مسعود بأثر أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (338) - (165) (88) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من العاشرة، قال أبو بكر (حدثنا علي بن مسهر) بضم الميم على صيغة اسم الفاعل القرشي أبو الحسن الكوفي قاضي الموصل ثقة من الثامنة له غرائب بعد ما أضر مات سنة (189) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة العرزمي بمهملتين ثم زاي معجمة نسبة إلى عرزم إنسان أسود مولى النخع الفزاري مولاهم الكوفي كنيته أبو عبد الله أو أبو محمد روى عن عطاء بن أبي رباح في الإيمان والصلاة والحج، وسعيد بن جبير في الصلاة، وأبي الزبير في الزكاة والدعاء، وسلمة بن كهيل في الزكاة، وعبد الله بن عطاء المكي في الصوم، وأنس بن سيرين في الطلاق، وعبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر في اللباس، ومسلم بن يناق في اللباس. ويروي عنه (م عم) وعلي بن مسهر وحفص بن غياث وعبد الرحيم بن سليمان وشعبة والسفيانان وخلق، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من

عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}. قَال: "رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة وضعفه شعبة لأجل حديث رواه عن عطاء عن جابر في الشفعة تفرد به عن عطاء وهو حديث "الجار أحق بشفعة جاره " الحديث، قال شعبة: لو أتى بآخر مثل هذا لرميت بحديثه بالكلية، روى عنه المؤلف في سبعة أبواب تقريبًا كما بيناها (عن عطاء) بن أبي رباح بفتح الراء وبالموحدة، واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبي محمد اليماني الجندي يقال: كان من مولدي الجند ونشأ بمكة وعلم الكتاب بها انتهت فتوى مكة إليه وإلى مجاهد في زمانهما وأكثر ذلك إلى عطاء أحد الفقهاء والأئمة، روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة، وابن عباس في الإيمان والوضوء والصلاة والحج والدعاء، وابن أبي مليكة في الصلاة، وجابر بن عبد الله في مواضع، وعبيد بن عمير في الصلاة والطلاق والأدب، وصفوان بن يعلى في الصلاة والحج والديات، وعائشة في الصلاة والقدر، وأبي صالح السمان في الصوم، وأبي العباس الشاعر في الصوم، وعروة بن الزبير في الحج وغيرهم، ويروي عنه (ع) وعبد الملك بن أبي سليمان وعمرو بن دينار في الوضوء والصلاة والزكاة، وحبيب بن الشهيد في الصلاة، وابن جريج وحبيب المعلم والزهري وأيوب وجعفر بن محمد وقتادة وسلمة بن كهيل وخلق لا يحصون، وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال من الثالثة مات سنة (114) أربع عشرة ومائة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا كما بيناها (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد مدني، قال في تفسير قوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} قال) أبو هريرة معنى رآه أي (رأى جبريل - عليه السلام -) نزلة أخرى والمعنى وعزتي وجلالي لقد رأى محمد جبريل عليهما السلام في صورته التي خلق عليها حالة كون جبريل نازلًا من السماء {نَزْلَةً أُخْرَى} وذلك أنه رآه في صورته مرتين: مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى هكذا قاله أكثر العلماء، وقال ابن عباس: رأى ربه سبحانه وتعالى، وعلى هذا معنى نزلة أخرى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة عرجات لمسألة التخفيف من أعداد الصلوات فيكون لكل عرجة نزلة فرأى ربه عزَّ وجلَّ في بعضها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة الحدائق قوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} الضمير البارز في رآه لجبرائيل، ونزلة منصوب على الظرفية نصب الظرف الذي هو مرة لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها، والمعنى واللهِ لقد رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته الحقيقية مرة أخرى من النزول، وذلك أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج عرجات لمسألة التخفيف من أعداد الصلوات المفروضة فيكون لكل عرجة نزلة فرأى جبريل في بعض تلك النزلات والله أعلم. اهـ وانفرد الإمام مسلم في رواية أثر أبي هريرة هذا والله أعلم، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا أثرين: الأول أثر ابن مسعود وذكر فيه متابعتين، والثاني أثر أبي هريرة ولم يذكر فيه متابعة. والله أعلم. ***

93 - (52) باب: في ذكر الاختلاف هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟

93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ واختلف قديمًا وحديثًا في جواز رؤية الله تعالى فأكثر المبتدعة على إنكار جوازها في الدنيا والآخرة. وأهل السلف والسنة على جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة، ثم هل رأى نبينا صلى الله عليه وسلم ربه أم لا؟ اختلف في ذلك السلف والخلف فأنكرته عائشة وأبو هريرة وجماعة من السلف وهو المشهور عن ابن مسعود وإليه ذهب جماعة من المتكلمين والمحدثين، وذهبت طائفة أخرى من السلف إلى وقوعه وأنه رأى ربه بعينيه وإليه ذهب ابن عباس وقال: اختص موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمد صلى الله عليه وسلم بالرؤية. وأبو ذر وكعب والحسن وأحمد بن حنبل وحكي عن ابن مسعود وأبي هريرة في قول لهما آخر ومثل ذلك حكي عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه، وذهبت طائفة من المشايخ إلى الوقف وقالوا: ليس عليه قاطع نفيًا ولا إثباتًا ولكنه جائز عقلًا وهذا هو الصحيح. إذ رؤية الله تعالى جائزة كما دلت عليها الأدلة العقلية والنقلية، فأما العقلية فتعرف في علم الكلام وأما النقلية فمنها سؤال موسى رؤية ربه، ووجه التمسك بذلك علم موسى بجواز ذلك ولو علم استحالة ذلك لما سأله ومحال أن يجهل موسى جواز ذلك إذ يلزم منه أن يكون مع علو منصبه في النبوة وانتهائه إلى أن يصطفيه الله تعالى على الناس وأن يسمعه كلامه بلا واسطة جاهلًا بما يجب له تعالى ويستحيل عليه ويجوز، ومجوز هذا كافر. ومنها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ووجه التمسك بها امتنانه تعالى على عباده بالنظر إلى وجهه تعالى في الدار الآخرة، وإذا جاز أن يروه فيها جاز أن يروه في الدنيا لتساوي الوقتين بالنظر إلى الأحكام العقلية. ومنها ما تواترت جملته في صحيح الأحاديث من إخباره صلى الله عليه وسلم لوقوع ذلك كرامة للمؤمنين في الدار الآخرة فهذه الأدلة تدل على جواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة والدنيا. ثم هل وقعت رؤية الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أو لم تقع؟ ليس في ذلك دليل قاطع وغاية المستدل على نفي ذلك أو إثباته التمسك بظواهر

339 - (166) (89) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: "رَآهُ بِقَلْبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ متعارضة معرضة للتأويل، والمسألة ليست من باب العمليات فيكتفى فيها بالظنون وإنما هي من باب المعتقدات ولا مدخل للظنون فيها إذ الظن من باب الشك لأن حقيقته تغليب أحد المجوزين وذلك يناقض العلم والاعتقاد. واختلفوا أيضًا هل كلم محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء بغير واسطة أم لا؟ فذهب ابن مسعود وابن عباس وجعفر بن محمد وأبو الحسن الأشعري في طائفة من المتكلميان إلى أنه كلم بغير واسطة، وذهبت جماعة إلى نفي ذلك، والكلام على هذه المسألة كالكلام على مسألة الرؤية سواء. انتهى من المفهم. أي هذا باب معقود في بيان الاختلاف الواقع من الصحابة ومن بعدهم من السلف والخلف رضوان الله تعالى عليهم في: هل رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء أم لا؟ (339) - (166) (89) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال أبو بكر (حدثنا حفص) بن غياث بن طلق النخعي أبو عمر الكوفي ثقة فقيه من الثامنة (عن عبد الملك) بن ميسرة الفزاري أبي عبد الله الكوفي صدوق من الخامسة (عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم أبي محمد اليماني ثم المكي ثقة فقيه من الثالثة (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي المكي ثم الطائفي مات بالطائف ودفن في مسجد الطائف، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مكيان (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} (رآه) أي رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى (بقلبه) أي رآه بفؤاده مرتين: مرة عند وصوله إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام حين فرض عليه خمسين صلاة، ومرة عند رجوعه لطلب تخفيف أعدادها. قال النواوي: والراجح عند الأكثر أنه رآه لأن ابن عباس أثبته وليس مما يدرك بالاجتهاد فإنما قاله لأنه سمعه، وعائشة لم تستند في النفي إلى حديث بل استنبطته، واستنباطها مجاب عنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

340 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، قَال الأشَجُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَينِ أَبِي جَهْمَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)}. قَال: "رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (340) - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأشج) الكندي الكوفي أحد الأئمة ثقة من العاشرة مات سنة (257) روى عنه في الإيمان والصلاة، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبي سفيان الكوفي ثقة حافظ عابد من كبار التاسعة مات سنة (196) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال) أبو سعيد (الأشج، حدثنا وكيع) بتصريح السماع تورعًا من الكذب عليه لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه روى بالعنعنة كأبي بكر، قال وكيع (حدثنا) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم (الأعمش) أبو محمد الكوفي ثقة حافظ من الخامسة مات سنة (148) روى عنه في (13) بابًا (عن زياد بن الحصين) بن قيس الحنظلي أو الرياحي بكسر الراء المهملة اليربوعي (أبي جهمة) بفتح الجيم البصري، روى عن أبي العالية الرياحي في الإيمان وابن عمر، ويروي عنه (م س ف) والأعمش وعاصم الأحول، وثقه العجلي، قال أبو حاتم: أبو جهمة عن ابن عباس مرسل، وقال في التقريب: ثقة يرسل من الرابعة (عن أبي العالية) رفيع مصغرًا ابن مهران الرياحي بكسر الراء مولاهم مولى أعرابية من رياح بن يربوع البصري ثقة مخضرم إمام كثير الإرسال من الثانية مات سنة (90) تسعين، روى عنه في (4) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي المكي، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مكي وفيهم ثلاثة تابعيون: الأعمش وأبو جهمة وأبو العالية، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي العالية لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الأثر عن ابن عباس (قال) ابن عباس في تفسير قوله تعالى في سورة النجم {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)}) وقوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} قال) ابن عباس معناه (رآه بفواده) أي رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه بفؤاده وقلبه (مرتين): مرة عند وصوله أولًا إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام حين فرض عليه خمسين صلاة، ومرة عند رجعته إلى المستوى ثانيًا لطلب التخفيف.

341 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأعمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَهْمَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. 342 - (167) (95) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (341) - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي من الثامنة (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) أبي محمد الكوفي ثقة من الخامسة، قال (حدثنا أبو جهمة) زياد بن الحصين الرياحي البصري، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا حفص لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع بفتح الباء أي حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي جهمة عن أبي العالية عن ابن عباس بمثل ما حدث وكيع عن الأعمش يعني: رآه بفؤاده مرتين، وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مكي أو طائفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة حفص لوكيع في رواية هذا الأثر عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع تصريح الأعمش بالسماع في هذا السند لأنه مدلس بقوله حدثنا أبو جهمة، وإنما قدم المؤلف أثر ابن عباس على أثر عائشة الآتي إشارة إلى أنه أصح من أثرها لأن ابن عباس أثبت شيئًا نفته عائشة، والمثبت مقدم على النافي على ما هو القاعدة عندهم، ثم ذكر أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (342) - (167) (90) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة من العاشرة، قال (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية ثقة من الثامنة (عن داود) بن أبي هند اسمه دينار القشيري مولاهم أبي بكر البصري كان من خيار أهل البصرة من المتقنين في الروايات ثقة متقن كان يهم بأَخَرةٍ من الخامسة مات في طريق مكة سنة (140) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) أبي عمرو الكوفي ثقة فقيه مشهور فاضل من الثالثة مات سنة (103) ثلاث ومائة، روى عنه في (19) بابًا

عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَال: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالتْ: يَا أبَا عَائِشَةَ، ثَلاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالتْ: مَنْ زَعَمَ أَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. قَال: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ. فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي وَلا تَعْجَلِينِي. ألَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقريبًا (عن مسروق) بن عبد الرحمن بن مالك بن أمية الهمداني أبي عائشة الكوفي، ويقال له ابن الأجدع وهو لقب أبيه، قال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله سمي مسروقًا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وجد، ثقة فقيه مخضرم عابد من الثانية مات سنة (63) ثلاث وستين روى عنه في (11) بابا، وليس في مسلم مسروق إلا هذا. (قال) مسروق (كنت متكئًا) أي جالسًا معتمدًا على نحو وسادة لعله لعذر (عند عائشة) الصديقة بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبته صلى الله عليه وسلم، لها (2210) ألفان ومائتان وعشرة أحاديث اتفقا على (174) وانفرد (خ) في (54) و (م) في (68) حديثًا، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني وواحد نسائي، وفيه رواية تابعي عن تابعي: الشعبي عن مسروق (فقالت) عائشة (يا أبا عائشة) كنية مسروق (ثلاث) خصال (من تكلم بواحدة منهن) واعتقدها (فقد أعظم) أي فقد افترى (على الله) سبحانه (الفرية) العظيمة واختلقها من عند نفسه، والفرية بكسر الفاء وإسكان الراء الكذب، يقال فرى الشيء يفريه فريًا وافتراء وافتراه يفتريه افتراء إذا اختلقه وجمع الفرية فرىً، وفي المفهم الفرية هي الافتراء وهو اختلاق الكذب وما يقبح التحدث به، والمعنى اختلق على الله كذبًا عظيمًا. قال مسروق (قلت) لها (ما هن؟ ) أي أي شيء تلك الثلاث، فما استفهامية (قالت: من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه) والزعم القول بلا دليل (فقد أعظم على الله الفرية، قال) مسروق (وكنت متكئًا) أي جالسًا جلوس المتكئ على شيء لعله لضعف به (فجلست) مستقيمًا بلا اعتماد ولا اتكاء (فقلت) لها (يا أم المومنين أنظريني) أي أمهليني لحظة حتى أتكلم شيئًا، من الإنظار وهو التأخير والإمهال (ولا تعجليني) في الكلام حتى أسألك شيئًا وقلت لها ردًّا لكلامها لأنها إنما قالت باجتهادها لا بدليل قاطع (ألم يقل الله عزَّ وجلَّ) والاستفهام فيه للتقرير في كتابه العزيز

وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} فَقَالت: أنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "إِنمَا هُوَ جِبْرِيلُ. لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتهِ التِي خُلِقَ عَلَيهَا غَيرَ هَاتَينِ الْمَرَّتَينِ، رَأَيتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ، سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَينَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ" فَقَالتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَن اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ({وَلَقَدْ رَآهُ}) أي رأى محمد ربه {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} في سورة التكوير [23] ({وَلَقَدْ رَآهُ}) أي رأى محمد ربه ({نَزْلَةً أُخْرَى}) أي مرة أخرى في سورة النجم [53] فكيف تنكري يا أماه رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه مع هاتين الآيتين (فقالت) عائشة مجيبة عن هاتين الآيتين (أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك) المذكور من الآيتين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هو) أي إنما المرئي لي في هاتين الآيتين هو (جبريل) - عليه السلام - (لم أره) أي لم أر جبريل (على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين) المذكورتين في هاتين الآيتين (رأيته) أي رأيت جبريل في هاتين المرتين حالة كونه (منهبطًا) أي نازلًا (من السماء سادًا) أي مالئًا (عظم خلقه) أي كبر جسمه بضم العين وسكون الظاء وبكسر العين وفتح الظاء أي مالئًا (ما بين السماء) والأرض، وقوله (إلى الأرض) متعلق بقوله منهبطًا (فقالت) عائشة استدلالًا على قولها (أ) تزعم يا مسروق رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه (ولم تسمع أن الله) سبحانه وتعالى (يقول {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}) أي لا تراه سبحانه وتعالى ({الْأَبْصَارُ}) أي أبصار المخلوقات ({وَهُوَ}) سبحانه ({يُدْرِكُ}) ويرى ({الْأَبْصَارَ}) أي جميع المبصرات ({وَهُوَ}) سبحانه ({اللَّطِيفُ}) أي الرفيق على عباده ({الْخَبِيرُ}) أي العليم ببواطنهم كظواهرهم- سورة الأنعام [103] (أو لم تسمع) أيضًا (أن الله) سبحانه (يقول) في كتابه العزيز ({وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ}) أيَّ بشر كان ({أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ}) سبحانه وتعالى ويخاطبه {إلَّا وَحْيًا} أي إلا بوحي وإلهام في قلبه لا بواسطة شخص آخر ولا بسمع عين كلام الله تعالى كما في أم موسى وكما في رؤية إبراهيم - عليه السلام - في المنام بذبح ولده ({أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}) أي أو إلا بأن يوصل إليه الوحي من وراء حجاب لا بواسطة شخص آخر ولكنه يسمع عين كلام الله تعالى من غير رؤية ذاته تعالى كما وقع لموسى - عليه السلام -

أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} قَالتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيئًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ} قَالتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ. وَاللهُ يَقُوَلُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ({أَوْ}) إلا بأن ({يُرْسِلَ}) إليه ({رَسُولًا}) أي ملكًا مرسلًا ({فَيُوحِيَ}) أي فيوصل ذلك الرسول إليه ({بِإِذْنِهِ}) تعالى وأمره ({مَا يَشَاءُ}) الله تعالى من الوحي. والمعنى أي وما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله إلا على أحد هذه الثلاثة الأوجه: إما أن يلهمه الله الوحي في قلبه لا بواسطة شخص آخر ولا بسمع عين كلام الله تعالى، أو أن يوصل إليه الوحي بإسماع عين كلامه من غير رؤية، أو يوصل إليه الوحي بواسطة شخص آخر وهو جبريل وهذا هو الذي يجري بينه وبين الأنبياء في أكثر الأوقات من الكلام وإن أردت الخوض في هذا المقام تفسيرًا وإعرابًا وغيرهما فراجع تفسيرنا حدائق الروح والريحان فإنه بين بما لا مزيد عليه. ({إِنَّهُ}) تعالى ({عَلِيٌّ}) عن صفات المخلوقين ({حَكِيمٌ}) في صنعه يجري أفعاله على موجب الحكمة فيتكلم تارة بغير واسطة على سبيل الإلهام وثانيًا بإسماع الكلام وثالثًا بتوسيط الملائكة الكرام. (قالت) عائشة أيضًا (ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم) وأخفى (شيئًا من كتاب الله) تعالى وحكمه (فقد أعظم على الله الفرية) أي فقد افترى على الله تعالى فرية عظيمة وبهتانًا عظيمًا (والله) سبحانه وتعالى (يقول) له صلى الله عليه وسلم ({يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}) الكريم ({بَلِّغْ}) أي أوصل إلى عبادي ({مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ}) من الوحي ({وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ}) تبليغ جميع ما أوحي إليك من ربك ({فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ}) فبترك شيء منه تكون كمن لم يبلغ. و(قالت) عائشة أيضًا (ومن زعم) وقال قولًا بلا دليل (أنه) أي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم (يخبر) ويحدث (بما يكون) ويقع (في غد) أي في زمن مستقبل ولو في نفس اليوم (فقد أعظم على الله الفرية والله) سبحانه وتعالى (يقول) في كتابه العزيز ({قُلْ}) يا محمد لعبادي ({لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ}) ولو ملكًا مقربًا ({و}) من في ({الْأَرْضِ}) ولو

الْغَيْبَ إلا اللَّهُ} ـــــــــــــــــــــــــــــ نبيًّا مرسلًا ({الْغَيبَ}) أي ما غاب عن المخلوق ({إلا اللَّهُ}) سبحانه وتعالى. واعلم أن قول عائشة (والله يقول) وقول مسروق (ألم يقل الله) تصريح منهما بجواز قول المستدل بآية من القرآن إن الله عزَّ وجلَّ يقول: كذا وكذا، وقد كره ذلك فطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور فروى ابن أبي داود بإسناده عنه أنه قال: لا تقولوا إن الله يقول ولكن قولوا إن الله تعالى قال، وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما فعلته الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة المسلمين، فالصحيح المختار جواز الأمرين كما استعملته عائشة رضي الله تعالى عنها ومن في عصرها وبعدها من السلف والخلف وليس لمن أنكره حجة ومما يدل على جوازه من النصوص قول الله عزَّ وجلَّ {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} وفي "صحيح مسلم" رحمه الله تعالى عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عزَّ وجلَّ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}. والله أعلم. واعلم أنه اختار صاحب التحرير إثبات الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم قال: والحجج في هذه المسألة وإن كانت كثيرة لكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم أجمعين). وعن عكرمة سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال: نعم. وقد روي بإسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ وكان الحسن يحلف لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه، والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع إليه في المعضلات وقد راجعه ابن عمر رضي الله تعالى عنهم في هذه المسألة وراسله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فأخبره أنه رآه. ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لأن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم أر ربي، وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} ولقول الله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} والصحابي إذا قال قولًا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة، وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يتلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد، وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي هذا كلام صاحب التحرير. فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم، وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما لا ينبغي أن يشكك فيه، ثم إن عائشة رضي الله تعالى عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان معها فيه حديث لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها بقولنا: فأما احتجاج عائشة بقول الله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة وأجيب عن الآية بأجوبة أخرى لا حاجة إليها مع ما ذكرناه فإنه في نهاية من الحسن مع اختصاره. وأما احتجاجها رضي الله تعالى عنها بقول الله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا} الآية، فالجواب عنه من أوجه: (أحدها) أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام. (الثاني) أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة. (الثالث) ما قاله بعض العلماء أن المراد بالوحي الكلام من غير واسطة وهذا الذي قاله هذا القائل وإن كان محتملًا لكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا الإلهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحيًا.

343 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. وَزَادَ: قَالتْ: وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله تعالى {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قال الواحدي وغيره: معناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه سبحانه وتعالى من حيث لا يرونه، وليس المراد أن هناك حجابًا يفصل موضعًا من موضع ويدل على تحديد المحجوب فهو بمنزلة ما يسمع من وراء الحجاب حيث لم ير المتكلم والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال. اهـ نووي. وهذا الحديث أعني حديث عائشة شارك المؤلف في روايته البخاري [4855] والترمذي [3075]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (343) - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري مشهور بكنيته ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي أبو محمد البصري ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين من الثامنة مات سنة (194) قال (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري أبو محمد البصري ثقة متقن من الخامسة مات سنة (140) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) السابق متعلق بقوله (حدثنا عبد الوهاب)، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع، وقوله (نحو حديث) إسماعيل (ابن علية) أي إسماعيل بن إبراهيم مفعول ثان لقوله (حدثنا عبد الوهاب)، والمعنى حدثنا عبد الوهاب عن داود بهذا الإسناد أي عن الشعبي عن مسروق عن عائشة نحو حديث ابن علية عن داود، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لإسماعيل ابن علية في رواية هذا الأثر عن داود، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (و) لكن (زاد) عبد الوهاب على إسماعيل قوله (قالت) عائشة (ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتمًا) ومخفيًا (شيئًا مما أنزل عليه لكتم) وأخفى عن الناس (هذه الآية) خوفًا من تعيير الناس له ولكنه لم يخف بل بلغها كما أنزلت وهي قوله تعالى في سورة الأحزاب [37] ({وَإِذْ تَقُولُ}) أي واذكر يا محمد بقلبك

لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} ـــــــــــــــــــــــــــــ قصة وقت قولك ({لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ}) بالإسلام ({وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ}) بالإعتاق وهو زيد بن حارثة ({أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ}) زينب بنت جحش أي أمسكها في عصمتك ولا تطلقها، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أبصرها قائمة في درع وخمار بعد ما أنكحها إياه فوقعت في نفسه حالة جبلية لا يكاد يسلم منها البشر فقال: سبحان الله مقلب القلوب، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أريد أن أفارق صاحبتي فقال: ما لك؟ أرابك منها شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرًا ولكنها تتعاظم علي بشرفها، فقال له: أمسك عليك زوجك أي لا تفارقها ({وَاتَّقِ اللَّهَ}) في أمرها فلا تطلقها تعللًا بتكبرها عليك بسبب النسب وعدم الكفاءة ({وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ}) وقلبك ({مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ}) ومظهره للناس أي والحال أنك تخفي في نفسك ما أعلمك الله تعالى أنها ستصير من أزواجك بعد طلاق زيد ({وَتَخْشَى النَّاسَ}) أي تستحي من تعيير الناس إياك بأن يقولوا أخذ محمد زوجة ابنه ({وَاللَّهُ}) أي والحال أن الله سبحانه وتعالى وحده ({أَحَقُّ}) وأولى ({أَنْ تَخْشَاهُ}) أي أن تستحي منه. اهـ مراح. هكذا فسر هذه الآية بعض المفسرين وقد اجترأ هذا البعض في تفسير هذه الآية ونسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يليق به ويستحيل عليه إذ قد عصمه الله سبحانه وتعالى منه ونزهه عن مثله فقال ذلك البعض إن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المُجَّانِ لفظَ (عشق) ثم جاء زيد يريد تطليقها، فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله وهو مع ذلك يحب أن يطلقها ليتزوجها. وهذا القول إنما يصدر عن جاهل بعصمته صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بحرمته صلى الله عليه وسلم والذي عليه أهل التحقيق من المفسرين وإلعلماء الراسخين أن ذلك القول الشنيع ليس بصحيح ولا يليق بذوي المروءات فضلًا عن خير البريات، تفسير تلك الآية بما حكي عن علي بن حسين أن الله تعالى أعلم نبيه بكونها زوجة له فلما شكاها زيد له وأراد أن يطلقها، قال له: أمسك عليك زوجك واتق الله، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله تعالى به مما هو مبديه بطلاق زيد لها وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم لها، وروي نحوه عن الزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري وغيرهم. والذي خشيه

344 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو إرجاف المنافقين وأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء، وتزوج بزوجة ابنه، ومساق الآية يدل على صحة هذا الوجه بقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} ولو كان ما ذكر أولئك لكان فيه أعظم الحرج، ولقوله تعالى: {لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} وبالله التوفيق. اهـ من المفهم. وعبارة القاضي (قوله لكتم هذه الآية) لما تضمنت من عتبه على إخفائه أمرًا أعلمه الله تعالى أنه يقع، قال علي بن الحسين: أعلم الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيدًا سيطلق زينب ويزوجها منه، فلما شكا زيد حِدَّتها وأراد أن يطلقها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى في نفسه ما أعلمه الله سبحانه وتعالى به من أنه يطلقها، والذي خشي صلى الله عليه وسلم إرجاف المنافقين، وهذا هو الذي عليه المحققون في تفسير الآية لا ما قاله من لا تحقيق عنده من المفسرين أنه كان يحب أن يطلقها ليتزوجها فلما جاء ليطلقها قال له: أمسك عليك زوجك وأخفى في نفسه أنه كان يحب أن يطلقها، وهذا لا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد نهي عن مد عينيه إلى ما متع به غيره من زهرة الدنيا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (344) - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي ثقة من العاشرة قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي ثقة من التاسعة، قال (حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي الأحمسي الكوفي ثقة ثبت من الرابعة (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ثقة فقيه من الثالثة (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم من الثانية (قال) مسروق (سألت عائئة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها مدنية، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن أبي خالد لداود بن أبي هند في رواية هذا الأثر عن الشعبي، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان

هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالت: سُبْحَانَ اللهِ، لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي لِمَا قُلْتَ ... وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَحَدِيثُ دَاوُدَ أَتَمُّ وَأَطوَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الزيادة في هذه الرواية، أي قال مسروق سألت عائشة (هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه) ليلة الإسراء (فقالت) عائشة تعجبًا من جهلي وسؤالي (سبحان الله) أي تنزيهًا له تعالى عما لا يليق به، والله (لقد قَفَّ) وقام (شعري) فزعًا (لما قلت). وعبارة النووي هنا: قولها (سبحان الله) معناه التعجب من جهل مثل هذا وكأنها تقول: كيف يخفى عليك مثل هذا؟ ولفظة (سبحان الله) لإرادة التعجب كثيرة في الحديث وكلام العرب كقوله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله تطهري بها" و"سبحان الله المؤمن لا ينجس"، وقول الصحابة: سبحان الله يا رسول الله، وممن ذكر من النحويين أنها من ألفاظ التعجب أبو بكر بن السراج وغيره، وكذلك يقولون في التعجب لا إله إلا الله، وأما قولها (لقد قف شعري) فمعناه قام شعري من الفزع لكوني سمعت ما لا ينبغي أن يقال، قال ابن الأعرابي: تقول العرب عند إنكار الشيء قف شعري واقشعر جلدي واشمأزت نفسي، وقال النضر بن شميل: القفة كهيئة القشعريرة، وأصله التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع والاستهوال فيقوم الشعر لذلك وبذلك سميت القفة التي هي الزنبيل لاجتماعها ولما يجتمع فيها. وقال القاضي: قال أبو زيد: قف الرجل من البرد وعَلَتْهُ قفة أي رعدة والقفوف أيضًا القشعريرة من الحمى، وقال الخليل: والقفقفة الرعدة، وأصله من الانقباض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع والبرد فيقوم الشعر، لذلك سميت القفة قفة لضم بعضها إلى بعض أو لضمها ما فيها. اهـ (وساق) أي ذكر إسماعيل بن أبي خالد (الحديث) السابق (بقصته) أي بوجهه وطِبْقِه، وفي القاموس قص الحديث إذا رواه على وجهه وشبهه من غير تغيير (و) لكن (حديث داود) بن أبي هند (أتم) معنى (وأطول) لفظًا من حديث إسماعيل بن أبي خالد، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

345 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ؛ قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: فَأَينَ قَوْلُهُ: (ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (345) - (00)) ... ) (وحدثنا) محمد (بن) عبد الله بن (نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (201) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة بن ميمون بن فيروز، واسم أبي زائدة خالد وقيل اسمه كنيته أبو يحيى الهمداني الأعمى الوادعي الكوفي، روى عن سعيد بن أشوع ومصعب بن شيبة والشعبي وخالد بن مسلمة وعبد الملك بن عمير وسماك بن حرب وعبد الرحمن الأصبهاني وأبي إسحاق السبيعي وسعيد بن أبي بردة وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو أسامة ووكيع وابنه يحيى وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر وعيسى بن يونس وعلي بن مسهر وخلق، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء في ثلاثة مواضع والصلاة في موضعين والحج والغراس والجهاد والأضاحي والفضائل في موضعين وفي خلق النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء ومثلٍ المؤمنين واللباس والبيوع فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابا تقريبًا، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة وكان يدلس من السادسة مات سنة (149) تسع وأربعين ومائة (عن) سعيد بن عمرو (بن أشوع) بوزن أحمد الهمداني الكوفي قاضيها، روى عن الشعبي في الإيمان والأحكام، وأبي سلمة وأبي بردة ويروي عنه (خ م ت) وزكرياء بن أبي زائدة وخالد الحذاء وأبو إسحاق السبيعي والثوري وثقه ابن حبان، وقال ابن معين: مشهور، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: رمي بالتشيع من السادسة، وقال العجلي: ثقة، وقال الحاكم: هو شيخ من ثقات الكوفيين يجمع حديثه، وقال البخاري: رأيت إسحاق بن راهويه يحتج بحديثه مات في حدود العشرين ومائة (120) (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي الإمام العلم ثقة فقيه مشهور فاضل من الثالثة مات سنة (103) ثلاث ومائة وله (80) سنة روى عنه في (19) بابا (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (قال: قلت لعائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة فإنها مدنية، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن الأشوع لداود بن أبي هند في رواية هذا الحديث عن الشعبي، أي قال مسروق قلت لعائشة حين أنكرت رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه (فأين) منك (قوله) تعالى {ثُمَّ

دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} قَالتْ: إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ، كَانَ يَأتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ وَإنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} ... ) إلخ، هل نسيت ذلك أم غاب معناه عن قلبك الدال على رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى، وفي قوله (ثم دنا فتدلى) تقديم وتأخير ومعناه على تفسير مسروق فتدلى الرب سبحانه ونزل إلى الأفق ثم دنا وتقرب إلى محمد ({فَكَانَ}) قدر مسافة ما بينهما ({قَابَ قَوْسَينِ}) أي قدر ما بين قابي قوس في القرب وشدة الاتصال ({أَوْ أَدْنَى}) أي بل كان ما بينهما أدنى وأقرب مما بين قابي قوس ({فَأَوْحَى}) الرب جل جلاله ({إِلَى عَبْدِهِ}) محمد صلى الله عليه وسلم ({مَا أَوْحَى}) من صنوف الوحي (قالت) عائشة لمسروق ليس معنى الآية كما زعمت يا مسروق (إنما ذاك) الذي تدلى ونزل إلى الأفق فسده ثم دنا وتقرب إلى محمد فأوحى إليه ما أوحى هو (جبريل - عليه السلام -) فليس ربنا سبحانه (كان) جبريل - عليه السلام - (يأتيه) صلى الله عليه وسلم قبل ذلك (في صورة الرجال) من بني آدم فكان يأتيه غالبًا في صورة دحية بن خليفة (وإنه) أي وإن جبريل - عليه السلام - (أتاه) صلى الله عليه وسلم (في هذه المرة في صورته) أي في صورة جبريل (التي هي صورته) الأصلية له ستمائة جناح (فسد) أي ملأ (أفق السماء) ونواحيها، فليس المعنى على ما زعمت يا مسروق من أن الذي أتى محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرب سبحانه جل وعلا. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث ابن عباس فذكره للاستدلال به على رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة وذكره للاستدلال على عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه وذكر فيه ثلاث متابعات، وقد تقدم أن الأصح عند الجماهير حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ***

94 - (53) فصل في قوله صلى الله عليه وسلم: "نور أنى أراه"، وفي قوله: "رأيت نورا"

94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا" 346 - (168) (91) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا" أي هذا فصل معقود في بيان معنى هذا الحديث مع بيان الجمع بين الروايتين فيه اللتين ظاهرهما التناقض بنفي الرؤية في الأولى منهما وإثباتها في الثانية منهما، وأما رواية: "نورانيّ أراه". فتصحيف كما سيأتي بيانه. (346) - (168) - (91) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) عبد الله بن محمد بن إبراهيم الكوفي العبسي ثقة من العاشرة، قال (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي ثقة من التاسعة (عن يزيد بن إبراهيم) التستري بضم المثناة الأولى وسكون المهملة وفتح المثناة الثانية ثم راء أبو سعيد البصري التميمي مولاهم روى عن قتادة في الإيمان، وأبي الزبير في باب لاهام، وابن أبي مليكة في القدر وغيرهم، ويروي عنه (ع) ووكيع وبهز بن أسد والقعنبي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو داود وأبوالوليد الطيالسيان وعفان وغيرهم، وثقه أحمد وأبوحاتم وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت إلا في روايته عن قتادة ففيها لين، من السابعة مات سنة (163) ثلاث وستين ومائة روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة ثبت من الرابعة مات سنة (117) سبع عشرة ومائة روى عنه في (25) بابا تقريبًا (عن عبد الله بن شقيق) بن عقيل بن كعب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر العقيلي مصغرًا أبي عبد الرحمن البصري روى عن أبي هريرة في الإيمان والوضوء والصلاة وذكر الأنبياء والفضائل وعذاب القبر، وابن عباس في الصلاة، وعائشة في الصلاة والصوم، وابن عمر في الصلاة، وعثمان في الحج، وعلي في الحج وغيرهم، ويروي عنه (ع) وقتادة وخالد الحذاء وبديل بن ميسرة والزبير بن الخِرِّيت وعمران بن حدير وسعيد الجريري وكهمس بن الحسن وأيوب السختياني وحميد الطويل ومحمد بن سيرين وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة فيه نصب من

عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هَل رَأيتَ رَبَّكَ؟ قَال: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ". 347 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالثة مات سنة (108) ثمان ومائة، روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي قتادة عن عبد الله بن شقيق (قال) أبو ذر (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن رؤية ربه، فقلت له: (هل رأيت ربك؟ ) يا رسول الله ليلة الإسراء (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نور) بالرفع والتنوين خبر لمبتدأ محذوف تقديره حجابه سبحانه وتعالى نور أو فاعل لفعل محذوف تقديره حجبني نور (أنى) بفتح الهمزة والنون اسم استفهام بمعنى كيف، وضمير النصب في (أراه) يعود إلى الله تعالى، والمعنى حجابه تعالى نور فكيف أراه سبحانه وتعالى؟ أو حجبني عنه نور فكيف أراه؟ فدل على عدم رؤيته ربه سبحانه فيكون شاهدًا لمذهب عائشة رضي الله تعالى عنها. قال المازري: وروي (نوراني أراه) بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء، ويحتمل أن يكون معناه راجعًا إلى ما قلناه أي خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الأفعال، قال القاضي عياض: هذه الرواية لم تقع عندنا ولا رأيتها في شيء من الأصول ومن المستحيل أن تكون ذات الله سبحانه وتعالى نورًا إذ النور من جملة الأجسام والله سبحانه وتعالى يجل عن ذلك، ومعنى قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وما جاء في الأحاديث من تسميته تعالى بالنور معناه ذو نورهما وخالقه، وقيل هادي أهل السماوات والأرض، وقيل منور قلوب عباده المؤمنين، وقيل معناه ذو البهجة والضياء والجمال. والله أعلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته الترمذي [3278]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه فقال: (347) - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أبِي. ح وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال قُلْتُ لأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَسَألْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف ببندار ثقة من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو عبد الله البصري صدوق من التاسعة مات سنة مائتين روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا أبي) هشامُ بن سنبر الدستوائي بفتح الدال والمثناة بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى دستواء من كور الأهواز، وكان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها أبو بكر البصري ثقة ثبت من السابعة مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي الحافظ الرحال ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (259) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (220) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا. وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف شيخَي شيخَيه مع بيان كيفية سماعه منهما لأنه قال في الأول حدثنا وفي الثاني حدثني وبينهما فرق في اصطلاحات مسلم، قال (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة أبو عبد الله البصري ثقة من السابعة مات سنة (164) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا كلاهما) أي كل من هشام في السند الأول وهمام في السند الثاني رويا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا أبي عبد الرحمن البصري (قال) عبد الله بن شقيق (قلت لأبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني، وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله كلهم بصريون إلا أبا ذر الغفاري فإنه مدني والثاني منهما رجاله أربعة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد مدني، وغرضه بسوقهما بيان متابعة هشام وهمام ليزيد بن إبراهيم في رواية هذا الحديث عن قتادة وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن يزيد بن إبراهيم في روايته عن قتادة لين فقواه بهشام وهمام وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث، والله أعلم (لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته)

فَقَال: عَنْ أَيِّ شَيءٍ كُنْتَ تَسْألُهُ؟ قَال: كُنْتُ أسْأَلُهُ هَلْ رَأَيتَ رَبَّكَ؟ قَال أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُ فَقَال: "رَأَيتُ نُورًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عما أشكلني (فقال) أبو ذر (عن أبي شيء كنت تسأله، قال) عبد الله بن شقيق (كنت أسأله) أي كنت أريد أن أسأله فأقول له (هل رأيت ربك؟ ) يا رسول الله ليلة المعراج (قال أبو ذر) له (قد) كنت (سألتـ) ـه عن ذلك (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت ربي، ولكن (رأيت نورًا) فقط حجبني عنه سبحانه، والمعنى رأيت النور فحسب ولم أر غيره: أي إن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه. اهـ نووي. وعبارة المفهم هنا (قوله صلى الله عليه وسلم نور أنى أراه) هكذا رويناه وقيدناه برفع (نور) وتنوينه وفتح (أنّى) التي بمعنى كيف الاستفهامية، ورواية من زعم أنه رواه (نوراني) بتشديد الياء ليست بصحيحة النقل ولا موافقة للعقل ولعلها تصحيف وقد أزال هذا الوهم الرواية الأخيرة حيث قال (رأيت نورًا) وأما رفع (نور) فعلى إضمار فعل تقديره غلبني نور أو حجبني نور و (أنى أراه) استفهام على جهة الاستبعاد لغلبة النور على بصره كما هي عادة الأنوار الساطعة كنور الشمس فإنه يعشي البصر ويحيره (حار بصره عَشي ولم يستطع متابعة النظر) إذا حدق نحوه. ولا يعارض هذا (رأيت نورًا) فإنه عند وقوع بصره على النور رآه ثم غلب عليه بعد فضعف عنه بصره ولا يصح أن يعتقد أن الله نور كما اعتقده هشام الجواليقي وطائفة المجسمة ممن قال هو نور لا كالأنوار لأن النور لون قائم بالهواء وذلك على الله تعالى محال عقلًا ونقلًا، فأما العقل فلو كان عرضًا أو جسمًا لجاز عليه ما يجوز عليهما ويلزم تغيره وحدثه، وأما النقل فقوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} ولو كان جسمًا أو عرضًا لكان كل شيء منهما مماثلًا له تعالى، وقول هذا القائل جسم لا كالأجسام أو نور لا كالأنوار متناقض فإن قوله: جسم أو نور حاكم عليه بحقيقة ذلك، وقوله: لا كالأجسام، لا كالأنوار ينفي لما أثبته من الجسمية والنورية وذلك متناقض فإن أراد أنه يساوي الأجسام من حيث الجسمية ومفارق لها من حيث وصف آخر ينفرد به لزمت تلك المحالات من حيث الجسمية ولم يتخلص منها بذكر ذلك الوصف الخاص إذ الأعم من الأوصاف تلزمه أحكام من حيث هو لا تلزم الأخص كالحيوانية والناطقية، وتتميم هذا في علم الكلام. اهـ منه.

95 - (54) باب: في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام"، وفي قوله: "حجابه النور"

95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ" 348 - (169) (92) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ" أي هذا باب معقود في ذكر هذا الحديث وبيان أنه تعالى محجوب عن خلقه في الدنيا. (348) - (169) - (92) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (قالا) أي قال كل من أبي بكر وأبي كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي، قال (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي الجملي نسبة إلى جمل بن كنانة المرادي أبي عبد الله الأعمى الكوفي، روى عن أبي عبيدة عامر وسعيد بن جبير وسالم بن أبي الجعد وسعيد بن المسيب وعبد الله بن الحارث النجراني وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي وخلق، ويروي عنه (ع) والأعمش وشعبة وزيد بن أبي أنيسة والثوري ومسعر ومنصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وجماعة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في عشرة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في موضعين والحج والجهاد في ثلاثة مواضع وأسامي النبي صلى الله عليه وسلم والرحمة واللباس في موضعين والفضائل في موضعين والتوبة والأشربة والدعاء في موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وقال في التقريب: ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء من الخامسة، وقال ابن المديني: له نحو مائتين حديث مات سنة (118) ثماني عشرة ومائة (عن أبي عبيدة) مصغرًا عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي ويقال اسمه كنيته، روى عن أبي موسى الأشعري في الإيمان وأسامي النبي صلى الله عليه وسلم، وكعب بن عجرة في الصلاة، وعمرو بن الحارث بن المصطلق في الزكاة، وروى عن أبيه في (عم) ولم يسمع

عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: "قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَال: إِن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ. يَخفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه، ويروي عنه (ع) وعمرو بن مرة وإبراهيم النخعي في الزكاة، ومجاهد ونافع بن جبير وأبو إسحاق وغيرهم، وثقه ابن حبان فقد ليلة دجيل سنة (81) إحدى وثمانين، وقال العجلي: ثقة، وقال الحافظ في التقريب: كوفي ثقة من كبار التابعين (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وتشديد الضاد المعجمة الصحابي المشهور له ثلاثمائة وستون حديثًا (360) وهذا السند من سداسياته، قال النواوي: وفي هذا الإسناد لطيفتان من لطائف علم الإسناد إحداهما أنهم كلهم كوفيون كما ذكرته، والثانية أن ثلاثة منهم تابعيون يروي بعضهم عن بعض الأعمش وعمرو بن مرة وأبو عبيدة (قال) أبو موسى (قام فينا) معاشر الصحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) خطيبًا وواعظًا لنا وذكر لنا (بخمس كلمات) أي بين لنا بخمس خصال (فقال) في بيان أولاها (إن الله) سبحانه وتعالى و (عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (لا ينام) أي لا يقع منه النوم (ولا ينبغي) أي لا يصح (له) ولا يليق به (أن ينام) لأنه صفة نقص، قال الأبي: متعلق نفي الأول الوقوع فمعنى لا ينام لا يقع منه النوم أصلًا، ومتعلق نفي الثاني الصحة فمعنى (لا ينبغي له) أي: لا يصح له، فالعطف تأسيس لا تأكيد؛ إذ لا يلزم من نفي الوقوع نفي الصحة وإنما استحال أن ينام لأن النوم موت، وأيضًا فإنه سواد ينزل من أعلى الدماغ يفقد معه الحس، وعبارة المفهم: فالنوم محال عليه تعالى لأن النوم موت كما قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن نوم أهل الجنة فقال: "النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها" رواه الطبراني في الأوسط والبزار من حديث جابر رضي الله تعالى عنه ورجال البزار رجال الصحيح، وأيضًا فإن النوم راحة من تعب التصرف وذلك من تعب الأجسام. وقال في بيان ثانيتها (يخفض القسط) أي يقتر الرزق على من يشاء من عباده (ويرفعه) أي ويبسط الرزق على من يشاء من عباده فالقسط هنا بمعنى الرزق، وخفضه تقتيره وتضييقه على من يشاء، ورفعه بسطه وتوسعته على من يشاء، وقيل المعنى (يخفض القسط) أي ينزل الأرزاق الواصلة إلى العباد بالقسط كما قال تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (وبرفعه) أي يرفع القسط أي يرفع أعمال العباد المرتفعة إليه، والمراد

يُرْفَعُ إِلَيهِ عَمَلُ اللَّيلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقسط ما يوزن به أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم الواصلة إليهم، وقيل المعنى (يخفض القسط) أي يخفض الشرع والحق بموت أهله والرجوع عن اتباعه (ويرفعه) أي يرفع الحق ويظهره بوجود الأنبياء عليهم السلام وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم. وعبارة المفهم هنا قال ابن قتيبة: القسط الميزان وسمي بذلك لأن القسط هو العدل وذلك إنما يحصل ويعرف بالميزان في حقوقنا وأراد به هنا ما يوزن به أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم الواصلة إليهم كما قال تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} وقيل أراد بالقسط هنا الوزن الذي هو قسط كل مخلوق يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه، وقيل إن القسط هو العدل نفسه ويراد به الشرائع والأحكام كما قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} أي بالنصفة في الأحكام والعدل المأمور به في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} فتارة يرفعه بمعنى يعليه ويظهره بوجود الأنبياء وأصحابهم وأتباعهم العاملين به، وتارة يخفضه بمعنى أنه يذهبه ويخفيه بدروس الشرائع ورجوع أكثر الناس عن المشي على منهاجها ويحتمل أن يكون رفعها قبضها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأمانة إنها ترفع من القلوب كما رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث حذيفة رضي الله عنه، وكما قال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة" رواه ابن أبي شيبة في المصنف من حديث ابن مسعود موقوفًا عليه، بل كما قال: "عليكم بالعلم قبل أن يرفع" وخفضها إيجادها في الأرض ووضعها. والله أعلم. وقال في بيان ثالثتها (يرفع إليه) أي إلى الله سبحانه وتعالى ولكنه على حذف مضاف أي يرفع إلى خزائنه، والمراد به المحل الذي تنتهي الملائكة إليه بأعمال العباد ولعله سدرة المنتهى كما تقدم في حديث الإسراء، وهذا كما تقول رفع المال إلى الملك أي إلى خزائنه، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: {إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (عمل الليل) أي أعمال عباده في الليل (قبل) الأخذ والشروع في كتابة (عمل النهار و) يرفع إليه (عمل النهار) أي أعمالهم في النهار (قبل) الأخذ والشروع في كتابة (عمل الليل) يعني أن الملائكة الموكلين بنا تحصي علينا عمل اليوم فترفعه في آخره بقرب الليل وكذلك في الليل ترفعه بقرب النهار، ومعناه والله أعلم يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده.

حِجَابُهُ النُّورُ. (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ) لَوْ كَشَفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الرواية الآتية (يرفع إليه عمل النهار بالليل وعمل الليل بالنهار) قال القرطبي: معنى ما في الطريق الأولى يرفع إليه عمل الليل قبل الأخذ في عمل النهار أي في آخر الليل، ومعنى ما في الطريق الثاني يرفع إليه عمل الليل بقرب الأخذ في عمل النهار فتتفق الطريقتان على أن رفع عمل الليل في آخره، قال النواوي: معنى الأولى يرفع إليه عمل الليل قبل رفع عمل النهار أي في أول النهار الذي يليه، ومعنى الثانية يرفع إليه عمل الليل بالنهار أي بالنهار الذي يليه فتتفق الطريقتان على أن عمل الليل يرفع بأول النهار الذي يليه وعمل النهار بأول الليل الذي يليه لأن الملائكة عليهم السلام إنما تصعد بعمل الليل بعد انقضائه وكذا عمل النهار، قال الأبي: يشهد لما قاله القرطبي حديث "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر" لاقتضائه أن عمل النهار يرفع بالنهار وعمل الليل يرفع بالليل إذا جعل ما بعد الفجر من الليل. وقال في بيان رابعتها (حجابه) سبحانه وتعالى أي حجاب الله سبحانه الذي يحجب الخلق عن رؤيته (النور، وفي رواية أبي بكر: "النار") والحجاب في أصله في اللغة المنع والستر وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الجسم والحد، والمراد به هنا المانع من رؤيته تعالى وسمي ذلك المانع نورًا أو نارًا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما. وعبارة المفهم هنا: والحجاب هو المانع والساتر ومنه سمي المانع من الأمير حاجبًا وهو مضاف إلى الله تعالى إضافة ملك واختراع أو إضافة تشريف والمحجوب به هم العباد وهو النور الذي بهر بصر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (نور أنى أراه) وهو المعني بقوله في سدرة المنتهى (فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟ ) وأما البارئ تعالى فيستحيل عليه أن يحيط به حجاب إذ يلزم منه أن يكون مقدرًا محصورًا فيحتاج إلى مقدر ومخصص ويلزم منه حدوثه، وفي التحقيق أن الحجاب في حقوقنا الموانع التي تقوم بنا عند وجود هذه الحوائل كالجسم الكثيف والشديد النور. اهـ وقال في بيان خامستها (لو كشفه) أي لو كشف الله سبحانه وتعالى ذلك الحجاب الذي حجبهم عن رؤيته تعالى، وفي بعض الروايات (كشفها) فالضمير عائد على النار أو

لأحرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: عَنِ الأعمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنوار أو الحجاب بمعنى الحجب (لأحرقت سبحات وجهه) تعالى أي أنوار ذاته تعالى وبهاؤها وجلالها، وما في قوله (ما انتهى) مفعول به لأحرقت، والضمير في (إليه) عائد إلى ما الموصولة، وقوله (بصره) فاعل انتهى، والضمير فيه وفي قوله (من خلقه) عائد على الله تعالى، والجار والمجرور فيه حال من ما الموصولة، والمعنى لو كشف سبحانه وتعالى ذلك الحجاب الذي منعهم من رؤيتهم له تعالى وأزاله لأحرقت وأهلكت جمال وجلال وبهاء وجهه وذاته تعالى- ما -أي شيئًا- انتهى ووصل إليه أي إلى ذلك الشيء بصره تعالى حالة كون ذلك الشيء من مخلوقه تعالى، والخلاصة لو أزال المانع من رؤيته وهو الحجاب المسمى نورًا أو نارًا وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته، وفي المفهم: والسبحات بضم السين والباء الموحدة جمع سُبُحة بضمهما أيضًا، وأصلها جمال الوجه وبهاؤه ثم يعبر بها عن العظمة والجلال، وفي العيني والصَّحاح: سبحات وجه ربنا جلاله، والهاء في (بصره) عائد على الله تعالى على أحسن الأقوال وهو الذي عاد عليه ضمير وجهه وكذلك ضمير خلقه، ومعنى الكلام أن الله تعالى لو كشف عن خلقه ما منعهم به عن رؤيته في الدنيا لما أطاقوا رؤيته ولهلكوا من عند آخرهم كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}. ويفيد أن تركيب هذا الخلق وضعفهم في هذه الدار لا يحتمل رؤية الله تعالى فيها فإذا أنشأ تركيبهم للبقاء وقواهم حملوا ذلك، وقد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأبعدوا لا سيما من قال: إن الهاء في وجهه تعود على المخلوق فإنه يحيل مساق الكلام ويخل بالمعنى، والأشبه ما ذكرناه أو التوقف كما قال السلف: اقرؤوها كما جاءت يعنون المشكلات. اهـ (وفي رواية أبي بكر عن الأعمش) بصيغة العنعنة (ولم يقل) أبو بكر لفظة (حدثنا) الدالة على الاتصال، قال النواوي (وأما قوله في رواية أبي بكر عن الأعمش ولم يقل حدثنا) فهو من احتياط مسلم رحمه الله تعالى وورعه وإتقانه وهو أنه رواه عن أبي كريب وأبي بكر، فقال أبو كريب في روايته: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، وقال أبو بكر: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، فلما اختلفت عبارتهما في كيفية رواية شيخهما أبي

349 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوَيةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "مِنْ خَلْقِهِ" وَقَال: حِجَابُهُ النُّورُ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية بينها مسلم رحمه الله تعالى فحصل فيه فائدتان: إحداهما أن حدثنا للاتصال بإجماع العلماء، وفي (عن) خلاف، والصحيح الذي عليه الجمهور من طوائف العلماء أنها أيضًا للاتصال إلا أن يكون قائلها مدلسًا فبين مسلم ذلك، والثانية أنه لو اقتصر على إحدى العبارتين كان فيه خلل، فإنه إن اقتصر على عن كان مفوتًا لقوة حدثنا وراويًا بالمعنى، وإن اقتصر على حدثنا كان زائدًا في رواية أحدهما راويًا بالمعنى وكل مما يجتنب والله أعلم بالصواب. اهـ منه. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي موسى الأشعري أحمد [4/ 395 و 405] وابن ماجه [196]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه فقال: (349) - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة حافظ مجتهد من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا، قال (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثامنة مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأخبرنا جرير لأنه العامل في المتابع أي أخبرنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة الهمداني الكوفي عن أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أيضًا أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه. فقال جرير في روايته (قال) أبو موسى (قام فينا) أي في مجلسنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مبلغًا إلينا (بأربع كلمات ثم) بعد قوله بأربع كلمات (ذكر) جرير (بمثل حديث أبي معاوية و) لكن (لم يذكر) جرير لفظة (من خلقه وقال) جرير أيضًا (حجابه النور) كما قال أبو كريب وهذا بيان لمحل المخالفة بين المتابع والمتابع، والله أعلم. فإن (قلت) بين هذه الرواية والتي قبلها معارضة من حيث العدد (قلت) إن اختلاف

350 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَال: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ قَال: "قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعٍ: إِن للهَ لا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنَامَ يَرْفَعُ الْقِسْطَ ويخْفِضُهُ، ويرْفَعُ إِلَيهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيلِ، وَعَمَلُ اللَّيلِ بِالنَّهَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الروايتين في العدد من حيث البسط والاختصار فلا يوجب التعارض فإن الأولى حَسَبَتْ قوله (إن الله لا ينام ولا ينبغي له) واحدًا، وقوله (يخفض القسط ويرفعه) ثانيًا، وقوله (يرفع إليه عمل الليل والنهار) ثالثًا، وقوله (حجابه النور) رابعًا، وقوله (لو كشفه) ... إلخ خامسًا والرواية الثانية حسبت قوله (حجابه النور) وقوله (لو كشفه) واحدًا فجعلته رابعًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فقال: (350) - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (12) بابا (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم المدني البصري ثقة من التاسعة مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (قال) محمد بن جعفر (حدثني شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن عمرو بن مرة) المرادي الكوفي (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة منهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة للأعمش في رواية هذا الحديث عن عمرو بن مرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالنقص (قال) أبو موسى (قام فينا رسول إله صلى الله عليه وسلم بأربع) إحداها (إن الله لا ينام) وثانيها (ولا ينبغي له أن ينام) وثالثها (يرفع القسط ويخفضه) ورابعها (ويرفع إليه عمل النهار بالليل وعمل الليل بالنهار) ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي موسى وذكر فيه متابعتين. والله أعلم.

96 - (55) باب: ما جاء في رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة

96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ 351 - (170) (93) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضمِيُّ، وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَاللَّفْظُ لأبَي غَسَّانَ، قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ أي هذا الباب معقود في بيان الأحاديث التي وردت في إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، وبسندنا المتصل السابق في أول الكتاب قال المؤلف رحمه الله تعالى: (351) - (170) (93) (حدثنا نصر بن علي) الأزدي (الجهضمي) أبو عمر البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (250) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (وأبو غسان) البصري مالك بن عبد الواحد (المسمعي) نسبة إلى جده مسمع بوزن منبر ثقة من العاشرة مات سنة (230) روى عنه في (9) أبواب (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة مجتهد من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي أبي عبد الصمد أو أبي عبد الله البصري، روى عن عبد الملك بن حبيب أبي عمران الجوني في الإيمان وغيره، ومنصور في الصلاة واللباس، ويروي عنه (ع) ونصر بن علي وأبو غسان المسمعي وإسحاق الحنظلي وابن أبي عمر وابن أبي شيبة وأبو كامل الجحدري، وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار التاسعة مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لأبي غسان) تورعًا من الكذب على نصر بن علي وإسحاق، وأتى بقوله (قال) أبو غسان (حدثنا أبو عبد الصمد) تورعًا من الكذب عليه لأنه صرح بالسماع وذكر شيخه بكنيته، قال أبو عبد الصمد (حدثنا أبو عمران) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي (الجوني) بفتح الجيم نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد كما في اللباب الحافظ البصري مشهور بكنيته، روى عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس في الإيمان والجهاد في موضعين وصفة الجنة، وأنس في الوضوء وذكر الكفارة، وعبد الله بن الصامت في الصلاة والجهاد وحق الجار والحب، وجندب بن عبد الله في الجامع والعلم، وعبد الله بن رباح الأنصاري كتب إليه في العلم فجملة

عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةِ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَينَ الْقَوْمِ وَبَينَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا ويروي عنه (ع) وعبد العزيز بن عبد الصمد وحماد بن سلمة وجعفر بن سليمان في الوضوء والصلاة، وحماد بن زيد وشعبة وسليمان التيمي وأبو عامر الخزاز وأبو قدامة الحارث بن عبيد وهمام بن يحيى وأبان بن يزيد، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من كبار الرابعة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة (عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس) عمرِو بن أبي موسى الأشعري ويقال اسمه عامر الكوفي روى عن أبيه في الإيمان والصلاة والجهاد، والبراء بن عازب في الدعاء في أربعة أبواب تقريبًا، روى عنه (ع) وأبو عمران الجوني وزيد بن عثمان وأبو جمرة الضبعي وعبد الله بن أبي السفر وأبو إسحاق وغيرهم، وثقه العجلي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (106) ست ومائة، وكان أسن من أخيه أبي بردة (عن أبيه) عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري الصحابي الجليل الكوفي وقد تقدم البسط في ترجمته (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان منهم كوفيان إلَّا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (جنتان) مبتدأ أول، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل (من فضة) خبر مقدم للمبتدأ الثاني (آنيتهما) مبتدأ ثان مؤخر عن خبره (وما فيهما) معطوف على (آنيتهما) والتقدير جنتان من تلك الجنان الأربع آنيتهما وما فيهما كائنة من فضة، ومثله في الإعراب قوله (وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما) والتقدير وجنتان من تلك الجنان الأربع آنيتهما وما فيهما كائنة من ذهب. قال الأبي: يحتمل أن الحديث تفسير للجنان الأربع التي في سورة الرحمن وعموم (وما فيهما) يقتضي حتى أشجارهما التي لا تكون الجنة جنة إلَّا بها وخلقها من ذهب أو فضة ممكن، وارتفاع جنتان على الابتداء وسوغه التفصيل وآنيتهما مبتدأ ثان وهو وخبره خبر عن الأول. اهـ والآنية جمع إناء على وزن فعال وأفعلة كسقاء وأسقية. (وما بين القوم) من أهل الجنة (وبين أن ينظروا إلى ربهم) جل وعلا حجاب (إلا رداء) أي إلَّا صفة (الكبرياء) والجلال والعظمة (على وجهه) وذاته تعالى حالة كون

فِي جَنَّةِ عَدْنٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الناظرين (في جنة عدن) واقامة وخلود، والمعنى أي ليس ثم مانع من رؤيته تعالى إلَّا رداء الكبرياء أي إلَّا صفة الجلال التي لا تطيق الأبصار لضعفها رؤيته أي حتى يقويهم على رؤيته بخلقهم للدوام فاستعار صلى الله عليه وسلم لهذا الجلال المانع من رؤيته تعالى لفظ الرداء المانع من رؤية ما تحته تقريبًا للأفهام بإبراز المعقول في حيز المحسوس، والخطاب مع العرب الذين هم في البلاغة من هم، وباب الاستعارة مشهور عند العرب فلا إشكال في الحديث إلَّا عند من غلبت عليه العجمة واستولت على قلبه البلادة. اهـ سنوسي. قال القاضي عياض: والاستعارة هي استعمال اللفظ في غير ما وضعت له لعلاقة المشابهة بينهما مع قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلي وهي أحد أنواع المجاز وأرفع أبواب الفصاحة والإيجاز، والعرب كثيرًا ما تستعملها تقصد بها التوضيح والإفهام وعلى هذا النحو جاء لفظ الرداء هنا فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخاطب العرب بما تفهم ويخرج لهم الشيء من حيز المعقول إلى حيز المحسوس تقريبًا للفهم فاستعار صلى الله عليه وسلم لهذا الجلال المانع من رؤية الله تعالى لفظ الرداء المانع من رؤية ما تحته تقريبًا للأفهام فعبر عن زوال المانع ورفعه عن الأبصار بإزالة الرداء، وقال الرماني: ويسمى هذا النوع من الاستعارة تشبيهًا بغير أداة وغلبت البلادة والعجمة على قوم فلم يفهموا هذا المنزع من كلام العرب فاختلفوا في الحديث، فكذب بالأصل المعطلة وكذب بالحديث لجهل النقلة المعتزلة وكل تائه في مَهْمَهِ الجهل. وعبارة المفهم هنا قوله (إلَّا رداء الكبرياء على وجهه) الرداء هنا استعارة كنى بها عن كبريائه وعظمته كما قال في الحديث الآخر (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري) وليست العظمة والكبرياء من جنس الثياب المحسوسة وإنما هي توسعات، ووجه المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا ملازمين للإنسان مخصوصين به لا يشاركه فيهما غيره عبر عن عظمة الله تعالى وكبريائه بهما لأنهما مما لا يجوز مشاركة الله فيهما، ألا ترى آخر الحديث (فمن نازعني واحدًا منهما قصمته ثم قذفته في النار) ومعنى حديث أبي موسى هذا أن مقتضى جبروت الله تعالى وكبريائه وعزته واستغنائه أن لا يراه أحد ولا يعبأ بأحد ولا يلتفت إليه لكن لطفه وكرمه بعباده المؤمنين ورحمته لهم وعوده عليهم يقتضي أن يمن عليهم بأن يريهم وجهه إبلاغًا في الإنعام وإكمالًا للامتنان فإذا كشف عنهم الموانع وأراهم وجهه الكريم فقد فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء فكأنه رفع عنهم حجابًا يمنعهم.

352 - (171) (94) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيسَرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجه الله تعالى هل عبارة عن وجوده وذاته المقدس أو عن صفة شريفة عظيمة معقولة ليست كوجهنا؟ في ذلك لأئمتنا قولان وكذلك القول في اليد والعين والجنب المضافة إلى الله تعالى. اهـ من المفهم. وقوله (في جنة عدن) متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم فكأنه قال حالة كونهم كائنين في جنة عدن ولا يكون الكينونة فيها من الله تعالى لاستحالة المكان والزمان عليه تعالى. اهـ منه. وقال الضحاك: وجنة عدن اسم لمدينة الجنة وهي مسكن الأنبياء عليهم السلام والعلماء والشهداء وأئمة العدل، والناس سواهم في جنات حواليها، وقيل إنها اسم مركب إضافي فالجنات البساتين. واختلف في عدن فقال الحسن: قصر لا يدخله إلَّا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عادل ومد بها صوته، وقال عطاء: هو نهر على حافتيه جنات، وقيل عدن اسم للإقامة من عدن بالمكان إذا أقام به، وقال ابن عطية: وهو الصواب لأن الله سبحانه وتعالى وعدها المؤمنين والمؤمنات بقوله تعالى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} الآية. فلا معنى للتخصيص. اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي موسى أحمد [411] والبخاري [4878] و [7444] والترمذي [2530] وابن ماجه [186]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي موسى الأشعري بحديث صهيب رضي الله تعالى عنهما فقال: (352) - (171) - (94) (حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة) القواريري الجشمي مولاهم أبو سعيد البصري سكن بغداد روى عن عبد الرحمن وأبي عوانة وعبد الوارث بن سعيد وخالد بن الحارث ويحيى القطان وبشر بن المفضل وسفيان بن عيينة ومعاذ بن هشام وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س) وأبو زرعة والفريابي والبغوي، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة مات في أيام التشريق سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة والنكاح في موضعين والزكاة والصوم والحج في أربعة مواضع وعذاب القبر وصفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل في

قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ صهَيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعين واللباس، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها عشرة تقريبًا. (قال) عبيد الله (حدثني عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (198) بالبصرة عن (63) وكان يحج كل سنة، قال (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أو التميمي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة عابد أثبت الناس في ثابت من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) نسبة إلى بنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب وموضع لهم بالبصرة أبي محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي واسم أبي ليلى يسار وقيل داود بن بلال بن أُحيحة بن الجلَّاح بن الحَرِيش بن جَحْجَبَا بن كَلَفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس، روى عن صهيب في الإيمان والزهد، وكعب بن عجرة في الوضوء والصلاة والحج، والبراء في الصلاة، وأمِّ هانئ في الصلاة، وأبي بن كعب في الصلاة وآيات آخر الكتاب، وزيد بن أرقم في الجنائز، وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وعلي في الحج والدعاء، وأنس بن مالك في الأطعمة، والمقداد بن الأسود في الأطعمة، وحذيفة في الأطعمة، وأبي أيوب في الدعاء، ويروي عنه (ع) وثابت البناني والحكم بن عتيبة وهلال بن أبي حميد وعمرو بن مرة وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن ومجاهد وأبو قلابة وعبد الملك بن عمير ويزيد بن أبي زياد في الأطعمة وعمرو بن ميمون في الدعاء، قال عبد الله بن الحارث: ما ظننت أن النساء ولدن مثله، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثانية ولد لست بقين من خلافة عمر، وقال بعضهم: لست مضين مات سنة (83) ثلاث وثمانين بوقعة الجماجم وقيل غرق بدجيل مع محمد بن الأشعث فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب تقريبًا (عن صهيب) - مصغرًا - ابن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل أبو يحيى سبته الروم وهو صغير من الموصل فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وكناه أبا يحيى صحابي مشهور شهد بدرًا من السابقين، له أحاديث انفرد له (خ) بحديث و (م) بثلاثة، يروي عنه (ع) وابن عمر وابن أبي ليلى وابن المسيب وبنوه حمزة وزياد وصيفي وسعد، كان اسمه عبد الملك وصهيب لقبه أصله من النمر مات بالمدينة سنة

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَال: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: تُرِيدُونَ شَيئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَال: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيئًا أَحَبَّ إِلَيهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمان وثلاثين (38) في خلافة علي وقيل قبل ذلك (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد مدني. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أهل الجنة الجنة) وقوله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد لقال الأول (يقول الله تبارك) أي تزايد بره وإحسانه لعباده (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من كل النقائص (تريدون) أي أتريدون يا عبادي (شيئًا) من المطالب (أزيدكم) ذلك الشيء على ما أعطيتكم، قال الأبي: هذا استنطاق لا استفهام لأن الله سبحانه لا يخفى عليه شيء (فيقولون) في جوابه (ألم تبيض وجوهنا) بهمزة الاستفهام التقريري، وكذا في قوله (ألم ندخلنا الجنة وتنجنا من النار) بالجزم عطفًا على ما قبله فأي نعمة أفضل من هذا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فبكشف) الله سبحانه وتعالى (الحجاب) أي يزيل الموانع التي كانت تمنع رؤيته سبحانه، وتسميتها حجابًا مجاز بالاستعارة والمحجوب بها الخلق كما تقدم (فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزَّ وجلَّ). وفي المفهم: وقول من يسأله الله من أهل الجنة بقوله (هل تريدون شيئًا أزيدكم) (ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة وتنجنا من النار) لا يليق بمن مات على كمال المعرفة والمحبة والشوق وإنما يليق ذلك بمن مات بين الخوف والرجاء فلما حصل على الأمن من المخوف والظفر بالمرجو الذي كان تشوقه إليه قنع به ولها عن غيره، وأما من مات محبًّا لله مشتاقًا لرؤيته فلا يكون همه إلَّا طلب النظر لوجهه الكريم لا غير، ويدل على صحة ما قلته أن المرء يحشر على ما مات عليه كما علم من الشريعة، بل أقول إنَّ من مات مشتاقًا لرؤية الله تعالى لا ينبه بالسؤال بل يعطيه أمنيته ذو الفضل والإفضال، ومذهب أهل السنة بأجمعهم أن الله تعالى ينظر إليه المؤمنون في الآخرة بأبصارهم كما نطق بذلك الكتاب وأجمع عليه سلف الأمة ورواه بضعة عشر من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنع ذلك فرق من المبتدعة منهم المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة بناء منهم على أن الرؤية يلزمها شروط اعتقدوها عقلية كاشتراط البنية

353 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ـــــــــــــــــــــــــــــ المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع من القرب المفرط والبعد المفرط والحجب الحائلة في خبط لهم وتحكم، وأهل الحق لا يشترطون شيئًا من ذلك عقلًا سوى وجود المرئي وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي لكن يقترن بالرؤية بحكم جريان العادة أحوال يجوز في العقل شرعًا تبدلها، والله أعلم. وتفصيل ذلك وتحقيقه في علم الكلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث صهيب بن سنان أحمد (4/ 332 و 333) والترمذي (3555) وابن ماجه (187). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث صهيب رضي الله تعالى عنه فقال: (353) - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من العاشرة، قال (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن من التاسعة مات سنة (206) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا (عن حماد بن سلمة) بن دينار التميمي البصري، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا يزيد بن هارون، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع المذكور في السند السابق أي حدثنا يزيد بن هارون بهذا الإسناد أي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد واسطي وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يزيد بن هارون لعبد الرحمن بن مهدي في رواية هذا الحديث عن حماد بن سلمة، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (و) لكن (زاد) يزيد بن هارون على عبد الرحمن قوله (ثم تلا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه الآية) استشهادًا على قوله وهي قوله تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} بالأعمال الصالحة {الْحُسْنَى} أي الجنة {وَزِيَادَةٌ} أي النظر إلى ربهم. الآية في سورة يونس [26] وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال، والثاني حديث صهيب بن سنان فذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والله أعلم.

97 - (56) باب: بيان كيفية رؤية الله سبحانه وتعالى

97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى 354 - (172) (95) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُ؛ "أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُويةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ؟ قَالُوا: لا. يَا رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث التي تبين كيفية رؤية الله تعالى هل هي على التدريج؟ أم على الدفعة؟ أو هي واضحة أم لا؟ (354) - (172) (95) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من العاشرة قال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو يوسف المدني ثقة فاضل من التاسعة مات سنة (208) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة حجة من الثامنة مات سنة (183) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني ثقة من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عطاء بن يزيد الليثي) من أنفسهم الجندعيِّ أبي يزيد المدني نزيل الشام ثقة من الثالثة مات سنة (107) روى عنه في (5) أبواب (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (أخبره) أي أخبر لعطاء بن يزيد الليثي، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا زهير بن حرب فإنه نسائي (أن ناسًا) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) نعم ترونه سبحانه بلا ضرر ولا تعب و (هل تضارون) وتتعبون وتشكون (في رؤية القمر ليلة البدر) أي في ليلة أربعة عشر حين استكمل جرمه ونوره (قالوا) في جواب استفهامه (لا) نضار ولا نشك في ذلك (يا رسول الله) قال النواوي: روي (تضارون) بتشديد الراء وبتخفيفها والتاء مضمومة فيهما، ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه كما تفعلون أول ليلة من الشهر، ومعنى المخفف هل

قَال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر، وروي أيضًا تضامون كما في البخاري بتشديد الميم وتخفيفها فمن شددها فتح التاء ومن خففها ضم التاء، ومعنى المشدد من الانضمام هل تتضامون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته، ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم وهو المشقة والتعب، ومعناه لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضًا في رؤيته تعالى. والله أعلم. اهـ وقال الأبي: والمعنى في الجميع إنكم ترون الله سبحانه دون أن يضر بعضكم بعضًا بأن يحجبه أو يزاحمه أو يضيمه أو ينازعه أو يضمه إليه كما يفعلون ذلك عند رؤية الهلال بل الحال كالحال عند رؤية الشمس والقمر، والمشبه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي ولذا لم يقل كالقمر، (قال: هل تضارون) وتشكون (في) رؤية (الشمس لبس دونها) أي تحتها (سحاب) أي غيم (قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه) سبحانه رؤية واضحة لا شك فيها (كذلك) أي مثل رؤيتكم ذلك المذكور من القمر والشمس. وعبارة المفهم هنا: قوله (هل تضارون) يروى بضم التاء وفتحها وتشديد الراء وبتخفيفها وضم التاء، والتشديد أكثر وكلها له معنى صحيح، ووجه الأكثر أنه مضارع مبني لما لم يسم فاعله أصله تضاررون أسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية وأصل ماضيه ضورر، ويجوز أن يكون مبنيًّا للفاعل بمعنى تضاررون بكسر الراء إلَّا أنها سكنت الراء وأدغمت وكله من الضر المشدد، وأما التخفيف فهو من ضاره يضيره ويضوره ضيرًا مخففة فإذا بني لما لم يسم فاعله قلتَ فيه يُضَارُ مخففة، وأما رواية فتح التاء فهي مبنية للفاعل بمعنى تتضارون وحذفت إحدى التاءين استثقالًا لاجتماعهما ومعنى هذا اللفظ أن أهل الجنة إذا امتنَّ الله عليهم برؤيته سبحانه تجلَّى لهم ظاهرًا بحيث لا يحجب بعضهم بعضًا ولا يضره ولا يزاحمه ولا يجادله كما يفعل عند رؤية الأهلة بل كالحال عند رؤية الشمس والقمر ليلة تمامه، وقد حكي ضاررته مضارة إذا خالفته وقد روي (تضامون) بالميم والقول فيه رواية ومعنى كالقول في تضارون غير أن تضامون بالتشديد من المضامة وهي الازدحام أي لا تزدحمون عند رؤيته تعالى كما تزدحمون عند رؤية الأهلة، وأما بالتخفيف فمن الضيم وهو الذُّل أي لا يذل بعضكم بعضًا بالمزاحمة والمنافسة

يَجْمَعَ اللهُ الناسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمنازعة، وقوله (فإنكم ترونه كذلك) هذا تشبيه للرؤية ولحالة الرائي لا المرئي ومعناه أنكم تستوون في رؤية الله تعالى من غير مضارة ولا مزاحمة كما تستوون في رؤية الشمس والبدر عيانًا، وقد تأولت المعتزلة الرؤية في هذه الأحاديث بالعلم فقالوا: إنَّ معنى رؤيته تعالى أنه يعلم في الآخرة ضرورة وهذا خطأ لفظًا ومعنى، وأما اللفظ فهو أن الرؤية بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين ولا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر وهي قد تعدت هنا إلى مفعول واحد فهي للإبصار، ولا يصح أن يقال إنَّ الرؤية بمعنى المعرفة لأن العرب لم تستعمل رأيت بمعنى عرفت لكن بمعنى علمت أو أبصرت واستعملت علمت بمعنى عرفت لا رأيت بمعنى عرفت، وأما المعنى فمن وجهين: أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم شبه رؤية الله تعالى بالشمس وذلك التشبيه لا يصح إلَّا بالمعاينة. وثانيهما أن الكفار يعلمونه تعالى في الآخرة بالضرورة فترفع خصوصية المؤمنين بالكرامة وبلذة النظر وذلك التأويل منهم تحريف حَمَلَهُم عليه ارتكاب الأصول الفاسدة والعقائد الزائغة. وذلك أنه (يجمع الله) سبحانه وتعالى (الناس يوم القيامة) في موقف واحد (فيقول) لهم حين أراد فصل القضاء (من كان يعبد) دون الله (شيئًا) من المعبودات (فليتبعه) إلى النار أي فليلحقه إلى النار أمر من الاتباع بتشديد التاء (فيتبع من كان يعبد الشمس) وقوله (الشمس) ثانيًا مفعول يتبع، والأول مفعول يعبد وكذا يقال في القمر مرتين، والطواغيت كذلك في قوله (ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت) جمع طاغوت، قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى حيًّا كان أو ميتًا جمادًا كان أو حيوانًا إنسًا أو جنًّا أو ملكًا أو شيطانًا أو كاهنًا ولكن المراد به في هذا الحديث الأصنام، قال الواحدي: الطاغوت يكون واحدًا وجمعًا ويؤنث ويذكر قال الله تعالى في الواحد: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} وفي الجمع: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ} وهو نظير فلك جمعًا ومفردًا بلفظ واحد، وقال في المؤنث: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا

وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالى، فِي صُورَةٍ غَيرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} قال في المصباح: هو في تقدير فَعْلُوت بفتح العين لكن قدمت اللام موضع العين، واللام واو محركة مفتوح ما قبلها فقلبت ألفًا فبقي في فلعوت وهو من الطغيان الذي هو مصدر طغى قاله الزمخشري، وفي الصحاح: والطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنه من طغى ولاهوت غير مقلوب لأنه من لاه بمنزلة الرغبوت والرهبوت والرحموت. اهـ (وتبقى هذه الأمة) المحمدية بعد ذهاب سائر الأمم إلى النار مع معبوداتها حالة كونها متسترون (فيها منافقوها) زاعمين أنهم منهم ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم وينجيهم كما نفعهم في الدنيا جهلًا منهم بأن الله تعالى عالم بهم ومطلع على ضمائرهم وهذا كما قد أقسمت طائفة من المشركين أنهم ما كانوا مشركين توهمًا منهم أن ذلك ينجيهم، ويحتمل أن يكون حشرهم مع المسلمين لما كانوا يظهرونه من الإسلام فحفظ عليهم ذلك حتى يميز الله الخبيث من الطيب، ويحتمل أنه لما قيل لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فاتبع الناس معبوداتهم ولم يكونوا عبدوا شيئًا فبقوا هنالك حتى ميزوا ممن كان يعبد الله (فيأتيهم الله) سبحانه (تبارك وتعالى) أي يتجلى لهم ويظهر (في صورة) أي بصفة من صفات الحوادث (غير صورته) أي غير صفته (التي) كانوا (يعرفونـ) ـــها في الدنيا من كتابه العزيز ومن سنة رسوله الكريم كقوله: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وكلمة (في) في قوله (في صورة) بمعنى الباء فيكون معنى الكلام أن الله تعالى يجيئهم ويظهر لهم بصورة كما قيل في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} أي بظلل ويكون معنى الإتيان هنا يحضر لهم تلك الصورة وهذه الصورة التي لا يعرفونها هي مخلوقة (فيقول) الله سبحانه وتعالى لهم بواسطة تلك الصورة (أنا ربكم) فاتبعوني، وفي الأبي: أي يبعث الله سبحانه وتعالى لهم صورة يمتحنهم بها فتقول تلك الصورة، وقال النواوي: أو يتخرج على حذف مضاف أي فيأتيهم أحد من الملائكة ويقول لهم ذلك الملك أو تلك الصورة أنا ربكم (فيقولون نعوذ بالله منك) أي من اتباعك (هذا) الموقف (مكاننا) أي مستقرنا (حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا) أي تجلى لنا (عرفناه) أي عرفناه بصفته التي بين لنا في كتابه (فيأتيهم الله) سبحانه

تَعَالى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ و(تعالى) أي يتجلى ويظهر لهم (في صورنه) أي بصفته (التي يعرفونـ) ـــه بها في الدنيا (فيقول) لهم (أنا ربكم) فاتبعوني (فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) إلى موقف الحساب، وهذه الصورة الثانية التي يعرفونها عندما يتجلى لهم الحق بها هي صفته تعالى التي لا يشاركه فيها شيء من الموجودات ولا يشبهه بشبهها شيء من المصورات، وهذا الوصف هو الذي كانوا قد عرفوه في الدنيا وهو المعبر عنه بقوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ولذلك قالوا إذا جاء ربنا عرفناه وفي حديث آخر يقال لهم (وكيف تعرفونه؟ قالوا إنه لا شبيه له ولا نظير) ولا يستبعد إطلاق الصورة بمعنى الصفة فمن المتداول أن يقال صورة هذا الأمر كذا أي صفته، والإتيان والمجيء المضاف إلى الله تعالى ثانيًا هو عبارة عن تجليه لهم فكأنه كان بعيدًا فقرب أو غائبًا فحضر وكل ذلك خطابات مستعارة جارية على المتعارف من توسعات العرب فإنهم يسمون الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو كان منه بسبب. اهـ مفهم. وقوله (فيتبعونه) أي يتبعون أمره كما يقال اتبعت فلانا على رأيه واتبعت أمره أي انقدت له وامتثلته فيكون من باب الاستعارة أي يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، ويجوز أن يكون من باب حذف المضاف أي يتبعون ملائكته ورسله الذين يسوقونهم إلى الجنة فكأنهم يتقدمون بين أيديهم دلالة وخدمة وتأنيسًا، والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي المفهم (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون) هذا المقام مقام هائل يمتحن الله تعالى فيه عباده ليتميز المحق من المبطل وذلك أنه لما بقي المنافقون والمراؤون متلبسين بالمؤمنين والمخلصين زاعمين أنهم منهم وأنهم عملوا مثل أعمالهم وعرفوا الله مثل معرفتهم امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم فأجاب المؤمنون بمنكار ذلك والتعوذ منه لما قد سبق لهم من معرفتهم بالله تعالى وأنه منزه عن صفات هذه الصورة إذ سماتها سمات المحدثات ولذلك قال في حديث أبي سعيد (فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا) مرتين أو ثلاثًا حتى إنَّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، وهذا البعض الذي هم بالانقلاب لم يكن لهم رسوخ العلماء ولا ثبوت العارفين، ولعل هذه الطائفة هي التي إعتقدت الحق وجزمت عليه من غير بصيرة ولذلك كان اعتقادهم قابلًا للانقلاب، ثم يقال بعد هذا للمؤمنين هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟

وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَينَ ظَهْرَي جَهَنَّمَ. فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق ويتجلى لهم فيرونه حقيقة معاينة وعند هذا يسجد الجميع فمن كان مخلصًا في الدنيا صح له سجوده على تمامه وكماله ومن كان منافقًا أو مرائيًا عاد ظهره طبقة واحدة كلما رام السجود خر على قفاه، وعند هذا الامتحان يقع امتياز المحق من المبطل فعلى هذا تكون الصورة التي لا يعرفونها مخلوقة (ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلَّا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم). (ويضرب الصراط) أي يمد ويبسط (بين ظهري جهنم) أي على ظهر جهنم ومتنها وفي بعض النسخ "ظهراني". والصراط لغة الطريق وفيه لغات الصاد والسين والزاي، وهو هنا الطريق من أرض المحشر إلى الجنة وهو منصوب على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وهو المسمى بالجسر في الحديث الآخر رواه مسلم عن ثوبان (315). وفي الأبي: الصراط عرفًا جسر يضرب على ظهر جهنم يمر الناس عليه إلى الجنة فينجو المؤمنون على كيفيات ومنازل تأتي ويسقط المنافقون، قال القاضي: وأجمع السلف على حمل أحاديثه على ظاهرها دون تأويل ويحتمل أن يكون خلق مع جهنم، قال بعضهم: فالضرب على هذا الإذن في المرور ويحتمل أنه خلق الآن والله أعلم بصفته. وقوله (ظهري جهنم) هو بفتح الظاء وسكون الهاء ومعناه يمد الصراط عليها، قال الخليل: يقال هو بين ظهراني القوم وبين ظهريهم أي بينهم (وجهنم) اسم من أسماء النار التي يعذب بها في الآخرة، قال الجوهري: هو ملحق بالخماسي بتشديد الحرف الثالث منه ولا ينصرف للتعريف والتأنيث وهو فارسي معرب ورَكَيَّةٌ جهنام أي بعيدة القعر. اهـ مفهم. (فأكون أنا وأمتي) معطوف على الضمير المستتر في أكون بعد تأكيده بالمنفصل (أول من يجيز) ويمر عليه إلى الجنة وهو بضم أوله من أجاز الرباعي أي يمضي عليه ويقطعه، يقال أجزت الوادي وجزته لغتان فصيحتان، وحكي عن الأصمعي أنه قال: أجزته قطعته وجزته مشيت فيه، ويحتمل أن يقال إنَّ الهمزة في أجاز هنا للتعدية من

وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ. وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. هَلْ رَأَيتُمُ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَال: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهم (أجيزي صوفةُ) أي أجزنا وذلك أن صوفة كان رجلًا معظمًا في قريش يقتدى به في مناسك الحج فلا يجوز أحد في شيء من مواقفه حتى يجوز هو فكان الناس يستعجلونه فيقولون: أجز صوفة، أي ابتدئ بالجواز حتى نجوز بعدك فكان يمنعهم بوقوفه ويجيزهم بجوازه ثم بقي ذلك في ولده فقيل للقبيلة (أجيزي صوفة) فكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته على الصراط فلا يجوز أحد حتى يجوز هو وأمته فكأنه يجيز الناس. (ولا يتكلم يومئذ) أي حينئذ أي حين إذ يجوزون على الصراط لشدة الأهوال وإلا ففي يوم القيامة مواطن يتكلم الناس فيها وتجادل كل نفس عن نفسها ويسأل بعضهم بعضًا ويتلاومون ويخاصم التابعون المتبوعين أي ولا يتكلم حينئذ أحد (إلا الرسل ودعوى الرسل) أي دعاؤهم جاء بالمصدر مؤنثًا (يومئذ) أي يوم إذ يجوزون على الصراط (اللهم سلم سلم) أي سلم المارين من السقوط في جهنم وذلك من كمال شفقتهم ورحمتهم للخلق، وفيه أن الدعوات تكون بحسب المواطن فيدعى في كل موطن بما يليق به والله أعلم. (وفي) قعر (جهنم كلاليب) شكلها (مثل) شكل (شوك السعدان) تطلع من جانب الصراط، والكلاليب بزنة المفاعيل جمع كَلُّوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهي حديدة معوجة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور ليقلى اللحم ومثل ما يوجد في دكاكين المقادى، قال صاحب المطالع: هي خشبة في رأسها عقاقة حديد وقد تكون حديدًا كلها، ويقال لها أيضًا كلاب، والسعدان بفتح السين وإسكان العين المهملتين نبت له شوكة عظيمة من كل الجوانب مثل الحسك؛ والحسك بفتحتين جمع حسكة والحسكة كل شجر شائك، وفي المفهم: والسعدان نبت كثير الشوك شوكه كالخطاطيف والمحاجن في الأرمية "قجما". قال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا للحاضرين (هل رأيتم السعدان) أي شجره (قالوا نعم) رأيناه (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنها) أي فإن الكلاليب شكلها (مثل) شكل (شوك السعدان غير أنه) أي غير أن الشأن (لا يعلم ما قدر

عِظَمِهَا إِلا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ عظمها) أي عظم تلك الشوكة وكبرها (إلا الله) سبحانه وتعالى، وفي المفهم: قيدناه عن بعض شيوخنا برفع الراء على أن تكون (ما) استفهامًا خبرًا مقدمًا و (قدر) مبتدأ مؤخرًا أو بنصبها على أن تكون (ما) زائدة و (قدر) مفعول يعلم (تخطف) وتأخذ تلك الكلاليب (الناس) المارين على الصراط بسرعة وتسقطهم في قعر جهنم (بـ) سبب (أعمالهم) السيئة (فمنهم) أي فمن الناس المارين على الصراط (المؤمن) بالميم والنون أي كامل الإيمان (بقي) بالباء الموحدة وبالقاف على الصراط بلا خطف ولا سقوط في جهنم (بعمله) أي الصالح أو بقي وحبس على الصراط بعمله السيئ، وفي نسخة (يقي) بالياء التحتانية وبالقاف أي يقيه الله تعالى ويحفظه من السقوط في جهنم بعمله الصالح لأنه من الوقاية بمعنى الحفظ والمعنى يجعل بعمله وقاية لجهنم وسترًا عنه وهذا الوجه للسمرقندي، قال النواوي: وهذا هو الموجود في معظم أصول بلادنا، والوجه الثاني (الموثق) بالثاء المثلثة (بعمله) من الوثاق أي المربوط المحبوس بسبب عمله السيئ على الصراط وهذا الوجه للطبري، والوجه الثالث (الموبق) بالموحدة المفتوحة أي المهلك (بعمله) السيئ في جهنم حتى لا يخرج لكونه منافقًا في الدنيا وهذا الوجه للعذري، قال القاضي: وهذا الوجه أصحها، بل قال صاحب المطالع: بل هذا الثالث هو الصواب، وعبارة المفهم هنا قوله (فمنهم الموبق بعمله) بالباء الموحدة كذا للعذري ومعناه المهلك بعمله السيئ، وللطبري (الموثق بعمله) بالثاء المثلثة من الوثاق، وللسمرقندي (المؤمن بقي بعمله) وكلها صحيح والأول أوضحها (ومنهم المجازى) بفتح الزاي على صيغة اسم المفعول من المجازاة أي ومنهم المجازى أي المعاقب بعمله على الصراط (حتى ينجى) بفتح الجيم المشددة على صيغة المبني للمجهول أي ومنهم المعاقب على الصراط مجازاة له على عمله السيئ حتى ينجيه الله سبحانه وتعالى بمروره على الصراط، أو المعنى ومنهم المجزي بعمله السيئ بعد سقوطه في جهنم حتى يحصل له النجاة بخروجه منها. اهـ من بعض الهوامش. وفي المفهم: وروى العذري وغيره (ومنهم المخردل) مكان المجازى ومعناه الذي تقطع الكلاليب لحمه وجسمه، يقال خردلت اللحم خراديل أي قطعته قطعًا وهو بالدال المهملة، وحكى يعقوب أنه يقال بالذال المعجمة وهو أيضًا بالخاء المعجمة، وقد قاله

حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَينَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا، مِمَّن أَرَادَ اللهُ تَعَالى أنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنِ ابْنِ آدَمَ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ، حَزمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ. فَيُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدِ امْتَحَشُوا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم بالجيم والجردلة الإشراف على الهلاك والسقوط فيه. وقوله (حتى إذا فرغ الله) غاية لمحذوف معلوم من جملة إذا تقديره وهم معذبون في جهنم إلى وقت أمر الله سبحانه الملائكة بإخراجهم من جهنم وقت فراغه من القضاء الفاصل بين العباد أي حتى إذا فرغ الله سبحانه (من القضاء) الفاصل (بين العباد) وتمم عليهم حسابهم وكمله وفصل بينهم واستقر كل في محله، لا أن الله سبحانه يشغله شأن عن شأن (وأراد) سبحانه (أن يخرج برحمته) وفضله من النار (من أراد) إخراجه (من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله) سبحانه وتعالى في عبادته مثلًا (شيئًا) من المخلوق حالة كونه (ممن أراد الله) سبحانه و (تعالى أن يرحمه) بإخراجه من النار حالة كونه (ممن يقول لا إله إلَّا الله) مع عديلتها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وشفع كل من له شفاعة، ألا ترى قوله وأراد أن يخرج برحمته لا بشفاعة أحد من أراد إخراجه من أهل النار، واقتصاره على (لا إله إلَّا الله) ولم يذكر معها الشهادة بالرسالة إما لأنهما لما تلازمتا في النطق اكتفى بذكر إحداهما عن الأخرى، وإما لأنه لما كانت الرسل كثيرين ويجب على كل أحد أن يعرف برسالة رسوله كان ذكر جميعهم يستدعي تطويلًا فسكت عن ذكرهم علمًا بهم واختصارًا لذكرهم والله أعلم. اهـ من المفهم (فيعرفونهم) أي فتعرف الملائكة من لا يشرك بالله شيئًا (في النار) بسيماهم لأنهم (يعرفونهم بأثر السجود) وموضعه وهو الجبهة أو جميع أعضاء السجود السبعة لأنه (تأكل النار) وتحرق (من) جسم (ابن آدم إلَّا أثر السجود) وموضعه لأنه (حرم الله) سبحانه وتعالى (على النار أن تأكل) من ابن آدم (أثر السجود) وموضعه (فيخرجون) على صيغة المجهول أي فيخرج أهل لا إله إلَّا الله (من النار) بإخراج الملائكة (وقد امتحشوا) أي احترقوا وصاروا كالحمم جمع حممة وهي الفحم، وفي المفهم وقوله (قد امتحشوا) صوابه بفتح التاء والحاء ومعناه احترقوا

فَيُصَبُّ عَلَيهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال امتحش الخبز أي احترق ويقال محشته النار وأمحشته والمعروف أمحشته، والمحش لهب النار يحرق الجلد حتى يبدو العظم، قال صاحب العين: يقال محشته النار وأمحشته والمعروف الرباعي والثلاثي لغة، وقد رواه بعضهم (امتحشوا) مبنيًّا لما لم يسم فاعله أي أحرقوا، والصواب الأول (فيصب عليهم) أي يهراق ويرش على المخرجين من النار (ماء الحياة) أي ماء يحيى به الجسم وهو الماء الذي من شربه أو اغتسل به لم يمت أبدًا. وفي الأبي: هؤلاء الذين أخرجوا من النار برحمة الله سبحانه وتعالى من ليس عندهم إلَّا مجرد الإيمان وإنما يخرجون بشفاعة أرحم الراحمين كما أشرنا إليه آنفًا، وقوله (إلَّا أثر السجود) قال القاضي عياض: قيل يعني السبعة الأعضاء، ويرده قوله في الحديث الآخر (إلَّا دارات وجوههم) فإنه يدل على أنه إنما بقي الوجوه إكرامًا لموضع السجود ومكانه من الإيمان وإكرامًا للصورة التي خلق آدم عليها وفضل بها الإنسان على غيره، قال النواوي: لا يرده لأن ذلك في قوم خاصين لا يسلم منهم إلَّا دارات الوجوه وغيرهم تسلم منهم السبعة الأعضاء، قال الأبي: وعلى أنها السبعة فلا يعارض ما يأتي من أن منهم من تأكله النار إلى ركبتيه لأنها قد تأخذهما فتغيرهما ولا تأكلهما (فينبتون منه) أي ينبتون أي فتنبت أجسامهم بسبب ذلك الماء الذي صب عليهم، فمن بمعنى الباء المسببية، ولفظة ما في قوله (كما تنبت الحبة في حميل السيل) مصدرية والكاف صفة لمصدر محذوف والتقدير فينبتون منه نباتًا سريعًا سرعة كسرعة نبات الحبة في حميل السيل والحبة بكسر الحاء هي بذر البقول والعشب تنتشر بالريح فإذا أمطرت السماء من قابل تنبت في البراري وجوابي السيول، وجمعها حبب بكسر أوله وفتح ثانيه نظير قرب وقربة، وأما الحبة بفتحها فهي بذر ما يزرع ويقتات كالحنطة والشعير مثلًا، وقال أبو عمرو: هي اسم لنبت صغار تنبت في الحشيش، وقال الكسائي: هي حب الرياحين، وقال الأصمعي: هي اسم لحب كل نبت له حب قال: وهي بضم الحاء وتخفيف الباء القضيب من الكرم يغرس، والحبة من العنب الواحدة حبة، وأما الحنطة وغيرها فهو الحب لا غير وحميل السيل محموله من طين أو غثاء فإذا اتفق أن يكون فيه حبة فإنها تنبت في يوم وليلة وهي أسرع نابتة نباتًا، شبه صلى الله عليه وسلم سرعة نباتهم بسرعة نبات تلك الحبة، وبقي عليه من التشبيه المقصود بالحديث نوع آخر دل عليه ما في حديث أبي سعيد الخدري حيث قال: ألا ترونها تكون إلى الحجر

ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ تَعَالى مِنَ الْقَضَاءِ بَينَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ ألنَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللهَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: هَلْ عَسَيتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض وهو تنبيه إلى ما يكون إلى الجهة التي تلي الجنة منهم يسبق إليه البياض المستحسن وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر ذلك النصوع عنه فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوي الحسن والنور ونضارة النعمة عليهم، ويحتمل أن يشير بذلك إلى أن ما يباشر الماء تشتد سرعة نصوعه وأن ما فوق ذلك يتأخر عنه البياض لكنه يسري إليه سريعًا - (ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد) ثانيًا يعني يكمل خروج الموحدين من النار (ويبقى) بين النار والجنة (رجل مقبل) أي مستقبل (بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولًا الجنة فيقول) ذلك الرجل (أي رب) أي يا رب (اصرف وجهي عن النار) أي حول وجهي من جهة النار إلى جهة الجنة (فإنه) أي فإن الشأن والحال (قد قشبني ريحها) أي قد ملأ خياشيمي ريحها وسمني وأهلكني وغير صورتي وجلدي (وأحرقني ذكاؤها) أي لهبها واشتعالها وشدة وهجها وحرها، قال الليث: القشب بالفتح السم وبالكسر خلط السم بالطعام فالقشب والمقشوب المسموم، وقال عمر لبعض بنيه: قشبك المال أي أذهب عقلك، وقال الخطابي: يقال قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ بكِظَمِه وهذا أبين وأوضح في معنى الحديث، وقال الداودي: معناه غير جلدي وصورتي وأحرقني، وقال الجوهري: قشبني يقشبني. أي أذابني كأنه قال سمني ريحه، قال: والقشب السم والجمع أقشاب، وعن أبي عمرو: وذكاء بفتح الذال مقصورًا وممدودًا وقد روي هنا بالوجهين شدة حرها ولهبها (فيدعو الله) سبحانه وتعالى ذلك الرجل، و (ما) في قوله (ما شاء الله) مصدرية ظرفية ويحتمل كونها موصولة، وجملة (أن يدعوه) مفعول المشيئة أي فيدعو الله سبحانه ذلك الرجل مدة مشيئة الله دعاءه إياه (ثم) بعد فراغه من دعائه (يقول الله تبارك وتعالى) لذلك الرجل (هل عسيت) بفتح التاء على الخطاب ويقرأ بفتح السين وكسرها لغتان وقرئ بهما في السبع قرأ نافع بالكسر والباقون بالفتح وهو الأفصح والأشهر في اللغة، قال ابن السكيت: هو فعل جامد لا يتصرف منه مضارع ولا أمر ولا غيرهما أي

إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ غَيرَهُ. ويعْطِي للهِ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللهُ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَي رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى بَاب الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَيسَ قَدْ أَعْطَيتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ لا تَسْأَلُنِي غَيرَ الَّذِي أَعْطَيتُكَ، ويلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ، وَيَدْعُو اللهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيتَ إِنْ أَعْطَيتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا، وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هل رجوت وظننت (إن فعلت ذلك) المسؤول لك من صرف وجهك عن النار (بك) وأجبته لك (أن تسأل غيره) أي غير ذلك الصرف (فيقول) ذلك الرجل (لا أسالك غيره) أي غير ذلك الصرت (ويعطي) ذلك الرجل (لله) سبحانه، وقوله (من عهود) جمع عهد (ومواثيق) جمع ميثاق وهو العهد المؤكد باليمين بيان مقدم لقوله (ما شاء الله) سبحانه وتعالى أي عاهد لله سبحانه على أن لا يسأل غيره وألزم نفسه ذلك وأقسم عليه ما شاءه الله سبحانه وأراد منه من العهود والمواثيق (فـ) بعد ما عاهد على عدم سؤال غيره وأقسم عليه (يصرف الله) سبحانه ويحول (وجهه) أي وجه ذلك الرجل (عن النار) إلى الجنة (فإذا أقبل) ذلك الرجل بوجهه إلى الجنة واطلع (على) ما في (الجنة ورآها) أي ورأى وأبصر ما فيها من النعيم والنضارة (سكت ما شاء الله أن يسكت) أي أمسك عن الكلام وسكت مدة مشيئة الله سبحانه سكوته (ثم) بعد سكوته مدة (يقول) ذلك الرجل (أي رب) أي يا رب (قدمني) أي قربني (إلى باب الجنة، فيقول الله) سبحانه (له) أي لذلك الرجل (أليس) بهمزة الاستفهام التقريري أي أليس الشأن والحال (قد أعطيت) لي أولًا (عهودك ومواثيقك) على أن (لا تسألني غير الذي أعطيتك) من صرف وجهك عن النار (ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك (يا ابن آم ما أغدرك) أي أي شيء جعلك غادرًا ناقضًا لعهدك خائنًا فيما عاهدت لي أو شيء عجيب جعلك غادرًا ناقضًا للعهد (فيقول) ذلك الرجل (أي رب) أي يا رب (ويدعو الله) تعالى أن يقربه إلى باب الجنة (حتى يقول) الله سبحانه (له) أي لذلك الرجل (فهل عسيت) ورجوت (إن أعطيتك ذلك) التقديم (أن تسأل غيره) أي غير ذلك التقديم (فيقول) الرجل في جواب الرب سبحانه (لا) أسألك غير ذلك التقديم (وعزتك) أي أقسمت لك بعزتك، قال القاضي: فيه جواز الحلف بالصفات، والعزة صفة أثرها اتصافه تعالى بجميع الكمالات (فيعطي) ذلك الرجل (ربه) سبحانه (ما

شَاءَ اللهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيرِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَي رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى لَهُ: أَلَيسَ قَدْ أَعْطَيتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيرَ مَا أُعْطِيتَ، ويلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أي رَبِّ، لا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى مِنْهُ. فَإِذَا ضَحِكَ اللهُ مِنْهُ، قَال: ادْخُلِ الْجَّنَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله) سبحانه (من عهود ومواثيق فيقدمه) الله سبحانه (إلى باب الجنة فإذا قام) ذلك الرجل (على باب الجنة انفهقت) أي انفتحت واتسعت (له الجنة فرأى) أي فيرى (ما فيها من الخير) والنعيم (والسرور) أي والبشارة لأهلها، وقوله (من الخير) هكذا هو بالخاء المعجمة المفتوحة والياء المثناة من تحت الساكنة على الرواية المشهورة فيه، وقد روي (الحبر) بالحاء المهملة المفتوحة والباء الموحدة الساكنة ومعناه السرور المفرط وإفراط التنعم ومنه قوله تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أي ينعمون ويسرون والحبر بكسر الحاء الذي يكتب به والعالم والجمال ومنه (ذهب حبره وسبره) أي جماله وبهاؤه ويقال في العالم بفتح الحاء (فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب) أي يا رب (أدخلني الجنة) وفي سؤاله بعد أن أعطى عهده جواز حل اليمين بفعل المحلوف عليه كما قال صلى الله عليه وسلم: "إلا أتيت الذي هو خير وكفرت"، ولا حجة فيه لأن الله سبحانه قد عذره حين رأى ما لا صبر له بعد أن عاتبه (فيقول الله) سبحانه (تبارك وتعالى له) أي لذلك الرجل (أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك) على (أن لا تسألـ) ـــني (غير ما أعطيت) بفتح التاء على الخطاب وبالبناء للمجهول (ويلك يا ابن آدم ما أغدرك) أي أي شيء جعلك غادرًا (فيقول) الرجل (أي رب لا أكون أشقى خلقك) من رحمتك أي سألتك لئلا أكون من أشقى وأخيب وأحرم خلقك من رحمتك (فلا يزال) أي لا يبرح (يدعو الله) سبحانه وتعالى (حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه) أي من دعاء ذلك الرجل ويظهر أثر رضاه ورحمته له (فإذا ضحك الله) سبحانه (منه) أي من ذلك الرجل أي إذا أراد أن يظهر له أثر رحمته (قال) الله سبحانه وتعالى (ادخل الجنة) دار كرامتي ومقر أوليائي، قال القرطبي: والضحك من خواص البشر، وهو تغير أوجبه سرور القلب بحصول كمال لم يكن حاصلًا قبلُ فتثور من القلب حرارة ينبسط لها الوجه ويضيق عنها

فَإِذَا دَخَلَهَا قَال اللهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى، حَئئتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفم فينفتح وهو التبسم فإذا زاد ولم يضبط الإنسان نفسه قهقهه وذلك كله على الله تعالى محال لكن لما كان دلالة عندنا على الرضا ومظهرًا له غالبًا عبر عن سببه به، وقد قالوا تضحك الأرض من بكاء السماء أي يظهر خيرها، وفي بعض الحديث "فيبعث الله سحابًا يضحك أحسن الضحك" يعني السحاب رواه أحمد ومنه قول دعبل بن علي الخزاعي: لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى ومنه قول الآخر: في طعنة تضحك عن نجيع فالضحك في هذه المواضع بمعنى الظهور فيكون معناه في هذا الحديث أن الله تعالى رضي عن هذا العبد وأظهر عليه رحمته وفضله ونعمته ولهذا حمله قوم هنا على أنه تجلى لهذا العبد وظهر له. اهـ منه (قلت) مذهب السلف إثبات الضحك لله تعالى من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه وهو الأسلم فإذًا نقول فالضحك صفة ثابتة لله تعالى نثبته ونعتقده ولا نكيفه ولا نمثله {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وهذا هو المذهب الأسلم الأعلم الذي نلقى عليه الرب جل وعلا وكذا يقال في آيات الصفات وأحاديثها كلها. (فإذا دخلها قال الله) سبحانه (له) أي لذلك الرجل (تمنه) بهاء السكت فليست هاء الضمير لعدم المرجع أي اطلب ما ظهر لك من الرغائب واسأله مني، والتمني طلب ما لا طمع فيه أو طلب ما فيه عسر كما هو مقرر في محله (فيسأل) ذلك الرجل (ربه) سبحانه ما يطمعه من المطالب (ويتمنى) أي ويسأله ما لا يطمعه من الرغائب (حتى) انتهت به المطامع والأماني ثم (إن الله) سبحانه (ليذكره) أي ليذكر ذلك الرجل من أنواع الرغائب والأمنيات ليسأله فيقول له سل واطلب (منـ) ــي (كذا وكذا) كناية عن صنوف الرغائب أي يقول له تمن من الشيء الفلاني ومن الشيء الآخر يسمي له ويعدد أجناس ما يتمنى فيسأله جميع ما ذكره الله تعالى (حتى) حصلت له جميع المطامع والرغائب وانزاح عن قلبه ما يتمناه وانقطع تصوره فيه فـ (إذا انقطعت به) وانزاحت عن قلبه (الأماني) أي

قَال اللهُ تَعَالى: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَال عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيرَةَ لا يَرُدُّ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيئًا، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيرَةَ، أَن اللهَ قَال لِذَلِكَ الرَّجُلِ: وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَال أَبُو سَعِيدِ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ، يَا أَبَا هُرَيرَةَ. قَال أَبُو هُرَيرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَال أبُو سَعِيدِ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمنيات والرغائب جمع أمنية وهو كل ما يتمناه القلب ولم يتصور في قلبه (قال الله) سبحانه و (تعالى) لذلك الرجل الذي انقطعت عنه الأماني (ذلك) الذي سألتنيه حاصل (لك ومثله معه) أي والحال أن مثله وقدره مصحوب معه ومنضم إليه لك (قال عطاء بن يزيد) الليثي الراوي عن أبي هريرة بالسند السابق (وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة) رضي الله تعالى عنهما أي قال عطاء: روى لنا هذا الحديث أبو هريرة، والحال أن أبا سعيد الخدري جالس معه في حلقته حالة كون أبي سعيد (لا يرد عليه) أي على أبي هريرة ولا ينكر عليه (من حديثه) أي من حديث أبي هريرة الذي حدثه لنا عنده (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا أي أصغى إليه أبو سعيد الخدري وسكت (حتى إذا حدث) لنا (أبو هريرة) وأكمل حديثه ووصل إلى قوله (أن الله) سبحانه وتعالى (قال لذلك الرجل) ذلك لك (ومثله معه، قال أبو سعيد) لأبي هريرة: قل يا أبا هريرة ذلك لك (وعشرة أمثاله معه) فإن الحديث كذلك (يا أبا هريرة، قال أبو هريرة) لأبي سعيد هكذا سمعت الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا (ما حفظت) ولا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا قوله) صلى الله عليه وسلم (ذلك لك ومثله معه) وما سمعت منه وعشرة أمثاله معه (قال أبو سعيد) الخدري لأبي هريرة: أما أنا فـ (أشهد) على نفسي (أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله) صلى الله عليه وسلم (ذلك لك وعشرة أمثاله) معه، قال القاضي عياض: ويقال في الجمع بين الحديثين بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بما في حديث أبي هريرة أولًا فحدث به فسمعه أبو هريرة ثم أوحي إليه بما في حديث أبي سعيد فسمعه أبو سعيد ولم يسمعه أبو هريرة، والأظهر في عشرة أمثاله أنها زيادة على مسمى ذلك اهـ (قال أبو هريرة) بالسند السابق (وذلك الرجل) الذي يقول الله له ذلك، وهو مبتدأ خبره قوله (آخر أهل الجنة دخولًا الجنة) كما مر في أول الحديث.

355 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ، أَخبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيثِيُّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَل نَرَى رَبُّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ... وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 368] والبخاري [7437] والترمذي [2557]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (355) - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة فاضل متقن من الحادية عشرة مات بسمرقند يوم عرفة سنة (255) وله (74) سنة روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي البهراني مولاهم الحمصي مشهور بكنيته ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (222) اثنتين وعشرين ومائتين بحمص، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة وغيرهما، قال (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة القرشي الأموي مولاهم واسم أبيه دينار أبو بشر الحمصي أحد الأثبات المشاهير ثقة عابد من السابعة مات سنة (162) روى عن الزهري في الإيمان والصلاة وغيرهما (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (الزهري) المدني ثقة حافظ متقن من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (قال) الزهري (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أبو محمد المدني أحد العلماء الأثبات والفقهاء السبعة بالمدينة من كبار الثانية مات بعد التسعين (90) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (وعطاء بن يزيد الليثي) المدني ثقة من الثالثة كلاهما رويا (أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى) ونبصر (ربنا يوم القيامة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان شاميان وواحد سمرقندي، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لإبراهيم بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه (وساق) أي ذكر شعيب بن أبي حمزة (الحديث) السابق (بمثل معنى حديث إبراهيم بن سعد) أي بمثله في

356 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى دون اللفظ وهو بمعنى قوله في موضع آخر (بمعناه) ولكن الفرق بينهما أن قوله بمعناه يدل على أن معنى الحديثين متحد بعينه، وأن قوله بمثل معناه يدل على أن معنى الحديثين متماثلان متقاربان لا متحدان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (356) - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة عابد من الحادية عشرة مات سنة (245) روى عنه في (11) بابًا، قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت فاضل من السابعة مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من الرابعة مات سنة (132) روى عنه في أبواب كثيرة (قال) همام (هذا) الحديث الذي حدثتكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة أن أبا هريرة قال (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه لسعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إن أدنى) أي إنَّ أقل وأنقص وأنزل (مقعد أحدكم من الجنة) مقعد يعطى لأحدكم بعد (أن يقول له) الرب جل جلاله وتبارك اسمه (تمن) أيها المؤمن ما شئت من الرغائب (فيتمنى) ويسأل ذلك العبد ما شاء منها (ويتمنى) مرة ثانية وثالثة وما فوقها (فيقول له) الرب تكاثر إحسانه (هل تمنيت) أيها العبد ما ظهر لك من الرغائب (فيقول) العبد (نعم) يا رب

فَيَقُولُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تمنيت وتمنيت فأعطيتني عطاء لم يعط أحد غيري مثله (فيقول له) الرب (فإن لك) يا عبدي جميع (ما تمنيت) وسألت (ومثله معه) أي والحال أن مثله معه. ***

98 - (57) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ 357 - (173) (96) وحدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَال: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ "أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ. قَال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ (357) - (173) (96) (وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الأنباري نسبة إلى الأنبار بلدة على الفرات ثم الحدثاني بفتح المهملتين والثاء المثلثة آخره نون نسبة إلى الحديثة بلدة أخرى على الفرات صدوق مدلس من العاشرة مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (قال) سويد (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي بالضم نسبة إلى عقيل بن كعب أبو عمر الصنعاني صنعاء الشام أبو عمر العسقلاني، روى عن زيد بن أسلم وموسى بن عقبة وهشام بن عروة والعلاء بن عبد الرحمن، ويروي عنه (خ م س ق) وسويد بن سعيد وابن وهب وسعيد بن منصور وآدم بن أبي إياس، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والزكاة والبيوع والأيمان والجامع وصفة الجنة والنار والزهد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم من الثامنة مات سنة (181) إحدى وثمانين ومائة (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي أسامة المدني ثقة عالم وكان يرسل من الثالثة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني أحد الأئمة الأعلام ثقة فاضل من الثالثة مات سنة (94) أربع وتسعين، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (9) (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه الصحابي المشهور المدني، وهذا السند من خماسياته ثلاثة منهم مدنيون وواحد عراقي وواحد شامي (أن ناسًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم) ترونه ثم (قال: هل تضارون) وتتعبون (في رؤية الشمس) في السماء (بالظهيرة) أي في وقت الظهيرة أي في وقت وقوف الشمس في كبد

صَحْوًا لَيسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَل تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ. كَانَ يَعْبُدُ غَيرَ اللهِ سُبحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ، إِلا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السماء، وقوله (صحوًا) حال من الشمس أو من السماء، وقوله (ليس معها) أي دونها (سحاب) أي غيم تفسير لقوله صحوًا والمعنى هل تضارون في رؤية الشمس الجارية في كبد السماء حالة كونها صحوًا أي صاحية خالية من الحجاب والساتر بينكم وبينها أي ليس دونها سحابة ولا ضبابة ولا غبار (وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر) أي ليلة أربع عشرة ليلة تمامه حالة كون تلك الليلة (صحوًا) أي خالية من السحاب، وقوله (ليس فيها) أي في تلك الليلة أو في السماء (سحاب) أي غيم تفسير لقوله صحوًا (قالوا) أي قال أولئك السائلون (لا) نضار في رؤيتهما في تلك الحالة (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة) ضررًا (إلَّا كما تضارون) أي إلَّا ضررًا مثل ضرركم (في رؤية أحدهما) أي أحد الشمس والقمر في هاتين الحالتين، والمعنى لا تضارون في رؤيته تعالى أصلًا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلًا، وذلك أنه (إذا كان) وجاء (يوم القيامة أذن مؤذن) أي نادى مناد من الملائكة في عرصات القيامة بأمر الله تعالى برفيع صوته كي يعلم أهل الموقف فيقول في ندائه (ليتبع كل أمة) أي ليلحق كل فرقة من فرق أهل الموقف (ما كانت تعبد) في الدنيا (فلا يبقى) في الموقف (أحد كان يعبد) في الدنيا (غير الله سبحانه) حالة كون ذلك الغير (من الأصنام) جمع صنم وهو كل ما نحت على صورة آدمي أو غيرها وعبد كصورة عيسى ومريم والعجل ويسمى وثنًا (والأنصاب) معطوف على الأصنام جمع نصب بفتح النون بمعنى منصوب وهو كل ما نصب وعبد من دون الله تعالى سواء كان منحوتًا على أي صورة أو غير منحوت كالأحجار المنصوبة حول البيت في الجاهلية وهو من عطف العام على الخاص، وقوله (إلا يتساقطون) استثناء من أعم الأحوال أي لا يبقى أحد يعبد غير الله تعالى في حال من الأحوال إلَّا في حال تساقطهم (في النار) مع معبوداتهم فإذا تساقطوا في النار وخلا الموقف عن عُبَّاد غير الله سبحانه (حتى إذا لم يبق) في

إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيرَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ. فَمَاذَا تَبغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا، يَا رَبُّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيهِم: أَلا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموقف (إلَّا من كان يعبد الله) سبحانه وتعالى ظاهرًا وباطنًا فقط، حالة كونه (من بر) أي من مخلص في عبادته وإيمانه (وفاجر) أي منافق من هذه الأمة (و) من (غُبَّر أهل الكتاب) بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة المشددة جمع غابر من غبر بمعنى بقي أي من بقاياهم الذين بقوا في الموقف لا على دين أنبيائهم كما قد يتوهم، والفاء في قوله (فيدعى) زائدة في جواب إذا وفي بعض النسخ تدعى بالتاء أي يدعى (اليهود) وينادى (فيقال لهم) في النداء تفسير لدعائهم (ما كنتم تعبدون) أيها اليهود في الدنيا (قالوا) أي قال اليهود (كنا نعبد) في الدنيا (عزير ابن الله) يعنون به عزير بن سروحا وهو رجل من بني إسرائيل، قيل إنه لما حرق بختنصر التوراة وقتل القائمين بها والحافظين لها قذفها الله تعالى في قلبه فقرأها عليهم فقالت جهلة اليهود عنه: إنه ابن الله (فيقال) لهم (كذبتم) في ادعاء بنوته لله سبحانه وتعالى لأنه (ما اتخذ الله) سبحانه (من صاحبة) أي زوجة (ولا) من (ولد) فمن زائدة لوقوعها بعد النفي أي ما اتخذ ولا جعل لنفسه صاحبة ولا ولدًا، قال الأبي: قوله (كذبتم) يعني كذبتم في قولكم إنَّ عزيرًا ابن الله لا في أنكم عبدتموه، والكذب الخبر الغير المطابق (قلت) النسبة المقيدة بقيد إنما تصدق بعد ثبوت ذلك القيد فإذا قلت رأيت زيدًا يشتم عمرًا وأنت إنما رأيته فقط فالخبر كذب لعدم ثبوت الشتم وهم إنما عبدوه من حيث إنه ابن الله، وهذا القيد غير ثابت أو يقال قولهم عبدنا المسيح ابن الله في قوة خبرين كونهم عبدوه وكونه ابن الله فكذبوا على أن خبرهم بمعنى الكل لا بمعنى الكلية. اهـ (فماذا تبغون) أي فأي شيء تطلبون (قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار اليهم) إلى النار فيقال لهم (ألا تردون) هذا المورد فتشربون منه إنَّ كنتم عطاشًا فيرويكم، وذلك أنهم لما ظنوا أنه ماء أسمعوا بحسب ما ظنوا فإن الورود إنما يقال لمن قصد إلى الماء ليشرب (فيحشرون) أي يساقون مجموعين (إلى النار) فيرونها كأنها) أي كان تلك النار (سراب) أي شبيهة بالسراب، والسراب ما يتراءى للناس نصف النهار في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لامعًا مثل

يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبُّنَا، فَاسْقِنَا. قَال: فَيُشَارُ إِلَيهِمْ: أَلا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئًا، وجملة قوله (يحطم) أي يكسر (بعضها بعضًا) ويهلكه ويأكله في محل الرفع خبر ثان لـ (كأن)، ومعناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها كأن بعضها يحطم بعضًا أي يركب بعضها بعضًا ويكثر بعضها على بعض كما يفعل البحر إذا هاج، والحطم الكسر والإهلاك والحطمة اسم لطبقة من طبقات النار سميت بذلك لكونها تحطم ما يلقى فيها وتأكله وتهلكه. وقوله (فيتساقطون في النار) معطوف على يحشرون أي فيتتابعون في السقوط فيها حتى لا يبقى منهم أحد (ثم يدعى) فريق (النصارى) وفي بعض النسخ تدعى بالتاء (فيقال لهم: ما كنتم تعبدون) في الدنيا (قالوا: نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم) أي للنصارى (ماذا تبغون؟ ) أي ماذا تريدون الآن (فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا) ما يزيل عنا هذا العطش الذي أخذنا من زحمة الموقف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيشار إليهم) إلى النار فيقال لهم (ألا تردون) هذا المورد فتشربون منه (فيحشرون) أي يساقون (إلى جهنم) فيرونها (كأنها سراب) لشدة اتقادها وكأنها (يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلَّا من كان يعبد الله تعالى) أي يوحده ويتذلل له (من بر وفاجر) والبر ذو البِرِّ وهو فعل الطاعات والخير والفجور عكسه (أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى) أي أمر الله سبحانه وتعالى ملكًا أو خلقًا من مخلوقاته بإتيانهم (في أدنى صورة) أي في صورة هي أدنى وأنقص (من) الصورة (التي رأوه) سبحانه وعلموه (فيها) أي بها في الدنيا في كتابه العزيز أي ظهر لهم الملك بصفة مخالفة لصفة الله تعالى التي علموه بها في الدنيا من كتابه العزيز من قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قال النووي: معنى رأوه فيها علموها له وهي صفته المعلومة للمؤمنين وهي أنه لا يشبهه شيء، وقال

قَال: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا: يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضي: قيل إنَّ الإتيان هنا فعل من فعل الله تعالى سماه إتيانًا وصف نفسه به، ويحتمل أن يكون الإتيان المعهود فيما بيننا جعله تعالى لغيره من ملائكته فأضافه إلى نفسه كما يقول القائل "قطع الأمير اللص" وهو لم يل ذلك بنفسه إنما أقر به وهذا أشبه الوجوه عندي بالحديث مع ما يأتي بعده ويكون هذا الملك هو الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدوث الظاهرة على الملك والمخلوق. وعبارة المفهم هنا قوله (أتاهم رب العالمين) إتيان الله تعالى هنا هو عبارة عن إقباله عليهم وتكليمه إياهم و (أدنى) بمعنى أقرب و (الصورة) بمعنى الصفة و (رأوه) بمعنى أبصروا غضبه ومعنى ذلك أنهم لما طال عليهم قيامهم في ذلك المقام العظيم الكرب الشديد الخوف الذي يقول فيه كل واحد من الرسل الكرام: إنَّ ربي قد غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله هالهم ذلك وكأنهم يئسوا من انجلاء ذلك فلما كشف الله عنهم ذلك وأقبل عليهم بفضله ورحمته وكلمهم رأوا من صفات لطفه ومن كرمه ما هو أقرب مما رأوه أولًا من غضبه وأخذه، وإلا فهذا أول مقام كلمهم الله فيه مشافهة وأرى من أراد منهم وجهه الكريم إنَّ قلنا إنَّ المؤمنين رأوه في هذا المقام وقد اختلف فيه ولم يكن تقدم لهم قبل ذلك سماع ولا رؤية فتعين ما قلناه والله أعلم. اهـ منه. (قال) رب العالمين أي قال لهم ذلك الملك الذي أتاهم في أدنى صورة (فما تنتظرون) أي فأي شيء تنتظرون في هذا الموقف وقد (تتبع كل أمة) سواكم (ما كانت تعبد) في الدنيا (قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا) لأجل امتثال أمرك ونهيك (أفقر) وأحوج (ما كنا إليهم) أي فارقناهم في الدنيا مدة كوننا أحوج إليهم أي في حالة شدة حاجتنا إليهم في معاشنا (ولم نصاحبهم) في تلك الحالة والآن لا نتبعهم بل ننتظر ربنا، وما في قوله (ما كنا) مصدرية ظرفية وأفقر خبر كان مقدم عليها دماليهم متعلق بأفقر والظرف المقدر متعلق بفارقناهم، والمعنى فارقناهم مدة كوننا أحوج إليهم ولم نصاحبهم في تلك المدة والآن نفارقهم أيضًا كما فارقناهم في الدنيا لأجلك. قال الأبي: قولهم (يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أحوج ما كنا إليهم) لما قيل لتتبع

فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كل أمة ما كانت تعبد وعلموا أن القائل أنا ربكم ليس هو سبحانه وإنما هو فتنة بدليل استعاذتهم تضرعوا إلى الله تعالى بقولهم يا ربنا فارقنا الناس إلخ لا إلى قائل أنا ربكم في كشف هذه الشدة وتوسلوا إليه في ذلك بأفضل الأعمال وهو الإيمان به وتركهم اتباع الناس في عبادتهم غير الله تعالى أحوج ما كانوا إلى اتباعهم للارتفاق بهم في مصالح الدنيا، وهذا كما جرى للصحابة المهاجرين وغيرهم من المؤمنين في جميع الأزمان فإنهم يقاطعون من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع احتياجهم في معايشهم إلى الارتفاق بهم والاعتضاد بمخالطتهم فآثروا رضا الله تعالى على ذلك. قوله (فارقنا الناس) إلخ وعبارة المفهم هنا: والصحيح من الرواية فارقنا ساكنة القاف والناس منصوب على أنه مفعول فارقنا وهو جواب الموحدين لما قيل لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، ومعناه إنا فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم على شيء منها اكتفاء بعبادتك ومعاداة فيك ونحن على حال حاجة شديدة إليهم وإلى صحبتهم إذ قد كانوا أهلًا وعشيرة ومخالطين ومعاملين ومع ذلك ففارقناهم فيك وخالفناهم إذ خالفوا أمرك فليس لنا معبود ولا متبوع سواك، وكان هذا القول يصدر من المحق والمتشبه فحينئذ تظهر لهم صورة تقول أنا ربكم امتحانًا واختبارًا فيثبت المؤمنون العارفون ويتعوذون ويرتاب المنافقون والشاكون ثم يؤمر الكل بالسجود على ما تقدم. اهـ قال السنوسي: فقولهم (يا ربنا فارقنا الناس) ابتداء دعاء منهم لربهم الحقيقي وإعراض منهم عن هذه الصورة الظاهرة لا أنهم قصدوا بذلك خطابها، كيف وهم استعاذوا منها وقولهم فارقنا الناس في الدنيا إلى آخره، ويدخل في هذا المعنى كل من هجر وطنه وقرابته لحج أو جهاد أو قراءة علم نافع يقصد به وجه الله تعالى ورضي بالغربة والفقر ابتغاء رضوان الله تعالى وكذلك من ترك كل من حاد الله تعالى وعصاه من سلطان فما دونه وغير عليه المنكر بما يقدر عليه ولو بمجرد عدم إظهار البشر له وتحمل المشقة في ذلك وإن كان يوجب ذلك عليه ضيقًا في دنياه ومعاشه وهذا المعنى ظاهر في هذا الحديث لا شك في حسنه، والعجب من القاضي كيف أنكر ما رواه مسلم مع شدة ظهوره. اهـ (فيقول) الملك الذي ظهر لهم في أدنى صورة من التي رأوه بها (أنا ربكم فيقولون

نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، لَا نُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا (مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا) حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ: هَل بَينَكُمْ وَبَينَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُكشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاء وَرَياءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نعوذ بالله منك) أي من فتنتك (لا نشرك بالله شيئًا) قال الملك ذلك (مرتين أو ثلاثًا) والشك من الراوي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الملك لهم أنا ربكم مرتين أو يقول لهم ثلاثًا أي يكرر الملك عليهم قوله أنا ربكم (حتى إن بعضهم) أي بعض الباقين في الموقف (ليكاد أن ينقلب) ويرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى لهم، قال النواوي: قوله (ليكاد أن ينقلب) هكذا في الأصول بإثبات أن وإثباتها مع كاد لغة كما أن حذفها مع عسى لغة وينقلب بياء مثناة من تحت ثم نون ثم قاف ثم لام ثم باء موحدة، والمعنى كرر عليهم ذلك حتى إنَّ بعضهم قارب أن يرجع عن الصواب للامتحان الذي جرى لهم. (فيقول) الملك الذي تصور لهم بصورة أدنى (هل بينكم وبينه) أي بين ربكم (آية) أي علامة وصفة (فتعرفونه) أي فتعرفون ربكم (بها) أي بتلك الآية (فيقولون نعم) بيننا وبينه علامة وصفة نعرفه بها، والآية هي ما علموا من أنه ليس كمثله شيء (فيكشف) قال النواوي: بفتح الياء وضمها وهما صحيحان أي يكشف الله سبحانه وتعالى (عن ساق) له تعالى ويتجلى لهم بصفاته الجلالية والجمالية، والمذهب الأسلم الأعلم هنا وفي نظائره من أحاديث الصفات وآياتها مذهب السلف، والساق عندهم صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليست كساقنا لقوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وهذا المذهب هو الذي نلقى عليه الرب سبحانه وقد بسطنا الكلام على صفة الساق في سورة النون في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إنَّ أردت الخوض فيه، أي يكشف الله عنهم المانع عن رؤيته ويتجلى لهم بساقه (فلا يبقى من كان يسجد) في الدنيا (لله) سبحانه وتعالى مخلصًا (من تلقاء نفسه) أي من جهة نفسه لا لملاحظة مخلوق برياء وسمعة (إلَّا أذن الله) تعالى (له) في الخضوع له ويسر له (بالسجود) كما كان يسجد له في الدنيا (ولا يبقى من كان يسجد) في الدنيا (اتقاء) أي وقاية وحذرًا من شر المؤمنين وعقوبتهم (ورياء) أي إراءة لعبادته وصلاته للناس (إلَّا جعل الله) سبحانه

ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةَ. كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَقَال: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ. وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعالى (ظهره طبقة واحدة) أي صحيفة ولوحة واحدة لا يقدر على انحناء ظهره فضيحة له على تزويره في الدنيا، قال الهروي وغيره: الطبق بفتحتين فقار الظهر أي صار ظهره فقارة واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود. قال النووي: وقد يتوهم من هذا الحديث أن المنافقين يرون الله تعالى مع المؤمنين وقد ذهب إلى ذلك طائفة حكاه ابن فورك لقوله صلى الله عليه وسلم وتبقى هذه فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى، وهذا الذي قالوه باطل بل لا يراه المنافقون بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين وليس في هذا الحديث تصريح برؤيتهم لله تعالى وإنما فيه أن الجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون يرون الصورة ثم بعد ذلك يرون الله تعالى وهذا لا يقتضي أن جميعهم يرونه وقد قامت دلائل الكتاب والسنة على أن المنافق لا يراه سبحانه وتعالى، قال السنوسي: وهذا من باب إسناد الحكم إلى المجموع فيكتفى فيه بالبعض في إثبات الرؤية للجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون ويصدق برؤية البعض وهم المؤمنون. (كلما أراد) وقصد (أن يسجد خر) وسقط (على قفاه) أي على مؤخر رأسه (ثم يرفعون رؤوسهم) من السجود (وقد تحول) أي وقد أزال الصورة الممتحن بها فيرونه (في صورته التي رأوه) وعلموه (فيها) أي بها (أول مرة) أي علموها له أول مرة أي في الدنيا بقوله {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ}. قال النواوي: ومعنى قوله (وقد تحول في صورته) أي وقد أزال المانع لهم من رؤيته وتجلى لهم في صورته التي علموها له في كتابه العزيز أول مرة. اهـ بتصرف. قال الخطابي: وهذه الرؤية التي في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي هي في الجنة لكرامة أولياء الله تعالى وإنما هذه للامتحان (فقال) لهم سبحانه (أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب الجسر) الذي هو الصراط أي يمد ويبسط (على) متن (جهنم) وظهرها وفوقها والجسر بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو في الأصل القنطرة فوق الأنهار (وتحل) بكسر الحاء وقيل بضمها أي تقع (الشفاعة) ويؤذن فيها للشافعين

وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ، سَلِّمْ سَلِّمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَال: دَحْضٌ مَزَلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَينِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيرِ وَكَأَجَاويدِ الْخَيلِ وَالرِّكَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأنبياء وغيرهم، والشفاعة هي طلب الخير للغير من الغير (ويقولون) أي يقول المارون على الصراط (اللهم سلمـ) ـــنا من السقوط وخطف الكلاليب، وقوله ثانيًا (سلم) توكيد لفظي للأول (قيل يا رسول الله وما الجسر؟ ) أي ما حقيقته لأن (ما) يسأل بها عن الحقيقة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الجسر شيء (دحض) ومكان أملس وموضع (مزلة) أي مكان تزل فيه الأقدام، قال النواوي: هو بتنوين دحض وفتح داله وسكون حائه، ومزلة بفتح الميم وفي الزاي لغتان مشهورتان الفتح والكسر، والدحض والمزلة بمعنى واحد وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر فيه ومنه دحضت الشمس أي مالت وحجة داحضة لا ثبات لها (فيه) أي في ذلك الدحض الأملس (خطاطيف) على زنة مفاعيل جمع خطاف بضم الخاء المعجمة، وقوله (وكلاليب) بمعنى الخطاطيف وقوله (وحسك) بفتح الحاء والسين جمع حسكة وهو شوك صلب من حديد والحسكة في الأصل الشجر الشائك والكلام على التشبيه البليغ، والمعنى فيه خطاطيف وكلاليب على صورة حسكة وهي شجرة (تكون) أي توجد (بنجد) وهو ضد تهامة (فيها) أي في تلك الحسكة (شويكة) تصغير شوكة أي فيها شِيَكٌ صغار (يقال لها) أي لتلك الحسك (السعدان) وهو اسم شجر له شوك معوج في الأرمية "قجما" (فيمر) ويجوز (المؤمنون) عليه وهم في مرورهم على ثلاثة أقسام: القسم الأول ناج مسلم لا يناله شيء من العذاب وتختلف آحاده في السرعة على اختلاف مراتبهم، فذكرهم بقوله ومنهم من يمر (كطرف العين) أي كلمحتها وطرف العين فتحها بعد غلقها (و) منهم من يمر (كالبرق) الخاطف ولمعانه (و) منهم من يمر (كالريح) المرسلة (و) منهم من يمر (كالطير) المسرع في طيرانه (و) منهم من يمر (كأجاويد الخيل) المسرعة (و) كـ (ـــالركاب) والجمال المادة عنقها، وإضافة أجاويد إلى الخيل من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأجاويد جمع جياد وهو جمع جيد فهو جمع الجمع وهو الجيد الجري من المطي، والركاب بكسر الراء الإبل المركوبة وهو اسم جمع واحدتها راحلة من غير لفظها وهو معطوف على الخيل، والخيل

فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَة للهِ، فِي اسْتِقصَاءِ الْحَقِّ، مِنَ الْمُؤمِنِينَ للهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ. يَقُولُونَ: رَبَّنَا، كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ويصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُم عَلَى النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع الفرس من غير لفظه (فـ) هؤلاء قسم (ناج) من العذاب (مسلم) من خطف الكلاليب (و) القسم الثاني (مخدوش) أي مخطوف مجروح بالكلاليب (مرسل) أي مطلق بعد خدشها لم يسقط في جهنم، من خدشه الشوك إذا خطفه وجرحه (و) القسم الثالث (مكدوس) أي مدفوع (في نار جهنم) مرمي فيها من تكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، قال النواوي: قوله (مكدوس) بالسين المهملة هكذا هو في الأصول وكذا نقله القاضي عن أكثر الرواة، ورواه العذري بالشين المعجمة ومعناه بالمعجمة السوق الشديد وبالمهملة كون الأشياء بعضها على بعض، ومنه تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضًا، وقوله (حتى إذا خلص المومنون) غاية لمحذوف وجواب إذا محذوف والتقدير فيمرون على الصراط على هذه الهيئات المختلفة بحسب مراتبهم حتى إذا خلصوا من السقوط ونجوا (من النار) يتشفعون لإخوانهم الذين بقوا في النار. (فـ) أقسمت لكم بالإله (الذي نفسي) وروحي (بيده ما منكم) أيها المؤمنون في الدنيا (من أحد بأشد مناشدة) أي مسألة (لله) سبحانه باسمه أي ما أحد منكم أشد مسألة لله تعالى (في استقصاء الحق) أي في طلب قضاء حقه ووفائه من خصمه المتعدي عليه (من) مناشدة (المؤمنين) ومسألتهم (لله) سبحانه وتعالى (يوم القيامة لإخوانهم الذين) بقوا (في النار) ومعنى الحديث أن مناشدة الرجل لله تعالى في الدنيا أن يخلص له حقه من خصمه المتعدي عليه ليست بأشد من مناشدة المؤمنين لله تعالى أن يخلص إخوانهم (يقولون) أي يقول الذين خلصوا من النار (ربنا كانوا) أي كان إخواننا الذين بقوا في النار (يصومون معنا) في الدنيا (ويصلون) معنا (ويحجون) معنا (فيقال لهم) من جهته تعالى (أخرجوا) من النار (من عرفتمـ) ــــوه في الدنيا من المؤمنين فيدخل الشافعون النار لإخراج من عرفوه من النار (فتحرم صورهم) أي ذوات الشافعين (على النار) فلا تحرقهم إذا دخلوها لإخراجهم.

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيهِ وَإِلَى رُكبَتَيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال دِينَارٍ مِنْ خَيرٍ فَأَخرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثقَال نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيرٍ فَأَخرِجُوهُ. فَيُخرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذَرَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المفهم هنا قوله (فتحرم صورهم) يعني صور المخرجين من النار بصيغة اسم المفعول وهذا كما قال فيما تقدم (حرم الله تعالى على النار أن تأكل أثر السجود) وآثار السجود تكون في أعضائه السبعة ولا يقال فقد قال عقيب هذا: فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه، وهذا ينص على أن النار قد أخذت بعض أعضاء السجود لأنا نقول تأخذ فتغير ولا تأكل فتذهب ولا يبعد أن يقال إنَّ تحريم الصور على النار إنما يكون في حق هذه الطائفة المشفوع لهم أولًا لعلو مرتبتهم على من يخرج بعدهم فتكون النار لم تقرب صورهم ولا وجوههم بالتغيير ولا الأكل والله تعالى أعلم. (فيخرجون) منها (خلقًا كثيرًا) من الموحدين بعضهم (قد أخذتـ) ــه (النار إلى نصف ساقيه و) بعضهم (إلى ركبتيه ثم يقولون) أي الشافعون للرب جل جلاله يا (ربنا ما بقي فيها) أي في النار (أحد ممن أمرتنا به) أي بإخراجه من النار (فيقول) الرب سبحانه لهم (ارجعوا) إلى النار (فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار) أي وزنه (من خير) أي من يقين (فأخرجوه) منها، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: معنى الخير هنا اليقين قال: والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية صادقة (فيخرجون) ثانيًا أيضًا (خلقًا كثيرًا ثم يقولون ربنا لم نذر) أي لم نترك (فيها) أي في النار (أحدًا ممن أمرتنا) بإخراجهم (ثم يقول) الرب سبحانه (ارجعوا) إلى النار (فمن وجدتم في قلبه مثقال) أي وزن (نصف دينار من خير فأخرجوه) منها (فيخرجون) ثالثًا (خلقًا كثيرًا ثم يقولون ربنا لم نذر) ولم نترك (فيها) أي في النار (ممن أمرتنا) بإخراجهم (أحدًا ثم يقول) الرب سبحانه (ارجعوا) إليها (فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة) أي وزن نملة صغيرة

مِنْ خَيرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيرًا". وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَؤُوا إِنْ شَئْتُمْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} "فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (من خير فأخرجوه فيخرجون) رابعًا (خلقًا كثيرًا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرًا) هكذا هو (خيرًا) بإسكان الياء أي صاحب خير ويعرف هؤلاء بعلامات يجعلها فيهم، وقوله (ذرة) قال القرطبي: لم يختلف هنا في أنها بفتح الذال وشد الراء وهي صغيرات النمل، وصحَّفه شعبة في حديث أنس فقال: هو بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء، وصحفه أيضًا العذري والخشني فقالا: بضم الدال المهملة وشد الراء. اهـ (وكان أبو سعيد الخدري يقول) تأكيدًا للكلام لا لاتهامهم له (إن لم تصدقوني) أيها المخاطبون (بهذا الحديث) أي في هذا الحديث (فاقرؤوا إنَّ شئتم) شاهد هذا الحديث من كتاب الله سبحانه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} فيقول الله عزَّ وجلَّ) بعد قولهم ربنا لم نذر فيها خيرًا (شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون) يقال: شفع من باب فتح يشفع شفاعة فهو شافع وشفيع والمشفع بكسر الفاء الذي يقبل الشفاعة والمشفع بفتحها الذي تقبل شفاعته. اهـ نووي (ولم يبق إلَّا أرحم الراحمين) أي إلَّا رحمته وفضله (فيقبض) الله سبحانه (قبضة من) أهل (النار) أي يجمع جماعة من أهل النار يعني من الموحدين فيخرجهم دفعة واحدة بغير شفاعة أحد ولا ترتيب خروج (فيخرج) سبحانه (منها) أي من أهل النار (قومًا لم يعملوا) في الدنيا (خيرًا) أي عملًا صالحًا غير مجرد الإيمان (قط) أي فيما مضى من حياتهم الدنيا، قال السنوسي: وهؤلاء ليس معهم إلَّا مجرد الإيمان لا يخرجون بشفاعة بل بمجرد فضل الله تعالى بلا واسطة، والكل في الحقيقة بفضل الله تعالى (قد عادوا) أي صاروا (حممًا) أي فحمًا أي تحولوا من صورتهم الأصلية إلى صورة فحم، وعاد هنا من أخوات صار نظير قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} فيكون للصيرورة والتحول من حالة إلى حالة أخرى، وليس بمعنى رجوع الشيء إلى ما كان عليه

فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ. أَلا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ. وَمَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيفِرُ وَأُخَيضِرُ. وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ, كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل ذلك، والحمم بضم أوله وفتح ثانيه جمع حممة بوزن حطمة وهي الفحم، والفحم شعلة الحطب التي طفئ عنها النار قبل أن يصير رمادًا ليوقد ثانيًا (فيلقيهم) الله تعالى أي يلقي الأقوام الذين صاروا كالحمم (في نهر) بفتح الهاء وسكونها والفتح أجود وبه جاء القرآن العزيز وهو مجرى الماء الكثير، وإن كان قليلًا فهو عين، وإن كان لا يجري فهو بئر أي فيلقون في نهر جار (في) مسالك (أفواه) قصور (الجنة) والأفواه جمع فوهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهو جمع سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها، قال صاحب المطالع: كان المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها (يقال له) أي لذلك النهر (نهر الحياة) سمي بذلك لأن ماءه إذا مس شيئًا حيي وصار حيوانًا ولو جمادًا (فيخرجون) أي ينبتون أي تنبت أجسامهم التي صارت كالحمم نباتًا سريعًا (كما تخرج) وتنبت (الحبة في حميل السيل) أي في محموله من التراب الناعم والغثاء، والحبة بكسر الحاء بذور البقول وحب الرياحين وقيل هو نبت صغير ينبت في الحشيش، وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره فعيل بمعنى مفعول فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها، والسيل ما جرى من ماء المطر في الوادي، والهمزة في قوله (ألا ترونها) للاستفهام التقريري أي ألا تنظرونها أي ألا تنظرون تلك الحبة النابتة في حميل السيل إما (تكون) مائلة (إلى الحجر) أي نابتة تحته (أو) تكون نابتة (إلى الشجر) أي تحت الشجر (وما يكون) منها أي والذي يكون منها بارزًا (إلى الشمس) وما الموصولة مبتدأ خبرها قوله (أصيفر وأخيضر) تصغير أصفر وأخضر أي متصف بصفرة قليلة وخضرة قليلة أي متصف بلون مختلط من الصفرة والخضرة وهذا راجع إلى الحجر (وما يكون منها) أي والذي يكون منها مائلًا (إلى الظل) أي نابتًا فيه، وما مبتدأ خبره قوله (يكون أبيض) لعدم طلوع الشمس عليه وهذا راجع إلى الشجر (فقالوا) أي فقال الحاضرون من الصحابة (يا رسول الله كأنك كنت) في الزمن الماضي (ترعى) الإبل والمواشي (بالبادية) أي في

فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ. يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيرٍ قَدَّمُوهُ. ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنا أَعْطَيتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالمِينَ. فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، أَيُّ شَيءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ. فَلَا أَسْخَطُ عَلَيكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا". 358 - (00) (00) قَال مُسلِمٌ قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ البادية لأنك تعرف أحوال النباتات، والبادية ضد الحاضرة لأنها محل رعي المواشي (فيخرجون) من ذلك النهر حالة كونهم (كاللؤلؤ) في صفائهم وتلألؤ ألوانهم، والحال أنه (في رقابهم) وأعناقهم (الخواتم) أي الطوابع والعلامات التي بها يعرفون إعلامًا بأنهم دخلوا الجنة بلا عمل عملوه، والخواتم جمع خاتم بفتح التاء لا غير، قال صاحب التحرير: والمراد بالخواتم أشياء من ذهب أو غيره تعلق في أعناقهم علامة يعرفون بها (يعرفهم أهل الجنة) بتلك العلامة ويقولون فيما بينهم (هؤلاء عتقاء الله) سبحانه وتعالى من النار (الذين أدخلهم الله) سبحانه (الجنة بغير عمل عملوه) في الدنيا (ولا خير قدموه) في حياتهم الدنيا إلَّا مجرد الإيمان وإلَّا فالجنة عليهم حرام (ثم يقول الله) سبحانه وتعالى لهم (ادخلوا الجنة فما رأيتموه) من نعيمها وزخارفها (فهو لكم) لا حجر عليكم فيها (فيقولون ربنا أعطيتنا) من نعيم الجنة وزخارفها (ما لم تعط أحدًا من العالمين) فأي شيء بقي عنا (فيقول) الله سبحانه لهم (لكم عندي أفضل) وألذ (من هذا) الذي أعطيتكموه (فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل) وألذ (من هذا) الذي أعطيتناه (فيقول) سبحانه أفضل من هذا (رضاي) عنكم (فلا أسخط عليكم بعده) أي بعد رضائي عنكم (أبد) الآبدين وأمد الآمدين ودهر الداهرين. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري رواه في التفسير وفي التوحيد، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال: (358) - (00) (00) (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى وهذه الجملة يحتمل كونها من كلام مسلم على سبيل التجريد، ومن كلام بعض رواة الكتاب عنه (قرأت) أنا

عَلَى عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زُغبَةَ الْمِصْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الشَّفَاعَةِ وَقُلْتُ لَهُ: أُحَدِّثُ بِهَذا الْحَدِيثِ عَنْكَ؛ أَنَّكَ سَمِعْتَ مِنَ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ؟ فَقَال: نَعَمْ. قُلْتُ لِعِيسَى بْنِ حَمَّادٍ: أَخْبَرَكُمُ اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِلالٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (على عيسى بن حماد) وقوله (زغبة) بضم الزاي وإسكان الغين المعجمة بعدها باء موحدة بدل من حماد -لأنه لقب له- مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث بالتاء، والزغبة في الأصل معناه الشعر الكثيف لقب به لكون لحيته كثيفة، أو بدل من عيسى مجرور بالفتحة أيضًا لأنه لقب له أيضًا كأبيه؛ أي قرأت على عيسى بن حماد بن مسلم الأنصاري التجيبي مولاهم الملقب بزغبة أبي موسى (المصري) روى عن الليث بن سعد وابن وهب، ويروي عنه (خ م د س ق) ووثقه النسائي وابن أبي داود وأحمد بن عيسى الوشا، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين أي قرأت على عيسى (هذا الحديث) الذي رواه أبو سعيد الخدري (في الشفاعة وقلت له) أي لعيسى بن حماد (أحدث) بضم الهمزة وتشديد الدال المكسورة أي هل أحدث (بهذا الحديث عنك) يا عيسى بـ (ــأنك سمعت من الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري ثقة ثبت فقيه مشهور من السابعة مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا (فقال) عيسى بن حماد (نعم) حدث عني عن ليث بن سعد، قال مسلم (قلت لعيسى بن حماد أخبركم الليث بن سعد عن خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبي عبد الرحيم المصري، روى عن سعيد بن أبي هلال في الإيمان والنكاح والبيوع والذبائح والضحايا والفضائل والقدر والأطعمة، ويروي عنه (ع) والليث بن سعد وحيوة بن شريح والمفضل بن فضالة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من السادسة مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري قيل مدني الأصل، وقال يونس: بل نشأ بها، روى عن زيد بن أسلم في الإيمان وآخر الكتاب، ونعيم المجمر في الوضوء، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع وأبي الرجال في الصلاة، وأبي بكر بن المنكدر في الصلاة والذبائح، ونبيه بن وهب في النكاح، وعوف بن عبد الله في البيوع والتفسير، وأبي حازم سلمة بن دينار في الجهاد، وعمرو ويقال عمر بن مسلم الجندعي في الضحايا، وعمارة بن غزية في الفضائل،

عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: "قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَرَى رَبَّنَا؟ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤيةِ الشَّمْسِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ صَحْوٌ؟ قُلْنَا: لا" ... وَسُقْتُ الْحَدِيثَ حَتَّى انْقَضَى آخِرُهُ وَهُوَ نَحْوُ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيسَرَةَ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِغَيرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا قَدَمٍ قَدَّمُوهُ: "فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروي عنه (ع) وجابر بن زيد وسعيد المقبري ويحيى بن أيوب والليث بن سعد، وقال في التقريب: صدوق من السادسة مات سنة (130) ثلاثين ومائة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي أسامة المدني أو أبي عبد الله ثقة عالم من الثالثة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني ثقة فاضل من الثالثة (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن أبي هلال لحفص بن ميسرة في رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم (أنه) أي أن أبا سعيد الخدري (قال قلنا) معاشر الصحابة (يا رسول الله أنرى ربنا) أي هل نرى ربنا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون) أي هل يصيبكم الضرر (في رؤية الشمس إذا كان يوم صحو) أي إذا حصل يوم خال من السحاب مثلًا، فـ (كان) تامة (قلنا) معاشر الصحابة (لا) نضار في ذلك، وقوله (وسقت الحديث) السابق (حتى انقضى) وانتهى (آخره) معطوف على قوله قرأت على عيسى بن حماد أي قال مسلم: قرأت هذا الحديث على عيسى وسقته بتمامه إلى آخره (وهو) أي وهذا الحديث الذي رواه سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم (نحو حديث حفص بن ميسرة) في بعض ألفاظه ومعناه (وزاد) سعيد بن أبي هلال على حفص بن ميسرة (بعد قوله) أي بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم (بغير عمل عملوه ولا قدم) أي خير (قدموه) أي زاد جملة قوله (فيقال لهم لكم ما رأيتم) من النعيم (ومثله معه) أي والحال أن مثله معه، قال السنوسي: المزيد هو ما بعد قوله قدموه ولما كان في الرواية الأولى (ولا خير) بدل قوله هنا (ولا قدم) لم يمكنه أن يقول (زاد) بعد قوله (ولا خير) والمعنى زاد بعد قوله في روايته ولا قدم قدموه قوله فيقال لهم لكم .. إلخ .. والقدم بفتح القاف والدال بمعنى الخير المقدم.

قَال أَبُو سَعِيدٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْجَسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيفِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ اللَّيثِ "فَيَقُولُونَ: رَبُّنَا أَعْطَيتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالمِينَ وَمَا بَعْدَهُ". فَأَقَرَّ بِهِ عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ. 359 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال المؤلف رحمه الله تعالى (قال أبو سعيد) الخدري رضي الله عنه بالسند السابق (بلغني أن الجسر) المذكور في الحديث (أدق) أي أرق (من الشعرة وأحد) أي أشد حدًّا (من السيف) وقال المؤلف رحمه الله تعالى (وليس في حديث الليث) وروايته جملة قوله (فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين) وقوله (وما بعده) أي وما بعد قوله فيقولون ربنا معطوف على قوله فيقولون على كونه اسم ليس أي وليس في رواية الليث قوله فيقولون ولا الذي ذكر بعده من قوله فيقول لكم عندي أفضل من هذا .. إلخ، وقوله (فأقر به عيسى بن حماد) معطوف على قوله قلت لعيسى أي قال مسلم قلت لعيسى بن حماد أأخبركم الليث بن سعد فأقر عيسى به أي بقولي أخبركم الليث إلى آخره أي قال نعم أخبرنا الليث بن سعد .. إلخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال: (359) - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم الكوفي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (16) قال (حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث أبو عون القرشي المخزومي الجرمي أبو عون الكوفي صدوق من التاسعة مات سنة (207) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا هشام بن سعد) القرشي مولاهم مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب يتيم زيد بن أسلم أبو سعد المدني روى عن زيد بن أسلم في الإيمان والزكاة والجهاد والاستئذان واللعان، وعثمان بن حيان الدمشقي في الصوم، وأبي الزبير في البيوع، ونافع في الوصايا، وأبي حازم بن دينار في الطب واللعان، ونعيم المجمر والزهري وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وجعفر بن عون وابن

حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ، بِإِسْنَادِهِمَا ... نَحْوَ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيسَرَةَ إِلَى آخِرِهِ. وَقَدْ زَادَ وَنَقَصَ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهب والقعنبي وابن أبي فديك وغيرهم، صدوق له أوهام من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه في (9) تسعة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا زيد بن أسلم) العدوي المدني، والجار والمجرور في قوله (بإسنادهما) أي بإسناد حفص بن ميسرة وإسناد سعيد بن أبي هلال يعني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري متعلق بقوله حدثنا هشام بن سعد وقوله (نحو حديث حفص بن ميسرة إلى آخره) أي إلى آخر حديث حفص بن ميسرة مفعول ثان لقوله حدثنا هشام بن سعد أي حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مثل حديث حفص بن ميسرة في بعض ألفاظه وبعض معناه (وقد زاد) هشام بن سعد على حديث حفص بن ميسرة شيئًا من الزيادة (و) قد (نقص) منه (شيئًا) من النقص. وعبارة السنوسي هنا: قوله (بإسنادهما) يعني إسناد حفص بن ميسرة وإسناد سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، وقوله (نحو حديث حفص بن ميسرة) يعني في المتن والحاصل أن زيد بن أسلم روى عنه الحديث بإسناده السابق ثلاثة من أصحابه حفص بن ميسرة وسعيد بن أبي هلال وهشام بن سعد وأن هشامًا وافق حفصًا وسعيدًا معًا في السند ووافق في متن الحديث أي لفظه حفصًا فقط. اهـ منه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وأربعة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة هشام بن سعد لحفص بن ميسرة وسعيد بن أبي هلال في رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذا الحديث أعني حديث أبي سعيد الخدري شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 16] والبخاري [7439] والنسائي [8/ 112 - 113]. ***

99 - (58) باب: إخراج الموحدين من النار

99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ 360 - (174) (97) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ؛ قَال: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ (360) - (174) - (97) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر نزيل مصر ثقة فاضل من العاشرة مات سنة (253) ثلاث وخمسين ومائتين، روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره، قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) ابن وهب (أخبرني مالك بن أنس) بن مالك الأصبحي أبو عبد الله المدني ثقة ثبت إمام فقيه من السابعة مات سنة (179) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (عن عمرو بن يحيى بن عمارة) بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني، روى عن أبيه في الإيمان والزكاة والبيوع والأطعمة وغيرها، وسعيد بن يسار في الصلاة، ومحمد بن يحيى بن حبان في الصلاة، وعباد بن تميم في الزكاة والحج والجهاد، ودينار أبي عبد الله القراظ في الحج، وعباس بن سهل الساعدي في الحج ودلائل النبوة، ومحمد بن عمرو بن عطاء في البيوع، وعبد العزيز بن المختار في الصوم والحج، وسفيان الثوري فجملة الأبواب التي روى عنه فيها تسعة (9) أبواب تقريبًا، ويروي عنه (ع) ومالك ووهب وخالد بن عبد الله والدراوردي وسليمان بن بلال وزائدة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج وغيرهم، وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة (140) أربعين ومائة (قال) عمرو بن يحيى (حدثني أبي) يحيى بن عمارة بن أبي الحسن الأنصاري المازني المدني، روى عن أبي سعيد الخدري في الإيمان والزكاة وغيرهما، وعبد الله بن زيد في الوضوء، وأنس بن مالك في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وابنه عمرو وعمارة بن غزية ومحمد بن يحيى بن حبان والزهري، وثقه النسائي وابن خراش ومحمد بن إسحاق، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة روى عنه المؤلف في خمسة أبواب تقريبًا (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري المدني، وهذا السند من

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا. فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ أَو الْحَيَا فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد أيلي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الله) سبحانه وتعالى (أهل الجنة الجنة يدخل من يشاء) دخوله (برحمته) وفضله (ويدخل أهل النار النار) بعدله (ثم يقول) الله سبحانه لملائكته (انظروا) في أهل النار وابحثوا عنهم فـ (من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه) منها (فيخرجون) بالبناء للمفعول أي فيخرج الموحدون (منها) أي من النار، حالة كونهم (حممًا قد امتحشوا) واحترقوا، قال القاضي: كذا ضبطناه بفتح التاء والحاء عن متقني شيوخنا وهو وجه الكلام وكذا ذكره الهروي والخطابي قالا: في معناه احترقوا والمحش لهيب من النار يحرق الجلد ويبدي العظم، قال غيره: امتحش الخبز احترق، قال أبو علي والقتبي: محشته النار أي أحرقته، وقال غيرهم: المعروف أمحشته، وقال صاحب العين محشته لغة والمعروف أمحشته، وقد رواه لنا بعض شيوخنا (امتحشوا) بضم التاء وكسر الحاء، قال الإمام: الحمم الفحم واحدتها حممة، قال طرفة: أشجاك الربع أم قدمه ... أم رماد دارس حممه (فيلقون في نهر الحياة) بالتاء أي في نهر يحصل به حياة كل ما مسه (أو) قال عمرو بن يحيى (الحيا) بالقصر أي أو قال الراوي نهر الحيا مقصورًا وهو المطر، سمي حيا لأنه تحيا به الأرض ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الأرض، قال النواوي: وقوله (الحياة أو الحيا) هكذا وقع هنا، وفي البخاري من رواية مالك وقد صرح البخاري في أول صحيحه بأن هذا الشك من مالك وروايات غيره بالتاء من غير شك. اهـ (فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل) شبههم بها في سرعة نباتهم كما مر، قال ابن شميلى: الحبة بكسر الحاء اسم جامع لحبوب البقول التي تنتشر إذا هاجت الريح ثم إذا مطرت من قابل تنبت (ألم تروها) أي الحبة (كيف تخرج) من الأرض حالة كونها (صفراء) أي ذات صفرة

مُلْتَويَةً". 361 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونضارة (ملتوية) أي ملفوفة مجتمعة متلففًا بعضها ببعض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه هذا فقال: (361) - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي قال (حدثنا عفان) بن مسلم الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري، قال العجلي: ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (220) عشرين ومائتين، قال (حدثنا وهيب) - مصغرًا - ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت من السابعة مات سنة (165) خمس وستين ومائة روى عنه في اثني عشر بابا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) أبو محمد البغدادي ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (259) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا عمرو بن عون) بن أوس بن الجعد السلمي مولاهم أبو عثمان الواسطي نزيل البصرة، روى عن خالد الحذاء وحماد بن سلمة وطائفة روى عن جابر بن عبد الله في الإيمان والبيوع، ويروي عنه (ع) وحجاج بن الشاعر وابن معين وأبو زرعة وقال: قَلَّ من رأيت أثبت منه، وقال أبو حاتم: ثقة حجة، وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة مات بواسط سنة (225) خمس وعشرين ومائتين، قال (أخبرنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو محمد الواسطي الطحان ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة، روى عنه في (7) أبواب، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف مشايخ شيخيه (كلاهما) أي كل من خالد الطحان ووهيب بن خالد رويا (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المدني (بهذا الإسناد) أي عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري، وهذان السندان أيضًا من سداسياته الأول منهما رجاله واحد كوفي واثنان بصريان وثلاثة مدنيون، والثاني منهما رجاله واحد منهم بغدادي واثنان واسطيان وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقهما بيان متابعة وهيب وخالد

وَقَالا: فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ. وَلَمْ يَشُكّا. وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ: "كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءَةُ فِي جَانِبِ السَّيلِ". وَفِي حَدِيثِ وُهَيبٍ: "كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِئَةٍ أَوْ حَمِيلَةِ السَّيلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن عمرو بن يحيى، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه (وقالا) أي قال كل من وهيب وخالد (فيلقون في نهر يقال له الحياة) بالتاء (ولم يشكا) أي ولم يشك كل واحد منهما كما شك مالك بقوله (فيلقون في نهر الحياة أو الحيا) (وفي حديث خالد) الطحان وروايته (كما تنبت الغثاءة في جانب السيل) بدل قول مالك كما تنبت الحبة (والغثاءة) بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة المخففة وبالمد وآخره هاء هو كل ما جاء به السيل، وقيل المراد ما احتمله السيل من البذور، وجاء في غير مسلم (كما تنبت الحبة في غثاء السيل) بحذف الهاء من آخره وهو ما احتمله السيل من الزبد والعيدان ونحوهما من الأقذاء (وفي حديث وهيب كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل) بغير تنوين فيهما كما في السنوسي، أما الحمئة بفتح الحاء وكسر الميم وبعدها همزة فهي الطين الأسود الذي يكون في أطراف النهر، وأما الحميلة فهي واحدة الحميل بمعنى المحمول وهو الغثاء الذي يحتمله السيل، والله أعلم. ***

100 - (59) باب: بيان كيفية عذاب من يعذب من الموحدين، وكيفية خروجهم من النار، والإذن بالشفاعة

100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ 362 - (175) (98) وحدّثني نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ. وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ (أَوْ قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ 100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ أي هذا باب معقود في بيان كيفية تعذيب الموحدين وكيفية خروجهم من النار وبيان الإذن للشافعين في الشفاعة. (362) - (175) (98) (وحدثني نصر بن علي) بن نصر الأزدي (الجهضمي) أبو عمرو البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (250) خمسين ومائتين روى عنه في (16) بابًا، قال (حدثنا بشر) بن المفضل بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت عابد من الثامنة مات سنة (187) ست أو سبع وثمانين ومائة، روى عنه في (13) بابا وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن المفضل) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه (عن) سعيد بن يزيد بن مسلمة القصير الأزدي (أبي مسلمة) البصري روى عن أبي نضرة في الإيمان والصوم وغيرهما، وأنس بن مالك في الصلاة، ويروي عنه (ع) وبشر بن المفضل في الصلاة وغيرها، وشعبة وعباد بن العوام في الصلاة وإسماعيل ابن علية وغيرهم ثقة من الرابعة (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قُطعة العبدي العوقي بفتح المهملة وبالواو ثم قاف البصري ثقة من الثالثة مات سنة (108) ثمان ومائة روى عنه في (11) أحد عشر بابًا تقريبًا (عن أبي سعيد) الخدري الأنصاري المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا سعيد الخدري فإنه مدني. (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أهل النار الدين هم أهلها) أي مخلدون فيها وهم الكفار (فإنهم لا يموتون فيها) فيستريحون (ولا يحيون) حياة تنفعهم (ولكن) في النار (ناس) يموتون (أصابتهم النار بذنوبهم أو قال) النبي

بِخَطَايَاهُمْ) فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً، حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحَمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم أو أبو سعيد والشك من أحد الرواة (بخطاياهم) بدل ذنوبهم وهي جمع خطيئة بمعنى السيئة (فأماتهم) الله سبحانه وتعالى في النار (إماتة) قال القاضي: قيل هو موت حقيقة كي لا يحسون النار وعقوبتهم حبسهم فيها عن دخول الجنة فهم فيها كالمسجونين، وقيل: هو كناية عن عدم إحساسهم بالألم ويجوز أن يكون ألمهم أخف كالنوم لأنه سبحانه وتعالى قد سمى النوم موتًا في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} لمن قوله (حتى إذا كانوا حممًا) يدل على أن النار تعمل في أجسادهم وجاء في حديث أبي هريرة (إذا دخل الموحدون النار أماتهم فيها فإذا أراد أن يخرجهم أمسهم العذاب تلك الساعة) وفي حديث آخر (أنه تنزوي عنهم وتقول ما لي ولأهل باسم الله). (حتى إذا كانوا فحمًا) أي مثل الفحم وهو شعلة حطب طفئت عنها النار لتوقد ثانيًا (أذن) بالبناء للمفعول أي أذن الله سبحانه وتعالى للشافعين (بالشفاعة) أي في الشفاعة لهؤلاء الموحدين (فجيء بهم) من جهنم أي أخرجهم الشافعون من جهنم حالة كونهم (ضبائر ضبائر) أي فوجًا فوجًا جماعات جماعات منصوب على الحال من ضمير بهم. قوله (أما أهل النار) هكذا في بعض النسخ بزيادة أما وفي بعضها (أهل النار) بإسقاط أما وتكون الفاء في (فإنهم) زائدة في خبر المبتدأ جوازًا، والنسخة الأولى أوضح أعني نسخة أما. قوله (فأماتهم) أي أماتهم الله تعالى بحذف الفاعل للعلم به، وفي بعض النسخ فأماتتهم بتاءين أي أماتتهم النار، والظاهر من معنى هذا الحديث أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود فيها لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون معها كما قال الله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} وكما قال تعالى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)} وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم (ولمن ناس أصابتهم النار) إلى آخره فمعناه أن المذنبين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى وهذه الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم ثم يميتهم ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس

فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ. ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيهِمْ. فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ" فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: كَان رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدة التي قدرها الله تعالى ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحمًا فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها فتخرج لضعفها صفراء ملتوية ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه، وحكى القاضي عياض فيه وجهين: أحدهما أنها إماتة حقيقية، والثاني ليس بموت حقيقي ولكن تغيب عنهم إحساسهم بالآلام، قال: ويجوز أن تكون آلامهم أخف فهذا كلام القاضي والمختار ما قدمناه والله أعلم. اهـ نواوي. وقوله (ضبائر ضبائر) هكذا في الروايات والأصول مكرر مرتين وهو في محل النصب على الحال مبني على فتح الجزأين أي حالة كونهم جماعات مفرقين، قال الهروي: جمع ضبارة بكسر الضاد مثل عمارة وعمائر وهي الجماعة من الناس يقال رأيتهم ضبائر أي جماعات في تفرقة، وقال غيره: الصواب أضابر جمع إضبارة بكسر الهمزة، وفي الصحاح: الإضبارة بالكسر الإضمامة، يقال جاء فلان بإضبارة من كتب وهي الأضابير، قال: والضَّبَر الجماعة من الناس يغزون، وضبر الفرس إذا جمع قوائمه ووثب وروي ضبارات ضبارات. اهـ من المفهم (فبثوا) بضم الباء الموحدة بعدها مثلثة مشددة مضمومة أي فرقوا ووزعوا (على أنهار الجنة) جمع نهر بسكون الهاء وقد يفتح وهو مجرى الماء الكبير (ثم قيل) لأهل الجنة (يا أهل الجنة أفيضوا عليهم) أي صبوا وكبوا عليهم من هذه الأنهار (فـ) يصبون عليهم و (ينبتون نبات الحبة) التي تنبت و (تكون في حميل السيل) أي في محموله من التراب الناعم والسرجين وغيرهما (فقال رجل من القوم) الحاضرين مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان) ساكنًا (بالبادية) فيعرف الحبة النابتة في حميل السيل، والبادية ضد الحاضرة كما مر. قال القرطبي: وهذا الحديث رد على الخوارج والمعتزلة حيث حكموا بخلود أهل الكبائر في النار وأنهم لا يخرجون منها أبدًا.

363 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابنُ بَشَّارٍ؛ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ أبَا نَضرَةَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... بِمِثْلِهِ. إِلَى قَوْلِهِ: "فِي حَمِيلِ السَّيلِ". وَلَمْ يَذْكُر مَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 5 و 11] وابن ماجه [4309]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه هذا فقال: (363) - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري المعروف ببندار ثقة من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (12) بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم المدني البصري أبو عبد الله ثقة من التاسعة مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري ثقة متقن من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه في (30) بابًا (عن أبي مسلمة) سعيد بن يزيد الأزدي البصري (قال سمعت أبا نضرة) المنذر بن مالك العبدي البصري (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد فإنه مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لبشر بن المفضل في رواية هذا الحديث عن أبي مسلمة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بحدثنا شعبة، والضمير عائد إلى بشر بن المفضل لأنه المتابع أي حدثنا شعبة عن أبي مسلمة بمثل ما حدث بشر بن المفضل عن أبي مسلمة (إلى قوله) أي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم (في حميل السيل ولم يذكر) شعبة (ما بعده) أي ما بعد قوله حميل السيل من قوله (فقال رجل من القوم) .. إلخ، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي سعيد الخدري وذكر فيه متابعة واحدة. وجملة ما شرحناه في هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة (97) سبع وتسعون مع المكررة (203) ثلاث ومائتان، وجملة ما فيه من الأبواب (54) أربعة وخمسون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا آخر ما أكرمني الله سبحانه وتعالى من هذا المجلد بإتمامه بعد ما وفقني بابتدائه في تاريخ 8/ 13 / 1420 هـ اليوم الثالث عشر من الشهر الثامن بين العشائين من سنة عشرين وأربع مائة وألف من الهجرة المصطفوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، بعد ما عاقني منه عوائق لا تحصى، والحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد البريات، وعلى آله وصحبه السادات القادات، وتابعيهم بإحسان إلى يوم القيامات .. آمين. تم المجلد الثالث من الكوكب الوهاج على صحيح مسلم بن الحجاج ويليه المجلد الرابع منه وأوله باب آخر أهل النار خروجًا (¬1). قال بعضهم: علم الحديث أجل السؤل والوطر ... فاقطع به العيش تعرف لذة العمر وانقل رحالك عن مغناك مرتحلًا ... لكي تفوز بنقل العلم والأثر ولا تقل عاقني شغل فليس يرى ... في الترك للعلم من عذر لمعتذر وأي شغل كمثل العلم تطلبه ... ونقل ما قد رووا عن سيد البشر ألهى عن العلم أقوامًا تطلبهم ... لذات دنيا غدوا منها على غرر فكن بصحب رسول الله مقتديًا ... فإنهم للهدى كالأنجم الزهر *** ¬

_ (¬1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا. (2)

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الخامس دار المنهاج - دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

ومما قيل في الزهد: أتبني بناء الخالدين وإنما ... مقامك فيها لو عقلت قليل لقد كان في ظل الأراك كفاية ... لمن كان فيها يعتريه رحيل قال أبو الطيب المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر صغير ... كطعم الموت في أمر كبير يرى الجبناء أن العجز عقل ... وتلك خديعة الطبع اللئيم وكل شجاعة في المرء تُغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القرائح والعلوم

96 - (1) باب: آخر أهل النار خروجا منها

96 - (1) باب: آخر أهل النار خروجًا منها 358 - (165) (1) حدَّثنا عُثمَانُ بن أبِي شَيبَةَ وإسْحاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ؛ كِلاهُمَا عَن جَرِيرٍ. قَال عُثمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَن مَنصُورٍ، عَن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبِيدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله على جلاله وكبريائه، والشكر له على ما أولانا من نعمه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا مثيل له في ذاته ولا شريك له في صفاته ولا معين له في أفعاله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خُصَّ من الإرسال الإلهي بعمومه وختامه وكماله ومن الحق المبين بصفوه ومحضه وزلاله، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهداة المهدبين. أما بعد: فلما فرغت من المجلد الثالث بعون الله وتيسيره تفرغت للمجلد الرابع إن شاء الله بتوفيقه راجيًا منه الإمداد بقطرات الفيض والإرشاد، فقلت وبالله التوفيق: 96 - (1) باب: آخر أهل النار خروجًا منها أي هذا الباب معقود في بيان الأحاديث الواردة في ذكر آخر أهل النار خروجًا منها: 358 - (165) (1) (حدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكوفي ثقة حافظ شهير له أوهام من العاشرة مات سنة (239) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد (الحنظلي) أبو يعقوب المروزي ثقة مأمون من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (كلاهما) رويا (عن جرير) بن عبد الحميد بن قُرْط الضَّبِّي أبي عبد الله الكوفي ثقة صحيح الكتاب من الثامنة مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا، وأتى بقوله (قال عثمان حدثنا جرير) تورعًا من الكذب على عثمان لأنه لو لم يأت به لأوهم أنه روى بالعنعنة كإسحاق مع أنه صرح بالسماع (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي ثقة ثبت من الخامسة مات سنة (132) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي ثقة إلا أنه يرسل كثيرًا من الثالثة مات سنة (96) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا (عن عبيدة) بفتح العين المهملة بن عمرو السلماني بفتح السين وسكون اللام نسبة إلى

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعودٍ؛ قَال: رَسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا, وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةِ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، قَال فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ , وَجَدْتُهَا مَلْأَى. فَيَقُولُ الله لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمان قبيلة من مراد أبي عمرو الكوفي أحد الأئمة الأعلام أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، روى عن عبد الله بن مسعود في الإيمان والصلاة والفضائل والنفاق، وعلي بن أبي طالب في الصلاة، ويروي عنه (ع) وإبراهيم النخعي والشعبي ومحمد بن سيرين وأبو حسان مسلم بن عبد الله الأعرج، وقال في التقريب: تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت، قال ابن عيينة: وكان يوازي شريحًا في القضاء والعلم، وكان شريح إذا أشكل عليه سأله، مات سنة اثنتين وسبعين على الصحيح (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها) أي من النار (و) أعلم (آخر أهل الجنة دخولًا الجنة) أتى بالإظهار في مقام الإضمار دفعًا لما يُتوهم من عَوْد الضمير على النار لو قال دخولًا فيها وإلا فمقتضى السياق أن يقال دخولًا فيها هو أي ذلك الآخر (رجل يخرج من النار حبوًا) أي مشيًا على اليدين والركبتين، وقيل على اليدين والرجلين، وربما قالوا على يديه ومقعدته، وفي الرواية الأخرى زحفًا، قال أهل اللغة ابن دريد وغيره: والزحف هو المشي على الاست مع إفراشه بصدره فحصل من هذا أن الحَبْو والزحف متماثلان أو متقاربان، ولو ثبت اختلافه حمل على أنه في حال يزحف وفي حال يحبو، والله أعلم (فيقول الله تبارك) أي تزايد خيره وكثُر (وتعالى) أي ترفَّع عن كل ما لا يليق به (له) أي لذلك الرجل (اذهب فادخل الجنة فيأتيها) أي فيأتي ذلك الرجل على باب الجنة (فيُخيَّل إليه) أي فيتصور في رأي عينيه (أنها) أي أن الجنة (ملأى) أي مملوءة بأهلها (فيرجع) إلى موضع مناجاة الرب (فيقول يا رب إني وجدتها ملأى) أي مملوءة بأهلها ففي أي محل أدخل منها (فيقول الله تبارك وتعالى) ثانيًا (له) أي لذلك الرجل (اذهب فادخل

الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا. أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا. قَال فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بي , أَوْ: أتَضْحَكُ بي , وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيأتيها فيُخيَّل إليه أنها ملأى فيرجع) إلى الرب سبحانه ثانيًا (فيقول يا رب إني وجدتها ملأى) فأين أدخل منها؟ (فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فإن لك) في الجنة (مثل الدنيا) أي قدر الأرض المعمورة في الدنيا (وعشرة أمثالها) أي عشرة مقدارها (أو) قال الراوي أو النبي صلى الله عليه وسلم (إن لك عشرة أمثال الدنيا) أي عشرة مقدارها، والشك من الراوي أو ممن دونه، قال الأبي: والأظهر أنه يعني بالدنيا المعمور من الأرض لتقديره في بعض الطرق بمُلْكِ مَلِك وإنما يملك منها المعمور فقط. قال القاضي: ورد مثله في الجواز على الصراط فيحتمل أنهما شخصان أو صنفان عبر فيه بلفظ الواحد على الجماعة، قال الأبي: الأظهر من السياق وحديث الشجرة الآتي أنه رجل واحد لا رجلان ولا صنفان ولا أنه الجواز على الصراط ويشهد لذلك أنه جاء أن اسمه هناد، وعن الحسن أنه كان يقول: يا ليتني هناد، وقيل في تمنيه هذا إنما هو من حيث إنه خُتم له بالإيمان، وجاء أيضًا إن الله عزَّ وجلَّ يأمر ملكًا بإخراج من بقي من العصاة من النار فيدخل فلا يجد أحدًا، فيقول: يا رب لم نجد أحدًا، فيقال: ارجع فأخرِج من بقي، فيرجع فيجد هنادًا في زاوية من زواياها. اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) ذلك الرجل للرب جل جلاله وعمّ نواله (أتسخر) وتهزأ (بي) يا رب وأنت الملك المالك لكل مخلوق من الجنة والنار وأهلهما (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي (أتضحك بي) يا رب (وأنت الملك) المالك للجنة ونعيمها، قال النواوي: وهذا شك من الراوي؛ هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتسخر بي، أو قال: أتضحك، فإن كان الواقع في نفس الأمر أتضحك بي فمعناه أتسخر بي لأن الساخر يضحك في العادة ممن يسخر به فوضع الضحك موضع السخرية مجازًا، وأما معنى أتسخر بي هنا ففيه أقوال: - أحدها ما قاله المازري: أنه خُرجَ على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه لأنه عاهد الله مرارًا أن لا يسأله غير ما سأل ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية، فقدر الرجل أن قول الله تعالى له ادخل الجنة وتردده إليها وتخييل كونها

قَال: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مملوءة ضرْبٌ من الإطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له فسمى الجزاء على السخرية سخرية فقال أتسخر بي أي تعاقبني بالإطماع. القول الثاني ما قاله أبو بكر الصيرفي: أن معناه نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى، كأنه قال: أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق ولكن العجب أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له، قال: والهمزة في أتسخر للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي قال: وهذا كلام منبسط متدلل. والقول الثالث ما قاله القاضي عياض: من أنه يكون هذا الكلام صَدَرَ من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشًا وفرحًا، فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال: أنت عبدي وأنا ربك والله أعلم. واعلم أنه وقع في الروايات: أتسخر بي وهو صحيح، يقال سخرت منه وسخرت به والأول هو الأفصح الأشهر وبه جاء القرآن والثاني فصيح أيضًا، وقد قال العلماء: إنه إنما جاء بالباء لإرادة معناه كأنه قال أتهزأ بي. (قال) عبد الله بن مسعود: والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت) وظهرت عند ضحكه (نواجذه) أي أنيابه، والنواجذ بالجيم والذال، قال الجمهور من أهل اللغة وغيرهم: المراد به هنا الأنياب، وقال المازري: هي الضواحك أي الثنايا لأن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان التبسم، وقال الأصمعي: هي الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة ولكن الصواب ما قدمناه عن الجمهور، وفي هذا الحديث جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال، والله أعلم قال النواوي: قوله (فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها) وفي الرواية الأخرى (لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا) هاتان الروايتان بمعنىً واحدٍ إحداهما تفسير للأخرى فالمراد بالأضعاف: الأمثال، فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف هو المثل. والله أعلم.

قَال فَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً. 359 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ -وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ- قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَن عَبْدِ اللهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِني لأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ: رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا زَحْفًا. فَيُقَالُ لَهُ: انطَلِق فَادْخُلِ الْجَنَّةَ. قَال: فَيَذهَبُ فَيَدْخُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (فكان) الشأن (يقال ذاك) الرجل الذي يُعطى مثل الدنيا وعشرة أمثالها هو (أدنى) وأقل (أهل الجنة منزلة) أي درجة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري في صفة الجنة وفي التوحيد، والترمذي في صفة جهنم، وقال: حسن صحيح وابن ماجه في الزهد. اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 359 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (لأبي كريب) وأما أبو بكر فقد روى المعنى لا اللفظ (قالا) أي قال كل منهما (حدثنا أبو معاوية) محمد بن حازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته أيضًا، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر في رواية هذا الحديث عن إبراهيم النخعي، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات وفي سوق الحديث (قال) عبد الله بن مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف) وأعلم (آخر أهل النار خروجًا من النار) وفي الرواية الأولى خروجًا منها بالإضمار هو أي ذلك الآخر (رجل يخرج منها زحفًا) أي مشيًا على أليتيه كما يفعل الصبي قبل أن يمشي (فيقال له) من جهة الرب سبحانه (انطلق) أي اذهب إلى جهة الجنة (فادخل الجنة قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيذهب) إليها (فيدخل

الْجَنَّةَ، فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الذِي كُنْتَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى. فَيُقَالُ لَهُ: لَكَ الذِي تَمَنَّيتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا. قَال: فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ المَلِكُ؟ . قَال: فَلَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة فيجد الناس) ويراهم (قد أخذوا المنازل) منها ونزلوا فيها (فيقال له) أي لذلك الرجل (أتذكر الزمان الذي كنت فيه) في الدنيا ومرَّ عليك وأنت غافل عن ربك (فيقول) ذلك الرجل (نعم) أتذكَّرُه (فيقال له) لا لوم عليك و (تمنَّ) ما شئت من النعيم واسأله تُعط (فيتمنى) ويسأل حتى انقضت أمنياته (فيقال له لك الذي تمنيت) وسألت (وعشرة أضعاف) وأمثال (الدنيا) أي الأرض المعمورة كما مر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) ذلك الرجل لربه سبحانه وتعالى (أتسخر) وتهزأ (بي وأنت الملك) القادر على إعطاء ذلك لي (قال) عبد الله بن مسعود (فـ) والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك) أي تبسم عند ذلك (حتى بدت) وظهرت (نواجذه) أي أنيابه التي تلي الثنايا لأنه ورد في الخبر " أكثر ضحكه التبسم" وقد عبر هنا عن أبلغ ضحكه فيكون بأن تبدوَ أنيابه، والمشهور في اللغة أن النواجذ هي الأضراس. ***

97 - (2) باب آخر أهل الجنة دخولا الجنة

97 - (2) باب آخر أهل الجنة دخولًا الجنة 360 - (166) (2) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أنَسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ. فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيهَا فَقَال: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أعْطَانِي اللَّهُ شَيئًا مَا أعْطَاهُ أحَدًا مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ. فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُوْلُ: أي رَبِّ , أدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلأسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 97 - (2) باب آخر أهل الجنة دخولًا الجنة 360 - (166) (2) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) قال (حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان البصري ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (220) روى عنه في (9) أواب، قال (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة عابد من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني أبو محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجَّاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري مات بالبصرة سنة (93) (عن) عبد الله (ابن مسعود) الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي مات بالمدينة سنة (32) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان كوفيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آخر من يدخل الجنة) دخولًا الجنة (رجل) متباطئٌ في مشيه (فهو يمشي) مستويًا (مرة) أي تارة (ويكبو) أي يسقط على وجهه (مرة) أخرى (وتسفعه النار) أي تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرًا فهو بفتح التاء وإسكان السين المهملة وفتح الفاء من باب فتح (مرة) وتُكف عنه أخرى (فإذا ما جاوزها) أي مرَّ بها وتباعد عنها، وما زائدة بعد إذا (التفت إليها) بوجهه (فقال تبارك) أي كثُر خير الله (الذي نجاني) وسلمني (منكِ) أيها النار، والله (لقد أعطاني الله) اليوم (شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين) الذي هو النجاة من النار (فتُرفع) أي تظهر (له شجرة) ظليلة (فيقول أي رب) أي يا رب (أَدْنِنِي) أي قربني (من هذه الشجرة فلأستظل بظلها) والفاء فيه فاء السببية الواقعة في جواب الدعاء، واللام زائدة والفعل منصوب بأن مضمرة بعد الفاء والجملة في

وَأشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فيقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ , لعلي إِنْ أَعْطَيتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيرِهَا. فَيَقُوْلُ: لَا يَا رَبِّ. وَيُعَاهِدُهُ أنْ لَا يَسْألُهُ غَيرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذُرُهُ لأنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْر لَهُ عَلَيهِ. فَيُدْنِيهِ مِنْهَا. فيَسْتَّظِلُ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا. ثُمَّ تُرفعُ له شَجَرَةً هِيَ أحْسنُ من الأولى. فيقول: أي رَبِّ, أدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأشْرَبَ مِنْ مَائِهَا وَأسَتْظِلَّ بِظِلِّهَا، لَا أسْألُكَ غَيرَهَا. فَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ آدَمَ, أَلمْ تُعَاهِدْنِي أنْ لَا تَسْأَلنِي غَيرَهَا؟ فَيَقُوْلُ: لَعَلِّي إِنْ أدْنيتُك مِنْهَا تَسْألنِي غَيرَهَا؟ فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْألَهُ غَيرهَا، وَرَبُّهُ يَعْذُرُهُ لأنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تأويل مصدر معطوف على مصدر مُتَصَيِّدٍ من الجملة التي قبلها والتقدير ليكن منك يارب إدناؤك إياي إلى هذه الشجرة فاستظلالي بظلها، أو الفاء زائدة واللام لام كي، وجملة قوله (وأشرب من مائها) أي من ماء يجري من تحتها معطوفة على جملة أستظل على كلا التقديرين (فيقول الله عزَّ وجلَّ يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها) أي هذه المسألة (سألتني غيرها) والترجي بالنسبة إلى العبد، فكأنه قال أتترجَّى أن تسألني غيرها إن أعطيتك هذه المسألة (فيقول) الرجل (لا) أسالك غيرها (يا رب ويعاهده) أي يُعطي الرجل لله سبحانه العهد على (أن لا يسأله غيرها) أي غير هذه المسألة (وربه) أي والحال أن ربه (يعذره) في سؤاله ولا يعاتبه عليه (لأنه) أي لأن ذلك الرجل (يرى) من النعيم (ما لا صبر له عليه) أي عنه أي عن سؤاله، وفي بعض الأصول ما لا صبر له عليها، والضمير يعود على ما بمعنى النعمة أي يرى نعمة لا صبر له عليها أي عنها (فيُدنيه) أي يُدني الله سبحانه ذلك الرجل أي يقربه (منها) أي إلى تلك الشجرة (فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم تُرفع) أي تُظهر (له شجرة) أخرى (هي أحسن) وأنضر (من الأولى فيقول) الرجل (أي رب) أي يا رب (أَدنني) أي قربني (من هذه) الثانية (لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسالك غيرها) أي غير هذه المسألة أو غير هذه الشجرة (فيقول) الرب جل جلاله (يا ابن آدم ألم تعاهدني) أي ألم تعطني العهد على (أن لا تسألني غيرها) أي غير المسألة الأولى (فيقول) الرب سبحانه (لعلي إن أدنيتك) وقربتك (منها) إليها أي إلى هذه الشجرة الثانية (تسألني غيرها) والترجي بالنسبة إلى العبد؛ أي أتترجى أن تسالني غيرها إن أدنيتك إلى هذه الثانية (فـ) يقول لا و (يعاهده) على (أن لا يسأله غيرها وربه يعذره) في نقضه العهد (لأنه يرى ما لا صبر له عليه) أي منه من النعيم (فيدنيه) أي يقربه (منها) أي من تلك

فَيَسْتَظِلُّ بظلها ويشربُ من مائها، ثُمَّ ترفع له شجرةٌ عند باب الجنة هي أحسنُ منَ الأوليين. فيقولُ: أي رَبِّ, أدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأسْتَظِّل بِظِلِّهَا وَأشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لا أَسْألُكَ غيرَهَا, فيَقوْل: يَا ابْنَ آدَمَ, ألمْ تُعَاهِدْنِي أنْ لا تَسْألْنِي غيرَهَا؟ قَال: بَلَى. يَا رَبِّ, هَذِهِ لا أَسْأَلُكَ غيرَهَا، وَرَبّهُ يَعْذُرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيهَا، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا، فَيَسْمعُ أصْوَاتَ أهْلِ الجَنَّةِ، فَيَقُوْلُ: أي رَبِّ, أدْخِلْنِيهَا. فَيَقُوْلُ: يَا ابْنَ آدَمَ! مَا يَصْرِيني مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ أنْ أُعْطِيَكَ الدُّنيا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَال: يَا رَبِّ! أتَسْتَهْزِئُ مِنِّي، وَأنْتَ رَبُّ العَالمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشجرة الثانية (فيستظل بظلها) أي بظل تلك الشجرة الثانية (ويشرب من مائها ثم تُرفع له شجرة) أخرى ثالثة (عند باب الجنة هي أحسن) وأنضر (من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه) الثالثة (لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها) أي غير هذه الثالثة (فيقول) الرب سبحانه (يا ابن آدم ألم تعاهدني) أي ألم تعطني العهد على (أن لا تسالني غيرها) أي غير هذه الثالثة (قال بلى يا رب) عاهدتك ولكن أعطني (هذه) المرة (لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها فيُدنيه) أي يُقربه (منها فإذا أدناه) وقربه (منها) رأى عجبًا لم ير قط (فيسمع أصوات أهل الجنة) وأغانيهم (فيقول أي رب أدخلنيها) أي أدخلني الجنة (فيقول) الرب سبحانه (ما يصريني منك) أي ما يصريك عني أي ما يقطعك عن مسألتي، والصَّرْيُ: القطع، من صرى الثلاثي قاله الحربي وكذا قاله الهروي أي ما يصريك مني قال، يقال صريت الشيء إذا قطعته، والمعنى أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك (أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها قال يا رب أتستهزئ) وتسخر (مني وأنت رب العالمين) قال النواوي: هكذا قال هنا، وفي الرواية الأخرى (أترضى أن يكون لك مثل مُلك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول هذا لك وعشرة أمثاله) فهاتان الروايتان لا تُخالفان الأوليين، فإن المراد بالأولى من هاتين: أن يقال له أولًا لك الدنيا ومثلها ثم يزاد إلى تمام عشرة أمثالها كما بينه في الرواية الأخيرة، وأما الأخيرة فالمراد بها أن أحد ملوك الدنيا لا ينتهي ملكه إلى جميع الأرض بل يملك بعضًا منها ثم منهم مَن يَكْثُرُ البعض الذي يملكه ومنهم من يَقِل بعضه فيُعطى هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات وذلك كله قدر الدنيا كلها ثم يقال

فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فَقَال: أَلا تَسْأَلُوْنِي مِمَّ أضْحَكُ؟ فقالوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَال: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ؟ ، قَال: مِنْ ضَحِكِ رَبِّ العَالمِينَ حِينَ قَال: أتَسْتَهْزئُ منِّي وَأنْتَ رَبُّ العَالمِينَ؟ فَيَقُوْلُ: إنِّي لَا أسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أشَاءُ قَادِرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ له لك عشرة أمثال هذا فيعود معنى هذه الرواية إلى موافقة الروايات المتقدمة ولله الحمد وهو أعلم. أهـ منه. (فضحك ابن مسعود) بعد هذه المقالة الأخيرة (فقال) ابن مسعود بعد ضَحِكِهِ (ألا تسألوني) وألا هنا للعرض وهو الطلب برفق ولين (مم أضحكُ) أي لأي شيء أضحك و (ما) استفهامية دخل عليها حرف الجر فحُذفت ألفها فرقًا بينها وبين الموصولة (فقالوا) أي قال الحاضرون عنده (مم تضحك) أي من أي شيء تضحك (قال) ابن مسعود (هكذا) أي مثل ضحكي هذا (ضَحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند هذا الحديث (فقالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (مم تضحك يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحكت (من ضحك رب العالمين حين قال) هذا الرجل (أنستهزئ مني وأنت رب العالمين فيقول) الله سبحانه للرجل (إني لا أستهزئ منك) يا عبدي (ولكني) أنا (على ما أشاء) وأريده (قادر) لا يمنعني عنه أحد ومنه إعطاؤك هذه العطايا، والضحك صفة ثابتة لله تعالى نُثْبِتُه ونعتقده لا نؤوله ولا نمثِّله ولا نكيفه ليس كمثله شيء، قال الأبي: (قوله ألا تسألوني مم أضحك) الأظهر أنه ليس من تمام رواية هذا الحديث أن يضحك الراوي، قال السنوسي: قوله (ولكني على ما أشاء قدير) قال الطيبي: هو استدراك من مقدر فإنه تعالى لما قال له: أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها فاستبعده العبد لما رأى أنه ليس أهلًا لذلك وقال: أتستهزئ بي، قال سبحانه وتعالى: نعم كنتَ لست أهلًا له لكني أجعلك أهلًا له وأعطيك ما استبعدته لأني على ما أشاء قدير.

98 - (3) باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها

98 - (3) باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها 361 - (167) (3) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيرُ بن مُحَمَّدٍ عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاش، ـــــــــــــــــــــــــــــ 98 - (3) باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في بيان أقل أهل الجنة منزلة ودرجة فيها. 361 - (167) (3) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي ثقة ثبت من العاشرة، قال (حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نَسْرٌ بفتح النون وسكون المهملة، وقيل: قيس، وقيل: بشير بن أُسَيد مصغرًا فيهما القيسي العبدي من عبد القيس أبو زكرياء الكوفي قاضي كِرْمَان، روى عن زهير بن محمد في الإيمان، وشعبة في الصلاة واللباس والدعاء، وشيبان في الصلاة، وإبراهيم بن نافع في اللباس، وإبراهيم بن طهمان في دلائل النبوة، وزهير بن معاوية في القَدَرِ، وجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ستة أبواب تقريبًا، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة ويعقوب الدورقي وابن أبي خلف، وثَّقَه العجلي وابن معين، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات سنة (209) قال (حدثنا زهير بن محمد) التميمي العنبري الخراساني المروزي أبو المنذر الخِرَقي بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة ثم قاف نسبة إلى قرية من قرى مرو تسمى خرق سكن الشام ثم الحجاز رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضُعِّفَ بسببها، روى عن سهيل في الإيمان، وزيد بن أسلم وعمرو بن شعيب وابن المنكدر وخلق، ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي بكير وابن مهدي والوليد بن مسلم وغيرهم، قال البخاري: للشاميين عنه مناكير وهو ثقة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه، قال في التقريب: من السابعة مات سنة (162) اثنتين وستين ومائة (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان أبي يزيد المدني، وثقه ابن عيينة والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من السادسة مات في خلافة المنصور، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، روى عنه المؤلف في (13) بابًا تقريبًا، وله في البخاري فَرْدُ حديثٍ عن النعمان بن أبي عياش (عن النعمان بن أبي عياش) الأنصاري الزرقي أبي سلمة المدني، وكان شيخا كبيرًا من أفاضل أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبي

عَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْريِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ , وَمُثِّلَ لَهُ شَجَرَةٌ ذَاتَ ظِلٍّ، فَقَال: أَي رَبِّ , قَدِّمْنِي إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ فِي ظِلِّهَا " ... وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ "فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَا يَصْرِينِي مِنْكَ" إِلَى آخِرِ الحدِيثِ. وَزَادَ فِيهِ "ويذَكِّرُهُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عياش زيد بن الصامت وقيل عبيد بن معاوية بن الصامت بن زيد بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق من بني زريق بن عبدة بن حارثة، وكان فارسًا للنبي صلى الله عليه وسلم روى عن أبي سعيد الخدري في الإيمان والبيوع ودلائل النبوة، وجابر بن عبد الله في البيوع، وابن عمر وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وسهيل بن أبي صالح ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن أبي سلمة وأبو حازم بن دينار وابن عجلان وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني الأنصاري، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى أهل الجنة) وأقلهم (منزلة) أي درجة (رجل صرف الله) سبحانه وتعالى (وجهه عن) جهة (النار) وحوَّله (قِبل الجنة) أي إلى جهة الجنة (ومثَّل له) أي صوَّر له وأظهر (شجرة ذات ظل) ظليل أي صاحبة ظل كثير (فقال) الرجل (أي رب) أي يا رب (قدمني) أي قربني (إلى هذه الشجرة) الظليلة فأنا (أكون في ظلها) بالرفع على الاستئناف، والجملة جواب الشرط المقدر وكان مقتضى السياق أكن في ظلها بالجزم في جواب الطلب السابق، وفي بعض النسخ لأكون بإثبات لام كي وهي أوضح (وساق) أي ذكر أبو سعيد الخدري (الحديث بنحو حديث) عبد الله (بن مسعود) وفي بعض النسخ بمثل حديث ابن مسعود، وذِكرُ الإحالة في الشواهد نادرة خارجة عن اصطلاحاته ولذلك وضعنا لهذا الحديث ترجمة مستقلة تبعًا للنواوي (ولم يذكر) أبو سعيد الخدري في روايته قوله صلى الله عليه وسلم (فيقول) الله سبحانه لذلك الرجل (يا ابن آدم ما يَصْرِيني منك) أي ما يقطع سؤالك عني بأي شيء تسكت عني أُعطك أي لم يذكره من قوله فيقول (إلى آخر الحديث) أي إلى آخر حديث عبد الله ونهايته (و) لكن (زاد) أبو سعيد (فيه) أي في هذا الحديث على رواية عبد الله قوله صلى الله عليه وسلم (وبذكره الله) أي يذكر الله سبحانه

سَلْ كَذَا وَكَذَا , فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَال اللَّهُ: هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ" قَال: "ثُمَّ يَدْخُلُ بَيتَهُ فَيَدْخُلُ عَلَيهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَتَقُولَانِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أحْياكَ لَنَا وَأَحْيانَا لَكَ. قال: فَيَقُولُ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ". 362 - (168) (4) حدَّثنا سَعِيدُ بن عَمْرٍو الأَشعَثِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَينَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعالى ذلك الرجل من أمنياته التي لم يَتَنَبَّه لها ويقول الله سبحانه له (سل) أي سلني (كذا وكذا) كناية عن الشيء المبهم في محل النصب مفعول ثان لسل مبني على فتح الجزأين فتحًا مقدرًا، أو الأول مفعول ثان لسل والثاني معطوف عليه (فإذا انقطعت به) وانعدمت عنه (الأماني) وفَقَدَ ما يتمناه (قال الله) عزَّ وجلَّ لذلك الرجل (هو) أي الذي سألتنيه كانت (لك)، وقوله (وعشرة أمثاله) أي أشباهه معطوف على المبتدأ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يدخل) ذلك الرجل (بيته) أي منزله في الجنة (فتدخل عليه) في بيته، وفي بعض النسخ فتدخل فيه بدل عليه (زوجتاه) بالتاء تثنية زوجة وهي لغة صحيحة معروفة كثيرة الدوران على ألسنة الفَرَضِيِّين، وكأن بيته كان خاليًا قبل دخوله (من الحور العين فتقولان) له هو بالتاء المثناة من فوق وغلط من ضبطه بالتحتانية كما في النواوي (الحمد لله الذي أحياك) أي خلقك (لنا وأحيانا) أي خلقنا (لك) أي لأجلك، وجمع بيننا في هذه الدار الدائمة السرور (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) ذلك الرجل والله (ما أُعطي أحد) من أهل الجنة (مثل ما أُعطيتـ) ـه من النعم بالبناء للمفعول والمفعول الثاني محذوف كما قدرناه وحديث أبي سعيد الخدري انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في التحفة. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي سعيد الخدري بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال: 362 - (168) (4) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي ثقة من العاشرة، روى عنه في (5) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون الهلالي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة إمام حجة من الثامنة مات في رجب سنة (198) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا (عن مطرف) بن طَرِيف الحارثي وقيل الجَارِفِيّ بالجيم والفاء أبو بكر وقيل أبو

وَابْنِ أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ قَال: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن الكوفي، روى عن الشعبي في الإيمان والنكاح والبيوع والضحايا والصلة والدعاء، والحكم بن عتيبة في الأطعمة وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي إسحاق السَّبِيعِي، ويروي عنه (ع) والسفيانان وخالد بن عبد الله وجرير بن عبد الحميد وعَبْثر بن القاسم وابن فضيل وهُشَيم وجماعة، وثقه أحمد وأبو حاتم وأبو داود وقال ذُؤَاد بن عُلْبَةَ: ما أعرف عربيًّا ولا عجميًّا أفضل من مطرف بن طريف، وقال في التقريب: ثقة فاضل من صغار السادسة مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (و) عبد الملك بن سعيد بن حيان بالتحتانية (ابن أبجر) الهمداني أبي بكر الكوفي روى عن الشعبي في الإيمان، وواصل بن حيان في الصلاة، وطلحة بن مصرف وأبي الطفيل في الحج، ويروي عنه (م د ت س) وابنه عبد الرحمن، وابن عيينة حديثًا رفعه في الإيمان، وعبيد الله الأشجعي وزهير بن معاوية وأبو أسامة، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كان ثقة ثبتًا صاحب سنة، قال ابن المديني: له نحو أربعين (45) حديثًا، وقال في التقريب: ثقة عابد من السادسة روى عنه في ثلاثة (3) أبواب، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه، كلاهما رويا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكوفي الإمام العلم أدرك خمسمائة من الصحابة ثقة مشهور فاضل من الثالثة مات سنة (103) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا (قال) الشعبي (سمعت المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود بن مُعَتِّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس بن منبه بن بكر بن هوازن الثقفي أبا عبد الله وقيل أبو عيسى الكوفي الصحابي المشهور شهد الحديبية وما بعدها وأسلم زمن الخندق له (136) مائة وستة وثلاثون حديثًا اتفقا على تسعة (9) أحاديث وانفرد (خ) بحديث، و (م) بحديثين، حديثه في الكوفيين وكان ولي البصرة نحو سنتين وله بها فتوح وولي الكوفة ومات بها وله فيها دار في ثقيف مات سنة (50) خمسين في الطاعون في شعبان وهو ابن سبعين سنة يروي عنه (ع) والشعبي وابنه عروة في الوضوء، والأسود بن هلال ومسروق وابنه حمزة ومولاه ورَّادٌ في الصلاة، وزياد بن عِلاقة في الصلاة، وعلي بن ربيعة وعلقمة بن وائل وخلق، حالة كونه يروي (رواية) مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا موقوفة عليه، وأتى بقوله (إن شاء الله) تعالى للتبرك لا للشك ولا للتعليق لجزمه في الروايات الباقية. قال النواوي: تقدم في أول الكتاب أن قولهم رواية أو يرفعه أو يسميه أو يبلغ عنه

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ. سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يُخْبِرُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ قَال: سَمِعْتُهُ عَلَى المِنْبَرِ، يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ. وَاللَّفْظُ لَهُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ أَبْجَرَ، سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلها ألفاظ موضوعة عند أهل العلم لإضافة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف في ذلك بين أهل العلم فقوله (رواية) معناه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بينه هنا في الرواية الآتية، وأما قوله (إن شاء الله) تعالى فلا يضره هذا الشك والاستثناء لأنه جَزَمَ به في الروايات الباقية، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي ثقة، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة مات سنة (243) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا سفيان) بن عيينة، قال (حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن سعيد) بن أبجر أنهما (سمعا) عامرًا (الشعبي) حالة كونه (يُخبر) ويروي (عن المغيرة بن شعبة) رضي الله عنه (قال) الشعبي (سمعته) أي سمعت المغيرة بن شعبة حالة كونه (على المنبر) الكوفيِّ يُحدث الناس حالة كونه (يرفعه) أي يرفع الحديث (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه (قال) وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا ابن عمر فإنه مكي، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغة شيخيه لأن الأشعثي قال: حدثنا سفيان عن مطرف عن الشعبي رواية إن شاء الله بالعنعنة والشك، وقال ابن أبي عمر: حدثنا سفيان حدثنا مطرف وعبد الملك بن سعيد سمعا الشعبي يُخبر عن المغيرة بصيغة السماع بلا شك فلا يمكن له الجمع بين شيخيه لاختلاف صيغتهما، وقوله (قال وحدثني) في بعض النسخ بدل قال (ح) أي حول المؤلف السند أيضًا (و) قال (حدثني بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري الزاهد الفقيه ثقة زاهد فقيه من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في الإيمان والوضوء، وأتى بحاء التحويل لما مر آنفًا وفي بعض النسخ حَذْف حاءِ التحويل (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (له) أي لبشر بن الحكم، وأما الآخران فرويا معناه قال بشر (حدثنا سفيان بن عيينة) قال (حدثنا مطرف وابن أبجر سمعا الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري حالة كونه (يقول سمعت المغيرة بن شعبة يُخبر به) أي بهذا الحديث الآتي (الناس)

عَلَى الْمِنْبَرِ، قَال سُفْيَانُ: رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا، أُرَاهُ ابْنَ أَبْجَرَ، قَال: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَي رَبِّ, كَيفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاضرين في المسجد الكوفي حالة كونه (على المنبر قال سفيان) بن عيينة (رفعه) أي رفع هذا الحديث (أحدهما) أي أحد شيخيَّ، قال سفيان أيضًا (أُراه) بضم الهمزة أي أُرى وأظن الذي رفع الحديث منهما (ابن أبجر) وقوله (رفعه أحدهما) قال النواوي: معناه أن أحدهما رفع الحديث وأضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني والآخر أوقفه على المغيرة فقال عن المغيرة قال: سأل موسى - عليه السلام -، والضمير في أحدهما يعود على مطرف وابن أبجر شيخي سفيان فقال أحدهما عن الشعبي عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سأل موسى - عليه السلام -، وقال الآخر عن الشعبي عن المغيرة قال: سأل موسى - عليه السلام - فتحصل من هذا الكلام أن الحديث روي مرفوعًا وموقوفًا وقد قدمنا في الفصول المتقدمة أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين أن الحديث إذا روي متصلًا ورُوي مرسلًا ورُوي مرفوعًا ورُوي موقوفًا فالحكم للموصول والمرفوع لأنها زيادة وهي مقبولة عند الجمهور من أصحاب فنون العلوم فلا يقدح اختلافهم هاهنا في رفع الحديث ووقفه لا سيما وقد رواه الأكثرون مرفوعًا والله سبحانه وتعالى أعلم، وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا بشر بن الحكم فإنه نيسابوري كما مر آنفًا. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سأل موسى) بن عمران - عليه السلام - (ربه) سبحانه وتعالى، وقال له: يا رب (ما أدنى) وأقل (أهل الجنة منزلة) أي درجة ونصيبًا وما هنا بمعنى مَنْ أي مَن الذي هو أدنى وأنزل منزلة من أهل الجنة أو المعنى ما صفة أو ما علامة أدنى أهل الجنة منزلة (قال) الله سبحانه في جواب موسى - عليه السلام - (هو) أي أدنى أهل الجنة منزلة (رجل يجيء) ويحضر من فوق الصراط (بعدما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له) من جهة الرب سبحانه (ادخل الجنة) وخذ منزلك منها (فيقول) ذلك الرجل (أي رب) أي يا رب (كيف) أي أين أدخل منها فكيف هنا بمعنى أين لأنه سؤال عن المكان لا عن الحال (وقد نزل الناس) غيري ودخلوا (منازلهم) أي مساكنهم (وأخذوا أخذاتهم) أي أنصبائهم فلم يبق منزل فأين أدخل يا رب؟ وقوله (أخذاتهم) هو

فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ, رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَال: فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ, رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَينُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ, رَبِّ، قَال: رَبِّ, فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَال: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الهمزة والخاء جمع أَخَذَة وهو ما أخذوا من كرامة ربهم عزَّ وجلَّ والمعنى صاروا إلى منازلهم في الجنة وأخذوا ما أخذوا من كرامة ربهم، وذكره ثعلب بكسر الهمزة يقال أخذ أخذه أي قصد قصده (فيقال له) من جهة الرب سبحانه (أترض) بهمزة الاستفهام التقريري أي هل ترضى وتحب أيها الرجل (أن يكون) ويُعْطَى (لك مثل مُلك) بضم الميم وسكون اللام (ملك) بفتح الميم وكسر اللام أي أن يكون لك قدر ما يملكه ملك واحد (من ملوك الدنيا) وسلاطينها (فيقول) الرجل (رضيت) وأحببت ذلك يا (رب) إن حصل لي (فيقول) الله سبحانه له (لك) خبر مقدم لقوله (ذلك) والإشارة راجعة إلى مثل مُلك ملِك أي قدر مُلك ملِك من ملوك الدنيا كائن لك من الجنة وقوله (ومثله ومثله ومثله ومثله) أربع مرات معطوفات على المبتدأ أي ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله كائنات لك فيكون ما يعطى له قدر ملك من ملوك الدنيا خمس مرات (فقال) أي فيقول ذلك الرجل (في) المرة (الخامسة) من المرات التي أعطي فيها أي بعد المرة الخامسة (رضيت) يا (رب) ما أعطيتني من العطايا الخمسة (فيقول) الرب جل جلاله (هذا) المذكور من العطايا الخمسة وهو مبتدأ خبره الجار والمجرور في قوله (لك) وقوله (وعشرة أمثاله) معطوف على المبتدأ أي هذا المذكور من الأمثال الخمسة وعشرة أمثاله وهو خمسون مثلًا كائن لك أيها الرجل وما أعطى خمس وخمسون من قدر مُلك ملِك من ملوك الدنيا (ولك) أيضًا (ما اشتهت) به (نفسك) أي جميع ما أحَبَّتْهُ وعشقَتْه نفسك من نعيم الجنة (ولذت) أي وجميع ما التَذتْهُ وقرَّت به (عينك) من صنوف كرامتي لك ورضائي عنك (فيقول) الرجل (رضيت) ذلك الذي أعطيتني وأكرمتني به منك يا (رب قال) موسى عليه السلام يا (رب فـ) ـمن (أعلاهم) أي أعلى أهل الجنة وأرفعهم (منزلة) ودرجة (قال) الله سبحانه في جواب سؤال موسى (أولئك الذين) مبتدأ وخبر أي أولئك الذين كانوا أعلى أهل الجنة منزلة هم الأبرار الذين (أردتـ) ـهم وأحببتهم واخترتهم واصطفيتهم من بين عبادي لرضائي عنهم و (غرست كرامتهم) أي أركزتُ وأنبتُّ وبذرت أشجار كرامتهم

بِيَدِي, وَخَتَمْتُ عَلَيهَا، فَلَمْ تَرَ عَينٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" قَال: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ـــــــــــــــــــــــــــــ واصطفائهم (بيدي) القادرة على ما أريد، واليد صفة ثابتة لله تعالى لا نكيفها ولا نمثلها، قال النواوي: وقوله غرست كناية عن عدم عوارض التعيير (وختمت) أي طابعت ووقعت لهم (عليها) أي على أشجار كرامتي إياهم ليرضوا عني كما رضيت عنهم (فلم تر عين) من أعين الناظرين مثل ما غرست لهم (ولم تسمع أذن) من آذان السامعين مثل ما أعطيتهم (ولم يخطر) أي لم يَجْرِ (على قلب) أحد من قلوب (بشر) مثل ما أكرمتهم به وأعددته لهم. قال السنوسي: قوله (فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر) يحتمل أن يكون من باب نفي الصفة للدلالة على نفي الموصوف أو من باب نفي الصفة فقط، فعلى الأول لا عين هنالك ولا رؤية ولا أذن ولا سماع ولا قلب ولا خُطور، وعلى الثاني المنفي الرؤية والسماع والخطور فقط، وهذا الثاني أرجح. قال الطيبي: وإنما خُص هذا الأخير بذكر البشر دون القرينتين السابقتين لأنهم الذين ينتفعون بما أُعد لهم ويهتمون بشأنه ويخطرونه ببالهم بخلاف الملائكة، والحديث كالتفصيل للآية فإنها نفت العلم، والحديث نَفَى طرفَ حصوله. اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومصداقه) بكسر الميم من أوزان المبالغة ولكنها غير معتبرة أي مصداق قول الله لموسى أي دليله الذي يصدِّقه ويدل عليه مذكور (في كتاب الله) العزيز (عز) سبحانه بالكمالات (وجل) عن النقائص حيث قال سبحانه فيه {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] قال في الكشاف: أي لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أيُّ نوعٍ عظيمُ الثواب الذي ادخر الله تعالى لأولئك وأخفاه من جميع خلقه لا يعلمه إلا هو مما تقرُّ به عيونهم ولا يزيد على هذه العِدَةِ ولا مطمح وراءها. اهـ سنوسي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي فقط رواه في تفسير سورة السجدة، وقال: حسن صحيح. اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال:

363 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ؛ قَال: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَام سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ عَنْ أَخَسِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْهَا حَظًّا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 363 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الحافظ الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال أبو كريب (حدثنا عبيد الله) بن عبيد الرحمن (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة مأمون من كبار التاسعة مات سنة (182) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الملك) بن سعيد بن حيان (بن أبجر) الهمداني الكوفي (قال) عبد الملك (سمعت) عامر بن شراحيل (الشعبي يقول سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر) وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون، وغرضه بيان متابعة عبيد الله الأشجعي لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن ابن أبجر، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وهذا الحديث موقوف على شعبة أي سمعت شعبة يقول على المنبر الكوفي (أن موسى) بن عمران (- عليه السلام - سأل الله) سبحانه (عز وجل عن أخس) وأنقص وأقل (أهل الجنة منها) أي من الجنة (حظًّا) أي نصيبًا وقسمة (وساق) الأشجعي أي ذكر (بنحوه) أي بنحو حديث سفيان بن عيينة أي بموافقه في بعض ألفاظه وبعض معناه، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال وحديث مغيرة بن شعبة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.

99 - (4) باب عرض صغار الذنوب على العبد وإقراره بها وتبديل كل سيئة منها بحسنة

99 - (4) باب عرض صغار الذنوب على العبد وإقراره بها وتبديل كل سيئة منها بحسنة 364 - (169) (5) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بنِ سُوَيدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؟ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِني لأَعْلَمُ آخِرَ أهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ. وَآخِرَ أَهْلِ النًارِ خُرُوجًا مِنْهَا. رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ. فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا. فَتُعْرَضُ عَلَيهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ. فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 99 - (4) باب عرض صغار الذنوب على العبد وإقراره بها وتبديل كل سيئة منها بحسنة أي هذا باب معقود في بيان عرض الله سبحانه على عبده يوم القيامة صغار ذنوبه واعترافه بها ثم تبديل كل سيئة منها بحسنة إظهارًا لفضله وكثرة رحمته لعباده. 364 - (169) (5) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) مصغرًا الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من كبار التاسعة مات سنة (199) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة حافظ قارئ ورع لكنه يدلس من الخامسة مات في ربيع الأول سنة (148) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن المعرور بن سويد) الأسدي أبي أمية الكوفي ثقة من الثانية عاش (125) وليس عندهم معرور إلا هذا (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أبا ذر فإنه مدني (قال) أبو ذر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا الجنة وآخر أهل النار خروجًا منها) هو (رجل يؤتى به) أي يأتي به آت من الملائكة (يوم القيامة) إلى موقف المحاسبة (فيقال) فيه من جهة الرب سبحانه (اعرضوا) يا ملائكتي (عليه) أي على هذا الرجل (صغار ذنوبه) واسألوه عنها (وارفعوا عنه) أي واستروا عنه (كبارها) أي كبار ذنوبه (فتُعرض عليه) بأمر الله تعالى (صغار ذنوبه فيقال) له (عملت يوم كذا وكذا) ببناء الجزأين على الكسر المقدر بإضافة يوم إليه لأنهما كنايتان

كَذَا وَكَذَا. وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَم. لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُنْكِرَ. وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيهِ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشيَاءَ لَا أَرَاهَا هاهُنَا. قَال فَلَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَت نَوَاجِذُهُ. 365 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الأسماء المبهمة كأن يقال له هل عملت يوم كذا وشهر كذا (كذا وكذا) في مكان كذا وكذا، وقوله (وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا) توكيد لفظي لما قبله (فيقول) الرجل (نعم) عملته لأنه (لا يستطيع أن ينكر) عمله لشهادة أعضائه عليه (وهو) أي فيقول نعم والحال أنه (مشفق) أي خائف (من كبار ذنوبه أن تعرض) وتظهر (عليه فيقال له فإن لك مكان) أي بدل (كل سيئة) من صغار ذنوبك (حسنة فيقول) ذلك الرجل بعد معرفة نجاته يا (رب قد عملت) وارتكبت (أشياء) كثيرة (لا أراها) الآن ولا أبصرها (هاهنا) أي في موقف المحاسبة ومعرض المناقشة استكثارًا منه لفضل الله تعالى ولكثير حسناته إذ علم أنه لا يؤاخذ بسيئة وأنها تبدل له بحسنات (قال) أبو ذر (فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك) أي تبسم (حتى بدت) وظهرت (نواجذه) أي أنيابه تعجبًا من حال الرجل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي فقط، رواه في باب صفة جهنم وقال: حسن صحيح. ثم ذكر المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 365 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) العبسي الكوفي قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا وكيع) بن الجراح (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي، وأتى بحاء التحويل في الموضعين لاختلاف مشايخ

كِلاهُمَا عَنِ الأعمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مشايخه (كلاهما) أي كل من وكيع وأبي معاوية (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، والإشارة راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع أي روى كل منهما عن الأعمش عن المعرور عن أبي ذر. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا أبا ذر فإنه مدني، وغرضه بسوقها بيان متابعة أبي معاوية ووكيع لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي ذر وذكر فيه متابعة واحدة. ***

100 - (5) باب انطفاء نور المنافقين على الصراط ونجاة المؤمنين على اختلاف أحوالهم والإذن في الشفاعة وإخراج من قال لا إله إلا الله من النار

100 - (5) باب انطفاء نور المنافقين على الصراط ونجاة المؤمنين على اختلاف أحوالهم والإذن في الشفاعة وإخراج من قال لا إله إلا الله من النار 366 - (170) (6) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ؛ كِلاهُمَا عَنْ رَوْحٍ. قَال عُبَيدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيسِيُّ، حَدَّثَنَا ابنُ جُرَيجٍ قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 100 - (5) باب انطفاء نور المنافقين على الصراط ونجاة المؤمنين على اختلاف أحوالهم والإذن في الشفاعة وإخراج من قال لا إله إلا الله من النار 366 - (170) (6) (حدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة السرخسي نزيل نيسابور ثقة من العاشرة مات سنة (241) روى عنه في (8) أبواب (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب النيسابوري ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة (251) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (كلاهما عن روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبي محمد البصري، روى عن ابن جريج وشعبة وزكرياء بن إسحاق ومالك بن أنس وعبيد الله بن الأخنس وحماد بن سلمة وحسين المعَلِّم وسعيد بن أبي عروبة وخلق، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور وزهير بن حرب ومحمد بن أبي خلف ومحمد بن عبد الله بن نمير وحجاج بن الشاعر ويحيى بن حبيب وجماعة، روى عنه المؤلف في الإيمان والوضوء والصلاة في ثلاثة مواضع والصوم في أربعة مواضع والجنائز والحج في ثلاثة مواضع والضحايا والرحمة واللباس وسن النبي صلى الله عليه وسلم والأشربة في موضعين والجهاد وصفة النار والفتن فجملة الأبواب التي روى عنه فيها أربعة عشر بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (قال عبيد الله حدثنا روح ابن عبادة القيسي) تورعًا من الكذب على عبيد الله لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أنه روى بالعنعنة كإسحاق ولم يذكر النسبة، وقال في التقريب: ثقة فاضل له تصانيف من التاسعة مات سنة (207) قال (حدثنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي ثقة فقيه من السادسة مات سنة (150) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (قال) ابن جريج (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي صدوق من الرابعة إلا أنه يدلس من الرابعة مات سنة (126)

أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يُسْأَلُ عَنِ الْوُرُودِ، فَقَال: نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَي ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ. قَال: (فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا، وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: "مَنْ تَنْظُرُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْظُرُ رَبَّنَا. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ لَهُ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيكَ. فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري حالة كون جابر (يسأل عن الورود) أي عن معنى الورود المذكور في قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} [مريم: 71] (فقال) جابر (نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس قال) اتفق العلماء والشُرَّاح على أن هذا الكلام كله تصحيف وتغيير من النُّساخ وصوابه (سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال) جابر للسائلين له (نجيء نحن) معاشر الأمة المحمدية (يوم القيامة) حالة كوننا (على كَوْمٍ) أي على محل مرتفع (فوق الناس) أي فوق سائر الأمم، والكوْمُ بفتح الكاف على ما ذكره ابن الأثير المواضع المشرفة واحدها كومة، قالوا: فكان الراوي أظلم عليه هذا الحرف فعبر عنه بكذا وكذا وفسره بقوله أي فوق الناس وكتب عليه انظر تنبيهًا فجمع النَّقلة الكُلّ ونسقوه على أنه من متن الحديث كما تراه. اهـ وليس كذلك والصواب كما قلنا هكذا (فقال نحن يوم القيامة على كوم) أي على تَلٍّ مرتفع (فتُدعى الأمم) العابدة غير الله سبحانه (بأوثانها) أي تُنادى بأوثانها وأصنامها فيقال: يا عُباد اللات ويا عُباد العزى مثلًا (و) تُنادى بـ (ـما كانت تعبد) هـ من دون الله تعالى كان يقال يا عُباد العزير ويا عُباد المسيح ويا عُباد الملائكة ويا عُباد الشمس ويا عُباد الكواكب مثلًا، وقوله (الأول فالأول) عطف بيان من الأمم أو بدل منه أو صفة له أي يُدعى الأول والأسبق منها في الدنيا كأمة نوح وأمة إبراهيم وأمة موسى وعيسى مثلًا، فالأول أيضًا على الترتيب الزماني في الدنيا (ثم يأتينا ربنا بعد ذلك) أي بعد ذهاب الأمم مع معبوداتها إلى النار (فيقول) لنا قد ذهبت سائر الأمم مع معبوداتها فـ (ـمن تنظرون) أي فمن تنتظرونه (فيقولون) له نحن (ننظر ربنا) أي ننتظر ربنا (فيقول) سبحانه (أنا ربكم فيقولون له) لا نقبل كونك ربنا (حتى ننظر إليك) أي حتى نراك وننظر إلى وجهك المقدس (فيتجلى لهم) أي يظهر لهم ويرفع الحجاب عنهم والحال أنه (يضحك) بهم، والضحك

قَال: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ؛ مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنٍ نُورًا، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ صفة ثابتة لله نعتقده ولا نمثله، وقيل المعنى يظهر لهم وهو راض عنهم (قال) جابر (فينطلق) الرب (بهم) إلى موقف المحاسبة أو إلى جهة الصراط أي يأمر الملك بالذهاب بهم (ويتبعونه) إلى موقف المحاسبة (ويُعطى كل إنسان منهم) سواء كان من (منافق أو مؤمن نورًا) يستضيئون به على ظلمات الصراط، قال القاضي عياض: وذلك في المنافق بظاهر إيمانه الذي دخل بسببه في جملة المؤمنين كما يُحشرون غُرًا محجلين حتى يُفتضحوا بإطفاء النور وتساقطهم على الصراط وكما يُصدّون عن الحوض ويُطردون ذات الشمال ومعنى (ويتبعونه) أي يتبعون أمره. اهـ (ثم يتبعونه) إلى جهة الصراط (وعلى جسر جهنم) أي وعلى جانبي الصراط الذي هو جسر جهنم وقنطرته (كللاليب وحَسَكٌ) تطلع من قعر جهنم (تأخذ) أي تخطف (من شاء الله) خطفه وترميه إلى قعر جهنم. قال القاضي: ثم إن هذا الحديث جاء كله من كلام جابر موقوفًا عليه وليس هذا من شرط مسلم رحمه الله تعالى إذ ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذكره مسلم وأدخله في المسند لأنه رُويَ مسندًا من غير هذا الطريق فذكر ابن أبي خيثمة عن ابن جريج يرفعه بعد قوله يضحك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فينطلق بهم، وقد نبه على هذا مسلم بعد هذا في حديث ابن أبي شيبة وغيره في الشفاعة وإخراج من يُخرج من النار، وذكر إسناده وسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى بعض ما في هذا الحديث والله أعلم. اهـ. (ثم يطفأ نور المنافقين) بفتح الياء على صيغة المعلوم أي ينطفأ وبضمها على صيغة المجهول أي يُطفؤه الله تعالى فيتساقطون ويهلكون في جهنم (ثم ينجو المؤمنون) أي يمرون على الصراط ناجين من نار جهنم على اختلاف نور وجوههم (فتنجو أول زمرة) أي جماعة منهم (وجوههم) أي حالة كون وجوههم (كالقمر ليلة البدر) أي ليلة أربعة عشر في الإضاءة والجمال وهم (سبعون ألفًا لا يُحاسبون) على أعمالهم (ثم) ينجو

الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَءِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ, ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ النَّارِ مِنْ قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ، وَيَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيهِمُ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الشَّيءِ فِي السَّيلِ، وَيَذْهَبُ حُرَاقُهُ، ثُمَّ يَسْأَلُ حَتَّى تُجْعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الذين يلونهم) حالة كونهم (كأضوء نجم في السماء) أي كأشدها وأكثرها ضوءًا ونورًا (ثم) يمر الذين يلونهم (كذلك) أي مختلفين في السرعة والضياء بعضهم كالبرق الخاطف وبعضهم كالريح المرسلة وبعضهم كجواد الفرس وبعضهم كشديد العَدْو من الرجال (ثم تحل الشفاعة) للشافعين (ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله (وكان في قلبه من الخير) زائدًا على مجرد الإيمان كالحب في الله والبغض في الله (ما يزن شعيرة) أي حبة واحدة من حبوب الشعير القوت المعروف (فيُجعلون) أي فيُجعل أولئك المُخرجون (بفِناء الجنة) أي قدامه وأمامه وفِناء الدار بكسر الفاء الفضاء الذي كان قدامه (ويُجْعل أهل الجنة) جعل هنا من أفعال الشروع أَي ويشرع أهل الجنة (يرشون) أي يصبون (عليهم) صبًا خفيفًا (الماء) أي ماء الحياة الذي قدام باب الجنة فَأَلْ للعهد (حتى ينبتوا) نباتًا سريعًا كـ (ـنبات الشيء) من الحِبَّة (في) حميل (السيل) وغُثائه، قال النواوي قوله (نبات الشيء) هكذا هو في جميع الأصول الموجودة ببلادنا (نبات الشيء) وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين وعن بعض رواة مسلم (نبات الدِّمْنِ) بكسر الدال وسكون الميم، وهذه الرواية هي الموجودة في الجمع بين الصحيحين لعبد الحق وكلاهما صحيح لكن الأول هو المشهور الظاهر وهو بمعنى الروايات السابقة (نبات الحبة في حميل السيل) وأما نبات الدمن فمعناها أيضًا كذلك، فإن الدمن البعر والتقدير نبات المحل ذي الدمن في السيل أي كما ينبت الشيء الحاصل في البعر والغثاء الموجود في أطراف النهر، والمراد التشبيه به في السرعة والنضارة، وأشار صاحب المطالع إلى تصحيح هذه الرواية حيث قال: وعندي رواية صحيحة ومعناه سرعة نبات الدمن مع ضعف ما ينبت فيه وحسن منظره والله أعلم. اهـ منه. (ويذهب حُرَاقُه) بضم الحاء وتخفيف الراء، والضمير في حراقه يعود على المُخرج من النار وعليه يعود أيضًا الضمير في قوله ثم يسأل، ومعنى حراقه أثر النار أي ويذهب عنه بعد صب الماء عليه أثر حرق النار إياه من سواد الجسم وتغيره بالنار (ثم يسأل) ذلك المُخرج من النار من صنوف نعيم الجنة فيُعطى ثم يُعطى ثم يُعطى (حتى تُجعل) وتُعطى

لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا. 367 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنِهِ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُخْرِجُ نَاسًا مِنَ النَّارِ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ". 368 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، قَال: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ "إِن اللهَ يُخْرِجُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ بِالشفَاعَةِ؟ " قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (له الدنيا) أي قدر مُلك ملِك الدنيا كما مر (وعشرة أمثالها) أي والحال أن عشرة أمثال الدنيا تُعطى له (معها) أي مع إعطاء قدر الدنيا له، وحديث جابر هذا انفرد به الإمام مسلم لم يشاركه فيه غيره كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 367 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي قال (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم أبي محمد المكي أنه (سمع جابرًا) ابن عبد الله المدني (يقول سمعه) أي سمع هذا الحديث الآتي (من النبي صلى الله عليه وسم بأُذُنِه) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن جابر حالة كون النبي صلى الله عليه وسلم (يقول إن الله) سبحانه وتعالى (يُخرج ناسًا من النار فيُدخلهم الجنة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 368 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود العتكي الزهراني البصري ثقة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه من كبار الثامنة مات سنة (179) روى عنه في أربعة عشر بابا (قال) حماد (قلت لعمرو بن دينار) الجمحي المكي (أسمعتَ) أي هل سمعت (جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري الصحابي الجليل حالة كونه (يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه يقول (إن الله يُخرج قومًا) من المُوحِّدين (من النار بالشفاعة) أي بشفاعة الشافعين (قال) جابر (نعم) سمعته

369 - (00) (00) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيرِيُّ، حَدَّثَنَا قَيسُ بْنُ سُلَيمٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا، إلا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول ذلك، وهذا السند أيضًا من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مكي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة حماد بن زيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 369 - (00) (00) (حدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ـابن الشاعر) البغدادي ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة (259) روى عنه في (13) بابا، قال (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي (الزبيري) مولاهم الكوفي وليس من ولد الزبير بن العوام ثقة ثبت إلا أنه قد يُخطئ في حديث الثوري من التاسعة مات سنة (203) روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا قيس بن سليم) مصغرًا التميمي (العنبري) الكوفي روى عن يزيد الفقير في الإيمان وجماعة، ويروي عنه (م س) وأبو أحمد الزبيري وأبو نعيم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، (قال) قيس (حدثني يزيد) بن صهيب الكوفي أبو عثمان (الفقير) بفتح الفاء بعدها قاف، قيل له ذلك لأنه أُصيب في فقار ظهره يألم منه حتى ينحنيَ له، روى عن جابر بن عبد الله في الإيمان والصلاة، وأبي سعيد وابن عمر، ويروي عنه (م د س ق) وقيس بن سليم والمسعودي والحكم بن عتيبة وغيرهم، ثقة من الرابعة، قال (حدثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد بغدادي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة يزيد الفقير لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن جابر، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن يزيد لا يصْلُح لتقوية عمرو لأن عمرًا أوثق منه (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قومًا) من المُوحِّدين (يُخرجون من النار) قرئ بضم الياء على البناء للمجهول وبفتحها على البناء للمعلوم، حالة كونهم (يحترقون فيها) أي محروقة فيها أجسادهم (إلا دارات وجوههم) جمع دارة وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه أن النار لا تأكل دارة

حَتى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ". 370 - (00) (00) وحدّثنا حَجَّاجُ بن الشاعِرِ، حَدَّثَنَا الْفَضلُ بْنُ دُكَينٍ، حَدَّثَنا أَبُو عَاصِمٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ أبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجه لكونها محل السجود، والمراد بالدارة الوجه كله لأن فيه محل السجود ويحتمل أن يكون المراد محل السجود منه فقط وهو الجبهة والأنف وجُمعت الدارات بحسب الأشخاص. اهـ سنوسي، ولا يعارضه ما تقدم في حديث أبي هريرة من أن الله حرّم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود أي الأعضاء السبعة لأن ذلك في قوم خاصِّين (حتى يدخلون الجنة) بإثبات النون على أنه معطوف على يخرجون، وحتى هنا لمجرد العطف بمعنى الفاء العاطفة التي للتعقيب أو جارَّة، فأنْ مضمرة بعدها وإثبات النون للمشاكلة أو لغة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 370 - (00) (00) (وحدثنا حجاج بن الشاعر) الثقفي البغدادي ثقة من الحادية عشرة، قال (حدثنا الفضل بن دكين) أبو نعيم وهو الفضل بن عمرو بن حماد بن زهير القرشي الأحول مولاهم كان مولى لآل طلحة بن عبيد الله، ودكين لقب أبيه عمرو المُلائي بضم الميم مشهور بكنيته الحافظ الكوفي، وكان مولده سنة ثلاثين ومائة (130) روى عن أبي عاصم محمد بن أبي أيوب الثقفي في الإيمان، وإسماعيل بن مسلم في الوضوء، وسيف بن أبي سليمان في الصلاة، وأبي العُميس عتيبة في الصلاة، وموسى بن علي في الصلاة، وأبي شهاب موسى بن رافع في الحج، وسفيان في الحدود والتوبة والزهد، وهشام بن سعد في الطب، وعبد الواحد بن أيمن في الفضائل، وإسرائيل في الزهد، ويروي عنه (ع) وحجاج بن الشاعر وعبد بن حُميد وابن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج وابن نمير وعبد الله الدارمي وزهير بن حرب وأحمد وخلق، ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (219) تسع عشرة ومائتين روى عنه في عشرة (10) أبواب تقريبًا، قال الفضل (حدثنا أبو عاصم) محمد بن أبي أيوب أو ابن أيوب الثقفي الكوفي روى عن يزيد الفقير في الإيمان والشعبي، ويروي عنه (م) والفضل بن دكين ووكيع، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق يُخطئ من السابعة وأتى بالعناية في قوله (يعني محمد بن أبي

أَيُّوبَ- قَال حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ, قَال: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْي الْخَوَارِجِ. فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ. ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ. قَال: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ , جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ قَال: فَقُلْتُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أيوب) إشعارًا بأن هذه التسمية لم يسمعها من شيخه بل زادها من عند نفسه إيضاحًا للراوي، (قال) أبو عاصم (حدثني يزيد) بن صهيب (الفقير) الكوفي ثقة من الرابعة (قال) يزيد (كنت قد شغفني) وأحبني وعشقني حتى دخل شغاف قلبي وغلافه (رأي) أي مذهب واعتقاد (من رأي الخوارج) أي من مذهبهم واعتقادهم وهو أنهم يرون ويعتقدون أن أصحاب الكبائر يُخلَّدون في النار ولا يخرج منها من دخلها، وقوله (قد شغفني) رُوي بالغين المعجمة وبالعين المهملة وهما بمعنى، ومعناه لصق بشغاف قلبي وهو غلافه، وقيل سويداؤه وهو كناية عن شدة محبته و {شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] قُرئ أيضًا بالغين وبالعين المهملة أي ما برح به حبه، وقيل أخذ حُبه قلبها من أعلاه وشغاف كل شيء أعلاه، وقيل بلغ داخل قلبها (فخرجنا) من الكوفة إلى مكة (في عصابة) أي مع جماعة من الحجاج (ذوي عدد) أي أصحاب عدد كثير حالة كوننا (نريد) ونقصد (أن نحج) ونرجع (ثم نخرج) عن مذهب أهل السنة ظاهرين (على الناس) أي على أهل السنة غالبين عليهم مظهرين مذهب الخوارج داعين إليه حاثين عليه، والخوارج قوم خرجوا على علي بن أبي طالب أول ظهورهم في قرية تُسمى بالحرورية موضع من بلاد جُهينة (قال) يزيد الفقير (فمررنا) في سفرنا (على المدينة) المنورة فدخلنا المسجد النبوي (فإذا جابر بن عبد الله) بن عمرو الأنصاري (يُحدِّث القوم) بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هنا فجائية أي دخلنا المسجد ففاجأنا حالة كونه (جالسًا) مستندًا (إلى سارية) من سواري المسجد، وفي بعض النسخ جالس بالرفع على أنه خبر ثان لجابر، والجار والمجرور في قوله (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بيُحدِّث، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد بغدادي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي عاصم لقيس بن سليم في رواية هذا الحديث عن يزيد الفقير، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) يزيد الفقير (فإذا هو) أي جابر بن عبد الله (قد ذكر الجهنميين) أي خروج أهل جهنم من جهنم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم (قال) يزيد (فقلت له) أي

يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيتَهُ} [آل عمران: 192] وَ {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20] فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ؟ قَال: فَقَال: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قَال فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ. قَال: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيهِ. قَال: وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لجابر بن عبد الله (يا صاحب رسول الله) صلى الله عليه وسلم (ما هذا الذي تحدِّثون) به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفًا للكتاب العزيز (والله يقول) أي فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز ({إِنَّكَ}) يا رب ({مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ}) الأُخروية ({فَقَدْ أَخْزَيتَهُ}) وخذلته وأهنته، والخزي ضد الإحسان بإخراجه من النار والإكرام بإدخاله الجنة، والآية في آل عمران (و) قال أيضًا في سورة السجدة ({كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}) الآية وهذا صريح في أنهم لا يخرجون منها (فما هذا الذي تقولون) وتُحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هو صحيح أم لا؟ (قال) يزيد (فقال) لي جابر بن عبد الله (أتقرأ القرآن) يا يزيد أي أتعرف قراءته وتفسيره (قلت) لجابر (نعم) أقرأه وأفسره (قال) لي جابر (فهل سمعت) يا يزيد (بمقام محمد صلى الله عليه وسلم) أي بجاهه ودرجته ورفعته على سائر الأولين والآخرين (يعني) جابر بمقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي سأل عنه يزيد الفقير المقام والجاه (الذي يبعثه الله) تعالى أي يبعث الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم ويظهره (فيه) أي في ذلك المقام والجاه في عرصات القيامة، قال يزيد (قلت) لجابر (نعم) سمعت في القرآن المقام المحمود الذي يعطاه محمد صلى الله عليه وسلم (قال) جابر (فإنه) أي فإن إخراج الجهنميين منها (مقام محمد صلى الله عليه وسلم) أي جاهه ودرجته وشفاعته (المحمود) أي الذي يحمده فيه الأولون والآخرون (الذي يُخرج الله) سبحانه وتعالى (به) أي بمقامه وجاهه (من يُخرج) أي من أراد أن يُخرجه من النار من المُوحِّدين (قال) يزيد الفقير (ثم نعت) أي ذكر جابر (وَضْعَ الصراط) ومَدَّهُ على متن جهنم وظهرانيها (و) وصف (مر الناس عليه) أي مرورهم عليه على حسب أعمالهم (قال) يزيد (وأخاف) أي أظن (أن لا أكون) أنا (أحفظ ذاك) الكلام الذي ذكره جابر في وصف مرورهم على

ذَاكَ. قَال: غَيرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا. قَال: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ. قَال: فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ. فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ. فَرَجَعْنَا قُلْنَا: وَيحَكُمْ , أَتُرَوْنَ الشَّيخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَرَجَعْنَا. فَلَا وَاللَّهِ , مَا خَرَجَ مِنَّا غَيرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصراط (قال) يزيد (غير أنه قد) أي لكن أن جابرًا (زعم) والزعم هنا بمعنى القول أي قال وأخبر (أن قومًا) من الجهنميين (يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها) أي في النار (قال) يزيد (يعني) جابر بخروجهم الذي ذكر أولًا (فيخرجون) أي أنهم يخرجون، والفاء زائدة لا معنى لها (كأنهم) أي كأن أجسامهم (عيدان السَّمَاسِم) في تغير لونها ونحافتها لأكل النار إياها، وفي بعض الرواية (كأنها) بضمير المؤنثة فالضمير حينئذ عائد على الصور والتقدير كأن صورهم عيدان السماسم والعيدان أصولها وساقها التي تقوم عليها جمع عود والسماسم بالسينين المهملتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة جمع سمسم بسينين مكسورتين بينهما ميم ساكنة الحَبُّ المعروف والذي يُستخرج منه الشَّيرج، قال ابن الأثير: والسماسم جمع سمسم وعيدانه تراها إذا قُلعت وتُركت في الشمس ليؤخذ حبُّها دقاقًا سوداء كأنها محترقة فشُبه بها هؤلاء (قال) جابر (فيدخلون نهرًا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه) أي في ذلك النهر (فيخرجون) منه حالة كونهم (كأنهم القراطيس) أي الأوراق البِيضُ أي حالة كونهم مُشبهين بالصحائف، والقراطيس جمع قرطاس بكسر القاف وضمها لغتان وهو الصحيفة التي يُكتب فيها شَبَّهَهم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد، قال يزيد الفقير (فرجعنا) أنا ورفقتي إلى منزلنا في المدينة فـ (قلنا) فيما بيننا (ويحكم) أي ألزمكم الله الويح والرحمة (أتُرَون) بهمزة الاستفهام الإنكاري، وضم التاء المثناة فوق؛ أي أتظنون أن (الشيخ) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (يكذب) أي يضع الكذب ويختلقه (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لا يُظَن به الكذب بلا شك قال يزيد أيضًا (فرجعنا) من حجنا إلى الكوفة (فلا والله) لا زائدة لتأكيد النفي المستفاد من ما في قوله فوالله (ما خرج) ولا رَأى رَأيُ الخوارج أحد (منا غير رجل واحد) مِنَّا معناه رجعنا من حجنا ولم نتعرض لرأي الخوارج بل كففنا عنه وتُبنا منه إلا رجلًا منا فإنه لم يوافقنا في الانكفاف عنه وتمذهب بمذهبهم،

أَوْ كَمَا قَال أَبُو نُعَيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المؤلف رحمه الله تعالى: قال الحجاج: هكذا لفظ الحديث الذي رويته عن شيخِي أبي نعيم الفضل بن دكين (أو) لفظه (كما قال أبو نعيم) والشك من حجاج بن الشاعر شيخ المؤلف وهذا أدب معروف من آداب الرُّواة وهو أنه ينبغي للراوي إذا روى الحديث بالمعنى أن يقول في آخره عقب روايته أو الحديث: كما قال شيخي احتياطًا وخوفًا من تغيير وتحريف. قال الأبي: واعلم أن الخوارج تُكفِّر بالذنوب وهو سبب خروجهم عن الناس وتقول بتخليد العاصي في النار محتجين على التكفير بالآية الأولى يعني قوله {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيتَهُ} ووجه الدليل منها أنه يتركَّب منها مع غيرها قياس من الشكل الأول فيقال العاصي يدخل النار وكل داخل النار مخزي، فينتج العاصي مخزي ثم يركَّب من هذه النتيجة قياس ثان من الشكل الثاني فيقال العاصي مخزي ولا شيء من المخزي بمؤمن، والصغرى صادقة لأنها نتيجة الشكل الأول والكبرى كذلك لقوله تعالى {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} يُنتج لا شيء من العاصي بمؤمن، وأجيب بأن والذين آمنوا ليس بمعطوف على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو مبتدأ مستأنف خبره نورهم يسعى، واحتجوا على التخليد بالآية الثانية، والجواب أنها في الكفار أو أنها مخصوصة بهذه الأحاديث، ولمَّا كان الحديث نصًّا في إبطال الأمرين وعلم يزيد أن جابرًا لا يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم رجع عن رأي الخوارج. قال القاضي: واختلفَت الأحاديث في المقام المحمود فذكر جابر في هذا الحديث أنه خروج العصاة بشفاعته صلى الله عليه وسلم ويأتي من حديث ابن عمر ما ظاهره أنه الشفاعة في تعجيل الحساب، وفي حديث جابر: يُنادى يوم القيامة والناس سكوت يا محمد فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك .. الخ، وفي حديث كعب بن مالك يُحشر الناس على تل فنكْسَى حُلَّة خضراء ثم يُنادى بي: فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود، وعن عبد الله بن سلام: محمد على كرسي الرب بين يدي الله عز وجل، ورُوي عن مجاهد في ذلك قول منكر لا يصح ولو صح يُتأول ويَقْرُبُ من قول عبد الله بن سَلَام ويُخرَّج من جملة الأحاديث أن المقام المحمود كون آدم - عليه السلام - وذريته تحت لوائه في عرصات القيامة من أول اليوم إلى دخول الجنة وخروج من يخرج من النار وأوَّل ذلك إجابة المنادي وحمده الله عزَّ وجلَّ بما ألهمه ثم الشفاعة في تعجيل

371 - (171) (7) حدَّثنا هَدَّابُ بن خالِدٍ الأَزدِيُّ, حَدَّثَنا حمَّادُ بن سَلَمةَ عَنْ أَبي عِمْرانَ وثابِتٍ , عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ أن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَليهِ وسَلَّمَ قَال: "يخْرُجُ مِنَ النَّارِ أرْبَعَةٌ فَيُعرَضونَ عَلَى اللهِ. فيَلْتَفِتُ أحَدُهُم فيَقُولُ: أَي رَبِّ, إِذْ أَخْرَجْتَني مِنْها فَلا تُعِدْني فِيهَا. فَيُنجِيهِ اللهُ مِنْها" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحساب وإراحة الناس من كرب المحشر وهو مقامه المحمود الذي حمده فيه الأولون والآخرون ثم شفاعته فيمن لا حساب عليه من أمته ثم فيمن يُخرج من النار حتى لا يبقى فيها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ثم يأمر الله عزَّ وجلَّ بإخراج من قال لا إله إلا الله حتى لا يبقى في النار إلا المخلدون وهو آخر عرصات القيامة. اهـ. ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث أنس فقال: 371 - (171) (7) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هُدبة (الأزدي) القيسي الثوباني أبو خالد البصري، ويقال له هُدبة بضم الهاء وسكون الدال وهو اسمه وهداب لقبه، ثقة عابد تفرد النسائي بِتَلْيِينِه من صغار التاسعة مات سنة (241) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أبو سلمة البصري ثقة عابد أثبت الناس في ثابت من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (عن أبي عمران) بكسر العين عبد الملك بن حبيب الأزدي الجوني نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد ثقة من كبار الرابعة مات سنة (128) روى عنه في (12) بابا (وثابت) بن أسلم بن موسى البُناني أبي محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (عن أنس بن مالك) الأنصاري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (يُخرج من النار) بشفاعة الشافعين (أربعة) أنفار (فيُعرضون على الله) سبحانه وتعالى إظهارًا لمنِّه وفضله عليهم (فيلتفت أحدهم) إلى جهة النار (فيقول أي رب) أي يا رب (إذ أخرجتني منها) أي من النار، وإذ ظرف لما مضى من الزمان مضمَّن معنى الشرط فهي بمعنى إذا التي للاستقبال متعلق بجوابه وهو قوله (فلا تُعِدني فيها) أي في النار أي فلا تُعِدني فيها وقت إخراجك إياي منها وهو بالجزم بلا الدعائية (فينجيه الله منها) أي فيخلِّصه الله تعالى منها، رُوي بالتخفيف من الإنجاء وبالتثديد من التنجية، وهذا الحديث أعني حديث أنس هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات وغيرهم كما في التحفة.

101 - (6) باب ما خص به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر (المسماة بالشفاعة العظمى)

101 - (6) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر (المسماة بالشفاعة العظمى) 372 - (172) (8) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَين الْجَحْدَرِيُّ , ومُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لِأَبِي كَامِلٍ)، قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ، (وقَال ابْنُ عُبَيدٍ: فَيُلْهَمُونَ لِذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 101 - (6) باب ما خُصَّ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشفاعة العامة لأهل المحشر (المسماة بالشفاعة العظمى) 372 - (172) - (8) (حدثنا أبو كامل فُضيل بن حسين الجحدري) بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة ثم دال مهملة مفتوحة نسبة إلى جدٍّ له اسمه جحدر البصري ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (ومحمد بن عبيد) بن حِساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة وباء موحدة (الغُبَري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة أبو عبد الله البصري ثقة من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لأبي كامل) تورعًا من الكذب على محمد بن عبيد (قالا) أي قال كل من الجحدري والغبري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري البزاز الواسطي مشهور بكنيته ثقة ثبت من السابعة مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا، وليس عندهم وضاح إلا هذا الثقة (عن قتادة) بن دِعامة الأكمه السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة ثبت من الرابعة مات كهلًا سنة (117) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا عوانة فإنه واسطي (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله) سبحانه وتعالى (الناس) من الأولين والآخرين (يوم القيامة) لرب العالمين والمُجازاةِ على عمل العاملين (فيهتمون) أي فيعتنون ويصرفون همَّتهم إلى طلب الشفاعة (لـ) شدة الكرب والازدحام في (ذلك) الموقف الرهيب هذا لفظ أبي كامل (وقال ابن عبيد) الغُبري (فيُلهَمُون) أي يُلقون في قلوبهم طلب الشفاعة (لذلك) الموقف الرهيب، قال النواوي: ومعنى اللفظين متقارب معنى الأول أنهم يعتنون بسؤال الشفاعة وإزالة

فَيَقُولُونَ: لَو اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، قَال: فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيهِ السّلامُ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْخَلْقِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ , ـــــــــــــــــــــــــــــ الكرب الذي هم فيه، ومعنى الثاني أن الله سبحانه يلهمهم سؤال ذلك والإلهام أن يُلقي الله تعالى في النفس أمرًا يحمل على فعل الشيء أو تركه (فيقولون) أي يقول بعضهم لبعض (لو استشفعنا على ربنا) أي لو طلبنا الشفاعة والواسطة إلى ربنا (حتى يُريحنا) أي لكي يُحَصَّل لنا الراحة (من) تعبنا وازدحامنا في وقوفنا في (مكاننا) وموقفنا (هذا) الموقف الرهيب أو ليزيلنا من موقفنا هذا ولو إلى النار (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيأتون آدم) أبا البشر (- عليه السلام -) قال الأبي: إتيانهم آدم - عليه السلام - مع علمهم في الدنيا أن المختص بهذه الشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه ممن لم يعلم ذلك أو علم ولكنه علم أن الأمر هكذا يقع إظهارًا لشرفه صلى الله عليه وسلم فإنه لو بُدئ به لقيل لو بُدئ بغيره لاحتمل أن يشفع أما بعد امتناع الجميع وسُئل هو فأجاب فهو النهاية في الشرف وعلو المنزلة ويحتمل أنه ممن علم ولكنه دَهِشَ. اهـ منه (فيقولون) لآدم (أنت آدم أبو الخلق) أي أبو البشر فهو من إطلاق العام وإرادة الخاص، قال السنوسي: هذا الكلام من باب قول الشاعر: أنا أبو النجم وشعري شعري وهو مبهم فيه معنى الكمال لا يعلم بما يراد منه ففُسر بما بعده من قوله أبو الخلق خلقك الله بيده إلى آخره (خلقك الله) سبحانه وتعالى (بيده) التامة القدرة يعني بلا واسطة أب وأم وإلا فالكل مخلوق بيده تعالى (ونفخ فيك من رُوحه) والإضافة فيه للتشريف لا للتخصيص وإلا فأرواح الخلائق له تعالى. قال القاضي عياض: قوله (من روحه) الإضافة فيه إضافة مُلك أي مملوك إلى مالك وتخصيص وتشريف (قلت) مذهب السلف أن لله تعالى يدًا أثبتها لنفسه فنثبتها كما أثبتها لنفسه ونعتقدها من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه وهذا هو الأسلم، وتكون فائدة الاختصاص بآدم أنه تعالى خلقه بيده ابتداءً من غير سبب ولا واسطة خلق ولا أطوارٍ قَلَبه فيها وذلك بخلاف غيره من ولده ويحتمل أن يكون شرفه بالإضافة إليه كما قال {بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ} وقوله (ونفخ فيه من روحه) والروح هنا جبريل - عليه السلام - كما في قوله تعالى {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} وقوله {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} وشرَّفه بالإضافة كما في قوله {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} وهو جبريل على قول أكثر

وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا, أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المفسرين أي كان كل واحد من آدم وعيسى عليهم السلام من نفخة الملك فصار المنفوخ فيه ذا روح من ريح نفخته ولا يلتفت إلى ما يقال من غير هذا. اهـ من المفهم. (وأمر الملائكة) الكرام بالسجود لك (فسجدوا لك) أي سجدت الملائكة لك وأنت لك منزلة عند ربك فـ (اشفع لنا عند ربك) أي فاطلب لنا الخير والفرج عند ربك (حتى يُريحنا) وينقلنا (من مكاننا) وموقفنا (هذا) الموقف الهائل ولو إلى النار. قال القرطبي: والشفاعة أصلها الضم والجمع ومنه ناقة شَفُوعٌ إذا جمعت بين حلبتين في حلبة واحدة وناقة شافع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها والشفع ضم واحد إلى واحد، والشُّفعة ضم مِلك الشريك إلى ملكك، فالشفاعة إذن ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال منفعة إلى المشفوع له، وسيأتي أقسامها إن شاء الله تعالى. اهـ منه (قلت) الشفاعة طلب الخير من الغير للغير. (فيقول) آدم (لست) أنا (هناكم) أي محلًا لمطلوبكم وأهلًا لذلك أي لست مطلبًا للشفاعة ولا أهلًا لها. قال السنوسي: يحتمل أنه تواضع أو لعلمه أنها لغيره على الجملة، أو لعلمه أنها لمحمد صلى الله عليه وسلم خصوصًا ولكن عَلِم أنه كذا يقع (قلت) ومعنى لست هناكم لست في المكان والمنزل الذي تحسبوني فيه يريد مقام الشفاعة. اهـ، وذكر ملا علي: أن هنا إذا ألحق به كاف الخطاب يكون لبعد المكان المشار إليه فالمعنى لست في مكان الشفاعة أنا بعيد منه. اهـ. (فيذكر) آدم اعتذارًا إليهم (خطيئته) ومخالفته لربه (التي أصاب) وفعل بها (فيستحيي ربه) أي ويذكر أنه يستحى ويخاف ربه (منها) أي من أجل تلك الخطيئة التي هي أكل الشجرة بعدما نهى عنها. قال القاضي عياض: قوله (ويذكر خطيئته) تسمية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هذه الأشياء خطايا إنما هو إشفاق إذ ليست بخطايا آدم - عليه السلام - أكَل نسيانًا، ونوح - عليه السلام - دعا على قوم كفار، وموسى - عليه السلام - قتل كافرًا، وإبراهيم - عليه السلام - دفع بقول هو بحسب مراده صِدْق وعتب الله على بعضهم لعلو منزلتهم. اهـ. (ولكن ائتوا نوحًا) أي جيئوا نوحًا (أول رسول بعثه الله) سبحانه وتعالى إلى جميع أهل عصره واذهبوا إليه ليشفع لكم إلى ربكم

قَال: فَيَأْتُونَ نُوحًا صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم) فيقولون له: ألا ترى إلى ما نحن فيه اشفع لنا إلى ربك (فيقول) نوح صلى الله عليه وسلم (لست هناكم) أي في المكان الذي تحسبونه فيه من الشفاعة لكم عند ربكم (فيذكر) نوح (خطيئته التي أصابـ) ـها وارتكبها اعتذارًا إليهم وهي دعوته التي أغرقت أهل الأرض حين قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (فيستحيي ربه منها ولكن) أقول لكم نصيحة (ائتوا إبراهيم) الخليل (صلى الله عليه وسلم الذي اتخذه الله) سبحانه (خليلًا) أي جعله مُحبًا له كامل المحبة غير ناقصها أو محبوبًا له كامل المحبة غير ناقصها فهو فعيل بمعنى اسم الفاعل أو المفعول، والخليل الصديق المخلص، والخُلة بضم الخاء الصداقة والمودة، ويقال فيها أيضًا خلالة بالضم والفتح والكسر، والخَلة بفتح الخاء الفقر والحاجة، والخِلة بكسرها واحدة خِلل السيوف وهي بطائن أغشيتها، والخَلل الفُرجة بين الشيئين والجمع الخِلال، واختلف في الخليل اسم إبراهيم - عليه السلام - من أي هذه المعاني والألفاظ أُخذ فقيل إنه مأخوذ من الخُلة بمعنى الصداقة وذلك إنه صَدَقَ في محبة الله تعالى وأخلص فيها حتى آثر محبته على كل محبوباته فبذل ماله للضيفان وولده للقربان وجسده للنيران، وقيل من الخَلَّة التي بمعنى الفقر والحاجة وذلك أنه افتقر إلى الله في حوائجه ولجأ إليه في فاقته حتى لم يلتفت إلى غيره بحيث آلَتْ حاله إلى أن قال له جبريل وهو في الهواء حين رُمي في المنجنيق: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وقيل من الخَلل بمعنى الفُرجة بين الشيئين وذلك لما تخلل قلبه من معرفة الله تعالى ومحبته ومراقبته حتى كأنه مزجت أجزاء قلبه بذلك، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض الشعراء فقال: قد تخلَّلتَ مَسلك الرُّوح مني ... ولذا سُمِّي الخليل خليلا ولقد جمع هذه المعاني وأحسن من قال في الخُلة إنها صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار والغنى عن الأغيار. اهـ من المفهم.

فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى صلى الله عليه وسلم, الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ، قَال: فَيَأْتُونَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. عَبْدًا قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ"، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فيأتون إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيقول) إبراهيم (لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب) وارتكب (فيستحيي ربه منها) وهي كذباته الثلاث (ولكن ائتوا موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلمه الله) سبحانه وتعالى في الدنيا بلا واسطة (وأعطاه التوراة) دفعة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقول) موسى (لست هناكم) أي في المنزلة التي حسبتموني فيها (ويذكر خطيئته التي أصابـ) ـها (فيستحيي ربه منها ولكن ائتوا عيسى) صلى الله عليه وسلم (روح الله) سبحانه والإضافة فيه للتشريف والملك (وكلمته) سبحانه أي المخلوق بكلمة كن بلا واسطة أب من غير أن يتقلب في أطوار الخلق كما تقلب غيره (فيأتون عيسى روح الله وكلمته فيقول لست هناكم) أي في منزلة الشفاعة التي حسبتموني فيها (ولكن ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدًا قد غُفر له) بالبناء للمفعول أي غفر الله سبحانه وتعالى له (ما تقدم من ذنبه وما تأخر) قيل المتقدم ما قبل النبوة والمتأخر عصمته بعدها، وقيل المتقدم ما وقع والمتأخر ما لم يقع على طريق الوعد، وقيل المراد بذلك أمته، وقيل المراد ما وقع سهوًا أو غفلة أو تأويلًا واختاره القشيري، وقيل المعنى ما تقدم لأبيك آدم وما تأخر من ذنوب أمتك، وقيل المراد أنه مغفور له من ذنب أن لو كان، وقيل هو تنزيه له عن الذنوب. اهـ من الإكمال. وقال النووي: فعلى أن المراد أمته فالمراد بعضهم أو يعني عدم الخلود في النار، وقال القاضي عياض إتيان الناس آدم أولًا وإحالة آدم على نوح عليهما السلام فيه تقديم الآباء وذوي الأسنان في الأمر المهم. اهـ. (قال) الراوي أنس بن مالك رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)

"فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا أَنَا رَأَيتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا , فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، قُلْ تُسْمَعْ , سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف العلماء في عصمة الأنبياء من الذنوب اختلافًا كثيرًا والذي ينبغي أن يقال إن الأنبياء معصومون مما يُناقض مدلول المعجزة عقلًا كالكفر بالله تعالى والكذب عليه والتحريف في التبليغ والخطأ فيه، ومعصومون من الكبائر وعن الصغائر التي تُزْرِي بفاعلها وتَحُطُّ منزلته وتُسقط مروءته إجماعًا عند القاضي أبي بكر، وعند الأستاذ أبي بكر أن ذلك مقتضى دليل المعجزة، وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم، واختلفت أئمتنا في وقوع الصغائر منهم فمن قائل بمنع ذلك، والقول الوسط في ذلك أن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها واستغفروا وتابوا وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا تقبل التأويلات بجملتها وإن قيل ذلك في آحادها. (فيأتوني) إياي (فأستأذن) أنا في الإقبال (على ربي) في طلب الشفاعة أي أطلب منه تعالى الإذن لي في طلب الشفاعة العظمى التي وعدنيها بقوله عزَّ وجلَّ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (فيؤذن لي) في الإقبال عليه لطلب الشفاعة ومن هذا الكلام يُعلم مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لآداب تلك الحضرة العلية (فإذا أنا رأيته) سبحانه وتعالى (وقعتُ) أي خررتُ وسقطتُ على وجهي حالة كوني (ساجدًا) له تعالى (فيدعني) أي يتركني في السجود (ما شاء الله) تعالى أن يتركني (فيُقال) لي (يا محمد ارفع رأسك) من السجود و (قل) ما شئت (تُسمَع) في قولك و (سل) ما شئت (تُعطه) أي تعط مسئوولك فالضمير راجع إلى المصدر المفهوم من الفعل وهو بمعنى المفعول ويحتمل كون الهاء للسكت كما في المرقاة، و (اشفع) أي اطلب الشفاعة فيما شئت (تُشَفَّع) أي تقبل في شفاعتك (فأرفع رأسي) من السجود (فأحمد ربي بتحميدٍ يُعلِّمنيه) أي يُلهمنيه (ربي) يومئذ (ثم أشفع) في إخراج المُوحِّدين من النار (فيحُدُّ لي) ربي، ضبطه ملا علي بوجهين وقد اقتصر القسطلاني على وجه واحد، أي يقدِّر لي (حدًّا) أي قدرًا معينًا من المُوحِّدين (فأُخرجهم) أي أُخرج القدر المعين لي من المُوحِّدين (من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود) أي أرجع إلى الموضع الذي سجدت فيه أولًا (فأقع)

سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ , سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي قَدْرًا فَأُخْرِجَهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، (قَال: فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ) قَال: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إلا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَي وَجَبَ عَلَيهِ الْخُلُودُ"، (قَال ابْنُ عُبَيدٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَال قَتَادَةُ: أَي وَجَبَ عَلَيهِ الْخُلُودُ) ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أسقط (ساجدًا) لله تعالى (فيدعني) أي يتركني في السجود (ما شاء الله أن يدعني) ويتركني (ثم يُقال ارفع رأسك) من السجود (يا محمد) و (قل) من طلباتك ما شئت (تُسمع) في قولك و (سل) ما شئت (تُعطه) و (اشفع) فيما شئت (تُشفع) أي تُقبل في شفاعتك (فأرفع رأسي) من السجود الثاني (فأحمد ربي بتحميد يُعلِّمنيه) يومئذ (ثم أشفع) أي أطلب الشفاعة في إخراج من بقي في النار من المُوحِّدين (فيحُدُّ لي) أي يُعيَّن لي من المُوحِّدين (قدرًا) أي قدرًا معلومًا (فأخرجهم) أي أخرج هؤلاء المعينين لي (من النار وأُدخلهم الجنة قال) أنس بن مالك (فلا أدري) أي لا أعلم (في) المرة (الثالثة أو في الرابعة قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فأقول) أنا لربي (يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن) ومنعه من الخروج أي من حكم عليه القرآن بحبسه في النار أبدًا (أي) إلا (من وجب عليه الخلود) في النار لكفره وشركه، قال الإمام مسلم (قال) لنا محمد (بن عبيد) الغُبري (في روايته) هذا الحديث لنا (قال قتادة أي وجب عليه الخلود) فبيَّن أن هذا التفسير كلام مدرج من قتادة، والمعنى أي دل القرآن على خلوده وهم الكفار، قال ملا علي: ومعنى وجب أي ثبت وتحقق أو وجب بمقتضى إخباره تعالى فإنه لا يجوز فيه التخلف أبدًا. قوله (ثم أشفع فأُخرِجُ من النار) قال القاضي عياض: جاء في هذا الحديث وفي حديث أبي هريرة الآتي رضي الله عنه أن الذي يبدأ به بعد الإذن له شفاعةُ الإخراج، ويأتي في هذا الحديث نفسه من طريق حذيفة رضي الله عنه فيأتون محمدًا فيقوم ويُؤذن له وتُرسل الأمانة والرحم بجنبتي الصراط وبهذا يتصل الحديث لأن هذه هي الشفاعة التي لجأ فيها الخلق لتُريحهم من الموقف ثم بعد ذلك تحل شفاعته صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيره، وجاء في أحاديث الرؤية والمحشر المتقدمة الأمر باتباع كل أمة ما كانت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعبد ثم يُميز بين المؤمنين والمنافقين ثم تحل الشفاعة ويوضع الصراط، وبين هذه الأحاديث معارضة في بيان الشفاعة العظمى فيجمع بين هذه الأحاديث بأن يكون الأمر بالإتباع هو أول الفصل وأول مقامه المحمود والشفاعة المذكورة فيه هي الشفاعة في المجيزين على الصراط وهي له صلى الله عليه وسلم لا لغيره كما نص عليه في الأحاديث ثم بعدها شفاعة الإخراج، قال الأبي: قوله وبهذا يتصل الحديث يعني أن الراوي أسقط ذلك في هذا الطريق ويحتمل أن يكون شَفَعَ في الأمرين واكتفى في حديث أنس بشفاعة الإخراج لأنها تستلزم الأخرى لأن الإخراج فرعُ وقوع الحساب. اهـ. قال السنوسي: قوله (فيَحُدُّ لي حدًّا) يريد أنه يبين له في كل طور من أطوار الشفاعة حدًّا أقف عنده فلا أتعداه مثل أن يقول: شَفعتُك فيمن أخل بالجماعات، ثم يقول: شَفعتُك فيمن أخل بالصلوات ومثله فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا ليُريه علو الشفاعة في عظم الذنب، وقال أيضًا قوله (فأخرجهم من النار) قال الطيبي: فإن قلت دل أول الكلام على أن المستشفعين هم الذين حُبِسوا في الموقف وهَمُّوا وحزِنوا لذلك وطلبوا أن يُخلِّصهم من ذلك الكرب، ودل قوله (فأخرجهم من النار) على أنهم من الداخلين فيها، فما وجهه؟ (قلت) فيه وجهان: أحدهما لعل المؤمنين صاروا فرقتين فرقة سِيرَ بهم إلى النار من غير توقف وفرقة حُبسوا في المحشر واستشفعوا به صلى الله عليه وسلم فخلصهم مما فيه وأدخلهم الجنة ثم شرع في شفاعة الداخلين في النار زُمرًا بعد زُمر كما دل عليه قوله (فيحُدُّ لي حدًّا) إلى آخره فاختصر الكلام وثانيهما أن يُراد بالنار الحبس والكُربة وما كانوا عليه من الشدة ودُنُوِّ الشمس إلى رؤوسهم وحرها وسفعها وإلجامهم بالعرق وبالخروج الخالص منها، والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله (في الثالثة أو في الرابعة) قال: قد جزم في الطريق الآخر أنه في الرابعة وفسر فيها من حبسه القرآن بأنه من وجب عليه الخلود ويأتي في زيادة الحسن في حديث أنس فيقول في الرابعة ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول: ليس ذلك إليك والجمع بينهما متناف لأن من قال لا إله إلا الله لا يُخَلَّد في النار، ويُجاب بأنه اختلف فقيل يعني من قالها من أمته، وقيل يعني من قالها من غير أمته فالمعنى على الأول، فأقول في الرابعة بعد إخراج أهل تلك المقادير لم يبق من أمتي أي من أتباعي إلا من قال لا إله إلا

373 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَهْتَمُّونَ بِذلِكَ (أَوْ يُلْهَمُونَ ذلِكَ) " ـــــــــــــــــــــــــــــ الله فائذن لي فيه، فيقال: ليس ذلك إليك إنما ذلك لأرحم الراحمين، فيقول: لم يبق بعدُ إلا من وجب عليه الخلود، والمعنى على الثاني فأقول لم يبق من أمتي أي من أهل دعوتي إلا من وجب عليه الخلود فائذن فيمن قال لا إله إلا الله من غير أمتي فقال: ليس ذلك إليك قد استوفيتَ حقك في أمتك وإنما ذلك لله، وتقدم أن أمته تُطلق تارة على أتباعه وتارة على عموم أهل دعوته. اهـ. وحديث أنس هذا شارك المؤلف في روايته البخاري فقط ذكره في التفسير وفي التوحيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 373 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (ومحمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من المحمَّدَين (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري ثقة من التاسعة مات بالبصرة سنة (194) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن سعيد) بن مهران أبي عروبة اليشكري مولاهم أبي النضر البصري ثقة حافظ لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة من السادسة مات سنة (156) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة ثبت أكمَهُ من الرابعة مات سنة (117) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا (عن أنس) بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري مات سنة (93) روى عنه في (12) بابا تقريبًا، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيهتمون) أي يعتنون (بذلك) أي بسؤال الشفاعة وطلب من يشفع لهم عند ربهم (أو) قال قتادة (يُلهمون ذلك) أي

بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: "ثُمَّ آتِيهِ الرَّابِعَةَ (أَوْ أَعُودُ الرَّابِعَةَ) فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ إِلا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ". 374 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَام. قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ يُلقون في قلوبهم طلب من يشفع لهم عند ربهم، والشك من سعيد بن أبي عروبة أو ممن دونه، وساق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (بمثل حديث أبي عوانة) عن قتادة (و) لكن (قال) سعيد بن أبي عروبة (في الحديث ثم آتيه) أي آتي المقام الذي قُمت فيه أولًا وسألت فيه الشفاعة وهو مقام الشفاعة (الرابعة) أي في المرة الرابعة (أو) قال قتادة ثم (أعود) إليه (الرابعة) أي المرة الرابعة (فأقول يا رب ما بقي) في النار (إلا من حبسه القرآن) أي وجب عليه الخلود بنص القرآن، قال القاضي: فيه تصريح بما عليه أهل السنة من عدم تخليد العصاة وردٌّ على المعتزلة والخوارج لأن فيه إخراج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان (فإن قلت) الناس في الوزن ثلاثة: من رجحت حسناته ومن تساوت كفتاه فهذان إلى الجنة الأول يدخلها ابتداء والثاني بعد حبسه في الأعراف مدة والثالث من رجحت سيئاته فهذا إنما يُعاقب ببقائه في النار مقدار ذلك الرُّجحان ثم يُخرج إذ لا يُخلد أحد من أهل القبلة في النار فأين أثر الشفاعة؛ (قلت) أثرها في إخراجه قبل مكثه القدر الذي يستحق إذ لو وقعت الشفاعة عند تمامه لم تكن شفاعة، والله أعلم. اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 374 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري قال (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري صدوق ربما وهِم من التاسعة مات سنة (200) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سَنْبَر المعروف بالدستوائي كما سيأتي في المتن أبو بكر البصري ثقة ثبت من كبار السابعة مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة هشام الدستوائي لأبي عوانة وسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال

"يَجْمَعُ اللهُ الْمُؤمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْهَمُونَ لِذلِكَ" ... بِمِثلِ حَدِيثِهِمَا. وَذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ "فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إلا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ"، أَي وَجَبَ عَلَيهِ الْخُلُودُ. 375 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يجمع الله) سبحانه وتعالى (المؤمنين يوم القيامة فيُلهمون لذلك) أي يُلقون في قلوبهم طلب الشفاعة لذلك الكرب الذي نزل بهم في الموقف من الازدحام ودُنُوِّ الشمس إليهم والجام العرق لهم، وساق هشام (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث أبي عوانة وسعيد بن أبي عروبة (و) لكن (كر) هشام (في الرابعة) بلا شك (فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه) ومنعه (القرآن) من الخروج (أي وجب عليه الخلود) في النار أي ثبت واستقر عليه الخلود في النار بمقتضى وعيده تعالى وهم الكفار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 375 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن منهال الضرير) التميمي المجاشعي أبو عبد الله أو أبو جعفر البصري ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (231) روى عنه المؤلف في الإيمان وغيره، قال (حدثنا يزيد بن زُريع) مصغرًا التيمي من بني تيم الله العائشيُّ أبو معاوية البصري ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (182) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري أبو النضر البصري. قال النواوي: قد قدَّمنا أن سعيد بن أبي عروبة هكذا يُروى بلا ألف ولا لام في كتب الحديث وأن ابن قتيبة قال في كتابه أدب الكاتب الصواب ابن أبي العروبة بالألف واللام، وقد قدَّمنا أيضًا أن سعيد بن أبي عروبة ممن اختلط في آخر عمره وأن المختلط لا يُحتج بما رواه في حال الاختلاط أو شككنا هل رواه في حال الاختلاط أم في الصحة؟ وقد قدَّمنا أن ما كان في الصحيحين عن المختلطين محمول على أنهما رويا عنهم قبل الاختلاط (وهشام) بن أبي عبد الله سنبر أبو بكر البصري (صاحب) البَزِّ (الدستوائي) بفتح الدال وإسكان السين المهملتين ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم واو بعدها ألف ليِّنة ثم همزة مكسورة بعدها ياء نسبة من غير نون، وهذا هو المشهور في كتب الحديث ومنهم من يزيد نونًا بين الألف والياء نسبة إلى دستواء كُورَةٌ مِن كُوَرِ الأهواز كان يبيع الثياب التي تُجلب منها، فمعنى

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذ، وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ، قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَال: لَا إِلَةَ إلَّا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ هشام صاحب الدستوائي هشام صاحب البَزِّ والقماش المنسوب إلى دستواء، وفي المُنجد الكورة بضم الكاف وسكون الواو يُجمع على كور بضم الكاف وفتح الواو البقعة التي تجتمع فيها المساكن والقرى والأهواز بلدة معروفة في العجم فهو صفة مخصوصة بهشام فلا تُطلق على ولده معاذ كما وهِمه صاحب المطالع فيما سيأتي في باب صفة الأذان، والله أعلم. كلاهما (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس بن مالك) البصري (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته أيضًا ورجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن زُريع لابن أبي عدي ومعاذ بن هشام في رواية هذا الحديث عن سعيد وهشام، وفائدتها تقوية السند الأول لأن معاذًا صدوق وابن أبي عدي وإن كان ثقة فيزيد أوثق منه (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني أبو غسان) بالصرف وعدمه مالك بن عبد الواحد (المِسْمَعِي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى مسمعٍ أبي القبيلة البصري ثقة من العاشرة مات سنة (230) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (ومحمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري كلاهما (قالا حدثنا معاذ) البصري، وأتى بلفظة هو في قوله (وهو ابن هشام) الدستوائي إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته وليست مما سمعه من شيخه، وإنما كررتُ هذا وأشباهه إيضاحًا وتسهيلا على الطالب فإنه إذا طال العهد به ربما ينسى الطالب وقد يقف عليه من لا خبرة له بالموضع السابق (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن سنبر البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري قال (حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من خماسياته أيضًا ورجاله كلهم بصريون (يخرج) بالبناء للمعلوم أو للمجهول (من النار في قال لا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله (وكان في قلبه من الخير) كنِيَّة صلة الرحم أو نية أيِّ طاعة كانت كالصلاة والحج والصوم (ما يزن) ويعدل (شعيرة) أي حبة شعير، قال الأبي قوله (وكان في قلبه من الخير) هذا ظاهر في

ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَال: لَا إِلهَ إلا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيرِ مَا يَزِنُ بُرَّة، ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَال: لَا إلهَ إلا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً". زَادَ ابْنُ مِنْهَالٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَال يَزِيدُ: فَلَقِيتُ شُعْبَةَ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ فَقَال شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا بِهِ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْحَدِيثِ. إلا أَنَّ شُعْبَةَ جَعَلَ، مَكَانَ الذَّرَّةِ، ذُرَةً. قَال يَزِيدُ: صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بِسْطَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن هذه الأقدار زائدة على الإيمان ويأتي في الرواية الآتية أن هذه الأقدار من الإيمان لأنه قال فيها مثقال كذا من إيمان ويجمع بينهما بان ما سيأتي على تقدير مضاف تقديره مثقال كذا من طاعات إيمانٍ ثم يحتمل أن هذه الزيادة من الطاعات الظاهرة أو من الخفية كالخشوع والشفقة على مسلم (ثم) بعد خروج من ذكر (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله) مع عديلتها (وكان في قلبه) أي في قصده (من الخير) غير الإيمان (ما يزن) ويعدل (بُرة) بضم الباء الموحدة وتشديد الراء المفتوحة أي حبة من بُر وقمح (ثم) بعد خروج ذلك (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير) غير الإيمان (ما يزن) ويعدل (ذرة) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء المفتوحة واحد الذر وهو الحيوان المعروف الصغير من النمل (زاد) محمد (بن منهال في روايته) لهذا الحديث على غيره جملة قوله (قال) لنا (يزيد) بن زريع (فلقيت شعبة) بن الحجاج (فحدثته) أي فحدثت شعبة (بالحديث) الذي سمعته من سعيد بن أبي عروبة (فقال) لي (شعبة حدثنا به) أي بهذا الحديث (قتادة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث) المذكور، والجار والمجرور في قوله بالحديث بدل من الجار والمجرور في قوله حدثنا به لأنه يجوز إبدال الظاهر من المضمر كعكسه، قال يزيد بن زُريع (إلا أن شعبة) أي لكن إن شعبة (جعل) في روايته (مكان الذرة) بفتح الذال المعجمة التي هي النمل الأحمر الصغير أي ذكر بدلها (ذُرة) بضم الذال وفتح الراء المخففة الحب المعروف من القوت ولكنه أراد نوعًا منها التي هي أصغرها المسمَّاة بالدُّخُن لأن غيرها من أنواعها لا يليق بهذا المقام لكبر حجمها كالذُرة الحبشية والذُرة الشامية لأن أنواعها تبلغ الآن نحو ثلاثين نوعًا كما هو معروف في الأُرُميا لأنها قُوتُهم واتفقوا على أنه تصحيف من شعبة وأوقعه في هذا التصحيف مجانسة الذرة لما قبلها من الحبوب، كما قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال يزيد) بن زُريع (صحَّف) وغير (فيها) أي في لفظ ذرة من الفتح إلى الضم (أبو بسطام)

376 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلالٍ الْعَنَزِيُّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلالٍ الْعَنَزِيُّ. قَال: انْطَلَقْنَا إِلَى أَنَسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كنية شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم الحافظ البصري، ووقع عند العُذْرِي وغيره دُرَّة بضم الدال المهملة وتشديد الراء وهو من تصحيف التصحيف. اهـ أبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 376 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود (العتكي) الزهراني البصري ثقة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، وقال القاضي عياض: ونسبه مسلم مرة زهرانيًا ومرة عتكيًا ومرة جمع بينهما ولا يجتمعان بوجه وكلاهما يرجع إلى الأزد إلا أن يكون للجمع بينهما سبب من جِوَار أو حِلف، والأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها تُنسب إلى الأزد بن الغوث بن نَبْتِ بن مالك بن كهلان من القحطانية، راجع معجم قبائل العرب 1/ 15، وزهران هم بنو زهران بن كعب بن الحارث بطن من شنوءة من الأزد والعتكي نسبة إلى العتيك وهم بنو العتيك بن الأسد بن عمران بطن من الأزد كانوا يقطنون عُمان السابق. اهـ منه مع ما في هامشه، قال أبو الربيع (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت ففيه من الثامنة مات سنة (179) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا معبد بن هلال العنزي) بفتح العين المهملة والنون بعدها زاي البصري، روى عن أنس بن مالك في الإيمان والفتن وبعض الحديث عن الحسن عن أنس وعُقبة بن عامر الجهني وغيرهم ويروي عنه (خ م س) وحماد بن زيد وسليمان التيمي ومعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة وجماعة، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث أنس بن مالك (سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة ثقة مصنف من العاشرة مات سنة (227) روى عنه في (15) بابا تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لغرض بيان قوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لسعيد بن منصور لا لأبي الربيع، قال سعيد (حدثنا حماد بن زبد) البصري، قال (حدثنا معبد بن هلال العنزي قال) معبد (انطلقنا) أي ذهبنا مع رهط من أهل البصرة (إلى أنس

ابْنِ مَالِكٍ وَتَشَفَّعْنَا بِثَابِتٍ، فَانْتَهَينَا إِلَيهِ وَهُوَ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأذَنَ لَنَا ثَابِتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيهِ، وَأَجْلَسَ ثَابِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَال لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسأَلُونَكَ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ. قَال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَغضٍ. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا. وَلكِنْ عَلَيكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن مالك) الأنصاري (وتشفعنا) أي طلبنا الاتصال (بـ) ـــواسطة (ثابت) بن أسلم البُناني (فـ) توجهنا إليه و (انتهينا إليه) أي وصلنا إلى بيته (وهو) أي والحال أن أنسًا (يصلي) صلاة (الضحى) أي في وقت الضحوة (فاستأذن) أي طلب الإذن (لنا) في الدخول عليه في مجلسه (ثابت) بن أسلم البُناني (فـ) أذن لنا و (دخلنا عليه) في مجلسه (وأجلس) أنس (ثابتًا على سريره) أي على كرسيه، وفيه أنه ينبغي للعالم وكبير المجلس أن يكرم فضلاء الداخلين عليه ويميزهم بمزيد إكرام في المجلس وغيره، وهذا السند أيضًا من خماسياته ورجاله كلهم بصريون. قال النواوي: وهذه الأسانيد الخمسة من قوله وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار إلى هنا رجالها كلهم بصريون وهذا الاتفاق في غاية من الحُسْنِ ونهايةِ من الندور أعني اتفاق خمسة أسانيد متوالية في صحيح مسلم جميعهم بصريون، والحمد لله على ما هدانا له. اهـ. (فقال له) ثابت (يا أبا حمزة) كُنية أنس (أن إخوانك من أهل البصرة) جاؤوك (يسألونك) ويرجون منك (أن تُحدثهم) عن النبي صلى الله عليه وسلم (حديث الشفاعة) أي حديثًا ورد في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى العامة لجميع الأمم (قال) أنس رضي الله عنه (حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم) حديث الشفاعة (قال) محمد في حديثه (إذا كان) أي حصل وجاء (يوم القيامة ماج الناس) واجتمع (بعضهم إلى بعض) أي اختلطوا واضطربوا متحيرين أفاده ملا علي، وفي المصابيح (بعضهم في بعض) (فيأتون آدم) - عليه السلام - (فيقولون اشفع) إلى ربك أي اطْلُب الخير منه (لذريتك) أي لأولادك ليُريحهم من هذا الموقف الرهيب (فيقول) آدم (لستُ) أهلًا (لها) أي لهذه الشفاعة (ولكن) أقول لكم كلمة نصيحةٍ (عليكم بإبراهيم) الخليل (- عليه السلام -) أي

فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللهِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ. فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا. وَلكِنْ عَلَيكُمْ بِمُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ. فَيُؤْتَى مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا. وَلَكِنْ عَلَيكُمْ بَعِيَسى عَلَيهِ السَّلامُ، فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ. فَيُؤْتَى عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا. وَلَكنْ عَلَيكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأُوتَى فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا. فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأذِنُ عَلَى رَبِّي. فَيُؤْذَنُ لِي، فَأقُومُ بَينَ يَدَيهِ، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيهِ الآنَ، يُلْهِمُنِيهِ اللهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزموه واطلبوا منه الشفاعة لكم إلى ربكم (فإِنه خليل الله) سبحانه وتعالى وحبيبه فله وَجَاهةٌ ومنزلة عند الله تعالى (فيأتون إبراهيم) فيقولون له يا إبراهيم أنت خليل الله وصفيه فاشفع لنا إلى ربك (فيقول) لهم إبراهيم (لست) اليوم أهلًا (لها) فيعتذر إليهم ببعض ما وقع له في الدنيا (ولكن عليكم بموسى - عليه السلام -) أي اذهبوا إليه واطلبوا منه الشفاعة (فإِنه كليم الله) تعالى أي سامع كلامه تعالى في الدنيا فله منزلة عند الله تعالى (فيُؤتى موسى) أي يأتي الناس إليه ويقولون له اشفع لنا إلى ربك يا موسى (فيقول) موسى لهم (لست) أهلًا (لها) أي أهلًا للشفاعة مستحقًا واعتذر إليهم ببعض المعاذير (ولكن) أقول لكم (عليكم بعيسى - عليه السلام -) أي اذهبوا إليه والزموه حتى يشفع لكم عند ربكم (فإِنه) أي فإن عيسى (روح الله وكلمته) ألقاها إلى مريم بنت عمران، وتقدم تفسيرهما لك بما لا مزيد عليه (فيُؤتى عيسى) أي يأتون عيسى ويقولون له أنت روح الله وكلمته ولك منزلة عند ربك فاشفع لنا عنده (فيقول) عيسى لهم (لست) أهلًا (لها) ومستحقًا بها (ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم) أي الزموه واطلبوا منه الشفاعة لكم عند ربكم (فاُوتَى) أنا بصيغة المبني للمجهول أي يأتون ويطلبون مني الشفاعة عند ربهم (فأقول) لهم (أنا) أهلٌ (لها) مستحق بها (فأنطلق) أي فأذهب إلى مقام المناجاة (فأستأذن) في إظهار شكواي (على ربي فيُؤذن لي) في ذلك (فأقوم بين يديه) سبحانه وتعالى (فأحمده) سبحانه (بمحامد لا أقدر عليه) أي أصفه سبحانه وتعالى بأوصاف لا أستطيع عليها (الآن) أي في الدنيا، وفي بعض النسخ (إلا أن يُلهمنيه الله) على الاستثناء بدل الآن، قال النواوي: هكذا هو في الأصول (لا أقدر عليه) بتذكير الضمير وهو صحيح ويعود الضمير في عليه إلى الحمد وكان الظاهر أن يقال (عليها) بتأنيث الضمير فيعود إلى المحامد (يُلهمنيه) أي يُلقي ذلك الحمد (الله) سبحانه وتعالى في قلبي في ذلك الوقت وكان الظاهر أيضًا أن يقال (يُلهمنيها) بتأنيث الضمير الرابط لأن الجملة صفة لمحامد

ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفعْ. فَأَقُولُ: أُمَّتِي، أُمَّتِي. فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم) بعدما وصفته بمحامد (أَخِرُّ) وأسقط على وجهي (له ساجدًا) أي ساجدًا له سبحانه (فيقال لي) أي يُنادي منادٍ من الله سبحانه قائلًا (يا محمد ارفع رأسك) من السجود (وقل) ما شئت من الكلام (يُسْمَعْ لك) قولك سماع قبولٍ (وسل) أي اطلب ما شئت من الله سبحانه في خاصة نفسك وفي أمتك (تُعْطَه) بإسكان الهاء على السكت أو على الوقف أي تعط مسئولك (واشفع) لمن شئت (تُشفَّع) أي تُقبل في شفاعتك (فأقول) أنا يا (رب) يُهمني (أمتي أمتي) بالتكرار مرتين، وفي بعض النسخ يا رب أمتي أمتي بزيادة حرف النداء (فيقال) لي من جنابه سبحانه (انطلق) أي اذهب يا محمد إلى النار (فمن كان في قلبه) من أهل النار (مثقال حبة) أي عدل حبة واحدة ووزنها (من بُرة) أي قمح بضم الباء وتشديد الراء المفتوحة (أو) قال من (شعيرة) واحدة الشعير كلاهما قوت معروف (من إيمان) تمييزُ ذاتٍ لمثقال (فأخرجه منها) أي من النار، قال النواوي: هكذا في بعض الأصول، وفي بعضها فأخرجوه بالضمير مع واو الجمع فالضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الملائكة، وفي بعضها فأخرجوا بحذف الضمير لأنه فضلة فيجوز حذفها (فأنطلق) أي فأذهب إلى النار (فأفعل) ذلك الذي أمرني به ربي (ثم أرجع) ثانيًا (إلى) موضع مناجاة (ربي فأحمده) أي فأصفه (بتلك المحامد) والأوصاف أي بمثلها (ثم) بعد حمده (أَخِرُّ) أي أسقط (له ساجدًا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول) يارب يُهمني (أمتي أمتي فيقال لي انطلق) أي اذهب إلى النار (فمن كان في قلبه مثقال حبة) أي وزن حبة (من خردل) حب معروف من الأبازير (من إيمان) تمييز مثقال (فأَخْرِجْهُ) بالإفراد والضمير في جميع الأصول كما أومأ إليه النواوي (منها) أي من النار (فأنطلق) إلى النار (فأفعل) ما أمرني

ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُل يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَة، وَاشفَعْ تُشَفعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي، أُمَّتِي. فَيُقَالُ لِيَ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ به ربي من الإخراج (ثم أعود) وأرجع (إلى) موضع مناجاة (ربي) ثالثًا (فأحمده بتلك المحامد ثم أَخِرُّ له ساجدًا فيقال لي) مِن ذلك الجناب (يا محمد ارفع رأسك وقل يُسمع لك وسل تُعطه واشفع تُشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي انطلق) إلى النار (فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى) بالتكرار ثلاثًا أي أقل أقل أقل (من مثقال حبة من خردل) صفة لحبة (من إيمان) تمييز لمثقال (فأخرجه من النار فأنطلق) إلى النار (فأفعل) ذلك الذي أمرني به ربي، قال النواوي: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب السلف وأهل السنة ومن وافقهم من المتكلِّمين في أن الإيمان يزيد وينقص، ونظائره في الكتاب والسنة كثير، وفي المفهم قوله: (فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من بُرةٍ أو شعيرةٍ من إيمان فأخرجه منها) إلى أن قال (أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان) اختلف الناس في هذا الإيمان المقدَّر بهذه المقادير فمنهم من قال هو اليقين ورأى أن العلم يصح أن يقال فيه إنه يزيد باعتبار توالي أمثاله على قلب المؤمن وباعتبار دوام حضوره وأنه ينقص بتوالي الغفلات على قلب المؤمن، وهذا معقول غير أن حَمْل هذا الحديث عليه فيه بُعْدٌ لما جاء من حديث أبي سعيد الخدري السابق حيث قال الشافعون: لم نَذَرْ فيها خيرًا مع أنه تعالى مُخرج بعد ذلك جموعًا كثيرة ممن يقول لا إله إلا الله وهم مؤمنون قطعًا، ولو لم يكونوا مؤمنين لما خرجوا بوجه من الوجوه، ولذلك قال تعالى: لأُخْرِجنَّ من قال لا إله إلا الله وعن إخراج هؤلاء عبَّر بقوله فيَقْبِضُ قبضةً فيُخْرج قومًا لم يعملوا خيرًا قط. فإذًا فالأصح في تأويل هذا الحديث أن يكون الإيمان هنا أطلق على أعمال القلوب كالنية والإخلاص والخوف والنصيحة وشِبْهِ ذلك، وسماها إيمانًا لكونها في محل الإيمان أو من الإيمان على عادة العرب في تسمية الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو كان منه بسبب وإنما قلنا: أراد به أعمال القلوب هنا دون أعمال الأبدان لقوله: (من كان في قلبه) و (وجدتم في قلبه) فخصه بالقلب، ولا جائز أن يكون التصديق على ما تقدم فتعين ما قلنا، والله أعلم.

هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَنْبَأَنَا بِهِ. فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ. فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ قُلْنَا: لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيهِ، وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِي دَارِ أَبِي حُذَيفَةَ. قَال: فَدَخَلْنَا عَلَيهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيهِ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَا مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِي حَمْزَةَ. فَلَمْ نَسْمَعْ مِثْلَ حَدِيثٍ حَدَّثَنَاهُ فِي الشَّفَاعَةِ. قَال: هِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الحبة ونصفها والمثقال ونصفه وأدنى من ذلك هي كلها عبارات عن كثرة تلك الأعمال وقِلَّتِهَا. اهـ. (هذا) المذكور (حديث أنس) أي لفظ حديث أنس بن مالك (الذي أنبأنا) وأخبرنا (به) في ذلك اليوم، وهذا من كلام معبد بن هلال العنزي أي قال معبد: هذا المذكور حديث أنس الذي سمعنا منه (فخرجنا من عنده) أي من عند أنس (فلما كنا بظهر الجَبَّان) أي بظاهر مقابر البصرة وأعلاها المرتفع منها، والجبَّان مقابر البصرة كالحجون لمكة والبقيع للمدينة، قال أهل اللغة: الجبَّان والجبَّانة بفتح الجيم والباء المشددة الصحراء، وسُمي بذلك المقابر لأنها في الصحراء وهي من تسمية الشيء باسم موضعه (قلنا) أي قال بعضنا لبعض (لو مِلْنَا) وعَدَلْنا (إلى الحسن) بن أبي الحسن البصري وذهبنا إليه (فسلمنا عليه) لكان خيرًا لنا فجواب لو محذوف (وهو) أي والحسن يومئذ (مُسْتَخْفٍ) أي مستتر ومُتغَيِّب عن الناس (في دار أبي حذيفة) خوفًا من فتنتهم، قال النواوي: وكان استخفاؤه من الحجاج الثقفي الجائر المشهور، قال الأبي: كان يتخوَّف من الحجاج فدخل الدار مستترًا فيها ودعا الله سبحانه أن يستره عنهم فدخلوا الدار ست مرات فلم يجدوه وهو فيها، وكان الحسن يُعرّض بالحجاج وكان الحجاج يقول في الحسن: عِلْجٌ يَنْزِلُ خِصَاصَ البصرة له خطابة وبيان يخطب الناس إن شاء وإن شاء سكت لقد هممتُ أن أسقي الأرض من دمه (قال) معبد (فدخلنا عليه) أي على الحسن (فسلمنا عليه فقلنا) له (يا أبا سعيد) كنية الحسن (جئنا من عند أخيك أبي حمزة) أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلم نسمع) من أحد من الناس (مثل حديثٍ حدثناه) أبو حمزة اليوم (في الشفاعة) أي في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فـ (قال) الحسن لنا (هيه) أي حَدِّثُونيهِ، قال القاضي: (هيه) بسكر الهاء الأولى وإسكان الياء وكسر الهاء الثانية وتقال بالهمزة بدل الهاء الأولى، قال ابن السَّرِيِّ: بكسر الهاء إذا استزدته من حديث مُعيَّن فإن وصلْت نَوَّنْتَ، فقلت: إيهٍ يا فتى، وإن استزدته من حديث

فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ. فَقَال: هِيهِ، قُلْنَا: مَا زَادَنَا. قَال: قَدْ حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ جَمِيعٌ وَلَقَدْ تَرَكَ شَيئًا مَا أَدْري أَنَسِيَ الشَّيخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا. قُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا. فَضَحِكَ وَقَال: "خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ. مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هَذَا إلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ. "ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ غير معيَّن نونتَ فقلت: إيهٍ أي حدِّث أي حديث كان، فإن أسكتَّه قلت: إِيهًا عنَّا اهـ. (فحدثناه) أي حدثنا الحسن (الحديث) الذي سمعناه من أنس (فقال) الحسن لنا (هيه) أي زيدوه لي (قلنا) للحسن (ما زادنا) أنس على هذا الحديث الذي حدَّثْنَاكَهُ (قال) الحسن والله (قد حدثنا) أنس (به) أي بهذا الحديث (منذ عشرين سنة) أي من قبل عشرين سنة (وهو) أي والحال أن أنسًا (جَمِيع) بفتح الجيم وكسر الميم بعدها ياء ساكنة أي مجتمع القوة والحفظ كاملهما لم يأخذ منه الكِبَر (ولقد ترك) أي والله لقد ترك أنس (شيئًا) من هذا الحديث الذي حدثكموه (ما أدري) ولا أعلم (أَنَسِيَ الشيخ) ذلك الشيء الذي تركه من الحديث (أو كره) الشيخ (أن يُحدثكم) ذلك الشيء (فتتكلوا) عليه وتقصروا في أعمالكم اتكالًا واكتفاءً عنها بذلك الشيء، قال معبد بن هلال (قلنا له) أي للحسن (حدثنا) يا أبا سعيد ذلك الشيء الذي تركه أنس منا (فضحك) الحسن من قولنا، وفيه ضحك العالِمِ بحضرة أصحابه إذا كان بينه وبينهم أُنس ولم يخرج بضحكه إلى حد يعد تركًا للمروءة (وقال {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}) أي ملتبسًا بعجل أي باستعجال (ما ذكرتُ لكم هذا) الذي تركه منكم في حال من الأحوال (إلا وأنا) أي إلا والحال أنا (أريد) وأقصد (أن أُحدثكموه) أي أُحدثكم ذلك الشيء الذي تركه عنكم، قال النواوي: قوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} فيه جواز الاستشهاد بالقرآن في مثل هذا، وجاء مثله في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم طرق فاطمة وعليًّا رضي الله عنهما ليلًا فانصرف وهو يقول: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا} قال الحسن: وذلك الشيء الذي تركه أنس قوله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد إخراج من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان (أرجع إلى) موضع مناجاة (ربي في) المرة (الرابعة) قال السنوسي: وهذا ابتداء تمام الحديث بقوله (ثم أرجع) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أرجع الرابعة (فأحمده بتلك المحامد ثم أَخِرُّ له ساجدًا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك

وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَال: لَا إِلَهَ إلا اللهُ. قَال: لَيسَ ذَاكَ لَكَ أَوْ قَال: لَيسَ ذَاكَ إِلَيكَ) وَلَكِنْ، وَعِزَّتِي، وَكِبْرِيَائِي، وَعَظَمَتِي، وَجِبْرِيَائِي، لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَال: لَا إِلَهَ إلا اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقل يُسمع لك وسل تُعط) بدون هاء السكت (واشفع تُشفع فأقول يا رب ائذن لي في) إخراج (من قال لا إله إلا الله) محمد رسول الله قال الأبي: قال الحميدي: يعني من قالها من أمتي، وقال أبو طالب عقيل بن أبي طالب: يحتمل ذلك ويحتمل من قالها من كل أمة، ويؤيد العموم طلب الإذن في الشفاعة لأنه قد كان أَذِنَ له في الشفاعة في أمته وما كان له أن يُقْدِمَ على الشفاعة في ذلك دون إذن لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ} الآية، وحالات المشفوع فيه أربع: من عنده مثقال بُرةٍ، ومن عنده مثقال ذرة، ومن عنده أدنى من ذرة، والرابع: من قال لا إله إلا الله مرة واحدة صدقًا من قلبه ثم غفل عن استصحابها، قال الحميدي: لأنه إن قالها مرتين فالثانية خير زائد على الإيمان فيرجع إلى أحد المقادير الأُوَل. (قال) عزَّ وجلَّ (ليس ذاك) أي إخراج من قال لا إله إلا الله مرة واحدة مستحقًا (لك) يا محمد (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عزَّ وجلَّ (ليس ذاك) الإخراج مفوَّضًا (إليك) يا محمد والشك من الراوي، قال الأبي: أطلق له في السؤال ووعد الإعطاء حيث قال (سل تُعط) ووعده تعالى صِدْقٌ، ثم لما سأل قيل: ليس ذلك لك ويُجاب بأنه إنما وعد إعطاء ما يمكن إعطاؤه، وإعطاؤه هذا غير ممكن لأنه مما استأثر الله عزَّ وجلَّ به، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما سأل ذلك ظنًّا أن إعطاءَه ممكن ولا يُعترض بأنه صلى الله عليه وسلم قد علم في الدنيا أنه مما استأثر الله عزَّ وجلَّ به لأنا نقول وإن عَلِمَه في الدنيا فيجوز أن يكون نسي ذلك في الآخرة والنسيان عليه جائز لا سيما في ذلك اليوم وقد يتعين هذا التأويل أعني الحمل على النسيان إذ لا يجوز أن يسأل نبي ما يعلم أنه غير ممكن. والله أعلم. اهـ منه (ولكن وعزتي) أي ولكن يا محمد أقسمت لك بعزتي (وكبريائي وعَظَمَتي وجبريائي لأخرجن) من النار (من قال لا إله إلا الله) محمد رسول الله في عمره مرة صدقًا من قلبه. قال السنوسي: معنى ليس ذلك إليك ليس إخراج من ليس معه إلا كلمة التوحيد إليك وإنما الذي يفعل ذلك "أنا تعظيمًا لاسمي وإجلالًا لتوحيدي" وهو مخصص لعموم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من: قال لا إله إلا الله) ويحتمل أن يجري على عمومه ويحتمل على حال ومقام آخر. اهـ قال النواوي: معنى لأخرجن من قال لا إله إلا الله لأتفضلن عليهم بإخراجهم من غير شفاعة أحد. والله أعلم. وفي المفهم قوله (وعزتي) العزة القوة والغلبة ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي غلبني ويقال أيضًا عز الشيء إذا قل فلا يكاد يوجد مثله، يَعزُّ عَزًّا وعَزَازةً وعَزَّ يَعِزُّ عَزًّا إِذا صار قويًّا بعد ضعف وذِلَّة فعزّة الله تعالى قهره للجبابرة وقوته الباهرة وهو مع عديم المثل والنظير {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (وكبريائي) والكبرياء والكبر كلاهما مصدر كَبُرَ في نفسه يَكْبُرُ وأصله من كبُر في نفسه لا من كبر السن ولا من كبر الجرم لكن صار ذلك بحُكم عُرفِ الاستعمال عبارةً عن حصول كمال الذات يستلزم ترفيعًا لها على الغير، ومن هاهنا كان الكِبْرُ قبيحًا ممنوعًا في حقنا واجبًا في حق الله تعالى وبيانه أن الكمال الحقيقي المطلق لا يصح إلا لله تعالى وكمال غيره إنما هو غرض نسبي فإذا وصف الحق نفسه بالكبر ونسبه إليه كانت النسبة حقيقة في حقه إذ لا أكمل منه ولا أرفع فكل كامل ناقص وكل رفيع محتقر بالنسبة إلى كماله وجلاله، وقوله (وعظمتي) والعظمة بمعنى الكبرياء غير أنها لا تستدعي غيرًا يتعاظم عليه كما يستدعيه الكبر على ما بينَّا، وأيضًا فقد يُستعمل الكبير فيما لا يُستعمل فيه العظيم فيُقال فلان كبير السن ولا يُقال عظيم السن، وقوله (وجبريائي) بكسر الجيم معناه بجبروتي، قال القاضي عياض: جاءت لموازنة الكبرياء كما قالوا الغدايا والعشايا والأصل وجبروتي، والجبروت العظمة والجبار العظيم الشأن الممتنع على من يرومه ومنه نخلة جبارة إذا فاقت الأيدي طولًا، ويُقال منه جبار بين الجبْرِية والجبروت، وقيل القاهر، وقيل في اسم الجبار إنه المُصلح من جبرتُ العَظم أي جبر فقر عباده فيكون بمعنى المحسن والتاء في الجبروت لمبالغة الجبر مثل ملكوت ورحموت ورهبوت من المُلك والرحمة والرهبة، وقال بعضهم: والفرق بين العزة والكبرياء والعظمة والجبرياء أن العزة صفة أثرها غلبته تعالى على غيره، والكبرياء صفة أثرها تَرَفُّعُهُ تعالى على غيره، والعظمة صفة أثرها اتصافه تعالى بالكمال في ذاته وصفاته وأفعاله، والجبرياء صفة أثرها قهره تعالى من شاء بما شاء على ما شاء.

قَال: فَأَشهَدُ عَلَى الحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أُرَاهُ قَال: قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ. 377 - (173) (9) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاتَّفَقَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ، إلا مَا يَزِيدُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْحَرْفِ بَعْدَ الْحَرْفِ) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) معبد بن هلال العنزي (فأشهد على الحسن) البصري (أنه حدثنا به) أي بهذا الحديث المذكور، وجملة قوله: (أنه سمع أنس بن مالك) بدل من الضمير في به قال معبد (أُراه) أي أُرى الحسن وأظنه (قال قبل عشرين سنة وهو) أي والحال أن أنسًا (يومئذ) أي يوم إذ حدثنا (جميع) أي مجتمع الحفظ والقوة لم يأخذ منه السن والكبر. قال النواوي: قوله: (فأشهد على الحسن أنه حدثنا به) إلى آخره إنما ذكره تأكيدًا ومبالغة في تحقيقه وتقريره في نفس المخاطب وإلا فقد سبق هذا في أول الكلام فلا حاجة إليه. والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بن مالك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (377) - (173) (9) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي ثقة من العاشرة (ومحمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن ثقة من العاشرة، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (واتفقا) أي واتفق كل منهما (في سياق الحديث) أي في سوق الحديث ونظمه وترتيبه (إلا ما يزيد أحدهما من الحرف) أي من اللفظ المذكور له (بعد الحرت) أي بعد اللفظ الذي ذكره الآخر أي اتفقا في نظم الحديث وتركيبه إلا ما اختلفا فيه من اللفظ الذي زاده أحدهما دون الآخر (قالا) أي قال كل منهما (حدثنا محمد بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (203) روى عنه في عشرة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا أبو حيان) بالتحتانية المشددة يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي المدني من تيم الرّباب ثقة عابد من السادسة مات سنة (145) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (عن أبي زُرعة) هَرِم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من الثالثة روى عنه في (2) تقريبًا (عن

أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: "أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَال: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني الصحابي المُكثر، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة فإنه مدني (قال) أبو هريرة رضي الله عنه (أُتي) بصيغة المضارع المبني للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أتاه آت (يومًا) من الأيام (بلحم) شاة (فرُفع إليه) بالبناء للمجهول أيضًا أي رُفع إليه صلى الله عليه وسلم (الذراع) أي الكتف أي رفعها إليه أحد من الحاضرين من القصعة ووضعه في يده صلى الله عليه وسلم ليأكله (وكانت) الذراع (تعجبه) من بين سائر لحم الشاة. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: محبته صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبُعدها عن مواضع الأذى والقذر، وقد روى الترمذي بإسناده عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما كانت الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كان لا يجد اللحم إلا غِبًّا فكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجًا (فنهس) صلى الله عليه وسلم أي أخذ بأطراف أسنانه وقطع (منها) أي من لحم الذراع (نهسة) أي أخذة أي مرة وفي المرقاة فنهس أي أخذ بمقدم أسنانه منها أي من الذراع يعني مما عليها من اللحم. قال القاضي: أكثر الرواة على أنه بالسين المهملة ووقع لابن ماهان (نهش) بالشين المعجمة وكلاهما صحيح بمعنى الأخذ بأطراف الأسنان. قال الهروي: قال أبو العباس ثعلب: النهس بالمهملة أطراف الأسنان وبالمعجمة الأضراس (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا سيد الناس يوم القيامة) والسيد الفائق قومه المفزوع إليه عند الشدائد، وعبارة المفهم (أنا سيد الناس) المُقدَّم عليهم والسيد هو الذي يسُودُ قومه أي يفُوقهم بما جمع من الخصال الحميدة بحيث يلجئون إليه ويُعوِّلون في مهماتهم. قال الشاعر: فإن كنت سيدنا سُدْتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخُل وقد تحقق كمال تلك المعاني كلها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك

وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي ويَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المقام الذي يحمده ويغبطه فيه الأولون والآخرون ويشهد له بذلك النبيون والمرسلون وهذه حكمة عرض الشفاعة على خيار الأنبياء فكلهم تبرأ منها ودل على غيره إلى أن بلغت محلها واستقرت في نصيبها. وخص يوم القيامة وإن كان سيدهم أيضًا في الدنيا لخُلُوص ذلك اليوم له بلا منازع لأن آدم - عليه السلام - وجميع أولاده تحت لوائه صلى الله عليه وسلم. قال الأبي قوله (أنا سيد الناس) أمره الله سبحانه أن يقول هذا نصيحة للأمة ليعرفوا حقه صلى الله عليه وسلم فيُحبوه ويُعظموه ويمتثلوا أمره ويتقربوا إليه بالصلاة عليه والمدح له وإعمال المطي في زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم والاغتباط بذلك وكثرة حمد الله تعالى على التوفيق لاتباعه فيكثر بذلك ثوابهم وترتفع درجاتهم ويتخلصوا بذلك من أهوال الدنيا والآخرة. اهـ. (وهل تدرون) أي وهل تعلمون (بم) أي بأي سبب (ذاك) أي سيادتي لجميع الناس يوم القيامة وم اسم استفهام دخل عليها حرف الجر فحُذفت ألفها فرقًا بينها وبين الموصولة وسبب سيادتي لهم أنه (يجمع الله) سبحانه وتعالى: (يوم القيامة الأولين والأخرين في صعيد واحد) أي في أرض واسعة مستوية (فـ) لأجل استوائها (يُسمعهم) النداء (الداعي) أي المُنادي الواحد (وينفذهم) أي يخرُقهم ويُجاوزهم (البصر) حتى يرى ما وراءهم. قال ابن الأثير: أي يبلغهم بصر الناظر أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم لاستواء الصعيد. اهـ نهاية، وقال القرطبي: معناه أنهم مجتمعون مهتمون بما هم فيه لا يخفى منهم أحد بحيث إن دعاهم داع سمعوه وإن نظر إليهم ناظر أدركهم، ويحتمل أن يكون الداعي هو الذي يدعوهم إلى العرض والحساب أو أمر آخر كقوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيءٍ نُكُرٍ} [القمر: 6]. قال النواوي: (ينفذهم) بالذال المعجمة وبضم الياء وبفتحها. وقال الكسائي: يُقال نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني إلى ما ورائي قال ويقال أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير ألف، وقال أبو عبيد: والمراد بالبصر بصر الرحمان، وقال صاحب المطالع: بصر

وَتَدْنُو الشَّمسُ فَيَبلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَمَا لَا يَحتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ. فَيأْتُونَ آدَمَ. فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الرحمان محيط بالجميع في مستوى الأرض وغيرها وإنما المراد بصر الناظر، وقال أبو حاتم والمحدثون يقولون: بالذال المعجمة وإنما هو بالمهملة أي يرى جميعهم من نفدت وأنفدت. اهـ، وقال صاحب المطالع: معناه أنه يحيط بهم الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين. قال السنوسي: والمقصود من هذه العبارة والله أعلم الكناية عن بروز الجميع في أرض مستوية ليس بعضها أخفض من بعض ولا فيها سرب ولا مدخل ولا شجر يستتر به أحد ويخفي نفسه حتى لا ينال حر الشمس ولا يُشاهد تلك الأهوال العظام لأن تعلق البصر بكل واحد من جماعة واستماعهم لداعيهم يستلزم عادة استواءهم في الظهور فعبَّر بهذا الملزوم وأُريد لازمه على ما تقرر في الكناية، وبهذا تَعْرِف ضعف تفسير البصر ببصر الرحمن لفوات الكناية معه وخلو الكلام عن الفائدة، والله تعالى أعلم. (وتدنو) أي تقرب (الشمس) إليهم (فيبلغ الناس) أي يحصل لهم (من الغم) والهم (والكرب) والشدة (ما لا يطيقون) الصبر عليه (وما لا يحتملون) أي لا يقدرون حمله (فيقول بعض الناس لبعض) على سبيل الشكاية (ألا ترون ما أنتم فيه) من الشدائد والكروب (ألا ترون ما قد بلغكم) وحل بكم من الشدائد التي لا يُطاق حملها (ألا تنظرون) وتطلبون (من يشفع لكم) أي من يطلب لكم الخير والنجاة من هذه الشدائد (إلى ربكم) أي عند ربكم وقد قدَّمنا أن معنى الشفاعة طلب الخير من الغير للغير (فيقول بعض الناس لبعض ائتوا آدم) أبا البشر أي اذهبوا إليه واطلبوا الشفاعة منه (فيأتون آدم فيقولون) له (يا آم أنت أبو البشر) وجدُّهم الأعلى ولك منزلة وخاصية عند ربك لم توجد لغيرك؛ لأنه قد (خلقك الله) سبحانه وتعالى وأوجدك (بيده) أي بلا واسطة وَالِدَينِ (ونفخ فيك من روحه) بلا سبق مادة أصل آدمي (وأمر الملائكة) بالسجود لك (فسجدوا لك) ولك خصائص لم توجد لغيرك تُوجب لك منزلة عند ربك (اشفع لنا) أي اطلب لنا الخروج من

إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِن رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثلَهُ. وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشجَرَةِ فَعَصَيتُهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الكروب وكشفها عنا (إلى ربك) أي عند ربك (ألا ترى) وتنظر (إلى ما نحن فيه) من الشدائد (ألا ترى إلى ما بلغنا) أي وصل إلينا وحل بنا من الأهوال (فيقول آدم) عليه السلام (إن ربي) قد (غضب) وسخط (اليوم غضبًا لم يغضب) قَطُّ (قبله) أي قبل هذا اليوم (مثله) أي مثل ذلك الغضب (و) غضب اليوم غضبًا (لن يغضب) عَوْضُ (بعده) أي بعد هذا اليوم (مثله) أي مثل ذلك الغضب. قال النواوي: والمراد بغضب الله تعالى ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما يرونه من أليم عذابه وما يُشاهده أهل المجمع من الأهوال التي لم تكن قبل ولن يكون مثلها بعد ولا شك في أن هذا كله لم يتقدم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله، وهذا معنى غضب الله تعالى كما أن رضاءه ظهور رحمته ولطفه بمن أراد به الخير والكرامة لأن الله تعالى يستحيل في حقه التغير في الغضب والرضاء، والله أعلم. قلت: والمذهب الأسلم في أحاديث الصفات وآياتها إمرارها على ظاهرها وعدم تأويلها، وعليه فالحق أن يقال هنا غضب الله تعالى صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها والله تعالى أعلم وكذا يقال في رضائه تعالى. قال السنوسي: (فإن قلت) كون ما وُجد من الانتقام في ذلك اليوم لم يُوجد قبلُ ظاهرٌ وأما كونه لا يُوجد بعده فليس بظاهر كيف وعذاب الكافرين بعده لا ينقطع (قلت) إن المخاوف في ذلك اليوم عظمت حتى خاف المطيع، بل ورد إن جهنم حين تزفر لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه وبعد هذا اليوم وانقضائه باستقرار كل فريق في منزله لا يكون الحال هكذا بل أهل الجنة يأمنون ويحل عليهم الرضوان الذي لا سخط بعده أبدًا فالخوف العام والهول الأعظم الذي خاف من أجله البرآء أن ينالهم توبيخ أو ملام لم يكن قبل ذلك اليوم ولا يكون بعده على الدوام، اهـ منه. (وإنه) سبحانه وتعالى (نهاني عن) أكل ثمر (الشجرة) التي هي الموز أو غيرها على ما قيل كما بسطت الكلام عليها في الحدائق (فعصيته) أي فعصيت نهيه بأكلها تُهمُّني اليوم (نفسي نفسي) مرتين على التأكيد (اذهبوا إلى غيري) ممن يصلح لهذه الشفاعة

اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الأرضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السلام. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِن رَبِّي قُدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (اذهبوا إلى نوح) تخصيص بعد إطلاق لأنه أوقع في النفس (فيأتون نوحًا فيقولون) له (يا نوح أنت أول الرسل) بالدعوة إلى التوحيد (إلى) أهل (الأرض وسماك الله عبدًا شكورًا) أي كثير الشكر لنعم ربه صيغة مبالغة من الشكر، حيث قال في كتابه العزيز {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}. (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ) من الشدائد والأهوال (ألا ترى ما قد بلغنا؟ ) أي وصل إلينا من المخاوف (فيقول لهم) نوح (إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه) أي وإن الشأن والحال (قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي) بقولي {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} فاستجيب لي ولا أدري ما يفعل بي ربي بسببها فاليوم تُهمُني (نفسي نفسي اذهبوا إلى إبراهيم - عليه السلام -) خليل الرحمن (فيأتون إبراهيم فيقولون) له (أنت) يا إبراهيم (نبي الله وخليله) أي صفيّه (من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى) وتنظر (إلى ما نحن فيه) من الأهوال العظام (ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ ) ووصل إلينا من الشدائد (فيقول لهم إبراهيم إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وذكر) لهم (كذباته) اعتذارًا عن نفسه. وقد فسرها في الطريق الثاني بأنها قوله في الكوكب: هذا ربي، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله: إني سقيم، وقوله عن زوجته سارة: هي أختي، وليست بكذبات حقيقة لأن الأولى على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي أهذا الكوكب ربي أي ليس ربي، نظير قول الشاعر: لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا ... بسبع رميت الجمر أم بثمان

نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسى. فَيَأْتُونَ مُوسى صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. فَضَّلَكَ اللهُ، بِرِسَالاتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسى، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أبسبع، والثانية قالها توطئة للاستدلال على أنها ليست آلهة وقطعًا لدعواهم أنهما تضر وتنفع ولذا عقبه بقوله فاسألوهم إن كانوا ينطقون، والثالثة إنما قالها تعريفًا لأنه سيسقم في المستقبل واسم الفاعل يكون بمعنى المستقبل، والرابعة إنما عنى أنها أخته في الإسلام كما نص عليه بقوله لها أنت أختي في الإسلام، تُهمُّني اليوم (نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقولون) له (يا موسى أنت رسول الله) قد (فضلك الله برسالاته وبتكليمه) إياك، وقوله (على الناس) متعلق بفضلك، وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلَامِي}، قال القرطبي: ولا خلاف بين أهل السنة في أن موسى سمع كلام الله الذي لا يشبهه كلام البشر الذي ليس بصوت ولا حرف ولو سمعه بالحرف والصوت لما صحت خصوصية الفضيلة لموسى بذلك، إذ قد سمع كلامه تعالى بواسطة الحرف والصوت المُشرك كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ]، واستيفاء الكلام على هذه المسألة سؤالًا وجوابًا في كتب الكلام. اهـ. (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله واني قتلت نفسًا لم أُومَرْ بقتلها) فلا أدري ما يعاملني ربي فيها وهو قتل القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي وهو كافر، تُهمُني اليوم (نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم فيأتون عيسى فيقولون) له (يا عيسى أنت رسول الله وكلمت الناس في) زمن (المهد) والسرير الذي يُمهَّد لك لتضجع عليه لصغرك أي حالة كونك صغيرًا في تلك الحالة (وكلمة منه) سبحانه وتعالى سماه كلمة لأنه كان بكلمة كن من غير أن يتقلب في أطوار الخلق كما تقلب غيره

أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ. فَاشفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيه؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِن رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغضَبْ قَبلَهُ مِثلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيرِي، اذهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَيَأتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَر اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشَفْعَ لَنَا إِلَى رَبًكَ، أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَاقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ألقاها) أي ألقى تلك الكلمة (إلى مريم) أي أبلغها وأوصلها إليها (وروح منه) سبحانه وتعالى قد تقدم البسط في هذا المقام فلا عود ولا إعادة (فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ) من الشدائد والأهوال (ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر) عيسى في هذه الرواية (له ذنبًا) يعتذر به، تُهمُني (نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتوني فيقولون) لي (يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء) قد خُتِمُوا بك، كما نص عليه في سورة الأحزاب وكما أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا، ولا اعتبار بما قاله بعض الزنادقة محتجًا بما وقع في الحديث المشهور من زيادة قوله وسيكون بعدي ثلاثون وكلهم يدَّعِي أنه نبي لا نبي بعدي إلا من شاء الله، وهذه الزيادة باطلة زادها محمد بن سعيد الشامي المصلوب على الزندقة وإنما زادها لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة ولم تحفظ إلا من طريقه، وتأولها بعضهم إن صحت بعيسى - عليه السلام - للإجماع على نزوله ولكنه لا ينزل رسولًا إلى أهل الأرض حينئذ (ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي) قد زاد عليه في حديث أنس (فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد ثم أَخِرُّ ساجدًا) قال القرطبي: وبمجموع الحديثين يكمل المعنى، ويُعْلم مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لآداب الحضرة العلية، ثم اعلم أن هذا الانطلاق من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو إلى جنة الفردوس التي هي أعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن كما جاء في الصحيح بناء على أن لا محل له هناك إلا الجنة والنار وعلى أن العرش محيط بأعلى الجنة. والله تعالى أعلم.

ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُفهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسنِ الثَّنَاءِ عَلَيهِ شَيئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي. ثُمَّ قَال: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأسَكَ، سَل تُعْطَه، اشفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي. أُمَّتِي. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ، مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيهِ، مِنَ الْبَابِ الأَيمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ. وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك في أن دخول الجنة هو المحل الكريم لا بد فيه من استئذان الخزنة، وعن هذا عثر بقوله صلى الله عليه وسلم: (فأستأذن على ربي) ولا يُفهم من هذا ما جرت به عاداتنا في أن المستأذِنَ عليه قد احتجب بداره وأحاطت به جهاته فإذا استُؤذن عليه فأذن دخل المستأذن معه فيما أحاط به إذ كل ذلك على الله تعالى محال فإِنه منزه عن الجسمية ولوازمها. (ثم يفتح الله) سبحانه وتعالى ويُفيض (عليَّ ويُلهمني) أي يُلقي في رُوعِي (من محامده) جمع محمدة بمعنى الثناء والوصف الجميل (وحُسْن الثناء عليه) تعالى عطف تفسير لما قبله وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي والثناء الحسن (شيئًا لم يفتحه لأحد قبلي) تنبيه: في حديث أبي هريرة إن المحامد كانت بعد السجود، وفي حديث أنس قبل السجود في حالة القيام، وذلك يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أكثر من التحميد والثناء في هذا المقام كله في قيامه وسجوده إلى أن أُسعف في طلبته. اهـ ط (ثم قال) لي (يا محمد ارفع رأسك) من السجود و (سل) ما شئت (تعطه) و (اشفع) لمن شئت بما شئت (تُشفع) أي تُقبل شفاعتك فيه (فـ) بعد هذا القول (أرفع رأسي فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد أدْخِل الجنة من أمتك من لا حساب) ولا مناقشة (عليه) يعني والله أعلم السبعين ألفًا الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (من الباب الأيمن) وهو الذي على يمين القاصد إلى الجنة بعد جواز الصراط والله أعلم (من أبواب الجنة) الثمانية وكأنه أفضل الأبواب، والضمير في قوله (وهم شركاء الناس) أي في دخولهم (فيما سوى ذلك من الأبواب) أي لا يُمنعون منها، يحتمل أن يعود إلى الذين لا حساب عليهم وهو الظاهر ويكون معناه أنهم لا يُلجؤون إلى الدخول من الباب الأيمن بل يدخلون من أي باب شاؤوا تكرمة لهم كما جاء في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال: (فهل على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فقال صلى

وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِن مَا بَينَ الْمِصْرَاعَينِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم: لا وأرجو أن تكون منهم) متفق عليه، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (فيمن أسبغ الوضوء وهلل بعده أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء) رواه مسلم وأصحاب السنن إلا أبا داود من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويحتمل أن يعود الضمير إلى الأمة، وفيه بُعد. اهـ من المفهم. وفي المفهم قوله: (يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه) هذا يدل على أنه شفع فيما طلبه من تعجيل حساب أهل الموقف فإنه لَمَّا أُمر بإدخال من لا حساب عليه من أمته فقد شرع في حساب من عليه حساب من أمته وغيرهم ولذلك قال في الرواية الأخرى (فيُؤذن له وتُرسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط) وهذا المساق أحسن من مساق حديث معبد عن أنس فإِنه ذكر فيه عَقِيبَ استشفاعه لأهل الموقف أنه أجيب بشفاعته لأمته، وليست الشفاعة العامة التي طلب منه أهل الموقف، وكأن هذا الحديث سكت فيه عن هذه الشفاعة فذُكرت شفاعته لأمته لأن هذه الشفاعة هي التي طُلبت عن أنس أن يُحدِّث بها في ذلك الوقت وهي التي أنكرها أهل البدع. والله تعالى أعلم. قال القاضي رحمه الله تعالى: شفاعات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أربع: الأولى: شفاعته العامة لأهل الموقف ليُعجِّل حسابهم ويُراحوا من هول موقفهم وهي الخاصة به صلى الله عليه وسلم. الثانية: في إدخال قوم من أمته الجنة دون حساب. الثالثة: في قومٍ من مُوحِّدي أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيُخرجون من النار ويُدخلون الجنة بشفاعته وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة فمنعتها على أصولهم الفاسدة وهي الاستحقاق الأصلي المبني على التحسين والتقبيح العقليَّينِ وتلك الأصول قد استأصلها أئمتنا في كتبهم أنها مصادمة لأدلة الكتاب والسنة الدالة على وقوع الشفاعة في الآخرة ومن تصفح الشريعة والكتاب والسنة وأقوال الصحابة وابتهالهم إلى الله تعالى في الشفاعة عَلِمَ على الضرورة صحة ذلك وفساد قول من خالف في ذلك. الرابعة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من إكمال المعلم. (والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين) أي إن ما بين طرفي المصراعين (من مصاريع الجنة) والمصراع من الباب أحد غلقتيه يُجمع على مصاريع. اهـ منجد.

لَكَمَا بَينَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ. أَوْ كَمَا بَينَ مَكَّةَ وَبُصْرَى". 378 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ والباب هو الذي يُغلق من مجموع المصراعين إلى عضادتي الباب وعُضادتا الباب خشبتاه من جانبيه المتصلتان بالجدار. اهـ منه. والمصراعان الشُّقتان من الباب المغلقتان بالغلق، أي إن بُعد ما بين طرفيِّ المصراعين من مصاريع الجنة وطرفاه هما المتصلتان بالعُضادتين (لكما بين مكة وهجر) أي لكبُعد مسافة ما بين مكة المكرمة وبين هجر التي من بلاد البحرين (أو) قال (كـ) بُعد (ما بين مكة) المكرمة (وبصرى) الشامية، يحتمل أن يكون هذا شكًّا من بعض الرواة ويحتمل أن يكون تنويعًا كأنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأى ما بينهما راء قدَّره بكذا وقدَّره آخر بكذا ويصح أن يقال سلك بها مسلك التخيير فكأنه قال قدِّروها إن شئتم بكذا وإن شئتم بكذا. وهجر هذه مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين، قال الجوهري في صحاحه: هجر اسم بلد مذكر مصروف والنسبة إليه هاجري، قال النووي: وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث (إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر) لأن تلك قرية من قرى المدينة المنورة كانت القلال تُصنع بها وهي غير مصروفة، وبُصْرَى بضم الباء وسكون الصاد وبألف مقصورة هي مدينة مشهورة من مدن الشام بينها وبين مكة شهر وهي على ثلاث مراحل من دمشق. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته البخاري [3340] والترمذي [2436]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (378) - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (20) بابًا تقريبًا (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثامنة مات سنة (188) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (عن عمارة بن القعقاع) بن شُبْرُمةَ الضبي الكوفي ثقة من السادسة روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد

قَال: "وُضِعَتْ بَينَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ وَلَحْمٍ. فَتَنَاوَلَ الذِّرَاعَ. وَكَانَتْ أَحَبَّ الشَّاةِ إِلَيهِ. فَنَهَسَ نَهْسَةً فَقَال: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ نَهَسَ أُخرَى فَقَال: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابَهُ لَا يَسْأَلُونَهُ قَال: أَلا تَقُولُونَ كَيفَهْ؟ قَالُوا: كَيفَهْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمارة بن القعقاع لأبي حيان في رواية هذا الحديث عن أبي زرعة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) أبو هريرة (وُضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قُدامه (قصعة) أي إناء يُشْبع ثلاثة أنفار (من ثريد) أي من خبز فُتِّت وبُلَّ بالمرق (ولحم) شاة (فتناول) أي أخذ من اللحم (الذراع) أي ذراع الشاة ويدها (وكانت) الذراع (أحب) لحم (الشاة إليه) أي عنده صلى الله عليه وسلم (فنهس) أي أخذ من الذراع بأطراف مقدم أسنانه (نهسة) أي أخذة (فقال أنا سيد الناس) ورئيسهم (يوم القيامة) والسيد من يُفْزع إليه عند الشدائد (ثم نهس) من اللحم نهسة (أخرى فقال أنا سيد الناس يوم القيامة) مرة ثانية (فلما رأى) وعلم (أصحابه لا يسألونه) عن سبب ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تقولون) أي أتسكتون عنِّي ولا تقولون (كيفه) أي كيف تكون سيد الناس يوم القيامة أي في أي حال تكون سيدهم لأن كيف استفهام عن الحال والهاء في كيفه هاء السكت ليست ضميرًا يؤتى بها عند الوقف حفظًا للحركة (قالوا) أي قال الحاضرون من الأصحاب (كيفه) بهاء السكت أيضًا أي كيف تكون سيدهم (يا رسول الله) في ذلك اليوم، قال القاضي قوله (ألا تقولون كيفه) الهاء للسكت تلحق الاسم والفعل والحرف وإنما تلحق لتصحيح الحركة قبلها وحفظها من السقوط نحو غُلاميه وكتابيه ولم يتسنه على قولٍ وأينه وكيفه على قول بعضهم، أو لتمام المنقوص نحو عَمَّهْ ولِمَهْ وقِه، أولمد الصوت في النداء والنُّدبة، وفيه من الفوائد تنبيه العالم الطالب على موضع السؤال إذا انقبض الطالب عنه وتعظيم القوم العالم أن يسألوه عن كل شيء ولعل هذا كان بعد نهيهم عن السؤال إلا فيما أُذن لهم فيه. اهـ. قال النواوي: وأما قول الصحابة (كيفه يا رسول الله) فأثبتوا الهاء في حالة الدرج ففيها وجهان حكاهما صاحب التحرير وغيره: أحدهما أن من العرب من يُجْري الدَّرْجَ مجرى الوقف، والثاني: أن الصحابة قصدوا اتباع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي حثهم عليه فلو قالوا كيف لما كانوا سائلين عن اللفظ الذي حثهم عليه. والله أعلم اهـ (قال)

يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. وَزَادَ فِي قِصَّةِ إِبرَّاهِيمَ فَقَال. وَذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْكَوْكَبِ: هَذَا رَبِّي. وَقَوْلَهُ لآلِهَتِهِمْ: بَل فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا. وَقَوْلَهُ: إِنِّي سَقِيمٌ. قَال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بَيَدِهِ، إِن مَا بَينَ الْمِصْرَاعَينِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ إِلَى عِضَادَتَيِ انبَابِ لَكَمَا بَينَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ هَجَرٍ وَمَكَّةَ". قَال: لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَال. 379 - (174) (10) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ بْنِ خَلِيفَةَ البَجَلِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقوم الناس) كلهم من الأولين والآخرين في عرصات القيامة (لـ) عرض (رب العالمين) وحسابهم على أعمالهم (وساق) عمارة بن القعقاع (الحديث) السابق أي ذكره على سياقه ونظمه وترتيبه من كير تغيير (بمعنى حديث أبي حيان عن أبي زرعة و) لكن (زاد) عمارة بن القعقاع على حديث أبي حيان (في قصة إبراهيم) صلى الله عليه وسلم أي زاد لفظة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وذكر) إبراهيم في اعتذاره إليهم (قوله) أي قول إبراهيم (في الكوكب هذا ربي) في صورة الأنعام (وقوله لآلهتهم) في صورة الأنبياء (بل فعله كبيرهم هذا، وقوله) في سورة الصافات (إني سقيم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة) جمع مصراع (إلى عضادتي الباب) والمصراعان ما بين العضادتين والعضادتان خشبتا الباب من جانبيه ذكره الجوهري (لكما بين مكة) المكرمة (و) بين (هجر) بلدة من بلاد البحرين (أو) قال الراوي أو من دونه لكما بين (هجر ومكة) بتقديم هجر على مكة (قال) أبو هريرة أو أبو زرعة (لا أدري) ولا أعلم (أي ذلك) أي أيَّ التركيبين (قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو هريرة، والشك من أبي هريرة فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبي زرعة فيما قال أبو هريرة هل قال تقديم مكة على هجر أو قال بتقديم هجر على مكة. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة والاستشهاد لحديث أنس أيضًا بحديث حذيفة رضي الله عنه فقال: (379) - (174) (10) (حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي) أبو جعفر الكوفي روى عن محمد بن فضيل في كتاب الإيمان في باب الشفاعة وعمر بن عبيد وأبي

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. وَأَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَالا: قَال: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَجْمَعُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى النَّاسَ. فَيقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية ويروي عنه (م د ت ق) وعبد الله بن زيدان، وقال في التقريب: صدوق من صغار العاشرة مات اليوم الأول أو اليوم الثاني من صفر يوم الجمعة سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين بالكوفة، قال (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق عارف رُمي بالشيع من التاسعة مات سنة (195) روى عنه في (20) بابا تقريبًا، قال (حدثنا أبو مالك) سعد بن طارق بن أشيم (الأشجعي) الكوفي ثقة من الرابعة مات في حدود سنة (140) روى عنه المؤلف في ستة أبواب تقريبًا (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي ثقة من الثالثة مات على رأس المائة روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة فإنه مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي حازم لأبي زرعة (و) قال محمد بن فضيل أيضًا حدثنا (أبو مالك) الأشجعي (عن ربعي) بن حِرَاش العبسي أبي مريم الكوفي عابد من الثانية مات سنة (100) مائة روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (عن حذيفة) بن اليمان العبسي أبي عبد الله الكوفي حليف الأنصار الصحابي الجليل من السابقين صاحب سِرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة (36) في خلافة علي روى عنه في (5) أبواب تقريبًا، وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه الاستشهاد بحديث حذيفة لحديث أبي هريرة السابق رضي الله تعالى عنهما (قالا) أي قال كل من أبي هريرة وحذيفة بن اليمان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله تبارك وتعالى الناس) في عرصات القيامة (فيقوم المؤمنون) من بين الكفار (حتى تُزلَفَ) وتُقَرَّب (لهم الجنة) من أزلف الرباعي، ومنه قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)} أي قُربِّت {وإذا الجنة أزلفت} قال المازري: قوله (حتى تُزلف) بضم التاء وسكون الزاي وفتح اللام على صيغة المبني للمجهول أي يقومون من بين الكفار ويجتمعون في موضع قريب إلى الجنة حتى قُرِّبت لهم الجنة وتُدْنَى لهم للمشاورة في طلب من يشفع لهم عند ربهم (فيأتون آدم) - عليه السلام - (فيقولون) له

يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إلا خَطيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْني إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ. قَال: فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا أبانا) ويا جَدَّنَا (استفتح لنا الجنة) أي اطلب لنا من الله سبحانه فتح أبواب الجنة (فيقول) آدم (وهل أَخْرَجَكُم من الجنة إلا خطيئة أبيكم) وذنبه حين أكل الشجرة التي نُهي عن أكلها، وقوله (آدم) بالفتحة عطف بيان من أبيكم أو بدل منه وفي بعض النسخ التشكيل بالضم وهو خطأ إلا أن يقال بدل اشتمال من خطيئة على ما قيل (لست) أنا (بصاحب ذلك) المقام أي أهلًا لذلك المطلوب الذي طلبتموه من الشفاعة (اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله) فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت خليل الرحمن وصفيُّه استفتح لنا الجنة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) لهم (إبراهيم لست بصاحب ذلك) الاستفتاح (إنما كنت خليلًا من وراء) موسى - عليه السلام - الذي كان من (وراء) محمد صلى الله عليه وسلم فأنا من الخُلّة في المرتبة الثالثة. قال (ع) وفي هذا حجة لمزيته صلى الله عليه وسلم في القُرب على إبراهيم - عليه السلام -، وليس ذلك إلا بالرؤيا والمناجاة، والله أعلم بقوله وراء وراء، وقال القرطبي: معناه أنا متأخر عن غيري في الخُلَّة وإنما كمال الخُلَّة لمن خُص بالمقام المحمود في ذلك اليوم، قال النووي: قال صاحب التحرير: هذه كلمة تُذكر على سبيل التواضع أي لست بتلك الدرجة الرفيعة، قال: وقد وقع لي معنى مليح فيه وهو أن معناه أن المكارم التي أُعطيتُها كانت بوساطة سفارة جبريل - عليه السلام - ولكن ائتوا موسى فإنه حصل له سماع الكلام بغير واسطة، قال: وإنما كرر وراء وراء لكون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حصل له السماع بغير واسطة وحصل له الرؤية، فقال إبراهيم: أنا وراء موسى الذي هو وراء محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين هذا كلام صاحب التحرير وأما ضبط وراء وراء فالمشهور فيه الفتح فيهما بلا تنوين فحينئذ تقول في إعرابها من حرف جر مبني بسكون على النون المُدغمة في واو وراء، وراء وراء ظرف مركب من الظروف المكانية في محل الجر بمن مبني على فتح الجزأين بُني الجزء الأول لشبهه بالحرف شبهًا افتقاريًا لافتقاره إلى الجزء الثاني وبُني الجزء الثاني لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا لتضمنه معنى حرف العطف وهو نظير خمسة عشر وإنما حُرِّك ليُعلم أن له أصلًا في الإعراب وكانت الحركة فتحةً للخِفَّةِ

اعْمِدُوا إِلَى مُوسى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ. اذْهَبُوا إِلَى عِيسى كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ. فَيَقُولُ عِيسى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَيَقُومُ فَيُؤذَنُ لَهُ. وتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ. فَتقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ قَال: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ مع ثِقَلِ التركيب والجار والمجرور متعلق بواجب الحذت لوقوعه صفة لخليلًا أي إنما كنتُ خليلًا كائنًا من وراء وراء أي خليلًا وراءَ منزلتَين، وما ذكره النواوي هنا كلام لا طائل له عند النحاة (اعمدوا) أي اقصدوا (إلى موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلمه الله) سبحانه وتعالى (تكليمًا) بلا واسطة (فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقول) موسى (لست بصاحب ذلك) المقام (اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه) فيأتون عيسى (فيقول) لهم (عيسى صلى الله عليه وسلم لست بصاحب ذلك) أي صاحب ذلك المقام المحمود ولا أهلًا له ولكن اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين فإِنه صاحب ذلك المقام (فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيقوم) محمد صلى الله عليه وسلم استئذانًا لربه في الشفاعة (فيُوذن له) صلى الله عليه وسلم في الشفاعة فَيشفَع في فصل القضاء (وتُرسل الأمانة) ضِدُّ الخيانة (والرحم) أي القرابة أي تطلقان وتصوران مشخصتين على الصفة التي أرادها الله تعالى، قال النواوي: إرسالهما لعِظَم شأنهما وكثير موقعهما فتُصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى (فتقومان جنبتي الصراط) بفتح الجيم والنون أي تقومان على جانبي الصراط (يمينًا وشمالًا) لتطالبا كُل من يريد الجوازَ على الصراط بحقوقهما، والمعنى أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة أمرهما مما يلزم العباد من رعاية حقهما تمثلان هنالك للأمين والخائن والواصل والقاطع فتُحَاجَّان عن المحق الذي راعاهما وتشهدان على المبطل الذي أضاعهما ليتميز كل منهما، وفي الحديث حث على رعاية حقهما والاهتمام بأمرهما، وجنبتا الصراط ناحيتاه اليمنى واليسرى. اهـ من المرقاة. (فيمر أولكم) أيتها الأمة مرورًا على الصراط كالبرق) أي كلَمَعَانِ البرق أي يمر مرورًا كمرور البرق الخاطف على العين أو حالة كون مروره كمرور البرق (قال) الراوي أبو هريرة أو حذيفة (قلت بأبي أنت وأمي) أي أنت يا رسول الله مفديُّ من كل مكروه

أَيُّ شَيءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَال: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَينٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ. وَنَبِيّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ، سَلِّمْ سَلِّمْ. حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبادِ. حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيرَ إلا زَحْفًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بأبي وأمي (أيُّ شيء) من المخلوق يمر مرًا (كمر البرق) أي كمرور البرق ورجوعه استفهام تعجب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألم تروا) وتنظروا (إلى البرق كيف يمر) بسرعة (ويرجع) إلى المحل الذي بدأ منه بسرعة (في) قدر (طرفة عين) ولمحتها وطرفة العين غلق الجفن على العين وفتحه (ثم) يمر ثانيهم مرًا كمر الريح) أي كمرور الريح المطلقة المرسلة (ثم) يمر ثالثهم (كمر الطير) المُسْرع في طيرانه (و) يشتد فريق منهم في مروره شدًّا كـ (شد الرجال) بكسر الراء وفتح الجيم أي كَعَدْو الرجال الأقوياء المبالغين في عَدْوهم، والشد هو العدو المبالغ والجري كما في حديث السعي (لا تقطع الوادي إلا شدًّا) أي إلا عدوًا كما في النهاية، قال القاضي: والصحيح المشهور فيه الجيم -أي كسرعة جريهم وعدوهم الشديد- جمع رجل وعند ابن ماهان كشد الرحال بالحاء المهملة وكأنه سُميت الراحلة بالرَّحْل ثم جُمع وشدُّها عدوها البالغ وجريها والمعنى متقارب أي كشد الرواحل جمع راحلة وفيه بُعد. وقوله (تجري) وتسرع (بهم أعمالهم) تفسير لقوله فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح إلخ يعني أن سرعة مزهم على الصراط بقدر أعمالهم ألا تراه كيف قال داحتى تعجز أعمال العباد" والمعنى أنهم يكونون في سرعة المرور على حسب مراتهم وأعمالهم، بمعنى سرعة مرورهم إنما هي بقدر أعمالهم وهذا بعدل الله تعالى وإلا فكُل برحمته وفضله وفي رواية بعضهم (تجري بهم أعمالهم) ولا وجه لزيادة الباء في هذه الرواية. اهـ أبي (ونبيكم) أيتها الأمة المحمدية (قائم) يومئذ (على الصراط) حالة كونه (يقول) داعيًا الله يا (رب سلم) المارين على الصراط من السقوط في جهنم و (سلمـ) هم من خطف الكلاليب وقوله (حتى تعجز أعمال العباد) غاية لقوله تجري بهم أعمالهم بحسب تفاوت مراتبها حتى تعجز وتقصر أعمال بعض العباد عن الجري بهم لغلبة ما ارتكبوا من السيئات، وحتى في قوله (حتى يجيء الرجل) بمعنى الفاء أي فيجيء الرجل منهم للمرور على الصراط (فلا يستطيع السير) والمرور على الصراط (إلا زحفًا) أي إلا سير زحف

قَال: "وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَة. مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ". وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومشي على دُبُره لا يقدر القيام على رجليه كالصبي الذي يزحف على دُبُره، وفي المرقاة قوله (حتى تعجز) إلخ متعلق بتجري، وقوله (حتى يجيء الرجل) بدل من قوله حتى تعجز وتوضيح له. اهـ، وفي المفهم و (الزحف) مشيُ الضعيف يقال زحف الصبي يزحف على الأرض قبل أن يمشي وزحف البعير إذا أعيا فَجَرَّ فِرْسَنَهُ "خُفَّهُ" (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي حافتي الصراط) بتخفيف الفاء أي جانبيه (كلاليب) جمع كَلُّوبٍ على وزن فَعُّول نظير سَفُّود وهي التي سماها فيما تقدم خطاطيف وهي حديدة مُعْوَجَّة الرأس مِثْل ما في المقادي (معلَّقة) في هواء جهنم (مأمورة) من الله تعالى (بأخذ من أُمرت به) أي بأخذ من أُمرت بخطفه (فـ) منهم (مخدوش) أي فمن المارين على الصراط مخدوش أي مخطوف بالكلاليب مقطّع بها (ناج) من السقوط في جهنم (و) منهم (مكدوس) أي مدفوعٌ مَرْمِيٌّ (في النارِ) قال في النهاية: أي مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دُفع من ورائه فسقط، وفي رواية (مكردس) وهو بمعنى مكدوس يقال كردس الرجل خيله إذا جمعها كراديس أي قطعًا كبارًا، ويحتمل أن يكون معناه المكسور فقار الظهر، ويحتمل أن يكون من الكردسة وهو الوثاق يقال كُرْدِسَ الرجل جُمعت يداه ورجلاه حكاه الجوهري، قال أبو هريرة (والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم) أي إن بُعد عمقه (لسبعون خريفًا) أي لمسافة سبعين عامًا من إطلاق الجزء وإرادة الكل، يفسره ما في الحديث الآخر حيث قال فيه (إن الصخرة العظيمة لتُلقى في شفير جهنم فتهوي فيه سبعين عامًا) رواه الترمذي [2578] من حديث عتبة بن غزوان رضي الله عنه، والخريف أحد فصول السنة كما قال بعضهم: ربيع صيف من الأزمان ... خريف شتاء فخذ بياني وهو الذي تُخترفُ فيه أي تُجنى وتُقْطف فيه الثمار والعرب تذكره كما تذكر المساناة والمشاهرة يقال عاملته مُخارفة أي إلى الخريف، والأجود رفع (لسبعون) على الخبر، وبعضهم يرويه (لسبعين) وهو صحيح أيضًا مخفوضًا بالإضافة على مذهب من يُبقي المضاف إليه مخفوضًا بعد حذف المضاف فيكون التقدير إن قعر جهنم لسير سبعين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خريفًا أو على أن قعر جهنم مصدر قَعَرْتُ الشيء إذا بلغت قعره ويكون سبعين ظرف زمان في موضع خبر إن، والتقدير إن بلوغ قعر جهنم لكائن في سبعين خريفًا والخريف السنة كما مر آنفًا والله أعلم. وهذا الحديث انفرد به مسلم في روايته عن حذيفة رضي الله عنه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة: الأول حديث أنس ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث حذيفة وذكر للاستشهاد أيضًا. ***

102 - (7) باب: كون النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعا وأولهم شفاعة وكونه أول من تفتح له الجنة منهم

102 - (7) باب: كون النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم شفاعة وكونه أول من تفتح له الجنة منهم 380 - (175) (11) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُختَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشفَعُ فِي الْجَنَّةِ، وأَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 102 - (7) باب: كون النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعًا وأولهم شفاعة وكونه أول من تفتح له الجنة منهم (380) - (175) (11) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (240) روى عنه في (7) (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه ثقة حافظ مجتهد من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا، وأتى بجملة قوله (قال قتيبة) إلخ تورعًا من الكذب على أحد شيخيه (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرط الضبيُّ أبو عبد الله الكوفي من الثامنة مات سنة (188) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (عن المختار بن فُلفُل) بفاءين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة مولى عمرو بن حُريث الكوفي صدوق له أوهام من الخامسة روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن أنس بن مالك) الأنصاري الخزرجي النجاري البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد بصري وواحد نسائي أو مروزي (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس يشفع في) دخول (الجنة) قال الأبي: ليست هذه الشفاعة زائدة على الخمس المتقدمة لأن الدخول المذكور إن كان بعد الجزاء رجعت إلى شفاعة الإخراج وإن كانت قَبْلُ رجعت إلى شفاعة الإدخال. اهـ وعبارة المفهم هنا قوله (أنا أول الناس يشفع في الجنة) أي في دخول الجنة قبل الناس ويدل على هذا المعنى قوله في الآخر (أنا أول من يقرع باب الجنة) وقول خازن الجنة له (بك أُمرتُ لا أفتح لأحد قبلك) وقوله في حديث آخر (فأنطلق معي برجال فأُدْخِلُهم الجنة) وهذا إحدى شفاعاته صلى الله عليه وسلم المتقدمة الذكر (وأنا أكثر الأنبياء تبعًا) أي أتباعًا (يوم القيامة) لكثرة من آمن بي لأن ديني غير منسوخ مستمر إلى يوم القيامة.

381 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قِال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوَّمَ الْقِيَامَةِ. وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ". 382 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري فقط [6305] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (381) - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا معاوية بن هشام) القصَّار الأسدي مولاهم أبو الحسن الكوفي روى عن الثوري في الإيمان والحدود، وهشام بن سعيد في اللعان، ويروي عنه (م عم) وأبو كريب وابن أبي شيبة وأحمد وإسحاق والقاسم بن زكرياء ومحمود بن غيلان وعبدة وثَّقَه أبو داود، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من صغار التاسعة مات سنة (204) أربع ومائتين (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري أبي عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه حجة من السابعة مات سنة (161) روى عنه في أربعة وعشرين بابًا تقريبًا (عن مختار بن فلفل) مولى عمرو بن حُريث الكوفي (عن أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أنس بن مالك فإنه بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن مختار بن فلفل، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة وأنا أول من يَقْرَعُ) ويَدُقُّ باب الجنة) طلبًا للاستفتاح. قال الأبي (فإن قلت) تقدم في الحديث الذي قبله أنه يتأخر عند الصراط حتى تَجُوزَ الأمة يقول: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّم وذلك مناف لكونه أول من يقرع باب الجنة (قلت) لا ينافيه لأن الناس محبوسون عن الدخول حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دل عليه قوله (أمرتُ أن لا أفتح لأحد قبلك) اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (382) - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن

حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ؛ قَال: قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ. لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ. وَإِنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إلا رَجُلٌ وَاحِدٌ". 383 - (00) (00) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا تقريبًا، قال (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجُعفي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من التاسعة مات سنة (203) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة ثبت من السابعة مات سنة (160) مائة وستين وروى عنه في (10) أبواب تقريبًا (عن المختار بن فلفل) مولى عمرو بن حُريث الكوفي صدوق من الخامسة (قال) المختار (قال أنس بن مالك) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون إلا أنس بن مالك فإنه بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة زائدة بن قدامة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن المختار بن فلفل، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أول شفيع في) دخول (الجنة) وأنا أكثر الأنبياء تبعًا لأنه (لم يُصدَّق) ولم يُتبع (نبي من الأنبياء) فيما أُرسل به، و (ما) في قوله (ما صُدِّقت) مصدرية والفعل بعدها في تأويل مصدر مجرور بإضافة مثل إليه منصوب على كونه صفة لمصدر محذوف، والتقدير لم يُصدَّق نبي من الأنبياء تصديقًا مثل تصديقي ولذلك كنت أكثرهم تبعًا (وإن من الأنبياء نبيًّا ما يُصدِّقه) أي لم يُصدِّقه (من أمته إلا رجل واحد) أو رجلان كلوط - عليه السلام - لم يُؤمن به إلا زوجا ابنتيه، وفي المفهم: وقوله في هذه الرواية (أنا أول شفيع في الجنة) يمكن حمله على ما تقدم ويحتمل أن يراد به أنه يشفع في رفع منازل بعض أهل الجنة والأول أظهر. اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (383) - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من العاشرة مات سنة (232) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (20) بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال

حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَأَسْتَفْتِحُ. فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كل من عمرو وزهير (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مِقْسَم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي خراساني الأصل كان أهل بغداد يفتخرون به ثقة ثبت من التاسعة مات سنة (207) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت من السابعة مات سنة (165) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البُناني مولاهم أبي محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (223) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان بغداديان أو نسائي وبغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ثابت البناني للمختار بن فلفل في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وفائدتها تقوية السند الأول لأن المختار صدوق له أوهام، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سياق الحديث ولما فيها من الزيادة عليها، وغرضه الاستدلال بها على الجزء الأخير من الترجمة. (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آتي) مضارع أتى الثلاثي أي آتي أنا وأجيء (باب الجنة يوم القيامة فأستفتح) بضم الحاء مضارع استفتح السداسي أي أطلب فتحه من خازن الجنة (فيقول الخازن) لي (من أنت؛ ) أيها المستفتح (فأقول) له أنا (محمد) خاتم الأنبياء والمرسلين (فيقول) الخازن لي (بك) أي بالفتح لك (أُمرت) من جانب ربي (لا أفتح) أي وأُمرت أن لا أفتح (لأحد قبلك) تكرمة من الله سبحانه لك يا محمد. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد فقط [3/ 36] ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذه الترجمة إلا حديث أنس بن مالك وذكر له ثلاث متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم.

103 - (8) باب: اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته

103 - (8) باب: اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته 384 - (176) (12) حدّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 103 - (8) باب: اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته أي هذا بابٌ معقودٌ في بيان الأحاديث الواردة في ادخار النبي صلى الله عليه وسلم دعوته المحققة الإجابة بوعده تعالى التي أعطاها لكل نبي من الأنبياء وجَعْلِها شفاعةٌ لأمته بدل ما يدعوها في الدنيا. (384) - (176) (12) (حدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصَّدَفي منسوب إلى صدف قبيلة معروفة أبو موسى المصري ثقة من العاشرة مات سنة (264) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا، قال (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (قال) عبد الله بن وهب (أخبرني مالك بن أنس) بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبو عبد الله المدني ثقة ثبت إمام فقيه حجة من السابعة مات سنة (90) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) القرشي الزهري أبي بكر المدني ثقة متقن حافظ من الرابعة مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف بن عبد عوف الزهري المدني ثقة فقيه كثير الحديث من الثالثة مات سنة (94) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي) من الأنبياء (دعوة) واحدة محققة الإجابة بوعده تعالى (يدعوها) أي يدعو ذلك النبي تلك الدعوة متيقنًا إجابتها وأما غير تلك الدعوة التي اختارها من دعواته فمرجوة الإجابة لعدم وعده تعالى إجابتها بعينها وتلك الدعوة كدعوة نوح - عليه السلام - بقوله {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} فأُجيب بالطوفان، يعني أن لكل نبي دعوة أوحي إليه أنها تُقبل

فَأُرِيدُ أَنْ أَختَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامةِ". 385 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه وإلا فأكثر أدعيتهم مقبولة لكنهم عند الدعاء بغير هذه الدعوة ليسوا على يقين من قبولها. اهـ سنوسي. قال القاضي: فإن قيل كيف هذا وقد أُجيب لهم دعوات؟ قيل المعنى دعوة محققة الإجابة بإعلان الله عزَّ وجلَّ وغيرها مرجو الإجابة وفي المفهم قوله (لكل نبي دعوة) معناه أنهم عليهم الصلاة والسلام لهم دعوة في أممهم هم على يقين في إجابتها بما أعلمهم الله تعالى ثم خيَّرهم في تعيينها، وما عداها من دعواتهم يرجون إجابتها وإلا فكم قد وقع لهم من الدعوات المجابة وخصوصًا نبينا صلى الله عليه وسلم فقد دعا لأمته بأن لا يُسلط عليهم عدوًا من غيرهم وأن لا يُهلكهم بسَنَةٍ عَامَّةٍ فأُعطيهما وقد مُنع أيضًا بعض ما دعا لهم به إذ قد دعا أن لا يجعل بأسهم بينهم فمُنعها، وهذا يحقق ما قلناه من أنهم في دعواتهم راجون الإجابة بخلاف هذه الدعوة الواحدة، والله تعالى أعلم. (فأُريد) أنا (أن أختبئ) وأدخر (دعوتي) التي وُعدت إجابتها وأجعلها (شفاعة لأمتي يوم القيامة) ولا أريد أن أدعو بها في الدنيا لأمتي أو على أمتي كغيري من الأنبياء، وفي هذا الحديث بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة فأَخَّرَ دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم. وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 275] والبخاري [6304] والترمذي [3597] وابن ماجه [4307]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (385) - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي مولاهم أبو خيثمة النسائي ثقة من العاشرة (وعبد بن حميد) بن نصر أبو محمد الكسِّي نسبة إلى كسٍّ مدينة فيما وراء النهر ثقة من الحادية عشرة مات سنة (249) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، وأتى بقوله: (قال زهير حدثنا) تورعًا من الكذب على أحد شيخيه، وأما عبد فروى بالعنعنة ولم يُصرح بصيغة السماع (يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو يوسف المدني ثقة فاضل من التاسعة مات سنة

حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَن عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ. وَأَرَدْتُ، إِنْ شَاءَ اللهُ، أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 386 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (208) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال يعقوب (حدثنا) محمد (بن) عبد الله بن مسلم (أخي) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني صدوق له أوهام من السادسة مات سنة (152) قتله غلمانه بأمر ابنه روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن عمه) محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري المدني ثقة من الرابعة مات سنة (125) قال عمه ابن شهاب (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) الزهري المدني (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي وعبد بن حميد فإنه كسِّي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن أخي ابن شهاب لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وإلا فابن أخي ابن شهاب لا يصلح لتقوية مالك بن أنس لأنه صدوق له أوهام ومالك من أوثق الناس. (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي) من الأنبياء (دعوة) واحدة وُعد بإجابتها سواء دعا لأمته أو عليها وأما غير تلك الدعوة الموعودة بإجابتها فمرجو الإجابة إن شاء أجاب وإلا فلا (وأردت أن شاء الله) سبحانه وتعالى اختبائي لها (أن أختبئ) وأدخر (دعوتي) التي وُعدت بإجابتها عند الله سبحانه وتعالى ليعوضني عنها (شفاعة لأمتي يوم القيامة) قيل وقد عُوض عن ذلك الشفاعة فيهم، وأتى بالمشيئة على جهة التبرك والامتثال لقول الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} لا للتعليق، وفي سنن أبي داود (أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الزلازل والفتن) قال القاضي: ودعوة كل نبي خاصة بأمته كما دل عليه قوله الآخر (دعا بها في أمته فاستعجلها وخَبَّأْتُ دعوتي شفاعةً لأمتي) قال الإمام: أي ادخرتها لأمتي، والمعنى أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة وهو على يقين من إجابتها، وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها وبعضها يُجاب وبعضها لا يُجاب. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (386) - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وعبد بن حميد)

قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَن عَمِّهِ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيةَ الثَّقَفِيُّ، مِثْلَ ذَلِكَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 387 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسي (قال زهير حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني (حدثنا) محمد (بن) عبد الله بن مسلم (أخي) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري، قال ابن شهاب (حدثني عمرو بن أبي سفيان بن أَسِيد) بفتح أوله وكسر ثانيه (بن جارية) بالجيم (الثقفي) حليف بني زهرة المدني روى عن أبي هريرة في الإيمان، وابن عمرو وأبي موسى ويروي عنه (خ م د س) والزهري وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وثَّقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (مثل ذلك) أي مثل ما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا زهيرًا وعبد بن حميد، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن أبي سفيان لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (387) - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التُّجيبِي أبو حفص المصري صدوق من الحادية عشرة مات سنة (244) روى عن عبد الله بن وهب في مواضع كثيرة، قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ من التاسعة مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، قال (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي أبو يزيد الأموي مولاهم ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وَهْمًا قليلًا وفي غير الزهري خطأ من كبار السابعة مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أن عمرو بن أبي سفيان بن أَسِيد بن جارية الثقفي) المدني (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن أبا هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان

قَال لِكَعْبِ الأَحْبَارِ: إِن نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا. فَأنَا أَرِيدُ، إِنْ شَاءَ اللهُ، أَنْ أَختَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فَقَال كَعْبٌ لأبِي هُرَيرَةَ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال أَبُو هُرَيرَةَ: نَعَمْ. 388 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لابن أخي ابن شهاب في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها تقوية السند الأول (قال لكعب الأحبار) هو كعب بن مَاتِع بكسر التاء المثناة فوق وبالعين المهملة الحِمْيَرِي أبو إسحاق الحمصي ثقة مخضرم الحَبْرِ المعروف بكعب الأحبار من مسلمة أهل الكتاب، والأحبار العلماء واحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها لغتان أي كعب العلماء كذا قاله ابن قتيبة وغيره، وقال أبو عبيد: سُمي كعب الأحبار لكونه صاحب كتب الأحبار جمع حِبر وهو ما يُكتب به وهو مكسور الحاء، وكان كعب من علماء أهل الكتاب ثم أسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وقيل بل في خلافة عمر رضي الله عنه توفي بحمص سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وقد جاوز المائة وهو من فضلاء التابعين روى عن عمر وصهيب، ويروي عنه (خ م د ت س) وأبو هريرة وابن عباس ومعاوية وجماعة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم أجمعين (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة) محققة الإجابة (يدعوها) أي يختارها من بين الدعوات ويُعينها بالدعاء بها فتُجاب له لا محالة بمقتضى وعده (فأنا أريد إن شاء الله أن أختبئ) وأدخر (دعوتي) وأجعلها (شفاعة لأمتي يوم القيامة فقال كعب لأبي هريرة) أ (أنت) بتقدير همزة الاستفهام (سمعت) يا أبا هريرة (هذا) الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة نعم) سمعته منه صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (388) - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة ثبت من العاشرة (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي ثقة من العاشرة، وأتى بقوله (واللفظ) الآتي (لأبي كريب) تورعًا من الكذب على أبي

قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُل نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ. وَإِنِّي اخْتَبَأتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَهِيَ نَائِلَةٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر (قالا) أي قال كل من أبي بكر وأبي كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة ثبت من التاسعة (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة من الخامسة (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة التي لا تقبل الفصل (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة) أي مُجابة فالسين والتاء زائدتان، يقال أجاب واستجاب قال الشاعر: فلم يستجبه عند ذاك مُجيب أي لم يُجبه، والمعنى أنهم عليهم السلام لهم دعوة في أممهم هم على يقين في إجابتها بما أعلمهم الله تعالى ثم خيَّرهم في تعيينها وما عداها من دعواتهم يرجون إجابتها ليسوا على يقين في إجابتها كما مر (فتعجل) في الدنيا أي فاستعجل (كل نبي دعوته) التي وُعد إجابتها بتعيينها لربه وسؤالها إياه (وإني اختبأتُ) وادخرت (دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي) أي فتلك الدعوة المدخرة لي (نائلة) أي شاملة (إن شاء الله) تعالى شمولها، أتى بالمشيئة امتثالًا لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (من مات من أمتي) أي عامة جميع من مات من أمتي حالة كونه (لا يشرك باله شيئًا) من المخلوق، قال النواوي: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب أهل الحق على أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد في النار وإن كان مُصِرًّا على الكبائر وقد تقدمت دلائله وبيانه في مواضع كثيرة. اهـ. قال في المفهم: وقوله (فهي نائلة) أصله من نال الشيء إذا ظفر به وحصل عليه ودخول الاستثناء هنا بقوله (إن شاء الله) نظير دخوله في قوله {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ} وسيأتي

389 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ (وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُل نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، فَيُسْتَجَابُ لَهُ فَيُؤْتَاهَا. وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 390 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مَعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ القول فيه عند قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (389) - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرْطٍ الضبي الكوفي ثقة من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (عن عُمارة) بن القعقاع بن شُبْرُمة الضبي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا، وأتى بقوله (وهو ابن القعقاع) إشارةً إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه كما مر مرارًا (عن أبي زرعة) هَرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي زرعة لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها فيُستجاب له) فيها (فيؤتاها) أي فيُؤتى ذلك النبي مسؤول تلك الدعوة ويعطاها (وإني اختبأت) وادخرت (دعوتي) عند الله تعالى لتكون (شفاعة لأمتي يوم القيامة) ولذلك كنت أكثر الأنبياء شفاعة يوم القيامة، ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (390) - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان (العنبري) أبو عمرو البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (237) روى عن أبيه فقط في الإيمان وفي غيره قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري، قال القطان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ، وقال في

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ - (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُل نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ. وَإِنِّي أُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللهُ، أنْ أُؤَخِّرَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 391 - (177) (13) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: ثقة متقن من (9) مات سنة (196) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة حافظ متقن من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابًا تقريبًا (عن محمد) بن زياد القرشي الجُمَحيِّ مولاهم مولى عثمان بن مظعون، ويقال مولى قدامة بن مظعون أبي الحارث البصري روى عن أبي هريرة في الإيمان والصلاة والزكاة وغيرها، وعبد الله بن الزبير في الفتن، وعن عائشة وابن عمر وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبة والربيع بن مسلم والحَمَّادان ويونس بن عبيد وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة ثبت ربما أرسل من الثالثة، وأتى بجملة (وهو ابن زياد) إيضاحًا للراوي وإشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل مما زادها من عند نفسه لغرض الإيضاح. (قال) محمد بن زياد (سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن زياد لمن روى عن أبي هريرة في رواية هذا الحديث عنه، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للروايات السابقة. (لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له) في الدنيا كدعوة نوح - عليه السلام - استجيب له بالطوفان (وإني أُريد) وأقصد (إن شاء الله أن أؤخر) بصيغة المبني للفاعل المسند لضمير المتكلم وهو مِنْ أَخَّرَ المضعَّف الهمزةُ الأولى فيه همزة المضارعة والثانية فَاء الكلمةِ، أي أَدَّخِرُ (دعوتي) عند الله تعالى لتكون (شفاعة لأمتي يوم القيامة) إن شاء الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (391) - (177) (13) (حدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المِسْمَعِي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة البصري ثقة من (10) مات سنة (230) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي أبو موسى البصري

بَشَّارٍ حَدَّثَانَا -وَاللَّفْظُ لأَبِي غَسَّانَ- قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ -يَعْنُونَ ابْنَ هِشَامٍ- قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنس بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لأمَّتِهِ. وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةٌ لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من (15) مات سنة (252) روى عنه في (13) بابا، وقوله ومحمد بن المثنى مبتدأ، وابن بشار معطوف عليه، وجملة قوله (حدَّثانا) بألف الفاعل وضمير المفعول خبر المبتدأ أي حدث لنا كل من الشيخين معنى الحديث الآتي، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله حدثني أبو غسان، وجملة قوله (واللفظ لأبي غسان) أتى بها تورعًا من الكذب على الشيخين. وعبارة السنوسي هنا قوله (حدثانا) بألف الاثنين ونون المتكلمين خبر عن قوله محمد بن المثنى وابن بشار وإنما لم يعطفهما على أبي غسان لشدة احتياطه وإتقانه رحمه الله تعالى لأن أبا غسان سمع منه وحده ولهذا قال: حدثني وهذان سمع منهما مع غيره فلهذا قال: حدثانا، فقوله محمد بن المثنى مبتدأ لا معطوف على أبي غسان فتنبه لهذه اللطيفة. اهـ منه. وجملة قوله (قالوا) أي قال كل من أبي كسان ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار مستأنفة أي قال كل من الثلاثة (حدثنا معاذ) بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري صدوق من التاسعة مات سنة (200) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعنون) أي يعني كل من مشايخي الثلاثة بمعاذ معاذ (بن هشام) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته إيضاحًا للراوي وتورعًا من الكذب على مشايخه (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي، ثقة ثبت من (7) مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه، ثقة ثبت مُفسِّر مدلس من (4) مات سنة (117) روى عنه في (25) بابا، قال (حدثنا أنس بن مالك) الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة) محققة الإجابة (دعاها لأمته) أي على أمته (وإني) قد (اختبأت) أي خَبَّأْتُ وادخرت عند الله سبحانه، وافتعل هنا بمعنى فَعَّلَ المُضعَّف (دعوتي) لتكون (شفاعة لأمتي يوم القيامة) وحديث أنس هذا انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات وغيرهم.

392 - (00) (00) (وَحَدَّثنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 393 - (00) (00) وَحَدَّثنَاه أَبُو كُرَيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (392) - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من العاشرة (و) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) السُّلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي القطيعي بفتح القاف نسبة إلى محلة ببغداد تُدعى قطيعة، روى عن روح بن عبادة في الإيمان والصوم والحج وغيرها، وموسى بن داود في الصلاة، وزكريا بن عدي في الزكاة وغيرها، وإسحاق بن يوسف في الصوم، ومنصور بن سلمة الخزاعي في البيوع، ومَعْنِ بن عيسى في الصيد، ويحيى بن أبي بكير في اللباس والقَدَر، وجملة الأبواب التي روى عنه فيها تسعة، ويروي عنه (م د) والسَّرَّاج وطائفة، ثقة من العاشرة مات سنة سبع وثلاثين ومائتين (237) وله سبع وستون سنة ووُلد في سنة سبعين ومائة واسم أبي خلف محمد مولى بني سليم. وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا) أي قال كل من زهير وابن أبي خلف (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي أبو محمد البصري، ثقة فاضل له تصانيف من التاسعة مات سنة (207) روى عنه في (14) بابًا، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري، ثقة متقن من (7) روى عنه في (30) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحديث شعبة لأنه العامل في المتابع أي حدثنا شعبة عن قتادة بهذا الإسناد أي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث هشام عن قتادة، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد إما نسائي أو بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (393) - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا هذا الحديث يعني حديث أنس وفي بعض النسخ (ح وحدثنا) بحاء التحويل وحَذْفِ الضمير والأولى أوضح وأَوْلَى لأن المقام ليس مقام التحويل لأنه بداية سند المتابعة، (أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، جَمِيعًا عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ قَال: قَال: "أُعْطِيَ" وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي قال (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسيُّ أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ من (9) مات سنة (196) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أنس بن مالك (إبراهيم بن سعيد الجوهري) الطبري أبو إسحاق البغدادي ثقة حافظ من (10) مات سنة (249) روى عنه في (3) أبواب قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس من (9) مات سنة (101) روى عنه في (17) بابا، وفائدة التحويل بيان اختلاف شيخي شيخيه وإن كان شيخهما واحدًا وقوله (جميعًا) حال من وكيع وأبي أسامة أي حالة كونهما مجتمعَينِ أي مُتَّفِقَينِ في الرواية (عن مِسْعَرِ) بن كِدَام الهلالي أبي سلمة الكوفي ثقة ثبت فاضل من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة) بن دعامة البصري وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما علم في المتابع وهو مسعر أي روى مسعر عن قتادة بهذا الإسناد يعني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان والثاني منهما رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد بغدادي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة مسعر لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة وفائدتها بيان كثرة طرقه (غير أن في حديث وكيع) وروايته عن مسعر (قال) أنس (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أُعطي) كل نبي دعوة دعاها لأمته الحديث بصيغة تدل على السماع (وفي حديث أبي أسامة) وروايته عن مسعر عن أنس (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بصيغة العنعنة، وفي هامش بعض المتون قوله غير أن حديث وكيع ... إلخ يعني أن روايتهم اختلفت في كيفية لفظ أنس ففي الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية وكيع قال النبي صلى الله عليه وسلم أُعطي لكل نبي دعوة، وفي رواية أبي أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف متن الحديث أيضًا في رواية وكيع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

394 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ؛ أن نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال ... فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. 395 - (178) (14) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: أَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (394) - (00) (00) (وحدثني محمد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري روى عن المعتمر بن سليمان في الإيمان والبيوع وغيرهما، ويزيد بن زريع وعثام بن علي وابن عيينة ومعتمر، ويروي عنه (م ت س ق) وابن خزيمة وابن بُجير، وثقه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي أبو محمد البصري ثقة من (9) مات سنة (187) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي نزل في التيم فنُسب إليهم أبي المعتمر البصري ثقة من (4) مات سنة (143) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك، وهذا السندُ من رباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة سليمان بن طرخان لقتادة في رواية هذا الحديث عن أنس، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر) سليمان بن طرخان (نحو حديث قتادة عن أنس) رضي الله عنه ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة ثانيًا بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: (395) - (178) (14) (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) اسمه محمد مولى بني سليم السلمي أبو عبد الله البغدادي ثقة من (10) مات سنة (237) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري من (9) قال (حدثنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي ثقة فقيه يدلس ويرسل من السادسة مات سنة (150) خمسين ومائة، روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (قال) ابن جريج (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي مولاهم المكي صدوق يدلس من الرابعة مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) ويروي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) قوله (لكل نبي دعوة) محققة الإجابة (قد

دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ. وَخَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ دعا بها) أَي بتلك الدعوة (في أمته وخبأت) أنا (دعوتي) وأخرتها لتكون (شفاعة لأمتي يوم القيامة). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي وحديث جابر هذا انفرد به الإمام مسلم، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث. الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه ست متابعات. والثاني حديث أنس وذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه ثلاث متابعات. والثالث حديث جابر وذكره للاستشهاد أيضًا ولم يذكر فيه متابعةً. والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

104 - (9) باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم

104 - (9) باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم 396 - (179) (15) حدّثني يُونُسُ بن عَبْدِ الأَعلَى الصدَفِي، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أن بَكْرَ بنَ سَوَادَةَ حَدثَهُ عَنْ عَبْدِ الرحمنِ بْنِ جُبَيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 104 - (9) باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم (396) - (179) (15) (حدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصَّدَفي) أبو موسى المصري ثقة من (10) مات سنة (264) روى عنه في (3) أبواب، قال النووي: أما يونس ففيه ست لغات ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمز فيهن وتركه، وأما الصدفي فبفتح الصاد والدال المهملتين وبالفاء منسوب إلى الصَّدِف بفتح الصاد وكسر الدال قبيلة معروفة، قال أبو سعيد: يونس نسبته إلى الصدِف وليس من أنفسهم ولا من مواليهم، ففي هذا الإسناد رواية مسلم عمن عاش بعده لأن مسلمًا مات سنة (261) ويونس مات في ربيع الأول سنة (264) وكان مولده في ذي الحجة سنة (170) قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابأ (قال) عبد الله (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم مولى قيس بن سعد بن عبادة أبو أمية المصري الفقيه المقرئ ثقة فقيه حافظ من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (أن بكر بن سَوَادة) بفتح السين وتخفيف الواو ابن ثُمَامة الجُذَامِي أبا ثمامة المصري روى عن عبد الرحمن بن جبير في الإيمان والأدب، وأبي سالم الجيشاني في الأحكام، ويزيد بن رباح في الزهد، ويروي عنه (م عم) وعمرو بن الحارث والليث، وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الثالثة مات بإفريقية في خلافة هشام بن عبد الملك وقيل غرق في بحار الأندلس سنة ثمان وعشرين ومائة (128). (حدثه) أي حدث لعمرو (عن عبد الرحمن بن جبير) مصغرًا القرشي مولاهم مولى نافع مولى ابن عمر بن الخطاب الفقيه المؤذن أبي حُميد المصري، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الإيمان والصلاة والأدب وعن أبيه في الجنائز والنكاح والجهاد

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ "أَن النبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ تَلا قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الآية. وقَال عِيسَى عَلَيهِ السلامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 118] فَرَفَعَ يَدَيهِ وَقَال: اللهُم، أُمتِي أمتِي. وَبَكَى ـــــــــــــــــــــــــــــ والصيد والفتن وعقبة بن عامر، وعن أبي ذر مرسلًا، ويروي عنه (م د ت س) وبكر بن سوادة ومعاوية بن صالح وأبو حمزة بن سليم ويزيد بن حمير وصفوان بن عمرو والزبيدي ويحيى بن جابر الطائي، وقال في التقريب: ثقة عارف بالفرائض من الثالثة مات سنة (97) سبع وتسعين وقيل بعدها (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل بن سهم القرشي السهمي أبي محمد المصري كان بينه وبين أبيه ثلاث عشرة سنة يقال إنه أسلم قبل أبيه وكان يسكن مكة ثم خرج إلى الشام وأقام بها إلى أن مات بمصر، وقال في التقريب: والأصح أنه مات بالطائف ليالي الحرة سنة (65) خمس وستين، وقال الليث: سنة ثمان، أحد السابقين إلى الإسلام وأحد المكثرين من الصحابة، وتقدم البسط في ترجمته له سبعمائة حديث يروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن جبير وابن المسيب وعروة وطاوس وخلائق روى عنه المؤلف في أربعة أبواب تقريبًا (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا) وقرأ (قول الله عزَّ وجلَّ في) قصة {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} الآية) في سورة إبراهيم رقم [36]، (و) قرأ (قال عيسى) أي قول عيسى (عليه السلام) وقال هنا مصدر سماعي لقال لا فعل ماض كما يُتوهم يُقال قال قولًا وقيلًا وقالًا كلها مصادر لِقال يعني وتلا قول عيسى - عليه السلام - {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} في سورة المائدة آية رقم [118]، (فرفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على تلا (يديه و) دعا و (قال) في دعائه (اللهم) تُهِمُّنِي (أمتي أمتي) بالتكرار مرتين، وفي بعض النسخ (اللهم أمتي اللهم أمتي) بتكرار الجلالة والأمة مرتين مرتين (وبكى) خوفًا عليهم وشفقة بهم، وفي المفهم معنى هاتين الآيتين أن كل واحد من إبراهيم وعيسى لم يجز ما في الدعاء لعصاة أممهما ولم يجهدا أنفسهما في ذلك ولم يكن عندهما من فرط الشفقة ما كان ينبغي لهما ألا ترى أنهما في الآيتين كأنهما تبَرّءا من عصاة أممهما ولما فهم نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك انبعث بحكم ما يجده من شدة شفقته ورأفته وكثرة حرصه على تجاة أمته وبحكم ما وهبه الله تعالى من رفعة مقامه على

فَقَال الله عَز وَجَل: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمدٍ، وَرَبكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السلامُ فَسَأَلَهُ. فَأخْبَرَهُ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمَا قَال، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَال الله: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمدِ فَقُلْ: إِنا سَنُرْضِيكَ فِي أُمتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره جازمًا في الدعاء مجتهدًا فيه لهم متضرعًا باكيًا مُلِحًا يقول: أمتي أمتي فِعْلَ المُحِبّ المولع بمحبوبه الحريص على ما يرضيه الشفيق عليه اللطيف به ثم لم يزل كذلك حتى أجابه الله سبحانه فيهم وبَشَّرَه بما بشره من مآل حالهم حيث قال إنه سيرضيه فيهم. قال الأبي: قيل إن مقام إبراهيم أرقى لأنه قرن معصيتهم بمغفرة الله عزَّ وجلَّ حيث قال: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقال عيسى - عليه السلام -: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} اهـ (فقال الله عزَّ وجلَّ) لجبريل - عليه السلام - (يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك) يا جبريل (أَعْلَمُ) بما يبكيه (فَسَلْهُ) أي فسل محمدًا وقل له في سؤاله (ما يبكيك) يا محمد أي أي شيء وأي هَمٍّ يبكيك (فأتاه) صلى الله عليه وسلم (جبريل - عليه السلام - فسأله) صلى الله عليه وسلم عما يبكيه (فأخبره) سبحانه وتعالى (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بواسطة جبريل الأمين (بما قال) صلى الله عليه وسلم في حال بكائه من قوله اللهم أمتي أمتي (وهو) سبحانه (أعلم) بما قاله صلى الله عليه وسلم بلا إخبار منه له (فقال الله) عزَّ وجلَّ مرة ثانية لجبريل (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل) له لا تَبْكِ (إنا سنرضيك في أمتك) يوم القيامة فوعده بما يرضيه فيهم، وهو معنى قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} قيل هي أرجى آية لأنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى وواحد من أمته في النار، ومعنى (ولا نسوءك) أي لا نحزنك وهو تأكيد لمعنى الإرضاء لدفع إيهام أن يرضيه في البعض دون البعض لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى نرضيك ولا نُدْخِلُ عليك حزنًا بل نُنجي الجميع. والله أعلم، وبعث جبريل - عليه السلام - إظهارا لشرفه صلى الله عليه وسلم وإلا فالله أعلم بما يبكيه وبما قال، اهـ سنوسي. قال بعض العلماء: والله ما يرضى محمد وواحد من أمته في النار، وهذا كله يدل على أن الله تعالى خص نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم من كرم الخُلُق ومن طيب النفس ومن مقام الفُتُوةِ "حُسن الخُلُق وبذل المعروف بما لم يخص به أحدًا غيره وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4] وبقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] وأمر الله تعالى جبريل - عليه السلام - أن يسأل نبينا صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائه ليعلم جبريل تَمَكُّن نبينا صلى الله عليه وسلم في مقام الفتوة وغاية اعتنائه بأمته صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه أفضل ما صلى على أحد من خليقته وجازاه عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته اهـ من المفهم، قال النووي وهذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم ومنها استحباب رفع اليدين في الدعاء ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها تعالى شرفًا بما وعدها الله تعالى بقوله تعالى (سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها ومنها بيان عظم منزلته صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وعظيم لطفه سبحانه به صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن عمرو مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن غيره من أصحاب الأمهات وغيرهم. ***

105 - (10) باب: أن من أشرك بالله وعبد الأوثان من أهل الفترة يدخل النار مخلدا فيها لا تنفعه شفاعة شافع ولا قرابة مقرب

105 - (10) باب: أن من أشرك بالله وعبد الأوثان من أهل الفترة يدخل النار مخلدًا فيها لا تنفعه شفاعة شافع ولا قرابة مُقرب ـــــــــــــــــــــــــــــ 105 - (10) باب: أن من أشرك بالله وعبد الأوثان من أهل الفترة يدخل النار مخلدًا فيها لا تنفعه شفاعة شافع ولا قرابة مُقرب فأهل الفترة هم الأمم الكائنة في الأزمنة التي بين الرسولين الأول الذي لم يُرسل إليهم والثاني الذي لم يدركوا زمنه كالأعراب الذين لم يُرسل إليهم عيسى - عليه السلام - ولا أدركوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم والفترة على هذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين كالفترة التي بين إدريس ونوح عليهما السلام وبين نوح وهود عليهما السلام وكانت ثمانمائة سنة والتي بين صالح وإبراهيم عليهما السلام وكانت ستمائة وثلاثين سنة، ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى - عليه السلام - والنبي صلى الله عليه وسلم وذكر البخاري عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة. واعلم أن أهل الفترة على ثلاثة أقسام: . الأول: من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل في شريعةِ قائمة قبلهم كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل وعبيد الله بن جحش بن رئاب ومنهم من دخل في شريعة قائمةِ الرسْمِ كورقة بن نوفل وتبَع وقومه من حِمْيَر وأهل نجران. القسم الثاني من بدل وغيَّر فأشرك ولم يُوحد وشرع لنفسه شريعة فحلل وحرم وهم الأكثر كعمرو بن لحي أول من سَنَّ للعَرَب عبادةَ الأصنام وشرع الأحكام فبحّر البحيرة وسيّب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي وتبعته العرب على ذلك حتى كانت لقبائلهم حول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا سوى ما لهم في موضع استقرارهم ثم لم تكتف العرب بعبادة الأصنام حتى عبدوا الجن والملائكة وخرقوا البنين والبنات إلى غير ذلك من ضلالتهم. القسم الثالث مَن لم يشرك بالله ولم يُوحد ولا دخل في شريعة نبي ولا ابتكر لنفسه بشريعة ولا اختراع دين بل بقي عمره على حين غفلة من هذا كله وفي الجاهلية من كان كذلك، فإذا انقسم أهل الفترة إلى هذه الثلاثة الأقسام فيُحمل مَن صح تعذيبه كما في

397 - (180) (6 1) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَفانُ، حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ سَلَمَةَ عَن ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ "أن رَجُلًا قَال: يَا رَسُولَ الله، أَينَ أَبِي؟ قَال: فِي النَّارِ فَلَما قَفَّى دَعَاهُ فَقَال: إِن أبِي وَأَبَاكَ فِي النارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث الباب على أهل القسم الثاني أعني من أشرك وعبد الأصنام وشرّع الشرائع لنفسه كعمرو بن لُحي وأتباعه من العرب، وأما القسم الثالث فهم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذبين وعليهم يُحمل قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، وأما القسم الأول كورقة بن نوفل وتُبع وقومه وأهل نجران فحكمهم حكم أهل الدين الذي دخلوا فيه ما لم يلحق أحدًا منهم الإسلام الناسخ لكل دين وأما قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل فقد صح في كل منهما أنه يُبعث أمة واحدة فتحصل من هذا أن حديث الباب محمول على أهل القسم الثاني فلا تعارض بين حديث الباب وبين قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ}. (397) - (180) (16) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي من العاشرة، قال (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان البصري ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (220) عشرين ومائتين، روى عنه في (9) أبواب قال (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الزبعي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة عابد من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابا، وهو من أثبت الناس في ثابت (عن ثابت) بن أسلم البناني مولاهم أبي محمد البصري ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) بضع وعشرين ومائة (عن أنس) بن مالك الأنصاري أبي حمزة البصري، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا بكر فإنه كوفي (أن رجلًا) من الحاضرين (قال يا رسول الله أين أبي؟ ) هل في النار أم في الجنة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل السائل أبوك (في النار) لأنه مات على الشرك الجاهلي (فلما قَفَّى) الرجل السائل بعد جواب النبي صلى الله عليه وسلم أي ذهب وأدبر وجعل قفاه واليًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أعطاه قفاه وظهره في حالة ذهابه (دعاه) أي دعا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل وناداه وأمره بالرجوع إليه (فـ) لما رجع الرجل إليه (قال) له تطييبًا لخاطره (إن أبي) ووالدي (وأباك) أي والدك (في النار) الأخروي لموتهما على الشرك الجاهلي فهما من القسم الثاني من أقسام أهل الفترة الثلاثة، قال النواوي: ففي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أن من مات على الشرك فهو في النار ولا تنفعه قرابة المُقربين، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه الجاهلية من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وقوله إن أبي وأباك في النار هو من حسن العشرة للتسلية بالاشتراك في المصيبة لأنها إذا عَمَّت هانت وإذا خصت ثقُلت ولا عبرة بقول من قال إن المراد باب النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبو لهب أو أبو طالب لمخالفته ظاهر لفظ الحديث والنص القاطع. والله أعلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 119 و 117 و 268] وأبو داود [4718]. ***

106 - (11) باب: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين وأنه لا ينفعهم إذا ماتوا على الشرك

106 - (11) باب: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين وأنه لا ينفعهم إذا ماتوا على الشرك 398 - (181) (17) حدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيد وَزُهَيرُ بن حَرْب، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: "لَما أنْزِلَت هَذِهِ الآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قُرَيشًا، فَانججتَمَعُوا، فَعَم وَخَصَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 106 - (11) باب: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين وأنه لا ينفعهم إذا ماتوا على الشرك أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث الواردة في أمره عزَّ وجلَّ نبيه بإنذار وتخويف عشيرته الأقربين من عذاب الله تعالى وأنه لا تنفعهم قرابتهم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يُؤمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم. (398) - (181) (17) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من العاشرة (وزهير بن حرب) الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من العاشرة (قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قُرْط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثامنة مات سنة (188) (عن عبد الملك بن عمير) بن سويد بن جارية الفرسي نسبة إلى فَرَس له سابق اللخمي أبي عمر الكوفي ثقة فقيه تغتر حفظه ربما دلس من الثالثة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة وقد جاوز المائة، روى عنه في (15) بابا (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي أبي عيسى الكوفي ثقة جليل من الثانية مات سنة (103) ثلاث ومائة روى عنه في خمسة أبواب (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما بغلاني أو نسائي (قال) أبو هريرة (لما أُنزلت هذه الآية) على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نادى (قريشًا) ليجتمعوا إليه (فاجتمعوا) إليه (فعَم) أي ناداهم بصيغة العموم وفُسر بما ذكر في الحديث الآخر بقوله يا معشر قريش ويا بني كعب بن لؤي (وخص) أي ذكرهم بصيغة الخصوص كقول يا بني

فَقَال: يَا بَنِي كَعبِ بنِ لُؤَيٍّ، أَنقِذُوا أنْفُسَكُم مِنَ النارِ. وَيا بَنِي مُرة بْنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النارِ. يَا بَنِي عَبْدِ شَمس، أَنقِذُوا أَنْفُسَكُم مِنَ النارِ. يَا بَنِي عَبدِ مَنَافٍ، أَنقِذُوا أَنفُسَكُمْ مِنَ النارِ. يَا بَنِي هَاشِم، أَنْقِذُوا أَنفُسَكُم مِنَ النارِ. يَا بَنِي عَبْدِ المطلِبِ، أَنقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النارِ. يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفسَكِ مِنَ النارِ، فَإِني لَا أَملِكُ لَكُم مِنَ الله شَيئًا. غَيرَ أَن لَكُم رَحِمًا سَأبُلهَا بِبِلالِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد شمس (فقال) في ندائهم (يا بني كعب بن لوي) راجع للتعميم (أنقذوا أنفسكم) أي فكُّوا أنفسكم (من النار) الأخروية، والإنقاذُ التخليص من ورطة قال تعالى {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103] (وبا بني مرة بن كعب أنقذوا) وخلصوا (أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة) بنت محمد صلى الله عليه وسلم (أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك) ولا أقدر (لكم من) دفع عذاب (الله) عنكم (شيئًا) من الدفع بما يريد أن يوقعه بكم في الدنيا والآخرة من المهالك والمخاوف والعذاب إن لم تمتثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه، والمعنى لا تَتَّكِلُوا على قرابتي فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم (غير أن لكم رحمًا) أي قرابة مني (سأبُلها) أي سأصلها في الدنيا بضم الباء من باب شَدَّ (بِبِلَالِهَا) أي بصلتها في الدنيا، قال النواوي: ضبطناه بفتح الباء وكسرها لغتان، وقال المجد: البلال ككتاب الماء ويثلث وكل ما يبل به الحلق ومعناه سأصلها بصلتها التي تليق بها شُبهَتْ قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة بالبرودة ومنه (بلوا أرحامكم) أي صلوها استعاروا اليبس لمعنى القطيعة قال السنوسي: وهذا هو الذي ينبغي أن يقيد بالدنيا أي لا أقدر أن أرد عنكم من عذاب الآخرة شيئًا وإنما أقدر أن أصل رحمكم بما يليق بكم والله تعالى أعلم، قال القاضي عياض: يقال بللت رحمي بلا وبَلَلًا وبِلالًا أي وصلتها، قال الهروي: البلال بالكسر جمع بلل كجمال جمع جمل وقيل لأنه من معنى قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} ورأيته للخطابي بفتح الباء كالمال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي رواه في تفسير سورة الشعراء، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، والنسائي رواه في الوصايا. اهـ تحفة.

399 - (182) (18) وحدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيري، حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ. بِهذَا الإِسْنَادِ، وَحَدِيثُ جَرِيرٍ أَتَمُّ وَأَشْبَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (399) - (182) (18) (وحدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجُشَمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (235) على الأصح روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز مشهور يكنيته ثقة ثبت من (7) مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا تقريبا (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا أبو عوانة لأنه المتابع واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع يعني عن موسى بن طلحة التيمي الكوفي عن أبي هريرة المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد واسطي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن عبد الملك، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (حديث جرير) السابق (أتم) سندا من حديث أبي عوانة لأن المؤلف روى فيه عن ثقتين ثبتين قتيبة وزهير (وأشبع) أي أطول متنا من حديث أبي عوانة ولذلك جعله من الأصول، والله أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

107 - (12) باب: صعود النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا وقوله لعشيرته الأقربين: سلوني من مالي ما شئتم ولا أملك لكم من الله شيئا

107 - (12) باب: صعود النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا وقوله لعشيرته الأقربين: سلوني من مالي ما شئتم ولا أملك لكم من اللَّه شيئًا 400 - (183) (19) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيع ويونُسُ بْنُ بُكَيرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: "لَما نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)} [الشعراء: 214] قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى الصَّفَا فَقَال: يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمدٍ، يَا صَفِيةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطلِبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 107 - (12) باب: صعود النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا وقوله لعشيرته الأقربين: سلوني من مالي ما شئتم ولا أملك لكم من اللَّه شيئًا (400) - (183) (19) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من (15) مات سنة (234) روى عنه في (15) أبواب، قال (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) مات سنة (196) روى عنه في (19) بابا (ويونس بن بكير) مصغرًا بن واصل الشيباني أبو بكر الجَمَّال بالجيم الكوفي روى عن هشام بن عروة في الإيمان، ومحمد بن إسحاق والأعمش وكهمس وعِدة، ويروي عنه (م د ت ق) ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن معين وأبو سعيد الأشج وآخرون وثقه ابن معين وضعفه النسائي، وقال في التقريب: صدوق يُخطئ من التاسعة مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة روى له مسلم مقارنة في هذا الموضع وفائدتها بيان كثرة طرقه (قالا حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبو المنذر المدني ثقة فقيه ربما دلس من (5) مات سنة (145) روى عنه في (16) بابا (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور من (2) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن) خالته (عائشة) الصدِّيقة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم عبد الله المدنية، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (لما نزلت) آية ({وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا) جبل صغير على طرف جبل أبي قبيس (فقال يا فاطمة بنت محمد) المعروف في المنادى الموصوف بالابن أو البنت الفتح تبعًا للابن ويجوز الضم على الأصل ولا يجوز في صفته إلا النصب تبعا لمحله لأن حركة التبع لا يجوز إتباعها (يا صفية بنت عبد المطلب) عمته صلى الله عليه

يَا بَنِي عَبْدِ المُطلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُم مِنَ الله شَيئًا. سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئتُم". 401 - (184) (20) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهَابٍ؛ قَال: أخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرحمن؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: "قَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] يَا مَعشَرَ قُرَيشٍ، اشتَرُوا أَنْفُسَكُم مِن الله ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (يا بني عبد المطلب لا أملك) ولا أقدر (لكم من) دفع عذاب (الله) عنكم (شيئًا) من الدفع لا قليلًا ولا كثيرًا إن لم تؤمنوا به وبرسوله (سلوني من مالي) قدر (ما شئتم) فأنا أعطيكموه ما شئتم ولا قدرة لي في دفع عذاب الله عنكم إن لم تؤمنوا بالله سبحانه وتعالى وتُوحدوه وتعبدوه. وحديث عائشة هذا انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات وغيرهم. اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: (401) - (184) (20) (وحدثني حرملة بن يحيى) التُّجِيبِي المصري صدوق من (11) قال (أخبرني) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري من (9) مات (197) روى عنه في (13) بابا (قال أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي أبو يزيد الأموي ثقة لكن في روايته عن الزهري وهم قليلًا من (7) مات (159) روى عنه في (7) أبواب (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري المدني ثقة من الرابعة (قال) ابن شهاب (أخبرني) سعيد (بن المسيب) بن حَزْن القرشي المخزومي أبو محمد المدني ثقة من الثانية مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين روى عنه في (17) بابا (وأبو سلمة) عبد الله (ابن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزل عليها {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله) قال القاضي: قد يكون معناه بيعوا لله أنفسكم أي برضاه بالإيمان به لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وقد يكون

لَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ الله شَيئًا. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطلِبِ، لَا أغنِي عَنكُم مِنَ الله شَيئًا. يَا عَباسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطلِبِ، لَا أغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيئا. يَا صَفِيةُ عَمةَ رَسُولِ الله، لَا أُغْنِي عَنكِ مِنَ الله شَيئا. يَا فَاطِمَةَ بِنتَ رَسُولِ الله، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ. لَا أغْنِي عَنكِ مِنَ الله شَيئا". 402 - (0) (00) وحدّثني عَمرو الناقِدُ، حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ ذَكْوَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على بابه أي أنقذوا أنفسكم من عذاب اللَّه بالإيمان به وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أُغني) ولا أدفع (عنكم من) عذاب (الله) سبحانه وتعالى (شيئًا) إن لم تؤمنوا به (يا بني عبد المطلب لا أُغني عنكم من) عذاب (الله) تعالى (شيئًا) قليلًا بالتخفيف ولا كثيرًا بالإخراج منه (يا عباس بن عبد المطلب لا أُغني عنك من الله شيئًا يا صفية عمة رسول الله) أم الزبير بن العوام (لا أُغني عنك من الله شيئًا يا فاطمة بنت رسول الله سليني بما شئت) من مالي فأنا أعطيكه ولكن (لا أُغني عنكِ من الله شيئًا) إن أشركت بالله ولم تُؤمني به، وحديث أبي هريرة هذا شارك المؤلف في روايته البخاري رواه في التفسير تعليقًا وفي الوصايا تعليقًا والنسائي رواه في الوصايا عن سليمان بن داود المُهري. اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (402) - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من العاشرة مات سنة (232) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا معاوية بن عمرو) بن المهلب الأزدي، المعني بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون نسبة إلى أحد أجداده أبو عمرو البغدادي المعروف بابن الكرماني، روى عن زائدة بن قدامة في الإيمان والوضوء وأبي إسحاق الفزاري في الجنائز والبِرّ وإسرائيل وجرير بن حازم وخلق، ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم وخلق، وثقه أحمد وأبو حاتم، وقال ابن معين: شجاع لا يبالي بلقاء عشرين، وقال في التقريب: ثقة من صغار التاسعة مات سنة (214) أربع عشرة ومائتين قال (حدثنا زائدة) بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي ثقة ثبت من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا عبد الله بن ذكوان) الأموي مولاهم

عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَن النبِي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، نَحوَ هَذَا. 403 - (185) (21) حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحدَرِي، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُريعٍ، حَدَّثَنَا التيمِي عَنْ أبِي عُثْمَانَ، عَنْ قَبِيصَةَ بنِ الْمُخَارِقِ، وَزُهَيرِ بْنِ عَمْرٍو؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو الزناد المدني كنيته أبو عبد الرحمن وذكوان هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه ثقة أمير المحدثين فقيه من (5) مات فجاة سنة (130) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ ثقة ثبت عالم من (3) مات سنة (117) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله: (نحو هذا) الحديث المذكور الذي رواه ابن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة، مفعول به لما عمل في المتابع وهو الأعرج أي حدثنا الأعرج عن أبي هريرة مثل ما حدثاه عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بغداديان وواحد كوفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لابن المسيب وأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث قبيصة بن المخارق وزهير بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين فقال: (403) - (185) (21) (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) البصري ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب قال (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة ثبت من الثامنة مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا قال (حدثنا) سليمان بن طرخان (التيمي) نزل في التيم فنُسب إليهم أبو المعتمر البصري أحد سادات التابعين علمًا وعملا ثقة عابد من الرابعة مات سنة (243) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وتشديد اللام ابن عمرو بن عَدي النهدي نسبة إلى أحد أَجْدَادِه نهد بن زيد مشهور بكنيته مخضرم الكوفي ثقة ثبت عابد من (2) مات سنة (95) روى عنه في (11) (عن قبيصة بن المخارق) بضم الميم وتخفيف الخاء ابن عبد الله بن شداد الهذلي العامري البصري الصحابي الجليل له ستة أحاديث انفرد له (م) بحديث (وزهير بن عمرو) الهلالي البصري الصحابي له حديث واحد في قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} كلاهما رويا في الإيمان والزكاة ويروى عنهما (م س) وأبو عثمان النهدي في الإيمان والزكاة وأبو قلابة،

قَالا: لَما نَزَلَت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] قَال: انْطَلَقَ نَبِيُّ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِلَى رَضمَةٍ مِن جَبَلٍ. فَعَلا أَعلاهَا حَجَرًا. ثُم نَادَى "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي واتفاق صحابِيَّين فيما رويا وفيمن روى عنهما (قالا) أي قال كل من قبيصة وزهير (لما نزلت) آية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} قال) أي قال كل من قبيصة وزهير، قال النواوي: قال هنا بمعنى قالا لأن المراد أن قبيصة وزهيرًا قالا ولكن لما كانا متفقَين وهما كالرجل الواحد أفرد فعلهما ولو حذف لفظة قال كان الكلام واضحًا منتظمًا ولكن لما حصل في الكلام بعض الطول حَسُنَ إعادة قال للتأكيد ومثله في القرآن العزيز كقوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} فأعاد أنكم مخرجون وله نظائر كثيرة في القرآن العزيز والحديث انتهى أي قال الراوي الذي هو هما (انطلق) وذهب (نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة) أي إلى حجارة مجتمعة بعضها فوق بعض كائنة (من جبل) الصفا كما هو لفظ الحديث السابق والرضمة بفتح الراء وإسكان الضاد المعجمة وبفتحها لغتان حكاهما صاحب المطالع وغيره، واقتصر صاحب العين والجوهري والهروي وغيرهم على الإسكان وابن فارس وبعضهم على الفتح قالوا والرضمة واحدة الرضَم والرضام وهي صخور عظام بعضها فوق بعض وقيل هي دون الهضاب، قال (ع) هي الصخور بعضها فوق بعض، ومنه حديث كان البناء الأول من الكعبة رضمًا، وقولهم بنى داره برضم، وقال صاحب العين: الرضمة حجارة مجتمعة ليست بثابتة في الأرض كانها منثورة أي ذهب إلى صخرة من صخور الجبل (فَعَلا) أي رَقِيَ (أعلاها) أي أرفعها (حجرًا) ليكون أندى للصوت أي رقى أرفع الصخور ليكون أبلغ في إنداء الصوت وإبلاغها إلى أهله (ثم) بعدما رقي النبي صلى الله عليه وسلم أعلاها (نادى) وصاح بقوله (يا بني عبد منافاه) بألف الندبة والهاء للسكت والندبة نداء المتفجع عليه أي يا بني عبد مناف أتوجع لكم وأتفجع عليكم لأنكم أحاط بكم الهلاكُ الأبدي بسبب الشرك والضلال وأصله يا بنين لعبد مناف حذفت النون واللام للإضافة فصار يا بني، وإعرابه يا حرف نداء، بني منادى مضاف منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، بني مضاف، عبد مضاف مجرور بكسرة ظاهرة، عبد مضاف منافاه مضاف إليه

إِني نَذِيرٌ، إِنمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُم كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُو فَانطَلَقَ يَربَأ أَهلَهُ. فَخَشِيَ أَن يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مجرور بكسرة مقدرة مَنَعَ من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة لمناسبة ألف الندبة والهاء حرف زائد للسكت، وقوله (إني نذير) أي مُنذر ومُخوف لكم من عذاب الله تعالى جواب النداء (إنما مثلي ومثلكم) أي إنما شبهي وشبهكم (كمثل رجل) وقوم (رأى) وأبصر ذلك الرجل (العدو) أي عدو قومه يقصد ذلك العدو الإغارة والهجوم على قومه (فانطلق) أي ذهب ذلك الرجل الذي رأى العدو إلى مجتمع قومه ليُخبرهم بهجوم العدو عليهم حالة كونه (يربأ) على وزان يقرأ أي حالة كونه يريد أن يربا (أهله) وقومه ويحفظهم من هجوم العدو وإغارته عليهم على حين غفلة منهم (فخشي) أي خاف ذلك الرجل حينما رجع قُدَّام العدو إلى قومه (أن يسبقوه) أي أن يسبق العدو إلى قومه ويهجم عليهم قبل وصوله إليهم وإخباره لهم، وأتى بضمير الجمع العائد إلى العدو لأنه فعول يُطلق على الجمع وعلى الفرد (فجعل) ذلك الرجل أي شرع (يهتف) أي أن يصيح ويصرخ قومه ليكونوا على حذر من العدو بقوله (يا صباحاه) بألف الندبة وهاء السكت أي يا هلاك قومي في الصباح أَقْبِل إلي لأتفجع منك. قال النواوي: أما قوله: (يربأ) فهو بفتح الياء وإسكان الراء وبعدها باء موحدة ثم همزة على وزن يقرأ ومعناه يحفظهم ويتطلع لهم ويقال لفاعل ذلك ربيئة وهو العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهَمَهم العدو ويهجمهم على حين غفلة منهم ولا يكون في الغالب إلا على جبل أو شُرَف أو شيء مرتفع لينظر إلى بُعد، قال المازري: يربا من الربيئة وهي الطليعة والعين، قال الشاعر: فأرسلنا أبا عمر ربيئًا أي طليعة وجاسوسًا، قال القاضي: الرواية الصحيحة يربأ بالباء الموحدة، وعند العذري وغيره يرتأ بالتاء المثناة من فوق مكان الباء ولا وجه له هنا. اهـ، وفي تفسير ابن جرير يربؤ وهو من غلط الطبع، وأما قوله يهتف فهو بفتح الياء وكسر التاء فمعناه يصيح ويصرخ إلى قومه وقولهم يا صباحاه فهي كلمة يعتادون القول بها عند وقوع أمر عظيم وخطب خطير ليجتمعوا ويتأهبوا له، والله أعلم. وهذا الحديث أعني حديث قبيصة وزهير شارك المؤلف في روايته النسائي فقط.

404 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَي، حَدَّثَنَا الْمُعتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ زُهَيرِ بنِ عَمرٍو وَقَبِيصَةَ بنِ مُخَارِقٍ، عَنِ النبِيِّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِنَحْوه. 405 - (186) (22) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمدُ بْنُ العَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمرو بْنِ مُرَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث قبيصة وزهير فقال: (404) - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري ثقة من (10) مات سنة (245) روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري (عن أبيه) سليمان بن طرخان البصري قال (حدثنا أبو عثمان) النهدي البصري (عن زهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق) البصريين (عن النبي صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بنحوه) متعلق بحدثنا المعتمر لأنه العامل في المتابع وهو المعتمر والضمير عائد على يزيد بن زريع لأنه المتابع، والتقدير حدثنا المعتمر عن أبيه بنحو ما حدث يزيد بن زريع عن أبيه سليمان. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة معتمر بن سليمان ليزيد بن زريع في رواية هذا الحديث عن سليمان بن طرخان، وفاندتها بيان كثرة طرقه، والله أعلم. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال: (405) - (186) (22) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي ثقة ثبت ربما دلس من (9) مات سنة (201) وهو ابن (80) روى عنه في (17) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت قارئ مدلِّس من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن مُرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجَمَلِي بفتحتين نسبة إلى جمل بن كنانة المرادي أبي عبد الله الكوفي ثقة عابد من الخامسة مات سنة

عَنْ سَعِيد بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَباسِ؛ قَال: "لَما نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَتَّى صَعِدَ الصفَا. فَهَتَفَ يَا صَبَاحَاهْ! فَقَالُوا: مَنْ هذَا الذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمد. فَاجْتَمَعُوا إِلَيهِ، فَقَال: يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطلِبِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيهِ فَقَال: أَرَأَيتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَن خَيلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِي؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (118) روى عنه في (13) بابا (عن سعيد بن جبير) الأسدي الوالبي مولاهم أَبِي محمد الكوفي ثقة ثبت فقيه من (3) قتله الحجاج سنة (95) فما أُمهل بعده، روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد المكثرين من الصحابة مات بالطائف سنة (68) روى عنه في (17) بابا. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس فإنه طائفي أو مكي أو مدني (قال) ابن عباس (لما نزلت هذه الآية) وقوله {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)}) الخ بدل محكى من هذه الآية، وقوله (ورهطك منهم المخلَصين) بفتح اللام، قال النواوي: الظاهر أن هذا كان قرآنًا أُنزل ثم نُسخت تلاوته ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري. اهـ (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته (حتى صعد الصفا) طرف جبل أبي قبيس (فهتف) أي صرخ ونادى بقوله (يا صباحاه) مر ما فيه قريبًا (فقالوا) أي قال جمع قريش (من هذا الذي يهتف؟ ) ويُنادي بهذه الكلمة التي تدل على حدوث أمر عظيم وهجوم عدو شديد (قالوا) أي قال بعضهم لبعض هذا المنادي (محمد) أمين صادق لا يكذب (فاجتمعوا إليه) أي اجتمع بعضهم عنده على جبل الصفا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بني فلان) أي يا بني كعب بن لؤي (يا بني فلان) أي يا بني مُرة بن كعب (يا بني فلان) أي يا بني عبد شمس (يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه) أي اجتمع كلهم أو معظمهم عنده (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرأيتكم) أي أخبروني عن حالكم وحالي (لو أخبرتكم أن خيلًا) أي أن عدوًا أصحاب خيل يستأصلكم (تخرج) أي تطلع (بسفح) أي بطرف وأسفل (هذا الجبل) أي جبل أبي قبيس (كنتم مصدِّقي) بتشديد الدال والياء أي هل كنتم مصدقين لي فيما أخبرتكم من حال العدو أم مكذبين لي (قالوا) نُصدقك فيما أخبرت لأنا (ما جربنا) ولا

عَلَيكَ كَذِبًا. قَال: فَإِني نَذِير لَكُمْ بَينَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ". قَال: فَقَال أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَمَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهذَا؟ ثُم قَامَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ السورَةُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]. كَذَا قَرَأَ الأعْمَشُ إِلَى آخِرِ السورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عهدنا (عليك كذبًا) فيما مضى من عمرك (قال) إذًا (فإني نذير لكم) أي مُنذر مُخوف لكم من عذاب الله تعالى إن لم تؤمنوا به وأصررتم على شرككم هذا أُرسل إليكم من الله تعالى (بين يدي عذاب شديد) أي قُدام عذاب الله تعالى الشديد الذي سيَحُل بكم في الدنيا وفي الآخرة إن دمتم على شرككم هذا، و (سفح الجبل) بالسين عرضه وقيل أسفله وصفح الجبل بالصاد جانبه. (قال) ابن عباس (فقال) عمُّهُ صلى الله عليه وسلم (أبو لهب) بن عبد المطلب (تبًا لك) أي قطعًا لك عن كل خير، وخُسرانًا لك في كل شيء (أما جمعتنا) بهمزة الاستفهام التقريري، وما نافية (إلا لهذا) الإنذار تكْذِبُ فيه (ثم قام) أبو لهب من ذلك المجلس (فنزلت هذه السورة) الكريمة فيه عقب قيامه، وقوله {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}) بدل من قوله هذه السورة، قال أبو أسامة (كذا) أي بزيادة حرف قد الدال على التحقيق (قرأ) شيخنا (الأعمش) حينما حدثنا هذا الحديث، وقوله (إلى آخر السورة) متعلق بنزلت أي نزلت إلى آخرها وتمامها، وعبارة النواوي قوله (كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة) معناه أن الأعمش زاد لفظة قد بخلاف القراءة المشهورة، وقوله إلى آخر السورة يعني أتم القراءة إلى آخر السورة كما يقرؤها الناس، وفي السورة لغتان الهمزة وتركه حكاهما ابن قتيبة والمشهور بغير همز كسُورِ البلد لارتفاعها ومَنْ هَمَزَهُ قال هي قطعة من القرآن كسُؤر الطعام والشراب وهي البقية منه، وفي أبي لهب لغتان قُرئ بهما فتح الهاء وإسكانها واسمه عبد العُزى، ومعنى تب: خسر، قال القاضي عياض: وقد استُدل بهذه السورة على جواز تكنية الكافر وقد اختلف العلماء في ذلك واختلفت الرواية عن مالك في جواز تكنية الكافر بالجواز والكراهة، وقال بعضهم: إنما يجوز من ذلك ما كان على جهة التآلف وإلا فلا، إذ في التكنية تعظيم وتوقير، وأما تكنية الله تعالى لأبي لهب فليست من هذا ولا حجة فيه إذ كان اسمه عبد العُزى وهذه تسمية باطلة فلهذا كَنَّى عنه، وقيل لأنه إنما كان يُعرف بها، وقيل إن أبا لهب لقب وليس

406 - (00) (00) وحدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأعمَشِ، بِهَذَا الإِسنَادِ. قَال: "صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ذَاتَ يَوْمِ الصفَا فَقَال: يَا صَبَاحَاهْ! ". بِنَحو حَدِيثِ أبِي أسَامَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ نُزُولَ الآيَةِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} ـــــــــــــــــــــــــــــ بكنية وكنيته أبو عُتبة، وقيل جاء ذكر أبي لهب لمجانسة الكلام ومشاكلته التي هي من المحسنات البديعية. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري رواه في التفسير وفي مناقب قريش وفي الجنائز، والترمذي رواه في التفسير وقال: حسن صحيح، والنسائي رواه في التفسير في الكبرى، والله أعلم. اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 406 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي كلاهما (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا أبو معاوية، والإشارة راجعة إلى ما بعد شيخ المتابع وهو أبو أسامة يعني عن عمرو بن مُرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي معاوية لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عباس (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي يومًا من الأيام وكلمةُ ذات مقحمةٌ أو الإضافة فيه للبيان أي ذاتًا هي يومٌ جبل (الصفا فقال ياصباحاه) وقوله (بنحو حديث أبي أسامة) متعلق أيضًا بحدثنا أبو معاوية أي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بنحو حديث أبي أسامة عن الأعمش (و) لكن (لم يدكر) أبو معاوية في روايته (نزول الآية) وكلمة ({وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)}) بل قال في روايته (قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد) الخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين، فجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة. والثاني حديث أبي هريرة فذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث حديث قبيصة وزهير وذكره أيضًا للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة أيضًا. والرابع حديث ابن عباس وذكره أيضًا للاستشهاد وذكر فيه أيضًا متابعة واحدة، والله سبحانه تعالى أعلم. ***

108 - (13) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في التخفيف عنه

108 - (13) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في التخفيف عنه 407 - (187) (23) وحدّثنا عُبَيدُ الله بن عُمَرَ الْقَوَارِيرِي، وَمُحَمدُ بْنُ أَبِي بَكير المقدمِي، وَمُحَمدُ بن عَبْدِ الْمَلِكِ الأموي. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَن عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوفَلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 108 - (13) باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في التخفيف عنه 407 - (187) - (23) (وحدثنا عبيد الله بن عمر القواريري) نسبة إلى بيع القارورة أو صنعها، الجُشَمِي مولاهم أبو شعيب البصري ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) بضم أوله وفتح ثانيه وفتح الدال المشددة نسبة إلى جده مقدم أبو عبد الله الثقفي مولاهم البصري ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي عثمان القرشي (الأموي) أبو عبد الله البصري روى عن أبي عوانة في الإيمان وغيره، وعبد العزيز بن المختار في الزكاة والحج والدعاء، وعبد الواحد بن زياد ويزيد بن زريع وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) والبغوي وابن جرير، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق من كبار العاشرة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز مشهور بكنيته ثقة ثبت من (7) مات سنة (176) (عن عبد الملك بن عمير) الفَرَسِي اللخمي أبي عمر الكوفي ثقة فقيه من الثالثة مات سنة (136) روى عنه في (15) بابا (عن عبد الله بن الحارث بن نوفل) بن عبد المطلب الهاشمي أبي محمد المدني تحول إلى البصرة وكان أميرها له رؤية ولأبيه وجده صحبة حنكه النبي صلى الله عليه وسلم روى عن العباس بن عبد المطلب في الإيمان وأم هاني بنت أبي طالب في الصلاة، وأم الفضل في النكاح، وحكيم بن حزام في البيوع، وأبي بن كعب في الفتن، وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب في الزكاة، ويروي عنه (ع) وعبد الملك بن عمير وبنوه عبد الرحمن وعبيد الله وسليمان، والزهري وغيرهم

عَنِ الْعَباسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ؛ أَنهُ قَال: يَا رَسُولَ الله، هَلْ نَفَعتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيءٍ، فَإِنهُ كَانَ يَحُوطُكَ ويغْضَبُ لَكَ؟ قَال: "نَعَمْ. هُوَ فِي ضَحْضَاح مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أَنَا لَكَانَ فِي الدرَكِ الأَسفَلِ مِنَ النارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي التقريب قال ابن عبد البر: أجمعوا على توثيقه مات بعُمَان سنة (84) أربع وثمانين روى عنه في (5) (عن العباس بن عبد المطلب) بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشمي أبي الفضل المكي أظهر إسلامه يوم الفتح وكان فيما قَبْلُ يَكْتُمُ بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عداده في المكيين له خمسة وثلاثون حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث و (م) بثلاثة أحاديث ويروي عنه (ع) وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعامر بن سعد في الإيمان، ومالك بن أوس وبنوه عبد الله وكثير وعبيد الله، وعامر بن سعد، مات سنة (32) اثنتين وثلاثين بالمدينة في خلافة عثمان وهو ابن (88) ثمان وثمانين. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم بصري وواحد واسطي وواحد كوفي وواحد مدني وواحد مكي وهذا من ألطف لطائف السند، والله أعلم. (أنه) أي أن العباس (قال يا رسول الله هل نفعت) عمك (أبا طالب بشيء) من المنافع عند الله تعالى إما بالعتق من النار أو بالتخفيف عنه (فإنه) أي فإن أبا طالب (كان) في حياته (يحوطك) أي يحفظك وينصرك على أعدائك، يُقال حاطه يحوطه حَوْطًا وحياطةً إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه، وقد كان أبو طالب يمنعه ممن يريد به مكروهًا ويُعينه على ما كان بصدده (وبغضب) على الغير (لك) أي لأجلك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للعباس (نعم) نفعته بتخفيف عذابه لأنه كان (هو في ضحضاح) أي في شيء يسير (من نار) يبلغ إلى الكعبين أي كان في غير قَعْرها، وأصل الضحضاح الماء اليسير إلى نحو الكعبين فاستعير في النار، وفي المفهم: والضحضاح ما رَق من الماء منبسطًا على وجه الأرض ومنه قول عمرو بن العاص في عمر بن الخطاب إنه جَانَبَ غَمْرَتَها ومشى ضحضاحها وما ابتَلت قدماه يعني لم يتعلق من الدنيا بشيء (ولولا أنا) نافع له (لكان) أبو طالب (في الدرك الأسفل) أي في الطبقة السفلى (من النار) والدرك الأسفل هي الطبقة السفلى من قعر جهنم وقيل هي توابيت من نار تُطبق على أهلها، قال القرطبي: والدرك في مراتب السفل والنزول كالدرج في مراتب

408 - (00) (00) حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفيَانُ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ؛ قَال: سَمِعتُ الْعَباسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلو والارتفاع ويراد به آخر طبق في أسفل النار وهو أشد أطباق جهنم عذابًا ولذلك قال تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} وكان أبو طالب يستحق ذلك إذ كان قد علم صدق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع حالاته ولم يَخْفَ عليه شيء من أموره من مولده إلى حين اكتماله ولذلك كان يقول لعلي ابنه اتَبِعْهُ فإنه لا يرشدك إلا إلى خير أو حق أو كما قيل عنه ومع ذلك لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم فاستحق الدرك الأسفل من النار وببركة نصره صلى الله عليه وسلم وحفظه إياه حُول من الدرك إلى الضحضاح. اهـ، قال الأبي: وهذا الكلام هو جواب لقول السائل هل نفعت أبا طالب وليس فيه نص أن هذا النفع كان شفاعته حتى يعارض قوله تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}، قال النواوي: قال أهل اللغة في الدرك لغتان فصيحتان مشهورتان فتح الراء وإسكانها وقُرئ بهما في القراءات السبع، وقال أبو حاتم: جمع الدرك بالفتح أدراك كجمل وأجمال وفرس وأفراس وجمع الدرك بالإسكان أدرك كفلس وأفلس أما معناه فقال جميع أهل اللغة والمعاني والغريب وجماهير المفسرين الدرك الأسفل قعر جهنم وأقصى أسفلها، قالوا ولجهنم أدراك فكل طبقة من أطباقها تسمى دَرْكًا. اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث العباس أحمد [1/ 206 - 210] والبخاري [6208]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث العباس رضي الله عنه فقال: 408 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي، وقال في التقريب: صدوق صنَّف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة من العاشرة مات سنة (243) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي ثقة حافظ من (8) مات سنة (198) روى عنه في (25) بابا (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (عن عبد الله بن الحارث) الهاشمي المدني (قال سمعت العباس) بن عبد المطلب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد كوفي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن

يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِن أبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وينصُرُكَ، فَهَل نَفَعهُ ذَلِكَ؟ قَال: "نَعَمْ. وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النارِ فَأخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ". 409 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الملك بن عمير، وفائدتها بيان كثرة طرقه وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. أي سمعت العباس حالة كونه (يقول قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إن أبا طالب) اسمه عبد مناف كما مر (كان) قبل موته (يحوطك) ويحفظك من إذاية قومك (وينصرك) أي يعينك على أعدائك والنصرة العون، تقول العرب: "أرض منصورة" أي مُعانة على إنباتها بالمطر (فهل نفعه) عند ربه (ذلك) النصر والحياطة لك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) نفعه ذلك المذكور عند ربه لأني (وجدته) أي رأيته (في غمرات) وأمواج (من النار فأخرجته) منها وحولته (إلى ضحضاح) منها، والغمرات بالميم جمع غمرة وهي ما يُغطي الإنسان ويغمره أي يستره مأخوذ من الماء الغَمْرِ وهو الكثير منه، ووقع في بعض النسخ غبرات وهي بمعنى البقايا وهو تصحيف ولا معنى للغبرات هنا، وتقدم أن الضحضاح ما رَق من الماء على وجه الأرض، وهذا كله تمثيل لشدة العذاب وخِفتِه، وفي القاموس والغمرات جمع غمرة بإسكان الميم وغَمَرَةُ الشيء شدته ومزدحمه مِنْ غَمَرَهُ الماءُ إذا غطاه. اهـ. وقال القاضي عياض: والغمر كل شيء كثير وماء غمر أي كثير وفرس غمر أي كثير الجري ورجل غمر أي كثير الجُود وغِمار الناس جماعتهم، ويصحح هذا المعنى ذكر الضحضاح بعده والضحضاح بضادين معجمتين ما رَق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث العباس رضي الله عنهما فقال: 409 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين المروزي ثم القطيعي بفتح القاف صدوق ربما وهم من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا قال (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري الأحول ثقة متقن إمام قدوة من كبار التاسعة مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا

عَنْ سُفْيَانَ، قَال: حَدثَنِي عَندُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَير. قَال: حَدثَنِي عَبْدُ الله بْنُ الْحَارِثِ. قَال: أَخْبَرَنِي الْعَباسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطلِبِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، بِهذَا الإِسنَادِ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِنَحْو حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ. 410 - (188) (24) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبي عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه إمام حجة من (7) مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (قال) الثوري (حدثني عبد الملك بن عمير) بن سويد الفَرَسِي الكوفي ويقال اللخمي (قال) عبد الملك (حدثني عبد الله بن الحارث) القرشي المدني (قال) عبد الله بن الحارث (أخبرني العباس بن عبد المطلب) الهاشمي المكي. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الثوري لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن عبد الملك، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وأتى بحاء التحويل في قوله (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي لبيان اختلاف مشايخ السندين في أولهما وإن كان مآلهما إلى الثوري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو سفيان أي حدثنا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب (عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي عوانة) عن عبد الملك بن عمير. وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، وغرضه بسوقه أيضًا بيان متابعة الثوري لأبي عوانة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ولم يكرر متن الحديث هنا كما كرره في متابعة سفيان بن عيينة لاتحاد حديث الثوري مع حديث أبي عوانة لفظًا ومعنى، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث العباس رضي الله عنه بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 410 - (188) - (24) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم أبو رجاء

حَدَّثَنَا لَيثْ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمهُ أَبُو طَالِبٍ. فَقَال: "لَعَلهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النارِ يَبْلُغُ كعْبَيهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البغلاني ثقة ثبت من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا ليث) ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه من (7) مات سنة (148) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (ابن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني ثقة مكثر من (5) مات سنة (139) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا (عن عبد الله بن خَبَّاب) الأنصاري النجاري مولاهم المدني روى عن أبي سعيد في الإيمان والصلاة ويروي عنه (ع) وابن الهاد وبكير بن الأشج والقاسم بن محمد مع تقَامِه وابن إسحاق وعدة، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات بعد المائة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان بنونين بن عبد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة بضم المعجمة (الخدري) نسبة إلى جده المذكور له ولأبيه صحبة استصغر يوم أُحد ثم شهد ما بعدها وبايع تحت الشجرة، وكان من علماء الصحابة الأنصاري الخزرجي الحارثي الخدري المدني له (1170) حديثًا مات بالمدينة سنة (65) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عنده عمه أبو طالب) عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، كأنه قيل له صلى الله عليه وسلم إنه كان يحوط بك ويحفظك وينصرك وعاداه قومه لأجلك ويحبك فهل ينفعه ذلك يوم القيامة (فقال) صلى الله عليه وسلم (لعله) أي لعل الشأن والحال أو لعل أبا طالب (تنفعه شفاعتي يوم القيامة فـ) بسبب ذلك (يُجعل في ضحضاح) أي في يسير (من النار يبلغ كعبيه) ولا يجاوزهما ومع ذلك (يغلي) ويفور (منه) أي من ذلك الضحضاح (دماغه) أي مخ رأسه لشدته، فهذا معارض بحسب الظاهر لقوله تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} وأجيب: بأنه لما انتفع بقربه والذب عنه وكان ذلك بسببه وبركته سماه شفاعة مجازًا أو أن ما في الآية محمول على شفاعة الإخراج، قال النواوي: والجواب الأول للبيهقي، وقال القاضي: وهذا التخفيف ليس جزاء على حوطته خلافًا لمن قاله للإجماع على أن الكافر لا يُثاب في الآخرة على خير فعله ولا بالتخفيف حقيقة وإنما هو تخفيف بالنسبة إلى مَنْ عذابُه أشد كأبي لهب مثلًا. اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المفهم هنا (وقوله لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة) هذا المُتَرَجَّى في هذا الحديث قد تحقق وقوعه إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته في غمرات فأخرجته إلى ضحضاح فكأنه لما ترجى ذلك أُعطيه وحُقق له فأخبر به، وهل هذه الشفاعة لبيان قول محقق أو لسان حال؟ اختُلف فإن تَنَزلْنَا على أنه حقيقة وأنه صلى الله عليه وسلم شفع لأبي طالب بالدعاء والرغبة حتى شُفع عارضه قوله تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدثر: 48] وقوله تعالى {وَلَا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وما في معناه. والجواب من أوجه: أقربها أن الشفاعة المنفية إنما هي شفاعة خاصة وهي التي تُخفص من العذاب وغاية ما ذُكر من المعارضة إنما هي بين عموم وخصوص ولا تعارض بينهما إذ البناء والجمع ممكن وإن تنزلنا على أنه حال فيكون معناه أن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي صلى الله عليه وسلم والذب عنه خُفف عنه بسبب ذلك ما كان يستحقه بسبب كفره مع ما حصل عنده من معرفته صدق النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمناه، ولما كان ذلك بسبب وجود النبي صلى الله عليه وسلم وببركة الحُنُو عليه نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نفسه، ولا يُستبعد إطلاق الشفاعة على مثل هذا المعنى فقد سلك الشعراء هذا المعنى فقال بعضهم: في وجهه شافع يمحو إساءته ... إلى القلوب وجيه حيثما شفعا وقد يورد أيضًا على هذا المعنى فيقال هذا إثبات نفع الكافر في الآخرة بما عمله في الدنيا وقد نفاه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث ابن جدعان الآتي "لا ينفعه"، وبقوله "وأما الكافر فيُعطى بحسنات ما عمل في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُجزى بها". والجواب من وجهين أحدهما ما تقدم في بناء العام على الخاص، والثاني أن المخفف عنه لما لم يجد أثرًا لما خُفف عنه فكأنه لم ينتفع بذلك، ألا ترى أنه يُعتقد أنه ليس في النار أشد عذابًا منه، مع أن عذابه جمرة من جهنم في أخمصه، وسببه أن القليل من عذاب جهنم أعاذنا الله تعالى منه لا تُطيقه الجبال وخصوصًا عذاب الكافر، وإنما تظهر فائدة التخفيف لغير المعذب وأما المعذب فمشتغل بما حل به إذ لا يُخلَّى ولا بغيره يتسلى فيَصْدُق عليه أنه لم ينتفع ولم يحصل له نفع البتة، والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث أعني حديث أبي سعيد الخدري شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 9 و 50] والبخاري [3885] وذكر المؤلف في هذه الترجمة حديثين الأول حديث العباس ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي سعيد الخدري وذكره للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

109 - (14) باب أهون أهل النار عذابا يوم القيامة

109 - (14) باب أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة 411 - (189) (25) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ مُحَمدٍ عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النعْمَانِ بْنِ أَبِي عَياشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِي؛ أن رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِن أَدْنَى أَهْلِ النارِ عَذَابًا، يَنْتَعِلُ بِنَعلَينِ مِن نَارٍ، يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 109 - (14) باب أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث الدالة على أخف أهل النار عذابًا يوم القيامة. 411 - (189) (25) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي ثبت من العاشرة، قال (حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه قيس بن اسيد العبدي من عبد القيس أبو زكريا الكوفي قاضي كِرمان ثقة من التاسعة مات سنة (209) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا زهير بن محمد) التميمي الخِرَقِي بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة نسبة إلى قرية من قرى مَرْوَ تسمى خرق أبو المنذر الخراساني، قال البخاري: للشاميين عنه مناكير وهو ثقة ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة وفي رواية ضعيف، وقال في التقريب: من السابعة مات سنة (162) روى عن سهيل في الإيمان (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان أبي يزيد المدني صدوق من السادسة مات في خلافة المنصور، روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن النعمان بن أبي عياش) بتحتانية ومعجمة الأنصاري الزرقي أبي سلمة المدني ثقة من الرابعة، روى عنه في ثلاثة أبواب تقريبًا (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي الحارثي (الخدري) الصحابي الجليل المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد خراساني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى) وأخف (أهل النار عذابًا) يوم القيامة رجل (ينتعل) ويلبس (بنعلين من نار يغلي) من غلى الشيء غليانًا بوزن رمى يقال غلت القدر إذا فارت وارتفعت بما فيها من الماء أي يفور (دماغه) أي مخ رأسه (من) شدة (حرارة نعليه) أعاذنا الله تعالى وجميع المسلمين منها. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وهو بعض الحديث المذكور قبيل هذه الترجمة، والله سبحانه وتعالى أعلم، اهـ من تحفة الأشراف.

412 - (190) (26) وحدثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَفانُ، حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النهدِي، عَنِ ابْنِ عَباس؛ أَن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "أَهْوَنُ أَهْلِ النارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلْ بِنَغلَينِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ". 413 - (191) (27) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بحديث ابن عباس رضي الله عنه فقال: 412 - (190) (26) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (225) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار القرشي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة عابد أثبت الناس في ثابت من كبار الثامنة مات سنة (167) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مُل (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء نسبة إلى نهد بن زيد من قضاعة أحد أجداده الكوفي ثقة مخضرم مشهور بكنيته من كبار الثانية مات سنة (95) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي المكي ثم الطائفي، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهون أهل النار) وأخفهم (عذابًا) يوم القيامة (أبو طالب) عبد مناف بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أن أبا طالب (منتعل) أي لابس (بنعلين يغلي منهما) أي من شدة حرارة النعلين (دماغه) أي مخ رأسه- أعاذنا الله منها-. وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 290]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه فقال: 413 - (191) (27) (وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العنزي أبو موسى

وَابنُ بَشَّار (وَاللفظُ لابنِ المُثَنَّى) قَالا: حَدثنا مُحَمدُ بن جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحاقَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ يَخطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِن أَهْوَنَ أَهلِ النارِ عَذَابا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيهِ جَمْرَتَانِ، يَغلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، وأتى بقوله (واللفظ لابن المثنى) تورعًا من الكذب على ابن بشار (قالا) أي قال كل من المحمدَين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري ربيب شعبة المعروف بغُندر ثقة إلا أن فيه غفلة من التاسعة مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة متقن من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (قال) شعبة (سمعت أبا إسحاق) السبِيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي ثقة عابد من الثالثة مات سنة (129) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا، حالة كونه (يقول سمعت النعمان بن بشير) بن سعد بن ثعلبة بن خِلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبا عبد الله المدني له ولأبويه صحبة وأمه عمرة بنت رواحة وهو أول مولود أنصاري في الهجرة له مائة وأربعة وعشرون حديثًا (124) اتفقا في خمسة وانفرد (خ) بحديث و (م) بأربعة، سكن الشام وقُتل بحمص سنة (65) خمس وستين، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد مدني، حالة كونه (يخطب) ويعظ الناس (وهو) أي والحال أنه (يقول) في خطبة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن أهون) وأخف (أهل النار عذابًا يوم القيامة) واللام في قوله (لَرجل) لام الابتداء دخلت على خبر إن أي لَشَخْصٌ (تُوضع في أخمص) بفتحتين بينهما سكون وهو الموضع المتجافي من الأرض في وسط القدم (قدميه جمْرَتان) أي شُعْلتان (يغلي منهما) أي من شدة حرارتها (دماغه). وهذا الحديث أعني حديث النعمان بن بشير شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 271 و 274] والبخاري [6561 و 6562] والترمذي [2607]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما فقال:

414 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النعمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن أَهْوَنَ أَهْلِ النارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ. يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أن أَحَدًا أشد مِنْهُ عَذَابًا. وإنهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 414 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي من (10) قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي ثقة من (9) مات سنة (201) روى عنه في (17) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي ثقة من الثالثة (عن النعمان بن بشير) الأنصاري أبي عبد الله المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا النعمان بن بشير فإنه مدني وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لشعبة في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) النعمان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهون) وأخف (أهل النار عذابًا) يوم القيامة (من له نعلان وشِرَاكان يغلي) ويفور (منهما) أي من شدة حرارتهما (دماغه كما يغلي المِرْجل) أي يغلي دماغه غليانا كغليان المرجل، والشراكان تثنية شراك والشراك بكسر الشين أحد سُيُور النعل وحبالها وهو الذي يكون على وجهها وعلى ظهر القدم، والغليان معروف وهو شدة اضطراب الماء ونحوه على النار لشدة اتقادها يقال غلت القدر تغلي غَلْيًا وغَلَيَانًا وأَغْلَيتُهَا أنا، والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم القِدر معروف سواء كان من حديد أو نحاس أو حجارة أو خزف وهذا هو الأصح، وقال صاحب المطالع: وقيل هو القدر من النحاس يعني خاصة والأول أشهر والميم فيه زائدة، وفي هذا الحديث وما أشبهه تصريح بتفاوت عذاب أهل النار كما أن نعيم أهل الجنة متفاوت، والله أعلم. (ما يرى) ذلك الذي له نعلان وشراكان من نار أي لا يعتقد ذلك الرجل (أن أحدًا) من أهل النار (أشد منه عذابًا وإنه) أي والحال إنه (لأهونهم) أي لأخفهم (عذابًا) يوم القيامة. ***

110 - (15) باب من لم يؤمن لن ينفعه عمل صالح في الآخرة

110 - (15) باب من لم يؤمن لن ينفعه عمل صالح في الآخرة 415 - (192) (28) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، ابْنُ جُدْعَانَ، كَانَ فِي الْجَاهِلِيةِ يَصِلُ الرَّحِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 110 - (15) باب من لم يؤمن لن ينفعه عمل صالح في الآخرة أي هذا باب معقود في بيان الدليل على أن من لم يؤمن بالله تعالى في الدنيا لا ينفعه عمله الصالح في الآخرة أي لا يُثاب عليه في الآخرة لأن شرط قبول الأعمال الصالحة وصحتها الإيمان بالله تعالى وهو أساسها لأن القُربة لا تصح إلا بمعرفة المتُقرب إليه وتسمية عمله عملًا صالحًا مجاز لكونه على صورة العمل الصالح الواقع من المؤمن. 415 - (192) (28) (حدثني أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي قال (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي ثقة فقيه من الثامنة مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (عن داود) بن أبي هند اسمه دينار القشيري مولاهم أبي بكر أو أبي محمد البصري ثقة متقن من الخامسة مات سنة (140) أربعين ومائة روى عنه في (8) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكوفي الإمام العَلَمِ ثقة مشهور فقيه فاضل من الثالثة مات سنة (103) روى عنه في (19) بابا (عن مسروق) بن عبد الرحمن ويقال ابن الأجدع وهو لقب عبد الرحمن بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، قال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله، وقال في التقريب: ثقة فقيه مخضرم عابد من الثانية مات سنة (63) ثلاث وستين، روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله ابن جُدْعَان) بضم الجيم وإسكان الدال المهملة وبالعين المهملة اسمه عبد الله وكان من رؤساء قريش وإنما سألت عائشة عنه لأنه كان من فخذها من بني تيم بن مرة بن قتيبة وكان من أقربائها، أي سألَتْ عائشةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقالت: يا رسول الله عبد الله بن جدعان التيمي (كان في الجاهلية) أي في زمن الأمة الجاهلية وهو ما كان قبل النبوة سُموا بذلك لكثرة جهالاتهم (يصل الرحم) أي يُحسن إلى الرحم

وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَلكَ نَافِعُهُ؟ قَال: "لَا يَنْفَعُهُ، إِنهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَب اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والأقارب بالصلات والعطايا (ويُطعم المسكين) والفقير والمحاويج (فهل ذلك) الذي فعله من صلة الرحم وإطعام المساكين (نافعه) في الآخرة برفع العذاب عنه أو تخفيفه عليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينفعه) عمله ذلك (إنه) أي لأن ابن جدعان (لم يقل يومًا) من أيام حياته (رب اغفر لي خطيئتي) وذنبي (يوم الدين) أي يوم الجزاء وهو يوم القيامة، وهذا يدل على أنه لم يؤمن باليوم الآخر فهو كافر، فالكافر لا يُثاب على حسناته لعدم شرط قبولها وهو الإيمان. وعبارة المفهم (قول عائشة هل ذلك نافعه؟ ) معناه هل ذلك مخلصه من عذاب الله المستحق بالكفر؟ فأجابها بنفي ذلك وعَلَّلَهُ بأنه لم يؤمن، وعئر عن الإيمان ببعض ما يدل عليه وهو قوله (لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) ويُقتبس منه أن كل لفظ يدل على الدخول في الإسلام اكتُفي به ولا يلزم من أراد الدخول في الإسلام صيغة مخصوصة مثل كلمتي الشهادة بل أي شيء دل على صحة إيمانه ومجانبة ما كان عليه اكتُفي به في الدخول في الإسلام ولابد له مع ذلك من النطق بكلمتي الشهادة فإن النطق بهما واجب مرة في العمر، انتهى منه. قال النواوي: معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والإطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرًا وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) أي لم يكن مُصدقًا بالبعث ومن لم يُصدق به فهو كافر ولا ينفعه عمل، قال القاضي عياض: وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يُثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذابًا من بعض بحسب جرائمهم هذا آخر كلام القاضي، وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر، قال البيهقي: وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون له موقع التخلص من النار وإدخال الجنة ولكن يُخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات هذا كلام البيهقي، قال العلماء: وكان ابن جدعان كثير الإطعام وكان اتخذ للضيفان جَفْنَة يُرْقى إليها بسُلم، اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السهيلي: كان ابن جدعان في بدئه صعلوكًا شديدًا فاتكًا لا يزال يجني وقومه يعقلون عنه فطرده أبوه وعشيرته لثقل ما حملهم من الديات فخرج في شعاب مكة صابرًا يتمنى أن يموت فيستريح فرأى شَقًّا في جبل فتعرض للشق يرجو أن تكون فيه حية تقتله فلم ير شيئًا فدخل فيه فإذا فيه ثعبان عظيم عيناه تَتَّقِدَان كالسراج فحمل عليه الثعبان ففَرَج له فانساب عنه مستديرًا بدائرة عند باب بيته فخطا خطوة أخرى فصغر له الثعبان وأقبل عليه كالسهم فأفرج فانساب قَدَمًا لا ينظر إليه فوقع في نفسه أنه مصنوع فأمسكه بيده فإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فإذا طُوَال على سرير لم ير مثلهم طُولًا وعظمًا وعند رؤوسهم لوح من فضة فيه تاريخهم وإذا هم رجال من ملوك جُرهم وإذا عليهم ثياب لا يُمس شيء منها إلا انتثر لطول الزمان، وفي الطُول مكتوب: أنا نفيل بن عبد الدار بن خشرم بن عبد يا ليل بن جُرهم بن قحطان بن هود نبي الله - عليه السلام - عشت خمسمائة سنة وقطعت وُعُور الأرض ظاهرها وباطنها في طلب الثروة والمجد والمُلك فلم يكُ ذلك يُنجي من الموت، وتحتها أبيات فيها عظات آخر بيت منها: صاح هل رَيْتَ أو سمعت براع ... رد في الضرع ما قرى في الحلاب وإذا في وسط البيت كوم من ذهب وياقوت ولؤلؤ وزبرجد فأخذ منه ما أخذ وعلم الشق وأغابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي أخرج فرَضِيَهُ ووصل عشيرته فسادهم وجعل يُنفق من ذلك الكنز ويُطعم الناس ويفعل المعروف (قال ابن قتيبة) كانت جفنة طعامه يأكل منها الراكب على بعيره، قال في غريب الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت أستظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان، انتهى من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 123 و 283] ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها. ***

111 - (16) باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم

111 - (16) باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم 416 - (193) (29) حدثني أَحمدُ بن حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ، عَن قَيْسٍ، عَن عَمرِو بنِ العَاصِ؛ قَال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، جِهَارًا غَيرَ سِرٍّ، يَقُولُ: "أَلا إِن آلَ أَبِي (يَعنِي فُلانًا) لَيسُوا لِي بِأوليَاءَ، إِنمَا وَلِيِّيَ الله وَصالِحُ المؤمِنِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 111 - (16) باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم 416 - (193) (29) (حدثني أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله الإمام الفقيه ثقة فقيه مجتهد من (10) مات سنة (241) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري ثقة من (9) مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري ثقة متقن من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (30) بابًا (عن إسماعيل بن أبي خالد) اسمه سعد وقيل هرمز وقيل كثير البجلي الأحمسي مولاهم أبي عبد الله الكوفي ثقة ثبت من الرابعة مات سنة (146) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس) بن أبي حازم اسمه عبد عوف بن الحارث البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي ثقة مخضرم من الثانية مات سنة (98) روى عنه في (10) أبواب (عن عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم القرشي السهمي أبي محمد المكي الصحابي المشهور له (39) حديثًا اتفقا على (3) انفرد (خ) بطرف حديث و (م) بحديثين مات سنة (43) روى عنه في (3) أبواب، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مكي وواحد مروزي (قال) عمرو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (جهارًا غير سر) أي علانية لم يُخفه، مفعول مطلق مقدم لقوله (يقول) أي سمعته حالة كونه يقول قولًا جهارًا غير سر، وقوله غير سر صفة كاشفة لقوله جهارًا أي قولًا مجاهرًا مغايرَ سرّ (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (أن آل أبي) العاص (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بآل أبي العاص (فلانًا) أي الحكم بن العاص (ليسوا لي) أي ليس آلُ أبي العاص (بأولياء) وأقرباء لي وأنصارًا في الدين وإن كانوا أوليائي في النسب (إنما وَليِّيَ) وناصري ومُتَوَلِّي أموري (الله) سبحانه وتعالى (وصالح المؤمنين) أي المؤمنون المُراعون لحقوق الله تعالى وحقوق العباد بامتثال أوامر الشرع واجتناب نواهيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المفهم هنا: قوله (ألا إن آل أبي فلان) كذا للسمرقندي ولغيره ألا إن آل أبي (يعني فلانًا) وفي رواية فلانٍ على الحكاية، وهذا كناية عن قوم معينين كره الراوي تسميتهم لما يُخاف مما يقع في نفوس ذراريِّهم المؤمنين وقيل إنَّ المَكْنِيَّ عنه هو الحكم بن أبي العاص ووقع في أصل كتاب مسلم موضع فلان بياض لم يُكتب فيه شيء وكُتبت لفظة فلان في ذلك المكان الأبيض من أصل صحيح مسلم مِلأ للفراغ وإصلاحًا للكتابة وفلان كناية عن اسم علم استحق الكتابة في ذلك البياض، اهـ. وفقه الحديث الإخبار أن الولاية إنما هي بالدين والصلاح وإن بَعُد في النسب ومن ليس بمؤمن ولا صالح فليس بولي وإن قرُب نسبه، وعبارة السنوسي: والمقصود من الحديث الإخبار أن ولايته صلى الله عليه وسلم إنما هي بالدين والصلاح وإن بَعُد النسب منه ومن ليس بمؤمن ولا صالح فليس له بولي وإن قرُب نسبه، ويستفاد من قوله (جهارًا) إشاعة التبري من الفسقة والكفرة وإن قرُبوا في النسب والإعلان بذلك ما لم يخف ترتب فتنة، والله أعلم. اهـ. وعبارة النواوي هنا: وهذه الكناية بقوله يعني فلانًا هو من بعض الرواة خشي أن يُسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة إما في حق نفسه إنما في حقه وحق غيره فكَنَى عنه، والغرض من الحديث إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم إنما وليي الله وصالح المؤمنين ومعناه إنما وليِّيَ من كان صالحا وإن بعُد نَسَبُهُ مني وليس وليِّيَ من كان غير صالح وإن كان نسبه قريبًا مني، وأما قوله جهارًا فمعناه علانية لم يُخفه بل باح به وأظهره وأشاعه ففيه التبرؤ من المخالفين وموالاة الصالحين والإعلان بذلك ما لم يخف ترتُّبُ فتنةٍ عليه، والله أعلم. اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 203] والبخاري [5990] ولم يذكر في هذه الترجمة إلا هذا الحديث، والله أعلم. ***

112 - (17) باب كم يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حساب ولا عذاب

112 - (17) باب كم يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حساب ولا عذاب 417 - (194) (30) حدَّثنا عَبْدُ الرحمنِ بْنُ سَلامِ بْنِ عُبَيدِ الله الْجُمَحِي، حَدَّثَنَا الربِيعُ، يَعْنِي ابنَ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَدْخُلُ مِنْ أُمتِي الْجَنةَ سَبعُونَ أَلْفا بِغَيرِ حِسَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 112 - (17) باب كم يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حساب ولا عذاب أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث التي تكون جوابًا لاستفهام قولك أي عدد يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير محاسبة على أعمالهم ولا سبق عذاب لهم، فكم هنا استفهامية وهي التي تكون بمعنى أي عدد بخلاف الخبرية وهي التي تكون بمعنى عددٍ كثير كما بسطنا الكلام عليه في كتابنا نزهة الألباب على ملحة الإعراب بما لا مزيد عليه فراجعه إن شئت. 417 - (194) (30) (حدثنا عبد الرحمن بن سلَّام) بتشديد اللام (بن عبيد الله) مصغرًا بن سالم القرشي (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري، روى عن الربيع بن مسلم في الإيمان والصلاة وغيرهما، وحماد بن سلمة، ويروي عنه (م) صدوق من العاشرة مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين (231) روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا الربيع) وأتى بقوله (يعني ابن مسلم) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته القرشي الجمحي أبو بكر البصري روى عن محمد بن زياد في الإيمان والوضوء والصلاة وغيرها، والحسن ويروي عنه (م د ت س) وعبد الرحمن بن سلام، وعبد الرحمن بن بكر بن الربيع ابن ابنه، ويزيد بن هارون، ويحيى القطان، وابن المبارك، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة مات سنة (167) (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثقة ثبت ربما أرسل من الثالثة، روى عنه في خمسة أبواب (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغبر حساب) أي بغير محاسبة على أعمالهم ولا سَبْقِ عذاب، قال الأبي: والأظهر أن السبعين ألفًا حقيقة لا كناية عن كثرة العدد لقوله في الحديث الآخر مع

فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، ادع اللهَ أَن يَجعَلَنِي مِنهُم. قَال: اللهُم اجعلهُ مِنهم ثُم قَامَ آخَرُ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله، ادْعُ اللهَ أَن يجعَلَنِي مِنهم. قَال: سَبَقَكَ بِهَا عُكاشَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كل واحد سبعون (فقال رجل) من الحاضرين (يا رسول الله ادع الله) لي (أن يجعلني منهم) أي من أولئك السبعين (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعله) أي اجعل هذا الرجل القائل (منهم) أي من أولئك السبعين والرجل هو عُكَاشة بن محصن (ثم قام) رجل (آخر فقال يا رسول الله ادع الله) لي (أن يجعلني منهم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبقك بها) أي بهذه الدعوة (عكاشة) بن محصن بضم العين وتشديد الكاف وتخفيفها لغتان مشهورتان ذكرهما جماعة من العلماء منهم ثعلب والجوهري وآخرون، وقال صاحب المطالع: التشديد أكثر وأما محصن فبكسر الميم وفتح الصاد، وفي الأبي قال السهيلي: وعكاشة من عكش على القوم إذا حمل عليهم وقيل من العُكَّاشة وهي العنكبوت، قال القرطبي: وقد يكون من عكاشة بالتخفيف اسم لبيت النمل أو من عَكَشَ الشَعر إذا التوى. وعكاشة هذا من أفاضل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: (منا خير فارس في العرب، قيل: ومن هو؟ قال: عُكَاشَة بن محصن) وله ببدر المقام المشهور ضرب بسيفه حتى انقطع فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جَزْلَ حطب فهزه فعاد سيفًا فقاتل حتى وقع الفتح وكان ذلك السيف يُسمى العون ولم يزل يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي عنده حتى قُتل في جهاد المرتدين وهو عنده، ولرغبته رضي الله عنه فيما عند الله تعالى سبق غيره من الصحابة. قال القاضي عياض: قيل إن الرجل الثاني لم يكن يستحق تلك المنزلة ولا كان بصفة أهلها بخلاف عكاشة، وقيل بل كان منافقًا فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بكلام محتمل ولم ير صلى الله عليه وسلم التصريح له بأنك لست منهم لما كان صلى الله عليه وسلم عليه من حسن العُشرة، وقيل قد يكون سبق عكاشة بوحي أن يُجاب فيه ولم يحصل ذلك للآخر، قلت: وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه في الأسماء المبهمة أنه: يقال إن هذا الرجل هو سعد بن عبادة رضي الله عنه فإن صح هذا بطل قول من زعم أنه منافق ويكون سبقك بها عكاشة سدًا لباب أن يقوم كل واحد ويطلب الدعاء، قال

418 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بن بَشارٍ، حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، قَال: سَمِعتُ مُحَمدَ بنَ زَيادٍ، قَال: سَمِعتُ ابَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ ... بِمِثلِ حَدِيثِ الربِيعِ. 419 - (00) (00) حدثني حَرمَلَةُ بن يَحْيَى، أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَال: أَخبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهَابٍ، قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ النواوي: وهو الأظهر المختار وبطل قول من قال: إن الرجل الآخر منافق، قلت لوجهين: أحدهما: أن الأصل في الصحابة صحة الإيمان فلا يُظن بأحد منهم شيء يقتضي خلاف ذلك الأصل ولا يُسمع ما لا يصح نقله ولا يجوز تقديره، والثاني أنه قَلَّ أن يصدر مثل ذلك السؤال عن منافق إذ ذلك السؤال يقتضي تصديقًا صحيحًا ويقينًا ثابتًا، والله سبحانه وتعالى أعلم. وحديث أبي هريرة هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عَن غيره من أصحاب الأمهات وغيرهم، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة فقال: 418 - (00) (00) وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري قال (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (قال) شعبة (سمعت محمد بن زياد) الجمحي المدني (قال) محمد (سمعت أبا هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة للربيع بن مسلم في رواية هذا الحديث عن محمد بن زياد، وفائدتها تقوية السند الأول لأن شعبة أوثق من الربيع بن مسلم وفيها أيضًا تصريح السماع في موضعين لم يُصرح فيهما في السند الأول، حالة كون أبي هريرة (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) يدخل من أمتي الجنة .. الحديث، وقوله (بمثل حديث الربيع) متعلق بحدثنا شعبة لأنه العامل في المتابع وهو شعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 419 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري المدني (قال) ابن

حَدثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ حَدَّثَهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "يَدْخُلُ مِنْ أمتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا. تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأسدِي، يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيهِ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "اللهُم اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُم قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصَارِ فقَال: يَا رَسُولَ الله ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكاشَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شهاب (حدثني سعيد بن المسيب) بن حَزْن القرشي المخزومي المدني (أن أبا هريرة) الدوسي المدني (حدثه) أي حدث لسعيد بن المسيب الحديث الآتي. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد شامي، وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب لمحمد بن زياد في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها تقوية السند الأول لأن سعيد بن المسيب أوثق وأوسع من محمد بن زياد وبيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة التي لا تقبل الفصل. (قال) أبو هريرة في تحديثه لي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدخل من أمتي) الجنة كما هو مذكور في بعض النسخ (زمرة) أي جماعة (هم) أي عددهم (سبعون ألفًا) بلا حساب وهذه الجملة الاسمية صفةٌ أُولى لزمرة وجملة قوله (تضيء وجوههم إضاءة القمر) أي إضاءة كإضاءة القمر (ليلة البدر) أي ليلة أربع عشرة صفة ثانية لها (قال أبو هريرة) بهذا السند المذكور (فقام عكاشة) بوزن رُمانة (بن محصن) بوزن منبر (الأسدي) حالة كونه (يرفع) ويشد (نمرة) أي مئزرة له (عليه) أي على حِقْوه، والنمِرة كساء فيه خطوط بيض وسُود وحُمر كأنها أُخذت من جلد النمر لاشتراكهما في التلون من ألوان، وهي من مآزر الأعراب (فقال) عكاشة معطوف على قام (يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعله منهم) ولقوة يقينه وشدة حرصه على الخير ورغبته فيما عند الله سبحانه سبق عكاشة الصحابة كلهم بقوله ادع الله أن يجعلني منهم (ثم قام رجل) آخر (من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لذلك الرجل (سبقك بها) أي بهذه المقالة (عكاشة) بن محصن، فلما لم يكن عند القائم بعده من تلك الأحوال الشريفة

420 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَيوَةُ قَال: حَدثَنِي أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَدْخُلُ الْجَنةَ مِنْ أُمتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، زُمْرَة وَاحِدَة مِنْهُمْ، عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ". 421 - (195) (31) حدثنا يَحْيَى بْنُ خَلَفِ الْبَاهِلِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ ما كان عند عكاشة قال له سبقك بها عكاشة، وأيضًا فَلِئَلَّا يطلب كل من هنالك ما طلبه عكاشة والرجل ويتسلسل الأمر فسدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الباب بما قال لعكاشة، وهذا أولى من قول من قال إن ذلك الرجل كان منافقًا كما مر. وهذه الرواية من حديث أبي هريرة شارك المؤلف فيها البخاري رواها في الرقاق والنسائي أيضًا، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 420 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري قال (حدثني عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، قال (أخبرني حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت فقيه من السابعة مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب (قال) حيوة (حدثني أبو يونس) سليم بن جبير بالتصغير فيهما الدوسي مولى أبي هريرة المصري ثقة من الثالثة مات سنة (123) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي يونس لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا) بلا حساب ولا عذاب بدليل الرواية الأخرى (زمرة واحدة) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفها بما بعدها، والزمرة الجماعة في تفرقة بعضها في إثر بعض (منهم) أي من أولئك السبعين كائنة (على صورة القمر) ليلة أربع عشرة في الاستعارة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 421 - (195) (31) (حدثنا يحيى بن خلف الباهلي) أبو سلمة البصري المعروف

حَدَّثَنَا الْمُعتَمِرُ عَنْ هِشَام بنِ حَسَّانَ، عَن مُحَمد -يَعْنِي ابنَ سِيرِينَ- قَال: حَدثَنِي عِمْرَانُ قَال: قَال نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بَغَيرِ حِسَابٍ قَالُوا: وَمَن هُمْ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: هُمُ الذِينَ لَا يَكتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجُوبَارِي بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة روى عن المعتمر في الإيمان وعبد الأعلى في النذور والطب وبشر بن المفضل وعبد الوهاب الثقفي وغيرهم ويروي عنه (م د ت ق) وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو بكر البزار وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة مات سنة (242) مائتين واثنتين وأربعين، روى عنه في ثلاثة أبواب تقريبًا كما بيناها، قال (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي أبو محمد البصري ثقة من التاسعة مات سنة (187) روى عنه في (10) أبواب (عن هشام بن حسان) الأزدي القُرْدُوسِي نسبة إلى القراديس بطن من الأزد نزلوا البصرة ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال من السادسة مات سنة (148) روى عنه في (7) أبواب (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك أبي بكر البصري ثقة ثبت عابد من الثالثة مات سنة (110) عشر ومائة روى عنه في (16) بابا وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سيرين) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته إيضاحًا للراوي (قال) محمد (حدثني عمران) بن حصين بن عبيد الخزاعي أبو نجيد مصغرًا البصري أسلم عام خيبر له مائة وثلاثون حديثًا (130) وكان من علماء الصحابة مات سنة اثنتين وخمسين (52) بالبصرة (قال) عمران (قال نبي الله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب) أي من غير محاسبة على أعمالهم (قالوا) أي قال الحاضرون من الصحابة (ومن هم) أي ومن أولئك السبعون (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم) أي أولئك السبعون الذين ليس عليهم حساب هم (الذين لا يكتوون) أي لا يحرقون أبدانهم بحديدة محماة طلبًا للشفاء من الأمراض من الاكتواء، وهو استعمال الكي في البدن وهو إحراق الجلد بالمكواة، وفي بعض هامش المتون والاكتواء استعمال الكي في البدن وهو إحراق الجلد بحديدة محماة وكان الكي علاجًا معروفًا عندهم في كثير من الأمراض ويرون أن يحسم الداء ثم نهوا عنه في الحديث راجع في صحيح البخاري في باب الطب. (ولا يسترقون) أي ولا يطلبون الرقية بالقراءة أي لا يقرؤون على أبدانهم بأسماء

(تتمة في مباحث تتعلق بهذا الحديث)

وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكاشَةُ فَقَال: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنهُم. قَال: أَنْتَ مِنْهُمْ قَال: فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا نَبِيَّ الله، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم. قَال: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى وبآياته طلبًا للشفاء من الأمراض أي لا يُعالجون أنفسهم بالكي ولا الرُقية توكلًا على ربهم في حصول الشفاء لهم من الأمراض، والأصح أن الحديث محمول على ظاهره كما ذكره الخطابي وأن هؤلاء اختصوا بغاية التوكل والرضا بشفاء الله تعالى وهو أرفع درجات المؤمنين وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إنما هو للاقتداء وتوسعة على ضعفة المؤمنين، قال القاضي عياض: وهذا هو الصواب وليس في الحديث ما يُحوج إلى التأويل لأنه لم يَذُمَّ من قال بالكي والرقى وإنما فيه أنه أخبر عن كرامة السبعين ألفًا وفسّرهم بما ذكر، اهـ من السنوسي (وعلى ربهم) لا على الكي ولا الرقى وسائر الأسباب (يتوكلون) أي يعتمدون في حصول الشفاء (فقام عكاشة) بن محصن (فقال: ادع الله أن يجعلني منهم) أي من أولئك السبعين ألفًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت) يا عكاشة (منهم) أي من أولئك السبعين (قال) عمران بن حصين (فقام رجل) آخر (فقال) ذلك الآخر (يا نبي الله ادع الله أن يجعلني منهم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبقك) أيها الرجل (بها) أي بهذه الدعوة (عكاشة) بن محصن سدًّا لباب السؤال لئلا يتسلسل عليه. وهذا الحديث أعني حديث عمران بن حصين شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 271] والبخاري [6541] والترمذي [24481]. (تتمة في مباحث تتعلق بهذا الحديث) البحث الأول في الكي: أما هو فالمأمون منه جائز وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم أُبيًّا يوم الأحزاب على أكحله لما رُمي، وفي البخاري: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفاء في ثلاث في شرطة معجم أو شَربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي"، رواه البخاري وابن ماجه وفي حديث جابر "وما أحب أن أكتوي" رواه البخاري ومسلم، وعلى هذا فالمأمون من الكي إن كان نافعًا جائز إلا أن تركه خير من فعله وهذا معنى نهيه صلى الله عليه وسلم عنه وسببه أنه تعذيب بعذاب الله وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا تعذبوا بعذاب الله" يعني النار وبهذا ينفرد الكي ولا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يلحق به التطبب بغير ذلك في الكراهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تطبب وطيب وأحال على الطبيب وأرشد إلى الطب بقوله" يا عباد الله تَدَاوَوا فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء" رواه أبو داود والترمذي من حديث أسامة بن شريك. والبحث الثاني في الرُّقى والاسترقاء: فما كان منه من رُقى الجاهلية أو بما لا يُعرف فواجب اجتنابه على سائر المسلمين وفعله حرام واعتقاد حله كُفر فلا يكون اجتناب ذلك هو المراد هنا ولا اجتناب الرقى باسماء الله تعالى وبالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه التجاء إلى الله تعالى وتبرك باسمائه بل المراد ترك ما يحل منها توكلًا على الله تعالى ورضاء بقضائه وبلائه. والبحث الثالث في التوكل: والتوكل لغة: إظهار العجز عن أمر ما والاعتماد فيه على الغير والاسم التكلان يقال منه اتكلت عليه في أمري، وأصله إوتكلت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت منها التاء وأُدغمت في تاء الافتعال، ويقال وكلته بأمر كذا توكيلًا والاسم الوكالة بكسر الواو وفتحها، واختلفوا في معناه اصطلاحًا فقالت طائفة من الزهاد: التوكل أن لا يخالط القلبَ خوفُ غيرِ الله تعالى من سَبُعٍ وغيره وتركُ السعي في طلب الرزق لضمان الله تعالى، وقال عامة الفقهاء والمحدثين: هو الثقة بالله تعالى والإيقان بأن قضاءه ماض واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحزز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة وإلى هذا ذهب محققوا الزهاد لكنه لا يستحق اسم المتوكل على الله عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب فإنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا بل السبب والمُسبب فعل الله تعالى والكل منه وبمشيئته ومتى وقع من المتوكل ركون إلى تلك الأسباب فقد انسلخ عن ذلك الاسم، ثم المتوكلون على حالين: الحال الأول حال المتمكن في التوكل فلا يلتفت إلى شيء من تلك الأسباب بقلبه ولا يتعاطاها إلا بحكم الأمر، والحال الثاني حال غير المتمكن وهو الذي يقع له الالتفات إلى الأسباب أحيانًا غير أنه يدفعها عن نفسه بالطرق العلمية والبراهين والأذواق الحالية فلا يزال كذلك إلى أن يُرقيه الله بجوده إلى مقام المتمكنين ويُلحقه بدرجات العارفين. اهـ ط بتصرف. وقال القشيري: اعلم أن التوكل محله القلب وأما الحركة بالظاهر فلا تتنافى مع التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد الثقة من قِبَلِ الله تعالى فإن تعسر شيء فبتقديره تعالى

422 - (00) (00) حدثني زُهَيرُ بن حَربٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حَاجِبُ بن عُمَرَ أَبُو خُشَينَةَ الثقَفِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ الأَعْرَجِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينِ؛ أَن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَدْخُلُ الجنةَ مِنْ أُمتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن تيسر فبتيسيره، وقال سهل بن عبد الله التستُري: التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يَرِدُ، وقال أبو عثمان الجبري: التوكل الاكتفاء بالله تعالى مع الاعتماد عليه، وقيل: التوكل أن يستوي عنده الإكثار والتقلل، اهـ نووي. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الحديث أحمد فقط [4/ 448]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 422 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحَرَشِي النسائي من العاشرة قال (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري مولاهم أبو سهل البصري، قال في التقريب: صدوق ثبت من (9) مات سنة (257) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا حاجب بن عمر) البصري (أبو خُشينة) بمعجمتين ثم نون مصغرا (الثقفي) وهو أخو عيسى بن عمر النحوي الإمام المشهور، روى عن الحكم بن الأعرج في الإيمان والصوم، ويروي عنه (م دت) وعبد الصمد بن عبد الوارث ووكيع بن الجراح وثَّقَه أحمد وابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة (158) ثمان وخمسين ومائة، قال (حدثنا الحكم) بن عبد الله بن إسحاق (بن الأعرج) الثقفي البصري روى عن عمران بن حصين في الإيمان، وابن عباس في الصلاة، ومعقل بن يسار في الجهاد، ويروي عنه (م دت س) وحاجب بن عمر، ومعاوية بن عمر، وخالد الحذاء، وقال في التقريب: ثقة ربما وهِمَ من الثالثة (عن عمران بن حصين) الخزاعي أبي نُجيد البصري، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الحكم لابن سيرين في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن ابن سيرين من الأئمة الأعلام فلا يصلح الحكم لتقويته لأنه ربما وَهِم. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير

حِسَابٍ قَالُوا: مَنْ هُم؟ يَا رَسُولَ الله، قَال: هُمُ الذِينَ لَا يَسترقُونَ، وَلَا يَتَطَيرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَي رَبهِمْ يَتَوَكلُونَ". 423 - (196) (32) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعنِي: ابْنَ أَبِي حَازِمٍ- عَنْ أبِي حَازِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حساب، قالوا) أي قال الحاضرون (من هم؟ ) أي من أولئك السبعون (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم الذين لا يسترقون) أي لا يطلبون الرقية من الأمراض توكلًا على الله تعالى، والرُّقية مداواة المريض والمأووف بالنفث بنحو قراءةٍ (ولا يتطيرون) أي لا يتشاءمون بمرور بعض الطير قدَّامهم في نحو السفر فيتركون سفرهم، قال القرطبي: قد فسر الطيرة في الحديث بأنها شيء يجدونه في صدورهم فدَفْعُها ضَرْب من التوكل فإذ صُرِفت وفُوض الأمر إلى الله عزَّ وجلَّ ذهب ما يُوجد منها كله. اهـ. قال ابن الأثير: الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تُسكن هي التشاؤم بالشيء وهو مصدر تطير يقال تطير طِيَرَة وتخير خيرة ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما، وأصله فيما يُقال التطير بالسوانح والبوارح من الظير والظباء وغيرهما وكان ذلك يصدّهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر وقد تكرر ذكرها في الحديث اسمًا وفعلًا، اهـ منه (ولا يكتوون) أي لا يُعالجون أنفسهم بالكي (وعلى ربهم يتوكلون) أي يعتمدون عليه في جلب نفع أو دفع ضُر ولا يعتقدون تأثير شيء من الأسباب ولا يفعلونها ألْبَتَة. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال: 423 - (196) (32) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني من العاشرة، قال (حدثنا عبد العزيز) بن أبي حازم سلمة بن دينار المخزومي مولاهم أبو تمام المدني صدوق فقيه من الثامنة مات وهو ساجد في الحرم النبوي سنة (184) روى عنه في (4) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن أبي حازم) إشعارًا بأن هذه النسبة ليست مما سمعه من شيخه بل من زيادته إيضاحًا (عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج مولى الأسود بن سفيان التَمار المدني ثقة عابد من (5) مات في خلافة المنصور

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَيَدخُلَن الجنةَ مِنْ أُمتِي سَبْعُونَ أَلفًا، أَو سَبعُمائةِ أَلْفٍ (لَا يَدرِي أبُو حَازِمٍ أَيهُمَا قَال) مُتَمَاسِكُونَ. آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. لَا يَدخُلُ أَولُهُمْ حَتى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ". 424 - (197) (33) حدَّثنا سَعِيدُ بن مَنْصُور، ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (133) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني الصحابي المشهور له ولأبيه صحبة له مائة حديث وثمانية وثمانون حديثًا اتفقا على ثمانية وعشرين حديثًا وانفرد البخاري بأحد عشر مات سنة إحدى وتسعين (91) عن مائة سنة (100) روى عنه في (3) أبواب، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) والله (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو) قال سهل بن سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدخلن الجنة من أمتي (سبعمائة ألفٍ) والشك من أبي حازم فيما قاله سهل، قال عبد العزيز (لا يدري أبو حازم أيهما قال) أي أي الكلمتين قال سهل بن سعد، وقوله (متماسكون) صفة لسبعون، وقوله (آخذ بعضهم بعضًا) تفسير لمتماسكون وهو هكذا في معظم الأصول متماسكون بالواو وآخذ بالرفع ووقع في بعضها متماسكين بالياء وآخذًا بالنصب وكلاهما صحيح، ومعنى متمايسكين ممسك بعضهم بيد بعض ويدخلون معترضين صفًا واحدًا بعضهم بجنب بعض، وهذا تصريح بعظم سعة باب الجنة نسأل الله الكريم رضاه والجنة لنا ولأحبابنا ولسائر المسلمين، اهـ نووي (لا يدخل أولهم) في الجانب الأيمن (حتى يدخل آخرهم) في الجانب الأيسر مثلًا (وجوههم) في الإضاءة والاستنارة والجمال (على صورة القمر) وهيئته (ليلة البدر) أي في ليلة أربع عشرة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعنى حديث سهل بن سعد البخاري فقط رواه في الزقاق عن قتيبة أيضًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 424 - (197) (33) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل

حَدَّثَنَا هُشَيم، أَخْبَرَنَا حُصَينُ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ، قَال: كُنتُ عِندَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ فَقَال: أَيكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: أَنَا. ثُم قُلْتُ: أَمَا إِني لَمْ أَكُنْ فِي صَلاةٍ. وَلكِني لُدِغْتُ. قَال: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيتُ. قَال: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيث حَدثَنَاهُ الشعْبِي. فَقَال: وَمَا حَدثَكُمُ الشَّعْبي؟ قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة ثقة مصنف من العاشرة مات سنة (227) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي نزيل بغداد ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة مات سنة (183) روى عنه في (18) بابًا تقريبًا (أخبرنا حصين بن عبد الرحمن) السلمي أبو الهذيل الكوفي ثقة تغير حفظه في الآخر من الخامسة مات سنة (136) وله (93) سنة (قال) حصين بن عبد الرحمن (كنت عند سعيد بن جبير) الوالِبِيّ مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة إمام حجة فقيه من الثالثة قتله الحجاج سنة (95) فما أُمهل بعده روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (فقال) سعيد بن جبير (أيكم) أيها الحاضرون (رأى الكوكب) والنجم (الذي انقض) وسقط من السماء (البارحة) أي الليلة الماضية القريبة إلينا، والبارحة أقرب ليلة مضت، قال ثعلب: يقال قبل الزوال رأيت الليلة وبعد الزوال رأيت البارحة وهي مُشتقة من برح إذا زال، وفي مسلم "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح قال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ "، فهذا يَرُد على ثعلب، قال حصين بن عبد الرحمن (قلت) لسعيد (أنا) الذي رأى الكوكب المُنقضّ، قال حصين (ثم قلت) لسعيد خشية أن أوصف بما لم أفعله، قال الأبي: قالت امرأة لأبي حنيفة أنت أبو حنيفة الذي يقال: إنه يحيى الليل كله؟ قال: ولم أكن أحييه فصرت أحييه حياء أو كراهة أن أُوصف بما لم أفعل (أما) حرف تنبيه واستفتاح (إني لم أكن في صلاة) حينما رأيت الكوكب المُنقضّ (ولكني لُدغت) وأصبت بإبرة العقرب، يقال: لدغَتْهُ العقربُ وذوات السموم إذا أصابته بسُمها وذلك بأن تَأبَرَه بشوكتها، وفي هامش بعض المتون واللدغ إصابة العقرب بإبرة ذنبها والحية بنابها (قال) سعيد بن جبير (فماذا صنعت) يا حصين بلدغتها، قال حصين (قلت) لسعيد (استرقيتـ) ـها أي داويتها بالنفث عليها بالقراءة (قال) سعيد (فما حملك) وبعثك (على ذلك) الاسترقاء، قال حصين (قلت) لسعيد حملني على ذلك (حديث حدثناه الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي (فقال) لي سعيد (وما حدثكم الشعبي) قال حصين (قلت) لسعيد

حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيدَةَ بْنِ حُصَيبٍ الأَسلَمِيِّ؛ أنَّهُ قَال: لا رُقْيَةَ إِلا مِنْ عَينٍ أَوْ حُمَةٍ. فَقَال: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ. وَلكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ قَال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأمَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا) الشعبي (عن بُريدة بن حصيب الأسلمي) البصري ثم المروزي رضي الله عنه مات بمرو سنة ثلاث وستين وهو آخر من مات بخراسان من الصحابة (أنه) أي أن بُريدة (قال لا رُقية) أي لا مداواة بالقراءة (إلا من) إصابة (عين) عائن إنس أو جن، والعين هي إصابة العائنِ غيرَه بعينه، والعين حق (أو) إلا من لدغة أو لسعة حيوان ذي (حُمَة) أي سمٍّ، والحُمة بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة سم العقرب والحية والزنبور ونحوها من كل ذوات السموم كالنحل، وقيل: الحُمة فُوقَةُ السم وهي حِدَّته وحرارته، والكلام هنا على حذف مضاف كما قدرنا أي لا رُقية إلا من لدغ ذي حُمة، واللدغ من نحو العقرب والحية واللسع من نحو الزنبور، قال الفيومي: والحُمة محذوفة اللام سم كل حيوان يلدغ أويلسع. اهـ. وأصلها حُمَوٌ أو حُمَيٌ على وزان صُرَد والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة أو الياء ذكره ابن الأثير، قال الخطابي: والمعنى لا رُقية أشفى وأولى من رُقية العين ورُقية الحُمة وهي بكتاب الله تعالى وأسمائه جائزة وتحرم بالأسماء الأعجمية والملائكة والأنبياء والجن والأولياء والصالحين لأنها قد تكون كفرًا واختُلف عن مالك في رُقية الكتابي المسلم فأجازها مرة إذا رقى بكتاب الله تعالى ومنعها مرة لأنا لا نعلم ما الذي رقى الكتابي به، اهـ أبي. (فقال) لي سعيد بن جبير (قد أحسن) وأجاد (من انتهى) ووصل (إلى ما سمع) به من الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل به ولم يُجاوز إلى غيره وسيأتي الكلام على الرُّقية والعين والطيرة في كتاب الطب بأشبع من هذا إن شاء الله تعالى (ولكن حدثنا) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي المكي ثم الطائفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وسلسلة هذا السند هكذا أخبرنا حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .. الخ فيكون السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد واسطي وواحد خراساني (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (عُرضت علي الأمم) السابقة وأمتي على ترتيب أزمنتها أي أُظهرت لي على سبيل المكاشفة كما كُشفت له بيت المقدس حين سألته قريش عن أماراتها أو عُرضت عليّ في المنام، والله تعالى أعلم بكيفية العرض له ولكن في رواية الترمذي "لما أسرى النبي

فَرَأَيتُ النَّبيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيطُ. وَالنَّبيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ. وَالنَّبيَّ لَيسَ مَعَهُ أَحَدٌ. إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَظَنَنْتُ أنَّهُمْ أُمَّتِي. فَقِيلَ لِي: هذَا مُوسَى عَلَيهِ السَلامُ وَقَوْمُهُ. وَلكنِ انْظُرْ إِلَى الأَفُقِ. فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: هذِهِ أُمَّتُكَ. وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم والنبي والنبيين ومعهم الرهط فذكره بطوله وقال: حسن صحيح، وهذا نص في أن العرض في ليلة الإسراء والله أعلم (فرأيت النبي) من الأنبياء (ومعه الرهيط) تصغير الرهط وهي الجماعة دون العشرة أي رأيته والحال أن معه الجماعة القليلة من أمته (و) رأيت (النبي) الآخر منهم (ومعه الرجل والرجلان) من أمته لم يؤمن به إلا واحد أو اثنان كلوط - عليه السلام - (و) رأيت (النبي) الآخر منهم، والحال أنه (ليس معه أحد) من أمته لم يؤمن به واحد منهم كيحيى - عليه السلام - وقد تقدمت معارضة ما هنا لحديث "ما من نبي بعثه الله إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب" فيقال في الجمع بينهما بأن ما تقدم باعتبار أغلبهم وما هنا باعتبار أقلهم كما مر هناك، وكلمة (إذ) في قوله (إذ رُفع) وكُشف (لي سواد عظيم) أي أشخاص كثيرة يُجمع على أسودة ويُطلق على الواحد ومنه قولهم "لا فارق سوادي سوادَك" فجائية والتقدير: بينما أنا أنظر إلى الأنبياء المذكورين ومن معهم فاجأني مكاشفة سواد عظيم من الأفق (فظننت أنهم) أي أن أولئك السواد (أمتي فقيل لي) في تلك الحالة (هذا) السواد (موسى) بن عمران (- عليه السلام - وقومه) أي أمته (ولكن) إن أردت النظر إلى أمتك (انظر إلى الأفق) أي إلى نواحي السماء (فنظرت) إلى الأفق (فإذا سواد عظيم) أي فاجأني رؤية سواد عظيم أي أشخاص كثيرة (فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر) أي إلى الجانب الآخر من السماء (فإذا سواد عظيم) أي فاجأني رؤية سواد عظيم (فقيل لي هذه) الأسودة العديمة النظير (أمتك) أيضًا يا محمد (ومعهم) أي ومع هذه الأسودة العظيمة التي هي أمتك أي منهم (سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب) أي بغير محاسبة على أعمالهم (ولا) سبق (عذاب) لهم، وهذا محل الاستشهاد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال القاضي عياض: ظاهره أن السبعين زائدة على المرئي والصحيح أنها منها لقوله في البخاري "هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا" قال النواوي:

ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ فِي أولئِك الذين يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ. فَقَال بَعْضُهُم: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال بَعضُهُم: فَلَعَلَّهُمُ الَّذين وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيهِمْ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال ما الذي تَخُوضُونَ فِيهِ؟ فأخبروه. فقال: هُمُ الَّذِينَ لا يَرْقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل أن يكون معناه سبعون ألفًا من أمتك غير هؤلاء، ويحتمل أن يكون معناه في جملتهم سبعون ألفًا ويؤيد هذا الثاني ما في صحيح البخاري من قوله: "هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا" والله تعالى أعلم (ثم) بعد ما حدّث هذا الحديث (نهض) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قام من مجلسه ذلك بسرعة (فدخل منزله) أي حجرته (فخاض الناس) الحاضرون لذلك المجلس أي دخلوا أشد الدخول (في) التكلم في شأن (أولئك) السبعين ألفًا (الذين) سـ (يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) أي تكلموا وتناظروا في تعيينهم وفي هذا إباحة المناظرة في العلم والمباحثة في نصوص الشرع على جهة الاستفادة وإظهار الحق (فقال بعضهم) أي بعض الحاضرين في تعيين أولئك السبعين (فلعلهم) أي فلعل أولئك السبعين هم (الذين صحبوا) ولازموا (رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم) أي فلعل أولئك السبعين هم (الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله) شيئًا أي لم يدركوا الجاهلية فيقع منهم الإشراك (وذكروا) أي وذكر الناس الحاضرون (أشياء) أي أنواعًا مختلفة وأقوالًا متنوعة في تعيين أولئك السبعين فقالوا: فلعلهم الذين سبقوا إلى الإسلام ولعلهم الذين شهدوا بيعة الرضوان، ولعلهم الذين شهدوا المشاهد كلها إلى غير ذلك (فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) من منزله (فقال) لهم (ما) الأمر (الذي تخوضون) وتتكلمون (فيه فأخبروه) صلى الله عليه وسلم ما خاضوا وتكلموا فيه (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان أولئك السبعين (هم) أي السبعون الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب هم (الذين لا يرقون) ولا يعالجون أنفسهم ولا غيرهم من الأمراض بالقراءة عليهم، وفي هامش بعض المتون قوله (لا يرقون) لم يُرَ في روايات البخاري ولم ير في المصابيح ولا في المشارق اهـ (ولا يسترقون) أي ولا يطلبون الرقية لأنفسهم ولا لغيرهم (ولا يتطيرون) أي ولا يتشاءمون بمرور بعض الطيور أو الحيوانات قدامهم عند سفرهم لحوائجهم

وَعَلَى رَبِّهمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ. فَقَال: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَال: أَنْتَ مِنْهُم ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَال: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم. فَقَال: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ". 425 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ عَنْ حُصَينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ". ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، نَحْوَ حَدِيثِ هُشَيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيرجعون من ذلك السفر لاعتقادهم عدم قضاء حوائجهم في ذلك السفر (وعلى ربهم) لا على غيره (يتوكلون) في قضاء حوائجهم ويعتمدون عليه في نفوذ أمورهم لا على الأسباب (فقام عكاشة بن محصن) بسرعة (فقال: ادع الله) لي يا رسول الله (أن يجعلني منهم) أي من أولئك السبعين ألفًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت) يا عكاشة (منهم) أي من أولئك السبعين (ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله) لي (أن يجعلني منهم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبقك بها) أي بهذه الدعوة أي إليها (عكاشة) سدًا لباب السؤال فيتسلسل الأمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث ابن عباس البخاري أخرجه في الطب وفي أحاديث الأنبياء وفي الرقاق وفي مواضع كثيرة، والترمذي في الزهد، والنسائي في الطب اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 425 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي من (10) قال (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من (9) مات سنة (195) روى عنه في (20) بابا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي من (5) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي من (3) قال (حدثنا ابن عباس) الهاشمي المكي ثم الطائفي، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن فضيل لهشيم في رواية هذا الحديث عن حصين بن عبد الرحمن، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرِضت عليّ الأمم) أي الأمم السابقة وأمتي ليلة أُسري بي كما في رواية الترمذي (ثم ذكر) محمد بن فضيل (باقي الحديث نحو حديث هشيم

وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ حَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر) محمد بن فضيل (أول حديثه) أي أول حديث هشيم من قصة حصين بن عبد الرحمن مع سعيد بن جبير، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد ولم يذكر فيه متابعة، والرابع حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. ***

113 - (18) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم نصف أهل الجنة

113 - (18) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم نصف أهل الجنة 426 - (198) (34) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمرِو بْنِ مَيمُونٍ، عن عَبْدِ الله؛ قَال: "قَال لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَال فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَال: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلٍ الْجَنَّةِ؟ قَال: فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَال: إِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 113 - (18) باب أمة محمد صلى الله عليه وسلم نصف أهل الجنة أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث الدالة على كون أمة محمد صلى الله عليه وسلم نصف أهل الجنة. 426 - (198) (34) (حدثنا هناد بن السَّرِي) بفتح المهملة وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي ثقة من (10) مات سنة (243) روى عنه في (6) أبواب قال (حدثنا) سلام بن سليم الحنفي مولاهم (أبو الأحوص) الكوفي ثقة متقن من (7) مات سنة (179) روى عنه في (12) بابا (عن) عمرو بن عبد الله الهمداني (أبي إسحاق) السَّبِيعي الكوفي ثقة عابد من الثالثة مات سنة (129) روى عنه في (11) بابا (عن عمرو بن ميمون) الأودي أبي عبد الله الكوفي ثقة عابد مخضرم مشهور مات سنة (74) وقيل بعدها (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي الصحابي المشهور مات سنة (32) روى عنه في (3) أبواب، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) عبد الله (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضون أن تكونوا) أيتها الأمة المحمدية (ربع أهل الجنة) والهمزة فيه للاستفهام التقريري وما نافية، والمقصود من هذا الكلام تبشير آحاد الأمة بدخول الجنة لأن ظن الواحد بدخولها مع أكثرة داخليها من هذه الأمة أجدر من ظنه دخولها مع قلة داخلها منهم. اهـ أبي (قال) عبد الله (ف) تعجبنا من ذلك وفرحنا به و (كَبَّرنا) شكرًا على تلك البشارة العظيمة (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما ترضون أن تكونوا ثلث اهل الجنة قال) عبد الله (فكبرنا ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) أي نصفهم يعني أن نسبة هذه الأمة إلى جملة من يدخل الجنة الشطر أي النصف، ومنه يقال شاطرته مشاطرة

وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. مَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ إِلا كَشَعْرَةٍ بَيضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أبْيَضَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا قاسمته فأخذتَ نصف ما في يديه. قال القرطبي: وهذا المرجو محقق الحصول لقوله تعالى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} ولحديث "إنا سنرضيك في أمتك" وإنما قال صلى الله عليه وسلم: أرجو أدبًا ووقوفًا مع العبودية اهـ، قال الأبي: المحقق حصوله إنما هو دخول الجنة وكونهم الشطر غير محقق فلا يمتنع أن يكون الرجاء على بابه، قال النواوي: ولم يخبرهم أنهم النصف ابتداءَ لأن التدريج أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام لأن الإعطاء مرة بعد أخرى دليل الاعتناء بالمعطى أو ليتكرر منهم عبادة الشكر أو لعله كذلك أوحي إليه ووجه الوحي به كذلك ما ذكر اهـ. (وسأخبركم عن ذلك) أي عن سبب كونكم شطر أهل الجنة وأقول لكم في بيانه (ما المسلمون) أي ما نسبة المسلمين (في الكفار) أي بالنسبة إلى كثرة الكفار (إلا كـ) نسبة (شعرة بيضاء في) جلد (ثور أسود) إلى سائر شعوره (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي عنه إلا (كـ) نسبة (شعرة سوداء في) جلد (ثور أبيض) بالنسبة إلى سائر شعوره، والشك من الراوي أو ممن دونه، قال الأبي: أتى بهذه الجملة توجيهًا لكونهم الشطر (فإن قلت) لا يتوجه به بل يُبعده لأنهم إذا كانوا كالشعرة المذكورة فكيف يكونون الشطر (قلت) أسقط الراوي في هذا الطريق ما يتم به التوجيه وهو قوله في الطريق الآخر لا يدخل الجنة إلا المؤمنون أي لا تستبعدوا كونهم الشطر مع أنهم كالشعرة المذكورة لأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وهم من المؤمنين الشطر. اهـ. وعبارة النواوي هنا (وأما قوله صلى الله عليه وسلم ربع أهل الجنة ثم ثلث أهل الجنة ثم الشطر) ولم يقل أولًا شطر أهل الجنة فلفائدةٍ حسنةٍ وهي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وفيه فائدة أخرى هي تكرير البشارة مرة بعد أخرى، وفيه أيضًا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم إنه وقع في هذا الحديث شطر أهل الجنة، وفي الرواية الأخرى: نصف أهل الجنة، وقد ثبت في الحديث الآخر أن أهل الجنة عشرون ومائة صفِّ هذه الأمة منها ثمانون صفًّا فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي صلى الله علية

427 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الله قَال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فِي قُبَّةٍ، نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَقَال: أَتَرْضَوْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أخبر أولًا بحديث الشطر ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة، فأعْلَمَ بحديث الصفوف فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة كحديث (صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة وبخمس وعشرين درجة) على إحدى التأويلات فيه كما سيأتي تقريرها في موضعها، وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن مسعود شارك المؤلف في روايته البخاري أخرجه في الرقاق وفي النذور والإيمان، والترمذي في صفة الجنة، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في الزهد. اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: 427 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا (ومحمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (12) وأتى بقوله (واللفظ الابن المثنى) تورعًا عن الكذب على محمد بن بشار (قالا) أي قال كل من المحمدين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري ثقة من التاسعة مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) الأودي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (قال) عبد الله (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة) من أَدم كما هو مصرح به في الرواية الآتية أي في خيمة من جلد مدبوغ، قال ابن الكلبي: بيوت العرب ستة أنواع قبة من أدم، وأبنية من حجز، وخيمة من شجر، ومظلة من شعر، وبجاد من وبر، وخباء من صوف، حالة كوننا (نحوًا) أي قريبين (من أربعين رجلًا فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أترضون

أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَال: قُلْنَا: نَعَمْ. فَقَال: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. فَقَال: وَالَّذِي نَفْسِي بَيدِهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَذَاكَ أَن الْجَنَّةَ لا يَدْخُلهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ. وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ. أَوْ كَالشَعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ". 428 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَالِكٌ (وَهُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الله؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تكونوا ربع أهل الجنة قال) عبد الله (قلنا) معاشر الحاضرين (نعم) نرضى ذلك (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيًا (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فقلنا: نعم) نرضى ذلك (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده إني لأرجو) وأطمع (أن تكونوا نصف أهل الجنة وذاك) أي وسبب ذاك أي سبب كونكم نصف أهل الجنة (أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة) أي مؤمنة منقادة لأوامر الشرع ونواهيه (وما أنتم في أهل الشرك) أي بالنسبة إلى أهل الشرك في القِلَّةِ (إلا كالشعرة البيضاء) أي إلا كنسبة الشعرة البيضاء إلى الشعر الأسود (في جلد الثور الأسود) في القلة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي (كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) بدل الأسود، والمراد بالأحمر هنا الأبيض كما في حديث "بعثت إلى الأحمر والأسود" ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 428 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) مصغرًا الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة حافظ من (10) مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من التاسعة مات سنة (199) روى عنه (17) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا مالك) وأتى بهوفي قوله (وهو ابن مغول) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه البجلي أبو عبد الله الكوفي إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته إيضاحًا للراوي ثقة ثبت من السابعة مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) الأزدي أبي عبد الله الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي،

قَال: "خَطَبَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةِ أَدَمٍ، فَقَال: أَلا لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ. اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ، اشْهَدْ، أَتُحِبُّونَ أَنَّكُمْ رُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله. فَقَال: أَتُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ الله. قَال: إِني لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الأُمَمِ إِلَّا كَالشَّعْرةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الأبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأسوَدِ". 429 - (199) (35) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغرضه بسوقه بيان متابعة مالك بن مغول لأبي الأحوص وشعبة في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للروايتين السابقتين في بعض الكلمات (قال) عبد الله بن مسعود (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ووعظنا يومًا (فأسند ظهره) عقب الخطبة (إلى قبة أدم) أي إلى خشبها، والأدم بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوغ كما مر، ويستنبط منه جواز إسناد الخطيب ظهره إلى عمود المنبر أو إلى جدار المسجد ليستريح (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم وهو قوله (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة) قال النواوي: هذا النص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلًا وهذا النص على عمومه بإجماع المسلمين (اللهم هل بلغت) ما أمرتني بتبليغه (اللهم اشهد) لي على تبليغي، والمعنى أن التبليغ واجب عليَّ وقد بلغت فاشهد لي به (أتحبون) بهمزة الاستفهام التقريري أي أتودون (أنكم ربع أهل الجنة) أي كونكم ربع أهل الجنة (فقلنا: نعم يا رسول الله فقال) ثانيًا (أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة، قالوا: نعم يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) أي نصفهم (مما أنتم) أيتها الأمة المحمدية في القلة (في سواكم) أي بالنسبة إلى غيركم (من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض) أي إلا كنسبة الشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض في القِلَّةِ (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (كالشعرة البيضاء في) جلد (الثور الأسود)، ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديث أبي سعبد الخدري رضي الله عنهما فقال: 429 - (199) (35) (حدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان

الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "يَقُولُ الله عزَّ وَجَلَ: يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيكَ وَسَعْدَيكَ وَالْخَيرُ فِي يَدَيكَ. قَال: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (العبسي) مولاهم أبو الحسن الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة أكبر منه بسنتين ثقة حافظ له أوهام من العاشرة مات سنة (239) روى عنه في (13) بابا، قال (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثامنة مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي ثقة ثبت من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن أبي صالح) ذكوان السمان مولى جويرية بنت قيس المدني ثقة من (3) مات سنة (101) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك بن سنان الصحابي الجليل مات بالمدينة سنة (65) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عزَّ وجلَّ: ياآدم، فيقول) آدم (لبيك) يا إلهي أي أجبت لك إجابة بعد إجابة (وسعديك) أي أسعدتك إسعادًا بعد إسعاد، والمقصود منه تأكيد معنى لبيك ولذلك لا يذكر إلا بعده وكلاهما منصوب بعامل محذوف وجوبًا على المصدرية، ولم تستعمل العرب له فعلًا يكون مصدرًا له (والخير) كله (في يديك) أي تملكه أنت لا يملكه غيرك، وهذا كقوله "بيدك الخير إنك على كل شيء قدير" أي بيدك الخير والشر ولكن سكت عن نسبة الشر إليه تعالى مراعاة للأدب مع الله سبحانه ولم ينسب الله لنفسه الشر تعليمًا لنا مراعاة الأدب معه واكتفى بقوله "إنك على كل شيء قدير" إذ قد استغرق كل الموجودات الممكنات (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول) الله سبحانه وتعالى لآدم (أَخْرِجْ) وميز من ذريتك (بعث النار) أي الفريق المبعوث إلى النار، والبعث هنا بمعنى المبعوث كالخلق بمعنى المخلوق، واللفظ بمعنى الملفوظ والمعنى مَيِّزْ أهلَ النار المبعوثين إليها من غيرهم وبعثُ النار مَن يبعث إليها وكذلك بعث أهل الجنة، ومعنى أَخْرِج هنا مَيِّز فَيُخرج ويميز بعضهم عن بعض وذلك يكون في المحشر حين يجتمع الناس ويختلطون والله تعالى أعلم، ويحتمل أن يكون معنى أَخْرِج أي احضُر إخراجهم فكأنهم يُعرضون عليه بأشخاصهم وأسمائهم كما عُرِضت عليه نسمهم وإنما خَصَّ آدم بذلك القول لأنه أب

قَال: وَمَا بعْثُ النَّار؟ قَال: مِنْ كُلِّ أَلفٍ تِسْعَمائَةٍ؟ وَتسْعَةً وَتِسْعِينَ. قَال: فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ قَال: فَاشْتدَّ ذَلِكَ عَلَيهِمْ. قَالُوا: أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُل؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ للجميع ولأن الله تعالى قد جمع له نسم بنيه في السماء بين يديه وهم الأسودة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء عن يمين آدم وهم أهل الجنة وعن يساره وهم أهل النار (قال) آدم (وما بعث النار) يا رب أي كم بعثها يا رب فليست ما هنا للسؤال عن الحقيقة كما هو أصل معناها وإنما هي هنا بمعنى كم لجوابها بالعدد (قال) الله سبحانه أَخْرِج (من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) نفرًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذاك) الوقت الذي قيل فيه لآدم ذلك (حين يشيب) أي وقت ينبت فيه (الصغير) الشيب والشعر الأبيض (وتضع) أي تسقط فيه (كل ذات حمل) أي صاحبة حمل وجنين (حملها) لشدة الهول، قال النواوي: وضع الحمل هنا مجاز إذ لا حمل في الآخرة وإنما هو تقدير أي لو قدر هنالك الحمل لوضع (وترى) أيها المخاطب في ذلك اليوم (الناس) أي أهل الموقف (سكارى) أي حيارى من شدة الموقف والسكارى بضم أوله وفتحه جمع سكران وهو الذي ثَمِلَ وسكر مِن شُرْبِ المسكر (وما هم بسكارى) حقيقة أي ليسوا بسكارى من الشراب (ولكنَّ عذاب الله) في ذلك اليوم (شديد) ولذلك تحيَّروا ودَهِشوا حتى كأنهم سكارى حقيقة (قال) الراوي أبو سعيد الخدري (فاشتد ذلك) القول الذي أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم من قول الله تعالى لآدم أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين أي شَقَّ وعَظُمَ ذلك القول (عليهم) أي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ (قالوا: أَيُّنَا) أي أيُّ واحد منا (ذلك الرجل) الواحد الذي ينجو من الألف أي فهموا أن ذلك بالنسبة إلى كل أمة أي الناجي من كل أمة واحد من كل ألف فقالوا: أينا ذلك الرجل الواحد فبَشَّرَهُم بأنه ليس المراد كذلك وإنما المراد بيان قلة أهل الجنة بالنسبة إلى أهل النار من بني آدم لا من كل أهلها وهذا هو الظاهر اهـ أبي. وعبارة المفهم هنا: قوله (وما بعث النار) وُضِعَتْ هنا ما موضع كم التي يُستفهم بها عن العدد لأنه أجيب عنها بعددٍ، وأصل "ما" أن يسأل بها عن ذوات الأشياء وحدودها ولما سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ألفًا إلا واحدًا للنار وواحدًا للجنة اشتد خوفهم لذلك واستَقلُّوا عدد أهل الجنة منهم واستبعد كل واحد منهم أن يكون

فَقَال: أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا. وَمِنْكُمْ رَجُلٌ قَال: ثُمَّ قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَحَمِدْنَا الله وَكَبَّرْنَا. ثُمَّ قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَحَمِدْنَا الله وَكبَّرْنَا. ثُمَّ قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجنَّةِ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعْرَةِ الْبَيضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هو ذلك الواحد فسكَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم خوفهم وطيب قلوبهم (فقال) لهم (أبشروا) أي كونوا في بشارة من الله تعالى ولا تهتموا لذلك (فإن مِنْ يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجل) يعني بالألف هنا التسعمائة والتسعة والتسعين المتقدمة الذكر و"يأجوج ومأجوج" خلق كفار وراء سد ذي القرنين كما يدل على كفرهم هذا الحديث وقد استوفينا الكلام عليهما في تفسيرنا بما لا مزيد عليه فراجعه، والمراد بهم في هذا الحديث هم ومن كان على كفرهم أي كل من كفر بالله تعالى كما أن المراد بقوله "منكم" أصحابه ومن كان على إيمانهم أي كل من آمن بالله تعالى لأن مقصود هذا الحديث الإخبار بقلة أهل الجنة من هذه الأمة بالنسبة إلى كثرة أهل النار من غيرها من الأمم ألا ترى أن قوله صلى الله عليه وسلم "إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار" يدل على ذلك المقصود والله أعلم، وأما نسبة هذه الأمة إلى من يدخل الجنة من الأمم فهذه الأمة شطر أهل الجنة كما نص عليه. اهـ. (قال) أبو سعيد الخدري (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده إني لأطمع) وأرجو (أن تكونوا ربع أهل الجنة فحمدنا الله) سبحانه وتعالى وشكرناه على هذه البشارة العظيمة (وكبَّرْنا) الله سبحانه تعجبًا من هذه البشارة (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده إني لأطمع) وأرجو (أن تكونوا ثلث أهل الجنة فحمدنا الله وكبرنا، ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع) وأرجو (أن تكونوا شطر أهل الجنة) ونصفهم، وهذه الطَّمَاعِيَة قد حُقِّقَتْ له بقوله تعالى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} وبقوله "إنا سنرضيك في أمتك" كما تقدم، لكن عَلَّقَ هذه البشرى على الطمع أدبًا مع الحضرة الإلهية ووقوفًا مع أحكام العبودية (إن مثلكم) وصفتكم (في الأمم) السابقة (كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود) في القِلَّةِ (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي والشك منه أو ممن دونه (كالرقمة في ذراع الحمار) ويده

430 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُمَا قَالا: "مَا أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأسْوَدِ أوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الأثر في باطن ذراعه اليسرى، وفي رواية (في ذراع الدابة) كما في النهاية، قال: الرقمة هنا الهَنَةُ الناتئة في ذراع الدابة من داخل وهما رقمتان في ذراعيهما اهـ. قال القرطبي: والرقمتان للفرس أو الحمار الأثران بباطن أعضادهما، والرقمتان للشاة هيئتان في قوائمها متقابلتان كالظُّفُرَين اهـ. قال النواوي: قال أهل اللغة الرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن عضديه، وقيل هي الدائرة في ذراعيه، وقيل هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخلٍ اهـ، ومفاد العبارات كلها واحد، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 33، 32] والبخاري [6530]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 430 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة من (10) وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه وإن اتحد شيخهما، قال أبو كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي ثقة من (9) (كلاهما) أي كل من وكيع وأبي معاوية رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي ثقة من (5) وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو رويا المقَدَّرُ، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع أي كلاهما رويا عن الأعمش عن أبي صالح المدني عن أبي سعيد الخدري، وهذان السندان من خماسياته رجالهما ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوقهما بيان متابعة وكيع وأبي معاوية لجرير في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه (غير أنهما) أي لكن أن وكيعًا وأبا معاوية (قالا) في روايتهما (ما أنتم) أيتها الأمة المحمدية (يومئذ) أي يوم إذ أُخْرِجَ بَعْثُ النار (في الناس) أي بالنسبة إلى الناس أي إلى سائر الأمم (إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو

كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَبْيَضِ" وَلَم يَذْكُرَا: "أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الراوي (كالشعرة السوداء في الثور الأبيض ولم يذكرا) أي ولم يذكر وكيع وأبو معاوية (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي (كالرقمة) بفتح الراء وسكون القاف (في ذراع الحمار) وهذا بيانٌ قال المخالفة بين المتابَع والمتابع. وجملة ما ذكره المؤلف فيه هذا الباب من الأحاديث اثنان الأول حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، وجملة ما ذُكر في كتاب الإيمان من الأبواب مع ما زدت عليه في بعض الأحاديث كما حذفته عن بعضها لعلَّة هناك مائة وثلاثة عشر بابا، ومن الأحاديث الأصولِ غير المكررة مائة وتسعة وتسعون حديثًا، وجملتها مع المكرر أربعمائة وسبعة وعشرون حديثًا، وجملة ما في كتاب الإيمان من رباعياته التي هي أعلى ما وقع من أسانيده خمسة وعشرون سندًا ولم يقع في كتاب الإيمان من التُّسَاعِيات التي هي أنزل ما في صحيح مسلم من الأسانيد إلا سند واحدٌ وهو قوله في ((باب كون النهي عن المنكر من الإيمان)) (20) رقم الباب (50) رقم الحديث ((حدثني عمرو الناقد، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثني أبي، عن صالح بن كيسان، عن الحارث، عن جعفر بن عبد الله بن الحكم، عن عبد الرحمن بن المِسْور، عن أبي رافع، عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب .. )) الحديث وهو أنزَلُ ما في صحيح مسلم وكذا صحيح البخاري وهو أندر ما يوجد فيهما من الأسانيد، وجملة ما وقع في كتاب الإيمان من الأسانيد الثُّمانيات ستة أسانيد فقط وهي تلي التساعيات في الندور، وأغلب ما في صحيح مسلم من الأسانيد الخماسيات ثم السداسيات ثم السباعيات وهي على هذا الترتيب في الكثرة كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المقاصد الوفية في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأسانيد الرباعية والتساعية والثمانية والله سبحانه وتعالى أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحانك ربِّ لا علمَ لنا ... إلا مَا ألْهَمْتَ وعَلَّمتَ لنا العلمُ علمُك يا أهلَ الثَّنا ... فعِلْمُنَا إن لم تُرِدْ هَبَا تَسَاوَى الكلُّ منا في المسَاوي ... فأفْضَلُنَا فَتِيلًا ما يسَاوي فقلَّ مَن جَد في أمْرٍ تَطَلَّبَهُ ... واستعمل الصبرَ إلا فاز بالظفر إلى هنا وصلت الأقلام، وانشرحت الصدور والأفهام، لشرح ما بقي من صحيح الإمام، منتصف الليلة المباركة الليلة السادسة من شهر شوال الحرام، الشهر العاشر من شهور سنة ألف وأربعمائة وعشرين: 6/ 10 / 420 1 هـ من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات، وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى والهدايات، ولما فرغ المؤلف رحمه الله تعالى من أحاديث الطهارة من الأرجاس المعنوية التي هي الإيمان أخذ يتكلم في أحاديث الطهارة من الأنجاس الحسية فقال واضع الترجمة له:

كتاب الطهارة

(2) كتاب الطهارة 114 - (19) (1) باب فضل الوضوء ـــــــــــــــــــــــــــــ (2) كِتَابُ الطَّهَارَةِ 114 - (19) (1) باب فضل الوضوء (المناسبة) مناسبة كتاب الطهارة لكتاب الإيمان أن الطهارةَ النَّظافةُ عن الأنجاس الحسية كما أن الإيمان الخلوص عن الأرجاس المعنوية، ولأن الطهارة مفتاح الصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام بعد الإيمان بالله تعالى، والكتاب لغةَ: مصدرٌ بمعنى الضمِّ والجمْعِ لِكَتَبَ من باب نصر تقول؛ كتب بالقلم يكتب كَتْبًا وكتابًا وكتابة إذا خط بالقلم لما فيه من اجتماع الكلمات والحروف وانضمام بعضها إلى بعض وتَكَتَّبَتْ بنو فلان إذا اجتمعوا وانضم بعضهم إلى بعض، واصطلاحًا: اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة مشتملة على أبواب وفصول ومسائل غالبًا، والباب لغة: فُرجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج وعكسه، واصطلاحًا: اسم لألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة مشتملة على فصول ومسائل غالبًا كما مر، والطَّهارة بفتح الطاء لغة: النظافة من الأقذار ولو طاهرة كالمخاط والبُصاق حسية كانت كالأنجاس أو معنوية كالأدناس الباطنية وهي العيوب من الحقد والحسد وغيرهما، وشرعًا فعل ما تستَباح به نحو الصلاة من وضوء وغسل وتيمم وإزالة نجاسة، وأما الطُّهارة بضم الطاء: فاسم لبقية الماء أي لما فَضَل من طهارته كالذي يبقى في نحو الإبريق، وأما الطِّهارة بكسر الطاء فاسم لما يضاف إلى الماء من سدر ونحوه كذا قاله بعض الفقهاء، وأما الوُضوء فهو بضم الواو: اسم لاستعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحًا بنية، وبفتحها اسم لما يُعَدُّ ويهيأ للوُضوء به كالماء الذي في الإبريق أو في الميضأة، لا لما يصح منه الوضوء كماء البحر وماء البئر خلافًا لبعضهم لأنه لم يُسْمَع إطلاقه على ماء البحر مثلًا وهذا

431 - (200) (36) (1) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثَنَا أَبَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ القول هو الأشهر، وقيل بالضم فيهما، وقيل بالفتح فيهما، وقيل بعكس الأول وهذه الأقوال تجري في كل ما جاء على وزن فُعُول كالوُقود والسحور والفطور والطهور والوجور الدواء الذي يُصبُّ في الحلق وهو بالضم اسم مصدر لتوضأ، وقياس المصدر التَّوَضُّؤُ لأن فعله تَوَضَّأ نظير تكلم من الوضاءة وهي الحسن والنظافة والخلوص من ظلمة الذنوب. وفُرض الوضوء مع الصلاة ليلة الإسراء لكن مشروعيته سابقة على ذلك لأنه روي أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء البعثة فعلمه الوضوء ثم صلى به ركعتين وهو من الشرائع القديمة لخبر "هذا وُضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي" والخاصُّ بنا الكيفيةُ المخصوصة أو الغرة والتحجيل لخبر "أنتم الغر المحَجَّلُون يوم القيامة من آثار الوضوء ومن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". أي هذا كتاب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في الطهارة إزالة ورفعًا واستباحةً غسلًا ووضوءًا، وهذا باب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في فضل الطهارة التي من أفرادها الوضوء فعطف الوضوء على الطهارة في الترجمة من عطف الخاص على العام اهتمامًا به وإظهارًا لمزِيَّتِه وفي بيان اشتراطهما في الصلاة. 431 - (200) (36) - (1) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثم النيسابوري ثقة ثبت من (11) مات سنة (251) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا حبان) بفتح الحاء المهملة وبالباء الموحدة المشددة (بن هلال) الباهلي أو الكناني أبو حبيب البصري ثقة ثبت من (9) مات سنة (216) روى عنه في (8) أبواب قال (حدثنا أبان) بالصَّرْفِ ومَنْعِهِ والمختارُ الصرفُ، بن يزيد العطار أبو يزيد البصري روى عن يحيى بن أبي كثير في الوضوء والصلاة وغيرهما، وقتادة في الصلاة والجنائز والبيوع وصفة النار، وغيلان بن جرير في الصوم، وأبي عمران الجَونِي في العلم، ويروي عنه (خ م د ت س) وحبان بن هلال ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم وأبو داود الطيالسي وعبد الصمد بن عبد الوارث وابن المبارك ويحيى القطان، وقال في التقريب: ثقة من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، وجملة الأبواب التي روى عنه

حَدَّثَنَا يَحْيَى؛ أَنَّ زيدًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَّام حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِي؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الطهُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها سبعة (7)، قال (حدثنا يحيى) بن أبي كثير اسمه صالح بن المتوكل، وقيل اسمه دينار الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي سكن اليمامة البصري ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) (أن زيدًا) ابن سلَّام بتشديد اللام بن أبي سلَّام الأسود الحبشي أبا معاوية الدمشقي، روى عن جده أبي سلَّام في الوضوء والزكاة والجهاد وغيرها، ويروي عنه (م عم) ويحيى بن أبي كثير، وقيل لم يسمع منه بل نسخ كتابه، وأخوه معاوية بن سلام، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (حدثه) أي حدث ليحيى بن أبي كثير (أن) جده (أبا سلَّام) ممطورًا الباهلي الأسود الحبشي الأعرج الدمشقي، قيل النوبي، وقيل نسبة إلى حيٍّ من حمير من اليمن لا إلى الحبشة، روى عن أبي مالك الأشعري في الوضوء والجنائز، وأبي أسماء الرحبي عمرو بن مرثد وأبي أمامة الباهلي في الصلاة، والحَكَمِ بن مِيناء في الصلاة، وعبد الله بن فرُّوخ في الزكاة، وحذيفة في الجهاد، والنعمان بن بشير، ويروي عنه (م عم) وزيد بن سلام ومكحول والأوزاعي وغيرهم، وثّقه العجلي، وقال في التقريب: ثقة يرسل من الثالثة (حدثه) أي حدث لزيد بن سلام (عن أبي مالك الأشعري) له صحبة مختلف في اسمه قيل اسمه الحارث بن الحارث، وقيل عبيد، وقيل عبيد الله، وقيل كعب بن عاصم، وقيل عمرو، وقيل غير ذلك الدمشقي له (27) سبعة وعشرون حديثًا، روى عنه أبو سلَّام ممطور الحبشي في الوضوء، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم شاميون وثلاثة بصريون وواحد مروزي، قال النواوي: وهذا الإسناد مما تكلم فيه الدارقطني وغيره فقالوا: سقط عنه رجل بين أبي سلام وأبي مالك والساقط عبد الرحمن بن غُنم، قالوا: والدليل على سقوطه أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري، وهكذا أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما، ويمكن أن يجاب عن مسلم عن هذا الاعتراض بأن الظاهر من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك فيكون أبو سلام سمعه من أبي مالك وسمعه أيضًا من عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك فرواه مرة عنه ومرة عن عبد الرحمن، وكيف كان فالمتن صحيح لا مطعن فيه والله سبحانه وتعالى أعلم. (قال) أبو مالك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطُّهور) في طائه الضم

شَطْرُ الإِيمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفتح، قال النواوي: والمعروف أنها بالضمِّ الفعلُ وبالفتح الماءُ، وقال الخليل: ليس في طائه إلا الفتح في الأمرين ولا يعرف الضم، قال القرطبي: وهذه الوجوه كلها لغات، وأما الحديث فإنما الرواية فيه بالفتح ولا يستقيم إلا على قول الخليل ولا يستقيم على المعروف إلا بتقدير مضاف أي استعمال الطهور اهـ سنوسي بتصرف. أي التنزه والتجنب عن المستخبثات الشرعية الظاهرة والباطنة (شطر الإيمان) أي نصف الإيمان منحصر في امتثال المأمورات والمستحسنات الشرعية وفعلها والتلبس بها، وفي اجتناب المستخبثات والمنهيات الشرعية بالتنزه والتطهر منها فهذان الصنفان عُبِّر عن أحدهما بالطهارة في استعمال اللغة، وفي المفهم: والطُّهور والطهارة مصدران بمعنى النظافة تقول العرب: طَهُرَ الشيء بفتح الهاء وضمها يَطْهُر بضمها لا غير طهارةً وطُهورًا كما تقول: نَظُفَ ينظُف نظافة ونَزُه يَنْزُهُ نَزَاهَةً بضمها لا غير، وهي التنزه من المستخبثات المحسوسة والمعنوية كما قال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} والشطر النصف وقد تقدم ويأتي أيضًا بمعنى الجهة ومنه {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي جهته، ويقال: شَطَرَ عنه أي بعد وشطر إليه أي أقبل، والشاطر من الشبان البعيد من الخير، وقد اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان) على أقوال كثيرة أحسنها أن يقال: إنه أراد بالطهور الطهارة من المستخبثات الظاهرة والباطنة، وبالشطر النصف، وبالإيمان المعنى العام كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام (الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان) رواه الخطيب في تاريخه [9/ 386] وفيه عبد الله بن أحمد الطائي ليس بالمرضي، ولا شك أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة وأحكام متعددة غير أنها منحصرة فيما ينبغي التنزه والتطهر منه وهو كل ما نهى الشرع عنه وفيما ينبغي التلبس والاتصاف به وهو كل ما أمر الشرع به فهذان الصنفان عُبر عن أحدهما بالطهارة على مُسْتَعْمَل اللغة، وهذا كما قد روي مرفوعًا "الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر" رواه الديلمي في الفردوس، والقضاعي في الشهاب، والبيهقي في الشعب من حديث أنس رضي الله عنه وفيه عتبة بن السكن متروك ويزيد بن أبان متروك أيضًا، وقيل الطهارة هنا بمعنى التطهر بالماء، والشطر بمعنى الجزء والمعنى الطهارة بالماء جزء من الإيمان أي شعبة منه كقوله النظافة من الإيمان أي شعبة منه وهذا أوضح الأقوال، وقيل إن الطهارة الشرعية لمَّا كانت تكفِّرُ الخطايا السابقة

وَالْحَمْدُ للَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمدُ للهِ تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأُ، مَا بَينَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت كالإيمان الذي يَجُبُّ ما قبله فكانت شطر الإيمان بالنسبة إلى محو الخطايا، وهذا فيه بعدٌ إذ الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة تكفر الخطايا فلا يكون لخصوصية الطهارة بذلك معنىً ثم لا يصح أيضًا معنى كون الطهارة نصف الإيمان بذلك الاعتبار لأنها إنما تكون مِثْلًا له في التكفير ولا يطلق على المثل للشيء شطره، وقد أطال القرطبي الكلام في ذكر الأقوال وقال في آخره: فالأولى التأويل الأول ما أشرنا إليه، وقال النواوي: اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الإيمان فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل معناه إن الإيمان يجبُّ ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما في قوله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًّا وهذا القول أقرب الأقوال، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما الشطران للإيمان، والطهارةُ متضمنةٌ الصلاةَ فهي انقياد في الظاهر، والله أعلم اهـ كلامه، وعلى كل الأقوال فقوله (الطهور شطر الإيمان) هو موضع الجزء الأول من الترجمة (والحمد لله) أي كلمة الحمد لله (تملأ) ثوابًا (الميزان) أي ميزان الحسنات لو كان جسمًا يظهر بالعيان، وقال القرطبي: والحمد الثناء على مُثْنىً مَّا بأوصاف كمالِهِ، فإذا حمد الله حامدٌ مستحضرًا معنى الحمد في قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات فإذا أضاف إلى ذلك (وسبحان الله) الذي معناه تبرئة الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من النقائص ملأت حسناته، وثوابها زيادة على ذلك (ما بين السماوات والأرض) إذ الميزان مملوء بثواب التحميد وذكر السماوات والأرض على جهة الإغياء -من أغيا الرجلُ إذا بلغ الغاية- على العادة العربية، والمراد أن الثواب على ذلك كثير جدًّا بحيث لو كان أجسامًا لملأ ما بين السماوات والأرض، قال النواوي: وأما قوله (والحمد لله تملأ الميزان) بالتاء المثناة فوق على معنى كلمة الحمد لله لا على معنى السورة، وبالياء المثناة تحتُ على معنى الذِّكر ومعنى ذلك لعظم أجرها يملأ الميزان، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخِفَّتِها، قال الأبي: يريد هذا الذكر فقط لا كل السورة، وامتلاءُ الكفة لا يستلزم رجحانها بل عدم

وَالصَّلاةُ نُورٌ. وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ. وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ مرجوحيتها لأن الأخرى إن كانت ملأى ساوتها وإلا رجحت هذه، والمعنى أنها لو كانت أجسامًا لملأته، قال النواوي: وأما قوله (وسبحان الله والحمد لله تملآن) ضبطناه بالتاء المثناة من فوق أي هاتان الكلمتان، ويالياء المثناة من تحت أي هذان الذكران (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي والشك من الراوي أو ممن دونه (تملأ) أي جملة الذكرهرين فالألف في تملآن بالتاء يعود إلى المؤنثتين الغائبتين أي تملأ الكلمتان، وبالياء إلى المذكرين الغائبين أي يملأ الذكران، وفي (تملأ) بالتاء ضمير المؤنثة الغائبة أي تملأ جملة الكلمتين، وبالياء ضمير المذكر الغائب أي يملأ كل من الذكرين، والمقصود من هذا الكلام تفخيم شأن هذه الكلمات على معنى أنها لو قدر أن تكون أجسامًا لبلغت من كثرتها هذا المبلغ ويجوز أن يراد به أجرها وثوابها أفاده ابن الأثير في النهاية. والمعنى لو قُدِّر ثوابهما جسمًا لملأ ما بين السماوات والأرض وسبب عظم فضلها ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله (سبحان الله) والتفويضِ والافتقارِ إلى الله تعالى بقوله (والحمد لله) والله أعلم اهـ من النواوي بتصرف، يعني أن الحمد إذا أُفْرِد يملأ الميزان وإذا قُرِن بالتسبيح يملأ ما بين السماوات والأرض (والصلاة نور) قال القاضي عياض: أي أجرها نور يسعى بين يدي صاحبها يوم القيامة أو أن الصلاة سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لتفرغ القلب فيها والإقبال بالجسم والقلب على الله تعالى وشغل الجوارح بها عما سواه كما قال صلى الله عليه وسلم "وجُعِلَتْ قرَّةُ عيني في الصلاة" رواه النسائي وأحمد والحاكم (والصدقة برهان) أي دليل على إيمان صاحبها لأن شأن المنافقين اللمزُ فيها، ألا ترى ضعف إيمان من منعها في الردة أيام أبي بكر رضي الله عنه، وعبارة المفهم هنا: قوله (والصدقة برهان) أي على صحة إيمان المتصدق أو على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات أو على صحة محبة المتصدق لله تعالى ولما لديه من الثواب إذ قد آثر محبة الله تعالى وابتغاء ثوابه على ما جبل عليه من حب الذهب والفضة حتى أخرجه لله تعالى (والصبر) أي الصبر على العبادات ومشاقِّها وعلى المصائب والصبر عن المخالفات والمنهيات كاتباع هوى النفس والشهوات وغير ذلك (ضياء) أي مُضيء لصاحبه في عواقب أحواله فمن كان صابرًا في تلك الأحوال متثبتًا فيها مقابلًا لكل حال

وَالْقرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو. فَبَايعٌ نَفْسَهُ. فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بما يليق به ضاءت له عواقب أحواله ووَضَحَتْ له مصالح أعماله فظفر بمطلوبه وحصل له من الثواب على مرغوبه كما قيل: فقل مَن جدَّ في أمرٍ تَطَلَّبَهُ ... واستَعْمَل الصبرَ إلا فاز بالظفرِ قال النووي: يعني أن الصبر المحبوب في الشرع ضياء وهو الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر أيضًا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا يعني أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئًا مهتديًا مستمرًا على الصواب، قال إبراهيم الخواص: الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة، وقال ابن عطاء: الصبر الوقوف مع البلاء بِحُسْن الأدب، وقال أبو علي الدقّاق: حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينُافي الصبر، قال الله تعالى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} مع أنه قال {إني مسني الضر} والله أعلم. اهـ (والقرآن حجة) أي شاهد (لك) بالإيمان إن صدقته وعملت بما فيه (أو) شاهد (عليك) إن خالفته ولم تعمل بما فيه، قال القرطبي: يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تُسأل عنه فيها كمسألة الملكين في القبر والمسألة عند الميزان وفي عقبات الصراط وإن لم تمتثل ذلك احتُجَّ به عليك، ويحتمل أن يُراد به أن القرآن هو الذي يُنتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحُكمية فبه تَسْتَدِلُّ على صحة دعواك وبه يستدل عليك خصمك (كل الناس يغدو) أي يُبكرُ في أشغاله (فبائع) أي فمنهم بائع (نفسه) بطاعات الله تعالى (فمُعتقها) أي فيُعتقها من العذاب (أو) بائع نفسه للهوى والنفس والشيطان أي بائع بمعصية الله تعالى فـ (مُوبقها) أي يُهلكها بالعذاب باتباع ما ذُكر أي بالمعاصي، وفي المفهم: (كل الناس يغدو) أي يُبكِّر يقال غَدَا إذا خرج صباحًا في مصالحه يغدو غدوًا وراح إذا رجع بعَشيِّ، ومعنى ذلك أن كل إنسان يُصبح ساعيًا في أموره متصرفًا في أغراضه ثم إما تكون تصرفاته بحسب دواعي الشرع والحق فهو الذي يبيع نفسه من الله تعالى وهو بيع آيل إلى عتقٍ وحرِّية، كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] وإما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الهوى والشيطان فهو الذي باع نفسه من الشيطان فأوبقها أي أهلكها، ومنه قوله تعالى {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} [الشورى: 34] ومنه قول ابن مسعود: "الناس

432 - (201) (37) (2) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ، قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَال: دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ غاديان فبائع نفسه فموبقها أو مفاديها فمعتقها" رواه الطبراني بإسناد جيد. وهذا الحديث أعني حديث أبي مالك الأشعري شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 342 و 343 و 344] والترمذي [3517] والنسائي [5/ 5 - 6]. وغرض المؤلف بسوقه الاستدلال به إلى الجزء الأول من الترجمة ثم استدل على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 432 - (201) (37) (2) (حدثنا سعيد بن مضور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني ثقة مصنف من العاشرة مات سنة (227) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (وقتيبة بن سعيد) ابن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (وأبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) منسوب إلى جدٍّ له اسمه جحدر البصري ثقة من (10) مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ لسعيد) تورعًا من الكذب على الآخرين (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري البزَّاز الواسطي ثقة ثبت من (7) مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا (عن سماك بن حرب) بن أوس البكري الذهلي أبي المغيرة الكوفي صدوق من (4) مات سنة (123) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن مصعب بن سعد) بن أبي وقّاص القرشي الزهري أبي زرارة الكوفي روى عن ابن عمر في الوضوء، وعن أبيه سعد في الصلاة والوصايا والفضائل والدعاء، ويروي عنه (ع) وسماك بن حرب وأبو يعفور وَقْدَان في الصلاة والزبير بن عدي وعبد الملك بن عمير وغيرهم، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (103) ثلاث ومائة روى عنه في (5) أبواب (قال) مصعب بن سعد (دخل عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أبو عبد الرحمن المكي القرشي العدوي، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد واسطي وواحد إما خراساني أو بغلاني أو بصري (على) عبد الله (بن عامر) بن كُرَيز بالتصغير بن ربيعة بن حبيب بن

يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقَال: أَلا تَدْعُو الله لِي، يَا ابْنَ عُمَر؟ قَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لا تُقبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ" وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي ابن خال عثمان بن عفان لأن أم عثمان هي أروى بنت كريز، حالة كون ابن عمر (يعوده) أي يعود ابن عامر (وهو) أي والحال أن ابن عامر (مريض فقال) ابن عامر لابن عمر (إلا) حرف عرض وهو الطلب برفق ولين أي هلَّا (تدعوا الله) سبحانه وتعالى العافية (لي) من مرضي هذا (يا ابن عمر، قال) ابن عمر لابن عامر (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقبل صلاة بغير طهور) من حَدَث وخَبَث فكذلك لا يقبل الدعاء للعاصي بلا توبة منه من المعاصي التي ارتكبها (و) سمعته يقول (لا) تقبل (صدقة من غلول) أي مِن مالء غَلَّه وسرقه من الغنيمة قبل قسمتها (وكنتَ) أنت يا ابن عامر واليًا أميرًا (على البصرة) فلست بسالم من الغلول أي كنت واليًا على البصرة وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد فلا يُقْبَل الدعاءُ لمن هذه صفته كما لا تقبل الصلاة إلا من متطهر ولا الصدقة إلا من مُتَصَوِّنٍ من الحرام، والظاهر والله أعلم أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر وحثه على التوبة وتحريضه على الإقلاع من المخالفات ولم يُرِد القطع حقيقة بأن الدعاء للفسَّاق لا ينفع لأنه لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة. اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 57] والترمذي [1]، قال القاضي عياض: وذِكْرُ ابن عمر الحديث له وهو إنما سأله الدعاء تذكرةَ ووعظٌ وتنبيهٌ على أن الخيانة في مال الله لا ينجي من العقوبة عليها ما صُرِفَ منه في وجوه البر وقد يكون ذكره له استدلالًا على أنه لا يصح شيء بدون شرطه فكما لا تصح صلاة بلا طهور ولا صدقة من غلول فكذا لا يُطمع في دعاء ولا في قبوله بدون توبة من المعاصي يعرض له بالغلول لمال الله ويعرفه ما عليه فيه ليخاف ذنبه ولا يغتر، قال الأبي: لعله مذهبٌ لابن عمر أنه لا يُدعَى للمتلبس بالمخالفة وإلا فهو جائز، وابن عمر ممن عُرِفَتْ شدته في الدين، وذكره له أنه كان على البصرة تعريض بمحل الغلول، وفي بعض الطرق زيادة (وكنت على البصرة وما أظنك إلا أصبت فيها شيئًا) وفي معنى الصدقة من الغلول: الصدقة من المال المحرم وانظر الحج به، والظاهر الصحة كالصلاة في الدار المغصوبة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما النكاح به فقال مالك فيه: أخاف أن يضارع الزنا، نعم الصدقة بالمال الحرام أرجح لصرفه عن النفس. اهـ. وفي تهذيب التهذيب: وكان ابن عامر جوادًا شجاعًا ولّاه عثمان البصرة بعد أبي موسى الأشعري سنة تسع وعشرين وضم إليه فارس بعد عثمان بن أبي العاص فافتتح في إمارته خراسان كلها وسجستان وكِرْمان حتى بلغ طرف عَزْنَة وفي إمارته قُتل يَزْدَجرْد آخر ملوك الفرس وأحرم ابن عامر من خراسان فقَدِمَ على عثمان فلامه فيما صنعه وكرهه وقال: غَرَّرْتَ بنفسك، وأخرج البيهقي حديثه من طريق داود بن أبي هند لما فتح خراسان قال: لأجعلنَّ شكري أن أحرم من موضعي فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه، قال أبو عمر: قدم ابن عامر بأموال عظيمة ففرَّقها في قريش والأنصار، قال: وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى إلى عرفة العين، وشهد الجمل مع عائشة ثم اعتزل الحرب بصفين ثم ولَّاه معاوية البصرة، ثم صرفه بعد ثلاث سنين فتحول إلى المدينة حتى مات بها سنة سبع أو ثمان وخمسين اهـ. قال القرطبي: وقوله (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) دليل لمالك وابن نافع على قولهما إنَّ مَنْ عَدِم الماءَ والتراب لم يُصَل ولم يقض إن خرج وقت الصلاة لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدل على أنه ليس مخاطبًا بها حالة عدم شرطها فلا يترتب شيء في الذمة فلا تُقضى وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب، واختلف أصحاب مالك في هذه المسألة لاختلافهم في هذا الأصل اهـ. وقال النواوي: هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، قال القاضي عياض: واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنَّة ثم نزل فرضه في آية التيمم، قال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضًا، قال: واختلفوا في أن الوضوءَ فرضٌ على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة فذهب قوم من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ، وقيل: الأمر به لكل صلاة على الندب، وقيل: بل لم يشرع إلا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يسبق بينهم فيه خلاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى الآية عندهم إذا كنتم مُحْدِثِينَ، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى، واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يجب بالحدث وجوبًا مُوَسَّعًا، والثاني لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة، والثالث يجب بالأمرين وهو الراجح عند أصحابنا، وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل، وأجمع العلماء على خلافه، ولو صلى محدثًا متعمدًا بلا عذر أثم ولا يَكْفُر عندنا وعند الجماهير، وحكي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر لتلاعبه، ودليلنا أن الكفر للاعتقاد وهذا المصلي اعتقاده صحيح وهذا كله إذا لم يكن للمصلي مُحْدِثًا عذرٌ، أما المعذور كمن لم يجد ماءً ولا ترابًا ففيه أربعة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى وهي مذاهب للعلماء قال بكل واحد منها قائلون أصحها عند أصحابنا يجب عليه أن يصلي على حاله ويجب أن يعيد إذا تمكن من الطهارة، والثاني يحرم عليه أن يصلي ويجب القضاء، والثالث يستحب أن يصلي ويجب القضاء، والرابع يجب أن يصلي ولا يجب القضاء وهذا القول اختيار المزني وهو أقوى الأقوال دليلًا، وأما وجوب الصلاة فلقوله صلى الله عليه وسلم "وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم" وأما الإعادة فإنما تجب بأمر مجدد والأصل عدمه وكذا يقول المزني: كل صلاة أُمِرَ بفعلها في الوقت على نوع من الخلل لا يجب قضاؤها والله أعلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي: "لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" فمعناه حتى يتطهر بماء أو تراب وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على الوضوء لكونه الأصل والغالب والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم "ولا صدقة من غلول" فهو بضم الغين والغلول هنا الخيانة مطلقًا والمال الحرام وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، قال القرطبي: وذِكْر ابن عمر هذا الحديث لابن عامر حين سأله في الدعاء إنما كان على جهة الوعظ والتذكير حتى يخرج من المظالم كلها وكأنه يشير له إلى أن الدعاء مع الاستمرار على المظالم لا ينفع كما لا تنفع صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول، وقوله "وكنت على البصرة" تنبيه على الزمان الذي تعلقت به فيه الحقوق حتى يحاسب نفسه على تلك المدة فيتخلص مما ترتب عليه فيها اهـ.

433 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ. قَال أَبو بَكْرِ بن أبي شيبة وَوَكِيعٌ: عَنْ إِسْرَائِيلَ. كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 433 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري المعروف بِبُنْدَار (قال) أي قال كل منهما (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي أبو عبد الله البصري المعروف بغندر، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، قال (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي (قال أبو بكر بن أبي شيبة و) حدثنا (وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي أيضًا أي كما حدثنا علي بن حسين (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني وأبي يوسف الكوفي فلأبي بكر بن أبي شيبة سندان فقوله ووكيع معطوف على علي بن حسين (كلهم) أي كل من شعبة في السند الأول وزائدة في السند الثاني وإسرائيل في السند الثالث رَوَوْا (عن سماك بن حرب) الذهلي أبي المغيرة الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابِعِين الثلاثة واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع أي عن مصعب بن سعد عن عبد الله بن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق أيضًا بما عمل في المتابعين الثلاثة، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو أبو عوانة كما هو القاعدة المطردة عنده أي روى كل من الثلاثة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي عوانة عن سماك بن حرب، وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من سداسياته الأول منها رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مكي والثاني منها رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مكي والثالث منها خمسة منهم أيضًا كوفيون وواحد مكي، وغرضه بسوقها بيان متابعة أولئك الثلاثة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن سماك بن حرب، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

434 - (202) (38) (3) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عن مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْها: وَقَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تُقْبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُمْ، إِذَا أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضأَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال: 434 - (202) (38) (3) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة عابد من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا عبد الرزاق بن همام) بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة مصنف من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا معمر بن راشد) الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن همام بن منبه) بن كامل بن سِيج اليماني أبي عُقْبَةَ الصنعاني ثقة من الرابعة مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (أخي وهب بن منبه) بن كامل اليماني أبي عبد الله الصنعاني ويقال الأَبْنَاوي بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون، ويقال الذِّماري نسبة إلى الأبناو أو الذمار قرية من قرى صنعاء على مرحلتين منها، القصَّاص روى عن أخيه همام بن منبه في الزكاة، ويروي عنه عمرو بن دينار ثقة عابد من الثالثة مات سنة بضع عشرة ومائة (113) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أذكره لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد نيسابوري (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا كذا (وقال رسول الله على الله عليه وسلم: لا تقبل صلاة أحدكم) أيها المسلمون (إذا أحدث حتى يتوضأ) أو يتيمم، واقتصر على الوضوء لأنه الأصل الغالب كما مر، قال القرطبي: والحدث هنا كناية عما يخرج من السبيلين معتادًا في جنسه ومخرجه عند مالك وجلّ أصحابه، وقال ابن عبد الحكم والشافعي: المعتبر الخارج النجس من المَخْرَجَينِ، وقال أبو حنيفة: المعتبر الخارج النجس وحده فمن أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محل خرج نقض وأوجب الوضوء اهـ، وقال الأبي: الحدث يطلق على الخارج المعتاد وعلى نفس الخروج وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامُهُ بالأعضاء قيامَ الأوصافِ الحسية، وعلى المنع من العبادة المترتب على كل واحد من المعاني الثلاثة وقد جعل الوضوء في الحديث رافعًا للحدث فلا يُعنى بالحدث الخارج المعتاد ولا نفس الخروج لأن الواقع لا يرتفع فلا يمكن حمله إلا على المعنيين الأخيرين الوصفِ القائم بالأعضاء أو المنعِ المترتب عليه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 308] والبخاري [135] وأبو داود [60] والترمذي [76] وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازًا، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم "من أتى عرافًا لم تقبل له صلاة" فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلَّف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا قاله ابن عمر قال: لأن الله تعالى قال "إنما يتقبل الله من المتقين" اهـ. قوله (إذا أحدث) أي صار ذا حدث قبل الصلاة أو في أثنائها (حتى يتوضأ) أي بالماء أو بما يقوم مقامه، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعًا "الصعيد الطيب وضوء المسلم" فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثًا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة كذا في فتح الباري اهـ تحفة الأحوذي. ***

115 - (20) - (2) باب في بيان صفة الوضوء الكامل (أي كيفيته)

115 - (20) - (2) باب في بيان صفة الوضوء الكامل (أي كيفيته) 435 - (203) (39) (4) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحمَدُ بْنُ عَمرِو بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بْنِ سَرْحٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ؛ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيثِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 115 - (20) - (2) باب في بيان صفة الوضوء الكامل (أي كيفيته) 435 - (203) (39) (4) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح) الأموي مولاهم الفقيه المصري ثقة من (10) مات سنة (255) روى عنه عن ابن وهب في مواضع كثيرة (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) أبو حفص المصري صدوق من (11) مات سنة (244) روى عنه عن ابن وهب في مواضع كثيرة أيضًا (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا (عن يونس) بن يزيد الأيلي أبي يزيد الأموي ثقة من (7) مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن) محمد (بن شهاب) الزهريّ المدني ثقة متقن من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (أن عطاء بن يزيد الليثي) من أنفسهم أبا يزيد المدني، ويقال الشامي ثقة من (3) مات سنة (107) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن حُمْران) بضم الحاء وسكون الميم بن أبان (مولى عثمان) بن عفان القرشي الأموي المدني ثقة من الثانية مات سنة (75) روى عنه في الإيمان والوضوء (أخبره) أي أخبر لعطاء (أن) أمير المؤمنين (عثمان بن عفان) بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس (رضي الله عنه) القرشي الأموي أبا عبد الله المدني الصحابي الجليل جامع القرآن كان يُحْييِ الليل كله بركعة قُتل في سابع ذي الحجة يوم الجمعة سنة (35) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان منهم مصريان وواحد أيلي، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة أتباع روى بعضهم عن بعض (دعا) وطلب (بوَضوء) بفتح الواو أي بماء يتوضأ به (فتوضأ) أي فأراد الوضوء به (فغسل كفيه) أي دلكهما (ثلاث مرات) وثلاث منصوب على المصدرية لإضافته إلى المصدر فكأنه قال فغسل كفيه غسلات ثلاثًا، وهذا دليل على أن غسلهما في أول الوضوء سنة، وهو كذلك باتفاق العلماء (ثم) بعد غسل الكفين

مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَر، ـــــــــــــــــــــــــــــ (مضمض) أي أدخل الماء في فمه وأداره فيه ثم مجه لأن الأكمل في المضمضة أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجه وأما أقلها فأن يجعل الماء في فيه ولا يشترط إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور، وقال جماعة من الشافعية: يشترط وهو مثل الخلاف في مسح الرأس أنه لو وضع يده المبتلة على رأسه ولم يُمِرَّها هل يحصل المسح أو لا؟ والأصح الحصول كما يكفي إيصال الماء إلى باقي الأعضاء من غير ذلك (و) استنشق أي أدخل الماء في خياشيمه ثم (استنثر) أي أخرج الماء من الأنف، والاسنتثار إنما يكون بعد الاستنشاق، واقتصر على الاستنثار لدلالته على الاستنشاق دلالة اللازم على ملزومه، والاستنشاق هو إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه والاستنثار إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، وفي المفهم: والاستنثار إيصال الماء إلى الأنف ونثره منه بنفس أو بإصبعه وسمي استنثارًا نظرًا بآخر الفعل وقد يسمى استنشاقًا نظرًا بأوله وهو استدعاء الماء بنفس الأنف مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف يقال نثر الرجل واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة، وفي نسخة (واستنشق) أي جذب الماء بريح أنفه حتى بلغ الماء خياشيمه ثم استنثره والواو بمعنى ثم أي ثم استنثر بعد المضمضة، قال النواوي: وعلى أي صفة وصل الماء إلى الفم والأنف حصلت المضمضة والاستنشاق، وفي الأفضل في كيفيتهما خمسة أوجه: الأول يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق بباقيها، والثاني يجمع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثًا ثم يستنشق منها ثلاثًا، والثالث يجمع أيضًا بغرفة ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق، والرابع يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من إحداهما ثلاثًا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثًا، والخامس يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات، والصحيح الوجه الأول وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما، وأما حديث الفصل فضعيف فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات كما ذكرنا لحديث عبد الله بن زيد المذكور في الكتاب واتفقوا على أن المضمضة على كل قول مقدمة على الاستنشاق وعلى كل صفة، وهل هو تقديم استحباب أو اشتراط؟ فيه وجهان: أظهرهما تقديم اشتراط لاختلاف العضوين، والثاني تقديم استحباب كتقديم يده اليمنى على اليسرى والله أعلم. اهـ نووي واختلف العلماء في المضمضة

ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُم غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. ثُم مَسَحَ رَأْسَهُ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَينِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَوَضأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستنشاق فعند الأئمة الثلاثة سُنة وعن أحمد ثلاث روايات: الأول مثل الجمهور، والثانية وجوبهما وهو المشهور عندهم، والثالثة وجوب الاستنشاق وسنية المضمضة كما في الأوجز اهـ بذل المجهود (ثم) بعد الفراغ من المضمضة والاستنشاق (غسل وجهه ثلاث مرات) أي غسلات ثلاثًا كما مر آنفًا (ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات) أي ثلاث غسلات (ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك) أي مثل غسله اليمين أي ثلاث مرات، والسنة تقديم اليمنى، وقال الشافعي في القديم: بوجوبه لما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم "ابدؤوا بميامنكم" قاله ابن رسلان، وقال ابن العربي: سنة، ثم قال ابن رسلان: لا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى لأن مخرجهما في الكتاب واحد قال تعالى: {وَأَيدِيَكُمْ} {وَأَرْجُلَكُمْ} والفقهاء يَعُدُّون اليدين والرجلين عضوًا واحدًا (ثم مسح رأسه) وليس فيه ذكر عدد للمسح وبه قال أكثر العلماء، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: يستحب التثليث في المسح كما في الغسل واستدل له بظاهر روايةٍ لمسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا) وأجيب: بأنه مجمل تَبَيَّنَ في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول، قال ابن المنذر: إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء. اهـ بذل (ثم غسل رجله) أي قدمه كما في رواية أبي داود (اليمنى إلى الكعبين) أي مع الكعبين (ثلاث مرات) أي غسلات ثلاثًا، قال ابن دقيق العيد: بعض الفقهاء لا يرى العدد في غسل الرجلين لقربهما من القذر، ولرواية "حتى أنقاهما" ومثبت العدد أولى (ثم غسل اليسرى مثل ذلك) أي ثلاث مرات، والحديث يدل على أن فرض الوضوء غسل الرجلين لا المسح (ثم قال) عثمان رضي الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا) وفي رواية مثل وضوئي هذا، والمراد التشبيه والمماثلة، والتشبيه

ثُمَّ قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَينِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قَال ابْنُ شِهاب: وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ: هذا الْوُضوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضأُ بِهِ أحَدٌ لِلصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا عموم له. اهـ بذل (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء وهي من السنن المؤكدة عند الشافعية خلافًا للمالكية صرّح به ابن رسلان، حالة كونه (لا يُحَدِّثُ فيهما نفسه) بشيء من أمور الدنيا أو بما لا يتعلق بالصلاة من أمور الآخرة ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفي عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله تعالى لأن هذا ليس من فعله وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر. اهـ نواوي. وعبارة البذل هنا: والمراد بحديث النفس هنا ما يمكن المرء قطعُهُ لأن قوله يُحدِّث يقتضي تَكَسُّبًا واختيارًا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه وبه جزم النواوي، نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلًا أعلى درجة بلا ريب ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقًا، ومنها ما يتعلق بالآخرة كالفكر في معاني المَتْلُوِّ من القرآن والمذكور من الدعوات والأذكار أو في أمر محمود أو مندوب إليه لا يضر ذلك وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إني لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاة اهـ. (غفر له ما تقدم من ذنبه) يعني الصغائر دون الكبائر لأنه قَيَّدَ في بعض تلك الروايات بقوله (ما لم يُؤتِ كبيرة) وأيضًا ورد في النص القرآني ارتفاع الكبيرة بالتوبة بطريق الحصر، وظاهر هذا الحديث يعمُّ الكبائر والصغائر لكنه خُصَّ بالصغائر، والكبائر إنما تُكَفَّرُ بالتوبة وكذلك مظالم العباد، وهذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء، والأصل في الواجب غسل الأعضاء مرة مرة والزيادة عليها سنة لأن الأحاديث الصحيحة وردت بالغسل ثلاثًا ثلاثًا ومرة مرة ومرتين مرتين وبعض الأعضاء ثلاثًا ثلاثًا وبعضها مرتين مرتين وبعضها مرة مرة فالاختلاف على هذه الصفة دليل الجواز في الكلِّ فإن الثلاث هي الأكمل والمرتان أدنى الكمال والواحدة هي الأقل المجزئ (قال ابن شهاب) بالسند السابق (وكان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ) أي أكمل إما يتوضأ به أحد للصلاة) ومعنى أسبغ أكمل، يقال الدرع السابغ الكامل وقد يقال على هذا، فكيف يكون

436 - (00) (00) (00) وحدّثني زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ؛ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِإِنَاءٍ. فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيهِ ثَلاثَ مِرَارٍ. فَغَسَلَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد ولم يذكر فيه مسح الأذنين؟ والجواب: أن اسم الرأس يعمهما والله أعلم، والمعنى هذا أتم الوضوء وبمسح الأذنين يكون أكمل، وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 59] والبخاري [164] وأبو داود [106 - 110] والنساني [1/ 64 - 65]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان - رضي الله عنه - فقال: 436 - (00) (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي قال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهريّ أبو يوسف المدني ثقة من (9) مات سنة (208) روى عنه في (4) أبواب، قال (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ أبو إسحاق المدني ثقة حجة من (8) مات سنة (183) روى عنه في (14) بابا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهريّ أبي بكر المدني من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابًا تقريبًا (عن عطاء بن يزيد الليثي) الجندعيِّ المدني نزيل الشام ثقة من (3) مات سنة (107) روى عنه في (5) أبواب (عن حمران) بن أبان (مولى عثمان) بن عفان رضي الله عنه المدني (أنه رأى عثمان) بن عفان، وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، وفيه رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وفيه رواية الولد عن والده ورواية المولى عن مولاه، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إبراهيم بن سعد ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهريّ، وفائدتها تقوية السند الأول لأن يونس بن يزيد له أوهام قليلة في روايته عن الزهري، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سَوْقِ الحديث وبعض كلماته (دعا) أي طلب (بإناء) فيه ماء ليتوضأ به فأتي به (فأفرغ) أي صب الماء من الإناء (على كفيه ثلاث مرار) أي مرات ثلاثًا، وهذا زيادة على الرواية الأولى من أفرغت الإناء إفراغًا إذا قلبت ما فيه، والمعنى هاهنا صَبَّ على كفيه يعني أول ما فعل أنه أفرغ الماء على كفيه (فغسلهما) أي غسل الكفين إلى الكوعين ودلكهما ثلاثًا، وهل يحتاج في غسلهما إلى النية؟ قال الباجي: من

ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ. فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ويَدَيهِ إِلَى الْمِرفَقَينِ ثَلاث مَرَّاتٍ. ثُمَّ مَسَحَ بِرَأسِهِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذَا، ثَمَ صَلَّى رَكْعَتَينِ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنْبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل غسلهما من سنن الوضوء كابن القاسم شَرَطَ النيةَ، ومن رأى النظافة كأشهب لم يشترطها. اهـ ابن رسلان، والحكمة في تقديم غسلهما تطهيرهما أو تنظيفهما لأنه يغسل بهما سائر الأعضاء (ثم أدخل يمينه) أي كفه اليمنى (في الإناء) فاغترف الماء بها (فمضمض واستنثر) أي أدخل الماء الذي اغترفه من الإناء في فمه وأنفه ولم يذكر الاستنشاق فإن ذكر الاستنثار دليل عليه لأنه لا يكون إلا بعده (ثم) بعد المضمضة والاستنشاق (غسل وجهه ثلاث مرات) أي مرات ثلاثًا، والحكمة في تأخير الوجه عن المضمضة والاستنشاق معرفة أوصاف الماء قبل استعماله في أول مفروض لأن اللون يُدرك بالبصر، والطعم يدرك بالفم، والريح يدرك بالأنف فقدّم الأقوى منها وهو الطعم ثم الريح ثم اللون، وسمي وجهًا لأنه تحصل به المواجهة عند التخاطب، وحدُّه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن طولًا ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضًا (ويديه) أي ذراعيه أي ثم غسل يديه لأن الواو بمعنى ثم (إلى المرفقين) أي مع المرفقين لأن إلى هنا بمعنى مع (ثلاث مرات) وسُنَّ تقديم اليمنى على اليسرى (ثم مسح رأسه) وليس فيه ذكر عدد للمسح كما مر (ثم غسل رجليه) أي قدميه مع الكعبين (ثلاث مرات) وسن تقديم اليمنى على اليسرى منهما، ودل الحديث على أن فرض الوضوء غسل الرجلين لا المسح (ثم قال) عثمان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه") من الصغائر كما مر البحث عنه ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثًا واحدًا حديث عثمان بن عفان وذكر فيه متابعة واحدة، والله أعلم.

116 - (21) (3) باب فضل الوضوء والصلاة عقبه

116 - (21) (3) باب فضل الوضوء والصلاة عقبه 437 - (204) (40) (5) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ محَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ قَال: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ بِفِنَاءِ المَسْجِدِ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ الْعَصْرِ. فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ. ثُمَّ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 116 - (21) (3) باب فضل الوضوء والصلاة عقبه 437 - (204) (40) (5) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون الغين المعجمة نسبة إلى بغلان بلدة بنواحي بَلْخ ثقة من (10) (وعثمان بن محمد بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكوفي ثقة من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد (الحنظلي) أبو يعقوب المروزي ثقة متقن من العاشرة، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لقتيبة) تورعًا من الكذب على الآخرين لأنهما إنما رويا معنى الحديث الآتي لا لفظه، وأتى بقوله (قال إسحاق: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهما أي قالوا: روى لنا (جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثامنة، روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبي المنذر المدني ثقة فقيه حجة من الخامسة مات سنة (145) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي أبي عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة وأحد علماء التابعين ثقة فقيه مشهور من الثانية مات سنة أربع وتسعين (94) روى عنه في (20) بابًا تقريبًا (عن حمران) بن أبان (مولى عثمان) الأموي المدني (قال: سمعت عثمان بن عفان) رضي الله عنه (وهو) أي والحال أن عثمان جالس (بفناء) بكسر الفاء والمد أي بساحة (المسجد) النبوي وبجواره وبقربه، قال القاضي عياض: الغناء بكسر الفاء وبالمد هو ما تحت الجدار من خارج مما يلي الشارع لا ما يأخذه الغلق لأنه لا يتوضأ في المسجد ولو في طست (فجاءه) أي فجاء عثمان (المؤذن عند) صلاة (العصر) قال الأبي: وفي الحديث مشروعية إتيان المؤذن للإمام للإعلام بحضور الصلاة لأن الظاهر أنه إنما جاءه لذلك (فدعا) وطلب عثمان (بوَضوء) أي بماء يتوضأ به (فتوضأ) بذلك الماء (ثم) بعد فراغه من الوضوء (قال)

وَاللهِ، لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا، لَوْلا آَيَةٌ فِي كِتَابِ الله مَا حَدَّثْتُكُمْ، إِني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ. فَيُصَلِّي صَلاةً، إِلَّا غَفَرَ الله لَهُ مَا بَينَهُ وَبَينَ الصَّلاةِ الَّتِي تَلِيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان بن عفان (والله لأحدثنكم حديثًا) سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: وفي هذا جواز الحلف من غير ضرورة الاستحلاف، قال الأبي: والحلف هنا لتأكيد الأمر فليس من الباب (لولا آية) بمد الهمزة وبالياء المثناة من تحت وبالتاء المربوطة في آخره، وفي رواية الباجي (لولا أنه) بفتح الهمزة وبالنون المشددة وبهاء الضمير على أنه من حروف النصب والأُولَى هي المشهورة، والمعنى عليها لولا آية (في كتاب الله) تعالى موجودة (ما حدثتكم) هذا الحديث؛ أي لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علمًا إبلاغه لما كنت حريصًا على تحديثكم ولست مستكثرًا بتحديثكم، وأراد بالآية قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآية كما سيأتي بيانها عن عروة أي لولا الآية التي حَرَّمَت كتمان العلم ما حدثتكم به وهي وإن كانت في أهل الكتاب فقد حذرتْ أن يسلك سبيلهم في ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم قد عمم الوعيد في الحديث "من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" والمعنى على الرواية الثانية أعني رواية الباجي (لولا أنه) أي لولا أن معنى ما أحدثكم به في كتاب الله تعالى ما حدثتكم به خوف أن تتَّكِلوا على ما فيها، وفي الموطإ روى ابن عمر رضي الله عنه يريد هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ} الآية، وعلى هذا تصح رواية التاء ورواية النون والله أعلم اهـ أبي بتصرف، ولكن الصحيح تأويل عروة. (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء) باستيفاء شرائطه وأركانه وفضائله وآدابه (فيصلي) به (صلاة) مكتوبة بدليل الرواية الآتية (إلا غفر الله) سبحانه وتعالى (له ما بينه) أي ما بين فعله تلك الصلاة (وبين الصلاة التي تليها) أي بعدها، قال القاضي عياض: يعني بالتي تليها الآتية بعدها لا الماضية قبلها لقوله في الموطإ "وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها" (فإن قلت) في الحديث السابق غفر الله له ما تقدم من ذنبه فيقتضي عموم الغفران وهذا الحديث يقتضي خصوص الغفران بما بين الصلاتين فبين الحديثين معارضة (قلت) يجمع بين الحديثين بأن يقال: هذا الحديث الثاني على تقدير مضاف فيكون التقدير: غفر الله له ما بين زمن تكليفه وبين الصلاة الآتية، ويكون هذا الحديث بهذا التقدير أخص فيرد الأول إليه أو

438 - (00) (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحدَّثَنَا زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجمع بينهما بأن يُرَدَّ مدلول أحدهما إلى الآخر فينتج ما تقدم من عموم الغفران اهـ أبي بتصرف، قال السنوسي: يعني يُجمع بينهما بأن يجعل مبدأ المغفرة في هذا من زمن البلوغ الذي هو زمن التكليف مثلًا، وعبر هو بزمن التكليف لأنه أعم لأن زمن البلوغ قد لا يكون فيه تكليف لعدم العقل فيه ونحوه، وبالجملة فالمقصود أن المبدأ من زمن كَتْبِ الذنوب عليه ومنتهاه الصلاة الآتية وإنما كان الحديث بهذا التقدير أخص لشمول المغفرة فيه ما تقدم من الذنوب الذي دل عليه الحديث السابق مع زيادة مغفرة ما يأتي من الذنوب إلى الصلاة الآتية اهـ، قال النواوي: (قوله فيحسن الوضوء) بأن يأتي به تامًّا بكمال صفته وآدابه وفي هذا الحديث الحث على الاعتناء بتعلم آداب الوضوء وشروطه والعمل بذلك والاحتياط فيه والحرص على أن يتوضأ على وجه يصح عند جميع العلماء ولا يسترخص بالاختلاف فينبغي أن يحرص على التسمية والنية والمضمضة والاستنشاق والاستنثار واستيعاب مسح الرأس ومسح الأذنين ودلك الأعضاء والتتابع في الوضوء وترتيبه وغير ذلك من المختلف فيه وتحصيل ماء طهور بالإجماع والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان رضي الله عنه فقال: 438 - (00) (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث عثمان (أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد النسائي أبو خيثمة الحرشي (وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا) أي قال كل من زهير وأبي كريب (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني قال (حدثنا سفيان) بن عيينة، حالة كون كل من أبي أسامة ووكيع وسفيان (جميعًا) أي مجتمعين في رواية هذا الحديث (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) أي عن أبيه عن حمران عن عثمان، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن هشام

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: "فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْمَكتُوبَةَ". 439 - (00) (00) (00) وحدّثنا زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. قَال ابْنُ شِهَاب: وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ؛ أَنهُ قَال: فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَال: وَاللهِ، لأحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا. وَاللهِ، لَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ الله مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، إِني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ يَقُولُ: "لا يَتَوَضأُ رَجُلٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُم يُصَلِّي الصَّلاةَ. إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَينَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) لكن (في حديث أبي أسامة فيحسن وضوءه) بالإضافة إلى الضمير (ثم يصلي المكتوبة) بالعطف بثم وبتعيين الصلاة بالمكتوبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عثمان رضي الله عنه فقال: 439 - (00) (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) قال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) ابن سعد الزهريّ المدني قال (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم أبي الحارث المدني ثقة ثبت فقيه من (4) مات سنة (140) روى عنه في (5) أبواب أنه قال (قال) لنا (ابن شهاب) الزهري حدثني عطاء بن يزيد الليثي ما تقدم (ولكن) بتخفيف النون، وفي بعض النسخ تشديدها (عروة) بن الزبير (يحدث عن حمران) فهو استدراك على محذوف كما قدرناه (أنه) أي أن حمران (قال فلما توضأ عثمان) بن عفان (قال: والله لأحدثنكم) الحديث، وهذا السند من ثمانياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، وأيضًا اجتمع فيه أربعة من التابعين المدنيين يروي بعضهم عن بعض، وفيه أيضًا لطيفة أخرى وهو رواية الأكابر عن الأصاغر فإن صالح بن كيسان أكبر سنًّا من الزهريّ، وغرضه بسوقه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة أي فلما فرغ عثمان من وضوءه قال: والله لأحدثنكم (حديثًا) عن النبي صلى الله عليه وسلم (والله لولا آية في كتاب الله) سبحانه موجودة (ما حدثتكموه) أي لا أحدثكموه ولكن أحدثكم فرارًا من إثم كتمان العلم الذي دلت عليه تلك الآية (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه) بإكمال شروطه وأركانه وآدابه (ثم يصلي) بذلك الوضوء (الصلاة) المكتوبة (إلا غفر له ما بينه)

وَبَينَ الصَّلاةِ الَّتِي تَلِيهَا". قَال عُرْوَةُ: الآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}، إِلَى قَوْلِهِ: {اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ما بين فعله تلك المكتوبة أو ما بين زمن تكليفه (وبين الصلاة) المستقبلة (التي تليها) أي تلي هذه المفعولة من بعدها (قال عروة) بالسند السابق (الآية) التي أرادها عثمان هي قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} أَكْمِلْهَا (إلى قوله) تعالى {اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]. ***

117 - (22) (4) باب إذا أحسن الرجل وضوءه وصلاته بخشوعها وركوعها وسائر أركانها تكون كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يرتكب كبيرة

117 - (22) (4) باب إذا أحسن الرجل وضوءه وصلاته بخشوعها وركوعها وسائر أركانها تكون كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يرتكب كبيرة 440 - (205) (41) (5) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَحجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 117 - (22) (4) باب إذا أحسن الرجل وضوءه وصلاته بخشوعها وركوعها وسائر أركانها تكون كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يرتكب كبيرة 440 - (205) (41) (5) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي ثقة من (11) مات سنة (259) روى عنه في (13) بابا (كلاهما) رويا (عن أبي الوليد) هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري ثقة ثبت من (9) مات سنة (227) روى عنه في (8) أبواب، وأتى بقوله (قال عبد: حدثني أبو الوليد) تورعًا من الكذب عليه، قال أبو الوليد (حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص) الأموي الكوفي، روى عن أبيه في الوضوء وعكرمة بن خالد ويروي عنه (خ م د ت ق) وأبو الوليد وابن عيينة ووكيع وأبو نعيم، وثَّقه النسائي، قال في التقريب: ثقة من السابعة مات سنة (170) سبعين ومائة وقيل بعدها، قال إسحاق (حدثني أبي) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي الأموي أبو عثمان الأشدق الدمشقي ثم الكوفي، روى عن أبيه عمرو في الوضوء، وعبد الله بن عمر في الصوم، ويروي عنه (خ م د س ق) وابناه إسحاق وخالد وشعبة، قال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة من صغار الثالثة مات بعد العشرين ومائة (120) (عن أبيه) عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أبي أمية القرشي الأموي المدني المعروف بالأشدق، روى عن عثمان في الوضوء، ويروي عنه (م ت س ق) وابنه سعيد، وقال في التقريب: تابعي من الثالثة وليست له في (م) رواية إلا هذا الحديث الواحد عن عثمان، ولي إمرة المدينة لمعاوية ولابنه، قتله عبد الملك بن مروان سنة سبعين (قال) عمرو بن سعيد (كنت عند عثمان) بن عفان رضي الله عنه.

فَدَعَا بِطَهُورٍ فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد بصري وواحد إما كَسِّيٌّ أو بغدادي (فدعا) وطلب عثمان (بطهور) أي بماء يتطهر ويتوضأ به (فقال) عثمان (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرئ مسلم) أي ليس شخص مسلم (تحضره صلاة مكتوبة) أي وقت صلاة مفروضة (فيحسن وضوءها) أي الوضوء لها بآدابه وأركانه. في المفهم: وهذه الأحاديث أعني حديث عثمان وعبد الله تدل على مراعاة الترتيب والموالاة في الوضوء، وقد اختلف أهل المذهب في ذلك وغيرهم على ثلاثة أقوال: الوجوب والسنة والاستحباب، والأَوْلَى القول بالسنة فيهما إذ لم يصح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مُنَكَّسًا ولا مفرَّقًا تفريقًا متفاحشًا، وليس في آية الوضوء ما يدل على وجوبهما، وما ذكر من أن الواو تُرَتِّب لا يصح، ومما يدل على بطلان ذلك وقوعها في موضع يستحيل فيه الترتيب وذلك باب المفاعلة فإنها لا تكون إلا من اثنين فإنَّ العرب تقول: تخاصَمَ زيدٌ وعمرٌو، ولا يجوز أن يكون هنا ترتيب ولا أن يقع موقعها حرف من حروف الترتيب بوجه من الوجوه فصح ما قلناه والله أعلم. اهـ. (و) يحسن (خشوعها) أي خشوع الصلاة بترتيل القراءة وتدبر معناها واستحضار خوف الله تعالى في قلبه (و) ويحسن (ركوعها) بأذكاره والطمأنينة فيه وسجودها وسائر أركانها واكتفى بذكره عن ذكر السجود لأنهما ركنان متعاقبان فإذا حث على إحسان أحدهما حثَّ على إحسان الآخر، وإنما خص الركوع بالذكر لاستتباعه السجود إذ لا يستقل عبادة بخلاف السجود فإنه يستقل عبادة كسجدة التلاوة أو الشكر. اهـ من المرقاة باختصار. (إلا كانت) تلك الصلاة المكتوبة (كفارة لما قبلها) أي لما قبل تلك المكتوبة (من الذنوب) الصغائر (ما لم يؤت) بضم الياء المئناة تحت وكسر التاء على صيغة المبني للفاعل ونصب كبيرة أي ما لم يفعل ذلك المتوضئ (كبيرة) أي ما لم يعملها وهو مِن أتى

وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الرباعي الذي هو بمعنى أعطى نظير قوله تعالى {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا} كان الفاعل يعطيها من نفسه، قال النواوي: معناه أن الذنوب كلها تُغفر إلا الكبائر فإنها إنما تُكَفِّرُها التوبة أو الرحمة اهـ. وعبارة القاضي عياض هنا: قوله (ما لم تُؤْتَ كبيرة) بضم التاء المثناة فوق على صيغة المجهول، ورفع كبيرة على النيابة أي ما لم تُفعل كبيرة لأن الكبيرة لا تكفرها إلا التوبة أو فضل الله تعالى، قال الأبي: يريد عندنا أهل السنة، وأما عند المعتزلة فلا يكفرها إلا التوبة مطلقًا وليس المعنى على ما يقتضيه الظاهر من أن ترك الكبيرة شرط في محو الصغائر بالوضوء والصلاة وإنما المعنى أن الوضوء والصلاة يغفر ما تقدم إلا أن يكون فيما تقدم كبيرة فإن تلك الكبيرة لا تكفرها إلا التوبة وفضل الله عز وجل. اهـ. (وذلك) التكفير مبتدأ، وقوله (الدهر كله) ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدإ أي تكفير الصلاة الصغائر مستمر في جميع الدهر لا يختص بزمان دون زمان ولا بفرض دون فرض، قال الأبي: ويحتمل أن يكون المشار إليه بذلك هو معنى ما لم تؤت أي عدم الإتيان بالكبيرة معتبر في الدهر كله أو المكفر من الصغائر الدهر كله أي ولو كانت ذنوب الدهر كله. اهـ. قال النواوي: واعلم أنه وقع في هذا الحديث "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة" الخ "إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة" وفي الرواية المتقدمة "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي الرواية الأخرى "إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها" وفي الحديث الآخر "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة" وفي الحديث الآخر "الصلوات الخمس كفارة لما بينهن" وفي الحديث الآخر "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتُنبت الكبائر" فهذه الروايات كلها ذكرها الإمام مسلم في هذا الباب وقد يقال إذا كفَّرَ الوضوءُ فماذا تكفِّرُ الصلاة؟ وإذا كفرت الصلاة فماذا تكفر الجمعات ورمضان؟ وكذلك صوم يوم عرفة كفارة سنتين ويوم عاشوراء كفارة سنة وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. والجواب يكون بما أجاب به العلماء من أن كل واحد من هذه المذكورات صالح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للتكفير فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كُتبت به حسنات ورُفعت به درجات وإن صادفت كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر والله أعلم. اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث عثمان رضي الله عنه البخاري [6433] والنسائي [1/ 91]. ***

118 - (23) (5) باب كون صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة

118 - (23) (5) باب كون صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة 441 - (206) (42) (6) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَهُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ؛ قَال: أَتَيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَال: إِنَّ نَاسًا يَتَحدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ. لا أَدْرِي مَا هِيَ؟ إلا أَنِّي رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 118 - (23) (5) باب كون صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة أي هذا الباب معقود في بيان الحديث الذي يدل على أنه إذا كفر الوضوء الصغائر بقي ثواب صلاته ومشيه إلى المسجد زيادة له يرفع الله سبحانه له به في الآخرة درجات أو يكفر به ما بعد. اهـ ع. قال الأبي: ليس من شرط المزيد أن يكون من نوع المزيد عليه فصح كون رفع الدرجات زيادة على التكفير. اهـ. 441 - (206) (42) (6) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني ثقة مات سنة (240) روى عنه (7) (وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) أبو عبد الله البصري ثقة من (10) مات سنة (345) روى عنه في (8) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني صدوق من (8) كان يحدث من كتب غيره فيخطئ مات سنة (189) قرنه (خ) بآخر روى عنه في (9) وأتى بهوفي قوله (وهو الدراوردي) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني ثقة من (3) ت سنة (136) روى عنه في (12) (عن حمران) بن أبان (مولى عثمان) بن عفان القرشي الأموي المدني ثقة من (2) مات سنة (75) روى عنه في (2) (قال) حمران بن أبان (أتيت عثمان بن عفان) رضي الله عنه (بوَضوء) بفتح الواو أي بماء يتوضأ به، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغلاني أو بصري، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي ومولى عن مولاه (فتوضأ) عثمان بذلك الوضوء (ثم قال) عثمان (إن ناسًا) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (يتحدثون) أي يروون (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث) كثيرة مختلفة (لا أدري) ولا أعلم (ما هي) أي ما حقيقة تلك الأحاديث هل هي صحيحة أم لا؟ (إلا أني) أي لكن أني (رأيت رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَال: "مَنْ تَوَضَّأَ هَكذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَةَ: أَتَيتُ عُثْمَانَ فَتَوَضَّأَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم توضأ مثل وضوئي) أي شبه وضوئي (هذا) الذي رأيتموه مني (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من توضأ هكذا) أي وضوءًا مثل وضوئي هذا (غفر له) أي غفر الله سبحانه وتعالى لذلك المتوضئ بسبب ذلك الوضوء (ما تقدم من) صغائر (ذنبه) فضلًا منه وكرمًا أي كان ذلك الوضوء كفارة لها (وكانت صلاته) المكتوبة التي صلاها بذلك الوضوء أي كان ثواب صلاته (ومشيه) أي وثواب مشيه (إلى المسجد نافلة) أي زيادة على تكفير وضوئه لصغائره يرفع بها درجاته في الآخرة، وقوله (وفي رواية) أحمد (بن عبدة أتيت عثمان) بلا ذكر نسبه (فتوضأ) بلا ذكر لفظة (بوضوء) بيان لمخالفة شيخيه في هذه الكلمات وذلك من شدة حفظه وإتقانه وورعه رحمه الله تعالى. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 65 - 66] والبخاري [164] وعبارة المفهم هنا: (وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) يعني أن الوضوء لم يبق عليه ذنبًا فلما فعل بعده الصلاة كان ثوابها زيادة له على المغفرة المتقدمة، والنفل الزيادة ومنه نفل الغنيمة وهو ما يعطيه الإمام من الخُمُس بعد القسمة، وهذا الحديث يقتضي أن الوضوء بانفراده يستقل بالتكفير وكذلك حديث أبي هريرة فإنه قال فيه "إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه" وهكذا إلى أن قال "حتى يخرج نقيًّا من الذنوب" وهذا بخلاف أحاديث عثمان المتقدمة إذ مضمونها أن التكفير إنما يحصل بالوضوء إذا صلى به صلاة مكتوبة يتم ركوعها وخشوعها، والجمع بينهما من وجهين: أحدهما أن يرد مطلق الأحاديث إلى مقيدها، والثاني أن نقول إن ذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص فلا بُعد في أن يكون بعض المتوضئين يحصل له من الحضور ومراعاة الآداب المكملة ما يستقل بسببها وضوءه بالتكفير، ورب متوضئ لا يحصل له مثل ذلك فيكفر عنه بمجموع الوضوء والصلاة، ولا يعترض على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم "من أتم الوضوء كما أمره الله تعالى فالصلوات المكتوبة كفارات لما بينهن" لأنا نقول من اقتصر على واجبات الوضوء فقد توضأ كما أمره الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي "توضأ كما أمرك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله" فأحاله على آية الوضوء على ما قدمناه، وكذلك ذكر النسائي من حديث رفاعة بن رافع فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين" أي عن النسائي في [2/ 226]. ونحن إنما أردنا المحافظة على الآداب المكملة التي لا يراعيها إلا من نور الله باطنه بالعلم والمراقبة والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. ***

119 - (24) (6) باب حجة من قال يثلث مسح الرأس كما يثلث كسل سائر الأعضاء

119 - (24) (6) باب حجة من قال يثلث مسح الرأس كما يثلث كسل سائر الأعضاء 442 - (207) (43) (7) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ وَأَبِي بَكْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي أَنَسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 119 - (24) (6) باب حجة من قال يثلث مسح الرأس كما يثلث كسل سائر الأعضاء 442 - (207) (43) (7) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لقتيبة وأبي بكر) أتى به تورعا عن الكذب على زهير بن حرب (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني، روى عن أبي أنس مالك بن أبي عامر الأصبحي في الوضوء، وأبي مرة مولى أم هانئ ويقال مولى عقيل بن أبي طالب في الوضوء والصلاة، وبسر بن سعيد في الصلاة والصوم وغيرهما، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعمير مولى ابن عباس في الصوم، ونانع مولى أبي قتادة أبي محمد في الحج، وعامر بن سعد في النكاح والطب والفضائل وعن كتاب عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبد الله في الجهاد، وعبيد بن حنين في الفضائل، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها تسعة أبواب، ويروي عنه (ع) والثوري ومالك وابن عيينة وعبد الله بن سعيد بن هند وموسى بن عقبة وعمر بن الحارث والضحاك بن عثمان وعياش بن عباس والمغيرة بن عبد الرحمن وفليح بن سليمان وغيرهم وثقه أحمد وابن معين والعجليّ والنسائي، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال ابن المديني: له نحو خمسين (50) حديثًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت وكان يرسل من الخامسة مات سنة (129) تسع وعشرين ومائة (عن أبي أنس) مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني جد مالك بن أنس الإمام ووالد أبي سهيل عم مالك حليف عثمان بن عبيد الله القرشي التيمي ثقة من الثانية مات سنة (74) أربع وسبعين على الصحيح، روى عنه (ع) في (4) أبواب

أَنَّ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ. فَقَال: أَلا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن عثمان) بن عفان رضي الله عنه (توضأ بالمقاعد) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون أو كوفيان وبغلاني أو نسائي، والمقاعد بفتح الميم وبالقاف قيل هي دكاكين عند دار عثمان بن عفان وقيل درج وقيل موضع بقرب المسجد اتخذه للقعود فيه لقضاء حوائج الناس والوضوء ونحو ذلك، قال الأبي: واللفظ يقتضي أنه موضع جرت العادة بالقعود فيه لكنه قرب المسجد لقوله في الحديث الآخر "بفناء المسجد" (فقال) عثمان (ألا أريكم) بهمزة الاستفهام التقريري الداخلة على لا النافية (وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كيفيته وقوله (ثم توضأ) معطوف على قال، وقوله (ثلاثًا ثلاثًا) ظاهره العموم لجميع أفعال الوضوء غسلًا ومسحًا، ولا حجة لمن قال إنه خاص بالغسل دون المسح. قال النواوي: وأما قوله (توضأ ثلاثًا ثلاثًا) فهو أصل عظيم في أن السنة في الوضوء أن يكون ثلاثًا ثلاثًا، وقد قدمنا أنه مجمع على أنه سنة وأن الواجب مرة واحدة، وفيه دلالة للشافعي ومن وافقه في أن المستحب في الرأس أن يمسح ثلاثا كباقي الأعضاء، وقد جاءت أحاديث كثيرة بنحو هذا الحديث، وقد جمعتها مبينة في شرح المهذب ونبهت على صحيحها من ضعيفها وموضع الدلالة منها. وفي المفهم: قوله (ثلاثًا ثلاثًا) تمسك به الشافعي في استحبابه تكرار مسح الرأس بمياه متعددة كالأعضاء المغسولة، وخالفه في ذلك مالك وأبو حنيفة ورأيا أن هذا اللفظ مخصص أو مبين بما ورد من حديث عثمان نفيه حيث ذكر أعضاء الوضوء مفصلة، وقال فيها: (ثلاثًا ثلاثًا) ولم يذكر لمسح الرأس عددًا وليس في شيء من أحاديث عثمان الصحاح ذكر أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثًا على ما قاله أبو داود بل قد جاء في حديث عبد الله بن زيد أنه مسح رأسه مرة واحدة وعضّد هذا بإبداء مناسبة وهي أن المسح شُرع تخفيفًا وفَرْض مشروعية التكرار فيه تثقيل فلا يكون مشروعًا. قال النواوي: وهذا الإسناد من جملة ما استدركه الدارقطني وغيره على مسلم، قال أبو علي الغساني الجياني: إن وكيع بن الجراح وَهِمَ في إسناد هذا الحديث في قوله عن أبي أنس، وإنما يرويه أبو النضر عن بسر بن سعيد عن عثمان بن عفان روينا هكذا

وَزَادَ قُتَيبَةُ فِي رِوَايَتِهِ: قَال سُفيَانُ: قَال أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي أَنَسٍ. قَال: وَعِنْدَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أحمد بن حنبل وغيره قال وهكذا قال الدارقطني هذا مما وهم فيه وكيع على الثوري وخالفه أصحاب الثوري الحفاظ منهم الأشجعي عبيد الله وعبد الله بن الوليد ويزيد بن أبي حكيم والفريابي ومعاوية بن هشام وأبو حذيفة وغيرهم، ورووه عن الثوري عن أبي النضر عن بسر بن سعيد أن عثمان وهو الصواب هذا آخر كلام أبي علي. اهـ. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات إلا أنه شاركه أحمد [1/ 57]. (وزاد قتيبة) بن سعيد على أبي بكر وزهير (في روايته) عن وكيع (قال سفيان قال أبو النضر عن أبي أنس قال) أبو أنس (وعنده) أي توضأ عثمان ثلاثًا ثلاثًا، والحال أن عند عثمان (رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم ينكروا عليه، قال النواوي: معنى هذا الكلام أن عثمان قال ما قاله والرجال عنده ولم يخالفوه وقد جاء في رواية رواها البيهقي وغيره أن عثمان رضي الله عنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا؟ قالوا: نعم. والله أعلم. ***

120 - (25) (7) باب من أتم وضوءه كما أمره الله تعالى فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن

120 - (25) (7) باب من أتم وضوءه كما أمره الله تعالى فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن 442 - (208) (44) (8) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيع. قَال أَبُو كُرَيب: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، أَبِي صَخْرَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ. قَال: كُنْتُ أَضَعُ لِعُثْمَانَ طَهُورَهُ. فَمَا أَتَى عَلَيهِ يَوْمٌ إِلا وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 120 - (25) (7) باب من أتم وضوءه كما أمره الله تعالى فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن والمراد بإتمامه كما أمره الله تعالى أن يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين كما ذكره في كتابه العزيز فمن اقتصر على واجبات الوضوء فقد توضأ كما أمره الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "توضأ كما أمرك الله تعالى" فأحاله على آية الوضوء. 442 - (208) (44) (8) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي ثقة من العاشرة مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن راهويه أبو يعقوب المروزي ثقة من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا (جميعًا) أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية (عن وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبي سفيان الكوفي ثقة من (9) مات سنة (196) روى عنه في (19) بابا (قال أبو كريب: حدثنا وكيع، عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي ثقة من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (عن جامع بن شداد) المحاربي (أبي صخرة) بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة آخره تاء الكوفي ثقة من (5) مات سنة (128) روى عنه في (2) بابين الإيمان والوضوء. (قال) أبو صخرة (سمعت حمران بن أبان) الأموي مولاهم المدني (قال) حمران (كنت أضع) عند المقاعد العثمان طهوره) أي ما يتوضأ به، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مدنيان إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي (فما أتى عليه) أي على عثمان أي فما يمر عليه (يوم) من الأيام (إلا وهو) أي إلا وأن عثمان

يُفِيضُ عَلَيهِ نُطْفَةٌ. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ انْصِرَافِنَا مِنْ صَلاتِنَا هَذهِ (قَال مِسْعَرٌ: أُرَاهَا الْعَصْرَ) فَقَال: "مَا أَدْرِي، أُحَدِّثُكُمْ بِشَيءٍ أَوْ أَسْكُتُ؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَ خَيرًا فَحَدِّثْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيرَ ذَلِكَ فَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يفيض) ويصب (عليه) أي على جسده (نطفة) أي قليلًا من الماء ليغتسل به، والنطفة بضم النون وسكون الطاء المهملة القليل من الماء، والمعنى أنه لم يكن يمر عليه يوم من الأيام إلا كان يغتسل في ذلك اليوم تعظيمًا للأجر الذي تضمنه الحديث وكانت ملازمته للاغتسال محافظة على تكثير الطهر وتحصيل ما فيه من عظيم الأجر الذي ذكره في حديثه، والله أعلم. قال الأبي: وكأن الشيخ ابن عرفة يستبعد حمله على الغسل، ويقول: أقرب ما يحمل عليه أنه يعني تجديد الوضوء لكل صلاة وفي ما قاله نظر اهـ. والنطفة من النَّطف بمعنى القطر يقال نطف الماء إذا قطره (وقال عثمان) رضي الله عنه (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافنا) وفراغنا (من صلاتنا هذه) الحاضرة (قال مسعر) بن كدام بالسند السابق (أُرَاها العصر) أي قال مسعر أرى وأظن شيخي جامع بن شداد قال: قال حمران أظن أن تلك الصلاة هي صلاة العصر، والشك من حمران أو ممن دونه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أدري) ولا أعلم أ (أحدثكم) بتقدير همزة الاستفهام أي هل أحدثكم وأخبركم (بشيء) من الأحاديث التي أوحى الله تعالى بها إليّ (أو أسكت) عن تحديثه إياكم أي ما أدري هل المصلحة في تحديثه إياكم أم في السكوت عنه، قال عثمان (فقلنا: يا رسول الله إن كان) ذلك الحديث (خيرًا) لنا (فحدِّثْنَا) هـ (وإن كان) ذلك الحديث (غير ذلك) أي غير خير لنا (فالله ورسوله أعلم) بما هو مصلحة لنا وأمرنا إلى الله سبحانه وتعالى لا إلى أنفسنا، قال النواوي: ويحتمل أن يكون معناه ما أدري هل ذكري لكم هذا الحديث في هذا الزمن مصلحة أم لا؟ ثم ظهرت مصلحة ذكره لهم في الحال عنده صلى الله عليه وسلم فحدثهم به لما فيه من ترغيبهم في الطهارة وسائر أنواع الطاعات، وسبب توقفه أوّلًا أنه خاف مفسدة اتكالهم ثم رأى المصلحة في التحديث به، قال النواوي: تردد هل في تحديثهم الآن بالحديث مصلحة أم لا؟ خوف مفسدة الاتكال ثم رأى المصلحة في تحديثهم فحديثهم رغبة في

قَال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيهِ، فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلا كَانَت كَفَّارَاتِ لِمَا بَينَهَا". 443 - (00) (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تحصيل الأجر وتعظيمه، قال الأبي: الأولى أنه ليس بتردد وإنما هو تنشيط وإشعار بتعظيم ما يلقيه بعد. وأما قولهم (إن كان خيرًا فحدثنا) فيحتمل أن يكون معناه إن كان بشارة لنا وسببًا لنشاطنا وترغيبًا في الأعمال أو تحذيرًا وتنفيرًا من المعاصي والمخالفات فحدثنا به لنحرص على عمل الخير والإعراض عن الشر وإن كان حديثًا لا يتعلق بالأعمال ولا ترغيب فيه ولا ترهيب فالله ورسوله أعلم ومعناه فَرَ رأيك فيه والله أعلم وإلا فتحديثه صلى الله عليه وسلم كله خير، ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم) ومسلمة فمن زائدة كافة لما عن العمل، ومسلم مبتدأ خبره جملة (يتطهر) وقوله (فيتم الطهور الذي كتب الله) سبحانه وتعالى وأوجب (عليه) في كتابه العزيز بقوله {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} الآية معطوف على جملة الخبر وكذا جملة قوله (فيصلي) به (هذه الصلوات الخمس) المفروضة معطوف على جملة قوله فيتم والاستثناء في قوله (إلا كانت) تلك الصلوات الخمس (كفارات لما بينها) من الصغائر من أعم الأحوال، والتقدير ليس مسلم متطهرًا فمُتِمًا طهوره فمصليًا به الصلوات الخمس في حال من الأحوال إلا حالة كونها كفارات لما بينها من الصغائر. قال النواوي: وهذه الرواية فيها فائدة نفيسة وهي قوله صلى الله عليه وسلم "الطهور الذي كتب الله عليه" فإنه دال على أن من اقتصر في وضوئه على طهارة الأعضاء الواجبة وترك السنن والمستحبات كانت هذه الفضيلة حاصلة له وإن كان من أتى بالسنن أكمل وأشد تكفيرًا والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في هذه الرواية أحمد [1/ 66] وابن ماجه [459] والنسائي [1/ 91] ولكن بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن" كما هو لفظ المؤلف في الرواية التالية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 443 - (00) (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر العنبري أبو

حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ. قَال: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانٍ يُحَدِّثُ أَبَا بُرْدَةَ فِي هَذَا الْمَسجِدِ، فِي إِمَارَةِ بِشْرٍ؛ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَمَّ الوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالى. فَالصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَينَهُنَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو البصري ثقة من (10) مات سنة (237) روى عن أبيه فقط في الإيمان والوضوء وغيرهما، قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة متقن من (9) مات سنة (196) روى عنه في (10) أبواب (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (12) بابا (قالا) أي قال المحمدان (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم المدني أبو عبد الله البصري ثقة من (9) مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب (قالا) أي قال معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر وأكد بقوله (جميعًا) أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية عن شعبة لرفع توهم انحصار من روى له عن شعبة في هذين الراويين (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري ثقة من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن جامع بن شداد) المحاربي أبي صخرة الكوفي (قال) جامع بن شداد (سمعت حمران بن أبان) الأموي مولاهم مولى عثمان المدني، حالة كونه (يحدث أبا بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي (في هذا المسجد) الكوفي (في) زمن (إمارة) أي خلافة (بشر) بن مروان بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (أن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتم الوضوء كما أمره الله تعالى) بقوله {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الخ ثم صلّى به (فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن) من الذنوب الصغائر. وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لمسعر بن كدام في رواية هذا الحديث عن جامع بن شداد، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات.

هَذا حَدِيثُ ابْنِ مُعَاذٍ، وَلَيس فِي حَدِيثِ غُنْدَرٍ: فِي إِمَارَةِ بِشْرٍ، وَلَا ذِكْرُ الْمَكْتُوبَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السندي في حواشي ابن ماجه: وفي هذا الحديث أن الله تعالى قد أمر في كتابه بالوضوء تامًّا وعلى هذا فما لم يؤمر به في القرآن لم يكن من فرائض الوضوء وإلا لزم أن لا يكون المأمور به في القرآن وضوءًا تامًّا بل بعضه وعلى هذا لزم أن لا يكون الترتيب والدَّلْكُ ونحوهما مما لم يؤمر به في القرآن من فرائض الوضوء فليُتَأمل، وقوله (المكتوبات) أي في حقه اهـ منه، و (هذا) اللفظ المذكور (حديث) معاذ (بن معاذ) العنبري (وليس في حديث غندر) محمد بن جعفر الهذلي لفظة (في إمارة بشر ولا ذكر) لفظ (المكتوبات) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهما. ***

121 - (26) (8) باب من أحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فصلى مع الجماعة غفر له

121 - (26) (8) باب من أحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فصلى مع الجماعة غُفر له 444 - (209) (45) (9) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: وَأَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 121 - (26) (8) باب من أحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فصلى مع الجماعة غُفر له 444 - (209) (45) (9) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي أبو جعفر (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية نزيل مصر ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه في (2) قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) (قال) عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث (وأخبرني) أيضًا (مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم، ويقال الأشجعي مولاهم، ويقال الزهري مولاهم أبو المسور المدني، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والزكاة والحج ويروي عنه (م د س) وابن وهب وابن المبارك وغيرهما أثنى عليه مالك ووثقه أحمد، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من السابعة مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، روى عنه في أربعة أبواب، والواو في قوله وأخبرني عاطفة على مقدر كما قدرنا كما يُعلم من السند اللاحق، وفي بعض النسخ إسقاطها (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني، روى عن حمران مولى عثمان وسالم مولى شداد وأبي السائب مولى هشام بن زهرة وسليمان وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الوضوء وبُسر بن سعيد في الصلاة والزكاة وغيرها، وعاصم بن عمر بن قتادة في الطب وغيره، وعمرو بن سليم الزرقي وعبد الله بن خباب وسلمان الأغر وأبي بكر بن المنكدر وأبي بردة بن أبي موسى في الصلاة، وعراك بن مالك في الزكاة، وأبي صالح ويزيد مولى سلمة بن الأكوع في الصوم، وعبيد الله بن مقسم في الحج، ونافع في الحج والبيوع وغيرها، ويونس بن يوسف في الحج، وعبد الله بن مسلم في النكاح، وعبد الله بن أبي سلمة في البيوع، وعياض بن عبد الله وسعيد بن المسيب في الهبة، وعجلان مولى فاطمة في حق المماليك، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب في

عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ؛ قَال: تَوَضَّأَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمًا وُضُوءًا حَسَنًا. ثُمَّ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَال: "مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لا يَنْهَزُهُ إِلا الصَّلاةُ، غُفِرَ لَهُ مَا خَلا مِنْ ذَنْبِهِ". 445 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحكام، وعبد الرحمن بن القاسم في اللباس، وربيعة بن عطاء في اللباس، والقاسم بن العباس الهاشمي في دلائل النبوة، ويروي عنه (ع) وابنه مخرمة وابن عجلان وعمرو بن الحارث وسلمة بن كهيل والليث بن سعد والضحاك بن عثمان وعدة وقال النسائي: ثقة ثبت، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات سنة (120) عشرين ومائة، وجملة الأبواب التي روى عنه فيها المؤلف ثلاثة عشر بابًا تقريبًا (عن حمران) بن أبان (مولى عثمان قال) حمران بن أبان (توضأ عثمان بن عفان) رضي الله عنه (يومًا) من الأيام (وضوءًا حسنًا) أي تامًّا كاملًا، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد أيلي (ثم قال) عثمان (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأحسن الوضوء) بفرائضه وآدابه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من توضأ هكذا) أي وضوءًا مثل هذا الوضوء الذي أنا فعلته (ثم خرج إلى المسجد) بقصد الصلاة (لا يَنْهَزُهُ) أي لا ينهضه ولا يقيمه ولا يحرِّكه من بيته (إلا الصلاة) أي إلا قصد الصلاة يعني لا ينوي بخروجه إلا الصلاة (غفر له) أي غفر الله سبحانه وتعالى له (ما خلا) أي ما مضى وتقدم (من) صغائر (ذنبه) ببركة ذلك الوضوء وتلك الصلاة، وما اسم موصول في محل الرفع نائب فاعل لغفر، قال النواوي: قوله (لا ينهزه إلا الصلاة) بفتحتين بينهما نون ساكنة من باب فَتَحَ ومعناه لا يدفعه وينهضه ويحركه إلا الصلاة يقال نهزت الرجل أنهزه إذا دفعته ونهز رأسه أي حركها قال صاحب المطالع: وضبطه بعضهم يُنْهِزُه بضم الياء من أنهز الرباعي وهو خطأ، ثم قال: وقيل هي لغة وفي هذا الحديث الحث على الإخلاص في الطاعات وأن تكون متمحضة لله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم وهذا الحديث انفرد به مسلم بهذه الرواية عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن حمران وذكر فيه المتابعة فقال: 445 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري الأموي مولاهم ثقة من (10) مات سنة (255) روى عنه عن ابن وهب فقط في أبواب كثيرة (ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري ثقة من

قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ الْحُكَيمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْقُرَشِيَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ وَعَبدَ اللهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمْنِ حَدَّثَهُمَا، عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) مات سنة (264) روى عنه في (3) أبواب (قالا) أي قال كل من أبي الطاهر ويونس بن عبد الأعلى (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبي أمية المصري الفقيه المقرئ ثقة من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (أن الحُكَيم) مصغرًا (ابن عبد الله) بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف (القرشي) المطلبي المدني روى عن نافع بن جبير وعبد الله بن أبي سلمة في الوضوء، وعامر بن سعد في الصلاة، وابن عمر وجماعة، ويروي عنه (م عم) وعمرو بن الحارث والليث، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة مات سنة (118) ثماني عشرة ومائة (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبا محمد المدني ثقة من الثانية مات سنة تسع وتسعين (99) روى عنه في (10) أبواب (وعبد الله بن أبي سلمة) الماجَشون بفتح الجيم وضم الشين كما في المغني، وقال معرب ماه كون أي شبه القمر وقيل شبه الورد سُمي به لحمرة وجنتيه، وحكى فيه تثليث الجيم واسم أبي سلمة ميمون التيمي مولاهم مولى المنكدر المدني، روى عن معاذ بن عبد الرحمن في الوضوء، وعبد الله بن عبد الله بن عمر في الحج، والنعمان بن عياش في البيوع، ويروي عنه (م د س) وحُكَيم بن عبد الله القرشي، ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمر بن حسين وبكير بن الأشج وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة ست ومائة (106) روى عنه في (3) أبواب (حدثاه) أي حدثا لحكيم بن عبد الله (أن معاذ بن عبد الرحمن) بن عثمان بن عبيد الله القرشي التيمي المدني من آل طلحة، لأبيه صحبة، روى عن حمران في الوضوء، وأبيه عبد الرحمن في الحج، ويروي عنه (خ م س) ونافع بن جبير بن مطعم، وعبد الله بن أبي سلمة، ومحمد بن المنكدر والزهري وغيرهم، وثَّقه أبو حاتم وابن معين، وقال في التقريب: صدوق من الثالثة وقيل له صحبة كأبيه (حدثهما) أي حدث لنافع وعبد الله (عن حمران مولى عثمان بن عفان عن عثمان بن عفان) رضي الله عنه وهذا السند من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم مصريون وخمسة منهم مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ المكتوبة فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ. ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، فَصَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ، أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ بن عبد الرحمن لبكير بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن حمران، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. قال النواوي: اجتمع في هذا السند أربعة من التابعين الحكيم بن عبد الله ونافع بن جبير ومعاذ بن عبد الرحمن وحمران مولى عثمان (قال) عثمان (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ للصلاة المكتوبة فأسبغ الوضوء) أي كمَّلَه وأتمه بفرائضه وآدابه (ثم مشى إلى) المسجد لأداء (الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس) جماعة (أو) قال الراوي صلاها (مع الجماعة أو) قال صلاها (في المسجد غفر الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك المتوضئ المصلي في المسجد صغائر (ذنوبه) ببركة وضوئه وصلاته، وفي الأبي: (وقوله مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد) يحتمل أنه شك من الراوي أو أنه هكذا سمعه، والله أعلم. اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله في هذا الحديث في هذه الرواية البخاري أخرجه في الرقاق، والنسائي في الكبرى في الطهارة وفي الصلاة. اهـ تحفة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

122 - (27) (9) باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر

122 - (27) (9) بابٌ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر 446 - (210) (46) (10) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ، مَوْلَى الْحُرَقَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ. كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 122 - (27) (9) بابٌ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر 446 - (210) (46) (10) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف أبو زكرياء البغدادي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (وعلي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي ثقة من (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا (كلهم) أي كل من الثلاثة روى (عن إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8) مات سنة (180) روى عنه في (12) بابا، وأتى بقوله (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر) تورعًا من الكذب عليه بالعنعنة، قال إسماعيل (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحُرقة) بضم الحاء وفتح الراء بعدها قاف بطن من جهينة أبو شبل المدني صدوق من (5) مات سنة (133) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي المدني ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بغلاني أو مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلاة الخمس) بإفراد الصلاة لأن المراد منها الجنس، وفي بعض النسخ الصلوات الخمس بلفظ الجمع (والجمعة) فيه ثلاث لغات إسكان الميم وضمها وفتحها (إلى الجمعة كفارة لما بينهن) من الذنوب الصغائر (ما لم تُغْش) بضم التاء الفوقانية وإسكان المعجمة وفتح الشين المعجمة على صيغة المبني للمجهول أي ما لم ترتكب الذنوب (الكبائر) وفيه

447 - (00) (00) (00) حدّثني نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ دلالة على أن الكبائر إنما تُغفر بالتوبة إذا ارتكبت، ومصداق هذا الحديث قوله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] وقد تقدم القول في الكبائر ما هي؟ والمراد بما بينهن الصغائر ولا بعد في أن يكون بعض الأشخاص تغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما يَحْضُرُهُ من الإخلاص بالقلب ويُراعيه في الإحسان والأدب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء اهـ قرطبي. قال الأبي: ما بين الجمعتين مكفَّر بهما والصلوات الخمس زائدة أو العكس على ما تقدم في حديث "وكانت صلاته نافلة له" فإن قلتَ: يخرج عن ذلك ما بعد الجمعة إلى العصر، فالجواب: أن المراد بالتي تليها ما بعد حسبما تقدم لا ما قبل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 259 و 400 و 414] والترمذي [214]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 447 - (00) (00) (00) (حدثني نصر بن علي) بن نصر الأزدي (الجهضمي) أبو عمرو البصري ثقة من (10) مات سنة (250) روى عنه في (16) بابا، قال (أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي من بني سامة بن لؤي أبو محمد البصري، روى عن هشام بن حسان في الوضوء وغيره، وعبيد الله بن عمر في الصلاة والحيوان، وداود بن أبي هند، ومعمر في الصلاة والزكاة والحج والنكاح وغيرها، وسعيد بن أبي عروبة في الصلاة والحج وغيرها والجريري في الصلاة والصوم والبيوع وغيرها، وهشام بن أبي عبد الله في النكاح، ومحمد بن إسحاق في النذور، ويحيى بن أبي إسحاق في اللباس، ويونس بن عبيد في الأدب فجملة الأبواب التي روى عنه فيها أحد عشر بابا، ويروي عنه (ع) ونصر بن علي ومحمد بن عبد الله بن بزيع ومحمد بن المثنى وابن أبي شيبة وأبو غسان المسمعي وأبو بكر بن خلّاد وعبيد الله بن عمر القواريري وخلق، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، قال (حدثنا هشام) بن حسان الأزدي القردوسي أبو عبد الله البصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال من السادسة مات سنة (148) روى عنه

عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَينَهُنَّ". 448 - (00) (00) (00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (7) سبعة أبواب (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك أبي بكر البصري أحد الأئمة التابعين إمام وقته ثقة ثبت عابد من الثالثة مات سنة (110) عشر ومائة روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن سيرين لعبد الرحمن بن يعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها تقوية السند الأول لأن محمد بن سيرين أوثق من عبد الرحمن، وإنما كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات الخمس) ذكر اسم العدد لأن المعدود مؤنث (والجمعة إلى الجمعة) التي تليها (كفارات لما بينهن) من الصغائر التي لا تتعلق بالآدمي وإلا فلا بد من الاستحلال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 448 - (00) (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري ثقة من (10) (وهارون بن سعيد الأيلي) نزيل مصر أبو جعفر التميمي السعدي مولاهم ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه عن ابن وهب في مواضع كثيرة (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن أبي صخر) حُميد بن زياد الخَرَّاط، ويقال حُميد بن صخر المدني، روى عن عمر بن إسحاق في الوضوء، ويزيد بن عبد الله بن قسيط في الجنائز والحج والضحايا، وشريك بن أبي نمر في الجنائز، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الحج، وأبي حازم بن دينار في صفة الجنة، ويروي عنه (م د ت ق) وابن وهب وحيوة والقطان وحاتم بن إسماعيل، وقال في التقريب: صدوق يَهِمُ من السادسة مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، فجملة ما روى عنه فيه ستة أبواب تقريبًا (أن عمر بن إسحاق) المدني (مولى زائدة) روى عن أبيه في الوضوء، ويروي عنه (م) وأبو صخر حُميد بن زياد

حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَينَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأسامة بن زيد الليثي وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول من السادسة (حدثه عن أبيه) إسحاق بن عبد الله مولى زائدة المدني، روى عن أبي هريرة في الوضوء وسعد بن أبي وقاص، ويروي عنه (م د س) وابنه عمر والعلاء بن عبد الرحمن وأسامة الليثي وأبو صالح السمان، وقال في التقريب: هو ثقة من الثالثة، ووثقه العجلي وابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله مولى زائدة لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة التي لا تقبل الفصل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب") صاحبهن واعتصم وتحرز وتورع بالبناء للفاعل (الكبائر) مفعول به أي إذا تَنَحَّى صاحبها عن ارتكاب الكبائر جمع كبيرة وهي كل ما ورد فيه وعيد شديد كالزنا والقذف والشرب، وفي بعض النسخ ما لم يَغْشَ الكبائر ببناء الفعل للمعلوم وفاعله ضمير يعود إلى صاحبهن ونصب الكبائر أي ما لم يباشر فاعلها الكبائر. قال النواوي: قوله (إذا اجتنب الكبائر) هكذا في أكثر الأصول (اجتنب) آخره باء موحدة، والكبائر منصوب على المفعولية أي إذا اجتنب فاعلها الكبائر، وفي بعض الأصول (اجتنبت) بزيادة تاء التأنيث في آخره على صيغة ما لم يسم فاعله، ورفع الكبائر وكلاهما ظاهر صحيح، وفي قوله (ورمضان إلى رمضان) جواز قول رمضان من غير إضافة شهر إليه وهذا هو الصواب ولا وجه لإنكار من أنكره، وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى واضحة مبسوطة بشواهدها والله أعلم اهـ.

123 - (28) (10) باب الذكر المستحب عقب الوضوء

123 - (28) (10) باب الذكر المستحب عقب الوضوء 449 - (211) (47) (11) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 123 - (28) (10) باب الذكر المستحب عقب الوضوء 449 - (211) (47) (11) (حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) المروزي ثم البغدادي أبو عبد الله المؤدب السمين صدوق ربما وَهِمَ من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث من (9) مات سنة (198) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا معاوية بن صالح) بن حُدَيرٍ بمهملتين مصغرًا الحضرمي أبو عبد الرحمن الحمصي قاضي الأندلس قدم مكة فكتبوا عنه، روى عن ربيعة بن يزيد في الوضوء والصلاة والزكاة، وعبد الله بن أبي قيس في الصلاة، ويحيى الأنصاري في الجنائز والجهاد وغيرها، وعلي بن أبي طلحة في النكاح، والعلاء بن الحارث في الجهاد، وأبي الزاهرية في الصيد والضحايا، ويروي عنه (م عم) وعبد الرحمن بن مهدي وزيد بن الحباب والليث بن سعد وابن وهب وحماد بن خالد ومعن بن عيسى، وقال في الجهاد: وروى معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد، وثقه أحمد وابن معين والنسائي والعجلي وأبو زرعة، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من السابعة مات سنة (158) ثمان وخمسين ومائة، روى عنه في ثمانية أبواب (عن ربيعة) بن يزيد القصير الدمشقي أبي شعيب الإيادي أحد الأئمة الأعلام فقيه أهل دمشق مع مكحول، روى عن أبي إدريس الخولاني في الوضوء والصلاة والزكاة والصيد والظلم والدعاء وقزعة في الصلاة، وعبد الله بن عامر اليحصبي في الزكاة، ومسلم بن قرظة في الجهاد، وجبير بن نفير والصنابحي، ويروي عنه (ع) ومعاوية بن صالح وسعيد بن عبد العزيز وحيوة بن شريح والأوزاعي وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة عابد من الرابعة مات سنة (123) ثلاث وعشرين ومائة، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن يزيد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زياداته لا مما سمعه من شيخه (عن أبي إدريس الخولاني) نسبة إلى خولان بن مالك عائذ الله بن عبد الله بن عمرو العوذي بفتح المهملة آخره معجمة الشامي الدمشقي قاضي

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. ح. وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الملك بن مروان أحد الأئمة الأعلام ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وسمع من كبار الصحابة، روى عن عقبة بن عامر في الوضوء، وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي الدرداء في الصلاة، وواثلة بن الأسقع في الجنائز وعبادة بن الصامت في الحدود، وحذيفة في الجهاد والفتن، وأبي ثعلبة الخشني في الصيد، وأبي ذر في الظلم، ويروي عنه (ع) وربيعة بن يزيد والزهري وبشر بن عبيد الله ومكحول، قال مكحول: ما رأيت أعلم منه، وقال العجلي: دمشقي تابعي ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة، وقال النسائي وابن سعد: ثقة مات سنة ثمانين (80) وقال سعيد بن عبد العزيز: كان عالما بالشام بعد أبي الدرداء (عن عقبة بن عامر) بن عبس الجهني من جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة صحابي مشهور المدني ولي مصر لمعاوية ثلاث سنين، اختلف في كنيته على سبعة أقوال قيل أبو أسد وقيل أبو عمرو وقيل أبو عامر وقيل أبو سعاد وقيل أبو حماد وهذا أشهرها له خمسة وخمسون حديثًا (55) اتفقا على سبعة وانفرد (خ) بحديث، ومسلم بتسعة (9) روى عن عمر في الوضوء، ويروي عنه (ع) وأبو إدريس الخولاني وجبير بن نفير في الوضوء، وعلي بن رباح في الصلاة، وقيس بن أبي حازم في الصلاة، وعبد الرحمن بن شُماسة ومرثد بن عبد الله اليزني وربعي بن حراش في البيوع، وأبو علي الهمداني ثمامة بن شُفَيٍّ وبعجة الجهني وجابر وابن عباس وخلق، وكان فصيحًا شاعرًا مفوهًا كاتبًا قارئًا لكتاب الله عالما، وقال خليفة: مات سنة (58) ثمان وخمسين، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي. قوله (ح وحدثني أبو عثمان) معطوف في المعنى على ربيعة بن يزيد لأن أبا عثمان شيخ لمعاوية بن صالح كربيعة بن يزيد، فمعاوية بن صالح له طريقان: طريق عن ربيعة عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر، وطريق عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر قال أبو علي الغساني: وهذا الذي ذكرناه هو الصواب والتقدير (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال: قال لنا معاوية بن صالح بالسند السابق: حدثني أبو عثمان أي قال معاوية بن صالح حدثنا ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر وحدثني أيضًا أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر، أي قال معاوية بن صالح (حدثني) أيضًا (أبو عثمان) قال أبو بكر بن منجويه: يشبه أن يكون سعيد بن هانئ

عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَير، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ قَال: كَانَتْ عَلَينَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي، فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخولاني المصري، وقال ابن حبان: يشبه أن يكون حريز بن عثمان الرحبي وإلا فمجهول من الثالثة فلا يقدح على مسلم ذكره لأنه إنما ذكره على سبيل المتابعة، وأطال النواوي الكلام هنا فراجعه، قال المازري قال الجيَّاني: قائلُ وحدثني أبو عثمان هو معاوية بن صالح، فروى الحديث عن ربيعة بطريقِ وعن أبي عثمان بطريقٍ وكذا وقع مبيَّنًا في غير مسلم، وفي نسخة أبي عبد الله بن الحذاء قال ربيعة: وحدثني أبو عثمان عن جبير وهو وهم. اهـ. (عن جبير بن نفير) مصغرًا بن مالك بن عامر الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي أدرك الجاهلية أسلم في زمن أبي بكر، ولأبيه صحبة فكأنه هو ما وفد إلا في عهد عمر، روى عن عقبة بن عامر في الوضوء، وشرحبيل بن السميط في الصلاة، والنواس بن سمعان في البر والصلاة، وعوف بن مالك في الجنائز والجهاد والطب، وأبي الدرداء في النكاح، وأبي ثعلبة الخشني في الصيد، وثوبان في الضحايا، وعبد الله بن عمرو في اللباس، وعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وخالد بن الوليد وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو عثمان وحبيب بن عبيد والوليد بن عبد الرحمن وابنه عبد الرحمن بن جبير وخالد بن معدان وأبو الزاهرية وطائفة وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة مخضرم من الثانية مات سنة (80) ثمانين وقيل بعدها (عن عقبة بن عامر) الجهني المدني (قال) عقبة (كانت علينا) أي على رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (رعاية الابل) أي رَعْيُ إبل الصدقة المنتظر بها التفرقة أو المُعدَّة لمصالح المسلمين أو رَعْي إبلهم والمعنى عليه كانوا يجمعون إبلهم ويتناوبون في رعيها فيرعاها كل يوم واحد منهم ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون إلى مصالحهم (فجاءت نوبتي) أي نوبة رعيي ورجعتها أي جاء يوم نوبتي فرعيتها (فروحتها بعشي) أي رددتها ورجعتها إلى مراحها ومأواها ليلا في آخر النهار وتفرغتُ من أمرها ثم ذهبت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبين معنى هذا الحديث ما في رواية أبي داود مع شرحه بذل المجهود (قال) عقبة بن عامر (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا) ما كان لنا عبيد ولا غلمان يخدموننا بل كنا نتولى أمورنا بأنفسنا (نتناوب الرعاية) يعني قَسَمْنَا رعاية إبلنا بيننا يرعى جمال الرفقة هذا يوما وذلك يوما آخر، والرعاية بكسر الراء هي الرمي (رعاية إبلنا) أي أهل رفقته الذين قدم معهم على رسول الله صلى الله

فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ. فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ، مُقْبِلٌ عَلَيهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" قَال: فَقُلْت: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ، فَإِذَا قَائِلٌ بَينَ يَدَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم وهم اثنا عشر راكبا كما في أوسط الطبراني (فكانت علي رعاية الإبل) أي جاءت نوبتي يوما وكان رعي إبل القوم في ذلك اليوم علي (فرَوَّحْتُها بالعشي) أي رددت الإبل إلى مراحها ومأواها بالعشي أي فيما بعد الزوال بعدما فرغت من رعيها ثم جئت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يخطب الناس فسمعته يقول ... ) إلخ. (فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وصلت إليه وجئته حالة كونه (قائمًا يحدث الناس) أي يخبرهم ويعلمهم مصالح دينهم (فأدركت) أي سمعت (من قوله ما من مسلم يتوضأ) أي ما مسلم يتوضأ (فيحسن وضوءه) بفرائضه وآدابه (ثم يقوم) مستقبل القبلة (فيصلي ركعتين) نافلة أو فريضة (مقبل عليهما) أي على الركعتين (بقلبه) خاشعًا لله سبحانه وتعالى (و) بـ (وجهه) أي بأعضائه وجسده خاضعا له تعالى متذللا، قال العلماء: والفرق بين الخشوع والخضوع أن الخشوع في القلب والخضوع في الأعضاء وهو ناشئ عن خشوع القلب، قال النواوي: (مقبل بقلبه ووجهه) أي وهو مقبل بهما إلى الصلاة أي مقبل بقلبه إلى الصلاة لا يتحدث به في الشواغل وبأعضائه لا يعبث بها، وفي بعض النسخ (مقبلا) بالنصب، وقد جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع بالقلب على ما قاله جماعة من العلماء، وقوله (إلا وجبت له الجنة) استثناء من أعم الأحوال كما مر نظيره أي ليس شخص من أهل الإسلام متوضأ فمحسنًا وضوءه ثم قائما فمصليا ركعتين حال كونه مقبلا بقلبه ووجهه عليهما في حال من الأحوال إلا حالة كونه وجبت له الجنة (قال) عقبة بن عامر (فـ) لما سمعت هذه المقالة (قلت ما أجود هذه) المقالة وما أحسنها تعجبًا منها أي شيء عظيم جعلها جيدة، قال النواوي: (ما أجود هذه) يعني هذه الكلمة أو الفائدة أو البشارة أو العبادة وجودتها من جهات، منها: أنها سهلة متيسرة يَقْدِرُ عليها كل أحد بلا مشقة ومنها أن أجرها عظيم والله أعلم. اهـ. قال عقبة (فإذا قائل) حاضر (بين يدي) أي قدامي وإذا فجائية وقائل مبتدأ سوغ

يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ. قَال: إِنِّي قَدْ رَأَيتُك جِئْتَ آنِفًا. قَال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الابتداء بالنكرة وقوعه بعد إذا الفجائية ووصفه بالظرف، وجملة (يقول) خبر المبتدأ أي ففاجأني قول قائل بين يدي المقالة (التي قبلها) أي قبل المقالة التي سمعتها (أجود) وأحسن من المقالة التي سمعتها (فنظرتُ) إلى ذلك القائل (فإذا) هو (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (قال) عمر (إني قد رأيتك جئت آنفًا) أي قريبًا، وهو بالمد على اللغة المشهورة وبالقصر على لغة صحيحة قرئ بها في السبع أي وإنما قلت لك ما قلت لأني قد رأيتك جئت في الزمن القريب ولم تدرك المقالة التي قبل هذه لأنه صلى الله عليه وسلم (قال) قبل هذه الكلمة التي سمعتها (ما منكم من أحد) أي ما أحد منكم أيها المسلمون (يتوضأ فيبلغ أو) قال الراوي (فيسبغ الوضوء) الشك من الراوي أو ممن دونه وهما بمعنى واحد أي فيتمه ويُكْمِلُه فيُوصِلُه مواضعه على الوجه المسنون قال ملا علي: وأو هنا للشك والوضوء بفتح الواو وقيل بالضم. اهـ. وعبارة المشارق (فيبلغ الوضوء أو فيسبغ الوضوء) والشك من الراوي ومعنى الأول فيوصل الوضوء إلى مواضعه فالوضوء فيه مفتوح الواو، ومعنى الثاني فيكمل الوضوء على الوجه المسنون فالوضوء فيه مضموم الواو كما في المبارق. اهـ من هامش بعض المتون. (ثم يقول) ذلك الأحد (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله إلا فتحت له) ضبطه ملا علي بالتخفيف وبالتشديد على أنّ فَعَّلَ المضعَّفَ بمعنى الثلاثي (أبواب الجنة الثمانية فـ) يُخَيَّرُ بينها و (يدخل من أيها) أي من أي تلك الأبواب الثمانية (شاء) بها قال الأبي: وكانت أجود من الأولى ليُسْرِ الفعل فيها مع مزية التخيير في الدخول فإنه مزية على أنه يخير ابتداء لا بعد الجزاء كما يحتمله الآخر، وهذا الحديث لا يعارض حديث "إن في الجنة بابا لا يدخله إلا الصائمون" لاحتمال أن يدخله الصائمون أوَّلًا ثم يقع التخيير بعد، وزاد في الترمذي متصلًا بالحديث "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" قال ابن العربي: والمخيرون في الدخول أربعة الأول هذا والثاني المنفق زوجين في سبيل الله والثالث القائل "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم" والرابع من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، قال القرطبي: وفي هذا الحديث ما يدل على أن الذكر بعد الوضوء فضيلة من فضائله، وعلى أن أبواب الجنة ثمانية لا غير، وعلى أن داخل الجنة يخير في أي الأبواب شاء، وقد تقدم بسط هذا المعنى. اهـ. وهذا الحديث سنده بالنسبة إلى ما سمعه عقبة من النبي صلى الله عليه وسلم من السداسيات كما مر آنفًا، وبالنسبة إلى ما سمعه من عمر من السباعيات وفيه رواية صحابي عن صحابي رضي الله عنهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 146 و 153] وأبو داود [169 و 170] والترمذي [55] والنسائي [1/ 92 - 93]. قال النواوي: أما أحكام الحديث ففيه أنه يستحب للمتوضئ أن يقول عقب وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وهذا متفق عليه. وينبغي أن يضم إليه ما جاء في رواية الترمذي متصلًا بهذا الحديث (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) ويستحب أن يضم إليه ما رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة مرفوعًا (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك) قال أصحابنا وتستحب هذه الأذكار للمغتسل أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي تحفة الأحوذي: واعلم أنه لم يصح في هذا الباب غير حديث عمر الذي رواه مسلم وقد جاء في هذا الباب أحاديث ضعاف؛ منها: حديث أبي سعيد بلفظ من توضأ فقال: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كُتب في رَق ثم طُبع بطابع فلم يُكسر إلى يوم القيامة) واختُلف في رفعه ووقفه والمرفوع ضعيف وأما الموقوف فهو صحيح كما حقق ذلك الحافظ في التلخيص، ثم اعلم: أن ما ذكره الحنفية والشافعية وغيرهم في كتبهم من الدعاء عند كل عضو كقولهم يُقال عند غسل الوجه اللهم بيض وجهي يوم تَبْيَضُّ وجوه وتسود وجوه، وعند غسل اليد اليمنى اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابًا يسيرًا .. الخ فلم يثبت فيه حديث، قال الحافظ في التلخيص قال الرافعي: ورد بها الأثر عن الصالحين قال النواوي في الروضة: هذا الدعاء لا أصل له، وقال ابن الصلاح: لم يصح فيه حديث، قال

450 - (00) (00) (12) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ: رُوي فيه عن علي من طرق ضعيفة جدًّا أوردها المستغفري في الدعوات وابن عساكر في أماليه. اهـ. قال ابن القيم في الهدي: ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول على وضوئه شيئًا غير التسمية وكل حديث في أذكار الوضوء التي تُقال عليه فكذب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه ولا علَّمه لأمته ولم يثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) في آخره، اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 450 - (00) (00) (12) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور أعني حديث عقبة بن عامر (أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، قال أبو بكر (حدثنا زيد بن الخباب) بضم أوله المهمل وبموحدتين أبي الحسين العُكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عُكْلٍ بطن من تميم الحافظ الكوفي روى عن معاوية بن صالح في الوضوء والزكاة وغيرهما، والضحاك بن عثمان في الوضوء والصلاة وغيرهما، وقُرة بن خالد في الزكاة، وإبراهيم بن نافع في الحج واللباس، ويحيى بن أيوب في الفرائض، وسيف بن سليمان في الأحكام، وحسين بن واقد في الجهاد، وعكرمة بن عمار في الأطعمة، وعبد العزيز بن أبي سلمة في الفضائل، وأفلح بن سعيد في صفة النار وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وابن أبي شيبة ومحمد بن حاتم والحسن الحلواني وأحمد بن المنذر وأبو كريب ومحمد بن رافع وزهير بن حرب وخلق، وثقه ابن المديني والعجلي، وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ في حديث الثوري من التاسعة مات سنة (253) ثلاث ومائتين، قال (حدثنا معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي أبو عبد الرحمن الحمصي (عن ربيعة بن يزيد) القصير أبي شعيب الدمشقي (عن أبي إدريس) عائذ الله بن عبد الله (الخولاني) نسبة إلى خولان بن مالك الدمشقي، وقوله (وأبي عثمان) معطوف على ربيعة لأنه من

عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرِ بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال فَذَكَرَ مِثْلَهُ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: "مَنْ تَوَضَّأَ فَقَال: "أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شيوخ معاوية أي حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا أيضًا معاوية بن صالح عن (أبي عثمان) سعيد بن هانئ الخولاني المصري، وقيل: حريز بن عثمان الرحبي، وقال الحافظ في التقريب بعد ذكر القولين: وإلا فمجهول (عن جبير بن نفير) بالتصغير فيهما (ابن مالك الحضرمي) أبي عبد الرحمن الحمصي (عن عقبة بن عامر) بن عبس (الجهني) الصحابي المشهور كان قارئًا فقيهًا مقرضًا شاعرًا قديم الهجرة والسابقة والصحبة وهو أحد من جمع القرآن ومصحفه بمصر إلى الآن بخطه على غير التأليف الذي في مصحف عثمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون واثنان كوفيان وواحد مدني، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة زيد بن الحباب لعبد الرحمن بن مهدي في رواية هذا الحديث عن معاوية بن صالح، وفائدتها بيان كثرة طرقه (فذكر) زيد بن الحباب (مثله) أي مثل ما روى عبد الرحمن بن مهدي لفظًا ومعنىً (غير أنه) أي لكن زيد بن الحباب (قال) في روايته (من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) وهذا استثناء من المماثلة ببيان محل المخالفة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

124 - (29) (11) باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

124 - (29) (11) باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم 451 - (212) (48) (12) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدِ بْنِ عَاصِمٍ الأَنْصَارِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَال: قِيلَ لَهُ: تَوَضَّأْ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 124 - (29) (11) باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم 451 - (212) (48) (12) (حدثني محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي البزاز صاحب السنن روى عن خالد بن عبد الله في الوضوء، وإسماعيل بن زكريا في مواضع، ووكيع وإبراهيم بن سعد وهشيم في الصلاة والحج، وإسماعيل بن عُلَيَّةَ في الصلاة والحدود، وشريك في الشِّعر، ويوسف بن الماجشون في الفضائل، وعمر بن يونس في التوبة، ويروي عنه (ع) وأحمد وابن معين ووثقه هو والعجلي ويعقوب بن شيبة، وقال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وقال إسماعيل بن أبي الحارث مات محمد بن الصباح يوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من المحرم سنة (227) اتفقوا على توثيقه، قال (حدثنا خالد بن عبد الله) الطحان المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي ثقة من (8) مات سنة (182) روى عنه في (7) أبواب (عن عمرو بن يحيى بن عمارة) بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني سبط عبد الله بن زيد بن عاصم ثقة من السادسة مات سنة (140) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن زيد بن عاصم) بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن عثمان بن مازن بن النجار (الأنصاري) النجاري المازني أبي محمد المدني صحابي مشهور له أحاديث اتفقا على ثمانية، وانفرد (خ) بحديث يروي عنه (ع) ويحيى بن عمارة وواسع بن حبان في الوضوء وسعيد بن المسيب وابن أخيه عباد بن تيم في الصلاة (وكانت له) ولأبيه ولأمه نسيبة بنت كعب (صحبة) من النبي صلى الله عليه وسلم وملازمة له يشير بذلك إلى تحقيق ما رواه من صفة الوضوء لأن الصاحب أقعد بمعرفة الفعل اهـ أبي، قُتِل يوم الحرة سنة (63) ثلاث وستين، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد واسطي وواحد بغدادي (قال) يحيى بن عمارة (قيل له) أي لعبد الله بن زيد (توضأ) بصيغة الأمر أي توضأ (لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ. فَدَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا. فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ. فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا. ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم) أي وضوءًا مثل وضوئه صلى الله عليه وسلم، قالوا: المعلم للوضوء إذا نوى به رفع الحدث أجزأه وإلا لم يجزئ عند من يشترط النية وكذلك المتعلم اهـ مفهم (فدعا) أي طلب عبد الله بن زيد (بإناء) فيه ماء فأُتِيَ به (فأكفأ) أي أفرغ الماء وصبه (منها) أي من الإناء وأنث الضمير نظرًا إلى كونه بمعنى المِطْهَرة أو الإداوة، وفي بعض النسخ منه وهي أوضح (على يديه) أي على كفيه (فغسلهما) أي غسل الكفين غسلات (ثلاثًا) منصوب على المصدرية لأنه صفة لمصدر محذوف وذكره لأن المعدود مؤنث وفيه استحباب تقديم غسل الكفين قبل غمسهما في الإناء، قال القرطبي: وفي قوله (فغسلهما ثلاثًا) حجة لأشهب في اختياره في غسلهما الإفراغ عليهما معًا، وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه استحب أن يُفرغ على يده اليمنى فيغسلها ثم يدخلها ويصب بها على اليسرى محتجًا بقوله في الموطإ في هذا الحديث "فأفرغ على يديه وغسلهما مرتين مرتين" وقد يكون منشأ الخلاف في هذا الإفراغ الخلاف في غسلهما هل هو عبادة فيغسل كل عضو منهما بانفراده كسائر الأعضاء أو هو للنظافة فتغسلان مجموعتين (ثم أدخل يده) اليمنى في الإناء (فاستخرجها فمضمض واستنشق من كفٍّ واحدة) أي من غَرْفَةٍ واحدة (ففعل ذلك) المذكور من المضمضة والاستنشاق من كف واحدة (ثلاثًا) من المرات، والحكمة في تقديمهما اختبار طعم الماء بالفم والرائحة بالأنف وأما اللون فمشاهد، والمعنى أي جمع بين المضمضة والاستنشاق في كف واحدة وفعل ذلك ثلاثًا من ثلاث غرفات كما بينه في رواية ابن وهب فإنه قال: فمضمض واستنشق من ثلاث غرفات. وقد اختُلِفَ في الأولى من ذلك عند مالك والشافعي فقيل الأولى عندهما جمعهما في غرفة واحدة والإتيان بهما كذلك في ثلاث غرفات، وقيل بل الأولى عندهما إفراد كل واحدة منهما متفرقين بثلاث غرفات ويشهد للأول رواية ابن وهب والثاني ما في كتاب أبي داود من قوله: "فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق" (ثم أدخل يده) اليمنى في الإناء (فاستخرجها) من الإناء فأفرغ منها على اليسرى (فغسل وجهه ثلاثًا) من المرات كذا في البخاري، وفي رواية أخرى عنه (فأدخل يديه فاغترف بهما) قال بعضهم

ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ يَدَيهِ إِلَى الْمِرفَقَينِ، مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ. ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ. فَأَقْبَلَ بِيَدَيهِ وَأَدْبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستحب أن يبدأ في غسل الوجه بأعلاه لكونه أشرف ولأنه أقرب إلى الاستيعاب (ثم أدخل يده) اليمنى في الإناء (فاستخرجها فغسل يديه) أي ذراعيه (إلى المرفقين) أي مع المرفقين (مرتين مرتين) والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو العظم الناتئ في آخر الذراع سمي بذلك لأنه يُرْتَفَق به في الاتكاء ونحوه، وقد اختلف العلماء هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا؟ فقال الجمهور: نعم؛ لأن إلى في الآية بمعنى مع وخالفهم زفر، وقال الشافعي في الأم: لا أعلم مخالفًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع قبله كذا قال الحافظ. واختلف عن مالك في حد الوجه طولًا وعرضًا فأما الطول فمن منابت شعر الرأس المعتاد إلى الذقن مطلفًا للأمرد والمُلتحي، وقيل إلى آخر اللحية للمُلتحي وأما حده عرضًا فمن الأذن إلى الأذن، وقيل من العِذَار إلى العِذَار، وقيل بالفرق بين الأمرد والملتحي وسبب هذا الخلاف الاختلاف في اسم الوجه والمواجهة على ماذا يقعان. اهـ مفهم. وفيه أيضًا وقوله (فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين) دليل على عدم كراهة الشفع في الغسلات ولا خلاف أنه يجوز الاقتصار على الواحدة إذا أسبغ وأن الاثنتين أفضل من الاقتصار على الواحدة وأن الثلاث أفضل من الاثنتين وأن الزيادة على الثلاث ممنوعة إلا أن يفعل بنية تجديد الوضوء فإن أبا حنيفة أجاز ذلك وعند المالكية أنه لا يصح له التجديد حتى يفعل بذلك الوضوء صلاة وسيأتي، وقد كره مالك الاقتصار على الواحدة للجاهل لما يُخَاف من تفريطه وللعالم لئلا يقتدي به الجاهل. اهـ. قال النواوي: واختلاف الأحاديث في أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا يدل على الجواز والتسهيل على الأمة وهذا مما لا شك فيه، وأما بيان المخالفة فيما بين الأعضاء في الوضوء الواحد نحو قوله في غسل الوجه (ثلاثًا) وفي غسل اليدين إلى المرفقين (مرتين مرتين) ففيه أيضًا دلالة على جواز ذلك. (ثم أدخل يده) اليمنى في الإناء (فاستخرجها) فأفرغ منها على اليسرى (فمسح برأسه) وقوله (فأقبل بيديه وأدبر) تفسير لمسح الرأس وبيان لكيفيته أي فأذهب بيديه إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جهة القفا أي وضعهما على قبالة رأسه يعني الناصية وأدبر بهما أي أرجعهما من القفا إلى المقدم كما فسره في الحديث (بدأ بمقدم رأسه) قال القاضي عياض: يعني بأقبل الذهابَ إلى جهة القفا وبأدبر الرجوع منه، وقيل الواو لا تُرتب فالمعنى ثم أدبر وأقبل وقيل يعني بأقبل أنه بدأ بالناصية مارًّا إلى جهة الوجه ثم ردهما إلى القفا ثم إلى المحل الذي بدأ منه. اهـ. قال ابن رسلان: الإقبال والإدبار يحسب هنا مرة واحدة بخلاف السعي في الحج، والحكمة في هذا الإقبال والإدبار استيعاب شعر الرأس فمن لا شعر له أو حَلَقَ لا حاجة له إلى الإدبار. اهـ. وفي المفهم: قوله (فمسح برأسه) الباء في برأسه باء التعدية أي التي يجوز حذفها وإثباتها كقولك مسح برأس اليتيم ومسحت رأسه وسمَّيتُ ابني بمحمد ومحمدًا ولا يصح أن تكون للتبعيض خلافًا للشافعي لأن المحققين من أئمة النحويين البصريين وأكثر الكوفيين أنكروا ذلك ولأنها لو كانت للتبعيض لكان قولك مسحت برأسه كقولك مسحت ببعض رأسه ولو كان كذلك لما حسن أن تقول: مسحت ببعض رأسه ولا برأسه بعضه لأنه كان يكون تكريرًا ولا مسحت برأسه كله لأنه كان يكون مناقضًا له ولو كانت للتبعيض لما جاز إسقاطها هنا فإنه يقال: مسحت برأسه ومسحت رأسه بمعنىً واحدٍ وأيضًا فلو كانت مُبَعِّضَةً في مسح الرأس في الوضوء لكانت مبعضة في مسح الوجه في التيمم لتساوي اللفظين في المحلين فإذا لم تكن كذلك في مسح الوجه في التيمم فلا تكون كذلك في مسح الرأس في الوضوء، ومذهب مالك وجوب تعميم مسح الرأس تمسكًا باسم الرأس فإنه اسم للعضو بجملته كالوجه وتمسكا بهذه الأحاديث. قال النواوي: والإقبال والإدبار في مسح الرأس مستحب باتفاق العلماء فإنه طريق إلى استيعاب الرأس ووصول الماء إلى جميع شعره، قال أصحابنا: وهذا الرد إنما يستحب لمن كان له شعر غير مضفور أما من لا شعر على رأسه أو كان شعره مضفورًا فلا يستحب له الرد إذ لا فائدة فيه، ولو رد في هذه الحالة لم يحسب الرد مسحة ثانية لأن الماء صار مستعملًا بالنسبة إلى ما سوى تلك المسحة، وقال أيضًا: وليس في هذا الحديث دلالة لوجوب استيعاب الرأس بالمسح لأن الحديث ورد في كمال الوضوء لا فيما لا بد منه والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ إِلَى الْكَعْبَينِ. ثُمَّ قَال: هَكذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 452 - (00) (00) (00) وحدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ هُوَ ابْنُ بِلالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ إلى الْكَعْبَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم غسل رجليه) أي قدميه (إلى الكعبين) أي مع الكعبين، والكعب في اللغة هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وأنكر الأصمعي قول الناس إن الكعب في ظهر القدم قاله في الصحاح، والأول هو المشهور عند أهل المذاهب والفقهاء، وقد روي عن ابن القاسم أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشِّرَاك، والأول هو الصحيح المعروف، وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك كذا قاله الحافظ (ثم) بعد فراغه من وضوئه (قال) عبد الله بن زيد (هكذا) أي مثل وضوئي هذا (كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 39] والبخاري [185] وأبو داود [188 - 120]، والترمذي [35 و 47] والنسائي [1/ 7271]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن زيد فقال: 452 - (00) (00) (00) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي الطحان وربما نسب إلى جده ثقة من (11) مات في (250) روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني بفتح القاف والطاء نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة صدوق من (10) مات سنة (213) (عن سليمان) بن بلال التيمي مولاهم أبي محمد المدني ثقة من (8) مات سنة (177) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، وأتى بهو في قوله (هو ابن بلال) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة الأنصاري المازني المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في سليمان بن بلال، وقوله (نحوه) مفعول له لما عمل في المتابع وهو سليمان، والضمير فيه عائد إلى خالد بن عبد الله والتقدير حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم نحو ما حدث خالد بن عبد الله عن عمرو بن يحيى (و) لكن (لم يذكر) سليمان لفظة (إلى الكعبين) وهذا

453 - (00) (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا مَعْنٌ. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته اثنان منهم كوفيان وأربعة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة سليمان بن بلال لخالد بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن عمرو بن يحيى بن عمارة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 453 - (00) (00) (00) (وحدثني إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار من الأوس أبو موسى الكوفي ثقة متقن من العاشرة مات بأرض حمص راجعًا من الحج سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، روى عنه في خمسة أبواب، قال (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي مولاهم أبو يحيى القزاز المدني أحد أئمة الحديث، روى عن مالك بن أنس في الوضوء والصلاة والحج والذبائح والحيوان والدلائل والجامع، ومعاوية بن صالح في الصيد والضحايا، وعبد العزيز بن المطلب في الأشربة، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن موسى الأنصاري وابن أبي عمر في الصلاة ونصر بن علي الجهضمي ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وزهير بن حرب وصالح بن مسمار السلمي وهارون بن عبد الله وعبد الله بن جعفر وغيرهم، قال أبو حاتم: أثبت أصحاب مالك وأتقنهم وهو أحب إليَّ من ابن وهب، وقال ابن سعد: وكان ثقة كثير الحديث ثبتًا مأمونًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، روى عنه المؤلف في عشرة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا مالك بن أنس) بن مالك الأصبحي أبو عبد الله المدني الفقيه المجتهد إمام دار الهجرة ثقة متقن حافظ حجة من السابعة مات سنة تسع وسبعين ومائة (179) وله (90) تسعون سنة، روى عنه المؤلف في سبعة عشر بابًا تقريبًا (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المدني، وقوله (بهدا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا مالك واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع والمفعول محذوف تقديره (نحوه) أي حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم نحو ما حدث خالد بن عبد الله عن عمرو بن يحيى، وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا إسحاق بن موسى فإنه كوفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة مالك بن أنس لخالد بن عبد الله في رواية

وَقَال: مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَر ثَلاثًا. وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ. ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، وَغَسَل رِجْلَيهِ. 454 - (00) (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْرٌ، حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، بِمِثْلِ إِسْنَادِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث عن عمرو بن يحيى، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (قال) مالك بن أنس في روايته عن عمرو (مضمض واستنثر ثلاثًا ولم يقل) مالك لفظة (من كف واحدة وزاد) مالك على غيره (بعد قوله) أي بعد قول الراوي (فأقبل بهما وأدبر) أي زاد جملة قوله (بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه) وهو تفسير لقوله "فأقبل بهما" (ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه) وهذا تفسير لقوله "وأدبر" وقال مالك أيضًا (وغسل رجليه) بالواو العاطفة بدل ثم وبلا ذكر لفظة إلى الكعبين ولأبي داود ثم غسل رجليه، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين والله أعلم. وفي بذل المجهود: قوله (بدأ بمقدم رأسه) الخ تفسير للإقبال والإدبار وهو مدرج من الراوي أي بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسح الرأس بمسح مقدم رأسه الشريف (ثم ذهب) صلى الله عليه وسلم (بهما) أي بيديه (إلى قفاه ثم ردهما) أي اليدين (حتى رجع) أي كل واحد من اليدين أو الضمير للمسح (إلى المكان الذي بدأ) المسح (منه) فالظاهر أن قوله بدأ بمقدم رأسه من الحديث وليس مدرجًا من كلام مالك. اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال: 454 - (00) (00) (00) (حدثنا عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمد النيسابوري ثقة من صغار العاشرة مات سنة (260) ستين ومائتين، روى عنه في (13) ثلاثة عشر بابا، قال (حدثنا بهز) بن أسد العَمِّيُّ بفتح العين المهملة وتشديد الميم نسبة إلى مُرَّة بن وائل، ويقال لولده بنو العم أبو الأسود البصري ثقة ثبت من (9) مات بعد المائتين (200) قال (حدثنا وهيب) مصغرًا ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت من (7) مات سنة (165) روى عنه في (12) بابا، قال (حدثنا عمرو بن يحيى) وقوله (بمثل إسنادهم) أي بمثل إسناد خالد بن

وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ مِنْ ثَلاثِ غَرَفَاتٍ. وَقَال أَيضًا: فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً. قَال بَهْزٌ: أَمْلَى عَلَيَّ وُهَيبٌ هَذا الْحَدِيثَ. وَقَال وُهَيبٌ: أَمْلَى عَلَيَّ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّتَينِ. 455 - (00) (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله وسليمان بن بلال ومالك متعلق بحدثنا وهيب لأنه العامل في المتابع بكسر الباء أي حدثنا وهيب بن خالد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد بمثل ما روى أولئك الثلاثة عن عمرو بن يحيى، وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة وهيب لأولئك الثلاثة المذكورين في رواية هذا الحديث عن عمرو بن يحيى، وفائدتها بيان كثرة طرقه (واقتص) وهيب وذكر (الحديث) السابق (و) لكن (قال) وهيب (فيه) أي في ذلك الحديث (فمضمض واستنشق واستنثر من ثلاث غرفات وقال) وهيب (أيضًا) أي كما قال هذا المذكور (فمسح) النبي صلى الله عليه وسلم (برأسه فأقبل به) أي بالمسح أي بدأ المسح من قُبَالة الرأس (وأدبر) به أي أذهب به إلى دبر الرأس ومؤخره (مرة واحدة) أي إقبالًا واحدًا وإدبارًا واحدًا أو مسح برأسه مسحة واحدة، وهذا بيان لمحل المخالفة بين رواية وهيب وروايتهم لشدة حفظه وإتقانه وقوة ورعه (قال بهز) بن أسد بالسند السابق (أملى علي وهيب) بن خالد (هذا الحديث) من حفظه، والإملاء حكاية القول لمن يكتبه (وقال وهيب) لي (أملى علي عمرو بن يحيى هذا الحديث مرتين) أي إملاءَتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال: 455 - (00) (00) (00) (حدثنا هارون بن معروف) البغدادي أبو علي الضرير أصله من مرو ثقة من العاشرة مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر نزيل مصر، روى عنه في الإيمان وغيره ثقة من (10) مات سنة (253) (وأبو الطاهر) أحمد بن

قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ حَبَّانَ بْنَ وَاسِعٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيَّ يَذْكُرُ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلاثًا، والأُخرَى ثَلاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيرِ فَضْلِ يَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو بن سرح المصري ثقة من (10) روى عنه عن ابن وهب في مواضع كثيرة وأتى بحاء التحويل لاختلاف كيفية سماعه من مشايخه كما سيأتي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة عابد من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، قال (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري ثقة فقيه حافظ من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (أن حبان) بفتح الحاء المهملة وبالموحدة المشددة المفتوحة (ابن واسع) بن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني صدوق من الخامسة، روى عن أبيه في الوضوء، ويروي عنه (م د ت س) وعمرو بن الحارث وابن لهيعة له حديث واحد في الوضوء (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن أباه) واسع بن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني روى عن عبد الله بن زيد في الوضوء وعبد الله بن عمرو، يروي عنه (ع) وابنه حبان وابن أخيه محمد بن يحيى بن حبان، وثقه أبو زرعة، وقال في التقريب: صحابي ابن صحابي وقيل ثقة من الثانية وليس واسع عندهم إلا هذا الثقة كان من كبار التابعين (حدثه) أي حدث لحبان (أنه) أي أن أباه (سمع عبد الله بن زيد بن عاصم) الأنصاري (المازني) المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون أو مصريان وأيلي أو بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة واسع بن حبان ليحيى بن عمارة في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن زيد ابن عاصم، وفائدتها بيان كثرة طرقه حالة كون عبد الله (يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثم استنثر ثم غسل وجهه ثلاثًا و) غسل (يده اليمنى ثلاثًا و) اليد (الأخرى) يعني اليسرى (ثلاثًا ومسح برأسه بماء) جديد (غير فضل يده) أي غير غُسالة يده، قال النواوي: معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية من ماء يديه ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه. اهـ. قال في سبل السلام: وأَخْذُ ماء جديد

وَغَسَلَ رِجْلَيهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا. قَال أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للرأس أمر لا بد منه وهو الذي دلت عليه الأحاديث كذا في النسخ الموجودة عندنا، وفي بعض النسخ (بما غبر فضل يديه) بالغين المعجمة والباء الموحدة المفتوحتين على صيغة الماضي وما موصولة أي بما بقي وفضل يديه بالجر بدل من ما ويجوز أن يكون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي وهو فضل يديه، وفي بعض النسخ (بماء من فضل يديه) بزيادة لفظة من وهو الظاهر، والظاهر عندي أن من بيانية والمعنى أنه لم يمسح الرأس بماء جديد بل مسح بما بقي على يديه أي ببقيةٍ من ماء يديه. اهـ تحفة الأحوذي (وغسل رجليه حتى أنقاهما) أي حتى جعلهما نقيتين صافيتين من الأوساخ، وفي بذل المجهود أي أزال الوسخ عنهما ويحتاجان إليه لأنهما أكثر ملاقاة للأقذار والأوساخ وبهذه الرواية حكى ابن دقيق العيد عن بعضهم ليس في غسلهما عدد بل الإنقاء، وأورد المصنف هذا الحديث لأجل زيادة وقعت فيه في مسح الرأس وهو قوله (بماء غير فضل يديه) وفي غسل الرجلين وهو قوله (حتى أنقاهما) فهذه الزيادة لا توجد إلا في هذه الرواية. اهـ. قال النواوي: وأما قوله في هذا السند (حدثنا هارون بن معروف وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأبو الطاهر) فهو من احتياط مسلم رحمه الله تعالى ووفور علمه وورعه ففرَّق بين روايته عن شيخيه الهارونين فقال في الأول حدثنا وفي الثاني حدثني فإن روايته عن الأول كانت سماعًا من لفظ الشيخ له ولغيره وروايته عن الثاني كانت له خاصةً من غير شريك له وقد قدمنا أن المستحب في مثل الأول أن يقول حدثنا وفي الثاني حدثني وهذا مستحب بالاتفاق وليس بواجب فاستعمله مسلم رحمه الله تعالى وقد أكثر من التحري في مثل هذا، وأما قوله (قال أبو الطاهر حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث) فهو أيضًا من احتياط مسلم وورعه فإنه روى الحديث أولًا عن شيوخه الثلاثة الهارونين وأبي الطاهر عن ابن وهب قال (أخبرني عمرو بن الحارث) ولم يكن في رواية أبي الطاهر أخبرني إنما كان فيها عن عمرو بن الحارث، وقد تقرر أن لفظة عن مختلف في حملها على الاتصال، والقائلون أنها للاتصال وهم الجماهير يوافقون على أنها دون أخبرنا فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى وبَيَّن ذلك، وكم في جامعه من الدرر والنفائس المشابهة لهذا رحمه الله تعالى وجمع بيننا وبينه في دار كرامته والله أعلم. اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: و (قوله ومسح رأسه بماء غير فضل يديه) دليل على مشروعية تجديد الماء لمسح الرأس وأنه سنة خلافا للأوزاعي والحسن وعروة في تجويزهم مسحه ابتداء بما فضل في يديه ولم يجيء في هذا الحديث ولا في حديث عثمان للأذنين ذِكر ويمكن أن يكون ذلك لأن اسم الرأس تضمنهما وقد جاءت الأحاديث صحيحة في كتاب النسائي وأبي داود وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما وأدخل أصابعه في صماخيه. اهـ. فمنها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فغسل وجهه .. الحديث، وفيه ثم غرت غرفة فمسح برأسه وأذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنها ذكره الحافظ في التلخيص وقال: صححه ابن خزيمة وابن منده قال: ورواه أيضًا النسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي، ولفظ النسائي (ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه) ولفظ ابن ماجه (مسح أذنيه فأدخل فيهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما) ذكره الحافظ في التلخيص وقال: صححه ابن خزيمة وابن منده، وفي حديث المقدام بن معد يكرب (وأدخل إصبعيه في صماخي أذنيه) أخرجه أبو داود والطحاوي ففي هذه الآثار بيان كيفية مسح الأذنين. اهـ تحفة الأحوذي. وفي المفهم: وهذه الأحاديث أعني حديث عثمان وعبد الله بن زيد تدل على مراعاة الترتيب في الوضوء والموالاة، وقد اختلف أهل المذهب في ذلك وغيرهم على ثلاثة أقوال: الوجوب والسنة والاستحباب، والأَوْلَى القول بالسنة فيهما إذ لم يصح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مُنَكَّسًا ولا مفرِّقًا تفريقا متفاحشًا وليس في آية الوضوء ما يدل على وجوبهما وما ذكر من أن الواو ترتب لا يصح ومما يدل على بطلان ذلك وقوعها في موضعٍ يستحيل فيه الترتيب وذلك باب المفاعلة فإنها لا تكون إلا من اثنين فإن العرب تقول تخاصم زيد وعمرو ولا يجوز أن يكون هنا ترتيب ولا أن يقع موقعها حرف من حروف الترتيب بوجهٍ من الوجوه فصح ما قلناه اهـ. وفي إكمال المعلم: ولم يأت في شيء من هذه الأحاديث ذكر التسمية في أول الوضوء لكن ذكر أبو داود والترمذي وأصحاب المصنفات حديث (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله) أخرجه أبو داود في (باب التسمية على الوضوء) في الطهارة عن أبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة (101) وأخرجه الترمذي في أبواب الطهارة في (باب ما جاء في التسمية عند الوضوء) من حديث سعيد بن زيد [25]. واختلف العلماء والمذاهب في ذلك فمعظم أهل العلم أن التسمية غير واجبةٍ لا شيء على تاركها لكنها فضيلة مستحبة وهو مشهور قول مالك وقول الشافعي والثوري وأصحاب الرأي وتأول بعضهم الحديث على نفي الكمال والفضيلة وبعضهم على أن معناه ذكر القلب والنية، وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد، وذهب إسحاق إلى وجوبها وإعادة الوضوء على تاركها عمدًا دون الساهي، وروي عن مالك إنكاره وقال: أيريد أن يذبح، وروي عنه أيضًا: من شاء قاله ومن شاء لم يقله، فحمله بعضهم على التخيير اهـ. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه وذكر فيه أربع متابعاتٍ والله أعلم. ***

125 - (30) (12) باب الإيتار في الاستجمار والاستنثار

125 - (30) (12) باب الإيتار في الاستجمار والاستنثار 456 - (213) (49) (13) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 125 - (30) (12) باب الإيتار في الاستجمار والاستنثار أي هذا باب معقود في بيان مشروعية الإيتار في الاستنجاء بالحجر وفي إخراج ما في الأنف من الماء والأذى، والإيتار أن يكون عدد المسحات ثلاثًا أو خمسًا أو فوق ذلك من الأوتار كما سيأتي، والاستجمار: مسح محل البول والغائط بالجمار وهي الحجارة الصغار، ومنه جمار مكة وجَمَرْتُ رميت الجمار، والاستنشاق: جذب الماء إلى الأنف بالنفس، والاستنثار: طرح ذلك الماء ليخرج ما يعلق به من قذى الأنف من النثر وهو الطرح كما سيأتي. 456 - (213) (49) (13) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني اسمه يحيى أو علي ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من (10) مات سنة (232) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه أي روى لنا كل من الثلاثة حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (بن عيينة) بن أبي عمران الهلالي مولاهم أبي محمد الأعور الكوفي ثم المكي ثقة من (8) مات سنة (198) روى عنه في (25) بابا، وأتى بجملة قوله (قال قتيبة حدثنا سفيان) بتصريح صيغة السماع مع صريح اسمه تورعًا من الكذب على قتيبة لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أنه روى عنه بالعنعنة كصاحبيه (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة من (5) مات فجأة سنة (130) وروى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ ثقة من (3) مات سنة (117) بالإسكندرية (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، حالة كونه (يبلغ به) أي يصل بهذا الحديث (النبي صلى الله عليه وسلم) ويرفعه إليه أي يرويه موصولًا إليه صلى الله عليه وسلم

قَال: "إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِر وتْرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا موقوفًا عليه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغلاني أو كوفي وبغدادي، قال (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استجمر) أي مسح (أحدكم) محل الغائط والبول بالجمار أي بالأحجار الصغار (فليستجمر) استجمارًا (وتْرًا) أي فليمسحه مسحًا وترًا لا شفعًا أي ثلاثًا إن لم يحصل الإنقاء بواحدة بأن حصل باثنين أو خمسًا إن لم يحصل الإنقاء بثلاث بأن حصل بأربع أي فليأت بالوتر بعد الشفع الذي حصل به الإنقاء وهكذا يفعل وإن كثرت عدد المسحات، وما حصل به الإنقاء فواجب يُحْسَبُ واحدة ويوتر بعد ذلك ندبًا، قال النواوي: أما الاستجمار فهو مسح محل البول والغائط بالجمار وهي الأحجار الصغار، قال العلماء: تطلق الاستطابة والاستجمار والاستنجاء على تطهير محل البول والغائط، فأما الاستجمار فمختص بالمسح بالأحجار، وأما الاستطابة والاستنجاء فيكونان بالماء ويكونان بالأحجار وهذا المعنى هو الصحيح المشهور عند الفقهاء والمحدثين، واختلف قول مالك وغيره في معنى الاستجمار فقيل هذا المذكور، وقيل المراد به البخور بأن يأخذ منه ثلاث قطع أو يأخذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخرى، والمعنى الأول الذي ذكرناه هو الأظهر المعروف. والمراد بالإيتار أن يجعل عدد المسحات ثلاثًا أو خمسًا أو فوق ذلك من الأوتار، ومذهبنا أن الإيتار فيما زاد على الثلاث مستحب، وحاصل المذهب أن الإنقاء واجب واستيفاء ثلاث مسحات واجب، فإن حصل الإنقاء بثلاث فلا زيادة وإن لم يحصل وجبت الزيادة ثم إن حصل بوتر فلا زيادة هان حصل بشفع كأربع أو ست استحب الإيتار، وقال بعضهم: يجب الإيتار مطلقًا لظاهر هذا الحديث، وحجة الجمهور الحديث الصحيح في السنن "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن استجمر فليوتر مَن فَعَل فقد أحسن ومَن لا فلا حرج" ويحملون حديث الباب على الثلاث وعلى الندب فيما زاد، والله أعلم. اهـ منه. (قوله وترًا) قال القاضي عياض: احتج به الشافعية وأبو الفرج وابن شعبان على أن المطلوب الإنقاء مع الثلاث، قالوا: لأن السياق دل على أنه لم يُرد الواحدة إذ لو أرادها لقال فليستجمر بواحدة وإذا لم يردها فأول الإيتار بعدها الثلاث، ويؤيده قوله (أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار) ومالك والجمهور إنما يراعون الإنقاء فإن حصل بالواحدة كفت وهو أقل مسمى الوتر وإن حصل باثنين استحب الوتر، قالوا: وإنما ذكرت الثلاث

وَإِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ". 457 - (00) (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ على ما وُجِدَتْ به العادة في الإنقاء أو على أن لكل جهة واحدة والثالثة للوسط. اهـ. (وإذا توضأ أحدكم) أي أراد الوضوء (فليجعل في أنفه ماء) وهذا الجَعْل هو المسمى بالاستنشاق (ثم لينتثر) ذلك الماء مع أذى الأنف أي ثم ليخرجه مع ما في الأنف من الأذى والقذر، والانتثار هو بمعنى الاستنثار: وهو إخراج ما في الأنف من الماء والأذى، قال النواوي: وفي هذا دلالة ظاهرة على أن الاستنثار غير الاستنشاق وأن الانتثار هو إخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط وشبهه، وفيه دلالة لمذهب من يقول: الاستنشاق واجب لمطلق الأمر ومن لم يوجبه حمل الأمر على الندب بدليل أن المأمور به حقيقة وهو الانتثار ليس بواجب بالاتفاق، فإن قالوا: ففي الرواية الأخرى إذا توضأ فليستنشق بمنخريه الماء ثم لينتثر فهذا فيه دلالة ظاهرة للوجوب، لكن حمله على الندب محتمل ليجمع بينه وبين الأدلة الدالة على الاستحباب والله أعلم. اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي فقط رواه في كتاب الطهارة. اهـ. تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 457 - (00) (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا قال (حدثنا عبد الرزاق بن همام) بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة من التاسعة مات سنة (211) روى عنه في (7) أبوابٍ تقريبًا قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة من (7) مات سنة (154) (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من (4) مات سنة (132) روى عنه في (3) أبوابٍ تقريبًا. (قال) همام (هذا) الحديث الذي أذكره لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث منها) أي من تلك الأحاديث التي

وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا تَوَضَأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيهِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ لْيَنْتَثِرْ". 458 - (00) (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رواها أبو هريرة عن محمد صلى الله عليه وسلم فقال همام قال أبو هريرة كذا كذا (و) قال أيضًا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أحدكم) الخ. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري وغرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم (فليستنشق بمنخريه) أي فليجذب بنفسه إلى المنخرين (من الماء ثم لينتثر) أي ثم ليخرج ما في المنخرين من الماء والمخاط وشبهه، وقوله بمنخريه بفتح الميم وكسر الخاء وبكسرهما جميعًا لغتان معروفتان قاله النواوي، وقال الفيومي: والمنخر مثال مَسْجِد خرق الأنف وأصله موضع النخير وهو الصوت الخارج من الأنف، والمنخر بكسر الميم للإتباع لغة ومثله مِنْتِن قالوا ولا ثالث لهما. اهـ بحذف. قال القاضي عياض: تفرقته بينهما بقوله (فليستنشق بمنخريه) يدل على أن أحدهما غير الآخر وهو كذلك؛ فالاستنشاق جذب الماء إلى الأنف بالنَّفَس من التنَشُّق وهو جذب الماء إلى الأنف بالنفَس، والنشوق الدواء الذي يُصَبُّ في الأنف، والاستنثار طرح ذلك الماء ليخرج ما يعلق به من قذى الأنف من النثر وهو الطرح، وزعم ابن قتيبة: أن الاستنشاق والاستنثار سواء من النثرة وهي طرف الأنف ولم يقل شيئًا لما تقدم من الفرق وهما عندنا سنتان وعَدَّهما بعض شيوخنا سنة واحدة وأوجبهما ابن أبي ليلى في الوضوء والغسل للأمر بهما في الحديث وأوجبهما الكوفيون في الغسل دون الوضوء وأوجب أحمد وإسحاق الاستنشاق فيهما دون المضمضة بدليل هذا الحديث. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 458 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت إمام من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا تقريبا (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي أبي عبد الله

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ". 459 - (00) (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَسَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني الفقيه إمام دار الهجرة ثقة ثبت حجة من (7) مات سنة (179) ودفن في البقيع وقبره معروف فيه وقرأت هنا بمعنى أخبرني مالك (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني من (4) مات سنة (125) (عن) عائذ الله بن عبد الله بن عمرو (أبي إدريس) العوذي بفتح المهملة وبالذال المعجمة (الخولاني) الشامي عالمه بعد أبي الدرداء ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة حنين تابعي ثقة مات سنة ثمانين (80) روى عنه في (8) أبواب تقريبا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد شامي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي إدريس لعبد الرحمن الأعرج وهمام بن منبه في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن هذا الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ) أي أراد الوضوء (فليستنثر) أي فليخرج ما في الأنف من الماء والأذى (ومن استجمر) أي ومن استنجى بالأحجار (فليوتر) أي فليجعل عدد المسحات وترا أي فردا لأن الإيتار جعل العدد وترا أي فردًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 459 - (00) (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة ثقة مصنف من (10) مات سنة (227) روى عنه في (15) بابا تقريبا، قال (حدثنا حسان بن إبراهيم) بن عبد الله العنزي بفتحتين نسبة إلى عنزة بن أسد أبو هشام الكوفي قاضي كرمان، روى عن يونس بن يزيد في الوضوء، وسعيد بن مسروق في الصلاة والفضائل وعاصم الأحول، ويروي عنه (خ م د) وسعيد بن منصور وعلي بن حجر ومحمد بن بكار وابن المديني، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من الثامنة مات سنة (186) ست وثمانين ومائة، روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا يونس بن يزيد) الأيلي أبو يزيد الأموي مولاهم ثقة إلا أن له أوهامًا من (7) مات

ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَولانِيُّ؛ أَنَهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولانِ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 460 - (00) (00) (00) حدّثني بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (159) روى عنه في (7) أبواب (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي أبو حفص المصري تلميذ الشافعي وصاحبه صدوق من (11) مات سنة (244) قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا تقريبا، قال (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي، اجتمع السندان فيه، وأتى بحاء التحويل لاختلاف كيفية سماع شيخي شيخيه لأن حسان بن إبراهيم قال حدثنا يونس وهو يدل على سماعه من يونس ومعه غيره، وابن وهب قال أخبرني يونس وهو يدل على أن قراءته عليه وحده (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، قال (أخبرني أبو إدريس) عائذ الله بن عبد الله العَوْذِي (الخولاني) الشامي (أنه سمع أبا هريرة) الدوسي المدني (وأبا سعيد) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري (الخدري) المدني أي سمعهما حالة كونهما (يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) من توضأ فليستنثر .. الخ، وقوله (بمثله) متعلق بأخبرني يونس والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو مالك بن أنس أي أخبرني يونس عن ابن شهاب بمثل ما أخبر مالك عن ابن شهاب، وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد كوفي وواحد خراساني والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان واثنان مصريان، وغرضه بسوقهما بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب بالنسبة لحديث أبي هريرة واستشهادٌ لحديث أبي هريرة بالنسبة لحديث أبي سعيد الخدري، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه لأن يونس لا يصلح لتقوية مالك، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 460 - (00) (00) (00) (حدثني بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو عبد الرحمن النيسابوري ثقة زاهد فقيه من (10) مات سنة (238) روى عنه في (2) بابين تقريبًا كما تقدم، قال (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الدراوردي الجهني

يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا اسْتَيقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَيطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبو محمد المدني صدوق من (8) مات سنة (189) روى عنه في (9) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني الدراوردي) إشعارًا بأن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني ثقة من (5) مات سنة (139) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث القرشي التيمي أبي عبد الله المدني ثقة من (4) مات سنة (120) روى عنه في (11) بابا (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي أبي محمد المدني كان من أفاضل أهل المدينة وعقلائهم، روى عن أبي هريرة في الوضوء والزهد، ومعاوية في الصلاة، وعبد الله بن عمرو بن العاص في الحج، ويروي عنه (ع) ومحمد بن إبراهيم بن الحارث وابن أخيه طلحة بن يحيى بن طلحة والزهري ويزيد بن أبي حبيب، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة فاضل من كبار الثالثة مات سنة (100) مائة، روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا بشر بن الحكم فإنه نيسابوري، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عيسى بن طلحة لمن روى عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية السابقة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ) وانتبه (أحدكم من منامه) فتوضأ (فـ) ليستنشق و (ليستنثر) أي فليخرج ما في أنفه (ثلاث مرات) ولفظ البخاري في بدء الخلق (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر) الخ وهو كذلك في طهارة مشكاة المصابيح، وما في مسلم محمول على ذلك المقيد كذا في هامش بعض المتون (فإن الشيطان يبيت على خياشيمه) جمع خيشوم، والخيشوم: أعلى الأنف وقيل هو الأنف كله وقيل هو عظام رقاق لَيِّنُةٌ في أعلى الأنف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك وهو اختلاف لفظي متقارب المعنى، قال القاضي عياض: والمبيت على الخياشيم يحتمل أن يكون حقيقةً فإن الأنف أحد منافذ الوجه التي يتوصل إلى القلب منها لاسيما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غَلْقٌ سواه وسوى الأذنين، وجاء في الحديث"إن الشيطان لا يفتح غَلَقًا" وجاء في التثاؤب الأمر بكظمه من أجل دخول الشيطان حينئذ في الفم، قال: ويحتمل أن يكون على الاستعارة فإن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان،

461 - (214) (50) (14) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَدُ بْنُ رَافِعٍ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: أعلا الأنف أقصاه المتصل بمقدم الدماغ الذي هو موضع الحس المشترك ومستقر الخيال وقيل في وجه اختصاص مبيته بالأنف حقيقة أن المشاعر الخمس كلها آلة وطريق لمعرفة الله تعالى إلا الخيشوم فلذا اختص مبيته به، قال التوربشتي من الشافعية: الأدب أن لا يتكلم في هذا الحديث وأمثاله بشيء فإن الكلمة النبوية هي خزائن أسرار الربوبية ومعادن الحكم الإلهية، وقد خص الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بغرائب المعاني وكاشفه بحقائق الأشياء التي يقصر عن إدراكها باع الفهم. اهـ السنوسي. وعبارة الأبي هنا: ويحتمل أنه استعارة لما ينعقد من الغبار ورطوبة الأنف فإنه إذا نام اجتمعت الأخلاط ويَبِسَ عليه المخاط وكسل في الحس وتشوش الفكر فيرى أضغاث الأحلام فإذا استيقظ وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل، ووجه الاستعارة أن الوسخ من الشيطان ويوافقه وقد جاء مبينا في غير مسلم "فليتوضأ وليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه". اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 461 - (214) (50) (14) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه ثقة من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا (ومحمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا، وأتى بقوله (قال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب تورعًا من الكذب عليه لأنه صرح بالسماع بخلاف إسحاق فإنه روى بالعنعنة، قال عبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي ثقة فقيه من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا، قال (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي مولاهم المكي صدوق من (4) مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (أنه سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي بفتحتين أبا عبد الرحمن المدني الصحابي المشهور له (1540) حديثًا

يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (98) روى عنه في (16) بابا تقريبا، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد إما مروزي أو نيسابوري، حالة كون جابر (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجمر) ومسح (أحدكم) محل البول والغائط بالأحجار (فليوتر) أي فليجعل عدد المسحات وترا أي فردا إذا حصل الإنقاء بالشفع، وهذا الحديث أعني حديث جابر رضي الله عنه انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. اهـ تحفة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم ذكره للاستشهاد. والله أعلم. ***

126 - (31) (13) باب وعيد من لم يسبغ الوضوء

126 - (31) (13) باب وعيد من لم يسبغ الوضوء 462 - (215) (51) (15) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِي وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى شَدَّادٍ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ تُوُفِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 126 - (31) (13) باب وعيد من لم يسبغ الوضوء 462 - (215) (51) (15) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه في (2) بابين تقريبًا (وأبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي مولاهم الفقيه المصري ثقة من (10) مات سنة (255) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري صدوق من (10) مات سنة (243) هؤلاء الثلاثة يَرْوُون عن ابن وهب فقط في الإيمان وغيره، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا (عن مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي المسور المدني صدوق من (7) مات سنة (159) روي عنه في (4) أبواب (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة من (5) مات سنة (120) روى عنه في (13) بابا (عن سالم) بن عبد الله النَّصْرِي بفتح النون وسكون الصاد نسبة إلى نصر قبيلة أوجَدِّ (مولى شداد) بن الهاد، ويقال سالم مولى المَهري وقيل سالم مولى دوس وقيل سالم سبَلان مولى مالك بن أوس النصري أبي عبد الله المدني روى عن عائشة رضي الله عنها في الوضوء، وعن أبي هريرة في الصلاة والرفق، وعن عثمان وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري، ويروى عنه (م د س ق) وبكير بن عبد الله بن الأشج ومحمد بن عبد الرحمن كناه أبا عبد الله وأبو سلمة بن عبد الرحمن وقال مولى المهري ونعيم المجمر في حديث واحد وسعيد المقبري مولى النَّصْريين، وقال في التقريب: صدوق من الثالثة مات سنة (110) عشر ومائة (قال) سالم (دخلت على عائشة) أم المؤمنين (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وحبيبته أم عبد الله الفقيهة الربانية بنت أبي بكر الصديق الصديقة التيمية المدنية رضي الله تعالى عنها (يوم توفي) ومات

سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَتَوَضَّأَ عِنْدَهَا. فَقَالتْ: يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ، أَسْبغِ الْوُضُوءَ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "وَيلٌ للأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وأيلي (فدخل) عليها أخوها (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (فتوضأ عندها) مستعجلا (فقالت) عائشة له (يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء) وأكمله بغسل جميع محل الفرض (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ويل) أي هلاك (لـ) أصحاب ا (لأعقاب من النار) الأخروية، فتواعدها بالنار لعدم طهارتها ولو كان المسح كافيا لما تواعد من ترك غسل عقبيه، وقد صح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قال: "يا رسول الله كيف الطهور فدعا بماء فغسل كفيه ثلاثًا إلى أن قال ثم غسل رجليه ثلاثًا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره بأسانيدهم الصحيحة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 81 و 84 و 99 و 192]. قولها (أسبغ الوضوء) قال الأبي: الإسباغ لغة: الإكمال، وعُرفا: الإتيان بالقدر المطلوب إن تحقق الإتيان بلا توقف على غيره أو بما يتحقق به إن توقف على غيره كغسل جزء من الرأس ليتحقق غسل الوجه، قوله (ويل) قال القاضي: ويل كلمة تقال لمن وقع في مَهْلُكَة وقيل لمن وقع فيها ولا يستحقها وقيل هي المهلكة وقيل المشقة وقيل الحزن وقيل واد في جهنم. وعبارة المفهم هنا: قوله (ويل للأعقاب من النار) ويل كلمة عذاب وقُبُوحٍ وهلاك مثل ويح وعن أبي سعيد الخدري وعطاء بن يسار: هو واد في جهنم لو وضعت فيه الجبال لذابت من حره، وقال ابن مسعود: هو صديد أهل النار، ويقال ويل لزيد وويلًا له بالرفع على الابتداء والنصب على إضمار الفعل فإن أضفته لم يكن إلا النصب لأنك لو رفعته لم يكن له خبر (والأعقاب) جمع عَقِب بكسر القاف وسكونها وهو مؤخر القدم وهو ما يصيب الأرض إلى موضع الشراك وعقب كل شيء آخره، قوله (من النار) قال القاضي: المعذب أصحاب الأعقاب فالكلام على حذف مضاف كما قدرنا، وقال الداوودي: المعذَّب العقب من كل الرِّجْل لأن مواضع الوضوء لا تمسها النار كما جاء

463 - (00) (00) (00) (وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيوَةُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمْنِ؛ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في مواضع السجود، قال القرطبي: وهذه الأحاديث كلها تدل على أن فرض الرجلين الغسل لا المسح وهو مذهب جمهور السلف وأئمة الفتوى، وقد حكى عن ابن عباس وأنس وعكرمة أن فرضهما المسح إن صح ذلك عنهما وهو مذهب الشيعة، وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح وسبب الخلاف اختلاف القراء في قوله تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالخفض والنصب وقد أكثر الناس في تأويل هاتين القراءتين والذي ينبغي أن يقال إن دراءة الخفض عطف على الرأس فهما يمسحان، لكن إذا كان عليهما خفان وتلقينا هذا القيد من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إلا وعليهما خفان والمتواتر عنه غسلهما فبيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم بفعله الحال الذي تغسل فيه الرجل والحال الذي تمسح فيه فليكتف بهذا فإن فيه كفاية للمنصف، وقد بسطنا الكلام على هذه الآية في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن شئت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 463 - (00) (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، قال (أخبرني حيوة) بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الواو، بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثقة ثبت فقيه زاهد من (7) مات سنة (159) روى عنه في (7) قال (أخبرني محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل بن الأسود بن نوفل بن خويلد أو الأسود القرشي الأسدي المدني يتيم عروة بن الزبير كان دُفع إلى مصر في سلطان بني أمية وهو أحد بني أسد بن عبد العزى بن قصي، روى عن أبي عبد الله مولى شداد سالمٍ في الوضوء والصلاة، وعروة بن الزبير في الصلاة والصوم والحج والعلم وغيرها، عن علي بن الحسين وسليمان بن يسار وغيرهم، ويروي عنه (ع) وحيوة بن شريح وعمرو بن الحارث وسعيد بن أبي أيوب ومالك ويحيى بن أيوب وأبو شريح عبد الرحمن بن شريح وغيرهم وثَّقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة بضع وثلاثين ومائة (133) روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (أن أبا عبد الله) سالم بن عبد الله (مولى شداد بن الهاد) كذا بإسقاط الياء من

حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ. فَذَكَرَ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 464 - (00) (00) (00) وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الهادي بلا علةٍ تصريفية إلا في نسخة، قال ابن قتيبة في كتاب المعارف: هو شداد بن أسامة سُمي الهادي لأنه كان يُوقد النار ليلًا لمن يسلك الطريق، قال النواوي: قوله (عن سالم مولى شداد) وفي الرواية الأخرى (أن أبا عبد الله مولى شداد بن الهاد) وفي الثالثة (سالم مولى المهري) هذه كلها صفات له وهو شخص واحد يُقال له: سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري بالنون والصاد المهملة، وسالم سَبْنَانَ بفتح السين المهملة والباء الموحدة، وسالم البَرَّاد وسالم مولى النصريين وسالم أبو عبد الله المدني وسالم بن عبد الله وأبو عبد الله مولى شداد بن الهاد فهذه كلها تُقال فيه، قال أبو حاتم: كان سالم من خيار المسلمين، وقال عطاء بن السائب: حدثني سالم البراد وكان أوثق عندي من نفسي. اهـ (حدثه) أي حدث أبو عبد الله لمحمد بن عبد الرحمن (أنه) أي أن أبا عبد الله (دخل) يومًا (على عائشة) رضي الله تعالى عنها (فذكر) أي روى أبو عبد الله (عنها) أي عن عائشة حالة كونها راوية (عن النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث السابق، وقوله (بمثله) متعلق بأخبرني محمد بن عبد الرحمن لأنه المتابعُ، والضمير عائد على المتابَع المذكور في السند السابق وهو بكير بن عبد الله أي أخبرني محمد بن عبد الرحمن عن سالم مولى شداد بمثل ما حدث عنه بكير بن عبد الله بن الأشج، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة منهم مصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن عبد الرحمن لبكير بن الأشج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 464 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين البغدادي صدوق من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا تقريبا (وأبو مَعْن) بسكون العين (الرقاشي) البصري زيد بن يزيد الثقفي ثقة من (11) وفائدة المقارنة تقوية الأول من المتقارنين (قالا: حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليمامي ثقة من (9) مات سنة (206) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: حَدَّثَنِي، أَوْ حَدَّثَنَا، أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ. قَال: خَرَجْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمْنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي جَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. فَمَرَرْنَا عَلَى بَابِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ. فَذَكَرَ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. 465 - (00) (00) (00) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحنفي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة أحد الأئمة صدوق من (5) يغلَط، وكان مجاب الدعوة مات سنة (159) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من (5) مات سنة (232) (قال) يحيى بن أبو كثير (حدثني) أبو سلمة بن عبد الرحمن (أو) قال يحيى (حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) والشك من عكرمة بن عمار فيما قاله يحيى من الصيغتين أي حدثنا أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري ثقة فقيه كثير الحديث من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، قال أبو سلمة (حدثني سالم) بن عبد الله (مولى) شداد بن الهاد (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء نسبة إلى قبيلة أو جَدٍّ (قال) سالم مولى المهري (خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (في) تجهيز (جنازة سعد أبي وقاص) مالك بن أهيب (فمررنا على باب حجرة عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (فذكر) أبو سلمة بن عبد الرحمن عن سالم (عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل ما روى بكير بن عبد الله بن الأشج عن سالم مولى المهري، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة يماميون وواحد إما بغدادي أو بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة بن عبد الرحمن لبكير بن الأشج في رواية هذا الحديث عن سالم بن عبد الله مولى المهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وزاد الباء في قوله (بمثله) في المتابعة الأولى دون ما هنا تأكيدًا لمعنى المماثلة في تلك دون هذه لأن العرب لا تزيد شيئًا بلا فائدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 465 - (00) (00) (00) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي بكسر الميم الأولى وفتح الثانية أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) مات سنة (247) روى عنه في أربعة

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا فُلَيحٌ. حَدَّثَنِي نُعَيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ؛ قَال: كُنْتُ أَنَا مَعَ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها. فَذَكَرَ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (4) قال (حدثنا الحسن بن) محمد بن (أعين) نُسِبَ إلى جده لشهرته به القرشي مولاهم أبو علي الحراني صدوق من (9) مات سنة (210) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا فليح) مصغرًا لَقَبٌ له واسمه عبد الملك بن سليمان بن المغيرة بن حنين الخزاعي أبو يحيى المدني، روى عن نعيم بن عبد الله المجمر في الوضوء، والزهري في الصلاة والإفك، وضمرة بن سعيد في الصلاة، وسالم بن أبي النضر في الفضائل، ويروي عنه (ع) والحسن بن محمد بن أعين وأبو الربيع وسعيد بن منصور وابن وهب وغيرهم ضعفه النسائي، وقال أبو حاتم وابن معين: ليس بقوي، وقال في التقريب: صدوق كثير الخطأ من السابعة، وقال ابن عدي: اعتمده البخاري وهو عندي لا بأس به، مات سنة (168) ثمان وستين ومائة، وليس في مسلم من اسمه فليح إلا هذا، قال (حدثني نعيم بن عبد الله) المجمِرُ بضم الميم وسكون الجيم، ويقال المجمِّر بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة، سمي بذلك لأنه كان يُجْمِرُ أي يبخِّر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمجمر صفة لعبد الله ويطلق على ابنه نعيم مجازًا والله أعلم، القرشي العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبو عبد الله المدني، روى عن سالم مولى شداد في الوضوء، وأبي هريرة في الوضوء والحج، ومحمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه في الصلاة، وجابر وابن عمر وغيرهم، ويروي عنه (ع) وفليح بن سليمان وعمارة بن غزية ومالك بن أنس في الصلاة، وسعيد بن أبي هلال وغيرهم، وثقه أبو حاتم وابن معين وابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن سالم مولى شداد بن الهاد) أبي عبد الله المدني (قال) سالم (كنت أنا مع عائشة رضي الله تعالى عنها فذكر) نعيم بن عبد الله المجمر عن سالم (عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى بكير بن الأشج عن سالم، وزاد هنا الباء في بمثله تأكيدًا لمعنى المماثلة، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد حراني وواحد نيسابوري، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، فسالم وأبو سلمة ويحيى تابعيون معروفون وعكرمة بن عمار أيضًا سمع الهرماس بن زياد الباهلي

466 - (216) (52) (16) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابي رضي الله عنه وفي سنن أبي داود التصريح منه والله أعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 466 - (216) (52) (16) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق) بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا، قال إسحاق (أخبرنا جرير) وإنما أتى بحاء التحويل لاختلاف صيغتي شيخيه لأن زهيرًا قال: حدثنا جرير، وإسحاق قال: أخبرنا جرير ومعناهما مختلف في اصطلاحات مسلم (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبي عتاب بمثلثة بعدها موحدة الكوفي ثقة من (5) مات سنة (232) روى عنه في (19) بابا (عن هلال بن يساف) بكسر التحتانية ثم المهملة ثم فاء، ويقال: ابن إساف بالهمزة المكسورة الأشجعي مولاهم أبي الحسن الكوفي، روى عن أبي يحيى في الوضوء والصلاة، وسويد بن مقرن في صحبة المملوك، والربيع بن عَمِيلَة في الأدب، وفروة بن نوفل في الدعاء، وعن البراء وعمران بن حصين والحسن بن علي وأبي الدرداء وغيرهم، ويروي عنه (م عم) ومنصور بن المعتمر في الوضوء، وحصين بن عبدة بن أبي لبابة وسلمة بن كهيل وجماعة، وثقه ابن معين، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة روى عنه في خمسة أبواب كما بينا (عن أبي يحيى) اسمه مصدع بكسر الميم وسكون الصاد وفتح الدال وبالعين المهملات بوزن مسعد الأعرج المعرقب بفتح القاف مع ضم الميم عرقبه بشر بن مروان أو الحجاج أي قطع عرقوبه حين عرض عليه سبَّ عليّ فأبى منه مولى عبد الله بن عمرو وقيل اسمه زياد الأعرج المعرقب الأنصاري، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الوضوء، وعلي والحسن وابن عباس وعائشة، ويروي عنه (م عم) وهلال بن يساف وسعد بن أوس العدوي وسعيد بن أبي الحسن البصري وغيرهم، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو داود: كوفي ثقة، وقال ابن

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو؛ قَال: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. حتَّى إِذَا كُنّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ. تَعَجَّلَ قَوْمْ عِنْدَ الْعَصْرِ. فَتَوَضَّؤُوا، وَهُمْ عِجَال، فَانْتَهَينَا إِلَيهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَيلٌ للأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الوُضُوءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حبان في الضعفاء: كان يخالف الإثبات في الروايات وينفرد بالمناكير، وقال الجوزجاني: زائغ جائر عن الطَّريق يريد بذلك ما نسب إليه من التشيع، وقال في التقريب: مقبول من الثالثة (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن سهم القرشي السهمي أبي محمَّد الطائفيُّ أحد المكثرين وأحد العبادلة الفقهاء، روى عنه في سبعة عشر بابًا تقريبًا له (700) حديث اتفقا على (17) انفرد (خ) بـ (8) و (م) بـ (20) حديثًا، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد نسائي أو مروزي (قال) عبد الله بن عمرو (رجعنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة) في سفرة سافرناها معه (حتَّى إذا كُنَّا بماء) أي عند ماء (بالطريق) أي على الطَّريق (تعجل قوم) من الصحابة (عند) صلاة (العصر فتوضؤوا) للصلاة (وهم) أي والحال أنهم (عِجَال) أي مستعجلون جمع عجلان وهو المستعجل كغضبان وغضاب (فانتهينا) أي وصلنا (إليهم وأعقابهم) أي والحال أن أعقابهم (تلوح) أي تظهر يبوستها ويلمع المحل الذي لم يصبه الماء ولعلهم لم يعلموا بعدم إصابة الماء أو ظنوا بأن للأكثر حكم الكل فاكتفوا بغسل أكثر المقدم (لم يمسها الماء) أي ماء الوضوء (فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ويل) مبتدأ خبره (للأعقاب) وسوغ الابتداء قصد الدعاء عليهم، وفي النهاية: الويل الخزي والهلاك والمشقة من العذاب، والتنوين فيه للتعظيم أي هلاك عظيم وعذاب أليم (للأعقاب) أي لأصحابها (من النَّار) أي من عذابها (أسبغوا الوُضوء) بضم الواو أي أتموه بفعل جميع فرائضه وسننه أو أكملوا واجباته ولو ثبت فتح الواو لكان له وجه وجيه أيضًا أي أوصلوا ماء الوضوء إلى الأعضاء بطريق الاستيعاب، وهذا الحديث دليل على وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ وعليه جمهور الفقهاء ولم يثبت خلاف هذا من أحدٍ يعتد به في الإجماع وأيضًا يدل على ذلك أن جميع من وصف وضوء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة وعلى صفات متعددة متفقون على غسل الرجلين ولم يُنْقَل عنهم مسحهما إلَّا في حالة لبس الخفين ولو كان مسح الرجلين جائزًا لفعله صَلَّى الله عليه وسلم مرَّة من الدهر لبيان الجواز ولنقل عنه صَلَّى الله

467 - (00) (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ "أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ" وَفِي حَدِيثِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم فهذا يرشد إلى أن المسح على الرجلين لا يجوز قطعًا خلافًا للروافض استدلالًا بقراءة جر أرجلكم ولا استدلال فيه لأنها تعارضها قراءة النصب ويحمل الجر على المجاورة كما في جحر ضب خَرِبٍ، وماء سنن بارد وعذاب يوم أليم لأنَّه المؤيد بالسنة الثابتة المستفيضة، وقد بينت السنة أن قراءة الجر محمولة على حالة التخفيف، وفائدة الجر ما قاله الزمخشري من أن الأرجل مظنة الإفراط في الصب عليها. وهذا الحديث أعني حديث عبد الله بن عمرو شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 193] والبخاري [60] وأبو داود [97] والنَّسائيُّ [1/ 78]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 467 - (00) (00) (00) (وحدثناه) وفي بعض النسخ حدثناه بإسقاط الواو العاطفة أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث عبد الله بن عمرو (أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفيّ قال (حدَّثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفيِّ (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفيِّ لوقوعه ثالث السند. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدَّثنا) محمَّد (بن المثني) بن عبيد أبو موسى العنزي البصري (و) محمَّد (بن بشار) بن عثمان العبدي البصري (قالا: حدَّثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة المعروف بغندر (قال حدَّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (كلاهما) أي كل من سفيان في السند الأول وشعبة في السند الثَّاني رويا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفيِّ، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سفيان وشعبة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن منصور، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع والتقدير حدَّثنا سفيان وشعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يَحْيَى عن عبد الله بن عمرو هذا الحديث السابق (و) لكن (ليس في حديث شعبة) وروايته لفظة ("أسبغوا الوضوء" وفي حديثه) أي وفي حديث

عَنْ أَبِي يَحْيى الأعرَج. 468 - (00) (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة وروايته (عن أبي يَحْيَى الأعرج) بزيادة لفظة الأعرج، وهذان السندان من سباعياته الأوَّل منهما رجاله كلهم كوفيون إلَّا عبد الله بن عمرو، والثاني منهما ثلاثة منهم بصريون وثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 468 - (00) (00) (00) (حدَّثنا شيبان بن فروخ) الحبطي بفتح المهملة والموحدة مولاهم أبو محمَّد الأُبُلِّي بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام، صدوق يهم رمي بالقدر من صغار التاسعة مات سنة (236) روى عنه في (10) أبواب (وأبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب، وفائدة المقارنة تقوية السند لأنَّ شيبان له أوهام (جميعًا) أي حالة كونهما مجتمعين في الرِّواية (عن أبي عوانة) الوضّاح بتشديد الضَّاد المعجمة ثم مهملة ابن عبد الله اليشكري بالمعجمة الواسطيِّ البزاز مشهور بكنيته ثقة ثبت من السابعة مات سنة (176) وأتى بقوله (قال أبو كامل حدَّثنا أبو عوانة) تورعًا من الكذب عليه لأنَّه صرح بالسماع (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية واسم أبي وحشية إياس اليشكري البصري ويقال الواسطيِّ روى عن يوسف بن ماهك في الوضوء، وأبي سفيان وسعيد بن جبير في الصَّلاة والصوم وغيره، وحميد بن عبد الرحمن الحميري في الصوم، وعطاء بن أبي رباح في الحج، وميمون بن مهران في الصيد، وأبي المتوكل في الطب، وعبد الرحمن بن أبي بكرة في الفضائل، وعبد الله بن شقيق في الفضائل، ويروي عنه (ع) وأبو عوانة وهشيم ثقة ثبت من الخامسة روى عنه في (7) أبواب (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء وهو غير مصروف للعجمة والعلمية كذا في شرح النواوي وفي شروح البُخاريّ جواز كسر الهاء فيه وصرفه، بن بُهْزَاذ بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها زاي الفارسي المكيِّ، روى عن عبد الله بن عمرو في الوضوء، وعبد الله بن صفوان في الفتن، وعائشة وأبي

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو؛ قَال: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ. فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ حَضَرَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ. فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا. فَنَادَى: "وَيلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة وابن عباس وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية وعبد الملك الطبري أبو زيد وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن مرَّة وأيوب وحميد الطويل وجماعة قال ابن معين: ثقة ووثقه النَّسائيّ، وقال ابن خراش: ثقة عدل، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات سنة ست ومائة (106) (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص (قال تخلف عنا النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم) أي تأخر عنا في الطَّريق (في سفر سافرناه) من مكّة إلى المدينة (فأدركنا) أي لحقنا (وقد حضرت صلاة العصر) بفتح الضَّاد وكسرها والفتح أفصح؛ أي جاء وقت فعلها (فجعلنا) أي شرعنا (نمسح على أرجلنا) وأقدامنا أي نغسلها غير مبالغين في غسلها بسبب استعجالنا فصار شبيها بالمسح (فنادى) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بأعلى صوته (ويل) أي هلاك عظيم وعذاب أليم (للأعقاب)؛ أي لأصحابها (من النَّار). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد مكي وواحد طائفي وواحد إما أُبُلِّي أو بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة يوسف بن ماهك لأبي يحيى في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأوَّل لأنَّ أبا يَحْيَى مقبول فقواه بيوسف بن ماهك، وقال القرطبي: و (قوله وجعلنا نمسح على أرجلنا) قد يتمسك به من قال بجواز مسح الرجلين ولا حجة له فيه لأربعة أوجه: أحدها أن المسح هنا يراد به الغسل فمن الفاشي المستعمل في أرض الحجاز أن يقولوا: تمسحنا للصلاة أي توضأنا، وثانيها أن قوله (وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء) يدل على أنهم كانوا يغسلون أرجلهم إذ لو كانوا يمسحونها لكانت المقدم كله (لائحة فإن المسح لا يحصل منه بلل الممسوح، وثالثها أن هذا الحديث قد رواه أبو هريرة فقال: إن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم رأى رجلًا لم يغسل عقبه فقال: "ويل للأعقاب من النَّار" رواه أحمد والبخاري ومسلم، ورابعها أنا لو سلمنا أنهم مسحوا لم يضرنا ذلك ولم تكن فيه حجة لهم لأنَّ ذلك المسح هو الذي توعد عليه بالعقاب فلا يكون مشروعًا، والله تعالى أعلم.

469 - (217) (53) (17) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامِ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ابْنُ زَيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيهِ فَقَال: "وَيلٌ للأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ". 470 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 469 - (217) (53) (17) (حدَّثنا عبد الرحمن بن سلَّام) بتشديد اللام (لجمحي) مولاهم أبو حرب البصري صدوق من (10) مات سنة (231) روى عنه في (3) أبواب، قال (حدَّثنا الرَّبيع) بن مسلم الجمحي أبو بكر المصري ثقة من (7) مات سنة (167) روى عنه في (4) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن مسلم) إشعارًا بأن هذه النسبة مما زاده من عند نفسه إيضاحًا للراوي (عن محمَّد) بن زياد الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري ثقة ثبت ربما أرسل من (3) روى عنه في (5) أبواب، وأتى بهو في قوله (وهو ابن زياد) لما قلنا آنفًا ومر مرارًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مصري وواحد بصري (إنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم رأى رجلًا لم يغسل عقبيه) أي مؤخر قدميه تثنية عقب (فقال) بأعلى صوته (ويل للأعقاب) أي لأصحابها (من النَّار) أي من العذاب أمرًا لهم بإسباغ الوضوء وإشعارًا لهم بأن الواجب في الرجلين الغسل لا المسح، وهذا الحديث أعني حديث أبي هريرة شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 282 و 284 و 406 و 409 و 430] والبخاري [165] والترمذي [41] والنَّسائيُّ [1/ 77]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 470 - (00) (00) (00) (حدَّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف الثَّقفيّ مولاهم أبو رجاء البغلاني نسبة إلى بغلان بلدة بنواحي بلخ ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (وأبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفيِّ ثقة حافظ صاحب تصانيف من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (وأبو كريب) محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفيِّ

قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ رَأَى قَومًا يَتَوَضَّؤُونَ مِنَ الْمِطْهَرَةِ. فَقَال: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ويل لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة حافظ من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا: حدَّثنا وكيع) بن الجراح بن مليح بوزن فصيح الرؤاسي بضم الراء أبو سفيان الكوفيّ ثقة حافظ من (9) مات سنة (196) روى عنه في (19) بابا (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبي بسطام البصري إمام الأئمة وهو أول من تكلم في رجال الحديث ثقة حافظ متقن من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن محمَّد بن زياد) الجمحي المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري واثنان كوفيان أو كوفي وبغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة للربيع بن مسلم في رواية هذا الحديث عن محمَّد بن زياد، وفائدتها تقوية السند الأوَّل لأنَّ شعبة أوثق من الرَّبيع، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. (أنَّه) أي أن أبا هريرة (رأى قومًا يتوضؤون من المطهرة) هو بكسر الميم والفتح لغةٌ فيه كل إناء يتطهر به والجمع مطاهر. اهـ مصباح. وعبارة النواوي: المطهرة كل إناء يتطهر به وهي بكسر الميم وفتحها لغتان مشهورتان، وذكرهما ابن السِّكِّيت مَن كسَرها جعلها اسم آلة ومن فتحها جعلها موضعًا يُفْعَل فيه. أن (فقال) أبو هريرة (أسبغوا الوضوء) أي أكملوه بواجباته وسننه (فإني سمعت أبا القاسم صَلَّى الله عليه وسلم يقول: ويل) أي هلكة وخيبة (للعراقيب) أي لتارك غسلها في الوضوء، والعَراقيب بفتح العين جمع عُرقوب بضمها وهي العصبة التي فوق العَقِب (من النَّار) أي من أجل عذابها لتركه الواجب الذي هو غسلها في الوضوء لأنَّه يؤدي إلى عدم صحة الوضوء المؤدي إلى عدم صحة الصَّلاة المؤدي إلى العقوبة بالنار الأخروية أعاذنا الله تعالى وجميع المسلمين منها بمنه وكرمه آمين. وعبارة المفهم هنا: والعراقيب جمع عرقوب وهو العصب الغليظ الموتر فوق عقب الإنسان، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها، قال الأصمعي: وكل ذي أربع فعرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه، ومعنى الحديث أن الأعقاب والعراقيب تعذب إن لم تعمم بالغسل. اهـ.

471 - (00) (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَيلٌ للأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 471 - (00) (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النَّسائيّ ثقة من العاشرة، قال (حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرْط الضبي أبو عبد الله الكوفيّ ثقة من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني صدوق من (6) مات في خلافة المنصور روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني ثقة من (3) مات سنة (63) ليالي الحرة مقتولًا، وقال العجلي: إنه تابعي مدني موثوق به، روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النَّار) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح لمحمد بن زياد في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأوَّل حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين. * * *

127 - (32) (14) باب وجوب استيعاب محل الفرض بالطهارة

127 - (32) (14) باب وجوب استيعاب محل الفرض بالطهارة 472 - (218) (54) (18) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ؛ أَنَّ رَجلًا تَوَضَّأ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ. فَأَبْصَرَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 127 - (32) (14) باب وجوب استيعاب محل الفرض بالطهارة 472 - (218) (54) (18) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النيسابوري نزيل مكّة ثقة من كبار الحادية عشرة مات سنة (247) سبع وأربعين ومائتين، روى عنه في أربعة أبواب، قال (حدَّثنا الحسن بن محمَّد بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني وقد ينسب إلى جده صدوق من التاسعة مات سنة (210) عشرة ومائة، روى عنه في (6) أبواب، قال: (حدَّثنا معقل) بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله العبسي مولاهم الحراني صدوق يخطئ من الثامنة مات سنة (166) ست وستين ومائة، روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزُّبير) محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي مولاهم المكيّ ثقة يدلس، قال الحافظ في التقريب: صدوق إلَّا أنَّه يدلس من الرابعة مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السَّلَمي بفتحتين أبي عبد الرحمن المدني الصحابي الجليل له (1540) حديثًا مات سنة (78) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا، قال (أخبرني) أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) القرشي العدوي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة له (539) حديثًا مات سنة (23) ثلاث وعشرين روى عنه في (16) بابًا تقريبًا. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان حرانيان وواحد مكي وواحد نيسابوري، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (إن رجلًا) من الأصحاب لم أر من ذكر اسمه (توضأ) وضوءًا غير كامل (فترك موضع ظفر) أي قدر ظفر الإنسان أي قدرًا يسع ظفرًا لو وضع عليه (على قدمه) وفي الظفر لغتان أجودهما ظُفُر بضم الظاء والفاء وبه جاء القرآن العزيز، ويجوز إسكان الفاء على هذا ويقال ظِفْر بكسر الظاء وإسكان الفاء، وظِفِر بكسرهما وقرئ بهما في الشواذ وجمعه أظافر وجمع الجمع أظافير ويقال في الواحد أيضًا أظفور والله أعلم (فأبصره النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم) أي

فَقَال: "ارجِعْ فَأحسِنْ وُضُوءَكَ" فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ فرأى النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الموضع الذي تركه من المقدم (فقال) له النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (ارجع) إلى وضوئك من أوله (فأحسن وضوءك) باستيعاب جميع محل الفرض بالغسل (فرجع) الرجل إلى وضوئه من أوله فتوضأ وضوءًا كاملًا (ثم صَلَّى) ثم أراد أن يصلِّي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 21 و 24] وأبو داود [173] وابن ماجة [666]. قال القرطبي: وهذا الحديث دليل على وجوب استيعاب الأعضاء ووجوب غسل الرجلين وأن تارك بعفروضوئه جهلًا أو عمدا يستانفه إذ لم يقل له اغسل ذلك الموضع فقط، وقد جاء في كتاب أبي داود في هذا الحديث أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أمره أن يعيد الوضوء والصلاة وهذا نص. أن. قال النواوي: وفي هذا الحديث أن من ترك جزءًا يسيرًا مما يجب تطهيره لا تصح طهارته، وهذا متَّفقٌ عليه واختلفوا في المتيمم يترك بعض وجهه فمذهبنا ومذهب الجمهور أنَّه لا يصح كما لا يصح وضوؤه، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات: إحداها إذا ترك أقل من النصف أجزأه، والثانية إذا ترك أقل من قدر الدرهم أجزأه، والثالثة إذا ترك الربع فما دونه أجزأه، وللجمهور أن يحتجوا بالقياس. والله أعلم. وفي هذا الحديث أيضًا دليل على أن من ترك شيئًا من أعضاء طهارته جاهلًا لم تصح طهارته، وفيه تعليم الجاهل والرفق به، وقد استدل به جماعة على أن الواجب في الرِّجلين الغسل دون المسح، واستدل القاضي عياض وغيره بهذا الحديث على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله صَلَّى الله عليه وسلم "أحسن وضوءك" ولم يقل اغسل الموضع الذي تركته، وهذا الاستدلال ضعيف أو باطل فإن قوله صَلَّى الله عليه وسلم "أحسن وضوءك" محتمل للتيمم والاستئناف، وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر. والله أعلم. أهـ. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلَّا حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. * * *

128 - (33) (15) باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء

128 - (33) (15) باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء 473 - (219) (55) (19) حدَّثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسِ. حَ وَحَدَّثَنَا أَبُو الطاهِرِ. وَاللَّفْظُ لَهُ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ، أَو الْمُؤمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيهَا بِعَينَيهِ مَعَ الْمَاءِ، (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 128 - (33) (15) باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء 473 - (219) (55) (19) (حدَّثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الأنباري نسبة إلى الأنبار بلدة على الفرات ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلد آخر على الفرات، أبو محمَّد صدوق مدلس من العاشرة مات سنة (240) روى عنه في (7) تقريبًا (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني ثقة متقن إمام فقيه حجة من السابعة مات سنة (179) روى عنه في (17) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدَّثنا أبو الطَّاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري ثقة من العاشرة مات سنة (255) (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لأحمد بن عمرو لا لسويد، قال أبو الطَّاهر (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمَّد المصري ثقة حافظ من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف السندين بالعلو والنزول (عن مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح) السمان المدني صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان مولى جويرية بنت قيس المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذان السندان الأوَّل منهما من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا سويد بن سعيد فإنَّه هروي، والثاني منهما من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان منهم مصريان (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ العبد المسلم) أي أراد العبد المنقاد لأوامر الشرع ونواهيه الوضوء (أو) قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أو الراوي: العبد (المؤمن) أي المصدق لما جاء به النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم قلبًا وقالبًا، والشك من الراوي أو ممن دونه (فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها) أي إلى الخطيئة يعني إلى سببها من إطلاق السبب على المسبب وكذا في البواقي (بعينيه مع الماء) أي مع ماء غسل الوجه (أو) قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أو الراوي (مع آخر قطر) يقطر من

الْمَاءِ)، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ، (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ)، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُل خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ الْمَاءِ، (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ)، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (الماء) من وجهه والشك على ما ذكرنا آنفًا، وفيه تحري المسموع وإلا فهما متقاربان، والمراد بالخطايا هنا الصغائر دون الكبائر كما مر بيانه وكما في الحديث الآخر ما لم تُغْش الكبائر وخروجها من أعضاء الوضوء مع الماء مجاز عن غفرانها لأنها ليست بأجسام ولا كانت في الجسم فتخرج حقيقة، وقوله (مع آخر قطر الماء) وفي القاموس القطر ما قُطر وصُبَّ الواحدة قطرة. اهـ. وجعله الزرقاني مصدرًا وفسره بالسيلان، وتخصيص العين من بين أعضاء الوجه على ما في الأم وفي الوجه غيرها كالفم والأنف لأنَّ خيانة العين أكثر فإذا خرج الأكثر خرج الأقل فالعين كالغاية لما يُعفى، وقيل لأنَّ العين طليعة القلب ورائده فإذا ذُكرت أغنت عن غيرها، ولا يختص الخروج بفعل الواجب لذكر المضمضة في حديث الموطإ كما سيأتي (فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها) أي عملتها (يداه مع الماء أو (قال) مع آخر قطر الماء) وقوله (كان بطشتها يداه) كان فيه زائدة بين الصفة والموصوف كما هو معلوم من مواضع زيادتها المبيَّنة في كتب النحو (فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها) أي مشت إليها أوفيها أو لها فهو على نزع الخافض (رجلاه مع الماء أو (قال) مع آخر قطر الماء حتَّى يخرج) أي حتَّى يصير (نقيًّا) أي خالصًا صافيًا (من) أدران (الذنوب) وأوساخها عند فراغه من الوضوء فهو غايةٌ لخروج الخطايا من تلك الأعضاء أي خرجت خطاياه من جميع أعضائه حتَّى يصير خالصًا منها والمكفَّر الصغائر كما مر آنفًا، ولم يبين من أي المسام تخرج وبينه في الموطإ فقال (تخرج عند المضمضة من فيه وعند الاستنشاق من أنفه وعند غسل وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه حتَّى تخرج من تحت أشفار جفنه وعند غسل اليدين تخرج من تحت أظفار يديه وفي رأسه تخرج من أذنيه وفي رجليه تخرج من تحت أظفارهما وعلى ما في مسلم) فالتكفير يختص بأعضاء الوضوء، لكن قوله في الآخر حتَّى يخرج نقيًّا ظاهره العموم ويحتمل أنَّه يخصص بما ذكرنا، ويكون العموم لقرائن من الخشوع والإخلاص. اهـ. أبي ويؤخذ من الحديث أن كل عضو يطهر على انفراده لأنَّ خروج الخطايا منه فرع طهارته في نفسه، قال القاضي عياض: ويؤخذ من الحديث ترك

474 - (220) (56) (20) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيسِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخزُوميُّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الوضوء بالماء المستعمل فإنَّه ماء الذنوب وهو عند أبي حنيفة نجس، وفي استعماله عندنا قولان، ونهى مالك عنه، قيل نهي كراهة وقيل نهي عدم إجزاء فيتيمم من لم يجد سواه، فقيل بظاهره وقيل معناه يجمع بينه وبين التَّيمم لصلاة واحدة. اهـ. قال النواوي: وفي هذا الحديث دليل على الرافضة وإبطال لقولهم الواجب مسح الرجلين لا غسلهما. اهـ. وقال القاضي: وخروج الخطايا من الأذنين في حديث الموطإ دليل على أنهما من الرأس ويبطل كونهما من الوجه. اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته التِّرمذيّ فقط، رواه التِّرمذيُّ في الطهارة عن قتيبة وإسحاق بن موسى عن معن عن مالك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عثمان بن عفَّان رضي الله تعالى عنهما فقال: 474 - (220) (56) (20) (حدَّثنا محمَّد بن معمر بن ربعي القيسي) بالقاف البحراني بموحدة أبو عبد الله البصري، روى عن أبي هشام المغيرة بن سلمة المخزومي في الوضوء، وروح بن عبادة في صفة النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، ويروي عنه (ع) والبزار وابن صاعد وأحمد بن منصور الرمادي وابن أبي عاصم وأبو حاتم وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق من كبار الحادية عشرة مات سنة خمسين ومائتين (250) قال (حدَّثنا أبو هشام) مغيرة بن سلمة القرشي (المخزومي) البصري، روى عن عبد الواحد بن زياد في الوضوء والصلاة والبيوع والأطعمة، وأبي عوانة في الحج، ووهيب بن خالد في الحج والعتق والبيوع وغيرها، ويروي عنه (م د س ق) ومحمد بن معمر بن رِبْعِيّ وإسحاق الحنظلي وعباس بن عبد العظيم ومحمد بن المثني ومحمد بن بشار وإسحاق بن منصور الكوسج وغيرهم، وثقه ابن المديني، وقال في التقريب: ثقة ثبت من صغار التاسعة مات سنة (200) مائتين، روى عنه في ستة أبواب تقريبًا (عن عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم مولى لعبد القيس أبي بشر البصري ويقال له أبو عبيدة، روى عن عثمان بن حكيم في الوضوء، وعمرو بن ميمون في الأدب والصلاة، والأعمش وعبد الله بن عبد الله بن الأصم في الصَّلاة، وعمارة بن القعقاع في الصَّلاة وصفة الجنَّة،

(وَهُوَ ابْنُ زِيادٍ)، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعاصم الأحول وأبي إسحاق الشيباني في الجنائز والزكاة وغيرهما، ومحمد بن إسماعيل في الزكاة والرفق، والحسن بن عبيد الله في الصوم والأدب والدعاء، وطلحة بن يَحْيَى بن طلحة في الصوم، والجريري في الحج والبيوع، وأبي العميس في النكاح، وإسماعيل بن سميع في البيوع، ويزيد بن كيسان في الأطعمة، ومعمر في الاستئذان والطب، وأبي مالك الأشجعي في الدعاء ويروي عنه (ع) وأبو هشام المخزومي وأبو كامل الجحدري ومعليّ بن أسد ويحيى بن حسَّان ويونس المؤدب وقتيبة وحامد بن عمر البكراوي والحسن بن الرَّبيع ويحيى بن يَحْيَى وعارم بن الفضل وعفان بن مسلم وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة، وفي حديثه عن الأعمش وحده مقال من الثامنة مات سنة (176) ست وسبعين ومائة، روى عنه المؤلف في (16) بابًا تقريبًا، وأتى بهو في قوله (وهو ابن زياد) إيضاحًا للراوي وإشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته كما مر مرارًا، قال (حدَّثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حُنَيفٍ بالمهملة والنون مصغرًا الأنصاري الأوسي أبو سهل المدني ثم الكوفيِّ، روى عن محمَّد بن المنكدر في الوضوء، وأبي أمامة بن سهل بن خيف، وعامر بن عبد الله بن الزُّبير في الصَّلاة، وعبد الرحمن بن أبي عمرة في الصَّلاة، وسعيد بن يسار في الصَّلاة، وسعيد بن جبير في الصوم، وعامر بن سعد بن أبي وقاص في الحج والفتن، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة في الأدب وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وعبد الواحد بن زياد ويحيى بن سعيد الأموي وسفيان الثوري ومروان بن معاوية وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس وابن نمير وعلي بن مسعر وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات قبل الأربعين ومائة (140) وقال ابن نافع مات سنة (138) ثمان وثلاثين ومائة، روى عنه المؤلف في ستة أبواب (6) تقريبًا، قال (حدَّثنا محمَّد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا بن عبد العزى القرشي التَّيميُّ أبو عبد الله المدني أحد الأئمة الأعلام، روى عن حُمران في الوضوء، وعبد الله بن حنين في الصَّلاة، وأنس بن مالك في الصَّلاة، وجابر بن عبد الله في الصَّلاة والنكاح وغيرهما، ومسعود بن الحكم في الجنائز، ومعاذ بن عبد الرحمن التَّيميُّ في الحج، وأبي شعبة العراقي في حق المملوك، وأبي أمامة بن سهل في الذبائح، وعامر بن سعد في الطب، وسعيد بن المسيب في الفضائل، وعروة بن الزُّبير في الرفق وطائفة، ويروي عنه (ع) وعثمان بن حكيم وجعفر بن محمَّد وسفيان بن عيينة وورقاء بن عمر

عَنْ حُمْرَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفانَ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَوَضأَ فَأحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ. حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أظْفَارِه" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشعبة وابن جريج، ومالك بن أنس في الحج، وأبو حازم سلمة وأيوب والثوري والزهري وسهيل وسعيد بن أبي هلال وروح بن القاسم وسعد بن إبراهيم في الفتن وخلائق، قال ابن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال ابن حبان: كان لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان من سادات القراء، وقال في التقريب: ثقة فاضل من الثالثة مات سنة (130) ثلاثين ومائة، روى عنه في أحد عشر (11) بابًا تقريبًا (عن حُمران) بن أبان الأموي مولاهم المدني ثقة من (2) مات سنة (75) روى عنه في (2) (عن عثمان بن عفَّان) ذي النورين القرشي الأموي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وأربعة مدنيون، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (قال) عثمان بن عفَّان (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء) بالإتيان بفرائضه وآدابه (خرجت خطاياه) الصغائر (من) جميع (جسده حتَّى تخرج من تحت أظفاره) وخروجها من جسده كناية عن غفرانها كما مر، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن غيره كما في التحفة، ولم يذكر المؤلف في هذه الترجمة إلَّا حديثين: الأوَّل حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال، والثاني حديث عثمان ذكره للاستشهاد كما مر. * * *

129 - (34) (16) باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء

129 - (34) (16) باب استحباب إطالة الغُرَّة والتحجيل في الوضوء 475 - (221) (57) (21) حدّثني أبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ دِينَارٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 129 - (34) (16) باب استحباب إطالة الغُرَّة والتحجيل في الوضوء وأعلم أن أحاديث الباب مصرِّحة باستحباب تطويل الغُرة والتحجيل، أما تطويل الغُرة في الوجه فهو غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاور الوجه من كل الجوانب زائدًا على القدر الذي يجب غسله ليتحقق كمال غسل الوجه، وأمَّا تطويل الغُرة في اليدين والرجلين فهو غسل ما فوق المرفقين والكعبين، وهذا مستحب بلا خلاف بين الشَّافعية واختلفوا في قدر المستحب على أقوال: الأوَّل أنَّه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير تعيين، والثاني يستحب إلى نصف العضد والساق، والثالث يستحب إلى المنكبين والركبتين، وأحاديث الباب تحتمل هذا كله. وأمَّا دعوى ابن بطال المالكي والقاضي عياض اتفاق العلماء على أنَّه لا يستحب الزيادة فوق المرفق والكعب فباطلة، وكيف تصح دعواهما وقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأبي هريرة رضي الله عنه وهو مذهب الشَّافعية لا خلاف فيه عندهم ولو خالف فيه مُخالف كان محجوجًا بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، وأمَّا احتجاجهما بقوله صَلَّى الله عليه وسلم "من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" فلا يصح لأنَّ المراد من زاد في عدد المرات، والله أعلم. اهـ نووي. 475 - (221) (57) (21) (حدثني أبو كريب محمَّد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفيّ ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب (والقاسم بن زكرياء بن دينار) القرشي أبو محمَّد الكوفيّ الطحان وربما نُسب إلى جده ثقة من (11) مات سنة (250) روى عنه في (3) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمَّد ثقة من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو محمَّد الكوفيّ، ويقال له أبو الهيثم صدوق يَتَشَيَّع من العاشرة مات سنة (213) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن سليمان

ابْنِ بِلالٍ. حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بن غَزِيَّةَ الأنصَارِيُّ عَنْ نُعَيمِ بْنِ عَبدِ الله المُجمِرِ؛ قَال: رَأَيتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَتَوَضَّأ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي العَضُدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن بلال) التَّيميّ مولاهم أبي محمَّد المدني ثقة من (8) مات سنة (177) روى عنه في (13) بابا، قال (حدثني عمارة بن غزِيَّة) بفتح المعجمة وكسر الزَّاي بعدها ياء مشددة بن الحارث بن عمرو (الأنصاري) المازني المدني، روى عن نعيم بن عبد الله المُجمر في الوضوء، وخُبيب بن عبد الرحمن في الصَّلاة، وسُمَيِّ وربيعة بن أبي عبد الرحمن في الصَّلاة، ويحيى بن عمارة في الجنائز والزكاة، وسعيد بن الحارث بن المعلى في الجنائز، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث في الصوم والفضائل، والربيع بن سبرة في النكاح، وأبي الزُّبير في الأشربة، ويروي عنه (م عم) وسليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر وعمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب في الصَّلاة، والدراوردي وبشر بن المفضل والمعتمر بن سليمان ووهيب وسعيد بن أبي هلال وغيرهم، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: لا بأس به من السادسة مات سنة (140) أربعين ومائة (عن نعيم بن عبد الله المجمر) بصيغة اسم الفاعل من أجمر الرباعي أو جَفَر المضغَف القرشي العدوي أبي عبد الله المدني كان أبوه عبد الله مولى عمر رضي الله عنه فقال له عمر: تُحْسِن تُجْمِر المسجد، قال: نعم، فكان يُجمر فعرف به، وثقة أبو حاتم وابن معين وابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة روى عنه في (4) أبواب (قال) نعيم بن عبد الله (رأيت أبا هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وكسي أي رأيته (يتوضّأ فغسل وجهه فأسبغ) وفي بعض النسخ وأسبغ بالواو أي فأكمل (الوضوء) أي وضوء الوجه وغسله بإطالة الغرة (ثم غسل يده اليمنى) وبالغ في غسلها (حتَّى أشرع في العضد) أي حتَّى مد يده بالغسل إلى العضد وبسطها إليه من أشرع الرباعي أي مد يده بالغسل إلى العضد وكذلك يقال في قوله (حتَّى أشرع في الساق) أي مد يده إليه من قولهم أَشْرَعْتُ الرمحَ قِبَلَهُ أي مددته إليه وسدَّدته نحوه "وأشرع بابا إلى الطَّريق" أي فتحه مسدَّدًا إليه وليس هذا من شرعت في هذا الأمر ولا من "شرعت الدواب في الماء" بشيء لأنَّ هذا ثلاثي وذاك رباعي، وكان أبو هريرة يبلغ بالوضوء إبطيه وساقيه وهذا الفعل منه مذهب له ومما

ثُمَّ يَدَهُ اليُسرَى حَتَّى أَشرَعَ فِي العَضُدِ. ثُمَّ مَسَحَ رَأسَهُ. ثُمَّ غَسَلَ رِجلَهُ اليُمنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجلَهُ الْيُسرَى حَتَّى أَشرَعَ فِي السَّاقِ. ثُمَّ قَال: هَكَذَا رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ. وَقَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتُمُ الغُرُّ المُحَجَّلُونَ يَومَ القِيَامَةِ. مِن إِسبَاغِ الوُضُوءِ. فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَليُطِل غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ انفرد به ولم يَحْكه عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فعلًا وإنما استنبطه من قوله صَلَّى الله عليه وسلم "إنتم الغر المحجلون" ومن قوله (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ منه الوضوء" قال القاضي عياض: والنّاس مجمعون على خلاف هذا وأن لا يُتَعَدَّى بالوضوء حدوده لقوله صَلَّى الله عليه وسلم "فمن زاد فقد تعدى وظلم" رواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما [422] والإشراع المروي عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة هو محمول على استيعاب المرفقين والكعبين بالغسل، وعبَّر عن ذلك بالإشراع في العضد والساق لأنهما مباديهما، وتطويل الغرةِ والتحجيل إنَّما يكون بالمواظبة على الوضوء لكل صلاة وإدامته فتطول غرته بتقوية فور وجهه وتحجيله بتضاعف نور أعضائه هذا آخر كلام القاضي. وقد مر الجواب عن استدلاله قريبًا (ثم) غسل (يده اليسرى حتَّى أشرع) وأدخل الغسل (في العضد) منها (ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتَّى أشرع) وأدخل الغسل (في الساق) منها (ثم غسل رجله اليسرى حتَّى أشرع) وأدخل الغسل (في الساق) منها (ثم قال) أبو هريرة (هكذا) أي مثل وضوئي هذا (رأيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يتوضّأ). (وقال) أبو هريرة أيضًا (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنتم) أيتها الأمة (الغر) أي بِيضُ الوجوه (المحجلون) أي بيض الأيدي والأرجل (يوم القيامة من) أجل (إسباغ الوضوء) وإكماله (فمن استطاع) وقدر (منكم) أن يطيل غرته وتحجيله (فليُطِل غرته) بإسباغ غسل الوجه (وتحجيله) بإسباغ غسل اليدين والرجلين، قال النواوي: قال أهل اللغة: الغرة بياض في جبهة الفرس والتحجيل بياض في يديها ورجليها، قال العلماء: سُمِّيَ النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلًا تشبيهًا بغرة الفرس. اهـ. وفي المفهم: وأصل الغرة لمعة بيضاء في جبهة الفرس تزيد على قدر الدرهم،

476 - (00) (00) (00) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ نُعَيمِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيرَةَ يَتَوَضأُ. فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيدَيهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَينِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ حَتَّى رَفَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال منه فرس أغر ثم قد استعمل في الجمال والشهرة وطيب الذكر كما قال الشاعر: ثيابُ بني عوف طَهَارى نقية ... وأوجُهُهم عند المشاهد غُزَّارُ والتحجيل بياض في اليدين والرجلين من الفرس وأصله من الحَجْلِ وهو الخَلْخَال والقيد ولا بد أن يتجاوز التحجيل الأرساغ ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين، وهو في هذا الحديث مجاز عن النور الذي يعلو أعضاء الوضوء يوم القيامة، قال ابن العلاء: وغرة العبد المذكورة في الجنين هي الرقيق الأبيض، والأيام الغر التي ورد صومها يعني بها البيض، قال الأبي: والغر جمع أغر وسمي أبيض الوجه أغر استعارة من غرة الفرس. اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 450] والبخاري [136]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 476 - (00) (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد الأيلي) نزيل مصر أبو جعفر التميمي ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه في (2) بابين قال (حدثني) عبد الله (بن وهب) المصري أبو محمَّد القرشي مولاهم ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا قال (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أميَّة المصري ثقة من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري صدوق من (6) مات سنة (130) روى عنه في (11) بابا (عن نعيم بن عبد الله) المجمر العدوي مولاهم المدني (أنَّه رأى أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني حالة كونه (يتوضّأ) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وأربعة مصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي هلال لعمارة بن غزية في رواية هذا الحديث عن نعيم المجمر، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأوَّل لأنَّ عمارة بن غزية غير ثقة لأنَّه قيل فيه لا بأس به (فغسل) أبو هريرة (وجهه وبديه حتَّى كاد) أي قارب أن (يبلغ) ويصل (المنكبين) في غسل اليدين (ثم غسل رجليه حتَّى رفع) وأوصل

إِلَى السَّاقَينِ. ثُمَّ قَال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الوُضُوءِ. فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غسلهما (إلى الساقين ثم قال) أبو هريرة (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يأتون) ويحشرون (يوم القيامة غرًا) أي بيض الوجوه (محجلين) أي بيض الأيدي والأرجل (من أثر) ماء (الوضوء فمن استطاع) وقدر (منكم أن يطيل غرته) وتحجيله وإسقاط ذكره من باب الاكتفاء البديعي وهو ذكر أحد متماثلين وترك الآخر لعلمه من المذكور نظير قوله تعالى {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي والبرد (فليفعل) إطالتهما. ***

130 - (35) (17) باب بيان سيما أمته صلى الله عليه وسلم حين ورودهم عليه على الحوض وبيان قدر الحوض وصفته وبيان ذود رجال من أمته عنه

130 - (35) (17) باب بيان سيما أمته صَلَّى الله عليه وسلم حين ورودهم عليه على الحوض وبيان قدر الحوض وصفته وبيان ذود رجال من أمته عنه 477 - (222) (58) (22) حدَّثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ أَبِي مَالِكٌ الأَشْجَعِي سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِن حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ أَيلَةَ مِنْ عَدَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 130 - (35) (17) باب بيان سيما أمته صَلَّى الله عليه وسلم حين ورودهم عليه على الحوض وبيان قدر الحوض وصفته وبيان ذود رجال من أمته عنه 477 - (222) (58) (22) (حدَّثنا سويد بن سعيد) الهروي صدوق من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (و) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ صدوق من العاشرة مات سنة (243) روى عنه في (11) بابا، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأنَّ الراويين صدوقان، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرِّواية (عن مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (الفَزَاريُّ) أبي عبد الله الكوفيّ ثقة حافظ يدلس أسماء الشيوخ من الثامنة مات فجأة سنة (193) روى عنه في (13) بابا، وأتى بقوله (قال ابن أبي عمر حدَّثنا مروان) بصيغة السماع تورعًا من الكذب عليه (عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق) بن أشيم الكوفيّ ثقة من الرابعة مات سنة (140) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفيّ ثقة من الثالثة مات سنة (100) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد إما هروي أو عدني (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: أن حوضي) ما بين حافتيه (أبعد من) بُعْدِ (أيلة من عدن) يعني طوله وعرضه وقد جاء في الحديث الآخر زواياه سواء وسيأتي الكلام على الحوض في بابه، وهذا تحديد لقدره طولًا وعرضًا أي بُعْد ما بين طرفي حوضي أزيد من بعد أيلة من عدن وهما بلدان ساحليان في بحر القلزم أحدهما وهو أيلة في شمال بلاد العرب والآخر وهو عدن في جنوبها وهو آخر بلاد اليمن مما يلي بحر الهند، يُصْرَف بالتذكير ولا يصرف بالتأنيث كما هو المعلوم وليس بجزيرة كما زعمه المجد ويضاف إلى أبين علم آدمي

لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ. وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ بَاللَّبَنِ. وَلآنِيَتُهُ أَكثَرُ مِن عَدَدِ النُّجُومِ. وَإِنِّي لأصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ" قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ (لهو) أي لحوضي (أشد) أي أبلغ وأزيد (بياضًا من الثلج) أي الماء المتجمد وكونه أشد بياضًا من الثلج حقيقة لأنَّ البياض مقول بالتفاوت كما في كتب المقولات (وأحلى) أي أزكى وأزيد حلاوة (من العسل) المخلوط (باللبن) لأنَّ العسل وحده أحلى منه مع اللبن (ولآنيته) أي ولكيزانه التي يشرب بها منه جمع إناء كآلهة في جمع إله، وفي المصباح: والإناء والآنية كالوعاء والأوعية وزنًا ومعنى، والأواني جمع آنية فهو جمع الجمع والشافعية تُتَرْجِم بباب الآنية، والمالكية بباب الأواني ومفادهما واحد (أكثر من عدد النجوم) في السماء وهذا كناية عن كثرتها ويحتمل كونه حقيقة فإن (قلت) لا يحتملها لأنَّها من الكثرة والكبر بحيث لا تسعها ضَفَّاتُه (قلت) التشبيه في العَدد لا في العُدد والجِرم، أو يقال إن ما يشرب به منها يذهب ويخْلَق غيره، أو أنَّها تكون بأيدي الملائكة عليهم السَّلام والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ إكمال. واللام في قوله (ولآنيته) لام الابتداء كهي في قوله (لهو) (وإني لأصد) وأمنع وأطرد (النَّاس) غير أمتي (عنه) أي عن حوضي لئلا يزدحموا على أمتي كما يصد) ويطرد ويمنع (الرجل) صاحب الإبل (إبل النَّاس عن حوضه) الذي هيأه لإبله لئلا تزدحم على إبله. وعبارة المفهم هنا: قوله (وإني لأصد النَّاس) أي لأمنع وأطرد النَّاس بمعنى أنَّه يأمر بذلك، والمطرودون هنا الذين لا سيماء لهم من غير هذه الأمة، ويحتمل أن يكون هذا الصَّلاة هو الذود الذي قال فيه في الحديث الآخر "إنِّي لأذود النَّاس عن حوضي بعصاي لأهل اليمن" مبالغةً في إكرامهم يعني به السُّبَّاق للإسلام من أهل اليمن، والله أعلم. وقوله (كما يصد الرجل إبل النَّاس عن حوضه) وفي رواية أخرى "الإبل الغريبة" وهذا كقوله "كما يذاد البعير الضَّال" ووجه التشبيه أن أصحاب الإبل إذا وردوا المياه بإبلهم ازدحمت الإبل عند الورود سيكون فيها الضال والغريب وكل واحد من أصحاب الإبل يدفعه عن إبله حتَّى تشرب إبله فيكثر ضاربوه ودافعوه حتَّى لقد صار هذا مثلًا شائعًا، قال الحجاج لأهل العراق (لأحزمنكم حزم السِلْمَةِ ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل) اهـ. (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم

يَا رَسُولَ الله، أَتَعْرِفُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَال: "نَعَمْ. لَكُمْ سِيمَا لَيسَتْ لأحَدِ مِنَ الأُمَمِ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الوُضُوءِ". 478 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا رسول الله أتعرفنا) أي هل تعرفنا (يومئذٍ) أي يوم إذ وردنا عليك على الحوض (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (نعم) حرف جواب وتصديق في الإثبات أي نعم أعرفكم من بين النَّاس لأنَّ (لكم سيما) أي علامة (ليست لأحد من الأمم) غبركم لأنكم (تردون عليّ) على الحوض حالة كونكم (غرًا) جمع أغر أي بيض الوجوه (محجلين) أي بيض الأيدي والأرجل (من أثر) ماء (الوضوء) قوله (سيما) والسيماء العلامة يمد ويهمز ويقصر ويترك همزه كما في القرآن الكريم لغتان فيه ويقال فيه السيمياء بياء بعد الميم مع المد، وهذا نص في أن الغرة والتحجيل من خواص هذه الأمة ولا يعارضه قوله صَلَّى الله عليه وسلم "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي" رواه البيهقي في السنن الكبرى [1/ 80] من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، لأنَّ الخصوصية بالغرة والتحجيل لا بالوضوء وهما من الله تفضُّلٌ يختص به من يشاء. اهـ من المفهم. وعبارة النواوي هنا: وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًا وإنَّما الذي اختصت به هذه الأمة الغرة والتحجيل واحتجوا بحديث "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي" وأجاب الأولون عن هذا الحديث بجوابين: أحدهما أنه حديث ضعيف، والثاني لو صح احتمل أن يكون الأنبياء اختصت بالوضوء دون أممهم إلَّا هذه الأمة والله أعلم اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 478 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفيّ ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أيوب (وواصل بن عبد الأعلى) بن واصل التميمي الأسدي أبو القاسم الكوفيّ، روى عن محمَّد بن فضيل في الوضوء وأبي بكر بن عياش ووكيع وأسباط بن محمَّد ويحيى بن آدم وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو حاتم وأبو زرعة وبقي بن مخلد وآخرون وثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه،

واللَّفْظُ لِوَاصِلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيل، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ. وَأَنَا أَذودُ النَّاسَ عَنْهُ. كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِه" قَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، أَتَعْرِفُنَا؟ قَال: "نَعَمْ. لَكُمْ سِيمَا لَيسَتْ لأَحَدٍ غَيرِكُمْ. تَرِدُونَ عَلَى غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الوُضُوءِ، وَليُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلَا يَصِلُونَ. فَاقُولُ: يَا رَبِّ، هَؤلاءِ مِنْ أَصْحَابِي. فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأتى بقوله (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي الواصل (تورعًا من الكذب على أبي كريب (قالا حدَّثنا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان بمعجمتين الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفيّ صدوق عارف رمي بالتشيع من (9) مات سنة (195) روى عنه في (20) بابا (عن أبي مالك) سعد بن طارق بن أشيم (لأشجعي) الكوفيّ ثقة من (4) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الأشجعية الكوفيّ ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا أبا هريرة فإنَّه مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمَّد بن فضيل لمروان بن معاوية في رواية هذا الحديث عن أبي مالك الأشجعي، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ترد علي أمتي الحوض) أي عند الحوض يوم القيامة أو المعنى ترد أمتي الحوض حالة كونهم وافدين علي (و) الحال (أنا أذود) أي أمنع وأطرد (النَّاس) غيرهم (عنه) أي عن الحوض لئلا يزاحموهم (كما يذود) ويمنع (الرجل) صاحب الإبل في الدُّنيا (إبل الرجل) الآخر (عن) اختلاطها بـ (إبله) عند شربها لئلا تزدحم عليها (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صَلَّى الله عليه وسلم (يا نبي الله أتعرفنا) يومئذٍ (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (نعم) أعرفكم من بين الأمم (لكم سيما) أي لأنَّ لكم سيماء وعلامة تميزكم عن غيركم (ليست) تلك العلامة (لأحد غيركم) من الأمم السابقة لأنكم (تَرِدُون علي) عند الحوض، حالة كونكم (غرًا) أي بيض الوجوه (محجلين) أي بيض الأيدي والأرجل (من آثار) ماء (الوضوء وليُصَدن) بضم الياء وفتح الصاد والدال المشددة ونون التوكيد الثقيلة على صيغة المبني للمجهول أي والله ليُمْنَعن (عني) أي عن الوصول إلي عند الحوض (طائفة منكم) أي جماعة منكم أيتها الأمة أي تمنعهم الملائكة عن الورود علي (فلا يصلونـ) ـني (فأقول) أنا (يا رب هؤلاء) المصدودون (من أصحابي) أي من أمتي (فيجيبني ملك) من ملائكة الله سبحانه وتعالى، قال النواوي: هو هكذا بالباء

فَيَقُولُ: وَهَل تَدْرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ؟ ". 479 - (223) (59) (23) وحدّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموحدة في معظم الأصول من الجواب، وفي بعضها (فيجيئني) بالهمز من المجيء والأول أظهر وللثاني وجه (فيقول) الملك (وهل تدري) وتعلم يا محمَّد (ما أحدثوا) وأبدعوا (بعدك) أي بعد وفاتك، ولذلك مُنِعُوا عن الوصول إليك، قال النواوي: وفي الرِّواية الأخرى "قد بدلوا بعدك فأقول سحقًا سحقًا" وقد اختلف العلماء في المراد بهم على أقوال: الأوَّل: أن المراد بهم المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء مما وعدت بهم إن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم، والثاني: أن المراد بهم من كان في زمن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه صَلَّى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم فيقال له ارتدوا بعدك، والثالث: أن المراد بهم أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يُقْطَع لهؤلاء الذين يُذَادون بالنار بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنَّة بغير عذاب قال أصحاب هذا القول: ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل، ويحتمل أن يكونوا في زمن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وبعده لكن عرفهم بالسيما، وقال ابن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يُخَاف عليهم أن يكونوا ممن عُنُوا بهذا الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما فقال: 479 - (223) (59) (23) (وحدثنا عثمان) بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي أبو الحسن الكوفيّ ثقة من (10) مات سنة (239) روى عنه في (13) بابا، قال (حدَّثنا علي بن مسهر) بصيغة اسم الفاعل القرشي أبو الحسن الكوفيّ ثقة من

عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن حَوْضِي لأَبعَدُ مِن أيلَةَ مِن عَدَن، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَذودُ عَنْهُ الرِّجَال كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ الإِبِلَ الغَرِيبَةَ عَنْ حَوضِهِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَتَعْرِفُنَا؟ قَال: "نَعَمْ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثَارِ الوُضُوءِ، لَيسَتْ لأَحَدٍ غَيرِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) مات سنة (189) روى عنه في (14) بابا (عن سعد بن طارق) الأشجعي أبي مالك الكوفيّ ثقة من (4) (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة العبسي أبي مريم الكوفيّ ثقة مخضرم من الثَّانية مات سنة (104) روى عنه في (6) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان العبسي بموحدة أبي عبد الله الكوفيّ صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم له (100) حديث مات سنة (36) روى عنه في (5) أبواب، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) حذيفة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إن) ما بين طرفي (حوضي لأبْعَدُ) أي لأزيد بُعْدًا (من) بُعْد (أيلة من عدن) بلدتان معروفتان كما مر (و) أقسمت لكم بـ (الذي نفسي) وروحي (بيده) أي بيده المقدسة، ففي هذا دلالة على جواز الحلف بالله تعالى من غير استحلاف ولا ضرورة ودلائله كثيرة. اهـ. نواوي (إنِّي لأذود) وأطرد وأمنع (عنه) أي عن حوضي (الرجال) الذين لم يكونوا من أمتي لئلا يزدحموا عليهم (كما يذود) ويطرد (الرجل) الذي يسقي إبله (الإبل الغريبة عن حوضه) الذي هيأه لإبله لئلا تزدحم عليها أي أذود عنه ذودًا كذود صاحب الإبل الإبلَ الغريبة عن حوضه والغريبة التي ضلت عن صاحبها، وهذا كقوله في رواية أخرى "كما يذاد البعير الضال" ووجه التشبيه أن أصحاب الإبل إذا وردوا المياه بإبلهم ازدحمت الإبل عند الورود فيكون فيها الضال والغريب وكل واحد من أصحاب الإبل يدفعه عن إبله حتَّى تشرب إبله فيكثر ضاربوه ودافعوه حتَّى صار مثلًا شائعًا كما قال الحجاج لأهل العراق "لأضربنكم ضرب غرائب الإبل" كما مر قريبًا (قالوا) أي قال الحاضرون (يا رسول الله) أتذودهم (و) هل (تعرفنا) يومئذٍ (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (نعم) أعرفكم لأنكم (تردون علي) عند الحوض (غرًا محجلين من آثار) ماء (الوضوء ليست) تلك السيما من الغرة والتحجيل (لأحد) من الأمم (غيركم) وهذا الحديث أعني حديث حذيفة شارك المؤلف في روايته ابن ماجة رواه في كتاب الزهد كما في التحفة.

480 - (224) (60) (24) حدَّثنا يَحْيَى بن أَيُّوبَ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَليُّ بْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَال: "السَّلامُ عَلَيكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة الأوَّل بحديثه من رواية أخرى رضي الله عنه فقال: 480 - (224) (60) (24) (حدَّثنا يَحْيَى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وشريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي ثقة عابد من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثَّقفيُّ مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (وعلي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي نزيل بغداد ثقة من (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرِّواية (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقِي مولاهم أبي إسحاق المدني ثقة ثبت من (8) مات سنة (180) روى عنه في (12) بابا، وأتى بقوله (قال ابن أيوب: حدَّثنا إسماعيل) تحرزًا من الكذب، قال إسماعيل بن جعفر (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبو شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة المدني صدوق من (5) مات سنة (133) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني أبي العلاء المدني ثقة من (3) روى عن أبي هريرة في الإيمان والوضوء وغيرهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بغلاني (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أتى المقبرَة) بتثليث بائها والكسر قليل (فقال: السَّلام عليكم دار قوم مؤمنين) وإتيانه صَلَّى الله عليه وسلم المقبرة يدل على جواز زيارة القبور ولا خلاف في جوازه للرجال وأن النَّهي عنه قد نسخ، واختلف فيه للنساء على ما سيأتي في الجنائز، قال الأبي: والأظهر أنَّه إنما أتاها للزيارة ففيه استحباب الزيارة لا جوازها لأنه صَلَّى الله عليه وسلم إنَّما يفعل الأفضل، واحتمال أن يكون أتاها لدفن أو غيره بعيد اهـ.

وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله، بِكُمْ لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أنَّا قَدْ رَأَينَا إِخْوَانَنَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وتسليمه عليهم لبيان مشروعية ذلك وفيه معنى الدعاء لهم ويدل أيضًا على حسن التعاهد وكرم العهد وعلى دوام الحرمة. اهـ ط. وقال (ع) تسليمه صَلَّى الله عليه وسلم يحتمل أن الأجساد أُحْيِيَتْ له ورُدَّت إليها أرواحها فيسمعون كلامه كما سمعه أهل القليب ويردون عليه سلامه، وقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد حديثًا صحيحًا عن أبي هريرة مرفوعًا قال وإما من مسلم يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدُّنيا فيسلم عليه إلَّا رد عليه السَّلام من قبره" ويحتمل أنَّها لم تُحْيَ، وفعله دليل على الجواز فالسلام على هذا بمعنى الدعاء، قال المازري: وسلامه صَلَّى الله عليه وسلم عليهم حجة لمن يقول الأرواح بقية لا تفنى بفناء الأجساد وجاء في غير مسلم أنَّها تزور القبور اهـ. قال الأبي: القول ببقاء الأرواح لم يختلف فيه أهل السنة وإنَّما يقول بفنائها لا الأجساد المبتدعة، والصحيح ما ذهب إليه بعض علماء المتقدمين من أن الروح جسم لطيف مُشَكَّلٌ بصورة الجسد، وقوله "دار قوم" بالنصب على الاختصاص اللغوي لا الاصطلاحي لفقدان شرط الاصطلاحي وهو تقديم ضمير المتكلم أر المخاطب أو على النداء على تقدير مضاف أي يا أهل دار قوم، والأول أظهر ويجوز خفضه على البدل من الضمير في عليكم، والمراد بالدار على هذين الوجهين الأخيرين الجماعة أو أهل الدار وعلى الأوَّل مثله أو المنزل. وقوله (وأنا إن شاء الله بكم لاحقون) في إتيانه بالاستثناء مع أن الموت لا شك فيه أقوال للعلماء: أحدها: أنَّه امتثال لقول الله تعالى {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24] فكان يكثر من ذلك حتَّى أدخله فيما لا بد منه وهو الموت. وثانيها: أنَّه أراد إنا بكم لاحقون في الإيمان ويكون هذا قبل أن يُعْلَم بمآل أمره كما قال تعالى {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9]. وثالثها: أن يكون استثناء في الواجب كما قال تعالى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] وتكون فائدته التفويض المطلق. ورابعها: أن يكون أراد لاحقون بكم في هذه البقعة الخاصة فإنَّه وإن كان قد علم أنَّه يموت بالمدينة ويدفن فيها فإنَّه قد قال للأنصار "المحيا محياكم والممات مماتكم" رواه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة لكن لم تُعَيَّن له البقعة التي يكون فيها إذ ذاك. وهذا الوجه أولى وأظهر من كل ما ذُكر. اهـ من المفهم. (وددت) أي أحببت وتمنيت (أنا قد رأينا) أي إنا تمنينا رؤية (إخواننا) الذين

قَالُوا: أَوَلَسنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "أَنْتُمْ أَصحَابِي. وإخْوَانُنَا الذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعدُ". فَقَالُوا: كَيفَ تَعْرِفُ مَن لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِن أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ الله؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ سيلحقون بنا من بعدنا (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صَلَّى الله عليه وسلم (أ) تقول ذلك (ولسنا) نحن (إخوانك يا رسول الله) والهمزة للاستفهام التعجبي المضمن للإنكار (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (أنتم أصحابي) أي أنتم إخواني الذين فازوا بشرف صحبتي (و) أما (إخواننا) الذين تمنيتُ رؤيتهم هم (الذين لم يأتوا بعد) أي لم يوجدوا الآن (فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد) أي من لم يوجد الآن (من أمتك يا رسول الله) والاستفهام فيه للتعجب، قال القرطبي: وقوله (وددت أنا قد رأينا إخواننا) هذا يدل على جواز تمني لقاء الفضلاء والعلماء، وهذه الأخوة هي أخوة الإيمان اليقيني والحب الصَّحيح للرسول صَلَّى الله عليه وسلم، وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إخواني الذين يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقون برسالتي ولم يلقوني، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله" وقد أخذ ابن عبد البر رحمه الله تعالى من هذا الحديث ومن قوله صَلَّى الله عليه وسلم "إن من ورائكم أيامًا الصبرُ فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين منكم" رواه أبو داود [4341] والترمذي [3060] وابن ماجه [4014] من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنَّه يكون فيمن يأتي بعد الصّحابة من يكون أفضل ممن كان في جملة الصّحابة وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا وأن من صحب النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم ورآه ولو مرَّة من عمره أفضل من كل من يأتي بعد، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل وهو الحق الذي لا ينبغي أن يصار لغيره لأمور: أولها: مزية الصحبة ومشاهدة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وثانيها: فضيلة السبق للإسلام. وثالثها: خصوصية الذب عن حضرة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ورابعها: فضيلة الهجرة والنصرة. وخامسها: ضبطهم للشريعة وحفظها عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وسادسها: تبليغها لمن بعدهم. وسابعها: السبق في النفقة في أول الإسلام.

فَقَال: "أَرَأَيتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ. بَينَ ظَهرَي خَيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وثامنها: أن كل خير وفضل وعلم وجهاد ومعروف فُعِلَ في الشريعة إلى يوم القيامة فحظهم منه أكمل حظ وثوابهم فيه أجزل ثواب لأنهم سَنُّوا سنن الخير وافتتحوا أبوابه وقد قال صَلَّى الله عليه وسلم "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة". رواه أحمد [4/ 357] ومسلم [1017] والنَّسائيُّ [5/ 75 و 76] من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. ولا شك في أنهم الذين سنوا جميع السنن وسابقوا إلى المكارم ولو عُدِّدت مكارمهم وفسرت خواصهم وحصرت لملأت أسفارًا ولكلت الأعين بمطالعتها حيارى، وعن هذه الجملة قال صَلَّى الله عليه وسلم فيما أخرجه البزار عن جابر بن عبد الله مرفوعًا: "إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين واختار من أصحابي أربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا فجعلهم أصحابي" وقال "في أصحابي كلِّهم خير" وكذلك قال صَلَّى الله عليه وسلم "اتقوا الله في أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" رواه البُخاريّ ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وكفى من ذلك كله ثناء الله تعالى عليهم جملة وتفصيلًا وتعيينًا وإبهامًا ولم يحصل شيء من ذلك لمن بعدهم فأمَّا استدلال المخالف بقوله صَلَّى الله عليه وسلم "إخواننا" فلا حجة فيه لأنَّ الصّحابة قد حصل لهم من هذه الأخوة الحظ الأوفر لأنَّها الأخوة اليقينية العامة وانفردت الصّحابة بخصوصية الصحبة، وأمَّا قوله "فللعامل منهم أجر خمسين منكم" فلا حجة فيه لأنَّ ذلك إن صح إنَّما هو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنَّه قد قال صَلَّى الله عليه وسلم في آخره "لأنكم تجدون على الخير أعوانًا ولا يجدون" ولا بُعْد في أن يكون في بعض الأعمال لغيرهم من الأجور أكثر مما لهم فيه ولا تلزم منه الفضيلة المطلقة التي هي المطلوبة بهذا البحث والله أعلم اهـ من المفهم. (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (أرأيت) أي أخبرني أيها المخاطب (لو) ثبت (إن رجلًا له خيل) أي أفراسٌ (غرٌّ) أي بيض الوجوه (محجلة) أي بيض الأيدي والأرجل كائنة تلك الخيل (بين ظهري خيل) أي بين خيل (دُهْمٍ) أي سود (بُهْم) أي

أَلا يَعْرِفُ خَيلَهُ؟ " قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ الله، قَال: "فَإِنَّهُمْ يَأتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضوءِ. وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوضِ. أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ خالصة السواد صافيته (ألا يعرف) ذلك الرجل (خيله) الغر المحجلة، والهمزة فيه للاستفهام التقريري، وقوله (بين ظهري خيل) قيل الظهر مقحم وفي الحديث "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غِنىً" والمراد نفس الغني والمعنى هنا بين أفراس دُهْم، قال الأصمعي: تقول العرب "نحن بين ظهريهم وظهرانيهم" على لفظ الاثنين أي بينهم، والعرب تضع الاثنين موضع الجمع، وقوله (دهم) جمع أدهم أي سود من الدهمة وهي السواد، وقال الهروي: (البهم) جمع بهيم وهو الذي لا يخالط لونه لون آخر بل لونه لاشية فيه سوادًا كان أو بياضًا أو حمرة يقال: أسود بهيم وأبيض بهيم ونحوه، وقال القرطبي: والدُّهم جمع أدهم وهو الأسود من الخيل الذي يضرب إلى الخضرة، والبهم جمع بهيم وهو الذي لا لون فيه سوى الدهمة أن (قالوا: بلى يا رسول الله) يعرف خيله بالغرة والتحجيل (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (فإنهم) فإن إخواننا الذين لم يأتوا بعد (يأتون) علي (غرًا محجلين من) آثار ماء (الوضوء وأنا فرطهم على الحوض) أي متقدمهم إليه يقال: فرطتُ القوم إذا تقدمت عليهم لترتاد لهم الماء وتهيئ لهم الدلاء والرشا وافترط فلان ابنًا له أي تقدم له ابن، وعلى هنا بمعنى إلى ويحتمل أن يكون متعلقًا بمحذوف دل عليه السياق تقديره فيجدونني على الحوض (ألا) والله (ليذادن) أي يطردن (رجال) من أمتي ويمنعن (عن) ورود (حوضي كما يذاد) ويطرد (البعير الضال) عن صاحبه من حوض النَّاس، قال الإمام: وقع في بعض طرق هذا الحديث "فلا يذادن" على صيغة النَّهي ومعناه على هذا لا يفعلون فعلًا يكون سببًا لذودهم عن حوضي وأكثر الروايات "فليذادن" بلام التأكيد ومعناه فَلَيُبْعَدَنَّ وليُطردن، قال زهير: ومَن لا يَذُدْ عن حوضه بسلاحه ... يُهَدَّمْ ومَن لا يَظْلِمِ النَّاس يُظْلَمِ قال القاضي: ويصحح رواية "فلا يذادن" حديث سهل بن سعد عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بمعناه وفيه "فلا يردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم" وهذا مثل قوله تعالى {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} أي لا تفعلا فعلًا يخرجنكما. اهـ. إكمال المعلم.

أُنَادِيهِمْ: أَلا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَذَلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أناديهم ألا) أي انتبهوا واستمعوا لما أقول (هلم) أي تعالوا وأقبلوا إلي وأنا منتظر لكم هنا، قال أهل اللغة: في هلم لغتان أفصحهما هلم للرجل والرجلين والمرأة والمرأتين والجماعة من المصنفين بصيغة واحدة، وبهذه اللفظة جاء القرآن في قوله تعالى: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا} واللغة الثَّانية إلحاق العلامة بها تقول: هلم يا رجل وهلما يا رجلان وهلموا يا رجال، وللمرأة هلمي وللمرأتين هلمتا وللنسوة هَلْمُمْنَ (فيقال) لي أي تقول الملائكة لي (إنهم) أي إن هؤلاء المطرودين (قد بدلوا) دينك وغَيَّرُوه (بعدك) أي بعد وفاتك (فأقول سحقًا سحقًا) الثَّاني مؤكد للأول أي بعدًا وهلاكًا، ويروى زيادة "لمن غَيَّرَ بعدي"، وعبارة النواوي: قوله (سحقًا سحقًا) معناه بعدًا بُعدًا والمكان السحيق البعيد، ونصب على تقدير ألزمهم الله سحقًا أوسحقهم سحقًا أن. قال الأبي: وفي الحديث من أعلام نبوته صَلَّى الله عليه وسلم المتعلقة بالإخبار عن المغيبات أربعة: صفة أمته في الآخرة، وتبديلهم بعده، والثالث حالهم في الآخرة وتقرير الحكم فيهم، والرابع أن له صَلَّى الله عليه وسلم حوضًا في الآخرة، ويأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى. وفي المفهم: اختلف العلماء في تأويله فالذي صار إليه الباجي وغيره وهو الأشبه بمساق الأحاديث أن هؤلاء الذين يقال لهم هذا القول ناس نافقوا وارتدوا من الصّحابة وغيرهم فيحشرون في أمة محمَّد صَلَّى الله عليه وسلم كما تقدم من قوله "وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها" وعليهم فيما هذه الأمة من الغرة والتحجيل فإذا رآهم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عرفهم بالسيما ومن كان من أصحابه بأعيانهم فيناديهم: ألا هَلُمَّ، فإذا انطلقوا نحوه حِيل بينهم وبينه وأُخِذ بهم ذات الشمال، فيقول النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: يا رب أمتي ومن أمتي، وفي لفظ آخر أصحابي فيقال له إذ ذاك: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك وإنهم لن يزالوا مرتدين منذ فارقتهم فإذ ذاك تذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم فيبقون في الظلمات فيقطع بهم عن الورود وعن جواز الصراط فحينئذ يقولون للمؤمنين {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] فيقال لهم {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد: 13] مكرًا وتنكيلًا ليتحققوا مقدار ما فاتهم فيعظم أسفهم وحسرتهم أعاذنا الله من أحوال المنافقين وألحقنا بعباده المخلصين، وقال الداوودي وغيره: يحتمل أن يكون هذا في أهل الكبائر والبدع الذين لم يخرجوا عن الإيمان ببدعتهم وبعد ذلك يتلافاهم الله سبحانه برحمته

481 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبدُ العَزِيزِ، يَعْنِي الدَّرَاوَردِيَّ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعنٌ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ. جَمِيعًا عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى المَقبُرَةِ فَقَال: "السَّلامُ عَلَيكُم دَارَ قَومٍ مُؤْمِنِينَ. وإنَّا إِن شَاءَ الله، بِكُم لاحِقُونَ" ... بِمِثلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعفَرٍ. غَيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشفع لهم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم قال القاضي عياض: والأول أظهر. اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 375] ثم ذكر المتابعة فيه فقال: 481 - (00) (00) (00) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقفيُّ أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) قال (حدَّثنا عبد العزيز) بن محمَّد بن عبيد الدراوردي أبو محمَّد الجهني المدني صدوق من (8) وأتى بالعناية في قوله (يعني الدراوردي) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني إسحاق بن موسى) بن عبيد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي أبو موسى المدني ثقة متقن من (10) مات بأرض حمص راجعًا من الحج سنة (244) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف صيغة شيخيه قال (حدَّثنا معن) بن عيسى بن يَحْيَى بن دينار الأشجعي مولاهم أبو يَحْيَى المدني ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (198) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدَّثنا مالك) بن أنس الأصبحي أبو عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه إمام حجة من (7) مات سنة (90) روى عنه في (17) بابا، حالة كون عبد العزيز ومالك (جميعًا) أي مجتمعين في الرِّواية (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذان السندان الأوَّل منهما من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بغلاني، والثاني منهما من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد العزيز ومالك لإسماعيل بن جعفر في رواية هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: السَّلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنا أن شاء الله بكم لاحقون) وساقا عبد العزيز ومالك (بمثل حديث إسماعيل بن جعفر) واستثنى من المماثلة بالنسبة إلى رواية مالك بقوله (غير

أَن حَدِيثَ مَالِكٍ: "فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوضِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن حديث مالك) بن أنس (فليذادن رجال عن حوضي) بفاء الاستئناف بدل حرف التنبيه والاستفتاح، وجملة ما ذكر في هذه الترجمة ثلاثة أحاديث: الأوَّل حديث أبي هريرة الأوَّل ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث حذيفة وذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الثَّاني وذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. ***

131 - (36) (18) باب بلوغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء

131 - (36) (18) باب بلوغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء 482 - (225) (61) (25) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا خَلَفٌ، يَعْنِي ابْنَ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٌ الأشجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِم؛ قَال: كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيرَةَ وَهُو يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاةِ. فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، مَا هَذَا الْوُضُوءُ؟ فَقَال: يَا بَنِي فَرُّوخَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 131 - (36) (18) باب بلوغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء 482 - (225) (61) (25) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد) قال (حدَّثنا خلف) بن خليفة بن صاعد الأشجعي مولاهم أبو أحمد الكوفيّ ثم الواسطيِّ ثم البغدادي، روى عن أبي مالك الأشجعي في الوضوء، والوليد بن سريع في الصَّلاة، ويزيد بن كيسان في الأطعمة وصفة النَّار، ويروي عنه (م عم) وقتيبة بن سعيد ومحرز بن عون وابن أبي شيبة ويحيى بن أيوب وهشيم وسعيد بن منصور، ويقال إنه رأى عمرو بن حريث صاحب النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقال في التقريب: صدوق اختلط في الآخر من الثامنة مات سنة إحدى وثمانين ومائة (181) وهو ابن (101) مائة سنة وسنة واحدة، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن خليفة) لما مر مرارًا (عن أبي مالك) سعد بن طارق بن أشيم (الأشجعي) الكوفيّ ثقة من (4) مات سنة (140) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الأعرج مولى عزة الأشجعية الكوفيّ جالس أبا هريرة خمس سنين ثقة من (3) مات سنة (100) مائة، روى عنه في (5) أبواب (قال) أبو حازم (كنت خلف أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغلاني (وهو) أي والحال أن أبا هريرة (يتوضّأ للصلاة فكان) أبو هريرة (يمد) ويبسط (يده) المغسولة (حتَّى تبلغ) يده الغاسلة (إبطه) أي إبط يده المغسولة، والإبط بكسر الهمزة وسكون الباء الموضع المنخفض تحت منتهى العضد وفيه الضُّنَان غالبًا وينبت فيه الشعر، قال أبو حازم (فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء) البالغ إلى الإبط وما رأيت أحدًا يتوضَّأ مثل هذا الوضوء (فقال) أبو هريرة لأبي حازم (يا بني فروخ) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وبالخاء المعجمة قيل إنه كان من ولد إبراهيم الخليل عليه السَّلام بعد إسماعيل وإسحاق أكثر نسله، والعجم الذي في وسط البلاد من ولده وكنى أبو هريرة بذلك عن الموالي وكان خطابه لأبي حازم سلمان الأعرج

أَنْتُمْ ههُنَا؟ لَوْ عَلِمْتُ أَيُّكُمْ ههُنَا مَا تَوَضَّأتُ هذَا الْوُضُوءَ. سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ حَيثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشجعي الكوفيّ مولى عزَّة الأشجعية وليس بأبي حازم سلمة بن دينار الفقيه الزَّاهد المدني مولى بني مخزوم، وكلاهما خُرِّجَ عنه في الصحيحين (أنتم ها هنا) أي في موضع جهل سُنِّية المبالغة في التحجيل وإنكارهم على أبي هريرة واعتذاره عن إظهار ذلك الفعل يدل على انفراده بذلك الفعل (لو علمت) أنا أوّلًا (أنكم) يا بني فروخ (ها هنا) أي في موضع جهل سنية المبالغة في التحجيل (ما توضأت هذا الوضوء) الذي بالغت فيه في التحجيل حتَّى لا تتوهموا أن ما فعلت من الإشراع هو فرض لازم. قال القاضي عياض: فيه أنَّه لا ينبغي لمن يُقتدى به إذا ترخص في شيء لضرورة أو شدد فيه لوسوسة أن يفعله بحضرة العوام خوف أن يترخصوا فيه لغير ضرورة أو يعتقدوا أن ما شدَّد فيه واجب، ومنه قول عمر رضي الله عنه "أيها الرُّهَيطُ إنكم يقتدى بكم" قال الأبي: قد تقدم أنَّه إنَّما استند في الإشراع لفعله صَلَّى الله عليه وسلم فليس الحديث من ذلك الباب (سمعت خليلي صَلَّى الله عليه وسلم) وقوله خليلي ليس بمعارض لحديث "لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا" لأن الممتنع أن يتخذ النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أحدًا خليلًا لا أن يتخذه صَلَّى الله عليه وسلم أحدٌ خليلًا وليست الخلة من النسب المنعكسة من الطرفين حتَّى يلزم ذلك فيها (يقول تبلغ الحلية) يوم القيامة أراد بها النور (من المؤمن) أي النور الشبيه بالحلية بجامع أن كلا منهما يزين العضو الواقع فيه (حيث يبلغ الوَضوء) بفتح الواو أي المحل الذي يصل إليه ماء الوضوء. قال الأبي: ولا يخفى عليك ما في احتجاجه بالحديث من النظر لأنَّه إنَّما دل على فضل الوضوء في نفسه بظهور أثره لا على الإكثار من التحلية، وقد قال أبو عبيد: المراد بالحلية هنا التحجيل من أثر الوضوء، وقال غيره: الأوْلَى أنَّه من قوله تعالى {وَحُلُّوا أَسَاورَ مِنْ فِضَّةٍ} ورد بأنه لا ربط بين الحلية والتحلِّي فإن الحلية السيماء والتحلي التزيين إلَّا أن في النهاية حليته ألبسته الحلية. واحتجاجه بهذا الحديث يدل على أن قوله "من استطاع منكم أن يطيل غرتها ليس من لفظ النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وإلا كان يحتج به لأنَّه أبين اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 371] والنَّسائيُّ [1/ 93] ولم يذكر في هذه الترجمة إلَّا حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه.

132 - (37) (19) باب فضل إسباغ الوضوء مع المكاره

132 - (37) (19) باب فضل إسباغ الوضوء مع المكاره 483 - (226) (62) (26) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. أَخْبَرَنِي العَلاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحو الله بِهِ الْخَطَايَا ويرفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ " قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ الله. قَال: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ مع الْمَكَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 132 - (37) (19) باب فضل إسباغ الوضوء مع المكاره والمكاره جمع المكره بمعنى الكره والمشقة يعني به إتمامه بإيصال الماء إلى مواضع الفرض حال كراهة فعله لشدة البرد أو ألم الجسم كما سيأتي قريبًا. 483 - (226) (62) (26) (حدَّثنا يَحْيَى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة) بن سعيد البغلاني الثَّقفيُّ (و) علي (بن حجر) السعدي أبو الحسن المروزي ثقة من (9) (جميعًا عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) وأتى بقوله (قال ابن أيوب حدَّثنا إسماعيل) تورعًا من الكذب عليه، قال (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني صدوق من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مروزي وواحد إما بغدادي أو بغلاني أو مروزي (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم) جوابهم ببل يدل على أن لا نافية دخلت عليها همزة الاستفهام التقريري ويحتمل كونها للاستفتاح بناء على أن حرف الاستفتاح يدخل على الجملة الفعلية. اهـ أبي بتصرف (على ما يمحو الله) سبحانه وتعالى ويمسح (به) أي بسببه (الخطايا) والذنوب من صحف الملائكة (ويرفع به الدرجات) في الجنَّة، قال الأبي: ومحو الخطايا كناية عن غفرانها، ويحتمل أنَّه حقيقة من صحف الملائكة، والخطايا جمع خطيئة وهي الذنوب مطلقًا ورفع الدرجات إعلاء المنازل في الجنَّة (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صَلَّى الله عليه وسلم (بلى) دُلنا على ذلك (يا رسول الله، قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذلك (إسباغ الوضوء) أي إكماله واستيعابه جميع محل الفرض والمسنون (مع المكاره) أي مع المشاق والمتاعب بأن يتوضّأ مع البرد الشديد والعلل

وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ. وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ. فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ التي يتأذى معها بمس الماء، وفي الأبي: إسباغ الوضوء إكماله وإتمامه، والمكاره جمع مَكْرَهٍ بفتح الميم والراء وقد تكون المشقة لشدة البرد وألم الجسم وفوت المحبوب وتكَلُّفِ طلب الماء وشرائه بثمن غال وغير ذلك وتسخين الماء لدفع برده ليقوى على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور (وكثرة الخُطَا إلى المساجد) قال القاضي: تكون ببعد الدار عن المسجد وبكثرة التكرار إليه، والخُطا جمع الخطوة وهي بضم الخاء ما بين القدمين وبفتحها المصدر ويكون للمرة، وكثرتها أعم من أن يكون ببُعد الدار وبكثرة التكرار. اهـ مبارق، وفي الأبي: قال عز الدين بن عبد السَّلام: ولا يمر إلى المسجد من أبعد طريقيه لتكثر الخُطا لأن الغرض الحصول في المسجد، والحديث إنَّما هو تنشيط لمن بعُدت داره أن لا يكسل وإمام المسجد لا يمنعه أخذ المرتب من ثواب تكرره إليه، وكان الشَّيخ ابن عرفة إمام الجامع الأعظم بتونس ولداره بُعْدٌ منه فكان يقول وقد نِيفَ عمره على الثمانين سنة: منعني من النُّقلة إلى قُرب الجامع حديث بني سلمة يعني قوله صَلَّى الله عليه وسلم لهم حين أرادوا التحول إلى قُرب المسجد "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم" ومن نحو ما ذُكر في المنع أن يؤثر أبعد المسجدين منه بالصلاة فيه لكثرة الخُطا مع ما جاء "لا صلاة لجار المسجد إلَّا في المسجد" وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: قلت يا رسول الله إنِّي بين جارين فإلي أيهما أُهدي؟ قال: إلى أقربهما دارًا. اهـ من الأبي (وانتظار) وقت (الصَّلاة) الثَّانية بمراقبته ليفعلها في الوقت الأفضل (بعد) فعل (الصَّلاة) الأولى وأدائها في وقتها كانتظار وقت العصر بعد الظهر والعشاء بعد المغرب، وقيل المراد بالانتظار الجلوس في المسجد ليفعلها جماعة، قال ابن العربي: ويحتمل أن يريد بالانتظار تعلق القلب بالصلاة فيَعُمُّ الخمس، وقال ابن عرفة: جلوس الإمام في المسجد ينتظر الصَّلاة يدفع بذلك مشقة الرجوع لمطر أو بُعد دار لا يمنع من نيل الثواب المذكور (فذالكم) المذكور أيها المخاطبون من الأمور الثلاثة هو (الرباط) المرغب فيه الكامل الأجر الذي ينبغي حبس النَّفس عليه، وأصل الرباط بكسر الراء الحبس على الشيء وكأنه حبس نفسه على هذه الطاعة، قال الأبي: والرباط لغة الحبس والحصر، وعُرفًا الإقامة بأطراف بلاد المسلمين لحراسة العدو يعني على حدودهم منعًا من دخولهم بلاد المسلمين بالسيطرة والغلبة، والمقصود هنا المعنى اللغوي، قال ابن العربي: المعنى فذالكم الرباط المأمور به في قوله تعالى {اصْبِرُوا} الآية.

484 - (00) (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا مَعْنٌ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. جَمِيعًا عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَلَيسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ ذِكْرُ الرِّبَاطِ. وفِي حَدِيثِ مَالِكٍ ثِنْتَينِ: "فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 277] والترمذي [51] والنَّسائيُّ [89 - 90]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 484 - (00) (00) (00) (حدثني إسحاق بن موسى) بن عبيد الله (الأنصاري) الخطمي أبو موسى المدني ثم الكوفيّ ثقة متقن من (10) مات بأرض حمص سنة (244) روى عنه في (5) أبواب، قال (حدَّثنا معن) بن عيسى الأشجعي أبو يَحْيَى المدني ثقة ثبت من (10) مات سنة (198) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدَّثنا مالك) بن أنس الأصبحي أبو عبد الله المدني ثقة إمام حجة من (7) مات سنة (179) ودُفن بالبقيع (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدَّثنا محمَّد بن المثني) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) قال (حدَّثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغُندر، قال (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام الكوفيّ (جميعًا) أي كل من مالك وشعبة رويا (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة، وهذان السندان من سداسياته الأوَّل منهما رجاله كلهم مدنيون، والثاني منهما ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقهما بيان متابعة شعبة ومالك لإسماعيل بن جعفر في رواية هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (ليس في حديث شعبة) وروايته (ذكر الرباط) بل اقتصر على تعداد الثلاثة ولم يقل فذالكم الرباط (وفي حديث مالك) وروايته ذكر الرباط (ثنتين) أي تكراره مرتين حيث قال (فذالكم الرباط فذالكم الرباط) أي قال هذه الكلمة مرتين، وحكمة تكرارها الاهتمام بها وتعظيم شأنها وقيل كررها على عادته في تكرار الكلام لِيُفْهَم عنه والأول أظهر، وأصل الرِّبَاط بكسر الراء أن يربط الفريقان خيولهم في ثُغْرِ كل منهما مُعَدًّا لصاحبه يعني أن المواظبة على الطهارة ونحوها كالجهاد وقيل معناه أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصي وتكفُّهُ عن المحارم كذا في المجمع، وقيل إنه أفضل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرباط كما قيل الجهاد جهاد النَّفس، ويحتمل أنَّه الرباط المتيسر الممكن أي إنه من أنواع الرباط، وقال القاضي: إن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنَّها تسد طرق الشَّيطان على النَّفس وتَقْهَر الهوى وتمنعها من قبول الوساوس فيغلِبُ بها حزب الله تعالى جنود الشَّيطان وذلك هو الجهاد الأكبر. اهـ تحفة الأحوذي. ولم يذكر في هذا الباب إلَّا حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه أعلم. * * *

133 - (38) (20) باب السواك

133 - (38) (20) باب السواك 485 - (227) (63) (27) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "لَولا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (وَفِي حَدِيثِ زُهَيرٍ، عَلَى أُمَّتِي) ـــــــــــــــــــــــــــــ 133 - (38) (20) باب السواك والسواك بكسر السِّين يُجمع على سُوُكٍ ككتاب وكتب، وهو لغة: الدلك وآلته، وشرعًا: استعمال عود ونحوه في الأسنان وما حواليها لإذهاب التغير ونحوه بنيةٍ، وأركانه ثلاثة مستاك ومستاك به ومستاك فيه، وهو من الشرائع القديمة كما يدل له قوله صَلَّى الله عليه وسلم "هذا سواكي وسواك الأنبياء من قبلي" أي من عهد إبراهيم عليه السَّلام لا مطلقًا لأنَّه أول من استاك، ونص بعضهم على أنَّه من خصائص هذه الأمة بالنسبة للأمم السابقة لا للأنبياء لأنَّه كان للأنبياء السابقين من عهد إبراهيم دون أممهم. اهـ بيجوري على ابن قاسم. 485 - (227) (63) (27) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثَّقفيُّ البغلاني من (10) (وعمرو) بن محمَّد بن بكر (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد الحَرَشِيُّ أبو خثيمة النَّسائيّ، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدَّثنا سفيان) بن عيينة الهلالي أبو محمَّد الكوفيّ ثم المكيِّ ثقة حافظ فقيه حجة وكان ربَّما دلس من الثامنة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة من الخامسة (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ ثقة ثبت عالم قارئ من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد منهم إما بغلاني أو بغدادي أو نسائي. (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على المؤمنين، وفي حديث زهير) وروايته (على أمتي) بدل على المؤمنين أي لولا أن أثقل عليهم من المشقة وهي

لأمرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُل صَلاةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشدة قاله في النهاية يقال شق عليه أي ثقل أو حمله من الأمر الشديد ما يشق ويشتد عليه، والمعنى لولا خوف وقوع المشقة عليهم أو أن مصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبًا على كلا التقديرين أي لولا خوف المشقة عليهم موجود أو لولا المشقة عليهم موجودة (لأمرتهم) أمر وجوب (بالسواك) أي باستعمال السواك لأنَّ السواك هو الآلة ويُستعمل أيضًا في الفعل أي لأمرتهم بالاستياك (عند كل صلاة) فرضًا كانت أو نفلًا ولكن خوف المشقة منعني من أمرهم بالاستياك أمر وجوب، ولكن مأمورون به أمر استحباب، قال القارئ في المرقاة: قوله (عند كل صلاة) أي عند وضوئها لما روى ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والبخاري تعليقًا في كتاب الصوم عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" ولخبر أحمد وغيره "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل طهور) فتَبَيَّن من حديث الباب أن موضع السواك عند كل صلاة، والشافعية يجمعون بين الحديثين بالسواك عند ابتداء كل منهما. اهـ تحفة الأحوذي، والحاصل أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم همَّ بإيجاب السواك على أمته ورأى المشقة لضعفهم وعجزهم، فقال: لولا خوف المشقة لأوجبت عليهم السواك فلفظة لولا لامتناع الثَّاني لوجود الأوَّل فإذا ثبت وجود الأوَّل وهو خوف المشقة ها هنا ثبت امتناع الثَّاني وهو وجوب السواك فبقي السواك على نَدْبِيَّتِه في حقهم فهذا يرد مذهب الظاهرية القائلين بالوجوب. اهـ بذل المجهود. وأمَّا هو صَلَّى الله عليه وسلم فالسواك لكل صلاة كان واجبًا عليه دون أمته لأنَّه كان يُناجي ملائكة الله تعالى لأنَّ مناجاتهم يقتضي أن يبتعد عن الرائحة النتنة ولهذا كره أكل الطَّعام الذي فيه البقول النتنة، وفي هذا الحديث دليل على جواز الاجتهاد للنبي صَلَّى الله عليه وسلم فيما لم يرد فيه نص من الله تعالى، وفيه بيان ما كان عليه النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم من الرفق بأمته وفيه دليل على فضيلة السواك عند كل صلاة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 410] والبخاري [7240] وأبو داود [46] والترمذي [22] والنَّسائيُّ [1/ 12]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

486 - (228) (64) (28) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيحٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ. قُلْتُ: بِأَيِّ شَيءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيتَهُ؟ قَالتْ: بِالسِّوَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 486 - (228) (64) (28) (حدَّثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) بن كريب الهمداني ثقة من (10) قال (حدَّثنا) محمَّد (بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكوفيّ ثقة من (9) مات سنة (203) (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفيّ ثقة ثبت من (7) مات سنة (153) (عن المقدام بن شريح) بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفيّ، روى عن أبيه في الوضوء والفضائل وغيرهما، وقميرٍ مصغرًا امرأةِ مسروق، ويروي عنه (م عم) ومسعر والثوري وإسرائيل وشعبة والأعمش وشريك وابنه يزيد وغيرهم، وثقه أبو حاتم وأحمد والنَّسائيُّ، وقال في التقريب: ثقة من السادسة (عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي المَذْحِجِيّ أبي المقدام اليمنى نزيل الكوفة من كبار أصحاب علي بن أبي طالب، روى عن عائشة في الوضوء والدعاء وغيرهما، وعن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص في الفضائل، وأبي هريرة في الدعاء وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وابنه المقدام بن شريح والقاسم بن مخيمرة والشعبي والحكم بن عتيبة، مخضرم معمر ثقة عابد قُتل مع ابن أبي بكرة بسجستان سنة ثمان وسبعين (78) عن مائة (100) سنة أو أكثر (قال) شريح (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها فـ (قلت: بأي شيء كان يبدأ النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: ) كان النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم يبدأ (بالسواك) لأجل السلام على أهله فإن السَّلام اسم شريف فاستعمل السواك للإتيان به أو ليطيب فيه لتقبيل زوجاته. اهـ مناوي. فيكون على أطيب حالة ليكون أدعى لمحبة زوجاته له وهذا تعليم للأمة وإلا فرائحة فيه صَلَّى الله عليه وسلم أطيب من رائحة الطَّيِّب. اهـ حفني، وخص البيت لأنَّه لا يفعله ذو المروءة بحضرة النَّاس ولا بالمسجد لما فيه من إلقاء ما يستقذر. قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على استحباب تعاهد السواك لما يكره من تغير رائحة الفم من الأبخرة والأطعمة وغيرها، وعلى أنَّه يُتَجَنَّب استعمال السواك في المساجد والمحافل وحضرة النَّاس، ولم يُرو عنه صَلَّى الله عليه وسلم أنَّه تسوك في المسجد ولا في محفل من النَّاس لأنَّه من باب إزالة القذر والوسخ، ولا يليق بالمساجد ولا محاضر النَّاس ولا يليق بذوي المروءات فعل ذلك في الملإِ من النَّاس، ويحتمل أن

487 - (00) (00) (00) وحدَّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيِّ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ المِقْدَامِ بْنِ شُرَيح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيتَهُ بَدَأَ بالسِّوَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون ابتداء النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم عند دخول بيته بالسواك لأنَّه كان يبدأ بصلاة النافلة فقلما كان يتنفَّلُ في المسجد. اهـ. قال الأبي: وقيل لأنَّ الغالب أنَّه لا يتكلم بالطريق والسكوت يُغَيِّر رائحة الفم فكان يستاك ليزيل ذلك، وفعله هذا تعليم للأمة وهو صَلَّى الله عليه وسلم المنزّه المبرّأ أن يلحقه شيء من ذلك، فمن سكت ثم أراد أن يتكلم مع صاحبه فليستك لئلا يتأذى صاحبه برائحة فيه. والله أعلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 41] وأبو داود [51 و 56 و 57] والنَّسائيُّ [1/ 17]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 487 - (00) (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمَّد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري صدوق من (10) مشهور بكنيته مات سنة (240) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدَّثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسَّان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري الإمام العلم ثقة ثبت من (9) مات سنة (198) بالبصرة، روى عنه في (14) بابًا تقريبًا (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبي عبد الله الكوفيّ ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من (7) وكان ربَّما دلس مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن المقدام بن شريح) بن هانى بن يزيد الحارثي الكوفيّ (عن أبيه) شريح بن هانئ الكوفيّ (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لمسعر بن كدام في رواية هذا الحديث عن المقدام بن شريح، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيه من بعض المخالفة للرواية الأولى (إنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) فيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:

488 - (229) (65) (29) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ غَيلانَ، (وَهُوَ ابْنُ جَرِيرِ الْمِعْوَليُّ) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ قَال: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 488 - (229) (65) (29) (حدَّثنا يَحْيَى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء البصري ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (5) أبواب، قال (حدَّثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه من (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) (عن غيلان) بن جرير الأزدي المِعْوَلي، بكسر الميم وفتحها وسكون العين المهملة وفتح واوه نسبة إلى معولة بطن من الأزد البصري، روى عن أبي بردة في الوضوء والإيمان وحُرمة المؤمن، ومطرف بن الشِخِّير في الصَّلاة والصوم، وعبد الله بن معبد الرُّمَّاني في الصوم، وأبي قيس زياد بن رباح في الجهاد، ويروي عنه (ع) وحماد بن زيد ومهدي بن ميمون وشعبة وأبان العطار وأيوب السختياني وجرير بن حازم وشداد أبو طلحة الراسبي، وثَّقَه أحمد، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، وأتى بهو في قوله (وهو ابن جرير المعولي) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه (عن أبي بردة) عامر بن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري الكوفيّ ثقة من الثَّانية، روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفيّ الصحابي الجليل رضي الله عنه له (360) حديثًا مات سنة (50) روى عنه في (8) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان (قال) أبو موسى (دخلت على النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) نستحمله في غزوة تبوك (وطرت السواك على لسانه) والمراد بالسواك هنا الشيء المستاك به، وكان المراد به في الأحاديث المتقدمة الاستياك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الطهارة عن أبي النُّعمان وأبو داود عن مسدد وأبي الرَّبيع، والنَّسائيُّ في الطهارة عن أحمد بن عبدة أربعتهم عن حماد بن زيد. أن تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث حذيفة رضي الله عنه فقال:

489 - (230) (66) (30) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا هُشَيمْ عَنْ حُصَينٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيفَةَ قَال: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِيَتَهَجَّدَ، يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 489 - (230) (66) (30) (حدَّثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفيّ قال (حدَّثنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطيِّ ثقة ثبت من (7) مات سنة (183) روى عنه في (18) بابا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفيّ ثقة مات سنة (136) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفيّ ثقة مخضرم مات سنة (100) روى عنه في (9) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان العبسي أبي عبد الله الكوفيّ الصحابي الجليل صاحب سر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مات سنة (36) روى عنه في (5) أبواب (قال) حذيفة كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إذا قام) من نومه في الليل واستيقظ (ليتهجد) أي ليصلِّي صلاة التهجد في الليل (يَشُوص فاه) أي يدلك فيه (بالسواك). وقوله (إذا قام ليتهجد) أي ليصلي بالليل امتثالًا لقوله تعالى {وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} والتهجد الصَّلاة بالليل بعد النوم، يقال هجد الرجل إذا نام وتهجد إذا خرج من الهجود وهو النوم بالصلاة كما يقال تحنث وتأثم وتحرج إذا اجتنب الحنث والإثم والحرج، وقال (ع): تهجد إذا نام وتهجد إذا قام من الليل فهي من الأضداد، قوله (يشوص فاه بالسواك) أي يدلك أسنانه وينَقِّيهَا، قال المازري: شاص وماص استاك عرضًا، وقال الهروي: شاص إذا غسل يده أوفيه وكل شيء غسلته فقد شُصْتَهُ ومُصْتَهُ، وقيل لأعرابية: اغسلي ثوبي قالت: نعم وأموصه أي أغسله ثانية برفق، وقال ابن الأعرابي: الشَّوْصُ الدَّلك والمَوْصُ الغسل، وقال وكيع: الشوص وبالطول والسواك بالعرض، وقال ابن دريد: الشوص الاستياك من سُفل إلى عُلو ومنه الشُّوصَةُ ريح يرفع القلب عن محله، وقال الداودي: يشوصه أي يُنقيه كما قال فيه "مطهرة للفم" وقال ابن حبيب: يشوص فاه أي يحكُّه، وفي الصحاح: الشوص الغسل والتنظيف، قال الأبي: هذه المقالات كلها تفسير لمدلول اللفظ لغة، وأمَّا تفسير ما في الحديث فقيل المعنى يغسله وقيل يدلكه. اهـ. وهذا الحديث أعني حديث حذيفة شارك المؤلف في روايته البُخاريّ [245] وأبو داود [55] والنسائي [1/ 8].

490 - (00) (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُولا: لِيَتَهَجَّدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 490 - (00) (00) (00) (حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ مجتهد من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا، قال (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفيّ ثقة من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبي عتاب الكوفيّ ثقة ثبت من (5) مات سنة (132) روى عنه في (19) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدَّثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفيّ ثقة حافظ من (10) مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدَّثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفيّ ثقة صاحب حديث من (9) مات سنة (199) روى عنه في (17) بابا (وأبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير التميمي الكوفيّ ثقة من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا جميعًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمَّد الكوفيّ ثقة حافظ قارئ ورع لكنَّه يدلس من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (كلاهما) أي كل من منصور وسليمان الأعمش رويا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفيّ (عن حذيفة) بن اليمان الكوفيّ. وهذان السندان من خماسياته الأوَّل منهما رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مروزي، والثاني منهما رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقهما بيان متابعة منصور والأعمش لحصين بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) حذيفة بن اليمان (كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إذا قام من الليل) وساقا أي ساق كل من منصور والأعمش الحديث السابق (بمثله) أي بمثل ما ساق حصين بن عبد الرحمن (ولم يقولا) أي لم يقل الأعمش ومنصور أي لم يذكرا في روايتهما لفظة (ليتهجد) كما ذكره حصين وهذا استثناء من المماثلة، وفي بعض النسخ (ولم يقولوا) بضمير الجمع وهو تحريف من النساخ.

491 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ. وَحُصَينْ والأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. 492 - (231) (67) (31) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 491 - (00) (00) (00) (حدَّثنا محمَّد بن المثني) العنزي أبو موسى البصري (و) محمَّد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدَّثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسَّان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت من (9) مات سنة (198) روى عنه في (14) بابا، قال (حدَّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفيّ ثقة من (7) روى عنه في (24) بابا (عن منصور) بن المعتمر الكوفيّ (وحصين) بن عبد الرحمن الكوفيّ (و) سليمان (الأعمش) الكوفيّ (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفيّ (عن حذيفة) بن اليمان الكوفيّ. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان وأربعة كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لجرير بن عبد الحميد وهشيم بن بشير وعبد الله بن نمير وأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن منصور وحصين والأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل) واستيقظ ليتهجد (يشوص فاه) أي يدلكه وينقيه (بالسواك) أي بآلة الاستياك ولم يذكر سفيان لفظة ليتهجد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رابعًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 492 - (231) (67) (31) (حدَّثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر ثقة من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابا، قال (حدَّثنا أبو نعيم) الفضل بن دُكين التميمي مولاهم الأحول الكوفيّ مشهور بكنيته ثقة ثبت من (9) مات سنة (219) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدَّثنا إسماعيل بن مسلم) العبدي أبو محمَّد البصري قاضي جزيرة قيس، روى عن أبي المتوكل في الوضوء والبيوع والأشربة،

حَدَّثَنَا أبُو الْمُتَوَكِّلِ؛ أَن ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ بَاتَ عِندَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيلَةٍ. فَقَامَ نَبِيُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن آخِرِ اللَّيلِ. فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ}، حَتَّى بَلَغَ: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضأ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحمد بن واسع في الحج، وسعيد بن مسروق في الضحايا والحسن البصري، ويروي عنه (م د س) وأبو نعيم وعبيد الله بن عبد المجيد ووكيع وابن عيينة وروح بن عبادة وابن المبارك وابن مهدي قال ابن المديني: روى نحوًا من ثلاثين حديثًا، وثقه أبو حاتم والنَّسائيُّ وأحمد ويحيى وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة من السادسة (حدَّثنا أبو المتوكل) علي بن داود، ويقال: ابن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة الناجي بنون وجيم البصري من بني سامة بن لؤي، روى عن ابن عباس في الوضوء، وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله في البيوع، ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن مسلم وعاصم الأحول وسليمان الربعي وبشير بن عقبة والمثنى بن سعيد وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية وقتادة وثابت، قال ابن المديني: ثقة مشهور بكنيته له خمسة عشر حديثًا (15) وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (108) ثمان ومائة، وقيل قبل ذلك (أن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي حجر الأمة وترجمان القرآن رضي الله تعالى عنهما المدني المكيِّ الطائر، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد كسي (حديثه) أي حدث لأبي المتوكل (أنه) أي أن ابن عباس (بات) أي نام (عند النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) في بيت خالته ميمونة بنت الحارث الهلالية (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي فلفظة ذات مقحمة ليحفظ كيفية صلاته صَلَّى الله عليه وسلم في الليل (فقام) أي استيقظ (نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم من آخر الليل) أي في بعض ساعات آخر الليل (فخرج) من بيته (فنظر في السماء) ليتفكر في مخلوقاتها (ثم تلا) أي قرأ صَلَّى الله عليه وسلم بعد الاستياك (هذه الآية) الآتية المثبتة (في) سورة (آل عمران) التي هي قوله تعالى ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}) وما فيهما من العجائب ({وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ}) بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان {لآيَاتٍ} أي لدلالات على قدرته تعالى {لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي لذوي العقول الكاملة أي قرأها (حتَّى بلغ) أي وصل قوله تعالى ({فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ ثم قام فصلَّى)

[تتمة]

ثُمَّ اضطَجَعَ، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلا هَذهِ الآيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضأ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعتين (ثم اضطجع) ونام (ثم قام) أي استيقظ (فخرج) من البيت (فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية ثم رجع) إلى البيت (فتسوك فتوضأ ثم قام فصلَّى) ركعتين ثم رجع إلى فراشه فنام ثم استيقظ ففعل مثل ذلك مرات فصار مجموع صلاته ست ركعات ثم أوتر بثلاث ركعات كما هو مصرح في رواية أبي داود، قال ابن بطال ومن تبعه: في هذا الحديث دليل على رد من كره قراءة القرآن على غير طهارة لأنَّه صَلَّى الله عليه وسلم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضّأ، وتعقبه ابن المنير وغيره بأن ذلك مُفَرَّع على أن النوم في حقه ينقض الوضوء وليس كذلك لأنَّه قال "تنام عيني ولا ينام قلبي" وأمَّا كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء أو أحدث بعد ذلك فتوضأ كذا في فتح الباري. قال النواوي: وفيه دليل على أنَّه يستحب للمستيقظ أن ينظر إلى السماء ويقرأ هذه الآيات لما في ذلك من عظيم التدبر وإذا تكرر نومه واستيقاظه وخروجه استحب تكريره قراءة هذه الآيات كما ذكر في الحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 220 و 354]، والبخاري [117]، وأبو داود [58]، والنَّسائيُّ [2/ 30] وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأوَّل حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال، والثاني حديث عائشة وذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي موسى وذكره أيضًا للاستشهاد، والرابع حديث حذيفة وذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث ابن عباس وذكره للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. [تتمة] وأعلم أن السواك مستحب في جميع الأوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابًا: أحدها عند الصَّلاة سواء كان متطهرًا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابًا، الثَّاني عند الوضوء، الثالث عند قراءة القرآن، الرابع عند الاستيقاظ من النوم، الخامس عند تغير الفم وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما لَهُ رائحة كريهة ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام، ومذهب الشَّافعي أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشَّمس لئلا يزيل رائحة الخُلُوف المستحبة، ويستحب أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يستاك بعود من أراك وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك كالخرقة الخشنة والأُشْنَان، وأمَّا الإصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السواك، وإن كانت خشنة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: المشهور لا تُجزئ، والثاني تجزئ، والثالث تُجزئ إن لم يجد غيرها ولا تُجزئ إن وجد، والمستحب أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليُبس يجرح ولا رطب لا يزيل، والمستحب أن يستاك عرضًا ولا يستاك طولًا لئلا يُدمي لحم أسنانه فإن خالف واستاك طولًا حصل السواك مع الكراهة، ويستحب أن يُمِرَّ السواك أيضًا على طرف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارًا لطيفًا، ويستحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن من فيه ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه، ويستحب أن يُعَوِّدَ الصبي السواك، ثم إن السواك سنة ليس بواجب في حال من الأحوال لا في الصَّلاة ولا في غيرها بإجماع، وما حُكي عن داود الظاهري وإسحاق بن راهويه من وجوبه عندهما فليس بنقل صحيح بل هو سنة عندهما أيضًا فالإجماع على سنيته صحيح لا مخالف فيه. اهـ نواوي. ***

134 - (39) (21) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها

134 - (39) (21) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها 493 - (232) (68) (32) حدَّثنا أَبو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال أَبُو بَكرٍ: حَدَّثَنَا ابنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 134 - (39) (21) باب خصال الفطرة والتوقيت فيها أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في بيان الخصال والأمور التي يُزين فعلها الفطرة والخلقة أي الجسم لأن هذه الخصال مُتَّفِقَةٌ في أنها محافظة على حسن الهيئة والنظافة وكلاهما يحصل به البقاء على أصل كمال الخلقة التي خُلق الإنسان عليها وبقاء هذه الأمور وترك إزالتها يُشَوِّهُ الإنسان ويُقبحه بحيث يُستقذر ويُجتنب فيخرج عما تقتضيه الفطرة الأولى فسُميت هذه الخصال فطرة لهذا المعنى والله أعلم. اهـ قرطبي. والفطرة على ما ذكره ابن الملك هي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء وانقضت عليها الشرائع وكانها أمر جِبليٌّ فُطِرُوا عليها. اهـ منه. 493 - (232) (68) (32) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من (15) (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من العاشرة (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم أبي محمد الأعور الكوفي ثقة من (8) (قال أبو بكر: حدثنا ابن عيينة، عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (الزهري) أبي بكر المدني ثقة من (4) (عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أبي محمد المدني أحد الفقهاء السبعة بالمدينة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفطرة) أي الخصال التي تُزين الفطرة والخلقة وتنظِّفُها وتحسِّنُها ويُشوه تركها الخلقة أو المعنى السنن التي فُطرت وجُبلت عليها الأنبياء المتقدمة من لدن إبراهيم - عليه السلام - أي اعتادوها حتى صارت جبلة وخلقة لهم (خمس) خصال أي محصورة في خمس خصال لأن المبتدأ معرَّف بأل الجنسية فيُفيد الحصر، كما قال علي الأجهوري:

(أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ)، الْخِتَانُ، وَالاستِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَار، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ". 494 - (00) (00) (00) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مبتدأ بلام جنس عُرِّفا ... منحَصَر في مُخبرٍ به وَفَا وإن عَرَى عنها وعُرِّف الخبر ... باللام مطلقًا فبالعكس استقر والمعنى الفطرة منحصرة في خمس (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (خمس) خصال (من الفطرة) أي من الأمور التي تُزين الخلقة أو من السنن القديمة، ومن تبعيضية أي خمس خصال بعض السنن القديمة فلا تُعارِض رواية الحصر لأن المعنى عليها أصول الفطرة ومؤكداتها خمس، والشك من الراوي هل قال النبي صلى الله عليه وسلم الأول أو الثاني؟ وقد جزم في الرواية الثانية فقال: الفطرة خمس ثم فسر النبي صلى الله عليه وسلم الخمس فقال: أحدها (الختان) وهو في الذكر قطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة، وفي الأنثى قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج (و) ثانيها (الاستحداد) وهو حلق العانة سُمي استحدادًا لاستعمال الحديدة وهي الموسى فيه، والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذلك الشعر الذي حوالي فرج المرأة (و) ثالثها (تقليم الأظفار) أي قطعها وإزالتها بالموسى ونحوها وهي جمع ظفر وهي العظام التي تنبت على أطراف الأصابع (و) رابعها (نتف الأبط) أي إزالة شعر الإبط بنتف أو حلق لأن الإبط موضعه، وخُرِّج نتف الإبط وحلق العانة على المتيسر فيهما، ولو عكس فحلق الإبط ونتف العانة جاز لحصول النظافة بكل ذلك، وقيل لا يجوز في العانة إلا الحلق لأن نتفها يؤدي إلى استرخائها وضعف الشهوة ذكره أبو بكر بن العربي (و) خامسها (قص الشارب) أي إزالته بالمقص ونحوه وهو الشعر النابت على الشفة العليا سُمي بذلك لدخوله الشراب عند الشرب إذا طال، ويُسمى النابت على الشفة السفلى بالعنفقة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5891]، وأبو داود [4198]، والترمذي [2757]، والنسائي [1/ 14 - 15]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 494 - (00) (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي

وَحَرْمَلَةُ بن يَحيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهَاب، عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم؛ أَنَّهُ قَال: "الْفِطرَةُ خَمسٌ: الاختِتَانُ، وَالاستِحدَادُ، وَقصُّ الشارِبِ، وَتَقلِيمُ الأَظفَارِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ". 495 - (233) (69) (33) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، كِلاهُمَا عَن جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري ثقة من (10) (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري ثقة من (11) (قالا) أي قال كل من أبي الطاهر وحرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ثقة من (9) قال (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي أبو يزيد الأموي ثقة من (7) (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني ثقة من (4) (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات وفي نسقها (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الفطرة) أي الأمور التي تُزين خلقة الإنسان وتُنظِّفها وتُحسِّنها (خمس) ذكَّرَ اسم العدد لأن المعدود مؤنث (الاختتان) أي خَتْنُ الرجل نفسه أو الصبي (والاستحداد) أي إزالة العانة بالحديد كالموسى وسُمي الشعر عانة لما في إزالته من العنت وهو المشقة (وقص الشارب) أي إزالته بالمقص حتى يبدو طرف الشفة (وتقليم الأظفار) أي إزالتها ويُسمى المُزال قُلامة (ونتف الأبط) أي إزالة شعره حلقًا أو نتفًا والأَوْلى نتفه وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى في الفصل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث أنس استدلالًا على الجزء الأخير من الترجمة واستشهادًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر بعض الفطرة فقال: 495 - (233) (69) (33) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي مولاهم أبو زكريا النيسابوري ثقة من (15) روى عنه في (19) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن طريف البغلاني أبو رجاء الثقفي مولاهم ثقة من (15) روى عنه في (7) أبواب كلاهما عن جعفر) بن سليمان الضُبَعِيّ بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضُبيعة نزل فيهم

قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال أَنسٌ: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو سليمان البصري صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب، وأتى بقوله (قال يحيى أخبرنا جعفر بن سليمان) تورعًا من الكذب عليه (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري (الجوني) بفتح الجيم نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد ثقة من (4) روى عنه في (12) بابا (عن أنس بن مالك) الأنصاري الخزرجي البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد إما نيسابوري أو بغلاني (قال) أبو عمران الجوني (قال أنس) بن مالك (وُقِّت) بضم الواو وكسر القاف المشددة على صيغة المبني للمجهول ونائب فاعله المصدر المنسبك من قوله أن لا نترك وهو في حكم المرفوع نظير قولهم أُمرنا نُهينا كما تقدم في أوائل الكتاب، وقد جاء في غير صحيح مسلم وَقَّتَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذكر (لنا في) تحديد وقت (قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الأبط وحلق العانة أن لا نترك) إزالتها أي ذُكر لنا في تعيين وقت إزالتها عدم تركها زمانًا (أكثر من أربعين ليلة) تقريبًا، ومن المعلوم أن الذاكر لهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم من فن الاصطلاح، قال القاضي عياض: قال العقيلي: في حديث جعفر هذا نظر، قال: وقال ابن عبد البر لم يروه إلا جعفر بن سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه (قلت) وقد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به وقد تابعه غيره. اهـ نواوي. وهذا الحديث تحديد لأكثر المدة، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة وإلا فلا تحديد فيه للعلماء، إلا أنه إذا أكثر ذلك أزيل. والله أعلم. اهـ قرطبي. قال القاضي عياض: وهذا حد لأكثر الترك أي لا يترك أكثر من ذلك ولا حد لأقله عند العلماء، والمستحب من الجمعة إلى الجمعة. اهـ. وذكر النيسابوري من حديث أنس قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يومًا، وأن ينتف إبطه كلما طلع، ولا يدع شاربه يطول، وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى

496 - (234) (70) (34) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمعة، وأن يتعاهد البراجم كلما توضأ فإن الوسخ إليها سريع، فالضابط بحسب هذا الحديث الحاجة والطول، فإذا طال شيء من ذلك أزيل. اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أنس أحمد [3/ 122 و 203، وأبو داود [4200]، والترمذي [2759]، والنسائي [1/ 15 - 16]. ثم استدل المؤلف على بعض أنواع الفطرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 496 - (234) (70) (34) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) قال (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري الأحول ثقة متقن إمام قدوة من (9) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سعيد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي ثقة من (15) قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي ثقة من (9) حالة كون يحمى وعبد الله بن نمير (جميعأ) أي مجتمعين في الرواية (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري أبي عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة في المدينة ثقة ثبت من (5) (عن نافع) الفقيه العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه مشهور من (3) (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المدني الصحابي الجليل. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو بصريان (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحفوا الشوارب) بهمزة قطع مفتوحة من الإحفاء وهو الإزالة أي أزيلوا ما طال على الشفتين من الشوارب جمع شارب وهو الشعر النابت على الشفة العليا كما مر، وقال ابن دريد: يقال حفا شاربه يحفوه حَفْوًا إذا استأصل أخذ شعره فهو على هذا ثلاثي وألفه للوصل فيبتدأ بالضم لضم ثالثه (وأعفوا اللِّحَى) بهمزة قطع مفتوحة من الإعفاء، وإعفاؤها توفيرها وتكثيرها أي أنبتوها وأطيلوها، قال أبو عبيد: يقال عفا

497 - (00) (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيء إذا كثُر وإذا دَرَسَ فهو من الأضداد، وفي الحديث "فعلى الدنيا العفاء" أي الدروس، وقال القاضي عياض: يقال عفوت الشيء وأعفيتة لغتان، وسنة بعض العجم حلقها وتوفير الشارب وهي كانت سنة الفرس ويُكره حلقها وقصها وجاء الحديث بذم فاعله ويُكره أيضًا تعظيمها كما يُكره قصها، والأخذ منها طولًا وعرضًا حسن، وبعض السلف لم يحد ما يؤخذ منها وقال: لا تتركها إلى حد الشهرة، وبعضهم حده بما زاد على القبضة وبعضهم كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة، وكره مالك تطويلها جدًّا، قال النواوي: المختار تركها وعدم أخذ شيء منها البتة. (قلت) في الحديث إن الله تعالى زين بني آدم باللحى وإذا كانت زينة فالأحسن تحسينها بالأخذ منها طولًا وعرضًا وتحديد ذلك بما زاد على القبضة كما كان ابن عمر يفعل ذلك وهذا فيمن تزيد لحيته وأما من لا تزيد لحيته فياخذ من طولها وعرضها بما فيه تحسين فإن الله تعالى جميل يحب الجمال. (فإن قلتَ) تحسينها بالأخذ منها طولًا وعرضًا مناف لقوله صلى الله عليه وسلم "أعفوا اللحى". (قلت) الأمر بالإعفاء إنما هو لمخالفة المشركين لأنهم كانوا يحلقونها ومخالفتهم تحصل بعدم أخذ شيء البتة أو بأخذ اليسير الذي فيه تحسين فالصواب ما ذكرنا. وأما الشعر النابت على الخد فكان الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن المنتصر لا يزيله وكان غيره يزيله ممن هو في طبقته واختاره الشيخ ابن عرفة ويزال النابت على الحلق بخلاف النابت على اللحى الأسفل. اهـ أبي، واللحى بكسر اللام جمع لحية وهو الشعر النابت على الذقن والذقن مجتمع اللحيين فلا يدخل فيها شعر الخد وشعر الحلق وشعر العنفقة. اهـ. وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر شارك المؤلف في روايته البخاري [5892]، وأبو داود [4199]، والترمذي [2764]، والنسائي [1/ 16]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 497 - (00) (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن عمر (قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة من (10)

عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بنِ نَافِع، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ، وَإِعْفَاءِ اللِّحيَةِ. 498 - (00) (00) (00) حدَّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمدٍ. حَدَّثَنَا نَافِع عَنِ ابْنِ عُمَر؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني ثقة إمام من (7) (عن أبي بكر بن نافع) العدوي المدني مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، روى عن أبيه في الوضوء فقط، وسالم بن عبد الله بن عمر، ويروي عنه (م دت) ومالك بن أنس ويحيى بن عبد الله بن سالم والدراوردي وغيرهم، قال أحمد: هو أوثق ولد نافع له في (م) فرد حديث، وقال الحاكم: لم أقف على اسمه، وقال في التقريب: صدوق من كبار السابعة مات سنة (173) ثلاث وسبعين ومائة (عن أبيه) نافع العدوي مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه مشهور من (3) مات سنة (117) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي أحد المكثرين. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي بكر بن نافع لعبيد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن نافع، وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب) وإزالتها واستئصالها حتى تبدو حمرة الشفة (واعفاء اللحية) وإنباتها وإكثارها وتوفيرها بلا إزالة شيء منها، فلا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها فأما أخذ ما تطاير منها وما يُشَوِّهُ ويدعو إلى الشهرة طولًا وعرضًا فحسن عند مالك وغيره من السلف، وكان ابن عمر يأخذ من طولها ما زاد على القبضة. اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 498 - (00) (00) (00) (حدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو عثمان العسكري نزيل الري ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا (عن عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني ثقة من (6) مات سنة (150) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا نافع) العدوي مولى ابن عمر المدني (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب أبي عبد الرحمن المدني.

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ. أَحْفُوا الشوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى". 499 - (235) (71) (35) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي العَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ يَعْقُوبَ، مَوْلَى الْحُرَقَةِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "جُزُّوا الشَّوَارِبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد عسكري، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمر بن محمد لعبيد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن نافع، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا) أيها المؤمنون (المشركين) في فطرتكم ف (أحفوا الشوارب) أي أزيلوها واستاصلوها حَلْقًا أو قصًا أو نتفًا (وأوفوا اللحى) أي أنبتوها وأكثروها ولا تزيلوا منها شيئًا فإن المشركين يحلقون اللحية وينبتون الشوارب وأول من فعل ذلك مجوس الفرس. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال: 499 - (235) (71) (35) (حدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني نزيل بغداد ثقة ثبت من الحادية عشرة مات سنة (270) سبعين ومائتين، روى عنه في (8) أبواب، قال (أخبرنا ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي مولاهم أبو محمد المصري ثقة ثبت فقيه من (10) مات سنة (224) روى عنه في (5) أبواب، قال (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزُّرَقِي مولاهم المدني ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب) الجهني (مولى الحُرَقة) بطن من جهينة أبي شبل المدني صدوق من (5) مات سنة (133) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي المدني ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بغدادي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جزوا الشوارب) أي قصوها بالمقص وأزيلوها بالموسى

وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ". 500 - (236) (72) (36) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا الرواية الصحيحة عند الكافة، ووقع خذوا الشوارب وكأنه تصحيف، قال القاضي: قال الكوفيون وكثير من السلف يستأصل شعر الشارب لظاهر هذه الألفاظ لأنه ورد فيه "قص الشارب" وفي الآخر "وإحفاء الشارب" وفي الآخر "جزوا الشوارب" وفي البخاري (أنهكوا الشوارب) وأباه مالك وكثير منهم وكان مالك رحمه الله تعالى يرى حلقه مُثْلَةً يؤدب فاعله وفُسرت هذه الألفاظ بالأخذ منه حتى يبدو الإطار وهو طرف الشفة، وخَيَّر بعض العلماء بين الفعلين، قال الأبي: ليس في هذه الألفاظ ما هو نص في استئصاله بالموسى والمشترك بين جميعها التخفيف أعم من أن يكون بالأخذ من طول الشعر أو من مساحته والألفاظ ظاهرة في أنه من الطول، وروي أن عمر رضي الله عنه كان إذا أهمه أمر جعل يفتل شاربه وهو يقتضي أنه لم يكن يأخذ من طوله، وإذا كان القصد إنما هو التخفيف لتنظيف مدخل الطعام (وأرخوا اللحى) أي نزِّلوها من الذقن وطَوِّلُوهَا، ووقع لابن ماهان "وأرجوا اللحى" بالجيم وكأنه تصحيف ويحتمل تخريجه على أنه أراد (أرجئوا) من الإرجاء وهو التأخير فسهل الهمزة فيه (خالفوا المجوس) بفعل ما أمرتكم به فإنهم يحلقونها وهذا دليل على اجتناب التشبه بهم في كل الأمور. وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة هذا أحمد [2/ 365 و 366]، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على باقي أنواع الفطرة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 500 - (236) (72) (36) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة حافظ من (9) مات سنة (196) روى عنه في (19) بابا (عن زكريا بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي أبي يحيى الكوفي ثقة، وكان يدلس من السادسة مات سنة (149) روى عنه في (13) بابا (عن مصعب بن شيبة) بن جبير بن شيبة بن عثمان بن

عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبَيرِ، عَن عَائِشَةَ؛ قَالت: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ طلحة الحجبي المكي الكعبي، روى عن طلق بن حبيب في الوضوء، ومسافع بن عبد الله وعمة أبيه صفية بنت شيبة في اللباس والفضائل، وعن أبيه، ويروي عنه (م عم)، وزكرياء بن أبي زائدة وابنه زرارة وحفيده عبد الله بن زرارة وابن جريج ومسعر، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: لين الحديث من الخامسة (عن طلق بن حبيب) بسكون اللام العنزي البصري الزاهد، روى عن عبد الله بن الزبير في الوضوء، والأحنف بن قيس في العلم، وابن عمر وابن عباس وأنس، ويروي عنه (م عم) ومصعب بن شيبة وسليمان بن عتيق وعمرو بن دينار والأعمش وسليمان التيمي وأيوب وخلق، صدوق عابد رمي بالإرجاء، من الثالثة مات بعد التسعين (90) قتله الحجاج هو وسعيد بن جبير، وكان ممن يخشى الله، وكان لا يركع حتى يبلغ العنكبوت (عن عبد الله بن الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، أبي خُبَيب مصغرًا المكي، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وهو أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة وفارس قريش، له ثلاثة وثلاثون (33) حديثًا، اتفقا على حديث وانفرد (خ) بستة وانفرد (م) بحديثين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وعن عائشة في الوضوء والحج والنكاح والفتن، وسفيان بن أبي زهير في الحج، وعمر في اللباس، والزبير في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل، ويروي عنه (ع) وطلق بن حبيب وابنه عامر بن عبد الله وأبو الزبير في الصلاة، وسعيد بن ميناء وعطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وابن أبي مليكة وخلق، قتل بمكة سنة (73) ثلاث وسبعين في ذي الحجة وحمل رأسه إلى المدينة وبعث إلى خراسان ودفن بها رضي الله عنه. وكان مولده بعد الهجرة بعشرين شهرًا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد إما بغلاني أو كوفي أو نسائي (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر) خصال (من الفطرة) أي من الأمور التي تزين فطرة الإنسان، وخلقته أي جسمه أو من السنن القديمة، فمن هنا تبعيضية ولذلك لم يذكر فيها الختان، ولعله هو الذي نسيه مصعب، ولا تعارض بين قوله هنا عشر وفي حديث أبي هريرة خمس لاحتمال أن يكون أعلم بالخمس أولًا ثم زِيدَ عليها قاله عياض، ويحتمل أن تكون الخمس المذكورة في حديث أبي هريرة هي أوكد من غيرها. اهـ من

قَصُّ الشارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ العَانَةِ، وَانْتِقَاصُ المَاءِ". قَال زَكَرِيَّاءُ: قَال مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ العَاشِرَةَ. إِلا أَنْ تَكُونَ الْمَضمَضَةَ. زَادَ قُتَيبَةُ: قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ المفهم (قص الشارب) أي إزالته بالمقص ونحوه (واعفاء اللحية) أي إكثارها بالإنبات (والسواك) أي دلك الأسنان بآلته (واستنشاق الماء) أي إدخال الماء في الخيشوم لإخراج ما فيه من الوسخ (وقص الأظفار) أي إزالتها بالمقص ونحوه حتى تبدو البشرة تحتها (وغسل البراجم) وهي عقد الأصابع من ظهر الكف، والرواجب عقدها من باطن الكف (ونتف) شعر (الإبط) إن كان لا يضره وإلا فيحلقه كما كان الإمام الشافعي يفعل ذلك (وحلق العانة) أي الشعر النابت فوق الفرج وحواليه، والأفضل في حق الرجل حلقها لأن نتفها يضعف شهوته، وفي حق المرأة نتفها لأنه يخفف عنها شهوتها، وذكر الحافظ ابن عدي من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ادفنوا الأظفار والشعر والدم فإنها ميتة" (وانتقاص الماء) أي انتضاحه على الفرج ليستنجي به، قال (ع): وفسره وكيع في الأم بالاستنجاء، وفسره أبو عبيد بانتقاص البول بسبب غسل المذاكر، وقيل معناه أن ينضح الفرج بعد الوضوء ليطرد الوسواس، قال النواوي: وجاء في الحديث انتضاح بدل انتقاص، وذكر ابن الأثير: بالقاف وقال في فصل الفاء وقيل الصواب بالفاء، قال: والمراد نضحه عن الذكر، وهذا الذي نقله شاذ والصواب ما تقدم، قال الأبي: والانتضاح بالماء أن يأخذ قليل الماء فيرش به مذاكيره ليذهب الوسواس، وكان صلى الله عليه وسلم يفعله قطعًا للوسواس وإن كان محفوظًا منه، لكن يفعله تعليمًا للأمة أو كان يفعله ليرتد البول ولا ينزل منه الشيء بعد الشيء. اهـ وهذا المعنى هو الظاهر. (قال زكرياء) بن أبي زائدة بالسند السابق (قال مصعب) بن شيبة: وهذه الخصال تسع (ونسيت العاشرة إلا أن تكون) تلك المنسية (المضمضة) لمناسبتها الاستنشاق، قال القاضي عياض: الأوْلى أن يقال إنها الختان المذكور في الخمس المذكورة في حديث أبي هريرة، وجاء الحديث من طريق عمار في غير الأم فذكر فيه الختان والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب ولم يذكر فيه إعفاء اللحى، فلعله لأنهما كسنة واحدة، وذكر فيه انتضاح الماء مكان انتقاصه وهو بمعنى غسله. اهـ (زاد قتيبة) على قرينيه لفظة (قال

وَكِيعٌ: انْتِقَاصُ الْمَاءِ، يَعْنِي الاسْتِنْجَاءَ. 501 - (00) (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيبَةَ، فِي هَذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أنهُ قَال: قَال أَبُوهُ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيع انتقاص الماء يعني) به النبي صلى الله عليه وسلم (الاستنجاء) بالماء. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة فقال: 501 - (00) (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث عائشة (أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) قال (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون نُسب إلى جده لشهرته به الهمداني الوادعي مولاهم مولى لامرأة من وادعة أبو سعيد الكوفي، روى عن أبيه في الوضوء، ثقة متقن من (9) مات سنة (184) وله (93) سنة، روى عنه في (12) بابا (عن أبيه) زكرياء بن أبي زائدة الهمداني الكوفي (عن مصعب بن شيبة) بن جبير الحجبي المكي وكلمة في في قوله (في هذا الإسناد) بمعنى الباء واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع بفتح الباء وهو وكيع وشيخه زكرياء بن أبي زائدة والضمير في (مثله) عائد إلى المتابع المذكور في السند الأول وهو مفعول ثان لما عمل في المتابع بكسر الباء والتقدير حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة عن أبيه زكرياء عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب البصري عن عبد الله بن الزبير المكي عن عائشة المدنية رضي الله تعالى عنها مثله أي مثل ما روى وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة، واستثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن يحيى بن زكرياء (قال) في روايته (قال أبوه) زكرياء ابن أبي زائدة (ونسيت العاشرة) بدل قول وكيع قال مصعب: ونسيت العاشرة فجعل يحيى النسيان منسوبًا إلى أبيه زكرياء بخلاف وكيع فإنه جعله منسوبًا إلى مصعب بن شيبة، والإمام مسلم رحمه الله تعالى لدقة فهمه وشدة حفظه وإتقانه يُبين مثل هذا من الدقائق النفيسة المشحونة في جامعه. وهذا السند أيضًا من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مكيان وواحد بصري وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي زائدة لوكيع في رواية هذا الحديث عن زكرياء بن أبي زائدة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث خمسة: الأول حديث أبي

(فصل في مباحث خصال الفطرة العشرة)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة ذكره للاستدلال على بعض خصال الفطرة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستدلال على بعض خصال الفطرة وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر، والخامس حديث عائشة ذكره للاستدلال به على باقي خصال الفطرة، وأخَّرَه لأن في سنده مصعب بن شيبة وهو لين الحديث كما ذكره الحافظ في التقريب. (فصل في مباحث خصال الفطرة العشرة) الأول منها في الختان: أما الختان فهو واجب عند الشافعي وكثير من العلماء وسنة عند مالك وأكثر العلماء، وهو عند الشافعي واجب على الرجال والنساء جميعًا ولا يمتنع قرن الواجب بغيره كما في قوله تعالى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} والإيتاء واجب والأكل ليس بواجب، والله أعلم. ثم إن الواجب في الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي تُغطي الحشفة المسماة بالقُلْفَة حتى ينكشف جميع الحشفة، وفي المرأة قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج المسماة بالبظرة، والصحيح الذي عليه جمهور الشافعية أن الختان جائز في حال الصغر ليس بواجب ولهم وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه، ووجه أنه يحرم ختانه قبل عشر سنين، وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختن في اليوم السابع من ولادته، وهل يحسب يوم الولادة من السبع أم تكون سبعة سواه؟ فيه وجهان: أظهرهما يُحسب، واختلفت الشافعية في الخنثى المشكل فقيل يجب ختانه في فرجيه بعد البلوغ وقيل لا يجوز حتى يتبين وهو الأظهر، وأما من له ذكران فإن كانا عاملين وجب ختانهما ديان كان أحدهما عاملًا دون الآخر خُتن العامل، وفيما يُعتبر العمل به وجهان أحدهما بالبول والآخر بالجماع، ولو مات إنسان غير مختون ففيه ثلاثة أوجه عند الشافعية: الصحيح المشهور أنه لا يختن صغيرًا كان أو كبيرًا، والثاني يختن الكبير دون الصغير، والثالث لا يُختن مطلقًا، وبالجملة فالختان سنة منتشرة في العرب معمول بها من لدن إبراهيم - عليه السلام - فإنه أول من اختتن، وهو عند مالك وعامة العلماء سنة مؤكدة وشعار من شعائر الإسلام إلا أنه لم يرد من الشرع ذم تاركه ولا توعده بعقاب فلا يكون واجبًا خلافًا للشافعي، واختلف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيمن وُلد مختونًا؛ فقيل تُمَرُّ عليه الموسى وقيل لا، والحكمة في مشروعيته النظافة لأنه أنقى من البول لأنه إذا لم يختتن لم ينقطع أثر البول عنه وقيل ليحصل كمال لذة الوطء لأن الوطء بذكر ملفوف بخرقة أدنى لذة بكثير من الوطء به وهو مكشوف، ولأجل نقص الإحساس مع الساتر اختلف أهل المذهب في مس الذكر من فوق حائل هل ينقض الوضوء أم لا ثالثها إن كان خفيفًا نقض، والله أعلم. والثاني منها في الاستحداد وهو إزالة العانة وهي الشعر النابت فوق الفرج وحواليه سُمي عانة لما في إزالته من العنت أي المشقة وسُميت إزالته استحدادًا لاستعمال الحديدة وهي الموسى فيها وهو سنة بالإجماع والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه الحلق ويجوز بالقص والنتف والنورة، والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذلك الشعر الذي حوالي فرج المرأة، ونُقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القُبل والدُّبر وحولهما، وأما وقت حلقه فالمختار أنه يضبط بالحاجة وطوله فإذا طال حلق وكذلك الضبط في قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار وأما حديث أنس المذكور في الكتاب "وقَّتَ لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا يُترك أكثر من أربعين ليلة، فمعناه لا يُترك تركًا يتجاوز به أربعين لا أنهم وقت لهم الترك أربعين ليلة، والله أعلم. والثالث منها في تقليم الأظفار فهو سنة ليس بواجب وهو تفعيل من القَلْم وهو القطع ويُستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى، قال الأبي: وجه هذا الترتيب المحافظة على البدء بالميامن في الأصابع وبالأشرف منها فبدأ بأصابع اليمنى لشرف الأيمن وبدأ بسبابتها لأنها أشرف أصابعها لأنها المسبحة ومُقْمِعَة الشيطان ثم ذهب في التقليم على الترتيب الذي تقتضيه هيئة اليدين عند نصبهما للدعاء الأيمن فالأيمن ثم يختم بإبهام اليمنى ليكون البدأ بها والختم بها هكذا أعرف لغير النواوي، ويحصل تقليمها بإزالة ما طال منها على اللحم والمطلوب منه تحسين الهيئة، وفي حديث أبي أيوب "قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن خبر السماء فقال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تسألني عن خبر السماء وتدع أظفارك كأنها أظفار الطير تجمع الخبائث والتفث" ولأنه أقرب إلى حصول الطهارة على الوجه الأكمل إذ قد يحصل تحتها ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة وهذا فيما لم يَطُل منها طولًا غير معتاد فإنه يُعفى عما تعلق به من قليل الوسخ وأما ما زاد طوله على المعتاد فإنه لا يُعفى عما تعلق به قل أو كثر، والله أعلم. والرابع منها في نتف الإبط أما هو فسنة بالاتفاق والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه ويحصل أيضًا بالحلق وبالنورة، وحكي عن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه، فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف ولكني لا أقوى على الوجع، ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن، قال (ط) لو حلقه لأجزأه ولا يظهر لأن الأصل ما دلت عليه السنة فإنها فرقت فعبرت في إزالة العانة بالاستحداد، وفي الإبط بالنتف وذلك مما يدل على مراعاة الأمرين وأيضًا فإن الحلق يثير الشعر ويكثره وكثرة الشعر في محل الوسخ يقوي الرائحة الكريهة بخلاف العانة فإنها ليست في محل وسخ، اللهم إلا أن يكون في نتفه ألم. اهـ أبي. والخامس منها في قص الشارب وعبر عنه في بعض الأحاديث بالإحفاء، وفي بعضها بالجز وفي بعضها بالنهك والمعنى واحد، وأما قصه فهو سنة أيضًا ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولي ذلك غيره لحصول المقصود من غير هتك مروءة ولا حرمةِ بخلاف الإبط والعانة، وأما حد ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يُحْفِه من أصله، وأما رواية أحفوا الشوارب فمعناه أحفوا ما طال على الشفتين والقصد منه تنظيف مدخل الطعام ومخالفة المجوس إذ هم يحلقونه فالأحسن ما عليه العرب اليوم من الأخذ من طوله ومساحته حتى يبدو الإطار. والسادس منها في إعفاء اللحية وهو الشعر النابت على الذقن فأما إعفاؤها فهو توفيرها وتكثيرها فهو بمعنى ما في الرواية الأخرى من قوله "أوفوا اللحى" وفي الأخرى "أرخوا اللحى" وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك. وقد ذكر العلماء في اللحية اثنتي عشرة خصالًا مكروهة بعضها أشد قبحًا من بعض إحداها خضابها بالأسود لا لغرض الجهاد، الثانية خضابها بالصفرة تشبهًا بالصالحين لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لاتباع السنة، الثالثة تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالًا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام أنه من المشايخ، الرابعة نتفها أو حلقها أول طلوعها إيثارًا للمرودة وحُسن الصورة، الخامسة نتف الشيب، السادسة تصفيفها طاقة فوق طاقة تَصَنُّعًا ليستحسنه النساء وغيرهن، السابعة الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذار من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس أو نتف جانبي العنفقة وغير ذلك، الثامنة تسريحها تصنعًا لأجل الناس، التاسعة تركها شعثة ملبدة إظهارًا للزهادة وقلة المبالاة، العاشرة النظر إلى سوادها وبياضها إعجابًا وخيلاء وغِرَّة بالشباب وفخرًا بالمشيب وتطاولًا على الشباب، الحادية عشرة عقدها وضفرها، الثانية عشرة حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها لأنها مُثلة في حقها، والله تعالى أعلم. والسابع منها في الاستنشاق فأما معناه فهو جذب الماء بالنَّفَس إلى الأنف لإخراج ما فيه من الوسخ والمخاط فهو سنة في الوضوء وفي غيره وقد تقدم بيان صفته واختلاف العلماء في وجوبه واستحبابه. والثامن منها في غسل البراجم فأما غسلها فسنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء، والبراجم بفتح الباء وبالجيم جمع بُرْجُمَة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها كما مر، قال العلماء: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وهو الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما، والله أعلم. والتاسع منها في انتقاص الماء بالقاف والصاد وقد فسره وكيع في الكتاب بأنه الاستنجاء بالماء، وقال أبو عبيدة وغيره: معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره، وقيل هو الانتضاح، وقد جاء في روايةِ الانتضاح بدل انتقاص الماء، قال الجمهور: الانتضاح نضح الفرج ورشه بماء قليل لينفي عنه الوسواس كما مر البسط فيه فهو سنة مستقلة أيضًا. والعاشر منها في السواك وقد مر البسط فيه بما لا مزيد عليه وهو سنة مستقلة أيضًا بالإجماع.

135 - (40) (22) باب الاستنجاء والنهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط وعن الاستنجاء بروث أو عظم وعن الاستنجاء باليمين

135 - (40) (22) باب الاستنجاء والنهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط وعن الاستنجاء بروث أو عظم وعن الاستنجاء باليمين 502 - (237) (73) (37) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ 135 - (40) (22) باب الاستنجاء والنهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط وعن الاستنجاء بروث أو عظم وعن الاستنجاء باليمين والاستنجاء استفعال من النجو بمعنى القطع، وهو لغةً: طلب قطع الأذى، وشرعًا: إزالة الخارج النجس الملوث من الفرج عن الفرج بماء أو حجر بشروطه من كونه طاهرًا قالعًا غير محترم كما هو مبسوط في الفروع، وشرع مع الوضوء ليلة الإسراء وقيل في أول البعثة، وهو بالحجر رخصة وهو من خصائص هذه الأمة، وأما بالماء فليس من خصائصنا، وأول من استنجى بالماء إبراهيم الخليل - عليه السلام -، والحكمة في شرعيته الاستعداد لوطء الحور العين أي طهارة العضو الذي خرج منه البول لوطء الحور العين في الجنة كذا قالوا، والله سبحانه وتعالى أعلم. وأخر أحاديثه عن أحاديث الوضوء إشارةً إلى جواز تأخير الاستنجاء عنه بشرط أن يكون هناك حائل يمنع النقض بخلاف التيمم فإنه لا يجوز تأخير الاستنجاء عنه، ومثله وضوء صاحب الضرورة على المعتمد لأن كلًّا منهما طهارة ضعيفة فلا تصح مع قيام المانع. اهـ من البيجوري. 502 - (237) (73) (37) (حدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي، قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي، ثقة من (9) (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، ثقة من (9) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة من (5) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري، ثقة من (10) وأتى بجملة قوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي ليحيى بن يحيى تورعًا من الكذب على أبي بكر بن أبي شيبة، قال يحيى (أخبرنا أبو

مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ؛ قَال: قِيلَ لَهُ: قَد عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُم صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كُل شَيء. حَتَّى الْخِرَاءَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه، يرسل كثيرًا ثقة من (5) مات سنة (96) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس أخي الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبي بكر الكوفي، روى عن سلمان في الوضوء، وعثمان بن عفان في الصلاة، وأبي مسعود في الصلاة، وعلقمة وعبد الله بن مسعود في الصوم والنكاح والحج والأدب والدعاء والرحمة، والأسود بن يزيد في الزهد، ويروي عنه (ع) وإبراهيم بن يزيد النخعي وعمارة بن عمير وكثير بن مدرك وإبراهيم بن سويد ومالك بن الحارث وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من كبار الثالثة مات سنة (83) ثلاث وثمانين في الجماجم، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، روى عنه في (9) أبواب كما بينا آنفًا (عن سلمان) الخير الفارسي الكوفي أبي عبد الله ابن الإسلام، أصله من حَيٍّ قرية بأصبهان ويقال من أهل رام هرمز سكن الكوفة وأسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان قبل إسلامه يقرأ الكتب ويطلب الدين، وكان عبدًا لقوم من بني قريظة فكاتبوه فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابته وعتق، وأول مشاهده بالخندق، له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم له ستون (60) حديثًا، اتفقا على ثلاثة وانفرد (خ) بواحد و (م) بثلاثة، ويروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن يزيد في الوضوء، وشرحبيل بن السمط وأبو عثمان النهدي وأنس، وهو من نجباء الصحابة مات في خلافة عثمان بالمدائن، وقيل في خلافة علي بعد الجمل سنة (36) ست وثلاثين، وله (53) ثلاث وخمسون سنة. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الرحمن بن يزيد (قيل له) أي لسلمان الفارسي، وفي النهاية: قال له الكفار، ويأتي رواية قال لنا المشركون، وفي المشكاة: قال بعض المشركين وهو يستهزئ. اهـ. أي قال له بعض المشركين من أهل المدينة استهزاءً للدين وطعنًا فيه وتنقيصًا له ولقلة حيائه (قد علمكم) أيها المؤمنون (نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء) مما تحتاجون إليه (حتى) علمكم (الخِرَاءة) أي كيفية إخراج الغائط وهيئته والتنظف منه، والخراءة بكسر الخاء المعجمة وبالمد والهاء اسم لهيئة إخراج الغائط وهي بالكسر والفتح والمد دون هاء الحدث نفسه، ويقال أيضًا

قَال: فَقَال: أَجَلْ. لَقَدْ نَهَانَا أَن نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْل ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه بالفتح مع سكون الراء وضمها (قال) عبد الرحمن بن يزيد (فقال) سلمان للقائل المشرك (أجل) أي نعم علمنا ما قلت، وكان من حق سلمان أن يهدده أو يسكت عن جوابه لكنه لم يلتفت إلى ما قال ولا إلى ما فعل من الاستهزاء وأخرج الجواب مخرج جواب المسئول المسترشد المجد في جواب ما يسأل عنه تقديرًا للشرع أي ليس هذا مقام استهزاء، نعم إنه علمنا كل شيء نحتاج إليه في ديننا، حتى الخراءة التي ذكرت أيها القائل فإنه علمنا آدابها و (لقد نهانا أن نستقبل القبلة) أي جهتها (لغائط) أي لإخراج غائط (أو) إخراج (بول) قال النواوي: كذا في مسلم (لغائط) باللام وروي في غيره (بغائط) بالباء وروي (للغائط) باللام والتعريف وهما بمعنى فاللام هنا بمعنى الباء، وأصل الغائط المكان المنخفض من الأرض ثم صار عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمي، قال الأبي: لم يكن عن البول لعدم استقباح لفظه، وكنى عن الآخر بالغائط وهو المنخفض من الأرض، ومنه قيل لموضع الحاجة لأنهم كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة للستر، ثم اتُّسِعَ فيه حتى صار يطلق على الحدث نفسه ومن حديث أبي هريرة "لا يقل أحدكم أهريق الماء ولكن أبول". اهـ. وفي المفهم: قوله (أجل) أي نعم، قال الأخفش: أجل بمعنى نعم إلا أنه أحسن من نعم في الخبر، ونعم أحسن منه في الاستفهام، وهما لتصديق ما قبلهما مطلقًا نفيًا كان أو إثباتًا، فأما بلى فهو جواب بعد النفي عاريًا من حرف الاستفهام أو مقرونًا به، قال الجوهري: بلى إيجاب لما يقال لك لأنها ترد النفي، وربما ناقضتها نعم، فإذا قال: ليس لك عندي وديعة؛ فقولك نعم تصديق له وبلى تكذيب له، وقوله (نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول) دليل لمن ذهب إلى منع الاستقبال والاستدبار مطلقًا أي في الصحراء والبنيان، وهو أحمد وأبو ثور وأبو حنيفة في المشهور عنه، وزاد النخعي وابن سيرين منع استقبال القبلة المتقدمة واستدبارها وكان هؤلاء لم يبلغهم حديث ابن عمر الآتي يعني قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة) أو لم يصلح عندهم للتخصيص لأنه فعل في خلوة، وذهب ربيعة وداود إلى جواز ذلك مطلقًا أي في الصحراء والبنيان متمسكين بحديث ابن عمر وبما رواه الترمذي عن جابر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته

أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل أن يموت بعام يستقبلها) رواه أبو داود والترمذي قال: وقال فيه البخاري: هو صحيح، وذهب الشافعي إلى التفريق بين القرى والصحاري تعويلًا على أن حديث ابن عمر مخصص لأحاديث النهي بالصحراء، وأما مذهب مالك فهو أنه إذا كان ساترٌ وكُنُفٌ ملجئة إلى ذلك جاز، وإن كان الساتر وحده فروايتان، وسبب هذا الاختلاف اختلاف هذه الأحاديث وبناء بعضها على بعض، أي تُحْمَل أحاديث النهي على الصحراء وعلى ما إذا لم يكن ساتر، وأحاديث الإباحة على البنيان وعلى ما إذا كان ساتر وبهذا يجمع بينها. والحاصل أن حديث سلمان فيه النهي عن الاستقبال فقط، وحديث أبي أيوب الآتي فيه النهي عن الاستقبال والاستدبار جميعًا، وحديث ابن عمر الآتي أيضًا، وحديث الترمذي عن جابر قال: (نهانا أن نستقبل أو نستدبر ثم رأيته قبل موته بعام مستقبلها) وحديث الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن أناسًا يكرهون أن تُسْتَقبل القبلة لبول أو غائط فأمر بموضع خلائه أن يستقبل به القبلة) فيها جوازهما، فاختلف العلماء في استقبالها واستدبارها لاختلاف هذه الأحاديث، قال القاضي عياض: فمنعهما النخعي وابن سيرين وأحمد وأبو ثور وأبو حنيفة في المشهور عنه لحديث أبي أيوب في البنيان والصحراء، وأجازهما فيهما ربيعة وداود لحديث ابن عمر ورأياه ناسخًا لتأخره مع ما ورد من فعله، وعن أبي حنيفة أيضًا جواز الاستدبار فقط دون الاستقبال لحديث سلمان هذا قصرًا له على ما ورد، وجمع مالك والشافعي بينهما فحملا حديث أبي أيوب على الصحراء وحديث ابن عمر على المدن، قال الأبي: ومن العلماء من وقف لتعارض الأحاديث وليس بينها تعارض، فإن حديث عائشة وجابر متكَلَّمٌ في سندهما، فلم يبق إلا حديث أبي أيوب ويوافقه حديث سلمان وحديث ابن عمر والجمع بينهما بما قال مالك والشافعي ممكن، والتعارض والنسخ إنما يكونان عند عدم إمكان الجمع، والله سبحانه وتعالى أعلم. وكلمة أو في قوله (أو نستنجي باليمين) وفيما بعده بمعنى الواو العاطفة لا للشك، أي ونهانا أن نستنجي وأن نستجمر باليمين صونًا لها من القاذورات لشرفها، والاستنجاء إزالة ما بالمحل من الأذى بالماء، والاستجمار أن يزيله عنه بالأحجار، ونهى هنا عن الاستنجاء باليمين ونهى في الحديث الآتي عن مسه بها، قال المازري: فينبغي

أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَل مِنْ ثَلاثةِ أَحْجَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ للمستجمر أن يمس ذكره بشماله على الحجر ليسلم من الأمرين، قال القاضي: هذا إنما يتأتى في حجر ثابت في الأرض إن أمكنه أن يسترخي ذكره حتى يمسح بها فإن احتاج إلى الاستعانة باليمين أمسك الحجر بها وحرك عليها الذكر بشماله، وهذا كله تنزيه لليمين أن تُستعمل في مستقذر فإن استنجى بها أساء وصح، قال النواوي: وهذا أدب من آداب الاستنجاء، وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم، قال أصحابنا: ويُستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شيء من أمور الاستنجاء إلا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمين ومسح باليسار وإاذا استنجى بحجر فإن كان في الدُّبر مسح بيساره كان كان في القُبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتَى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر وإن لم يمكنه ذلك واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يُحرك اليمنى لئلا يكون مستنجيًا بها وهذا هو الصواب ثم إن في النهي عن الاستنجاء باليمين تنبيهًا على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها، والله أعلم. اهـ. (أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) أي ونهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو ثلاث مسحات، قال النواوي: هذا نص صريح في أن استيفاء ثلاث مسحات واجب لا بد منه وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء فمذهبنا أنه لا بد في الاستنجاء بالحجر من إزالة عين النجاسة واستيفاء ثلاث مسحات فلو مسح مرة أو مرتين فزالت عين النجاسة وجب مسحه ثالثة وبهذا قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور، وقال مالك وداود: الواجب الإنقاء فإن حصل بحجر أجزأه وهو وجه لبعض أصحابنا والمعروف من مذهبنا ما قدمناه، قال أصحابنا: ولو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف فمسح بكل حرف مسحة أجزأه لأن المراد المسحات ولكن الأحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثة أحرف ولو استنجى في القبل والدبر وجب ست مسحات لكل واحد ثلاث مسحات والأفضل أن يكون بستة أحجار، فإن اقتصر على حجر واحد له ستة أحرف أجزأه وكذلك الخرقة الصفيقة التي إذا مسح بها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر يجوز أن يمسح بجانبها، قال أصحابنا: وإذا حصل الإنقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة عليها فإن

أَوْ أَن نَستَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَو بِعَظيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يحصل بثلاثة وجب رابع فإن حصل الإنقاء به لم تجب الزيادة ولكن يستحب الإيتار بخامس فإن لم يحصل بالأربعة وجب خامس فإن حصل به فلا زيادة وهكذا فيما زاد متى حصل الإنقاء بوتر فلا زيادة وإلا وجب الإنقاء بشفع واستحب الإيتار. وأما نصه صلى الله عليه وسلم على الأحجار فقد تعلق به بعض أهل الظاهر، وقالوا: الحجر متعين لا يُجزئ غيره، وذهب العلماء كافة من الطوائف كلها إلى أن الحجر ليس متعينًا بل تقوم الخرق والخشب وغير ذلك مقامه وأن المعتبر فيه كونه مزيلًا وهذا يحصل بغير الحجر وإنما قال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أحجار لكونها الغالب المتيسر فلا مفهوم له كما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} ونظائره ويدل على عدم تعين الحجر نهيه صلى الله عليه وسلم عن العظام والبعر والرجيع ولو كان الحجر متعينًا لنهى عما سواه مطلقًا، قال أصحابنا: ويقوم مقام الحجر كل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان، قالوا: ولا يُشترط اتحاد جنسه فيجوز في القبل وفي الدبر خرق ويجوز في أحدهما حجر مع خرقتين أو مع خرقة وخشبة ونحو ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم. (أو أن نستنجي) أي ونهانا أن نستنجي (برجيع) بوزن أمير أي بروث وعذرة إنسان، قال في المصباح: والرجيع الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حاله الأولى بعد أن كان طعامًا أو علفًا وأرميته فَلْتِي، والروث هو رجيع ذوات الحوافر، وأما عذرة الإنسان فهي داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم "إنها ركس" (أو بعظم) فيه النهي عن الاستنجاء بذلك، ونبه صلى الله عليه وسلم بالرجيع على جنس النجس فإن الرجيع هو الروث، وأما العظم فلكونه طعامًا للجن فنبه على جميع المطعومات وتلتحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك، ولا فرق في النجس بين المائع والجامد، فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسًا بنجاسة أجنبية، ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات، فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة عن موضعها، وقيل إن استنجاءه الأول يجزئه مع المعصية، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ نواوي. وعبارة المفهم هنا: وقوله (برجيع أو بعظم) الرجيع العذرة والأرواث ولا يستنجي

503 - (00) (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ بها لنجاستها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود حين أتاه بالحجرين. والروثة "إنها رجس" رواه البخاري، وقد جاء أيضًا من حديثه في سنن أبي داود ما يدل على أنه إنما نهى عن الاستنجاء بها وبالعظم لكونهما زادًا للجن، قال: "قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إِنْهَ أمتَكَ أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله جاعل لنا فيها رزقًا" رواه أبو داود، وكذلك جاء في البخاري من حديث أبي هريرة قال: "فقلت: ما بال العظم والروثة، قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نَصِيبِينَ ونِعْمَ الجن فسألوني فدعوت الله أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا" وفي بعض الحديث وأما الروث فعلف دوابهم، رواه أحمد ومسلم والترمذي من حديث ابن مسعود. ويؤخذ من هذا الحديث احترام أطعمة بني آدم وتنزيهها عن استعمالها في أمثال هذه القاذورات ووجه هذا الأخذ أنه إذا منع من الاستنجاء بالعظم والروث لأنها زاد الجن وطعامهم فأخرى وأولى زاد الإنس وطعامهم، اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود 71، ، والترمذي 161، ، والنسائي [1/ 38 - 39]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمان رضي الله عنه فقال: 503 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري قال (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة من (7) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة من (5) (ومنصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي ثقة من (5) كلاهما (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي الفقيه (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي (عن سلمان) ابن الإسلام الفارسي الكوفي. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون واثنان بصريان، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن

قَال: قَال لَنَا الْمُشْرِكُونَ: إِني أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ. حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ. فَقَال: أَجَلْ. إِنهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ. أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ. وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ. وَقَال: "لا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ". 504 - (238) (74) (38) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِياءُ بْنُ إِسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سياق الحديث (قال) سلمان الفارسي (قال لنا) معاشر المسلمين (المشركون) أي بعض مشركي المدينة طعنًا في دين الإسلام وتنقيصًا له (إني أرى) وأظن (صاحبكم) أي نبيكم محمدًا صلى الله عليه وسلم (يعلمكم) جميع ما تحتاجون إليه من أموركم الدينية والدنيوية (حتى يعلمكم الخراءة) أي هيئة إخراج الحدث وكيفيتها (فقال) سلمان (أجل) أي نعم يعلمنا جميع ما نحتاج (إنه) أي إن صاحبنا (نهانا) أي زجرنا عن (أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة) ببول وغائط (ونهى عن) الاستنجاء بـ (الروث والعظام) (وقال) صاحبنا أيضًا و (لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار) أي بأقل من ثلاث مسحات، وفي رواية لأحمد "ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار" قال الخطابي: فيه بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد الطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل، وفيه بيان أن الاقتصار على أقل من ثلاثة لا يجوز وإن وقع الإنقاء بما دونها ولو كان المراد به الإنقاء حَسْبُ لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى إذ كان معلومًا أن الإنقاء يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين فلما اشترط العدد لفظًا وعلم الإنقاء فيه معنى دل على إيجاب الأمرين. انتهى مختصرًا. قال المظهري: الاستنجاء بثلاثة أحجار واجب عند الشافعي رحمه الله تعالى وإن حصل الإنقاء بأقل، وعند أبي حنيفة الإنقاء متعين، لا العدد ولكل منهما حجة كما هو مذكور في المطولات. اهـ. تحفة الأحوذي. ثم استشهد المؤلف لحديث سلمان بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 504 - (238) (74) (38) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري ثقة من التاسعة مات سنة (207) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي ثقة رمي

حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بِبَعَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقَدَر من (6) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي ثقة مدلس من (4) مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع جابرًا) ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبا عبد الله المدني الصحابي المشهور مات بالمدينة سنة (78) ثمان وسبعين وله (94) سنة. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي، حالة كون جابر بن عبد الله (يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَمَسَّح) بضم أوله على صيغة المجهول أي أن يستجمر، وفي رواية أبي داود نتمسح بالنون بدل الياء على صيغة المعلوم أي نستنجي (بعظم) لأنه طعام الجن (أو ببعر) أي بروث بعير لأنه علف دوابهم، قال المازري: عُلِّلَ منع العظم بأنه زاد الجن، والرجيع وهو الروث بأنه علف دوابهم وقيل لأن العظم لا ينقي، والرجيع يزيد المحل نجاسةً، قال القاضي عياض: وقيل لأن العظم طعام إذ يؤكل في الشدائد ويمشمش الرِّخْوَ منه وقيل لأنه لا يخلو عن بقية دسم، والرجع يزيد المحل نجاسةً، وعلل منع الحَمَمَة وهي الفحم بأنها أيضًا من طعام الجن ولأنه لا صلابة لأكثره بل يتفتَّتُ عند الاستنجاء به والضغط ولا يقطع الخارج كالتراب ويسَوِّدُ المحل ويلوثه، وفي هذه الأحاديث أن الجن تأكل، قال ابن العربي: وأجمع عليه المسلمون وأنهم يشربون وينكحون، قال: ولم تأكل الملائكة عليهم السلام لعادةٍ أجراها الله تعالى فيهم لا لطبيعة خلقها فيهم، فعدم الاستنجاء بذلك على هذا إنما هو لحق الغير. اهـ. ورواية أبي داود مع البذل (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتمسح) أي نستنجي (بعظم) فإنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: زاد إخوانكم الجن، وتلتحق به المحترمات كلها كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك (أو بعر) فالنهي عن الاستنجاء به لنجاسته ويلتحق به كل ما كان نجسًا، ولكن إذا استنجى بالنجس يجوز ذلك مع الكراهة عندنا يعني الأحناف، وأما عند الشافعية والحنابلة فلم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء، ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسًا بنجاسة أجنبية، وكذلك إذا استنجى بمطعوم يجوز عندنا ولكن يكره، وعند الشافعية الأصح أنه لا يصح استنجاؤه

505 - (239) (75) (39) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَال: قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَينَةَ: سَمعْتَ الزُّهْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِي، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا أَتَيتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، بِبَوْلٍ وَلا بغَائِطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم تنتقل النجاسة عن موضعها. اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود رواه في الطهارة عن أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة بهذا السند، والله أعلم اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سلمان الفارسي بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 505 - (239) (75) (39) (وحدثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي من (8) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت من (10) وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي ليحيى تورعًا من الكذب على زهير وابن نمير لأنهما إنما رويا المعنى (قال) يحيى (قلت لسفيان بن عيينة) هل (سمعت) يا سفيان بفتح التاء للمخاطب، أي هل سمعت محمد بن مسلم (الزهري) المدني بتقدير همزة الاستفهام التقريري، فقال سفيان في جواب استفهام يحيى: نعم؛ سمعت الزهري، كما سيأتي التصريح به في الكتاب (يذكر) أي يحدث (عن عطاء بن يزيد الليثي) الجندعي المدني ثقة من الثالثة (عن أبي أيوب) الأنصاري النَجَّاري خالد بن زيد بن كليب المدني الصحابي المشهور من كبار الصحابة له (150) حديثًا مات غازيًا بالروم سنة (50) وقيل بعدها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي أو كوفي ونيسابوري (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتم الغائط) أراد به المعنى الحقيقي وهو المطمئن من الأرض، ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة لأن العادة أن يُقضى في المنخفض من الأرض لأنه أستر له، ثم اتسع حتى أطلق على النجو نفسه أي الخارج تسمية للحال باسم محله (فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها) أي جهة الكعبة المشرفة احترامًا لها (ببول ولا بغائط) أراد بالغائط هنا المعنى المجازي وهو الخارج المعروف وهو النجو

وَلَكنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا". قَال أبُو أَيوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ. فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتقدير عند إخراج غائط أو بول، قال ابن رسلان: ظاهره اختصاص النهي بخروج النجس ففي معناه دم الفصد والحجامة والحيض والقيء وغيرها، أو المعنى النهي عن كشف العورة ففي حكمه الوطء والاستحداد وغير ذلك، وقال أيضًا بعد ذلك: ويجوز عندنا معاشر الشافعية الاستقبال والاستدبار حالة الجماع في البنيان والصحراء بلا كراهة وبه قال أبو حنيفة وأحمد واختلف فيه عن مالك. اهـ. وقوله (بغائط) الخ الباء متعلقة بمحذوف حال من ضمير تستقبلوا أي لا تستقبلوا القبلة حال كونكم مقترنين بغائط أو بول. وقد أخرج هذا الحديث الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه بألفاظ مختلفة، ولكن الألفاظ التي في رواية أبي داود ومسلم متقاربة (ولكن شرقوا أو غربوا) أي توجهوا إلى جهة المشرق أو المغرب لئلا يقع استقبالكم واستدباركم إلى القبلة، وهذا خطاب مختص لأهل المدينة ومَن في حكمهم من الساكنين في جهة الشمال والجنوب من الكعبة فأما من كانت قبلته إلى جهة الغرب أو الشرق فإنه ينحرف إلى الجنوب أو الشمال. وعبارة المفهم هنا: (قوله ولكن شرقوا أو غربوا) هذا الحديث قيل لأهل المدينة ومن وراءها من أهل الشام والمغرب لأنهم إذا شَرَّقُوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها، فأما من كانت الكعبة في شرق بلاده أو غربها فلا يُشَرِّق ولا يغرب إكرامًا للقبلة، واختلف أصحابنا في تعليل هذا الحكم فقيل إنه معلل بحرمة القبلة وقيل بحرمة المصلين من الملائكة، والصحيح الأول بدليل ما رواه الدارقطني مرسلًا عن طاووس مرفوعًا "إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله فلا يستقبلها ولا يستدبرها" رواه الدارقطني في سننه [1/ 57]. (قال أبو أيوب) بالسند السابق (فقَدِمْنا) معاشر الصحابة (الشام) أي غزاةَ ففتحناها (فوجدنا) فيها (مراحيض) بفتح الميم والحاء المهملة والضاد المعجمة على زنة مصابيح، جمع مرحاض على زنة محراب، وهو مفعال من رحض إذا غسل يقال رحضت الثوب إذا غسلته فهو رحيض أي غسيل، ثم استعير للمُسْتَراح لأنه موضع غسل النجو، قال النواوي: وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان أي التغوط (قد بُنِيَتْ) موجهة (قِبَلَ

الْقِبْلَةِ. فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ؟ قَال: نَعَمْ. 506 - (240) (76) (40) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القبلة) أي جهتها، والظاهر أن قدوم أبي أيوب رضي الله عنه الشام كان عند فتح الشام، وكانت المراحيض التي بنيت فيها من بناء الكفار النصارى الذين يسكنون فيها قبل فتح المسلمين، فبنوها متوجهةً جهة الكعبة، وبعيد غاية البعد أن يكون بناؤها من المسلمين مستقبلة القبلة، قال أبو أيوب (فـ) كنا (ننحرف) أي نعدل (عنها) أي عن القبلة يمنةً أو يسرةً أي نحرص على اجتنابها بالميل عنها بحسب قدرتنا (ونستغفر الله) تعالى يعني كنا مستقبلي القبلة نسيانًا على وفق بناء المراحيض، ثم ننتبه على تلك الهيئة المكروهة فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى عنها. فإن (قلت) الساهي لا يأثم فكيف يستغفرون (قلت) أهل الورع والمناصب العلية يستغفرون عن مثل هذا وجَعْلُ الاستغفار لباني الكُنُفِ في غاية البعد. قال القرطبي: وقول أبي أيوب (فننحرف عنها ونستغفر الله) دليل على أنه لم يبلغه حديث ابن عمر أو لم يره مخصصًا وحمل ما رواه على العموم حتى في المراحيض اهـ (قال) سفيان (نعم) سمعت الزهري يذكر هذا الحديث عن عطاء، هو جواب لقوله أولًا قلتُ لسفيان بن عيينة سمعت الزهري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 421] والبخاري [394]، وأبو داود [9]، والترمذي [8]، والنسائي [8/ 21 - 22] كما أشرنا إليه آنفًا. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث سلمان بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 506 - (240) (76) (40) (وحدثنا أحمد بن الحسن بن خِرَاش) بكسر المعجمة وفتح الراء، الخراساني البغدادي أبو جعفر صدوق من (11) مات سنة (242) قال (حدثنا عمر بن عبد الوهاب) بن رياح بكسر الراء المهملة ثم بالمثناة التحتانية بن عبيدة بفتح أوله الرياحي أبو حفص البصري، روى عن يزيد بن زريع في الوضوء، وجويرية بن أسماء وإبراهيم بن سعد، ويروي عنه (م س) وأحمد بن الحسن بن خراش وعباس بن محمد وعباس بن عبد العظيم له في (م) فرد حديث، وقال أبو حاتم: ثقة مأمون، وقال

حَدَّثَنَا يَزِيدُ، يَعنِي ابْنَ زُرَيعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ قَال: "إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ، فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْها" ـــــــــــــــــــــــــــــ في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (221) إحدى وعشرين ومائتين، قال (حدثنا يزيد) بن زريع مصغرًا التميمي أبو معاوية البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) لما مرّ مرارًا، قال (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث بكسر المعجمة البصري ثقة من (6) مات سنة (141) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني صدوق من (6) مات في خلافة المنصور، روى عنه في (13) بابا (عن القعقاع) بن حكيم الكناني المدني ثقة من الرابعة، روى عنه في (5) أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني ثقة ثبت من الثالثة مات سنة (101) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من ثمانياته، رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة بصريون وواحد بغدادي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس أحدكم) أي أراد أن يجلس (على) موضع قضاء (حاجته) بولًا كانت أو غائطًا (فلا يستقبل) بحاجته بكسر اللام على الجزم لأنه نهي (القبلة) أي جهتها (ولا يستدبرها) احترامًا وإكرامًا لها، والحاجة لفظ خصصه العرف بالحدث الخارج، قال القاضي عياض: ففيه التجافي عن ذكر ما يقبح سماعه والكناية عنه وهو أدب الشرع وهو أيضًا عادة العرب في صونها ألسنتها عما تصان عنه الأسماع عكس ما قال المشركون "علمهم كل شيء حتى الخراءة"، قال العيني: احتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بهذا الحديث على عدم جواز استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط سواء كان في الصحراء أو في البنيان أخذًا في ذلك بعموم الحديث انتهى، وأجاب عنه ابن رسلان بثلاثة أجوبة: أحسنها أن الغائط حقيقة في المكان الواسع، والثاني أن حقيقة الاستقبال يكون في الصحراء، والرواية الثانية عن الإمام الأعظم رحمه الله تعالى أن الاستدبار غير منهي عنه لحديث ابن عمر الآتي قريبًا "قال: لقد ارتقيت على ظهر بيتٍ لنا .. " الحديث قال الحلبي: والصحيح الأول لأنه إذا تعارض قوله صلى الله عليه وسلم وفعله رُجِّحَ القول لأن الفعل يحتمل الخصوص والعذر وغير ذلك، وكذلك إذا تعارض المحرم والمبيح رجح المحرم، انتهى، من بذل المجهود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعترض الدارقطني على مسلم بأن هذا الحديث غير محفوظ عن سهيل، وليس لسهيل في هذا الإسناد ذكر، فقد رواه أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع على الصواب عن روح عن ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلتُ: مثل هذا لا يقدح فإنه محمول على أن سهيلًا وابن عجلان سمعاه جميعًا عن القعقاع واشتهرت روايته عن ابن عجلان وقَلَّتْ عن سهيل ولم يذكره أبو داود والنسائي وابن ماجه إلا من جهة ابن عجلان، اهـ نواوي بتصرف، وانفرد الإمام مسلم برواية هذا الحديث بهذا اللفظ وبهذا السند عن غيره من أصحاب الأمهات وغيرهم كما علمتَ. وجملة ما ذكره من الأحاديث في هذا الباب أربعة: الأول حديث سلمان الفارسي ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي أيوب ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا. * * *

136 - (41) (23) باب ما جاء من الرخصة في ذلك

136 - (41) (23) باب ما جاء من الرخصة في ذلك 507 - (241) (77) (41) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 136 - (41) (23) باب ما جاء من الرخصة في ذلك أي في استقبال القبلة واستدبارها بغائط أو بول. 507 - (241) (77) (41) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) بفتح فسكون ففتح التميمي الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن البصري المدني أحد الأعلام في العلم والعمل، روى عن سليمان بن بلال وأفلح بن حميد والمعتمر بن عبد الرحمن ومالك وعيسى بن حفص بن عاصم وإبراهيم بن سعد وخلق لا يحصون، ويروي عنه (خ م دت س) وسليمان بن بلال وعبد بن حميد وأبو زرعة وأبو حاتم وقال: ثقة حجة لم أر أخشع منه وسمع مالك بقدومه فقال: قوموا إلى خير أهل الأرض، وقال عمرو بن علي: كان مجاب الدعوة، وقال في التقريب: ثقة عابد من صغار التاسعة مات بمكة في المحرم سنة (221) إحدى وعشرين ومائتين، روى عنه المؤلف في الوضوء والصلاة في خمسة مواضع، والحج في موضعين، والصوم في موضعين، والزكاة والجهاد والأطعمة في موضعين، والقدر في موضعين والنكاح، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها تسعة، قال (حدثنا سليمان) بن بلال التيمي مولاهم أبو محمد المدني ثقة من الثامنة مات سنة (177) سبع وسبعين ومائة، روى عنه في (13) بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن بلال) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن يحيى بن سعيد) بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غَنْم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري الحارثي قاضي المدينة أبي سعيد المدني، روى عن محمد بن يحيى بن حبان وسعد بن إبراهيم وأنس بن مالك وعدي بن ثابت وعمرة بنت عبد الرحمن وأبي أمامة بن سهل والأعرج وخلائق، ويروي عنه (ع) وسليمان بن بلال والليث بن سعد وعبد الوهاب الثقفي ويحيى القطان وابن عيينة وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس وعبد الله بن نمير ويحيى بن أبي زائدة وخلائق لا يحصون، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث حجة ثبتًا، وقال في التقريب: من الخامسة مات بالعراق سنة (144) روى عنه المؤلف في

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمهِ وَاسِعِ بْنِ حَبانَ؛ قَال: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. فَلَمَّا قَضَيتُ صَلاتِي انْصَرَفْتُ إِلَيهِ مِنْ شِقِّي. فَقَال عَبْدُ اللهِ: يَقُولُ نَاسٌ: إِذَا قَعَدْتَ لِلْحَاجَةِ تَكُونُ لَكَ، فَلَا تَقْعُدْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلا بَيتِ الْمَقْدِسِ. قَال عَبْدُ اللهِ: وَلَقَدْ رَقِيتُ عَلَى ظَهْرِ بَيتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوضوء والجهاد في خمسة مواضع، والصلاة في أربعة مواضع، وحق الجار في موضعين، والبيوع في ستة مواضع، والجنائز والزكاة في ثلاثة مواضع، والصوم في ثلاثة مواضع، واللعان والحج في خمسة مواضع، والعتق والطلاق في موضعين، والأحكام والقسامة والأشربة والفضائل في موضعين فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ستة عشر بابًا تقريبًا. (عن محمد بن يحيى) بن حبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني أبي عبد الله المدني الفقيه كانت له حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثقة فقيه من (4) مات سنة (121) روى عنه في (8) أبواب (عن عمه واسع بن حبان) بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني وثقه أبو زرعة، وقال في التقريب: صحابي ابن صحابي وقيل ثقة من الثانية وليس عندهم واسع إلا هذا (قال) واسع (كنت أصلي في المسجد) النبوي (وعبد الله بن عمر) بن الخطاب أي والحال أنه (مسند ظهره إلى) عمود في جهة (القبلة فلما قضيت صلاتي) وفرغت منها (انصرفت) أي ذهبت (إليه) أي إلى ابن عمر (من شقي) أي من جانبي لا من قدامي (فـ) لما وصلت إليه (قال عبد الله يقول ناس) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قعدت) وجلست (لـ) قضاء (الحاجة) التي (تكون) وتحصل (لك) بولًا أو غائطًا (فلا تقعد) أي إذا أردت القعود والجلوس لقضائها وإخراجها فلا تقعد حالة كونك (مستقبل القبلة) أي متوجهًا جهة الكعبة المشرفة وكذا مستدبرًا لها احترامًا لها (ولا) مستقبل (بيت المقدس) ومستدبره (قال) لي (عبد الله) بن عمر رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا ابن عمر فإنه مكي (و) الله (لقد رقيتُ) وفي رواية أبي داود لقد ارتقيت بكسر القاف على المشهور وفيه أيضًا الفتح مع الهمز ودونه والكسر أفصح أي علوت وصعدت (على ظهر بيتٍ) لحفصة وسطحه كما هو مصرح في الرواية الآتية واختلفت الروايات في هذا اللفظ ففي بعضها على ظهر البيت وفي بعضها على

فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَينِ مُسْتَقْبِلًا بَيتَ الْمَقْدِسِ، لِحَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ظهر بيت لنا وفي أخرى على ظهر بيتنا وفي بعضها بيت حفصة وطريق الجمع بينها أن يقال أضاف البيت إلى نفسه على سبيل المجاز إما لسكونه لبيت حفصة أو أضافه لنفسه باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونه شقيقها وأضافه إلى حفصة لأنه البيت الذي أسكنها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ من البذل، وأبسط من هذا ما في الفتح (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا) أي جالسًا لإخراج حاجته (على لَبِنَتَينِ) بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وهو ما يُصنع من الطين ونحوه وبُني به قبل أن يُحرق وهذه الرؤية كانت اتفاقية من دون قصد منه ولا من الرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: ويحتمل أنه قصد ليعلم حكم الجلوس لقضاء الحاجة وذلك يظهر برؤية الوجه دون غيره، قال ابن رسلان: ففيه دلالة على ارتفاع الجالسين لقضاء الحاجة ولم أر أحدًا ذكر هذا الأدب، حالة كونه صلى الله عليه وسلم (مستقبلًا بيت المقدس لحاجته) أي متوجهًا بوجهه جهة بيت المقدس مستدبر القبلة كما هو مصرح في الرواية الآتية، استدل به من قال بجواز الاستقبال والاستدبار ورأى أنه ناسخ واعتقد الإباحة مطلقًا وبه احتج من خص عدم الجواز بالصحاري ومن خص المنع بالاستقبال دون الاستدبار في الصحاري والبنيان، وقد عرفت ما فيه من أنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة اهـ تحفة الأحوذي. وفي القرطبي: قول ابن عمر (رقيت على بيت أختي حفصة) هذا الرقي من ابن عمر الظاهر منه أنه لم يكن عن قصد الاستكشاف وإنما كان لحاجة غير ذلك ويحتمل أن يكون ليطّلِع على كيفية جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للحدث على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك وأنه تحفظ من أن يطلع على ما لا يجوز له، وفي هذا الثاني بُعْدٌ وكونه صلى الله عليه وسلم على لَبِنَتَين يدل لمالك على قوله إذا اجتمع المرحاض الملجئ والساتر جاز ذلك. وفي بذل المجهود: والحديث لا يطابق الترجمة فإنه عقد الباب في جواز استقبال القبلة والحديث لا يدل عليه بل يدل على جواز استدبار الكعبة إلا أن يقال إنه لما كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكم الاستقبال والاستدبار واحدًا ودل الحديث على جواز الاستدبار فُهم منه جواز الاستقبال أيضًا. اهـ. وقال القرطبي: وقد ذهب بعض من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا إلى أن حديث ابن عمر لا يصلح لتخصيص حديث أبي أيوب لأنه فِعْلٌ في خلوة وهو محتمل للخصوص وحديث أبي أيوب قول قُعِّدَتْ به القاعدة فبقاؤه على عمومه أولى. والجواب عن ذلك أن نقول: أما فعله صلى الله عليه وسلم فأقل مراتبه أن يُحمل على الجواز بدليل مطلق اقتداء الصحابة بفعله وبدليل قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين سألتها المرأة عن قُبلة الصائم "أَلَا أَخْبَرْتِهَا أني أفعل ذلك" رواه مالك في الموطإ، وقالت عائشة: "فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا" تعني التقاء الختانين رواه أحمد، وقبل ذلك الصحابة وعملوا عليه، وأما كون هذا الفعل في خلوة فلا يصلح مانعًا من الاقتداء لأن الحدث كله كذلك يُفعل ويُمنع أن يُفعل في الملأ ومع ذلك قد نُقل وتُحُدِّثَ به سيما وأهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور الشرعية، وأما دعوى الخصوص فلو سمعها النبي صلى الله عليه وسلم لغضب على مُدَّعيها وأنكر ذلك عليه كما قد غضب على من ادّعى تخصيصه بجواز القُبلة فإنه غضب عليه وأنكر ذلك، وقال: "والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده" رواه مالك في الموطأ، وكيف يجوز توهم هذا وقد تبين أن ذلك إنما شُرع إكرامًا للقبلة وهو أعلم بحرمتها وأحق بتعظيمها وكيف يستهين بحرمة ما حرم الله سبحانه هذا ما لا يصدر توهمه إلا من جاهل بما يقول أو غافل عما كان يحترمه الرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ من المفهم. وهذا الحديث أعني حديث ابن عمر شارك المؤلف في روايته البخاري [148] وأبو داود [12] والترمذي [11] والنسائي [1/ 23] وقال الترمذي: وحديث ابن عمر هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب حديث عن جابر قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول أو غائط فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها، وقال الترمذي فيه: حديث حسن غريب، وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

508 - (00) (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشرٍ الْعَبدِيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَن مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بنِ حَبَّانَ، عَن عَمّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابنِ عُمَرَ؛ قَال: رَقِيتُ عَلَى بَيتِ أُختِي حَفْصَةَ. فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ، مُسْتَقْبِلَ الشامِ، مُسْتَدبِرَ الْقِبْلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 508 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي من (10) قال (حدثنا محمد بن بشر العبدي) أبو عبد الله الكوفي ثقة من التاسعة مات سنة (203) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري أبو عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة في المدينة ثقة ثبت من (5) مات سنة (147) روى عنه في (12) بابا (عن محمد بن يحيى بن حبان) الأنصاري المدني (عن عمه واسع بن حبان) الأنصاري المدني (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي المكي. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله بن عمر ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن محمد بن يحيى بن حبان، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) بن عمر (رَقِيتُ) أي صعدت وعلوت (على) سطح (بيت أختي حفصة) بنت عمر بن الخطاب (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا) أي جالسًا على لبنتين (لـ) قضاء (حاجته) وإخراج حدثه حالة كونه (مستقبل الشام) أي متوجهًا بوجهه إلى جهة الشام إقليم معروف (مستدبر القبلة) أي جاعلًا دبره وظهره إلى جهة الكعبة المشرفة، واستقباله بيت المقدس يدل على خلاف ما ذهب إليه النخعي وابن سيرين فإنهما منعا ذلك، وما رُوي من النهي عن استقبال شيء من القبلتين بالغائط لا يصح لأنه من رواية عبد الله بن نافع مولى ابن عمر وهو ضعيف. اهـ مفهم، وحديث ابن عمر هذا موافق لما يقال إن المدينة بين مكة وبيت المقدس وأن استقبال أحدهما استدبار للآخر. اهـ أبي. ولم يذكر المؤلف في هذه الترجمة إلا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وذكر فيه متابعة واحدة. ***

137 - (42) (24) باب النهي عن التمسح باليمين من الخلاء وعن التنفس في الإناء عند الشرب

137 - (42) (24) باب النهي عن التمسح باليمين من الخلاء وعن التنفس في الإناء عند الشرب 509 - (242) (78) (42) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 137 - (42) (24) باب النهي عن التمسح باليمين من الخلاء وعن التنفس في الإناء عند الشرب قال ابن رسلان: الاستطابة والاستنجاء يكونان بالحجارة والماء والاستجمار وكذا التمسح يكون بالحجارة فقط والخلاء هنا بفتح الخاء والمد الغائط، وليس النهي عن التمسح باليمين مقصورًا عليه بل هو عام فيه وفي التمسح من البول، وذكر التنفس في الإناء هنا استطرادي لأن محله باب الأشربة أو لتمام معنى الحديث. 509 - (242) (78) (42) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت إمام من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا، قال (أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث من (9) مات بالبصرة سنة (198) وله (63) سنة وكان يحج كل سنة، روى عنه في (14) بابًا تقريبًا، وقوله (عن همام) تحريف من النساخ والصواب (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبي بكر البصري ثقة ثبت رُمي بالقدر من كبار (7) مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابا (عن عبد الله بن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي أبي إبراهيم المدني، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والحج والجهاد، ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي كثير وعثمان بن عبد الله بن مَوْهَب وأبو حازم سلمة بن دينار في الحج، وعبد العزيز بن رُفيع في الحج، وسعيد المقبري وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثانية مات سنة (95) خمس وتسعين، روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي قتادة الأنصاري السلمي بفتح السين واللام الحارث بن ربعي بن بُلْدُمَة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جُشم بن الخزرج المدني فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم له مائة وسبعون

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ. وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثًا (170) اتفقا على أحد عشر وانفرد (خ) بحديثين و (م) بثمانية، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب، ويروي عنه (ع) وابنه عبد الله في الوضوء والصلاة، وأبو سلمة في الصلاة، وعمرو بن سليم وعبد الله بن رباح الأنصاري في الصلاة، ومعبد بن كعب بن مالك في الجنائز والبيوع، وعبد الله بن معبد الزِّمَّاني وأبو محمد نافع مولى أبي قتادة في الحج والجهاد، وعطاء بن يسار في الحج، وأبو سعيد الخدري في الفتن فجملة الأبواب التي روى عنه فيها سبعة (7) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد نيسابوري (قال) أبو قتادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُمسكنَّ) أي لا يأخذن كما هو رواية البخاري (أحدكم ذكره بيمينه) أي بيده اليمنى (وهو) أي والحال أنه (يبول) أي يقضي حاجة البول تكريمًا لليمين، وأما في غير حالة البول فمباح (ولا يتمسح) بالأحجار (من الخلاء) أي من الغائط (بيمينه) فيكون مستجمرًا بها. قال السنوسي: "من" الداخلة على الخلاء سببية أي لا يَتَمَسح من أجل الخلاء الذي أصابه بيمينه، ويحتمل وجهين: أحدهما أن يباشر النجاسة بيمينه، والثاني أن يمسك بها الحجر ونحوه مما يزيل به النجاسة، وكلاهما منهي عنه فينبغي حمل الحديث عليهما لصدق لفظه فيهما، والله أعلم (ولا يتنفس) أي لا يُخرِج نفسه (في) داخل (الإناء) عند الشرب وأما التنفس خارج الإناء ثلاثًا فسنة معروفة، وإنما خص النهي عن مس الذكر بحالة البول لأن مجاور الشيء يعطى حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع من آلته حسمًا للمادة ثم استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره (إنما هو بضعة منك) فدل على الجواز في كل حال فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة، وحديث طلق هذا صحيح أو حسن. اهـ تحفة الأحوذي، وفي الحلية عن عثمان رضي الله عنه: "ما مسست ذكري بيميني مذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم" وعن عائشة رضي الله عنها: كانت يمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِطَهُورِهِ وطعامه ويُسراه لخلائه وما كان من الأذى والأذى كل ما تكرهه النفس ومنه سُمي الحيض أذى. وعبارة النواوي هنا: قوله (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول) أما إمساك الذكر باليمين فمكروه كراهة تنزيه لا تحريم كما تقدم في الاستنجاء، وقد قدمنا هناك أنه

510 - (00) (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْخَلاءَ فَلَا يَمَسَّ ذكَرَهُ بِيَمِينِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يستعين باليمين في شيء من ذلك من الاستنجاء، وأما قوله (ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) فليس التقييد بالخلاء للاحتراز من البول بل هما سواء والخلاء بالمد هو الغائط، قال الأبي: والخلاء بفتح الخاء والمد الموضع الخالي وسُمي به موضع الحاجة لخلائه في غير وقتها وإن كَسَرْتَ فيه الخاء فهو عيب في الإبل كالحران في الخيل وهو بفتح الخاء؛ والقصر الحشيش الرطب، وهو أيضًا حسن الكلام يقال هو حسن الخلاء أي حسن الكلام ذكر ذلك الفارسيُّ في الإيضاح في باب المقصور والممدود والخلاء بالمد هنا هو الغائط، وليس النهي عن التمسح باليمين مقصورًا عليه بل هو عام فيه وفي التمسح من البول. اهـ، قال النواوي: والنهي عن التنفس في الإناء كالنهي عن النفخ في الشراب هو من طريق الأدب مخافةً من تقذيره ونتنه وسقوط شيء من الفم والأنف فيه كالبصاق والمخاط ونحو ذلك، والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية حديث أبي قتادة هذا أصحاب الأمهات الخمس بروايات متنوعة وأسانيد مختلفة كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 510 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكرياء النيسابوري قال (أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) (عن هشام) بن أبي عبد الله (الدستوائي) أبي بكر البصري من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) أبي نصر اليمامي من (5) (عن عبد الله بن أبي قتادة) أبي إبراهيم المدني (عن أبيه) أبي قتادة الأنصاري المدني وهذا السند من سداسياته اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد كوفي وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لعبد الرحمن بن مهدي في رواية هذا الحديث عن هشام، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. (قال) أبو قتادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم الخلاء) أي محل قضاء الحاجة، سُمي خلاء لخلوه في غير وقتها (فلا يمس ذكره بيمينه) لئلا يكون مساعدًا بها لليسار في الاستنجاء.

511 - (00) (00) (00) حدَّثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا الثَّقَفِي عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ. وَأَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَأَنْ يَستَطِيبَ بِيَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 511 - (00) (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي ثقة من (10) مات سنة (243) قال (حدثنا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) أبو محمد البصري ثقة من (8) مات سنة (194) روى عنه في (6) أبواب (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني أبي بكر البصري ثقة ثبت حجة من (5) مات سنة (131) روى عنه في (17) بابا (عن يحيى بن أبي كثير) اليمامي (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري المدني (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري المدني. وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أيوب لهشام في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للسابقة في سَوْقِ الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسأنهى أن يتنفس) الشارب (في) داخل (الإناء) خوفًا من الاستقذار لأن تردد النَّفَس فيه يريحه وهو أحد الوجوه في النهي عن اختناث الأسقية، وقيل للطب وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أراد أن يتنفس أن يُبِينَ القدح عنه (وأن يمس) أي يمسك ويأخذ (ذكره بيمينه) حالة البول لئلا يكون مساعدًا بها لليسار في الاستنجاء (وأن يستطيب) ويستنجي (بيمينه) تكرمة لها. ولم يذكر المؤلف في هذه الترجمة إلا حديث أبي قتادة وذكر فيه متابعتين. ***

138 - (43) (25) باب التيمن في الطهور وغيره

138 - (43) (25) باب التيمن في الطهور وغيره 512 - (243) (79) (43) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ لَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ إِذَا تَطَهّرَ. وَفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ. وَفِي انْتِعَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 138 - (43) (25) باب التيمن في الطهور وغيره والتيمن الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرجل اليمنى والجانب الأيمن. 512 - (243) (79) (43) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) أبو زكرياء النيسابوري قال (أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي ثقة متقن من (7) مات سنة (179) روى عنه في (12) بابا (عن أشعث) بن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، قال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن الأسود بن حنظلة المحاربي أبي الشعثاء الكوفي والد أشعث، روى عن مسروق في الوضوء والصلاة، وأبي هريرة في الصلاة، وعمرو بن مسعود وحذيفة وأبي ذر، ويروي عنه (ع) وابنه أشعث وإبراهيم بن المهاجر في الصلاة، وإبراهيم النخعي وأبو إسحاق، وثقه ابن معين والعجلي والنسائي، وقال في التقريب: ثقة باتفاق من كبار الثالثة مات في زمن الحجاج وأرَّخَه ابن قانع سنة ثلاث وثمانين (83) روى عنه في بابين (2) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي ثقة فقيه مخضرم عابد من الثانية مات سنة (63) روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) الصديقة المدنية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نيسابوري (قالت) عائشة (أنْ) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها واسمها ضمير الشأن محذوف وجوبًا أي إن الشأن والحال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) واللام في قوله (لَيُحِب التيمن) لام الابتداء أي ليحب تقديم اليمين على اليسار (في طُهُورِهِ) بضم الطاء المهملة وضوءًا كان أو غسلًا أو مسحًا إلا ما يُفعل دفعة كمسح الأذنين وغسل الكفين (إذا تطهر) أي أراد التطهر من حدثه أو الاستباحة (وفي تَرَجُّلِهِ) أي في تسريح شعره بالمشط (إذا ترجل) أي أراد الترجل (وفي انتعاله) أي

إِذَا انْتَعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي لبس نعاله (إذا انتعل) أي أراد الانتعال ووقع في بعض الأصول (في نعله) بالإفراد وفي بعضها (نعليه) بالتثنية كما في الرواية الآتية، وهما صحيحان أي في لبس جنس نعله وفي بعضها (في تنعله) بتاء مثناة فوق ثم نون ثم عين مشددة (إذا تنعل) وكله صحيح ووقع في روايات البخاري (يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله) وذكر الحديث .. الخ وفي قوله ما استطاع إشارة إلى شدة المحافظة على التيمن. قال النواوي: والتيمن قاعدة مستمرة في الشرع فيما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر وهو مشطه ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الركنين وغير ذلك من كل ما كان من التكريم، وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه. وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة ولو خالفها فاته الفضل وصح وضوءه، وقالت الشيعة: هو واجب ولا اعتداد بخلاف الشيعة. واعلم أن الابتداء باليسار وإن كان مجزئًا فهو مكروه نص عليه الشافعي وهو ظاهر وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بأسانيد جيدة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لبستم أو توضأتم فابدءوا بأيمانكم" وهذا نص في الأمر بتقديم اليمين ومخالفته مكروهة أو محرمة وقد انعقد إجماع العلماء على أنها ليست محرمة فوجب أن تكون مكروهة، ثم اعلم أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن وهو الأذنان والكفان والخدان بل يُطَهَّرَان دفعة واحدة فإن تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قدم اليمين. اهـ نواوي. وفي المفهم: قوله (إن كان ليحب التيمن) كان ذلك منه تبركًا باسم اليمين لإضافة الخير إليها كما قال تعالى {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} [الواقعة: 27] وقوله {وَنَادَينَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيمَنِ} [مريم: 52] ولما فيه من اليُمن والبركة وهو من باب التفاؤل ونقيضه الشمال ويُؤخذ من هذا الحديث احترام اليمين وإكرامها فلا تُستعمل في إزالة شيء من

513 - (00) (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ، عَن أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأقذار ولا في شيء من خسيس الأعمال وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء ومس الذكر باليمين. اهـ. وعبارة الأبي هنا: قوله (في شأنه كله) عموم شأنه مخصص بما تقدم فيه الشمال، والضابط أن الفعل إن استعملت فيه الجارحتان قُدِّمَت اليمين في فعل الراجح والشمال في فعل المرجوح فيبدأ باليمين في دخول المسجد وبالشمال في الخروج منه واستعمال الجارحتين على هذا النحو إنما هو إن تيسر فإن شق ترك كالركوب فإن البداءة بوضع اليسرى في الركاب أيسر وأسهل وإن كان مما تُستعمل فيه إحداهما خُصت اليمين بالراجح والشمال بالمرجوح فيأكل ويتناول من الغير بيمينه ويستنجي ويتمخط بشماله، وحُكي أن إنسانًا امتخط بحضرة معاوية بيمينه فنهاه وقال: شمالك، وعن عائشة قالت: كانت يمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 94 و 130 و 147] والبخاري [5854] وأبو داود [4440]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 513 - (00) (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبو عمرو البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (237) روى عنه عن أبيه فقط في مواضع كثيرة، قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري قاضي البصرة، قال القطان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ، وقال في التقريب: ثقة متقن من (9) مات سنة (196) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري، ثقة متقن حافظ من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن الأشعث) بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي (عن أبيه) أبي الشعثاء المحاربي الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة) أم المؤمنين المدنية. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة منهم بصريون وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث، عن الأشعث، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن

قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي نَعْلَيهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِه ـــــــــــــــــــــــــــــ لما بين الروايتين من المخالفة (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن) أي البداية باليمين (في شأنه) وأمره كله) عبادة كان أو غيرها، وقوله (في) لبس (نعليه) بالتثنية بدل من قوله في شأنه بإعادة الجار وما بعده معطوف عليه (و) في (ترجله) أي تسريح شعره (و) في (طهوره) وقول الأبي هنا: والترجل تجفيف الأعضاء بالمنديل سبق قلم أو سهو منه والله أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

139 - (44) (26) باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال

139 - (44) (26) باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال 514 - (244) (80) (44) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال ابْنُ أَيوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "اتَّقُوا اللَّعَّانَينِ" قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 139 - (44) (26) باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال والتخلي التغوط، والطرق جمع طريق والمراد المسلوكة للناس لا المهجورة، والظلال جمع ظل. 514 - (244) (80) (44) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة) بن سعيد بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي ثقة من (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبي إسحاق المدني، ثقة ثبت من (8) مات سنة (180) روى عنه في (12) بابا، وأتى بقوله (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل) تورعًا من الكذب عليه، قال إسماعيل (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبو شبل المدني صدوق ربما وهم من (5) مات سنة (133) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي المدني ثقة من (3) روى عن أبي هريرة في الإيمان وغيره (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بغلاني أو مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا) أي اجتنبوا أيها المؤمنون الأمرين (اللعانين) أي الجالبين للعن الحاملَين الناس عليه والداعيين إليه واحذروهما، ففيه مجاز مرسل وذلك أن من فعلهما شُتِمَ ولُعن يعني عادة لعنه وسبَّه الناس فلما صار سببًا لذلك أُضيف اللعن إليهما، والمعنى اتقوا فعلهما ويصح كونه بمعنى اسم المفعول والمعنى اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (وما اللعانان يا رسول الله؟ ) أي وأي شيء هما و "ما" استفهامية في محل الرفع مبتدأ

قَال: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واللعانان خبره (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم هما تخلي (الذي يتخلى) ويتغوط (في طريق الناس) أي في الطريق المسلوك للناس لا المهجور أي الذي يَتخلى في الموضع الذي يمر فيه الناس و"أو"في قوله (أو في ظلهم) بمعنى الواو أي هما تخلي من يتخلى في موضع مرور الناس وتخلي مَن يتخلى في الموضع الذي يستظلون فيه والمراد بالظل هنا مستظلهم الذي اتخذوه مقيلًا ومناخًا ينزلونه ويقعدون فيه وليس كل ظل وطريق يحرم التخلي فيه لأنه صلى الله عليه وسلم قضى حاجته تحت حائش نخل أي بستانه ومعلوم أن له ظلًا وكذا الطريق المهجور الآن. وحاصل المعنى اتقوا التخلي والتغوط وكذا التبول في المحل الذي يمر فيه الناس فيتأَذَّوْنَ به ويستقذرونه فيلعنونه فخرج به الطريق المهجور واتقوا التخلي تحت شجر أو حجر أو جُدُر يستظل الناس بظله فيتأذون به وفي حكمه الشجر المثمر وإن لم يستظل به وكذا الموضع الذي يتشمسون فيه في وقت الشتاء ثم النهي للتنزيه نظير ما تقدم من النهي عن استقبال القبلة واستدبارها والاستنجاء باليمين لكون ذلك من آداب قضاء الحاجة، والظاهر هنا التحريم لما فيه من إيذاء المسلمين وقد بسط فيه ابن رسلان وفي حديث رواه أبو داود عن معاذ بن جبل "اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" فزاد موارد الماء وسُميت هذه ملاعن لأنها تجلب اللعن على فاعلها العادي والشرعي لأنه ضرر عظيم بالمسلمين إذ يعرضهم للتنجيس ويمنعهم من حقوقهم في الماء والاستظلال والمرور وغير ذلك ويُفهم من هذا تحريم التخلي في كل موضع كان للمسلمين إليه حاجة كمجتمعاتهم وشجرهم المثمر وإن لم يكن له ظل وغير ذلك. اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 372] وأبو داود [25]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا هذا الحديث. * * *

140 - (45) (27) باب حمل الإداوة والعنزة مع الإمام والأمراء ليستنجي بمائها

140 - (45) (27) باب حمل الإداوة والعَنَزَة مع الإمام والأمراء ليستنجي بمائها 515 - (245) (81) (45) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن رَسُول اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ دَخَلَ حَائِطًا، وَتَبِعَهُ غُلامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 140 - (45) (27) باب حمل الإداوة والعَنَزَة مع الإمام والأمراء ليستنجي بمائها أما حمل الإداوة وهي المِطْهَرَة فقد ذكر سببه في الحديث، وأما حمل العنزة وهي العصا فلاتخاذها سترة في الصلاة. 515 - (245) (81) (45) (حدثنا يحيى بن بحيى) التميمي النيسابوري ثقة من (10) قال (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان المزني أبو الهيثم الواسطي ثقة ثبت من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن خالد) بن مهران الحذاء الخزاعي أبي المُنازل البصري ثقة يرسل من الخامسة مات سنة (142) روى عنه في (14) بابا (عن عطاء بن أبي ميمونة) مَنِيعٍ مولى أنس وقيل مولى عمران بن حصين أبي معاذ البصري، روى عن أنس في الوضوء، وأبي رافع في الصلاة والأدب، وعمران بن حصين وجابر بن سمرة، ويروي عنه (خ م د س ق) وخالد الحذاء وشعبة وروح بن القاسم وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح لا يُحتج به له في (خ) فرد حديث، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة رُمي بالقدر مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، روى عنه في (3) أبواب (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا) أي بستانًا من بساتين المدينة سُمي حائطًا لأنه يحاط به (وتبعه) صلى الله عليه وسلم أي لحقه (كلام) أي مراهق، وقال الزمخشري في أساس البلاغة: إن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز، قيل إنه ابن مسعود ومعنى أصغرنا أي في الحال لقرب عهده بالإسلام ومعنى منا أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل هو جابر بن عبد الله ومعنى منا أي من الأنصار هكذا يؤخذ

مَعَهُ مِيضَأَةٌ، هُوَ أَصْغَرُنَا. فَوَضَعَهَا عِنْدَ سِدْرَةٍ. فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَينَا وَقَد اسْتَنْجَى بِالمَاءِ. 516 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الفتح (معه) أي مع ذلك الغلام (مِيضَأة) أي إبريق ماء والميضأة بكسر الميم هو الإناء الذي يتوضأ به كالرِّكْوَةِ والإبريق وكل ما يسع قدر ما يتوضأ به واستحب بعضهم الوضوء من الإناء على الوضوء من المشارع لهذا الحديث ورُدَّ بأنه لم يرد أنه وجدها فعدل عنها إلى الوضوء من الإناء، قال القاضي عياض: ففي الحديث دلالة على خدمة أهل الخير (هو) أي ذلك الغلام (أصغرنا) أي أصغر الغلمان الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم (فوضعها) أي فوضع الغلام الميضاة (عند سدرةٍ) كانت هناك، والسدرة شجرة النبق (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته) أي فرغ منها (فخرج) من محل قضاء الحاجة فأقبل (علينا و) الحال أنه (قد استنجى بـ) ذلك (الماء) الذي في الميضأة، وقد تقدم بيان حقيقة الاستنجاء، قال القاضي: قيل هو فرض في نفسه وهو عند مالك من باب إزالة النجاسة وإزالتها عنده سنة حكاه عنه ابن القصار، وحكى عنه عبد الوهاب الوجوب وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إزالتها فرض والاستنجاء ليس بفرض، وعلى وجوبها عندنا فقيل إنها شرط في صحة الصلاة يعيد تاركها أبدا وقيل شرط مع الذكر دون النسيان، وقال الحافظ في الفتح: وفيه جواز استخدام الأحرار خصوصًا إذا أُرْصِدُوا لذلك ليحصل لهم التمرن على التواضع، وفيه أن في خدمة العالم شرفًا للمتعلم لكون أبي الدرداء مدح ابن مسعود بذلك، وفيه حجة على ابن حبيب حيث منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم لأن ماء المدينة كان عذبًا، واستدل به بعضهم على استحباب التوضؤ من الأواني دون الأنهار والبرك ولا يستقيم إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الأواني. اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الطهارة في باب (16) - (17) وفي الصلاة وأبو داود في الطهارة عن وهب بن بَقِيَّة، والنسائي في الطهارة عن إسحاق بن إبراهيم. اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 516 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَاللَّفظُ لَهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَن عَطَاءِ بن أَبِي مَيمُونَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحمِلُ أَنَا، وَغُلامٌ نَحْوي، إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ. وَعَنَزَةً. فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. 517 - (00) (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (وغندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (واللفظ) الآتي (له) أي لابن المثنى، أتى به تورعًا من الكذب على ابن أبي شيبة، قال ابن المثنى (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري أتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه في محمد بن جعفر وفي شعبة، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عطاء بن أبي ميمونة) منيع مولى أنس أبي معاذ البصري (أنه سمع أنس بن مالك يقول) وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم كوفيان وثلاثة بصريون، والثاني منهما رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقهما بيان متابعة شعبة لخالد الحذاء في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي ميمونة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء) قال في الفتح: المراد به هنا الفضاء لقوله في الرواية الآتية كان يتبرز لحاجته فإن الأخلية التي في البيوت كان خدمته فيها متعلقة باهله أي كان يدخل المكان الفاضي لقضاء حاجته (فأحمل أنا وغلام نحوي) أي مُقارب لي في السنن (إداوة) بكسر الهمزة أي إناءًا صغيرًا من جلد (من ماء) أي مملوءة من ماء (وعَنَزَةٌ) أي عصا عليه زُج كما في البخاري "أحدنا يحمل الإدواة والآخر العنزة"، وقال القاضي: والعنزة بفتح العين والنون هي رمح صغير وقيل عصا بطرفها زُج، قال المهلب: إنما حملها لأنه كان إذا استنجى توضأ وإذا توضأ صلى فكانت العنزة سُترة له، وقد يكون حملها لما كانت اليهود والمنافقون يؤملون اغتياله ولعل ذلك قبل نزول قوله تعالى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ومنه أخذ الأمراء المشي أمامهم بالحربة (فيستنجي بالماء) أي بماء الإداوة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 517 - (00) (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة

وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ)، حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّزُ لِحَاجَتِهِ. فَآتِيهِ بِالْمَاءِ. فَيَتَغَسَّلُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ) الآتي (لزهير) أتى به تورعًا من الكذب على أبي كريب، قال زهير (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مِقْسَم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري من الثامنة مات سنة (193) روى عنه في (15) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخَي زهير بإسماعيل (بن عُلَيَّة) اسم أمه معروف بها إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته كما مر نظائره مرارًا، قال (حدثني روح بن القاسم) التميمي العنبري أبو غياث البصري ثقة من (6) مات سنة (141) (عن عطاء بن أبي ميمونة) الأنصاري مولاهم البصري (عن أنس بن مالك) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد إما نسائي أو كوفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة روح بن القاسم لشعبة في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي ميمونة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للأولى (قال) أنس بن مالك (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرز) أي يأتي البَرَاز بفتح الباء وهو المكان الواسع الظاهر من الأرض ليخلو عن الناس (لـ) قضاء (حاجته) وإخراج حدثه ويستتر ويبعد عن أعين الناظرين (فآتيه) أنا أي فأجيئه صلى الله عليه وسلم (بالماء) ليستنجي به (فـ) يأخذه مني و (يتغسل) أي يستنجي (به) أي بذلك الماء ويغسل محل الخارج ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس وذكر فيه متابعتين. قال النواوي: وأما فقه هذه الأحاديث ففيها استحباب التباعد لقضاء الحاجة عن الناس والاستتار عن أعين الناظرين، وفيها جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته، وفيها خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك، وفيها جواز الاستنجاء بالماء واستحبابه ورجحانه على الاقتصار على الحجر؛ وقد اختلف الناس في هذه المسألة فالذي عليه الجمهور من السلف والخلف وأجمع عليه أهل الفتوى من أئمة الأمصار أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيستعمل الحجر أولًا لتخفَّ النجاسة وتقل مباشرتها بيده ثم يستعمل الماء، فإن أراد الاقتصار على أحدهما جاز الاقتصار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أيهما شاء سواء وجد الآخر أو لم يجده فيجوز الاقتصار على الحجر مع وجود الماء ويجوز عكسه فإن اقتصر على أحدهما فالماء أفضل من الحجر لأن الماء يطهِّر المحل طهارة حقيقية، وأما الحجر فلا يطهره وإنما يخفف النجاسة ويبيح الصلاة مع النجاسة المعفو عنها، وبعض السلف ذهبوا إلى أن الأفضل هو الحجر وربما أوهم كلام بعضهم أن الماء لا يجزئ، وقال ابن حبيب المالكي: لا يجزئ الحجر إلا لمن عدم الماء، وهذا خلاف ما عليه العلماء من السلف والخلف وخلاف ظواهر السنن المتظاهرة، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. ***

141 - (45) (28) باب المسح على الخفين

141 - (45) (28) باب المسح على الخفين 518 - (246) (82) (46) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى التمِيمِي وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوَيةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ، (وَاللَّفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 141 - (45) (28) باب المسح على الخفين قال النواوي: أجمع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر سواء كان لحاجة أو لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزَّمِنِ الذي لا يمشي وإنما أنكرته الشيعة والخوارج ولا يُعتد بخلافهم، وقد رُوي عن مالك رحمه الله تعالى روايات فيه والمشهور من مذهبه كمذهب الجمهور، وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يُحصون من الصحابة، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين، وقد بينتُ أسماء جماعات كثيرين من الصحابة الذين رووه في شرح المهذب وقد ذكرت فيه جملًا نفيسة مما يتعلق بذلك وبالله التوفيق. واختلف العلماء في أن المسح على الخفين أفضل أم غسل الرجلين فذهب أصحابنا إلى أن الغسل أفضل لكونه الأصل وذهب إليه جماعات من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم، وذهب جماعات من التابعين إلى أن المسح أفضل وذهب إليه الشعبي والحكم وحماد وعن أحمد روايتان أصحهما المسح أفضل والثانية هما سواء واختاره ابن المنذر، والله سبحانه وتعالى أعلم. 518 - (246) (82) (46) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة من (10) (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا أبو معاوية ووكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) (واللفظ) أي لفظ الحديث

لِيَحيى)، قَال: أخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عن همَّامٍ؛ قَال: بَال جَرِيرٌ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ. فَقِيلَ: تَفْعَلُ هذَا؟ فَقَال: نَعَم. رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ بَال، ثُمَّ تَوَضأ وَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ. قَال الأَعمَشُ: قَال إِبْرَاهِيمُ: كَانَ يعجِبُهُم هذَا الْحَدِيثُ. لأنّ إِسلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الآتي (ليحيى) لا لغيره وأتى به تورعًا من الكذب على غير يحيى (قال) يحيى (أخبرنا أبو معاوية) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه لأن أبا بكر قال حدثنا أبو معاوية وقال يحيى أخبرنا أبو معاوية (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبو محمد الكوفي ثقة من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي ثقة من (5) (عن همام) بن الحارث بن قيس النخعي الكوفي ثقة عابد من الثانية مات سنة (65) روى عنه في (4) أبواب (قال) همام (بال) أي قضى حاجة البول (جرير) بن عبد الله البجلي الأحمسي أبو عمرو الكوفي له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة مات سنة (51) (ثم توضأ) أي غسل وجهه ويديه (ومسح على خفيه) بدلًا عن غسل الرجلين (فقيل) لجرير أ (تفعل هذا) المسح على الخفين بدل غسل الرجلين (فقال) جرير لمن سأله (نعم) أمسح على الخفين بدل غسل الرجلين لأني (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه) يفعل مثل ما فعلته فلي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا مُتَبعٌ له لا مبتدع (قال الأعمش) بالسند السابق (قال) لنا (إبراهيم) النخعي (كان يعجبهم) أي يعجب ويسر أصحاب عبد الله بن مسعود (هذا الحديث) أي حديث جرير بن عبد الله الآن إسلام جرير كان متأخرًا (بعد نزول) أي عن نزول سورة (المائدة) معناه أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة المائدة {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} فلو كان إسلام جرير متقدمًا على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخًا بأية المائدة فلما كان إسلامه متأخرًا علمنا أن حديثه يعمَلُ به وهو مُبَين أن المراد بآية المائدة غير لابس الخف فتكون السنة مخصصة للآية، والله أعلم. وفي سنن البيهقي عن إبراهيم بن أدهم قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير. وهذا السند من سداسياته ورجاله كلهم كوفيون أو خمسة كوفيون والسادس إما نيسابوري أو مروزي.

519 - (00) (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ وَعَلِي بن خَشرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسى بن يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمدُ بن أَبِي عُمَرَ. قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الحَارِثِ التَّمِيمِيُّ. أَخبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ كُلهم عَنِ الأَعمَشِ. فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعنى حَدِيث أَبِي مُعَاويةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 358] والبخاري [387] وأبو داود [154]، والترمذي [93] والنسائي [1/ 81]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير فقال: 519 - (00) (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا هذا الحديث المذكور يعني حديث جرير (إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بمعجمتين أولاهما مفتوحة ثانيتهما ساكنة على وزان جعفر بن عبد الرحمن أبو الحسن المروزي (قال أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي ثقة مامون من (8) مات سنة (191) روى عنه في (17) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث جرير (محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله الكوفي ثقة لكن كانت به غفلة من (10) مالناسنة (243) روى عنه في (11) بابا (قال) محمد بن أبي عمر (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم أبو محمد الكوفي ثم المكي ثقة إمام حجة من (8) مات سنة (198) وله (91) سنة، روى عنه في (25) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمد الكوفي ثقة من (10) مات سنة (231) روى عنه في (3) أبواب، قال (أخبرنا) على (بن مسهر) بصيغة اسم الفاعل القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) مات سنة (189) روى عنه في (14) بابا (كلهم) أي كل من عيسى بن يونس وسفيان بن عيينة وعلي بن مسهر رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي ثقة من (5) وغرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وإنما أتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه وإن كان شيخ الكل واحدا وهو الأعمش، وقوله (في هذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع بكسر الباء و "في" بمعنى الباء وكذا قوله (بمعنى حديث أبي معاوية) متعلق به واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع بفتح الباء أي

غَيرَ أَن فِي حَدِيثِ عِيسى وَسُفْيَانَ: قَال: فَكَانَ أَصحَابُ عَبْدِ الله يعجِبُهم هذَا الْحَدِيثُ، لأنّ إِسْلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعدَ نُزُولِ المَائِدَةِ. 520 - (247) (83) (47) حدَّثنا يحيى بْنُ يحيى التمِيمِي. أَخبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنِ الأَعمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى كل من الثلاثة عن الأعمش بهذا الإسناد يعني عن إبراهيم عن همام عن جرير بمعنى حديث أبي معاوية السابق لا بلفظه، وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من سداسياته الأول منها رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان، والثاني منها أربعة منهم كوفيون واثنان مكيان والثالث منها كلهم كوفيون ثم بيّن محل المخالفة فقال (غير أن) أي لكن أن (في حديث عيسى) بن يونس (و) حديث (سفيان) بن عيينة (قال) إبراهيم (فكان أصحاب عبد الله) بن مسعود بدل قوله في رواية أبي معاوية "كان يعجبهم" بالضمير المبهم ففسرت هذه الرواية الضمير المبهم في الرواية الأولى (يعجبهم) أي يحبهم وَيسرُّهُم (هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة) قال القرطبي: وإنما أعجبهم ذلك لأنه إنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلم، وأسلم بعد نزول المائدة فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة فلا تكون آية الوضوء التي في المائدة ناسخة للسنة الثابتة في ذلك ولا مرجحة عليها خلافًا لمن ذهب إلى ذلك. ثم استشهد المؤلف لحديث جرير بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما فقال: 520 - (247) (83) (47) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) أبو زكرياء النيسابوري، قال (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حُدَيج مصغرًا بمهملتين آخره جيم بن الرُّجَيلِ مصغرا ابن زهير بن خيثمة الجعفي الكوفي، روى عن الأعمش وهشام بن عروة وعاصم الأحول وسماك بن حرب وأبي إسحاق وأبي الزبير ومنصور وخلق، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى ويكنيه أبا خيثمة ويحيى بن آدم وأحمد بن يونس والحسن بن محمد بن أعين وخلائق ثقة ثبت من السابعة مالناسنة (173) ثلاث وسبعين ومائة وكان مولده سنة مائة (100) روى عنه في الوضوء والصلاة في موضعين والجنائز في موضعين والزكاة والصوم في موضعين والحج في خمسة مواضع والجهاد والأطعمة والقدر والفتن في موضعين فجملة الأبواب التي روى عنه فيها عشرة (عن الأعمش)

عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَانتهى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ. فَبَال قَائِمًا. فَتَنَحَّيتُ. فَقَال: "ادْنُهْ" فَدَنوتُ حَتَّى قلت عِنْدَ عَقِبَيهِ. فَتَوَضَّأَ، فَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن مهران الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأصليّ أبي وائل الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله (100) ماثة سنة، روى عنه في (9) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي الصحابي الجليل روى عنه في (5) أبواب وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (قال) حذيفة كنت مع النبي على الله عليه وسلم فانتهى) أي وصل النبي صلى الله عليه وسلم (إلى سُبَاطة قوم) من الأنصار أي مجتمع قمامتهم (فبال قائمًا فتنحيت) أي تباعدت وتجنبت عنه صلى الله عليه وسلم (فقال) صلى الله عليه وسلم (اُدنُهْ) مني أي تقرب مني لتكون سترة لي عن أعين الناس، وهو فعل أمر من دنا يدنو والهاء للسكت كما سيأتي (فدنوت) منه وتقربت إليه (حتى قمت عند عقبيه) تثنية عقب وهو مؤخر القدم (فـ) استنجى و (توضأ) أي غسل وجهه ويديه (فمسح على خفيه) بدلا عن غسل الرجلين، وقوله (إلى سباطة قوم) والسباطة بضم السين هي المزبلة، قال ابن الأثير: وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لأنها كانت مواتًا مباحة. اهـ. واستدل بها على كون ذلك المسح في الحضر كما هو الظاهر في رواية التماشي الآتية وقيل السباطة هي ملقى القمامة والتراب ونحوهما تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها ويكون ذلك غالبًا سهلًا منثالًا يَحُذُّ فيه البول ولا يرتد على البائل، وأما سبب بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا فقيل لأن العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما، وقيل لأنه كان بمأبضه وجع والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة ثم ضاد معجمة باطن الركبة، وقيل لأنه لم يجد مكانًا يصلح للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي من السباطة عاليًا مرتفعًا، وقيل إنما بال قائمًا لكونها حالة يُؤمَنُ فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب بخلاف حالة القعود ولذلك قال عمر: البول قائما أحصن للدبر، وقيل فعله لبيان الجواز في هذه المرة وكانت عادته المستمرة أن يبول قاعدًا ويدل عليه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوا ما كان يبول إلا قاعدًا" رواه أحمد والترمذي والنسائي وآخرون بإسناد جيد، وقد روي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في النهي عن البول قائمًا أحاديث لا تثبت ولكن حديث عائشة هذا ثابت، فلهذا قال العلماء: يكره البول قائمًا إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم، وقال ابن المنذر: البول جالسًا أحب إلي والبول قائمًا مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما بوله صلى الله عليه وسلم على سباطة قوم قيل إنهم يحبون ذلك ولا يكرهونه بل يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه ونظائر هذا أكثر في السنة من أن تحصى، وقيل لم تكن السباطة مختصة بهم بل كانت بفناء دورهم للناس كلهم فأضيفت إليهم لقربها منهم، وقيل أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة فيها إما بصريح الإذن وإما بما في معناه، وأما بوله في السباطة التي بقرب الدور مع أن المعروف من عادته التباعد في المذهب فقد قال القاضي عياض: إن سببه أنه صلى الله عليه وسلم كان في الشغل بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم وطال عليه المجلس فغلبه البول فلم يمكنه التباعد ولو أبعد لتضرر وارتاد السباطة لدمثها وأقام حذيفة بقربه ليستره عن الناس وهذا الذي قاله القاضي كلام حسن، وأما قوله (فتنحيت فقال ادْنُه فدنوت حتى قمت عند عقبيه) قال العلماء: إنما استدناه صلى الله عليه وسلم ليستتر به عن أعين الناس وغيرهم من الناظرين لكونها حالة يُستخفى بها ويستحيى منها في العادة وكانت الحاجة التي يقضيها بولًا من قيام يؤمَن معه خروج الحدث الآخر والرائحة الكريهة فلهذا استدناه، وجاء في الحديث الآخر لما أراد قضاء الحاجة قال: تَنَحَّ لكونه كان يقضيها قاعدًا ويحتاج إلى الحدثين جميعًا فتحصل الرائحة الكريهة وما يتبعها، ولهذا قال بعض العلماء: في هذا الحديث من السنة القرب من البائل إذا كان قائمًا فإذا كان قاعدًا فالسنة الابتعاد عنه والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من النواوي بتصرف. واعلم أن هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد تقدم بسط أكثرها فيما ذكرناه ونشير إليها ها هنا مختصرة منها: أن فيه إثبات المسح على الخفين، وفيه جواز المسح في الحضر، وفيه جواز البول قائمًا وجواز القرب من البائل، وفيه جواز طلب البائل من صاحبه القرب منه ليستره، وفيه استحباب الستر، وفيه جواز البول بقرب الدُّور، وفيه غير ذلك من الفوائد الفقهية. وحديث حذيفة هذا شارك المؤلف في روايته أصحاب الأمهات الخمس رواه البخاري في الطهارة عن محمد بن عرعرة وفي المظالم عن سليمان بن حرب وعن عثمان

521 - (00) (00) (00) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يحيى. أَخبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أبِي وَائِلٍ؛ قَال: كَانَ أبُو مُوسى يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ. ويبُولُ فِي قَارُورَةٍ ويقُولُ: إِن بَنِي إِسرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ أَحَدِهِم بَولٌ قَرَضَهُ بَالمَقَارِيضِ. فَقَال حُذَيفَةُ: لَوَددتُ أن صَاحِبَكُم لا يُشَدِّدُ هذَا التَّشْدِيدَ، فَلَقَد رَأَيتُنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أبي شيبة، ورواه أبو داود في الطهارة عن حفص بن عمر وعن مسدد، والترمذي في الطهارة عن هناد قال: وقال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح، والنسائي في الطهارة عن إسحاق بن إبراهيم وعن ابن بشار وعن سليمان بن عبيد الله الغَيلاني، وابن ماجه في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة. ثم ذكر المتابعة في حديث حذيفة فقال: 521 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري قال (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتَاب الكوفي ثقة ثبت وكان لا يدلس من (5) مات سنة (132) روى عنه في (19) بابا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم روى عنه في (9) أبواب (قال) أبو وائل (كان أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي (يشدد في) شان التحرز من (البول و) كان (يبول في قارورة) إناء من زجاج (ويقول) أبو موسى في تعلله في التشديد (إن بني إسرائيل) قوم موسى (كان) شأنهم (إذا أصاب جلد أحدهم بول قَرَضَه) أي قرض ذلك الجلد المصاب بالبول أي قطعه (بالمقاريض) جمع مقراض بوزن مفتاح، قال القرطبي: يعني بالجلد الشيء الذي يلبسونه وبعضهم حمله على جلد الجسد وفيه بُغدٌ (فقال حذيفة) ابن اليمان الكوفي. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة منصور لسليمان الأعمش، وفائدتها تقوية السند الأول لأن الأعمش مدلس ومنصور لا يدلس، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. أي فقال حذيفة لمن عنده والله (لوددت) أي لأحببت وتمنيت (أن صاحبكم) يعني أبا موسى (لا يشدد) أي لا يتعمق في التحرز عن البول (هذا التشديد) والتعمق يعني تكلف البول في القارورة (فـ) والله (لقد رأيتني) هذا من خصائص أفعال القلوب فلا يقال

أنا وَرَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَتَمَاشَى. فَأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطً. فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُم. فَبَال. فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ. فَاشَارَ إِلَيَّ فَجِئتُ. فَقُمتُ عِنْدَ عَقِبهِ حَتى فَرَغَ. 522 - (248) (84) (48) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبصرتني مثلًا بل يقال أبصرتُ نفسي، وقوله (أنا) تأكيد لضمير المفعول ليعطف عليه، قوله (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب، وما يوجد في بعض النسخ من التشكيل بالضم خطأ من النساخ أي أبصرت نفسي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كوننا (نتماشى) أي نتجارى معًا في المشي إن قلنا إن رأى بصرية، ومفعول ثان إن قلنا إنها علمية أي ماشيين معًا متقارنين (فأتى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سباطة) أي سباطة قوم (خلف حائط) وبستان لهم (فقام) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كما يقوم أحدكم) أي قيامًا كقيام أحدكم في العادة مستويًا (فبال) أي أخرج حدث البول، والبول يضرب بالحائط فلعله لم يكن مملوكًا أو لم يقرب منه، قال الأبي: يبعد أنه غير مملوك إلا أن يكون في الجدر العادية (فانتبذتُ منه) أي ابتعدت منه ظنًّا على عادته في قضاء الحاجة من التباعد عن الناس (فأشار إليَّ) بأن ادنُ إليَّ لأجل حصول التستر ولأجل بيان قضاء حاجة البول عند الناس (فجئتـ) ــه (فقمت عند عقبه) بفتح العين المهملة وكسر القاف على وزان كتف مؤخر القدم كما مر آنفا، وفي بعض النسخ عند عقبيه (حتى فرغ) من حاجته ولم يذكر المسح في هذه الرواية. وشارك المؤلف في رواية حديث حذيفة بهذه الرواية البخاري [226] وأبو داود [23]، والترمذي [13]، والنسائي [1/ 35]. قال النواوي: مقصود حذيفة أن هذا التشديد خلف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائمًا ولا شك في كون القائم مُعَرَّضًا للرشيش ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال ولم يتكلف البول في قارورة كما فعل أبو موسى رضي الله تعالى عنهما. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جرير بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال: 522 - (248) (84) (48) (حدثنا قنيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البغلاني من (10) قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا

مُحَمدُ بْنُ رُمحِ بْنِ الْمهاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ؛ أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَاتبَّعَهُ الْمُغِيرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن رمح بن المهاجر) التُجِيبي أبو عبد الله المصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا الليث) بن سعد المصري، أتى بحاء التحويل لاختلاف صيغة سماع شيخيه (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني ثقة حجة من (5) مات سنة (144) روى عنه في (16) بابا (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ أبي إسحاق المدني قاضي المدينة ثقة عابد من (5) مات سنة (125) روى عنه في (13) بابا (عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبي محمد المدني ثقة من (2) روى عنه في (10) أبواب مات سنة (99) (عن عروة بن المغيرة) بن شعبة الثقفي أبي يعفور بفاء بعد العين آخره مهملة الكوفي أميرها، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة، وعائشة، ويروي عنه (ع) ونافع بن جبير والشعبي وبكر بن عبد الله المزني وعباد بن زياد في الصلاة ثقة من (3) مات بعد (90) (عن أبيه المغيرة بن شعبة) بضم ميم المغيرة وكسرها بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبي عيسى الكوفي له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم، مشهور شهد الحديبية وما بعدها وأسلم زمن الخندق له (136) مائة وستة وثلاثون حديثًا، اتفقا على (9) وانفرد (خ) بحديث، ومسلم (2) بحديثين ولي البصرة سنتين وولي الكوفة ومات بها وهو في عداد الكوفيين، يروي عنه (ع) وابنه عروة في الوضوء، والأسود بن هلال ومسروق وابنه حمزة وورَّاد مولاه في الصلاة، وزياد بن عِلاقة في الصلاة، وعلقمة بن وائل وغيرهم، وتقدم البسط في ترجمته أول الكتاب. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وثلاثة مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبغلاني، ومن لطائف هذا السند أن فيه أربعة أتباع روى بعضهم عن بعض وهم يحيى بن سعيد الأنصاري وسعد بن إبراهيم ونافع وعروة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج لـ) قضاء (حاجته) بولًا وغائطًا، وفي هذا دلالة على أن من أدب الشرع التجافي عن ذكر ما يقبح سماعه وهي عادة العرب في صونها ألسنتها عما تصان عنه الأسماع عكس ما قاله المشركون (علمكم كل شيء حتى الخراءة) (فاتبعه) صلى الله عليه وسلم أي لحقه (المغيرة) بن شعبة، وهذا من كلام عروة عن أبيه وهذا كثير يقع مثله في

بِإِدَاوةٍ فِيها مَاءٌ، فَصَبَّ عَلَيهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ. فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفينِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمحٍ (مَكَانَ حِينَ، حَتَّى) ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث فنقل الراوي عن المروي عنه لفظَه عن نفسه بلفظ الغَيبَة. اهـ نووي. قال الأبي: المغيرة أحد الأحرار المختصين بخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر كأنس في الحضر، ومنه أخذ بعض العلماء اختصاص الشيخ بخادم يقتصر عليه، أي تبعه المغيرة (بإداوة فيها ماء) قال في المصباح: والإداوة بكسر الهمزة المِطْهرة وجمعها الأدَاوَى بفتح الواو اهـ. قال النواوي: وأما الإداوة فهي والركوة والمطهرة والميضاة بمعنىً متقارب وهو إناء الوضوء اهـ (فصب) المغيرة ماءها (عليه) صلى الله عليه وسلم (حين فرغ) صلى الله عليه وسلم (من) قضاء (حاجته) وخروجه من موضع قضاء الحاجة وانتقاله إلى موضع آخر (فتوضأ) أي غسل وجهه ويديه ومسح رأسه (ومسح على الخفين) بدلًا من غسل الرجلين (وفي رواية) محمد (بن رمح مكان حين حتى) وفي بعض النسخ وفي حديث ابن رمح يعني أنه قال بدل حين فرغ من حاجته حتى فرغ من حاجته، قال الشراح: فيكون المراد بالحاجة الوضوء؛ والمعنى فصب عليه الماء إلى أن فرغ من وضوئه، لكن رواية حين أبين وأوضح، وأما قوله (فقمت عند عقبه) حتى فرغ فكان ذاك للستر عن أعين الناس، وقد جاء في الرواية الأخرى مبَيَّنًا أن صبه عليه كان بعد رجوعه من موضع قضاء الحاجة، والله أعلم. قال النواوي: وفي هذا الحديث دليل على جواز الاستعانة في الوضوء، وقد ثبت أيضًا في حديث أسامة بن زيد أنه صب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه حين انصرف من عرفة، وقد جاء في أحاديث ليست بثابتة النهي عن الاستعانة، قال القاضي: أجاز الجمهور صب الماء على المتوضئين وكرهه عمر وابنه وعلي رضي الله عنهم كما كرهوا استقاء الماء لوضوء الغير ورأوه من الشركة في عمل الوضوء، وروي عنهم خلافه فقد صب ابن عباس على يد عمر للوضوء. وقال ابن عمر: لا أبالي أُعِنْتُ على وضوئي أو ركوعي أو سجودي، واحتج به البخاري على توضئة الرجل غيره قال: لأنه إذا صح أن يكفيه صب الماء صح أن يكفيه عمل الوضوء ولأنه من القربات التي يعملها الرجل عن غيره ولإجماعهم على توضئة المريض وتيممه بخلاف الصلاة،

523 - (00) (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبدُ الْوهابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحيَى بْنَ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسنَادِ. وَقَال: فَغَسَلَ وَجْههُ وَيدَيهِ، وَمَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل صب المغيرة أنه لضيق فم الإناء وإن الإداوة حملت للشرب لا للوضوء منها ولذلك يختلف حكم وضع الإناء فما اتسع فموضعه اليمين وما ضاق فموضعه اليسار لتيسر الصب منه. قال النواوي: قال أصحابنا الاستعانة ثلاثة أقسام أحدها: أن يستعين غيره في إحضار الماء فلا كراهة فيه ولا نقص، والثاني: أن يستعين به في غسل الأعضاء ويباشر الأجنبي بنفسه غسل الأعضاء فهذا مكروه إلا لحاجة، والثالث: أن يستعين في الصب عليه فهذا الأولى تركه وهل يسمى مكروها فيه وجهان قال أصحابنا وغيرهم: وإذا صب عليه الماء وقف الصاب على يسار المتوضئ، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الطهارة وفي المغازي وفي اللباس وفي غيرها، وأبو داود في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وابن ماجه في الطهارة اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 523 - (00) (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث المغيرة محمد بن المثنى بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) قال (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي أبو محمد البصري ثقة من (8) (قال سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري أبا سعيد المدني ثقة من (5) (بهذا الإسناد) يعني عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة عن أبيه المغيرة، والجار والمجرور متعلق بقوله حدثنا عبد الوهاب لأنه المتابع. وهذا السند أيضًا من سباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة بين الروايتين. (و) لكن (قال) عبد الوهاب الثقفي (فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه) بدل قول الليث فتوضأ، وقال (ثم مسح على الخفين) بثم بدل قول الليث ومسح على الخفين بالواو.

524 - (00) (00) (00) وحدّثنا يحيى بْنُ يحيى التمِيمِي. أَخبَرَنَا أَبُو الأحوَصِ عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الأسوَدِ بْنِ هِلالٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ؛ قَال: بَينَا أنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ذَاتَ لَيلَةٍ. إِذْ نَزَلَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُم جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيهِ مِنْ إِدَاوَةٍ كَانَتْ مَعِي. فَتَوَضأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 524 - (00) (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) أبو زكريا النيسابوري ثقة من (10) قال (أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي ثقة متقن من (7) مات سنة (179) روى عنه في (12) بابا (عن أشعث) بن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي الكوفي ثقة من (6) مات سنة (125) روى عنه في (6) أبواب (عن الأسود بن هلال) المحاربي الكوفي ثقة فقيه مخضرم من (2) مات سنة (84) روى عنه في (2) بابين (عن المغيرة بن شعبة) الثقفي الكوفي. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأسود بن هلال لعروة بن المغيرة في رواية هذا الحديث عن المغيرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة، وانفرد المؤلف بهذه الرواية عن أصحاب الأمهات (قال) المغيرة وكلمة بينا في قوله (بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظرف زمان ملازم للإضافة إلى الجملة وهو لفظ بين زِيدَت فيه الألف فأضيفت إلى الجملة ولفظ ذات في قوله (ذات ليلة) مُقْحَمٌ أو من إضافة الشيء إلى نفسه، وقد بسطنا البحث فيه في أول كتاب الإيمان أي بَينَا أوقات كوني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي (إذ نزل) أي عن راحلته كما يأتي التصريح بذلك قريبًا (فـ) ذهب و (قضى حاجته) حاجة الإنسان (ثم جاء) بعد فراغه من قضاء حاجته (فصببت عليه) الماء (من إداوة) أي من مِطْهرة (كانت معي فتوضأ ومسح على خفيه) وفي المفهم قوله (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي وهي منصوبة على الظرفية كما تقول ذات مرة أي مرة من المرات ويقال للمذكر ذا صباح وذا مساء كما قال الشاعر وهو أنس بن نهيك: عزمتُ على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يُسَوَّدُ من يَسُود ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال:

525 - (00) (00) (00) (وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ؛ قَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي سَفَرٍ. فَقَال: "يَا مُغِيرَةُ، خُذِ الإِدَاوَةَ" فَأَخَذْتُها، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 525 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي ثقة من (10) وأتى بقوله (قال أبو بكر) .. إلخ .. تورعًا من الكذب عليه لأنه لو قال عن أبي معاوية لأوهم أنه روى بالعنعنة كأبي كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي أبي محمد الكوفي ثقة ثبت مدلس من (5) (عن مسلم) بن صُبَيح مصغرًا العطار الهمداني مولاهم ويقال القرشي مولاهم كان مولى لال سعيد بن العاص أبي الضحى الكوفي، روى عن مسروق في الوضوء والصلاة والصوم وغيرها، وشُتَير بن شَكَل في الصلاة والصوم، وعبد الرحمن بن هلال في الزكاة والعلم، والنعمان بن بشير وابن عباس وأرسل عن علي بن أبي طالب، ويروي عنه (ع) والأعمش ومنصور بن المعتمر وسعيد بن مسروق وفطر بن خليفة وعطاء بن السائب وجماعة وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب؛ ثقة فاضل مشهور بكنيته من الرابعة مات سنة مائة (100) ووقع في هامش بعض المتون تفسيره بمسلم بن خالد الزنجي ولعله كتبه من ليس من أهل الحديث لأن مسلم بن خالد الزنجي ليس من رجال مسلم بل ليس من أهل الحديث بل هو من الفقهاء شيخ الشافعي فلا تغتر بذلك وراجع تحفة الأشراف ورجال الأصبهاني (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي ثقة فقيه مخضرم عابد من الثانية مات سنة (63) ثلاث وستين (عن المغيرة بن شعبة) الكوفي. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة مسروق لعروة بن المغيرة والأسود بن هلال في رواية هذا الحديث عن المغيرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للروايتين السابقتين (قال) المغيرة (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) كان هذا السفر في غزوة تبوك كما في الموطإ فنزل عن راحلته (فقال) في (يا مغيرة خذِ الأداوة) وهي الإناء من الجلد (فأخذتها ثم) قال لي

خَرَجْتُ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ. ثَمَّ جَاءَ وَعَلَيهِ جُبَّةٌ شَامِيةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّينِ. فَذَهب يُخْرِجُ يَدَهُ مِنْ كُمِّها فَضَاقَت عَلَيهِ. فأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلها. فَصَبَبْتُ عَلَيهِ فَتَوَضأَ وُضُوءَهُ لِلصَلاةِ. ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيهِ ثُمَّ صَلَّى. 526 - (00) (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِي بْنُ خَشْرمٍ. جَمِيعًا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ اذهب معي فخرج إلى موضع قضاء الحاجة ف (خرجت معه فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من عندي (حتى) غاب و (توارى) أي استتر (عني) بسواد الليل (فقضى حاجته ثم جاء) وأراد الوضوء (وعليه جبة شامية) أي منسوجة بالشام؛ والجبة قميص من صوف كما يصرح به في الرواية الآتية محشو يُلبس للبرد، وفي هذا دليل على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت من عمل الشام والشام إذ ذاك بلاد الكفر والشرك من مجوس وغيرهم وأكثر مأكلهم الميتة ولم يسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا توقف فيه (ضيقة الكمين) أي ضائق كمَّاها، وفيه دليل على لباس الضيق والتشمير للأسفار. اهـ من المفهم (فذهب يُخرج يده من كمها) أي فشرع في إخراج يده من أعلى كمها (فضاقت عليه) عن إخراج يده من أعلاها (فأخرج يده من أسفلها فصببتُ عليه) الماء (فتوضأ وضوءه للصلاة) أي غسل وجهه ويديه ومسح برأسه (ثم) بعد وضوئه في الأعضاء الثلاثة (مسح على خفيه) بدلًا عن غسل الرجلين (ثم صلى) بنا الفريضة كما سيصرحه في الرواية الآتية. وشارك المؤلف في هذه الرواية أعني رواية مسروق عن المغيرة البخاري رواه في الجهاد عن موسى بن إسماعيل، وفي اللباس عن قيس بن حفص، وفي الصلاة عن يحيى، والنسائي في الطهارة عن علي بن خشرم، وابن ماجه في الطهارة عن هشام بن عمار. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: 526 - (00) (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة من (10) روى عنه في (21) بابا (وعلي بن خشرم) بوزن جعفر المروزي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن

عِيسى بْنِ يُونُسَ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، عَنْ مُسْلِم، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ؛ قَال: خَرَجَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ تَلَقَّيتُهُ بِالإِدَاوَةِ. فَصَبَبْتُ عَلَيهِ فَغَسَلَ يَدَيهِ. ثُمَّ غَسَلَ وَجْههُ. ثُم ذَهبَ لِيَغْسِلَ ذِرَاعَيهِ فَضَاقَتِ الْجُبَّةُ فَأَخرَجَهُما مِنْ تَحتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ ثُمَّ صَلى بِنَا. 527 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا زَكَرِياءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أخي إسرائيل أبي عمرو الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (18) بابًا وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا عيسى) تورعًا من الكذب عليه، قال عيسى (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي ثقة من (5) (عن مسلم) بن صُبيح الهمداني أبي الضحى الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (5) (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن المغيرة بن شعبة) الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عيسى بن يونس لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية قبلها في بعض الكلمات. (قال) المغيرة (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيننا بعد ما نزل من راحلته (ليقضي حاجته) حاجة الإنسان (فلما رجع) من موضع قضاء حاجته (تلقيتُهُ) أي استقبلته (بالاداوة) أي بالمطهرة فأخذ مني فاستنجى بها ثم رجع فاراد الوضوء (فصببت عليه) الماء (فغسل يديه) أي كفيه (ثم غسل وجهه ثم ذهب) أي شرع بإخراج يديه عن كُمَّيْهِ (ليغسل ذراعيه) أي ساعديه (فضاقت الجبة) عن إخراج الذراعين من أعلى كمها (فأخرجهما) أي فأخرج الذراعين (من تحت الجبة) وأسفلها (فغسلهما) أي غسل الذراعين (ومسح رأسه ومسح على خفيه ثم صلى بنا) الفريضة. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 527 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من (9) قال (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبو يحيى

عَنْ عَامِرٍ، قَال: أَخْبَرَنِي عُروَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ذَاتَ لَيلَةٍ فِي مَسِيرٍ. فَقَال لِي: "أَمَعَكَ مَاءٌ" قُلْتُ: نَعَم. فَنَزلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى فِي سَوَاد الليلِ. ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيهِ مِنَ الإِدَاوَةِ. فَغَسَلَ وَجْههُ، وَعَلَيهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ. فَلَم يَسْتَطِع أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيهِ مِنْها. حَتَّى أَخْرَجَهُمَا. . . .. ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي ثقة من (6) (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي ثقة من (3) (قال) الشعبي (أخبرني عروة بن المغيرة) بن شعبة الثقفي أبو يعفور الكوفي (عن أبيه) المغيرة بن شعبة الثقفي أبي محمد الكوفي. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وفيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الشعبي لنافع بن جبير وأخَّرَه إلى هنا لكونه مطولًا على جميع روايات حديث المغيرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادات الكثيرة التي لا تقبل الفصل (قال) المغيرة (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (في مسير) وكان هذا المسير في غزوة تبوك كما عن الموطإ، والمسير مصدر ميمي بمعنى السير وقد يكون بمعنى الطريق الذي يسار فيه (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمعك) أي هل معك يا مغيرة (ماء) أتطهر به (قلت) له (نعم) معي ماء (فنزل عن راحلته) أي عن ناقته (فمشى) وذهب لقضاء حاجته (حتى توارى) واستتر مني (في سواد الليل) وظلامه (ثم جاء) بعد ما قضى حاجته (فأفرغتُ عليه) الماء وصببته (من الإداوة) والمطهرة (فغسل وجهه) وفيه حجة للجمهور في جواز صب الماء على المتوضئ، روي عن عمر وابنه كراهة ذلك، وقد روي عنهما خلف ذلك فروي عن عمر أن ابن عباس صب على يديه الوضوء، وقال ابن عمر: لا أبالي أعانني رجل على وضوئي وركوعي وسجودي رواه الطبري كما في فتح الباري وهو الصحيح، وفيه أيضًا دليل على جواز الاقتصار على فروض الوضوء دون السنن إذا ارهقَتْ إلى ذلك ضرورةٌ حيث ترك النبي صلى الله عليه وسلم غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وترك ذكرها المغيرة والظاهر خلافه، وقد روى البخاري من حديث عبد الله بن زيد أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على الفروض وقد قدمنا قوله للأعرابي توضأ كما أمرك الله (وعليه جبة من صوف) ضيقة الكمين (فلم يستطع) أي لم يقدر (أن يخرج ذراعيه منها) أي من أعلى كمي الجبة وحتى في قوله (حتى أخرجهما)

مِن أَسْفَل الْجُبَّةِ. فَغَسَل ذِرَاعَيهِ. وَمَسَحَ بِرأْسِهِ. ثُم أَهْوَيتُ لأَنْزعَ خُفَّيْهِ فَقَال: "دعهُمَا، فَإِنِّي أَدخلتُهُمَا طَاهِرَتَينِ" وَمَسَحَ عَلَيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى الفاء العاطفة على جملة قوله (فلم يستطع) أي فلم يستطع على ذلك فأخرج الذراعين (من أسفل الجبة فنسل ذراعيه) وفيه دليل على أن يسير التفريق في الطهارة لا يفسدها، قال أبو محمد عبد الوهاب: لا يختلف في أن التفريق غير المتفاحش لا يفسد الوضوء، واختلف في الكثير المتفاحش؛ فروي عن ابن وهب أنه يفسده في العبد والسهو وهو أحد قولي الشافعي، وحكي عن ابن عبد الحكم أنه لا يفسده في الحالين وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وعن ابن القاسم أنه يفسده مع العبد أو التفريط ولا يفسده مع السهو، وقال أبو الفضل عياض: إن مشهور المذهب أن الموالاة سنة وهذا هو الصحيح بناءً على ما تقدم من أن الفرائض محصورة في الآية وليس في الآية ما يدل على الموالاة وإنما أخذت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يرو عنه قط أنه فرق تفريقًا متفاحشًا. واختلف في الفرق بين اليسير والكثير فقيل: ذلك يرجع إلى الاجتهاد وليس فيه حد، وقيل جفاف الوضوء هو الكثير. اهـ مفهم. (ومسح برأسه) قال المغيرة (ثم) بعد مسح رأسه (أهويت) أي أملت وبسطت ومددت يدي إلى رجليه (لأنزع) وأخلع عنه (خفيه) ليتمكن من غسل رجليه (فقال) في رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهما) أي دع الخفين واتركهما على رجلي (فإني أدخلتهما) أي أدخلت الرجلين في الخفين حالة كون الرجلين (طاهرتين) من الحدث الأصغر (ومسح عليهما) أي على الخفين بدلًا عن غسل الرجلين، وفيه دليل على اشتراط لبسهما على طاهرة كاملة، وفي المفهم حمل الجمهور الطهارة على العرفية وهي الطهارة عن الحدث وخصوها بالماء لأنه الأصل والطهارة به هي الغالبة ورأى أصبغ: أن طهارة التيمم تدخل تحت مطلق قوله (أدخلتهما طاهرتين) وقيل عنه إنه بناء على أن التيمم يرفع الحدث، وذهب داود إلى أن المراد بالطهارة هنا هي الطهارة من النجس فقط فإذا كانت رجلاه طاهرتين من النجاسة جاز المسح على الخفين وسبب الخلاف الاشتراك لثاني اسم الطهارة، والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في هذه الرواية أعني رواية الشعبي عن عروة أحمد [/ 251] والبخاري [5799]، وأبو داود [149 و 150 و 151]، والترمذي [97 - 100] والنسائي [1/ 82].

528 - (00) (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أبِي زَائدَةَ عَنِ الشعبِي، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنهُ وَضَّأ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، فَتَوَضأ وَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ. فَقَال لَهُ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المتابعة سادسًا في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 528 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين المروزي ثقة من (10) روى عنه في (11) بابًا، قال (حدثنا إسحاق بن منصور) السلولي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي روى عن عمر بن أبي زائدة في الوضوء، وإسرائيل في الوضوء، وهُرَيم بن سفيان في الصلاة، وإبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق في الحج وصفة النبي صلى الله عليه وسلم وفضائل الصحابة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن حاتم ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب وأحمد بن سعيد وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق تُكُلِّم فيه للتشيع من التاسعة مات سنة (204) أربع ومائتين وقيل سنة خمس، روى عنه في (5) أبواب، قال (حدثنا عمر بن أبي زائدة) أخو زكرياء بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، روى عن الشعبي في الوضوء، وعون بن أبي جحيفة في الصلاة، وأبي إسحاق السبيعي في الدعاء، وعبد الله بن أبي السفر في الدعاء، وقيس بن أبي حازم وغيرهم، ويروى عنه (خ م س) وإسحاق بن منصور وبهز بن أسد وأبو عامر العقدي وابن مهدي وثقه النسائي، وقال في التقريب: صدوق رمي بالقدر من السادسة مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة، روى عنه في (3) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي (عن عروة بن المغيرة) الكوفي (عن أبيه) المغيرة بن شعبة الثقفي الكوفي. وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا محمد بن حاتم فإنه مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمر بن أبي زائدة لزكرياء بن أبي زائدة في رواية هذا الحديث عن الشعبي، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة لما قبلها مع اختصارها (أنه) أي أن المغيرة بن شعبة (وَضَّأَ النبي صلى الله عليه وسلم) أي صب ماء الوضوء على يدي النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ به (فتوضأ) النبي صلى الله عليه وسلم أي غسل وجهه ويديه ومسح برأسه (ومسح على خفيه فقال) المغيرة (له) صلى الله عليه وسلم لِمَ مسحت على الخفين وتركت غسل الرجلين كعادتك في الوضوء؟ فمقول قال الأول محذوف دل عليه السياق لا كما يقوله بعض الطلبة من حمله على الفعل (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة لا حاجة لي

"إِني أَدخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى نزع الخفين لغسل الرجلين (إني أدخلتهما) أي لأني أدخلت القدمين في الخفين حالة كون القدمين (طاهرتين) من الحدث الأصغر فأقتصر على مسحهما لأنه رخصة تصدق الله تعالى بها على عباده. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث جرير ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث حذيفة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث المغيرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ست متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم. (خاتمة): قال القرطبي: أنكر طائفة من أهل البدع المسح على الخفين في السفر والحضر كالخوارج لأنم لم يجدوه في القرآن على أصلهم وردهم أخبار الآحاد، وأنكرته الشيعة لما روي عن علي أنه كان لا يمسح، وأنكره غير هؤلاء زاعمين أن التمسك بآية الوضوء أولى إما لأنها ناسخة لما تقدمها من جواز المسح الثابت بالسنة وإما لأنها أرجح من أخبار الآحاد، وأما جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى فالمسح عندهم جائز، قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، ثم إنه قد ورد من الأحاديث الصحيحة والمشهورة ما يفيد مجموعها القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وقد روي عن مالك إنكار المسح على الخفين وليس ذلك بصحيح مطلقًا، وإنما الذي صح عنه من رواية ابن وهب في هذا أنه قال "لا أمسح في حضر ولا سفر" نقلها أبو محمد بن أبي زيد في نوادره وغيره، فظاهر هذا أنه اتقاه في نفسه، وقد روى ابن نافع في المبسوط عن مالك ما يزيل كل إشكال أنه قال له عند موته: المسح على الخفين في الحضر والسفر صحيح يقين ثابت لا شك فيه إلا أني كنت أجد في خاصة نفسي بالطهور ولا أرى من مسح مُقَصِّرًا فيما يجب عليه، وعلى هذا حمل أحمد بن حنبل قول مالك، كما روي عن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا أخفافهم وخلع هو وتوضأ وقال: حُبِّب إليَّ الوضوء، ونحوه عن أبي أيوب، قال الشيخ رحمه الله تعالى: وعلى هذا يحمل ما روي عن علي، قال أحمد بن حنبل: فمن ترك ذلك على نحو ما تركه عمر وأبو أيوب ومالك لم أُنْكِره عليه وصلّينا خلفه ولم نَعِبْهُ إلا أن يترك ذلك ولا يراه كما صنع أهل البدع فلا نصلي خلفه. فأما من أنكر المسح في الحضر وهي أيضًا رواية عن مالك فلأن أكثر أحاديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسح إنما هي في السفر والصحيح جواز المسح فيه إذ هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، وحديث السباطة مما يدل عليه حيث كانت السباطة خلف الحائط بل قد روي في ذلك الحديث عن حذيفة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة .. وذكر الحديث، وقد روى أبو داود عن بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الأسواق لحاجته ثم خرج فتوضأ ومسح على خفيه؛ والأسواق موضع بالمدينة وسيأتي حديث علي في توقيت المسافر والمقيم. (فائدة) وقوله في حديث المغيرة (فمشى حتى توارى في سواد الليل) إشارة إلى آداب قضاء الحاجة، قال القاضي: من آدابه الإبعاد والاستتار حتى لا يُرى وقد جاء في الحديث "أبعدوا المذاهب" قال الأبي: ذكر الطبري في تهذيب الآثار أنه صلى الله عليه وسلم كان يذهب في قضاء حاجته إلى المُغَمَّسِ وبُعْدُه من مكة ميلان وأنه كان يرتاد لحاجته كما يرتاد المنزل. ومن آدابه ما تقدم من اتقاء الملاعن والاستقبال والاستدبار، ومن آدابه أن يقول عند إرادة دخول الخلاء (اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث) وعند الخروج ما أخرجه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج (اللهم غفرانك الحمد لله الذي سَوَّغَنِيهِ وأخرجه خبيثًا) وقيل في وجه استغفاره في هذا الوقت إنه لفوته الذكر فيه إذ لا يذكر الله فيه، وقيل إظهارًا للعجز عن شكر النعمة، ومن آدابه أن تُتَّقَى الجُحرة والمَهْوَاة خوف أن يخرج منها ما يؤذي أو يشوش، وقيل لأنها من مساكن الجان وإن ذلك كان سبب موت سعد بن عبادة بال في جحر بأرض حوران فرمته الجن، وروي أنه سمع في الجحر راجز يرتجز: نحن قتلنا سيد الـ ... ـخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهميـ ... ــن فلم نخُطئ فؤاده ولذا قال ابن حبيب: لا يبول في المهواة ويبول دونها ليسيل البول إليها، واستشكل ابن عبد السلام وفرق بأن حركة الجن بالطيران لا بالتمسك بالحيطان فإذا بال في المهواة فقد يصادف أحدًا منهم طائرًا. ومن آدابه إدامة الستر فلا يرفع الثوب حتى يدنو من الأرض وأن يصمت، قال ابن العربي: وأن لا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، قال الغزالي: وأن لا يدخل حاسر الرأس قيل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خوف أن تعلق الرائحة بالشعر فلا تزول وقيل لأن تغطية الرأس أجمع لمسام البدن وأسرع لخروج الحدث. اهـ من الأبي. الحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد البريات، سيدنا محمد منبع العلوم ومقبس الحكمات، وعلى آله وأصحابه ذوي المقامات السنية، وأتباعهم على ضوء السنن والملَّة الحنيفية، إلى يوم المحاسبة والعرض على رب البرية. آمين آمين يا رب العالمين. لا تَكشِفَنْ من مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله سترًا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا آخر: تساوى الكل منا في المساوي ... فأفضلنا فتيلًا ما يساوي هل الدنيا وما فيها جميعًا ... سوى ظل يزول مع النهار تم المجلد الخامس من الكَوْكَبِ الوَهَّاجِ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ ويليه المجلد السادس

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء السادس دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

شعر ما حوى العلم جميعًا أحد ... لا ولو مارسه ألف سنة إنما العلم بعيد غوره ... فخذوا من كل علم أحسنه شعر آخر ألا أيها الإخوان صلوا وسلموا ... على المصطفى في كل وقت وساعة فإن صلاة الهاشمي محمد ... تنجي من الأهوال يوم القيامة آخر يا من يجيب دعا المضطر في الظلم ... يا كاشف الضر والبلوى مع السقم شفع نبيك في ذلي ومسكنتي ... يوم القيامة يا ذا الفضل والكرم آخر لا تكشفن من مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله سترًا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا

141 - (46) (28) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

141 - (46) (28) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار 529 - (249) (85) (49) وحدّثني مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بنِ بَزِيعٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يعنِي ابْنَ زُرَيعٍ)، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطويلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 141 - (46) (28) باب المسح على الناصية والعمامة والخمار والناصية مقدم الرأس والعمامة بكسر العين ويجمع على عمائم ما يُكوَّر على الرأس ويُلف عليها سواء كانت له عذوبة أم لا وسواء حُنِّك أم لا، والخمار في الأصل هو ثوب تغطي به المرأة رأسها ولكن المراد به هنا العمامة فعطفه على العمامة من عطف الرديف وسميت العمامة بالخمار لتخميرها الرأس، ولم يختلف من أجاز المسح على العمامة في منع مسح المرأة على خمارها لعدم وروده، والفرق بين العمامة والخمار أن العمامة يشق نزعها لاسيما إن كانت بحنك ولورود الرخصة فيها ولم يرد في الخمار للمرأة، والله سبحانه وتعالى أعلم. 529 - (249) (85) (49) (وحدثني محمد بن عبد الله بن بَزِيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي أبو عبد الله البصري روى عن يزيد بن زريع في الوضوء والزكاة، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى في الصلاة، وبشر بن المفضل في اللباس، وابن أبي عدي في ذكر الحوض، ويروي عنه (م ت س) وابن خزيمة وابن جرير وطائفة، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (247) سبع وأربعين ومائتين، روى عنه في خمسة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا يزيد) بن زريع التيمي العيشيُّ أبو معاوية البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (182) روى عنه في اثني عشر بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) إشارة إلى أنه من زيادته، قال (حدثنا حميد الطويل) بن أبي حميد واسم أبي حميد تِير ويقال تِيرَويه، ويقال عبد الرحمن ويقال داود ويقال طرخان ويقال مهران الخزاعي مولاهم مولى طلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف أبو عبيدة البصري، قال الأصمعي: رأيت حميدًا ولم يكن بطويل ولكن كان طويل اليدين وكان قصيرًا لم يكن بذاك الطويل ولكن كان له جار يقال له حميد القصير فقيل له حميد الطويل ليعرف من الآخر كذا في الخلاصة، روى عن بكير بن عبد الله المزني في الوضوء والحج، وأنس في الصلاة والصوم والحج والبيوع والجهاد والأدب وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن شقيق في الصلاة، وثابت النسائي في الصوم والحج

حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الله الْمُزَنِي، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ، فَلَما قَضَى حَاجَتَهُ قَال: "أَمَعَكَ مَاءٌ؟ " فَأَتَيتُهُ بمِطْهرَةٍ. فَغَسَلَ كَفَّيهِ وَوَجْههُ. ثُمَّ ذَهبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيهِ فَضَاقَ كُمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنذور والدعاء، وابن أبي مُلَيكة في حسن الخلق، وعن الحسن في الإيمان، وموسى بن أنس في خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم، وعكرمة، ويروى عنه (ع) ويزيد بن زريع وإسماعيل بن علية ويحيى بن سعيد القطان والحمادان وشعبة ومعاذ بن معاذ وخالد بن الحارث وزهير بن معاوية وأبو خالد الأحمر في الجهاد والسفيانان وخلق، وقال في التقريب: ثقة مدلس وعابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء من الخامسة مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة وهو قائم يصلي وله (75) خمس وسبعون سنة، روى عنه المؤلف في (14) بابًا تقريبًا، قال (حدثنا بكر بن عبد الله) بن عمرو بن هلال (المزني) أبو عبد الله البصري، روى عن عروة بن المغيرة في الوضوء، وأبي رافع الصائغ في الصلاة، وأنس بن مالك في الصلاة والحج، وابن عمر في الحج، وابن عباس في الحج، ويروي عنه (ع) وحميد الطويل وسليمان التيمي وغالب القطان وحبيب بن الشهيد وقتادة وثابت وخلق، وثقه أبو زرعة والنسائي، وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا مأمونًا حجةً فقيهًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت جليل من الثالثة مات سنة (108) ثمان ومائة، روى عنه في ثلاثة أبواب تقريبًا (عن عروة بن المغيرة بن شعبة) الثقفي الكوفي (عن أبيه) المغيرة بن شعبة الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان كوفيان، قال المازري: وقال الدارقطني: خالف الناس مسلمًا في هذا السند لأنهم رووه عن بكر عن حمزة بن المغيرة بدل عروة، ونسب الدارقطني الوهم في ذلك إلى يزيد لا إلى مسلم، وقال القاضي: عروة وحمزة أخوان وكلاهما روى عنه الحديث لكن الصحيح هنا إنما هو بكر عن حمزة أو عن ابن المغيرة بلا تسمية أحد (قال) المغيرة بن شعبة (تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تأخر عن القوم في سفر سافرنا معه (وتخلفت) أنا (معه) صلى الله عليه وسلم ونزل عن راحلته وذهب لقضاء حاجته (فلما قضى حاجته قال: أمعك ماء) يا مغيرة فقلت: نعم (فأتيته بمطهرة) بكسر الميم وفتحها لغتان وتقدم أنها الإناء الذي يتطهر منه (فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب) أي شرع (يحسر) من باب ضرب أي يكشف كميه (عن ذراعيه) أي عن ساعديه ليغسلهما (فضاق كم

الْجُبَّةِ. فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تحتِ الْجُبَّةِ، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيهِ. وَغَسَلَ ذِرَاعَيهِ. وَمَسَحَ بِنَاصِيتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجبة) عن إخراج الذراعين من أعلاه (فأخرج يده من تحت الجبة) وأسفلها (وألقى الجبة على منكبيه وغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة) وهذا محل الترجمة قال النواوي: واحتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي لأنه لو وجب مسح الجميع لم يكتف في الباقي بالعمامة إذ لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل منه في عضو واحد كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى، والتيمم للمسح على العمامة مستحب لتكون الطهارة على جميع الرأس ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طهر أو على حدث وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته، ويستحب أن يُتِمَّ على القلنسوة كالعمامة ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئًا من الرأس لم يُجْزِهِ ذلك عندنا بلا خلاف وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء رحمهم الله تعالى وذهب أحمد بن حنبل إلى جواز الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف والله أعلم. اهـ من النواوي. وقال القرطبي: تمسك أبو حنيفة وأشهب من أصحابنا بهذا الحديث على إجزاء مسح الناصية فقط ولا حجة لهما فيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر عليه وأنه مسح على الناصية وعلى كل العمامة واحتج به الشافعي وأحمد بن حنبل على جواز المسح على العمامة وأنه يجزئ ولا حجة لهما فيه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتصر عليها بل مسح معها الناصية واشترط بعض من أجاز المسح على العمامة أن يكون لبسها على طهارة كالخفين وزاد بعضهم أن تكون محنَّكة أي مدارة بالحنك ليكون في نزعها مشقة، وذهب مالك وجُلُّ أصحابه إلى أن مسح الرأس على حائل لا يجوز تمسكًا بظاهر قوله تعالى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وهذا يقتضي المباشرة كقوله في التيمم {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] إلا أن يدعو إلى ذلك ضرورة مرض أو تخوُّفٍ على النفس فحينئذ يجوز المسح على الحائل كالحال في الجبائر والعصائب، وحمل بعض أصحابنا هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم كان به مرض منعه من كشف رأسه كله أو توقعه توقعًا صحيحًا وهذه طريقة حسنة فإنه تمسك بظاهر الكتاب وتأول هذه الواقعة المعيَّنة ويؤيد تأويله بامرين أحدهما: أن هذه الواقعة كانت في السفر وهو مظنة الأعذار والأمراض، والثاني: أنه مسح من رأسه الموضع الذي لم يؤلمه أو لم يتوقع فيه

وَعَلَى خُفَّيْهِ. ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبتُ. فَانْتَهينَا إِلى الْقَوْمِ وَقَد قَامُوا فِي الصَّلاةِ. يُصَلِّي بِهِم عَبْدُ الرَحمنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَد رَكَعَ بِهِم رَكْعَةً. فَلَما أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَهبَ يَتأَخَّرُ. فَأوْمَأ إِلَيهِ. فَصَلَّى بِهِم. فَلَما سَلَّمَ قَامَ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَقمتُ. فَرَكَعنَا الركْعَةَ التِي سَبَقَتْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ شيئًا ومسحه صلى الله عليه وسلم جميع العمامة دليل لمالك على وجوب عموم الرأس إذ قد نزل العمامة عند الضرورة منزلة الرأس فمسح جميعها كما فعل في الخفين، والله سبحانه وتعالى وأعلم. اهـ من المفهم. (و) مسح (على خفيه ثم ركب) ناقته (وركبتُ) أنا ناقتي (فانتهينا) أي وصلنا (إلى) منزل (القوم وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف) الزهريّ (وقد ركع) وصلى (بهم ركعة) من صلاة الصبح كما هو مصرح في رواية أبي داود (فلما أحس) وعلم عبد الرحمن (بـ) حضور (النبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر) أي شرع في التأخر عن موضعه ليتقدم النبي صلى الله عليه وسلم (فأومأ إليه) أي أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الرحمن أن اثبت مكانك (فصلى) عبد الرحمن (بهم) أي بالقوم الركعة الباقية (فلما سلم) عبد الرحمن بهم (قام النبي صلى الله عليه وسلم) لإتمام صلاته، قال المغيرة (وقمت) أنا معه صلى الله عليه وسلم (فركعنا) أي صلينا (الركعة) الباقية لنا (التي سبقتنا) مع القوم أي صُلِّيَتْ قبل حضورنا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مقتديًا بعبد الرحمن مسبوقًا كما هو الظاهر من قوله فركعنا الركعة التي سبقتنا وكفاه به شرفًا، وأما تمادي عبد الرحمن وتأخر أبي بكر الصديق في حديث آخر رضي الله تعالى عنهما فلأن عبد الرحمن قد صلى ركعة بالقوم فتمادى في إمامته لئلا يختل على القوم ترتيب الصلاة وأما تأخر أبي بكر فلكونه في مفتتح الصلاة، قال القاضي عياض: وصلاتهم قبل أن يأتيهم يحتمل أنهم بادروا فضل أول الوقت أو ظنوا أنه عَرَّسَ ليله أو أنه أخذ غير طريقهم أو أنه لا يأتي إلا وقد صلى، وفزعهم حين أدركهم يُصلون يدل على أنهم لم يبادروا لفضل أول الوقت ولا أنهم أخروا الصلاة حتى خافوا خروج الوقت فالأشبه أنهم انتظروه فلما تأخر عن وقته المعتاد صلَّوا. اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث بهذا السند النسائي في الطهارة، وابن ماجه في الصلاة. اهـ تحفة. قال المازري: في هذا الحديث تقديم الجماعة إمامًا بغير إذن الإمام بخلاف

530 - (00) (00) (00) حدَّثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ وَمُحَمَّدُ بن عبد الأعلى. قَالا: حَدَّثَنَا المعتَمِرُ عَنْ أبِيهِ؛ قَال: حَدثني بَكرُ بْنُ عَبْدِ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة التي لا تصح إلا بإمام كالجمعة والأعياد، وفيه إمامة المفضول للأفضل إذا علم أركان الصلاة، وصلاة الإمام خلف رعيته، وقضاء المسبوق ما بقى له واتباعه إمامه حتى في جلوسه ولو في غير محل جلوس المسبوق، وأنه لا يقضي إلا بعد سلام الإمام وأن العمل اليسير مغتفر. اهـ. وقال النواوي: واعلم أن هذا الحديث فيه فوائد كثيرة منها جواز اقتداء الفاضل بالمفضول وجواز صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف بعض أمته، ومنها أن الأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت فإنهم فعلوها أول الوقت ولم ينتظروا النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها أن الإمام إذا تأخر عن أول الوقت استحب للجماعة أن يقدموا أحدهم فيُصلي بهم إذا وثقوا بحسن ظن الإمام وأنه لا يتأذى من ذلك ولا يترتب عليه فتنة فأما إذا لم يأمنوا أذاه فإنهم يُصلون في أول الوقت فرادى ثم إن أدركوا الجماعة بعد ذلك استحب لهم إعادتها معهم، ومنها أن من سبقه الإمام ببعض الصلاة أتى بما أدرك معه فإذا سلم الإمام أتى بما بقي عليه ولا يسقط ذلك عنه بخلاف قراءة الفاتحة فإنها تسقط عن المسبوق إذا أدرك الإمام راكعًا، ومنها اتباع المسبوق للإمام في أفعاله في ركوعه وسجوده وجلوسه وإن لم يكن ذلك موضع فعله للمأموم، ومنها أن المسبوق إنما يفارق الإمام بعد سلام الإمام، والله أعلم. اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 530 - (00) (00) (00) (حدثنا أمية بن بسطام) بكسر الباء وفتحها مع سكون السين وبالصرف وعدمه؛ بن المنتشر التيمي العيشي أبو بكر البصري صدوق من (10) مات سنة (231) روى عنه في الإيمان وغيره وفي الوضوء (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري ثقة من (10) مات سنة (245) روى عنه في (3) أبواب، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند (قال حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي أبو محمد البصري ثقة من (9) مات سنة (187) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري ثقة عابد من (4) مات سنة (143) روى عنه في (13) بابا (قال) سليمان بن طرخان (حدثني بكر بن عبد الله) المزني أبو عبد الله

عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفينِ، وَمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَعَلَى عِمَامَتِهِ. 531 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى، حَدَّثَنَا الْمُعتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (عن) حمزة (بن المغيرة) قال القاضي عياض: وابن المغيرة هنا حمزة على ما تقدم (عن أبيه) المغيرة بن شعبة الثقفي الكوفي. وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة سليمان بن طرخان لحميد الطويل في رواية هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني بلا ذكر قصة عبد الرحمن بن عوف، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للأولى بالاختصار وبالإبهام في ابن المغيرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين و) على (مقدم رأسه) يعني الناصية (وعلى عمامته) تتميمًا للمسح على جميع الرأس. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 531 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي البصري، قال (حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي البصري (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي البصري (عن بكر) بن عبد الله المزني البصري (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري أبي سعيد الأنصاري مولاهم ثقة فقيه مشهور ولكنه يرسل كثيرًا ويدلس من (3) مات سنة (110) روى عنه في (9) أبواب (عن) حمزة (بن المغيرة عن أبيه) المغيرة بن شعبة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بقوله حدثنا محمد بن عبد الأعلى، والضمير عائد إلى أمية بن بسطام لأنه المتابَع أي حدثنا محمد بن عبد الأعلى عن المعتمر بمثل ما روى ابن بسطام عن المعتمر ولكن زاد محمد بن عبد الأعلى الحسن بين بكر وابن المغيرة. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون واثنان كوفيان، قال النواوي: هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم أبو المعتمر سليمان بن طرخان وبكر بن عبد الله والحسن البصري وابن المغيرة واسمه حمزة كما تقدم وهؤلاء التابعيون الأربعة بصريون إلا ابن المغيرة فإنه كوفي. اهـ. ثم ذكر المتابعة ثالثًا فقال:

532 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ بَشَارٍ وَمُحمدُ بْنُ حَاتِمٍ. جَمِيعًا عَنْ يحيى الْقَطَّانِ. قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يحيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ التيمِيّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ (قَال بَكرٌ: وَقَد سَمِعْتُ مِن ابْنِ الْمُغِيرَةِ) أَن النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ تَوَضأَ، فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى الْخُفينِ. 533 - (250) (86) (50) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 532 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري الملقب ببُنْدَار ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (12) بابا (ومحمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المروزي صدوق ربما وَهِم من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا، وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن يحيى) بن سعيد بن فروخ (القطان) التميمي أبي سعيد البصري ثقة متقن من (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا، وأتى بقوله (قال ابن حاتم حدثنا يحيى بن سعيد) تورعًا من الكذب عليه (عن) سليمان بن طرخان (التيمي) البصري (عن بكر بن عبد الله) المزني البصري (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن) حمزة (ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه) المغيرة بن شعبة. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى للمعتمر في رواية هذا الحديث عن سليمان التيمي، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال بكر) بن عبد الله المزني (وقد سمعت من ابن المغبرة) بلا واسطة الحسن كما سمعتُه منه بواسطة الحسن، قال القاضي: واختلف على بكر هنا فروى معتمر في أحد الوجهين ويحيى بن سعيد عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة، وقال غيرهما عن بكر عن المغيرة، قال الدارقطني: وهو وَهمٌ، والله أعلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ) أي غسل وجهه ويديه (فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث المغيرة رضي الله عنه بحديث بلال رضي الله عنه فقال: 533 - (250) (86) (50) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا

وَمُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ ح وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنِ الأعمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرحمنِ بْنِ أَبِي لَيلى، عَنْ كعبِ بْنِ عُجْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومحمد بن العلاء) بن كريب الهمداني أبو كريب الكوفي ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يَهِمُ في حديث غيره من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق) بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه ثقة من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا، قال (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أخو إسرائيل أبو عمرو الكوفي ثقة مأمون من (8) مات سنة (191) روى عنه في (17) بابا، وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي مشايخه وصيغتهم (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت قارئ مدلس من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن الحكم) بن عُتَيبة مصغرًا الكندي مولاهم أبي محمد الكوفي، روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي والقاسم بن مخيمرة وإبراهيم النخعي وأبي صالح ومجاهد ونافع مولى ابن عمر وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعلي بن الحسين وخلق، ويروي عنه (ع) والأعمش وعمرو بن قيس المُلائي وزيد بن أبي أنَيسة وشعبة ومسعر بن كدام ومالك بن مغول وحمزة الزيات ومنصور بن المعتمر وأبو عوانة وخلق، قال العجلي: ثقة ثبت صاحب سنة واتباع، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة مات سنة (113) روى عنه المؤلف في الوضوء والصلاة في أربعة مواضع والصوم في ثلاثة مواضع والحج في أربعة مواضع والبيوع والنكاح والصيد في موضعين والأطعمة والفضائل، روى عنه في تسعة أبواب تقريبًا (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي ثقة من (2) مات سنة (83) بوقعة الجماجم، روى عنه في (9) أبواب (عن كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم ابن أمية الأنصاري أبي محمد المدني الصحابي المشهور من أصحاب الشجرة له (47) سبعة وأربعون حديثًا

عَنْ بِلالٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الخُفينِ وَالْخِمَارِ. وَفِي حَدِيثِ عِيَسى: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، حدَّثَنِي بِلال ـــــــــــــــــــــــــــــ اتفقا على حديثين وانفرد (م) بمثلهما، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وعن بلال في الوضوء، ويروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن مغفل في الحج، وبنوه محمد وإسحاق وعبد الملك والشعبي وابن سيرين مات سنة (51) إحدى وخمسين وله (73) نيف وسبعون سنة (عن بلال) بن رباح بفتح الراء والباء المخففة القرشي التيمي مولاهم مولى أبي بكر الصديق أبي عبد الله الدمشقي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين شهد بدرًا والمشاهد كلها، له (44) أربعة وأربعون حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديثين و (م) بحديث، ولم يؤذن لأحد بعده صلى الله عليه وسلم إلا مرةً واحدةً في قدمَةٍ قَدِمَها لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم قيل إنه لم يُتمها لكثرة الضجيج، يروي عنه (ع) وكعب بن عجرة وقيس بن أبي حازم وابن أبي ليلى وأبو عثمان النهدي مات بدمشق وقبر هناك سنة (17) وقيل بعدها وله (63) بضع وستون سنة، روى عنه في بابين. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد دمشقي أو أربعة منهم كوفيون وواحد مروزي وفيه رواية تابعي عن تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار) أي وعلى العمامة سميت بالخمار لأنها تخمرُ الرأس أي تغطيها شبهها بخمار المرأة بجامع الستر في كل، ولم يختلف من أجاز المسح على العمامة في منع مسح المرأة على خمارها إلا بشيء روي عن أم سلمة وعن أنس في مسحه على القلنسوة، وفَرْقُ ما بين العمامة والخمار عندهم أن العمامة يشق نزعها لا سيما إذا كانت محنكة (أي مدارةً من تحت الحنك) ولورود الرخصة فيها عندهم ولم يرد في الخمار للمرأة، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 12 و 13] وأبو داود [153]، والترمذي [101] والنسائي [1/ 75 - 76]. (وفي حديث عيسى) بن يونس وروايته (حدثني الحكم حدثني بلال) بتصريح السماع فيهما بدل قول أبي معاوية عن الحكم عن بلال، أتى بهذه الجملة تورعًا من الكذب على عيسى لأنه لو لم يات بهذه الجملة لأوهم أنه روى بالعنعنة كأبي معاوية،

وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، (يَعنِي ابْنَ مُسْهِرٍ)، عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وقَال فِي الْحَدِيثِ: رَأَيتُ رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: (قوله وفي حديث عيسى حدثني الحكم حدثني بلال) أبو معاوية وعيسى كلاهما روى الحديث عن الأعمش إلا أن الأعمش من طريق أبي معاوية عنعن الحديث عن أربعة، وفي طريق عيسى أسقط رجلين من الأربعة وهذا يُشْكِل، إذ يُظَن أن الحديث من رواية عيسى مقطوع وليس بمقطوع وإنما قصد مسلم أن يبين أنه رواه من طريق عيسى بلفظ حدثني في الأربعة أيضًا، واكتفى بلفظ حدثني الحكم في أوله وبلفظ حدثني بلال في آخره عن حدثني فيما بينهما، وإنما يكون مقطوعًا لو قال عن الحكم عن بلال، قال النواوي: وهذا لِعِلم مسلم بدقيق صناعة الإسناد فإن حدثني أقوى من عن لاسيما فيما رواه الأعمش لأنه معروف بالتدليس والمدلس لا يحتج بحديثه إلا إذا ثبت سماعه من طريق آخر، ومع هذا فقد ذكر الدارقطني في هذا السند خلافًا عن الأعمش فرواه بعضهم بإسقاط بلال واقتصر على كعب وعَكَسَ بعضهم فاقتصر على بلال وأسقط كعبًا، والأكثر إنما رووه كمسلم ورواه بعضهم عن علي بن أبي طالب عن بلال رضي الله تعالى عنهما. اهـ من الأبي. قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى (وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث المذكور يعني حديث بلال، ومقتضى اصطلاحاته أن يأتي هنا بحاء التحويل (سويد بن سعيد) بن سهل الهروي، وقال في التقريب؛ صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يُتَلَقَّن ما ليس من حديثه من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا علي) بن مسهر القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) مات سنة (189) روى عنه في (14) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن مسهر) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن الأعمش) سليمان بن مهران، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا علي، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو أبو معاوية وعيسى أي حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن عن كعب بن عجرة عن بلال، وغرضه بيان متابعة علي بن مسهر لأبي معاوية وعيسى (و) لكن (قال) علي بن مسهر (في الحديث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) مسح على الخفين والخمار بدل قولهما أن رسول الله .. الخ. ***

142 - (47) (29) باب التوقيت في المسح على الخفين

142 - (47) (29) باب التوقيت في المسح على الخفين 534 - (251) (87) (51) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَزَّاقِ. أَخْبَرَنَا الثوْرِيُّ عَنْ عَمرِو بْنِ قَيسٍ الْمُلائِي، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيبَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيمِرَةَ، عَنْ شُرَيحِ بْنِ هانِئٍ؛ قَال: أَتَيتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُها ـــــــــــــــــــــــــــــ 142 - (47) (29) باب التوقيت في المسح على الخفين قال الأبي: والتوقيت أن ينزع الخف لأجَل اهـ. مرادهم بعقد هذا الباب أن المسح على الخفين مؤقت إذا خرج وقته المحدد لا يجوز المسح عليهما إلا بعد غسل الرجلين. 534 - (251) (87) (51) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) أبو يعقوب المروزي ثقة من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا، قال (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة من التاسعة مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (أخبرنا) سفيان بن سعيد بن مسروق (الثوري) أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من (7) وكان ربما دلس مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن عمرو بن قيس الملائي) بضم الميم وتخفيف اللام وبالمد نسبة إلى المُلاء لأنه كان يبيع الملاء وهو نوع من الثياب معروف الواحدة ملاءة بالمد، وكان من الأخيار أبي عبد الله الكوفي، روى عن الحكم بن عتيبة في الوضوء والصلاة، وعكرمة وعون بن أبي جحيفة، ويروي عنه (م عم) والثوري وأسباط بن محمد وإسماعيل بن أبي خالد مع تقدمه عليه وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة متقن عابد من السادسة مات سنة (146) ست وأربعين ومائة، روى عنه في بابين كما بينا (عن الحكم بن عتيبة) بضم العين مصغرًا وبعدها مثناة من فوق ثم مثناة من تحت ثم موحدة الكندي أبي محمد الكوفي ثقة من (5) مات سنة (113) روى عنه في (9) أبواب (عن القاسم بن مخيمرة) مصغرًا الهمداني أبي عروة الكوفي ثقة فاضل من الثالثة مات سنة (100) روى عنه في (2) (عن شريح بن هانئ) بهمز آخره بن يزيد المَذْحِجِي أبي المقدام اليمني ثم الكوفي ثقة مخضرم معمر قتل بسجستان سنة (78) وله (100) سنة، روى عنه في (4) أبواب، وكان من كبار أصحاب علي بن أبي طالب (قال) شريح (أتيت عائشة) رضي الله تعالى عنها حالة كوني (أسألها

عَنِ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَقَالت: عَلَيكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ، فَإنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلْنَاهُ فَقَال: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيامٍ وَلَيَالِيَهُن لِلْمُسَافِرِ، ويوْمًا وَلَيلَةً لِلْمُقِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن) حكم مدة (المسح على الخفين فقالت) في عائشة (عليك) أي الزم (بابن أبي طالب) رضي الله عنه (فسله) أي فاسأله عن مدته (فإنه) أي فإن عليًّا (كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهو يعرف مدته، قال شريح بن هانئ (فسألناه) أي سألنا علي بن أبي طالب عن مدته (فقال) لنا علي (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وَقَّت (ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر) أي إذا لبس الخفين على طهارة كاملة يمسح إلى نهاية ثلاثة أيام مع لياليها (و) وقت (يومًا وليلة) أي مقدارهما (للمقيم) ولا يزيد عليه بدون غسل رجليه. قال القرطبي: وهذا الحديث نص في اشتراط التوقيت في المسح وبه أخذ أبو حنيفة والثوري وأصحاب الحديث والشافعي ومالك وأحمد في أحد قوليهما ومشهور مذهب مالك أنه لا توقيت فيه وهو قول الأوزاعي والليث والقول الآخر للشافعي، وأقوى ما يُتَمَسَّك به لمشهور مذهب مالك حديث عقبة بن عامر الذي أخرجه الدارقطني وصححه قال (خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت المدينة يوم الجمعة، ودخلت على عمر فقال لي: متى أولجتَ خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، فقال: هل نزعتهما؟ قلت: لا، فقال: أصبت السنة) رواه الدارقطني في سننه [1/ 196] ومِثل هذا يشيع ولم ينكره أحد مع أنه قال فيه: أصبتَ السنَّة، وهو ملحق بالمسند المرفوع. وأما حديث ابن أبي عمارة الذي قال فيه (امسح ما شئت ما بدا لك) فقال فيه أبو داود: ليس بالقوي ومآل هذا أن حديث عقبة يعارض حديث علي غير أن حديث عقبة وافقه عمل الصحابة فهو أولى عنده والله تعالى أعلم. اهـ من المفهم. قال النواوي: وأما أحكام هذا الحديث ففيه الحُجَجُ البينة والدلالة الواضحة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين مؤقت بثلاثة أيام في السفر وبيوم وليلة في الحضر وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم، وقال مالك في المشهور عنه: يمسح بلا توقيت وهو قول قديم ضعيف عن

قَال: وكَانَ سُفْيَانُ إِذَا ذَكَرَ عَمرًا أَثْنَى عَلَيهِ. 535 - (00) (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا زَكَرياءُ بْنُ عَدِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي باتفاق أهل الحديث ومذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح ثم إن الحدث عام مخصوص بحديث صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، قال أصحابنا: فإذا أجنب قبل انقضاء المدة لم يجز المسح على الخف فلو اغتسل وغسل رجليه في الخف ارتفعت جنابته وجازت صلاته فلو أحدث بعد ذلك لم يجز له المسح على الخف بل لا بد من خلعه ولبسه على طهارة بخلاف ما لو تنجست رجله في الخف فغسلها فيه فإن له المسح على الخف بعد ذلك، وفي هذا الحديث من الأدب ما قاله العلماء: أنه يستحب للمحدِّث وللمعلم والمفتي إذا طلب منه ما يعلَمه عند أجلَّ منه أن يرشد إليه وإن لم يعرفه قال: اسأل عنه فلانًا، قال ابن عبد البر: واختلف الرواة في رفع هذا الحديث ووقْفِه على علي، قال: ومن رفعه أحفظ وأضبط، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ منه. وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي وواحد صنعاني، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة أتباع روى بعضهم عن بعض وهم الحكم والقاسم وشريح بن هانئ. قال المؤلف بالسند السابق (قال) عبد الرزاق (وكان سفيان) الثوري (إذا ذكر) هو (عَمْرًا) ابن قيس الملائي (أثنى عليه) أي على عمروٍ أي ذكره بخير أي بقوة حفظ وإتقان، وفي بعض النسخ (إذا ذكر عمرو) عنده على صيغة المبني للمجهول. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [1/ 84]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 535 - (00) (00) (00) (وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي ثقة من (10) قال (أخبرنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم مولى بني تيم الله أبو يحيى الكوفي، روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والبيوع والجهاد والضحايا والأشربة وغيرها ويزيد بن زريع وابن المبارك، ويروي عنه (م ت س ق) وإسحاق الحنظلي وأحمد بن سعيد الدارمي وإسحاق الكوسج وأبو بكر بن أبي شيبة في الصلاة، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وعبد بن حميد وحجاج بن الشاعر، وقال في

عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عَمرٍو، عَنْ زَيدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: ثقة جليل حافظ من كبار العاشرة مات سنة إحدى أو اثني عشرة ومائتين (212) روى عنه في (8) أبواب (عن عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبي وهب الجزري الرقي، روى عن زيد بن أبي أنيسة في الوضوء والصلاة والزكاة والبيوع والفتن، وعبد الملك بن عمير في الأطعمة، وعبد الكريم في الفضائل، وأيوب السختياني في الفتن، ويروي عنه (ع) وزكرياء بن عدي وعبد الله بن جعفر والوليد بن صالح وأبو نعيم الحلبي وخلق، وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد، وقال: ربما أخطأ، وقال في التقريب: ثقة فقيه ربما وهم من السابعة مات سنة (180) ثمانين ومائة وله (79) تسع وسبعون سنة، روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) مصغرًا الغنوي بفتح المعجمة والنون أبي أسامة الجزري شيخ الجزيرة أصله من الكوفة ثم سكن الرُّها ويقال اسم أبي أنيسة زيد، روى عن الحكم بن عتيبة في الوضوء والبيوع، وعمرو بن مُرة في الصلاة، وعدي بن ثابت في الصلاة والزكاة، ويحيى بن الحصين في الحج والجهاد، وأبي الوليد المكي سعيد بن ميناء في البيوع، وأبي زيد عبد الملك بن ميسرة وسلمة بن كهيل في الأحكام، وسعيد بن أبي بردة في الجهاد والأشربة، وعطاء بن أبي رباح في الضحايا، ويحيى بن عبيد النخعي وعبد الملك العامري أبي زيد في الفتن، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن عمرو الرقي، ومعقل بن عبيد الله وأبو عبد الرحيم خالد بن أبي زيد ومالك، وقال في التقريب: ثقة له أفراد من السادسة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة وله ست وثلاثون سنة، روى عنه في (10) أبواب (عن الحكم) بن عتيبة الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو زيد بن أبي أنيسة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع وهو عمرو بن قيس الملائي، وقوله (مثله) مفعول به ثان لما عمل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق والتقدير حدثنا زيد بن أبي أنيسة عن الحكم بن عتيبة بهذا الإسناد أي عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي بن أبي طالب مثله أي مثل ما روى عمرو بن قيس عن الحكم فالمتابعة تامة. وهذا السند أيضًا من ثمانياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان جزريان وواحد مدني وواحد مروزي، وغوضه بسوقه بيان متابعة زيد بن أبي أنيسة للملائي في رواية هذا الحديث عن الحكم، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ولم يكرر الحديث لتماثل الحديثين.

536 - (00) (00) (00) وحدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأعمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيمِرَةَ، عَنْ شُرَيح بْنِ هانِئٍ؛ قَال: سَأَلْت عَائِشَةَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّينِ. فَقَالتِ: ائْتِ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ أَعلَمُ بِذَلِكَ مِني، فَأَتَيت عَليًّا، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 536 - (00) (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن الحكم) بن عتيبة الكوفي (عن القاسم بن مخيمرة) الكوفي (عن شريح بن هانئ) الكوفي (قال سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن) مدة (المسح على الخفين فقالت ائت عليًّا) ابن أبي طالب (فإنه) أي فإن عليًّا (أعلم بذلك) أي بحكم المسح على الخفين (مني) قال شريح (فأتيت عليًّا) فسألته (فذكر) علي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق الأعمش (بمثله) أي بمثل ما حدث عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عتيبة، وزاد الباء هنا في قوله بمثله تأكيدًا لمعنى المماثلة فالمماثلة المفهومة من قوله بمثله أوكد من المماثلة المفهومة من قوله مثله لأن العرب لا تزيد شيئًا بلا فائدة كما في قولهم جاء زيدٌ نفسُه وجاء زيد بنفسه كما هو مبسوط في علم النحو. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لعمرو بن قيس في رواية هذا الحديث عن الحكم، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث علي وذكر فيه متابعتين، وفي هذا السند الأخير لطيفة وهي أن فيه أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم الأعمش والحكم والقاسم وشريح كلهم تابعيون كوفيون.

143 - (48) (30) باب حكم فعل الصلوات الخمس بوضوء واحد

143 - (48) (30) باب حكم فعل الصلوات الخمس بوضوء واحد 537 - (252) (88) (52) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مرثَدٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ، (وَاللفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. قَال: حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مرثَدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 143 - (48) (30) باب حكم فعل الصلوات الخمس بوضوء واحد هل يجوز جمعها بوضوء واحد أو يجب تجديد الوضوء عند كل صلاة. 537 - (252) (88) (52) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي، قال (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري أبو عبد الله الكوفي (عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة الحضرمي أبي الحارث الكوفي، روى عن سليمان بن بريدة في الوضوء والصلاة والجنائز والحدود والضحايا والجهاد والأشربة والنردشير، ومقاتل بن حيان في الجهاد، والمغيرة بن عبد الله اليشكري في القَدَر، وسعيد بن عبيدة في عذاب القبر وغيرهم، ويروي عنه (ع) والثوري وأبو سنان في الصلاة، ومحمد بن شيبة في الصلاة، وغيلان بن جامع وشعبة ومسعر وقعنب التميمي وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة من السادسة (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المروزي صدوق من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لمحمد بن حاتم تورعًا من الكذب على محمد بن عبد الله بن نمير، قال محمد بن حاتم (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري الأحول ثقة متقن من (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا، وفائدة التحويل بيان اختلاف شيخي شيخيه وإن كان شيخ الكل واحدًا مع بيان سماع سفيان من علقمة في السند الثاني لأنه عنعن عنه في السند الأول مع أنه مدلس (عن سفيان) الثوري الكوفي (قال) سفيان (حدثني علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي، قال النواوي: وإنما أعاد الإمام مسلم في السند الثاني ذكر سفيان وعلقمة لفوائد منها أن سفيان من المدلسين وقال في الرواية الأولى عن علقمة؛ والمدلس لا يحتج بعنعنته بالاتفاق إلا إن ثبت سماعه من طريق آخر فذكر مسلم الطريق الثاني المصرح بسماع سفيان عن علقمة فقال حدثني علقمة، والفائدة الأخرى أن ابن

عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَن النبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ. فَقَال لَهُ عُمَرُ: لَقَد صَنعتَ الْيَوْمَ شَيئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ. قَال: "عَمدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نمير قال حدثنا سفيان ويحيى قال عن سفيان فلم يستجز مسلم رحمه الله تعالى الرواية عن الاثنين بصيغة أحدهما فإن حدثنا متفق على حمله على الاتصال وعن مختلف فيه كما قدمناه في شرح المقدمة. اهـ (عن سليمان بن بريدة) مصغرًا بن الحُصَيب بمهملتين مصغرًا الأسلمي المروزي ولد هو وأخوه عبد الله في بطن واحد على عهد عمر لثلاث خلون من خلافته ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد سنة (105) روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والصوم، ويروي عنه (م عم) وعلقمة بن مرثد وعبد الله بن عطاء المكي والقاسم بن مخيمرة وثَّقَه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة من (3) مات سنة (105) خمس ومائة وله تسعون (90) سنة بحصِّين قريةٍ من قرى مَروَ وبها قبره (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج الأسلمي أبي عبد الله المروزي من المهاجرين سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو له مائة وأربعة وستون حديثًا (164) اتفقا على حديث واحد وانفرد (خ) بأحد عشر حديثًا مات بمرو سنة (63) ثلاث وستين وهو آخر من مات بخراسان من الصحابة. وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان والثاني منهما ثلاثة منهم مروزيون واثنان منهم كوفيان وواحد بصري (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات) العديدة بصيغة الجمع، وفي رواية أبي داود (صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (يوم الفتح) أي يوم فتح مكة خمس صلوات (بوُضوء واحد) ولم يجدد الوضوء بينها (و) قد (مسح على خفيه) وجملة المسح حال بتقدير قد (فقال له) صلى الله عليه وسلم (عمر) بن الخطاب: والله (لقد صنعت اليوم) يا رسول الله (شيئًا لم تكن صنعته) قبل اليوم وهو جمع الصلوات الخمس بوضوء واحد والمسح على الخفين، قال القاري: كذا ذكره الشراح لكن عدوا الضمير إلى مجموع الجمع المذكور والمسح على الخفين يوهم أنه لم يكن يمسح على الخفين قبل يوم الفتح والحال أنه ليس كذلك ويؤيده رواية النسائي، إذ هي خالية من ذكر المسح فالوجه أن يعود الضمير إلى الجمع فقط مجردًا عن الحال (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر، وقوله (عمدًا) أي قصدًا إما حال من الفاعل أو مفعول مطلق أو تمييز (صنعته يا عمر) أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صنعت ذلك الجمع حالة كوني عامدًا ليدل ذلك الفعل على أن كل من أراد القيام إلى الصلاة لا يجب عليه الوضوء إذا لم يكن محدثًا على ما يتوهم من آية {يا أيها الذين إذا قمتم إلى الصلاة} الآية، لأن تقدير معنى الآية إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم مُحدِثون {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية، وأما قول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه ففيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانًا للجواز كما قال صلى الله عليه وسلم: عمدًا صنعته يا عمر، وفي هذا الحديث جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة، لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها، وقد تكون تعمدا لمعنى خفي على المفضول فيستفيده والله أعلم، اهـ. نواوي. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [172] والترمذي [61] والنسائي [1/ 86] وفي المفهم: قوله (عمدًا فعلته يا عمر) أي قصدًا ليبين للناس أنه يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلوات متعددة وهذا أمر لا خلاف فيه وعليه ما ذهب إليه بعض الناس أن الوضوء لكل صلاة كان فرضًا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه نسخ ذلك بفعله هذا، قال الشيخ: لا يصح أنه كان فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان يفعله ابتغاءً لفضيلة التجديد كما في حديث أنس أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة طاهرًا أو غير طاهر، قيل لأنس: كيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءًا" أي لصلوات متعددة رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: إنه صحيح. قال النواوي: وفي هذا الحديث أنواع من العلم منها جواز المسح على الخف، وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يُحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتد به، وحكى الطحاوي وابن بطال في شرح البخاري عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة كان كان متطهرًا واحتجوا يقول الله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية، وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث وحديث أنس في صحيح البخاري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث، وحديث سويد بن النعمان في البخاري أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم أكل سَويقًا ثم صلى المغرب ولم يتوضأ، وفي معناه أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة وسائر الأسفار، والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك، وأما الآية الكريمة فالمراد بها إذا قمتم محدثين، أو منسوخة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول ضعيف والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ منه. قال النواوي: قال أصحابنا ويستحب تجديد الوضوء وهو أن يكون على طهارة ثم يتطهر ثانيا من غير حدث وفي شرط استحباب التجديد أقوال: أحدها أنه يستحب لمن صلى به صلاة سواء كانت فريضة أو نافلة، والثاني لا يستحب إلا لمن صلى فريضتين، والثالث يستحب لمن فعل به ما لا يجوز إلا بطهارة كمس المصحف وسجود التلاوة، والرابع يستحب وإن لم يفعل به شيئًا أصلًا بشرط أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق، ولا يستحب تجديد الغسل على المذهب الصحيح المشهور، وحكى إمام الحرمين وجها أنه يستحب وفي استحباب تجديد التيمم وجهان: أشهرهما لا يستحب وصورته في الجريح والمريض ونحوهما ممن يتيمم مع وجود الماء ويتصور في غيره إذا قلنا لا يجب الطلب لمن تيمم ثانيًا في موضعه. اهـ. ***

144 - (49) (31) باب كراهة غمس اليد في الإناء لمن استيقظ من النوم حتى يغسلها ثلاثا

144 - (49) (31) باب كراهة غمس اليد في الإناء لمن استيقظ من النوم حتى يغسلها ثلاثًا 538 - (253) (89) (53) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. قَالا: حَدَّثَنَا بشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا اسْتَيقَظَ أَحَدُكُم مِنْ نَوْمِهِ، فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَها ثَلاثًا، فَإِنهُ لا يَدرِي أَينَ بَاتَتْ يَدُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 144 - (49) (31) باب كراهة غمس اليد في الإناء لمن استيقظ من النوم حتى يغسلها ثلاثًا 538 - (253) (89) (53) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صُهبان بضم المهملة وسكون الهاء الأزدي أبو عمر البصري (الجهضمي) ثقة ثبت من (10) مات سنة (250) روى عنه في (16) بابا (وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي (البَكْراوي) بسكون الكاف نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي أبو عبد الرحمن البصري قاضي كرمان بكسر الكاف وسكون الراء، روى عن بشر بن المفضل في الوضوء والحج، وأبي عوانة في الصلاة، والمعتمر بن سليمان في الزكاة، وحماد بن زيد في المناقب، ومسلمة بن علقمة المازني في الفضائل، ويروي عنه (خ م) والحسين القبَّانِي ثقة من العاشرة مات بنيسابور سنة (233) ثلاث وثلاثين ومائتين، روى عنه في ستة أبواب (قالا) أي قال كل من نصر وحامد (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بالقاف مولاهم أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (187) روى عنه في (13) بابا (عن خالد) بن مهران المُجَاشِعي أو الخُزَاعي مولاهم أبي المُنَازل بضم الميم وكسر الزاي البصري الحَذَّاء ثقة يرسل من (5) مات سنة (142) روى عنه في (14) بابا تقريبًا (عن عبد الله بن شفيق) العقيلي بالضم أبي عبد الرحمن البصري ثقة فيه نصب من (3) مات سنة (108) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ) وانتبه (أحدكم من نومه فلا يغمس) أي لا يُدخل (يده في الإناء) المشتمل على الماء القليل (حتى يغسلها ثلاثًا) من المرات (فإنه) أي فإن أحدكم (لا يدري) ولا يعلم (أين باتت يده) أي في أي محل كانت يده في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الليل هل أصابت موضع النجاسة أم لا؟ فلعله تعلَّق باليد في حَكِّهِ بها بثرة أو مس بها شيئًا من مغابن البدن أو فضوله فاستحب له غسلها لذلك، قال النواوي: إن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عَرِقَ فلا يأمن النائم أن يطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو دُمَّلَةٍ أو قذَرٍ غير ذلك. وفي هذا الحديث دلالة على مسائل كثيرة عندنا وعند الجمهور منها: أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة نَجَّسَتْه وإن قلَّت كمان لم تغيره فإنها تنجسه لأن الذي تعلق باليد ولا يُرى قليل جدًّا وكانت عادتهم استعمال الأواني الصغيرة التي تقصر عن قلتين بل لا تقاربهما، ومنها الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه نجَّسته وإذا ورد عليها أزالها، ومنها أن الغسل سبعًا ليس عامًّا في جميع النجاسات وإنما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة، ومنها أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار بل يبقي نجسًا معفوًا عنه في حق الصلاة، ومنها استحباب غسل النجاسة ثلاثًا لأنه إذا أُمِرَ به في المتوهمة ففي المحققة أولى، ومنها استحباب الغسل ثلاثًا في المتوهمة، ومنها أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش فإنه صلى الله عليه وسلم قال حتى يغسلها ولم يقل حتى يغسلها أو يرشها، ومنها استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة، ومنها استعمال ألفاظ الكنايات فيما يُتَحَاشَى من التصريح به فإنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يدري أين باتت يده ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك؛ وإن كان هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز والأحاديث الصحيحة، وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفيَ اللبس والوقوع في خلف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحًا به، والله أعلم. هذه فوائد من الحديث غير الفائدة المقصودة هنا وهي: النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن الجمهور من السلف والخلف على أنه نَهْيُ تنزيه لا تحريم، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس، وحكي عن الحسن البصري أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل، وحكي أيضًا عن إسحاق بن راهويه وابن جرير الطبري وهو ضعيف جدا فإن الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقواعد الشرع متظاهرة على هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة، وأما الحديث فمحمول على التنزيه ثم مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصًا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كُرِهَ له غَمْسُها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء، وحكي عن أحمد بن حنبل رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم كان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادًا على لفظ المبيت في الحديث؛ وهذا مذهب ضعيف جدًّا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة، وذكَر الليل أولًا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده، والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا كله إذا شك في نجاسة اليد أما إذا تيقن طهارتها وأراد غمسها فقد قال جماعة من أصحابنا حكمه حكم الشك لأن أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فسدَّ الباب لئلا يتساهل فيه من لا يعرف، والأصح الذي عليه الجمهور من أصحابنا أنه لا كراهة فيه بل هو في خيارٍ بين الغمس أوَّلًا والغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم ونبه على العلة وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة ولو كان النهي عامًّا لقال إذا أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمس يده حتى يغسلها وكان أعم وأحسن، قال أصحابنا: وإذا كان الماء في إناء كبير أو صخرة بحيث لا يمكن الصب منه وليس معه إناء صغير يغترف به فطريقه أن يأخذ الماء بفمه ثم يغسل كفيه به أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره، والله أعلم. اهـ من المنهاج. قال القرطبي: تمسك داود الظاهري والطبري بظاهر هذا الخبر فأوجبا غسل اليدين على من قام من النوم ليلًا أو نهارًا للوضوء وحكَمَا بأن الماء ينجس إن لم يغسل يديه قبل أن يدخلهما فيه وخصه ابن حنبل وبعض أهل الظاهر بنوم الليل خاصة لأنهما فَهِما من لفظ البيات نوم الليل لما رواه أبو داود في هذا الحديث حيث قال: (إذا استيقظ أحدكم من الليل) وذكر الحديث، وذهب الجمهور إلى أن ذلك على جهة الاستحباب بدليل تعليله في آخره بقوله: (فإنه لا يدري أين باتت يده) ومعنى ذلك أن يد

539 - (00) (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأعمشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النائم تَجُول في مَغَابِنِه ومواضع استجماره وأعراقه فقد يتعلق باليد منها شيء فيؤدي إلى إفساد الماء على قول من يرى أن قليل النجاسة ينجسُ قليل الماء أو إلى عِيَافَتِه على قول من يرى أنها لا تنجَّسُه إلا إن غَيَّرته، واحتج أصحاب الشافعي بهذا الحديث على الفرق بين ورود النجاسة على الماء وبين ورود الماء على النجاسة ولا يصح لهم ذلك حتى يصح لهم أن هذا الحديث يفيد أن قليل النجاسة ينجس الماء كان لم تغيره وذلك ممنوع فإنه يحتمل أن يكون نهيه عن ذلك لأنه يُصَيِّرُ الماء مما يُعَاف لا أنه ينجس، والله أعلم. ومن هذا الحديث فهم أشهب أن حكم غسل اليد في الوضوء الاستحباب للشاك في نظافة يده. اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 241] والبخاري [162] وأبو داود [103 - 105] والترمذي [24] والنسائي [1/ 706]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 539 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) (وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة من (10) (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) أتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي مشايخه (كلاهما) أي كل من وكيع وأبي معاوية رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة مدلس من (5) (عن أبي رَزِين) مسعود بن مالك الأسدي مولاهم مولى أبي وائل شقيق بن سلمة الكوفي، روى عن أبي هريرة في الوضوء مقرونًا والبيوع واللباس، ويروي عنه (م عم) والأعمش وإسماعيل بن سُمَيع واسماعيل بن أبي خالد وعاصم بن أبي النجود وغيرهم ثقة فاضل من الثانية مات سنة (85) خمس وثمانين (وأبي صالح) السمان المدني ذكوان مولى جويرية بنت قيس ثقة من (3) مات سنة (110) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني أو

فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ: قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ. قَال: يَرْفَعُهُ بِمِثْلِهِ. 540 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي رزين وأبي صالح لعبد الله بن شقيق في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه ولكن (في حديث أبي معاوية) وروايته عن الأعمش (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث وكيع) وروايته عن الأعمش (قال) أبو رزين لأنه المقرون به فهو العمدة ولذلك وحَّدَ الفعل (يرفعه) أي يرفع أبو هريرة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع بكسر الباء، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو عبد الله بن شقيق أي وساق أبو رزين وأبو صالح بمثل حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 540 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من العاشرة (وزهير بن حرب) بن شداد الحَرَشي أبو خيثمة النسائي (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي ثقة من (8) (عن الزهري) محمد بن مسلم بن عبيد الله المدني (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة (محمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري أبو بكر الصنعاني ثقة من (9) قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة من (7) (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن) سعيد (بن المسيب) بن حَزْنِ القرشي المخزومي أبي محمد المدني سيد التابعين ثقة من (2)

كِلاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 541 - (00) (00) (00) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. قَال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا اسْتَيقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرغْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلاهما) أي كل من أبي سلمة وابن المسيب رويا (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة. وهذان السندان الأول منهما من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي، والثاني منهما من سداسياته رجاله ثلاثة مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقهما بيان متابعة أبي سلمة وابن المسيب لعبد الله بن شقيق في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 541 - (00) (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) مات سنة (247) روى عنه في (4) أبواب (قال) سلمة (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) نسب إلى جده لشهرته به مولى بني مروان أبو علي الحراني صدوق من (9) مات سنة (210) قال (حدثنا معقل) بكسر القاف بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله العبسي مولاهم الحراني صدوق يخطئ من الثامنة مات سنة (166) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم صدوق مدلس من (4) مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل مات سنة (78) عن (94) سنة، روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان حرَّانِيَّان وواحد مكي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة جابر لعبد الله بن شقيق في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها تقوية السند الأول لأن المتابع صحابي، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في أكثر الكلمات (أنه) أي أن أبا هريرة (أخبره) أي أخبر جابرًا (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم) من نومه ليلًا أو نهارًا (فليُفْرغ) أي فليصب؛ من أفرغ

عَلَى يَدِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي إِنَائِهِ، فَإِنَّهُ لا يَدْرِي فِيمَ بَاتَتْ يَدُهُ". 542 - (00) (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرباعي أي فليسكب الماء ويصبه من الإناء (على يده ثلاث مرات) وليغسل اليدين (قبل أن يدخل يده في إنائه) أي في وعائه المشتمل على الماء القليل (فإنه) أي فإن أحدكم (لا يدري) ولا يعلم (فيم) أي في أي مكان (باتت يده) أي كانت يده في الليل أي لا يعلم جواب هذا الاستفهام و"ما" استفهامية معلِّقة للدراية عن العمل في لفظ ما بعدها ولذلك حُذفت ألفها فرقًا بينها وبين "ما" الموصولة أي لا يدري إلى أي مكان وصلت يده في حالة نومه فيحتمل أن تطوف يد النائم على موضع النجس خصوصًا إذا كان من أهل الوبر المقتصرين في استطابتهم على الحجر والمدر، وموضع الاستنجاء بنحو ما ذُكر إنما يطهر في حق الصلاة أي يبقى نجسًا معفوًّا عنه فينبغي للقائم من النوم أن يحتاط في استعمال وعاء الماء وهذا الأمر للندب كما أن النهي في الحديث السابق للتنزيه، قال في شرح المشارق: لأنه صلى الله عليه وسلم علل بأمر يقتضي الشك وطهارة اليد كانت ثابتة يقينًا فلا تزول بالمشكوك. اهـ. ثم ذكر المؤلف متابعات كثيرة فقال: 542 - (00) (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) قال (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي الحزامي بكسر الحاء وبالزاي المدني لقبه قُصَي، روى عن أبي الزناد في الوضوء والصلاة والزكاة وغيرها، وسالم بن أبي النضر في الطب، وهشام بن عروة وموسى بن عقبة ويروي عنه (ع) وقتيبة والقعنبي ويحيى بن يحيى وأبو عامر العقدي ويحيى بن عبد الله بن بكير وابنه عبد الرحمن وابن وهب وابن مهدي وخلق، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال في التقريب: ثقة من السابعة له غرائب، روى عنه في (5) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني الحزامي) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة أمير المؤمنين في الحديث، وقال البخاري: أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من (5) مات فجأة سنة (130) روى عنه في (9) أبواب (عن

الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ ثقة ثبت عالم من (3) مات سنة (117) بالإسكندرية، روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لعبد الله بن شقيق (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا نصر بن علي) الجهضمي البصري، قال (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري من بني سامة بن لؤي ثقة من الثامنة مات سنة (189) روى عنه في (11) بابا (عن هشام) بن حسان القُرْدُوسِي نسبة إلى قراديس بطن من الأزد أبي عبد الله البصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين من (6) مات سنة (148) روى عنه في (7) أبواب (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري ثقة ثبت من (3) مات سنة (110) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن سيرين لعبد الله بن شقيق (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا خالد) بن مخلد البجلي صدوق ولكنه يتشيع أبو الهيثم الكوفي ثقة من (10) مات سنة (213) روى عنه في (9) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن مخلد) لما مر آنفًا (عن محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزُّرَقي مولاهم المدني ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني أبي شبل المدني صدوق ربما يَهِمُ من (5) مات سنة (133) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحُرَقي مولاهم المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لعبد الله بن شقيق (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا قال (حدثنا

عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ وَابُنْ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِي زِيادٌ؛ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة ثبت من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من (4) مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه لعبد الله بن شقيق (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المروزي صدوق من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا محمد بن بكر) بن عثمان الأزدي أبو عثمان البصري صدوق يخطئ من (9) مات سنة (204) روى عنه في (5) أبواب (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) الحسن بن علي بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحُلواني) المكي ثقة من (11) مات سنة (242) روى عنه في (8) أبواب (و) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري (قالا حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (قالا جميعًا) أي قال محمد بن بكر وعبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي ثقة فقيه ولكنه يرسل ويدلس من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابا، قال (أخبرني زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني شريك ابن جريج أبو عبد الرحمن المكي سكن مكة زمانًا ثم تحول منها إلى اليمن فسكن عكا، روى عن ثابت بن الأحنف مولى عبد الرحمن بن زيد الأعرج في الوضوء والنكاح والأدب، وعبد الله بن الفضل في النكاح، وهلال بن أسامة في البيوع، والزهري في الجهاد واللباس والفتن، وعمرو بن مسلم في القدر، ويروي عنه (ع) وابن جريج وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس وهمام بن يحيى وخلق، وقال في التقريب: ثقة ثبت، قال ابن عيينة: كان أثبت الناس في الزهري من السادسة، روى عنه في (8) أبواب (أن ثابتًا) ابن عياض بن الأحنف الأعرج المدني العدوي مولاهم (مولى عبد الرحمن بن

زَيدٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ فِي رِوَايَتِهِمْ جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. كُلُّهُمْ يَقُولُ: حَتَّى يَغْسِلَهَا. وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: ثَلاثًا، إِلا مَا قَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي رَزِينٍ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِمْ ذِكْرَ الثَّلاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد) بن الخطاب ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (أخبره) أي أخبر لزياد (أنه) أي أن ثابتًا (سمع أبا هريرة) المدني. وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد بصري وواحد مروزي، والثاني منهما اثنان مدنيان وثلاثة مكيون وواحد صنعاني أو مكيان ونيسابوري، وغرضه بسوقهما بيان متابعة ثابت بن عياض لعبد الله بن شقيق (في روايتهم) أي في رواية هؤلاء الرواة في هذه التحويلات من الأعرج ومحمد بن سيرين وعبد الرحمن بن يعقوب وهمام بن منبه وثابت بن عياض، والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله (جميعًا) حال من ضمير الجمع، وقوله (عن النبي صلى الله عليه وسلم) مبتدأ مؤخر مَحْكِيٌّ، وقوله (بهذا الحديث) متعلق بروايتهم أي في روايتهم بهذا الحديث عن أبي هريرة لفظَةُ عن النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونهم مجتمعين ومتفقين في ذكر لفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أنهم رفعوا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (كلهم) أي كل من روى هذا الحديث عن أبي هريرة وهو مبتدأ خبره جملة (يقول) في روايته لفظة (حتى يغسلها) فقط (ولم يقل واحد منهم) لفظة (ثلاثًا إلا ما قدمنا من رواية جابر وابن المسيب وأبي سلمة وعبد الله بن شقيق وأبي صالح وأبي رَزِين فإن في حديثهم) أي في حديث هؤلاء المذكورين من جابر ومن بعده (ذكر الثلاث) أي ذكر لفظة ثلاثًا كما مر في حديثهم يعني أن المذكورين في التحويلات لم يذكروا لفظ ثلاثًا ومن قبلهم ذكروا لفظ ثلاثًا وهذا بيانٌ لمحل المخالفة بينهم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه أربع متابعات، والله أعلم. ***

145 - (50) (32) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء وغسل الإناء سبع مرات

145 - (50) (32) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء وغُسِل الإناء سبع مرات 543 - (254) (90) (54) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا الأعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 145 - (50) (32) باب إذا ولغ الكلب في الإناء أريق الماء وغُسِل الإناء سبع مرات وفي الصحاح ولَغ الكلب في الإناء يلَغ بفتح اللام فيهما وُلُوغًا إذا شرب ما فيه بطرف لسانه كما هو شرب السباع أو أدخل لسانه فيه فحركه ويولغ إذا أولغه صاحبه قال أبو زيد الطائي: ما مرَّ يومٌ إلا وعندهما ... لحمُ رجالٍ أو يُولَغَان دمَا وحكى أبو زيد ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا وقال ليس شيء من الطيور يلغ غير الذباب، وقال ثعلب: هو أن يُدخِل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه، زاد ابن دُرُسْتُويَه شرب أو لم يشرب كذا في الفتح. 543 - (254) (90) (54) (وحدثني علي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة من (9) مات سنة (244) روى عنه (11) بابا، قال (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) مات سنة (189) روى عنه في (14) بابا، قال (أخبرنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبو محمد الكوفي ثقة مدلس من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن أبي رَزِين) مسعود بن مالك الأسدي الكوفي ثقة من (2) مات سنة (85) (وأبي صالح) ذكوان السمان المدني ثقة من (3) مات سنة (110) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي أو اثنان كوفيان واثنان مدنيان وواحد مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين. (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب) من باب

فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وَضَع أي شرب بطرف لسانه من ماء (في إناء أحدكم فليُرِقْهُ) أي فليصب ذلك الماء في الأرض لتنجُّسِه بولوغ الكلب منه (ثم ليغسله) أي ثم ليغسل ذلك الإناء لتنجسه أيضًا بفم الكلب (سبع مرار) أي سبع مرات جمع مرة ولذلك ذكر اسم العدد، والفعلان مجزومان بلام الأمر وسُكِّنَتْ هنا لاتصالها بحرف الجواب وبحرف العطف كما هو مقرر في محله، قال ابن الملك: وبالحديث عمل الشافعي رحمه الله تعالى، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يكفي غسله ثلاث مرات لقوله صلى الله عليه وسلم يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثًا وحملوا حديث أبي هريرة على ابتداء الإسلام زجرًا للعرب عن اقتناء الكلاب لشدة ائتلافهم بها حتى كانوا يطعمون معها؛ والأمر فيه للوجوب على كلا القولين، وعند مالك للندب لاعتقاده طهارة الكلب. اهـ وفي المبارق وإنما قال: (في إناء أحدكم) ولم يقل من إناء أحدكم لأن شرب السباع إنما يكون على وجه الظرفية لتناولها الماء بألسنتها. وعبارة المفهم هنا: وقد تمسك الشافعي بظاهر الأمر بالغسل والإراقة وبقوله (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله) على أن الكلب نجس وعلى أن ذلك الماء والإناء نجسان بسبب لعابه ومع ذلك فلا بد عنده من غسل الإناء سبعًا، وذهب أبو حنيفة إلى القول بأن ذلك للنجاسة ويكفي غسله بالماء مرة واحدة، والمشهور من مذهب مالك أن ذلك للتعبد لا للنجاسة وهو قول الأوزاعي وأهل الظاهر بدليل دخول العدد السبع ولو كان للنجاسة لاكتفى فيه بالمرة الواحدة، وبدليل جواز أكل ما صاده الكلب من غير غسل، وذهب بعض المالكية إلى أن ذلك لكون الكلب مستقذَرًا منهيًا عن مخالطته وقصر هذا الحكم على الكلب المنهي عن اتخاذه وهذا ليس بشيء لأنه استنبط من اللفظ ما خصصه من غير دليل منفصل عنه، وذهب ابن رشد إلى أن ذلك معلل بما يُتَّقَى من أن يكون الكلب كلبًا واستدل على هذا بأن هذا العدد السبع قد جاء في مواضع من الشرع على جهة الطب والتداوي كما قال (من تصبَّحَ كل يوم بسبع تمرات من عجوة المدينة لم يضره ذلك اليوم سم) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود من حديث سعد رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم في مرضه (أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تُحْلَل أوكيتهن) رواه أحمد والبخاري ومثل هذا كثير، وقد أورد على هذا أن الكلب لا يقرب الماء وانفصل عن ذلك حفيده صاحب "كفاية المقتصد" بأن ذلك لا يكون إلا في

544 - (00) (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَقُل: فَلْيُرِقْهُ. 545 - (00) (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ حال تمكُّن ذلك الداء به، وأما في مباديه فيقرب الماء ويشربه؛ وأولى هذه الأقوال كلها ما صار إليه مالك في أنه تعبُّدٌ لا للنجاسة وأنه عام في جنس الكلاب وفي جنس الأواني وينبني على هذا الاختلاف في التعليل الاختلاف في فروعٍ كثيرة تُعرف في الفقه. اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 360 و 398 و 508] والبخاري [172] وأبو داود [71 - 73] والترمذي [91] والنسائي [1/ 176 - 177]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 544 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن الصَّبَّاح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي البزاز صاحب السنن ثقة حافظ من (10) مات سنة (227) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الخُلْقَاني بضم المعجمة وفتح القاف بينهما لام ساكنة وآخره نون نسبة إلى بيع الخلقان جمع خلق من الثياب وغيرها الأسدي أبو زياد الكوفي لقبه شَقُوصًا بفتح المعجمة وضم القاف المخففة وبالمهملة، روى عن الأعمش في الوضوء والصلاة والطلاق، ومسعر في الصلاة، ومالك بن مغول وسهيل بن أبي صالح وعاصم الأحول في الجهاد وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة بن يحيى بن طلحة في القدَر، ويزيد بن أبي بردة في المدح، ويروي عنه (ع) ومحمد بن الصباح وأبو الربيع الزهراني ومحمد بن بكار صدوق يخطئ قليلًا من الثامنة مات سنة (194) روى عنه في (7) أبواب (عن الأعمش بهذا الإسناد) أي عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى علي بن مسهر (ولم يقل) إسماعيل بن زكريا لفظة (فليرقه) أي لم يذكرها في روايته. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن زكرياء لعلي بن مسهر، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن إسماعيل صدوق وعلي بن مسهر ثقة ثبت. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 545 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت إمام من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا

قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ". 546 - (00) (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي أبي عبد الله المدني إمام دار الهجرة ثقة ثبت إمام فقيه حجة من (7) مات سنة (179) ودفن بالبقيع بلغ (90) سنة، روى عنه في (17) بابا (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني أبي عبد الرحمن المدني ثقة فقيه من (5) مات فجأة سنة (130) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني ثقة ثبت قارئ من (3) مات سنة (117) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لأبي رزين وأبي صالح في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سَوْق الحديث بالنقص وتبديل بعض الكلمات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب الكلب) من ماء (في إناء أحدكم فليغسله) أي فليُرِق ما في ذلك الإناء من بقايا الماء ثم ليغسل ذلك الإناء (سبع مرات) أي سبع غسلات، والحكمة في نجاسة الكلب وغسل نجاسته سبعًا تعبدي، وقيل الحكمة في نجاسته أنه خلق من قُوَارَة طينة آدم - عليه السلام - الممزوجة ببزاق إبليس لأنه مر على جثة آدم وهو طين فبزق عليه إهانة له فوقعت البزاق على موضع السُّرة من آدم فقَوَّرَ جبريل بزاقه ورماه فخلق الكلب من تلك القوارة، ففي الكلب ثلاث حالات: تَأَنُّسُه ببني آدم من بين السباع لأنه خلق من تلك القوارة، وسهره لأنه لمس أصل خلقته يد جبريل، وإيذاؤه لسائر الحيوان وعضه له لأن في أصل خلقته بزاق إبليس، وإن أردت البسط في هذا المقام فراجع تفسيرنا حدائق الروح والريحان في سورة البقرة عند قصة آدم. ثم ذكر المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 546 - (00) (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) قال (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مِقْسَم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن عُلَيَّة ثقة من (8) مات سنة (193) روى عنه في

عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (15) بابا (عن هشام بن حسان) الأزدي القُرْدُوسي أبي عبد الله البصري ثقة من (6) مات سنة (148) روى عنه في (7) أبواب (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري ثقة ثبت من (3) مات سنة (110) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نسائي، وغرضه بيان متابعة ابن سيرين لمن روى عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية السابقة (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طُهور إناء أحدكم) بضم الطاء بمعنى تطهيره وبفتحها بمعنى مُطَهِّرُهُ، وهما لغتان تقدمتا في أول كتاب الوضوء فراجعه (إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن) ممزوجة (بالتراب) الطهور، وفي رواية الترمذي (أولاهن أو أخراهن بالتراب) وفي رواية مسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين (أولاهن) قال الحافظ في الفتح: هي رواية الأكثر عن ابن سيرين ثم ذكر الروايات المختلفة في محل غسلة التتريب؛ ثم قال: ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضًا تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه فقوله (أولاهن أو أخراهن) في رواية الترمذي إن كانت كلمة "أو" فيه للشك من الراوي فيرجع إلى الترجيح وقد عرفت أن رواية أولاهن أرجح وإن كانت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو تخيير منه. اهـ. وفي المفهم: قوله (أولاهن بالتراب) هذه الزيادة ليست من رواية مالك ولذلك لم يقل بها وقد قال بها جماعة من العلماء، وقد رواه أبو داود وقال: السابعة بالتراب، وفي حديث عبد الله بن مغفل وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عفروه الثامنة بالتراب" وبهذه الثامنة قال أحمد فهذه الزيادة مضطربة ولذلك لم يأخذ بها مالك ولم يقل بها أحد من أصحابه. اهـ. قلت: وقد قال بها جماعة من العلماء والمُثْبِت مقدم على النافي، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

547 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "طُهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ، إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْع مَرَّاتٍ". 548 - (245) (91) (55) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ 547 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري أبو عبد الله النيسابوري ثقة ثبت من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري أبو بكر الصنعاني ثقة من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معمر) بن راشد الأزدى أبو عروة البصري ثقة من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب (عن همام بن منبه) اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من (4) مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب (قال) همام (هذا) الحديث الذي أحدِّثه لكم (ما حدثنا) أي بعض ما حدثنا به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة أو همام (أحاديث) كثيرة (منها) قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ) وشرب (الكلب) من مائع (فيه) أي في ذلك الإناء، وقوله طُهُور مبتدأ خبره جملة قوله (أن يغسله سبع مرات) أي غسله سبع غسلات. وهذا السند من خماسياته أيضًا رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه لمن روى عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للروايات السابقة بكونها مُطْلَقة عن التقييد بالتتريب؛ ورواية التقييد أرجح منها ورواية أولاهن أرجح من كل الروايات لكونها أكثر وأضبط وأحفظ رواة. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنهما فقال: 548 - (245) (91) (55) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي العنبري أبو عمرو البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (237) روى عن أبيه فقط في أبواب كثيرة، قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة متقن من (9) مات سنة

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (196) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة حافظ من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن أبي التَّيَّاح) بفتح الفوقية وتشديد التحتانية؛ يزيد بن حُمَيد الضُّبَعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة، نسبة إلى بني ضُبَيعة مصغرًا من أنفسهم؛ يقال أبو التياح لقبه وكنيته أبو حماد البصري، روى عن مطرف بن عبد الله في الوضوء والبيوع وآخر الدعاء، وأنس في الصلاة والزكاة وغيرهما، وأبي عثمان النهدي في الصلاة، وأبي مجلز لاحق بن حميد وموسى بن سلمة الهذلي في الحج، وعبد الله بن الحارث بن نوفل وأبي زرعة بن عمرو في الفتن، ويروي عنه (ع) وشعبة وعبد الوارث بن سعيد في الصلاة، وإسماعيل بن عُلَيَّة وهمام بن يحيى والحمَّادان وغيرهم، ثقة ثبت مشهور بكنيته من الخامسة مات سنة (128) ثمان وعشرين ومائة روى عنه في (7) أبواب (سمع مُطَرِّف بن عبد الله) بن الشِّخِّير بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء، العامري الحرشي من أنفسهم؛ أبا عبد الله البصري أحد سادات التابعين وأبوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عن عبد الله بن مغفل في الوضوء والبيوع، وعمران بن حصين في الصلاة والصوم والحج والقدر وآخر الدعاء، وعائشة في الصلاة، وعياض بن حمار في صفة الحشر، وأبيه في الزهد، ويروي عنه (ع) وأبو التياح وغيلان بن جرير وقتادة وثابت البناني وأخوه أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير وابن أخيه عبد الله بن هانئ وحميد بن هلال في الحج ومحمد بن واسع في الحج ويزيد الرِّشْك الضُّبَعِي وغيرهم، قال ابن سعد: ثقة له فضل وورع وعقل وأدب، وقال في التقريب: ثقة عابد من الثانية مات سنة خمس وتسعين (95) روى عنه في (9) أبواب، حالة كون مطرف (يحدث) له (عن) عبد الله (بن المغفل) على صيغة اسم المفعول ابن عبد نَهْمٍ بفتح النون وسكون الهاء بن عفيف بن أُسَيحِم بن عدي بن ذؤيب بن سعد بن عداء بن عثمان بن عمرو المزني أبي عبد الرحمن أو أبي زياد البصري صحابي مشهور، بايع تحت الشجرة نزل البصرة وله بها دار بقرب المسجد الجامع، له ثلاثة وأربعون حديثًا، اتفقا على أربعة وانفرد (خ) بحديث و (م) بآخر، يروي عنه (ع) ومطرف بن عبد الله في الوضوء والبيوع، ومعاوية بن قرة في الصلاة، وعبد الله بن بُرْبُرَة في الصلاة، وحميد بن هلال وعقبة بن صهبان وسعيد بن جبير مات سنة (57) سبع

قَال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلابِ. ثُمَّ قَال: "مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلابِ؟ " ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ. وَقَال: "إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وخمسين وقيل سنة (60) ستين. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) عبد الله بن مغفل (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب) قال صاحب البذل: ولعل الأمر بالقتل لنجاستها ولمنعها من دخول الملائكة البيت اهـ (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بالهم) أي ما بال الناس وشأنهم يقتلون الكلاب؛ وما للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ خبرها ما بعدها (وبال الكلاب) أي وشأنها تُقتل أي لأيِّ ضرر قتلوها ولأي سبب تُقْتَل، وفي رواية أبي داود (ما لهم ولها) أي لم يتعرضون لقتلها فأفاد النهي عن القتل، وأما الإذن في الاقتناء فلا، فلذلك قال (ثم) بعد النهي عن القتل (رخص) لهم وجوَّز (في) اقتناء (كلب الصيد) أي في اتخاذ كلبٍ تصيد لهم الصيد (و) في (كلب الغنم) أي وفي اتخاذ كلب ترعى لهم الغنم وتحفظها من الذئاب والسباع في مرعاها (وقال) أيضًا (إذا ولغ الكلب) وأدخل لسانه (في الإناء) المشتمل على المائع كاللبن والماء والخل والعصير (فاغسلوه) أي فاغسلوا ذلك الإناء (سبع مرات) كاملة (وعفِّرُوه) بالتشديد أي وادلكوا ذلك الإناء (الثامنة) أي في المرة الثامنة (في التراب) أي بالتراب الطهور، قال في المصباح: العَفَرُ بفتحتين وجه الأرض ويطلق على التراب، وعفرتُ الإناء عفرًا من باب ضَرَب دَلَكْتُهُ بالعَفَر، وعفرته بالتشديد مبالغة فيه والمعنى كما في المبارق فاغسلوه سبعًا واحدة منهن بالتراب سماها ثامنة لكون التراب قائمًا مقام غسله مرة أخرى يدل عليه ما في الرواية السابقة، قال المناوي: والتعفير بالتراب تعبدي وقيل للجمع بين الطهورين وليس فيه دليل على وجوب غسلة ثامنة لأنه إنما سماها ثامنة لاشتمالها على نوعي الطهور. وفي المفهم: وأمره صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب إنما كان لَمَّا كثرت وكثر ضررها، ثم لما قُتل أكثرها وذهب ضررها أنكر قتلها، فقال: ما بالهم وبال الكلاب، ويحتمل أن يكون ذلك ليقطع عنهم عادة الفهم لها إذ كانوا قد أَلِفُوها ولابَسُوها كثيرًا حتى يُطعموها معهم، وقوله (ثم رخص لهم في كلب الصيد والغنم) يعني في اتخاذه وغيرها لا يُتخذ وإن لم يقتل، وهو الذي من اتخذه نقصر من عمله كل يوم قيراط وذلك لما يُرَوِّع ويؤذي. انتهى.

549 - (00) (00) (00) وحدّثنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 86] وأبو داود [74] والنسائي [1/ 177] قال القاضي عياض: لم يقل مالك بالتعفير لأنه ليس في كل الأحاديث وللاضطراب في محله، ففي حديث أبي هريرة في رواية مسلم (أولاهن) وفي رواية الترمذي (أولاهن أو أخراهن) وفي حديث عبد الله بن مغفل (وعفروا الثامنة بالتراب) وقال النواوي: اختلاف هذه الأحاديث يدل على أن القصد أن تكون إحدى الغسلات بالتراب لا بقيد تعيينٍ، ورواية الثامنة معناها عند المحققين أن تكون إحدى السبع بالتراب، ولكن لما أضيف الماء فيها إلى التراب عُدَّ التراب كأنه غسلة ثامنة، وقال تقي الدين: والأولى أن تكون غسلة التراب الأولى لأنها إذا أُخِّرت ونال رش بعض الغسلات قبلها شيئًا طاهرًا تنجس فاحتيج أيضًا إلى تتريبه فكونها الأولى أوفق، قال النواوي: ويستحب أن تكون في غير الأخيرة ليأتي بعدها ما ينظفه ولا تكفي الغسلة الثامنة بالماء وحده عن التراب على الأصح، ولا يكفي التراب النجس على الأصح، ولا يكفي الصابون ولا الأشنان عن التراب على الأصح، ويكفي الماء المكدر بالتراب، قال تقي الدين: وإنما لم يكن الصابون والأشنان لأنه يَفُوتُ معه اجتماع طهورين هما الماء والتراب، وقال: وصورة التعفير هو أن يجعل التراب في الماء ثم يُغسل به أو يُذَرُّ على الإناء ثم يتبع بالماء لا أن يُحَكَّ الإناء بالتراب كما يعطيه ظاهر اللفظ. اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فقال: 549 - (00) (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث عبد الله بن المغفل (يحيى بن حبيب) بن عَرَبي (الحارثي) أبو زكريا البصري ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهُجَيمِي أبو عثمان البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (186) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السَّمِين أبو عبد الله المروزي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري ثقة من (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثني محمد بن

الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيدِ وَالزَّرْعِ. وَلَيسَ ذَكَرَ الزَّرْعَ فِي الرِّوَايَةِ غَيرُ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الوليد) بن عبد المجيد القرشي أبو عبد الله البصري الملقب بحمدان ثقة من (10) مات سنة (250) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي أبو عبد الله البصري المعروف بغندر ثقة إلا أن فيه غفلة من (9) مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب (كلهم) أي كل من خالد ويحيى ومحمد رَوَوْا (عن شعبة) بن الحجاج العتكي مولاهم أبي بسطام البصري ثقة إمام متقن من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا، وكلمة في في قوله (في هذا الإسناد) بمعنى الباء عدل إليها فرارًا من توالي حرفي جر متحدي المعنى واللفظ متعلقين بعامل واحد اللذين أحدهما الباء في قوله (بمثله) لو أتى بالباء بدل في في قوله (في هذا الإسناد) واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع بفتح الباء وهو معاذ بن معاذ، والضمير في بمثله عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق كما هو المطَّرِد في اصطلاحاته، والجاران متعلقان بما عمل في المتابِعِين وصم ثلاثة أي كل من هؤلاء الثلاثة رووا عن شعبة بهذا الإسناد يعني عن أبي التياح البصري عن مطرِّف بن عبد الله البصري عن عبد الله بن مغفل البصري بمثله أي بمثل ما روى معاذ بن معاذ عن شعبة. وهذه الأسانيد الثلاثة أيضًا من سداسياته، ومن لطائفها أن رجالها كلهم بصريون إلا محمد بن حاتم فإنه مروزي، وغرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه واستثنى من المماثلة بالنسبة لرواية يحيى بن سعيد بقوله (غير أن) أي لكن أن (في رواية يحيى بن سعيد من الزيادة) بعد قوله (ورخص في كلب الننم والصيد) لفظة (والزرع وليس) الشأن (ذكر الزرع في الرواية) أي في رواية هذا الحديث أحد من رواته (غير يحيى) بن سعيد القطان فإنه زاد لفظة والزرع في روايته، وقوله ذكر الزرع بفتحتين بصيغة الماضي، وفي بعض النسخ (وليس ذِكْر الزرع في رواية غير يحيى) بكسر الذال وسكون الكاف على صيغة المصدر وهي الواضحة في المعنى والإعراب. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث عبد الله بن مغفل وذكره للاستشهاد

[فصل]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فيه متابعة واحدة. قال القاضي عياض: قوله (إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات) .. الخ يَحتج به من يعمم الغسل لأنه جاء بعد الترخيص في الاتخاذ، ويحتمل أن يرجع إلى الكلاب الأُخَر، واختلف قول مالك في الخنزير هل يغسل من ولوغه كالكلب لأنه نجس أو لأنه يستعمل النجاسات أو لا يغسل لأنه لا يؤذي ولا يُقتنى؟ فلم توجد فيه علة الكلب وعلى الغسل فلا يطلب فيه السَّبْعُ بل هو كغيره مما عادته استعمال النجاسات وفيه التفصيل المعلوم في الفروع. اهـ منه. وحكي عن بعض العلماء أن الحكمة في نجاسة الخنزير أن إبليس حين أهبط من الجنة أهبط على صورته كما أن الحكمة في نجاسة الكلب أن في أصل خلقته بزاق إبليس كما مر، والأولى أن يقال إن الحكمة في نجاستهما من بين سائر الحيوانات تعبدي، والله سبحانه وتعالى أعلم. [فصل] قال النواوي: أما أحكام أحاديث الباب ففيها دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وغيره ممن يقول بنجاسة الكلب لأن الطهارة تكون عن حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس فإن قيل المراد الطهارة اللغوية؛ فالجواب: أن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدم على اللغوية، وفيها أيضًا نجاسة ما ولغ فيه وأنه إن كان طعامًا مائعًا حرم أكله لأن إراقته إضاعة له فلو كان طاهرًا لم يأمرنا بإراقته بل قد نُهِينا عن إضاعة المال وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير أنه ينجس ما ولغ فيه ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره؛ ولا بين كلب البدوي والحضري لعموم اللفظ. وفي مذهب مالك أربعة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره وهذه الثلاثة عن مالك، والرابع عن عبد الملك بن الماجشون المالكي أنه يُفْرَق بين البدوي والحضري، وفيها الأمر بإراقته وهذا متفق عليه عندنا ولكن هل الإراقة واجبة لعينها أم لا تجب إلا إذا أراد استعمال الإناء أراقه؟ فيه خلاف ذكر أكثر أصحابنا أن الإراقة لا تجب لعينها بل هي مستحبة فإن أراد استعمال الإناء أراقه، وذهب بعض أصحابنا إلى أنها واجبة على الفور ولو لم يُرِد استعماله حكاه الماوردي من أصحابنا في كتابه الحاوي؛ ويحتج له بمطلق الأمر وهو يقتضي الوجوب على المختار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قول أكثر الفقهاء، ويحتج للأول بالقياس على باقي المياه النجسة فإنه لا تجب إراقتها بلا خلاف، ويمكن أن يجاب عنها: بأن المراد في مسألة الولوغ الزجر والتغليظ والمبالغة في التنفير عن الكلاب، والله أعلم. وفيها وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلاب سبع مرات وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجماهير، وقال أبو حنيفة: يكفي غسلها ثلاث مرات، والله أعلم. وأما الجمع بين الروايات فقد جاء في رواية سبع مرات أولاهن بالتراب، وفي رواية أخراهن أو أولاهن، وفي رواية سبع مرات السابعة بالتراب، وفي رواية سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب، وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيها دليل على أن التقييد بالأولى وبغيرها ليس على الاشتراط بل المراد إحداهن، وأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا، والله أعلم. واعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئًا طاهرًا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب ولو ولغ كلبان أو كلب واحد مرات في إناء ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مرات، والثاني يجب لكل ولغة سبع، والثالث يكفي لِوَلَغَات الكلب الواحد سبع ويجب لكل كلب سبع ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده ولا غمس الإناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح وقيل يقوم، ولا يقوم الصابون والأُشْنان وما أشبههما مقام التراب على الأصح، ولا فرق بين وجود التراب وعدمه على الأصح، ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح، ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه فلم يزل عينه إلا بست غسلات مثلًا فهل يحسب ذلك ست غسلات أم غسلة واحدة أم لا يحسب من السبع أصلًا؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها واحدة. وأما الخنزير فحكمه حكم الكلب في هذا كله لأنه أسوأ حالًا منه، هذا مذهبنا، وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعًا، وهو قول الشافعي وهو قوي في الدليل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أصحابنا: ومعنى الغسل بالتراب أن يَخْلِط التراب في الماء حتى يتكَدَّر ولا فرق بين أن يصب الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكَدِر من موضعه فيغسل به فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزيء ولا يجب إدخال اليد في الإناء بل يكفي أن يلقيه في الإناء ويحركه، ويستحب أن يكون التراب في غير الغسلة الأخيرة ليأتي عليه ما يُنَظِّفُه، والأفضل أن يكون في الأولى. ولو ولغ الكلب في ماء كثير بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه ولو ولغ في ماء قليل أو طعام فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبًا أو بدنًا أو إناءً آخر وجب غسله سبعًا إحداهن بالتراب، ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد أُلْقِي ما أصابه وما حوله وانتُفِع بالباقي على طهارته السابقة كما في الفأرة تموت في السمن الجامد والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال ما بالهم وبال الكلاب، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وفي الرواية الأخرى وكلب الزرع فهذا نهي عن اقتنائها، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أن يقتني كلبًا إعجابًا بصورته أو للمفاخرة به أو للعداوة على الجيران فهذا حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء: وهي الزرع، والماشية، والصيد، وهذا جائز بلا خلاف، واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليُعَلَّم فمنهم من حرمه لأن الرخصة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة، ومنهم من أباحه وهو الأصح لأنه في معناها، واختلفوا أيضًا في من اقتنى كلب صيد وهو رجل لا يصيد، والله أعلم. وأما الأمر بقتل الكلاب فقال أصحابنا: إن كان الكلب عقورًا قُتِل، وإن لم يكن عقورًا لم يجز قتله سواء كان فيه منفعة من المنافع المذكورة أو لم يكن، قال أبو المعالي إمام الحرمين: والأمر بقتل الكلاب منسوخ، قال: وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرةً، ثم صح أنه نهى عن قتلها، قال: واستقر الشرع عليه على التفصيل الذي ذكرناه، قال: وأمر بقتل الأسود البهيم وكان هذا في الابتداء وهو الآن منسوخ هذا كلام إمام الحرمين، ولا مزيد على تحقيقه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

146 - (51) (33) باب النهي عن البول في الماء الراكد

146 - (51) (33) باب النهي عن البول في الماء الراكد 550 - (256) (92) (56) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَال فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 146 - (51) (33) باب النهي عن البول في الماء الراكد 550 - (256) (92) (56) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) (ومحمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم أبو عبد الله المصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب مات سنة (242) (قالا أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا الليث) بن سعد المصري، وأتى بحاء بالتحويل مع أن شيخ مشايخه واحد وهو الليث بن سعد لبيان اختلاف كيفية سماعهم من شيخهم (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي مولاهم ثقة مدلس من (4) مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني الصحابي المشهور، مات سنة (78) روى عنه في (16) بابا. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مصريان، وواحد مدني، وواحد مكي أو مصري ونيسابوري أومصري وبغلاني ثم مكي ثم مدني (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يُبَال) بالبناء للمجهول (في الماء الراكد) أي الساكن الذي لا يجري وقد جاء في لفظ آخر "الدائم" والمعنى واحد فالمراد به الماء القليل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الطهارة عن قتيبة عن ليث في [31] وابن ماجه في الطهارة عن محمد بن رمح عنه [25] اهـ تحفة الأشراف. والحديث بظاهره يدل على تنجس الماء الراكد مطلقًا قليلًا كان أو كثيرًا، لكنه ليس بمحمول على ظاهره بالاتفاق، قال العيني في عمدة القاري: هذا الحديث عام فلا

551 - (257) (93) (57) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بد من تخصيصه اتفاقًا بالمتبحر الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر، أو بحديث القلتين كما ذهب إليه الشافعي أو بالعمومات الدالة على طهورية الماء ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة كما ذهب إليه مالك رحمه الله تعالى. اهـ من تحفة الأحوذي. وقال الحافظ في الفتح: لا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافًا لبعض الحنابلة، ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافًا للظاهرية، وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل، وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه وهو قوي لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه. اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 551 - (257) (93) (57) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) قال (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرْط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن هشام) بن حسان الأزدي القُرْدوسي أبي عبد الله البصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري ثقة من (3) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد كوفي وواحد نسائي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبولن أحدكم) بالنهي المؤكد بنون التوكيد الثقيلة (في الماء الدائم) أي الساكن الذي لا يجري (ثم) هو (يغتسل منه) أي من ذلك الماء الذي بال فيه إن كان قليلًا مطلقًا أو كثيرًا وتغير، ومفهومه الجواز في الجاري لأن الجري يدفع النجس ويخلفه طاهر، وفي معنى الجاري: الماء الكثير، وأنت تعرف الكثير من القليل بالمعنى الذي أراده الفقهاء من أهل المذاهب. وهذا الحديث رواه أحمد [2/ 346 و 362] والبخاري [239] وأبو داود [69 و 70] والترمذي [68] والنسائي [1/ 49].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: هو نهي كراهة وإرشادٍ لمكارم الأخلاق وهو في السير آكد لأنه يفسده، وقيل النهي للتحريم لأن الماء قد يَفْسُد لتكرار البائلين فيه، ويظن المار أنه قد تغير من مقره أو طول مكثه فاحتاط صلى الله عليه وسلم للأمة وحماه بالنهي عنه، وأيضًا أكثر ما يوجد غير متبحر والناس يقصدون التنظيف به فلو أبيح البول انقطع النفع به ويلحق بالبول فيه التغوط فيه وصب سائر النجاسات فيه، والله أعلم. اهـ من الإكمال. وقال القرطبي: (ثم يغتسل منه) الرواية الصحيحة (ثم يغتسلُ) برفع اللام على أن الجملة خبر لمبتدأ محذوف، أي ثم هو يغتسل فيه، والجملة الاسمية معطوفة على جملة لا يبولن ويكون عطف اسمية على فعلية لا فعلية على فعلية، ولا يجوز نصبها إذ لا يُنتصب بإضمار أن بعد ثم، وبعض الناس جزمه بالعطف على لا يبولن، وهذا ليس بشيء إذ لو أراد ذلك لقال ثم لا يغتسلن لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل لا عطف جملة على جملة، وحينئذ يكون القصد مساواة الفعلين في النهي عنهما وتأكيدهما بالنون الثقيلة، لأن المحل الذي تواردا عليه هو شيء واحد وهو الماء فعدوله عن (ثم لا يغتسلن) إلى (ثم يغتسل) دليل على أنه لم يرد العطف وإنما جاء (ثم يغتسل) للتنبيه على مآل الحال، ومعناه أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله لما وقع فيه من البول، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم (لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها) برفع يضاجعها ولم يروه أحد بالجزم ولا يتخيله فيه لأن المفهوم منه أنه إنما نهاه عن ضربها لأنه يحتاج إلى مضاجعتها في ثاني الحال، فيمتنع عليه لما أساء من معاشرتها فيتعذر عليه المقصود لأجل الضرب، وتقدير اللفظ في الموضعين (ثم هو يضاجعها) و (ثم هو يغتسل) اهـ من المفهم. قال النواوي: الرواية (ثم يغتسل) بالرفع لا غير والمعنى لا يَبُل أحدكم ثم هو يغتسل منه، وذكر ابن مالك أنه يجوز أيضًا جزمه عطفًا على موضع يبولن ونصبه بإضمار أن بعد ثم إجراءً لها مُجْرَى الواو، فأما الجزم فظاهر، وأما النصب فلا يجوز لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما، وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهي عنه سواء أراد الاغتسال منه أوفيه أم لا. اهـ.

552 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وهذا الحديث حجة لمن رأى أن قليل النجاسة ينجس قليل الماء وإن لم تغيره وهو أحد أقوال مالك ومشهور مذهبه في رواية المدنيين أنه طهور، لكنه مكروه مع وجود غيره. ويصح أن يحمل هذا الحديث على أنه إذا أبيح البول فيه أدى إلى تغيره فحُمِيَت الذريعة بالنهي عن البول فيه، ومذهب السلف والخلف أن لا فرق بين النهي عن البول فيه وبين صب بول فيه ولا بين البول والغائط وسائر النجاسات كلها. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 552 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري أبو بكر الصنعاني ثقة تغير في آخر عمره من التاسعة (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة من كبار السابعة (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أُحَدِّثه لكم (ما حدثنا) أي بعض ما حدثنا به (أبو هريرة) الدوسي المدني (عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) لنا أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها أنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لي (لا تَبُلْ) يا أباهريرة وفي بعض النسخ: وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا تخرج بولك (في الماء الدائم) أي الساكن الراكد (الذي لا يجري) على وجه الأرض القليل دون القلتين (ثم) أنت (تغتسل) أو تتوضأ (منه) لأن البول ينجسه ويفسده وإن لم يتغير. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة، وقوله (الذي لا يجري) تفسير للدائم وإيضاح لمعناه ويحتمل أنه احترز به عن راكد لا يجري بعضه كالبرك والغدير ونحوهما، وقوله (ثم تغتسل منه) الرواية هنا وفيما قبل بالرفع أي لا تبل فيه ثم أنت تغتسل منه، وأجيز الجزم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهما عطفًا على محل النهي، ثم إن الماء الكثير مخرج عنه بالإجماع لأنه في معنى الجاري. قال النواوي: وهذا النهي في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة ويؤخذ ذلك من حكم المسألة فإن كان الماء كثيرًا جاريًا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث، ولكن الأَولى اجتنابه وإن كان قليلًا جاريًا، فقد قال جماعة من أصحابنا يكره، والمختار أنه يحرم لأنه يُقَذِّرُه وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره وَيغُرُّ غيره فيستعمله مع أنه نجس وإن كان الماء كثيرًا راكدًا، فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم، ولوقيل يحرم لم يكن بعيدًا فإن النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول، وفيه من المعنى أنه يقذره وربما أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه، وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه، والصواب المختار أنه يحرم البول فيه لأنه يُنَجِّسه ويتْلِفُ ماليَّتَه وَيغُرُّ غيره باستعماله. قال العلماء: ويكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء، وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه فإن كان قليلًا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام لما فيه من تلطُّخِه بالنجاسة وتنجيس الماء وإن كان كثيرًا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه فإن كان جاريًا فلا بأس به، وإن كان راكدًا فليس بحرام ولا تظهر كراهته، لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه ولو اجتنب الإنسان هذا كان أحسن، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. من منهاج النواوي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول منهما: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والله أعلم. ***

147 - (52) (34) باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد

147 - (52) (34) باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد 553 - (258) (94) (58) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِيُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَال هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجِّ؛ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، حَدَّثَهُ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 147 - (52) (34) باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد 553 - (258) (94) (58) (وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر ثقة من (10) مات سنة (253) (وأبوالطاهر) أحمد بن عمرو بن السَّرْح الأموي مولاهم الفقيه المصري ثقة من (10) مات سنة (255) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري أبو عبد الله التستري بضم التاء وسكون السين وفتح التاء الأخيرة نسبة إلى تُسْتَر بلدة بالأهواز لكونه يتجر فيها صدوق من (10) مات سنة (243) وفائدة المقارنة بيان كثرة طرقه حالة كون الثلاثة (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبي محمد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) وأتى بقوله (قال هارون حدثنا ابن وهب) تورعا من الكذب على هارون، قال ابن وهب (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المصري ثقة من (7) مات سنة (148) (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة من (5) مات سنة (130) (أن أبا السائب) الأنصاري المدني (مولى هشام بن زهرة) يقال اسمه عبد الله بن السائب، روى عن أبي هريرة في الطهارة، وأبي سعيد الخدري في ذكر الجان، والمغيرة بن شعبة، ويروي عنه (م عم) وبكير بن عبد الله بن الأشج والعلاء بن عبد الرحمن وصيفي مولى ابن أفلح وأسماء بن عبيد وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (حدثه) أي حدث لبكير بن الأشج (أنه) أي أن أبا السائب (سمع أبا هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان، أي سمع أباهريرة حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسلْ) بالجزم على النهي، وقيل بالرفع على الخبر وهو أيضًا بمعنى النهي (أحدكم) أيها المؤمنون (في الماء الدائم) أي الراكد (وهو)

جُنُبٌ" فَقَال: كَيفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيرَةَ؟ قَال: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي والحال أنه (جنب) أي محدث حدثًا أكبر سواء كان جنابة أم غيرها، وهذا النهي إنما يكون في الماء القليل لأنه يصير مستعملًا باغتسال الجنب فيه، فحينئذ قد أفسد الماء على الناس لأنه لا يصلح للاغتسال والتوضؤ منه. اهـ مرقاة على المبارق (فقال) أبو السائب لأبي هريرة (كيف يفعل) ذلك الجنب (يا أبا هريرة) إذا أراد الاغتسال منه (قال) أبو هريرة لأبي السائب، وفي بعض النسخ (فقال) بزيادة الفاء (يتناوله) أي يتناول ذلك الجنب بيده من ذلك الماء ويأخذه (تناولًا) أي أخذًا مصدر مؤكد لعامله أي يغترف منه اغترافًا، ويغتسل به خارجًا منه، وبإدخال الجنب يده في الماء بنية الاغتراف لا يتغير حكم الماء أي لا يصير مستعملًا إذا أدخلها بنية الاغتراف أو أطلق. اهـ من المرقاة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي [1/ 197] فقط ولم يذكر المؤلف في هذه الترجمة إلا هذا الحديث، قال القاضي: قوله (لا يغتسل أحدكم) الخ يعني إذا لم يكن أزال الأذى عنه، وكذا يكره إن أزال الأذى عنه لأن الجسد لا يخلو عن دَرَنٍ ولأنه في بقية جسده مغتسل بماء مستعمل فيتطهر خارجه ويتناوله تناولًا كما قال أبو هريرة: وهذا كله في غير المستبحر، اهـ. والمستبحر هو الذي يعد كالبحر لكثرته. وفي المفهم: قول أبي هريرة (يتناوله تناولًا) يعني أن يتناول منه فيغتسل خارجه ولا ينغمس فيه، وهذا كما قال مالك حيث سئل عن نحو هذا، فقال: يحتال، وهذا كله محمول على غير المستبحر، وأما إذا كان كثيرًا مستبحرًا بحيث لا يتغير فلا بأس به إذ لم يتناوله الخبر؛ وللإجماع على أن الماء إذا كان بحيث لا تسري حركة المغتسل أو المتوضئ إلى جميع أطرافه فإنه لا تضره النجاسة إذا لم تغيره وهو أقصى ما فُرِّق به بين القليل والكثير من المياه والله سبحانه وتعالى أعلم، اهـ منه. قال النواوي: وأما أحكام هذه المسألة فقد قال العلماء فيها من الشافعية وغيرهم يكره الاغتسال في الماء الراكد قليلًا كان أو كثيرًا، وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية، قال الشافعي في البويطي: أكره للجنب أن يغتسل في البئر مَعِينًا كانت أو دائمة، وفي الماء الراكد الذي لا يجري، قال الشافعي: وسواء قليل الراكد وكثيره أكره الاغتسال فيه هذا نصه وكذا صرح أصحابنا وغيرهم بمعناه وهذا كله محمول على كراهة التنزيه لا التحريم، وإذا اغتسل فيه من الجنابة فهل يصير الماء مستعملًا؟ فيه تفصيل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معروف عند الشافعية وهو أنه إن كان الماء قلتين فأكثر لم يصر مستعملًا ولو اغتسل فيه جماعات في أوقات متكرارت، وأما إذا كان الماء دون القلتين فإن انغمس فيه الجنب بغير نية ثم لما صار تحت الماء نوى، ارتفعت جنابته، وصار الماء مستعملًا، وإن نزل فيه إلى ركبتيه مثلًا ثم نوى قبل انغماس باقيه صار الماء في الحال مستعملًا بالنسبة إلى غيره وارتفعت الجنابة عن ذلك القدر المنغمس بلا خلاف وارتفعت أيضًا عن القدر الباقي إذا تمم انغماسه على المذهب الصحيح المختار المنصوص المشهور لأن الماء إنما يصير مستعملًا بالنسبة إلى المتطهر إذا انفصل عنه وهذا إذا تمم الانغماس من غير انفصاله، فلو انفصل ثم عاد عليه لم يجزئه ما يغسله به بعد ذلك بلا خلاف ولو انغمس رجلان تحت الماء الناقص عن قلتين ثم نويا دفعة واحدة ارتفعت جنابتهما وصار الماء مستعملًا فإن نوى أحدهما قبل الآخر ارتفعت جنابة الناوي وصار الماء مستعملًا بالنسبة إلى رفيقه فلا ترتفع جنابته على المذهب الصحيح المشهور وفيه وجه شاذ أنها ترتفع وإن نزلا فيه إلى ركبتيهما فنويا ارتفعت جنابتهما عن ذلك القدر وصار مستعملًا فلا ترتفع عن باقيهما إلا على الوجه الشاذ، والله أعلم. ***

148 - (53) (35) باب صب الماء على البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض المتنجسة بذلك تطهر بصب الماء عليها من غير حاجة إلى حفرها وتقويرها والأمر بالرفق على الجاهل إذا فعل منكرا وأن المساجد إنما بنيت للصلاة ولذكر الله تعالى فيها

148 - (53) (35) باب صب الماء على البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض المتنجسة بذلك تطهر بصب الماء عليها من غير حاجة إلى حفرها وتقويرها والأمر بالرفق على الجاهل إذا فعل منكرًا وأن المساجد إنما بنيت للصلاة ولذكر الله تعالى فيها 554 - (258) (94) (58) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَال فِي الْمَسْجِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 148 - (53) (35) باب صب الماء على البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض المتنجسة بذلك تطهر بصب الماء عليها من غير حاجة إلى حفرها وتقويرها والأمر بالرفق على الجاهل إذا فعل منكرًا وأن المساجد إنما بنيت للصلاة ولذكر الله تعالى فيها أي هذا باب معقود في بيان كيفية تطهير الأرض المتنجسة بالبول وغيره من المائعات النجسة سواء كانت مسجدًا أو غيره، وأن ذلك يحصل بصب الماء الذي يغلبها عليها من غير حاجة إلى حفر وتقوير المحل المتنجس منها، ورميه وأن المساجد إنما بنيت للصلاة فيها وذكر الله تعالى وتلاوة القرآن لا للبول فيها ورمي القاذورات فيها. 554 - (258) (94) (58) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) قال (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري ثقة ثبت فقيه من (8) مات سنة (179) وأتى بقوله (وهو ابن زيد) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن ثابت) بن أسلم البناني مولاهم أبي محمد البصري ثقة عابد من (4) مات سنة (123) (عن أنس) بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري أبي حمزة البصري مات سنة (93) وقد جاوز (100) وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا قتيبة فإنه بغلاني (أن أعرابيًّا) أي أن رجلًا من سكان البادية، قال النواوي: والأعرابي هو الذي يسكن البادية، اهـ. والبادية ضد الحاضرة، والأعرابي ضد الحضري، والعربي ضد العجمي، والأعرابي منسوب إلى الأعراب وهم ساكنوا البادية لأن الأعراب جمعٌ جرى مجرى القبيلة كأنمار اسم قبيلة وقيل إنما نسب إليه لأنه لو نسب إلى عربي المفرد لم يُفِد كونه بدويًا لأن العربي ضد العجمي سكن البادية أم لا (بال) أي أخرج حدث البول (في المسجد) النبوي، قال الأبي: يحتمل أنه

فَقَامَ إِلَيهِ بَعْضُ الْقَوْمِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "دَعُوهُ وَلا تُزْرِمُوهُ" قَال: فَلَما فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ، فَصَبَّهُ عَلَيهِ. 555 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ـــــــــــــــــــــــــــــ بال فيه لقرب عهده بما كانت عليه العرب من الجفاء والبعد عن أدب الشرع (فقام إليه) أي إلى ذلك الأعرابي (بعض القوم) الجالسين مع الرسول صلى الله عليه وسلم لمنعه من البول، وفي الرواية الآتية (فصاح به الناس) قال الأبي: بدارهم بالإنكار يدل على أن تغيير المنكر على الفور وأنه لا يفتقر إلى إذن الإمام (فإن قلت) لو كان البول في المسجد منكرًا لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن تغييره بقوله دعوه (قلت) أجاب المازري بأن ذلك لخشية أن يقوم على تلك الحال فينجس محلًا آخر أو لأنه إذا قام انقطع بوله فيتأذى بالحقنة، قال القاضي عياض: أو لأنهم أغلظوا في التغيير وحقهم الرفق لا سيما التغيير على الجاهل، ويدل على هذا الوجه أنه زاد في البخاري في آخر الحديث إنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسرين (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه) أي دعوا الأعرابي البائل على بوله واتركوه حتى يقضي بوله (ولا تُزْرِمُوه) بضم التاء وإسكان الزاي وبعدها راء من الإزرام بمعنى القطع، وفي بعض النسخ (دعوه لا تزرموه) بلا واو وهو يرجح كون النهي خوف أن يتضرر بالحقنة، أي اتركوه ولا تقطعوا عليه بوله لأنه لو قطع عليه بوله لتضرر، ولأن التنجس قد كان حاصلًا في جزء من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه ومواضع كثيرة من المسجد، وفي الحديث استحباب الرفق بالجاهل وتعليمه من غير تعنيف عليه. اهـ من المبارق (قال) أنس (فلما فرغ) الأعرابي من بوله (دعا) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بدلو) أي بإحضار دلو مملوءة (من ماء) طهور (فصبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر بصب ذلك الماء (عليه) أي على مصاب بوله من المسجد وهذا محل الترجمة من الحديث، قال النواوي: وأما الدلو ففيه لغتان التذكير والتأنيث، اهـ. قال المازري: فيه أن النجاسة المائعة غير اللزجة يكفي في تطهيرها صب الماء وإتباعه دون دَلْكٍ بخلاف ما كان منها يابسًا أو لزجًا، اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 555 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ؛ أَنَّ أَعْرَابيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَبَال فِيهَا، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "دَعُوهُ" فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبِ فَصُبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة من (10) قال (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ (القطان) التميمي أبو سعيد البصري ثقة من (9) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس (الأنصاري) النَّجَّاري أبي سعيد المدني ثقة من (5) مات سنة (144) روى عنه في (16) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) مات سنة (226) (وقتيبة بن سعيد) وأتى بالتحويل لبيان اختلاف مشايخه ومشايخهم وإن كان شيخ الكل واحدًا حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) عبد العزيز بن محمد بن عبيد (الدراوردي) أبي محمد الجهني مولاهم المدني صدوق من (8) مات سنة (189) وأتى بقوله (قال يحيى بن يحيى أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني) تورعًا من الكذب عليه بالعنعنة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (أنه) أي أن الأنصاري (سمع أنس بن مالك يذكر) ويحدث. وهذان السندان من رباعياته أيضًا الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان والثاني منهما رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد منهم إما بغلاني وإما نيسابوري، وغرضه بسوقهما بيان متابعة يحيى بن سعيد الأنصاري لثابت البناني في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات؛ أي أن الأنصاري سمع أنس بن مالك حالة كونه يذكر ويحدِّثُ (أن أعرابيًّا) وبدويًا (قام إلى ناحية) وجانب (في المسجد) أي من المسجد النبوي (فبال) الأعرابي (فيها) أي في تلك الناحية (فصاح به الناس) الجالسون مع الرسول صلى الله عليه وسلم أي زجروه بصوت رفيع مزعج (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للقوم الذين أزعجوه بصوت رفيع (دعوه) أي اتركوا هذا الأعرابي على حاله حتى يفرغ من بوله لئلا يُنَجِّسَ نفسه وموضعًا آخر من المسجد (فلما فرغ) الأعرابي من بوله (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) مَن عنده (بـ) إحضار (ذَنُوب) أي دلو مملوءة من ماء (فصُبَّ) بالبناء

عَلَى بَوْلِهِ. 556 - (00) (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبَي طَلْحَةَ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، (وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاقَ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ للمجهول أي أريق ذلك الذَّنوب (على) مصاب (بوله) من المسجد بلا دلك له، والذنوب بفتح الذال وضم النون الدلو العظيم المملوءة ماء، وفي المصباح ولا يسمى ذنوبًا حتى يكون مملوءًا بماء، وفي مفردات الراغب الذنوب في الأصل الفرس الطويل الذنب والدلو الذي ليس له ذنب طويل فاستعير للنصيب. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 556 - (00) (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) قال (حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم (الحنفي) الجُرَشي بضم الجيم وبالشين المعجمة أبو حفص اليمامي ثقة من (9) مات سنة (206) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي صدوق من (5) مات سنة (159) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا إسحاق) بن عبد الله (بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي النجاري أبو يحيى المدني نسب إلى جده، وأبوه عبد الله أخو أنس لأمه وهو ابن أم سليم بنت ملحان تزوجها أبو طلحة بعد موت والد أنس رضي الله عنهم كان يسكن دار جده أبي طلحة بالمدينة فنسب إليه، روى عن أنس بن مالك في الوضوء والصلاة والزكاة والحج وغيرها، وأبيه عبد الله في الأدب، وأبي مرة مولى عقيل في الأدب، وعبد الرحمن بن أبي عمرة في الرحمة، ويروي عنه (ع) وعكرمة بن عمار والأوزاعي ومالك بن أنس وهمام وحماد بن سلمة وعثمان بن حكيم ويحيى بن أبي كثير وعبد العزيز بن أبي سلمة وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة حجة من الرابعة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه في (6) أبواب تقريبًا، قال (حدثني أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري أبو حمزة البصري، وقوله (وهو) أي أنس بن مالك (عم إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة لأمه كلام مدرج من بعض الرواة أدرجه لإيضاح ما بين إسحاق وأنس من القرابة، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم يماميان وواحد بصري وواحد مدني وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة

قَال: بَينَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَال أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تُزْرِمُوهُ. دَعُوهُ" فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَال. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَال لَهُ: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إسحاق بن أبي طلحة لثابت بن أسلم ويحيى الأنصاري في رواية هذا الحديث عن أنس، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة التي لا تقبل الفصل (قال) أنس بن مالك (بينما نحن في المسجد) النبوي جالسون (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي) أي رجل من سكان البادية، و"بينما" ظرف زمان كبين زيدت عليها ما فأفادتها الإضافة إلى جملة الشرط وربط جوابها بإذا الفجائية وهي متعلقة بجوابها كما مر بسط الكلام فيها في أول كتاب الإيمان في حديث عمر رضي الله عنه والمعنى هنا بين أوقات جلوسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فاجأنا مجيء أعرابي (فقام) الأعرابي حالة كونه (يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) له (منه منه) أي اكْفُفْ اكفف عن البول في المسجد، قال في تلخيص النهاية: ومه اسم فعل أمر بمعنى اكفف وأصله ماذا بمعنى الاستفهام الإنكاري فأبدلوا ألفها هاء وحذفوا ذا للتخفيف فقالوا منه وكرروها للتأكيد، وفي القرطبي: هي اسم فعل أمر بمعنى كُفَّ مبني على السكون، قال النواوي: هي كلمة زجر تستعمل مكررة وقد تُفْرَدُ وقد تكسران وقد تُنَوَّن الأولى وتكسر الثانية، ويقال فيه بَهِ بَهِ بدل الميم، ويقال مهمهت به أي زجرته (قال) أنس (قال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُزْرِمُوهُ) بتقديم الزاي أي لا تقطعوا عليه بوله يقال زَرِمَ بوله بكسر الراء من باب فرح أي انقطع وأَزْرَمَهُ غيره إزرامًا ويحتمل أمره بتركه لئلا تنتشر النجاسة وتكثر ولئلا يضره قطعه وليرفق به (دعوه) أي اتركوه حتى يفرغ من بوله (فتركوه حتى بال) أي حتى فرغ من بوله (ثم) بعد ما فرغ من بوله (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه) أي دعا الأعرابي تعليمًا له بحرمة المسجد (فقال له) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذه المساجد) أي أن مساجدنا هذه أيها المسلمون، قال الأبي: الإشارة إليها مع حضورها يُشْعِر بتعظيمها المناسب لتنزيهها عما ذكر من القاذورات (لا تصلح لشيء) أي لا تليق بشيء (من هذا

مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ. إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ"، أَوْ كَمَا قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البول) الذي أنت بلت فيه (ولا) لشيء من (القذر) قال الفيومي: القذر بفتحتين وبفتح وكسر الوسخ؛ وقد يطلق على النجس، اهـ. والمراد هنا المعنى الأعم كالبصاق والمخاط والنخاعة، قال القاضي: فيه الرفق بالتغيير على الجاهل، وتعليمه ما جهل، وتنزيه المساجد عن الأقذار (إنما هي) أي ما هذه المساجد إلا مبنية (لذكر الله عزَّ وجلَّ) وثنائه، والذكر كل ما سيق لثناء أو دعاء كالتهليل، والتسبيح، والاستغفار، قال الأبي: وفي معنى الذكر قراءة العلم، قال مطرف: لا أعلم مجالس الذكر إلا مجالس الحلال والحرام، كيف تبيع! كيف تشتري! كيف تنكح! لكن كره في العُتْبِيَّة رفع الصوت بذلك فيه، وأجازه ابن مسلمة (والصلاة) فيها (وقراءة القرآن) قال القاضي: وكلمة إنما للحصر فلا يعمل فيها شيء من مكاسب الدنيا، قال الأبي: فلا يُنْسَج فيه، قال مالك: ولا أحب لذي منزل أن يبيت فيه، وخففه للضيف ومن لا منزل له، وفي النوادر قال مالك: ولا أحب أن يوضع فيه فراش ولا وساد للجلوس عليه، قال: ولا بأس أن يضطجع فيه للنوم، قال: وينهى عن السؤال فيه، قال ابن عبد الحكم: ولا يعطي فيه للسائل ولا ينشد فيه ضالة، وأو في قوله (أو) الحديث (كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الألفاظ التي تشبه اللفظ المذكور هنا، شك من الراوي فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الألفاظ التي تفيد معنى ما ذكر، كقوله لا يحل فيها شيء من هذا البول ولا الوسخ (قال) أنس (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجلًا من القوم) الجالسين معه أن يأتي بدلو من ماء (فجاء) الرجل (بدلو) عظيمة مملوءة (من ماء فَشَنَّه) أي شن ذلك الرجل الماء الذي في الدلو أي صبه بشدة وكثرة (عليه) أي على المحل المصاب بالبول. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وذكر فيه متابعتين، قال النواوي: شَنَّه بالشين المعجمة وسَنَّه بالسين المهملة والمعنى واحد أي صبه عليه صبًا يغلبه، وفرَّق بعضهم بينهما فقال: هو بالمهملة الصب في سهولة، وبالمعجمة الصب بكثرة وقال ابن الأثير: الشن بالمعجمة الصب المتقَطِّع وبالمهملة الصب المتصل، اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي هذا حجة للجمهور على أن الأرض النجسة لا يطهرها الجفوف بالشمس ونحوها بل الماء، وقال أبو حنيفة: إنما تطهر بالحفر ورمي المصاب بالنجس. قال النواوي: أما الأحكام المستنبطة من هذا الحديث فكثيرة منها إثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يُعتد به لكن بول الصغير يكفي فيه النضح، كما سيأتي في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى، ومنها احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار، ومنها الأرض النجسة تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها خلافًا لأبي حنيفة فإنه قال: لا تطهر إلا بحفرها كما مر آنفًا، ومنها أن غُسَالة النجاسة طاهرة وهذه المسئلة فيها خلاف بين العلماء ولأصحابنا فيها ثلاثة أوجه؛ أحدهما أنها طاهرة مطلقًا، والثاني أنها نجسة مطلقًا، والثالث إن انفصلت وقد طهر المحل فهي طاهرة، وإن انفصلت ولم يطهر المحل فهي نجسة؛ وهذا الثالث هو الصحيح، وهذا الخلاف إذا انفصلت غير متغيرة، أما إذا انفصلت متغيرة فهي نجسة بإجماع المسلمين سواء تغير طعمها أو لونها أو ريحها، وسواء كان التغير قليلًا أو كثيرًا، ومنها الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة عنادًا أو استخفافًا، ومنها دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله صلى الله عليه وسلم (دعوه) قال العلماء كان في قوله صلى الله عليه وسلم (دعوه) مصلحتان أحدهما أنه لو قُطِعَ عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به، والثانية أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله تنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد، ومنها أن في قوله صلى الله عليه وسلم (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ... ) إلخ صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والأوساخ ورفع الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود، وما في معنى ذلك كالنكاح والطلاق والاقتصاص، قال القرطبي: وفي هذا حجة لمالك في منع إدخال الميت المسجد وتنزيهها عن الأقذار جملة؛ فلا يقص فيها شعر ولا ظفر، ولا يُتَسَوَّك فيها لأنه من باب إزالة القذر، ولا يُتَوضأ فيها، ولا يؤكل فيها طعام منتن الرائحة إلى غير ذلك مما في هذا المعنى، اهـ. قال الأبي: ومنع في المدونة أن يبصق على حصيره ويدلكه أو فيه وهو غير محصب، قال: ويبصق في المحصب تحت قدمه أو أمامه أو عن يمينه أو عن شماله،

(فصل في مسائل منثورة تتعلق بهذا الباب)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال فيها ولا يأخذ المعتكف من شعره وأظفاره وإن جمعه وألقاه. وكره في العتبية النخامة فيه في النعل إلا أن يعجز عن تحت الحصير، وكره بعضهم إدخال النعال فيه غير مستورة، وأفتى بعضهم فيمن رأى نعلًا فأزاله عن موضعه ووضعه بآخر أنه يضمنه لأنه لمَّا نقله وجب عليه حفظه وصُوِّبَت هذه الفُتْيَا، اهـ. (فصل في مسائل منثورة تتعلق بهذا الباب) أحدها: أجمع المسلمون على جواز الجلوس في المسجد للمحدث فإن كان جلوسه لعبادة من اعتكاف أو قراءة علم أو سماع موعظة أو انتظار صلاة أو نحو ذلك كان مستحبًا وإن لم يكن لشيء من ذلك كان مباحًا، وقال بعض الشافعية: إنه مكروه وهو ضعيف. الثانية: يجوز النوم في المسجد عند الشافعية نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى في الأم، قال ابن المنذر في الإشراق: رخص في النوم في المسجد ابن المسيب والحسن وعطاء والشافعي، وقال ابن عباس: لا تتخذوه مرقدًا، وروي عنه أنه قال: إن كنت تنام فيه لصلاة فلا بأس، وقال الأوزاعي: يكره النوم في المسجد، وقال مالك: لا بأس بذلك للغرباء ولا أرى ذلك للحاضر، وقال أحمد: إن كان مسافرًا أو شبهه فلا بأس، وإن اتخذه مقيلًا أو مبيتًا فلا وهذا قول إسحاق، هذا ما حكاه ابن المنذر واحتج من جَوَّزَه بنوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر، وأهل الصفة، والمرأة صاحبة الوشاح، والغريبين، وثمامة بن أُثَال، وصفوان بن أمية وغيرهم وأحاديثهم في الصحيح مشهورة، ويجوز أن يُمَكِّنَ الكافر من دخول المسجد بإذن المسلمين ويمنع من دخوله بغير إذن. الثالثة: قال ابن المنذر: أباح كل من يُحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد إلا أن يتوضأ في مكان يَبُلُّهُ أو يتأذى الناس فإنه مكروه، ونقل الإمام والحسن بن بطال المالكي هذا عن ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحنفية وابن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم، وعن ابن سيرين ومالك وسحنون أنهم كرهوه تنزيهًا للمسجد. الرابعة: قال جماعة من الشافعية يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد لغير حاجة مقصودة لأنه لا يُؤْمَن تنجيسهم المسجد؛ ولا يحرم لأن النبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم طاف على البعير، ولا ينفي هذا الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز أو ليظهر فيُقْتَدَى به. الخامسة: يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد، وأما مَن على بدنه نجاسة فإن خاف تنجيس المسجد لم يجز له الدخول فإن أمن ذلك جاز، وأما إذا ما افتصد في المسجد فإن كان في غير إناء فحرام؛ وإن قطر دمه في إناء فمكروه، وإن بال في المسجد في إناء فيه وجهان أصحهما أنه حرام، والثاني مكروه. السادسة: يجوز الاستلقاء في المسجد ومد الرجل وتشبيك الأصابع للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم. السابعة: يستحب استحبابًا متأكدًا كَنْسُ المسجد وتنظيفه للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه، والله أعلم، اهـ من النواوي. ***

149 - (54) (36) باب مشروعية النضح في تطهير بول الصبي الرضيع الذي لم يأكل طعاما

149 - (54) (36) باب مشروعية النضح في تطهير بول الصبي الرضيع الذي لم يأكل طعامًا 557 - (259) (95) (59) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 149 - (54) (36) باب مشروعية النضح في تطهير بول الصبي الرضيع الذي لم يأكل طعامًا والنضح هو رش الماء على موضع النجاسة بلا سيلان فإن سال الماء عليه يسمى غسلًا، والصبي هو الطفل الذكر الذي لم يبلغ الحولين ولم يتناول طعامًا على جهة التغذي بخلاف الصبية والخنثى فإنه يغسل من بولها كبول الكبير لثخانته وشدة لزوقه بالمحل بخلاف بول الصبي فإنه رقيق. 557 - (259) (95) (59) (حدثنا) وفي نسخة وحدثنا بزيادة واو الاستئناف (أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من (10) (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) (قالا حدثنا عبد الله بن نمير) مصغرًا الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من (9) مات سنة (199) روى عنه في (17) بابًا تقريبًا قال (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو المنذر المدني ثقة حجة من (5) مات سنة (145) روى عنه في (16) بابا (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة فقيه من (3) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن) خالته (عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) المدنية بنت أبي بكر الصديق، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى) ويجاء (بالصبيان) أي الأطفال الذكور الذين لم يبلغوا حولين ولم يأكلوا طعامًا على جهة التغذي، والأشهر في صاده الكسر، وعن أبي زيد فيها الضم (فيُبَرِّك عليهم) بتشديد الراء المكسورة من التبريك، وهو الدعاء بالبركة، والبركة كثرة الخير معنىً، وخص الصبيان بهذه الدعوة لأن البركة زيادة والصبي في بدء الأمر قابل لها في جسمه وعقله، أي يدعو

ويحَنِّكُهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَال عَلَيهِ. فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. 558 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم بالبركة (ويُحَنِّكُهُم) أي يدلك حنكهم بالتمر ونحوه بعد مضغه في فمه صلى الله عليه وسلم من التحنيك وهو مضغ التمر ونحوه ثم دلكه في حنك الصبي؛ والقصد به أن يكون أول ما دخل جوفه ريق النبي صلى الله عليه وسلم وأعظم به بركة وشرفًا، ففيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن العشرة لأمته بالتأليف وكل جميل (فأُتِيَ) النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو بضم الهمزة على صيغة المجهول (بصبي) أي بطفل ذكر صغير ليحنكه ويدعو له بالبركة (فبال) أي أخرج الصبي البول (عليه) أي على حِجْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدعا بماء) أي طلب النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار ماء (فأتبعه) أي فأتبع ذلك الماء وألحقه (بوله) أي مصاب بوله من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ورشه عليه (ولم يغسله) أي ولم يغسل مصاب بوله غسلًا بل اقتصر على الرش والنضح، والفرق بين الرش والغسل أن الرش أن يُصَبَّ عليه ماء يعمه ويغمُرُه بلا سيلان فلا يكفي الرش الذي لا يعمه ولا يغمره كما يقع من كثير من العوام، والغسل أن يُصَبَّ عليه ماء يعمُّه ويغمره مع سيلان الماء عليه وتقاطره منه، قال النواوي: ذهب المحققون إلى أن النضح أن يغمر ويُكاثَر بالماء مكاثرةً لا يبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره بخلاف المكاثرة في غيره فإنه يشترط فيها أن يكون بحيث يجري بعض الماء ويتقاطر من المحل وإن لم يشترط عصره وهذا هو الصحيح المختار، اهـ. قال القرطبي: وخص بهذا التخفيف الذكر دون الأنثى لملازمتهم حمل الذكران لفرط فرحهم بهم ومحبتهم لهم. اهـ والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 46] والبخاري [5468] والنسائي [1/ 157] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 558 - (00) (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (20) بابا (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا (عن هشام) بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي المنذر المدني

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ، فَبَال فِي حِجْرِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيهِ. 559 - (00) (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة جرير لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن هشام، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات (قالت) عائشة (أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي يرضع) بفتح الياء أي رضيع عبر بالمضارع دون الوصف لإفادة التجدد والحدوث أي الذي لم يَفْطِم من الرضاعة (فبال) الصبي (في حجره) صلى الله عليه وسلم بفتح الحاء وكسرها مع سكون الجيم فيها أي في مقدم جسده وقيل حضنه (فدعا) النبي صلى الله عليه وسلم أي طلب (بماء) فأتي به (فصبه) أي صب ذلك الماء (عليه) أي على مصاب ذلك البول أي رشه عليه ونضحه، وقد روي رشَّه ونضحه فصبه عليه وكلها بمعنى واحد، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 559 - (00) (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي ثقة مأمون من (8) مات سنة (191) روى عنه في (17) بابا (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله أخبرنا عيسى واسم الإشارة راجع إلى مابعد شيخ المتابع، وقوله (مثل حديث ابن نمير) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والتقدير أخبرنا عيسى، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة مثل ما حدّث ابن نمير، عن هشام. وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عيسى بن يونس لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ولم يكرر المتن لتماثل الروايتين لفظًا ومعنى.

560 - (250) (96) (60) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيد اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ قَيسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ؛ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ. فَوَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهِ فَبَال. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث أم قيس لحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 560 - (250) (96) (60) (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي أبو عبد الله المصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (242) على الأصح، روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه من (7) مات في شعبان سنة (175) روى عنه في (15) بابًا تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة متقن متَّفَق على جلالته وإتقانه من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي الأعمى أبي عبد الله المدني الأعمى حليف بني زهرة أحد الفقهاء السبعة ثقة فقيه ثبت من (3) مات سنة (94) وقيل سنة (99) (عن أم قيس بنت مِحْصَن) الأسدية المدنية اسمها كنيتها وقيل اسمها آمنة بنت قيس أخت عكاشة أحد بني أسد بن خزيمة أسلمت قديمًا بمكة وهاجرت إلى المدينة فهي من المهاجرات الأوائل اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لها أربعة وعشرون حديثًا (24) اتفقا على حديثين، كانت تحت زيد بن حارثة ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف فهي أم إبراهيم وحميد ابني عبد الرحمن ثم تزوجها الزبير بن العوام ثم تزوجها عمرو بن العاص يروي عنها (ع) وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وابنها حميد وعبد الرحمن بن عوف في الكذب ومولاها عدي بن دينار ووابصة بن معبد وغيرهم. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان (أنها) أي أن أم قيس (أتت) أي جاءت (رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها) رضيع (لم يأكل الطعام) غير لبن الرضاع على جهة التغذي فلا يضر تناوله نحو التمر للتحنيك ولا تناوله السويق والحلبة لإصلاح البطن (فوضعته) أي فوضعت أم قيس ابنها (في حِجره) صلى الله عليه وسلم أي في حضنه ومقدم بدنه (فبال) الولد عليه صلى الله عليه وسلم (قال) عبيد الله بن عبد الله الراوي عنها قالت أم قيس

فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ. 561 - (00) (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ. 562 - (00) (00) (00) وحدّثنِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلم يزد) رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطهير بوله (على أن نضح) من بابي ضرب ونفع أي على أن رشَّ وبَلَّ مصابه (بالماء) الذي يعمه ويغلبه بلا سيلان عليه ولا تقاطر منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5718] وأبو داود [374] والترمذي [71] والنسائي [1/ 157]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم قيس رضي الله تعالى عنها فقال: 561 - (00) (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث أم قيس (يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي مولاهم الكوفي ثقة من (10) (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (ابن عيينة) بن ميمون الهلالي أبي محمد الأعور الكوفي ثقة من (8) (عن الزهري) أبي بكر المدني ثقة من (4) (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع أي روى سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن أم قيس بمثل ما روى الليث عن الزهري. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أوكوفي ونيسابوري أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لليث بن سعد، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (قال) سفيان في روايته (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب (بماء فَرَشَّه) أي نضح المحل الذي أصيب بالبول بذلك الماء، وقد تقدم لك بيان النضح والرش بأنهما بمعنى واحد وهو الصب عليه بماء يعمُّه ويغمره بلا سيلان عليه وإلا فيكون غسلًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم قيس رضي الله تعالى عنها فقال: 562 - (00) (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أم

حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَال: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ أُمَّ قَيسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ، (وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصنٍ. أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيمَةَ)، قَال: أَخْبَرَتْنِي؛ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ. قَال عُبَيدُ اللهِ: أَخْبَرَتْنِي؛ أَنَّ ابْنَهَا ذَاكَ بَال فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ، وَلَمْ يَغسِلْهُ غَسْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قيس (حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي أبو حفص المصري صدوق من (11) قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القريشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة حافظ من (9) قال (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي أبو يزيد الأموي ثقة من (7) (أن ابن شهاب أخبره) أي أخبر يونس بن يزيد (قال) ابن شهاب في تحديثه ليونس (أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني (أن أم قيس) آمنة (بنت محصن) الأسدية (وكانت) أم قيس (من المهاجرات الأُوَلِ) بضم أوله وفتح ثانيه جمع أولى (اللاتي بايعن) وعاهدن (رسول الله صلى الله عليه وسلم) على الأمور المذكورة في آية آخر سورة الممتحنة (وهي أخت عُكَّاشَة بنت محصن أحد) بالجر صفة ثانية لعكاشة (بني أسد بن خزيمة قال) عبيد الله، وجملة القول مؤكدة لقال الأول معترضة بين أن وخبرها وهو جملة قوله (أخبرتني) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى أي أخبرتني أم قيس (أنها أتت) وجاءت (رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ) ولم يصل أوان (أن يأكل الطعام) للتغذِّي به (قال عبيد الله أخبرتني) أم قيس (أن ابنها ذاك) الذي لم يأكل الطعام (بال في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في مقدم ثيابه (فدعا) أي طلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ممن عنده (بـ) إحضار (ماء) فأتي به (فنضحه) أي رش ذلك الماء وصبه بكثرة بلا سيلان (على ثوبه) صلى الله عليه وسلم أي على الموضع الذي أصابه بول الطفل من ثيابه تطهيرًا له عن بول الصبي (ولم يغسله) أي ولم يغسل ثوبه (غسلًا) أي لم يصب عليه ماءًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كثيرًا يسيل ويتقاطر من الثوب. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أم قيس ذكره للاستشهاد وذكر فيه أيضًا متابعتين. وأما أحكام أحاديث الباب فكثيرة منها: نجاسة بول الرضيع كغيره، والعجب ممن يستدل برش بول الصبي أو بالأمر بنضحه على طهارته وليس فيه ما يدل على ذلك وغاية دلالته على التخفيف في نوع طهارته، إذ قد رخص في نضحه ورشه وعفا عن غسله تخفيفًا، ومنها أنه يكفي في طهارته النضح والرش ولا يكفي في بول الجارية؛ بل لا بد من غسله كسائر النجاسات، ومنها أنه إذا أكل الطعام على جهة التغذية لا يكفي فيه النضح بل يجب غسله بلا خلاف كسائر النجاسات. ***

150 - (55) (37) باب فرك المني وحته من الثوب

150 - (55) (37) باب فَرْكِ المنيِّ وحَتِّهِ من الثوب 563 - (251) (97) (61) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأسْوَدِ؛ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 150 - (55) (37) باب فَرْكِ المنيِّ وحَتِّهِ من الثوب 563 - (251) (97) (61) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) قال (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي ثقة من (8) مات سنة (182) روى عنه في (7) أبواب (عن خالد) بن مهران الحذاء الخزاعي مولاهم أبي المُنَازل البصري ثقة من (5) مات سنة اثنتين وأربعين ومائة (142) روى عنه في (14) بابا (عن أبي مَعْشَر) زياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي روى عن إبراهيم النخعي في الوضوء والصلاة ويروي عنه (م د ت س) وخالد الحذاء وسعيد بن أبي عروبة وهشام بن حسان وغيرهم، قال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة (119) تسع عشرة ومائة، روى عنه في (2) بابين (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي ثقة مرسل كثيرًا من (5) مات سنة (96) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا (عن علقمة) بن قيس النخعي أبي شبل الكوفي ولم يولد له قط ثقة ثبت فقيه عابد من (2) مات سنة (62) عن تسعين (90) سنة، روى عنه في (4) أبواب (و) عن (الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عبد الرحمن الكوفي أخي عبد الرحمن بن يزيد وابن أخي علقمة بن قيس، وكان أسن من علقمة وخال إبراهيم بن يزيد وكلهم من بني بكر بن النخع، وكان صوامًا قوامًا فقيهًا زاهدًا، روى عن عائشة في الوضوء والصلاة وغيرهما، وعبد الله بن مسعود في الصلاة والحج وغيرهما، وأبي موسى في الفضائل، ويروي عنه (ع) وإبراهيم النخعي وابنه عبد الرحمن بن الأسود وأبو إسحاق السبيعي وعمارة بن عمير وإبراهيم بن سويد وكثير بن مُدْرِك وأسعَثُ بن أبي الشعثاء وعبد الرحمن بن يزيد ومحارب بن دثار، وثقه ابن معين، وقال إبراهيم: كان يختم في كل ليلتين، وروي أنه حج ثمانين حجة وعمرة لم يجمع بينهما، قال في التقريب: ثقة مخضرم فقيه مكثر من الثانية مات سنة (4) أو (75) أربع أو خمس وسبعين كلاهما حدثاه (أن رجلًا) وسيأتي أنه عبد الله بن شهاب الخولاني أبو الجزل بفتح الجيم وسكون الزاي الكوفي التابعي (نزل بعائشة) رضي الله تعالى عنها أي

فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا كَانَ يُجزِئُكَ، إِنْ رَأَيتَهُ، أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ. فَإِنْ لَمْ تَرَ، نَضَحْتَ حَوْلَهُ. وَلَقَدْ رَأَيتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَرْكًا. فَيُصَلِّي فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان ضيفًا نازلًا عندها فاحتلم في الليل (فأصبح يغسل ثوبه) أي فكان في الصباح يغسل جميع ثوبه ويغمسه في الماء (فقالت) له (عائشة إنما كان) الشأن فكان شأنية أو زائدة (يجزئك) ويكفيك وهو بضم الياء وسكون الجيم (إن رأيتَه) أي إن رأيت جرمه في الثوب (أن تغسل مكانه) أي مكان المني من الثوب ولا عليك غسل جميعه وغمسه في الماء (فإن لم تر) جرمه في الثوب وفي بعض النسخ (فإن لم تره) بالضمير (نضحت) الماء وصببته (حوله) أي حول المكان الذي فيه أثر المني أي رشَشْتَ الماء على المكان الذي فيه أثره وحوله أي جانبه، قال الأبي: حوله أي حول الفرك وتعني حوله بما يليه من الثوب (ولقد رأيتني) وفي بعض النسخ (لقد رأيتني) بلا واو أي والله لقد رأيت نفسي (أفركه) أي أفرك جِرم المني يابسًا (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأظفاري وأحكه (فركًا) أي حكًا وأغسله (فيصلي فيه) أي في ذلك الثوب الذي فركتُ المني منه بأظفاري، وفي رواية (ولقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري) وقوله أفركه بضم الراء، قال ملا علي: وتكسر لكن المفهوم من القاموس هو الضم فقط وكذا المذكور في المصباح؛ والفرك هو الدلك حتى يذهب ولا يكون إلا يابسًا، اهـ. والفرق بين الفرك والحك أن الفرك يكون بفرك الثوب بعضه ببعض أو بين الكفين كفَرْكِ سنابل الشعير والحنطة والحك يكون بالأظافر كحك الجرَبِ مثلًا، والله أعلم هكذا ظهر لي. وسند هذا الحديث من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري وواحد واسطي وواحد نيسابوري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 97 و 135] والبخاري [229] وأبو داود [371 - 373] والترمذي [117 و 118] والنسائي [1/ 56]. قال النواوي: اختلف العلماء في طهارة مني الآدمي فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال: يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسًا وهو رواية عن أحمد، وقال مالك: لا بد من غسله رطبًا ويابسًا، وقال الليث: هو نجس ولا تعاد الصلاة منه،

564 - (00) (00) (00) وحدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحسن: لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيرًا وتعاد منه في الجسد وإن قل، وذهب كثيرون إلى أن المني طاهر؛ رُوي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين عنه وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث، وقد غلط من أوهم أن الشافعي منفرد بطهارته. ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك فلو كان نجسًا لم يكف فركه كالدم وغيره، قالوا: ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتَّنَزُّه واختيار النظافة هذا حكم مني الآدمي، ولنا قول شاذ ضعيف أن مني المرأة نجس دون مني الرجل، وقول أشذ منه أن مني الرجل والمرأة نجس، والصواب أنهما طاهران. وهل يحل أكل المني الطاهر؟ فيه وجهان أظهرهما لا يحل لأنه مستقذر فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا، وأما مني باقي الحيوانات غير الآدمي فمنها الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما ومن حيوان طاهر ومنيُّها نجس بلا خلاف وما عداها من الحيوانات في منيه ثلاثة أوجه: الأصح أنها كلها طاهرة من مأكول اللحم وغيره، والثاني أنها نجسة، والثالث مني مأكول اللحم طاهر ومني غيره نجس، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ نواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 564 - (00) (00) (00) (وحدثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة بن طلق بفتح الطاء المهملة وسكون اللام بن معاوية النخعي أبو حفص الكوفي، روى عن أبيه في الوضوء والزكاة والذبائح وذكر الجان والجامع وقدرة الله تعالى وصفة النار ومَن مات له ثلاثة، ويروي عنه (خ م د ت س) وأحمد بن إبراهيم الدورقي وأبو زرعة وأبو حاتم ووثقه، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم من العاشرة مات سنة (222) اثنتين وعشرين ومائتين روى عنه في (8) أبواب، قال (حدثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي قاضي الكوفة ثقة فقيه من (8) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة مدلس من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن

إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَهَمَّامٍ، عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمَنِيِّ. قَالتْ: كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 565 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ)، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ نَحو حَدِيثِ خَالدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي (وهمام) بن الحارث بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي ثقة عابد من الثانية مات سنة (65) خمس وستين، روى عنه في (4) أبواب كلاهما رويا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (في) غَسْل (المني، قالت: كنت أفركه) أي أفرك المني وأحكه بأظفاري (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم يصلي فيها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة فإنها مدنية، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لأبي معشر في رواية هذا الحديث عن إبراهيم، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة فقال: 565 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) قال (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة من (8) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زيد) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن هشام بن حسان) الأزدي القردوسي أبي عبد الله البصري ثقة من (6) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة من (10) قال (أخبرنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي ثقة ثبت من (8) قال (حدثنا) سعيد (بن أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة مدلس من (6) حالة كون هشام بن حسان وسعيد بن أبي عروبة (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن أبي معشر) زياد بن كليب الحنظلي الكوفي (نحو حديث خالد) الحذاء (عن أبي معشر) هكذا هو الصواب وتأخيره إلى ما سيأتي تحريف من النساخ، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هشام وابن أبي عروبة لخالد الحذاء في رواية هذا الحديث عن أبي معشر، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيمٌ عَنْ مُغِيرَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ. ح وَحَدَّثَنِي ابْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَمُغِيرَةَ. كُلُّ هَؤلاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي حَتِّ الْمَنِيِّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) ثقة من (10) قال (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي ثقة من (7) (عن مغيرة) بن مقسم الضبي أبي هشام الكوفي ثقة من (6) (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين المروزي صدوق من (10) قال (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي أبو سعيد البصري ثقة من (9) (عن مهدي بن ميمون) الأزدي أبي يحيى البصري ثقة من (6) (عن واصل) بن حيان (الأحدب (الأسدي الكوفي ثقة من (6) (ح وحدثني) محمد (بن حاتم) بن ميمون المروزي (حدثنا إسحاق بن منصور) السلولي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من (9) (حدثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني أبو يوسف الكوفي الإمام العلم، روى عن سماك ومنصور بن المعتمر والمغيرة بن مقسم في الوضوء وغيره وفراتٍ القزاز في الصلاة، وإسماعيل السُّدي في الحدود، وزياد بن عِلاقة في الجهاد، وعبد الملك بن عمير في ذكر الشعراء، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي حفص عثمان في ذكر موسى والخضر عليهما السلام، وحديث الرحل وغيره، والمقدام بن شريح في الفضائل، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن منصور ووكيع وعبيد الله بن موسى ويحيى بن آدم ومصعب بن المقدام ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ومحمد بن يوسف الفريابي وأبو أحمد الزُّبيري وأبو نعيم الملائي وعثمان بن عمر والنضر بن شميل وخلق، وقال أحمد: ثقة وتعجب من حفظه، وقال في التقريب: ثقة تُكُلِّم فيه بلا حجة من السابعة مات سنة ستين ومائة (160) أو إحدى أو اثنتين وستين ومائة (162) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة بعدها موحدة الكوفي ثقة من الخامسة (ومغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي (كل هؤلاء) المذكورين من مغيرة وواصل الأحدب ومنصور رووا (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (في حت المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحت هو الحك بطرف حجر أو عود كذا

نَحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ. 566 - (00) (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حكى الفيومي عن الأزهري، ويكون هذا أيضًا في يابسه كما يأتي التصريح به في آخر الباب في حديث (وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري) (نحو حديث أبي معشر عن إبراهيم) وهذا الذي كتبناه هو الصواب وقوله (نحو حديث خالد عن أبي معشر) تحريف من النساخ أو مؤخر عن موضعه كما بيناه آنفًا عند قوله جميعًا عن أبي معشر لأن غرضه هنا بيان متابعة هؤلاء الثلاثة المذكورين لأبي معشر في رواية هذا الحديث عن إبراهيم فليتأمل. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 566 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) المروزي قال (حدثنا) سفيان (ابن عيينة) الكوفي (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن إبراهيم) النخعي الكوفي (عن همام) بن الحارث النخعي الكوفي (عن عائشة) وقوله (بنحو حديثهم) متعلق بقوله حدثنا سفيان بن عيينة لأنه العامل في المتابع وهو سفيان، وضمير الجمع عائد إلى المتابَعِين المذكورين في الأسانيد السابقة وهم: خالد الحذاء، وحفص بن غياث، وهشام بن حسان، وابن أبي عروبة، وهشيم بن بشير، ومهدي بن ميمون، وإسرائيل بن يونس، ولكنها متابعة ناقصة لأن خالدًا روى عن إبراهيم بواسطة أبي معشر، وحفص بن غياث روى عنه بواسطة الأعمش، وهشام بن حسان روى عنه بواسطة أبي معشر وكذا ابن أبي عروبة روى عنه بواسطة أبي معشر، وهشيم روى عنه بواسطة مغيرة، ومهدي بن ميمون بواسطة واصل، وإسرائيل بواسطة منصور كما أن ابن عيينة روى عن إبراهيم بواسطة منصور، وقيل الصواب (بنحو حديثه) أي حدثنا ابن عيينة عن إبراهيم بواسطة منصور، كما أن إسرائيل روى عن إبراهيم بواسطة منصور، فضمير المفرد الغائب عائد حينئذ إلى إسرائيل فليتأمل. ولم يذكر المؤلف في هذ الباب إلا حديث عائشة وذكر له ثلاث متابعات.

151 - (56) (38) باب غسل المني من الثوب

151 - (56) (38) باب غسل المني من الثوب 567 - (252) (98) (61) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ. قَال: سَأَلْتُ سُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ ثَوْبَ الرَّجُلِ. أَيَغْسِلُهُ أَمْ يَغْسِلُ الثَّوْبَ؟ فَقَال: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 151 - (56) (38) باب غسل المني من الثوب المني بفتح الميم وكسر النون وتشديد الياء آخره وهو عام يشمل ماء الرجل وماء المرأة، وله خواص يُعرف بها إحداها الخروج بشهوة مع الفتور عَقِبَه، الثانية الرائحة كرائحة الطَّلْع، الثالثة الخروج بتدفق ودفعات هذا كله في مني الرجل، وأما المرأة فمنيها أصفر رقيق كذا في النواوي. 567 - (252) (98) (61) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا محمد بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ من (9) مات سنة (203) روى عنه في (10) أبواب (عن عمرو بن ميمون) بن مهران البصري مولى الأزد أبي عبد الله الجزري ويقال له أبو عبد الرحمن سبط سعيد بن جبير، روى عن سليمان بن يسار في الوضوء وعن أبيه، ويروي عنه (ع) ومحمد بن بشر العبدي وعبد الواحد بن زياد وعبد الله بن المبارك ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة فاضل من السادسة مات سنة (147) سبع وأربعين ومائة (قال) عمرو بن ميمون (سألت سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبد الرحمن المدني كان من فقهاء أهل المدينة وقرائهم، روى عن عائشة في الوضوء والصلاة والفضائل، وابن عباس في الحج، وعراك بن مالك في الزكاة، وأم سلمة في الصوم والطلاق، وأبي رافع في الحج، وأبي هريرة في البيوع والجهاد واللباس، وجابر بن عبد الله في الهبة، وعمرة بنت عبد الرحمن في الحدود، وعبد الله بن الحارث بن نوفل في الفتن، ويروي عنه (ع) وعمرو بن ميمون وبكير بن الأشج وعبد الله بن دينار وصالح بن كيسان والزهري وخلائق، قال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (100) مائة، روى عنه في (14) بابا (عن) كيفية إزالة (المني) الذي (يصيب ثوب الرجل) وكذا المرأة (أيغسله) أي أيغسل ذلك المني فقط (أم يغسل الثوب) كله (فقال) سليمان لي (أخبرتني عائشة) أم المؤمنين

أَن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِي، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصلاةِ في ذلِكَ الثوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ. 568 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو كَامِلِ الْجَحْدَرِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني) فقط من الثوب (ثم يخرج إلى) المسجد لـ (الصلاة في ذلك الثوب) الذي غسل منه المني (وأنا) أي والحال أني (انظر إلى أثر الغسل) وبقعه الظاهر (فيه) أي في ذلك الثوب لأنه ليس له إلا ثوب واحد، استدل بهذا الحديث من قال بنجاسة المني كالأحناف، وأجاب القائلون بطهارته كالشافعية بأن الغسل محمول على الاستحباب والنظافة كما مر. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [230]، وأبو داود [373]، والترمذي [117]، والنسائي [1/ 156] وابن ماجه [536]. قال الحافظ في فتح الباري: وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يُحْمَل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يُحْمَل الغسل على ما كان رطبًا والفرك على ما كان يابسًا وهذا مذهب أبي حنيفة، والمذهب الأول أرجح لأن فيه العمل بالخبر والقياس معًا لأنه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يُعفى عنه من الدم بالفرك. اهـ تحفة الأحوذي. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال رحمه الله تعالى: 568 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) البصري ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مقال، من (8) مات سنة (176) روى عنه في (16) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زياد) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (خ) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو غريب) محمَّد بن العلاء بن غريب الهمداني الكوفي ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب قال (أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي

وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أما ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ فَحَدِيثُهُ كَمَا قَال ابْنُ بِشْرٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ. وَأَمَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ فَفِي حَدِيثِهِمَا قَالتْ: كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي أحد الأئمة الأعلام، روى عن عمرو بن ميمون ويونس بن يزيد والأوزاعي ومالك بن أنس ومعمر والجريري وحسين المعلم وعبيد الله بن عمر وخلائق، ويروي عنه (ع) وأبو كريب والحسن بن الربيع والحسن بن عيسى وابن أبي شيبة وعلي بن حجر ويحيى بن أيوب والسفيانان وعدة، قال ابن عيينة: ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير من الثامنة مات سنة (181) إحدى وثمانين ومائة، روى عنه في الوضوء والصلاة في ستة مواضع، والنكاح والجهاد في ستة مواضع، والجنائز في ثلاثة مواضع، والصوم في ثلاثة مواضع، والحج في ثلاثة مواضع، والبيوع والدعاء وفضائل عمر فجملة الأبواب التي روى عنه فيها عشرة تقريبًا (و) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبو سعيد الكوفي ثقة متقن من (9) مات سنة (184) روى عنه في (12) بابا (كلهم) أي كل من عبد الواحد وابن المبارك وابن أبي زائدة رووا (عن عمرو بن ميمون بهذا الإسناد) يعني عن سليمان بن يسار المدني عن عائشة. وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان، والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد بصري أو كوفي ومروزي وبصري ومدنيان، وغرضه بسوقهما بيان متابعة عبد الواحد وابن المبارك ويحيى بن أبي زائدة لمحمد بن بشر في رواية هذا الحديث عن عمرو بن ميمون، وفائدتها بيان كثرة طرقه ثم بين من وافق من الثلاثة محمَّد بن بشر ومن خالفه منهم فقال (أما) يحيى (ابن أبي زائدة فحديثه) أي لفظ حديثه (كما قال) محمَّد (ابن بشر) أي مثل حديث ابن بشر في لفظه ومعناه لأنه قال: أخبرتني عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني) الذي أصاب ثوبه بنسبة الغسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وأما) عبد الله (بن المبارك وعبد الواحد) بن زياد (ففي حديثهما) لفظة (قالت) عائشة (كنت أغسله) أي أغسل المني (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنسبة الغسل إلى نفسها.

569 - (253) (99) (63) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِي أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شِهَاب الْخَوْلانِيِّ؛ قَال: كُنْتُ نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ. فَاحْتَلَمْتُ في ثَوْبَي. فَغَمَسْتُهُمَا في المَاءِ. فَرَأَتْنِي جَارَيةٌ لِعَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا. فَبَعَثَتْ إِلي عَائِشَةُ فَقَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث آخر لها لأن سببهما مختلف فكأنهما لراويين فقال: 569 - (253) (99) (63) (وحدثنا أحمد بن جَوَّاس) بفتح الجيم وتشديد الواو آخره سين مهملة (الحنفي) نسبة إلى بني حنيفة قبيلة من ربيعة نزلوا اليمامة (أبو عاصم) الكوفي ثقة من (10) مات في المحرم سنة (238) له في مسلم ثلاثة أحاديث فقط في الإيمان والوضوء والصلاة، اهمن الأصبهاني، قال (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الحافظ الكوفي ثقة متقن من (7) مات سنة (179) روى عنه في (13) بابا (عن شبيب بن غَرْقَدَة) بفتح الغين المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة، السلمي الكوفي، روى عن عبد الله بن شهاب الخولاني في الوضوء، وعروة البارقي في الجهاد، وسليمان بن عمرو، ويروي عنه (ع) وأبو الأحوص وشعبة والسفيانان وزائدة، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة في عداد الشيوخ، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، وله حديث واحد في الجامع وليس في مسلم من اسمه شبيب إلا هذا الثقة. (عن عبد الله بن شهاب الخولاني) أبي الجزل بفتح الجيم وسكون الزاي الكوفي، روى عن عائشة في الوضوء، وعمر، ويروي عنه (م) وشبيب بن غرقدة والشعبي وخيثمة بن عبد الرحمن وثقه ابن خلفون، وقال في التقريب: مقبول من الثالثة (قال) ابن شهاب الخولاني (كنت نازلًا على عائشة) أي ضيفًا عندها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها (فاحتلمت) أي رأيت في النوم ما يراه النائم من صورة النساء فانزلت المني (في ثوبي) بصيغة التثنية المضاف إلى ياء المتكلم أي في ثوبين لي الإزار والرداء (فغمستهما) أي أدخلت الثوبين (في الماء) لأنظفهما (فرأتني جارية) أي أمة مملوكة (لعائشة) رضي الله تعالى عنها (فاخبرتها) أي فأخبرت الجارية عائشة ما فعلته بثوبي من غمسهما في الماء (فبعثَتْ) أي أرسلت (إلي عائشة فـ) لما حضرتها (قالت) لي

مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيكَ؟ قَال قُلْتُ: رَأَيتُ مَا يَرَى النَّائِمُ في مَنَامِهِ. قَالتْ: هَلْ رَأيتَ فِيهِمَا شَيئًا؟ قُلْتُ: لا. قَالتْ: لَوْ رَأَيتَ شَيئًا غَسَلتَهُ. لَقَدْ رَأَيتُنِي وَإِنِّي لأحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، يَابِسًا بِظُفُرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ من وراء الحجاب (ما حملك) أي أي شيء حملك وبعثك (على ما صنعت بثوبيك) من غمسهما في الماء (قال) ابن شهاب (قلت) لعائشة اعتذارًا إليها من غمسهما في الماء (رأيت) في نومي (ما يرى النائم في منامه) من خيال النساء فحسِبْتُ أنهما نَجُسَا فغمستهما في الماء لتطهيرهما (قالت) عائشة (هل رأيت فيهما) أي في الثوبين (شيئًا) من المني (قلت) لها (لا) أي ما رأيت فيهما شيئًا من آثار المني (قالت) عائشة فإذا لم تر فيهما فلم غمستهما في الماء حتى (لو رأيت) فيهما (شيئًا) من المني (كسلته) أي غسلت المني الذي رأيته فيهما لا الثوبين (لقد رأيتُنِي) أي والله لقد رأيت نفسي (و) الحال (إني لأحكه) أي لأحك المني (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يابسًا) أي جافًا على الثوب وقوله (بظفري) متعلق بأحكه. قال النواوي: قولها (فلو رأيت شيئًا غسلته) هو استفهام إنكار حذفت منه الهمزة تقديره أكنت غاسله معتقدًا وجوب غسله، وكيف تفعل هذا وقد كنت أحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري ولو كان نجسًا لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتف بحكه. والله أعلم اهـ. وقد تقدم في الباب السابق بيان من خرَّج هذا الحديث من أصحاب الأمهات برقم رواه أحمد [6/ 97 و 135] والبخاري [229] وأبو داود [371 - 373] والترمذي [117 و 118] والنسائي [1/ 56] ولكن بلفظ عن الأسود أن رجلًا نزل بعائشة. وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على طهارة رطوبة فرج المرأة، وفيها خلاف مشهور عندنا وعند غيرنا والأظهر طهارتها، وتعلَّقَ المحتجون بهذا الحديث بأن قالوا: الاحتلام مستحيل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم فلا يكون المني على ثوبه صلى الله عليه وسلم إلا من الجماع ويلزم من ذلك مرور المني على موضع أصاب رطوبة الفرج فلو كانت الرطوبة نجسة لتنجس بها المني ولما تركه في ثوبه ولما اكتفى بالفرك. وأجاب القائلون بنجاسة رطوبة فرج المرأة بجوابين أحدهما: أنه يمتنع استحالة الاحتلام منه صلى الله عليه وسلم وكونه من تلاعب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيطان بل الاحتلام منه صلى الله عليه وسلم جائز وليس هو من تلاعب الشيطان بل هو فيض زيادة المني يخرج في وقت امتلاء أوعيته، والثاني: أنه يجوز أن يكون ذلك حصل بمقدمات جماع فسقط منه شيء على الثوب، وأما المختلط بالرطوبة فلم يقع على الثوب، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ نواوي. ***

152 - (57) (39) باب نجاسة الدم وكيفية غسله

152 - (57) (39) باب نجاسة الدم وكيفية غسله 570 - (254) (100) (63) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنِي محمد بْنُ حَاتِمٍ، (وَاللفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ؛ قَال: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 152 - (57) (39) باب نجاسة الدم وكيفية غسله 570 - (254) (100) (63) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي بضم الراء أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) مات سنة (196) روى عنه في (19) بابا، قال (حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبو المنذر المدني ثقة فقيه ربما دلس من (5) مات سنة (145) روى عنه في (16) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المروزي صدوق من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11)، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لمحمد بن حاتم تورعا من الكذب على أبي بكر بن أبي شيبة، قال محمَّد بن حاتم: (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري ثقة متقن إمام قدوة من (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا (عن هشام بن عروة) الأسدي المدني (قال) هشام (حدثتني) زوجتي، (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوام الأسدية المدنية، روت عن جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق في الوضوء والصلاة واللباس والأدب، وعن أم سلمة، ويروي عنها (ع) وزوجها هشام بن عروة وابن سوقة وغيرهم، وقال العجلي: ثقة تابعية مدنية، ووثقها ابن حبان وقال: ماتت وقد قاربت التسعين (90) وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، روى عنها في (4) أبواب (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام القرشية التيمية أم عبد الله المدنية وهي التي يقال لها ذات النطاقين حيث زودت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباها حيث أرادا الغار فلم تجد ما تُوكِي به الجِراب فقطعت نطاقها وأوكت به الجراب فسميت ذات النطاقين، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنها (ع) وفاطمة بنت المنذر في الوضوء والصلاة والزكاة، وصفية بنت أبي شيبة في الصلاة والحج، وعباد بن حمزة في الزكاة، وعباد بن عبد الله بن الزبير في الزكاة،

قَالتْ: جَاءَتِ امْرَأَة إِلَى النبي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَالت: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوبَهَا مِنْ دَمِ الحَيضَةِ، كَيفَ تَصْنَعُ بِهِ؛ قَال "تَحُتُهُ، ثُمَّ تَقرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله مولاهم وابناها عبد الله وعروة ابنا الزبير وهي من كبار الصحابة عاشت مائة سنة (100) وماتت بعد أن قُتِل ابنها عبد الله بن الزبير سنة (74) ثلاث أو أربع وسبعين، روى عنها في (4) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو اثنان منهم مروزي وبصري، ومن لطائفه أن فيه رواية زوج عن زوجته وبنت عن جدتها (قالت) أسماء (جاءت امرأة) لم أر من ذكر اسمها (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت) مستفتية عن كيفية غسل الحيض (إحدانا) معاشر النساء (يصيب ثوبها) أي لباسها شيء (من دم الحيضة) أي من دم الحيض وهو بفتح الحاء، واقتصر عليه النواوي هنا وفي باب الاضطجاع مع الحائض اقتصر على كسرها وجَوَّزهما غيره في البابين كليهما وهو بمعنى الحيض لا بمعنى المرة أو الهيئة (كيف تصنع به) أي بذلك الدم أي: كيف تزيله أتغسله أم تنضح عليه الماء؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تَحُتُّه) أي تحك ذلك الدم من الثوب بأطراف الأصابع مع الماء من الحت وهو الحك من باب نصر والمراد إزالة عينه (ثم تقرصُهُ) بفتح التاء وإسكان القاف وضم الراء من باب نصر أيضًا، وروي بضم التاء وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة من التقريص والقرص؛ والتقريص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار أي تدلك موضع الدم بأطراف الأصابع (بالماء) ليتحلل بذلك ويخرج ما تَشَربَه الثوب منه (ثم تنضحه) بكسر الضاء وفتحها أي ترش ما حول موضع الدم بالماء كما في رواية الترمذي أي تصب عليه الماء مع الغلبة والكثرة (ثم) بعد ما فعلَتْ ما ذكرتُه لك (تصلي فيه) أي في ذلك الثوب، قال القرطبي: والحتُ الحك بالأظافير والقرص، والتقريص الدلك بأطراف الأصابع ليتحلل الدم بذلك ويخرج ما تَشَربَ منه الثوب، وقوله (تنضحه) ذهب بعض الناس إلى أن النضح هنا معناه الغَسْلُ وتأوَّله على ذلك ولا حاجة إلى هذا التأويل بل إنما معناه الرش، وأما غسل الدم فقد علمها إياه حيث قال لها تحتُه ثم تقرصه بالماء، وأما النضح فهو فيما شكَتْ فيه من الثوب مما في جوانب الدم. ويدل هذا الحديث على أن قليل دم الحيض وكثيره سواء في وجوب غسل جميعه حيث لم يفرِق بينهما في محل البيان. ولو كان حكمهما مختلفًا لفضَلَه صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز إجماعًا وهو

571 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الله بْنِ سَالِمٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذا الإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مشهور مذهب مالك، وقال مالك رحمه الله تعالى: قد سماه الله تعالى أذى وهو يخرج من مخرج البول. اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 346 و 353] والبخاري [227] وأبو داود [360 - 362] والترمذي [138] والنسائي [1/ 155]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: 571 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو غريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا) عبد الله (بن نمير) بالنون مصغرًا الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من (9) (ح) أي حول المؤلف السند (و (قال (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو ابن عبد الله المصري الفقيه ثقة من (10) قال (أخبرني) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمَّد المصري ثقة من (9) قال ابن وهب (أخبرني يحيى بن عبد الله ابن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي العمري المدني، روى عن هشام بن عروة في الوضوء والصلاة، وموسى بن عقبة في الصلاة، ويزيد بن الهاد وابن عباس وعمرو بن يحيى وأبي بكر بن نافع، ويروي عنه (م د س) وابن وهب والليث ومكي بن إبراهيم وغيرهم، قال النسائي: مستقيم الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أغرب، وقال ابن معين: صدوق ضعيف الحديث، وقال في التقريب: صدوق من الثامنة، مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، روى عنه في (2) بابين (ومالك بن أنس) بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني ثقة إمام فقيه حجة من (7) (وعمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري الفقيه المقرئ ثقة فقيه من (7) (كلهم) أي كل من عبد الله ويحيى بن عبد الله ومالك بن أنس وعمرو بن الحارث رَوَوْا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء (مثل حديثٍ) رواه (يحيى بن سعيد) القطان عن هشام بن عروة، وغرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أسماء وذكر فيه متابعة واحدة، قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس بنت محصن، ثم قال: وحديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح. قال النواوي: وفي هذا الحديث وجوب غسل النجاسة بالماء، ويؤخذ منه أن مَن غسل بالخل أو اللبن أو غيرهما من المائعات لم يجزئه لأنه ترك المأمور به، وفيه أن الدم نجس وهو بإجماع المسلمين، وفيه أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد بل يكفي فيها الإنقاء، وفيه غير ذلك من الفوائد. واعلم أن الواجب في إزالة النجاسة الإنقاء فإن كانت النجاسة حكمية وهي التي لا تشاهد بالعين كالبول ونحوه وجب غسلها مرة ولا تجب الزيادة؛ ولكن يستحب الغسل ثانية وثالثة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا"، وقد تقدم بيانه، وأما إذا كانت النجاسة عينية كالدم وغيره فلا بد من إزالة عينها ويستحب غسلها بعد زوال العين ثانية وثالثة، وهل يشترط عصر الثوب إذا غسله؛ فيه وجهان: الأصح أنه لا يشترط وإذا غسل النجاسة العينية فبقي لونها لم يضره بل قد حصلت الطهارة، وإن بقي طعمها فالثوب نجس فلا بد من إزالة الطعم، وإن بقيت الرائحة ففيه قولان للشافعي أصحهما يطهر، والثاني لا يطهر، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من النواوي.

153 - (58) (40) باب وجوب الاستبراء والتستر من البول

153 - (58) (40) باب وجوب الاستبراء والتستر من البول 572 - (255) (101) (64) وحدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ وَأَبُو كُرَيبٍ محمد بْنُ الْعَلاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وكيع)، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدا يُحَدِّثُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 153 - (58) (40) باب وجوب الاستبراء والتستر من البول 572 - (255) (101) (64) (وحدثنا أبو سعيد) عبد الله بن سعيد (الأشج) الكندي الكوفي ثقة من (10) مات سنة (257) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (وأبو غريب محمَّد بن العلاء) الهمداني الكوفي ثقة من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا، وقال الآخران) أبو سعيد وأبو كريب (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة من (9) لبيان اختلاف كيفية سماعهم من شيخهم لأن أخبرنا فيما قرئ على الشيخ ومعه غيره، وحدثنا فيما سمع من الشيخ ومعه غيره، قال وكيع (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبو محمَّد الكوفي ثقة مدلس من (5) (قال) الأعمش (سمعت مجاهدًا) ابن جَبْرِ بفتح الجيم وسكون الموحدة أبا الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقرئ الإِمام المفسر ثقة إمام من (3) مات سنة (104) أربع ومائة وله (86) سنة، روى عنه في (9) أبواب (يحدث عن طاوس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي من أبناء الفُرْسِ، أمه من نساء الفرس، وأبوه من النَّمِر بن قاسط مولى بُحَيرِ بن رِيسَانَ الحميري، وكان من عباد أهل اليمن وفقهائهم، ومن سادات التابعين ويقال اسمه ذكوان وطاوس لقبه، مَرِض بمنى ومات بمكة سنة (101) إحدى ومائة قبل التروية بيوم، وصَلَّى عليه هشام بن عبد الملك بين الركن والمقام، وقيل إنه مات سنة ست ومائة (106) وكان قد حج أربعين حجة (40) روى عن ابن عباس في الوضوء والصلاة، وأبي هريرة في الصلاة والزكاة وغيرهما، وابن عمر في الصلاة والطلاق والقدر، وعائشة في الصلاة والحج، وزيد بن ثابت في الحج، وعبد الله بن عمر في اللباس، ويروي عنه (ع) ومجاهد وعمرو بن دينار وابنه عبد الله بن طاوس في الصلاة وسليمان الأحول وسليمان التيمي وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الثالثة مات سنة (106) روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي العباس المكي ثم المدني ثم

قَال: مَرَّ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ عَلَى قَبْرَينِ. فَقَال: "أَمَا إِنهُمَا لَيُعَذَّبَانِ. وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ. إمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنمِيمَةِ. وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ" قَال: فَدَعَا بِعَسِيبِ رَطْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطائفي حبر الأمة وترجمان القرآن مات سنة (68) بالطائف، روى عنه في (17) بابًا. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون أو كوفيان ومروزي وواحد طائفي وواحد يماني وواحد مكي ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض الأعمش ومجاهد وطاوس (قال) ابن عباس (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنهما) أي إن صاحبي هذين القبرين (لَيُعَذبان) في قبرهما، وفيه دليل على إثبات عذاب القبر (وما يعذبان في كبير) أي في أمر شاق تركه أو فعله عليهما أو في أمر كبير عندكم وهو عند الله كبير أي عظيم كما جاء في البخاري "وإنه لكبير" أي عند الله وهذا مثل قوله تعالى {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] وزاد القاضي تأويلًا ثالثًا أي ليس باكبر الكبائر، قال النواوي: وعلى هذا يكون المراد بهذا الزجر والتحذير بغيرهما أي لا يتوهم أحد أن التعذيب لا يكون إلا في الكبائر الموبقات فإنه يكون في غيرها، والله أعلم. (أما أحدهما فكان يمشي) بين الناس (بالنميمة) وقد تقدم الكلام في النمام في الإيمان, والنميمة هي القَالةُ التي تُرفع وتنقل عن قائلها ليتضرر بها قائلها، وقيل حقيقتها: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم (وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) أي لا يتوقى ولا يتحَفَّظ من بوله بل كان ينتضح على بدنه وثيابه، ويؤيد هذا المعنى رواية (لا يستنزه) بالزاي والهاء، وروي (لا يستبرئ) بالباء الموحدة والهمزة، وهذه الثالثة هي في البخاري وغيره، وكلها صحيحة ومعناها لا يتجنب منه ولا يتحرز، وعبارة المفهم هنا قوله (فكان لا يستتر من بوله) أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة حتى يتحفظ منه كما قال في الرواية الأخرى (لا يستنزه من البول) أي لا يتباعد منه، وهذا يدل على أن القليل من البول ومن سائر النجاسات والكثير منه سواء؛ وهو مذهب مالك وعامة الفقهاء، ولم يرخصوا في شيء من ذلك إلا في اليسير من دم غير الحيض خاصة (قال) ابن عباس (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعسيب) أي بجريد (رطب) أي

فَشَقَّهُ بِاثْنَينِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَال: "لَعَلهُ أن يُخَفَّفَ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَيبَسَا". 573 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ طلبه ليُؤتى به، والعسيب من النخل كالقضيب مما سواه، والرطب الأخضر، فأتي به (فشقَّه باثنين) أي جعله كِسْرَتَينِ والباء زائدة في المفعول الثاني لأن شق هنا بمعنى جعل وصيَّر (ثم غرس) وركز (على هذا) القبر (واحدًا) من الكِسرتين (وعلى هذا) القبر الآخر (واحدًا) منهما (ثم) بعد غرسهما عليهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعله) أي لعل العذاب (أن يُخفَّفَ) ويُقَلَّل (عنهما) أي عن صاحب القبرين بسبب تسبيح العيب (ما لم ييبسَا) بياءين أُولاهما مفتوحة وثانيتهما ساكنة ثم موحدة مفتوحة ويجوز كسرها ثم سين مهملة بعدها ألف التثنية أي ما لم تصيرا يابستين، وما مصدرية ظرفية أي لعل العذاب مخفف عنهما بسببهما مدة عدم يبسهما. قال القرطبي: اختلف العلماء في تأويل هذا الفعل فمنهم من قال أُوحي إليه أنه يخفف عنهما ما داما رطبين، وهذا فيه بُعْدْ لقوله (لعله) ولو أُوحِيَ إليه لما احتاج إلى الترخِّي، وقيل لأنهما ما وإما رطبين يسبحان فإن رطوبتهما حياتهما، وقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم شفع لهما ودعا بأن يُخَفَّف عنهما ما داما رطبين؛ وقد دل على هذا المعنى حديث جابر الآتي في آخر الكتاب في حديث صاحبي القبرين قال فيه (فأجيبت شفاعتي أن يُرفع عنهما ذلك ما دام القضيبان رطبين) فإن كانت القضيبة واحدة وهو الظاهر فلا مزيد على هذا في البيان. اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1378]، وأبو داود [20 و 21] والترمذي [70] والنسائي [1/ 28 - 30]. قوله في رواية البخاري (وإنه لكبير) قال النواوي: وسبب كونهما كبيرين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة فتركه كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة والسعي بالإفساد من أقبح القبائح لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم كان يمشي؛ بلفظ (كان) التي للحالة المستمرة غالبًا، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: 573 - (00) (00) (00) (حدثنيه) أي حدثني هذا الحديث المذكور يعني حديث ابن عباس (أحمد بن يوسف) بن سالم (الأزدي) السلمي أبو الحسن النيسابوري

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ سُلَيمَانَ الأعمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَكَانَ الآخَرُ لا يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ، (أَوْ مِنَ الْبَوْلِ) " ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف بحمدان، روى عن المعلي بن أسد في الوضوء، وعمر بن عبد الله بن رزين في الصلاة، وعمر بن حفص في الزكاة والذبائح والجامع، وعمرو بن أبي سلمة في الصوم، وإسماعيل بن أبي أوَيس في اللعان وفضائل الصحابة, والنضر بن محمَّد في الأحكام، وعبد الرزاق في ذكر النفاق، ويروي عنه (م د س ق) وأبو عوانة ومحمد بن الحسن وعدة، وثقه مسلم والدارقطني، وقال النسائي: ليس به بأس ثقة من الحادية عشرة مات سنة (264) أربع وستين ومائتين، روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا معلي بن أحد) العَمِّي بفتح المهملة وتشديد الميم أبو الهيثم البصري أخو بهز وكان معلمًا، روى عن عبد الواحد بن زياد في الوضوء، ووهيب في الصلاة والحج، وعبد العزيز بن المختار في الصلاة والنكاح وفي باب: لا عدوى ولا هام ولا طيرة، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأحمد بن يوسف الأزدي وحَجَّاجُ بن الشاعر وسليمان بن معبد وأبو حاتم الرازي وغيرهم ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة (218) ثماني عشرة ومائتين، روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مقالٌ، من (8) مات سنة (176) روى عنه في (16) بابا (عن سليمان) بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم أبي محمَّد الكوفي ثقة مدلس من (5) مات في ربيع الأول سنة (148) روى عنه في (13) بابا، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا عبد الواحد لأنه العامل في المتابع واسم الإشارة راجع إلى ما بعد المتابَع وهو وكيع أي حدثنا عبد الواحد عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بمثل ما حدث وكيع عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان مكيان واثنان بصريان وواحد يماني وواحد كوفي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الواحد لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث عن الأعمش (غير أنه) أي غير أن عبد الواحد (قال) في روايته (وكان الآخر لا يستنزه عن البول أو من البول) بالشك بدل قول وكيع (وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) وهذا اختلاف لفظي وإنما بيَّنَه لأن المحدثين يهتمون بالألفاظ. ولم يذكر المؤلف في هذه الترجمة إلا حديث ابن عباس وذكر فيه متابعة واحدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: وأما فقه الباب ففيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل الحق خلافًا للمعتزلة وفيه نجاسة الأبوال للرواية الثانية (لا يستنزه من البول) وهو جنس يعم جميع الأبوال وفيه غِلَظُ تحريم النميمة وغير ذلك مما تقدم، والله أعلم. وفي المفهم: وقد تخيل الشافعي في البول العموم فتمسك به في نجاسة جميع الأبوال وإن كان بول ما يؤكل لحمه، وقد لا يُسَلَّم له أن الاسم المفرد للعموم، ولو سُلِّم ذلك فذلك إذا لم يقترن به قرينة وقد اقترنت ها هنا, ولئن سُلمَ له ذلك فدليل تخصيصه حديث إباحة شرب أبوال الإبل للعُرَنِيين، وإباحة الصلاة في مرابض الغنم، وطوافه صلى الله عليه وسلم على بعيره كما سيأتي. انتهى. ***

154 - (59) (41) باب ما يحل من الحائض

154 - (59) (41) باب ما يحل من الحائض 574 - (256) (102) (65) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ)، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ إِحْدَانَا، إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، أَمَرَهَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 154 - (59) (41) باب ما يحل من الحائض وعدلتُ إلى هذه الترجمة من قولهم كتاب الحيض لأن البحث عنه داخل في البحث عن الطهارة كما هو المعروف عند أهل الفروع، وهو لغة: السيلان؛ يقال حاض الوادي إذا سال ماؤه وحاضت الشجرة إذا سال صمغها، وشرعًا: هو الدم الخارج على سبيل الصحة في سن الحيض من أقصى رحم المرأة من غير سبب الولادة، وأول من حاض حواء حاضت يوم الثلاثاء جزاءً على إدمائها الشجرة بعد ما هُبطت من الجنة. 574 - (256) (102) (65) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا وقال الأخران) أبو بكر وزهير (حدثنا جرير) لبيان اختلاف كيفية سماع مشايخه أي حدثنا جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتَّاب الكوفي ثقة ثبت وكان لا يدلس من (5) مات سنة (132) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي وكان يرسل كثيرًا، ثقة مرسل من (5) مات سنة (96) روى عنه في (11) بابا (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمرو أو أبي عبد الرحمن الكوفي ثقة مخضرم فقيه من (2) مات سنة (75) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواجد مدني أو أربعة كوفيون وواحد مدني وواحد إما نسائي أو مروزي (قالت) عائشة (كان) الشأن لأن كان هنا شأنيَّة، وقوله (إحدانا) معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مبتدأ، وإذا في قوله (إذا كانت حائضًا) ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بقوله (أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالاتزار، وهذه الجملة الفعلية خبر المبتدأ والجملة الإسمية خبر كان الشأنية ولا حاجة إلى ما تكلف به النواوي هنا، وفي بعض الرواية كانت إحدانا وهي أوضح

فَتَأْتَزِرُ بإزَارٍ، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. 575 - (00) (00) (00) .. (وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السعْدِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الأسوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفصح، والمعنى كان الشأن إحدانا أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالائتِزَار وقت كونها حائضًا (فتأتزر) من ائْتَزَر من باب افتعل أي فتشدُّ (بإزار) تستر به سُرَّتها وما تحتها إلى الركبة (ثم يباشرها) أي يستمتع بالتقاء بشرتها التي فوق السرة وتحت الركبة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 575 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا علي بن مُسْهِر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) له غرائب بعد ما أضَرَّ مات سنة (189) روى عنه في (14) بابا (عن الشيباني) سليمان بن أبي سليمان اسمه فيروز أبي إسحاق الكوفي ثقة من (5) مات سنة (138) روى عنه في (14) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني علي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة من صغار التاسعة مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لعلي بن حجر تورعًا من الكذب على أبي بكر، قال (أخبرنا علي بن مسهر) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه، قال علي بن مسهر (أخبرنا أبو إسحاق) الشيباني سليمان بن أبي سليمان الكوفي (عن عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي أبي حفص الكوفي عداده في التابعين، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والحج، والزهري والمقبري، ويروي عنه (ع) وأبو إسحاق الشيباني وأبو بكر النهشلي ومالك بن مغول وأبو إسحاق السبيعي والأعمش، حج ثمانين حجة واعتمر ثمانين عمرة لم يجمع بينهما، وكذلك فعل أبوه الأسود، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وابن خِرَاشٍ وزاد بن خراش: من خيار الناس، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (99) تسع وتسعين، وكان سِنُّه من إبراهيم النخعي، روى عنه في ثلاثة أبواب (عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند

قَالتْ: كَانَ إِحْدَانَا، إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، أَمَرَهَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ أَنْ تَأْتَزِرَ في فَوْرِ حَيضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قَالتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة أو أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن الأسود لإبراهيم النخعي في رواية هذا الحديث عن الأسود بن يزيد، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قالت) عائشة (كان إحدانا) معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كانت حائضًا أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتزر) أي بأن تلبس الإزار (في فور حيضتها) أي وقت قوة حيضتها وأوان كثرتها، وقال القسطلاني: في ابتدائها قبل أن يطول زمنها (ثم يباشرها) أي يستمتع ببشرتها سوى ما بين سرتها وركبتها ولا يقربها بالجماع (قالت) عائشة (وأيكم) أيها الرجال (يملك إربه) بكسر الهمزة وسكون الراء، أي فرجه وذكره أي يمنع عضوه عن الجماع وقت المباشرة بها، وروي بفتح الهمزة وسكون الراء أي شهوته، واختار الخطابي هذه الرواية وأنكر الأولى وعابها على المحدثين، والمعنى هو أملككم وأمنعكم لنفسه عن الشهوات فيأمن مع هذه المباشرة من الوقوع في المحرم، وهو مباشرة فرج الحائض، وأكثر الروايات فيه كسر الهمزة، أي وأيكم يمنع إربه وعضوه (كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك) ويمنع (إربه) أي فرجه من الوقوع في فرج الحائض مع تلك المباشرة، والاستفهام إنكاري يعني النفي أي لا أحد يملك إربه كما يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم إربه .. وهذا الحديث أعني حديث عائشة شارك المؤلف في روايته البخاري [302] وأبو داود [268 و 273] والترمذي [132] والنسائي [1/ 189]. قوله (كان إحدانا) هكذا وقع في الأصول في رواية مسلم من غير تاء في كان وهو صحيح وإن كان غير فصيح كما حكى سيبويه عن بعض العرب (قال امرأة) وكذا نقله ابن خَرُّوف في شرح الجمل ويحتمل أن تكون كان شافية، وفي رواية غير مسلم (كانت إحدانا) بالتاء في كان وهو الأفصح, لأن إلحاق التاء فيما تأنيثه حقيقي وهو ما له فرج واجب إذا لم يُفصَل، وقوله (أن تأتزر في فور حيضتها) والائتزار: شد الإزار على الوسط إلى الركبة، وقال ابن القصار: من السرة إلى الركبة، وهذا منه صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم مبالغة في التحرز من النجاسة وإلا فالحماية تحصل بخرقة تحتشي بها وفور الحيضة كثرة صَبِّهَا من فوران القِدر والبحر وهو غليانهما، قال ابن عرفة: والمحيض والحيض اجتماع الدم إلى ذلك المكان وبه سمي الحوض لاجتماع الماء فيه يقال حاضت المرأة وتحيَّضَتْ حيضًا ومحاضًا ومَحِيضًا إذا سال الدم منها في أوقات معلومة فإذا سال في غيرها قيل استحيضت فهي مستحاضة، قال: ويقال حاضَتِ المرأة وتحيَّضَت ودَرَسَت وعَرِكَت وطَمِثَتْ، قال غيره: ونَفِسَتْ بفتح النون وكسر الفاء وحُكي في النون الضم، وقيل في قوله تعالى {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] أي حاضت، وقيل سمي المحِيضُ حيضًا من قولهم حاضت السمُرَة (إذا خرج منها ماء أحمر) قال الشيخ: ويحتمل أن يكون قولهم (حاضت السمرة) تشبيهًا بحيض المرأة، وزاد بعضهم أَكْبَرَتْ وأَعْصَرَتْ يعني: حاضت، قال النواوي: وأما الحيض فأصله لغة: السيلان، يقال حاض الوادي إذا سال ماؤه، قال الأزهري والهروي وغيرهما من الأئمة: الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها، والاستحاضة جريان الدم في غير أوانه، قالوا ودم الحيض يخرج من قعر الرحم، ودم الاستحاضة يسيل من العَاذِل بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة وهو عِرْقٌ فيه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره، قال أهل اللغة: يقال حاضت المرأة تحيض حيضًا فهي حائض بلا هاء، هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى الجوهري عن الفرَّاء حائضةً بالهاء، وقوله (ثم يباشرها) أي يستمتع بها بالتقاء بشرتيهما، والبشرة ظاهر الجلد، والأدمة باطنه، ويعني بذلك الاستمتاع بما فوق الإزار والمضاجعة معها، كما قال صلى الله عليه وسلم: للذي سأل عما يحل له من امرأته الحائض، فقال: لِتَشُدَّ عليها إزارها ثم شأنك فأعلاها وهذا مبالغة في الحماية، وأما المحرمُ لنفسه فهو الفرج وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم، قولها (وأيكم يملك إربه) قيدناه بكسر الهمزة وإسكان الراء وبفتح الهمزة وفتح الراء وكلاهما له معنى صحيح، وإن كان الخطابي قد أنكر الأول على المحدثين، ووجه الأول أن الأرب هو العضو، والآراب هو الأعضاء فَكَنَتَ به عن شهوة الفرج إذ هو عضو من الأعضاء وهذا تكلف، بل في الصحاح أن الأرب العضو والدهاء والحاجة أيضًا، وفيه لغات: إِرْبٌ وإربةٌ وأَرَبٌ ومَأرُبَةٌ ويقال هو ذو أَرْبٍ أي ذو عقل فقولها (يملك إربه) بالروايتين يعني حاجته للنساء، اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: وأما أحكام الباب فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام، أحدها: أن يباشرها بالجماع في الفرج فهذا حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة, قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرًا مرتدًا، ولو فعله إنسان غير معتقد حله فإن كان ناسيًا أو جاهلًا بوجود الحيض، أو جاهلًا بتحريمه أو مُكْرَهًا فلا إثم عليه ولا كفارة، وإن وطئها عامدًا عالمًا بالحيض والتحريم مختارًا فقد ارتكب معصية كبيرة، نص الشافعي على أنها كبيرة وتجب عليه التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان أصحهما: وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف أنه لا كفارة عليه، وممن ذهب إليه من السلف عطاء وابن أبي مُليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد رحمهم الله تعالى أجمعين. والقول الثاني؛ وهو القديم الضعيف أنه يجب عليه الكفارة، وهو مروي عن ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه، واختلف هؤلاء في الكفارة فقال الحسن وسعيد: عتق رقبة، وقال الباقون: دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذي يجب الدينار أو نصف الدينار، هل الدينار في أول الدم ونصفه في آخره؟ أو الدينار في زمن الدم ونصفه بعد انقطاعه؟ وتعلقوا بحديث ابن عباس المرفوع (من أتى امرأته وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار) وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ فالصواب أن لا كفارة، والله أعلم. القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء، وقد نقل الإسفرايني وجماعة كثيرة الإجماع على هذا، وأما ما حكي عن عَبِيدة العلماني وغيره من أنه لا يباشر شيئًا منها بشيء منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرها في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار وإذنه في ذلك. والقسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر، وفيها ثلاثة

576 - (257) (103) (66) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنِ الشيبَانِي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شدادٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أوجه لأصحابنا أصحها عند جماهيرهم وأشهرها في المذهب: أنها حرام، والثاني: ليست بحرام ولكنها مكروهة كراهة تنزيه وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار، والثالث: إن كان المباشِر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته وإما لشدة ورعه جاز وإلا فلا وهذا الوجه حسن قاله أبو العباس البصري من أصحابنا، وممن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقًا مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار، وممن ذهب إلى الجواز الأوزاعي والثوري وأحمد بن حنبل وخلائق، وقد قدمنا أن هذا أقوى دليلًا واحتجوا بحديث أنس الآتي (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) قالوا: وأما اقتصاره صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار فمحمول على الاستحباب، والله سبحانه وتعالى أعلم. واعلم أن تحريم الوطء والمباشرة على قول من يحرمهما يكون في مدة الحيض وبعد انقطاعه إلى أن تغتسل أو تتيمم إن عدمت الماء بشرطه؛ هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير السلف والخلف، وقال أبو حنيفة: إذا انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها في الحال. واحتج الجمهور بقوله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ميمونة رضي الله تعالى عنهما فقال: 576 - (257) (103) (66) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري قال (حدثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة ثبت من (8) (عن الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز أبي إسحاق الكوفي ثقة من (5) (عن عبد الله بن شداد) بن الهاد واسم الهاد أسامة بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن بشر بن عَشْوَارَه بن عامر بن مالك بن ليث الليثي أبي الوليد المدني، روى عن ميمونة في الوضوء والصلاة، وعائشة في الطب، وعلي بن أبي طالب في الفضائل، ويروي عنه (ع) والشيباني ومعبد بن خالد وسعد بن إبراهيم، وثقه

عَنْ مَيمُونَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ، وَهُنَّ حُيَّضٌ. 577 - (258) (104) (67) حدّثني أَبُو الطاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب عَنْ مَخْرَمَةَ، ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائي وابن سعد، وقال في التقريب: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات، ثقة من (2) مات بالكوفة مقتولًا سنة (81) إحدى وثمانين (عن ميمونة) بنت الحارث بن حزن بوزن سهل العامرية الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة سبع، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم لها (46) ستة وأربعون حديثًا اتفقا على (7) سبعة وانفرد (خ) بحديث و (م) بخمسة، ويروي عنها (ع) وعبد الله بن شداد في الوضوء، وابن عباس في الوضوء، وكريب في الصوم، ويزيد بن الأصم وإبراهيم بن عبد الله بن معبد، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها بسَرِفَ -موضعٌ بين مكة والمدينة قريب من التنعيم بينه وبين الجموم يسمى مَرَّ الظهران على نحو (10) كيلو متر من التنعيم وعلى (18) كيلو متر من المسجد الحرام- سنة سبع، وماتت بها ودفنت سنة (51) إحدى وخمسين على الصحيح. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قالت) ميمونة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه) أي يستمتع ببشرتهن (فوق الأزار وهن) أي والحال أنهن (حُيَّض) جمع حائض. وهذا الحديث أعني حديث ميمونة شارك المؤلف في روايته البخاري [303] وأبو داود [267] والنسائي [1/ 189 - 190]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا بحديث آخر لميمونة رضي الله تعالى عنها فقال: 577 - (258) (104) (67) (حدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن عبد الله بن سَرْح المصري الأموي مولاهم ثقة من (10) قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمَّد المصري ثقة من (9) (عن مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي أبي المسور المدني صدوق من (7) روى عنه في (4) أبواب. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون الياء نزيل مصر ثقة من العاشرة

وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كُرَيبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: سَمِعْتُ مَيمُونَةَ زَوْجَ النبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَبَينِي وَبَينَهُ ثَوْبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (253) (وأحمد بن عيسى) بن حسان التُّسْتَري بتاءين أولاهما مضمومة والثانية مفتوحة بينهما سين ساكنة نسبة إلى تُسْتَر بلدة بالأهواز لكونه يتَّجِر فيها أبو عبد الله المصري صدوق من (10) مات سنة (243) روى عن ابن وهب في الإيمان وغيره (قالا) أي قال كل من هارون وأحمد (حدثنا ابن وهب) أتى بحاء التحويل مع اتحاد شيخ مشايخه لبيان اختلاف كيفية سماعهم، قال ابن وهب (أخبرني مخرمة) بن بكير (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة ثبت من (5) مات سنة (120) روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن غريب) بن أبي مسلم القرشي الهاشمي (مولى) عبد الله (بن عباس) أبي رِشْدِين بكسر الراء وسكون الشين المدني، روى عن ميمونة في الوضوء والصلاة والصوم والزكاة، وعبد الله بن عباس في الصلاة والجنائز والصوم والحج والأدب، أرسله ابن عباس وعبد الرحمن بن الأزهر والمسور بن مخرمة إلى عائشة وسأل عائشة وأم سلمة عن الركعتين بعد العصر، وأسامة بن زيد في الحج، ثقة من الثالثة، مات سنة (98) ثمان وتسعين بالمدينة، وليس عندهم كريب إلا هذا (قال) غريب (سمعت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان (قالت) ميمونة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي) في فراش (وأنا) أي والحال أني (حائض وبيني) والحال أن بيني (وبينه ثوب) حائل بيننا، وفي نسخة معتمدة يَنْضَجِعُ، قال ابن الأثير: انضجع مطاوع أضجعه نحو أزعجته فانزعج، وأطلقته فانطلق، وانفعل بابه الثلاثي، وإنما جاء في الرباعي قليلًا على إنابة أفعل مُنَابَ فَعَلَ. اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة ثالثًا بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال:

578 - (259) (105) (68) حدَّثنا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَن زَينَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ حدثَتْهُ؛ أَن أُمَّ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 578 - (259) (105) (68) (حدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) قال (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري صدوق من (9) قال (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري ثقة ثبت من (7) مات سنة (154) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي ثقة ثبت مدلس مرسل من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا أبو سلمة) عبد الله (ابن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني ثقة من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابا (أن زينب بنت أم سلمة) المخزومية الصحابية كان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وهي بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، روت عن أمها أم سلمة في الوضوء والطلاق والأحكام والأدب والطب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان في النكاح والطلاق والفتن، وعائشة في النكاح، وزينب بنت جحش في الطلاق، وحبيبة بنت عبيد الله بن جحش الأسدية وأمها أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب في الفتن، ويروي عنها (ع) وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير وحميد بن نافع وابنها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة ومحمد بن عمرو بن عطار وعِرَاكُ بن مالك وجماعة، لها في (خ) حديثان، ماتت سنة (73) ثلاث وسبعين، روى عنها في (9) أبواب (حدثته) أي حدثت أبا سلمة (أن) أمها (أم سلمة) بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مُرَّة، ويقال لأبي أمية: زاد الراكب، وكانت أول مهاجرة من النساء، واسمها هند زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة اثنتين من الهجرة بعد بدر وبنى بها في شوال وكانت قبله عند أبي سلمة، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي سلمة بن عبد الأسد وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروي عنها (ع) وزينب بنتها في الوضوء والزكاة وغيرهما وعبد الله بن رافع مولاها، وكريب في الصلاة والطلاق، وابن سفينة مولاها وقبيصة بن ذؤبب وعبيد بن عمير وعكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث في الصوم، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث في الصوم،

حَدثَتْهَا قَالتْ: بَينَمَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الْخَمِيلَةِ، إِذْ حِضْتُ، فَانسَلَلْتُ فَأَخَذتُ ثِيَابَ حَيضَتِي. فَقَال لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وسليمان بن يسار في الصوم، وحميد بن عبد الرحمن في النكاح، وضبَّة بن مِحْصَن في الجهاد، وسعيد بن المسيب في الضحايا، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في الأطعمة، وعبيد الله بن القبطية في الفتن، وخَيرَة أم سعيد والحسن وجماعة، عاشت بعد ما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم (60) ستين سنة، ماتت سنة اثنتين وستين (62) وزوجها أبو سلمة شهد أحدًا ورُمي بسهم فعاش مدة خمسة أشهر أو سبعة ومات، روى عنها في (10) أبواب (حَدَّثَتْهَا) أي حدثت زينب بنتها. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون وواحد يمامي (قالت) أم سلمة وكلمة "بينما" في قوله (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخَمِيلَة) تقدم بسط الكلام فيها في مواضع، والخميلة وكذا الخميل بحذف الهاء هي القطيفة قاله ابن دريد، وكل ثوب له خَمْلٌ من أي شيء كان، وقيل هي الأسود من الثياب، وقال الخليل: الخميلة ثوب له خمل أي هُدْبٌ، و"إذ" في قوله (إذ حضت) فجائية رابطة لجواب بينما، و"الفاء" في قوله (فانسللتُ) من الانسلال وهو الذهاب خفية عاطفة، وكذا في قوله (فأخذت ثياب حيضَتِي) عاطفة والحيضة، بفتح الحاء لا غير الدم وهو المراد هنا؛ والمعنى أخذت الثياب التي ألبسها في حال حيضتي فإن الحيضة بالفتح هو الحيض، قال في المفهم: وقيَّده بعض الناس بكسر الحاء يعني به الهيئة، والحالة كما تقول العرب: هو حسن القعدة والجلسة وكذا قاله الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم (إن حيضتك ليست في يدك) أن صوابه بكسر الحاء وعاب على المحدثين الفتح وعيبه معاب لأن الهيئة هنا غير مرادة وإنما هو الدم في الموضعين. اهـ منه. قال النواوي: ويحتمل انسلالها وذهابها خفية أنها خافت وصول شيء من الدم إليه صلى الله عليه وسلم، أو تقذرت نفسها ولم تر تربصها لمضاجعته صلى الله عليه وسلم، أو خافت أن يطلب الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة التي لا يمكن فيها الاستمتاع، والله أعلم. اهـ. ومعنى الكلام بين أوقات اضطجاعي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة فاجأني حيضتي فخرجت من تحت الخميلة خُفْيَة فأخذتُ ثيابي التي ألبسها في حال حيضتي وهي الثياب المعدة لزمن الحيض (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم

"أَنُفِسْتِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ في الْخَمِيلَةِ. قَالتْ: وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَغْتَسِلانِ، في الإِنَاءِ الْوَاحِدِ، مِنَ الْجَنَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنُفِسْتِ) بفتح همزة الاستفهام التقريري وضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما وسكون السين وكسر تاء المخاطبة، ولكن فتح النون أفصح وأشهر إذا أريد به الحيض كما هنا لأن المعنى أحِضْتِ، وضمها أفصح إذا أريد به معنى الولادة كقولهم نُفِست فلانة بضم النون بمعنى وَلدت، وأصل ذلك كله خروج الدم؛ والدم يسمى نَفْسًا. وفي المفهم: قوله (أنفست) قيدناه بضم النون وفتحها، قال الهروي وغيره: نفست المرأة بضم النون ونفست بفتحها إذا ولدت وإذا حاضت، قيل نفست بفتح النون لا غير فعلى هذا ضم النون هنا خطأ لأن المراد به هنا الحيض قطعًا لكن حكى أبو حاتم عن الأصمعي الوجهين في الحيض والولادة وذكر ذلك غير واحد فعلى هذا تصح الروايتان، وأصل ذلك كله خروج الدم وهو المسمى نفسًا كما قال السَّمَوْأَل: تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيسَتْ عَلَى غَيرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ أي دماؤنا قالت أم سلمة (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) نفست (فدعاني) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الفراش (فاضطجعت معه) صلى الله عليه وسلم (في الخميلة) أي في القطيفة التي هي فراشنا (قالت) أم سلمة أيضًا (وكانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان) أي يغترفان بأيديهما من الماء الذي (في الأناء الواحد) لاغتسالهما (من) حدث (الجنابة) الحدث الأكبر، وفي الحديث أن من سنة أهل الخير النوم مع الزوجة في الفراش الواحد خلاف سيرة المعجم، وفيه اغتسال المرأة والرجل من إناء واحد ولا خلاف فيه وإنما اختلف قول أحمد في فضلها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 294 و 300 و 318] والبخاري [298] والنسائي [1/ 149 - 150]. قال النواوي: ويستفاد من أحاديث الباب أحكام فقهية كثيرة منها: جواز النوم مع الحائض والاضطجاع معها في لحاف واحد إذا كان هناك حائل يمنع من ملاقاة البشرة فيما بين السرة والركبة أو يمنع الفرج وحده عند من لا يحرم إلا الفرج، قال العلماء: لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة وتحت الركبة، ولا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكره وضع يدها في شيء من المائعات، ولا يكره غسلها رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع، وسؤرها وعرقها طاهران وكل هذا متفق عليه، وقد نقل الإِمام أبو جعفر محمَّد بن جرير في كتابه في مذاهب العلماء إجماع المسلمين على هذا كله، ودلائله من السنة ظاهرة مشهورة، وأما قول الله سبحانه وتعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فالمراد به اعتزلوا وطأهن ولا تقربوا وطأهن. اهـ. وجملة ما ذكره في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني والثالث حديثًا ميمونة ذكرهما للاستشهاد، والرابع حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد رضي الله تعالى عنهن. ***

155 - (60) (42) باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وهو معتكف في المسجد وهي في بيتها وطهارة سؤرها

155 - (60) (42) باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وهو معتكف في المسجد وهي في بيتها وطهارة سؤرها 579 - (260) (106) (69) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ، إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 155 - (60) (42) باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وهو معتكف في المسجد وهي في بيتها وطهارة سؤرها 579 - (260) (106) (69) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا، (قال) يحيى (قرأت على مالك) أي أخبرني مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني إمام دار الهجرة ثقة ثبت حجة إمام فقيه من (7) مات سنة (179) روى عنه في (17) بابا (عن) محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) الزهريّ أبي بكر المدني ثقة متفق على جلالته وعلمه من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور من (2) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة سيدة نساء التابعين، روت عن عائشة في الوضوء والصلاة والحج والصوم والديات وغيرها، وأم حبيبة وأم سلمة وأختها وكانت أكبر منها، ويروي عنها (ع) وعروة بن الزبير من رواية مالك عن الزهريّ عنه، وخالفه الليث وقال: عن الزهريّ عن عروة، وعمرة عن عائشة، ويحيى بن سعيد الأنصاري في الصلاة، ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري في الصلاة، وأبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم وسعد بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وسليمان بن يسار وعبد ربه بن سعيد في الطب، وثقها ابن المديني، وقال ابن معين: ثقة حجة، وقال العجلي: مدنية تابعية ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة، روى عنها في (6) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله مدنيون إلا يحيى بن يحيى، وأن فيه رواية تابعي عن تابعي (قالت) عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف) أي إذا التبس بالاعتكاف؛ وهو اللبث في المسجد بنية العبادة (يُدني) ويقرب

إِليَّ رَأسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يدخلُ البَيتَ إِلا لِحَاجَةِ الإِنسَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويخرج (إلي) بطاقة المسجد (رأسه) وأنا حائض كما في الحديث الآخر وأنا في حجرتي (فأُرَجِّلُه) معطوف على يُدْنِي أي فأسرِّح شعر رأسه (وكان) صلى الله عليه وسلم إذا كان معتكفًا (لا يدخل البيت إلا لـ) قضاء (حاجة الإنسان) بولًا أو غائطًا، وفي حديث آخر (فأغسله) وفي آخر (فأرسله وأنا حائض) وهو بمعنى أرجله، قال القاضي: وجميعها يدل على أن جسد الحائض وثوبها وريقها طاهر ما لم تصبه نجاسة ونحوه لابن مسلمة، وفيه أن مس المرأة زوجها في الاعتكاف لغير لذة وترجيلها شعره ومناولتها الشيء له لا يضر اعتكافه، وأن إخراج المعتكف رأسه من المسجد وغسله شعره وقصه منه ومن ظفره لا يضر اعتكافه، وفيه أن مَن حلف لا يدخل بيتًا فأدخل رأسه لا يحنث لإخراج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، والمعتكف لا يجوز له الخروج إلا لحاجة الإنسان فإذا خرج لها لا يعود المريض ولا يشتغل بغير ما هو فيه، ويسأل عن المريض وهو مار، ويكلم الناس في طريقه عند خروجه لها ويسلم عليهم في مسيره إليها كل هذا لا يضره، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة. اهـ من الإكمال، ومنع مالك خروجه للجمعة، وقال: إن خرج فسد اعتكافه، وقال: لا يعتكف إلا في الجامع، واختلف قوله في خروجه لشراء ما يحتاج إليه من طعام وغيره، وأجاز بعض السلف خروجه للجمعة وعيادة المريض وحضوره الجنازة وكل ذلك يأتي في محله إن شاء الله تعالى. قال النواوي: وفي الحديث أن المعتكف إذا أخرج بعضه من المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه، ومن حلف أنه لا يدخل دارًا أو لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث، وفيه جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبر وغيرها برضاها؛ وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة، وأما بغير رضاها فلا يجوز لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في باب الصوم عن القعنبي، والنسائي في الاعتكاف عن محمَّد بن سلمة كلاهما عن مالك عن الزهريّ، وقال أبو داود: لم يتابع مالكًا أحد على قوله عروة عن عمرة. اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة فقال:

585 - (00) (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا محمد بْنُ رُمْحٍ. قَال: أَخْبَرَنَا الليثُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، أنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النبِي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: إِنْ كُنْتُ لأدخُلُ الْبَيتَ لِلْحَاجَةِ، وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلا وَأَنَا مَارَّةٌ. وَإِنْ كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ في الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ. وَكَانَ لا يدخلُ الْبَيتَ إِلا لِحَاجَةٍ، إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. وَقَال ابْنُ رُمْحِ: إِذَا كَانُوا مُعْتَكِفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 580 - (00) (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمَّد بن رمح) بن المهاجر المصري (قال أخبرنا الليث عن ابن شهاب) الزهريّ المدني (عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة ليث لمالك في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالزيادة وفي بعض الكلمات. (قالت) عائشة (إنْ كنتُ) إن مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إن الشأن والحال كنت أنا (لأدخل البيت) أي لأدخل بيتي في زمن اعتكافي (لـ) قضاء ا (لحاجة) بولًا أو غائطًا (والمريض) أي والحال أن المريض (فيه) أي في بيتنا (فما أسأل عنه) أي عن حال ذلك المريض هل هو طيب الحال أم لا (إلا و) الحال (أنا مَارَّةٌ) في طريقي لقضاء الحاجة ولا أُعَرِّجُ عن طريقي إليه لئلا يبطل اعتكافي (وإن كان) أي وانَّ الشأن والحال كان (رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُدْخِل عليّ) بالطاقة وأنا في بيتي (رأسَه وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (في المسجد فأرجله) أي فأسرح له شعر رأسه (وكان) صلى الله عليه وسلم في عادته إلا يدخل البيت إلا (لـ) قضاء (حاجة) الإنسان من بول أو غائط (إذا كان معتكفًا، وقال ابن رمح) في روايته (إذا كانوا معتكفين) بصيغة الجمع فالجمع للتعظيم أو المراد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في الاعتكاف من الأصحاب، وفي هامش بعض المتون قوله (إذا كانوا) يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه (معتكفين) أي في المسجد (فإنه - عليه السلام - قد كان أذن لبعضهن

581 - (00) (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سعيدٍ الأَيلِي. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ محمد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ نَوْفَل، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، أَيها قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ يُخْرِجُ إِلي رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ. وَهُوَ مُجَاورٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك) كما رواه البخاري وهو المناسب لما قبله من قولها إن كنت لأدخل البيت .. إلخ .. فإنه ينبيء عن اعتكافها أيضًا كما قدمنا، والمعتكف لا يشتغل بغير ما هو فيه. اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 581 - (00) (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من (10) مات سنة (253) روى عن ابن وهب في الإيمان والوضوء وغيرهما، قال أبو حاتم: شيخ وقال: لا بأس به، وقال في موضع آخر: ثقة، وقال ابن يونس: ثقة، وكان قد ضَعُفَ ولزم بيته، وقال أبو عمر الكندي: كان فقيهًا من أصحاب ابن وهب. اهـ من هامش الأصبهاني. قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمَّد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا، قال (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري ثقة فقيه من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن محمَّد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن الأسود الأسدي أبي الأسود المدني يتيم عروة ثقة من السادسة مات سنة (133) روى عنه في (6) أبواب (عن عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة أحد الفقهاء السبعة من (2) مات سنة (94) مولده في أوائل خلافة عمر الفاروق، روى عنه في (20) بابا (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمَّد بن عبد الرحمن لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزبير، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. (أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخْرِج إليّ) وأنا في البيت (رأسه من المسجد) بطاقته (وهو) صلى الله عليه وسلم (مجاور) أي معتكف كما في رواية

فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. 582 - (00) (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ عَنْ هِشامٍ. أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَيها قَالتْ: كَانِ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَأَنَا في حُجْرَتِي. فَأُرَجِّلُ رَأْسَهُ وَأنَا حَائِضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى (فأغسله) أي فأغسل شعر رأسه (وأنا حائض) أي مُلْتَبِسَةٌ بالحيض، وعند الصدفي (وأنا حائضة) بالتاء، والوجهان صحيحان كريح عاصف وعاصفة، فوجه التاء جريانه على حاضت فعل مؤنث، والصحيح في توجيه إثباتها أنه على النسب أي ذات حيض كمرضع وطالق، وقيل: لأنه من الصفات غير المشتركة فاستغنى فيه من علامة التأنيث. اهـ إكمال المعلم. وشارك المؤلف في رواية هذه الرواية أحمد [6/ 181] والبخاري [295] وأبو داود [2467] والترمذي [804] والنسائي [1/ 193]. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 582 - (00) (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) قال (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حُدَيج بضم المهملة الأولى مصغرًا آخره جيم بن الرجيل مصغرًا بن زهير بن خيثمة الجعفي الكوفي، قال أبو زرعة: ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط، وقال في التقريب: ثقة ثبت من (7) مات سنة (173) وكان مولده سنة (100) روى عنه في (10) أبواب (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي أبي المنذر المدني ثقة فقيه ربما دلس من (5) مات سنة (145) روى عنه في (16) بابا، قال (أخبرنا) أبي (عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة هشام لابن شهاب ومحمد بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن عروة (أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدْنِي) ويقرب ويخرج من المسجد (إلي رأسه و) الحال (أنا في حجرتي) أي في بيتي (فاُرَجِّل) أي فأسرح شعر (رأسه وأنا حائض). ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا فقال:

583 - (00) (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَالشَةَ؛ قَالتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ وَأَنَا حَائِضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 583 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم نسبة إلى جُعْف بضم الجيم وسكون العين ابن سعد العُشَيرَة أبو محمَّد الكوفي ثقة من (9) مات سنة (203) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة ثبت من (7) مات سنة (160) روى عنه في (10) وليس في مسلم زائدة إلا هذا الثقة (عن منصور) بن المعتمر السلمي أبي عتَاب الكوفي ثقة ثبت لا يدلس من (5) مات سنة (132) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه يرسل كثيرًا ثقة من (3) مات سنة (96) روى عنه في (11) بابا (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمرو الكوفي ثقة مخضرم فقيه مكثر من (2) مات سنة (75) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأسود لعروة في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (كنت أغسل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي شعر رأسه وهو معتكف في المسجد (وأنا حائض) في حجرتي كما في روايةٍ أخرى. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه أربع متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

156 - (61) (43) باب في الحائض تناول الخمرة من البيت لزوجها المعتكف في المسجد

156 - (61) (43) باب في الحائض تُناول الخمرة من البيت لزوجها المعتكف في المسجد 584 - (261) (107) (70) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ)، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 156 - (61) (43) باب في الحائض تُناول الخمرة من البيت لزوجها المعتكف في المسجد وتَناوَل بفتح التاء من التفاعل بحذف إحدى التاءين، أصله تتناول أي تأخذ الخمرة من البيت وتعطيها لزوجها المعتكف في المسجد وهي خارجة عن المسجد أو بضمها من المفاعلة أي تعطي الخمرة آخذة بمد يدها من المسجد وهي خارجة عنه لزوجها المعتكف في المسجد، والخمرة بضم الخاء وسكون الميم حصير صغير من خوص النخل. اهـ من البذل بتصرف. 584 - (261) (107) (70) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو غريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفي، وأتى بقوله (قال يحيى أخبرنا وقال الآخران) أبو بكر وأبو غريب (حدثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير التميمي الكوفي لبيان اختلاف كيفية سماع مشايخه تورعًا من الكذب على بعضهم لو اقتصر على صيغة واحدة (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن تابت بن عبيد) الأنصاري الكوفي، روى عن القاسم بن محمَّد في الوضوء، والبراء في الصلاة والذبائح، وابن عمر وعن مولاه زيد بن ثابت، ويروي عنه (م عم) والأعمش وابن أبي غَنِيةَ ومسعر والثوري، وثقه أحمد وابن معين وابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن القاسم بن محمَّد) بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمَّد المدني، وأمه أم ولد، من سادات التابعين واحد الفقهاء السبعة، وهو أفضل أهل زمانه علمًا وأدبًا وعقلًا وفهمًا، روى عن عائشة في الوضوء والصلاة والزكاة والحج وغيرها، وصالح بن خوات في الصلاة، وعبد الله بن عمر في الصلاة، وابن عباس في اللعان، وأبي هريرة وطائفة، ويروي عنه (ع) وثابت بن عبيد وحنظلة بن أبي سفيان وأفلح بن حميد وابنه عبد الرحمن وعبيد الله بن عمر وسعد بن

عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "نَاولِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ" قَالتْ: فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَال: "إِن حَيضَتَكِ لَيسَتْ في يَدِكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد وابن أبي مليكة وابن عون وأيوب وأبو الزناد والزهري ونافع وعبيد الله بن مقسم وخلائق، قال ابن المديني: له مائتا حديث، وقال ابن سعد: كان ثقة عالمًا فقيهًا إمامًا كثير الحديث، وقال أبو الزناد: ما رأيت أحدًا أعلم بالسنة من القاسم، وقال مالك: القاسم من فقهاء الأمة، وقال في التقريب: ثقة من كبار الثالثة مات بقديد سنة (106) ست ومائة على الصحيح (عن عائشة) أم المؤمنين. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وأربعة كوفيون أو نيسابوري وثلاثة من الكوفيين، ومن لطائفه أن فيه ثلاثةً من التابعين روى بعضهم عن بعض: الأعمش عن تابت عن القاسم (قالت) عائشة (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأنا في حجرتي (ناوليني) أي أعطيني (الخمرة) أي السجادة (من) البيت وهو معتكف في (المسجد قالت) عائشة (فقلت) له: كيف أناولها لك؟ بإدخال يدي في المسجد فإنه لا يحل لي (إني حائض، فقال) لي (إن حيضتك ليست في يدك) فيدك طاهرة فلا يخاف من إدخالها في المسجد تنجيس المسجد، قال الأبي: قوله من المسجد متعلق بقال أي قال لي من المسجد: ناوليني الخمرة من البيت، وفي البذل قوله (من المسجد) حال من النبي صلى الله عليه وسلم أي قال لي ذلك حال كونه صلى الله عليه وسلم في المسجد، فتكون الخمرة في الحجرة والشعبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ويؤيد هذا المعنى رواية النسائي عن أبي هريرة بلفظ (بينما النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: يا عائشة ناوليني الثوب) الحديث، لكن الحديث بلفظ الثوب، وقيل: حال من الخمرة أي حالة كون الخمرة في المسجد، فيكون الأمر على العكس وهو الظاهر، وأنكر القاضي عياض هذا الثاني كما نقل عنه النواوي (قالت: فقلت) أي معتذرةً (إني حائض) لعلها فهمت باجتهادها أن الحائض كما لا تَدْخُل المسجد لا يجوز لها أن تُدْخِل يدها في المسجد (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك) قال النواوي: هو بفتح الحاء هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح، وفي الحديث من الفقه أن للحائض أن تتناول الشيء بيدها من المسجد، وفي المفهم: قال الشيخ: ويحتمل أن يريد بالمسجد هنا مسجد بيته الذي كان يتنفل فيه اهـ. وهذا المعنى هو الظاهر من الرواية الآتية فالجار والمجرور متعلق بناوليني فعلى هذا فالمعنى واضح.

585 - (00) (00) (00) حدثنا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ وَابْنِ أبِي غَنِيَّةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائشَةَ؛ قَالتْ: أَمَرَنِي رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ أَنْ أُناولَهُ الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَقُلْتُ: إِني حَائضٌ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 101 و 106 و 173] وأبو داود [261] والترمذي [134] والنسائي [1/ 192] ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 585 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا) يحيى بن زكريا (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي مولاهم مولى لامرأة من وادعة أبو سعيد الكوفي ثقة من (9) مات سنة (184) روى عنه في (12) بابا (عن حجاج) بن أرطاة بفتح الهمزة ابن ثور بن هُبَيرة مصغرًا النخعي أبي أرطاة الكوفي، روى عن ثابت بن عبيد في الوضوء والشعبي وعطاء وعكرمة ويروي عنه (م عم) وابن أبي زائدة ومنصور بن المعتمر شيخه وشعبة وعبد الرزاق وخلق، روى عنه (م) مقرونًا بعبد الملك بن أبي غنية، وقال أبو حاتم: ثقة من الثقات، وقال في التقريب: صدوق كثير الخطإ والتدليس، من السابعة مات سنة (145) خمس أو سبع وأربعين ومائة، روى عنه في (1) باب واحد (و) عبد الملك بن حميد (بن أبي غَنِيَّة) بفتح المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية الخزاعي الكوفي، أصله من أصبهان، روى عن ثابت بن عبيد في الوضوء، والحكم بن عتيبة وأبيه، ويروي عنه (ع) وابن أبي زائدة وأبو نعيم والسفيانان وابنه يحيى وجمع وثقه ابن معين، له فيها ثلاثة أحاديث، وقال في التقريب: ثقة من السابعة، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند (عن ثابت بن عبيد) الأنصاري الكوفي (عن القاسم بن محمَّد) التيمي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مدنيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة حجاج بن أرْطَاة وابن أبي غنية للأعمش في رواية هذا الحديث عن ثابت بن عبيد، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قالت) عائشة (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناوله) وأعطيه (الخمرة) آخذةً إياها (من) البيت وهو معتكف في (المسجد) قال القرطبي: الخمرة حصير ينسج من الخُوْص يسجد عليه سمي بذلك لأنه يخمر الوجه أي يستره ويقيه من الأرض وهو أصل هذا الحرف (فقلت) له معتذرة (إني حائض فقال) لي

"تَنَاوَليهَا، فَإِن الحَيضَةَ لَيسَتْ في يَدِكِ". 586 - (262) (108) (71) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كَامِلٍ ومحمدُ بْنُ حَاتِمٍ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: بَينَمَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ في الْمَسْجِدِ. فَقَال: "يَا عَائِشَةُ، نَاولينِي الثوْبَ" فَقَالتْ: إِني حَائِضٌ. فَقَال: "إِن حَيضَتَكِ لَيسَتْ في يَدِكِ" فَنَاوَلَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (تناوليها) أي خذيها وأعطينيها (فإن الحيضة) المانعة من دخول المسجد (ليست في يدك) فإنها طاهرة غير نجسة فلا يُمنع إدخالها المسجد. ثم استشهد المؤلف بحديث أبي هريرة لحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 586 - (262) (108) (71) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (وأبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة البصري الجحدري ثقة من (10) مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المروزي صدوق من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي أبي سعيد القطان البصري ثقة متقن إمام قدوة من (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا، وأتى بقوله (قال زهير حدثنا يحيى) تورعًا من الكذب عليه (عن يزيد بن كيسان) اليشكري أبي إسماعيل الكوفي صدوق يخطئ من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي ثقة من (3) مات على رأس المائة (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان أو بصري ونسائي أو بصري ومروزي وواحد مدني (قال) أبو هريرة (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال يا عائشة) أي بين أوقات كون رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فاجأ بقوله يا عائشة (ناوليني الثوب) أي أعطيني الثوب من البيت إلى المسجد، والفاء في قوله (فقال يا عائشة) نائبة عن إذا الفجائية رابطة لجواب بينما (فقالت) له عائشة معتذرة (إني حائض) لا يحل لي أن أدخل المسجد جزءًا من جسدي (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمًا لها لمَّا جَهِلت من جواز إدخال الحائض يدها في المسجد (إن حيضتك) أي دمها في عورتك فـ (ليست في يدك) فيدك طاهرة ليست نجسة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فناولته) أي فناولت عائشة الثوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخذت الثوب من البيت وأعطته وهو في المسجد. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي في الطهارة [1/ 227]. اهـ من التحفة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

157 - (62) (44) باب جواز مشاربة الحائض ومؤاكلتها ومساكنتها والاتكاء عليها في حال قراءة القرآن

157 - (62) (44) باب جواز مشاربة الحائض ومؤاكلتها ومساكنتها والاتكاء عليها في حال قراءة القرآن 587 - (263) (109) (72) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وكيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمّ أُناولُهُ النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ. فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 157 - (62) (44) باب جواز مشاربة الحائض ومؤاكلتها ومساكنتها والاتكاء عليها في حال قراءة القرآن 587 - (263) (109) (72) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي (عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي ثقة من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (وسفيان) بن سعيد الثوري أبي عبد الله الكوفي ثقة ربما دلس من (7) مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن المقدام بن شريح) بن هانئ الحارثي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد المذحجي الحارثي أبي المقدام الكوفي، كان من كبار أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثقة مخضرم معمر عابد قتل بسجستان سنة (87) وله (100) سنة، روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة وزهير بن حرب (قالت) عائشة (كنت أشرب) الشراب من الكأس (وأنا حائض ثم أناوله) أي أعطي ما بقي في الكأس من الشراب (النبي صلى الله عليه وسلم) ليشرب منه (فيضع) صلى الله عليه وسلم عند شربه (فاه) أي فيه الشريف (على موضع فيّ) بإدغام ياء الإعراب في ياء المتكلمة أي على موضع فمي من الكأس (فيشرب) من ذلك الشراب؛ فدل هذا الحديث على جواز المشاربة مع الحائض، والمعنى أُعطيه صلى الله عليه وسلم الإناء الذي شربتُ فيه فيضع فيه على موضع فمي من الإناء فيشرب منه، وهذا من غاية مخالفته لليهود بغضًا لهم، ومن نهاية موافقته لعائشة حبًّا لها (و) كنت (أتعرق) بفتح الهمزة من باب تفعل الخماسي والهمزة للمضارعة (العَرْق) بفتح العين وسكون الراء يجمع على عُرَاق بضم العين على وزن غراب، قال الهروي: وهو جمع نادر، وهو عظم

وَأنَا حَائِضٌ. ثُمَّ أُنَاولُهُ النبي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيرٌ: فَيَشْرَبُ. 588 - (264) (110) (73) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْمَكِّي، عَنْ مَنْصُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذ منه معظم اللحم وبقيت عليه بقية منه أي وكنت آكل اللحم بأسناني من العظم الذي عليه بقية اللحم (وأنا) أي والحال أني (حائض ثم أناوله) أي أعطي ذلك العرق (النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه) أي فيه (على موضع فيّ) أي على موضع فمي من ذلك العرق، وفي هذا دلالة على جواز مؤاكلة الحائض ضد ما عليه اليهود من مجانبة الحائض (ولم يذكر زهير) بن حرب في روايته لفظة (فيشرب) وهي مما تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة، قال القرطبي: وهذه الأحاديث متفقة الدلالة أن الحائض لا ينجس منها شيء ولا يجتنب منها إلا موضع الأذى فحسب، والله تعالى أعلم اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 210] وأبو داود [259] والنسائي [1/ 148]. ثم استدل المؤلف على بعض أجزاء الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 588 - (264) (110) (73) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري ثقة من (10) قال (أخبرنا داود بن عبد الرحمن) العطار أبو سليمان (المكي) روى عن منصور بن صفية في الوضوء والزهد، وعمرو بن دينار في النكاح، وابن جريج والقاسم بن أبي بَزَّةَ، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى وابن وهب، قال أبو داود: ثقة، وقال العجلي: مكي ثقة، ووثقه البزار، وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة مات سنة (175) خمس وسبعين ومائة، له في (خ) فرد حديث (عن منصور) بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث القرشي العبدري الحجبي المكي، وهو ابن صفية بنت شيبة، روى عن أمه صفية بنت شيبة في الوضوء والصلاة والزهد، وسعيد بن جبير ومحمد بن عباد بن جعفر وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س ق) وداود بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة ووهيب وابن جريج والثوري وغيرهم، قال النسائي: ثقة وأثنى عليه أحمد وسفيان بن عيينة، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات سنة

عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَتَّكِئُ في حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (138) سبع أو ثمان وثلاثين ومائة، روى عنه في (3) أبواب (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روت عن عائشة في الوضوء والحج واللباس والفضائل، وأسماء بنت أبي بكر في الصلاة والحج واللباس، ويروي عنها (ع) وابنها منصور وابن أخيها عبد الحميد بن جبير بن شيبة ومصعب بن شيبة والحسن بن مسلم بن يناق وغيرهم (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد نيسابوري (أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ) ويستند من الاتكاء وهو الاستناد على شيء (في حِجري) بتثليث الحاء أي على حضني ومقدم بدني، هكذا صوابه عند الرواة كلهم هنا، وفي البخاري ووقع للعذري في حجرتي بضم الحاء وبالتاء المثناة من فوق وهو وهم (وأنا) أي والحال أنا (حائض) وفيه دلالة على طهارة جسد الحائض (فيقرأ القرآن) وفيه جواز قراءة القرآن بالقرب من محل النجاسة. وفي المفهم: وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على جواز قراءة الحائض للقرآن وحملها المصحف وفيه بُعْدٌ، لكن جواز قراءة الحائض للقرآن عن ظهر قلب أو نظر في المصحف ولا تمسه؛ هي إحدى الروايتين عن مالك وهي أحسنها تمسكًا بعموم الأوامر بالقراءة وبأصل ندبية مشروعيتها, ولا يصح ما يذكر في منعها القراءة من نهيه صلى الله عليه وسلم الحائض عن قراءة القرآن، وقياسها على الجنب ليس بصحيح فإن أمرها يطول وليست متمكنة من رفع حدثها فافترقا، ويؤخذ من قراءته صلى الله عليه وسلم القرآن في حجر الحائض جواز استناد المريض إلى الحائض في صلاته إذا كانت أثوابها طاهرة وهو أحد القولين عندنا، وصحيح الرواية (وأنا حائض) بغير هاء، ووقع عند الصدفي (حائضة) والأول أفصح وهذه جائزة أيضًا لأنها جارية، كما قال الأعشى: أَيَا جَارَتَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَةْ ... وَمَوْمُوقَةٌ مَا دُمْتِ فِينَا وَوَامِقَهْ وكما قال تعالى {وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] وللنحاة في الأول وجهان أحدهما: أن حائضٌ وطالقٌ ومرضعٌ مما لا شِرْكة فيه للمذكر فاستغنى عن العلامة، والثاني: وهو الصحيح أن ذلك عن طريق النسب أي ذات حيض ورضاع وطلاق كما قال

589 - (265) (111) (74) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن الْيَهُودَ كَانُوا، إِذَا حَاضتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ، لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ في الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. فَأَنْزَلَ الله تَعَالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18] أي ذات انفطار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 117 و 135] والبخاري [297] وأبو داود [260] والنسائي [1/ 191]. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال: 589 - (265) (111) (74) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) الأزدي البصري (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي (أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها) أي لم يشاركوها بالأكل معها ولم يشاربوها (ولم يجامعوهن في البيوت) أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد؛ أي لم يشاركوها في الأكل والشرب والمساكنة في البيت، وإنما جمع الضمير هنا مع إفراده أولًا لأن المراد بالمرأة الجنس فعبر أولًا بالمفرد نظرًا للفظها ثم بالجمع نظرًا إلى معناها على طريق التفنن. اهـ مرقاة. وفي رواية أبي داود (إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها) في البيت أي لم يشاركوها في الأكل والشرب والمساكنة في البيت (فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أبي داود زيادة (عن ذلك) أي عن المؤاكلة والمشاربة والمجامعة معها في البيت، قال الأبي: وإنما سألوه لأنهم توهموا أن شرع من قبلهم شرع لهم فسألوه هل يفعلون ذلك؟ وأول من سأله ثابت بن الدحداح كذا في كتاب النكاح، وقيل أسيد بن حُضير وعباد بن بشر وهو قول الأكثرين. اهـ ابن رسلان، قلت: وظاهر الحديث أن مجيئهما بعد نزول الآية. اهـ من هامش البذل (فأنزل الله) سبحانه و (تعالى) قوله) ({وَيَسْأَلُونَكَ}) أي ويسألك الناس يا محمَّد) ({عَنِ}) وطء ذات ({الْمَحِيضِ}) أي الحيض ومؤاكلتها ومشاربتها ومساكنتها، والمَحِيضُ مَفْعَلٌ من الحيض

قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ: "اصْنَعُوا كُل شَيءٍ إِلا النكَاحَ" فَبَلَغَ ذلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيئًا إِلا خَالفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالا: يَا رَسُولَ الله، إِن الْيَهُودَ، تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَلا نُجَامِعُهُن؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلح من حيث اللغة للمصدر والزمان والمكان، وأكثر المفسرين من الأدباء زعموا أن المراد به المصدر ويقال: فيه اسم مصدر والمعنى واحد، وقال ابن عباس: المحيض موضع الدم وبه قال محمَّد بن الحسن فعلى هذا يكون المراد منه المكان، ورُجِّحَ كونه مكان الدم بقوله {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فإذا حُمل على موضع الحيض كان المعنى فاعتزلوا النساء في موضع الحيض قالوا واستعماله في الموضع أكثر وأشهر منه في المصدر ({قُلْ}) لهم يا محمَّد ({هُوَ}) أي الدم أو مكان الحيض ({أَذًى}) أي قدّر، وحمل الأذى على هذا يكون بتقدير المضاف أي ذو أذًى، والأذى: ما يؤدي أي شيء يُسْتَقْذَر ويؤذي من يقربه نُفْرَة منه وكراهة له ({فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ}) أي اعتزلوا وطء النساء وابتعدوا عنه ({فِي الْمَحِيضِ}) أي في زمان الحيض أو مكانه أو في الدم (إلى آخر الآية) [البقرة: 222] (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا) معهن وافعلوا (كل شيء) من المؤاكلة والمشاربة والمساكنة (إلا النكاح) أي الجماع في القبل (فبلغ) أي وصل (ذلك) الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه من الترخيص في ذلك (اليهود فقالوا) أي اليهود (ما يريد هذا الرجل) ويقصد يعنون به النبي صلى الله عليه وسلم وعبروا به لإنكارهم نبوته (أن يدع) أي يترك (من أمرنا) أي من أمور ديننا (شيئًا إلا خالفنا) بفتح الفاء لاتصاله بضمير المفعول (فيه) أي في ذلك الشيء يعني لا يترك أمرًا من أمورنا إلا مقرونًا بالمخالفة، كقوله تعالى {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلا أَحْصَاهَا} (فجاء أسَيد) بضم الهمزة مصغرًا (بن حضير) مصغرًا بن سماك بن عَتِيك -بالفتح- الأنصاري الأشهلي يكنى أبا يحيى، وكان أسيد من السابقين إلى الإِسلام، وهو أحد النقباء ليلة العقبة (وعباد) بفتح العين وتشديد الموحدة (بن بشر) بن وقش -بفتح الواو وسكون القاف وبمعجمة- الأنصاري الأشهلي أسلم بالمدينة على يدي مصعب بن عمير أي جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقالا يا رسول الله أن اليهود تقول كذا وكذا) اسم مبهم جُعِلَ كنايةً عن قول اليهود المذكور آنفًا (فلا نجامعهن) أي أفلا نطأهن في المحيض، كما في

فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيهِمَا، فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، فَأَرْسَلَ في آثَارِهِمَا. فَسَقَاهُمَا. فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية أبي داود ليكمل مخالفتنا إياهم، وفي بعض النسخ أفلا نجامعهن بإظهار همزة الاستفهام (فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) من البياض إلى الحمرة، كما هو عادته عند الغضب وإنما تغير لأنهم قالوا ذلك بعد نزول الآية وبعد تبيين النبي صلى الله عليه وسلم لأن قولهم مخالف للأمر المنصوص عليه من الله تعالى (حتى ظننا أن قد وجد) وغضب (عليهما) أي على أسيد وعباد، وأن مخففة من الثقيلة أي أنه قد وجد عليهما، والحال أنه لم يغضب عليهما لما سيأتي قريبًا، وهذا الظن على معناه الأصلي (فخرجا) من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفًا من زيادة الغضب (فاسقبلهما) وفي رواية أبي داود فاستقبلتهما بتاء التأنيث أي استقبل الرجلين شخص معه (هدية من لبن) يهديها (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل) أي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (في آثارهما) وفي بعض النسخ أثرهما، أي في ورائهما وعقبهما أحدًا من الحاضرين فناداهما فجاءآه (فسقاهما) من اللبن تلطفًا بهما (فعرفا) أي علم الرجلان، وفي رواية أبي داود (فظنَّا) (أن لم يجد) ولم يغضب (عليهما) وفي رواية أبي داود (أنه لم يجد) أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يغضب عليهما لأنهما ما تكلما من الكلام إلا بحسن نيتهما فكانا في ذلك معذورين. قال القرطبي: وتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أُسيد بن الحُضَير وعباد بن بشر، إنما كان ليبين أن الحامل على مشروعية الأحكام إنما هو أمر الله ونهيه لا مخالفة أحد ولا موافقته كما ظنا، ثم لما خرجا من عنده وتركاه على تلك الحالة خاف عليهما أن يحزنا وأن يتكدر حالهما فاستدرك ذلك واستمالهما وأزال عنهما ما أصابهما؛ بأن أرسل إليهما فسقاهما اللبن رأفة ورحمة منه لهما على مقتضى خلقه الكريم، كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 246] وأبو داود [2165] والترمذي [2981] والنسائي [1/ 152]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول والثاني منها لعائشة ذكرهما للاستدلال بهما على أجزاء الترجمة، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد لهما، والله سبحانه وتعالى أعلم.

158 - (63) (45) باب الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

158 - (63) (45) باب الوضوء من المذي وغسل الذكر منه 595 - (266) (112) (75) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا وكيع وَأَبُو مُعَاويَةَ وَهُشَيمٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلَى، ويكْنَى أبا يَعْلَى عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 158 - (63) (45) باب الوضوء من المذي وغسل الذكر منه وفي المذي لغات: مَذْيٌ بفتح الميم وسكون الذال وتخفيف الياء، ومَذِيٌّ بفتح الميم وكسر الذال وتشديد الياء، ومَذِيٌ بفتح الميم وكسر الذال وتخفيف الياء، فالأُوليان مشهورتان أولاهما أفصحهما وأشهرهما، والثالثة حكاها أبو عمر الزاهد عن ابن الأعرابي، ويقال في فعله مَذَى من باب رَمَى، وأمذى بهمزة القطع ومَذَّى بتضعيف العين، والمذي: هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوة ضعيفة لا بشهوة قوية ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحيى بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة، وهو في النساء أكثر منه في الرجال. 590 - (266) (112) (75) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) قال (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (وأبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (وهشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن منذر بن يعلى) الثوري أبي يعلى الكوفي، روى عن ابن الحنفية في الوضوء وسعيد بن جبير وعاصم بن ضمرة والربيع بن خُثَيم وغيرهم، ويروي عنه (ع) والأعمش وجامع بن أبي راشد وفطر بن خليفة وسعيد بن مسروق الثوري وطائفة، وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة من السادسة، وأتى بقوله (ويكنى أبا يعلى) إيضاحًا له (عن ابن الحنفية) محمَّد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي القاسم أو أبي عبد الله المدني الإِمام المعروف بابن الحنفية نسب إلى أمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدُّؤَل بن حنفية الحنفية أي منسوبة إلى حنيفة، وكانت من سبي اليمامة، وروى عن أبيه علي بن أبي طالب في الوضوء والنكاح، وعثمان وعمار، ويروي عنه (ع) ومنذر بن يعلى الثوري وبنوه عبد الله والحسن وإبراهيم وعمرو بن دينار وخلق، ثقة عالم من الثانية مات برُضْوَى جبل بالمدينة سنة (80) ثمانين، ودفن بالبقيع، روى عنه في (2)

عَنْ عَلِيٍّ؛ قَال: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وَكُنْتُ أَسْتَحيي أَنْ أَسْأَلَ النَّبيَّ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، فَسَأَلَهُ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بابين (عن) أبيه (علي) بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه وختنه وأبي سِبْطَيهِ الحسن والحسين قتل في رمضان بالكوفة سنة أربعين (40) أبي الحسن المدني، روى عنه في (7) (قال) علي بن أبي طالب (كنت) أنا (رجلًا مَذَّاءً) صيغة مبالغة على زنة شداد أي كثير المذي كما جاء عنه في كتاب أبي داود (قال كنت ألقى من المذي شدة فكنت أغتسل منه حتى تشقق ظهري). والمذي ماء أبيض رقيق يخرج عند الملاعبة والتَّذكار، أكثر خروجه من العزب وهو نجس باتفاق العلماء إلا ما يحكى عن أحمد بن حنبل من أنه طاهر كالمني عنده وهو خلاف شاذ، وقد تقدم القول في نجاسة المني، ويقال فيه مَذْيٌ بسكون الذال وتخفيف الياء، ومذِيٌّ بكسر الذال وتشديد الياء، ويقال في فعله مَذَى وأمْذَى لغتان كما مر قريبًا. أي كنت رجلًا كثير المذي وكنت أغتسل منه اجتهادًا وقياسًا على خروج المني حتى حصل لي شقوق الجسم والظهر من شدة ألم البرد (وكنت أستحيي) مضارع استحيا من باب استفعل أي أخاف حياءً من (أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم) عن حكمه (لمكان ابنته) عندي أي لكون ابنته فاطمة تحتي رضي الله تعالى عنها؛ أي استحييتُ عن سؤال هذه المسألة، وإن كان السؤال جائزًا أيضًا فإن الله لا يستحيي من الحق (فأمرت المقداد) بن عمرو بن ثعلبة الكندي أبا عمرو المدني، وقيل له (ابن الأسود) ونُسِب إليه لأنه كان في حجره وكان قد تبناه، وقيل حالفه، وكان أبوه حليفًا لبني كِندة فنسب إليه، وكان هو حليفًا للأسود بن عبد يغوث الزهريّ فتبناه الأسود فنسب إليه، صحابي مشهور أسلم قديمًا وشهد بدرًا والمشاهد كلها، روى عنه (ع) وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم، مات سنة (33) وهو ابن (70) سنة بالجُرَف على ثلاثة أميال من المدينة فحُمِل إلى المدينة ودفن بها، أي طلبت من المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم خروج المذي هل يوجب الغسل أو الوضوء (فسأله) أي فسأل المقداد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي (فقال) رسول الله صلى الله عليه

"يَغْسِلُ ذَكَرَهُ. وَيتوَضأُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم في جواب سؤاله: إذا أمذى أحدكم (يغسل ذكره) وثوبه منه إذا أصابه لأنه نجس (ويتوضأ) لأنه خارج من أحد السبيلين كالبول فينقض الوضوء، قال تقي الدين: الرواية فيه بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر وهو جائز لاشتراكهما في إثبات الشيء، ويصح فيه الجزم على تقدير الجازم وهو لام الأمر على ضعف وبعضهم منعه إلا لضرورة. اهـ أبي، قال القرطبي: ظاهر هذا أنه يغسل جميع ذكره لأن الاسم للجملة وهو رأي المغاربة من أصحابنا، وهل ذلك للعبادة فيفتقر إلى نية، أو لقطع أصل المذي فلا يحتاج؟ قولان لأبي العباس الإبيَاني وأبي محمَّد بن أبي زيد، وذهب بعض العراقيين من أصحابنا إلى أنه يغسل موضع النجاسة فقط، ولم يختلف العلماء أن المذي إذا خرج على الوجه المعتاد أنه ينقض الوضوء. اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 79] والبخاري [269] وأبو داود [206 - 209] والترمذي [114] والنسائي [1/ 96 - 97]. وسند هذا الحديث أعني حديث المقداد بن الأسود من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وأربعة كوفيون أو ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي، وفي المفهم: قوله (وأمرت المقداد بن الأسود) هذا يدل بظاهره على أنه لم يحضر مجلس السؤال، ويتوجه على هذا إشكال وهو أن يقال كيف اكتفى بخبر الواحد المفيد لغلبة الظن مع تمكنه من الوصول إلى اليقين بالمشافهة ويلزم منه جواز الاجتهاد مع القدرة على النص. والجواب أن تقول: يحتمل أن يكون مع أمره بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرساله حضر مجلس السؤال والجواب ولو سلمنا عدم ذلك قلنا إن العمل بخبر الواحد جائز مع إمكان الوصول إلى اليقين إذا كان في الوصول إلى اليقين كلفة ومشقة، فإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يتناوبون حضور مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لسماع ما يطرأ فيه ويحدث من حضر لمن غاب، والشعبي صلى الله عليه وسلم كان يوجه ولاته وأمراءه ليعلموا الناس العلم آحادًا مع تمكنه من إرسال عدد التواتر أو أمره أن يرتحل إليه عدد التواتر ليسمعوا منه ولم يفعل ذلك إسقاطًا للمشقة ومجانبةً للتعنيت والكلفة ولذلك قال تعالى {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] والطائفة لا يحصل العلم بخبرهم إذ الفرقة أقلها ثلاثة، والطائفة منهم واحد أو اثنان ولا يلزم على

591 - (00) (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أخْبَرَنِي سُلَيمَانُ قَال: سَمِعْتُ مُنْذِرًا، عَنْ محمد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّهُ قَال: اسْتَحْيَيتُ أَنْ أَسأَل النبي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ عَنِ الْمَذْيِ مِنْ أَجْلِ فَاطِمَةَ. فَأمَرْتُ الْمِقْدَادَ فَسَألهُ. فَقَال: "مِنْهُ الْوُضُوءُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك تجويز الاجتهاد مع وجود النص لأنهم رضي الله عنهم لم يجتهدوا إلا حيث فقدوا النصوص القاطعة والمظنونة، وذلك لأن الظن الحاصل من نصوص أخبار الآحاد أقوى من الظن الحاصل عن الاجتهاد، وبيان ذلك أن الوهم إنما يتطرق إلى أخبار الآحاد من جهة الطريق وهي جهة واحدة ويتطرق إلى الاجتهاد من جهات متعددة فانفصلا، والله أعلم. اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث المقداد رضي الله عنه فقال: 591 - (00) (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (5) أبواب، قال (حدثنا خالد) بن الحارث بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (186) وولد له (16) ابنًا، روى عنه في (12) بابًا تقريبًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن الحارث) إشارة إلى أنه من زيادته (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري ثقة إمام من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا، قال (أخبرني سليمان) بن مهران الأعمش الكاهلي أبو محمَّد الكوفي (قال) سليمان الأعمش (سمعت منذرًا) ابن يعلى الثوري الكوفي (عن محمَّد بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبي القاسم المدني المعروف بابن الحنفية (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (أنه) أي أن عليًّا (قال) كنت رجلًا مذاءً فـ (استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن) حكم (المذي) هل هو موجب للغسل كالمني أو الوضوء كالبول؟ وهل هو نجس كالبول أو طاهر كالمني؟ (من أجل) كون (فاطمة) بنته صلى الله عليه وسلم تحتي (فأمرت المقداد) بن الأسود بسؤاله صلى الله عليه وسلم عن حكم المذي (فسأله) صلى الله عليه وسلم المقدادُ (فقال) صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله (منه) خبر مقدم أي من خروج المذي (الوضوء) واجب لا الغسل أي هو مثل البول لاشتراكهما في المخرج فيجب من خروجه الوضوء وغسل الذكر وما أصابه من الثوب والبدن، ومثله أيضًا الودي وهو ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج

592 - (00) (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِي وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ؛ قَال: قَال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أرْسَلنَا الْمِقْدَادَ بنَ الأَسْوَدِ إِلَى رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَذْيِ يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ، كَيفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد البول غالبًا، فهو أيضًا يوجب الوضوء لا الغسل، فكل من البول والمذي والودي نجس موجب للوضوء لا الغسل لاشتراك الثلاثة في المخرج دون المني. وسند هذا الحديث من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لوكيع وأبي معاوية وهشيم في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وفيه فائدة تصريح الأعمش سماعه من منذر بن يعلى لأنه مدلس، وكرر متن الحديث لما في هذا الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه فقال: 592 - (00) (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) أبو جعفر السعدي مولاهم نزيل مصر ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه في (2) بابين تقريبًا (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري صدوق من (10) مات سنة (243) روى عنه في بابين تقريبًا (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمَّد المصري ثقة حافظ من (9) روى عنه في (13) بابا، قال (أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي أبو المسور المدني صدوق من السابعة (7) مات سنة (159) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة من (5) مات سنة (120) روى عنه في (13) بابا (عن سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم المدني مولى ميمونة أم المؤمنين ثقة فاضل من (3) مات سنة (100) روى عنه في (14) بابا (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي حبر الأمة أبي العباس الطائفي (قال: قال علي بن أبي طالب أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليسأله عن حكم المذي (فسأله) صلى الله عليه وسلم المقداد (عن) حكم (المذي) الذي (يخرج من الإنسان) رجلًا كان أو امرأة فقال له (كيف

يَفْعَلُ بِهِ؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ: "تَوَضأْ وَانْضِحْ فَرْجَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يفعل) الإنسان الذي خرج منه (به) أي بالمذي، هل يتوضأ منه أو يغتسل؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤاله (توضأ) أنت من خروجه لأنه ينقض الوضوء (وانضح فرجك) بفتح الضاد وكسرها، أي واغسل قُبُلك منه لأنه نجس وما أصابك منه فالنضح هنا بمعنى الغسل المذكور في الرواية المتقدمة، والواو غير مرتبة ويحتمل أن يريد به أن يرش ذكره بعد غسله أو وضوئه لينقطع أصل المذي أو يقل، والله أعلم اهـ من المفهم. وهذا السند أيضًا من ثمانياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد مصري وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن عباس لمحمد بن علي في رواية هذا الحديث عن علي، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة روى بعضهم عن بعض. قال النواوي: وفي الحديث من الفوائد أنه لا يوجب الغسل، وأنه يوجب الوضوء، وأنه نجس ولهذا أوجب غسل الذكر منه؛ والمراد به عند الشافعي والجماهير غسل ما أصابه المذي لا غسل جميع الذكر، وحُكي عن مالك وأحمد في روايةٍ عنهما البخاري غسل جميع الذكر، وفيه أن الاستنجاء بالحجر إنما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة وهو البول والغائط، أما النادر كالدم والمذي وغيرهما فلا بد من الماء وهذا أصح القولين في مذهبنا, وللقائل الآخر بجواز الاقتصار فيه على الحجر قياسًا على المعتاد أن يجيب عن هذا الحديث بأنه خرّج على الغالب فيمن هو في بلد أن يستنجي بالماء أو يحمله على الاستحباب، وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به لكون علي بن أبي طالب اقتصر على قول المقداد مع تمكنه من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا قد يُنَازَع فيه ويقال فلعل عليًّا كان حاضرًا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت السؤال وإنما استحيا أن يكون السؤال منه بنفسه، وفيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار وأن الزوج يستحب له أن لا يذكر ما يتعلق بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها, ولهذا قال علي رضي الله عنه فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته؛ لأن معناه أن المذي يكون غالبًا عند ملاعبة الزوجة وقبلتها ونحو ذلك من أنواع الاستمتاع والله سبحانه وتعالى أعلم. وقال أيضًا وقوله في السند الأخير (قال ابن وهب: أخبرني مخرمة بن بكير، عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبيه، عن سليمان بن يسار) الخ، هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني وقال: قال حماد بن خالد: سألت مخرمة هل سمعت من أبيك؟ فقال: لا، وقد خالفه الليث عن بكير فلم يذكر فيه ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر هذا كلام الدارقطني، وقد قال النسائي أيضًا في سننه: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئًا، وروى النسائي هذا الحديث من طرق بعضها طريق مسلم هذه المذكورة وفي بعضها عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان بن يسار، قال: أرسل علي المقداد هكذا أتى به مرسلًا، وقد اختلف العلماء في سماع مخرمة من أبيه، فقال مالك رحمه الله تعالى، قلت لمخرمة: ما حدثت به عن أبيك سمعته منه فحلف بالله لقد سمعته، قال مالك: وكان مخرمة رجلًا صالحًا، وكذا قال معن بن عيسى: إن مخرمة سمع من أبيه، وذهب جماعة إلى أنه لم يسمعه قال أحمد بن حنبل: لم يسمع مخرمة من أبيه شيئًا إنما يروي عن كتاب أبيه، وقال يحيى بن معين وابن أبي خيثمة: يقال وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمع منه، وقال موسى بن سلمة قلت لمخرمة: حدثك أبوك؟ فقال: لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه، وقال أبو حاتم: مخرمة صالح الحديث إن كان سمع من أبيه، وقال علي بن المديني: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان بن يسار ولعله سمع الشيء اليسير، ولم أجد أحدًا بالمدينة يخبر عن مخرمة أنه كان يقول في شيء من حديثه: سمعت أبي. فهذا كلام أئمة هذا الفن وكيف كان! فمتن الحديث صحيح من الطرق التي ذكرها مسلم قبل هذه الطريق، ومن الطريق التي ذكرها غيره، والله سبحانه وتعالى أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث المقداد بن الأسود وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

159 - (64) (46) باب غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم

159 - (64) (46) باب غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم 593 - (267) (113) (76) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 159 - (64) (46) باب غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم 593 - (267) (113) (76) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقةٌ من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقةٌ من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقةٌ من (9) روى عنه في (19) بابا (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبي عبد الله الكوفي ثقةٌ من (7) مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، روى عن كريب في الوضوء والصلاة، وزِرِّ بن عبد الله في التيمم، وبكير بن عبد الله بن الأشج في الصلاة، وزيد بن وهب في الزكاة، وسعيد بن جبير في الصوم والحج، ومجاهد في الصوم، وعطاء بن أبي رباح في الصوم، وعبد الرحمن بن يزيد في الحج، والشعبي في الصلاة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في البيوع، ومعاوية بن سويد في ملك اليمين، وسويد بن غفلة في الأحكام، وأبي جحيفة في الضحايا، وجندب بن عبد الله في الزهد، ومسلم البطين في التفسير، ويروي عنه (ع) والثوري وشعبة وسعيد بن مسروق وعقيل بن خالد والأعمش وعبد الملك بن أبي سليمان وأبو المُحَياة يحيى بن يعلى وعلي بن صالح وزيد بن أبي أُنَيسَة وحماد بن سلمة والوليد بن حرب، قال ابن المديني: له نحو (250) مائتين وخمسين حديثًا، وثَّقَه أحمد والعجلي؛ زاد: فيه قليل تشيع، وقال في التقريب: ثقةٌ من الرابعة مات سنة (121) إحدى وعشرين ومائة، عن (74) أربع وسبعين سنة، روى عنه في (12) بابا (عن كريب) مصغرًا ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم أبي رشدين المدني مولى ابن عباس، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقةٌ من (3) مات سنة (98) بالمدينة، وليس في الرواة كريب إلا هذا الثقة (عن ابن عباس) الطائفي أبي العباس رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد كوفي وواحد مدني وواحد طائفي

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنَ اللَّيلِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ويدَيهِ، ثُمَّ نَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من) النوم في (الليل فقضى حاجته) أي حاجة الإنسان يعني الحدث الأصغر (ثم غسل وجهه وبديه) فقط (ثم نام) أي عاد إلى النوم، قال القاضي عياض: والظاهر أن المراد بقضاء الحاجة الحدث الأصغر؛ البول والغائط، والحكمة في غسل الوجه إذهاب النعاس وآثار النوم وكسله، وأما غسل اليد فلعله كان لشيء نالهما فليس هذا الحديث من أحاديث وضوء الجنب قبل أن ينام، قال القرطبي: والمراد بالحاجة هنا الحدث الأصغر لأنه الذي يمكن أن يطلع عليه ابن عباس وأيضًا فهو الذي يقام له، ويحتمل أن تكون حاجته إلى أهله ويخبر بذلك ابن عباس عمن أخبره بذلك من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ويقصد بذلك بيان أن الجنب لا يجب عليه أن يتوضأ للنوم الوضوء الشرعي، والله تعالى أعلم اهـ. قال النواوي: وفي هذا الحديث أن النوم بعد الاستيقاظ في الليل ليس بمكروه، وقد جاء عن بعض زهاد السلف كراهة ذلك، ولعلهم أرادوا من لم يأمن استغراق النوم بحيث يُفَوِّتُه وظيفته ولا يكون مخالفًا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمن فوات أوراده ووظيفته، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [138] وابن ماجه [508]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ***

160 - (65) (47) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو معاودة أهله وطوافه على نسائه بغسل واحد

160 - (65) (47) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو معاودة أهله وطوافه على نسائه بغسل واحد 594 - (268) (114) (77) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، قَبْلَ أَنْ يَنَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 160 - (65) (47) باب وضوء الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو معاودة أهله وطوافه على نسائه بغسل واحد 594 - (268) (114) (77) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) (ومحمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري ثقة من (10) (قالا حدثنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة متقن من (7) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) قال (حدثنا ليث) بن سعد المصري أبو الحارث الفهمي، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغة مشايخه (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة من (4) (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري ثقة كثير الحديث من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري ونيسابوري أو مصري وبغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام) قبل الغسل (وهو) أي والحال أنه (جنب) من مضاجعة أهله (توضأ وضوءه للصلاة) أي توضأ وضوءًا شرعيًّا كاملًا مثل وضوئه للصلاة بتمام أركانه وسننه، والظرف في قوله (قبل أن ينام) متعلق بتوضأ أي يتوضأ وضوءًا كاملًا بغسل جميع أعضائه تخفيفًا للحدث لأنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء، وهذا يدل على بطلان قول من قال إنه الوضوء اللغوي، اهـ قرطبي. قال السنوسي: وهذا الوضوء أوجبه ابن حبيب وداود وظاهر المذهب الندب، وهل شُرعَ ليبيت على إحدى الطهارتين أو لينشط للغسل؟ قولان وعليهما وضوء الحيض ويتيمم من تعذر عليه الماء، قال ابن العربي: المذهب أنه لا ينقض بحدث غير الجنابة، والمعروف أنه كوضوء الصلاة وذكر ابن العربي عن ابن حبيب

595 - (00) (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ وَوَكِيعٌ وَغُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ جُنُبًا، فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ، أَوْ يَنَامَ، تَوَضأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إن ترك فيه غسل الرجلين أجزأ وهو خلاف تعليله ليبيت على طهارة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 192] والبخاري [286] وأبو داود [222 - 228] والترمذي [118 و 119] والنسائي [1/ 138]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 595 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم المعروف بـ (ابن عُلَيَّة) اسم أمه القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة من (8) روى عنه في (15) بابا (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (وكندر) محمد بن جعفر الهذلي أبو عبد الله البصري ثقة إلا أن فيه غفلة من (9) روى عنه في (6) أبواب، كلهم (عن شعبة) بن الحجاج العتكي الأزدي أبي بسطام البصري ثقة من (7) إمام الأئمة، روى عنه في (30) بابا (عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة أثبت الناس في إبراهيم من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي ثقة مرسل كثيرًا من (5) روى عنه في (11) بابا (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمرو الكوفي ثقة مكثر من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري أو أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأسود لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سَوْقِ الحديث، ولما في هذه الرواية من الزيادة (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا) أي ذا جنابة من وقاع أهله (فأراد أن يأكل) أو يشرب كما في حديث آخر (أو ينام) قبل الغسل (توضأ وضوءه للصلاة) أي توضأ وضوءًا شرعيًّا مثل

596 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَال: حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وضوئه للصلاة بغسل جميع أعضائه ليكون على إحدى الطهارتين في أكله أو نومه. قال القرطبي: وأما وضوء الجنب عند الأكل فظاهر مساق حديث عائشة يقتضي أن يكون ذلك الوضوء هو وضوء الصلاة فإِنها جمعت بين الأكل والنوم في الوضوء، وقد حُكِيَ أن ابن عمر كان يأخذ بذلك عند الأكل، والجمهور على خلافه، وأن معنى وضوئه عند الأكل غسل يديه وذلك لما يخاف أن يكون أصابهما أذى، وقد روى النسائي عن عائشة هذا مفسرًا، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت: غسل يديه ثم يأكل أو يشرب. رواه النسائي [1/ 139]. اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 596 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) روى عنه في (14) بابا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري المعروف ببندار ثقة من (10) روى عنه في (12) بابا (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي أبو عمرو البصري ثقة من (10) روى عن أبيه فقط (قال) عبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (قالا) أي قال كل من محمد بن جعفر ومعاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع أي حدثنا محمد بن جعفر ومعاذ بن معاذ عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة مثل ما حدث ابن عُلَيَّةَ ووكيع وغندر عن شعبة، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هذين لأولئك الثلاثة في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه ولكن (قال ابن المثنى في حديثه) أي في روايته (حدثنا الحكم سمعت إبراهيم يحدث) عن الأسود عن عائشة بهذا الحديث؛ فصرح بالسماع في موضعين بخلاف الرواية

597 - (269) (114) (78) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكرٍ الْمُقَدَّمِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيى، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، وَاللَّفْظُ لَهُمَا، قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا أَبِي. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدمة فإنها معنعنة بقوله: عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود، قال النواوي: فقوله قال ابن المثنى في حديثه حدثنا الحكم سمعت إبراهيم يحدث معناه قال ابن المثنى في روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة قال شعبة: حدثنا الحكم قال: سمعت إبراهيم، وفي الرواية المتقدمة شعبة عن الحكم عن إبراهيم، والمقصود أن الرواية الثانية أقوى من الأولى فإن الأولى بعن عن، والثانية بحدثنا وسمعت، وقد علم أن حدثنا وسمعت أقوى من عن، وقد قال جماعة من العلماء: إن عن لا تقتضي الاتصال ولو كانت من غير مدلس، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال: 597 - (269) (114) (78) (وحدثني محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مُقَدَّم بتشديد الدال المفتوحة (المُقَدَّمِي) أي المنسوب إلى جده مقدم أبو عبد الله الثقفي مولاهم البصري، قال يحيى بن معين وأبو زرعة: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث محله الصدق، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (234) روى عنه في (5) أبواب (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) روى عنه في (20) بابا، روى عنه مسلم في جامعه أكثر من ألف حديث (1000) (قالا) أي قال محمد بن أبي بكر وزهير (حدثنا يحيى وهو ابن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري ثقة إمام قدوة من (9) روى عنه في (13) بابا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري أبي عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة ثبت من (5) روى عنه في (12) بابا. (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير) وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لهما) أي لأبي بكر ومحمد بن نمير تورعًا من الكذب على محمد بن أبي بكر وزهير بن حرب (قال ابن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (وقال أبو بكر) بن أبي شيبة (حدثنا أبو

أُسَامَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَال: "نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ". 598 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة ثبت ربما دلس من (9) روى عنه في (17) بابا (قالا) أي قال عبد الله بن نمير وأبو أسامة (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن نافع) العدوي مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني الفقيه ثقة ثبت فقيه مشهور من (3) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المكي الصحابي الجليل، روى عنه في (13) بابا (أن) أمير المؤمنين (عمر) بن الخطاب المدني (قال يا رسول الله) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان أو كوفيان أو نسائي وبصري (أيرقد) أي أينام؛ كما في رواية الترمذي (أحدنا وهو جنب قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) يرقد (إذا توضأ) وضوءه للصلاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 16] والبخاري [287] وأبو داود [221] والترمذي [120] والنسائي [1/ 140]. وفي تحفة الأحوذي: قوله (قال نعم إذا توضأ) المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي لما رواه البخاري عن عائشة قالت (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة) قال الحافظ: أي توضأ وضوءًا كما للصلاة، وليس المعنى أنه يتوضأ لأداء الصلاة، وإنما المراد وضوءًا شرعيًّا لا لغويًّا، انتهى. وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو غير واجب؟ فالجمهور قالوا بالثاني، وذهب داود وجماعة إلى الأول لورود الأمر بالوضوء، ففي رواية البخاري ومسلم "لِيَتوضأ ثم لْيَنَم" وفي رواية لهما "توضأ واغسل ذكرك ثم نم"، قال الشوكاني: يجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب. اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 598 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة متشيع من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن)

ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي نَافِغ عن ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ اسْتَفْتَى النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: هَلْ يَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَال: "نَعَمْ لِيتَوَضَّأْ ثُمَّ ليَنَمْ. حَتى يَغْتَسِلَ إِذَا شَاءَ". 599 - (00) (00) (00) وحدّثني يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي أبي الوليد المكي ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل، من (6) روى عنه في (16) بابا، قال ابن جريج (أخبرني نافع) الفقيه العدوي مولاهم أبو عبد الله المدني (عن ابن عمر أن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما (استفتى النبي صلى الله عليه وسلم) أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نوم الجنب قبل غسله. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لعبيد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن نافع، وفائدتها بيان كثرة طرقه (فقال) عمر في استفتائه (هل ينام أحدنا وهو جنب) أي هل يحل له النوم مع الجنابة قبل أن يغتسل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال عمر (نعم) ينام مع الجنابة ولكن (ليتوضأ) أحدكم إذا أراد النوم معها، وهو مجزوم بلام الأمر، ومثله قوله (ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء) أي إذا أراد النوم معها، والظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بِيَنَمْ، أو الجواب معلوم مما قبله، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 599 - (00) (00) (00) (وحدثني يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت من (10) (قال) يحيى (قرأت على مالك) أي أخبرني مالك بن أنس ابن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني ثقة إمام ففيه من (7) (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن المدني ثقة، ولكن نافع أقوى منه من (4) مات سنة (127) روى عنه في (6) أبواب (عن) عبد الله (بن عمر) ابن الخطاب العدوي المكي (قال) ابن عمر (ذكر) أبي (عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع في رواية هذا

أَنَّهُ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيلِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ. ثُمَّ نَمْ". 600 - (270) (115) (79) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ مُعَاويةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيسٍ، قَال: سَأَلْتُ عَائِشةَ عَنْ وتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن ابن عمر (أنه) أي أن ابن عمر كما صرح به الزرقاني (تصيبه جنابة من الليل) فهل يجوز له النوم قبل الاغتسال؟ (فقال له) أي لعمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قل له أي لعبد الله (توضأ) وضوءك للصلاة تخفيفًا للحدث (واغسل ذكرك) أي ما أصاب من النجاسة (ثم نم) أي ارقد حتى يغتسل، وهذا الحديث متَمَسَّكُ من قال بوجوب الوضوء على الجنب إذا أراد أن ينام قبل الاغتسال وهم الظاهرية وابن حبيب من المالكية، وذهب الجمهور إلى استحبابه وعدم وجوبه وتمسكوا بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء، وذهب طائفة إلى أن الوضوء المأمور به هناك هو غسل الفرج واليدين، والمراد به التنظيف كذا في الأوجز. اهـ من البذل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: 600 - (270) (115) (79) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة من (7) (عن معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي والعجلي وأبو زرعة، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من (7) مات سنة (158) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الله بن أبي قيس) مولى عطية بن عازب النصري بالنون أبي الأسود الحمصي، ويقال مولى غُطَيف بن عفيف، وقيل: إنه عازب بن مدرك بن عفيف، روى عن عائشة في الوضوء وأبي ذر، ويروي عنه (م عم) ومعاوية بن صالح ويزيد بن خمير، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة مخضرم من الثانية (قال) عبد الله بن أبي قيس (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم شاميان وواحد مدني وواحد مصري وواحد بغلاني (عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) عبد الله بن أبي قيس (الحديث) بتمامِه، وتمامُهُ

قُلْتُ: كَيفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الْجَنَابَةِ؟ أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالتْ: كُلِّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفعَلُ. رُبَّمَا اغتَسَلَ فَنَام. وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ، قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلهِ الْذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) لها (أرأيتِ) بكسر التاء أي أخبريني (عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر) بتقدير همزة الاستفهام أي أكان يوتر (أول الليل أم في آخره قالت) عائشة (من كل) أوقات (الليل) أي في أوله وفي آخره (أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره) أي أوقات وتره في بعض الأحيان (إلى) وقت (السحر) ولا يتجاوزه، وفي رواية أبي داود (قالت ربما أوتر) أي صلى الوتر (في أول الليل) تيسيرًا على المسلمين (وربما أوتر في آخره) قال عبد الله بن أبي قيس (قلت) لعائشة (كيف يصنع) رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفعل (في) غسل (الجنابة كان يغتسل) أي هل كان يغتسل على الفور في أول الليل بعد الفراغ من الجنابة (قبل أن ينام أم) كان (ينام قبل أن يغتسل) فيغتسل في آخر الليل أي، هل يؤخر الغسل إلى آخر الليل؟ (قالت) عائشة كل ذلك) المذكور من الاغتسال أول الليل ومن الاغتسال في آخره (قد كان يفعلـ) ـــه تعني كانت له تارات وحالات مختلفة فـ (ربما اغتسل) في أول الليل (فنام) بعد اغتساله، وهذا أقوى وأقرب إلى التنظيف (وربما توضأ فنام) فيغتسل في آخر الليل تيسيرًا على الأمة وبيانًا لجوازه، قال عبد الله بن أبي قيس (قلت الحمد لله الذي جعل في) هذا (الأمر) والدين (سعة) بوزن دعة وزنة أي تيسيرًا وسهولة وترخيصًا للأمة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 273] وأبو داود [226] والنسائي [1/ 238]. قال القاضي عياض: وهذا الحديث طرف من حديث اشتمل على فصول اختصرها مسلم، والحديث على ما ذكر الخوارزمي وأبو داود (قال: فسألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكان يوتر أول الليل أو آخره؛ قالت: ربما أوتر أوله ربما أوتر آخره، فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، فقلت: وكيف كانت قراءته أكان يُسِرُّ أو يجهر؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل وربما أسر وربما جهر، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، فقلت: وكيف يصنع في الجنابة .. ثم ذكرها). اهـ. قال المازري: فيحمل سؤاله على أنه لما جاء في الحديث (إن الملائكة لا تقرب

601 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. جَمِيعًا عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ صَالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنب) فإن صح حُمل على من أخّر الغسل عن وقت يتعين فيه حضور الصلاة فيصير عاصيًا، والعاصي لا تقربه الملائكة، والمعلوم من حاله صلى الله عليه وسلم أنه لا يبقى على حال تَبْعُد فيه عنه الملائكة - عليه السلام -، ألا ترى أنه كان يتقي الثوم ويبعد عنه وعلل ذلك بأنه يناجي الملائكة عليهم السلام، فيحمل تأخيره الغسل إلى وقت يجوز التأخير إليه. اهـ. قال القاضي عياض: الملائكة التي لا تقرب الجنب وجاء أنها لا تدخل بيتًا فيه جنب هي ملائكة الرحمة والبركة لا الحفظة التي لا تفارق العبد وبعدهم عن الجنب تنزيهًا لهم عن الحدث كما نُزِّهَ عنه تلاوة القرآن ودخول المسجد ومس المصحف. اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها هذا فقال: 601 - (00) (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث عائشة هذا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) قال (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت عارف بالرجال والحديث، من (9) (ح وحدثنيه) أيضًا (هارون بن سعيد الأيلي) أبو جعفر التميمي السعدي مولاهم نزيل مصر ثقة من (10) قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري ثقة من (9) حالة كون كل من عبد الرحمن وابن وهب (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن معاوية بن صالح) الحضرمي الحمصي، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع، وقوله (مثله) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق، والتقدير حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح بهذا الإسناد يعني عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة مثله أي مثل ما حذث ليث بن سعد عن معاوية بن صالح، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن وهب لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن معاوية بن صالح، وفائدتها بيان كثرة

602 - (271) (116) (85) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويةَ الْفَزَارِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ طرقه. وهذان السندان أيضًا من خماسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم شاميان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي، والثاني منهما ثلاثة منهم شاميون وواحد مدني وواحد مصري. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة فقال: 602 - (271) (116) (80) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي قاضي الكوفة ثقة فقيه، تغير حفظه قليلًا بعد ما استقضى، من (8) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) قال (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبو سعيد الكوفي ثقة متقن من (9) مات سنة (184) (ح وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من (10) (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من (10) (قالا) أي قال عمرو وابن نمير (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) نسبة إلى فزارة قبيلة مشهورة، أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة، قال ابن المديني: ثقة من المعروفين واسع الرواية وكان يدلس أسماء الشيوخ، من (8) مات قبل يوم التروية بيوم فجأة سنة (193) روى عنه في (13) بابا، والضمير في قوله (كلهم) عائد إلى ما قبل حاء التحويل أي روى كل من حفص بن غياث وابن أبي زائدة ومروان بن معاوية (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي أبي عبد الرحمن البصري ثقة من (4) مات سنة (141) روى عنه في (17) بابا (عن أبي المتوكل) علي بن داود، ويقال ابن دُؤَاد بضم الدال بعدها واو مهموزة الناجي بنون وجيم نسبة إلى ناجية قبيلة معروفة، البصري ثقة من (3) مات سنة (108) روى عنه في (2) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي (الخدري) نسبة إلى خدرة أحد أجداده المدني الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته الأولان منهما رجالهما

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَتَى أحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمْ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ، فَلْيَتَوَضَّأْ". زَادَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ: بَينَهُمَا وُضُوءًا. وَقَال: ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاودَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كوفيان وبصريان ومدني والثالث بغدادي وكوفي أو كوفيان وبصريان ومدني. (قال) أبو سعيد الخدري (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى) وجامع (أحدكم أهله) أي حليلته (ثم أراد أن يعود) ويرجع إلى الجماع ثانيًا (فليتوضأ) أي فليغسل فرجه لأنه أبلغ في النظافة وأنشط للجماع (زاد أبو بكر) بن أبي شيبة (في حديثه) أي في روايته فليتوضأ (بينهما) أي بين الجماعين (وضوءًا) لغويًّا وهو غسل الفرج أو شرعيًّا على الخلاف الآتي (وقال) أبو بكر أيضًا (ثم أراد أن يعاود) بدل قول غيره أن يعود والمعنى واحد. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [220] والترمذي [141] والنسائي [1/ 142]. قال القرطبي: ذهب بعض أهل الظاهر إلى أن هذا الوضوء هنا هو الوضوء الشرعي وأنه واجب، واستحبه أحمد وغيره، وذهب الفقهاء وأكثر أهل العلم إلى أنه غسل الفرج فقط مبالغة في النظافة واجتنابًا لاستدخال النجاسة ويستدل على ذلك بأمرين: أحدهما- أنه قد روى هذا الحديث ليث بن أبي سليم من حديث عمر، وقال فيه "فليغسل فرجه"، مكان "فليتوضأ بينهما وضوءًا" رواه أبو يعلى في الكبير، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس. وثانيهما- أن الوطء ليس من قبيل ما شرع له الوضوء؛ فإن أصل مشروعيته للقرب والعبادات، والوطء ينافيه فإِنه للملاذ والشهوات، وهو من جنس المباحات ولو كان ذلك مشروعًا لأجل الوطء لشرع في الوطء المبتدأ فإِنه من نوع المعاود وإنما ذلك لما يتلطخ به الذكر من نجاسة ماء الفرج والمني فإِنه مما يكره ويُسْتَثْقَل عادة وشرعًا. اهـ مفهم. وقال القاضي عياض: حمل هذا الوضوء عمرو ابنه وأحمد وغيرهم على وضوء الصلاة، وحمله الجمهور على غسل الفرج خوف أن تدخل النجاسة في الفرج دون

603 - (272) (117) (81) وحدّثنا الحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيبٍ الْحَرَّانِيُّ. حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ، يَعْنِي ابْنَ بُكَيرٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرورة مع ما فيه من النظافة التي بنيت عليها الشريعة وتكميل اللذة لأن ما يعلق به من بلل الفرج واشتد عليه من المني مفسدة للذة، ورطوبة الفرج عندنا نجسة لما يخالطها من النجاسة الجارية عليها كالحيض والبول والمني، وللشافعية فيها قولان. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة فقال: 603 - (272) (117) (81) (وحدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب) عبد الله بن مسلم (الحراني) أبو مسلم القرشي الأموي مولاهم مولى عمر بن عبد العزيز، روى عن أبيه وجده وعن مسكين بن بكير في الوضوء والحدود ويروي، عنه (م ت) وابنه أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني والمحاملي، وفي مسلم عنه حديثان، وثقه البزار والخطيب وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة يُغْرِب من الحادية عشرة مات سنة (250) خمسين ومائتين أو بعدها روى عنه في بابين فقط، قال (حدثنا مسكين) بن بكير الحذاء أبو عبد الرحمن الجزري الحراني، روى عن شعبة في الوضوء، والأوزاعي في الحدود، وأرطاة بن المنذر وجعفر بن برقان ومالك ومحمد بن مهاجر وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س) والحسن بن أحمد بن أبي شعيب وأحمد والنُّفَيليُّ والمغيرة بن عبد الرحمن الحراني وعمرو بن خالد وغيرهم، وقال أحمد: كثير الوهم له في (خ) فرد حديث، وقال ابن معين: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من التاسعة مات سنة (198) وليس عندهم من اسمه مسكين إلا هذا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن بكير الحذاء) إشعارا إلى أنه من زيادته لا مما سمعه من شيخه (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبي بسطام البصري ثقة من (7) (عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي البصري، روى عن جده في الوضوء والزكاة والديات والذبائح واللباس والطب والفضائل، ويروي عنه (ع) وشعبة وعبد لله بن عون وعروة بن ثابت وحماد بن سلمة وثَّقَه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة (عن) جده (أنس) بن مالك الأنصاري أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم حرانيان وثلاثة منهم بصريون (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف) أي يدور بالجماع (على نسائه) وهن تسع (بغسل واحد) لا يغتسل بعد كل واحدة بل ولا يتوضأ كما هو الظاهر من الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [267] والترمذي [140] والنسائي [1/ 143]. ومعنى (يطوف على نسائه) أي يجامعهن ثم يغتسل غسلًا واحدًا، ولأحمد والنسائي في ليلة بغسل واحد، والحديث دليل على أن الغسل بين الجماعين لا يجب وعليه الإجماع، ويدل على استحبابه ما أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله ألا تجعله غسلًا واحدًا؛ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر. وقال ابن عبد البر: معنى الحديث أنه فعل ذلك عند قدومه من سفر ونحوه في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم فجمعهن يومئذ ثم دار بالقَسْمِ عليهن بعد، والله أعلم لأنهن كن حرائر وسنته صلى الله عليه وسلم فيهن العدل بالقسم وأن لا يمس الواحدة في يوم الأخرى. انتهى من تحفة الأحوذي. وقال القرطبي: هذا الطواف عليهن يحتمل أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه من سفر أو عند تمام الدوران عليهن وابتداء دور آخر فدار عليهن ليلة واحدة أو يكون ذلك عن إذن صاحبة اليوم أو يكون ذلك خصوصًا به؛ وإلا فوطء المرأة في يوم ضرتها ممنوع منه، وقد ظهرت خصائصه في هذا الباب كثيرًا هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن القسم بينهن عليه واجبًا لقوله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] لكنه صلى الله عليه وسلم كان قد التزمه لهن تطييبًا لأنفسهن ولتقتدي به أمته بفعله، والله سبحانه وتعالى أعلم، ويجوز الجمع بين الزوجات والسراري في غسل واحد وعليه جماعة السلف والخلف، وإن كان الغسل بعد كل وطء أكمل وأفضل لما رواه النسائي عن أبي رافع قال: (طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه فجعل يغتسل عند هذه وعند هذه، فقلت: يا رسول الله لو جعلته غسلًا واحدًا، قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر) رواه أبو داود [209] والنسائي في عشرة النساء [149] وابن ماجه [590] اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثاك حديث آخر لعائشة ذكره للاستشهاد لحديثها الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي: وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بإجماع المسلمين وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو إنزال المني؟ أم هو القيام إلى الصلاة؟ أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا، ومن قال يجب بالجنابة قال هو وجوب مُوَسَّع، وكذا اختلفوا في موجب الوضوء؛ هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة؟ أم المجموع؟ وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض هل هو خروج الدم؟ أم انقطاعه؟ والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

161 - (66) (48) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل

161 - (66) (48) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل 604 - (273) (118) (82) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. قَال: قَال إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ قَال: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيمٍ، وَهِيَ جَدَّةُ إِسْحَاقَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 161 - (66) (48) باب وجوب الغسل على المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل 604 - (273) (118) (82) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) قال (حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم (الحنفي) الجُرَشيّ بضم الجيم أبو حفص اليمامي، وئقه ابن معين والنسائي وأحمد، وقال في التقريب: ثقة من (9) مات سنة (206) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي أصله من البصرة أحد الأئمة، وثقه أحمد وابن معين، وقال ابن المديني: كان عكرمة بن عمار عند أصحابنا ثقة ثبتًا، وقال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: صدوق من (5) يغلط وكان مجاب الدعوة، مات سنة (159) روى عنه في (9) أبواب (قال) عكرمة (قال إسحاق) بن عبد الله (بن أبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل أبو يحيى المدني، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وزاد ابن معين حجة، وقال في التقريب: ثقة حجة من (4) مات سنة (132) روى عنه في (6) أبواب، قال إسحاق (حدثني) عمي (أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي أبو حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم يماميان وواحد بصري وواحد مدني وواحد نسائي (قال) أنس بن مالك (جاءت) أمي (أم سليم) بنت ملحان والدة أنس بن مالك وزوج أبي طلحة الأنصاري وأخت أم حرام بنت ملحان خالة أنس بن مالك، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب صحابية جليلة لها أربعة عشر حديثًا، اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث و (م) بحديثين، يقال اسمها سُهَيلَة أو رُمَيلة أو رُمَيتة أو أُنَيسة أو مُليكة وهي الغُمَيصاء أو الرُّمَيصاء اشتهرت بكنيتها، قوله (وهي) أي أم سليم (جدة إسحاق) لأبيه كلام مدرج من بعض الرواة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له) صلى الله عليه وسلم

وَعَائِشَةُ عِنْدَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الْمَرْأَةُ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي الْمَنَامِ. فَتَرَى مِنْ نَفْسِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ. فَقَالت عَائِشَةُ: يَا أُمَّ سُلَيمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وعائشة) أي والحال أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (عنده) صلى الله عليه وسلم في بيتها، قوله وهي جدة إسحاق أي لأبيه فإن والد إسحاق هو عبد الله بن أبي طلحة وأم سليم والدة عبد الله المذكور وهي أيضًا أم أنس بن مالك تزوجها بعد موت مالك بن النضر أبي أنس أبو طلحة فولدت له غلامًا مات صغيرًا وهو أبو عمير صاحب النُّغَيرِ ثم ولدت له عبد الله بن أبي طلحة وهو والد إسحاق كما في أسد الغابة وسيأتي أنها أم بني أبي طلحة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. أي قالت أم سليم (يا رسول الله المرأة ترى) في منامها مثل (ما يرى الرجل في المنام) من صورة رجل جامعها كما يرى الرجل صورة امرأة يجامعها (فترى من نفسها) المني مثل (ما يرى الرجل من نفسه) من الماء؛ ما حكمها هل يجب عليها غسل أم لا؟ وفي رواية أبي داود أتغتسل أم لا (فقالت عائشة: يا أم سليم فضحت) بسكون الحاء وتاء المخاطبة، و (النساء) مفعول به لفضحت أي كشفت عورة النساء وكنفها، وفي الأبي: أي كشفت أسرارهن فيما يكتمنه من الحاجة إلى الرجال لأن ذلك إنما يكون من شدة حاجتهن إلى الرجال. اهـ. قال النواوي: معناه حكيت عنهن أمرًا يستحي من وصفهن به ويكتمنه، وذلك أن نزول المني منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال. اهـ. (تربت يمينك) أي لصقت يمينك بالتراب لفقرها، قال في مرقاة الصعود: هي كلمة جارية على ألسنة العرب لا يقصدون بها الدعاء على المخاطب. اهـ. وفي المفهم: قوله (تربت يمينك) أي افتقرت، قال الهروي: ترب الرجل إذا افتقر وأترب إذا استغنى، وفي الصحاح: ترب الشيء بالكسر أصابه التراب، ومنه ترب الرجل افتقر كأنه لصق بالتراب، قال: وأترب الرجل استغنى كأنه صار ماله من الكثرة بقدر التراب، وتأول مالك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: تربت يمينك بمعنى الاستغناء، وكذلك قال عيسى بن دينار، وقال ابن نافع: معناه ضَعُفَ عقلك، وقال الأصمعي: معناه الحض على تعلم مثل هذا كما يقال انْجُ ثكلتك أمك، وقيل تربت يمينك أصابها التراب ولم يرد الفقر، والصحيح أن هذا اللفظ وشبهه تجري

فَقَال لِعَائِشَةَ: "بَلْ أَنْتِ. فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ. نَعَمْ. فَلْتَغْتَسِلْ يَا أُمَّ سُلَيمٍ إِذَا رَأَتْ ذَاك" ـــــــــــــــــــــــــــــ على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء به (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعائشة بل أنت، فتربت يمينك) والفاء في فتربت زائدة أي بل أنت أحق أن يقال لك هذا اللفظ فإنها فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها فلم تستحق الإنكار عليها، واستَحْقَقْت أنت الإنكار عليك لإنكارك ما لا إنكار فيه أي بل أنت لصقت يمينك بالتراب لا هي، ثم قال لأم سليم (نعم) يجب عليها الغسل (فلتغتسل) المرأة من ذلك الحلم (يا أم سليم إذا رأت ذاك) أي مثل ما يرى الرجل من الماء، وفي الحديث إثبات المني للمرأة وهو مجمع عليه عند الفقهاء وأنكره بعض الفلاسفة لأن فرج المرأة مقلوب يعرفه الطبيب منهم أَرِسْطَاطَالِيسُ وابن سيناء، واعلم أن المرأة إذا خرج منها المني وجب عليها الغسل كما يجب على الرجل بخروجه، وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني أو إيلاج الذكر في الفرج، وأجمعوا على وجوبه عليها بالحيض والنفاس، واختلفوا في وجوبه على من ولدت ولم تر دمًا أصلًا، والأصح عند أصحابنا وجوب الغسل، وكذا الخلاف فيما إذا ألقت مضغةً أو علقةٌ، والأصح وجوب الغسل، ومن لا يوجب الغسل يوجب الوضوء، والله أعلم. ثم إن مذهبنا أنه يجب الغسل بخروج المني سواء كان بشهوة ودفق أم بنظر أم في النوم أو في اليقظة، وسواء أحس بخروجه أم لا، وسواء خرج من العاقل أم من المجنون، ثم إن المراد بخروج المني أن يخرج إلى الظاهر، أما ما لم يخرج فلا يجب الغسل وذلك بأن يرى النائم أنه يجامع وأنه قد أنزل ثم يستيقظ فلا يرى شيئًا فلا غسل عليه بإجماع المسلمين، وكذا لو اضطرب بدنه لمبادي خروج المني فلم يخرج، وكذا لو نزل المني إلى أصل الذكر ثم لم يخرج فلا غسل، وكذا لو صار المني في وسط الذكر وهو في صلاة فامسك بيده على ذكره فوق حائل فلم يخرج المني حتى سلم من صلاته صحت صلاته فإنه ما زال متطهرًا حتى خرج، والمرأة كالرجل في هذا إلا أنها إذا كانت ثيِّبًا فنزل المني إلى فرجها ووصل الموضع الذي يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء وهو الذي يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة وجب عليها الغسل بوصول المني إلى ذلك الموضع لأنه في حكم الظاهر، وإن كانت بكرًا لم يلزمها ما لم يخرج من فرجها لأن داخل فرجها كداخل إحليل الرجل والله أعلم، اهـ من النواوي. وهذا الحديث أعني حديث أنس بن مالك انفرد به الإمام مسلم بروايته لم يشاركه أحد كما في تحفة الأشراف.

605 - (273) (119) (83) حدَّثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، أَنَّ أُمَّ سُلَيمٍ حَدَّثَتْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أم سليم رضي الله تعالى عنهما فقال: 605 - (273) (119) (83) (حدثنا عباس بن الوليد) بن نصر النَّرْسِي بفتح النون وسكون الراء بعدها مهملة أبو الفضل البصري مولى باهلة ابن عم عبد الأعلى بن حماد، روى عن يزيد بن زريع في الوضوء وأبي عوانة والحمادين، ويروي عنه (خ م س) وأبو يعلى، قال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، وقال ابن معين: صدوق، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (238) ثمان وثلاثين ومائتين. قال النواوي: (قوله عباس بن الوليد) بالباء الموحدة والسين المهملة وصحفه بعض الرواة لكتاب مسلم فقال عياش: بالياء التحتانية والشين المعجمة وهو غلط صريح فإن عياشًا بالمعجمة هو عياش بن الوليد الرَّقَّام البصري، ولم يرو عنه مسلم شيئًا، وروى عنه البخاري، وأما عباس بالمهملة فهو عباس بن الوليد البصري النَّرْسيّ، روى عنه البخاري ومسلم جميعًا، وهذا مما لا خلاف فيه وكان غلط هذا القائل وقع له من حيث إنهما مشتركان في الأب والنسب والعصر، والله أعلم اهـ منه. قال (حدثنا يزيد بن زريع) بزاي مصغرًا التيمي العيشي بتحتانية أبو معاوية البصري، روى عن سعيد بن أبي عروبة، ويروي عنه عباس بن الوليد، وثقه أبو حاتم وابن معين، وقال الزهري عن عفان: كان أثبت الناس، وقال إبراهيم بن محمد بن عرعرة: لم يكن أحد أثبت من يزيد بن زريع، وقال في التقريب: ثقة ثبت من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا، قال (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة مدلس مختلط من (6) مات سنة (156) روى عنه في (7) أبواب (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري الأكمه، قال ابن حبان في الثقات: كان من علماء الناس بالقرآن والفقه ومن حفاظ أهل زمانه، وقال في التقريب: ثقة ثبت رأس الطبقة الرابعة مات كهلا سنة (117) روى عنه في (25) بابا (أن أنس بن مالك) الأنصاري أبا حمزة البصري (حدثهم) أي حدث لقتادة ومن معه وهو بمعنى حدثنا (أن أم سليم) بنت ملحان الأنصارية أم أنس (حدثت) لهم. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلا أم سليم فإنها مدنية

أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ. فقال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغتَسِلْ" فَقَالتْ أُمُّ سُلَيمٍ: وَاسْتَحْيَيتُ مِنْ ذَلِكَ. قَالت: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ فَقَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ. فَمِنْ أَينَ يَكُونُ الشَّبَهُ. إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ. وَمَاءَ الْمَرْأةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلا، أَوْ سَبَقَ، يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنها سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن) غسل (المرأة) التي (ترى في منامها ما يرى الرجل) أي مثل ما يرى الرجل في منامه من الحلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأت ذلك) أي مثل ما يرى الرجل في منامه من الحلم وأنزلت المني، والرؤية حُلْمِيَّة، واسم الإشارة مفعول مقدم للاهتمام به، وقوله (المرأة) فاعل مؤخر أي إذا رأت المرأة مثل ذلك وأنزلت (فلتغتسل) من الجنابة لأنها أجنبت بالاحتلام، وقوله (فقالت أم سليم) تحريف من النساخ، والصواب (فقالت أم سلمة) لأن السائلة هي أم سليم والرادة عليها هي أم سلمة في هذا الحديث، وقوله (واستحييت من ذلك) الذي سألت عنه أم سليم من مقول أم سلمة، وقوله (قالت) أم سلمة، والصواب أيضًا فقلت عطفًا على استحييت أي قالت أم سلمة واستحييت أنا من ذلك الذي سألته أم سليم فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منكرة على أم سليم (وهل يكون) ويوجد (هذا) الذي سألت عنه أم سليم يا رسول الله من احتلام المرأة إنزالها المني (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم) لأم سلمة (نعم) يوجد ذلك المذكور من احتلامها وإنزالها المني إن لم يكن لها مني (فمن أين يكون الشِّبْهُ) بكسر الشين وسكون الباء، وفتح الشين والباء لغتان كما يقال مِثْلُ ومَثَلُ أي إن لم يكن للمرأة مني فمن أي سبب حصل شبه الولد لها فإذًا لها مني فإذا كان لها مني فإنزاله وخروجه منها ممكن (إن ماء الرجل) ومنيه (غليظ) أي ثخين (أبيض) ينعقد منه العظام والأعصاب (وماء المرأة) أي منيها بالنصب أو بالرفع (رقيق أصفر) ضد مني الرجل ينعقد منها العروق واللحوم والشعور (فمن أيهما) أي فباي الماءين ماء الرجل وماء المرأة (علا) أي غلب وكثر (أو سبق) إلى الرحم، وأو للتقسيم وقيل للشك (يكون منه الشبه) أي يكون شبه الولد به، قال ملا علي قوله (فمن أيهما علا) أي فالمني من أيهما غلب فيما إذا وقع منيهما في الرحم معًا، وقوله (أو سبق) أي مني أيهما وقع في الرحم قبل وقوع مني صاحبه فأو للتقسيم لا للترديد. اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: أي فمن أجل علو أو سبق أحدهما يكون الشبه ويحتمل أن تكون من زائدة على قول بعض الكوفيين أنها تزاد في الإثبات فيكون أيهما مبتدأ ويحتمل أن تكون أو شكًّا من بعض الرواة وأن تكون للتنويع أي أي نوع كان منهما كان منه الشبه (وسبق) أي بادر بالخروج. قال النواوي: قوله (فقالت أم سليم واستحييت) هكذا هو في الأصول، وقال أبو علي الغساني: هكذا هو في أكثر النسخ أم سليم، وفي بعضها أم سلمة وهو المحفوظ من طرق شتى، وقال القاضي عياض: هذا هو الصواب لأن السائلة هي أم سليم والرادة عليها أم سلمة في هذا الحديث وعائشة في الحديث المتقدم، ويحتمل أن عائشة وأم سلمة جميعًا أنكرتا عليها، وإن كان أهل الحديث يقولون الصحيح هنا أم سلمة لا عائشة، والله أعلم. قوله (فمن أين يكون الشبه) معناه أن الولد مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة فأيهما غلب كان الشبه له وإذا كان للمرأة مني فإنزاله وخروجه منها ممكن، قوله (إن ماء الرجل غليظ أبيض) .. الخ قال القرطبي: وما ذكره من صفة الماءين إنما هو في غالب الأمر واعتدال الحال وإلا فقد تختلف أحوالهما للعوارض. اهـ. وعبارة النواوي: وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب، قال العلماء: مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة يخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتورًا ورائحة كرائحة طلع النخل، ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين، وقيل تشبه رائحته رائحة الفصيل، وقيل إذا يبس كانت رائحته كرائحة البول فهذه صفاته الغالبة، وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يَسْتَقِلُّ بكونه منيًّا، وذلك بأن يمرَضَ فيصير منيه رقيقًا أصفر، أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة، أو يستكثر من الجماع فيحمر ويصير كماء اللحم وربما خرج دمًا عبيطًا، وإذا خرج المني أحمر فهو طاهر موجب للغسل كما لو كان أبيض، ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيًّا ثلاث؛ أحدها: الخروج بشهوة مع الفتور عقبه، والثانية: الرائحة التي تشبه رائحة الطلع كما مر آنفًا، والثالثة: الخروج بزريق ودفق ودفعات وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيًّا ولا يشترط اجتماعها فيه، وإذا لم يوجد شيء منها لم يحكم بكونه منيًّا وغلب على الظن كونه ليس بمني هذا كله في مني الرجل، وأما مني المرأة فهو

606 - (274) (120) (84) حدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي مَنَامِهِ؟ فَقَال: "إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أصفر رقيق وقد يَبْيَضُّ لفضل قوتها، وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما؛ إحداهما: أن رائحته كرائحة مني الرجل، والثانية: التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه، قالوا: ويجب الغسل بخروج المني بأي صفةٍ وحالٍ كان. اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث عن أم سليم أحمد [3/ 282]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 606 - (274) (120) (84) (حدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، قال الدارقطني: ثقة نبيل، وقال في التقريب: ثقة من (10) مات سنة (239) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا صالح بن عمر) الواسطي ثم الحلواني (¬1) روى عن أبي مالك الأشجعي في الوضوء وعاصم بن كليب، ويروي عنه (م) وداود بن رشيد فرد حديث في مسلم وعلي بن حجر وأحمد بن إبراهيم الموصلي، وثَّقه أبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة من الثامنة، وقال العجلي: ثقة، وقال ابن معين: هو ثقة، ووثقه ابن الأعرابي وابن نمير، روى عنه في (1) باب واحد باب الوضوء، قال (حدثنا أبو مالك الأشجعي) سعد بن طارق بن أشيم الكوفي ثقة من (4) مات سنة (140) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس بن مالك) الأنصاري أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من رباعياته رجاله واحد منهم بصري وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد بغدادي (قال) أنس (سألت امرأة) لم أر من ذكر اسمها (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (المرأة) التي (ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه) من الحلم هل يجب عليها الغسل أم لا؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لها (إذا كان) وَوُجِدَ (منها ما يكون من الرجل) أي مثل ما يكون من ¬

_ (¬1) (الحلواني) نسبة إلى حلوان مدينة آخر حدود السواد مما يلي الجبل سميت باسم حلوان بن عمران بن قضاعة كان أقطعها له بعض الملوك.

فَلْتَغْتَسِلْ". 607 - (275) (121) (85) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُم سَلَمَةَ؛ قَالتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيمٍ إِلَى النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِن اللهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل في منامه يعني إذا خرج منها المني (فلتغتسل) من جنابتها لأنها صارت بخروج المني منها جنبًا مثل الرجل لأنهن شقائق، فلهن مثل ما للرجال، وعليهن مثل ما على الرجال في أغلب الأحكام، وهذا الحديث تفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. قال النواوي: قوله (فلتغتسل) معناه إذا خرج منها المني فلتغتسل كما أن الرجل إذا خرج منه المني اغتسل، وهذا من حُسْنِ العشرة ولطف الخطاب واستعمال اللفظ الجميل موضع اللفظ الذي يُسْتَحْيَا منه في العادة. اهـ. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس الأول ثالثًا بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال: 607 - (275) (121) (85) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) أبو زكرياء النيسابوري قال (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي أبي المنذر المدني ثقة حجة من (5) روى عنه في (16) بابا (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور من (3) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن زينب بنت أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومية صحابية مشهورة ماتت سنة (73) روى عنها في (9) أبواب (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة، ماتت سنة (62) روى عنها في (10) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قالت) أم سلمة (جاءت أم سليم) بنت ملحان أم أنس رضي الله تعالى عنهن (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله) سبحانه وتعالى إلا يستحيي من الحق) أي لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه أو

فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ. إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ" فَقَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَال: "تَرِبَتْ يَدَاكِ. فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يمتنع من بيان الحق بضرب المثل بالبعوضة وشبهها، فكذا أنا لا أمتنع من سؤال عما أنا محتاجة إليه، وإنما قالت هذا اعتذارًا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما تستحيي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال. اهـ نووي. قال الأبي: قدمت هذا تمهيدًا للعذر في ذكرها ما يستحيا منه وهو أصل فيما يضعه الكُتَّابُ من التمهيدات بين يدي ما يُذْكَرُ بعد لأن العذر إذا تقدم أدركت النفس المعتذر سالمًا من العيب ولو تأخر لم يأت إلا وقد تأثرت النفس، فتقدم العذر مانع من العيب وتأخره رافع، يقال استحيا بياء قبل الألف يستحيي بياءين ويقال أيضًا يستحي بياء واحدة في المضارع، قال القاضي عياض: ومعنى لا يستحيي من الحق لا يبيح الحياء في الحق، وقيل معناه: إن سنة الله وشرعه أن لا يستحيا من الحق أي إن من حكم الله أن لا يستحي أحد من الحق استفتاء وإفتاء، قال الأبي: وإنما احتيج في الآية إلى التأويل لأن التقييد بالحق يقتضي بحسب المفهوم أنه يستحي من غير الحق، والحياء: تغير وانكسار يلحق من فعلِ أو تركِ ما يعاقب عليه أو يذم، وذلك على الله سبحانه مُحَالٌ، والمراد بالحق ضد الباطل وأرادت بالحق ما دعت الحاجة إلى ذكره من احتلام المرأة. (قلت): والأسلم الذي هو مذهب السلف ونعتقده في معنى الآية إن الله سبحانه لا يُوصف بالحياء في بيان المثل ببعوضة وشبهها، والحياء صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها كما ثبتت في الأحاديث الصحيحة والآيات الكريمة، وقد بسطنا الكلام عليها في تفسيرنا بما لامزيد عليه فراجعه (فهل على المرأة من كسل) من زائدة في المبتدأ (إذا احتلمت) أي إذا رأت الحُلُمَ في النوم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) عليها غسل (إذا رأت الماء) أي أنزلت المني في ذلك الحلم (فقالت أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم راوية الحديث ففيه التفاتٌ من التَّكَلُّم إلى الغيبة لأن مقتضى السياق فقلت (يا رسول الله) أَ (وَتحتلم المرأة) وترى الماء بتقدير همزة الاستفهام (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تربت يداك) أي افتقرت يداك ولصقت بالتراب، تقدم ما فيه من البحث في الحديث المار (فبم) أي فبأي سبب (يشبهها ولدها)

608 - (00) (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا لم يكن لها مني فالمرأة كالرجل لها مني كما مر التصريح بذلك في الحديث المار، قال الأبي: قولها (وتحتلم المرأة) يدل على أنها لم تكن عَلِمَتْ ذلك إذ ليس كل النساء تحتلم، وقال أيضًا: الاحتلام لغة هو رؤية اللذة في النوم أنزلت أم لا، وهو في العُرف الإنزال، فسؤالها إن كان عن الاحتلام لغة فجوابه برؤية الماء تخصيص فلا تغتسل إذا رأت أنها احتلمت ولم تنْزِل وهي في هذا كالرجل، وإن سألت عنه عُرفًا فجوابه بذلك بيان للحكم. اهـ. قال النواوي: ففي الحديث دلالة على أنه ينبغي لمن عرضت له مسألة أن يسأل عنها ولا يمتنع من السؤال عنها حياء من ذِكْرِها، فإن ذلك ليس بحياء حقيقي لأن الحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير بل هو شر فكيف يكون حياءً، وقد تقدم إيضاح هذه المسألة في أوائل كتاب الإيمان، وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين". وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 292 و 302] والنسائي [1/ 112]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال: 608 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد الحَرَشِيُّ أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة من (9) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي، وثقه ابن حبان، وقال الحافظ: صدوق من (10) مات سنة (243) قال (حدثنا سفيان) بن عيينة بن ميمون الهلالي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة مدلس من (8) مات سنة (198) وقوله (جميعًا) حال من وكيع في السند الأول وسفيان في السند الثاني، أي قال كل منهما حالة كونهما مجتمعَينِ في الرواية (عن هشام بن عروة) الأسدي أبي المنذر المدني، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع،

مِثْلَ مَعْنَاهُ. وَزَادَا: قَالتْ: قُلْتُ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ. 609 - (276) (122) (86) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع وقوله (مثل معناه) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق، والتقدير حدثنا وكيع وسفيان جميعًا عن هشام بن عروة بهذا الإسناد يعني عن أبيه عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة مثل معنى حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة وزاد لفظ مثل تأكيدًا لاتحاد الروايتين في المعنى (و) لكن (زادا) وفي بعض النسخ إسقاط ألف التثنية أي زاد كل من وكيع وسفيان على أبي معاوية كلمة (قالت) أم سلمة (قلت) لأم سليم حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم احتلام المرأة (فضحت) أنت يا أم سليم (النساء) في شؤونهن أي كشفت أسرارهن فيما يكتمنه من الحاجة إلى الرجال لأن ذلك الاحتلام يدل على شدة حاجتهن إلى الرجال. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو مكيان أو كوفي ونسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة وكيع وسفيان لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان زيادتهما. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 609 - (276) (122) (86) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي بفتح الفاء وسكون الهاء نسبة إلى فهم بن عمرو مولاهم أبو عبد الله المصري ثقة من (11) مات سنة (248) روى عن أبيه وابن وهب في الإيمان والوضوء والفتن وغيرها، قال عبد الملك (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري ثقة فقيه من (10) مات سنة (199) (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، قال ابن بكير: هو أفقه من مالك، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا، قال (حدثني عُقَيل) مصغرًا (ابن خالد) ابن عَقِيل بفتح أوله مكبَّرًا الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان أبو خالد المصري ثقة ثبت من (6) مات سنة (144) روى عنه في ثلاثة

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّ سُلَيمٍ، (أُمَّ بَنِي أَبِي طَلْحَةَ)، دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ هِشَامٍ. غَيرَ أَنَّ فِيهِ قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: أُفٍّ لَكِ، أَتَرى الْمَرْأَةُ ذَلِكِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب تقريبًا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة من (4) مات سنة (125) (أنه) أي أن ابن شهاب (قال أخبرني عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي أبو عبد الله المدني (أن عائشة) أم المؤمنين (زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته) أي أخبرت لعروة بن الزبير. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون (أن أم سليم) سهلة بنت ملحان أم أنس (أم بني أبي طلحة) الأنصاري (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسالتي ابن شهاب عن عروة بن الزبير (بمعنى حديث هشام) عن عروة عن زينب عن أم سلمة، وهذا الكلام مخالف لاصطلاحاته لأن مثل هذا لا يقول في الشواهد إنما يقوله في المتابعات، وما هنا من الشواهد، لأن راويَي الحديثين مختلفان لأن راوي الأول أم سلمة وراوي هذا عائشة (غير أن فيه) أي لكن أن في حديث ابن شهاب (قال) عروة (قالت عائشة فقلت لها) أي لأم سليم (أُت لك) أي قبحًا لك ولما قلت (أترى المرأة) أي هل ترى المرأة في منامها (ذلك) الحلم والإنزال، والاستفهام للإنكار بمعنى النفي أي ما ترى ذلك وما يُعْقَلُ منها، وفي الأبي قوله (أم بني أبي طلحة) كذا في أكثر الأصول، قال القاضي ولابن الحداد (امرأة أبي طلحة) وكل صحيح لأن أبا طلحة تزوجها بعد مالك بن النضر والد أنس فولدت لأبي طلحة أبا عمير ومات صغيرًا وعبد الله وهو الذي حنكه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له فكبر، وإخوته عشرة كلهم حمل عنهم العلم، ومنهم إسحاق الفقيه كل ذلك بركة دعائه صلى الله عليه وسلم، قوله (أَوَ ترى المرأة ذلك) وهذا يدل على أنها لم تكن علمت ذلك إذ ليس كل النساء يحتلم كما تقدم في أم سلمة لاسيما وكانت عائشة صغيرة، قوله (أف لك) قال النواوي: معناه استحقارًا لك ولما تكلمت به، وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والإنكار، قال الباجي: والمراد بها هنا الإنكار، وأصل الأف وسخ الأظفار، وفيها عشر لغات ضم الهمزة مع الحركات الثلاث في الفاء مُنَوَّنَة، وإِفَّ بكسر الهمزة وفتح الفاء، وأُفْ بضم الهمزة وسكون الفاء، وأُفَا بضم الهمزة والقصر، وأُفَّتْ

610 - (277) (123) (87) حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ وَسَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو كُرَيبٍ، وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ (قَال سَهْلٌ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ)، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) قال أبوالبقاء هي اسم لجملة خبرية أي كرهتُ وضجرت، قال أبو حيان: فظاهر هذا أنها اسم فعل للماضي فموجب البناء فيها قائم وهو وقوعها موقع المبني، قال أبو البقاء: فمن بناه على السكون فعلى الأصل، ومن فتح طلب التخفيف، ومن نَوَّنَ أراد التنكير، ومن لم يُنَوِّن أراد التعريف، وذكر الرُّمَّاني فيها أربعين لغة. اهـ أبي. وهذا الحديث تفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف [ج 12 - ص 68]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس خامسًا بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 610 - (277) (123) (87) (حدثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان التميمي الفراء أبو إسحاق (الرازي) يُعْرف بالصغير، وكان أحمد ينكر على من قال الصغير ويقول هو كبير في العلم والجلالة، روى عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة في الوضوء والحج، وعيسى بن يونس في الصلاة، والوليد بن مسلم في الصلاة، وشعيب بن إسحاق الدمشقي في اللباس، وأبي الأحوص سلام بن سليم وخالد الطحان وغيرهم، ويروي عنه (خ م د) والذهلي وأبو حاتم، قال أبو زرعة: كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة، قال في التقريب: ثقة حافظ من العاشرة مات بعد العشرين ومائتين، روى عنه في (4) أبواب (وسهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري نزيل الرَّيّ، روى عنه في (م) فقط، ووثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال في التقريب: أحد الحفاظ له غرائب من (10) مات سنة (235) روى عنه في (6) أبواب (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة من (10) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب، وأتى بقوله (واللفظ لأبي كريب) تورعًا من الكذب على الآخرين، وأتى بقوله (قال سهل حدثنا وقال الآخران أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي مولاهم أبو سعيد الكوفي ثقة متقن من (9) مات سنة (184) لبيان اختلاف كيفية سماع مشايخه (عن أبيه) زكرياء بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي ثقة مدلس من (6) مات سنة (149) روى عنه في (13) بابا

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيبَةَ، عَنْ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَالتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتِ الْمَاءَ؟ فَقَال "نَعَم" فَقَالتْ لَهَا عَائِشَةُ: تَرِبَت يَدَاكِ. وَأُلَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن مصعب بن شيبة) بن جبير بن شيبة بن عثمان بن طلحة الحجبي المكي الكعبي، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: لين الحديث من (5) (عن مُسَافِع بن عبد الله) بن شيبة بن عثمان العبدري (¬1) أبي سليمان الحجبي (¬2) المكي وقد ينسب إلى جده روى عن عروة بن الزبير في الوضوء، وأبيه وجده وعمته صفية وعبد الله بن عمرو بن العاص، ويروي عنه (م د ت) ومصعب بن شيبة وابن عمته منصور بن صفية وجويرية بن أسماء والزهري وهو من أقرانه وغيرهم، وثقه العجلي، وقال مكي: تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات له عندهم ثلاثة أحاديث، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة وليس عندهم مسافع إلا هذا الثقة (عن عروة بن الزبير) الأسدي أبي عبد الله المدني (عن عائشة) أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان واثنان مكيان (أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل تغتسل المرأة إذا احتلمت) أي رأت في منامها الحلم (وأبصرت الماء) أي أنزلت المني، وهذه المرأة المبهمة إن كانت أم سليم فغرض المؤلف بذكر هذا السند بيان متابعة مسافع بن عبد الله للزهري في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزبير، وإن كانت غير أم سليم فالحديث مستقل بنفسه لا متابعة فيه، والله أعلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) عليها غسل (فقالت لها) أي للمرأة (عائشة تربت يداك) أي افتقرت ولصقت بالتراب (وأُلَّتْ) يداك، قال المازري: هو بضم الهمزة وفتح اللام المشددة أي أصيبت بالأَلَّة، والألة بفتح الهمزة وتشديد اللام المفتوحة الحربة يقال أَلَّهُ يَؤُلُّهُ إلّا من باب شد أي طعنه بها، قال ابن السكيت: وجمعها أُلّ بفتح الهمزة وتشديد اللام، ومنه قولهم ماله أَلٌّ ولا عَلٌّ ومعنى أُلَّت طُعنت أي يداك وقيل معناه افتقرت يقال عُلَّت وأُلَّت بإبدال العين همزة وتُؤَوَّلُ بما تؤول به تربت، وقيل: معناه دُفعت، اهـ أبي بتصرف وضبطه صاحب النهاية بفتح الهمزة وتشديد اللام المفتوحة على صيغة المبني ¬

_ (¬1) نسبة إلى عبد الدار. (¬2) الحجبي نسبة إلى حجابة الكعبة وسدانتها، الكعبي نسبة إلى الكعبة للقيام بأمورها.

قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "دَعِيهَا. وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ. إِذَا عَلا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالهُ. وَإِذَا عَلا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ للفاعل، وفسره بقوله أي صاحت لما أصابها من شدة هذا الكلام فيكون معطوفًا على قالت ولا يحتاج إلى تأويل، قال وروي بضم الهمزة مع التشديد أي طعنت بالألة وهي الحربة العريضة النصل، وفيه بعد لأنه لا يلائم لفظ الحديث، اهـ من هامش بعض المتون. (قالت) عائشة (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم دعيها) أي اتركي المرأة على سؤالها فإن كلامها صدق وسؤالها حق (وهل يكون الشبه) أي شبه الولد بامه أو بأخواله أو بأقاربها (إلا من قِبَل ذلك) أي إلا من قِبَلِ كون المني لها وبسببه فإنه (إذا علا) وغلب وكثر (ماؤها) أي ماء المرأة ومنيها (ماء الرجل) أي منيه (أشبه الولد) بسبب علو منيها على مني الرجل (أخواله) أي إخوة أمه (وإذا علا) وغلب (ماء الرجل ماءها) أي ماء المرأة (أشبه) الولد (أعمامه) أي إخوة أبيه، وشبه الولد لأحد الجانبين أمر معروف مشاهد، وذلك بسبب كون المني لها فلا ينكر احتلامها ولا إنزالها المني فإذا أنزلت المني في الحلم يجب عليها الغسل كما يجب على الرجل إذا احتلم وأنزل منيًّا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 92]، وأبو داود [237] والنسائي [1/ 112 - 113]. وهذه الأحاديث كلها تدل على أن الغسل إنما هو في الاحتلام من رؤية الماء لا من رؤية الفعل وعلى أن الولد يكون من مجموع ماء الرجل وماء المرأة معًا خلافًا لمن ذهب إلى أن الولد إنما هو من ماء المرأة وأن ماء الرجل له عاقد كالأنفحة للبن والله سبحانه وتعالى أعلم، قال القرطبي: قوله (إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله) الخ، مقتضى هذا أن العلو يقتضي الشبه، وقد جعل العلو في حديث ثوبان الآتي يقتضي الذكورة والأنوثة، فعلى هذا مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه بالأعمام والذكورة إن علا مني الرجل، وكذلك يلزم إذا علا مني المرأة اقتران الشبه بالأخوال والأنوثة لأنهما معلولا علةٍ واحدة وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلاف ذلك، لأنا نجد الشبه بالأخوال والذكورة معًا والشبه بالأعمام والأنوثة معًا، فتعين تأويل أحد الحديثين لئلا يتعارضا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي يتعين تأويل العلو الذي يأتي في حديث ثوبان، فيقال إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم يقتضي الأنوثة والذكورة، ووجهه أن العلولما كان معناه الغلبة كما فسرناه، وكان السابق عاليًا في ابتدائه بالخروج، قيل عليه علا ويؤيد هذا التأويل أنه روي في غير كتاب مسلم إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أَذْكَرَا، وإذا سبق ماء المرأة آنَثَا. وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على اختلاف هذه الأحاديث بناء فقال: إن للماءين أربعة أحوال: (1) الأول أن يخرج ماء الرجل أولًا و (2) الثاني أن يخرج ماء المرأة أولًا و (3) الثالث أن يخرج ماء الرجل أولًا ويكون أكثر و (4) الرابع أن يخرج ماء المرأة أولًا ويكون أكثر، ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أولًا ثم يخرج ماء المرأة بعده فيكون أكثر أو بالعكس وبالعكس، فإذا خرج ماء الرجل أولًا وكان أكثر جاء الولد ذكرًا بحكم السبق وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة، وإن خرج ماء المرأة أولًا وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم الغلبة، وإن خرج ماء الرجل أولًا لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر كان الولد ذكرًا بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة، وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل وكان أعلى من ماء المرأة كان الولد أنثى بحكم سبق المرأة وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل وقال: وبانتظام هذه يستقيم الكلام ويرتفع التعارض عن هذه الأحاديث، اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث واحد للاستدلال وخمسة للاسثشهاد كما مرت الإشارة إليه، وذكر في حديث أم سلمة رضي الله عنها متابعة واحدة والله أعلم.

162 - (67) (49) باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما

162 - (67) (49) باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما 611 - (278) (124) (88) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ (وَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ) حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ) عَنْ زَيدِ (يَعْنِي أَخَاهُ)؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 162 - (67) (49) باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما 611 - (278) (124) (88) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي، قال أبو حاتم: كان صدوقًا، وقال النسائي: ثقة، وقال الخطيب: كان ثقة حافظًا، وقال الحافظ: ثقة حافظ، له تصانيف من (11) مات سنة (242) روى عنه في (8) أبواب، قال (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع الحلبي الطرسوسي، روى عن معاوية بن سلام في الوضوء والصلاة والزكاة وغيرها، وأبي الأحوص وإبراهيم بن سعد وخلق، ويروي عنه (خ م د س ق) والحسن الحلواني والدارمي وأبو حاتم، قال أحمد: لم يكن به باس، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق حجة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وقال الحافظ: ثقة حجة عابد من العاشرة، مات سنة (241) إحدى وأربعين ومائتين، وأتى بهو في قوله (وهو الربيع بن نافع) إشارة إلى أن هذه التسمية لم يسمعها من شيخه، قال (حدثنا معاوية) بن سلام بالتشديد ابن أبي سلام ممطور الحَبَشِي بفتح المهملة أبو سلام الدمشقي الشامي، وكان يسكن حمص، قال ابن معين: ثقة، وقال دُحَيم: جيد الحديث ثقة، وقال الحافظ: ثقة، من (7) مات سنة (170) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سلام) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه (عن زيد) بن سلام بتشديد اللام بن أبي سلام الأسود ممطور الحَبَشِي بالمهملة والموحدة المفتوحتين الدمشقي، قال العجلي: شامي لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ: ثقة، من (4) وأتى بالعناية في قوله (يعني أخاه) إيضاحًا للراوي (أنه) أي أن زيد بن سلام (سمع) جده (أبا سلَّام) ممطورًا الأسود الحبشي الأعرج الدمشقي، وقيل النَّوْبِي، وقيل إن الحبشي نسبة إلى حي من حمير، قال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال الحافظ: ثقة يرسل، من (3) روى عنه في (5) أبواب، وليس عندهم

قَال: حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ؛ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُ قَال: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَال: السَّلامُ عَلَيكَ يَا مُحَمَّدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ممطورٌ إلا هذا الثقة (قال) أبو سلام (حدثني أبو أسماء) عمرو بن مرثد (الرَّحَبِي) بفتح المهملتين نسبة إلى رحبة دمشق؛ قرية بينها وبين دمشق مِيل الشامي، وقيل اسمه عبد الله، روى عن ثوبان في الوضوء والصلاة والزكاة والجهاد والصلة والفتن، وأبي ذر في الظلم، ويروي عنه (م عم) وأبو سلام وشداد بن عبد الله أبو عمار وأبو قلابة وأبو الأشعث الصنعاني، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ: ثقة من الثالثة، مات في خلافة عبد الملك بن مروان (أن ثوبان) بن بُجْدَد بضم الموحدة وسكون الجيم وفتح الدال الأولى، القرشي الهاشمي مولاهم (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبو عبد الله أو عبد الرحمن الشامي أصله من اليمن أصابه سِبَاءٌ فمنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم له صحبة منه، ويقال إنه من أهل السراة؛ والسراة موضع من اليمن ويذكرون أنه من حمير اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه، خدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ولازمه حضرًا وسفرًا، ثم نزل الشام له بها دار له (127) مائة وسبعة وعشرون حديثًا، روى له (م) عشرة أحاديث، ويروي عنه (خ م عم) وأبو أسماء الرحبي في الوضوء والصلاة، ومعدان بن أبي طلحة في الصلاة، وجبير بن نفير في الضحايا وخلق، مات بحمص في ولاية معاوية سنة (54) أربع وخمسين. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم شاميون إلا الحسن الحلواني فإنه مكي، وفيه رواية الأبناء عن الآباء (حدثه) أي حدث لأبي أسماء (قال) ثوبان كنت قائمًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر) قال في المصباح الحِبْرُ بكسر المهملة وسكون الباء الموحدة العالم، يجمع على أحبار نظير حمل وأحمال، وفتح الحاء لغةٌ فيه، وجمعه حُبُور كفَلْسٍ وفُلُوس، واقتصر ثعلب على الفتح، وبعضهم أنكر الكسر وقال: إنه بالكسر اسم للمداد الذي يُكتب به لا غير أي عالم (من أحبار اليهود) أي من علماء اليهود (فقال) الحبر عند مجيئه (السلام عليك يا محمد) قال الأبي: وبداءته بالسلام وسؤاله عن سبب دفعه دون أن يُعَنِّفَه من أدب العلم الذي اتصف به، وكذا قوله إنما ندعوه باسمه الذي سماه أهله وهو أقرب إلى

فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا. فَقَال: لِمَ تَدْفَعُنِي؛ فَقُلْتُ: أَلا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَال الْيَهُودِيُّ: إِنمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بهِ أَهْلِي" فَقَال الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَيَنْفَعُكَ شَيءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ " قَال: أَسْمَعُ بَأُذُنَيَّ فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق العلم من قول قريش في الحديبية لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، ويحتمل عدم تعنيفه لأنه لا يقدر، اهـ منه. قال ثوبان (فدفعته) أي ضربت ذلك الحبر بِجُمْعِ الكفِّ في صدره (دفعة) أي ضربة (كاد) أي قرب ذلك الحبر (يُصْرَع منها) أي يسقط منها، وهو بصيغة المبني للمجهول لإساءته أدب الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ناداه باسمه (فقال) الحبر لي (لِمَ تدفعني) أي لم تضربني (فقلت) له (ألا تقول يا رسول الله، فقال اليهودي إنما ندعوه) أي ندعوا محمدًا (باسمه الذي سماه به أهله) أي آباؤه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لليهودي نعم (إن اسمي محمد) هذا كلام تام اشتمل على إن ومعموليها، وقوله (الذي سماني به أهلي) صفة لاسم إن، ففيه تقديم وتأخير أي إن اسمي الذي سماني به أهلي هو محمد كما قلتَ، وهذا من إنصافه صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه واستئلافه الخلق إلى الإيمان، فأخْبِرْني عن حاجتك (فقال اليهودي جئتـ) ــك لكي (أسألك) عن أمور يحتمل أن سؤاله ليعلم صدْقَه فيؤمن، ويحتمل أن لا فإن الظاهر أنه لم يؤمن (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أينفعك شيء) من حديثي (إن حدثتك قال) اليهودي (أسمع) منك (بأُذُنَيَّ) بفتح النون وتشديد الياء لأنه مثنى أضيف إلى ياء المتكلم أي بأذنين لي أي وانظر في دلالة ما أسمع على صدقك وليس المعنى أسمع وأنصرف فقط (فنكت) أي خط (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وضرب (بعود) أي بمِخْصَرَةٍ (معه) خطوطًا في الأرض كهيئة المفكر في مهمات الأمر. وفي المفهم: ونكت النبي صلى الله عليه وسلم الأرض بعود معه هو ضربه فيها، وهذا العود هو المسمى بالمخصرة وهو الذي جرت عوائد رؤساء العرب وكبرائهم باستعمالها بحيث تصل إلى خصره ويشغل بها يديه من العبث وإنما يفعل ذلك النَّكْتَ المتفَكِّرُ، اهـ. وعبارة الأبي (فنكت) أي ضرب، قال (ع): هذا العود هو المسمى بالمخصرة الذي جرت عادة الرؤساء والكبراء باستعماله تصل به كلامها وتنكت به عند التفكر في الأمر

فَقَال: "سَلْ" فَقَال الْيَهُودِيُّ: أَينَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَال رَشولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الجَسْرِ" قَال: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ففيه جواز ذلك، اهـ (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (سل) عما بدا لك (فقال اليهودي أين يكون الناس) والخلق (يوم تبَدَّل الأرض) التي يُحشر عليها (غير الأرض) التي كانوا عليها في الدنيا (و) تبدل (السماوات) التي كانت في الدنيا بغيرها، قال الأبي: سؤال الحبر والجواب بأنهم في الظلمة يدلان على أن تبديلَها إزالتُها والإتيانُ بغيرها، لا ما قيل إنه تبديل صفاتها بأن تُمَدَّ وتُسَوَّى وتزال آكامها، إذ لو كان كذلك لم يُشْكِل على الحبر ولا على عائشة فإنها سألت عن ذلك أيضًا، ولم يُحْتَجْ إلى أن يكونوا في الظلمة، والظلمة الجسر؛ والجسر بفتح الجيم وكسرها مع سكون السين فيهما ما يعبر عليه وهو هذا الصراط كما جاء في جوابه لعائشة (إنهم على الصراط) رواه مسلم [2791] والأرض المبدلة هي الأرض التي ذكرها في حديث سهل بن سعد حيث قال (يُحشر الناس على أرضٍ بيضاءَ عفراء ليس فيها علم لأحدٍ) رواه البخاري [6521] ومسلم [2790] أي ليلى فيها ما يستتر به، وهذا الحشر هو جمعهم فيها بعد أن كانوا على الصراط، وجاء تمد الأرض الثانية مد الأديم ثم يزجر اللهُ تعالى الخلقَ زجرة واحدة فإذا هم في الأرض الثانية في مثل مواضعهم من الأرض الأولى، والله أعلم بكيفية ذلك. قال السنوسي: انظر تفسيره الظلمة بالجسر، والحديث صرح أنها دون الجسر بل الظاهر أن المراد بالجسر ها هنا القنطرة التي يحبس عليها المؤمنون بعد الصراط حتى يُقْتَصَّ بينهم المظالمَ على ما صح في الحديث، ويصح حينئذ تفسير الظلمة بالصراط أو بجسم يكون من ظلمةِ فوق الصراط، فيبقى اللفظ على ظاهره إذ الظلمة جسم عند المحققين، ولا ينافي مع ذلك جوابه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها بأنهم على الصراط، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم في الظلمة دون الجسر) أي فوق الجسر، والجسر بفتح الجيم وكسرها ما يعبر عليه وهو هنا الصراط كما مر آنفًا، ودون بمعنى فوق كما قال في حديث عائشة (على الصراط) (قال) اليهودي (فمن أول الناس إجازة) أي جوازًا على الصراط وعبورًا إلى الجنة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم

فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ. قَال الْيَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنةَ؟ قَال: زِيادَةُ كَبِدِ النُّونِ. قَال: "فَمَا غِذَاؤُهُم عَلَى إِثْرِهَا؟ قَال: "يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ مرورًا على الصراط (فقراء المهاجرين) قال الأبي: ولا يدل هذا على أن فقراء المهاجرين أفضل من أغنيائهم للإجماع على أن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف أفضل من أبي هريرة وأبي ذر رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وقد يختص المفضول بخاصية ليست في الفاضل ولا يكون بسببها أفضل، ولهذا المعنى لا يحتج به لترجيح الفقراء، ولا يشترط في فقر المهاجرين دوامه بل فقرهم في زمنه صلى الله عليه وسلم (قال اليهودي فما تحفتهم) أي نُزُلُهم (حين يدخلون الجنة) والتحْفة بإسكان الحاء وفتحها لغتان مشهورتان وهي ما يُكرم به الإنسان ويُهدى إليه ويخص به ويلاطف من الفواكه وغيره من نفيس الطعام وغيره (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم تحفتهم ونزلهم (زيادة كَبِدِ النون) وزيادة الكبد قطعة منه كالإصبع وطرفه وهو أطيبه، وفي الصحاح: النون الحوت وجمعه أنوان ونينان، وذو النون لقب يونس - عليه السلام -، قال الأبي: والأصل في الأداة التي في لفظ النون أنها للعهد، وانظر هل هو الحوت الذي عليه الأرض ولم يات أنها عليه من طريق صحيح، قال ابن الجوزي: علماء التاريخ يقولون إن الأرض على صخرة، والصخرة على مَنْكِبَي مَلَكٍ، والملك على الحوت، والحوت على الماء، والماء على متن الريح. اهـ. والأطباء يقولون: إن الكبد من ألذ الطعام، وقد جاء مفسرًا في حديث أبي سعيد قال اليهودي: ألا أخبرك بإدامهم، قال: بلى، قال: إدامهم بالام ونون، قالوا: ما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفًا. رواه مسلم [2792] (قال) اليهودي (فما غذاؤهم) أي غذاء أهل الجنة وطعامهم (على إثرها) أي عقب زيادة كبد النون، قال القاضي عياض: قوله (غداؤهم) هو بفتح الغين المعجمة والدال المهملة وهو في الأصل ما يؤكل أول النهار، وللسمرقندي بكسرها وبالذال المعجمة؛ وليس بشيء ولا يدل المعنى عليه، قال القرطبي: والأظهر أنه تصحيف، قال النواوي: وله وجهٌ تقديره ما غذاؤهم في ذلك الوقت، والإثر بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحهما معًا بمعنى عقبها وبعدها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يُنْحَر) ويذبح (لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها) أي من أغصان أشجارها، والأطراف جمع طرف والطرف من النبات ما كان في أكمامه. اهـ م ج أرميَّته

قَال: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيهِ؟ قَال: "مِنْ عَيني فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا" قَال: صَدَقْتَ. قَال: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيءٍ لا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، إِلا نَبِيٌّ، أَوْ رَجُلٌ، أَوْ رَجُلانِ. قَال: "يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثتُكَ؟ " قَال: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ. قَال: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ؟ قَال: "مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجتَمَعَا، فَعَلا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ، أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللهِ. وَإِذَا عَلا مَنِى الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ، آنثَا ـــــــــــــــــــــــــــــ غعا، والثور ذكر البقر يجمع على أثوار وثيران، قال الأبي: كأنه معهود، وليس الذي عليه الأرض لقوله (يأكل من أطرافها) قال السنوسي: وكونه معهودًا بأنه ثور الجنة لعله بانفراده بصفات لا يماثله فيها غيره من ثيرانها من ذلك كون الأكل من زيادة كبده عامًّا لأهل الجنة إلى غير ذلك مما انفرد به حتى أوجب شهرته بهذه الإضافة دون غيره (قال) اليهودي (فما شرابهم) أي شراب أهل الجنة (عليه) أي على غدائهم الذي هو لحم الثور (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم شرابهم عليه (من) ماء (عين فيها) أي في الجنة، والعين النهر الصغير الجاري (تُسَمَّى) تلك العين (سلسبيلًا) أي سَلِسَة السبيل سهلة المشرع، يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل وقيل شديدة الجِرْيَة قاله مجاهد، قال حسان بن ثابت: يَسْقُون مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عليهم ... كأسًا تُصَفَّقُ بالرحيق السَّلْسَلِ وقال قتادة؛ السلسبيل عين تنبع من تحت العرش من جنة عدن إلى الجنان (قال) اليهودي (صدقتَ) يا محمد في جميع ما أخبرت (قال) اليهودي (وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي) مرسل (أو رجل) عالم (أو رجلان) يعني قليل من يعلمه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم هل (ينفعك) حديثي (إن حدثتك قال) اليهودي (أسمع) كلامك (بأذني) وأنظر في دلالة ما أسمع منك على صدقك فيما تَدَّعِي (قال) اليهودي (جئت أسألك عن الولد) أي عن أصل الولد وسبب اختلافه ذكورة وأنوثة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماء الرجل) أي منيه (أبيض) ثخين، وهذا موضع الترجمة من الحديث (وماء المرأة) أي منيها (أصفر) رقيق (فإذا اجتمعا) في الرحم (فَعَلَا) أي فغلب (مني الرجل) بكثرته أو بسبقه إلى الرحم على ما مر من الخلاف (مني المرأة أَذْكَرَا بإذن الله) تعالى أي صار المنيان ولدًا ذكرًا لغلبة ماء الرجل (وإذا علا) وعلت بكثرته أو بسبقه (مني المرأة مني الرجل آنثا) بالمد وتخفيف النون، وقد روي

بِإِذْنِ اللهِ" قَال الْيَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ. وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ. ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ سَأَلَنِي هَذا عَنِ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ. وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيءٍ مِنْهُ. حَئى أَتَانِيَ اللهُ بِهِ". 612 - (00) (00)) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقصر وتشديد النون "أنثا" أي صار المنيان ولدًا أنثى (بإذن الله) تعالى بسبب غلبة ماء المرأة (قال اليهودي لقد صدقتَ) يا محمد في جميع ما أخبرت (وإنك لنبي) حقًّا، وهذا يدل على أن مجرد التصديق اللساني من غير التصديق القلبي ولا التزام الشريعة ولا دخولٍ فيها لا ينفع إذ لم يحكم له بالإسلام (ثم انصرف) اليهودي وفرغ من سؤاله (فذهب) أي مشى من عند النبي صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألني هذا) اليهودي (عن الذي سألني عنه وما لي) أي والحال أنه ليس لي (علم بشيء منه حتى أتاني الله) سبحانه وتعالى أي ألهمني (به) أي بجوابه فضلًا منه، وفي الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم واطلاعه على المغيَّبَات ما لا يخفى، والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قال القاضي عياض: وفي هذا الحديث من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم وإخباره بالمغيبات واطلاعه على أسرار علوم الناس ومعارف الدنيا والآخرة ما هو غير خفي، واعترف له به العدو اليهودي حين قال له (صدقت وإنك لنبي) وفيه أن من قال مثل هذا من أهل الكتاب من غير التزام الشريعة لا يُحْسَبُ قوله إيمانًا حتى يعتقده ويلتزمه، وفيه جواز استعمال المخاصر على عادة العرب، وجواز النَّكْتِ بها في الأرض عند التفكر في الأمور والتدبير لها. والله أعلم. اهـ بتصرف. 612 - (00) (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث ثوبان (عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي أحد الأئمة الأعلام صاحب المسند والتفسير والجامع، ثقة متقن، من (11) مات سنة (255) روى عنه في (14) بابا، قال (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان بتحتانية مشددة التِنِّيسِي بكسر الفوقانية وكسر النون المشددة وسكون التحتية ثم سين مهملة البكري أبو زكرياء البصري من أهل بصرة سكن تنيس، روى عن معاوية بن سلام في الوضوء

حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ سَلَّامٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال: زَائِدَةُ كَبِدِ النُّونِ. وَقَال: أَذْكَرَ وَآنَثَ. وَلَمْ يَقُلْ: أَذْكَرَا وَآنثَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والصلاة والنكاح وغيرها، ووهيب في الصلاة، وعبد الرحمن بن زياد وسليمان بن بلال في الصلاة والأطعمة والفضائل، وحماد بن سلمة في الجهاد، وهشيم وجماعة، ويروي عنه (خ م د ت س) وعبد الله الدارمي في الوضوء والصلاة، وقال مسلم في باب الصلاة: حدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب وغيرهما عن عبد الواحد ومحمد بن سهل التميمي ومحمد بن مسكين اليمامي. اهـ. والشافعي ودُحَيم وأحمد بن صالح وخلق، وثقه أحمد، وقال العجلي: كان ثقة مأمونًا عالمًا بالحديث، وقال الحافظ: ثقة، من التاسعة مات سنة (208) ثمان ومائتين وله (64) أربع وستون سنة، روى عنه في ستة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا معاوية بن سلام) الدمشقي، وقوله (في هذا الإسناد) في بمعنى الباء متعلقة بقوله أخبرنا يحيى لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى مابعد شيخ المتابَع وهو أبو توبة، وقوله (بمثله) متعلق باخبرنا يحيى أيضًا، والضمير فيه عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو أبو توبة، والتقدير: أخبرنا يحيى بن حسان عن معاوية بن سلام بهذا الإسناد يعني عن زيد بن سلام الدمشقي عن أبي سلام الدمشقي عن أبي أسماء الرحبي الدمشقي عن ثوبان الدمشقي بمثله أي بمثل ما روى أبو توبة عن معاوية بن سلام. وهذا السند أيضًا من سباعياته رجاله خمسة منهم شاميون وواحد بصري وواحد سمرقندي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن حسان لأبي توبة في رواية هذا الحديث عن معاوية بن سلام، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ثم بيَّن محل المخالفة بقوله (غير أنه) أي لكن أن يحيى بن حسان (قال) في روايته (كنت قاعدًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل قول أبي توبة (كنت قائمًا) (وقال) يحيى بن حسان أيضًا (زائدة كبد النون) بدل قوله (زيادة) والزائدة والزيادة شيء واحد وهو طرف الكبد وهو أطيبها (وقال) يحيى أيضًا (أَذْكَرَ) أي جاء الولد ذكرًا بلا ألف (وآنَثَ) أي جاء الولد أنثى (ولم يقل) يحيى (أذْكَرَا وآنثا) بالألف. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ثوبان رضي الله عنه وذكر فيه متابعة واحدة، والله أعلم. ***

163 - (68) (50) باب في بيان صفة غسله صلى الله عليه وسلم من الجنابة

163 - (68) (50) باب في بيان صفة غسله صلى الله عليه وسلم من الجنابة 613 - (279) (125) 891) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيهِ. ثُمَّ يُفْرغُ بِيَمِينِه عَلَى شِمَالِهِ. فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 163 - (68) (50) باب في بيان صفة غسله صلى الله عليه وسلم من الجنابة 613 - (279) (125) (89) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبي المنذر المدني ثقة من (5) (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة من (2) (عن عائشة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل) أي إذا أراد الغسل (من الجنابة) أي لأجل حدث الحنابة أو بسبب الجنابة، فمن إما تعليلية أو سببية، والجنابة اسم مصدر لأجنب الرباعي يقال أجنب الرجل إجنابًا وجنابة إذا التبس بحدث الجنابة والجنب الذي يجب عليه الغسل بالجماع أو بخروج المني، ويقع على الواحد والاثنين والجماعة والمؤنث والمذكر بلفظ واحد، والجنابة في الأصل معناها البعد وسُمي الإنسان جنبًا لأنه نُهِيَ أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل وفي القاموس الجنابة المني، اهـ. أي إذا أراد أن يغتسل من الجنابة كما في رواية الترمذي (يبدأ) بغسل كفيه (فيغسل يديه) أي كفيه قبل ادخالهما الإناء فهو تفسير ليبدأ (ثم يُفْرغ) الماء من الإناء (بيمينه) ويصبه (على شماله) ليستنجي بها (فيغسل فرجه) بشماله، قال الحافظ: قوله (فيغسل كفيه) يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مُسْتَقْذَر، ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث (قبل أن

ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ. فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعَرِ. حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرأَ، حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ. ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يُدْخِلَهما في الإناء) رواه الشافعي والترمذي. اهـ. قال القاضي عياض: قد تقدم أن غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء سنة، ويجب على مَن بيده أذى، اهـ (ثم) أي ثم بعد الفراغ من غسل اليدين والاستنجاء (يتوضأ وضوءه للصلاة) بالنصب أي وضوءًا مثل وضوئه للصلاة أي يتوضأ وضوءًا كاملًا، وفي البذل: ظاهره أنه كان يغسل رجليه قبل غسل سائر البدن، وسيأتي في آخر الحديث (ثم يغسل رجليه) أي يغسل رجليه بعد التَّنَحِّي عن ذلك المكان إلا أن يجمع بينهما بأنه كان يفعل أحيانًا كذا وأحيانًا كذا، أو يؤول بأنه كان يغسل رجليه لإزالة الحدث أولًا ثم يغسل بعد ذلك للنظافة وإزالة الطين ثانيًا هكذا قرره بعضهم، اهـ (ثم) بعد فراغه من الوضوء الكامل (يأخذ الماء) بكفيه (فيدخل أصابعه) العشر (في أصول الشعر) أي في منابت الشعر فيُخَلِّلُها حتى يصل الماء إلى بشرتها، والمراد بالشعر شعر رأسه، قال ابن العربي: خلل شعر رأسه خاصة، وتخليل اللحية اختلفت الرواية فيه عن إمامنا، وقال الزرقاني: وهذا التخليل غير واجب اتفاقًا إلا أن يكون رأسه مُلَبَّدًا بشيء، وقال عياض: احتج به بعضهم على تخليل اللحية إما بالعموم أو بقياسه على الرأس. اهـ ابن رسلان. قال القرطبي: قيل إنما فعل ذلك ليسهل دخول الماء إلى أصول الشعر وقل ليتَأَنَّسَ بذلك حتى لا يجده بعده من صب الماء الكثير نفرة، اهـ؛ أي يخلل أصول شعر رأسه (حتى إذا رأى) وظن أو علم (أن قد استبرأ) أي استقصى وبالغ في التخليل من قولهم استبرأ الخبر إذا استقصاه وتتبع أي أنه قد بالغ وأوصل البلل إلى جميعه (حَفَن) أي أخذ الماء بيديه جميعًا وصب (على رأسه ثلاث حفنات) أي ثلاث غرفات جمع حفنة على زنة سجدة وسجدات، والحفنة ملء الكفين من أي شيء كان سواء كان من الطعام أو غيره، وأصلها من الشيء اليابس كالدقيق والرمل والحب ونحوها، يقال حفنت له حفنة أي أعطيته قليلًا قاله في الصحاح، ولا يفهم من هذه الثلاث حفنات أنه غسل رأسه ثلاث مرات، لأن التكرار في الغسل غير مشروع لما في ذلك من المشقة، دهانما كان ذلك العدد لأنه بدأ بجانب رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم على وسط رأسه كما جاء في حديث عائشة الآتي بعد هذا وكما وقع في البخاري أيضًا من حديثها (ثم أفاض) الماء أي صبه صبًا كثيرًا (على سائر جسده) أي

ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على باقي بدنه، قال القرطبي: استدل به من لا يشترط التدليك في الغسل وهو الشافعي ولا حجة له فيه لأن معنى أفاض غسل كما جاء في حديث ميمونة الآتي بعد هذا، والغسل إجادة التطهير وهو يفيد أن مجرد الإفاضة والغمس لا يُكْتَفَى به في مسمى الغسل بل لا بد مع ذلك من مبالغة إما بالدلك أو بما يَتَنَزَّل منزلته، وقد تواردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يغسل أعضاء وضوئه ويدلكها بيديه، ولا فرق في ذلك بين الغسل والوضوء، اهـ (ثم) بعد ما أفاض الماء على سائر جسده وفرغ من غسله (غسل رجليه) أي يعيد غسل رجليه لإزالة الطين لا لأجل الجنابة، قال القرطبي: وفي حديث ميمونة (ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه) استحب بعض العلماء أن يؤخر غسل رجليه على ظاهر هذه الأحاديث وذلك ليكون الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء، وقد روي عن مالك ليس العمل على تأخير غسل الرجلين وليتم وضوءه في أول غسله فإن أخرَهما أعاد وضوءه عند الفراغ وكأنه رأى أن ما وقع هنا كان لما ناله من تلك البقعة من الطين والأذى، ورُوي أنه واسع، والأظهر الاستحباب لدوام النبي صلى الله عليه وسلم على فعل ذلك، اهـ من المفهم. قال النواوي: واعلم أنه جاء في روايات عائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة قبل إفاضة الماء عليه فظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم أكمل الوضوء بغسل الرجلين، وقد جاء في أكثر روايات ميمونة توضأ ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل رجليه، وفي رواية من حديثها في البخاري توضأ وضوءه للصلاة غير قدميه ثم أفاض الماء عليه ثم نحى قدميه فغسلهما، وهذا تصريح بتأخير القدمين. وللشافعي رضي الله تعالى عنه قولان: أصحهما وأشهرهما والمختار منهما أنه يكمل وضوءه بغسل القدمين، والثاني أنه يؤخر غسل القدمين بتأويل روايات عائشة وأكثر روايات ميمونة على أن المراد بوضوء الصلاة أكثره وهو ما سوى الرجلين كما بينته ميمونة في رواية البخاري فهذه الرواية صريحة في تأخير غسل الرجلين وتلك الرواية محتملة للتأويل فيجمع بينهما بما ذكرناه، وأما على المشهور الصحيح فيعمل بظاهر الروايات المشهورة المستفيضة عن عائشة وميمونة جميعًا في تقديم وضوء الصلاة فإن ظاهره كمال الوضوء فهذا كان الغالب، والعادة المعروفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعيد غسل القدمين بعد الفراغ لإزالة الطين لا لأجل الجنابة

614 - (00) (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِى بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهمْ غَسْلُ الرِّجْلَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فتكون الرجل مغسولةً مرتين، وهذا هو الأكمل والأفضل فكان صلى الله عليه وسلم يواظب عليه، وأما رواية البخاري عن ميمونة فجرى ذلك مرة أو نحوها بيانًا للجواز وهذا كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا ومرة مرة فكان الثلاث في معظم الأوقات لكونه الأفضل، والمرة في نادرٍ من الأوقات لبيان الجواز ونظائر هذا كثيرة، والله أعلم. وأما نية هذا الوضوء فينوي به رفع الحدث الأصغر إلا أن يكون جنبًا غير محدث فإنه ينوي حينئذ سنة الغسل، والله أعلم. اهـ منه. وهذا الحديث أعني حديث عائشة شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 237] والبخاري [258] وأبو داود [240 - 244] والترمذي [104] والنسائي [1/ 131]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 614 - (00) (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث عائشة (قتيبة بن سعيد) البغلاني الثقفي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا علي بن حجر) السعدي المروزي، قال (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي قال (حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (كلهم) أي كل من جرير وعلي بن مسهر وابن نمير رووا (عن هشام) بن عروة الأسدي أبي المنذر المدني، والجار والمجرور في قوله (في هذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابعين، و"في"بمعنى الباء واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع أي كل من الثلاثة رووا عن هشام بهذا الإسناد يعني عن عروة عن عائشة مثل ما روى أبو معاوية عن هشام، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة (و) لكن (ليس في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الثلاثة وروايتهم (غسل الرجلين) أي ذكر هذا اللفظ بل هو زيادة تفرد بها أبو معاوية. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته وثلاثة من رجالها مدنيون واثنان من الأول كوفي وبغلاني أو كوفي ونسائي

615 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِن الْجَنَابَةِ. فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفيهِ ثَلاثًا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الرِّجْلَينِ. 616 - (00) (00) (00) وحدّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واثنان من الثاني واحد كوفي وواحد مروزي واثنان من الثالث كوفيان. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 615 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) قال (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، قال (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن هشام، وكرر محل المخالفة بين الروايتين من الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل) أي أراد الاغتسال (من الجنابة فبدأ) أي فأراد البداية بالكفين (فغسل كفيه ثلاثًا) من المرات (ثم ذكر) وكيع (نحو حديث أبي معاوية و) لكن (لم يذكر) وكيع (غسل الرجلين) كما لم يذكره جرير وعلي بن مسهر وعبد الله بن نمير بل تفرد به أبو معاوية. قال الأبي: وخلاصة ما هنا أن المغتسل إن لم يُرِد أن يتوضأ فالأكمل له أن يغسل الأذى ثم يعيد غسل محل الأذى بنية الجنابة ثم يكمل غسله ويجزيه عن الوضوء باتفاق لأن موانع الأكبر أكثر من موانع الأصغر فاندرج الأقل تحت الأكثر، وإن مس ذكره في أثناء غسله أعاد ما كان غسله من أعضاء الوضوء، قال ابن العربي: يُعيدها بنية الوضوء لأن اللمس لم يؤثر في الغسل وإنما أثر في الوضوء، وإن شاء نوى الجنابة عند غسل الأذى، ولا يعيد غسل محله على المشهور في أن طهارة الحدث ليس من شرطها أن تَرِدَ على الأعضاء والأعضاء طاهرة. اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 616 - (00) (00) (00) (وحدثناه عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ وَهِمَ في حديثٍ من (10) مات سنة (232) روى عنه في

[فصل في صفة غسل الجنابة]

حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ. ثُمَّ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا معاوية بن عمرو) بن المهلب الأزدي أبو عمرو الكوفي ثم البغدادي المعروف بابن الكرماني، قال أحمد: صدوق ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من (9) مات سنة (214) روى عنه في (4) أبواب، قال (حدثنا زائدة) بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي ثقة ثبت من (7) مات سنة (160) روى عنه في (10) أبواب (عن هشام) بن عروة (قال) هشام (أخبرني) أبي (عروة) بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بغداديان وواحد كوفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة زائدة بن قدامة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) في أغلب أحواله (إذا اغتسل) أي إذا أراد الاغتسال (من الجنابة بدأ) بغسل كفيه، وقوله (فغسل بديه) أي كفيه، تفسير لما قبله (قبل أن يُدخل يده) اليمنى (في الإناء) المشتمل على ماء دون القلتين (ثم) بعد غسل الكفين (توضأ) وضوءًا كاملًا (مثل وضوئه للصلاة) والله سبحانه وتعالى أعلم. [فصل في صفة غسل الجنابة] قال النواوي: قال أصحابنا كمال غسل الجنابة أن يبدأ المغتسل فيغسل كفيه ثلاثًا قبل إدخالهما في الإناء ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة بكماله ثم يُدْخِل أصابعه كلها في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات ويتعاهد معاطف بدنه كالأبطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الأليتين وأصابع الرجلين وعُكَنِ البطن وغير ذلك فيوصل الماء إلى جميع ذلك ثم يفيض على رأسه ثلاث حثيات ثم يفيض الماء على سائر جسده ثلاث مرات يدلك في كل مرة ما تصل إليه يداه، وإن كان يغتسل في نهر أو بركة انغمس فيها ثلاث مرات، ويوصل الماء إلى جميع بشرته والشعور الكثيفة والخفيفة، ويعم بالغسل ظاهر الشعر وباطنه وأصول منابته، والمستحب أن يبدأ بميامنه وأعالي بدنه وأن يكون

617 - (280) (126) (90) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقبل القبلة وأن يقول بعد الفراغ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وينوي الغسل من أول شروعه فيما ذكرناه، ويستصحب النية إلى أن يفرغ من غسله فهذا كمال الغسل، والواجب من هذا كله النية في أول ملاقاة أول جزء من البدن للماء وتعميم البدن شعره وبشره بالماء، ومن شرطه أن يكون البدن طاهرًا من النجاسة وما زاد على هذا مما ذكرناه سنة، وينبغي لمن اغتسل من إناء كالإبريق ونحوه أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها وهي أنه إذا استنجى وطَفَرَ محل الاستنجاء بالماء فينبغي أن يغسل محل الاستنجاء بعد ذلك بنية غسل الجنابة لأنه إذا لم يغسله الآن ربما غفل عنه بعد ذلك فلا يصح غسله لترك ذلك وإن ذكره احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوؤه أو يحتاج إلى كلفة في لف خرقة على يده والله أعلم، هذا مذهبنا ومذهب كثيرين من الأئمة ولم يوجب أحد من العلماء الدلك في الغسل ولا في الوضوء إلا مالك والمزني، ومن سواهما يقول: هو سنة لو تركه صحت طهارته في الوضوء والغسل، ولم يوجب أيضًا الوضوء في غسل الجنابة إلا داود الظاهري، ومن سواه يقولون: هو سنة فلو أفاض الماء على جميع بدنه من غير وضوء صح غسله واستباح به الصلاة وغيرها، ولكن الأفضل أن يتوضأ كما ذكرنا، وتحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل أو بعده وإذا توضأ أولًا لا يأتي به ثانيًا فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان فهذا مختصر ما يتعلق بصفة الغسل، وأحاديث الباب تدل على معظم ما ذكرناه وما بقي فله دلائل مشهورة، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما فقال: 617 - (280) (126) (90) (وحدثني علي بن حجر السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة حافظ من صغار التاسعة مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثني عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي ثقة مأمون من (8) مات سنة (191) روى عنه في (17) بابا، قال (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة حافظ قارئ ورع لكنه يدلس، من (5) مات سنة

عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: حَدَّثَتْنِي خَالتِي مَيمُونَةُ قَالتْ: أَدنَيتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (148) روى عنه في (13) بابا (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، روى عن كريب في الوضوء والنكاح، والنعمان بن بشير في الصلاة، ومعدان بن أبي طلحة وجابر بن عبد الله في الصلاة والبيوع والجهاد، وأنس بن مالك في المرء مع من أحب، وأبيه في ذكر الجن، ويروي عنه (ع) والأعمش وعمرو بن مرة في الصلاة وقتادة في الصلاة وحصين بن عبد الرحمن ومنصور والحكم بن عتيبة وخلق، قال ابن معين وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وكذا قال ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة وكان يرسل كثيرًا، من الثالثة مات سنة سبع أو ثمان وتسعين (98) في ولاية سليمان بن عبد الملك، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: ثقة تابعي، وقال إبراهيم الحربي: مجمع على توثيقه (عن كريب) مصغرًا ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس أبي رشدين المدني ثقة من الثالثة مات سنة (98) بالمدينة، روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي أبي العباس الطائفي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مات سنة (68) بالطائف، روى عنه في (17) بابا (قال) ابن عباس (حدثتني خالتي ميمونة) بنت الحارث بن حزن الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها سنة سبع، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم لها ستة وأربعون (46) حديثًا اتفقا على سبعة (7) وانفرد (خ) بحديث و (م) بخمسة، ويروي عنها (ع) وعبد الله بن عباس في الوضوء، وكريب في الصوم، وعبد الله بن شداد ويزيد بن الأصم وإبراهيم بن عبد الله بن معبد وجماعة، قال الزهري: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، قال في التقريب: وتزوجها بِسَرِفَ موضع بين مكة والمدينة قريب من التنعيم سنة سبع وماتت بها ودفنت هناك سنة (51) إحدى وخمسين على الصحيح. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مروزي (قالت) ميمونة بنت الحارث رضي الله تعالى عنها (أدنيت) أي قربت (لرسول الله صلى الله عليه وسلم غُسله) بضم الغين المعجمة أي الماء الذي يغتسل به (من الجنابة) ويطلق الغُسل بالضم على الماء الذي يغتسل به وهو المراد هنا، وأما الغِسل بالكسر فاسم لما يضاف إلى الماء من سدر وأُشْنَان وصابون ونحوها، وبالفتح فاسم لاستعمال

فَغَسَلَ كَفَّيهِ مَرَّتَينِ أوْ ثَلاثًا. ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ. ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ، وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ. ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمالِهِ الأَرْضَ، فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا. ثُمَّ تَوَضأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ. ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ. ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ. فَغَسَلَ رِجْلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الماء في جميع البدن، وهو مصدر قياسي لغسل الثلاثي كما يقتضيه قول الخلاصة: فعلٌ مَقِيسُ مصدر المعدَّى ... من ذي ثلاثة كَرَدَّ رَدَّا (فغسل كفيه مرتين أو) قال سالم: غسلهما (ثلاثًا) قال ابن رسلان: الشك من الأعمش كما في البخاري، وأخرج أبو عوانة عن فضيل عن الأعمش ثلاثًا بدون الشك فعُلِم أن الأعمش شك أولًا ثم جزم لأن سماع فضيل متأخر اهـ (ثم أدخل يده) اليمنى (في الإناء) لياخذ الماء فأخذه (ثم أفرغ) وصب (به) أي بالماء (على فرجه) ومذاكيره (وغسله) أي غسل فرجه (بشماله، ثم ضرب) ومسح (بشماله الأرض فدلكها) أي دلك شماله على الأرض (دلكًا شديدًا) لما لعله تعلق بها من رائحة ولزوجة، قال النواوي: وفي هذا دلالة على أنه يستحب للمستنجي بالماء إذا فرغ أن يغسل يده بتراب أو أُشْنَان أو يدلكها بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار منها (ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ) أي صب الماء (على رأسه ثلاث حفنات) أي ثلاث غرفات، وقوله (ملء كفه) أي ماليء جنس كفه أي ماءً مالئًا كفيه، قال النواوي: هكذا هو في الأصول التي ببلادنا (ملء كفيه) بلفظ الإفراد وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين، وفي رواية الطبري (ملء كفيه) بالتثنية وهي مفسرة لرواية الأكثرين، والحفنة ملء الكفين جميعا وقد عرفتَ تأويلنا، وفي بعض النسخ (ملء كفيه) كرواية الطبري (ثم غسل سائر جسده) أي باقي جسده، قال في القاموس: السائر الباقي لا الجميع كما توهم جماعات وقد يستعمل له، وقال الجزري في النهاية: والسائر مهموزًا الباقي، والناس يستعملونه بمعنى الجميع وليس بصحيح، وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث وكلها بمعنى باقي الشيء انتهى. اهـ تحفة الأحوذي بتصرف (ثم تنحى) أي تحول (عن مقامه ذلك) أي عن مكانه الذي اغتسل فيه إلى ناحية أخرى (فغسل رجليه) قال الحافظ: وفيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره، وهو مخالف لظاهر رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أكان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يُدْخِل أصابعه في الماء .. ،

ثُمَّ أَتَيتُهُ بِالمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز بأن المراد يتوضأ أكثر الوضوء كما يتوضأ للصلاة وهو ما سوى الرجلين، وبحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل، وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم، وعند الشافعية ففي الأفضل قولان كما مر عن النواوي، قالت ميمونة رضي الله تعالى عنها (ثم) بعد فراغه من غسله (أتيته) أي جئته صلى الله عليه وسلم (بالمنديل) بكسر الميم وهو ما يُنَشَفُ به البدن أو يُتَمَسَّح به من الوسخ (فردَّه) أي رد المنديل عليَّ فلم يأخذه مني أي أتيته بالمنديل ليتمسح به فرده أي لم يأخذه مني كما في رواية البخاري، قال ملا علي: إما لأنه أفضل إبقاءً لأثر العبادة أو لكونه مستعجلًا أو لأن الوقت كان حَرًّا والبلل مطلوب، ومع هذه الاحتمالات فالحديث لا يصلح أن يكون دليلًا على سنية ترك التنشيف أو كراهة فعله. اهـ لأنه ارتدى ثوب الاحتمال. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [257] وأبو داود [245] والترمذي [103] والنسائي [1/ 137]. قال النواوي: قولها (ثم أتيته بالمنديل فرده) فيه استحباب ترك تنشيف الأعضاء وقد اختلف أصحابنا في تنشيف الأعضاء في الوضوء والغسل على خمسة أوجه: أشهرها أن المستحب تركه ولا يقال فعله مكروه، والثاني مكروه، والثالث إنه مباح يستوي فعله وتركه وهذا هو الذي نختاره فإن المنع والاستحباب يحتاج إلى دليل ظاهر، والرابع أنه مستحب لما فيه من الاحتراز عن الأوساخ، والخامس يكره في الصيف دون الشتاء، هذا ما ذكره أصحابنا وقد اختلف الصحابة وغيرهم في التنشيف على ثلاثة مذاهب: أحدها أنه لا باس به في الوضوء ولا في الغسل وهو قول أنس بن مالك والثوري، والثاني مكروه فيهما وهو قول ابن عمر وابن أبي ليلى، والثالث يكره في الوضوء دون الغسل وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وقد جاء في ترك التنشيف هذا الحديث والحديث الآخر في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماءا، وأما فعل التنشيف فقد رواه جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أوجه لكن أسانيدها ضعيفة، قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء. اهـ.

618 - (00) (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَأَبُو كُرَيبٍ، وَالأَشَجُّ، وَإِسْحَاقُ كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعِ. ح وَحدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حدثنا أَبُو مُعَاويَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأعمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ في ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المفهم: قولها (فأتيته بالمنديل فرده) يتمسك به من كره التمندل بعد الوضوء والغسل وبه قال ابن عمر وابن أبي ليلى وإليه مال أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى وقال: هو أثر عبادةٍ فتكره إزالته كدم الشهيد وخلوف فم الصائم، ولا حجة في الحديث لاحتمال أن يكون رده إياه لشيء رآه في المنديل أو لاستعجاله للصلاة أو تواضعًا أو مجانبة لعادة المترفهين، وأما القياس فلا نسلِّمُه لأنا نمنع الحكم في الأصل، إذ الشهيد يحرم غسل دمه فضلًا عن الكراهة، ولا تكره إزالة الخلوف بالسواك، وروي عن ابن عباس أنَّه يكره التمندل في الوضوء دون الغسل، والصحيح أن ذلك واسع كما ذهب إليه مالك تمسكًا بعدم الناقل عن الأصل، وأيضًا فقد روي عن عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة ينشف بها بعد الوضوء" رواه الترمذي [53] ومن حديث معاذ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح وجهه من وضوئه بطرف ثوبه" رواه الترمذي [54] ذكرهما الترمذي وقال: لا يصح في الباب شيء. اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها فقال: 618 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي صاحب السنن ثقة من (10) مات سنة (227) روى عنه في (7) أبواب (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (والأشج) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي (واسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة رووا (عن وكيع) بن الجراح الكوفي (ح وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكرياء النيسابوري (وأبو غريب قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (كلاهما) أي كل من وكيع وأبي معاوية رَوَيَا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن سالم بن أبي الجعد عن غريب عن ابن عباس عن ميمونة، وغرضه بسوق هذين السندين متابعة وكيع وأبي معاوية لعيسى بن يونس في رواية هذا الحديث عن الأعمش (و) لكن (ليس في

حَدِيثِهمَا إِفْرَاغُ ثَلَاثِ حَفَنَاتِ عَلَى الرَّأْسِ. وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ وَصْفُ الْوُضُوءِ كُلِّهِ، يَذْكُرُ الْمَضْمَضَةَ وَالاسْتِنْشَاقَ فِيهِ. وَلَيسَ في حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ ذِكْرُ الْمِنْدِيلِ. 619 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيمُونَةَ؛ أَن النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ. فَلَمْ يَمَسَّهُ. وَجَعَلَ يَقُولُ "بِالْمَاءِ هَكذَا" يَعْنِي يَنْفُضُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثهما) أي في حديث وكيع وأبي معاوية (إفراغ) أي ذكر صب (ثلاث حفنات على الرأس) كما ذكره عيسى بن يونس (وفي حديث وكيع) وروايته (وصف الوضوء) أي ذكر أفعال الوضوء (كله) حالة كونه (يذكر المضمضة والاستنشاق) وما بعدهما من أفعاله (فيه) أي في الوضوء، وفي بعض النسخ ذكر المضمضة بلفظ الماضي (وليس في حديث أبي معاوية) وروايته (ذكر المنديل) وهذا بيان للمخالفة بين المتابعين والمتابَع تورعًا من الكذب عليهما. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها فقال: 619 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبو محمد الكوفي ثقة فقيه عابد من (8) مات سنة (192) روى عنه في (17) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن سالم) بن رافع أبي الجعد الأشجعي الكوفي (عن غريب عن ابن عباس عن ميمونة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لعيسى بن يونس في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وكرر محل المخالفة بين الروايتين تورعًا من الكذب على المتابع (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي) بصيغة المبني للمجهول أي جيء (بمنديل) بعد غسله ليتمسح به (فلم يمسه) أي فلم يأخذه ليتمسح به بل رده (وجعل) أي شرع (يقول) أي يفعل (بالماء هكذا) وفي بعض النسخ هكذا وهكذا بالتكرار مرتين (يعني) الراوي بقوله يقول بالماء (ينفضه) أي ينفض الماء عن جسده أي يزيله عن جسده بالكفين، ونَفْض الشيء تحريكه ليزول عنه نحو الغبار ففي الحديث إطلاق القول على الفعل، وهو كثير في كتب الحديث كما في حديث عائشة الآتي قريبًا (فقال بهما على رأسه) وفي قوله

620 - (281) (127) (91) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَفمَ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيءٍ نَحْو الْحِلابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (يعني ينفضه) رد على من كره التمندل، وقال: لأن الوضوء نور إذ لو كان كما قال لما نفضه عنه لأن النفض كالمسح في إتلاف ذلك الماء. اهـ مفهم. قال النواوي: فيه دليل على أن نفض اليد بعد الوضوء والغسل لا بأس به، وقد اختلف أصحابنا فيه على أوجه: أشهرها أن المستحب تركه ولا يقال إنه مكروه، والثاني أنَّه مكروه، والثالث أنَّه مباح يستوي فعله وتركه وهو الأظهر المختار، فقد جاء هذا الحديث الصحيح في الإباحة ولم يثبت في النهي شيء أصلًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة الأول ثانيًا بحديث آخر لها فقال: 620 - (281) (127) (91) (وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد (العنزي) بفتح العين والنون وبالزاي أبو موسى البصري ثقة من (10) قال (حدثني أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني البصري ثقة ثبت من (9) مات في ذي الحجة سنة (212) روى عنه في (12) بابا (عن حنظلة بن أبي سفيان) القرشي الجمحي الأموي المكي واسم أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية ثقة حجة، من (6) مات سنة (151) روى عنه في (9) أبواب (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي أبي محمد المدني أحد الفقهاء السبعة في المدينة وأحد الأئمة الأعلام ثقة من كبار الثالثة، مات سنة (106) على الصحيح (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل) أي إذا أراد الاغتسال (من الجنابة دعا) أي طلب (بشيء) أي بماءٍ ملءِ شيءٍ (نحو الحِلَاب) ونحو بالجر بدل من شيء أي طلب بماء قدر ملء الحلاب، وبالنصب بدل منه أيضًا على أن الباء زائدة أي طلب ماءًا قدر ما يملأ الحلاب، والحلاب بكسر الحاء المهملة لا غير إناء يسع قدر حلبة ناقة قاله الخطابي، وقال غيره: إناء ضخم

فَأَخَذ بِكَفِّهِ، بَدَأَ بِشِق رَأْسِهِ الأَيمَنِ. ثم الأيسَرِ ثُمَّ أَخَذَ بِكَفيهِ. فَقَال بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يُحْلَبُ فيه، ويقال له أيضًا: المحلب بكسر الميم وفتح اللام، قال الشاعر: صَاحِ هل ريتَ أو سمعْتَ بِرَاعٍ ... ردَّ في الضَّرْعِ ما ثَوَى في الحِلاب (فأخذ) من مائه شيئًا (بكفه) اليمنى فصبه على رأسه، حالة كونه (بدأ) أي مبتدئًا في الصب (بشق رأسه) أي بالشق (الأيمن) من رأسه (ثم) بـ (ـــالأيسر) من رأسه (ثم أخذ) الماء واغترت (بكفيه) جميعًا (فقال بهما) أي فصب وأفاض الماء بالكفين (على) جميع (رأسه) بلا ترتيب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري فقط [262] وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث عائشة المذكور أولًا ذكره للاستدلال، وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث ميمونة ذكره للاستشهاد، وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث عائشة الأخير ذكره للاستشهاد أيضًا. ***

164 - (69) (51) باب بيان القدر المستحب في ماء الغسل والوضوء وجواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد وغسل أحدهما بفضل الآخر

164 - (69) (51) باب بيان القدر المستحب في ماء الغسل والوضوء وجواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد وغسل أحدهما بفضل الآخر 621 - (282) (128) (92) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ. هُوَ الْفَرَقُ. مِنَ الْجَنَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 164 - (69) (51) باب بيان القدر المستحب في ماء الغسل والوضوء وجواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد وغسل أحدهما بفضل الآخر 621 - (282) (128) (92) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري أبو زكرياء الحنظلي ثقة ثبت إمام من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (قال) يحيى (قرأت) وحدي (على مالك) بن أنس بن أبي عامر الأصبحي أبي عبد الله المدني وهو بمعنى أخبرني مالك، ثقة ثبت حجة فقيه إمام من (7) مات سنة (179) وقد بلغ (95) سنة ودفن بالبقيع، روى عنه في (17) بابا، حالة كونه راويًا (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني أحد الأئمة الأعلام ثقة حافظ متقن متفق على جلالته وإتقانه من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة فقيه مشهور من (2) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من) ماء (إناء هو الفَرَق) أي المسمى بالفرق، ومن تبعيضية متعلقة بيغتسل، وقال النووي: بيانية لبيان جنس الإناء الَّذي يستعمل منه الماء، وقال الأبي: من لبيان الإناء أو للتبعيض، اهـ. وكذا تتعلق به مِن في قوله (من الجنابة) ولكنها تعليلية أو سببية كما مر فلا يلزم حينئذ تعلق حرفي جر متحدي المعنى واللفظ بعامل واحد وهو ممنوع عندهم، والفَرَقُ بفتحتين وبفتح فسكون لغتان ما يسع ثلاثة آصع كما سيأتي عن سفيان. قال النووي: أجمع المسلمون على أن الماء الَّذي يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل وهو جريان الماء على

622 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعضاء، قال العلماء: والمستحب أن لا ينقص في الغسل عن صاع، وفي الوضوء عن مد، والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، والمد رطل وثلث، وذلك معتبر على التقريب لا على التحديد، وهذا هو الصواب المشهور، وأجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر والأظهر أنَّه مكروه كراهة تنزيه، وقال بعضهم: الإسراف حرام. اهـ بتصرف. والمد الواحد بالوزن العصري (925) غرامًا، والصاع (2500) غرام هكذا قالوا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 161] والبخاري [250] وأبو داود [238] والنسائي [1/ 127]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 622 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف البغلاني أبو رجاء الثقفي ثقة ثبت من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابًا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا) محمد (ابن رمح) بن المهاجر التجيبي أبو عبد الله المصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (242) روى عنه في (5) أبواب، قال (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة من (10) مات سنة (232) روى عنه في (10) أبواب (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (25) بابا، وأتى بحاء التحويل في الموضعين لبيان اختلاف مشايخ مشايخه واختلاف كيفية سماعهم (قالوا) أي قال كل من الأربعة الأخيرة (حدثنا سفيان) بن عيينة بن ميمون الهلالي مولاهم أبو محمد الأعور الكوفي ثقة إمام فقيه مدلس من (8) مات سنة (198) روى عنه في (25) بابا (كلاهما) أي كل من سفيان بن عيينة وليث بن سعد رويَا (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عروة) بن

عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ في الْقَدَحِ. وَهُوَ الْفَرَقُ. وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ في الإِنَاءِ الْوَاحِدِ. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. قَال قُتَيبَةُ: قَال سُفْيَانُ: وَالْفَرَقُ ثَلاثَةُ آصُعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان أيضًا من خماسياته، وغرضه بسوقهما بيان متابعة ليث بن سعد وسفيان بن عيينة لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل) من الجنابة (في القدح) أي من ماء القدح ففي بمعنى مِنْ (و) القدح بفتحتين فسره بقوله (هو الفَرَق) المذكور في الرواية السابقة (و) قالت عائشة أيضًا (كنت أغتسل أنا وهو) صلى الله عليه وسلم معطوف على فاعل اغتسل بعد تأكيده بضمير رفع منفصل كما هو القاعدة المشهورة عند النحاة ولفظة "في" في قوله (في الإناء الواحد) بمعنى مِنْ متعلقة باغتسل أي كنا نغتسل من ماء الإناء الواحد، وهذا لفظ حديث ليث بن سعد (وفي حديث سفيان) وروايته (من إناء واحد) بدل في الإناء الواحد. قال النواوي: وأما تطهير الرجل والمرأة من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين لهذه الأحاديث المذكورة في الباب. اهـ (قال قتيبة) بن سعيد (قال) لنا (سفيان) بن عيينة عندما حدثنا هذا الحديث (والفرق) المذكور في هذا الحديث (ثلاثة آصع) أي ما يسع ثلاثة آصع، والآصع جمع صاع على القلب، والأصل أَصْوُعٌ كأنفس في جمع نفس، قدمت الواو على الصاد وقُلبت ألفًا كما قيل في جمع دار آدُرْ، والصاع يذكَّر ويؤنث، وفيه ثلاث لغات صَاعٌ وصَوَعٌ بفتح الصاد والواو وصُوَاع بضم الصاد. اهـ نواوي. قال القرطبي: وتفسيره بثلاثة آصع هو ما عليه والجمهور، وقال أبو الهيثم: الفرق إناء يأخذ ستة عشر رطلًا، وقال غيره هو إناء ضخم من مكاييل العراق وقيل هو مكيال أهل المدينة المعروف فيهم وهو يسع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ. ثم استشهد المؤلف بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها لحديثها الأول فقال:

623 - (283) (129) (93) وحدَّثني عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. قَال: حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَسَألَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَفَمَ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ فَدَعَتْ بَإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ. فَاغْتَسَلَتْ. وَبَينَنَا وَبَينَهَا سِتْرٌ. وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 623 - (283) (129) (93) (وحدثني عبيد الله بن معاذ) بن معاذ (العنبري) أبو عمرو البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (227) (قال) عبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري ثقة من (9) مات سنة (196) (قال) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة ثبت متقن من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن أبي بكر) عبد الله (بن حفص) بن عمر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني، مشهور بكنيته عداده في التابعين، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الوضوء، وعبد الله بن حنين في الصلاة، وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله في اللباس، ويروي عنه (ع) وشعبة وزيد بن أبي أُنَيسَة والمسعودي وغيرهم، وثَّقَه النسائي، وقال العجلي: ثقة، وقال ابن عبد البر: كان من أهل العلم والثقة أجمعوا على ذلك، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، قال ابن سعد: كان ثقة فقيهًا كثير الحديث من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابا (قال) أبو سلمة (دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة) وكان أبو سلمة ابن الرضاع لأخت عائشة أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وكانت عائشة خالة الرضاع لأبي سلمة ولذلك دخل عليها وأخوها من الرضاعة، قال القاضي عياض: قيل إن اسمه عبد الله بن يزيد وهما مَحْرَمَان لعائشة ولذا دخلا عليها ونظرًا إلى أعالي بدنها مما يحل للمحرم نظره (فسألها) أخوها عبد الله بن يزيد (عن) كيفية (غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة فدعت) أي فطلبت عائشة ممن عندها (بإناء قدر الصاع) أي بإحضار إناء فيه ماء قدر الصاع، وهذا موضع الترجمة من الحديث (فاغتسلت) عائشة بذلك الماء (وبيننا وبين) أسافل بدنـ (ــــها ستر) وحجاب يحجبنا عن رؤية أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم نظره، ونحن نرى أعالي بدنها (وأفرفت) أي صبت الماء (على رأسها ثلاثًا) أي ثلاث إفراغات، وهو

قَال: وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رُؤُوسِهِن حَتَّى تَكُونَ كَالوَفْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوف على اغتسلت عطفًا تفسيريًّا (قال) أبو سلمة (وكان) شعرها خفيفًا قصيرًا لأن (أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) كن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (يأخذن) ويُقَصِّرْنَ (من) شعر (رؤوسهن) أي يخففن من شعورهن (حتَّى تكون) شعورها (كالوفرة) أي مثل الوفرة وهي من الشعر ما كان إلى الأذنين ولا يجاوزهما، ولعلهن فعلن ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لتركهن التزيُّنَ، ولا يُظن بهن فعلُهُ في حال حياته صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 72] والبخاري [251] وسنده من السداسيات رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون. وفي المفهم: قوله (فاغتسلت وبيننا وبينها ستر) ظاهر هذا الحديث أنهما رآيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذي المحرم أن يَطَّلِع عليه من ذوات محارمه، وأبو سلمة ابن أختها نسبًا، والآخر أخوها رضاعة، وتحققا بالسماع كيفية غسل ما لم يشاهداه من سائر الجسد ولولا ذلك لاكتفت بتعليمها بالقول ولم تحتج إلى ذلك الفعل، وقد شوهد غسل النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الثوب وطؤطيء عن رأسه حتَّى ظهر لمن أراد رؤيته. وإخباره عن كيفية شعور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدل على رؤيته شعرها، وهذا لم يُخْتَلف في جوازه لذي المحرم إلَّا ما يُحْكَى عن ابن عباس من كراهة ذلك، قوله (حتَّى تكون كالوفرة) قال أبو حاتم: الوفرة من الشعر ما غطى الأذنين، واللَّمَّة ما أَلَمَّ بالمنكبين، والجُمَّة ما جاوز المنكبين، والوفرة أقلها، قال النواوي: وفي هذا الَّذي فعلته عائشة رضي الله تعالى عنها دلالة على استحباب التعليم بالوصف بالفعل، فإنه أوقع في النفس من القول ويثبت في الحفظ مالا يثبت بالقول، قال القاضي: والمعروف أن نساء العرب إنما كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفًا لمؤنة رؤسهن، وهذا الَّذي قاله القاضي متعين ولا يُظن بهن فعله في حياته صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء، والله سبحانه وتعالى أعلم.

624 - (284) (130) (94) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِي. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُول اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ بَدَأَ بِيَمِينِهِ. فَصَبَّ عَلَيهَا مِنَ الْمَاءِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ، عَلَى الأَذَى الَّذِي بِهِ، بِيَمِينِهِ. وَغَسَلَ عَنْهُ بِشِمَالِهِ. حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: 624 - (284) (130) (94) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه في (2) تقريبًا، قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ثقة من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا، قال (أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج "المخزومي أبو المسور المدني، قال أحمد بن صالح: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق، من (7) مات سنة (159) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني، قال النسائي: ثقة ثبت، وقال الحافظ: ثقة من (5) مات سنة (120) روى عنه في (13) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (قال) أبو سلمة (قالت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد أيلي (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) غالبًا (إذا اغتسل) أي إذا أراد الغسل من الجنابة (بدأ) اغتساله (بيمينه) أي بكفه اليمنى (فصب) أي بشماله (عليها) أي على الكف اليمنى (من) الإناء (الماء فغسلها) أي فغسل كفه اليمنى (ثم) أدخلها الإناء فاغترف بها فـ (صب الماء على الأذى) أي على موضع الأذى والقذر (الَّذي به) أي على جسمه الشريف، كالمني الَّذي تجمَّدَ عليه، وقوله (بيمينه) متعلق بصب (وغسل) الأذى (عنه) أي عن جسمه (بشماله حتَّى إذا فرغ من ذلك) أي من غسل الأذى وإزالته (صب) الماء بيديه (على رأسه) ثم على سائر جسده مقدَّمًا الأيمن فالأيمن، وليس فيه ذكر الوضوء الَّذي قبل الغسل لأنه قد يتركه في بعض الأحيان لبيان الجواز أو

قَالتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ اغتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وَنَحْنُ جُنُبَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستعجال إلى الصلاة أو لغير ذلك، ثم (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها بالسند السابق (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد) تختلف أيدينا فيه (ونحن) أي وكلانا (جنبان) وهذا موضع الترجمة من الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [260] وأبو داود [77] والنسائي [1/ 127]. قال النواوي: قولها (ونحن جنبان) هذا جارِ على إحدى اللغتين في الجنب أنَّه يُثَنَّى ويُجمع فيقال أنت جنب وأنتما جنبان وأنتم جنبون وأجناب، واللغة الأخرى يستعمل في الجميع بلفظ واحد فيقال أنت جنب وأنتما جنب وأنتم جنب وأنتن جنب، قال الله تعالى {وَإنْ كُنُتُمْ جُنُبًا} وقال الله تعالى {وَلَا جُنُبًا} وهذه اللغة الأخيرة أفصح وأشهر. اهـ. قال القرطبي: واتفق العلماء على جواز اغتسال الرجل وحليلته ووضوئهما معًا من إناء واحد؛ إلَّا شيئًا رُوي في كراهية ذلك عن أبي هريرة، وحديث ابن عمر وعائشة وغيرهما يرده، وإنما الاختلاف في وضوئه أو غسله من فضلها، فجمهور السلف وأئمة الفتوى على جوازه، وروي عن ابن المسيب والحسن كراهة فضل وضوئهما، وكره أحمد فضل وضوئها وغسلها، وشرط ابن عمر إذا كانت حائضًا أو جنبًا، وذهب الأوزاعي إلى جواز تطهر كل واحد منهما بفضل صاحبه ما لم يكن أحدهما جنبًا أو المرأة حائضًا. وسبب هذا الاختلاف اختلافهم في تصحيح أحاديث النهي الواردة في ذلك، ومن صححها اختلفوا أيضًا في الأرجح منها أو مما يعارضها كحديث ميمونة أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضلها، وكحديث ابن عباس الَّذي خرجه الترمذي وصححه، قال فيه اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت: إني كنت جنبًا فقال: إن الماء لا يُجْنِب، رواه أبو داود [68] والترمذي [65] وابن ماجة [370] ولا شك في أن هذه الأحاديث أصح وأشهر عند المحدثين فيكون العلم بها أولى، وأيضًا فقد اتفقوا على جواز غسلهما معًا مع أن كل واحد منهما يغتسل بما يُفْضِلُهُ صاحبه من غَرْفِه، اهـ مفهم.

625 - (00) (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِرَاكٍ: عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، (وَكَانَتْ تَحْتَ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيرِ)؛ أَن عَائِشَةَ أخْبَرَتْهَا؛ أَنهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في إِنَاءٍ وَاحِدٍ. يَسَعُ ثَلاثَةَ أَمْدَادٍ. أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 625 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ الزاهد ثقة عابد من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري أبو عمرو المدائني ثقة حافظ من (9) مات سنة (206) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت إمام فقيه مشهور من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا (عن يزيد) بن أبي حبيب الأزدي مولاهم وأبو حبيب اسمه سويد أعتقته امرأة مولاة لبني حِسْلِ بن عامر، وتزوج مولاةَ نجيب فولد له يزيد وخليفة، وكنية يزيد أبو رجاء المصري عالمها ثقة فقيه وكان يرسل من (5) مات سنة (128) روى عنه في (11) بابا (عن عِرَاك) بن مالك الغفاري المدني ثقة فاضل من (3) مات سنة (100) روى عنه في (7) أبواب (عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (وكانت تحت) أي زوجة (المنذر بن الزبير) روت عن أبيها وعمتها عائشة في الوضوء وأم سلمة، ويروي عنها (م د ت ق) وعراك بن مالك وعبد الرحمن بن سابط ويوسف بن ماهك وغيرهم، قال العجلي: تابعية ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أخبرتها) أي أخبرت لحفصة بنت عبد الرحمن. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد مدائني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة حفصة بنت عبد الرحمن لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن عائشة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أنها) أي أن عائشة كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم) من ماءٍ (في إناءٍ واحد يَسَع) ذلك الإناء (ثلاثة أمداد) جمع مد والمد ربع الصاع (أو) يسع (قريبًا من ذلك) أي ماء قريبًا من ثلاثة أمداد و"أو" هنا للإبهام ليست للشك نظير قوله تعالى {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} الآية. قال القرطبي: قولها (تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع

626 - (00) (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك) تعني مفترقَين أو سَمَّتِ الصاع مدًّا مجازًا عن الكل بالجزء، كما قالت في الفَرَقِ الَّذي كان يسع ثلاثة آصع، وكأنها قصدت بذلك التقريب، ولذلك قال فيه أو قريبًا من ذلك، وإنما احتجنا إلى هذا التأويل لأنه لا يتأتى أن يغتسل اثنان من ثلاثة أمداد لقلتها، والله أعلم، وهذا يدل على استحباب التقليل في ماء الطهارة مع الإسباغ وهو مذهب كافة أهل العلم والسنة، خلافًا للإباضية والخوارج، اهـ من المفهم. قال القاضي عياض: فلعل ذلك في اغتسال كل واحد منهما على انفراده لأن الثلاثة نحو من الصاع، أو تعني بالمد الصاع فيكون موافقًا لحديث الفَرَق، ويكون تفسيرًا له إن لم تكن لفظة المد هنا وَهَمًا كما زعمه بعضهم، وعلى الوجه الأول لا تأويل ولا إشكال فيه، اهـ إكمال المعلم. قال الأبي: قلت يَرُدُّ الأول قولها "تختلف أيدينا فيه" وقولها "حتَّى أقول دع لي دع لي" ولا يصح توهيم الأم لما فيه من توهيم الثقات، اهـ إكمال الإكمال، والصواب أن المد هنا وَهَمٌ من بعض الرواة، ويحتمل أن يقع هذا منهما في بعض الأحوال واغتسلا من إناء يسع ثلاثة أمداد وزاداه لمَّا فرغ الماء، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 626 - (00) (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قَعْنَبٍ) بفتح فسكون ففتح بن عَتَّاب بن الحارث -ومعنى قعنب في الأصل القوي الشديد الصلب كما في القاموس - التميمي الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن المدني البصري نزيل البصرة، قال أبو حاتم: ثقة حجة لم أر أخشع منه، وقال في التقريب: ثقة عابد من صغار التاسعة مات سنة (221) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (قال) ابن قعنب (حدثنا أفلح بن حميد) بن نافع الأنصاري الخزرجي النجاري مولاهم مولى صفوان بن أوس أبو عبد الرحمن المدني، روى عن القاسم بن محمد في الوضوء والحج، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في الصلاة، ويروي عنه (خ م د س ق) وعبد الله بن مسلمة القعنبي وإسحاق بن سليمان الرازي وابن وهب وأبو بكر الحنفي وغيرهم، وثقه ابن معين وابن سعد وأبو حاتم وزاد لا بأس به وكذا قال النسائي، وقال أحمد: تفرد بحديثين منكرين، وكان أحمد ينكر على أفلح قوله: ولأهل العراق ذات عرق، ولم ينكر الباقي من إسناده ومتنه، وقال في

عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. تَخْتَلِفُ أَيدِينَا فِيهِ. مِنَ الْجَنَابَةِ. 627 - (00) (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: ثقة من السابعة مات سنة (158) ثمان وخمسين ومائة، روى عنه في (3) أبواب (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمد المدني أحد الفقهاء السبعة وأحد الأعلام، ثقة من كبار الثالثة، مات سنة (106) ست ومائة على الصحيح، روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة القاسم لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن عائشة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكَرَّرَ مَتْنَ الحديث لبيان المخالفة بين الروايتين (قالت) عائشة (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد) حالة كوننا (تختلف أيدينا) بإخراجها من الإناء وإدخالها (فيه) أي في الإناء لأخذ الماء واغترافه منه، وقوله (من الجنابة) متعلق بأغتسل. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 627 - (00) (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) روى عنه في (19) بابا، قال (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حُديج -بالحاء المهملة المضمومة مصغرًا ثم جيم آخره- بن زهير بن خيثمة الجعفي الكوفي ثقة ثبت من (7) مات سنة (173) روى عنه في (10) أبواب (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) أبي عبد الرحمن البصري التميمي ثقة من (4) روى عنه في (17) بابا (عن معاذة) بنت عبد الله العدوية أم الصهباء البصرية امرأة صِلَةَ بن أَشْيَم كانت من العابدات، روت عن عائشة في الوضوء والصلاة والصوم والأشربة، وعلي وهشام بن عامر وغيرهم، ويروي عنها (ع) وعاصم الأحول وأبو قلابة ويزيد الرِّشْك وقتادة وجماعة، قال ابن معين: ثقة حجة، وقال الحافظ: ثقة من الثالثة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة معاذة العدوية لأبي سلمة في رواية هذا الحديث

قَالتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ، بَينِي وَبَينَهُ وَاحِدٍ. فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولُ: دَعْ لِي، دَعْ لِي. قَالتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ. 628 - (285) (131) (95) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عائشة، وفائدتها بيان كثرته، وكرر المتن لما تقدم (قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من) ماءٍ (إناءٍ) موضوع (بيني وبينه) صلى الله عليه وسلم وقوله (واحد) بالجر صفة ثانية لإناء بعد وصفه بالظرف، وقوله (فيبادرني) أي يسابقني إلى الإناء لاغتراف الماء منه، معطوف على أغتسل، وحتى في قوله (حتَّى أقول) بمعنى الفاء العاطفة أي فأقول له (ع لي ع لي) أي اترك الماء وأبقِهِ لي (قالت) عائشة، وقوله (وهما جنبان) حال من فاعل اغتسل، وفيه التفات أي كنا نغتسل من إناء واحد ونحن جنبان. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة هذا بحديث ميمونة رضي الله عنهما فقال: 628 - (285) (131) (95) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من (10) (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (جميعًا) أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (ابن عيينة) الهلالي الأعور أبي محمد الكوفي ثقة إمام حجة ولكنه يدلس من (8) وأتى بقوله (قال قتيبة حدثنا سفيان) تورعًا من الكذب على قتيبة لأنه لو لم يأت بهذه الجملة لأوهم أنَّه روى عنه بالعنعنة كأبي بكر (عن عمرو) بن دينار الجُمَحِي مولاهم أبي محمد المكي ثقة ثبت من (4) مات سنة (126) ست وعشرين ومائة في أولها، روى عنه في (22) بابا (عن أبي الشعثاء) جابر بن زيد الأزدي البصري الفقيه أحد الأئمة، صاحب ابن عباس المعروف بالجَوْفِي -بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء- نسبة إلى دَرْبِ الجَوف؛ وهي محلة بالبصرة، روى عن ابن عباس في الوضوء والصلاة والنِّكَاح، ومعاوية وابن عمر، ويروي عنه (ع) وعمرو بن دينار وقتادة وأيوب وخلق قال ابن عباس: هو من العلماء لو نزل أهل البصرة عند قوله لأوسعهم علمًا من كتاب الله تعالى، وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي، وقال في التقريب: ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة (93) ثلاث وتسعين وقيل

عَنِ ابْنِ عَباسٍ؛ قَال: أَخْبَرَتْنِي مَيمُونَةُ؛ أَنَّهَا كَانَت تَغْتَسِلُ. هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، في إِنَاء وَاحِدٍ. 629 - (286) (132) (96) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ)، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة ثلاث ومائة (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي أبي العباس الطائفي. وهذا السند من سداسياته رجاله واحد منهم مدني وواحد طائفي وواحد بصري وواحد مكي واثنان كوفيان أو كوفي وبغلاني (قال) ابن عباس (أخبرتني) خالتي (ميمونة) بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم) من ماء (في إناء واحد) من الجنابة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [253] والترمذي [62] والنسائي [1/ 129]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 629 - (286) (132) (96) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد ابن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة مأمون فقيه مجتهد قرين أحمد، من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا (ومحمد بن حاتم) بن ميمون المؤدب أبو عبد الله المروزي، وثقه ابن عدي والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما وَهِمَ من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا، وقال ابن حاتم حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه أي قال كل منهما روى لنا (محمد بن بكر) بن عثمان الأزدي البُرْسَانِيُّ أبو عثمان البصري، قال أبو داود والعجلي: ثقة، وقال أحمد: صالح الحديث، وقال ابن معين: كان والله ظريفًا صاحب أدب، وقال مرة: ثقة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من (9) مات سنة (204) له في (خ) حديثان، وروى عنه (م) في (5) أبواب، قال (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (ابن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي أحد الأعلام المشاهير كان من

أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال: أَكْبَرُ عِلْمِي، وَالَّذِي يَخْطُرُ عَلَى بَالِي؛ أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَنِي؛ أَن ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيمُونَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقهاء أهل الحجار وقرَّائهم ومتقنيهم، ذكره ابن حبان، وذكره أيضًا في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابا، قال (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي مولاهم أبو محمد المكي ثقة ثبت من (4) (قال) عمرو (أكبر علمي) وأغلب ظني وأضبط حفظي (والذي يخطر) بضم الطاء وكسرها لغتان، والكسر أشهر أي يمر ويجري (على بالي) أي على قلبي وذهني يقال خطر ببالي وعلى بالي كذا يخطر خطورًا إذا وقع ذلك في بالك وهمك قاله الأزهري (أن أبا الشعثاء) جابر بن زيد الأزدي البصري (أخبرني أن ابن عباس أخبره) أي أخبر لأبي الشعثاء (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة) أي بما فضل وبقي في الإناء بعد اغتسال ميمونة بالاغتراف منه لأنه لا يكون مستعملًا بالاغتراف لاغتسالها من الجنابة، وحديث النهي عن ذلك لم يصح، وإن صح يحمل على فضل المرأة المستعمل في الطهارة الساقط من أعضائها إذ لا يسلم من إضافة طيب أو دهن شعر، وقيل هو منسوخ بما عارضه من هذه الأحاديث، اهـ أبي. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مكيان وواحد مروزي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 366] والبخاري [253] والترمذي [62] والنسائي [1/ 129] وابن ماجة [372]. قال القرطبي: وقول عمرو بن دينار (أكبر علمي والذي يخطر ببالي) الخ، ذهب بعضهم إلى أن هذا مما يسقط التمسك بالحديث لأنه شك في الإسناد، والصحيح فيما يظهر لي أنَّه ليس بمسقط له من وجهين: أحدهما أن هذا غالب ظن لا شك وأخبار الآحاد إنما تفيد غلبة الظن غير أن الظن على مراتب في القوة والضعف وذلك موجب للترجيح بهذا الحديث وإن لم يسقط بأن عارضه ما جزم الراوي فيه بالرواية كان المجزوم به أولى، والوجه الثاني أن حديث ابن عباس قد رواه الترمذي من طريق آخر وصححه ومعناه معنى حديث عمرو وليس فيه شيء من ذلك التردد فصح ما ذكرناه من حديث عمرو، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من المفهم.

630 - (287) (133) (97) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَام. قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ زَينَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ حدَّثَتْهُ؛ أَن أُمَّ سَلَمَةَ حدَّثَتْهَا قَالتْ: كَانَتْ هِيَ وَرَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلانِ في الإِنَاءِ الْوَاحِدِ مِنَ الْجَنَابَةِ. 631 - (288) (134) (98) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الثاني بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال: 630 - (287) (133) (97) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله سَنْبَرٍ الدستوائي البصري صدوق ربما وهم من (9) مات سنة (200) روى عنه في (4) أبواب (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري ثقة ثبت رُمِي بالقدر من (7) مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة فقيه من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابًا (أن زينب بنت أم سلمة) المخزومية الصحابية ماتت سنة (73) روى عنها في (9) أبواب (حدثته) أي حدثت لأبي سلمة (أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ماتت سنة (62) روى عنها في (10) أبواب (حدثتها) أي حدثت لزينب بنتها الحديث الآتي. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون وواحد يمامي (قالت) أم سلمة (كانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان في الإناء الواحد) بالاغتراف منه (من الجنابة) متعلق بيغتسلان. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [253] والترمذي [62] والنسائي [1/ 129]. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة المذكور أول الباب ثانيًا بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 631 - (288) (134) (98) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التميمي العنبري

حدثنا أَبِي. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَندُ الرَّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ) قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ؛ قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ. وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ. وَقَال ابْنُ الْمُثَنَّى: بِخَمْسِ مَكَاكِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عمرو البصري ثقة من (10) مات سنة (237) روى عن أبيه فقط في مواضع كثيرة، قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة متقن، من (9) مات سنة (196) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري، قال (حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت من (9) مات سنة (198) بالبصرة، روى عنه في (14) بابا (قالا) أي قال كل من معاذ بن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة إمام الأئمة من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن عبد الله بن عبد الله بن جبر) بن عَتِيك الأنصاري المدني، أهل المدينة يقولون جابر، والعراقيون يقولون جبر، ويقال لا يصح جبر إنما هو جابر، وهذا غلط من هذا المعترض بل يقال فيه جابر وجبر وممن ذكر الوجهين البخاري، روى عن أنس في الإيمان والوضوء، وعن أبيه وابن عمر، ويروي عنه (ع) وشعبة، ومسعر في الوضوء، ومالك، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (قال سمعت أنسًا) ابن مالك بن النضر الأنصاري أبا حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني؛ أي سمعت أنسًا، حالة كونه (يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بخمس مكاكيك) أي بخمسة أمداد وهي صاع وربع صاع جمع مَكُّوك بوزن تَنُّور وهو المد، والقياس تأنيث اسم العدد لأن المعدود مذكر، قال النواوي: ولعل المراد بالمكوك هنا المد، كما قال في الرواية الأخرى (يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد) (ويتوضأ بمكُّوك) بوزن تنور وهو المد كما مر آنفًا (وقال ابن المثنى) في روايته (بخمس مَكَاكِي) يعني أنَّه قال بدل مكاكيك بكافين بينهما ياء ساكنة مكاكي بكاف وياء مشددة بإبدال الكاف الأخيرة ياء وإدغام ياء مفاعيل فيها لأن المدغم أول المثلين لا ثانيهما، وفي المصباح ومنعه ابن الأنباري، وقال لا يقال في جمع المكُّوك مكاكي بل المكاكي جمع مكَّاء اسم طائر،

وَقَال ابْنُ مُعَاذٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ جَبْرٍ. 632 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ ابْنِ جَبْرٍ، عَنْ أنسٍ، قَالِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضأْ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ. إِلَى خَمْسَةِ أمْدَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 283 - 290] والترمذي [610] (وقال) عبيد الله (بن معاذ) في روايته (عن عبد الله بن عبد الله ولم يذكر) ابن معاذ في روايته لفظة (ابن جبر). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس فقال: 632 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة ثبت من (9) (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي ثقة ثبت من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (عن) عبد الله بن عبد الله (بن جبر) الأنصاري المدني (عن أنس) بن مالك الأنصاري أبي حمزة البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد بصري وواحد مدني وواحد بغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة مسعر لشعبة في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن جبر، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في الألفاظ دون المعنى (قال) أنس (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع) وما فوقه (إلى خمسة أمداد) ولا يجاوزها، قال القرطبي: والمَكُّوك بفتح الميم وتشديد الكاف وهو مِكْيَالٌ وهو ثلاث كِيلَجَاتٍ؛ والكِيلَجَةُ: مَنًا وسبعة أثمان منا، والمَنَا رطلان، والرطل اثنتا عشرة أُوقِيَّة، والأوقية إِسْتَارٌ وثلثا إستار، والإستار أربعة مثاقيل ونصف، والمِثْقَال درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم ستة دَوَانِق، والدَّانَقُ قيراطان، والقِيرَاطُ طَسُوجَان، والطَّسُوج حَبَّتَان، والحَبَّةُ سُدُسُ ثُمن درهم؛ وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءًا من درهم، والجمع مكاكيك كله من الصحاح، وفي غيره: ويجمع أيضًا على مكاكي؛ وهو مكيال لأهل العراق يسع صاعًا ونصف صاع بالمدني، قال الشيخ: والصحيح أن المكُّوك في حديث أنس المراد به المد بدليل الرواية الأخرى فيه أيضًا (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد).

633 - (289) (135) (99) وحدَّثنا أَبُو كَامِل الْجَحْدَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ. قَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو رَيحَانَةَ عَنْ سَفِينَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (تنبيه): اعلم أن اختلاف هذه المقادير وهذه الأواني يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن يراعي مقدارًا مؤقتًا ولا إناء مخصوصًا لا في الوضوء ولا في الغسل، وأنَّ كل ذلك بحسب الإمكان والحاجة، ألا ترى أنَّه تارة اغتسل بالفَرَق أو منه وأخرى بالصاع وأخرى بثلاثة أمداد. والحاصل أن المطلوب إسباغ الوضوء والغسل من غير إسراف في الماء، وأن ذلك بحسب أحوال المغتسلين، وقد ذهب ابن شعبان إلى أنَّه لا يجزئ في ذلك أقل من مد في الوضوء وصاع في الغسل، وحديث الثلاثة الأمداد يرد عليه، والصحيح الأول، اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة المذكور أول الباب بحديث سفينة رضي الله تعالى عنهما فقال: 633 - (289) (135) (99) (وحدثنا أبو كامل) البصري فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) نسبة إلى جحدر أحد أجداده، ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب (وعمرو بن علي) بن بحر بن كُنَيز مصغرًا الفلَّاس الباهلي أبو حفص البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (249) روى عنه في (4) أبواب (كلاهما) رويا (عن بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبي إسماعيل البصري، وثَّقَه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة عابد من (8) مات سنة (187) روى عنه في (13) بابا (قال أبو كامل حدثنا بشر) بتصريح السماع لا بالعنعنة، قال (حدثنا أبو ريحانة) بفتح الراء وسكون الياء عبد الله بن مطر، ويقال زياد بن مطر البصري مشهور بكنيته، ويقال مولى بني ثعلبة بن يربوع، روى عن سفينة في الوضوء، وابن عباس، ويروي عنه (م د ت ق) وبشر بن المفضل وإسماعيل بن عُلَيَّة ووهب بن خالد، قال ابن معين: صالح الحديث، وقال مرة: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق تغير بآخره من الثالثة (عن سفينة) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أبي

قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ، مِنَ الْمَاءِ، مِنَ الْجَنَابَةِ. ويوَضِّؤُهُ الْمُدُّ. 634 - (00) (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَّنَا إِسْمَاعِيلُ عَن أَبِي رَيحَانَةَ، عَنْ سَفِينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن، وقيل أبو البَخْتري له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكن بطن نخلة، وفي اسمه أقوال قيل اسمه مهران بن فروخ، وقيل رباح مولى رسول الله أو غير ذلك، ولُقِّب بسفينة لكونه حمل شيئًا كثيرًا في السفر مشهور له أربعة عشر (14) حديثًا، انفرد له (م) بحديث، روى عنه أبو ريحانة في الوضوء وابنه عمر وسالم بن عبد الله وابن المنكدر و (م عم) مات مع جابر. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني (قال) سفينة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغَسِّلُه الصاع من الماء من الجنابة ويُوَضِّؤُهُ المد) أي يكفيه في غسله الصاع من الماء، وفي وضوئه المد من الماء لكونه معتدل الخلقة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي رواه في الطهارة عن أحمد بن منيع وعلي بن حجر وقال: حسن صحيح، وابن ماجة في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبه، اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سفينة رضي الله تعالى عنه فقال: 634 - (00) (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي من (10) قال (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، مولاة لبني أسد بن خزيمة أيضًا، ثقة من (8) مات سنة (193) روى عنه في (15) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني علي بن حجر) السعدي أبو الحسن المروزي ثقة من (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا إسماعيل) بن عُلَيَّة القرشي الأسدي، وأتى بحاء التحويل مع اتحاد شيخ شيخيه لبيان اختلاف كيفية سماعه منهما لشدة إتقانه وحفظه (عن أبي ريحانة) عبد الله بن مطر البصري (عن سفينة) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذان السندان أيضًا من رباعياته: السند الأول منهما رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد كوفي، والثاني منهما رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد مروزي، وغرضه بسوقهما

(قَال أَبُو بَكْرٍ: صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ حُجْرٍ، أَوْ قَال: ويطَهِّرُهُ الْمُدُّ. وَقَال: وَقَدْ كَانَ كَبِرَ وَمَا كُنْتُ أَثِقُ بِحَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة إسماعيل بن عُلَيَّة لِبِشْرِ بن المفضَّل في رواية الحديث عن أبي ريحانة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الشك ومن المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات (قال أبو بكر) بن أبي شيبة أي زاد في روايته على علي بن حجر لفظة (صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بجر صاحبِ صفةً لسفينة فهو من أصحابه صلى الله عليه وسلم ومن مواليه أو من موالي أم المؤمنين أم سلمة كما مر وهي أعتقته، وكان اسمه مهران بن فروخ أو رومان أو نجران أو قيس أو عمير، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة لحمله أمتعة رفقائه في غزوةٍ فبقي عليه كما في أُسْد الغابة، فقوله أبو بكر فاصل بين الموصوف وصفته (قال) سفينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتطهر) أي يتوضأ (بالمد وفي حديث ابن حجر) أي في روايته (أو قال) سفينة (ويُطَهِّرُه المد) بدل قوله ويتطهر، والشك من أبي ريحانة فيما قاله سفينة (وقال) أبو ريحانة (وقد كان) سفينة رضي الله عنه (كَبِرَ) أي دخل في سن الكبر، ولا يضبط الحديث (وما كنت أثق بحديثه) وأعتمد عليه لتغيُّرِ حاله وكثرة اختلاطه، قوله (وقد كان كبر) بكسر الباء أي أسن، قال ابن دريد: كَبِرَ الرجل بكسر الباء أسن، وفي الأفعال كبُر الصغير وكَبُر الشيء عَظُمَ وكبِر الرجل أسنَّ، اهـ (وما كنت أثق بحديثه) أي بروايته ذلك، قال النواوي: هكذا في كثير من الأصول (أثق) بكسر الثاء المثلثة من الوثوق الَّذي هو الاعتماد ورواه جماعة (وما كنت أَينَقُ) بهمزة مفتوحة ممدودة وياء مثناة تحت ساكنة ثم نون مفتوحة أي أعجب به وأرتضيه، اهـ. وفي رواية السمرقندي (وما كُنْتُ أَنَقُ بحديثه) بفتح الهمزة والنون أي أعجب به، والأنق الإعجاب بالشيء ومنظر أنيق أي معجب، قال البخاري عند ذكر سفينة: في إسناده نظر، وقال السنوسي: ولم يذكر مسلم رحمه الله تعالى حديثه هذا معتمدًا عليه وحده ومستدلًا به بل مستشهدًا به لما تقدم من الأحاديث التي ذكرها فلا يقدح في كتابهِ إيرَادُهُ لأنه للاستشهاد لا للاستدلال، والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث، الأول حديث عائشة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور في أول الباب ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة والجزء الثاني منها، وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة الثاني ذكره استشهادًا للأول، والثالث حديث عائشة الثالث ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة، وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث ميمونة ذكره للاستشهاد لحديث عائشة الثالث، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد ثانيًا لحديث عائشة الثالث، والسابع حديث أنس ذكره للاستشهاد ثانيًا لحديث عائشة الأول، وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث سفينة ذكره للاستشهاد ثالثًا لحديث عائشة الأول، وذكر فيه متابعة واحدة، وجملة ما ذكره في هذا الباب من الأحاديث استدلالًا واستشهادًا ومتابعةً أربعة عشر؛ فتأمل فإنه من دقائق صحيح مسلم رحمه الله تعالى. ***

165 - (70) (52) باب كم مرة يصب الماء على الرأس عند الغسل من الجنابة

165 - (70) (52) باب كم مرة يُصَبُّ الماء على الرأس عند الغسل من الجنابة 635 - (290) (136) (100) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأحوَصِ) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ صُرَدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 165 - (70) (52) باب كم مرة يُصَبُّ الماء على الرأس عند الغسل من الجنابة 635 - (290) (136) (100) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت إمام من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا) أبو الأحوص (وقال الآخران حدثنا أبو الأحوص) وأتى بهذه الجملة تورعًا من الكذب على بعض مشايخه لو اقتصر على إحدى الصيغتين أي قالوا: روى لنا أبو الأحوص سلَّام بن سُلَيم الحنفي مولاهم الكوفي ثقة متقن، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم والعجلي: كان ثقة صاحب سنة واتباع، وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة، من (7) مات سنة (179) روى عنه في (12) بابا (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي ثقة عابد مُكْثِرٌ، من (3) اختلط بآخره مات سنة (129) روى عنه في (11) بابا (عن سليمان بن صُرَد) بضم الصاد وفتح الراء بوزن عمر، ولكنه مصروف بن الجون بفتح الجيم وسكون الواو بن أبي الجون بن مُنْقِذ بن ربيعة الخزاعي أبي مطرف الكوفي له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم سكن الكوفة، وابتنى بها دارًا في خزاعة، وقُتل بالجزيرة بعين الوردة في رمضان سنة سبع وستين وقيل خمس وستين، وكان حبرًا صالحًا شريفًا في قومه، وكان أميرًا على التوابين الذين تابوا مِن قَتْلِ الحسين، وخرجوا إلى الشام يقاتلون مروان، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جبير بن مطعم في الوضوء، ويروي عنه (ع) وأبو إسحاق السبيعي وعدي بن ثابت ويحيى بن يعمر له خمسة عشر (15) حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث

عَنْ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَال: تَمَارَوْا في الْغُسْلِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: أَمَّا أَنَا، فَإِني أَغْسِلُ رَأْسِي كَذَا وَكَذَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي أُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاثَ أَكُفٍّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي النوفلي أبي محمد أو أبي عدي المدني له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم أسلم قبل حنين أو يوم الفتح له ستون (60) حديثًا اتفقا على ستة (6) وانفرد (خ) بحديث و (م) بآخر، وقال في التقريب: صحابي عارف بالأنساب مات بالمدينة سنة ثمان أو تسع وخمسين (59). وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني أو ثلاثة كوفيون وواحد نيسابوري أو بغلاني وواحد مدني، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) جبير بن مطعم (تمارَوْا) أي تمارت الأصحاب وتنازعوا كم مرة يفاض الماء على الرأس (في الغسل) من الجنابة، حالة كونهم جالسين (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم) أي قال بعضهم (أما أنا) إن سألتموني عن كيفية غسلي (فإني أغسل رأسي) غسلًا صفته (كذا وكذا) وقال آخرون: أغسله كذا وكذا، وفيه جواز المناظرة والمباحثة في العلم، وفيه جواز مناظرة المفضولين بحضرة الفاضل ومناظرة الأصحاب بحضرة إمامهم وكبيرهم. اهـ نواوي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا) إن سألتموني عن غسلي رأسي (فإني أفيض) وأصب الماء (على رأسي ثلاث أَكُفٍّ) جمع كف بمعنى حفنة أي ثلاث حفنات، والحفنة ملء الكفين المجموعتين من الماء أو غيره كالدقيق والحَب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 84] والبخاري [254] وأبو داود [239] والنسائي [1/ 207]. قال النواوي: وفي هذا الحديث استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثًا وهو متفق عليه، وألحق به أصحابنا سائر البدن قياسًا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء وهو أولى بالثلاث من الوضوء؛ فإن الوضوء مبني على التخفيف ويتكرَّرُ، فإذا استحب فيه الثلاث ففي الغُسل أَوْلَى، ولا نعلم في هذا خلافًا إلَّا ما انفرد به الماوردي صاحب الحاوي من أصحابنا، فإنه قال: لا يستحب التكرار في الغسل، وهذا شاذ متروك، وقد تقدم بيان أقل الغسل، والله أعلم. اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جبير بن مطعم فقال:

636 - (00) (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حدثنا شُعْبَةُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ صُرَدٍ، عَنْ جُبَيرِ بْنِ مُطعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ. فَقَال: "أَمَّا أَنَّا، فَأُفْرِغُ عَلَى رَأْسِي ثَلاثًا". 637 - (292) (137) (101) وحدّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 636 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري المعروف ببندار، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، وقال الحافظ: ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (12) بابا، قال (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري ربيب شعبة المعروف بغندر ثقة إلَّا أن فيه غفلة من (9) مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي (عن سليمان بن صُرَد) الكوفي (عن جبير بن مطعم) القرشي أبي محمد المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي، وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه) أي أن الشأن والحال (ذُكر) بالبناء للمجهول (عنده) صلى الله عليه وسلم (الغسل) أي كيفية الغسل (من الجنابة) وقال بعض القوم لبعض: أغتسل كذا وكذا، وقال الآخرون كذلك (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما أنا فأُفْرِغُ) أي آخذ الماء من الأواني فأصبه صبًّا (على رأسي ثلاثًا) من المرات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جبير بن مطعم بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 637 - (292) (137) (101) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكرياء النيسابوري (وإسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، روى عن هشيم في الوضوء والحدود وغيرهما، وإسماعيل بن عُلَيَّة في البيوع وغيرها، وعباد بن عباد وغيرهم، ويروي عنه (م) وابنه محمد بن إسماعيل وعدة، قال أبو علي صالح بن عبيد الله! ثقة مأمون، وأبوه ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من

قَالا: أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أن وَفْدَ ثَقِيفِ سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِن أَرْضَنَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ. فَكَيفَ بِالْغُسْلِ؟ فَقَال: "أمَّا أَنَا، فَأُفْرِغُ عَلَى رَأْسِي ثَلاثًا". قَال ابْنُ سَالِمٍ في رِوَايَتِهِ: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ. وَقَال: إِنَّ وَفْدَ ثَقِيفِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العاشرة (قالا أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي نزيل بغداد، ثقة ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي، من (7) مات سنة (183) روى عنه في (18) بابا (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية واسم أبي وحشية إياس اليشكري البصري، روى عن أبي سفيان في الوضوء، ويروي عنه هشيم، وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير، وضعَّفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد، من (5) مات سنة (126) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي نزيل واسط، قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن عدي: لا بأس به، وقال البزار: هو في نفسه ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة، روى عنه في (5) أبواب (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان أو مكي ونيسابوري وواحد بصري وواحد واسطي وواحد مدني (أن وفد ثقيف) أي جماعتهم الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا) في سؤالهم (إن أرضنا) وبلادنا يعني الطائف (أرض باردة) أي ذات برودة فماؤها أبرد (فكيف) عملنا (بالغسل) فهل لنا فيه ترخيص لعذر البرودة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمَّا أنا فـ) كيفية اغتسالي أن (أفرغ) وأصب الماء أولًا (على رأسي ثلاثًا) من الحفنات فعليكم الاقتداء بعملي واتباع سنتي فلا ترخيص لكم فيه، قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) لنا إسماعيل (بن سالم في روايته) لنا هذا الحديث (حَدَّثَنَا هشيم) بن بشير ثقة مدلس، قال هشيم (أخبرنا أبو بشر) جعفر بن إياس، فصرح ابن سالم بسماع هشيم عن أبي بشر حيث قال: أخبرنا أبو بشر، وأما يحيى بن يحيى فذكر العنعنة في رواية هشيم عن أبي بشر حيث قال: أخبرنا هشيم، عن أبي بشر (وقال) ابن سالم أيضًا (أن وفد ثقيف قالوا يا رسول الله) فزاد لفظة يا رسول

638 - (292) (138) (102) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ) حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله، ولم يذكر لفظة سألوا، وهذا بيان لمحل المخالفة بين شيخيه يحيى وابن سالم. قال النواوي: هذا فيه فائدة عظيمة من دقائق هذا العلم ولطائفه وهي مصرحة بغزارة علم مسلم رحمه الله تعالى ودقيق نظره وهي أن هشيمًا رحمه الله تعالى مدلس، وقد قال في الرواية المتقدمة: عن أبي بشر، والمُدلِّس إذا قال: عن، لا يُحتج به إلَّا إذا أثبت سماعه ذلك الحديث من ذلك الشخص الَّذي عنعن عنه، فبيَّن مسلم أنَّه ثبت سماعه من جهة أخرى؛ وهي رواية ابن سالم فإنه قال فيها أخبرنا أبو بشر، وقد قدمنا مرات كثيرة بيان مثل هذه الدقيقة، والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في التحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جبير بن مطعم بحديث آخر لجابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 638 - (292) - (138) (102) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنَزي أبو موسى البصري ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد، وأتى بالعناية في قوله (يعني الثقفي) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه وإيضاحًا للراوي، أبو محمد البصري ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين، من (8) مات سنة (194) روى عنه في (6) أبواب، قال (حَدَّثَنَا جعفر) الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المدني، وكان من سادات أهل البيت فقهًا وعلمًا وفضلًا روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والصوم والحج والجهاد والزهد، ومحمد بن المنكدر في الصلاة، وعطاء بن أبي رباح في الصلاة، ويروي عنه (م عم) وعبد الوهاب الثقفي وحاتم بن إسماعيل ووهيب بن خالد والحسن بن عياش وسليمان بن بلال والثوري والدراوردي ويحيى بن سعيد الأنصاري في الحج، وحفص بن غياث في الحج، ومالك بن أنس وابن جريج وخلق لا يحصون، قال الساجي: كان صدوقًا مأمونًا إذا حدَّث عن الثقات فحديثه مستقيم، وثقه الشافعي وابن معين والنسائي، وقال في التقريب: صدوق فقيه إمام من السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، وله (68) ثمان وستون سنة، وكان مولده سنة (80) ثمانين، روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ، صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ مِنْ مَاءٍ. فَقَال لَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إِنَّ شَعْرِي كَثِيرٌ. قَال جَابِرٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرِكَ وَأَطْيَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي جعفر المدني، روى عن جابر بن عبد الله في الوضوء والصلاة والحج والذبائح وغيرها، وأبي مرة مولى عقيل في الصلاة، وعبيد الله بن أبي رافع في الصلاة، وسعيد بن المسيب في الهبة، ويزيد بن هُرْمُزَ في الجهاد، ويروي عنه (ع) وابنه جعفر الصادق والزهري والأوزاعي وعمرو بن دينار وابن جريج وخلق، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، قال ابن البَرْقِي: كان فقيهًا فاضلًا، ذكره النسائي من فقهاء أهل المدينة من التابعين، وقال في التقريب: ثقة فاضل من الرابعة، مات سنة (114) أربع عشرة ومائة، وقيل سنة سبع عشرة ومائة، وهو يومئذ ابن ثلاث وسبعين (73) سنة (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري أبي عبد الله المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان (قال) جابر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل) أي إذا أراد الاغتسال (من جنابة صَبَّ على رأسه ثلاث حفنات من ماء فقال له) أي لجابر بن عبد الله (الحسن بن محمد) بن علي بن أبي طالب، وكان محمد هذا أبو الحسن معروفًا بابن الحنفية، والحنفية هي أمه واسمها خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدُّؤَل بن حنيفة، قيل وكانت من سبي اليمامة، كنيته أبو القاسم ويقال أبو عبد الله، مات برُضْوَى - جبل بالمدينة - سنة ثلاث وسبعين وقيل سنة إحدى وثمانين، ودُفن بالبقيع، روى عن أبيه في الوضوء والنِّكَاح (إن شَعْري كثير) وَفِيرٌ فلا تكفي لي ثلاث حفنات (قال جابر فقلت له) أي للحسن بن محمد (يا ابن أخي كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من شعرك وأطيب) رائحة من شعرك فتكفي له ثلاث حفنات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 370] والبخاري [255] والنسائي [1/ 202]. * * *

166 - (71) (53) باب: الرخصة في ترك نقض ضفائر المغتسلة

166 - (71) (53) باب: الرخصة في ترك نقض ضفائر المغتسلة 639 - (293) (139) (103) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإسْحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 166 - (71) (53) باب: الرخصة في ترك نقض ضفائر المغتسلة والضفائر جمع ضفيرة وهي كل خصلة من الشعر مفتولة أو مجدولة على حدة. 639 - (293) (139) (103) (حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة من (10) (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور بشين معجمة المعروف بـ (الناقد) أبو عثمان البغدادي نزيل الرَّقَة، ثقة من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد المعروف بابن راهويه أبو يعقوب المروزي ثقة شبيه أحمد، من (10) (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله نزيل مكة ثقة لكن كانت فيه غفلة، من (10) وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة رووا (عن) سفيان (ابن عيينة) ابن أبي عمران ميمون الهلالي أبي محمد الأعور الكوفي ثم المكي ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلَّا أنَّه تغير حفظه في آخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات من (8) وأتى بقوله ولكن (قال إسحاق أخبرنا سفيان) تورعًا من الكذب على إسحاق (عن أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي الأموي أَبي موسى الكوفي الفقيه نزيل مكة، روى عن سعيد المقبري في الوضوء والحدود، وعطاء بن مِينَاء في الصلاة، ومكحول في الزكاة والجهاد، ونُبَيه بن وهب في الحج، وحميد بن نافع في الطلاق، ونافع في الحدود واللباس والأدب، والأسود بن العلاء في الحدود، ويروي عنه (ع) وسفيان بن عيينة والثوري وشعبة والليث وعبد الوارث وروح بن القاسم وهشام بن حسان وخلق، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة من السابعة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه في (10) أبواب (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) الليثي مولاهم أبي سعد المدني، قال ابن المديني وابن سعد والعجلي وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال ابن خِرَاش: ثقة جليل أثبت الناس، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من (3) تغير قبل موته بأربع سنين وروايته عن عائشة وأم سلمة مرسلة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة، روى عنه

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَة، عَنْ أُمِّ سَلَمَة؛ قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي. فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَال: "لا. إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ. ثُمَّ تفِيضِينَ عَلَيكِ الْمَاءَ فَتَطهُرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في (10) أبواب (عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم المخزومي مولاهم أبي رافع المدني، روى عن أم سلمة في الوضوء ودلائل النبوة، وأبي هريرة في خلق الأشياء وصفة النار، ويروي عنه (م عم) وسعيد المقبري والقاسم بن عياش الهاشمي وأفلح بن سعيد وأيوب بن خالد وابن إسحاق، قال العجلي وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن) مولاته (أم سلمة) أم المؤمنين هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله تعالى عنها، روى عنها في (10) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون أو كوفيان وبغدادي أو كوفيان ومروزي أو كوفيان وعدني (قالت) أم سلمة رضي الله تعالى عنها (قلت يا رسول الله إني امرأة أَشُدُّ) وأُحْكِمُ (ضَفْر) بفتح الضاد وسكون الفاء أي فَتْلَ وجدْلَ شعرِ (رأسي) فيشق علي فَكُّهُ، قال ابن العربي: الناس يقرؤونه بفتح الضاد وسكون الفاء مصدرًا، وإنما هو بفتح الفاء اسم للشيء المضفور، ويجوز في غير الرواية ضُفُر بضمتين فيكون جمع ضفيرة كسفن جمع سفينة، والضفيرة هنا كما مر الخَصْلَةُ من الشعر المنسوج بعضه على بعض يُقال: ضفرتُ الشعر ضفرًا من باب ضرب إذا جعلته ضفائر كل ضفيرة على حدة بثلاث طاقات فما فوقها كما في المصباح أ (فَأَنْقُضُه) بهمزة الاستفهام كما في بعض الرواية، أي هل أفك الضفر (لغسل الجنابة) أي لأجل الجنابة والحيض (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تفكيه (إنما يكفيك) ويجزئك (أن تحثي) وتَصُبي الماءَ يقال حَثَيتُ كرميتُ وحثوتُ كدَعَوت، بالياء والواو لغتان مشهورتان، أصله أن تحثِينَ كتَرْمِينَ حُذفت النون للناصب، وأصل الحَثْي أو الحثو صب التراب، والمراد هنا ثلاث غرفات على التشبيه أي إنما يجزئك أن تصبِّي الماء وتَغْرِفِيهِ (على رأسك ثلاث حثيات) أي ثلاث غرفات (ثم) أنت بعد صبك على رأسك ثلاث حثيات (تفيضين) أي تصبين (عليك) أي على سائر جسدك (الماء) صبًا كثيرًا يعم الجسد (فتطهُرين) أي فتُكَمِّلِين طهارتك من الجنابة في باقي جسدك، والظاهر حذف النون في (تفيضين فتطهرين) عطفًا على تحثي، فالوجه أن يكون التقدير أنت تفيضين كما قلنا فيكون من عطف الجمل.

640 - (00) (00) (00) وحدّثنا عَمْرْو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 315] وأبو داود [251 - 252] والترمذي [105] والنسائي [1/ 131]. وفي المفهم: قوله: (أفأنقضه) الرواية الصحيحة بالقاف، وقد وقع لبعض مشايخنا بالفاء، ولا بُعْدَ فيه من جهة المعنى، والحديث لا يدل على صحة ما ذهب إليه مالك وغيره من الرخصة في نقض الضفر مطلقًا للرجال والنساء، وقد منعه بعضهم مطلقًا منهم عبد الله بن عمر، وقد أجازه بعضهم للنساء خاصة متمسكًا في ذلك بحديث ثوبان مرفوعًا "أما الرجل فلينثر رأسه فليغسله، وأما المرأة فلا عليها ألا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بِكَفَّيها" أخرجه أبو داود [255] هذا نص في التفرقة غير أن هذا الحديث من حديث إسماعيل بن عياش، واختلف في حديثه غير أن الَّذي صار إليه يحيى بن معين وغيره أن حديثه عن أهل الحجاز متروك على كل حال، وحديثه عن الشاميين صحيح، وهذا الحديث من حديثه عن الشاميين فهو صحيح على قول يحيى بن معين، وهذا فيه نظر فإن كان ما قاله يحيى فالفرق واضح وإن لم يكن فعدم الفرق هو القياس لأن النساء شقائق الرجال كما صار إليه الجمهور. (تنبيه) لا يفهم من التخفيف في ترك حل الضفر التخفيف في إيصال الماء إلى داخل الضفر لما سيأتي في حديث أسماء بنت شَكَلٍ، ولما صح من حديث علي مرفوعًا "مَنْ ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فُعل به كذا وكذا من النار" قال علي: فمِن ثَمَّ عاديت رأسي وكان يحلقه، رواه أحمد [1/ 94 و 133] وأبو داود [2491]. وقوله: (إنما يكفيك) حجة لمن يرى أن الواجب في الغسل التعميم فقط، وقد قدمنا القول في عدد الغَرَفَات، وفي اشتراط التدليك (والحَثَيَاتُ) جمع حَثْيَةٍ وهي الغَرفة وهي هنا باليدين ويقال حثا يحثو ويحثي حثية وحثوة وحَثْيًا، ومنه حديث "احثوا التراب في وجوه المداحين" رواه ابن حبان [5769] من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهي الإِفْراغَاتُ أيضًا في الحديث الآخر. اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 640 - (00) (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن يحيى (الناقد) قال (حَدَّثَنَا

يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ قَالا: أَخْبَرَنَا الثوْرِيُّ عَنْ أَيوبَ بْنِ مُوسَى، في هَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزاقِ: فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيضَةِ وَالْجَنَابَةِ؟ فَقَال: "لا" ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد، من (9) مات سنة (206) روى عنه في (19) بابا (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكَسِّيُّ ثقة من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابا، قال (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري أبو بكر الصنعاني ثقة عَمِيَ في آخر عمره فتغير، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغة شيخيه لأن عمرًا قال: حَدَّثَنَا وعبد بن حميد قال: أخبرنا (قالا) أي قال كل من يزيد بن هارون وعبد الرزاق (أخبرنا) سفيان بن سعيد بن مسروق (الثوري) نسبة إلى أحد أجداده أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من (7) وكان ربما يدلس مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن أيوب بن موسى) الأموي أبي موسى الكوفي، وقوله (في هذا الإسناد) متعلق بقوله أخبرنا الثوري لأنه العامل في المتابعِ أي أخبرنا الثوري عن أيوب بن موسى عن سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة. وهذا السندان من سباعياته الأول منهما رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد واسطي وواحد بغدادي، والثاني منهما كذلك إلَّا أن واحدًا منهما صنعاني وواحد كَسِّىيٍّ، وغرضه بسوقهما بيان متابعة الثوري لابن عيينة في رواية هذا الحديث عن أيوب بن موسى، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة (و) لكن (في حديث عبد الرزاق) وروايته (فأنقُضُه للحَيضَة والجنابة) وفي بعض النسخ (أفأنقضه للحيض والجنابة) بزيادة همزة الاستفهام وتبديل الحيضة بالحيض (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تنقضيه ولكن احثي عليه ثلاث حثيات وخلليه وادلكيه دلكًا شديدًا أي في أثناء الحثيات حتَّى يصل الماء إلى أصوله، والجمهور على أنها لا تنقضه إلَّا أن يكون مُلَبَّدًا، قال ابن بشير: أو مكثَّرَ الخيوط فتنقضه، وقال ابن عمر والنخعي: تنقضه لأنه يجب إيصال الماء إلى كل جزء، قال ابن العربي: لو بلغ الحديث النخعي لم يحِد عنه، وقال أحمد: تنقض في الحيض دون الجنابة لتكررها (ثم ذكر) الثوري (بمعنى حديث ابن عيينة) لا بلفظه.

641 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أحْمَدُ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بن عَدِيٍّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ)، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: أَفَأَحُلُّهُ فَأَغْسِلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَيضَةَ. 642 - (294) (140) (104) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 641 - (00) (00) (00) (وحدثنيه أحمد) بن سعيد بن صخر بن سليمان (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك أبو بطن كبير من تميم أبو جعفر المروزي، وفي بعض النسخ (أحمد بن سعيد الدارمي) ثقة حافظ من (11) مات سنة (253) روى عنه في (8) أبواب، قال (حَدَّثَنَا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة حافظ، من (10) مات سنة (212) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا يزيد) بن زريع التيمي العَيشِي أبو معاوية البصري ثقة ثبت من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) إشارة إلى أن هذه النسبة لم يسمعها من شيخه بل زادها من عند نفسه (عن روح بن القاسم) التميمي أبي غياث البصري ثقة حافظ من (6) مات سنة (141) روى عنه في (11) بابا، قال (حَدَّثَنَا أيوب بن موسى) الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو روح بن القاسم، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو ابن عيينة أي حَدَّثَنَا روح بن القاسم عن أيوب بن موسى عن سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها بمثل حديث ابن عيينة (و) لكن (قال) روح بن القاسم في روايته (أَفَأَحُلُّهُ) أي أفأفُكّ ضَفْرَ شعري (فأغسله من الجنابة ولم يذكر) أي روح لفظة (الحيضة) بل اقتصر على الجنابة، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين تحرزا من الكذب على المتابع وهو روح بن القاسم. وهذا السند من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان واثنان بصريان وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة روح بن القاسم لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن أيوب بن موسى، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استشهد المؤلف لحديث أم سلمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 642 - (294) - (140) (104) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة من (10) (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي

وَعَلِي بْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ. قَال: بَلغَ عَائِشَةَ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْروٍ يَأمُرُ النِّسَاءَ، إِذَا اغْتَسَلْنَ، أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤوسَهُنَّ. فَقَالتْ: يَا عَجَبًا لابْنِ عَمْرٍو هَذَا! يَأمُرُ النِّسَاءَ، إِذَا اغْتَسَلْنَ، أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤوسَهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (وعلي بن حجر) السعدي أبو الحسن المروزي ثقة حافظ من صغار (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا، حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه الأسدي القرشي مولاهم أبو بشر البصري ثقة حافظ من (8) مات سنة (193) روى عنه في (15) بابا، وأتى بقوله: (قال يحيى: أخبرنا إسماعيل بن علية) تورعًا من الكذب على يحيى (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي أبي بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد من (5) مات سنة (131) روى عنه في (17) بابا (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرسُ الأسدي مولاهم صدوق مدلس من (4) مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (عن عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي أبي عاصم المكي القاصِّ مخضرم، روى عن عائشة في الوضوء والصلاة والطلاق، وأم سلمة في الجنائز وقال في الزكاة، قال ابن الزبير سمعت عبيد بن عمير قال: قال رجل: يا رسول الله ما حق الإبل؟ قال: حلبها على الماء، ذكر أحرفا في عقب حديثه عن جابر وعن أبي موسى الأشعري في الاستئذان، وأبي سعيد وأبي هريرة في الزهد، ويروي عنه (ع) وأبو الزبير وعطاء بن أبي رباح في الصلاة، وأبو نجيح يسار والد عبد الله في الجنائز، ووهيب بن كيسان مجمع على ثقته، مات قبل ابن عمر سنة (64) أربع وستين (قال) عبيد بن عمير (بلغ عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد إما كوفي أو نيسابوري أو مروزي أي وصل إلى عائشة أم المؤمنين خَبَرُ (أن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل السهمي أحدَ السابقين إلى الإسلام بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة كما تقدم البسط في ترجمته (يأمر النساء إذا اغتسلن) أي أردْنَ الغسل من الجنابة بـ (أن يَنْقُضْنَ) ويحللن ضفائر (رؤوسهن) أي شعورهن (فقالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (يا) هؤلاء تعجَّبُوا (عجبًا لابن عمرو هذا) الحاضر بيننا فإنه (يأمر النساء) أمر إيجاب (إذا اغتسلن) من الجنابة أو الحيضة (أن ينقضن) ويَفْكُكْنَ (رؤوسهن)

أَفَلا يأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤوسَهُنَّ. لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وَلا أَزِيدُ عَلَى أنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلاثَ إِفْرَاغَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ضفر شعورهن ليصل الماء إلى شؤونها (أ) يقتصر على أمرهن بنقض ضفائرهن (فلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن) أي شعورهن، والاستفهام للإنكار المتضمن معنى التعجب، واللَّهِ (لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ولا أزيد) في اغتسالي من الجنابة (على أن أُفْرِغَ) وأصب (على رأسي ثلاث إفراغات) أي ثلاث حفنات ولم يأمرني أن أَفُكَّ ضفر شعري فكيف يُشَدِّدُ ابن عمرو هذا على النساء بأمرهن بنقض ضفائرهن بعد ما رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك نقض ضفائرهن فهذا تشديد بلا دليل فلا يُتَّبَع من ذلك، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وجملة ما ذكر المؤلف في هذا الباب حديثان الأول منهما حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي: أما أحكام هذا الباب فمذهبنا ومذهب الجمهور أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض لم يجب نقضها وإن لم يصل إلَّا بنقضها وجب نقضها وحديث أم سلمة محمول على أنَّه كان يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض لأن إيصال الماء واجب، وحكي عن النخعي وجوب نقضها بكل حال، وعن الحسن وطاوس وجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة ودليلنا حديث أم سلمة، وإذا كان للرجل ضفيرة فهو كالمرأة، والله أعلم. واعلم أن غسل الرجل والمرأة من الجنابة والحيض والنفاس وغيرها من الأغسال المشروعة سواءٌ في كل شيء، إلَّا ما سيأتي في المغتسلة من الحيض والنفاس أنَّه يستحب لها أن تستعمل فرصة من مِسْكٍ، وقد تقدم بيانُ صِفَةِ الغسل بكمالها في الباب السابق فإن كانت المرأة بكرًا لم يجب إيصال الماء إلى داخل فرجها وإن كانت ثيبًا وجب إيصال الماء إلى ما يظهر في حال قعودها لقضاء الحاجة، لأنه صار في حكم الظاهر هكذا نَصَّ عليه الشافعي وجماهيرُ أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: لا يجب على الثيب غسل داخل الفرج، وقال بعضهم: يجب ذلك في غسل الحيض والنفاس دون الجنابة؛ والصحيح الأول، وأما أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بنقض النساء رؤوسهن إذا اغتسلن فيُحمل على أنَّه أراد إيجاب ذلك عليهن، ويكون ذلك في شعور لا يصل الماء إليها، أو يكون مذهبًا له أنَّه يجب النقضُ بكل حال كما حكيناه عن النخعي ولا يكون بَلَغَه حديث أم سلمة وعائشة، ويَحْتَمِلُ أنَّه كان يأمرهن على سبيل الاستحبابِ والاحتياطِ لا للإيجاب، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

167 - (72) (54) باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم

167 - (72) (54) باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم 643 - (295) (141) (105) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: كَيفَ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيضَتِهَا؟ قَالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ 167 - (72) (54) باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم والفِرْصة على وزن سدرة قطعة قطن أو خرقة تستعملها المرأة في مسح دم الحيض كذا في المصباح، فيكون الجار في قوله من مسك متعلقًا بخَاصٍّ أي باب استحباب استعمالها قطعة قطن مطيَّبَة بمسك في موضع الدم وهو الفرج بأن تحشو تلك القطعة المطيبة في فرجها لتَطْييبه. 643 - (295) - (141) (105) (حَدَّثَنَا عمرو بن محمد) بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (و) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني ثم المكي، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي، وأتى بقوله (قال عمرو) الناقد (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) تورعًا من الكذب على عمرو (عن منصور بن صفية) بنت شيبة بن عثمان وهو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث القرشي العبدري الحجبي المكي نسب إلى أمه لشهرته بها ثقة من (5) مات سنة (138) روى عنه في (3) أبواب (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنها في (5) أبواب (عن عائشة) الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد كوفي واثنان مكيان أو مكي وبغدادي (قالت) عائشة (سألت امرأة) من الأنصار كما في رواية البخاري أو هي أسماء بنت شَكَل بفتح الشين المعجمة وفتح الكاف كما صرح به في آخر الباب (النبي صلى الله عليه وسلم) وهو في بيتها عن كيفية تطهيرها من الحيض، فقالت في سؤالها (كيف تغتسل) الحائض (من) حدث (حيضتها قالت) صفية بنت شيبة كذا في نسخة الأبي

فَذَكَرَتْ أَنَّهُ عَلَّمَهَا كَيفَ تَغْتَسِلُ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرُ بِهَا. قَالتْ: كَيفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَال: "تَطَهَّرِي بِهَا. سُبْحَانَ اللهِ" وَاسْتَتَر - (وَأَشَارَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والسنوسي بتاء التأنيث وهي أوضح، وفي بعض النسخ (قال) بالتذكير فالضمير عائد أيضًا على صفية بمعنى الراوي (فدكرت) عائشة (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (عَلَّمَهَا) أي علم السائلة كيف تغتسل) من حيضتها بصب الماء أولًا على رأسها ثم على سائر جسدها أي بأن قال لها تطهري فأحسني الطهور ثم صبي على رأسك فادلكيه دلكًا شديدًا حتَّى يبلغ الماء شؤون رأسك أي أصولَه ثم صُبِّي الماءَ على سائر جسدك (ثم) بعد ما فرغت من الاغتسال (تأخذ فِرْصَةٌ) بوزن سدرة أي قطعة من قطن أو خرقة، وقال القسطلاني: بتثليث الفاء بمعنى قطعة وقيل بفتح القاف والصاد المهملة أي شيئًا يسيرًا من المسك مثل القَرْصَة بطرف الأصبعين، وقال ابن قتيبة: إنما هو بالقاف والضاد المعجمة؛ أي قطعة من مسك، والرواية ثابتة بالفاء والصاد المهملة ولا مجال للرأي في مثله، والمعنى صحيح بنقل أئمة اللغة، ومِن في قوله (من مسك) على الرواية الأولى وهي الثَّابتة بمعنى الباء متعلقة بمحذوف خاص صفة لفرصة، والمسك بكسر الميم دم الغزال والمعنى ثم تأخذ قطعة من قطن أو خرقة ملطَّخَة مطيَّبَة بمسك ثم تحشوها في فرجك (فتطهَّر بها) أي فتُطَيِّب بتلك الفرصة فرجها وتزيل عنه رائحة الدم، وقال القاضي عياض: ورُوي (مِن مَسْك) بفتح الميم وسُكون السين وهي رواية الأكثرين وهو الجِلْد والمعنى ثم تأخذ قطعة من جلد وتحمل بها معكِ لمسح القُبل، واحتج لهذا بانهم كانوا في ضَيقٍ يَمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه، وهذا قول ضعيف والصحيح الأول (فتطهر) أي تنظف (بها) أي بالفرصة (قالت) أسماء بنت شكل (كيف أتطهر) وأتنظف (بها) أي بتلك الفرصة يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تطهري) أي تنظفي (بها) أي بتلك الفرصة (سبحان الله) أي عجبًا للَّه في شؤونه التي منها خفاء هذا الأمر الظاهر الواضح عليك الَّذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر وتأمل، قال القسطلاني: أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله متعجبًا من خفاء ذلك عليها (واستتر) عنا بوضع يده على وجهه مبالغة في التعجب من ذلك. قال النواوي: وفي هذا جواز التسبيح عند التعجب من الشيء واستعظامه وكذلك يجوز عند التثبت على الشيء والتذكر به، وفيه استحباب استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات، قال عمرو الناقد (وأشار لنا) أي بين وحكى لنا (سفيان بن عيينة) استتار

بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ) - قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: وَاجْتَذَبْتُهَا إِلَيَّ. وَعَرَفْتُ مَا أَرَادَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ في رِوَايَتِهِ: فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا آثَارَ الدَّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم (بـ) وضع (يده على وجهه قال) الراوي يعني صفية بنت شيبة، وفي بعض النسخ قالت أي صفية بنت شيبة نظير ما مر (قالت) لنا (عائشة واجْتَذَبْتُهَا) أي جذبت أسماء بنت شكل (إليّ) لئلا تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بتكرار سؤالها عليه، وفي رواية (فاجتذبتها) بالفاء بدل الواو وتقديم الذال المعجمة على الموحدة، وفي أخرى بتقديم الموحدة على الذال (فاجتذبتها) والمعنى واحد أي جررتُها بثوبها إليَّ (و) الحال أنِّي قد (عرفتُ) وفهمت (ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم) بقوله لها تطهري (فقلت) لها (تَتَبَّعِي) وتزيلي (بها) أي بالفرصة الممسكة (أثر الدم) في الفرج أي رائحته (وقال) محمد (بن أبي عمر في روايته) هذا الحديثَ قالت عائشة (فقلت) لأسماء بنت شكل (تَتَبَّعِي بها) أي تَمسَّحِي بتلك الفِرصة (آثارَ الدم) أي مواضعَ الدم يعني بها الفرج بصيغة الجمع، ونقل النواوي عن المحاملي أنَّه قال: تُطَيِّبُ كُل موضع أصابه الدم من بدنها، وفي ظاهر الحديث حجة له. اهـ. قال القسطلاني: واستُنْبِطَ من هذا الحديث أن العالِمَ يَكْنِي بالجواب في الأمور المستورة، وأن المرأة تسأل عن أمر دينها، وتكرير الجواب لإفهام السائل، وأن للطالب الحاذق تفهيم السائل قولَ الشيخ وهو يسمع، وفيه الدلالة على حُسن خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم وعظيم حلمه وحيائه. اهـ. وقال القاضي عياض: وفي الحديث الاستحياء عند ذكر ما يُسْتَحْيَا منه لا سيما ما يُذكر من ذلك بحضرة الرجال والنساء خصوصًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنَّه لم يكن فحاشًا فيجب أن يقتديَ به أهل الفضل فيستحيون وينقبضون عند ذكر ذلك ويَكْنُون عن الألفاظ المستقبحة، ألا ترى إلى قول عائشة تَتَبَّعِي بها أثر الدم تَكْنِي به عن موضع خروجه، وفيه التسبيح عند إنكار الشيء والتعجب منه، اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الطهارة عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب، وفي الاعتصام عن محمد بن عقبة عن فضيل بن سليمان، والنسائي في الطهارة عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري عن سفيان [159] وعن الحسن بن محمد عن عفان عن وهيب [266] اهـ تحفة.

644 - (00) (00) (00) وحدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: كَيفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ؟ فَقَال: "خُذِي فِرْصةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي بِهَا" ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 644 - (00) (00) (00) (وحدثني أحمد بن سعيد الدارمي) أبو جعفر المروزي ثقة حافظ من (11) قال (حَدَّثَنَا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة بن هلال الباهلي أبو حبيب البصري ثقة ثبت حجة مأمون، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، من (9) مات سنة (216) روى عنه في (8) أبواب، قال (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغير قليلًا بآخره، من (7) مات سنة (165) روى عنه في (12) بابا، قال (حَدَّثَنَا منصور) بن عبد الرحمن بن طلحة الحَجَبِي المكي المعروف بابن صفية (عن أمه) صفية بنت شيبة العبدرية المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة وهيب بن خالد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن منصور ابن صفية، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة (أن امرأة) وهي أسماء بنت شكل (سألت النبي صلى الله عليه وسلم) عن كيفية غسلها عن المحيض فقالت (كيف أغتسل) يا رسول الله (عند الطهر) من المحيض والتنفظ منه (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي) بعد إيصال الماء إلى جميع شعرك وبشرتك (فِرْصة) أي قطعة من قطن (مُمَسَّكَة) أي مطيبة بمسك ملطخة به، وهو بضم الميم الأولى وفتح الثانية ثم مهملة مشددة مفتوحة على صيغة اسم المفعول، قال القسطلاني: أي قطعة من صوف أو قطن مطيبة بمسك (فَتَوَضَّئِي) الوضوء اللغوي؛ وهو التنظيف أي تنظفي من رائحة الدم (بها) أي بتلك الفرصة الممسكة بأن تحشوها في فرجها لتزيل رائحة الدم (ثم ذكر) وهيب بن خالد (نحو حديث سفيان) بن عيينة أي قريبه في اللفظ والمعنى، وتمام رواية وهيب كما في البخاري "ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيا ثم أعرض بوجهه فأخذْتُها فجذبتُها فأخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم".

645 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ؛ قَال: سَمِعْتُ صَفِيَّةَ تُحدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ؛ فَقَال: "تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 645 - (00) - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى) العَنَزِي أبو موسى البصري ثقة من (10) (و) محمد (بن بشار) العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) وأتى بقوله: (قال ابن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي أبو عبد الله البصري المعروف بغُندر ثقة من (9) إشارة إلى أن ابن بشار روى عنه بالعنعنة (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة إمام الأئمة من (7) (عن إبراهيم بن المهاجر) بصيغة اسم الفاعل بن جابر البجلي أبي إسحاق الكوفي، روى عن صفية بنت شيبة في الوضوء، وأبي الشعثاء سُلَيم المحاربي في الصلاة، وطارق بن شهاب وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وشعبة وأبو الأحوص والثوري وغيرهم، قال أحمد: لا بأس به، وقال العجلي: جائز الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال مرة: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق لَيِّنُ الحفظِ من الخامسة (قال) إبراهيم (سمعت صفية) بنت شيبة العبدرية المدنية، حالة كونها (تُحدِّث) وتروي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم بن المهاجر لمنصور بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن صفية، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن أسماء) بنت شكل الأنصارية (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن) كيفية (غسل المحيض) بفتح الغين على أن المحيض اسم مكان أي عن كيفية تنظيف مكان الحيض وهو الفرج، وبضمها على أن المحيض مصدر ميمي فالإضافة فيه بمعنى اللام الاختصاصية لأنه ذكر لها خاصة هذا الغسل أي عن كيفية الغسل المختص بالحيض (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (تأخذ إحداكن) أيَّتُها المسلمات (ماءها وسدرتها) والسدرة شجر النبق؛ والمراد بها هنا ورقها الَّذي ينقع به في الغسل، وفي بعض النسخ وسدرها، قال الأبي: وهو الغاسول المتخذ من النبق (فتطهر) أي فتنظف من الدم

فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا. حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بحذف إحدى التاءين لأنه من باب تفعَّل الخماسي (فتُحسن الطهور) أي الوضوء، قال القاضي عياض: التطهر الأول هو لإزالة النجاسة وما مَسَّها من دم الحيض، قال النواوي: والأظهر أنَّه الوضوء (ثم تَصُبُّ) الماء وتفرغه (على رأسها فتدْلُكه) أي فتدلك رأسها (دلكًا شديدًا) أي مبالِغًا (حتَّى تبلغ) إحداكن وتصل بدلكها (شؤون رأسها) أي إلى أصول شعر رأسها، وفي بعض النسخ (حتَّى يبلغ) الماء إلى أصول شعرها، والشؤون بضم الشين المعجمة وبعدها همزة؛ والمراد أصول شعر رأسها، قال القاضي: والشؤون ملتقى عظام الرأس وموضع فَرْقِهِ، وقال القرطبي: والشؤون هي ملتقى فلَقَتَي الرأس ومنها تجري الدموع، وقال النواوي: والشؤون المخطوط التي في عظم الجمجمة؛ وهو مجتمع شعب عظامها، الواحد منها شان، وفي النهاية هي عظامه وطرائقه ومواصل قبائله. وفي المفهم: قوله (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها) السدر هنا هو الغاسولُ المعروفُ وهو المتخَذُ مِنْ ورق شجر النبق وهو السدر، قوله (فتطهر) وهذا التطهرُ الَّذي أَمَرَ باستعمال السدر فيه هو لإزالة ما عليها من نجاسةِ الحيض، والغسلُ الثاني هو للحيض، وقولُه (فتدلكه دلكًا شديدًا) حجةٌ لمن رأى التدليكَ (فإن قلتَ) إنما أمر بهذا في الرأس ليعم جميعَ الرأس. (قلتُ) وكذلك يقال في جميع البدن، فإن قيل لو كان حكم جميع البدن حكمَ الرأس في هذا لبَيَّنَه فيه كما بيَّنه في الرأس، قلت: لا يحتاج إلى ذلك، وقد بيَّنَه في عضو واحد، وقد فُهِمَ عنه أن الأعضاء كُلَّها في حكمِ العضو الواحدِ في عموم الغسل وإجادته وإسباغه فاكتفى بذلك، (والشؤونُ) هو أصلُ فَرْقِ الرأس ومُلْتقَاها ومنها تجيء الدموع، وذِكْرُها مبالغةٌ في شدةِ الدلك وإيصال الماء إلى ما يَخْفَى من الرأس (ثم تَصُبُّ عليها) أي على سائر جسدها (الماء) لغسل الحيض (ثم) بعد فراغها من غسلها (تَأْخُذُ فِرْصَةً) أي قطعةً مِنْ قُطن أو من خرقة (مُمَسَّكة) أي مُطيَّبة بطيب مسك (فتطَهَّرُ) أي تُنَظِّفُ وتَطيِّب (بها) أي بتلك الفرصةِ فرجها بأن تَحْشو تلك الفرصة في قُبلها. وفي المفهم: (الفِرْصة) صحيح الرواية فيها بكسر الفاء وفتح الصاد المهملة؛ وهي القطعة من الشيء، وهي مأخوذة من الفَرْص وهو القطع، والمَفْرَصَ والمِفْرَاصُ الَّذي تُقَطَّع به الفضة، وقد يكون الفرص بمعنى الشقِّ يقال فرصتُ النعل أي شققتُ أذنيها،

فَقَالتْ أَسْمَاءُ: وَكَيفَ تَطَهَّرُ بِهَا؛ فَقَال: "سُبْحَانَ اللهِ، تَطَهَّرِينَ بِهَا" فَقَالتْ عَائِشَةُ - (كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ) - تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَال: "تَأْخُذُ مَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المصباح فرصتُ النَّعل أي خرقتُ أذنيها للشِّرَاك، وأما (مُمسَّكة) فروايتنا فيها بضم الميم الأُوْلَى وفتحِ الثانية وتشديد السين؛ ومعناه مطيَّبَة بالمسك مبالغةً في نفي ما يُكره وإزالتِهِ من ريح الدم، وعلى هذا تصح رواية الخُشني عن الطبري: فِرْصة من مِسْك بكسر الميم، وعلى هذا الَّذي ذكرناه أكثر الشارحين، وقد أنكر ابن قتيبة هذا كله، وقال: إنما هو فُرْضَة بضم الفاء وبالضاد المعجمة، وقال: لم يكن للقوم وُسْع في المال بحيث يستعملون الطيب في مثل هذا، وإنما هو مَسْكٌ بفتح الميم ومعناه الإمساك، فإن قالوا: إنما سُمع رباعيًّا، والمصدر إمساك قيل سُمع أيضًا ثلاثيًّا فيكون مصدره مَسْكًا، والمعنى ثم تأخذ جِلْدَةَ إمساكِ أي جلدةَ ذات صوفٍ وشَعْرٍ تُمْسِكُ وتمنع بها الدم من السيلان، قال الشيح: ولقد أحسن من قال في ابن قتيبة هَجُومٌ وَلُوجٌ على ما لا يُحسِن، ها هو قد أنكر ما صح من الرواية في فِرصة وجهِلَ ما صحَّحَ نَقْلَه أئمةُ اللغة، واختار ما لا يلتئم الكلام معه فإنه لا يصح أن يقال خذ قطعة من إمساك، وسوى بين الصحابة كلهم في الفقر وسُوءِ الحال بحيث لا يقدرون على استعمال مِسك عند التطهُر والتنظُّف مع أن المعلوم من أحوال أهل الحجاز واليمن مبالغتهم في استعمال الطيب من المسك وغيره، وإكثارهم ذلك واعتيادهم له، فلا يلتفت لإنكاره ولا يُعَرَّجُ على قوله .. إلخ ما أطال هنا. (فقالت أسماء) بنت شكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وكيف تطهر) إحدانا وتتنظف (بها) أي بالفِرصة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا من خفاء ذلك عليها (سبحان الله) أي تنزيهًا لله في شؤونه كلّها (تطهرين بها) أي تتنظفين بالفرصة (فقالت عائشة) لها حالة كون عائشة (كأنها) أي كان عائشة (تُخفي) وتُسِرُّ (ذلك) الكلام الَّذي تقول لأسماء عن غيرها. قال النواوي: معناه قالت لها عائشة كلامًا خفيًّا تَسْمَعُه المخاطبةُ ولا يسمعه الحاضرون، وهذه الجملة مُدْرَجَة أدخلها الراوي بين الحكاية والمَحْكِي أي بين القول ومقوله، وهو قولها (تتبعين أثر الدم) أي يعني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لك تطهرين بها تَتبعين وتُزيلين بتلك الفرصة أثرَ الدم ورائحتَه من القُبُل (وسألته) صلى الله عليه وسلم أيضًا أسماءُ بنت شكل (عن) كيفيةِ (غَسْلِ الجنابة) من جماع أو احتلام (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (تأخذ) إحداكن (ماء) طهورًا

فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ. أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ. حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا. ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيهَا الْمَاءَ". فَقَالتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ. 646 - (00) (00) (00) وحدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، في هذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فتطهر) أي فتوضأ به (فتُحسن الطهور) أي الوضوء بإسباغ مواضع الفرض وآدابه (أو) قال لها (تُبْلِغُ الطهور) أي تُكمل إحداكن الوضوء بالإسباغ، والشك من عائشة أو ممن دونها (ثم) بعد إكمال وضوئها (تصب) إحداكن أي تفرغ الماء (على رأسها فتدلكه) أي تدلك أصول شعرها (حتَّى تبلغ) إحداكن بدلكها (شوون رأسها) أي أصول شعرها، وفي بعض النسخ (حتَّى يبلغ) أي الماء أصول شعرها (ثم تفيض عليها) أي على سائر جسدها (الماء، فقالت عائشة) عند ما حدثت هذا الحديث إنعم النساء) والمخصوص بالمدح (نساء الأنصار لم يكن يمنعهن) لم يَحْجُزْهُنَّ (الحياء) من الناس (أن يتفقهن) ويتعلمن (في) أحكام (الدين) رضي الله تعالى عنهن. وحديث عائشة هذا شارك المؤلف في رواية هذه الرواية أحمد [6/ 147] والبخاري [315] وأبو داود [314 - 316] والنسائي [1/ 135 - 137]. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 646 - (00) (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر التميمي العنبري أبو عمرو البصري ثقة حافظ من (10) مات سنة (237) روى عن أبيه فقط في مواضع كثيرة قال عبيد الله (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر التميمي العنبري أبو المثنى البصري ثقة من (9) مات سنة (196) روى عنه في (10) أبواب، قال (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري ثقة إمام الأئمة من (7) وقوله (في هذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، وفي بمعنى الباء، وقوله (نحوه) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو محمد بن جعفر، والمعنى حَدَّثَنَا معاذ بن معاذ عن شعبة بهذا الإسناد أي عن إبراهيم بن المُهاجِر عن صفية عن عائشة نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة. وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي، وغرضه بسوقه بيان

وَقَال: قَال: "سُبْحَانَ اللهِ، تَطَهَّرِي بِهَا" وَاسْتَتَرَ. 647 - (00) (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الأحوَصِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَت مِنَ الْحَيضِ؟ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها تقوية السند الأول لأن محمد بن جعفر فيه غفلة، ومعاذ بن معاذ ثقة متقن مع بيان محل المخالفة (و) لكن (قال) معاذ بن معاذ في روايته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبحان الله تَطَهَّرِي بها وَاسْتَتَرَ) عنا بوجهه بدل قول ابن جعفر (سبحان الله تطهرين بها). ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 647 - (00) (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي أبو زكرياء النيسابوري (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (كلاهما) رويا (عن أبي الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة متقن، من (7) مات سنة (179) روى عنه في (12) بابا (عن إبراهيم بن مُهَاجِر) الكوفي (عن صفية بنت شيبة) المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وثلاثة كوفيون أو كوفيان ونيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي الأحوص لشعبة في رواية هذا الحديث، عن إبراهيم بن المهاجر (قالت) عائشة (دخلت أسماء بنت شَكَلٍ) بفتحتين الأنصارية الصحابية، روى عنها (م) قال النواوي: هذا هو الصحيح المشهورُ، وحكى صاحب المطالع فيه إسكان الكاف، وذكر الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي في كِتابهِ الأَسْماءِ المبهمة وغَيرُه من العلماء أن اسم هذه السائلة أسماء بنت يزيد بن السَّكَن التي كان يقال لها خطيبة النساء، وروى الخطيب حديثًا فيه تسميتها بذلك، والله أعلم. (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو في بيتي (فقالت يا رسول الله كيف تغْتسل إحدانا) معاشر المسلمات (إذا طَهرت) أي أرادت الطهارة (من) حدث (الحيض، وساق) أبو الأحوص (الحديث) السابق بمثل حديث شعبة (و) لكن (لم يذكر) أبو

فِيهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحوص (فيه) أي في حديثه (غسل الجنابة) فاقتصر فيه على غسل الحيض، والله سبحانه وتعالى أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر فيه أربع متابعات واعلم أنَّه اختلف العلماء في الحكمة في استعمال المسك، فالصحيح المختار الَّذي قاله الجمهور أن الحكمة في استعماله تطييب المحل ودفع الرائحة الكريهة، وحكى الماوردي فيه قولان أحدهما هذا، والثاني أن الحكمة فيه أنَّه أسرع إلى عُلوق الولد، قال فإن قلنا بالأول ففقدتِ المسكَ استعملت ما يخلفه في طيب الرائحة، وإن قلنا بالثاني استعملت ما قام مقدمه في ذلك من القُسْط والأظفار وشبههما، قال: واختلفوا في وقت استعماله فمن قال بالأول قال: تستعمله بعد الغسل، ومن قال بالثاني قال قبله، هذا آخر كلام الماوردي. وأما قول من قال إن الحكمة الإسراع في العلوق فضعيف أو باطل فإنه على مقتضى قوله ينبغي أن يُخص به ذات الزوج الحاضر الَّذي يُتَوَقَّع جماعه في الحال، وهذا شيء لم يَصِرْ إليه أحد نعلمه، بل الصواب أن الحكمة تطييب المحل وإزالة الرائحة الكريهة، وأن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس سواء ذات الزوج وغيرها، وتستعمله بعد الغسل فإن لم تجد مسكًا فطيبًا غيره فإن لم تجد فطينًا فإن لم تجد فالماء كاف، اهـ نووي بتصرف. ***

168 - (73) (55) باب: في الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة وغسل المستحاضة

168 - (73) (55) باب: في الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة وغسل المستحاضة 648 - (296) (142) (106) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أَبِي حُبَيشٍ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ. أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ فَقَال: "لا. إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 168 - (73) (55) باب: في الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة وغسل المستحاضة 648 - (296) (142) (106) (وحدَّثَنا أَبُو بَكْرِ بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (قالا حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن هشام بن عروة) الأسدي أبي المنذر المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي أبي عبد الله المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش) بضم الحاء مصغرًا، واسم أبي حُبيش قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قُصي القرشية الأسدية ثبت ذكرها في الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش ... الحديث، اهـ من الإصابة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وهو في بيتي (فقالت) فاطمة (يا رسول الله إني امرأة) ذات دم مستمر لأني (أُستحاض) بضم الهمزة على صيغة المضارع المبني للمجهول أي أُصِبْتُ بالاستحاضة وابتُلِيتُ بها، والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وأوقاته (فلا أَطْهُرُ) أي فلا أجد الطهارة والنقاء من الدم (أ) يُرَخَّصُ لي في ترك الصلاة (فأدع) وأترك (الصلاة) لعدم طهارتي، فالهمزة للاستفهام الاستفتائي داخلة على محذوف معطوف عليه ما بعد الفاء، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف كما هو مذهب الزمخشري وهو الراجح كما بسطنا الكلام على ذلك في الحدائق (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تدعي الصلاة ولا تتركيها مرة (إنما ذلكِ) بكسر الكاف خطابًا لمؤنث أي إنما ذلك الدم الجاري منك على الدوام (عِرْقٌ) أي دم عرق يُسَمَّى بالعاذل بالذال المعجمة أي دم عرق انقطع فسال أي هو دم عِلَّةٍ لا دم جبلة فلا يمنع من العبادات والاستمتاع والعاذل بالذال

وَلَيسَ بِالْحَيْضَة، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيضةُ فَدَعِي الصَّلاةَ. وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي" ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمة وباللام، وحكى ابن سِيدَه فيه: العادل بالدال المهملة مع اللام، وفي الصحاح بذال معجمة وراء "العاذر" وهو عرق في أدنى رحم المرأة أي في أسفله وأقربه، وأما الحيض فهو دم يخرج من عرق في أقصى رحمها وأبعده وأعلاه على سبيل الصحة في أوانه (وليس) ذلك الدم الجاري منكِ على الاستمرار (بالحيضة) أي بدم الحيضة الَّذي يخرج من أقصى رحم المرأة في أوانه على سبيل الصحة، قال النواوي: يجوز في حاء الحيضة كسرها على معنى الهيئة والحالة، وفتحها وهو الأظهر على معنى الحيض (فإذا أقبلت الحبضة) المعتادة لك قبل استمرار الدم أي جاء وقتها سَوَاءٌ كان من أَوَّلِ الشهر أو آخره أو وسطه (فدعي الصلاة) أي اتركيها أي اتركي الصلاة وجميع ما يحرم بالحيض من الطواف والاستمتاع وغير ذلك (وإذا أدبرت) وانقطعت حيضتك المعتادة قبل استمرار الدم أي مضى وقتها مطلقًا (فاغسلي عنك الدم) أي اغتسلي غسل انقطاع الحيض (وصلي) في أيام استحاضتك حتَّى يُقبل وَقْتُ حيضِكِ المعتَاد أي لا تتركي الصلاة في كل الأوقات ولكن اتركيها في مقدار العادة ويوكَلُ ذلك إلى أمانتها وردها إلى عادتها ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص، وفيه دلالة على أن فاطمة كانت معتادة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 82] والبخاري [306] وأبو داود [282 - 298] والترمذي [125] والنسائي [1/ 183 - 185]. وفي المفهم: قوله (إنما ذلك عرق) دليل لنا على العراقيين في أن الدم السائل من الجسد لا ينقض الوضوء فإنه قال بعد هذا فاغسلي عنك الدم وصلي، وهذا أصح من رواية من روى (فتوضَّئِي وصلي) باتفاق أهل الصحيح وهو قول عامة الفقهاء، ويعني بقوله (ذلك عرق) أي عرق انقطع فسال أي هو دم علة، ويدل أيضًا أن المستحاضة حكمها حكم الطاهر مطلقًا فيما تفعل من العبادات وغيرها فيطؤها زوجها خلافًا لمن منع ذلك وهو عائشة وبعض السلف، وقوله (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) يدل على أن هذه المرأة مميزة فإنه صلى الله عليه وسلم أحالها على ما تعرف من تغير الدم، وقد نص على هذا الحديث أبو داود فقال (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يُعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضيء وصلي) رواه أبو داود [286] من حديث

649 - (00) (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاطمة بنت أبي حُبيش، وبهذا تَمَسَّك مالك في أن المستحاضة إنما تعمل على التمييز فإن عدمته صلت أبدًا ولم تعتبر بعادة خلافًا للشافعي، ولا تتحيض في علم الله من كل شهر خلافًا لأحمد وغيره وهو رد على أبي حنيفة حيث لم يعتبر التمييز، وقوله (فإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي) لم يختلف الرواة عن مالك في هذا اللفظ، وقد فسره سفيان فقال: معناه إذا رأت الدم بعد ما تغتسل تغسِلُ الدم فقط، وقد رواه جماعة وقالوا فيه: فاغسلي عنك الدم ثم اغتسلي، وهذا رد على من يقول إن المستحاضة تغتسل لكل صلاة وهو قول ابن عُلَية وجماعة من السلف، وعلى من رأى عليها الجمع بين صلاتي النهار بغسل واحد وصلاتي الليل بغسل وتغتسل للصبح، ورُوي هذا عن علي رضي الله عنه وعلى من رأى عليها الغسل من ظهر إلى ظهر وهو مذهب سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وغيرهم، وقد رُوي عن سعيد خلافه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله تعالى عنها فقال: 649 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري ثقة من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا، قال (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني أبو محمد المدني صدوق من (8) مات سنة (189) روى عنه في (9) أبواب (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرْطٍ الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (خ وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة من (9) مات سنة (199) روى عنه في (17) بابا (ح. وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَإِسْنَادِهِ. وَفِي حَدِيثِ قُتَيبَةَ عَنْ جَرِيرٍ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيشِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ بْنِ أَسَدِ. وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَّا. قَال: وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ زِيادَةُ حَرْفِ، تَرَكْنَا ذِكْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقرئ أبو محمد البغدادي ثقة من (10) مات سنة (227) روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا حماد بن زيد) بن دِرْهَم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة من (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا، وأتى بحاء التحويلات لبيان اختلاف مشايخ مشايخه (كلهم) أي كل من هؤلاء المذكورين من عبد العزيز وأبي معاوية في السند الأول وجرير في الثاني وعبد الله بن نمير في الثالث وحماد بن زيد في الرابع رَوَوْا (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (بمثل) متن (حديث وكيع) بن الجراح المذكور آنفًا (و) بمثل (إسناده) أي إسناد وكيع يعني عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذه الأسانيد كلها من الخماسيات الأول منها: رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري أو ثلاثة مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري، والثاني منها: ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغلاني، والثالث منها: مدنيون واثنان كوفيان، والرابع منها: ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد بغدادي، وغرضه بسوقها بيان متابعة أولئك الأربعة لوكيع في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (في حديث قتيبة عن جرير جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش بن عبد المطلب بن أسد) قال النواوي: هكذا وقع في الأصول بلفظ ابن عبد المطلب، واتفق العلماء على أنه وهم والصواب فيه حذف لفظة عبد فإن اسم أبي حُبيش قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قُصي، والله أعلم (وهي) أي فاطمة بنت أبي حبيش (امرأة منا) أي من بني أسد، وقائل هذا الكلام هو هشام بن عروة أو أبوه عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى يعني أنها من فخذه لأنها أسدية (قال) المؤلف رحمه الله تعالى (وفي حديث حماد بن زيد) وروايته عن هشام (زيادة حرف) وكلمة على رواية غيره (تركنا ذكره) أي ذكر ذلك الحرف وأسقطناه في روايتنا عنه لأنه انفرد به وهي شاذة، وتلك الزيادة المتروكة من حديث حماد هي قوله (وتوضئِي) بعد قوله (فاغسلي عنك الدم) أسقطها مسلم لانفراد حماد به وبيان مثل هذا مما يدل على شدة ورعه وإتقانه وحفظه رحمه الله تعالى، قال النسائي: لا أعلم من ذكر

650 - (297) (143) (107) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتِ: اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشِ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ. فَقَال: "إِنمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي. ثُمَّ صَلِّي" فَكَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وتوضئِي) غير حماد يعني في حديث هشام وإلا فقد ذكرها أبو داود وغيره من حديث عدي بن ثابت وحبيب بن أبي ثابت وأيوب بن أبي مسكين، وقال أبو داود: وكلها ضعيفة، اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش بحديث أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنهما فقال: 650 - (297) - (143) (107) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني، قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التُجِيبِيُّ بضم المثناة مولاهم أبو عبد الله المصري ثقة ثبت من (10) مات سنة (242) روى عنه في (5) أبواب، قال (أخبرنا الليث) بن سعد، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عروة) بن الزبير الأسدي أبي عبد الله المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبغلاني (أنها) أي أن عائشة (قالت استَفْتَتْ) وسألت (أم حبيبة بنت جحش) بن رئاب الأسدية زوج عبد الرحمن بن عوف أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) في استفتائها (إني أُستحاض) بضم الهمزة أي أُصبت بالاستحاضة -وهي جريان الدم في غير أوانه- فكيف أُصلي؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك) الدم الجاري منكِ (عِرْق) أي دم عرق انقطع في أدنى الرحم وأسفله يُسمى العاذل فليس بحيض لأن الحيض يخرج من أقصى الرحم وقعره لجبلة فلا يمنع هذا الخارج منك الصلاة فلا تتركيها (فـ) ـإذا أدبرت وانقطعت حيضتك التي كانت قبل هذا الدم المستمر بك (اغتسلي) غسل انقطاع الحيضة المعتادة (ثم) بعد اغتسالك هذا الغسل (صلي) الصلاة المكتوبة وغيرها، قالت عائشة: (فكانت)

تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. قَال اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَاب أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. وَلَكِنهُ شَيءٌ فَعَلَتْهُ هِيَ. وَقَال ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ: ابْنَةُ جَحْشٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ أُمَّ حَبِيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أم حبيبة بعد ذلك (تغتسل) باختيارها لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم (عند كل صلاة) مكتوبة، وإنما أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم باغتسالها عند إدبار حيضتها المعتادة فقط لا عند كل صلاة، وفي القسطلاني: وأمرها بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا كما نص عليه الشافعي وإليه ذهب الجمهور قالوا: يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة، لكن يجب عليها الوضوء، وما في مسلم من قوله (فأمرها بالغسل لكل صلاة) طَعَنَ فيه النقاد لأن الأَثْبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، نعم ثبتت في سنن أبي داود فَيُحْمَل على الندب جمعًا بين الروايتين، وقد عَدَّ المنذريُّ المستحاضاتِ في عهده صلى الله عليه وسلم خمسًا: حَمنة بنت جحش، وأم حبيبة بنت جحش، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل القرشية العامرية، وسودة بنت زمعة أم المؤمنين (قال الليث بن سعد) بالسند السابق (لم يذكر ابن شهاب) عندما روى لنا هذا الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة) فريضة (ولكنه) أي ولكن اغتسالها (شيء فَعَلَتْه هي) باختيارها لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي: إن اغتسالها لكل صلاة كان تطوعًا منها لا أنها أُمرت به، وقال ابن عُلية وغيره: تغتسل لكل صلاة، وقال علي وبعض الصحابة: تجمع بين صلاتي النهار بغسل وبين صلاتي الليل بغسل وتصلي الصبح بغسل ثالث، وقال الحسن وابن المسيب وعطاء وغيرهم: تغتسل كل يوم من ظهر إلى ظهر، وقال مالك: ليس عليها إلا غسل واحد لإدبار الحيضة، والحديث حجةٌ لمالك ورَدّ على الجميع، وذكر العلماء أن أصح حديث في الباب حديث هشام في قصة فاطمة بنت أبي حُبَيش، اهـ من السنوسي (وقال) محمد (بن رمح في روايته: ابنة جحش ولم يذكر) ابن رمح لفظة (أم حبيبة) بل ذكرها قتيبة في روايته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنها فقال:

651 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ (خَتَنَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 651 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجَمَلَيُّ بفتح الجيم والميم مولاهم أبو الحارث المصري الفقيه، روى عن ابن وهب في الإيمان والاستحاضة والصلاة وغيرها، وابن القاسم وجماعة، ويروي عنه (م د س) وقال النسائي: ثقة ثقة، وقال ابن يونس: كان ثبتًا في الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الحادية عشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين، قال (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه ثقة حافظ عابد، من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبي أمية المصري الفقيه المقرئ ثقة فقيه حافظ من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن ابن شهاب) الزهري المدني (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني (وعمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة سيدة نساء التابعين ثقة، من (3) ماتت قبل المائة، روى عنها في (6) أبواب، وهذه غير عمرة التي هي من سروات النساء فإنها من الصحابيات أخت عبد الله بن رواحة يعني أن الزهري روى عن عروة بن الزبير وعن عمرة كما هو لفظ البخاري، قال القاضي عياض: رواية المرادي هكذا (عن عروة وعمرة) بالواو العاطفة، وخالفه الأوزاعي وقال (عن الزهري عن عروة عن عمرة) بغير واو، قال النواوي: والأول يعني رواية المرادي بالواو هو الصواب (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن أم حبيبة بنت جحش) بن رئاب الأسدية أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين (ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخت زوجته صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش معناه قريبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال أهل اللغة: الأخْتَانُ جمع خَتَنٍ بفتحتين وهم أقارب زوجة الرجل، والأحماء أقارب زوج المرأة، والأصهار يَعُمُّ الجميع

وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ)، اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ. فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ هَذِهِ لَيسَتْ بِالْحَيضَةِ. وَلكِنَّ هذَا عِرْقٌ. فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي". قَالتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنِ فِي حُجْرَةِ أُختِهَا زينَبَ بِنْتِ جَحْشِ. حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) كانت أم حبيبة (تحت عبد الرحمن بن عوف) الزهري، أحد العشرة المبشرين رضي الله عنهم، فكان بينه صلى الله عليه وسلم وبين عبد الرحمن بن عوف أُسلوفة، ويقال هما سِلْفَان بالكسر أي متزَّوِّجَا الأختين، وفي كتاب الوصايا من صحيح البخاري إطلاق ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمرو بن الحارث الخزاعي أخي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها (استحيضت) أي أُصيبت بالاستحاصة (سبع سنين) أي سبع سنوات، جمع سنة شذوذًا، لأن شرط جمع السلامة أن يكون مفردًا علمًا لمذكر عاقل أو صفة له، وهذا ليس منه وتغير فيه بناء مفرده أيضًا لأنه مفتوح الأول وهذا ليس كذلك (فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلبت الفُتيا والجواب منه (في) حكم (ذلك) الذي أصابها من دم الاستحاضة، هل تترك الصلاة لأجله أم تُصلي معه؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب استفتائها (إن هذه) الاستحاضة (ليست بالحيضة) الجِبِلِّيَّةِ التي لا يُصَلَّى معها (ولكنَّ هذا) الدم الذي يجري منكِ (عرق) أي دم يجري من عرق انقطع في أدنى الرحم يسمى العاذل وليس بحيض (فـ) ـإذا أدبر قدر حيضك المعتاد قبل هذا الدم (اغتسلي) غسل الحيض مرة واحدة (وصلي) الصلوات كلها حتى يعود قدر حيضك المعتاد مع الوضوء إذا انتقض وضوئك بنحو البول والنوم (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها بالسند السابق (فكانت) أم حبيبة (تغتسل في مِرْكَنٍ) أي في الإجَّانَة التي تغسل فيها الثياب، وفي المفهم: المركن الإجَّانة؛ والإجانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم المفتوحة هي القصرية التي تغسل فيها الثياب كانت تقعد فيها فتصُبُّ عليها الماءَ مِنْ غيرها فيستنقع فيها فتعلو حمرةُ الدم السائل منها الماءَ ثم تخرج منها فتغسل ما أصاب رجليها من ذلك الماء المتغير بالدم أي في مركن كان (في حجرة أختها) أي في بيت أختها (زينب بنت جحش) زوج النبي صلى الله عليه وسلم أي كانت تغتسل في المركن فتجلس فيه وتصب عليها الماء فيختلط الماء المتساقط عنها بالدم الخارج منها فيحمرُّ الماء (حتى تعلو) وتغلب (حمرة الدم الماء) المتساقط منها. وهذا

قَال ابْنُ شِهَابِ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. فَقَال: يَرْحَمُ اللهُ هِنْدًا. لَوْ سَمِعَتْ بِهذِهِ الْفُتْيَا. واللهِ، إِنْ كَانَتْ لَتَبْكِي. لأَنَّهَا كَانَتْ لا تُصَلِّي. 652 - (00) (00) (00) وحدّثنى أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أعني حديث أم حبيبة شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 83] والبخاري [327] وأبو داود [288 - 291] والترمذي [129] والنسائي [1/ 181 - 182]. (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فحدثت بذلك) الحديث يعني حديث أم حبيبة (أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المدني، كان أحد الفقهاء السبعة قيل اسمه محمد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، ثقة فقيه عابد من (3) مات سنة (94) يروي عنه في (6) أبواب (فقال) أبو بكر (يرحم الله هندًا) لم يذكر من هي فلم يدر أقريبته أم حليلته، وفي آخر الإصابة لابن حجر "هند" غير منسوبة، وقع ذكرها في حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام عند مسلم. . إلخ ما هنا بعينه لم يزد عليه شيئًا، ولو في قوله (لو سمعت بهذه الفتيا) أي فتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة إما للتمني أي أتمنى سماعها بهذه الفتيا فتعمل بها أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان خيرًا لها (والله) أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره، وإن في قوله (إن كانت لتبكي) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إنه كانت لتبكي ليلًا ونهارًا تأسفًا على تعطلها من الصلاة وأكثر العبادات (لأنها كانت) مستحاضة (لا تصلي) لاستمرار دمها في جميع الأوقات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنها فقال: 652 - (00) (00) (00) (وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد) بن أبي هاشم الخراساني الأصل ثم البغدادي الوركاني بفتح الواو والراء، وقيل بسكون الراء نسبة إلى محلة أو قرية تسمى وركان ثقة من (10) مات سنة (228) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا، قال (أخبرنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد وقاضيها ثقة حجة من (8) مات سنة (183) روى

(يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: جَاءَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِلَى قَوْلِهِ: تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 653 - (00) (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَة، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ ابْنَةَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ سَبْعَ سِنِينَ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (14) بابًا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سعد) إشارة إلى أن هذه النسبة مما زادها من عند نفسه أيضًا إيضاحًا للراوي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدينون وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لعمرو بن الحارث في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة والنقصان (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (جاءت أم حبيبة بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت) أم حبيبة (استحيضت) أي أصيبت بدم الاستحاضة (سبع سنين) وساق إبراهيم بن سعد (بمثل حديث عمرو بن الحارث) أي بمماثله في جميع لفظه ومعناه (إلى قوله) أي إلى قول عمرو بن الحارث (تعلو حمرة الدم الماء ولم يذكر) إبراهيم بن سعد (ما بعده) أي ما بعد قوله تعلو حمرة الدم يعني قوله قال ابن شهاب فحدثت بذلك. . إلخ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 653 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة من (10) (حدثنا سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي ثقة مدلس من (8) (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أن) أم حبيبة (ابنة جحش كانت نستحاض) أي يجري دم الاستحاضة (سبع سنين) وساق سفيان بن عيينة عن الزهري (بنحو حديثهم) أي بمقارب حديث ليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وإبراهيم بن سعد في اللفظ والمعنى. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة

654 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيث عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ؟ فَقَالتْ عَائِشَةُ. رَأَيتُ مِرْكَنَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لليث بن سعد وعمرو بن الحارث وإبراهيم بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 654 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي أبو عبد الله المصري ثقة من (10) قال (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي أبو الحارث المصري ثقة من (7) (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة من (10) قال (حدثنا ليث) بن سعد، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه عن ليث تورعًا من الكذب على أحدهما لو اقتصر على إحدى الصيغتين (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه ولكنه يرسل، من (5) مات سنة (128) روى عنه في (11) بابا (عن جعفر) بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي الحسني أبي شرحبيل المصري، وثقه أحمد وابن سعد والنسائي، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال في التقريب: ثقة من (5) مات سنة (136) روى عنه في (4) (عن عراك) بن مالك الغفاري المدني ثقة فاضل من (3) مات بعد (100) (عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته ثلاثة منهم مدنيون وأربعة مصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عراك بن مالك لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أنها قالت أن أم حبيبة) بنت جحش (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (الدم) المستمر بها هل تترك بسببه الصلاة أم تصلي معه؟ (فـ) أخبرت عائشة عن كثرة دمها حين (قالت عائشة رأيت مركنها) أي مركن أم حبيبة وإجانتها التي تغتسل

مَلآنَ دَمًا. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيضَتُكِ. ثمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي". 655 - (00) (00) (00) حدّثني مُوسَى بْنُ قُرَيشِ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْحاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ. حَدَّثَنِي أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها، حالة كونه (ملآن) أي مملوءًا (دمًا) خارجًا منها، وقوله ملآن هو وصف مذكر على وزن فعلان، ومؤنثه على فعلى وفعلانة وفي بعض الرواية ملأى وكلاهما صحيح الأول على لفظ المركن وهو مذكر، والثاني على معناه وهو الإجانة، اهـ نووي. وجملة القول معترضة بين السؤال والجواب لأن الفاء هنا اعتراضية لأنها تكون للاعتراض كالواو كما هو مذكور في محله (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤالها (امكثي) بلا صلاة ولا صوم مثلًا (قدر ما كانت) وكان هنا زائدة أي قدر زمن (تحبسك) وتمنعك عن الصلاة (حيضتك) المعتادة لك قبل هذا الدم الفاسد (ثم) بعد مضي قدر زمن حيضتك المعتادة (اغتسلي) غَسْلَ رَفْعِ حَدَثِ الحيض المعتاد مرة واحد (وصلي) الصلوات الخمس وغيرها وافعلي سائر العبادة الممنوعة بحدث الحيض وتوضئي إذا طرأ عليك نواقض الوضوء إلى أن يعود زمن حيضك المعتاد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 655 - (00) (00) (00) (حدثني موسى بن قريش) بن نافع (التميمي) البخاري بمعجمة روى عن إسحاق بن بكر بن مضر في الوضوء، ويحيى بن صالح الوحاظي في الأطعمة، ويروي عنه (م) وقال في التقريب: مقبول من الحادية عشرة مات سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين، قال (حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر) بن محمد القرشي مولاهم مولى شرحبيل بن حسنة أبو يعقوب المصري، روى عن أبيه في الوضوء فقط، ويروي عنه (م س) وموسى بن قريش هذا الحديث الواحد والربيع الجيزي وأبو حاتم ويحيى بن عثمان، وله في مسلم فَرْدُ حديثٍ هذا الحديثُ، قال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق فقيه من العاشرة مات سنة (218) ثماني عشرة ومائتين، قال إسحاق (حدثني أبي) بكر بن مضر بن محمد بن حكيم القرشي مولاهم مولى شرحبيل بن حسنة أبو محمد أو أبو عبد الملك المصري، وثقه

حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاك بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بنْتَ جَحْشٍ. الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ. شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الدَّمَ. فَقَال لَهَا: "امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيضَتُكِ. ثُمَّ اغْتَسِلِي". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُل صَلاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخليلي والعجلي والنسائي وأبو حاتم وأحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت من (8) مات سنة (174) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثني جعفر بن ربيعة) الكندي المصري (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون وواحد بخاري، وغرضه بسوقه بيان متابعة بكر بن مضر ليزيد بن أبي حبيب في رواية هذا الحديث عن جعفر بن ربيعة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (أنها) أي أن عائشة رضي الله تعالى عنها (قالت إن أم حبيبة بنت جحش) بن رئاب القرشية (التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوت) الزهري (شكت) أي أخبرت على سبيل الشكاية (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم) أي دم الاستحاضة الذي يجري منها هل تصلي معه أم لا؟ (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (امكثي) بلا صلاة ولا صوم (قدر ما كانت تحبسك) أي قدر زمن تمنعك فيه (حيضتك) المعتادة لك قبل هذا الدم المستمر من نحو الصلاة (ثم) بعد ما مضى قدر زمن حيضتك المعتادة (اغتسلي) غسل انقطاع الحيض المعتاد بنية استباحة نحو الصلاة ثم صلي حتى يعود زمن الحيض المعتاد لك، قالت عائشة (فكانت) أم حبيبة بعد فتوى النبي صلى الله عليه وسلم (تغتسل عند كل صلاة) مكتوبة باختيارها طوعًا لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بغسل واحد بتقدير انقطاع الحيض، والله أعلم. واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلاة ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها المعتاد، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف ودليلهم أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حيضها وهو قوله صلى الله عليه وسلم (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي) وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل. وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس بشيء ثابت وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها، وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صَحِيحَيهِمَا أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنها استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل عند كل صلاة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، قال: ولا شك -إن شاء الله تعالى- أن غسلها عند كل صلاة كان تطوعًا غير ما أُمرت به، وذلك واسع لها، هذا كلام الشافعي بلفظه وكذا قال شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما وعباراتهم متقاربة، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ نواوي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث فاطمة بنت أبي جُبَيش ذكره للاستدلال به وهو أصح ما في هذا الباب وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أم حبيبة وذكره للاستشهاد به وذكر فيه خمس متابعات، والله أعلم. وقد قدمنا أن الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وأنه يخرج من عرق يقال له العاذل بخلاف دم الحيض فإنه يخرج من قعر الرحم على سبيل الصحة، وأما حكم المستحاضة فمبسوط في كتب الفقه أَحْسَنَ بسطٍ، ونحن نشير إلى طرف من مسائلها فنقول: اعلم أن المستحاضة لها حكم الطاهرات في معظم الأحكام، فيجوز لزوجها وطؤها في حال جريان الدم عند جمهور العلماء، وعن عائشة أنه لا يأتيها زوجها وبه قال النخعي والحكم، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها، وفي رواية عنه أنه لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت، والمختار ما قدمناه عن الجمهور؛ والدليل عليه ما روي عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما بهذا اللفظ بإسناد حسن، قال البخاري في صحيحه: قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، الصلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعظم. ولأن المستحاضة كالطاهرة في الصلاة والصوم وغيرهما فكذا في الجماع، ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بتحريمه، والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما الصلاة والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن ومس المصحف وحَمْلهُ وسجودُ التلاوة وسجود الشكر ووجوب العبادات عليها فهي في كل ذلك كالطاهرة وهذا مجمع عليه، وإذا أرادت المستحاضة الصلاة فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث وطهارة النجس فتغسل فرجها قبل الوضوء والتيمم إن كانت تتيمم وتحشو فرجها بقطنة أو خرقة رفعا للنجاسة أو تقليلا لها، فإن كان دمها قليلًا يندفع بذلك وحده فلا شيء عليها غيره، وإن لم يندفِع شدت مع ذلك على فرجها وتلَجَّمَت، وهو أن تشد على وسطها خرقة أو خيطًا أو نحوه على صورة التكة وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الطرفين فتدخلها بين فخذيها وأليتيها وتشد الطرفين بالخرقة التي في وسطها أحدهما قدامها عند سرتها والآخر خلفها وتحكم ذلك الشد وتلصق هذه الخرقة المشدودة بين الفخذين بالقطنة التي على الفرج إلصاقًا جيدًا، وهذا الفعل يسمى تلجمًا واستثفارًا وتعصيبًا، قال أصحابنا: وهذا الشد والتلجم واجب إلا في موضعين أحدهما: أن تتأذى بالشد ويحرقها اجتماع الدم فلا يلزمها لما فيه من الضرر، والثاني: أن تكون صائمة فتترك الحشو في النهار وتقتصر طي الشد، قال أصحابنا: ويجب تقديم الشد والتلجم على الوضوء وتتوضأ عقب الشد من غير إمهال فإن شدت وتلجمت وأخرت الوضوء وتطاول الزمان ففي صحة وضوئها وجهان الأصح: أنه لا يصح، وإذا استوثقت بالشد على الصفة التي ذكرناها ثم خرج منها دم من غير تفريط لم تبطل طهارتها ولا صلاتها ولها أن تصلي بعد فرضها ما شاءت من النوافل لعدم تفريطها ولتعذر الاحتراز عن ذلك، أما إذا خرج الدم لتقصيرها في الشد أو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد فزاد خروج الدم بسببه فإنه يبطل طهرها، فإن كان ذلك في أثناء صلاة بطلت، وإن كان بعد فريضة لم تستبح النافلة لتقصيرها، وأما تجديد غسلِ الفرج وحشوه وشدِّه لكل فريضة فيُنْظَر فيه إن زالت العصابة عن موضعها زوالًا له تأثير أو ظهر الدم على جوانب العصابة وجب التجديد، وإن لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما: وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم اعلم أن مذهبنا أن المستحاضة لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة واحدة مؤداة كانت أو مقضية وتستبيح معها ما شاءت من النوافل قبل الفريضة وبعدها، ولنا وجه أنها لا تستبيح أصلا لعدم ضرورتها إلى النافلة والصواب الأول، وقال أبو حنيفة: طهارتها مقدرة بالوقت فتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت من الفرائض الفائتة، وقال ربيعة ومالك وداود: دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء فإذا تطهرت فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض إلى أن تُحْدِثَ بغير الاستحاضة، والله أعلم. قال أصحابنا: ولا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل دخول وقتها، وقال أبو حنيفة: يجوز ودليلنا أنها طهارة ضرورة فلا تجوز قبل وقت الحاجة، قال أصحابنا: وإذا توضأت بادرت إلى الصلاة عقب طهارتها فإن أخرت بأن توضأت في أول الوقت وصلت في وسطه نظر إن كان التأخير للاشتغال بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والأذان والإقامة والاجتهاد في القبلة والذهاب إلى المسجد الأعظم والمواضع الشريفة والسعي في تحصيل سترة تصلي إليها وانتظار الجمعة والجماعة وما أشبه ذلك جاز على المذهب الصحيح المشهور، ولنا وجه أنه لا يجوز وليس بشيء، وأما إذا أخرت بغير سبب من هذه الأسباب وما في معناها ففيه ثلاثة أوجه أصحها: لا يجوز وتبطل طهارتها، والثاني: يجوز ولا تبطل طهارتها، ولها أن تصلي بها ولو بعد خروج الوقت، والثالث: لها التأخير ما لم يخرج وقت الفريضة فإن خرج فليس لها أن تصلي بتلك الطهارة، فإن قلنا بالأصح وأنها إذا أخرت لا تستبيح الفريضة فبادرت فصلت الفريضة فلها أن تصلي النوافل ما دام وقت الفريضة باقيًا فإذا خرج وقت الفريضة فليس لها أن تصلي بعد ذلك النوافل بتلك الطهارة على أصح الوجهين، والله أعلم. قال أصحابنا: وكيفية نية المستحاضة في وضوئها أن تنوي استباحة الصلاة ولا تقتصر على نية رفع الحدث، ولنا وجه أنه يجزئها الاقتصار على نية رفع الحدث، ووجه ثالث أنه يجب عليها الجمع بين نية استباحة الصلاة ورفع الحدث؛ والصحيح الأول، فإذا توضأت المستحاضة استباحت الصلاة، وهل يقال ارتفع حدثها فيه أوجه لأصحابنا؛ الأصح: أنه لا يرتفع شيء من حدثها بل تستبيح الصلاة بهذه الطهارة مع وجود الحدث كالمتيمم فإنه محدث عندنا، والثاني يرتفع حدثها السابق والمقارن للطهارة دون المستقبل، والثالث يرتفع الماضي وحده، والله سبحانه وتعالى أعلم، اهـ نواوي.

169 - (74) (56) باب: لا تقضي الحائض الصلاة وتقضي الصوم

169 - (74) (56) باب: لا تقضي الحائض الصلاة وتقضي الصوم 656 - (298) (144) (108) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ. ح وَحَدَّثَنَا حَمَّادٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 169 - (74) (56) باب: لا تقضي الحائض الصلاة وتقضي الصوم 656 - (298) - (144) (108) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود العتكي (الزهراني) البصري، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال ابن خراش: تكلم الناس فيه وهو صدوق، وقال ابن قانع: ثقة صدوق، وقال في التقريب: ثقة لم يتكلم فيه أحد بحجَّةٍ، من (10) مات سنة (234) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري مولى جرير بن حازم، قال أحمد: حماد بن زيد أحب إلينا من عبد الوارث حماد من أئمة المسلمين من أهل دين الإسلام، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي أبي بكر البصري، قال ابن سعد: كان ثقة ثبتا حجة جامعًا كثير العلم، وقال في التقريب: ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العُبَّاد، من (5) مات سنة (131) روى عنه في (17) بابا (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الأزدي الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء البصري من عباد أهل البصرة، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن خراش: ثقة، وقال في التقريب: ثقة فاضل كثير الإرسال، وقال العجلي: فيه نصب يسير، من (3) مات بالشام هاربًا من القضاء سنة (104) روى عنه في (11) بابا (عن معاذة) بنت عبد الله العدوية أمِّ الصهباء البصويةِ امرأةِ صِلةَ بن أشيم، قال ابن معين: ثقة حجة، وذكرها ابن حبان في الثقات وقال: كانت من العابدات يقال إنها لم تتوسد بعد موت أبي الصهباء حتى ماتت، وكانت تحيي الليل وتقول: عجبت لعين تنام، وقد علمت طول الرقاد في القبور. وقال في التقريب: ثقة من (3) ماتت سنة ثلاث وثمانين (83) روى عنها في (4) أبواب (خ) أي حول المؤلف السند (و) قال: قال لنا أبو الربيع (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم، وفي نسخة الأبي والسنوسي (قال أبو الربيع خ وحدثنا حماد) بن زيد، وعلى كلا النسختين الأوفق لاصطلاحه إسقاط الحاء لأن حاء التحويل إنما تكتب في بداية السند لا في وسط

عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ مُعَاذَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ فَقَالتْ: أَتَقْضِي إِحْدَانَا الصَّلاةَ أَيَّامَ مَحِيضِهَا؟ فَقَالتْ عَائِشَةُ. أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند وإنما المقام مقام العطف أي لعطف حدثنا حماد الثاني على حدثنا حماد الأول فيكون من مقول أبي الربيع لا من مقول المؤلف والتحويل إنما يكون من المؤلف لا من مشايخه (عن يزيد) بن أبي يزيد واسمه سنان الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة مولاهم أبوالأزهر البصري الذرَّاع القَسام؛ يقسم الدور ومَسح مكة قبلَ أيام الموسم فبلغ كذا ومسحها أيام الموسم فإذا قد زاد كذا وكذا المعروف بـ (الرشك) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة، واختلف العلماء في سبب تلقيبه بالرشك فقيل معناه بالفارسية القاسم، وقيل الغيور، وقيل كثير اللحية، وقيل الرشك بالفارسية اسم للعقرب فقيل ليزيد الرشك لأن العقرب دخلت لحيته فمكثت فيها ثلاثة أيام وهو لا يدري بها لأن لحيته كانت طويلة عظيمة جدًّا، حكى هذه الأقوال صاحب المطالع وغيره وحكاها أبو علي الغساني، وذكر هذا القول الأخير بإسناده، والله أعلم اهـ نواوي. روى عن معاذة في الوضوء والصلاة، ومطرف بن عبد الله بن الشخير في القدر، وأبي ذر وغيرهم، ويروي عنه (ع) وحماد بن زيد وشعبة وعبد الوارث وإسماعيل بن علية وجعفر بن سليمان وآخرون، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد والترمذي، وقال في التقريب: ثقة عابد من السادسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة، روى عنه في (3) أبواب (عن معاذة أن امرأة سألت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، والمرأة السائلة هي معاذة نفسها كما ستصرح في الرواية الآتية ففي الكلام من المحسنات البديعية التجريد. وهذان السندان الأول منهما من سداسياته، والثاني من خماسياته، ومن لطائفهما أن رجالهما كلهم بصريون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها (فقالت أتقضي إحدانا) معاشر المسلمات (الصلاة) المتروكة لها (أيام محيضها) لأن الحائض لا تصلي في حيضها (فقالت عائشة) لها (أحرورية أنت) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى نسبة إلى حروراء وهي قرية بقرب الكوفة على ميلين عنها، كان أول اجتماع الخوارج فيها اجتمعوا فيها وتعاقدوا على الخروج على علي رضي الله تعالى عنه، وقال الأبي: وإنما تعاقد فيها أوائلهم، ولكن كثر استعمالها حتى صار ينسب إليها كل خارج، ومنه قول عائشة هذا؛ أي أخارجية أنت، وإنما قالت لها ذلك لأن بعض الخوارج يقول إن الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم لأن الله تعالى لم يسقطها عنها في القرآن على أصلهم في رد السنن

قَدْ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لا تُؤْمَرُ بِقَضَاءٍ. 657 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ. قَال: سَمِعْتُ مُعَاذَةَ؛ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ على خلاف بينهم في المسألة، وأجمع المسلمون على أنها غير مخاطبة بها فلا تصلي ولا تقضي، وفي سنن أبي داود أن سمرة بن جندب كان يأمر الحيض بقضاء الصلاة فأنكرت عليه أم سلمة، وكان قوم من قدماء السلف يأمرون الحائض إذا دخل الوقت أن تتوضأ وتستقبل القبلة تذكر الله تعالى، قال مكحول: وكان ذلك من هدي نساء المسلمين واستحبه بعضهم، وقال بعضهم: هو أمر متروك مكروه ممن فعله، اهـ أبي. قال النواوي: وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكار أي هذه طريقة الحرورية، وبئست الطريقة فهل أنت من أهلها؟ (قد كانت إحدانا) معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (ثم) بعد انقطاع حيضها (لا تؤمر بقضاء) ما فاتها زمن الحيض من الصلوات، ولو وجب قضاؤها لأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقضاء فمن أين أخذت وجوب القضاء عليها، قال النواوي: معناه لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء مع علمه بالحيض وتركها الصلاة في زمنه، ولو كان القضاء واجبًا لأمرها به، اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 250] والبخاري [321] وأبو داود [262 و 263] والترمذي [130] والنسائي [1/ 191 - 192]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 657 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري. قال (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري الملقب بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن يزيد) الرشك البصري (قال سمعت معاذة) العدوية تحدث (أنها سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد في رواية

أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلاةَ؟ فَقَالتْ عَائِشَةُ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قَدْ كُنَّ نِسَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَحِضْنَ. أَفَأَمَرَهُن أَنْ يَجْزِينَ؟ . قَال مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: تَعْنِي يَقْضِينَ. 658 - (00) (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث عن يزيد الرشك، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة؛ أي قالت معاذة سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (أتقضي الحائض الصلاة) التي فاتتها زمن الحيض إذا طهرت (فقالت) لي (عائشة) منكرة عليَّ سؤالي (أحرورية أنت) أي هل أنت خارجية أي من الخوارج الذين يقولون بوجوب قضاء الصلاة على الحائض؛ أي لا تتبعي مذهبهم فإنه مذهب باطل لا أصل له لأنه (قد كن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضن) في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث جاء على لغة أكلوني البراغيث في قوله (قد كن نساء النبي صلى الله عليه وسلم) (أ) وجب عليهن قضاء الصلاة (فأمرهن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يجزين) بفتح الياء وكسر الزاي غير مهموز من جزى يجزي بمعنى قضى، والنون فيه نون الإناث فاعل، أي بأن يقضين الصلاة التي فاتتهن بسبب الحيض فالاستفهام للإنكار أي لم يجب عليهن قضاؤها فلم يأمرهن الرسول صلى الله عليه وسلم بقضائها (قال محمد بن جعفر) الهذلي بالسند السابق (تعني) عائشة بقولها يجزين (يقضين) الصلاة، وهذا تفسير مدرج من الراوي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 658 - (00) (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة حافظ من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابا (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ شهير، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري ثقة ثبت فاضل، من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي مولاهم أبي عبد الرحمن البصري، وثقه أحمد وابن معين وابن المديني وأبو زرعة والعجلي، وقال في التقريب: ثقة من (4) روى عنه في (17) بابا (عن معاذة) العدوية البصرية

قَالتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُوريَّةٍ. وَلَكِني أَسْأَلُ. قَالتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالت) معاذة (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عاصم الأحول ليزيد الرشك في رواية هذا الحديث عن معاذة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث، قالت معاذة (فقلت) لعائشة (ما بال الحائض) وما شأنها (تقضي الصوم) الذي فات بسبب الحيض (ولا تقضي الصلاة) فما الفرق بينهما (فقالت) عائشة (أحرورية أنت) أي هل أنت خارجية لأن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة زمن الحيض وهو خلاف الإجماع فالهمزة للاستفهام الإنكاري، قالت معاذة (قلت) لعائشة (لست) أنا (بحرورية ولكني أسال) سؤالًا لمجرد طلب العلم لا للتعنت فـ (قالت) عائشة قد (كان يصيبنا) ويطرأ علينا معاشر أزواجه صلى الله عليه وسلم (ذلك) الدم (فنؤمر بقضاء الصوم) الفائت بسببه (ولا نؤمر بقضاء الصلاة) الفائتة بسببه لأن التقرير على ترك الواجب غير جائز، وفرق بين الصلاة والصوم بتكررها فلم يجب قضاؤها للحرج بخلافه وخطابها بقضائه بأمر جديد لا بكونها خوطبت به أولًا، نعم استثني من نفي قضاء الصلاة ركعتا الطواف، قال الأبي: أجابت بالحكم وهي إنما سئلت عن الفرق بينهما لأن النص على حكم أزجر عن مذهب الخوارج لا سيما وهي لم تسأل استرشادا ولذا أنكرت عليها بقولها أحرورية أنت، وقيل في الفرق إنه لما في قضاء الصلاة من المشقة لتكررها. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه متابعتين، والله أعلم.

170 - (75) (57) باب: استتار المغتسل عند غسله بثوب ونحوه

170 - (75) (57) باب: استتار المغتسل عند غسله بثوب ونحوه 659 - (299) (145) (109) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ؛ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 170 - (75) (57) باب: استتار المغتسل عند غسله بثوب ونحوه 659 - (299) (145) (109) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني الإمام الفقيه أي أخبرني مالك (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية القرشي التيمي مولاهم مولى عمر بن عبيد الله التيمي أبي النضر المدني، وثقه أحمد وابن معين والعجلي والنسائي، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت وكان يرسل، من (5) مات سنة (129) روى عنه في (9) أبواب (أن أبا مرة) يزيد الهاشمي مولاهم (مولى أم هانئ) فاختة (بنت أبي طالب) عبد مناف بن عبد المطلب أي مولاها حقيقة لعتقها إياه وكان يلزم أخاها عقيلا فلذا نسبه إليه في الرواية الآتية، وأما أم هانئ فاسمها فاختة وقيل فاطمة وقيل هند كنيت بابنها هانئ بن هبيرة بن عمرو، وهانئ بهمز آخره، أسلمت أم هانئ يوم الفتح رضي الله تعالى عنها، روى عن أم هانئ في الوضوء والصلاة، وأبي الدرداء في الصلاة، وأبي واقد الليثي في الأدب وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو النضر سالم بن أبي أمية وسعيد بن أبي هند ومحمد بن علي بن حسين وإبراهيم بن عبد الله بن حنين وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وزيد بن أسلم، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وكان شيخا قديمًا، روى عن عثمان، وقال العجلي: تابعي مدني ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مدني مشهور بكنيته ثقة من الثالثة (أخبره) أي أخبر أبا النضر سالم بن أبي أمية (أنه) أي أن أبا مرة (سمع أم هانئ) فاختة (بنت أبي طالب) أخت علي بن أبي طالب وشقيقته رضي الله تعالى عنهما الهاشمية المكية، وفي الإصابة أنها عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كبرها فقال: أما الآن فلا لأن الله أنزل عليه في قوله: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} ولم تكن من المهاجرات، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنها (ع) وأبو مرة مولاها في الوضوء والصلاة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الصلاة، وعبد الله بن الحارث بن

تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ. فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ. وَفَاطِمَة ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ. 660 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ؛ أَن أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِب حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نوفل في الصلاة، وأبو صالح باذام وعبد الله بن عياش وجماعة لها ستة وأربعون حديثًا (46) اتفقا على حديث، أسلمت يوم الفتح وماتت في خلافة معاوية، حالة كونها (تقول ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إلى منزله (عام الفتح) أي عام فتح مكة (فوجدته) أي رأيته وصادفته حالة كونه (يغتسل) أي يغسل جسده الشريف (وفاطمة) أي والحال أن فاطمة الزهراء (ابنته تستره) أي تستر جسده عن الناس (بثوب) وفي هذا الحديث دليل على جواز اغتسال الإنسان بحضرة امرأة من محارمه إذا كان يحول بينه وبينها ساتر من ثوب وغيره، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، قال الأبي: وكان حديثًا لأن سترها كان بأمره صلى الله عليه وسلم. وسند هذا الحديث من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم هانئ رضي الله عنها فقال: 660 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي مولاهم أبي رجاء المصري ثقة فقيه من الخامسة (عن سعيد بن أبي هند) الفزاري مولاهم مولى سمرة المدني، روى عن أبي مرة مولى عقيل في الوضوء، وعن أبي موسى مرسلًا، وأبي هريرة وابن عباس، ويروي عنه (ع) ويزيد بن أبي حبيب وابنه عبد الله ونافع بن عمر الجمحي، وقال أبو حاتم الرازي: لم يسمع من أبي هريرة، قال ابن سعد: له أحاديث صالحة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (116) ست عشرة ومائة (أن أبا مرة) يزيد الهاشمي مولاهم المدني (مولى عقيل) بن أبي طالب نسبه إلى ولاء عقيل لملازمته إياه وإلا فهو مولى أم هانئ كما في الرواية المتقدمة (حدثه) أي حدث لسعيد بن أبي هند (أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته) أي حدثت لأبي مرة (أنه) أي أن الشأن والحال

لَما كَان عَامُ الْفَتْحِ، أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُو بِأعْلَى مَكَّةَ. قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ. فَسَتَرَتْ عَلَيهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالتَحَفَ بِهِ. ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (لما كان) وحصل، فكان تامة (عام الفتح) أي عام فتح مكة (أتت) وجاءت أم هانئ (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) نازل (بأعلى مكة) والحال أنه قد (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله) أي إلى موضع غسله (فسترت عليه) صلى الله عليه وسلم (فاطمة) ابنته أي جعلت عليه فاطمة ستارة تستره من الناس (ثم) بعد فراغه من غسله (أخذ ثوبه فالتحف) أي تلفف (به) مخالفًا بين طرفيه (ثم) بعد التحاف ثوبه (صلى ثمان ركعات سبحة الضحى) أي سنة الضحى ونافلته. وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان مدنيان وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي هند لأبي النضر في رواية هذا الحديث عن أبي مرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. قال النواوي: قولها (ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى) هذا اللفظ فيه فائدة لطيفة وهي أن صلاة الضحى ثمان ركعات، وموضع الدلالة كونها قالت سبحة الضحى وهذا تصريح بأن هذه سنة مقررة معروفة وصلاها بنية الضحى، بخلاف الرواية الأخرى صلى ثمان ركعات وذلك ضحى فإن من الناس من يتوهم منه خلاف الصواب فيقول ليس في هذا دليل على أن الضحى ثمان ركعات ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في هذا الوقت ثمان ركعات بسبب فتح مكة لا لكونها الضحى فهذا الخيال الذي يتعلق به هذا القائل في اللفظ لا يتأتى له في قولها سبحة الضحى ولم يزل الناس قديمًا وحديثًا يحتجون بهذا الحديث على إثبات الضحى ثمان ركعات، والله أعلم، والسبحة بضم السين وسكون الباء هي النافلة سميت بذلك للتسبيح الذي فيها، اهـ. وقوله: ثمان ركعات منصوب بالفتحة الظاهرة على النون لأنها آخر الكلمة وزيادة الياء فيه لغة فيكون منصوبًا بالفتحة الظاهرة على الياء إذا كان المعدود مؤنثًا كما هنا فتقول ثمان ركعات، وأما إذا كان المعدود مذكرًا فتقول: رأيت ثمانية رجال بالفتحة الظاهرة على التاء كما هو مقرر في محله. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم هانيء رضي الله عنها فقال:

661 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: فَسَتَرَتْهُ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ بِثَوْبِهِ. فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ. ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانَ سَجَدَاتٍ. وَذَلِكَ ضُحًى. 662 - (300) (146) (110) حدَّثنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا مُوسَى الْقَارِئُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 661 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي أبي محمد المدني ثم الكوفي، وثقه ابن معين وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق عارف بالمغازي رمي برأي الخوارج، من (6) مات سنة (151)، روى عنه في (9) أبواب (عن سعيد بن أبي هند) الفزاري المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، والوليد بن كثير أي حدثنا الوليد بن كثير عن سعيد بن أبي هند عن أبي مرة عن أم هانئ بنحو ما حدث يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن أبي هند. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الوليد بن كثير ليزيد بن أبي حبيب في رواية هذا الحديث عن سعيد بن أبي هند، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (و) لكن (قال) الوليد بن كثير في روايته (فسترته) صلى الله عليه وسلم (ابنته فاطمة بثوبه) صلى الله عليه وسلم (فلما اغتسل) أي فرغ من اغتسَالِه (أخذه) أي أخذ ثوبه الذي سترته به (فالتحف به) أي لَبِسَ بذلك الثوبِ مُخالِفًا بين طرفيه (ثم) بعدما التحف ثوبه (قام فصلى ثمان سجدات) أي ثمان ركعات، وسمَّى الركعة سجدة لاشتمالها عليها فهو مجاز مرسل من باب تسمية الكل باسم الجزء والعلاقة الجزئية (وذلك) الوقت أي وقت فعله لتلك الصلاة (ضحى) أي وقت الضحى وهو من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الاستواء. ثم استشهد المؤلف لحديث أم هانئ بحديث ميمونة رضي الله عنهما فقال: 662 - (300) (146) (110) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد (الحنظلي) المروزي أبو يعقوب بن راهويه ثقة، من (10) قال (أخبرنا موسى) بن عيسى الليثي (القارئ) بهمز آخره -منسوب إلى القراءة، اهـ نواوي- الكوفي الخياط، روى عن

حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ الأعمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيمُونَةَ؛ قَالتْ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَاءَ وَسَتَرْتُهُ فَاغْتَسَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة بن قدامة في الوضوء، ومفضل بن يونس، ويروي عنه (م) وإسحاق بن راهويه ومحمد بن عبد الله بن نمير وعبد الله بن براد الأشعري وغيرهم، وثقه مطين وابن حبان، وقال في التقريب: صدوق من التاسعة، مات قديمًا سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة قال (حدثنا زائدة) بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي ثقة ثبت من (7) مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه في (10) أبواب (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي، قال النسائي: ثقة ثبت، وعده في المدلسين، وقال في التقريب: ثقة حافظ قارئ ورع لكنه يدلس من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن سالم بن أبي الجعد) اسمه رافع الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة يرسل كثيرًا من (3) مات سنة (98) روى عنه في (7) أبواب (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس أبي رشدين المدني ثقة من (3) مات سنة (98) بالمدينة روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي حبر الأمة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما أبي العباس الطائفي (عن ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد طائفي وواحد مروزي (قالت) ميمونة رضي الله تعالى عنها (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء) يغتسل به (وسترته) بثوب (فاغتسل). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 336] والنسائي [1/ 200]. وجملة ما ذكره في هذا الباب حديثان: الأول حديث أم هانئ ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ميمونة ذكره للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

171 - (76) (58) باب: النهي عن النظر إلى العورة وعن الإفضاء

171 - (76) (58) باب: النهي عن النظر إلى العورة وعن الإفضاء 663 - (301) (147) (111) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ؛ قَال: أَخْبَرَنِي زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 171 - (76) (58) باب: النهي عن النظر إلى العورة وعن الإفضاء 663 - (301) (147) (111) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الحافظ الكوفي ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا زيد بن الحباب) بضم أوله المهمل وبموحدتين أبو الحسين التميمي العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عكل بطن من تميم الخراساني ثم الكوفي، قال ابن المديني والعجلي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وقال أحمد: كان صدوقًا، وقال في التقريب: صدوق يخطئ في حديث الثوري من (9) مات سنة (203) روى عنه في (11) بابا (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام -بكسر المهملة وبالزاي- بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي الحزامي أبي عثمان المدني ابن أخي حكيم بن حزام، كان خالد وحكيم أَخوين، روى عن زيد بن أسلم في الوضوء، ونافع وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وصدقة بن يسار في الصلاة، وعبد الله بن عروة في الصلاة، ومخرمة بن سليمان في الصلاة، وأبي النضر سالم في الجنائز والصوم وغيرهما، وأبي الرجال في الحج، وقطن بن وهب في الحج، وعبد الله بن دينار في العتق، وبكير بن عبد الله بن الأشج في البيوع، وهشام بن عروة في الأحكام، ويروي عنه (م عم) وزيد بن الحباب وابن أبي فديك والثوري وأبو بكر الحنفي وأنس بن عياض وعبد الله بن الحارث المخزومي وابن وهب، وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود وابن سعد، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به وهو صدوق، وقال في التقريب: صدوق يهم من السابعة مات بالمدينة سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، روى عنه في (8) أبواب (قال) الضحاك (أخبرني زيد بن أسلم) القرشي العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبو أسامة المدني، قال أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمد بن سعد والنسائي وابن خراش: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة من أهل الفقه والعلم وكان عالمًا بتفسير القرآن، وقال في التقريب: ثقة عالم وكان يرسل من (3) مات سنة (136) في ذي الحجة، روى عنه في

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ. وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (12) بابا (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي أبي جعفر المدني، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والحج والتثاؤب، وعن أبي حميد، ويروي عنه (م عم) وزيد بن أسلم وشريك بن أبي نمر وعمرو بن سليم وابنه سعيد بن عبد الرحمن وأبو سلمة بن عبد الرحمن في الحج، وسهيل بن أبي صالح، قال النسائي: ثقة، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة مات سنة (112) اثنتي عشرة ومائة، روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي الخدري الصحابي المشهور، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الرجل) أي الذكر البالغ (إلى عورة الرجل) أي إلى عورة الذكر البالغ، ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة وذلك بالتحريم أولى (ولا) تنظر (المرأة) أي الأنثى البالغة (إلى عورة المرأة) أي إلى عورة الأنثى البالغة، وفي المدونة من تؤمر بالصلاة كالبالغة في طلب الستر، وذكر اللخمي رواية أن بنت اثنتي عشرة كالبالغة، قال: وبنت ثمان أخف، وكذلك نظر المرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع. وأما ضبط العورة في حق الأجانب فعورة الرجل مع الرجل ما بين السرة والركبة وكذلك المرأة مع المرأة، وفي السرة والركبة ثلاثة أوجه لأصحابنا أحدها: ليستا بعورة، والثاني: هما عورة، والثالث: السرة عورة دون الركبة، وأما نظر الرجل إلى المرأة فحرام في كل شيء من بدنها فكذلك يحرم عليها النظر إلى كل شيء من بدنه سواء كان نظره ونظرها بشهوة أم بغيرها، وقال بعض أصحابنا: لا يحرم نظرها إلى وجه الرجل بغير شهوة، وليس هذا القول بشيء، ولا فرق أيضًا بين الأمة والحرة إذا كانتا أجنبيتين، وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة سواء كان نظره بشهوة أم بغير شهوة وسواء أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه، ودليله أنه في معنى المرأة فإنه يشتهى كما تشتهى وصورته في الجمال كصورة المرأة بل ربما كان كثير منهم أحسن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صورة من كثير من النساء، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن من مثله في حق المرأة، والله أعلم. وهذا التحريم في حق غير الأزواج والسادة، أما الزوجان فلكل واحد منهما النظر إلى عورة صاحبه جميعًا إلا الفرج نفسه ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها: أنه مكروه لكل واحد منهما النظر إلى فرج صاحبه من غير حاجة وليس بحرام، والثاني: أنه حرام عليهما، والثالث: أنه حرام على الرجل مكروه للمرأة والنظر إلى باطن فرجها أشد كراهة أو تحريمًا. وأما السيد مع أمته فإن كان يملك وطأها فهما كالزوجين، وإن كانت محرمة عليه بنسب كأخته وعمته وخالته أو برضاع أو مصاهرة كأم الزوجة وبنتها وزوجة ابنه فهي كما إذا كانت حرة، وإن كانت مجوسية أو مرتدة أو وثنية أو معتدة أو مكاتبة فهي كالأمة الأجنبية، وأما نظر الرجل إلى محارمه ونظرهن إليه فالصحيح أَنَّه يُبَاح فيما فوق السرة وتحت الركبة، وقيل لا يحل إلا ما يظهر في حال الخدمة والتصرف، والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الذي ذكرناه في جميع المسائل من تحريم النظر هو فيما إذا لم تكن حاجة أما إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر كما في حالة البيع والشراء والتطبب والشهادة ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة فلا حاجة إليها، قال أصحابنا: النظر بالشهوة حرام على كل أحد غير الزوج والسيد، حتى يحرم على الإنسان النظر إلى أمه وبنته وسائر محارمه بالشهوة، والله أعلم اهـ من النواوي. وعبارة القرطبي هنا: قوله (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) لا خلاف في تحريم النظر إلى العورة من الناس بعضهم إلى بعض ووجوب سترها عنهم إلا الرجل مع زوجته أو أمته، واختلف في كشفها في حالة الانفراد وحيث لا يراه أحد، ولا خلاف أن السوأتين من الرجل والمرأة عورة، واختلف فيما عدا ذلك من الركبة إلى السرة من الرجل هل هو عورة أم لا؟ ولا خلاف أن إبداءه لغير ضرورة قصدا ليس من مكارم الأخلاق، ولا خلاف أن ذلك من المرأة عورة على النساء والرجال، وأن الحرة عورة ما عدا وجهها وكفيها على غير ذوي المحارم من الرجال

وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. وَلا تُفْضِي الْمَرْأةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسائر جسدها على المحارم ما عدا شعرها ورأسها وذراعيها وما فوق نحرها، واختلف في حكمها مع النساء فقيل جسدها كله عورة فلا يرى النساء منها إلا ما يراه ذو المحرم، وقيل حكم النساء مع النساء كحكم الرجال مع الرجال إلا مع نساء أهل الذمة فقيل حكمهن في النظر إلى أجساد المسلمات حكم الرجال لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] على خلاف بين المفسرين في معناه، وحكم المرأة فيما تراه من الرجل حكم الرجل فيما يراه من ذوي محارمه من النساء، وقيل حكم المرأة فيما تراه من الرجل كحكم الرجل فيما يراه من المرأة والأول أصح. وأما الأمة فالعورة منها ما تحت ثدييها ولها أن تبدي رأسها ومعصمها، وقيل حكمها حكم الرجال، وقيل يكره لها كشف معصمها ورأسها وصدرها، وكان عمر يضرب الإماء على تغطية رؤوسهن ويقول لا تتشبهن بالحرائر. وحكم الحرائر في الصلاة ستر جميع أجسادهن إلا الوجه والكفين وهذا قول مالك والشافعي والأوزاعي وأبي ثور وكافة السلف وأهل العلم، وقال أحمد بن حنبل: لا يرى منها شيء لا شعرها ولا ظفرها، ونحوه قول أبي بكر بن عبد الرحمن وأجمعوا أنها إن صلت مكشوفة الرأس كله أن عليها إعادة الصلاة واختلفوا في بعضه، فقال الشافعي وأبو ثور: تعيد وقال أبو حنيفة: إن انكشف أقل من ثلثه لم تعد، وكذلك أقل من ربع بطنها أو فخذها، وقال أبو يوسف: لا تعيد في أقل من النصف، وقال مالك: تعيد في القليل والكثير من ذلك في الوقت، واختلف عندنا في الأمة تصلي مكشوفة البطن هل يجزئها أو لا بد من سترها جسدها؟ وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: كل شيء من الأمة عورة حتى ظفرها، قال الشيخ رحمه الله تعالى: العورة في أصل الوضع هي ما يستحيى من الاطلاع عليه ويلزم منه عار، اهـ من المفهم. (ولا يفضي الرجل) أي لا يلصق الرجل عورته (إلى) عورة (الرجل) الآخر مجتمعين (في ثوب واحد) ليس بينهما حائل ولا يظهرها له (ولا تفضي المرأة) أي لا تلصق المرأة عورتها (إلى) عورة (المرأة (الأخرى مجتمعتين (في الثوب الواحد) ليس بينهما حائل ولا تظهرها لها أي لا يخلوان كذلك ليباشر أحدهما عورة الآخر ويلمسها،

664 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولمسها محرم كالنظر إليها، وأما إذا كانا مستوري العورة بحائل بينهما فذلك من النساء محرم على القول بأن جسد المرأة على المرأة كله عورة، وحكمها على القول الآخر وحكم الرجال الكراهة، وهذا لعموم النهي عنه، وصلاحية إطلاق لفظ العورة على ما ذكر مما اختلف فيه، اهـ مفهم. قال النواوي: وهذا النهي نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل، وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع كان من بدنه وهذا متفق عليه، وهذا مما تعم به البلوى ويتساهل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحمام فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرهما عن عورة غيره، وأن يصون عورته عن بصر غيره ويده من قيم وغيره، ويجب عليه إذا رأى من يخل بشيء من هذا أن ينكر عليه، قال العلماء: ولا يسقط عنه الإنكار بكونه يظن أن لا يقبل عنه بل يجب عليه الإنكار إلا أن يخاف على نفسه أو غيره فتنة، والله أعلم. وأما كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي فإن كان لحاجة جاز، وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف بين العلماء في كراهته وتحريمه، الأصح عندنا أنه حرام. ولهذه المسائل فروع وتتمات وتقييدات معروفة في كتب الفقه ومن أراد البسط في المقام فليرجع إليها وأشرنا هنا إلى هذه الأحرف لئلا يخلو هذا الكتاب من أصل ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 63] وأبو داود [4018] والترمذي [2794]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 664 - (00) (00) (00) (وحدثنيه هارون بن عبد الله) بن مروان البزاز المعروف بالحمال أبو موسى البغدادي، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من (10) مات سنة (243) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، قال النسائي: ثقة مأمون، وقال أبو زرعة: شيخ صدوق، وقال في التقريب: ثقة عابد من (11) مات

قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا مَكَانَ (عَوْرَةِ) عُرْيَةِ الرَّجُلِ وَعُرْيَةِ الْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (245) روى عنه في (11) بابا (قالا) أي قال هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بالفاء مصغرًا يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني، روى عن الضحاك بن عثمان في الوضوء والصلاة وغيرهما، وابن أبي ذئب في اللعان والهبة والأَيمان وغيرها، وهشام بن سعد في الوصايا وخلق، ويروي عنه (ع) وهارون بن عبد الله ومحمد بن رافع وأحمد بن صالح ودحيم وخلق، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: ثقة وقال في التقريب: صدوق من صغار الثامنة (8) مات سنة (180) مائة وثمانين، قال (أخبرنا الضحاك بن عثمان) المدني، وقوله (بهدا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع على القاعدة المشهورة أي حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد نحو ما حدث زيد بن الحباب عن الضحاك بن عثمان. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن أبي فديك لزيد بن الحباب في رواية هذا الحديث عن الضحاك بن عثمان، وفائدتها تقوية السند الأول لأن زيد بن الحباب كان صدوقًا يخطئ فقواه بابن أبي فديك، وقوله (وقالا) أي هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع، الأوفق لاصطلاحه أن يقال (و) لكن (قال) ابن أبي فديك (مكان) قول زيد بن الحباب (عورة) الرجل (عرية الرجل و) مكان عورة المرأة (عرية المرأة) والعرية بضم العين وسكون الراء على وزان غرفة، والعرية بكسر العين وسكون الراء على وزان قربة، والعرية بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المفتوحة مصغرًا على وزان علية كلها بمعنى واحد معناها متجرَّده أي متجرد الرجل أي بدنه الذي تجرد وعرى عن الساتر، ومعنى لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل أي إلى بدنه الذي تجرد عن الساتر واللباس، قال ابن الأثير: وفي الحديث (لا ينظر الرجل إلى عرية المرأة) بالكسر هكذا جاء في بعض روايات مسلم يريد ما يعرى منها وينكشف والمشهور في الرواية لا ينظر إلى عورة المرأة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وذكر فيه متابعة واحدة.

172 - (77) (59) باب: من اغتسل عريانا وحده في الخلوة

172 - (77) (59) باب: من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة 665 - (302) (148) (112) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً. يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 172 - (77) (59) باب: من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة وعدلت إلى هذه الترجمة لأنها أوفق لمتن الحديث ولأنها ترجمة البخاري: أي باب جواز اغتسال من اغتسل حالة كونه (عريانا) عن اللباس، ولكن الأفضل التستر بالتُّبَّانِ أو الإزارِ محافظة على الستر ما أمكن حالة كونه (وحده) أي منفردًا على الناس، وقوله (في الخلوة) من الناس تأكيد لقوله وحده لأن اللفظين متلازمان بحسب المعنى. 665 - (302) (148) (112) (وحدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني ثقة حافظ شهير عمي في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا معمر) بسكون العين بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة ثبتِ من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من (4) مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (قال) همام (هذا) الحديث الذي أُحدثكم به (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان ووا حد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري (فذكر) لنا أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ بَنُو إسرائيل) أي بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام جرى على القياس في تذكير الفعل لأن كل جمع مؤنثٌ إلا جمع السلامة المذكر فإنه يذكر الفعل معه، وفي رواية البخاري كانت بنو إسرائيل على تأويله بالقَبيلة (يغتسلون) حال كونهم (عراة) جمع عار نظير قضاة وحالة كونهم (ينظر بعضهم إلى سوأة بعض) أي إلى عورته، وسميت العورة سوءةَ لأنه يسوء صاحبها كَشْفُها لكونه كان جائزًا

وَكَانَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنَّهُ آدَرُ. قَال: فَذَهَبَ مَرَّةَ يَغْتَسِلُ. فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ. فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ. قَال: فَجَمَحَ مُوسَى بِإِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى سَوْأَةِ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ في شرعهم وإلا لما أقرهم موسى - عليه السلام - على ذلك أو كان حرامًا عندهم لكنهم كانوا يتساهلون في ذلك، وهذا الثاني هو الظاهر لأن الأول لا ينهض أن يكون دليلًا لجواز مخالفتهم له في ذلك، ويؤيده قولُ القرطبي: كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك معاندةً للشرع ومخالفة لموسى - عليه السلام -، وهذا من جملة عتوهم وقلة مبالاتهم باتباع شرعه، اهـ قسط (وكان موسى - عليه السلام - يغتسل) حالة كونه (وحده) أي منفردًا عنهم أي يختار الخلوة تنزها واستحبابًا وحياء ومروءة أو لحرمة التعري بحضرة الناس (فقالوا) أي قال بنو إسرائيل (والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر) بالمد وتخفيف الراء كآدم أو على وزن أفعل أي إلا أنه عظيم الخصيتين أي منتفخهما، وفي المصباح الأدرة وزان غرفة انتفاخ الخصية، يقال أدر من باب تعب فهو آدر والجمع أدر مثل أحمر وحمر، اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية البخاري إسقاط لفظة قال (فذهب) موسى (مرة) أي يومًا من الأيام أو ذهابًا واحدًا حالة كونه يريد أن (يغتسل فوضع ثوبه على حجر) قال سعيد بن جبير: هو الحجر الذيِ كان يحمله معه في الأسفار فيتفجر منه الماء (ففر الحجر) أي شرد وهرب الحجر الذي وضع عليه ثوبه (بثوبه قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري إسقاطها أيضًا (فجمح موسى) أي عدا موسى وجرى جريا شديدًا سريعًا (بإثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي خلف الحجر ووراءه حالة كونه (يقول) أعطني أو رد أو دع (ثوبي) يا (حجر) أعطني (ثوبي) يا (حجر) مكررا مرتين ونصب ثوبي بفعل محذوف كما قررناه ويحتمل أن يكون مرفوعًا بمبتدإ محذوف تقديره هذا ثوبي، وعلى هذا الثاني المعنى استعظام كونه يأخذ ثوبه فعامله معاملة من لا يعلم كونه ثوبه كي يرجع عن فعله ويرد وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لفعله فِعْلَه إذ المتحرك يمكن أن يَسْمَعَ ويُجِيبَ، وقولُه (حتى نظرت) غاية لقوله فجمح موسى أي خرج موسى من الماء وأجرى وراء الحجر أشد الجري حتى نظرت (بنو إسرائيل إلى سوءة موسى) أي إلى عورته وتأنيث الفعل هنا على خلاف ما

قَالُوا: وَاللهِ، مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ. فَقَامَ الْحَجَرُ حَتَّى نُظِرَ إِلَيهِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قلنا في جمع المذكر السالم من تذكير الفعل معه لكون هذا الجمع شاذا على خلاف القياس لتغير بناء مفرده أو بناء على قول من يقول: كل جمع مؤنث مطلقًا كما قال الزمخشري: إنَّ قومي تجمَّعوا ... وبقتلي تحدثوا لا أبالي بجمعهم ... كل جمع مؤنث وفيه رد على القول بأن ستر العورة كان واجبًا عندهم، وفيه إباحة النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية إلى ذلك من مداواة أو براءة مما رمي به من العيوب كالبرص وغيره لكن الأول أظهر، ومجرد تستر موسى لا يدل على وجوبه، لما تقرر في الأصول أن الفعل لا يدل بمجرده على الوجوب، وليس في الحديث أن موسى - عليه السلام - أمرهم بالتستر ولا أنكر عليهم التكشف. وأما إباحة النظر إلى العورة للبراءة مما رمي به من العيوب فإنما هو حيث يترتب على الفعل حكم كفسخ النكاح بسبب العيب، وأما قصة موسى - عليه السلام - فليس فيها أمر شرعي ملزم يترتب على ذلك فلولا إباحة النظر إلى العورة لما أمكنهم موسى - عليه السلام - من ذلك ولا خرج مارا على مجالسهم وهو كذلك، وأما اغتساله خاليًا فكان يأخذ في حق نفسه بالأكمل والأفضل، ويدل على الإباحة ما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم وقت بناء الكعبة من جعل إزاره على كتفه بإشارة العباس عليه بذلك ليكون أرفق به في نقل الحجارة ولولا إباحته لما فعله لكنه أُلْزِمَ بالأكمل والأفضل لعلو مرتبته صلى الله عليه وسلم. (قالوا) وفي رواية البخاري فقالوا، وفي رواية له وقالوا بالواو؛ أي قالت بنو إسرائيل لما رأوه سليمًا من الأدرة (والله ما بموسى) أي ليس بموسى (من بأس) أي عيب اسم ما ومن زائدة وهذا أحد الوجوه المذكورة في تبرئة الله تعالى إياه بقوله في سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} وفي البخاري في كتاب التفسير من صحيحه إن موسى كان رجلًا حييا وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية (فقام الحجر حتى نظر) بصيغة المجهول (إليه) أي إلى الحجر، والضمير إلى الحجر أي فقام الحجر حتى نُظِر إليه أي نظر إليه موسى وبنو إسرائيل تعجبًا منه، وهذه الجملة ليست في رواية البخاري (قال) رسول الله صلى الله

فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: وَاللهِ، إِنَّهُ بِالْحَجَر نَدَبٌ سِتةٌ أَوْ سَبْعَةٌ. ضَرْبُ مُوسَى بِالْحَجَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (فأخذ) موسى - عليه السلام - (ثوبه) من الحجر (فطفق) موسى - عليه السلام - بكسر الفاء الثانية وفتحها أي شرع موسى يضرب (بالحجر ضربًا) أي جعل يضربه ضربًا لما ناداه ولم يطعه وطفق هنا بمعنى أخذ في الفعل وجعل يفعل وهي من أفعال المقاربة، قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى {فَطَفِقَ مَسْحًا} فجعل يمسح مسحًا، والمعنى هنا أي فجعل موسى يضرب الحجر حتى ظهر أثر ضربه فيه بقوة النبوة وهو معنى قول أبي هريرة: والله إنه بالحجر ندبٌ. . إلخ أي أَثر من ضربه إياه (قال أبو هريرة) وفي رواية البخاري فقال بزيادة الفاء أي قال أبو هريرة مما هو من تتمة مقول همام فيكون المعنى أي قال همام: قال أبو هريرة. . إلخ أو من تتمة مقول أبي هريرة. فيكون تعليقًا أي قال أبو هريرة بالسند السابق، وبالأول جزم في فتح الباري، اهـ قسط (والله إنه) أي إن ضرب موسى (بالحجر ندب) بالنون والدال المفتوحتين آخره موحدة، قال في النهاية: الندب بالتحريك أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، فشبه به أثر الضرب في الحجر، اهـ أي إن ضرب موسى ندب أي أثر ظاهر بالحجر أي في الحجر كالجسم المضروب بالعصا أشد الضرب، وقوله (ستة) بالرفع على البدلية من ندب أي إن ضرب موسى ستة آثار بالحجر أو بتقدير هي أو على أنه صفة لندب أو بالنصب على الحال من الضمير المستكن في قوله بالحجر فإنه ظرف مستقر لندب أي إنه ندب استقر بالحجر، حالة كونه ستة آثار، وقوله (أو سبعة) بالشك من الراوي، وقوله (ضرب موسى) بدل من ندب أو عطف بيان له، وقوله (بالحجر) تأكيد وتكرار لما ذكر أولًا ولا حاجة إليه، أراد موسى - عليه السلام - إظهار المعجزة لقومه بأثر الضرب في الحجر ولعله أوحي إليه أن يضربه، ومشي الحجرِ بالثوب معجزةٌ أخرى، ودلالة الحديث على الترجمة من حيث اغتسال موسى - عليه السلام - عريانًا وحده خاليًا من الناس وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا، اهـ قسط. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [99] رواه في الطهارة عن إسحاق بن نصر، اهـ تحفة. والله سبحانه وتعالى أعلم.

173 - (78) (60) باب: الاعتناء بحفظ العورة

173 - (78) (60) باب: الاعتناء بحفظ العورة 666 - (303) (149) (113) وحدّثنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم بْنِ مَيمُونٍ. جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ. قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. وَاللَّفْظُ لَهُمَا. (قَال إِسْحاق: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 173 - (78) (60) باب: الاعتناء بحفظ العورة 666 - (303) - (149) (113) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) أبو يعقوب المروزي ثقة من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا (ومحمد بن حاتم بن ميمون) أبو عبد الله المروزي ثقة من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن محمد بن بكر) الأزدي البرساني نسبة إلى برسان بطن من الأزد أبي عثمان البصري، وثقه أبو داود وابن سعد وابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من (9) مات سنة (204) روى عنه في (5) أبواب (قال) محمد بن بكر (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل، من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثقة ثبت، من (11) مات سنة (151) روى عنه في (17) بابا (ومحمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري ثقة، من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لهما) أي لإسحاق بن منصور ومحمد بن رافع، وأما إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن حاتم فرويا معناه لا لفظه، أتى بهذه الجملة تورعا من الكذب على الأولين، وأتى بقوله (قال إسحاق) بن منصور (أخبرنا وقال) محمد (بن رافع حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهما عن شيخهما أي قال كل منهما روى (عبد الرزاق) بن همام الحميري أبو بكر الصنعاني ثقة من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، قال (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) قال (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي أبو محمد المكي ثقة ثبت، من (4) مات سنة (126) روى عنه في (22) بابا (أنه) أي أن عمرو بن دينار (سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري

يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وعَبَّاسٌ يَنْقُلانِ حِجَارَةً. فَقَال الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَك عَلَى عَاتِقِكَ، مِنَ الْحِجَارَةِ. فَفَعَلَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ. وَطَمَحَتْ عَينَاهُ إِلَى السَّمَاءِ. ثُمَّ قَامَ فَقَال: "إِزَارِي، إِزَارِي" فَشَدَّ عَلَيهِ إِزَارَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلمي بفتحتين أبا عبد الله المدني الصحابي المشهور، مات سنة (78) عن (94) سنة. وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، والثاني منهما اثنان مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد إما مروزي أو نيسابوري أي سمع جابر بن عبد الله حالة كونه (يقول) ويحدث (لما بنيت الكعبة) أي لما أرادت قريش بناء الكعبة، سميت الكعبة كعبة لارتفاعها وعلوها من الأرض، وقيل لاستدارتها وعلوها، اهـ نواوي (ذهب النبي صلى الله عليه وسلم و) عمه (عباس) بن عبد المطلب إلى جبل الكعبة حالة كونهما (ينقلان) من الجبل (حجارة) لبناء الكعبة إلى موضع الكعبة، وكان عمره صلى الله عليه وسلم إذا ذاك خمسًا وثلاثين سنة، وقيل كان قبل المبعث بخمس عشرة سنة، وقيل كان عمره خمس عشرة سنة (فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم) فك إزارك يا ابن أخي و (اجعل إزارك) وهو ما يلبس بين السرة والركبة المسمى الآن بالفوطة (على عاتقك) ليقيك (من) تأثير (الحجارة) أو لأجل الحجارة أو تحت الحجارة، فمن للتعليل أو بمعنى تحت، والعاتق ما بين المنكب والعنق، ويسمى بالكاهل يجمع على عواتق وعتق يذكر ويؤنث (ففعل) النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره العباس به من حل الإزار وجعله تحت الحجارة وانكشفت عورته لأنه ليس عليه إلا إزاره (فخر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى الأرض) أي سقط عليها مغشيًا عليه (وطمحت) أي شخصت وارتفعت (عيناه) أي بصراه (إلى السماء) كهيئة المغمى عليه لانكشاف عورته لأنه صلى الله عليه وسلم كان مجبولًا على أحسن الأخلاق من الحياء الكامل حتى كان أشد حياء من العذراء في خدرها فلذلك غشي عليه (ثم قام) صلى الله عليه وسلم من الأرض (فقال) للعباس رضي الله عنه هات (إزاري) هات (إزاري) بالتكرار مرتين لتأكيد الكلام (فشد) العباس وعقد (عليه) صلى الله عليه وسلم أو شد هو نفسه على نفسه (إزاره) وروي مما هو في غير الصحيحين أن الملك نزل عليه

قَال ابْنُ رَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَلَى رَقَبتِكَ. وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى عَاتِقِكَ. 667 - (00) (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحاقَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فشد عليه إزاره، اهـ قسط (قال) محمد (بن رافع في روايته) لهذا الحديث (على رقبتك ولم يقل) ابن رافع (على عاتقك) والرقبة أصل العنق. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري رواه في الصلاة عن مطر بن الفضل، وفي الحج عن عبد الله بن محمد، وفي بنيان الكعبة عن محمود عن عبد الرزاق، اهـ تحفة. ورواية جابر لهذا الحديث يكون من مراسيل الصحابة لأن ذلك كان قبل البعثة فإما أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أو من بعض من حضر ذلك من الصحابة، وقد اتفقوا على الاحتجاج بمرسل الصحابي إلا ما انفرد به أبو إسحاق الإسفرايني لكن في السياق ما يستأنس لأخذ ذلك من العباس فلا يكون مرسلًا، اهـ قسط. وفي هذا الحديث بيان بعض ما أكرم الله سبحانه وتعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه كان مصونًا مَحْمِيًّا في صغره عن القبائح وأخلاق الجاهلية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: 667 - (00) (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة ثبت من (10) مات سنة (234) روى عنه في (20) بابا، قال (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري ثقة فاضل من (9) مات سنة (207) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا زكريا بن إسحاق) المكي، قال أحمد وابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة رمي بالقدر، من (6) قال (حدثنا عمرو بن دينار) الجمحي المكي (قال) عمرو (سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة زكرياء بن إسحاق لابن جريج

يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيهِ إِزَارُهُ. فَقَال لَهُ الْعَبَّاسُ، عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ، فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبِكَ، دُونَ الْحِجَارَةِ. قَال: فَحَلَّهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ. فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيهِ. قَال: فَمَا رُؤيَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــ في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث أي سمعت جابرًا حالة كونه (يحدث) ويروي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم) أي مع قريش (الحجارة) من الجبل إلى موضع البيت (لـ) بناء (الكعبة وعليه) صلى الله عليه وسلم (إزاره) فقط دون الرداء (فقال له) صلى الله عليه وسلم (العباس) بن عبد المطلب (عمه) صلى الله عليه وسلم بالرفع عطف بيان للعباس (يا اين أخي) عبد الله بن عبد المطلب (لو حللت) وفككت (إزارك فجعلته) أي جعلت الإزار (على منكبك) وعاتقك (دون الحجارة) أي تحتها وقاية لك عن تأثيرها في جسمك، ولو إما شرطية جوابها محذوف تقديره لكان أسهل عليك، أو لو للتمني فلا جواب لها؛ والمعنى عليها يا ابن أخي أتمنى لك أن تجعل إزارك على منكبك لتقيك عن الحجارة (قال) جابر أو من حدثه (فحله) أي حل النبي صلى الله عليه وسلم إزاره وفكه عن حقوه (فجعله) أي جعل الإزار ووضعه (على منكبه) لتقيه عن الحجارة (فسقط) صلى الله عليه وسلم على الأرض حالة كونه (مغشيًا) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة أي مغمى (عليه) لانكشاف عورته لأنه كان مجبولًا عل أحسن الأخلاق (قال) جابر أو من حدثه (فما رؤي) صلى الله عليه وسلم بضم الراء فهمزة مكسورة فمثناة تحتية مفتوحة، أو بكسر الراء فياء ساكنة فهمزة مفتوحة (بعد ذلك اليوم) حالة كونه (عريانًا) أي عاريًا من ساتر العورة، فإن قلت ما وجه الجمع بين حديث الباب، وما ذكره ابن إسحاق من أنه صلى الله عليه وسلم تعرى وهو صغير عند حليمة فَلكمَه لاكِمٌ فلم يَعُد يتعرَّى بعد ذلك (قلت) إن ثبت ذلك حُمل النفي فيه على التعري لغير ضرورة عادية، والذي في حديث الباب على الضرورة العادية، والنفي فيها على الإطلاق أو يتقيد بالضرورة الشرعية كحالة النوم مع الزوجة أحيانًا، واستنبط من الحديث منع بدو العورة إلا ما رخص من رؤية الزوجات لأزواجهن عراة، اهـ قسط. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما فقال:

668 - (304) (150) (114) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأمُويُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بنِ حُنَيفٍ الأَنْصَارِيُّ. أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 668 - (304) - (150) (114) (حدثنا سعيد بن يحيى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي (الأموي) أبو عثمان البغدادي، قال ابن المديني: هو أثبت من أبيه، وقال يعقوب بن سفيان: هما ثبتان الأب والابن، وقال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة ربما أخطأ، من (10) مات سنة (249) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثني أبي) يحيى بن سعيد بن أبان الأموي أبو أيوب الكوفي، قال أحمد: ما كنت أظن عنده الحديث الكثير وقد كتبنا عنه، وقال مرة: لم تكن له حركة في الحديث، وقال مرة: ليس به بأس، وقال أبو داود: ليس به بأس ثقة، وقال ابن معين: هو من أهل الصدق ليس به بأس، وقال مرة: ثقة، وقال في التقريب: صدوق يغرب، من كبار (9) مات سنة (194) روى عنه في (8) أبواب، قال (حدثنا عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف) بضم الحاء مصغرًا (الأنصاري) الأوسي أبو سهل المدني ثم الكوفي، قال أحمد: ثقة ثبت، وقال ابن معين وأبو حاتم وأبو داود والنسائي: ثقة، وقال أبو زرعة: صالح، وقال في التقريب: ثقة، من (5) مات سنة (140) وقال ابن قانع: مات سنة (138) روى عنه في (6) أبواب، قال (أخبرني أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة مصغرًا بن واصل الأنصاري الأوسي الحارثي المدني، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - معدود في الصحابة، له رؤية، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن المسور بن مخرمة في الوضوء، وعمر بن أبي سلمة في الصلاة، وأنس بن مالك في الصلاة، وأبي هريرة في الجنائز، وأبي سعيد الخدري في الجهاد وفضائل عمر، وأبيه سهل بن حنيف في الجهاد والأدب، وعبد الله بن عباس في الذبائح، ويروي عنه (ع) وعثمان بن حكيم بن عباد ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف والزهري وسعد بن إبراهيم وابنه سهل بن أبي أمامة ومحمد بن المنكدر، مات سنة (100) مائة، وله (92) اثنتان وتسعون سنة (عن المسور بن مخرمة) ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن أخت عبد الرحمن بن عوف الشفاء بنت عوف القرشي الزهري أبو

قَال: أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ، احْمِلُهُ، ثَقِيلٍ. وَعَلَى إِزَارٌ خَفِيفٌ. قَال: فَانْحَلَّ إِزَارِي وَمَعِيَ الْحَجَرُ. لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَضَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ارْجِعْ إِلَى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ. وَلا تَمْشُوا عُرَاةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن المكي، قال القرطبي في الاستيعاب: وكان في عداد المكيين، وكان مولده بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به أبوه المدينة للنصف من ذي الحجة سنة ثمان وهو ابن ست سنين عام الفتح، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، أصابه حجر المنجنيق بمكة وهو يصلي في الحجر وكان مع ابن الزبير حين حاصره الحجاج، ومات بعد خمسة أيام وصلى عليه ابن الزبير ودفن بالحجون سنة أربع وسبعين (74) وهو ابن (70) سبعين سنة، وله ولأبيه صحبة، له اثنان وعشرون حديثًا (22) اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بأربعة و (م) بحديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الزهد، وعن عمر رضي الله عنه في الصلاة، والمغيرة بن شعبة في الديات، ومحمد بن مسلمة في الديات، وعمرو بن عوف في الزهد، وعن أبي بكر وعثمان وعلي وخاله عبد الرحمن بن عوف ومعاوية، ويروي عنه (ع) وأبو أمامة بن سهل في الوضوء، وعروة بن الزبير في الصلاة والزهد، وابن أبي مليكة في الزكاة، وعبد الله بن حنين وخلق. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مكي وواحد بغدادي، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) المسور بن مخرمة (أقبلت) إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (بحجر) حالة كوني (أحمله) لعله يلعب به، والجملة الفعلية حال من فاعل أقبلت، وقوله (ثقيل) صفة للحجر (وعلي إزار خفيف) أي صغير (قال) المسور (فانحل إزاري) أي انفك عني (ومعي الحجر) حالة كوني (لم أسنطع) ولم أقدر (أن أضعه) على الأرض لكبره (حتى بلغت) ووصلت (به) أي بالحجر (إلى موضعه) الذي أريد أن أضع فيه (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى ثوبك) وإزارك (فخذه) واستر به عورتك (ولا تمشوا) أيها الناس (عراة) أي عارين من لباسكم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4016] ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث المسور بن مخرمة ذكره للاستشهاد.

174 - (79) (61) باب: ما يستتر به عند قضاء الحاجة

174 - (79) (61) باب: ما يستتر به عند قضاء الحاجة 669 - (305) (151) (115) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، (وَهُوَ ابْنُ مَيمُونٍ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعدِ، مَوْلَى الْحَسنِ بْنِ عَلِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 174 - (79) (61) باب: ما يستتر به عند قضاء الحاجة 669 - (305) - (151) (115) (حدثنا شيبان بن فروخ) بفتح أوله وضم الراء المشددة على وزان تنور الحبطي بفتحتين أبو محمد الأبُلِّي بضمتين وتشديد اللام المكسورة، قال أحمد: ثقة، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال صالح ومسلمة: ثقة، وقال الساجي: قدري إلا أنه كان صدوقًا، وقال في التقريب: صدوق يهم ورمي بالقدر، من صغار (9) مات سنة (236) روى عنه في (10) أبواب (وعبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الرحمن البصري، قال أبو حاتم: ثقة، وقال ابن قانع: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو زرعة: لا بأس به شيخ صالح، وقال في التقريب: ثقة جليل، من (10) مات سنة (231) روى عنه في (3) أبواب (قالا) أي قال شيبان بن فروخ وعبد الله بن محمد (حدثنا مهدي) بن ميمون الأزدي أبو يحيى البصري، قال شعبة: ثقة، وقال ابن معين والنسائي وابن خراش: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من صغار (6) مات سنة (172) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بقوله (وهو ابن ميمون) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته، قال (حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب) التميمي الضبي البصري، قال شعبة: سيد بني تميم، روى عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي في الوضوء والفضائل، وعبد الرحمن بن أبي بكرة في الفضائل، وابن الهاد وعبد الله بن شداد وجماعة، ويروي عنه (ع) ومهدي بن ميمون وشعبة وجرير بن حازم، قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال العجلي: بصري ثقة، وقال ابن نمير: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من (6) روى عنه في (2) (عن الحسن بن سعد) بن معبد الكوفي الهاشمي مولاهم (مولى الحسن بن علي) بن أبي طالب رضي الله عنهما، روى عن عبد الله بن جعفر في الوضوء والفضائل، وأبيه وابن عباس وعدة، ويروي عنه (م دس ق) ومحمد بن عبد الله بن أبي يعقوب وأبو إسحاق الشيباني

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ قَال: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ. فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ. وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ. قَال ابْنُ أَسْمَاءَ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي حَائِطَ نَخْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمسعودي، وثقه النسائي وابن نمير، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي جعفر المدني، ولد بأرض الحبشة أتى البصرة والكوفة والشام، ومات بالمدينة له صحبة سمع النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وعن أمه أسماء بنت عميس وعمه علي بن أبي طالب وعثمان وعمار بن ياسر، له خمسة وعشرون (25) حديثًا اتفقا على حديثين، ويروي عنه (ع) والحسن بن سعد في الوضوء والفضائل، وسعد بن إبراهيم في الأطعمة، وابن أبي مليكة في الفضائل، ومورق العجلي في الفضائل وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز، مات سنة (80) ثمانين وهو ابن ثمانين (80) سنة. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منه بصريون وواحد مكي وواحد مدني أو اثنان بصريان وواحد مدني وواحد كوفي وواحد أُبُلِّي (قال) عبد الله بن جعفر (أردفني) أي أركبني (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي يومًا من الأيام (خلفه) أي وراءه على راحلته (فأسر إلي) أي أخبرني سرا (حديثًا لا أحدث) ولا أخبر (به أحدًا من الناس) لأني لا أحب أن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته) أي عند قضاء حاجته، وقوله (هدف) بالرفع اسم كان مؤخر لكونه نكرة، وقوله (أو حائش نخل) معطوف على هدف، والتقدير وكان الهدف أو حائش النخل أحب ما يستتر به عند قضاء حاجته حاجة الإنسان، والهدف كل شيء عظيم مرتفع كالجبل وكثيب الرمل والبناء، اهـ مصباح. وحائش النخل فسره في الكتاب بحائط النخل أي بستانه ومجتمعه، ويسمى بالحش بضم الحاء وفتحها أيضًا (قال) عبد الله بن محمد (بن أسماء) الضبعي (في حديثه) أي في روايته بالسند السابق (يعني) عبد الله بن جعفر بحائش النخل (حائط نخل) وبستانه وأشجاره الملتفة الكثيرة سمي حائشًا لأنه يستتر ويختفي فيه الوحوش لستره ما دخل فيه وهو مدرج من بعض الرواة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2549] وابن ماجه [340]. ولم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما. وعبارة النواوي هنا: قوله (هدف أو حائش نخل) وأو للتنويع لا للشك، أما الهدف فبفتح الهاء والدال وهو ما ارتفع من الأرض، وأما حائش نخل فبالحاء المهملة والشين المعجمة، وقد فسره في الكتاب بحَائِطِ النخلِ وهو البستان وهو تفسير صحيح، ويقال فيه أيضًا حَشٌّ بفتح الحاء وحُشٌّ بضمها، وفي هذا الحديث من الفقه استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة بحائط أو هدف أو وَهْدة أو نحو ذلك بحيث يغيب جميعُ شخصِ الإنسان عن أعين الناظرين، وهذه سنة مؤكدة، والله أعلم اهـ. ***

175 - (80) (62) باب: ما جاء في الرجل يطأ ثم لا ينزل

175 - (80) (62) باب: ما جاء في الرجل يطأ ثم لا ينزل 670 - (306) (152) (116) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ شَرِيكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 175 - (80) (62) باب: ما جاء في الرجل يطأ ثم لا ينزل 670 - (306) - (152) (116) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري، قال أحمد: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله، كان ثقة وأثنى عليه، وقال إسحاق بن راهويه: ما رأيت مثله ولا أرى مثل نفسه هو أثبت من عبد الرحمن بن مهدي، وقال في التقريب: ثقة ثبت إمام، من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (ويحيى بن أيوب) العابد المقابري بفتح الميم والقاف أبو زكرياء البغدادي، قال أحمد: رجل صالح يعرف به صاحب سكوت ودعة، وقال ابن المديني وأبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن قانع: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة من (10) مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم والنسائي: ثقة، زاد النسائي: صدوق، وقال الحاكم: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، قال النسائي: ثقة مأمون حافظ، وقال الخطيب: كان صدوقًا متقنا حافظًا، وقال الحاكم: كان شيخًا فاضلًا ثقة، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من صغار (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا، وأتى بقوله (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل) لبيان اختلاف كيفية سماع مشايخه، وأتى بقوله (وهو ابن جعفر) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من مشايخه أي قالوا: روى لنا إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبو إبراهيم المدني، وثقه أحمد وأبو زرعة والنسائي وابن معين وابن سعد وابن المديني والخليل والحاكم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (8) مات سنة (180) روى عنه في (12) بابا (عن شريك) بن عبد الله بن أبي نمر القرشي الليثي من أنفسهم أبي عبد الله المدني، قال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال ابن

(يَعْنِي ابْنَ أَبِي نَمِرٍ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَينِ إِلَى قُبَاءٍ. حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَنِي سَالِمٍ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِ عِتْبَانَ، فَصَرَخَ بِهِ. فَخَرَجَ يَجُرُّ إِزَارَهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَعْجَلْنَا الرَّجُلَ" فَقَال عِتْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ الرَّجُلَ يُعْجَلُ عَنِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ. مَاذَا عَلَيهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال أبو داود، ثقة، وقال النسائي أيضًا: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من (5) مات سنة (140) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن أبي نمر) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته زادها إيضاحًا للراوي (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد) الأنصاري الخزرجي (الخدري) أبي محمد المدني ثقة من (3) مات سنة (112) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سعد بن مالك الأنصاري الخدري الصحابي الجليل المشهور من المكثرين. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو بغلاني أو مروزي (قال) أبو سعيد الخدري (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء) موضع معروف بالمدينة وهو بضم القاف ممدودًا مذكر مصروف على الصحيح، وفيه لغة أخرى أنه مؤنث غير مصروف وأخرى أنه مقصور، اهـ نووي (حتى إذا كنا في) منازل (بني سالم) بطن معروف من الأنصار (وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب) دار (عتبان) بكسر المهملة وسكون المثناة الفوقية على المشهور، وقيل بضم العين بن مالك بن عمرو الأنصاري الخزرجي السلمي العجلاني الصحابي المشهور (فصرخ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي بعتبان بن مالك أي ناداه بالصوت الرفيع (فخرج) عتبان إلينا حالة كونه (يجر إزاره) على الأرض أي لم يشده استعجالا إلى إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل) يريد عتبان بن مالك أي حملناه على أن يعجل من فوق امرأته أي حملناه على الإسراع بالقيام من فوق زوجته (فقال عتبان) بن مالك: نعم (يا رسول الله) أعجلتموني (أرأيت الرجل) أي أخبرني عن الرجل (يعجل) أي يحمل على الإسراع بالقيام (عن) فوق (امرأته) ويترك الجماع (و) الحال أنه (لم يمن) أي لم ينزل المني ولم يقض حاجته (ماذا) أي ما الذي يجب (عليه) هل يجب عليه الغسل لجماعه أم الوضوء

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّما الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ". 671 - (00) (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لعدم إنزاله؟ (قال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الماء) أي إنما وجوب الاغتسال بالماء (من) إنزال (الماء) أي المني فلا عليك إلا الوضوء، قوله (لمن يمن) أي ولم ينزل المني من أمنى الرباعي، يقال أمنى الرجل إمناء إذا أنزل أي أراق منيه، قال تعالى: {أَفَرَأَيتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)} أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف، ومعنى (إنما الماء من الماء) أي إنما وجوب الاغتسال من إنزال المني، وهذا منسوخ بحديث أبي هريرة وحديث عائشة الآتيين قريبًا، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، قال في التحفة: حديث أبي سعيد الخدري (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء يوم الاثنين حتى إذا كان في بني سالم وقف على باب عتبان فصرخ به. . .) الحديث، انفرد به مسلم في الطهارة عن قتيبة ويحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وعلي بن حجر أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر، اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال: 671 - (00) (00) (00) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي أبو جعفر (الأيلي) قال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في موضع آخر: ثقة، وقال ابن يونس: ثقة وكان قد ضعف ولزم بيته، وقال أبو عمر الكندي: كان فقيهًا من أصحاب ابن وهب، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من (10) مات سنة (253) وله (83) سنة، روى عنه في (2) تقريبًا (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، وثقه ابن معين، وقال ابن عدي: من أجلة الناس وثقاتهم، وقال العجلي: مصري ثقة صاحب سنة رجل صالح صاحب آثار، وقال ابن سعد: كان كثير العلم ثقة فيما قال وكان يدلس، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا، قال (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري الفقيه المقرئ ثقة فقيه حافظ، من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني ثقة متفق على جلالته، من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا، حالة

حَدّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ حَدَّثَهُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: "إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ". 672 - (307) (153) (117) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلاءِ بْنُ الشِّخِّيرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ كون ابن شهاب (حدثه) أي حدث عمرو بن الحارث (أن أبا سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابا (حدثه) أي حدث لابن شهاب (عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لعبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري، وفائدتها تقوية السند الأول لأن عبد الرحمن فيه شيء (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال إنما الماء من الماء) وكرر متن الحديث لمخالفة هذه الرواية للرواية الأولى في الاختصار. ثم استدل المؤلف على أن حديث أبي سعيد الخدري منسوخ بحديث أبي العلاء وإن كان مرسلًا فقال: 672 - (307) - (153) (117) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري ثقة، من (10) قال (حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي أبو محمد البصري، وثقه أبو حاتم وابن معين وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، من كبار (9) مات سنة (187) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا أبي) سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري ثقة عابد من (4) مات سنة (143) عن (99) سنة، روى عنه في (13) بابا، قال (حدثنا أبو العلاء) يزيد بن عبد الله (بن الشخير) بكسر المعجمتين وتشديد الخاء العامري البصري أخو مطرف روى عن أبيه في الوضوء، والأحنف بن قيس في الزكاة، وأخيه مطرف في الصوم، وعثمان بن أبي العاص في الطب، وقولُه في الوضوء (كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ بعضه بعضًا) موقوف عليه، ويروي عنه (ع) وسليمان التيمي وابنه المعتمر وكهمس بن الحسن في الصلاة والجريري وخالد الحذاء وقرة بن خالد وآخرون، قال النسائي: ثقة، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث صالحة، وقال في التقريب: ثقة من الثانية

قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا. كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا. 673 - (308) (154) (118) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (111) إحدى عشرة ومائة، وكان مولده في أول خلافة عمر. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وقول النواوي هنا كلهم بصريون إلا أبا العلاء فإنه كوفي سهو منه أو سبق قلم (قال) أبو العلاء (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه) كحديث أبي هريرة الآتي (بعضًا) كحديث أبي سعيد الخدري المذكور هنا (كما ينسخ القرآن بعضه) كآية أربعة أشهر في العدة (بعضًا) كآية الحول في العدة، قال القاضي عياض: احتج مسلم بقول أبي العلاء على أن حديث (إنما الماء من الماء) منسوخ مع أنه مرسل لأن ابا العلاء لم تعرف له صحبة، قال البخاري: وهو أصغر من إخوته الثلاثة وأكبر من الحسن بعشر سنين ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر، قال الأبي: كانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر بويع في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر سنة ثلاث عشرة، فأبو العلاء إنما ولد في آخر خلافة أبي بكر فهو تابعي فلا يحتج بقوله نسخ كذا، وإنما اختلف إذا قال الصحابي ذلك والأكثر على أنه لا يثبت به النسخ لاحتمال اعتقاده ناسخًا ما ليس بناسخ ولاختلاف العلماء فيما ينسخ به، والعجب كيف احتج به مسلم، اهـ. قال النواوي: يُنسخ من السنةِ المتواتر بالمتواتر، والآحاد بالآحاد، والآحاد بالمتواتر، واختلف في عكسه والجمهور على المنع، اهـ. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بحديث آخر له فقال: 673 - (308) (154) (118) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة، من (10) قال (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي أبو عبد الله البصري ثقة من (9) (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد أبي بسطام البصري ثقة إمام، من (7) (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العَنَزِي أبو موسى البصري ثقة، من (10) (و) محمد (ابن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) (قالا) أي قال كل من المحمدَينِ (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري الملقب بغندر، وأتى بحاء التحويل

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَم، عَنْ ذَكوَانَ، عَنْ أَبي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلًّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلِ مِنَ الأَنْصَارِ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِ. فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ. فَقَال: "لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاك؟ " قَال: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ أَقْحَطْتَ. فَلا غُسْلَ عَلَيكَ. وَعَلَيكَ الْوُضُوءُ". وَقَال ابْنُ بَشَّارٍ: إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ أُقْحِطْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لبيان اختلاف صيغ مشايخه، قال محمد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي أبي محمد الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس، من (5) مات سنة (113) روى عنه في (9) أبواب (عن ذكوان) مولى جويرية بنت الحارث القيسية أبي صالح السمان المدني، قال أحمد: ثقة من أجلِّ الناس وأوثقهم، وقال ابن معين: ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (3) مات سنة (101) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان واثنان كوفيان، والثاني منهما مدنيان وثلاثة بصريون وواحد كوفي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه أي مر على بيته (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى الرجل وهو في بيته (فخرج) الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورأسه) أي والحال أن رأس الرجل (بقطر) أي يُمْطِر ويَصُبُّ ماءً من أثر غسله (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل (لعلنا أَعْجَلْنَاك) أي حملناك على العجلة والإسراع إلى الخروج إلينا قبل قضاء شهوتك (قال) الرجل (نعم) أعجلتموني (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أُعْجلْتَ) على صيغة المبني للمجهول أي حُمِلْتَ على العجلة والإسراع قبل قضاء شهوتك (أو أَقْحَطْتَ) بالبناء للمعلوم أي يَبِسْتَ من الإنزال من الإقحاط وهو عدم إنزال المني وهو استعارة من قحوط المطر وهو انحباسه، وقحوط الأرض وهو عدم إخراجها النبات (فلا غسل) واجب (عليك وعليك الوضوء) فقط (وقال) محمد (بن بشار) في روايته (إذا أُعجلتَ أو أُقْحِطْتَ) بالبناء للمجهول في الفعلين، والروايتان صحيحتان أعني الرواية الأولى المفرِّقَة بين الفعلين وهذه الجامعة بين الفعلين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 47] والبخاري [180] وأبو داود [217].

674 - (309) (155) (119) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المفهم: قوله (إذا أُعجلت أو اقحطت) الرواية بضم همزة أُقحطت وكسر الحاء مبنيًّا لِمَا لم يُسَمَّ فاعله ولعله إتباع لأعجلت فإنه لا يقال في هذا إلا أقحط الرجل إذا لم يُنزل بالفتح، كما يقال أقحط القوم إذا أصابهم القحط؛ وهذا منه، وأصله من قحط المطر بالفتح يقحط قحوطًا إذا احتبس، وقد حكى الفرَّاء قَحِط المطر بالكسر يقحط، ويقال أقحط الناس وأقحطوا بالضم والفتح وقَحَطُوا وقُحِطُوا كذلك؛ وهو هنا عبارة عن الإكسال وهو عدم الإنزال، وفي الأفعال كَسِلَ بكسر السين فَتَر وأكسل في الجماع ضعف عن الإنزال، وقد روى غيره يكسل ثلاثيًّا ورباعيًا و (قوله فلا غسل عليك، وعليك الوضوء) كان هذا الحكم في أول الإسلام ثم نُسخ بعد؛ قاله الترمذي وغيره، وقد أشار إلى ذلك أبو العلاء بن الشخير وأبو إسحاق، قال ابن القصار: أجمع التابعون ومن بعدهم بعد خلاف من تقدم على الأخذ بحديث (إذا التقى الختانان) وإذا صح الإجماع بعد الخلاف كان مُسْقِطًا للخلاف، قال القاضي عياض: لا نعلم من قال به بعد خلاف الصحابة إلا ما حُكي عن الأعمش ثم بعده داود الأصفهاني، وقد رُوي أن عمر حمل الناس على ترك الأخذ بحديث (إنما الماء من الماء) لما اختلفوا فيه، قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد رجع المخالفون فيه من الصحابة عن ذلك حين سمعوا حديثي عائشة فلا يُلتفت إلى شيء من الخلاف المتقدم ولا المتأخر في هذه المسألة التي تقرر فيها من الأحاديث الآتية والعمل الصحيح، وقوله (إنما الماء من الماء) حمله ابن عباس على أن ذلك في الاحتلام فتأوله، وذهب غيره من الصحابة وغيرهم إلى أن ذلك منسوخ كما تقدم وكما يأتي بعد، اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري الأول بحديث أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما فقال: 674 - (309) (155) (119) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود العتكي البصري، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال ابن خراش: تكلم الناس فيه وهو صدوق، وقال ابن قانع: ثقة صدوق، وقال في التقريب: ثقة لم يتكلم فيه أحد بحجة، من (10) مات في رمضان سنة (234) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم أبو إسماعيل البصري، قال أحمد: حماد بن زيد أحب إلينا

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَيوبَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ من عبد الوارث، حماد من أئمة المسلمين من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إليّ من حماد بن سلمة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من كبار (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي أبو المنذر المدني، قال ابن سعد والعجلي: كان ثقة ثبتًا كثير الحديث، وقال أبو حاتم: ثقة إمام في الحديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه ربما دلس، من (5) مات سنة (145) وله (87) سنة، روى عنه في (16) بابا (ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي ثقة حافظ، من (15) مات سنة (248) روى عنه في (10) أبواب، وأتى بقوله (واللفظ له) أي لأبي كريب تورعًا من الكذب على أبي الربيع، قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة يهم، من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (حدثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور، من (2) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن أبي أيوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري النجاري المدني الصحابي المشهور، من كبار الصحابة مات غازيا بالروم سنة (50) وله (150) حديثًا، روى عنه في (6) أبواب (عن أُبي بن كعب) بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري أبي المنذر المدني، سيد القراء، كاتب الوحي في حياته صلى الله عليه وسلم، شهد بدرًا وما بعدها، وكان ربعة نحيفًاأبيض الرأس واللحية، وقد أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه رضي الله عنه وكان ممن جمع القرآن، ومن فضلاء الصحابة، له (164) مائة وأربعة وستون حديثًا، اتفق الشيخان على ثلاثة، وانفرد (خ) بأربعة و (م) بسبعة، روى عنه (ع) وأبو أيوب الأنصاري في الوضوء، وأبو عثمان النهدي في الصلاة، وزر بن حُبيش في الصلاة والصوم، وعبد الله بن رباح وسويد بن غفلة وأبو موسى الأشعري في الاستئذان، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الحارث بن نوفل، مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين (33) وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان، والثاني منهما رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان

قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يُكْسِلُ؟ فَقَال: "يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ. ثُم يَتَوَضَأُ وَيُصَلِّي". 675 - (00) (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْمَلِيِّ، عَنِ الْمَلِيِّ - (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كوفيان، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبي بن كعب (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (الرجل يصيب من المرأة) ما يصيب الرجل منها يعني يجامعها (ثم يُكْسِلُ) ويضعف عن الإنزال، من أكسل الرباعي يقال أكسل الرجل في جماعه، وكَسِل بكسر السين إذا ضعف عن الإنزال والجماع، والرباعي أفصح، فهل عليه الغسل أم الوضوء؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينسل ما أصابه من) رطوبة فرج (المرأة ثم يتوضأ وبُصلي) ولا غسل عليه لأن الغسل بالماء إنما يجب من إنزال الماء ولا ماء هنا، فهو شاهد لحديث أبي سعيد الخدري فهما منسوخان بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 113] والبخاري [293]. وهذا الحديث أصرح في الدلالة على ترك الغسل من الحديث السابق، وفيه التصريح بتأخير الوضوء عن غسل ما يصيبه من المرأة، اهـ قسط. قال النواوي: وفيه دلالة على نجاسة رطوبة فرج المرأة، وفيها خلاف معروف، والأصح عند بعض أصحابنا نجاستها، ومن قال بالطهارة يحمل الحديث على الاستحباب وهذا هو الأصح عند أكثر أصحابنا، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 675 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العَنَزِي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن هشام بن عروة) الأسدي المدني، قال (حدثني أبي) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن المَلِيّ) أي عن الغني في الحديث أبي أيوب الأنصاري، والملي هو المعتمد عليه المركون إليه في كل شيء (عن الملي) أي عن الغني أبي بن كعب، قال المؤلف (يعني) ويقصد هشام

بِقَوْلِهِ: الْمَلِيِّ عَنِ الْمَلِيِّ، أَبُو أَيُّوبَ)، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبِ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال، فِي الرَّجُلِ يَأْتِي أَهْلَهُ ثُمَّ لا يُنْزِلُ قَال: "يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوضَّأُ". 676 - (310) (156) (120) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (بقوله) حدثني أبي عن (الملي عن الملي) حدثه (أبو أيوب عن أُبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النواوي: قوله (أبو أيوب) هكذا بالواو وهو صحيح على تقدير الفعل كما قررناه، والظاهر أن يكون (أبا أيوب) بالألف كما في نسخة الأُبي والسنوسي لأنه مفعولُ يعني، والله أعلم. وفي بعض النسخ (يعني بقوله عن الملي عن الملي) وأتى بالعناية إشارة إلى أن هذا التفسير من زيادته لا مما سمعه من شيخه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال في الرجل يأْتي أهله) ويجامعها (ثم لا يُنْزِل) المني، وقوله (قال) النبي صلى الله عليه وسلم توكيد لفظي لقال الأول (يغسل ذكره) مما أصابه من رطوبة فرج المرأة (يتوضأ) وضوءه للصلاة. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي سعيد الأول بحديث عثمان رضي الله عنهما فقال: 676 - (310) (156) (120) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي: ثقة من (10) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد الحافظ ثقة حافظ، من (18) (قالا حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم أبو سهل البصري، قال الحاكم: صدوق صالح الحديث، وقال في التقريب: صدوق ثبت في شعبة، من (9) مات سنة (207) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري أبو عبيدة البصري، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به، أورده ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من (11) مات سنة (252) روى عنه في (3) أبواب، وأتى بقوله

وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ الْحُسَينِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. أَخْبَرَنِي أبُو سَلَمَة؛ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ؛ أَن زيدَ بْنَ خَالِدِ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لعبد الوارث تورعًا من الكذب على غيره، قال عبد الوارث (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري أبو سهل البصري (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري أبي عبيدة البصري، قال أبو زرعة: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة ثبت، وقال ابن سعد: كان ثقة حجة، وقال في التقريب: ثقة ثبت رُمي بالقدر ولم يثبت عنه من (8) مات سنة (180) روى عنه في (8) أبواب (عن الحسين بن ذكوان) المعلم العوذي بفتح المهملة وسكون الواو البصري، وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي والنسائي والبزار، وقال في التقريب: ثقة ربما وَهِمَ، من (6) مات سنة (145) روى عنه في (10) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي، قال شعبة: يحيى أحسن حديثًا من الزهري، وقال أحمد: يحيى من أثبت الناس، وقال العجلي: ثقة كان يعد من أصحاب الحديث، وقال أبو حاتم: يحيى إمام لا يُحَدث إلا عن ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابا، قال يحيى (أخبرني أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة ثبت فقيه، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابا (أن عطاء بن يسار) الهلالي أبا محمد المدني أحد الأئمة الأعلام مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها ثقة فاضل صاحب عبادة ومواعظ، من صغار (3) مات سنة (94) روى عنه في (9) أبواب (أخبره) أي أخبر لأبي سلمة بن عبد الرحمن (أن زيد بن خالد الجهني) أبا طلحة المدني صحابي مشهور، له (81) حديثًا اتفقا على (5) وانفرد (م) ب (3) مات بالكوفة سنة (78) وله (85) سنة، روى عنه في (5) أبواب (أخبره) أي أخبر لعطاء بن يسار (أنه) أي أن زيد بن خالد (سأل عثمان بن عفان) بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الأموي أبا عمرو المدني، أمير المؤمنين، وذا النورين، أحد العشرة المبشرة، وأحد ستة الشورى، صاحب الهجرتين، له (146) حديثًا اتفقا على (3) وانفرد (خ) ب (8) و (م) ب (5) روى عنه في (5) أبواب، شهيد الدار في سنة (35) يوم

قَال: قُلْتُ: أَرَأَيتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُل امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ؟ قَال عُثْمَانُ: "يَتَوَضأُ كَمَا يَتَوَضَأُ لِلصَّلاةِ. ويغْسِلُ ذَكَرَهُ". قَال عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 677 - (311) (157) (121) وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، عَنِ الْحُسَينِ. قَال يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمعة سابع ذي الحجة رضي الله تعالى عنه وأرضاه وهذا السند من تساعياته أربعة منهم مدنيون وأربعة بصريون وواحد يمامي أو أربعة مدنيون وواحد يمامي وثلاثة بصريون وواحد نسائي أوكسي، وهذا السند هو الثاني من تساعياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (قال) زيد بن خالد (قلت) في سؤال عثمان (أرأيت) أي أخبرني يا أمير المؤمنين (إذا جامع الرجل امرأته) أي حليلته (ولم يُمن) أي ولم ينزل المني فماذا عليه هل عليه الغسل أو الوضوء؟ (قال عثمان) رضي الله عنه (يتوضأ) ذلك الرجل (كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره) مما أصابه من رطوبة فرج المرأة من غير غسل (قال عثمان سمعته) أي سمعت الذي أُفتي به من الوضوء وغسل الذكر (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي القسطلاني: وقد كانت الفُتيا في أول الإسلام كذلك، ثم جاءت السنة بوجوب الغسل، ثم أجمعوا عليه بعد ذلك، وعلله الطحاوي بأنه مفسد للصوم وموجب للحد والمهر وإن لم يُنزل فكذلك الغسل، اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري فقط كما في تحفة الأشراف في ترجمة خالد بن زيد رضي الله عنه. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 677 - (311) (157) (121) (وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري، قال (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث البصري (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري (عن الحسين) بن ذكوان المعلم العَوْذِي البصري، قال (قال) لي (يحيى) بن أبي كثير اليمامي (وأخبرني) أيضًا (أبو سلمة) بن عبد الرحمن كما أخبرني عن عطاء بن يسار، قال القسطلاني: وهو معطوف على الإسناد الأول وليس

أَن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ؛ أَن أَبَا أَيوبَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معلقًا (أن عروة بن الزبير أخبره) أي أخبر لأبي سلمة (أن أبا أيوب) الأنصاري (أخبره) أي أخبر لعروة بن الزبير (أنه) أي أن أبا أيوب (سمع ذلك) الحديث الذي رواه عثمان بن عفان من غسل الذكر والوضوء (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي القسطلاني: انتقد الدارقطني هذا الحديث بأن أبا أيوب لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سمعه من أُبي بن كعب كما في رواية هشام بن عروة عن أبيه عروة عن أبي أيوب عن أبي بن كعب السابقة آنفًا؛ وأُجيب بأن الحديث رُوي من وجه آخر عند الدارمي وابن ماجه عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مثبت مقدم على المنفي وبأن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أكبر قدرًا وسِنًا وعلمًا من هشام بن عروة، اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري في كتاب الطهارة. وهذا السند من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وأربعة منهم بصريون وواحد يمامي، وجملة ما ذكره المؤلفي في هذا الباب من الأحاديث خمسة: الأول حديث أبي سعيد الخدري الأول ذكره للاستدلال به وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي سعيد الخدري الثاني ذكره للاستشهاد للأول، والثالث: حديث أُبي بن كعب ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عثمان بن عفان ذكره للاستشهاد أيضًا، والخامس: حديث أبي أيوب ذكره للاستشهاد، وهذه الأحاديث كلها اتفقوا على أنها منسوخة بما سيأتي في الباب التالي من أحاديث أبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهما، والله سبحانه وتعالى أعلم. (خاتمة): (قوله في حديث عثمان سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي عياض: قال يعقوب بن شيبة: حديث عثمان ومن ذُكِر معه منسوخ، وقال فيه ابن المديني: وهو شاذ، وقال فيه أبو عمر: هو منكر انفرد به يحيى بن أبي كثير ولا يُعرف ذلك من مذهب عثمان ولا أحدٍ من المهاجرين على أن البخاري خرَّجَه، وذكر مالك في الموطإ عن عثمان خلافه، اهـ. وقال الأبي: وقال فيه ابن العربي: إنه مقطوع فإن الحسين لم يسمعه من يحيى وإنما نقله عنه، قال: قال يحيى وأيضًا هو موقوف فإن غير الحسين عن يحيى قال: قال عثمان، ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وقد علمت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن هذا لا يضر فإن مسلمًا عنعنه عن يحيى ورفعه، وبالجملة إن أراد المتكلمون فيه القَدْح بالاحتجاج به من حيث صحته عن عثمان ففيه ما ذكروا، وإن أرادوا القَدْح فيه من حيث مضمونه فقد صح حديث عثمان وحديث أُبيّ، اهـ. نعم؛ رُوي عن عثمان وعلي وأُبي أنهم أفتوا بخلافه، ومن ثم قال ابن المديني: إن حديث زيد شاذ، وقال أحمد: فيه علة، وأجيب بأن كونهم أفتوا بخلافه لا يقدح في صحة الحديث، فكم من حديث منسوخ وهو صحيح، فلا منافاة بينهما، اهـ قسط. ***

176 - (81) (63) باب نسخ إنما الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين

176 - (81) (63) باب نسخ إنما الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين 678 - (312) (158) (122) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. ح وَحَدَّثَنَاه مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. قَال: حَدَّثَنِي أبِي عَنْ قَتَادَةَ. وَمَطَرٌ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 176 - (81) (63) باب نسخ إنما الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين 678 - (312) (158) (122) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة من (10) (وأبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى جَدِّه مِسْمَع البصري، وثقه ابن حبان وقال: يُغْرِب، وقال في التقريب: ثقة من (10) مات سنة (230) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثناه محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس العَنَزِي أبو موسى البصري ثقة ثبت، من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) مات سنة (252) روى عنه في (12) وأتى بحاء التحويل لاختلاف صيغ مشايخه لأن الأوَّلين قالا: حدثني، والأخيرين قالا: حدثنا (قالوا) أي قال كل من الأربعة (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري صدوق ربما وَهِم، من (9) مات سنة (200) روى عنه في (4) (قال) معاذ (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري، ثقة، من كبار (7) مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة ثبت مدلس، من (4) مات سنة (117) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا (ومطر) بن طهمان الوراق السُّلَمي مولاهم أبي رجاء البصري صدوق كثير الخطأ، من (6) مات سنة (125) روى عنه في (6) أبواب، كلاهما (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري أبي سعيد الأنصاري مولاهم أحد أئمة الهدى والسنة رُمي بالقدر ولا يصح، ثقة فقيه فاضل، من (3) مات سنة (110) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي رافع) نُفيع بن رافع الصائغ مولى ابنة عمر بن الخطاب المدني ثم البصري، روى عن أبي هريرة في الوضوء والصلاة واللباس والأدب وذكر الأنبياء والبر وغيرها، ويروي عنه (ع) والحسن البصري وبكر بن

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا جَلَسَ بَينَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا. فَقَدْ وَجَبَ عَلَيهِ الْغُسْلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله المزني وخِلَاس بن عمرو في الصلاة، والقاسم بن مهران وعطاء بن أبي ميمونة وثابت البناني وعبد الله الداناج في الصلاة وحُميد بن هلال، قال العجلي: بصري تابعي ثقة من كبار التابعين، وقال أبو حاتم: ليس به بأس، وقال الدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة ثبت مشهور بكنيته من الثانية (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخو الدوسي المدني. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني وزهير بن حرب فإنه نسائي (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس) الرجل (بين شعبها) أي بين شعب المرأة (الأربع) بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة جمع شُعْبَة وهي القطعة من الشيء، والمراد بها على ما قيل اليدان والرجلان وهو الأقرب للحقيقة؛ واختاره ابن دقيق العيد، أو الرجلان والفخذان أو الشفران والرجلان "والشفران طرفًا الفرج وناحيتاه" أو الفخذان والأسكتان وهما ناحيتا الفرج أو نواحي فرجها الأربع ورجحه القاضي عياض: لأن الشعب يأتي بمعنى النواحي (ثم جهدها) أي جامعها بفتح الجيم والهاء أي بلغ جُهْدَه؛ وهو كناية عن معالجة الإيلاج، أو الجهد الجماع أي جامعها، وفسره ابن الأثير وابن منظور: بالحفز وهو الدفع والتحريك، وقال الفيومي: هو مأخوذ من قولهم جهدنا اللبن جهدًا أي مزجته بالماء ومخضته حتى استخرجت زبده فصار حلوًا لذيذًا، شبه لذة الجماع بلذة شرب اللبن الحلو، كما شبهه بذوق العسل بقوله "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، اهـ. وأما رواية ثم اجتهد فعلى حدة أي منفردة بنفسها لا تلتئم مع واحد من هذه المعاني، اهـ من هامش بعض المتون، وإنما كُني بذلك عن الجماع للتّنَزُّهِ عن ذكر ما يَفحش ذكره صريحًا (فقد وجب عليه) وعليها أيضًا (الغسل) وإن لم يحصل إنزال، فالموجب للغسل هو غيبوبة الحشفة، وهذا هو الذي انعقد عليه الإجماع، وحديث "إنما الماء من الماء" ونظائره من الأحاديث السابقة منسوخ، قال الشافعي وجماعة: أي كان لا يجب الغسل إلا بالإنزال ثم صار يجب الغسل بدونه، لكن قال ابن عباس: إنه ليس بمنسوخ بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم يُنْزل وهذا الحكم باق؛ يعني أنه معمول به في الاحتلام فإنه لا يجب الغسل فيه إلا بالإنزال، وأما في الجماع فمنسوخ فإنه إذا التقى فيه الختانان يجب الغسل سواء أنزل أم لم يُنْزِل أفاده ابن المندر (وفي

وَفِي حَدِيثِ مَطَرٍ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ". قَال زُهَيرٌ مِنْ بَينِهِمْ: "بَينَ أَشْعُبِهَا الأَرْبَعِ". 679 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبادِ بْنِ جَبَلَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث مطر) بن طهمان وروايته زيادة لفظة (وإن لم يُنْزِل) المني في آخر الحديث وهي أصرح في بيان المراد (قال زهير) بن حرب (من بينهم) أي من بين مشايخ المؤلف (بين أَشْعبِهَا الأربع) جمع شعب نظير فَلْسٍ وأفْلُس وهو بمعنى الصدوع والشقوق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 347] والبخاري [291] وأبو داود [216] والنسائي [11/ 110 - 111]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 679 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة) بن أبي داود العتكي بفتحتين الباهلي مولاهم أبو جعفر البصري، قال أبو داود: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يُغرب ويُخالِف، وقال في التقريب: صدوق من (11) مات سنة (234) روى عنه في (11) قال (حدثنا محمد بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات سنة (194) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العَنَزِي أبو موسى البصري ثقة، من (10) قال (حدثني وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو العباس البصري، قال أحمد: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة، وقال العجلي: بصري ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات سنة (206) روى عنه في (7) أبواب أكلاهما) أي كل من محمد بن أبي عدي ووهب بن جرير رويا (عن شعبة) بن الحجاج العتكي أبي بسطام البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو شعبة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع وهو هشام الدستوائي وكذا قوله (مثله) مفعول به لما عمل في المتابع،

مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ "ثُمَّ اجْتَهَدَ" وَلَمْ يَقُلْ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ". 680 - (313) (159) (123) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والضمير فيه عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق كما هو القاعدة المطردة في صحيح مسلم، والمعنى حدثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثل ما روى هشام الدستوائي عن قتادة. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، وأن فيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أن في حديث شعبة ثم اجتهد) أي جذَ واهتم بمجامعتها بدل قول هشام ثم جهدها (ولم يقل) شعبة أي لم يذكر في روايته لفظة (وإن لم يُنْزِل) كما ذكره هشام في روايته عن مطر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 680 - (313) (159) (123) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري قال (حدثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك (الأنصاري) أبو عبد الله البصري، روى عن مسام في الوضوء، وسليمان التيمي وحميد الطويل وحبيب بن الشهيد وابن عون وطائفة، ويروي عنه (ع) ومحمد بن المثنى وأحمد وابن منيع وابن المديني وخلق، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، قال أبو داود: تغير تغيرًا شديدًا، له في مسلم فرد حديث، وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات سنة (215) خمس عشرة ومائتين، قال (حدثنا هشام بن حسان) الأزدي القُرْدُوسي بطن من الأزد أبو عبد الله البصري، قال أحمد: صالح، وقال مرة: لا بأس به عندي، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال العجلي: بصري ثقة حسن الحديث، وقال أبو حاتم: كان صدوقًا، وقال في التقريب: ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، من (6) مات سنة (148) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) بن هبيرة ويقال ابن سويد بن هبيرة العدوي الهلالي أبو نصر البصري، روى عن أبي بردة في الوضوء والجهاد واللباس، وأبي صالح السمان في الصلاة، وعبد الله بن الصامت في الصلاة والزكاة والفضائل، وأبي رفاعة العدوي تميم بن أسد -له صحبة- في الصلاة، ومطرف بن

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَّنَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، (وَهَذَا حَدِيثُهُ)، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ. قَال: (وَلا أَعْلَمُهُ إِلا عَنْ أَبِي بُرْدَةَ)، عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ رَهْطْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ. فَقَال الأَنْصَارِيُّونَ: لا يَجِبُ الْغُسْلُ إِلا ـــــــــــــــــــــــــــــ الشخير في الحج، وعبد الله بن مغفل في الجهاد، وأبي رافع الصائغ وأبي قتادة العدوي في الفتن، وأبي الدهماء في الفتن، وعن رهط في الفتن، وخالد بن عمير العدوي في الزهد، ويروي عنه (ع) وهشام بن حسان وسليمان بن المغيرة في الصلاة وغيرها، ويونس بن عبيد وشعبة وجرير بن حازم وسلم بن أبي الذيال وعاصم الأحول وأيوب السختياني وابن عون وقرة بن خالد وخلق، قال القطان: كان ابن سيرين لا يرضاه، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة عالم من الثالثة، توقف فيه ابن سيرين لدخوله على السلطان، مات في زمن ولاية خالد بن عبد الله على العراق (عن أبي بردة) عامر بن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري الكوفي، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة (عن أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الصحابي المشهور الكوفي (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن المثنى) البصري، قال (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي نسبة إلى سامة بن لؤي أبو محمد البصري، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من الثامنة (8) مات سنة (189) روى عنه في (11) بابا، وأتى بقوله (وهذا) الحديث الآتي (حديثه) أي لفظ حديث عبد الأعلى لا لفظ الأنصاري تورعًا من الكذب على الأنصاري، قال عبد الأعلى (حدثنا هشام) بن حسان القُرْدُوسي البصري (عن حميد بن هلال) الهلالي البصري (قال) عبد الأعلى (ولا أعلمه) أي ولا أعلبم شيخي هشامأ (إلا) أن قال في روايته لي عن حميد بن هلال (عن أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري عن عائشة رضي الله تعالى عنها، والشك من عبد الأعلى فلا يضر لأنه في المتابعة، وهذان السندان من سباعياته رجالهما أربعة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني أعني مع عائشة رضي الله تعالى عنها لأن الحديث لها لا لأبي موسى ففيهما رواية صحابي عن صحابية (قال) أبو موسى (اختلف في ذلك) أي فيما يوجب الغسل (رهط) أي جماعة (من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق) أي إلا بانصباب المني بقوة (أو) قال الراوي: إلا (من) إنزال (الماء) أي

مِنَ الدَّفْقِ أَوْ مِنَ الْمَاءِ. وَقَال الْمُهَاجِرُونَ: بَلْ إِذَا خَالطَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ. قَال: قَال أَبُو مُوسَى: فَأَنَا أَشْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ. فَقُمْتُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ. فَأُذِنَ لِي. فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ، (أَوْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ)، إِني أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيءٍ. وَإِنِّي أَسْتَحْيِيكِ. فَقَالتْ لا تَسْتَحْيِي أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سَائِلًا عَنْهُ أُمَّكَ التِي وَلَدتْكَ. فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ. قُلْتُ: فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ المني، وفي المفهم: (قوله من الدفق أو من الماء) هو على الشك من أحد الرواة والدفق بفتح الدال وسكون الفاء الصب؛ وهو الاندفاق والتدفق، وماء دافق أي مدفوق كَسِرٍّ كاتم أي مكتوم ويقال "دُفق الماء" مبنيًّا للمجهول ولا يقال مبنيًّا للمعلوم (وقال المهاجرون) ليس الأمر كما قلتم من عدم وجوب الغسل إلا بالإنزال (بل إذا خالط) ها وجامعها (فقد وجب الغسل) سواء أنزل أم لم ينزل، وفي بعض النسخ: بلى إذا خالط (قال) أبو بردة (قال أبو موسى) الأشعري للرهط المختلفين (فأنا أشفيكم) وابرؤكم (من) ورطة (ذلك) الاختلاف والنزاع الواقع بينكم فيما يُوجب الغسل، قال أبو موسى (فقمت) من بينهم وذهبت إلى حجرة عائشة (فاستأذنت) أي طلبت الإذن في الدخول (على عائشة فأُذن لي) في الدخول عليها فدخلت عليها (فقلت لها يا أماه) أي يا أمي لأن الألف بدل من ياء المتكلم والهاء للسكت فليست الألف للندبة لأن المقام ليس لها (أو) قال (يا أم المؤمنين) وأو للشك من أحد الرواة (إني أريد) وأقصد (أن أسألكِ عن) بيان (شيء) اختلفنا فيه (وإني) أي والحال أني (أستحييك) أي أستحي عن سؤالك عنه، قال القاضي عياض: معناه أي إني أستحيي من ذكر جماع النساء وهو مما يُستحيى منه لا سيما بحضرة النساء، ولا سيما عائشة رضي الله عنها ومكانها من التوقير، وقد بسطته للسؤال بقولها عما كنت سائلًا عنه أمك وجوابها له عن قوله ما يُوجب بقولها على الخبير سقطت يدل على أنها فهمت أن سؤاله عما يوجبه من الجماع لفهمها ذلك من قرينة سؤال عمر واختلاف الصحابة في المسئلة (فقالت) عائشة رضي الله عنها (لا تستحيي) من (أن تسألني عما كنتَ سائلًا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك) وأم جميع المؤمنين أي أنا بمنزلة والدتك في الاحترام وعدم الاستحياء عن السؤال عما بدا لك من المهمات فـ (قلت) لها (فما يوجب الغسل) أي فما الأمر الذي يوجب الغسل على الرجل والمرأة إذا حصل الاستمتاع بينهما هل هو الإنزال أو مجرد الإيلاج (قالت على الخبير) والعالِم

قَالتْ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَلَسَ بَينَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ". 681 - (314) (160) (124) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لما سألت عنه (سقطت) أي صادفت ووافقت أي صادفت خبيرًا عالمًا بحقيقة ما سألت عنه عارفا بخفيه وجليه حاذقا فيه، وهذا مثل مشهور قال أبو عبيد: وأصله لمالك بن جبير أحد حكماء العرب، وبه تمثل الفرزدق حين لقيه الحسين بن علي وهو يريد العراق للبيعة وقال له: ما وراءك؟ فقال: على الخبير سقطت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والأمر يَنزل من السماء، فقال: صدقتني اهـ من الأبي. الذي يوجب الغسل هو مجرد الإيلاج لأنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس) الرجل (بين شعبها الأربع ومس الختان) أي محل الختان من الرجل وهو الحشفة (الختان) أي محل الختان من المرأة (فقد وجب الغسل) عليهما وإن لم ينزلا ومس ختانيهما كناية لطيفة عن الإيلاج فلو تماسا أو التقيا دون مغيبها لم يُلتفت إلى ذلك، وفي المفهم قال الشيخ ابن عرفة: وهذه الأحاديث أعني حديث أبي هريرة وحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما لا يبقى معها متمَسَّكٌ للأعمش وداود، والله أعلم. اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 112] والترمذي [108 و 109]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 681 - (314) (160) (124) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي البغدادي، وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم وصالح بن محمد، وقال في التقريب: ثقة من (10) مات سنة (231) روى عنه في (6) أبواب (وهارون بن سعيد الأيلي) أبو جعفر التميمي ثقة من (10) مات سنة (253) روى عنه في (2) بابين (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد البصري ثقة، من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا، قال (أخبرني عياض بن عبد الله) الفهري القرشي المدني ثم المصري، روى عن أبي الزبير في الوضوء والزكاة، ومخرمة بن سليمان في الصلاة، وإبراهيم بن عبيد بن رفاعة في التوبة، ويروي عنه (م د س ق) وابن وهب والليث، وثقه

عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَالتْ: إِن رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ. هَلْ عَلَيهِمَا الْغُسْلُ؟ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لأَفْعَلُ ذَلِكَ. أَنَا وَهَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حبان، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن شاهين في الثقات: قال أبو صالح: ثبت له بالمدينة شأن كبير في حديثه شيء، وقال في التقريب: فيه لين، من السابعة (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي، وثقه ابن معين والنسائي وابن عدي، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: لا يُحتج به وكان مدلسًا، وقال في التقريب: صدوق يدلس، من (4) مات سنة (126) روى عنه في (9) أبواب (عن جابر ابن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني رضي الله تعالى عنهما (عن أم كلثوم) المدنية بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه أمها حبيبة بنت خارجة، وتُوفي أبوها وهي حمل فهي أخت الصديقة لأبيها، وهي التي أرضعت أبا سلمة المتقدم ذكره، روت عن أختها عائشة في الوضوء والصلاة، ويروي عنها (م س ق) وجابر بن عبد الله الأنصاري وهو أكبر منها وابنها عبد الرحمن بن عبد الله ومغيرة بن حكيم في الصلاة، وقال في التقريب: ثقة (عن عائشة) أم المؤمنين (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد مكي وواحد إما مروزي أو أيلي، ومن لطائفه أن فيه رواية الأكابر عن الأصاغر فإن جابرًا رضي الله عنه صحابي وهو أكبر من أم كلثوم سنًّا ومرتبة وفضلًا لأنها تابعية رضي الله تعالى عنهم أجمعين (قالت) عائشة (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (الرجل يجامع أهله) أي زوجته وكذا أمته (ثم يُكْسِل) بضم الياء وكسر السين بينهما كاف ساكنة من أكسل الرباعي أي يعزل ذكره عن الفرج، وفي المصباح: أكسل المجامع بالألف إذا نزع ولم يُنزل ضعفًا كان أو غيره اهـ (هل عليهما) أي هل على الرجل والمرأة (الغسل) وقوله (وعائشة جالسة) جملة حالية من الرسول؛ أي سال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحال أن عائشة جالسة عنده صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤال الرجل (إني لأفعل ذلك) الجماع مع الإكسال (أنا) تأكيد لفاعل أفعل جوازًا لصحة العطف بدونه (وهذه) معطوف على ذلك الفاعل؛ وهو إشارة إلى عائشة رضي الله تعالى عنها أي أفعل أنا وهذه ذلك الجماع مع

ثُمَّ نَغْتَسِلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإكسال (ثم نغتسل) غسل الجنابة لوجوب الغسل علينا بذلك الجماع. قال النواوي: فيه جواز ذكر مثل هذا بحضرة الزوجة إذا ترتبت عليه مصلحة ولم يحصل به أذى، وإنما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبارة ليكون أوقع في نفس الرجل، وفيه أن فعله صلى الله عليه وسلم للوجوب ولولا ذلك لم يحصل جواب السائل، وعبارة القاضي هنا: إخباره صلى الله عليه وسلم عن فعل نفسه غاية البيان، وفيه أن أفعاله على الوجوب وإلا لم يكن للسائل فيه جواب، وفيه أن ذكر مثل هذا للإفادة غير منكر وإنما يُنْكر ما جاء النهي عنه مما يُقصد به كشف ما يُستر من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وجملة ما ذكره في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي موسى عن عائشة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث جابر عن عائشة ذكره أيضًا للاستشهاد. قال النواوي: ومعنى أحاديث الباب أن إيجاب الغسل لا يتوقف على نزول المني بل متى غابت الحشفة في الفرج وجب الغسل على الرجل والمرأة، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة ومن بعدهم ثم انعقد الإجماع على ما ذكرناه وقد تقدم بيان هذا، قال أصحابنا: ولو غَيَّب الحشفة في دُبر امرأة أودبر رجل أو فرج بهيمة أو دبرها وجب الغسل سواء كان المولَجُ فيه حيًّا أو ميتًا صغيرًا أو كبيرًا، وسواء كان ذلك عن قصد أم عن نسيان، وسواء كان مختارًا أو مُكْرَهًا، أو استدخلت المرأة ذكره وهو نائم، وسواء انتشر الذكر أم لا، وسواء كان مختونًا أم أغلف؛ فيجب الغسل في كل هذه الصور على الفاعل والمفعول به إلا إذا كان الفاعل أو المفعول به صبيًّا أو صبية فإنه لا يقال وجب عليه لأنه ليس مكلفًا، ولكن يقال صار جُنبًا فإن كان مميزًا وجب على الولي أن يأمره بالغسل كما يأمره بالوضوء فإن صلى من غير غسل لم تصح صلاته وإن لم يغتسل حتى بلغ وجب عليه الغسل، وإن اغتسل الصبي ثم بلغ لم يلزمه إعادة الغسل، قال أصحابنا: والاعتبار في الجماع بتغييب الحشفة من صحيح الذكر بالاتفاق فإذا غيبها بكمالها تعلقت به جميع الأحكام، ولا يُشترط تغييب جميع الذكر بالاتفاق، ولو غيب بعض الحشفة لا يتعلق به شيء من الأحكام بالاتفاق إلا وجهًا شاذًّا ذكره بعض أصحابنا أن حكمه حكم جميعها، وهذا الوجه غلط منكر متروك، وأما إذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان الذكر مقطوعًا فإن بقي منه دون الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام وإن كان الباقي قدر الحشفة فحسب تعلَّقَت الأحكام بتغييبه بكماله، وإن كان زائدًا على قدر الحشفة ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا: أصحهما أن الأحكام تتعلق بقدر الحشفة منه، والثاني لا يتعلق شيء من الأحكام إلا بتغييب جميع الباقي، ولو لف على ذكره خرقة وأولجه في فرج امرأة ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح منها والمشهور أنه يجب عليهما الغسل، والثاني لا يجب لأنه أولج في خرقة، والثالث إن كانت الخرقة غليظة تمنع وصول اللذة والرطوبة لم يجب الغسل وإلا وجب، ولو استدخلت المرأة ذكر بهيمة وجب عليها الغسل، ولو استدخلت ذكرًا مقطوعًا فوجهان أصحهما يجب عليها الغسل اهـ منه. * * *

177 - (82) (64) باب الوضوء مما مست النار

177 - (82) (64) باب الوضوء مما مست النار 682 - (315) (161) (125) وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيل بْنُ خَالِدٍ. قَال: قَال ابْنُ شِهَاب: أخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ؛ أَن خَارِجَةَ بْنَ زَيدٍ الأَنْصارِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 177 - (82) (64) باب الوضوء مما مست النار 682 - (315) (161) (125) (وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي مولاهم أبو عبد الله المصري، قال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من (11) مات سنة (248) روى عن أبيه وابن وهب في الإيمان والوضوء والفتن وغيرها (قال حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري، وثقه ابن حبان والخطيب، وقال في التقريب: ثقة نبيل فقيه، من كبار (15) مات سنة (199) روى عنه في (2) (عن جدي) ليث بن سعد الفهمي أبي الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا، قال (حدثني عُقَيل) بضم أوله مصغرًا (بن خالد) بن عقيل بفتح أوله مكبر أبو خالد الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان أبو خالد المصري ثقة ثبت، من (6) مات سنة (144) روى عنه في (3) تقريبًا (قال) عقيل بن خالد (قال) محمد بن مسلم بن عبيد الله (بن شهاب) الزهري أبو بكر المدني ثقة متفق على جلالته، من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي المدني، وثقه النسائي والعجلي وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (5) مات في أول خلافة هشام (أن خارجة بن زيد) بن ثابت بن الضحاك (الأنصاري) الخزرجي أبا زيد المدني، روى عن أبيه زيد بن ثابت في الوضوء، وأسامة بن زيد وأم العلاء، ويروي عنه (ع) وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابنه سليمان والزهري وأبو الزناد وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من الثالثة مات سنة (100) مائة وقيل قبلها، ولما بلغ عمر بن عبد العزيز خبر موته قال: ثلمة والله في الإسلام (أخبره) أي أخبر لعبد الملك بن أبي بكر (أن أباه) أي أبا خارجة

زَيدَ بْنَ ثَابِتٍ قَال: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْوُضوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ". 683 - (316) (162) (126) قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري الخزرجي النجاري أبا سعيد المدني، كاتب الوحي وأحد نجباء الأنصار شهد بيعة الرضوان، وقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق، له (92) اثنان وتسعون حديثًا، اتفقا على خمسة وانفرد (خ) بأربعة و (م) بواحد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (ع) وابنه خارجة في الوضوء، وعطاء بن يسار في الصلاة، وبسر بن سعيد في الصلاة، وأنس بن مالك في الصوم، وطاوس في الحج، وعبد الله بن يزيد في الحج، وابن عمر في البيوع، وأبو سعيد الخدري في عذاب القبر، مات سنة (45) خمس وأربعين، وقال أبو هريرة: لما مات زيد مات خير الأمة. وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم مدنيون وأربعة مصريون (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الوضوء) مشروع (مما) أي من أكل ما (مست) ـه (النار) برفع النار على الفاعلية، وعائد ما" محذوف كما قررناه ويصح نصبها على المفعولية، والفاعل ضمير الفعل كما هو مشكول هكذا في بعض النسخ، والمعنى عليه من الأطعمة التي مست النار عند الطبخ؛ والأول أوضح وأفصح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [1/ 107]. ثم استشهد المؤلف لحديث زيد بن ثابت بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال معلقًا: 683 - (316) (162) (126) (قال) لنا بالسند السابق محمد بن مسلم بن عبيد الله (ابن شهاب) الزهري أبو بكر المدني (أخبرني عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو حفص المدني أمير المؤمنين، ولد سنة (61) إحدى وستين مقتل الحسين، ولي الخلافة سنة (99) تسع وتسعين، ومات في رجب سنة (101) إحدى ومائة، وله (40) أربعون سنة فمدة خلافته سنتان ونصف، فهو من الخلفاء الراشدين والإمام العادل والخليفة الصالح، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، له فقه وعلم وورع، روى حديثًا كثيرًا، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من (4) الرابعة، روى عنه عبد الله بن إبراهيم بن قارظ في الوضوء والصلاة، وعروة بن الزبير في

أن عَبْدَ اللهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ أَخْبَرَهُ؛ أنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ. فَقَال: إِنَّمَا أَتَوَضأُ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا. لأني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تَوَضؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوم، والربيع بن سبرة في النكاح، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في البيوع، ويروي عنه (ع) والزهري وأبو سلمة بن عبد الرحمن في الصوم، وإبراهيم بن أبي عبلة وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وخلق، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها (5) خمسة (أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ) بالقاف وكسر الراء وبالظاء المشالة، وقال ابن جريج: هو إبراهيم بن عبد الله بن قارظ وهو الصحيح، وقال في التقريب: وقيل هو عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، ووهم من زعم أنهما اثنان القرشي المدني، روى عن أبي هريرة في الوضوء والصلاة والسائب بن يزيد في البيوع، ويروي عنه (م دت س) وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن أبي كثير وأبو سلمة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من الثالثة (أخبره) أي أخبر لعمر بن عبد العزيز (أنه) أي أن عبد الله بن إبراهيم (وجد) أي رأى (أبا هريرة يتوضأ على) سُدَّةِ (المسجد) النبوي، أو على بمعنى في أي يتوضأ في المسجد، وعلى هذا المعنى فيه دليل على جواز الوضوء في المسجد، وقد نقل ابن المنذر إجماع العلماء على جوازه ما لم يؤذ به أحدًا، اهـ نواوي. وهذا السند أيضًا من الثمانيات رجاله أربعة منهم مصريون وأربعة مدنيون، نظير السند السابق فسأله عبد الله بن إبراهيم عن وضوئه (فقال) له أبو هريرة (إنما أتوضأ) هذا الوضوء (من أثوارِ أَقِطٍ) أي لأجل قطع أقط (أكلتُهَا) أي أكلت تلك الأثوار (لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول توضؤوا) أيها المسلمون (مما مسَّتِ النار) أي من أكل ما مسته النار، والأقط مطبوخ؛ فهو من جملة ما مسته النار، وقوله (من أثوار الأقط) والأثوار جمع ثور؛ وهو القطعة من الأقط وهو بالثاء المثلثة، والأقط معروف: وهو مما مسته النار كذا في النواوي، والأقط: ما يُتخذ من اللبن المخيض يُطبخ ثم يُترك حتى يمصُل كذا في المصباح، والمخيض: هو اللبن المستخرج زبده بصب الماء فيه وتحريكه، والمصل: عُصارة الأقط وهو ماؤه الذي يُعصر منه حين يُطبخ، وفي نهاية ابن الأثير: الأثوار جمع ثور وهي قطعة من الأقط، والأقط: لبن مجفف مستحجر، ومنه حديث "توضأوا مما مست النار ولو من ثور أقط" يريد غسل اليد والفم منه، ومنهم من حمله على ظاهره وأوجب فيه وضوء الصلاة. اهـ.

684 - (317) (163) (127) قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَأَنَا أُحَدِّثُهُ هَذَا الْحَدِيثَ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ؛ فَقَال عُرْوَةُ: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وفي المفهم: قوله (توضأوا مما مست النار) هذا الوضوء هنا هو الوضوء الشرعي العرفي عند جمهور العلماء، وكان الحكم كذلك، ثم نُسخ كما قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" رواه أبو داود [192] والنسائي [1/ 108] وعلى هذا تدل الأحاديث الآتية بعدُ، وعليه استقر عمل الخلفاء ومعظم الصحابة وجمهور العلماء من بعدهم، وذهب أهل الظاهر والحسن البصري والزهري إلى العمل بقوله صلى الله عليه وسلم "توضئوا مما مست النار" وأن ذلك ليس بمنسوخ، وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور إلى إيجاب الوضوء من أكل الجزور لا غير، وذهبت طائفة إلى أن ذلك الوضوء إنما هو الوضوء اللغوي وهو غسل اليد والفم من الدسم والزفر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين شرب اللبن ثم مضمض، وقال "إن له دسمًا" رواه أحمد [1/ 223 و 227] من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأن الأمر بذلك على جهة الاستحباب، وممن ذهب إلى هذا ابن قتيبة ذكره في غريبه؛ والصحيح الأول فليُعْتَمد عليه. اهـ قرطبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بن ثابت بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال معلقًا: 684 - (317) (163) (127) وبالسند السابق (قال) لنا (ابن شهاب) الزهري المدني (أخبرني سعبد بن خالد بن عمرو بن عثمان) بن عفان القرشي الأموي أبو عثمان المدني، روى عن عروة بن الزبير في الوضوء، وقبيصة بن ذؤيب، ويروي عنه (م) والزهري فرد حديث، ومعن بن محمد الغفاري، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة من السادسة؛ أي أخبرني سعيد (وأنا) أي والحال أني (أحدّثه) أي أُحدِّث سعيد بن خالد وأخبره (هذا الحديث) أي حديث الوضوء مما مست النار أي أخبرني سعيد (أنه) أي أن سعيدًا (سأل عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني (عن الوضوء مما مست النار، فقال) لي (عروة سمعت

عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَوَضؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضووا) أيتها الأمة (مما مست النار). شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 89] فقط. وهذا السند أيضًا من ثمانياته رجاله أربعة منهم مدنيون وأربعة مصريون نظير ما تقدم أيضًا. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث زيد بن ثابت ذكره للاستدلال، والثاني حديث أبي هريرة، والثالث حديث عائشة ذكرهما للاستشهاد. * * *

178 - (83) (65) باب نسخ الوضوء مما مست النار

178 - (83) (65) باب نسخ الوضوء مما مست النار 685 - (318) (164) (128) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 178 - (83) (65) باب نسخ الوضوء مما مست النار 685 - (318) (164) (128) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) بفتح فسكون التميمي الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن البصري، قال العجلي: بصري ثقة صالح، وقال أبو حاتم: ثقة حجة، وقال ابن معين: ما رأيت رجلًا يُحدِّث لله إلا وكيعًا والقعنبي، وأُعْلِم مالك بقدومه فقال: قوموا إلى خير أهل الأرض، وقال عمرو بن علي: كان مُجاب الدعوة، وقال في التقريب: ثقة عابد، من صغار (9) مات سنة (221) بمكة، روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا مالك) بن أنس بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني، من (7) مات سنة (179) روى عنه في (17) بابا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني ثقة عالم وكان يرسل، من (3) مات سنة (136) روى عنه في (12) بابا (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة أم المؤمنين أبي محمد المدني ثقة، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (9) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي أبي العباس الطائفي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد بصري، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة) أي أكل لحمه في بيت ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عمه صلى الله عليه وسلم أو في بيت ميمونة رضي الله تعالى عنها كما في رواية البخاري أي أكل لحمًا نضيجًا (ثم صلى) صلى الله عليه وسلم (ولم يتوضأ) وهذا يدل على أن أكل ما مسته النار غير ناقض للوضوء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 226] والبخاري [207] وأبو داود 1871، والنسائي [1/ 108] وهذا المذكور في هذا الحديث مذهب الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي والليث وإسحاق وأبي ثور رحمهم الله تعالى، وأما حديث زيد بن ثابت عند الطحاوي والطبراني في الكبير أنه صلى الله عليه وسلم

686 - (00) (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: "توضئوا مما غيرت النار" وهو مذهب عائشة وأبي هريرة وأنس والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهم، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل، وحديث البراء المصحح في المجموع قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحم الإبل فأمر به، وبه استدل الإمام أحمد على وجوب الوضوء من لحم الجزور، فأُجيب عن ذلك بحمل الوضوء على غسل اليد والمضمضة لزيادة دسومة اللحم وزهومة لحم الإبل، وقد نهى أن يبيت وفي يده أو فمه دسم خوفا من عقرب ونحوها، وبأنهما منسوخان بخبر أبي داود والنسائي وغيرهما وصححه ابنا خزيمة وحبان عن جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، ولكن ضَعَّفَ الجوابين في المجموع بأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي كما هو معروف في محله، وترك الوضوء مما مست النار عام، وخبر الوضوء من لحم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام سواء وقع قبله أو بعده لكن حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجَّحْنَا به أحد الجانبين وارتضى النواوي هذا في شرح المهذب، وعبارته وأقرب ما يُسْتَرْوَح إليه قول الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة رضي الله تعالى عنهم وما دل عليه الخبران هو القول القديم وهو وإن كان شاذًّا في المذهب فهو قوي في الدليل، وقد اختاره جماعة من محققي أصحابنا المحدثين، وأنا ممن اعتقد رجحانه اهـ وقد فرق الإمام أحمد بين لحم الجزور وغيره اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 686 - (00) (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة، من (10) قال (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري الإمام القدوة الحافظ الثقة المتقن، من كبار (9) مات سنة (198) روى عنه في

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ كَيسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ح وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (13) بابًا (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبي المنذر المدني ثقة فقيه ربما دلس، من (5) مات سنة (145) روى عنه في (16) بابا، قال (أخبرني وهب بن كيسان) القرشي الأسدي مولاهم مولى الزبير بن العوام أبو نعيم المدني المعلم المكي، روى عن محمد بن عمرو بن عطاء في الوضوء، وجابر بن عبد الله في الصلاة والنكاح والصيد، وعمر بن أبي سلمة في الأطعمة، وعبيد بن عمير الليثي في الزهد، ويروي عنه (ع) وهشام بن عروة وعبيد الله بن عمر ومالك بن أنس والوليد بن كثير وعبد العزيز بن أبي سلمة، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: كان محدثًا ثقة، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال أحمد وابن معين: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من كبار (4) مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة روى عنه في (6) أبواب (عن محمد بن عمرو بن عطاء) بن عياش بن علقمة القرشي العامري مولاهم مولى بني عامر بن لؤي أبي عبد الله المدني، روى عن عبد الله بن عباس في الوضوء، وسعيد بن المسيب في البيوع، وزينب بنت أم سلمة في الأدب، وعطاء بن يسار في كفارة المريض، ويروي عنه (ع) ووهب بن كيسان ومحمد بن عمرو بن حلحلة والوليد بن كثير ومحمد بن عجلان وعمرو بن يحيى ويزيد بن أبي حبيب، قال أبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث، وقال في التقريب: ثقة من (3) الثالثة، مات في حدود (120) عشرين ومائة (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد بصري وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن عمرو لعطاء بن يسار في رواية هذا الحديث عن ابن عباس، وفائدتها بيان كثرة طرقه (ح وحدثني الزهري) وإسقاط الحاء هنا أوفق لأنه ليس محل تحويل لأن التحويل إنما يكون في بداية السند وهذا معطوف على وهب بن كيسان، وتقدير الكلام قال هشام بن عروة أخبرني وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو .. الخ وحدثني الزهري محمد بن مسلم المدني أيضًا (عن علي بن عبد الله بن عباس) بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبي محمد المدني، روى عن أبيه عبد الله بن عباس في الوضوء والصلاة، وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) والزهري وابنه محمد وغيرهم، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث أجمل مَنْ على وجه الأرض، وقال العجلي وأبو زرعة:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عَرْقًا، (أَوْ لَحْمًا)، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوضَّأْ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الثالثة، وُلد في سنة أربعين ليلة قُتل علي بن أبي طالب فسُمي باسمه، قال علي بن أبي جميلة: كان يسجد كل يوم ألف سجدة وكان من العباد، مات بالشام سنة (117) سبع عشرة ومائة قاله علي بن المديني، روى عنه في (2) بابين (عن) أبيه عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته أيضًا رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد بصري وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الزهري لوهب بن كيسان في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عباس ولكنها متابعة ناقصة لأن شيخيهما مختلفان، وقوله (ح وحدثني محمد بن علي) بن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما معطوف أيضًا على وهب بن كيسان، والأوفق إسقاط حاء التحويل كما مر آنفًا، والتقدير قال هشام بن عروة أخبرني وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو عن ابن عباس وحدثني أيضًا الزهري عن علي بن عبد الله عن ابن عباس وحدثني أيضًا (محمد بن علي) بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي أبو الخلفاء العباسيين، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة وجَدِّه مرسلًا، وسعيد بن جبير وطائفة، ويروي عنه (م عم) وهشام بن عروة وحبيب بن أبي ثابت وابنه أبو جعفر المنصور وأخوه عيسى، وطائفة ذكره ابن حبان في الثقات، وقال مصعب: كان ثقة ثبتًا مشهورًا، وقال أبو هشام: لا أعلم أحدًا أعلم منه ولا خيرًا منه، وقال في التقريب: ثقة من الرابعة، مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة عن ستين (60) سنة (عن أبيه) علي بن عبد الله بن عباس (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد بصري وواحد نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن علي لوهب بن كيسان ولكنها متابعة ناقصة، والحاصل أن هشام بن عروة روى أولًا عن وهب بن كيسان وثانيا عن الزهري، وثالثًا عن محمد بن علي فتأمل فإن في المحل دِقَّةً (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عَرْقًا) أي لحم عَرْقٍ لأن العرق لا يؤكل، والعَرْق بفتح العين وسكون الراء؛ هو العظم عليه قليل من اللحم (أو) قال ابن عباس أكل (لحمًا) نضيجًا، والشك من الراوي عن ابن عباس (ثم صلى) بالناس (و) الحال أنه (لم يتوضأ) وضوءه للصلاة (ولم يمسَّ ماء) في

687 - (319) (165) (129) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفٍ يَأكُلُ مِنْهَا. ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضأْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يده ولا في فمه، وهذا يدل على أن أكل ما مسته النار لا ينقض الوضوء. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عباس بحديث عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنهم فقال: 687 - (319) (165) (129) (وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي أبو جعفر البغدادي البزاز صاحب السنن، وثقه أحمد وابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (227) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، قال ابن معين: ثقة حجة، وقال أحمد والعجلي وأبو حاتم: ثقة، وقال في التقريب: ثقة حجة تُكُلِّم فيه بلا حجة، من (8) مات سنة (183) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا) محمد بن مسلم (الزهري) أبو بكر المدني من (4) مات سنة (125) (عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري) بفتح المعجمة وسكون الميم نسبة إلى ضمرة بن بكر المدني أخي عبد الملك بن مروان من الرضاعة، روى عن أبيه في الوضوء، وأنس ووحشي، ويروي عنه (خ م دت س) والزهري وأبو سلمة وأبو قلابة، قال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات سنة (96) ست وتسعين روى عنه في (1) باب الوضوء (عن أبيه) عمرو بن أمية بن خويلد بن ناشرة بن كعب بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن عدي بن كنانة الضمري أبي أمية المدني أحد الأبطال من الصحابة، الصحابي المشهور، له عشرون (20) حديثًا اتفقا على حديث، وانفرد (خ) بآخر، يروي عنه (ع) وابنه جعفر في الوضوء، أسلم بعد أُحد، ومات بالشام في خلافة معاوية (أنه) أي أن عمرو بن أمية (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتَزُّ) بالحاء المهملة وبالزاي المشددة، أي يقطع بالسكين، وفي السكين لغتان التذكير والتأنيث يقال سكين جيد وجيدة، وسُميت سكينًا لتسكينها حركة المذبوح (من) لحم كتفِ) شاة نضيج بفتح الكاف وكسر التاء وبكسر الكاف وإسكان التاء وهي رأس عظم العضد، حالة كونه (يأكل منها) أي من لحمها (ثم صلى) بالناس (و) الحال أنه (لم يتوضأ) وضوءه للصلاة، وفي الحديث دليل على جواز

688 - (00) (00) (00) حدثني أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أكل اللحم بالسكين عند الحاجة إلى ذلك لصلابة اللحم أو كبر العضو والبَضْعَة، قال عياض: وتُكره المداومة على استعمال ذلك لأنه من سنة الأعاجم. اهـ منهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 139 و 179] والبخاري [208] والترمذي [1836]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمرو بن أمية رضي الله عنه فقال: 688 - (00) (00) (00) (حدثني أحمد بن عيسى) بن حسان المعروف بالتستري -نسبة إلى تستر اسم بلدة بالأهواز لكونه يَتَّجِرُ فيها- أبو عبد الله المصري، قال أبو حاتم: تكلم الناس فيه، قال الذهبي: إنما أنكروا عليه السماع ولم يتهم بالوضع وليس في حديثه شيء من المناكير، وقال في التقريب: صدوق تُكُلِّم في بعض سماعاته، من (15) مات سنة (243) روى عنه في الإيمان والوضوء وغيرهما (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري، قال (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، وثقه ابن سعد وابن معين وأبو زرعة والنسائي والعجلي، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري) المدني (عن أبيه) عمرو بن أمية الضمري المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن الحارث لإبراهيم بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة على الأولى (قال) عمرو بن أمية (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأبصرته بعينيَّ حال كونه (يحتز) بفتح الياء وسكون الحاء وفتح التاء وتشديد الزاي أي يقطع بالسكين (من) لحم (كتف شاة فكل منها) أي من تلك الكتف أي من لحمها النضيج (فدُعي) بالبناء للمجهول أي دُعي صلى الله عليه وسلم (إلى الصلاة) وفي حديث النسائي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال رضي الله

فَقَامَ وَطَرَحَ السّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضأْ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه (فقام) صلى الله عليه وسلم من مجلس الأكل (وطرح السكين) وألقاها أي وضعها على الأرض، وفي رواية البخاري في الأطعمة "فألقاها والسكين" أي ألقى الكتف مع السكين (وصلى) بالناس (و) الحال أنه (لم يتوضأ) أصلًا، وفي هذا الحديث دليل على جواز بل استحباب استدعاء الأئمة إلى الصلاة إذا حضر وقتها، وفيه أن الشهادة على النفي تُقبل إذا كان المنفي محصورًا مثل هذا من قوله لم يتوضأ، وفيه أن الوضوء مما مست النار ليس بواجب. اهـ نووي. زاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر الحديث، قال الزهري: فذهبَتْ تلك أي القصة أي في الناس ثم أخبر رجال من أصحابه صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: توضئوا مما مست النار، قال: فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة، واعْتُرِضَ عليه بحديث جابر رضي الله عنه قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا ما قابل النهي، هان هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر، ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ؛ فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة، قال النووي: كان الخلاف فيه معروفًا بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما ذُكر من لحم الإبل قاله في الفتح. وقال المهلب: كانوا في الجاهلية قد أَلِفُوا قلة التنظيف فأمِرُوا بالوضوء مما مست النار فلما تقررت النظافة في الإسلام وشاعت نُسِخَ الوضوء تيسيرًا على المسلمين اهـ من القسطلاني. (قال ابن شهاب) بالسند المذكور (وحدثني علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه) عبد الله بن عباس (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بذلك الحديث الذي حدّث لي جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه فهو معطوف على قوله عن جعفر بن عمرو، والمعنى

689 - (320) (166) (130) قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بُكَيرُ بْنُ الأَشَجِّ عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. 695 - (00) (00) (00) قَال عَمْرٌو: وحَدَّثَنِي جَعْفَر بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الأَشَجِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن شهاب: حدثني جعفر بن عمرو عن أبيه، وحدثني علي بن عبد الله عن أبيه بذلك الحديث. وشارك المؤلف في رواية حديث ابن عباس هذا البخاري [210]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها فقال: 689 - (320) (166) (130) (قال عمرو) بن الحارث المصري بالسند السابق (وحدثني بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبو عبد الله المدني ثم المصري ثقة ثبت، من (5) مات سنة (120) روى عنه في (13) بابا، فهو معطوف على قوله عن ابن شهاب (عن كريب) مصغرًا بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم (مولى ابن عباس) أبي رشدين المدني ثقة من (3) مات سنة (98) روى عنه في (7) أبواب (عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كل عندها كتفًا) من شاة أي لحمه (ثم صلى ولم يتوضأ) أي لم يجعله ناقضًا للوضوء. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون. وشارك المؤلف في رواية حديث ميمونة هذا البخاري [210]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها فقال: 690 - (00) (00) (00) (قال عمرو) بن الحارث المصري بالسند السابق (وحدثني جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل القرشي الحسني أبو شرحبيل المصري، وثقه أحمد وابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (5) مات سنة (136) روى عنه في (4) أبواب (عن يعقوب) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبي يوسف المدني، روى عن كريب في الوضوء، وبسر بن سعيد في الدعاء، وأبي صالح السمان مولى

عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَباسٍ عَنْ مَيمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. 691 - (321) (167) (131) قَال عَمْرٌو: وحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِع، عَنْ أَبِي غَطَفَانَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ غطفان في الدعاء، والقعقاع بن حكيم في الدعاء، وسعيد بن المسيب ويروي عنه (م ت س ق) وجعفر بن ربيعة والحارث بن يعقوب ويزيد بن أبي حبيب، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، مات سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة، روى عنه في (2) بابين (عن كريب مولى ابن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها (بذلك) الحديث المذكور. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة يعقوب بن الأشج لبكير بن الأشج في رواية هذا الحديث عن كريب، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عباس بحديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - فقال: 691 - (321) (167) (131) (قال عمرو) بن الحارث المصري بالسند السابق (وحدثني سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبو العلاء المصري وقيل المدني، قال ابن سعد: كان ثقة، وقال الساجي: صدوق، وقال العجلي: مصري ثقة، ووثقه ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي والخطيب وابن عبد البر، وقال في التقريب: صدوق لكنه اختلط، من (6) مات سنة (130) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع) الهاشمي مولاهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدني، روى عن أبي غطفان في الوضوء، وأبيه، ويروي عنه (م س) وسعيد بن أبي هلال وابن عجلان، وثقه ابن حبان، له عندهما فردُ حديثٍ، وقال في التقريب: مقبول من السادسة (6) لم يثبت سماعه من جَذه (عن أبي غطفان) بفتحات اسمه سعد بن طريف بفتح الطاء بن مالك المُرِّيِّ المدني، وله دار بالمدينة، روى عن أبي رافع في الوضوء، وابن عباس في الصوم، وأبي هريرة في الأطعمة، ويروي عنه (م دس ق) وعبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع وإسماعيل بن أمية وعمرو بن حمزة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وجماعة، وثقه ابن حبان، وقال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة (عن أبي رافع) القبطي مولى رسول الله صلى الله

قَال: أَشْهَدُ لَكُنْتُ أشْوي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَطْنَ الشاةِ. ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضأْ. 692 - (322) (168) (132) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم اسمه إبراهيم وقيل أسلم وقيل ثابت وقيل هرمز، قيل إنه كان للعباس فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه لما بشَّرَه بإسلام العباس، وكان إسلامه قبل بدر ولم يشهدها وشهد أحدًا وما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن مسعود، ويروي عنه (ع) وأبو غطفان في الوضوء، وعبد الرحمن بن المسور في الإيمان وأولاده الحسن ورافع وعبد الله، مات في أول خلافة علي رضي الله تعالى عنهما على الصحيح. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون (قال) أبو رافع (أشهد) إني (لكنت) أي أقسم إني لقد كنت (أشوي) وأقلي على القدر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة) أي كبد الشاة وما في بطنها من الأعضاء الباطنية كالكلية والقلب فيأكل من ذلك الشواء (ثم صلى) أي يصلي الصلاة المفروضة بالناس (ولم يتوضأ) لكونه غير ناقض للوضوء، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وفي هامش بعض المتون قوله (لكنتُ أشوي ... ) الخ، لعل فيه حذف إن مع اسمها أي أشهد إني لكنت أشوي بطن الشاة، وعبارة المشكاة "أشهد لقد كنت أشوي" قال ملا علي: لما كان في "أشهد" معنى القسم دخل اللام في "قد" جوابًا له اهـ. والشي: عمل الشواء وهو الكباب وبطن الشاة ما في باطنها وجوفها من الكبد والقلب والكلية، قال النووي: وفي الكلام حذفٌ؛ تقديره أشوي له بطن الشاة فيأكل منه ثم يصلي ولا يتوضأ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عباس الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال: 692 - (322) (168) (132) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البلخي قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري، من (7) (عن عُقَيل) بن خالد بن عَقِيل بفتح العين الأموي مولاهم أبي خالد المصري ثقة، من (6) (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (الزهري) أبي بكر المدني ثقة متقن، من (4) (عن عبيد الله) مصغرًا (ابن عبد الله) مكبرًا بن عتبة بن مسعود الهذلي الأعمى أبي عبد الله

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا. ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَقَال: "إِنَّ لَهُ دَسَمًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني، أحد الفقهاء السبعة ثقة ثبت فقيه، من (3) مات سنة أربع وتسعين (94) روى عنه في (8) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا ثم دعا بماء) أي طلب بماء فأُتي به (فتمضمض) بالماء (وقال) صلى الله عليه وسلم (أن له) أي إن للبن (دَسَمًا) بفتحتين منصوبًا اسم إن، وهذا بيان لعلة المضمضة من اللبن، والدسم: ما يظهر على اللبن من الدهن، وفي المصباح: الدسم: الودك من لحم وشحم، وفي المرقاة: والدسم ما يَعْلُقُ باليد والفم عند تناوله نحو اللبن واللحم ويكون ما يعلق به لزجًا غير نقي، وفي المفهم: والدسم بفتح السين وسكونها والفتح أولى به لأنه الاسم ومثل الحَسَب والنَقَض؛ وهو عبارة عن زفر الدهن يقال منه دَسِمَ الشيء بالكسر يَدْسَم بالفتح، وتدسيم الشيء جعل الدسم عليه ويقال أيضًا دَسِمَ المطر والأرض بَلَّهَا ولم يُبالغ، ويقاس عليه استحباب المضمضة من كل ما له دسم، قوله (إن له دسمًا) قال القاضي عياض: المضمضة من اللبن وغيره سنة عند القيام إلى الصلاة لاسيما الدسم أو لزوجة لما يتعلق بالفم منه مما يشغل زواله، واختلف العلماء في غسل اليد قبل الطعام وبعده، ومالك يكرهه إلا أن يكون بها قذر أو للطعام رائحة أو زفورة كالسمك، قال النواوي: والأظهر استحباب غسلها قبل الطعام إلا أن يعلم سلامتها من الوسخ، وبعْدُ إلا أن لا يبقى للطعام بها أثر، قال القرطبي: وفي أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا ولم يتمضمض ولم يتوضأ، وليست المضمضة منه من السنن المؤكدة اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كما في القسطلاني، إنه من الأحاديث التي اتفق الشيخان وأصحاب السنن على إخراجها من شيخ واحد وهو قتيبة بن سعيد. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد طائفي وواحد بلخي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس هذا رضي الله تعالى عنهما فقال:

693 - (00) (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. وأَخْبَرَنِي عَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَذَثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِإِسْنَادِ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 693 - (00) (00) (00) (وحدثني أحمد بن عيسى) بن حسان المصري قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري، قال ابن وهب: أخبرني عمرو بحديث كذا وكذا (وأخبرني عمرو) أيضًا بحديث ابن عباس هذا، فالواو عاطفة على مقدّر قبلها كما قررناه، قال النووي: قوله (وأخبرني عمرو) هكذا هو في الأصول (وأخبرني عمرو) بالواو في "وأخبرني عمرو"، وهي واو العطف، والقائل "وأخبرني عمرو" هو ابن وهب، وإنما أتى بالواو أولًا لأنه سمع من عمرو أحاديث فرواها وعطف بعضها على بعض، فقال ابن وهب: أخبرني عمرو بكذا وأخبرني بكذا وعدّد تلك الأحاديث فسمع أحمد بن عيسى لفظ ابن وهب هكذا بالواو فأدَّاه أحمد بن عيسى كما سمعه فقال: حدثنا ابن وهب قال يعني ابن وهب (وأخبرني عمرو) بن الحارث المصري (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني زهير بن حرب) الحرشي أبو خيثمة النسائي قال (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبي عمرو الشامي، من (7) (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري قال (حدثني يونس) بن يزيد الأيلي، والضمير في قوله (كلهم، عن ابن شهاب) عائد إلى ما قبل حاء التحويلات أي كل من عمرو بن الحارث في السند الأول، والأوزاعي في الثاني، ويونس بن يزيد في الثالث، والجار والمجرور في قوله (بإسناد عقيل عن الزهري) متعلق بما عمل في المتابعِين، وكذا قوله (مثلَهُ) منصوب بما عمل في المتابعين على أنه مفعول ثان له، والضمير فيه عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو عقيل بن خالد والتقدير حدثنا كل من عمرو والأوزاعي ويونس عن ابن شهاب بإسناد عقيل عن الزهري يعني عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مثله أي مثل ما حدّث عقيل عن ابن شهاب أي مماثلة في اللفظ والمعنى جميعًا. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث ابن عباس الأول بحديث آخر له رضي الله عنهما فقال:

694 - (323) (169) (123) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّد بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ عَلَيهِ ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ. فَأُتِيَ بِهَدِيةٍ خُبْرٍ وَلَحْمٍ. فَأكَلَ ثَلاثَ لُقَمٍ. ثُمَّ صَلَّى بِالناسِ. وَمَا مَسَّ مَاءً. 695 - (00) (00) (00) وَحَدَّثنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 694 - (323) (169) (123) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي ثقة، من (9) قال (حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزُّرقي أبو إسحاق المدني ثقة ثبت، من (8) قال (حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة) الدِّيلي بكسر الدال وسكون الياء المدني، روى عن محمد بن عمرو بن عطاء في الوضوء، ومعبد بن كعب بن مالك في الجنائز، والزهري في الفضائل، وعطاء بن يسار والزهري ووهب بن كيسان وغيرهم، ويروي عنه (خ م دس) وإسماعيل بن جعفر والوليد بن كثير ومالك وعبد الله بن سعيد بن أبي هند وطائفة، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (6) (عن محمد بن عمرو بن عطاء) بن عياش بن علقمة القرشي العامري أبي عبد الله المدني، وثقه أبو زرعة والنسائي وابن سعد وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من (3) مات سنة (120) روى عنه في (4) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عليه) أي شد على جسمه الشريف (ثيابه) أي لباسه من الإزار والرداء (ثم خرج) من البيت (إلى) المسجد لـ (الصلاة) المفروضة (فأُتي) أي جيء قبل شروعه في الصلاة (بهديةٍ خبزٍ ولحمٍ) أهداها له بعض الأصحاب (فـ) أخذها و (أكل) منها (ثلاث لقم) جمع لُقْمَة؛ وهي ما يُبلع في مرّة (ثم) بعد أكلها (صلى بالناس وما مس ماءً) بوضوء ولا مضمضة. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 695 - (00) (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني ثقة، من (10) (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي ثقة ثبت ربما

عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ. قَال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَاقَ الْحَديثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ حَلْحَلَةَ، وَفِيهِ: أَن ابْنَ عَبَّاسٍ شَهِدَ ذلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال: صَلَّى. وَلَمْ يَقُلْ: بِالنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ دلس، من (9) روى عنه في (17) بابا (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني ثم الكوفي صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي المدني (قال) محمد بن عمرو (كنت مع ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة الوليد بن كثير لمحمد بن عمرو بن حلحلة في رواية هذا الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء، وفائدتها بيان كثرة طرقه (وساق) الوليد بن كثير أي ذَكَرَ (الحديث) المذكور (بمعنى حديث) محمد بن عمرو (بن حلحلة) لا بلفظه (وفيه) أي وفي ذلك المعنى الذي ساقه (أن ابن عباس شهد ذلك) وحضر تلك القضية ورآها (من النبي صلى الله عليه وسلم، وقال) الوليد بن كثير في روايته ثم (صلى ولم يقل) أي ولم يذكر لفظة (بالناس) قال النواوي: في هذه الرواية فائدة لطيفة وذلك أن الرواية الأولى فيها (عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه) وليس فيها أن ابن عباس رأى هذه القضية فيحتمل أن رآها بنفسه ويحتمل أن سمعها من غيره وعلى تقدير أن يكون سمعها من غيره يكون مرسل صحابي، وفي الاحتجاج به خلاف منعه الإسفرائيني وأجازه الأكثر، فلما كانت الرواية الأولى محتملة لذلك نبه مسلم على ما يدفع الاحتمال بما ثبت في هذا الطريق الثاني من أن ابن عباس شهد ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول: حديث ابن عباس أول الباب ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عمرو بن أمية ذكره للاستشهاد لحديث ابن عباس وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث ميمونة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي رافع ذكره للاستشهاد أيضًا، والخامس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد للأول من حديثه وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث ابن عباس أيضًا ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: ذِكْرُ الإمام مسلم هذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب عَقِيبَ الباب الأول يُشير إلى أنها ناسخة وهي عادته وعادة غيره من المحدثين يُقدِّمون ما يرونه منسوخًا ثم يُعْقِبُونه بالناسخ، قال الأبي: النسخ إنما يكون بضبط التاريخ وليس في مسلم ذكر التاريخ، ولكن في الموطإ أن ترك الوضوء من ذلك كان بحُنين وهي متأخرة وكذا حديث جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار، وفي الترمذي ناظر ابن عباس أبا هريرة في المسئلة فقال ابن عباس: لو وجب الوضوء مما مست النار لم يجز الوضوء بالماء الحار فقال أبو هريرة: يا ابن أخي إذا حدثتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلًا اهـ من الأبي. ***

179 - (84) (66) باب الوضوء من لحوم الإبل

179 - (84) (66) باب الوضوء من لحوم الإبل 696 - (324) (175) (134) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَب، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 179 - (84) (66) باب الوضوء من لحوم الإبل 696 - (324) (170) (134) (حدثنا أبو كامل فُضيل بن حسين) بن طلحة (الجحدري) البصري ثقة، من (10) مات سنة (237) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة ثبت، من (7) مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا (عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب) القرشي التيمي مولاهم أبي عبد الله الأعرج المدني، روى عن موسى بن طلحة في الإيمان، وجعفر بن أبي ثور في الوضوء، وعبد الله بن أبي قتادة في الحج، ويروي عنه أبو عوانة وشيبان وشعبة، وثقه أبو داود وابن معين والنسائي ويعقوب بن شيبة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من (4) الرابعة مات سنة (160) (عن جعفر بن أبي ثور) عكرمة السُّوَائي بضم السين وفتح الواو المخففة نسبة إلى سواءة بن عامر أبي ثور الكوفي، روى عن جده جابر بن سمرة في الوضوء، ويروي عنه (م ق) وعثمان بن عبد الله بن موهب وأشعث بن أبي الشعثاء وسماك بن حرب، ولم أر من وثقه، وقال ابن حجر في التقريب: مقبول من الثالثة (عن جابر بن سمرة) بن جنادة بن جُندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة السُّوائي سُوَاء بن قيسِ أبي عبد الله الكوفي نزل الكوفة وابتنى بها دارًا في بني سواءة، وتُوفي بها سنة (74) أربع وسبعين في زمن ولاية بشر بن مروان على العراق وهو صحابي ابن صحابي مشهور له (146) مائة وستة وأربعون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد مسلم بثلاثة وعشرين، سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن سعد في الصلاة، وأبي أيوب في الأطعمة، ونافع بن عتبة في الفتن، ويروي عنه (ع) وجعفر بن أبي ثور في الوضوء، وتميم بن طرفة في الصلاة، وعبيد الله بن القبطية وأبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي وعبد الملك بن عمير وسماك بن حرب وحصين بن عبد الرحمن في الجهاد، والشعبي وعامر بن سعد بن أبي وقاص. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد بصري (أن

رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَال: "إِنْ شِئْتَ، فَتَوَضَّأْ. وَإِنْ شِئْتَ، فَلا تَوَضأْ" قَال: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَال: "نَعَمْ. فَتَوَضأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ" قَال: أصني فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَال: "نَعَمْ" قَال: أُصلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ قَال: "لا" ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلًا) لم أر من ذكر اسمه أي أن رجلًا من الأصحاب (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ) أي هل أتوضأ وضوء الصلاة (من) أكل (لحوم الغنم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء منه على اختيارك (أن شئت) الوضوء منه (فتوضأ وإن شئت) ترك الوضوء (ف) لا بأس عليك في أن (لا توضأ) بحذف إحدى التاءين أي فلا لوم عليك من جهة الشرع في ترك الوضوء لأنه ليس بلازم (قال) الرجل السائل (أتوضأ) بحذف همزة الاستفهام لعلمها من الأول؛ أي هل أتوضأ (من) أكل (لحوم الإبل؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) إن أردت الأفضل والأولى (فتوضأ من) أكل (لحوم الإبل) لغلظ دسومتها؛ فالفاء واقعة في جواب شرط مقدر كما قررناه والأولى جعلها زائدة، والمراد به عند غير الإمام أحمد ومن وافقه غسل اليدين والفم، والأمر به في لحم الإبل مع التخيير فيه في لحم الغنم لما في لحم الإبل من غلظ الدسم بخلافه في لحم الغنم. أفاده ملا علي في المرقاة، وفي المفهم: هذا الوضوء المامور به من لحوم الإبل المباح من لحوم الغنم هو اللغوي ولذلك فرق بينهما لما في لحوم الإبل من الزفورة والزهم، وعلى تقدير كونه وضوءًا شرعيًّا فهو منسوخ بما تقدم وقد ذكرنا من تمسَّك بهذا الحديث (قال) الرجل (أصلي) بحذف همزة الاستفهام، وفي نسخة بإثباتها أي هل أصلي (في مرابض الغنم) أم لا؟ والمرابض جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء موضع الربوض؛ وهو للغنم بمنزلة الاضطجاع للإنسان، والبُروك للإبل، والجُثوم للطير (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) صل في مرابض الغنم فلا كراهة للصلاة فيها إذا خلا عن النجاسة لأنه لا نفار لها بحيث يُشوش على المصلي الخشوع والحضور (قال) الرجل السائل هل (أُصلي في مبارك الإبل) ومعاطنها جمع مَبْرَك؛ وهو محل بُروكها واضطجاعها كما مر آنفًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تصل فيها، كَرِه الصلاة في مبارك الإبل لما لا يُؤْمَنُ من نفارها فيلحق المصلي ضرر من صدمة وغيرها فلا يكون له حضور، اهـ مرقاة.

697 - (00) (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَذَثنَا مُعَاويةُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثنَا زَائِدَةُ عَنْ سِمَاكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث انفرد به مسلم رحمه الله تعالى، قال القرطبي: وإباحة الصلاة في مرابض الغنم دليل لمالك على طهارة فضلة ما يؤكل لحمه لأن مرابضها مواضع ربوضها وإقامتها ولا يخلو عن أبوالها وأرواثها، وأما نهيه عن الصلاة في معاطن الإبل فليس لنجاسة فضلاتها بل لأمر آخر إما لنتن معاطنها، أو لأنها لا تخلوا غالبًا عن نجاسة من يستتر بها عند قضاء الحاجة، أو لئلا يتعرض لنفارها في صلاته، أولما جاء أنها من الشياطين وهذه كلها مما ينبغي للمصلي أن يتجنبها ومع هذه الاحتمالات لا يصلح هذا الحديث للاستدلال به على نجاسة فضلاتها، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم للعُرَنِيين شرب ألبان الإبل وأبو الها ولا يُلتفت إلى قول من قال إن ذلك لموضع الضرورة لأنا لا نُسلِّمها إذ الأدوية في ذلك الوقت للمرض الذي أصابهم كثيرة، ولو كان ذلك للضرورة لاستكشف عن حال الضرورة ولسأل عن أدوية أخرى حتى يتحقق عدمها، ولو كانت نجسة لكان التداوي بها ممنوعا أيضًا بالأصالة كالخمر؛ ألا تراه لما سُئل صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالخمر؟ قال: إنها ليست بدواء، ولكنها داء ولم يلتفت إلى الحاجة النادرة التي يُباح فيها تناولها كإزالة الغُصَص بجرعة منها عند عدم مائع آخر. وحاصله: أن إخراج الأمور عن أصولها وإلحاقها بالنوادر لا يُلتفت إليه لأنه خلاف الأصل. اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 697 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة، من العاشرة، قال (حدثنا معاوية بن عمرو) بن المُهلَّب الأزدي أبو عمرو البغدادي، قال أحمد: صدوق ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من صغار (9) مات سنة (214) روى عنه في (4) أبواب، قال (حدثنا زائدة) بن قُدامة الثقفي أبوالصلت الكوفي ثقة ثبت، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (10) أبواب (عن سماك) بكسر السين بن حرب بن أوس البكري الذهلي أبي المغيرة الكوفي، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: بكري جائز الحديث، وكان الثوري يُضعفه بعض الضعف، قال أبو حاتم:

ح وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيبَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. كُلُّهُمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق ثقة، وقال ابن خِرَاش: في حديثه لين، وقال في التقريب: صدوق من (4) مات سنة (123) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي ثقة، من (11) مات سنة (250) روى عنه في (3) أبواب قال (حدثنا عبيد الله بن موسى) بن باذام العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة، من (9) مات سنة (213) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبي معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة، من (7) مات سنة (164) روى عنه في (7) أبواب (عن عثمان بن عبد الله بن موهب) القرشي أبي عبد الله المدني؛ أي روى شيبان عن عثمان بن عبد الله (وأشعث بن) سليم مصغرًا المُكنَّى بـ (أبي الشعثاء) بن الأسود المحاربي الكوفي ثقة، من (6) مات سنة (125) روى عنه في (6) أبواب (كلهم) أي كل من سماك بن حرب وعثمان بن عبد الله بن موهب وأشعث بن أبي الشعثاء رووا (عن جعفر بن أبي ثور) السُّوائي الكوفي (عن) جده (جابر بن سمرة) بن جُنادة بن جُندب الصحابي الجليل أبي عبد الله الكوفي رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته الأول منهما: رجاله كلهم كوفيون إلا معاوية بن عمرو فإنه بغدادي، والثاني منهما: رجاله كلهم كوفيون إلا عثمان بن موهب فإنه مدني، وغرضه بسوقهما بيان متابعة سماك بن حرب وأشعث بن أبي الشعثاء لعثمان بن عبد الله بن موهب في رواية هذا الحديث عن جعفر بن أبي ثور، وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثل حديث أبي كامل عن أبي عوانة) متعلق بقوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وبقوله وحدثني القاسم بن زكرياء؛ والمعنى حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة بسنده المذكور والقاسم بن زكرياء بسنده المذكور عن جعفر بن أبي ثور عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ما حدَّث أبو كامل الجحدري بسنده السابق عن جعفر بن أبي ثور، وغرضه بهذا الكلام بيان متابعتهما لأبي كامل في رواية هذا الحديث عن جعفر بن أبي ثور، ولكنها متابعة ناقصة ففي هذين السندين متابعتان الأولى تامة والثانية ناقصة، تأمَّل فإن في المحل دقة، والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: أما أحكام الباب فاختلف العلماء في أكل لحم الجزور فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، وممن ذهب إليه الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأُبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختاره البيهقي واحتج هؤلاء بحديث الباب يعني قوله صلى الله عليه وسلم "نعم، فتوضأ من لحوم الإبل" وبحديث البراء بن عازب، قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فأمر به. قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء، وهذا المذهب أقوى دليلًا وإن كان الجمهور على خلافه، وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر بن عبد الله كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام، وأما إباحته صلى الله عليه وسلم الصلاة في مرابض الغنم دون مَبَارك الإبل فهو متفق عليه، والنهي عن مبارك الإبل وهي أعطانها نهي تنزيه، وسبب الكراهة ما يُخاف من نفارها وتهويشها على المصلي، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ * * *

180 - (85) (67) باب يقين الطهارة لا يرفع بالحدث المشكوك فيه

180 - (85) (67) باب يقين الطهارة لا يُرفع بالحدث المشكوك فيه 698 - (325) (171) (135) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمَّهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 180 - (85) (67) باب يقين الطهارة لا يُرفع بالحدث المشكوك فيه 698 - (325) (171) (135) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة، من (10) مات سنة (232) روى عنه في (10) أبواب (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة، من (10) مات سنة (234) روى عنه في (20) بابا (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة، من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماعه من مشايخه؛ أي روى لي كل من الثلاثة حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (بن عيينة) بن ميمون الهلالي مولاهم أبي محمد الأعور الكوفي ثقة مدلس لكن عن الثقات، من (8) مات سنة (198) روى عنه في (25) بابا، وأتى بقوله (قال عمرو) الناقد (حدثنا سفيان بن عيينة) تورعًا من الكذب عليه (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (الزهري) أبي بكر المدني ثقة، من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن سعيد) بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي أبي محمد المدني سيد التابعين ثقة ثبت، من كبار (2) مات بعد التسعين (90) وقد ناهز (80) سنة، روى عنه في (17) بابا (و) عن (عباد بن تميم) كما هو لفظ البخاري بن غَزِيَّة بفتح فكسر ففتح مع التشديد الأنصاري المازني المدني، روى عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم -وهو أخو أبيه لأمه- في الوضوء والصلاة والزكاة والحج وغيرها، وأبي بشير الأنصاري في اللباس وعن أبيه، ويروي عنه (ع) والزهري وأبو بكر بن حزم وعبد الله بن أبي بكر وعمرو بن يحيى المازني ويحيى بن سعيد وغيرهم، وثقه النسائي، وقال العجلي: مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، وقد قيل إن له رؤية يعني أن الزهري، روى عن كل من سعيد وعباد وكلاهما رويا (عن عمه) أي عن عم عباد بن تميم وهو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري النجاري المازني أبي محمد المدني شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو صاحب حديث الوضوء قُتل يوم

شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ، يُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشيءَ فِي الصَّلاةِ. قَال: "لا يَنْصَرِفُ حَتى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَو يَجِدَ رِيحًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرة سنة (63) وهو صحابي مشهور له أحاديث اتفقا على (8) وانفرد (خ) بحديث، ولأبيه زيد بن عاصم أيضًا صحبة، ولأمه نُسَيبَةَ بنت كعب بن عمرو بن مبذولٍ صحبة، ولأخيه حديث، وأربعتهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه هو حبيب بن زيد بن عاصم رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي (شُكِيَ) على صيغة المجهول (إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجلُ) نائب الفاعل، والشاكي غير معلوم أي أُخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الشكاية والاستفتاء شأن الرجل الذي يجد الشيء في الصلاة، وفي رواية البخاري (أنه) أي أن عبد الله بن زيد راوي الحديث (شكا) بصيغة المعلوم، وفاعله ضمير الراوي أي أخبر على سبيل الشكوى (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ) بالنصب على المفعولية أي أخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستفتاء والشكاية شأن الرجل وحاله ليبين لهم حكمه (يُخَيَّلُ إليه) بضم المثناة التحتية وفتح المعجمة مبنيّا للمفعول، والجملة صلة لموصول محذوف كما في رواية البخاري (الرجل الذي يخيل إليه) أي يُشَبَّه له ويصَوَّرُ في قلبه ويظن، وفي بذل المجهود والخيال ها هنا بمعنى الظن، والظن ها هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين اهـ. وجملة قوله (أنه يجد الشيء) أي الحدث والريح خارجًا من دبره وهو (في الصلاة) بدل اشتمال من الرجل أي شكى إليه حال الرجل أنه يجد الشيء (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية البخاري وأبي داود (فقال) بزيادة الفاء (لا ينصرف) بالجزم على النهي وبالرفع على النفي أي لا ينفتل ولا يخرج من الصلاة على احتمال نَقْضِ الوضوء (حتى يسمع) أي إلى أن يسمع بأذنه (صوتًا) أي صوت الريح الخارج من دبره (أو يجد) أي يشم بأنفه (ريحًا) أي رائحة ما يخرج منه، و"أو" هنا للتفصيل لا للشك أي حتى يعلم وجود أحدهما بالعلم اليقين، ولا يشترط السماع والشم بالإجماع فإن الأصم لا يسمع صوته والأخشم الذي راحت حاسة شمه لا يشم أصلًا، والمراد تحقق وجودهما حتى إنه لو كان أخشم لا يشم أو أصم لا يسمع كان الحكم كذلك، والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى وهذا كحديث "إذا استهل الصبي وَرِثَ وصُلِّي عليه" إذ لم يُرد تخصيص

قَال أَبُو بَكْرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ فِي رِوَايَتِهِمَا: هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ. 699 - (326) (172) (136) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلًمَ: "إِذَا وَجَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستهلال دون غيره من أمارات الحياة كالحركة والقبض والبسط ونحوها، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة من قواعد الفقه وهي استصحاب اليقين وطرح الشك الطارئ، والعلماء متفقون على ذلك فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث عمل بيقين الطهارة أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بيقين الحدث كما هو مبسوط في كتب الفقه (قال أبو بكر وزهير بن حرب) أي زادا (في روايتهما) لهذا الحديث (هو) وفي نسخة (وهو) بزيادة الواو والضمير عائد على عم عباد بن تميم وهو الشاكي على ما جاء في رواية البخاري كما مر آنفًا أي عم عباد بن تميم اسمه (عبد الله بن زيد) بن عاصم الأنصاري المازني الصحابي الجليل وهو أخو عباد لأمه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد 31/ 96، والبخاري 1731، وأبو داود [176] والنسائي [1/ 99]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن زيد بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 699 - (326) (172) (136) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي قال (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قُرْط الضبي أبو عبد الله الكوفي، قال ابن خِراش: صدوق، وقال الخليلي: ثقة، ووثقه العجلي والنسائي، وقال في التقريب: ثقة صحيح الكتاب، قيل كان في آخر عمره يَهِمُ من حفظه، من (8) مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، وثقه ابن عيينة والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (6) مات في خلافة المنصور، روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان الزيات مولى جويرية بنت الحارث القيسية المدني ثقة ثبت، من (3) مات سنة (151) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد

أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيئًا فَأَشْكَلَ عَلَيهِ. أَخَرَجَ مِنْهُ شَيءٌ أَمْ لا. فَلا يَخْرُجَن مِنَ الْمَسْجِدِ حَتى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدكم) أي علم أحدكم (في بطنه شيئًا) أي اختلاجا وتحركًا كالقرقرة بأن تردد في بطنه ريح (فأشكل) والْتَبَس (عليه أخرج منه شيء) من الريح (أم لا) يخرج منه شي أي شك بالاختلاج وحركة الدبر أَخَرَجَ شيء منه أم لا (فلا يخرجن من المسجد) أي لا ينصرفن من مصلاه للتوضوء على احتمال خروج الريح لأن يقين الطهارة لا يبطله الشك في الحديث (حتى يسمع صوتًا) أي صوت الريح الخارجة من الدبر (أو يجد ريحًا) أي نتن الريح، وهذا مجاز عن تيقن الحدث لأنهما سببان لعلم ذلك، قيل يوهم قوله (من المسجد) أن حكم غير المسجد بخلاف المسجد، قلنا المراد بالمسجد هنا المصلى كما قررناه لكن أشير به إلى أن الأصل أن يُصلي في المسجد لأنه مكانها فعلى المؤمن ملازمة الجماعات في المسجد، اهـ من المشارق والمرقاة، وقال ابن الملك عند شرح قوله (فأشكل عليه أَخَرَج منه شيء أم لا) يعني صار مشكلًا عنده خروج شيء من بطنه وعدم خروجه، فهمزة الاستفهام هنا من حروف المصادر كما عدها بعض النحاة منها كما في قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} يعني إنذارك وعدم إنذارك سواء، اهـ كما بسطنا الكلام عليها في تفسيرنا الحدائق في تلك الآية، واستُدِلَّ بعموم حديث الباب على أن الريح الخارجة من أحد السبيلين توجب الوضوء، وقال أصحاب أبي حنيفة: خروج الريح من القبل لا يُوجب الوضوء، قلت: اختلف في الريح الخارجة من قُبل المرأة وذكر الرجل فلم يُذْكَر حكمهما في ظاهر الرواية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 414] وأبو داود [177] والترمذي [74 و 75]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول: حديث عبد الله بن زيد ذكره للاستدلال، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد. ***

181 - (86) (68) باب طهارة جلود الميتة بالدباغ

181 - (86) (68) باب طهارة جلود الميتة بالدباغ 700 - (327) (173) (137) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَعَمْرٌو النَاقِدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 181 - (86) (68) باب طهارة جلود الميتة بالدباغ قال الأبي: ذكر الباجي روايةً أن الدباغ ما أزال الشعر والريح والدسم، ولا يخفى عليك ما في شرط زوال الشعر من النظر لما سيأتي في حديث الأفرية، والأظهر أن الدبغ ما أزال الريح والرطوبة وحفظ الجلد من الاستحالة كما تحفظه الحياة، ولعل ما في الرواية في الجلود التي لها الشأن فيها زوال الشعر كالتي يُصنع منها الأنعلة لا التي يُجلس عليها وتُصنع منها الأفرية وإنما يلزم إزالة الشعر على مذهب الشافعي القائل بأن صوف الميتة نجس وأن طهارة الجلد بالدبغ لا تتعدى إلى طهارة الشعر لأنه لا تحله الحياة فلا بد من إزالته، وأما عندنا فلا لما تقدم آنفًا، وظاهر الأحاديث أن الدبغ كافٍ ولو من الكافر، وحديث ابن وعلة الآتي نصٌّ في ذلك، والأظهر أن ما دبغوه مستثنى مما أدخلوا أيديهم فيه لا مما نسجوه، اهـ منه. 700 - (327) (173) (173) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة، من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة، من (10) مات سنة (232) روى عنه في (10) أبواب (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي ثقة، من (10) مات سنة (243) روى عنه في (11) بابا، حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (بن عيينة) بن ميمون الهلالي أبي محمد الأعور الكوفي ثقة مدلس، من (8) مات سنة (198) روى عنه في (25) بابا، وأتى بقوله (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا سفيان بن عيينة) تورعًا من الكذب عليه (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (الزهري) أبي بكر المدني ثقة متفق على جلالته، من (4) مات سنة (125) روى عنه في (23) بابا (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي الأعمى أبي عبد الله المدني الفقيه أحد السبعة ثقة فقيه ثبت، من (3) مات

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلاةٍ لِمَيمُونَةَ بِشَاةٍ. فَمَاتَتْ. فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَها، فَدَبَغْتُمُوهُ، فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ " فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيتَةٌ. فَقَال: "إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (94) روى عنه في (8) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي المدني المكي البصري الطائفي حبر الأمة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجمان القرآن، من المكثرين. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري أو كوفي وبغدادي أو كوفي وعدني (قال) ابن عباس (تُصدِّق على مولاة) أي عتيقة (لميمونة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (بشاة فماتت) تلدُ الشاة بلا ذكاة شرعية فطرحوها في الفلاة (فمر بها) أي بتلك الميتة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فرآها (فقال هلا أخذتم) وسلختم (إهابها) أي جلدها و"هلا" هنا للتحضيض وهو الطلب بعنف وشدة، والإهاب بكسر الهمزة هو الجلد مطلقًا، وقيل هو الجلد قبل الدباغ فأما بعده فلا يُسمى إهابًا بل أديمًا يُجمع على أَهَبٍ بفتحتين وأُهُب بضمتين لغتان فيها (فدبغتموه) أي أزلتم فضلاته مما يعفنه بحرِّيفٍ (فانتفعتم به) بجعله قِرْبَة أو مزادة أو بساطًا (فقالوا) أي قال الحاضرون عنده، قال ابن حجر: لم أقف على تعيين القائل (أنها) أي إن هذه الشاة (ميتة) أي زائلة الحياة بغير ذكاة شرعية فلا يحل الانتفاع بشيء منها (فقال إنما حرُم) بفتح الحاء وضم الراء على وزن كرُم أو بضم الحاء وتشديد الراء المكسورة على وزن المضعف المبني للمجهول أي إنما حرُم (أَكْلُهَا) أي أكل لحمها لا الانتفاع بجلدها بعد دبغه. قال القرطبي: قوله (إنما حرُم أكلها) خرج على الغالب مما تراد اللحوم له وإلا فقد حرم حملها في الصلاة وبيعها واستعمالها وغير ذلك مما يحرم من النجاسات، اهـ. قال ابن أبي جمرة في قوله (إنما حرُم أكلها): مراجعة الإمام فيما لا يفهم السامع معنى ما أمره كأنهم قالوا: كيف تامرنا بالانتفاع بها وقد حرمت علينا؟ فبيّن لهم وجه التحريم ويؤخذ منه جواز تخصيص الكتاب بالسنة، لأن لفظ القرآن {حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ} شامل لجميع أجزائها في كل حال فخصصت السنة ذلك بالأكل. وقال النواوي: وفي هذا اللفظ دلالة على تحريم أكل جلد الميتة وهو الصحيح، ولقائل أن يقول المراد تحريم لحمها.

قَال أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِمَا: عَنْ مَيمُونَة ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (و) محمد (بن أبي عمر في حديثهما) أي في روايتهما لهذا الحديث (عن ميمونة) يعني أنهما ذكرا في روايتهما أن ابن عباس رواه عن ميمونة، قال في الفتح: والراجح عند الحفاظ في حديث الزهري أن لا تُذكر فيه ميمونة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [55311] وأبو داود [4120 و 4121] والترمذي [1727] والنسائي [7/ 171 - 172]. قال في الفتح: وفي الحديث حُسنُ مراجعتهم وبلاغتهم في الخطاب لأنهم جمعوا معاني كثيرة في كلمة واحدة وهي قولهم إنها ميتة، واستدل به الزهري على جواز الانتفاع بجلد الميتة مطلقًا سواء أدبغ أم لم يُدبغ لكن صح التقييد من طرق أخرى بالدباغ وهي حجة الجمهور، واستثنى الشافعي من الميتات الكلب والخنزير وما تولد منهما لنجاسسة عينها عنده ولم يستثن أبو يوسف وداود شيئًا أخذًا بعموم الخبر وهي رواية عن مالك، اهـ. قال ابن الملك في المبارق في قوله (إنما حرم أكلها): دلالة على أن ما عدا المأكول من أجزاء الميتة كالشعر والسن وغيرهما غير محرم فيجوز الانتفاع به لأنه إنما حرم أكلها لنجاستها فيُعلم منه أنه لا يجوز بيعها، والغرض من هذا الحصر بيان كون إهابها غير محرم فيجوز أخذه، اهـ. قال النواوي: اختلف العلماء في دباغ جلود الميتة وطهارتها بالدباغ على سبعة مذاهب: أحدها: مذهب الشافعي أنه يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وغيرِه، ويطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه، ويجوز استعماله في الأشياء المائعة واليابسة ولا فرق بين ماكول اللحم وغيره، وروي هذا المذهب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما. والمذهب الثاني: لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ، ورُوي هذا عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وهو أشهر الروايتين عن أحمد وإحدى الروايتين عن مالك. والمذهب الثالث: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم ولا يطهر غيره وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق بن راهويه.

751 - (00) (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمذهب الرابع: يطهر جلود جميع الميتات إلا الخنزير وهو مذهب أبي حنيفة. والمذهب الخامس: يطهر الجميع إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه ويُستعمل في اليابسات دون المائعات ويُصلى عليه لا فيه وهو مذهب مالك المشهور في حكاية أصحابه عنه. والمذهب السادس: يطهر الجميع والكلب والخنزير ظاهرا وباطنا وهو مذهب داود وأهل الظاهر وحُكي عن أبي يوسف. والمذهب السابع: أنه ينتفع بجلود الميتة وإن لم يدبغ ويجوز استعمالها في المائعات واليابسات وهو مذهب الزهري، وهو وجه شاذ لبعض أصحابنا لا تفريع عليه ولا التفات إليه. واحتجت كل طائفة من أصحاب هذه المذاهب بأحاديث وغيرها وأجاب بعضهم عن دليل بعض وقد أوضحتُ دلائلهم في شرح المهذب والغرض هنا بيان الأحكام والاستنباط من الحديث. والدبغ: إزالة فضلات الجلد من دم تجمَّدَ وقِطَعِ لحمٍ تَعَلَّق وشعر بكل حريف يزيل فضلات الجلد ويطيبه ويمنع من عَود الفساد إليه كالشث والشب والقرظ وقشور الرمان وما أشبه ذلك من الأدوية الطاهرة ولا يحصل بالتشميس عندنا، وقال أصحاب أبي حنيفة يَحصل به، ولا يحصل عندنا أيضًا بالتراب والرماد والملح على الأصح في الجميع، وهل يحصل بالأدوية النجسة كذرق الحمام والشب المتنجس؟ فيه وجهان أصحهما عند الأصحاب حصوله، ويجب غسله بعد الفراغ من الدباغ بلا خلاف، اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 701 - (00) (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح الأموي مولاهم المصري الفقيه ثقة، من (10) مات سنة (255) روى عن ابن وهب فقط في الإيمان والوضوء وغيرهما (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري أبو حفص صاحب الشافعي صدوق، من (11) مات سنة (244) روى عن ابن وهب في مواضع كثيرة، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن الراويين كليهما صدوقان على الأصح (قالا حدثنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري ثقة، من (9) مات

أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ شَاةً مَيتَةً، أُعْطِيَتهَا مَوْلاةٌ لِمَيمُونَةَ، مِنَ الصَّدَقَةَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟ " قَالُوا: "إِنَّها مَيتَةٌ" فَقَال: "إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا". 702 - (00) (00) (00) حدَّثنا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (197) روى عنه في (13) بابا، قال (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، وثقه أحمد بن حنبل وابن معين، وقال ابن سعد: كان حلو الحديث كثيرُه وليس بحجة، وقال في التقريب: ثقة إلَّا أن في روايته عن الزهري وَهْمًا قليلًا، وفي غير الزهري خطأ، من (7) مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة مدنيون واثنان مصريان وواحد شامي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد) أي رأى (شاة ميتة) أي زائلة الحياة بغير ذكاة شرعية (أُعْطِيَتْها) أي أُعطيت تلك الشاة (مولاة) أي عتيقة (لميمونة من الصدقة) أي من الزكاة أو من غيرها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا انتفعتم بجلدها، قالوا: إنها ميتة، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما حرم أكلها) أي أكل لحمها فقط لا الانتفاع بجلدها. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 702 - (00) (00) (00) (حدثنا حسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) أبو علي الخلال المكي ثقة حافظ، من (11) مات سنة (242) روى عنه في (8) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد الحافظ المشهور ثقة حافظ، من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابا، حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية لي (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري أبي يوسف المدني ثقة فاضل، من صغار (9) مات سنة (208) روى عنه في (4) أبواب، قال (حدثني أبي) إبراهيم بن

عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ بِنَحْو رِوَايَةِ يُونُسَ. 703 - (00) (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزهْرِيُّ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والعجلي، وقال في التقريب: ثقة حجة تُكلِّم فيه بلا قادح، من (8) مات سنة (183) روى عنه في (14) بابا (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم أبي محمد المدني ثقة ثبت فقيه، من (4) مات سنة (140) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (عن ابن شهاب) الزهري المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو صالح بن كيسان، وكذا قوله (بنحو رواية يونس) ومثلها متعلق به واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع كما هو اصطلاحه، والتقدير: حدثنا صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس بمثل رواية يونس في اللفظ والمعنى؛ لأن النحو هنا بمعنى المثل كما أشرنا إليه في الحل. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد إما مكي أو كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها تقوية السند الأول لأن يونس بن يزيد في روايته عن ابن شهاب وَهَمٌ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 703 - (00) (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي أبو عبد الله الحافظ، وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: كان رجلًا صالحًا وكان به غفلة، ورأيت عنده حديثًا موضوعًا حدّث به ابن عيينة، وكان صدوقًا، وقال في التقريب: صدوق كانت فيه غفلة، من (10) مات سنة (243) روى عنه في (11) بابا (وعبد الله بن محمد) بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن الأسود (الزهري) البصري، روى عن سفيان بن عيينة في الوضوء والجهاد، والوليد بن مسلم وطائفة، ويروي عنه (م عم) وابن خزيمة وغيرهم، قال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الدارقطني: من الثقات قليل الخطإ، وقال في التقريب: صدوق، من صغار العاشرة مات سنة (256) ست وخمسين ومائتين، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن كلا الراويين صدوقان، وأتى بقوله (واللفظ لابن أبي عمر) تورعًا من الكذب على عبد الله بن محمد الزهري

قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَطْرُوحَةٍ. أُعْطِيَتْهَا مَوْلاةٌ لِمَيمُونَةَ، مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَال النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلا أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ؟ ". 704 - (00) (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالا) أي قال كل من ابن أبي عمر وعبد الله بن محمد (حدثنا سفيان) بن عيينة بن ميمون الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم أبي محمد المكي ثقة ثبت، من (4) مات سنة (126) روى عنه في (22) بابا (عن عطاء) بن يسار الهلالي مولاهم أبي محمد المدني ثقة، من صغار (3) مات سنة (94) روى عنه في (9) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد مدني وواحد كوفي واثنان مكيان أو مكي وبصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة عطاء بن يسار لعبيد الله بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن ابن عباس، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيه من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة) ميتة (مطروحة) أي مَلْقِيَّةٍ في مكان بعيد من الدور (أُعطيتها) بالبناء للمجهول (مولاة لميمونة من الصدقة) لم أر من ذكر اسمها (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لمن عنده (ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام حرف تحضيض كهلَّا وبالتخفيف حرف عرض أي هلا سلخ أهلها و (أخذوا إهابها) بكسر الهمزة بوزن كتاب يُجمع على أُهُبٍ بوزن كتب كما مر (فدبغوه) بشيء حِرِّيفِ (فانتفعوا به) بجعلها قِرْبَةَ ماء أو مزودة زاد أو سفرة أكل أو بساط دار. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 704 - (00) (00) (00) (حدثنا أحمد بن عثمان) بن عبد النور بن عبد الله بن سنان (النوفلي) نسبة إلى نوفل أحد أجداده أبو عثمان البصري، قال أبو حاتم: ثقة رَضِيٌّ، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال البزار: بصري ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة، من (11) مات سنة (246) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا أبو عاصم) النبيل البصري الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، وثقه ابن معين والعجلي وابن سعد وابن قانع وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (9) مات سنة

حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ مُنْذُ حِينٍ. قَال: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ مَيمُونَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ دَاجِنَةً كَانَتْ لِبَعْضِ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَمَاتَتْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إلَّا أَخَذْتُنم إِهَابَهَا فَاسْتَمْتعْتُمْ بِهِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ (212) روى عنه في (12) بابا، قال (حدثنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي أحد الأعلام المشاهير، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان من فقهاء أهل الحجاز وقرائهم ومتقنيهم كان يدلس، وقال في التقريب: ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل، من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابا قال (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي، قال (أخبرني عطاء) بن يسار الهلالي المدني (منذ حين) أي من زمان طويل (قال) عطاء (أخبرني ابن عباس أن ميمونة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم وخالته رضي الله تعالى عنهم (أخبرته) أي أخبرت لابن عباس. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان بصريان وواحد طائفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث (أن) شاة (داجنة) أي آلفةَ البيت هي بالدال المهملة والجيم والنون، قال أهل اللغة: وداجن البيوت ما ألفها من الطير والشاة وغيرهما، وقد دجنه الله في بيته إذا ألزمه، والداجنة هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، قال ابن الأثير: وقد يقع الداجن على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها، اهـ. ويُجمع على دواجن، قال في المصباح: من دَجَنَ بالمكان دجنًا ودُجُنًا من باب قتل أي أقام به، اهـ. زاد الهروي: وقد دجن في بيته إذا لزمه، وكلب داجن إذا أَلِفَ البيت، والمداجنة حسن المخالطة، اهـ. (كانت لبعض نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأزواجه (فماتت) أي زالت حياتها بغير ذكاة شرعية (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا) بالتشديد والتخفيف إما للتحضيض أو للعرض كما مر آنفًا؛ أي هلَّا (أخذتم) وسلختم (إهابها) أي جلدها (فاستمتعتم) أي انتفعتم (به) أي بذلك الإهاب بعد دبغه فيما يَصلح له من المنافع وعدم تقييده بالدبغ هنا وفيما سيأتي يقضي عليه تقييده يذلك ما في الطرق السابقة لوجوب رد

705 - (00) (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ لِمَوْلاةٍ لِمَيمُونَةَ. فَقَال: "أَلا انْتَفَعتُمْ بِإِهَابِهَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ المطلق إلى المقيد كما هو القاعدة الأصولية، اهـ أبي. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 705 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني، ويقال الطائي الأشل أبو علي المروزي ثم الكوفي، روى عن عبد الملك بن أبي سليمان في الوضوء، ومحمد بن إسماعيل في الزكاة، وهشام بن عروة في الصوم وغيره وعبيد الله بن عمر في الجهاد، وزكرياء بن أبي زائدة في الجهاد والفضائل، وهشام بن حسان في الجهاد، وأبي حيان التيمي في الجهاد، وعاصم الأحول في الفضائل، فجملة ما روى عنه فيه ستة أبواب، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وعبد الله بن عمر بن أبان وعلي بن سعيد بن مسروق، قال بن معين وأبو داود: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح يُكْتَبُ حديثه، وقال في التقريب: ثقة له تصانيف، من صغار الثامنة مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة وليس في مسلم من اسمه عبد الرحيم إلَّا هذا الثقة (عن عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري مولاهم أبي عبد الله الكوفي أحد الأئمة الأعلام، وثَّقَهُ النسائي والعجلي ويعقوب بن سفيان، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، وضَعَّفَهُ شعبة، من (5) مات سنة (145) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن يسار الهلالي المدني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد طائفي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك بن أبي سليمان لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن عطاء بن يسار، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لمخالفتها للرواية الأولى (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة) ميتة مطروحة كانت أَوَّلًا (لمولاة) أي لعتيقة كائنة (لميمونة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض النسخ لمولاة ميمونة بلا لام الجر (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا انتفعتم بإهُابها) وجلدها بعد دبغه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس المذكور بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال:

706 - (328) (174) (138) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ وَعْلَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا دُبغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهَرَ". 707 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْروٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 706 - (328) (174) (138) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي أبو زكرياء النيسابوري ثقة، من (10) قال (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني عالم وكان يرسل، من (3) مات سنة (136) روى عنه في (12) بابا (أن عبد الرحمن بن وعلة) بفتح الواو وسكون المهملة السبائي بفتح المهملة والموحدة المصري المعروف بابن أُسْمَيقِع بضم أوله وسكون المهملة وفتح الميم والقاف بينهما تحتية ساكنة وآخره عين مهملة، روى عن ابن عباس في الوضوء والبيوع وابن عمر، ويروي عنه (م عم) وزيد بن أسلم وأبو الخير مرثد بن عبد الله الحميري اليزني، له في الكتب حديثان، وثقه العجلي والنسائي وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة، كانت له وفَادَةٌ على معاوية، وصار إلى إفريقية وبها مسجده ومواليه (أخبره) أي أخبر لزيد بن أسلم (عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد طائفي وواحد مصري وواحد نيسابوري (قال) ابن عباس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وصلم يقول إذا دُبغ الإهاب) أي جلد الميتة (فقد طَهُر) من بابي نَصَر وشَرُفَ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4123] والترمذي [1728] والنسائي [7/ 173]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس هذا أعني حديث ابن وعلة رضي الله عنهم فقال: 707 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو)

النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. كُلُّهُمْ عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَعْلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، يَعْنِي حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن محمد بن يحيى بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (قالا حدثنا) سفيان (بن عيينة) ابن ميمون الهلالي الكوفي (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني صدوق، من (8) مات سنة (189) روى عنه في (9) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني) قتيبة (ابن محمد) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي ثقة، من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المرزوي ثقة فقيه، من (10) حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن وكيع) ابن الجراح بن مليح الرؤاسي أبي سفيان الكوفي ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري أبي عبد الله الكوفي ثقة فقيه، من (7) وأتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه (كلهم) أي كل من سفيان بن عيينة في السند الأول وعبد العزيز في الثاني وسفيان الثوري في السند الأخير أي كل هؤلاء الثلاثة (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن عبد الرحمن بن وعلة) السبائي المصري (عن ابن عباس) الطائفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم، والجار والمجرور في قوله بمثله متعلق بما عمل في المتابعِين، والضمير عائد إلى المتابَع المذكور في السند السابق وهو سليمان بن بلال، وغرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة أعني السفيانين وعبد العزيز لسليمان بن بلال، والمعنى حدثنا سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن محمد وسفيان الثوري عن زيد بن أسلم بمثل ما حدَّث سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم أي بمماثله لفظًا ومعنىً، وقوله (يعني) الإمام مسلم بقوله بمثله (حديث يحيى بن يحيى) عن سليمان بن بلال زيادة محرَّفة لا معنى لها لأن هؤلاء الثلاثة لم يتابعوا يحيى بن يحيى إنما تابعوا سليمان بن بلال، ولو قال بدلها (يعني حديث سليمان بن بلال) لكان أصوب وأوفق لاصطلاحاته، وتعبيره بالياء في قوله (يعني) لا إشكال فيه لأنه إما على سبيل التجريد البديعي أو من وضع رواة المؤلف،

708 - (00) (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. (قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال ابْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ واعتراض النواوي وغيره على تعبيره بالياء في يعني دون الهمزة غير واقع في محله بل الاعتراض في نفس الجملة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن وعلة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 708 - (00) (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام المعروف بالكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثم النيسابوري ثقة ثبت، من (11) مات سنة (251) روى عنه في (17) بابا (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، قال الدارقطني: ثقة وفوق الثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (11) مات سنة (270) روى عنه في (8) أبواب، وأتى بقوله (قال أبو بكر حدثنا) عمرو بن الربيع (وقال ابن منصور أخبرنا عمرو بن الربيع) تورعًا من الكذب على أحدهما لو اقتصر على إحدى الصيغتين أي قالا: روى لنا عمرو بن الربيع بن طارق بن قرة بن هلال الهلالي أبو حفص الكوفي ثم المصري، روى عن يحيى بن أيوب في الوضوء، وعن الليث، ويروي عنه (خ م د) وإسحاق بن منصور وأبو بكر بن إسحاق وأبو حاتم وقال: صدوق، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال الدارقطني: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من كبار العاشرة، مات سنة (219) تسع عشرة ومائتين، له في مسلم فرد حديث، قال (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي بمعجمة ثم فاء بعد الألف ثم قاف أبو العباس المصري، روى عن يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة في الوضوء، وعمارة بن غزية في الصلاة، ويحيى بن سعيد الأنصاري في الصلاة، وإسماعيل بن أمية في الصوم، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن في النكاح، وعبد الله بن طاوس في الفرائض، ويزيد بن أبي حبيب في النذور ودلائل النبوة، ويروي عنه (ع) وعموو بن الربيع وعبد الله بن وهب ويحيى بن إسحاق وزيد بن الحباب وابن جريج وجرير بن حازم وآخرون، قال ابن معين: ثقة، وقال مرة: صالح، وقال أحمد: سيئ الحفظ، وقال أبو حاتم: محل يحيى الصدق يُكْتَب حديثه ولا يحتج به، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من السابعة،

عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ أَبَا الْخَيرِ حَدَّثَهُ. قَال: رَأَيتُ عَلَى ابْنِ وَعْلَةَ السَّبَئِيِّ فَرْوًا. فَمَسِسْتُهُ. فَقَال: مَا لَكَ تَمَسُّهُ؟ قَدْ سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: إِنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ. وَمَعَنَا الْبَرْبَرُ وَالْمَجُوسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (168) ثمان وستين ومائة (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأزدي أبو رجاء المصري عالمها، قال ابن سعد: كان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان حليمًا عاقلًا، وكان أول من أظهر العلم بمصر والكلام في الحلال والحرام، وقال الليث: يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: مصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة فقيه وكان يرسل، من (5) مات سنة (128) وقد قارب (80) روى عنه في (11) بابا (أن أبا الخير) مرثد بن عبد الله الحميري اليزني نسبة إلى يزن بطن من حمير الفقيه المصري، قال العجلي: مصري تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة وله فضل وعبادة، ووثقه يعقوب بن شيبة، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من (3) مات سنة (90) روى عنه في (9) أبواب (حدثه) أي حدث ليزيد بن أبي حبيب فـ (قال) في تحديثه له (رأيتُ) أنا (على) عبد الرحمن (بن وعلة) بفتح الواو وإسكان العين المهملة المصري (السَبَئِي) بفتح السين المهملة والباء الموحدة ثم بالهمزة ثم ياء النسبة نسبة إلى سبأ قبيلة مشهورة في اليمن. وقد بسطت عليها الكلام في تفسيرنا في سورة سبا (فَرْوًا) على وزن كَعْبٍ يُجْمَع على فِرَاء ككعاب، ويقال فيه فروة بزيادة التاء تقول: فلان ذو فروة وثروة، والفرو: شيء كالجبة يُبَطَّن من جلود بعض الحيوانات كالأرانب والسنّور ويقال: هو جلد مدبوغ مع شعره كجلود الكباش والتيوس وهذا هو المعروف الآن (فمَسِسْتُه) أي فلمست ذلك الفرو بيدي بكسر السين الأولى في الماضي وفتحها في المضارع من باب فهم، وبفتحها في الماضي وضمها في المضارع من باب نصر (فقال) لي ابن وعلة (ما لَك) أي أيُّ شيء ثبت لك يا أبا الخير حالة كونك (تمسه) أي تمس هذا الفرو، هل أنكرت عليّ لبسه لكونه نجسًا لأنه من صناعة المجوس لا تنكره علي لأني (قد سألت عبد الله بن عباس) عن حكمه فـ (قلت) له في سؤالي (إنا) نحن معاشر رهطنا (نكون بالمغرب) ونسكن فيه (ومعنا) في بلادنا (البربر) بموحدتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة جيل من الناس مشركون، وسيأتي البسط فيه من تاج العروس (والمجوس) قوم يعبدون النار لهم شبهة كتاب وليس لهم كتاب، وذلك أنهم أُرْسِل إليهم

نُؤْتَى بِالْكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ. وَنَحْنُ لا نَأكُلُ ذَبَائِحَهُمْ. وَيَأْتُونَا بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْوَدَكَ. فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ. فَقَال: "دِبَاغُهُ طَهُورُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نبيٌّ اسمه زَرَادُشْتُ، وأُنزل عليه كتاب يسمى زمزم فقتلوه، ورُفِعَ كتابهم فيَدَّعُون أن كتابهم باق بينهم وليس كذلك، ونحن (نؤتى) من عندهم (بالكبش) ذَكَرِ الضأن و (قد ذبحوه) بأيديهم (ونحن) معاشر المسلمين (لا نأكل ذبائحهم) لأنهم ليسوا مسلمين ولا أهل كتاب (ويأتونا) أصله يأتوننا كما في بعض النسخ حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال لأن الفعل مرفوع لا ناصب ولا جازم له (بالسقاء) بكسر السين وبالمد؛ وعاء من جلد السخلة يُتَّخَذ للماء واللبن يجمع على أسقية حالة كونهم (يجعلون فيه) أي في ذلك السقاء (الوَدَك) والشحم لإصلاحه وتَلْيِينِه أفنشرب من ماء ذلك السقاء ولبنه أم نتحرز منه لأنها نجسة لأنه اتُّخِذ من جلد ذبائحهم التي هي كالميتة، وفي هامش بعض المتون والودك ما يكون من سمن اللحم وشحم الكلى والكرش والأمعاء. اهـ (فقال) لي عبد الله (ابن عباس) في جواب سؤالي: اشربوا من مائه ولبنه لأنه طَهُرَ بالدبغ، وإن كان من ذبائحهم فنحن معاشر الصحابة (قد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) الذي سألتني عنه من شرب ما في أسقيتهم من الماء واللبن (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشربوا من أسقيتهم لأنه (دباغه) أي دبغه (طهوره) بفتح الطاء أي مُطَهِّرُه، كذا في التيسير على الجامع الصغير للمناوي، قال الأبي: والظاهر أن الأفرية من جلود تلك الأكباش التي ذبحها المجوس ومُذَكَّاهُم ميتة، وهو خلاف ما روى الساجي من أن الدبغ إزالة الشعر، إلَّا أن يقال إن تلك الأفرية لا شعر لها اهـ. وسند هذا الحديث من سباعياته رجاله خمسة منهم مصريون وواحد طائفي وواحد إما نيسابوري أو بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي الخير لزيد بن أسلم في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن بن وعلة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالزيادة الكثيرة. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [1/ 279 - 280]. فائدة: (والبربر) بفتحتين بينهما سكون جنس من الناس لا تكاد قبائله تنحصر كما قاله ابن خلدون في التاريخ، يُجْمَع على برابرة زادوا الهاء فيه إما للعجمة وإما للنسب

709 - (00) (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ. حَدَّثَهُ قَال: حَدَّثَنِي ابْنُ وَعْلَةَ السَّبَئِيُّ. قَال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: إِنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ، فَيَأْتِينَا الْمَجُوسُ بِالأَسْقِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الصحيح، قال الجوهري: وإن شئت حذفتها وأكثر قبائلهم بالمغرب في الجبال من سُوسٍ وغيرها متفرقة في أطرافها وهم زنانة وهوارة وصنهاجة ونبزة وكثامة ولواثه ومديونه وشباته وكانوا كلهم بفلسطين مع جالوت فلما قتل تفرقوا؛ كذا في الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر. والبربر أيضًا أمة أخرى وبلادهم بين الحبوش والزنج على ساحل بحر الزنج وبحر اليمن وهم سودان جدًّا، ولهم لغة برأسها لا يفهمها غيرهم، ومعيشتهم من صيد الوحش وعندهم وحوش غريبة لا توجد في غيرها كالزرافة والكركدن والببر والنمر والفيل وربما وجد في سواحلهم العنبر، وهم الذين يقطعون مذاكير الرجال ويجعلونها مهور نسائهم وهم المعروفون في الحبشة بأدل وعيسى بين وردوا وأو ساو باب المندب، ويزعمون أنهم من نسل بر بن قيس عيلان، وما جعل الله لقيس عيلان من ولد اسمه بر، وجزيرتهم قاطعة من حد ساحل أَبْيَن ملتحقة في البحر بعَدَن من نحو مطالع سهيل إلى ما يُشْرِق عنها وفيما حاذى منها عدن وقابله جبل الدخان؛ وهي جزيرة سقوطري مما يقطع من عدن ثابتًا على السمت، والأكثر الأشهر أنهم من بقية قوم جالوت وكانت منازلهم فلسطين فلما قتل جالوت تفرقوا إلى المغرب وقيل غير ذلك إلى آخر ما ذكره في تاج العروس اهـ منه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن وعلة رضي الله عنه فقال: 709 - (00) (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام النيسابوري (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي (عن عمرو بن الربيع) المصري، قال (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (عن جعفر بن ربيعة) الكندي أبي شرحبيل المصري ثقة، من (5) مات سنة (136) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري (حدثه) أي حدث أبوالخير لجعفر بن ربيعة فـ (قال) له أبوالخير في تحديثه (حدثني) عبد الرحمن (بن وعلة السَّبَئِي) المصري (قال) ابن وعلة (سألت عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما فـ (قلت) له في سؤالي (إنا) معاشر رهطنا (نكون) ونسكن (بالمغرب فيأتينا المجوس بالأسقية) لهم، جمع سقاء؛ وهو الإناء

فِيهَا الْمَاءُ وَالْوَدَكُ. فَقَال: اشْرَبْ. فَقُلْتُ: أَرَأْيٌ تَرَاهُ؟ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "دِبَاغُهُ طَهُورُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المتخذ من جلد السخلة (فيها) أي في تلك الأسقية (الماء والودك) أي الشحم أفنشرب منها الماء (فقال) ابن عباس (اشرب) منها فإنها طاهرة، قال ابن وعلة (فقلت) لابن عباس (أ) هذا الذي قلت لي (رأي) واجتهاد (تراه) وتظنه من عندك أم نص سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لي (ابن عباس) في جواب سؤالي هذا نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دباغه) أي دباغ ذلك السقاء (طهوره) أي مُطَهِّرُه. وسند هذا الحديث من سباعياته أيضًا رجاله خمسة منهم مصريون وواحد طائفي وواحد إما نيسابوري أو بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة جعفر بن ربيعة ليزيد بن أبي حبيب في رواية هذا الحديث عن أبي الخير، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان كلاهما لابن عباس الأول ذكره للاستدلال، وذكر فيه خمس متابعات، والثاني للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

182 - (87) (69) باب التيمم

182 - (87) (69) باب التيمم 710 - (329) (175) (139) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة؛ أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 182 - (87) (69) باب التيمم والتيمم لغة: القصد، يقال تيممت فلانًا أي قصدته لحاجة، ومنه قوله تعالى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} ومنه قول الشاعر هَجْوًا للمخاطبين: تَيَمَّمْتُكُم لَمَّا فَقَدْتُ أُولِي النُّهَى ... ومَن فَقَدَ المَاء تيمَّمَ بِالتُّرْبِ وشرعًا: إيصال تراب طهور إلى الوجه واليدين بدلًا عن وضوء أو غسل وهو من خصائص هذه الأمة، وفرض سنة ست كما عليه الأكثرون، وقيل سنة أربع. واختلف فيه فقيل رخصة مطلقًا وقيل عزيمة مطلقًا وقيل إن كان لفقد الماء فعزيمة وإلا فرخصة وهو الذي اعتمده الشيخ الحفني. 710 - (329) (175) (139) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة، من (10) (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس بن أبي عامر الأصبحي المدني أي قرأت وأنا منفرد وهو بمنزلة أخبرني مالك (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمد المدني، وأمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم وغيرها، ومحمد بن جعفر بن الزبير في الصوم، ويروي عنه (ع) ومالك وشعبة وعمرو بن الحارث وهشام بن عروة في الزكاة، وسماك بن حرب في الزكاة، ويحيى بن سعيد الأنصاري في الصوم، وحماد بن سلمة في الحج، وأيوب السختياني والسفيانان وخلق، قال أحمد: ثقة ثقة، وقال العجلي وأبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال أبو الزناد: كان ثقة ورعًا كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة جليل من السادسة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمد المدني أحد الفقهاء ثقة، من كبار (3) مات سنة (106) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أنها) أي أن عائشة (قالت: خرجنا مع

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيدَاءِ (أَوْ بِذَاتِ الْجَيشِ) انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ. وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ. وَلَيسُوا عَلَى مَاءٍ. وَلَيسَ مَعَهُمْ مَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة (في بعض أسفاره) قال النواوي: فيه جواز مسافرة الرجل بزوجته الحرة؛ أي خرجنا معه في بعض غزواته، وهي غزوة بني المصطلق كما قاله ابنا سعد وحبان، وجزم به ابن عبد البر في الاستذكار، وكانت سنة ست كما قاله ابن إسحاق أو خمس كما قاله ابن سعد، ورجحه الحاكم في الإكليل، وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وقال الداودي: وكانت قصة التيمم في غزوة الفتح، ثم تردد في ذلك (حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة، والمد موضع أدنى إلى مكة من ذي الحليفة (أو) قالت عائشة (بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية آخره شين معجمة هما موضعان بين مكة والمدينة، والشك من أحد الرواة عن عائشة كما أشرنا إليه، وقيل منها واسْتُبْعِد والذي في غير هذا الحديث أنه كان بذات الجيش كحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي بإسناد جيد "عرّس رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الجيش ومعه عائشة زوجه فانقطع عقدها .. " الحديث ولم يشك بينه وبين البيداء (انقطع عقدٌ لي) أي عقد في عنقي استعرته من أسماء أختي، والعقد بكسر العين وسكون القاف كل ما يعقد ويعلَّق في العنق ويسمى أيضًا قلادة أي قلادة كان ثمنها اثني عشر درهمًا، والإضافة في قولها لي باعتبار حيازتها للعقد واستيلائها لمنفعته لا أنها ملك لها بدليل ما في الرواية الآتية "أنها استعارت من أسماء قلادة" (فأقام) أي مكث (رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه) أي لأجل التماس ذلك العقد وطلبه والبحث عنه فعلى تعليلية بمعنى اللام (وأقام الناس معه) صلى الله عليه وسلم لأجل طلبه (و) الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم والناس معه (ليسوا) نازلين (على ماء) موجود في ذلك الموضع (وليس معهم ماء) في مَزَاودهم وأسقيتهم، وفي هذا فوائد: منها جواز العارية وجواز عارية الحلي، وجواز المسافرة بالعارية إذا كان بإذن المعير، وجواز اتخاذ النساء القلائد، وفيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم وإن قَلَّتْ، ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه، وجواز الإقامة في موضع لا ماء فيه وإن احتاج إلى التيمم.

فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرِ فَقَالُوا: أَلا تَرَى إِلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ مَعَهُ. وَلَيسُوا عَلَى مَاءٍ. وَلَيسَ مَعَهم مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ. فَقَال: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ. وَلَيسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بكْرٍ. وَقَال مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيدِهِ فِي خَاصِرَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأتى الناس) وجاؤوا (إلى) والدي (أبي بكر) الصديق رضي الله عنه للاشتكاء مني إليه (فقالوا) له (ألا ترى) يا أبا بكر، بإثبات همزة الاستفهام التقريري الداخلة على لا النافية، وفي بعض روايات البخاري إسقاطها (إلى ما صنعت عائشة) برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس من الأمر الفظيع لأنها (أقامت) وحبست (برسول الله صلى الله عليه وسلم و) حبست (بالناس معه) عن سفرهم وسيرهم على التماس العقد، أسند الفعل عليها لأنه كان بسببها (و) الحال أنهم (ليسوا) نازلين (على ماء) موجود في هذا المنزل (وليس معهم ماء) في رحالهم وقد حان وقت الصلاة، وشكوى الناس إليه يدل على أن الوضوء كان مشروعًا وإلا فما الذي يعظم عليهم من ذلك (فجاء) إليَّ (أبو بكر) والدي لعتابي (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي) و (قد نام) لما ناله من تعب التماس العقد (فقال) لي أبو بكر (حبست) يا هَنْتَاهُ (رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس) معه من سفرهم (و) إنهم (ليسوا على ماء وليس معهم ماء) في رحالهم (قالت فعاتبني) أي لامني (أبو بكر) على حبس الناس بِسَبَبِي، والعتاب لوم الحبيب حبيبه على أمر لا يليق به اهـ. دمنهوري على متن الكافي في العروض (وقال) أبو بكر في عتابي (ما شاء الله) سبحانه وتعالى (أن يقول) هو، فقال: حبست الناس على قلادة، وفي كل مرة تكونين عناء على الناس، ولم تقل عاتبني أبي بل أنزلته منزلة الأجنبي لأن الأبوة تقتضي الحُنُوَّة، وما وقع منه من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر اهـ قسطلاني (وجعل) أي شرع أبو بكر (يطعُنُ بيده في خاصرتي) بضم العين وقد تفتح أو الفتح للقول كالطعن في النسب، والضم للفعل كالرمح، وقيل كلاهما بالضم، وقال الفيومي: الطعن في جميع معانيه من باب قتل، وأجاز بعضهم فيه فتح العين لمكان حرف الحلق اهـ مصباح. والخاصرة: المترف تحت

فَلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي. فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيرِ مَاءٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَال أُسيدُ بْنُ الْحُضَيرِ - وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ -: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيهِ. فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنب الذي هو موضع الكلية. وفيه تأديب الرجل ولده بالقول والفعل والضرب ونحوه، وفيه تأديب الرجل ابنته، وإن كانت كبيرة متزوجة خارجة عن بيته اهـ نووي (فلا يمنعني من التحرك) بسبب طعنه في خاصرتي (إلَّا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كونه صلى الله عليه وسلم ونومه (على فخذي) فمكان هنا مصدر ميمي من كان التامة، وفيه جواز نوم الرجل على فخذ امرأته وأنه لا يستحيى منه من الأجانب والأصهار إذ لو كان منكرًا لم يدخل أبو بكر حتى يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ أبي (فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم) على فخذي (حتى أصبح) أي دخل في الصباح وهو (على غير ماء) وفي القسطلاني ما يدل على أنه متعلق باصبح أو نام على سبيل التنازع (فأنزل الله) سبحانه وتعالى (آية التيمم) التي في سورة المائدة وهي قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ} الآية إلى قوله {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] ولم يقل آية الوضوء، وإن كان مبدوءًا به في الآية لأن الطارئ في ذلك الوقت حكم التيمم، والوضوء كان مقررًا يدل عليه قوله: وليس معهم ماء (فتيمموا) بصيغة الماضي أي تيمم الناس لأجل الآية أو هو أمر على ما هو لفظ القرآن ذكره بيانًا أو بدلًا من آية التيمم أي أنزل الله فتيمموا اهـ ق (فقال) وفي رواية قال (أُسَيد) بضم الهمزة مصغر أسد (بن الحضير) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة الأنصاري الأوسي الأشهلي (وهو أحد النقباء) ليلة العقبة الثانية المتوفى بالمدينة سنة (20) عشرين (ما هي) أي ما البركة التي حصلت للمسلمين برخصة التيمم (بأول بركتكم) أي بأول بركة حصلت بسببكم (يا آل أبي بكر) بل هي مسبوقة بغيرها من البركات، وفي تفسير إسحاق البستي من طريق ابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما أعظم بركة قلادتك" (فقالت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فبعثنا) أي أثرنا وأقمنا (البعير الذي كنت) راكبة (عليه) حالة السير مع أسيد بن حضير (فوجدنا العقد) أي القلادة (تحته) أي تحت البعير في مكان بروكه فسبحان الفاعل ما يشاء. وجاء في البخاري في هذا الحديث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فوجده، وفي رواية

711 - (00) (00) (00) (حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ بِشْرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلادَةً. فَهَلَكَتْ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاةُ فَصَلَّوْا بِغَيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلين، وفي رواية أناسًا فحملها إسماعيل القاضي على التناقض لأن القضية واحدة، وقال غيره: لا تعارض، ويجمع بينها بأن يكون أسيد بُعِث في طلبها مع رجال فلم يجدوا شيئًا في وجهتهم فلما رجعوا وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن الحضير تحته والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 179] والبخاري [334 و 4607] وأبو داود [317] والنسائي [1/ 163 - 164]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 711 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد بن (أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي ثقة، من (10) قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي ثقة، من (9) (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة، من (10) قال (حدثنا أبو أسامة و) محمد (بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكوفي ثقة، من (9) (عن هشام) بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي المنذر المدني ثقة، من (5) (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة فقيه، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته رجال كل منهما ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقهما بيان متابعة عروة بن الزبير للقاسم بن محمد في رواية هذا الحديث عن عائشة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أنها) أي أن عائشة (استعارت) أي أخذت (من) أختها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين زوج الزبير بن العوام ووالدة عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم أجمعين (قلادة) أي عقدًا يُعَلَّق في العنق لتتزين بها وتردها إليها (فهلكت) أي ضاعت تلك القلادة وهم على سفر (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابه) وراءهم (في طلبها) أي لأجل طلب تلك القلادة (فأدركتهم الصلاة) أي دخل عليهم وقتها وهم في طلبها وليسوا

وُضُوءٍ. فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيهِ. فَنَزَلَت آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَال أُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ: جَزَاكِ اللهُ خَيرًا. فَوَاللهِ! مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلا جَعَلَ اللهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا. وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ على ماء (فصَلَّوا) بفتح اللام المشددة على صيغة الماضي أي أدَّوا الصلاة في وقتها (بغير وضوء) باجتهادهم (فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم) ورجعوا إليه وهم لم يجدوها (شَكَوْا ذلك) بفتح الكاف المخففة من الشكوى؛ أي أخبروا ذلك الذي فعلوه من الصلاة بلا وضوء (إليه) صلى الله عليه وسلم على سبيل الشكاية (فنَزلت آية التيمم) التي في سورة المائدة (فقال أُسيد بن حضير) لعائشة (جزاك الله خيرًا) أي جعل الله الخير والثواب جزاءً لك على أعمالك كلها (فوالله) أي فاقسمت بالله (ما نزل بك أمر) يُهِمُّكِ (قط) أي فيما مضى من الزمان (إلَّا جعل الله لك منه) أي من ذلك الأمر المهم المكروه لك فرجًا و (مخرجًا) وانكشافًا وزوالًا عنك (وجعل للمسلمين فيه) أي في ذلك الأمر الذي نزل بك (بركة) أي خيرًا كثيرًا في دينهم، كرخصة التيمم في ضياع قلادتها. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [336] وأبو داود [317] والنسائي [1/ 163 - 164، وابن ماجه [568]. قال القرطبي: وكون الأناس المبعوثين صلوا بغير وضوء ولا تيمم دليل لمن صار إلى أنه إذا عدمهما يصلي، وهي مسألة اختلف العلماء فيها على أربعة أقوال: الأول: لا صلاة عليه ولا قضاء عليه قاله مالك وابن نافع والثوري والأوزاعي وأهل الرأي. الثاني: يُصلِّي ويقضي قاله ابن القاسم والشافعي. الثالث: يُصلِّي ولا يُعيد قاله أشهب. الرابع: يقضي ولا يُصلِّي. وسبب الخلاف في هذه المسألة هل الطهارة شرط في الوجوب أو في الأداء؟ ولا حجة للمتمسك بهذا الحديث على شيء من هذه المسألة لأن كون المبعوثين صلوا كذلك رأْيٌ رأوه ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على شيء من ذلك، وأيضًا فإنه قال فصلوا بغير وضوء فنفى الوضوء خاصَّةً، ولم يتعرض للتيمم، فلعلهم فعلوا كما فعل عمار تمرغوا في التراب والله أعلم اهـ مفهم. قال النواوي: واعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو من خصوصية هذه الأمة، وأجمعت الأمة على أن التيمم لا يكون إلَّا في الوجه واليدين سواء كان عن حدث أصغر أو أكبر وسواء تيمم عن الأعضاء كلها أو عن بعضها. واعلم أنه اختلف العلماء في كيفية التيمم فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا بد من

712 - (330) (176) (140) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شقِيقٍ؛ قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى. فَقَال أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، أَرَأَيتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. كَيفَ يَصنَعُ بِالصَّلاةِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وممن قال بهذا من العلماء علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر والحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد الله بن عمر وسفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحاب الرأي وآخرون رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وذهبت طائفة إلى أن الواجب ضربة واحدة للوجه والكفين وهو مذهب عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث، وحُكي عن الزهري أنه يجب مسح اليدين إلى الإبطين هكذا حكاه عنه أصحابنا في كتب المذهب، وقد قال الخطابي: لم يختلف أحد من العلماء في أنه لا يلزم مسح ما وراء المرفقين، وحكى أصحابنا أيضًا عن ابن سيرين أنه قال لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة ثانية لكفيه وثالثة لذراعيه اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما فقال: 712 - (330) (176) (140 140) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (قال) شقيق بن سلمة (كنت جالسًا مع عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي الجليل صاحب النعلين، ومن المعلوم عندهم أن عبد الله إذا أطلق من الصحابة فهو عبد الله بن مسعود (وأبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي (فقال أبو موسى) لعبد الله بن مسعود (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود (أرأيت) أي أخبرني (لو أن رجلًا أجنب) أي صار جنبًا (فلم يجد الماء شهرًا) كاملًا (كيف يصنع بالصلاة) هل يتيمم ويصلي أو يترك

فَقَال عَبْدُ اللهِ: لا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. فَقَال أَبُو مُوسَى: فَكَيفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ، لأَوْشَكَ، إِذَا بَرَدَ عَلَيهِمُ الْمَاءُ، أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ، فَقَال أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة حتى يجد الماء (فقال عبد الله) بن مسعود (لا يتيمم) ولا يصلي (وإن لم يجد الماء شهرًا) كاملًا (فقال أبو موسى) لعبد الله (فكيف) تصنع وتؤول (بهده الآية) المذكورة (في سورة المائدة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}) طهورًا حسًّا أو شرعًا ({فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا}) أي فاقصدوا ترابًا ({طَيِّبًا}) أي طهورًا الدالة على وجوب التيمم عند فقدان الماء (فقال عبد الله) بن مسعود (لو رُخِّصَ لهم) أي للناس في التيمم (في هذه الآية) أي بمقتضى ما ذُكر في هذه الآية (لأوشك) الناس (إذا برد عليهم الماء) أي لقربوا وأسرعوا إلى (أن يتيمموا بالصعيد) الطيب فسدًا لباب التيمم عليهم لا نُرخِّص لهذا الجُنُبِ في التيمم، واستشكل ما ذهب إليه ابن مسعود كعمر رضي الله تعالى عنهما من إبطال هذه الرخصة مع ما فيه من إسقاط الصلاة عمن خوطب بها وهو مأمور بها، وأُجيب: بأنهما إنما تأولا الملامسة في الآية وهي قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} على مماسة البشرتين من غير جماع إذ لو أرادا الجماع لكان فيه مخالفة الآية صراحةً لأنه تعالى قال {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} أي اغتسلوا ثم قال: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فجعل التيمم بدلًا عن الوضوء، فلا يدل على جواز التيمم للجنب، ولعل مجلس المناظرة بين أبي موسى وابن مسعود ما كان يقتضي تطويل المناظرة وإلا فكان لابن مسعود أن يجيب أبا موسى بأن الملامسة في الآية المراد بها تلاقي البشرتين بلا جماع، والحاصل أن عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما لا يريان تيمم الجنب لآية {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} ولآية {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} اهـ قسطلاني. وفي بعض الهوامش قوله (لأوشك) جواب "لو" ومعناه قَرُب وأسرع، وجملة أن يتيمموا فاعله (وبرد) بفتح الراء وضمها، قال الجوهري: والفتح أشهر، والمفهوم من كلام ابن مسعود أنه لا يرى للجنب التيمم (فقال أبو موسى لعبد الله ألم تسمع) الهمزة فيه للاستفهام التقريري أي ألم تسمع يا أبا عبد الرحمن (قول عمار) بن ياسر العَنْسِي - بالنون الساكنة - وكان من السابقين الأولين، وهو وأبوه شهدا المشاهد كلها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ. فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ. فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ. ثُمَّ أَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَال: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيكَ هَكذَا" ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَال عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيهِ، وَوَجْهَهُ؟ فَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ "إن عمارًا مُلِئَ إيمانًا" أخرجه الترمذي واستأذن عمار عليه صلى الله عليه وسلم فقال له: "مرحبًا بالطَّيِّبِ المطيَّب" وقال: "من عادى عمارًا عاداه الله ومن أبغض عمار أبغضه الله" له (62) اثنان وستون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بحديث (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في) قضاء (حاجة) له من حوائجه (فأجنبت) في الطريق أي صرت جنبًا (فلم أجد الماء) الذي أغتسل به من الجنابة (فتمرَّغْتُ) أي تقلبت بجميع جسمي (في الصعيد) أي في التراب الطاهر تمرُّغًا (كما تمرغ) وتتقلب (الدابة) والحمار على التراب بحذف إحدى التاءين في الموضعين لأنه من باب تفَعَّل الخماسي، وفي الرواية الآتية فتمَعَّكْتُ وكلاهما بمعنىً أي فتقلَّبْتُ في التراب كما تتقلب الدابة فيه ظنًّا مني أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء للوجه واليدين فإذا وقع بدل الغسل يقع على هيئة الغسل في جميع البدن (ثم) بعد قضاء حاجته صلى الله عليه وسلم والصلاة كذلك (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) الذي فعلته من التمرغ في التراب (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما كان) الشأن أو كان زائدة أي إنما (يكفيك) ويجزئك في التيمم مطلقًا (أن تقول) وتضرب (بيديك) على الأرض (هكذا) أي مثل ما أنا ضربتهما على الأرض وفيه إطلاق القول على الفعل كما مر (ثم) بعد قوله إنما يكفيك أن تفعل هكذا (ضرب) صلى الله عليه وسلم (بيديه) أي بكفيه الشريفتين (الأرض ضربة واحدة) أي مرة واحدة، لم يوجد ذكر ضربة واحدة في عبارة المشكاة، ولا يكفي في التيمم ضربة واحدة إلَّا في مذهب الحنابلة وحجتهم هذا الحديث وفي غير هذه الطريق ذكر ضربتين (ثم مسح) النبي صلى الله عليه وسلم (الشمال) أي وضع باطن كف الشمال (على) باطن كف (اليمين) ليحصل مسح باطن الكفين (و) مسح (ظاهر كفيه و) مسح (وجهه) وفي المفهم: ومسحه الشمال على اليمين مراعاةٌ لحال اليمين حتى تكون هي المبدوء بها، وكونه في هذه الرواية أخّر الوجه في الذكر، وكونه في الرواية التالية قدّمه يدل على عدم دلالة الواو على الترتيب (فقال

عَبْدُ اللهِ: أَوَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟ . 713 - (00) (00) (00) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ. قَال: قَال أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكذَا" وَضَرَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله) بن مسعود لأبي موسى (أ) تقنع يا أبا موسى بقول عمار في ترخيص التيمم للجنب (ولم تر عمر) بن الخطاب (لم يقنع) ولم يكتف (بقول عمار) وحديثه في ترخيص التيمم للجنب، وعدم قناعة عمر بقول عمار يظهر مما يأتي، وإنما لم يقنع لأنه كان حاضرًا معه في تلك السفرة ولم يتذكر القصة فارتاب لذلك، وعبارة الإكمال: وإنما لم يقنع به لأنه أخبر عن شيء حضره عمر معه ولم يذكره، فجَوَّزَ عليه الوهم كما جوز على نفسه النسيان ولكن قد تركه وما اعتقده وصححه ولم يتهمه بقوله: نوليك من ذلك ما توليت، بخلاف ما لو قطع بخطئه. قلت: فقد قنع به فلا يتم قوله لم يقنع بقول عمار اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [710 و 716] وأبو داود [321] والنسائي [1/ 170] وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا عمار بن ياسر فإنه مدني. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمار رضي الله عنه فقال: 713 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) البصري ثقة من (10) قال (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة ولكن في حديثه عن الأعمش وحده مقال، من (8) قال (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (قال) شقيق (قال أبو موسى) الأشعري (لعبد الله) بن مسعود (وساق) أي ذكر عبد الواحد (الحديث) السابق (بقصته) أي بتمام قصته (نحو حديث أبي معاوية) أي بمثله في اللفظ والمعنى و"النحو" هنا بمعنى المثل ولذلك احتاج إلى الاستثناء. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الواحد لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش ثم بَيَّنَ محل المخالفة بين الروايتين فقال (غير أنه) أي لكن أن عبد الواحد (قال) في روايته (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمار (إنما كان يكفيك أن تقول) وتفعل (هكذا) أي مثل ما أنا أصفه لك (وضرب) صلى الله عليه

بِيَدَيهِ إِلَى الأَرْضِ. فَنَفَضَ يَدَيهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيهِ. 714 - (00) (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ) عَنْ شُعْبَةَ. قَال: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أي أوصل وألصق (بيديه) أي بكفيه (إلى الأرض) ونقل التراب بهما (فنفض يديه) أي حركهما تخفيفًا للتراب (فمسح وجهه وكفيه) ففي هذه الرواية تقديم الوجه على اليدين ففيه دلالة على أن "الواو" في الرواية السابقة ليست للترتيب كما هو المعلوم فيها، وقوله (إنما كان يكفيك) خاطبه بإنما ليحصر له القدر الواجب وهو أن يضرب الأرض بيده، ثم يمسح وجهه، ثم يضرب ضربة أخرى فيمسح كفيه اهـ مفهم, قوله (فنفض يديه) يقال نفض الثوب من باب نصر نفضًا إذا حركه ليزول عنه الغبار ونحوه والشجرة إذا حركها ليسقط ما عليها والورق من الشجر أسقطه اهـ م ج وفي روايات البخاري: "ونفخ فيهما" قال العيني: احتج به أبو حنيفة على جواز التيمم من الصخرة التي لا غبار عليها لأنه لو كان معتبرًا لما نفخ صلى الله عليه وسلم في يديه اهـ، وقال (ع) وفي قوله (فنفض يديه) حجة لمالك والشافعي في إجازتهما النفض الخفيف لئلا يتعلق باليدين من كثير التراب ما يلوث الوجه أو من دقيق الحجر ما يؤذيه، اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمار رضي الله عنه فقال: 714 - (00) (00) (00) (حدثني عبد الله بن هاشم) بن حيان بالتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي سكن نيسابور لم يرو عنه غير مسلم ثقة، من صغار (10) مات سنة (255) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري ثقة متقن، من كبار (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سعيد القطان) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام البصري ثقة متقن إمام، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (قال) شعبة (حدثني الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة ثبت فقيه إلَّا أنه ربما دلس، من (5) مات سنة (113) روى عنه في (9) أبواب (عن ذر) بن عبد الله بن زُرَارَة الهمداني المُرْهِبي بضم الميم وإسكان الراء وكسر الهاء الكوفي، روى عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى في الوضوء، ويروي عنه (م) والحكم بن عتيبة ثم يقول الحكم: وحدثني ابن عبد الرحمن بن أبزى وسلمة بن كهيل عنه أيضًا في إسناده وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وابنه عمر بن ذر

عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَال: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَال: لا تُصَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنصور والأعمش، قال البخاري: صدوق في الحديث وكذا قال الساجي، وقال ابن حبان في الثقات: كان من عباد أهل الكوفة ووثقه ابن نمير، وقال في التقريب: ثقة عابد رُمي بالإرجاء من السادسة، مات بعد المائة (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزَى) بفتح فسكون ففتح مقصورًا الخزاعي مولاهم الكوفي، روى عن أبيه في الوضوء، ويروي عنه (ع) وذر بن عبد الله المرهبي وقتادة وطلحة بن مصرّف، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن أبيه) عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي من صغار الصحابة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلى وراءه وكان في عهد عمر رجلًا وكان واليًا على خراسان لِعَليٍّ، له (12) اثنا عشر حديثًا، روى عن عمار بن ياسر في الوضوء في (خ م) وأبي بكر وأُبي، ويروي عنه (خ م د ت س ف) وابنه سعيد بن عبد الرحمن والشعبي (عن عمار) بن ياسر بن الحصين بن قيس بن ثعلبة بن عوف بن يام بن عنس العنسي بنون ساكنة بين المهملتين المخزومي مولاهم أبي اليقظان المدني آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حذيفة بن اليمان وكان أبيض الرأس واللحية قُتل يوم صفين مع علي وصلَّى عليه علي بن أبي طالب ودُفن هناك سنة (37) سبع وثلاثين، وهو ابن (93) ثلاث وتسعين، روى عنه (ع) وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن أبزى في الوضوء وأبو وائل في الصلاة وقيس بن عباد له (62) اثنان وستون حديثًا، اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بحديث. وهذا السند من ثمانياته وإن كان فيه انقطاع رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني وواحد طوسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن أبزى لأبي موسى الأشعري في رواية هذا الحديث عن عمار بن ياسر، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي ومتابعة صحابي لصحابي. وشارك المؤلف في هذه الرواية أعني رواية عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر البخاري [338] وأبو داود [318 - 328] والنسائي [1/ 165 - 170]. قال عبد الرحمن بن أبزى: (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (أتى عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فقال) الرجل لعمر (إني أجنبت) أي صرت جنبًا (فلم أجد ماء) أغتسل به من الجنابة فهل لي صلاة مع الجنابة؟ (فقال) عمر للرجل (لا تُصَلِّ) حتى تجد ماء

فَقَال عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجنَبْنَا. فَلَمْ نَجِدْ مَاءً. فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ. وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيتُ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيكَ الأَرْضَ. ثُمَّ تَنْفُخَ. ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيكَ" فَقَال عُمَرُ: اتَّقِ اللهَ. يَا عَمَّارُ. قَال: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تغتسل به (فقال عمار) بن ياسر وهو جالس في مجلس عمر (أما تذكر) بقلبك (يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت) كائنان (في سرية) أي في طائفة من الجيش، والهمزة في "أما" للاستفهام التقريري و"ما" نافية أو حرف استفتاح وتنبيه كألا الاستفتاحية أي ألا تذكر يا أمير المؤمنين وقت كوني وكونك في سرية، قال ابن الأثير: السرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تُبعث إلى العدو، وجمعها السرايا سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السَّرِي النفيس (فأجنبنا) أي أجنبت أنا وأنت أي صرنا جنبين (فلم نجد ماء) نغتسل به (فأما أنت) يا أمير المؤمنين (فلم تُصل) لأجل الجنابة (وأما أنا فتمعَّكْتُ) أي تمرغت وتقلبت (في التراب) ظنًّا مني أن التيمم عن الجنابة يكون في جميع البدن قياسًا على الوضوء (وصليت) أي أديت الصلاة في وقتها فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما فعلتُهُ في تيممي (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لي (إنما يكفيك) ويُجزئك في تيممك مطلقًا (أن تضرب) وتنقل (بيديك) أي بكفيك (الأرض) أي التراب (ثم تنفخ) على كفيك تخفيفًا للغبار لئلا يؤذيك في عينك مثلًا (ثم تمسح بهما) أي بكفيك (وجهك) أولًا (و) تمسح بعده (كفيك) والواو لا تفيد الترتيب بل لمطلق الجمع في المسح نظير قولك جاء زيد وعمرو (فقال عمر) بن الخطاب لعمار (اتق الله يا عمار) أي تحرز وتجنب من الخطإ فيما ترويه وتثبت فيه فلعلك نسيت أو اشتبه عليك فإني كنت معك ولا أتذكر شيئًا من هذا الذي ذكرته (قال) عمار (أن شئت) أن لا أحدث شيئًا من هذا الحديث (لم أحدث به) أحدًا من الناس سمعًا وطاعة لك. والمعنى إن رأيت المصلحة في إمساكي عن التحديث به راجحة على مصلحة تحديثي به أمسكت عن التحديث به بعد اليوم، فإن طاعتك واجبة على في غير المعصية وأصل تبليغ هذه السنة وأداء العلم قد حصل، فإذا أمسكت بعد اليوم لا أكون داخلًا فيمن كتم العلم، وإنما الكتم في حديث لم يرو البتة ويحتمل أنه أراد إن شئت لم أحدث

قَال الحَكَمُ: وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، مِثْل حَدِيثِ ذَرٍّ. قَال: وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ عَنْ ذَرٍّ، فِي هذَا الإِسْنَادِ الَّذي ذَكَرَ الْحَكَمُ. فَقَال عُمَرُ: نُوَلِّيَكَ مَا تَوَلَّيتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ به تحديثًا شائعًا بحيث يشتهر في الناس بل لا أحدث به إلَّا نادرًا والله أعلم اهـ نووي. زاد (ع) مع أنه حديث خالف رواية الإمام وخطأ فيه رأيه فالمرء في سعة من ذكره، وأيضًا فالآية قد أدت معناه لأنها عامة في الجنب وغيره ففيه لزوم طاعة الإمام والرجوع إلى ما يُفتي به في نازلة اختُلِف فيها لا سيما إذا كان هو الأعلم وأنكر مستند غيره اهـ. (قال الحكم) بن عتيبة بالسند السابق (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور أيضًا يعني حديث عمار بن ياسر سعيد (ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه) عبد الرحمن بلا واسطة ذر (مثل حديث ذر) عنه أي مثل ما حدثني ذر عنه، والمعنى أن الحكم روى فيما مر عن سعيد بواسطة ذر ففي سنده نزول، وبيَّن هنا أنه روى عن سعيد بلا واسطة ذر ففي سنده هذا علو فالحاصل أن للحكم سندين عن عبد الرحمن بن أبزى سند نازل وهو الذي ذكره أولًا وسند عال وهو الذي أراده هنا، فقوله هنا (وحدثنيه) معطوف في المعنى على قوله أولًا عن ذر (قال) شعبة بن الحجاج بالسند السابق (وحدثني) أيضًا هذا الحديث (سلمة) بن كهيل فالواو عاطفة على قوله في السند السابق حدثني الحكم عن ذر أي قال شعبة حدثني الحكم هذا الحديث المذكور عن ذر وحدثني أيضًا سلمة بن كهيل (عن ذر في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد (الذي ذكر الحكم) لي سابقًا، يعني بالإسناد قوله عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه، ولكن قال سلمة في روايته (فقال عمر) بن الخطاب لعمار (نوليك) يا عمار أي نَكِلُ إليك وننسبه لك (ما توليت) أي ما قلت أي نَكِل إليك ما قلتَ ونرُد إليك ما وليته نفسك ورضيت لها به من التيمم عن الجنابة، قال ابن الأثير: وفي الكتاب العزيز {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} اهـ ومراد المؤلف بهذا الكلام بيان متابعة سلمة بن كهيل للحكم بن عتيبة في رواية هذا الحديث عن ذر بن عبد الله الهمداني مع بيان محل المخالفة، وأما ترجمة (سلمة) فهو سلمة بن كهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي، وثقه أحمد والعجلي زاد العجلي فيه تشيع قليل، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (121) إحدى وعشرين ومائة، روى عنه المؤلف في (12) بابا.

715 - (00) (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ. قَال: سَمِعْتُ ذَرًّا عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى. قَال: قَال الْحَكَمُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَال: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ: قَال عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ، لِمَا جَعَلَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ، لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما فقال: 715 - (00) (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثقة ثبت، من (11) مات سنة (251) روى عنه في (17) بابا، قال (حدثنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم وابن المديني، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من كبار (9) مات سنة (204) وله (82) روى عنه في (9) أبواب، قال (أخبرنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي (قال) الحكم (سمعت ذرًا) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء بن عبد الله الهمداني الكوفي (عن) سعيد (بن عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي الكوفي (قال) شعبة (قال الحكم) سمعت هذا الحديث من ذر بن عبد الله الهمداني (وقد سمعته) معطوف على محذوف كما قدرنا أي وقد سمعته أيضًا (من) سعيد (ابن عبد الرحمن بن أبزى) بلا واسطة ذر بن عبد الله، وجملة قوله "قال الحكم" معترضة بين خلال السند، وقوله (عن أبيه) متصل بما قبل قال "قال الحكم" أي سمعت ذرًا عن ابن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى أنه حدثه (أن رجلًا أتى عمر) بن الخطاب (فقال) الرجل لعمر (إني أجنبت) أي صرت جنبًا (فلم أجد ماء) أغتسل به (وساق) النضر بن شميل أي ذكر (الحديث) السابق الذي رواه يحيى بن سعيد عن شعبة (وزاد) النضر بن شميل على يحيى (فيه) أي في الحديث بعد قوله "نوليك ما توليت" أي زاد لفظة (قال عمار يا أمير المؤمنين إن شئت) عدم تحديثه لأحد، واللام في قوله (لما جعل الله) أي لأجل ما جعل الله سبحانه وتعالى وأوجب (علي من) وفاء (حقك) من السمع والطاعة، متعلقة بقوله (لا أُحدث به) أي بهذا الحديث (أحدًا) من الناس، وقوله

وَلَمْ يَذْكُرْ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ، عَنْ ذَرٍّ. 716 - (331) (177) (141) قَال مُسْلِمٌ: وَرَوَى اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عُمَيرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولم يذكر) النضر بن شميل في حديثه لفظة (حدثني سلمة عن ذر) أي لم يذكر قول شعبة وحدثني سلمة كما ذكره يحيى بن سعيد القطان معطوف على قوله "وزاد". وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة النضر بن شميل ليحيى القطان في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة بين الروايتين. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي الجهيم رضي الله تعالى عنهما فقال: 716 - (331) (177) (141) (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى (وروى) لنا (الليث بن سعد) الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت إمام، من (7) مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا، وقائل قوله (قال مسلم) هو الإمام مسلم على سبيل التجريد البديعي أو بعض رواته، قال النووي: قوله (روى الليث بن سعد) هكذا في صحيح مسلم في جميع الروايات منقطعًا بين مسلم والليث وهذا النوع يُسمى معلَّقًا في اصطلاحهم، وقد ذكرنا في المقدمة أن في صحيح مسلم أربعة عشر أو اثني عشر حديثًا منقطعًا وبيناها، اهـ. وقال المازري: وفي مسلم أربعة عشر حديثًا مقطوعًا وهذا أولها، وسَنُنَبِّه على كل منها في محله إن شاء الله تعالى (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي أبي شرحبيل المصري، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة، من (5) مات سنة (136) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ، وثقه جماعة من النقاد، وقال في التقريب: ثقة ثبت عالم، من (3) مات سنة (117) بالإسكندرية، روى عنه في (7) أبواب (عن عمير) مصغرًا ابن عبد الله الهلالي مولاهم أبي عبد الله المدني مولى أم الفضل ويقال له (مولى ابن عباس) روى عن أبي جهيم بن الحارث بن الصِّمَّة في الوضوء، وأم الفضل بنت الحارث في الصوم، وابن عباس وأسامة بن زيد، ويروي عنه (خ م د س) والأعرج وأبو النضر سالم بن أبي أمية وجماعة، وثقه النسائي وابن إسحاق وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التهذيب:

أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ. فَقَال أَبُو الْجَهْمِ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْو بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ثقة أخرجوا له حديثين أحدهما في التيمم والآخر في الصيام، مات بالمدينة سنة (104) أربع ومائة (أنه) أي أن عبد الرحمن بن هرمز (سمعه) أي سمع عميرًا مولى ابن عباس حالة كون عمير (يقول أقبلت) أي جئت (أنا) تأكيد لضمير الفاعل في أقبلت ليصح عطف ما بعده عليه (وعبد الرحمن بن يسار) هذا خطأ صريح وصوابه (أقبلت أنا وعبد الله بن يسار) هكذا على الصواب، رواه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم فقالوا: عبد الله بن يسار، قال القاضي عياض: ووقع في روايتنا صحيح مسلم من طريق السمرقندي عن الفارسي عن الجلودي (أقبلت أنا وعبد الله بن يسار) على الصواب وهم أربعة إخوة عبد الله وعبد الرحمن وعبد الملك وعطاء مولى ميمونة، والله أعلم. أي أقبلت أنا وعبد الله بن يسار (مولى ميمونة) بنت الحارث الهلالية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها (حتى دخلنا على أبي الجهم) بفتح الجيم وسكون الهاء وهذا غلط أيضًا والصواب (على أبي الجهيم (مصغرًا كما في البخاري وأبي داود والنسائي وغيرهم، اسمه عبد الله (بن الحارث بن الصِّمَّة) بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم (الأنصاري) النجاري، صحابي معروف ابن أخت أبي بن كعب بقي إلى خلافة معاوية، يروي عنه (ع) وهو المذكور في حديث المرور بين يدي المصلي. وهذا السند المعلق من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان (فقال) لنا (أبوالجهم) الصواب أبوالجهيم (أقبل) وجاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو) أي من جانب (بئر جمل) بفتحتين أي من جهة موضع يُسمى بئر جمل؛ وهو موضع معروف بقرب المدينة المنورة (فلقيه) صلى الله عليه وسلم (رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (فسلم) ذلك الرجل (عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه) أي على الرجل سلامه (حتى أقبل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي توجه بوجهه (على الجدار فمسح) رسول الله صلى الله عليه

وَجْهَهُ وَيَدَيهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم بالجدار (وجهه وبديه) ليتيمم بالجدار لأنه ليس له وضوء (ثم) بعد تيممه (رد عليه) أي على الرجل (السلام) أي سلامه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 169] والبخاري [337] وأبو داود [329] والنسائي [1/ 165]. وقد استدل البخاري بهذا الحديث على جواز التيمم في الحضر لمن خاف فوات الوقت، وهذا الحديث يؤخذ منه أن حضور سبب الشيء كحضور وقته وذلك أنه لما سلَّم هذا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعين عليه صلى الله عليه وسلم الرد وخاف الفوت فتيمم، ويكون هذا حجة لأحد القولين عندنا أن من خرج إلى جنازة متوضئًا فانتقض وضوءه أن يتيمم، وقد روى أبو داود من حديث المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال: إني كنت كرهت أن أذكر الله إلَّا على طهارة، وهذا يُتَمِّم معنى حديث ابن عمر الآتي وحديث أبي الجهيم هذا، ذكر القاضي عياض: أن مسلمًا ذكره مقطوعًا، وفي كتابه أحاديث يسيرة مقطوعة متفرقة في أربعة عشر موضعًا هذا منها، وفي هذا الحديث حجة لمن قال: إن التيمم يرفع الحدث وهو ظاهر قول مالك في الموطأ ومشهور مذهبه أنه مبيح لا رافع، وقال الزهري وابن المسيب والحسن: يرفع الحدث الأصغر، وقال أبو سلمة: يرفع الحدثين جميعًا اهـ مفهم. قال النواوي: وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادمًا للماء حال التيمم فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله، ولا فرق بين أن يضيق وقت الصلاة وبين أن يتسع، ولا فرق أيضًا بين صلاة الجنازة والعيد وغيرهما هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يتيمم مع وجود الماء لصلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما، وحكى البغوي من أصحابنا عن بعض أصحابنا: أنه إذا خاف فوت الفريضة لضيق الوقت صلاها بالتيمم ثم توضأ وقضاها والمعروف الأول. وفي هذا الحديث جواز التيمم بالجدار إذا كان عليه غبار؛ وهذا جائز عندنا وعند الجمهور من السلف والخلف، واحتج به من جوز التيمم بغير التراب، وأجاب الآخرون بأنه محمول على جدار عليه تراب، وفيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كسجود التلاوة والشكر ومس المصحف ونحوها، كما يجوز للفرائض وهذا مذهب العلماء كافة، إلَّا وجهًا شاذًّا منكرًا لبعض أصحابنا أنه لا يجوز التيمم إلَّا للفريضة؛ وليس هذا الوجه بشيء، فإن قيل كيف يتيمم بالجدار بغير إذن مالكه؟ فالجواب أنه محمول على أن هذا الجدار كان مباحًا أو مملوكًا لإنسان يعرفه فدُلّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وتيمم به لعلمه بأنه لا يكره مالكه ذلك، ويجوز مثل هذا، والحالة هذه لآحاد الناس فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى، قال القاضي عياض: وفيه التيمم على التراب المنقول لأن الجدار تراب منقول، وفيه عدم شرطية الغبار في التراب لأن الجدار ترابه منعقد، وجواز التيمم عليه مع وجود غيره، وفيه التيمم للنوافل، اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عمار بن ياسر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي الجهيم ذكره للاستشهاد أيضًا. ***

183 - (88) (70) باب لا يرد قاضي الحاجة على من سلم عليه

183 - (88) (70) باب لا يرد قاضي الحاجة على من سلَّم عليه 717 - (332) (178) (142) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 183 - (88) (70) باب لا يرد قاضي الحاجة على من سلَّم عليه وترجم أبو داود لحديث الباب (باب في الرجل لا يرد السلام وهو يبول) ولذلك وضعت له ترجمة مستقلة. 717 - (332) (178) (142) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي ثقة، من (10) مات سنة (234) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي ثقة، من (9) مات سنة (199) روى عنه في (17) بابا، قال (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة ثبت إمام فقيه، من (7) وكان ربما دلس مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبي عثمان المدني، وثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يُحْتَج به وهو صدوق يهم، وقال في التقريب: صدوق يهم، من (7) مات بالمدينة سنة (153) روى عنه في (8) أبواب (عن نافع) الفقيه العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه مشهور لا يُعرف له خطأ في جميع ما رواه، قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، من (3) مات سنة (117) وقيل بعدها، روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما أخبره (أن رجلًا) من المسلمين (مر) على النبي صلى الله عليه وسلم (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فسلم) الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم (فلم يرد) النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على الرجل سلامه لكونه على غير طهارة؛ يعني لم يرد - عليه السلام - ولم يُجبه، وقد كان جواب السلام ورده واجبًا فعُلم من ذلك أن في هذه الحالة لا ينبغي أن يُسلم عليه ولو سُلِّم لا يستحق الجواب. قال أبو داود: وروي عن ابن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم ثم رد على الرجل السلام، ولهذا أدخله الإمام مسلم في باب التيمم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [330, 331] والترمذي [90]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسائي [1/ 36] وسنده من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون. قال النواوي: وفي هذا الحديث أن المسَلِّمَ في هذا الحال لا يستحق جوابًا وهذا متفق عليه، قال أصحابنا: ويكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط فإن سلَّمَ عليه كُرِه له رد السلام، قالوا: ويكره للقاعد على قضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار، قالوا: فلا يُسبِّح ولا يُهلل ولا يرد السلام ولا يُشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ولا يقول مثل ما يقول المؤذن، قالوا: وكذلك لا يأتي بشيء من هذه الأذكار في حال الجماع وإذا عطس في هذه الأحوال يحمد الله تعالى في نفسه ولا يُحرك به لسانه، وهذا الذي ذكرناه من كراهة الذكر في حال البول والجماع هو كراهة تنزيه لا تحريم فلا إثم على فاعله وكذلك يكره الكلام على قضاء الحاجة بأي نوع كان من أنواع الكلام، ويُستثنى من هذا كله موضع الضرورة كما إذا رأى ضريرًا يكاد أن يقع في بئر أو رأى حية أو عقربًا أو غير ذلك يقصد إنسانًا أو نحو ذلك فإن الكلام في هذه المواضع ليس بمكروه بل هو واجب، وهذا الذي ذكرناه من الكراهة في حال الاختيار هو مذهبنا ومذهب الأكثرين، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعطاء وسعيد الجهني وعكرمة رضي الله تعالى عنهم، وحُكي عن إبراهيم النخعي وابن سيرين أنهما قالا: لا بأس به، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من المنهاج. وقد صرح علماء الأحناف وغيرهم بكراهة السلام في مثل هذه الحالة قال في الدُر المختار نظمًا: سلامك مكروه على من ستسمع ... ومن بعد ما أُبدي يُسن ويُشرع مُصلٍّ وقتال ذاكر ومُحدِّث ... خطيب ومن يُصغي إليهم ويسمع مُكرر فقه جالس لقضائه ... ومن بحثوا في الفقه دعهم لينفعوا مؤذن أيضًا أو مقيم مدَرِّس ... كذا الأجنبيات الفتيات أمنع لُعَّاب شطرنج وشبْه بخُلْقهم ... ومن هو مع اهل له يتمتع ودع كافرًا أيضًا ومكشوف عورة ... ومن هو في حال التغوط أشنع وجه كراهة السلام في حال قضاء الحاجة نهيه صلى الله عليه وسلم عن السلام في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الحالة كما في ابن ماجه عن جابر بن عبد الله أن رجلًا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم عليّ فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك، ووجه كراهة الجواب في مثل هذه الأحوال أن الكلام عند كشف العورة مكروه فكيف بذكر الله تعالى فإنه يكون أشد كراهة فإن قيل يخالفه ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، قلنا المراد من الأحيان حالة الطهارة والحدث لا حالة كشف العورة والخلاء، والله أعلم اهـ بذل. ***

184 - (89) (71) باب الدليل على طهارة المسلم ولو جنبا

184 - (89) (71) باب الدليل على طهارة المسلم ولو جنبًا 718 - (333) (179) (143) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ)، قَال: حُمَيدٌ حَدَّثَنَا. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيدٍ الطَّويلِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 184 - (89) (71) باب الدليل على طهارة المسلم ولو جنبًا 718 - (333) (179) (143) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، قال (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ القطان التميمي البصري ثقة، من (9) وأتى بالعناية في قوله (يعني) شيخي زهير بيحيى الذي أبهمه يحيى (ابن سعيد) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (قال) يحيى بن سعيد (حميد) الطويل مبتدأ خبره جملة (حدثنا) والجملة الإسمية في محل النصب مقول قال. قال النواوي: قوله (قال حميد حدثنا) فقد يلتبس على بعض الناس ولكن ليس فيه ما يُوجب اللبس على من له أدنى اشتغال بهذا الفن فإن أكثر ما فيه أنه قدم حميدًا على حدثنا والغالب أنهم يقولون حدثنا حميد فقال مسلم (حميد حدثنا) ولا فرق بين تقديم وتأخير في المعنى اهـ. أي قال يحيى بن سعيد حدثنا حميد الطويل بن أبي حميد الخزاعي مولاهم مولى طلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي أبو عبيدة البصري، واختلف في اسم أبي حميد على نحو عشرة أقوال قيل تير وقيل تيرويه وقيل زادويه وقيل داور وقيل داود وقيل طرخان وقيل مهران وقيل غير ذلك، سُمي بالطويل لأنه كان قصير القامة، قال ابن خراش: ثقة صدوق، وقال مرة: في حديثه شيء، وقال العجلي: بصري ثقة، وقال في التقريب: ثقة مدلس، من (5) مات سنة (143) وهو قائم يُصلي. (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي بكر قال (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه؛ القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة، من (8) مات سنة (193) روى عنه في (15) بابا (عن حميد الطويل عن أبي رافع) نُفَيع مصغرًا بن رافع الصائغ المدني مولى ابنة عمر بن الخطاب، قال العجلي: بصري تابعي ثقة من كبار التابعين، وقال الدارقطني: ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت مشهور بكنيته، من (2) روى عنه في (7) أبواب، قال المازري: هذا الإسناد منقطع لأن حميدًا إنما يروي عن بكر بن عبد الله المُزني عن أبي رافع،

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ لَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ. فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغتَسَلَ. فَتَفَقَّدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا جَاءَهُ قَال "أَينَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيرَةَ؟ " قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "سُبْحَانَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من الأئمة عن حميد عن بكر المزني عن أبي رافع ولا يقدح هذا الانقطاع في أصل متن الحديث فإن المتن ثابت على كل حال من رواية أبي هريرة ومن رواية حذيفة اهـ نووي. (عن أبي هريرة أنه لقبه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة) أي في سكة من سككها (وهو) أي والحال أن أبا هريرة (جُنب) جملة اسمية حالية من الضمير المنصوب في لقيه, قوله (فانسلَّ) أبو هريرة بلفظ الغَيبة من باب النقل عن الراوي بالمعنى، أو من قول أبي هريرة من باب التجريد البديعي وهو أنه جرد من نفسه شخصًا وأخبر عنه كأنه غيره وهو المناسب لجميع ما سيأتي، وقد مر أن الانسلال هو الذهاب بخفية، قال المجد: انسل وتسلل انطلق في استخفاء، والمعنى قال أبو هريرة: انطلق أبو هريرة ورجع وراءه خفية (فذهب) إلى موضع يجد فيه ماء (فاغتسل) من الجنابة، وفي رواية فانسللتُ فذهبت فاغتسلت وهو الظاهر، وكان سبب ذهاب أبي هريرة ما رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لقي أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له، فلما ظن أبو هريرة رضي الله عنه أن الجنب ينجس بالجنابة خشي أن يماسَّه النبي صلى الله عليه وسلم كعادته فبادر إلى الاغتسال، اهـ ق (فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم) أي بحث عنه وطلبه وسأل عن سبب فقدانه (فلما جاءه) أبو هريرة سأله عن مغيبه و (قال) له (أين كنت) وتغيبت عنا (يا أبا هريرة قال) أبو هريرة (يا رسول الله لقيتني) أي استقبلتني (وأنا جنب) أي ذو جنابة لأنه اسم جرى مجرى المصدر وهو الإجناب (فكرهت أن أجالسك) أي أن أجلس معك وأنا على غير طهارة (حتى أغتسل) وأتطهر من جنابتي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله) منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا لجريانه مجرى المَثَل، وأتى به هنا للتعجب والاستعظام أي كيف يخفى عليك مثل هذا الظاهر الذي هو نجاسة المؤمن بالجنابة، والمعنى تنزيهًا لله في كل شؤونه التي منها خفاء هذا

إِنَّ الْمُؤمِنَ لا يَنْجُسُ". 719 - (334) (180) (144) وحدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الظاهر عليك يا أبا هريرة (إن المؤمن لا ينجس) معناه أن الأمر بالغسل من الجنابة تعبدي وليس بنجس حقيقة حتى لا يجوز مسه، قال الفيومي: نجس من بابي تعِب وقتَل أي إن المؤمن لا ينجس في ذاته حيًّا ولا ميتًا ولذا يغسل إذا مات، نعم يتنجس بما يعتريه من ترك التحفظ من النجاسات والأقذار، وحكم الكافر في ذلك كالمسلم، وأما قوله (إنما المشركون نجس) فالمراد به نجاسة اعتقادهم أو لأنه يجب أن يتجنب عنهم كما يتجنب عن الأنجاس أو لأنَّهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالبًا، وما روي عن ابن عباس أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير وبه قال ابن حزم، وعن الحسن البصري: مَن صافحهم فليتوضأ؛ عورض بحل نكاح الكتابيات للمسلم ولا تسلم مضاجعتهن من عرقهن ومع ذلك لم يجب مِن غَسلهن إلَّا مثل ما يجب من غسل المسلمات، أو محمول على المبالغة في التبعد عنهم والاحتراز منهم فدل هذا الحديث على أن الآدمي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء، بل يتنجس بما يعرُض له من خارج. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 235 و 382] والبخاري [283] وأبو داود [231] والترمذي [222] والنسائي [1/ 145] وابن ماجه [534] وسنداه من خماسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد نسائي، والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد كوفي. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما فقال: 719 - (334) (180) (144) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة، من (10) قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه، وقال نفطويه: اجتمع في مجلسه نحو ثلاثين ألفًا، قال البخاري: مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي ثقة، من (10) قال ابن عقدة: ظهر له بالكوفة ثلاثمائة ألف حديث، قال البخاري: مات سنة

قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ وَهُوَ جُنُبٌ، فَحَادَ عَنْهُ فَاغتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَال: كُنْتُ جُنُبًا. قَال: "إِن الْمُسْلِمَ لا يَنْجُسُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (248) روى عنه في (10) أبواب (قالا) أي قال كل منهما (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي ثقة، من (9) مات في آخر سنة (196) روى عنه في (19) بابا (عن مسعر) بن كِدام -بكسر أولهما- بن ظُهير -مصغرًا- بن عُبيدة -بضم أوله- الهلالي الهمداني أبي سلمة الكوفي، قال محمد بن بشر: كان عنده ألف حديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل، من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (عن واصل) بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي، وثقه ابن معين وأبو داود والنسائي والعجلي ويعقوب بن سفيان وأبو بكر البزار، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (6) مات سنة (120) (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم، مات سنة (100) في خلافة عمر بن عبد العزيز، روى عنه في (9) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي الصحابي ابن الصحابي أبوه استشهد يوم أحد من السابقين. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه) أي لقي حذيفة ورآه (وهو جنب) أي ذو جنابة، والجملة الاسمية حال من ضمير المفعول (فحاد) حذيفة أي مال وعدل (عنه) صلى الله عليه وسلم (فاغتسل) حذيفة من الجنابة (ثم جاء) حذيفة إلى رسول الله فسأله عن غيبته (فقال) حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنت جنبًا) فخشيت أن تصافحني فتغيبْتُ فاغتسلت فجئت (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس عليك (إن المسلم لا ينجس) بالجنابة، بل الأمر بالغسل من الجنابة أمر تعبدي ليس لتنجسه بالجنابة حتى لا يجوز مسه. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود والنسائي وابن ماجه، أما أبو داود فرواه مختصرًا، وأما النسائي فرواه مطولًا، ولم يذكر في هذا الباب إلَّا حديثين: الأول لأبي هريرة ذكره للاستدلال به، والثاني لحذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد به والله سبحانه وتعالى أعلم.

185 - (90) (72) باب ذكر الله تعالى في كل الأحيان

185 - (90) (72) باب ذكر الله تعالى في كل الأحيان 720 - (335) (181) (145) حدَّثنا أَبُو كُرَيب مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى. قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْبَهِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 185 - (90) (72) باب ذكر الله تعالى في كل الأحيان أي في أوقات الحدث وأوقات الطهارة. 720 - (335) (181) (145) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (وإبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق الفرّاء الصغير الرازي أحد بحور العلوم، وكان أحمد ينكر على هن يقول فيه الصغير ويقول هو كبير في العلم والجلالة، قال ابن يونس: ثقة، وقال النسائي: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة عشرين ومائتين (220) روى عنه في (4) أبواب (قالا حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي مولاهم أبو سعيد الكوفي، وثقه العجلي والنسائي وابن المديني وقال: لم يكن بالكوفة بعد الثوري أثبت منه، وقال أيضًا: انتهى العلم إليه في زمانه، وقال في التقريب: ثقة متقن، من كبار (9) مات سنة (184) وله (93) سنة، روى عنه في (12) بابا (عن أبيه) زكرياء بن أبي زائدة الهمداني الوادعي أبي يحيى الكوفي، قال القطان: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: لين الحديث كان يدلس، وقال أبو داود: ثقة إلَّا أنه يدلس، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة وكان يدلس، من (6) مات سنة (149) روى عنه في (13) بابا (عن خالد بن سلمة) بن العاص بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي أبي سلمة الكوفي المعروف بالفَأْفاء لقبٌ لمن ينعقد لسانه عند الكلام، روى عن البهي في الوضوء، وابن المسيب والشعبي وموسى بن طلحة، ويروي عنه (م عم) وزكرياء بن أبي زائدة وشعبة والسفيانان، وثقه أحمد وابن معين وابن المديني، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، وقال في التقريب: صدوق رُمي بالإرجاء والنصب، من الخامسة قُتل سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة بواسط لَمَّا زالت دولة بني أمية، روى عنه في (1) باب (عن البهي) بفتح الموحدة وكسر الهاء وتشديد الياء عبد الله بن يسار القرشي الأسدي مولاهم مولى مصعب بن الزبير بن العوام أبي محمد الكوفي، قال يحيى بن معين وأبو علي الغساني وغيرهما قالوا: هو معدود في الطبقة الأولى من الكوفيين اهـ نووي، روى عن

عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عروة بن الزبير في الوضوء والفضائل، وفاطمة بنت قيس في الطلاق، وعائشة في الفضائل، ويروي عنه (م عم) وخالد بن سلمة وإسماعيل السُّدِّيُّ وإسماعيل بن أبي خالد، وثقه ابن حبان، وقال ابن سعد: كان ثقة معروفًا بالحديث، وقال أبو حاتم: لا يُحتج به وهو مضطرب الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من الثالثة، روى عنه في (4) أبواب (عن عروة) بن الزبير القرشي الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون واثنان مدنيان أو أربعة منهم كوفيون وواحد رازي (قالت) عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله) سبحانه وتعالى بما بدا له من الأذكار (على) كل حالاته من الطهارة والحدث والجلوة والخلوة والسر والجهر في (كل أحيانه) وأوقاته ليلًا ونهارًا، لا تمر عليه لحظة إلَّا هو يذكر الله تعالى سرًّا أو جهرًا. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري رواه تعليقًا [2/ 114] وأبو داود [18] والترمذي [3381] وابن ماجه [303]. وفي البذل: قوله (على كل أحيانه) المراد من عموم الأحيان حالة التطهر والحدث، سواء كان الحدث أصغر أو أكبر إلَّا أن الأكبر يحجزه عن قراءة القرآن، وأما الحدث الأصغر فلا يمنعه عن تلاوة القرآن وغيرها من الأذكار وكذلك حالة كشف العورة كالجماع وقضاء الحاجة من البول والغائط فإنه أيضًا لا يذكر الله تعالى في تلك الأحوال بل ولا يتكلم فيها مطلقًا إلَّا لبيان الجواز في حالة كشف العورة فالذي ورد من الحديث الدال على كراهة ذكر الله تعالى في تلك الحالة يُحمل على خلاف الأولى ويمكن أن يراد من ذكر الله عزَّ وجلَّ الذكر القلبي وهو المعبر عنه بالحضور فحينئذ يكون عموم الأحيان شاملًا لجميع أحيانه لا يستثنى منه حينٌ لأنه صلى الله عليه وسلم كان دائم الذكر لا ينقطع ذكره القلبي في يقظة ولا نوم ولا في وقتٍ ما، اهـ منه. قال النواوي: الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين، وإنما اختلف العلماء في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز قراءة القرآن للجنب والحائض فالجمهور على تحريم القراءة عليهما جميعًا ولا فرق عندنا بين آية وبعض آية فإن الجميع يحرم، ولو قال الجنب: بسم الله أو الحمد لله ونحو ذلك؛ إن قصد به القرآن حرم عليه؛ وإن قصد به الذكر أو لم يقصد شيئًا لم يحرم، ويجوز للجنب والحائض أن يُجْرِيَا القرآن على قلوبهما وأن ينظرا في المصحف، ويستحب لهما إذا أرادا الاغتسال أن يقولا: بسم الله؛ على قصد الذكر، وفي الأبي: وفي روايةٍ عن مالك تقرأ الحائض القرآن لطول أمرها دون الجنب لقدرته على التطهير، وجوَّز قراءتهما النخعي وابن سيرين والشعبي وعبد الله بن عمرو بن العاص محتجين بآية {إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ولا حجة لهم في هذا الحديث لأن عموم أحيانه مخصوص بعدم رده السلام في الحديث المتقدم، اهـ. قال النووي: واعلم أنه يكره الذكر في حالة الجلوس على البول والغائط وفي حالة الجماع، وقد قدمنا بيان هذا قريبًا في آخر باب التيمم، وبينا الحالة التي تستثنى منه، وذكرنا هناك اختلاف العلماء في كراهته فعلى قول الجمهور أنه مكروه ويكون الحديث مخصوصًا بما سوى هذه الأحوال، ويكون معظم المقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى متطهرًا ومحدثًا وجنبًا وقائمًا وقاعدًا ومضطجعًا وماشيًا، والله أعلم. ***

186 - (91) (73) باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور

186 - (91) (73) باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور 721 - (336) (182) (146) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. وَقَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيرِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 186 - (91) (73) باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور 721 - (336) (182) (146) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) أبو زكرياء النيسابوري (وأبو الربيع) سليمان بن داود العتكي (الزهراني) البصري ثقة، لم يتكلم فيه أحد بحجة، من (10) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بجملة قوله (قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد وقال أبو الربيع حدثنا حماد) لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه من شيخهما أي قالا: روى لنا حماد بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري مولى جرير بن حازم، قال ابن مهدي: ما رأيت أحدًا أحفظ منه ولا أحدًا أفقه منه بالبصرة ولم أر أعلم منه بالسنة، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من كبار (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا (عن عمرو بن دينار) الجمحي مولاهم أبي محمد المكي الأثرم بالمثلثة قال مسعر: كان ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (4) مات سنة (126) روى عنه في (22) بابا (عن سعيد بن الحويرث) ويقال ابن أبي الحويرث مولى السائب أبي زيد المكي، روى عن ابن عباس في الوضوء، ويروي عنه (م س) وعمرو بن دينار وابن جريج، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن حبان، وله عندهم فرد حديث، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان بصريان أو بصري ونيسابوري (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء) أي من موضع قضاء الحاجة، والخلاء: بالمد والفتح اسم لموضع الحدث، سُمي خلاءً لخلوه من الناس. وبالكسر والمد عيب في الإبل مثل الحَرَّان في الخيل. وبالفتح والقصر الحشيش الرطب وهو أيضًا حسن الكلام، ومنه قولهم هو حلو الخلا أي حسن الكلام، ذكر ذلك الفارسي

فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ فَقَال: "أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَتَوَضَّأَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ في باب المقصور والممدود من الإيضاح. (فأُتي) بصيغة المجهول أي أتي النبي صلى الله عليه وسلم (بطعام) أي بمأكول (فذكروا) أي ذكر الحاضرون عنده، وفي بعض النسخ فذكر بتوحيد الفعل (له الوضوء) بضم الواو أي طلبوا منه الوضوء لأجل الأكل. قال النووي: المراد بالوضوء الوضوء الشرعي الذي شرع للصلاة، وحمل القاضي عياض على اللغوي الذي هو غسل الكفين، وحكى اختلاف العلماء في كراهة غسل الكفين قبل الطعام واستحبابه، وحكى الكراهة عن مالك والثوري، والظاهر أن المراد الوضوء الشرعي اهـ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم إنكارًا عليهم أ (أريد) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي هل أريد وأقصد (أن أصلي) الصلاة (فأتوضأ) لها بالنصب عطفًا على أصلي أي هل وُجِدَ إرادتي الصلاة فوضوئي لها؛ أي لم يوجد مني قصد الصلاة فلا وضوء علي لأن الطعام لا يحتاج إلى الوضوء، والمعنى: الوضوء يكون لمن أراد الصلاة وأنا لا أريد أن أصلي الآن (قلت) ولا شك في استحباب تنظيف اليد بغسلها قبل الطعام عقلًا لأن اليد لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال، والعقل حجة شرعية كالسمع بل أقوى كما في مرآة الأصول في بحث القضاء بمثل غير معقول على أن الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادةٌ؛ لأن ما يستعان به على العبادات عبادة؛ فهو بهذا الاعتبار بمنزلة الطهارة من الصلاة فيُقَدَّم عليه، وأيضًا أن فيه اسقبالًا للنعمة بالأدب وذلك شكر للنعمة ووفاء بحرمة الطعام المنعم به، والشكر يوجب المزيد؛ وهو معنى ما ورد إن الوضوء يعني غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر، وكرهه الإمام مالك لكونه من فعل الأعاجم، وفي الحديث ما يردُّ عليه، انظر التيسير في شرح قوله صلى الله عليه وسلم "بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده" وراجع آداب الأكل من الإحياء اهـ من الهامش. قال النووي: اعلم أن العلماء مجمعون على أن للمحدث أن يأكل ويشرب ويذكر الله سبحانه وتعالى ويقرأ ويجامع ولا كراهة في شيء من ذلك، وقد تظاهرت على ذلك كله دلائل السنة الصحيحة المشهورة مع إجماع الأمة، وقد قدمنا أن أصحابنا رحمهم الله تعالى اختلفوا في وقت وجوب الوضوء: هل هو بخروج الحدث ويكون وجوبًا موسعًا، أم لا يجب إلَّا بالقيام إلى الصلاة، أم يجب بالخروج والقيام؟ فيه ثلاثة أوجه أصحها عندهم الثالث. والله أعلم اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

722 - (00) (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيرِثِ. سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَ مِنَ الْغَائِطِ، وَأُتِيَ بِطَعَامِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلا تَوَضَّأُ؟ فَقَال: "لِمَ؟ أَأُصَلِّي فَأَتَوَضَّأُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 722 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون الهلالي الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن سعيد بن الحويرث) المكي مولى السائب بن يزيد الكندي، قال (سمعت ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما حالة كونه (يقول كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن عيينة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة في بعض الكلمات (فجاء) النبي صلى الله عليه وسلم (من الغائط) أي من موضع قضاء الحاجة، وهو في الأصل الموضع المنخفض المطمئن (وأُتِيَ) بضم أوله على صيغة المبني للمفعول أي أتي النبي صلى الله عليه وسلم (بطعام) أي أتاه آت بطعام (فقيل له) صلى الله عليه وسلم (ألا توضأ) برفع الفعل لأنه مضارع توضأ الخماسي، أصله تتوضأ فحذفت إحدى التاءين للتخفيف وألَا بالتخفيف حرف عرض وهو الطلب برفق ولين كقولهم ألا تَنْزِل عندنا. قال النووي: والمراد به الوضوء الشرعي بدليل ما بعده أي ألا تتوضأ للأكل وضوء الصلاة (فقال) صلى الله عليه وسلم إنكارًا على القائل (لِمَ) أتوضأ بكسر اللام الجارة وفتح الميم لأنها ما الاستفهامية التي دخلت عليها حرف الجر فحذفت ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة، وحذْفُ ألفها دليل على أنها استفهامية لا موصولة كما هو مقرر في محله (أأصلي) بهمزتين أولاهما مفتوحة للاستفهام، والثانية مضمومة للمضارعة أي هل أريد الصلاة (فأتوضأ) لأجلها بنصب الفعل بأن المضمرة بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام فالمصدر المنسبك معطوف على المصدر المتصيد من جملة الاستفهام من غير سابك لإصلاح المعنى، والتقدير هل إرادة الصلاة موجودة مني فوضوئي لها، والاستفهام للإنكار بمعنى النفي. وفي المفهم: قوله "أأصلي فأتوضأ" إنكار على من عرض عليه غسل اليدين قبل الطعام، وبه استدل مالك على كراهة ذلك، وقال: إنه من

723 - (00) (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيرِثِ، مَوْلَى آلِ السَّائِبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَال: ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَائِطِ، فَلَمَّا جَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل الأعاجم، وقال مثله الثوري وقال: لم يكن من فعل السلف، وحمله غيرهما على إنكار كونه واجبًا محتجًا بحديث رواه أبو داود وغيره عنه صلى الله عليه وسلم "الوضوء قبل الطعام وبعده بركة" رواه أبو داود [3761] والترمذي [1847] من حديث سلمان الفارسي، وهذا القول الأخير هو القول السديد والأَولى بالاعتبار، ولا يخفى على أحد ما في غسل اليدين قبل الطعام من الفوائد الصحية والنظافة التي هي مما يدعو إليه العقل وديننا الحنيف اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 723 - (00) (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري قال (أخبرنا محمد بن مسلم) بن سُنَين بنونين مصغرًا، وقيل بن سويس بواو مصغرًا، وقيل غير ذلك (الطائفي) روى عن عمرو بن دينار في الوضوء، وإبراهيم بن ميسرة، ويروي عنه (م عم) ويحيى بن يحيى وابن مهدي وعبد الرزاق وقتيبة وخلق، قال ابن معين: ثقة يخطئ إذا حدث من حفظه، وقال أحمد: ما أضعف حديثه، وقال أبو داود: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الحادية عشرة (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن سعيد بن الحويرث) الكندي مولاهم (مولى آل السائب) بن يزيد الكندي أبي يزيد المكي (أنه) أي أن سعيد بن الحويرث (سمع عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد طائفي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن مسلم الطائفي لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن الطائفي مختلف فيه لا يصلح لتقوية المتابَع، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث. (قال) وفي بعض النسخ (يقول) أي سمعت ابن عباس يقول (ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغائط) أي إلى موضع قضاء الحاجة (فلما جاء) رسول الله

قُدِّمَ لَهُ طَعَامٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا تَوَضَّأُ؟ قَال: "لِمَ، أَلِلصَّلاةِ؟ ". 724 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حُوَيرِثٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ الْخَلاءِ فَقُرِّبَ إِلَيهِ طَعَامٌ فَأَكَلَ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم من الغائط (قُدِّم له طعام) ليأكل (فقيل) له (يا رسول الله) وفي بعض النسخ (أيا رسول الله) بزيادة الهمزة قبل الياء فتكون أيا حرف نداء أيضًا (ألا توضأ) الوضوء الشرعي كما قاله النواوي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم) أي لأجل ما أتوضأ (1) أتوضأ (للصلاة) لا لأن الصلاة لم يحضر وقتها، فدل الحديث بمنطوقه على جواز أكل المحدث الطعام مع حدثه وأنه لا كراهة فيه، وأن الوضوء للصلاة ليس على الفور. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 724 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة) بفتحات ابن أبي رواد العتكي الباهلي مولاهم أبو جعفر البصري، قال أبو داود: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يُغْرِب ويخالف، وقال في التقريب: صدوق، من (11) مات سنة (234) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني مولاهم البصري قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (9) مات سنة (212) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبي الوليد المكي ثقة فقيه، وكان يدلس ويرسل، من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابا (قال) ابن جريج (حدثنا سعيد ابن حويرث) المكي (أنه سمع ابن عباس يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته) بولا وغائطًا (من الخلاء) أي في الخلاء، إن قلنا إن الخلاء اسم لمكان قضاء الحاجة فمِن بمعنى في أو من بيانية على بابها إن قلنا إن الخلاء اسم للحدث الخارج (فقرب إليه) صلى الله عليه وسلم (طعام فأكل) منه (ولم يمس ماءً) أي لم يغسل الكفين ولم يتوضأ. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان بصريان، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن سعيد بن

قَال: وَزَادَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيرِثِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ لَمْ تَوَضَّأْ؟ قَال "مَا أَرَدْتُ صَلاةً فَأَتَوَضَّأَ" وَزَعَمَ عَمْرٌو؛ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيرِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحويرث، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للأولى في اللفظ (قال) أبو عاصم (وزادني عمرو بن دينار) على ابن جريج في روايته (عن سعيد بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له إنك) يا رسول الله (لم) بسكون الميم حرف جزم (توضأ) فعل مضارع مجزوم، أصله لم تتوضأ حذفت إحدى التاءين للتخفيف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابًا للقائل (ما أردت) ولا قصدت (صلاة فأتوضأ) بنصب الفعل بأن المضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي، والمصدر المنسبك من أن المصدرية ومدخولها معطوف على مصدر متصيد من الجملة المنفية، والتقدير لم يكن إرادتي الصلاة فوضوئي لها، وجملة قوله (وزعم عمرو) معطوفة على جملة قوله وزادني عمرو؛ أي وقال أبو عاصم أيضًا: زعم عمرو بن دينار أي قال عمرو بن دينار (أنه سمع) هذا الحديث (من سعيد بن الحويرث) وهذا رفع لما يتوهم من العنعنة من عدم الاتصال. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث ابن عباس وذكر فيه ثلاث متابعات. والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

187 - (92) (74) باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء

187 - (92) (74) باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء 725 - (337) (183) (147) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. وَقَال يَحْيَى أَيضًا: أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ. (فِي حَدِيثِ حَمَّادٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ. وَفِي حَدِيثِ هُشَيمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ). قَال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 187 - (92) (74) باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء 725 - (337) (183) (147) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة، من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه، من كبار (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا (وقال يحيى) بن يحيى (أيضًا) أي كما قال أولًا أخبرنا حماد فهو مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبًا لقيامه مقامه؛ تقديره آض يحيى أيضًا أي رجع إلى الإخبار ثانيًا رجوعًا، والجملة المحذوفة حال من يحيى أي قال يحيى حالة كونه آئضًا أي راجعا إلى الإخبار ثانيًا (أخبرنا هشيم) بن بشير بوزن عظيم بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من (7) مات سنة (183) روى عنه في (18) بابا (كلاهما) أي كل من حماد وهشيم رويا (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى، وثقه ابن سعد والعجلي والنسائي وابن معين، وقال أحمد: ثقة ثقة، من (4) مات سنة (130) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد نيسابوري أو اثنان بصريان وواحد واسطي وواحد نيسابوري (في حديث حماد) وروايته (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء) أي إذا أراد دخول الخلاء قبل دخوله لأن الذكر مكروه في الخلاء كما مر، والخلاء بالفتح والمد وكذا الكنيف والمرحاض والحُشُّ كلها موضع قضاء الحاجة، سمي خلاء لخلوه من الناس، كنى به عن الحدث لأنه يفعل في خلوة، وكنيفًا من الكنف؛ وهو الستر لأنه يستر قاضي الحاجة (وفي حديث هشيم) وروايته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الكنيف) أي الخلاء (قال: اللهم إني أعوذ بك) أي ألوذ بك وألتجئ إليك (من) شر (الخبث) وضررهم (و) من شر (الخبائث) وإذايتهن، والخُبُث

726 - (00) (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ)، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "أَعُوذ بِاللهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بضمتين وقد يخفف بإسكان وسطه جمع الخبيث كالسبل والسبيل وهم ذكران الشياطين، والخبائث جمع الخبيثة وهن إناثهم، وخص الخلاء لأن الشياطين تحضر الأخلية لأنه يهجر فيه ذكر الله تعالى أو تأكل الخارج لأنهم قذرون يحبون الأقذار اهـ من النهاية والمرقاة. وقيل الخبث الشياطين والخبائث البول والغائط، استعاذ أولًا من الشياطين لأنها تضاحك عند كشف العورة للبراز، فإذا ذكر الله تعالى هربت ثم استعاذ ثانيًا من البول والغائط أن يناله منهما أذى. وقال ابن الأعرابي: الخبيث في كلام العرب المكروه وهو ضد الطيب، قال أبو الهيثم: الخبث بالضم جمع خبيث وهو الذكر من الشياطين، والخبائث جمع خبيثة وهي الأنثى منهم، ويعني أنه صلى الله عليه وسلم تعوذ من ذكورهم وإناثهم ونحوه، قال الخطابي وقال الداودي: الخبُث الشياطين والخبائث المعاصي، وأما بسكون الباء فقيل فيه إنه المكروه مطلقًا، وقيل إنه الكفر والخبائث الشياطين قاله ابن الأنباري، وقيل الخبائث البول والغائط كما قال "لا تُدَافِعوا الأخبثين الغائط والبول في الصلاة" رواه الطحاوي في مشكل الآثار [2/ 405] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 99] والبخاري [142] وأبو داود [4] والترمذي [5] والنسائي [1/ 20] وابن ماجه [296]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 726 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (قالا حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي أبو بشر البصري، وأتى بهو في قوله (وهو ابن علية) اسم أمه إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا إسماعيل لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو حماد وهشيم أي حدثنا إسماعيل عن عبد العزيز عن أنس هذا الحديث السابق (و) لكن (قال) إسماعيل في روايته (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) بحذف اللهم وبإبدال الضمير بلفظ الجلالة. وهذا السند من رباعياته أيضًا رجاله ثلاثة بصريون وواحد إما كوفي أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن علية لحماد وهشيم في رواية هذا الحديث عن عبد العزيز بن صهيب، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة، وقد روى أبو داود في المراسيل عن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الخلاء قال "اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم" فأتى بالخبيث للجنس وأكده بالمُخْبِث، والعرب تقول خبيث مخبِثٌ ومخبثان إذا بالغت في ذلك. ويستنبط من هذا الحديث كراهة ذكر الله تعالى وقراءة القرآن في هذه المواضع المعتادة للحدث فلو لم يتعوذ عند الدخول ناسيًا فهل يتعوذ بعد الدخول أو لا؟ فعن مالك في ذلك قولان، وكرهه جماعة من السلف كابن عباس وعطاء والشعبي، وأجاز ذكر الله في الكنيف وعلى كل حال جماعةٌ منهم كعبد الله بن عمر وابن سيرين والنخعي متمسكين بحديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، وكذلك اختلفوا في دخول الخلاء بالخاتم فيه اسم الله تعالى. اهـ مفهم. ***

189 - (93) (75) باب الدليل على أن نوم القاعد لا ينقض الوضوء

189 - (93) (75) باب الدليل على أن نوم القاعد لا ينقض الوضوء 727 - (338) (184) (148) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيةَ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَجِيٌّ لِرَجُلٍ - ـــــــــــــــــــــــــــــ 189 - (93) (75) باب الدليل على أن نوم القاعد لا ينقض الوضوء 727 - (338) (184) (148) حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي، قال (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم (ابن علية) الأسدي أبو بشر البصري (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي بضمتين ثم لام مشددة مكسورة، قال أحمد وصالح ومسلمة: ثقة، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال في التقريب: صدوق يهم ورمي بالقدر، من صغار (9) مات سنة (236) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم أبو عبيدة البصري ثقة ثبت رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من (8) مات سنة (180) روى عنه في (8) أبواب (كلاهما) أي كل من إسماعيل وعبد الوارث رويا (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري الخزرجي أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذان السندان من رباعياته الأول منهما رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد نسائي، والثاني منهما رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد أُبُليٌّ (قال) أنس (أقيمت الصلاة) المكتوبة يومًا من الأيام أي أقام لها المؤذن لعله بلال (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم نَجيٌّ) أي مسار (لرجل) من المسلمين أي محدِّث معه محادثة سر لا يسمعه غيرهما، والمناجاة المحادثة سرًّا، يقال رجل نجي ورجلان نجي ورجال نجي يطلق بلفظ واحد على المفرد والجمع والمثنى، ومنه قوله تعالى {خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80] وقوله {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] قال المازري: ومناجاته كانت في مهم وتقديم النظر فيه أولى من المبادرة إلى الصلاة، قال (ع): فيجوز مثله ويكره الكلام بعد الإقامة في غير مهم، وفيه تناجي اثنين دون الجماعة، قال الأبي: ولم يذكر في الحديث أنه أعيدت الإقامة مع أنه قد طال الأمر حتى نام أصحابه، ولعله لم يطل الأمر، والمنصوص: أنه إن طال تأخير الصلاة

(وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ: وَنَبِي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِي الرَّجُلَ) - فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ. 728 - (00) (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيب؛ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِي رَجُلًا. فَلَمْ يَزَل يُنَاجِيهِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ أعيدت، واختلف في إعادتها إذا بطلت (وفي حديث عبد الوارث) وروايته (ونبي الله صلى الله عليه وسلم يناجي الرجل فما قام) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى الصلاة حتى نام القوم) الحاضرون قعودًا على هيئة انتظار الصلاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: 728 - (00) (00) (00) (وحدثنا عببد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري ثقة حافظ، من (10) مات سنة (237) روى عن أبيه فقط في مواضع كثيرة، قال (حدثني أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري ثقة متقن، من كبار (9) مات سنة (196) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الضري ثقة متقن إمام أئمة الجرح والتعديل وهو أول من تكلم في رجال الحديث، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري (سمع) عبد العزيز (أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري أبا حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لإسماعيل بن علية وعبد الوارث في رواية هذا الحديث عن عبد العزيز، وفائدتها تقوية السند الأول لأن شعبة أوثق منهما، وفيه تصريح سماع عبد العزيز من أنس، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة اللفظية (قال) أنس (أقيمت الصلاة) العشاء الأخيرة كما سيصرح بها في الرواية الأخيرة؛ أي أقام المؤذن لها (والنبي) أي والحال أن النبي (صلى الله عليه وسلم يناجي) ويحادث (رجلًا) سرًّا في أمر مهم من مصالح المسلمين (فلم يزل) أي لم يبرح رسول الله صلى الله عليه وسلم (يناجيه) أي يتحدث مع ذلك الرجل (حتى

نَامَ أَصْحَابُهُ. ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ. 729 - (00) (00) (00) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ)، حَدَّثنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُونَ، ثُم يُصَلُّونَ وَلا يَتَوَضَّؤُونَ. قَال: قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنٍ أَنَسِ؟ قَال: إِي وَاللهِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ نام أصحابه) قاعدين في صفوفهم ممكنين مقعدتهم يتساقط بعضهم على بعض (ثم) بعد فراغه من مناجاته مع الرجل (جاء) إلى أصحابه (فصلى بهم) العشاء الآخرة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 729 - (00) (00) (00) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، قال النسائي: ثقة مأمون قَلَّ شيخ رأيته بالبصرة مثله، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (248) روى عنه في (5) أبواب، قال (حدثنا خالد) بن الحارث بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، قال أبو زرعة: كان يقال له خالد الصدق، وقال ابن سعد وأبو حاتم والنسائي: إمام ثقة ثبت، من (8) مات سنة (186) روى عنه في (12) بابا، وأتى بهو في قوله (وهو ابن الحارث) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة مدلس، من (4) مات سنة (117) روى عنه في (25) بابا (قال) قتادة (سمعت أنسًا) ابن مالك. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون أيضًا، وغرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لعبد العزيز بن صهيب في رواية هذا الحديث عن أنس، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة حالة كون أنس (يقول كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون) قعودًا ممكنين المقعدة أو مضطجعين غير مستغرقين في النوم (ثم يصلون ولا يتوضؤون قال) شعبة (قلت) لقتادة أ (سمعته) أي أسمعت هذا الحديث (من أنس قال) قتادة (إي) حرف تصديق في الجواب بمعنى نعم أي نعم سمعته من أنس بأذني (والله) أي أقسمت لك بالله الذي لا إله غيره. وإنما قال شعبة لقتادة سمعته من أنس مع أنه قال أولًا سمعت أنسًا استثباتًا لسماعه

730 - (00) (00) (00) حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ؛ أنَّهُ قَال: أُقِيمَتْ صَلاةُ الْعِشَاءِ. فَقَال رَجُلٌ: لِي حَاجَةٌ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِيهِ، حَتَّى نَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن قتادة كان من المدلسين، وكان شعبة من أشد الناس ذمًا للتدليس، وكان يقول: الزنا أهون من التدليس. وقد تقرر أن المدلس إذا قال: عن؛ لا يحتج به، وإذا قال: سمعت؛ احتج به على المذهب الصحيح المختار، فأراد شعبة الاستثبات من قتادة في لفظ السماع، والظاهر أن قتادة علم ذلك من حال شعبة ولهذا حلف له، والله أعلم اهـ نووي، والتفصيل المذكور في المدلسين إنما هو في غير الصحيحين كما مر. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 730 - (00) (00) (00) حدثني أحمد بن سعيد بن صخر) بن سليمان بن سعيد بن قيس بن عبد الله (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم أبو جعفر المروزي ثقة حافظ، من (11) مات سنة (246) روى عنه في (8) أبواب، قال (حدثنا حبان) بفتحتين مع تشديد الموحدة بن هلال الباهلي أبو حبيب البصري، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت في البصرة، وقال النسائي والترمذي وابن معين: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا حجة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (9) مات سنة (216) روى عنه في (8) أبواب، قال (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي أبو سلمة البصري ثقة عدل إمام ثبت فقيه، من كبار (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني أبي محمد البصري، وثقه أحمد والنسائي والعجلي، وقال في التقريب: ثقة عابد، من (4) مات سنة (123) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ثابت لعبد العزيز بن صهيب وقتادة في رواية هذا الحديث عن أنس، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية السابقة في سوق الحديث (أنه) أي أن أنسًا (قال أقيمت صلاة العشاء) الآخرة ليلة من الليالي (فقال رجل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (لي) إليك يا رسول الله (حاجة) مهمة (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -) حالة كونه (يناجيه) أي يناجي ذلك الرجل ويتحدث معه سرًّا واستمر في المناجاة معه (حتى نام

الْقَوْمُ، (أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ)، ثُم صَلَّوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ القوم) المنتظرون للصلاة معه صلى الله عليه وسلم كلهم ونعسوا (أو) قال لي أنس حتى نام (بعض القوم) من النساء والصبيان، والشك من ثابت أو ممن دونه (ثم) بعدما فرغ من مناجاته مع الرجل جاء إليهم و (صَلَّوا) صلاة العشاء، ولم يذكر أنه أعيدت الإقامة، لعله لم يطل الزمن أو اكتفوا بالإقامة الأولى. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس رضي الله عنه وذكر فيه ثلاث متابعات. وأما فقه هذا الحديث ففيه جواز مناجاة الرجل بحضرة الجماعة وإنما نهي عن ذلك بحضرة الواحد، وفيه جواز الكلام بعد إقامة الصلاة لا سيما في الأمور المهمة ولكنه مكروه في غير المهم، وفيه تقديم الأهم فالأهم من الأمور عند ازدحامها فإنه صلى الله عليه وسلم إنما ناجاه بعد الإقامة في أمر مهم من أمور الدين مصلحته راجحة على تقديم الصلاة، وفيه أيضًا أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء وهذه المسألة المقصودة من الترجمة، وقد اختلف العلماء فيها على مذاهب: أحدها: أن النوم لا ينقض الوضوء على أي حال كان، وهذا محكي عن أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز وحميد الأعرج وشعبة. والمذهب الثاني: أن النوم ينقض الوضوء بكل حال وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبي عبيد القاسم بن سلام واسحاق بن راهويه وهو قول غريب للشافعي قال ابن المنذر: وبه أقول، قال: وروي معناه عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. والمذهب الثالث: أن كثير النوم ينقض الوضوء بكل حال وقليله لا ينقض بحال؛ وهذا مذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه. والمذهب الرابع: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء أكان في الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه انتقض؛ وهذا مذهب أبي حنيفة وداود وهو قول للشافعي غريب. والمذهب الخامس: أنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد روي هذا عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمذهب السادس: أنه لا ينقض إلا نوم الساجد، وروي أيضًا عن أحمد رحمه الله تعالى. والمذهب السابع: أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال، وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعي. والمذهب الثامن: أنه إذا نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا انتقض سواء قل أو كثر سواء كان في الصلاة أو خارجها وهذا مذهب الشافعي، وعنده أن النوم ليس حدثًا في نفسه وإنما هو دليل على خروج الريح، فإذا نام غير ممكن المقعدة غلب على الظن خروج الريح فجعل الشرع هذا الغالب كالمحقَّق، وأما إذا كان ممكنًا فلا يغلب على الظن الخروج، والأصل بقاء الطهارة وقد وردت أحاديث كثيرة في هذه المسألة يستدل بها لهذه المذاهب وليس المقصود هنا الإطناب بل الإشارة إلى المقاصد، والله أعلم. وقد اتفقوا على أن زوال العقل بالجنون أو الإغماء أو السكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء ينقض الوضوء سواء قل أو كثر سواء كان ممكن المقعدة أو غير ممكنها، قال أصحابنا: وكان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعًا للحديث الصحيح عن ابن عباس قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ. (خاتمة): قال الشافعي والأصحاب: لا ينتقض الوضوء بالنعاس وهو السنة، قالوا: وعلامة النوم أن فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيرها من الحواس، وأما النعاس فلا يغلب على العقل، وإنما تفتر فيه الحواس من غير سقوطها، ولو شك هل نام أو نعس؟ فلا وضوء عليه، ويستحب أن يتوضأ. ولو تيقن النوم وشك هل نام ممكن المقعدة من الأرض أم لا؟ لم ينتقض وضوؤه، ويستحب أن يتوضأ. ولو نام جالسًا ثم زالت أليتاه أو إحداهما عن الأرض فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوؤه لأنه مضى عليه لحظة وهو نائم غير ممكن المقعدة، وإن زالت بعد الانتباه أو معه أو شك في وقت زوالها لم ينتقض وضوءه. ولو نام ممكنًا مقعدته من الأرض مستندًا إلى الحائط أو غيره لم ينتقض وضوؤه سواء كانت بحيث لو رفع الحائط لسقط أو لم يكن. ولو نام محتبيًا ففيه ثلاثة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أوجه أحدها: لا ينتقض كالمتربع، والثاني: ينتقض كالمضطجع، والثالث: إن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق أليتاه على الأرض انتقض، وإن كان ألحم البدن بحيث ينطبقان لم ينتقض. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة اهـ من النواوي. وهذا آخر ما أردنا إيراده وشرحه في هذا المجلد الرابع، وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة من الأصول والشواهد مائة وأربعة وثمانون حديثًا (184) وجملة ما في كتاب الطهارة من الأحاديث المذكورة مائة وثمان وأربعون حديثًا، وجملة ما فيه من الأبواب ثلاثة وتسعون (93) بابا، وجملة ما في كتاب الطهارة من الأبواب خمسة وسبعون بابا (75) وجملة ما شرحنا من الأحاديث الغير المكررة من أول الكتاب إلى هنا (338) ثلاثمائة وثمان وثلاثون، ومع المكررة (728) سبعمائة وثمانية وعشرون حديثًا، وجملة ما مر لنا من أول الكتاب إلى هنا من الأبواب مائة وتسعة وثمانون بابا (189) ومن الكتاب كتابان فقط: كتاب الإيمان وكتاب الطهارة. وجملة ما مر لنا من رباعياته (38) ثمانية وثلاثون سندًا، ومن ثمانياته أحد وعشرون سندًا، ومن تساعياته اثنان فقط واحد في كتاب الإيمان وواحد في كتاب الطهارة، والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا آخر ما أكرمني الله به من هذا المجلد بإتمامه في تاريخ: 28/ 3 / 1421 هـ أوائل ليلة الجمعة ليلة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول من شهور سنة ألف وأربعمائة وإحدى وعشرين سنة من الهجرة المصطفية عليه أفضل الصلاة وأزكى التحية، بعدما وفقني بابتدائه في تاريخ 18/ 8 / 1420 هـ اليوم الثامن عشر من الشهر الثامن من شهور سنة 18/ 8 / 1420 هـ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، بعدما عاقني منه العوائق ومنعني المعائق، لأن العوائق لمن في الدنيا شقائق، وما أحسن قول من قال: وهذا آخر ما أكرمني الله به من هذا المجلد الرابع (¬1) بإتمامه في تاريخ: 28/ 3 / ¬

_ (¬1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1421 هـ أوائل ليلة الجمعة ليلة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول من شهور سنة ألف وأربعمائة وإحدى وعشرين سنة من الهجرة المصطفية عليه أفضل الصلاة وأزكى التحية، بعدما وفقني بابتدائه في تاريخ 18/ 8 / 1420 هـ اليوم الثامن عشر من الشهر الثامن من شهور سنة 18/ 8 / 1420 هـ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، بعدما عاقني منه العوائق ومنعني المعائق، لأن العوائق لمن في الدنيا شقائق، وما أحسن قول من قال: محن الزمان كثيرة لا تنقضي ... وسروره يأتيك كالأعياد الحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد البريات، سيدنا محمد منبع العلوم ومقبس الحكمات، وعلى آله وأصحابه ذوي المقامات السنية، وأتباعهم على ضوء السنن والملَّة الحنيفية، إلى يوم المحاسبة والعرض على رب البرية. آمين آمين يا رب العالمين. لا تَكشِفَنْ من مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله سترًا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا آخر: تساوى الكل منا في المساوي ... فافضلنا فتيلًا ما يساوي هل الدنيا وما فيها جميعًا ... سوى ظل يزول مع النهار تم المجلد السادس من الكَوْكَبِ الوَهَّاجِ عَلَى مُسْلِم بْنِ الحَجَّاجِ ويليه المجلد السابع وأوله كتاب الصلاة

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء السابع دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

ما أَشرقَ بالكوكبِ الوَهَّاج ... في بُرْجِ سَمَا ابنِ الحجَّاج أنَارَ لِذَوي الابتِهَاج ... في الرَّوْضِ الأُنُفِ البَهَّاجِ فيَا لَهُ إِنارةَ الدَّيَاجِي ... عن كُلِّ مُشْكِلٍ فيه وَلَّاجِ ألا أيُّها الإِخْوانُ صَلُّوا وسَلِّمُوا ... على المصطفى في كُلّ وَقْتٍ وساعةٍ فإِنّ صلاةَ الهاشمي محمدِ ... تُنْجِي من الأَهْوالِ يَوْمَ القِيامة آخر: يَا مَنْ يُجِيبُ دعاءَ المُضطرِّ في الظُّلَمِ ... يا كَاشِفَ الضرِّ والبَلْوى مع السَّقَمِ شَفِّع نَبِيَّكَ في ذُلِّي ومَسْكَنَتِي ... وَاسْتُرْ فَإِنَّكَ ذُو فَضْلٍ وذُو كَرَمِ آخر: ومِنْ عَجَبِ الأيَّامِ أنكَ قَاعِدُ ... على الأَرضِ في الدُّنْيَا وَأَنْتَ تَسِيرُ فَسَيرُكُ يا هَذا كسَيرِ سَفِينةٍ ... بِقَوْمٍ قُعودٍ والقُلُوبُ تَطِيرُ آخر: إِذا المَرْءُ كانَتْ له فِكْرة ... ففي كُلِّ شيءٍ له عِبْرةُ

كتاب الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم (3) كتاب الصلاة ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله الذي شرح صُدورَ أصفيائه، بمعاني سُنَنِ خيرِ أنبيائه، وفَتَح قُفْلَ قلُوبهم بمفاتيحِ الفيوضاتِ، ومَتَّعهم بصُنُوفِ المعارِفِ الإلهيات، وأَذاقَهم كُؤُوسَ ودَادِه الشَّافِيات، الَّتي مَنْ ذاقها رَمَى الدنيا، خَلْفَ القفا، وسَلَك طريقَ المصطفى. والصلاةُ والسلامُ على مَنْبَعِ الحِكَم والأَحكام، سيدنا محمد علَم الهُدى ومَنَارِ الإسلام، وعلى آله الساداتِ الكِرام، وأصحابه الأئمَّةِ الأعلام، وتابعِيهم إلى يوم العَرْضِ ِوالقيام، ما طَلَع وناء نَجْمٌ في دُجَى الظلام، وتَشمَّر دَاعِي اللهِ في نَادِي العِلْمِ وقام. أمَّا بعد: فلمَّا فرغْتُ من كتابة المجلد الرابع من شرحِ هذا الجامع الصحيح تفرَّغْتُ إِن شاء الله تعالى لِبدايَةِ تسطيرِ المجلد الخامس بقَلَم ما عندي من قطرات الفيض ورَشحات العلوم متبركًا بخدمةِ أحاديثِ الرسول صلى الله عليه وسلم فِيما بَقِيَ لي مِنْ بقَايا العُمْر مستمدًا من الله سبحانه التوفيق والسداد إلى أقوم طريق. فقلت: وقولي هذا: - (كتاب الصلاة) أي هذا كتاب معقود في بيان الأحاديث الواردة في الصلاة، قد تقدم لك في أول كتاب الإيمان أن الكتابَ اسم لجنس من العلم، والباب نوعٌ منه داخلٌ تَحْتَهُ فكتاب الصلاة هنا جنس يشمل جميع الأبواب المذكورة من هنا إلى كتاب الزكاة، والأصلُ في وجوبها قولُه تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي ائْتُوا بها مُقوَّمة مُعدَّلةً بحيثُ تكون مستوفيةً للشروط والأركان، وخبرُ "فَرض الله عليّ وعلَى أمتي خمسين صلاة فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيفَ حتى جَعلَها خمسًا" فكان في وقت الصبح عَشْر صلوات، وفي وقت الظهر كذلك وهكذا فنُسخت بمراجعتِه صلى الله عليه وسلم حتى صارت خمسًا، وكانت مراتُ المراجعة تسعًا وفي كل مرة يَحُطُّ سبحانه وتعالى خمسًا، وفُرضت الصلاةُ ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنةٍ وقيل بستةِ أشهر، وإنما لم يجب صُبْحُ يومها لاحتمالِ أن يكون

190 - (1) باب بدء الأذان

190 - (1) باب بدء الأذان ـــــــــــــــــــــــــــــ صُرِّح له بأنَّ أولَ واجبٍ صلاةُ الظهر ويؤيده أن جبريل - عليه السلام - لمَّا نزلَ ليعلِّمه الكيفيةَ بدأ بها فهي أول صلاةِ ظهرَتْ في الإسلام، وفيه إشارة إلى أن دِينهُ سيَظْهَرُ على سائرِ الأديان كظهورها على سائرِ الصلوات، وكانت عبادتُه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في غارِ حراء بالتفكُّرِ في مَصْنُوعات الله تعالى وإكرامِ مَنْ يمر عليه من الضيفان فكان يتعبَّدَ فيه اللياليَ ذواتِ العَدَد، واختار التعبُّدَ فيه دون غيره لأنه تُجاهَ الكعبة وهو يُحِبُّ رؤيتَها، ثُمَّ وَجَب عليه وعلينا قيامُ الليل، ثُمَّ نُسخ في حقنا وحقه أيضًا على الأصح بفَرْضِ الصلوات الخمس وهي أفضل العبادات البدنية الظاهرة ثم الصوم ثم الحج ثم الزكاة ففرْضُها أفضل الفروض ونفلها أفضل النوافل، وأفضل الصلوات صلاة الجمعة، ثم عصرها ثم عصر غيرها، ثم صبحها ثم صبح غيرها، ثم العشاء، ثم الظهر، ثم المغرب، وظاهر كلامهم استواء كل من هذه الثلاثة من الجمعة وغيرها وقد يظهر خلافه. وأفضل الجماعات جماعة الجمعة، ثم جماعة صبحها، ثم جماعة صبح غيرها، ثم جماعة العشاء، ثم جماعة العصر، ثم جماعة الظهر، ثم جماعة المغرب، والعبادات البدنية الباطنة كالتفكر والصبر والرضا بالقضاء والقدر أفضل من العبادات البدنية الظاهرة حتى من الصلاة فقد ورد "تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة" وأفضل الجميع الإيمان بالله تعالى. وهي لغة: الدعاء مأخوذة من صَلَّى إذا دعا، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وقيل مأخوذة من صَلَّيتُ العُودَ بالنار إذا قَوَّمْتَهُ بها لأن الصلاة تُقَوِّمَ الإنسان للطاعة، ومن ثم ورد في الخبر "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" أي كاملة، ولا يضر كون الصلاة واوية لأن أصلها صَلَوَةُ على وزن فَعَلَةُ تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا فصار صلاة لأنهم يأخذون الواويّ من اليائي والعكس؛ نحو البيع فإنه مأخوذ من الباع. وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة. 190 - (1) باب بدء الأذان أي هذا باب معقود في ذكر الأحاديث الواردة في بيان كيفية بدء الأذان أي استوائه، والأذان لغة: الإعلام، ومنه قوله تعالى: {مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ

731 (339) - (1) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، (وَاللَّفظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجِ: أَخْبَرَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] وقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ} وشرعًا: ألفاظ خصوصة، شرعت للإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة. والإقامة لغة: مصدر أقام الرباعي. وشرعًا: ألفاظ مخصوصة شرعت لاستنهاض الحاضرين إلى الصلاة. 731 - (339) (1) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه (الحنظلي) أبو يعقوب المروزي ثقة، من (10) مات سنة (238) روى عنه في (21) بابا، قال: (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البُرْساني بضم الموحدة وسكون الراء نسبة إلى برسان قبيلة من الأزد، أبو عثمان البصري، وثقه أبو داود وابن سعد وابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من (9) مات سنة (204) أربع ومائتين، روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد، من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني أحد الأئمة الأعلام، صاحب علم وفضل صاحب المصنف الشهير شيخ أحمد بن حنبل، قال ابن عدي: رحل إليه أئمة المسلمين وثقاتهم، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب (قالا) أي قال كل من محمد بن بكر وعبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي، ثقة فقيه مدلس مرسل، من (6) مات سنة (150) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمَّال بالمهملة، وثقه الدارقطني والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (10) العاشرة، مات سنة (243) روى عنه في (9) أبواب، وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (له) أي لهارون تورعًا من الكذب على غيره (قال) هارون (حدثنا حجاج بن محمد) مولى سليمان بن مجالد الأعورُ أبو محمد، الترمذيُّ الأصلِ ثم البغداديُّ ثم المِصِّيصي، ثقة ثبت لكنه اختلط في آخرِ عمره لما قدم بغداد قبل موته، من (9) مات ببغداد سنة (206) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات لبيان اختلاف مشايخ مشايخه (قال) حجاج بن محمد (قال ابن جريج أخبرني

نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ؛ أنَّهُ قَال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ. فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ. وَلَيسَ يُنَادِي بِهَا أَحَدٌ. فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا في ذلِكَ. فَقَال بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى ـــــــــــــــــــــــــــــ نافع) الفقيه العدوي مولاهم (مولى ابن عمر) أبو عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه مشهور، من (3) مات سنة (117) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المدني الصحابي المشهور من المكثرين. وهذه الأسانيد من خماسياته الأول منها رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، والثاني منها رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، والثالث منها رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بغداديان وواحد مدني. (أنه) أي أن ابن عمر (قال كان المسلمون حين قدموا المدينة) من مكة في الهجرة (يجتمعون فيتحينون) أي يقذرون حِينَ (الصلوات) ووَقْتَها لِيأتُوا إليها في الوقت. وعبارةُ المفهم: (فيتحينون) أي يقدرون أحيانَها وأوقاتها ليأتوا إليها في الوقت؛ والحينُ الوقتُ والزمانُ، وتشاورُهم في هذا دليل على مراعاتهم المصالحَ والعملَ بها وذلك أنهم لمَّا شقَّ عليهم التَحَيُّنُ بالتبكير فيفوتُهم عملُهم أو بالتأخير فتفوتُهم الصلاةُ نظَرُوا في ذلك فقال كل واحد منهم ما تيسر له من القول (وليس) الشأن (ينادي) بكسر الدال على صيغة المعلوم (بها) أي بالصلاة أحد، وفي رواية البخاري (لها) باللام (أحد) من المسلمين (فتكلموا) أي تكلمت الصحابة رضي الله عنهم (يومًا) من أيامهم (في ذلك) أي في شأن الاجتماع للصلاة. قال القاضي عياض: فيه التشاور في مهمات الدين والدنيا، قال النووي: فيبدي المشاورون ما عندهم ثم يفصِّل صاحب الأمر ما ظهرت له مصلحته، والصحيح عندنا وجوب المشاورة في حقه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ} لأن الأمر للوجوب عند المحققين وهي في حقنا سنة اهـ. (فقال بعضهم اتخذوا) بكسر الخاء على صيغة الأمر (ناقوسًا مثل ناقوس النصارى) الذي يضربونه لوقت صلاتهم من النقْسِ وهو الضرب، يجمع على نواقيس، وفي

وَقَال بَعْضُهُمْ: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَال عُمَرُ: أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاةِ؟ قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المنجد: الناقوس قطعة طويلة من حديد أو خشب يضربونها لأوقات صلاتهم اهـ. وفي السندي على ابن ماجه: الناقوس خشبةٌ طويلَةٌ تضرب بخشبة أصغر منها، اهـ. (وقال بعضهم) بل اتخذوا (قرنًا) أي بوقًا (مثل قرن اليهود) أي مثل بوق اليهود الذي يُنْفَخُ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، ويسمى الشَبُّور بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المضمومة، قال الأبي: وهذا اجتهاد منهم، ولا بد للمجتهد من مستند ومستندهم القياس على فعل اليهود والنصارى، ولولا أن فعل اليهود والنصارى حكم شرعي لم يصح القياس عليه إذ لا يصح القياس على ما ليس بشرعي ففيه: أن شرع من قبلنا شرع لنا. وقال آخرون: ما نرضى ذلك الذي قلتموه من الناقوس والقرن فإن الناقوس شعار النصارى والقرن شعار اليهود، فإن اتخذنا أحدهما التبست أوقاتنا بأوقاتهم (فقال عمر) بن الخطاب (أو لا تبعثون) الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، فالهمزة نافية لذلك المحذوف ومقررة لما بعدها حثًا وبعثًا اهـ أبي. والتقدير: أتقولون بموافقة اليهود والنصارى ولا تبعثون (رجلًا ينادي بالصلاة) أي ينادي بلفظٍ يصلُحُ للإعلام بحضور وقت الصلاة بأي لفظ كان لا بلفظ الأذان لأن لفظ الأذان لم يكن حينئذٍ، وإنما ثبت برؤيا عبد الله بن زيد رضي الله عنه فافترقوا على ذلك فرأى عبد الله بن زيد الأذان فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه رؤياه فصدَّقه فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لبلال، وفي رواية البخاري (فقال) بالفاء (يا بلال قم) أي اذهب إلى موضع بارز (فناد) فيه (بالصلاة) أي بالكلمات التي رآها عبد الله بن زيد في منامه ليسمعك الناس فيأتون إلى الصلاة فطلع بلال على سطح بيت أبي أيوب الأنصاري فاذن عليه وهو أول مكان وقع عليه الأذان في الإسلام كما بسطنا ذلك في تفسيرنا حدائق الروح والريحان، قال (ع): وعدوله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله الرائي إلى بلال؛ بَيَّن وجهه في الترمذي وأبي داود بقوله: "إنه أندى منك صوتًا" أي أرفع، وقيل أطيب، وفي بعض الطرق إنه لفظيع الصوت ففيه استحباب أن يكون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤذن حسن الصوت رفيعه، ويكره ما فيه غلظ وتكَلُّف. فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؟ أجيب: بأنه إنما خُصص برؤياه لما في ذلك من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم والرفع لذكره لأنه إذا كان على لسان غيره كان أرفع لذكره وأفخر لشأنه، على أنه روى أبو داود في المراسيل: أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال صلى الله عليه وسلم: "سبقك بها الوحي" اهـ قسط. وهذا التفسير الذي قررناه في حل المتن يزول به الإشكال الواقع في الجمع بين الروايات المتعارضة في أحاديث بدء الأذان، والله أعلم. قال القرطبي: (قوله قم يا بلال فناد بالصلاة) حجة لمشروعية الأذان والقيام فيه، وأنه لا يجوز أذان القاعد عند العلماء إلا أبا ثور وبه قال أبو الفرج من أصحابنا، وأجازه مالك وغيره لعلةٍ به إذا أذَّن لنفسه. ويحصل من الأذان إعلام بثلاثة أشياء: بدخول الوقت، وبالدعاء إلى الجماعة ومكان صلاتها، وبإظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد. واختلف في حكمه فقال داود والأوزاعي: وهو ظاهر قول مالك في الموطأ بوجوبه في المساجد والجماعات، وقيل إنه فرض على الكفاية وبه قال بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة في مساجد الجماعات والعشائر وهو المشهور من مذهب مالك وغيره، وسبب الاختلاف اختلافهم في قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: قم يا بلال فناد بالصلاة هل هو محمول على ظاهره من الوجوب أم هو مصروف عن ذلك بالقرائن أعني قرائن التعليم، وأما من صار إلى أنه على الكفاية فيراعي ما يحصل منه من الفوائد الثلاثة المتقدمة الذكر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [604]، والترمذي [190] والنسائي [2/ 2]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. * * *

191 - (2) باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة

191 - (2) -باب: الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة 732 - (340) (2) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. جَمِيعًا عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 191 - (2) باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة والشفع ضم الشيء إلى مثله وهو في العدد خلاف الوتر كالزوج في خلاف الفرد، والإيتار جعل العدد وترًا أي فردًا، والمراد هنا الإتيان بألفاظ الأذان زوجًا وبألفاظ الإقامة فردًا، وهذا في غير مذهب الأحناف فإن الإقامة عندهم مثل الأذان لحديث عبد الله بن زيد صاحب الرؤيا، قال الطحاوي: تواترت الآثار عن بلال أنه كان يُثَنِّي الإقامة حتى مات. واختلف الفقهاء في حكم الإقامة فعند مالك والشافعي وجمهور الفقهاء أنها سنة مؤكدة، وأنه لا إعادة للصلاة على تاركها، وعند الأوزاعي وعطاء ومجاهد وابن أبي ليلى أنها واجبة، وعلى من تركها الإعادة وبه قال أهل الظاهر، وروي عندنا أيضًا أن من تركها عمدًا أعاد الصلاة وليس ذلك لوجوبها إذ لو كان كذلك لاستوى سهوها وعمدها وإنما ذلك للاستخفاف بالسنن اهـ من المفهم. 732 - (340) (2) حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء، المقرئ أبو محمد البغدادي، قال النسائي: بغدادي ثقة، وقال الدارقطني: كان عابدًا فاضلًا، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (227) روى عنه في (3) أبواب، قال (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه، من كبار (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت إمام، من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي أبو بشر البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم والدته، ثقة، من (8) مات سنة (193) روى عنه في (15) بابا حالة كون كل من حماد وإسماعيل (جميعًا) أي مجتمعين في الروَايةِ (عن خالد) بن مهران بكسر الميم الخزاعي مولاهم أبي المنازل البصري المعروف بـ (الحذاء) ثقة ولكنه يرسل، من (5) مات سنة (142) روى عنه في (14) بابا (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال، من (3) مات بالشام

عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، ويوتِرَ الإِقَامَةَ. زَادَ يَحْيَى في حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَيُّوبَ. فَقَال: إلا الإِقَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (104) روى عنه في (11) بابا (عن أنس) بن مالك الأنصاري أبي حمزة البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم بصريون وواحد بغدادي، والثاني أربعة منهم بصريون وواحد نيسابوري (قال) أنس (أمر بلال) بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الهمزة على صيغة المبني للمفعول أي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه الآمر الناهي، وهذا هو الضواب خلافًا لمن زعم أنه موقوف، ورُدَّ بأن الخبر عن الشرع لا يحمل إلا على الرسول، وقد تقرر أن قول الصحابي أُمِرنا نهينا أو أمر ونهى في حكم الرفع لأن ذلك لا يكون إلا عن الشارع (أن يشفع الأذان) بفتح الياء التحتانية أي أن يجعل أكثر كلماته مثناة أي مكررة مرتين لأنه أبلغ في الإنداء، وهذا مجمع عليه الآن، وحكي في إفراده خلاف عن بعض السلف (ويوتر) أي وأن يفرد (الإقامة) أي أن يجعل جميع كلماتها وترًا أي فردًا أي مرة مرة إلا لفظَ الإقامة كما سيأتي التقييد به (زاد يحيى) بن يحيى التميمي (في حديثه) أي في روايته (عن) إسماعيل (بن علية) قال لنا إسماعيل (فحدثت به) أي بهذا الحديث الذي سمعته من خالد الحذاء (أيوب) بن أبي تميمة السختياني (فقال) أيوب أمر أن يوتر الإقامة (إلا) لفظ (الإقامة) أي زاد أيوب على خالد هذا الاستثناء أي إلا لفظ قد قامت الصلاة فإنه أُمر أن يشفعها أي يكررها مرتين، وهذا الذي ذكر من شفع الأذان وإيتار الإقامة مذهب الشافعي وأحمد، والمراد معظم كلماتها فإن كلمة التوحيد في آخر الأذان مفردة، والتكبير في أوله أربع ولفظ الإقامة مثنى، ولفظ الشفع يتناول التثنية والتربيع؛ فعلى مذهبهما كلمات الإقامة إحدى عشرة كلمة، وقال مالك في المشهور عنه: هي عشر كلمات لأنه لم يثنِّ لفظ الإقامة. وقال أبو حنيفة: الإقامة سبع عشرة كلمة فيثنيها كلها وهذا المذهب شاذ، والأذان بالترجيع تسع عشرة كلمة. والحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أبلغ في إعلامهم، والإقامة لاستنهاض الحاضرين إلى الصلاة فلا حاجة إلى تكرارها، ولهذا قال العلماء: يكون رَفْعٌ في الإقامةِ دُونَه في الأذان، وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه المقصود من الإقامة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [603]، وأبو داود [508] والترمذي [193]، والنسائي [3/ 2].

733 - (00) (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا وَقْتَ الصَّلاةِ بِشَيءٍ يَعْرِفُونَهُ. فَذَكَرُوا أَنْ يُنَوِّرُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا. فَأُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ ويوتِرَ الإِقَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: 733 - (00) (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) أبو يعقوب المروزي ثقة، من (10) قال (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) أبو محمد البصري ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين، من (8) مات سنة (194) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) الخزاعي أبو المنازل البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد البصري (عن أنس بن مالك) البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لحماد بن زيد وإسماعيل بن علية في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. (قال) أنس بن مالك (ذكروا) أي ذكر المسلمون وتشاوروا في (أن يعلموا) بضم أوله وكسر ثالثه (وقت الصلاة بشيء) أي يجعلوا لوقت صلاتهم علامة (يعرفونه) بها فيجتمعون فيه (فذكروا) في تلك العلامة (أن ينوِّرُوا نارًا) أي أن يظهروا نورها ولهبها وقت الصلاة كالمجوس (أو) للتنويع لا للشك أي أو أن (يضربوا ناقوسًا) كالنصارى فلم يتفقوا على واحد منهما فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو محمد المدني، شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها، رُؤي النداء للصلاة في النوم، وكانت رؤياه في السنة الأولى بعد بناء المسجد، قال الترمذي عن البخاري: لا يُعرف له إلا حديث الأذان وكذا قال ابن عدي، قال الحافظ: وقد وجدتُ له الأحاديث غير الأذان، مات سنة (32) هـ وقيل استشهد بأحد اهـ من البذل. فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأخبره (فأُمِر بلال) على صيغة المبني للمجهول أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا (أن يشفع) أي أن يثني معظم كلمات (الأذان) إلا التكبير أوله والتوحيد آخره (ويوتر الإقامة) أي فرد كلماتها إلا لفظ قد قامت الصلاة فإنه يكررها مرتين لأنه المقصود من الإقامة كما مر هذا مذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء.

734 - (00) (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، بِهذَا الإِسْنَادِ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِمُوا. بِمِثْلِ حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الخطابي: مذهب جمهور العلماء والذي جرى عليه العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الأذان شفع والإقامة فرادى إلا لفظ الإقامة فإنه يكرر عند عامة العلماء إلا مالكًا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 734 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي المروزي الأصل أبو عبد الله المؤدب، وثقه ابن عدي والدارقطني وابن حبان، وقال في التقريب: صدوق وربما وهم، من (10) مات سنة (235) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري أخو المعلَّى بن أسد، وثقه أحمد وأبو بكر وابن معين وابن سعد، وقال العجلي: هو أثبت الناس في حماد بن سلمة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (9) مات بعد المائتين أو قَبْلَهُمَا روى عنه في (13) بابا (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، قال أبو داود: ثقة، وقال العجلي: ثقة ثبت، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث حجة، وقال في التقريب: ثقة ثبت ولكنه تغير قليلًا بآخره، من (7) مات سنة (165) روى عنه في (12) بابا، قال (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) الخزاعي البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا وهيب لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو عبد الوهاب، والتقدير: حدثنا وهيب عن خالد بهذا الإسناد يعني عن أبي قلابة عن أنس الحديث المذكور عن عبد الوهاب. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلا محمد بن حاتم فإنه بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة وهيب بن خالد لعبد الوهاب الثقفي في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة بين الروايتين، قال أنس بن مالك. (لما كثر الناس) أي المسلمون في المدينة بتشديد الميم في لما لأنها شرطية جوابها (ذكروا) أي ذكر الناس أي اجتمعوا وتشاوروا في (أن يُعْلِموا) بضم أوله وكسر ثالثه من أعلم الرباعي أي تشاوروا في أن يجعلوا علامة لدخول وقت صلاتهم، وقوله (بمثل حديث

الثَّقَفِيِّ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: أَنْ يُورُوا نَارًا. 735 - (00) (00) (00) وحدّثني عُبَيدُ اللهِ بن عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بن سَعِيدٍ وَعَبْدُ الوَهَّابِ بن عَبْدِ الْمَجِيدِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشفَعَ الأَذَانَ، ويوتِرَ الإِقَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقفي) متعلق بحدثنا وهيب أي حدثنا عن خالد بمثل ما حدث الثقفي عن خالد (غير أنه قال) هذا استثناء من المماثلة أي لكن أن وهيبًا قال في روايته ذكروا (أن يُورُوا نارًا) أي أن يوقدوا نارًا ويشعلوها لإعلام دخول وقت صلاتهم نظير قوله تعالى: {أَفَرَأَيتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)} أي توقدون من الزَّنْد؛ يقال: أوريت النار أي أشعلتها، قال وهيب: أن يوروا نارًا بدل قول الثقفي (أن يُنَوِّرُوا نارًا) وهو اختلاف لفظي بيَّنَه تورعًا من الكذب. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال: 735 - (00) (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم (القواريري) أبو شعيب البصري، وثقه العجلي والنسائي وابن معين، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (10) مات سنة (235) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي العنبري أبو عيدة البصري، قال أبو زرعة: ثقة، وقال النسائي: ثقة ثبت، وقال ابن سعد: كان ثقة حجة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من (8) مات سنة (180) روى عنه في (8) أبواب (وعبد الوهاب بن عبد المجيد) الثقفي البصري (قالا) أي قال كل من عبد الوارث وعبد الوهاب (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي أبو بكر البصري، قال ابن سعد: كان ثقة ثبتًا إمامًا حجة جامعًا كثير العلم، وقال في التقريب: ثقة ثبت حجة، من (5) مات سنة (131) روى عنه في (17) بابا (عن أبي قلابة عن أنس قال) أنس (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة). وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة أيوب لخالد الحذاء في رواية هذا الحديث عن أبي قلابة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لاختلاف الروايتين لأن رواية أيوب مختصرة، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس، وذكر فيه ثلاث متابعات. * * *

192 - (3) باب صفة الأذان أي كيفيته وصيغته

192 - (3) باب: صفة الأذان أي كيفيته وصيغته 736 (341) - (3) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال أَبُو غَسَّانَ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ. وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَامِر ٍالأَحْوَلِ، عَنْ مَكْحُولٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 192 - (3) باب صفة الأذان أي كيفيته وصيغته 736 - (341) (3) (حدثني أبو غسان المسمعي) بكسر الميم الأولى بعدها مهملة ساكنة وفتح الثانية نسبة إلى أحد أجداده مسمع بن ربيعة (مالك بن عبد الواحد) البصري، قال ابن حبان في الثقات: يغرب، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (230) روى عنه في (9) أبواب (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي ثقة، من (10) وفائدة هذه المقارنة تقوية السند لأن المسمعي قيل فيه إنه يغرب، وأتى بجملة قوله (قال أبو غسان حدثنا معاذ، وقال إسحاق أخبرنا معاذ) لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه أي قال كل منهما روى لنا معاذ (بن هشام) بن أبي عبد الله سنبر أبو عبد الله البصري، قال ابن معين: صدوق وليس بحجة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ليس بذاك القوي، وقال ابن قانع: ثقة مأمون، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من (9) مات بالبصرة سنة (200) روى عنه في (4) أبواب. وقوله: (صاحب الدستوائي) مجرور على أنه صفة لهشام ولا يصح رفعه على أنه صفة لمعاذ لأن الدستوائي ليس نسبة لمعاذ بل لهشام كما صرح به الإمام مسلم في حديث الشفاعة، وقد بسطنا الكلام عليه هناك فراجعه، وقوله (وحدثني أبي) معطوف على محذوف تقديره: قال معاذ بن هشام حدثني أبي حديث كذا كذا وحدثني أبي أيضًا عن عامر الأحول هذا الحديث الآتي؛ أي حدثني أبي هشام بن أبي عبد الله الدستوائي أبو بكر البصري، قال العجلي: ثقة ثبت، وقال في التقريب: ثقة ثبت وقد رمي بالقدر، من كبار (7) مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب. (عن عامر) بن عبد الواحد (الأحول) البصري، روى عن مكحول في الصلاة وشهر بن حوشب، ويروي عنه (م عم) وهشام الدستوائي وابن أبي عروبة، وثقه أبو حاتم، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من السادسة (عن مكحول) الهذلي مولاهم مولى امرأة منهم أبي عبد الله

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَيرِيزٍ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ هَذَا الأذانَ "اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدمشقي قيل: كان عبدًا لسعيد بن العاص فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر، وكان نوبيًّا ثم تحول إلى دمشق فسكنها، وكان من فقهاء أهل الشام، روى عن عبد الله بن محيريز في الصلاة، وسليمان بن يسار في الزكاة، وشرحبيل بن السمط في الجهاد، وأبي ثعلبة الخشني في الصيد، ويروي عنه (م عم) وعامر الأحول وأيوب بن موسى والعلاء بن الحارث، كان سليمان بن يسار يقول: إذا جيء بالعلم من الشام عن مكحول قبلناه، وقال ابن إسحاق: سمعت مكحولًا يقول: طفت الأرض كلها لطلب العلم، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور، من الخامسة مات سنة (113) ثلاث عشرة ومائة. (عن عبد الله بن محيريز) بضم الميم ثم حاء مهملة وراء مكسورة آخره زاي مصغرًا بن جنادة بن وهب القرشي الجمحي بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة أبي محيريز المكي ثم الشامي، كان يتيمًا في حجر أبي محذورة بمكة ثم نزل بيت المقدس، قال ابن خراش: كان من خيار الناس وثقات المسلمين، وقال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الثالثة، مات سنة (99) روى عنه في (3) أبواب. (عن أبي محذورة) القرشي الجمحي المكي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة اسمه مِعْيَرٌ بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتانية، وفي اسمه واسم أبيه أقوال؛ بن مَعِين بن مُحيريز وقيل أوسُ بن مِعْيَر بن لُوذَان أبي ربيعة بن عُوَيجٍ بن سَعْد بن جُمَح وقيل سُلَيمان بن سَخْبرة وقيل سَلَمة بن مِعْيَر، أسلَم بعد حنين وتُوفي بمكة وتوارثَتْ ذريتُه الأذانَ منه، روى عنه عبدُ الله بن مُحيريز في الصلاة له أحاديث انفرد (م) بحديثٍ، ويروي عنه (م عم) وابنهُ عبدُ الملك، قال الطبريّ: مات سنة (59) تسع وخمسين، وكان أحسن الناس أذانًا وأنداهم صوتًا. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم شاميان وواحد مكي وأربعة بصريون أو ثلاثة بصريون وواحد مروزي، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض عامر عن مكحول عن ابن محيريز. (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه) أي علم أبا محذورة (هذا الأذان) المذكور بقوله (الله كبر الله كبر) أي قُلْ يا أبا محذورة إذا أردت الأذان (الله أكبر الله أكبر) قال

أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ. أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ". ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النواوي: هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول في أوله (الله أكبر الله أكبر) مرتين فقط، ووقع في غير مسلم الله أكبر أربع مرات، قال (ع) ووقع في بعض طرف الفارسي في صحيح مسلم أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهورُ فيه، التَّرْبِيعُ وبالتربيع قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء، وبالتثنية قال مالك واحتج بهذا الحديث وبأنه عملُ أهل المدينة وهم أعرفُ بالسنن المتواترة عن أذان بلال وهو آخر أذانه والذي توفي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، واحتج الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وبالتربيع عمِل أهلُ مكة وهي مَجْمَعُ المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم والله أعلم. اهـ نووي. وقُلْ بصوت منخفض مسموع للناس (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله) مرتين و (أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله) مرتين (ثم يعود) المؤذن إلى الشهادتين بصوت مرتفع (فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله) مرتين ويقول (أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله) مرتين، والسنة عند المالكية والشافعية أن يزيد المؤذن النطق بالشهادتين بصوت منخفض مسموع للناس قبل الإتيان بهما بصوت مرتفع إلا أن المالكية يسمون النطق بهما بصوت مرتفع ترجيعًا، والشافعية يسمون النطق بهما بصوت منخفض ترجيعًا. قال القرطبي: (قوله ثم يعود فيقول ... ) الخ فهذا هو الترجيع الذي قال به مالك والشافعي وجمهور العلماء على مقتضى حديث أبي محذورة واستمرار أهل المدينة وتواتر نقلهم (عن أذان بلال) وذهب الكوفيون إلى ترك الترجيع على ما جاء في حديث عبد الله بن زيد أوَّلَ الأذان وما استقر عليه العمل وهو آخر الفعلين أولى، وذهب أهل الحديث أحمد وإسحاق والطبري وداود إلى التخيير في الأحاديث على أصلهم إذا صحت، ولم يعرف المتقدم من المتأخر أنها للتوسعة والتخيير وقد ذُكر نحو هذا عن مالك اهـ من المفهم.

حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، (مَرَّتَينِ)، حَيَّ عَلَى الْفَلاحَ، (مَرَّتَينِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: وفي هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن الترجيع في الأذان ثابت مشروع وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت، وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يشرع الترجيع عملًا بحديث عبد الله بن زيد فإنه ليس فيه ترجيع، وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح، والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار وبالله التوفيق. واختلف أصحابنا في الترجيع هل هو ركن لا يصح الأذان إلا به أم هو سنة ليس ركنًا حتى لو تركه صح الأذان مع فوات كمال الفضيلة؟ على وجهين: والأصح عندهم أنه سنة، وقد ذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه، والصواب إثباته، والله أعلم اهـ منه. ويقول (حي على الصلاة) أي تعالوا إلى الصلاة وأقبلوا إليها، وحي اسم فعل أمر بمعنى أقبل مبني على الفتح فرارًا من التقاء الساكنين لسكون الياء الأولى المدغمة؛ أي يقوله (مرتين) ويقول (حي على الفلاح مرتين) أي هلموا إلى الفوز والنجاة، وقيل إلى البقاء أي أقبلوا على سبب البقاء في الجنة وهو الصلاة ويقال لحي على كذا الحيعلة، قال الأزهري: قال الخليل بن أحمد: الحاء والعين لا يأتلفان في كلمة أصلية الحروف لقرب مخرجيهما إلا أن يؤلف فعل من كلمتين مثل حي على فيقال منه حيعل، قال القاضي عياض: قوله (حي) هي اسم فعل بمعنى هلم وأقبل، ومنه قول ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر أي أقبل وهلم بذكره، قال ابن الأنباري: وفتحت فيه الياء لسكونها مع الياء التي قبلها كليث، والفلاح الفوز، ومنه حديث "استفلحي برأيك" أي فوزي، وقيل البقاء، ومنه قوله: لكل هم من الهموم سعه ... والمسا والصبح لا فلاح معه أي لا بقاء، فالمعنى على الأول هلموا إلى الفوز، وعلى الثاني إلى البقاء في الجنة أي إلى سببه، قال الأبي: وعدي بعلى لأن أقبل يتعدى بها ومنه قوله تعالى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيهِمْ} وقيل في حي إن معناه أسرع وهلا اسْكُت؛ فالمعنى في أثر عمر إذا ذكر

زَادَ إِسْحَاقُ "اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصالحون فأسرع بذكره واسكت عن غيره حتى تنقضي فضائله، وحي هلا منون وغير منون، وفيه لغات كثيرة قال القاضي: ولم يذكر مسلم (الصلاة خير من النوم) وفي أبي داود وغيره حين علَّمه الأذان قال له فإذا كنت في نداء الصبح فقل: الصلاة خير من النوم مرتين، ومحلها قبل التكبير الأخير، وبمشروعيتها قال مالك والجمهور، واختلف فيها قول الشافعي وأبي حنيفة محتجين للسقوط بأنها لم ترد في الحديث إلا في خبر واحد والتواترُ أصحُّ حجة مع صحةِ الرواية، ومالك يُثنِّيها وابن وهب يُفردها وهو بمعنى التثويب المذكور في الحديث الآخر عند كثير (زاد إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي على أبي غسان في آخر الأذان (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله). وشارك المؤلفَ في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 401] وأبو داود [501 - 505] والترمذي [191] والنسائي [2/ 4] ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثَ أبي محذورة رضي الله عنه. * * *

193 - (4) باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد

193 - (4) باب: استحباب اتخاذ مؤذنَين للمسجد الواحد 737 (342) - (4) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ: بِلالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعْمَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 193 - (4) باب استحباب اتّخاذ مؤذنين للمسجد الواحد 737 - (342) (4) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة، من كبار (9) روى عنه في (17) بابا، قال (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري أبو عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة، قال النسائي: ثقة ثبت، وقدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن نافع) الفقيه العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه مشهور، من (3) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي الصحابي الجليل من المكثرين رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (قال) ابن عمر (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم) في مسجده الشريف في وقت واحد (مؤذنان) ملازمان له (بلال) بن رباح بفتح الراء والباء المخففة التيمي مولاهم مولى أبي بكر الصديق أبو عبد الله الدمشقي شهد بدرًا والمشاهد كلها من السابقين الأولين، مات بدمشق سنة (20) وله بضع وستون سنة (وابن أم مكتوم الأعمى) اسمه عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن هرم بن رواحة هذا قول الأكثرين وقيل اسمه عبد الله بن زائدة واسم أم مكتوم عاتكة، توفي ابن أم مكتوم يوم القادسية شهيدًا. وفي هذا الحديث جواز وصف الإنسان بعيب فيه للتعريف أو مصلحة تترتب عليه لا على قصد التنقيص وهذا أحد مواضع الغيبة المباحة وهي ستة مواضع يباح فيها ذكر الإنسان بعيبه ونقصه وما يكرهه، وستأتي لك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، وهذان المؤذنان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة في وقت الصبح فقط، وقد كان أبو محذورة مؤذنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وسعد القرظي أذن لرسول الله

738 - (343) (5) وحدَّثنا ابْن نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم بقباء مرات كثيرة فجملة مؤذنيه صلى الله عليه وسلم أربعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [535]. وفي هذا الحديث استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد يؤذن أحدهما قبل الفجر والآخر بعد طلوعه كما كان بلال وابن أم مكتوم يفعلان، قال أصحابنا: فإذا احتاج إلى أكثر من مؤذنين اتخذ ثلاثة وأربعة فأكثر بقدر الحاجة، وقد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة للحاجة عند كثرة الناس ويستحب أن لا يزاد على أربعة إلا لحاجة ظاهرة، وأما الإقامة فإن أذنوا على الترتيب فالأول أحق بها إن كان هو المؤذن الراتب، أو لم يكن هناك مؤذن راتب فإن كان الأول غير المؤذن الراتب فأيهما أولى بالإقامة؟ فيه قولان أصحهما أن الراتب أولى لأنه منصبه وإن أقام في هذه الصورة غيره اعتد بها على الأصح اهـ نووي. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 738 - (343) (5) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير، قال (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري، قال (حدثنا القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبو محمد المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة، من كبار (3) مات سنة (106) ست ومائة (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أي روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (مثله) أي مثل ما حدث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والإحالة على الحديث الأول بذكر المماثلة ونحوها نادر في الشواهد مخالف لأغلب اصطلاحاته فإنه إنما يفعلها في المتابعات غالبًا، ولفظ حديث عائشة كما في البخاري "عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن بلالًا يؤذن بليل فكلُوا واشربُوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" زاد البخاري في الصيام "فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" قال القاسم: "لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا". وشارك المؤلف في رواية حديث عائشة البخاري والنسائي كما في التحفة. وسند حديث عائشة أيضًا من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به وحديث عائشة ذكره للاستشهاد له.

194 - (5) باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير

194 - (5) باب جواز أَذان الأَعمى إذا كان معه بصير 739 - (344) - (6) حدّثني أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَعْمَى. 740 - (00) (00) (00) (وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 194 - (5) باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير أي يخبر له بدخول وقت الصلاة. 739 - (344) (6) (حدثني أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب (الهمداني) الكوفي ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا خالد) بن مخلد البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، قال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال أبو داود: صدوق ولكنه يتشيع، وقال ابن معين: ما به بأس، وقال في التقريب: له أفراد، من كبار (10) مات سنة (213) روى عنه في (9) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن مخلد) إشارة إلى أن هذه النسبة من زِيَادَتِه (عن محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي أبو المنذر المدني ثقة مدلس، من (5) مات سنة (145) روى عنه في (16) بابا (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني ثقة حجة أحد الفقهاء السبعة، من (2) مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (قالت) عائشة (كان) عمرو (بن أم مكتوم) رضي الله عنه (يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم) بالمدينة الأذان الثاني للصبح (وهو) أي والحال أنه (أعمى) أي مكفوف البصر فاستدل بهذا الحديث على صحة أذان الأعمى إذا كان معه بصير يخبره بدخول الوقت، قال النواوي: قال أصحابنا: ويكره أن يكون الأعمى مؤذنًا وحده والله أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 740 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة

الْمُرَادِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (المرادي) الجملي بفتحتين مولاهم أبو الحارث المصري، قال النسائي: ثقة ثقة، وقال ابن يونس: كان ثبتًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (11) مات سنة (248) روى عنه في (4) أبواب، قال (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، قال أحمد: ما أصح حديثه، وقال ابن معين: ثقة، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا (عن يحيى بن عبد الله) بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، قال النسائي: مستقيم الحديث، وقال في التقريب: صدوق، من كبار (8) مات سنة (153) روى عنه في (2) بابين (وسعيد بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن جميل الجمحي أبي عبد الله المدني، روى عن هشام بن عروة وسهيل بن أبي صالح، ويروي عنه (م د س ق) وعبد الله بن وهب وعلي بن حجر وغيرهم، وثقه ابن معين وابن نمير والعجلي والحاكم وموسى بن هارون، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (8) الثامنة وأفرط ابن حبان في تضعيفه فكذبه، مات سنة (176) ست وسبعين ومائة، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، كلاهما رويا (عن هشام) بن عروة الأسدي المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق لما عمل في المتابع وهما يحيى بن عبد الله وسعيد بن عبد الرحمن، وكذا قوله (مثله) منصوب به واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو محمد بن جعفر، والتقدير روى يحيى بن عبد الله وسعيد بن عبد الرحمن عن هشام بهذا الإسناد يعني عن عروة عن عائشة مثله أي مثل ما حدث محمد بن جعفر عن هشام. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن عبد الله وسعيد بن عبد الرحمن لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن هشام، وفائدتها بيان كثرة طرقه، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه متابعة واحدة. * * *

195 - (6) باب الأذان أمان من الإغارة

195 - (6) باب: الأذان أمان من الإِغارة 741 - (345) (7) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ)، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ. وَإِلا أَغَارَ، فَسَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 195 - (6) باب الأذان أمان من الإغارة الغارة والإغارة كلاهما مصدر غير أن الغارة مصدر غار والإغارة مصدر أغار وكلاهما مصدر معروف وهي عبارة عن الهَجْمِ على العدو صُبْحًا من غير إعلام لهم، اهـ مفهم. 741 - (345) (7) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، قال (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري ثقة متقن، من كبار (9) مات سنة (198) روى عنه في (13) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن سعيد) إشارة إلى أنه من زيادته (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبي سلمة البصري ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، من كبار (8) مات سنة (167) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني أبو محمد ثقة عابد، من (4) مات سنة (123) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي. (قال) أنس بن مالك (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير) بضم التحتانية من أغار الرباعي أي يهجم على العدو بغتة ليأخذهم على غفلة (إذا طلع الفجر) وكانت الإغارة بالليل أولى ولعل تأخيرها إلى طلوع الفجر ليستمع الأذان، وعبر بيغير صيغة المضارع ليفيد أنها عادته المستمرة (وكان) صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر (يستمع الأذان) ليعرف أن فيهم مسلمًا أم لا؟ (فإن سمع أذانًا) من تلك البلدة (أمسك) عن الإغارة عليهم لأن الأذان الشعار الفارق بين دار الكفر والإيمان (وإلا) أي وإن لم يسمع الأذان فيهم (أغار) عليهم وهجم بغتة ليأخذهم على غفلة، فاستمع يومًا أذانهم (فسمع)

رَجُلًا يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى الْفِطْرَةِ" ثُمَّ قَال: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ" فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهم (رجلًا يقول الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنت (على الفطرة) أي فطرة الإسلام وملتها أي أنت أوقعتها أي الكلمة التي قلتها على الفطرة التي فطر الناس عليها وهي فطرة التوحيد (ثم قال) ذلك الرجل (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد استماعه كلمة التوحيد (خرجت) بتوحيدك (من) سبب (النار) الذي هو الكفر؛ إشارة إلى استمراره على تلك الفطرة وعدم تصرف أبويه فيه بأن هَوَّداه أو نَصَّراه، وتعبيره بخرجت صيغة الماضي يحتمل أنه تفاؤل أو قطع لأن كلامه صلى الله عليه وسلم صدق ووعده تعالى حق (فنظروا) أي فنظر أصحابه صلى الله عليه وسلم في الموضع الذي سمعوا منه الأذان وفتشوا عمن فيه (فإذا هو) أي فإذا الحاضر في ذلك الموضع (راعي معزى) أي راعي المعز والغنم، وإذا هنا فجائية؛ والمعنى فنظروا في موضع الأذان ففاجأهم رؤية راعي معزى، والراعي من يرعى المواشي ويحفظها في محل رعيها، والمعزى بكسر الميم والمعز بمعنى واحد وهما اسم جنس وواحد المعزى ماعز، وفي المصباح: المعز وكذا المعزى اسم جنس لا واحد له من لفظه؛ وهي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة وتفتح العين وتسكن وجمع الساكن أمعز ومعيز مثل عبد وأعبد وعبيد، والمعزى ألفها لإلحاق لا للتأنيث ولهذا ينون في النكرة ويصغر على معيز ولو كانت الألف للتأنيث لم تحذف، والذكر ماعز والأنثى ماعزة اهـ. ففي هذا الحديث استحباب الأذان للمنفرد البادي، وأن الأذان أمان لأهله يمنع الإغارة على أهل ذلك الموضع لأنه دليل على إسلامهم، وفيه أن النطق بالشهادتين يكون إسلامًا وإن لم يكن باستدعاء ذلك منه وهذا هو الصواب، وفيه خلاف سبق في أول كتاب الإيمان اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 132] وأبو داود [2634] والترمذي [1618] ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس هذا والله أعلم. * * *

196 - (7) باب فضل حكاية الأذان ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها وسؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم

196 - (7) باب فضل حكاية الأذان ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها وسؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم 742 - (346) (8) حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءٍ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا سَمِعْتُمُ الندَاءَ فَقُولُوا مِثلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذنُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 196 - (7) باب فضل حكاية الأذان ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها وسؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم 742 - (346) (8) (حدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس بن أبي عامر الأصبحي المدني فهو بمعنى أخبرني مالك (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عطاء بن يزيد الليثي) من أنفسهم أبي يزيد المدني، وثقه النسائي وابن المديني وقال النسائي: شامي ثقة، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من (3) مات سنة (107) (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان، له ولأبيه صحبة رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم النداء) أي الأذان (فقولوا) أي وجوبًا أو ندبًا على الخلاف الآتي قولًا (مثل ما يقول المؤذن) أي مثل قول المؤذن، فما مصدرية، قال ابن الملك: المراد بالمماثلة هنا المشابهة في مجرد القول لا في صفته كرفع الصوت اهـ. وكذا مثل قولِ المقيم أي إلا في الحيعلتين فيقول بدل كل منهما لا حول ولا قوة إلا بالله كما سيأتي قريبًا تقييده في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى، وإلا في التثويب في الصبح فيقول بدل كل من كلمتيه صدقت وبررت، قال في الكفاية لخبر ورد فيه، وإلا في قوله قد قامت الصلاة فيقول أقامها الله وأدامها، وإلا إن كان في الخلاء أو يجامع فلا يجيب في الأذان، ويكره في الصلاة فيجيب بعدها، والأمر في قولوا ليس للوجوب خلافًا لصاحب المحيط من الحنفية وابن وهب من المالكية فيما حكي عنهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة المفهم هنا: قال الطحاوي: واختلف في حكمه فقيل واجب وقيل مندوب إليه، والصحيح أنه مندوب وهو الذي عليه الجمهور ثم هل يقوله عند سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط؟ واختلف في الحد الذي يحاكى فيه المؤذن هل إلى التشهدين الأخيرين أم لآخر الأذان؟ فنقل القولان عن مالك ولكنه في القول الآخر إذا حيعل المؤذن يقول السامع: لا حول ولا قوة إلا بالله كما جاء في الأم (أي في أصل صحيح مسلم) وكما رواه أبو داود [527] من حديث عمر، والبخاري [613] من حديث معاوية، واختلف في المصلي هل يحاكي المؤذن وهو في الصلاة؟ فقيل يحاكيه في الفريضة والنافلة، وقيل لا يحاكيه فيهما وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة وقيل يحاكيه في النافلة خاصة وبه قال الشافعي، والثلاثة الأقوال في مذهبنا، قال المطرزي (هو محمد بن عبد الواحد غلام ثعلب أحد أئمة اللغة توفي (345) له تصانيف كثيرة) في كتاب اليواقيت وفي غيره: إن الأفعال التي أخذت من أسمائها أي نحتت سبعة وهي بسمل إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وسبحل إذا قال: سبحان الله، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحيعل إذا قال: حي على الفلاح، ويجيء على القياس الحيصلة إذا قال حي على الصلاة، ولم يذكر غيره، وحمدل إذا قال: الحمد لله، وهلل إذا قال: لا إله إلا الله، وجعفل إذا قال: جُعِلْتُ فداك، وزاد الثعالبي: الطَبْقَلَة إذا قال: أطال بقاءَك، والدَّمْعَزةَ إذا قال: أدام الله عِزَّك، وقيل: قِيَاسُ المطرزيِّ: الحَيصلةَ على الحيعلةِ غَيرُ صحيح بل الحيعلةُ تُطلق على حي الفلاح، وحي على الصلاة. وإنما هي مِنْ قوله حي على كذا فقط، ولو كان على قياسه في الحيعلة لكان الذي يقال في حي على الفلاح الحيفلة وهذا لم يُقَلْ، والبابُ مسموع لأنه نَحْتٌ "قلْتُ" إلا إِن قلنا إنه نَحْتٌ موَّلد فيصح اهـ مفهم. وعبَّر بالمضارع في قولِه ما يقول دون الماضي إشارة إلى أن قول السامع يكون عقب كل كلمة مثلها لا الكل عند فراغ الكل ويؤيده حديث النسائي عن أم حبيبة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كان عندها فسمع المؤذن يقول مثل ما يقول حتى يسكت فلو لم يجبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل قاله في المجموع بحثًا، وهل إذا أذن مؤذن آخر يجيبه بعد إجابة الأول أم لا؟ قال النووي: لم أر فيه شيئًا لأصحابنا، وقال في المجموع: المختار أن أصل الفضيلة في الإجابة شامل للجميع إلا أن الأول

743 - (346) (9) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيرِهِمَا، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متأكد، ويكره تركه، وقال ابن عبد السلام: يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل إلا في الصبح والجمعة فهما سواء لأنهما مشروعان اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أصحاب الأمهات كلهم الخمس كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 743 - (346) (9) (حدثنا محمد بن سلمة المرادي) الجملي أبو الحارث المصري، ثقة، من (11) قال (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة، من (9) (عن حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبي زرعة المصري، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه زاهد، من (7) مات سنة (159) روى عنه في (7) أبواب (وسعيد بن أبي أيوب) مِقْلاص بكسر الميم وسكون القاف الخزاعي مولاهم أبي يحيى المصري، روى عن كعب بن علقمة في الصلاة وأبي الأسود ومحمد بن عبد الرحمن وشرحبيل بن شريك في الزكاة والجهاد ويزيد بن أبي حبيب في النذور وعبيد الله بن أبي جعفر في الجهاد والوليد بن أبي الوليد في البر، ويروي عنه (ع) وابن وهب وعبد الله بن يزيد المقرئ وابن جريج وابن المبارك، قال أحمد: لا بأس به، وثَّقه ابنُ معين والنسائي وابن سعد وابن حبان، وقال الساجي: صدوق، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (7) مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، روى عنه في (5) أبواب، وقوله (وغيرهما) معطوف على حيوة لأن ابن وهب روى عن ثلاثة والثالث الذي كنى عنه مسلمٌ هو عبدُ الله بن لَهِيعة كما هو مصرح به في رواية أبي داود وعَمْرُو بن الحارث كما في الأصبهاني، كُلٌّ من الثلاثةِ رَوَوْا (عن كعب بن علقمة) بن كعب بن عدي التَنُّوخي أبي عبد الحميد المصري، روى عن عبد الرحمن بن جبير في الصلاة، وبلال بن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن شماسة في النذور، ويروي عنه (م د ت س) وحيوة بن شريح وسعيد بن أبي أيوب وعمرو بن الحارث والليث، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (5) الخامسة، مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة وقيل بعدها،

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا. ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ. وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ. فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (2) بابين (عن عبد الرحمن بن جبير) القرشي مولاهم الفقيه المؤذن الفرضي المصري، روى عن عبد الله بن عمرو في الصلاة، ويروي عنه (م د ت س) وبكر بن سوادة ودراج أبو السمح، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عارف بالفرائض، من (3) الثالثة مات سنة (97) سبع وتسعين وقيل بعدها (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل بن سهم القرشي السهمي أبي محمد المصري الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون. (أنه) أي أن عبد الله بن عمرو (سمع النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول: إذا سمعتم المؤذن) أي صوته بالأذان (فقولوا مثل ما يقول ثم) بعد إجابته (صلوا علي) فيه إفراد الصلاة عن السلام، وذكر النواوي في الأذكار أنه يكره (فإنه) أي فإن الشأن والحال (من صلى علي صلاة) أي واحدة (صلى الله عليه بها) أي بثواب الصلاة التي صلى (عشرًا) أي عشر مرات فإن الحسنة بعشر أمثالها (ثم) بعد الصلاة علي (سلوا الله) أي اسألوا الله سبحانه وتعالى (لي الوسيلة فإنها) أي فإن الوسيلة (منزلة في الجنة) أي مرتبة رفيعة من منازلها (لا تنبغي) أي لا تليق (إلا لعبد) أي واحد خاص من بين العباد (من عباد الله) أي من جملتهم، قال أهل اللغة: الوسيلة المنزلة وهي مشتقة من توسل الرجل إذا تقرب (وأرجو) أي أطمع (أن أكون أنا هو) وفيه من التواضع ما لا يخفى، ولفظ أنا تأكيد للضمير المستكن في أكون ولفظ هو خبره واقع موقع إياه أو موقع اسم الإشارة أي أن أكون أنا إياه أو ذلك العبد، ويحتمل أن يكون أنا مبتدأ لا تأكيدًا، وهو خبره، والجملة خبر أكون (فمن سأل) الله سبحانه وتعالى، ولفظ الجلالة مذكور في رواية أبي داود (لي الوسيلة) أي تلك المنزلة الرفيعة (حلت له) أي صارت (الشفاعة) حلالًا له غير حرام، وفي رواية: "حلت عليه الشفاعة" وقيل من الحلول بمعنى النزول

744 - (347) (10) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ الثَّقَفِيُّ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي تقع له شفاعتي وتنزل عليه مجازاة لدعائه لي وفسره ابن الملك بالوجوب ثم قال: وقيل إنه من الحلول بمعنى النزول لا من الحل لأنها لم تكن محرمة قبل ذلك يعني استحق شفاعتي مجازاة لدعائه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [523] والترمذي [3619] والنسائي [2/ 25]. قال القرطبي: قوله (وأرجو أن أكون أنا هو) قال هذا قبل أن يبين له صاحبها إذ قد أخبر أنه يقوم مقامًا لا يقومه أحد غيره، ويحمد الله بمحامد لم يلهمها أحد غيره ولكن مع ذلك فلا بد من الدعاء فإن الله تعالى يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة كما زاده بصلاتهم ثم إنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور ووجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم. "تنبيه": واعلم أن الأذان مع قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة وذلك أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله تعالى ووجوبه وكماله ثم ثنى بالتوحيد ثم ثلث برسالة رسوله ثم ناداهم لِما أرادَ من طاعته ثم ضَمِنَ ذلك بالفلاح وهو البقاء الدائم فأشعر بأن ثم جزاء ثم أعاد ما أعاد توكيدًا اهـ مُفْهِم. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 744 - (347) (10) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثم النيسابوري، وثقه مسلم والنسائي، وقال الحاكم: أحد الأئمة من أصحاب الحديث، وقال الخطيب: كان فقيهًا عالمًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (11) مات سنة (251) روى عنه في (17) بابا، قال (أخبرنا أبو جعفر محمد بن جهضم) بوزن جعفر بن عبد الله (الثقفي) مولاهم البصري، روى عن إسماعيل بن جعفر في الصلاة والجنائز وذكر الجن، وأبي معشر وجماعة، ويروي عنه (خ م د س) وإسحاق الكوسج ومحمد بن المثنى وطائفة، قال أبو زرعة: صدوق لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من العاشرة، قال (حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن

عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ إِسَافٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي كثير الزرقي أبو إسحاق المدني ثقة ثبت، من (8) مات سنة (180) روى عنه في (12) بابا (عن عمارة بن غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها ياء مشددة بن الحارث بن عمرو الأنصاري المازني المدني، وثقه أحمد وأبو زرعة وابن سعد، وقال في التقريب: لا بأس به، من (6) مات سنة (140) روى عنه في (8) أبواب (عن حُبيب) مصغرًا (ابن عبد الرحمن بن إساف) بكسر الهمزة ويقال فيه يساف بالياء المفتوحة والسين المخففة. وفي البذل (قوله ابن إساف) بكسر الهمزة هكذا هو في رواية مسلم بالهمزة، وفي نسخة يساف بتحتانية مفتوحة وسين مهملة، وقال الحافظ في الإصابة: إساف بهمزة مكسورة وقد تبدل تحتانية انتهى، وكتابته في أكثر كتب الرجال يساف بِاليَاءِ، الأنصارِي المازيي أبي الحارثِ المدني خالِ عُبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، وثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (4) مات سنة (132) روى عنه في (6) أبواب. (عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) العدوي المدني، وثقه أبو زرعة والعجلي والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أبي عُمر أو أَبي عَمْرِو المدني، وُلد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو عنه شيئًا، وكان حسن الصورة جميلًا طويلًا، وأمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح، كان عمر طلَّق أمه فتزوَّجها يزيد بن جارية فولدت له ابنه عبد الرحمن فركب عمر إلى قباء فوجد ابنه عاصمًا يلعب مع الصبيان فحمله بين يديه فأدركته جدته الشُّموس بنتُ أبي عامر فنازعته إياه حتى انتهى إلى أبي بكر فقال له أبو بكر: خلِّ بينها وبينه فما راجعه وأسلمه لها، وفي تاريخ البخاري خاصمَتْ أمّهُ أباه إلى أبي بكر وله ثمانُ سنين انتهى من البذل، روى عن أبيه في الصلاة والصوم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابناه حفص وعبيد الله وعروة بن الزبير، له عندهم حديثان، وذكره جماعة ممن ألف في الصحابة، قال الواقدي: مات سنة (70) سبعين، وقال العسكري وغيره: ولد في السنة السادسة من الهجرة. (عن جده) أي عن جد حفص (عمر بن الخطاب) القرشي العدوي أحد الخلفاء

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَال الْمُؤَذِّنُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. فَقَال أَحَدُكُمْ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَال: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ. قَال: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ. ثُمَّ قَال: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. قَال: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. ثُمَّ قَال: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ. قَال: لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ. ثُمَّ قَال: حَيَّ عَلَى الْفَلاحَ. قَال: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ. ثُمَّ قَال: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. قَال: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ. قَال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ - مِنْ قَلْبِهِ - دَخَلَ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الراشدين والعشرة المبشرة أمير المؤمنين رضي الله عنه أبي حفص المدني. وهذا السند من ثمانياته رجاله ستة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد مروزي، ومن لطائفه أن فيه رواية الأبناء عن الآباء وصحابي عن صحابي، قال الدارقطني في كتاب الاستدراك: هذا الحديث رواه الدراوردي وغيره مرسلًا، وقال الدارقطني أيضًا في كتاب العلل: هو حديث متصل وصله إسماعيل بن جعفر وهو ثقة حافظ وزيادته مقبولة، وقد رواه البخاري ومسلم في الصحيحين وهذا الذي قاله الدارقطني في كتاب العلل هو الصواب فالحديث صحيح وزيادة الثقة مقبولة اهـ نواوي (قال) عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر) اكتفى على ذكر التكبير مرتين إشارة إلى أنهما في حكم كلمة واحدة، ولم يذكر الأربع اكتفاء بذكر اثنين، ومن ثم ذكر واحدًا من الاثنين في سائر كلمات الأذان (فقال) أي أجاب (أحدكم) بقوله (الله أكبر الله أكبر ثم قال) المؤذن (أشهد أن لا إله إلا الله) فـ (قال) المجيب (أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال) المؤذن (أشهد أن محمدًا رسول الله) فـ (قال) المجيب (أشهد أن محمدًا رسول الله ثم قال) المؤذن (حي على الصلاة) فـ (قال) المجيب (لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال) المؤذن (حي على الفلاح) فـ (قال) المجيب (لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال) المؤذن (الله أكبر الله كبر) فـ (قال) المجيب (الله أكبر الله أكبر ثم قال) المؤذن (لا إله إلا الله) فـ (قال) المجيب (لا إله إلا الله) خالصة (من قلبه) متعلق بلفظ قال المتقدم على جميع كلمات الأذان من المجيب (دخل الجنة) جواب وجزاء لقوله إذا قال المؤذن مع ما عطف عليه، قال الطيبي: وإنما وضع الماضي موضع المستقبل إشارة إلى تحقق الموعود على طريقة قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}.

745 - (348) (11) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ الْحُكَيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيسٍ الْقُرَشِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [527]. ومعنى الحديث قال المجيب كل نوع من هذه الكلمات مثنى كما هو المشروع فاختصر صلى الله عليه وسلم من كل نوع شطره تنبيهًا على باقيه، ومعنى حي على كذا؛ أي تعالوا إليه، والفلاح الفوز والنجاة وإصابة الخير، قالوا: وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفَلاح ويقرب منها النصيحة فمعنى حي على الفلاح أي تعالوا إلى سبب الفوز والبقاء في الجنة والخلود في النعيم، والفلاح والفلح تطلقهما العرب أيضًا على البقاء، وقوله لا حول ولا قوة يجوز فيه خمسة أوجه من الإعراب كما هي مقررة في كتب النحو مع عللها فَتْحُ الجزأين بلا تنوين ورفعهما مع التنوين فتحُ الأول ونصبُ الثاني منونًا كما بسطنا الكلام فيها في شروحنا على متن الأجرومية فراجعها، وإنما عوض الحوقلة عن الحيعلة لأن القصد من الحكاية حصول ثواب الأذان، ولما كانت الحيعلة دعاء يختص ثوابه بالمؤذن لأنه الذي يسمع دعاؤه أرشد الشارع إلى تعويضه بالحوقلة تتميمًا للثواب لأن الحوقلة ذكر، وأيضًا فلأن حي على الصلاة دعاء فإجابتها لا يكون بلفظها بل بما يطابقها من التسليم والتفويض اهـ أبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثالثًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 745 - (348) (11) (حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي مولاهم أبو عبد الله المصري، وثقه أبو داود، وقال النسائي: ما أخطأ في حديث قط، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (10) مات سنة (242) روى عنه في (5) أبواب، قال (أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، قال ابن بكير: هو أفقه من مالك، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7) مات في شعبان سنة (175) روى عنه في (15) بابا (عن الحكيم) بضم الحاء المهملة مصغرًا (بن عبد الله بن قيس) بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف (القرشي) المطلبي المصري، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (4) مات سنة (118) روى عنه في (2) بابين، وليس حكيم في مسلم إلا هذا (ح وحدثنا

قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنِ الْحُكَيمِ ننِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "مَنْ قَال حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِ اللهِ رَبَّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البلخي (حدثنا ليث عن الحُكيم بن عبد الله) بن قيس القرشي، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من (3) مات سنة (104) روى عنه في (9) أبواب (عن سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبي عامر المدني الصحابي الجليل الذي له فضائل جمة ومناقب كثيرة، مات بالعقيق؛ موضع على عشرة أميال من المدينة ثم حمل إلى البقيع ودفن فيه سنة (55) على المشهور. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم مصريون واثنان مدنيان، والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بلخي. (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من قال) منكم (حين يسمع المؤذنَ) أي أذانه أو صوته أو قوله في الأذن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، والأخير أظهر، ويحتمل أن يكون المراد به حين يسمع تشهده الأول أو الأخير وهو قوله آخر الأذان لا إله إلا الله وهو أنسب، ويمكن أن يكون معنى يسمع يجيب فيكون صريحًا في المقصود وأن الثواب المذكور مرتب على الإجابة بكمالها مع هذه الزيادة ولأن قوله بهذه الشهادة في أثناء الأذان ربما يفوته الإجابة في بعض الكلمات الآتية كذا في المرقاة أي قال حين سماع قول المؤذن (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله رضيت بالله ربًا) قال السندي تمييز أي بربوبيته وبجميع قضائه وقدره فإن الرضا بالقضاء باب الله الأعظم، وقيل حال أي مربيًا ومالكًا وسيدًا ومصلحًا (وبمحمد رسولًا) أي بجميع ما أرسل به وبلغه إلينا من الأمور الاعتقادية وغيرها (وبالإسلام) أي بجميع أحكام الإسلام من الأوامر والنواهي (دينًا) أي اعتقادًا أو انقيادًا قاله القاري (غفر له ذنبه) أي غفر الله له ذنوبه الصغائر، والجملة جواب لمن الشرطية في قوله من قال

قَال ابْنُ رُمْحٍ في رِوَايَتِهِ: "مَنْ قَال، حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ" وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيبَةُ قَوْلَهُ: وَأَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حين يسمع المؤذن، قال القاضي عياض: كان قول ذلك موجبًا للمغفرة لأن الرضا بالله تعالى يستلزم المعرفة بوجوده، وبما يجب له، وما يستحيل عليه، ويجوز في فعله، والرضا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا يستلزم العلم برسالته وهذه الفصول علم التوحيد، والرضا بالإسلام التزام لجميع تكاليفه اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [525] والترمذي [210] والنسائي [2/ 26] وابن ماجه [721]. (قال ابن رمح في روايته) هذا الحديث (من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد) بزيادة لفظة وأنا (ولم يذكر قتيبة) في روايته (قوله) أي قول المجيب (وأنا) بل اقتصر على أشهد، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين والله أعلم، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال والثلاثة الباقية ذكرها للاستشهاد وللاستدلال بها على بعض أجزاء الترجمة والله أعلم. ***

197 - (8) باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه

197 - (8) - باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه 746 - (349) (12) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ؛ قَال: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاويةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 197 - (8) باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه 746 - (349) (12) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي يقال اسمه عبد الرحمن قال ابن سعد: كان ثقة، وقال العجلي: ثقة رجل صالح، وقال في التقريب: ثقة ثبت من صغار الثامنة (8) مات سنة (187) روى عنه في (12) بابا (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الكوفي مدني الأصل، قال عمرو بن علي: ولد عمر بن عبد العزيز سنة إحدى وستين مقتل الحسين، وولد معه الأعمش وهشام بن عروة وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، روى عن عمه عيسى بن طلحة في الصلاة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي بردة في الصلاة والاستئذان، وعمته عائشة بنت طلحة في الصوم والفضائل والقدر، ومجاهد حكاية في الصوم، ويروي عنه (م عم) وعبدة بن سليمان والثوري ووكيع ويحيى بن سعيد وعبد الواحد بن زياد والفضل بن موسى وعلي بن هاشم بن البريد وإسماعيل بن زكريا، وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة، وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال أبو زرعة والنسائي: صالح، وقال أبو حاتم: صالح الحديث حسن الحديث صحيح الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من (6) السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، روى عنه في (5) أبواب. (عن عمه) عيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي أبي محمد المدني كان من أفاضل أهل المدينة وعقلائهم، وثقه ابن سعد وابن معين والنسائي والعجلي، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من كبار (3) مات سنة (100) روى عنه في (4) أبواب (قال) عمه عيسى بن طلحة (كنت) يومًا (عند معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية الأموي أَبِي عَبْدِ الرحمن الخليفة الشامي صحابي أسلم يوم الفتح وقيل قبل ذلك له (130) مائة وثلاثون حديثًا اتفقا على أربعة وانفرد (خ) بأربعة و (م) بخمسة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وأخته أم حبيبة، ويروي عنه (ع) وعيسى بن طلحة في الصلاة، والسائب بن يزيد في الصلاة، وعبد الله بن عامر اليحصبي في الزكاة، وهمام بن

فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ يَدْعُوهُ إِلَى الصَّلاةِ. فَقَال مُعَاويةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ منبه في الزكاة، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف في الزكاة، وابن عباس في الحج، وعمير بن هانئ في الجهاد، ويزيد بن الأصم وسعيد بن المسيب وجرير بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو ذر مع تقدمه وخلق، مات بالشام يوم الخميس للنصف من رجب سنة (60) ستين، وهو ابن (78) سنة، وصلى عليه الضحاك بن قيس. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد شامي وواحد مدني. (فجاءه) أي فجاء إلى معاوية (المؤذن) حالة كون المؤذن (يدعوه) أي يدعو معاوية ويطلبه للخروج (إلى الصلاة) ليصلي بالناس (فقال معاوية) بن أبي سفيان للمؤذن: لك أجر عظيم وفضل جسيم لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول المؤذنون أطول الناس أعناقًا) جمع عنق وهو ما بين الكتف والقفا (يوم القيامة) اختلف السلف والخلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة الله تعالى وثوابه لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه فهو كناية عن كثرة ما يرونه من الثواب، وقال النضر بن شميل: هو حقيقة لأنه إذا ألجم الناسَ العرقُ يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا يصيبها ذلك العرق، وقال ابن الملك: وطول العنق يدل غَالِبًا على طول القامة، وطولها لا يطلب لذاته بل لدلالته على تميزهم على سائر الناس وارتفاع شأنهم عليهم أي يكونون سادات الناس، ومن أجاب دعوة المؤذن يكون معه، وقيل معناه أنهم رؤساء؛ والعرب تصف السادة بطول الأعناق، قال الشاعر: يُشَبَّهُونَ ملوكًا في تَجلَّتِهم ... وطولِ أَنْضِيَةِ الأَعْنَاقِ واللَّمَمِ وقيل أكثر أتباعًا لأن من أجاب دعوتهم يكون معهم، وقال ابن الأعرابي: أكثر أعمالًا، يقال لفلان عنق من الخير أي قطعة منه، ورواه بعضهم إعناقًا بكسر الهمزة أي إسراعًا إلى الجنة، ومنه الحديث "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص" وحديث "لا يزال الرجل مُعْنِقًا ما لم يُصِب دمًا" أي منبسطًا في سيره يوم القيامة، قال ابن الملك: وهذه الرواية غير مُعتدٍّ بها، قال الأبي: هو كناية عن عدم الخَجَل من الذنوب لأنَّ الخجِلَ يُنكِّسُ رأسَه قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} قال السنوسي: وقيل المعنى أنهم أكثر رجاء لأن من يرجو شيئًا أطال إليه عنقه

747 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ. قَال: سَمِعْتُ مُعَاويَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فالناس يكونون في الكرب وهم في الرَّوْحِ يَشْرَئِبُّون أَن يُؤذَن لهم في دخولِ الجنة، وقيل غيرُ ذلك من الأقوال المتلاطمة اهـ. قال القرطبي: وقد احتج بهذا الحديث من رأى أن فضل الأذان أكثر من فضل الإمامة واعتذر عن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذن لما يشتمل عليه الأذان من الشهادة بالرسالة، وقيل إنما ترك الأذان لما فيه من الحيعلة وهي أمر فكان لا يسع أحدًا ممن سمعه التأخر وإن كان كانت له حاجة وضرورة، وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم كان في شغل عنه بأمور المسلمين وهذا هو الصحيح، وقد صرح بذلك عمر فقال: (لولا الخِلِّيفَي "أي الخلافةُ" لأَذَّنْتُ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف [1/ 224] بلفظ (لو أطقت الأذان مع الخِلِّيفي لأذَّنْت) اهـ من المفهم. وهذا الحديث من أفراد مسلم لم يشاركه فيه غيره وهو دليل على الجزء الأول من الترجمة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال: 747 - (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث المذكور يعني حديث معاوية (إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثقة ثبت من (11) قال (أخبرنا أبو عامر) العقدي مولاهم عبد الملك بن عمرو بن قيس القيسي البصري، قال النسائي: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات سنة (205) خمس ومائتين، روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه إمام حجة، من رؤوس الطبقة (7) وكان ربما دلس، مات سنة (161) روى عنه في (24) بابا (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة الكوفي (عن) عمه (عيسى بن طلحة) المدني (قال سمعت معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بقوله حدثنا سفيان لأنه العامل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو عبدة بن سليمان أي حدثنا سفيان الثوري عن طلحة بن يحيى بمثل ما حدث عبدة بن سليمان عن طلحة بن يحيى.

748 - (350) (13) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ)، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ، ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد شامي وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لعبدة بن سليمان في رواية هذا الحديث عن طلحة بن يحيى، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 748 - (350) (13) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني، ثقة، من (10) (وعثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم أبو الحسن الكوفي، قال ابن معين: ثقة، وقال في التقريب: ثقة حافظ شهير له أوهام، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي ثقة، من (10) مات سنة (239) وله (83) سنة، روى عنه في (12) بابا (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، ثقة، من (10) وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا) لبيان اختلاف كيفية سماعهم من شيخهم أي قال كل من الثلاثة: روى لنا (جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة، من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أَبِي محمد الكوفي ثقة حافظ مدلس من (5) (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي نزيل واسط، قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن عدي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري المدني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي أو اثنان كوفيان وواحد إما بغلاني أو مروزي. (قال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول: إن الشيطان إذا سمع النداء) أي الأذان (بالصلاة ذهب) أي هرب وشرد وخرج من المدينة (حتى يكون مكان الروحاء) أي في مكان يسمى بالروحاء، أو المعنى: ابتعد الشيطان من مكان النداء

قَال سُلَيمَانُ: فَسَألْتُهُ عَنِ الروْحَاءِ؟ فَقَال: هِيَ مِنَ المدِينَةِ سِتة وَثَلاثُونَ ميلًا. 749 - (00) (00) (00) وحدَّثناه أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 750 - (351) (14) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كي لا يسمعه إلى أن يكون في مثل الروحاء من المدينة في البعد؛ وهو كما في القاموس موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلًا من المدينة، وفسره الراوي بستة وثلاثين ميلًا، وإنما يذهب الشيطان لئلا يسمع نداء داعي الحق، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات، وغرضه بسوقه الاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة (قال سليمان) الأعمش (فسألته) أي سألت أبا سفيان طلحة بن نافع (عن الروحاء) ما هي (فقال) لي أبو سفيان (هي) أي الروحاء أي مسافتها (من المدينة) المنورة (ستة وثلاثون ميلًا) والميل أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير، وقيل أربعة آلاف ذراع. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 749 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث جابر (أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي ثقة، من (9) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا أبو معاوية؛ أي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مثل ما روى جرير عن الأعمش. وهذا الإسناد أيضًا من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي معاوية لجرير في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 750 - (351) (14) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البغلاني (وزهير بن حرب) الحرشي أبو خثيمة النسائي (واسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي،

(وَاللَّفْظ لِقُتَيبَةَ)، قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِير، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِن الشيطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصلاةِ أَحَال لَهُ ضُرَاط. حَتى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لقتيبة) لا لزهير ولا لإسحاق تورعًا من الكذب عليهما وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا) جرير (وقال الآخران) أي قتيبة وزهير (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي لبيان اختلاف كيفية سماع مشايخه (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن أبي صالح) السمان ذكوان الزيات المدني مولى جويرية بنت أحمد القيسية (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان. (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان (أحال) بالحاء المهملة أي ذهب هاربًا، من أحال إلى الشيء إذا أقبل إليه هاربًا؛ أي ذهب وأدبر الشيطان من موضع الأذان هاربًا؛ أي إبليس أو جنس الشيطان أو كل متمرد اهـ ابن رسلان. و(له ضراط) بزيادة واو الحال كما في رواية أبي داود، والضراط بوزن غراب ريح يخرج من أسفل الإنسان وغيره وهذا لثقل الأذان عليه كما للحمار من ثقل الحمل، قال القاضي عياض: والضراط يحتمل أنه حقيقة لأنه جسم متغذ فيصح خروج الريح منه، وقيل كناية عن شدة الغيظ والنفار لما يرى من الإعلان بكلمة الإيمان، قال الأبي: وقيل استعارة شبه إشغاله نفسه بالهروب عن سماع الأذان بالصوت الذي يمنع السمع عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له، وقد تقدم أن الأولى الكناية عن المعاني المستقبح سماع لفظها إلا أن تدعو ضرورة لذكر اللفظ أو لتضمن ذكره مصلحة كالتقبيح المتقدم ذكره اهـ. أي ذهب هاربًا من موضع الأذان، والحال أن له ضراطًا (حتى لا يسمع صوته) أي لكي لا يسمع صوت المؤذن بالأذان، وهذا تعليل لإدباره وإحالته، قال القاري: قيل هذا محمول على الحقيقة لأن الشياطين يأكلون ويشربون فلا يمتنع وجود ذلك منهم خوفًا من ذكر الله تعالى، أو المراد استخفاف اللعين بذكر الله تعالى من قولهم ضرط به فلان إذا استخفه اهـ.

فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ، فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ". 751 - (00) (00) (00) حدثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإذا سكت) المؤذن وفرغ من أذانه وأتمه (رجع) الشيطان وأقبل إلى موضع الصلاة قبل هروبه لانقطاع طمعه من الوسوسة عند الإعلان بالتوحيد إذ لا يقدر أن يصرف الناس عنه حينئذٍ فإذا سكت المؤذن رجع (فوَسْوَس) أي أَلْقى الوسوسةَ والتَّشوُّشَ عن الصلاة في قلوبهم، قال الأبي: الشيطان المذكور يحتمل أن يكون شيطانَ المؤذن أو شيطان سامع الأذان أو جنسَ الشيطان، وبعضُ التوجيهات السابقة إنما تتوجه على أنه شيطان المؤذن وبعضُها على أنه الجنس (فإذا) أقام المؤذن و (سمع) الشيطان (الإقامة) أي صَوْتها (ذهب) الشيطان هاربًا (حتى لا يسمع) أي لكي لا يسمع الشيطان (صوتَه) أي صوتَ المؤذن بالإقامة (فإذا) فرغ المؤذن من الإقامة و (سكت رجع) الشيطان إلى موضعِ الصلاة (فوسوس) بين المرء وقلبِه ويقول اذكر كذا اذكر كذا لمَا لم يكن يذكر قبل الصلاة. قال الأبي: لِم هَربَ من الأذان ولم يَهْرب من الصلاة مع أنها أشرفُ لاختصاص الأذان بموجِب الهرب على ما سبق، وأيضًا قال هنا فإذا سكت رجع، وقال في كتاب الأطعمة إذا دخل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامِه قال الشيطان لا مَبِيتَ لكم ولا عَشاءَ، فظاهره أنه يذهب ولا يرجع، فما الفرق بينهما؟ (قلت) الفرق أن هُروبَه في الأذان لئلا يسمع موجِب هربه فإذا انقضى رَجَع وذِكْرُ اللهِ عزَّ وجلَّ عند دخولِ البيت جَعَله الشرع مانعًا من الكونِ في البيت فإذا ذَهَب لا يرجع، وأجاب غيره بأنَّ المبيت في البيت أخص من مطلق الكون فيها، ولا يلزم من نَفْيِ الأخص نَفْيُ الأعم فقد يرجع إلى الوسوسة ولا يَبِيت فيستوي الحديثان اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [21/ 313 و 460] والبخاري [1231] وأبو داود [516] والنسائي [2/ 21 - 22]. ثم ذكر المؤلف المتابعةَ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 751 - (00) (00) (حدثني عبد الحميد بن بيان) بن زكرياء اليشكري أبو الحسن (الواسطي) العطار، قال مسلمة: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب:

حَدَّثَنَا خَالِد، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا أَذنَ الْمُؤَذنُ أَدْبَرَ الشيطَانُ وَلَهُ حُصَاص". 752 - (00) (00) (00) حدثني أمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (10) مات سنة (244) روى عنه في (2) بابين، قال (حدثنا خالد) بن عبد الله الطحان المزني أبو القاسم الواسطي، وثقه أحمد وأبو زرعة والنسائي وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (8) مات سنة (182) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن عبد الله) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته (عن سهيل) بن أبي صالح السمان مولى جويرية بنت أحمد الغطفانية أبي يزيد المدني، وثقه ابن عيينة والعجلي، وقال في التقريب: صدوق من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان واسطيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة سهيل بن أبي صالح لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي صالح، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة. (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان) أي ذهب هاربًا من موضع الأذان غيظًا من سماع كلمة الإيمان (وله حصاص) جملة حالية من فاعل أدبر أي أدبر والحال أن له حصاصًا أي ضراطًا، قال النواوي: الحصاص بضم الحاء المهملة وصادين مهملتين الضراط وقيل شدة العدو، وقال ابن أبي النجود: إذا ضرب بأذنيه ومصع بذنبه وعدا فذلك الحصاص، وفي مرقاة المفاتيح شبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 752 - (00) (00) (حدثني أمية بن بسطام) بكسر الباء وفتحها بمنع الصرف للعلمية والعجمة ابن المنتشر العيشي أبو بكر البصري، قال أبو حاتم: محله الصدق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (10) مات سنة (231)

حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيع)، حَدَّثَنَا رَوْح، عَنْ سُهَيل. قَال: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ. قَال: وَمَعِي غُلام لَنَا، (أَوْ صَاحِب لَنَا)، فَنَادَاهُ مُنَاب مِنْ حَائِطِ بِاسْمِهِ. قَال: وَأَشْرَفَ الذي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيئًا، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لأبِي فَقَال: لَوْ شَعَرْتُ أَنكَ تَلْقَي هذَا لَمْ أُرْسِلْكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (3) أبواب، قال أمية (حدثنا يزيد) بن زريع التيمي العيشي أبو معاوية البصري، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) لما مر آنفًا فلا تغفل، وإنما كررنا التنبيه عليه لئلا يغفل الطالب عنه فربما يكون موضع العناية بداية درسه فيصعب عليه، قال يزيد (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث البصري، وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وأحمد، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من (6) مات سنة (141) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة روح بن القاسم لخالد بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة. (قال) سهيل (أرسلني) أي بعثني (أبي) أبو صالح (إلى) منازل (بني حارثة) بالحاء المهملة بطن مشهور من الأنصار لحاجة (قال) سهيل (ومعي كلام) أي عبد (لنا أو) قال سهيل: ومعي (صاحب لنا) والشك من روح بن القاسم (فناداه) أي فنادى سهيلًا (مناد) أي دعاه داع (من) جوف (حائط) أي بستان جانب الطريق (باسمه) أي باسم سهيل بصوت رفيع (قال) سهيل (وأشرف) أي اطلع الصاحب (الذي معي على) داخل (الحائط) والبستان لينظر من يناديني باسمي (فلم ير) المطلع (شيئًا) من الحيوانات إنسًا ولا غيره في داخل البستان فرجعنا إلى أَبي أبِي صالح (فذكرت) أي أخبرت (ذلك) النداء الذي وقع لي الأبي) أي أبي صالح السمان (فقال) أبي أبو صالح (لو شعرت) وعلمت أولًا (أنك تلقى) وتنال (هذا) الهاتف الذي لا يرى شخصه (لم أرسلك) أي لم أبعثك في حاجتي إلى بني حارثة لأنه ربما يكون متمردًا من الجن يريد أن يؤذيك لو أجبت نداءه

وَلكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصلاةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يُحَدثُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ قَال: "إِن الشيطَانَ، إِذَا نُودِيَ بِالصلاةِ، وَلى وَلَهُ حُصَاص". 753 - (00) (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَاميَّ)، عَنْ أَبِي الزنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولكن إذا سمعت) بعد اليوم (صوتًا) أي نداء لا يرى صاحبه (فناد بالصلاة) أي أذن أذانًا مثل أذان الصلاة (فإني سمعت أبا هريرة يحدث) ويروي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (قال إن الشيطان) أي إن جنس الشيطان أو إبليس (إذا نودي) بالبناء للمفعول أي إذا نودي وأذن إعلامًا (بالصلاة) أي بدخول وقتها (ولى) أي أدبر وذهب هاربًا من موضع الأذان (وله حصاص) أي والحال أن له ضراطًا أي صوتًا رفيعًا يخرج من دبر الإنسان يشغل به نفسه عن سماع الأذان لعظم أمره عليه لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شعار الإسلام وإنما رجع عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سر ومناجاة فله تطرق إلى إفسادها على فاعلها وإفساد خشوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلان به ونزول الرحمة العامة عليهم مع يأسه عن أن يردهم عما أعلنوا به ويوقِنُ بالخيبة بما تفضل الله عليهم من ثواب ذلك ويَذْكُر معصيةَ اللهِ ومَضادَّتَه أمْرَهُ فلا يملك الحدث لما حصل له من الخوف، وقيل لأنه دعاء إلى الصلاة التي فيها السجود الذي امتنع من فعله لما أمِر به، ففيه تصميمُه على مخالفة أمر النص تعالى واستمراره على معصية الله فإذا دعا داعي الله فَر منه. وفي الحديث فضلُ الأذانِ وعِظمُ قَدرِه لأن الشيطان يَهْرَب منه ولا يهرب عند قراءة القرآن في الصلاة التي هي أفضلُ اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 753 - (00) (00) حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البلخي ثقة، من (10) قال (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي الحزامي بكسر الحاء وبالزاي المدني لقَبُه قُصَي، قال أبو داود وأحمد: ما بحديثه بأس، وقال ابن معين والنسائي: ليس بشيء، وقال في التقريب: ثقة له غرائب، من (7) وأتى بالعناية في قوله (يعني الحزامي) لما مر مرارًا (عن أبي الزناد) عبد الله بن

عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِذَا نُودِيَ لِلصلاةِ أَدْبَرَ الشيطَانُ لَه ضُرَاط حَتَّى لا يَسْمَعَ التأْذِينَ. فَإِذَا قُضِيَ التأذِينُ أَقْبَلَ. حَتى إِذَا ثُوبَ بِالصلاةِ أَدْبَرَ، حَتى إِذَا قُضِيَ التَّثْويبُ أَقْبَلَ. حَتى يَخطِرَ بَينَ المرْءِ وَنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة فقيه من (5) مات سنة (130) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي، مولاهم أبي داود المدني القارئ، وثقه جماعة من النقاد، وقال في التقريب: ثقة ثبت عالم، من (3) مات سنة (117) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لأبي صالح السمان في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي للصلاة) وأذن لها (أدبر الشيطان) أي إبليس أو شيطان المؤذن أو جنسه على الخلاف المار أي ذهب هاربًا و (له ضراط) بوزن غراب صوتُ الريحِ المنتنُ يخرج من الدبر (حتى لا يسمع) أي لكي لا يسمع (التأذينَ) أي يُخْرِج الضراطَ شغلًا لسمعِه عن سماع الأذان، والتأذين مصدر قياسي لأذن الرباعي، والأذان اسم مصدر له ومعناهما واحد وهو إعلام دخول وقت الصلاة المفروضة بألفاظ مخصوصة ينادى بها (فإذا قضي) بضم القاف مبنيًا للمفعول (التأذين) بالرفع نائب فاعل لقضي أي فإذا فرغ المؤذن من الأذان (أقبل) أي الشيطان أي جاء الشيطان إلى موضع الصلاة فوسوس الناس (حتى إذا ثوب) بضم أوله على صيغة المجهول وكسر الواو المشددة أي حتى إذا أعيد النداء (بالصلاة) مرة ثانية، والمراد به الإقامة لا قوله في الصبح "الصلاة خير من النوم" لأنه خاص به، وأصله من ثاب إذا رجع، ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء إليها فإن الأذان دعاء إلى الصلاة بإعلام دخول وقتها، والإقامة دعاء إليها باستنهاض الحاضرين إلى الصلاة (أدبر) الشيطان وذهب هاربًا (حتى إذا قضي التثويب) وفرغ من الإقامة (أقبل) الشيطان (حتى يخطر) بفتح أوله وكسر الطاء كما ضبطه القاضي عياض في المشارق عن المتقنين وهو الأفصح، وحكي ضمها أيضًا أي يوسوس من قولهم خطر الفحل بذنبه إذا حركه فضرب فخذيه، وأما بالضم فمن السلوك والمرور أي يدنو من المصلي فيمر (بين المرء) أي الإنسان (ونفسه) أي قلبه

يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ. حَتَّى يَظَل الرجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صلَّى". 754 - (00) (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ، حَدَّثَنَا معمر، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيشغله ويحول بينه وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها، وحتى هنا تعليلية أي أقبل كي يحول بين المرء وقلبه بالوسوسة فلا يمكن من الحضور في الصلاة، قال ملا علي: ولا ينافي إسناد الحيلولة إلى الشيطان إسنادها إليه تعالى في قوله عزَّ وجلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَينَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} لأن هذا الإسناد حقيقة عند أهل السنة، والأول باعتبار أن الله تعالى مكنه منها حتى تم ابتلاء العبد به، وأيضًا الأول أضيف إلى الشيطان فإنه مقام الشر ولذا عبر عن قلبه بنفسه، والثاني مقام الإطلاق كما يقال: الله خالق كل شيء، ولا يقال: خالق الكلب والخنزير أدبًا مع الله تعالى، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الخير بيديك والشر ليس إليك" مع اعتقاد أن الأمر كله لله، وُكِلَ من الله إلى الله (يقول) أي الشيطان في وسوسته للمصلي (اذكر) أيها المصلي (كذا) من حساب مالك (واذكر كذا) من نفقات عيالك، ومن غوامض ما أشكل عليك من العلم، ذاكرًا له (لما) أي لشيء (لم يكن يذكر من قبل) أي من قبل الصلاة فيشغل قلبه عن الصلاة (حتى يظل) بفتح الظاءِ المعجمةِ المُشالةِ أي حتى يصير (الرجل ما يدري) فما نافية بمعنى لا كما في رواية البخاري؛ أي حتى يصير الإنسان لا يدري (كم صلى) أي أي عدد صلى من الركعات أصلَّى ثلاثًا أم أربعًا فكم استفهامية بمعنى أي عدد أي لا يدري جواب كم صليت، ولم يذكر هنا في إدبار الشيطان ما ذكره في الأول من الضراط اكتفاء بذكره فيه أو لأن الشدةَ في الأول تأتيه غَفْلَةً فتكونُ أَهْولَ. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 754 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري أبو عبد الله النيسابوري ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره فتغير، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري، قال العجلي: ثقة صالح، وقال النسائي: ثقة مأمون، وضعفه ابن معين في

عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِثْلِهِ، غَيرَ أَنهُ قَال: "حَتَّى يَظَلَّ الرجُلُ إِنْ يَدْرِي كَيفَ صَلى" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثابت، وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار (7) مات سنة (154) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من (4) مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو هنا همام، والضمير في بمثله عائد إلى الأعرج لأنه المتابع بفتح الباء، والتقدير حدثنا همام بن منبه عن أبي هريرة بمثل ما حدث الأعرج عن أبي هريرة أي بمماثله لفظ ومعنى، وقوله (غير أنه) استثناء من المماثلة أي لكن أن همامًا (قال) في روايته (حتى يظل الرجل) أي حتى يصير الرجل المصلي (إن يدري) أي ما يدري (كيف صلى) أي على أي حال صلى أصلى على حالة الحضور أم لا أصلى على حالة الخشوع والإخلاص أم لا، فأتى همام في روايته بإن النافية وبكيف الاستفهامية بدل ما النافية وكم الاستفهامية في رواية الأعرج. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث معاوية ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث جابر، وذكر فيه أربعة متابعات رضي الله عنهم أجمعين آمين. ***

197 - (9) باب رفع اليدين في الصلاة ومتى يرفعهما وإلى أين يرفع ومتى يترك الرفع

197 - (9) باب رفع اليدين في الصلاة ومتى يرفعهما وإلى أين يرفع ومتى يترك الرفع 755 - (352) (15) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَينَةَ، (وَاللفْظُ لِيَحْيَى)، قَال: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بن عبد الله، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا افْتَتَحَ الصلاةَ رَفَعَ يَدَيهِ حَتى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلا يَرْفَعُهُمَا بَينَ السجْدَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 197 - (9) باب رفع اليدين في الصلاة ومتى يرفعهما وإلى أين يرفع ومتى يترك الرفع 755 - (352) (15) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) أبو زكريا النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة الإمام الحافظ صاحب السنن، قال أبو حاتم: ثقة من المتقنين الأثبات، وقال في التقريب: ثقة مصنف، مات سنة (227) روى عنه في (15) بابا (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي كلهم) أي كل هؤلاء الستة رووا (عن سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي، وأتى بقوله (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (ليحيي) لا لغيره تورعًا من الكذب على غيره (قال) يحيى (أخبرنا سفيان بن عيينة عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر العدوي المكي. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري أو كوفي وخراساني أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي. (قال) عبد الله بن عمر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة) أي شرع فيها (رفع يديه) أي كفيه (حتى يحاذي) ويقابل بهما (منكبيه) (و) رأيته يرفعهما (قبل أن يركع) أي قبل أن يهوي للركوع عند ابتداء الركوع (و) رأيته يرفعهما (إذا رفع) أي إذا أراد الرفع (من الركوع و) رأيته (لا يرفعهما) أي لا يرفع الكفين (بين السجدتين) أي لا يرفعهما للرفع من السجود ولا للهوي له.

756 - (00) (00) (00) حذدثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدثَنِي ابْنُ شِهَاب عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن ابْنَ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 134] والبخاري [736] وأبو داود [721 - 743] والترمذي [255] والنسائي [2/ 121 - 122]. واختلف العلماء في رفع اليدين في الصلاة هل يرفعهما أو لا يرفعهما في شيء من الصلاة أو يرفعهما مرة واحدة عند الافتتاح؟ ثلاثة أقوال، عند مالك مشهور مذهبه الثالث وهو مذهب الكوفيين على حديث عبد الله بن مسعود والبراء "أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند الإحرام مرة ولا يزيد عليها" وفي أخرى "لا يعود" أخرجهما أبو داود ولا يصح شيءٌ منهما ذكَرَ علتهما أَبُو محمدٍ عبدُ الحق، والأولُ منها هو أحدُ أقواله وأصحها والمعروف من عمل الصحابة ومذهب كافة العلماء إلا منْ ذُكر وهو أنه يرفعهما عند الافتتاح وعند الركوع والرفع منه وإذا قام من اثنتين وهو الذي يشهد له الصحيح من الأحاديث. والثاني أضعف الأقوال وأشذها: وهو أن لا يرفع في شيء من الصلاة ذكره ابن شعبان وابن خوَيزِ مَنْدَاد (¬1) وابنُ قصار. "تنبيه" هذا الرفع من هيئات الصلاة وفضائلها في تلك المواضع، وذهب داود إلى وجوبه عند تكبيرة الإحرام، وقال بعضهم: إنه واجب كله اهـ، من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 756 - (00) (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) بن أبي زيد القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبو الوليد المكي (حدثني) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن سالم بن عبد الله) بن عمر العدوي المدني (أن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي المكي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مدنيان وواحد صنعاني ¬

_ (¬1) اسمه محمد بن أحمد المالكي، له مصنفات في الفقه وأصوله، مات سنة (390) هـ.

قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، إِذَا قَامَ لِلصلاةِ، رَفَعَ يَدَيهِ حَتى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيهِ. ثم كَبَّرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الركُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذلِكَ، وَلا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. (قال) عبد الله بن عمر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القرطبي: زعم بعض من لقيناه من الفقهاء أن (كان) متى استعملت في رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزمها الدوام والكثرة، قال: بحكم عرفهم، والشأن في نقل هذا العرفُ وإلا فأصلها أن تصدق على من فعل الشيء مرة واحدة، ونحن على الأصل حتى ينقل عنه اهـ. (إذا قام للصلاة) أي شرع فيها (رفع يديه حتى تكونا) أي تكون الكفان (حذو منكبيه) أي مقابلهما بفتح الميم وكسر الكاف تثنية منكب؛ وهو مجمع عظم العضد والكتف، وبهذا أخذ الشافعي والجمهور خلافًا للحنفية حيث أخذوا بحديث مالك بن الحويرث التالي بهذا الحديث (ثم) بعد رفع اليدين (كبر) للإحرام (فإذا أراد أن يركع) أي أن ينحني للركوع (فعل مثل ذلك) أي مثل ما ذكرناه من رفع اليدين حذو المنكبين (وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك) المذكور من رفع اليدين حذو المنكبين (ولا يفعله) أي لا يفعل رفع اليدين (حين يرفع رأسه من السجود) ولا حين يهوي له. وروي أن الحكمة في رفع اليدين عند الإحرام وغيره هي أن المنافقين كانوا يصلون في المسجد وأصنامهم تحت آباطهم فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رفع يديه فرفع الصحابة رضي الله عنهم خلفه ورفع المنافقون معهم فسقطت أصنامهم من تحت آباطهم فخرجوا من المسجد ولم يعودوا بعد ذلك فهو من الأحكام التي انتفت علتها وبقي حكمها كالهرولة في السعي والرمل في الطواف. اهـ من بعض الهوامش. وفي الطحْطَاوي على مراقي الفَلاح: والحكمة في الجمع بين رفع اليدين والتكبير إعلام المعذورين من الأصم والأعمى اهـ، قال (ع): قال بعض المتكلمين: وحكمة ابتداء الصلاة بالتكبير أنه حمد الله على الهداية للتوحيد والعبادة وامتثال ما أمر به وحض عليه في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ} ثم طابق ذلك أول ما يستفتح به

757 - (00) (00) (00) حدثني مُحَمَدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَينٌ، (وَهُوَ ابْنُ الْمُثَنَى)، حَدَّثَنَا الليثُ، عَنْ عُقَيلِ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي ثبتنا على ذلك اهـ أبي. وقيل: الحكمة في الرفع ليطابق فعله قوله: "الله أكبر" اهـ ط. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 757 - (00) (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) بن أبي كثير القشيري النيسابوري، قال (حدثنا حجين) بن المثنى اليمامي أبو عمرو البغدادي، وثقه محمد بن رافع وصالح بن محمد والجارودي وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، من (9) مات ببغداد سنة (250) روى عنه في (6) أبواب، وأتى بهو في قوله (وهو ابن المثنى) إشارة إلى أنه من زيادته (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) بن خالد الأموي المصري (ح وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ) بضم القاف وسكون الهاء ثم زاي بعدها ألف، أبو جابر المروزي، روى عن سلمة بن سليمان في الصلاة والصوم والمعروف، وعلي بن الحسن بن شقيق في الصوم والحج، وعبد الله بن عثمان في الأشربة والفضائل والفتن، وجعفر بن عون والنضر بن شميل، ويروي عنه (م) وزكريا خَياطُ السُنَّةِ وابنُ أبي داود وأبو عوانة، قال أبو حاتم: صدوق ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (262) اثنتين وستين ومائتين، قال (حدثنا سلمة بن سليمان) أبو سليمان المروزي المؤدب، روى عن عبد الله بن المبارك في الصلاة والصوم والمعروف، وأبي حمزة السكري وعدة، ويروي عنه (خ م س) ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ وأحمد بن أبي رجاء وعلي بن خشرم، روى أنه حدث بعشرة آلاف حديث من حفظه، قال أبو حاتم: مِنْ جلة أصحاب ابن مبارك، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة حافظ، كان يوَرِّقُ لابن المبارك، من كبار العاشرة، مات سنة (203) ثلاث ومائتين، روى عنه في (3) أبواب، قال سلمة (أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير، من (8) مات سنة (181) روى عنه في (10) أبواب، قال (أخبرنا يونس) بن يزيد بن أبي

كِلاهُمَا عَنِ الزهْرِي، بِهذَا الإِسْنَادِ. كَمَا قَال ابْنُ جُرَيجٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا قَامَ لِلصلاةِ، رَفَعَ يَدَيهِ حَتى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيهِ. ثُم كَبَّرَ. 758 - (353) (16) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَن خَالِد؛ عَنْ أَبِي قِلابَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ النجاد الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان أبو يزيد الأيلي (كلاهما) أي كل من عقيل ويونس رويا (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهما عقيل ويونس، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو ابن جريج أي روى كل من عقيل ويونس عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر (كما قال ابن جريج) أي رويا بهذا الإسناد مثل ما روى ابن جريج عن الزهري، وقالا في روايتهما (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر) الحديث. وهذان السندان من سباعياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد بغدادي وواحد نيسابوري، والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان وثلاثة مروزيون وواحد مكي وواحد أيلِي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة عقيل بن خالد ويونس بن يزيد لابن جريج في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال: 758 - (352) (16) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكريا النيسابوري، قال (أخبرنا خالد بن عبد الله) الطحان المزني مولاهم أبو محمد الواسطي، وثقه أحمد وابن سعد والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (8) مات سنة (182) روى عنه في (7) أبواب (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري، قال ألعجلي: بصري ثقة، وقال أحمد: ثبت، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال في التقريب: ثقة يرسل، من (5) مات سنة (142) روى عنه في (14) بابا (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال، من (3) مات بالشام هاربًا من القضاء سنة (104) روى عنه في

أَنهُ رَأَى مَالِكَ بنَ الْحُوَيرِثِ، إِذَا صَلى كَبَّرَ. ثُم رَفَعَ يَدَيهِ. وَإذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيهِ. وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الركُوعِ رَفَعَ يَدَيهِ. وَحَدثَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَفْعَلُ هَكذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (11) بابا (أنه رأى مالك بن الحويرث) بالتصغير بن خُشَيشِ بن عوت بن جُنْدَعٍ الليثي أبا سليمان البصري له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم له خمسة عشر حديثًا اتفقا على حديثين، وانفرد (خ) بحديث، يروي عنه أبو قلابة في الصلاة ونصر بن عاصم الليثي و (ع) وقال في التقريب: صحابي نزل بالبصرة، مات سنة (94) أربع وتسعين. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد نيسابوري أي أن أبا قلابة رأى مالك بن الحويرث الليثي. (إذا صلى) أي شرع في الصلاة (كبر) للإحرام (ثم رفع يديه) حتى يكونا حذو منكبيه، وثم هنا بمعنى الواو كما في رواية البخاري (وإذا أراد أن يركع رفع يديه) مع التكبير (وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه) وفي القسطلاني وإنما قال أراد في الركوع لأنه فيه عند إرادته بخلاف رفعهما في رفع الرأس منه فإنه عند نفس الرفع لا عند إرادته، وكذا في إذا صَلى كبر التَكْبِير عند فِعْلِ الصلاةِ وهذا مذهب الشافعي وأحمد خلافًا لأبي حنيفة ومالك في أشهر الروايات عنه، واستدل الحنفية برواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك، وأجيب بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش ساء حفظه بآخرة، وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما والمثبت مقدم على النافي، وأيضًا فإن ابن عمر لم يكن يراه واجبًا ففعله تارة وتركه تارة، وروي عن بعض الحنفية بطلان الصلاة به، وأما الرفع في تكبيرة الإحرام فعليه الإجماع اهـ. قال أبو قلابة (وحدث) مالك بن الحويرث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا) أي مثل ما فعل مالك بن الحويرث، والواو في وحدث للحال لا للعطف على رأى لأن المحدث مالك والرائي أبو قلابة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 53] والبخاري [737] وأبو داود [745] والنسائي [2/ 182]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه فقال:

759 - (00) (00) (00) حدثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِم، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيرِثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا كَبرَ رَفَعَ يَدَيهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيهِ. وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيهِ حَتى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيهِ. وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الركُوعِ، فَقَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، فَعَلَ مِثْلَ ذلِكَ. 760 - (00) (00) (00) وحدثناه مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي عن سعيد، ـــــــــــــــــــــــــــــ 759 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري (عن نصر بن عاصم) الليثي البصري النحوي، روى عن مالك بن الحويرث في الصلاة، وعمر بن الخطاب وأبي بكرة وغيرهم، ويروي عنه (م د س ق) وقتادة وحميد بن هلال وعمران بن حدير، وثقه النسائي وابن حبان، وقال خالد الحذاء: وهو أول من وضع العربية، له في (م) حديث واحد، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، رمي برأي الخوارج وصح رجوعه عنه (عن مالك بن الحويرث) الصحابي البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا عوانة فإنه واسطي، وغرضه بسوقه بيان متابعة نصر بن عاصم لأبي قلابة في رواية هذا الحديث عن مالك بن الحويرث، وغرضه بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) دائمًا (إذا كبر) للإحرام (رفع بديه حتى يحاذي) أي يقابل (بهما) أي بكفيه شحمتي (أذنيه وإذا ركع) أي أراد أن يركع (رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا رمع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك) الرفع المذكور. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه فقال: 760 - (00) (00) (00) وحدثناه محمد بن المثنى (العنزي البصري، قال (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي أبو عمرو البصري (عن سعيد) بن أبي

عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإسْنَادِ؛ أَنهُ رَأَى نَبِيَّ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَقَال: حَتى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو سعيد بن أبي عروبة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابَع وهو أبو عوانة، والتقدير: روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بهذا الإسناد أي عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث (أنه) أي أن مالك بن الحويرث (رأى نبي الله صلى الله عليه وسلم) بمثل حديث أبي عوانة عن قتادة (و) لكن (قال) سعيد بن أبي عروبة في روايته رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه (حتى يحاذي بهما) أي بكفيه (فروع أذنيه) أي أطراف أذنيه، وفي النهاية: فروع أذنيه أي أعاليهما وفرع كل شيء أعلاه اهـ، وهذا بيان لمحل المخالفة بزيادة لفظة فروع. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث مالك بن الحويرث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين أيضًا، والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي: أما صفة الرفع فالمشهور من مذهبنا ومذهب الجماهير أنه يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه أي أعالي أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه فهذا معنى قولهم حذو منكبيه، وبهذا جمع الشافعي رحمه الله تعالى بين روايات الأحاديث فاستحسن الناس ذلك منه، وأما وقت الرفع ففي الرواية الأولى: رفع يديه ثم كبر، وفي الثانية: كبر ثم رفع يديه، وفي الثالثة: إذا كبر رفع يديه، ولأصحابنا في المختار من ذلك خمسة أوجه أحدها وهو أصحهاة أن يبتدئ بالتكبير والرفع معًا، وَلَا اسْتِحْبَابَ في الانتهاءِ فإن فرغ منهما قبل الحط حطهما ولم يستدم الرفع، وإن فرغ من أحدهما قبل الآخر أتم الباقي، الثاني: يرفعهما غير مكبر ثم يبتدئ التكبير والإرسال وينهيهما معًا، الثالث: يرفع غير مكبر ثم يُكَبر ويداه قائمتان ثم يرسلهما، الرابع: يبتدئ بالرفع والتكبير معًا ثم ينهيهما معًا، الخاص: يبتدئ بهما معًا وينهي التكبير مع انتهاء الإرسال. ولو كان أقطع اليدين من المعصم أو إحداهما رفع الساعد، وإن قطع من الساعد رفع العضد على الأصح، وقيل لا يرفعه ولو لم يقدر على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرفع إلا بزيادة على المشروع أو نقص منه فعل الممكن، ويستحب أن تكون كفاه إلى القبلة عند الرفع، وأن يكشفهما، وأن يفرق بين أصابعهما تفريقًا وسطًا، ولو ترك الرفع حتى أتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي فلو تركه حتى أتمه لم يرفعهما بعده، ولا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يبالغ في مده بالتمطيط بل يأتي به مبينًا. وهل يمده أو يخففه؟ فيه وجهان إلى آخر ما في النواوي اهـ. ***

198 - (10) باب التكبير في كل خفض ورفع إلا الرفع من الركوع

198 - (10) - باب: التكبير في كل خفض ورفع إلا الرفع من الركوع 1 76 - (354) (17) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ. فَلَما انْصَرَفَ قَال: وَاللهِ! إِني لأَشبَهُكُم صَلاةَ بِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 198 - (10) باب التكبير في كل خفض ورفع إلا الرفع من الركوع 761 - (354) (17) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكريا النيسابوري (قال) يحيى (قرأت) وحدي (على مالك) بن أنس الأصبحي المدني إمام دار الهجرة وهو بمنزله أخبرني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري. (كان يصلي) إمامًا (لهم) أي للناس حين استخلفه مروان على المدينة (فيكبر) أي فكان يكبر (كلما خفض) وهوى لركن من أركان الصلاة كالركوع والسجود (و) كلما (رفع) أي ارتفع من ركن من أركان الصلاة كالسجودين إلا الرفع من الركوع، قوله (فيكبر كلما خفض ورفع) هذا هو الأمر الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم والذي استقر عليه عمل المسلمين، وقد كان بعض السلف يرى أنه لا تكبير في الصلاة غير تكبيرة الإحرام، وقال بعضهم: ليس بسنة إلا للجماعة ليُشْعِر الإمام بحركاته من وراءه، ومذهب أحمد بن حنبل وجوب جميع التكبير في الصلاة، وعامة العلماء على أنه سنة بدليل قوله للذي علمه الصلاة "إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم استقبل القبلة ثم كبر" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، ولم يذكر له إلا فرائض الصلاة، وقوله (كلما خفض ورفع) فيه ما يدل على مقارنة التكبير للفعل وعليه يدل قوله سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع اهـ من المفهم (فلما انصرف) أبو هريرة وفرغ من صلاته (قال) لمن عنده (والله) أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره (إني لأشبهكم صلاة) أي لأكثركم شبهًا (برسول الله صلى الله عليه وسلم) في الصلاة، وصلاة تمييز محول عن المبتدأ منصوب

762 - (00) (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ؛ أَنَهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَئمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ باسم التفضيل، والأصل: إن صلاتي أشد شبهًا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاتكم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 454، 470] والبخاري [789] وأبو داود [836] والنسائي [2/ 232]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 762 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) بن أبي كثير القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبي عبد الرحمن المدني، ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته، وكان فقيهًا عابدًا يصوم الدهر كله، وكان أحد الفقهاء السبعة، قيل اسمه محمد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، وثقه الواقدي وابن خراش والعجلي، وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (6) أبواب (أنه) أي أن أبا بكر (سمع أبا هريرة) الدوسي المدني حالة كونه (يقول): - وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي بكر بن عبد الرحمن لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر) تكبيرة الإحرام (حين يقوم) أي حين يستوي قائمًا، وقوله (يكبر) حجة في وجوب التكبير للإحرام وتعيينه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي علمه الصلاة: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" رواه السبعة إلا ابن ماجه من حديث أبي هريرة، واختلف في حكم الإحرام فعامة أهل العلم على وجوبه إلا ما روي عن الزهري وابن المسيب والحسن

ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ. ثُم يَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الركُوعِ. ثُم يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: "رَبنا وَلَكَ الْحَمْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والحكم والأوزاعي وقتادة أنه سنة، وأنه يجزئ الدخول في الصلاة بالنية، وعامة أهل العلم أنه لا يجزئ إلا بلفظ التكبير إلا أبا حنيفة وأصحابه فإنهم يجيزون الدخول في الصلاة بكل لفظ فيه تعظيم الله، وأجاز الشافعي الله الأكبر، وأجاز أبو يوسف الله الكبير، ومالك لا يجيز إلا اللَّفْظَ المعيَّنَ "الله أكبر" المعهود في عرف اللغة والشرع لا سواه، والأولى ما صار إليه مالك رحمه الله تعالى لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم" رواه أبو داود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه، والألف واللام في التكبير والتسليم منصرفة إلى معهود تكبيره صلى الله عليه وسلم وتسليمه، ولم يُرو عنه قط أنه قال في التكبير ولا في التسليم غير اللفظين المعينين وهما الله أكبر والسلام عليكم اهـ من المفهم. (ثم يكبر) أي يبدأ بالتكبير (حين يركع) أي حين يشرع في الانتقال إلى الركوع ويمده حتى يصل إلى حد الركوع وكذا في السجود والقيام (ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه) وظهره (من الركوع ثم يقول وهو قائم) معتدل مستو، جملة حالية من فاعل يقول (ربنا ولك الحمد) وفي هذا تصريح بأن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد وفاقًا للجمهور لأن صلاته صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حالة الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله، وخالف ذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه لحديث "إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد" وهذه قسمة منافية للشركة كقوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" وأجابوا عن حديث الباب بأنه محمول على انفراده صلى الله عليه وسلم في صلاة النفل توفيقًا بين الحديثين والمنفرد يجمع بينهما في الأصح. قوله (ربنا ولك الحمد) قال العلماء: إن رواية الواو أرجح وهي زائدة، قال الأصمعي: سألت أبا عمرو عنها فقال زائدة، تقول العرب بعْني هذا فيقول المخاطبُ نعم وهو لك بدرهم فالواو زائدة وقيل عاطفة على مقدر أي ربنا حمدناكَ ولك الحمد اهـ قسط.

ثُم يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوي سَاجِدًا. ثُم يُكَبرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأسَهُ. ثُم يُكَبرُ حِينَ يَسْجُدُ. ثُم يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ. ثُم يَفعَلُ مِثْلَ ذلِكَ فِي الصلاةِ كُلهَا حَتى يَقضِيَهَا. ويكَبرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الْمَثْنَى بَعْدَ الْجُلُوسِ. ثُم يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ: إِني لأَشْبَهُكُمْ صَلاة بِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. 763 - (00) (00) حدثني محَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم يكبر حين يهوي) بفتح أوله وكسر ثالثه أي يسقط (ساجدًا ثم يكبر حين يرفع رأسه) من السجود الأول (ثم يكبر حين يسجد) الثانية (ثم يكبر حين يرفع رأسه) منها (ثم يفعل مثل ذلك) المذكور الذي فعله في الركعة الأولى (في) ركعات (الصلاة كلها حتى يقضيها) أي حتى يتم الصلاة (وبكبر حين يقوم) إلى الثالثة (من المَثْنَى) أي من الشفع؛ أي من الركعتين الأوليين وعبارة (ع) هنا قوله من المثْنَى أي من الاثنتين أي بعد ركعتين من الرباعية أو من الثلاثية، قال الله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى" اهـ. (بعد الجلوس) للتشهد الأول، وهذا الحديث مفسر لما سبق من قوله: "فيكبر كلما خفض ورفع" (ثم) بعد رواية هذا الحديث (يقول) لنا (أبو هريرة إني لأشبهكم صلاة) أي لأكثركم شبهًا (برسول الله صلى الله عليه وسلم) من جهة الصلاة. وقوله (يكبر حين يهوي ساجدًا) وهو قول أهل العلم واستثنى مالك من ذلك التكبير بعد القيام من اثنتين فلا يكبر حتى يستوي قائمًا وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، قال مالك: وإن كبر هنا في نهوضه فهو في سعة و (يهوي) هو بفتح الياء وكسر الواو، وماضيه هوى بفتح الواو من باب رمى؛ ومعناه يسقط إلى الأرض ساجدًا، وأما أهوى الرباعي فمضارعه يهوي بضم الياء وكسر الواو؛ فمعناه أقبل على الشيء ليأخذه بيده يقال أهويت للشيء إذا أردت أخذه بيدك، وأما هَوِيَ بفتح الهاء وكسر الواو من باب رضي؛ فمعناه أحب ومضارعه يهوى بفتح الياء والواو ذكره الجوهري في الصحاح اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 763 - (00) (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) بن أبي كثير القشيري النيسابوري (حدثنا حجين) مصغرًا ابن المثنى اليمامي أبو عمرو البغدادي ثقة، من (9) مات ببغداد

حَدَّثَنَا الليثُ عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو بَكرِ بن عَبْدِ الرحمنِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنه سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابنِ جُرَيجٍ. وَلَم يَذكُرْ قَولَ أَبِي هُرَيرَةَ: إِني أَشْبَهُكُمْ صَلاةَ بِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. 764 - (00) (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُس عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحْمَن؛ أن أبا هريرة ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (250) قال (حدثنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت، من (7) (عن عقيل) مصغرًا بن خالد الأموي المصري ثقة، من (6) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، من (4) قال (أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث) القرشي المخزومي أبو عبد الرحمن المدني ثقة، من (3) (أنه) أي أن أبا بكر (سمع أبا هريرة) حالة كونه (يقول): وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد بغدادي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة عقيل بن خالد لابن جريج في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة. يقول أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر) للإحرام (حين يقوم) أي حين يستوي قائمًا، وساق عقيل بن خالد (بمثل حديث ابن جريج) أي بمماثله لفظًا ومعنى (و) لكن (لم يذكر) عقيل (قول أبي هريرة إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا بيان لمحل المخالفة بين المتابع والمتابَع. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال: 764 - (00) (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري صدوق، من (11) (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد الأموي، من (7) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، قال (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة، من (3) (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لابن جريج في رواية هذا الحديث عن أبي

كَانَ، حِينَ يَسْتَخْلِفُهُ مَرْوَانُ عَلَى الْمَدِينَةِ، إِذَا قَامَ لِلصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيج. وَفِي حَدِيثِه: فَإِذَا قَضَاهَا وَسَلمَ أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِني لأَشْبَهُكُمْ صَلاة بِرَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. 765 - (00) (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة ولكنها متابعة ناقصة لأن يونس بن يزيد روى هذا الحديث عن أبي هريرة بواسطة ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وأما ابن جريج فروى عن أبي هريرة بواسطة ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. أي أخبره أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة (كان حين يستخلفه) عبر بالمضارع حكاية للحال الماضية أي كان أبو هريرة حين استخلفه (مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي أبو عبد الملك المدني، ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح له منه سماع، كتب لعثمان وولي إمرة المدينة أيام معاوية وبويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية وغلب مروان على دمشق ثم على مصر، ومات في رمضان سنة (65) خمس وستين، وكانت ولايته تسعة أشهر، قال ابن حجر: قال البخاري: لم ير النبي صلى الله ممليه وسلم، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: كانت له صحبة، ولد يوم الخندق، وعن مالك إنه وُلدَ يوم أحد، والله أعلم. (على المدينة) لأن مروان كان أميرًا على المدينة أيام معاوية بن أبي سفيان أي كان أبو هريرة (إذا قام للصلاة المكتوبة) ليصلي بالناس (كبر) أبو هريرة للإحرام (فدكر) يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة (نحو حديث ابن جريج) عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (و) لكن (في حديثه) أي في حديث يونس وروايته (فإذا قضاها) أي قضى أبو هريرة الصلاة المكتوبة وأتمها (وسلم) منها (أقبل) بوجهه (على أهل المسجد) النبوي و (قال والذي) أي أقسمت لكم بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (أني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم) والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 765 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون ثانيه الجمال

الرَّازِي. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدثنَا الأَوْزَاعي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلاةِ كُلمَا رَفَعَ وَوَضَعَ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ قَال: إِنهَا لَصَلاةُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجيم أبو جعفر (الرازي) قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة بن القاسم: ثقة، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من (10) مات سنة (239) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي عالم الشام، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، من (8) مات سنة (195) روى عنه في ستة أبواب، قال (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمد بضم الياء وكسر الميم أبو عمرو الشامي الإمام العلم الفقيه نسبة إلى الأوزاع قبيلة من حمير أو قرية بدمشق إذا خرجتَ من باب الفراديس إنما قيل لها أوزاع لأنها من أوزاع القبائل كما مر في ترجمته، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا فاضلًا كثير الحديث والعلم والفقه، وقال إسحاق: إذا اجتمع الأوزاعي والثوري ومالك على الأمر فهو سنة، وقال في التقريب: ثقة جليل فاضل، من (7) مات في الحمام سنة (157) روى عنه في (12) بابا (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابا (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني ثقة، من (3) (أن أبا هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد رازي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير للزهري في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. أي روى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن أبا هريرة كان يكبر في الصلاة كلما رفع) من سجود (ووضع) لركوع أو سجود (فقلنا) نحن معاشر المصلين معه (يا أبا هريرة: ما هذا التكبير) الذي أكثرت في الصلاة كلما رفعت وخفضت (قال) أبو هريرة (إنها) أي إن هذه الصلاة التي أكثرت فيها التكبير الصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

766 - (00) (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرحْمَنِ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَهُ كَانَ يُكَبرُ كُلمَا خَفَضَ وَرَفَعَ. ويحَدثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَفعَلُ ذلِكَ. 767 - (355) (18) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، جَمِيعا عَنْ حَمادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 766 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني، قال (حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القاري بتشديد التحتانية نسبة إلى قارة حي من العرب القرشي مولاهم المدني، وثقه ابن معين وأحمد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (8) مات سنة (181) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن عبد الرحمن) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، وثقه ابن عيينة والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (6) مات في خلافة المنصور، روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني ثقة ثبت، من (3) مات سنة (101) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح لمن روى عن أبي هريرة. (أنه) أي أن أبا هريرة (كان يكبر كلما خفض ورفع ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) التكبير عند الخفض والرفع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما فقال: 767 - (355) (18) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة، من (10) (وخلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره المقرئ أبو محمد البغدادي، قال النسائي: بغدادي ثقة، وقال الدارقطني: كان عابدًا فاضلًا، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (227) روى عنه في (3) أبواب، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أَبِي إسماعيلَ البصري ثقة ثبت فقيه، مِن كبار (8) مات سنة (179) وله (81)

قَال يَحْيَى: أخْبَرَنَا حَمادُ بن زَيدٍ، عَنْ غَيلانَ، عَنْ مُطَرَّفٍ. قَال: صَليتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ خَلفَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبرَ. وإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبرَ. وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الركْعَتَينِ كَبرَ، فَلَما انْصَرَفنَا مِنَ الصلاةِ قَال: أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي ثُم قَال: لَقَدْ صلى بِنَا هَذَا صَلاةَ مُحَمدٍ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، أَو قَال: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاةَ مُحَمدِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة، روى عنه في (14) بابا، وأَتَى بجملةِ قوله (قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد) تورعًا من الكذب عليه (عن غيلان) بن جرير الأزدي المِعْوَلي البصري، وثقه أحمد، وقال في التقريب: ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري الحَرَشي أبي عبد الله البصري أحدِ سادة التابعين، وَثقه ابنُ سعد والعجلي وابنُ حبان، وُلِدَ في حياةِ النبي صلى الله عليه وسلم وكان من عُبادِ أهلِ البصرة وزُهادِهم، وقال في التقريب: ثقة عابد، من (2) مات سنة (95) روى عنه في (9) أبواب (قال) مطرف (صليت أنا وعمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نُجيد البصري بضم النون مصغرًا، أسلم عام خيبر، له (130) مائة وثلاثون حديثًا اتفقا على (8) وانفرد (خ) بـ (4) و (م) بـ (9) وكان من علماء الصحابة وكانت الملائكة تسلم عليه بعثه عمر إلى البصرة ليفقههم، ومات بها سنة (52) اثنتين وخمسين، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري أو خلف بن هشام فإنه بغدادي؛ أي صلينا بالبصرة (خلف علي بن أبي طالب) القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أحد العشرة المبشرة وأحد الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (فكان) علي (إذا سجد) أي هوى للسجود كبر وإذا رفع رأسه) من السجود كبر وإذا نهض) وقام (من الركعتين) في الثلاثية والرباعية بعد التشهد الأول (كبر) قال مطرف (فلما انصرفنا) وفرغنا (من الصلاة) مع علي بن أبي طالب (قال) مطرف (أخذ عمران) بن حصين (بيدي ثم قال) عمران: والله (لقد صلى بنا هذا) الخليفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (صلاة) نبينا وحبيبنا (محمد صلى الله عليه وسلم) أي صلاة كصلاته في توفر الأركان والسنن والهيئات (أو قال) عمران والشك من مطرف: والله (قد ذكرَني هذا) الرجل (صلاة محمد صلى الله عليه وسلم) التي صليناها معه صلى الله عليه وسلم وفي هذا إشارة إلى أنه هجر استعمال التكبير في الانتقالات يعني أنه كان من السلف من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكبر إلا في الإحرام ظنا منهم أن ما عدا تكبيرة الإحرام إنما هو سنة في الجماعة للإعلام ثم استقر العمل إلى اليوم فيما عدا القومة من الانتقالات على التكبير وهو بإجماع الأئمة من سنن الصلاة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والنسائي كما في التحفة. وجملة ما ذكره في هذا الباب حديثان: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات. والثاني حديث عمران ذكره للاستشهاد. ***

199 - (11) باب القراءة في الصلاة وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب

199 - (11) باب القراءة في الصلاة وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب 768 - (356) (19) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال أبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِي، عَنْ مَحْمُودِ بنِ الربِيع، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصامِتِ. يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لا صَلاةَ لِمَنْ لَم يَقْرَأ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 199 - (11) باب القراءة في الصلاة وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب 768 - (356) (9 1) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة حافظ وَهِمَ في حديث، من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن سفيان) بن عيينة الهلالي أبي محمد الأعور الكوفي، وأتى بقوله (قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عبينة) تورعًا من الكذب عليه (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب (الزهري) أبي بكر المدني (عن محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة بن سراقة بن عمرو الأنصاري الخزرجي أبي محمد المدني صحابي صغير جل روايته عن الصحابة عقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من دلو في دارهم وهو ابن خمس سنين، مات سنة (99) وهو ابن (93) (عن عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم بن فهر الأنصاري الخزرجي أبي الوليد الشامي، شهد العقبتين وبدرًا وهو أحد النقباء، مات في الشام بالرملة سنة (34) وهو يومئذ ابن (92) سنة، له (181) حديثًا اتفقا على (6) وانفرد (خ) بـ (2) وكذا (م) روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد شامي أو مدنيان وشامي وكوفي وبغدادي أو كوفي ومروزي، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي، حالة كون عبادة بن الصامت (يبلغ به) أي بهذا الحديث (النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وينسبه إليه يعني لم يقفه عليه إلا صلاة لمن لم يقرأ) فيها (بفاتحة الكتاب) أي في كل ركعة منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا أسر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمام أو جهر؛ والمعنى لا صلاة صحيحة كما هو مذهب الشافعي أو كاملة كما هو مذهب الأحناف قالوا: لأن فرضية القراءة إنما ثبتت بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} كما هو الرواية في حديث المسيء صلاته الآتي، وهذا الحديث لكونه من أخبار الآحاد إنما يصلح لإفادة الوجوب لا الفرضية فنقول بوجوبها عملًا بالدليلين فيكون المنفي كمال الصلاة اهـ من الهامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [756] وأبو داود [823] والترمذي [247] والنسائي [21/ 137 - 138] وكذا ابن ماجه اتفق عليه أصحاب الأمهات الست كما في القسطلاني. قال القرطبي: (قوله لا صلاة) ظاهره نفي الإجزاء في كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور، ورأى أبو حنيفة أنها لا تتعين وأن غيرها من آي القرآن وسوره يجزئ فيتعين عليه حمل لا صلاة على نفي الكمال أو على الإجمال بينهما أي بين الكمال والإجزاء كما صار القاضي إليه ومذهب الجمهور هو الصحيح لأن نفي الإجزاء هو السابق للفهم كما تقول العرب: لا رجل في الدار فإنه يقتضي نفي أصل الجنس الكامل والناقص، ولا يصار لنفي الوصف إلا بدليل من خارج. واختلف العلماء في القراءة في الصلاة فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والمنفرد في كل ركعة وهو مشهور قول مالك، وعنه أيضًا أنها واجبة في جل الصلاة وهو قول إسحاق، وعنه أنها تجب في ركعة واحدة وقاله المغيرة والحسن، وعنه أن القراءة لا تجب في شيء من الصلاة وهو أشذ الروايات، وحكي عنه أنها تجب في نصف الصلاة وإليه ذهب الأوزاعي، وذهب الأوزاعي أيضًا وأبو أيوب وغيرهما إلى أنها تجب على الإمام والمنفرد والمأموم على كل حال وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى اهـ من المفهم. وعبارة النواوي: قوله (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فيه دليل لمذهب الشافعي ومن وافقه أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد ومما يؤيد وجوبها على المأموم قول أبي هريرة: "اقرأ بها في نفسك" فمعناه اقرأها سرًا بحيث تُسمع نفسك، وأما ما حمله عليه بعض المالكية وغيرهم أن المراد تدبر ذلك وتذكره فلا

769 - (00) (00) (00) حدثني أبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الربِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصامِتِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لا صَلاةَ لِمَن لَمْ يَقتَرِئ بِأم الْقُرآنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يقبل لأن القراءة لا تطلق إلا على حركة اللسان بحيث يُسمع نفسه ولهذا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئًا مرتكبًا لقراءة الجنب المحرمة، وحكى القاضي عياض: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وربيعة ومحمد بن أبي صفرة من أصحاب مالك أنه لا تجب القراءة أصلًا وهي رواية شاذة عن مالك، وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى لا تجب القراءة في الركعتين الأخيرتين بل هو بالخيار إن شاء قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء من السلف والخلف وجوب القراءة في كل ركعة لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: 769 - (00) (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن عبد الله بن السرح الأموي المصري، من (10) قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري، من (9) (عن يونس) بن يزيد الأيلي أبي يزيد الأموي، من (7) (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي أبو حفص المصري صدوق، من (11) (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) أتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه (عن ابن شهاب أخبرني محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الباء مكبرًا (عن عبادة بن الصامت). وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم شاميان واثنان مدنيان واثنان مصريان، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في لفظ القراءة وفي اسم الفاتحة. (قال) عبادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة) صحيحة أو كاملة (لمن لم يقترئ) أي لمن لم يقرأ (بأم القرآن) لأن باب افتعل يأتي بمعنى الثلاثي وبناؤه حينئذ للمبالغة يقال قرأت أم القرآن وبأم القرآن واقترأته واقترأت به يتعدى بنفسه وبالباء،

770 - (00) (00) (00) حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِي الْحُلْوَانِي. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الربِيعِ، الذِي مَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئرِهِمْ، أَخبَرَهُ؛ أَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصامِتِ أَخْبَرَهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقرَأْ بِأم الْقُرآن". 771 - (00) (00) (00) وحدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسميت الفاتحة بأم القرآن وبأم الكتاب لاشتمالها على مقاصده إجمالًا وأم كل شيء أصله وعماده كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها ووسط الأرض المعمورة. 770 - (00) (00) (00) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي ثقة، من (11) مات سنة (242) روى عنه في (8) أبواب، قال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري أبو يوسف المدني ثقة، من (9) مات سنة (208) روى عنه في (4) أبواب، قال (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني ثقة حجة، من (8) مات سنة (183) روى عنه في (14) بابا (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم أبي محمد المدني ثقة ثبت فقيه، من (4) مات سنة (140) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني (أن محمود بن الربيع) الأنصاري المدني (الذي مج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من بئرهم) أي من بئر في دارهم، والمج رمي الماء من بين الشفتين (أخبره) أي أخبر للزهري (أن عبادة بن الصامت أخبره) أي أخبر لمحمود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة) صحيحة أو كاملة (لمن لم يقرأ بأم القرآن). وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد شامي وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة صالح بن كيسان لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في اسم الفاتحة وبذكر المج في هذه الرواية. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: 771 - (00) (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي أبو يعقوب

وَعَبْدُ بْنُ حُمَيد. قَالا: أخْبَرَنَا عَندُ الرزاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزهْرِي، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَه. وَزَاد: فَصَاعِدًا. 772 - (357) (20) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ المروزي ثقة، من (10) (وعبد بن حميد) الكسي ثقة، من (11) (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة، من (9) قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة، من (7) (عن الزهري) محمد بن مسلم المدني، من (4) وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأخبرنا معمر لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو صالح بن كيسان، وكذا قوله (مثله) منصوب بما عمل في المتابع، والضمير فيه عائد إلى المتابع؛ والتقدير: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد يعني عن محمود عن عبادة مثله أي مثل ما روى صالح بن كيسان عن الزهري. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد شامي وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد إما مروزي أو كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة معمر لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن الزهري. (و) لكن (زاد) معمر لفظة (فصاعدًا) أي زاد هذا الراوي على قوله بأم القرآن قوله فصاعدًا يعني لمن لم يقرأ، حالة كون قراءته زائدة على أم القرآن، وعبارة الأبي هنا: قوله وزاد فصاعدًا أي قال لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فصاعدًا أي فما زاد عليها كقولهم اشتريته بدرهم فصاعدًا، وهو منصوب على الحال بعامل محذوف أي فزاد الثمن صاعدا، وتَقْدِيرُهَا هُنا أي فزادت القراءةُ صاعدةً. وعبارة المفهم هنا: قوله (فصاعدًا) معناه فزائدًا ويلزم من ظاهر هذا اللفظ أن تكون الزيادة على أم القرآن التي هي السورة واجبة، ولا قائل أعلمه يقول بوجوب قراءة السورة زيادة على أم القرآن، وإنما الخلاف في وجوب أم القرآن خاصة، وقد أجمعوا على أن لا صلاة إلا بقراءة في الركعتين الأوليين إلا ما قاله الشافعي فيمن نسي القراءة في الصلاة كلها أنها تجزئه لعذر النسيان وهذا شاذ، وقد رجع عنه وإلا ما شذ من قول مالك اهـ منه. ثم استشهد المؤلف لحديث عبادة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 772 - (357) (20) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) أبو يعقوب

أَخبَرَنَا سُفيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ العَلاءِ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَن صلى صَلاة لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُم الْقُرْانِ فَهِيَ خِدَاج" ثَلاثًا، غَيرُ تَمَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المروزي ثقة، من (10) قال (أخبرنا سفيان بن عيينة) الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي ثقة، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني صدوق ربما وهم، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولاهم أبي العلاء المدني ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد مروزي. (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن) أي في كل ركعة من ركعاتها إمامًا كان أو مأمومًا غير مسبوق أو منفردًا (فهي) أي فتلك الصلاة التي لم يقرأ فيها الفاتحة (خداج) أي ذات خداج أي نقص أي غير تامة، قال الهروي: الخداج النقصان، يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا وإن كان لتمام الولادة، فقوله (خداج) أي ذات خداج فحَذَف ذات وأقام الخداج مقامه وهذا مذهب الخليل في الخداج وأبي حاتم والأصمعي، وأما الأخفش فعكسى فجعل الإخداج قبل الوقت وإن كان تام الخلق، قال الأحناف: والحديث حجة لنا في أن الصلاة تجوز بدون الفاتحة مع النقصان وهم لا يجوزونها بدونها، وسميت الفاتحة أم القرآن وأم الكتاب لأنها أصله أي محيطة بجميع علومه فهي منها وراجعة إليها ومنها سميت الأم أما لأنها أصل النسل، والأرض أما في قوله: فالأرض مَعْقِلُنا وكانَتْ أُمنا ... فيها مقَابرُنا وفيها نُولد ومنه قوله تعالى: {فَأُمُّهُ هَاويَةٌ (9)} وقوله: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} ولا معنى لكراهية من كره تسميتها بأم القرآن مع وجود ذلك في الحديث اهـ من المفهم. فكرر قوله هي خداج (ثلاثًا) أي ثلاث مرات كما هو مذكور في رواية النسائي فمعنى خداج بكسر الخاء المعجمة غير تامة، وقوله (غير تمام) تفسير له، قال السندي في شرح النسائي: وهذا ليس بنص في افتراض الفاتحة بل يحتمل الافتراض وعدمه وكأنه لذلك عدل عنه أبو هريرة إلى حديث قسمت الصلاة في الاستدلال على الافتراض اهـ.

فَقِيلَ لأَبِي هُرَيرَةَ: إِنا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ. فَقَال: اقرَأْ بِهَا فِي نَفسِكَ. فَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "قَال اللهُ تَعَالى: قَسَمتُ الصلاةَ بَينِي وَبَينَ عَبْدِي نِصْفَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقيل لأبي هريرة إنا نكون) ونصلي (وراء الإمام) أي خلفه فهل نقرأها (نقال) أبو هريرة للسائل (اقرأ بها في نفسك) أي اقرأها سرًّا لا جهرًا ولا تتركها لأن قراءتها واجبة على كل مصل إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا. وفي المفهم: قوله (اقرأ بها في نفسك) اختلف العلماء في قراءة المأموم خلف الإمام فذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن المأموم لا يترك قراءة أم القرآن على كل حال وإليه ذهب الشافعي تمسكًا بقول أبي هريرة وبعموم قوله (لا صلاة) وذهب مالك وابن المسيب في جماعة من التابعين وغيرهم وفقهاء أهل الحجاز والشام إلى أنه لا يقرأ معه فيما جهر به وإن لم يسمعه ويقرأ معه ما أسر فيه الإمام تمسكًا بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وبقول أبي هريرة فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا" وذهب أكثر هؤلاء إلى أن القراءة فيما يسر فيه الإمام غير واجبة إلا داود وأحمد بن حنبل وأصحاب الحديث فإنهم أوجبوا قراءة الفاتحة إذا أسر الإمام وذهب الكوفيون إلى ترك قراءة المأموم خلف الإمام على كل حال اهـ منه. (فإني) أي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) فيما يرويه عن ربه يعني الحديث القدسي (قال الله) سبحانه و (تعالى قسمت الصلاة) أي الفاتحة؛ والمراد بالصلاة هنا الفاتحة لأنها لا تصح إلا بها، قال ابن الملك: أراد بالصلاة القراءة لأنها جزؤها، ويطلق كل منهما على الآخر مجازًا قال الله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أي بقراءتك، وقال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يعني صلاة الفجر؛ والمراد من الصلاة هنا قراءة الفاتحة بقرينة تتمة الحديث. وقوله (بيني وبين عبدي نصفين) قرينة قوية للمجاز المذكور فإن الصلاة خالصة لله تعالى لا تكون مقسومة. قال السندي: ووجه الاستدلال بهذا التقسيم على وجوبها هو أن قسمة الفاتحة جعلت قسمة للصلاة واعتبرت الصلاة مقسومة باعتبارها ولا يظهر ذلك إلا عند لزوم

وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَال الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالمِينَ. قَال اللهُ تَعَالي: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَال: الرحْمَنِ الرحِيمِ. قَال اللهُ تَعَالى: أَثْنَى عَلَيَّ عَندِي. وَإِذَا قَال: مَالِكِ يَوْمِ الدينِ. قَال: مَجَّدَنِي عَبْدِي. (وَقَال مَرةً: فَوَّضَ إلي عَبْدِي). فَإِذَا قَال: إِياكَ نَعْبُدُ وَإياكَ نَسْتَعِينُ. قَال: هَذا ـــــــــــــــــــــــــــــ الفاتحة فيها ثم لا يخفى ما في الحديث من الدلالة على خروج البسملة من الفاتحة وأخذ منه المصنف (النسائي) أنها لا تقرأ وهو بعيد لجواز أن لا تكون جزءًا من الفاتحة ويرده الشروع بالقراءة بها مع الفاتحة تبركًا فمن أين جاء أنها لا تقرأ فالحق أن مقتضى الأدلة أنها تقرأ سرًّا لا جهرًا كما هو مذهب علمائنا الحنفية، وكونها لا تقرأ أصلًا كمذهب مالك أو تقرأ جهرًا كمذهب الشافعي لا تساعده الأدلة ولعل مراد المصنف الاستدلال على عدم لزوم قراءتها، والله أعلم اهـ من السندي على النسائي. قال ابن الملك: قوله (نصفين) اعلم أن تقسيم الفاتحة نصفين بمعنى أن بعضها ثناء إلى قوله إياك نعبد، وبعضها دعاء وهو من قوله إياك نستعين إلى آخر السورة، والنصف هنا بمعنى البعض لا أنها منصفة حقيقة لأن طَرفَ الدعاء أكثرُ، وقيل إنها منصفة حقيقة لأنها سبع آيات ثلاث ثناء من قوله الحمد لله إلى يوم الدين وثلاث دعاء من قوله اهدنا إلى آخرها، والآية المتوسطة نصفها ثناء ونصفها دعاء اهـ ابن الملك. وعلى هذا الحساب لا تدخل البسملة في الفاتحة وهو مطلوب لنا، قال ملا علي: وتمسك أصحابنا بهذا الحديث على أن البسملة ليست من الفاتحة، وبوجه آخر وهو أنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر التسمية فيما حكاه عن الله سبحانه وتعالى اهـ من بعض الهوامش. (ولعبدي ما سألـ) ـنيه (فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي) أي أثنى علي بربوبيتي (وإذا قال) العبد (الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي) بصفاتي وإنعامي (وإذا قال: مالك يوم الدين، قال) سبحانه وتعالى: (مجدني عبدي) أي عظمني بجلالي وسلطاني (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة (مرة) أي تارة بدل مجدني (فوض) وأسند (إلي عبدي) جميع أمور مخلوقاتي (فإذا قال) العبد (إياك نعبد واياك نستعين قال) الله سبحانه (هذا) المقول الذي قاله العبد

بَينِي وَبَينَ عَبْدِي وَلعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}. قَال: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأل". قَال سُفْيَانُ: حَدثَنِي بِهِ الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ. دَخَلْتُ عَلَيهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي بَيتِهِ، فَسَألْتُهُ أَنَا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في هذه المرة مقسوم (بيني) يعني قوله إياك نعبد (وبين عبدي) يعني قوله وإياك نستعين (ولعبدي ما سأل) من الإعانة، وفي هذا بشارة عظيمة للعبد (فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} قال) الله سبحانه (هذا) المقول خاص العبدي ولعبدي ما سأل) من الهداية (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (حدثني به) أي بهذا الحديث (العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب) حين (دخلت عليه) أي على العلاء لعيادته (وهو مريض) وقوله (في بيته) أي في بيت العلاء إما متعلق بدخلت لأنه الأقرب أو بحدثني لأنه الأسبق، وقوله (فسألته أنا عنه) معطوف على دخلت أي حين دخلْتُ علَيهِ فسأَلْتهُ أنا عنه أي عن حاله هل هو صالح أم لا أو حين دخلت عليه للعيادة فسألته عنه أي عن هذا الحديث، وقوله أنا تأكيد لضمير الفاعل، ومراد سفيان بذكر هذا الكلام التصريح بسماعه منه دفعا لما يُتوهم من العنعنة السابقة من الانقطاع والتدليس، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 0 25 و 285] وأبو داود [819 و 820] والترمذي [2954 و 2955] والنسائي [2/ 135 - 136]. وفي المفهم: قوله (قسمت الصلاة) يعني أم القرآن سماها صلاة لأن الصلاة لا تتم أو لا تصح إلا بها، ومعنى القسمة هنا من جهة المعاني لأن نصفها الأول في حمد الله وتمجيده والثناء عليه وتوحيده، والنصف الثاني في اعتراف العبد بعجزه وحاجته وسؤاله في تثبيته لهدايته ومعونته على ذلك، وهذا التَقْسِيمُ حجةٌ على أن بسم الله الرحمن الرحيم ليست من الفاتحة خلافًا للشافعي وسيأتي قوله، وقوله (حمدني عبدي) أي أثنى علي بصفات كمالي وجلالي (ومجدني) شرفني أي اعتقد شرفي ونطق به، والمجد نهاية الشرف وهو الكثيرُ صفات الكمال والمجدُ الكثرة ومنه قوله: في كل شجر نار وَاسْتَمْجَدَ المَرْخ والعَفَارَ؛ أي كَثُر نارهما والمرخ شجر سريع الاشتعال، والعفار شجر يتخذ منه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزناد، واستمجد استكثر، وهذا المثل يُضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض، قوله (وربما قال فوض إلي عبدي) أي يقول هذا ويقول هذا غير أن فوض أقل ما يقوله وليس شكًّا وهو مطابق لقوله مالك يوم الدين لأنه تعالى هو المنفرد في ذلك اليوم بالمُلك إذ لا تبقى دعوى لِمُدع (والدين) الجزاء والحساب والطاعة والعبادة والمُلك، وقوله (نعبد) أي نخضع ونتذلل (ونستعين) نسألك العون (اهدنا) أرشدنا وثبتنا على الهداية (والصراط المستقيم) الذي لا اعوجاج فيه (والمنعم عليهم) هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون (والمغضوب عليهم) اليهود (والضلالُ) النصارى، كذا رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عدي رضي الله عنه رواه أحمد [4/ 378] والترمذي [2953]. وإنما قال الله تعالى هنا "هذا بيني وبين عبدي" لأنها تضمنت تذلل العبد لله وطلبه الاستعانة منه وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى وقدرته على ما طلب منه، وقوله فيما بقي من السورة "هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" لأن العبد دعا لنفسه، وقال مالك بن أنس في قوله (فهؤلاء لعبدي) هي إشارة إلى أنها ثلاث آيات لا آيتان، وفي المنهاج قوله (قسمت الصلاة قسمين) قال العلماء: والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار، واحتج القائلون بأن البسملة ليست من الفاتحة بهذا الحديث وهو من أوضح ما احتجوا به، قالوا: لأنها سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد لله وثلاث دعاء أولها اهدنا الصراط المستقيم والسابعة متوسطة وهي إياك نعبد وإياك نستعين، قالوا: ولأنه سبحانه وتعالى قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين الخ فلم يذكر البسملة ولو كانت منها لذكرها، وأجاب أصحابنا وغيرهم ممن يقول إن البسملة آية من الفاتحة بأجوبة: أحدها أن التنصيف عائد إلى جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا باعتبار حقيقة اللفظ، والثاني أن التنصيف عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، والثالث معناه فإذا انتهى العبد في قراءته إلى الحمد لله رب العالمين، وقال العلماء أيضًا: قوله تعالى: (حمدني عبدي وأثنى علي ومجدني) إنما قاله لأن التحميد الثناء بجميل الفعال، والتمجيد الثناء بصفات الجلال، ويقال أثنى عليه في ذلك كله ولهذا جاء جوابًا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية

773 - (00) (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَس، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ؛ أنهُ سَمِعَ أبَا السائِبِ، مَوْلَي هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفعلية، وقوله وربما قال فوض إلي عبدي وجه مطابقة هذا لقوله مالك يوم الدين أن الله تعالى هو المنفرد بالمُلك في ذلك اليوم وبجزاء العباد وحسابهم، والدين الحساب وقيل الجزاء، ولا دعوى لأحد في ذلك اليوم ولا مجاز، وأما في الدنيا فلبعض العباد ملك مجازي ويدَّعِي بعضهم دعوة باطلة وهذا كله ينقطع في ذلك اليوم هذا معناه فالله سبحانه وتعالى هو المالك والملك على الحقيقة للدارين وما فيهما ومن فيهما وكل من سواه مربوب له عبد مسخر ثم في هذا الاعتراف من التعظيم والتمجيد وتفويض الأمر ما لا يخفى، وقوله تعالى: (فإذا قال العبد اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخر السورة (فهذا لعبدي) هكذا هو في صحيح مسلم وفي غيره فهؤلاء لعبدي، وفي هذه الرواية دليل على أن اهدنا وما بعده إلى آخر السورة ثلاث آيات لا آيتان، وفي المسألة خلاف مبني على أن البسملة من الفاتحة أم لا؟ فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنها من الفاتحة وأنها آية واهدنا وما بعده آيتان، ومذهب مالك وغيره ممن يقول إنها ليست من الفاتحة يقول اهدنا وما بعده ثلاث آيات وللأكثرين أن يقولوا قوله هؤلاء المراد به الكلمات لا الآيات بدليل رواية مسلم فهذا لعبدي وهذا أحسن من الجواب بأن الجمع محمول على الاثنين لأن هذا مجاز عند الأكثرين فيحتاج إلى دليل على صرفه من الحقيقة إلى المجاز، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 773 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني (عن مالك بن أنس) الإمام المدني (عن العلاء بن عبد الرحمن) الجهني المدني (أنه سمع أبا السالب) الأنصاري مولاهم (مولى هشام بن زهرة) عبد الله بن السائب المدني (يقول سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث الآتي، روى عن أبي هريرة في الصلاة وأبي سعيد الخدري في ذكر الجان، والمغيرة بن شعبة، ويروي عنه (م عم) والعلاء بن عبد الرحمن، وبكير بن الأشج، وصيفي مولى ابن أفْلحَ، وأسماءُ بن عُبيد، قال في التقريب: ثقة من الثالثة. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بغلاني، وغرضه بسوقه

774 - (00) (00) (00) ح وَحَدثَنِي مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ بْنِ يَعْقُوبَ؛ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَام بْنِ زُهْرَةَ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ صلى صَلاة فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأم القُرْآنِ". بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وَفِي حَدِيثِهما: ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة مالك بن أنس لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 774 - (00) (00) (00) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثني محمد بن رافع) بن أبي كثير القشيري النيسابوري وهو معطوف على قوله حدثنا قتيبة بن سعيد، قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، قال (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، قال (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب) الجهني المدني (أن أبا السائب) عبد الله بن السائب المدني الأنصاري مولاهم (مولى بني عبد الله بن هشام بن زهرة) وعبد الله بن هشام هذا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله بايعه، فقال: هو صغير فمسح برأسه ودعا له اهـ من الإصابة وليس من رجال مسلم (أخبره) أي أخبر للعلاء بن عبد الرحمن (أنه) أي أن أبا السائب (سمع أبا هريرة يقول). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة كالسند الذي قبله لأن مالك بن أنس وابن جريج رويا عن أبي هريرة بواسطة العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة، وسفيان روى عن أبي هريرة بواسطة العلاء عن أبيه عن أبي هريرة. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة) فرضًا كانت أو نفلًا إمامًا كان أو غيره (فلم يقرأ فيها بأم القرآن") وساقا أي وساق مالك بن أنس وابن جريج (بمثل حديث سفيان) بن عيينة (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث مالك بن أنس

"قَال اللهُ تَعَالى: قَسَمْتُ الصلاةَ بَينِي وَبَينَ عَبْدِي نِصْفَينِ. فَنِصفُهَا لِي وَنصْفُهَا لِعَبْدِي". 775 - (00) (00) (00) حدثني أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر الْمَعْقِرِي. حَدَّثَنَا النضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُويس. أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ. قَال: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي وَمِنْ أَبِي السائِبِ، وَكَانَا جَلِيسَي أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالا: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث ابن جريج (قال الله تعالى قسمت الصلاة) أي الفاتحة (بيني وبين عبدي نصفين) فزادا على سفيان (فنصفها لي ونصفها لعبدي) وهذا استثناء من المماثلة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 775 - (00) (00) (00) (حدثني أحمد بن جعفر المعقري) بفتح الميم وكسر القاف بينهما عين ساكنة نسبة إلى معقر ناحية باليمن اليمنى ثم المكي، روى عن النضر بن محمد في الصلاة وغيرها وإسماعيل بن عبد الكريم بن معقل، ويروي عنه (م) وابن أبي داود وأبو عروبة، قال في التقريب: مقبول من الحادية عشرة، مات سنة (255) خمس وخمسين ومائتين (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي بالجيم المضمومة والشين المعجمة الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما تفرد، وقال في التقريب: ثقة له أفراد، من (9) (حدثنا أبو أويس) عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني ووالد إسماعيل بن أبي أويس، قال أبو داود: صالح الحديث، وقال يعقوب بن شيبة: صدوق صالح الحديث، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به وليس بالقوي، وقال في التقريب: صدوق يَهِمُ، من السابعة، مات سنة (167) روى عنه في (2) الإيمان والصلاة، قال (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (قال) العلاء (سمعت من أبي) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (ومن أبي السائب) عبد الله بن السائب الأنصاري المدني (وكانا) أي وكان أبي وأبو السائب (جليسَي أبي هريرة قالا) أي قال كل منهما (قال أبو هريرة) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد يمامي وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي أويس لسفيان بن عيينة ومالك بن أنس وابن جريج في رواية هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

قَال رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ صَلى صَلاةَ لَم يَقرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاج" يَقُولُهَا ثَلاثًا. بِمِثْلِ حَدِيثِهِم ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي) أي فتلك الصلاة (خداج) أي ناقصة غير مجزئة (يقولها) أي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة رضي الله عنه كلمة خداج (ثلاثًا) أي يكررها ثلاث مرات، وقوله (بمثل حديثهم) متعلق بحدثنا أبو أويس، وضمير الجمع عائد إلى سفيان ومالك وابن جريج أي وساق أبو أويس عن العلاء بن عبد الرحمن بمثل ما روى هؤلاء الثلاثة عن العلاء. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عبادة ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات أيضًا. ***

200 - (12) باب الجهر والإسرار في الصلاة

200 - (12) باب الجهر والإسرار في الصلاة 776 - (358) (21) حدثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَير. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَن حَبِيبِ بنِ الشهِيدِ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لا صَلاةَ إِلا بِقِرَاءَةٍ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أعْلَناهُ لَكُمْ. وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَينَاهُ لَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 200 - (12) باب الجهر والإسرار في الصلاة 776 - (358) (21) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الحافظ الكوفي مشهور بكنيته، قال أحمد: ثقة ما كان أثبته لا يكاد يخطئ، وقال في التقريب: ثقة ثبت ربما دلس من كبار التاسعة مات سنة (201) وهو ابن (80) روى عنه في (17) بابا (عن حبيب بن الشهيد) الأزدي مولاهم أبي محمد البصري، روى عن عطاء بن أبي رباح في الصلاة، وثابت البناني في الجنائز، وبكر بن عبد الله المزني في الحج، وابن أبي مليكة في الفضائل، ويروي عنه (ع) وأبو أسامة وشعبة ويزيد بن زريع وابن علية وحماد بن سلمة وخلق، وقال أحمد: ثقة مأمون وكذا قال ابن سعد، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الخامسة مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة، روى عنه في (4) أبواب (قال) حبيب (سمعت عطاء) بن أبي رباح بفتح الراء والموحدة واسم أبي رباح أسلم القرشي الفهري مولاهم اليمانى الأصلِ أبا محمد المكي أحدَ الأعلام المشاهير، قال العجلي: مكي تابعي ثقة وكان مفتي أهل مكة في زمانه، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث فقيهًا عالما، وقال في التقريب: ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، من (3) مات سنة (114) روى عنه في (10) أبواب حالة كونه (يُحدِّث عن أبي هريرة) الدوسي المكي. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مكي وواحد بصري، وفيه التحديث والسماع والعنعنة. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة) صحيحة (إلا بقراءة") الفاتحة (قال أبو هريرة: فما أعلن) وجهر فيه القراءة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلناه) أي جهرنا فيه القراءة الكم وما أخفاه) أي وما أسر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخفيناه لكم) أي أسررناه عنكم والصلوات الجهرية وكذلك السرية معلومة.

777 - (00) (00) (00) حدثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ -وَاللفْظُ لِعَمْرٍو- قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ عَنْ عَطَاءِ؛ قَال: قَال أبُو هُرَيرَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 348] والنسائي [2/ 163]. قال النواوي: معنى الحديث ما جهر فيه بالقراءة جهرنا به وما أسر أسررنا به، وقد أجمعت الأمة على الجهر بالقراءة في ركعتي الصبح والجمعة والأوليين من العشائين، وعلى الإسرار في الظهر والعصر وثالثة المغرب والأخريين من العشاء، واختلفوا في العيد والاستسقاء، ومذهبنا الجهر فيهما لأنه يشهدهما الناس وفيهم الأعراب والجهلة فشرع فيهما الجهر، وفي نوافل الليل قيل يَجهر فيها وقيل بين الجهر والإسرار، ونوافل النهار يُسر بها، والكسوف يُسر بها نهارًا ويجهر ليلًا، والجنازة يُسر بها ليلًا ونهارًا وقيل جهر ليلًا، ولو فاتَتْهُ صلاةٌ لَيليةٌ كالعشاءِ فقضاها في ليلة أخرى جهر وإن قضاها نهارًا فوجهان الأصح يُسر والثاني يَجهر، وإن فاتته نهارية كالظهر فقضاها نهارًا أسر وإن قضاها ليلًا فوجهان الأصح يجهر والثاني يُسر، وحيث قلنا يَجهر أو يُسر فهو سنة فلو تركه صحت صلاته ولا يسجد للسهو عندنا اهـ منه. وحد السر أن يُسمع نفسه، وتحريك اللسان يُجزئ فيه، وحد الجهر أن يُسمع غيره وأحبه أن يكون فوق ذلك، وجهر المرأة أن تُسمع نفسها فقط، اهـ أبي. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 777 - (00) (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي (واللفظ) الآتي العمرو قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، قال (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح القرشي المكي (قال قال أبو هريرة). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد إما بغدادي أو نسائي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لحبيب بن الشهيد في رواية هذا الحديث عن عطاء، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيها مِنَ المخالفةِ.

فِي كُلِّ الصَّلاةِ يَقْرَأُ. فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَسْمَعْناكُمْ. وَمَا أَخْفَى مِنا أَخْفَينَا مِنْكُمْ. فَقَال لَهُ رَجُلٌ: إِنْ لَمْ أَزِدْ عَلَى أم الْقُرْآنِ؟ فَقَال: إِنْ زِدْتَ عَلَيهَا فَهُوَ خَيرٌ. وَإِنِ انْتَهَيتَ إِلَيهَا أَجْزَأَتْ عَنكَ. 778 - (00) (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُريعٍ) عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلمِ، عَنْ عَطَاءٍ؛ قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فِي كُل صَلاةٍ قِرَاءَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (في كل الصلاة) فرضًا كانت أو نافلة (يقرأ) المصلي (فما أسمعنا) فيها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجهر فيها (أسمعناكم) فيها القراءة (وما أخفى منا) فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر فيها (أخفينا) قراءتها (منكم) وأسررنا فيها عنكم (فقال له) أي لأبي هريرة (رجل) من الحاضرين (إن لم أزد على) قراءة (أم القرآن) أي على الفاتحة فهل تُجزئ لي عن زيادة غيرها من سائر السور (فقال) أبو هريرة مجيبًا له (إن زدت) أيها الرجل في قراءة صلاتك (عليها) أي على قراءة الفاتحة (فهو) أي فالزائد عليها لك فيه (خير) كثير وأجر جزيل (وإن انتهيت) ووصلت (إليها) أي إلى نهايتها وآخرها واكتفيت بها (أجزأت) الفاتحة وأسقطت (عنك) الواجب في القراءة وصارت مجزأة عنك مغنية لك عن قراءة غيرها من السور فالركن الواجب قراءتها وقراءة غيرها زيادة عليها سنة لا واجب. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 778 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكرياء النيسابوري، قال (أخبرنا يزيد) بن زريع مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة ثبت، من (8) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن زريع) إشارة إلى أنها من زيادة زادها للإيضاح (عن حبيب) بن أبي قريبة بفتح القاف اسمه زائدة وقيل زيد (المعلم) أبي محمد البصري ويقال حبيب بن زيد مولى معقل بن يسار، روى عن عطاء بن أبي رباح في الصلاة والحج، وهشام بن عروة في الحج، وعمرو بن شعيب، ويروي عنه (ع) ويزيد بن زريع وحماد بن سلمة وعبد الوهاب الثقفي، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من السادسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن عطاء) بن أبي رباح (قال: قال أبو هريرة في كل صلاة قراءة). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد مكي

فَمَا أَسْمَعَنَا النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَسْمَعنَاكُم. وَمَا أَخفَى مِنا أَخفَينَاهُ مِنكُم. وَمَن قَرَأَ بِأم الكِتَابِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنهُ. وَمَن زَادَ فَهُوَ أَفضَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة حبيب المعلم لابن جريج في رواية هذا الحديث عن عطاء، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيه من المخالفة في بعض الكلمات. (فما) أي فالصلاة التي (أسمعنا) فيها (النبي صلى الله عليه وسلم أسمعناكم) فيها قراءتها (وما أخفى) وأسر (منا) فيها النبي صلى الله عليه وسلم (أخفيناه) أي أَسْرَرْنا قراءتَها (منكم ومن قرأ بأم الكتاب) وفاتحته في كل ركعة (فقد أجزأت) وأسقطت (عنه) الواجب في صلاته (ومن زاد) عليها في قراءته (فهو) أي فالزائد (أفضل) أي أزيد له وأكثر أجرأ. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة رضي الله عنه وذكر فيه متابعتين. ***

201 - (13) باب تعليم الصلاة وكيفيتها لمن لا يحسنها

201 - (13) باب تعليم الصلاة وكيفيتها لمن لا يحسنها 779 - (359) (22) حدثني مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: حَدثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَن أبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلًمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ. فَدَخَلَ رَجُل فَصَلى. ثُم جَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 201 - (13) باب تعليم الصلاة وكيفيتها لمن لا يحسنها 779 - (359) (22) (حدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري، قال (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، أحد الفقهاء السبعة ثقة ثبت، من (5) (قال) عبيد الله (حدثني سعيد بن أبي سعيد) كيسان بن سَعْد المقبري أبي سعيد المدني ثقة، من (3) تغير قبل موته بأربع سنين (عن أبيه) أبي سعيد كيسان بن سعد المقبري المدني مولى أم شريك ثقة، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان، وفيه التحديث والقول والعنعنة، قال النواوي: واعلم أنه وقع في إسناد هذا الحديث في مسلم عن يحيى القطان عن عبيد الله قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، قال الدارقطني: خالف يحيى القطان في هذا الإسناد جميع أصحاب عبيد الله كعبد الله بن نمير وأبي أسامة فإنهم لم يقولوا عن أبيه، ويحيى حافظ فيعتمد ما رواه فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين، قال الحافظ ابن حجر: ولكل من الروايتين وَجْهٌ يُرجِّح فأما رواية يحيى القطان فللزيَادةِ من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيدا المقبري لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين فحصل أن الحديث صحيح لا علة فيه ولو كان الصحيح ما رواه الأكثرون لم يضر في صحة المتن، قال النواوي: ومقصودي بذكر هذا أن لا يُغْتَرَّ بذِكْرِ الدارقطني أو غيرِه له في الاستدراكات. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد) النبوي وجلس (فدخل رجل) هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى بن خلاد (فصلى) أي بلا تعديل في ركوعه وسجوده كما هو الظاهر من سياق الحديث، وعند النسائي ركعتين فسلم من صلاته (ثم جاء) إلى

فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَرَد رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ السلامَ. قَال: "ارْجِعْ فَصَلِّ. فَإِنكَ لَمْ تُصَلِّ" فَرَجَعَ الرجُلُ فَصَلى كَمَا كَانَ صلى. ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَسَلمَ عَلَيهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَعَلَيكَ السلامُ" ثُم قَال: "ارْجِعْ فَصَلِّ. فَإِنكَ لَمْ تُصَلِّ" حَتى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَراتٍ. فَقَال الرجُلُ: وَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَق، مَا أُحْسِنُ غَيرَ هَذَا. عَلِّمْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام) على الرجل فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل (ارجع) إلى مكانك (فصل) ثانيًا (فإنك لم تصل) صلاة صحيحة وهذا نفي للصحة لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة من نفي الكمال فهو أولى المجازين، وفي قوله (ارجع) الرفق في الأمر بالمعروف لأنه لم يوبخه ولا زجره، قال النواوي: فإن قيل كيف أمره أن يرجع فيصلي صلاة فاسدة ولم يعلِّمه أول مرة قيل جَوَّزَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدها صحيحة ولأن التعليم بعد تكرار الخطأ أثبت من التعليم ابتداء، وقوله (فإنك لم تصل) قال القاضي: فيه أن عبادة الجاهل المختلة لا يعتد بها، (فرجع الرجل) إلى مكانه (فصلى كما كان صلى) أولًا فكان زائدة كما هي ساقطة من رواية البخاري (ثم جاء) الرجل (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه) صلى الله عليه وسلم ثانيًا، فيه السلام عند اللقاء وإن تكرر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رد سلامه (وعليك السلام) فيه الرد على المسلم وإن تكرر بالقرب، وفيه جواز الرد بالواو، قال النواوي: جعل بعض أصحابنا الرد بالواو واجبًا وليس بشيءِ وإنما هو سنة (ثم قال) له ثالثًا (ارجع) إلى مكانك (فصل فإنك لم تصل) صلاة صحيحة فأمرَهُ بإعادةِ الصلاة (حتى فعل) الرجل (ذلك) الفعل الذي هو صورةُ صلاته (ثلاث مرات فقال الرجل) بعد الثالثة (والذي بعثك بالحق ما أُحْسِنُ) ولا أعرف (غير هذا) الذي فعلته فـ (علِّمْني) ما بعَثكَ اللهُ تعالى به في الصلاة، واستشكل كونه صلى الله عليه وسلم تركه ثلاث مرات يصلي صلاة فاسدة، وأجاب التوربشتي بأن الرجل لما رجع ولم يستكشف الحال من مورد الوحي كأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليمه زجرًا له وتأديبًا وإرشادًا إلى استكشاف ما استبهم عليه فلما طلب كَشْف الحال من مورده أرشده إليه صلى الله عليه وسلم اهـ ق. وقال الأبي: إنما لم يعلمه أولًا لأن التعليم بعد تكرار الخطأ أثبت من التعليم

قَال: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصلاةِ فَكَبِّرْ. ثم اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُم ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِن رَاكِعًا، ثُم ارْفَعْ حَتى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُم اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِن ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتداء، ولأنه أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة كما أمرهم بالإحرام بالحج ثم فَسْخِه إلى العمرة ليكون أبلغ في تقرير ذلك عندهم اهـ نووي، وقيل تأديبًا له إذ لم يسأل واكتفى بعلم نفسه ولذا لما سأل وقال: لا أُحسن؛ علّمه، وليس فيه تأخير البيان لأنه كان في الوقت سعة إن كانت صلاة فرض، وقوله (لا أحسن غير هذا) يدل على أنه كان يصلي كذلك ولم يأمره بالإعادة ففيه أن فاعل ذلك إنما يؤمر بالإعادة في الوقت اهـ. فـ (قال) -بتقدير الفاء كما في البخاري- رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) أي تكبيرة الإحرام، قال القاضي: يحتج به لعدم وجوب الإقامة، وفي بعض طرقه في المصنفات فأقم فيحتج به لوجوبها، ويحتج به أيضًا لوجوب تكبيرة الإحرام ولكونها من الصلاة، وقال الكرخي: ليست من الصلاة (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) لا يحتج به لمنع دعاء التوجه لما قلنا إنه خرج مخرج التعليم فيما وقعت الإساءة فيه، قال القاضي: ويرد على الحنفي مجيز القراءة بالفارسية إذا أدت المعنى لأن ما ليس بلسان العرب لا يُسمى قرآنًا، قال المازري: ويحتج به الحنفي على أنه لا تتعين الفاتحة ويُجاب بأنه يعني بما تيسر من غيرها معها لدلالة الأحاديث المتقدمة على تعينها وقد يقال يعني بما تيسر الفاتحة لأنها متيسرة لكل أحد. وفي حديث أبي داود في قصة المسيء صلاته من رواية رفاعة بن رافع رفعه "إذا قمت وتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ" ولأحمد وابن حبان "ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت" وبهذا يزول الإشكال اهـ ق. (ثم اركع حتى تطمئن) وتستقر أعضاؤك في مكانها حالة كونك (راكعًا) وقال مثله في السجود قال المازري: يحتج به للقول بوجوب الطمأنينة، وحجة الآخر "اركعوا واسجدوا" فلم يوجب زائدا على مسمى أحدهما (ثم ارفع) رأسك من الركوع (حتى تعتدل) وينتصب ظهرك، حال كونك (قائمًا) أي مستويًا، والاعتدال كمال انتصاب الظهر، وفي رواية ابن ماجه: "حتى تطمئن قائمًا" (ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك

سَاجِدًا، ثُم ارْفَعْ حَتى تَطمَئِنَّ جَالِسًا. ثُم افعَل ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا". 780 - (00) (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدثَنَا ابنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ساجدًا ثم ارفع) رأسك من السجود (حتى تطمئن) حال كونك (جالسًا) وفيه دليل على إيجاب الاعتدال والجلوس بين السجدتين والطمأنينة في الركوع والسجود فهو حجة على أبي حنيفة رحمه الله تعالى القائل بعدم وجوبها وليس عنه جواب صحيح، قال القاضي: لم يختلف في وجوب الفصل بين السجدتين وإلا كانت سجدة واحدة، وإنما اختلف في الطمأنينة فيه، ومن المعلوم أنه لا يطمئن جالسًا حتى يرفع يديه من الأرض ففيه حجة لأحد القولين اللذين حكاهما سحنون فيمن لم يرفع يديه من السجود اهـ أبي. (ثم افعل ذلك) المذكور من التكبير وقراءة ما تيسر وهو الفاتحة أو ما تيسر من غيرها بعد قراءتها والركوع والسجود والجلوس، وفيه دلالة على وجوب القراءة في كل ركعة وهو المشهور (في صلاتك كلها) فرضًا ونفلًا، وإنما لم يذكر له صلى الله عليه وسلم بقية الواجبات في الصلاة كالنية والقعود في التشهد الأخير لأنه كان معلومًا عنده أو لعل الراوي اختصر ذلك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 437] والبخاري [757] وأبو داود [856] والترمذي [303]، والنسائي [2/ 125] وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 780 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (وعبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الكوفي، قال محمد (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف لفظ شيخيه لأن أبا بكر قال: عبد الله، ومحمدًا قال: حدثنا أبي؛ لأن أهل الحديث يهتمون بأداء اللفظ على الهيئة التي سمعوه ولأن أبا بكر له شيخان، ومحمدًا له شيخ واحد، وهذا من دقائق علمه رحمه الله تعالى (قالا) أي قال أبو أسامة وعبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر العدوي العمري (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه فأسقطا لفظ (عن أبيه) بين سعيد وأبي

أَن رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ. وَسَاقَا الحَدِيثَ بِمِثلِ هَذهِ القِصَّةِ. وَزَادَا فِيهِ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأسبِغِ الْوُضُوءَ. ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة أي لم يذكراه كما ذكره يحيى القطان، وقد مر البحث عنه قريبًا. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة وعبد الله بن نمير ليحيى القطان في رواية هذا الحديث عن عبيد الله، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان ما نقصا في الإسناد وما زادا في المتن والله أعلم. (أن رجلًا دخل المسجد فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية) أي في جهة وجانب من المسجد (وساقا) أي ساق أبو أسامة وعبد الله بن نمير (الحديث) السابق (بمثل هذه القصة) المذكورة في حديث يحيى القطان (وزادا) أي زاد أبو أسامة وعبد الله بن نمير (فيه) أي في الحديث على يحيى القطان بعد قوله (إذا قمت إلى الصلاة) أي إذا أردت القيام إلى الصلاة لفظة (فأسبغ الوضوء) أي أكمل وضوءك أولًا (ثم استقبل القبلة فكبر) تكبيرة الإحرام أي زادا لفظة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة، ومعنى أسبغ الوضوء أي توضأ وضوءًا تامًّا مشتملًا على فرائضه وسننه، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي رحمه الله تعالى: هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة وليعلم أولًا أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن، فإن قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات فقد بقي واجبات مجمع عليها ومختلف فيها فمن المجمع عليه: النية والقعود في التشهد الأخير وترتيب أركان الصلاة، ومن المختلف فيه: التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والسلام، وهذه الثلاثة واجبة عند الشافعي رحمه الله تعالى، وقال بوجوب السلام الجمهور، وأوجب التشهد كثيرون، وأوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع الشافعي الشعبي وأحمد بن حنبل وأصحابهما، وأوجب جماعة من أصحاب الشافعي نية الخروج من الصلاة، وأوجب أحمد رحمه الله تعالى التشهد الأول وكذلك التسبيح وتكبيرات الانتقالات. فالجواب: أن الواجبات الثلاثة المجمع عليها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت معلومة عند السائل فلم يحتج إلى بيانها وكذا المختلف فيه عند من يوجبه يحمله على أنه كان معلومًا عنده، وفي هذا الحديث دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة، وفيه وجوب الطهارة واستقبال القبلة وتكبيرة الإحرام والقراءة، وفيه أن التعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام ووضع اليد اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ وغير ذلك مما لم يذكره في الحديث ليس بوَاجِبٍ إلا ما ذكرناه من المجمع عليه والمختلف فيه، وفيه دليل على وجوب الاعتدال عن الركوع والجلوس بين السجدتين ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ولم يوجبها أبو حنيفة رحمه الله تعالى وطائفة يسيرة، وهذا الحديث حجة عليهم وليس عنه جواب صحيح، وأما الاعتدال فالمشهور في مذهبنا ومذاهب العلماء تجب الطمأنينة فيه كما تجب في الجلوس بين السجدتين وفي الركوع والسجود، وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها وهو مذهبنا ومذهب الجمهور كما سبق، وفيه أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل ولم يسأله عنه يستحب له أن يذكره له ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام فيما لا يعني وموضع الدلالة أنه قال علمني يا رسول الله أي علمني الصلاة فعلمه الصلاة واستقبال القبلة والوضوء وليسا من الصلاة لكنهما شرطان لها، وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته وإيضاحُ المَسْأَلةِ وتلخيصُ المقاصد والاقتصارُ في حقه على المهم دون المكملات التي لا يحتمل حاله حفظها والقيام بها، وفيه استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده، وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء وإن قرب العهد، وأنه يجب رده في كل مرة وأن صيغة الجواب وعليكم السلام أو وعليك بالواو وهذه الواو مستحبة عند الجمهور وأوجبها بعض أصحابنا وليس بشيء بل الصواب أنها سنة قال الله تعالى: {قَالُوا سَلَامًا قَال سَلَامٌ} اهـ منه.

202 - (14) باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه

202 - (14) باب: نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه 781 - (360) (23) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ (أَو الْعَصْرِ) فَقَال: أَيُّكُمْ قَرَأَ خَلْفِي بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ فَقَال رَجُلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 202 - (14) باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه 781 - (360) (23) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة ثقة مصنف، من (10) مات سنة (227) روى عنه في (15) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي ثقة، من (10) مات سنة (240) عن (90) سنة (كلاهما) رويا (عن) الوضاح بن عبد الله اليشكري (أبي عوانة) الواسطي مشهور بكنيته ثقة ثبت، من (7) مات سنة (176) وليس عندهم من اسمه الوضاح إلا هذا الثقة، وأتى بجملة قوله (قال سعيد حدثنا أبو عوانة) تورعًا من الكذب عليه (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة ثبت حافظ مفسر مدلس، من (4) مات سنة (117) روى عنه في (25) بابا (عن زرارة) بضم أوله (بن أوفى) العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة نسبة إلى بني الحريش بن كعب بن ربيعة أبي حاجب البصري، وثقه النسائي وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: بصري ثقة، وقال في التقريب: ثقة عابد، من (3) مات فجأة في الصلاة سنة (93) روى عنه في (6) أبواب (عن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي أبي نجيد مصغرًا البصري كان من علماء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، مات سنة (52) بالبصرة. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد إما خراساني أو بلخي وفيه التحديث والعنعنة. (قال) عمران (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر أو) قال قتادة: صلى بنا صلاة (العصر) والشك من أبي عوانة كما يعلم مما سيأتي، قال القاضي عياض: جاء في أكثر طرقه الظهر دون شك (فـ) لما فرغ من الصلاة (قال أيكم قرأ خلفي) أي ورائي جهرًا (بـ) سورة (سبح اسم ربك الأعلى، فقال رجل) من المصلين معه

أَنَا. وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيرَ، قَال: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالجَنِيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنا) قرأتها يا رسول الله (ولم أُرِد بها) أي لم أقصد بقراءتها (إلا الخير) أي إلا إرادة الخير والأجر لا التشويش عليك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (قد علمت) وتيقنت في صلاتى (أن بعضكم) أيها المصلون معي (خالجنيها) أي نازعني قراءة هذه السورة وجاذبنيها وخالطنيها وشاركنيها كأنه ينزع هذه السورة من لساني وأنا أنزع من لسانه وخلَّط علي قراءتَها بجهره قراءتها وشوش قراءتي علي وخبطني فيها والمخالجة هي المجاذبة والمنازعة، قال الخطابي: وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمناوبة وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا خرج مخرج التثريب واللوم لمن فعل ذلك. قال القاضي: وقد يحتج بهذا الحديث من يمنع القراءة جملة خلف الإمام ولا حجة له فيه لأنه لم ينه عنها، وإنما أنكر مجاذبته للسورة ومشاركته في قراءتها بالجهر في قراءتها فقال: "وقد علمت أن بعضكم خالجنيها" أي شاركني في قراءتها وخبطها علي ولم ينههم عن القراءة بالجملة كما نهاهم في صلاة الجهر وأمرهم بالإنصات، وإنما ينصت لما يسمع بل في هذا الحديث حجة على أنهم كانوا يقرؤون خلفه، ولعل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم كان لجهر الآخر عليه فيها أو ببعضها حين خلَّط ولبَّسَ عليه قراءته وشوشه فيها لقوله خالجنيها وأن نهيه أن يقرأ معه إنما كان فيما جهر فيه، ففي هذا الحديث القراءة في صلاة الظهر والعصر، وقد جاء في هذا الحديث من أكثر الطرق صلاة الظهر بغير شك، وفيه حجة لتطويل القراءة في الظهر وأنه لا يقرأ فيها بقصار المفصل، وقصار المفصل عند المالكية والشافعية والحنابلة هي من الضحى إلى آخر القرآن، وعند الحنفية من البينة إلى آخر القرآن اهـ من إكمال المعلم. قال السندي على النسائي: والظاهر أنه قال ذلك نهيًا وإنكارًا عليه، نعم هو إنكار لما سوى الفاتحة دونها والله أعلم اهـ. قال النواوي: ومعنى هذا الكلام الإنكار عليه، والإنكار في جهره أو رفع صوته بحيث أسمع غيره لا عن أصل القراءة بل فيه أنهم كانوا يقرؤون السورة في الصلاة السرية، وفيه إثبات قراءة السورة في الظهر للإمام والمأموم وهذا الحكم عندنا، ولنا وجه شاذ ضعيف أنه لا يقرأ المأموم السورة في السرية كما لا يقرؤها في الجهرية وهذا غلط لأنه في الجهرية يؤمر بالإنصات وهنا لا يسمع فلا معنى لسكوته من غير استماع ولو كان في الجهرية بعيدًا عن الإمام لا يسمع قراءته فالأصح أنه يقرأ السورة لما ذكرناه والله أعلم.

782 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ. فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال: "أَيُّكُمْ قَرَأَ وَرائِي؟ " أَوْ "أَيُّكُمُ الْقَارِئُ" فَقَال رَجُلٌ: أَنَا. فَقَال: "قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالجَنِيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 431] وأبو داود [828 و 829] والنسائي [2/ 140]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 782 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة، من (10) (ومحمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من (10) (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي أبو بكر البصري المعروف بغندر ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري أحد أئمة الإسلام ثقة متقن، من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (قال) قتادة (سمعت زرارة بن أوفى) العامري البصري (يحدث عن عمران بن حصين) أبي نجيد البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وفيه التحديث والسماع والعنعنة، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها تقوية السند الأول وتصريح سماع قتادة عن زرارة، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة، قال النواوي: وفي هذا السند فائدة وهي أن قتادة مدلس، وقد قال في الرواية الأولى عن، والمدلس لا يحتج بعَنْعَنَتِهِ إلَّا أن يثبت سماعه لذلك الحديث ممن عنعن عنه في طريق آخر. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر) ساقه هنا بلا شك فدَلَّ على أن الشك في السند الأول من أبي عوانة كما مر (فجعل) أي شرع (رجل) من المصلين معه أن (يقرأ خلفه بسبح اسم ربك الأعلى فلما انصرف) وفرغ من صلاته (قال أيكم قرأ ورائي أو) قال الراوي (أيكم القارئ فقال رجل) من الحاضرين (أنا) القارئ يا رسول الله وما قصدت إلا الخير (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد ظننت) وعلمت في صلاتي (أن بعضكم خالجنيها) أي شاركني في قراءة هذه السورة وخَلَّطنِيها

783 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ. وَقَال: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالجَنِيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليَّ؛ يريد إنكار رفع الصوت بها حتى يشوش عليه قراءته لتلك السورة لا إنكار أصل القراءة عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 783 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه أبي بشر البصري ثقة، من (8) (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي، قال (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري (كلاهما) أي كل من إسماعيل وابن أبي عدي رويا (عن) سعيد (بن) مهران (أبي عروبة) اليشكري مولاهم أبي النضر البصري ثقة حافظ كثير التدليس، له تصانيف من أثبت الناس في قتادة، من (6) مات سنة (156) روى عنه في (7) أبواب (عن قتادة) بن دعامة البصري، وقوله (بهدا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو ابن أبي عروبة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو شعبة، والتقدير: حدثنا ابن أبي عروبة عن قتادة بهذا الإسناد يعني عن زرارة عن عمران (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى) بالناس (الظهر) بلا شك فجعل رجل يقرأ خلفه إلى آخر الحديث (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد علمت أن بعضكم خالجنيها) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما كلهم بصريون إلا أبا بكر بن أبي شيبة فإنه كوفي، ورجال الثاني منهما كلهم بصريون، وغرضه بسوقهما بيان متابعة ابن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

203 - (15) باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة

203 - (15) باب: حجة من قال لا يجهر بالبسملة 784 - (361) (23) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَأَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَعُثْمَانَ, فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 203 - (15) باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة 784 - (361) (23) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (كلاهما) رويا (عن) محمد بن جعفر الهذلي البصري المعروف بـ (غندر) (قال ابن المثنى) في تحديثه عن غندر (حدثنا محمد بن جعفر) بتصريح اسمه وبسماعه منه، وأتى بهذه الجملة تورعًا من الكذب على ابن المثنى، قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (قال) شعبة (سمعت قتادة) بن دعامة البصري حالة كونه (يحدث عن أنس) بن مالك بن النضر الأنصاري البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والسماع. (قال) أنس (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان) رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) قبل الفاتحة ولا بعدها؛ معناه أنهم يُسِرُّون بالبسملة كما يُسِرُّون بالتعوُّذ وهو المَعنِيُّ بقوله الآتي فكانوا يستفتحون بالحمد لله الخ وهذا يدل على أن البسملة ليست جزءًا من الفاتحة ولا من غيرها. قال القرطبي: اختلف الفقهاء في ذلك فمن قال هي من الفاتحة كالشافعي وأصحاب الرأي قرأها فيها، ومن لم ير ذلك كالجمهور فهل تقرأ في الصلاة أو لا؟ وإذا قرئت فهل يَجْهَر بها مع الحمد أو يسِرُّ؟ فمشهور مذهب مالك أنه لا يقرؤها في الفرائض ويجوز له أن يقرأها في النوافل تمسكًا بالحديث، وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السورة في النوافل ولا تقرأ أول أم القرآن، وروى عنه ابن نافع ابتداء القراءة بها في صلاةِ الفرضِ والنفل ولا تترك بحال، وأما هل يجهر بها فالشافعي يجهر بها مع الجهر، وأما

785 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ قَال شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ؟ قَال: نَعَمْ. نَحْنُ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفيون فيسرونها على كل حال، والصحيح أن البسملة ليست آية من القرآن إلا في النمل خاصة فإنها آية هناك مع ما قبلها بلا خلاف، وأما في أوائل السور وفي أول الفاتحة فليست كذلك لعدم القطع بذلك ومن ادعى القطع في ذلك عُورض بنقيض دعواه، وقد أجمعت الأمة على أنه لا يُكفَّر نافي ذلك ولا مثبته والمسألة مستوفاة في الأصول اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 223] والبخاري [743] وأبو داود [782] والترمذي [246] والنسائي [2/ 135 و 133]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 785 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو داود) الطيالسي القرشي مولاهم سليمان بن داود بن الجارود البصري أحد الأعلام الحفاظ صاحب المسند، قال أبو داود: ثقة، وقال أحمد: ثقة صدوق، وقال النسائي: ثقة من أصدق الناس لهجة، وقال الخطيب: كان حافظًا مكثرًا ثقة ثبتًا، وقال في التقريب: ثقة حافظ غلط في أحاديث، من (9) مات (204) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثنا شعبة) وقوله (في هذا الإسناد) متعلق بحدثنا أبو داود، وفي بمعنى الباء واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو غندر أي حدثنا أبو داود عن شعبة بهذا الإسناد يعني عن قتادة عن أنس هذا الحديث المذكور. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي داود لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (وزاد) أبو داود على غندر (قال) لي (شعبة فقلت لقتادة أسمعته) أي هل سمعت هذا الحديث (من أنس) فـ (قال) قتادة (نعم) سمعته منه فـ (نحن سألناه) أي سألنا أنسًا (عنه) أي عن هذا الحديث فحدثنا به كما حدثته لكم وهذا تصريح بسماعه فينتفي ما يخاف من إرساله لتدليسه وقد سبق مثله في آخر الباب قبله اهـ نواوي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

786 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالى جَدُّكَ. وَلَا إِلَهَ غَيرُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 786 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون ثانيه الجمال بالجيم أبو جعفر (الرازي) ثقة حافظ، من (10) مات سنة (239) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الشامي ثقة لكنه كثير التدليس، من (8) مات سنة (195) روى عنه في (6) أبواب، قال (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبو عمرو الشامي ثقة، من (7) مات في الحمام سنة (157) روى عنه في (12) بابا (عن عبدة) بن أبي لبابة الأسدي مولاهم أبي القاسم الكوفي نزيل دمشق وكان يبيع البز، روى عن عمر بن الخطاب في (م) مرسلًا أنه كان يجهر بهؤلاء الكلمات بقوله: سبحانك اللهم وبحمدك الخ قاله الأوزاعي عنه، وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس في الصلاة، وعن زياد مولى المغيرة في الصلاة، وزر بن حبيش في الصلاة والصوم، وأبي وائل في الصلاة، وهلال بن يساف في الدعاء، ويروي عنه (خ م ت س ق) وشعبة في الصلاة، والأوزاعي في الدعاء، وابن جريج وابن عيينة والأعمش وغيرهم، وثقه أبو حاتم، وقال الأوزاعي: لم يقدم علينا أفضل منه وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (أن عمر بن الخطاب كان يجهر) بعد التكبير (بهؤلاء الكلمات) وجملة قوله (يقول) بدل من يجهر (سبحانك اللهم) أي سَبَّحْتُكَ يا إلهي تسبيحًا (و) الْتَبسْتُ (بحمدك) فالواو عاطفة لمحذوف على عامل سبحانك المحذوف كما قدرناه (تبارك اسمك) أي تعالى اسمك الجليل وترفع عما لا يليق به (وتعالى) أي ترفع (جدك) عما لا يليق به والجد العظمة (ولا إله) أي لا معبود بحق (غيرك). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم شاميان وواحد مدني وواحد كوفي وواحد رازي. وهذا السند فيه انقطاع لأن عبدة لم يسمع من عمر، قال القاضي عياض: لا يقال إن هذا أثر فليس على شرط مسلم لأن الأوزاعي لما أكمل الحديث المرسل قال: (وعن قتادة) فجاء بهما كالحديث الواحد فذكرهما مسلم على نحو ما سمعه الرازي من الوليد ولم يفصله، ومراد مسلم ذكر الثاني وهو حديث متصل مع ما في الأول من التنبيه على مذهب من رأى ذلك الذكر.

وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيهِ يُخْبِرُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَال: صَلَّيتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ}. لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (وعن قتادة) معطوف على قوله عن عبدة، والتقدير حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبدة عن عمر هذا الذكر وحدثنا الأوزاعي أيضًا عن قتادة (أنه) أي أن قتادة (كتب إليه) أي إلى الأوزاعي حالة كون قتادة (يخبره) أي يخبر للأوزاعي (عن أنس بن مالك أنه) أي أن أنسًا (حدثه) أي حدث لقتادة (قال) أنس هذه الجملة بدل من جملة حدثه أي أن أنسًا قال في تحديثه لقتادة (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا) أي فكان هؤلاء الأربعة (يستفتحون) قراءة الصلاة (بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ}) بضم الدال على الحكاية أي بهذه السورة حالة كونهم (لا يذكرون) أي لا يقرؤون (بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة) الفاتحة (ولا في آخرها) هذا تأكيد لنفي قراءتها إذ لا يتوهم قراءتها في الآخر، قال أبو علي الغساني: هكذا وقع في مسلم عن عبدة أن عمر وهو مرسل يعني أن عبدة وهو ابن أبي لبابة لم يسمع من عمر، قال: وقوله بعده عن قتادة يعني الأوزاعي عن قتادة عن أنس هذا هو المقصود في الباب لأنه حديث متصل اهـ. والمقصود أنه عطف قوله وعن قتادة على قوله عن عبدة وإنما فعل مسلم هذا لأنه سمعه هكذا فأداه كما سمعه ومقصودُه الثاني المتصلُ دون الأولِ المرسِل ولهذا نظائر كثيرة في صحيح مسلم وغيرِه ولا إنكار في هذا كله اهـ نواوي. وهذا الحديث صريح في الدلالة على ترك البسملة أولها لأن المراد الافتتاح بالفاتحة فلا تعَرُّضَ لكونِ البسملة منها أولًا، وقولُه لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم محمول على نفي سماعها فيحتمل إسرارهم بها ويؤيده رواية النسائي وابن حبان فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فنفي القراءة محمولٌ على نَفْي السماع ونَفْي السماع على نفي الجهر ويُؤيِّدُه روايةُ ابن خزيمة كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم وقد قامت الأدلة والبراهين للشافعي على إثباتها ومن ذلك حديثُ أم سلمة المرويُّ في البيهقي وصحيح ابن خزيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن

787 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرحيم في أول الفاتحة وعدها آية، وفي سنن البيهقي عن علي وعن أبي هريرة وابن عباس وغيرهم أن الفاتحة هي السبع المثاني وهي سبع آيات وأن البسملة هي السابعة، وعن أبي هريرة مرفوعًا إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها، قال الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات وأحاديث الجهر بها كثيرة عن جماعة من الصحابة نحو عشرين صحابيًّا كأبي بكر وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم اهـ من القسطلاني. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 787 - (00) (00) (00) (حدثني محمد بن مهران) الرازي (حدثنا الوليد بن مسلم) الشامي (عن) عبد الرحمن (الأوزاعي) الشامي، قال (أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (أنه) أي أن إسحاق (سمع أنس بن مالك يذكر) ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) الحديث الذي رواه قتادة عن أنس. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم شاميان وواحد بصري وواحد مدني وواحد رازي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لقتادة بن دعامة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس وذكر فيه ثلاث متابعات.

204 - (16) باب حجة من قال إن البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

204 - (16) باب: حجة من قال: إن البسملة آية من أول كل سورة، سوى براءة 788 - (362) (24) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الْمُخْتَارِ عَنْ أَنَسٍ؛ قَال بَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بَينَ أَظْهُرِنَا, إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 204 - (16) باب حجة من قال إن البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة 788 - (362) (24) (حدثنا علي بن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة، من صغار (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة، من (8) مات سنة (189) روى عنه في (14) بابا، قال (أخبرنا المختار بن فلفل) بفائين مضمومتين بينهما لام ساكنة الكوفي، وثقه أحمد، قال في التقريب: صدوق له أوهام، من (5) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد بصري وواحد مروزي. (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) وأتى بقوله (واللفظ له) أي لأبي بكر تورعًا من الكذب على علي بن حجر، قال (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (عن المختار) بن فلفل الكوفي (عن أنس بن مالك قال) أنس (بينا) أصله بين أشبعت فتحتها فزيدت فيها الألف وقد تزاد فيها ما فيقال بينما فتلزم الإضافةَ إلى الجملة، والجوابَ وهي متعلقة بجوابها، وإذا الفجائية تلزم جوابها. وقوله (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مبتدأ ولفظ ذات في قوله (ذات يوم) مقحم أو الإضافة للبيان، والظرف متعلق بما تعلق به الخبر، والظرف في قوله (بين أظهرنا) خبر المبتدأ، ولفظ أظهر مقحم، والتقدير بينا أوقات كون رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام بيننا ووسطنا، وقوله (إذ أغفى إغفاءة) أي نام نومة خفيفة، جواب بينا ثم حذف المضاف الذي هو أوقات فأضيفت إلى الجملة الاسمية، وقد بسطنا الكلام عليها في أوائل كتاب الإيمان عند حديث عمر بن الخطاب فراجعها، قال القرطبي: معنى

ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا. فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَال: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ". فَقَرَأَ: " {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} ثُمَّ قَال: "أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ ". فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال " فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ. عَلَيهِ خَيرٌ كَثِيرٌ. هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أغفى إغفاءة) أي أخذته سنة؛ وهي النوم الذي في العين، وهذه الحالة التي كان يوحى إليه صلى الله عليه وسلم فيها غالبًا اهـ (ثم رفع رأسه) من الأرض، حالة كونه (متبسمًا) أي مظهرًا مقدم أسنانه بلا صوت (فقلنا) معاشر الحاضرين عنده (ما أضحكك) أي أيُّ شيء تسبب في ضحكك وتبسمك (يا رسول الله) قال الأبي: وعبروا بالضحك عن التبسم لأن التبسم منه صلى الله عليه وسلم معروف فعبروا عنه بالضحك اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب استفهامهم سبب ذلك أني (أنزلت علي آنفًا) أي الآن أي في هذا الزمن الحاضر، وهو بالمد ويجوز القصر فيه في لغة قليلة وقد قرئ به في السبع أي أنزلت علي في هذه الساعة القريبة (سورة) كريمة فيها بشارة عظيمة (فقرأ) علينا ({بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}) أي مبغضك يعني العاص بن وائل لأنهم قالوا أنزلت فيه، وقيل في أبي لهب (هو الأبتر) أي المقطوع عن كل خير لا أنت كما قال المبغض لك، قال النواوي: الشانئ المبغض، والأبتر هو المنقطع العقب، وقيل المنقطع عن كل خير (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده (أتدرون) أي هل تعلمون (ما) هو (الكوثر) أي جواب هذا الاستفهام (فقلنا) له (الله ورسوله أعلم) بحقيقته لأن ما يسأل بها عن الحقيقة، والكوثر هنا نَهْرٌ في الجنَّةِ كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في موضع آخر عبارة عن الخير الكثير (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنه) أي فإن الكوثر (نهر) كبير في الجنة (وعدنيه ربي عزَّ وجلَّ) أي وعدني إعطاءه إياي يوم القيامة، والفاء في قوله فإنه فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا أردتم معرفة حقيقته وسألتمونيه عنه فأقول لكم إنه نهر وعدنيه ربي عزَّ وجلَّ (عليه) أي على ذلك النهر (خير كثير) أي كيزان بعدد نجوم السماء (هو) أي ذلك النهر (حوض) أي مُستمَدٌّ حوضٍ أو هو نَفْسُه حوضٌ كما هو ظاهر العبارة (ترد

عَلَيهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ. فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ. فَأَقُولُ رَبِّ, إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ". زَادَ ابْنُ حُجْرٍ فِي حَدِيثِهِ: بَينَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ. وَقَال: "مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه) أي على ذلك الحوض، والورود المجيء للشرب أي تشرب منه (أمتي يوم القيامة آنيته) جمع إناء أي كيزان ذلك الحوض التي يشرب بها منه (عددُ النجوم) في السماء بالرفع خبر للمبتدأ المحذوف أي عدد آنيته عدد نجوم السماء؛ أي كعدد نجوم السماء في الكثرة ففي الكلام تشبيه بليغ، وبالنصب على نزع الخافض وهو الأظهر أي بعددِ نجومِ السماء (فيختلج) أي يُجتذب وينتزع ويقتَطع ويمنع (العبد منهم) أي من أمتي من شربه، وفي المصباح خَلَجْتُ الشيءَ خَلْجًا مِن باب قَتَل انتزعْتهُ واختلجْتهُ مِثْلهُ وخالجْتهُ نازعْتهُ واختلج العضو اضطرب. اهـ. (فأقول) أنا يا (رب إنه) أي إن هذا العبد (من أمتي) فليشرب منه (فيقول) الله عز وجل (ما تدري) ولا تعلم يا محمد (ما أحدثَتْ) وأبدعَتْ أمتُك في الدين (بعدك) أي بعد وفاتك أي ما أحدثَتْ بعضُ أفرادِ أمتك في الدين الذين منهم هذا العبدُ المقتطعُ من شربه (زاد) عليُّ (بن حجر في حديثه) أي في روايته بعد قوله (بين أظهرنا) لفظةَ (في المسجد وقال) ابن حجر أيضًا (ما أحدث) ذلك العبد (بعدك) يا محمد وهذا هو الأوفق لسياقِ الحديث. قال السندي في شرح النسائي: فظاهر هذا الحديث يدل على أن البسملة جزء من السورة لأنه بَيَّن السورة بمجموع البسملة وما بعدها، ويحتمل أنها خارجة منها ولكن بدأ السورة بها تبركًا وعلى كلا التقديرين ينبغي بداءة السورة بها وقراءتها معها ولكن لا يلزم منه الجهر بها اهـ. وفي شرح أبي داود: وهذا الحديث يدل على إثبات الجهر خارج الصلاة ويمكن أن يوجه في مطابقة الحديث للترجمة بأنه صلى الله عليه وسلم لما قال أنزلت علي آنفًا سورة ثم فسرها بقوله بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فُهِمَ منه أن التسمية جزء من السورة فإذا ثبت أنها جزء من السورة يستدل به على جهرها في الصلاة التي يجهر بالقراءة فيها اهـ من البذل.

789 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيلٍ عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِغْفَاءَةً بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ. عَلَيهِ حَوْضٌ" وَلَمْ يَذْكُرْ "آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ففيه دلالة واضحة على مذهب الشافعي وأصحابه. قال النواوي: ففي هذا الحديث فوائد منها أن البسملة في أوائل السور من القرآن وهو مقصود مسلم بإدخال هذا الحديث هنا، وفيه جواز النوم في المسجد، وجواز نوم الإنسان بحضرة أصحابه وأنه إذا رأى التابع من متبوعه تبسمًا أو غيره مما يقتضي حدوث أمر يستحب له أن يسأل عن سببه، وفيه إثبات الحوض والإيمان به واجب وسيأتي بسطه في آخر الكتاب. اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [4994] وأبو داود [4747 و 4748] والترمذي [3357] والنسائي [1/ 133 - 134]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 789 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي، قال (أخبرنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (عن مختار بن فلفل) الكوفي (قال) المختار (سمعت أنس بن مالك). وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم كوفيون إلا أنس بن مالك، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن فضيل لعلي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن المختار. (يقول أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة) أي نام نومة خفيفة، والجار والمجرور في قوله (بنحو حديث ابن مسهر) متعلق بأخبرنا ابن فضيل لأنه العامل في المتابع أي أخبرنا ابن فضيل عن مختار بن فلفل بنحو ما حدث علي بن مسهر عنه (غير أنه) أي لكن أن ابن فضيل (قال) في روايته (نهر وعدنبه ربي عزَّ وجلَّ في الجنة عليه حوض) أي يجري منه حوض فعلى بمعنى مِنْ فخالفَهُ في قوله: "في الجنة عليه حوض" (ولم يذكر) ابن فضيل لفظة (آنيته عدد النجوم) وهذا بيان لمحال المخالفة بين الروايتين. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس رضي الله عنه وذكر فيه متابعة واحدة.

205 - (17) باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام على صدره ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه

205 - (17) باب: وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام على صدره ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه 790 - (363) (25) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، وَمَوْلًى لَهُمْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 205 - (17) باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام على صدره ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه 790 - (363) (25) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، قال (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الصفارُ الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري، قال العجلي: بصري ثقة، ووثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من كبار العاشرة، مات سنة (220) عشرين ومائتين، قال (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي مولاهم الشيباني أبو بكر البصري، وقال أحمد: ثبت في كل المشايخ، وقال ابن معين: ثقة صالح، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم، من (7) مات سنة (164) قال (حدثنا محمد بن جحادة) بضم الجيم وتخفيف المهملة الأيامي الأودي الكوفي، روى عن عبد الجبار بن وائل في الصلاة، والحكم بن عتيبة في الحج، وأنس وأبي حازم الأشجعي وعطاء وطائفة، ويروي عنه (ع) وهمام بن يحيى وعبد الوارث بن سعيد وابن عون وإسرائيل وشريك وآخرون، وثقه أبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، قال (حدثني عبد الجبار بن وائل) بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم الحضرمي الكندي أبو محمد الكوفي أخو علقمة بن وائل، وُلد بعد موت أبيه بستة أشهر، روى عن علقمة بن وائل ومولى لهم في الصلاة، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن جحادة وابنه سعيد وأبو إسحاق ومسعر، قال ابن معين: ثقة، وقال مرة: ثبت، وقال في التقريب: ثقة لكنه أرسل عن أبيه، من الثالثة، مات سنة (112) اثنتي عشرة ومائة (عن علقمة بن وائل) بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم الحضرمي الكندي الكوفي، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه، وقوله (و) عن (مولى لهم) ذكره للمقارنة فلا يضر جهالته ولم أر من ذكر اسمه

أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِيهِ، وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ؛ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ. كَبَّرَ - (وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَال أُذُنَيهِ) - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ. ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاله (أنهما) أي أن علقمة ومولاهم (حدثاه) أي حدثا عبد الجبار (عن أبيه) أي عن أبي عبد الجبار (وائل بن حجر) بن سعد بن مسروق الحضرمي الكندي أبي هنيدة مصغرًا الكوفي الصحابي المشهور، وكان من ملوك اليمن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأطلعه معه على منبره، له (71) أحد وسبعون حديثًا. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد نسائي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة. (أنه) أي أن وائل بن حجر (رأى النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (رفع يديه) لأن الرؤية هنا بصرية تتعدى إلى مفعول واحد، والظرف في قوله (حين دخل في الصلاة) متعلق برفع أي رفع يديه حين أراد الدخول في الصلاة، وقوله (كبر) تكبيرة الإحرام بدل من دخل أي رفع يديه حين كبر للإحرام، وقوله (وصف) لنا (همام) بن يحيى رفْع النبي صلى الله عليه وسلم يديه (حيال) بكسر الحاء هو وحذاء وإزاء بكسر أول الثلاثة بمعنى واحد بمعنى القبالة وهو ظرف متعلق بالرفع المحذوف أي وصف لنا همام رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه أي بين لنا صفة رفعه صلى الله عليه وسلم برفع يديه نفسه حيال (أذنيه) أي إلى قبالة أذنيه وحذائهما، هو كلام مدرج من عفان، وفي بعض الهوامش قوله (وصف همام حيال أذنيه) مُدْخَلٌ بين المتعاطفين أدخله عفانُ بن مسلم يحكي عن همام بن يحيى أنه بيَّن صفة الرفع برفع يديه إلى قبالة أذنيه وحذائهما اهـ. وقوله (ثم التحف) معطوف على رفع أي تغطى (بثوبه) ولعله لأجل البرد أو لبيان الجواز، وفي الالتحاف بعد الإحرام دلالة على أن يسيرَ العمَلِ من غير جنس الصلاة كحك الجسد والإشارة للحاجة وإصلاح الثوب لا يبطل وهو المشهور، وقال أبو يعلى العبدي من متأخري العراقيين: يبطل اهـ أبي. (ثم وضع يده اليمنى) أي كفها (على اليسرى) أي على كوع اليسرى وأول ساعدها.

فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيهِ مِنَ الثَّوْبِ. ثُمَّ رَفَعَهُمَا. ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ. فَلَمَّا قَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" رَفَعَ يَدَيهِ. فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَينَ كَفَّيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: صحت الآثار بفعله والحض عليه، واتفقوا على أنه ليس بواجب، ثم اختلفوا فقال مالك والجمهور: هو سنة لأنه صفة الخاشع، وقال مالك أيضًا والليث وجماعة بالكراهة وعُللت بخوف أن يعتقد وجوبه وخير بينه وبين الإرسال الأوزاعي وجماعة من الفقهاء، قال الأبي: ومنعه العراقيون من أصحابنا، وفي سماع أشهب لا بأس به، وخامسها يكره في الفرض دون النفل لما فيه من اعتماد اليد على اليد، فالأقوال خمسة. (فلما) أن (أراد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يركع أخرج يديه من) داخل (الثوب) ففيه استحباب كشفهما للركوع قاله ابن رسلان (ثم رفعهما) أي رفع اليدين حيال أذنيه (ثم كبر) لهويِّ الركوع (فركع فلما) رفع رأسه من الركوع (قال سمع الله لمن حمده) و (رفع يديه) حيال أذنيه (فلما سجد) وضع يديه على الأرض و (سجد بين كفيه) أي وضع جبهته بين كفيه إنما فعل ذلك ليتمكن من التجنيح الذي كان يفعله في سجوده كما رواه أحمد ومسلم من حديث عبد الله بن بُحينة أنه كان يجنح حتى يُرى بياض إبطيه. قلت: وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى فقد صرح في كتاب الأم، قال الشافعي: فنأمر كل مصل إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا رجلًا أو امرأة أن يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ويكون رفعه في كل واحدة من هذه الثلاث حذو منكبيه ويثبت يديه مرفوعتين حتى يفرغ من التكبير كله ويكون ابتداء الرفع مع افتتاح التكبير ورد يديه عن الرفع مع انقضائه اهـ بذل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 316] وأبو داود [723 - 737] والنسائي [2/ 194] ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه.

206 - (18) باب التشهد في الصلاة

206 - (18) باب: التشهد في الصلاة 791 - (364) (26) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ قَال: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ. السَّلامُ عَلَى فُلانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 206 - (18) باب التشهد في الصلاة سمي التشهد تشهدًا لاشتماله على الشهادتين، اختار جمهور الفقهاء وأصحاب الحديث تشهد ابن مسعود، واختار الشافعي تشهد ابن عباس الآتي، واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب لكونه علَّمه الناسَ على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابةِ والناسِ ولم يُنْكَر ذلك فصار إجماعًا منهم على أصلِ مالك في هذا الباب. 791 - (364) (26) (حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وعثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، وأتى بقوله (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران) زهير وعثمان (حدثنا جرير) تورعًا من الكذب على بعضهم لو اقتصر على إحدى الصيغتين أي قال كل من الثلاثة روى لنا جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة وبموحدة الكوفي ثقة ثبت، من (5) مات سنة (132) (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم أحد سادة التابعين (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي الجليل. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون أو أربعة منهم كوفيون وواحد إما نسائي أو مروزي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) عبد الله (كنا) معاشر الصحابة (نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام على الله) من عباده (السلام على فلان) وفي رواية لابن ماجه زيادة (يعنون الملائكة) كما صرح في رواية البخاري (السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان وفلان) قال الأبي: والأظهر أن قولهم ذلك استحسان منهم، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يسمعه منهم إلا حين أنكره عليهم ووجه الإنكار عدم استقامة المعنى لأنه عكس ما يجب أن يقال فإن السلام بمعنى السلامة والرحمة وهما له تعالى ومنه وهو مالكهما فكيف يُدعى

فَقَال لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, ذَاتَ يَوْمٍ: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ. فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ له بهما وهو المدعو (فإن قلت) قول الصحابي كنا نفعل من قبيل المسند وهو يشعر أيضًا بتكرار ذلك منهم والتكرار مظنة سماعه صلى الله عليه وسلم ذلك فقولهم ذلك ليس استحسانًا بل مسندٌ مُقرٌّ عليه نسَخَه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله هو السلام. "قلت" كان الشيخ يقول ذلك ويقرر الحديث به ولا يصح لأن النسخ إنما يكون فيما يصح معناه ولا يصح هذا لما تقدم فهو تبيين عدم صواب لا نسخ، وإنما الجواب أنه لا يتعين في كنا أن يكون مسندًا وليس تكرر ذلك منهم مظنة سماعه له لأنه في التشهد والتشهد سر. اهـ منه. (فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام) أي إنه اسم من أسمائه تعالى؛ ومعناه السالم من سمات الحدوث أو المسلم عباده من المهالك أو المسلم على عباده في الجنة أو أن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكهما ومعطيهما فكيف يُدعى له بهما وهو المدعو، وقال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنه (فإذا قعد) أي جلس (أحدكم في) آخر (الصلاة فليقل) بصيغة الأمر المقتضية للوجوب، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني بإسناد صحيح وكنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد (التحيات) جمع تحية وهو السلام أو البقاء أو الملك أو السلامة من الآفات أو العظمة؛ أي أنواع التعظيم مستحقة (لله) سبحانه وتعالى، وفي قوله لله تنبيه على الإخلاص في العبادات أي ذلك كله من الصلوات وما بعدها لا تفعل إلا لله تعالى، وجمع لأن الملوك كان كل واحد منهم يحييه أصحابه بتحية مخصوصة فقيل جميعها لله وهو المستحق لها حقيقة (والصلوات) أي الخمس واجبة لله لا يجوز أن يُقصد بها غيره تعالى أو هو إخبار عن قصد إخلاصنا له تعالى أو العبادات كلها أو الرحمة لأنه المتفضل بها (والطيبات) أي الكلمات التي يصلح أن يُثنى بها على الله دون ما لا يليق به كالأذكار والدعوات وما شاكل ذلك، مستحقة لله أو ذكر لله أو الأقوال الصالحة، أو يقال التحيات العبادات القولية، والصلوات العبادات الفعلية، والطيبات العبادات المالية، وأتى بالصلوات والطيبات معطوفًا بالواو لعطفه على التحيات أو أن الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوف عليها فالأولى عطف الجملة على الجملة، والثاني عطف المفرد على الجملة قاله البيضاوي، وقال العيني:

السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. فَإِذَا قَالهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ, فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل واحد من الصلوات والطيبات مبتدأ حذف خبره أي الصلوات لله والطيبات لله فالجملتان معطوفتان على الأولى وهي التحيات لله (السلام) أي السلامة من المكاره أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء أو الذي سلمه الله عليك ليلة المعراج قال للعهد التقديري أو المراد حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد عمن يصدر وعلى من يَنْزِلُ فتكون أل للجنس أو هي للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (عليك أيها النبي) الأمي العربي (ورحمة الله) تعالى (وبركاته) عليك، وإنما قال عليك فعدل عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه اتباع لفظ الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه (السلام) الذي وُجِّه إلى الأمم السالفة من الصلحاء (علينا) يريد به المصلي نَفْسَه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) أي القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد وهو عموم بعد خصوص، وجوز النووي رحمه الله تعالى حذف اللام من السلام في الموضعين قال: والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين (فإذا قالها) أحدكم أي قال كلمة وعلى عباد الله الصالحين (أصابت) أي شملت وعمت هذه الكلمة (كل عبد لله صالح) موجود (في السماء والأرض) وغيرهما، وجملة إذا الشرطية جملة معترضة بين قوله الصالحين وما بعده، وفائدة الإتيان بها الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحدًا واحدًا ولا يمكن استيفاؤهم، وفيه أن الجمع المحلى بالألف واللام للعموم وأن له صيغًا وهذه منها (أشهد أن لا إله لا الله) زاد ابن أبي شيبة "وحده لا شريك له" وسنده ضعيف لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى الآتي في مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) بالإضافة إلى الضمير، وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن وأشهد أن محمدًا رسول الله بالإضافة إلى الظاهر وهو الذي رجحه الشيخان الرافعي والنواوي وأن الإضافة إلى الضمير لا تكفي لكن المختار أنه يجوز ورسوله لما ثبت في مسلم ورواه البخاري هنا (ثم) بعد فراغه من التشهد وما بعده

يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (يتخير) أحدكم (من المسألة) والدعاء (ما شاء) هـ واختاره وأحبه وأعجبه من أمور الدنيا والآخرة، قال الأبي: استثنى بعض الشافعية من مصالح الدنيا الدعاء بما فيه سوء أدب كقوله اللهم ارزقني امرأة جميلة عينها كذا ثم يذكر أوصاف أعضائها. قال القرطبي: وهذا حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول لا تدعوا في الصلاة إلا بما جاء في القرآن وحجة على الشافعي حيث أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة بعد التشهد الأخير والصحيح عند الجمهور أن الصلاة عى النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الجملة مندوب إليها في الصلاة وغيرها، متأكدة الندبية في الصلاة حتى إن بعض أصحابنا يطلقون عليها أنها سنة لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي علمه الصلاة فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك ولم يذكر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعبارة القاضي هنا: وفي هذا حجة للجماعة على الشافعي في إيجابه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل صلاة وإن لم يفعل ذلك بطلت صلاته وهو قول لم يقله أحد قبله وقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم التشهد إلى آخره ثم أباح لهم ما أحبوا من الدعاء ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومذهب الجماعة وجوبه على الجملة واستحبابه في الصلاة، وقد روي في حديث ابن مسعود وزيادة فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وليس فيها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خالف الشافعي في المذهب كثيرٌ من أصحابه ووافقه إسحاق وغيره عليها، قال الشافعي: أوجب اللهُ تعالى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، اهـ منه. واختلف العلماء في حكم التشهدين فهما غير واجبين عند مالك والجمهور بل مندوبان، وذهب فقهاء أصحاب الحديث إلى وجوبهما، وذهب الشافعي إلى وجوبه في الآخرة، وروي عن مالك مثله، والصحيح الأول وسمي التشهد تشهدًا لأنه مأخوذ من لفظ الشهادتين بالوحدانية لله وبالرسالة لرسوله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. قال القاضي: واختلف العلماء في المختار من التشهدات الواردة فاختار جمهور الفقهاء والمحدثين تشهد عبد الله بن مسعود لأنه أصح ما في الباب ولأنه اتفق عليه

792 - (50) (55) (55) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحان، وبأن توسط الواو بين الجمل صير كل جملة ثناء مستقلًا وسقوطها في غيره صَيَّر الجميعَ جملة واحدة وثناء واحدًا، وبأن السلام فيه معرف وفي غيره منكر والمعرف أعم، واختار الشافعي تشهد ابن عباس الآتي لأن فيه زيادة والمباركات وبأنه أقرب إلى لفظ القرآن الكريم قال تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} واختار مالك في الموطأ تشهد عمر بن الخطاب لأنه وإن كان بطريق استدلالي لا بطريق إسنادي صار كالمجمع عليه فإن دوام تعليمه بمحضر من لا يقر على خطأ وكان يعلمه الناس على المنبر صيره كالمعلوم عندهم اهـ. ولفظه التحيات لله الزاكيات لله الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، واختاره مالك لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد فدل على تفضيله وتعقب بأنه موقوف فلا يلحق بالمرفوع اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 413] والبخاري [6328] وأبو داود [968 و 969] والترمذي [289] والنسائي [2/ 237]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 792 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي، وقوله (بهدا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا شعبة لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو جرير وكذا قوله (مثله) منصوب بما عمل في المتابع والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو جرير والتقدير حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله مثل ما روى جرير عن منصور. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لجرير في رواية هذا الحديث عن منصور.

وَلَمْ يَذْكُرْ " ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ". 793 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا حُسَينٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. بِهَذَا الإِسْنَادِ, مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ: "ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ (أَوْ مَا أَحَبَّ) ". 794 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) لكن (لم يذكر) شعبة قوله (ثم يتخير من المسألة ما شاء). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 793 - (00) (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد صاحب المسند والتفاسير ثقة حافظ، من (11) مات سنة (249) روى عنه في (12) بابا (حدثنا حسين) بن علي بن الوليد (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين نسبة إلى جعف بن سعد العُشَيرةِ من مذحج مولاهم أبو عبد الله الكوفي ثقة عابد، من (9) مات سنة (203) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة ثبت، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (10) أبواب (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود (مثل حديثهما) أي مثل حديث جرير وشعبة (و) لكن (ذكر) زائدة بن قدامة (في الحديث) قوله (ثم ليتخير) المصلي (بعد) أي بعد فراغه من التشهد (من المسألة) والدعاء (ما شاء) وأراد (أو) قال الراوي (ما أحب) وأعجب من أمور الدنيا والآخرة، والشك من عبد الله أو ممن دونه، وهذا استثناء من المماثلة. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عبد بن حميد فإنه كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة زائدة بن قدامة لجرير وشعبة في رواية هذا الحديث عن منصور بن المعتمر. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 794 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت إمام، من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا

أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَال: كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاةِ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَنْصُورٍ. وَقَال: "ثُمَّ يَتَخَيَّرُ, بَعْدُ, مِنَ الدُّعَاءِ". 795 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ، حَدَّثَنَا سَيفُ بْنُ سُلَيمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، من (9) مات سنة (195) روى عنه في (14) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة حافظ قارئ لكنه يدلس، من (5) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله (100) سنة (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي الأعمش عن شقيق، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور في رواية هذا الحديث عن شقيق. (قال) عبد الله (كنا إذا جلسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (في الصلاة) متعلق بجلسنا، وهذا بيان لمحل المخالفة وساق الأعمش (بمثل حديث منصور) السابق (و) لكن (قال) الأعمش في روايته (ثم يتخير) المصلي (بعد) أي بعد فراغه من التشهد (من الدعاء) والمسألة ما شاء وهذا أيضًا بيان لمحل المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 795 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي ثقة ثبت صاحب تصانيف، من (10) مات سنة (235) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير التميمي مولاهم مشهور بكنيته الكوفي ثقة ثبت، من (9) مات سنة (219) روى عنه في (10) أبواب، قال (حدثنا سيف بن سليمان) ويقال له سيف بن أبي سليمان المخزومي مولاهم أبو سليمان المكي نزيل البصرة، روى عن مجاهد في الصلاة والحج والأطعمة والأمثال، وقيس بن سعد في الأحكام، وعدي بن عدي،

قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ. كَفِّي بَينَ كَفَّيهِ. كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ , وَاقْتَصَّ التَّشَهُّدَ بِمِثْلِ مَا اقْتَص ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو نعيم وابن نمير وزيد بن الحباب وابن المبارك، وثقه القطان والنسائي وأحمد، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أبو زرعة: ثبت، وقال ابن عدي: ليس حديثه بالكثير وأرجو أنه لا بأس به، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت رُمي بالقدر، من (6) قال ابن معين: مات سنة إحدى وخمسين ومائة (151) روى عنه في (5) أبواب (قال) سيف بن سليمان (سمعت مجاهدًا) بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبا الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقرئ الإمام المفسر، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من (3) مات سنة (104) وله (86) سنة، روى عنه في (9) أبواب، حالة كون مجاهد (يقول حدثني عبد الله بن سخبرة) بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة الأسدي بإسكان المهملة، ويقال الأزدي أبو معمر الكوفي، روى عن عبد الله بن مسعود في الصلاة والنفاق وغيرهما، وأبي مسعود الأنصاري والمقداد بن الأسود في آخر الكتاب في المداحين وعلي وخباب، ويروي عنه (ع) ومجاهد وعمارة بن عمير وإبراهيم النخعي، وثقه ابن معين وابن سعد، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية مات في إمارة عبد الله بن الزبير (قال) عبد الله بن سخبرة (سمعت) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مكيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن سخبرة لأبي وائل في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود، وفيه رواية تابعي عن تابعي حالة كون ابن مسعود. (يقول علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد) في الصلاة، وجملة قوله (كفي) موضوعة (بين كفيه) صلى الله عليه وسلم جملة حالية من ضمير المتكلم في علمني، وهذا كناية عن شدة القرب إليه صلى الله عليه وسلم كما يعلمني السورة من القرآن) حرفًا بحرف (واقتص) عبد الله بن سخبرة (التشهد) السابق أي ذكره عن ابن مسعود (بمثل ما اقتص) وذكر أبو وائل عن عبد الله بن مسعود أي بمماثله لفظًا ومعنى

796 - (365) (27) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرفًا بحرف، وما وجد في أكثر النسخ من قوله (واقتصوا) بضمير الجمع تحريف من النساخ والصواب ما ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 796 - (365) (27) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي أبو رجاء البلخي ثقة، من (10) قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي أبو عبد الله المصري ثقة ثبت، من (10) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه لأن قتيبة قال حدثنا ليث وقال محمد بن المهاجر (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، وثقه ابن معين والنسائي وابن عدي، وقال في التقريب: صدوق إلا أنه يدلس، من (4) (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة إمام حجة قتله الحجاج سنة (95) فما أُمهل بعده، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من (3) (وعن طاوس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي يقال اسمه ذكوان وطاوس لقبه ثقة فقيه فاضل، من (3) مات سنة (106) يوم التروية كلاهما (عن) عبد الله (بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي أبي العباس الطائفي. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد إما كوفي أو يماني وواحد مكي واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي أبي الزبير عن سعيد وطاوس. (أنه) أي أن ابن عباس (قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد) من فيه إلى فينا (كما يعلمنا السورة من القرآن) من فيه إلى فينا والمراد يهتم بحفظنا إياه كما في السندي على النسائي، وفي البذل يهتم بتعليم التشهد كما يَهْتَمُّ بتعليم القرآن اهـ.

فَكَانَ يَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ. السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ. 797 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فكان) صلى الله عليه وسلم (يقول التحيات المباركات) جمع مباركة معناها كثيرة الخير، وقيل النماءِ (الصلوات الطيبات لله) قال النواوي: تقديره والمباركات والصلوات والطيبات كما في حديث ابن مسعود وغيره ولكن حذفت الواو هنا اختصارًا وهو جائز معروف في اللغة (السلام) أي التحية الدائمة اللائقة بك وهو تأمينه مما يخافه على أمته (عليك أيُّها النبي ورحمة الله) أي إنعامه وإحسانه (وبركاته) وهي كَثْرةُ الخيرِ ونماؤه معنًى (السلام علينا) معاشر الحاضرين من مؤمني الإنس والجن ومن الملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) في الأرض والسماء وغيرهما وهو تعميم بعد تخصيص (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وفي رواية ابن رمح) يعلّمنا التشهد (كما يعلمنا القرآن) بإسقاط لفظ السورة، وهذا بيان لمحل المخالفة بين المتقارنين. ثم ذكر المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 797 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي ثقة، من (10) قال (حدثنا يحبى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم مولى خالد بن خالد بن عقبة بن أبي معيط أبو زكرياء الكوفي، روى عن عبد الرحمن بن حميد في الصلاة، وزهير بن معاوية ومفضل بن مهلهل في الصلاة والحج والحدود والجهاد واللباس، وفضيل بن مرزوق وعمار بن زريق في الصلاة وغيرها، والحسن بن عياش في الصلاة، ووهيب في الحج، وإبراهيم بن سعد في النكاح، وجرير بن حازم في النكاح، والحسن بن صالح في الطلاق، وإسرائيل بن يونس في الحدود، ويزيد بن عبد العزيز في الجهاد، ومسعر في الجهاد، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة وقطبة بن عبد العزيز في الفضائل والتوبة، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة ومحمد بن رافع وإسحاق الحنظلي وأبو كريب وعبد بن حميد والحسن الحلواني وعبيد بن يعيش ويحيى بن معين وآخرون، وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة كثير الحديث، وقال العجلي:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيدٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. 798 - (366) (28) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَويُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان ثقة جامعًا للعلم عاقلًا ثبتًا، وقال في التقريب: ثقة حافظ فاضل من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين (203) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن الرؤاسي نسبة إلى رؤاس بن كلاب من قيس عيلان الكوفي، روى عن أبي الزبير في الصلاة، والأسود بن قيس ومنصور، ويروي عنه (م د س) ويحيى بن آدم وابنه حميد بن عبد الرحمن، وثقه النسائي وابن سعد، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، روى عنه في (1) باب الصلاة، قال (حدثني أبو الزبير) المكي الأسدي (عن طاوس) بن كيسان الحميري مولاهم اليماني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن حميد لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير المكي، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (قال) ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد) في الصلاة أي يهتم بتعليمه إيانا (كما يعلمنا السورة من القرآن) فوافق رواية قتيبة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 798 - (366) (28) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني ثم المكي، ثقة متقن مصنف، كان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به، من (10) مات سنة (227) روى عنه في (15) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البغلاني، من (10) (وأبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده البصري، ثقة من (10) (ومحمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عبد الرحمن بن أبي عثمان القرشي (الأموي) أبو عبد الله البصري، قال النسائي: لا بأس به، وقال مسلمة: بصري

(وَاللَّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيرٍ, عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ؛ قَال: صَلَّيتُ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ صَلاةً. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ قَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أُقِرَّتِ الصَّلاةُ بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، وقال ابن شاهين في الثقات قال عثمان بن أبي شيبة شيخ صدوق لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق، من كبار (10) مات سنة (244) روى عنه في (5) وأتى بقوله (واللفظ لأبي كامل) تورعًا من الكذب على غيره (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الأربعة (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (19) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة ثبت، من (4) روى عنه في (25) بابا (عن يونس بن جبير) الباهلي أبي غَلَّاب البصري بالمعجمة المفتوحة واللام المشددة وبموحدة أحد بني معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس، روى عن حطان بن عبد الله الرقاشي في الصلاة، وعبد الله بن عمر في الطلاق، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص في الشعر، والشعبي وجماعة، ويروي عنه (ع) وقتادة وابن سيرين وابن عون وجماعة، وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة مات بعد (90) التسعين، روى عنه في (3) أبواب (عن حطان) بكسر أوله وتشديد ثانيه المهملين (بن عبد الله الرقاشي) البصري، روى عن أبي موسى في الصلاة، وعبادة بن الصامت في الحدود والدلائل، وقرأ على أبي موسى، ويروي عنه (م عم) ويونس بن جبير والحسن البصري وأبو مجلز، قال ابن المديني: ثبت، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية، مات في ولاية بشر بن مروان على العراق بعد (70) السبعين، روى عنه في (3) أبواب (قال) حطان بن عبد الله (صليت مع أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد واسطي أو ثلاثة بصريون وواحد إما خراساني أو بغلاني أي صليت مع أبي موسى الأشعري (صلاة) من الصلوات الخمس (فلما كان) أبو موسى (عند القعدة) أي في الجلسة الأخيرة من صلاته، وفي رواية أبي داود "فلما جلس في آخر صلاته" (قال رجل) لم أر من ذكر اسمه (من القوم) الذين صلوا معه في صلاته (أقرت) بالبناء للمجهول أي قرنت (الصلاة بالبر والزكاة) أي قرنت معهما وأقرت وصار

قَال: فَلَمَّا قَضَى أَبُو مُوسَى الصَّلاةَ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ فَقَال: أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَال: فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. ثُمَّ قَال: أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَال: لَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ قُلْتَهَا؟ قَال: مَا قُلْتُهَا. وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا قُلْتُهَا. وَلَمْ أُرِدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجميع مأمورًا به أي تكلم الرجل بهذا الكلام، وغرضه بهذا الكلام مدح الصلاة. وعبارة المفهم هنا قوله (أقرت الصلاة) أي قرنت والباء بمعنى مع أي قرنت مع البر والزكاة فصارت معهما مستوية في أحكامهما وتأكيدهما، ويحتمل أن يراد بالبر هنا المبرة، والزكاة الطهارة؛ ويكون المعنى أن من داوم على الصلاة بر وتطهر من الآثام والله أعلم. ومعنى الكلام حينئذٍ اصطحبت الصلاة وقرنت بالأجر والثواب والطهارة من الذنوب ولم يأمره أبو موسى بإعادة الصلاة لأن ذلك ذكر، وفي العتبية: فيمن سمع الإمام يقول: قل هو الله أحد فقال: صدق الله ورسوله، قال: لا شيء عليه لأنه ذكر اهـ أبي. (قال فلما قضى أبو موسى الصلاة) وفرغ منها (وسلم انصرف) أي التفت وأقبل على الجماعة المقتدين به (فقال) لهم (أيكم القائل كلمة كذا وكذا) كناية عن الكلمة التي قالها الرجل (قال) حطان بن عبد الله (فأرم القوم) أي سكتوا ولم يجيبوا له، وفي القاموس: أرم بفتح الراء وتشديد الميم سكت وهو المعروف، ويروى (فأزم القوم) بالزاي المنقوطة ومعناهما واحد وهو السكوت أي لم ينطقوا بشيء ولا حركوا مَرمّاتِهم وهي شِفاههم؛ والشفة هي المِرَمّةُ والمِقَمَّةُ وبالزاي من الزَّمِّ أي لم يَفْتَحُوها بكلمةٍ (ثم قال) أبو موسى مرة ثانية (أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرم القوم فقال) لي أبو موسى (لعلك يا حطان قلتها) أي أظنك يا حطان قلت تلك الكلمة، وتخصيصه حطان لعله لما يعلم من جسارته، وقد علم أنه يخصه بالسؤال لقوله لقد رهبت (قال) حطان (ما قلتها) أي لم أقلها أنا يا أبا موسى (و) الله (لقد رهبت) وخفت أنا (أن تبكعني) بفتح أوله وثالثه من باب فتح لأنه حلقيُّ اللام أي أن تستقبلني بمكروه (بها) أي بسبب تلك الكلمة؛ أي لقد خفت أن تقول لي كلامًا غليظًا لو قلت أنا قلتها كالسب لي، يقال بكعت الرجل بكعًا من باب فتح إذا استقبلته بما يكره وهو بمعنى التبكيت والتقريع والتوبيخ ورهبت خفت والرهب الخوف، وفي القاموس بكعه استقبله بما يكره، قال حطان كما في رواية أبي داود (فقال) له (رجل من القوم) الحاضرين (أنا قلتها) أي قلت تلك الكلمة (ولم أرد)

بِهَا إِلَّا الْخَيرَ. فَقَال أَبُو مُوسَى: أَمَا تَعْلَمُونَ كَيفَ تَقُولُونَ فِي صَلاتِكُمْ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلاتَنَا. فَقَال: "إِذَا صَلَّيتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ. ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ. فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ بضم الهمزة أي ولم أقصد (بها) أي بتلك القولة (إلا الخير) وهو مدح الصلاة (فقال أبو موسى أما) بهمزة الاستفهام التقريري الداخلة على ما النافية أي ألا (تعلمون) مفسدات صلاتكم (كيف تقولون) مثل هذه المقولة (في صلاتكم) فإن التكلم بمثل هذه الكلمات مفسد للصلاة فـ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا) أي ذكَّرنا بذكر الوعد والوعيد في أيام حياته (فبين لنا سنتنا) أي طريقنا من الدين (وعلمنا صلاتنا) أي فرائضها وشروطها ومبطلاتها (فقال) في تعليمنا (إذا صليتم) أي أردتم الصلاة بالجماعة (فأقيموا) أي سووا (صفوفكم) أمر بإقامة الصفوف، وهو من سنن الصلاة بلا خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه، وعبارة النواوي: أمر بإقامة الصفوف وهو مأمور به بإجماع الأمة وهو أمر ندب والمراد تسويتها والاعتدال فيها وتتميم الأول فالأول منها والتراص فيها اهـ. (ثم ليؤمكم أحدكم) اختلفوا في أنه أمر ندب أو إيجاب على أربعة أقوال قاله ابن رسلان، وعبارة النواوي هنا: فيه الأمر بالجماعة في المكتوبات ولا خلاف في ذلك ولكن اختلفوا في أنه أمر ندب أم إيجاب على أربعة مذاهب، والراجح في مذهبنا وهو نص الشافعي رحمه الله تعالى وقول أكثر أصحابنا: أنها فرض كفاية إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار سقط الحرج عن الباقين وإن تركوه كلهم أثموا كلهم، وقالت طائفة من أصحابنا: هي سنة، وقال ابن خزيمة من أصحابنا: هي فرض عين لكن ليست بشرط في الصلاة فمن تركها وصلى منفردًا بلا عذر أثم وصحت صلاته، وقال بعض أهل الظاهر: هي شرط لصحة الصلاة، وقال بكل قول من الثلاثة المتقدمة طوائف من العلماء وتأتي المسألة في بابها إن شاء الله تعالى (فإذا كبر) أي الإمام أي فرغ من تكبيره (فكبروا) أيها المأمومون بفاء التعقيب فلو كبر وقد بقي من إحرام الإمام حرف لم يصح الاقتداء بلا خلاف قاله ابن رسلان. وفي المفهم: قوله (فإذا كبر فكبروا) يقتضي أن تكبير المأموم لا يكون إلا بعد

وَإِذَا قَال: {غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ. يُجِبْكُمُ اللَّهُ. فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا. فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ" فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَتِلْكَ بِتِلْكَ. وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. يَسْمَعُ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تكبير الإمام لأنه جاء بفاء التعقيب، وهذا مذهب كافة العلماء ولا خلاف أن المأموم لا يسبقه بالتكبير والسلام إلا عند الشافعي ومن لا يرى ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، والحديث حجة عليهم، واختلفوا إذا ساواه في التكبير أو السلام فلأصحابنا فيه قولان: الإجزاء وعدمه، واتفقوا على أنه لا يجوز أن يسابقه بكل أفعاله وسائر أقواله ولا يقارنه فيها، وأن السنة اتباعه فيها اهـ. وقال النواوي: (قوله فإذا كبر فكبروا) فيه أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب تكبير الإمام ويتضمن مسألتين إحداهما أنه لا يكبر قبله ولا معه بل بعده، فلو شرع المأموم في تكبيرة الإحرام ناويًا الاقتداء بالإمام وقد بقي للإمام منها حرف لم يصح إحرام المأموم بلا خلاف لأنه نوى الاقتداء بمن لم يصر إمامًا بل سيصير إمامًا إذا فرغ من التكبير، والثانية أنه يستحب كون تكبيرة المأموم عقب تكبيرة الإمام ولا يتأخر فلو تأخر جاز وفاته كمال فضيلة تعجيل التكبير اهـ. (وإذا قال) أي قرأ كما في رواية أبي داود ({غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا) أنتم (آمين) معه (يجبكم الله) سبحانه وتعالى، مجزوم في جواب الطلب السابق أي يستجب ويتقبل دعاءكم، وفيه حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به (فإذا كبر) الإمام للركوع (وركع) أي انحنى للركوع (فكبروا) أنتم (واركعوا) بعده (فإن الإمام يركع) أي ينحني للركوع (قبلكم ويرفع) رأسه من الركوع (قبلكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك) أي تأخركم عن الإمام في الخُرُور للركوع (بتلك) أي بمقابلة تأخركم في الرفع عن الركوع فكأنه ساوى ركوعكم ركوع الإمام، والتأنيث على تأويل الخصلة، وقال بعضهم: معنى تلك بتلك أي فتلك اللحظة التي سبقكم بها الإمام إلى الركوع مدركة لكم بتلك اللحظة التي تأخرتم بها عنه في الركوع فساوى ركوعكم ركوعه (وإذا قال) الإمام (سمع الله لمن حمده) أي تقبل الله حمد من حمده هذه الجملة خبرية لفظًا إنشائية معنى فكأنه قال: اللهم تقبل حمدنا إياك (فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله

لَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى قَال عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا. فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ". فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَتِلْكَ بِتِلْكَ. وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمُ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ. السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. السَّلامُ عَلَينَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لكم) أي لحمدكم سماع قبول أي يستجيب لكم (فإن الله تبارك) أي تزايد خيره وإحسانه لعباده (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من سمات الحدوث (قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم) أي ليعلمكم (سمع الله لمن حمده) أي قضى في سابق قضائه بإجابة دعاء من حمده، فأصل هذه الكلمة إخبار من الله تعالى بسماع حمد عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ثم أجراها على لسان عباده بواسطة نبيه صلى الله عليه وسلم (وإذا كبر) الإمام للسجود (وسجد) أي هوى للسجود (فكبروا واسجدوا) عقبه (فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك) أي ساعة تأخركم في الرفع عن السجود (بتلك) أي بمقابلة ساعة تأخركم في الخُرور للسجود (وإذا كان) المصلي (عند القعدة) أي في القعدة الأولى أو الثانية (فليكن من أول قول أحدكم) أي لا يتقدم منكم قول في القعدة قبل هذا القول ويكون هذا القول في القعدة مقدمًا على جميع الأقوال (التحيات) جمع تحية ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل الملك، وكان لكل ملك تحية تخصه فلهذا جُمعت فكأن المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله تعالى (الطيبات) أي كل ما طاب من الكلام وحسن أن يثني به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به (الصلوات) الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة، وقيل المراد العبادات كلها مستحقة (لله) سبحانه وتعالى (السلام عليك أيها النبي) الأمي العربي (ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) والمراد بقوله ورحمة الله إحسانه، وقوله وبركاته وهو اسم لكل خير فائض منه تعالى على الدوام، وقيل البركة الزيادة في الخير، وإنما جمعت البركة دون السلام والرحمة لأنهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مصدران. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 399] وأبو داود [972، 973] والنسائي [2/ 96 - 97]. قال النواوي: (قوله وإذا قال غير المغضوب) الخ فيه دلالة ظاهرة لما قاله أصحابنا وغيرهم أن تأمين المأموم يكون مقارنًا لتأمين الإمام لا بعده فإذا قال الإمام ولا الضالين، قال الإمام والمأموم: آمين، وتأولوا قوله: "إذا أمن الإمام فأمنوا" قالوا معناه إذا أراد الإمام التأمين ليجمع بينه وبين هذا الحديث وهو يريد التأمين في آخر قوله: "ولا الضالين" فيعقب إرادته تأمينه وتأمينكم معًا، وفي آمين لغتان المد والقصر، والمد أفصح والميم خفيفة فيهما ومعناه استجب. وقوله (وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا) معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه، ومعنى تلك بتلك أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة بتلك اللحظة وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه، وقال مثله في السجود أيضًا اهـ. قال القاضي: (قوله فتلك بتلك) حجة للقول بأن المأموم إنما يفعل ذلك بعد فراغ الإمام، وتنبيه على أن فعل المأموم ذلك بعد الإمام لم يفته به الإمام لأنه كان ينتظره فوقعت الأفعال مطابقة أي تلك الانتظارية بتلك السبقية، وقيل الإشارة إلى ربط صحة الصلاة بالمتابعة أي صحة تلك الأفعال منكم بتلك المتابعة، وقيل إلى ربط آمين بولا الضالين، وربنا ولك الحمد بسمع الله لمن حمده أي تلك الكلمة أو الدعوة التي في السورة متعلقة بآمين وبربنا ولك الحمد لارتباط إحداهما بمعنى الأخرى، قال القرطبي: وفي قوله (فتلك بتلك) إشارة إلى أن حق الإمام السبق فإذا فرغ تلاه المأموم معقبًا، والباء في بتلك للإلصاق والتعقيب، وقيل ليس عليه أن ينتظره حتى يفرغ بل يكفي شروع الإمام في أول الفعل، والصحيح الأول للحديث، وقد روي عن مالك قول ثالث أنه فرق فقال: يجوز مشاركة المأموم الإمام إلا في القيام من الركعتين فلا يقوم حتى يستوي قائمًا ويكبر، وعلى القول الآخر له أن يقوم بقيامه، وقيل في (تلك بتلك) أن معناه أن الحالة من صلاتكم وأعمالكم إنما تصح بتلك الحالة من اقتدائكم به اهـ.

799 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: قوله (وإذا قال سمع الله لمن حمده) إلخ فيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب للإمام الجهر بقوله سمع الله لمن حمده وحينئذٍ يسمعونه يقولون ربنا لك الحمد، وفيه دلالة لمذهب من يقول لا يزيد المأموم على قوله ربنا لك الحمد ولا يقول معه سمع الله لمن حمده. قال الأبي: إلا أن يقال المقصود من الحديث تعليم الدعاء لا المنع من غيره وأيضًا فصدر الحديث دل على المتابعة، ومن المتابعة أن يقول ما يقوله الإمام اهـ. قال النواوي: ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وسيأتي بسط الكلام فيه في بابه إن شاء الله تعالى. ومعنى (سمع الله لمن حمده) أي أجاب دعاء من حمده، ومعنى (يسمع الله لكم) يستجيب دعاءكم، وقوله (ربنا لك الحمد) هكذا هو هنا بلا واو، وفي غير هذا الموضع (ربنا ولك الحمد) وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها، قال القرطبي: وقد اختلف اختيار العلماء فيها فمرة اختار مالك إثبات الواو لأن قوله ربنا إجابة قوله سمع الله لمن حمده أي ربنا استجب دعاءنا واسمع حمدنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك، وأيضًا فإن الواو زيادة حرف ولكل حرف حظ من الثواب، واختار مرة حذف الواو إذ الحمد هو المقصود، قوله (فليكن من أول قول أحدكم) قال القاضي: فيه حجة لكراهة الدعاء قبل التشهد، وقال النواوي: استدل جماعة بهذا على أنه يقول في أول جلوسه التحيات ولا يقول باسم الله وليس هذا الاستدلال بواضح لأنه قال فليكن من أول ولم يقل أول، قال القاضي: ولم يذكر في هذا الحديث السلام وقد يحتج به من لا يرى السلام من الصلاة وقد ذكر هنا جميع ما يفعل الإمام والمأموم وهو موضع تعليم، وسيأتي الكلام على مسألة السلام إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 799 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة ثبت ربما دلس، من (9) قال

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ. كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ قَتَادَةَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ , وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيمَانَ, عَنْ قَتَادَةَ, مِنَ الزِّيَادَةِ: "وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا" وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري أبو النضر البصري ثقة كثير التدليس، من (6) (ح وحدثنا أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى جده مسمع البصري ثقة، من (10) (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري صدوق ربما وهم، من (9) قال (حدثنا أبي) هشام بن سنبر الدستوائي أبو بكر البصري ثقة ثبت رمي بالقدر، من (7) (خ وحدثئا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المعروف بابن راهويه أبو يعقوب المروزي ثقة حافظ، من (10) قال (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قُرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري، ثقة عابد، من (4) (كل هولاء) الثلاثة يعني سعيدًا وهشامًا وسليمان رووا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة مدلس، من (4) والجار والمجرور في قوله (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد، وكذا قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهم هؤلاء الثلاثة، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو أبو عوانة، وكذا الضمير في بمثله عائد إلى المتابع المذكور أي روى هؤلاء الثلاثة عن قتادة بهذا الإسناد يعني عن يونس بن جبير عن حطان عن أبي موسى الأشعري بمثل ما روى أبو عوانة عن قتادة. وهذه الأسانيد الثلاثة من سباعياته رجال الأول منها أربعة منهم بصريون وثلاثة منهم كوفيون، ورجال الثاني منها كلهم بصريون إلا أبا موسى فإنه كوفي، ورجال الثالث منها أرْبَعَةٌ منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مروزي، وغرضه بسوقها بيان متابعة أولئك الثلاثة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (و) لكن (في حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة) على رواية غيره كلمة (وإذا قرأ) الإمام القرآن (فأنصتوا) أي فاسكتوا من الإنصات وهو السكوت مع الاستماع وهي حجة لمن لا يقرأ خلف الإمام في الجهر (وليس في حديث أحد منهم) أي في

فَإِنَّ اللَّهَ قَال عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ: قَال أَبُو بَكْرِ ابْنُ أُخْتِ أَبِي النَّضْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. فَقَال مُسْلِمٌ: تُرِيدُ أَحْفَظَ مِنْ سُلَيمَانَ؟ فَقَال لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ هُوَ صَحِيحٌ؟ (فقال) يَعْنِي: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا. فَقَال هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية واحد من هؤلاء المتابعين الثلاثة جملة قوله (فإن الله قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده) أي ليست هذه الكلمات موجودة في رواية أحد منهم (إلا في رواية أبي كامل) الجحدري (وحده) أي دون غيره ممن رووا (عن أبي عوانة) وعن غيره من المتابعين له، قال الدارقطني: هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة، وخالفه الحفاظ فلم يذكروها، قال: وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه، وقد ذكر ابن سفيان عن مسلم في رواية الجلودي ما يدل على تصحيح مسلم لهذه الزيادة من قوله، وقال أبو بكر بن أخت أبي النضر أي طعن فيه ورد عليه مسلم (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه الزاهد المجتهد العابد، قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع: سمعت محمد بن يزيد العدل يقول: كان إبراهيم بن محمد بن سفيان مجاب الدعوة، ومن العباد المجتهدين ومن الملازمين لمسلم بن الحجاج، ومن رواة هذا الجامع عنه، قال إبراهيم: فرغ لنا مسلم من قراءة هذا الكتاب في شهر رمضان سنة (259) تسع وخمسين ومائتين (قال أبو بكر) أي قدح وطعن أبو بكر (ابن أخت أبي النضر في) صحة (هذا الحديث) أي في صحة ما زاده سليمان بن طرخان عن قتادة يعني قوله (وإذا قرأ فأنصتوا) (فقال) له (مسلم) في الرد عليه أ (تريد) وتطلب (أحفظ) وأوثق (من سليمان) فإنه من أوثق الناس فزيادته مقبولة يعني أن سليمان كامل الحفظ والضبط فلا تضره مخالفة هؤلاء إياه (فقال له) أي لمسلم، فقال فعل ماض فاعله (أبو بكر) أي فقال أبو بكر ابن أخت أبي النضر لمسلم بن الحجاج (فحديث أبي هريرة) الذي فيه الأمر بالإنصات عند قراءة الإمام وهو مبتدأ خبره قوله هل (هو صحيح) أم ضعيف، وقوله (فقال) أبو بكر توكيد لفظي لقال الأول وإسقاطه أوضح في المعنى (يعني) أبو بكر بحديث أبي هريرة الذي سأل عنه حديث (وإذا قرأ فأنصتوا فقال) له مسلم بن الحجاج (هو) أي حديث أبي هريرة الذي ذكرته (عندي صحيح فقال) أبو بكر

لِمَ لَمْ تَضَعْهُ هَا هُنَا؟ قَال: لَيسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي, صَحِيحٍ وَضَعْتُهُ هَا هُنَا. إِنَّمَا وَضَعْتُ هَا هُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيهِ. 805 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمسلم (لم) بكسر اللام وفتح الميم لأن اللام حرف جر وم اسم استفهام حذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها أي لم تركته و (لم تضعه ها هنا) أي في هذا الجامع إذا كان صحيحًا عندك (قال) مسلم (ليس كل شيء) اسم ليس، وقوله (عندي) ظرف متعلق بقوله (صحيح) وصحيح بالجر صفة لشيء، وجملة قوله (وضعته ها هنا) خبر ليس ولكنه خبر سببي أي قال مسلم في جواب أبي بكر ليس كل شيء صحيح عندي من الأحاديث وضعته أي كتبته في هذا الجامع أي واضعًا أنا إياه في هذا الجامع (إنما وضعت) وكتبت (ها هنا) أي في هذا الجامع (ما أجمعوا عليه) أي حديثًا أجمع واتفق على صحته أهل الحديث، قال القاضي: قوله (قال أبو إسحاق) هذه الزيادة ثابتة في رواية الجلودي وهي تدل على تصحيح مسلم لتلك الزيادة، وإجماع هؤلاء الحفاظ على تضعيف هذه الزيادة مقدم على تصحيح مسلم لها اهـ أبي، فتأمل فإن في المحل دقة هذا ما ظهر لفهمي السقيم والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 850 - (00) (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي (عن عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصنعاني ثقة، من (9) (عن معمر) بن راشد الأزدي أبي عروة البصري شهد جنازة الحسن البصري ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبي الخطاب البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو معمر أي حدثنا معمر عن قتادة بهذا الإسناد يعني عن يونس بن جبير عن حطان عن أبي موسى مثل ما روى أبو عوانة عن قتادة. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد صنعاني وواحد مروزي أو مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة معمر بن راشد لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة.

وَقَال فِي الْحَدِيثِ: "فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) لكن (قال) معمر (في الحديث) أي في روايته (فإن الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (قضى) في سابق علمه وأظهر (على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم) لفظة (سمع الله لمن حمده) ليعلمها الناس بدل قول أبي عوانة فيما سبق (فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال وذكر فيه أَرْبَعَ مُتابعاتٍ. والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

207 - (19) باب بيان كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

207 - (19) باب بيان كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد 851 - (367) (29) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نُعَيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيدٍ الأَنْصَارِيَّ، (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيدٍ هُوَ الَّذِي كَانَ أُرِيَ النِّدَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 207 - (19) باب بيان كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد اختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل هو فرض أو سنة؟ عندنا يعني الأحناف ليست بفرض بل هي سنة وعند الشافعي رحمه الله تعالى فرض لا تجوز الصلاة بدونها وبه قال أحمد وقول آخر للشافعي ليست بفرض اختاره الخطابي وغيره وهي: اللهم صل على محمد، وللشافعي في فرضية الصلاة في التشهد الأول قولان: واحتج بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ} ومطلق الأمر للوجوب، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يصل علي في صلاته " اهـ من بعض الهوامش. 801 - (367) (29) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) أبو زكرياء النيسابوري ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (19) بابا (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبي عبد الله المدني ثقة حافظ فقيه مشهور إمام دار الهجرة، من (7) مات سنة (179) وهو ابن (90) سنة، وقد تقدم مرارًا أنه بمعنى أخبرني مالك (عن نعيم بن عبد الله المجمر) بضم الميم وسكون الجيم وكسر الميم على صيغة اسم الفاعل من أجمر الرباعي ويقال المُجمِّر بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة على صيغة اسم الفاعل من جمّر المضعف سُمي بذلك لأنه كان يجمر أي يبخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجمر صفة لعبد الله ويطلق على ابنه نعيم مجازًا القرشي العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني كان أبوه عبد الله مولى لعمر بن الخطاب فقال له عمر: تحسن تجمر المسجد؟ قال: نعم، فكان يجمر المسجد فعُرف به، وثقه أبو حاتم وابن معين وابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (أن محمد بن عبد الله بن زيد) بن عبد ربه (الأنصاري) الخزرجي المدني (و) أبوه (عبد الله بن زيد هو الذي كان أُري) في المنام بالبناء للمفعول (النداء) أي

بِالصَّلاةِ) أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ؛ قَال: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. فَقَال لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَكَيفَ نُصَلِّي عَلَيكَ؟ قَال: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذان (بالصلاة) احترز به عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني المدني صحابي مشهور له أحاديث، روى عن أبي مسعود الأنصاري في الصلاة، وعن أبيه، ويروي عنه (م عم) ونعيم المجمر ومحمد بن إبراهيم التيمي، وثقه ابن حبان، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وجملة قوله (أخبره) خبر أن أي أن محمد بن عبد الله أخبر لنعيم بن عبد الله (عن أبي مسعود الأنصاري) الخزرجي البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة الكوفي، عده البخاري فيمن شهد بدرًا تبعًا لابن شهاب، وقال سعيد بن إبراهيم: لم يشهدها، وإنما قيل له البدري لأنه من ماء بدر سكن الكوفة وابتنى بها دارًا، له (102) مائة حديث وحديثان اتفقا على تسعة وانفرد (خ) بحديث و (م) بسبعة، يروي عنه (ع) ومحمد بن عبد الله بن زيد وابنه بشير بن أبي مسعود وأبو وائل وقيس بن أبي حازم، مات قبل الأربعين. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري. (قال) أبو مسعود (أتانا) أي جاءنا معاشر الأنصار (رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن) أي والحال أنا مجتمعون (في مجلس سعد بن عبادة) بن دليم مصغرًا بن حارثة بن حرام الأنصاري الخزرجي سيد الخزرج وكان أحد النقباء، وعن ابن عباس كان للنبي صلى الله عليه وسلم رايتان في المواطن كلها راية المهاجرين مع علي وراية الأنصار مع سعد بن عبادة (فقال له) صلى الله عليه وسلم (بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (بن سعد) الأنصاري الخزرجي صحابي جليل بدري استشهد بعين التمر منصرفه من اليمامة مع خالد بن الوليد (أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك) أي فبأي كيفية وصيغة نصلي عليك، قال القاضي: وسؤالهم هنا عن الصلاة يحتمل أن يراد به في غير الصلاة أو في الصلاة وهو الأظهر لقوله بعد والسلام كما علمتم (قال) أبو مسعود (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعل سكوته كان في انتظار الوحي (حتى

تَمَنَّينَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ. ثُمَّ قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. كَمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ, فِي الْعَالمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تمنينا) ووددنا معاشر الحاضرين في المجلس (أنه) أي بشير بن سعد (لم يسأله) أي لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال معناه كرهنا سؤاله مخافة من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره سؤاله وشق عليه (ثم) بعد سكوته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام) عليّ (كما علمتم) في أول التشهد معناه قد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليّ فأما الصلاة فهذه صفتها، وأما السلام فكما علمتم في التشهد وهو قولهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. قال القرطبي: قوله (كما قد علمتم) رويناه مبنيًّا للفاعل وللمفعول فالفاعل هم العَالِمون والمفعول هم المُعلَّمون من جهته صلى الله عليه وسلم بالتشهد وغيره. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 418 و 5/ 274] وأبو داود [980 - 981] والترمذي [3218] والنسائي [3/ 45 - 46]. قوله: (أمرنا الله أن نصلي عليك) فيه دليل على أن المندوب يدخل تحت الأمر إن جرينا على القول بأنها مندوبة كما هو مذهب مالك ومن وافقه، وقد تقدم اشتقاق الصلاة، وهي منا دعاء ومن الله تعالى رحمة ومن الملائكة ثناء، وقد قيل إن صلاة الله على نبيه هي ثناؤه عليه عند ملائكته، وقوله (فكيف نصلي عليك) هذا سؤال من أشكل عليه كيفية ما فهم جملته وذلك أنه عرف الصلاة وتحققها من لسانه إلا أنه لم يعرف كيفيتها فأجيب بذلك قوله (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) قال القرطبي: اختلف في آله صلى الله عليه وسلم من هم؟ فقيل أتباعه وقيل أمته وقيل آل بيته وقيل أتباعه من رهطه وعشيرته اهـ، وقال القاري: وقيل من حرمت عليه الزكاة كبني هاشم وبني المطلب، وقيل كل تقي آله، وقيل جميع أمة الإجابة، وقيل الأزواج ومن حرم عليه الصدقة ويدخل فيهم الذرية، وقال ابن حجر: هم مؤمنو بني هاشم وبني المطلب عند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعي وجمهور العلماء، وقيل أولاد فاطمة ونسلهم، وقيل أزواجه وذريته، وقيل كل مسلم ومال إليه مالك واختاره الأزهري وآخرون وهو قول سفيان الثوري وغيره ورجحه النووي في شرح مسلم، وآل إبراهيم هم إسماعيل وإسحاق وأولادهما. وفي هذا التشبيه إشكال مشهور وهو أن المقرر كون المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من إبراهيم وآله عليهم السلام، وأُجيب بأجوبة منها: أن هذا قبل أن يعلم أنه أفضل، ومنها أنه قاله تواضعًا، ومنها أن التشبيه في الأصل لا في القدر كما في قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وكما في قوله: {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نُوحٍ} {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ} ومنها أن الكاف للتعليل كقوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198] ومنها أن التشبيه متعلق بقوله وعلى آل محمد، ومنها أن التشبيه للمجموع بالمجموع فإن الأنبياء من آل إبراهيم كثيرة وهو أيضًا منهم، ومنها أن التشبيه من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر، ومنها أن المقدمة المذكورة مدفوعة بل قد يكون التشبيه بالمثل وبما دونه كما في قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} اهـ من البذل. وفي المفهم: واختلف النحويون هل يضاف الآل إلى المضمر أم لا يضاف إلا إلى الظاهر؟ فذهب النحاس والزبيدي والكسائي إلى أنه لا يقال إلا اللهم صل على محمد وآل محمد ولا يقال وآله، قالوا: والصواب وأهله، وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك يقال منهم ابن السيد وهو الصواب لأن السماع الصحيح يعضده فإنه قد جاء في قول عبد المطلب: لا هم إن العبد يمنـ ... ـع رحله فامنع رحالك وانصر على آل الصليـ ... ـب وعابديه اليوم آلك وقال قدامة: أنا الفارس الحامي حقيقة والدي ... وآلي كما تحمي حقيقة آلكا وغير ذلك من كلام العرب كثير. قال النواوي: اعلم أنه قد اختلف العلماء في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في الصلاة فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجماهير إلى أنها سنة لو تركت صحت الصلاة، وذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أنها واجبة لو تركت لم تصح الصلاة، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما وهو قول الشعبي وقد نسب جماعة الشافعي رحمه الله تعالى في هذا إلى مخالفة الإجماع ولا يصح قولهم فإنه مذهب الشعبي كما ذكرنا وقد رواه البيهقي، وفي الاستدلال لوجوبها خفاء وأصحابنا يحتجون بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه المذكور هنا (إنهم قالوا كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد .. ) إلى آخره، قالوا: والأمر للوجوب، وهذا القدر لا يصح الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى (كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال صلى الله عليه وسلم قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .. ) إلى آخره، وهذه الزيادة صحيحة رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان بكسر الحاء البستي والحاكم أبو عبد الله في صحيحيهما، قال الحاكم: هي زيادة صحيحة، واحتج لها أبو حاتم وأبو عبد الله أيضًا في صَحِيحَيهِما بما روياه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليدع ما شاء، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وهذان الحديثان وإن اشتملا على ما لا يجب بالإجماع كالصلاة على الآل والذرية والدعاء فلا يمتنع الاحتجاج بهما فإن الأمر للوجوب فإذا خرج بعض ما يتناوله الأمر عن الوجوب بدليل بقي الباقي على الوجوب والله أعلم، والواجب عند أصحابنا: اللهم صل على محمد وما زاد عليه سنة، ولنا وجه شاذ إنه تجب الصلاة على الآل وليس بشيء اهـ. (قوله وبارك) من البركة وهي هنا الزيادة من الخير والكرامة، وأصلها من البروك وهو الثبوت على الشيء ومنه بَرَكَت الإِبلَ، ويجوز أن تكون البركة هنا بمعنى التطهير والتزكية كما قال تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الْبَيتِ}. ثم اختلف أرباب المعاني في فائدة قوله كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تأويلات كثيرة أظهرها أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ذلك لنفسه وأهل بيته لتتمَّ النعمة عليهم والبركة كما أتمها على إبراهيم وآله، وقيل بل سأل ذلك لأمته ليثابوا على ذلك، وقيل ليبقي له ذلك دائمًا إلى يوم الدين ويجعل له به لسان صدق في الآخرين كما جعله لإبراهيم، وقيل كان ذلك قبل أن يعرف صلى الله عليه وسلم بأنه أفضل ولد آدم، وقيل بل سأل أن يصلي عليه صلاة يتخذه بها خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، وقد أجابه الله واتخذه خليلًا كما جاء في الصحيح "لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن صاحبكم خليل الرحمن" رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود، وقد جاء "أنا حبيب الرحمن" رواه الترمذي بلفظ "ألا وأنا حبيب الله" من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقد اختلف العلماء أيهما أشرف أو هما سواء؟ واختلف هل يُدعى للنبي صلى الله عليه وسلم بغير الصلاة والسلام فيقال مثلًا اللهم ارحم محمدًا أو لمحمد أو لا يقال ذلك؟ فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى منع ذلك، واختار ذلك أبو محمد بن أبي زيد، والصحيح جوازه فقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة. واختلف هل يصلى على غير الأنبياء استقلالًا فيقال اللهم صل على فلان؟ فكره ذلك مالك لأنه لم يكن من عمل من مضى بل ذكر عن مالك رواية شاذة أنه لا يصلى على أحد من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم وهي متأولة عليه بأنا لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء، وذهبت طائفة إلى جواز ذلك على المؤمنين لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُمْ} [الأحزاب: 43] وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على آل أبي أوفى" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى، ورد الفريق الآخر بأن هذا صدر من الله ورسوله ولهما أن يقولا ما أرادا بخلاف غيرهما الذي هو محكوم عليه، والذي أراه ما صار إليه مالك لقوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] وينضاف إلى ذلك أن أهل البدع قد اتخذوا ذلك شعارًا في الدعاء لأئمتهم وأمرائهم ولا يجوز التشبه بأهل البدع اهـ من المفهم، قال بعضهم الخلاف في الصلاة على غير الأنبياء إنما هي في الاستقلال نحو اللهم صل على فلان وأما وهي تابعة نحو اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته فجائزة وعلى الجواز فإنما يقصد بها الدعاء لأنها بمعنى التعظيم خاصة بالأنبياء عليهم السلام كخصوص عزَّ وجلَّ بالله تعالى فلا يقال محمد عزَّ وجلَّ وإن كان صلى الله عليه وسلم عزيزًا جليلًا، قال أبو

802 - (368) (30) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ. قَال سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيلَى. قَال: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَال: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم, فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيفَ نُسَلِّمُ عَلَيكَ, فَكَيفَ نُصَلِّي عَلَيكَ قَال: "قُولُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد الجويني: وكذلك السلام هو خاص به صلى الله عليه وسلم فلا يقال أبو بكر عليه السلام مثلًا اهـ من الأبي، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي مسعود بحديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (802) - (368) (30) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري (و) (محمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري، وأتى بقوله (واللفظ لابن المثنى) تورعًا من الكذب على ابن بشار (قالا) أي قال كل من المحمدين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (9) قال (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري، ثقة، من (7) (عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي أبي محمد الكوفي، ثقة، من (5) (قال) الحكم (سمعت) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) اسمه يسار الأنصاري الأوسي أبا عيسى الكوفي، ثقة ثبت، من (2) (قال لقيني كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم بن أمية الأنصاري أبو محمد المدني الصحابي المشهور من أصحاب الشجرة رضي الله عنه مات سنة (51). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني؛ أي قال ابن أبي ليلى رآني كعب بن عجرة. (فقال) لي كعب (ألا أهدي لك هدية) نافعة مباركة وتلك الهدية أنه (خرج علينا) معاشر الصحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من منزله (فقلنا) له (قد عرفنا) وتعلمنا (كيف نسلم عليك) بما علمتنا في التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وأما الصلاة فلم نعرفه (فكيف نصلي عليك) والله أمرنا بالصلاة والسلام عليك بقوله: {صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فـ (قال) لنا النبي صلى الله عليه وسلم (قولوا) إذا

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ, اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". 803 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ وَمِسْعَرٍ عَنِ الْحَكَمِ. بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ مِسْعَرٍ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ أردتم الصلاة عليّ (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد) الذات والصفات (مجيد) الفعال (اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 241 و 244] والبخاري [3380] وأبو داود [976] والترمذي [483] والنسائي [3/ 47] وابن ماجه [954]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث كعب رضي الله عنه فقال: 803 - (00) (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج البصري (ومسعر) بن كدام الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة ثبت، من (7) كلاهما رويا (عن الحكم) بن عتيبة الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا وكيع لأنه المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو محمد بن جعفر، وكذا قوله (مثله) منصوب به، والضمير عائد إلى المتابع؛ والتقدير: حدثنا وكيع عن شعبةَ ومسعرٍ عَنِ الحكم بهذا الإسناد يعني عن ابن أبي ليلى عن كعب مثله أي مثل ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني أو ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري أو نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة أو بيان متابعة مسعر لشعبة في رواية الحديث عن الحكم، وفائدتها تقوية السند الأول لأن محمد بن جعفر وإن كان ثقة إلا أن فيه غفلة، وفائدة هذه المقارنة في الموضعين بيان كثرة طرقه.

804 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنِ الأَعْمَشِ، وَعَنْ مِسْعَرٍ، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَكَمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) لكن (ليس في حديث مسعر) وروايته لفظة (ألا أهدي لك هدية) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث كعب رضي الله عنه فقال: 804 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن بكار) بن الريان بتحتانية مشددة الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، وثقه ابن معين والدارقطني وابن حبان، وقال صالح بن محمد: صدوق يحدِّث عن الضعفاء، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (238) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) الخلقاني بضم المعجمة وسكون اللام وفتح القاف نسبة إلى بيع الخلقان جمع خلق من الثياب وغيرها، الأسدي أبو زياد الكوفي لقبه شَقُوصَا، وثقه أبو داود، وقال النسائي: أرجو أن لا بأس به، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن عدي: حسن الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ قليلًا، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي، ثقة، من (5) (عن مسعر) بن كدام الكوفي ثقة، من (7) (وعن مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الواو البجلي أبي عبد الله الكوفي، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (7) مات سنة (159) (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن الحكم) بن عتيبة الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا إسماعيل لأنه العامل في المتابع، وكذا قوله (مثله) منصوب به، والضمير عائد إلى المتابع وهو محمد بن جعفر، والتقدير حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن هؤلاء الثلاثة عن الحكم بهذا الإسناد يعني عن ابن أبي ليلى عن كعب مثل ما روى محمد بن جعفر عن شعبة. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن زكرياء لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة ولكنها متابعة ناقصة لأن إسماعيل روى عن الحكم بواسطة الأعمش

غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ" وَلَمْ يَقُلِ: "اللَّهُمَّ". 805 - (369) (31) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) , قَال: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ومسعر ومالك، وأما محمد بن جعفر فروى عن الحكم بواسطة شعبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر الجار والمجرور في قوله (عن مسعر وعن مالك بن مغول) إشعارًا بأنه روى عن كل من الثلاثة منفردين لا مجتمعين والله أعلم. ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن إسماعيل بن زكريا (قال) في روايته (وبارك على محمد ولم يقل) أي ولم يذكر لفظة (اللهم) كما قال محمد بن جعفر: اللهم بارك على محمد. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي مسعود بحديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما فقال: 805 - (369) (31) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري، ثقة فاضل له تصانيف، من (9) مات سنة (207) (وعبد الله بن نافع) بن أبي نافع الصائغ المخزومي مولاهم أبو محمد المدني، روى عن مالك بن أنس في الصلاة، وعن أبي أسامة الليثي، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن عبد الله بن نمير وقتيبة ودحيم والذهلي، وثقه العجلي والنسائي، وقال مرة: ليس به بأس، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: هو في رواياته مستقيم الحديث، وقال في التقريب: ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، من كبار العاشرة، مات سنة (206) ست ومائتين، وقيل بعدها، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه (واللفظ) الآتي (له) أي لإسحاق (قال) إسحاق (أخبرنا روح عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أبي محمد المدني، روى عن أبيه في الصلاة والطب والحج والأحكام، وعباد بن تميم في الصلاة واللباس، وعمرة في الحج والنكاح

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيمٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيدٍ السَّاعِدِيُّ؛ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, كَيفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهما، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن في النكاح، وحميد بن نافع في الطلاق، وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر في الضحايا، وأنس بن مالك في الزهد، وعروة بن الزبير في المعروف، ويروي عنه (ع) ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وهشام بن عروة وابن جريج والزهري والسفيانان، قال العجلي: تابعي مدني ثقة، قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة وقال النسائي: ثقة ثبت، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عالمًا، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة (135) خمس وثلاثين ومائة، روى عنه في أحد عشر بابا (عن أبيه) أبي بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي النجاري بالنون والجيم المدني القاضي اسمه وكنيته واحد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد، وثقه ابن معين والواقدي وابن خراش، وقال في التقريب: ثقة عابد، من (5) مات سنة (120) روى عنه في (5) أبواب (عن عمرو بن سليم) بن خلدة بإسكان اللام بن مخلدة بن عامر بن زريق مصغرًا الأنصاري الزرقي بضم الزاي وفتح الراء بعدها قاف المدني، روى عن أبي حميد الساعدي في الصلاة وأبي قتادة الأنصاري وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري في الصلاة، ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن محمد بن حزم وعامر بن عبد الله بن الزبير وابنه سعيد والزهري وسعيد المقبري وبكير بن الأشج، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة، وقال العجلي: تابعي مدني ثقة، من الثانية من كبار التابعين، وقيل له رؤية، مات سنة (104) روى عنه في (1) في الصلاة، قال عمرو بن سليم (أخبرني أبو حميد) عبد الرحمن بن سعد بن المنذر الأنصاري (الساعدي) المدني له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه عمرو بن سليم في الصلاة، وعبد الملك بن سعيد بن سويد بالشك، فقال: أو عن أبي أسيد وعباس بن سهل الساعدي في الحج، وعروة بن الزبير في الجهاد، وجابر بن عبد الله في الأشربة، له (26) ستة وعشرون حديثًا، اتفقا على ثلاثة وانفرد كل منهما بحديث. وهذا السند من سباعياته ستة منهم مدنيون وواحد إما كوفي أو مروزي أو خمسة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد إما مروزي أو كوفي، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض عبد الله بن بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أنهم) أي أن الصحابة رضي الله عنهم (قالوا: يا رسول الله كيف

نُصَلِّي عَلَيكَ؟ قَال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ. كَمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ. كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". 806 - (370) (32) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نصلي عليك) فإن الله أمرنا أن نصلي عليك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وفي بعض النسخ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3369] وأبو داود [979] والنسائي [3/ 49] وابن ماجه [905]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي مسعود الأنصاري بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 806 - (370) (32) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف أبو زكرياء البغدادي العابد ثقة، من (10) مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة) بن سعيد بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة، من (10) (و) علي (بن حجر) السعدي أبو الحسن المروزي، ثقة حافظ، من صغار (9) مات سنة (244) روى عنه في (11) بابا (قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة ثبت، من (8) مات سنة (180) روى عنه في (12) بابا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، وثقه أحمد، وقال يحيى بن معين: ليس بذاك، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من (5) مات سنة (133) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي العلاء المدني، ثقة، من (3) روى عنه في الإيمان والصلاة وغيرهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه الدوسي المدني.

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً, صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ عَشْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله أربعةٌ منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بغلاني أو مروزي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى علي) مرة (واحدة صلى الله عليه) بسببها (عشرًا") من المراتِ لأن الحسنة بعشر أمثالها، والصلاة من المؤمنين دعاء أي من دعا وطلب لي من الله دوام الترقي والتجلي الذاتي رحمه الله تعالى عشر رحمات اهـ ملا علي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 372، 485] وأبو داود [1530] والترمذي [485] والنساثي [3/ 50]. قال القاضي عياض: (قوله صلى الله عليه عشرا) أي رحمه وضاعف أجره من باب قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} الآية، ويحتمل أنها صلاة حقيقةً بكلام تسمعه الملائكةُ عليهم السلام كما جاء: "وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" قال الأبي: ومقتضى اللفظ أنه بأي لفظ كانت الصلاة، وإن كان الراجح ما تقدم من الصفة، وما يستعمل من لفظ السيد والمولى حسن وإن لم يرد، والمستند فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم" اهـ أبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستدلال. والثاني حديث كعب بن عجرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين. والثالث حديث أبي حميد ذكره للاستشهاد. والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد.

208 - (20) باب التسميع والتحميد والتأمين

208 - (20) باب: التسميع والتحميد والتأمين 807 - (371) (33) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا قَال الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 208 - (20) باب التسميع والتحميد والتأمين 807 - (371) (33) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكريا النيسابوري، ثقة، من (10) (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي أبي عبد الله المدني الإمام العلم إمام دار الهجرة ثقة، من (7) روى عنه في (17) بابا (عن سمي) مصغرًا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، روى عن مولاه وابن المسيب وأبي صالح والقعقاع بن حكيم والنعمان بن أبي عياش، ويروي عنه (ع) ومالك في الصلاة، وابنه عبد الملك ويحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح وهما من أقرانه وعبيد الله بن عمر والسفيانان وخلق، وثقه أحمد وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة مات سنة (135) خمس وثلاثين ومائة قتلته الحرورية بقديد بالتصغير اسم موضع قرب مكة (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني مولى جويرية بنت قيس القيسية ثقة، من (3) مات سنة (101) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده") أي تقبل الله حمد من حمده، فالجملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى؛ فكأنه قال: اللهم تقبل حمدنا إياك، واللام في لمن حمده للمنفعة، والهاء في حمده للكناية، وقيل للسكت والاستراحة ذكره ابن الملك كذا في المرقاة، وفي رد المحتار لابن عابدين: إن المصلي يقولها بالسكون ولا يظهر الحركة اهـ من بعض الهوامش. (فقولوا) أيها المأمومون (اللهم ربنا لك الحمد) أي اللهم يا ربنا لك الحمد على هدايتنا، ففيه تكرار النداء، واستدل بهذا الحديث المالكية والحنفية على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد وعلى أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية، وإنه صلى الله عليه وسلم قسم التسميع والتحميد فجعل التسميع الذي هو طلب التحميد للإمام، والتحميد الذي هو طلب الإجابة للمأموم، ويدل عليه قوله

فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلائِكَةِ. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". 808 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الأشعري المار في الباب السابق "وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد يسمع الله لكم" ولا دليل لهم في ذلك لأنه ليس في حديث الباب ما يدل على النفي بل فيه أن قول المأموم ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده، ولا يمتنع أن يكون الإمام طالبًا ومجيبًا فهو كمسألة التأمين الآتية، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فيجمع بينهما الإمام والمنفرد عند الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد والجمهور والأحاديث تشهد لذلك، وزاد الشافعية أن المأموم يجمع بينهما أيضًا اهـ قسط، أي فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد كما أن الملائكة تقول ذلك عند تسميع الإمام (فإنه) تعليل للأمر بالقول مع ما قدرنا من قول الملائكة أي فإن الشأن والحال (من وافق قوله قول الملائكة) أي وافق حمده بعد تسميع الإمام حمد الملائكة بعده في الوقت أو في الإخلاص والخشوع (غفر له ما تقدم من) صغائر (ذنبه) لا الكبائر لأنها لا تكفر إلا بالتوبة نظير ما سيأتي في مسألة التأمين. وعبارة المفهم هنا: قوله (فقولوا اللهم ربنا لك الحمد) ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد وهو مشهور مذهب مالك، وذهب الجمهور ومالك في رواية ثانية إلى أن الإمام يقولها وكذلك الخلاف في التأمين، وقد تمسك الجمهور في التأمين بقوله إذا أمن الإمام فأمنوا وما في معنى هذا، وقد اتفقوا على أن المنفرد يؤمن مطلقًا، والإمام والمأموم فيما يسران فيه يؤمنان سرًّا، وحيث قلنا إن الإمام يؤمن فهل يؤمن سرًّا أو جهرًا فذهب الشافعي وفقهاء الحديث إلى الجهر بها وذهب مالك والكوفيون إلى الإسرار بها. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [796] وأبو داود [848] والترمذي [267] والنسائي [2/ 196]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 808 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني، قال (حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القاري بتشديد التحتانية المدني، ثقة، من (8) مات سنة (181) روى عنه في (7) أبواب، وأتى بقوله (يعني ابن

عَبْدِ الرَّحْمَنِ) , عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ سُمَيٍّ. 809 - (372) (34) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، وثقه ابن عيينة والعجلي، له في (خ) فرد حديث عن النعمان بن أبي عياش، وقال في التقريب: صدوق من (6) مات في خلافة المنصور (عن أبيه) أبي صالح السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمعنى حديث سمي) متعلق بما عمل في المتابع وهو سهيل أي حدثنا سهيل عن أبيه بمعنى حديث سمي عن أبي صالح لا بلفظه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة، وغرضه بسوقه بيان متابعة سهيل لسمي في رواية هذا الحديث عن أبي صالح، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 809 - (372) (34) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن بوزن سهل القرشي المخزومي أبي محمد المدني سيد التابعين وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، من كبار الثانية، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، كان ثقة فقيهًا كثير الحديث، من الثالثة، مات سنة (94) روى عنه في (14) بابا (أنهما) أي أن سعيد بن المسيب وأبا سلمة (أخبراه) أي أخبرا لابن شهاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن الإمام) أي إذا أراد الإمام التأمين أي أن يقول آمين بعد قراءة الفاتحة (فأمنوا) أي فقولوا آمين مقارنين له كما قاله الجمهور، وعلله إمام الحرمين بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه فلذلك لا يتأخر عنه، وظاهر قوله

فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قَال ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "آمِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا أمن الإمام فأمنوا أن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك وبه قال بعض الشافعية وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف، وادعى النووي الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في الأم على أن المأموم يؤمن ولو ترك الإمام عمدًا أو سهوًا، وقوله (فإنه) أي فإن الشأن والحال (من وافق تأمينه تأمين الملائكة) تعليل لما قبله مع إضمار الإخبار عن تأمين الملائكة؛ تقديره فأمنوا كما أن الملائكة يؤمنون مع الإمام اهـ ابن الملك، كما ورد التصريح في رواية معمر عن ابن شهاب عند أبي داود والنسائي ولفظه "إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة" والمراد بالموافقة في القول والزمان لا في الإخلاص والخشوع والإقبال والجد، وهل المراد بالملائكة الحفظة الذين يتعاقبون أو ما هو الأعم لأن اللام للاستغراق فيقولها الحاضرون منهم ومن فوقهم إلى الملأ الأعلى، والظاهر الأخير ويدل عليه حديث أبي هريرة في الصحيحين مرفوعًا "إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين، ووافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه" (غفر له ما تقدم من ذنبه") وظاهر الإطلاق يشمل الصغائر والكبائر لكن قد ثبت أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر فإذا كانت الفرائض لا تكفر الكبائر فكيف تكفرها سنة التأمين (و) بالسند المتصل برواية مالك (قال ابن شهاب) الزهري (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين) بين بهذا أن المراد بقوله في الحديث إذا أمن حقيقة التأمين لا ما أول به من أن المراد بقوله إذا أمن الإمام أي دعا بدعاء الفاتحة من قوله اهدنا الخ وحينئذٍ فلا يؤمن لأنه داع، قال القاضي أبو الطيب: هذا غلط، وقول ابن شهاب وإن كان مرسلًا فقد اعتضد بصنع أبي هريرة راويه، وإذا قلنا بالراجح وهو مذهب الشافعي وأحمد أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية وفاقًا للجمهور كما مر آنفًا. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 459] والبخاري [6402 و 780] وأبو داود [934 - 936] والترمذي [250] والنسائي [2/ 143 - 144] وابن ماجه [851].

810 - (00) (00) (00) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ. 811 - (00) (00) (00) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 810 - (00) (00) (00) (حدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي المصري، ثقة، من (10) قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري، ثقة، من (9) قال (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأموي مولاهم أبو يزيد الأيلي ثقة، من (7) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، قال (أخبرني) سعيد (بن المسيب) المخزومي المدني (وأبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وقوله (بمثل حديث مالك) متعلق بقوله أخبرني يونس لأنه العامل في المتابع (و) لكن (لم يذكر) يونس في روايته (قول ابن شهاب) أي قوله: قال ابن شهاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين، وهذا بيان لمحل المخالفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 811 - (00) (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي، قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري، قال (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري الفقيه المقرئ، وثقه ابن سعد وابن معين وأبو زرعة والنسائي والعجلي، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (أن أبا يونس) سليم بن جبير الدوسي مولاهم مولى أبي هريرة المصري، ثقة، من (3)

حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا قَال أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ: آمِينَ. وَالْمَلائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ. فَوَافَقَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". 812 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (123) (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي يونس لسعيد بن المسيب وأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال أحدكم) أيها المصلون إمامًا كان أو مأمومًا أو منفردًا (في الصلاة) عقب قراءة الفاتحة (آمين) بالمد والتخفيف اسم فعل أمر مبني على الفتح فرارًا من التقاء الساكنين نحو كيف، وإنما لم يبن علي الكسر لثقل الكسرة بعد الياء ومعناه عند الجمهور اللهم استجب، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى معناه يا آمين رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف، وأنكره جماعةٌ. اهـ نووي. وعبارته في تهذيبه هذا لا يصح لأنه ليس في أسماء الله تعالى اسم مبني على الفتح ولا غير معرب وأسماء الله تعالى لا تثبت إلا بالقرآن أو السنة وقد عدم الطريقان اهـ. وما حكي من تشديد ميمها فخطأ اهـ قسطلاني، وقيل هي عبرانية عربت وبنيت على الفتح. (و) قالت (الملائكة في السماء آمين فوافق إحداهما الأخرى) أي وافقت كلمة تأمين أحدكم كلمة تأمين الملائكة في السماء وهو يقوي أن المراد والمقصود بالملائكة ما لا يختص بالحفظة كما مر (غفر له) أي للقائل منكم (ما تقدم من ذنبه) أي ذَنْبهُ المتقدمُ كلُّه، فمن بيانية لا تبعيضية. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 812 - (00) (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب بفتح فسكون ففتح (القعنبي) الحارثي أبو عبد الرحمن البصري المدني، ثقة، من صغار (9) مات سنة (221) بمكة، روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن

عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَال أَحَدُكُمْ: آمِينَ وَالْمَلائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ. فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي الحزامي بكسر الحاء وبالزاي المدني، قال أبو داود: رجل صالح، وقال في موضع آخر: لا بأس به، وقال أحمد: ما بحديثه بأس، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في التقريب: ثقة له غرائب، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني، قال أحمد: ثقة أمير المؤمنين، وقال البخاري: أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من (5) مات فجأة سنة (130) روى عنه في (9) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ ثقة ثبت عالم، من (3) مات سنة (117) بالإسكندرية، روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لأبي يونس في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها تقوية السند الأول، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من يسير المخالفة. (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال أحدكم آمين) عقب قراءة الفاتحة خارج الصلاة أو فيها إمامًا أو مأمومًا كما أفهمه إطلاقه هنا أو هو مخصوص بالصلاة حملا للمطلق هنا على المقيد قبله لكن في حديث أبي هريرة عند أحمد ما يدل على الإطلاق، ولفظه "إذا أمن القارئ فأمنوا" وحينئذٍ فيجري المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده إلا أن يراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة فيبقى التخصيص على حاله اهـ قسط. (و) قال (الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى) أي وافقت كلمة تأمين أحدكم كلمة تأمين الملائكة في السماء (غفر له) أي للقائل منكم (ما تقدم من ذنبه) الصغائر؛ والمعنى وافق تأمين أحدكم تأمين الملائكة في الوقت والزمن لا في الإخلاص والخشوع على الصحيح الذي هو الصواب كما مر. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

813 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. 814 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) , عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 813 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد، من (11) مات سنة (245) روى عنه في (11) بابا، قال (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري ثقة ثبت، من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني، ثقة، من (4) مات سنة (132) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة همام للأعرج في روايته عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وقوله (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو همام، والضمير عائد إلى الأعرج أي روى همام عن أبي هريرة بمثل ما روى الأعرج عنه. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 814 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني، قال (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القارئ المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح للأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما فيه من المخالفة.

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا قَال الْقَارِئُ: "غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ". فَقَال مَنْ خَلْفَهُ: آمِينَ. فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال) الإمام (القارئ) في الصلاة لفظة (غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال من خلفه) من المأمومين (آمين) عقب قوله ولا الضالين (فوافق قوله) أي قول من خلفه آمين (قول أهل السماء) لأنهم يؤمنون لقراءة الإمام (غفر له) أي لذلك القائل (ما تقدم من) صغائر (ذنبه") بسبب موافقته لتأمين الملائكة، وفي هذا دليل على تعين قراءة الفاتحة للإمام، وعلى أن المأموم ليس عليه أن يقرأها فيما جهر به إمامه اهـ من المفهم. قال الأبي: استحب ابن العربي التأمين في كل دعاء لما في أبي داود عن أبي زُهْر النُميري وكان من الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإذا دعا أحدنا قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، قال أبو زهر: ألا أخبركم بذلك خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة فإذا رجل قد ألح في المسألة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أوجب إن ختمه" فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره استدلالًا على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره استدلالًا به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

209 - (21) باب ائتمام المأموم بالإمام

209 - (21) باب: ائتمام المأموم بالإمام 815 - (373) (35) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَقَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ. فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيمَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 209 - (21) باب ائتمام المأموم بالإمام أي اقتدائه به ومتابعته في أفعال الصلاة. 815 - (373) (35) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البغلاني (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن سفيان) بن عيينة الهلالي أبي محمد الأعور الكوفي، وأتى بقوله (قال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة) تورعًا من الكذب على أبي بكر (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (قال) الزهري (سمعت أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله واحد منهم بصري وواحد مدني واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري أو كوفي ونسائي أو كوفي وبغلاني أو كوفي وبغدادي. حالة كونه (يقول سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس) له يقال هذا مسقطة له من أعين الناس كذا في بعض الهوامش (فجحش) بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة أي خدش (شقه الأيمن) بأن قشر جلده، وفي النهاية قوله (فجحش) أي انخدش جلد شقه الأيمن وانسحج، فالجحش مثل الخدش فمنعه القيام يحتمل أنه لمرض لحقه في بعض الأعضاء، قال القرطبي: الجحش الخدش وقيل فوقه، والشق الجانب، قال الأبي: الأمراض الحسية الأنبياء عليهم السلام فيها كغيرهم تعظيمًا لأجرهم، ولا يقدح في منزلتهم العلية بل هو تثبيت لأمرهم وأنهم بشر إذا لم يصبهم ما أصاب البشر مع ما ظهر على أيديهم من خارق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى في عيسى بن مريم عليه

فَدَخَلْنَا عَلَيهِ نَعُودُهُ. فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ. فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا. فَصَلَّينَا وَرَاءَهُ قُعُودًا. فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَال: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا. وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ , فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام ويستثنى من ذلك ما هو نقص كالجنون اهـ منه (فدخلنا عليه) حالة كوننا (نعوده) من مرضه (فحضرت الصلاة) أي وقت الصلاة المكتوبة، قال القاضي: أشار ابن القاسم إلى أنه كان في نافلة، والأظهر أنه فرض لقوله (حضرت الصلاة) أي المعهودة (فصلى بنا) تلك الصلاة الحاضرة، حال كونه (قاعدًا) أي جالسًا لعجزه عن القيام (فصلينا وراءه) أي خلفه (قعودًا) أي قاعدين في جميع الصلاة أي بعد أن كانوا قيامًا وأومأ لهم عليه الصلاة والسلام بالقعود (فلما قضى الصلاة) وفرغ منها (قال إنما جعل الإمام ليؤتم) أي ليقتدى (به) في الأفعال الظاهرة، ولذا يصلى الفرض خلف النفل، والنفل خلف الفرض حتى الظهر خلف الصبح والمغرب، والصبح خلف الظهر في الأظهر، نعم إن اختلف فعل الصلاتين كمكتوبة وكسوف أو جنازة فلا على الصحيح لتعذر المتابعة هذا مذهب الشافعي، وقال غيره: يتابعه في الأفعال والنيات مطلقًا (فإذا كبر) للإحرام أو للانتقال (فكبروا) عقبه فلا تسابقوه ولا تقارنوه (وإذا سجد فاسجدوا) عقبه (وإذا رفع) رأسه من الركوع أو السجود (فارفعوا) رؤوسكم (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) بإثبات واو العطف وبحذفها، احتج بهذا أبو حنيفة رحمه الله تعالى على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الأقوال بين الإمام والمؤتم، والشركة فيها تنافي القسمة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد: إنه يقولها واستدلوا بما روي عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما أي بين الذكرين، والسكوت عنه لا يقتضي ترك فعله، وأما المأموم فيجمع بينهما أيضًا خلافًا للحنفية، والجواب عنه أن جمعه صلى الله عليه وسلم بين الذكرين محمول على حالة الانفراد اهـ ابن الملك (وإذا صلى) الإمام (قاعدًا) أي جالسًا في جميع الصلاة وليس المراد منه جلوس التشهد وبين السجدتين إذ لو كان ذلك مرادًا لقال وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله فإذا سجد فاسجدوا (فصلوا قعودًا أجمعون)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 162] والبخاري [389] وأبو داود [603 و 604] والنسائي [2/ 141 - 142]. قال القرطبي: قوله (فصلى جالسًا وصلينا وراءه جلوسًا) يعارضه حديث عائشة الآتي وفيه إنهم صلوا قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا، وجه الجمع بينهما أنه كان منهم من صلى جالسًا فأخبر عنه أنس، وكان فيهم من صلى قائمًا فأخبرت عنه عائشة. واختلف هل كان ذلك في صلاة الفرض أو النفل؟ والظاهر أنه كان في صلاة الفرض لقوله فحضرت الصلاة وهي للعهد ظاهرًا، ولما تقرر من عادتهم أنهم ما كانوا يجتمعون للنوافل، وقد أشار ابن القاسم إلى أن ذلك كان في النافلة وليس بظاهر لما ذكر. ثم اختلف العلماء في الاقتداء بالإمام الجالس على ثلاثة أقوال: أولها قول أحمد بن حنبل ومن تابعه وهو أنه يجوز صلاة الصحيح جالسًا خلف المريض جالسًا متمسكًا بهذا الحديث. وثانيها: قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف وزفر والأوزاعي وأبي ثور وداود وهو أنه يجوز أن يقتدي القائم بالقاعد في الفريضة وغيرها، وقد رواها الوليد بن مسلم عن مالك متمسكين بحديث عائشة الآتي، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان الإمام، وأن حديث أنس متقدم وهو منسوخ بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه وبأن كل واحد عليه أن يصلي كما يقدر عليه. وثالثها: قول مالك في المشهور عنه وعن أصحابه أنه لا يجوز أن يؤم أحد جالسًا وإن كان مريضًا بقوم أصحاء قيام ولا قعود وإليه ذهب محمد بن الحسن متمسكين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَؤُمّنَّ أحدٌ بعدي قاعدًا" رواه الدارقطني [1/ 398] وهذا الحديث ذكره الدارقطني من حديث جابر بن يزيد الجعفي وهو متروك عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو مرسل، وقد رواه مجالد عن الشعبي، ومجالد ضعيف، وفي حديث أنس دليل لمالك وعامة الفقهاء على ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام وترك مخالفته له في نية أو غيرها اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

816 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ, فَجُحِشَ فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. 817 - (00) (00) (00) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 816 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه من ليث، قال (أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك). وهذا السند أيضًا من رباعياته رجاله اثنان منهم مصريان أو مصري وبغلاني وواحد بصري وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة ليث بن سعد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري. (قال) أنس (خر) أي سقط (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش) أي قشر جلد جسده الشريف فعجز عن القيام لعلة في بعض أعضائه (فصلى) إمامًا (لنا) حالة كونه (قاعدًا ثم ذكر) الليث (نحوه) أي نحو حديث سفيان بن عيينة، وذكر بعض الحديث لبيان محل المخالفة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: 817 - (00) (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، قال (أخبرني يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي الأموي مولاهم (عن ابن شهاب) الزهري المدني، قال (أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد بصري وواحد مدني وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة وليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صُرِعَ عَنْ فَرَسٍ. فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيمَنُ بِنَحْو حَدِيثِهِمَا. وَزَادَ: "فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا, فَصَلُّوا قِيَامًا". 818 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ. فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيمَنُ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرع) أي سقط (عن فرس فجحش) أي قشر (شقه) أي جانبه (الأيمن) وقوله (بنحو حديثهما) متعلق بأخبرني يونس لأنه العامل في المتابع، والضمير عائد إلى سفيان وليث (و) لكن (زاد) يونس عليهما (فإذا صلى) الإمام (قائمًا فصلوا قيامًا) وهذا بيان لمحل المخالفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: 818 - (00) (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي صدوق، من (10) قال (حدثنا معن بن عيسى) بن يحيى بن دينار الأشجعي مولاهم القزاز أبو يحيى المدني، قال أبو حاتم: أثبت أصحاب مالك وأتقنهم وهو أحب إِليَّ من ابن وهب، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث ثبتا مأمونًا، وقال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من كبار العاشرة، مات سنة (198) (عن مالك بن أنس) بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، من (7) (عن) محمد بن مسلم بن عبيد الله (الزهري) المدني، من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة مالك بن أنس لسفيان بن عيينة وليث بن سعد ويونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهري كما سيذكره قريبًا. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا فصرع) وهو من الأفعال المجهولة اللفظ المعلومة المعنى (عنه فجحش شقه الأيمن) أي قشر جلده، وقوله (بنحو حديثهم) متعلق بما عمل في المتابع وهو مالك بن أنس، والضمير راجع إلى المتابعين الثلاثة المذكورة في الأسانيد السابقة؛ أي روى مالك عن الزهري بنحو حديث هؤلاء الثلاثة عن الزهري، وقد عرفت معنى النحو فجدد به عهدًا لتكون من أهل التمييز لا من أهل

وَفِيهِ: "إِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا". 819 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي أَنَسٌ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ مِنْ فَرَسِهِ. فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيمَنُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَيسَ فِيهِ زِيَادَةُ يُونُسَ وَمَالِكٍ. 820 - (374) (36) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ التلفيق (وفيه) أي وفي ذلك النحو الذي رواه مالك زيادة (إذا صلى) الإمام (قائمًا فصلوا قيامًا) كما زاده يونس بن يزيد. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 819 - (00) (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي أبو محمد الحافظ، ثقة، من (11) قال (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة وتغير في آخره وتشيع، من (9) قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري أخبرني أنس) بن مالك. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد كسي، وغرضه بيان متابعة معمر لمن روى عن الزهري. (أن النبي صلى الله عليه وسلم سقط من فرسه) بالإضافة إلى الضمير في هذه الرواية (فجحش شفه الأيمن وساق) معمر (الحديث) السابق (وليس فيه) أي في حديث معمر (زيادة يونس ومالك) يعني قوله (إذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 820 - (374) (36)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من (10) قال (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي يقال اسمه عبد الرحمن بن سليمان، ثقة ثبت، من صغار الثامنة، مات سنة (187) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدى أبي المنذر المدني، ثقة فقيه ربما دلس، من (5) مات سنة (145) وله (87) سنة، وتكلم مالك وغيره فيه، روى عنه في (16) بابا (عن أبيه)

عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتِ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَدَخَلَ عَلَيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا. فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ قِيَامًا, فَأَشَارَ إِلَيهِمْ: أَنِ اجْلِسُوا. فَجَلَسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا. وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا. وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة وأحد علماء التابعين، ثقة، من (2) روى عنه في (25) بابا (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (اشتكى) أي مرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من فك قدمه بسبب سقوطه عن فرسه (فدخل عليه) صلى الله عليه وسلم "في بيته" كما في رواية البخاري أي في مشربته التي في حجرة عائشة (ناس) أي قوم (من أصحابه) حالة كونهم (يعودونه) صلى الله عليه وسلم من مرضه فحضرت الصلاة وهم عنده (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بهم حالة كونه (جالسًا فصلوا) مقتدين (بصلاته) حالة كونهم (قيامًا) أي قائمين (فأشار إليهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (أن اجلسوا) في صلاتكم، فأن مصدرية أو مفسرة (فجلسوا) فيها مع قدرتهم على القيام امتثالًا لأمره صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز الإشارة والعمل القليل في الصلاة للحاجة (فلما انصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من صلاته (قال إنما جعل) وشرع (الإمام ليؤتم به) أي ليقتدى به ويُتبع، ومن شأن التابع أن يأتي بمثل فعل متبوعه ولا يسبقه ولا يساويه (فإذا ركع) الإمام أي فرغ من هويه للركوع (فاركعوا وإذا رفع) رأسه من الركوع أو السجود (فارفعوا) رؤوسكم منه (وإذا صلى) الإمام (جالسًا فصلوا) حالة كونكم (جلوسًا) أي جالسين. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 51 / 148] والبخاري [688] وأبو داود [605] وابن ماجه [1237]. وفي الحديث دلالة على أنه لا يجوز للقائمين أن يصلوا خلف القاعد وبه قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد ومالك، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى جوازه وقالا: هذا الحديث منسوخ بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعدًا وأبو بكر والناس خلفه قائمين ولم يأمرهم بالقعود اهـ ابن الملك. قال النواوي: وفي أحاديث الباب وجوب متابعة المأموم لإمامه في التكبير والقيام والركوع والسجود وأنه يفعلها بعد الإمام فيكبر تكبيرة الإحرام بعد فراغ الإمام منها فإن شرع فيها قبل فراغ الإمام منها لم تنعقد صلاته، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولكن لا تبطل صلاته، وكذا السجود، ويسلم بعد فراغ الإمام من السلام فإن سلم قبله بطلت صلاته إلا أن ينوي المفارقة ففيه خلاف مشهور، وإن سلم معه لا له ولا بعده فقد أساء ولا تبطل صلاته على الصحيح، وقيل تبطل. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا" فاختلف العلماء فيه كما مر عن القرطبي فقالت طائفة بظاهره وممن قال به أحمد والأوزاعي، وقال مالك في رواية: لا تجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائمًا ولا قاعدًا، وقال أبو حنيفة والشافعي وجمهور السلف: لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائمًا، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته بعد هذا قاعدًا وأبو بكر والناس خلفه قياما، وإن كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر كان هو الإمام وقد ذكره مسلم بعد هذا الباب صريحًا أو كالصريح فقال في روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عائشة قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسًا، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم فإنما جعل الإمام ليؤتم به فمعناه عند الشافعي وطائفة في الأفعال الظاهرة وإلا فيجوز أن يصلي الفرض خلف النفل وعكسه والظهر خلف العصر وعكسه، وقال مالك وأبو حنيفة وآخرون: لا يجوز ذلك، وقالوا: معنى الحديث ليؤتم به في الأفعال والنيات، ودليل الشافعي وموافقيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ببطن نخل صلاة الخوف مرتين بكل فرقة مرة فصلاته بالثانية وقعت

821 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ قَال: حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. 822 - (375) (37) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ له نفلًا وللمقتدين فرضًا، وأيضًا حديث معاذ كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصليها بهم، هي له تطوع ولهم فريضة مما يدل على أن الائتمام إنما يجب في الأفعال الظاهرة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 821 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود (الزهرانى) البصري، ثقة، من (10) مات سنة (234) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار (8) مات سنة (179) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة، من (10) (قالا) أي قال كل من أبي بكر وأبي كريب (حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير قال) محمد بن نمير (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير، وقوله (جميعًا) حال من حماد وعبد الله بن نمير أي حالة كون كل منهما مجتمعين في الرواية (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهما حماد وعبد الله بن نمير، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو عبدة بن سليمان، وكذا قوله (نحوه) أي مثله لأن الموضع موضع المماثلة، مفعول به لما عمل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو عبدة، والتقدير: روى كل من حماد وعبد الله بن نمير عن هشام بهذا الإسناد يعني عن عروة عن عائشة نحو ما حدث عبدة بن سليمان عن هشام عن عروة عن عائشة. وهذان السندان أيضًا من خماسياته، وغرضه بسوقهما بيان متابعة حماد وعبد الله بن نمير لعبدة بن سليمان في رواية هذا الحديث عن هشام، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 822 - (375) (37) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي أبو رجاء البلخي،

حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَصَلَّينَا وَرَاءَهُ. وَهُوَ قَاعِدٌ. وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ. فَالْتَفَتَ إِلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (10) قال (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7) وأتى بحاء التحويل في قوله (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه قال (أخبرنا الليث) بن سعد (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم صدوق مدلس، من (4) (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي بفتحتين أبي عبد الله المدني الصحابي المشهور. وهذا السند من رباعياته رجاله واحد منهم مدني وواحد مكي واثنان مصريان أو مصري وبلخي. (قال) جابر رضي الله عنه (اشتكى) أي مرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والظاهر أن هذه الشكاية حدثت لسقوطه عن الفرص (فصلينا وراءه) أي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (قاعد) في صلاته بعذر المرض (وأبو بكر) رضي الله عنه (يسمع الناس تكبيره) صلى الله عليه وسلم أي يجهر التكبير ليسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم قال ابن حبان: هذا لم يكن إلا في مرض موته صلى الله عليه وسلم لأن صلاته في مرضه الأول كان في مشربة عائشة رضي الله عنها - والمشربة بفتح الراء وضمها هي الغرفة والعلية يخزن فيها الطعام وغيره - ومعه نفر من الصحابة لا يَحْتَاجُون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته بأنها كانت في المسجد بجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير لكن إسماع التكبير لم يتابع عليه أبو الزبير قاله ابن رسلان. وأجاب عنه الحافظ بأنه صلى الله عليه وسلم لشدة ضعفه لا يجهر إلا قليلًا فأسمعهم أبو بكر، وحكي عن عياض أنه لم يستخلف في المسجد أحدًا فلعله صلى به صلى الله عليه وسلم من في المشربة ومن في المسجدِ فلا بد إذًا من الإسماع لهم (فالتفت إلينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته لبيان جواز الالتفات وليطلع على حالهم فيرشدهم إلى الصواب مع دوام توجه قلبه إلى الله تعالى بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم لكن هذا يقتضي أن رؤيته من

فَرَآنَا قِيَامًا. فَأَشَارَ إِلَينَا فَقَعَدْنَا. فَصَلَّينَا بِصَلاتِهِ قُعُودًا. فَلَمَّا سَلَّمَ قَال: "إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ. يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ. فَلَا تَفْعَلُوا. ... ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ. إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا. وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرَائِهِ ما كانت على الدوام والله أعلم اهـ سندي. (فرآنا) أي فأبصرنا حالة كوننا (قيامًا) أي قائمين (فأشار إلينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقعود (فقعدنا) خلفه (فصلينا) مقتدين (بصلاته) صلى الله عليه وسلم حالة كوننا (قعودًا) أي قاعدين (فلما سلم) صلى الله عليه وسلم من صلاته (قال) لنا (إن كدتم) إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولهذا دخلت اللام في خبرِها، وهو جملةُ كاد وخبرِها فرقًا بينها وبين إن النافية، وقوله (آنفًا) بالمد ظرف زمان بمعنى قريبًا أي قارَبْتُمْ في الزمن القريب يعني في الصلاة ورائي قيامًا (لتفعلون) بي (فِعْلَ فارس والروم) بملوكهم كانوا (يقومون على ملوكهم وهم) أي والحال أن ملوكهم (قعود) أي قاعدون (فلا تفعلوا) ذلك القيامَ عليَّ، قال القرطبي: فيه تنبيه على أن تعليل منعِ القيامِ لِمَا يؤدي إليه من التشبُّه بأفعال المتكبرين، فمُنِعَ لهذا التعليل أن يقوم الرجالُ أو المماليكُ على رؤوسِ الملوك أو الأمراء أو الرؤساء أو العلماء لما يؤدي إليه اهـ مفهم. قال النواوي: فيه النهي عن قيام الغلمان والتُّبَّاع على رأس متبوعهم الجالس لغير الحاجة، وأما القيام للداخل إذا كان من أهل الفضل والخير فليس من هذا، بل هو جائز قد جاءت له أحاديث فقد قام صلى الله عليه وسلم لجعفر وعكرمة وأسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهم، وقال للأنصار رضي الله عنهم: قوموا إلى سيدكم وأطبق عليه السلف والخلف وعمم بعضهم النهي في الجميع إذا كان للتعظيم وهو ظاهر مذهب مالك رحمه الله تعالى (ائتموا) أي اقتدوا (بأئمتكم) في أفعال الصلاة (إن صلى) الإمام (قائمًا فصلوا قيامًا) أي قائمين (وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا) فتابعوهم في القيام والقعود فلا تفعلوا فعل فارس والروم مع أئمتكم فإنهم يقومون لعظمائهم وهم جلوس يعني أن القيام مع قعود الإمام يشبه تعظيم الإمام فيما شرع لتعظيم الله وحده فلا يجوز ولا يخفى دوام هذه العلة فينبغي أن يدوم هذا الحكم، فالقول بنسخه كما عليه الجمهور خفي جدًّا والله تعالى أعلم اهـ سندي على النسائي.

823 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ. فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ. لِيُسْمِعَنَا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 334] وأبو داود [602] والنسائي [3/ 9]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: 823 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد (الرؤاسي) بضم الراء وفتح الهمزة نسبة إلى رؤاس بن كلاب أبي بطن من بطون كلاب أبو علي الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة، وهشام بن عروة في الحج والديات، والحسن بن صالح في الطب وصفة النار، والأعمش، ويروي عنه (ع) ويحيى بن يحيى وسريج بن يونس وابنا أبي شيبة وزهير بن حرب، قال ابن معين: ثقة، وقال ابن أبي شيبة: قل من رأيت مثله، وقال في التقريب: ثقة، من الثامنة، مات سنة (192) اثنتين وتسعين ومائة (عن أبيه) عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي نسبة إلى رؤاس بن كلاب كما في المغني أبي حميد الكوفي، روى عن أبي الزبير في الصلاة، وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد، قال: وكان له أحاديث، وقال في التقريب: ثقة، من (7) (عن أبي الزبير) المكي الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مكي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن حميد لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (قال) جابر (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) جالسًا لعذر المرض (وأبو بكر) الصديق؛ أي والحال أن أبا بكر الصديق قائم (خلفه) صلى الله عليه وسلم يبلغ الناس تكبيراته (فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) للانتقالات (كبر أبو بكر ليسمعنا) تكبيره صلى الله عليه وسلم (ثم ذكر) عبد الرحمن بن حميد (نحو حديث الليث) بن سعد أي مشابهه في بعض الألفاظ والمعاني.

824 - (376) (38) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ) عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّمَا الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيهِ. فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا. وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا. وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ , فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". 825 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 824 - (376) (38) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل البغلاني الثقفي، قال (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي الحزامي بكسر المهملة المدني، ثقة له غرائب، من السابعة، روى عنه في (5) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني الحزامي) إشعارًا بأن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني أبي عبد الرحمن الأموي مولاهم، ثقة ثبت فقيه، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني أبي داود الهاشمي مولاهم، ثقة ثبت، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما) جعل كما صرح به في بعض النسخ (الإمام ليؤتم به) أي ليقتدى به ويتبع في أفعال الصلاة (فلا تختلفوا عليه) أي لا تخالفوه في أفعاله ولا في أقواله بالسبق والتأخر (فإذا كبر) الإمام وفرغ من تكبيره (فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال) الإمام (سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون) تأكيد لضمير صلوا، وهذا الحديث من أفراد مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 825 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني،

حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني أبي عقبة الصنعاني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع، والضمير عائد على المتابع المذكور في السند السابق وهو الأعرج أي حدثنا همام عن أبي هريرة بمثل ما حدث الأعرج عن أبي هريرة. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة همام للأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات. والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد به للحديث الأول وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد به أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

210 - (22) باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره

210 - (22) باب: النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره 826 - (377) (39) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ خَشْرَمٍ. قَالا أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا. يَقُولُ: "لَا تُبَادِرُوا الإِمَامَ. إِذَا كَبَّرَ الإِمَامَ فَكَبِّرُوا. وَإِذَا قَال {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] , فَقُولُوا: آمِينَ. وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا. وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ , فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 210 - (22) باب النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره أي مسابقته فيه. 826 - (377) (39) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، عالم خراسان وفقيهها ثقة مأمون، من (10) روى عنه في (21) بابا تقريبًا (و) علي (بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا كلاهما (قالا أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح السين وكسر الموحدة أخو إسرائيل أبو عمرو الكوفي، ثقة مأمون، من (8) مات سنة (191) روى عنه في (17) بابا (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة حافظ عارف قارئ ولكنه مدلس، من (5) مات سنة (148) (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مروزي (قال) أبو هريرة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا) أحكام صلاتنا فكان (يقول) في تعليمنا (لا تبادروا الإمام) ولا تسابقوه في أفعال الصلاة وأقوالها فـ (إذا كبر الإمام) في صلاته (فكبروا) عقب تكبيره ولا تسابقوه في التكبير لأن المسابقة إن كانت في تكبيرة الإحرام يمنع الانعقاد وإلا فمكروهة مفوتة ثواب الجماعة فيما سابقه فيه إن كانت عمدًا (وإذا قال) الإمام ({وَلَا الضَّالِّينَ}) [الفاتحة: 7]، عند فراغه من الفاتحة (فقولوا) عقب فراغه منها (آمين) مقارنين له في التأمين (وإذا ركع) الإمام أي هوى للركوع (فاركعوا) عقب هويه للركوع (وإذا قال) الإمام (سمع الله لمن حمده) في حال ارتفاعه من الركوع (فقولوا) عقب تسميعه (اللهم ربنا لك الحمد) وهذا

827 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوهِ. إِلَّا قَوْلَهُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]. فَقُولُوا: "آمِينَ" وَزَادَ: "وَلَا تَرْفَعُوا قَبْلَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فقال: 827 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني اسمه يحيى، وقتيبة لقبه، من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الجهني مولاهم أبو محمد المدني صدوق، من (8) مات سنة (189) روى عنه في (9) وأتى بالعناية في قوله (يعني الدراوردي) نسبة إلى (دراورد) قرية بخراسان إشعارًا بأنه من زيادته (عن سهيل بن أبي صالح) السمان أبي يزيد المدني، صدوق من (6) مات في خلافة المنصور، روى عنه في (13) بابًا تقريبًا (عن أبيه) أبي صالح السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته. رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بلخي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بنحوه) أي بمقاربه في اللفظ والمعنى متعلق بما عمل في المتابع بكسر الباء وهو سهيل، والضمير عائد إلى المتابع بفتحها وهو الأعمش، والتقدير: حدثنا سهيل عن أبي صالح بنحو ما حدث الأعمش عن أبي صالح، وغرضه بسوقه بيان متابعة سهيل لأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه لأن المتابَع أوثق من المتابع، ولو عبر هنا (بمثله) بدل (بنحوه) لكان أوفق باصطلاحاته بدليل الاستثناء بقوله (إلا قوله {وَلَا الضَّالِّينَ}) [الفاتحة: 7] إلخ أي روى سهيل بنحو الأعمش إلا قول الأعمش أو إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا قال الإمام ولا الضالين (فقولوا آمين" وزاد) سهيل في حديثه على الأعمش قوله صلى الله عليه وسلم (ولا ترفعوا) أيها المأمومون رؤوسكم عن السجود والركوع (قبله) أي قبل رفع الإمام رأسه منهما.

211 - (23) باب إنما الإمام جنة

211 - (23) باب إنما الإمام جنة 828 - (379) (40) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى وَهُوَ ابْنُ عَطَاءٍ سَمِعَ أَبَا عَلْقَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 211 - (23) باب إنما الإمام جنة أي سترة لمن خلفه أي كالترس الذي يستر مَنْ وَرائَه ويمنع وُصولَ مكروه إليه من عدوه فالكلام على التشبيه، والله أعلم. 828 - (379) (40) (حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري بندار، ثقة، من (10) روى عنه في (12) بابا (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري ثقة إمام الأئمة، من (7) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري أبو عمرو البصري ثقة، من (10) (واللفظ) الآتي (له) أي لعبيد الله لا لمحمد بن بشار، قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) قال (حدثنا شعبة) وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه وإن كان شيخهما واحدًا وهو شعبة، ولبيان أن اللفظ الآتي لعبيد الله فقط (عن يعلى) بن عطاء العامري الليثي الواسطي، روى عن أبي علقمة الهاشمي في الصلاة والجهاد، وعمرو بن الشريد في الطب، وأوس بن أبي أوس وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وشعبة وحماد بن سلمة وهشيم والثوري وأبو عوانة وجماعة، وثقه النسائي وابن معين وأثنى عليه أحمد خيرًا، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة مات بواسط سنة (120) مائة وعشرين، وروى عنه المؤلف في (3) أبواب تقريبًا كما بينا، وأتى بـ (هو) في قوله (وهو ابن عطاء) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته لا مما سمعه من شيخه أنه (سمع أبا علقمة) المصري الهاشمي مولى بني هاشم ويقال مولى ابن عباس ويقال حليف بني هاشم وبقال حليف الأنصار، وفي تحفة الأشراف: قال أبو أحمد بن عدي: أبو علقمة هذا اسمه مسلم بن يسار، روى عن أبي هريرة في الصلاة والجهاد، وأبي سعيد الخدري في النكاح، وابن مسعود وعثمان بن عفان وغيرهم، وبروي عنه (م عم) ويعلي بن عطاء وأبو الزبير المكي وأبو الخليل صالح بن أبي مريم وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال

سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ. فَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا. وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ , فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. فَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ أَهْلِ الأَرْضِ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". 829 - (380) (41) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيوَةَ؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيرَةَ حَدَّثَهُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ العجلي: مصري تابعي ثقة، وقال أبو حاتم: أحاديثه صحاح (سمع) أبو علقمة (أبا هريرة) حالة كونه (يقول) وهذان السندان من سداسياته رجالهما ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مصري وواحد واسطي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الإمام جنة) أي ساتر لمن خلفه ومانع من خلل يعرض لصلاتهم بسهو أو مرور مارٍّ؛ أي كالجنة لمن خلفه وهو الترس الذي يستر من وراءه ويمنع وصول مكروه إليه ففيه تشبيه بليغ كما مر (فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإذا) قال: ولا الضالين فقولوا معه آمين كما في الحديث الآخر فإنه إذا (وافق قول أهل الأرض) يعني الإمام والمأموم (قول أهل السماء) يعني الملائكة تؤمن مع الإمام (غفر له) أي لأهل الأرض (ما تقدم من ذنبه) بسبب مقارنة تأمينه تأمين الملائكة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه بحديث آخر له فقال: 829 - (380) (41) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري، الفقيه ثقة، من العاشرة (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي أبو محمد المصري، الفقيه ثقة، من (9) (عن حيوة) بفتح أوله وسكون التحتانية وفتح الواو بن شريح بن صفوان التجيبي أبي زرعة المصري، الزاهد العابد الفقيه ثقة، من (7) (أن أبا يونس) سليم بن جبير الدوسي المصري (مولى أبي هريرة) ثقة، من الثالثة (حدثه) أي حدث لحيوة بن شريح (قال) أبو يونس (سمعت أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني، حالة كونه (يقول) ويروي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني (أنه)

قَال: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ, فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا. وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا. وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ , فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا. وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (قال إنما جعل الإمام) أي شرع وقدم على الناس (ليؤتم) أي ليقتدى (به) في أفعال صلاته ويتبع في أقوالها (فإذا كبر) في صلاته (فكبروا) عقبه فلا تسابقوه (وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا) جمع قائم أي قائمين (وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا) جمع قاعد أي قاعدين، وقوله (أجمعون) بالرفع تأكيد لضمير صلوا في الموضعين. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ***

212 - (24) باب استخلاف الإمام إذا مرض وجواز ائتمام القائم بالقاعد

212 - (24) باب: استخلاف الإمام إذا مرض وجواز ائتمام القائم بالقاعد 830 - (381) (42) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زَائِدَةُ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ قَال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَلا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 212 - (24) باب استخلاف الإمام إذا مرض وجواز ائتمام القائم بالقاعد 830 - (381) (42) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي -نسبة إلى يربوع بن مالك بطن كبير من تميم- أبو عبد الله الكوفي، روى عن زائدة بن قدامة في الصلاة ودلائل النبوة، وزهير بن معاوية في الصلاة والنكاح، وعاصم بن محمد بن زيد في الجهاد، والليث بن سعد في الفضائل، وفضيل بن عياض في ذكر النفاق، والثوري وإسرائيل وغيرهم، ويروي عنه (خ م د) وأبو زرعة وعبد بن حميد وغيرهم، وثقه النسائي وأبو حاتم وابن سعد والعجلي وعثمان بن أبي شيبة، وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار العاشرة، مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، وله (94) سنة، روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زائدة) بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا موسى بن أبي عائشة) الهمداني مولاهم أبو الحسن الكوفي، روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في الصلاة، وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وغيلان بن جرير وغيرهم، ويروي عنه (ع) وزائدة وشعبة والسفيانان وأبو عوانة وغيرهم كان الثوري يحسن الثناء عليه، وقال ابن عيينة: كان من الثقات، وقال ابن معين: كان ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يعقوب بن سفيان: كوفي ثقة، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الثالثة، وكان يرسل، مات سنة (123) ثلاث وعشرين ومائة (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أَبِي عَبْدِ الله المدني أحد الفقهاء السبعة، قال أبو زرعة: ثقة مَأمُونٌ إمامٌ، وقال في التقريب: ثقة فقيه ثبت، من الثالثة مات سنة (94) (قال) عبيد الله (دخلت على عائشة) الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (فقلت لها) ولفظة ألا في قوله (ألا تحدثيني) حرف عرض وهو الطلب برفق ولين، والجملة سؤال عَمَّا يُعْن مِنْ طلبِ العلم (عن مرض رسول الله

صلى الله عليه وسلم؟ قَالتْ: بَلَى. ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا: لَا. وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَال " ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ". فَفَعَلْنَا. فَاغْتَسَلَ. ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيهِ. ثُمَّ أَفَاقَ فَقَال: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا: لَا. وَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم) الذي توفي فيه (قالت) عائشة (بلى) أحدثك يا عبيد الله عن مرضه صلى الله عليه وسلم إنه (ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) وضعف عن الخروج إلى المسجد (فقال) لمن عنده (أصلى الناس) أي هل صلوا أم لا؟ وفي هذا تأكيد أمر الصلاة وإشعار بأنها أهم ما يسئل عنه، وفيه فضل المبادرة بالصلاة أول الوقت وإنما لم يبادر الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالصلاة هنا كما بادروا بها في خروجه إلى بني عمرو بن عوف، وفي حديث تقديمهم عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك لأنهم هنا رجوا خروجه إليهم عن قرب وفي ذينك علموا بُعْدَهُ أو ظَنُّوا أنه قد صَلَّى، وفيه أن الإمام إذا تأخر ورُجي مجيئه عن قرب انتظر فـ (قلنا) له (لا) أي لم يصلوا (وهم ينتظرونك) أي يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَك إليهم (يا رسول الله) وفيه تعريض لأنْ يَخْرج فيُصلِّي بهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضعوا لي) أي اجعلوا لي (ماء) أغتسل به (في المخضب) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة، فالمخضب وكذا الإجانة والمركن إناء تُغسل فيه الثياب وهي المسماة بالقصرية (أرميته صحفًا) فطَلَبهُ ماءَ الاغتسال طلبًا لخفةِ المرض، قالت عائشة (ففعلنا) ذلك الذي أمرنا به من جعل الماء في المخضب (فاغتسل) ليخف عنه المرض لأن الماء البارد يخفف السخونة (ثم) بعد اغْتِسَالِهِ (ذَهَبَ) أي قَصَد (لينوء) أي ليقوم وينهض (فاُغمي عليه) أي أصابه الإغماء وهو الغَشْيُ لشدةِ المرض، وفيه دلالة على جواز الإغماء على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولا شك في جوازه عليهم لأنه مرض من الأمراض وشبيه بالنوم، والمرض يجوز عليهم بخلاف الجنون فإنه لا يجوز عليهم لأنه نقص وقد كملهم الله تعالى بالكمال التام، قال بعضهم: العقل في الإغماء يكون مغلوبًا وفي الجنون مسلوبًا وفي النوم مستورًا، والحكمة في جواز المرض عليهم ومصائب الدنيا تكثير أجرهم وتسلية الناس بهم ولئلا يفتتن الناس بهم ويعبدوهم لما يظهر عليهم من المعجزات والآيات البينات (ثم أفاق) وصحا من إغمائه (فقال: أصَلَّى الناس) أم لا؟ (قلنا) له (لا) أي لم يصلوا (وهم

يَنْتَظِرُونَكَ. يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَقَال: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ". فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ. ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيهِ. ثُمَّ أَفَاقَ فَقَال: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا: لَا. وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ, يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَال: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ" فَفَعَلْنَا, فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيهِ, ثُمَّ أَفَاقَ فَقَال: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". فَقُلْنَا: لَا, وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتظرونك) أي ينتظرون خروجك إليهم (يا رسول الله) لتُصلي بهم، ففيه دليل على أن الإمام إذا تأخر عن أول الوقت ورُجي مجيئه على قرب يُنتظر ولا يتقدم غيره كما مر (فقال: ضعوا لي ماء في المخضب) مرة ثانية (ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب) مرة ثالثة (ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأُغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله) قال النواوي: وفي قوله (فاغتسل) دلالة على استحباب الغسل من الإغماء، وإذا تكرر الإغماء استحب تكرر الغسل لكل مرة فإن لم يغتسل إلا بعد الإغماء مرات كفى غسل واحد، وقد حمل القاضي عياض الغسل هنا على الوضوء من حيث إن الإغماء ينقض الوضوء، ولكن الصواب أن المراد بالغسل هنا غسل جميع البدن فإنه ظاهر اللفظ ولا مانع يمنع منه فإن الغسل مستحب من الإغماء بل قال بعض أصحابنا واجب وهذا شاذ ضعيف اهـ. وقال بعضهم: والإغماء من الأمراض الحسية التي تجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بخلاف الجنون فإنه لا يجوز عليهم لأنه نقص كما مر. قال (ب): قد استعاذ صلى الله عليه وسلم من البرص والجنون فيحمل على أنه تعليم للخلق اهـ: (قالت) عائشة (والناس عكوف) أي جلوس (في المسجد) مجتمعون فيه ملتزمون له، وأصل الاعتكاف اللزوم والحبس، والعكوف كالقعود يستعمل مصدرًا وجمعًا وهو هنا جمع العاكف، حالة كونهم (ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خروجه إليهم (لـ) يصلي بهم (صلاة العشاء الآخرة) هي صلاة العشاء المعلومة التي كانوا يسمونها العتمة، ومن المغرب إلى العتمة يسمى عشاء ويقال العشاءان المغرب والعتمة، وفي هذا دليل على صحة قول الإنسان العشاء الآخرة، وقد أنكره الأصمعي والصواب

قَالتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ, أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَال أَبُو بَكْرٍ, وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ. قَال: فَقَال عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جوازه فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وأنس والبراء وجماعة آخرين إطلاق العشاء الآخرة على العشاء (قالت) عائشة (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر) يأمره (أن يصلي بالناس) ففي هذا دلالة على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه وتفضيله على جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره، وفيه أن الإمام إذا عرض له عذر يمنعه عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم، وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم (فأتاه) أي فأتى أبا بكر (الرسول) الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بالخلافة وهو بلال المؤذن كما في الحديث الآخر (فقال) الرسول (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي) إمامًا (بالناس) قال القاضي عياض: وهذا أدل دليل على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه على غيره، وتنبيه على أنه الأحق بالخلافة لأن الصلاة للخليفة، ولذا قال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم: رضينا لدنيانا من رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا، وقال عمر: من كانت تطيب نفسه منكم أن يؤخره عن مقام أقدمه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال أبو بكر وكان رجلًا رقيقًا) أي رقيقَ القلبِ ولَيِّنهُ وخاشِعَه كثيرَ الخشية والبكاء، قد فسره في الطريق الثاني بأنه لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن (يا عمر صل بالناس) قال القاضي: فيه للمستخلف أن يستخلف غيره، وفيه دفع الفضلاء هذه الأشياء الخطيرة عن أنفسهم (قال) الرسول يعني بلالًا المؤذن (فقال عمر) لأبي بكر (أنت أحق بذلك) أي بالائتمام بالناس لأنك المأمور به، قال القاضي: فيه شهادة الصحابة رضي الله تعالى عنهم له بالتقديم، قال الأبي: وفيه الرد على ما تزعمه الشيعة من أن عمر لم يكن راضيًا بإمامته، وذكر الآمدي من طريق عبد الله بن أبي أوفى أن بلالًا قال: "فخرجت حين أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر ليصلي بالناس فلم أجد بحضرة الباب إلا عمر في أناس ليس فيهم أبو بكر قلت قم يا عمر فصل بالناس فقام عمر وكان صيتًا، فلما قال: الله أكبر سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين أبو بكر

قَالتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَينَ رَجُلَينِ. أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ؛ لِصَلاةِ الظُّهْرِ. وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ. فَأَوْمَأَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ. وَقَال لَهُمَا: "أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ" فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر قالها ثلاثًا- مروا أبا بكر ليُصلي بالناس، فقالت عائشة: إنه رجل رقيق" الحديث، (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (فصلى بهم) أي بالناس (أبو بكر) الصديق (تلك الأيام) التي مرض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: وهذا يدل على أنها لم تكن صلاة واحدة قيل كانت اثنتي عشرة، قال النواوي: وفي الحديث دلالة على فضيلة عمر بعد أبي بكر لأن أبا بكر لم يعدل به غيره، وعلى أن المفضول إذا عرض عليه الفاضل مرتبة لا يقبلها بل يدعها للفاضل إذا لم يمنع مانع، وعلى جواز الثناء في الوجه لمن أُمن عليه الإعجاب والفتنة لقوله: أنت أحق بذلك، وأما قول أبي بكر لعمر صل بالناس فقاله للعذر المذكور؛ وهو أنه رجل رقيق القلب كثير الحزن والبكاء لا يملك عينيه وقد تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعًا، والمختار ما ذكرناه اهـ. (ثم) بعد أمره أبا بكر بإمامة الناس (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه) وعرف (خفة) أي خفة مرض وقِلّتَهُ وانكشافه عنه (فخرج) إلى المسجد حالة كونه يُهادى ويمشى (بين رجلين) من أهل بيته (أحدهما العباس) بن عبد المطلب عمُّه الشقيقُ، وقوله (لصلاة الظهر) متعلق بخرج (وأبو بكر) أي والحال أن أبا بكر (يصلي) إمامًا (بالناس فلما رآه) صلى الله عليه وسلم (أبو بكر ذهب) ومشى إلى ورائه (ليتأخر) عن موضعه موضع الإمام (فأومأ إليه) أي أشار إلى أبي بكر (النبي صلى الله عليه وسلم) بيده الشريفة بـ (أن لا يتأخر) عن مكانه مكان الإمام (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لهما) أي للرجلين (أجلساني إلى جنبه) أي اجعلاني جالسًا إلى جانبه (فأجلساه) صلى الله عليه وسلم (إلى جنب أبي بكر وكان أبو بكر يصلي وهو قائم) مبلغ التكبير إلى الناس مقتد (بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون) أي يأتمون (بصلاة أبي بكر) ويتبعونها (والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد) لعجزه عن القيام، وفي هذا جواز وقوف مأموم واحد

قَال عُبَيدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلا أَعْرِضُ عَلَيكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال: هَاتِ. فَعَرَضْتُ حَدِيثَهَا عَلَيهِ فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شِيئًا. غَيرَ أَنَّهُ قَال: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بجنب الإمام لحاجة أو مصلحة كإسماع المأمومين وضيق المكان ونحو ذلك، قال السنوسي: ويجمع بين الإمامتين بأن أبا بكر كان في بعضها إمامًا وفي بعضها مأمومًا، قال النواوي: قوله (أحدهما العباس) وفسر ابن عباس الرجل الآخر بعلي بن أبي طالب، وفي الطريق الآخر (فخرج ويد له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر) وجاء في غير مسلم (بين رجلين أحدهما أسامة بن زيد) وطريق الجمع بين هذا كله أنهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم تارة هذا وتارة ذاك وذاك ويتنافسون في ذلك وهؤلاء هم خواص أهل بيته الرجال الكبار، وكان العباس رضي الله عنه أكثرهم ملازمة للأخذ بيده الكريمة باختصاصه بيده الكريمة المباركة صلى الله عليه وسلم أو أنه أدام الأخذ وإنما يتناوب الباقون في اليد الأخرى وأكرموا العباس باختصاصه بيدٍ استمرارًا لما له من السن والعمومة وغيرهما ولهذا ذكرته عائشة رضي الله تعالى عنها مسمى باسمه وأبهمت الرجل الآخر إذ لم يكن أحد الثلاثة الباقين ملازمًا في جميع الطريق ولا معظمه بخلاف العباس، والله سبحانه وتعالى أعلم، وقيل الخروج خروجان خروج إلى بيت عائشة وخروج إلى المسجد. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 250] والبخاري [664] والترمذي [3678] والنسائي [2/ 98 - 100] وابن ماجه [1232]. (قال عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بالسند السابق (فدخلت على عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فقلت له) أي لابن عباس (ألا أَعْرِضُ) من باب ضرب أي أُطْلِع وأُظهر (عليك) وأُحدث لك، والهمزة للاستفهام التقريري ولا نافية (ما حدثتني) وأخبرتني (عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (عن) حال (مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي توفي فيه (فقال) لي ابن عباس (هات) اسم فعل أمر بمعنى أعط وأخبر (فعرضت حديثها) أي أظهرت حديثها (عليه) على ابن عباس وأخبرته إياه (فما أنكر) ابن عباس (منه) أي من حديثها (شيئًا) أي لا قليلًا ولا كثيرًا بل أقره (غير أنه) أي أن ابن عباس (قال) لي (أسمت لك الرجل) أي هل ذكرت لك عائشة اسم

الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لَا. قَال هُوَ عَلِيٌّ. 831 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. قَال: قَال الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالتْ: أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيتِ مَيمُونَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل (الذي كان) يهاديه صلى الله عليه وسلم (مع العباس) عمه (قلت) له (لا) أي ما ذكرته لي (قال) ابن عباس (هو) أي ذاك الرجل (علي) بن أبي طالب، وكانت رضي الله تعالى عنها واجدة عليه لما بلغها من قوله حين استشاره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك "النساء سواها كثير". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 831 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد، ثقة حافظ، من (11) وأتى بقوله (واللفظ) أي لفظ الحديث الآتي (لابن رافع) تورعًا من الكذب على ابن حميد كلاهما (قالا حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، من (9) قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري، ثقة ثبت فاضل، من (7) (قال) معمر (قال) لنا (الزهري) محمد بن مسلم بن عبيد الله المدني، ثقة متفق على جلالته، من (4) (وأخبرني عبيد الله) معطوف على محذوف تقديره أخبرنيه غير عبيد الله وأخبرني أيضًا عبيد الله (بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني (أن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي أخبرت لعبيد الله بن عبد الله وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الزهري لموسى بن أبي عائشة في رواية هذا الحديث عن عبيد الله بن عبد الله (قالت) له عائشة (أول ما اشتكى) ومرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وما مصدرية وأول مبتدأ، وقوله (في بيت ميمونة) بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها خبر المبتدأ؛ أي أول اشتكائه ومرضه حاصل في بيت ميمونة وسكنها وإضافة بيت إلى

فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيتِهَا. وَأَذِنَّ لَهُ. قَالتْ فَخَرَجَ وَيَدٌ لَهُ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَيَدٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ. وَهُوَ يَخُطُّ بِرِجْلَيهِ فِي الأَرْضِ. فَقَال عُبَيدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ. فَقَال: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ هُوَ عَلِيٌّ. 832 - (00) (00) (00) حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. قَال حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ميمونة للاختصاص لأنه مملوك للنبي صلى الله عليه وسلم (فاستأذن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أزواجه) أي طلب منهن الإذن له في (أن يمرض) بالبناء للمجهول من التمريض أي في أن يُخدم في مرضه (في بيتها) أي في بيت عائشة فالتمريض هو حسن القيام على المريض بتعهده وإحضار ما يحتاج إليه له (وأذنَّ) أزواجه (له) صلى الله عليه وسلم في أن يمرض في بيتها بإدغام نون لام الكلمة في نون الإناث، قال القاضي عياض: لم يكن القسم واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية، ولكن لحسن عشرته التزمه تطييبًا لنفوسهن، قال النواوي: وأوجبه بعض أصحابنا لهذا الحديث وحديث "اللهم هذا قسمي فيما أملك" وأجاب الآخر عنه بأنه على الاستحباب، وفيه دلالة على فضل عائشة على زوجاته الموجودات، قال النواوي: وكن تسعًا رضي الله تعالى عنهن، وإنما اختلف فيما بينها وبين خديجة رضي الله تعالى عنهما، قال (ع) واختلف في ذي الزوجات يمرض ولا يقدر أن يدور فقيل يختار وقيل يقرع اهـ. (قالت: فخرج ويد له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر وهو يخط برجليه في الأرض، فقال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال: أتدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ هو علي). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 832 - (00) (00) (00) (حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي مولاهم أبو عبيد الله المصري، ثقة، من (11) قال (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، ثقة ثبت إمام فقيه مشهور، من (7) (قال) الليث (حدثني عقيل بن خالد) مصغرًا بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم أبو خالد

قال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيتِي. فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَينَ رَجُلَينِ. تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ. بَينَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَينَ رَجُلٍ آخَرَ. قَال عُبَيدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قَالتْ عَائِشَةُ. فَقَال لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَال: قُلْتُ: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري، ثقة ثبت، من (6) (قال) عقيل بن خالد (قال) لنا (ابن شهاب) الزهري المدني (أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عقيل بن خالد لمعمر بن راشد في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه (لما ثقل) وضعف (رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه) أي مرضه قال (ع) والعرب تسمي كل مرض وجعًا، قال (ب) قال السهيلي الوجع الذي كان به صلى الله عليه وسلم هو المسمى بالخاصرة، وفي كتاب النذور من الموطأ (فأصابتني خاصرة) قالت عائشة: وكثيرًا ما كانت تصيبه الخاصرة ولكنا لا نعرف اسم الخاصرة وإنما نقول أخذه عرق الكلية، وفي مسند الحارث حديث يرفعه قال: الخاصرة عرق في الكلية إذا تحرك وجع صاحبه اهـ. (استأذن أزواجه) أي طلب منهم الإذن له في (أن يمرض) أي أن يُخدم ويتعاهد في مرضه (في بيتي) لأنه موضع تربته (فأَذنَّ) ماض مسند إلى ضمير الإناث أي رخصن (له) في أن يمرض في بيت عائشة (فخرج) من بيت ميمونة أو من بيت عائشة إلى المسجد يمشي (بين رجلين) متكئًا عليهما يتمايل إليهما حالة كونه (تخط رجلاه في الأرض) أي يجرهما في الأرض حتى يجعلان فيها خطًا ولا يعتمد عليهما، وقوله (بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر) بدل من قوله بين رجلين أو عطف بيان له (قال عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة (فأخبرت عبد الله) بن عباس (بالذي) أَي بِالحديثِ الذي (قالت) ـه (عائشة فقال لي عبد الله بن عباس هل تدري) أي هل تعلم يا عبيد الله (من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ ) أي لم تذكر عائشة اسمه (قال) عبيد الله (قلت: لا) أدري ولا

قَال: ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَلِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم من هو؟ (قال ابن عباس هو) أي ذاك الرجل الذي لم تسمه عائشة (علي) بن أبي طالب، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية التي قبلها في سوق الحديث، والله أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله عنها وذكر فيه متابعتين. ***

213 - (25) باب مراجعة عائشة رضي الله تعالى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في استخلافه أباها في الصلاة

213 - (25) باب مراجعة عائشة رضي الله تعالى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في استخلافه أباها في الصلاة 833 - (382) (43) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا, وَإِلَّا أَنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ 213 - (25) باب مراجعة عائشة رضي الله تعالى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في استخلافه أباها في الصلاة 833 - (382) (43) (حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني عقيل بن خالد قال قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت) وهذا السند من نفس السند الذي قبله فلا حاجة إلى البحث عنه لأنه نفسه حرفًا بحرف إلا أنه وقع في أول الترجمة فليس للمتابعة كما يوهمه ما وقع في بعض نسخ المتنِ من الأَرقامِ. والله (لقد راجعت) وشاورت (رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك) أي في صرف ذلك الاستخلاف عنه إلى غيره، قال الأبي: قد بينت في الحديث الآخر ما راجعت به وما لأجله راجعت اهـ. (وما حملني) أي ما بعثني (على كثرة مراجعته) صلى الله عليه وسلم في ذلك الصرف والعدل عنه إلى غيره شيء من الأشياء (إلا أنه) أي إلا أن الشأن والحال (لم يقع في قلبي أن يحب الناس) ويودوا (بعده) صلى الله عليه وسلم (رجلًا قام مقامه) صلى الله عليه وسلم في الاستخلاف والإمامة (أبدًا) أي في زمن من الأزمان المستقبلة بل ينقصوه ويعيبوه ويطعنوه لأنه صلى الله عليه وسلم ليس له نظير لأنه مجبول على مكارم الأخلاق ومحاسن المعاشرات وعظيم الرأفة والشفقة، فالاستثناء من أعم الأشياء أي ما حملني على كَثْرة مراجعته شيء من الأشياء إلا عدم وقوع محبة الناس رجلًا قام مقامه بالخلافة لأن هذا الاستخلاف إشارة إلى خلافته عنه في أمور الأمة بعد وفاته لأن إمامة الصلاة لا تكون إلا للخليفة، وقوله (وإلا أني) معطوف على إلا الأولى؟ أي وما حملني على

كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ. فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ. 834 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) , قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) , أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. قَال الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ مراجعته إلا أني كنت أرى) وأظن (أنه) أي أن الشأن والحال (لن يقوم مقامه) صلى الله عليه وسلم (أحد) في الإمامة (إلا تشاءم) وتطاير وتقابح (الناس به) أي بذلك الأحد الذي قام مقامه أي إلا ألحقوا به الشؤم والقبح والعيب به (فأردت) أي قصدت بكثرة مراجعتي إياه (أن يعدل) ويُحوِّل ويُمِيل (ذلك) الاستخلافَ (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر) الصديق إلى غيره كعمر وعلي مثلًا، وقال (ع) ففي الحديث التورية بالحجة الصحيحة لغرض آخر، وجاء أنها فهمت منه التنبيه على الخلافة، قالت فظننت أن أبي لا يستطيع القيام بأمر الناس، قال الأبي: وفيه أن لمن وقع به مؤلم أن يدفعه عن نفسه وإن علم أنه يقع بالغير، وذكر الداودي في ذلك قولين، وقيل إن فيه أيضًا أن من عرضت عليه فضيلة أن يدفعها إلى غيره اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أيضًا البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 834 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (واللفظ) الآتي (لابن رافع، قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، قال (قال) لنا (الزهري) أخبرني غير حمزة (وأخبرني) أيضًا (حمزة بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي العمري أبو عمارة المدني الفقيه أخو سالم، روى عن عائشة في الصلاة، وأبيه عبد الله بن عمر في الزكاة والحج والجهاد ولاهام (¬1) وفضائل عمر وصفة الموت، ويروي عنه (ع) والزهري محمد بن مسلم وأخو الزهري ¬

_ (¬1) أي: في باب ولا هام ولا طيرة.

عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتِي, قَال: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ. إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ. فَلَوْ أَمَرْتَ غَيرَ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: وَاللَّهِ مَا بِي إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ فِي مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَينِ, أَوْ ثَلاثًا. فَقَال " لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ. فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن مسلم في الزكاة، وعبيد الله بن أبي جعفر وموسى بن عقبة وعتبة بن مسلم، وثقه العجلي، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، روى عنه المؤلف في (7) أبواب كما بينا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد إما نيسابوري أَوْ كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة حمزة بن عبد الله بن عمر لعبيد الله بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي) حين حولوه من بيت ميمونة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (مروا) أيها الحاضرون (أبا بكر) الصديق بالصلاة بالناس فإني لا أقدر على الخروج إلى المسجد (فليصل بالناس، قالت) عائشة (فـ) ـراجعت عليه كلامه بلطف على سبيل النصيحة لأبي بكر و (قلت) له (يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق) القلب كثير الخشية من الله سريع الدمعه؛ وهو بمعنى الأسيف في الحديث الآخر فإن الأسف الحزن، وحالة الحزين غالبًا الرقة (إذا قرأ القرآن) في الصلاة (لا يملك) ولا يقدر (دمعه) أي منع سيلان دمعه؛ والدمع الماء المالح الحار الجاري من العين (فلو أمرت غير أبي بكر) بالصلاة بالناس لكان خيرا لهم لأن بكاءه يُشوش الناس، فلو شرطية جوابها محذوف أو تحضيضية بمعنى هلا أي فهلا أمرت غير أبي بكر بالصلاة بهم (قالت) عائشة (والله ما بي) أي ما لي غرض وحاجة في صرف الاستخلاف ودفعه عنه (إلا كراهية) ومخافة (أن يتشاءم) ويتناقص ويعيب (الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويستخلف عنه (قالت) عائشة (فراجعته) صلى الله عليه وسلم (مرتين أو) قالت راجعته (ثلاثًا) وأو للشك من الراوي (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل مرة مروا أبا بكر فـ (ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف) بن يعقوب - عليه السلام -، والكلام على التشبيه البليغ أي إنكن مثل صواحب يوسف يعني في تردادهن وتظاهرهن وتعاونهن

835 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَاللَّفْظُ لَهُ, قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإغواء والإلحاح حتى يصلن إلى أغراضهن كتظاهر امرأة العزيز ونسائها وتعاونهن على يوسف ليصرفنه عن رأيه في الاستعصام، وصواحب جمع صاحبة اهـ قرطبي. وعبارة النواوي: أي مثل صواحب يوسف في التظاهر والتعاون على ما تردن وكثرة إلحاحكن في طلب ما تردنه وتملن إليه وفي مراجعة عائشة جواز مراجعة ولي الأمر على سبيل العرض والمشاورة والإشارة بما يظهر أنه مصلحة وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة، ومثل هذه المراجعة مراجعة عمر رضي الله عنه في قوله: "لا تبشرهم فيتكلوا" وأَشْبَاهُه كثيرةٌ مشهورة اهـ. قال ابن الملك: وفي هذا الحديث دلالة على أن الإمام إذا عرض له عذر ينبغي أن يستخلف من هو أفضل الجماعة، وعلى أن أبا بكر هو الأولى بالخلافة بعده صلى الله عليه وسلم وقد عقل بعض الصحابة ذلك حتى قال علي رضي الله عنه: قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نؤخرك، وفيه دلالة على جواز اقتداء القائم بالقاعد، وهو ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى الإمام قاعدًا فصلوا قعودًا" اهـ منه، قال الأبي: وفيه أن توبيخ الإمام لمن خالفه لا يكون لأول الأمر بل حتى يتكرر لأنه في أول الأمر يحتمل أنه نصيحة فإذا تكرر صار مكابرة وهذا ما لم يكن من تنبيهه على غلط أو خطأ اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها هذا فقال: 835 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (قال) يحيى (أخبرنا أبو معاوية عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، مخضرم ثقة من الثانية (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري وعائشة فإنها مدنية، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأسود لحمزة بن عبد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة

لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ. فَقَال: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ, وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعِ النَّاسَ. فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ! فَقَال: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" قَالتْ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ. وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعِ النَّاسَ. فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ! فَقَالتْ لَهُ. فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ. مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". قَالتْ: فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لما ثقل) وضعف (رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن الخروج إلى المسجد (جاء بلال) بن رباح المؤذن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يؤذنه) صلى الله عليه وسلم ويُعْلِمهُ (بـ) قُرْبِ وقت إقامة (الصلاة فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده (مروا أبا بكر) بالصلاة (فليصل بالناس، قالت) عائشة (فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف) أي كثير الحزن والأسف أو سريع الأسف والحزن (وإنه) أي وإن أبا بكر (متى يقم مقامك) في إمامة الصلاة (لا يسمع الناس) قراءته لكثرة بكائه فيشوش الناس (فلو أمرت عمر) بن الخطاب بالصلاة بالناس لكان خيرًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت) عائشة (فقلت لحفصة) بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قولي) يا حفصة (له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس) القراءة فيشوش الناس (فلو أمرت عمر) بالصلاة بالناس (فقالت) حفصة (له) صلى الله عليه وسلم ما أمرتها به عائشة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) مخاطبًا لها ولعائشة ومن معهما (إنكن) أيها النسوة القائلات ما ذكر (لأنتن) اللام لام الابتداء مؤكدة لمعنى الكلام، وأنتن ضمير فصل أو مبتدأ (صواحب يوسف) الصديق أي مثل صواحب يوسف من امرأة العزيز ومن عاونها في التظاهر على ما تردن وكثرة إلحاحكن في طلب ما تردنه وتملن إليه، وقيل وجه الشبه كون المظهر شيئًا والمراد غيره فإن نساء امرأة العزيز لُمنها على المراودة، وبهن من حب يوسف والرغبة في مراودته ما بامرأة العزيز أو أشد اهـ سنوسي (مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت) عائشة (فأمروا) بصيغة الماضي أي أمر الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم من بلال ومن معه (أبا بكر) بأن (يصلي بالناس)

قَالتْ: فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً, فَقَامَ يُهَادَى بَينَ رَجُلَينِ. وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ. قَالتْ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ. ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ. فَأَوْمَأَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُمْ مَكَانَكَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا. وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا. يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بلغوه أمره صلى الله عليه وسلم إياه بالصلاة، والأمر بأمر الغير يكون أمرًا له بالدليل كما هو المقرر في أصول الفقه، فصلى أبو بكر بالناس (قالت) عائشة (فلما دخل) أبو بكر (في الصلاة) بالناس (وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي علم (من نفسه خفة) أي انكشاف مرض عنها ورفعه (فقام) رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضجعه وخرج إلى المسجد، حالة كونه (يُهادى) ويمْشَى (بين رجلين) متكئًا عليهما يتمايل إليهما، وفي المصباح خرج يُهادى بين اثنين، مهاداة بالبناء للمفعول أي يمشى بينهما معتمدًا عليهما لضعفه اهـ ومثله في النهاية (ورجلاه) أي والحال أن رجليه صلى الله عليه وسلم (تخطان في الأرض) أي تجعلان في الأرض خطًّا لكونه صلى الله عليه وسلم يجرهما، ولا يعتمد عليهما بسبب ضعفه (قالت) عائشة (فلما دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسجد سمع أبو بكر حسه) أي حس دخوله صلى الله عليه وسلم وصوته فـ (ذهب) أبو بكر إلى ورائه، حالة كونه (يتأخر) أي يريد أن يتأخر من مقامه (فأومأ) وأشار (إليه) أي إلى أبي بكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأن (قم مكانك) أي مقامك والزمه ولا تتحرك عنه (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر) ليكون إمامًا ويكون أبو بكر مأمومًا مبلغًا لأن المأموم المنفرد يقوم عن يمين الإمام (قالت) عائشة (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) إمامًا (بالناس) حالة كونه (جالسًا و) كان (أبو بكر قائمًا يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامًا للناس وأبو بكر مأمومًا مبلغًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

836 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ: فَأُتِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُجْلِسَ إِلَى جَنْبِهِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمُ التَّكْبِيرَ. وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 836 - (00) (00) (00) (حدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمد الكوفي، ثقة، من (10) مات سنة (231) (أخبرنا) علي (بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) مات سنة (189) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه، ثقة حافظ مجتهد، من (10) مات سنة (238) (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة مأمون، من (8) (كلاهما) أي كل من ابن مسهر وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهما اثنان، وقوله (نحوه) مفعول ثانٍ لما عمل في المتابع أيضًا، واسم الإشارة راجع لما بعد شيخ المتابع، وكذا يعود عليه الضمير في نحوه والتقدير كلاهما رويا عن الأعمش نحو ما حدث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد يعني عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، وغرضه بسوقهما بيان متابعة ابن مسهر وعيسى لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث ابن مسهر وعيسى (لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي تُوفي فيه) بدل ما في رواية أبي معاوية من قوله (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم) الخ (وفي حديث ابن مسهر) وروايته (فأُتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجلس إلى جنبه) بالبناء للمفعول من الإجلاس (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي بالناس وأبو بكر يُسمعهم التكبير، وفي حديث عيسى) بن يونس وروايته (فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي) بالناس (وأبو بكر إلى جنبه وأبو بكر يُسمع الناس) تكبير النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بيان لمحل المخالفة بين هذه الرواية والرواية السابقة.

837 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ). قَال: حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ. فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَال عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً. فَخَرَجَ وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذان السندان أيضًا من سداسياته رجال الأول منهما كلهم كوفيون إلا عائشة، ورجال الثاني منهما كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي وإلا عائشة رضي الله تعالى عنها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 837 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي (قالا حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (عن هشام) بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (وألفاظهم) أي ألفاظ كل من الثلاثة يعني أبا بكر وأبا كريب ومحمد بن نمير (متقاربة) أي متشابهة وإن كانت متخالفة (قال) محمد بن نمير (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (قال) عبد الله بن نمير (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. وهذان السندان من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقهما بيان متابعة عروة بن الزبير للأسود بن يزيد في رواية هذا الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها وفائدتها بيان كثرة طرقه (قالت) عائشة (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه) صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه (فكان) أبو بكر رضي الله عنه (يصلي بهم) أي بالناس تلك الأيام (قال عروة) راويًا عن عائشة لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم (فوجد) أي علم (رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة) أي تخفيف مرض عليه (فخرج) من البيت إلى المسجد (وإذا أبو بكر يؤم

النَّاسَ, فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ. فَأَشَارَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَي كَمَا أَنْتَ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس) أي يُصلي بالناس إمامًا، وإذا فجائية، والجملة الإسمية معطوفة على الفعلية والواو بمعنى الفاء أي فخرج من البيت ففاجأه إمامة أبي بكر بالناس (فلما رآه) صلى الله عليه وسلم (أبو بكر) أي فلما رأى وأحس أبو بكر مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم (استأخر) أبو بكر أي تأخر أبو بكر عن مقامه إلى ورائه ليقوم الرسول صلى الله عليه وسلم مقامه، فالسين فيه زائدة (فـ) لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخره (أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي) كن (كما أنت) عليه أولًا، والجملة مفسرة للإشارة لأن أي تفسيرية والكاف بمعنى على وما موصولة وأنت مبتدأ والخبر محذوف والجملة صلة لما أي كن على الحال الذي كنت عليه أولًا من التقدم للإمامة ولا تتأخر عن مكانك لأجلي، ولفظ البخاري هنا أن كما أنت وأن مفسرة والصلة محذوفة الخبر أي كالذي أنت عليه (فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر) أي مقابله لا خلفه ولا قدامه بل (إلى جنبه) ويساره (فكان أبو بكر يصلي) مقتديًا (بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون) مقتدين (بصلاة أبي بكر). ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه أربع متابعات. ***

214 - (26) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

214 - (26) بابٌ العملُ القليلُ في الصلاة لا يضرُّها 838 - (383) (44) حدَّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حدَّثنَا يَعْقُوبُ)، (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ)، وَحدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَال: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَن أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ في وَجَعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. حَتَّى إِذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 214 - (26) بابٌ العملُ القليلُ في الصلاة لا يضرُّها وتبعت في ترجمة هذا الحديث القرطبي رحمه الله تعالى، وقال الأبي: هذا حديث آخر وخروج آخر فقيل إنما خرج ليطلع عليهم إذ لم يصل معهم، ويحتمل أنَّه ليصلي معهم كما فعل في حديث عائشة فرأى ضعفه فرجع. 838 - (383) (44) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (وحسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) الريحاني المكي، ثقة حافظ، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي أبو محمد، الحافظ ثقة، من (11) وأتى بقوله (قال عبد أخبرني) يعقوب (وقال الآخران حَدَّثَنَا يعقوب) لبيان اختلاف كيفية سماع مثايخه عن شيخهم، وأتى بقوله (وهو) يعقوب (بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف المدني، إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته، ثقة فاضل، من (9) وقوله (وحدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) بواو العطف معطوف على محذوف تقديره حدثني هذا الحديث الآتي غير أبي وحدثنيه أيضًا أبي (عن صالح) بن كيسان الغفاري أبي محمد المدني، ثقة ثبت فقيه، من (4) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، ثقة مشهور، من (4) (قال) ابن شهاب (أخبرني أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حمزة البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد إما بغدادي أو مكي أو كسي (أن أبا بكر) الصديق كان يصلي) إمامًا (لهم) أي للناس (في) أيام (وجع) ومرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذي توفي فيه) بالبناء للمفعول أي قُبض فيه روحه الشريفة (حتَّى إذا كان) ووُجِد وجاء

يَوْمُ الاثْنَينِ، وَهُمْ صُفُوفٌ في الصَّلَاةِ، كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إِلَينَا وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا. قَال: فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ في الصَّلَاةِ. مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ. وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ لِلصلَاةِ. فَأَشَارَ إِلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَلسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ. قَال: ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَرْخَى السِّتْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يوم الاثنين) الَّذي هو آخر أيام حياته، وقوله (وهم صفوف) أي صافون (في الصلاة) معترض بين إذا وجوابها، وهو قوله (كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رفع إلى فوق (ستر الحجرة) أي ستارة بيت عائشة رضي الله تعالى عنها (فنظر إلينا وهو قائم كان وجهه) صلى الله عليه وسلم وقتئذٍ (ورقة مصحف) في الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته، قال السنوسي: وهو عبارة عن رقة الجلد وصفائه من الدم لشدة المرض، قال النواوي: وفي ميم المصحف الحركات الثلاث اهـ قال الأبي: والمصحف من لفظ الراوي وزيادته لأنه لم يكن حينئذٍ اهـ. (ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أظهر مقدم أسنانه، حالة كونه (ضاحكًا) أي مريدًا الضحك وهو حال مؤكدة لعاملها، قيل تبسم فرحًا مما رأى من اجتماعهم في الصلاة على إمامهم وإقامتهم بشريعته، وكان يعجبه صلى الله عليه وسلم كل ما يرى من خير لأمته، وقيل إنما تبسم صلى الله عليه وسلم ليدخل الفرح عليهم ويريهم أنَّه تَماثَل (قال) أنس بن مالك (فبهتنا) بضم أوله وكسر ثانيه على صيغة المبني للمجهول أي تحيرنا ودهشنا (ونحن) أي والحال أنا (في الصلاة من فرح) أي لأجل فرح وسرور (بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلينا (ونكص أبو بكر) أي رجع (على عقبيه) أي إلى ورائه قهقرى (ليصل الصف) ويقف فيه ظانًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليصلي بنا، وهذا موضع الترجمة من الحديث كما صرحه بقوله (وظن) أبو بكر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج) إلينا اللصلاة) بنا (فأشار إليهم) أي إلى القوم (رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (أن) اثبتوا في مكانكم و (أتموا صلاتكم قال) أنس (ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحجرة (فأرخى الستر)

قَال: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. 839 - (00) (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ؛ قَال: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظرتُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الاثْنَينِ، بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَحَدِيثُ صَالِح أَتَمُّ وَأَشْبَعُ. 840 - (00) (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الَّذي رفعه أولًا أي أنزله وأعاده على حاله الأولى (قال) أنس (فتُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قُبض روحه (من) آخر ساعات (يومه ذلك) أي المذكور يعني يوم الاثنين، فيا مصيبة لا جابر لها إلى يوم الدين عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات. وشارك المؤلف في رواية حديث أنس رضي الله عنه هذا أحمد [3/ 211] والبخاري [681] والنسائي [4/ 7]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 839 - (00) (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أنس (عمرو) بن محمد (الناقد وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي كلاهما (قالا حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن الزهري (قال) أنس بن مالك (آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وآخر رؤية رأيته نظرتي إليه ورؤيتي إياه حين (كشف) ورفع (الستارة) لبيت عائشة (يوم الاثنين) وقوله (بهذه القصة) متعلق بحدثنا ابن عيينة أي حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة بهذه القصة السابقة عن الزهري بمثل ما حدث صالح عنه (و) لكن (حديث صالح) بن كيسان (أتم) سندًا لأنه سداسي من سند سفيان لأنه رباعي (وأشبع) أي أطول متنًا، ولكن ذكر حديث سفيان لهذه الزيادة يعني آخر نظرة .. الخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 840 - (00) (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن

حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ قَال: أَخْبَرَنِي أَنسُ بن مَالِكٍ؛ قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الاثْنَينِ بِنَحْو حَدِيثِهِمَا. 841 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحدَّثُ. قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: لَمْ يَخْرُجْ إِلَينَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ حميد) الكسي، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، قال (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن) محمد بن مسلم (الزهري قال) الزهري (أخبرني أنس بن مالك) الأنصاري. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسي، وغرضه بسوقه بيان متابعة معمر لصالح بن كيسان وسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري (قال) أنس (لما كان يوم الاثنين) كشف الستارة، وساق معمر (بنحو حديثهما) أي بنحو حديث صالح وسفيان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 841 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى) العنزي البصري (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحقال بالمهملة، ثقة، من العاشرة كلاهما (قالا حَدَّثَنَا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري أبو سهل البصري، صدوق ثبت من التاسعة (قال) عبد الصمد (سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبا عبيدة البصري، ثقة ثبت، من الثامنة، حالة كون أبي (يحدث) الحديث الآتي (قال) أبي في تحديثه (حَدَّثَنَا عبد العزيز) بن صهيب البناني مولاهم البصري الأعمى ثقة من الرابعة (عن أنس) بن مالك الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد العزيز بن صهيب لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث (قال) أنس (لم يخرج إلينا) في المسجد (نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا) أي ثلاثة أيام، ذَكَّرَ اسم العدد مع أن المعدود مذكر، والآحاد من ألفاظ العدد تجري على خلاف القياس قلنا ذكره لعدم ذكر المميز كما في قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ. فَقَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ بِالْحِجَاب فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ لَنَا وَجْهُ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا قَط كَانَ أَعْجَبَ إِلَينَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا. قَال: فَأَوْمَأَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ، فَلَمْ نَقْدِرُ عَلَيهِ حَتَّى مَاتَ. (842) - (384) (45) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعَشْرًا} (فأقيمت الصلاة) أي أقام لها بلال (فذهب أبو بكر) إلى قدامه، حالة كونه (يتقدم) على الناس لإمامتهم (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي أخذ بيده الشريفة (بالحجاب) الَّذي على باب حجرة عائشة، ففيه إطلاق القول على الفعل (فرفعه) أي فرفع الحجاب المرخي أولًا لينظر إلى الناس في المسجد (فلما وضح) وظهر (لنا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرًا قط) قَطُّ ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي، وجملة قوله كان أعجب) وأحب وأجمل (الينا) أي عندنا (من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح) وظهر (لنا) صفة لمنظرًا، وجملة ما نظرنا جواب لما أي فلما ظهر وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم لنا ما نظرنا ولا رأينا قط منظرًا أي مَرْئىً أعجبَ وأجملَ عندنا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع الحجاب وظهر لنا (قال) أنس (فأومأ) أي أشار (نبي الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (إلى أبي بكر أن يتقدم) إلى مقامه الَّذي تأخر عنه أولًا (وأرخى) أي أنزل (نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجاب) على حالته الأولى (فلم نقدر عليه) أي على رؤيته (حتَّى مات) آخر ذلك اليوم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثَ أنس بن مالك رضي الله عنه وذكر فيه ثلاث متابعات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة السابق في الترجمة السابقة بحديث أبي موسى الأشعري ولو قدمه على حديث أنس رضي الله عنهم لكان أنسب فقال: 842 - (384) (45) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حَدَّثَنَا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة من التاسعة (عن زائدة) بن قدامة

عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ قَال: مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ. فَقَال: "مُرُوا أَبَا بَكْرِ فَليُصَلِّ بِالنَّاسِ" فَقَالتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِن أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لا يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَال: "مُرِي أَبَا بَكْرِ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُن صَوَاحِبُ يُوسُفَ". قَال: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ حَيَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة ثبت من السابعة (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر القبطي الكوفي، ثقة من الثالثة (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة من الثانية (عن) عبد الله بن قيس (أبي موسى) الأشعري الكوفي. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى (مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه) ووجعه حتَّى منعه من الخروج إلى المسجد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لما آذنه بلال بالصلاة (مروا أبا بكر فليصلى بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق) القلب كثير الخشية من الله تعالى (متى يقم مقامك لا يستطع) بالجزم على أنَّه جواب متى (أن يصلي بالناس فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لها (مُري) أنت والدك (أبا بكر فليصل بالناس فإنكن) يعني هي ومن معها (صواحب يوسف) أي مثلهن في إظهار خلاف ما يبطِّنَّ والمعاونة على تنفيذ ما أردتن (قال) أبو موسى الأشعري (فصلى بهم) أي بالناس (أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في أيام حياته صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في روايته البخاري أخرجه في كتاب الصلاة وغيره. وغرضه بسوق حديث أبي موسى الاستشهاد لحديث عائشة ولو قدَّمه على حديث أنس لكان أوضح لأنه موافق له لأن الخروج فيهما خروج في أول مرضه، وحديث أنس الخروج فيه خروج في آخر يومه وحياته. ***

215 - (27) باب من نابه شيء في الصلاة فليسبح

215 - (27) باب من نابه شيء في الصلاة فليسبح 843 - (385) (46) حدَّثني يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَينَهُمْ. فَحَانَتِ الصَّلَاةُ. فَجَاءَ الْمُؤَذنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَال: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمُ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَصَلَّى أَبُو بَكرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ في الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 215 - (27) باب من نابه شيء في الصلاة فليسبح وترجمة النواوي هنا معترضة لا ينطبق عليها الحديث كما ستعرفه. 843 - (385) (46) (حدثني يحيى بن يحيى) التميمي أبو زكرياء النيسابوري، ثقة من (10) (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي أبي عبد الله المدني، ثقة متقن إمام حجة، من (7) (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني ثقة من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي أبي العباس (الساعدي) المدني رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب) في أناس من أصحابه بعد أن صلى الظهر (إلى بني عمرو بن عوف) بفتح العين فيهما بن مالك من الأوس، والأوس إحدى قبيلتي الأنصار وكانت منازلهم بقباء (ليصلح بينهم) لأنهم اقتتلوا حتَّى تراموا بالحجارة، ففيه خروج الإمام بنفسه ليصلح بين الناس إذا خيف الفساد (فحانت الصلاة) أي صلاة العصر أي قرب حينها وحضر وقتها (فجاء الموذن) بلال (إلى أبي بكر) بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له كما عند الطبراني: إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس (فقال) المؤذن لأبي بكر (أتصلي بالناس) في أول الوقت أو تنتظر قليلًا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم فرجح عند أبي بكر المبادرة بالصلاة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة (فأقيم) بالرفع على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف أي فأنا أقيم أو بالنصب على أنَّه جواب الاستفهام (قال) أبو بكر (نعم) أقم الصلاة إن شئت (قال) سهل بن سعد (فصلى أبو بكر) أي دخل في الصلاة (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس) دخلوا مع أبي بكر (في الصلاة) والجملة حالية، وفي هذا المبادرة بالصلاة لأول الوقت كما فعلوه في غير موطن ولم ينتظروه لظنهم أنَّه صلى الله عليه وسلم يصلي

فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ في الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ. وَكَانَ أَبُو بَكرٍ لا يَلْتَفِتُ في الصلَاةِ. فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَشَارَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ. فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيهِ، فَحَمِدَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى في الصَّفِّ. وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ في بني عمرو بن عوف، وفي تقديم أبي بكر شهادتهم بأنه أفضلهم وقول بلال أتصلي فأقيم دليل على اتصال الإقامة بالصلاة، وفي رواية أن أبا بكر قال: إن شئتم دليل على أن أحدًا لا يؤم قومًا إلَّا برضاهم، وفي رواية أنَّه قال: إن شئت قال ذلك لبلال لأنه المؤذن وصاحب الوقت وداعي النبي صلى الله عليه وسلم فصار كالمستخلف له على ذلك وبلال هو المؤذن والمقيم ولا خلاف أن لمن أذن أن يقيم، وإنما الخلاف في أذان رجل وإقامة غيره فأجازه الجمهور، وأباه الثوري وأحمد لحديث: "من أذن فهو يقيم" (فتخلص) أي تنصل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شق الصفوف (حتَّى وقف في الصف) الأول، وهو جائز للإمام مكروه لغيره (فصفق الناس) أي ضرب كل يده بالأخرى حتَّى سمع لها صوت (وكان أبو بكر) رضي الله عنه إلا يلتفت في الصلاة) لأنه "اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل، رواه ابن خزيمة (فلما أكثر الناس التصفيق التفت) رضي الله عنه (فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) بـ (أن امكث مكانك) والزمه أي أشار إليه بالمكث (فرفع أبو بكر يديه) بالتثنية (فحمد الله) سبحانه وشكره بلسانه (عزَّ وجلَّ على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك) المذكور أي من الوجاهة في الدين، وفي رواية البخاري عن الحميدي "فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرًا لله تعالى" ما يَمنَعُ ظاهرَ قولِه "فحمد الله" مِنْ تلفظِه بالحمد (ثم استأخر) أي تأخر (أبو بكر) رضي الله عنه من غير استدبار للقبلة ولا انحراف عنها (حتَّى استوى) أبو بكر ووقف (في الصف) الأول (وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم) إلى مكان الإمام (فصلى) بالناس، واستنبط منه أن الإمام الراتب إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأمومًا من غير أن يقطع الصلاة، ولا تبطل بشيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين، والأصل عدم

ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ" قَال أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَينَ يَدَي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا لِي رَأَيتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَيءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ. فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيهِ. وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخصوصية خلافًا للمالكية، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إمامًا وفي بعضها مأمومًا اهـ قسطلاني. (ثم انصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة (فقال: يا أبا بكر ما منعك) أي أي شيء منعك وأي سبب حجزك من (أن تثبت) في مكانك (إذ) أي حين (أمرتك) بالثبات في مكانك فـ (قال أبو بكر) رضي الله عنه (ما كان) ينبغي (لابن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء وبعد الألف فاء عثمان بن عامر أسلم في يوم الفتح وتوفي سنة أربع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين، وعبر بذلك دون أن يقول ما كان لي أو لأبي بكر تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته (أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قدامه إمامًا به (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للناس (ما لي) أي أي شيء ثبت لي حالة كوني (رأيتكم) وأبصرتكم، حالة كونكم (أكثرتم التصفيق) أي ضرب إحدى اليدين بالأخرى حتَّى يظهر الصوت فلا تفعلوا ذلك في صلاتكم لأنه عمل يبطل الصلاة إذا كثر، ولكن (من نابه) أي أصابه (شيء) يحتاج فيه إلى إعلام الغير (في صلاته فليسبح) أي فليقل سبحان الله بقصد الذكر فقط أو مع الإعلام (فإنه) فإن ذلك المصلي الَّذي نابه شيء في صلاته (إذا سبح) أي قال سبحان الله (التفت إليه) بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول أي التفت إليه من سمع تسبيحه (وإنما التصفيح للنساء) زاد الحميدي والتسبيح للرجال، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف والجمهور، وقال أبو حنيفة ومحمد: متى أتى بالذكر جوابًا بطلت صلاته، وإن قصد به الإعلام بأنه في الصلاة لم تبطل فحملا التسبيح المذكور على قصد الإعلام بأنه في الصلاة، وحملا قوله من نابه شيء على نائب مخصوص وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة، والأصل عدم هذا التخصيص لأنه عام لكونه نكرة في سياق الشرط فيتناول كلا منهما فالحمل على أحدهما من غير دليل لا يصار إليه لا سيما التي هي سبب الحديث لم يكن القصد فيها إلَّا تنبيه الصديق على حضوره صلى الله عليه وسلم فأرشدهم صلوات الله عليه وسلامه إلى أنَّه كان حقهم عند هذا النائب التسبيح، ولو خالف الرجل

844 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ)، وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ)، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: فَرَفَعَ أبُو بَكْرٍ يَدَيهِ. فَحَمِدَ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشروع في حقه وصفق لم تبطل صلاته لأن الصحابة صفقوا في صلاتهم ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة فلأنهم لم يكونوا علموا امتناعه، وقد لا يكون حينئذٍ ممتنعًا أو أراد إكثار التصفيق من مجموعهم ولا يضر ذلك إذا كان كل واحد منهم لم يفعله ثلاثًا، واستنبط منه أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء يفهم منه إكرامه به لا يتحتم عليه ولا يكون تركه مخالفة للأمر بل أدبًا وتحريًا في فهم المقاصد اهـ قسطلاني. وقال أبو علي البغدادي: التصفيح بالحاء، والتصفيق بالقاف معناهما واحد وهو أن تضرب بأصبعين من اليد اليمنى في باطن الكف اليسرى، وقال النواوي: التصفيح أن تضرب المرأة بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللعب واللهو فإن فعلت هكذا على جهة اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة، وفي القرطبي: واختلف في حكمه في الصلاة، فقيل: لا يجوز أن يفعله في الصلاة لا الرجال ولا النساء، وإنما هو التسبيح للجميع لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه" وهذا مشهور مذهب مالك وأصحابه وتأولوا أن قوله عليه الصلاة والسلام إنما التصفيق للنساء أن ذلك ذم التصفيق؛ ومعناه أنَّه من شأن النساء لا الرجال، وقيل هو جائز للنساء دون الرجال تمسكًا بظاهر الحديث، ولحديث أبي هريرة وهو مذهب الشافعي والأوزاعي، وحكي عن مالك أيضًا وعللوا اختصاص النساء بالتصفيق بأن أصواتهن عورة، ولذلك منعن من الأذان ومن الجهر بالإقامة والقراءة، وهو معنى مناسب شهد له الشرع بالاعتبار وهذا القول الثاني أعني قول الجمهور هو الصحيح نظرًا وخبرًا اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 331] والبخاري [1204]، وابن ماجة [1035]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل رضي الله عنه فقال: 844 - (00) (00) (00) حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، حَدَّثَنَا عبد العزيز -يعني ابن أبي حازم وقال- قتيبة) أيضًا (حَدَّثَنَا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن الفاري كلاهما عن أبي حازم عن سهل بن سعد بمثل حديث مالك، وفي حديثهما فرفع أبو بكر يديه فحمد الله)

وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ، حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ". 845 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ قَال: ذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصْلِحُ بَينَ بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَخَرَقَ الصُّفُوفَ. حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ. وَفِيهِ: أن أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ الْقَهْقَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ مع زيادة (ورجع) أبو بكر رجوع (القهقرى وراءه حتَّى قام في الصف) وهذان السندان من رباعياته كسابقه، وغرضه بسوقهما بيان متابعة عبد العزيز ويعقوب بن عبد الرحمن لمالك في رواية هذا الحديث عن أبي حازم مع بيان محل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل رضي الله عنه فقال: 845 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري أبو عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة ثبت، من (5) (عن أبي حازم) سلمة بن دينار التمار المدني، ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الأنصاري (الساعدي) المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لمالك وعبد العزيز ويعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي حازم، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) سهل بن سعد (ذهب) ومشى (نبي الله صلى الله عليه وسلم) من بيننا إلى قباء، حالة كونه يريد أن (يصلح بين بني عمرو بن عوف) بن مالك، بطن من الأنصار، وقوله (بمثل حديثهم) متعلق بقوله حدثنا عبيد الله، والضمير عائد إلى مالك وعبد العزيز ويعقوب (و) لكن (زاد) عبيد الله في روايته على روايتهم (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرق) أي شق (الصفوف) أي زاد لفظ فخرق الصفوف (حتَّى قام في الصف المقدم، وفيه) أي وفي المثل الَّذي رواه عبيد الله أيضًا ذكر (أن أبا بكر رجع القهقرى) أي رجوعًا على عقبه وورائه مستقبل القبلة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث سهل بن سعد وذكر فيه متابعتين.

216 - (28) باب تقديم الجماعة من أرادوا ليصلي بهم إذا تأخر الإمام الراتب

216 - (28) باب تقديم الجماعة من أرادوا ليصلي بهم إذا تأخر الإمام الراتب 846 - (386) (47) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَاقِ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ زِيادٍ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 216 - (28) باب تقديم الجماعة من أرادوا ليصلي بهم إذا تأخر الإمام الراتب 846 - (386) (47) (حدثني محمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (وحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (جميعًا عن عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم أَبِي بكرٍ الصنعاني، ثقة، من (9) (قال ابن رافع حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بتصريح السماع، وأما حسن بن علي فروى عنه بالعنعنة قال عبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي أبو الوليد المكي، ثقة، من (6) (حدثني) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبو بكر المدني، ثقة، من الرابعة (عن حديث عباد بن زياد) بن أبي سفيان أبي حرب الشامي، روى عن عروة بن المغيرة بن شعبة في الصلاة، ويروي عنه (م د س) والزهري ومكحول، وثقه ابن حبان، ولاه معاوية سجستان سنة ثلاث وخمسين (53) ومات بدمشق سنة (105) مائة (أن عروة بن المغيرة بن شعبة) الثقفي أبا يعفور بفاء بعد العين آخره مهملة الكوفي أميرها، ثقة، من الثالثة، مات بعد (90) التسعين (أخبره) أي أخبر لزياد (أن) أباه (المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبا محمد الكوفي الصحابي المشهور شهد الحديبية وما بعدها، تقدمت ترجمته في أول الكتاب (أخبره) أي أخبر لعروة. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مكيان أو مكي ونيسابوري وواحد مدني وواحد شامي وواحد صنعاني (أنَّه) أي أن المغيرة (غزا) وجاهد (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك) وفي القاموس: تبوك أرض بين الشام والمدينة، وفي هامش بعض المتون ممنوع من الصرف وعلة منعه كونه على وزن الفعل كتقول لا كونه علمًا مؤنثًا حتَّى يكون مصروفًا بتأويله بالتذكير فإن المذكر والمؤنث في ذلك سواء اهـ.

قَال الْمُغِيرَةُ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْغَائِطِ. فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيهِ مِنَ الإِدَاوَةِ. وَغَسَلَ يَدَيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ. ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيهِ فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيه في الْجُبَّةِ، حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيهِ مِنْ أَسْفَلِ الجُبَّةِ. وَغَسَلَ ذِرَاعَيهِ إِلَى الْمِرْفَقَينِ. ثُمَّ تَوَضَّأْ عَلَى خُفَّيهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ. قَال الْمُغِيرَةُ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ الناسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال المغيرة فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خرج وذهب (قبل الغائط) أي جهة الغائط وهو المكان المنخفض من الأرض يقضى فيه الحاجة، وأصل التبرز الخروج إلى البراز وهو بالفتح اسم للفضاء (فحملت معه) صلى الله عليه وسلم (إداوة) بكسر الهمزة أي مطهرة (قبل صلاة الفجر فلمَّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الغائط (إلي) بتشديد الياء أي إلى المكان الَّذي أنا فيه منتظرًا له (أخذت) أي شرعت (أهريق) أي أن أريق الماء (على يديه) أي شرعت في صب الماء (من الإداوة) على يديه ليغسلهما (وكسل يديه) أي كفيه (ثلاث مرات ثم غسل وجهه) ثلاث مرات (ثم ذهب) وشرع (يخرج جبته) أي في إخراج كُمَّيْ جُبَّتِه (عن ذراعيه) أي عن ساعديه ليغسملهما، وذهب في أمثال هذه المواضع بمعنى شرع (فضاق) أي تضيَّق (كُمَّا جبته) تثنية كم وهو ما يستر الساعد أي ضاقتا عن إخراج ذراعيه من فوقهما (فأدخل يديه في الجبة حتَّى أخرج) أي فأخرج (ذراعيه من أسفل الجبة وكسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ) أي تمم وضوءه بالمسح (على خفيه) بدلًا عن غسل الرجلين (ثم أقبل) وجاء إلى منزل القوم ومعرسهم (قال المغيرة: فأقبلت) أنا (معه) صلى الله عليه وسلم إلى معرسهم (حتَّى نجد الناس) أي فوجدنا الناس (قد قدموا عبد الرحمن بن عوف) ليصلي بهم، وهذا موضع الترجمة من الحديث، وفي هامش بعض المتون قوله (حتَّى نجد) كذا بالرفع لعدم معنى الاستقبال لأن زمن الإقبال وهو القدوم هو زمن الوجدان وهو مثل قولهم مرض فلان حتَّى لا يرجونه لأن زمن عدم الرجاء هو زمن المرض ولا ينصب الفعل بعد حتَّى إلَّا إذا كان مستقبلًا بالنسبة إلى ما قبلها صرح به ابن هشام في مغني اللبيب اهـ.

فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَينِ. فَصَلَّى مَعَ الناسِ الرَّكْعَةَ الأَخِيَرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُتِمُّ صَلاتَهُ. فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ. فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيهِمْ ثُمَّ قَال: "أَحْسَنْتُمْ"، أَوْ قَال "قَدْ أَصَبْتُمْ" يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلُّوُا الصَّلاةَ لِوَقْتِها ـــــــــــــــــــــــــــــ (فصلى) عبد الرحمن إمامًا (لهم) بتقديمهم إياه لإمامتهم برضاهم جميعًا (فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم) معهم (إحدى الركعتين) من صلاة الفجر (فصلى مع الناس الركعةَ الأَخِيرَةَ) لهم، وهذا تفسير للإدراك المذكور قبله (فلما سلم عبد الرحمن بن عوف) من صلاته بهم (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يتم صلاته) أي الركعة الباقية عليه من صلاته وهي الركعة الأخيرة له (فأفزع ذلك) أي أوقع فعل الصلاة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسلمين) في الفزع والخوف والرعب (فأكثروا التسبيح) بعد سلامهم من الصلاة لما رأوا من قيام النبي صلى الله عليه وسلم بعد سلامهم، هل كان ذلك لأمر حدث في الصلاة من نحو الزيادة فيها ظنًّا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم مدرك غير مسبوق (فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم) وأتم (صلاته أقبل عليهم) بوجهه الشريف (ثم قال) لهم (أحسنتم) بالصلاة في أول وقتها لتسكين ما بهم من الفزع، وقوله (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم لهم (قد أصبتم) أي وافقتم الصواب في عملكم الصلاة في أول وقتها شك من الراوي حالة كونه (يغبطهم) ويمنيهم (أن صلوا) بفتح اللام لأنه ماض معتل أي أن أوقعوا (الصلاة لوقتها) أي في أول وقتها، وقال ابن الأثير (يغبطهم) روي بالتشديد أي يحملهم على الغبطة والتمني لذلك ويجعل هذا الفعل عندهم مما يغبط فيه، وروي بالتخفيف من باب ضرب فيكون قد غبطهم أي قد غبط وتمنى كونه منهم لتقدمهم وسبقهم إلى الصلاة اهـ وذكره الزرقاني أيضًا في شرح الموطأ. قال القاضي: فيه المبادرة لفضيلة أول الوقت، وأن الإمام لا يُنْتَظر إذا عُلِمَ بُعْدُه وعُذْرُه، وفيه فضيلة عبد الرحمن لتقديمهم إياه، وفيه إمامة المفضول لإقراره له بقوله دعه، وقد يكون إقراره له ليبين لهم وجه العمل في المسبوق وإن كان قد بينه بقوله فلعله أراد أن يبينه أيضًا بفعله اهـ.

847 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَالْحُلْوَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ نَحْوَ حَدِيثِ عَبَّادٍ. قَال الْمُغِيرَةُ: فَأَرَدْتُ تَأخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَال النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "دَعْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 847 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (و) حسن بن علي (الحلواني) المكي (قالا حَدَّثَنَا عبد الرزاق) الصنعاني (عن) عبد الملك (بن جريج) المكي (حدثني) محمد (بن شهاب) المدني (عن إسماعبل بن محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبي محمد المدني، ثقة، من الرابعة (عن حمزة بن المغيرة) بن شعبة الثقفي، ثقة، من الثالثة، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة، ويروي عنه (م س ق) وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص وبكر بن عبد الله المزني، روى عن أبيه فقط في بابين، وقوله (نحو حديث عباد) بن زياد الدمشقي منصوب بما عمل في المتابع وهو إسماعيل بن محمد أي حَدَّثَنَا إسماعيل بن محمد بن سعد عن المغيرة بن شعبة نحو ما حدث عباد بن زياد عن المغيرة، ولكنها متابعة ناقصة لأن إسماعيل بن محمد روى عن المغيرة بواسطة حمزة بن المغيرة وعباد بن زياد روى عنه بواسطة عروة بن المغيرة. وهذا السند أيضًا من سباعياته، وغرضه بسوقه بيان المتابعة المذكورة، ولكن زاد إسماعيل بن محمد قوله (قال المغيرة) بن شعبة (فأردت) أي قصدت (تأخير عبد الرحمن) بن عوف عن مقامه ليقوم النبي صلى الله عليه وسلم مكانه فيصلي بالناس (فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعه) أي دع يا مغيرة عبد الرحمن في مكانه ليصلي بالناس ولا تؤخره لأجلي. قال النواوي: وفي هذا الحديث حمل الإداوة مع الرجل الجليل، وجواز الاستعانة في صب الماء في الوضوء وغسل الكفين في أوله ثلاثًا، وجواز لبس الجباب، وجواز إخراج اليد من أسفل الثوب إذا لم يظهر شيء من العورة، وجواز المسح على الخفين، وغير ذلك مما سبق في موضعه والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية حديث المغيرة بن شعبة البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة، ولكن انفرد المؤلف عنهم بذكر قصة الصلاة خلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه والله أعلم. كما في تحفة الأشراف.

848 - (387) (48) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِي؛ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللْهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ. ح وَحدَّثَنَا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ وَحَرْمَلَةُ بن يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، أخبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بن الْمُسَيبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بن عَبدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ". زَادَ حَرْمَلَةُ في رِوَايَتِهِ: قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَقَدَّ رَأَيتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سهل بن سعد بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ولو ذكره عقبه متصلًا به لكان أحرى وأولى وأوفق وأوضح لأن حديث المغيرة أجنبي عنهما لأن التسبيح الواقع فيه إنما وقع منهم بعد سلامهم من صلاتهم فهو حديث مستقل كما وضعنا له ترجمة مستقلة موافقة له فقال: 848 - (387) (48) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (قالوا: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي (عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا هارون بن معروف) المروزي (وحرملة بن يحيى المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب) المدني (وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري ومروزي وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة في روايته عن ابن شهاب أي سمعا أبا هريرة، حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التسبيح) مشروع (للرجال) إذا نابهم شيء في الصلاة (والتصفيق) مشروع (للنساء) كذلك، وتقدم لك بيان معنى التسبيح والتصفيق فراجعه (زاد حرملة) بن يحيى (في روايته) بسنده المتصل إلى ابن شهاب (قال ابن شهاب: وقد رأيت رجالًا من أهل العلم) والحديث ممن أخذنا عنهم العلم

يُسَبِّحُونَ ويشِيرُونَ. 849 - (00) (00) (00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا الْفُضَيلُ، (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ). ح وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَة، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يسبحون ويشيرون) بأيديهم إذا نابهم شيء في الصلاة عملا بهذا الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 241 و 317] والبخاري [1203] وأبو داود [939] والترمذي [369] والنسائي [3/ 11 - 12] وابن ماجة [1034] فقد رواه السبعة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 849 - (00) (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني، قال (حَدَّثَنَا الفضيل) بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي أبو علي الكوفي أحد المشاهير العباد، روى عن الأعمش في الصلاة، ومنصور في الزكاة والمناقب والنفاق والعظة، وهشام بن حسان، ويروي عنه (خ م د ت س) وقتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى وابن أبي عمر وأحمد بن عبدة وأحمد بن يونس، قال العجلي: كوفي ثقة وقال النسائي: ثقة مأمون، وقال ابن سعد: كان ثقة نبيلًا فاضلًا عابدًا ورعًا كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة عابد إمام، من الثامنة، مات بمكة سنة (187) سبع وثمانين ومائة، وله (80) سنة وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن عياض) لما مر مرارًا (ح وحدثنا أبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، قال (حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (كلهم) أي كل من فضيل وأبي معاوية وعيسى بن يونس رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي روى أبو صالح عن أبي هريرة بمثل ما روى أبو سلمة عن أبي هريرة، فغرضه بيان متابعة أبي صالح لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة.

850 - (00) (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ وَزَادَ "في الصَّلاةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 850 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام) بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي روى همام عن أبي هريرة بمثل ما روى أبو سلمة عن أبي هريرة (و) لكن (زاد) همام على أبي سلمة لفظة (في الصلاة) أي قال: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة أي إذا نابهم شيء في الصلاة، وحديث أبي هريرة هذا ذكر المؤلف فيه متابعتين، وقد تقدم قريبًا أن غرضه بسوقه الاستشهاد لحديث سهل بن سعد ولو قدمه على حديث المغيرة لكان أنسب لأنه كالتفصيل له والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

217 - (29) باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمام الركوع والسجود

217 - (29) باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمام الركوع والسجود 851 - (388) (49) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ، (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ)، حدَّثَنِا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا. ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَال: "يَا فُلَانُ، أَلا تُحْسِنُ صَلاتَكَ؟ أَلا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيفَ يُصَلِّي؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 217 - (29) باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمام الركوع والسجود 851 - (388) (49) (حَدَّثَنَا أبو غريب محمد بن العلاء الهمداني) الكوفي، قال (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي (عن الوليد) وأتى بالعناية في قوله (يعني ابن كثير) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته وإيضاحًا للراوي القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني سكن الكوفة، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال في التقريب: صدوق عارف بالمغازي، من السادسة، مات سنة (151) (حَدَّثَنَا سعيد بن أبي سعيد المقبري) بالرفع لأنه صفة لسعيد، واسم أبي سعيد كيسان بن سعد المدني، ثقة، من الثالثة (عن أبيه) أبي سعيد كيسان بن سعد المقبري المدني مولى أم شريك، ثقة، من الثانية، مات سنة (100) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان؟ (قال) أبو هريرة (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (ثم انصرف) وفرغ من صلاته فأقبل علينا (فقال يا فلان ألا تحسن) بضم التاء الفوقانية من الإحسان أو بتشديد السين من التحسين؛ أي ألا تكمل (صلاتك) بتعديل أركانها وإتمام هيئاتها والإتيان بآدابها من الخشوع والسكينة والوقار، قال القاضي: يحتج به من لم يوجب الطمأنينة لأنه لم يأمره بالإعادة، ويحتمل أن الَّذي أنكر ترك الاعتدال في الركوع والتجافي في السجود ونحو هذا من السنن والهيئات التي هي فضيلة، ولذا قال: ألا تحسن صلاتك اهـ (ألا ينظر) ويفكر (المصلي) منكم (إذا صلى) أي إذا شرع في الصلاة (كيف يصلي) أي على أي حالة يصلي هل على إكمالها بآدابها أم لا؟ قال ابن الملك: وقعت

فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، إِنِّي وَاللهِ لأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِن بَينَ يَدَيَّ". 852 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الجملة تأكيدًا لما قبلها (فإنما يصلي) أحدكم (لـ) غرض (نفسه) لا لغرض الله تعالى لأن الله سبحانه وتعالى غني عن صلاته وعبادته بل وعبادة كل من في السموات والأرض فجدير عليه أن يتفكر في تكميلها لأن نفع عمله عائد إليه اهـ ابن الملك في المبارق. (إني والله) لا تخفى علي صلاتكم فإني (لأبصر) بضم الهمزة وكسر الصاد؛ أي لأرى (من ورائي) بكسر ميم من على أنها حرف جر، وكذا في قوله (كما أبصر من بين يدي) أي أرى وأبصر من خلفي كما أرى من قدامي، وروي بفتح ميم من في الموضعين على أنها موصولة أي أرى من كان ورائي كما أرى من كان قدامي فلا تخفى علي صلاتكم ولا ركوعكم ولا سجودكم فأحسنوا صلاتكم. وهذا الحديث شارك المؤلف رحمه الله تعالى في روايته النسائي فقط [2/ 119]. قال النواوي: قال العلماء معنى هذا الحديث أن الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكًا في قفاه يبصر به من وراءه، وقد انخرقت العادة له صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به، قال القاضي: قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة، وفيه الأمر بإحسان الصلاة والخشوع وإتمام الركوع والسجود وجواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة لكن المستحب تركه إلَّا لحاجة كتأكيد أمر وتفخيمه والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من الحلف اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 852 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لأبي سعيد المقبري.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنَا؟ فَوَاللهِ، مَا يَخْفَى عَلَى رُكُوعُكُمْ وَلا سُجُودُكُمْ. إِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي". 853 - (389) (50) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللهِ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي. (وَرُبَّمَا قَال: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي). إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل ترون) وتظنون (قبلتي) وتوجهي (ها هنا) أي قدامي فقط (فوالله) الَّذي لا إله إلَّا غيره (ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم) ولا غيرهما من أفعال صلاتكم أي لا يخفى علي إكمالكم إياها وعدم إكمالكم (إني) والله (لأراكم) وأبصركم (وراء ظهري) أي من خلفي كما أراكم من قدامي فأكملوا ركوعكم وسجودكم وغيرهما بآدابها وهيئاتها وشروطها. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 365] والبخاري [418]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك فقال: 853 - (389) (50) (حدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (قال) شعبة (سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يحدث عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الركوع والسجود) أي عدلوهما وأتموهما بالطمانينة وبكل ما يطلب فيهما من تسوية الظهر في الركوع والتجافي في السجود مثلًا (فوالله إني لأراكم من بعدي) أي من ورائي، قال قتادة (وربما قال) أنس عندما روى لنا هذا الحديث (من بعد ظهري) أي من خلف ظهري (إذا ركعتم وسجدتم) خصهما بالذكر لوقوع الإخلال فيهما غالبًا. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 170 و 279] والبخاري [742] والنسائي [2/ 193 - 194]. وذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

854 - (00) (00) (00) حدَّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ)، حَدَّثَنِي أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ. كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللهِ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي، إِذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ". وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: "إِذَا رَكَعْتُم وَإِذَا سَجَدْتُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 854 - (00) (00) (00) (حدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا معاذ -يعني ابن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري، صدوق ربما وهم، من (9) مات سنة (200) قال (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدي) أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة حافظ كثير التدليس، من (6) مات سنة (156) (كلاهما) أي كل من هشام في السند الأول وسعيد في السند الثاني رويا (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس) بن مالك بن النضر الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، ومن لطائفهما أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقهما بيان متابعة هشام وسعيد لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال) للمصلين معه (أتموا) أيها المؤمنون أي عدلوا (الركوع والسجود) بشروطهما وهيئاتهما (فوالله إني لأراكم من بعد ظهري) أي من خلف ظهري (إذا ما ركعتم) إذا ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بأراكم، وما زائدة، وكذا يقال في قوله (وإذا ما سجدتم) أي إني لأراكم وقت ركوعكم ووقت سجودكم فلا يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم عدلتموهما أم لم تعدلوهما (وفي حديث سعيد) بن أبي عروبة وروايته (إذا ركعتم وإذا سجدتم) بحذف ما الزائدة، وهذه الرواية تدل على أن ما في الرواية الأولى زائدة وهذا موافق للقاعدة المطردة عند النحاة وهو قولهم ما بعد إذا زائدة ولكن لا تخلو عن فائدة لأن العرب لا تضع شيئًا بلا فائدة، وفائدتها توكيد ما قبلها وهو لفظ إذا، ويسمى هذا توكيد لفظيًّا بالمرادف فكأنه قال: إني لأراكم وقت وقت ركوعكم ووقت وقت سجودكم، والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي الحديث حث على الإقامة ومع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن التقصير فإن تقصيرهم إذا لم يخف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يخفى على الله تعالى والرسولُ إِنما عِلْمُه بإطلاع الله تعالى إياه وكَشْفِهِ عليه اهـ ملا علي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

218 - (30) باب النهي عن سبق الإمام بركوع أو سجود أو غيرهما وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة

218 - (30) باب النهي عن سبق الإمام بركوع أو سجود أو غيرهما وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة 855 - (390) (51) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) - قَال ابْنُ حُجْرٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ أَقْبَلَ عَلَينَا بِوَجْهِهِ، فَقَال: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُم، فَلَا تَسْبقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلا بِالسُّجُودِ. وَلا بِالْقِيَامِ وَلا بِالانْصِرَافِ. فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 218 - (30) باب النهي عن سبق الإمام بركوع أو سجود أو غيرهما وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة 855 - (390) (51) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (واللفظ لأبي بكر قال ابن حجر: أخبرنا، وقال أبو بكر: حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (عن المختار بن فلفل) الكوفي (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد بصري (قال) أنس (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي يومًا من الأيام فلفظة ذات مقحمة (فلما قضى الصلاة) وأتمها (أقبل علينا بوجهه) الشريف (فقال أيها الناس) المصلون معي (إني إمامكم) أي متبوعكم (فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود) أي بالهوي إليهما ولا بالرفع منهما (ولا بالقيام) من الجلوس في الصلاة إلى الركعة الثانية أو الثالثة مثلًا (ولا بالانصراف) والفراغ من الصلاة والمراد بالانصراف السلام من الصلاة، ويحتمل أنَّه الرجوع من المساجد إلى المنازل، قال السندي في شرح النسائي: قوله فإنِّي إمامكُم فيه أن امتناع السبق لكونه إمامًا فيعم الحكم كل إمام لا لكونه نبيًّا ليختص به اهـ. (فإني أراكم أمامي ومن خلفي) أي أراكم من خلفي كما أراكم لو كنتم أمامي، ففي الكلام تقديم وتأخير، قال ابن الملك: إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإمام مع الخلف إشارة إلى أن رؤيته من خلفه كرؤيته من قدامه، ولعل هذه الحالة تكون حاصلة له في بعض الأوقات حين غلب عليه صفة ملكيته دون بشريته لأنه صلى الله عليه

ثُمَّ قَال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيتُمْ مَا رَأْيتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيتُمْ كَثِيرًا" قَالُوا: وَمَا رَأَيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَال: "رَأَيتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ". 856 - (00) (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدَّثنَا جَرِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون اهـ. (ثم) بعد هذا النهي (قال والذي نفس محمد بيده) المقدسة (لو رأيتم ما رأيت) من شدة عقوبة الله تعالى وسعة رحمته (لضحكتم) في الدنيا ضحكًا (قليلًا) لتنجوا من عذاب الله الَّذي حُفَّ بالشهوات (ولبكيتم) فيها بكاء (كثيرًا) لتدخلوا الجنّة التي حفت بالمكاره (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (وما رأيت يا رسول الله) استفهام استخبار (قال) لهم (رأيت الجنَّة والنار) في مقامي هذا بالمكاشفة لي عنهما كرامة لي من الله سبحانه وتعالى، قال السندي في شرح النسائي: فالجنّة تكثر البكاء شوقًا وخوفًا من الحرمان، والنار خوفًا منها اهـ وقال الأبي: كثرة البكاء مع رؤية الجنّة يحتمل أنَّه رقة على مَنْ حُرِمَها أو على قلة العمل الموصل إليها (ح) وفيه أن الجنّة والنار مخلوقتان الآن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد أخرجه [3/ 102 و 126] والنسائي [3/ 83]. قال القرطبي: قوله (فلا تسبقوني) الخ اختلف إذا سبق المأموم إمامه هل تفسد صلاته أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنها لا تفسد، وذهب ابن عمر وأهل الظاهر إلى أنها تفسد، ومذهب مالك فيه تفصيل يطول ذكره في هذا الكتاب، وهو مذكور في كتب الفقه، وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن سبقهم إياه بالانصراف فقد ذهب الحسن والزهري إلى أن حق المأموم أن لا ينصرف حتَّى ينصرف الإمام أخذًا بظاهر هذا الحديث، والجمهور على خلافهما لأن الاقتداء بالإمام قد تم بالسلام من الصلاة ورأوا أن ذلك كان خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك من باب قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] فإنه قد كان يحتاج إلى مكالمتهم في أمور الدين ومراعاة المصالح والآراء، والله أعلم. ويحتمل أن يريد بالإنصراف المذكور التسليم فإنه يقال انصرف من الصلاة أي سلم منها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 856 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) البغلاني (حَدَّثَنَا جرير) بن

ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ فُضَيلٍ، جَمِيعًا عَنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيسَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ: "وَلا بِالانْصِرَافِ". 857 - (391) - (52) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ. قَال خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (عن) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، حالة كون جرير وابن فضيل (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن المختار) بن فلفل الكوفي (عن أنس) بن مالك البصري، وهذان السندان من رباعياته رجال الأول منهما اثنان كوفيان وواحد بصري وواحد بلخي، ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم كوفيون وواحد بصري أو اثنان منهم كوفيان وواحد بصري وواحد مروزي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة جرير وابن فضيل لعلي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن المختار (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بهذا الحديث) متعلق بما عمل في المتابع تقديره كلاهما رويا عن المختار بهذا الحديث الَّذي رواه علي بن مسهر عن المختار (و) لكن (ليس في حديث جرير) بن عبد الحميد وروايته لفظة (ولا) تسبقوني (بالانصراف) وهذا بيان لمحل مخالفة جرير لعلي بن مسهر، وقوله بهذا الحديث أي بمثل هذا الحديث لفظًا ومعنى بدليل هذا الاستثناء، والله أعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 857 - (391) (52) (حَدَّثَنَا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار أبو محمد البغدادي المقرئ، ثقة، من (10) مات سنة (227) (وأبو الربيع) سليمان بن داود العتكي (الزهراني) البصري، ثقة، من (10) مات سنة (234) (وقتيبة بن سعيد) بن طريف البغلاني، ثقة، من (10) (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) وأتى بقوله (قال خلف) بن هشام (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بصيغة السماع مع التصريح بنسبه تورعًا من الكذب على خلف بالعنعنة (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة ثبت ربما أرسل،

حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؟ ". 858 - (00) (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الثالثة، قال (حَدَّثَنَا أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد منهم إما بغدادي أو بصري أو بغلاني (قال) أبو هريرة (قال) نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم أما يخشى) ويخاف المصلي (الَّذي يرفع رأسه) من الركوع أو السجود (قبل) رفع (الإمام) منهما (أن يحول الله) سبحانه وتعالى (رأسه) ويجعلها (رأس حمار) أي يمسخها برأس حمار، قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث الوعيد بمسخ الصورة الظاهرة على مسابقة الإمام بالرفع وتحميق منه صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك فإن صلاته لما كانت مرتبطة بصلاة إمامه لا ينفعه استعجاله، وهذا يدل على أن الرفع من الركوع أو السجود مقصود لنفسه، وأنه ركن مستقل كالركوع والسجود اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 456] والبخاري [691] وأبو داود [623] والترمذي [582] والنسائي [2/ 96]. قال القاضي: رافع رأسه قبل الإمام عكس معنى الإمامة فاقتدى بنفسه بعد أن كان مقتديًا بغيره، وذلك غاية الجهل فأشبه الحمار المضروب به المثل في البلادة والجهالة فخوفه بأنه يخشى أن تقلب صورته إلى الصورة التي اتصف بمعناها اهـ والله أعلم. وعبارة السنوسي هنا: ووجه تخصيص التشبيه بالحمار لأنه يضرب به المثل في البلادة، ولما كان ذلك الفعل لا يقع إلَّا من بليد خوَّفه بأن تقلب صورته حسًّا إلى صورة حمار كما انقلب إليها معنى اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 858 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة حافظ، من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالا حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القرشي الأسدي أبو بشر البصري المعروف بابن علية،

عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيادٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ في صَلَاتِهِ قَبْلَ الإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ صورَتَهُ في صورَةِ حِمَارٍ". 859 - (00) (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ. جَمِيعًا عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من الثامنة (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل، من الخامسة (عن محمد بن زياد) الجمحي البصري ثقة، من الثَّالثة (عن أبي هريرة) المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي أو نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن عبيد لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن محمد بن زياد، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية الأولى (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأمن) أي لا يأمن وهو خبر بمعنى النهي (الَّذي يرفع رأسه) من الركوع أو السجود (في حلاته قبل الإمام أن يحول الله صورته) أي أن يمسخ الله صورة جسمه (في صورة حمار) عقوبة له على ما فعل، ولفظة في زائدة في المفعول الثاني لأن أفعال التصيير تتعدى بنفسها إلى مفعولين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 859 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن سلام) بتشديد اللام بن عبيد الله بن سالم (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري، صدوق، من (10) مات سنة (231) (وعبد الرحمن) بن بكر (بن الربيع بن مسلم) نسب إلى جده لشهرته به الجمحي البصري، روى عن جده الربيع بن مسلم في الصلاة، ويروي عنه (م) فرد حديث وهو هذا الحديث، قال أبو حاتم: محله الصدق، يحدث عن جده أحاديثَ صحاحٍ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، مات سنة (230) ثلاثين ومائتين، وفائدة هذه المقارنة تقوية السند، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن الربيع بن مسلم) الجمحي أبي بكر المصري، ثقة، من السابعة، مات سنة (167)

ح وَحدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ. كُلُّهُمُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا، غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ: "أنْ يَجْعَلَ اللهُ وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ". 860 - (392) (53) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سبع وستين ومائة، روى عنه في (4) أبواب (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري أبو عمرو البصري، ثقة، من العاشرة (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، متقن من (9) (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقة، متقن، إمام الأئمة من (7) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن حماد بن سلمة) بن دينار التميمي البصري، ثقة، من (8) كلهم) أي كل من الربيع بن مسلم وشعبة وحماد بن سلمة رووا (عن محمد بن زياد) الجمحي البصري (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيدُ الثلاثةُ الأَوَّلُ منها رباعي رجاله اثنان بصريان وواحد مدني وواحد مصري، والثاني منها خماسي رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا هريرة، والثالث منها خماسي أيضًا رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد مدني، وغرضه بسوقها بيان متابعة الثلاثة المذكورة آنفًا ليونس بن عبيد في رواية هذا الحديث عن محمد بن زياد، وقوله (بهذا) الحديث متعلق بما عمل في المتابعين المذكورين أي روى كل من هؤلاء الثلاثة بهذا الحديث الَّذي رواه يونس بن عبيد عن محمد بن زياد (غير أن في حديث الربيع بن مسلم) لفظة (أن يجعل الله وجهه وجه حمار) بدل ما في رواية يونس بن عبيد من قوله (أن يحول الله صورته في صورة حمار). ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 860 - (392) (53) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (قالا حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش)

عَنِ المُسَيِّبِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لا تَرْجِعُ إِلَيهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن مهران الكوفي (عن المسيب) بن رافع الأسدي الكاهلي أبي العلاء الكوفي الأعمى روى عن تميم بن طرفة في الصلاة، وورّاد مولى المغيرة بن شعبة والبراء بن عازب وحارثة بن وهب وجابر بن سمرة مرسلًا، ويروي عنه (ع) والأعمش ومنصور وابنه العلاء وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم، قال العوام بن حوشب: كان يختم في ثلاث ثم يُصبح صائمًا، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن تميم بن طرفة) بفتح المهملتين الطائي المسليّ بضم الميم وسكون المهملة نسبة إلى مُسْلِيَةَ بضم الميم وسكون السين ابنِ عامر قبيلةٌ من مُذْحجٍ الكوفي، روى عن جابر بن سمرة في الصلاة، وعدي بن حاتم في الصلاة والأيمان، ويروي عنه (م د س ق) والمسيب بن رافع وعبد العزيز بن رفيع وسماك بن حرب، وثقه النسائي وابن سعد وأبو داود والعجلي، وقال الشافعي: مجهول، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (95) خمس أو أربع أو ثلاث وتسعين، روى عنه في (2) بابين كما بينا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما له (146) حديثًا، مات سنة (73) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) والله (لينتهين) أي لَيَنْزَجِرَنَّ (أقوام) مضارع مؤكد بالنون من الانتهاء وهو الانزجار عما نهى عنه أي لينزجرن أقوام (يرفعون أبصارهم إلى السماء) عند الدعاء (في الصلاة) كما هو المروي في حديث أبي هريرة الآتي (أو لا ترجع إليهم) أبصارهم فيبقون بلا أبصار أي فليختاروا بين الانتهاء عن رفعها إلى السماء أو بين عدم رجوع أبصارهم إليهم بعد نظرها إلى السماء فيبقون بلا أبصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجة، وفي الحديث الآتي عند الدعاء في الصلاة فيرد هذا إليه لأن المطلق يرد إلى المقيد ووجه النهي أن في الصلاة شغلًا. قال القرطبي: وهذا الحديث أيضًا وعيد بإعماء من رفع رأسه إلى السماء في الصلاة ولا فرق بين أن يكون عند الدعاء أو عند غيره لأن الوعيد إنما تعلق به من حيث إنه إذا رفع بصره إلى السماء أعرض عن القبلة وخرج عن

861 - (393) (54) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ. قَالا: أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيَنْتَهِيَنَّ اقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ، عِنْدَ الدُّعَاءِ في الصَّلَاةِ إِلى السَّمَاءِ، أوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سمتها وعن هيئة الصلاة، وقد نقل بعض العلماء الإجماع على النهي عن ذلك في الصلاة، وحكى الطبراني كراهة رفع البصر في الدعاء إلى السماء في غير الصلاة، وحكي عن شريح أنَّه قال لمن رآه يفعله اكفف يديك واخفض بصرك فإنك لن تراه ولن تناله، وأجازهما الأكثر لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، وقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه إلى السماء عند الدعاء فلا ينكر ذلك اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 861 - (393) (54) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وعمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود بن عمرو القرشي العامري السرحي أبو محمد المصري، روى عن ابن وهب في الإيمان والصلاة وغيرهما (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (حدثني الليث بن سعد) المصري (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي المصري (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم) من الخطف وهو السلب والأخذ بسرعة، قال تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} وفي الحديث النهي الأكيد عن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء في داخل الصلاة بتهديد شديد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 367] والنسائي [3/ 39]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره استشهادًا لحديث أنس وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والرابع حديث أبي هريرة ذكره استشهادًا لحديث جابر بن سمرة والله سبحانه وتعالى أعلم.

219 - (31) باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة فيها والأمر بإتمام الصفوف الأول والتراص فيها

219 - (31) باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة فيها والأمر بإتمام الصُّفُوف الأُول والتراصّ فيها (862) - (394) (55) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وأبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمٍ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيلِ شُمُسٍ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 219 - (31) باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة فيها والأمر بإتمام الصُّفُوف الأُول والتراصّ فيها 862 - (394) (55) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع) الكوفي (عن تميم بن طرفة) الكوفي (عن جابر بن سمرة) الكوفي. وهذا السند من سداسياته كسابقه، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وأن فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض؛ الأعمش عن المسيب عن تميم بن طرفة (قال) جابر بن سمرة (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لنا (ما لي) أي أي شيء ثبت لي، فما للاستفهام الإنكاري، حالة كوني (أراكم) وأبصركم، فالجملة حال من ياء المتكلم، والرؤية بصرية، حالة كونكم (رافعي أيديكم كأنها) أي كان الأيدي منكم (أذناب خيلٍ شُمُسٍ) في تحركها، وجملة التشبيه حال من الأيدي أي حالة كونها مشبهة بأذناب خيل شمس في التحرك والارتفاع، والأذناب جمع ذنب بالتحريك، والذنب من الحيوان معروف ما ينبت على عجب الذنب، يقال ضرب بذنبه إذا أقام وثبت، والخيل اسم جنس من الحيوان سريع الجري سمي بذلك لاختياله في مشيه، وأول من ركبه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام في وادي أجياد موضع معروف بمكة، جائزة له على بناء البيت مع أبيه كما بسطنا الكلام عليه في تفسيرنا فراجعه، والشمس بضمتين وقد تسكن الميم للتخفيف جمع شموس كرسل ورسول؛ وهي التي لا تستقر عند النخس وتشير بذنبها إلى اليمين والشمال لحدتها؛ كانوا يشيرون بأيديهم إذا سلَّمُوا إلى الجانبين فأنكر ذلك من فعلهم وأكد الإنكار بأن شبه الأيدي بأذناب خيل شمس. وعبارة القرطبي: كانوا يشيرون عند السلام من الصلاة بأيديهم يمينًا وشمالًا، وتشبيه أيديهم بأذناب الخيل تشبيه واقع فإنها تحرك أذنابها يمينًا وشمالًا فلما رآهم على

اسْكُنُوا في الصَّلَاةِ" قَال: ثُمَّ خَرَجَ عَلَينَا فَرَآنَا حَلَقًا. فَقَال: "مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟ " قَال: ثُمَّ خَرَجَ عَلَينَا فَقَال: "أَلا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَال: "يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ. ويتَرَاصُّونَ في الصَّفِّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك الحالة أمرهم بالسكون في الصلاة فقال (أسكنوا في الصلاة) ولا تتحركوا فيها وهذا دليل على أبي حنيفة في أن حكم الصلاة باق على المصلي إلى أن يسلم ويلزم منه أنَّه إن أحدث في تلك الحالة أعني حالة الجلوس الأخير للسلام أعاد الصلاة، قال النواوي: والمراد بالرفع المنهي عنه هنا رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين، وبيّن في الطريقين الأخيرين كيفية السلام فقال في الأولى: إنما يكفي أحدكم ... الحديث، وقال في الآخر: إذا سلم أحدكم. (قال) جابر بن سمرة فدخل حجرته (ثم خرج علينا فرآنا حَلَقًا) بفتحتين جمع حلقة بسكون اللام على غير قياس، وحكي ضبطه بكسر الحاء أيضًا فيكون مثل قصعة وقصع وبدرة وبدر كما في المصباح عن الأصمعي أي رآنا جالسين متفرقين حلقًا حلقًا (فقال ما لي أراكم) حالة كونكم (عزين) أي متفرقين جماعة جماعة جمع عزة بكسر العين وتخفيف الزاي، وأصلها عزو فحذفوا الواو وعوضوا عنها التاء وجمعت جمع السلامة على غير قياس نظير عضين في قوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} والمراد الأمر بالاجتماع والنهي عن التفرق، قال الأبي: والنهي يحتمل أنَّه في غير الصلاة خوف افتراق الكلمة، ويحتمل أنَّه في الصلاة لما فيه من تقطيع الصفوف (قلت) يبعده قول الراوي فرآنا حلقًا والحلقة لا تستقبل كلها القبلة (قال) جابر (ثم خرج علينا فقال ألا تصفُّون) وتتراصون كما تصف الملائكة عند ربها) وهذا تأكيد في الحض كقولهم في الخمر هو ياقوتٌ سَيَّالٌ عكس ما تقدم من التشبيه بأذناب الخيل الشُمُسِ (فقلنا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول) بضم أوله وفتح ثانيه المخفف جمع أول (ويتراصون) أي الملائكة (في الصف) أي يتلاصقون ويتضامون كأنهم بنيان مرصوص، وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول والتراص في الصفوف. قال (ع) تسوية الصفوف والتراص فيها وإكمال الأول فالأول سنة لحضه على ذلك في هذا الحديث، وترتيب الوعيد عليه في الآخر، ولما فيه من التشبيه بالملائكة عليهم

863 - (00) (00) (00) وحدَّثني أَبُو سَعِيدِ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. قَالا جَمِيعًا: حدَّثنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. 864 - (395) (56) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام، وحسن هيئة الجماعة، وحفظ الصفوف من تخلل الشياطين ولأنه أبعد من التشويش من نظر بعضهم إلى وجوه بعض اهـ. ومعنى (يتمون الصفوف الأول) أنهم لا يشرعون في الثاني حتَّى يتم الأول ولا في الثالث حتَّى يتم الثاني، قال النواوي: ومعنى إتمام الصفوف الأول أن يتم الأول ولا يشرع في الثاني حتَّى يتم الأول ولا في الثالث حتَّى يتم الثاني ولا في الرابع حتَّى يتم الثالث وهكذا إلى آخرها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 108] وأبو داود [912] وابن ماجة [1045]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 863 - (00) (00) (00) (وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (15) مات سنة (257) (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (قالا) أي قال كل من وكيع وعيسى حالة كونهما (جميعًا حَدَّثَنَا الأعمش) وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع، وقوله (نحوه) مفعول ثان لذلك العامل، والضمير عائد على المتابَع بفتح الباء وهو أبو معاوية أي روى كل من وكيع وعيسى عن الأعمش بهذا الإسناد يعني عن المسيب عن تميم عن جابر نحوه أي نحو ما حدث أبو معاوية عن الأعمش، وغرضه بيان متابعة وكيع وعيسى لأبي معاوية في رواية نحو حديث أبي معاوية عن الأعمش. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر المذكور بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 864 - (395) (56) (حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (قال) أبو بكر (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن مسعر) بن

ح وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ الْقِبْطيَّةِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كُنَّا إِذَا صَلَّينَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَينِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيلٍ شُمُسٍ؟ إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من السابعة، مات سنة (153) (ح وحدثنا أبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي غريب (قال) أبو غريب (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من التاسعة، مات سنة (184) (عن مسعر) بن كدام، قال مسعر (حدثني عبيد الله بن القبطية) الكوفي، روى عن جابر بن سمرة في الصلاة، وأم سلمة في الفتن، ويروي عنه (م د س) ومسعر بن كدام وفرات القزاز وعبد العزيز بن رفيع، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) جابر (كنا) معاشر الصحابة (إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا السلام عليكم ورحمة الله) مشيرين بأيدينا إلى الجانب الأيمن، وقلنا أيضًا (السلام عليكم ورحمة الله) مشيرين إلى الجانب الأيسر (وأشار) جابر بن سمرة حكاية لتلك الحال (بيده إلى الجانبين) الأيمن والأيسر، يريد جابر أنا كنا إذا سلمنا في آخر الصلاة نرفع أيدينا مشيرين إلى السلام على من في يميننا وشمالنا فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الإشارة بالأيدي (فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم علام) ما استفهامية دخل عليها حرف الجر فلذلك حذفت ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة أي إلى أي شيء (تومئون) أي تشيرون أيها المؤمنون (بأيديكم) حالة كونها (كأنها أذناب خيل شمس) أي على أي سبب تشيرون بأيديكم، فكلمة على حرف جر كتبت بلا ألف لالتحاق ما الاستفهامية بها وسقطت ألفها كما في قوله تعالى: {فِيمَ أَنْتَ} و {مِمَّ خُلِقَ} و {عَمَّ} اهـ (أنما يكفي أحدكم) في الجلوس من الصلاة (أن يضع يده على فخذه) أي أن يضع كلًّا من اليدين على كل من

ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ". 865 - (00) (00) (00) وحدَّثنا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَن فُرَاتٍ، (يَعْنِي الْقَزَّازَ)، عَن عُبَيدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الفخذين اليمنى على الأيمن واليسرى على الأيسر (ثم يسلم على أخيه) من مؤمني إنس وجن وملائكة، وقوله (مَن على يمينه و) على (شماله) بفتح ميم مَن اسم موصول بدل من أخيه، قوله (على أخيه من على يمينه وشماله) قال ابن الملك: من الموصولة مع صلتها بدل من أخيه، وفي نسخة (على أخيه من عن يمينه وشماله) فيقرأ من بكسر الميم على أنَّه جار وتكون عن اسما بمعنى جانب كقول الشاعر: من عن يميني مرة وأمامي وإنما بُنيت لمشابهتها الحرف في الوضع قال النواوي: والمراد بالأخ الجنس الصادق بإخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 107] وأبو داود [1000] والنسائي [552] في الكبرى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 865 - (00) (00) (00) (وحدثنا القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي الطحان وربما نسب إلى جده، ثقة، من (11) روى عنه في (3) أبواب، قال (حَدَّثَنَا عبيد الله بن موسى) العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي صاحب المسند، ثقة، من (9) مات سنة (213) روى عنه في (7) أبواب (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبي يوسف الكوفي، ثقة، من (7) مات سنة (162) روى عنه في (8) أبواب (عن فرات) بن أبي عبد الرحمن (يعني القزاز) نسبة إلى بيع القز وهو الحرير الَّذي ماتت فيه الدودة فيكون كَمِدَ اللون، التميمي أبي محمد البصري ثم الكوفي، روى عن عبيد الله بن القبطية في الصلاة، وأبي حازم سلمان الأشجعي في الجهاد، وأبي الطفيل في الفتن، وعامر بن واثلة، ويروي عنه (ع) وإسرائيل وشعبة وابنه الحسن بن فرات والسفيانان، له نحو عشرة أحاديث، وثقه النسائي وابن معين، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، روى عنه في ثلاثة أبواب (عن عبيد الله) بن

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: صلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَكُنَّا إِذَا سَلَّمْنَا، قُلْنَا بِأَيدِينَا: السَّلامُ عَلَيكُمْ. السَّلَامُ عَلَيكُمْ. فَنَظَرَ إِلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "مَا شَأْنُكُمْ؟ تُشِيرُونَ بِأَيدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذنَابُ خَيلٍ شُمُسٍ؟ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إِلَى صَاحِبهِ وَلا يُومِئْ بِيَدِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ القبطية الكوفي (عن جابر بن سمرة) الكوفي رضي الله عنهما، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة فرات القزاز لمسعر بن كدام في رواية هذا الحديث عن عبيد الله بن القبطية (قال) جابر (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا) معاشر الصحابة (إذا سلمنا) أي إذا أردنا التسليم من الصلاة (قلنا) مشيرين (بأيدينا) إلى الجانبين (السلام عليكم) مرة في اليمين و (السلام عليكم) مرة في اليسار (فنظر إلينا رسول إله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأنكم) وشغلكم حال كونكم (تشيرون بأيديكم) إلى الجانبين، حالة كون الأيدي (كأنها أذناب خيل شمس) أي مشبهة بأذنابها في الارتفاع والتحرك و (إذا سلم أحدكم) أي أراد التسليم من الصلاة (فليلتفت إلى صاحبه) وأخيه الَّذي في اليمين أو اليسار (ولا يومئ) أي ولا يشير (بيده) إلى الجانبين. قال النواوي: وفي هذا الحديث أن السنة في السلام من الصلاة أن يقول السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله عن شماله، ولا يسن زيادة وبركاته وإن كان قد جاء فيها حديث ضعيف، وأشار إليها بعض العلماء ولكنها بدعة إذ لم يصح فيها حديث بل صح هذا الحديث وغيره في تركها والواجب منه السلام عليكم مرة واحدة ولو قال السلام عليك بلا ميم لم تصح صلاته، وفيه دليل على استحباب تسليمتين وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه الأمر بالسكون في الصلاة والخشوع فيها والإقبال عليها وأن الملائكة يصلون وأن صفوفهم على هذه الصفة، والله تعالى أعلم اهـ. قال ابن الملك (قوله فكنا إذا سلمنا) الخ ظاهره يشعر بأن النهي عن رفع اليد كان خاصًّا بالذي عند التسليم، واللفظ المتقدم عن جابر ليس كذلك بل هو عام لكل رفع غَيرَ الَّذي عند التحريمةِ المجمعِ على ثبوته والموافقُ للترجمة هنا أعني الأمر بالسكون في الصلاة هو ذاك لأن الَّذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة، على أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كما تقرر في موضعه اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان كلاهما لجابر بن سمرة الأول منهما ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني ذكره للاستشهاد للأول وذكر فيه أيضًا متابعة واحدة. ***

220 - (32) باب الأمر بتسوية الصفوف وتعديلها وإتمامها وبيان من يلي الإمام من القوم

220 - (32) باب الأمرِ بِتَسْويَةِ الصفوف وتعديلها وإتمامها وبيان من يلي الإمام من القوم 866 - (396) (57) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو مُعَاوَيةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 220 - (32) باب الأمرِ بِتَسْويَةِ الصفوف وتعديلها وإتمامها وبيان من يلي الإمام من القوم 866 - (396) (57) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حَدَّثَنَا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبو محمد الكوفي، ثقة، حجة، إمام من أئمة المسلمين من الثامنة، مات سنة (192) روى عنه في (17) بابا (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) (ووكيع) بن الجراح الكوفي من (9) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما (التيمي) تيم الله الكوفي، روى عن أبي معمر في الصلاة، والأسود بن يزيد في الصلاة، وأبي عطية مالك بن عامر، وعبد الرحمن بن يزيد في الحج والصوم، وقيس بن السكن في الصوم، وإبراهيم بن أبي موسى في الحج، والحارث بن سويد في التوبة، ووهب بن ربيعة في النفاق، فجملة ما روى عنه فيه خمسةُ أبوابٍ، ويروي عنه (ع) والأعمش والحكم وحبيب بن أبي ثابت، وثقه أحمد وابن معين وَأبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من الرابعة، مات بعد المائة (150) وقيل قبلها بسنتين (عن أبي معمر) الأزدي أو الأسدي عبد الله بن سخبرة الكوفي، ثقة، من الثانية مات في إمارة عبد الله بن الزبير، روى عنه في (5) أبواب (عن أبي مسعود) الأنصاري البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب له (102) حديثًا اتفقا على (9) وانفرد (خ) بـ (1) و (م) بـ (9) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا أبا مسعود فإنه بدري أو مدني وأنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين (قال) أبو مسعود (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة) أي يسوي مناكبنا في الصفوف ويعدِّلُنا فيها، قال القاضي: وتسويتها سنة عمل بها الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم وشددوا فيها حتَّى وكلوا بالصفوف من يسويها فإذا

وَيَقُولُ: "اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا، فَتَختَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُوْلُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ استوت كبروا اهـ (و) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول) لنا (استووا) صفوفكم وعدلوا مناكبكم (ولا تختلفوا) بمناكبكم بالتقدم والتأخر (فتختلف قلوبكم) بالفتن كما وقع بعد، قاله الأبي. والمناكب جمع منكب وهو ما بين الكتف والعضد، ويقول أيضًا (ليلني منكم) أي ليكن واليًا متصلًا بي قريبًا مني (أولو الأحلام والنهى) أي أصحاب البلوغ والعقل أي البالغون العقلاء، والأحلام والنهى بمعنى واحد وهي العقول واحدها نهية لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل وإنما خص صلى الله عليه وسلم هذا النوع بالتقديم لأنه الَّذي يتأتى منهم التبليغ وأن يستخلف منهم إن احتاج إليهم، وفي التنبيه على سهو إن طرأ ولأنهم أحق بالتقدم ممن سواهم لفضيلة العلم والعقل اهـ قرطبي. وقوله (ليلني) أمر من الولي وهو القرب أي ليقرب مني فالياء ساقطة للام الأمر، قال النواوي: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد اهـ ملا علي. والمعنى: ليلني أصحاب الألباب والعقول، قال ابن الأثير: والأحلام جمع حلم بالكسر وهي الأناة والتثبت في الأمور وذلك من شعار العقلاء اهـ، فالحلم ليس في الحقيقة هو العقل بل من مسبباته ولهذا فسروا قوله تعالى: {أَمَّ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ} بعقولهم فيسوغ عطف النهي عليه، ومفرد النهي النهية كالمدى جمع المدية سمي بالنهية لنهيه عن القبائح. قال النواوي: ليلني هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد وأولو الأحلام هم العقلاء وقيل البالغون، والنهى بضم النون العقول فعلى قول من يقول أولو الأحلام العقلاء يكون اللفظان بمعنى فلما اختلف اللفظ عطف أحدهما على الآخر تأكيدًا وعلى الثاني معناه البالغون العقلاء. (ثم الذين يلونهم) أي الذين يقربون منهم في هذا الوصف، قال الأبي: والأظهر أنَّه على الترتيب في أهل الصف الأول لا في الصفوف اهـ أي يلي إلى جهة الإمام من أهل الصف الأول أولو الأحلام للأسباب السابقة (ثم الذين يلونهم) أي يلون من قبلهم من أهل المرتبة الثانية، وقال بعض الفقهاء: أولو الأحلام والنهى الرجال البالغون، والذين يلونهم الصبيان والذين يلونهم النساء، وهذا إنما يكون في ترتيبهم في الصفوف

قَال أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُ اخْتِلَافًا. 867 - (00) (00) (00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا جَرِير. ح قَال: وَحدَّثَنَا ابْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ)، ح قَال: وَحدَّثَنَا ابْنُ أبِي عُمَرَ، حدَّثنَا ابْنُ عُيَينَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال أبو مسعود) بالسند السابق (فأنتم اليوم) أيها المسلمون (أشد اختلافًا) بينكم بسبب كثرة الفتن كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. قال النواوي: وفي هذا تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليَقْتَدِيَ بأفعالهم منْ وَراءهم ولا يختص هذا التقديم بالصلاة بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجلس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك، وفيه تسوية الصفوف واعتناء الإمام بها والحث عليها اهـ. وتقدم في أول الكتاب حديث: "نَزِّلُوا النَّاسَ منازلَهم" قال (5) وذلك هو السنة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 122] وأبو داود [674] والنسائي [2/ 90]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال: 867 - (00) (00) (00) (وحدثناه إسحاق) بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (ح) أي حول المؤلف السند و (قال وحدثنا) أيضًا علي (بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) قال (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (ح قال وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، قال (حَدَّثَنَا) سفيان (بن عيينة) الكوفي ثم المكي كل من الثلاثة أعني جريرًا وعيسى بن يونس وابن عيينة رووا عن الأعمش (بهذا الإسناد) يعني عن عمارة عن أبي معمر عن أبي مسعود (نحوه) أي نحو ما حدث عبد الله بن

868 - (397) (58) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ وَصَالِحُ بْنُ حَاتِمٍ بْنِ وَرْدَانَ. قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. حَدَّثَنِي خَالِدٌ الْحذَّاءُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ إدريس، عن الأعمش، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن إدريس في رواية هذا الحديث عن الأعمش، والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي مسعود بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 868 - (397) (58) (حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) مات سنة (248) روى عنه في (5) أبواب (وصالح بن حاتم بن وردان) أبو محمد البصري، روى عن يزيد بن زريع في الصلاة والجهاد، وأبيه، وحماد بن زيد، ويروي عنه (م) وأبو يعلى والبغوي، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين، وذكره ابن حبان في الثقات، روى عنه في (2) فقط (قالا حَدَّثَنَا يزيد بن زريع) التيمي أبو معاوية البصري، ثقة ثبت، من (8) مات سنة (182) روى عنه في (12) بابا، قال (حدثني خالد) بن مهران المجاشعي (الحذاء) أبو المنازل البصري، ثقة يرسل، من (5) مات سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة، روى عنه في (14) بابًا (عن أبي معشر) زياد بن كليب الحنظلي الكوفي، ثقة، من (4) مات سنة (119) تسع عشرة ومائة (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (3) مات سنة (96) (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) مات سنة (62) (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي أبي عبد الرحمن الكوفي رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون وثلاثة بصريون (قال) ابن مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلني منكم) أيها المؤمنون (أولو الأحلام والنهى) وعطف النهي على الأحلام من عطف الشيء على نفسه مع اختلاف اللفظ للتأكيد، وقيل أولو الأحلام البالغون فهو من عطف المغاير، وقال (ع) وواحد النهي بضم النون نهية بضم النون أيضًا كظلمة وظلم من النهي ضد الأمر لأنها تنهى صاحبها عن الرذائل كتسمية العقل عقلًا من عقال البعير لأنه يعقل صاحبه أي يمنع صاحبه ويحبسه عنها كما

ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - ثَلَاثًا - وَإِيَّاكُمْ وَهَيشَاتِ الأَسْوَاقِ". 869 - (397) (59) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "سَوُّوا صُفُوفَكُم، فَإِنَّ تَسْويَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يحبس العقال البعير عن الذهاب اهـ. ويحتمل كون النهي من الانتهاء وهو الوقوف عند الغاية وعدم التجاوز لأنها تنتهي بصاحبها إلى ما أمر به ولا تتجاوزه، والانتهاء من النهي بكسر النون وفتحها وهو المكان الَّذي يستقر الماء عنده، قال الفارسي: ويحتمل النُّهى أنَّه مصدر كالهُدى لا جمع نهية اهـ. (ثم) قال النبي صلى الله عليه وسلم (الذين يلونهم ثلاثًا) أي ثلاث مرات (وإياكم) أي باعدوا أنفسكم (وهيشات الأسواق) أي عن مثل الأصوات المختلطة في الأسواق والمنازعة والمخاصمة والأصوات المرتفعة الواقعة فيها أي لا تفعلوا مثلها عند تسويتكم الصفوف في الصلاة بالمخاصمة والمنازعة وارتفاع الأصوات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 457] وأبو داود [675] والترمذي [228]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي مسعود بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 869 - (397) (59) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي البصري كلاهما (قالا حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر ربيب شعبة، قال (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (قال) شعبة (سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري حالة كونه (يحدث عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري رضي الله عنه أبي حمزة البصري. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) أنس (قال رسول إله صلى الله عليه وسلم: سووا) أيها المصلون معي (صفوفكم) وعدلوها بتسوية مناكبكم وأقدامكم (فإن تسوية) جنس (الصف) الصادق بالواحد وما فوق (من) أسباب (تمام) ثواب (الصلاة) الزائد مع

870 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، (وَهُوَ ابْنُ صُهَيبٍ)، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَتِمُّوا الصُّفُوفَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي". 871 - (398) (60) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماعة، وفي الآخر من حسن الصلاة، فيكون الأمر بها من السنة، وترتيب الوعيد عليه يقتضي وجوبه فليتأمل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 177 و 254] والبخاري [719] وأبو داود [667 - 671] والنسائي [2/ 21] وابن ماجة [993]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 870 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا شيبان بن فروخ) الحبطي بفتحتين مولاهم أبو محمد الأبلي، قال أحمد: ثقة، وقال في التقريب: صدوق يهم، من صغار التاسعة، مات سنة (236) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي أبو عبيدة البصري، ثقة ثبت، من (8) مات سنة (180) (عن عبد العزيز وهو ابن صهيب) البناني مولاهم البصري، ثقة، من (4) مات سنة (135) (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلَّا شيبان فإنه أبلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد العزيز لقتادة في رواية هذا الحديث عن أنس، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتموا الصفوف) أي كملوا الصفوف الأول فالأول منها وعدلوها بتسوية المناكب والأقدام (فإني أراكم) أيها الحاضرون للصلاة معي (خلف ظهري) أي وراء ظهري فاطلع على إتمامكم إياها وعدمه، والمعنى إني أبصركم بعيني المعهودة وأنتم خلف ظهري كما أبصركم وأنتم بين يدي، والفاء للسببية، وتقدم معنى هذا الحديث في الباب قبله. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 871 - (398) (60) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9) مات سنة (211) روى عنه في (7)

حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال: "أَقِيمُوا الصَّفِّ في الصَّلَاةِ. فَإِن إِقَامَةَ الصَّفِّ مِن حُسْنِ الصَّلَاةِ". 872 - (399) (61) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيَّ. قَال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري، ثقة، من (7) مات سنة (154) روى عنه في (9) أبواب (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني، ثقة، من (4) مات سنة (132) (قال) همام (هذا) الحديث الَّذي أذكره لكم (ما حَدَّثَنَا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثمرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقيموا الصف) وعدلوه بتسوية المناكب والأقدام وتراصوا فيه (في) قيامكم لِي (الصَّلاةِ فإن إقامة الصف) وتعديله وتسويتَه، وقيل هي سَدُّ الفُرج التي فيه (مِنْ حسن) إقامة (الصلاة) جماعةً؛ يعني من الأمور المحسنة لها فيكون الأمر للاستحباب اهـ ابن الملك. انفرد المؤلف رحمه الله برواية هذا الحديث عن أصحاب الأمهات وشاركه أحمد [2/ 314]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 872 - (399) (61) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا غندر) محمد بن جعفر (عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قالا حَدَّثَنَا محمد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني أبي عبد الله الكوفي الأعمى، ثقة، عابد، من (5) مات سنة (118) روى عنه في (13) بابا (قال) عمرو (سمعت سالم بن أبي الجعد) رافع (الغطفاني) الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة وكان يرسل، من (3) مات سنة (150) روى عنه في (7) (قال سمعت النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي المدني، وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله ثلاثة

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَتُسَوُّن صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَينَ وُجُوهِكُمْ". 873 - (00) (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني، والثاني منهما ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) النعمان (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) عباد الله والله (لتسون) بضم التاء والواو المشددة أصله لتُسوُّونن مضارع مبني للفاعل مسند إلى واو الجماعة مرفوع بثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال وواو الفاعل حذفت لالتقاء الساكنين لبقاء دالها كما هو مقرر في محله أي لتعدلن (صفوفكم) بتسوية المناكب والأقدام (أو ليخالفن الله) أي أو ليوقعن الله المخالفة (بين وجوهكم) أي قلوبكم، وقوله (ليخالفن الله) من باب المفاعلة ولكن لا يقتضي المشاركة لأن معناه ليوقعن الله المخالفة بقرينة لفظ بين وأو لأحد الأمرين: إما إقامة الصفوف، وإما إيقاع المخالفة بين الوجوه إن لم تقيموها، قال النووي: والأظهر أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال تغير وجه فلان عليّ أي ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير علي قلبه لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن اهـ والمذكور في المشارق: القلوب بدل الوجوه لكن لم توجد تلك الرواية في الصحيحين كما في المبارك، قال: ومعنى مخالفة الوجوه مسخها فيكون محمولًا على التهديد، ويحتمل أن يراد منها وجوه القلوب اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 271 و 272] والبخاري [717] وأبو داود [662 و 663] والترمذي [227] والنسائي [2/ 89]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 873 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري من (10) (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة ثبت، من (7) مات سنة (173) روى عنه في (10) أبواب (عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) مات سنة (123) روى عنه في (14) (قال) سماك

سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا. حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ. ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ. فَقَال: "عِبَادَ اللهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت النعمان بن بشير) رضي الله عنهما الأنصاري أبا عبد الله المدني. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة سماك بن حرب لسالم بن أبي الجعد في رواية هذا الحديث عن النعمان، وكرر متن الحديث لما فيها من الزيادة التي لا تقبل الفصل، والله أعلم (يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي) أي يعدل (صفوفنا) بتعديل مناكبنا وأقدامنا أي يبالغ في تسويتها (حتَّى كأنما يسوي بها القداح) أي يبالغ في تسويتها حتَّى تصير كأنها السهام لشدة استوائها أي يبالغ في تسويتها حتَّى كأنه يشبه بمن يعدل القداح وينحتها، والقداح بكسر القاف هي خشب السهام حين تنحت وتبرى، واحدها قدح بكسر القاف وسكون الدال، قال ابن الملك: والقداح السهام التي يستقسمون بها أو التي يرمى بها عن القوس، وفي حديث ابن عمر على ما ذكر في النهاية (كان يقومهم في الصف كما يقوم القَدَّاح القدح) والقدّاح بالتشديد صانع القدح اهـ. وقوله (حتَّى رأى) وظن (أنا قد عقلنا) وفهمنا (عنه) ما يريد من التسوية بدل من حتَّى الأولى مع مدخولها أي يسوي صفوفنا حتَّى ظن أنا قد عقلنا عنه ما يريد وفعلناه وكلمة ثم في قوله (ثم خرج يومًا) للترتيب الذكري أي ثم بعد ما ذكرت أقول إنه خرج يومًا من الأيام إلى المسجد للصلاة بنا (فقام) في موضعه للإحرام (حتَّى كاد) وقرب أن (يكبر) للإحرام بحذف أن المصدرية في خبر كاد لأن الكثير حذفها مع كاد كقوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ويقل اقترانه بها كقوله: كادت النفس أن تَفِيضَ عليه، أي قَرُبَت الروحُ أن تَخْرج حزنًا عليه أي على الميت كما قال ابن مالك: وكونه بدون أن بعد عسى ... نزر وكاد الأمر فيه عكسا (فرأى رجلًا باديًا) أي خارجًا (صدره من الصف فقال) يا (عباد الله) والله (لتسون) بضم التاء وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون المؤكدة (صفوفكم) باعتدال القائمين بها على سمت واحد أو بسد الخلل فيها (أو ليخالفن الله) بالرفع على الفاعلية

بَيْنَ وُجُوهِكُم". 874 - (00) (00) (00) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفتح اللام الأولى مؤكدة وكسر الثانية وفتح الفاء أي ليوقعن الله المخالفة (بين وجوهكم) بتحويلها عن مواضعها إن لم تقيموا الصفوف جزاءًا وفاقًا، ولأحمد من حديث أبي أمامة (لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه) أو المراد وقوع العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، واختلاف الظاهر سبب لاختلاف الباطن كما مر عن النواوي، وفي رواية أبي داود وغيره بلفظ (أو ليخالفن الله بين قلوبكم) أو المراد تفترقون فيأخذ كل واحد وجهًا غير الَّذي يأخذه صاحبه لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للكبر المفسد للقلب الداعي للقطيعة، وعزي هذا الأخير للطبراني، واحتج ابن حزم للقول بوجوب التسوية بالوعيد المذكور لأنه يقتضيه لكن قوله في الحديث الآخر (فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة يصرفه إلى السنة) وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك فيكون الوعيد للتغليظ والتشديد اهـ قسطلاني. قال النواوي: وفي الحديث جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، ومنعه بعض العلماء والصواب الجواز وسواء كان الكلام لمصلحة الصلاة أو لغيرها أو لا لمصلحة خلافًا لأبي حنيفة في أنَّه يجب عليه التكبير إذا قال: قد قاصت الصلاة، وقد اختلف العلماء في جواز الكلام حينئذٍ وكراهته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 874 - (00) (00) (00) (حَدَّثَنَا حسن بن الربيع) بن سليمان البجلي أبو علي الكوفي الحصار الخشاب المعروف بالبوراني، روى عن أبي الأحوص في الصلاة، وعبد الله بن المبارك ومهدي بن ميمون في الصلاة، وأبي إدريس في الجنائز والطلاق، وعبد الواحد بن زياد وحماد بن زيد في الجهاد، ويروي عنه (خ م د) وعثمان الدارمي وعلي البغوي، وثقه أبو حاتم وابن خراش، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (221) إحدى وعشرين ومائتين (و) حَدَّثَنَا (أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي كلاهما (قالا حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة متقن، من (7) مات

ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، بِهَذَا الإِسنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (179) روى عنه في (12) بابا (ح و) قال (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال (حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز، ثقة ثبت، من (7) مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا، كلاهما أي كل من أبي الأحوص وأبي عوانة رويا (بهذا الإسناد) يعني عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير (نحوه) أي نحو ما حدَّث أبو خيثمة عن سماك. وهذان السندان من رباعياته، وغرضه بسوقهما بيان متابعة أبي الأحوص وأبي عوانة لأبي خيثمة في رواية هذا الحديث عن سماك بن حرب، والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول منها حديث أبي مسعود ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والخامس حديث النعمان بن بشير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

221 - (33) باب فضل الصف الأول والاستهام عليه وخيريته للرجال

221 - (33) باب فضل الصف الأول والاستهام عليه وخيريته للرجال 875 - (400) (62) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَى، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوْلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيهِ لاسْتَهَمُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ 221 - (33) باب فضل الصف الأول والاستهام عليه وخيريته للرجال 875 - (400) (62) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي مولاهم أبو زكرياء النيسابوري، ثقة ثبت إمام، من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبي عبد الله المدني، ثقة ثبت حجة إمام، من (7) مات سنة (179) روى عنه في (17) بابا (عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، روى عن أبي صالح ذكوان في الصلاة والجهاد والحيوان والكفارات والدعاء وغيرها، وعن مولاه وابن المسيب، ويروي عنه (ع) ومالك بن أنس وعمارة بن غزية وعبيد الله بن عمر ومحمد بن عجلان وسفيان بن عيينة والثوري وغيرهم، ثقة، من السادسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة مقتولًا بقديد قتلته الحرورية وكان جميلًا (عن أبي صالح) ذكوان (السَّمان) مولى جويرية امرأة من قيس المدني، ثقة ثبت، من (3) مات سنة (101) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم الناس ما في النداء) من النَّواب (والصف الأول) من الفضل (ثم لم يجدوا) هما (إلا) بـ (أن يستهموا عليه) ويقترعوا على تحصيلهما (لاستهموا) أي لاقترعوا عليه لعظم فضلهما وكثرة أجرهما، والاستهام الاقتراع ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدره وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقًا يحصلونه لضيق الوقت عن أذان بعد أذان أو كونه لا يؤذن للمسجد إلَّا واحد لاقترعوا في تحصيله، ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة وجزيل جزائه وجاؤوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه، قال ابن الملك: قوله (ما في النداء) أي ما في الأذان ويحتمل أن يراد منه الإقامة على حذف

وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التهْجِيرِ، لاسْتَبَقُوا إِلَيهِ. وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصبْحِ لأتَوْهُمَا وَلَو حَبْوًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاف يعني في حضور الإقامة، وهذا أوفق لقوله (والصف الأول) أي ما في الوقوف فيه والتحرم مع الإمام من الثواب (ثم لم يجدوا) طريقا لتحصيله (إلا بأن يستهموا عليه) أي إلا باقتراع القرعة (لاستهموا عليه) أي لاقترعوا عليه (ولو يعلمون ما في التهجير) من الأجر أي ما في التبكير إلى أي صلاة كان بمعنى المبادرة إليها (لاستبقوا إليه) أي لتسابقوا إليه أي لطلب كل منهم سبق غيره إلى موضعها لما فيه من الفضيلة كالسبق لدخول المسجد والقرب من الإمام واستماع قراءته والتعلم منه والفتح عليه والتبليغ عنه والصف الأولُ يتناول الثانيَ بالنسبة إلى الثالث فإنه أول منه وكذا الثالث بالنسبة إلى الرابع وهلم جرًا اهـ قسط، والاستباق هو التسابق والمسابقة (ولو يعلمون ما في) حضور صلاة (العتمة) أي العشاء أي ما في جماعتها من الأجر (و) ما في حضور جماعة (الصبح) من الأجر الجزيل (لأتوهما) أي لحضروا جماعتهما في المسجد (ولو) كان إتيانهما إتيانًا (حبوًا) أي ولو لم يمكن لهم إلا الإتيان حبوا أو المعنى لأتوهما ولو كانوا حبوا أي زاحفين على أستاههم أو ماشين على أيديهم وركبهم اهـ من المشارق. وفي النهاية: الحبو أن يمشي على يديه وركبتيه أو على استه يقال حبا البعير إذا برك ثم زحف من الإعياء وحبا الصبي إذا زحف على استه اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية الحديث أحمد [2/ 236 و 271] والبخاري [615] والنسائي [1/ 269]. قال القرطبي: (قوله ما في النداء والصف الأول) النداء الأذان بالصلاة، والصف الأول اختلف فيه هل هو الذي يلي الإمام أو هو المبكر؟ والصحيح أنه الذي يلي الإمام، لا الذي يلي الكعبة فيما إذا صلوا حول الكعبة أقرب إليها في غير جهة الإمام، فإن كان بين الإمام وبين الناس حجب حائلة كما استحدث من مقاصير الجوامع فالصف الأول هو الذي يلي المقصورة، وقوله (لاستهموا عليه) فيه إثبات القرعة مع تساوي الحقوق وأما تشاحهم في النداء مع جواز أذان الجماعة في زمان واحد فيمكن أن يكون أراد أن يؤذن واحد بعد آخر مترتبين لئلا يُخْفِيَ صوتُ بعضهم صوتَ بعض آخر وتشاحوا فيمَنْ يبتدئ، قال الشيخ رحمه الله تعالى: ويمكن التشاح في أذان المغرب إذا قلنا بضيق وقتها فإنه لا يؤذن لها إذ ذاك إلا مؤذن واحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد مال الداودي إلى أن هذا الاستهام في أذان الجمعة أي لو علموا ما فيه لتسابقوا إليه ولاقترعوا عليه أيهم يؤذنه، وهذا الضمير الذي في (عليه) اختلف فيه على ماذا يعود؟ فقال ابن عبد البر: إنه يعود على الصف الأول وهو أقرب مذكور قال وهذا وجه الكلام، وقيل إنه يعود على معنى الكلام المتقدم فإنه مذكور ومقول ومثل هذا قوله تعالى في سورة الفرقان: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} أي ومن يفعل المذكور، قيل وهذا أولى من الأول لأنه إذا رجع إلى الصف بقي النداء ضائعًا بلا فائدة له. قال الأبي: والأولى عندي أنه يعود على الثواب المفهوم من السياق أي لو يعلم الناس ثواب النداء والصف ثم لم يجدوا الوصول إليه إلا بالاستهام لاستهموا، والاستهام تمثيل واستعارة لتحصيل السبق إليه أي لو كان مما لا يقدر عليه إلا بالاستهام، ومثل هذا في كلام العرب كثير وحمله على هذا يسقط الإشكال المذكور في الاستهام على الأذان، وقوله (لاستهموا) أي لتقارعوا عليه، وقوله (ما في التهجير) والتهجير التبكير للصلوات قاله الهروي، وقيل المراد هنا به المحافظة على الجمعة والظهر فإنها التي تفعل في وقت الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار ويقال هَجَر القومُ وأَهْجَروا صاروا في الهاجرة، وعتمةُ الليل ظلمته وكانت الأعراب تحلب عند شدة الظلمة حلبة وتسميها العتمة فكان لفظ العتمة صار مشتركا بين خسيس وهي الحلبة وبين نفيس وهي الصلاة فنهي عن إطلاق لفظ العتمة على الصلاة ليرفع الاشتراك، وحيث أمن الاشتراك جاز الإطلاق وقيل إنما نهي عن ذلك ليتادب في الإطلاق وليقتدى بما في كتاب الله تعالى من ذلك، وليجتنب إطلاق الأعراب فإنهم عدلوا عما في كتاب الله تعالى من ذلك. قال النواوي: وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة، وقد ثبت النهي فيما رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، وتقول الأعراب هي العشاء" فبينهما معارضة. والجواب عنه من وجهين: أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز، وأن ذلك النهي ليس للتحريم، والثاني هو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل لفظ العشاء في المغرب، فلو قال لو يعلمون ما في

876 - (401) (63) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأشْهَبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِي، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا. فَقَال لَهُمْ: "تَقَدمُوا فَائْتَموا بِي. وَلْيَأْتَم بِكُمْ مَن بَعدَكُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العشاء والصبح لحملوها على المغرب ففسد المعنى وفات المطلوب فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها وقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما، وفي الحديث الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين لما في ذلك من الفضل الكثير لما فيهما من المشقة على النفس من تنقيص أول نومها وآخره ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين اهـ. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 876 - (401) (63) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا أبو الأشهب) البصري الحذاء الأعمى جعفر بن حيان التميمي السعدي العطاردي نسبة إلى جده عطارد بضم العين مشهور بكنيته، ثقة، من السادسة، مات سنة (165) عن (95) سنة، روى عنه في (6) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة (العبدي) العوقي البصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة (108) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان نسبة إلى عبيد بن خدرة المدني رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد أُبُلي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في) قوم من (أصحابه تأخرًا) في أخريات المسجد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لهم) أي لأولئك المتأخرين (تقدموا) في أوائل المسجد (فائتموا بي) أي فاقتدوا بي في أفعال صلاتي واتبعوني فيها (وليأتم بكم من بعدكم) أي وليقتد بي أيضًا من وراءكم، مستدلين على أفعال صلاتي بأفعالكم ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو على صف قدامه يراه متابعًا للإمام وقد تمسك الشعبي بظاهر هذا الحديث في قوله: إن كل صف منهم إمام لمن وراءه وعامة الفقهاء لا يقولون بهذا لأن ذلك الكلام مجمل لأنه محتمل لأن يراد به الاقتداء في فعل الصلاة ولأن يراد به في نقل أفعاله وأقواله وسنته كي يبلغوها غيرهم، والشعبي دفع دعوى الإجمال وتمسك بالظاهر منه اهـ

لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ". 877 - (00) (00) (00) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ الدَّارِميُّ، حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِي، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُور عَنِ الْجُرَيرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قرطبي (لا يزال قوم) من الحاضرين الصلاة معي (يتأخرون) في أخريات المسجد عن الصفوف الأول (حتى يؤخرهم الله) سبحانه وتعالى عن رحمته أو عظيم فضله أو رفيع المنزلة أو عن العلم، وقال القرطبي: قيل هذا في المنافقين، ويحتمل أن يراد به أن الله يؤخرهم عن رتبة العلماء المأخوذ عنهم أو عن رتبة السابقين اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 34 و 54] وأبو داود [680] والنسائي [2/ 83] وابن ماجه [978]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 877 - (00) (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة فاضل متقن، من (11) مات سنة (255) روى عنه في (14) بابا (حدثنا محمد بن عبد الله) بن الفضل بن عبد الملك بن مسلم (الرقاشي) بقاف خفيفة ثم معجمة أبو عبد الله البصري، روى عن بشر بن منصور في الصلاة، وأبيه وحماد بن زيد ومالك وطائفة، ويروي عنه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي و (خ م س ق) وابنه أبو قلابة، ومحمد بن رافع، وخلق، قال العجلي: ثقة، كان يصلي في الليل واليوم أربعمائة ركعة، وقال في التقريب: ثقة، من كبار العاشرة، مات سنة عشرة ومائتين (210) روى عنه في موضع واحد في الصلاة (حدثنا بشر بن منصور) السليمي بفتح السين وكسر اللام، وضبطه ابن الأثير في اللباب بضم السين نسبة إلى قبيلة بني سليمة وهي من ولد مالك بن فهم من الأزد، أبو محمد البصري الزاهد القانت، روى عن الجريري في الصلاة، وأيوب وعاصم الأحول وخلق، ويروي عنه (م دس) ومحمد بن عبد الله الرقاشي وابن مهدي، قال أبو زرعة: ثقة مأمون، وقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ثقة ثقة، وقال في التقريب: صدوق عابد زاهد، من الثامنة، مات سنة (180) (عن الجريري) بضم أوله وفتح ثانيه نسبة إلى جرير بن عباد بن ضبيعة بن قيس اسمه سعيد بن إياس أبو مسعود البصري، ثقة، من (5) مات سنة (144) روى عنه في عشرة

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ قَال: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَوْمًا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 878 - (402) (64) حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَار وَمُحَمَّدُ بْنُ حَرْب الْوَاسِطِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيثَمِ أَبُو قَطَن، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلاسٍ، عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد سمرقندي، وغرضه بسوقه بيان متابعة الجريري لأبي الأشهب في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة (قال) أبو سعيد (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا) من أصحابه (في مؤخر المسجد) أي في آخر المسجد وطرفه البعيد (فذكر) الجريري (مثله) أي مثل حديث أبي الأشهب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 878 - (402) (64) (حدثنا إبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار، ثقة ثبت، من (10) مات سنة (232) وهو من أفراد مسلم (ومحمد بن حرب) النشائي نسبة إلى النشا أبو عبد الله (الواسطي) روى عن أبي قطن عمرو بن الهيثم في الصلاة، ويروي عنه (خ م د) وابن خزيمة وخلق، قال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: صدوق، من صغار العاشرة، مات سنة (255) خمس وخمسين ومائتين (قالا حدثنا عمرو بن الهيثم) بن قطن بفتح القاف والمهملة الزبيدي (أبو قطن) البصري، روى عن شعبة في الصلاة، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة في الدعاء، وأبي حنيفة، ويروي عنه (م عم) وإبراهيم بن دينار، ومحمد بن حرب، وبندار، وجماعة، وثقه ابن معين وابن المديني والشافعي، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من صغار التاسعة، مات على المائتين (200) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن خلاس) بكسر أوله وتخفيف اللام بن عمرو الهجري بفتحتين البصري، روى عن أبي رافع في الصلاة، وعن علي وعمار وعائشة، ويروي عنه (ع) وقتادة وعوف بن أبي جميلة، قال أبو داود: ثقة ثقة، قال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن معين: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية، وكان يرسل (عن أبي

رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ قَال: "لَو تَعلَمُونَ، (أوْ يَعْلَمُونَ)، مَا فِي الصف المُقَدَّمِ، لَكَانَتْ قُرعَةً". وَقَال ابْنُ حَرْبٍ: "الصف الأَولِ مَا كَانَتْ إِلا قُرعَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ رافع) نفيع بن رافع الصائغ المدني مولى ابنة عمر بن الخطاب نزيل البصرة، روى عن أبي هريرة وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود، ويروي عنه (ع) وخلاس بن عمرو وابنه عبد الرحمن والحسن وثابت وخلق وقال في التقريب: ثقة ثبت مشهور بكنيته، من الثانية (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد إما بغدادي أو واسطي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لو تعلمون) أيها الحاضرون للصلاة معي (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة (يعلمون) أي المصلون جماعة، والشك من الراوي أو ممن دونه (ما في الصف المقدم) من الأجر والفضيلة وهو الأول بالنسبة إلى الثاني والثاني بالنسبة إلى الثالث وهكذا كما مر لا خصوص الأول، قال المناوي: الصف المقدم هو الذي يلي الإمام ويتناول الصف الثاني بالنسبة إلى الثالث وهلم جرا، وفيه فضائل كالسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه ذكره في فيض القدير اهـ. (لكانت) الخصلة أو الحالة القاطعة للنزاع (قرعة) أي استهامًا بينكم؛ والمعنى لو تعلمون ما في الصف الأول من الفضل لتنازعتم في التقدم إليه حتى تقترعوا ويتقدم من خرجت قرعته اهـ عزيزي (وقال) محمد (بن حرب) في روايته ما في (الصف الأول) وهو المذكور في الجامع الصغير (ما كانت) الخصلة القاطعة للنزاع بينكم (إلا قرعة) أي اقتراعًا بينكم، قال الأبي: واختلف في المراد بالصف الأول فقيل حقيقة وهو الذي يلي الإمام فالفضل لمن صلى فيه وإن أتى آخرًا، وقيل المراد التبكير، والفضل للمبكر وإن صلى في الآخر، وقيل هما في الفضل سواء، قال النواوي: والقول بأنه كناية عن التبكير غلط، وإنما هو الذي يلي الإمام ثم اختلف فمذهب المحققين ومقتضى الظواهر أنه الذي يلي الإمام وإن تخللته مقصورة، وقالت طائفة: إنما الأول ما يلي المقصورة المتصل من طرف المسجد إلى طرفه اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته ابن ماجه في باب الصلاة، وأحمد أيضًا اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

879 - (403) (65) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "خَيرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرهَا أَولُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 879 - (403) (65) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة، من (10) (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من السادسة (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات مولى جويرية بنت الحارث امرأة من قيس المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي، (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير صفوف الرجال) أي أكثرها أجرا وأعلاها فضلًا (أولها) أي أول الصفوف حقيقة أو نسبة (وشرها) أي أقلها أجرا وأدناها فضلًا (آخرها) أي آخر الصفوف حقيقة (وخير صفوف النساء) اللاتي يصلين مع الرجال أي أكثرها أجرًا وأعلاها فضلًا (آخرها) أي آخر صفوفهن لبعدها عن الرجال (وشرها) أي شر صفوف النساء وأقلها أجرًا وأدناها منزلة (أولها) أي أول صفوف النساء لقربه إلى الرجال، أما النساء اللاتي يصلين متميزات لا مع الرجال فيه كالرجال المتميزين عن النساء فخير صفوفهن أولها وشرها آخرها، والله أعلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [678] والترمذي [2/ 93] وابن ماجه [1000]. قال النواوي: والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابًا وفضلًا وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. قال ابن الملك: والمراد بالخيرية كثرة الثواب وسببه أن الصف الأول أعلم بحال الإمام فيكون متابعته أكثر وثوابه أتم وأوفر، ومرتبة النساء لما كانت متأخرة عن مرتبة الرجال كان آخر الصفوف أليق بمرتبتهن اهـ مبارق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله تعالى عنه فقال:

880 - (00) (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدرَاوَرْدِي)، عَنْ سُهَيلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 880 - (00) (00) (00) (حدثنا قتببة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني (قال حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد، وأتى بالعناية في قوله (يعني الدراوردي) إشارة إلى أن هذه النسبة من زيادته، الجهني مولاهم أبو محمد المدني، صدوق، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله (حدثنا عبد العزيز) يعني به عن أبيه عن أبي هريرة، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الدراوردي لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن سهيل. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال على أوائل الترجمة، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة المذكور أولًا، ثم ذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي هريرة التالي لحديث أبي سعيد الخدري ذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة الأول، والرابع حديث أبي هريرة المذكور آخر الترجمة ذكره استدلالًا به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

222 - (34) باب نهي النساء المصليات خلف الرجال عن رفع رؤوسهن حتى يرفع الرجال

222 - (34) باب نهي النساء المصليات خلف الرجال عن رفع رؤوسهن حتى يرفع الرجال 881 - (404) (64) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ قَال: لَقَدْ رَأَيتُ الرجَال عَاقِدِي أُزُرِهِمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ، مِثْلَ الصِّبْيَانِ، مِنْ ضِيقِ الأُزُرِ، خَلْفَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال قَائِلٌ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، لا تَرفَعْنَ رُؤوسَكُن حَتَّى يَرْفَعَ الرجَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 222 - (34) باب نهي النساء المصليات خلف الرجال عن رفع رؤوسهن حتى يرفع الرجال 881 - (404) (64) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن أبي حازم) سلمة بن دينار التمار المدني الأعرج (عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) سهل بن سعد: والله (لقد رأيت الرجال) الذين يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونهم (عاقدي) أي رابطي (أزرهم) جمع إزار مثل كتب في جمع كتاب؛ وهو ما يلبس في أسفل البدن (في أعناقهم) أي على رقابهم، حالة كونهم (مثل الصبيان) الذين يربط رداؤهم على أعناقهم لئلا تسقط عنهم، وقوله (من ضيق الأزر) متعلق بعاقدي أزرهم؛ أي إنما فعلوا ذلك لضيق أزرهم وصغرها عن الاتزار وخوف الانكشاف لو اتزروا ولهذا أمر النساء أن لا يرفعن رؤوسهن قبلهم لئلا تقع أبصارهن على ما ينكشف من الرجال وذلك في بدء الإسلام لضيق الحال وفراغ أيديهم، حالة كونهم يصلون (خلف النبي صلى الله عليه وسلم) ووراءه. قال النواوي: معناه عقدوها لضيقها لئلا يكشف شيء من العورة لو اتزروا ففيه الاحتياط لستر العورة والتوثق بحفظ العورة (فقال قائل) من المصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهن (يا معشر النساء) المصليات خلف هؤلاء الرجال (لا ترفعن رؤوسكن) عن السجود (حتى يرفع الرجال) رؤوسهم عن السجود معناه لئلا يقع بصر امرأة على عورة رجل انكشف وشبه ذلك اهـ نواوي. وهذا حديث تقريري لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع نداء الرجل وأقره على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ولم ينكر عليه نداءه أو ناداهن بأمره صلى الله عليه وسلم. قال الأبي: وفيه أن من نظر لمنكشف عورة في الصلاة من غير قصد لا يضر في صلاته أي في صلاة الناظر ولا ينقص أجره بذلك. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث سهل وانفرد به عن أصحاب الأمهات وشاركه أحمد [3/ 423]. ***

223 - (35) باب النهي عن منع المرأة من الخروج إلى المساجد إذا استأذنت ولم تترتب عليه مفسدة

223 - (35) باب النهي عن منع المرأة من الخروج إلى المساجد إذا استأذنت ولم تترتب عليه مفسدة 882 - (405) (65) حدثني عَمرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِي؛ سَمِعَ سَالِمًا يُحَدثُ، عَنْ ابِيهِ، يَبْلُغُ بِهِ النبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: لا إِذَا استَأذَنَتْ أَحَدَكُمُ امرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمنَعهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 223 - (35) باب النهي عن منع المرأة من الخروج إلى المساجد إذا استأذنت ولم تترتب عليه مفسدة 882 - (405) (5 6) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي، ثقة، من (10) حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) سفيان (بن عيينة) بن ميمون الهلالي أبي محمد الكوفي، ثقة إمام، من (8) وأتى بقوله (قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة) تورعًا من الكذب على زهير (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني، ثقة معروف بجلالته، من (4) أنه (سمع سالمًا) ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبا عبد الله المدني، ثقة، من الثالثة، حالة كون سالم (يحدث عن أبيه) عبد الله بن عمر القرشي العدوي رضي الله عنه حالة كون عبد الله (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفع به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مدنيان وواحد إما بغدادي أو نسائي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استأذنت أحدكم) أيها الأزواج (امرأته) أي زوجته أي طلبت منه الإذن في الخروج (إلى المسجد) للصلاة (فلا يمنعها) من الخروج إلى المسجد ولا يأب من الإذن لها. قال (ع): هو إباحة لخروجهن وحض على أن لا يمنعن من المساجد، ودليل على أن لا يخرجن إلا بإذن الزوج. قال الأبي: في جعله مباحًا نظر لأنه خروج لشهود الجماعة وشهودها سنة أو فرض كفاية إلا أن يقال: إنما هي سنة أو فرض كفاية للرجال فقط اهـ. وشارك المؤلف في رواية حديث ابن عمر هذا أحمد [2/ 43 و 76] والبخاري [900] وأبو داود [566 - 568] والترمذي [570] وابن ماجه [16].

883 - (00) (00) حدثني حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبرَني سَالِمُ بن عَبْدِ اللهِ؛ أن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَال: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنكُمْ إِلَيهَا". قَال: فَقَال بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 883 - (00) (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري، قال (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، قال (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي أبو يزيد الأيلي (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني (قال) ابن شهاب (أخبرني سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب المكي. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة في سوق الحديث وبالزيادة (قال) عبد الله بن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تمنعوا نساءكم) أي زوجاتكم (المساجد) أي حضورها للصلاة (إذا استأذنكم) بإدغام نون لام الكلمة في نون الإناث أي إذا طلبن منكم الإذن في الخروج (إليها) أي إلى المساجد لجماعة الصلاة. قال (ع): وشرط العلماء في خروجهن أن يكون بليل غير متزينات ولا متطيبات ولا مزاحمات للرجال ولا شابة مخشية الفتنة، وفي معنى الطيب إظهار الزينةِ وحِسن الحلي فإن كان شيء من ذلك وجب مَنْعُهن خوفَ الفتنة، وقال ابن مسلمة: تمنع الشابة الجميلة المشهورة، قال النواوي: ويزاد على تلك الشروط أن لا يكون في الطريق ما تتقى مفسدته، قال (ع): وإذا منعن من المساجد فمن غيره أولى، قال الأبي: يأتي من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ما يدل أن هذه لم تكن شروطًا في بدء الإسلام، وإنما صارت شروطًا حين فسد الحال وإليه يَنْظُرُ قولُ عمر بن عبد العزيز "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور" اهـ من الأبي. (قال) سالم (فقال بلال بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب عندما حدث أبوه هذا

وَاللهِ، لَنَمْنَعُهُنَّ. قَال: فَأَقْبَلَ عَلَيهِ عَبْدُ اللهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا، مَا سَمِعْتُهُ سَبهُ مِثْلَهُ قَط. وَقَال: أُخْبِرُكَ عَن رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُن". 884 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَابْنُ إِدْرِيسَ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث (والله لنمنعهن) أي لنمنع نساءنا من المساجد لما في ذلك من المفسدة (قال) سالم (فأقبل عليه) أي على بلال والدُنَا (عبد الله) بن عمر بوجهه (فسبه) أي فسب عبد الله بلالًا وشتمه (سبًّا سيِّئًا) أي شتمًا قبيحًا شديدًا (ما سمعته) أي ما سمعت عبد الله (سبه) أي سب بلالًا سبًا (مثله) أي مثل ذلك السب (قط) وقط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي كما مر مرارًا فيتعلق هنا بقوله ما سمعته، والمعنى ما سمعته في زمن من الأزمنة الماضية سبه سبا مثل ذلك السب في شدته وقبحه لمعارضته السنة برأيه، وكان ابن عمر شديد التمسك بالسنة (وقال) عبد الله لبلال (أخبرك) حديثًا (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول) برأيك (والله لنمنعهن) قال (ع) ففيه تأديب من يعترض على السنن بالرأي وعلى العالم بهواه، وتأديب المعلم من يتكلم بين يديه بما لا ينبغي، وتأديب الرجل ولده الكبير في تغيير المنكر، وإنما سبه لما علم من ورع ابن عمر وشدة تعظيمه حرمات الله عزَّ وجلَّ اهـ أبي، قال القرطبي: وجاء في الأم مرة أن الذي قابل ابن عمر بالمنع بلال، ومرة واقد، وكلاهما صحيح كان لابن عمر ابنان بلال وواقد، وكلاهما قابله بالمنع، وكلاهما أدّبه ابن عمر بالانتهار والضرب اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 884 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (و) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي (قالا حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري أبو عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (5) (عن نافع) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني من (3) (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة نافع لسالم في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، وكرر متن

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ". 885 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ. قَال: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِذَا اسْتأذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمسَاجِدِ فَأذَنُوا لَهُن" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث لما فيها من المخالفة في بعض الكلمات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا (ماء الله) جمع أَمَةٍ (مساجد الله) تعالى أي حضورها لصلاة الجماعة، وفي المدونة: ولا يمنع النساء المساجد، وأما الاستسقاء والعيدان والجنازة فتخرج فيها المتجالة، قال ابن رشد: وتمنع الشابة إلا من جنازة قريبها، قال النواوي: ويجب على الإمام منعهن من العيدين والاستسقاء وتمنع من المسجد لغير الفرض، قال الأبي: ويرد بأمره صلى الله عليه وسلم للحيض بالخروج يوم العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وأفتى الشيخ ابن عرفة بمنع خروجهن لمجالس العلم والذكر والوعظ وإن كن منعزلات عن الرجال قال: وإنما جاء ذلك في الصلاة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 885 - (00) (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي، قال (حدثنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية القرشي الأموي المكي، ثقة، من (6) مات سنة (151) روى عنه في (9) أبواب (قال) حنظلة (سمعت سالمًا يقول سمعت) عبد الله (بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة حنظلة بن أبي سفيان لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن سالم، ولو قدم هذا الحديث على حديث نافع لكان أوفق وأوضح، وفيه فائدة تصريح السماع في ثلاثة مواضع (يقول إذا استأذنكم نساؤكم) أي طلبن منكم الإذن في الخروج (إلى المساجد) لجماعة الصلاة (فأذنوا لهن) والأمر فيه للندب باعتبار ما كان في الصدر الأول من عدم المفاسد بدليل قول الصديقة الآتي، وفي شرح المشارق لأكمل الدين: قالوا هذا إذا لم يؤد ذلك إلى مفسدة، ولهذا قال أبو حنيفة: يجوز للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء لأن الفساق في الفجر

886 - (00) (00) حدثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لا تَمنَعُوا النسَاءَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالليلِ" فَقَال ابْنٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: لا نَدَعُهُن يَخرُجْنَ فَيَتخِذْنَهُ دَغَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والعشاء نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون، وأما لغيرها أي لغير العجوز ولها في غيرها أي في غير الصلوات المذكورة فالعمل بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 886 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي قال (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن مجاهد) بن جبر أبي الحجاج المخزومي مولاهم المكي، الإمام المفسر ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من (3) (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مكيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة مجاهد لسالم في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا النساء) أيها الأزواج (من الخروج إلى المساجد بالليل) وهذا زيادة في رواية مجاهد ولذا كرر متن الحديث (فقال ابن لعبد الله بن عمر) هو بلال السابق أو واقد كما في الحديث الآتي: واللهِ (لا ندعهن) أي لا نتركهن حالة كونهن (يخرجن) إلى المساجد (فيتخذنه) أي فيتخذن الخروج (دغلًا) أي سببَ دَغَلٍ وفسَادٍ وخِداع ورِيبَة، والدغَلُ بالتحريك الخِداعُ والخِيانةُ أي فيَتَّخِذْنَ الخروجَ إلى المساجد خداعًا يخدعن به أزواجَهن. قال النواوي: قوله (لا تمنعوا النساء) الخ هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المساجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث: وهو أن لا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة، ولا شابة، ونحوها ممن يفتتن بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها اهـ كما مر.

قَال: فَزَبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَال: أَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَتَقُولُ: لا نَدَعُهُنَّ! . 887 - (00) (00) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. 888 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) مجاهد (فزبره) أي فزبر ذلك الابن (ابن عمر) ونهره وأغلظ عليه في القول والرد (قال) ابن عمر له (أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول) أنت (لا ندعهن) أي لا نتركهن خارجات معارضة للسنة، وقال: لا أكلمك أبدًا، كما في رواية ابن ماجه. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فمْال: 887 - (00) (00) (00) (حدثنا علي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، أبو عمرو الكوفي، ثقة مأمون، من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأخبرنا عيسى لأنه العامل في المتابع وهو عيسى، وكذا قوله (مثله) مفعول ثانٍ لأخبرنا عيسى، والضمير فيه عائد إلى المتابع -بفتح الباء- وهو أبو معاوية المذكور في السند السابق؛ والمعنى أخبرنا عيسى بن يونس عن الأعمش بهذا الإسناد يعني عن مجاهد عن ابن عمر مثله أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش، وغرضه بسوقه بيان متابعة عيسى لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 888 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي أبو عبد الله المعروف بالسمين، صدوق، من (10) (و) محمد (بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (قالا حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري مولاهم أبو عمرو

حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "ائذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِالليلِ إِلَى المَسَاجِدِ". فَقَال ابْنْ لَهُ، يُقَالُ لَهُ وَاقِدٌ: إِذَنْ يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا. قَال: فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وَقَال: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُ: لا! ـــــــــــــــــــــــــــــ المَدَائني أصلُه من خراسان، ثقة، من (9) (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي، روى عن عمرو بن دينار في الصلاة والنكاح، وأبي الزناد، ومحمد بن المنكدر في الصلاة، وعبيد الله بن أبي يزيد في الفضائل، ويروي عنه (ع) وشبابة وشعبة ومحمد بن جعفر المدائني وعلي بن حفص في الزكاة وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين وابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، ولكن في حديثه عن منصور لين، من السابعة، روى عنه في (4) أبواب (عن عمرو) بن دينار الجمحي أبي محمد المكي، ثقة، من (4) (عن مجاهد) بن جَبْرٍ المكي (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد كوفي وواحد مدائني وواحد إما بغدادي أو نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن دينار للأعمش في رواية هذا الحديث عن مجاهد، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذنوا للنساء بالليل) في الخروج (إلى المساجد) لصلاة الجماعة (فقال ابن له) أي لعبد الله بن عمر (يقال له واقد) بن عبد الله (إذن) أي إن أذنوا لهن في الخروج إلى المساجد، وفي بعض هوامش المتن ينبغي أن تكتب إذن في غير المصاحف بالنون لأنها مثل إن ولن ولا يدخل التنوين في الحروف اهـ. (يتخذنه) أي يتخذ النساء الخروج إلى المساجد (دغلًا) أي خداعًا للرجال وخيانة لهم بفعل ما فيه ريبة أو مفسدة في حالة خروجهن (قال) مجاهد (فضرب) عبد الله (في صدره) أي في صدر واقد تأديبًا وزجرًا له عما قال في معارضة الحديث (وقال) عبد الله له (أحدثك) حديثًا (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول) في معارضته (لا) ندعهن لئلا يتخذن ذلك دغلًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

889 - (00) (00) حدثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، (يَعْنِي ابْنَ أَبِي أَيوبَ)، حَدَّثَنَا كَعْبُ بن عَلقَمَةَ، عَنْ بِلالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لا تَمْنَعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ 889 - (00) (00) (00) (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمّال بالمهملة، ثقة، من (15) مات سنة (243) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الله بن يزيد) القصير القرشي العدوي مولاهم مولى آل عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن (المقرئ) المصري نزيل مكة أصله من ناحية البصرة، روى عن سعيد بن أبي أيوب في الصلاة والزكاة والنكاح والجهاد والطب، وحيوة بن شريح في الجنائز والنكاح والجهاد وغيرها، ويروي عنه (ع) وهارون بن عبد الله وزهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير وابن أبي شيبة وعبيد الله بن سعيد وابن أبي عمرو وإسحاق الحنظلي وعبد بن حميد وخلق، وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال ابن قانع: مكي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فاضل، أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة، من التاسعة من كبار شيوخ البخاري، مات سنة (213) ثلاث عشرة ومائتين، وقارب المائة، روى عنه في (8) أبواب (حدثنا سعيد يعني ابن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي أبو يحيى المصري ثقة ثبت، من (7) مات سنة (161) إحدى وستين ومائة، روى عنه في (5) أبواب (حدثنا كعب بن علقمة) بن كعب بن عدي التنوخي أبو عبد الحميد المصري، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، من (5) مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة، وقيل بعدها روى عنه في (2) بابين الصلاة والنذور (عن بلال بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي المدني، روى عن أبيه في الصلاة، ويروي عنه (م) وكعب بن علقمة وعبد الله بن هبيرة، له فرد حديث في (م) وثقه أبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أبي عبد الرحمن العدوي المكي، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون وواحد مكي وواحد مدني وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة بلال لمجاهد في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات (قال) عبد الله بن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا) أيها

النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِذَا اسْتأذَنُوكُمْ". فَقَال بِلال: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُن. فَقَال لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَتَقُولُ أَنْتَ: لَنَمنَعُهُنَّ! ـــــــــــــــــــــــــــــ الأزواج (النساء) أي زوجاتكم (حظوظهن) أي أنصباءهن (من) ثواب الصلاة في (المساجد) مع الرجال (إذا استأذنوكم) أي إذا طلبن منكم الإذن في الخروج إلى المساجد لجماعة الصلاة، قال النواوي: هكذا وقع في أكثر المتون (إذا استأذنوكم) بواو جمع الذكور، وفي بعضها (إذا اسْتَأذَنَّكُمْ) بنون جمع الإناث، وهذا ظاهر والأول صحيح أيضًا بأن يقال عوملن معاملة جمع الذكور في التعبير عنها بواو جمع الذكور لطلبهن الخروج إلى مجالس الذكور، والأولى أَنْ يُقال إن هذا مِنْ تحريف النساخ بدليل ما وقع في بعض النسخ (إذا استأذنكم) بنون الإناث لأن هذا التأويل غير مشهور في العربية (فقال بلال) بن عبد الله بن عمر معارضا لما قال والده (والله لنمنعهن) أي لنمنع نساءنا من الخروج إلى المساجد لأنهن يتخذنه دغلًا (فقال له) أي لبلال والده (عبد الله) بن عمر (أقول) أنا لكم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد (وتقول أنت) والله (لنمنعهن) من المساجد فزبره وأدبه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وذكر فيه ست متابعات. ***

224 - (36) باب نهي النساء عن الطيب عند الخروج إلى المساجد

224 - (36) باب نهي النساء عن الطيب عند الخروج إلى المساجد 895 - (406) (66) حدثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِي، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ زَينَبَ الثقَفِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 224 - (36) باب نهي النساء عن الطيب عند الخروج إلى المساجد 890 - (56 4) (66) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر، ثقة فاضل، من (10) مات سنة (253) وله (83) سنة، قال (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة حافظ عابد، من (9) مات سنة (197) وله (72) سنة، قال (أخبرني مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي أبو المسور المدني، قال أحمد بن صالح: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق، من (7) مات سنة (159) (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري، قال النسائي: ثقة ثبت، وقال في التقريب: ثقة، من (5) مات سنة (120) وقيل بعدها، روى عنه في (13) بابا (عن بسر بن سعيد) الحضرمي من جديلة مولاهم المدني، روى عن زينب الثقفية امرأة عبد الله في الصلاة، وأبي هريرة وأبي جهيم بن الحارث بن الصمة، قال وكيع: اسمه عبد الله، وعن زيد بن ثابت في الصلاة، وابن الساعدي المالكي في الزكاة، وعُبيد الله بن أبي رافع في الزكاة، وعبد الله بن أنيس في الصوم، ومعمر بن عبد الله في البيوع، وأبي قيس مولى عمرو بن العاص في الأحكام، وزيد بن خالد الجهني في الأحكام والجهاد، وعبد الله بن عمر في الجهاد وجنادة بن أبي أمية في الجهاد، وأبي سعيد الخدري في الاستئذان، وسعد بن أبي وقاص في الدعاء، فجملة ما روى عنه فيه ثمانية أبواب، ويروي عنه (ع) وبكير بن الأشج، ويزيد بن خصيفة، وسالم أبو النضر وزيد بن أسلم ومحمد بن إبراهيم بن الحارث وأبو سلمة بن عبد الرحمن ويعقوب بن عبد الله بن الأشج وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وابن سعد، وقال: كان من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا، وقال أبو حاتم: لا يسأل عن مثله، وقال في التقريب: ثقة جليل، من الثانية، مات سنة (100) مائة في خلافة عمر بن عبد العزيز (أن زينب) بنت معاوية، ويقال بنت عبد الله بن أبي معاوية (الثقفية) أي

كَانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ؛ أَنهُ قَال: "إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُن الْعِشَاءَ، فَلَا تَطَيبْ تِلْكَ الليلَةَ". 891 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيد الْقَطَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المنسوبة إلى بني ثقيف امرأة عبد الله بن مسعود صحابية، وقيل اسمها رائطة سكنت مع زوجها الكوفة، يروي عنها (ع) وبسر بن سعيد في الصلاة، وعمرو بن الحارث في الزكاة، وابنها أبو عبيدة وجماعة، لها أحاديث اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث، و (م) بحديث، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زوجها عبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد مصري وواحد أيلي (كانت) زينب (تحدث) وتروي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا شهدت إحداكن) يا معشر النساء (العشاء) الآخرة أي إذا أرادت حضور صلاة العشاء مع الجماعة في المسجد ونحوه كما في التيسير، أما من شهدتها ثم عادت إلى بيتها فلا تمنع من التطيب بعد ذلك (فلا تطيَّب) بفتح التاء والطاء وتشديد الياء المفتوحة بحذف إحدى التاءين لأنه من باب تفغل، وبالجزم على أن لا للنهي أي فلا تتطيب (تلك الليلة) أي فلا تستعمل الطيب حتى تعود إلى بيتها بعد العشاء أي فلا تتطيب قبل الذهاب إلى المسجد أو معه لأنه سبب للافتتان بها بخلافه بعده في بيتها اهـ من تيسير المناوي. قال القاضي: لأن طيبهن يحرك القُلوب ويُغيرُ الرجال، وفي معنى الطيب إظهارُ الزينةِ والثيابِ، قال الأبي: واشتمالُهن بالملاحفِ مَلِيح الأَكْسيةِ اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 363] والنسائي [8/ 154]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث زينب رضي الله عنها فقال: 891 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسى الكوفي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي أبو سعيد (القطان) البصري الأحول، ثقة، من (9) (عن محمد بن عجلان) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني، وثقه أحمد وابن عيينة وابن معين والنسائي وأبو حاتم، وقال في التقريب: صدوق، من (5) مات سنة (138)

حَدثَنِي بُكَيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَج، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَينَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالتْ: قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُن الْمَسْجِدَ فَلَا تَمس طِيبا". 892 - (00) (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمدِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحملته أمه ثلاثة أعوام، روى عنه في (9) أبواب (حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج) المدني (عن بسر بن سعيد) المدني (عن زينب امرأة عبد الله) الكوفية، وفي بعض النسخ زيادة (يعني ابن مسعود) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد بصري، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن عجلان لمخرمة بن بكير في رواية هذا الحديث عن بكير بن عبد الله (قالت) زينب (قال لنا) معاشر النساء (رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شهدت إحداكن المسجد) أي إذا أرادت إحداكن حضور المسجد لجماعة الصلاة (فلا تمس) تلك الإحدى، وفي بعض النسخ (فلا تمسن) بزيادة نون التوكيد الثقيلة (طيبًا) أي لا تلطخ به خوفا من افتتان الرجال بها فهو بمعنى الرواية الأولى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زينب بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 892 - (00) (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي الحنظلي مولاهم أبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام، من (10) مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا (وإسحاق بن ابرهيم) بن مخلد بن راهويه الحنظلي أبو يعقوب المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (21) بابا (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا) إلخ، أتى به إشارة إلى أن إسحاق روى عن شيخه بالعنعنة، وأما يحيى فصرح بصيغة السماع فقال: أخبرنا (عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة) القرشي الأموي مولاهم مولى آل عثمان أبو علقمة المدني، روى عن يزيد بن خصيفة في الصلاة، وعن صفوان بن سليم في الإيمان كما مر هناك، وثقه ابن معين والنسائي، وابن المديني وقال: ما اعْلَم مَنْ رأيت بالمدينة أَتْقنَ منه وغَيرُهم، وقال في التقريب: صدوق من (8) عُمر مائةَ سنة (100) (عن يزيد) بن عبد الله (بن خصيفة) بمعجمة ثم مهملة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني نسب إلى جده

عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةِ أَصَابَتْ بَخُورًا، فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ". 893 - (408) (68) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لشهرته به روى عن بُسْر بن سعيد في الصلاة والأدب وابن قُسيط والسائب بن يزيد في البيوع، وعروة بن الزبير في كفارة المرض، فجملة ما روى عنه فيه أربعة أبواب، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن محمد الفَرَوي وإسماعيل بن جعفر في الصلاة ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة والثوري وآخرونَ، وَثَّقَه أبو حاتم والنسائي، وقال ابن عبد البر: كان ثقة مأمونًا، وقال ابن معين: ثقة حجة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، وقد ينسب لجده (عن بسر بن سعيد) الحضرمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما نيسابوري أو مروزي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة) وأي هنا شرطية جازمة تجزم فعلين وما زائدة، وامرأة مضاف إليه لأيِّ أي أيُّ امرأة (أصابت بخورًا) بفتح الموحدة وتخفيف الخاء المعجمة لأنه اسم لما يتبخر به كالطهور والوضوء أي استعملت ما يتبخر به كالعود والقسط والصندل، قال المناوي: والمراد به ريحه اهـ، وأصابت فعل شرطها، وجوابها (فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) أي لا تحضر صلاتها مع الرجال، قال ابن الملك: خص العشاء بالذكر لأنه وقت انتشار الظلمة وخلو الطريق عن المارة، وسبب النهي احتمال وقوع الفتنة، وفيه جواز قول الإنسان العشاء الآخرة كما تشهد له الأحاديث الصحيحة المذكورة في مسلم عن جماعة من الصحابة، وما نقل عن الأصمعي من خلافه فغلط، وتقدم الكلام على قيد الآخرة. وهذا الحديث شارك المؤلف رحمه الله تعالى في روايته أحمد [3/ 304] وأبو داود [4175] والنسائي [8/ 154]. ثم استشهد المؤلف ثانيا لحديث زينب بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 893 - (408) (68) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) بفتح فسكون ففتح، القعنبي الحارثي أبو عبد الرحمن البصري المدني نزيل البصرة، قال أبو حاتم: ثقة، حجة، لم أر أخشع منه، وأُعْلِمَ مالك بقدومه فقال: قوموا إلى خير أهل الأرض، وقال

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعْنِي ابْنَ بِلالِ)، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ لسَعِيدٍ)، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرحْمَن؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ تَقُولُ: لَوْ أَن رَسولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النسَاءُ لَمَنَعَهُن الْمَسْجِدَ. كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَال: قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالتْ: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ في التقريب: ثقة عابد، من صغار التاسعة، مات سنة (221) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) مات سنة (177) روى عنه في (13) بابا (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس بن عمرو بن سهيل الأنصاري النجاري أبي سعيد المدني قاضيها، ثقة ثبت حجة كثير الحديث، من (5) مات سنة (146) ثلاث أو أربع أو ست وأربعين ومائة بالعراق، روى عنه في (16) بابا (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة سيدة نساء التابعين، ثقة، من الثالثة، ماتت قبل المائة روى عنها في (6) أبواب (أنها سمعت عائشة) الصديقة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعية، حالة كون عائشة (تقول لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى) أي لو ثبت وحصل رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحدث النساء) وفعلت الآن، قال القرطبي: تريد ما اتخذت من حسن الملابس والطيب والزينة عند حضور المساجد، وإنما كان النساء في زمانه صلى الله عليه وسلم يخرجن في المروط والشمال -بفتح الشين جمع شملة وهي ثوب تشتمل به- (لمنعهن المسجد) أي الخروج إلى جماعة المسجد ومجامع الخير كالعيد والاستسقاء لافتتان الرجال بها (كما منعت نساء بني إسرائيل) من الكنائس والبيع في شريعتهم. وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات، وشاركه أحمد فيه [6/ 91]. (قال) يحيى بن سعيد (قلت لعمرة) بنت عبد الرحمن (أنساء بني إسرائيل منعن المسجد) أي الخروج إلى كنائسهم للصلاة (قالت) عمرة (نعم) منعن من الخروج إلى المسجد، والاستفهام للتقرير والاستثبات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

893 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ) ح قَال: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو الناقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح قَال وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح قَال وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال: أخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 893 - (00) (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عُبيد العَنَزِي أبو موسى البصري، ثقة ثبت، من (10) قال (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني) ابن المثنى بعبد الوهاب عبد الوهاب (الثقفي) أبو محمد البصري، ثقة، من (8) مات سنة (194) (ح) أي حول المؤلف السند و (قال) أيضًا (وحدثنا) بواو العطف على حدثنا محمد بن المثنى (عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) مات سنة (232) (حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون الهلالي الأعور أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة فقيه إمام حجة، من (8) مات في رجب سنة (198) بمكة، ودُفن بِالحَجُونِ، روى عنه في (25) بابا (ح قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا أبو خالد) سليمان بن حيان الأزدي (الأحمر) الكوفي، وثقه ابن معين وابن المديني، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من (8) مات سنة (189) روى عنه في (12) بابا (ح قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المروزي، من (10) (قال أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة مأمون، من (8) روى عنه في (17) بابا، وأتى بحاء التحويلات لبيان اختلاف مشايخ مشايخه، والضمير في (كلهم) عائد إلى ما قبل حاء التحويلات، وإلى الشيخ الأخير من السند الأخير أي كل من عبد الوهاب في السند الأول، وابن عيينة في السند الثاني، وأبي خالد في الثالث، وعيسى بن يونس في الرابع رووا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن عمرة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، وهذه الأسانيد الأربعة كلها من خماسياته، وغرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الأربعة لسليمان بن بلال في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث زينب الثقفية ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

225 - (37) باب التوسط بين الجهر والإسرار في قراءة صلاة الجهر إذا خاف مفسدة من الجهر

225 - (37) باب التوسط بين الجهر والأسرار في قراءة صلاة الجهر إذا خاف مفسدة من الجهر 895 - (409) (69) حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمدُ بْنُ الصباحِ وَعَمْرٌو الناقِدُ. جَمِيعًا عَنْ هُشَيمٍ. قَال ابْنُ الصَّبَاحِ: حَدَّثَنَا هُشيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَال: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مُتَوَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 225 - (37) باب التوسط بين الجهر والإسرار في قراءة صلاة الجهر إذا خاف مفسدة من الجهر 895 - (409) (69) (حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح) الدولابي مولدا البغدادي البزاز صاحب السنن، ثقة حافظ، من (10) مات سنة (227) سبع وعشرين ومائتين، روى عنه في (7) أبواب (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ، من (10) مات سنة (232) حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن هشيم) بن بشير السلمي أبي معاوية الواسطي نزيل بغداد، ثقة ثبت كثير التدليس، من (7) مات سنة (183) وليس عندهم هشيم إلا هذا، روى عنه المؤلف في (18) بابا، وأتى بقوله (قال ابن الصباح حدثنا هشيم) تورعًا من الكذب عليه بالعنعنة، قال (أخبرنا أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري البصري ثم الواسطي، وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير، من الخامسة مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، روى عنه في (7) أبواب (عن سعيد بن جبير) بن هشام الوالبي مولاهم الكوفي الفقيه ثقة إمام حجة، من (3) مات سنة (95) كهلًا قتله الحجاج صبرا في شعبان، فما أمهل بعده، ولم يقتل بعده أحدًا بل لم يعش بعده إلا أيامًا (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد بغدادي (في) بيان سبب نزول (قوله عزَّ وجلَّ) في سورة الإسراء الآية [110] {وَلَا تَجْهَرْ} يا محمد؛ أي لا ترفع صوتك {بِصَلَاتِكَ} أي بقراءتك في الصلاة حتى يسمعها المشركون فيسبونه، وإياك ومن أنزله {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} أي ولا تسرها عن أصحابك فلا يسمعون قراءتك (قال) ابن عباس (نزلت) هذه الآية (ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار) أي مختف

بِمَكةَ. فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ. فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ. فَقَال اللهُ تَعَالى لِنَبِيِّهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ قِرَاءَتَكَ. {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ، أَسْمِعْهُمُ الْقُرْآنَ. وَلا تَجْهَرْ ذلِكَ الْجَهْرَ. {وَابْتَغِ بَينَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] يَقُولُ بَينَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. 896 - (410) (70) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى ـــــــــــــــــــــــــــــ (بمكة) أي لم يظهر أمره (فكان) صلى الله عليه وسلم (إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن) أي بقراءته ليسمع أصحابه (فإذا سمع ذلك) الصوت الذي رفع بالقرآن (المشركون سبوا القرآن) بأنه أساطير الأولين أو كهانة (ومن أنزله) أي ومن أنزل القرآن على محمد وهو الله سبحانه وتعالى (ومن جاء به) أي بالقرآن وهو محمد صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو كاهن أو ساحر (فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}) أي بقراءتك في الصلاة (فيسمع المشركون قراءتك) إذا جهرت بها فيسبون القرآن {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} أي لا تسر بقراءتك (عن أصحابك) فتفوتهم الاستفادة بقراءتك (أسمعهم) أي أسمع أصحابك (القرآن) بالتوسط في القراءة بين السر والجهر (ولا تجهر ذلك الجهر) الذي يسمعه المشركون {وَابْتَغِ} واقصد {بَينَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي قراءة وسطًا بين ذلك الجهر الذي يسمعه المشركون وبين الإسرار الذي يفوت به إسماع أصحابك، وفي بعض النسخ هنا (قال) ابن عباس (يقول) الله سبحانه وتعالى أي يريد بقوله بين ذلك سبيلًا؛ اقرأ قراءة وسطًا (بين الجهر) الرفيع (و) بين (المخافتة) والإسرار البليغ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [4722] والترمذي [3144] والنسائي [2/ 177 - 178]. قال الأبي: كان هذا الأثر وأثر عائشة المذكور بعده حديثًا من قبل أن قول الصحابي نزل كذا في كذا من قبيل المسند عند المحدثين اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى ما يخالف أثر ابن عباس عن عائشة رضي الله عنهم فقال: 896 - (410) (70) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري، قال

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِياءَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ، فِي قَوْلِهِ عَز وَجَل: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالتْ: أُنْزِلَ هَدا فِي الدعَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا يحيى بن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني مولاهم أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار التاسعة، مات سنة (184) روى عنه في (12) بابا (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي أبي المنذر المدني، ثقة، من (5) (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور، من الثانية، مات سنة (94) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) الصديقة رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (في) بيان سبب نزول (قوله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عائشة (أنزل هذا) القرآن في التوسط (في الدعاء) بين السر والجهر. قال النواوي: ذكر مسلم في هذا الباب حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو ظاهر فيما ترجمنا له وهو مراد مسلم بإدخال هذا الحديث هنا وذكر تفسير عائشة رضي الله عنها أن الآية نزلت في الدعاء واختاره الطبري وغيره، لكن المختار الأظهر ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم. قال (ع) واختلف فيما نزلت فيه هذه الآية فقال ابن عباس: في الأمر بالتوسط في القراءة وسببه ما ذكر، والمراد بالصلاة القراءة والخفت بها إخفاؤها، واحتج لهذا القول بما في صدر الآية من قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} الآية، وقالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في الدعاء واحتج له بقوله أول الآية: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ} وقيل في التشهد، وقيل في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كان أبو بكر يسر ويقول: أناجي ربي عزَّ وجلَّ، وعمر يجهر ويقول: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان وأرضي الرحمن فنزلت، فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ارفع شيئًا، وقال لعمر: اخفض شيئًا رواه أبو داود [1329] والترمذي [447] من حديث أبي قتادة رضي الله عنه وقيل المراد بالصلاة الصلاة نفسها أي لا تحسنها في العلانية رياء ولا تسئها في السر، وقيل لا تصلها جهرًا وتتركها سرًّا، والخطاب على هذين لغيره صلى الله عليه وسلم وعلى أنها نزلت في الدعاء فقيل إنها منسوخة بقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} الآية اهـ، قال الأبي:

897 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ)، ح قَال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَوَكِيعٌ. ح قال وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه سد الذرائع لقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 897 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني، قال (حدثنا حماد -يعني ابن زيد-) بن درهم الأزدي البصري (ح قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح قال: وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمّد بن خازم الضرير الكوفي (كلهم) أي كل من حماد بن زيد وأبي أسامة ووكيع وأبي معاوية رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن زكرياء عن هشام بن عروة، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليحيى بن زكرياء في رواية هذا الأثر عن هشام اهـ والله أعلم. وأثر عائشة هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم يروه غيره كما في التحفة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا أثرين أثر ابن عباس ذكره للاستدلال به على الترجمة، وأثر عائشة ذكره للاستطراد وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

226 - (38) باب استماع القراءة من المعلم وكذا من الإمام

226 - (38) باب استماع القراءة من المعلم وكذا من الإمام 898 - (411) (71) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كُلهُمْ عَنْ جَرِيرٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ، فِي قَوْلِهِ عَز وَجَل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16] قَال: كَانَ النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيهِ جِبْرِيلُ بِالْوَحْي، كَانَ مِما يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيهِ. فَيَشْتَدُّ عَلَيهِ. {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} ـــــــــــــــــــــــــــــ 226 - (38) باب استماع القراءة من المعلم وكذا من الإمام 898 - (411) (71) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف البغلاني (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة رووا (عن جرير، قال أبو بكر: حدثنا جرير بن عبد الحميد) بن قرط الضبي الكوفي (عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني مولاهم أبي الحسن الكوفي، وأبو عائشة لا يعرف اسمه قاله القسطلاني، ثقة عابد، من الخامسة، روى عنه في موضعين من باب الصلاة (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد طائفي أو ثلاثة كوفيون وواحد طائفي وواحد إما بغلاني أو مروزي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي وهما موسى بن أبي عائشة عن سعيد (في) بيان سبب نزول (قوله) تعالى (عز وجل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ} أي بالقرآن {لِسَانَكَ} قال) بن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل) الأمين - عليه السلام - (بالوحي) من القرآن (كان) صلى الله عليه وسلم كرر لفظة كان لطول الكلام قاله النواوي (مما) أي ربما كما قاله في المصابيح (يحرك به) أي بالوحي (لسانه وشفتيه) بالتثنية أي كثيرا ما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك التحريك قاله القاضي عياض كالسرقسطي وكان يكثر من ذلك حتى لا ينسى أو لحلاوة الوحي في لسانه، وقوله (فيشتد عليه) الوحي معطوف على يحرك، وسبب الشدة هيبة الملك وما جاء به وثقل الوحي كما قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} وتعقب بأن الشدة حاصلة قبل التحريك، وأجيب بأن الشدة وإن كانت حاصلة له قبل التحريك إلا أنها لم تظهر إلا بتحريك الشفتين إذ هي أمر باطني لا يدركه الرائي إلا به اهـ قسطلاني.

فَكَانَ ذلِكَ يُعْرَفُ مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} أَخْذَهُ. {إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)}. إِنَّ عَلَينَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ. وَقُرْآنهُ فَتَقْرَأهُ. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)}. قَال: أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ لَهُ {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}. {إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ (19)}. أَنْ نُبَيِّنهُ بِلِسَانِكَ. فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يقال في الكلام تقديم وتأخير والتقدير كان مما يشتد عليه فيحرك به لسانه، وفي الرواية الأخرى: "كان يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه" وهي واضحة، والمعالجة المحاولة للشيء والمشقة في تحصيله، قال (ع): قوله (كان مما يحرك به لسانه) الأصل في هذه الكلمة كان من شأنه ودأبه، فجعلت ما كناية عن ذلك، ثم أدغمت نون من في ميم ما فجاء مما، وقيل هي بمعنى ربما وهو قريب من الأول لأن رب ترد للتكثير، ومعنى يعالج يلاقي شدة، قال السنوسي: قوله كان مما يحرك هو عبارة عن كثرة التحريك منه حتى كان ذاته من التحريك، فما مصدرية، وقال الكرماني: أي كان العلاج ناشئًا من تحريك الشفتين أي مبدأ العلاج منه أو ما بمعنى من الموصولة وأطلقت على من يعقل مجازًا أي وكان ممن يحرك به لسانه وشفتيه (فكان ذلك) أي اشتداد الوحي عليه (يعرق منه) صلى الله عليه وسلم يعني يعرفه من رآه لما يظهر على وجهه وبدنه من أثره كما قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا اهـ نووي. (فأنزل الله تعالى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} قبل أن يتم وحيه {لِتَعْجَلَ بِهِ} أي لتأخذه على عجلة مخافة أن يتفلت منك، حالة كونك تريد (أخذه) ونقله من جبريل بسرعة، ومعنى قوله {إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي (إن علينا أن نجمعه في صدرك) وقال ابن عباس أيضًا: ومعنى (وقرآنه) فهو مصدر مضاف للمفعول، والفاعل محذوف، والأصل قراءتك إياه؛ أي (فتقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أي قرأناه نحن -يريد سبحانه نفسه- عليك {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي: فاتبع قراءتنا إياه (قال) ابن عباس في تفسيره فإذا (أنزلناه فاستمع له) وأنصت، والاستماع الإصغاء، والإنصات السكوت، فقد يستمع ولا ينصت فلهذا جمع بينهما في قوله تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} فلا يلزم من السكوت الإصغاء؛ أي لا تكن قراءتك مع قراءته بل تابعة لها متأخرة عنها، وقال في تفسير ثم {إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ} أي إن علينا (أن نبينه بلسانك) أي أن نبين ما أشكل عليك من معانيه (فكان) رسول الله صلى الله عليه

إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ. فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ الله. 899 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَباس، فِي قَوْلِهِ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}. قَال: كَانَ النبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُعَالِجُ مِنَ التنْزِيلِ شِدة. كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيهِ. فَقَال لِي ابْنُ عَباس: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُحَرِّكُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم بعد ذلك (إذا أتاه جبريل أطرق) رأسه وخفض واستمع (فإذا ذهب) جبريل عليه السلام وانطلق (قرأه) أي قرأ القرآن (كما وعده الله) سبحانه وتعالى، والحاصل أن الحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاحه. وهذا الحديث شارك المؤلف رحمه الله تعالى في روايته البخاري في مواضع، والترمذي والنسائي كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 899 - (00) (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل البغلاني (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني مولاهم أبي الحسن الكوفي، ثقة تابعي، من (5) الخامسة (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن موسى بن أبي عائشة، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية الأولى (في) بيان سبب نزول (قوله) تعالى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ} أي بالقرآن {لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (2) أي لتأخذه على عجلة وسرعة (قال) ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج) أي يقاسي ويجد (من التنزيل) القرآني لثقله عليه (شدة) بالنصب مفعول يعالج، والجملة في محل نصب خبر كان فـ (كان) صلى الله عليه وسلم (يحرك شفتيه) عند قراءة جبريل عليه لئلا يتفلت عنه عند ذهاب جبريل - عليه السلام -، قال سعيد بن جبير (فقال لي ابن عباس) فـ (أنا أحركهما) أي شفتي لك (كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما) لم يقل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما لأن ابن عباس لم يدرك ذلك

فَقَال سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَباسٍ يُحَرِّكُهُمَا. فَحَركَ شَفَتَيهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 16 - 17]. قَال: جَمْعَهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَؤهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] قَال: فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ. ثُمَّ إنَّ عَلَينَا أَنْ تَقْرَأهُ. قَال: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ. فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ، قَرَأَهُ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَمَا أَقْرَأَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال سعيد) بن جبير (أنا أحركهما) أي شفتي لكم (كما كان ابن عباس بحركهما) أي شفتيه لنا (فحرك) سعيد (شفتيه) فهذا الحديث من مسلسلات مسلم رحمه الله تعالى (فأنزل الله تعالى) معطوف على كان يحرك شفتيه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال) ابن عباس في تفسيره أي (جمعه في صدرك ثم تقرؤه) بلسانك، وقوله {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، قال) ابن عباس في تفسيره (فاستمع) أي فأصغ له بأذنك (وأنصت) بهمزة قطع مفتوحة من أنصت الرباعي ينصت إنصاتا وقد تكسر همزته، من نصت ينصت من باب ضرب، نصتا إذا سكت واستمع للحديث، قال الأزهري: يقال أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات أفصحها أنصت وبها جاء القرآن العزيز اهـ؛ أي فكن حال قراءته ساكتا، والاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء، والإنصات السكوت ولا يلزم من السكوت الإصغاء، وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ} فسره ابن عباس بقوله (ثم إن علينا أن تقرأه) وفسره غيره ببيان ما أشكل عليك من معانيه، قال: وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب أي لكن لا عن وقت الحاجة اهـ، وهو الصحيح عند الأصوليين ونص عليه الشافعي اهـ قسطلاني. (قال) ابن عباس (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد هذه الآية (إذا أتاه جبريل استمع) قراءته (فإذا انطلق جبريل) وذهب (قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه) جبريل - عليه السلام -. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

227 - (39) باب الجهر بالقراءة في الصبح واستماع الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

227 - (39) باب الجهر بالقراءة في الصبح واستماع الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم 900 - (412) (72) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: مَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى الْجِنِّ وَمَا رَآهُمْ. انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي طَائفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ. . . . . . . . . . ... ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 227 - (39) باب الجهر بالقراءة في الصبح واستماع الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم 900 - (412) (72) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، ثقة، من صغار (9) مات سنة (238) ثمان أو سبع وثلاثين ومائتين، روى عنه في (10) أبواب تقريبا (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي مشهور بكنيته، ثقة، من السابعة، مات سنة (176) روى عنه في (19) بابا (عن أبي بشر) جعفر بن إياس اليشكري البصري ثم الواسطي، ثقة، من (5) مات سنة (126) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد أبلي (قال) ابن عباس (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) قراءة قط (على الجن) كما زعمه بعض الناس (وما رآهم) أي وما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن كما يزعمونه، قال الأبي: يحتمل أنه سئل عن ذلك أو سمع أن أحدًا زعم ذلك فأجاب بذلك أو رد به على زاعمه وهي وإن كانت شهادة على النفي لكنها من ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وناهيك به، ومستنده فيها يحتمل أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ويبعد إذ لو كان لَبَيَّنهُ لأنه في مقام الإنكار، ويحتمل أن مدعي ذلك تَمَسَّك فيه بالآيةِ، فأبْطلَ تمسُّكَهُ بِأنْ بَيَّنَ مَدْلُولها وسببَ نزولِها وليس في شيء من ذلك أنه قرأ عليهم أو رآهم اهـ، ولكن (انطلق) وذهب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قبل الهجرة بثلاث سنين (في طائفة) وهي تطلق على ما فوق الواحد أي مع جماعة (من أصحابه) حالة كونهم (عامدين) أي قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف اخره ظاء معجمة بالصرف وعدمه، قال السفاقسي: هو من إضافة الشيء إلى نفسه لأن عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة، قال

وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشيَاطِينِ وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ. وَأُرْسِلَتْ عَلَيهِمُ الشُّهُبُ. فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ. فَقَالُوا: مَا لكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ. وَأُرْسِلَتْ عَلَينَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شَيءٍ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأرضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هذَا الذِي حَال بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا. فَمَر النَّفَرُ الذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في المصابيح: لعل العَلَمَ مجموعُ قولنا سوق عكاظ كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا عكاظ فعلى الحذف كقولهم رمضان، وفي القاموس: وعكاظ كغراب سوق بصحراء بين نخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذي القعدة وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيها فيتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدون، قال النواوي: سميت السوق سوقًا لقيام الناس فيها على سوقهم اهـ. (وقد حيل) أي حجز (بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت) أي أنزلت وبعثت (عليهم الشهب) بضم الهاء جمع شهاب نظير كتب وكتاب؛ وهو شعلة نار ساطعة ككوكب ينقض، قال الأبي: يحتمل أن يكون علم ذلك بإخباره صلى الله عليه وسلم أو علمه من الآيات الواردة (فرجعت الشياطين) التي تأتي بخبر السماء إلى الكهنة (إلى قومهم) أي بعضهم إلى بعض فتحدثوا في شأن الحيلولة (فقالوا) أي قال بعضهم لبعض (ما لكم) أي أي شيء ثبت وحصل لكم لا تأتون بخبر السماء (قالوا: حيل) وحجز (بيننا وبين) استماع (خبر السماء وأرسلت علينا الشهب) فأي ذنب لنا (قالوا) أي الشياطين بعضهم لبعض (ما ذاك) الحجز والمنع من استماع خبر السماء (إلا من شيء) أي إلا لأجل شيء (حدث) ووجد في الأرض (فاضربوا) أي سيروا (مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما، فالنصب على الظرفية، والضرب في الأرض الذهاب فيها وهو ضربها بالأرجل، وقال النواوي: معناه سيروا فيها كلها من إطلاق الطرفين وإرادة الكل (فانظروا) وابحثوا (ما هذا الذي) بإثبات اسم الإشارة، وفي بعض أصول البخاري إسقاطه؛ أي فابحثوا ما هذا الأمر الحادث الذي (حال) وحجز (بيننا وبين) استماع (خبر السماء فانطلقوا) أي ذهب وتفرق أولئك الشياطين الذي تشاوروا في حل مشاكلهم، حالة كونهم (يضربون) ويسيرون (مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما (فمر) أولئك (النفر الذين أخذوا) أي ذهبوا (نحو تهامة) أي جهة تهامة بكسر التاء وهي ما انخفض من نجد

وَهُوَ بِنَخْلٍ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ. وَهُوَ يُصَلِّي بِأصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ. وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَال بَينَنَا وَبَينَ خَبَرِ السمَاءِ. فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا، {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ من بلاد الحجاز، قال ابن فارس: سميت بذلك من التهم بفتح التاء والهاء وهو شدة الحر وركود الريح، وقيل سميت بذلك لتغير هوائها يقال تهم الدهن إذا تغير، وذكر الحازمي أنه قال: يقال في تهامة تهائم اهـ أبي، يعني مكة وكانوا من جن نصيبين على النبي صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (بـ) بطن (نخل) هكذا وقع في صحيح مسلم بنخل بلا تاء وصوابه (بنخلة) بالهاء كما في رواية البخاري وهو موضع معروف هناك على ليلة من مكة، غير منصرف للعلمية والتأنيث؛ أي وهو صلى الله عليه وسلم مع طائفة من أصحابه على ما مر آنفًا نازل ببطن نخل، ولذا قال عامدين بصيغة الجمع أي حالة كونهم (عامدين) أي قاصدين الذهاب (إلى سوق عكاظ) أي مروا عليه صلى الله عليه وسلم (وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر) أي الصبح (فلما سمعوا القرآن استمعوا له) أي قصدوه وأصغوا إليه وهو ظاهر في الجهر والاستماع المترجم لهما (وقالوا هذا) القرآن المسموع لنا هو (الذي حال) وحجز (بيننا وبين خبر السماء) قال النواوي: وفي هذا الحديث الجهر بالقراءة في الصبح، وفيه إثبات صلاة الجماعة وأنها مشروعة في السفر وأنها كانت مشروعة من أول النبوة، قال المازري: ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن ولا بد لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول فيكون الجن علموا ذلك من كتب الرسل المتقدمة قبلهم على أنه هو النبي الصادق المبشر به، واتفق العلماء على أن الجن يعذبون في الآخرة على المعاصي لقوله تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} واختلفوا في أن مؤمنهم ومطيعهم هل يدخل الجنة وينعم بها ثوابًا ومجازاة له على طاعة أم لا يدخلون بل يكون ثوابهم أن ينجوا من النار، ثم يقال كونوا ترابًا كالبهائم وهذا مذهب ابن أبي سليم وجماعة، والصحيح أنهم يدخلونها وينعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما وهذا قول الحسن البصري والضحاك ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وغيرهم اهـ منه (فرجعوا) أي رجع هؤلاء النفر الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم (إلى قومهم) منذرين (فقالوا يا قومنا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}) [الجن: 1] أي بديعًا مباينًا لسائر الكتب في

يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1 - 2] فَأَنْزلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1]. 109 - (413) (73) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِر، قَال: سَألْتُ عَلْقَمَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ حُسْنِ نظمِه وصحةِ معانيه، وهو مصدرٌ وُصِفَ به للمبالغة {يَهْدِي} ويدعو {إِلَى الرُّشْدِ} والحق والصواب {فَآمَنَّا بِهِ} أي بذلك القرآن أنه من عند الله تعالى {وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا} أبدًا {أَحَدًا} من المخلوقات (فأنزل الله) سبحانه (عزَّ وجلَّ على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم) إعلامًا باستماع الجن له سورة ((قُل) يا محمد لقومك {أُوحِيَ إِلَيَّ} من ربي ({أَنَّهُ}) أي أن الشأن والحال {اسْتَمَعَ} القرآن مني {نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}) أي طائفة منهم؛ وهم جن نصيبين. ومفهومه أن الحيلولة بين الشياطين وخبر السماء حدثت بعد نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك أنكرته الشياطين وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب حتى قطع بينهم وبين خبر السماء فكان رميها من دلائل النبوة اهـ قسطلاني. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري أخرجه في الصلاة عن مسدد، وفي التفسير عن موسى بن إسماعيل، والترمذي أخرجه في تفسير سورة الجن عن عبد بن حميد، وقال الترمذي: حسن صحيح، والنسائي أخرجه في التفسير في الكبرى مقطعًا ولم يذكر أوله. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بالنسبة إلى الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهم فقال: 901 - (413) (73) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من الثامنة (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري أبي بكر البصري، ثقة، من (5) (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي، ثقة مشهور، من الثالثة (قال) عامر (سألت علقمة) بن قيس النخعي

هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لَيلَةَ الْجِنِّ؟ قَال فَقَال عَلْقَمَةُ: أَنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُود. فَقُلْتُ: هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لَيلَةَ الْجِنِّ؟ قَال: لا، وَلكِنا كُنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ذَاتَ لَيلَةٍ. فَفَقَدْنَاهُ. فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ. فَقُلنَا: اسْتُطِيرَ أَو اغْتِيلَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أبا شبل الكوفي، ثقة ثبت فقيه عابد مخضرم، من الثانية (هل كان) عبد الله (بن مسعود) الهذلي أبو عبد الرحمن الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي الشعبي عن علقمة؛ أي قال الشعبي: سالت علقمة هل (شهد) ابن مسعود وحضر (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة) استماع (الجن) قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (قال) الشعبي (فقال) لي (علقمة) حين سألته عن ذلك (أنا سألت ابن مسعود) عن ذلك (فقلت) له تفسير للسؤال (هل شهد أحد منكم) معاشر الأصحاب (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن قال) ابن مسعود (لا) أي ما شهد أحد منا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وهذا يرد حديثه في الوضوء بالنبيذ وأنه حضر معه لأن هذا أثبت اهـ (ع). وعبارة النووي وهذا صريح في إبطال الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فإن هذا الحديث صحيح، وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول اهـ منه. (ولكنا كنا) نحن (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (ففقدناه) صلى الله عليه وسلم من بيننا (فالتمسناه في الأودية) جمع واد؛ وهو كل منفرج بين جبال يكون منفذًا للسيل (والشعاب) جمع شعب بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة وهو الطريق، وقيل الطريق في الجبل (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض هل (استطير) به أي طارت به الجن (أو اغتيل) أي قتل غيلة وسرًّا، والغيلة بكسر المعجمة القتل خفية، قال الأبي: واستطارةُ الجن هو من الأمراض الحسية التي هو فيها كغيره كالقتل، ولعل هذا قبل نزول قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أو بعده ونسوا ذلك لدهشتهم وجوزوا الأمرين ولم يقولوا رفع صلى الله عليه وسلم كعيسى - عليه السلام - ولا ذهب ليناجي ربه سبحانه كموسى - عليه السلام - لأن المحب مولَّع بسوء الظن (قال) ابن

فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ. فَلَما أصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءِ مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ، قَال فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْم. فَقَال: "أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ. فَذَهَبتُ مَعَهُ. فَقَرَأْتُ عَلَيهِمُ الْقُرْآنَ" قَال: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. وَسَأَلُوهُ الزَّادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود (فبِتْنَا) أي اتصفنا في تلك الليلة التي فقدناه فيها والتبسنا (بشرِّ ليلة) أي بحزن ليلة أي كنا ملتبسين بأقبح ليلة (بات بها) أي التبس بها (قوم) فقدوا فقيدهم ووصف الليلة بالشر بالنظر إلى ما وقع فيها من الحزن والأسف، والإضافة فيه بمعنى في كالإضافة في قولهم مكر الليل (فلما أصبحنا) أي دخلنا في الصباح (إذا) فجائية رابطة لجواب لما (هو) مبتدأ (جَاءٍ) خبره أصلهُ جَائِي عُومل معاملةَ قاض أي فلما أصبحنا فاجأنا مجيئُه (من قبل) جبل (حراء) أي من جهته وهو جبل معروف بمكة (قال) ابن مسعود (فقلنا) له (يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم) فقدوا فقيدهم (فقال) لنا (أتاني داعي الجن) أي داع من الجن لأقرأ عليهم القرآن (فذهبت معه) إلى قومه (فقرأت عليهم) أي على قومه (القرآن) وفي حديث ابن عباس المتقدم أنه لم يقرأ عليهم، قال القاضي: فيجمع بين الحديثين بأنهما قضيتان الأولى في بدء الأمر حين أتوا يبحثون عن أمره واستمعوا له، والثانية حين أتوا ليقرأ عليهم، قال الأبي: يبعد أن يكون ابن عباس لم يعلم بحديث ابن مسعود اهـ أبي. (قال) ابن مسعود (فانطلق) رسول رسول الله (بنا) إلى المكان الذي اجتمعت فيه الجن وقرأ عليهم (فأرانا اثارهم) أي آثار نزولهم هناك من موضع جلوسهم وموطئ أقدامهم وأرواث دوابهم وعلفها (وآثار نيرانهم) التي أوقدوها للطبخ من رمادها وبقية حطبها، قال النواوي: قال الدارقطني: إلى هنا انتهى حديث ابن مسعود يعني عند قوله (وآثار نيرانهم) وما بعده من قول الشعبي، كذا رواه أصحابُ داود بن أبي هند الراوي عن الشعبي وابنُ علية وابنُ زُريع وابنُ أبي زائدة وغَيرهُم هكذا قاله الدارقطني وغيرُه، ومعنى قوله أنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود بهذا اللفظ وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم. والظاهر أن قوله (وسألوه الزاد) أي سألت الجن النبي صلى الله عليه وسلم ما يتزودون به لقوتهم ولعلف دوابهم ... الخ فمن حديثه أي من حديث ابن مسعود على ما يظهر. من مرقاة ملا علي اهـ من بعض هامش المتن.

فَقَال: "لَكُمْ كُلُّ عَظْم ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيهِ يَقَعُ فِي أَيدِيكُمْ، أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ". فَقَال رَسُول اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "فَلا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي: قوله (وسألوه الزاد) أي ما هو المباح لهم، وانظر هل ذلك في سفرهم وإقامتهم أو في سفرهم فقط (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لهم (لكم) زاد (كل عظم ذكر اسم الله عليه) قال الأبي: الأظهر في ذكر اسم الله عليه أنه عند الأكل منه لا عند الذبح، وكل مبتدأ خبره (يقع) ذلك العظم (في أيديكم) حالة كونه (أوفر) أي أكثر (ما يكون) ويوجد (لحمًا) وما مصدرية ويكون تامة، ولحما تمييز أي يقع في أيديكم، حالة كونه أكثر لحما مما قبلُ، قال الأبي: والأظهر أنه مما يبقى عليه بعد الأكل، ويحتمل أن الله سبحانه يخلق ذلك لهم عليها، وانظر عليه هل يستحب أن لا تستقصى العظام بتقشير ما عليها وهل يثاب من ترك مثل ذلك لذلك، ثم الأظهر أن انتفاعهم بذلك إنما هو بالشم لأنه لا يبقى عليه ما يقوت إلا أَنْ يكونوا في القُوْتِ خبر يكونوا بخلاف الإنس اهـ منه. (وكل بعرة) من بعار إبل الإنس (علف لدوابكم) قال النواوي: قال بعض العلماء هذا لمؤمنيهم، وأما غيرهم فجاء في حديث اخر أن طعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه اهـ. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما) أي بالعظام والبعار (فإنهما) أي فإن العظام (طعام إخوانكم) الجن يعني أخوة الدين فلا يدخل فيه كافرهم كما مر آنفًا، وإن الأرواث علف دوابهم فإنهم كما ورد لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أخذ ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها الذي كان فيها يوم أكلت، ومعنى (فلا تستنجوا بهما) أي بالعظم والبعر فإن الأول طعام الجن، والثاني علف لدوابهم اهـ ملا علي. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:

902 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السعْدِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، قَال الشَّعْبِي: وَسَأَلُوهُ الزَّادَ. وَكَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِي. مُفَصَّلًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ. 903 - (00) (00) وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 903 - (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور يعني حديث ابن مسعود (علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي، ثقة، من صغار (9) مات سنة (244) (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن علية، ثقة، من (8) مات سنة (193) (عن داود) بن أبي هند القشيري البصري (بهذا الإسناد) يعني عن عامر الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود، وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن إبراهيم لعبد الأعلى بن عبد الأعلى في رواية هذا الحديث عن داود بن أبي هند أي حدثنا إسماعيل بهذا الإسناد عن داود مثل ما حدث عبد الأعلى عن داود، ولكن (إلى قوله) أي إلى قول الراوي (وآثار نيرانهم) لا ما بعده (قال الشعبي) راويا عن غير ابن مسعود مرفوعا لا موقوفا عليه (وسألوه الزاد) لأن مثل هذا لا يكون إلا توقيفيا (وكانوا) أي وكان أولئك الجن (من جن الجزيرة) أي من سكان جزيرة من جزائر البحر وهي الصحراء المتخللة بين خلال البحر، قال المؤلف: وهذا يعني من قوله وسألوه الزاد (إلى آخر الحديث من قول الشعبي) حالة كونه (مفصلًا) أي مفصولا (من حديث عبد الله) بن مسعود راويا عن غيره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 903 - (00) (00) وحدثنا) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن مسعود (أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) (عن داود) بن أبي هند (عن الشعبي عن علقمة) بن قيس الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي. وهذا السند أيضًا من

عَنِ النَّبِيّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. إِلَى قَوْلِهِ: وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ. وَلَمْ يَذكُرْ مَا بَعْدَهُ. 904 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبدِ اللهِ. قَال: لَمْ أَكُنْ لَيلَةَ الْجِن مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَوَدِدْتُ أَني كُنْتُ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لعبد الأعلى أيضًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق عبد الله بن إدريس الحديث (إلى قوله وآثار نيرانهم، ولم يذكر) عبد الله بن إدريس (ما بعده) أي ما بعد قوله وآثار نيرانهم فوافق إسماعيل بن إبراهيم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 904 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري، قال (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة ثبت، من (8) (عن خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبي المنازل البصري الحذاء، ثقة يرسل، من الخامسة (عن أبي معشر) زياد بن كليب التميمي أو التيمي الحنظلي الكوفي، روى عن إبراهيم في الوضوء والصلاة، ويروي عنه (م دت س) وخالد الحذاء وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، ثقة، من الرابعة، مات سنة (119) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي، الفقيه ثقة، من الثالثة، مات سنة (96) (عن علقمة) بن قيس الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد بصري وواحد واسطي وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم النخعي للشعبي في رواية هذا الحديث عن علقمة (قال) عبد الله (لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و) لكن (وددت) أي تمنيت وأحببت (أني كنت معه) صلى الله عليه وسلم ليلتئذٍ لأرى ما أجرى الله على يده من المعجزات. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال:

905 - (00) (00) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمدٍ الْجَرْميُّ وَعُبَيدُ اللهِ بن سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مَعْنٍ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبِي. قَال: سَألتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيلَةَ اسْتَمَعُوا القُرْآنَ؟ فَقَال: حَدَّثَنِي أَبُوكَ -يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 905 - (00) (00) (00) (حدثنا سعيد بن محمد) بن سعد (الجرمي) بفتح أوله وسكون ثانيه نسبة إلى جرم بن ريان بن ثعلبة الكوفي، روى عن أبي أسامة في الصلاة، وعبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر في الزكاة، وأبي تميلة يحيى بن واضح في الجهاد، ويروي عَنْهُ (خ م دق) وإبراهيم المخرمي، قال أحمد: صدوق، وقال أبو داود: ثقة، وقال ابن معين: صدوق، وقال في التقريب: صدوق رمي بالتشيع، من كبار الحادية عشرة، روى عنه في (3) أبواب (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة مأمون سني، من (10) مات سنة (241) كلاهما (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت، من كبار (9) مات سنة (201) روى عنه في (17) بابًا (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل، من (7) مات سنة (153) روى عنه في (9) أبواب (عن معن) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة، وجعفر بن عمرو بن حريث في الصلاة، وأخيه القاسم، ويروي عنه (خ م) ومسعر والثوري وليث بن أبي سليم وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: من كبار السادسة (6) (قال) معن (سمعت أبي) عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، روى عن مسروق في الصلاة، وعن أبيه وعلي، ويروي عنه (ع) وابناه معن والقاسم وأبو إسحاق، قال ابن معين: ثقة لم يسمع من أبيه، وقال في التقريب: ثقة، من صغار الثانية (2) مات سنة (79) تسع وسبعين، وقد سمع من أبيه، ولكن شيئًا يسيرًا (قال) أبي عبد الرحمن بن عبد الله (سألت مسروقًا) ابن الأجدع بن مالك الهمداني أبا عائشة الكوفي الإمام القدوة الفقيه، قال أبو إسحاق: حج مسروق فما نام إلا ساجدا على وجهه، وقال ابن معين: لا يسأل عن مثله، وقال في التقريب: ثقة مخضرم عابد، من الثانية، مات سنة (63) ثلاث وستين، روى عنه في (11) بابا (من آذن) وأعلم (النبي صلى الله عليه وسلم بـ) حضور (الجن ليلة استمعوا القرآن) من النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) مسروق لعبد الرحمن بن عبد الله السائل له (حدثني أبوك يعني) مسروق بأبيه

ابن مسعود -أنه آذنته بهم شجرةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي (أنه) أي أن الشأن والحال (آذنته) صلى الله عليه وسلم (بـ) حضور (هم شجرة) أي أعلمته إياهم معجزة له صلى الله عليه وسلم بقدرة خلقها الله تعالى فيها، فالإيذان كالتأذين هو الإعلام بالشيء، والثاني مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وغرضه بسوقه بيان متابعة مسروق لعلقمة بن قيس في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود. وذكر المؤلف في هذا الباب حديثين الأول منهما حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

228 - (40) باب القراءة في الظهر والعصر

228 - (40) باب: القراءة في الظهر والعصر 906 - (414) (74) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي عَنِ الْحَجَّاجِ، (يَعْنِي الصَّوَّافَ)، عَنْ يَحْيَى، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي بِنَا. فَيَقْرَأُ فِي الظهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الركْعَتَينِ الأوُلَيَينِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 228 - (40) باب القراءة في الظهر والعصر 906 - (414) (74) (وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس (العنزي) بفتح النون والزاي أبو موسى البصري، فقة ثبت، من (10) مات سنة (252) روى عنه في (14) بابا (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) مات بالبصرة سنة (194) روى عنه في (7) أبواب (عن الحجاجِ) بن أبي عثمان ميسرة أو سالم الصوافِ الخيَّاطِ أبي الصلت الكندي مولاهم البصري، وَثَّقه أحمدُ وابن معين والنسائي والترمذي وأبو زرعة، وقال يحيى القطان: هو فطنٌ وصحيحٌ وكَيِّسٌ، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من السادسة، مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة، روى عنه في (5) أبواب، وأتى بالعناية في قوله (يعني الصوافَ) إشارةً إلى أن هذه النسبةَ مِنْ زيادته لا مما سمعه من شيخه كما مر نظائره مرارا (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي إمام لا يحدِّث إلا عن ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابا، وأتى بهو في قوله (وهو ابن أبي كثير) لما مر آنفًا (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري أبي إبراهيم المدني، ثقة، من الثانية، مات سنة (95) خمس وتسعين (وأبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف الزهري المدني، ثقة ثبت فقيه كثير الحديث، من (3) مات سنة (94) كلاهما رويا (عن أبي قتادة) الأنصاري السلمي بفتح السين واللام، الحارث بن ربعي على المشهور المدني، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي (قال) أبو قتادة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) دائمًا (يصلي بنا) الصلوات الخمس (فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين) منهما (بفاتحة الكتاب وسورتين) في كل ركعة سورة سورة، قال النواوي: فيه دليل لما قال أصحابنا وغيرهم أن قراءة سورة

وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحيَانًا، وَكَانَ يُطَولُ الركْعَةَ الأُولَى مِنَ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ الثانِيَةَ، وَكَذلِكَ فِي الصبحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قصيرة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من طويلة، والمستحب للقارئ أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط ويقف عند انتهاء المرتبط، وقد يخفى على أكثر الناس أو كثيرهم فندب منهم إلى إكمال السورة ليحترز عن الوقوف دون الارتباط اهـ. (ويسمعنا الآية) من الفاتحة أو السورة أو آيتين مثلًا (أحيانًا) أي في بعض الأحيان والأوقات، قال القاضي: فيه أن يسير الجهر لقراءة السر لا يضر اهـ. قال ملا علي (قوله ويسمعنا الآية أحيانًا) يعني نادرًا من الأوقات مع كون الظهر والعصر صلاة سرية وهو محمول على أنه يسبق اللسان لغلبة الاستغراق في تدبر القرآن، وأما قول النواوي وكذا قول ابن حجر على ما نقله ملا علي أنه محمول على بيان جواز الجهر في القراءة السرية فلا يسوغ عندنا يعني عند الأحناف إذ الجهر والسر واجبان على الإمام إلا أن يراد ببيان الجواز أن سماع الآية والآيتين لا يخرجه عن السر اهـ. (وكان) صلى الله عليه وسلم دائما (يطول الركعة الأولى) أي قراءتها (من الظهر ويقصر الثانية) منها من التقصير وهو ضد التطويل، وفي بعض النسخ (ويَقْصُر) على وزن يَقْتلُ وكلاهما صحيح أي يخفف قراءتها بالنسبة إلى الأولى (وكذلك) أي مثل ما يفعل في الظهر من تطويل الأولى وتخفيف الثانية يفعل (في) ركعتي (الصبح) لأن وقتها طويل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 383] والبخاري [776] وأبو داود [798 - 800] والنسائي [2/ 164 - 165] قال القرطبي: حديث أبي قتادة حجة لمالك على صحة مذهبه في اشتراط قراءة الفاتحة في كل ركعة، وعلى قراءة سورتين مع الفاتحة في الركعتين الأوليين، وأن ما بقي من الصلاة لا يقرأ فيه إلا بالفاتحة خاصة، وقد تمسك الشافعي في أنه يقرأ فيما بقي بسورة مع الفاتحة بحديث أبي سعيد الآتي بعد هذا، ووجه تمسكه قوله إنه قرأ في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك، والفاتحة إنما هي سبع آيات لا خمس عشرة فكان يزيد سورة، وهذا لا حجة فيه فإنه تقدير وتخمين من أبي سعيد، ولعله صلى الله عليه وسلم كان يمد في قراءة الفاتحة حتى يقدر بذلك، وهذا الاحتمال غير مدفوع، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها كما رواه مسلم [733] والترمذي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [383] والنسائي [2/ 223] من حديث حفصة رضي الله تعالى عنها، وهذا يشهد بصحة هذا التأويل وحديث أبي قتادة نص فهو أولى، وما ورد في كتاب مسلم وغيره من الإطالة فيما استقر فيه التقصير أو من التقصير فيما استقرت فيه الإطالة كقراءته في الفجر بالمعوذتين كما رواه النسائي [2/ 158] من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وكقراءة الأعراف والمرسلات في المغرب كما رواه البخاري [4429، ومسلم 4621] وأبو داود [810] والترمذي [308] والنسائي 2/ 168] من حديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فمتروك، أما التطويل فبإنكاره على معاذ وبأمره الأئمة بالتخفيف ولعل ذلك منه صلى الله عليه وسلم حيث لم يكن خلفه من يشق عليه القيام وعلم ذلك، أو كان منه ذلك متقدمًا حتى خفف وأمر الأئمة بالتخفيف كما قال جابر بن سمرة وكانت صلاته بعدُ تخفيفا، ويحتمل أن يكون فعل ذلك في أوقات ليبين جواز ذلك، أو يكون ذلك بحسب اختلاف الأوقات من السعة والضيق، وقد استقر عمل أهل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرًا لا يضر من خلفه بقراءتها بطوال المفصل ويليها في ذلك الظهر والجمعة، وتخفيف القراءة في المغرب، وتوسيطها في العصر والعشاء، وقد قيل في العصر إنها تخفف كالمغرب، وتطويله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى إنما كان ليدرك الناس الركعة الأولى رواه أبو داود عن أبي قتادة [799]. وعن ابن أبي أوفى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى حتى لا يسمع وقوع قدم، رواه أبو داود [802] يعني حتى يتكامل الناس ويجتمعوا وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد أنه كان يطول الركعة الأولى من الظهر بحيث يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو فيها وذلك والله أعلم لتوالي دخول الناس ولا حجة للشافعي في هذا الحديث على تطويل الإمام لأجل الداخل لأن ما ذكر ليس تعليلا لتطويل الأولى، وإنما هي حكمته ولا يعلل بالحكمة لخفائها أو لعدم انضباطها، وأيضًا فلم يكن يدخل فيها مريدا تقصير تلك الركعة ثم يطولها لأجل الداخل، وإنما كان يدخل فيها ليفعل الصلاة على هيئتها من تطويل الأولى فافترق الأصل والفرع فامتنع الإلحاق اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال:

907 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا هَمامٌ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن النَّبِيّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الركْعَتَينِ الأوُلَيَينِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَة. وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا. وَيَقْرَأُ فِي الركْعَتَينِ الأخرَيَينِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. 908 - (415) (75) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 907 - (00) (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، قال (حدثنا يزيد بن هارون) ابن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة ثبت متقن حافظ، من (9) مات سنة (256) روى عنه في (19) بابا، قال (أخبرنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي أبو عبد الله البصري، ثقة ربما وهم، من (7) مات سنة (164) روى عنه في (12) بابا (وأبان بن يزيد) العطار أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) مات سنة (165) روى عنه في (7) أبواب، كلاهما (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (عن عبد الله بن أبي قنادة) المدني (عن أبيه) أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد بصري وواحد واسطي وواحد كوفي، وغرف بسوقه بيان متابعة همام لحجاج الصواف في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للأولى (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة) أي في كل منهما (ويسمعنا) من أسمع الرباعي (الآية) التي يقرأها (أحيانًا) جمع حين بمعنى الوقت، وهو يدل على تكرر ذلك منه، وللنسائي من حديث البراء فنسمع منه الآية من سورة لقمان والذاريات، ولابن خزيمة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية اهـ قسط. (ويقرأ في الركعتين الأخريين) أي الأخيرتين منهما مثنى الأخرى مؤنث الآخر (بفاتحة الكتاب) فقط أي لا يقرأ السورة فيهما، وهذا زيادة على الرواية الأولى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي قتادة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 908 - (415) (75) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن

أَبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنْ هُشَيمٍ. قَال يَحْيى: أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ قَال: كُنا نَحْزُرُ قِيَامَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي شيبة) العبسي الكوفي، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن هشيم) مصغرا بن بشير -بوزن عظيم- ابن القاسم بن دينار السلمي أبي معاوية الواسطي، ثقة، من (7) وأتى بجملة قوله (قال يحيى أخبرنا هشيم) تورعا من الكذب عليه بالعنعنة (عن منصور) بن زاذان -بزاي وذال معجمة- الواسطي، كان ينزل بالمَبَارك اسم موضع من واسط، أبي المغيرة الثقفي مولاهم مولى عبد الله بن أبي عقيل، روى عن الوليد بن مسلم أبي بشر في الصلاة، وعمرو بن دينار في الصلاة، وقتادة في الصلاة، وعبد الرحمن بن القاسم في الحج، والحسن بن أبي الحسن في الأيمان والحدود، ومحمد بن سيرين وأنس وأبي العالية وعطاء بن أبي رباح وطائفة، ويروي عنه (ع) وهشيم وأبو عوانة وجرير بن حازم وغيرهم، قال أحمد: شيخ ثقة، وقال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال العجلي: رجل صالح متعبد كان ثقة ثبتًا، وكان سريع القراءة وكان يحب أن يترسل فلا يستطيع، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يختم القرآن بين الأولى والعصر، وكان من المتقشفين المتجردين، وقال في التقريب: ثقة ثبت عابد، من السادسة، مات سنة (129) تسع وعشرين ومائة، روى عنه في (4) أبواب، وما ذكره النواوي هنا أنه منصور بن المعتمر فخطأ أو سهو منه لأن منصورا الذي يروي عنه الوليد ويروي عنه هشيم هو منصور بن زاذان راجع الأصفهاني وكتب الرجال (عن الوليد بن مسلم) بن شهاب التميمي العنبري أبي بشر البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (2) بابين (عن أبي الصديق) بَكْرِ بن عَمْرٍو أوْ ابنِ قيس الناجي بالنون والجيم منسوب إلى ناجية اسم قبيلة البصري، روى عن أبي سعيد الخدري في الصلاة والتوبة، وعائشة وابن عمر، ويروي عنه (ع) والوليد بن مسلم أبو بشر وقتادة وعاصم الأحول وغيرهم، وثقة ابن معين وأبو زرعة، وله في (خ) فردُ حديث، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (108) ثمان ومائة (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان واسطيان وواحد مدني وواحد إما نيسابوري أو كوفي (قال) أبو سعيد (كنا نحزر) بضم الزاي وكسرها من بابي نصر وضرب؛ أي نخمن ونُقدِّرُ (قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر) أي مقدار طول قيامه

فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الركْعَتَينِ الأُولَيَينِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الم تَتزِيلُ السجْدَةِ. وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الأخرَيَينِ قَدْرَ النصْفِ مِنْ ذلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الؤكْعَتَينِ الأُولَيَينِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الأُخْرَيَينِ مِنَ الظُّهْرِ. وَفِي الأُخرَيَينِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النصْفِ مِنْ ذلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: الم تَنْزِيلُ. وَقَال: قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَة ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهما (فحزرنا قيامه) صلى الله عليه وسلم أي قدرنا طول قيامه (في الركعتين الأوليين من الظهر قدر) زمن (قراءة الم تنزيل السجدة) بجر السجدة على البدل ونصبها بأعني ورفعها خبر مبتدأ محذوف تقديره هو، وأما تنزيل فبالرفع على الحكاية لا غير (وحزرنا قيامه في الأخريين) منها (قدر النصف من ذلك) أي من قيامه في الركعتين الأوليين، وتقدم احتجاج الشافعي به والجواب عنه اهـ أبي. (وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر) أي قدرنا كون زمن قيامه فيهما من العصر (على قدر) زمن (قيامه في الأخريين من الظهر و) قدرنا قيامه (في الأخريين من العصر) كونه (على) قدر (النصف من ذلك) أي من قيامه في الأوليين من العصر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 2] وأبو داود [804] والترمذي [307] وابن ماجه [828]. (ولم يذكر أبو بكر) بن أبي شيبة (في روايته) لهذا الحديث لفظة (الم تنزيل وقال) أبو بكر بدل ذلك (قدر ثلاثين آية) وهو اختلاف لفظي لأن سورة السجدة ثلاثون آية. قال الأبي: قوله (فحزرنا) الخ، واعلم أن المشروع للأئمة إنما هو التخفيف، وأن أحاديث التطويل مؤولة، وأحاديث التطويل فيها ثلاثة هذا وحديث تقدير ذلك بثلاثين آية، وحديث يذهب الذاهب، وأحاديث تخفيف القراءة فيها حديث جابر بن سمرة ففي طريق منه كان يقرأ فيهما بسبح، وفي طريق آخبر والليل إذا يغشى، قال القاضي: فتحمل أحاديث التطويل على أنه كان يبادر أول الوقت فيطيل الأولى لِتَوَفُّرَ الجماعةُ لأنها تأتي والناس في قائلتهم وتصرفاتهم، ولهذا استحب فيها التأخير إلى أن يفيء الفيء ذراعًا، وقد ورد هذا المعنى نصًّا في أبي داود قال: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى، وعند ابن أبي أوفى كان يقوم حتى لا يسمع وقع قدم أي حتى يتكامل الناس، وبالجملة فمالك وعلماء الأمة على أن استحباب التطويل فيها وفي الصبح بحسب حال

909 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصلي، وأن الترخيص بالتخفي فيها بحسب الحادث من سفر وغيره، والقراءةِ فيها بما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقراءتُه فيهما بنحو السجدة وهو في غالب الأوقات وعند تساوي الأحوال نحو ما يأتي من حديث جابر بن سمرة أنَّه قرأ فيها وفي الصبح بقاف ونحوها، وقوله في حديث جابر قرأ فيها بقاف ثمَّ كانت صلاته تخفيفًا ليس معناه أنَّه صار بعد ذلك يخفف بل ظاهره أن قاف من التخفيف؛ فالمعنى ثمَّ استمر على نحو ذلك من التخفيف ويشهد لذلك قوله في الرواية الأخرى كان يخفف يقرأ في الفجر بقاف، والله أعلم اهـ منه. واعلم أن اختلاف قدر القراءة في الصلوات فهو عند العلماء على ظاهره، قالوا: فالسنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل وتكون الصبح أطول، وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، قالوا: والحكمة في إطالة الصبح والظهر أنهما في وقت غفلة بالنوم آخر الليل وفي القائلة فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم، والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر والله أعلم اهـ نواوي. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: 909 - (00) (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي بفتحتين مولاهم أبو محمَّد الأبلي، ثقة، من صغار (9) (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، من (7) (عن منصور) بن زاذان الواسطي، ثقة، من (6) (عن الوليد) بن مسلم (أبي بشر) البصري، ثقة، من (5) (عن أبي الصديق) بكر بن عمرو (الناجي) منسوب إلى ناجية اسم قبيلة، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) وهذا السند من سداسياته أيضًا، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لهشيم في رواية هذا الحديث عن منصور، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة

الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَينِ الأُولَيَينِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً. وَفِي الأُخْرَيَينِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً. أَوْ قَال: نِصْفَ ذلِكَ. وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَينِ الأُولَيَينِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً. وَفِي الأُخْرَيَينِ قَدْرَ نِصْفِ ذلِكَ. 910 - (416) (76) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة) منهما (قدر ثلاثين آية) وهو بمعنى الرواية الأولى لأنَّ سورة السجدة ثلاثون آية (وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أو قال) الراوي أو مَنْ دونه (نصف ذلك) المذكور من الثلاثين أي قدر نصف ذلك بدل قوله قدر خمس عشرة آية والمعنى واحد (وفي العصر في الركعتين الأوليين) منها (في كل ركعة) منهما (قدر خمس عشرة آية) نصف الثلاثين (وفي الأخريين) من العصر (قدر نصف ذلك) المذكور في الأوليين منها وهو سبع آية ونصف، وقوله (الأوليين والأخريين) بياءين مثناتين تحت تثنية الأولى والأخرى مؤنث الأول والآخر. وفي هذه الأحاديث كلها دليل على أنَّه لا بد من قراءة الفاتحة في جميع الركعات ولم يوجب أبو حنيفة في الأخريين القراءة بل خيره بين القراءة والتسبيح والسكوت، والجمهور على وجوب القراءة وهو الصواب الموافق للسنن الصحيحة والله أعلم. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي قتادة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 910 - (416) (76) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر القبطي الكوفي، ثقة فقيه تغير حفظه وربما دلس، من الثالثة، مات سنة (136) روى عنه في (15) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي بضم المهملة والمد الكوفي الصحابي بن الصحابي المشهور، له (146) حديثًا، روى عنه في (5) أبواب (أن أهل الكوفة) بضم الكاف اسم لبلدة مشهورة في العراق؛ وهي دار الفضل ومحل الفضلاء بناها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أي أمر نوابه ببنائها هي والبصرة قيل سميت كوفة لاستدارتها تقول العرب رأيت كوفًا وكوفانًا للرمل المستدير، وقيل لاجتماع الناس فيها تقول العرب تكوف الرمل إذا استدار وركب بعضه بعضًا، وقيل لأنَّ ترابها خالطه حصى

شَكَوْا سَعْدًا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَذَكَرُوا مِنْ صَلاتِهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِ عُمَرُ فَقَدِمَ عَلَيهِ. فَذَكَرَ لَهُ مَا عَابُوهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الصَّلاةِ. فَقَال: إِنِّي لأُصَلِّي بِهِمْ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. مَا أَخْرِمُ عَنْهَا. إِنِّي لأَرْكُدُ بِهِمْ فِي الأُولَيَينِ وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَينِ. فَقَال: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ. أَبَا إِسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكل ما كان كذلك يسمى كوفة، قال أبو بكر الحازمي وغيره: ويقال للكوفة أيضًا كوفان بضم الكاف اهـ نواوي. (شكوا) بفتح الكاف وتخفيفها لأنه من شكا يشكو من باب دعا يدعو (سعدًا) أي سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري أبا إسحاق المدني أي أظهروا الشكوى منه (إلى عمر بن الخطاب) حين كان أميرًا عليهم بتوليته (فذكروا) في الشكوى منه أشياء كثيرة، فقالوا: إنه لا يخرج بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، حتى قالوا: إنه لا يحسن (من صلاته) أي لا يصلي بنا صلاة تامة بآدابها وهيئاتها أي شكاه بعضهم، فهو من باب إطلاق الكل على البعض منهم الأشعث بن قيس كما ذكره العسكري في الأوائل، وأبو سعدة أسامة بن قتادة كما في البخاري، والجراح بن سنان وقبيصة وأربد الأسديون كما في الطبراني (فأرسل إليه) أي إلى سعد (عمر) بن الخطاب فوصل إليه الرسول (فقدم) سعد من الكوفة (عليه) أي على عمر في المدينة فعزله واستعمل عليهم عمار بن ياسر (فـ) لما قدم عليه (ذكر) عمر (له) أي لسعد (ما عابوه) أي ما عيب أهل الكوفة (به) سعدًا (من) عدم الاهتمام بـ (أمر الصلاة) وترك آدابها وسننها (فقال) سعد لعمر: أما هم فقالوا ما قالوا وأما أنا فـ (إني) والله (لأصلي بهم صلاةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي صلاة مِثْلَ صلاتهِ - صلى الله عليه وسلم - (ما أخرم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء من باب ضرب أي ما أنقص (عنها) أي عن صلاته - صلى الله عليه وسلم - (إني لأركد) بضم الكاف من باب نصر أي لأطول القيام (بهم في) الركعتين (الأوليين وأحذف) بفتح الهمزة وكسر الذال أي أقصر القيام بهم (في) الركعتين (الأخريين فقال) عمر له (ذاك) الذي تقول مبتدأ خبره (الظن بك) أي ظني واعتقادي فيك يا (أبا إسحاق) كنية سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري وأبو داود والنسائيُّ، وأما سنده فهو من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد

911 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نيسابوري، وفيه رواية صحابي عن صحابي جابر بن سمرة عن سعد. قوله (فأرسل إليه عمر) فيه أن الإمام إذا شكي إليه نائبه بعث إليه واستفسره عن ذلك، وأنه إذا خاف مفسدةً باستمرارِه في ولايتِه ووُقُوعَ فتنةٍ عَزَلَه لأنه السببُ الذي عُزِل له سعدٌ لا لقادحٍ فيه، وفي البخاري في حديثِ مَقْتل عمر وقضيةِ الشورى، قال عمر - رضي الله عنه -: إن أصابت الأمارةُ سعدًا فذاك، وإلا فليستعن به مَنْ أُمِّر منكم فإني لم أعزله عن عَجْز ولا عن خيانة، قال المازري: إن عُلم عِلْمُ القاضي وعدالتهُ لم يُعزل بالشكية، ويُسئل عنه في السر فإن ثبِّت طَعْنٌ عُزلَ وإلا أُقِرَّ، وإن لم تتحقَّق عدالتُه فقيلَ لا يعزل اهـ أبي، قوله (وأحذف في الأخريين) يعني أُقصِّرُهما عن الأوليين لا أنَّه يُخل بالقراءة ويحذفها كلها، قال ابن الملك: الظاهر أن معناه وأحذف القراءةَ فيهما كما هو المفهوم من حديث عبد الله بن السائب الآتي في باب القراءة في الصبح فيما رواه عَبْدُ الرزاق مِن قوله (فحذف فركع) وهو مقتضى مذهب إمامنا الأعظم فالمصلي مخير فيهما إن شاء قرأ وإن شاء سبح وإن شاء سكت، قال العيني: وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة إلا أن الأفضل أن يقرأ اهـ. وقوله (ذاك الظن بك أبا إسحاق) فيه مدح الرجل في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، والنهي عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه الفتنة، وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيح بالأمرين، وجمع العلماء بينهما بما ذكرته، وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته لا باسمه. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد - رضي الله عنه - فقال: 911 - (. .) (. .) (. .) (حدثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني (وإسحاق بن إبراهيم) المروزي (عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (بهذا الإسناد) أي عن جابر بن سمرة عن سعد بن أبي وقاص، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لهشيم بن بشير في رواية هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فقال:

912 - (. .) (. .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ. قَال: قَال عُمَرُ لِسَعْدٍ: قَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيءٍ حَتَّى فِي الصَّلاةِ. قَال: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الأُولَيَينِ وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَينِ. وَمَا آلُو مَا اقْتَدَيتُ بِهِ مِنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَقَال: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 912 - (. .) (. .) (. .) (وحدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي عون) محمَّد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي الأعور الكوفي، روى عن جابر بن سمرة في الصلاة، وأبي الزبير ومحمد بن حاطب الجمحي، ووراد مولى المغيرة في الأحكام، وأبي صالح عبد الرحمن بن قيس الحنفي في اللباس، ويروي عنه (خ م د ت س) وشعبة ومسعر ومحمد بن سوقة والأعمش والثوري وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائيُّ، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، روى عنه في ثلاثة أبواب (قال) أبو عون (سمعت جابر بن سمرة) السوائي الكوفي - رضي الله عنه - (قال: قال عمر لسعد) بن أبي وقاص الزهري المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيانُ متابعةِ أَبي عَونٍ لعبد الملك بن عمير في رواية هذا الحديث عن جابر بن سمرة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات (قد شكوك) يا أبا إسحاق أي قد أكثر أهل الكوفة الشكوى منك (في كل شيء) في الغزو والقَسْم والقضاء (حتى) شكوك عدم الاهتمام (في الصلاة) قال المازري: لم يوقفه عمر إلا ليتحقق براءته مما طُعِن فيه فَبَرَّأَه مما قالوا وكان عند الله وجيهًا، قال الأبي: وإنما لم يجبه إلا عن الصلاة لأنها أهمُّ (قال) سعد لعمر: أما هم فقالوا ما قالوا و (أَمَّا أنا فأَمُدُّ) القراءة وَأُطوِّلُها (في) الركعتين (الأُوليين وأَحْذِف) أي أُخفِّف القراءةَ وأُقصِّرها (في) الركعتين (الأخريين وما آلو) بالمد في أولِه وضمِ اللام أي لا أُقصِّر في ذلك، ومنه قوله تعالى: (لا يألونكم خبالا) أي لا يقصرون في إفسادكم أي لا أقصر في أن أصلي بهم (ما اقتديت) وائتممت (به من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي لا أقصر ولا أفرط في أن أصلي بهم صلاة مثل صلاة اقتديت فيها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال) عمر (ذاك) الذي تقول مبتدأ خبره (الظن) أي ظننا (بك)

أَوْ ذَاكَ ظَنِّي بِكَ. 913 - (. .) (. .) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِي عَوْنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ: فَقَال: تُعَلِّمُنِي الأَعْرَابُ بِالصَّلاةِ؟ 914 - (417) (77) حدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واعتقادنا فيك (أو) قال عمر أو الراوي، والشك إما من الراوي أو ممن دونه (ذاك) الذي قلت (ظني بك) واعتقادي فيك. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد - رضي الله عنه - فقال: 913 - (. .) (. .) (. .) (وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) محمَّد (بن بشر) العبدي من عبد قيس أبو عبد الله الكوفي (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي (عن عبد الملك) بن عمير اللخمي الكوفي (وأبي عون) محمَّد بن عبيد الله الثقفي الكوفي كلاهما (عن جابر بن سمرة) السوائي الكوفي، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا سعد بن أبي وقاص فإنَّه مدني، وقوله (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث هشيم في السند الأول، وحديث جرير في السند الثاني، وحديث شعبة في السند الثالث متعلق بما عمل في المتابع وهو مسعر بن كدام أي حدثنا مسعر عن عبد الملك وأبي عون بمعنى حديث أولئك الثلاثة المذكورة لا بلفظه، وغرضه بسوقه بيان متابعة مسعر لأولئك الثلاثة (و) لكن (زاد) مسعر في روايته على أولئك الثلاثة لفظة (فقال) سعد لعمر أَ (تُعلِّمُني) الآنَ هؤلاء (الأعرابُ) البدويُّون (بالصلاةِ) وشروطِها وآدابِها فيُعَيِّبُوني في صلاتي، إذًا واللهِ ضَلَلْتُ وخسِرْتُ لشدةِ غضبه لأنهم كَذَبُوا عليه. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي قتادة بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 914 - (417) (77) (حدثنا داود بن رشيد) بالتصغير الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، قال الدارقطني: ثقة نبيل، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (239)

حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ)، عَنْ سَعِيدٍ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيسٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: لَقَدْ كَانَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ. فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ. فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ. ثُمَّ يَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا الوليد -يعني ابن مسلم) القرشي الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي صاحب الأوزاعي، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة ولكنه كثير التدليس، من (8) مات سنة (195) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد وهو ابن عبد العزيز) التنوخي أبي محمَّد الدمشقي، روى عن عطية بن قيس في الصلاة، وربيعة بن يزيد في الزكاة، وغيرهما وإسماعيل بن عبيد الله في الصوم وغيرهم، ويروي عنه (م عم) والوليد بن مسلم، ومروان بن محمَّد الدمشقيان وأبو مسهر وشعبة والثوري وخلق، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائيُّ، وقال الحاكم: هو لأهل الشام كمالك لأهل المدينة، وقال في التقريب: ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي، وقدمه أبو مسهر، ولكنه اختلط في آخر عمره، من السابعة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة (عن عطية بن قيس) الكلابي أو الكلاعي بالعين بدل الباء أبي يحيى الحمصي، روى عن قزعة في الصلاة، وعن معاوية والنعمان بن بشير وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وسعيد بن عبد العزيز وابنه سعد وعبد الواحد بن قيس، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (121) إحدى وعشرين ومائة، وليس في مسلم من اسمه عطية إلا هذا (عن قزعة) بفتح الزاي وإسكانها ابن يحيى، ويقال ابن الأسود الحرشي مولاهم مولى زياد بن أبي سفيان، ويقال مولى عبد الملك أبي الغادية البصري، روى عن أبي سعيد الخدري في الصلاة والصوم والحج والنكاح، وأبي هريرة وابن عمر، ويروي عنه (ع) وعطية بن قيس وربيعة بن يزيد وعبد الملك بن عمير وسهم بن منجاب وقتادة ومجاهد وعدة، وثقة العجلي وقال: بصري تابعي ثقة، وقال ابن خراش: صدوق، وذكره ابن حبَّان في الثقات، له في (خ) فرد حديث، وقال في التقريب: ثقة، من (3) الثالثة، وليس في مسلم من اسمه قزعة إلا هذا (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي (قال) أبو سعيد: والله (لقد كانت صلاة الظهر تقام) أي يقيم لها المقيم (فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته) حاجة الإنسان بولا أو غائطًا (ثمَّ يتوضأ ثمَّ يأتي) إلى

وَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى. مِمَّا يُطَوِّلُهَا. 915 - (. .) (. .) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ. قَال: حَدَّثَنِي قَزَعَةُ. قَال: أَتَيتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيهِ. فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، قُلْتُ: إِنِّي لا أَسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤُلاءِ عَنْهُ. قُلْتُ: أَسْأَلُكَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى مما يطولها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي من أجل تطويله إياها. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أَحْمَدُ [3/ 35] والنسائيُّ [2/ 164] وابن ماجه [825]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد هذا - رضي الله عنه - فقال: 915 - (. .) (. .) (. .) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله البغدادي القطيعي بفتح القاف المعروف بالسمين، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (عن معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي، وثقه أحمد وابن معين والنسائيُّ والعجلي وأبو زرعة، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (7) (عن ربيعة) بن يزيد القصير الدمشقي أبي شعيب الإيادي فقيه أهل دمشق مع مكحول، ثقة عابد، من (4) مات سنة (123) (قال) ربيعة (حدثني قزعة) بن يحيى الحرشي البصري (قال) قزعة (أتيت أبا سعيد الخدري) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان شاميان وواحد مدني وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ربيعة بن زياد لعطية بن قيس في رواية هذا الحديث عن قزعة بن يحيى، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة أي أتيت وجئت أبا سعيد (وهو) أي والحال أنَّه (مكثور عليه) أي مغلوب بكثرة الناس عنده للاستفادة يعني اجتمع عنده ناس كثيرون ليستفيدوا منه الحديث (فلما تفرق الناس) المجتمعون عنده وذهبوا (عنه) أي عن مجلسه (قلت) له أي لأبي سعيد (إني لا أسألك) يا أبا سعيد (عما يسألك هؤلاء) المجتمعون عندك (عنه) متعلق بيسألك ثمَّ (قلت) له (أسألك عن) صفة (صلاة رسول الله

- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَقَال: مَا لَكَ فِي ذَاكَ مِنْ خَيرٍ. فَأَعَادَهَا عَلَيهِ. فَقَال: كَانَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ. فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إِلَى الْبَقِيعِ. فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فَيَتَوَضَّأُ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم -) هل هي طويلة أم قصيرة (فقال) لي أبو سعيد (ما لك) يا قزعة (في) السؤال عن (ذاك) الذي ذكرت من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من خير) أي من نفع وفائدة، ما تميمية لفقد شرطها، لك خبر مقدم في ذاك متعلق بخبرٍ، من خير مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول قال، معناه أنك لا تستطيع الإتيان بمثلها لطولها وكمال خشوعها وإن تكلفت ذلك شق عليك ولم تحصله فتكون قد علمت السنة وتركتها، وقوله (فأعادها) أي فأعاد قزعة المسألة (عليه) أي على أبي سعيد مرة ثانية، فيه التفات، وكان مقتضى السياق فأعدت المسألة عليه أو المعنى فأعاد أبو سعيد المسألة عليه أي على قزعة أي أجابها له (فقال) أبو سعيد (كانت صلاة الظهر تقام فينطلق) أي يذهب (أحدنا إلى البقيع) هو مقبرة أهل المدينة (فيقضي حاجته) حاجة الإنسان (ثمَّ يأتي أهله فيتوضأ ثمَّ يرجع إلى المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى) منها. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول حديث أبي قتادة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي سعيد الخدري الأولُ ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث أبي سعيد الخدري الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

229 - (41) باب القراءة في الصبح والظهر والعصر

229 - (41) باب: القراءة في الصبح والظهر والعصر 916 - (418) (78) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ - وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 229 - (41) بابُ القراءة في الصبح والظهر والعصر 916 - (418) (78) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمال بالمهملة، ثقة، من (10) (حدثنا حجاج بن محمَّد) الأعور أبو محمَّد البغدادي ثمَّ المصيصي نزل بغداد ثمَّ مصيصة، ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره، من (9) (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم أبي الوليد المكي، ثقة فقيه وكان يدلس ويرسل، من (6) (ح) أي حول المؤلف السند و (قال وحدثني) أيضًا (محمَّد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة عابد، من (11) (وتقاربا) أي تقارب هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع (في اللفظ) أي في لفظ الحديث الآتي، قال محمَّد بن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9) قال عبد الرزاق (أخبرنا ابن جريج) وأتى بحاء التحويل لاختلاف شيخي شيخيه ولأن حجاج بن محمَّد قال: عن ابن جريج، وعبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج (قال) ابن جريج بالسندين المذكورين (سمعت محمَّد بن عباد بن جعفر) بن رفاعة بن أمية المخزومي المكي، روى عن أبي سلمة بن سفيان في الصلاة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المسيب العابدي وجابر بن عبد الله في الصوم، وعبد الله بن عمر في اللباس وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن جريج في الصلاة، وعبد الحميد بن جبير بن شيبة في الصوم، وزياد بن إسماعيل، وثقه ابن معين، وقال: ثقة مشهور، وقال أبو زرعة: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة؛ أي سمعت محمَّد بن عباد، حالة كونه (يقول أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن سفيان) بن عبد الأشهل المخزومي المكي، مشهور بكنيته، روى عن عبد الله بن السائب وعبد الله بن عمرو، ونسبه بعضهم إلى العاص، وعبد الله بن عمر في الصلاة، ويروي عنه (م د س ق) ومحمد بن عباد بن

وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْعَابِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ. قَال: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ بِمَكَّةَ. فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ. حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر، قال أحمد: ثقة مأمون، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (وعبد الله بن عمرو بن العاص) قال الحفاظ: قوله ابن العاص غلط، والصواب حذفه وليس هذا عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي بل هو عبد الله بن عمرو المخزومي المكي، روى عن عبد الله بن السائب في الصلاة، ويروي عنه (م د) ومحمد بن عباد بن جعفر، مقبول، من الرابعة، وقيل هو عبد الله بن عمرو بن عبيد القاري بالتشديد، مقبول أيضًا، من الرابعة، وكذا ذكره البخاري في تاريخه، وابن أبي حاتم وخلائق من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين (وعبد الله بن المسيب) بن أبي السائب صيفي بن عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي (العابدي) بموحدة نسبة إلى جده المذكور، من أبناء المهاجرين المكي، روى عن عبد الله بن السائب في الصلاة وعُمَر وبنِ عمر، ويروي عنه (م د) له عندهما فرد حديث وقرناه بآخر، ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من كبار الثالثة، ووهم من ذكره في الصحابة، مات سنة بضع وستين كل من الثلاثة رووا (عن عبد الله بن السائب) بن أبي السائب واسم أبي السائب صيفي بن عابد بموحدة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي العابدي القارئ أبي عبد الرحمن المكي، له ولأبيه صحبة، له سبعة (7) أحاديث انفرد له (م) بحديث، ويروي عنه (م عم) وأبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن المسيب العابدي في الصلاة، وعطاء وابن أبي مليكة، وقرأ عليه مجاهد وهو قائد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، مات بمكة زمن ابن الزبير، وقال في التقريب: مات سنة بضع وستين (63). وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم مكيون واثنان بغداديان، والثاني منهما أربعة منهم مكيون وواحد صنعاني وواحد نيسابوري (قال) عبد الله بن السائب (صلى) إمامًا (لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح) أي صلاة الفجر (بمكة) أي في فتح مكة اهـ ملا علي عن العسقلاني. (فاستفتح سورة المؤمنين) أي بدأ قراءتها في صلاة الصبح، واستمر في قراءتها (حتى جاء ذكر) قصة (موسى وهارون) برفع ذكر على أنَّه فاعل جاء ويجوز نصبه على المفعولية، والفاعل ضمير يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - أي حتى وصل النبي

أَوْ ذِكْرُ عِيسَى - مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ يَشُكُّ، أَو اخْتَلَفُوا عَلَيهِ - أَخَذَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ، فَرَكَعَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ السَّائِبِ حَاضِرٌ ذلِكَ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: فَحَذَفَ، فَرَكَعَ. وَفِي حَدِيثِهِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْروٍ. وَلَمْ يَقُلِ: ابْنِ الْعَاصِ. 917 - (419) (79) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - ذكر موسى وهارون عليهما السلام (أو) قال أحد الرواة عن عبد الله بن السائب حتى جاء (ذكر عيسى - محمَّد بن عباد) مبتدأ خبره يشك؛ أي هو الذي (يشك) فيما قاله أحد الثلاثة من الكلمتين (أو اختلفوا) أي الثلاثة من مشايخه فيما ألقوا (عليه -) أي على محمَّد بن عباد من الكلمتين؛ أي حتى إذا وصل ذكر موسى وهارون (أخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - سعلة) بفتح السين وسكون العين فعلة من السعال، وإنما أخذته من البكاء يعني عند تدبر تلك القصص بكى حتى غلب عليه السعال ولم يتمكن من إتمام السورة اهـ من مرقاة ملا علي (فركع) أي هوى للركوع، قال محمَّد بن عباد (وعبد الله بن السائب) رضي الله تعالى عنه (حاضر ذلك) المجلس الذي قرأ فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذته سعلة، قال المؤلف رحمه الله تعالى (وفي حديث عبد الرزاق) وروايته زيادة (فحذف) النبي - صلى الله عليه وسلم - القراءة أي قطعها كما هو الظاهر من تفريع ركوعه عليه بقوله (فركع) أي قطعها وهوى للركوع (وفي حديثه) أي في حديث عبد الرزاق وروايته لفظة (عبد الله بن عمرو) فقط (ولم يقل) عبد الرزاق لفظة (ابن العاص) بل الذي قاله هو حجاج بن محمَّد، قال النواوي: وفي هذا الحديث جواز قطع القراءة، وجواز القراءة ببعض السورة وهذا جائز بلا خلاف ولا كراهية فيه، إن كان القطع لعذر، وإن لم يكن له عذر فلا كراهة فيه أيضًا، ولكنه خلاف الأولى، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وبه قال مالك رحمه الله تعالى في رواية عنه والمشهور عنه كراهته. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري رواه تعليقًا [2/ 255] وأبو داود [648 - 649] والنسائيُّ [2/ 176] وابن ماجه [820] والله أعلم. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث عمرو بن حريث - رضي الله عنه - فقال: 917 - (419) (79) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ. قَال: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ سَرِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ: {وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري الأحول (ح) أي حول السند و (قال وحدثنا) أيضًا معطوف على حدثني (أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي (ح) أي حول المؤلف (و) قال (حدثني أبو كريب) محمَّد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (له) أي لأبي كريب أتى به تورعًا من الكذب على غيره، قال أبو كريب (أخبرنا) محمَّد (بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكوفي كل من يحيى بن سعيد ووكيع ومحمد بن بشر رَوَوْا (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي (قال) مسعر (حدثني الوليد بن سريع) بوزن منيع مولى آل عمرو بن حريث الكوفي، روى عن عمرو بن حريث في الصلاة، وعبد الله بن أبي أوفى، وبروي عنه (م س) ومسعر وخلف بن خليفة وإسماعيل بن أبي خالد، وثقه ابن حبَّان، وقال في التقريب: صدوق من الرابعة (عن عمرو بن حريث) بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، أبي سعيد الكوفي صحابي صغير، له (18) ثمانية عشر حديثًا انفرد له (م) بحديثين، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، وروى عن عبد الله بن مسعود وعن سعيد بن زيد في الأطعمة، ويروي عنه (ع) والوليد بن سريع في الصلاة وابنه جعفر بن عمرو بن حريث وعبد الملك بن عمير والحسن العرني وغيرهم، قال البخاري: مات سنة (85) خمس وثمانين. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته، ومن لطائفها أن رجالها كوفيون إلا يحيى بن سعيد فإنَّه بصري وزهير بن حرب فإنَّه نسائي والله أعلم (أنَّه) أي أن عمرو بن حريث (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في) صلاة (الفجر) قوله تعالى: ({وَاللَّيلِ إِذَا عَسْعَسَ}) [التكوير: 17] أي أقسمت بالليل إذا أقبل في مبدئه أو إذا أدبر في نهايته؛ فالعسعسة والعسعاس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل، وإذا ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بفعل القسم المحذوف وجوبًا أي أقسمت لك بالليل وقت عسعسته كما بسطنا الكلام على ذلك في تفسيرنا حدائق الروح والريحان بما لا مزيد عليه لفظًا ومعنى، والآية من سورة التكوير في رقم (17).

918 - (420) (80) حدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: صَلَّيتُ وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَرَأَ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] حَتَّى قَرَأَ: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] قَال: فَجَعَلْتُ أُرَدِّدُهَا. وَلا أَدْرِي مَا قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في التفسير في الكبرى. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا بحديث قطبة بن مالك - رضي الله عنه - فقال: 918 - (420) (80) (حدثني أبو كامل الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده (فضيل بن حسين) بن طلحة البصري، ثقة حافظ، من (10) (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز، ثقة، من (7) (عن زياد) بكسر الزاي (بن علاقة) بكسر العين وتخفيف اللام وبالقاف الثعلبي بالمثلثة أبي مالك الكوفي، وثقه ابن معين والنسائيُّ، وقال في التقريب: ثقة رمي بالنصب، من الثالثة، مات سنة (135) (عن قطبة بن مالك) عم زياد بن علاقة الثعلبي بالمثلثة والمهملة الصحابي الكوفي، يروي عنه (م ت س ق) وابن أخيه زياد بن علاقة في الصلاة فقط، له أحاديث انفرد له (م) بحديث. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان كوفيان وواحد واسطي وواحد بصري (قال) قطبة (صليت وصلَّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) صلاة الفجر بدليل الرواية الآتية (فقرأ) سورة ({ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}) واستمر فيها (حتى قرأ) قوله تعالى: ({وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ}) أي طويلات (قال) قطبة (فجعلت) أي شرعت (أرددها) أي أردد كلمة: والنخل باسقات على لساني وأكررها (ولا أدري) ولا فهمت (ما قال) بعدها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي أخرجه في الصلاة عن هناد بن السري عن وكيع عن مسعر وقال: حسن صحيح، والنسائيُّ أخرجه في الصلاة عن إسماعيل بن مسعود، وأعاده في التفسير في الكبرى، وابن ماجه أخرجه في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة اهـ تحفة الأشراف. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث قطبة بن مالك - رضي الله عنه - فقال:

919 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَرِيكٌ وَابْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ. سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10] ـــــــــــــــــــــــــــــ 919 - (. .) (. .) (. .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك) بن عبد الله بن سنان بن أنس، ويقال له شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي أبو عبد الله الكوفي القاضي بواسط ثمَّ الكوفة ومات بها، روى عن زياد بن علاقة في الصلاة، وعمار الدهني في الحج، وهشام بن عروة في النكاح، وشعبة في البيوع، ويعلي بن عطاء في الطب، وعبد الملك بن عمير في الشعر، وعمارة بن القعقاع في الفضائل، وعبد الله بن شبرمة في الفضائل، ويروي عنه (م عم) وابن أبي شيبة وعلي بن حكيم الأودي ويونس المؤدب والفضل بن موسى ومحمد بن الصباح وعلي بن حجر وعدة، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: كوفي ثقة وكان حسن الحديث، وقال يعقوب بن شيبة: شريك صدوق ثقة سيئ الحفظ جدًّا، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا كثير الحديث وكان يغلط، وقال في التقريب: صدوق يخطئ كثيرًا، من الثامنة، مات سنة (177) سبع وسبعين ومائة، عن (82) اثنتين وثمانين سنة (و) سفيان (بن عيينة) بن ميمون الكوفي (ح وحدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا) سفيان (بن عيينة عن زياد بن علاقة) الثعلبي الكوفي (عن قطبة بن مالك) الثعلبي الكوفي. وهذان السندان أيضًا من رباعياته، وغرضه بسوقهما بيان متابعة سفيان بن عيينة وشريك بن عبد الله لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن زياد بن علاقة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. أنَّه (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}) [ق: 10] والنخل معطوف على جنات أي أنبتنا بذلك الماء النخل، وتخصيصها بالذكر مع اندراجها في الجنات لبيان فضلها على سائر الأشجار، وباسقات حال مقدرة من النخل أي حالة كونها طوالًا في السماء عجيبة الخلق، وجملة قوله (لها طلع نضيد) أي منضود متراكم بعضه فوق بعض حال مقدرة من النخل أيضًا لأنها وقت الإنبات لم تكن طوالًا وليس لها طلع، وقد بسطنا الكلام على الآية تفسيرًا وإعرابًا وتصريفًا وبلاغة في حدائق الروح فراجعه إن شئت.

920 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَمِّهِ؛ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ. فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10]. وَرُبَّمَا قَال: {ق}. 921 - (421) (81) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث قطبة بن مالك - رضي الله عنه - فقال: 920 - (. .) (. .) (. .) (حدثنا محمَّد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن زياد بن علاقة) الكوفي (عن عمه) قطبة بن مالك الثعلبي الكوفي. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لشريك بن عبد الله وابن عيينة في رواية هذا الحديث عن زياد بن علاقة، وكرر متن الحديث لما بينهما من المخالفة (أنَّه) أي أن عمه قطبة بن مالك (صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبح فقرأ) النبي - صلى الله عليه وسلم - (في أول ركعة) أي في الركعة الأولى {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}، وربما قال) شعبة في روايته أو الراوي فقرأ في أول ركعة ({ق}) بدل قوله والنخل باسقات. . . إلخ. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن السائب بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهم فقال: 921 - (421) (81) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمَّد الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة ثبت، من (7) (حدثنا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبو المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي بن الصحابي - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة (قال) جابر (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان

يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]. وَكَانَ صَلاتُهُ بَعْدُ، تَخْفِيفًا. 922 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقرأ في) صلاة (الفجر بـ) سورة ({ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وكان صلاته) - صلى الله عليه وسلم - أي فعل صلاته ولذلك جرد الفعل من علامة التأنيث أو لأنَّ الصلاة من المؤنث المجازي كطلع الشمس، وفي بعض النسخ "وكانت صلاته" وهو الأوضح أي وكان صلاته (بعد) أي بعد ذلك اليوم (تخفيفًا) أي مخففة على قراءة نحو سورة قاف، وليس المعنى أنَّه ينقص عن قدر قاف بل كانت قراءة نحو قاف تخفيفًا، وفي الأبي: ليس معناه أنَّه صار بعد ذلك يخفف بل ظاهره أن قاف من التخفيف فالمعنى ثمَّ استمر على نحو ذلك من التخفيف ويشهد لذلك قوله في الرواية الأخرى كان يخفف يقرأ في الفجر بقاف اهـ. وانفرد المؤلف برواية هذا الحديث عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [5/ 103] وفي هامش بعض النسخ قوله (وكان صلاته بعد) أي بعد صلاة الفجر (تخفيفًا) في بقية الصلوات، وقيل المعنى أي بعد ذلك الزمان فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يطول أول الهجرة لقلة أصحابه ثمَّ لما كثر الناس وشق عليهم التطويل لكونهم أهل أعمال من تجارة وزراعة خفف رفقًا بهم، قال ابن حجر: قيل كان في مثل ذلك تفيد الدوام والاستمرار كما في قولهم كان حاتم يكرم الضيف، وقيل لا تفيده وتوسط بعض المحققين فقال: تفيده عرفًا لا وضعًا، ومن ثمَّ قيل كان في هذه الأحاديث ليست للاستمرار كما في قوله تعالى: (وكان الإنسان عجولًا) بل هي للحالة المتجددة كما في قوله تعالى: (كيف نكلم من كان في المهد صبيًّا) اهـ مرقاة المفاتيح. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنهما - فقال: 922 - (. .) (. .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، من (11) (واللفظ) الآتي (لابن رافع قالا حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من كبار (9) (حدثنا زهير) بن

عَنْ سِمَاكٍ. قَال: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ عَنْ صَلاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: كَانَ يُخَفِّفُ الصَّلاةَ. وَلا يُصَلِّي صَلاةَ هَؤُلاءِ. قَال: وَأَنْبَأَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ {ق وَالْقُرْآنِ}، وَنَحْوهَا. 923 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِـ {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة ثبت، من السابعة (عن سماك) بن حرب الكوفي (قال سألت جابر بن سمرة) الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله كلهم كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة زهير بن معاوية لزائدة بن قدامة في رواية هذا الحديث عن سماك بن حرب، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (عن) صفة (صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -) هل يخففها أم يطولها (فقال) جابر (كان) النبي - صلى الله عليه وسلم - (يخفف الصلاة) مع تمام لأنَّ فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة (ولا يصلي) النبي - صلى الله عليه وسلم - (صلاة) مطولة مثل صلاة (هؤلاء) الأئمة (قال) سماك بن حرب (وأنبأني) جابر أيضًا (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ} [ق: 1] ونحوها) بالجر معطوف على قاف المجرور بالحكاية وهو الظاهر، وقيل بالنصب عطفًا على محل الجار والمجرور لأنه في محل النصب على المفعولية ليقرأ اهـ من المرقاة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر - رضي الله عنه - فقال: 923 - (. .) (. .) (حدثنا محمَّد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري، ثقة إمام، من (7) (عن سماك) بن حرب الكوفي الذهلي، من (4) (عن جابر بن سمرة) الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لزائدة بن قدامة وزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن سماك (قال) جابر (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر بـ) سورة ({وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1]) أي إذا

وَفِي الْعَصْرِ، نَحْوَ ذلِكَ. وَفِي الصُّبْحِ، أَطْوَلَ مِنْ ذلِكَ. 924 - (. .) (. .) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]. وَفِي الصُّبْحِ، بِأَطْوَلَ مِنْ ذلِكَ. 925 - (422) (82) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنِ التَّيمِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أظلم (و) يقرأ (في العصر نحو ذلك) أي نحو ما يقرأ في الظهر أي قريبه أخف منه (وفي الصبح أطول من ذلك) أي أطول مما يقرأ في الظهر. وشارك المؤلف في هذه الرواية والتي بعدها أحمد [5/ 108] وأبو داود [806] والنسائيُّ [2/ 166]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنهما - فقال: 924 - (. .) (. .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود (الطيالسي) القرشي مولاهم مولى الزبير بن العوام البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (عن شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته أيضًا رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي داود الطيالسي لعبد الرحمن بن مهدي في رواية هذا الحديث عن شعبة، وكرر متن الحديث لما بينهما من المخالفة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر بـ) سورة ({سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، وفي الصبح بأطول من ذلك) أي مما قرأ في الظهر. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا بحديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - فقال: 925 - (422) (82) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من (9) مات سنة (206) روى عنه في (19) (عن التيمي) سليمان بن طرخان،

عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ مِنَ السِّتِّينَ إِلى الْمِائَةِ. 926 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاء، ـــــــــــــــــــــــــــــ نزل في التيم فنسب إليهم، أبي المعتمر البصري، ثقة عابد، من (4) مات سنة (143) روى عنه في (13) بابا (عن أبي المنهال) سيار بن سلامة الرياحي بتحتانية نسبة إلى رياح بن يربوع بن حنظلة بن تميم البصري، روى عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي في الصلاة، وعن أبيه، ويروي عنه (ع) وسليمان التيمي وخالد الحذاء وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائيُّ، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (129) تسع وعشرين ومائة (عن أبي برزة) بفتح الباء وسكون الراء، نضلة - بضاد معجمة ساكنة - بن عبيد بن الحارث الأسلمي البصري الصحابي الجليل المشهور بكنيته سكن البصرة، قيل ومات بها، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، له (46) ستة وأربعون حديثًا، اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بحديثين، و (م) بأربعة، ويروي عنه (ع) وأبو المنهال في الصلاة، وكنانة بن نعيم في الفضائل، وأبو الوازع الراسبي، وأبو عثمان النهدي في اللعان، وقال في التقريب: أسلم قبل الفتح، وغزا سبع غزوات، ثمَّ نزل البصرة وغزا خراسان، ومات بها سنة (65) خمس وستين على الصحيح، وليس عندهم نضلة إلا هذا. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد كوفي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الغداة) أي في الصبح (من الستين) أي يقرأ الستين من الآية وما فوقها (إلى) تمام (المائة) يعني لا ينقص من الستين ولا يجاوز المائة، فمن للتعدية لا للابتداء، وإلى غاية لمحذوف كما قدرناه، وبهذا يصح المعنى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 419] والنسائيُّ [1/ 246] وابن ماجه [818]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي برزة - رضي الله عنه - فقال: 926 - (. .) (. .) (حدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن خالد) بن مهران (الحذاء)

عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ آيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (عن أبي المنهال) البصري (عن أبي برزة الأسلمي) البصري. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة خالد الحذاء لسليمان التيمي في رواية هذا الحديث عن أبي المنهال (قال) أبو برزة (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الفجر ما بين الستين) وما فوقها (إلى) تمام (المائة آية) بنصب آية على التمييز، وبجره بإضافة المائة إليه لأنَّ أل فيه زائدة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث عبد الله بن السائب ذكره للاستدلال، والثاني حديث عمرو بن حريث ذكره للاستشهاد، والثالث حديث قطبة بن مالك ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد بالنسبة إلى صلاة الفجر وللاستدلال بالنسبة إلى صلاة الظهر والعصر وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث أبي برزة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. ***

230 - (42) باب القراءة في المغرب

230 - (42) باب القراءة في المغرب 927 - (423) (83) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1] فَقَالتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ. إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 230 - (42) باب القراءة في المغرب 927 - (423) (83) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري، من (10) (قال قرأت على مالك) الإمام الأعظم الأصبحي المدني، من (7) (عن) محمَّد (بن شهاب) الزهري المدني، من (4) (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني الأعمى الفقيه أحد الفقهاء السبعة، ثقة ثبت فقيه، من (3) (عن) عبد الله (بن عباس) حبر الأمة - رضي الله عنهما - (قال) ابن عباس (إن أم الفضل) أُمَّه لُبَابة بضم اللام وتخفيف الموحدتين (بنت الحارث) رضي الله تعالى عنها ابن حَزْن بوزن سهل الهلالية المدنية زوجة العباس بن عبد المطلب، وأخت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، لها ثلاثون حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد كل منهما بحديث، ماتت قبل العباس في خلافة عثمان بن عفان، وصلى عليها عثمان، وقيل بعده، يروي عنها (ع) وابناها عبدُ الله في الصلاة، وتَمامٌ وكُريب مولى ابن عباس في الصوم، وأنس بن مالك وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد نيسابوري (سمعته) أي سمعت ابن عباس (وهو) أي والحال أن ابن عباس (يقرأ) سورة ({وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} فقالت) أم الفضل (يا بُني) تصغير ابن؛ تصغير شفقة، أصله يا ابني، راجع كتبنا في النحو إن أردت تطبيق إعرابه وبيان أصله بيانًا شافيًا، والله (لقد ذكرتني بقراءتك هَذِهِ السُّورةَ) ما نسيتُ من قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إنها) أي إن هذه السورة (لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حالة كونه (يقرأ بها) أي بتلك السورة تعني سورة المرسلات (في) صلاة (المغرب) وعبارة المشكاة هنا: وعن أم الفضل بنت الحارث قالت: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفًا" قال ملا علي: أي أحيانًا لبيان الجواز وإلا فالمستحب فيها قراءة قصار المفصل لأنَّ وقتها ضيق اهـ.

928 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْروٌ النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح قَال وَحَدَّثَنَا عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: ثُمَّ مَا صَلَّى بَعْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [763] وأبو داود [810] والترمذي [308] والنسائيُّ [2/ 168] وابن ماجه [831]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فقال: 928 - (. .) (. .) (. .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (ح قال: وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح قال وحدثنا عمرو الناقد، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، قال (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، والضمير في قوله (كلهم) عائد إلى ما قبل حاء التحويل وإلى الشيخ الأخير من السند الأخير رووا (عن) محمَّد بن شهاب (الزهري) واسم الإشارة في قوله (بهذا الإسناد) راجع إلى ما بعد شيخ المتابع المذكور في السند الأول وهو مالك بن أنس أي روى كلهم بهذا الإسناد يعني عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن أم الفضل مثل ما رَوَى مَالِكٌ عن الزهري، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء المذكورين لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وفائدة التحويلات بيان اختلاف مشايخ مشايخه كما هو الاصطلاح في جامعه (و) لكن (زاد) إبراهيم بن سعد (في حديث صالح) بن كيسان لفظة (ثمَّ) بعد سماعي قراءته هذه السورة في المغرب (ما صلى) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس في الصلاة الجهرية (بعد) أي بعد ذلك اليوم

حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. 929 - (424) (84) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِالطُّورِ، فِي الْمَغْرِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لعجزه عن الخروج إلى المسجد (حتى قبضه الله عَزَّ وَجَلَّ) أي روحه الشريفة لحضور أجله وانتقل إلى الرفيق الأعلى. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم الفضل بحديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنهما فقال: 929 - (424) (84) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس (عن) محمَّد (بن شهاب عن محمَّد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن مناف القرشي أبي سعيد المدني، روى عن أبيه في الصلاة والحج وأَسامِي النبي - صلى الله عليه وسلم - والفضائل والصلة، وعمر وابن عباس ومعاوية وعبد الله بن عدي بن الحمراء، ويروي عنه (ع) والزهري وعمرو بن دينار وسعد بن إبراهيم، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: تابعي مدني، ثقة، وقال ابن خراش: ثقة، وقال في التقريب: ثقة عارف بالنسب، من الثالثة، مات على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز، روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي القرشي النوفلي أبي محمَّد المدني، أسلم قبل حنين أو يوم الفتح، له (60) حديثًا كما مر، وقال في التقريب: صحابي عارف بالأنساب، مات بالمدينة سنة (59) روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري (قال) جبير بن مطعم (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بـ) سورة (الطور في) صلاة (المغرب). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 84] والبخاري [864] وأبو داود [811] والنسائيُّ [2/ 169] وابن ماجه [832]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه - فقال:

930 - (. .) (. .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 930 - (. .) (. .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (ح قال وحدثني حرملة بن يحيى) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من سفيان ويونس ومعمر رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه (مثله) أي مثل ما روى مالك بن أنس عن الزهري، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء المذكورين لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أم الفضل ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جبير بن مطعم ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة أيضًا، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

231 - (43) باب القراءة في العشاء

231 - (43) باب: القراءة في العشاء 931 - (425) (85) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ. فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ. فَصَلَّى فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَينِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيتُونِ} [التين: 1]. 932 - (. .) (. .) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ يَحْيَى، (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 231 - (43) باب القراءة في العشاء 931 - (425) (85) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري، قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة، من (7) (عن عدي) بن ثابت الأنصاري الكوفي، وثقه أحمد والعجلي والنسائيُّ، وقال في التقريب: ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (قال: سمعت البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبا عمارة الكوفي، له (305) أحاديث. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان؛ أي سمعت البراء حالة كونه (يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان في سفر فصلى العشاء الآخرة فصلى في إحدى الركعتين) وفي رواية النسائي في الركعة الأولى سورة ({وَالتِّينِ وَالزَّيتُونِ} [التين: 1]) بالواو على الحكاية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 291] والبخاري [769] وأبو داود [1221] والترمذي [310] والنسائيُّ [2/ 173]. وإنما قرأ - صلى الله عليه وسلم - في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرًا، والسفر يطلب فيه التخفيف لأنه مظنة المشقة وحينئذٍ فيحمل حديث أبي هريرة السابق على الحضر فلذا قرأ فيها بأوساط المفصل اهـ قسط. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء - رضي الله عنه - فقال: 932 - (. .) (. .) (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عدي بن ثابت) الأنصاري

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ أَنَّهُ قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ. فَقَرَأَ بِالتِّينِ والزَّيتُونِ. 933 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَدِيٍّ بْنِ ثَابِتٍ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بالتين والزيتون. فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ. 934 - (426) (86) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْروٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (عن البراء بن عازب) الأنصاري الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مصري وواحد بلخي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن سعيد لشعبة في رواية هذا الحديث عن عدي بن ثابت (أنَّه قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء) الآخرة (فقرأ بالتين والزيتون). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - فقال: 933 - (. .) (. .) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (حدثنا مسعر) بن كدام الهلالي الكوفي (عن عدي بن ثابت) الكوفي (قال سمعت البراء بن عازب) الكوفي. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة مسعر ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن عدي بن ثابت (قال) البراء (سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء بالتين والزيتون فما سمعت أحدًا) من الناس (أحسن صوتًا منه) - صلى الله عليه وسلم -، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى ولما فيها من زيادة قوله وما سمعت أحدًا. . . الخ. ثمَّ استشهد المؤلف لحديث البراء بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم فقال: 934 - (426) (86) (حدثنا محمَّد بن عباد) بن الزِّبْرقَانِ المكيُّ نزيلُ بغداد، صدوق يَهِمُ، من العاشرة، روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي المكي، ثقة إمام حجة، من (8) (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة ثبت، من

عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ. فَصَلَّى لَيلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ. ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ. فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَانْحَرَفَ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (4) روى عنه في (22) بابا (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو الأنصاري السلمي المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مكيون إلا جابرًا فإنَّه مدني (قال) جابر (كان معاذ) بن جبل - رضي الله عنه - (يصلي) الصلاة (مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ يأتي) أي يرجع من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - (فيؤم قومه) بني سلمة أي يصلي بهم تلك الصلاة التي صلاها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - واستدل به الشافعية على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل لأنَّ فرض معاذ هو الأول وهذا قول أحمد واختاره ابن المنذر وجماعة من السلف خلافًا للحنفية والمالكية (فصلى) معاذ (ليلة) من الليالي (مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثمَّ أتى قومه) بني سلمة (فأمهم) أي فصلى بهم صلاة العشاء إمامًا لهم (فافتتح) أي ابتدأ في الركعة الأولى (بـ) قراءة (سورة البقرة) فيه جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وسورة المائدة ونحوها ومنعه بعض السلف وزعم أنَّه لا يقال إلا السورة التي يذكر فيه البقرة ونحو هذا، وهذا خطأ صريح، والصواب جوازه، وقد ثبت ذلك في الصحيح في أحاديث كثيرة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم، وفي هامش بعض المتون قوله (كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي في مسجده - صلى الله عليه وسلم - (ثمَّ يأتي) أي مسجد الحي (فيؤم قومه) أي في تلك الصلاة كما يأتي التصريح به، وعن هذا قيل: الحديث يدل على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل فإن من أدى فرضًا ثمَّ أعاد يقع المعاد نفلًا، قال ابن الملك وبه قال الشافعي ومنعه أبو حنيفة لئلا يلزم اتباع القوي الضعيف، وحمل الحديث على أن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نفلًا اهـ أي ناويًا له بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - حين شكوا إليه تطويله بهم "يا معاذ لا تكن فتانًا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومكم" رواه الإمام أحمد، ولو كان يصلي معه الفرض لم يكن لهذا الكلام معنى فعلم بهذا أن معاذًا كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - النافلة ليتعلم منه سنة الصلاة ويتبارك بها ويدفع عن نفسه تهمة النفاق، ثمَّ يأتي قومه فيصلي بهم الفرض لحيازة الفضيلتين مع أن تأخير العشاء أفضل على الأصح اهـ من الزيلعي بزيادة من مرقاة ملا علي (فانحرف رجل) من قومه أي مال عن الصف أو انحرف

فَسَلَّمَ. ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ. فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلانُ، قَال: لا. وَاللهِ، وَلآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَلأُخْبِرَنَّهُ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ. نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ. وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ. ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من صلاته عن القبلة أو أراد الانحراف (فسلم) سلام القطع لصلاته معهم وذلك الرجل من الأنصار كما يظهر من رواية "فانصرف رجل منا" فيما يأتي اسمه حازم أو حزم أو حزام على ما ذكر في أسد الغابة، قال ابن حجر: أي قطع صلاته لا أنَّه قصد قطعها بالسلام كما يفعله بعض العوام لأنَّ محل السلام آخرها فلا يجوز تقديمه على محله، وقال ملا علي: وإنما يفعله الخواص من العلماء تبعًا لما فعله ذلك الصحابي رضي الله تعالى عنه، وإن اختلفوا في أن مريد القطع هل يسلم قائمًا بتسليمة واحدة أو بتسليمتين أو يعود إلى القعدة ثمَّ يسلم؟ فالتسليم بما ورد أسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. أي فانحرف رجل من قومه عن الصف فسلم سلام القطع لصلاته لا سلام الفراغ من الصلاة (ثمَّ) أحرم بالصلاة فـ (صلى وحده و) سلم سلام الفراغ من صلاته و (انصرف) أي انطلق وذهب إلى جهة حاجته والقوم في الصلاة (فقالوا) أي فقال القوم الذين صلوا مع معاذ بعد فراغهم من صلاتهم (له) أي لذلك الرجل الذي قطع الصلاة معهم (أنافقت) بهمزة الاستفهام التوبيخي؛ أي أفعلت (يا فلان؟ ) ما فعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة والتخفيف في الصلاة، قالوه تغليظًا وتشديدًا عليه اهـ مرقاة (قال) الرجل (لا) أي ما نافقت (والله) ولكني عجزت عن القيام معكم لطوله (و) الله (لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأخبرنه) - صلى الله عليه وسلم - صنيعي وصنيعكم ووقوعكم فِيَّ (فأتى) ذلك الرجل (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار) أي نشتغل في النهار بسقي زروعنا وأشجارنا بالنواضح، جمع ناضحة في الأنثى، وناضح في الذكر؛ وهي الإبل التي يستقى عليها الزرع والنخل (وإن معاذًا) ابن جبل (صلى معك العشاء) في مسجدك (ثمَّ أتى) مسجد قومنا فصلى بهم (فافتتح بسورة البقرة) فعجزت عن القيام معهم لشدة ألم عمل النهار وفارقتهم وصليت وحدي وانطلقت فقالوا لي: إنه منافق (فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ)

فَقَال: "يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا، وَاقْرَأْ بِكَذَا". قَال سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْروٍ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ قَال: "اقْرَأْ: والشمس وضحاها، والضحى والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى". فَقَال عَمْروٌ: نَحْوَ هَذَا. 935 - (. .) (. .) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَلَيثٌ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدما أرسل إليه وحضر (فقال: يا معاذ أفتان أنت) للناس أي منفر لهم عن الدين وصادٌّ لهم عنه وهو صفة واقعة بعد الاستفهام رافعة للضمير البارز فيجوز أن يكون مبتدأ، وأنت ساد مسد الخبر، ويجوز أن يكون أنت مبتدأ تقدم خبره أي أموقع للناس في الفتنة، وتطردهم عن ربهم. ذكر ملا علي: أن الفتنة صرف الناس عن الدين وحملهم على الضلالة، قال تعالى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] أي بمضلين، قال ابن الملك: عبر عنه بالفتان تشديدًا في الإنكار عليه، والاستفهام فيه للتوبيخ والإنكار والتنبيه على كراهة صنيعه لأنه أفضى إلى مفارقة الجماعة اهـ، وذكر البخاري رواية "أفاتن أنت" أيضًا وكلاهما صفة واقعة بعد الاستفهام رافعة للضمير البارز اهـ. إذا أممت للناس فـ (اقرأ) يا معاذ (بـ) سورة (كذا واقرأ بـ) سورة (كذا) وكذا كناية عن أوساط المفصل كما يعلم من رواية أبي الزبير (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (فقلت لعمرو) بن دينار (إن أبا الزبير) المكي محمَّد بن مسلم (حدثنا عن جابر) بن عبد الله (أنَّه) - صلى الله عليه وسلم - (قال) لمعاذ (اقرأ والشمس وضحاها، والضحى) والليل إذا سجى (والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى، فقال عمرو) لسفيان: نعم، قال لنا جابر (نحو هذا) الذي ذكرته عن أبي الزبير من السور المذكورة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 299 و 308] والبخاري [701] وأبو داود [790] والنسائيُّ [2/ 97 - 98] وابن ماجه [986]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر - رضي الله عنه - فقال: 935 - (. .) (. .) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (وليث) بن سعد الفهمي المصري (ح قال) المؤلف (وحدثنا) محمَّد (بن رمح) بن المهاجر المصري

أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ قَال: صَلَّى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الأَنْصَارِيُّ لأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ. فَطَوَّلَ عَلَيهِمْ. فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا. فَصَلَّى. فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ. فَقَال: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَلَمَّا بَلَغَ ذلِكَ - الرَّجُلَ، دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَهُ مَا قَال مُعَاذٌ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرا باسم ربك، والليل إذا يغشى" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا الليث) بن سعد (عن أبي الزبير) محمَّد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري. وهذان السندان أيضًا من رباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي الزبير لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن جابر (أنَّه) أي أن جابر بن عبد الله (قال: صلى معاذ بن جبل الأنصاري) إمامًا (لأصحابه) أي لقومه بني سلمة (العشاء) الآخرة (فطول عليهم) الصلاة بقراءة سورة البقرة، قال جابر (فانصرف رجل منا) أي من الأنصار تقدم لك أنَّه حازم أو حزام أي فارقهم، وصلى وحده وذهب وهم في الصلاة (فصلى فأخبر معاذ) بالبناء للمجهول؛ أي أخبر الناس الذين صلوا مع معاذ بعدما فرغوا من الصلاة (عنه) أي عن صنيع الرجل الذي فارقهم (فقال) معاذ (إنه) أي إن ذلك الرجل الذي فارقهم (منافق) أي فاعل فعل المنافقين (فلما بلغ) ووصل (ذلك) الكلام الذي قاله معاذ (الرجل) الذي فارقهم (دخل) ذلك الرجل (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره) - صلى الله عليه وسلم - (ما قال) فيه (معاذ) من قوله إنه منافق (فقال له) أي لمعاذ (النبي - صلى الله عليه وسلم - أتريد) الهمزة للاستفهام التوبيخي أي أتفعل ذلك يا معاذ وتريد (أن تكون فتانًا يا معاذ) أي صادًا للناس عن جماعة الصلاة، ففيه الإنكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروهًا غير محرم، وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام، وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها إذا لم يرض المأمومون اهـ نواوي. (إذا أممت الناس) أي إذا صرت إمامًا للناس فيما يستقبل (فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى و) سورة (اقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى) أي أو نحوها من قصار المفصل كما في بعض الروايات، وقصار المفصل من الضحى إلى آخر القرآن، وأوساطه من النبأ إلى الضحى، وطواله من الحجرات إلى النبأ، زاد في رواية البخاري "فإنَّه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة".

936 - (. .) (. .) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ الآخِرَةَ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ. 937 - (. .) (. .) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر - رضي الله عنه - فقال: 936 - (. .) (. .) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي (عن منصور) بن زاذان - بزاي وذال معجمة - الواسطي أبي المغيرة الثقفي مولاهم، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني. وهذا السند من خماسياته، وغرضه بسوقه بيان متابعة منصور بن زاذان لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (أن معاذ بن جبل) الأنصاري - رضي الله عنه - (كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء الآخرة) قيد بالآخرة احترازًا من المغرب كما تقدمت الإشارة إليه، وفي بعض النسخ (عشاء الآخرة) من إضافة الموصوف إلى صفته (ثمَّ يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) التي صلاها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر - رضي الله عنه - فقال: 937 - (. .) (. .) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني (وأبو الربيع) سليمان بن داود (الزهراني) العتكي البصري (قال أبو الربيع حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب السختياني لمنصور بن زاذان في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (قال) جابر (كان معاذ) بن جبل (يصلي مع رسول الله

- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ. ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - العشاء) الآخرة في مسجده - صلى الله عليه وسلم - (ثمَّ يأتي مسجد قومه) بني سلمة (فيصلي بهم) تلك الصلاة إمامًا لهم. واستنبط من الحديث صحة اقتداء المفترض بالمتنفل لأنَّ معاذًا كان فرضه الأول، والثانية نفل له لزيادة وقعت في الحديث عند الشافعي وعبد الرزاق والدارقطني "هي له تطوع ولهم فريضة" وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وصرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فانتفت تهمة تدليسه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافًا للحنفية والمالكية، واستنبط منه أيضًا تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث البراء وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

232 - (44) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

232 - (44) باب: أمر الأئمّة بالتخفيف في تمام 938 - (426) (86) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ؛ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلانٍ. مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ. فَقَال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 232 - (44) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام 938 - (426) (86) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي البجلي أبي عبد الله الكوفي واسم أبي خالد سعيد بن إسماعيل (عن قيس) بن أبي حازم الأحمسي البجلي أبي عبد الله الكوفي أحد كبار التابعين وأعيانهم، ثقة مخضرم، من الثانية، واسم أبي حازم عوف بن عبد الحارث (عن أبي مسعود الأنصاري) الخزرجي البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أبو مسعود (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لم يسم وليس هو حزم بن أبي بن كعب (فقال) ذلك الرجل (إني لأتأخر عن صلاة الصبح) لا أحضرها مع الجماعة (من أجل فلان) معاذ أو أبي بن كعب (مما يطيل بنا) أي من تطويله الصلاة، فيه جواز التأخر عن صلاة الجماعة إذا علم من عادة الإمام التطويل الكثير، وفيه جواز ذكر الإنسان بهذا ونحوه في معرض الشكوى والاستفتاء (من أجل) من ابتدائية متعلقة بأتأخر، والثانية مع ما في حيزها بدل منها، فما مصدرية، وخص الصبح بالذكر لتطويل القراءة فيها غالبًا (فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب في موعظة) وعظها (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي متعلق برأيت أي ما رأيته فيما مضى من الزمان غضب غضبًا (أشد مما غضب) أي من غضبه (يومئذٍ) أي يوم إذ أخبر بذلك التطويل للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه أو لإرادة الاهتمام بما يلقيه عليه الصلاة والسلام لأصحابه ليكونوا من سماعه على بال أو لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله، وفيه الغضب لما ينكر من أمور الدين والغضب في الموعظة (فقال) وفي رواية البخاري "ثمَّ قال" رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا أيها الناس إن

مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ. فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ. فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ منكم منفرين) بصيغة الجمع أي صادين مشردين لمريد الجماعة عن جماعة الصلاة بتطويلها (فأيكم) أي أي واحد منكم (أم الناس) أي صار إمامًا للناس (فليوجز) الصلاة بضم الياء التحتانية وكسر الجيم من أوجز الرباعي جوابُ الشَّرْطِ أي فليخفف الصلاة بحيث لا يخل بشيء من الواجبات، وهذا حكم منه في حال غضبه فلا يعارضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقض القاضي وهو غضبان" رواه أحمد والبخاري من حديث أبي بكرة لأنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم بخلاف غيره اهـ قرطبي، والفاء في قوله (فإن) تعليلية أي لأنَّ (من ورائه) وخلفه (الكبير) مقتديًا به أي كبير السن الذي لا يقدر تطويل القيام (والضعيف) أي المريض أو ضعيف الطبيعة (وذا الحاجة) أي صاحبها المستعجل لها، وجاء في رواية فليتجوز وفي رواية أخرى فليخفف والكل بمعنى؛ والمراد بالتخفيف عدم تطويل القراءة ولا يخل بشيء من الواجبات كما سيأتي عن أنس "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوجز في الصلاة ويتم، وكان من أخف الناس صلاة في تمام، وما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وقوله "فإن فيهم الضعيف والكبير" الخ تعليل للأمر المذكور، ومقتضاه أنَّه متى لم يكن فيهم من يتصف بصفة من المذكورات أو كانوا محصورين ورضوا بالتطويل لم يضر التطويل لانتفاء العلة، وقول ابن عبد البر: إن العلة الموجبة للتخفيف عندي غير مأمونة لأنَّ الإمام وإن علم قوة من خلفه فإنَّه لا يدري ما يحدث بهم من حادث شغل وعارض من حاجة وآفة من حدث بول أو غيره، تعقب بأن الاحتمال الذي لم يقم عليه دليل لا يترتب عليه حكم فإذا انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل لا يؤمر إمامهم بالتخفيف لعارض لا دليل عليه، وحديث أبي قتادة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهة أن أشق على أمه" يدل على إرادته - صلى الله عليه وسلم -أولًا التطويل فيدل على الجواز، وإنما تركه لدليل قام على تضرر بعض المأمومين وهو بكاء الصبي الذي يشغل خاطر أمه اهـ قسطلاني. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 273] والبخاري [704] وابن ماجه [984].

939 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ وَوَكِيعٌ. ح قَال وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيمٍ. 940 - (. .) (. .) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - فقال: 939 - (. .) (. .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح قال وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (ح وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني ثمَّ المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (كلهم) أي كل من وكيع في السند الأول، وعبد الله بن نمير في السند الثاني، وسفيان بن عيينة في السند الثالث رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن قيس عن أبي مسعود (بمثل حديث هشيم) عن إسماعيل بن أبي خالد، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لهشيم بن بشير في الرواية عن إسماعيل، وفائدتها تقوية السند الأول لأنَّ هشيمًا وإن كان ثقة ثبتًا فهو كثير التدليس والإرسال. ثمَّ استشهد المؤلف لحديث أبي مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 940 - (427) (87) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال (حدثنا المغيرة وهو ابن عبد الرحمن الحزامي) المدني لقبه قصي، ثقة، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رِجالُهُ كُلُّهم مدنيون إلا قُتيبة بن سعيد فإنَّه بلخي (أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أم أحدكم الناس) أي صار إمامًا لهم في

فَلْيُخَفِّفْ. فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ. فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَل كَيفَ شَاءَ". 941 - (. .) (. .) حدَّثنا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة فرضًا أو نفلًا شرع الجماعة فيه غير الخسوف (فليخفف) الصلاة استحبابًا مراعاة لحال المأمومين مع إتمام أركانها وشرائطها وسننها ولا يطولها (فإن فيهم) أي فإن في الناس المصلين معه (الصغير والكبير) السنن (والضعيفَ) الخلقةِ (والمريض) زاد الطبراني "والحامل والمرضع" وعنده أيضًا من حديث عدي بن حاتم "والعابر السبيل" وقوله في حديث أبي مسعود البدري السابق "وذا الحاجة" يشمل الأوصاف المذكورة، وقد ذهب جماعة كابن حزم وأبي عمر بن عبد البر وابن بطال إلى الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر في قوله فليخفف، وعبارة ابن عبد البر في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمره - صلى الله عليه وسلم - إياهم بذلك، ولا يجوز لهم التطويل لأنَّ في الأمر لهم بالتخفيف نهيًا عن التطويل، والمراد بالتخفيف أن يكون بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها (فإذا صلى) أحدكم (وحده فليصل كيف شاء) من التطويل أو التخفيف لأنه أمير نفسه أي فليطول في القراءة والركوع والسجود ولو خرج الوقت كما صححه بعض الشافعية لكن إذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع بعض الصلاة خارج الوقت كانت مراعاة ترك المفسدة أولى، ومحل الجواز إلى خروج الوقت على تقدير صحته مقيد بما إذا أوقع ركعة في الوقت كما ذكر الأسنوي أنَّه المتجه وقيدوا التطويلَ أيضًا بما إذا لم يُخْرِجْ إلى سهو فإن أدى إليه كره ولا يكون إلا في الأركان التي تحتمل التطويل وهي القيام والركوع والسجود والتشهد لا الاعتدال والجلوس بين السجدتين اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 486] والبخاري [703] وأبو داود [794 و 795] والترمذي [236] والنسائيُّ [2/ 94]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 941 - (. .) (. .) (حدثنا) محمَّد (بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد

عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا مَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفِ الصَّلاةَ. فَإِنَّ فيهِمُ الْكَبِيرَ وَفِيهِمُ الضَّعِيفَ. وَإِذَا قَامَ وَحْدَهُ فَلْيُطِلْ صَلاتَهُ مَا شَاءَ". 942 - (. .) (. .) وحدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أذكره لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا كذا (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أيضًا (إذا ما قام) ما زائدة لوقوعها بعد إذا (أحدكم) في الصلاة إمامًا (للناس فليخفف الصلاة) ولا يطولها (فإن فيهم الكبير وفيهم الضعيف وإذا قام) وصلى (وحده فليطل صلاته ما شاء) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد منهم مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة همام بن منبه للأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه فقال: 942 - (. .) (. .) (وحدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي المصري، صدوق، من (11) (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (10) (قال) ابن وهب (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي ثقة، من (7) (عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) (قال) ابن شهاب (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (أنَّه سمع أبا هريرة) - رضي الله عنه - حالة كونه (يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة بن عبد الرحمن لهمام بن منبه في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن

قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ. فَإِنَّ فِي النَّاسِ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ". 943 - (. .) (. .) وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَال: حَدَّثَنِي اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال - بَدَلَ "السَّقِيمِ"-: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث لما في هذه الرواية من بعض المخالفة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى أحدكم) أيها الأئمة إمامًا (للناس فليخفف) الصلاة ولا يطولها مراعاة لجانب المأمومين (فإن في الناس) المصلين معكم (الضعيف) الخلقة (والسقيم) أي المريض (وذا الحاجة) أي صاحبها المستعجل لها. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 943 - (. .) (. .) (وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي أبو عبد الله المصري، صدوق، من (11) قال (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (10) (قال حدثني الليث بن سعد) الفهمي أبو الحارث المصري، ثقة، من (7) (حدثني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي، ثقة، إلا أن في روايته عن الزهري وَهمًا قليلًا، من (7) (عن ابن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) قال الزهري (حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام القرشي المدني، كان أحد الفقهاء السبعة، قيل اسمه محمَّد، وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، ثقة عابد، من الثالثة (أنَّه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان مدنيان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي بكر بن عبد الرحمن لأبي سلمة بن عبد الرحمن في روايته عن أبي هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بقوله حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن، والضمير عائد إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن لأنه المتابَع بفتح الباء أي حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بمثل ما حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وقوله (غير أنَّه) أي لكن أن أبا بكر بن عبد الرحمن (قال) في روايته (بدل السقيم)

"الْكَبِيرَ". 944 - (428) (88) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَمْروٌ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ. حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال لَهُ: "أُمَّ قَوْمَكَ" قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور في رواية أبي سلمة (الكبير) استثناء من المماثلة، وقوله بدل السقيم يجوز في إعراب السقيم وجهان النصب على الحكاية، والجر بالإضافة. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي مسعود بحديث عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 944 - (428) (88) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (10) قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا عمرو بن عثمان) بن عبد الله بن موهب القرشي التيمي أبو سعيد الكوفي، روى عن موسى بن طلحة في الإيمان والصلاة والزكاة ويروي عنه (خ م س) وعبد الله بن نمير ويحيى القطان في الزكاة، وشعبة إلا أنَّه أخطأ في التسمية فقال محمَّد بن عثمان بن عمر، وقال في التقريب: ثقة، من (6) قال (حدثنا موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبو عيسى المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب، قال (حدثني عثمان بن أبي العاص) بن بشر (الثقفي) الصحابي الجليل، وأمه بنت عبد الله بن زمعة الثقفي، له صحبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل الطائف والبحرين وعمان، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على الطائف، أبو عبد الله البصري له (29) تسعة وعشرون حديثًا، انفرد له (م) بثلاثة، روى عنه موسى بن طلحة في الصلاة، وسعيد بن المسيب ونافع بن جبير بن مطعم في الطب، وأبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير في الطب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد بصري وواحد مدني (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له) أي لعثمان بن العاص (أم قومك) بضم الهمزة وتشديد الميم المفتوحة أمر من أم يؤم أي كن إمام قومك بني ثقيف في الصلاة يعني في الطائف (قال) عثمان (قلت يا رسول الله إني أجد في نفسي) أي في قلبي (شيئًا) من العجب والكبر بتقدمه على

قَال: "ادْنُهْ" فَجَلَّسَنِي بَينَ يَدَيهِ. ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِي صَدْرِي بَينَ ثَدْيَيَّ. ثُمَّ قَال: "تَحَوَّلْ" فَوَضَعَهَا فِي ظَهْرِي بَينَ كَتِفَيَّ. ثُمَّ قَال: "أُمَّ قَوْمَكَ. فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ. فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ. وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ. وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ. وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيفَ شَاءَ". 945 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس للإمامة، ويحتمل أنَّه أراد الوسوسة في الصلاة فإنَّه كان موسوسًا ولا يصلح للإمامة الموسوس، ويحتمل أن يكون ذلك خجلًا وضعفًا عن القيام بذلك ففعل النبي به ذلك فـ (قال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ادنه) أمر من دنا يدنو، والهاء للسكت أي أقرب إلى فدنوت إليه (فجلسني) بتشديد اللام ماض من التجليس أي أجلسني (بين يديه) أي قدامه (ثمَّ وضع) - صلى الله عليه وسلم - (كفه) الشريفة (في صدري) أي على صدري (بين ثديي) بتشديد الياء الثانية على التثنية، وفيه إطلاق اسم الثدي على حلمة الرجل وهذا هو الصحيح ومنهم من منعه (ثمَّ قال) لي (تحول) عني بصدرك وأعرض عني بوجهك واجعل ظهرك إلي فتحولت عنه بصدري وجعلت ظهري إليه (فوضعها) أي فوضع كفه الشريفة (في ظهري) أي على ظهري (بين كتفي) بتشديد الياء على التثنية أيضًا فأذهب الله سبحانه وتعالى عني ما أجده في نفسي ببركة كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثمَّ قال) لي (أم قومك) أي كن إمام قومك ألا (فمن أم قومًا) أي كان إمام قوم (فليخفف) أي فليتجوز في الصلاة ولا يطولها مراعاة لمصلحة المأمومين (فإن فيهم الكبير) السنن (وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف) الخلقة (وإن فيهم ذا الحاجة) المستعجل لقضائها (وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء) إن شاء فليطول وإن شاء فليخفف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 21] وأبو داود [531] والنسائيُّ [2/ 23] وابن ماجه [988]. ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة في حديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - فقال: 945 - (. .) (. .) (حدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمَّد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري، قال (حدثنا شعبة) بن

عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَال: حَدَّثَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ قَال: آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا أَمَمْتَ قَوْمًا فَأَخِفَّ بِهِمُ الصَّلاةَ". 946 - (429) (89) وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوجِزُ فِي الصَّلاةِ وَيُتِمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجاج العتكي البصري (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي، أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (قال) عمرو (سمعت سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي، أبا محمَّد المدني، ثقة، من كبار الثانية (قال) سعيد (حدث) لنا (عثمان بن أبي العاص) الثقفي البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب لموسى بن طلحة في رواية هذا الحديث عن عثمان بن أبي العاص (قال) عثمان بن أبي العاص (آخر ما عهد) وأوصى (إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أن يقول (إذا أممت قومًا) أي صرت إمامًا لهم (فأخف بهم) أي فخفف بهم (الصلاة) ولا تطولها عليهم، وفي المصباح العهد الوصية يقال عهد إليه يعهد من باب تعب إذا أوصاه. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي مسعود الأنصاري بحديث أبي بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 946 - (429) (89) (وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البغدادي، ثقة، من (10) (وأبو الربيع) سليمان بن داود (الزهراني) البصري، ثقة، من (10) (قالا حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا خلف بن هشام فإنَّه بغدادي، وفيه التحديث والعنعنة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوجز) ويخفف (في الصلاة) مع الجماعة فرضًا أو نفلًا إلا في الخسوف (و) لكن (يتمـ) ــها بأركانها وسننها وآدابها.

947 - (. .) (. .) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ)، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ أَخَفِّ النَّاسِ صَلاةً فِي تَمَامٍ. 948 - (. .) (. .) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد وابن ماجه رواه في الصلاة عن أحمد بن عبدة وحميد بن مسعدة [20087] اهـ تحفة الأشراف. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 947 - (. .) (. .) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) بن طريف البغلاني (قال يحيى: أخبرنا، وقال قتيبة، حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري أو بغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لعبد العزيز بن صهيب (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أخف الناس) وأوجزهم (صلاة) لكن (في تمام) أي مع إتمامها أركانها وآدابها، ومعنى التخفيف في الصلاة أن لا تطول القراءة ولا الدعاء في الأركان، والتمام الإتيان بالأركان تامة اهـ نواوي. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: 948 - (. .) (. .) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب) المقابري -بفتح الميم والقاف- أبو زكرياء البغدادي، العابد ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل يعنون بن جعفر) أي يعني كل من المشايخ المذكورين بإسماعيل الذي أبهموه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري

عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَال: مَا صَلَّيتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً، وَلا أَتَمَّ صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. 949 - (430) (90) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مَعَ أُمِّهِ، وَهُوَ فِي الصَّلاةِ، فَيَقْرَأُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزرقي أبا إسحاق المدني، ثقة، من (8) (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) أبي عبد الله المدني القرشي، ويقال الليثي من أنفسهم، صدوق يخطئ، من (5) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري. وهذا السند أيضًا من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو بغلاني أو مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة شريك بن عبد الله لقتادة بن دعامة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك (أنه) أي أن أنسًا (قال: ما صليت وراء إمام) أي خلفه (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية متعلق بصليت، وقوله (أخف صلاة) أي أوجز صلاة بعدم تطويل القراءة والدعاء والأذكار، صفة لإمام مجرور بالفتحة، وصلاة بالنصب على التمييز، وقوله (ولا أتم صلاة) بإتمام أركانها وآدابها معطوف على أخف (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي مسعود الأنصاري بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 949 - (430) (90) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو سليمان البصري الزاهد، وثقه أحمد وابن معين، وفيه شيء مع كثرة علومه، وقال في التقريب: صدوق، من (8) مات سنة (178) روى عنه في (8) أبواب (عن ثابت) بن أسلم (البناني) بضم الموحدة نسبة إلى بنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب وموضع لهم بالبصرة أبي محمَّد البصري، ثقة ثبت عابد، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا السند أيضًا من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري (قال أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع بكاء الصبي) أي الطفل أي صوته الذي يكون مع البكاء، حالة كون الصبي (مع أمه) في المسجد (وهو) أي والحال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (في الصلاة فيقرأ) معطوف

بِالسُّورَةِ الْخَفِيفَةِ أَوْ بِالسُّورَةِ الْقَصِيرَةِ. 950 - (. .) (. .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنِّي لأَدْخُلُ الصَّلاةَ أُرِيدُ إِطَالتَهَا. فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ. فَأُخَفِّفُ. مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على يسمع أي فيقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - (بالسورة الخفيفة أو) قال أنس أو من دونه فيقرأ (بالسورة القصيرة) أي غير الطويلة مخافة أن تلتهي أمه عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه، روى ابن أبي شيبة عن ابن سابط أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الركعة الأولى بسورة نحو ستين آية فسمع بكاء الصبي فقرأ في الثانية بثلاث آيات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 294] والبخاري [801] والترمذي [237] والنسائيُّ [2/ 94 - 95]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 950 - (. .) (. .) (وحدثنا محمَّد بن منهال الضرير) التميمي المجاشعي، أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) مات سنة (231) روى عنه في الإيمان والصلاة وغيرهما قال (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري أبو النضر البصري، ثقة حافظ، من (6) لكنه كثير التدليس (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لثابت البناني في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك (قال) أنس (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأدخل الصلاة) منصوب على التَّشبيهِ بالمفعولِ به كسكَنْتُ الشامَ ودخلْتُ الدار أي لأَدْخلُ في الصلاة وأُحْرِمُ بها حالة كوني (أريد إطالتَها) أي إطالةَ الصلاة بإطالة القراءة وكثرة الأذكار والدعاء فيها (فأسمع) في صلاتي (بكاء الصبي) أي رفع صوته بالبكاء (فأخفف) أي أتجوز في الصلاة بالاقتصار على واجباتها مخافة (من شدة وجد) وحزن (أمه به") أي ببكائه، والوجد يطلق على الحزن وعلى الحب أيضًا وكلاهما سائغ هنا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحزن أظهر أي فأخفف من شدة حزنها واشتغال قلبها به، وذكر الأم هنا خرج مخرج الغالب وإلا فمن كان في معناها يلحق بها وهذا من كرائم عادته ومحاسن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - في خشيته من إدخال المشقة على نفوس أمته، وكان بالمؤمنين رحيمًا، وفي الحديث أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافًا لأشهب حيث ذهب إلى أن من تطوع قائمًا فليس له أن يتمه جالسًا قاله في فتح الباري، قال النواوي: وفيه دليل على الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع ومراعاة مصلحتهم وأن لا يدخل عليهم ما يشق عليهم وإن كان يسيرًا من غير ضرورة، وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد، وأن الصبي يجوز إدخاله في المسجد وإن كان الأولى تنزيه المسجد عمن لا يؤمن منه حدث اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي مسعود ذكره للاستدلال به وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث عثمان بن أبي العاص ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

233 - (45) باب اعتدال أفعال الصلاة وتقارب أركانها

233 - (45) باب: اعتدال أفعال الصلاة وتقارب أركانها 951 - (431) (91) وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال حَامِدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قَال: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 233 - (45) باب اعتدال أفعال الصلاة وتقارب أركانها أي كونها معتدلة متقاربة الأركان يعني إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان، وإذا خففها خفف بقية الأركان وليس المراد أنَّه يركع ويسجد بقدر القيام كما في القسطلاني. 951 - (431) (91) (وحدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله تعالى عنه، أبو عبد الرحمن البصري، قاضي كرمان، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وأبو كامل فضيل بن حسين) بن طلحة (الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (كلاهما) رويا (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (19) بابا، وأتى بقوله (قال حامد) تورعًا من الكذب عليه (حدثنا أبو عوانة، عن هلال بن أبي حميد) ويقال ابن حميد، ويقال ابن عبد الله، ويقال ابن عبد الرحمن الجهني أبو عمرو، ويقال أبو لجهم، ويقال أبو أمية، ويقال غير ذلك في اسم أبيه وفي كنيته، الوزان الصيرفي الكوفي، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هو هلال بن مقلاص، روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في الصلاة، وعروة بن الزبير في الزهد، ويروي عنه أبو عوانة وشيبان بن عبد الرحمن ومسعر، وثقه ابن معين النسائي، وقال أبو حاتم والنسائيُّ: مرة ضعيف، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي، ثقة، من الثانية (عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي الصحابي الجليل - رضي الله عنه -، له (305) خمسٌ وثلاثمائة حديثٍ. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد بصري (قال) البراء (رمقت الصلاة) أي أَطَلْتُ النظرَ إليها، وبابه قتل كما في المصباح أي أكثرت الصلاة (مع محمَّد - صلى الله عليه وسلم -) مفكرًا في قدر أركانها ومخمنًا لها

فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ فَجَلْسَتَهُ بَينَ السَّجْدَتَينِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَينَ التَّسْلِيمِ والانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فوجدت قيامه) للقراءة (فركعته) أي فركوعه بعد القيام (فاعتداله بعد ركوعه فسجدته) بعد اعتداله (فجلسته بين السجدتين فسجدته) مرة ثانية (فجلسته ما بين) ما زائدة أي فجلوسه بين السجود الثاني وبين (التسليم والانصراف) أي الفراغ من الصلاة يعني الجلوس للتشهد الأخير أي خمنت وقدرت أزمنة هذه الأركان فوجدتها (قريبًا) أي متقاربة (من السواء) أي إلى التساوي والتماثل وإن تفاوتت تفاوتًا يسيرًا، قال القرطبي: الحديث يدل على أن بعض تلك الأركان أطول من بعض إلا أنها غير متباعدة وهذا واضح في كل الأركان إلا في القيام فإنَّه قد ثبت أنَّه كان يطوله ويقرأ فيه بالستين إلى المائة، ويذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثمَّ يتوضأ ثمَّ يرجع فيجده قائمًا في الركعة الأولى، فيحتمل أن يكون ذلك الطول كان في أول أمره ثمَّ كان التخفيف بعدُ كما قال جابر بن سمرة: "ثمَّ كان صلاته بعدُ تخفيفًا" اهـ، والمعنى كانت أفعال صلاته - صلى الله عليه وسلم - كلها متقاربة وليس المراد أنَّه كان يركع قدر قيامه وكذا السجود والقومة والجلسة بل المراد كما في القسطلاني أن صلاته كانت معتدلة متقاربة الأركان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان بقدر ما يناسبها وإذا خففها خفف بقية الأركان، وفي رواية البخاري ما خلا القيام والقعود قريبًا من السواء فيكون التقارب في غير هذين الركنين، وقد ثبت بالأحاديث السابقة طول قيامه - صلى الله عليه وسلم - وثبت أيضًا أنَّه كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات. وفي هوامش بعض المتون قوله ما بين التسليم والانصراف يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمكث في مصلاه بعد التسليم شيئًا يسيرًا وأنه لم يكن يبادر بالقيام إثر التسليم ولا يطيل المكث، كي يخرج النساء قبل أن يدركهن من ينصرف من الرجال كما هو المذكور في صحيح البخاري اهـ. وشارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 294] والبخاري [801] وأبو داود [852] والترمذي [279] والنسائيُّ [2/ 197 - 198]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء - رضي الله عنه - فقال:

952 - (. .) (. .) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ. قَال: غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ رَجُلٌ، (قَدْ سَمَّاهُ)، زَمَنَ ابْنِ الأَشْعَثِ. فَأَمَرَ أَبَا عُبَيدَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ قَدْرَ مَا أَقُولُ: اللَّهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. مِلْءُ السَّمَوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ. وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ. أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ. لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ. وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. قَال الْحَكَمُ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى. فَقَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَرُكُوعُهُ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 952 - (. .) (. .) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري، ثقة، من (10) قال (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان التميمي العنبري، أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري، ثقة إمام أئمة الإِسلام، من (7) (عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي أبي محمَّد الكوفي، ثقة، من (5) (قال) الحكم (غلب على الكوفة رجل) من المسلمين أي تولَّى عليها وظَهَر بقوة، واسم الرجل الذي غلب هو مطر بن ناجية على ما يأتي في الرواية الثانية، قال شعبة (قد سماه) لنا الحكم أي ذكَرَ لنا الحكم اسم ذلك الرجل وأنا نسيته، وقوله (زمن) ولاية (ابن الأشعث) متعلق بغلب، ورجل فاعل غلب (فأمر) ذلك الرجل الغالب (أبا عبيدة) عامر (بن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي (أن يصلي بالناس) إمامًا لهم (فكان) أبو عبيدة (يصلي) إمامًا للناس (فإذا رفع) أبو عبيدة (رأسه من الركوع قام) أي أبو عبيدة (قدر ما أقول) وأقرأ أنا؛ هو من كلام الحكم (اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعدُ أهلَ الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، قال الحكم) بن عتيبة الكندي، هذا من كلام شعبة أي قال الحكم (فذكرت ذلك) القيام الذي يقومه أبو عبيدة (لعبد الرحمن بن أبي ليلى فقال) عبد الرحمن بن أبي ليلى (سمعت البراء بن عازب يقول: كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي قيامه للقراءة وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء (وركوعه) معطوف على اسم كان (وإذا رفع رأسه من الركوع) أي اعتدل أي وقت رفع رأسه من الركوع، وإذا هنا لمجرد الزمان منسلخًا

وَسُجُودُهُ، وَمَا بَينَ السَّجْدَتَينِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. قَال شُعْبَةُ: فَذَكَرتُهُ لِعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. فَقَال: قَدْ رَأَيتُ ابْنَ أَبِي لَيلى، فَلَمْ تَكُنْ صَلاتُهُ هَكَذَا. 953 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ؛ أَنَّ مَطَرَ بْنَ نَاجِيَةَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى الْكُوفَةِ، أَمَرَ أَبَا عُبَيدَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَسَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الاستقبال اهـ قسطلاني (وسجوده وما بين السجدتين) أي وزمن جلوسه بين السجدتين، وقوله (قريبًا من السواء) بفتح السين والمد من المساواة لا من التسوية خبر كان أي كانت أزمنة هذه الأركان متقاربة إلى المساواة، والمعنى كانت أفعال صلاته - صلى الله عليه وسلم - كلها قريبة إلى السواء، وفيه إشعار بالتفاوت والزيادة على أصل حقيقة الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والرفع من الركوع، وهذه زيادة لا بد أن تكون على القدر الذي لا بد منه وهو الطمأنينة اهـ قسطلاني. (قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (فذكرته) أي فذكرت ما أخبرني الحكم بن عتيبة (لعمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني الكوفي، ثقة، من الخامسة (فقال) لي عمرو بن مرة (قد رأيت) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) وصليت معه (فلم تكن صلاته) أي صلاة ابن أبي ليلى (هكذا) أي مثل ما روى الحكم عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الحكم لهلال بن أبي حميد في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - فقال: 953 - (. .) (. .) (حدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمَّد (بن بشار) بن عثمان العبدي البصري كلاهما (قالا حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي (أن مطر بن ناجية) هو الرجل المبهم في الرواية السابقة (لما ظهر) وغلب (على الكوفة) وأخذ ولايتها (أمر أبا عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود (أن يصلي بالناس وساق)

الْحَدِيثَ. 954 - (432) (92) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: إِني لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصلِّي بِنَا. قَال: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ انتَصَبَ قَائِمًا حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن جعفر (الحديث) السابق وذكَرَهُ بلفظه، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة. ثم استشهد المؤلف لحديث البراء بن عازب بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 954 - (432) (92) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البزار أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الأزرق أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني أبي محمد البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا خلف بن هشام فإنه بغدادي (قال) أنس (إني لا آلو) ولا أقصر في (أن أصلي بكم) أيها الحاضرون صلاة (كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أن أصلي بكم صلاة مثل الصلاة التي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصلي بنا) في حياته صلى الله عليه وسلم (قال) ثابت بن أسلم (فكان أنس) في صلاته بنا (يصنع شيئًا لا أراكم) أيها الأئمة (تصنعونه) في صلاتكم (كان) أنس (إذا رفع رأسه من الركوع انتصب) واستوى بظهره (قائمًا) معتدلًا (حتى يقول القائل) منا (قد نسي) السجود، قوله (قد نسي) أي وجوب الهويِّ إلى السجود أو أنه في صلاة أو ظن أنه وقت القنوت من طول قيامه وهذا صريح في الدلالة على أن الاعتدال ركن طويل بل هو نص فيه، فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود، ووجه ضعفه أنه قِيَاسٌ في مقابلة النص فهو فاسد، وقد اختار النواوي جواز تطويل الركن القصير خلافًا للمرجَّح في المذهب واستدل لذلك بحديث حذيفة عند مسلم

وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ مَكَثَ. حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ. 955 - (433) (93) وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: مَا صلَّيتُ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلاةً مِنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي تَمَامٍ. كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُتَقَارِبَةً. وَكَانَتْ صَلاةُ أَبِي بَكْرِ مُتَقَارِبَةً. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة بالبقرة وغيرها ثم ركع نحوًا مما قرأ ثم قام بعد أن قال ربنا لك الحمد قيامًا طويلًا قريبًا مما ركع، قال النواوي: الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز الإطالة بالذكر اهـ من القسطلاني (وإذا رفع رأسه من السجدة) الأولى (مكث) واستمر في الجلوس (حتى بقول القائل) منا (قد نسي) السجود الثاني، قال الأبي: يحتمل أنه قَدْرُ ما يقولُ الذكرَ الآتيَ مع ما يصحبه من الترتيل والخشوع، ومجموع ذلك يُظَنُّ بقائله أنه نسي ولا ينافي ما تقدم من قوله أوجز من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صلاته كما تقدم كانت قريبًا من السواء اهـ. وهذا الأثر شارك المؤلف في روايته البخاري. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث البراء بحديث آخر لأنس رضي الله تعالى عنهما فقال: 955 - (433) (93) (وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري، صدوق، من صغار (10) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (8) (أخبرنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة (قال) أنس (ما صليت خلف أحد أوجز) صفة لأحد أي أخف (صلاة) بالنصب على التمييز (من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونها (في تمام) أي مع إتمام أركانها (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة) الأركان وإن كان بينها تفاوت يسير (وكانت صلاة أبي بكر) رضي الله عنه (متقاربة) كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما كان عمر بن الخطاب) رضي الله

مَدَّ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلِّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" قَامَ، حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، ثُم يَسْجُدُ، ويقْعُدُ بَينَ السجْدَتَينِ، حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه خليفة (مد) عمر أي زاد وطول (في صلاة الفجر) لسعة وقتها (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده قام) أي ارتفع قائمًا معتدلًا (حتى نقول) ونظن أنه (قد أوهم) وأسقط وترك ما بعده من الذكر، من أوهمت في الكلام إذا أسقطت منه شيئًا أو معناه قد أوهم أي أوقع في وهم الناس أي في ذهنهم أنه تركه أفاده ملا علي. وفي القرطبي: قوله (قد أوهم) كذا صوابه بفتح الهمزة والهاء مبنيًّا للفاعل؛ ومعناه ترك، قال ثعلب: يقال أَوهَمْتُ الشيء إذا تركته كله أُوْهِمُ ووَهَمْتُ في الحساب وغيره إذا غلطت أُوهِمُ ووَهَمْتُ إلى الشيء إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره أَهِمُ وَهْمًا اهـ. (ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم) وتَرَك ذكر الجلوس يعني يخفف في اعتداله وجلوسه بين السجدتين حتى نقول ونظن أنه قد أوهم وأخطأ لسرعته فيهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 247] والبخاري [821] وأبو داود [853]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث البراء ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا. ***

234 - (46) باب متابعة الإمام والعمل بعده

234 - (46) باب: متابعة الإمام والعمل بعده 956 - (434) - (94) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. ح قَال: وَحَذَثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ، (وَهُوَ غَيرُ كَذُوبٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ 234 - (46) باب متابعة الإمام والعمل بعده 956 - (434) (94) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) نسب إلى جده لشهرته به التميمي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة ثبت، من (7) (حدثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي أحد أعلام التابعين، ثقة، من (3) (ح قال) المؤلف (وحدثنا) أيضًا (يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن عبد الله بن يزيد) بن زيد بن الحصين الأنصاري الأوسي أبي موسى المدني الصحابي الجليل شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة، له (27) سبعة وعشرون حديثًا، له عند (خ) حديثان، روى عن البراء بن عازب في الصلاة، وأبي مسعود في الزكاة، وأبي أيوب في الحج والنفاق، وزيد بن ثابت في الحج، وحذيفة في الفتن، ويروي عنه (ع) وأبو إسحاق السبيعي ومحارب بن دثار وعدي بن ثابت في الزكاة وابنه موسى والشعبي وابن سيرين (قال) عبد الله (حدثني البراء) بن عازب بن الحارث الأنصاري الأوسي أبو عمارة الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما أربعة منهم كوفيون وواحد مدني، ورجال الثاني ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نيسابوري، وفيهما التحديث والإخبار والعنعنة، ومن لطائفهما أن فيهما رواية صحابي عن صحابي، وقوله (وهو) أي البراء بن عازب (غير كذوب) أي غير كاذب فيما حدثنا، والمبالغة ليست على بابها من كلام عبد الله بن يزيد، ومراده أن البراء غير كذوب فيما أخبرنا ومعناه تقوية الحديث وتفخيمه والمبالغة في تمكينه من النفس لا التزكية التي تكون في مشكوك فيه، ونظيره قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، وعن أبي هريرة مثله؛ ومعنى هذا الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم عنه، قالوا: وقول ابن معين أن البراء صحابي يُنَزَّهُ عن هذا

أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَحْنِي ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَبْهَتَهُ عَلَى الأرضِ. ثُمَّ يَخِرُّ مَنْ وَرَاءَهُ سُجَّدًا. 957 - (00) (00) وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام لا وجه له، لأن عبد الله بن يزيد صحابي أيضًا اهـ نواوي (أنهم) أي أن الأصحاب (كانوا يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رفع رأسه من الركوع لم أر) أنا أي لم أبصر مضارع مجزوم من رأى مسند إلى المتكلم أي ما رأيت (أحدًا) منهم (يحني ظهره) أي يثني ويقوس ظهره للسجود (حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض) ساجدًا (ثم) بعد سجوده صلى الله عليه وسلم (يخر) ويسقط (من وراءه) أي خلفه على الأرض، حالة كونهم (سجدًا) جمع ساجد أي ساجدين، وقوله (يحني ظهره) أي يثني ظهره للسجود يقال حنى يحني من باب رمى، ويقال حنا يحنو من باب دعا من حنيت العود أحنيه حنيًا، وحنوته أحنو حنوًا أي ثنيته، ويقال للرجل إذا انحنى من الكبر حناه الدهر فهو محني ومحنو كما في المصباح. واستدل به ابن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام، وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يلتبس الإمام بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه فيه، وقيل بعد الفراغ منه، ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم فكان لا يحني أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدًا، ولأبي يعلى من حديث أنس حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود وهو أوضح في انتفاء المقارنة قاله الحافظ اهـ تحفة الأحوذي، قوله (ثم يخر من وراءه سجدًا) معنى الخرور: هو السقوط، ويرادفه الوقوع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 300 و 354] والبخاري [690] وأبو داود [621] والترمذي [281]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 957 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، ثقة، من (10) مات سنة (240) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يحيى -يعني

ابْنَ سَعِيدٍ)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ، (وَهُوَ غَيرُ كَذُوبٍ)، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" لَمْ يَحْنِ أَحدٌ مِنا ظَهْرَهُ حَتى يَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا لم نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ. 958 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الأنْطَاكِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سعيد) بن فروخ التميمي أبو سعيد القطان البصري الأحول، ثقة متقن، من كبار (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (حدثني أبو إسحاق) الهمداني السبيعي الكوفي (حدثني عبد الله بن يزيد) بن زيد بن الحصين الأنصاري المدني، قال (حدثني البراء) بن عازب الأنصاري الأوسي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني، وليس فيه التحديث، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي خيثمة الجعفي في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وقوله (وهو) أي البراء (غير كذوب) لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له، وهذا عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى كما مر آنفًا (قال) البراء (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن) بكسر النون وضمها نظير لم يَرْو ولم يَدْع أي لم يَثْنِ (أحدٌ منا ظهرَه) للسجود (حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسَقَط على الأرض (ساجدًا ثم نقع) ونخر على الأرض حالة كوننا (سجودًا) جمع ساجد أي ساجدين (بعده) أي بعد سجوده صلى الله عليه وسلم. قال النواوي: وفي هذا الحديث أدب من آداب الصلاة؛ وهو أن السنة أن لا ينحني المأموم للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض إلا أن يعلم من حاله أنه لو أخر إلى هذا الحد لرفع الإمام رأسه من السجود قبل سجوده، قال أصحابنا: في هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه أن السنة للمأموم التأخر عن الإمام قليلًا بحيث يشرع في الركن بعد شروعه وقبل الفراغ منه، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 958 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الرحمن) بن حكيم (بن سهم الأنطاكي)

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ؛ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ، عَلَى الْمِنْبَرِ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ؛ أَنهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا. وَإِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نسبة إلى أنطاكية بلدة من بلاد العجم، روى عن أبي إسحاق الفزاري وإبراهيم بن محمد في الصلاة، وابن المبارك في الجهاد وصفة الجنة، والوليد بن مسلم في دلائل النبوة. فجملة الأبواب التي روى عنه فيها أربعة، ويروي عنه (م) وأبو يعلى والبغوي، وثقه الخطيب، وقال في التقريب: ثقة يغرب، من العاشرة، مات بأنطاكية سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين (حدثنا إبراهيم بن محمد) بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الكوفي (أبو إسحاق الفزاري) روى عن أبي إسحاق الشيباني في الصلاة، وخالد الحذاء في الجنائز، وسهيل بن أبي صالح في الجهاد، وعبيد الله بن عمر في الفضائل، والأعمش في البر والصلة، ويروي عنه (ع) ومحمد بن عبد الرحمن بن سهم ومعاوية بن عمرو وعبد الله بن عون وموسى بن خالد ختن الفريابي وخلق، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من (8) الثامنة، مات سنة (185) خمس وثمانين ومائة، وقيل بعدها، روى عنه في (5) أبواب (عن أبي إسحاق) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن محارب بن دثار) بن كردوس السدوسي أبي النضر الكوفي قاضيها، روى عن عبد الله بن يزيد في الصلاة، وجابر بن عبد الله في الصلاة والنكاح وغيرهما، وعبد الله بن بريدة في الجنائز والضحايا، وعبد الله بن عمر في الصوم وغيره، ويروي عنه (ع) وأبو إسحاق الشيباني والثوري وشعبة وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة إمام زاهد، من الرابعة، مات سنة (116) ست عشرة ومائة، وليس عندهم محارب إلا هذا الثقة (قال سمعت عبد الله بن يزيد) الأنصاري المدني (يقول على المنبر) النبوي (حدثنا البراء) بن عازب الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد أنطاكي، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وغرضه بسوقه بيان متابعة محارب بن دثار لأبي خيثمة في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن يزيد، وفيه فائدة تصريح السماع عن عبد الله بن يزيد (أنهم كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ركع ركعوا وإذا رفع رأسه من

الرُّكُوعِ فَقَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَعَ وَجْهَهُ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ نَتَّبِعُهُ. 959 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا أَبَانٌ وَغَيرُهُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنِ الْبَرَاءِ؛ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلًّمَ. لَا يَحْنُو أَحَدٌ مِنا ظَهْرَهُ حَتى نَرَاهُ قَدْ سَجَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الركوع فقال سمع الله لمن حمده لم نزل قيامًا) أي معتدلين (حتى نراه) صلى الله عليه وسلم (قد وضع وجهه) أي جبهته (في الأرض) أي على الأرض (ثم) بعد وضع جبهته (نتَّبعه) صلى الله عليه وسلم في السجود، بشديد التاء من الاتِّباع. 959 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون الهلالي الكوفي (حدثنا أبان) بن تغلب -بفتح المثناة الفوقية وسكون المعجمة وكسر اللام- أبو سعيد الكوفي القارئ، روى عن الحكم بن عتيبة في الصلاة، وفضيل بن عمرو الفقيمي، والأعمش في الإيمان، وعكرمة وعدي بن ثابت وخلق، ويروي عنه (م عم) وابن عيينة وأبو معاوية وآخرون، ثقة، من (7) (وغيره) أي وحدثنا أيضًا غير أبان كابن عرعرة (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) واسم أبي ليلى يسار بن بلال بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري الأوسي، أبي عيسى الكوفي، ثقة، من الثانية، روى عنه في (9) أبواب (عن البراء) بن عازب الأنصاري الكوفي. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن أبي ليلى لعبد الله بن يزيد في رواية هذا الحديث عن البراء، وهذا السند تكلم فيه الدارقطني وقال: الحديث محفوظ لعبد الله بن يزيد عن البراء، ولم يقل أحد عن ابن أبي ليلى غير أبان بن تغلب عن الحكم، وقد خالفه ابن عرعرة فقال: عن الحكم عن عبد الله بن يزيد عن البراء، وغير أبان أحفظ منه، هذا كلام الدارقطني، وهذا الاعتراض لا يقبل بل أبان ثقة نقل شيئًا فوجب قبوله ولم يتحقق كذبه وغلطه ولا امتناع في أن يكون مرويًّا عن ابن يزيد وابن أبي ليلى والله أعلم. اهـ نووي (قال) البراء (كنا) نصلي (مع النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كوننا (لا يحنو) ولا يثني (أحد منا ظهره حتى نراه) صلى الله عليه وسلم (قد سجد) أي قد وضع جبهته على

فَقَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: حَدَّثَنَا الْكُوفِيونَ: أَبَانٌ وَغَيرُهُ. قَال: حَتَّى نَرَاهُ يَسْجُدُ. 960 - (435) (95) حدَّثنا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ الأَشْجَعِيُّ أَبُو أَحْمَدَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ، مَوْلَى آلِ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ؛ قَال: صَلَّيتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض للسجود (فقال زهير) بن حرب (حدثنا سفيان) بن عيينة (قال) سفيان (حدثنا الكوفيون أبان وغيره) كابن عرعرة بدل من الكوفيين (قال) البراء (حتى نراه) صلى الله عليه وسلم (يسجد). ثم استشهد المؤلف لحديث البراء بحديث عمرو بن حريث رضي الله عنهما فقال: 960 - (435) (95) (حدثنا محرز) بسكون المهملة وكسر الراء بعدها زاي (بن عون بن أبي عون) الهلالي أبو الفضل البغدادي، ولد سنة (144) أربع وأربعين ومائة، وماتَ بِبَغْدادَ سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، وله (87) سبع وثمانون سنة، روى عن خلف بن خليفة في الصلاة، وعلي بن مسهر في النكاح، ومالك ومسلم بن خالد وغيرهم، ويروي عنه (م) وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأحمد بن إبراهيم الدورقي وغيرهم، وثقه جَزَرَةُ وابنُ معين، وقال ابن سعد: حدث عنه الناس كثيرًا، وكان ثقة ثبتًا، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، وليس في مسلم محرز إلا هذا (حدثنا خلف بن خليفة) بن صاعد بن بَرَامٍ (الأشجعي) مولاهم (أبو أحمد) البغدادي، وثقه ابن سعد، وقال في التقريب: صدوف اختلط في الآخر، من (8) الثامنة، مات سنة (181) روى عنه في (4) أبواب (عن الوليد بن سريع) بوزن منيع (مولى آل عمرو بن حريث) الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات، روى عن عمرو بن حريث في الصلاة، وعبد الله بن أبي أوفى، ويروي عنه (م س) وخلف بن خليفة وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق، من (4) الرابعة (عن عمرو بن حريث) مصغرًا بن عمرو بن عثمان القرشي المخزومي أبي سعيد الكوفي، سمع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وعن ابن مسعود وسعيد بن زيد في الأطعمة، ويروي عنه (ع) والوليد بن سريع، صحابي صغير، له (18) حديثًا انفرد له (م) بحديثين كما مر في ترجمته. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بغداديان (قال) عمرو بن حريث (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم)

الْفَجْرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)} [التكوير: 15، 16]. وَكَانَ لَا يَحْنِي رَجُلٌ مِنَا ظَهْرَهُ حَتَّى يَسْتَتِمَّ سَاجِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاة (الفجر فسمعته) صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقرأ) سورة التكوير قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} وكان) الشأن (لا يحني) ولا يثني (رجل منا ظهره) للسجود (حتى يستتم) صلى الله عليه وسلم (ساجدًا) أي حتى يسجد سجودًا تامًّا، وفي المصباح: استتمه مثل أتمه. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود وابن ماجه. والحديث يدل على جواز قراءة سورة إذا الشمس كورت في الصبح، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بمكة الصبح فاستفتح سورة المؤمنين عند مسلم من حديث عبد الله بن السائب كما مر، وأنه قرأ بالطور ذكره البخاري تعليقًا من حديث أم سلمة إلى غير ذلك اهـ من عون المعبود. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث البراء ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني حديث عمرو بن حريث ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

235 - (47) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

235 - (47) باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع 961 - (436) (96) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. مِلْءُ السَّمَوَاتِ وَمِلْءُ ألأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 235 - (47) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع 961 - (436) (96) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ووكيع) بن الجراح الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن عبيد بن الحسن) المزني أبي الحسن الكوفي، روى عن ابن أبي أوفى في الصلاة، وعبد الرحمن بن مغفل، ويروي عنه (م د ق) وشعبة والثوري، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن) عبد الله (بن أبي أوفى) علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد الأسلمي، أبي إبراهيم الكوفي الصحابي بن الصحابي شهد بيعة الرضوان، له (95) خمسة وتسعون حديثًا، اتفقا على عشرة وانفرد (خ) بخمسة و (م) بواحد، سكن الكوفة، وابتنى بها دارًا في أسلم، وهو آخر من مات بها من الصحابة سنة (86) ست وثمانين، وقيل سنة سبع بعد ما عمي، روى عنه عبيد بن الحسن في الصلاة، ومجزأة بن زاهر وأبو إسحاق الشيباني في الصوم، وإسماعيل بن أبي خالد في الحج، وطلحة بن مصرف في الوصايا، وأبو النضر سالم وعدي بن ثابت في الذبائح، وأبو يعقوب في الذبائح. وجملة الأبواب التي روى عنه فيها خمسة. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة (قال) ابن أبي أوفى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال: سمع الله لمن حمده) أي تقبل الله سبحانه حمد من حمده، والجملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى فكأنه قال: (اللهم) تقبل حمدنا إياك (ربنا) أي يا مالك أمرنا مستحق (لك) جنس (الحمد) لأنك الفاعل المختار (ملء) بالرفع صفة للحمد فهو مصدر في تأويل المشتق أي مالئ (السموات) السبع، وبالنصب صفة لمصدر محذوف أي نحمدك حمدًا مالئ السموات السبع، والملئ بالكسر اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ وهو مجاز عن الكثرة، وكذا يقال في قوله (وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)

962 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُبَيدِ بْنِ الْحَسَنِ؛ قَال: "سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: "اللَّهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمدُ، مِلْءُ السَّمَوَاتِ وَمِلءُ الأرْضِ. وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بعد السموات والأرض أي ومالئ ما شئت من الأماكن وغيرهما كالكرسي والعرش؛ والمعنى لو كان ذلك الحمد جسمًا لملأ السموات والأرض وغيرهما من الأماكن المرادة لك يا ربنا، قال القاضي عياض: قال الخطابي: وهو تمثيل لكثرة عدد الحمد أي لو كان جسمًا لملأ عدده ما بين السماء والأرض، وقيل المراد ثوابها، وقيل يراد بذلك عظم الكلمة وهذا تمثيل وتقريب إذ الكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية؛ وإنما المُرَادُ تكثيرُ العدد حتى لو قُدّر أن تلك الكلمات تكون أجسامًا تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما تملأ السموات والأرضين، قاله ملا علي. و (بعد) ظرف قطع عن الإضافة مع إرادة المضاف إليه وهو السموات والأرض فبني على الضم لأنه أشبه حرف الغاية الذي هو منذ والمراد من قوله (من شيء) العرش والكرسي ونحوهما مما في مقدور الله تعالى، والله أعلم اهـ قرطبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 354 و 356] وأبو داود [876] والترمذي [3541] وابن ماجه [878]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: 962 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عبيد بن الحسن) المزني الكوفي (قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو) الله سبحانه ويذكره (بهذا الدعاء) والذكر، والمراد بالدعاء هنا الذكر لأن الدعاء كل ما سيق لثناء أو ذكر أو طلب حاجة من الله سبحانه وتعالى يعني بذلك الدعاء (اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة للأعمش في رواية هذا الحديث عن

963 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ؛ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهمَّ لَكَ الْحَمْدُ. مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الأرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ. اللَّهمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد بن الحسن، وفائدتها تقوية السند الأول لأن الأعمش مدلس وإن كان ثقة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: 963 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن مجزأة) بفتح الميم وسكون الجيم وفتح الزاي والهمزة بوزن مجزرة (بن زاهر) بن الأسود الأسلمي مولاهم الكوفي، روى عن عبد الله بن أبي أوفى في الصلاة، وأبيه وأهبان بن أوس وغيرهم، ويروي عنه (خ م س) وشعبة ورقبة بن مصقلة وإسرائيل وغيرهم، وثقه أبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة مجزأة بن زاهر لعبيد بن الحسن في رواية هذا الحديث عن ابن أبي أوفى، حالة كون ابن أبي أوفى (يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (كان يقول: اللهم لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني) ونظفني ونقني من الخطايا والسيئات (بالثلج) ماء تجمد ينزل آخر الليل أو النهار في بعض البلاد الباردة (والبرد) بفتحتين حب الغمام، قال ابن الأثير: إنما خصهما بالذكر تأكيدًا للطهارة ومبالغة فيها لأنهما ماءان مَقْطُوران على خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي ولم يخضهما الأرجل كسائر المياه التي خالطت التراب وجرت في الأنهار وجمعت في الحياض فكانا أحق بكمال الطهارة اهـ، وعطف (والماء البارد) عليهما من عطف العام على الخاص لإرادة المبالغة في التطهير من الذنوب على سبيل الاستعارة التصريحية، قال الأبي: فالأنواع الثلاثة منزلة للتطهير من الحدث والخبث وهو تمثيل لأنواع المغفرة؛ والمعنى اللهم طهرني بأنواع مغفرتك التي تمحق الذنوب تَطْهِير الأنواعِ

اللَّهمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ". 964 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح قَال: وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ "كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاثةِ الحدثَ والخبثَ، وأخَّر الماء إشارة لشمول الرحمة بعد المغفرة لأن الماء أعم وأشمل في التطهير، وخص البارد وإن كان السخن أنقى منه ليجانس ما قبله ولأن البرودة هي المناسبة لإطفاء حرارة النار، ومنه قولهم بَرَّد الله مضجعه اهـ، قال العسقلاني: كأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المياه الباردة غايةَ البرودة اهـ. (اللهم طهرني) أي نقني (من الذنوب) أي الكبائر (والخطايا) أي الصغائر جمع خطيئة بمعنى سيئة، ويقال إنه من عطف المرادف أو من عطف الخاص على العام تأكيدًا (كما ينقى الثوب الأبيض) أي طهرني من الذنوب تطهيرًا كتطهير الثوب الأبيض (من الوسخ) أي القذر، وفي رواية من الدرن، وفي رواية من الدنس كله بمعنى واحد؛ ومعناه اللهم طهرني طهارة كاملة معتنى بها كما يعتنى بتنقية الثوب الأبيض من الوسخ، وخص الأبيض لأن التطهير فيه أظهر اهـ نووي، قال الملا علي: وفيه إيماء إلى أن القلب بمقتضى أصل الفطرة سليم ونظيف وأبيض ظريف وإنما يتسود بارتكاب الذنوب وبالتخلق بالعيوب اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: 964 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري البصري (ح قال) المؤلف (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من معاذ بن معاذ ويزيد بن هارون رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن مجزأة بن زاهر، عن ابن أبي أوفى، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هذين لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة، لكن (في رواية معاذ) بن معاذ كما

يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّرَنِ". وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ: "مِنَ الدَّنَسِ". 965 - (437) (97) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيسٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينقى الثوب الأبيض من الدرن) أي الوسخ (وفي رواية يزيد) بن هارون (من الدنس) أي الوسخ فهذا الاختلاف لفظي والمعنى واحد وبيَّنَه لشدة ورعه وإتقان حفظه ودقة فهمه رحمه الله تعالى. قال النواوي: وفي هذا الحديث فوائد منها استحباب هذا الذكر، ومنها وجوب الاعتدال ووجوب الطمأنينة فيه، وأنه يستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد أن يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ويجمع بينهما فيكون قوله سمع الله لمن حمده في حال ارتفاعه، وقوله ربنا لك الحمد في حال اعتداله لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن أبي أوفى بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 965 - (437) (97) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو الفضل السمرقندي، مات بسمرقند يوم عرفة سنة (255) ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا مروان بن محمد) بن حسان الأسدي أبو بكر (الدمشقي) الطاطري، قال الطبري: كل من يبيع الكرابيس بدمشق يقال له الطاطري، روى عن سعيد بن عبد العزيز في الصلاة والزكاة والظلم، والليث بن سعد في الأحكام. فجملة الأبواب التي روى عنه فيها أربعة، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وسلمة بن شبيب ومالك والليث والدراوردي وغيرهم، وثقه أبو حاتم وجزرة، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (210) مائتين وعشر (حدثنا سعيد بن عبد العزيز) التنوخي نسبة إلى عدة قبائل اجتمعوا قديمًا بالبحرين الدمشقي، روى عن عطية بن قيس في الصلاة، ويروي عنه (م عم) ومروان بن محمد الدمشقي، ثقة، من (7) روى عنه في ثلاثة أبواب (عن عطية بن قيس) الكلاعي أبي يحيى الحمصي المقرئ، روى عن قزعة في الصلاة، وعنه (م عم) وسعيد بن عبد العزيز، ثقة، من (3) (عن

قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَال: "رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. مِلْءُ السَّمَوَاتِ والأرضِ. وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ. أَحَقُّ مَا قَال الْعَبْدُ. وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدْ: اللَّهمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ. وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ. وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قزعة) بن يحيى البصري أبي الغادية الحرشي، روى عن أبي سعيد الخدري، ويروي عنه (ع) وعطية بن قيس، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون وواحد مدني وواحد بصري وواحد سمرقندي (قال) أبو سعيد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع) واعتدل قائمًا (قال: ربنا لك الحمد ملء السموات و) ملء (الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء) بالنصب على النداء؛ أي يا أهل الثناء ومستحق المدح، ويجوز رفعه على تقدير أنت أهل الثناء، والمختار النصب، والثناء الوصف الجميل والمدح (والمجد) بالجر عطفًا على الثناء، والمجد العزمة ونهاية الشرف هذا هو الرواية المشهورة، ووقع عند ابن ماهان "أهل الئناء والحمد" ولكن الصحيح المشهور هو الأول وإن كان في المعنى صحيحًا، وقوله (أحق ما قال العبد) مبتدأ خبره اللهم لا مانع ... الخ، وقوله (وكلنا لك عبد) جملة معترضة بين المبتدأ والخبر؛ والمعنى أصدق قول قاله العبد في ثناء ربه (اللهم لا مانع لما أعطيت) أي لما أردت إعطاءه لأحد من خلقك (ولا معطي لما منعت) أي لما أردت منعه فأنت المعطي المانع والنافع الضار (ولا ينفع ذا الجد) أي صاحب الغنى والمال (منك) أي عندك (الجد) أي جده وغناه وإنما ينفعه رضاك وتقواك، وإنما كانت هذه الكلمة أحق ما قاله العبد لما فيها من التفويض إلى الله تعالى والإذعان له والاعتراف بوحدانيته والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به وأن الخير والشر منه والحث على الزهادة في الدنيا والإقبال على الأعمال الصالحة اهـ نووي. ولفظ "الجد" رواه الجمهور بفتح الجيم وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان وأب الأب، ومعناه لا ينفع من رزق مالًا وولدًا أو جاهًا دنيويًّا شيء من ذلك عندك وهذا كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وحكي عن الشيباني في الحرفين كسر الجيم، وقال: معناه لا ينفع ذا الاجتهاد والعمل منك اجتهاده وعمله، ومراده أن العمل لا ينجي

966 - (438) (98) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا هُشَيمُ بْنُ بَشِيرٍ. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ قَيسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ. قَال: "اللَّهمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. مِلْءُ السَّمَوَاتِ وَمِلءُ الأرْضِ، وَمَا بَينَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحبه، وإنما النجاة بفضل الله ورحمته كما جاء في الحديث الصحيح: "لن ينجي أحدًا منكم عمله" الحديث رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [847] والنسائي [2/ 198 - 199] وابن ماجه [877]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن أبي أوفى بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 966 - (438) (98) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا هشيم بن بشير) بن القاسم السلمي أبو معاوية الواسطي، ثقة، من (7) (أخبرنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي، أبو عبد الله البصري، ثقة، من السادسة (عن قيس بن سعد) الحبشي أبي عبد الله المكي مفتي مكة، روى عن عطاء بن أبي رباح في الصلاة والحج، وطاوس في الصلاة، وعمرو بن دينار في الأحكام، ويزيد بن هرمز في الجهاد، روى عنه في (4) أبواب، ويروي عنه (م دس ق) وهشام بن حسان وجرير بن حازم وعمران القصير وسيف بن سليمان، وثقه أحمد وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة وأبو داود، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: مكي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (119) تسع عشرة ومائة (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي الفهري مولاهم أبي محمد المكي أحد الفقهاء والأئمة، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، من (3) مات سنة (114) أربع عشرة ومائة، روى عنه في (10) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما الهاشمي الطائفي. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد واسطي وواحد كوفي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع) واعتدل (قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض و) ملء (ما بينهما) أي

وَمِلْءُ مَا شِئتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ. لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ. وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ. وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". 967 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا قَيسُ بْنُ سَعْدِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ: "وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بين السموات والأرض من الهواء لو كان جسمًا يملأ الفراغ (وملء ما شئت من شيء بعد) أي بعد السموات والأرض يا (أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وإنما ينفعه رضاك وتقواك. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث النسائي [373] عن سليمان بن سيف عن سعيد بن عامر عن هشام بن حسان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 967 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا حفص) بن غياث بن طلق النخعي أبو عمرو الكوفي، قاضيها ثقة فقيه، من الثامنة، مات سنة (195) (حدثنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي البصري (حدثنا قيس بن سعد) الحبشي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي. وهذا السند أيضًا من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة حفص بن غياث لهشيم بن بشير في رواية هذا الحديث عن هشام بن حسان (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (إلى قوله) أي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم متعلق بحدثنا حفص أي حدثنا حفص هذا الحديث إلى قوله (ملء ما شئت من شيء بعد ولم يذكر) حفص بن غياث (ما بعده) أي ما بعد قوله من شيء بعد يعني أهل الثناء والمجد ... إلخ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

236 - (48) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

236 - (48) باب: النهي عن القراءة في الركوع والسجود 968 - (439) (99) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ بْنُ سُحَيم عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكرٍ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 236 - (48) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود 968 - (439) (99) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة متقن مصنف، من (10) مات سنة (227) (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي، من (8) (أخبرني سليمان بن سحيم) بمهملتين مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو أيوب المدني، روى عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد في الصلاة وابن المسيب وجماعة، ويروي عنه (م دس ق) وسفيان بن عيينة وإسماعيل بن جعفر، وثقه ابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة، مات زمن أبي جعفر المنصور (عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد) بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، روى عن أبيه في الصلاة، وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، وابن عباس، ويروي عنه (م دس ق) وسليمان بن سحيم ونافع مولى ابن عمر، قال في التقريب: صدوق، من الثالثة (عن أبيه) عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، روى عن عبد الله بن عباس في الصلاة، ويروي عنه (م د س ق) وابنه إبراهيم وابن أبي مليكة، وثقه أبو زرعة، له عندهم فرد حديث، وقال في التقريب: ثقة قليل الحديث (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي واثنان كوفيان أو كوفي وخراساني أو كوفي ونسائي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وولد عن والده (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة) وأزالها عن الباب وهي بكسر السين المهملة؛ الستر الذي يكون على باب البيت والدار (والناس) أي والحال أن الناس (صفوف) أي صافون للصلاة (خلف أبي بكر) الصديق في مرضه الذي توفي فيه كما سيأتي التصريح به (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الأظهر أنه قاله

"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلا الرُّؤيا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ. أَوْ تُرَى لَهُ. أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد إحرامهم والغالب أن سماعهم له إنما يكون مع إصغاء، ففيه حجة لمن أجاز الإنصات في الصلاة لسماع خبر يسير اهـ أبي. يا (أيها الناس إنه) أي إن الشأن والحال (لم يبق) الآن (من مبشرات النبوة) أي من أول ما يبدو منها، مأخوذ من تباشير الصبح وهو أول ما يبدو منه وهو كقول عائشة "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي" الحديث، وفيه أن الرؤيا من المبشرات سواء رآها المسلم أو رآها غيره يعني لم يبق لانقطاعها بموته صلى الله عليه وسلم، وقوله من مبشرات النبوة أي من مباديها (إلا الرؤيا الصالحة) قال الأبي: يعني بالصالحة الملائمة لا الصادقة لأن الصادقة قد تكون مؤلمة، وقلنا يعني ذلك لقوله من المبشرات لأن التبشير إنما يكون بالمحبوب إلا أن مدلول الرؤية ظني ومبشرات النبوة يقيني (يراها المسلم) وتخصيصها بالمسلم لأنه الذي يناسب حاله حال النبي في صدق الرؤيا (أو ترى له) على صيغة المجهول أي رآها غيره له (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن) أي انتبهوا واعلموا معالم دينكم إني نهيت أي نهاني ربي عن قراءة القرآن فاتحة أو غيرها حالة كوني (راكعًا أو ساجدًا) أي ملتبسًا بهذين الركنين، والنهي له نهي لأمته كما يشعر بذلك قوله في الحديث: "أما الركوع ... " الخ ويشعر به أيضًا ما في صحيح مسلم وغيره إن عليًّا قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا" وهذا النهي يدل على تحريم قراءة القرآن في الركوع والسجود، وفي بطلان الصلاة بالقراءة حالة الركوع والسجود خلاف، قال الخطابي: لما كان الركوع والسجود وهما غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهى - عليه السلام - عن القراءة فيهما كأنه كره أن يجمع بين كلام الله تعالى وكلام الخلق في موضع واحد فيكونان سواء، ذكره الطيبي. وفيه أَن ينتقض بالجمعِ بينهما في حالِ القيام، وقال ابن الملك: وكان حكمته أن أفضل أركان الصلاة القيام وأفضل الأذكار القرآن فجعل الأفضل للأفضل، ونهى عن جعله في غيره لئلا يوهم استواءه مع بقية الأذكار، وقيل: خصت القراءة بالقيام أو القعود عند العجز عنه لأنهما من الأفعال العادية ويتمحضان بالقراءة للعبادة بخلاف الركوع والسجود لأنهما بذواتهما يخالفان العادة ويدلان على الخضوع والعبادة.

فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ". قال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثّنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيمَانَ بهذا. 969 - (00) (00) حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأما الركوع فعظموا فيه الرب عزَّ وجلَّ) أي قولوا فيه سبحان الله العظيم (وأما السجود فاجتهدوا) فيه أي بالغوا (في الدعاء) فيه (فقمن) خبر مقدم أي حقيق وجدير (أن يستجاب لكم) الدعاء فيه، مبتدأ مؤخر وإنما كان حقيقًا بالإجابة لأن السجود أقرب ما يكون العبد فيه من ربه كما في حديث مسلم في أول الباب الآتي، قال النووي: قوله (قمن) بفتح القات وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان، فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع، قال: وفيه لغة ثالثة قمين بزيادة الياء وفتح القاف وكسر الميم ويستحب الجمع بين الدعاء والتسبيح ليكون المصلي عاملًا بجميع ما ورد، والأمر بتعظيم الرب في الركوع والاجتهاد في الدعاء في السجود محمول على الندب عند الجمهور، وقال بعضهم بوجوب تسبيح في الركوع والسجود، وكره الشافعي والكوفيون الدعاء فيهما، وقال الشافعي: المستحب التسبيح فيهما يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، اتباعًا لحديث عقبة، رواه أبو داود اهـ، عون المعبود بزيادة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 219] وأبو داود [876] والنسائي [2/ 189] وابن ماجه [3899]. ولكن (قال أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته (حدثنا سفيان) لم يقل ابن عيينة (عن سليمان) بن سحيم بالعنعنة، ولم يقل أخبرني سليمان بن سحيم كما قال غيره (بهذا) الحديث السابق متعلق بحدثنا سفيان، وقال الآخران: أعني سعيد بن منصور وزهير بن حرب (حدثنا سفيان بن عيينة أخبرني سليمان بن سحيم) أتى بهذه الجملة تحرزًا من الكذب على أبي بكر، وفي أكثر المتون وشرح النواوي والقاضي إسقاط لفظة "بهذا" ولكنها مثبتة في نسخة شرح الأبي والسنوسي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 969 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري العابد أبو زكريا البغدادي،

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخبَرَنِي سُلَيمَانُ بْنُ سُحَيم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ السِّتْرَ. وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَال: "اللَّهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " ثَلاثَ مَرَّاتٍ، "إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلا الرؤَيا. يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ" ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. 970 - (440) (100) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَة ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (10) مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) مات سنة (180) روى عنه في (12) بابا، قال (أخبرني سليمان بن سحيم) الهاشمي المدني، صدوق، من (3) (عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس) الهاشمي المدني، صدوق، من (3) (عن أبيه) عبد الله بن معبد بن عباس الهاشمي المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من يسداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن جعفر لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن سليمان بن سحيم، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قال) ابن عباس (كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر) وأزاله عن باب حجرته (ورأسه) أي والحال أن رأسه (معصوب) أي مربوط مشدود بالعصابة أي بالخرقة، والعصابة كما في اللسان كل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة (في مرضه) متعلق بكشف (الذي مات فيه) ونظر إلى الذين يصلون خلف أبي بكر الصديق (فقال: اللهم هل بلغت؟ ثلاث مرات) ثم قال (إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا) الصالحة (يراها العبد الصالح) لنفسه (أو ترى له، ثم ذكر) إسماعيل بن جعفر (بمثل حديث سفيان). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال: 970 - (440) (100) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح المصري الأموي، ثقة، من (10) (وحرملة) بن يحيى بن عبد الله التجيبي أبو

قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَال: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ؛ أن أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَال: نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ اقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ حفص المصري، صدوق، من (11) كلاهما (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة حافظ، من (9) (عن يونس) بن يزيد الأيلي، أبي يزيد الأموي، ثقة، من (7) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، ثقة متفق على جلالته، من (4) (قال) ابن شهاب (حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين) مصغرًا الهاشمي مولاهم مولى عباس بن عبد المطلب، أبو إسحاق المدني، روى عن أبيه في الصلاة والحج واللباس، وأبي مرة مولى أم هانئ في الصلاة، وأبي هريرة وأرسل عن علي، ويروي عنه (ع) والزهري والوليد بن كثير وزيد بن أسلم وداود بن قيس ونافع مولى ابن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن عمرو بن علقمة ومحمد بن إسحاق بن يسار، وثقه ابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) قال الذهبي: مات سنة (113) بضع عشرة ومائة، روى عنه في ثلاثة أبواب. (أن أباه) عبد الله بن حنين الهاشمي مولاهم مولى العباس، ويقال مولى علي بن أبي طالب المدني، روى عن علي بن أبي طالب في الصلاة واللباس، وعبد الله بن عباس في الصلاة والحج، والمسور بن مخرمة في الحج، وأبي أيوب في الحج، ويروي عنه (ع) وابنه إبراهيم بن عبد الله ومحمد بن المنكدر وأبو بكر بن حفص وخالد بن معدان، وثقه ابن حبان، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالشة، مات في أول خلافة يزيد بن عبد الملك في أول المائة الثانية (حدث) أي حدث لإبراهيم (أنه سمع علي بن أبي طالب) الهاشمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع (قال) علي (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ) القرآن حالة كوني (راكعًا أو ساجدًا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 81] وأبو داود [4044 - 4046] والنسائي [2/ 188 - 189]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال:

971 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدّثنَا أَبُو أُسامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ، (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ). حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِي بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ أَوْ ساجِدٌ. 972 - (00) (00) وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 971 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن الوليد يعني ابن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني، سكن الكوفة، صدوق، من السادسة، مات سنة (151) إحدى وخمسين ومائة، روى عنه في (9) أبواب، قال الوليد (حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي المدني (عن أبيه) عبد الله بن حنين الهاشمي المدني (أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وغرضه بسوقه بيان متابعة الوليد بن كثير للزهري في رواية هذا الحديث عن إبراهيم بن عبد الله، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 972 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الحافظ البغدادي، خراساني الأصل، قال الدارقطني: ثقة وفوق الثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (11) الحادية عشرة، مات سنة (275) روى عنه في ثمانية أبواب، قال (أخبرنا) سعيد بن الحكم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم أبو محمد المصري، وثقه العجلي وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من كبار العاشرة، مات سنة (224) رَوَى عنه في (5) أبواب، قال (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير أخو إسماعيل الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، وثقه ابن معين، وقال العجلي: مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، روى عنه في (7) أبواب (أخبرني زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبو عبد الله المدني، ثقة عالم وكان يرسل، من

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ أَنَّهُ قَال: نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَلَا أَقُولُ: نَهَاكُمْ. 973 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإِسْحَاقُ، قَالا: اخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. حَدَّثنَا دَاوُدُ بْنُ قَيسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) مات سنة (136) في ذي الحجة، روى عنه في (12) بابا (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي أبي إسحاق المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) عبد الله بن حنين الهاشمي المدني، ثقة، من (3) (عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بغدادي (أنه) أي أن علي بن أبي طالب (قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القراءة) للقرآن (في الركوع والسجود ولا أقول نهاكم) تورعًا من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم قال القرطبي: وهذا لا يدل على خصوصيته بهذا الحكم وإنما أخبر بكيفية توجه صيغة النهي الذي سمعه فكأن صيغة النهي التي سمع "لا تقرأ القرآن في الركوع " فحافظ حالة التبليغ على كيفية ما سمع حالة التحمل، وهذا من باب نقل الحديث بلفظه كما سمع، ولا شك أن مثل هذا اللفظ مقصور على المخاطب من حيث اللغة ولا يعدى إلى غيره إلا بدليل من خارج كحديث ابن عباس السابق: "ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا" لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم نَهْيٌ لأمته كما مر هناك. قال النواوي: قوله (نهاني ولا أقول نهاكم) ليس معناه أن النهي مختص به وإنما معناه أن اللفظ الذي سمعته بصيغة الخطاب لي فأنا أنقله كما سمعته وإن كان الحكم يتناول الناس كلهم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 973 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (واسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (قالا أخبرنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو القيسي (العقدي) نسبة إلى العقد، وفي القاموس العقد بالتحريك قبيلة مشهورة منها بشر بن معاذ وأبو عامر عبد الملك بن عمرو اهـ، الحافظ البصري ثقة، من (9) قال (حدثنا داود بن قيس) الفراء الدباغ القرشي مولاهم أبو سليمان المدني، روى عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ؛ قَال: نَهَانِي حِبِّي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا. 974 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزيد بن أسلم في الصلاة، وعياض بن عبد الله بن سعد في الجنائز، وموسى بن يسار في البيوع، وعبيد الله بن مقسم في الصيد، وأبي سعيد مولى ابن عبد الله بن عامر بن كريز في الصلاة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو عامر العقدي وعبد الله بن وهب وإسماعيل بن جعفر وغيرهم، وثقه ابن سعد والساجي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من الخامسة، مات قبل الستين ومائة (160) في خلافة أبي جعفر، روى عنه في (4) أبواب، قال (حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي المدني (عن أبيه) عبد الله بن حنين الهاشمي المدني (عن ابن عباس عن علي) بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد بصري وواحد إما نسائي أو مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة داود بن قيس لمن روى عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وفيه اجتماع أربعة من الهاشميين يروي بعضهم عن بعض (قال) علي (نهاني حبي صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء مع تشديد الباء الموحدة أي محبوبي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من (أن أقرأ) القرآن، حالة كوني (راكعًا أو ساجدًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 974 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع) الفقيه المدني العدوي مولاهم (ح وحدثني عيسى بن حماد) بن مسلم الأنصاري التجيبي أبو موسى (المصري) لقبه زغبة بضم الزاي وسكون المعجمة، روى عن الليث بن سعد وابن وهب، ويروي عنه (خ م دس ق) ووثقه وابن أبي داود، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين (أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأزدي أبي رجاء المصري عالمها، قال

ح قَال: وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه وكان يرسل، من (5) مات سنة (128) (ح قال) المؤلف (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز، ثقة، من (10) مات سنة (243) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا اسمه يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) الثامنة، مات سنة (180) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا الضحاك بن عثمان) بن عبد الله الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني، صدوق يهم، من (7) مات سنة (150) روى عنه في (8) أبواب (ح قال) المؤلف (وحدثنا) محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) بتشديد الدال المفتوحة نسبة إلى جده مقدم أبو عبد الله الثقفي مولاهم البصري (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي أبو سعيد البصري (وهو القطان عن) محمد (بن عجلان) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني، صدوق، من (5) مات سنة (138) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) مات سنة (253) روى عن ابن وهب في الإيمان والصلاة وغيرهما (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثني أسامة بن زيد) الليثي مولاهم أبو زيد المدني، روى عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين في الصلاة، وحفص بن عبيد الله بن أنس في الصلاة، وأبي عبد الله بن دينار القراظ في الحج، ونافع في العتق والبيوع والوصايا وغيرها، ويعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة في الأطعمة، وأبي حازم بن دينار في دلائل النبوة، ويروي عنه (م عم) وابن وهب وعبيد الله بن موسى وحاتم بن إسماعيل، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة، مات سنة (153) روى عنه في (8) أبواب (ح قال وحدثنا يحيى بن أيوب (المقابري أبو زكريا البغدادي، ثقة، من (10) العاشرة، مات سنة (234) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البغلاني (و) علي (بن حجر) السعدي

قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، (وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو)، ح قَال: وَحَدَّثَنِي هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. كُلُّ هَؤلاءِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المروزي (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الثلاثة (حدثنا إسماعيل -يعنون ابن جعفر-) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (12) بابا (أخبرني محمد وهو ابن عمرو) بن علقمة بن وقاص بن محصن بن كلدة الليثي أبو الحسن المدني، روى عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين في الصلاة، وخالد بن عبد الله بن حرملة في الصلاة، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث في الصلاة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الصلاة والطلاق والرؤيا، وأبي عبد الله القراظ في الحج، وعمرو بن مسلم الليثي، ويقال عمر في الضحايا. فجملة الأبواب التي روى عنه فيها خمسة، ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن بشر وأبو أسامة ومعاذ بن معاذ وسفيان بن عيينة والثوري وخلق، وثقه النسائي، روى له (خ) مقرونًا فرد حديث و (م) متابعة، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة (ح قال: وحدثني هناد بن السري) بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي، ثقة، من (10) مات سنة (243) (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي اسمه عبد الرحمن، ثقة ثبت، من صغار (8) مات سنة (187) روى عنه في (12) بابا (عن محمد بن إسحاق) بن يسار القرشي النوفلي مولاهم مولى قيس بن مخرمة أبي عبد الله المدني، إمام في المغازي، روى عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين في الصلاة، ويزيد بن أبي حبيب في الصلاة، وعبد الملك بن أبي بكر بن حزم في الصلاة، ويحيى بن سعيد الأنصاري في الصوم، ونافع في الحج والنذور، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر في الحج، وسعيد المقبري في الحدود، ويروي عنه (عم م) قرنه بآخر، وعبدة بن سليمان وإبراهيم بن سعد ويزيد بن هارون وعبد الأعلى، وقال في التقريب: صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة، مات سنة (150) خمسين ومائة، وقيل بعدها، روى عنه في (5) أبواب كل هؤلاء) المذكورين اسم الإشارة راجع إلى ما قبل حاء التحويلات أولهم نافع مولى ابن عمر وإلى الشيخ الأخير من السند الأخير وهو محمد بن إسحاق رووا (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه) عبد الله بن حنين (عن علي) بن

-إلا الضَّحَّاكَ وَابْنَ عَجْلانَ فَإِنَّهُمَا زَادَا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كُلُّهُمْ قَالُوا: نَهَانِي عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي رِوَايَتِهِمُ النَّهْيَ عَنْهَا فِي السُّجُودِ. كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ وَزَيدُ بْنُ أسْلَمَ وَالْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ وَدَاوُدُ بْنُ قَيسٍ. 975 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي طالب بلا ذكر ابن عباس، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء المذكورين للزهري والوليد بن كثير وزيد بن أسلم وداود بن قيس في رواية هذا الحديث عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين (إلا الضحاك) بن عثمان (و) محمد (بن عجلان فإنهما زادا) لفظة (عن ابن عباس) قبل قولهما (عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم) أي كل هؤلاء المذكورين حتى الضحاك وابن عجلان (قالوا) في روايتهم لهذا الحديث (نهاني عن قراءة القرآن وأنا راكع ولم يذكروا في روايتهم) لهذا الحديث (النهي عنها) أي عن القراءة (في السجود كما ذكر) (الزهري وزيد بن أسلم والوليد بن كثير وداود بن قيس) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهم، قال النواوي: وقد ذكر الإمام مسلم رحمه الله تعالى الاختلاف على إبراهيم بن عبد الله بن حنين في ذكر لفظة عن ابن عباس بين علي وعبد الله بن حنين رضي الله عنه قال الدارقطني: من أسقط ابن عباس أكثر وأحفظ (قلت) وهذا اختلاف لا يؤثر في صحة الحديث فقد يكون عبد الله بن حنين سمعه من ابن عباس عن علي ثم سمعه من علي نفسه فلا إشكال والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 975 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث علي بن أبي طالب (قتيبة) بن سعيد البغلاني (عن حاتم بن إسماعيل) العبدري مولاهم مولى بني عبد الدار أبي إسماعيل المدني، روى عن جعفر بن محمد في الصلاة والحج، ويعقوب بن مجاهد أبي عزرة في الصلاة وغيرها، ويزيد بن أبي عبيد في الصلاةِ والصومِ وغيرِهما وخثيم بن عراك في الزكاة، ومحمد بن عجلان في الزكاة والبيوع، وموسى بن عقبة في الصوم والفتن، وعمرو بن نُبَيهٍ في الحج، وحميد بن زياد الخراط في الحج، ومهاجر بن مسمار في الجهاد والحوض، وأسامة بن زيد في اللباس، والجعد بن

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنْ عَلِيٍّ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي السُّجُودِ. 976 - (441) (101) وحدّثني عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وبكير بن مسمار في الفضائل، وعبد الرحمن بن حميد في الفضائل، ومعاوية بن أبي مزرد في البِر، ويروي عنه (ع) وقتيبة ومحمد بن عباد وابن أبي شيبة وعمرو الناقد ومحمد بن مهران وإسحاق الحنظلي وسعيد بن عمرو الأشعثي وهارون بن معروف، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا كثير الحديث، وقال في التقريب: صدوق يهم، من الثامنة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة، روى عنه في (12) بابا (عن جعفر بن محمد) الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق، صدوق فقيه، من السادسة، مات سنة (148) روى عنه في (6) أبواب (عن محمد بن المنكدر) القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) مات سنة (130) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الله بن حنين عن علي ولم يذكر) محمد بن المنكدر لفظة (في السجود) وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بغلاني، وغرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن المنكدر لإبراهيم بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن حنين. وجملة ما ذكره المؤلف من الأسانيد في حديث علي أحد عشر سندًا خمسة منها للمتابعات وخمسة للتحويلات وواحد للاستشهاد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس الأول بحديث آخر لابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 976 - (441) (101) (وحدثني عمرو بن علي) بن بحر بن كُنيز مصغرًا الباهلي الفلاس أبو حفص البصري، ثقة حافظ، من (10) مات سنة (249) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي بكر بن حفص) اسمه عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني مشهور بكنيته، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ وَانَا رَاكِعٌ، لَا يَذْكُرُ فِي الإِسْنَادِ عَليًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن عبد الله بن حنين) بن معبد بن العباس الهاشمي المدني (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد طائفي (أنه) أي أن ابن عباس (قال نهيت) بالبناء للمجهول أي نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (أن أقرأ) القرآن (وأنا راكع، لا يذكر) عمرو بن علي (في الإسناد عليًّا) بن أبي طالب بل جعله من مسند ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين. وهذا الحديث مختصر أصله عن ابن عباس قال: "نهيت عن الثوب الأحمر، وخاتم الذهب، وأن أقرأ وأنا راكع" رواه مسلم مختصرًا في كتاب الصلاة عن عمرو بن علي، وشاركه النسائي في روايته فرواه في الزينة (75) عن محمد بن الوليد كلاهما عن غندر عن شعبة عن أبي بكر بن حفص عنه به ولكن المحفوظ حديث ابن عباس عن علي المذكور آنفًا اهـ تحفة الأشراف. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات وخمس تحويلات، والثالث حديث آخر لابن عباس ذكره في آخر الباب للاستشهاد به ثانيًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

237 - (49) باب ما يقال في الركوع والسجود والأمر بإكثار الدعاء فيه

237 - (49) باب: ما يقال في الركوع والسجود والأمر بإكثار الدعاء فيه 977 - (442) (102) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 237 - (49) باب ما يقال في الركوع والسجود والأمر بإكثار الدعاء فيه 977 - (442) (102) (وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي البغدادي، ثقة، من (10) مات سنة (231) روى عنه في (6) (وعمرو بن سواد) بشديد الواو بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11) مات سنة (245) روى عنه في (2) (قالا حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) مات سنة (197) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبي أمية المصري، ثقة فقيه، من (7) مات سنة (148) روى عنه في (13) بابا (عن عمارة بن غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها ياء مشددة بن الحارث بن عمرو الأنصاري المازني المدني، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: لا بأس به، من (6) مات سنة (140) روى عنه في (8) أبواب (عن سمي مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) مات سنة (130) مقتولًا بقديد موضع قريب إلى مكة، روى عنه في (5) أبواب (أنه سمع أبا صالح) السمان (ذكوان) الزيات مولى جويرية بنت قيس، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة (101) روى عنه في (8) أبواب، حالة كون أبي صالح (يحدث عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون أو مصريان ومروزي، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والمقارنة. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب) مبتدأ حذف خبره وجوبًا لسد الحال مسده، وهي قوله وهو ساجد فهو مثل قولهم أخطب ما يكون الأمير قائمًا إلا أن الحال هناك مفردة وههنا جملة مقرونة بالواو (ما) مصدرية (يكون العبد) صلة لما

مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ. فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ". 978 - (443) (103) وحدّثني أبُو الطَّاهِرِ ويونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدرية (من ربه) متعلق بأقرب (وهو ساجد) حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، والتقدير أقرب أكوان العبد وأحواله من رحمة ربه حاصل في حال كونه ساجدًا لأنه حال يتذلل فيه لربه ويخضع، ومعنى قرب العبد إلى ربه قربه إلى رحمة ربه بفعله ما هو يُرضيه ومعنى قرب الله إلى عبده كما في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}) فالقرب في الآية الكريمة صفة ثابتة لثه تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (فأكثروا الدعاء) في سجودكم أيها المصلون فإنه حالة قرب العبد إلى ربه فقمن أن يستجاب لكم الدعاء. قال القاضي: والمراد بالقرب من الله القرب من رحمته عزَّ وجلَّ قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ولذا حض على الدعاء، وقال القرطبي: هذا قرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة والمساحة إذ هو سبحانه منزه عن المكان والزمان، وقال النووي: يحتج بهذا الحديث الترمذي والبغوي القائلان بأن كثرة السجود والركوع أفضل، وفضَّلَ الشافعي رحمه الله تعالى طول القيامَ لحديث: "أفضل الصلاة طول القنوت لا أي القيام ولأن ذكر القيام القرآن وهو أفضل الذكر، وقال إسحاق: أما في النهار فكثرة السجود والركوع أفضل، وأما في الليل فطول القيام أفضل إلا أن يكون لرجل ورد فكثرة الركوع والسجود أفضل، وتوقف أحمد ولم يقض في المسألة بشيء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 421] وأبو داود [875] والنسائي [2/ 226]. وهذا الحديث استدلال على الجزء الأخير من الترجمة. ثم استدل على الجزء الأول من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة أيضًا رضي الله عنه فقال: 978 - (443) (103) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري، ثقة، من (10) (ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري، ثقة، من صغار (10) مات سنة (264) روى عنه في (3) أبواب (قالا أخبرنا)

ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: "اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ. دِقَّهُ وَجِلَّهُ. وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ. وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي أبو العباس المصري، وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من (7) مات سنة (168) روى عنه في (7) أبواب (عن عمارة بن غزية) الأنصاري المدني (عن سمي مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن المخزومي المدني (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله) هذا تعليم للأمة لأنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو شكر له على نعمة الغفران (دقه) أي صغيره (وجله) أي كبيره وهما بكسر أولهما وتشديد ثانيهما وفسرهما النواوي بالقليل والكثير، قال: وفيه توكيد الدعاء وتكثير ألفاظه وإن أغنى بعضها عن بعض لأنه من المواضع التي يطلب فيه الإطناب، قيل: وإنما قدم الدق على الجل لأن السائل يتصاعد في مَسْأَلتِه أي يَترقى، ولأن الكبائر تنشأ غالبًا من الإصرار على الصغائر وعدم المبالاة بها فكأنها وسائل إلى الكبائر، ومن حق الوسيلة أن تقدم إثباتًا ورفعًا اهـ ملا علي. (وأوله) أي ما وقع أولًا يعني ما تقدم (وآخره) أي ما تأخر وقوعه يعني وما تأخر والمقصود الإحاطة بجميعها (وعلانيته) أي ما وقع منها مع العلانية والإظهار للناس (وسره) أي ما وقع منها مع السر والإخفاء عن الناس والعلانية والسر بالنسبة إلى غيره تعالى وإلا فهما سواء عنده سبحانه وتعالى لأنه يعلم السر وأخفى، وفي هذا الحديث دليل على نسبة الذنوب إليه صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف الناس في ذلك فمنهم من يقول الأنبياء كلهم معصومون من الكبائر والصغائر، وذهبت شرذمة من الروافض إلى تجويز كل ذلك عليهم إلا ما يناقض مدلول المعجزة كالكذب والكفر، وذهب المقتصدون إلى أنهم معصومون عن الكبائر إجماعًا سابقًا خلافَ الروافض ولا يُعتدُّ بخلافهم إذ قد حَكَم بكفرهم كثير من العلماء اهـ قرطبي.

979 - (444) (104) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ. اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي" يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [878]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الثاني بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 979 - (444) (104) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال زهير حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبي عتاب السلمي الكوفي (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح القرشي الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد منهم مدني وواحد منهم إما نسائي أو مروزي (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم) أي أسبحك يا إلهي تسبيحًا وأنزهك تنزيهًا وأبرؤك تبرئة من كل النقائص أي أعتقد نزاهتك من كل نقص يا (ربنا) ويا مالك أمرنا (و) الحال أني ملتبس (بحمدك) وثنائك ووصفك بكل وصف جميل، أو بهدايتك لي سبحتك لا بحولي ولا قوتي (اللهم اغفر لي) جميع ذنوبي ما تقدم منها وما تأخر، وجملة قوله (يتأول القرآن) حال من فاعل يقول أي يكثر أن يقول ذلك حالة كونه يتأول القرآن أي يفعل ويَمتَثلُ ما أمر به في القرآن يعني في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} والأمر فيه وإن لم يقيد بزمان ولا مكان ولكن الصلاة أفضل محل فلذا خصص كثرته بها؛ أي يقول ذلك متاولًا للقرآن أي مبينًا ما هو المراد من قوله فسبح بحمد ربك واستغفره آتيًا بمقتضاه اهـ نووي مع ملا علي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 49] والبخاري [794] وأبو داود [87] والنسائي [2/ 219] وابن ماجه [889]. قال القرطبي: (سبحانك) سبحان اسم مصدر لسبح الرباعي علم على التسبيح فوقع

980 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: "سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ موقعه فنصب انتصابه وهو لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون كعثمان، ومعناه البراءة لله من كل نقص وسوء، وهو في الغالب مما لا ينفصل عن الإضافة وقد جاء منفصلًا عنها في قول الأعشى شاذًّا: أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر وقد أشربه في هذا البيت معنى التعجب فكأنه قال: أتعجب تعجبًا من علقمة أي من فخره، هذا قول حذاق النحويين وأئمتهم، وقد ذهب بعضهم إلى أن سبحان جمع سباح كحسبان جمع حساب من سبح في الأرض يسبح إذا ذهب فيها، وقيل جمع سبيح للمبالغة من التسبيح مثل خبير وعليم، ويجمع على سبحان كقضيب وقضبان، وهذان القولان باطلان بدليل عدم صرفه كما ذكرناه من بيت الأعشى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 980 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي كلاهما (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن مسلم) بن صبيح القرشي الكوفي، وعبر هنا عن هذا الراوي بمسلم المبهم، وفيما تقدم بكنيته أبي الضحى، وفيما سيأتي بمسلم بن صبيح مضافًا إلى أبيه، هذه ثلاثة أسماء مسماها واحد ذكره المؤلف أولًا بكنيته فقط ثم باسمه فقط ثم باسمه مع اسم أبيه بدون كنيته، فكأنه بإبهاماته يَمْتَحِنُ قارئَ كتابِه (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة) الصديقة رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور في رواية هذا الحديث عن أبي الضحى، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت سبحانك وبحمدك أستغفرك) أي أطلب منك غفران ذنوبي (وأتوب إليك) أي أرجع إلى طاعتك بترك المعاصي، قال الأبي: هذا تعليم للأمة أو تواضع منه إذ لا ذنب له أو ترق بحسب

قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّي أَرَاكَ أحْدَثْتَها تَقُولُهَا؟ قَال: "جُعِلَتْ لِي عَلامَةٌ في أُمَّتِي إِذَا رَأَيتُهَا قُلْتُهَا. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. 981 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: مَا رَأَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقامات، قال النواوي: ففيه استحباب الإكثار من ذلك في آخر العمر اهـ. (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها) حالة كونك (تقولها قال: جعلت لي علامة) على قرب أجلي (في أمتي) أو على كثرة الاستغفار وهي نصرها على أعدائهم وفتح مكة (إذا رأيتها) أي رأيت تلك العلامة (قلتها) أي قلت هذه الكلمات وتلك العلامة هي التي ذكرت بقوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} إلى آخر السورة) وأوضح من هذا ما سيذكره من رواية عامر عن مسروق وهو المذكور في تفسير الخازن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها رضي الله عنها فقال: 981 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا يحيى بن آم) بن سليمان الأموي أبو زكريا الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا مفضل) بضم الميم وتشديد الضاد المفتوحة على صيغة اسم المفعول -بن مهلهل- بهاءين مفتوحتين ولامين أولاهما ساكنة- السعدي أبو عبد الرحمن الكوفي الضبي، روى عن الأعمش في الصلاة، ومنصور في الحج والنذور والديات واللباس، ويروي عنه (م س ق) ويحيى بن آدم وجرير وابن إدريس وأبو أسامة وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال العجلي: كان ثقة ثبتًا في الحديث صاحب سنة وفضل وفقه، وقال في التقريب: ثقة ثبت نبيل عابد، من السابعة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة (عن الأعمش) الكوفي (عن مسلم بن صبيح) الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة مفضل لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قالت) عائشة (ما رأيت النبي صلى الله عليه

وَسَلَّمَ مُنْذُ نَزَلَ عَلَيهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يُصَلِّي صَلاةً إلا دَعَا. أَوْ قَال فِيهَا: "سُبْحَانَكَ رَبِّي وَبِحَمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي". 982 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الأعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ". قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاك تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم منذ نزل عليه) أي بعد أن نزل عليه قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} بصلي صلاة إلا دعا) فيها (أو) قالت عائشةُ أو الراوي عَنْهَا إلا (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في تلك الصلاة (سبحانك ربي) أي تنزيهًا لك ربي عن كل ما لا يليق بك من النقائض (وبحمدك) متعلق بمحذوف دل عليه التسبيح أي وبحمدك سَبَّحْتُك؛ ومعناه وبتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عَليَّ سبَّحْتُك لا بحولي وقوتي، قال القرطبي: ويظهر وجهٌ آخرُ وهو إبقاء معنى الحمد على أصله وتكون الباء سببية ويكون معناه بسبب أنك موصوف بصفات الكمال والجلال سَبَّحك المسبِّحون وعظَّمك المعظمون، وقد روي بحذف الواو من قوله وبحمدك وبإثباتها اهـ، وقوله (اللهم اغفر لي) يحتج به من يجيز الدعاء في الركوع اهـ أبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 982 - (00) (00) (حدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثني عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (11) بابا (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن عامر) بن شراحيل الشعبي الكوفي (عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة عامر الشعبي لمسلم بن صبيح في رواية هذا الحديث عن مسروق (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (فقلت: يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه) فلأيِّ سبب أكثرت من

فَقَال: "خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلامَةً فِي أُمَّتِي. فَإِذَا رَأَيتُهَا أَكثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيهِ. فَقَدْ رَأَيتُهَا. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فَتْحُ مَكَّةَ. {وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 1، 3] " ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (خبرني) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة أي أخبرني (ربي أني سأرى علامة في أمتي) قال الأبي: الأظهر أنها علامة على طلب كثرة الاستغفار والتسبيح له، وحملها ابن عباس على أنها علامة على اقتراب أجله لأنه أجاب عمر حين سأله عن تفسير الآية فقال: نَعَى له نفسه فيحتمل أنه لم ير الحديث أو رآه فحمله على أنها علامة على اقتراب أجله اهـ (فإذا رأيتها كثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها) أي فقد رأيت تلك العلامة الآن فأنا أكثر الاستغفار والتسبيح لربي شكرًا له على تلك العلامة، وتلك العلامة ما ذكره الله تعالى وخَبَّرنِيهَا بقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أي حصل نصر الله لك على أعدائك {وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]) أي (فتح مكة) وغلبتها {وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2]) أي زمرًا زمرًا جماعة جماعة ({فَسَبِّحْ}) أي اعتقد بقلبك تنزيه الله عن النقائص؛ حالة كونك ملتبسًا ({بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: 3]) بلسانك أو قل سبحان الله وبحمده ({وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ}) تعالى ({كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]) أي كثير التوبة على عباده، واستغفاره صلى الله عليه وسلم هو تعليم لأمته أو تواضع منه إذ لا ذنب له أو ترق في المقامات فيستغفر من كل مقام ارتقى عنه وإن كان أدناها لا يلحق كما قال بعضهم: له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجلُّ من الدهر ففي استغفاره صلى الله عليه وسلم شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى الله تعالى، وأن كل الأفعال له، والله أعلم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم أستغفرك وأتوب إليك حجة على أنه يجوز بل يستحب له ذلك، وحكي عن بعض السلف كراهته له لئلا يكون كاذبًا، قال: بل يقول اللهم اغفر لي وتب علي، وهذا الذي قاله من قوله اللهم اغفر وتب علي، حسن لا شك فيه، وأما كراهة قوله أستغفر الله وأتوب إليه فلا يوافق عليها اهـ نواوي، ويستنبط من الحديث استحباب الإكثار من ذلك آخر العمر اهـ.

983 - (445) (105) وحدَّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: كَيفَ تَقُولُ أَنْتَ فِي الرُّكُوعِ؟ قَال: أَمَّا سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ. فَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتِ: افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيلَةٍ. فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ. فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ. فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ يَقُولُ: "سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلهَ إلا أَنْتَ". فَقُلْتُ: بِأبِي أَنْتَ وَأُمِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الثاني بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال: 983 - (445) (105) (وحدثني حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) كلاهما (قالا حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (قال) ابن جريج (قلت لعطاء) بن أبي رباح اليماني المكي، ثقة، من (3) (كيف تقول أنت في الركوع قال) عطاء (أما) قولي (سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت) في الركوع (فأخبرني) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبو بكر المكي، ثقة فقيه، من (3) (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مكيون وواحد مدني وواحد صنعاني، ففيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة والقول (قالت) عائشة (افتقدت) أي فقدت (النبي صلى الله عليه وسلم) من فراشي (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي ومعنى (افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم) أي لم أجده، وهو افتعلت من فقدت الشيء أفقده من باب ضرب إذا غاب عنه وهو المذكور في الرواية الثانية (فظننت أنه) صلى الله عليه وسلم (ذهب إلى) حجرة (بعض نسائه) وأزواجه (فتحسست) بالحاء المهملة وبسينين أولاهما مشددة أي تطلبته، ويقال في هذا المعنى تفقدته أي طلبته عند غيبته، قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ} (ثم رجعت) إلى حجرتي فوجدته (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (راكع أو) قالت عائشة أو الراوي عنها فإذا هو (ساجد) حالة كونه (يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فقلت) له (بأبي أنت وأمي) يا رسول الله تفدى من المكاره وهو كلام يستعملونه في مقام المحبة والمبالغة في الإكرام

إِنِّي لَفِي شَأْنٍ وَإنَّكَ لَفِي آخَرَ. 984 - (446) (106) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عن الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيلَةً مِنَ الْفِرَاشِ. فَالْتَمَسْتُهُ. فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والاحترام، وقد صرحوا بذلك المعنى المقدر فقالوا: "فداك أبي وأمي" و"جعلني الله فداك" ويقولونه بكسر الفاء والمد وبفتح الفاء والقصر (إني لفي شأن) وحال تعني من أمر الغيرة (وإنك) يا رسول الله (لفي) شأن (آخر) تعني من نبذ متعة الدنيا وشهواتها والإقبال على الله عزَّ وجلَّ بكليته اهـ أبي والنبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد والاهتمام به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 190] والترمذي [3491] والنسائي [2/ 223 و 225]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة المذكور بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 984 - (446) (106) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (حدثني عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، ثقة، من (5) (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة الأنصاري المدني، ثقة فقيه، من (4) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة عن عائشة) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وفيه التحديث والعنعنة ورواية صحابي عن صحابي (قالت) عائشة (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة) من الليالي (من الفراش) أي من محل نومه ولم أجده (فالتمسته) أي طلبته باليد في نواحي مضجعي، والحجرة يومئذٍ ظلام (فوقعت يدي) بالإفراد (على بطن قدميه) ولمستهما، قوله (فوقعت يدي على بطن قدميه) قال المازري: قال قوم لا ينقض اللمس، وحملوه في الآية على الجماع، وقال قوم: ينقض وحملوا الآية على أنه باليد، ثم اختلف هؤلاء، فقال الشافعي: ينقض وإن لم يلتذ، وقال مالك:

وَهُوَ فِي الْمَسْجَدِ. وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثنَاءً عَلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما ينقض إذا التذ، وقال أبو حنيفة: إنما ينقض إذا انتشر اهـ، وقال النواوي: استدل بهذا الحديث من يقول لمس المرأة لا ينقض وهو مذهب أبي حنيفة وآخرين، وقال مالك والشافعي وأحمد والأكثرون: ينقض، واختلفوا في تفصيل ذلك، وأجيب عن هذا الحديث بأن الملموس لا ينتقض على قول الشافعي وغيره وعلى قول من قال ينتقض وهو الراجح عند أصحابنا، يحمل هذا اللمس على أنه كان فوق حائل فلا يضر اهـ (وهو) صلى الله عليه وسلم (في المسجد) بفتح الجيم أي في السجود فهو مصدر ميمي أو في الموضع الذي كان يصلي فيه من حجرتي فيكون ظرف مكان لأن الفتح هو القياس في مصدره وظرفه لأنه من باب فعل يفعل بالضم في مضارعه، وروي بكسرها على الشذوذ فيهما، كما بسطنا الكلام فيه في كتابنا مناهل الرجال شرح لامية الأفعال (وهما) أي والحال أن قدميه المباركتين (منصوبتان) كما هو هيئة الرجلين في السجود (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول) في سجوده (اللهم أعوذ برضاك من سخطك) أي من غضبك (وبمعافاتك) أي بأمنك من كل المكاره (من عقوبتك) وبلائك، قال القرطبي: (اللهم) هي كلمة الله زيدت عليها الميم المشددة عوضًا عن حرف النداء فمعناه يا الله، ولذلك لا يجمع بينهما إلا شذوذًا كما في قول الشاعر: وما عليكِ أن تقولي كلما ... سبحتِ أو هللتِ يا اللهمَّ ما وقول الآخر: إني إذا ما حدث ألَمَّا ... أقول اللهم يا اللهما وهذا قول جمهور النحويين، وقيل معنى اللهم يا الله آمنا بخير فأبدل من همزة آمنا ميمًا وأدغمت في ميم آمنا وهذا الحكم لا يشهد له دليل ولا صحيح تعليل اهـ، قال القاضي رحمه الله: ومعافاته وعقوبته من صفات أفعاله فاستعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب ومن الشر إلى الخير، قال الشيخ رحمه الله: ثم ترقى عن الأفعال إلى منشئ الأفعال، فقال (وأعوذ بك) أي أتحصن بذاتك (منك) أي من عقوبتك مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق، وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قول ولا تضبطه صفة إلا أحصي ثناء عليك) أي لا أطيقه أي لا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته، وروي عن

أَنْتَ كَمَا أَثْنَيتَ عَلَى نَفْسِكَ". 985 - (447) (107) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بِشْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك، وإن اجتهدت في الثناء عليك (أنت كما أثنيت) أي أنت موصوف بالثناء الذي أثنيت به (على نفسك) كقوله نعم المولى ونعم النصير؛ ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عن أداء وفهم ما يريده الله تعالى من الثناء على نفسه، وبيان صمديته وقدوسيته وعظمته وكبريائه وجبروته مما لا ينتهي إلى عده ولا يوصل إلى حده ولا يحصله عقل ولا يحيط به فكر وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام، ولذلك قال الصديق الأكبر: العجز عن درك الإدراك إدراك، وروي عن بعض العارفين في تسبيحه (سبحان من رضي في معرفته بالعجز عن معرفته). قال الخطابي: وفي قوله (أعوذ برضاك) الخ معنى لطيف وذلك أنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته والرِّضَا والسخط ضدان لا يتقابلان، وكذلك المعافاة والعقوبة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه وتعالى استعاذ به منه لا غير؛ ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه، وقوله (لا أحصي ثناء عليك) أي لا أطيقه ولا آتي، وقيل لا أحيط به، وقوله (أنت كما أثنيت على نفسك) اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء وأنه لا يقدر على بلوغ غايته ورد للثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين فوكل ذلك إلى الله تعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء تابع للمثنى عليه وكل ثناء أثنى به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم مع أنه مُتعَالٍ عن القدر، وسلطانه أعز، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ اهـ من النواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 201] وأبو داود [879] وابن ماجه [3841]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: 985 - (447) (107) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا محمد بن بشر

الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ؛ أَن عَائِشَةَ نَبَّأَتْهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ. رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العبدي) الكوفي (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن مطرف) بتشديد الراء المكسورة على صيغة اسم الفاعل (بن عبد الله بن الشخير) بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ثم راء العامري الحرشي أبي عبد الله البصري أحد سادة التابعين، ثقة عابد، من (2) مات سنة (95) روى عنه في (9) أبواب (أن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني (نبأته) أي أخبرت مطرفًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح). وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 35 و 94] وأبو داود [872] والنسائي [2/ 224]. وقوله: (سبوح قدوس) بضم السين والقاف وبفتحهما والضم أفصح، قال ثعلب: كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر، والمراد بالسبوح القدوس المسبح المقدس فكأنه قال مسبح أي مبرأ من النقائص والشريك وكل ما لا يليق بالإلهية مقدس أي مطهر من كل ما لا يليق بالخالق كالزوجة والولد اهـ نووي. وهما مرفوعان على أنهما خبران لمبتدأ محذوف أي أنت سبوح قدوس، وقد قيلا بالنصب فيهما على إضمار فعل أي أعظم أو أذكر أو أعبد أو أمدح، وعُدِلا عن التسبيح والتقديس للمبالغة، وقد تقدم معنى سبحان، وأما القدوس فهو من القدس وهي الطهارة، والقدس في الأصل السطل الذي يستقى به، ومنه البيت المقدس أي المطهر من أن يعبد فيه الأصنام (رب الملائكة) أي مالكهم وخالقهم ومدبرهم ومصلح أحوالهم، وقد تقدم أول الكتاب أن الملائكة أجسام نورانية فراجعه، و (الروح) هنا جبريل - عليه السلام - كما قال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} وخصه بالذكر وإن كان من الملائكة تشريفًا له، وتخصيصًا كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} فخصهما بالذكر تشريفًا لهما اهـ قرطبي. وقيل الروح ملك

986 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ. قَال: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ. قَال أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عظيم، وقيل خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 986 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري، ثقة حافظ، من (9) مات سنة (204) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (أخبرني قتادة قال: سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (قال أبو داود) بالسند السابق (وحدثني) أيضًا (هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة عن مطرف عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) الذي رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأولُ حديثُ أبي هريرة الأولُ ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثالث حديث عائشة الأولُ ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني، والخامس حديثُ أبي هريرة الثالثُ ذكره للاستشهاد به لحديثِ أبي هريرة الثاني، والسادس حديث عائشة الأخير ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني وذكر فيه متابعة واحدة. ***

238 - (50) باب فضل السجود والحث عليه

238 - (50) باب: فضل السجود والحث عليه 987 - (448) (108) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. قَال: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ قَال: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُعَيطِيُّ. حَدَّثَنِي مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ. قَال: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ. أَوْ قَال: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الأعْمَالِ إِلَى اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 238 - (50) باب فضل السجود والحث عليه 987 - (448) (108) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، من (8) (قال) الوليد (سمعت الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبا عمرو الشامي، ثقة مأمون، من (7) (قال) الأوزاعي (حدثني الوليد بن هشام) بن معاوية بن هشام بن عتبة بن أبي معيط مصغرًا الأموي أبو يعيش أوله تحتانية (المعيطي) نسبة إلى جده المذكور الشامي، روى عن معدان بن أبي طلحة في الصلاة، وعمر بن عبد العزيز وعبد الله بن محيريز وأم الدرداء وغيرهم، ويروي عنه (م عم) والأوزاعي وابنه يعيش وابن عيينة وآخرون، وثقه ابن معين والعجلي والأوزاعي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، قال (حدثني معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة الكناني (اليعمري) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى يعمر بطن من كنانة كما في اللباب الشامي، روى عن ثوبان في الصلاة والجنائز والمرضى، وأبي الدرداء في الصلاة، وعمر بن الخطاب في الصلاة والفرائض، ويروي عنه (م عم) والوليد بن هشام المعيطي وسالم بن أبي الجعد والسائب بن حبيش، وثقه العجلي وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية (قال) معدان (لقيت ثوبان) بن بُجْدَد الهاشمي مولاهم (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبا عبد الله الشامي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم شاميون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، قال معدان (فقلت) لثوبان (أخبرني بعمل) صالح (أعمله) بالرفع صفة لعمل وكذلك يدخلني الجنة، ويجوز جزمه على أنه جواب الطلب السابق ويدخلني بدل منه اهـ من مرقاة المفاتيح (يدخلني الله به) أي بسبب ذلك العمل (الجنة) دار الكرامة (أو قال) معدان، والشك من الوليد بن هشام (قلت) لثوبان أخبرني (بأحب الأعمال إلى الله) أي عند الله سبحانه

فَسَكَتَ ثم سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَال: سَألْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "عَلَيكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ. فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلهِ سَجْدَةً إلا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً. وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً". قَال مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ. فَقَال لِي مِثْلَ مَا قَال لِي ثَوْبَانُ. 988 - (449) (109) حدَّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعالى يدخلني الله به الجنة (فسكت) ثوبان عني ولم يجبني سؤالي (ثم سألته) أي سألت ثوبان الثانية (فسكت) عني، قال الأبي: يحتمل أن سكوته تفكر أو تنشيط أو تغبيط لسماع ما يلقى (ثم سألته) المرة (الثالثة فقال) ثوبان بعد الثالثة (سألت عن ذلك) الذي سألتني عنه (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليك) أي الْزَمْ (بكثرةِ السجود لله) تعالى يعني الأعداد لا الإطالة أي بكثرة الصلاة من النوافل من إطلاق الجزء وارادة الكل والمراد به السجود في الصلاة، وفيه دليل لمن يقول تكثير السجود أفضل من إطالة القيام وسبب الحث عليه ما سبق في الحديث الماضي: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وهو موافق لقول الله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} ولأن السجود غاية التواضع والعبودية دئه، وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن، والله أعلم. (فإنك لا تسجد) خالصًا مخلصًا (لله سجدة إلا رفعك الله) أي زادك الله سبحانه (بها) أي بتلك السجدة (درجة) أي منزلة وقربًا عنده تعالى (وحط) أي أقال (عنك بها خطيئة) أي معصية (قال معدان) بن أبي طلحة (ثم) بعد ما أخبرني ثوبان بهذا الحديث (لقيت) أي رأيت (أبا الدرداء) عويمر بن زيد الأنصاري (فسألته) أي فسألت أبا الدرداء عن أحب الأعمال إلى الله تعالى (فقال لي) أبو الدرداء (مثل ما قال لي ثوبان) يعني عليك بكثرة السجود. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 276] والترمذي [388] والنسائي [2/ 228]. ثم استشهد المؤلف لحديث ثوبان بحديث ربيعة بن كعب رضي الله تعالى عنهما فقال: 988 - (449) (109) (حدثنا الحكم بن موسى) بن زهير البغدادي (أبو صالح)

حَدَّثَنَا هِقْلُ بْنُ زَيادٍ. قَال: سَمِعْتُ الأوزَاعِيَّ. قَال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأسلَمِيُّ؛ قَال: كُنْتُ أَبِيتُ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، وثقه ابن معين وابن سعد وصالح جزرة وابن قانع، وقال في التقريب: صدوق، من (10) مات سنة (232) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثنا هقل بن زياد) بن عبيد السكسكي بمهملتين مفتوحتين بينهما كاف ساكنة، مولاهم أبو عبد الله الدمشقي، وقال في التهذيب: هقل لقب غلب عليه واسمه محمد، روى عن الأوزاعي في الصلاة والبيوع وشرف النبي صلى الله عليه وسلم، وحريز بن عثمان وهشام بن حسان وغيرهم، ويروي عنه (م عم) والحكم بن موسى وابنه محمد والليث بن سعد وأبو مسهر وجماعة، وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (179) تسع وسبعين ومائة، روى عنه في ثلاثة أبواب (قال) هقل بن زياد (سمعت) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبا عمرو الدمشقي (قال) الأوزاعي (حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة ثبت، من (5) مات سنة (132) روى عنه في (16) بابا، قال (حدثني أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (14) بابا، قال (حدثني ربيعة بن كعب) بن مالك (الأسلمي) نسبة إلى أسلم بن قصي بن حارثة بن عمرو بن عامر أبو فراس المدني الصحابي الجليل، كان من أهل الصفة، له اثنا عشر حديثًا انفرد له (م) بحديث وليس له في (عم) سواه، روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن في الصلاة و (م عم) ونعيم المجمر وحنظلة بن علي، ويقال كان خادمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه قديمًا، ونزل بعده صلى الله عليه وسلم على بريد من المدينة إلى أن مضى لسبيله رضي الله عنه سنة (63) ثلاث وستين وقيل ثلاث وسبعين. وهذا السند من سداسياته، رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد بغدادي (قال) ربيعة بن كعب كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أكون معه صلى الله عليه وسلم في الليل، والمراد بالمعية القرب منه، قال ملا علي: ولعل هذا وقع له في سفر (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (بوضوئه) أي بماء وضوئه وطهارته (وحاجته) أي بسائر ما يحتاج إليه من نحو

فَقَال لِي: "سَلْ". فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَال: "أَوْ غَيرَ ذَلِكَ؟ " قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَال: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سواك وسجادة (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سل) إياي يا ربيعة أي اطلب مني حاجة في مقابلة خدمتك لي (فقلت) له (أسألك مرافقتك) أي مصاحبتك (في الجنة قال أو غير ذلك) أي تسأل ذلك أو غير ذلك، وأجاز ملا علي فتح الواو في أو على أن تكون الهمزة للاستفهام فالمعنى أثابت أنت في طلبك أم لا؟ وتسأل غيره، وهذا ابتلاء وامتحان لينظر هل يثبت على ذلك المطلوب العظيم الذي لا يقابله شيء فإن الثبات على طلب أعلى المقامات من أتم الكمالات اهـ قال ربيعة بن كعب (قلت) له صلى الله عليه وسلم (هو ذاك) أي سؤالي مرافقتك على تقدير كونِ أَوْ عاطفةً وعلى تقديرِ الاستفهام مسؤولي ذلك لا أَتجاوزُ عنه قاله ملا علي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة (فأعني على) تحصيل نيل مراد (نفسك) الذي هو مرافقتي في الجنة (بكثرة السجود) التي يستلزمها كثرة الصلاة من النوافل. قال القرطبي: الحديث دليل على أن كثرة السجود أفضل من طول القيام وهي مسألة اختلف العلماء فيها فذهبت طائفة إلى ظاهر هذا الحديث، وذهبت طائفة أخرى إلى أن طول القيام أفضل متمسكين بقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصلاةِ طُولُ القُنوتِ" رواه مسلم والترمذي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وفسروا القنوت بالقيام كما قال تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ذكر هذه المسألة والخلاف فيها الترمذي. والصحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطول في قيام صلاة الليل وداوم على ذلك إلى حين موته فدل على أن طول القيام أفضل. ويحتمل أن يقال إن ذلك يرجع إلى حال المصلي فرب مصل يحصل له في حال القيام من الحضور والتدبر والخشوع ما لا يحصل له في السجود، ورب مصل يحصل له في السجود من ذلك ما لا يحصل له في القيام فيكون الأفضل له هذه الحال التي حصل له فيها ذلك المعنى الذي هو روح الصلاة والله تعالى أعلم اهـ. وقال أيضًا: قوله (أو غير ذلك) رويناه بإسكان الواو من أو ونصب غير أي أو سل غير ذلك كأنه حضه على سؤال شيء آخر غير مرافقته لأنه فهم منه أن يطلب المساواة معه في درجته وذلك مما لا ينبغي لغيره، فلما قال الرجل: هو ذلك، قال له: فأعني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على نفسك بكثرة السجود؛ أي الصلاة ليزداد من القرب ورفعة الدرجات حتى يقرب من منزلته وإن لم يساوه فيها، ولا يعترض هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه حذيفة ليلة الأحزاب: "ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة" رواه مسلم من حديث حذيفة لأن هذا مثل قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ ... } الآية [النساء: 69] لأن هذه المعية هي النجاة من النار والفوز بالجنة إلا أن أهل الجنة على مراتبهم ومنازلهم بحسب أعمالهم وأحوالهم، وقد دل على هذا أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب وله ما اكتسب" رواه الترمذي من حديث أنس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 57، 58] وأبو داود [1320] والنسائي [2/ 227 - 228]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ثوبان ذكره للاستدلال، والثاني حديث ربيعة الأسلمي ذكره للاستشهاد، والله سبحانه تعالى أعلم. ***

239 - (51) باب على كم يسجد، والنهي عن كف الثوب والشعر وعقصه في الصلاة

239 - (51) بَابُ عَلَى كَمْ يَسْجُدُ، وَالنَّهْيُ عَنْ كَفِّ الثَّوْبِ والشَّعْر وَعَقْصِهِ فِي الصلاة 989 - (450) (110) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ)، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: أُمِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ. وَنُهِيَ أَنْ يَكُفَّ شَعْرَهُ وَثِيَابَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 239 - (51) بَابُ عَلَى كَمْ يَسْجُدُ، وَالنَّهْيُ عَنْ كَفِّ الثَّوْبِ والشَّعْر وَعَقْصِهِ فِي الصلاة 989 - (450) (115) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (وأبو الربيع) سليمان بن داود العتكي (الزهراني) البصري (قال يحيى: أخبرنا، وقال أبو الربيع: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن) عبد الله (بن عباس) رضي الله عنهما الطائفي. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد مكي وواحد يماني واثنان بصريان أو بصري ونيسابوري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) ابن عباس (أمر النبي صلى الله عليه وسلم) بصيغة المبني للمفعول أي أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته أمر إيجاب (أن يسجد) أي بأن يسجدوا (على سبعة) أعظم، والمراد بها الأعضاء (ونهي) بالبناء للمجهول معطوف على أمر أي نهى الله سبحانه وتعالى نبيه وأمته نهي تنزيه (أن يكف شعره أو ثيابه) في الصلاة أي عن أن يمنعهما من الاسترسال والوقوع على الأرض حال السجود من الكف بمعنى المنع، ويحتمل أن يكون من الكف بمعنى الجمع أي عن أن يجمعهما ويضمهما كجمع الشعر ورده تحت العمامة، ولف الكمين وردهما على العضد، ولف السروال ورده إلى الركبة سواء كان في الصلاة أو قبلها. وعبارة النواوي هنا: قوله (أن يكف شعره) من الكف وهو بمعنى الكفت في الرواية الأخرى، ومعناهما الجمع والضم يريد جمع شعره وعقده على القفا منعًا من الاسترسال كما هو معنى العقص الكائن في الترجمة ويريد جمع ثوبه ورفعه بيديه عند

هذَا حَدِيثُ يَحْيَى. وَقَال أَبُو الرَّبِيعِ: عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ. وَنُهِيَ أَنْ يَكُفَّ شَعَرَهُ وَثِيَابَهُ. الْكَفَّينِ وَالرُّكْبَتَينِ وَالْقَدَمَينِ وَالْجَبْهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السجود، وقوله على سبعة أعظم أي أعضاء فسمى كل عضو عظمًا وإن كان فيه عظام كثيرة اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 292 و 305] والبخاري [812] وأبو داود [889] والترمذي [273] والنسائي [2/ 208]. وقال المؤلف (هذا) الحديث المذكور (حديث) أي لفظ حديث رواية (يحيى) بن يحيى (وقال أبو الربيع على سبعة أعظم) بذكر المميز (ونهي أن يكف) أن يضم ويجمع (شعره) أي شعر رأسه (وثيابه) أي وأن يجمع ثيابه بيديه عند الركوع والسجود في الصلاة، وهذا ظاهر الحديث وإليه مال الداودي، ورده القاضي عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو خارجها، والنهي هنا محمول على التنزيه، والحكمة فيه أن الشعر والثوب يسجد معه أو أنه إذا رفع شعره أو ثوبه عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر، وقوله يكف بضم الكاف لأنه من باب رد، وقوله (الكفين) عطف بيان لقوله سبعة أعظم، وما بعده معطوف عليه وهو قوله (والركبتين و) أطراف أصابع (القدمين والجبهة) فلو أخل المصلي واحدًا من هذه السبعة بطلت صلاته، نعم في السجود على اليدين والركبتين والقدمين قولان عند الشافعية، صحح الرافعي الاستحباب فلا يجب لأنه لو وجب وضعها لوجب الإيماء بها عند العجز عن وضعها كالجبهة، ولا يجب الإيماء بها فلا يجب وضعها، واستدل له بعضهم بحديث المسيء صلاته حيث قال فيه ويمكن جبهته، وأجيب بأن غايته أنه مفهوم لقب، والمنطوق مقدم عليه وليس هو من باب تخصيص العموم، وصحح النووي الوجوب لحديث الباب وهو مذهب أحمد وإسحاق، ويكفي وضع جزء من كل واحد منها، والاعتبار في اليدين بباطن الكفين سواء الأصابع والراحة، وفي الرجلين ببطون الأصابع، ولا يجب كشف شيء منها إلا الجبهة، نعم يسن كشف اليدين والقدمين لأن في سترهما منافاة للتواضع، ويكره كشف الركبتين لما يحذر من كشف العورة. فإن قلت: ما الحكمة في عدم وجوب كشف القدمين؟ أجيب: بأن الشارع وقت المسح على

990 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ. وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعَرًا". 991 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخف بمدة يقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة، وعورض بأن المخالف له أن يقول يخص لابس الخف لأجل الرخصة، اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 990 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري (حدثنا محمد -وهو ابن جعفر-) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) الطائفي رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مكي وواحد يماني، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) أي أعضاء فهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل لأن العظم بعض العضو (ولا) أن (أكف) وأجمع (ثوبًا ولا شعرًا) لرأسي، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 991 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة) بن ميمون الهلالي الكوفي (عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم يمانيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن طاوس لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن

أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ. وَنُهِيَ أَنْ يَكْفِتَ الشعْرَ والثِّيَابَ. 992 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثنَا بَهْزٌ. حَدَّثنَا وُهَيبٌ. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ. الْجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ- ـــــــــــــــــــــــــــــ طاوس، قال ابن عباس (أمر النبي صلى الله عليه وسلم) بـ (أن يسجد على سبع) من الأعضاء، وفي بعض النسخ على سبعة بتأنيث العدد وكلاهما صحيح لأن العضو يؤنث ويذكر (ونهي) النبي صلى الله عليه وسلم - -بالبناء للمفعول- عن (أن يكفت) ويجمع (الشعر والثياب) قال النواوي: الكفت الجمع والضم، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} أي تجمع الناس في حياتهم وموتهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 992 - (00) (00) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق ربما وهم، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد البصري الباهلي مولاهم، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) اليماني (عن طاوس عن ابن عباس) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان وواحد طائفي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة وهيب لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن ابن طاوس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة) بدل من سبعة بدل تفصيل من مجمل (وأشار) صلى الله عليه وسلم (بيده) أي وضعها (على أنفه) إشارة إلى أنه يضعها مع جبهته، وهذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود وأن الأنف تبع اهـ قرطبي. وعند النسائي من طريق سفيان بن عيينة عن ابن طاوس قال: "ووضع يده على جبهته وأمرها على أنفه وقال هذا واحد" أي أنهما كالعضو الواحد لأن عظم الجبهة هو الذي منه عظم الأنف وإلا لزم أن تكون الأعضاء ثمانية، وعورض بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف كما يكتفي بالسجود على بعض الجبهة، وأجيب بأن الحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد فذاك في

وَالْيَدَينِ وَالرِّجْلَينِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَينِ. وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ". 993 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيجٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ. وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ. الْجَبْهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التسمية والعبارة لا في الحكم الذي دل عليه الأمر، وعند أبي حنيفة يجزئ أن يسجد عليه دون جبهته، وعند الشافعية والمالكية والأكثرين يجزئ على بعض الجبهة، ويستحب على الأنف، قال الخطابي: لأنه إنما ذكر بالإشارة فكان مندوبًا، والجبهة هي الواقعة في صريح اللفظ فلو ترك السجود على الأنف جاز، ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز، وقال أبو حنيفة وابن القاسم: له أن يقتصر على أيهما شاء، وقالت الحنابلة وابن حبيب يجب عليهما لظاهر الحديث، وأجيب بأن ظاهره أنهما في حكم عضو واحد كما مر، وقوله (وأشار بيده) الخ جملة معترضة بين المعطوف عليه وهو الجبهة والمعطوف وهو قوله (واليدين) أي باطن الكفين (والرجلين) أي والركبتين كما في رواية البخاري (وأطراف) أصابع (القدمين ولا نكفت) أي لا نجمع (الثياب ولا الشعر) بفتح النون وسكون الكاف وكسر الفاء آخره مثناة فوقية، والنصب وهو بمعنى الكف في الرواية السابقة كما مر اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 993 - (00) (00) (حدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (حدثني) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) المكي (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان مصريان وواحد طائفي وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لوهيب بن خالد في رواية هذا الحديث عن ابن طاوس، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أسجد على سبع) من الأعضاء (و) أن (لا أكفت الشعر ولا الثياب) معطوف على أسجد عطف منفي على مثبت (الجبهة) بدل من

وَالأنْفِ، وَالْيَدَينِ وَالرُّكْبَتَينِ وَالْقَدَمَينِ". 994 - (451) (111) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرٌ، (وَهُوَ ابْنُ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ أَطْرَافٍ: وَجْهُهُ وَكَفاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سبع (والأنف واليدين والركبتين والقدمين) معطوفات على الجبهة. ثُمَّ استشهد المؤلفُ رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما فقال: 994 - (451) (111) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا بكر - وهو ابن مضر) بن محمد المصري، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث خالد الثيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (11) بابا (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة كثير الحديث، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن العباس بن عبد المطلب) بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه الهاشمي المكي، له (35) حديثًا الصحابي المشهور. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد مصري وواحد بلخي (أنه) أي أن العباس (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سجد العبد) في صلاته مثلًا (سجد معه سبعة أطراف) أي أعضاء، وقوله (وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه) بدل من سبعة أطراف بدل تفصيل من مجمل، قال الترمذي: حديث العباس حديث حسن صحيح، أخرجه الجماعة إلا البخاري، وعليه العمل عند أهل العلم اهـ مع زيادة، وقال المنذري: أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وكذا أبو داود اهـ، والمعنى إذا أراد العبد السجود سجد بسبعة أطراف ... إلخ. وهذا الحديث ساقط في بعض نسخ المتن، قال صاحب العون في شرح أبي داود: حديث العباس هذا عزاه جماعة إلى مسلم منهم أصحاب الأطراف، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، والبيهقي في سننه، وابن الجوزي في جامع المسانيد وفي

995 - (452) (112) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَن بُكَيرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ كُرَيبًا مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسِ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي. وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ. فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التحقيق، ولم يذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، ولم يذكر القاضي عياض لفظة الآراب في مشارق الأنوار الذي وضعه على ألفاظ البخاري ومسلم والموطأ، وأنكره في شرح مسلم فقال: قال المازري قوله - عليه السلام - (سجد معه سبعة آراب) قال الهروي: الآراب الأعضاء واحدها إرب، قال القاضي عياض: وهذا اللفظ لم يقع عند شيوخنا في مسلم ولا هي في النسخ التي رأينا والتي في كتاب مسلم سبعة أعظم انتهى، قال الزيلعي: والذي يظهر والله أعلم أن أحدهم سبق بِالوَهْمِ فتَبِعَه الباقون وهو محل اشتباه اهـ ما قاله صاحب العون. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث آخر لابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 995 - (452) (112) (حدثنا عمرو بن سواد) بتشديد الواو ابن الأسود بن عمرو (العامري) السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11) روى عنه في الإيمان والصلاة وغيرهما، ويقال فيه عمرو بن سواد بتخفيف الواو (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، ثقة فقيه، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبا عبد الله المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن كريبًا) ابن أبي مسلم الهاشمي (مولى عبد الله بن عباس) أبا رشدين المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (حدثه) أي حدث بكير بن الأشج (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان مدنيان وواحد طائفي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والأننة (أنه) أي أن عبد الله بن عباس (رأى عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن عبد المطلب الهاشمي المدني، له رؤية، ولأبيه وجده صحبة حنكه النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يصلي ورأسه) أي والحال أن شعر رأسه (معقوص) أي مربوط مشدود (من ورائه) وقفاه أي في قفاه (فقام) ابن عباس (فجعل) أي شرع (يحله) أي يحل الشعر ويفكه (فلما انصرف)

أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَال: مَا لَكَ وَرَأسِي؟ فَقَال: إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكتُوفٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفرغ عمرو بن الحارث من صلاته (أقبل) بوجهه (إلى ابن عباس فقال) عمرو بن الحارث لابن عباس (مالك) أي أي شيء ثبت لك (و) لي (رأسي) حتى فككت وحللت شعري أي أي علقة بينك وبين رأسي وأي سيطرة لك عليه (فقال) ابن عباس: إنما حللت وفككت عقص شعرك وربطه (إني سمعت) أي لأني سمعت (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل هذا) الذي يصلي وشعره معقوص أي مربوط معقود (مثل الذي) أي كصفة الذي (يصلي وهو) أي والحال أنه (مكتوف) أي مربوط يداه على كتفه. في النهاية أراد أنه إذا كان شعره منشورًا مسترسلًا سقط على الأرض عند السجود فيعطى صاحبه ثواب السجود به، وإذا كان معقوصًا مربوطًا صار في معنى ما لم يسجد وشبهه بالمكتوف وهو المشدود المربوط يداه على كتفه لأنهما لا يقعان على الأرض عند السجود اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 304] وأبو داود [647] والنسائي [2/ 216] قال النواوي: وفي الحديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ذلك لا يؤخر إذ لم يؤخره ابن عباس رضي الله عنهما حتى يفرغ من الصلاة، وأن المكروه ينكر كما ينكر المحرم، وأن من رأى منكرًا وأمكنه تغييره بيده غيره بها لحديث أبي سعيد الخدري السابق في كتاب الإيمان، وأن خبر الواحد مقبول. وقال أيضًا: وقد اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبُه مُشمَّرٌ أو كمه أو نحوه أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نَحْوُ ذلك فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء وهو كراهة تنزيه فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته كما مر والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث العباس ذكره للاستشهاد، والثالث حديث آخر لابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

240 - (52) باب بيان كيفية السجود وصفته

240 - (52) باب بيان كيفية السجود وصفته 996 - (453) (113) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ. وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 240 - (52) باب بيان كيفية السجود وصفته 996 - (453) (113) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله عنه، وصرح في الترمذي سماع قتادة له عن أنس. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعتدلوا) أي توسطوا بين الافتراش والقبض (في السجود) بوضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ إذ هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة وأبعد من هيئات الكسالى فإن المنبسط يشبه الكسالى ويشعر حاله بالتهاون لكن لو تركه صحت صلاته، نعم يكون مسيئًا مرتكبًا لنهي التنزيه والله أعلم اهـ قسطلاني. قال ابن دقيق العيد: لعل المراد بالاعتدال هنا وضع هيئة السجود على وفق الأمر لأن الاعتدال الحسي المطلوب في الركوع لا يتأتى هنا فإنه هناك استواء الظهر والعنق، والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي، قال: وقد ذكر الحكم هنا مقرونًا بعلته فإن التشبه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة انتهى، قال الحافظ: والهيئة المنهي عنها أيضًا مشعرة بالتهاون وقلة الاعتناء بالصلاة (ولا يبسط) من بسط الثلاثي من باب نصر فمصدره البسط أي لا يفرش (أحدكم) في السجود (ذراعيه) أي ساعديه على الأرض (انبساط الكلب) صفة لمصدر محذوت أي بسطًا مثل انبساط الكلب وافتراشه ذراعيه على الأرض عند اضطجاعه ونومه أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالفراش، والبساط كما يجعلهما الكلب، قال القرطبي: لا شك في كراهة هذه الهيئة ولا في استحباب نقيضها اهـ. ويحتمل أن يكون انبساط الكلب مفعولًا مطلقًا لعامل ملاق له في الوزن تقديره ولا يبسط أحدكم ذراعيه فينبسط انبساط الكلب أي فيفترش افتراش الكلب ففي الكلام تشبيه بليغ. وفي القرطبي: انبساط مصدر غير ملاق لبسط لكن لما كان انبسط من بسط جاء المصدر عليه كقوله: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا}

997 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: "وَلا يَتَبَسَّطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنه قال: أنبتكم فنبتم نباتًا، ومثل هذا الحديث نهيه صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، ولا شك في كراهية هذه الهيئة، واستحباب نقيضها وهو التجنيح المذكور في الأحاديث بعد هذا من فعله صلى الله عليه وسلم وهو التفريج والتخوية، والحكمة في كراهية تلك واستحباب هذه أنه إذا جنح كان اعتماده على يديه فيخف اعتماده على وجهه ولا يتأثر أنفه ولا جبينه ولا يتأذى بملاقاة الأرض فلا يتشوش هو في الصلاة بخلاف ما إذا بسط يديه فإنه يكون اعتماده على وجهه وحينئذٍ يتأذى ويخاف عليه التشويش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 115 و 177] والبخاري [532] وأبو داود [897] والترمذي [276] والنسائي [2/ 211 - 212] وابن ماجه [892]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 997 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (ح قال وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي مصغرًا نسبة إلى الهجيم بن عمرو أبو عثمان البصري، ثقة ثبت، من (8) (قالا) أي قال كل من محمد بن جعفر وخالد بن الحارث (حدثنا شعبة) بن الحجاج، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس متعلق بما عمل في المتابع كما مر مرارًا، والغرض بسوق هذين السندين بيان متابعة محمد بن جعفر وخالد بن الحارث لوكيع في رواية هذا الحديث عن شعبة (و) لكن (في حديث) محمد (بن جعفر ولا يتبسط أحدكم) من التبسط من باب تفعل الخماسي أي لا يفترش أحدكم (ذراعيه) أي ساعديه على الأرض ولا ينبسط (انبساط الكلب) أي انبساطًا مثل انبساط الكلب، قال النواوي: قوله (ولا يتبسط) معناه ولا يتخذهما بساطًا فينبسط انبساط الكلب اهـ.

998 - (454) (114) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ إِيَادٍ عَنْ إِيَادٍ، عَنِ الْبَرَاءِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفيكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيكَ". 999 - (455) (115) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا بَكْرٌ، (وَهُوَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث البراء رضي الله تعالى عنهما فقال: 998 - (454) (114) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال) يحيى (أخبرنا عبيد الله بن إياد) بن لقيط السدوسي أبو السليل بفتح المهملة وكسر اللام الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة وكليب بن وائل، ويروي عنه (م د ت س) ويحيى بن يحيى وجعفر بن حميد وابن مهدي وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وكان عريف قومه، وقال النسائي: ثقة، وقال مرة: ليس به بأس، وقال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: صدوق لينه البزار وحده، من السابعة، مات سنة (169) تسع وستين ومائة (عن) أبيه (إياد) بكسر الهمزة ثم تحتانية بن لقيط بفتح فكسر السدوسي، أبي عبيد الله الكوفي، روى عن البراء بن عازب والحارث بن حسان العامري وأبي رِمْثَة وغيرهم، ويروي عنه (م د ت س) وابنه عبيد الله في الصلاة ومسعر والثوري وغيرهم، وثقه النسائي وابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه، له (305) أحاديث، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد نيسابوري (قال) البراء (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجدت) يا براء أي إذا أردت السجود في الصلاة مثلًا (فضع كفيك) على الأرض (وارفع مرفقيك) عنها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 283 و 294] والترمذي [271]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس رضي الله عنه بحديث ابن بحينة رضي الله عنهما فقال: 999 - (455) (115) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (حدثنا بكر وهو ابن

مُضَرَ)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ بُحَينَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَينَ يَدَيهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مضر) بن محمد أبو محمد المصري، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي أبي شرحبيل المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الله بن مالك) بن القِشْبِ بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة، واسمه جندب بن فضلة الأزدي الأسدي من أزد شنوءة وكان حليفًا لهم، أبي محمد المدني، وكان قد نزل ريمًا على ثلاثين ميلًا من المدينة له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم المعروف بـ (ابن بحينة) اسم أمه وهي بنت الأرت وهو الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف صحابي مشهور، له (27) سبعة وعشرون حديثًا، اتفقا على أربعة، ويروي عنه (ع) والأعرج في الصلاة، وحفص بن عاصم في الصلاة، مات بعد (50) الخمسين ببطن ريم، قال النواوي: (مالك) يقرأ بالتنوين لأنه اسم أبيه فيكون لفظ ابن فيه صفة أولى لعبد الله، ويكتب ألف ابن في قوله ابن بحينة لأنه صفة ثانية لعبد الله، نظيره قولهم (عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية) لا صفة لمالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى) أي سجد كما في الرواية الآتية (فرج) بالتشديد من التفريج أي فرق ووسع وباعد (بين يدَيهِ) وجَنْبَيهِ أي نَحَّى كل يد عن الجنب الذي يليها، قال الأبي: يريد وجنبيه فهو من حذف المعطوف كقوله تعالى: {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي والبرد وهو المسمى بالاكتفاء عند البديعيين، ويبعد أن تكون يديه تثنية يد وجنب على التغليب كالعمرين (حتى يبدو) ويظهر (بياض إبطيه) لمن نظر إليه، وأنه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، قال النواوي: معنى التفريج والتجنيح والتخوية واحد؛ وهو مباعدة المرفقين والعضدين عن الجنبين في السجود. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الصلاة [37 و 38] عن يحيى بن بكير، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم في المناقب [23 - 24] عن قتيبة كلاهما عن بكر بن مضر، والنسائي في الصلاة [298 - 300] عن قتيبة اهـ من تحفة الأشراف.

1000 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ. كِلاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ، حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيهِ. وَفِي روَايَةِ اللَّيثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَجَدَ، فَرَّجَ يَدَيهِ عَنْ إِبْطَيهِ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى بَيَاضَ إِبْطَيهِ. 1001 - (456) (116) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه فقال: 1000 - (00) (00) (حدثنا عمرو بن سواد) بن الأسود العامري ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرنا عمرو بن الحارث والليث بن سعد) المصريان (كلاهما عن جعفر بن ربيعة) الكندي المصري (بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج، عن ابن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن الحارث والليث لبكر بن مضر في رواية هذا الحديث عن جعفر بن ربيعة (و) لكن (في رواية عمرو بن الحارث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد) أي أراد السجود (يجنح) أي يباعد مرفقيه وعضديه عن جنبيه (في سجوده حتى) يكون كالشيء الذي له جناح فـ (يرى وضح إبطيه) أي بياضهما (وفي رواية الليث) بن سعد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد) أي أراد السجود (فرج يديه) أي باعد عضديه (عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه). هذا بيان لمحل المخالفة بين الراوين تحرزًا من الكذب على أحدهما وهو اختلاف لفظي. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أنس بحديث ميمونة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1001 - (456) (116) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (و) محمد بن

ابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، عَنْ مَيمُونَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَينَ يَدَيهِ لَمَرَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي، صدوق، من (10) (جميعًا) أي كلاهما (عن سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (قال يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة) بتصريح السماع (عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم) العامري الكوفي، روى عن عمه يزيد بن الأصم في الصلاة، ويروي عنه (م د س ق) وابن عيينة ومروان بن معاوية وجماعة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (6) (عن عمه يزيد بن الأصم) اسم الأصم عمرو بن عدس بن معاوية بن عبادة بن البكاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري البكائي أبي عوف الكوفي نزيل الرقة، وأمه برزة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يقال له رؤية، وثقه النسائي وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (3) مات سنة (103) في إمارة هشام بن عبد الملك (عن) خالته (ميمونة) بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين المدنية. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما نيسابوري أو مكي (قالت) أم المؤمنين (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة) أي سخلة أي ولد ضأن أو معز (أن تمر بين يديه) أي تحت إبطيه، كما هو رواية أبي داود ذكره في المشكاة (لمرت) تحت يديه لمباعدته مرفقيه وعضديه عن جنبيه، وهذا الحديث يدل على شدة رفع بطنه عن الأرض وتجنيحه، والبهمة ولد الضأن والمعز على ما يفهم من القاموس ذكرًا كان أو أنثى، وقال أبو عبيدة وغيره من أهل اللغة: البهمة بفتح الباء واحدة البُهم بضمها وهي أولاد الغنم من الذكور والإناث، وجمع البُهم بِهام بكسر الباء، وهي في الحديث أنثى بدليل تأنيث الفعل أفاده ملا علي. وفي الكشاف في تفسير سورة النمل: أن قتادة دخل الكوفة فالتفَّ عليه الناس فقالوا: سلوا ما شئتم، وكان أبو حنيفة حاضرًا وهو غلام حدث فقال: سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرًا أم أنثى فسألوه فأقحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى، فقيل له: من أين عرفت؟ قال: من كتاب الله، وهو قوله: {قَالتْ نَمْلَةٌ} ولو كانت ذكرًا لقال قال

1002 - (457) (117) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ الْفَزَارِيُّ. قَال: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَيمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيهِ (يَعْنِي جَنَّحَ)، حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيهِ مِنْ وَرَائِهِ. وَإِذَا قَعَدَ اطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ نملة، وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي اهـ وما نحن فيه نظيره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 332 و 335] والنسائي وابن ماجه كما ذكره المنذري. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث آخر لميمونة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1002 - (457) (117) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) المروزي (أخبرنا مروان بن معاوية) بن الحارث (الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) (قال) مروان (حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم) الكوفي (عن يزيد بن الأصم) الكوفي (أنه) أي أن يزيد (أخبره) أي أخبر لعبيد الله (عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي (قالت) أم المؤمنين (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد) أي أراد السجود (خوّى) أي باعد ونحى (بيديه) أي بمرفقيه وعضديه عن جنبيه (يعني) الراوي وهو ميمونة بقوله خوى (جنح) أي جعلهما كالجناح (حتى يرى) بالبناء للمفعول (وضح إبطيه) أي بياضهما لمن خلفه (مِنْ ورائه) متعلق بيرى أي من خلفه (وإذا قعد) أي جلس بين السجدتين (اطمأن) أي جلس مطمئنًا ساكنًا (على فخذه) وأليته (اليسرى) مفترشًا لها، وقال القرطبي: (ووضح الإبطين) بياضهما وهذا إنما كان يبصر منه ذلك إذا كان في ثوب يلتحف ويعقد طرفيه خلفه فإذا سجد جافى عضديه عن إبطيه فيرى وضحهما، ويحتمل أن يريد الراوي موضع وضحهما لو لم يكن عليه ثوب والله تعالى أعلم، وفي العون: وفي الحديث دليل على أنه لم يكن عليه قميص لانكشاف إبطيه، وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام، وقد روى الترمذي في الشمائل عن أم

1003 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو). (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ)، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيد بْنِ الأصَمِّ، عَنْ مَيمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ؛ قَالتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، جَافَى حَتَّى يَرَى مَنْ خَلْفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة: "وكان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص" واستدل به على أن إبطيه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهما شعر، وفيه نظر فقد حكى المحب الطبري في الاستسقاء من الأحكام له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره كذا في فتح الباري اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 333] وأبو داود [898] والنسائي [2/ 213]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ميمونة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1003 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (لعمرو) الناقد (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا جعفر بن برقان) بضم الباء وكسرها وسكون الراء بعدها قاف الكلابي مولاهم الجزري أبو عبد الله الرقيُّ، وثقه ابن معين وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وابن المديني، وقال في التقريب: صدوق يهم في حديث الزهري، من (7) مات سنة (154) روى عنه في (7) أبواب (عن يزيد بن الأصم) الكوفي (عن ميمونة بنت الحارث) زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد رقي أو كوفيان وبغدادي أو كوفيان ونسائي أو كوفيان ومروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة جعفر بن برقان لعبد الله في رواية هذا الحديث عن يزيد بن الأصم (قالت) ميمونة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى) وباعد يديه عن جنبيه (حتى يرى) بفتح الياء بالبناء للفاعل فاعله (مَنْ خَلْفَه) ووراءه بفتح الميم

وَضَحَ إِبْطَيهِ. قَال وَكِيعٌ: يَعْنِي بَيَاضَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ موصولة (وضح إبطيه قال وكيع يعني بياضهما) وهذه الأحاديث تدل على شدة رفع بطنه عن الأرض وتجنيحه وهذا كله حكم الرجال، فأما النساء فحكمهن عند مالك حكم الرجال إلا أنه يستحب لهن الانضمام والاجتماع وخيّرهن أبو حنيفة في الانفراج والانضمام، وذهب السلف إلى أن سنتهن التربع وحكم الفرائض والنوافل في هذا سواء اهـ قرطبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أنس ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث البراء ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عبد الله بن بحينة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ميمونة الأول ذكره للاستشهاد، والخامس حديث ميمونة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه تعالى أعلم. ***

241 - (53) باب بيان صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وبيان ما يفتتح به وما يختم به فيها

241 - (53) باب بيان صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وبيان ما يفتتح به وما يختم به فيها 1004 - (458) (118) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، (يَعْنِي الأَحْمَرَ)، عَنْ حُسَينٍ الْمُعَلِّمِ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: أَخْبَرَنَا عِيسى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا حُسَيْن الْمُعَلِّمُ عَنْ بُدَيلِ بْنِ مَيسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 241 - (53) باب بيان صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وبيان ما يفتتح به وما يختم به فيها 1004 - (458) (118) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو خالد يعني الأحمر) سليمان بن حيان بتحتانية الأزدي الكوفي (عن حسين) بن ذكوان (المعلم) اسم فاعل من التعليم، ويقال له المكتب كذلك من الإكتاب العوذي بفتح المهملة وسكون الواو البصري، من (6) (ح قال) المؤلف أيضًا (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (له) أي لإسحاق، وأما محمد فروى معناه (قال) إسحاق (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، قال (حدثنا حسين) بن ذكوان (المعلم عن بدبل) مصغرًا (بن ميسرة) العقيلي بضم العين البصري، روى عن أبي الجوزاء أوس بن عبد الله في الصلاة، وعبد الله بن شقيق في عذاب القبر، وأبي العالية البَرَّاء زياد بن فيروز وعطاء بن أبي رباح في الديات، ويروي عنه (م عم) وحسين المعلم وشعبة وحماد بن زيد وخلق، وثقه ابن سعد، وابن معين والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن أبي الجوزاء) أوس بن عبد الله الرَّبَعِيّ بفتح الراء والموحدة البصري، روى عن عائشة في الصلاة حديثًا واحدًا وأبي هريرة وابن عباس وصفوان بن عسال وجماعة في غير مسلم، ويروي عنه (ع) وبديل بن ميسرة وقتادة وغيرهم ثقة يرسل كثيرًا من الثالثة، مات سنة (83) ثلاث وثمانين (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهَذَانِ السَّندانِ من سداسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم بصريون واثنان منهم كوفيان وواحد مدني، والثاني ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي وواحد مروزي (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

الصَّلاةَ، بالتَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةَ، بِالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالمِينَ. وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَينَ ذَلِكَ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَويَ قَائِمًا. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتى يَسْتَويَ جَالِسًا. وَكَانَ يَقُولُ، فِي كُل رَكْعَتَينِ، التَّحِيَّةَ. وَكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ويَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى. وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيطَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يستفتح الصلاة بالتكبير) أي بتكبيرة الإحرام (و) يستفتح (القراءة بالحمد لله رب العالمين) برفع الدال على الحكاية (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا ركع لم يُشْخِص رأسه) أي لم يرفع رأسه بحيث يُرى أنه شخص، من الإشخاص وهو الرفع (ولم يصوبه) أي لم يخفض رأسه خفضًا بليغًا، ولم ينزله عن حد الرأس، من التصويب: وهو الخفض بل يعدل فيه بين الإشخاص والتصويب (ولكن) يجعل رأسه (بين ذلك) أي بين الرفع والتصويب بحيث يكون مع الظهر كصحيفة واحدة (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد) أي لم يهو للسجود (حتى يستوي) ويعتدل (قائمًا وكان إذا رفع رأسه من السجدة) الأولى (لم يسجد) أي لَمْ يَهْو للسجودِ الثاني (حتى يستوي) ويطمئن (جالسًا) بين السجدتين (وكان يقول في كل ركعتين) أي بعد كل ركعتين سواء كانت الصلاة رباعية أو ثلاثية أو ثنائية (التحية) لله أي يقرأ التشهد، قال القاضي: تقدمت صفة التشهدين وهما سنة عند الجمهور لأنه صلى الله عليه وسلم سجد لتركه الأول ولا فرق بينهما، وأيضًا لم يذكرهما للأعرابي الذي علمه الصلاة، وأوجبهما أحمد والمحدثون لأنه صلى الله عليه وسلم تشهد وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ولأنه كان يعلمهم إياه كما يعلمهم القراءة من القرآن اهـ (وكان) صلى الله عليه وسلم (يفرش) بضم الراء وكسرها من بابي نصر وضرب والضم أشهر أي يفترش في جلوس الصلاة (رجله اليسرى) أي قدمه اليسرى تحت وركه اليسرى (وينصب رجله اليمنى) أي قدمه اليمنى على أصابعها (وكان) صلى الله عليه وسلم (ينهى عن عُقْبَة الشيطان) وجلسته بضم العين وسكون القاف، وفي الرواية الأخرى عَقِبَ بفتح العين وكسر القاف، وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه وهو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع، وروي عن الطبري عُقَب بضم العين وفتح القاف وهو جمع عقبة كغرفة وغرف

وَينْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ. وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاة بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيرٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيطَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وينهى) صلى الله عليه وسلم (أن يفترش الرجل) في السجود (ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم) منها على يمينه وعلى يساره، وهذا حجة على أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- والأوزاعي والثوري حيث لم يشترطوا في الخروج من الصلاة التسليم (وفي رواية) محمد (بن نمير عن أبي خالد) الأحمر (وكان) صلى الله عليه وسلم (ينهى عن عقب الشيطان) أي عن جلسته، قال القرطبي: وفي هذا الحديث رد على أبي حنيفة حيث لا يشترط في الدخول في الصلاة التكبير، وفيه أيضًا رد على الشافعي -رحمه الله تعالى- حيث يرى أن البسملة من الفاتحة وأنها لا بد من قراءتها في الصلاة في أول الفاتحة لأن عائشة قالت: كان يفتتح بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وهذا إنما يتضح إذا خفضنا القراءة عطفًا على التكبير كما اختاره بعض من لقيناه وقد قيدناه بالنصب عطفًا على الصلاة عن غيره ويكون فيه أيضًا حجة على الشافعي إلا أن الوجه الأول أوضح فتأمله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 110] وأبو داود [783] وابن ماجه [812] ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا آخر ما أكرمني الله به سبحانه وتعالى من هذا المجلد بإتمامه في تاريخ 10/ 4 / 1422 هـ قبيل المغرب من يوم الاثنين؛ العاشر من شهر ربيع الثاني من شهور سنة ألف وأربعمائة واثنتين وعشرين سنة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. بعد ما وفقني بابتدائه يوم الثلاثاء من تاريخ 1/ 4 / 1421 هـ، ولكن كتبت خلال هذه السنة مجلدًا واحدًا من كتابنا مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى حل وفك سنن ابن ماجه، ومن رسالتنا المقاصد الوفية من الأسانيد الرباعية في صحيح مسلم، مع ما لازمني من العوائق والمعائق لأنهن لمن في الدنيا شقائق وما أحسن قول من قال: محن الزمان كثيرة لا تنقضي ... وسروره يأتيك كالأعياد هل الدنيا وما فيها جميعًا ... سوى ظل يزول مع النهار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله واهب العطية، لمن شاء من عباده وافر المنة، والصلاة والسلام على سيد الكائنات، سيدنا محمد منبع العلوم والشريعات، وعلى آله وصحبه ذوي المقامات السنية، وأتباعهم على منهج الملة الحنيفية، إلى يوم المجازاة والعرض على رب البرية. قال أبو الطيب المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر صغير ... كطعم الموت في أمر كبير يرى الجبناء أن العجز عقل ... وتلك خديعة الطبع اللئيم وكل شجاعة في المرء تغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القرائح والعلوم آخر: كرر عليّ حديثهم يا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر عليّ حديثهم فلربما ... لان الحديد بضربة الحداد آخر: جزى الله خيرًا من تأمل صنعتي ... وقابل ما فيها من السهو بالعفو وأصلح ما أخطأت فيه بفضله ... وفطنته أستغفر الله من سهوي تم المجلد السابع من الكوكب الوهاج على مسلم بن الحجاج ويليه المجلد الثامن

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الثامن دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

شعر ما حوى العلم جميعًا أحد ... لا ولو مارسه ألف سنة إنما العلم بعيد غوره ... فخذوا من كل علم أحسنه شعر آخر ألا أيها الإخوان صلوا وسلموا ... على المصطفى في كل وقت وساعة فإن صلاة الهاشمي محمد ... تنجي من الأهوال يوم القيامة آخر يا من يجيب دعا المضطر في الظلم ... يا كاشف الضر والبلوى مع السقم شفع نبيك في ذلي ومسكنتي ... يوم القيامة يا ذا الفضل والكرم آخر لا تكشفن من مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله سترًا عن مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا

242 - (54) باب سترة المصلي

242 - (54) باب: سترة المصلي 1005 - (459) (119) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا أَبُو الأحْوَصِ)، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَينَ يَدَيهِ مِثْلَ مُؤخِرَةِ الرَّحْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 242 - (54) باب سترة المصلي 1005 - (459) (119) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني (وأبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو الأحوص) سلَّام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبي عيسى المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي أبي محمد المدني، أحد العشرة، وأحد ستة الشورى، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، له (38) ثمانية وثلاثون حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديثين و (م) بثلاثة، يروي عنه (ع) وبنوه موسى ويحيى وعيسى وعمران وإسحاق، ومالك بن أبي عامر والسائب بن يزيد وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، استشهد يوم الجمل سنة (36) ست وثلاثين، وله (63) ثَلاثٌ وسِتُّون سنةً، روى عنه مالك بن أبي عامر الأصبحي في الإيمان، وابنه موسى وعبد الرحمن بن عثمان التيمي في الحج، وأبو عثمان النهدي. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان أو مدنيان وكوفيان ونيسابوري أو بغلاني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) طلحة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع أحدكم بين يديه) أي قدامه سترة (مثل موخرة الرحل) ارتفاعًا هي لغة قليلة في آخِرَةِ الرَّحْلِ والسَّرْجِ بالمد، والمُؤْخِرةُ بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء قاله أبو عبيد، وحكى ثابت فيه فتح الخاء، وأنكره ابن قتيبة، ورواه بعض الرواة (مُؤَخَّرة) بضم الميم وفتح الواو وشد الخاء المفتوحة، وفي المصباح مُؤخَّرةُ الرَّحْلِ وآخرتُه الخَشبةُ الَّتي يستند إليها الراكب

فَلْيُصَلِّ. وَلَا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ". 1006 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بظهره وأفصح اللغات فيها "آخرة" والجمع الأواخر اهـ. وقَدْرُ السترةِ عند مالكٍ الذِّراعُ في غِلَظ الرمح نظرًا لهذا الحديث وإلى صلاته صطى الله عليه وسلم إلى العنزة وهي من فضائل الصلاة ومستحباتها عند مالك، وحكمتها كف البصر والخاطر عما وراءها بذلك، ثم فيها كف عن دنو ما يشغله من خاطر ومنصرف مشوش، وانفرد أحمد بن حنبل بإجزاء الخط سترة لحديث رواه لم يصح عند كيره، وكونه صلى الله عليه وسلم يعرض راحلته ويصلي إليها دليل على جواز التستر بما يثبت من الحيوان وأنها ليست بنجسة البول ولا الروث ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء واستيطانها وإذ ذاك تكره الصلاة فيها إما لشدة زُفُورتِها ونَتْنِها وإما لأنهم كانوا يتخلون بينها متسترين بها اهـ قرطبي. قال (ع): والسترة مستحبة. قلت: وفي الكافي إنها سنة، وأخذ ابن عبد السلام وجوبها من تأثيم المصلي بغير سترة، ورده الشيخ ابن عرفة بالاتفاق على أنه لا يأثم إن لم يمر بين يديه أحد فلو كانت واجبة لأثم بتركها مطلقًا، وانظر صلاة الجنازة هل تفتقر إلى سترة؟ والأظهر أنها تفتقر وأنها الميت لأن سر وضع السترة موجود فيه فيمتنع المرور بين الإمام وبينه اهـ أبي. وقوله (فليصل) جواب إذا (ولا يبال) بحذف الياء معطوف على فليصل كما هو الظاهر، والمعنى ولا يبال المصلي (من مر وراء ذلك) الساتر في قطع خشوعه، وفي بعض النسخ (ولا يبالي) بإثبات الياء على الاستئناف فيكون مَنْ فاعلًا له؛ أي ولا يأثم المار من وراء ذلك بمروره ولا يبال بمروره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 161 و 162] وأبو داود [685] والترمذي [235] وابن ماجه [940]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال: 1006 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيدِ الطَّنَافِسِيُّ)، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كُنَّا نُصَلِّي وَالدَّوَابُّ تَمُرُّ بَينَ أَيدِينَا. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونُ بَينَ يَدَي أَحَدِكُمْ. ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَينَ يَدَيهِ". وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: "لَا يَضرُّهُ مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا، وقال ابن نمير حدثنا عمر بن عبيد) بن أبي أمية بن أبي لَبِيبَة بفتح أوله الإيادي (الطَّنَافِسي) بفتح الطاء والنون وبعد الألف فاء مكسورة ثم سين مهملة أبو حفص الكوفي، روى عن سماك بن حرب في الصلاة، وعبد الملك بن عمير في الأطعمة، وأبي إسحاق ومنصور، ويروي عنه (ع) ومحمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق الحنظلي، صدوق، من الثامنة، مات سنة (185) خمس وثمانين ومائة (عن سماك بن حرب) الكوفي (عن موسى بن طلحة) المدني (عن أبيه) طلحة بن عبيد الله الصحابي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمر بن عبيد لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن سماك (قال) طلحة (كنا نصلي) في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم (والداوب تمر بين أيدينا) أي قدامنا (فذكرنا ذلك) أي مرور الدواب قدامنا (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم) وهو خبر بمعنى الأمر (ثم لا يضره ما مر بين يديه) من الدواب أي لا ينقص أجرها بنقصان خشوعه (وقال) محمد (بن نمير) في روايته (لا يضره من مر بين يديه) بِمَنِ التي للعاقل، وفي الحديث الندب إلى السترة بين يدي المصلي وبيان أن أقل السترة مؤخرة الرحل وهو قدر عظم الذراع وهو نحو ثلثي ذراع، ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه، هكذا قال أصحابنا ينبغي له أن يدنو من السترة ولا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع فإن لم يجد عصًا ونحوها جمع أحجارًا أو ترابًا أو متاعه، وإلا فليبسط مصلى، وإلا فليخط الخط، وإذا صلى إلى سترة منع غيره من المرور بينه وبينها، وكذا يمنع من المرور بينه وبين الخط، وكذا بينه وبين رأس السجادة أي موضع سجوده منها، ويحرم المرور بينه وبين السترة فلو لم يكن سترة أو تباعد منها فقيل له منعه، والأصح أنه ليس له لتقصيره، ولا يحرم حينئذٍ المرور بين يديه لكن يكره، ولو وجد الداخل فرجة في الصف الأول فله أن يمر بين يدي الصف الثاني ويقف فيها لتقصير

1057 - (460) (120) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي؟ فَقَال: "مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ". 1008 - (00) (00) حدَّثنا محَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الصف الثاني بتركها، والمستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله ولا يصمد لها، والله أعلم اهـ نووي. ثم استشهد المؤلف لحديث طلحة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1007 - (460) (120) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عبد الله بن يزيد) المقرئ أبو عبد الرحمن القرشي العدوي مولى آل عمر بن الخطاب المكي، ثقة، من (9) مات سنة (213) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي مولاهم أبو يحيى المصري، واسم أبي أيوب مقلاص بكسر الميم وسكون القاف، ثقة ثبت، من (7) مات سنة (161) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الأسود) القرشي الأسدي المدني محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل يتيم عروة بن الزبير، وثقه أبو حاتم والنسائي وقال في التقريب: ثقة، من (6) السادسة، مات سنة (133) روى عنه في (6) أبواب (عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد مكي وواحد نسائي (أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) قدر (سترة المصلي فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل هي (مثل مؤخرة الرحل) أي قدرها وهي ثلثا ذراع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [2/ 62]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1008 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، قال

حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ. أَخْبَرَنَا حَيوَةُ عَنْ أَبِي الأسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ، فِي غَروَةِ تَبُوكَ، عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي؟ فَقَال: "كَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ". 1009 - (461) (121) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا عبد الله بن يزيد) المقرئ العدوي المكي (أخبرنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن) القرشي المدني (عن عروة عن عائشة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة حيوة بن شريح لسعيد بن أبي أيوب في رواية هذا الحديث عن أبي الأسود، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل في غزوة تبوك) بلدة بين الحجاز والشام، ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم عن ابن الملك أن تبوك اسم موضع ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل لكونه على وزن تقول لا كونه علمًا مؤنثًا حتى يكون مصروفًا بتأويله بمذكر فإن المذكر والمؤنث في ذلك سواء (عن) قدر (سترة المصلي فقال كمؤخرة الرحل) أي هي مثل مؤخرة الرحل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث طلحة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1009 - (461) (121) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لابن نمير (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (عن نافع) العدوي مولاهم مولى ابن عمر المدني (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي المكي. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد

أَن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ، أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَينَ يَدَيهِ. فَيُصَلِّي إِلَيهَا. وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ. وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ. فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأمُرَاءُ. 1010 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ كوفي وواحد بصري، ورجال الثاني منهما اثنان مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد) إلى المصلى (أمر بالحربة) أي بأخذ الحربة معه وهي الرمح العريض النصل سميت حربة لأنه يحارب بها (فتوضع) أي تركز الحربة (بين يديه) أي قدامه (فيصلي) صلى الله عليه وسلم متوجهًا (إليها) أي إلى الحربة فتكون سترة له عما يمر بين يديه (والناس) يصلون (وراءه) صلى الله عليه وسلم مؤتمين به فيكون هو سترة لهم (وكان) صلى الله عليه وسلم (يفعل ذلك) أي مثل ذلك الذي فعل في العيد مِنْ رَكْزِ الحربة بين يديه والصلاة إليها (في) صلاته في (السفر) إذا كان مسافرًا، قال نافع بالسند السابق (فمن ثم) أي فمن أجل ذلك المذكور من حمل الحربة معه صلى الله عليه وسلم أي لأجل اتباع ذلك (اتخذها الأمراء) والوُلاة أي اتخذ حملها معهم في العيد والجُمع عادة لهم كما هو مشاهد إلى الآن، والمعنى "فمن ثم" أي فمن أجل ذلك اتخذ الحربة الأمراء، وهو الرمح العريض النصل يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه، وهذه الجملة أعني قوله فمن ثم اتخذها الأمراء من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجه بدون هذه الجملة اهـ من شرح العيني على البخاري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 13] والبخاري [498] وأبو داود [687] والنسائي [2/ 62] وابن ماجه [941]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1010 - (00) (00) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير قالا: حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن بشر

أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْكُزُ، (وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَغْرِزُ)، الْعَنَزَةَ ويصَلِّي إِلَيهَا. زَادَ ابْنُ أَبِي شَيبَةَ: قَال عُبَيدُ اللهِ: وَهِيَ الْحَرْبَةُ. 1011 - (462) (122) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ عُبَيدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركز) العنزة بالأرض من باب نصر؛ أي يأمر بركزها في الأرض، هذا رواية ابن نمير (وقال أبو بكر) في روايته (يغرز) من باب ضرب (العَنزة) أي يأمر بغرزها في الأرض (ويصلي) متوجهًا (إليها) منعًا من المرور بين يديه، ويركز ويغرز كلاهما بمعنى واحد؛ وهو إثبات الشيء على الأرض على ما يفهم من المصباح، قال القسطلاني: العَنزة كنصف الرمح لكن سنانها في أسفلها بخلاف الرمح فإن سنانه في أعلاه اهـ (زاد) أبو بكر (ابن أبي شيبة قال عبيد الله: وهي الحربة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث طلحة بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1011 - (462) (122) (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني المروزي الإمام الأعظم، قال (حدثنا معتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من كبار (9) (عن عبيد الله) بن عمر العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد بصري وواحد مروزي (أن النبي صلى الله عليه وصلم كان يُعرِّضُ راحلته) بفتح الياء وكسر الراء، وروي بضم الياء وتشديد الراء المكسورة من التعريض أي يجعلها معترضة بينه وبين القبلة، والراحلة الناقة التي يختارها الرجل لركوبه لنجابتها أفاده العيني، وفي النواوي الراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل، وقيل الراحلة المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يصلي) متوجهًا (إليها).

1012 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى رَاحِلَتِهِ. وَقَال ابْنُ نُمَيرِ: إِن النبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية حديث ابن عمر هذا أحمد [4/ 306] والبخاري [5859] وأبو داود [688] والنسائي [1/ 87]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله تعالى عنهما فقال: 1012 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لمعتمر بن سليمان في رواية هذا الحديث عن عبيد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى راحلته) أي ناقته، ففيه دليل على جواز الصلاة إلى قرب الحيوان، وجواز الصلاة بقرب البعير بخلاف الصلاة في أعطان الإبل فإنها مكروهة للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك لأنه يُخاف نُفورُها هناك فيُذْهِبُ الخشوع بخلاف هذا قاله النواوي، وفي صحيح البخاري "باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل" (وقال ابن نمير إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير) والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس يقع على الذكر والأنثى، والجَملُ بمنزلة الرجل يختص بالذكر، والناقة بمنزلة المرأة تختص بالأنثى، والبكر والبكرة مثل الفتى والفتاة والقَلُوص كالجارية كذا في المصباح، ومن قال: وأُحِبُّهَا وتُحِبُّنِي ... ويحِبُّ نَاقَتَها بَعِيرِي حمل البعير على الجمل كما هو المتعارف عندهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث طلحة بحديث أبي جحيفة رضي الله عنهما فقال:

1013 - (463) (123) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيفَةَ عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمكَةَ وَهُوَ بِالأَبْطَحِ. فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ. قَال: فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضُوئِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1013 - (463) (123) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن وكيع، قال زهير: حدثنا وكيع) قال وكيع (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (حدثنا عون بن أبي جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي بضم المهملة من بني عامر بن صعصعة الكوفي، روى عن أبيه في الوضوء والصلاة وعذاب القبر، والمنذر بن جرير في الزكاة والعِلْم، وجماعة، ويروي عنه (ع) والثوري وعمر بن أبي زائدة وأبوالعميس ومالك بن مغول وشعبة، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (116) ست عشرة ومائة (عن أبيه) وهب بن عبد الله ويقال: وهب الخير السوائي أبي جحيفة الكوفي صحابي معروف، من صغار الصحابة، مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبلغ الحلم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي والبراء بن عازب في الضحايا وعذاب القبر، له (45) خمسة وأربعون حديثًا، اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بحديثين و (م) بثلاثة، ويروي عنه (ع) وابنه عون، والحكم بن عتيبة في الصلاة، وسلمة بن كهيل وأبو إسحاق السبيعي وإسماعيل بن أبي خالد. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا زهير بن حرب (قال) أبو جحيفة (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح) وهو موضع معروف قريب إلى مكة من جهة الحجون، ويقال له البطحاء وهي في اللغة مسيل واسع فيه دقاق الحصى صار علمًا للمسيل الذي ينتهي إليه السيل من وادي منى وهو الموضع الذي يسمى محصبًا أيضًا، وقال القرطبي: الأبطح موضع خارج مكة قريبًا منها، وقال القسطلاني: مكان بظاهر مكة معروف اهـ. جالس (في قبة) وخيمة، قال في النهاية القبة من الخيام؛ بيت مستدير صغير وهو من بيوت العرب اهـ (له حمراء) كائنة (من أدم) بفتحتين جمع أديم؛ أي من جلد مدبوغ (قال) أبو جحيفة (فخرج بلال) المؤذن من عنده صلى الله عليه وسلم (بوضوئه) صلى الله عليه وسلم أي بالماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليقسمه بين الناس، والوضوء

فَمِنْ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ. قَال: فَخَرَجَ النَّبِي صلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيهِ. قَال: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ. قَال: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا -يَقُولُ: يَمِينًا وَشِمَالًا- يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالفتح الماء الذي يتوضأ به، وبالضم الفعل، وقيل هما لغتان فيهما (فص) هم (نائل) أي آخذ من ذلك الوضوء شيئًا (و) منهم (ناضح) أي متمسح ببلله كما قاله في الرواية الأخرى مفسرًا به، قال النواوي: (قوله فمن نائل وناضح) أي فمنهم من نال منه شيئًا ومنهم من نضح ورش عليه غيره شيئًا مما ناله فحصل له رشاش وبلل اهـ، والمعنى فمنهم من نائل أي آخذ منه شيئًا ومنهم من ناضح أي آخذ النضح والرشاش والبلل من غيره، قوله (فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح) قال القاضي عياض: فيه تقديم وتأخير بينه في الآخر بقوله فخرج بلال بوضوئه فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الناس فضله فمن نائل من ذلك الماء شيئًا تمسح به، ومن لم ينل نضح عليه صاحبه من بلل يده أي رش عليه، ففيه التبرك بآثار الصالحين، واستعمال فضل طعامهم وشرابهم انتهى أبي (قال) أبو حجيفة (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم) من القبة و (عليه حلة) أي إزار ورداء (حمراء) والحلة تجمع على حلل؛ كل ثوبين لم يكونا لِفْقَين أي متصلين كقميص ورداء أو إزار ورداء، وفيه جواز لبس الأحمر، قال أبو جحيفة (كأني أنظر) وأرى الآن (إلى بياض ساقيه) مشمرًا عنهما (قال) أبو جحيفة (فتوضأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأذن بلال) رضي الله عنه للصلاة، ففيه الأذان في السفر (قال) أبو جحيفة (فجعلت) أي شرعت أنا (أتتبع) بتشديد الباء من التتبع أي أوافق بفمي (فاه) أي فم بلال حالة كون بلال ملتفتًا بعنقه (ها هنا) أي يمينًا في حي على الصلاة (وههنا) أي وشمالًا في حي على الفلاح، والظرف متعلق بمحذوف حال من ضمير فَاهُ لأن المضاف جزء من المضاف إليه نظير قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيتًا} كما فسره الراوي وهو عون بقوله (يقول) أي يريد أبو جحيفة بقوله ها هنا وههنا (يمينًا وشمالًا) وجملة قوله (يقول) حال ثانية من الضمير المذكور أي وحالة كون بلال يقول بلسانه (حي على الصلاة) في الالتفاتة الأولى أي أقبلوا إلى الصلاة واحضروها، ويقول في الالتفاتة الثانية (حي على الفلاح) أي أقبلوا إلى ما هو سبب الفلاح والفوز وهو الصلاة، ففيه جَوازُ الْتِفَاتِ المؤذنِ بوجهه عند الحيعلتين للإسماع ورجلاه إلى القبلة واختلفوا في صفة

قَال: ثُم رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَينِ. يَمُرُّ بَينَ يَدَيهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ. لَا يُمْنَعُ. ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَينِ. ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَينِ حَتَّى رَجَعَ إِلى الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الالتفات فالجمهور أنه يقول حي على الصلاة مرتين عن يمينه وحي على الفلاح مرتين عن يساره، وقيل يقول حي على الصلاة مرة عن يمينه ومرة عن شماله ثم حي على الفلاح كذلك اهـ أبي (قال) أبو جحيفة (ثم ركزت) وغرزت وأثبتت على الأرض (له) صلى الله عليه وسلم (عنزة) ليصلي إليها، بفتح العين والنون والزاي عصا أقصر من الرمح لها سنان وقيل الحربة القصيرة قاله الحافظ، وقال الجزري في النهاية: العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر منه شيئًا، وفيها سنان مثل سنان الرمح، والعكازة قريب منها اهـ. (فتقدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس (فصلى) بالناس (الظهر ركعتين) قصرًا متوجهًا إلى العنزة حالة كونه (يمر بين يديه) صلى الله عليه وسلم أي قدامه وراء العنزة، كما بينه في الآخر لا بينه وبينها (الحمار والكلب) قال الحافظ: أي بين العنزة والقبلة لا بينه وبين العنزة، ففي رواية عمر بن أبي زائدة "ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة" اهـ، حالة كون كل من الكلب والحمار (لا يُمنع) من المرور بين يديه وراء العنزة (ثم) بعد ما دخل وقت العصر كما يدل عليه لفظة ثم (صلى العصر) في وقتها (ركعتين) قصرًا (ثم) بعد هاتين الصلاتين (لم يزل) أي لم يبرح صلى الله عليه وسلم (يصلي) الصلاة الرباعية (ركعتين) ركعتين (حتى رجع إلى المدينة) وَطَنِه صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: (وقوله بين يديه) يفسره ما جاء في الرواية الأخرى "بين يدي العنزة" يريد أمامها، وفي رواية "يمر من ورائها المرأة والحمار لا يمنع" أي أمامها ووراء من الأضداد كما قال تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} الكهف؛ أي أمامهم، واختلف هل سترة الإمام نفسها سترة لمن خلفه أو هي سترة له خاصة والإمام سترتهم، وسيأتي الكلام على ما يقطع الصلاة انتهى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 308] والبخاري [634] والترمذي [197] والنسائي [2/ 73]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه فقال:

1014 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ. حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيفَةَ؛ أَنَّ أَبَاهُ رَأى رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ. وَرَأَيتُ بِلالًا أَخْرَجَ وَضُوءًا. فَرَأَيتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ. فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيئًا تَمَسَّحَ بِهِ. وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ. ثُمَّ رَأَيتُ بِلالًا أَخرَجَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا. وَخَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا. فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1014 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي المؤدب، وثقه ابن عدي والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من (10) مات سنة (235) رَوَى عنه في (11) بابا (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عمر بن أبي زائدة) خالد بن ميمون أخو زكرياء بن أبي زائدة الهمداني الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عون بن أبي جحيفة) السوائي الكوفي (أن أباه) أبا جحيفة وهب بن عبد الله السوائي الكوفي. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمر بن أبي زائدة لسفيان الثوري (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم ورأيت بلالًا أخرج وضوءًا) أي ماء توضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرأيت الناس يبتدرون) أي يسارعون ويتسابقون (ذلك الوضوء) ليتبركوا به لأنه أصاب جسده الشريف (فمن أصاب) ووجد (منه) أي من ذلك الوضوء (شيئًا) من الماء (تمسح به) أي بذلك الشيء تبركًا به لأنه أصاب جسده الشريف (ومن لم يصب منه) أي من ذلك الوضوء شيئًا (أخذ من بلل يد صاحبه) وتمسح به (ثم رأيت بلالًا أخرج عَنَزة) وهي عصا في أسفلها حديدة (فركزها) بلال على الأرض لتكون سترة له صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على جواز استعانة الإمام بمن يركز له عنزة ونحو ذلك (وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من قبته (في حلة حمراء) أي في لبسة حمراء، حالة كونه (مشمرًا) حلته أي رافعها إلى أنصاف ساقيه ونحو ذلك كما قال في الرواية السابقة كأني أنظر إلى بياض ساقيه، وفيه رفع الثوب من الكعبين اهـ نووي، كذا قاله النواوي وتبعه ابن حجر وتعقبه ملا علي بأن ثيابه ما كانت طويلة حتى يرفعها، وقد ثبت في الشمائل وغيرها أن إزاره كان إلى نصف ساقيه اهـ (فصلى) الظهر متوجهًا (إلى العَنَزة بالناس ركعتين) فيه أن

وَرَأَيتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَينَ يَدَيِ الْعَنَزَةِ. 1015 - (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيسٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ. قَال: حَدَّثنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيفَةَ، عَن أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأفضل قصر الصلاة في السفر وإن كان بقرب بلده ما لم ينو إقامة أربعة أيام فصاعدًا (ورأيت الناس والدواب) أي الحمار والكلب ونحوها (يمرون) غلَّب العقلاء في تعبيره بالواو (بين يدي العنَزة) أي وراءها لوجود السترة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه فقال: 1515 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) روى عنه في (12) بابا كلاهما (قالا أخبرنا جعفر بن عون) بن جعفر المخزومي العمري أبو عون الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا أبو عميس) الكوفي عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (ح) أي حول المؤلف السند و (قال وحدثني) أيضًا (القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي الطحان، وربما نسب إلى جده، ثقة، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد، من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (10) أبواب (قال) زائدة (حدثنا مالك بن مغول) البجلي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب كلاهما) أي كل من أبي عميس ومالك بن مغول رويا (عن عون بن أبي جحيفة) السوائي الكوفي (عن أبيه) أبي جحيفة الكوفي. وهذان السندان أولهما من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق بن منصور فإنه نيسابوري، وثانيهما من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقهما بيان متابعة أبي عميس ومالك بن مغول لسفيان بن عيينة وعمر بن أبي زائدة في رواية هذا الحديث عن عون بن

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْو حَدِيثِ سُفْيَانَ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ: فَلَمَّا كَانَ بِالْهَاجِرَةِ خَرَجَ بِلالٌ فَنَادَى بِالصَّلاةِ. 1016 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيفَةَ قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ. فَتَوَضأَ فَصَلَّى الظهْرَ رَكْعَتَينِ. وَالْعَصْرَ رَكْعَتَينِ. وَبَينَ يَدَيهِ عَنَزَةٌ. قَال شُعْبَةُ: وَزَادَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي جحيفة (عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث سفيان وعمر بن أبي زائدة) حالة كون هؤلاء الأربعة (يزيد بعضهم) في روايته (على) رواية (بعض) آخر (وفي حديث مالك بن مغول) وروايته (فلما كان) صلى الله عليه وسلم (بالهاجرة) أي في وقت الهاجرة، والهجر والهجير والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر (خرج بلال فنادى) أي أذن (بالصلاة) أي للصلاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه فقال: 1016 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (قال) الحكم (سمعت أبا جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي الكوفي. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الحكم بن عتيبة لعون بن أبي جحيفة في رواية هذا الحديث عن أبي جحيفة (قال) أبو جحيفة (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة) أي في وقت الهاجرة من قبته (إلى البطحاء) أي إلى الرمال المنبسط (فتوضأ فصلى) بهم (الظهر ركعتين) قصرًا (و) صلى بهم (العصر) أيضًا (ركعتين و) الحال أن (بين يديه) صلى الله عليه وسلم وقدامه (عَنزة) أي عصا في أسفلها نصل لتكون له سترة (قال شعبة) بالسند السابق (وزاد فيه) أي في الحديث على الحكم

عَوْن عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيفَةَ: وَكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. 1017 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم. قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ الْحَكَمِ: فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ. 1018 - (464) (124) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عون) بن أبي جحيفة راويًا (عن أبيه أبي جحيفة) لفظة (وكان) الشأن (يمر من ورائها) أي من وراء العَنزة وخلفها أي بينها وبين القبلة (المرأة والحمار) وفيه دليل على القصر والجمع في السفر، وفيه أن الأفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إلى وقت الأولى، وأما من كان في وقت الأولى سائرًا فالأفضل تأخير الأولى إلى وقت الثانية كذا جاءت الأحاديث ولأنه أرفق به اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه فقال: 1017 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله المروزي الأصل ثم البغدادي، صدوق، من (10) (قالا حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، من (7) وقوله (بالإسنادين جميعًا) متعلق بما عمل في المتابع وهو ابن مهدي أي حدثنا ابن مهدي عن شعبة بالإسنادين لشعبة يعني سنده عن الحكم وسنده عن عون (مثله) أي مثل ما حدث ابن جعفر عن شعبة (وزاد) ابن مهدي (في حديث الحكم) وروايته لفظة (فجعل الناس) من أصحابه صلى الله عليه وسلم (يأخذون) ويتمسحون (من فضل وَضوئه) صلى الله عليه وسلم أي من الماء الفاضل من وضوئه صلى الله عليه وسلم يعني الباقي في الإناء بعد اغترافه صلى الله عليه وسلم منه لمسه يده الشريفة لينالوا بركته صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث طلحة بن عبيد الله بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1018 - (464) (124) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت

عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ. وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ. وَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى. فَمَرَرْتُ بَينَ يَدَيِ الصَّفّ. فَنَزَلْتُ. فَأَرْسَلْتُ الأتَانَ تَرْتَعُ. وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ. فَلَمْ يُنْكِرْ ذلِكَ عَلَى أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد نيسابوري (قال) ابن عباس (أقبلت) أنا أي حضرت مجتمع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كوني (راكبًا على أتان) بفتح الهمزة وشذ كسرها؛ هي أنثى الحمر، وفي الرواية الأخرى على حمار، وفي رواية للبخاري على حمار أتان، قال أهل اللغة: الأتان هي الأنثى من جنس الحمير، ورواية من روى على حمار محمولة على إرادة الجنس، ولم يرد به الذكورية كما يقال إنسان للذكر والأنثى، ورواية البخاري مبينة للجميع اهـ نووي. (وأنا يومئذٍ) أي يوم إذ أقبلت إليهم (قد ناهزت الاحتلام) أي قاربت البلوغ وهذا يصحح قول الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابن عباس ابن ثلاث عشرة سنة، وقول الزبير بن بكار إنه ولد بالشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وما روي عن سعيد بن جبير توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، قال ابن حنبل: وهذا هو الصواب وهو يرد رواية من روى عنه توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد يتأول إن صح هذا أن معناه راجع إلى ما بعده من قوله، وقد قرأت المحكم اهـ إكمال المعلم (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى) قال الفيومي في المصباح: منى اسم موضع بمكة والغالب عليه التذكير فينصرف، وإذا أنث منع ولهذا يكتب بالألف وبالياء والأجود صرفها وكتابتها بالألف اهـ سميت بذلك لكثرة ما يمنى بها من الدماء أي يراق، ومنه قوله تعالى: {مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} (فمررت بين يدي الصف) المقدم أي قدامه من وراء السترة (فنزلت) من الأتان (فأرسلت الأتان) أي أطلقتها حالة كونها (ترتع) أي ترعى يقال رتعت الماشية رتعًا من باب نفع ورتوعًا إذا رعت كيف شاءت كذا في المصباح (ودخلت في الصف) وصليت معهم (فلم ينكر ذلك) أي مشْيِي بأتانة وبنفسي بين يدي الصف (علي أحد) من الناس لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه.

1019 - (00) (00) حدَّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ أَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارٍ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَال فَسَارَ الْحِمَارُ بَينَ يَدَي بَعْضِ الصَّفِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 342] والبخاري [493] وأبو داود [703 - 717] والترمذي [337] والنسائي [2/ 64 - 65] وابن ماجه [947]. وفي الحديث حجة على أن الإمام سترة لمن خلفه لقوله: "فلم يُنكر ذلك عليَّ أحدٌ" ولأن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له إن كان رآه حجة في جواز ذلك، وهو الظاهر لقوله بين يدي الصف، وإن كان بموضع لم يره النبي صلى الله عليه وسلم فقد رآه جملة أصحابه فلم ينكروه عليه ولا أحد منهم فدل على أنه ليس عندهم بمنكر، ولا خلاف في جواز هذا، ولا خلاف في أن السترة مشروعة للمصلي إذا كان في موضع لا يأمن فيه من المرور بين يديه، واختلف حيث يامن ولأصحابنا فيها قولان: اللزوم والسقوط، واختلف العلماء هل سترة الإمام نفسها سترة لمن وراءه كما قال مالك أو هي سترة له والإمام سترتهم كما قال عبد الوهاب اهـ من إكمال المعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1019 - (00) (00) (حدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرنا يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي الكوفي (أن عبد الله بن عباس أخبره) أي أخبر لعبيد الله (أنه) أي أن ابن عباس (أقبل) وحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يسير) راكبًا (على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بمنى في حجة الوداع) وقوله (يصلي بالناس) تفسير وبيان ليصلي الأول (قال) ابن عباس (فسار الحمار) وأنا راكب عليه (بين يدي بعض الصف) أي قدامه، وهذا لفظ البخاري وفُسر بالصف الأول وذلك المرور كان وهو راكب عليه

ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ. فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ. 1020 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَال: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِعَرَفَةَ. 1021 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كما دل عليه قوله (ثم نزل عنه) أي عن الحمار (فصف مع الناس) وصلى معهم، وفي المصباح صففت القوم فاصطفوا وقد يستعمل لازمًا أيضًا فيقال صففتهم فصفوا هم. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية الأولى مع الزيادة فيها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1020 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن الزهري) وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو سفيان يعني عن عبيد الله عن ابن عباس، والتقدير حدثنا سفيان عن الزهري مثل ما روى يونس عنه، ولكن (قال) سفيان في روايته (والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعرفة) بدل قول يونس "يصلي بمنى" فبين الروايتين معارضة فيجمع بينهما بأنهما قضيتان كما في النواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1021 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري) وقوله (بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس متعلق بأخبرنا معمر،

وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنًى وَلَا عَرَفَةَ. وَقَال: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر لمالك ويونس في رواية هذا الحديث عن الزهري (و) لكن (لم يذكر) معمر (فيه) أي في الحديث (منى) كما ذكره يونس (ولا عرفة) كما ذكره ابن عيينة (و) لكن (قال) معمر في روايته يصلي بالناس (في حجة الوداع أو يوم الفتح) بالشك في أيهما قال الزهري، فقوله في حجة الوداع لا ينافي رواية منى ولا رواية عرفة، والشك في قوله أو يوم الفتح ساقط لأنه يعارض الروايتين السابقتين لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج يوم الفتح إلى منى ولا إلى عرفة فلا اعتبار بهذا الشك، قال النواوي: وفي رواية حجة الوداع أو يوم الفتح الصواب في حجة الوداع وهذا الشك محمول عليه اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول حديث طلحة بن عبيد الله ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخاص حديث أبي جحيفة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه أربع متابعات، والسادس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

243 - (55) باب منع المصلي من يمر بين يديه والتغليظ في المرور بين يديه

243 - (55) باب منع المصلي من يمر بين يديه والتغليظ في المرور بين يديه 1022 - (465) (125) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَينَ يَدَيهِ. وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ. فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ. فَإِنَّمَا هُوَ شَيطَانٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 243 - (55) باب منع المصلي من يمر بين يديه والتغليظ في المرور بين يديه 1022 - (465) (125) (حدثنا يحيى بن يحيى قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد) الخدري الأنصاري الخزرجي أبي محمد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم) أيها المسلمون (يصلي فلا يدع) أي فلا يترك (أحدًا يمر) أي يريد أن يمر (بين يديه) على مروره أي يريد أن يمر بينه وبين السترة (وليدرأه) أي فليدفع ذلك المَارَّ إما بالإشارة أو بوضع اليد على نحره كما تدل عليه الرواية الآتية في هذا الحديث (ما استطاع) أي مدة استطاعته على دفعه بأي شيء أمكن له من الإشارة أو الدفع أو الضرب أو بما استطاع من ذلك (فإن أبى) وامتنع عن الرجوع فلم يقبل إلا المرور (فليقاتله) المصلي أي فليدفعه بالقهر والغلبة، ولا يجوز قتله كذا في المرقاة، والمذكور في كتب الفقه أنه يكره ترك اتخاذ السترة في محل يظن المرور فيه بين يدي المصلي ويستحب اتخاذها، والسنة أن يقرب منها، والمستحب ترك دفع المار لأن مبنى الصلاة على السكون ورخص دفعه بالإشارة أو التسبيح لا بهما لأن بأحدهما كفاية ولا يقاتل المار، وما ورد في ذلك فمؤول بأن جواز ذلك كان في أول الإسلام، والعمل المنافي للصلاة مباح فيها إذ ذاك وقد نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الصلاة لشغلا" اهـ من هامش بعض المتون. (فإنما هو) أي ذلك المار (شيطان) قال القاضي: قيل معناه إنما حمله على مروره

1023 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَة. حَدَّثنَا ابْنُ هِلالٍ، (يَعْنِي حُمَيدًا)، ـــــــــــــــــــــــــــــ وامتناعه من الرجوع الشيطان، وقيل معناه إنما عمله عمل الشيطان لأن الشيطان بعيد من الخير وقبول السنة، وقيل المراد بالشيطان القرين كما جاء في الحديث الآخر: "فإن معه القرين" قال النواوي: وهذا الأمر بالدفع أمر ندب، وهو ندب متأكد، ولا أعلم أحدًا من العلماء أوجبه بل صرح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب، قال القاضي عياض: وأجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح، ولا ما يؤدي إلى هلاكه فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أو يكون هدرًا؟ فيه مذهبان للعلماء: وهما قولان في مذهب مالك رحمه الله، قال: واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو مكان يأمن المرور بين يديه ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد في الرواية الآتية بعد هذه: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره فإن أبى فليقاتله" قال: وكذا اتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده وإنما يدفعه ويرده من موقفه لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه ولهذا أمر بالقرب من سترته، وإنما يرده إذا كان بعيدًا منه بالإشارة أو التسبيح، قال: وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لا يرده لئلا يصير مرورًا ثانيًا إلا شيئًا، روي عن بعض السلف أنه يرده وتأوله بعضهم هذا آخر كلام القاضي، وهو كلام نفيس والذي قاله أصحابنا أنه يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه وإن أدى إلى قتله فلا شيء عليه كالصائل عليه لأخذ نفسه أو ماله، وقد أباح له الشرع مقاتلته والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 63] والبخاري [509] وأبو داود [697 و 700] والنسائي [2/ 66] وابن ماجه [954]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 1023 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحَبَطِي مولاهم أبو محمد الأُبُلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المنيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا ابن هلال يعني حميدًا) العدوي البصري،

قَال: بَيْنَمَا أَنَا وَصَاحِبٌ لِي نَتَذَاكَرُ حَدِيثًا. إِذْ قَال أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ: أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي سَعِيدِ وَرَأَيتُ مِنْهُ. قَال: بَينَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ. إِذْ جَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيطٍ. أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَينَ يَدَيهِ. فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ. فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إلا بَينَ يَدَي أَبِي سَعِيدٍ. فَعَادَ. فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ أَشَدَّ مِنَ الدَّفْعَةِ الأُولَى. فَمَثَلَ قَائِمًا. فَنَال مِنْ أَبِي سَعِيدٍ. ثُمَّ زَاحَمَ النَّاسَ، فَخَرَجَ. فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ. فَشَكَا إلَيهِ مَا لَقِيَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) حميد (بينما أنا وصاحب لي نتذاكر حديثًا إذ قال أبو صالح السمان: أنا أحدثك ما سمعت من أبي سعيد) الخدري (و) ما (رأيت منه) أي من أبي سعيد (قال) أبو صالح (بينما أنا مع أبي سعيد) حالة كونه (يصلي يوم الجمعة) متوجهًا (إلى شيء يستره من الناس إذ) فجائية رابطة لجواب بينما أي بينما أوقات كوني مع أبي سعيد إذ (جاء رجل شاب) أي فاجأني مجيء رجل شاب (من بني أبي معيط) قيل هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط كما خرجه أبو نعيم في كتاب الصلاة وقيل غيره (أراد) ذلك الشاب (أن يجتاز) أي يعبر ويمر ويتجاوز كذا في المرقاة، بالجيم والزاي من الجواز (بين يديه) أي بين يدي أبي سعيد وقدامه يعني بينه وبين السترة (فدفع) أبو سعيد ذلك الشاب أي ضربه بجمع الكف (في نحره) أي في صدره كما في رواية البخاري (فنظر) الشاب في جوانبه (فلم يجد مساغًا) بفتح الميم والغين المعجمة أي مسلكًا وطريقًا يمكنه المرور فيه (إلا بين يدي أبي سعيد) أي قدامه (فعاد) الشاب أي رجع ليجتاز بين يدي أبي سعيد (فدفعـ) ـه أي ضربه أبو سعيد بجمع كفه (في نحره) أي في صدره دفعًا (أشد من الدفعة الأولى) أي من المرة الأولى (فمثل) بفتح الميم وبفتح الثاء وضمها لغتان حكاهما صاحب المطالع، وغيره الفتح أشهر ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره، من بابي قعد وظرف، والمضارع يمثل بضم الثاء لا غير، ومنه الحديث: "من أحب أن يمثل الناس له قيامًا أي انتصب الشاب (قائمًا فنال) بالفاء والنون أي أصاب الشاب (من أبي سعيد) أي أصاب من عرضه بالشتم وبلغ منه ما أراد من شتمه (ثم زاحم) الشاب (الناس) وضايقهم (فخرج) من المسجد (فدخل على مروان) بن الحكم الأموي المتوفى سنة (65) خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة (فشكا إليه) أي إلى مروان أي أخبره علي سبيل الشكوى (ما لقي) من أبي سعيد من الدفع (قال) أبو صالح

وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ. فَقَال لَهُ مَرْوَانُ: مَا لَكَ وَلابْنِ أَخِيكَ؟ جَاءَ يَشْكُوكَ. فَقَال أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَينَ يَدَيهِ، فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ. فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ. فَإِنَّمَا هُوَ شَيطَانٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ودخل أبو سعيد) خلفه كما في رواية البخاري (على مروان فقال) مروان (له) أي لأبي سعيد (ما لك) يا أبا سعيد، ما استفهامية في محل الرفع مبتدأ خبره الجار والمجرور في لك (ولابن أخيك) معطوف على لك بإعادة الجار، والمراد به أخوة الإسلام وهو يرد على من قال إن المار هو الوليد بن عقبة لأن أباه قتل كافرًا، حالة كون الابن (جاء) إلينا، حالة كونه (يشكوك) أي يخبرنا إذايتك له على سبيل الشكوى (فقال أبو سعيد) إنه أراد أن يجتاز بين يدي وأنا أصلي فدفعته ومنعته من المرور بين يدي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز) ويمر (بين يديه) أي بينه وبين السترة (فليدفع في نحره) أي في صدره (فإن أبى) وامتنع من الرجوع إلا المرور (فليقاتله) بكسر اللام الجازمة وسكونها لاقترانها بالفاء، ونقل البيهقي عن الشافعي أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول، وقال أصحابنا: يرده بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشد ولو أدى إلى قتله فقتله فلا شيء عليه لأن الشارع أباح له مقاتلته والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها وليس المراد بالمقاتلة المقاتلة بالسلاح ولا بالمشي إليه بل يدفعه، والمصلي بمحله بحيث تناله يده ولا يكن عمله في مدافعته كثيرًا (فإنما هو) أي ذلك المار (شيطان) أي إنما فعله فعل الشيطان لتشويشه المصلي وإطلاق الشيطان على مارد الإنس سائغ على سبيل المجاز، والحصر بإنما للمبالغة فالحكم للمعاني لا للأسماء لأنه يستحيل أن يصير المار شيطانا بمروره بين يدي المصلي اهـ قسطلاني، ويحتمل أن يكون المعنى أن الحامل له على ذلك الفعل هو الشيطان ويدل عليه قوله في حديث ابن عمر "فإن معه القرين" اهـ قرطبي. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد أُبُليٌّ، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح السمان لعبد الرحمن بن أبي سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة، والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

1024 - (466) (126) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيكٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَينَ يَدَيهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ". 1025 - (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1024 - (466) (126) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (قال حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك) مصغرًا يَسَارِ الديليُّ المدنيُّ، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام بكسر المهملة وبالزاي الأسدي الحزامي المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) (عن صدقة بن يسار) الجزري المكي، روى عن عبد الله بن عمر وطاوس وسعيد بن جبير، ويروي عنه (م د س ق) والضحاك بن عثمان، ثقة، من الرابعة (4) مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، روى عنه في (1) باب واحد كما مر آنفًا (عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما العدوي المكي. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مدنيان وواحد إما بغدادي أو نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم يصلي) إلى سترة (فلا يدع) أي فلا يترك (أحدًا يمر بين يديه) أي يريد أن يمر بينه وبين السترة (فإن أبى) إلا المرور (فليقاتله) أي فليدفعه بأشد من الدفع الأول (فإن معه القرين) أي الشيطان المقارن به يأمره بالشر، قال السيوطي في تلخيص النهاية: وقرين الإنسان هو مصاحبه من الملائكة والشياطين، وفي النهاية: فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 86] وابن ماجه [955]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1025 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو بكر الحنفي) الصغير عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله البصري خرج به

حَدَّثنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثنَا صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ؛ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: بِمِثْلِهِ. 1026 - (467) (127) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يحيى قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ زَيدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيمٍ. يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكبير اسمه عبد الله بن عبد الله لم يرو عنه مسلم، روى عن الضحاك بن عثمان في الصلاة والأحكام، وعبد الحميد بن جعفر في الأحكام والجهاد والأشربة والفتن والزهد، وبكير بن مسمار آخر الزهد، ويروي عنه (ع) وإسحاق الحنظلي ومحمد بن المثنى وإسحاق بن منصور ومحمد بن بشار وعباس بن عبد العظيم العنبري، ثقة، من التاسعة، مات سنة (204) أربع ومائتين، روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الضحاك بن عثمان) المدني (حدثنا صدقة بن يسار) المكي (قال) صدقة (سمعت ابن عمر يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): "إذا كان أحدكم ... " الحديث، وقوله (بمثله) متعلق بأخبرنا أبو بكر الحنفي أي أخبرنا أبو بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان بمثل ما حدث ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي بكر الحنفي لابن أبي فديك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أبي جُهيم رضي الله عنهما فقال: 1026 - (467) (127) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية القرشي التيمي مولاهم مولى عمر بن عبيد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن بسر بن سعيد) الحضرمي مولاهم المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (أن زيد بن خالد الجهني) المدني صحابي مشهور، له (81) حديثًا، روى عنه في (5) أبواب (أرسله) أي أرسل بسر بن سعيد (إلى أبي جُهيم) مصغرًا عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصِمَّةِ الأنصاري النجاري المدني قاله وكيع، روى عنه بسر بن سعيد في الصلاة صحابي معروف، ويروي عنه (ع) حالة كون زيد بن خالد (يسأله) أي يسأل أبا جهيم (ماذا سمع)

مِنْ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَينَ يَدَيِ الْمُصَلِّي؟ قَال أَبُو جُهَيمٍ: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَينَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَينَ يَدَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو جهيم (من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي) أي أمامه بالقرب منه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (قال أبو جهيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي) أي أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما، واختلف في تحديد ذلك فقيل إذا مر بينه وبين مقدار سجوده، وقيل بينه وبين قدر ثلاثة أذرع، وقيل بينه وبين قدر رمية بحجر اهـ عون، وجملة قوله (ماذا عليه) من الإثم في موضع نصب سادة مسد مَفْعُولَي يَعْلَمُ، وجوابُ لو قولُه (لكان أن يقف) أي لو يعلم المار ما الذي عليه من الإثمِ، والتَّبعةِ بمروره بين يدي المصلي لكان وقوفُه (أربعين) سنة (خيرًا له) بالنصب خبر كان، وفي رواية "خير" بالرفع اسمها، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها (من أن يمر) أي من مروره (بين يديه") أي المصلي لأن عذاب الدنيا وإن عظم يسير بالنسبة إلى عذاب الآخرة، يعني أن المار لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم، قال بعض شراح البخاري: جواب لو ليس هذا المذكور بل هو دال على ما هو جوابها، والتقدير لو يعلم ماذا عليه لوقف وكان الوقوف خيرًا له، قال ابن الملك: هذا إذا مر وليس للمصلي سترة أو مر بينه وبينها، قال القرطبي: قوله (لكان أن يقف أربعين خيرًا له) وفي مسند البزار "أربعين خريفًا" ورواه ابن أبي شيبة "لكان أن يقف مائة عام خيرًا له" وكل هذا تغليظ يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي فإن كان بين يدي المصلي سترة اختص المار بالإثم، وإن لم تكن سترة وكان المصلي في موضع لا يأمن من المرور عليه اشتركا في الإثم، وهذا قول أصحابنا اهـ. قال العيني: في هذا التركيب يعني خيرًا روايتان النصب والرفع، أما النصب فظاهر لأنه خبر لكان واسم كان هو قوله أن يقف، وأما الرفع فعلى أنه اسم كان وخبره هو قوله أن يقف، والتقدير لو يعلم المار ماذا عليه لكان خير وقوفه أربعين اهـ.

قَال أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي. قَال: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً؟ 1027 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ زَيدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي جُهَيمٍ الأَنْصَارِيِّ: مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ؟ فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال مالك بالسند السابق (قال أبو النضر) سالم بن أبي أمية (لا أدري) ولا أعلم (قال) بسر بن سعيد بتقدير همزة الاستفهام كما هو رواية البخاري (أربعين يومًا أو) قال أربعين (شهرًا أو) قال أربعين (سنة) وكل هذا يقتضي كثرة ما فيه من الإثم، قال في الفتح: والحديث يدل على أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر الموجبة للنار، وظاهره عدم الفرق بين صلاة الفريضة والنافلة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 169] والبخاري [510] وأبو داود [701] والترمذي [336] والنسائي [2/ 66] وابن ماجه [945]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي جهيم رضي الله عنه فقال: 1027 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن هاشم بن حيان) بتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي نزيل بغداد، ثقة، من صغار (10) مات سنة (259) تسع وخمسين ومائتين، روى عنه في (9) أبواب (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، من (7) (عن سالم) بن أبي أمية التيمي (أبي النضر) المدني (عن بسر بن سعيد) الحضرمي المدني (أن زيد بن خالد الجهني) المدني (أرسل إلى أبي جهيم) عبد الله بن جهيم (الأنصاري) النجاري المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد طوسي بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن أبي النضر يسأله (ما) ذا (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكر) سفيان (بمعنى حديث مالك) بن أنس السابق، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي جهيم ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

244 - (56) باب دنو المصلي إلى السترة وبيان قدرها وما يقطع الصلاة

244 - (56) باب دنو المصلي إلى السترة وبيان قدرها وما يقطع الصلاة 1028 - (468) (128) حدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ قَال: كَانَ بَينَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبَينَ الْجِدَارِ مَمرُّ الشَّاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 244 - (56) باب دنو المصلي إلى السترة وبيان قدرها وما يقطع الصلاة 1028 - (468) (128) (حدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي القيسي مولى عبد القيس أخو أحمد أبو يوسف البغدادي (الدورقي) نسبة إلى دوارقة وهي القلانس الطوال نسبوا إليها لأنهم كانوا يلبسونها، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) عبد العزيز (بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني الفقيه لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، صدوق، من (8) روى عنه في (4) أبواب (حدثني أبي) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) أبي العباس المدني الصحابي المشهور، له (188) مائة وثمانيه وثمانون حديثًا، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بغدادي (قال) سهل بن سعد (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني موضع سجوده؛ أي بين المكان الذي يصلي فيه والمراد به مقامه صلى الله عليه وسلم في صلاته، ويتناول ذلك موضع القدم وموضع السجود قاله العيني (وبين الجدار) أي جدار المسجد النبوي مما يلي القبلةكما يفهم من الرواية الثانية، وفي صحيح البخاري كان جدار المسجد عند المنبر ما كانت الشاة تجوزها أي ما بينهما من المسافة (ممر الشاة) أي موضع مرورها، وقَدَّرُوه بشير، وهو بالرفع على أن كان تامة أو هو اسم كان بتقدير قدر كما هو المذكور في الرواية الثانية والظرفُ الخبرُ على أن كان ناقصة. قال القرطبي: والحديث يدل على استحباب القرب من السترة كما قد جاء عنه نصًّا "إذا صلى أحدكم إلى سترة فَلْيَدْنُ منها لا يقطع الشيطان صلاته" رواه أبو داود، ولا يعارض حديث ممر الشاة بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إذ جعل النبي صلى الله

1029 - (469) (129) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ)، عَنْ يَزِيدَ، (يَعْنِي ابْنَ أَبِي عُبَيدٍ)، عَنْ سَلَمَةَ، (وَهُوَ ابْنُ الأكْوَعِ)؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم بينه وبين الجدار قدر ثلاثة أذرع، إذْ قد حمل بعض شيوخنا حديث ممر الشاة على ما إذا كان قائمًا وحديث ثلاثة أذرع على ما إذا رَكَع أو سَجَدَ ولم يحدَّ مالك في ذلك حدًّا إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد ويتمكن من دفع مَنْ مر بين يديه، وقد قَدَّره بعضُ الناس بقدر الشبر، وآخرون بثلاثة أذرع، وآخرون بقدر ستة أذرع وكل ذلك تحكمات اهـ منه. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [496] وأبو داود [696]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سهل بن سعد بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال: 1029 - (469) (129) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن المثنى) العَنزي البصري (واللفظ) الآتي (لابن المثنى) وأما إسحاق فروى معناه (قال إسحاق: أخبرنا، وقال ابن المثنى: حدثنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري، روى عن يزيد بن أبي عبيد في الصلاة والجهاد والذبائح، وابن جريج في الصلاة، وعبيد الله بن عمر في الصوم، وابن عون في الحدود والأدب، ويروي عنه (ع) وإسحاق الحنظلي ومحمد بن المثنى وهارون بن عبد الله في الصلاة ومحمد بن بشار، وثقه أبو حاتم وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات بالبصرة سنة (202) اثنتين ومائتين، فجملة ما روى عنه فيه ستة أبواب تقريبًا (عن يزيد يعني ابن أبي عبيد) الأسلمي مولاهم مولى سلمة بن الأكوع أبي خالد المدني، روى عن سلمة بن الأكوع في الصلاة والصوم والجهاد والفضائل والذبائح، وعمير مولى آبِي اللَّحْمِ في الزكاة ويروي عنه (ع) وحماد بن مسعدة ومكي بن إبراهيم وحاتم بن إسماعيل وبكير بن الأشج وصفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل وآخرون، وثقه أبو داود وابن معين، وقال العجلي: حجازي تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع وأربعين ومائة (143) فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ستة أبواب (عن سلمة وهو ابن الأكوع) والأكوع لقبه واسمه سنان لأنه سلمة بن عمرو بن الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن

أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى مَوْضِعَ مَكَانِ الْمُصْحَفِ يُسَبِّحُ فِيهِ. وَذَكَرَ أَن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى ذلِكَ الْمَكَانَ. وَكَانَ بَينَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك بن سُلامَان الأسلمي ابن عم الأنصار أبي مسلم المدني، له (77) حديثًا، الصحابي المشهور بايع تحت الشجرة أول الناس وأوسطهم وآخرهم على الموت، وكان شجاعًا راميًا يسابق الفرسان على قدميه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان أو بصري ومروزي (أنه) أي أن سلمة بن الأكوع (كان يتحرى) أي يجتهد ويقصد ويختار لصلاته (موضع مكان المصحف) أي موضعًا كان عند مكان وضع المصحف من المسجد النبوي وهو المكان الذي وضع فيه صندوق المصحف في المسجد النبوي الشريف وذاك المصحف هو الذي سمي إمامًا من عهد عثمان رضي الله عنه وكان في ذلك المكان أسطوانة تعرف بأسطوانة المهاجرين وكانت متوسطة في الروضة الشريفة، ذكر ابن حجر أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها وروي عن الصديقة أنها كانت تقول لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وأنها أسرَّتها إلى ابن الزبير فكان يُكْثِرُ الصلاةَ عِنْدَها (يسبح) أي يصلي صلاة الضحى (فيه) أي في ذلك المكان، والتسبيح يعم صلاة النفل كلها (وذكر) سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى) ويختار (ذلك المكان) للصلاة وللجلوس فيه (وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة) قَدَّرُوه بشير. وهذا الحديث من أفراد المؤلف إلا أنه شاركه أحمد [4/ 54]. قوله (يسبح فيه) أي يصلي فيه سبحته من النافلة وتحريه ذلك الموضع لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لا لكون المصحف فيه، وفيه جواز الصلاة إلى المصحف ما لم يوضع للصلاة إليه، وفيه اتخاذ الرجل موضعًا يصلي فيه واختلف فيه السلف وخُفف ذلك للعالم والمفتي لِتيَسُّرِ وجودهما، والنهي عن اتخاذ الرجل موضعًا من المسجد إنما هو إذا لم يكن للموضع فضل وليس الرجل يحتاج إليه، وقوله (وكان بين المنبر والقبلة) الخ أي لم يكن المنبر مُلْصَقًا بالجدار، والمراد بالقبلة الجدار ذكره النواوي، وليس هذا من مسائل السترة، وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر، قال النواوي: وإنما أخر المنبر عن الجدار لئلا ينقطع نظرُ أهلِ الصف الأولِ بعضِهم عن بعض اهـ أُبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال:

1030 - (00) (00) حدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مَكي. قَال: يَزِيدُ أَخْبَرَنَا، قَال: كَانَ سَلَمَةُ يَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصحَفِ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَ هذِهِ الأسْطُوَانَةِ. قَال: رَأَيتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَها ـــــــــــــــــــــــــــــ 1030 - (00) (00) (حدثناه) أي حدثنا هذا الحديث المذكور يعني حديث سلمة (محمد بن المثنى) بن عبيد العَنزي البصري (حدثنا مكي) بن إبراهيم بن بشير بن فرقد التميمي الحنظلي أبو السكن الحافظ البلخي، روى عن يزيد بن أبي عبيد في الصلاة، وابن جريج في الجهاد ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن المثنى ومحمد بن حاتم وابن بشار وأحمد بن حنبل ويحيى بن يحيى وغيرهم، وثقه أحمد والدارقطني والعجلي وغيرهم، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة (215) خمس عشرة ومائتين، وله (90) تسعون سنة، وليس عندهم مكي إلا هذا، روى عنه في بابين تقريبًا (قال) مكي بن إبراهيم (بزيد) بن أبي عبيد مبتدأ خبره (أخبرنا قال) يزيد بن أبي عبيد (كان سلمة) بن الأكوع (يتحرى) أي يجتهد ويختار (الصلاة عند الأسطوانة التي عند) مكان (المصحف) المعروفة بأسطوانة المهاجرين لاجتماعهم عندها (قال) يزيد بن أبي عبيد (فقلت له) أي لسلمة بن الأكوع (يا أبا مسلم) كنية سلمة (أراك تتحرى) وتختار (الصلاة عند هذه الأسطوانة) فلم تختار الصلاة عندها (قال) سلمة (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها) فلاتباعه تَحَرَّيتُ الصلاة عندها. قال القرطبي: قوله (يتحرى الصلاة عند الأسطوانة) أي يقصد ويتعمد، ومنه قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} أي قصدوا، والأسطوانة بضم الهمزة السارية ولا خلف في جواز الصلاة إليها إلا أنه يجعلها في حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يَصمُد إليها صَمْدًا، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان يفعل على ما رواه أبو داود ولعل هذا كان أول الإسلام لقرب العهد بِإِلْفِ عبادة الحجارة والأصنام حتى تظهر المخالفة في استقبال السترة لما كانوا عليه من استقبالهم تلك المعبودات، فأما الصلاة بين الأساطين فاختلف العلماء ومالك في إجازته وكراهيته فأجازها مالك مرة وكرهها مرة إلا عند الضرورة وعلة المنع أن الصفوف منقطعة بالأساطين، وأن المصلي بينها مصلٍّ لغير سترة، ولما روي من أنه مصلَّى مؤمني الجن والله أعلم. وهذا السند من رباعياته، وغرضه بسوقه بيان متابعة

1031 - (470) (130) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أبِي ذَرٍّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُم يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَينَ يَدَيهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكي بن إبراهيم لحماد بن مسعدة في رواية هذا الحديث عن يزيد بن أبي عبيد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه فقال: 1031 - (470) (130) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، من (10) (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه ثقة، من (8) (ح قال) أي حول المؤلف السند وقال (وحدثني) أيضًا (زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي، ثقة، من (10) (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) الأسدي البصري، ولبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه وألفاظهما أتى بحاء التحويل (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي القيسي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، من (5) مات سنة (139) روى عنه في (13) بابا (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري، ثقة عالم، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن الصامت) ابن أخي أبي ذر الغفاري البصري، روى عن عمه أبي ذر في الصلاة والزكاة والحوض والدعاء، ورافع بن عمرو الغفاري في الزكاة، ويروي عنه (م عم) وحميد بن هلال في الصلاة، وأبو عمران الجوني وأبو العالية البَرَّاء زياد وأبو نَعامة السعدي عبدُ ربه وأبو عبد الله الجِسْريُّ مِن عَنَزة وثقه النسائي وابن سعد، وقال العجلي: تابعي بصري ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات بعد السبعين (70) (عن أبي ذر) الغفاري المدني الصحابي المشهور، قيل اسمه جندب بن جنادة بن قيس، وقيل غير ذلك وهذا هو المشهور، له (281) حديثًا، روى عنه في (4) أبواب تقريبًا. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد إما كوفي أو نسائي (قال) أبو ذر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم) حالة كونه (يصلي فإنه يستره) عما يقطع صلاته أي يمنعه ويحفظه من قطع صلاته مثل آخرة الرحل (إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل) أي سترة

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَينَ يَدَيهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ". قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الأَصْفَر؟ قَال: يَا ابْنَ أَخِي، سَألْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَال: "الْكَلْبُ الأسْوَدُ شَيطَانٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قدر مؤخرة الرحل وهو ثلثا ذراع كما مر البحث عن ذلك، وقوله (مثل آخرة الرحل) تنازَع فيه يَسْترُه، وكان أي فإِنّ الشأن والحال يستره عما يقطع صلاته مثلُ آخرة الرحل إذا كان بين يديه (فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنَّه) أي فإن الشأن والحال (يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود) أي يفسدها أو ينقص أجرها، وآخرة الرحل بالمد وكسر الخاء المعجمة الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير كما مر، قال عبد الله بن الصامت (قلت) لأبي ذر (يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود) أي ما شأنه الذي مَيَّزه وخصَّه (من الكلب الأحمر) وخصَّه (من الكلب الأصفر) حيث يبطل الصلاة بمروره بين يدي المصلي (قال) أبو ذر (يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الكلب الأسود شيطان) سمي شيطانًا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعًا وأكثرها نعاسًا. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 151] وأبو داود [702] والترمذي [338] والنسائي [2/ 93] وابن ماجه [952]. قال القرطبي: تمسك بظاهر هذا الحديث طائفة من أهل العلم، وقال ابن حنبل: يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، وذهب الجمهور إلى أنه لا يقطع الصلاة مرور شيء بين يدي المصلي لا هذه المذكورات ولا غيرها متمسكين بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقطع الصلاة شيء" رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري، وهذا مُعيَّنٌ لِتخصُّصِه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى وبينه وبين القبلة عائشة وبمرور حمار ابن عباس بين يدي بعض الصف فلم يُنْكِر ذلك عَلَيه أحدٌ، وبأنه عليه الصلاة والسلام لما صلى بمنى ورُكزت له العَنَزة كان الحمار والكلب يمران بين يديه لا يُمْنَعان، وظاهرُ هذا بَينه وبين العَنزةِ، وفي هذه المُعارضةِ نظَرٌ طويلٌ إذا حُقًق ظهرَ به أنه لا يصلُح شيء من هذه الأحاديث لمعارضةِ الحديث الأول اهـ ومَنْ رأَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القَطْعَ بها علَّلهُ بأنَّ الجَمِيعَ في معنى الشيطان الكَلْب بنصِّ الحديث، والمرأةُ من جهة أنها تُقْبِل في صورة شيطان وتُدْبِر كذلك، وأنها مِنْ حبائله، والحمارُ لِما جاء من اختصاص الشيطان به في قصة نوح - عليه السلام - في السفينة، وقيل لما في الجميع من معنى النجاسة فالكَلْبُ الأسودُ شيطان، والشيطانُ نجس، وقد جعَلَه صلى الله عليه وسلم خبيثًا مخبثًا رجسًا نجسًا، والمرأة لما يظهر عليها من الحيف، وقد جاء في حديثِ ابن عباس والحائض مكَان والمرأة، والكلب نجَس العين عند مَنْ يرى ذلك أو لأنه لا يَتوقَّى النجاسةَ، والحمارَ لتحريم أكل لحمه أو كراهتِه ونجاسةِ بوله. واحتج مالك والأكثر بحديث "لا يقطع الصلاة شيء" وحمل القطع في هذا الحديث على أنه مبالغة في خوف الإفساد بالشَّغْل بها كقوله للمادح "قطعْتَ عُنقَ صاحبك" إذ فعلت به ما يخاف هلاكُه بسببه أو يكون معنى القطع قَطْعَ الإقبالِ عليها والشَّغْلِ بها فالشيطان يوسوس والمرأة تَفْتِنُ والكلب والحمار لِقُبْحِ أَصْواتِهما مع نُفور النفس من الكلاب لا سيما الأسود وخَوْفِ عَادِيَّتهِ والحمارُ لحاجتهِ وقِلَّةِ تَأَتِّيهِ عند دَفْعِه اهـ من الأبي. قال القرطبي: قوله (الكلب الأسود شيطان) حمله بعض العلماء على ظاهره، وقال: إن الشيطان يتصور بصورة الكلاب السُّود ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا منها كل أسود بهيم" رواه أحمد من حديث عبد الله بن مغفل، وقيل لما كان الكلب الأسود أشد ضررًا من غيره وأشد ترويعًا كان المصلي إذا رآه اشتغل عن صلاته فانقطعت عليه لذلك وكذا تأول الجمهور قوله يقطع الصلاة المرأة والحمار فإن ذلك مبالغة في الخوف على قطعها وإفسادها بالشغل بهذه المذكورات وذلك أن المرأة تفتن والحمار يَنْهَقُ والكلبُ يروعُ فيتشوَّش المتفكرُ في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسُد فلما كانت هذه الأمورُ تُفِيد أَيِلَةَ إلى القطع جَعَلها قاطعةَ كما قال للمادح "قطعت عنق أخيك" رواه أحمد من حديث أبي بكرة أي فعلت به فعلًا يخاف فيه هلاكه كمن قطع عنقه، وقد ذهب ابن عباس وعطاء إلى أن المرأة التي تقطع الصلاة إنما هي الحائضُ لِمَا تَسْتَصحِبه من النجاسة. وقد نَصَّ الإمام النواوي أن هذه الأمور لا تُبطل الصلاة، وأن المراد بالقطع القَطْعُ

1032 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح قَال: وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح قَال: وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ أَيضًا. أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَال: سَمِعْتُ سَلْمَ بْنَ أَبِي الذَّيَّالِ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادِ الْمَغْنِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الخشوعِ والذكرِ للشَغْلِ بها والالتفاتِ إليها انظُر المجموع [3/ 250] اهـ قرطبي. ثم ذكر المؤلفُ رحمه الله تعالى المتابعاتِ والتحويلاتِ في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 1032 - (00) (00) (حدثنا شببان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (ح قال) المؤلف (وحدثنا) أيضًا (محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (ح قال وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (ح قال وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم (أيضًا) أي إِضْتُ أيضًا أي رجعت رجوعًا إلى الإخبار عن إسحاق بعد الإخبار عنه أولًا فهو مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبًا لنيابته عنه، ولفظة أيضًا كلمة يؤتى بها بين شيئين متناسبين لا يُسْتَغْنَى بأحدهما عن الآخر كما بسطنا الكلام عليها في جواهر التعليمات (أخبرنا المعتمر بن سليمان) التيمي البصري، ثقة، من (9) (قال) المعتمر (سمعت سَلْمَ بن أبي الذَّيَّال) عَجْلان بفتح الذال المعجمة وتشديد الياء البصري، روى عن حميد بن هلال في الصلاة، وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين، ويروي عنه (م د) والمعتمر بن سليمان وابن علية، قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد: ثقة ثقة صالح الحديث، وله في (م) فرد حديث هذا الحديث فقط، وقال في التقريب: ثقة قليل الحديث، من السابعة (ح قال وحدثني يوسف بن حماد المعني) بفتح الميم وسكون العين المهملة ثم نون وتشديد الياء نسبةٌ إلى معْنِ بن زائدة، أحدِ أجداده أبو يعقوب البصري، روى عن زياد البكَّائي في الصلاة، وعبد الأعلى بن

حَدَّثَنَا زِيَادٌ الْبَكَّائيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ. كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ. بِإِسْنَادِ يُونُسَ، كَنَحْو حَدِيثِهِ. 1033 - (471) (131) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (وَهُوَ ابْنُ زِيادٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الأعلى في الجهاد وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (م ت س ق) وثقه النسائي وأبو بكر البزار، وقال مسلمة بن قاسم: بصري ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (حدثنا زياد) بن عبد الله بن الطفيل العامري (البكائي) بفتح الباء الموحدة وتشديد الكات المفتوحة نسبة إلى بكاء ككتان لقب ربيعة بن عمرو أبي قبيلة كما في الوفيات وتاج العروس وذكر في الخلاصة بإسقاط ياء النسبة كما في نسخةٍ عندنا، أبو محمد الكوفي راوي المغازي عن ابن إسحاق، روى عن عاصم الأحول في الصلاة، ويروي عنه (خ م ت ق) ويوسف بن حماد المعني وسهل بن عثمان وأحمد بن عبدة وأحمد، تركه ابن المديني، وضعفه النسائي، وقال أحمد: ليس به بأس حديثه حديث أهل الصدق، وقال في التقريب: صدوق ثبت في المغازي، من الثامنة، وذكره البخاري في موضع واحد متابعة، مات سنة (183) ثلاث وثمانين ومائة (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (كل هولاء) المذكورين من سليمان بن المغيرة في السند الأول، وشعبة في السند الثاني، وجرير بن حازم في الثالث، وسلم بن أبي الذيال في الرابع، وعاصم الأحول في الخامس رَوَوْا (عن حميد بن هلال بإسناد يونس) يعني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر (كنحو حديثه) أي نحو حديث يونس بن عبيد، والكاف زائدة، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء المذكورين ليونس بن عبيد في رواية هذا الحديث عن حميد بن هلال. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 1033 - (471) (131) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) عبد الله بن الحارث بن عبد الملك (المخزومي) أبو محمد المكي، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عبد الواحد وهو ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري،

حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَبْدِ الله بْنِ الأَصَمِّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَقطَعُ الصَّلاةَ الْمرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ. ويقِي ذلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم) العامري الكوفي، مقبول، من (6) روى عنه في الصلاة فقط (حدثنا) عمه (يزيد بن الأصم) اسمه عبد بن عمرو بن عدس بن معاوية بن عبادة بن البكاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري البكائي أبو عوف الكوفي نزيل الرقة، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مكي وواحد مروزي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقطع الصلاة) أي يفسدها أو ينقص خشوعها (المرأة والحمار والكلب) أي مرور هذه الأشياء بين يدي المصلي، وقوله (يقطع) قال ملا علي: بالتأنيث تقطع ويجوز التذكير اهـ وقد وجدناه مذكرًا يقطع بالياء في جميع النسخ التي بأيدينا، ومعنى (يقطع الصلاة) أي حضورها وكمالها، وقد يؤدي إلى قطع الصلاة، وفيه مبالغة في الحث على نصب السترة قاله ملا علي، وقال ابن الملك: ذهب بعضهم إلى أن مرور الأشياء المذكورة تبطل الصلاة، والجمهور على عدم بطلانها وأولوا القطع بالنقص لشغل القلب بهذه الأشياء (ويقي) أي يحفظ (ذلك) أي من ذلك القطع ويمنع منه (مثل مؤخرة الرحل") أي سترة قدر مؤخرة الرحل في الطول وهو ثلثا ذراع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 425] وابن ماجه [951]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث سهل بن سعد الساعدي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعات وتحويلات خمسة، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث أبي ذر والله سبحانه وتعالى أعلم.

245 - (57) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

245 - (57) بَابُ اعْترِاضِ المَرْأَةِ بَينَ يَدَي المُصَلِّي لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ 1034 - (472) (132) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ. وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَينَهُ وَبَينَ الْقِبْلَةِ. كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ. 1035 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 245 - (57) بَابُ اعْترِاضِ المَرْأَةِ بَينَ يَدَي المُصَلِّي لا يَقْطَعُ الصَّلاةَ 1034 - (472) (132) (حدثنا أبو بكر بن أبي شببة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من) نوافل (الليل وأنا معترضة) أي مضطجعة عرضًا (بينه) صلى الله عليه وسلم (وبين القبلة كاعتراض الجنازة) أي مثل اعتراض الميت على النعش تعني وأنا نائمة قدامه من جهة القبلة، قال ابن الملك (قوله وأنا معترضة) الاعتراض صيرورة الشيء حائلًا بين شيئين ومعناه ها هنا وأنا مضطجعة (كاعتراض الجنازة) بفتح الجيم وكسرها جعلت نفسها بمنْزِلة الجنازة دلالة على أنه لم يوجد ما يمنع المصلي من حضور القلب ومناجاة الرب عزَّ وجلَّ بسبب اعتراضها بين يديه بل كانت كالسترة الموضوعة لدفع المار اهـ من المرقاة. وفي الحديث دلالة على جواز الصلاة إلى النائم من غير كراهة اهـ عون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 148 و 225] والبخاري [382 و 513] وأبو داود [711 - 714] والنسائي [1/ 101 - 102] وابن ماجه [956]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1035 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن

عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلاتهُ مِنَ اللَّيلِ، كُلَّهَا. وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَينَهُ وَبَينَ الْقِبْلَةِ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. 1036 - (00) (00) وحدّثني عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجراح الكوفي (عن هشام) بن عروة المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة) الصديقة رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام للزهري في رواية هذا الحديث عن الزهري. (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من) نوافل (الليل كلَّها وأنا معترضة) أي مضطجعة عَرْضًا نائمة (بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر) صلاته من الليل أي أن يصلي الوتر (أيقظني) أي نَبَّهَني لأُصلّي الوتْرَ (فأوترت) أي فأصلي الوتر، قال النواوي: فيه استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل، وفيه أنه يستحب لمن وثق باستيقاظه من آخر الليل إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره أن يؤخر الوتر وإن لم يكن له تهجد فإن عائشة رضي الله عنها كانت بهذه الصفة، وأمَّا مَنْ لا يثقُ باستيقاظِه ولا له مَنْ يوقظه فيوتر قَبْلَ أَن ينام، وفيه استحباب إيقاظ النائم للصلاة في وقتها وقد جاءت فيه أحاديث غير هذا اهـ. قال المنذري: شاركه في هذه الرواية البخاري وأبو داود والنسائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها رضي الله عنها فقال: 1036 - (00) (00) (وحدثني عمرو بن علي) بن بحر بن كُنَيز مصغرًا الفلَّاس الصيرفي الباهلي أبو حفص البصري، ثقة حافظ، من (10) مات سنة (249) (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر، ثقة، من (9) مات سنة (193) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة، من (7) مات سنة (160) (عن أبي بكر) عبد الله (بن حفص) بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهريّ المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، غرضه بسوق

مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ؟ قَال: فَقُلْنَا: الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. فَقَالتْ: إِنَّ الْمَرْأَةَ لَدَابَّةُ سَوْءٍ، لَقَدْ رَأَيتُنِي بَينَ يَدَي رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ مُعْتَرِضَةَ، كَاعْتِرَاضِ الْجَنَازَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي. 1037 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. قَالا: حدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا الأَعْمَشُ. حَدَّثَني إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا السند بيان متابعة أبي بكر للزهري في رواية هذا الحديث عن عروة؛ أي قالت عائشة لعروة ومن عندها (ما يقطع الصلاة) ما استفهامية في محل الرفع مبتدأ، والجملة الفعلية خبره؛ أي أيُّ شيء يقطع الصلاة، ويفسدها (قال) عروة (فقلنا) لها الذي يقطع الصلاة شيئان (المرأة والحمار) هو اسم جنس يشمل الذكر والأنثى كقولك بعير وقد شذ حمارة في الأنثى حكاه في الصحاح (فقالت) عائشة إنكارًا عليهم أ (إن المرأة لدابة سوء) أي هَلْ حَسِبْتُم أن المرأة لدابة سيئة قبيحة فعدَّلتموها بالحمار فالكلام على تقدير الاستفهام الإنكاري، قال النواوي: ترِيدُ به الإنكارَ عليهم في قولهم إن المرأة تقطع الصلاة (لقد رأيتني) أي رأيت نفسي (بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة) اعتراضًا (كاعتراض الجنازة وهو يصلي) صلاة الليل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1037 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي، من (10) (وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي، ثقة فقيه، من (8) مات سنة (195) (ح قال وحدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (10) (واللفظ) الآتي (له) أي لعمر بن حفص، قال عمر (حدثنا أبي) حفص بن غياث (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي، ثقة، من (5) (حدثني إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (3) (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، مخضرم فقيه، من (2) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغدادي أو خمسة كوفيون وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان

عَنْ عَائِشَةَ. قَال الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عن مَسْرُوقِ عَنْ عَائِشَةَ. وَذُكِرَ عِنْدَها مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ. الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلابِ. وَالله، لَقَد رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ. بَينَهُ وَبَينَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً. فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ. فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فأُوذِيَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة الأسود لعروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (قال الأعمش)، بالسند السابق (وحدثني مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني مولاهم أبو الضحى الكوفي، ثقة فاضل مشهور بكنيته، من (4) مات سنة (100) فهو معطوف على إبراهيم (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه مخضرم عابد، من (2) مات سنة (63) (عن عائشة) رضي الله عنها (وذكر) أي والحال أنه ذكر (عندها) أي عند عائشة (ما يقطع الصلاة) ويبطلها، وما اسم موصول مبتدأ خبره (الكلب) وما عطف عليه؛ أي الذي يقطع الصلاة إذا بين يدي المصلي هو الكلب (والحمار والمرأة فقالت عائشة) لمن عندها أنتم أيها الرجال (قد شبهتمونا) معاشر النساء وعدلتمونا (بالحمير) جمع حمار وكذلك الحمر بضمتين كما جاء في التنْزيل (والكلاب، والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وإني) راقدة (على السرير) حالة كون السرير (بينه وبين القبلة مضطجعة) بالرفع خبر إن وعلى السرير متعلق به، وبالنصب حال من الضمير المستكن في الخبر (فتبدو) أي فتظهر (لي الحاجة) التي تحوجني إلى القيام (فأكره أن أجلس) على السرير عند القيام للحاجة مستقبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأوذي) بالنصب معطوف على أجلس أي فإني أوذي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأشوشه من صلاته (فأنسلُّ) بالرفع معطوف على فأكره؛ أي فأَكْرَهُ إِيذاءَهُ فأنْسَلُّ أي فأخرج من المرط خفية فأنزِلُ من السرير فأمضي بتأن وتدريج (من عند رجليه) أي من عند رجلي السرير ورجلاه هو المحل الذي يكون عليه رِجْلاهُما عند النوم. وإذا كانت المرأة لا تقطع الصلاة مع أن النفوس جبلت على الاشتغال بها فغيرها من الكلب والحمار وغيرهما كذلك بل أولى نعم، رأى القطع بالثلاثة قوم لحديث أبي ذر السابق "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود".

1038 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: عَدَلْتُمُونَا بِالْكِلابِ والْحُمُرِ. لَقَدْ رَأَيتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ. فَيُصَلِّي. فَأَكْرَهُ أَنْ أسْنَحَهُ. فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ. حَتَّى أَنْسَلَّ مِن لِحَافِي. 1039 - (00) (00) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1038 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة منصور للأعمش في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (قالت) عائشة (عدلتمونا) بتخفيف الدال على تقدير الاستفهام الإنكاري أي أسَوَّيتُمُونا (بالكلاب والحمر) في قطع الصلاة، والله (لقد رأيتني) أي رأيت نفسي (مضطجعة على السرير فيجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم) من مُتوضَّئِهِ (فيتوسط السرير) أي فيقوم مقابل وسط السرير (فيصلي) صلاة الليل (فأكره أن أسنحه) مضارع سنح الثلاثي من باب فتح أي أكره أن أستقبله منتصبة ببدني في صلاته من سنح لي الشيء إذا عرض وظهر، ومنه السانح من الطير ضد البارح كذا في النهاية، وفي متن البخاري بضم الهمزة وفتح السين وتشديد السين المكسورة من فعل المضعف (فأنسل) أي أنزل من السرير (من قبل رجلي السرير حتى أنسل) وأخرج بلطف وخفية (من لحافي) ومِرْطِي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1039 - (00) (00) (حدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على

مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَينَ يَدَي رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ. فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ. وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيسَ فِيها مَصَابِيحُ. 1040 - (473) (133) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. ح قَال: وَحدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك) بن أنس المدني (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة للأسود في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقدامه (ورجلاي) ممتدتان (في) جهة (قبلته فإذا سجد) أي أراد السجود (غمزني) أي عصرني وغرسني بيده الشريفة، الغمز والعصر والكبس باليد (فقبضت رجلي) أي جعلتهما مقبوضتين، استدل به من يقول لمس المرأة لا ينقض الوضوء، والجمهور على أنه ينقض الوضوء وحملوا الحديث على أنه غمزها فوق حائل وهذا هو الظاهر من حال النائم فلا دلالة فيه على عدم النقض اهـ نووي، وفيه دليل أيضًا على أن العمل القليل لا ينافي الصلاة (وإذا قام بسطتهما) لتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها على تلك الحالة (قالت والببوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح) أرادت بهذا الاعتذار من جعل رجليها في موضع سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول لو كان فيها مصابيح لقبضت رجلي عند إرادته السجود ولَمَا أحوَجْتُه إلى غمزي، قال ملا علي بعد نقله هذا عن الطيبي: ولعل عذرها في تلك الهيئة من الاضطجاع ضَيقُ المكانِ أو الاعتمادُ على محبة صاحب المقام، وأما عدم المصابيح فعذر لعدم حيائها وللاستمرار على بقائها اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ميمونة رضي الله عنهما فقال: 1040 - (473) (133) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني الطحان أبو الهيثم الواسطي، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا

عَبَّادُ بْنُ الْعوَّامِ. جَمِيعًا عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عن عَبْدِ الله بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ. قَال: حَدَّثَتْنِي مَيمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللِه صلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ. وَأَنَا حَائِضٌ. وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله بن المنذر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة، من (8) روى عنه في (5) أبواب تقريبًا (جميعًا) أي حالة كون كل من خالد وعباد مجتمعين في الرواية (عن) أبي إسحاق (الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الله بن شداد بن الهاد) أسامة بن عمرو الليثي أبي الوليد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (قال) عبد الله بن شداد (حدثتني ميمونة) بنت الحارث الهلالية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد نيسابوري أو اثنان مدنيان واثنان كوفيان وواحد واسطي (قالت) ميمونة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) صلاة الليل (وأنا) مضطجعة (حذاءه) أي مقابله (وأنا حائض وربما أصابني ثوبه) صلى الله عليه وسلم (إذا سجد) أي وقت سجوده، يقال: حاضت المرأة فهي حائض وحائضة ولحوق التاء أصلٌ تُرِكَتْ لعدم الالتباس تخفيفًا، قال العيني: فيه دليل على أن الحائض ليست بنجسة لأنها لو كانت نجسة لما وقع ثوبه صلى الله عليه وسلم عليها وهو يصلي، وكذلك النفساء، وأن الحائض إذا قربت من المصلي لا يضر صلاته ذلك اهـ فقول النواوي إن وقوف المرأة بجنب المصلي لا يبطل صلاته هو مذهبنا ومذهب الجمهور وأبطلها أبو حنيفة وهو ذهول منه عن مذهبنا فإن كون المحاذاة المشتهاة من مفسدات الصلاة مقيد باشتراكها فيها والمُحاذِيَةُ هنا حائض لا تصلي كما هو مصرح به في الحديث وفي حيض البخاري اهـ. وعبارة القاضي: وفي الحديث إن الصلاة بحذاء المرأة لا تضر كانت معه فيها أم لا خلافًا لأبي حنيفة في قوله إن صلاة المحاذي لها من الرجال باطلة محتجًا بحديث النهي عن صلاة أحدهما إلى جنب الآخر، وحديثِ "أَخِّرُوهُنَّ حَيثُ أخَّرهُن الله" وهو عندنا حضُّ وندبٌ لا إيجاب ولأنهم فرقوا فأفسدوا صلاته إلى جنبها وصححوا صلاتها إلى جنبه والمعنى واحد، وقوله (أصابني ثوبه) فيه أن سقوط فضل ثوب المصلي على النجاسة اليابسة لا يضر اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الطهارة والصلاة في

1041 - (474) (134) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال زُهيرٌ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحيَى عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: سَمِعْتُهُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ. وَأَنَا حَائِضٌ. وَعَلَيَّ مِرْطٌ. وَعَلَيهِ بَعْضُهُ إِلَى جَنْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مواضع كثيرة، وأبو داود في الصلاة عن عمرو بن عون، وابن ماجه في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: 1041 - (474) (134) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قال زهير حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني، ثقة، من (5) (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي الأعمى المدني، ثقة، من (3) (قال) عبيد الله (سمعته) أي سمعت هذا الحديث الآتي (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي (قالت) عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من) صلاة (الليل وأنا) مضطجعة (إلى جنبه وأنا حائض وعليَّ مرط) والمرط بكسر الميم وسكون الراء من أكسية النساء، والجمع مروط، قال ابن الأثير: ويكون من صوف وربما كان من خز أو غيره (وعليه) صلى الله عليه وسلم (بعضه) أي بعض ذلك المرط موضوعًا (إلى جنبه) صلى الله عليه وسلم، وفيه أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعًا تَرَى عليه دمًا أو نجاسة أخرى، وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على حائض أو غيرها، وأما استقبال المصلي وجه غيره فمذهبنا ومذهب الجمهور كراهته ونقله القاضي عياض عن عامة العلماء رحمهم الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطهارة عن عثمان بن أبي شيبة، والنسائي رواه في الطهارة عن إسحاق بن إبراهيم، وابن ماجه رواه في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة، اهـ تحفة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديثُ عائشةَ الأولُ ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث ميمونة ذكره للاستشهاد والثالث حديث عائشة الأخيرُ ذكره للاستشهاد أيضًا.

246 - (58) باب الصلاة في الثوب الواحد وكيفية لبسه وعلى الحصير

246 - (58) باب الصلاة في الثوب الواحد وكيفية لبسه وعلى الحصير 1042 - (475) (135) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؟ فَقَال: "أوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 246 - (58) باب الصلاة في الثوب الواحد وكيفية لبسه وعلى الحصير 1042 - (475) (135) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن ابن شهاب) الزهريّ المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حَزْنٍ المخزومي المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن سائلًا) لم أو من ذكر اسمه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (الصلاة في الثوب الواحد) هل هي مجزئة أم لا؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) تسأل عن هذا (و) هل يوجد (لكل) واحد منـ (كم ثوبان) فيصلي فيهما؟ لا. فكيف تسأل عن هذا، فالهمزة للاستفهام الاستخباري الإنكاري، فلفظ الحديث استخبار ومعناه إخبار عن الحال التي كان السائل وغيره عليها من قلة الثياب، وفي ضمنه جواب للسائل يعني ليس لك ثوبان وكذلك ليس لكل منكم ثوبان فيجوز الصلاة في ثوب واحد لأن ستر العورة التي وجبت يحصل به فكيف خفي عليك جوازها فيه اهـ من المبارق. قال القاضي عياض: لم يختلف في أنها في الثوب الواحد مجزئة إلا شيء، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه "لا أعلم صحته عنه" ولا في أنها في الثوبين أفضل لأنه صلى الله عليه وسلم نبه على موضع الرخصة بقوله: "أو لكلكم ثوبان" فهو تقرير لإجزائها في الثوب الواحد، وتنبيه على أنها في الثوبين أفضل، ويشهد لذلك حديث الموطأ "من لم يجد ثوبين فليصل في واحد" وصلاته في ثوب واحد مع إمكان غيره فَلعلَّهُ ليدل على الرخصة والسعة وكذا فعل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كما قال جابر: ليراني الجاهل مثلك، فالتسوية بين الصلاة في الثوب الواحد مع إمكان غيره وعدم إمكانه إنما هو في الإجزاء هذا هو المفهوم عند الأكثر اهـ، وعبارة القرطبي: قوله (أو

1043 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بن يحيى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح قَال: وَحَدَّثَني عَبْدُ الْمَلِكِ ثنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدَّي. قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 1044 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكلكم ثوبان) لفظه لفظ الاستفهام ومعناه التقرير والإخبار عن معهود حالهم ويتضمن جواز الصلاة في الثوب الواحد ولا خلاف فيه إلا شيء روي عن ابن مسعود كما أنه لا خلاف في أن الصلاة في الثوبين أو الثياب أفضل اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 239 و 266] والبخاري [358] وأبو داود [625] والنسائي [2/ 69 - 70] وابن ماجه [1047]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1043 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح قال وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد المصري، قال عبد الملك: حدثني غير أبي (وحدثني) أيضًا (أبي) شعيب بن الليث، وفي بعض النسخ حدثني أبي بإسقاط الواو وإسقاطها أولى لعدم روايته هذا الحديث عن غير أبيه (عن جدي) ليث بن سعد المصري (قال) الليث (حدثني عُقَيل) بالتصغير (بن خالد) بن عَقِيل بفتح العين الأموي المصري (كلاهما) أي كل من يونس بن يزيد وعقيل بن خالد رويا (عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى مالك بن أنس عن الزهري فالسند الأول من سداسياته، والثاني من سباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة يونس وعقيل لمالك في رواية هذا الحديث عن الزهري، ولم يكرر المتن لاتحاد الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1044 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو

وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال عَمرو: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: نَادَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: أَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَال: "أَوَ كُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَينِ؟ ". 1045 - (476) (136) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قال عمرو حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن عقبة الأسدي البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة العَنزي البصري (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن سيرين لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) أبو هريرة (نادى رجل) من الأصحاب (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيصلي أحدنا في ثوب واحد فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه (أ) تسأل عن هذا (و) هل (كلكم يجد ثوبين) لا. فإذًا تجزئ الصلاة في ثوب واحد. قال النواوي: ومعنى الحديث أن الثوبين لا يقدر عليهما كل أحد فلو وجبا لعجز من لا يقدر عليهما عن الصلاة، وفي ذلك حرج وقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في ثوب واحد ففي وقتٍ كان لعدم ثوب آخر، وفي وقتٍ كان ذلك مع وجوده لبيان الجواز كما قال جابر رضي الله عنه ليراني الجهال وإلا فالثوبان أفضل اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 1045 - (476) (136) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (جميعًا عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي (قال زهير حدثنا سفيان عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.

أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيسَ عَلَى عَاتِقَيهِ مِنْهُ شَيءٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي أو كوفي وبغدادي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصلي) بإثبات الياء خبر بمعنى النهي، وفي المشارق برمز الصحيحين (لا يصل) بإسقاطها على النهي كما هو كذلك في بعض النسخ عندنا، والنهي هنا للتنزيه (أحدكم في الثوب الواحد) الذي (ليس على عاتقيه منه) أي من ذلك الثوب (شيء") أي طرف منه ولو قليلًا أو من غيره ولو حبلًا لأن المطلوب له حين إذ صلى فيه اشتماله كما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين صلى فيه كما سيأتي في الحديث التالي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 243] والبخاري [359] وأبو داود [626] والنسائي [2/ 71] قال النواوي: قال العلماء حكمته أنه إذا ائتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يأمن أن تنكشف عورته بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده أو بيديه فيشغل بذلك وتفوته سنة وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت صدره في القيام ورفعهما حيث شرع الرفع وغير ذلك ولأنه ترك ستر أعلى البدن وموضع الزينة، وقد قال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي رحمة الله عليهم والجمهور هذا النهيُ للتنزيه لا للتحريم فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه منه شيء صحت صلاته مع الكراهة سواء قدر على شيء يجعله على عاتقه أم لا. وقال أحمد وبعض السلف رحمهم الله تعالى: لا تصح صلاته إذا قدر على وضع شيء على عاتقه إلا بوضعه لظاهر هذا الحديث، وعن أحمد رواية أنه تصح صلاته ولكن يأثم بتركه، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه: "فإن كان واسعًا فالْتَحف به وإن كان ضيقًا فاتَّزِرْ به" رواه البخاري ورواه مسلم في آخر الكتاب في حديثه الطويل اهـ. قال القاضي: وصورة الصلاة بالثوب الواحد وليس على عاتقه شيء منه أن يديره من تحت إبطيه فقط وهي صفة الائتزار بالمئزر، وقال القرطبي: وكذلك كرهت الصلاة في السراويل وحدها أو المئزر مع وجود غيرهما، وكذلك اختلفوا في السدل في الصلاة وهو إرسال ثوبه عليه من كتفيه إن كان عليه مئزر ولم يكن عليه قميص وانكشف بطنه

1046 - (477) (137) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ؛ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ، فِي بَيتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضعًا طَرَفَيهِ عَلَى عَاتِقَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأجازه عبد الله بن الحسن ومالك وأصحابه وكرهه النخعي وآخرون إلا أن يكون عليه قميص يستر جسده وقد نَحَا إلى هذا أبو الفرج من أصحابنا فقال: إنَّ ستر جميع الجسد في الصلاة لازم، وكذلك اختلف في صلاة الرجل محلول الإزار وليس عليه إزار فمنعه أحمد والشافعي لعلة النظر إلى عورته وأجاز ذلك مالك وأبو حنيفة والثوري وكافة أصحاب الرأي اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى له ثانيًا بحديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه فقال: 1046 - (477) (137) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام بن عروة) الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (أن عمر بن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم صحابي صغير، له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته أبو حفص، له اثنا عشر حديثًا اتفقا على حديثين، روى عنه عروة بن الزبير في الصلاة، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن كعب الحميري في الصوم، ووهب بن كيسان في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وابنه محمد ولد في الحبشة وأمَّره على البحرين، ومات سنة (83) ثلاث وثمانين على الصحيح. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أي أن عمر بن أبي سلمة (أخبره) أي أخبر لعروة بن الزبير (قال) عمر بن أبي سلمة وجملة القول بدل من جملة الإخبار (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملًا) أي ملتحفًا متوشحًا (به) أي بذلك الثوب الواحد (في بيت) والدتي (أم سلمة) تنازع فيه رأيت ويصلي، حالة كونه (واضعًا طرفيه على عاتقيه) قال في هذه الرواية مشتملا، وفي التالية

1047 - (00) (00) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَكِيعٍ. قَال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَهُ قَال: مُتَوَشِّحًا. وَلَمْ يَقُلْ: مُشْتَمِلًا. 1048 - (00) (00) وحدّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ متوشحًا، وفي التي بعدها قد خالف بين طرفيه والجَمِيعُ بمعنىً واحدٍ، قال ابن السكيت: الاشتمال والتوشح والمخالفة بمعنى واحد وهو أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على كتفه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على كتفه الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره اهـ، والمذكور في مكروهات الصلاة هو الاشتمال الصماء وهو الاندراج في الثوب الواحد بحيث لا يخرج يديه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 27] والبخاري [356] وأبو داود [628] والترمذي [339] والنسائي [2/ 70] وابن ماجه [1049]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه فقال: 1047 - (00) (00) (حدثناه) أي حدثنا حديث عمر بن أبي سلمة (أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (عن وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (قال) وكيع (حدثنا هشام بن عروة) وقوله (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عمر بن أبي سلمة متعلق بما عمل في المتابع وهو وكيع أي حدثنا وكيع عن هشام عن عروة عن عمر مثل ما حدث أبو أسامة عن هشام ثم بين محل المخالفة بين المتابع والمتابَع بقوله (غير أنه) أي لكن أن وكيعًا (قال) في روايته (متوشحًا) بدل قول أبي أسامة مشتملًا ومعناهما واحد كما مر آنفًا (ولم يقل) وكيع (مشتملًا) كما قاله أبو أسامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه فقال: 1048 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عمر بن

أَبِي سَلَمَةَ؛ قَال: رَأَيتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي ثَوْبٍ، قَدْ خَالفَ بَينَ طَرَفَيهِ. 1049 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعِيسَى بْنُ حَمَّادٍ. قَالا: حدَّثَنَا اللَّيثُ عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ؛ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. مُلْتَحِفًا، مُخَالِفًا بَينَ طَرَفَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي سلمة) المخزومي المدني، غرضه بسوق هذا السندِ بيانُ متابعة حماد بن زيد لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) عمر بن أبي سلمة (رأيت رسول الله على الله عليه وسلم يصلي في بيت أم سلمة في ثوب) واحد، حالة كونه (قد خالف) وعاكس (بين طرفيه) أي طرفي الثوب الواحد والمخالفة بين طرفيه هو بمعنى الاشتمال والتوشح السابقين في الروايتين كما مر بيانه آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه فقال: 1049 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (وعيسى بن حماد) بن مسلم الأنصاري التجيبي مولاهم أبو موسى المصري لقبه زغبة وهو لقب أبيه أيضًا، ثقة، من (10) روى عنه في الإيمان والصلاة (قال حدثنا الليث) بن سعد المصري (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري النجاري المدني (عن أبي أمامة) أسعد أو سعد (بن سهل بن حُنيف) مصغرًا الأنصاري المدني، معروف بكنيته معدود في الصحابة، له رؤية، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه في (7) أبواب (عن عمر بن أبي سلمة) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي أمامة لعروة بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عمر بن أبي سلمة، وكرر المتن لما بينهما من المخالفة (قال) عمر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد ملتحفًا) به ومتلففًا وفسره بقوله (مخالفًا بين طرفيه) وتقدم تفسير المخالفة في الرواية السابقة، قال

زَادَ عِيسَى بن حَمَّادٍ فِي رِوَايَتِهِ، قَال: عَلَى مَنْكِبَيهِ. 1050 - (478) (138) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: رَأَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُتَوَشِّحًا بِهِ. 1051 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح قَال: وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ. جَمِيعًا بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف رحمه الله تعالى (زاد) شيخي (عيسى بن حماد) زغبة على قتيبة (في روايته) و (قال) تفسير لزاد أي زاد لفظة (على منكبيه) أي قال في روايته قد خالف بين طرفيه على منكبيه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1050 - (478) (138) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه (قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد متوشحًا به) قد مر لك آنفًا بيان معنى التوشح، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1051 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (ح قال وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العَنزي البصري (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري، من (9) (عن سفيان) الثوري حالة كون عبد الله بن نمير وعبد الرحمن بن مهدي (جميعًا) أي مجتمعين على الرواية عن سفيان، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهما اثنان أي حدثنا عبد الله بن نمير وعبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بهذا الإسناد المذكور في السند

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ قَال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. 1052 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يحيى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا الزبَيرِ الْمَكِّيَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَهُ رَأَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ، مُتَوَشِّحًا بِهِ، وَعِنْدَهُ ثِيَابُهُ. وَقَال جَابِرٌ: إِنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذلِكَ. 1053 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو)، قَال: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ السابق يعني عن أبي الزبير عن جابر، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لوكيع في رواية هذا الحديث عن سفيان (و) لكن (في حديث) عبد الله (بن نمير) وروايته (قال) جابر (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو يصلي في ثوب واحد متوشحًا به. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1052 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري، قال (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المصري (أن أبا الزبير المكي) الأسدي (حدثه) أي حدث لعمرو (أنه) أي أن أبا الزبير (رأى جابر بن عبد الله يصلي في ثوب) واحد، حالة كونه (متوشحًا به) أي بذلك الثوب (وعنده) أي وعند جابر (ثيابه و) سأله أبو الزبير عن صلاته في ثوب واحد وعنده ثيابه فـ (قال) له (جابر إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك) الذي صنعته. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه واستدل به أيضًا على الجزءِ الأخير من الترجمة فقال: 1053 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمد (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (لعمرو قال) عمرو (حدثني عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي المكي (عن جابر) بن

قَال: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ؛ أَنَهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ قَال: فَرَأَيتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيهِ. قَال: وَرَأَيتُهُ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُتَوَشِّحًا به. 1054 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله الأنصاري المدني (قال) جابر (حدثني أبو سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي وواحد بغدادي أو مروزي، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي (أنه) أي أن أبا سعيد (دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال) أبو سعيد (فرأيته) صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يصلي على حصير) أي على بساط منسوج من خوص النخل أي ورقه، وجملة قوله (يسجد عليه) أي على البساط بدل من يصلي بدل بعضٍ من كل، وهذا محل الاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة، قال النواوي: وفي هذا دليل على جواز الصلاة على شيء يحول بينه وبين الأرض من ثوب وحصير وصوف وشعر وغير ذلك وسواء نبت من الأرض أم لا، وهذا مَذْهَبُنا ومذهبُ الجمهور، وقال القاضي رحمه الله تعالى: أما ما نبت من الأرض فلا كراهة فيه، وأما البُسُط واللبود وغيرهما مما ليس من نبات الأرض فتصح الصلاة فيه بالإجماع لكن الأرض أفضل إلا لحاجة حر أو برد أو نحوهما لأن الصلاة سرها التواضع والخضوع والله عزَّ وجلَّ أعلم، قال الأبي: واختلف في ثياب الكتان والقطن فكره ذلك في المدونة وأجازه ابن مسلمة ويكره على ما لا تنبته الأرض كالصوف اهـ. (قال) أبو سعيد (ورأيته) صلى الله عليه وسلم أيضًا حالة كونه (يصلي في ثوب واحد متوشحًا) أي متغطيًا (به) أي بذلك الثوب وهذا محل الاستشهاد لحديث أبي هريرة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [332] وابن ماجه [1048]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 1054 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن

قَالا: حدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح قَال: وَحدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ مُسْهِرٍ. كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ: وَاضِعًا طَرَفَيهِ عَلَى عَاتِقَيهِ. وَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيدٍ: مُتَوَشِّحًا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلاء الكوفي (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ح قال) المؤلف أيضًا (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور (سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعلي بن مسهر رويا (عن) سليمان (الأعمش) الكوفي، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لعيسى بن يونس في رواية هذا الحديث عن الأعمش (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر عن أبي سعيد الخدري (و) لكن (في رواية أبي كريب) عن أبي معاوية (واضعًا طرفيه) أي طرفي الثوب (على عاتقيه) صلى الله عليه وسلم (و) في (رواية أبي بكر) عن أبي معاوية (و) رواية (سويد) بن سعيد عن علي بن مسهر (متوشحًا) أي متغطيًا (به) أي بذلك الثوب، والتوشح كما مر أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقد طرفيهما على صدره اهـ قسط. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عمر بن أبي سلمة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وللاستشهاد به على الجزء الأول منها وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

أبواب المساجد

أبواب المساجد 247 - (58) باب أول مسجد وضع في الأرض وما جاء أن الأرض كلها مسجد 1055 - (480) (140) حدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب المساجد وذكر هذه الأبواب هنا استطرادي. 247 - (58) باب أول مسجد وضع في الأرض وما جاء أن الأرض كلها مسجد 1055 - (480) (140) (حدثني أبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده البصري (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري، ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مقال، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب أبي أسماء الكوفي، ثقة، إلا أنه يرسل ويدلس، من (5) (عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي، ثقة، من (2) يقال إنه أدرك الجاهلية مات في خلافة عبد الملك، روى عنه في (6) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري المدني جندب بن جنادة رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني، ورجال الثاني منهما كلهم كوفيون إلا أبا ذر فإنه مدني، وفيهما التحديث والعنعنة والمقارنة في الثاني منهما، وفيهما رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو ذر (قلت: يا رسول الله أي مسجد) من مساجد الأرض (وضع) أي جعل (في الأرض أول) بضم اللام بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة وافتقاره إلى المضاف إليه المحذوف أي وضع أول كل شيء من المساجد، قال الأبي: سؤاله عن ذلك يحتمل أنه

قَال: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ: ثُم أَيٌّ؟ قَال: "الْمَسْجِدُ الأقصَى" قلت: كم بَينَهُمَا؟ قَال: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ لحفظ تاريخ أيهما أقدم، والأظهر أنه لبيان فضيلته على المسجد الأقصى لأن التقدم في البناء لا أثر به إلا أن يقال والتقدم بالزمان أيضًا أحد موجبات الشرف، والحديث على الأول موافق لقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الآية، لأنهم ذكروا في التفسير أن البيت خلق قبل السموات والأرض وأنها كانت زبدًا في الماء ثم دحيت الأرض من تحتها، ولذا سميت مكة أم القرى، وكون مسجد الأقصى بعدها بأربعين يحتمل أنه كان كذلك في علم الله تعالى ولا يستشكل كون ما بينهما أربعين بأن البيت بناه إبراهيم عليه السلام، وسليمان - عليه السلام - بنى المسجد الأقصى وبينهما من مِئي السنين ما عُلم لأن بناءهما إنما كان تجديدًا لما تقدم لا ابتكارًا للبناء، ولا يستشكل الثاني بأن يقال التفضيل راجع لحكم الله تعالى وحكمه تعالى لا يتقيد بالزمان لأنا نقول التقييد بالزمن إنما هو لظهور متعلق الحكم لا للحكم، والمسجد الحرام هو ما دار بالبيت وليست الكعبة منه لأنها ليست محل الصلاة اهـ منه. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مسجد وضع في الأرض (المسجد الحرام) وهو مسجد مكة، قال أبو ذر (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد المسجد الحرام (أي) أي أيُّ المساجد وضع أول (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مسجد وضع بعد المسجد الحرام (المسجد الأقصى) وهو مسجد بيت المقدس، وسمي بالأقصى لبعده عن الحجاز أو لبعده عن الأقذار والخبائث والأوثان فإنه مقدس عن عبادة الأوثان حوله كالمسجد الحرام والمقدس المطهر، ومنه القَدْسُ وهو السطل الذي يستقى به الماء، قال أبو ذر (قلت) يا رسول الله (كم) المدة التي (بينهما) أي بين وضعهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة ما بينهما (أربعون سنة) وفي هذا الجواب إشكال وذلك أن مسجد مكة بناه إبراهيم - عليه السلام - بنص القرآن إذ قال: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ} والمسجد الأقصى بناه سليمان - عليه السلام - كما أخرجه النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالًا ثلاثة سأل الله تعالى حُكْمًا يصادف حُكْمه فأوتيه، وسأل الله تعالى مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله تعالى حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن

وَأَينَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي كَامِلٍ: "ثُمَّ حَيثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّهْ. فَإنَّهُ مَسْجِدٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه" رواه النسائي، وبين إبراهيم وسليمان آماد طويلة، قال أهل التاريخ: أكثر من ألف سنة (قلت) يرتفع الإشكال بأن يقال الآية والحديث لا يدلان على أن بناء إبراهيم وسليمان حين بنياهما ابتداء وضعهما لهما بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرِهما وبدأه، روي أن أول من بنى البيت آدم - عليه السلام - فعلى هذا فيجوز أن يكون غيره وضع بيت المقدس بعده بأربعين عامًا والله تعالى أعلم اهـ قرطبي، وأجاب عنه الطحاوي في شرح معاني الآثار بأن الوضع غير البناء والسؤال عن مدة ما بين وضعهما لا عن مدة ما بين بنائيهما فيحتمل أن يكون واضع الأقصى بعض الأنبياء قبل سليمان ثم بناه بعد ذلك قال ولا بد من تأويله بهذا ذكره العلامة الخفاجي في حاشية تفسير البيضاوي. (وأينما) أي وأي موضع من الأرض (أدركتك الصلاة) فيه ودخل عليك وقتها (فصلِّ) في ذلك الموضع يعني بلا حائل، قال القاضي: وهذا العموم مخصوص بالأماكن التي جاء النهي عن الصلاة فيها كالمجزرة وأخواتها اهـ أبي (فهو) أي فذلك الموضع (مسجد) لك أي موضع سجود وصلاة لك ولا تطلب موضعًا معينًا للصلاة فيه من المساجد فإن الصلاة لا تختص بموضع منها دون آخر (وفي حديث أبي كامل) وروايته (ثم حيثما) بدل أينما، والمعنى واحد (أدركتك الصلاة) فيه (فصله) بزيادة هاء السكت (فإنه) أي فإن ذلك الموضع (مسجد) أي موضع صلاة لا تختص بموضع دون آخر، وفي هامش بعض نسخ المتن، قوله (فصله) كذا بهاء السكت في الموضع الثاني، وفي بعض النسخ في الذي قبله أيضًا، وأما في الذي بعده وهو الموضع الثالث فبدونها باتفاق النسخ، والمعنى كما في المرقاة يا أبا ذر سألت عن أماكن بنيت مساجد واختصت العبادة بها وأيها أقدم زمانًا فأخبرتك بوضع المسجدين وتقدمهما على سائر المساجد ثم أخبرك بما أنعم الله تعالى علي وعلى أمتي من رفع الجناح وتسوية الأرض في أداء العبادة فيها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 105 و 156] والبخاري [3166] والنسائي [2/ 32] وابن ماجه [753].

1056 - (00) (00) حدّثني عَلِي بْنُ حُجْرٍ السعدِيُّ. أخْبَرَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ. حَدَّثَنَا الأعمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيمِي. قَال: كُنْتُ أَقْرَأُ، عَلَى أَبِي، الْقُرآنَ فِي السُّدَّةِ. فَإِذَا قَرَأتُ السجْدَةَ سَجَدَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، أَتَسْجُدُ فِي الطرِيقِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (فهو مسجد) قال ابن بطال: فدخل في العموم المقابر والمرابض والكنائس ونحوها اهـ. نعم تكره الصلاة فيها للتنزيه، قال النواوي: وفيه جواز الصلاة في موضع النجاسة كالمزبلة والمجزرة وكذا ما نهي عنه لمعنى آخر فمن ذلك أعطان الإبل وسيأتي بيانها قريبًا إن شاء الله تعالى ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرهما لحديث ورد فيها اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 1056 - (00) (00) (00) (حدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي، ثقة، من صغار (9) (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم بن يزيد) بن شريك (التيمي) الكوفي، من (5) (قال) إبراهيم (كنت أقرأ على أبي) يزيد بن شريك (القرآن في السُّدَّة) أي في سدة جامع الكوفة وفنائها، قال القاضي: والسدة بضم السين وتشديد الدال هي فناء جامع الكوفة وإليها ينسب إسماعيل بن عبد الرحمن السدي لأنه كان يبيع الخُمُرَ جمع خمار وهي هكذا في صحيح مسلم ووقع في سنن النسائي "في السكة" وفي رواية غيره "في بعض السكك" وهذا مطابق لقوله: "يا أبت أتسجد في الطريق" وهو مقارب لرواية مسلم لأن السدة واحدة السدد وهي المواضع التي تظلَّل حول المسجد وليست منه، وليس للسدة حكم المسجد إذا كانت خارجة منه، وأما سجوده في السدة وقوله أتسجد في الطريق فمحمول على طاهر، وكان التيمي يجلس فيها ويقرأ القرآن فإذا جاءت السجدة سجد، قال القاضي: واختلف العلماء في المعلم والمتعلم إذا قرآ السجدة فقيل عليهما السجود لأول مرة، وقيل لا سجود اهـ. (فإذا قرأت السجدة) أي آيتها على أبي وهو يستمع في (سجد) لتلاوتي (فقلت له) أي لأبي (يا أبت) أي يا أبي لأن التاء عوض عن ياء المتكلم كما بسطنا الكلام عليها في رسالتنا (هدية أولي العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف) وهِيَ مطبوعةٌ مع (باكورةِ الأجرومية) فراجعها فهي مفيدة جدًّا (أتسجد في الطريق) لأن الصلاة وكذا السجود مكروهة في قارعة الطريق، وما في حكمها والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري (قال) أي في

إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ أولِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرضِ؟ قَال: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ: ثُم أَي؟ قَال: "الْمَسْجِدُ الأقصَى" قُلْتُ: كَم بَينَهُمَا؟ قَال: "أربَعُونَ عَامًا. ثُمَّ الأَرضُ لَكَ مَسْجِدٌ. فَحَيثُمَا أَدرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ". 1057 - (481) (141) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ سَيَّارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب إنكاري عليه يا بني لا تنكر على سجودي في الطريق (إني سمعت) أي لأني سمعت (أبا ذر) الغفاري (يقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض قال) في رسول الله صلى الله عليه وسلم أولها (المسجد الحرام) أي المحرم المعظم بتحريم الله وتعظيمه تعالى، قال أبو ذر (قلت) يا رسول الله (ثم) بعد المسجد الحرام (أيّ) أي أيُّ المساجد وضع أول (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أولها وضعًا (المسجد الأقصى) أي مسجد بيت المقدس، قال أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (كم) قدر المدة التي كانت (بينهما) أي بين وضعيهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر المدة التي كانت بين وضعيهما (أربعون عامًا) أي سنة (ثم) بعد المسجدين إِنْ لم يمكن لك الصلاة فيهما (الأرض) كلها (لك مسجد) أي موضع صلاة (فحيثما) أي فأي مكان (أدركتك الصلاة) فيه ودخل وقتها عليك (فصل) فيه لأن الأرض كلها جعلت لنا مسجدًا فلا تختص صلاتنا بالمساجد كما اختصت صلاة الأمم السابقة بالكنائس والبيع والصوامع. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة علي بن مسهر لعبد الواحد في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 1057 - (481) (141) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن سيار) بن وردان الواسطي أبي الحكم العَنزي من عَنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار أخي مساور الورَّاق لأمه، ثقة، من (6)

عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "أُعطِيتُ خَمسًا لَمْ يُعطَهُنَّ أَحد قَبْلِي. كَانَ كُل نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ. وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَم تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي. وَجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ طَيِّبَةً طَهُورًا ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (122) روى عنه في (5) أبواب (عن يزيد) بن صهيب الكوفي أبي عثمان المعروف بـ (الفقير) بفتح الفاء بعدها قاف قيل له ذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره، ثقة، من (4) روى عنه في (2) بابين الإيمان والصلاة (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد مدني وواحد كوفي وواحد مروزي (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسًا) بضم الهمزة بالبناء للمفعول؛ أي أعطاني الله سبحانه خمس خصال (لم يعطهن) بضم الياء مبنيًّا للمفعول أي لم يعط تلك الخمس، وهذا من باب الكلية لا من باب الكل أي لم يعط كل واحدة منهن (أحد) من الأنبياء (قبلي) قال الداودي: أي لم تجتمع لأحد من قبلي (كان كل نبي) قبلي (ببعث إلى قومه) وقبيلته بعثة (خاصة) بهم لا تتعدى إلى غيرهم (وبعثت) أنا (إلى) الناس كافة (كل أحمر وأسود) أي إلى كل أبيض وأسود كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} والحُمرَانُ عنى بهم البِيضَ وهم العجمُ، والسُّودان عنى بهم العَربَ لغلبةِ الأُدمة عليهم وغَيرَهم من الإفريقيا لسوادهم اهـ قرطبي، قال القاضي: فالحمر البيض، والسود العربُ والسودانُ لأن في العرب أدمة، وقيل الحمر العرب والبيض، والسود السودان، وقيل الحمر الإنس والسود الجن، قال الأبي: وما قيل من أن رسالة نوح عامة إن صح فإنما ذلك للإنس اهـ. (وأحلت لي الغنائم) أي الأموال المأخوذة من أهل الحرب (ولم تحل) يجوز بناؤه للفاعل وللمفعول قاله المناوي في التيسير (لأحد) من الأنبياء (قبلي) قال القاضي: لأنها كانت قبله تجمع ثم تأتي نار من السماء فتأكلها كما جاء مبينًا في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة النبي صلى الله عليه وسلم الذي غزا وحبس الله تعالى له الشمس على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام (وجعلت لي الأرض طيبة) أي طاهرة في نفسها وكذلك قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} أي طاهرًا (طهورًا) أي مطهرًا لغيرها يعني في التيمم كما قد بينه في الحديث الآخر، وعلى هذا فلا يفهم من قوله: "طهورًا" غير

وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدرَكَتْهُ الصَّلاةُ صَلَّى حَيثُ كَانَ. وَنُصِرتُ بِالرعبِ بَينَ يَدَي مَسِيرَةِ شَهْرٍ. وَأُعطِيتُ الشَّفَاعَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ التطهير لغيرها إذ قد وصفها الله تعالى بالطهارة في نفسها ثم جعلها مطهرة لغيرها وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم وقد قيل له: "أتتوضأ بماء البحر" فقال: "هو الطهور ماؤه" أي الذي يطهركم من الحدث (ومسجدًا) أي موضع صلاة؛ معناه أن من كان قبلنا إنما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبِيَعِ والكنائس، قال القاضي: وقيل إن من كان قبلنا كانوا لا يصلون إلا فيما تيقنوا طهارته من الأرض، وخصصنا نحن بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته (فأيما رجل) من أمتي وكذا المرأة (أدركته الصلاة) أي دخل عليه وقتها (صلى حيث كان) أي في أي محل كان (ونصرت بالرعب) والخوف يقذف في قلوب أعدائي (بين يدي مشرة شهر) أي بين قدام مسافة شهر (وأعطيت الشفاعة) العظمى العامة لأهل المحشر التي لتعجيل الحساب التي يلجأ إليه فيها كل الخلائق لأن الشفاعة في الخاصة جعلت لغيره صلى الله عليه وسلم وقيل المراد شفاعة لا ترد في أحد، وقد تكون شفاعته صلى الله عليه وسلم بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان لأن شفاعة غيره قبل هذه، وهذه الشفاعة كالتي لتعجيل الحساب اهـ أبي، وقد سبق في كتاب الإيمان بيان أنواع شفاعته صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: (وقوله في حديث جابر أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي) وفي حديث أبي هريرة (ستًّا) وفي حديث حذيفة (ثلاثًا) لا يظن الباحث أن فيه تعارضًا، وإنما يَظن هذا مَن توهَّم أن ذكر الأعداد يدل على الحصر وأنها لها دليل خطاب وكل ذلك باطل، فإن القائل: عندي خمسة دنانير مثلًا لا يدل هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول تارة أخرى عندي عشرون، وتارة أخرى عندي ثلاثون، فإن من عنده ثلاثون صدق عليه أن عنده عشرين وعشرة فلا تناقض ولا تعارض، ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلِم في وقت بالثلاث وفي وقت بالخمس وفي وقت بالست والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 304] والبخاري [335]، والنسائي [1/ 210 - 211]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

1058 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا سَيارٌ. حَدَثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 1059 - (482) (142) حدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْجَعي، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلائِكَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1058 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا هشيم) بن بشير الواسطي (أخبرنا سيار) بن وردان الواسطي (حدثنا يزيد) بن صهيب (الفقير) الكوفي (أخبرنا جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) هذا الحديث المذكور (فذكر) أبو بكر بن أبي شيبة (نحوه) أي نحو حديث يحيى بن يحيى، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي بكر بن أبي سْيبة ليحيى بن يحيى في رواية هذا الحديث عن هشيم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي ذر بحديث حذيفة رضي الله عنهما قال: 1059 - (482) (142) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (عن أبي مالك) سعد بن طارق بن أَشْيَم (الأشجعي) الكوفي، ثقة، من (4) (عن ربعي) بن حراش العبسي أبي مريم الكوفي، مخضرم ثقة، من (2) (عن حذيفة) بن اليمان العبسي حليف الأنصار الكوفي. وهذا السند من خماسياته، من لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) حذيفة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فُضِّلْنَا) أي فضلنا الله سبحانه وتعالى (على الناس) أي على سائر الأمم السابقة (بثلاث) أي بثلاث خصال، قال القاضي: ليس بمعارض لحديث الخمس والست لأن الأحكام كانت تتجدد؛ أخبر بما علمه أولًا ثم زيد فزاد على أنه ليس فيه ما يقتضي أنه لم يعط إلا الثلاث كما عن القرطبي إحدى الثلاث ما ذكره بقوله (جعلت صفوفنا) في الصلاة (كصفوف الملائكة) وتقدم بيان اصطفافهم في حديث: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها" وكانت الأمم السابقة يصلون منفردين وجوه بعضهم

وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرضُ كُلُّها مَسْجِدًا. وَجُعِلَتْ تُربَتُها لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ". وَذَكَرَ خصلَةً أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ لبعض اهـ مناوي، وثانيتها ما ذكره بقوله (وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا) أي موضع صلاة، قال القرطبي: هذا العموم وإن كان مؤكدًا فهو مخصص بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مواطن الإبل "أي مباركها حول الماء" كما جاء في الصحيح وبما جاء في كتاب الترمذي من حديث ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى أن يصلى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة (الموضع الذي ينحر فيه الإبل ويذبح فيه البقر والشاء) وقارعة الطريق والمقبرة وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى" رواه الترمذي [346] وابن ماجه [746] من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد كره مالك الصلاة في هذه المواضع وأباحها فيها غيره ولم يصح هذا الحديث عنده واعتضد قائل الإباحة بأن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقص منها شيء ذلك أن من فضائله وخصائصه أن جعل الأرض كلها مسجدًا فلو خصص منها شيء لكان نقصًا في فضيلته وما خصص به قاله أبو عمر بن عبد البر، والصحيح ما صار إليه مالك من كراهة الصلاة في تلك المواضع لا تمسكًا بالحديث فإنه ضعيف لكن تمسكًا بالمعنى وقد ذكرت علل الكراهة في كتب أصحابه فلتنظر هناك. ويحتج على أبي عمر بالنهي عن الصلاة في معاطن الإبل وفي القبور فإن الحديث في ذلك صحيح، وتمنع الصلاة في المواضع النجسة فإن قال ذلك للنجاسة العارضة قلنا وكذلك كراهة الصلاة في تلك المواضع لعللٍ عارضة والله تعالى أعلم اهـ. (وجعلت تربتها لنا طهورًا) في التيمم (إذا لم نجد الماء) قال القاضي: ذكر التراب دون غيره من أجزاء الأرض بعد ذكر الأرض مسجدًا يتمسك به المخالف في قصر التيمم على التراب دون غيره من أجزاء الأرض فإن لم نقل بدليل الخطاب فلا حجة فيه، وإن قلنا به فلشيوخنا عن ذلك أجوبة؛ منها: أنها زيادة تفرد بها أبو مالك الراوي، ومنها أن من تراب الأرض الزرنيخ والشب والسبخة كل ذلك يسمى ترابًا لأنه ترابها، ومنها أنه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، ومنها أن ذكر الاسم لا يدل على نفي الحكم عن غيره اهـ قال محمد بن فضيل (وذكر) أبو مالك (خصلة أخرى) غير هاتين المذكورتين مكملة للثلاث نسيتها ظاهره أنه ذكر ثلاث خصال وليس كذلك وإنما المذكور هنا خصلتان فقط قالوا: المذكور هنا خصلتان لأن قضية الأرض في كونها مسجدًا وطهورًا خصلة واحدة وأما الثالثة

1060 - (00) (00) حدثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ. حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بِمِثْلِهِ. 1061 - (483) (143) وحدّثنا يَحيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلي بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حدَثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فمحذوفة هنا ذكرها النسائي في الكبرى من رواية أبي مالك الراوي هنا في مسلم قال: "وأوتيت هذه الآيات من خواتم البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن أحد قبلي ولا يعطاهن أحد بعدي" رواه النسائي في السنن الكبرى [8022] من حديث حذيفة رضي الله عنه اهـ نواوي، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه فقال: 1060 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار (9) (عن سعد بن طارق) بن أشيم أبي مالك الأشجعي الكوفي، من (4) (حدثني ربعي بن حراش) العبسي الكوفي، ثقة من (2) (عن حذيفة) بن اليمان الأنصاري الكوفي رضي الله عنه (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فضلنا على الناس ... الحديث، وقوله (بمثله) أي بمثل حديث ابن فضيل متعلق بقوله أخبرنا ابن أبي زائدة لأنه المتابع. وهذا السند من خماسياته أيضًا، ومن لطائفه أيضًا أن رجاله كلهم كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن أبي زائدة لمحمد بن فضيل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1061 - (483) (143) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البغلاني (وعلي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، ثقة، من صغار (9) روى عنه في (11) (قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة ثبت، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي أبي

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "فُضِّلْتُ عَلَى الأنبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. وَنُصرتُ بِالرعبِ. وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ. وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا. وَأرسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافةَ. وَخُتِمَ بِيَ النبِيونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شبل المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بغلاني أو مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضلت) أي فضلني الله سبحانه وتعالى (على) سائر (الأنبياء بست) خصال، قال ابن الملك في شرح الحديث المتقدم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: أعطيت خمسًا ... الخ ما نصه: يحتمل أن يفصّل نبينا صلى الله عليه وسلم بالخمس المذكورة أولًا ثم زاد عليها تكريمًا له، فإن قلت: هذا إنما يتم لو ثبت تأخر الدال على الزيادة، قلت: إن ثبت فلا إشكال وإلا يحمل على أنه إخبار عن زيادتها في الاستقبال، عبر عنه بالماضي تحقيقًا لوقوعه، اهـ إحداها أني (أعطيت) أي أعطاني الله سبحانه وتعالى (جوامع الكلم) أي الكلم القليلة اللفظ الجامعة للمعاني الكثيرة، وفي رواية "بعثت بجوامع الكلم" قال الهروي: يعني به القرآن، جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني، وفي صفته أوتي جوامع الكلم أي قليل الألفاظ كثير المعاني. قال ابن الملك: جوامع الكلم هي ما يكون ألفاظه قليلة، ومعانيه جزيلة، ولهذا قال علي رضي الله عنه: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف باب يفتح كل باب ألف باب، وفي أحاديث الجامع الصغير "أعطيت جوامع الكلم، واختصر في الكلام اختصارًا، أعطيت فواتح الكلام، وجوامعه، وخواتمه" وثانيها ما ذكره بقوله (ونصرت بالرعب) يقذف في قلوب أعدائي (و) ثالثها ما ذكره بقوله (أحلت لي) ولأمتي (الغنائم) أي الأموال المأخوذة من أهل الحرب (و) رابعتها ما ذكره بقوله (جعلت في الأرض طهورًا) عند فقد الماء (ومسجدًا) أي موضع صلاة (و) خامستها ما ذكره بقوله (أرسلت إلى الخلق كافة) أي جميعًا عربًا وعجما إنسًا وجنًا (و) سادستها ما ذكره بقوله (ختم بي النبيون) فلا نبي بعدي ولا معي، ونزول عيسى - عليه السلام - في آخر الزمان لتجديد شريعته لا رسولًا

1062 - (484) (144) حدّثني أَبُو الطاهِرِ وَحرمَلَةُ. قَالا: أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ. وَنُصرتُ بِالرُّعبِ. وَبَيْنَا أنا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأرضِ فَوُضعَتْ بين يَدَي". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَذَهبَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وَأَنْتم تَنْتَثِلُونَها ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقلًا لأن رسالته انتهت برفعه إلى السماء، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في كتاب الإيمان. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1062 - (484) (144) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قال أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهريّ المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم) أي بالكلم الجامعة للمعاني الكثيرة (ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم) أي وبينا أوقات نومي (أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) أراد بها ما فتح على أمته من خزائن كسرى وقيصر، وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه وقع كما أخبر (فوضعت) أي المفاتيح (في يدي) بالإفراد، وفي رواية بالتثنية كذا في التيسير، وفي بعض النسخ (بين يدي) بالتثنية فقط، قال القرطبي: هذه الرؤيا أوحى الله تعالى فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم أن أمته ستملك الأرض ويتسع سلطانها ويظهر دينها ثم إنه وقع ذلك كذلك فملكت أمته من الأرض ما لم تملكه أمة من الأمم فيما علمناه فكان هذا الحديث من أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم ووجه مناسبة هذه الرؤيا أن من ملك مفتاح المغلق فقد تمكن من فتحه، ومن الاستيلاء على ما فيه (قال أبو هريرة فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الدنيا (وأنتم) أيتها الأمة المحمدية؛ والمراد أمة الدعوة لا خصوص أمة الإجابة (تنتثلونها) أي تستخرجون ما فيها من الكنوز والمنافع، من قولهم نثل كنانته إذا استخرج ما فيها من السهام اهـ.

1063 - (00) (00) وحدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَربٍ عَنِ الزُّبَيدِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسيبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحمنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 264 و 455] والبخاري [6998] والترمذي [1553] والنسائي [6/ 3 - 4]: ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1063 - (00) (00) (وحدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الأعور المعلم الشامي أبو محمد البغدادي، روى عن محمد بن حرب في الصلاة وغيرها وحفص بن ميسرة وبقيَّةَ، ويروي عنه (م) والذهلي والبغوي، وثقه الخطيب، وذكره ابن حبان في الثقات، صدوق، من العاشرة، مات سنة (228) (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الأبْرَشُ الحمصي كاتبُ محمد بن الوليد الزبيدي روى عن الزبيدي في الصلاة والحج والطلاق والصلة، ويروي عنه (ع) وحاجب بن الوليد، وعيسى بن المنذر الحمصي، ويزيد بن عبد ربه، وأبو الربيع سليمان بن داود، قال ابن معين: ثقة ثقة، وقال عثمان الدارمي: ثقة، وقال العجلي ومحمد بن عوف والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (194) أربع وتسعين ومائة (عن) محمد بن الوليد بن عامر الشامي الحمصي أبي الهذيل مصغرًا (الزبيدي) بضم الزاي مصغرًا نسبة إلى بني زبيد، روى عن الزهريّ في الصلاة والحج والجهاد والصلة والقدر، ونافع في الرؤيا والنكاح، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير في الضحايا، وثقه العجلي وأبو زرعة والنسائي وغيرهم، وقال ابن المديني: ثقة ثبت، وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهريّ، من السابعة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة (عن الزهريّ) المدني (أخبرني سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (وأبو سلمة بن عبد الرحمن) الزهريّ المدني (أن أبا هريرة) الدوسي المدني (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) الحديث المذكور وساق الزبيدي (مثل حديث يونس) بن يزيد الأيلي عن الزهريّ. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة شاميون، غرضه بسوقه بيان متابعة الزبيدي ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهريّ.

1064 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُهْرِي، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ. 1065 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَال: "نُصرتُ بِالرُّعبِ عَلَى الْعَدُوِّ. وَأُوتيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فقال: 1064 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (قالا حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهريّ عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق عبد الرزاق (بمثله) أي بمثل حديث يونس بن يزيد الأيلي، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهريّ. ثم ذكر المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 1065 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبي أمية المصري الفقيه المقرئ، ثقة، من (7) (عن أبي يونس) سليم بن جبير (مولى أبي هريرة) رضي الله عنه الدوسي المصري، ثقة، من (3) روى عن أبي هريرة (أنه) أي أن أبا يونس (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي يونس لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال نصرت بالرعب) يقذف (على العدو، وأوتيت) أي أعطيت، من آتى الرباعي بمعنى أعطى (جوامع الكلم) أي الكلم القليلة

وَبَينَمَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدَيَّ". 1066 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعمَرٌ عَنْ همَّامٍ بنِ مُنَبِّهِ. قَال: هذَا مَا حدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، فَذكَرَ أَحَادِيثَ مِنْها: وَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "نُصِرتُ بِالرُّعبِ وَأوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المختصرة الجامعة للمعاني الكثيرة من الكتاب والسنة (وبينما أنا نائم) تقدم البحث عن بينا وبينما في أول كتاب الإيمان فراجعه أي بينما أوقات نومي (أُتيت) أي أتاني آت من ربي من أتى الثلاثي بمعنى جاء (بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي) بتشديد الياء مثنى اليد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 1066 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل الصنعاني (قال) همام (هذا) الحديث الذي أذكره لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب وأوتيت) أي أعطيت (جوامع الكلم) يعني الكتاب والسنة، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة همام لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول حديث أبي ذر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الأولُ ذكره للاستشهاد أيضًا، والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

248 - (60) باب ابتناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

248 - (60) باب ابتناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم 1067 - (485) (145) حدثنا يَحيَى بن يحيى وَشَيبَانُ بْنُ فرُّوخ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ. قَال يَحيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِي. حَدَّثَنَا أنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَدِمَ المَدِينَةَ. فَنَزَلَ فِي عُلو الْمَدِينَةِ. فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُم بَنُو عَمرِو بْنِ عَوْفٍ. فَأقَامَ فِيهِم أَربَعَ عَشْرَةَ لَيلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 248 - (60) باب ابتناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي المختار ابتنى دارًا وبنى دارًا بمعنى. اهـ 1067 - (485) (145) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (وشيبان بن فروخ) بتشديد الراء بوزن تنور الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، صدوق يهم، من صغار (9) (كلاهما) رويا (عن عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبي عبيدة البصري، ثقة، من (8) (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا عبد الوارث بن سعيد عن أبي التياح) يزيد بن حميد (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري، ثقة ثبت، من الخامسة (حدثنا أنس بن مالك) خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثةٌ منهم بصريون وواحد إما نيسابوري أو أُبُلِّي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة) المنورة، في سير ابن إسحاق أنه قدمها لاثني عشر من شهر ربيع الأول، وقال غيره لثمان خلون منه (فنَزل في عُلْو المدينة) قال النواوي: بضم العين وكسرها مع سكون اللام فيهما لغتان مشهورتان خلاف السفل كَمَا في المصباح وذكر صاحب القاموس فيه التئليث، وكان صلى الله عليه وسلم من علوها بقباء منه، وقوله (في حي) أي في قبيلة بدل من قوله في علو المدينة أي نزل في حي (يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة) قال الأبي: والذي في سير ابن إسحاق أنه أقام فيهم أربعة أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجدهم فيها، ورحَلَ عنهم يوم الجمعة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف فصلى الجمعة بهم بالمسجد الذي ببطن الوادي وادي رانونا، وهي أول جمعة صليت بالمدينة المنورة، فأتاه رجال بني سالم بن عوف فصلى الجمعة بهم بالمسجد الذي ببطن الوادي

ثُمَّ إِنهُ أَرْسَلَ إِلَى ملأ بَنِي النَّجَّار. فَجَاؤُوا مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِم. قَال: فَكَأني أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأبُو بَكْرٍ رِدفُهُ، وَمَلأُ بَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلتُ) وقد كتَبْتُ لفظةَ خُطبتِه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليومِ في تفسيرنا حدائق الروح والريحان في تفسيرِ سورةِ الجمعة فراجعه فإنها خطبةٌ بليغة مُؤثِّرة في القلوب اهـ. وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم عندنا في العَدَد والعُدَّة والمَنَعة، فقال: خلوا سبيلَها فإنها مأمورة يعني الناقة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به فمر على سبعة أحياء من قبائل الأنصار ما يصر بواحدة إلا ويقول له رجالها مِثْلَ ذلك، ويقول: خلُّوا سبيلَها فإنها مأمورة، حتى أتت دار بني مالك بن النجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينْزل، ثم ثارت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثُم الْتفَتَتْ خَلْفَها ورجعَتْ إلى مَبْركها أولَ مرة فبركت فيه، ثم تَحَلْحَلَتْ وزَمَّتْ وأَلْقَتْ بِجِرانِها أي بصَدرِها، فنَزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب رضي الله عنه رَحْله، ونزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب، وسأل عن المِرْبَد لِمَنْ هو؟ فقيل لغلامَين يتيمينِ من بني النجار فكان مِنْ شرائه ما في الحديث، فأقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب حتى بَنَى المسجد وبُنِيَتْ مساكنُه فارتحل إلى مكانه صلى الله عليه وسلم اهـ من الأبي. (ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (أرسل إلى ملأ بني النجار) وأشرافهم، والملأ أشراف القوم وساداتهم سموا بذلك لأنهم أملِياءُ بالرأي والغِنَى، وقيل لأنهم مَلئُوا قلوبَ الناس بالهيبة، أو لأنهم مَلَئُوا المجالسَ بأجسامهم، وبنو النجار قبيلة من الأنصار وهم أخوالُ النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن هاشمًا تزوَّج امرأة من بني النجار تُسمى سَلْمى بنت عمرو بن زيد بن عدي بن النجار فولدَتْ له عبدَ المطلب بن هاشم فمِنْ هنا كانوا أخوال النبي صلى الله عليه وسلم (فجاؤوا متقلدين بسيوفهم) أي جاعلين نِجادَ سيوفهم على مناكبهم خوفًا من اليهود وليُروه ما أعَدُّوه لنصرته صلى الله عليه وسلم (قال) أنس (فكأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته) وناقته (وأبو بكر رِدْفهُ) صلى الله عليه وسلم أي راكبٌ خَلْفه، قال الأبي: الأظهر أنه في حين قدومه المدينة لا في حين انتقاله من عُلْوِها، وإن أعطاه ظاهرُ اللفظ إلا أن يكون معنى ردفه أنه خلفه على راحلةٍ أخرى، والردف أعمُّ قال تعالى: {مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (وملأ بني

النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ. قَال: فَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصلِّي حَيثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ. وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ. قَال: فَأَرْسَلَ إِلَى مَلأ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاؤُوا. فَقَال: "يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا". قَالُوا: لا. وَالله لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النجار) وأشرافهم (حوله) صلى الله عليه وسلم ومَشَى معهم (حتى أَلْقى) وطرَح رَحْلَه (بفناء أبي أيوب) أي بساحة داره وأبو أيوب من أكابر الأنصار اسمه خالد بن زيد رضي الله عنه وأرضاه. (قال) أنس (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) وفي لفظ البخاري وكان يحب أن يصلي (حيث أدركته الصلاة) أي في مكان أدركثه الصلاة فيه ودخل عليه وَقْتُها. (ويصلي في مرابض الغنم) أي في مآويها، جمع مربض على وزان مجلس فإنه من بابه، قال أهل اللغة هي مباركها ومواضعُ مبيتها ووَضْعِها أجسادَها على الأرض. (ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (أمر) قال النواوي: ضبطناه أَمَر بفتح الهمزة والميم، وأُمِر بضم الهمزة وكسر الميم وكلاهما صحيح اهـ (بالمسجد) أي ببناء المسجد (قال) أنس (فارسل إلى ملأ بني النجار) وأشرافهم وأعيانهم (فجاؤوا فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا) أي اذكروا لي ثمن حائطكم هذا فأدْفَعَهُ لكم فَأبتني فيه مسجدًا، وفي النهاية: أي قَرِّرُوا معي ثمَنَه وبِيعُونِيهِ بالثمنِ، يقال ثامَنْتُ الرجلَ في البيع أُثَامِنهُ إذا قاوَلْتَه في ثمنِه وساوَمْتَه على بيعهِ واشترائهِ اهـ والمعنى سَمُّوا لي ثمنَ بستانكم هذا وبَيِّنوا كَمْ تُريدون وبيعُوني به، قال الخطابي: فيه أن البائع أحق بتعيين الثمن، قال المازري: وقيل بل فيه أن المشتريَ هو الذي يَبْدأُ بذكره، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُعيِّن ثمنًا وإنما ذكَرَ مجملًا (قالوا) أي قال بنو النجار (لا) نطلُب (والله) ثمنَه إلى أحد والله (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) بل ندخر أجره عند الله سبحانه وتعالى أي لا نطلب ثمنه رغبة إلى شيء إلا إلى ثواب الله تعالى كذا في المبارق، وفي القسطلاني: أي إلا من الله تعالى كما وقع للإسماعيلي اهـ. قال ابن الملك: هذا الحديث يدل على أنهم لم يأخذوه، ولكن ذُكر أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر، ولعل التوفيق بينهما بأن يكون الشراء بها واقعًا والتزم دفعها أبو بكر ولم يقبلوه منه اهـ من شرحه على

قَال أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ: كَانَ فِيهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَخِرَبٌ. فَأمَرَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. وَبِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشارق، قال القاضي عياض: ذكر الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من ابن عفراء بعشرة دنانير نقدها عنه أبو بكر رضي الله عنه وهذا لأنه كان ليتيمين فلم يقبله إلا بالثمن، قال الأبي: اليتيمان هما سهل وسهيل ابنا عمرو، وكانا في حجر معاذ ابن عفراء، قال القاضي: وفيه اتخاذ المساجد وهو فرض على قوم استوطنوا موضعًا لأن الجمعة فرض عليهم وشرطها الجامع على المشهور، وصلاة الجماعة سنة وسنتها الجامع وإقامة السنن الظاهرة واجبة على أهل المصر لأنها لو تركت ماتت، والمخاطب بنصب المسجد الإمام وعليه يدل الحديث وإلا فعلى الجماعة، وكذا على الإمام أن يجري الرزق لإمام المسجد وإلا فعلى الجماعة، والواجب اتخاذ مسجد واحد فإن كفى للجماعة والجمعة فذاك وإن لم يكن فالظاهر أن اتخاذ مسجد ثان مندوب إليه لأن فرض إقامة السنة سقط بالأول وهو في ذلك كالأذان فرض على أهل المصر، سنة في مساجد الجماعات، وفي المدونة: والمسجد وقفٌ لا يورث إذا كان صاحبه قد وقَفَه للناس، وأَكْرَهُ أن يَبْنِيَ فوقهُ بيتًا لا تحته اهـ أبي. (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه (فكان فيه) أي في ذلك الحائط (ما أقولـ) ـــه وأذكره لكم بقولي (كان فيه) أي في ذلك الحائط (نخل وقبور المشركين وخرب) على وزان كلم جمع خربة على وزن كلمة أو على وزن عنب جمع خربة على وزن عنبة وهو ما تخرب وتهدم من البناء وبقي رسومها، قال النووي: أمر بها فرفعت رسومها وسويت مواضعها لتصير جميع الأرض مشوطة مستوية للمصلين وكذلك فعل بالقبور اهـ. (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل) أي بقطع النخل الذي في الحائط (فقطع) النخل، وفيه دليل على جواز قطع الشجرة المثمرة لحاجةٍ تعرض من بناء محلها أو اتخاذها مسجدًا أو قطعها من بلد الكفر التي لا ترجى أو خوف سقوطها أو ميلها على حائط الغير أو انتشارها عليه (قلت) ومثله سريان عروقها في أرض الغير فإنها تقطع منها تلك العروق كما تقطع الأفراع المنتشرة على حائط الغير اهـ أبي. (وبـ) نبش (قبور المشركين فنبشت) إنما نبش قبورهم لأنهم لا حرمة لهم، فإن قيل كيف جاز نبشهم وإخراجهم من قبورهم والقبر مختص بمن دفن فيه محتبس عليه قد حازه

وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ. قَال: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةً. وَجَعَلُوا عِضَادَتَيهِ حِجَارَةً. قَال: فَكَانُوا يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ. وَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهمَّ إِنَّهُ لا خَيرَ إِلا خَيرُ الآخِرَه ... فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَه ـــــــــــــــــــــــــــــ الميت فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه فالجواب من وجهين أحدهما: أن تلك القبور لم تكن أملاكًا لمن دفن فيها بل لعلها غَصْبٌ ولذلك باعها مُلَّاكها، الثاني: على تسليم أنها حُبِّست فذلك إنما يلزم في تحبيس المسلمين أما تحبيس الكفار فلا إذ لا يصح منهم التقرب إلى الله تعالى، ويمكن أن يقال دعت الحاجة والضرورة إلى النبش فجاز (وبـ) تسوية (الخرب فسويت) بإزالة ما بقي من رسومها وطلالها (قال) أنس بن مالك (فصفوا النخل) أي جعلوا أصولها مصفوفة (قبلة) أي في جهة قبلة المسجد (وجعلوا عضادتيه) أي عضادتي المسجد وجانبي بابه، والعِضادتان تثنية عِضادة بكسر العين، وعن صاحب العين اعتضادُ كل شيء ما يشده من حواليه من البناء وغيره، مثال عضاد الحوض وهي صفائح من حجارة يُنْصَبْن على شَفِيرِه، وفي التهذيب للأزهري عضادتا الباب الخَشَبتانِ المنصوبتانِ عن يمين الداخل وشماله قاله العيني اهـ عون. (حجارة) منصوبة (قال) أنس (فكانوا) أي فكان الأصحاب (يرتجزون) أي ينشدون الأراجيز تنشيطًا لنفوسهم ليسهل عليهم العمل (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون) في رجزهم، والذي في صلاة البخاري وهو يقول: "يعني النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره ... فانصر الأنصار والمهاجره) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 118 و 123] والبخاري [1868] وأبو داود [453] والنسائي [2/ 40] وابن ماجه [742]. قال الحافظ: وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور الدّارسة إذا لم تحن محترمة، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها من العظام والصديد، وجواز بناء المساجد في أماكنها اهـ. قلت: فيه جواز الإرداف، وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم اهـ عون. قال النواوي: (قوله فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع) فيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة والمصلحة لاستعمال خشبها أو ليغرس موضعها غيرها أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لخوف سقوطها على شيء تتلفه أو لاتخاذ موضعها مسجدًا أو قطعها في بلاد الكفار إذا لم يُرج فتحها لأن فيه نكاية وغيظًا لهم وإضعافًا وإرغامًا اهـ. (وقوله بقبور المشركين فنبشت) فيه جواز نبش القبور الدارسة وأنه إذا أُزيل ترابها المختلط بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض وجواز اتخاذ موضعها مسجدًا إذا طيبت أرضه، وفيه أن الأرض التي دُفن فيها الموتى ودرست يجوز بيعها وأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده إذا لم تُوقف. قوله (وكانوا يرتجزون) فيه جَوازُ الارتجازِ وقولُ الأشْعَار في حال الأعمال والأسفار ونحوها لتنشيطِ النفوس وتسهيلِ الأعمال والمَشْي عليها، واختلف أهل العروض والأدب في الرجز هل هو شعر أم لا؟ واتفقوا على أن الشعر لا يكون شعرًا إلا بالقصد أمَّا إذا جرَى كَلامٌ موزونٌ بغيرِ قصد فلا يكون شعرًا، وعليه يُحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لأن الشعر حرام عليه صلى الله عليه وسلم، والصحيحُ أن الرجز شعر لأن الشعر هو كلام موزون تلتزم فيه قَوافٍ مخصوصة والرجز كذلك، وأيضًا فإن قريشا لما اجتمعوا وتَراءوا فيما يقولون للناس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل: نقول هو شاعر، فقالوا: والله لَتُكذِّبَنَّكم العربُ، قد عرفنا الشعرَ كُلُّه هزجَه ورجزَه ومقبوضَه ومبسوطه فذكروا الرجزَ من جملةِ أنواع الشعر، وإنما أخرجه من جنس الشعر مَنْ أشكلَ عليه إنشادُ النبي صلى الله عليه وسلم إياه فقال: لو كان شعرًا لمَا عَلِمَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} وهذا ليس بشيء لأن من أنشد القليل أو قاله أو تمثل به على الندورِ لم يستحق به اسم الشاعر ولا يقال فيه إنه تعفمَ الشعر ولا يُنسب إليه ولو كان كذلك للزم أن يُقال على الناس كلهم شعراء ويعلمون الشعر لأنهم لا يخلون أن يعرفوا كلامًا موزونًا مرتبطًا على أعاريض الشعر، ثم (قوله كانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم) ليس فيه دليل راجح على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان المنشد بل الظاهر منهم أنهم كانوا المرتجزين وهم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الواو للحال، ورسول مبتدأ، ومعهم خبره، والجملة في موضع الحال، هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون معطوفا على المضمر في يرتجزون والله أعلم. وهذا الحديث وشبهه يستدل به على جواز إنشاد الشعر والاستعانة بذلك على

1068 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ. 1069 - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمال والتنشيط ومن هنا أخذ بعض المتصوفة إباحة السماع غير أنهم اليوم أفرطوا في ذلك وتعدوا فيه الوجه الجائز وتَذرَّعُوا بذلك إلى استباحة المحرمات من أصناف الملاهي كالشبابات والطارات والرقص وغير ذلك من خرافاتهم، وهذه أفعال المُجّان أهل البطالة والفُسوق المدخلين في الشريعة ما ليس منها أعاذنا الله تعالى من ذلك بمنّه وكرمه. وفي بنائه صلى الله عليه وسلم مسجده بالجذوع والجريد دليل على ترك الزخرفة في المساجد والتأنق فيها والإسراف بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما يقتضي النهي عن زخرفتها وتشييدها فقال: "ما أمرت بتشييد المساجد" قال: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى" رواه البخاري تعليقًا [1/ 359] وأبو داود [448]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1068 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا أبي) معاذ التميمي العنبري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (حدثني أبو التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري، ثقة، من (5) (عن أنس) بن مالك البصري. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لعبد الوارث بن سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي التياح، وكرر متن الحديث لأن في هذه الرواية اختصارًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم) أي في مباركها ومواضع مبيتها ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة، قال ابن دريد: ويقال ذلك أيضًا لكل دابة من ذوات الحوافر والسباع، واستدل بهذا الحديث مالك وأحمد وغيرهما ممن يقول بطهارة بول المأكول وروثه، وقد سبقت المسألة في كتاب الطهارة، وقوله (قبل أن يبنى المسجد) النبوي زيادة زادها في هذه الرواية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1069 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري، قال النواوي:

حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها يحيى فقط غير منسوب، والذي في الأطراف لخلف أنه يحيى بن حبيب وهو الصواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنسًا) ابن مالك. وهذا السند أيضًا من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة خالد بن الحارث لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة بن الحجاج، حالة كونه (يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يصلي في مرابض الغنم، وساق خالد بن الحارث (بمثله) أي بمثل ما حدث معاذ بن معاذ عن شعبة، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أنس بن مالك وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

249 - (61) باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة زادها الله شرفا

249 - (61) باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة زادها الله شرفًا 1070 - (486) (146) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قَال: صَلَّيتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا. حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ التِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَحَيثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] فَنَزَلَتْ بَعْدَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 249 - (61) باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة زادها الله شرفًا 1070 - (486) (146) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة، من (3) (عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) البراء (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم) مستقبلًا (إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا) أو سبعة عشر شهرًا كما في الرواية الآتية، والصحيح سبعة عشر شهرًا من غير شك وهو قول مالك وابن المسيب وابن إسحاق، وقيل حولت بعد ثمانية عشر وقيل بعد سنتين، وروي بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر وهذان شاذان، والصحيح ما ذكرناه أولًا، وقوله (حتى نزلت الآية التي في) سورة (البقرة) غاية لصليت متعلق به أي صليت معه إلى بيت المقدس إلى نزول هذه الآية التي في سورة البقرة وهِيَ قولُه تعالى: ({وَحَيثُ مَا}) أي وفي أي مكان كنتم فيه ({فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}) أي وجهوا وجوهكم في صلاتكم ({شَطْرَهُ}) أي شطر المسجد الحرام وجهته لأنه قبلتكم المستمرة إلى يوم القيامة (فنزلت) هذه الآية، والظرف في قوله (بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم) متعلق بانطلق المذكور بعده لأن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا وحذفًا، والتقدير فنزلت هذه الآية فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر إلى مكة (فانطلق رجل) هو عباد بن بشر، وقيل عباد بن نَهِيكٍ (من القوم) الذين صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر (بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم) أي

فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ. فَحَدَّثَهُمْ. فَوَلَّوْا وُجُوهَهُمْ قِبَلَ الْبَيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته العصر إلى مكة (فمر) ذلك الرجل (بناس من الأنصار) في داخل المدينة وهم بنو حارثة (وهم) أي والحال أنهم (يصلون) صلاة العصر ذلك اليوم إلى الشام وهم أهل مسجد القبلتين (فحدثهم) أي فحدث ذلك الرجل الذي صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر أولئك الأنصار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حول إلى مكة (فولوا) أي فوجه أولئك الأنصار (وجوههم) وهم في صلاة العصر (قبل البيت) أي إلى جهة مكة وهم أهل مسجد القبلتين فصلوا صلاة واحدة إلى القبلتين بيت المقدس أولًا والكعبة ثانيًا. قال الحافظ في الفتح: وقع في تفسير ابن أبي حاتم من طريق تُوَيلَة بنت أسلم صليتُ الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة "وهو مسجد القبلتين" فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين أي ركعتين ثم جاءنا من يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام فانحرفوا وهم في ركوعٍ إلى الكعبة بأن تحول الإمام من مقدم المسجد إلى مؤخره ثم تحولت الرجال حتى صَارُوا خلفه وتحولت النساء حتى صِرْنَ خَلْفَ الرجال، وقد وَقَع بيانُ كيفية الانحراف والتحول في حديث تويلة، قالت: فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء. قال الحافظ: وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخرة المسجد لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملًا كثيرًا في الصلاة فيحتمل أن ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون قد اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة أو وقعت الخطوات غير متوالية عند التحول بل مفرقة انتهى اهـ من تحفة الأَحوَذِيِّ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 288] والبخاري [40] والترمذي [2966] والنسائي [1/ 243] وابن ماجه [1010]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال:

1071 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ. جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ. حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ؛ قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: صَلَّينَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ. 1072 - (487) (147) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1071 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (وأبو بكر) محمد (بن خلاد) الباهلي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (جميعًا عن يحيى) بن سعيد القطان التميمي البصري (قال ابن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (حدثني أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (قال) أبو إسحاق (سمعت البراء) بن عازب الأنصاري الكوفي. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والسماع والمقارنة، حالة كون البراء (يقول صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس) أي جهته (ستة عشر شهرًا أو صبعة عشر شهرًا) بالشك من الراوي (ثم صُرِفْنَا) على صيغة المجهول أي حَوَّلَنا الله سبحانه وتعالى (نحو الكعبة) أي جهة الكعبة المشرفة أي أمرنا بالاستقبال في صلاتنا إلى جهة مكة المكرمة، قال القاضي عياض: وفي الحديث جواز النسخ، وأجمع عليه المسلمون إلا طائفة من المبتدعة لا يُعْبَأ بها، قال الأبي: وطائفة من المسلمين ردوا ما جاء منه إلى التخصيص، وجمهور اليهود على أنه ممتنع عقلًا لأنه يلزم عليه البداء وهو على الله سبحانه وتعالى محال، ومنعه بعضهم سمعًا وزعم أن موسى - عليه السلام - نص على بقاء شريعته ما بقيت السموات والأرض وهذه الحجة لقنها لهم ابن الراوندي لعنه الله تعالى وهي كاذبة، قال القاضي: وفي الحديث قبول خبر الواحد وهو مذهب جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1072 - (487) (147) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9)

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: بَينَمَا النَّاسُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَال: إِن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيهِ اللَّيلَةَ. وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا عبد العزيز بن مسلم) أبو زيد القسملي نسبة إلى محلة بالبصرة تسمى بالقساملة، روى عن عبد الله بن دينار في الصلاة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبي سنان ضرار بن مرة في الصوم، ويروي عنه (خ م د ت س) وشيبان بن فروخ وعبد الصمد بن عبد الوارث وإسحاق بن عمر بن سليط وابن مهدي والقعنبي، وثقه ابن معين والعجلي وابن نمير، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال في التقريب: ثقة عابد ربما وهم، من السابعة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة (حدثنا عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني، ثقة من (4) (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما العدوي المكي. وهذا السند من رباعياته رجاله واحد منهم مكي وواحد مدني وواحد بصري وواحد أبلي (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (واللفظ) الآتي (له) أي لقتيبة لا لشيبان (عن مالك بن أنس) المدني (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند أيضًا من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد بلخي (قال) ابن عمر (بينما الناس في صلاة الصبح) أي بينما أوقات كون الناس في صلاة الصبح (بقباء) موضع بقرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب على ميلين يقصر ويمد ويصرف ولا يصرف كما في المصباح أي في مسجد قباء (إذ جاءهم آت) بالمد وهو عباد بن بشر، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي بين أوقات كون الناس في صلاة الصبح فاجأهم مجيء آت من المدينة (فقال) ذلك الآتي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة) قرآن كما هو مصرح به في رواية البخاري بالتنكير لأن القصد منه البعض يعني قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآيات وأطلق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازا (وقد أمر) صلى الله عليه وسلم بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أن) أي بأن (يستقبل) أي باستقبال (الكعبة) المشرفة أي جهتها (فاستقبلوها) بفتح الموحدة عند جمهور الرواة على أنه فعل

وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشامِ. فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَة ـــــــــــــــــــــــــــــ ماض، وقوله (وكانت وجوههم) أولًا موجهة (إلى) جهة (الشام) تفسير من الراوي للتحول المذكور، والضمير في فاستقبلوها ووجوههم لأهل قباء أو للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وفي رواية (فاستقبِلوها) بكسر الموحدة بصيغة الأمر، والضمير لأهل قباء، قال النواوي: والكسر أفصح وأشهر وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده اهـ، قال القسطلاني: ويؤيده ما عند البخاري في التفسير "وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها" (فاستداروا) أي تحول أهل قباء من الشام (إلى الكعبة) وهم في صلاتهم بأن تحول الإمام من مكانه مقدم المسجد إلى مؤخره، ثم تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحول النساء حتى صرن خلف الرجال كما مر بيانه، واستشكل هذا لما فيه من العمل الكثير في الصلاة، وأجيب باحتمال وقوعه قبل التحريم أو لم تتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت مفرقة. واستنبط من الحديث أن الذي يؤمر به عليه الصلاة والسلام يلزم أمته وأن أفعاله يُؤْتَسَى بها كأقواله حتى يثبت دليل على الخصوصية وأن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه وقبول خبر الواحد اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [403] والترمذي [341] والنسائي [2/ 61]. وقال الحافظ: وهذا الحديث لا يعارض حديث البراء في الصحيحين أنهم كانوا في صلاة العصر لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر اهـ. قلت: ها هنا اختلاف آخر وهو أنه وقع في رواية الترمذي (فصلى معه صلى الله عليه وسلم رجل) وفي حديث عمارة بن أوس أن التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة إحدى صلاتي العشي، وهكذا في حديث عمارة بن رويبة وحديث تويلة، وفي حديث أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر، والجمع بين هذه الروايات أن من قال إحدى صلاتي العشي شك هل هي الظهر أو العصر، وليس من شك حجة على من جزم، فنظرنا فيمن جزم فوجدنا بعضهم قال الظهر وبعضهم قال العصر ووجدنا رواية العصر أصح لثقة رجالها وإخراج البخاري لها في صحيحه، وأما حديث كونها الظهر ففي إسنادها مروان بن عثمان وهو مختلف فيه، وأما رواية أن أهل قباء كانوا في صلاة الصبح فيمكن أنه أبطأ الخبر عنهم إلى صلاة الصبح كذا في النيل اهـ تحفة الأحوذي.

1073 - (00) (00) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: بَينَمَا النَّاسُ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ. إِذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1073 - (00) (00) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلد على الفرات، صدوق مدلس، من (10) مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا نسبة إلى عقيل بن كعب الصنعاني نسبة إلى صنعاء اليمن أو الشام، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (15) أبواب (عن نافع) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة ثبت فقيه مشهور، من (3) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المكي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد هروي، وغرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لمالك في رواية هذا الحديث عن ابن عمر ولكنها متابعة ناقصة، وقوله (وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) معطوف على قوله عن نافع لأن موسى بن عقبة له شيخان نافع وعبد الله بن دينار (قال) ابن عمر (بينما الناس في صلاة النداة) أي الصبح (إذ جاءهم رجل) وساف موسى بن عقبة (بمثل حديث مالك) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين، وقوله (في صلاة الغداة) قال النواوي: فيه جواز تسمية الصبح غداة وهذا لا خلاف فيه، لكن قال الشافعي رحمه الله تعالى: سماها الله تعالى الفجر، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فلا أحب أن تسمى بغير هذين الاسمين اهـ. وفي هذا الحديث دليل على جواز تنبيه من ليس في صلاة لمن فيها وفتحه عليه، وفيه دليل على جواز الاجتهاد في القبلة، ومراعاة السمت لاستدارتهم لأول الأمر قبل وقوعهم على موضع عينها ولا خلاف أن المطلوب عينها مع المشاهدة، وفيه الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم وفي ذلك خلاف وأنه لا يثبت حكم إلا بدليل اهـ أبي. قال الطحاوي: وفيه أن من لم تبلغه الدعوة ولا علم بفرض ولا أمكنه استعلام أن الفرض ساقط عنه والحجة غير قائمة عليه، واختلف فيمن أسلم ببلد الحرب أو أطراف بلاد

1074 - (488) (148) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيتِ الْمَقْدِسِ. فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَمَزَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ. وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً. فَنَادَى: أَلا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ. فَمَالُوا كَمَا هُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام ولا عَلِمَ أن الله سبحانه فرض شيئًا ولا وجد من يسأل ثم علم بعد ذلك فقال مالك والشافعي وآخرون يلزمه قضاء ما مر عليه من صلاة وصيام لأنه قادر على البحث والخروج، وقال أبو حنيفة: إن أمكنه تعلم ذلك فلم يفعل قضى لأنه فرط وإلا لم يلزمه إذ لا يلزم فرض لمن لم يعلمه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث البراء بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 1074 - (488) (148) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار التميمي أبو سلمة البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني أبي محمد البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا بكر بن أبي شيبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت) آية {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فمر رجل من بني سلمة) ممن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو عباد بن بشر كما مر على أهل قباء وهم بنو عمرو بن عوت (وهم) أي والحال أنهم (ركوع) أي راكعون (في صلاة الفجر و) الحال أنهم (قد صلوا ركعة) من الصبح (فنادى) الرجل القوم المصلين فقال لهم (ألا) أي انتبهوا واسمعوا ما أقول لكم (إن القبلة) التي هي بيت المقدس (قد حولت) ونسخت أي إن الاستقبال في الصلاة حول من الشام إلى مكة (فمالوا) أي فمال القوم المصلون لما سمعوا كلامه كما هم) أي على الحال التي كانوا عليها من هيئة

نَحْوَ الْقِبْلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الركوع من جهة الشام (نحو القبلة) أي جهة القبلة الناسخة يعني إلى جهة مكة المكرمة زادها الله شرفًا، وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكن رواه ابن أبي شيبة في مسنده. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث البراء ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد أيضًا. ***

250 - (62) باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذها مساجد ولعن فاعله وعن التصاوير فيها

250 - (62) باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذها مساجد ولعن فاعله وعن التصاوير فيها 1075 - (489) (149) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ. أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَالشَةَ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَينَهَا بِالْحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاويرُ، لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن أُولَئِكِ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 250 - (62) باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذها مساجد ولعن فاعله وعن التصاوير فيها 1075 - (489) (149) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني (أخبرني أبي) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد نسائي (أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين مشهورة بكنيتها لها خمسة وستون حديثًا (65) اتفقا على حديئين وانفرد (م) بمثلها، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زينب بنت جحش في الفتن، ويروي عنها (ع) وبنتُها حبيبةُ في الفتن، وسالم بن شوَّال في الحج، وزينب بنت أم سلمة في النكاح، وعنبسة بن أبي سفيان أخوها (وأم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، روى عنها في (9) أبواب (ذكرتا كنيسة) وهي معبد النصارى (رأينها بالحبشة) أي رأتاها مع من معهما من المهاجرات إليها ولك أن تقول إن التعبير عنهما بنون الجمع على أن أقل الجمع اثنان (بالحبشة) جنس من السودان ضد البيضان والحمران (فيها) أي في تلك الكنيسة (تصاوير) جمع تصوير بمعنى مُصَوَّر أي صور من آدميين يعبدونها، وقوله (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بذكرتا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أولئكِ) إشارة إلى أهل الحبشة والخطاب للمؤنث التي ذكرَتْ له تلك الكنيسة، وقال الأبي: الإشارة إلى المصنف لا إلى الذين رأت ذلك عندهم لأنه كان قبلهم في الجاهلية الأولى التي هي قوم نوح - عليه السلام - ومَنْ قبلهم (إذا كان فيهم الرجل الصالح) المؤدي لحقوق الله وحقوق العباد، قال ابن الملك:

فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَيَّ قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ. أُولئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ توصيفه بالصلاح على زعمهم (فمات) ذلك الصالح (بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه) أي في ذلك المسجد (تلك الصور) التي رَأَيتُنَّهَا التي مات أصحابها فالإشارة إلى الصور المنقوشة، والخطاب للتي ذكرتها (أولئك) المصورون تلك الصور (شرار الخلق) وأخساؤهم (عند الله) سبحانه وتعالى (يومَ القيَامة) والمحاسبة والمجازاة، والإشارة في قوله (أولئك) إلى أولئك المصورين، والخطاب مثل ما قبله، قال الأبي: الأظهر في الإشارة أنها لمن نحت وعبد وإن كانت في الظاهر لمن نحت فقط فيحتمل كونهم شرار الخلق بتصويرهم لحديث وعيد المصورين، قال القرطبي: قوله (أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا تلك الصور) قال الشيخ ابن عرفة: إنما فعل ذلك أَوائِلُهم ليستأنسوا برؤية تلك الصورة ويتذكروا بها أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله سبحانه كعبادتهم عند قبورهم فمضت له بذلك أزمان ثم إنهم خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم ووسوس لهم الشيطان أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها وأنها ترزق وتنفع وتضر فعبدوها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك وشدد النكير والوعيد على فعل ذلك وسَدّ الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد" رواه مالك في الموطأ من حديث عطاء بن يسار أي أنهاكم عن ذلك، وقال "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" رواه مسلم، وقال "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد" رواه مالك في الموطأ من حديث عطاء أيضًا. قال الطبري: إن ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا أسماء أصنام قوم نوح عليه السلام إنما كانت أسماء صالحيهم في القديم الذين صوروا صورهم كما مر فلما جاء الخَلَفة نُوسِي أصلُ ذلك الفعل وألقى إليهم الشيطان أن سموا تلك الصور بأسماء أولئك الصالحين فسواع هو ابن شيث ويغوث ويعوق ونسر من أولاده اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 51]، والبخاري [427] والنسائي [2/ 42]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

1076 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثنَا وَكيعٌ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَهُمْ تَذَاكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ. فَذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَنِيسَةً ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. 1077 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: ذَكَرْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَينَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. يُقَالُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 1076 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة) رضي الله عنها، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة وكيع ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة (أنهم) أي أن الأصحاب (تذاكروا) أي تحدثوا (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) شؤون اليهود والنصارى وعبادتهم وكنائسهم (في مرضه) الذي توفي به رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكرت أم سلمة وأم حبيبة) رضي الله تعالى عنهما (كنيسة) رأينها في الحبشة (ثم ذكر) وكيع (نحوه) أي نحو حديث يحيى بن سعيد القطان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1077 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي معاوية ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن هشام (قالت ذكرن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) قال النواوي: هكذا ضبطناه ذكرن بالنون، وفي بعض الأصول ذكرت بالتاء والأول أشهر وهو جائز على تلك اللغة القليلة لغة أكلوني البراغيث، ومنها (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) أي ذكرت أزواجه صلى الله عليه وسلم عنده صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات بها كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها)

مَارِيَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِهِم. 1078 - (495) (150) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي حُمَيدٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لتلك الكنيسة (مارية) لأن صورة مريم أم عيسى عليهما السلام تعبد فيها وساق أبو معاوية (بمثل حديثهم) الصواب بمثل حديثهما أي بمثل حديث يحيى ووكيع فالمتابعة تامة وهذا هو الظاهر ويحتمل كون المتابعة في مشايخ المؤلف فالمتابعة ناقصة أي وساق أبو كريب بمثل حديث زهير وأبي بكر وعمرو الناقد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1078 - (490) (150) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (قالا حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي النحوي مولاهم أبو معاوية الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن هلال بن أبي حميد) الجهني مولاهم الوزان الكوفي، واختلف في اسم أبي حميد قيل عبد الله وقيل عبد الرحمن، وقال ابن أبي حاتم: عن أبيه: اسمه مقلاص، ثقة، من (6) وقيل مختلف فيه (عن عروة بن الزبير عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد بغدادي (قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه (يعني مات به العن الله) سبحانه وتعالى (اليهود والنصارى) وطردهم عن رحمته، فالجملة دعائية خبرية اللفظ إنشائية المعنى فكأنه قال: اللهم العنهم، وهذا تأكيد في النهي، وجملة قوله (اتخذوا قبور أنبيائهم) وصلحائهم (مساجد) أي معابد وكنائس، مستانفة على وجه البيان لِمُوجِبِ اللعنِ كأنه قيل: لم لعنوا؛ فأجيب بأنهم اتخذوا اهـ أبي، قال الأبي: لما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ميت عرَّض بفعل اليهود والنصارى لئلا يفعل بقبره مثل ذلك، قال القاضي عياض: وشدد النهي عن ذلك خوف أن يُتَنَاهى في

قَالتْ: فَلَوْلا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ. غَيرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ: وَلَوْلا ذَاكَ. لَمْ يَذْكُرْ: قَالتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعظيمه ويخرج عن حد المبرة إلى حد النَّكِيرِ فيُعْبَد مِن دون الله عزّ وجل، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد" لأن هذا الفعل كان أصل عبادة الأوثان على ما تقدم، ولذا لما كثر المسلمون أيام عثمان رضي الله عنه واحتيج إلى التوسعة في المسجد وامتدت الزيادة حتى أدخلت فيه بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم ومن جملتها بيت عائشة رضي الله تعالى عنها التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أدير على القبر المشرف حائط مرتفع كيلا يظهر القبر في المسجد فيصلي إليه العوام فيقعوا في اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدًا ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من جهة الشمال حتى لا يُمْكِنَ استقبالُ القبر في الصلاة ولذلك قالت: لولا ذلك لبرز قبره (قلت) ولكن هذا الوصف إنما يتوافق مع وضع القبر الشريف في العصر القديم ثم طرأ عليه تعديل في العصر المملوكي ثم العثماني بحيث أصبح القبر ضمن حجرة مربعة تعلوه القبة الخضراء فمن صلى خلف الحجرة لم يكن مستقبلًا القبر لوجود الساتر والله سبحانه وتعالى أعلم. (قالت) عائشة رضي الله عنها (فلولا ذاك) أي خوف اتخاذ قبره مسجدًا بقرينة السياق وقولها (أبرز قبره) صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول جواب لولا ولفظ البخاري "لأبرزوا قبره" أي لجعلوه بارزًا منكشفًا للناس لكن لم يبرزوه أي لم يكشفوه بل بنوا عليه حائلًا يمنع الترائي والدخول فامتنع الإبراز لوجود خشية الاتخاذ ولولا حرف لامتناع الشيء لوجود غيره كما هو المعلوم في محله (غير أنه) أي غير أن الشأن والحال (خشي) قال النواوي: بضم الخاء بالبناء للمفعول وفتحها بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهما صحيحان أي لكن أنه خيف (أن يتخذ مسجدًا) أي معبدًا فبنى عليه، قال شراح البخاري: وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد ولذا لما وسع المسجد جعلت الحجرة الشريفة -رزقنا الله العود إليها- مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر المشرف مع استقبال القبلة اهـ (وفي رواية) أبي بكر (ابن أبي شيبة ولولا ذاك) بالواو بدل الفاء و (لم يذكر) ابن أبي شيبة لفظة (قالت) عائشة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 34 و 80] والبخاري [1330] والنسائي [2/ 40 - 41].

1079 - (491) (151) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسَ وَمَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ. اتَخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". 1080 - (00) (00) وحدّثني قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ. حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة هذا الأخير بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1079 - (491) (151) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ومالك) بن أنس المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) المدني (حدثني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان أيليان وواحد مصري (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود) أي لعنهم كما في الرواية الآتية، وقيل معناه قتلهم وأهلكهم، وقوله (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) استئناف وقع تعليلًا في المعنى لدعائه عليهم لأن اتخاذهم كذا إما لعبادتهم الأنبياء أو لتشريكهم الأنبياء وكلاهما مذمومان كذا في المبارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الصلاة، وأبو داود في الجنائز، والنسائي في الوفاة اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1080 - (00) (00) (وحدثني قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (حدثنا الفزاري) مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عبيد الله) بن عبد الله (بن الأصم) العامري الكوفي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من (6) روى عنه في الصلاة فقط، قال (حدثنا) عمي (يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة

أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَعَنَ الله الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". 1081 - (492) (152) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، (قَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ)، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالا: لَمَّا نُزِلَتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، طَفِق يَطْرَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغلاني، غرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن الأصم لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الثاني وابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1081 - (492) (152) (وحدثني هارون بن سعيد الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتانية السعدي مولاهم، ثقة، من (10) (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قال حرملة أخبرنا، وقال هارون: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني (أن عائشة وعبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي أو اثنان منهم أيليان وواحد مصري واثنان مدنيان وواحد طائفي (قالا لما نزلت) بالبناء للفاعل مع تاء التأنيث أي لما نزلت الوفاة (برسول الله صلى الله عليه وسلم) وحضرته هكذا في أكثر الأصول، وفي بعض النسخ لما نزل بضم النون وكسر الزاي على صيغة المبني للمجهول أي نزل ملك الموت والملائكة الكرام به صلى الله عليه وسلم (طفق) بكسر الفاء وفتحها والكسر أفصح وأشهر وبه جاء القرآن، يقال طفق يفعل كذا وهو من أفعال الشروع كقولك أخذ يفعل كذا، ويستعمل في الإيجاب دون النفي ولا بد لها من اسم وخبر إلا أن خبرها يلزم فيه أن يكون فعلًا مجردًا عن أن وقد قدمنا القول في عسى ويوشك؛ أي شرع (يطرح) أي

خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَإذَا اغْتَمَّ كَشَفَها عَنْ وَجْهِهِ. فَقَال، وَهُوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا. 1082 - (493) (153) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ يضع (خميصة له) وهو كساء له أعلام (على وجهه فإذا اغتم) أي عرق واشتد حره (كشفها) أي كشف الخميصة وأزالها (عن وجهه فقال وهو) أي والحال أنه كذلك) أي على تلك الحال من طرح الخميصة على وجهه وكشفها عنه (لعنة الله) سبحانه أي طَرْد الله وإبعاده عن رحمته (على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) أي معبدًا وموضعًا لصلاتهم، حالة كونه (يحذر) من التحذير أي يريد أن يحذر ويمنع أمته أن يفعلوا بقبره (مثل ما صنعوا) أي مثل ما صنعت اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذها مساجد والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 275 و 299] والبخاري [3453 و 3454] والنسائي [2/ 40]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة بحديث جندب رضي الله عنه الدال على صريح النهي فقال: 1082 - (493) (153) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنطلي المروزي (واللفظ) الآتي (لأبي بكر قال إسحاق أخبرنا وقال أبو بكر حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي، ثقة حافظ، من كبار (10) مات سنة (212) روى عنه في (8) أبواب (عن عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبي وهب الجزري الرقي، ثقة فقيه ربما وهم، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) الغنوي الجزري، ثقة له أفراد، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عمرو بن مرة) بن طارق بن عبد الله الهمداني المرادي الجملي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن الحارث) الزبيدي بالضم (النجراني) بنون وجيم نسبة إلى نجران بلدة معروفة في اليمن المعروفِ بالمُكْتِب الكوفي، روى عن جندب بن عبد الله وابن مسعود، ويروي عنه (م عم) وعمرو بن مرة

قَال: حَدَّثَنِي جُنْدَبٌ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: "إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ. فَإِن الله تَعَالى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا. وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لاتَّخَذتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وحميد الأعرج، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن المديني، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (قال) النجراني (حدثني جندب) بن عبد الله بن سفيان البجلي أبو عبد الله الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم كوفيون واثنان جزريان، وفيه التحديث با لإفراد والجمع والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) جندب بن عبد الله (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس) ليال (وهو) صلى الله عليه وسلم أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول إني أبرأ) أي أتبرأ وأتخلص (إلى الله) الذي لا إله غيره من (أن يكون لي منكم) أيها الأصحاب (خليل) أي حبيب أطلعه على سرّي وصاحب أشتكي إليه حاجتي يقال أبرأ من كذا أمتنع منه وأنكره، والخليل هو المنقطع إليه، وقيل المختص بشيء دون غيره، قيل هو مشتق من الخَلة بفتح الخاء وهي الحاجة، وقيل من الخُلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب، فنفى صلى الله عليه وسلم أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى، وقيل الخليل من لا يتسع القلب لغيره اهـ نواوي، وفي هامش بعض المتون (قوله إني أبرأ إلى الله) يعني ألتجيء إليه من (أن يكون لي منكم خليل) وخليل هنا بمعنى المفعول أي محبوب، وفي قوله (فإن الله تعالى قد اتخذني) أي جعلني (خليلًا) أي محبًا له (كما اتخذ إبراهيم) عليه السلام أي جعله (خليلًا) أي محبًا له بمعنى الفاعل كما فسرناه، والخليل من الخلة بضم الخاء وهي الصداقة المخللة في قلب المحب الداعية إلى اطلاع المحبوب على سره (ولو كنت متخذًا) لنفسي (من أمتي خليلًا) أي محبوبًا (لاتخذت أبا بكر خليلًا) أي محبوبًا، وفي هذا إشارة إلى أحقيته بالخلافة اهـ أبي؛ أي لو جاز لي أن أتخذ صديقا من الخلق يقف على سري لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن لا يطلع على سري إلا الله ووجه تخصيصه بذلك أن أبا بكر كان أقرب سرًّا من سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن أبا بكر لم يفضل عليكم بصوم ولا صلاة ولكن بشيء كتب الله

أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ. أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقبُورَ مَسَاجِدَ. إِني أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في قلبه" أفاده ابن الملك، والتتمة المذكورة موجودة في حديث "إن من أمن الناس على في صحبته وماله أبا بكر" كما في فضائل الصحيحين. وقيل إنما سمي إبراهيم - عليه السلام - خليلًا لقوله لجبريل - عليه السلام - وقد قال له: ألك حاجة، وقد رمي في المنجنيق، قال: أما إليك فلا. فنفى - عليه السلام - أن تكون له حاجة إلى أحد غير الله عزَّ وجلَّ. [فائدة] قلت: والفرق بين المحبة والخلة أن المحبة قد تكون من جانب واحد كحبك المال مثلًا، والخلة لا تكون إلا من الجانبين (ألا) حرف تنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإن من كان قبلكم) من الأمم (كانوا يتخذون) أي يجعلون (قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) لصلاتهم (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (فلا تتخذوا القبور) أي قبري وقبور الصالحين (مساجد) أي مواضع لصلاتكم تستقبلون إليها ألا (إني أنهاكم) وأحذركم (عن ذلك) أي عن اتخاذ القبور مساجد كما اتخذها من قبلكم مساجد، قال النواوي: النهي عن اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره مسجدًا هو خوف المبالغة في التعظيم فيؤدي الحال إلى الكفر كما اتفق في الأمم الخالية اهـ قال القاضي عياض: (قوله أنهاكم عن ذلك) أكد النهي عن ذلك خوف أن يتغالى في تعظيم قبره صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من حد المبرة إلى حد المنكر فيعبد من دون الله سبحانه وتعالى فيكون وثنًا أي مثل الوثن المعبود في تعظيم الناس له عند الزيارة واستقبالهم له في السجود فيكون شركًا، قال الأبي: والفرق بين الصنم والوثن أن الصنم ما نحت من حجر أو غيره والوثن ما نحت من غير الحجارة نحاسًا أو غيره اهـ، وعبارة القرطبي هنا قوله في حديث جندب (إني أبرأ إلى الله) إلخ أي أبعد عن هذا وأنقطع عنه وإنما كان كذلك لأن قلبه صلى الله عليه وسلم قد امتلأ بما تخلله من محبة الله تعالى وتعظيمه فلا يتسع لمخالة غيره أو لأنه صلى الله عليه وسلم قد انقطع بحاجاته كلها إلى الله ولجأ إليه في سد خلاته فكفاه ووقاه فلا يحتاج إلى أحد من المخلوقين، وقد تقدم القول في الخلة والخليل (وقوله ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا) إلخ هذا يدل على أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخصوص من منح الله تعالى ومن كريم مواهبه ومن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له لما ليس لأحد من بعده وهذا مذهب أهل السنة أجمعين من السَّلَفِ المَاضِينَ والخَلَف اللَّاحِقينَ اهـ منه. وهذا الحديث مما انفرد به الإمامُ مسلم رحمه الله تعالى. وجملةُ ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديثُ عائشةَ الأولُ ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعَتَين، والثاني حديثُ عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على لعن اليهود، والثالثُ حديثُ أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة الثاني وذكَرَ فيه متابعة واحدةً، والرابعُ حديث عائشة وابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديثها الثاني، والخامسُ حديثُ جندب بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

251 - (62) باب ثواب من بنى لله مسجدا

251 - (62) باب ثواب من بنى لله مسجدًا 1083 - (493) (153) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَثهُ سَمِعَ عُبَيدَ اللهِ الْخَوْلانِي يَذْكُرُ: أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَانَ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 251 - (62) باب ثواب من بنى لله مسجدًا 1083 - (493) (153) (حدثني هارون بن سعيد الأيلي) بن الهيثم التميمي (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المَعْرُوفُ بالتستري، صدوق، من (10) روى عن ابن وهب فقط في الإيمان والصلاة وغيرهما (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري، ثقة، من (9) (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأنصاري الأوسي أبا عمر المدني، روى عن عبيد الله الخولاني في الصلاة والزهد، وجابر بن عبد الله في الطب، ويروي عنه (ع) وبكير بن عبد الله بن الأشج وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل وزيد بن أسلم، وثقه ابن معين وابن سعد وأبو زرعة والنسائي، وقال البزار: ثقة مشهور، وقال في التقريب: ثقة عالم بالمغازي، من الرابعة، مات سنة (120) عشرين ومائة (حدثه) أي حدث بكيرًا (أنه) أي أن عاصم بن عمر (سمع عبيد الله) بن الأسود (الخولاني) المدني ربيبَ ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم روى عن عثمان بن عفان في الصلاة والزهد، وزيد بن خالد في اللباس، ويروي عنه (خ م د س) وعاصم بن عمر بن قتادة وبسر بن سعيد له عندهم ثلاثة أحاديث، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (يذكر أنه سمع عثمان بن عفان) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون أو ثلاثة مصريون وواحد أيلي، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبارُ والسماع والمقارنة؛ أي سمع عثمان بن عفان، حالة كونه "يقول" كما في رواية البخاري (عند قول الناس فيه) أي في عثمان ما قالوا في إنكارهم عليه بناء المسجد (حين بنى) أي أراد أن يبني (مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم) بالحجارة المنقوشة والقَصَّةِ ويجعل عمده من الحجارة

إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ، وإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلهِ تَعَالى -قَال بُكَيرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَال: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ الله- بَنَى الله لَهُ بَيتًا فِي الْجَنَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويسقفه بالساج وكان ذلك سنة ثلاثين على المشهور ولم يبن المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيده (إنكم) أيها الناس (قد كثرتم) الكلام في الإنكار عَلَى ما فَعَلْتهُ (وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول من بنى) حقيقة أو مجازًا (مسجدًا) كبيرًا كان أو صغيرًا، ولابن خزيمة "كمفحص قطاة أو أصغر" ومَفْحَصُها بفتح الميم والحاء المهملة كمقعد هو مجثَّمها لتضع فيه بَيضَها وتَرْقد عليه كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه والفحص البحث والكشف، ولا ريب أنه لا يكفي مقداره للصلاة فيه فهو محمول على المبالغة لأن الشارع يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يقع كقوله "اسمعوا وأطيعوا ولو عبدًا حبشيًّا" وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الأئمة من قريش" أو هو على ظاهره بأن يزيد في المسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو اشترك جماعة في بناءِ مسجد فتقع حصَّةُ كل واحد منهم ذلك القَدْر أو المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فأطلق عليه البناء مجازًا لكن الحمل على الحقيقة أولى، وخص القطاة بهذا لأنها لا تبيض على شجرة ولا على رأس جبل بل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطير فلذلك شبه به المسجد ولأنها توصف بالصدق فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه، وقيل لأن أَفْحوصها يشبه محراب المسجد في استدارته وتكوينه (لله تعالى) أي مخلًا له تعالى في بنائه لا للرياء والسمعة والمحمدة كما في الرواية الأخرى "يبتغي به وجه الله" (قال بكير) المذكور (حسبت أنه) أي أن شيخه عاصمًا (قال) بالإسناد السابق (يبتغي) أي يطلب ويقصد (به) أي ببناء المسجد (وجه الله) عزَّ وجلَّ أي ذاته تعالى طلبًا لمرضاته تعالى لا رياء ولا سمعة، ومَن كتب اسمه على المسجد الذي يَبْنِيه كان بعيدًا من الإخلاص قاله ابن الجوزي. وجملة يبتغي في موضع الحال من ضمير بنى إن كان من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لم يجزم بكير بهذه الزيادة لأنه نسيها فذكَرَها بالمعنى مترددًا في اللفظ الذي ظنه، والجملة اعتراض بين الشرط وهو قوله من بنى وجوابه وهو قوله (بنى الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الباني (بيتًا) كائنًا (في الجنة) لكنه في السعة أفضل مما لا عين رأت ولا أذن

وَقَال ابْنُ عِيسى فِي رِوَايَتِهِ: "مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ". 1084 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت ولا خطر على قلب بشر (وقال ابن عيسى في روايته) بنَى له (مثْلَه) أي مثل ذلك المسجد في مسمى البيت فهو صفة لمصدر محذوف تقديره بِناءَ مِثْلَهُ، حالة كونه (في الجنة) لكنَّهُ في السعة أفضلُ، قال القرطبي: هذه المثلية ليست على ظاهرها ولا من كل الوجوه، وإنما يَعْنِي أنه بنى له بثوابه بناء أشرف وأعظم وأرفع وكذلك في الرواية الأخرى "بنى الله بيتًا في الجنة" ولم يسمه مسجدًا وهذا البيت هو "والله أعلم" مثل بيت خديجة الذي قال فيه "إنه من قصب لا صخب فيه ولا نصب" رواه البخاري يريد من قصب الزمرد والياقوت، ويعتضد هذا بأن أجور الأعمال مضاعفة، وأن الحسنة بعشر أمثالها، وهذا كما قال في المتصدق بالتمرة "إنها تربى حتى تصير مثل الجبل" رواه أحمد والبخاري، ولكن هذا التضعيف هو بحسب ما يقترن بالفعل من الإخلاص والإتقان والإحسان، ولما فهم عثمان هذا المعنى تأنق في بناء المسجد وحسنه وأتقنه وأخلص له فيه رجاء أن يبنى له قصر متقن مشرف مرقع وقد فعل الله تعالى له ذلك وزيادة رضي الله تعالى عنه اهـ منه. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 61 - 70] والبخاري [450] والترمذي [318] وابن ماجه [763]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان رضي الله عنه فقال: 1084 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا الضحاك بن مخلد) الشيباني أبو عاصم النبيل البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله الأنصاري الأوسي أبو حفص المدني، روى عن أبيه في الصلاة والأشربة والعلم والفتن والزهد، وسعيد المقبري وعمران بن أبي حسن في الحج، ويزيد بن أبي حبيب في النكاح والبيوع واللباس، والأسود أبي العلاء في الفتن، وعمرو بن الحكم في الفتن، ويروي عنه (م عم) وأبو عاصم النبيل وأبو بكر الحنفي وابن وهب وهشيم ووكيع وأبو خالد الأحمر ويحيى القطان وعيسى بن يونس وأبو أسامة وعبد الله بن عمران وخالد بن الحارث وعبد الملك بن الصباح، وثقه ابن معين وابن سعد، وقال في التقريب: صدوق، وربما وهم، من السادسة، مات سنة (153) ثلاث

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ؛ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ. فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ. فَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيئَتِهِ. فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلهِ بَنَى الله لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وخمسين ومائة (حدثني أبي) جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري الأوسي أبو عبد الحميد المدني، يروي عنه (م عم) وابنه عبد الحميد، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع بن امرئ القيس الأنصاري الأشهلي أبي نعيم المدني صحابي صغير جل روايته عن الصحابة، روى عن أبي سعيد وعمر وعثمان بن عفان في الصلاة، ويروي عنه (م عم) وجعفر بن عبد الله الأنصاري الأوسي والزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وطائفة، مات سنة (96) ست وتسعين، وله (99) تسع وتسعون سنة (أن عثمان بن عفان) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بصري ونسائي، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وفيه المقارنة، غرضه بسوقه بيان متابعة محمود بن لبيد لعبيد الله الخولاني في رواية هذا الحديث عن عثمان (أراد بناء المسجد) النبوي أي توسعته (فكره الناس ذلك) أي هدم ما بناه النبي صلى الله عليه وسلم وتوسعته أي أنكروا ذلك عليه (فأحبوا أن يدعه) أي أن يترك المسجد النبوي (على هيئته) وبنائه الأول (فقال) عثمان معتذرًا إليهم إني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجدًا) صغيرًا أو كبيرًا مخلصًا (لله) سبحانه وتعالى (بنى الله له في الجنة) بناء (مثله) أي بيتًا يماثل المسجد في الشرف ولا يلزم أن تكون جهة الشرف متحدة، انظر المبارق فإن تمام الكلام فيه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عثمان وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

252 - (63) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق

252 - (63) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق 1085 - (494) (154) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ، أَبُو كُرَيبٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ. قَالا: أَتَينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ. فَقَال: أَصَلَّى هَؤلاءِ خَلْفَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا. قَال: فَقُومُوا فَصَلُّوا. فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 252 - (63) باب وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق والتطبيق أن يجمع بين أصابع يديه ويجعلها بين ركبتيه في الركوع وهو خلاف السنة. 1085 - (494) (154) (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب (الهمداني أبو كريب) الكوفي (قال حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي (عن الأسود) بن قيس النخعي أبي عمرو الكوفي، ثقة، من (2) مخضرم (وعلقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي أبي شبل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) كلاهما (قالا أتينا عبد الله بن مسعود) الهذلي أبا عبد الرحمن الكوفي. وهذا السند من سداسياته، من لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وأن فيه ثلاثة من الأتباع يروي بعضهم عن بعض (في داره) أي في دار ابن مسعود في الكوفة متعلق بأتينا (فقال) لنا ابن مسعود (أصلى هؤلاء) الناس يعني الأمير وأتباعه، وفيه إشارة إلى إنكار تأخيرهم الصلاة، قال القرطبي: هذه الإشارة إلى الأمراء عاب عليهم تأخيرها عن وقتها المستحب ويدل عليه آخر الحديث، وقوله (خلفكم) إشارة إلى موضعهم فكأنه قال: أصلى هؤلاء الذين بقوا وراءكم في مساجدهم، ولم يرد به أنهم أئمتهم إذ قد صلى بهم عبد الله رضي الله عنه اهـ قرطبي. (فقلنا) له (لا) أي لم يصلوا الآن (قال) عبد الله (فقوموا فصلوا) معنا (فلم يأمرنا) عبد الله لصلاتنا معه (بأذان ولا إقامة) ففيه إشارة إلى جواز إقامة الجماعة في البيوت لكن لا يسقط بها فرض الكفاية إذا قلنا بالمذهب الصحيح أنها فرض كفاية بل لا بد من إظهارها وإنما اقتصر عبد الله بن مسعود على فعلها في البيت لأن الفرض كان يسقط

قَال: وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ. فَأَخَذَ بِأَيدِينَا فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ. قَال: فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعْنَا أيدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا. قَال: فَضَرَبَ أَيدِيَنَا وَطَبَّقَ بَينَ كَفَّيهِ. ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا بَينَ فَخِذَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفعل الأمير وعامة الناس صمان أخروها إلى أواخر الوقت (فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة) قال النواوي: هذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنه وبعض السلف من أصحابه وغيرهم أنه لا يشرع الأذان ولا الإقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه ويقام لصلاة الجماعة العظمى بل يكفي أذانهم وإقامتهم، وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن الإقامة سنة في حقه ولا يكفيه إقامة الجماعة واختلفوا في الأذان فقال بعضهم يشرع له، وقال بعضهم لا يشرع، والصحيح في مذهبنا أنه يشرع له الأذان إن لم يكن سمع أذان الجماعة وإلا فلا يشرع انتهى (قال) الأسود أفرد الفعل نظرًا إلى أن الأسود هو المعتبر لأن علقمة تبع مقارن له (وذهبنا) أي قَصَدْنَا وشَرَعْنَا (لنقوم خلفه) أي خلف ابن مسعود ووراءه (فأخذ) ابن مسعود أي أمسك (بأيدينا) أي بيد كل واحد منا (فجعل) أي أقام (أحدنا عن يمينه و) جعل (الآخر عن شماله) هذه الكيفية هي مذهب ابن مسعود ومن وافقه، وخالفه جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن فقالوا إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراءه صفا لحديث جابر وجبار بن صخر، وقد ذكره مسلم في صحيحه في آخر الكتاب في الحديث الطويل عن جابر وأجمعوا إذا كانوا ثلاثة أنهم يقفون وراءه، وأما الواحد فيقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة ونقل جماعة الإجماع فيه، ونقل القاضي عياض عن ابن المسيب أنه يقف عن يساره لحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في مرضه على ما تقدم ولا أظنه يصح عنه وإن صح فلعله لم يبلغه حديث ابن عباس وكيف كان فهم اليوم مجمعون على أنه يقف عن يمينه اهـ قال الأبي: هَيئَاتُ الوُقوفِ المذكورةُ مستحبة وهو للأنثى خَلْفُ، قال ابن حبيب: والصغيرُ يَثْبُتُ كالكبيرِ وغَيرهُ لَغْوٌ. (قال) الأسود (فلما ركع) ابن مسعود ركعنا معه و (وضعنا أيدينا) أي أكفنا (على ركبنا) جمع ركبة (قال (الأسود (فضرب) ابن مسعود (أيدينا) لنوافقه في التطبيق (و) الحال أن ابن مسعود (طبق) أي شبك وجمع (بين كفيه ثم أدخلهما بين فخذيه) قال القرطبي: وما ذكر من تشبيك اليدين وتطبيقهما بين الفخذين هو مذهب ابن مسعود وأصحابه خاصة وهو صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه منسوخ كما ذكر

قَال: فَلَمَّا صَلَّى قَال: إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا. وَيخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى. فَإِذَا رَأيتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَصَلُّوا الصَّلاةَ لِمِيقَاتِهَا. وَاجْعَلُوا صَلاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ في حديث سعد بن أبي وقاص ولم يبلغ ابن مسعود نسخه والله أعلم، وعلى نسخ التطبيق كَافَّةُ العلماء غَيْر من ذكر (قال) الأسود (فلما صلى) ابن مسعود أي فرغ من الصلاة (قال) ابن مسعود (إنه) أي إن الشأن والحال (ستكون) أي سَتُولَّى (عليكم أمراءُ يؤخرون الصلاة عن) أول (ميقاتها) المستحب (ويَخْنقُونها) بضم النون من باب نصر أي يضيقون وقتها ويؤخرون أداءها إلى ذلك الحين، يقال هم في خِنَاقي مِن كذا أي في ضيق منه، والمختنَقُ المُضيَّق أي يؤخرونها عن أول وقتها (إلى) أَنْ دنَت الشمسُ للغروب ولم يَبْقَ من الوقت إلا قَدْرُ وَقْتِ (شَرَقِ الموتى) أي إلا قدر وَقْتِ غُصَّتِهم بريقهم يعني أنهم يُصلُّونَها ولم يَبْقَ من النهار إلا قَدْرُ ما بَقِيَ من نَفْس المحتضر إذا شَرِقَ بريقه أي غُصَّ أفاده المجدُ، والإضافةُ إلى الموتى لكونِ ضوئها عند ذلك الوقتِ ساقطًا على المقابر. قال المازري: أي يُؤخرونها عن أول وقتها المختار ويفعلونها في غيره وقد بقي منه قدر شرق الموتى، قال ابن الأعرابي: شرق الموتى من قولهم شَرِقَ الميتُ بريقِه إذا لم يُبْقِ إلَّا يسيرًا ويموت، شَبَّه قلة ما بقي من الوقت بما بقي من حياة من شرق بريقه اهـ وهذا التأخير وقع في أمراء بني أمية، وكذلك أخر عمر بن عبد العزيز العصر فدخل عليه عروة بن الزبير فأنكر عليه، وهذا الحديث من أدلة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قد أخبر عن شيء من الغيب فوقع على نحو ما أخبر وكان بني أمية كانوا قد ذهبوا إلى أن تأخير الصلاة إلى آخِر وقتٍ يَسعُها أفضلُ كما هو قياس أبي حنيفة حيث قال: إن آخر الوقت هو وقت الوجوب، وقالت الأحناف: إن التعجيل في أول الوقت هو المستحب في صلاتي الفجر والمغرب أما صلاة الظهر فيستحب تأخيرها حتى تنكسر حدة الشمس، وكذا صلاة العصر بحيث لا تؤخر إلى وَقْت تَغير قُرْصِ الشمسِ، والعشاءُ يُستحب تأخيرها إلى قَبْل ثُلُثِ الليل. انظر فتح القدير لابن همام [1/ 158] القرطبي. (فإذا رأيتموهم) أي رأيتم الأمراء (قد فعلوا ذلك) أي تأخير الصلاة إلى شَرقِ الموتى (فصلوا الصلاةَ) أنتم بأنفسكم (لميقاتها) أي في أولِ وَقْتِها الأفضلِ (واجعلوا صلاتكم معهم سبحة) بضم السين وسكون الموحدة أي نافلة، وهذا لِما يُخْشَى مِن أذاهم

وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَصَلُّوا جَمِيعًا وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ. وَإذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِشْ ذِرَاعَيهِ عَلَى فَخِذَيهِ وَلْيَجْنَأْ. وَلْيُطَبِّقْ بَينَ كَفيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن المخالفة عليهم. قال النواوي: معناه صلوا في أول الوقت يسقط عنكم الفرض ثم صلوا معهم متى صلوا لِتَحْرزُوا فضيلةَ أولِ الوقت وفضيلة الجماعة ولئلا تقع فتنة بسبب التخلف عن الصلاة مع الإمام وتختلف كلمة المسلمين، وفيه دليل على أن من صلى فريضة مرتين تكون الثانية سنة، والفرض سقط بالأول وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وقيل الفرض أكملها، وقيل كلاهما، وقيل إحداهما مبهمة، وتظهر فائدة الخلاف في مسائل معروفة في كتب الفروع (وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعًا) أي مجتمعين متساويين في القيام بلا تقدم واحد منكم إلى مقام الإمام في الجماعة الكثيرة كما تدل عليه رواية النسائي "قال وإذا كنتم ثلاثة فاصنعوا هكذا" أي مثل ما صنعنا اليوم من قيام أحدكما عن يميني والآخر عن يساري (وإذا كنتم أكثر من ذلك) أي من الثلاث (فليؤمكم أحدكم) أي فليتقدم عليكم في القيام وليقم مقام الإمام من القوم (وإذا ركع أحدكم فَلْيُفْرِش) من أفرش الرباعي أي فليضع (ذراعيه) أي ساعديه (على فخذيه وليجنأ) بفتح الياء وسكون الجيم وفتح النون هكذا عند الطبري من جنأ يجنأ جنأ وجنوءًا إذا انحنى في الركوع، وفي رواية الترمذي "وليَحْنُ" بضم النون وفتح الياء من حنوت العود إذا عطفته، ورواية أكثر الشيوخ "وليَحْنِ" بكسر النون من حنيت العود وهما بمعنى وكلها صحيح والمعنى واحد وهو الانحناء في الركوع وتقوس الصلب وأصل الركوع في لغة العرب الخضوع والذلة قال شاعرهم: لا تُهِينَ الفَقيرَ عَلَّكَ أنْ ... تَركعَ يومًا والدَّهرُ قد رفَعه ثم هو في الشرع عبارة عن التذلل بالانحناء، وأقله عند المالكية تمكين وضع اليدين على الركبتين منحنيًا وهو الواجب، وهل الطمأنينة واجبة أو ليست بواجبة قولان عندهم، وعند أبي حنيفة الواجب منه أقل ما يطلق عليه اسم المُنْحَنى، والحديثُ الصحيح يرد عليه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى اهـ قرطبي. (وليطبق) أي وليشبك (بين) أصابع (كفيه) وليجعلهما بين ركبتيه والتطبيق كما مر هو أن يجمع بين أصابع يديه ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع كما في النهاية وهو خلاف السنة فإن السنة فيه أخذ الركبتين باليدين، وما ذكره عبد الله هو مذهبه ومذهب صاحبيه

فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلافِ أَصَابعِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَاهُمْ. 1086 - (00) (00) وحدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِي. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ علقمة بن قيس والأسود بن يزيد النخعيين وهو منسوخ، وناسخه حديث سعد بن أبي وقاص الآتي ولعله لم يبلغهم ولا يستبعد ذلك إذ لم يكن دأبه صلى الله عليه وسلم إلا إمامة الجمع الكثير دون اثنين إلا في الندرة كهذه القصة على تقدير ثبوت الرفع فيها بمقتضى الطريق الثالث. وتَرْكُ وضع اليدين على الركبتين في الركوع، وتَرْكُ وضعهما على الفخذين فيما بين السجدتين، وفي حال التشهد من مكروهات الصلاةِ عِنْدَ الأئمَّةِ الفقهاءِ اهـ من بعض الهوامش، قال عبد الله بن مسعود (فلكأني أنظر) الآن (إلى اختلاف أصابع) يدي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مخالفتها عند تشبيكها وتطبيقها، قال الأسود (فأراهم) عبد الله بن مسعود، من الإراءة؛ أي أرى عبدُ الله الأسودَ وعلقمةَ ومَنْ معهما كيفيةَ اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تشبيكه إياها. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث النسائي [2/ 184]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 1086 - (00) (00) (وحدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمد الكوفي، ثقة، من (10) وليس عندهم منجاب إلا هذا (أخبرنا) علي (بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح قال وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (ح قال وحدثني محمد بن رافع) القشيري مولاهم النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا مفضل) بن مهلهل السعدي أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (كلهم) أي كل من علي بن مسهر وجرير ومفضل رووا (عن الأعمش) الكاهلي الكوفي، غرضه

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ؛ أَنَّهُمَا دَخَلا عَلَى عَبْدِ الله بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاوَيةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَجَرِيرٍ: فَلَكَأَني أَنْظَرُ إِلَى اخْتِلافِ أَصَابِعِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ. 1087 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ؛ أَنَّهُمَا دَخَلا عَلَى عَبْدِ اللهِ. فَقَال: أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ؟ قَالا: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بسَوْقِ هذه الأسانيدِ بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش (عن إبراهيم) النخعي الكوفي (عن علقمة والأسود) النخعيين الكوفيين، ومن لطائف هذه الأسانيد أن رجالها كلهم كوفيون (أنهما دخلا على عبد الله) بن مسعود وساقوا (بمعنى حديث أبي معاوية و) لكن (في حديث ابن مسهر وجرير فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (راكع) بزيادة لفظة وهو راكع على رواية غيرهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1087 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) نسبة إلى دارم بكسر الراء أبو قبيلة أبو محمد السمرقندي صاحب المسند، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي أبي يوسف الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا الدارمي فإنه سمرقندي، وغرضه بسوقه بيان متابعة منصور للأعمش في رواية هذا الحديث عن إبراهيم النخعي (فقال) عبد الله لهما (أصلى) أي هل صلى الآن (من) تركتم (خلفكم) ووراءكم من أهل البلدة أراد بهم من عبر عنه أولًا بهؤلاء يعني الأمير وأتباعه من الناس (قالا) أي قال الأسود وعلقمة لعبد الله (نعم) صلوا والذي تقدم في الرواية السابقة "فقلنا لا" ولعل

فَقَامَ بَينَهُمَا. وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ. ثُمَّ رَكَعْنَا. فَوَضَعْنَا أَيدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا. فَضَرَب أَيدِيَنَا. ثُمَّ طَبَّقَ بَينَ يَدَيهِ. ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَينَ فَخِذَيهِ. فَلَمَّا صَلَّى قَال: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 1088 - (495) (155) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ)، قَالا: حَدَّثنَا أبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحادثة ليست بواحدة، وعبارة الأبي هنا: وفي الأول قالوا: لا، فيحتمل أنهما موطنان اهـ فيندفع التعارض بتعدد الواقعة (فقام) عبد الله (بينهما) أي بين علقمة والأسود ووسطهما (وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله) وهذا أيضًا مذهب عبد الله وصاحبيه المذكورين والسنة أن يقفَ واحدٌ عن يمين الإمام ويَصْطفُّ اثْنان فصاعدًا خَلْفه، ولعل ما حكاه عنه صلى الله عليه وسلم كان لضيق المكان اهـ من بعض الهوامش. قال الراوي (ثم) ركع عبد الله و (ركعنا) معه (فوضعنا أيدينا) في الركوع (على ركبنا فضرب) عبد الله (أيدينا ثم طبق) وشبك عبد الله (بين) أصابع (يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى) عبد الله أي فرغ من الصلاة (قال) لنا (هكذا) أي مثل هذا الذي فعلته من التطبيق والوضع بين الفخذين (فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا منسوخ بما سيأتي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 1088 - (495) (155) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (وأبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) نسبة إلى جحدر أحد أجداده البصري (واللفظ) الآتي (لقتيبة قالا حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (19) (عن أبي يعفور) بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء العبدي الكوفي الكبير، مشهور بكنيته، اسمه وقدان، وقيل اسمه وا قد، وَوَقْدانَ لقَبُه، روى عن مصعب بن سعد في الصلاة وعرفجة بن شريح في الجهاد، وابن أبي أوفى في الذبائح وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو عوانة وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وشعبة وابن يونس وغيرهم، قال أحمد: كوفي ثقة، ووثقه ابن معين وعلي بن المديني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، وليس في مسلم من اسمه وقدان إلا هذا الثقة.

عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ. قَال: صَلَّيتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي. قَال: وَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَينَ رُكْبَتَيَّ. فَقَال لِي أَبِي: اضْرِبْ بِكَفَّيكَ عَلَى رُكْبَتَيكَ. قَال: ثُمَّ فَعَلْتُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَضَرَبَ يَدَيَّ وَقَال: إِنَّا نُهِينَا عَنْ هَذَا. وَأُمِرْنَا أنْ نَضرِبَ بِالأكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ. 1089 - (00) (00) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ح قَال: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ [تنبيه]: وما ذكره النواوي هنا من أن المراد بأبي يعفور هنا الأصغر اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بكسر النون فسبق قلم أو سهو منه رحمه الله تعالى لأنه مخالف لما في كتب الرجال لأن أبا يعفور الأصغر لا يروي عن مصعب بن سعد، ولا يروي عنه أبو عوانة والله سبحانه وتعالى أعلم. (عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص أبي زرارة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) مصعب (صليت إلى جنب أبي) سعد بن أبي وقاص الزهري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد إما بلخي أو بصري (قال) مصعب (وجعلت يدَيَّ) أي كَفَّيَّ في الركوعِ (بين ركبَتي فقال لي أبي) سعدُ بن أبي وقاص (اضرِبْ) أي اجْعَلْ (بكفَّيكَ على ركبتَيك قال) مصعبٌ (ثم فعلت ذلك) الذي فعلته أولًا من وضع اليدين بين الركبتين (مرة أخرى فضرب يدي) أبي (وقال إنا نهينا) معاشر الصحابة (عن هذا) الوضع الذي فعلته (وأمرنا أن نضرب) ونضع (بالأكف على الركب) قال ابن العربي: كان الناس في صدر الإسلام يطبقون أيديهم ويشبكون أصابعهم ويضعونها بين أفخاذهم، ثم نسخ ذلك وأمروا برفعها إلى الركب اهـ زهر الربا على سنن المجتبى للسيوطي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النساني [2/ 185]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1089 - (00) (00) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره أبو محمد البغدادي المقرئ، ثقة من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (ح قال وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) روى عنه

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلَى قَوْلِهِ: فَنُهِينَا عَنْهُ. وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. 1090 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ؛ قَال: رَكَعْتُ فَقُلْتُ بِيَدَيَّ هَكَذَا -يَعْنِي طَبَّقَ بِهِمَا وَوَضَعَهُمَا بَينَ فَخِذَيهِ- فَقَال أَبِي: قَدْ كُنَا نَفْعَلُ هَذَا. ثُمَّ أُمِرْنَا بِالرُّكَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (11) بابا (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (25) بابا (كلاهما) أي كل من أبي الأحوص وسفيان رويا (عن أبي يعفور) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن أبي يعفور (بهذا الإسناد) يعني عن مصعب عن سعد بن أبي وقاص (إلى قوله) أي إلى قول سعد (فنهينا) أي نهانا النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) عن ذلك التطبيق وهذا في حكم الرفع فثبت نسخه لحديث عبد الله السابق (ولم يذكرا) أي ولم يذكر أبو الأحوص وسفيان (ما بعده) أي ما بعد قوله نهينا عنه من قوله "وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 1090 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن إسماعيل بن أبي خالد) البجلي الأحمسي اسم أبي خالد سعيد، وقيل هرمز، أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن الزبير بن عدي) الهمداني أبي عدي الكوفي، ثقة فقيه، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) مصعب (ركعت) جنب أبي (فقلت) أي فعلت (بيدي هكذا يعني) مصعب بقوله فقلت إلخ (طبق بهما) أي شبك باصابعهما (ووضعهما بين فخذيه فقال أبي) معطوف على فقلت (قد كنا) معاشر الصحابة (نفعل) في ركوعنا (هذا) الذي فعلته من التشبيك والوضع (ثم أمرنا) أي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم (بـ) وضع الأصابع مبسوطة على (الركب) وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مدنيان، غرضه بسوقه بيان متابعة الزبير بن عدي لأبي يعفور في رواية هذا الحديث عن

1091 - (00) (00) حدثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا عِيسى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ قَال: صَلَّيتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي. فَلَمَّا رَكَعْتُ شَبَّكْتُ أَصَابِعِي وَجَعَلْتُهُمَا بَينَ رُكْبَتَيَّ. فَضَرَبَ يَدَيَّ. فَلَمَّا صَلَّى قَال: قَدْ كُنَا نَفْعَلُ هَذَا. ثُمَّ أُمِرْنَا أَنْ نَرْفَعَ إِلَى الرُّكَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصعب بن سعد، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 1091 - (00) (00) (حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابا (حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي الكوفي (عن الزبير بن عدي) الهمداني الكوفي (عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عيسى بن يونس لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد (قال صليت إلى جنب أبي فلما ركعت شبكت أصابعي) أي أدخلت بعضها في بعض (وجعلتهما) أي جعلت اليدين (بين ركبتي فضرب) أبي (يدي) زجرًا لي عن التشبيك والوضع بين الركبتين (فلما صلى) أبي أي فرغ من صلاته (قال) لي (قد كنا) معاشر الصحابة (نفعل) مثل (هذا) الذي فعلته (ثم أمرنا) أي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم (أن) نخرج أيدينا من بين الركب و (نرفعـ) ـــــها (إلى الركب) أي فوق الركب، وهذه الكيفية هي السنة التي أجمع عليها المسلمون سلفًا وخلفًا وما فعله عبد الله بن مسعود وصاحباه فهو منسوخ بحديث سعد هذا والله أعلم، وكرر المتن هنا لما فيها من المخالفة لما قبلها. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على أول الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

253 - (64) باب جواز الإقعاء أي الجلوس على العقبين في الصلاة

253 - (64) باب جواز الإقعاء أي الجلوس على العقبين في الصلاة 1092 - (496) (156) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَن الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ -وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ- قَالا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: قُلْنَا لابْنِ عَبَّاسٍ فِي الإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَينِ. فَقَال: هِيَ السُّنَّةُ. فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ. فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 253 - (64) باب جواز الإقعاء أي الجلوس على العقبين في الصلاة 1092 - (496) (156) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني نسبة إلى برسان قبيلة من الأزد، أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثنا حسن) بن علي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (وتقاربا) أي تقارب محمد بن بكر وعبد الرزاق (في اللفظ) أي في لفظ الحديث الذي يرويانه (قالا جميعًا أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي أبو الوليد المكي (أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم الأسدي المكي (أنه سمع طاوسًا) ابن كيسان اليماني أبا عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي اسمه ذكوان، وطاوس لقبه، حالة كونه (يقول قلنا لابن عباس في الإقعاء) أي الجلوس (على القدمين) أي على العقبين في الصلاة أي سألناه هل يجوز في جلسات الصلاة أم لا؟ (فقال) ابن عباس (هي) أي جلسة الإقعاء هي (السنة) أي الطريقة المشروعة في الصلاة، قال طاوس (فقلنا له) أي لابن عباس (إنا لنراه) أي لنظن ونعتقد الإقعاء على القدمين (جفاء) بفتح الجيم أي غلظة وقسوة (بالرجل) أي علامة على جفاء قلب الرجل وغلظه وعدم مبالاته بالخير والتواضع (فقال) لنا (ابن عباس) ليس الأمر كما ظننتم (بل هي) أي بل جلسة الإقعاء (سنةُ نَبِيِّكُم) محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) وطريقته التي سنها للأمة بتقريرها، قال الحافظ في التلخيص: ضَبط ابن عبد البر (بالرِجل) بكسر الراء وإسكان الجيم بمعنى الجارحة وغلَّط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ ضبطه بفتح الراء وضم الجيم وخالفه الأكثرون، وقال النواوي: رَدَّ الجمهورُ على ابن عبد البر، وقالوا: الصوابُ الضم وهو الذي يَلِيق به إضافةُ الجَفاء إليه لأن نسبةَ الجفاء إلى الإنسان في الجَلْسة أولى من نسبتِهِ إلى الجارحة اهـ ويُؤيّد ما ذهَب إليه الجمهور ما رواه ابن أبي خيثمة بلفظ لنراه جَفاءَ بالمرء والله أعلم بالصواب انتهى كلام الحافظ، والجَفاءُ غِلظُ الطبع وتركُ الصلة والبر، وهذا الحديث نص صريح في أن الإقعاء سنة، واختلف العلماء في الجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث الواردة في النهي عن الإقعاء فجَنح الخطابي والماوردي إلى أن الإقعاء منسوخ، ولعل ابن عباس لم يبلغه النسخُ، وجَنَح البيهقي إلى الجمع بينهما بأن الإقعاء ضربان أحدهما أن يضع أليتيه على عقبيه وتكون ركبتاه على الأرض وهذا هو الذي رواه ابن عباس وفعلَتْه العبادلةُ ونصَّ الشافعي في البويطي على استحبابه بين السجدتين لكن الصحيح أن الافتراش أفضل منه لكثرة الرواة له ولأنه أعون للمصلي وأحسن في هيئة الصلاة، والثاني أن يضع أليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه ويضمهما إلى صدره وهذا هو الذي وردت الأحاديث بكراهته، وتَبع البيهقيَّ على هذا الجمع ابنُ الصلاح والنواوي وأنكرا على من ادعى فيهما النسخ، وقالا: كيف ثَبَتَ النسخُ مع عدم تعذر الجمع وعدمِ العلم بالتاريخ كذا في التلخيص الحبير، وقد اختار هذا الجمعَ بعضُ أئمة الحنفية كابن الهمام وغيره اهـ تحفة الأحوذي بتصرف. قال ابن حجر المكي: الافتراشُ بين السجدتين أفضل من الإقعاء المسنون بينهما لأن ذلك هو الأكثر من أحواله صلى الله عليه وسلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 313] وأبو داود [845] والترمذي [283] ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ***

254 - (65) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته

254 - (65) باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إِباحته 1093 - (497) (157) حدَّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ -وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ- قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ الْحَكَم السُّلَمِيِّ؛ قَال: بَينَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 254 - (65) باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته 1093 - (497) (157) (حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا الرازي ثم البغدادي البزاز صاحب السنن، وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من العاشرة (وأبو بكر بن أبي شيبة وتقاربا في لفظ الحديث) الآتي (قالا حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية الأسدي البصري، ثقة، من (8) (عن حجاج) بن أبي عثمان ميسرة (الصواف) الخياط أبي الصلت الكندي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن هلال بن) علي بن أسامة (أبي ميمونة) القرشي العامري مولاهم المدني، روى عنه عطاء بن يسار في الصلاة والزكاة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في البيوع، وأنس بن مالك، ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي كثير وزياد بن سعد ومالك وسعيد بن أبي هلال، وثقه الدارقطني وابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة (113) (عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة فاضل، من صغار الثالثة، روى عنه في (9) أبواب (عن معاوية بن الحكم السلمي) المدني الصحابي الجليل له ثلاثة عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (م د ت س) وعطاء بن يسار في الصلاة وأبو سلمة بن عبد الرحمن في الطب وابنه كثير. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد إما كوفي أو رازي (قال) معاوية (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم) المصلين معنا، وفي القاموس عطس يَعْطِسُ ويَعْطَسُ عِطاسًا

فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِم. فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِم. فَلَمَّا رَأَيتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ وعَطْسًا أَتَتْه العَطْسَة (فقلت) له وأنا في الصلاة (يرحمك الله) تعالى تشميتًا له لعطاسه (فرماني القوم) المصلون أي نظروا إِليَّ (بأبصارهم) نظرًا حديدًا كما يرمى بالسهم زجرًا لي بالبصر من غير كلام لأنهم في الصلاة (فقلت) أي باللسان كما هو الظاهر من تشديدهم الزجر بضرب الأيدي على الأفخاذ أو فقلت في نفسي (وَاثُكْلَ أمياه) أي وَافْقدَ أُمِّي إياي فإني هَلكْتُ فَوا كلمةٌ تَختصُّ بنداءِ الندبة، والندبة نِداءُ المُتفجّع عليه ثُكْلَ منادى مندوب مضاف منصوب بالفتحة الظاهرة، والثُّكْلُ بضم المثلثة مع سكون الكاف وكذا الثَّكَل بفتحتين فُقدانُ المرأةِ ولدَها، وهو مضاف إلى أُمِّ بكسر الميم لإضافته إلى ياء المتكلِم المُلْحَقِ بآخره الألفُ والهاءُ وهذه الألفُ تَلْحَقُ المنادى المندوب لأجل مَدِّ الصوت به إظهارًا لشدةِ التفجعِ والحزنِ والهاء التي بعدها هي هاءُ السكتِ الئابتة في الوقف المحذوفة في الوصل ولا يكونان إلا في الآخر نحو واعَبْدَ المَلِكَاهُ ولا يلتحقان بنحو عبد الله فرارًا من الثقل كما هو المقرر في محفه من كتب النحو (ما شأنكم) بالهمزة وتبدل ألفًا أي ما حالكم وأمركم (تنظرون إليَّ) نظَرَ الغضب (فجعلوا) أي شرعوا (يضربون بأيديهم) زيادة في الإنكار عليَّ (على أفخاذهم) وفيه دليل على أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة اهـ مرقاة. قال النواوي: فعلوا هذا ليسكتوه وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته، وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة، وأنه لا تبطل به الصلاة وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة اهـ. (فلما رَأَيتُهم) أي عَلِمْتُهم (يُصَمِّتُونَنِي) بتشديدِ الميم أي يُسكِّتُونني فجوابُ لمَّا محذوف تقديره غَضِبْتُ وتغيَّرْتُ قاله الطيبي كذا في المرقاة، فبه يظهر وَجْه الاستدراكِ في قوله (لكني سكت) أي سكتُ ولم أعمَلْ بمقتضَى الغضب، وقوله (فلما صلى) إلخ جوابُ لما، قوله "قال إِنَّ هذه الصلاة" الحديثَ وما بينهما اعتراض أو الجواب محذوف والتقدير فلمَّا صلى اشتغلَ بتعليمي بالرِّفْقِ، ويُروى فلمَّا صلى دعاني أفاده ملا علي، أي فلما فرغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من صلاته اشتغل بتعليمي بالرفقِ، والفاء في قوله (فبأبي هو وأمي) زائدة كما هي محذوفة في رواية أبي داود أو اعتراضية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبرٍ عن هو أي فهو صلى الله عليه وسلم مفديٌّ بأبي وأمي

مَا رَأَيتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ. فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي. قَال: "إِن هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ. إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ". أَوْ كَمَا قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ما رأيت معلمًا) قطُّ (قبله ولا بعده أحسن) وأرفق (تعليمًا منه) صلى الله عليه وسلم (فوالله) أي فأقسمت بالإله الذي لا إله غيره (ما كهرني) أي ما عَنَّفني ولا وَبَّخني (ولا ضربني) بيده (ولا شتمني) أي سَبَّني، قالوا: القهر والكهر والنهر معانيها متقاربة أي ما قهرني وما نهرني، قال أبو عبيد: والكهر الانتهار، وفي النهاية: يقال كهره إذا زَبَره واستقبلَه بوَجْهٍ عَبُوس أراد بذلك نَفْيَ أنواعِ الزجرِ والعنفِ وإثباتَ كمال الإحسان واللطف، و (قال) لي (إن هذه الصلاة) يعني مطلق الصلاة فيشمل الفرائض وغيرها (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) قال الأبي: وإضافة الكلام إلى الناس يخرج التسبيح والدعاء والذكر إذا لم يرد به خطابُ الناس وإفهامُهم، وفيه أن من حلف لا يتكلم فسبح أو قرأ لا يحنث لأنه نفى الكلام وأثبت التسبيح والقراءة اهـ، وفيه تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أو غيرها وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه سبح إن كان رجلًا، وصفقت إن كانت امرأة، وهذا مذهب الجمهور من السلف والخلف، وقال طائفة منهم الأوزاعي: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة وهذا في كلام العامد العالم، أما كلام النَّاسِي فلا تَبطُلُ صلاتُه بالكلام القليل عند الجمهور، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى والكوفيون: تبطل، وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام النَّاسِي فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث معاوية بن الحكم هذا الذي نحن فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة لكن علَّمه تحريم الكلام فيما يستقبل اهـ عون. (إنما هو) أي إنما الشغل في الصلاة (التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ويحتملُ كونُ تذكيرِ هو نظرًا لكون الخبر مذكرًا أي إنما الصلاة التسبيح إلخ، وقوله (أو) الحديثُ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مِثْلُ ما قال من التسبيح والتهليل نحوَ قَولهِ إنما هي التكبير والقراءة والركوع والتسبيح والاعتدال والتسميع والتشهد مثلًا، شك من الراوي في اللفظ الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو هذا أو غيره والله أعلم.

قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ. وَقَدْ جَاءَ الله بَالإِسْلامِ. وَإِن مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: معناه إنما هو هذا المذكور ونحوه فإن التشهدَ والدعاء والتسليمَ مِن الصلاة وغير ذلك من الأذكار المشروع فيها فمعناه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع. وفي هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالمًا عامدًا، قالت الشافعية: إن قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته، وإن قال يرحمه الله أو اللهم ارحمه أو رحم الله فلانًا لم تبطل صلاته لأنه ليس بخطاب، وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرًّا هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك وغيره، وعن ابن عمر والنخعي وأحمد أنه يجهر به، والأول أظهر لأنه ذكر، والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار إلا ما استثنيَ من القراءة في بعضِها ونحوها انتهى. قال معاوية بن الحكم (قلت يا رسول الله إني حديث عهد) وصحبة أو قريب عهد وزمن (بجاهلية) أي بزمن جاهلية الذي يكثر فيه الجهل بالله ورسوله، والجار والمجرور إما متعلق بعهد أو بقريب، والجاهلية ما قبل ورود الشرع، سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم، وفي بعض الهوامش (قوله حديث عهد بجاهلية) أي قريب العلم والحال بها يعني أن علمه بأحكام الإسلام جديد غير راسخ اهـ. (وقد جاء الله) سبحانه وتعالى (بالإسلام) والخير العظيم بعد الجهل الخطير والضلال البعيد (و) من ضلالِنا وجَهالتِنا ما أذكره وأقول لك (إن منا) معاشر الجاهلية (رجالًا يأتون الكهان) ويصدقون ما يقولون، والكهان بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن ككاتب وكتاب وهو من يدعي معرفة ما غاب عنه، قال الخطابي: والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن من يخبر عن وقوع المستقبلات ويدعي معرفة الأسرار ثم من الكهان من يزعم أن له رِئْيًا من الجن يخبره، ومنهم من يزعم أنه يعرف ذلك بفهمٍ أُعطيه، والعراف من يدعي معرفة الضالة والسرقة والسارق والمسروق ومن يتهم بالمرأة ونحو ذلك، والحديث يدل على منع إتيان الكهان ومن في معناهما من العراف وغيره

قَال: "فَلَا تَأْتِهِمْ" قَال: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتصديقهم في أَقْوَالِهمْ اهـ أبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تأتهم) أي لا تأت الكهان، قال المازري: لأن إتيانهم يجر إلى تغيير الشرع بما يلبِّسُون به من إخبارهم عن الغيب، قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الناس بسيب ذلك ولأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام بإجماع المسلمين اهـ عون، قال القرطبي: وقد كانت في الجاهلية في كثير من الناس شائعة فاشية، وكان أهل الجاهلية يترافعون إلى الكهان في وقائعهم وأحكامهم ويرجعون إلى أقوالهم كما فعل عبد المطلب حيث أراد ذبح ابنه عبد الله في نذر كان نذره فمنعته عشيرته من ذلك وسرى أمرهم حتى ترافعوا إلى كاهن معروف عندهم فحكم بينهم بأن يفدوه بمائة من الإبل على ترتيبٍ ذُكِرَ في السيرة، وإنما كان الكاهن يتمكن من التكهن بواسطة تابعة من الجن وذلك أن الجني كان يسترق السمع فيخطف الكلمة من الملائكة فيخبر بها وليَّه فيتحدَّث بها ويزيد معها مِائة كَذْبَةٍ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تلك الكلمةُ مِن الجن يخطفها الجنيُّ فيَقُرُّهَا في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة" رواه البخاري [5726] ومسلم [2228] فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أرسلت الشهب على الجن فلم يتمكنوا مما كانوا يتمكنون منه قبل ذلك فانقطعت الكهانة لئلا يجر ذلك إلى تغيير الشرع ولبس الحق بالباطل لكنها وإن كانت قد انقطعت فقد بقي في الوجود قوم يتشبهون بأولئك الكهان فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتباعهم لأنهم كذبة مخرفون (أي مختلقون للكذب والإفك) مبطلون ضالون مضلون فيحرم إتيانهم والسماع منهم، وقد كثر هذا النوع في كثير من نساء الأندلس وكثير من رجال غير الأندلس، فليحذر الإتيان إليهم والسماع منهم (قال) معاوية بن الحكم (ومنا) معاشر الجاهلية (رجال يتطيرون) أي يتشاءمون بمرور الطير عن يمينه إلى يساره، وفي القرطبي: الطيرة مصدر طار يطير طيرة وطيرانًا، وأصلها أن العرب كانوا إذا خرج الواحد منهم في حاجة نظر إلى أول طائر يراه فإن طار عن يمينه إلى يساره تشاءم به وامتنع عن المضي في تلك الحاجة، وإن طار عن يساره تيمن به ومضى في حاجته، وأصل هذا أن الرامي للطير إنما يصيب ما كان عن يساره ويخيب ما كان عن يمينه فسمي التشاؤم تطيرًا

قَال: "ذَاكَ شَيءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ. فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ، (قَال ابْنُ الصَّبَّاحِ: فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ) " قَال قُلْتُ: وَمِنا رِجَالٌ يَخُطُّونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك اهـ، وفي النهاية الطير بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي التشاؤم بالشيء وهو مصدر تَطِيرُ طِيَرةً كما تقول تَخِيرُ خِيَرةً ولم يجيء من المصادر غيرهما وأصل التطير التفاؤل بالطير واستعمل لكل ما يتفاءل به ويتشاءم وقد كانوا في الجاهلية يتَطيَّرُون بالصيد كالطير والظبي فيتيمنون بالسوانح ويتشاءمون بالبوارح، والبوارح على ما في القاموس من الصيد ما مر من ميامنك إلى مياسرك والسوانح ضدها وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ويمنع عن السير إلى مطالبهم فنفاه الشرع وأبطله ونهاهم عنه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ذاك) التطير (شيء يجدونه) أي يجده أهل الجاهلية (في صدورهم) أي في قلوبهم؛ يعني هذا وَهمٌ ينشأ من نفوسهم بتسويل الشيطان ليس له تأثير في اجتلاب نفع أو دفع ضر، وإنما هو شيء يُسوِّله الشيطان ويزينه حتى يعملوا بقضيته ليجرهم بذلك إلى اعتقادِ مؤثِّرٍ غير الله تعالى وهو لا يحل باتفاق العلماء، وقال النواوي: قال العلماء معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها (فلا يصدنهم) أي فلا يمنعنهم التطير عن مقاصدهم لأنه لا يضرهم ولا ينفعهم ما يتوهمونه، وقال الطيبي: أي لا يمنعنهم عما يتوجهون إليه من المقاصد أو من سواء السبيل ما يجدون في صدورهم من الوهم، فالنهي وارد على ما يتوهمونه ظاهرًا وهم منهيون في الحقيقة عن مزاولة ما يوقعهم من الوهم في الصدر (قال) محمد (بن الصباح) في روايته (فلا يصدنكم) بضمير المخاطبين. قال القرطبي: ومعنى ذلك أن الإنسان بحكم العادة يجد من نفسه نفرة وكراهة مما يتطير به فينبغي له أن لا يلتفت إلى تلك النفرة ولا لتلك الكراهة ويمضي لوجهه الذي خرج إليه فإن تلك الطيرة لا تضر وإذا لم تضر فلا تصد الإنسان عن حاجته، وأشار به إلى أن الأمور كلها بيد الله تعالى، فينبغي أن يعول عليه، وتفوض جميع الحوائج إليه، ويفهم منه أن هذا الوجدان لتلك النفرة لا يُلام وَاجِدُهَا عليها شرعًا لأنه لا يقدر على الانفكاك عنها وإنما يلام الإنسان أو يمدح على ما كان داخلًا تحت استطاعته. (قال) معاوية بن الحكم (قلت) يا رسول الله (ومنا رجال يخطون) خطًّا فيتفاءلون

قَال: "كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ. فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ به، والخط فيما فسره ابن العربي: أن يأتي الرجل العراف وبين يديه غلام فيأمره أن يخط في الرمل خطوطًا كثيرة وهو يقول: ابنَي عِيانٍ أَسْرِعَا البَيان، ثم يأمر من يمحو منها اثنين اثنين، حتى ينظر آخر ما يبقى من تلك المخطوط، فإن كان الباقي زوجًا فهو دليل الفلاح والظفر، وإن بقي فردًا فهو دليل الخيبة والياس، وقد طوَّل الكلام في لِسَانِ العرب اهـ من العون. وفي القرطبي: قال ابن عباس في تفسير هذا الحديث هو الخط الذي يخطه الحازي (الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه يتكهن) فيأتيه ذو الحاجة فيعطيه حلوانًا، فيقول: اقعد، حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام معه مِيلٌ، ثم يأتي إلى أرض رخوة، فيخط الأستاذ خطوطًا بعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو على مهل خطين خطين، فإن بقي خطان فهي علامة النجاح، وإن بقي خط واحد فهي علامة الخيبة، والعرب تسميه الأسحم "الأسود" وهو مشؤوم عندهم، قال الأبي: الحازي بالحاء المهلمة والزاي المعجمة؛ هو الذي يحزر الأشياء ويقدرها بظنه، ويقال للمنجم حازي لأنه ينظر في النجوم وأحكامها بظنه، قال صاحب النهاية: خط الرمل علم معروف للناس فيه تصانيف اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلمًا كان نبي من الأنبياء يخط) أي فيعرف بالفراسة بتوسط تلك المخطوط، فيه إشارة إلى علم الرمل وذاك النبي كما ذكر في المرقاة بصيغة التمريض إما إدريس أو دانيال عليهما السلام، حكى مكي بن أبي طالب في تفسيره أنه روي أن هذا النبي كان يخط بأصبعيه السبابة والوسطى في الرمل اهـ أي كان يخط فيعرف بالفراسة (فمن وافق) منكم فيما يخط (خطه) بالنصب على الأصح؛ أي خط ذلك النبي، ويكون الفاعل ضميرًا مستترًا في وافق يعود على مَن، وروي مرفوعًا فيكون المفعول محذوفًا أي من وافق خطه خطه أي خط ذلك النبي (فذاك) مصيب فيما خط أو يصيب أو يعرف الحال بالفراسة مثل ذلك النبي وهذا تعليق بالمحال فلا يستدل بهذا الحديث لعدم صراحة النهي فيه عن الاشتغال به على إباحته قاله في المرقاة، قال النواوي: اختلف العلماء في معناه فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه حرام لأَنَّهُ لا يُباحُ إلا بيقين الموافقةِ وليس لنا يقينٌ بها، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن وافق خطه فذاك

قَال: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ. فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا. وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ. آسَفُ كَمَا يَأسَفُونَ. لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً. فَأَتَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهَّم مُتوهِّم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط فحَافَظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على حُرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى أن ذلك النبي لا مَنْعَ في حقه، وكذا لو علمتم موافقتَه ولكن لا علم لكم بها اهـ. وقال الخطابي: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علمًا لنبوة ذلك النبي وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك، وقال القاضي عياض: المختار أن معناه من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله، قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن انتهى. (قال) معاوية بن الحكم (وكانت لي جارية ترعى) وتحفظ (غنمًا لي قبل أحد والجوانية) أي في جهتهما وهما موضعان في شمال المدينة المنورة (والجَوَّانِيَّة) بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة موضع بقرب أحد في شمال المدينة، وأما قول القاضي عياض إنها من عمل الفُرْع فليس بمقبول لأن الفرع بين مكة والمدينة بعيد من المدينة وأحد في شمال المدينة، وقد قال في الحديث قِبَل أحد والجوابية فكيف يكون عند الفرع اهـ عون، وفي الحديث استخدام الجارية في الرعي وليس من سفر المرأة مع غير ذي محرم لبعد السفر وانقطاع المرأة فيه من النظر لها والطمع فيها، فإن خيفت مفسدة في رعيها امتنع كما يمتنع السفر اهـ أبي. (فاطلعت) عَلَيهَا (ذاتَ يوم فإذا الذيب قد) افترس و (ذهب بشاة من غنمها) أي من الغنم التي ترعاها، والإضافة لأدنى ملابسة (وأنا رجل من بني آدم آسف) وأغضب (كما يأسفون) أي يغضبون ومن هذا قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي أغضبونا، والأسف الحزن والغضب ومنشؤهما واحد، وإنما الاختلاف في التعبير عما نشأ عنه باعتبار التمكن من إظهاره وعدمه (لكني صككتها) أي لطمتها (صكة) أي لطمة أي ضربت وجهها بيدي مبسوطة (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جئته فأخبرته بما فعلت بها (فعظم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي صكي إياها أي عد ذلك

عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَال: "ائْتِني بِهَا" فَأَتَيتُهُ بِهَا. فَقَال لَهَا: "أَينَ الله؟ " قَالتْ: فِي السَّمَاءِ. قَال: "مَنْ أَنَا؟ " قَالتْ: أَنْتَ رَسُولُ الله. قَال: "أَعْتِقْهَا. فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصك ذنبًا عظيمًا (علي) أي ظلمًا لها (قلت يا رسول الله أفلا أعتقها) أي أفلا يكون عتقها كفارة عني فأعتقها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ائتني بها) أي بتلك الجارية لأنظر هل هي مؤمنة أم كافرة (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (بها) أي بتلك الجارية أي جئته بها كما في رواية أبي داود (فـ) لما أتيته بها (قال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله) سبحانه وتعالى؟ وهذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم تَنَزُّلٌ مع الجارية على قَدْر فهمها إذ أراد أن يظهر منها ما يدل على أنها ليست ممن يعبد الأصنام ولا الحجارة التي في الأرض، وأين ظرف يسأل به عن المكان كما أن متى ظرف يسأل به عن الزمان، وهو مبني لتضمنه معنى حرف الاستفهام وحرك لالتقاء الساكنين وخص بالفتح تخفيفًا وهو خبر المبتدأ الواقع بعده (قالت) هو سبحانه وتعالى (في السماء) أي على السماء أي مستو على السماء استواء يليق به نثبته ونعتقده لا نكيفه ولا نمثله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهذا من أحاديث الصفات نُمرها على ظاهرها ولا نؤولها نظير قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} ونحوه من آيات الصفات وأحاديثها؛ يعني أنها ليست بمتخذة إلهًا سوى الله تعالى وهو القاهر فوق عباده ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ثم (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أنا) أي هل أنا رسول الله أم لا؟ (قالت) الجارية (أنت رسول الله) إلى الناس كافة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعتقها فإِنها مؤمنة) بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث أن إعتاق المؤمن أفضل من إعتاق الكافر، وأجمع العلماء على جواز إعتاق الكافر في غير الكفارات، وأجمعوا على أنه لا يجزئ الكافر في كفارة القتل كما ورد به القرآن، واختلفوا في كفارة الظهار واليمين والجماع في نهار رمضان، فقال الشافعي ومالك والجمهور: لا يجزئه إلا مؤمنة حملًا للمطلق على المقيد في كفارة القتل، وقال أبو حنيفة والكوفيون: يجزئه الكافر للإطلاق فإِنها تسمى رقبة، وقوله (أين الله قالت في السماء) إلخ فيه دليل على أن الكافر لا يصير مؤمنًا إلا بالإقرار بالله تعالى وبرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على أن من أقر بالشهادتين واعتقد ذلك جزمًا كفاه ذلك في صحة إيمانه وكونه من أهل القبلة والجنة، ولا يكلف مع

1094 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِير، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا بإقامة الدليل والبرهان على ذلك ولا يلزمه معرفة الدليل وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور اهـ نواوي. قال الخطابي في المعالم: قوله (أعتقها فإنها مؤمنة) ولم يكن ظهر له من إيمانها أكثر من قولها حين سألها أين الله؟ قالت: في السماء، وسألها من أنا؟ فقالت: رسول الله، فإن هذا سؤال عن أمارة الإيمان وسمة أهله وليس بسؤال عن أصل الإيمان وحقيقته، ولو أن كافرًا جاءنا يريد الانتقال من الكفر إلى دين الإسلام فوصف من الإيمان هذا القدر الذي تكلمت الجارية لم يصر به مسلمًا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويتبرأ من دينه الذي كان يعتقده، وإنما هذا كرجل وامرأة يوجدان في بيت فيقال للرجل من هذه المرأة؟ فيقول: زوجتي، فتصدقه المرأة فإنا نصدقهما ولا نكشف عن أمرهما ولا نطالبهما بشرائط عقد الزوجية، حتى إذا جاءانا وهما أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح بينهما فإنا نطالبهما حينئذ بشرائط عقد الزوجية من إحضار الولي والشهود وتسمية المهر، كذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على أن يقول إني مسلم حتى يصف الإيمان وشرائطه فإذا جاءنا من نجهل حاله في الكفر والإيمان فقال: إني مسلم، قبلناه، وكذلك إذا رأينا عليه أمارة المسلمين من هيئة وشارة ونحوهما حكمنا بإسلامه إلى أن يظهر لنا خلاف ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 447 - 448] وأبو داود [930 و 931] والنسائي [3/ 14 - 18]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه فقال: 1094 - (00) (00) (حدثنا (سحاق بن (براهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا) عمرو بن عبد الرحمن (الأوزاعي) الشامي، ثقة، من (7) (حدثنا يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا الأوزاعي أي حدثنا الأوزاعي عن يحيى عن هلال عن عطاء عن معاوية (نحوه) أي نحو ما حدث حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأوزاعي لحجاج الصواف في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير.

1095 - (498) (158) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَير، وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ -وَألْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ- قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: كُنَا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ. فَيَرُدُّ عَلَينَا. فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث معاوية بن الحكم بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 1095 - (498) (158) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأشج) الكندي الكوفي (وألفاظهم متقاربة) غير متحدة (قالوا حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (حدثنا) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي، ثقة، من الثالثة، روى عنه في (11) بابا (عن علقمة) بن قيس النخعي أبي شبل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين، روى بعضهم عن بعض؛ الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (قال) ابن مسعود (كنا) معاشر الصحابة (نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا) السلام باللفظ، هذا كان منه صلى الله عليه وسلم إذ كان الكلام مباحًا في الصلاة في أول الأمر كما قال زيد بن أرقم، ثم لما نسخ ذلك امتنع رد السلام نطقًا من المصلي وغير ذلك من أنواع الكلام مع الغير (فلما رجعنا من عند النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء مشددة كياء النسب وقيل بالتخفيف ورجحه الصغاني وهو لقب مَن مَلَكَ الحبشة، والنجاشي الذي أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم هو أصحمة، ومات قبل الفتح، قال ابن الملك: هاجر جماعة من الصحابة من مكة إلى أرض الحبشة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فارِّين منها لما يلحقهم من إيذاء المشركين فلما خرج صلى الله عليه وسلم منها إلى المدينة وسمع أولئك بمهاجرته هاجروا من الحبشة إلى المدينة

سَلَّمْنَا عَلَيهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَينَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللِه، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيكَ فِي الصَّلاةِ فَتَرُدُّ عَلَينَا. فَقَال: "إِن فِي الصلاةِ شُغْلا" ـــــــــــــــــــــــــــــ فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ومنهم ابن مسعود رضي الله عنه (سلمنا عليه) صلى الله عليه وسلم (فلم يرد علينا) السلام (فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة) قبل هجرتنا إلى الحبشة (فترد علينا) السلام باللفظ وأنت في الصلاة فلم لم ترد علينا السلام الآن (فقال) صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم (أن في الصلاة شغلًا) بضم الشين وسكون الغين، وبضمهما، والتنكير فيه للتنويع أي شغلًا مانعًا من الكلام وغيره؛ أي شغلًا بالقراءة والذكر والدعاء أو التنكير للتعظيم أي شغلًا أي شغل لأنها مناجاة مع الله تستدعي الاستغراق بخدمته فلا يصلح الاشتغال بغيره، قال ابن الملك: والشغل يصح أن يكون بمعنى الفاعل يعني أن في الصلاة شيئًا شاغلًا للمصلي بها، وأن يكون بمعنى المفعول يعني أن في الصلاة شيئًا يشتغل المصلي به اهـ، ويفهم منه التفرغ للصلاة من جميع الأشغال ومن جميع المشوشات والإقبال على الصلاة بظاهره وباطنه اهـ قرطبي، وقال النواوي: ومعناه أن وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي أن يعرج على غيرها من رد السلام ونحوه اهـ. وهذا الحديث حجة على من أجاز للمصلي أن يرد السلام نطقًا وهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة وإسحاق، ثم إذا قلنا: لا يرد نطقًا فهل يرد إشارة أم لا؟ وبالأول قال مالك وأصحابه وهو مذهب ابن عمر وجماعة من العلماء، وبالثاني قال أبو حنيفة فمنع الرد إشارة ونطقًا وبه قال الثوري وعطاء والنخعي، ثم اختلف من لم يرده هل يرد إذا سلم أم لا؟ وبالأول قال الثوري وعطاء والنخعي، وبالثاني قال أبو حنيفة، وقال بعض أهل العلم يرد المصلي في نفسه هذا حكمه في الرد. وأما ابتداء السلام على المصلي فاختلف فيه العلماء فعن مالك فيه الجواز وقد رويت عنه الكراهة اهـ قرطبي، قلت: رد السلام قولًا ونطقًا محظور، ورده بعد الخروج من الصلاة سنة وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام والإشارة سنة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 386] والبخاري [1199]، وأبو داود [923 و 924] والنسائي [3/ 19]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:

1096 - (00) (00) حدثني ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُوليُّ. حَدَّثنَا هُرَيمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 1097 - (499) (159) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيّ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1096 - (00) (00) (حدثني) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي، قال المازري: وفي بعض النسخ حدثني ابن المثنى، وفي بَعْضِها ابنُ كثير وغير ابن نمير خطأ (حدثني إسحاق بن منصور السلولي) نسبة إلى بني سلول أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) (حدثنا هريم) مصغرًا (بن سفيان) البجلي أبو محمد الكوفي، صدوق، من كبار التاسعة، روى عن الأعمش في الصلاة، وإسماعيل بن أبي خالد ومنصور بن المعتمر وأبي إسحاق الشيباني وجماعة، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن منصور السلولي وأبو نعيم وأحمد بن يونس وسويد بن عمرو وجماعة، روى عنه في الصلاة فقط متابعة (عن الأعمش بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا هريم عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (نحوه) أي نحو ما حدث ابن فضيل عن الأعمش، غرضه بيان متابعة هريم لابن فضيل. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث معاوية بن الحكم بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنهما فقال: 1097 - (499) (159) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن إسماعبل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن الحارث بن شبيل) مصغرًا بن عوف البجلي أبي الطفيل الكوفي، روى عن أبي عمرو الشيباني في الصلاة وطارق بن شهاب، وروى عنه (خ م د ت س) وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش، ثقة، من الخامسة (عن أبي عمرو) سعد بن إياس (الشيباني) نسبة إلى شيبان بن ثعلبة بن عُكَابة بن الصعب بن علي بن بكر بن وائل أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ثقة مخضرم، من (2) مات سنة (96) وهو ابن (120) سنة، روى عنه في (3) أبواب (عن زيد بن أرقم) بن زيد بن

قَال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصلاةِ. يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنبِهِ فِي الصَّلاةِ. حَتى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيس بن النعمان بن مالك الأنصاري الخزرجي الصحابي المشهور أبي عمر الكوفي، شهد الخندق وهو أول مشاهده وغزا سبع عشرة غزوة، ونزل الكوفة، له تسعون (90) حديثًا اتفقا على أربعة، وانفرد (خ) بحديثين و (م) بستة، روى عنه (ع) وأبو عمرو الشيباني في الصلاة وابن أبي ليلى في الجنائز، وابن عباس في الحج، وأبو إسحاق السبيعي وأبو المنهال في البيوع، ويزيد بن حيان في الفضائل، والنضر بن أنس في الفضائل، وعبد الله بن الحارث في الدعاء وأبو عثمان النهدي في الدعاء. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) زيد بن أرقم (كنا) معشر الصحابة (نتكلم في الصلاة) بكلام الآدميين، وقوله (يكلم الرجل) منا (صاحبه) أي جليسه (وهو إلى جنبه) في حاجته وهما (في الصلاة) تفسير لقوله نتكلم في الصلاة (حتى نزلت) آية {وَقُومُوا} في الصلاة مخلصين {لِلَّهِ} [البقرة: 238)] سبحانه وتعالى، حالة كونكم {قَانِتِينَ} أي ساكتين عن كلام البشر (فأمرنا بالسكوت) فيها عن كلام الآدميين (ونهينا عن الكلام) فيها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 463] والبخاري [4535]، وأبو داود [949]، والترمذي [405]، والنسائي [3/ 18] وقوله: حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] القنوت ينصرف في الشرع واللغة على أنحاء مختلفة يأتي بمعنى الطاعة وبمعنى السكوت وبمعنى طول القيام وبمعنى الخشوع وبمعنى الدعاء وبمعنى الإقرار بالمعبود وبمعنى الإخلاص وقيل أصله الدوام على الشيء ومنه الحديث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا على قبائل من العرب أي أدام الدعاء والقيام له واللائق بالآية من هذه المعاني السكوت والخشوع، وقوله (ونهينا عن الكلام) هذا هو الناسخ لإباحة الكلام في الصلاة، واستدل به على أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله ونهينا عن الكلام، وأجيب بأن دلالته على ضده دلالة التزام ومن ثم وقع الخلاف فلعله ذكر لكونه أصرح، وقوله (نهينا عن الكلام) ليس للجماعة إنما زاده المؤلف وأبو داود اهـ عون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فقال:

1098 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وَوَكِيعٌ. ح قَال وَحَدَثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبِي خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1098 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح قال وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير ووكيع وعيسى بن يونس رووا (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو عن زيد بن أرقم (نحوه) أي نحو ما حدث هشيم بن بشير عن إسماعيل بن أبي خالد، غرضه بسوقه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لهشيم بن بشير في الرواية عن إسماعيل بن أبي خالد. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث معاوية بن الحكم ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث زيد بن أرقم ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. * * *

255 - (66) باب جواز رد المصلي السلام عليه بالإشارة

255 - (66) باب جواز رد المصلي السلام عليه بالإشارة 1099 - (500) (160) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرِ؛ أَنَّهُ قَال: إِن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِي لِحَاجَةٍ. ثُم أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَسِيرُ -قَال قُتَيبَةُ: يُصَلِّي- فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ. فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَلَمَّا فرَغَ دَعَانِي فَقَال: "إِنَكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي" وَهُوَ مُوَجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 255 - (66) باب جواز رد المصلي السلام عليه بالإشارة 1099 - (500) (160) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البغلاني (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري السلمي المدني. وهذان السندان من رباعياته الأول منهما رجاله واحد منهم مدني وواحد مكي وواحد مصري وواحد بلخي، والثاني منهما اثنان منهم مصريان وواحد مدني وواحد مكي (أنه) أي أن جابرا (قال (ن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة) أي أرسلني لحاجة من حوائجه ونحن في سفر (ثم) بعد ما قضيت حاجته (أدركته) أي لحقته في الطريق (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يسير) راكبًا (قال قتيبة) في روايته ثم أدركته وهو (يصلي) على راحلته النافلة (فسلمت عليه فاشار إليّ) بيده الشريفة أي إلى رد السلام عليّ (فلما فرغ) من صلاته (دعاني فـ) سألني عن قضاء حاجته، ثم اعتذر إليّ في عدم رد السلام على باللفظ (قال إنك) يا جابر (سلمت) عليّ (آنفًا) أي في الزمن القريب (و) الحال (أنا أصلي) النافلة فلم أرد عليك لأن في الصلاة شغلًا فلا يجوز الكلام فيها برد السلام ولا بغيره، قال جابر (وهو) صلى الله عليه وسلم (موجه) بكسر الجيم أي موجه وجهه وراحلته (حينئذ) أي حين إذ صلى (قبل المشرق) أي جهته لأنه مقصده، وحديث جابر هذا حجة لمالك ولمن وافقه على جواز رد المصلي السلام عليه بالإشارة، وعلى جواز ابتداء السلام على المصلي، وعلى أن العمل القليل في الصلاة لا يفسدها، وعلى منع الكلام في الصلاة، وفيه دليل على جواز التنفل على الراحلة لكن في السفر وعلى أنه يصلي النفل عليها حيث توجهت به، وسيأتي بسط الكلام على ذلك كله إن شاء الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا

1100 - (00) (00) حدثنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَثَنِي أَبُو الزبَيرِ عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: أرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ. فَأتَيتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ. فَكَلَّمْتُهُ. فَقَال لِي بِيَدِهِ هَكَذَا -وَأوْمَأَ زُهَيرٌ بِيَدِهِ- ثُم كَلَّمْتُهُ، فَقَال لِي هَكَذَا -فَأوْمَأ زُهَيرٌ أيضًا بِيَدِهِ نَحْوَ الأَرْضِ- وَأنَا أسْمَعُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أحمد [3/ 312] والنسائي [3/ 6] وابن ماجه [1018]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1100 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي أبو عبد الله الكوفي نسب إلى جده لشهرته به، ثقة متقن حافظ، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثني أبو الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله المدني. وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة زهير لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (قال) جابر (أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (منطلق) أي ذاهب (إلى) غزوة (بني المصطلق) في شعبان سنة ست من الهجرة، بضم الميم وسكون الضَّاد وفتح الطاءِ المُشَالة المهملتين وكسر اللام بعدها قاف؛ لقب جَذِيمَة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن من بني خزاعة، وخزاعة حي من الأزد، سموا بذلك لأنهم تخزعوا أي تخلفوا عن قومهم وأقاموا بمكة، وسمي جذيمة بالمصطلق لحسن صوته، وهو أول من غنى من خزاعة، والأصل في مصطلق مصتلق بالتاء الفوقية فأبدلت طاء لأجل الصاد اهـ قسطلاني. (فأتيته) بعد قضاء حاجته (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يصلي) النافلة (على بعيره فكلمته) بالسلام عليه (فقال لي) أي أشار إلي (بيده هكذا) أي برَفْعِها ثم خَفْضها إلى الأرض لرد السلام عليَّ، ففيه إطلاق القول على الفعل، وجواز العمل الخفيف في الصلاة (وأومأ زهير) الراوي (بيده) أي أشار بها برَفْعِها وخَفْضها لبيان معنى هكذا (ثم كلمته) أي سلمت عليه ثانيًا ظنًّا بجواز الكلام في الصلاة كما هو العادة أولًا (فقال لي) أي أشار إليّ برده (هكذا) أي برفعها وخفضها (فأومأ زهير أيضًا بيده) برفعها وخفضها (نحو الأرض) لبيان معنى هكذا؛ أي فأتيته وهو يصلي (وأنا أسمعه) حالة كونه

يَقْرَأ، يُومِئُ بِرَأسِهِ. فَلَمَّا فَرَغَ قَال: "مَا فَعَلْتَ فِي الذِي أَرْسَلْتُكَ لَهُ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي". قَال زُهَيرٌ: وَأَبُو الزبَيرِ جَالِسٌ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ. فَقَال بِيَدِهِ أو الزبَيرِ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ. فَقَال بِيَدِهِ إِلَى غَيرِ الْكَعْبَةِ. 1101 - (00) (00) حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاء، ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقرأ) في صلاته حالة كونه (يومئ) أي يشير (برأسه) إلى ركوعه وسجوده (فلما فرغ) من صلاته (قال ما فعلت في) الأمر (الذي أرسلتك له) أي لأجله هل قضيته أم لا؟ (فإنه) أي فإن الشأن والحال (لم يمنعني أن كلمك) برد السلام عليك (إلا أني كنت أصلي) أي إلا كوني في الصلاة لأن الصلاة يحرم الكلام فيها سواء كان برد السلام على المسلم أو بغيره (قال زهير) بن معاوية الراوي عن أبي الزبير (وأبو الزبير) الأسدي المكي (جالس مستقبل الكعبة) حين روى لي هذا الحديث (فقال) أي أشار (بيده أبو الزبير إلى) أرض (بني المصطلق فقال) أي أشار (بيده إلى غير) جهة (الكعبة) أي إلى جهة أرض المريسيع، وهذه الجملة تفسير لما قبلها، قال في القاموس: هو مصغر مرسوع بئر أو ماء لخزاعة بينه وبين الفُرع مسيرة يوم، والفُرع موضع بين مكة والمدينة قريب إلى المدينة، وإليه أي إلى المريسيع تضاف غزوة بني المصطلق، وفيه سَقَط عِقْدُ عائشة رضي الله عنها ونزلت آية التيمم اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1101 - (00) (00) (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) نسبة إلى جحدر بوزن جعفر أحد أجداده البصريُّ (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن كثير) بن شنظير بكسر المعجمتين وسكون النون الأزدي أبي قرة البصري، روى عن عطاء بن أبي رباح في الصلاة والحسن ومجاهد، ويروي عنه (خ م دت ق) وحماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: لين، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال في التقريب: صدوق يخطئ من السادسة، له في الكتب ثلاثة أحاديث فقط (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبي محمد اليماني ثم

عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: كُنا مَعَ النبي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ. فَرَجَعتُ وَهُوَ يُصَلي عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَوَجْهُهُ عَلَى غَيرِ القِبْلَةِ. فَسَلمتُ عَلَيهِ فَلَم يَرُد عَلَيَّ. فَلَما انْصَرَفَ قَال: "إِنهُ لَمْ يَمنَعنِي أَن أَرُدَ عَلَيكَ إِلا أني كُنْتُ أُصَلي". 1102 - (00) (00) وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن مَنْصُورٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا كَثيرُ بْنُ شِنْظِيرِ عَنْ عَطَاءِ، عَنْ جَابِرٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ المكي، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، من (3) مات سنة (114) روى عنه في (10) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة عطاء لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن جابر (قال) جابر كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) في غزوة بني المصطلق (فبعثني في حاجة) له (فرجعت) إليه بعدما قضيتها (وهو يصلي) النافلة (على راحلته ووجهه) موجه (على غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد عليّ) السلامَ (فلما انصرف) وفرغ من الصلاة (قال إنه لم يمنعني) من (أن أرد عليك) السلام (إلا أني كنت أصلي) أي إلا كوني مصليًا أي مُنْشَغلًا بِالصلاةِ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1102 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا معلي بن منصور) الحنفي أبو يعلى الرازي ثم البغدادي، روى عن عبد الوارث بن سعيد في الصلاة، وسليمان بن بلال في الحج والفتن، وخالد بن عبد الله في البيوع، ويروي عنه (ع) ومحمد بن حاتم وابن أبي شيبة وزهير بن حرب، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: ثقة صاحب سنة، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة فيما تفرد به وشورك به فيه، متقن صدوق فقيه مأمون، قال ابن سعد: كان صدوقًا صاحب حديث ورأي وفقه، وقال في التقريب: ثقة سني، من العاشرة، مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين على الصحيح طلب للقضاء فأبى وامتنع (حدثنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) (حدثنا كثير بن شنظير) البصري (عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوارث لحماد بن زيد في

قَال: بَعَثَنِي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية هذا الحديث عن كثير بن شنظير (قال) جابر (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة) وساق عبد الوارث (بمعنى حديث حماد) بن زيد لا بلفظه ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر بن عبد الله وذكر فيه ثلاث متابعات. * * *

256 (67) باب جواز لعن الشيطان والتعوذ منه أثناء الصلاة وجواز العمل القليل فيها

256 - (67) باب جواز لعن الشيطان والتعوذ منه أثناء الصلاة وجواز العمل القليل فيها 1103 - (501) (161) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالا: أخْبَرَنَا النضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمدٌ -وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ- قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ جَعَلَ يَفْتِكُ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ. لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصلاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 256 (67) باب جواز لعن الشيطان والتعوذ منه أثناء الصلاة وجواز العمل القليل فيها 1103 - (501) (161) (حدثنا إسحاق بن إبراهبم) بن راهويه الحنظلي المروزي، من (10) روى عنه في (21) بابا (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (قالا أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (30) بابا (حدثنا محمد؛ وهو ابن زياد) الجمحي مولاهم أبو الحارث المدني ثم البصري، ثقة ثبت، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) محمد (سمعت أبا هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد إما مروزي أو نيسابوري، حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عفريتًا) أي إن العاتيَ الماردَ (من الجن جعل) أي شرع (يَفْتِك) أي أَنْ يَهْجُم (عليَّ) بَغْتَةً ويأخُذَني في غفلةٍ وغِيْلةٍ وخَديعةٍ (البارحةَ) أي في الليلة الماضية والبارحة الليلة التي كانت قبل يومك الذي أنت فيه أي تَعرَّض لي بغتةً في سُرعة في أدنى ليلة مضَتْ، ونصبُ البارحة على الظرفية، والعفريتُ المارد من الجن الشديد، ومنه رجل عفريت أي شديد الدَّهَاءِ والمَكْرِ والحِيلةِ هكذا في صحيح مسلم (يفتك) من باب ضرب؛ ومعناه يُغْفِلُه عن الصلاة ويُشغله، وأصل الفتك القتل على غفلة وغِرة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "الإيمانُ قَيدُ الفَتْكِ" رواه أحمد من حديث الزبير، ومن حديث معاوية وأبو داود من حديث أبي هريرة وهكذا مجيء الشيطان للمصلي على غفلة وغرة، وفي رواية البخاري "تفلَّت عليَّ البارحة" أي جاءني على غفلة وفَلْتَة وغِرَّة وفجأة (ليقطع) بفعله (عليَّ الصلاة

وَإن اللَّه أَمْكَنَنِي مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، فَلَقَدْ هَمَمْتُ أَن أربِطَهُ إِلَى جَنْبِ سَارِيةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. حَتى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِلَيهِ اجْمعُونَ (أوْ كُلكُمْ) ثُم ذَكَرتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيمَانَ: {قَال رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]. فَرَدَّهُ اللهُ خَاسِئًا". وَقَال ابْنُ مَنْصُورٍ: شُعْبَةُ عَنْ مُحَمدِ بنِ زِيادٍ. 1104 - (00) (00) حَدَّثنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثنَا مُحَمَدٌ، (هُوَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن الله) سبحانه وتعالى (أمكنني منه) أي من إمساكه (فذعَتُّه) بالذال المعجمة أي خنقته، قال ابن دريد: ذَعَتَهُ يَذْعِته من بابِ ضرب ذَعْتًا غَمَزَه غَمْزًا شديدًا والتاء لام الكلمة أدغمت في تاء المتكلم، وفي رواية (دَعَتُّهُ) بالدال المهملة ومعناه دَفَعْتُه دفعا شديدًا، وأنكره الخطابي وقال لأن أصلَه يكونُ دَعَتَهُ ولا يصح إدغامُ العين في التاءِ (فلقد هممت) وقصدت (أن أربطه) بكسر الموحدة من باب ضرب أي أن أوثقه (إلى جنب سارية من سواري المسجد) أي أسطوانة من أساطينه (حتى تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح، حالة كونكم (تنظرون إليه أجمعون) بالرفع توكيد للضمير المرفوع والفعل تام لا يحتاج إلى خبر وهل كانت إرادته لربطه بعد تمام الصلاة أو فيها لأنه يسير احتمالان ذكرهما ابن الملقن فِيما نَقَلَه عنه في المصابيح (أو) قال (كلكم) بدل أجمعون بالشك من الراوي (ثم ذكرت) أي تذكرت (قول أخي سليمان) بن داود عليهما السلام أي دَعْوَته بقوله {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي} أي لا يحصل {لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]) من البشر مِثْلَهُ فتركَه صلى الله عليه وسلم مع القدرة عليه حرصًا على إجابة الله عزَّ وجلَّ دعوةَ سليمان (فرده) أي فرد (الله) سبحانه وتعالى ذلك العفريت عني حالة كونه (خاسئًا) أي مطرودًا ذليلًا حقيرًا، من خسأت الكلب إذا زجرته وطردته (وقال) إسحاق (بن منصور) في روايته (شعبة عن محمد بن زياد) بالعنعنة مع ذكر زياد، ولم يقل (حدثنا محمد) بصيغة السماع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 298] والبخاري [461]. واستدل المؤلف بهذا الحديث على الجزء الأخير من الترجمة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1104 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد هو ابن

جَعْفَرٍ). ح قَال: وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ وَلَيسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ قَوْلُهُ: فَذَعَتُّهُ. وَأَما ابْنُ أبِي شَيبَة فَقَال فِي رِوَايَتِهِ: فَدَعَتُّهُ. 1105 - (502) (162) حدثنا مُحَمّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاويةَ بْنِ صَالِحٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيس الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر) الهذلي البصري (ح قال وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر وشبابة رويا (عن شعبة) بن الحجاج البصري (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة محمد بن جعفر وشبابة بن سوار للنضر بن شميل في رواية هذا الحديث عن شعبة (و) لكن اليس في حديث ابن جعفر قوله فذعته) بالذال المعجمة (وأما ابن أبي شيبة فقال في روايته فدعته) بالدال المهملة أي دفعته دفعًا شديدًا، والدَّعْتُ والدَّعُّ الدفع الشديد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 1105 - (502) (162) (حدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي مولاهم أبو الحارث المصري الفقيه، ثقة ثبت، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم الفهمي المصري (عن معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي والعجلي وأبو زرعة، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (7) روى عنه في (8) أبواب، حالة كون معاوية (يقول حدثني ربيعة بن يزيد) الدمشقي أبو شعيب الإيادي القصير، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي إدريس) الشامي عائذ الله بن عبد الله بن عمرو (الخولاني) العَوَذِي بفتح المهملة آخره معجمة، ثقة، من (3) (عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد بن عبد الله الأنصاري الخزرجي الدمشقي الصحابي المشهور، له

قَال: قَامَ رَسُولُ اللِه صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: "أعُوذُ بِاللِه مِنْكَ" ثُم قَال: "أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللِه" ثَلاثا. وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيئًا. فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصلاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللِه، قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصلاةِ شَيئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَرَأَينَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (179) مائة وتسعة وسبعون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بـ (3) و (م) بـ (8) انتقل إلى الشام، ومات بها سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وقبره بدمشق، يروي عنه (ع) ومعدان بن أبي طلحة في الصلاة، وأبو إدريس الخولاني وأبو مرة مولى أم هانئ وعلقمة بن قيس وأم الدرداء وجبير بن نفير وصفوان بن عبد الله بن صفوان وغيره. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم شاميون واثنان مصريان (قال) أبو الدرداء (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الصلاة (فسمعناه) صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول أعوذ بالله) أي أستتر وألتجئ في كفايته إياي (منك) أي من شرك ووسوستك، ومنه سمي العود الذي يلجأ إليه الغثاء في السيل عوذا لأن الغثاء يلجأ إليه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألعنك بلعنة الله ثلاثًا) أي ثم قال ثلاث مرات ألعنك بلعنة الله، أصل اللعن الطرد والإبعاد ومعناه أسأل الله سبحانه أن يلعنه بلعنته ولم يقصد مخاطبة الشيطان لأنه حينئذ يكون متكلما في الصلاة د انما قصد أن يكون متعوذا بالله منه كما إذا قال أعوذ بالله منك، قال النواوي: قال القاضي: وقوله صلى الله عليه وسلم ألعنك بلعنة الله وأعوذ بالله منك دليل على جواز الدعاء لغيره وعلى غيره بصيغة الخطاب خلافًا لابن شعبان من المالكية في قوله إن الصلاة تبطل بذلك قلت وكذا قال أصحابنا تبطل الصلاة بالدعاء لغيره بصيغة الخطاب كقوله للعاطس: رحمك الله أو يرحمك الله، ولمن سلم عليه: وعليك السلام وأشباهه، والأحاديث السابقة في الباب الذي قبله في السلام على المصلي تؤيد ما قاله أصحابنا فيتأول هذا الحديث أو يحمل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة أو غير ذلك اهـ قال الأبي: وظاهر قوله (فسمعناه يقول) أنهم كانوا معه، وظاهر حديث أبي هريرة المذكور قبله أنه كان وحده فيحتمل أنه قضيتان أو يقال ذلك في الحديث الأول إنما هو إخبار لمن لم يحضرها معه اهـ. (وبسط يده) أي مدها حين قال ذلك اللعن (كأنه) صلى الله عليه وسلم يريد أن (يتناول) ويأخذ (شيئًا) من قدامه (فلما فرغ من الصلاة قلنا يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئًا لم نسمعك تقوله قبل ذلك) القول (ورأيناك بسطت يدك) أي مددتها

قَال: "إِن عَدُوَّ اللِه، إِبْلِيسَ، جَاءَ بِشِهَابٍ مِن نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي. فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللِه مِنْكَ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُم قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ الله التَّامَّةِ. فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ. ثَلاثَ مَرّاتٍ. ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ. وَالله! لَوْلا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ ولْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أمامك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن عدو الله (بليس) اللعين (جاء) في (بشهاب) أي بشعلة (من نار ليجعله) أي ليجعل ذلك الشهاب ويرميه (في وجهي) أي على وجهي (فقلت أعوذ بالله) أي أتحصن وأعتصم بالله (منك) أي من شرك وضررك (ثلاث مرات ثم قلت) له (ألعنك بلعنة الله التامة) قال القرطبي: والتامة تحتمل معنيين أحدهما أنها الكاملة التي لا ينقص منها شيء، والثاني الواجبة المتحققة عليه أو الموجبة عليه العذاب سرمدًا كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] أي حقت ووجبت ولم يقصد مخاطبة الشيطان (فلم يستأخر) أي فلم يأخر ويرجع عني، وقوله (ثلاث مرات) منصوب بقلت (ثم أردت أخذه) وإمساكه (والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لولا دعوة أخينا سليمان) بن داود عليهما السلام موجودة يعني قوله "وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي" أي لولا حرصي على إجابة دعوته موجود (لأ) مسكته وأوثقته بسواري المسجد حتى (أصبح موثقًا) أي مربوطًا بالسواري (يلعب به ولدان أهل المدينة) والجملة الفعلية صفة لموثقًا (وقوله ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقًا يلعب به ولدان المدينة) يدل على أن مُلْك الجن والتصرف فيهم بالقهر مما خص به سليمان، وسببُ خصوصيَّتهِ دعوتُه التي استجيبت حيث قال: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] ولما تحقق النبي صلى الله عليه وسلم الخصوصية امتنع من تعاطي ما هَمَّ به من أخذ الجني وربطه (فإن قيل) كيف يَتَأتَّى ربطه وأخذه واللعب به مع كون الجن أجسامًا لطيفة روحانية؟ (قلْنا) كما تَأتَّى ذلك لسليمان - عليه السلام - حيث جَعَلَ الله له منهم (كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد) ولا شك أن الله تعالى أوجدهم على صور تخصهم ثم مكنهم من التشكل في صور مختلفة فيتمثلون في أي صورة شاءوا أو شاء الله تعالى وكذلك فعل الله بالملائكة كما قال تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَويًّا} وقال صلى الله عليه وسلم: "وأحيانًا يتمثل لي الملك فيكلمني" رواه البخاري من حديث عائشة فيجوز أن يمكن الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من هذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجني مع بقاء الجني على صورته التي خلق فيها فيوثقه كما كان سليمان يوثقهم، ويرفع الموانع عن أبصار الناس فيرونه موثقًا حتى يلعب به الغلمان، ويجوز أن يشكله الله تعالى في صورة جسمية محسوسة فيربطه ويلعب به ثم يمنعه من الزوال عن تلك الصورة التي تشكل فيها حتى يفعل الله ما هَمَّ به النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على رؤية بني آدم الجن، وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} إخبار عن غالب أحوال بني آدم معهم والله تعالى أعلم (فإن قلت) إنه يشبه الحسد والحرص على الاستبداد بالنعمة أن يستعطي الله مالًا غيره (قلت) كان سليمان - عليه السلام - ناشئًا في بيت الملك والنبوة ووارثًا لهما فأراد أن يطلب من ربه معجزة فطلب على حَسَبِ ما ورثه مُلْكًا زائدًا على المَمالكِ زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز ليكون ذلك دليلًا على نبوته قاهرا للمبعوث إليهم وأن يكون معجزة حتى يخرق العادات فذلك معنى قوله "لا ينبغي لأحد من بعدي" اهـ كشاف، فأعطاه الله سبحانه وتعالى ما حكاه لخاتم رسله في قوله: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ... } الآيات. وفي هامش المشكاة ونبينا صلى الله عليه وسلم كان له القدرة على ذلك على الوجه الأتم والأكمل ولكن التصرف في الجن في الظاهر كان مخصوصًا بسليمان فلم يظهره لأجل ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [2/ 13]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة وحدة، والثاني حديث أبي الدرداء ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

257 - (68) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة

257 - (68) باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة 1156 - (503) (163) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبَيرِ. ح وَحَدثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَثَكَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبَيرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيم الزرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أمَامَةَ بِنْتَ زَينَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 257 - (68) باب جواز حمل الصبيان في الصلاة 1106 - (503) (163) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) القعنبي الحارثي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني، ثقة إمام، من (7) (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي أبي الحارث المدني، روى عن عمرو بن سليم الزرقي في الصلاة، وأبيه عبد الله بن الزبير، ويروي عنه (ع) ومالك بن أنس وعثمان بن أبي سليمان وابن عجلان وعثمان بن حكيم، وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان عابدًا فاضلًا وكان ثقة مأمونًا، وله أحاديث كثيرة (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قلت لمالك أ (حدثك) بتقدير حرف الاستفهام كما يدل عليه كلمة التصديق التي في آخر الحديث (عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم) الأنصاري (الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء بعدها قاف المدني، ثقة، من (2) من كبار التابعين (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام- المدني، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بصري أو بلخي أو نيسابوري. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (حامل) بالتنوين (أمامة بنت زينب) وقوله (بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالجر صفة لزينب، وقوله (وهو حامل أمامة) جملة إسمية في محل النصب على الحال من فاعل يصلي، ولفظ حامل بالتنوين، وأمامة بالنصب، قال العيني: وهو المشهور، ويروى بالإضافة كما قرئ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} بالوجهين اهـ، ويظهر

وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا؟ قَال يَحْيَى: قَال مَالِكٌ: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أثرهما في قوله بنت زينب فتفتح وتكسر بالاعتبارين وأنت تعرف الفرق بين المعنيين في الصورتين إذا قلت مثلًا: أنا قائل ذلك، وأن الإعمال هنا على إرادة حكاية الحال الماضية كما في قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيهِ بِالْوَصِيد} لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي اهـ (و) هي ابنة (لأبي العاص بن الربيع) بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف لصلبه، واختلف في اسمه فقيل لقيط وقيل مقسم وقيل هشيم والأكثر أنه لقيط كما في أسد الغابة، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته المشار إليها، وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم فأمامة بنت ابنته صلى الله عليه وسلم ولما كبرت تزوجها علي بعد وفاة فاطمة بوصية منها رضي الله تعالى عنهم، قال ابن حجر: ولم تُعْقِبْ (فإذا قام حَملها) على عاتقه (وإذا سجد وضعها) على الأرض، قال الخطابي: لم يحملها عمدًا بل لتعلقِها به وإلفِها له في غير الصلاة تعلَّقت به في الصلاة ولم يدفعها عن نفسه فإذا أراد أن يسجد وضعها من عاتقه حتى يكمل سجوده فتعود الصبية إلى حالتها الأولى فلا يدفعها فإذا قام بقيت معه محمولة وإلا فلا يتوهم أنه كان يحملها عمدًا ويفعل ذلك لأنه عمل كثير في الصلاة، وإذا شغله عَلَم الخميصة حتى بدله فكيف بهذا، ويشهد لهذا ركوب الحسين عليه في سجوده لكن يبعده قوله خرج علينا حاملا أمامة على عاتقه فصلى اهـ أبي. قال النواوي: ففي هذا الحديث دليل لصحة صلاة من حمل آدميًّا أو حيوانًا طاهرًا من طير وشاة وغيرهما، وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها، وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن الأفعال إذا تعددت ولم تتوال بل تفرقت لا تبطل الصلاة، وفيه تواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم اهـ. قال الأبي: حمل ثياب الصبيان على الطهارة إنما هو في صبيان علمت أهاليهم بالتحفظ من النجاسة اهـ (قال يحيى) بن يحيى (قال) لي (مالك) بن أنس في جواب سُؤَالِي (نعم) حدثني عامر بن عبد الله. [فائدة]: قال بعضهم أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم من بناته علي بن أبي العاص مات وقد ناهز الحلم، وكان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وأمامة أخته كلاهما ابنا زينب رضي الله تعالى عنها، وعَمرو بن عثمان بن عفان مات وهو صغير نقَرَ الديك وجهَه فمات منه، والحسن والحسين والمحسن وزينب وأم كلثوم أبناء علي

1107 - (00) (00) حدثنا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيمَانَ وَابْنِ عَجْلانَ. سَمِعَا عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ يُحَدثُ، عَنْ عَمْرو بْنِ سُلَيمٍ الزُّرَقِي، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِي؛ قَال: رَأَيتُ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ ابْنَةُ زَينَبَ بِنْتِ النَّبِيّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاتِقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاطمة رضي الله عنهما ولم يبق نسله صلى الله عليه وسلم إلا من هؤلاء وأما غيرهم فماتوا صغارًا والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 295 و 303] والبخاري [516] وأبو داود [917] والنسائي [3/ 10]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 1107 - (00) (00) (حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني ثم المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم القرشي النوفلي المكي قاضيها، روى عن عامر بن عبد الله بن الزبير في الصلاة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الصلاة، وسعيد بن جبير وعمه نافع وعروة، ويروي عنه (م د س ق) وابن عيينة وابن جريج وابن إسحاق، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، (و) محمد (بن عجلان) القرشي مولاهم المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب كلاهما (سمعا عامر بن عبد الله بن الزبير) الأسدي المدني (يحدث عن عمرو بن سلبم الزرقي) المدني (عن أبي قتادة الأنصاري) المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مكيون أو أربعة مدنيون وواحد كوفي وواحد مكي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عثمان بن أبي سليمان وابن عجلان لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير. (قال) أبو قتادة (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الناس) أي يصلي بالناس (وأمامة) أي والحال أن أمامة (بنت أبي العاص) وجملة قوله (وهي ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم) جملة معترضة بين المبتدأ وهو أمامة وخبره وهو قوله (على عاتقه) صلى الله عليه وسلم والجملة الإسمية في محل النصب حال من فاعل يؤم أي رأيت النبي

فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا. وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا. 1108 - (00) (00) حدثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيرِ. ح قَال: وَحَدثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِي. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيمٍ الزُّرَقِيِّ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ الأنْصَارِيَّ يَقُولُ: رَأيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ يُصَلِّي لِلنَاسِ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُنُقِهِ. فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم يؤم الناس، والحال أن أمامة بنت أبي العاص محمولة على عاتقه (فإذا ركع) أي أراد الركوع والسجود (وضعها) على الأرض (وإذا رفع من السجود) وقام رفعها و (أعادها) على عاتقه، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 1108 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج أبي المسور المدني المخزومي مولاهم، صدوق، من (7) (ح قال وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا) عبد الله بن وهب أخبرني مخرمة) بن بكير (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري (عن عمرو بن سليم الزرقي) المدني (قال سمعت أبا قتادة الأنصاري) السلمي رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة بكير بن عبد الله لعامر بن عبد الله بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عمرو بن سليم، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة، حالة كونه (يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) إمامًا (للناس وأمامة بنت أبي العاص على عنقه) أي على عاتقه (فإذا سجد وضعها) على الأرض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال:

1109 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح قَال: وَحَدثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ جَمِيعًا عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيمٍ الزُّرَقِي. سَمِعَ أبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِي يَقُولُ: بَينَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسٌ. خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ بِنَحْو حَدِيثهِمْ. غَيرَ أَنهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَهُ أَمَّ النَّاسَ فِي تِلْكَ الصلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1109 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل البلخي الثقفي (حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري (ح قال وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا أبو بكر) الصغير عبد الكبير بن عبد المجيد (الحنفي) البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري الأوسي أبو حفص المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب، حالة كون كل من الليث وعبد الحميد (جميعًا) أي مجتمحين في الرواية (عن سعيد) بن أبي سعيد كيسان (المقبري) أَبِي سَعْدِ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن عمرو بن سليم) الأنصاري (الزرقي) المدني (سمع أبا قتادة الأنصاري) وهذان السندان الأول منهما من خماسياته، والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سعيد المقبري لبكير بن عبد الله وعامر بن عبد الله بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عمرو بن سليم، حالة كون أبي قتادة (يقول بينا نحن في المسجد) النبوي متعلق بقوله (جلوس) الواقع خبرًا عن المبتدأ أي جالسون في المسجد (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بعض حجره، وقوله (بنحو حديثهم) متعلق بما عمل في المتابع وهو سعيد المقبري، والصواب (بنحو حديثهما) بضمير التثنية لأن المتابع بفتح الباء اثنان فقط كما قد علمت آنفًا، والتقدير حدثنا سعيد المقبري عن عمرو بن سليم بنحو حديث عامر بن عبد الله بن الزبير وبكير بن عبد الله بن الأشج، والنحو هنا بمعنى المثل بدليل الاستثناء بقوله (غير أنه) أي لكن أن سعيدًا المقبري (لم يذكر) في حديثه (أنه) صلى الله عليه وسلم (أم الناس) أي صار إمامًا للناس (في تلك الصلاة) التي صلاها حاملًا أمامة على عاتقه، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي قتادة رضي الله عنه وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. قال القرطبي: اختلف العلماء في تأويل حمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامة في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة والذي أحوجهم لتأويله أنه شغل كثير فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة وهذا تأويل بعيد فإن ظاهر الحديث الذي ذكره أبو داود يدل على أنه في الفريضة لقوله "بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر خرج علينا حاملًا أمامة على كتفه ... " وذكر الحديث ورواه البيهقي أيضًا في السنن بنحوه [2/ 263] وعزاه للحميدي، ومعلوم أنه كان صلى الله عليه وسلم إنما كان يتنفل في بيته ثم يخرج لصلاة الفريضة فإذا رآه بلال خارجًا أقام الصلاة، وأيضًا ففي هذا الحديث قال أبو قتادة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس، وغالب عادته أنه إنما كان يؤم الناس في المسجد في الفريضة، وروى عن مالك أيضًا أشهبُ وابنُ نافع أن هذا للضرورة وإِذا لم يَجِدْ مَنْ يكفيه وأمَّا لِحُب الولد فلا، وظاهرُ هذا إجازته في الفريضة والنافلة، ورَوَى عنه أيضًا التنيسي أن الحديث منسوخ، قال أبو عُمر بن عبد البر: لعل هذا نُسخ بتحريم الحمل والاشتغال في الصلاة بغيرها، وقال الخطابي: يُشبه أن هذا كان منه صلى الله عليه وسلم على غير قصد وتعمدٍ، لكن الصبية تعلقت به لطول إِلْفها له وهذا باطل لقوله في الحديث خرج علينا حاملًا أمامة على عاتقه فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رأسه من السجود أعادها، والأشبه أنه كان لضرورة لم يقدر على أن ينفك عنها أو هو منسوخ والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وفي بعض هوامش المتون (قوله غير أنه لم يذكر أنه أم الناس في تلك الصلاة) وعن هذا اختلف في حمله صلى الله عليه وسلم أمامة أكان في النافلة أم في الفريضة وأيًا كان فهو كما قال العيني: لبيانِ الجواز عند الحاجة، وهو عمل غير متوال بوجود الطمأنينة في أركان صلاته، قالوا: وكان السر في ذلك هو الدفع لما كانت الحرب تألفه من كراهة البنات فخالفهم فيها حتى في الصلاة للمبالغة في رَدْعهم عما كانوا عليه والبيانُ بالفعل قد يكون أقوى من القول، وعن بعض أهل العلم أن فاعلًا لو فعل مثل ذلك لم أر عليه إعادة من أجل هذا الحديث وإن كنتُ لا أحب لأحد فعله اهـ. وفي هذا الحديث من الفقه جواز إدخال الصغار في المساجد إذا عُلم من عادة الصبي أنه لا يبول وأن ثيابه محمولة على الطهارة، وأن لمس النساء ليس بحدث، وأن حكم مَن لا تُشتَهى من النساء بخلافِ حكم من تُشتَهى منهن، وفيه تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقته، وجواز حمل ما لا يَشْغل في الصلاة شغلًا كثيرًا اهـ من المفهم.

258 - (69) باب اتخاذ المنبر ومن صلى على موضع أرفع ليعلم المأمومين الصلاة

258 - (69) باب اتخاذ المنبر ومن صلى على موضع أرفع ليعلم المأمومين الصلاة 1110 - (504) (163) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أن نَفَرًا جَاؤُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْد. قَدْ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ. مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ؟ فَقَال: أَمَا وَالله، إِنِّي لأعرِفُ مِنْ أَي عُودٍ هُوَ. وَمَنْ عَمِلَهُ. وَرَأَيتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَمَ أَولَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيهِ. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَباسٍ، فَحَدثْنَا. قَال: أَرْسَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 258 - (69) باب اتخاذ المنبر ومن صلى على موضع أرفع ليعلم المأمومين الصلاة 1110 - (504) (163) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (كلاهما) رويا (عن عبد العزيز) بن أبي حازم سلمة بن دينار المخزومي مولاهم، الفقيه المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (4) أبواب (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني أبي حازم القاص الزاهد، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (أن نفرًا) أي رجالًا من الأنصار، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهم (جاؤوا إلى سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد إما نيسابوري أو بلخي، و (قد تماروا) أي اختلفوا وتنازعوا، والجملة حال من فاعل جاءوا (في المنبر) النبوي، والمنبر شيء مرتفع له درج من النبر وهو الارتفاع (من أي عود هو) أي من عود أي شجر هو؟ أي هل من عود الطرفاء أو من عود الأثل أو من عود الساج (فقال) لهم سهل بن سعد (أما) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (والله) أي أقسمت لكم بالله الذي لا إله غيره (إني لأعرف) وأعلم جواب سؤال (من أي عود هو) -أي ذلك المنبر أي جواب من عود أي شجر هو أي من خشب أي شجر هو (و) إني لأعرف (من عمله) أي صنعه ونحته لرسول الله صلى الله عليه وسلم (و) إني لقد (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس عليه) أي على ذلك المنبر (قال) أبو حازم (فقلت له) أي لسهل بن سعد (يا أبا عباس) كنية سهل إذًا (فحدِّثنا) أي فأخبرنا عن قصته (قال) لنا سهل (أرسل

رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ إِلَى امْرَأَةٍ -قَال أَبُو حَازِم: إِنهُ لَيُسَميهَا يَوْمَئِذٍ- "انْظُرِي غُلامَكِ النَّجَّارَ. يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ الناسَ عَلَيهَا". فَعَمِلَ هَذِهِ الثلاثَ دَرَجَاتٍ ثُم أَمَرَ بِهَا رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَوُضِعَتْ هَذا الْمَوْضِعَ. فَهِيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة) من الأنصار اسمها عائشة، قال عبد العزيز (قال) لنا (أبو حازم إنه) أي إن سهلًا (ليسميها) أي ليذكر لنا اسم تلك المرأة (يومئذ) أي يوم إذ حدث لنا قصة المنبر ولكن نسيت أنا أي أرسل إليها أنِ (انظري) وشاوري (غلامك النجار) بالنصب صفة لغلامك ومريه (يعمل لي) بالجزم في جواب الأمر؛ أي ينحت لي (أعوادًا) أي منبرًا مركبًا من أعواد أي من ألواح وعمد (أكلم الناس) بالرفع لأن الجملة صفة لأعواد أي أذكر الناس قائمًا (عليها) أي على تلك الأعواد، واسم الغلام بَاقُوم أو ميمون أو مينا بكسر الميم أو قبيصة أو باقول باللام أو صُباح بضم الصاد أو تميم الداري أو غير ذلك ويحتمل أن يكون المراد به تميمًا الداري لأنه كثير السفر إلى أرض الروم، وأشبه الأقوال بالصواب أنه ميمون ولا اعتداد بالأخرى لوهائها، وحمله بعضهم على أن الجميع اشتركوا في عمله، وعورض بقوله في كثير من الروايات ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد، وأجيب باحتمال أن المراد بالواحد الماهر في صناعته والبقية أعوان له كذا في الفتح والإرشاد "فأمرته" كما في رواية أبي داود أي أمرت المرأة غلامها أن يعمل (فعمل) الغلام ونحت (هذه) الأعواد الموضوعة في المسجد النبوي (الثلاث درجات) بدل من اسم الإشارة، والحديث جاء على اللغة القليلة، والكثير عندهم أن يقال ثلاث الدرجات أو الدرجات الثلاث، وهذا الحديث فيه تصريح بأن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درجات اهـ نواوي، قال الأبي: والمسألة من باب تعريف العدد والمعروف في تعريف العددِ المضاف ما ذُكِرَ، وإنما أنكروا ما في الحديث لأن فيه الجَمْعَ بين الألف واللام والإضافة وإنما الأصل أن يضاف ما ليس فيه الألفُ واللامُ إلى ما هما فيه، والدَّرج ما يتوصل به إلى غيره فعلى هذا فمحل استقرارِه وجلوسِه غَير الثلاث اهـ منه (ثم أمر بها) أي بوضعها في هذا الموضع الذي كانت فيه الآن (رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت) تلك الأعواد (هذا الموضع) الذي كانت فيه الآن (فهي) أي فتلك الأعواد، أنَّث لإرادة الأعواد والدرجات (من طرفاء الغابة)

وَلَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَمَ قَامَ عَلَيهِ فَكَبرَ وَكَبرَ الناسُ وَرَاءَهُ. وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ. ثم رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ. ثُم عَادَ حَتى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والطرفاء شجر معروف من أشجار الجبال، وفي منتهى الأرب الطرفاء جمع طرَفَة بالتحريك، بالأرمية غاتِّرًا، والغابة موضع معروف من عوالي المدينة من جهة الشام، قال الأبي: وأساتيذ المغرب يجلسون للإقراء على الكراسي والحديث أصل لهم. قال النواوي: وفي رواية جابر في صحيح البخاري وغيره أن المرأة قالت: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإن لي غلامًا نجارًا، قال: إن شئت! فعملت المنبر، وهذه الرواية في ظاهرها مخالفة لرواية سهل هذه، والجمع بينهما أن المرأة عرضت هذا أولًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم بطلَبِ تنجيزِ ذلك اهـ. قال سهل (و) الله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه) أي على هذا المنبر (فكبر) للإحرام، قال القاضي عياض: أجاز أحمد أن يصلي الإمام على موضع أرفع مما عليه أصحابه لهذا الحديث، ومالك وغيره يمنعه، قال المازري: ففِعْلُه صلى الله عليه وسلم هذا يحتمل أن الارتفاع يسير أو يقال إنما امتنع لأئمتنا لما فيه من التكبر وهو صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك، والأشبه ما علله به من أنه فعله ليعلمهم الصلاة، قال القاضي: لأن مع عدم المنبر لا يعلم صلاته إلا من يكتنفه ومع المنبر لا تخفى صلاته على أحد اهـ أبي (وكبر الناس وراءه أي خلفه، زاد في رواية سفيان عن أبي حازم عند البخاري "فقرأ" الفاتحة والسورة "ثم ركع" (وهو على المنبر) جملة حالية (ثم رفع) رأسه من الركوع (فـ) لما أراد السجود (نزل القهقرى) أي رجع إلى خلفه محافظة على استقبال القبلة والقهقرى هو المشي إلى خلف ظهره من غير أن يعود إلى جهة مشيه وكان المنبر ثلاث درجات متقاربة فيتيسر النزول والصعود بخطوة أو خطوتين ولا تبطل الصلاة فكان ما عمله عملًا يسيرًا (حتى سجد) وفي رواية أبي داود "فسجد" وحتى هنا بمعنى الفاء (في أصل المنبر) على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه (ثم عاد) إلى المنبر فصلى كذلك بالطلوع والنزول (حتى فرغ من آخر صلاته) أي حتى فرغ من جميع صلاته، وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر، فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الناسِ فَقَال: "يَا أَيهَا النَّاسُ، إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي. وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي". 1111 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْد الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ. حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ؛ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْد. ح قَال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ على الصلاة اهـ من العون (ثم) بعد ما فرغ من صلاته (أقبل) بوجهه الشريف (على الناس فقال) لهم مبينًا لهم حكمة صلاته على المنبر (يا أيها الناس إني صنعت) وفعلت (هذا) العمل من صلاتي على المنبر (لتأتموا) أي لتقتدوا (بي) في صلاتي (ولتعلموا) كيفية (صلاتي) بكسر اللام وفتح المثناة الفوقية والعين وتشديد اللام أي لتعلموا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا فبين صلى الله عليه وسلم أن صعوده على المنبر وصلاته عليه إنما كان للتعليم ليرى جميعهم أفعاله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما إذا كان على الأرض فإنه لا يراه إلا بعضهم ممن قرب منه، وفي الحديث جواز العمل اليسير في الصلاة وكذا الكثير إن تفرق، وجواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل وارتفاع الإمام على المأمومين وشروع الخطبة على المنبر لكل خطيب واتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه كذا ذكره القسطلاني في إرشاد الساري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 339] والبخاري [448] وأبو داود [1080]، والنسائي [2/ 57] وابن ماجه [1416]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 1111 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد) بلا إضافة (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى القارة قبيلة معروفة من العرب، وهو بالرفع صفة ليعقوب (القرشي) الزهري حليفهم المدني ثم الإسكندراني، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أبو حازم) بالحاء المهملة سلمة بن دينار المدني (أن رجالًا) من الأنصار (أتوا سهل بن سعد ح قال) المؤلف (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا) أي قال

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ؛ قَال: أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَسَأَلُوهُ: مِنْ أَيِّ شَيءٍ مِنْبَرُ النبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؟ وَسَاقُوا الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل من هؤلاء الثلاثة أبي بكر وزهير وابن أبي عمر (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي ثم المكي (عن أبي حازم، قال) أبو حازم: إن رجالًا من الأنصار (أتوا سهل بن سعد) الساعدي (فسألوه من أي شيء) أي من أي شجر (منبر النبي صلى الله عليه وسلم) أي خشبه. وهذان السندان من رباعياته الأول منهما رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه نسائي، والثاني منهما رجاله اثنان مدنيان واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي أو كوفي ومكي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة يعقوب بن عبد الرحمن وابن عيينة لعبد العزيز بن أبي حازم في رواية هذا الحديث عن أبي حازم وحينئذ فالصواب في قوله (وساقوا الحديث نحو حديث ابن أبي حازم) أن يقال (وساقا الحديث) بضمير التثنية لا بضمير الجمع لأن المتابع بكسر الباء اثنان فقط ولا حاجة إلى تأويل ما أول به النواوي لأنه تكلف لا ضرورة إليه لأن مثل هذا التحريف كثير في أكثر نسخ صحيح مسلم رحمه الله تعالى، قال النواوي: قوله (وساقوا الحديث نحو حديث ابن أبي حازم) هكذا هو في النسخ بضمير الجمع، وكان ينبغي أن يقول (وساقا الحديث) إلخ لأن المراد بيان رواية يعقوب بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة عن أبي حازم فهما شريكا ابن أبي حازم في الراواية عن أبي حازم، ولعله أتى بضمير الجمع ومراده الاثنان وإطلاق الجمع على الاثنين جائز بلا شك لكن هل هو حقيقة أم مجاز؟ فيه خلاف مشهور، الأكثرون أنه مجاز. ويحتمل أن مسلمًا أراد بقوله وساقوا الرواة عن يعقوب وعن سفيان وهم أربعة انتهى، وهذا أيضًا تكلف وخروج عن اصطلاحاته، ويعارضه قوله نحو حديث ابن أبي حازم لأن فيه تصريح بالمتابَع بفتح الباء، والله سبحانه وتعالى أعلم. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما وذكر فيه متابعة واحدة. * * *

259 - (70) باب كراهية الاختصار في الصلاة

259 - (70) باب: كراهية الاختصار في الصلاة 1112 - (505) (164) وَحَدثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ح قَال: وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَجُلُ مُخْتَصِرًا. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ قَال: نَهَى رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 259 - (70) باب كراهية الاختصار في الصلاة وهو أن يضع يده على خاصرته لأنه من فعل المتكبرين، وسيأتي بيان الاختلاف في تأويله إن شاء الله تعالى قريبًا في الباب. 1112 - (505) (164) (وحدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح (القنطري) نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو خالد) الأحمر الكوفي سليمان بن حيان الأزدي، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (وأبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا، حالة كون كل من عبد الله بن المبارك وأبي خالد وأبي أسامة (جميعًا) أي مجتمعِين في الرواية (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن محمد) بن سيرين الأنصاري البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته الأول منهما اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد مروزي وواحد بغدادي، والثاني منهما رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى) وزجر (أن يصلي الرجل) وكذا المرأة لأنهن شقائق الرجال (مختصرًا) أي واضعًا يده على خاصرته (وفي رواية أبي بكر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بصيغة السماع لا العنعنة، وفي رواية البخاري نهى عن الخصر في الصلاة، قال النواوي: اختلف العلماء في معنى الاختصار فالصحيح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين وبه قال أصحابنا في كتب المذهب؛ أن المختصر هو الذي يصلي ويده على خاصرته، وقال الهروي: قيل هو أن يأخذ بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها، وقيل أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية أو آيتين في فرضه ولا يكملها قاله أبو هريرة، وقيل أن يحذف من الصلاة بحيث لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا حدودها والصحيح الأول، قيل نهى عنه لأنه من فعل اليهود، وقيل فعل الشيطان قيل لأن إبليس هبط من الجنة كذلك، وقيل لأنه من فعل المتكبرين، وفسره أبو داود فقال (يعني يضع يده على خاصرته) هذا هو الصحيح في معنى الاختصار، ويؤيد ما رواه أبو داود والنسائي من طريق سعيد بن زياد قال: صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه اهـ تحفة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 399] والبخاري [1219 و 1220] وأبو داود [947] والترمذي [383] والنسائي [2/ 127] ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ***

260 - (71) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في موضع السجود في الصلاة

260 - (71) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في موضع السجود في الصلاة 1113 - (506) (165) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيع. حَدَّثَنَا هِشَام الدَّسْتَوَائِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُعَيقِيبٍ؛ قَال: ذَكَرَ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وسلَّم الْمَسْحَ فِي الْمَسْجِدِ. يَعْنِي الحَصى قَال: "إِنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلًا، فَوَاحِدَة" ـــــــــــــــــــــــــــــ 260 - (71) باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في موضع السجود في الصلاة 1113 - (506) (165) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) أي المنسوب إلى دستواء من كور الأهواز وكان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها، أبو بكر البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي أبي نصر اليمامي (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن معيقيب) بقاف آخره موحدة مصغرًا بن أبي فاطمة المدني الدوسي حليف بني عبد شمس الصحابي الجليل كان من السابقين الأولين، أسلم قديمًا بمكة، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وولي بَيتَ المال لعمر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث اتفقا على حديث وانفرد (م) بآخر، ويروي عنه (ع) وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف في الصلاة، وابنه محمد وابن ابنه إياس بن الحارث بن معيقيب، وليس عندهم معيقيب إلا هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد بصري وواحد يمامي (قال) معيقيب (ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسح) أي مسح الحصى والتراب وتسويتهما (في المسجد) أي في موضع السجود فيما إذا صلى في مكان غير مُبلَّط (يعني) معيقيب بقوله ذكَرَ المَسْحَ (الحصى) أي مَسْح الحصى وتسويتها في موضع السجود، وقائل العناية أبو سلمة أو من دونه، والحصى جمع حصاة؛ وهي الحجارة الصغار والرمال، وتسمى بالحصباء (قال) النبي صلى الله عليه وسلم تفسير لذكر النبي صلى الله عليه وسلم (أن كنت) أيها المصلي (لا بد) أي لا غنى لك من أن تكون (فاعلًا) لتسوية الحصى لكونها تؤذيك عند السجود عليها (فواحدة) بالنصب أي

1114 - (00) (00) حدثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَام. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ فافعل مرة واحدة أو فعلة واحدة لا أزْيَدَ منها، قال النواوي: معناه لا تفعل وإن فعلت فافعل واحدة لا تزد، وقال ابن الملك: والجملة الإسمية وهي لا بد حال يعني لا تفعل فإن كنت فاعلًا حال كونك لا بد لك من فعله فواحدة أي فافعل مرة واحدة، وفيه دليل على أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة اهـ، قال الحافظ: ويجوز الرفع فيكون التقدير فالجائز واحدة، أو فتجوز واحدة أو فمرة واحدة تكفي أو تجوز، ففيه الإذن بمسح الحصى مرة واحدة عند الحاجة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولفظ الترمذي عن معيقيب "قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة؟ قال: إن كنت لا بد فاعلًا فمرة واحدة" ففيها بيان السائل والمخاطب في الحديث. والمراد مسح الحصى وإزالته عن موضع السجود لئلا يتأذى به في سجوده وقد جاء مفسرًا في الرواية الأخرى، وأبيح له مرة واحدة استخفافًا لأمرها وليدفع ما يتأذى به منها ومُنِعَ فيما زاد عليها لئلا يكثر الشغلُ ويقع التشويش في الصلاة هذا مذهب الجمهور، وحكى الخطابي عن مالك جواز مسح الحصى مرةً وثانية في الصلاة، والمعروف عنه ما عليه الجمهور، وقيل بل عنى مسح الغبار عن وجهه ويشهد له حديث النسائي عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه زاد في مسند سفيان بن عيينة فلا يمسح إلا مرة، وقد كره السلف مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف مما يعلق بها من الأرض لكثرة الأجرِ في تتريب الوجه والتواضعِ لله والإقبال على صلاته بجميعه اهـ من المفهم. والتقييد بالحصى خرج مخرج الغالب لكونه كان الغالب على فرش مساجدهم ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 426] والبخاري [1207] وأبو داود [946] والترمذي [380] والنسائي [3/ 7] وابن ماجه [2026]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معيقيب رضي الله عنه فقال: 1114 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (عن هشام) الدستوائي البصري (قال) هشام

حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُعَيقِيبٍ؛ أَنهُمْ سَألُوا النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ الْمَسْحِ فِي الصلاةِ؟ فَقَال: "وَاحِدَة". 1115 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، حَدَّثنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِيهِ: حَدثَني مُعَيقِيبٌ. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثني) يحيى (بن أبي كثير) الطائي اليمامي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (عن معيقيب) بن أبي فاطمة المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن سعيد لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث عن هشام (أنهم) أي أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم (سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسح) أي عن حكم مسح الحصى وتسويتها في موضع السجود وهم (في الصلاة فقال) لهم النبي صلى الله عليه وسلم فامسحوا مسحة (واحدة) بالنصب، ويجوز الرفع أي فالجائز مسحة واحدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معيقيب رضي الله عنه فقال: 1115 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث معيقيب (عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي مصغرًا أبو عثمان البصري، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا هشام) الدستوائي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا خالد يعني باسم الإشارة عن ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن معيقيب، غرضه بسوقه بيان متابعة خالد بن الحارث ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن هشام (و) لكن (قال) خالد بن الحارث (فيه) أي في حديثه وروايته (حدثني معيقيب ح) بتصريح السماع لا بالعنعنة، وفي بعض النسخ زيادة حاء التحويل هنا وهو من زيادة النساخ فلا معنى لها لأن الموضع ليس موضع التحويل والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث المعيقيب رضي الله عنه فقال:

1116 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شَيبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أبِي سَلَمَةَ؛ قَال: حَدَّثَنِي مُعَيقِيبٌ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ قَال، فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي الترَابَ حَيثُ يَسْجُدُ، قَال: "إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا، فَوَاحِدَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1116 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور (أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا الحسن بن موسى) الأشيب أبو علي البغدادي، ثقة، من (9) (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبو معاوية البغدادي (عن يحيى) بن أبي كثير اليمامي (عن أبي سلمة) المدني (قال) أبو سلمة (حدثني معيقيب) بن أبي فاطمة المدني. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شيبان لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل) الذي (يسوي التراب) والحصى ويمسحهما أي يصلحه (حيث يسجد) أي في مكان سجوده لئلا يؤذيه، وقوله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم توكيد لفظي لقال الأول (إن كنت فاعلًا) التسوية ولا بد لك منها (فواحدة) أي فافعلها مرة واحدة ولا تزد عليها. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث معيقيب رضي الله عنه وذكر فيه ثلاث متابعات، قال الأبي: قوله "إن كنت لا بد فاعلًا فواحدة" يدل على رجحان الترك وإنما يكون الترك راجحًا إذا لم يكن عدمه مشوشًا، قال النواوي: واتفقوا على كراهته لأنه مناف للتواضع ولما فيه من الشغل بغير الصلاة، والحديث يدل على ذلك إذ المعنى لا تفعل فإن فعلت فواحدة، قال القاضي: والمصحح لعمل الواحدة إزالةُ ما يتأذى به، وقيل بل والغبارُ خشيةَ أن يتعلَّق منه شيءٌ بوجهه وجاء "إن ترك المسحة الواحدة خير من حمر النعم" لكثرة الأجر في تتريب الوجه، وحكى الخطابي عن مالك جواز المسح مرة وثانية والمعروف عنه ما عليه الجمهور من أنه واحدة، وكذا جاء النهي عن نفخ التراب في السجود، وكره السلف مسح الجبهة في الصلاة وقبل الانصراف مما يتعلق بها من تراب ونحوه اهـ من الأبي. ***

261 - (72) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيره وحكه عنه وعن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه

261 - (72) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيره وحكه عنه وعن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه 1117 - (507) (166) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِك عَنْ نَافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ رَأى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ. فَحَكَّهُ. ثُم أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَال: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى" ـــــــــــــــــــــــــــــ 261 - (72) باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيره وحكه عنه وعن بصاق المصلي بين يديه وعن يمينه 1117 - (507) (166) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع) الفقيه العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي المكي. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري وهو من أصح الأسانيد عندهم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقًا) وهو ما يسيل من الفم (في جدار) المسجد من جهة (القبلة) وفي رواية البخاري في جدار المسجد (فحكه) أي حك البصاق وأزال أثره من الجدار (ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق) بالجزم على النهي أي لا يبزق (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي قدام (وجهه فإن الله) سبحانه وتعالى (قبل وجهه) أي قدام وجهه، وإذا في قوله (إذا صلى) ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بما تعلق به الظرف قبله وهذا من أحاديث الصفات نُمرُّه على ظاهره نثبته ونعتقده لا نمثله ولا نكيفه وهذا مذهب السلف الذي هو الأسلم من تأويلات الخلف، حيث يؤولونه بأن في الكلام مجاز الحذف، والتقدير فإن قبلة الله التي شرفها قدام وجهه وقت صلاته فلا يقابل هذه الجهة المشرفة بالبزاق لأن في إلقائه في جهتها استخفافًا بها عادة، قال القسطلاني: وهذا التعليل يرشد إلى أن البصاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا، ولا يتوهم منه جواز أن يبصق عن يمينه أو يساره أو تحت قدمه لأن النهي عنه ورد في حديث آخر وإنما يبصق في ثوبه قاله ابن الملك في المبارق شرح المشارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في كتاب الصلاة والنسائي رواه أيضًا في كتاب الصلاة.

1118 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَير وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعا عَنْ عُبَيدِ الله. ح وَحَدثَنَا قُتَيبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ عَنِ الليثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدثَنِي زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ)، عَنْ أَيوبَ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضحَّاكُ، (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ)، ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. كُلُهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: 1118 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (وأبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير، حالة كون كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (ومحمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (عن الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري (ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم (يعني ابن علية) القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العَنزي البصري (ح وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري مولاهم النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا، يسارٍ الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني (ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي (قال) الحجاج (قال) لنا عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي مولاهم المكي (أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، والضمير في قوله (كلهم) عائد إلى ما قبل حاء التحويل وإلى الشيخ الأخير من السند الأخير وهو موسى بن عقبة وهذه هي القاعدة المطردة في اصطلاحات الإمام مسلم في جامعه رحمه الله تعالى أي كل من عبيد الله بن عمر في السند الأول والليث بن سعد في

عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنَّهُ رَأَى نُخَامَة فِي قِبلَةِ الْمَسْجِدِ. إِلا الضَّحَّاكَ فَإِن فِي حَدِيثِهِ: نُخَامَةَ فِي الْقِبْلَةِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِك. 1119 - (508) (167) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرو النَّاقِدُ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزهْرِي، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ أَنَّ النَّبى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند الثاني وأيوب السختياني في السند الثالث والضحاك بن عثمان في السند الرابع وموسى بن عقبة في السند الخامس أي كل هؤلاء الخمسة رووا (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (رأى نخامة) أي نخاعة وهي ما يسيل من الصدر، وقيل النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس (في) الجدار الذي في جهة (قبلة المسجد) النبوي (إلا الضحاك) بن عثمان (فإن في حديثه) وروايته (نخامة في القبلة) بلا ذكر المسجد وساقوا (بمعنى حديث مالك) بن أنس عن نافع، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة المذكورين لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن نافع، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال: 1119 - (508) (167) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (قال يحيى) بن يحيى في روايته (أخبرنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع وبتصريح اسمه (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونيسابوري (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة) وفي القسطلاني: النخامة هي ما يخرج من الصدر أو من الرأس اهـ (في قبلة المسجد) أي في جدار

فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ. ثُم نَهَى أنْ يَبزُقَ الرجُلُ عَن يَمِينِهِ أَو أَمَامَهُ. وَلَكِنْ يَبْزُقُ عَن يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليسْرَى. 1120 - (00) (00) حدثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ. ح قَال: وَحَدَّثَني زُهَيرُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد الذي في جهة القبلة (فحكها) أي فحك تلك النخامة وأزالها عن الجدار (بحصاة) أي بحجر صغير (ثم) بعدما حكها (نهى أن يبزق الرجل) ويبصق، قال الفيومي: يقال بزق يبزق من باب قتل بزاقا بمعنى يبصق وهو إبدال منه قال المجد: البصاق كغراب والبساق والبزاق ماء الفم إذا خرج منه وما دام فيه فهو ريق اهـ (عن يمينه) فإن عن يمينه ملكًا، وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح فعن يمينه كاتب الحسنات (أو) أن يبزق (أمامه) أي قدامه لأنه قبلته (ولكن يبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) وهذا الحكم مختص بغير المسجد لأن المصلي في المسجد لا يبزق إلا في ثوبه لقوله صلى الله عليه وسلم: "البزاق في المسجد خطيئة فكفارتها دفنها" كما سيأتي اهـ من المبارق. قال القرطبي: قوله (أو تحت قدمه) بإثبات أو، وفي الآخر عن شماله تحت قدمه بغير أو هكذا الرواية وظاهرُ أو الإباحة والتخيير ففي أيهما بصق لم يكن به باس وإليه يرجع معنى قوله عن شماله تحت قدمه، فقد سمعنا من بعض مشايخنا أن ذلك إنما يجوز إذا لم يكن في المسجد إلا التراب أو الرمل كما كانت مساجدهم في الصدر الأول فأما إذا كان في المسجد بسط وما لَهُ بَالٌ؛ من الحُصُر مما يفسده البصاق، ويقذره فلا يجوز احترامًا للمالية والله تعالى أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 58 و 93] والبخاري [409] وأبو داود [480] والنسائي [2/ 51 - 52]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 1120 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وقال وحدثني زهير بن

حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمنِ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَاهُ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ رَأَى نُخَامَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري أبو يوسف المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (كلاهما) أي كل من يونس بن يزيد وإبراهيم بن سعد (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أن أبا هريرة) الدوسي المدني (وأبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري (أخبراه) أي أخبرا لحميد بن عبد الرحمن بن عوف. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي ورجال الثاني منهما خمسة منهم مدنيون وواحد نسائي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة يونس بن يزيد وإبراهيم بن سعد لابن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة) وساقا (بمثل حديث ابن عيينة) المذكور عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال القرطبي: وقوله في حديث أبي سعيد الخدري (فحكها بحصاة) زاد أبو داود فيه: ثم أقبل على الناس مغضبًا، وهذا يدل على تحريم البصاق في جدار القبلة وعلى أنه لا يكفر بدفنه ولا بحكه كما قال في حُلَّةِ المسجدِ "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" فلو لم يكفر البزاق في القبلة بالحك لما غضب إذ قد كان تكفي الكفارة في ذلك وهي الحك كما اكتفى بها في حديث الأعرابي الذي وطئ في نهار رمضان ولم يذمه ولا غضب عليه، وقد ظهرت خصوصية القبلة حيث نزلها منزلة الرب تعالى كما تقرر، وظهر أيضًا التخفيف في ساحة المسجد كما قد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خيمة لسعد بن معاذ بعدما رمي في أكحله فكان الدم يسيل من خيمته إلى جهة الغفاريين هذا مع ما قيل إن هذا كان لضرورة داعية إلى ذلك وقد ذكر مسلم في حديث جابر الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مكان النخامة عنبرًا، وروى النسائي الحديث الأول من طريق أنس فقال: غضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن هذا" ويصح الجمع بين هذه الأحاديث بأن يقال كان ذلك في أوقات مختلفة ففي وقت حكها صلى الله عليه وسلم وطيبها بيده، ومرة أخرى فعلت هذه المرأة ما ذكر، ويمكن أن يقال نسب الحك والطيب للنبي

1121 - (509) (168) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَس، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُخَاطًا أَوْ نُخَامَة. فَحَكَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم من حيث الأمر به والمرأة من حيث المباشرة. وفي هذا الحديث استحباب أو جواز تطييب المساجد بالطيب وتنظيفها كما نص عليه أبو داود من حديث عائشة "أمر ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف" رواه أبو داود [455] والترمذي [594] وابن ماجه [758] ومن حديث سمرة "وتصلح صنعتها" رواه أبو داود [465] ونهيه عن البصاق عن يمينه دليل على احترام تلك الجهة، وقد ظهر منه تأثير ذلك حيث كان يحب التيمن في شأنه كله، وحيث كان يبدأ بالميامن في الوضوء والأعمال الدينية، وحيث كان يعد يمينه لحوائجه وشماله لما كان من أذى، وقد علل ذلك في حديث أبي داود حيث قال "والملك عن يمينه" بل وفي البخاري قال عن يمينه ملكًا" ويقال على هذا إن صح هذا التعليل لزم عليه أن لا يبصق عن يساره فإن عليه أيضًا ملكًا بدليل قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} والجواب بعد تسليم أن على شماله ملكًا أن ملك اليمين أعلى وأفضل فاحترم بما لم يحترم به غيره من نوعه والله تعالى أعلم، وهذا النهي مع التمكن من البصاق في غير جهة اليمين فلو اضطر إلى ذلك جاز اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 1121 - (509) (168) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (فيما قرئ عليه عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن عائشة) الصديقة التَّيميَّةِ المدنية رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بلخي (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بصاقًا) من الفم (في جدار) المسجد الذي من جهة (القبلة أو مخاطًا) من الأنف (أو نخامة) من الحلق أو من الخيشوم، ويقال لها النخاعة بزنتها كما جاء فعله في حديث "ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع" إلخ وتنخع بمعنى تنخم كما في القاموس وغيره، وأو هنا للشك من الراوي (فحكه) أي حك ذلك البصاق أو غيره مما ذكر بحصاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب الصلاة.

1122 - (510) (169) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأى نُخَامَةَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ. فَأقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَال: "مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبهِ فَيَتَنَخَّعُ أمَامَهُ؟ أَيُحِبُّ أَنْ يُسْتَقْبَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1122 - (510) (169) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن) إسماعيل بن إبراهيم (بن علية) الأسدي أبي بشر البصري (قال زهير حدثنا ابن علية) بصيغة السماع (عن القاسم بن مهران) القيسي مولاهم مولى قيس بن ثعلبة خال هشيم الواسطي، روى عن أبي رافع الصائغ في الصلاة، ويروي عنه (م س ق) وإسماعيل بن علية وشعبة وعبد الوارث وهشيم، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، وقال أبو حاتم: له في الكتب حديث أبي هريرة في النهي عن التنخم في المسجد (عن أبي رافع) نفيع مصغرًا ابن رافع الصائغ المدني مولى ابنة عمر بن الخطاب نزيل البصرة، ثقة ثبت مشهور بكنيته، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد واسطي وواحد بصري وواحد كوفي أو نسائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة) ما يسيل من الرأس أو من الصدر (في) جدار (قبلة المسجد فاقبل على الناس) الحاضرين للصلاة (فقال ما بال أحدكم) أي ما حاله وشأنه (يقوم مستقبل) قبلة (ربه) سبحانه، ففي الكلام مجاز الحذف، قال القرطبي: وهذا محمول على تعظيم حرمة هذه الجهة وتشريفها كما قال الحجر الأسود يمين الله في الأرض" رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا وكذا الخطيب في تاريخه؛ أي بمنزلة يمين الله، ولما كان المصلي يتوجه بوجهه وقصده وكليته إلى هذه الجهة نزلها في حقه منزلة وجود الله تعالى فيكون هذا من باب الاستعارة، وقد يجوز أن يكون من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فكأنه قال مستقبل قبلة ربه، وهذا هو الحق الصواب كما قررناه أولًا أو رحمة ربه كما قال في الحديث الآخر "فلا يبصق قبل القبلة فإن الرحمة تواجهه" (فيتنخع) أي يخرج النخاعة من رأسه أو صدره ويرميها (أمامه) أي قدامه (أيحب) بهمزة الاستفهام الإنكاري (أن يستقبل)

فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُم فَليَتَنَخَّع عَن يَسَارِهِ. تَحْتَ قَدَمِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِد فَلْيَقُل هَكذَا" وَوَصَفَ القَاسِمُ، فَتَفَلَ فِي ثَوبِهِ، ثم مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعضٍ. 1123 - (00) (00) وحدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. ح قَال: وَحَدثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالبناء للمجهول أي يتوجه إليه (فيتنخع) بالبناء للمفعول أيضًا أي فتخرج النخاعة (في وجهه) أي قدامه فهذا لا يحبه لنفسه فكيف يحبه لربه (فإذا تنخع) أي أراد (أحدكم) أن يخرج النخاعة (فليتنخع) أي فليخرجها ويرمها (عن يساره تحت قدمه) إذا لم يكن في المسجد (فإن لم يجد) مكانًا يتنخع فيه كان كان في المسجد (فليقل) أي فليفعل بنخاعته (هكذا) أي مثل الذي بينته لكم (ووَصَف القاسمُ) بن مهران أي بين القاسم ذلك الفعلَ الذي فَعلَه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السندِ. وقولُه (فتَفَلَ) أي بصق القاسمُ (في ثوبِه ثُم مسح) أي رَد (بعضه على بعض) ومَرّخه، تَفْسيرٌ لقولهِ وَصَف. قوله (فليقل هكذا) أي فليفعل هكذا أي مثل ما أنا بينته لكم، وإطلاق القول على الفعل مر غير مرة وهو مجاز مرسل علاقته السببية فإنَّ القول يصير سببًا للفعل، قوله (فتفل) أي بصق القاسم في ثوبه، وبابه ضرب وقتل كما في المصباح ومثله نفث ينفث قال ابن مكي في تثقيف اللسان: التَّفَلُ بفتح الفاء نَفْخ لا بُصاقَ معه والنَّفْث لا بد أن يكون معه شيءٌ من الريق قاله أبو عبيد، وقال الثعالبي: المَجُّ الرمي بالريقِ والتفل أقل منه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 250] والبخاري [416] وأبو داود [477] والنسائي [1/ 163] وابن ماجه [1022]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعةَ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1123 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبليُّ، وفروخ يكنى بأبي شيبة، صدوق، من (9) (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8) (ح قال وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري، ثقة، من (10) (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (ح قال وحدثنا محمد بن المثنى) العَنَزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُلُّهُمْ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيةَ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ هُشَيمٍ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَرُدُّ ثَوبَهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. 1124 - (511) (170) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّار. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَة قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك؛ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (كلهم) أي كل من عبد الوارث وهشيم وشعبة رووا (عن القاسم بن مهران عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث) إسماعيل (بن علية) وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لإسماعيل بن إبراهيم في رواية هذا الحديث عن القاسم بن مهران (و) لكن (زاد) يحيى بن يحيى (في حديث هشيم) وروايته عنه لفظة (قال أبو هريرة كأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يرد ثوبه) أي يجمع (بعضه على بعض) بعد ما تفل فيه لإزالة النخاعة وتيبيسها عن الثوب وفي الحديث إزالة البزاق وغيره من الأقذار ونحوها من المسجد، وفيه جواز الفعل في الصلاة، وفيه أن البزاق والمخاط والنخاعة طاهرات وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين إلا ما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي أنه قال: البزاق نجس. ولا أظنه يصح عنه، وفيه أن البصاق لا يبطل الصلاة وكذا التنخع إن لم يتبين منه حرفان أو كان مغلوبًا عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ نواوي. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 1124 - (511) (170) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري (قال) شعبة (سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري حالة كونه (يحدث عن أنس بن مالك) الأنصاري أبي حمزة البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال)

قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُم فِي الصلاةِ فَإِنهُ يُنَاجِي رَبهُ. فَلَا يَبْزُقَنَّ بَينَ يَدَيهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ. وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس بن مالك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه) أي فإن أحدكم (يناجي) أي يحادث ويخاطب (ربه) بالدعاء والأذكار والقراءة (فلا يبزقن) أي لا يرمين البصاق (بين يديه) أي قدامه لأنه قبلته (ولا عن يمينه) لشرفها ولأن كاتب الحسنات فيها كما ورد (ولكن) ليبزقن (عن شماله) لعدم شرفها ولأن كاتب السيئات يفارقه في الصلاة لأنه في فعل الحسنات وليست له كتابة على ما قالوا (تحت قدمه) اليسرى كما قيد به في بعض الروايات هذا إذا لم يكن في المسجد فإن كان فيه فليبزق في ثوبه وتقدم بسط الكلام فيه في حديث أبي سعيد الخدري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [405 و 417] والنسائي [1/ 63 و 2/ 52 - 53] وابن ماجه [1024]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثالث حديث عائشة ذكره استشهادًا لحديث ابن عمر، والرابع حديث أبي هريرة ذكره أيضًا استشهادًا لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أنس ذكره استشهادًا لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين. ***

262 - (73) باب كفارة البزاق في المسجد

262 - (73) باب كفارة البزاق في المسجد 1125 - (512) (171) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بنُ سَعِيدٍ -قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ- عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ. وَكَفَّارَتُها دَفْنُهَا". 1126 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 262 - (73) باب كفارة البزاق في المسجد 1125 - (512) (171) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قال يحيى أخبرنا وقال قتيبة حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري أو بلخي (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البزاق) أي إلقاء البزاق (في) أرض (المسجد) وجدرانه وسقفه (خطيئة) أي إثم وذنب سواء احتاج إليه أم لا بل يبزق في ثوبه أو في المنديل اهـ مبارق (وكفارتها) أي كفارة تلك الخطيئة إن ارتكبها (دفنها) أي دفن تلك البزاقة في تراب المسجد أو رمله إن كان وإلا فيخرجها أو يمسحها بنحو منديل، وقيل المراد بالدفن إخراجها مطلقًا اهـ من المبارق، وفي الجامع الصغير (البزاق في المسجد) ظرف للفعل لا للفاعل فيتناول من كان خارجه وبصق فيه في أي جزء منه (سيئة) أي حرام لأنه تقدير للمسجد واستهانة به (ودفنه) في أرضه إن كانت ترابية أو رملية (حسنة) أي مكفرة لِتلكَ السيئةِ، أما المبلَّطُ أو المُرخَّم فدلكها فيه ليس دفنًا بل زيادة في التقدير فيتعين إزالة عينه منه اهـ بشرحه للمناوي موضحًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 232] والبخاري [415] وأبو داود [474] والترمذي [572] والنسائي [2/ 51 - 52]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1126 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) وقيل الشيباني أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن

الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَأَلْتُ قَتَادَةَ عَنِ التَّفْلِ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "التفلُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَة. وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري، ثقة أمة، من (7) (قال) شعبة (سألت قتادة) بن دعامة البصري (عن) حكم (التفل) والبزاق (في المسجد فقال) قتادة (سمعت أنس بن مالك) الأنصاري البصري (يقول) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة، وفيه تنبيه على أن قتادة سمعه من أنس لأن قتادة مدلس فإذا قال: عن، لم يُتحقق اتصاله فإذا جاء في طريق آخر سماعه تحققنا به اتصال الأول (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التفل) بفتح التاء الفوقانية وإسكانها من تفل من بابي ضرب وقتل كما مر وهو البصاق (في المسجد خطيئة) أي ذنب (وكفارتها دفنها) في تراب المسجد أو رَملِه أو حَصَاتِهِ إن كان له ذلك وإلا فيخرجها، قال ابن مكي: إنما تكون خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه لأنه يقذر المسجد ويتأذى به من تعلق به أو رآه كما جاء في الحديث الآخرة "لئلا يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فيؤذيه" فأما من اضطر إلى ذلك فدفن وفعل ما أمر به فلم يأت خطيئة، وأصل التكفير التغطية فكان دفنها غطاء ما يتصور عليه من الذم والإثم لو لم يفعل، وهذا كما سميت تَحِلَّةُ اليمين كفارة ولَيسَتْ اليمين بمأثم فتكفره ولكن لما جعلها الشرع فسحة لعباده في حل ما عقدوه من أيمانهم ورفعها لحكمها سماها كفارة ولهذا جاز إخراجها قبل الحنث وسقوط حكم اليمين بها على الأصح من القولين، وقد دل على صحة هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر "ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن" فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل بذلك وببقائها غير مدفونة اهـ قرطبي. قال النواوي: وكون البزاق في المسجد خطيئة هو الصواب كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال به العلماء، وقال القاضي عياض فيه كلامًا باطلًا حاصله: أن البزاق في المسجد ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة، واستدل عليه بأشياء باطلة فقوله هذا غلط صريح مخالف لنص الحديث ولما قاله العلماء نبهت عليه لئلا يغتر به اهـ.

1127 - (513) (172) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضبَعِي وَشَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. قَالا: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. حَدَّثنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَينَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدَّيلِي، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ قَال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أمَّتِي. حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1127 - (513) (172) (حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وشيبان بن فروخ) الحَبَطي الأُبُلِّيُّ، صدوق، من (9) (قالا حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا واصل مولى أبي عيينة) مصغرًا بن المهلَّب بن أبي صفرة الأزدي البصري، روى عن يحيى بن عقيل في الصلاة والزكاة، وأبي الزبير في ذكر الموت، ويروي عنه (م د س ق) ومهدي بن ميمون وحماد بن زيد وشعبة وجماعة، وثقه أحمد وابن معين، وقال العجلي: ثقة بصري، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق عابد من (6) (عن يحيى بن عقيل) مصغرًا الخزاعي البصري، روى عن يحيى بن يعمر في الصلاة والزكاة والقدر، وعمران بن حصين وابن أبي أوفى وأنس بن مالك، ويروي عنه (م د س ق) وواصل مولى أبي عيينة وعزرة بن ثابت وعبد الله بن كيسان وغيرهم، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة (عن يحيى بن يعمر) القيسي الجدلي أبي سليمان البصري، وثقه أبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فصيح، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الأسود الديلي) ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حنش بن ثعلبة بن عدي بن الدَّيلِي البصري قاضيها ثقة فاضل مخضرم، مات سنة (69) تسع وستين، من (2) روى عنه (ع) (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا ذر فإنه مدني وإلا الحَبَطي فإنه أبُلِّي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت على أعمال أمتي) أي أنواع أعمالها، بضم العين مبنيًّا للمجهول، وأعمال نائب فاعل (حسنها) بالرفع بدل من أعمال (وسيئها) معطوف عليه أي

فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيق. وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوئِ أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ". 1128 - (514) (173) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عرضها الله سبحانه وتعالى عليّ وكشفها لي (فوجدت) أي رأيت (في محاسن أعمالها الأذى) وهو كل ما يتأذى به الناس من عظم أو حجر أو نجاسة أو قذر أو غير ذلك (يماط) أي يزال وينحى ويبعد (عن الطريق) والجملة الفعلية صفة للأذى لأن ال فيه جنسية فهو بمنْزلة النكرات أو حال منه نظرًا لِصُوْرَةِ أَلْ (ووجدت في مساوئ أعمالها) جمع مساءة بمعنى إساءة لأنه من أساء يُسِيءُ، أصله مَسَاويءُ على زنة مفاعيل، على غير قياس أي في أعمالها السيئة (النخاعة) ما يخرج من الصدر أو الرأس كما مر (تكون في المسجد لا تدفن) وهاتان الجملتان صفة للنخاعة أو حال منها اهـ من المبارق باختصار. قال المناوي: ولا يختص الذم بصاحب النخاعة بل يدخل فيه كل من رآها وتركها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 180]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بن مالك بحديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنهما فقال: 1128 - (514) (173) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) (حدثنا كهمس) بن الحسن التميمي أبو الحسن البصري، كان نازلًا في بني قيس بالبصرة، روى عن عبد الله بن بريدة في الإيمان والجهاد والذبائح، ويزيد بن عبد الله بن الشخير في الصلاة، وأبي نضرة وعبد الله بن شقيق في الصلاة والصوم، ويروي عنه (ع) ووكيع ومعاذ بن معاذ ومعتمر بن سليمان وأبو أسامة في الصلاة، وعثمان بن عمر في الذبائح، وثقه أحمد وابن معين وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (5) مات سنة (149) (عن يزيد بن عبد الله بن الشخير) بكسر المعجمتين وتشديد الثانية منهما العامري أبي العلاء البصري، ثقة، من الثانية، مات سنة (111) مائة وإحدى عشرة (عن أبيه) عبد الله بن الشخير بن عوف العامري الحرشي أبي مطرف البصري، وحديثه عند أهلها، الصحابي الجليل رضي الله عنه، روى عنه في الصلاة أبو العلاء يزيد

قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَرَأَيتُهُ تَنَخَّعَ، فَدَلَكَهَا بِنَعلِهِ. 1129 - (00) (00) وحدثني يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ عَنِ الْجُرَيرِي، عَنْ أبِي الْعَلاءِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشخيرِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ؛ قَال: فَتَنَخَّعَ فَدَلَكَهَا بِنَعْلِهِ الْيُسْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وابنه مطرف، له أحاديث، انفرد له (م) بحديث، ويروي عنه (م عم) وبنوه مطرف وهانئ ويزيد وهو من مسلمة الفتح. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) عبد الله بن الشخير (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته) صلى الله عليه وسلم (تنخع) أي أخرج النخاعة من الصدر أو الرأس وهو في الصلاة في المسجد (فدلكها) أي حكها وأزالها (بنعله) اليسرى كما في الرواية الآتية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [482] والنسائي [2/ 52]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه فقال: 1129 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن بحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) التيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير) البصري (عن أبيه) عبد الله بن الشخير البصري الصحابي رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة الجريري لكهمس في رواية هذا الحديث عن يزيد بن عبد الله (أنه) أي أن عبد الله بن الشخير (صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم) و (قال) عبد الله بن الشخير (فتنخع) النبي صلى الله عليه وسلم (فدلكها) أي دلك النخاعة وحكها (بنعله اليسرى) وكرر متن الحديث لما فيه من الزيادة التي لا تقل الفصل وهو لفظة اليسرى، والدلك بمعنى الإزالةِ وهو في حكم الدفن وبذلك طابق الحديثُ الترجمة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عبد الله بن الشخير ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

263 - (73) باب جواز الصلاة في النعلين وكراهية الصلاة في الثوب المعلم

263 - (73) باب جواز الصلاة في النعلين وكراهية الصلاة في الثوب المعلم 1130 - (515) (174) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: قُلْتُ لأنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكَانَ رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي فِي النَّعْلَينِ؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 263 - (73) باب جواز الصلاة في النعلين وكراهية الصلاة في الثوب المعلم 1130 - (515) (174) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا بشر بن المفضل) بصيغة اسم المفعول بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، العابد ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن أبي مسلمة) القصير البصري (سعيد بن يزيد) بن مسلمة الأزدي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (قال) أبو مسلمة (قلت لأنس بن مالك) الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه (أكان) بهمزة الاستفهام الاستخباري التقريري (رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين قال) أنس (نعم) يصلي فيهما، قال الأبي: ظاهره التكرار لأن كان تدل عليه ولا يؤخذ منه جواز الصلاة في النعل وإن كان الأصل التأسيَ لأن تَحَفُّظَه صلى الله عليه وسلم لا يَلْحَقُ به غَيرُهُ وهذا حتى غَيرهُ فإن الناس تختلف حالهم في ذلك فرب رجل لا يكثر المشي في الأزقة والشوارع وإن مشى فلا يمشي في كل الشوارع التي هي مظنة النجاسة وإنما يؤخذ الصلاة فيها من فعل الصحابة رضي الله عنهم منضمًا إلى إقراره صلى الله عليه وسلم لهم. ثم إنه وإن كان جائزًا فلا ينبغي أن يفعل لا سيما المساجد الجامعة فإنه قد يؤدي إلى مفسدة أعظم كما اتفق في رجل يسمى هداجًا من أكابر أعراب أفريقية إذ دخل الجامع الأعظم بتُونُس بأخفافه فزُجِر عن ذلك، فقال: دخلت بها كذلك واللهِ على السلطان، فاستعظم ذلك العامةُ منه وقاموا إليه وأفضت الحال إلى قتله وكانت فتنة وأيضًا، فإنه يؤدي إلى أن يفعله من العوام من لا يتحفظ في المشي بنعله بل لا يَدْخُلِ المسجدَ بالنعل مخلوعةً إلا وهو في كِنٍّ يحفظُه اهـ منه. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 100] والبخاري [5850] والترمذي [4/ 100] والنسائي [2/ 74]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

1131 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو مَسْلَمَةَ. قَال: سَأَلْتُ أَنَسًا. بِمِثْلِهِ. 1132 - (516) (175) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1131 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عباد بن العوام) بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة، من (8) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة قال سألت أنسًا) وساق عباد بن العوام (بمثله) أي بمثل حديث بشر بن المفضل، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عباد بن العوام لبشر بن المفضل في رواية هذا الحديث عن أبي مسلمة. قال القرطبي: (قول أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين) هذا يدل على جَوازِ الصلاة فيهما وهو أمر لم يختلف فيه إذا كانت النعل طاهرة من ذكي فإن تحقق فيها نجاسة مُجْمَع على تنجيسها كالدم والعذرة من قبل بني آدم لم يطهرها إلا الغسل بالماء عندنا وعند كافة العلماء لم يجز، وإن كانت النجاسة مختلفًا فيها كبول الدواب وأرواثها الرطبة، فهل يطهرها المسح بالتراب من النعل والخف أو لا؟ قولان عندنا وأطلق الإجزاء بمسح ذلك بالتراب من غير تفصيل الأوزاعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: يزيله إذا يبس الحك والفرك ولا يزيل رطبه إلا الغسلُ ما عدا البول فلا يجزئ عنده فيه إلا الغسل، وقال الشافعي: لا يطهر شيئًا من ذلك كله إلا الماء، والصحيح قول من قال بأن المسح يطهره من الخف والنعل بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري "إذا جاء أحدكم المسجد فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما" رواه أبو داود [650] وهو صحيح فأما لو كانت النعل أو الخف جلد ميتة فإن كان غير مدبوغ فهو نجس باتفاق، ومختلف فيه إذا دبغ هل يطهر طهارة مطلقة أو إنما ينتفع به في اليابسات روايتان عن مالك اهـ منه، قال النواوي: في الحديث جواز الصلاة في النعال والخفاف ما لم يتحقق عليه نجاسة، ولو أصاب أسفل الخف نجاسة مسحه على الأرض فهل تصح صلاته؟ فيه خلاف للعلماء وهما قولان للشافعي رحمه الله تعالى الأصح لا تصح اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1132 - (516) (175) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو

وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ، لَهَا أَعْلامٌ. وَقَال: "شَغَلَتْنِي أَعْلامُ هَذِهِ. فَاذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيِّهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، هكذا ثنا في نسخة شرح الأبي وهي الصواب، وفي نسخة النواوي وأكثر المتون حدثني بالإفراد وهو خطأ لأنه لا فائدة للتحويل حينئذ (واللفظ لزهير قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة) بفتح الخاء كساء مربع من صوف، وقيل كساء من صوف له علم حرير، وقيل الخمائص ثياب خز وصوف معلمة سوداء، وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة (لها أعلام) أي خطوط ونقوش (وقال) بعدما سلم (شغلتني) عن صلاتي أي قربت أن تشغلني (أعلام هذه) الخميصة (فاذهبوا بها) عني وردوها (إلى أبي جهم) عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي المدني، الصحابي الذي أهداها لي (وائتوني) من عنده بدل هذه الخميصة (بأنبجانيه) أي بكسائه الذي لا علم ولا خطوط فيه لأنه لا يشغلني عن صلاتي، والفرق بين الخميصة والأنبجاني أن الخميصة كساء من صوف له خمل وأعلام ونقوش، والأنبجاني بفتح الهمزة وكسرها وبفتح الباء وكسرها أيضًا وبتشديد الياء وتخفيفها فهاتان ثنتان في الأربعة السابقة بثمانية؛ كساء من صوف له خمل ولا علم له وهو من أدون الثياب الغليظة، وقال الداودي: وهو كساء غليظ بين الكساء والعباءة، وقال القاضي أبو عبد الله: هو كساء سداه قطن أو كتان لحمته صوف أو قز أو كتان، قال ابن الأثير في النهاية: يقال كساء أنبجاني منسوب إلى منبج بوزن مجلس المدينة المعروفة وهي مكسورة بالباء ففتحت في النسب وأبدلت الميم همزة، وقيل إنها منسوبة إلى موضع اسمه أنبجان وهو أشبه لأن الأول فيه من التكلف ما علمت، وقيل إنه منسوب إلى أذربيجان حذف بعض حروفه وعرب، وقال القاضي: (قوله وائتوني) إلخ

1133 - (00) (00) حدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي خَمِيصَةِ ذَاتِ أَعْلامٍ. فَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَال: "اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ بْنِ حُذَيفَةَ. وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيِّهِ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا فِي صَلاتِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ طلب ذلك تطييبًا لنفس أبي جهم لرده هديته عليه وفعل هذا من طلب مال الغير جائز إذا علم سروره وطيب نفسه بذلك اهـ، قال القرطبي: وفي هذا الحديث جواز لباس الثياب ذوات الأعلام، وفيه التحفظ من كل ما يشغل عن الصلاة النظر إليه، ويستفاد منه كراهة التزاويق والنقوش في المساجد، وفيه أن الذهول اليسير في الصلاة لا يضرها ألا ترى إلى قوله فإنها ألهتني عن صلاتي أي شغلتني وصرفتني بالنظر إليها واستحسانها، وفيه سد الذرائع والانتزاع عما يشغل الإنسان عن واجبات دينه، وفيه قبول الهدايا من الأصحاب واستدعاؤه صلى الله عليه وسلم أنبجاني أبي جهم بن حذيفة تطييب لقلبه ومباسطة معه وهذا مع من يعلم طيب نفسه وصفاء وده جائز ولم يبعث الخميصة لأبي جهم ليصلي فيها بل لينتفع بها في غير الصلاة والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 199] والبخاري [373] وأبو داود [914] والنسائي [2/ 72]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1133 - (00) (00) (حدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) الفهمي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قالت) عائشة (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يصلي في خميصة ذات أعلام فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته) وفرغ منها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم) عامر (بن حذيفة) المدني الصحابي رضي الله عنه (وائتوني بأنبجانيه) الذي لا علم له (فإنها) أي فإن هذه الخميصة (ألهتني) أي شغلتني (آنفًا) أي في الزمن القريب (في صلاتي)

1134 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ خَمِيصَةٌ لَهَا عَلَمٌ. فَكَانَ يَتَشَاغَلُ بِهَا فِي الصَّلاةِ. فَأَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ. وَأَخَذَ كِسَاءً لَهُ أَنْبِجَانِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ باستحسانها والنظر إليها، قال المازري: يؤخذ منه كراهة التزويق وجعل المنقوش وما يشغل في المسجد وأنه لا يصلي بما يشغل لأنه علل إزالة الخميصة بالشغل، قال القاضي: فيه قبول الهدية وجواز ردها وطيبها بعد الرد للواهب وأنه ليس من العود في الصدقة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1134 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن هشام) بن عروة الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام للزهري في الرواية عن عروة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خميصة) أي كساء (لها علم) وخطوط بإهداء أبي جهم له ليوافق الرواية السابقة (فكان يتشاغل بها) أي فكاد أن يتشاغل بأعلامها (في الصلاة) أي بالنظر إليها (فأعطاها) أي فأعطى تلك الخميصة (أبا جهم) أي ردها إليه لشغلها إياه في الصلاة (وأخذ) عن أبي جهم بدلها (كساء له) أي لأبي جهم (أنبجانيًا) صفة لكساء أي وأخذ منه بدلها كساء أنبجانيًا ليس له علم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

264 - (74) باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يتوق إليه ومع مدافعة الأخبثين

264 - (74) باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يتوق إليه ومع مدافعة الأخبثين 1135 - (517) (176) أَخْبَرَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 264 - (74) باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يتوق إليه ومع مدافعة الأخبثين 1135 - (517) (176) (أخبرني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن الزهري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حضر العشاء) بفتح العين والمد؛ وهو طعام يؤكل عند العشاء، والمراد بحضوره وضعه بين يدي الآكل لا استواؤه ولا غرفه في الأوعية لحديث ابن عمر المتفق عليه الآتي (وأقيمت الصلاة) أي دخل وقت إقامتها (فابدؤوا بـ) أكل (العشاء) لتصلوا بالقلب الفارغ والخشوع الكامل، قال القرطبي: وهذا الحديث محمول على من كان محتاجًا للطعام من صائم أو نحوه، وقد دل على صحة هذا التأويل ما زاده الدارقطني في هذا الحديث من طرق صحيحة وذلك قوله "إذا حضر العشاء وأحدكم صائم فابدءوا به قبل أن تصلوا" قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. ولو لم تصح هذه الزيادة لكان ذلك معلومًا من قاعدة الأمر بحضور القلب في الصلاة والإقبال عليها والنهي عما يشغل المصلي في صلاته ويشوشها عليه ولا تشويش أعظم من تشويش الجائع عند حضرة الطعام، وإلى الابتداء بالطعام على الصلاة ذهب الشافعي وابن حبيب من أصحابنا والثوري وإسحاق وأحمد وأهل الظاهر، وروي ذلك عن عمر وابن عمر وأبي الدرداء، وحكى ابن المنذر عن مالك أنه يبدأ بالصلاة إلا أن يكون الطعام خفيفًا، وفي هذا الحديث ما يدل على أن وقت المغرب موسع، وهي إحدى الروايتين عن مالك، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، انتهى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 161]، والبخاري [672] والترمذي [353] والنسائي [2/ 111].

1136 - (00) (00) حدثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاةَ الْمَغْرِبِ. وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ". 1137 - (518) (177) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَحَفْصٌ وَوَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1136 - (00) (00) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي (الأيلي) أبو جعفر نزيل مصر، ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، ثقة، من (7) (عن ابن شهاب) الزهري المدني (قال حدثني أنس بن مالك) الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد بصري وواحد مدني وواحد أيلي، وغرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قرب) بالبناء للمفعول من التقريب أي إذا أحضر (العشاء) وهو ما يؤكل عند العشاء، وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للآكل كما لو لم يتحَضر (وحضرت الصلاة فابدؤوا به) أي بأكل العشاء (قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا) أي لا تستعجلوا (عن) أكل (عشائكم) إلى الصلاة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1137 - (518) (177) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (وحفص) بن غياث بن طلق النخعي الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، كل من الثلاثة (عن هشام) بن عروة الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن

النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ. 1138 - (519) (178) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح قَال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ. فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ. وَلا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث ابن عيينة عن الزهري عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن نمير وحفص بن غياث ووكيع لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن هشام عن أبيه عن عائشة كما أن سفيان رواه عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنها ناقصة وكانت في الشواهد وهي خارقة لاصطلاحه فهي شاذة لأن المتابعة إنما تكون في حديث صحابي واحد وهنا جعلها في حديثي صحابيين لاتحاد لفظهما ومعناهما وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال: 1138 - (519) (178) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ) الآتي (له) أي لابن أبي شيبة (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (قالا) أي قال كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر المدني (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما. وهذان السندان من خماسياته رجالهما اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع) بالبناء للمجهول أي قرب (عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة) أي صلاة المغرب (فابدؤوا بـ) أكل (العشاء ولا يعجلن) أحدكم عن عشائه (حتى يفرغ منه) أي من عشائه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 2] والبخاري [673] وأبو داود [3757 و 3759] والترمذي [354] وفي تحفة الأحوذي: قال ابن دقيق العيد: الألف واللام في قوله (وأقيمت الصلاة) لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف

1139 - (00) (00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنِي أَنَسٌ، (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ)، عَنْ مُوَسى بْنِ عُقْبَةَ ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح قَال: وَحَدَّثنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الماهية بل ينبغي أن تحمل على المغرب لقوله فابدءوا بالعشاء، ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب، والحديث يفسر بعضه بعضًا وفي رواية صحيحة "إذا وضع العشاء وأحدكم صائم" اهـ. وقال الفاكهاني: ينبغي حمله على العموم نظرًا إلى العلة وهي التشويش المُفْضِي إلى ترك الخشوع، وذكر المغرب لا يقتضي حصرًا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم اهـ. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذين القولين: وحمله على العموم نظرًا إلى العلة أولى، إلحاقًا للجائع بالصائم، وللغداء بالعشاء، لا بالنظر إلى اللفظ الوارد اهـ تحفة الأحوذي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1139 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي (المسيبي) أبو عبد الله المدني نزيل بغداد، ثقة، من (10) (حدثني أنس يعني ابن عياض) بن ضمرة أو عبد الرحمن الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البزاز المعروف بالحمّال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (16) بابا (ح قال وحدثنا الصلت بن مسعود) بن طريف الجحدري نسبة إلى قبيلة جحدر القاضي أبو بكر البصري، روى عن سفيان بن موسى في الصلاة، وحماد بن زيد ومسلم بن خالد الزنجي، ويروي عنه (م) فرد حديث وأبو يعلى والبغوي، وقال العقيلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم، من العاشرة، مات سنة

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوهِ. 1140 - (520) (179) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ؛ قَال: تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (239) تسع وثلاثين ومائتين (حدثنا سفيان بن موسى) البصري، روى عن أيوب في الصلاة، ويروي عنه (م) والصلت بن مسعود ومحمد بن عبيد بن حساب والفَلَّاس، وثقه الدارقطني وابن حبان، وقال أبو حاتم: مجهول، وقال في التقريب: صدوق، من الثامنة (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي أبي بكر البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (كلهم) أي كل من موسى بن عقبة وابن جريج وأيوب السختياني رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقوا (بنحوه) أي بنحو حديث عبيد الله بن عمر. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبيد الله بن عمر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس ثالثًا واستدل على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1140 - (520) (179) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، صدوق يهم، من (10) (حدثنا حاتم هو ابن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، يهم من (8) روى عنه في (12) بابا (عن يعقوب بن مجاهد) القرشي المخزومي مولاهم أبي حزرة -بفتح المهملتين بينهما زاي ساكنة- لقب له، وكنيته أبو يوسف القاص المدني، روى عن عبد الله بن أبي عتيق في الصلاة، وعبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت في آخر الكتاب، ويروي عنه (م د) وحاتم بن إسماعيل وإسماعيل بن جعفر ويحيى بن سعيد الأنصاري والقطان وجماعة، وثقه النسائي، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، مات سنة (150) خمسين ومائة (عن) عبد الله (بن أبي عتيق) محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، روى عن عائشة في الصلاة والأطعمة، ويروي عنه (خ م س ق) ويعقوب بن مجاهد أبو حزرة القاص وشريك بن أبي تمر، وثقه العجلي، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة (قال) ابن أبي عتيق (تحدثت أنا والقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي أبو محمد المدني أحد

عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حَدِيثًا. وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلًا لَحَّانَةً. وَكَانَ لأُمِّ وَلَدٍ. فَقَالتْ لَهُ عَائِشَةُ: مَالكَ لَا تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِي هَذَا؟ أمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَينَ أُتِيتَ. هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ. قَال: فَغَضِبَ الْقَاسِمُ وَأَضَبَّ عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الفقهاء السبعة، ثقة، من كبار الثالثة؛ أي تذاكرنا (عند عائشة رضي الله تعالى عنها حديثًا) قال ابن أبي عتيق (وكان القاسم) بن محمد (رجلًا لحَّانة) أي كثير اللحن والخطأ في كلامه صيغة مبالغة كعلامة ونسابة لكثير العلم ومعرفة النسب كذا للسمرقندي، ووقع للعذّرِيِّ لُحْنَة -بضم اللام وسكون الحاء- ومعناه أنه يلحن في كلامه ويلحنه الناس، كخُدْعة للذي يُخدع، وهُزْأة للذي يُهزأ به، فأما فُعلة -بضم الفاء وفتح العين- فهو للذي يفعل ذلك بغيره كما يقال صُرَعة للذي يصرع الناس، وهُزَأة للذي يَهزأ بهم، وخُدَعة للذي يخدعهم. يقال لحن في كلامه إذا أخطأ الإعراب وخالف وجه الصواب (وكان) القاسم ولدًا (لأم ولد) أي ابنًا لأمة استفرشها أبوه محمد بن أبي بكر الصديق (فقالت له) أي للقاسم عمته (عائشة) رضي الله تعالى عنها لكثرة لحنه في الإعراب (مالك) أي أيّ شيء ثبت لك يا ابن أخي من اللحن، حالة كونك (لا تحدث) بحذف إحدى التاءين أي لا تتحدث ولا تتكلم كلامًا صحيحًا (كما يتحدث) أي مثل ما يتحدث ويتكلم (ابن أخي) عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن من الكلام الصحيح، وقوله (هذا) بدل أو عطف بيان من ابن أخي (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك من النصيحة (إني قد علمت) وعرفت (من أين أتيت) أي من أين أصبت بهذا اللحن وابتليت بهذه الداهية (هذا) الولد الذي هو ابن أخي عبد الرحمن تعني ابن أبي عتيق، اسم إشارة مبتدأ خبره جملة قوله (أدبته) وربته (أمه) العربية الفصيحة على اللغة العربية الفصيحة الصحيحة (وأنت) يا قاسم (أدبتك) وربتك (أمك) العجمية المستفرشة لأخي محمد بن أبي بكر على اللغة الملحونة المختلطة بالعجم غير العربية الفصيحة فلذلك كنت لحانًا في حديثك (قال) ابن أبي عتيق (فغضب القاسم) أي صار مغضبًا بلسانه على عائشة (وأضب) أي القاسم أي حقد وضغن بقلبه وتاسف (عليها) أي على عائشة لأجل ما قالت له، من الضب وهو الحقد، وفي هامش بعض المتون (قولها مالك لا تحدث) أي لا تتحدث ولا تتكلم مثل تكلم ابن أخي أرادت به ابن أبي عتيق ذاكر الحديث فإنه ولد ابن أخي السيدة عائشة لأبويها والقاسم ابن أخيها لأبيها فكأنها أنكرت

فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِيَ بِهَا قَامَ. قَالتْ: أَينَ؟ قَال: أُصَلِّي. قَالتِ: اجْلِسْ. قَال: إِنِّي أُصَلِّي. قَالتِ: اجْلِسْ غُدَرُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا صَلاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه كلامه للحنه (قولها إني قد علمت من أين أتيت) أي من أين دهيت أي من أين أصبت بهذه الداهية، والمصيبة التي هي مصيبة الخطأ في اللسان اهـ. (فلما رأى) القاسم (مائدة عائشة) أي قصعة طعامها (قد أتي بها) بالبناء للمفعول أي قد أُتي وجاء بتلك القصعة خادمها (قام) القاسم من مجلسها فـ (قالت) له عائشة (أين) تذهب وإلى أي شغل تقوم (قال) القاسم (أصلي) أي أريد أن أصلي مع الناس فـ (قالت) له عائشة (اجلس) أي اقعد لتأكل معنا (قال) القاسم (إني) أريد أن (أصلي) مع الناس فـ (قالت) له عائشة (اجلس) لتأكل معنا يا (غُدَر) بوزن عمر أي يا تارك الوفاء، قالت له ذلك ناصحة له ومؤدبة وكان حقه أن يحتملها ويحترم لها فضلًا عن أن يغضب عليها فإنها عمته وأم المؤمنين، من الغدر وهو ترك الوفاء بالعهد، ويقال لمن غدر العهد يا غادر ويا غدر، وأكثر ما يستعمل في النداء بالشتم وهو معدول عن غادر لإفادة التكثير ونسبته للغدر لما أظهر من أنه إنما ترك طعامها من أجل الصلاة وليس كذلك وما صدر من عائشة للقاسم إنما كان منها لإنهاض همته وليحرص على التعلم وعلى تثقيف لسانه اهـ قرطبي، قال النواوي: وإنما قالت له غدر لأنه مأمور باحترامها لأنها أم المؤمنين وعمته وأكبر منه وناصحة له ومؤدبة فكان حقها أن يحتملها ولا يغضب عليها اهـ (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام") أي عند حضور طعام تتوق نفسه إليه أي لا تقام الصلاة في موضع حضر فيه الطعام وهو يريد أكله وهو عام للنفل والفرض والجائع وغيره، وفيه دليل صريح على كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال لاشتغال القلب به (ولا) صلاة و (هو) أي المصلي، وفي بعض النسخ (ولا وهو) بزيادة الواو كما قدرناه (يدافعه) أي يدافع المصلي ويغلبه (الأخبثان) فاعل يدافع وهو البول والغائط أي لا صلاة حاصلة للمصلي حالة كونه يدافعه الأخبثان وهو يدافعهما لاشتغال القلب به وذهاب الخشوع ويلحق به كل ما هو في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع كمدافعة الريح ونزول المطر وعصف الرياح وليس له كِنٌّ، وأما الصلاة بحضرة الطعام ففيه مذاهب منهم من ذهب إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوب تقديم الأكل على الصلاة، ومنهم من قال إنه مندوب ومن قيد ذلك بالحاجة ومن لم يقيد اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [89]. قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث نفي الصحة والإجزاء وإليه ذهب أهل الظاهر في الطعام فتأول بعض أصحابنا حديث مدافعة الأخبثين على أنه شغله حتى لا يدري كيف صلى فهو الذي يعيد قبل وبعد، وأما إن شغله شغلًا لا يمنعه من إقاعة حدودها وصلى ضامًا ما بين وركيه فهذا يعيد في الوقت وهو ظاهر قول مالك في هذا، وذهب الشافعي والحنفي في مثل هذا إلى أنه لا إعادة عليه. قال القاضي أبو الفضل: وكلهم مجمعون على أن من بلغ به ما لا يعقل به صلاته ولا يضبط حدودها أنها لا تجزئه ولا يحل له الدخول كذلك في الصلاة وأنه يقطع الصلاة إن أصابه ذلك فيها والأخبثان البول والغائط قاله الهروي وغيره. وفي المبارق: (قوله ولا يدافعه الأخبثان) يعني لا صلاة كاملة حاصلة للمصلي، والحال أنه يدافعه الأخبثان وهما البول والغائط عن الأداء ويدافعهما المصلي لأداء اهـ. [فائدة]: قال الأبي: قال بعضهم (قوله ولا هو يدافعه الأخبثان) لم أحقق هذا التركيب من جهة الإعراب يعني على رواية سقوط الواو لأن لا النافية باشرت الضمير وهي لا تلي المعارف، وخرّجه شارح المصابيح في وجهين أحدهما أن لا الأولى لنفي الجنس، وبحضرة الطعام خبرها، والثانية زائدة للتأكيد والواو عطفت الجملة على الجملة وهو مبتدأ، ويدافعه الخبر، وفي الكلام حذف؛ والتقدير ولا صلاة حين هو يدافعه الأخبثان، والثاني أن تكون لا حُذف اسمها وخبرها، وقوله هو يدافعه حال أي ولا صلاة لمصل وهو يدافعه الأخبثان اهـ قال (ع): وهو مثل نهيه عن صلاة الحاقن وذلك لشغله بها، ثم اختلف فقال مالك: إن شغله ذلك فأحب إليّ أن يعيد أبدًا. واختلف أصحابه في معنى شغله فقيل معناه أن يعجل لأجله، وتأول بعض أصحابه معنى شغله أن يصلي ولا يدري كيف صلى، وأما إن شغله ولم يمنعه من إقامة حدودها وصلاها ضامًا لوركيه فهذا يعيد في الوقت، وقال أبو حنيفة والشافعي في مثل هذا: لا إعادة عليه، وكلهم مجمع على أنه إن بلغ به ما لا يعقل معه ولا يضبط حدودها أنه لا يجزئه ويقطع الصلاة ولا يدخلها على تلك الحال اهـ من الأبي.

1141 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، أَخْبَرَنِي أَبُو حَزْرَةَ الْقَاصُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةَ الْقَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1141 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي العابد، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، من صغار (9) روى عنه في (11) (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني (أخبرني أبو حزرة) يعقوب بن مجاهد المذكور في الإسناد الأول (القاص عن عبد الله بن أبي عتيق) محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بقوله حدثنا إسماعيل أي وساق إسماعيل بمثل ما حدّث حاتم بن إسماعيل (ولم يذكر) إسماعيل (في الحديث قصة القاسم) مع عائشة رضي الله تعالى عنها، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد لحديث أنس، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وللاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

265 - (75) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل أو نحوهما وإخراج من وجد منه ريحها من المسجد

265 - (75) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل أو نحوهما وإخراج من وجد منه ريحها من المسجد 1142 - (521) (180) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال، فِي غَزْوَةِ خَيبَرَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، (يَعْنِي الثُّومَ)، فَلَا يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ". قَال زُهَيرٌ: فِي غَزْوَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خَيبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 265 - (75) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل أو نحوهما وإخراج من وجد منه ريحها من المسجد 1142 - (521) (180) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالا حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ (وهو القطان) التميمي البصري (عن عبيد الله) بن عمر العدوي العمري المدني (قال أخبرني نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي واثنان بصريان أو بصري ونسائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: "من أكل من هذه الشجرة") غير مطبوخة، قال ابن عمر (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذه الشجرة بَقْلَةَ (الثومِ) وهذا تفسير مدرج من الراوي (فلا يأتين المساجد) كلها وكذا كل مجامع الخير كمصلى العيد والاستسقاء ومدارس العلم، وهذا حجة على من قال إن ذلك النهي مخصوص بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله في حديث جابر الآتي "فلا يقربن مسجدنا" والحديث يدل على أن مجتمع الناس حيث كان لصلاة أو غيرها كمجالس العلم والولائم وما أشبهها لا يقربها من أكل الثوم وما في معناه مما له رائحة كريهة تؤذي الناس ولذلك جمع بين الثوم والبصل والكراث في حديث جابر، وتسمية الثوم شجرة على خلاف الأصل فإنها من البقول، وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية الآتية بقلة، والشجر في كلام العرب ما له ساق قوي يحمل أغصانه وما ليس كذلك فهو نجم كما روي عن ابن عباس وابن جبير في قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} الآية، قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) شيخي (زهير) بن حرب في روايته لي قال الرسول صلى الله عليه وسلم (في غزوة ولم يذكر) زهير في روايته لفظة (خيبر) بل ذكرها

1143 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا" يَعْنِي الثُّومَ. 1144 - (522) (181) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ)، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، (وَهُوَ ابْنُ صُهَيبٍ)، قَال: سُئِلَ أَنَسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن المثنى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 13 و 20] والبخاري [853] وأبو داود [3825] وابن ماجه [1016]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1143 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (ح قال وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له) لا لأبي بكر (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (قال) أبي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي العمري (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الله بن نمير ليحيى القطان في رواية هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كل من هذه البقلة فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب) عنه (ريحها) المنتن بمعالجةٍ كأكل الكزبرة أو طول مكث، قال ابن عمر (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالبقلة (الثوم) بضم المثلثة؛ البقلة المعروفة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أنس رضي الله عنهم فقال: 1144 - (522) (181) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الهذلي البصري (يعني ابن علية) اسم أمه (عن عبد العزيز وهو ابن صهيب) البُنَاني البصري الأعمى (قال) عبد العزيز (سُئل أنس) بن مالك

عَنِ الثُّومِ؟ فَقَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّا، وَلا يُصَلِّي مَعَنَا". 1145 - (523) (182) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ - قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري البصري (عن) أكل (الثوم) وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا زهيرًا فإنه نسائي (فقال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة) أي من هذه البقلة كما في رواية حديث ابن عمر، ففي الحديث تسمية الثوم شجرًا وبقلًا، وقال أهل اللغة البقل كل نبات اخضرت به الأرض اهـ نواوي (فلا يقربنا) بإدغام نون التوكيد الخفيفة في نون ضمير المتكلمين أي فلا يقربن إيانا في مجالسنا (ولا يصلي) بإثبات الياء على الخبر الذي يراد به النهي أو على لغة من يجزم المعتل بالسكون الظاهر على حرف العلة كقوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد أي ولا يصل (معنا) في مساجدنا حتى يزيل رائحتها لئلا يؤذي المسلمين برائحتها المنتنة، وفي بعض الرواية (فلا يقربنا) بتخفيف النون (ولا يصل معنا) بحذف الياء للجازم وكلاهما صحيح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 186] والبخاري [5451]. وفي الحديث نَهْيُ مَنْ أكَلَ الثومَ ونَحْوَها عن حضورِ مجمَع المسلمين وإن كانوا في غير مسجد، ويؤخذ منه النهي عن سائر مجامع العبادات وغيرها كمصلى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها ولا تلتحق بها الأسواق ونحوها. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 1145 - (523) (182) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (وعبد بن حميد) الكسي صاحب المسند والتفاسير، ثقة، من (11) روى عنه في (12) بابا (قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة، من

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، وَلا يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ". 1146 - (524) (183) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أبي محمد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة) أي من هذه البقلة النيئة المنتنة (فلا يقربن) بنون التوكيد الثقيلة (مسجدنا) أي مساجدنا معاشر المسلمين أيَّ مسجدٍ كان، سواء كان مسجدَ المدينة أو غيره (ولا يؤذينا) بإثبات الياء على أنه خبر بمعنى النهي أو على اللغة السابقة كما مر تفصيله آنفًا، وروي حذفها على النهي الصريح أي فلا يؤذ إيانا في مجامعنا (بريح الثوم) النِّيئِ المنتنِ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 264 و 266] وابن ماجه [1015]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 1146 - (524) (183) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا كثير بن هشام) الكلابي أبو سهل الرقي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) أبي بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري الخزرجي السلمي أبي عبد الله المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم مدني وواحد مكي وواحد بصري وواخد بغدادي وواحد كوفي، وهذا التَّفَرُّقُ

قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ. فَغَلَبَتْنَا الْحَاجَةُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا. فَقَال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا. فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ". 1147 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من لطائفه (قال) جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث) النيئين المنتنين (فغلبتنا الحاجة) والضرورة يعني الجوع إلى أكلها (فأكلنا منها) أي من كل من البقلتين، وكان مقتضى السياق (منهما) بالتثنية ولكن أفرد الضمير نظرًا إلى أن المقصود النهي من كل واحدة منهما سواء أكلا مجتمعين أو منفردين كما يعلم من قوله (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أكل من هذه الشجرة) أي من هذه البقلة (المنتنة) أي العفنة أيًّا كانت منهما (فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس) وهم ملازمون المساجد ومواضع الذكر، قال النواوي: هكذا ضبطناه بتشديد الذال فيهما من باب تفعل بحذف إحدى التاءين أصله تَتَأذى وهو ظاهر، ووقع في أكثر الأصول تَأذى مِمَّا يَأْذَى منه الإنس بتخفيف الذال فيهما وهي لغة يقال أَذِيَ يَأْذَى مثل رضي يرضى ومعناه تأذى، قال العلماء: وفي هذا الحديث دليل على منع آكل الثوم ونحوه من دخول المسجد وإن كان خاليًا لأنه محل الملائكة ولعموم الأحاديث اهـ. قال القاضي: قال ابن أبي صفْرَة: وفيه أن الملائكة أفضل من بني آدم، ولا حجة فيه لا سيما مع قوله فإنها تتأذى بما يتأذى به الإنسان فسوى بينهم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 400] والبخاري [858] وأبو داود [3822] والترمذي [1807] والنسائي [2/ 43]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1147 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري، من (10) (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري، من (11) كلاهما (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري (قال حدثني عطاء بن أبي رباح) واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبو محمد الجُنْدِيّ اليمانيّ ثم المكيُّ، ثقة، من (3) (أن

جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله قَال: -وَفِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ: وَزَعَمَ- أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا، أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيتِهِ". وَإِنَّهُ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (قال وفي رواية حرملة وزعم) بدل قال؛ أي أن جابر بن عبد الله زعم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الحديث المذكور، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عطاء بن أبي رباح لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن جابر، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (من أكل ثومًا أو بصلًا) أي غير مطبوخين (فليعتزلنا) أي فليبتعد عنا في مجامعنا (أو) قال جابر أو من دونه (ليعتزل) آكِلُهُما (مسجدَنا) والشك من الراوي أو ممن دونه فإنه مع أنه مجمع المسلمين مهبط الملائكة المقربين، قال بعض العلماء: النهي عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وحجة الجمهور رواية "فلا يقربن مساجدنا" فإنه صريح في العموم (وليقعد) ذلك الآكل (في بيته) حتى يزيل أو تزول عنه تلك الرائحة الكريهة (وإنه) صلى الله عليه وسلم (أُتي بقدر) بكسر القاف وسكون الدال ما يطبخ فيه الطعام، قال النواوي: هكذا هو في نسخ صحيح مسلم كلها "بقدر" ووقع في صحيح البخاري وسنن أبي داود وغيرهما من الكتب المعتمدة "أتي ببدر" بفتح الموحدة وسكون الدال، قال العلماء: هذا هو الصواب، وفسر الرواة وأهل اللغة والغريب البدر بالطبق، قالوا: سمي بدرًا لاستدارته كاستدارة القمر عند كماله، والطبق شيء يتخذ من الخوص وهو ورق النخل ليؤكل عليه الطعام، ولو سلم رواية "بقدر" يكون المعنى أنها لم تمت بالطبخ تلك الرائحة منها فبقي المعنى المكروه فكأنها نيئة، واستدل به على كراهة ما له ريح كريه من البقول وإن طبخ، وجملة قوله (فيه) أي في ذلك القدر، والمشهور في القدر التأنيث وأشار المجد إلى جواز تذكيره فلعل تذكير الضمير هنا مرة وتأنيثه أخرى مبني على ذلك الجواز اهـ من بعض الهوامش (خضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين جمع خضرة، ويروى بضم الخاء وفتح الضاد جمع خضرة (من بقول) من للبيان صفة لقدر (فوجد) صلى الله عليه وسلم (لها) أي لتلك القدر (ريحًا) كريهًا أي عرف ما فيها من الريح (فسأل) رسول الله صلى الله عليه وسلم عما في القدر (فأخبر) بالبناء للمفعول أي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (بما فيها) أي بما في تلك القدر (من البقول فقال)

"قَرِّبُوهَا" إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ. فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَال: "كُلْ، فَإِني أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي". 1148 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجِ. قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (قربوها) أي قربوا تلك القدر (إلى) من عنده من (بعض أصحابه) قال الكرماني: فيه النقل بالمعنى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقله بهذا اللفظ، بل قال قربوها إلى فلان مثلًا، أوفيه حذف أي قال قربوها مشيرًا إلى بعض أصحابه والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري (فلما رآه) ذلك البعض أي لما رأى ذلك البعض الذي قرب إليه ما في القدر من الخضرات المنتنة (كره أكلها) أي كره ذلك البعض أكلها وأبى منه فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل) منها يا فلان فإنك لست مثلي (فإني أناجي) وأخاطب وأسارر (من لا تناجيـ) ـهم أنت من الملائكة الكرام، ويدل لما قلنا من أن ذلك البعض أبو أيوب الأنصاري ما في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم عليه قال: فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا فإذا جيء به إليه أي بعد أن أكل النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم فصنع ذلك مرة فقيل له لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم وكان الطعام فيه ثوم فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لا ولكن أكرهه" والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1148 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري الأحول، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (قال) ابن جريج (أخبرني عطاء) بن أبي رباح القرشي المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال) في المرة الأولى يعني أول يوم (من أكل من

هَذِهِ، الْبَقْلَةِ، الثُّومِ -وَقَال مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ- فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ". 1149 - (00) (00) وَحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالا جَمِيعًا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلَا يَغْشَنَا فِي مَسْجِدِنَا"، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه البقلة) يعني من (الثوم وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (مرة) ثانية أي في اليوم الثاني (من كل البصل والثوم والكراث) ورواية النسائي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه الشجرة قال أول يوم: الثوم، ثم قال: الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا" (فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) من الرائحة الكريهة، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة للرواية الأولى، قال المازري: وألحق أهل المذهب بذلك أهل الصنائع المنتنة كالحواتين والجزارين، قال القاضي: وكذلك الفجل لمن يتجشأ به، وألحق ابن المرابط بذلك ذا البخر والجرح المنتن، قلت: وألحق الشيخ بذلك كثير الضُّنَانِ والبرص الذي يتأذكى بريحه، وأفتى ابن رشد بمنع ذي البرص أن يبيع المعجون، قال الشيح: وبيعه اللحم والسلع العطورية أخف من بيع المعجون فاعلمه اهـ أبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1149 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (ح قال وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (قالا) أي قال كل من محمد بن بكر وعبد الرزاق (جميعًا أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أكل من هذه الشجرة يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بالشجرة (الثوم) فهو تفسير مدرج من الراوي (فلا يَغْشَنَا) بالجزم على النهي من الغشيان بمعنى الإتيان، يقال غَشِيَ يَغْشَى من باب رضي إذا أتاه أي فلا يأتنا (في مسجدنا) أي في مجمعنا، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة محمد بن بكر وعبد الرزاق ليحيى بن

وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد في رواية هذا الحديث عن ابن جريج (و) لكن (لم يذكر) في روايتهما (البصل والكراث) كما ذكره يحيى بن سعيد. قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية المارة (من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا) ضبطه ابن الملك بضم الراء وهو لغة قليلة ولا مانع من الفتح لا رواية ولا دراية فهو لغة القرآن والحديث مضبوط به في صحيح البخاري ثم إن البخاري قيد في الترجمة الثوم بالنيئ وهو الظاهر من النهي في الحديث فإن مداره على التأذي من نتنه ولا يوجد ذلك في مطبوخه وكذلك أخواه البصل والكراث وأنتنهما الثوم، وقد جاء فيه وفي البصل الإماتة بالطبخ على ما سيأتي ذكره، وفي بعض أحاديث الباب إطلاق الشجر، وفي بعضها إطلاق البقل على الثوم، والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له الساق وما لا ساق له فنجم، وبه فسر قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} ففيه مجاز، وأما البقل فكل نبات اخضرت به الأرض، وفي الحديث نَهْي مَنْ أَكلَ مِنْ تلك البقول شيئًا عن حضورِ مجمعِ الناس من مجامع العبادات ومجامع العلم والذكر والولائم، فإن العلة مشتركة ومن قصر المنع على المسجد فقد بَعُدَ عن فهم المعنى كمَنْ فَهِمَ مِنْ لفظِ مسجدنا معنى اختصاص الحكم بمسجد نبينا صلى الله عليه وسلم وذكر النواوي استدلال بعضِ العلماء بقوله صلى الله عليه وسلم فإن الملائكة تتأذى ... إلخ على منع آكل الثوم ونحوه من دخول المسجد وإن كان خاليًا من الإنسان لأنه محل الملائكة لكن المفهوم من قوله ولا يؤذينا أن علة المنع هو تأذي بني آدم قاله ابن الملك، ثم قال: ولا تنافي بين العلتين إذ يمكن أن يكون كل منهما علة مستقلة أو يقال: تأذي الملائكة يكون بتأذي الناس منها، وفي قوله: مما يتأذى منه بنو آدم دون أن يقول منها مع كونه أخصر إشارة إليه لأن الحكم المتعلق بالشيء الموصوف يكون وصفه سببًا له كما إذا قيل صحبت الحكماء واجتنبت السفهاء فعلى هذا يجوز دخوله المسجد إذا كان خاليًا لانتفاء تأذي الملائكة بانتفاء تأذي الناس، وفي شرح النواوي: لا يلتحق بالمساجد ونحوها الأسواق، ويلتحق بآكل الثوم من أكل فجلًا وكان يتجشأ به اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله رابعًا لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال:

1150 - (525) (184) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ قَال: لَمْ نَعْدُ أنْ فُتِحَتْ خَيبَرُ. فَوَقَعْنَا، أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ. الثُّومِ. وَالنَّاسُ جِيَاعٌ. فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا. ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ. فَقَال: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيئًا فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ" فَقَال النَّاسُ: حُرِّمَتْ. حُرِّمَت ـــــــــــــــــــــــــــــ 1150 - (525) (184) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا نسبة إلى أحد أجداده جرير بن عباد بن ضبيعة بن قيس أبي مسعود البصري (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العَوَقِي البصري، ثقة، من الثالثة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي (قال) أبو سعيد الخدري (لم نعد) بفتح النون وسكون العين وضم الدال لأنه من عداه الشيء إذا جاوزه من باب دعا أي لم نتجاوز (أن فتحت خيبر) بالبناء للمفعول، والفاء في قوله (فوقعنا) بمعنى حتى (أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم) منصوب على الاختصاص، وقوله (في تلك البقلة) متعلق بوقعنا، وقوله (الثوم) بدل من البقلة، وقوله (والناس جياع) جملة حالية من فاعل وقعنا، والمعنى لم نتجاوز نحن أخص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر ولم نفرغ من غزوتها حتى وقعنا في أَكْلِ تلك البقلةِ يعني الثوم، والحال أن الناس جائعون لفقد الطعام (فأكلنا منها) أي من تلك البقلة الخبيثة (أكلًا شديدًا) أي أكلًا كثيرًا (ثم رحنا) أي ذهبنا في الرواح (إلى المسجد) النبوي (فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عرف وشم منا (الريح) أي ريح البقلة الكريهة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أكل) منكم (من هذه الشجرة الخبيثة) أي المستكرهة المنتنة (شيئًا) أي قليلًا أو كثيرًا (فلا يقربنا) بتشديد نون الضمير (في) هذا (المسجد) فلما سمع الناس هذا الذم ظنوا أنها قد حرمت فصرحوا به كما قال (فقال الناس) بعضهم لبعض إنها (حرمت) البقلة (حرمت) تأكيد لما قبله؛ وكأنهم فهموا هذا من إطلاق الخبيثة عليها مع ما قد سمعوا من قول الله

فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَيسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ الله لِي. وَلكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا". 1151 - (526) (185) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِثَ} فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن إطلاق الخبيث لا يلزم منه التحريم إذ قد يراد به ما لا يوافق عادة واستعمالًا (فبلغ ذاك) الذي قالوه (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنه) أي إن الشأن والحال (ليس بي) أي ليس لي (تحريم ما أحل الله) تعالى (لي) ولأمتي (ولكنها) أي ولكن هذه البقلة (شجرة) أي بقلة (أكره ريحها) المنتنة المستكرهة، وسماها خبيثة لقبح رائحتها، قال أهل اللغة: الخبيث في كلام العرب المكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شراب أو شخص، ومن هذا يُعلم أنه لا يصح للشافعي الاحتجاج بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِثَ} على تحريم ما يستخبث عادة كالحشرات وغيرها إذ الخبائث منقسمة إلى مستخبث عادة وإلى مستخبث شرعًا ومراده تعالى في الآيةِ المُسْتَخْبَثاتُ الشرعية إذ قد أباح البصل والثوم مع أنها مستخبثة، وحرم الخمر والخنزير وإن كان قد يستطاب اهـ مُفهم. قال النواوي: وقوله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي ... ) إلخ دليل على أن الثوم ليس بحرام وهو إجماع من يعتد به كما سبق، وقد اختلف أصحابنا في أن الثوم هل كان حرامًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كان يتركه تَنَزُّهًا، وظاهر هذا الحديث أنه ليس بمحرم عليه صلى الله عليه وسلم ومن قال بالتحريم يقول ليس لي أن أحرم على أمتي ما أحل لها اهـ. وقال القرطبي: وهذا يرد قول أهل الظاهر بتحريم أكل الثوم لأجل منعه من حضور الجماعة التي يعتقدون فرضيتها على الأعيان وكافة العلماء على خلافهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 60 - 61] وأبو داود [3833]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بمفهوم حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثاني فقال: 1151 - (526) (185) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة من (10) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو) بن

عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنِ ابْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى زَرَّاعَةِ بَصَلٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. فَنَزَلَ نَاسٌ مِنْهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهُ. وَلَمْ يَأْكُلْ آخَرُونَ، فَرُحْنَا إِلَيهِ. فَدَعَا الَّذِينَ لَمْ يَأْكُلُوا الْبَصَلَ. وَأَخَّرَ الآخَرِينَ حَتَّى ذَهَبَ رِيحُهَا. 1152 - (527) (186) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا هِشَامٌ. حَدَّثنَا قَتَادَةُ عَن سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المصري، ثقة، من (7) (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري، ثقة، من (5) (عن) عبد الله (بن خباب) الأنصاري النجاري مولاهم المدني، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على زرَّاعة بصل) بفتح الزاي وتشديد الراء؛ أي على أرض مزروعة بصلًا كثيرًا (هو) تأكيد لفاعل مر ليعطف عليه قوله (وأصحابه فنزل ناس منهم) أي فريق من الأصحاب جنب المزرعة (فأكلوا منه) أي من البصل (ولم يأكل) فريق (آخرون) من البصل، قال أبو سعيد (فرحنا) أي ذهب كلنا في الرواح (إليه) صلى الله عليه وسلم (فدعا الذين لم يأكلوا البصل) إلى مجلسه (وأخر الآخرين) أي أمر الآخرين الذي أكلوا البصل بالتأخر عن مجلسه (حتى ذهب) عنهم (ريحها) أي ريح البقلة، أنث الضمير العائد إلى البصل نظرًا إلى كونها بمعنى البقلة. وهذا الحديث دل على الجزء الأخير من الترجمة بمفهومه لأن تأخير الآكلين عن مجلسه بمنزلة إخراجهم من المسجد. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير منها بحديث عمر بن الخطاب الدال عليه منطوقه رضي الله عنه فقال: 1152 - (527) (186) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَذَكَرَ نَبِيَّ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ. قَال: إِنِّي رَأَيتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلاثَ نَقَرَاتٍ. وَإِنِّي لا أُراهُ إِلا حُضُورَ أَجَلِي. وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ. وَإِنَّ الله لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ، وَلا خلافَتَهُ، وَلا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيهُ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ طلحة الكناني العمري الشامي (أن عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين العدوي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد شامي وواحد كوفي (خطب) أي ذكَّر ووعظ الناس (يوم الجمعة) وخطب خطبتها (نذكر) فيها (نبي الله صلى الله عليه وسلم) وتبليغه (وذكر أبا بكر) الصديق وخلافته و (قال) عمر (إني رأيت) في المنام (كأن ديكًا) ذكر الدجاج (نقرني) أي غرز لي بمنقاره (ثلاث نقرات وإني لا أراه) أي لا أظن ذلك النقر (إلا حضور أجلي) أي إلا علامة على قرب أجلي وموتي. وهذه الرؤيا مذكورة في تفسير الأحلام لابن سيرين مع هذه الزيادة وهي قوله وقصصتها أي قال عمر وقصصت تلك الرؤيا على أسماء بنت عميس فقالت لي في تفسيرها: يقتلك رجل من العجم المماليك اهـ، وأسماء بنت عميس صحابية قديمة الإسلام ذات الهجرتين، أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وزوجة أبي بكر الصديق بعد جعفر الطيار، والدة محمد بن أبي بكر وهي التي غسلت الصديق في وفاته وكانت من الأخوات المؤمنات كما ورد في الحديث (وإن أقوامًا) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأمرونني أن أستخلف) أي بأن أجعل خليفة عني في الناس (وإن الله) سبحانه وتعالى (لم يكن ليضيع دينه) دين الإسلام، واللام هنا لام الجحود لوقوعها بعد يكن المنفي بلم كما قال بعضهم في ضابطها: وكل لام قبله ما كانا ... أو لم يكن فبالجحود بانا أي لم يكن الله سبحانه وتعالى مريدًا لضياع دينه (ولا خلافته) أي ولا لضياع خلافته أي خلافة رسوله (ولا) الدين (الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم) من الشرائع والأحكام بل يقيم له من يقوم به، ومعنى كلامه إن استخلف فحسن لأنه استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر، وإن تركت الاستخلاف فحسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف كذا روي عنه رضي الله عنه. وفي المفهم: قوله (كأن ديكًا نقرني ثلاث نقرات) هذا الديك الذي أريه عمر مثال

فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ. فَالْخِلافَةُ شُورَى بَينَ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ. الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للعلج الذي قتله وهو أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان مجوسيًّا، وكان نجارًا حدادًا نقاشًا، وكان من شأنه ما ذكره البخاري [3700] وغيره: وهو أنه وثب على عمر وهو في صلاة الصبح بعد أن دخل عمر فيها فطعنه ثلاث طعنات فصاح عمر قتلني أو أكلني الكلب ظانًا أنه كلب عضه فتناول عمر عبد الرحمن بن عوف فكمل الصلاة بالناس ثم إن العلج وثب وفي يده سكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينًا ولا شمالًا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا مات منهم تسعة وقيل سبعة فطرح عليه رجل خميصة كانت عليه فلما رأى العِلج أنه مأخوذ نحر نفسه وحز عبد الرحمن بن عوف رأسه وهو الذي كان طرح عليه الخميصة. وقوله (إن أقوامًا يأمرونني) معنى الأمر هنا العَرْض والتحضيض أو الفتيا بأنه يجب عليه أن يستخلف وأنه مأمور بذلك من جهة الله تعالى، وظاهر هذا الأمر أنه إنما كان من هؤلاء الأقوام لما سمعوا من عمر تأويله لمنامه بحضور أجله وهذا قبل وقوع طعنه، ويحتمل أن يكون هذا بعد أن طعن ويكون بعض الرواة ضم أحد الخبرين إلى الآخر، وعلى هذا يدل مساق هذا الخبر. وقوله (وإن الله لم يكن ليضيع دينه) إلخ، وإنما قال ذلك عمر رضي الله عنه لأنه قد علم مما قد فهمه من كتاب الله وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يستخلف المؤمنين في الأرض ويمكن لهم دينهم ويظهره على الدين كله فقال ذلك ثقة بوعد الله وتوكلًا عليه، والخلافة هنا القيام بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم على نحو ما قام به محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما اهـ من المفهم (فإن عجل بي أمر) أي بادر وأسرع عليّ الموت قبل الاستخلاف (فالخلافة) تكون (شورى) أي ذات مشاورة (بين هولاء الستة) الأنفار (الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض) أي يتشاورون فيه ويتفقون على واحد من هؤلاء الستة عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ولم يدخل سعيد بن زيد معهم وإن كان مع العشرة لأنه من أقاربه فتورع من إدخاله كما تورع من إدخال ابنه عبد الله رضي الله عنهم (وإني قد علمت أن أقوامًا يطعنون) بضم العين وفتحها وهو الأصح هنا اهـ نواوي (في هذا الأمر) أي في

أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الإِسْلامِ. فَإِنْ فَعَلُوا ذلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ الله، الكَفَرَةُ الضُّلَّالُ. ثُمَّ إِنِّي لا أَدَعُ بَعْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل هذا الأمر يعني أمر الخلافة في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجملة قوله (أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام) صفة لأقوامًا يعني أن أقوامًا متأخري الإسلام موصوفين بكوني ضربتهم على الدخول في الإسلام يطعنون أي يعيبون في جعل هذا الأمر في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بل يريدون لأنفسهم، قال القرطبي: قوله (في هذا الأمر) إشارة إلى جعله الأمر شورى بين الستة المذكورين، وقال الأبي: الله أعلم بمن عني عمر بهؤلاء القوم الطاعنين الآبين من الخلافة، نعم كان قوم يأبون أن تكون في أهل البيت، ثم أطال الكلام بحيث لا يسعه المقام، وذكر في أثنائه قول عمر رضي الله عنه: والله لا جعلت فيها أحدًا حمل السلاح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء، ولَو اسْتَقْبَلْتُ مِن أمري ما اسْتَدْبَرْتُ ما جمعْتُ ليزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان ولايةَ الشام. قال: فيحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه أراد بالطاعنين هؤلاء الآبين كونها في أهل البيت، وقد يشهد لذلك قوله أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام. (فإن فعلوا) أي فإن فعل أولئك الطاعنون (ذلك) الطعن وأفشوه في الناس وعملوا الخلاف في ذلك والمُشَاقَّةَ ولم يَرْضَوا بالذين اخترْتُهم (فأولئك) الطاعنون عند الله المشاقون لمن اخترتهم من أهل الشورى (أعداء الله الكفرة الضلال) قال القرطبي: وظاهر هذا أنه حكم بكفرهم وكأنه علم أنهم منافقون، وعلى هذا يدل قوله (أنا ضربتهم بيدي على الإسلام) يعني أنهم إنما دخلوا في الإسلام على تلك الحال لم تنشرح صدورهم للإسلام إنما تستروا بالإسلام وذلك حال المنافقين، ويحتمل أنهم لما فعلوا فعل الكفار من الخلاف وموافقة أهل الأهواء ومشاقة المسلمين أطلق عليهم ما يطلق على الكفار، وعلى هذا فيكون هذا الكفر من باب كفران النعم والحقوق، وقوله (الكفرة) جمع كافر على وزن فعلة (الضلال) جمع ضال على وزن فعال وهو عطف بيان للكفرة أو صفة له، قال النواوي: معناه إن استحلوا ذلك فهم كفرة ضلال وإن لم يستحلوا ذلك ففعلهم فعل الكفرة اهـ. (ثم) بعد ما ذكر قال عمر رضي الله عنه (إني لا أدع) أي لم أترك (بعدي) أي بعد

شَيئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الكَلالةِ. مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي شَيءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلالةِ. وَمَا أَغلَظَ لِي فِي شَيءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي. فَقَال: "يَا عُمَرُ، أَلا تَكْفِيكَ آيَةُ الضَّيفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟ " وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لا يَقرَأُ الْقُرْآنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاتي (شيئًا) وأمرًا من أمور الإسلام (أهم) أي أشد وأكثر اهتمامًا واعتناء ببيانه (عندي من) بيان (الكلالة) وإيضاحها للناس (ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في) بيان (شيء) من أمور الإسلام وأحكامه مثل (ما راجعته) صلى الله عليه وسلم (في) بيان (الكلالة) لي لأنها أشكلت عليّ جدًّا فراجعته فيها كثيرًا (وما أغلظ لي) وشدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب (في شيء) من مسائل مثل (ما أغلظ) وشدد في الجواب (لي) عن سؤالي (فيه) أي في أمر الكلالة بل أغلظ علي في الجواب لي عنها (حتى طعن بأصبعه في صدري فقال يا عمر ألا تكفيك) في بيان أمر الكلالة (آية الصيف) أي الآية التي نزلت في وقت الصيف (التي) هي (في آخر سورة النساء) وهي قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} الآية، قال القاضي: وفيه الإلحاح على العالم ومراجعته وتأديب المتعلم إذا أسرف في ذلك والله أعلم اهـ، وقال النواوي: وفي هذا دليل على جواز قول سورة النساء وسورة البقرة وسورة العنكبوت ونحوها وهذا مذهب من يعتد به من العلماء، والإجماع اليوم منعقد عليه، وكان فيه نزاع في العصر الأول، وكان بعضهم يقول: لا يقال سورة كذا، وإنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا، وهذا باطل مردود بالأحاديث الصحيحة واستعمال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء المسلمين ولا مفسدة فيه لأن المعنى مفهوم والله أعلم (وإني إن أَعِشْ) مضارعٌ أجوفُ مسندٌ إلى المتكلم مجزوم بالسكون الظاهر لأنه من عاش يعيش نظير باع يبيع أي وإني إن قدر الله سبحانه وتعالى معيشتي وحياتي إلى زمن يسع ذلك (أقض فيها) أي أحكم في ميراث الكلالة (بقضية) واضحة (يقضي بها من يقرأ القرآن) ويعرف معانيه (ومن لا يقرأ القرآن) ولا يعرف معانيه حتى تكون تلك القضية نظامًا واضحًا ودستورًا بَيِّنًا لا يعدل عنه. وهذا يدل على أنه كان اتضح له وجه الصواب فيها وأنه كان قد استعمل فكره فيها حتى يفهم ذلك وأنه أراد أن

ثُمَّ قَال: اللَّهمَّ، إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ. وَإِنِّي إِنِّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيهِمْ لِيَعْدِلُوا عَلَيهِمْ، وَلِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ فَيئَهُمْ، وَيَرْفَعُوا إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يوضح ذلك على غاية الإيضاح ولم يتمكن من ذلك في ذلك الوقت الحاضر للعوائق والموانع، ثم فاجأته المنية رضي الله عنه ولم يُرْوَ عنه فيها شيء من ذلك لكن قد اهتدى علماء السلف لفهم الآيتين وأوضحوا ذلك فتبين الصبح لذي عينين، وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. (ثم قال) عمر (اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار) والمدن أي على ما أمرتهم به من العدل والنصح لعامة المسلمين (وإني إنما بعثتهم) أي بعثت الأمراء ووليتهم (عليهم) أي على أهل الأمصار (ليعدلوا) أي ليظهروا العدل والحق (عليهم) أي على الرعايا (وليعلموا الناس) أي عوام الناس (دينهم) أي أحكام دينهم (وسنة نبيهم) محمد (صلى الله عليه وسلم) وشريعته (وبقسموا فيهم) أي في الناس (فيئهم) وأرزاقهم التي يستحقون في بيت المال وغنائمهم التي يغنمونها من أعدائهم (ويرفعوا إلي ما أشكل) وَانْبَهَمَ (عليهم من أمر) دينـ (ـهم) ودنياهم. واعلم أن اهتمام عمر رضي الله عنه بالكلالة لأنها أشكلت عليهم، وذلك أنها نزلت فيها آيتان إحداهما قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ} [النساء: 12] وفيها إشكال من جهات، ولذلك اختلف في الكلالة ما هي ففيها أربعة أقوال: أحدها أنها ما دون الوالد والولد قاله أبو بكر الصديق وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس في خلق كثير، والثاني أنها من لا ولد له وروي عن عمر أيضًا وهو قول طاوس، والثالث أنها ما عدا الوالد قاله الحكم بن عتيبة، والرابع أنها بنو العم الأباعد قاله ابن الأعرابي، واختلف أيضًا فيما يقع عليه الكلالة على ثلاثة أقوال: أحدها على الحي الوارث قاله ابن عمر، والثاني على الميت قاله السدي، والثالث على المال قاله عطاء، واختلف أيضًا فيما أخذت منه الكلالة على قولين: أحدهما أنها مأخوذة من الإكليل المحيط بالرأس فكأنها تكللت أي أحاطت بالميت من كلا طرفيه ولذلك قال الفرزدق: وَرِثْتُم قناةَ المُلْكِ لا عَنْ كلالةٍ ... عن ابْنَي مَنَافٍ عبد شمس وهاشم وقال الآخر:

ثُمَّ إِنَّكُم، أَيُّهَا النَّاسُ، تَأْكُلُونَ شَجَرَتَينِ لا أَرَاهُمَا إِلا خَبِيثَتَينِ. هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ. لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإِنَّ أَبا المَرْءِ أَحْمَى لَهُ ... ومَوْلَى الكلالةِ لا يَغْضَبُ والثاني أنها مأخوذة من الكلال وهو الإعياء وكأنه يصل الميراثُ بالوارث بها عن بُعْدٍ وإِعياءٍ فكأنَّ الرحمَ كَلَّتْ عن وارث قريب، قال الأعشى: فآلَيتُ لا أَرْثِي لَها عَنْ كَلالةٍ ... ولا مِنَ وَجىً حَتَّى تُلاقِي محمدًا ثم مقتضى هذه الآية الأولى أن كل واحد من الأخوين له السدس سواء كان أحدهما ذكرًا أو أنثى فإن كانوا أكثر اشتركوا في الثلث، ومقتضى الآية الثانية أن للأخت النصف وللاثنين الثلثين، ولم يبين في واحدة من الآيتين الإخوة هل هي لأم أو لأب أو لهما ثم إذا تَنزلنا على أن الأخوة من الأُولَى للأم، وفي الثانية للأب أو أشقاء فهل ذلك فرضهم إذا انفردوا أو يكون ذلك فرضهم وإن كان معهم بعض الورثة كل ذلك أمور مطلوبة والوصولُ إلى تحقيق تلك المطالب عسير وسنُبيِّن الصحيحَ من ذلك كله في الفرائض إن شاء الله تعالى. فلما استشكلَتْ على عمر هذه الوجوه تشوف إلى معرفتها بطريق يزيح عنه الإشكال فأَلحَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عن ذلك حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم على صدره وأغلظ عليه في ذلك رادعًا له عن الإلحاح إذ كان قد نهى عن كثرة السؤال وتنبيهًا له على الاكتفاء بالبحث عما في الكتاب من ذلك، وعلى أن الكتاب يبين بعضه بعضًا، وقال الخطابي: يثبه أن يكون لم يفته ووكل الأمر إلى بيان الآية اعتمادًا على علمه وفهمه ليتوصل إلى معرفتها بالاجتهاد، ولو كان السائل ممن لا فهم له لبيّن له البيان الشافي، قال: وإن الله أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول سورة النساء وفيها إجمال وإبهام لا يكاد يبين المعنى من ظاهرها، ثم أنزل الآيةَ الثانية التي في آخر سورة النساء في الصيف وفيها زيادة بيان اهـ من المفهم. (ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين) أي بقلتين (لا أراهما) أي لا أظنهما (إلا خبيثتين) أي منتنتين (هذا البصل والثوم) والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به) أي بإخراجه من المسجد (فأخرج) ذلك

إِلَى الْبَقِيعِ. فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتهُمَا طَبْخًا. 1153 - (00) (00) حدَّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلاهُمَا عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارِ. قَال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل من المسجد (إلى) جهة (البقيع) ففيه إخراج من وجد منه ريح الثوم أو البصل أو نحوهما من المسجد، وفيه إزالة المنكر باليد لمن أمكنه، وهذا محل الترجمة (فمن أكلهما) أي فمن أراد أكلهما منكم (فليمتهما) أي فليمت رائحتهما (طبخًا) وليذهبهما بالطبخ لئلا يؤذي الناس بها، وإماتة كل شيء كسر قوته وحدته، ومنه قوله قتلْتُ الخمرَ إذا مزَجَها بالماءِ وكَسَرَ حِدتها، وهذا يدل على أن النهي إنما هو في النِيّء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 28 و 48]، وابن ماجه [2726]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعةَ في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 1153 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا إسماعيل بن علية) الأسدي البصري (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري (ح قال وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما عن شبابة بن سوار) المدائني أبي عمرو الفزاري مولاهم (قال حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري (جميعًا) أي كل من سعيد وشعبة (عن قتادة في هذا الإسناد) يعني عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمر بن الخطاب (مثله) أي مثل ما روى هشام عن قتادة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة وشعبة لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة، والله سبحانه وتعالى أعلم. [تنبيه]: قال النواوي: قوله (حدثنا هشام قال خَطَب الجمعة) هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال: خالف قتادة في هذا الحديث ثلاثةَ حُفاظ وهم منصورُ بن المعتمر وحُصين بن عبد الرحمن وعَمرو بن مُرَّة فرَوَوْهُ عن سالم عن عُمر منقطعًا لم يذكروا فيه معدان قال الدارقطني: وقتادة وإن كان ثقة وزيادةُ الثقة مقبولة عندنا فإنه مدلِّس ولم يذكر فيه سماعه من سالم فأشبه أن يكون بَلَغه عن سالم فرواه عنه (قلت)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الاستدراكُ مردود لأن قتادة وإن كان مدلسًا فقد قدَّمنا في مواضع من هذا الشرح أن ما رواه البخاري ومسلم عن المدلّسين وعَنْعَنُوه فهو محمولٌ على أنه ثَبَت من طريق آخر سماعُ ذلك المدلّس هذا الحديث ممن عنْعَنَه عنه، وأكثر هذا أو كَثيرٌ منه يَذْكُر مسلم وغيره سماعَه من طريق آخر متصلًا به، وقد اتفقوا على أن المدلس لا يُحتج بعنعنته كما سبق بيانُه في الفصول المذكورة في مقدمة هذا الشرح، ولا شك عندنا في أن مسلمًا رحمه الله تعالى يعلم هذه القاعدةَ ويعلمُ تدليسَ قتادة فلولا ثُبوتُ سماعه عنده لم يَحْتَجَّ به، ومع هذا كُلِّه فتدليسُه لا يلزم منه أن يذكر معدان من غير أن يكون له ذِكْرٌ، والذي يخَاف من المدلس أن يَحْذِفَ بعضَ الرواة أما زيادةُ مَنْ لم يكن فهذا لا يفعلُه المدني وإنما هذا فعلُ الكاذب المجاهرِ بكَذبه وإنما ذكر معدان زيادة ثقة فيجب قبولها، والعجبُ من الدارقطني رحمه الله تعالى في كونهِ جَعَلَ التدليس مُوجِبًا لاختراع ذِكْرِ رجل لا ذِكر له ونَسبه إلى مثل قتادة الذي محلُّه من العدالة والحفظ والعلم بالغاية العاليةِ وبالله التوفيق. وجملةُ ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستةُ أحاديث: الأولُ حديثُ ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزءِ الأول من الترجمة وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والرابع حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والسادس حديث عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

266 - (76) باب النهي عن إنشاد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد

266 - (76) باب النهي عن إنشاد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد 1154 - (528) (187) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّهَا اللهُ عَلَيكَ. فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 266 - (76) باب النهي عن إنشاد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد 1154 - (528) (187) (حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو) بن عبد الله بن السرح الأموي مولاهم المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري (عن حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبي زرعة المصري، ثقة عابد، من (7) (عن محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل بن الأسود القرشي الأسدي أبي الأسود المدني يتيم عروة بن الزبير، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن) سالم بن عبد الله النصري بالنون نسبة إلى نصر قبيلة أو جد (أبي عبد الله) المدني (مولى شداد بن الهاد) ويقال له مولى النصريين، صدوق، من الثالثة (3) مات سنة (110) عشر ومائة (أنه سمع أبا هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع رجلًا ينشد) أي يطلب بضم الشين من باب نصر، يقال نشدت الضالة إذا طلبتها وأنشدتها إذا عرفتها (ضالة) أي دابة ضائعة (في المسجد) متعلق بينشد، والضالة: هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره، يقال ضل الشيء إذا ضاع، قال ابن الأثير: الضالة فاعلة من الصفات الغالبة تقع على الذكر والأنثى والجمع وتجمع على ضوال، وقد تطلق الضالة على المعاني، ومنه الحديث "الحكمة ضالة المؤمن" أي لا يزال يتطلبها كما يتطلب الرجل ضالته (فليقل) السامع للناشد لا وجدتها و (لا ردها الله) تعالى (عليك فإن المساجد لم تُبن لهذا) أي لطلب الضوال فيها، وإنما بنيت للصلاة والذكر والعلم والمذاكرة في الخير ونحوها. قوله (ينشد) كيَطْلُب وزنًا ومعنى، قوله (فليقل) السامع وجوبًا أو ندبًا (لا ردها الله

1155 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ. حَدَّثَنَا حَيوَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا الأَسْوَدِ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مَوْلَى شَدَّادٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليك) دعاء على الناشد بعدم وجدان ضالته كما ورد في الحديث الآخر لا وجدت، وفي حديث آخر "أيها الناشد غيرك الواجد" زجرًا عن ترك تعظيم المسجد فهو معاقبة له في ماله على نقيض مقصوده فليلحق به ما في معناه فمن رفع صوته فيه بما يقتضي مصلحة ترجع إلى الرافع صوته دعي عليه على نقيض مقصوده ذلك بسبب جريمة رفع الصوت في المسجد وإليه ذهب مالك في جماعة حتى كرهوا رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره، وأجاز أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن مسلمة من المالكية رفع الصوت فيه في الخصومة والعلم، قالوا لأنهم لا بد لهم من ذلك وهذا مخالف لظاهر الحديث، وقولهم لا بد لهم من ذلك ممنوع بل لهم بد من ذلك بوجهين أحدهما ملازمةُ الوقارِ والحرمةِ وبإخْطَارِ ذلك بالبال، والتحرزِ مِنْ نقيضه، ومَنْ خاف ما يقع فيه تَحرَّز، والثاني أنه إذا لم يتمكن من ذلك فليتخذ لذلك موضعًا يخصه كما فعل عمر وقال: من أراد أن يَلْغَط أو يُنشِدَ شعرًا فليخرُج من المسجد اهـ مفهم. قوله (فإن المساجد لم تبن لهذا) قال ابن الملك: يجوز أن يكون هذا القول تعليلًا للدعاء عليه ويكون المجموع مقولًا لقوله فليقل، وأن يكون تعليلًا لقوله فليقل، ثم قال يعرف كراهية كل أمر لم يبن المسجد لأجله حتى كره مالك البحث العلمي فيه وجوزه أبو حنيفة وغيره مما يحتاج إليه الناس لأن المسجد مجمعهم، واستحسن المتأخرون جلوس القاضي في الجامع لأن القضاء بحق من أشرف العبادات اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 349] وأبو داود [473] والترمذي [1321] وابن ماجه [767]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1155 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا) عبد الله بن يزيد القصير (المقرئ) أبو عبد الرحمن القرشي العدوي مولاهم المصري المكي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حيوة) بن شريح المصري (قال سمعت أبا الأسود) محمد بن عبد الرحمن الأسدي المدني (يقول حدثني) سالم بن عبد الله (أبو عبد الله) المدني (مولى شداد) بن الهاد (أنه سمع أبا هريرة يقول) وهذا

سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ: بِمِثْلِهِ. 1156 - (529) (188) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَال: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا وَجَدْتَ، إِنَّما بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة المقرئ لعبد الله بن وهب في رواية هذا الحديث عن حيوة بن شريح (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) هذا الحديث، وساق المقرئ عن حيوة (بمثله) أي بمثل ما حدث ابن وهب عن حيوة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فقال: 1156 - (529) (188) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) سفيان بن سعيد (الثوري) الكوفي، من (7) (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن سليمان بن بريدة) مصغرًا بن الحصيب مصغرًا أيضًا الأسلمي المروزي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المروزي الصحابي الجليل رضي الله عنه له (164) مائة وأربعة وستون حديثًا اتفقا على حديث واحد، وانفرد (خ) بحديثين و (م) بأحد عشر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا رقية إلا عن عين أو حمة" في حديث ذَكَره وفي الوضوء وفي الصلاة وغيرها، ويروي عنه (ع) وابناه سليمان وعبد الله والشعبي وعدة. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مروزيان واثنان كوفيان وواحد صنعاني وواحد بغدادي (أن رجلًا) من الأعراب كما في الرواية الآتية، ولم أر من ذكر اسمه (نشد) أي طلب (في المسجد) النبوي ضالة (فقال) في طلبها (من دعا إلى الجمل الأحمر) أي من وجد ضالتي وهو الجمل الأحمر فدعاني إليه (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وجدت) ضالتك دعا عليه بعدم الوجدان معاقبة له بنقيض مراده (إنما بنيت المساجد لما بنيت له) من العبادات والأذكار والقرآن، عبر عنها بالموصول تعظيمًا

1157 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَال: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ؟ فَقَال النَّبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لشأنها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 361]. قال القرطبي: قوله (إنما بنيت المساجد لما بنيت له) يدل على أن الأصل أن لا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم من يبيع في المسجد ويبتاع فقولوا لا أربح الله تجارتك" رواه الترمذي من حديث أبي هريرة [569] وقد كره بعض أصحابنا تعليم الصبيان في المساجد، ورأى أنه من باب البيع وهذا إذا كان بأجرة فلو كان بغير أجرة لمنع أيضًا من وجه آخر وهو أن الصبيان لا يتحرزون من القذر والوسخ فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنظيفها وتطييبها وقال "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسَل سيُوفكم وإقامة حدودكم" رواه ابن ماجه من حديث واثلة [750] رضي الله عنه، وفي الزوائد إسناده ضعيف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال: 1157 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن أبي سنان) الأكبر ضرار بن مرة الشيباني الكوفي، روى عن علقمة بن مرثد في الصلاة، ومحارب بن دثار في الجنائز والضحايا والأشربة، وأبي صالح السمان في الصوم، ويروي عنه (م د ت س) ووكيع ومحمد بن فضيل وعبد العزيز بن مسلم والسفيانان، قال أحمد: كوفي ثبت، وقال النسائي: كوفي ثقة، وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من السادسة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة (عن علقمة بن مرثد) الكوفي (عن سليمان بن بريدة) المروزي (عن أبيه) بريدة بن الحصيب المروزي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سنان لسفيان الثوري في رواية هذا الحديث عن علقمة بن مرثد، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (أن النبي صلى الله عليمه وسلم لما صلى) صلاة الفجر (قام رجل) من القوم (فقال) الرجل (من دعا) في (إلى) ضالتي وهو (الجمل الأحمر فقال) له (النبي

صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا وَجَدْتَ. إِنَّمَا بُنِيَتِ المَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ". 1158 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَيبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ بَعْدَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْفَجْرِ. فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم لا وجدت) ضالتك دعاء عليه (إنما بنيت) هذه (المساجد لـ) يشتغل فيها بـ (ما بنيت له) من الصلاة والأذكار والاعتكاف والقراءة لا لطلب الضالة ولا لغيره من أشغال الدنيا كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فقال: 1158 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضَّبيُّ الكوفي، من (8) (عن محمد بن شيبة) بن نعامة الضَّبيُّ الكوفي، روى عن علقمة بن مرثد في الصلاة، وعمرو بن مرة، ويروي عنه (م) وجرير بن عبد الحميد وهشيم وأبو معاوية وجماعة، له عند (م) فرد حديث وهو هذا الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السابعة (عن علقمة بن مرثد) الكوفي (عن) سليمان (بن بريدة) المروزي (عن أبيه) بريدة المروزي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن شيبة للثوري وأبي سنان، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة لما قبلها (قال) بريدة (جاء) رجل (أعرابي بعدما صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر) وفرغ منها (فأدخل رأسه من باب المسجد) قال القرطبي: وهذا دليل على أن حكم هذا حكم الداخل في المسجد، ولو لم يكن كذلك لما منع لأنه رفع صوته فيه ألا ترى أنه لو رفع صوته خارج المسجد لم يعاقب بذلك وبدليل قوله "إن المساجد لم تبن لهذا" ويستنبط من هذا أن الحالف على أن لا يدخل دارًا فأدخل رأسه فيها أنه يحنث بذلك، وقال بعض علمائنا: وكذلك لو أدخل رجله لأن الاعتماد في الدخول على الرجل، ولهذا فَرَّقَ بعضُ أصحابنا بين أن يكون اعتماده عليها أم لا. اهـ مفهم. (فذكر) محمد بن شيبة (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث الثوري وأبي سنان (قال

مُسْلِمٌ: هُوَ شَيبَةُ بْنُ نَعَامَةَ، أَبُو نَعَامَةَ، رَوَى عَنْهُ مِسْعَرٌ وَهُشَيمٌ وَجَرِيرٌ وَغَيرُهُمْ، مِنَ الْكُوفِيِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم) رحمه الله تعالى قولنا في السند عن محمد بن شيبة (هو) محمد بن (شيبة بن نعامة) الضَّبيُّ (أبو نعامة) الكوفي (روى عنه مسعر) بن كدام (وهشيم) بن بشير (وجرير) بن عبد الحميد (وغيرهم من الكوفيين) كأبي معاوية، والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث بريدة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والله أعلم. ***

267 - (77) باب السهو في الصلاة والسجود له

267 - (77) باب: السهو في الصلاة والسجود له 1159 - (530) (189) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيطَانُ فَلَبَسَ عَلَيهِ. حَتَّى لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى. فَإِذَا وَجَدَ ذلِكَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 267 - (77) باب السهو في الصلاة والسجود له 1159 - (530) (189) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي أبي عبد الله المدني (عن ابن شهاب) الزهري المدني (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أحدكم إذا قام) حالة كونه (يصلي جاءه الشيطان فلبس) بتخفيف الباء الموحدة المفتوحة من باب ضرب وبتشديدها، وعلى كل حال معناه خلط، ومنه قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} وأما لبس الثوب فهو من باب علم، ومنه قوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} أي فخلط (عليه) صلاته وهَوَّشَهَا عليه وشَكَّكَهُ فيها (حتى لا يدري) ولا يعلم (كلم) أي أيَّ عدد (صلى) من ركعات صلاته أصلى ثلاثًا أم أربعًا مثلًا، وكم هنا استفهامية بمعنى أي عدد أي حتى لا يدري جواب كم صلى من ركعاته (فإذا وجد ذلك) الشك (أحدكم) من نفسه ولم يدر هل صلى ثلاثًا أم أربعًا (فلـ) يبن علي يقينه الذي هو الثلاث وليأت برابعة و (يسجد سجدتين) في آخر صلاته (وهو جالس) جبرًا للشك وبهذا البناء قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور قالوا متى شك في صلاته هل صلى ثلاثًا أم أربعًا مثلًا لزمه البناء على اليقين فيجب أن يأتي برابعة ويسجد للسهو عملًا بحديث أبي سعيد الخدري الآتي وهو قوله صلى الله عليه وسلم "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعا فليطرح الشك وليبن علي ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إِتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان" قالوا فهذا الحديث صريح في وجوب البناء على اليقين وهو مفسر لحديث أبي هريرة المذكور فيحمل حديث أبي هريرة عليه وهذا متعين فوجب المصير إليه مع ما في

1160 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، (وَهُوَ ابْنُ عُيَينَةَ). ح قَال: وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أبي سعيد من الموافقة لقواعد الشرع في الشك في الأحداث والميراث من المفقود وغير ذلك والله أعلم اهـ نواوي. لا سيما وقد زاد أبو داود في حديث أبي هريرة من طريق صحيحة وهو جالس قبل أن يسلم فيكون مساويًا لحديث أبي سعيد فهو هو، وقد ذهب الحسن في طائفة من السلف إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فقالوا ليس على من لم يدرِ كم صلى ولا يدري هل زاد أو نقص غير سجدتين وهو جالس اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 230] والبخاري [1232] وأبو داود [1030] والترمذي [397] والنسائي [3/ 31] وابن ماجه [1216]. ثم هذا الأمر بالسجود لمن سها على جهة الوجوب أوفيه تفصيل، فيه خلاف فمن أصحابنا من قال هو محمول على الندب، أما في الزيادة فواضح لأنه ترغيم للشيطان، وأما في النقصان فهو جبير للنقص، وأرفع درجات الجبر أن يتنَزل منزلة الأصل والأصل مندوب إليه فيكون الجبر مندوبًا إليه لأن سجود السهو إنما يكون في إسقاط السنن على ما يأتي، وعلى هذا لا يعيد من ترك سجود السهو، وقال بعض أصحابنا: السجود للنقص واجب وللزيادة فضيلة، ثم اختلفوا هل ذلك في كل نقص أو يختص بالوجوب إذا كان المُسْقَطُ فعلًا ولم يكن قولًا روايتان اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1160 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالا حدثنا سفيان وهو ابن عيينة) الهلالي الكوفي (ح قال وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (عن الليث بن سعد) المصري (كلاهما) أي كل من سفيان وليث (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما حدث مالك عن الزهري، وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سفيان والليث لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

1161 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا نُودِيَ بِالأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيطَانُ. لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الأَذَانَ. فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ. فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ. فَإِذَا قُضِيَ التَّثْويبُ أَقْبَلَ يَخْطُرُ بَينَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ. يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا. لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1161 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري نزيل اليمن، صدوق، من (9) (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي، ثقة، من (5) (حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم) أي حدث أبا سلمة ومن معه، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة التي لا تقبل الفصل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان) أي شرد، والحال أنه (له) أي للشيطان (ضراط) أي صوت رفيع يخرج عند خروج ريح الحدث، وهو محمول على الحقيقة لأن الشيطان يأكل (حتى لا يسمع الأذان) أي لئلا يسمع الأذان لثقل الأذان عليه كما يضرط الحمار من ثقل الحمل قاله ابن الملك، وفي مرقاة المفاتيح: شبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له اهـ. (فإذا قضي الأذان) وفرغ منه، وفي المشكاة فإذا قضي النداء أي فرغ المؤذن منه (أقبل) الشيطن وجاء (فإذا ثُوِّبَ) وأقيم (بها) أي بالصلاة، من التثويب وهو الإعلام مرة بعد أخرى؛ والمراد به الإقامة اهـ من المرقاة (أدبر) أي شرد وهرب لثقل الإقامة عليه (فإذا قضي التثويب) أي فرغ المقيم من الإقامة (أقبل) الشيطان أي حضر وجاء، حالة كونه (يخطر) ويوسوس ويحدث (بين المرء ونفسه) أي يحول بين المرء وقلبه بالوسوسة فلا يتمكن من الحضور في الصلاة، قال ملا علي (يخطر) بكسر الطاء وتضم، حالة كونه (يقول) له (اذكر كذا) أي تذكر أمر كذا وكذا كناية عن أشياء غير متعلقة بالصلاة، وقوله (اذكر كذا) ثانيًا تأكيد للأول أي حالة كونه ذاكرًا له (لما لم يكن يذكر) قبل الصلاة أي

حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى. فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَينِ. وَهُوَ جَالِسٌ". 1162 - (00) (00) حدَّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الشَّيطَانَ إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ وَلَّى وَلَهُ ضُرَاطٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لشيء لم يكن المصلي يذكره قبل شروعه في الصلاة من المشاكل الدنيوية أو المسائل العلمية (حتى يظل الرجل) أو المرأة أي حتى يصير الرجل (إن يدري) أي ما يدري وما يعلم، فإن نافية بمعنى ما، جواب (كم صلى) من عدد ركعات صلاته (فإذا لم يدر أحدكم) ولم يعلم (كم صلى) أي أيَّ عدد صلى من ركعات صلاته أي لم يعلم هل صلى ثلاثًا أم أربعًا (فـ) ليبن علي يقينه الذي هو الثلاث وليتم عليه صلاته، و (ليسجد سجدتين) في آخر صلاته (وهو جالس) قبل أن يسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1162 - (00) (00) (حدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث المصري (عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري النجاري أخي يحيى بن سعيد المدني، روى عن الأعرج في الصلاة، ومخرمة بن سليمان وعبد الله بن كعب الحميري في الصوم، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في الصوم، وعمرة بنت عبد الرحمن في الطب، وأبي الزبير في الطب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الرؤيا، ويروي عنه (ع) وعمرو بن الحارث ومالك بن أنس والسفيانان وشعبة، قال ابن معين: ثقة مأمون، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (5) الخامسة، مات سنة (139) (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ، ثقة ثبت، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة بن عبد الرحمن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان إذا ثوب بالصلاة) أي أقيم بها (ولى) أي ذهب وأدبر (وله ضراط) أي صوت

فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَزَادَ "فَهَنَّاهُ وَمَنَّاهُ، وَذَكَّرَهُ مِنْ حَاجَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُه". 1163 - (531) (190) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ بُحَينَةَ؛ قَال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَينِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ. ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ. فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ وَنَظَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حدث لثقل الإقامة عليه (فذكر) الأعرج (نحوه) أي نحو حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن (وزاد) الأعرج على أبي سلمة لفظة (فهنَّاه ومَنَّاه) بتشديد النون فيهما الأول من هنأه تهنئة، والثاني من التمنية لأنهما من باب فعَّل المضعف أي ذكر الشيطان المصلي المهانئ والمفارح العاطلة وذكره الأماني الباطلة التي ليس لها أثر ولا أساس ولا وجود لها في الخارج، قال ابن الأثير: المراد بها ما يعرض للإنسان في صلاته من أحاديث النفس وتسويل الشيطان (وذكَّرَه) بتشديد الكاف من التذكير أي وذكره الشيطان (من حاجاته) وشواغله (ما لم يكن) المصلي (يَذْكُرُهُ) ويتحدَّثُه قبل الصلاة من الأماني الباطلة والوساوس العاطلة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله ابن بحينة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1163 - (531) (190) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي المدني (عن عبد الله) بن مالك بن القِشْبِ بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة اسمه جندب بن فضلة الأزدي الأسدي حليف بني المطلب أبي محمد المدني المعروف بـ (ابن بحينة) مصغرًا اسمِ أمه بنتِ الأرثِّ الحارثِ بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي الصحابي المشهور، له (27) حديثًا، اتفقا على أربعة، مات بعد الخمسين ببطن ريم على ثلاثين ميلًا من المدينة، روى عنه في (2) بابين. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (قال) عبد الله ابن بحينة (صلى لنا) أي إمامًا لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات) الخمس (ثم) بعد ركعتين (قام) إلى الثالثة (فلم يجلس) بعدهما (فقام الناس معه) إلى الثالثة (فلما قضى صلاته) وفرغ منها (ونظرنا) أي

تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ. فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ. قَبْلَ التَّسْلِيمِ. ثُمَّ سَلَّمَ. 1164 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُحَينَةَ الأَسْدِيِّ، حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ انتظرنا، ومنه قوله تعالى في سورة [الحديد / 13] {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} أي انتظرونا (تسليمه كبر) للسجود لا للإحرام، قال القرطبي: وهذا التكبير المُعقَّبُ بالسجود لسجود السهو قولًا واحدًا لأنه لم ينفصل عن حكم الإحرام الأول، واختلف في التكبير بعد السلام هل هو للإحرام أو للسجود روايتان عن مالك، والأولى أنه للإحرام ولا بد من نيته لأنه انفصل عن حكم الصلاة، ولأنه لا بد لهما من سلام ينفصل به كما يحرم به قياسًا على سائر الصلوات، وإلى هذا أشار في حديث ذي اليدين حيث قال: فصلى ركعتين ثم كبر ثم سجد ثم كبر اهـ مفهم. (فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم) جبرًا لنقصان التشهد الأول (ثم سلم) من صلاته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1230] وأبو داود [1034 و 1035]، والترمذي [391] والنسائي [3/ 19 - 20] وابن ماجه [1206 و 1207]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه فقال: 1164 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح قال وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الليث لمالك بن أنس، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (الأسدي) بإسكان السين، ويقال فيه الأزدي بسكون الزاي، كما في الرواية الآتية وهما اسمان مترادفان لقبيلة واحدة وهم أزد شنوءة (حليف بني عبد المطلب) هكذا هو في جميع نسخ البخاري ومسلم، والذي ذكره ابن سعد وغيره من أهل السير والتواريخ أنه حليف بني المطلب بحذف لفظة عبد، وكان جده حالف المطلب بن عبد مناف (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر) إلى

وَعَلَيهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَينِ، يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ. قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ. وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ. مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ. 1165 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَينَةَ الأَزْدِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي الشَّفْعِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَلاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الركعة الثالثة (وعليه جلوس) أي قام والحال أن عليه قعدة سها عنها (فلما أتم) ركعات (صلاته) الأربع (سجد سجدتين) حالة كونه (يكبر في) هوي (كل سجدة) منهما والرفعِ منهما، وجملة قوله (وهو جالس) حال من فاعل سجد أي سجد، والحال أنه جالس، وقوله (قبل أن يسلم) من صلاته متعلق بسجد أيضًا (وسجدهما) أي وسجد هاتين السجدتين (الناس) المصلون (معه) صلى الله عليه وسلم، وقوله (مكان ما نسي من الجلوس) للتشهد الأول منصوب بسجد أيضًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه فقال: 1165 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود العتكي البصري (حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) أبي داود المدني (عن عبد الله بن مالك) بن جندب بن فضلة الأزدي الأسدي أبي محمد المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن سعيد الأنصاري لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن الأعرج، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للسابقة، وقوله (ابن بحينة) بالجر صفة ثانية لعبد الله لا صفة لمالك لأن بحينة اسم أم عبد الله ومالك اسم أبيه فيجب كتابة همزة الوصل في ابن لوجود الفاصل بينه وبين موصوفه وهو عبد الله لأن عبد الله هو ابن لمالك وابن لبحينة فمالك أبوه وبحينة أمه وهي زوجة مالك كما مر آنفًا (الأزدي) بالجر صفة لعبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام) أي نهض (في الشفع الذي يريد) ويقصد (أن يجلس) للتشهد الأول بعده، وقوله (في صلاته) متعلق بقام أي قام في صلاته الرباعية بعد الشفع الذي يريد أن يجلس بعده للتشهد الأول، قوله

فَمَضَى فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ الصَّلاةِ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. 1166 - (532) (191) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فمضى في صلاته) معطوف على قام أي قام بعد الشفع من صلاته ناسيًا الجلوس بعده فمضى في قيامه أي استمر في قيامه ولم يرجع إلى التشهد الأول (فلما كان في آخر الصلاة) بإتمام الركعة الرابعة (سجد) سجدتين (قبل أن يسلم) من الصلاة (ثم) بعد سجدتي السهو (سلم) من صلاته جبرًا لما تركه من التشهد الأول. قال النواوي: وفي هذا الحديث دليل لمسائل فقهية كثيرة: (الأولى) أن سجود السهو قبل السلام إما مطلقًا كما يقول الشافعي، وإما في النقص كما يقوله مالك (الثانية) أن التشهد الأول والجلوس له ليسا بركنين في الصلاة ولا واجبين إذ لو كانا واجبين لما جبرهما السجود كالركوع والسجود وغيرهما وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي رحمهم الله تعالى، وقال أحمد في طائفة قليلة: هما واجبان، وإذا سها جبرهما السجود على مقتضى الحديث (الثالثة) فيه أنه يشرع التكبير لسجود السهو وهذا مجمع عليه، واختلفوا فيما إذا فعلهما بعد السلام هل يَتَحرَّمُ ويتَشهَّدُ ويُسلِّم أم لا؟ والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد وهكذا الصحيح عندنا في سجود التلاوة أنه يسلم ولا يتشهد كصلاة الجنازة، وقال مالك: يتشهد ويسلم في سجود السهو بعد السلام، واختلف قوله هل يجهر بسلامهما كسائر الصلوات أم لا؟ وهل يحرم لهما أم لا؟ وقد ثبت السلام لهما إذا فعلتا بعد السلام في حديث ابن مسعود، وحديث ذي اليدين ولم يثبت في التشهد حديث. "واعلم" أن جمهور العلماء على أنه يسجد للسهو في صلاة التطوع كالفرض، وقال ابن سيرين وقتادة: لا سجود للتطوع، وهو قول ضعيف غريب عن الشافعي رحمه الله تعالى اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1166 - (532) (191) (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) اسم أبي خلف محمد السلمي مولاهم مولى بني سليم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا، مات سنة (237) (حدثنا موسى بن داود) الضبي أبو عبد الله

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيقَنَ. ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَينِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ. فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ. وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَربَعٍ، كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيطَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البغدادي الطرسوسي قاضيها، وكان كوفي الأصل، وثقه ابن نمير وابن سعد، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال في التقريب: صدوق فقيه زاهد له أوهام، من صغار التاسعة، مات سنة (217) سبع عشرة ومائتين، روى عن سليمان بن بلال في الصلاة، ومالك والثوري وشعبة وغيرهم، ويروي عنه (م د س ق) ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وأحمد وحجاج بن الشاعر وآخرون (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (12) بابا (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بغداديان، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شك أحدكم في) عدد ركعات (صلاته فلم يدر) أي لم يعلم (كم صلى) أي جواب أيِّ عدد صلى من ركعات صلاته أي لم يعلم أصلى (ثلاثًا أم) صلى (أربعًا) أي لم يعلم تعيين أحدهما (فليطرح الشك) أي فليُلْغِ العدد الذي شك في فعله وهو الأربع هنا وليأخذ العدد الذي تيقن في ضمن الشك وهو الثلاث هنا (وليبن) أي وليكمل ما بقي من صلاته وليرتبه وهو الركعة (على ما استيقن) في ضمن الشك من عدد ركعاته وهو الثلاث (ثم) بعد بنائه على ما استيقن (يسجد) بالرفع على الاستئناف، وبالجزم عطفًا على يَبْنِ أي وليبن علي ما استيقن ثم ليسجد (سجدتين قبل أن يسلم فإن كان) في حقيقة الأمر (صلى خمسًا شفعْن) أي صيَّرن السجدتان وما اشتملتا عليه من الأذكار (له) أي لذلك المصلي أي صيَّرْنَ وجعَلْنَ له (صلاتَه) شفعًا أي زوجًا أربعًا أي رَدَدْنَ إلى الأربع (وإن كان) ذلك المصلِّي بعد الشك (صلى) ما صلى (إتمامًا لأربع) بلا زيادة (كانتا) أي كانت السجدتان (ترغيمًا) وإهانة وإغاظة وإذلالًا (للشيطان) بحرمان مقصوده من التلبيس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه مأخوذ من الرَّغَام وهو التراب، ومنه أرغم الله أنفه، والمعنى أن الشيطان لبَّس عليه صلاته وتعرض لإفسادِها ونقصِها فجعل الله تعالى للمصلي طريقًا إلى جبير صلاته وتدارك ما لبَّسَه عليه، وإلى إرغام الشيطان وردِّه خاسئًا مُبْعَدًا عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم وامتثل أمر الله تعالى الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 87] وأبو داود [1024 و 1026 و 1027 و 1029]، والترمذي [396] والنسائي [3/ 27] وابن ماجه [1210]. وقوله في هذا الحديث (فليطرح الشك وليبن علي ما استيقن) تمسك بظاهره جمهور أهل العلم في إلغاء المشكوك فيه والعمل على المتيقن وأَلْحَقُوا المظنونَ بالمشكوك في الإلغاء وردوا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود "فليتحر الصواب من ذلك، إلى حديث أبي سعيد هذا ورأوا أن هذا التحري هو القصد إلى طرح الشك والعمل على المتيقن، وقال أهل الرأي من أهل الكوفة وغيرهم: إن التحري هنا هو البناء على غلبة الظن، وأما أبو حنيفة فقال: ذلك لمن اعتراه ذلك مرة بعد مرة فأما لأول ما ينوبه فليبن علي اليقين، وكأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَمَعَ بين الحديثَين باعتبار حَالينِ للشاك اهـ مفهم، قوله (ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم) احتج بظاهره الشافعي لأصل مذهبه على أن سجود السهو كله قبل السلام، وقال الداودي: اختلف قول مالك في الذي لا يدري ثلاثًا صلى أم أربعًا؟ فقال: يسجد قبل السلام، وقال: بعد السلام، والصحيح من مذهبه في هذه الصورة السجود بعد السلام، وقد اعتل أصحابنا لهذا الحديث بأوجه أحدها: أنه يعارضه حديث ذي اليدين حيث زاد النبي صلى الله عليه وسلم ثم سجد بعد السلام وهو حديث لا علة له، وحديث أبي سعيد أرسله مالك عن عطاء وأسنده غيره فكان هذا اضطرابًا فيه والسليم عن ذلك أرجح، وثانيها أن قوله قبل أن يسلم يحتمل أن يريد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم الذي في التشهد وهو قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فإنه سجد ولم يستوف التشهد، وثالثها أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سها عن إيقاعه بعد السلام فأوقعه قبله واكتفى به إذ قد فعله ولا يتكرر سجود السهو ولا يعاد، ورابعها يحتمل أن يكون شك في قراءة السورة في إحدى الأوليين فيكون معه زيادة الركعة ونقصان قراءة السورة فغلَّب النقصان إلى غير ذلك اهـ قرطبي.

1167 - (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللهِ. حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ قَيسٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي مَعْنَاهُ قَال: "يَسْجُدُ سَجْدَتَينِ قَبْلَ السَّلامِ" كَمَا قَال سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: هذا الحديث ظاهر الدلالة لمذهب الشافعي في أنه يسجد للسهو للزيادة والنقص قبل السلام، واعترض عليه بعض أصحاب مالك بأن مالكًا رواه مرسلًا وهذا اعتراض باطل لوجهين: أحدهما أن الثقات الحفاظ الأكثرين رووه متصلًا فلا يضر مخالفة واحد لهم في إرساله لأنهم حفظوا ما لم يحفظه وهم ثقات ضابطون حفاظ متقنون، الثاني أن المرسل عند مالك حجة فهو وارد عليه على كل تقدير اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 1167 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) بن مسلم القرشي أبو عبيد الله المصري، روى عن عمه عبد الله بن وهب في الصلاة والجهاد وغيرها، ويروي عنه (م) وابن خزيمة وابن جرير وجماعة، وثقه ابن أبي حاتم، وقال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه، وقال في التقريب: صدوق، من الحادية عشرة تغير بآخره، وقال ابن يونس: لا تقوم به حجة، مات سنة (245) خمس وأربعين ومائتين (حدثني عمي عبد الله) بن وهب المصري (حدثني داود بن قيس) الدباغ القرشي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (بهذا الإسناد) يعني عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، ولفظة في في قوله (وفي معناه) بمعنى الباء أتى بها فرارًا من ثقل تكرار حرفي جر متحدي المعنى واللفظ والعامل وهما متعلقان بقوله حدثني داود بن قيس أي حدثني داود بن قيس بهذا الإسناد عن زيد بن أسلم بمعنى حديث سليمان بن بلال، غرضه بيان متابعة داود بن قيس لسليمان بن بلال في رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم، ولكن (قال) داود بن قيس (يسجد سجدتين قبل السلام كما قال) كذلك (سليمان بن بلال) وهذا استثناء من المتابعة في المعنى لأنه في هذه الجملة تابعه في اللفظ والمعنى لا في المعنى فقط. قال القرطبي: وقوله في هذا الحديث (فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته) يعني أنه لما شك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ وبنى على الثلاث فقد اطَّرح الرابعة مع إمكان أن

1168 - (533) (192) وحدثنا عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرِ ابْنَا أَبِي شَيبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ، قَال: قَال عَبْدُ اللهِ: صَلى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ- قَال إِبْرَاهِيمُ: زَادَ، أَوْ نَقَصَ- فَلَمَّا سَلّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحَدَثَ في الصَّلاةِ شَيءٌ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون فعلها فإن كان قد فعلها فهي خمس وموضوع تلك الصلاة شفع فلو لم يسجد لكانت الخامسة لا تناسب أصل المشروعية فلما سجد سجدتي السهو ارتفعت الوترية وجاءت الشفعية المناسبة للأصل والله أعلم، والنون في (شفعن) نون الإناث، وعادت على معنى فعلات السجدتين مشيرًا إلى ما فيها من الأحكام المتعددة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 1168 - (533) (92 1) (وحدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة) العبسيان الكوفيان (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المروزي (جميعًا) أي كل من الثلاثة (عن جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (قال عثمان: حَدَّثَنَا جرير، عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبو عتاب الكُوفيّ (عن إبراهيم) بن سويد النَّخَعيّ الكُوفيّ الأعور كَمَا سيأتي التصريحُ به، روى عن علقمة في الصلاة، وعبد الرَّحْمَن بن يزيد في الأدب والدعاء، وليس هذا بإبراهيم النَّخَعيّ الفقيه، وثقه النَّسائيّ وابن حبان، وقال في التقريب: ثِقَة، من السادسة، (عن علقمة) بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ (قال) علقمة (قال عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم فإنَّه مروزي. (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنا بعض الصلوات، قال منصور (قال) لنا (إبراهيم) بن سويد عن علقمة إما قال عبد الله (زاد) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في صلاته (أو) قال (نقص) عن صلاته، والوهم من إبراهيم قاله القرطبي (فلما سلم) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (قيل له) صلى الله عليه وسلم (يَا رسول الله أحدث) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي هل حدث ووجد (في الصلاة شيء) من النسخ بالزيادة لأنك صليت الظهر خمسًا، وهذا سؤال عن جواز النسخ على ما ثبت من العبادة ويدل هذا على أنَّهم

قَال: "وَمَا ذَاكَ" قَالُوا: صَليتَ كَذَا وَكَذَا. قَال: فَثَنَى رِجلَيهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبلَةَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَينَا بِوَجْهِهِ فَقَال: إِنهُ لَو حَدَثَ في الصلاةِ شَيءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنما أَنَا بَشَر أَنْسَى كَمَا تَنْسَونَ. فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُوني ـــــــــــــــــــــــــــــ كانوا يتوقعونه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ذاك) أي وما سبب سؤالكم عن ذلك، وهذا السؤال مِمَنْ لم يشعر بما وقع منه ولا يقين عنده ولا غلبة ظن (قالوا) أي قال الحاضرون (صليت) يَا رسول الله (كذا وكذا) أي صليت الظهر خمسًا وهذا إخبارُ مَنْ حَقَّق ما وقع، وقبول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قول المخبر عما وقع له دليل على قبول الإِمام قول من خلفه في إصلاح الصلاة إذا كان الإِمام على شك بلا خلاف، وهل يشترط في المخبر عدد لأنه من باب الشهادة أو لا يشترط ذلك لأنه من باب قبول الخبر قولان الأول لأشهب وابن حبيب، وأما إن كان الإِمام جازمًا في اعتقاده بحيث يصمم عليه فلا يرجع إليهم إلَّا أن يفيد خبرهم العلم فيرجع إليهم وإن لم يفد خبرهم العلم فذكر ابن القصار في ذلك عن مالك قولين الرجوع إلى قولهم وعدمه، وبالأول قال ابن حبيب ونصه إذا صلى الإِمام برجلين فصاعدًا فإنَّه يعمل على يقين من وراءه ويدع يقين نفسه، قال المشايخ: يريد الاعتقاد، وبالثاني قال ابن مسلمة ونص ما حكي عنه يرجع إلى قولهم إن كثروا ولا يرجع إذا قَلُّوا وينصرف ويتمون لأنفسهم اهـ من المفهم. (قال) عبد الله (فثنى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عطف (رجليه) وتورك ليسجد قبل أن ينهض (واستقبل القبلة نسجد سجدتين) للسهو ليشفعن له صلاته (ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه) الشريف (فقال إنه) أي إن الشأن والحال (لو حدث) ووجد (في الصلاة شيء) من النسخ بالزيادة أو بالنقص (أنبأتكم) أي أخبرتكم أولًا (به) أي بالشيءِ الحادثِ؛ يفهم منه أن الأصل في الأحكام بقاؤها على ما قررت وإن جوز غير ذلك، وأن تأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة (ولكن إنما أنا بشر) مثلكم (أنسى) من باب رضي أي أسهو (كما تنسون) أي كما تسهون (فإذا نسيت فذكروني) بالإشارة أو نحوها فكان حقهم أن يذكروه عند إرادة قيامه إلى الخامسة. قال القرطبي: وهذا دليل على جواز النسيان على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيما طريقه البلاغ من الأفعال وأحكام الشرع، قال القاضي عياض: وهو مذهب عامة العلماء والأئمة النظار وظاهر القرآن والحديث، لكن شرط الأئمة أن الله تعالى ينبهه على ذلك

وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاتِهِ فَليَتَحَرَّ الصوَابَ، فَليُتِم عَلَيهِ، ثُمَّ يسْجُدْ سَجْدَتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يقره عليه، ثم اختلفوا هل من شرط التنبيه اتصاله بالحادثة على الفور وهذا مذهب القاضي أبي بكر، والأكثر من العلماء قالوا بل يجوز في ذلك التراخي ما لم ينخرم عمره وينقطع تبليغه وإليه نحا أبو المعالي، ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات الشرعية كما منعوه اتفاقًا في الأقوال البلاغية واعتذروا عن الظواهر الواردة في ذلك وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق، وشذت الباطنية وطائفة من أرباب علم القلوب فقالوا: لا يجوز النسيان عليه، وإنما ينسى قصدًا ويتعمد صورة النسيان لِيَسُنَّ ونحا إلى قولهم عظيم من أئمة التحقيق وهو أبو المظفر الإسفراييني في كتابه "الأوسط" وهذا منحى غير سديدٍ، وجمع الضد مع الضد مستحيل بعيد (قلت) والصحيح أن السهو عليه جائز مطلقًا إذ هو واحد من نوع البشر فيجوز عليه ما يجوز عليهم إذا لم يقدح في حاله، وعليه نبه حيث قال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون" غير أن ما كان منه فيما طريقه بلاغ الأحكام قولًا أو فعلًا لا يقر على نسيانه بل ينبه عليه إذا تعينت الحاجة إلى ذلك المبلغ فإن أقر على نسيانه ذلك فإنما ذلك من باب النسخ كما قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} اهـ من المفهم. (وإذا شك أحدكم في صلاته) أصلي زائدًا أم ناقصًا (فليتحر الصواب) أي فليجتهد ويعزم في طلب الصواب واليقين بغلبة ظنه واجتهاده، والتَّحَرِّي طلَبُ الحرِيِّ وهو اللائق والحقيق والجدير أي فليطلبه بغلبة ظنه واجتهاده، قال الطيبي: التحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تحصيل الشيء بالفعل، وعبارة النواوي: التحري هو القصد ومنه قوله تعالى: {تَحَرَّوْا رَشَدًا} ومعنى الحديث فليقصد الصواب فليعمل به، وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ وغيره، والضمير البارز في قوله (فليتم عليه) عائد إلى ما دل عليه فليتحر، والمعنى فليتم على ذلك ما بقي من صلاته بأن يضم إليه ركعة أو ركعتين أو ثلاثًا وليقعد في موضع يحتمل القعدة الأولى وجوبًا، وفي موضع يحتمل القعدة الأخيرة فرضًا وبقي حكم آخر وهو أنَّه إذا لم يحصل اجتهاد وغلبة ظن فليبن على الأقل المستيقن كما سبق في حديث أبي سعيد كذا في المرقاة (ثم ليسجد سجدتين) وثم هنا لمجرد التعقيب، وفيه إشارة إلى أنَّه يسجد ولو وقع تراخ ما لم يقع منه مناف كذا في المرقاة.

1169 - (00) (00) حدثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ. ح قَال: وَحَدثَنِي محمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، كِلاهُمَا عَنْ مِسْعَرٍ، عَن مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بِشْر: "فَليَنْظُر أَحْرَى ذلِكَ للصَّواب". وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: "فَليَتَحَرَّ الصَّوَابَ". 1170 - (00) (00) وحدَّثناه عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارِمِيّ. أخْبَرَنَا يَحْيى بْنُ حَسان. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [6/ 28] والبخاري [1226] وأبو داود [1019 - 1022] والتِّرمذيّ [392 أو 393] والنَّسائيّ [3/ 31 - 33] وابن ماجه [1211]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1169 - (00) (00) (حدثناه أبو كُريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكُوفيّ (حدثنا) محمَّد (بن بشر) العبدي الكُوفيّ ثِقَة من (9) (ح قال وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) (كلاهما) أي كل من محمَّد بن بشر ووكيع رويا (عن مسعر) بن كدام الهلالي أبي سلمة الكُوفيّ، ثِقَة، من (7) (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو مسعر أي حَدَّثَنَا مسعر عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بمثل ما روى جرير عن منصور، غرضه بسوقه بيان متابعة مسعر لجرير، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة (و) لكن (في رواية ابن بشر) بدل قوله في السابقة فليتحر الصواب (فلينظر أحرى ذلك للصواب) أي فليفكر المصلي وليعمل أحرى ذلك الذي شك فيه أي أحق وأجدر وأقرب ذلك إلى الصواب (وفي رواية وكيع فليتحر الصواب) مثل رواية جرير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 1170 - (00) (50) (وحدثناه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن) بن الفضل بن مهران أو بهرام (الدارمي) نسبة إلى أحد أجداده دارم أبو محمَّد السمرقندي، ثِقَة متقن، من (11) روى عنه في (15) بابًا (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان التِّنِّيسيّ البكري أبو زكريا البَصْرِيّ من أهل البصرة سكن تَنِّيس، ثِقَة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا

وُهَيبُ بْنُ خَالِد. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال مَنْصُورٌ: "فَليَنْظُرْ أَحرَى ذلِكَ لِلصَّوَابِ". 1171 - (00) (00) حدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ بْنُ سَعِيدٍ الأمَويُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "فَليَتَحَرَّ الصَّوَابَ". 1172 - (00) (00) حدثناه محمدُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "فَليَتَحَر أَقْرَبَ ذلِكَ إِلَى الصوَابِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهيب بن خالد) بن عجلان الباهليّ مولاهم أبو بكر البَصْرِيّ، ثِقَة، من السابعة، روى عنه في (12) بابا، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة وهيب بن خالد لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن منصور بن المعتمر (حَدَّثَنَا منصور بهذا الإسناد) المذكور أولًا، وقوله (وقال منصور) تحريف من النساخ والصواب (وقال وهيب) (فلينظر) المصلي (أحرى ذلك) الذي شك فيه وأجدره وأحقه (للصواب) وليفعله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1171 - (00) (00) (حدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبيد بن سعيد) بن أَبان بن سعيد بن العاص القُرشيّ (الأُموي) أبو محمَّد الكُوفيّ، روى عن سفيان الثَّوريّ في الصلاة، وشعبة في الجهاد واللباس، وعن الأَعمش، ويروي عنه (م س ق) وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي شيبة، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من (9) التاسعة، مات سنة (200) مائتين، روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ (عن منصور بهذا الإسناد، وقال) سفيان (فليتحر الصواب). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1172 - (00) (00) (حدثناه محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البَصْرِيّ (عن منصور بهذا الإسناد وقال) شعبة في روايته (فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب) وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لجرير في رواية هذا الحديث عن منصور.

1173 - (00) (00) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. اخْبَرَنَا فُضَيلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "فَليَتَحَرَّ الّذِي يُرَى أنَّهُ الصوَابُ". 1174 - (00) (00) وحدَّثناه ابْنُ أبي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِإسْنَادِ هَؤُلاءِ. وَقَال: "فَليَتَحَر الصَّوَابَ". 1175 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ العَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ. عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1173 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (أخبرنا فضيل بن عياض) بن مسعود التَّمِيمِيّ اليربوعي أبو علي الكُوفيّ، سكن مكة أصله من خراسان، ثِقَة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن منصور بهذا الإسناد وقال) فضيل في روايته (فليتحر) أي فليقصد المصلي ويعمل الأمر (الذي يرى) بضم الياء أي يظن ويعتقد (أنَّه الصواب) غرضه بيان متابعة فضيل لمن روى عن منصور. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1174 - (00) (00) (وحدثناه) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكيّ، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي أبو عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة حافظ، من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن منصور) وقوله (بإسناد هؤلاء) متعلق بحدثنا عبد العزيز لأنه المتابع، واسم الإشارة راجع إلى جرير ومن بعده؛ أي حَدَّثَنَا عبد العزيز بإسناد جرير ووهيب وسفيان وشعبة وفضيل هذا الحديث (و) لكن (قال) عبد العزيز في روايته (فليتحر الصواب). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1175 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التَّمِيمِيّ (العنبري) أبو عمرو البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ التَّمِيمِيّ العنبري أبو المثنَّى البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي البَصْرِيّ (عن الحكم) بن عُتيبة الكندي أبِي محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) (عن إبراهيم) بن سويد النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة،

عَنْ عَلقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله؛ أن النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلى الظُّهْرَ خَمسًا. فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: أَزِيدَ في الصَّلاةِ؟ قَال: "وَمَا ذَاك؟ " قَالُوا: صَليتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ. 1176 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ نُمَير. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الحسَنِ بْنِ عُبَيدِ الله، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ؛ أَنهُ صَلى بِهِمْ خَمْسًا. 1177 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من (6) (عن علقمة) بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة الحكم بن عتيبة لمنصور بن المعتمر في رواية هذا الحديث عن إبراهيم بن سويد، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا فلما سلم قيل له) يَا رسول الله (أزيد في الصلاة) والهمزة فيه للاستفهام الاستخباري (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ذاك) أي وما سبب سؤالكم عنها (قالوا صليت) بنا اليوم (خمسًا) من الركعات، قال عبد الله: فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة (فسجد سجدتين) للسهو ثم سلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1176 - (00) (00) (وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكُوفيّ (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن الحسن بن عبيد الله) بن عروة النَّخَعيّ أَبِي عروة الكُوفيّ، ثِقَة فاضل، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن إبراهيم) بن سويد النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن علقمة) بن قيس الكُوفيّ، عن عبد الله (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (صلى بهم خمسًا) غرضه بيان متابعة الحسن للحكم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1177 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ، وهذا محل

(وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الحسَنِ بْنِ عُبَيدِ الله، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيدٍ؛ قَال: صلى بِنَا عَلقَمَةً الظهْرَ خَمْسًا. فَلَمَّا سَلَّمَ قَال القَوْمُ: يَا أَبَا شِبْلٍ، قَدْ صَليتَ خَمْسًا. قَال: كَلا. مَا فَعَلتُ. قَالُوا: بَلَى. قَال: وَكُنْتُ في نَاحِيَةِ القَوْمِ. وَأنا غُلامٌ. فَقُلتُ: بَلَى. قَدْ صَليتَ خَمْسًا. قَال لِي: وَأَنْتَ أَيضًا، يَا أَعْوَرُ، تَقُولُ ذَاكَ؟ قَال: قُلتُ: نَعَمْ. قَال: فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ ثُمّ سَلَّمَ. ثُمَّ قَال: قَال عَبْدُ الله: صلى بِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التحويل ولو أتى بحاء التحويل لكان أوضح (واللفظ) الآتي (له) لعثمان بن أبي شيبة لا لابن نمير كما سيأتي التصريح في آخر الحديث (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ (عن الحسن بن عبيد الله) الكُوفيّ (عن إبراهيم بن سويد) الكُوفيّ (قال) إبراهيم (صلي بنا علقمة) بن قيس (الظهر خمسًا) غرضه بسوق هذا بيان متابعة جرير لابن إدريس في رواية هذا الحديث عن الحسن (فلما سلم) علقمة (قال القوم) الذين صلوا معه (يَا أَبا شبل) كنية علقمة (قد صليت) بنا (خمسًا قال) علقمة (كلا) حرف ردع وزجر أي ارتدعوا أو انزجروا عما قلتم من أني صليت خمسًا أنا (ما فعلت) أي ما صليت خمسًا (قالوا) أي قال القوم (بلى) حرف جواب لنفي النفي فيكون إثباتًا، بمعنى نعم؛ أي نعم صليت بنا خمسًا (قال) إبراهيم (وكنت) أنا (في ناحية القوم) وطرفهم (وأنا) أي والحال أني (غلام) أي أصغرهم (فقلت) لعلقمة (بلى) أي نعم (قد صليت) بنا (خمسًا قال لي) علقمة (وأنت أَيضًا يَا أعور تقول) لي (ذاك) أي صليت خمسًا سماه أعور لكونه كذلك كما مر، قال القاضي: فيه أن قول مثل هذا لمن عرف به ولا يتأذى به لا حرج فيه، إنما الحرج إذا قاله على وجه العيب والمخاطب يكرهه، وهم ثلاثة: إبراهيم بن سويد النَّخَعيّ، وإبراهيم بن يزيد النَّخَعيّ أَيضًا الفقيه المشهور، وإبراهيم بن يزيد التَّيميّ، الثلاثة كوفيون والأعور منهم المذكور في الحديث ابن سويد وسمع علقمة اهـ من الأبي في ترجمته (قال) إبراهيم (قلت) لعلقمة (نعم) أقول ذلك (قال) إبراهيم (فانفتل) علقمة عنا وانصرف وتوجه إلى القبلة (فسجد سجدتين) للسهو (ثم سلم) ثانيًا لوقوع الأول في غير موضعه، قال في الصحاح: فتله عن وجهه فانفتل أي صرفه فانصرف وهو مقلوب لفت اهـ ولعل المراد هنا الانقلاب نحو القبلة كما ينبيء عنه لفظ التحول في الرواية الآتية (ثم قال) علقمة (قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه استدلالًا على فعله ذلك (صلى بنا

رَسُول الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ خَمْسًا. فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ القَومُ بَينَهُمْ. فَقَال: "مَا شَأْنُكُمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، هَل زِيدَ في الصلاةِ؟ قَال: "لا" قَالُوا: فَإِنَّكَ قَدْ صَليتَ خَمْسًا. فَانْفَتَل ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ. ثُمَّ سَلَّمَ. ثُمَّ قَال: "إِنما أَنَا بَشَر مِثْلُكُمْ. أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ" وَزَادَ ابنُ نُمَيرٍ في حَدِيثِهِ: "فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَليَسْجُدْ سَجْدَتَينِ". 1178 - (00) (00) وحدَّثناه عَوْنُ بْنُ سَلامٍ الكُوفِيّ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهشَلِيّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا فلما انفتل) أي انصرف وفرغ من الصلاة (توشوش القوم) الذين صلوا معه أي تحدثوا فيما (بينهم) محادثة خفية، وهمس بعضهم بعضًا، قال ابن الأثير: الوشوشة كلام مختلط خفي لا يكاد يُفهم، ورواه بعضهم بالسين المهملة ويريد به الكلام الخفي، وقال القاضي: روي بالمعجمة وبالمهملة وكلاهما صحيح ومعناه تحركوا، ومنه وَسْوَاس الحُلِيّ بالمهملة وهو تحركه ووسوسة الشيطان، قال أهل اللغة: الوشوشة بالمعجمة صوت في اختلاط، قال الأصمعي: ويقال رجل وشواش أي خفيف (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما شأنكم) وحالكم توشوشون فيما بينكم (قالوا يَا رسول الله هل زيد في الصلاة) أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي ما زيد فيها (قالوا) أي قال القوم (فإنك) يَا رسول الله (قد صليت خمسًا فانفتل) أي فانصرف عن النَّاس واستقبل القبلة (ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، وزاد) محمَّد (بن نمير في حديثه) أي في روايته عن عثمان بن أبي شيبة لفظة (فهذا نسي أحدكم) في صلاته (فليسجد سجدتين) جبرًا لسهوه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1178 - (00) (00) (وحدثناه عون بن سلام) بتشديد اللام الهاشمي مولاهم أبو جعفر (الكُوفيّ) ثِقَة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا أبو بكر) عبد الله بن قطاف (النهشلي) الكُوفيّ، روى عن عبد الرَّحْمَن بن الأسود في الصلاة، وزياد بن علاقة في الصوم، ومحمَّد بن الزُّبير وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وعون بن سلام وبهز بن أسد، وثقه أَحْمد وابن معين والعجلي وابن مهدي، وقال أبو داود: ثِقَة كُوفِيّ مرجئ،

عَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله؛ قَال: صلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ خَمْسًا. فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَزِيدَ في الصَّلاةِ؛ قَال: "وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: صَليتَ خَمْسًا. قَال: "إِنما أنا بَشَرٌ مِثلُكُمْ. أَذكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ، وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ". ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السهو. 1179 - (00) (00) وحدثنا مِنْجَابُ بن الحَارِثِ التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأعْمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في التقريب: صدوق، من السابعة (7) (عن عبد الرَّحْمَن بن الأسود) بن يزيد النَّخَعيّ أبي حفص الكُوفيّ الفقيه حج ثمانين حجة، واعتمر ثمانين عمرة، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثِقَة، من (3) مات سنة (99) روى عنه في (3) أبواب (عن أَبيه) الأسود بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ أبي عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم فقيه، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأسود بن يزيد لعلقمة بن قيس في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود، وكرر متن الحديث لما فيه من المخالفة لرواية علقمة في بعض الكلمات ولو أخر هذه المتابعة إلى آخر المتابعات الجارية في حديث عبد الله لكان أولى لأن الرواة عن عبد الله اثنان علقمة والأسود وجميع المتابعات السابقة واللاحقة كلها في رواية علقمة (قال) عبد الله (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) الظهر (خمسًا) من الركعات (فقلنا: يَا رسول الله أزيد في الصلاة) أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ذاك) أي وما سبب سؤالكم عن ذلك (قالوا: صليت) بنا الظهر (خمسًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما أنا بشر مثلكم أذكر) أي أتذكر الشيء (كما تذكرون) أي كما تتذكرون (وأنسى كما تنسون) فهلا ذكرتموني (ثم) استقبل القبلة فـ (سجد سجدتي السهو) كسجود الصلاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعةَ حادِيَ عَشْرِها في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 1179 - (00) (00) (وحدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرَّحْمَن (التَّمِيمِيّ) أبو محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا) علي (بن مسهر) القُرشيّ أبو الحسن الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الأَعمش)

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله؛ قَال: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، فَزَادَ، أَوْ نَقَصَ -قَال إِبْرَاهِيمُ: وَالوَهمُ مِني- فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَزِيدَ في الصلاةِ شَيءٌ؟ فَقَال: "إِنما أَنَا بَشَرْ مِثلُكُم. أَنسَى كَمَا تَنسَونَ. فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُم فَليَسجُد سَجدَتَينِ. وَهُوَ جَالِس" ثُمَّ تَحَولَ رَسُول الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَسَجَدَ سَجدَتَينِ. 1180 - (00) (00) وحدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيب. قَالا: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ. ح قَال: وَحَدثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن مهران الكُوفيّ (عن إبراهيم) بن سويد الكُوفيّ (عن علقمة) بن قيس الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود الكُوفيّ. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة الأَعمش للحسن بن عبيد الله في رواية هذا الحديث عن إبراهيم بن سويد (قال) عبد الله (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنَّاس الظهر خمسًا (فزاد) رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد ركعات الصلاة (أو) قال علقمة لي (نقص) رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد ركعات الصلاة (قال إبراهيم) بن سويد (والوهم) أي الشك فيما قال علقمة من الزيادة أو النقص وقع (مني) لا من علقمة فيما قال عبد الله، فالشك هنا وفيما سبق وقع من إبراهيم، وزاد في هذه الرواية اعترافه بالوهم وكذلك فيما بعد هذا، وفيه زيادة القسم، وأما فيما قبل هذا فنَجزم بأن الذي صلَّى كان خمسًا (فقيل) له صلى الله عليه وسلم (يَا رسول الله أزيد) اليومَ (في الصلاة شيء فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فهذا نسي أحدكم) في عدد ركعات صلاته بالزيادة (فليسجد سجدتين) للسهو (وهو جالس) مستقبل القبلة (ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم) وانصرف عن جهته التي كان عليها أولًا واستقبل القبلة (فسجد سجدتين) جبرًا لسهوه، وكرر متن الحديث لما بين الروايات من بعض المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله ثَانِيَ عَشْرِها فقال: 1180 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (وأبو كُريب) محمَّد بن العلاء الكُوفيّ (قالا حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير الكُوفيّ (ح قال وحدثنا)

ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا حَفصٌ وَأَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله؛ أن النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْو، بَعْدَ الكلامِ وَالكَلامِ. 1181 - (00) (00) وحدثني القَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيُّ الجُعْفِيّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: صَلَّينَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِمَّا زَادَ، أَوْ نَقَصَ.- قَال إِبْرَاهِيمُ: وَايمُ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ محمَّد (بن نمير) الكُوفيّ (حَدَّثَنَا حفص) بن غياث بن طلق النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (وأبو معاوية) كلاهما (عن الأَعمش) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حفص وأبي معاوية لعلي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن الأَعمش (عن إبراهيم) بن سويد (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام) أولًا (والكلام) مع النَّاس في المحاورة السابقة، وكان الكلام في أثناء الصلاة جائزًا في صدر الإِسلام كما مر فكان بعد السلام غير مانع للبناء وقتئذ، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة التي لا تقبل الفصل وهو الكلام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه ثَالِثَ عَشْرِها فقال: 1181 - (00) (00) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القُرشيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا حسين بن عليّ) بن الوليد (الجعفي) مولاهم أبو محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثَّقَفيّ أبي الصلت الكُوفيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن سليمان) بن مهران الأَعمش الكاهلي مولاهم أبي محمَّد الكُوفيّ (عن إبراهيم) بن سويد إلأعور النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن علقمة) بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ. وهذا السند من سباعياته، من لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وغرضه بيان متابعة زائدة لمن روى عن الأَعمش (قال) عبد الله (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) الظهر يومًا، قال عبد الله (فإما زاد) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة (أو) قال عبد الله (نقص) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة (قال إبراهيم) بن سويد (وايم الله) أي

مَا جَاءَ ذَاكَ إلا مِنْ قِبَلِي- قَال: فَقُلنَا: يَا رَسُولَ الله، أَحَدَثَ في الصلاةِ شَيءٌ؟ فَقَال: "لا" قَال: فَقُلنَا لَهُ الذِي صَنَعَ. فَقَال: "إِذَا زَادَ الرجُلُ، أَو نَقَصَ، فَليَسْجُدْ سَجْدَتَينِ" قَال: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ. 1182 - (534) (193) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِحْدَى صَلاتَيِ العَشِيِّ، إِما الظهْرَ وَإِما العَصْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم الله قسمي (ما جاء ذاك) الوهم ولا حصل (إلا من قبلي) وجهتي لا من علقمة، وأتى بالقسم تأكيدًا للكلام (قال) عبد الله (فقلنا يَا رسول الله أحدث في الصلاة شيء) من التغيير، والهمزة فيه للاستفهام الاستخباري (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي لم يحدث فيها شيء من التغيير (قال) عبد الله (فقلنا له) صلى الله عليه وسلم أي أخبرناه (الذي صنع) من الزيادة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا زاد الرَّجل) في الصلاة بأن صلى الظهر خمسًا (أو نقص) الرَّجل عن صلاته بأن صلاها ثلاثًا (فليسجد) بعد أن أتم النقص (سجدتين) جبرًا لسهوه (قال) عبد الله (ثم) استقبل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فـ (سجد سجدتين) لسهوه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي هريرة الثاني رضي الله تعالى عنه فقال: 1182 - (534) (193) (حَدَّثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النَّسائيّ (جميعًا عن ابن عيينة قال عمرو) بن محمَّد في روايته (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (حَدَّثَنَا أَيُّوب) بن أبي تميمة السختياني البَصْرِيّ (قال) أَيُّوب (سمعت محمَّد بن سيرين) البَصْرِيّ (يقول سمعت أَبا هريرة) الدوسي المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد كُوفِيّ وواحد إما بغدادي أو نسائي، حالة كون أبي هريرة (يقول صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي إما الظهر واما العصر) والشك من

فسلَّمَ في رَكْعَتَينِ. ثُمَّ أَتَى جِذْعًا في قِبْلَةِ المَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيهَا مُغْضَبًا. وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ. فَهَابَا أَنْ يَتَكَلمَا. وَخَرَجَ سَرَعَانُ الناسِ، قُصِرَتِ الصلاة. فَقَامَ ذُو اليَدَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة، قال الأزهري: العشي بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء عند العرب ما بين زوال الشَّمس وغروبها اهـ وأول العشي إذا فاء الفيء وتمكن، ومنه قول القاسم بن محمَّد: ما أدركت النَّاس إلَّا وهم يصلون الظهر بعشي وآخره غروب الشَّمس، وأصله الظلمة ومنه عشا البصر وعشوت النَّار نظرت إليها من ظلمة (فسلم) صلى الله عليه وسلم (في ركعتين ثم أتى جذعًا في) جهة (قبلة المسجد) أي معروضًا في مقدم المسجد، والجذع واحد الجذوع وهو خشبة النخل وهو مذكر، ولكنه أعاد عليه الضمير المؤنث في قوله (فاستند إليها) أي إلى الجذع على إرادة الخشبة كما هي رواية البُخَارِيّ وغيره كما قالوا "بَلَغَنِي كتابُه فمَزقْتها" لأن الكتاب صحيفة، حالة كونه (مغضبًا) بفتح الضاد أي غضبان (وفي القوم) الذين صلوا معه (أبو بكر وعمر) بن الخَطَّاب (فهابا) أي خاف الشيخان (أن يتكلما) معه يعني أنهما بما غلبهما من احترام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقير مقامه الشريف امتنعا من تكليمه مع علمهما بأنه سيبين أمر ما وقع، ولعله بعد النهي عن سؤاله كما سبق في كتاب الإيمان, وإقدام ذي اليدين على السؤال دليل على حرصه على تعلم العلم وعلى اعتنائه بأمر الصلاة، وفي بعض النسخ (فهاباه) بزيادة الهاء ولفظ البُخَارِيّ (فهابا أن يكلماه) وهو أوضح (وخرج سرعان النَّاس) بالمهملات المفتوحة وهو المحفوظ عن متقني أهل العلم وهو قول الكسائي وغيرهم يسكن الراء وهم المسرعون والأوائل المستعجلون أخفاؤهم، ورواية الأصيلي في البُخَارِيّ سرعان بضم السين وإسكان الراء وكأنه جمع سريع كقفيز وقفزان وقضيب وقضبان وليس هو جمع سريع فإنَّه يكون على زنة صبيان، وقال الخطابي: كسر السين خطأ؛ أي خرج الذين يسارعون إلى الشيء ويقدمون عليه بسرعة، وفي القاموس وسرعان النَّاس محركة أوائلهم المستبقون إلى الأمر ويسكن، حالة كونهم يقولون (قصرت الصلاة) بضم القاف وكسر الصاد، وروي بفتح القاف وضم الصاد وكلاهما صحيح ولكن الأول أشهر وأصح اهـ نواوي؛ أي يقولون ذلك على اعتقاد وقوع ما يجوز من النسخ (فقام) رجل (ذو اليدين) أي يسميه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذا اليدين لطول كان في يديه وهو معنى

فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقُصِرَتِ الصلاة أَمْ نَسِيتَ؟ فَنَظَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيهِ وسلَمَ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَال: "مَا يَقُولُ ذُو اليَدَينِ؟ " قَالُوا: صَدَقَ. لَمْ تُصَل إلا رَكْعَتَينِ. فَصَلى رَكْعَتَينِ وَسَلمَ. ثُمَّ كبرَ ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ كبرَ فَرَفَعَ. ثُمَّ كبرَ وَسَجَدَ. ثُمَّ كبرَ وَرَفَعَ. قَال: وَأُخْبِرْتُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ، أَنهُ قَال: وَسلمَ. 1183 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو الربِيعِ الزهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَماد. حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ مُحَمَّد، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله بسيط اليدين وهو الخرباق السلمي كما سماه في حديث عمران بن حصين، ويحتمل أنَّه كان طويل اليدين بالفضل والبذل (فقال) للنبي صلى الله عليه وسلم لما غلب عليه من الحرص على تعلم العلم كما مر (يَا رسول الله أقصرت الصلاة) بضم القاف وكسر الصاد وبهمزة الاستفهامَ الاستخباري أي أجعلت الصلاة اليوم مقصورة بالنسخ (أم نسيت) إتمامها (فنظر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يمينًا وشمالًا فقال) للنَّاس المصلين معه أحق (ما يقول ذو اليدين قالوا صدق) ذو اليدين فيما يقول لأنك (لم تصل) يَا رسول الله (إلا ركعتين) فقام واعتدل لأنه كان مستندًا إلى الخشبة (فصلى ركعتين) إتمامًا لصلاته (وسلم ثم كبر) لهوي سجود السهو (ثم سجد ثم كبر) للرفع من السجدة الأولى من سجدتي السهو (فرفع) رأسه من الأولى منهما (ثم كبر) لهوي الثَّانية (وسجد) ها (ثم كبر) للرفع منها (ورفع) رأسه منها ولم يتشهد (قال) محمَّد بن سيرين (وأخبرت عن عمران بن حصين أنَّه) أي أن عمران (قال) أي زاد على أبي هريرة لفظة (وسلم) صلى الله عليه وسلم بعد سجدتي السهو مرة ثانية، قال القسطلاني: وهذا يهدم قاعدة المالكية ومن وافقهم أنَّه إذا كان السهو بالنقصان يسجد قبل السلام اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [1228] وأبو داود [1008 - 1012] والتِّرمذيّ [394] والنَّسائيّ [3/ 30 - 36] وابن ماجه [1214]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1183 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود العتكي (الزهراني) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا حماد) بن زيد بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا أَيُّوب) السختياني العنزي البَصْرِيّ (عن محمَّد) بن سيرين البَصْرِيّ (عن

أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: صَلى بِنَا رَسُول الله صَلى الله عَلَيهِ وسلَمَ إِحْدَى صَلاتَيِ العَشِيِّ بِمَعنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ. 1184 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة) الدوسي المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته، من لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أَبا هريرة، غرضه بسوقه بيان متابعة حماد بن زيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن أَيُّوب (قال) أبو هريرة (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أمَّنَا، وفي الآخر صلَّى لنا، وفي الآخر بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: كل ذلك يدل على أنَّه حضر الصلاة. واستشكل بأن القضية كانت قبل بدر وإسلامُ أبي هريرة كان عامَ خيبر سنةَ سبع، وأجيب: بأنه سَمِعَه مِنْ غيره فأرْسلَه مع أَنَّ قوله بنا ولنا يحتملُ أنهما من تغيير الراوي لما سَمِعَ الحديثَ منه ولم يَذْكُرْ مَنْ يرويه ظَنَّ أنَّه كان من الحاضِرينَ فنقَلَه بالمعنى أو أن أَبا هريرة أراد بالضمير الصحابةَ الحاضرين وإن لم يكن حاضرًا معهم لأنه مِنْ بَلدتِهم صحابى مثلُهم، وضُعفَ الجوابُ بالإرسال بأنَّ الحديث بلغَ الغاية في الصحةِ فكيف يُظَنُّ به الإرسالُ بل الجواب منْعُ أن تكون القضيةُ قبل بدر وذو اليدين لم يَمُت ببدر بَل عاش حتَّى روى عنه آخر التابعين، وإنما الذي مات ببدر ذو الشمالين وهو غير ذي اليدين، وذو اليدينِ من بني سليم، وذو الشمالين خزاعي، فقد خالفه في الاسم والنسب وإنما جاء الوهم مِنْ قِبلِ الزُّهْرِيّ حيث جعَلَ المُنْبَه يومئذ ذا الشمالينِ، قال أبو عمر: ولا أعلم أحدًا عَول على حديث الزُّهْرِيّ في قصة ذي اليدين لاضطرابه فيه اهـ أبي (إحدى صلاتي العشي) وفي الآخر صلاةُ الظهر، وفي الآخر صلاة العصر، قال النواوي: قال المحققون فهما قضيتان فلا معارضة، وساق حماد (بمعنى حديث سفيان) السابق وهو متعلق بقوله حَدَّثَنَا حماد لأنه العامل في المتابع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1184 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثَّقَفيّ البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدنِيُّ (عن داود بن الحصين) القُرشيّ الأموي مولاهم أبي سليمان المدنِيُّ،

عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ؛ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: صلى لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ صلاةَ العَصْرِ. فَسَلّمَ في رَكْعَتَينِ. فَقَامَ ذُو اليَدَينِ فَقَال: أَقُصِرَتِ الصلاة يَا رَسُولَ الله، أَمْ نَسِيتَ؛ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "كُلُّ ذلِكَ لَمْ يَكُنْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عَنْ أبي سفيان في الصلاة والبيوع، وعكرمةَ والأعرج، ويروي عنه (ع) ومالك ومحمَّد بن جعفر بن أبي كثير، وَثقه ابن معين والنَّسائيّ، وقال في التقريب: ثِقَة إلَّا في عكرمة، من السادسة، مات سنة (135) خمس وثلاثين ومائة، له في (خ) فرد حديث (عن أبي سفيان) الأسدي (مولى) عبد الله (بن أبي أَحْمد) بن جحش المدنِيُّ، قال الدارقطني: اسمه وهب، وقال غيره: اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي، روى عن أبي هريرة في الصلاة والبيوع، وأبي سعيد الخُدرِيّ في البيوع، ويروي عنه (ع) وداود بن الحصين وابنه عبد الله وخالد بن رباح الهذلي (أنَّه) أي أن أَبا سفيان (قال سمعتُ أَبا هريرة) المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته رجالُه كلهم مدنيون إلَّا قتيبة فإنَّه بلخي، غرضه بيانُ متابعة أبي سفيان لمحمد بن سيرين، حالة كونه (يقول صلى) إمامًا (لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) تقدم ما فيه (صلاة العصر) تقدم ما فيه من الجمع بين الروايتين (فسلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في ركعتين) أي عقبهما، وفي حديث عمران بن حصين سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق، فقال: يَا رسول الله، فذكر له صَنِيعَه، وخرَجَ غضبان يجر رداءه، وفي رواية له: سلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة، وحديث عمران هذا قضية ثالثة في يوم آخر والله أعلم. اهـ نواوي (فقام) إليه رجل لقبه (ذو اليدين) لما في يديه من الطول الظاهري أو المعنوي، وفي رواية رجل من بني سليم، وفي أخرى رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول، وفي أخرى رجل بسيط اليدين، قال النواوي: هي كلها رجل واحد اسمه الخرباق بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة وبالقاف في آخره السلمي لقبه ذو اليدين (فقال) الرَّجل (أقصرت الصلاة) اليوم (يا رسول الله أم نسيت) إتمامها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك) المذكور من القصر والنسيان أي جميعه (لم يكن) أي لم يوجد، ولكن بعضه وجد وهو النسيان لأن الكل هنا جميعي لا مجموعي فالقضية هنا من باب الكلية لا من باب الكل كما قال الأخضري في سلمة:

فَقَال: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وسلَمَ عَلَى النَّاسِ فَقَال: "أَصَدَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكل حكمنا على المجموع ككل ... ذاك ليس ذا وقوع وحيثما لكل فرد حكما ... فإنَّه كلية قد علما مثل الكل كقولهم: كل رجل من بني تميم يحمل الصخرة العظيمة، ومثال الكلية كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} والتمثيل للكل بالحديث على القول المرجوح كما ذكره الملَّوي وكذا الأبي. قال النواوي: (قوله كل ذلك لم يكن) فيه تأويلان أحدهما ما قاله جماعة من أصحابنا في كتب المذهب أن معناه لم يكن المجموع فلا ينفي وجود أحدهما، والثاني وهو الصواب معناه لم يكن ذاك ولا ذا في ظني، بل ظني أني أكملت الصلاة أربعًا، ويدل على صحة هذا التأويل وأنه لا يجوز غيره، أنَّه جاء في روايات البُخَارِيّ في هذا الحديث أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لم تقصر ولم أنس. فنفى الأمرين اهـ. قال القرطبي: (قوله كل ذلك لم يكن) هذا مشكل بما ثبت من حالة صلى الله عليه وسلم فإنَّه يستحيل عليه الخُلفُ والكذبُ، والاعتذارُ عنه من وجهين أحدهما: أنَّه إنما نفى الكلية وهو صادق فيها إذ لم يجتمع وقوع الأمرين وإنما وقع أحدهما، ولا يلزم من نفي الكلية نفي كل جزء من أجزائها فإذا قال لم ألق كُلّ العلماء لا يُفهم أنَّه لم يَلق واحدًا منهم ولا يلزم ذلك منه إلَّا أن هذا الاعتذار يُبطله قولُه في الرواية الأخرى (لم أنس ولم تقصر) بدلَ قوله (كل ذلك لم يكن) فقد نفى الأمرين نصًّا، والثاني: أنَّه إنما أخبر عن الذي كان في اعتقاده وظنهِ؛ وهو أنَّه لم يفعل شيئًا من ذلك فأخبر بحق إذ خبره موافق لما في نفسه فليس فيه خُلف ولا كذب، ومن هذا ما قد صار إليه أكثر الفقهاء من أن الحالف بالله على شيء يعتقده فيظهر أنَّه بخلاف ما حلف عليه أن تلك اليمين لاغية لا حِنْثَ فيها وهي التي لم يُضِفها الله تعالى إلى كسب القلب حيث قال: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} وقد روى أبو داود حديث أبي هريرة هذا وقال مكان (كل ذلك لم يكن) (لم أنس ولم تقصر) ومحمله على ما ذكرناه من إخباره عن اعتقاده، وللأصحاب فيه تأويلات أُخر لا طائل تحتها اهـ من المفهم. (فقال) ذو اليدين (قد كان بعض ذلك) المذكور إما النسيان وإما القصر (يَا رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على النَّاس) المصلين معه (فقال أصدق

ذُو اليَدَينِ؟ " فَقَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ الله، فَأَتَم رَسُول الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ مَا بَقِيَ مِنَ الصلاةِ. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ. وَهُوَ جَالِسْ. بَعْدَ التسْلِيمِ. 1185 - (00) (00) وحدثني حجاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الخَزَّازُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ (وَهُوَ ابْنُ المُبَارَكِ)، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذو اليدين) فيما يقول (فقالوا نعم) صدق (يَا رسول الله) وقوله (أصدق ذو اليدين) يحتج به من يقول لا بد من اشتراط العدد في المُخبر عن السهو، ولا حجة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما استكشف لما وقع له من التوقف في خبره حيث انفرد بالخبر عن ذلك مع أن الجمع كثير ودواعيهم متوافرة وحاجتهم داعية إلى الاستكشاف عما وقع فوقعت الريبة في خبر المخبر لهذا، وجوز عليه أن يكون الغلط والسهومنه لا أنها شهادة اهـ مفهم (فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1185 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثَّقَفيّ أبو محمَّد المعروف بـ (ابن الشَّاعر) البغدادي (حَدَّثَنَا هارون بن إسماعيل الخزاز) بمعجمات أبو الحسن البَصْرِيّ، روى عن علي بن المبارك في الصلاة، وهمام بن يحيى، وقرة بن خالد وطائفة، ويروي عنه (خ م ت س ق) وحجاج بن الشَّاعر ومحمَّد بن المثنَّى وغيرهم، قال أبو داود: لا بأس به سمعت الحسن بن عليّ يقول: الخزاز شيخ ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة، من التاسعة، مات سنة (206) ست ومائتين (حَدَّثَنَا علي وهو ابن المبارك) الهُنائي -بضم الهاء وتخفيف النُّون ممدودًا- البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطَّائيّ أبي نصر اليماميّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (16) بابا (حَدَّثَنَا أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، فقيه، من (3) قال (حَدَّثَنَا أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لمن روى عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما في هذه

أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ صَلى رَكْعَتَينِ في صَلاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَأتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيمِ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، اقُصِرَتِ الصلاة أَمْ نَسِيتَ؟ وَسَاقَ الحَدِيثَ. 1186 - (00) (00) وحدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنْ يَحْيى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: بَينَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ صَلاةَ الظُّهْرِ، سَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ مِنَ الركْعَتَينِ. فَقَامَ رَجُل مِنْ بَنِي سُلَيمٍ وَاقْتَص الحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية من المخالفة للرواية السابقة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في صلاة الظهر ثم سلم فأتاه رجل من بني سليم) يُسمى الخرباق ويُلقب بذي اليدين (فقال: يَا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت .. وساق) أبو سلمة بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (الحديث) السابق بنحوه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1186 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التَّمِيمِيّ أبو يعقوب المروزي، ثِقَة ثبت، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي مولاهم أبو محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن شيبان) بن عبد الرَّحْمَن التميمي مولاهم أبي معاوية البَصْرِيّ ثم الكُوفيّ ثم البغدادي (عن يحيى) بن أبي كثير اليماميّ (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ (عن أبي هريرة) المدنِيُّ. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد يمامي وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة شيبان التَّمِيمِيّ لعلي بن المبارك في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير (قال) أبو هريرة (بينا أنا أصلي مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الركعتين فقام رجل من بني سليم واقتص) شيبان التَّمِيمِيّ (الحديث) السابق الذي رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير أي رواه على وجهه ونحوه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا الأخير بحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما فقال:

187 1 - (535) (194) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّب، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلى العَصْرَ فَسَلّمَ في ثَلاثِ رَكَعَاتٍ. ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ. فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الخِرْبَاقُ. وَكَانَ في يَدَيهِ طُولٌ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ. وَخَرَجَ غَضْبَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1187 - (535) (194) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النَّسائيّ، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) إسماعيل (بن عليّة) ابن إبراهيم بن مقسم القُرشيّ الأسدي أبي بشر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) قال زهير: حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم عن خالد) بن مهران الحذَّاء المجاشعي أبي المنازل البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي المهلب) عبد الرَّحْمَن بن عمرو، ويقال معاوية بن عمرو، ويقال عمرو بن معاوية، ويقال النضر بن عمرو، ويقال عبد الرَّحْمَن بن معاوية عم أبي قلابة الأَزدِيّ الجرمي البَصْرِيّ، روى عن عمران بن حصين في الصلاة والجنائز والنذور وغيرها، وعمر وعثمان وأبي بن كعب وأبي مسعود الأَنْصَارِيّ وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وابن أخيه أبو قلابة الجرمي، ومحمَّد بن سيرين، قال العجلي: بصري تابعي ثِقَة، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال ابن سعد: كان ثِقَة قليل الحديث (عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخُزَاعِيّ أبي نجيد مصغرًا البَصْرِيّ الصحابي الجليل رضي الله عنه، أسلم عام خيبر، له (130) حديثًا. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد إما كُوفِيّ أو نسائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات) أي عقبها (ثم دخل منزله) أي حجرته (فقام إليه) صلى الله عليه وسلم (رجل يقال له الخرباق) أي يسمى بهذا الاسم (و) يلقب بذي اليدين لأنه (كان في يديه طول) حسي أو معنوي كما مر (فقال) ذلك الرَّجل (يَا رسول الله) أقصرت الصلاة أم نسيت (فذكر) ذلك الرَّجل (له) صلى الله عليه وسلم (صنيعه) صلى الله عليه وسلم يعني سلامه في ثالثة (وخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله حالة كونه (غضبان) وغضبه صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون إنكارًا على المتكلم إذ قد نسبه إلى ما كان

يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ. فَقَال: "أَصَدَقَ هَذا؟ " قَالُوا: نَعَمْ. فصلى رَكْعَةً. ثُمَّ سَلَّمَ. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ، ثُمَّ سَلَّمَ. 1188 - (00) (00) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهابِ الثَّقَفِيّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَهُوَ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعتقد خلافه، ولذلك أقبل على النَّاس متكشفًا عن ذلك، وعلى هذا يدل ما في الرواية الأخرى، إذ قال فيها "فقال رجل بسيط اليدين، فقال: قصرت الصلاة يَا رسول الله فخرج مغضبًا" ويحتمل أن يكون لأمر آخر لم يذكره الراوي وكأن الأول أظهر، حالة كونه (يجر رداءه) على الأرض يعني لكثرة اشتغاله بشأن الصلاة خرج يجر رداءه ولم يتمهل ليلبسه (حتَّى انتهى إلى النَّاس) المصلين معه أولًا غَايَةٌ لِلجَر (فقال) للنَّاس (أصدق هذا) الرَّجل فيما يقول (قالوا نعم) صدق يَا رسول الله (فصلى ركعة) باقية إتمامًا لصلاته (ثم سلم) أي سلم سلام التشهد (ثم سجد سجدتين ثم سلم) من صلاته. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [1039] والتِّرمذيّ [395] وابن ماجه [1215]. قال القرطبي: وحديث عمران بن حصين هذا واقعة أخرى غير واقعة حديث أبي هريرة، وقد توارد الحديثان على أن السجود للزيادة بعد السلام كما هو مشهور مذهب مالك فانتهضت حجته والحمد لله، وفي حديث ذي اليدين حجة لمالك على قوله إن الحاكم إذا نسي حكمه فشهد عنده عدلان بحكم أمضاه خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما إنه لا يمضيه حتَّى يذكره، وأنه لا يقبل الشهادة على نفسه بل على غيره، وهذا إنما يتم لمالك إذا سلم له أن رجوعه إلى الصلاة إنما كان لأجل الشهادة لا لأجل تيقنه ما كان قد نسيه اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 1188 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الوهَّاب) بن عبد المجيد (الثَّقَفيّ) أبو محمَّد البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (حَدَّثَنَا خالد) بن مهران (وهو الحذَّاء) أبو المنازل البَصْرِيّ (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البَصْرِيّ (عن أبي المهلب) عبد الرَّحْمَن بن عمر الجرمي البَصْرِيّ (عن عمران بن

الحُصَينِ؛ قَال: سَلّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ في ثَلاثِ رَكَعَاتٍ، مِنَ العَصْرِ. ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الحجْرَةَ. فَقَامَ رَجُل بَسِيطُ اليَدَينِ. فَقَال: أَقُصِرَتِ الصلاة يَا رَسُولَ الله؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا. فَصَلى الركْعَةَ التِي كَانَ تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السهْو، ثُمَّ سَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحصين) بن عبيد الخُزَاعِيّ البَصْرِيّ. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا إسحاق بن إبراهيم فإنَّه مروزي، وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهَّاب الثَّقَفيّ لإسماعيل بن عليّة في رواية هذا الحديث عن خالد الحذَّاء (قال) عمران بن الحصين (سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة) أي منزله (فقام رجل بسيط اليدين) أي طويل اليدين (فقال: أقصرت الصلاة يَا رسول الله فخرج) من حجرته، حالة كونه (مغضبًا فصلى الركعة التي كان ترك) ها (ثم سلم) سلام التشهد بمعنى تشهد (ثم) بعد تشهده (سجد سجدتي السهو ثم سلم) من الصلاة سلام الفراغ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الترجمة، وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث عبد الله بن بحينة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث أبي سعيد الخُدرِيّ ذكره للاستشهاد أَيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث عشرة متابعة، والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكرَ فيه أَرْبَعَ متابعاتٍ، والسادس حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

268 - (88) باب مشروعية سجود التلاوة وجواز تركه

268 - (88) باب مشروعية سجود التلاوة وجواز تركه 1189 - (536) (194) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى القَطَّانِ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ. فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدُ. وَنَسْجُدُ مَعَهُ. حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 268 - (88) باب مشروعية سجود التلاوة وجواز تركه 1189 - (536) (194) (حَدَّثني زهير بن حرب) النَّسائيّ (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (ومحمَّد بن المثنَّى) بن عبيد العنزي البصري (كلهم عن يحيى) بن سعيد بن فروخ (القطَّان) التَّمِيمِيّ أبي سعيد البَصْرِيّ (قال زهير: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب العدوي المدنِيُّ (قال) عبيد الله (أخبرني نافع) مولى ابن عمر الفقيه المدنِيُّ (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخَطَّاب العدوي المكيّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكّيّ أو بصري ونسائي أو بصري ونيسابوري (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن) دائمًا (فيقرأ) في بعض أحيانه (سورة فيها سجدة) أي آية سجدة (فيسجد) صلى الله عليه وسلم لقراءته (ونسجد) نحن معاشر الحاضرين (معه) لسماع قراءته فنَزدحم في السجود (حتَّى ما يجد) أي لا يجد (بعضنا موضعًا لمكان جبهته) فيسجد معه فيؤخر السجدة، قال ابن الملك: وهذا يدل على تأكد سجود التلاوة؛ أي مكانًا لوضع جبهته لشدة الازدحام وضيق المكان وكثرة الساجدين، وقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه قال: "إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه" أي ولو بغير إذنه مع أن الأمر فيه يسير قاله في المَطْلَبِ، ولا بد من إمكانه مع القدرة على رعاية هيئة الساجد بأن يكون على مرتفع والمسجود عليه في منخفض وبه قال أَحْمد والكوفيون، وقال مالك: يمسك فإذا رفعوا سجد، وإذا قلنا بجواز السجود في الفرض فهو أجوز في سجود التلاوة لأنه سنة وذاك فرض اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [1075] وأبو داود [1411 - 1413].

1190 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: رُبمَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ القُرْآنَ. فَيَمُرُّ بِالسجْدَةِ فَيَسْجُدُ بِنَا. حَتَّى ازْدَحَمْنَا عِنْدَهُ. حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِيَسْجُدَ فِيهِ. في غَيرِ صَلاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1190 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (حَدَّثَنَا محمَّد بن بشر) العبدي الكُوفيّ (حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال ربما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كثيرًا يقرأ (القرآن فيمر بـ) آية (السجدة فيسجد بنا) قال النواوي: معناه يسجد ونسجد معه كما في الرواية الأولى (حتَّى ازدحمنا عنده) صلى الله عليه وسلم لضيق المكان وكثرتنا (حتَّى ما يجد أحدنا) ليس المراد كل واحد بل البعض غير المعين (مكانًا ليسجد فيه) أي مكانًا يسع للسجود فيه، وفي رواية البُخَارِيّ (مكانًا يسجد عليه) بإسقاط اللام، واللام في قوله (ليسجد فيه) في رواية مسلم زائدة، وجملة يسجد في محل نصب صفة لمكانًا المنصوب على المفعولية ليسجد أي حتَّى ما يجد أحدنا مكانًا يسجد فيه لضيق المكان وكثرة الساجدين، وقوله (في غير صلاة) متعلق بقرأ، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمَّد بن بشر ليحيى القطَّان في رواية هذا الحديث عن عبيد الله، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى. وفي الحديث إثبات سجود التلاوة، وقد أجمع العلماء عليه وهو عندنا وعند الجمهور سنة ليس بواجب وعند أبي حنيفة واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب والفرض، وهو سنة للقارئ والمستمع له، ويستحب أَيضًا للسامع الذي لا يستمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي. قال العلماء: إذا سجد المستمع لقراءة غيره وهما في غير صلاة لم ترتبط به بل له أن يرفع قبله وله أن يطول السجود بعده، وله أن يسجد إن لم يسجد القارئ سواء كان القارئ متطهرًا أو محدثًا أو امرأة أو صبيًّا أو غيرهم، ولأصحابنا وجه ضعيف أنَّه لا يسجد لقراءة الصبي والمحدث والكافر، والصحيح الأول اهـ نواوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال:

1191 - (537) (195) حدثنا محمدُ بْنُ المُثَنَّى ومحمدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ يحدث، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ؛ أَنَّهُ قَرَأَ: والنَّجم. فَسَجَدَ فِيهَا. وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ. غَيرَ أَنَّ شَيخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى، أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَال: يَكْفِينِي هَذَا. قَال عَبْدُ الله: لَقَدْ رَأَيتُهُ، بَعْدُ، قُتِلَ كَافِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 1191 - (537) (195) (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (ومحمَّد بن بشار) العبدي البَصْرِيّ (قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البَصْرِيّ (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكُوفيّ (قال) أبو إسحاق (سمعت الأسود) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ أَبا عمرو الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2) حالة كونه (يحدث عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكُوفيّ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قرأ) سورة (والنَّجم، فسجد فيها) أي في قراءة آية السجدة منها (وسجد) معه (من كان) حاضرًا (معه) صلى الله عليه وسلم أي حاضرًا قراءته من المسلمين والمشركين والجن والإنس قاله ابن عباس وغيره حتَّى شاع أن أهل مكة أسلموا، قال القاضي عياض: وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها أول سجدة نزلت كما في النواوي، ولعل سجود المشركين كان لاستماعهم أسماء آلهتهم من اللات والعزى ومناة، أو لما ظهر لهم من سطوع أنوار القرآن بحيث لم يبق لهم اختيار فوافقوا المسلمين إلَّا من كان أشقى وهو الذي اكتفى بأخذ كف من الحصى (غير أن شيخًا) منهم أي رجلًا كبير السنن, وفي رواية للبخاري وهو أمية بن خلف، قال النواوي: ولم يكن أسلم (أخذ كفًّا) أي ملء كف (من حصى) أي من حصباء كما في بعض الرواية (أو) قال عبد الله أخذ كفًّا من (تراب) والشك من الأسود فيما قال عبد الله أو ممن دونه (فرفعه) أي فرَفَعَ ذلك الحصى أو التُّرابَ (إلى جبهته) فمسحه عليها (وقال) ذلك الشيخ (يكفيني) أي يغنيني عن السجود (هذا) المسح بالحصى أو التُّراب على جبهتي تكبرًا وعنادًا (قال عبد الله) بن مسعود بالسند السابق: والله (لقد رأيته) لقد رأيت ذلك الشيخ (بعد) أي بعد تلك القضية (قتل كافرًا) وهو أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرًا.

1192 - (538) (196) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَتوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ -قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ- عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيطٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما سجد الشيخ هذا السجود لما روي أنَّه سجد حينئذ مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم المسلمون والمشركون والجن والإنس قاله ابن عباس ورواه البَزَّار وابن مردويه وابن أبي شيبة عن الشعبي حتَّى شاع أن أهل مكة قد أسلموا، وقدم من كان هاجر إلى أرض الحبشة لذلك وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها كانت أول سورة نزلت فيها سجدة، وروى أصحاب الأخبار والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من ذكر الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم، ولا يصح هذا من طريق النقل ولا العقل، وأشهر طريق النقل فيه عن الكلبي وهو كذاب، وأما العقل فلا يصدق بذلك لأمور مستحيلة قد عددها القاضي عياض في الشفاء. (قلت) لأن مدح آلهة غير الله سبحانه وتعالى كفر فلا يصح نسبته إلى لسان نبيٍّ ولا أن يمر به الشيطان على لسان نبي، ولا يصح تسلط الشيطان على ذلك لأنه داعية إلى الشك في المعجزة وصدق الرسول، وقد أشبعنا الكلام على ذلك في تفسيرنا حدائق الروح والريحان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [1070] وأبو داود [1406] والنَّسائيّ [2/ 160]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فقال: 1192 - (538) (196) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (ويحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي (وقتيبة بن سعيد) البلخي الثَّقَفيّ (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ مولاهم أبو إسحاق المدنِيُّ (عن يزيد) بن عبد الله (بن خَصِيفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله (بن قسيط) مصغرًا الليثيّ المدنِيّ الأعرج، روى عن عطاء بن يسار في الصلاة، وداود بن

عَنِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنهُ سَأَلَ زَيدَ بنَ ثَابِتٍ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ الإِمَامِ؟ فَقَال: لا قِرَاءَةَ مَعَ الإِمَامِ في شَيءٍ. وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} [النجم: 1]. فَلَمْ يَسْجُدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر بن سعد في الجنائز، وعبيد بن جريج في الحج، وعروة بن الزُّبير في الضحايا وغيرها، ويروي عنه (ع) ويزيد بن خصيفة وأبو صخر حميد بن زياد ومالك وابناه عبد الله والقاسم وغيرهم، وثقه النَّسائيّ وابن إسحاق وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من (4) الرابعة، مات سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم المدنِيُّ، ثِقَة، فاضل، من صغار الثالثة، روى عنه في (9) أبواب (أنه) أي أن عطاء بن يسار (أخبره) أي أخبر لابن قسيط (أنه) أي أن عطاء (سأل زيد بن ثابت) بن الضحاك بن زيد الأَنْصَارِيّ النجاري المدنِيّ الصحابي الجليل رضي الله عنه، له (92) اثنان وتسعون حديثًا، روى عنه في (6) أبواب؛ أي سأله (عن) حكم (القراءة) أي قراءة الفاتحة على من يصلي (مع الإِمام) هل هي واجبة عليه أم لا؟ (فقال) زيد بن ثابت (لا قراءة) يعني لازمة أي ليست قراءة الفاتحة واجبة على من يصلي (مع الإمام في شيء) من الصلوات سواء كانت سرية أو جهرية (وزعم) زيد بن ثابت؛ أي قال قولًا محققًا (أنَّه) أي أن زيدًا (قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو يستمع له سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] فلم يسجد) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عند قراءة زيد عليه آية السجدة منها، وهذا محل الترجمة للجزء الأخير منها فدل الحديث على أن سجود التلاوة ليس واجبًا على كل من القارئ والمستمع والسامع ولو كان واجبًا عليهم لسجد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بنفسه وأمر زيدًا بالسجود. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ [2/ 160]. قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن قوله تعالى في سورة النجم {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} لا يراد منه سجود التلاوة إذ لو كان واجبًا لما تركه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولذلك قال مالك إنها ليست من العزائم، وحديث أبي هريرة في سجود النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الانشقاق واقرأ حجة لابن وهب ومن قال بقوله، ولكن يجاب عنه بأن ذلك كان من فعله صلى الله عليه وسلم متقدمًا وأن العمل استقر على ترك ذلك ويصح الجمع بين الأحاديث المختلفة في سجدات المفصل بما قد روي عن هالك أنَّه صلى الله عليه وسلم خير فيها والله أعلم اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: أما قوله لا قراءة مع الإِمام في شيء فيستدل به أبو حنيفة وغيره ممن يقول لا قراءة على المأموم في الصلاة سواء كانت سرية أو جهرية، ومذهبنا أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم في الصلاة السرية وكذا في الجهرية على أصح القولين، والجواب عن قول زيد هذا من وجهين الأول: أنَّه قد ثبت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم خلفي فلا تقرؤوا إلَّا بأم القرآن" وغير ذلك من الأحاديث وهي مقدمة على قول زيد وغيره، والثاني أن قول زيد محمول على قراءة السورة التي بعد الفاتحة في الصلاة الجهرية فإن المأموم لا يشرع له قراءتها وهذا التأويل متعين ليحمل قوله على موافقة الأحاديث الصحيحة ويؤيده أنَّه يستحب عندنا وعند جماعة للإمام أن يسكت في الجهرية بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، وجاء فيه حديث حسن في سنن أبي داود وغيره في تلك السكتة يقرأ المأموم الفاتحة فلا يحصل قراءته مع قراءة الإِمام بل في سكتته اهـ، وأما قوله وزعم أنَّه قرأ فالمراد بالزعم هنا القول المحقق كما قال عمرو بن شأس: نَقول هلَكْنَا إنْ هَلَكْتْ وإنَّما ... علَى الله (أرزاقُ العِباد كمَا زعَم قال الهروي: زعم هنا بمعنى أخبر، ويجوز أن يقال إن زعم بمعنى ضمن، ومنه الحديث "الزعم غارم" رواه أبو داود والتِّرمذيّ من حديث أبي أُمامة رضي الله عنه. قلت: وهذا المعنى يصح في معنى البيت ويبعد أن يحمل عليه ما في الحديث، ويقال زَعُم وزَعَمَ بالضم والفتح والكسر اهـ قرطبي. قال النواوي: وقد قدمنا في أوائل هذا الشرح أن الزعم يطلق على القول المحقق والكذب وعلى المشكوك فيه وينزل في كل موضع على ما يليق به وذكرنا هناك دلائله. وأما قوله وزعم أنَّه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنَّجم فلم يسجد فاحتج به مالك ومن وافقه على أنَّه لا سجود في المفصل، وأن سجدة النجم (وإذا السماء انشقت) (واقرأ باسم ربك) منسوخات بهذا الحديث أو بحديث ابن عباس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة وهذا مذهب ضعيف، فقد ثبت حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور بعده في مسلم "قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (إذا السماء انشقت) و (اقرأ باسم ربك) "

1193 - (539) (197) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِك، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الأسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَرَأَ لَهُمْ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. فَسَجَدَ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ اخْبَرَهُمْ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ سَجَدَ فِيهَا. 1194 - (00) (00) وحدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أجمع العلماء أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة فدل على السجود في المفصل بعد الهجرة، وأما حديث ابن عباس فضعيف الإسناد لا يصح الاحتجاج به، وأما حديث زيد فمحمول على بيان جواز ترك السجود وأنه سنة ليس بواجب ولا بد من هذا التأويل للجمع بينه وبين حديث أبي هريرة رضي الله عنه والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1193 - (539) (197) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدنِيُّ (عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الأعور أبي عبد الرَّحْمَن المدنِيُّ، روى عن أبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن في الصلاة والطلاق، ومحمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثوبان وعروة، ويروي عنه (ع) ومالك ويحيى بن أبي كثير، وثقه أَحْمد وابن معين، وقال في التقريب: ثِقَة، من السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ (أن أَبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري (قرأ) إمامًا (لهم) اي للمصلين معه سورة ({إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فسجد) أبو هريرة (فيها) أي عقب آية السجدة منها (فلما انصرف) أبو هريرة أي فرغ وسلم من الصلاة أقبل عليهم و (أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها) أي في آية السجدة من هذه السورة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1407] والتِّرمذيّ [573] والنَّسائيّ [2/ 961 - 962] وابن ماجه [1058]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1194 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التَّمِيمِيّ أبو إسحاق

أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الأوزَاعِي. ح قَال: وَحَدْثَنَا مُحَمَّد بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنْ هِشَام، كِلاهُمَا عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِير، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِمِثْلِهِ. 1195 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفراء الصغير الرَّازيّ الحافظ أحد بحور الحديث، ثِقَة، من (15) (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكُوفيّ (عن) عبد الرَّحْمَن بن عمرو (الأَوْزَاعِيّ) أبي عمرو الشَّاميّ، ثِقَة، من (7) (ح قال وحدثنا محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (حدثنا محمَّد بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبي بكر البَصْرِيّ (كلاهما) أي كل من الأَوْزَاعِيّ وهشام الدستوائي رويا (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطَّائيّ مولاهم اليماميّ، ثِقَة، من (5) (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة) المدنِيُّ. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لعبد الله بن يزيد في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو يحيى بن أبي كثير، والضمير عائد إلى عبد الله بن يزيد أي وساق يحيى بن أبي كثير بمثل حديث عبد الله بن يزيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1195 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (وعمرو) بن محمَّد (النَّاقد) البغدادي (قالا حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الهلالي الكُوفيّ (عن أَيُّوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأُموي الكُوفيّ، ثِقَة، من (7) (عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم يمد ويقصر المدنِيُّ أو البَصْرِيّ، صدوق، من (3) (عن أبي هريرة) المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عطاء بن ميناء لأبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه (قال) أبو هريرة (سجدنا مع النَّبِيّ

صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1]. 1196 - (00) (00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَبْدِ الرحمن الأعْرَجِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ انًهُ قَال: سَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1] ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] و) في ({اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1]) زاد في هذه سورة اقرأ، ولهذا كرر الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1196 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن رمح) بن المهاجر التجيبي أبو عبد الله المصري، ثِقَة، من (10) (أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الفهمي المصري، ثِقَة، من (7) (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأَزدِيّ أبي رجاء المصري، ثِقَة، من (5) (عن صفوان بن سليم) القُرشيّ الزُّهْرِيّ أبي الحارث المدنِيُّ، ثِقَة، من الرابعة (4) (عن عبد الرَّحْمَن) بن سعد (الأعرج) المخزومي (مولى بني مخزوم) أبي حميد المُقْعد المدنِيُّ، وهذا الأعرج غير الأعرج الذي يأتي ذكره بعد هذه الرواية فهما اثنان اتفقا في الاسم واللقب، يرويان عن أبي هريرة أحدهما عبد الرَّحْمَن بن سعد، وثانيهما عبد الرَّحْمَن بن هرمز، والمشهور هو الثاني يقال إن أصح أسانيد أبي هريرة أبو الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة وهو هذا الأعرج الثاني. روى عن أبي هريرة وحذيفة بن أسيد، ويروي عنه (م) والزهري، وثقه النَّسائيّ، له في (م) فرد حديث في باب الصلاة، ثِقَة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لعطاء بن ميناء في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة. (أنه قال سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

1197 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1197 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) المصري (عن عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني القُرشيّ الأُموي مولاهم أبي بكر المصري، الفقيه أحد الأعلام، روى عن الأعرج في الصلاة والطب، ومحمَّد بن جعفر بن الزُّبير في الصلاة والصوم، وحمزة بن عبد الله بن عمر في الزكاة، والجُلاح أبي كثير في البيوع، وسالم بن أبي سالم الجيشاني في الجهاد، وبكير بن الأَشَج في الجهاد، ويروي عنه (ع) وعمرو بن الحارث والليث وسعيد بن أبي أَيُّوب وابن إسحاق، وثقه العجلي وأبو حاتم والنَّسائيّ، وقال أَحْمد: ليس بالقوي، وقال في التقريب: ثِقَة، من الخامسة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة (عن عبد الرَّحْمَن) بن هرمز (الأعرج) المدنِيُّ الهاشمي مولاهم القارئ، من (3) الثالثة (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله) مفعول به لما عمل في المتابع وهو الأعرج الهاشمي، والضمير عائد إلى المتابع وهو الأعرج المخزومي أي حَدَّثَنَا الأعرج الهاشمي عن أبي هريرة مثل ما حدث الأعرج المخزومي عن أبي هريرة. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة الهاشمي للمخزومي في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة. واعلم أن الأعرج هنا اثنان الأول منهما اسمه عبد الرَّحْمَن بن سعد المقعد أبو أَحْمد مولى بني مخزوم وهو قليل الحديث، والثاني اسمه عبد الرَّحْمَن بن هرمز أبو داود القارئ مولى ربيعة بن الحارث وهو كثير الحديث، روى عنه جماعات من الأئمة، وقد أخرج الإِمام مسلم عنهما جميعًا في سجود التلاوة وربما أشكل ذلك على بعضهم فمولى بني مخزوم يروي عنه صفوان بن سليم، وابن هرمز يروي عنه عبيد الله بن أبي جعفر هذا كلام الحميدي وكذا قال الدارقطني وهو كلام مليح حسن نفيس وهذا هو الصواب، وقال أبو مسعود الدِّمشقيّ: هما واحد، قال أبو علي الغساني الجياني: الصواب قول الدارقطني اهـ نواوي بتصرف.

1198 - (00) (00) وحدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ؛ قَال: صليتُ مَعَ أَبِي هُرَيرَةَ صَلاةَ العَتَمَةِ. فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. فَسَجَدَ فِيهَا. فَقُلتُ لَهُ: مَا هَذِهِ السجْدَةُ؟ فَقَال: سَجَدْتُ بِهَا خَلفَ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1198 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر التَّمِيمِيّ العنبري أبو عمرو البَصْرِيّ (ومحمَّد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (قالا حَدَّثَنَا المعتمر) بن سليمان التَّيميّ أبو محمَّد البَصْرِيّ أحد الأئمة الأعلام، ثِقَة، من كبار (9) (عن أَبيه) سليمان بن طرخان التَّيميّ أبي المعتمر البَصْرِيّ، ثِقَة عابد، من (4) (عن بكر) بن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني أبي عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت مأمون حجة فقيه، من (3) (عن أبي رافع) الصائغ نفيع بن رافع المدنِيُّ ثم البَصْرِيّ مولى ابنة عمر بن الخَطَّاب، ثِقَة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (قال) أبو رافع (صليت مع أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أَبا هريرة، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي رافع لمن روى عن أبي هريرة (صلاة) وقت (العتمة) أي صلاة العشاء، وفي المصباح: العتمة من الليل بعد غيبوبة الشفق إلى آخر الثلث الأول، وعتمة الليل ظلام أوله عند سقوط نور الشفق، وفي النهاية: قال الأزهري: أرباب النعم في البادية يريحون الإبل ثم ينيخونها في مراحها حتَّى يُعْتِمُوا أي يدخلوا في عتمة الليل وهي ظلمته، وكانت الأعراب يسمون صلاة العشاء صلاة العتمة تسمية بالوقت فقال صلى الله عليه وسلم "لا يغلبنكم الأعراب في اسم صلاتكم العشاء فإن اسمها في كتاب الله العشاء" وإنما يعتم بجلاب الإبل ينهاهم من الاقتداء بهم، ويستحب لهم التمسك بالاسم الناطق به لسان الشريعة اهـ نووي. (فقرأ) أبو هريرة سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فسجد) أبو هريرة (فيها) أي عقب آية السجدة منها (فقلت له) أي قال أبو رافع: فقلت لأبي هريرة (ما هذه السجدة) التي سجدتها يَا أَبا هريرة (فقال) أبو هريرة (سجدت بها) أي بهذه السجدة (خلف أبي

القَاسِم صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، فَلا أَزَالُ أسْجُدُ بِهَا حَتى أَلقَاهُ. وَقَال ابْنُ عَبْدِ الأعْلَى: فَلا أَزَالُ أَسْجُدُهَا. 1199 - (00) (00) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس. ح قَال: وَحَدَّثنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُريعٍ)، ح قَال: وَحَدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. حَدَّثَنَا سُلَيمُ بْنُ أَخْضَرَ. كُلُّهُمْ عَنِ التَّيمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيرَ أنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها) أي لا أبرح ساجدًا بها (حتَّى ألقاه) أي حتَّى ألقى أَبا القاسم أو ألقى الله سبحانه وتعالى، وعلى كلا التقديرين فهو كناية عن الموت (و) لكن (قال) محمَّد (بن عبد الأعلى) في روايته (فلا أزال أسجدها) بدل قول ابن معاذ فلا أزال أسجد بها، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1199 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) أبو عثمان البغدادي (حَدَّثَنَا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكُوفيّ (ح قال) المؤلف (وحدثنا) أَيضًا (أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا يزيد يعني ابن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (ح قال وحدثنا أَحْمد بن عبدة) بن موسى الضَّبِّيّ أبو عبد الله البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا سليم) بالتصغير (بن أخضر) البَصْرِيّ، روى عن سليمان التَّيميّ في الصلاة، وعبيد الله بن عمر في الحج، وابن عون في الوصايا والجهاد، ويروي عنه (م د ت) وأَحمد بن عبدة وأبو كامل الجحدري ويحيى بن يحيى وابن مهدي، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنَّسائيّ، وقال أبو حاتم: أعلم النَّاس بحديث ابن عون، وقال ابن سعد: كان ألزمهم لابن عون، وكان ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة ضابط، من الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة، وقال القرطبي: بصري ثِقَة، وقال ابن عدي: أحاديثه قليلة (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة عيسى بن يونس ويزيد بن زريع وسليم بن أخضر رووا (عن) سليمان (التَّيميّ) البَصْرِيّ (بهذا الإسناد) يعني عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة مثل ما حدث المعتمر عن أَبيه سليمان، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمعتمر بن سليمان في رواية هذا الحديث عن سليمان التَّيميّ (غير أنَّهم) أي لَكِنْ أَن هؤلاء الثلاثةَ (لم يقولوا) أي لم يذكروا لفظة

خَلفَ أبي القَاسِمِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. 1200 - (00) (00) وحدثني محمدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ؛ قَال: رَأَيتُ أَبا هُرَيرَةَ يَسْجُدُ في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]. فَقُلتُ: تَسجُدُ فِيهَا؟ فَقَال: نَعَم. رَأَيتُ خَلِيلِي صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ يَسجُدُ فِيهَا. فَلا أَزَالُ أَسجُدُ فِيهَا حَتى أَلقَاهُ. قَال شُعْبَةُ: قُلتُ: النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1200 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (و) محمَّد (بن بشار) العبدي البَصْرِيّ (قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي البَصْرِيّ (عن عطاء بن أبي ميمونة) منيع مولى أنس أبي معاذ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي رافع) البَصْرِيّ (قال رأيت أَبا هريرة يسجد في) سورة ({إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أَبا هريرة فإنَّه مدني، قال أبو رافع (فقلت) لأبي هريرة أ (تسجد فيها) أي في هذه السورة بتقدير همزة الاستفهام التقريري بدليل قوله (فقال) أبو هريرة في جواب الاستفهام المقدر (نعم) أسجد فيها لأني (رأيت خليلي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها) أي في هذه السورة (فلا أزال) ولا أبرح (أسجد فيها) أي ساجدًا فيها (حتَّى ألقاه) أي حتَّى ألقى أَبا القاسم صلى الله عليه وسلم كناية عن الموت كما مر أي حتَّى أموت لأن الموت سبب لقاء الأولين والآخرين في عرصات القيامة (قال شعبة قلت) لأبي رافع يريد أبو هريرة بقوله حتَّى ألقاه حتَّى ألقى (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال) أبو رافع (نعم) يريد أبو هريرة بقوله حتَّى ألقاه حتَّى أَلقى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالموت. قال النواوي: (واعلم) أنَّه يشترط لجواز سجود التلاوة وصحته شروط صلاة النفل من الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة واستقبالِ القبلة، ولا يجوز السجود حتَّى يتم قراءة السجدة، ويجوز عندنا سجود التلاوة في الأوْقاتِ التي نهي عن الصلاة فيها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها ذات سبب، ولا يكره عندنا فيها ذوات الأسباب، وفي المسألة خلاف مشهور بين العلماء، وفي سجود التلاوة مسائل وتفريعات مشهورة في كتب الفقه وبالله التوفيق. وقال القرطبي: وقد اختلف العلماء في حكمه وعدده ومحله ووقته وشرطه فلتُرسم في ذلك مسائل: المسألة الأولى: في حكمه؛ أما حكمه فقد ذهب أبو حنيفة إلى وجوبه عند قراءة موضع السجدة محتجًا في ذلك بما في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ من الأمر بالسجود كقوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62]، وكقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} وغير ذلك، وبقوله صلى الله عليه وسلم "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يَا ويله! أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" رواه أَحْمد ومسلم من حديث أبي هريرة. وجمهور العلماء على أن سجود التلاوة ليس بواجب وصرفوا ما ذكر من الأمر بالسجود إلى الصلاة الواجبة، واختلف أصحابنا -يعني المالكية- هل هو سنة أو فضيلة على قولين فإذا قلنا إنه ليس بواجب فالأولى أن يكون سنة لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد داوم عليه، وفعله في جماعة، وفعله النَّاس بعده فتاكد أمره فيكون سنة والله أعلم. والمسألة الثَّانية: في عدده؛ أما عدده فقد اختلف في عدد سجدات القرآن، وأقصى ما قيل في عددها خمس عشرة سجدة أولها خاتمة سورة الأعراف وآخرها خاتمة العلق قاله ابن حبيب من أصحابنا وابن وهب في روايةٍ وإسحاق، وقيل أربع عشرة قاله ابن وهب وأسقط ثانية الحج وهو قول أبي حنيفة وأهل الرأي وقول الشَّافعيّ إلَّا أنَّه أسقط سجدة ص، وأثبت آخرة الحج، وقيل إحدى عشرة وأسقط آخرة الحج وثلاث المفصل وهو مشهور مذهب مالك وأصحابه، وروي عن ابن عمر وابن عباس، وقيل عشرة وأسقط آخرة الحج وعن وثلاث المفصل ذكر عن ابن عباس، وقيل إنها أربع سجدات آلم تنزيل وحم تنزيل والنَّجم والعلق، وسبب الخلاف اختلاف النقل في الأحاديث والعمل واختلافهم في الأمر بالسجود في القرآن هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض والله أعلم. المسألة الثالثة: في محله؛ وأما محله فمهما قرأ القرآن ومر بموضع سجدة سجد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كان في وقتها على ما يأتي وإن كان في صلاة ففي النافلة إن كان منفردًا أو في جماعة يأمن التخليط فيها فإن كان في جماعة لا يأمن فيها ذلك فالمنصوص جوازه، وقيل لا يسجد فيها، وأما في الفريضة فالمشهور عن مالك النهي عنه فيها سواء كانت صلاة سر أو جهر جماعة أو فرادى وهو معلل بكونها زيادة في أعداد السجود في الفريضة, وقيل هو معلل بخوف التخليط على الجماعة وعلى هذا لا يُمنع منه الفُرادى ولا الجماعةُ التي يُؤْمنُ فيها التخليط. المسألة الرابعة: في وقته؛ وأما وقته فقيل يسجد في سائر الأوقات مطلقًا لأنها صلاة لسبب وهو قول الشَّافعيّ وجماعة، وقيل ما لم يسفر الصبح أو ما لم تصفر الشَّمس بعد العصر، وقيل لا يسجد بعد العصر ولا بعد الصبح، وقيل يسجد بعد الصبح ما لم يسفر ولا يسجد بعد العصر وهذه الثلاثة الأقوال في مذهبنا، وسبب الخلاف معارضة ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتب عليها لعموم النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح واختلافهم في المعنى الذي لأجله نهي عن الصلاة في هذين الوقتين. المسألة الخامسة: في شرطه؛ أما شرطه فقد قال القاضي عياض: لا خلاف في أن سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة من طهارة حدث ونجس ونية واستقبال قبلة ووقت على ما تقدم، وهل يحتاج إلى تحريم ورفع يدين عنده وتكبير وتسليم فذهب الشَّافعيّ وأَحمد وإسحاق إلى أنَّه يكبر ويرفع للتكبير لها، ومشهور مذهب مالك أنَّه يكبر لها في الخفض والرفع في الصلاة، واختلف عنه في التكبير لها في غير الصلاة وبالتكبير لذلك قال عامة الفقهاء ولا سلام لها عند الجمهور وذهب جماعة من السلف وإسحاق بن راهويه إلى أنَّه يسلم منها وعلى هذا المذهب يتحقق أن التكبير في أولها للإحرام وعلى قول من لا يسلم يكون للسجود فحسب اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد، والثالث حديث زيد بن ثابت ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر المذكور في أول الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

269 - (89) باب كيفية الجلوس للتشهد وكيفية وضع اليدين على الفخذين

269 - (89) باب كيفية الجلوس للتشهد وكيفية وضع اليدين على الفخذين 1201 - (540) (198) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ القَيسِيّ، حَدَّثَنَا أبُو هِشَامٍ المَخْزُومِيُّ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ، (وَهوَ ابْن زِيَادٍ)، حَدَّثَنَا عُثْمَان بْنُ حَكِيمٍ. حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبَيرِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، إِذَا قَعَدَ في الصَّلاةِ، جَعَلَ قَدَمَه اليُسْرَى بَينَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ. وَفَرَشَ قَدَمَه اليُمْنَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ 269 - (89) باب كيفية الجلوس للتشهد وكيفية وضع اليدين على الفخذين 1201 - (540) (198) (حَدَّثَنَا محمَّد بن معمر بن ربعي القيسي) بقاف أبو عبد الله البحراني بموحدة البَصْرِيّ، صدوق، من (11) مات سنة (250) (حَدَّثَنَا أبو هشام) المغيرة بن سلمة القرش في (المخزومي) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) مات سنة (200) مائتين، روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الواحد وهو ابن زياد) العبدي مولاهم أبي بشر البَصْرِيّ، أحد الأئمة الأعلام، ثِقَة، من (8) مات سنة (176) ست وسبعين ومائة (حَدَّثَنَا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف بالمهملة والنون مصغرًا الأنصاري الأوسي أبو سهل المدنِيُّ ثم الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) مات سنة (138) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثني عامر بن عبد الله بن الزُّبير) بن العوام الأسدي أبو الحارث المدنِيُّ، ثِقَة عابد، من الرابعة، مات سنة (121) روى عنه في (1) في الصلاة (عن أَبيه) عبد الله بن الزُّبير بن العوام الأسدي أبي خبيب المكيّ ثم المدنِيُّ رضي الله عنه، روى عنه في (8) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كُوفِيّ (قال) عبد الله بن الزبير (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد) وجلس (في الصلاة) جلوس التشهد (جعل قدمه اليسرى بين فخذه) الأيمن (وساقه) الأيمن في بعض الأحيان لبيان الجواز أو لعذر (وفرش قدمه اليمنى) على الأرض، قال القرطبي: هكذا الرواية ولا يصح غيرها نقلًا، وقد أشكلت هذه اللفظة على جماعة حتَّى قال أبو محمَّد الخشني: صوابه وفرش قدمه اليسرى ورأى أنَّه غلط لأن المعروف في اليمنى أنها منصوبة كما جاء في حديث ابن عمر من رواية أبي داود "أنَّه صلى الله عليه وسلم كان

وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينصب اليمنى ويثني اليسرى" رواه أبو داود [958] وكذا جاء في البُخَارِيّ من حديث أبي حميد قال "وإذا جلس في الركعة الآخرة جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وقعد على مقعدته" رواه البُخَارِيّ [828]. والصواب حمل الرواية على الصحة وعلى ظاهرها وأنه صلى الله عليه وسلم في هذه الكرة لم ينصب قدمه اليمنى ولا فتح أصابعه وإنما باشر الأرض بجانب رجله اليسرى وبسطها عليها إما لعذر كما كان يفعل ابن عمر حيث قال "إن رجلي لا تحملاني" وإما ليبين أن نصبهما وفتح أصابعهما ليس بواجب وهذا هو الأظهر والله أعلم اهـ من المفهم. (ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى) مبسوطة الأصابع كلها غير مقبوضها كما جاء في حديث ابن عمرو هو معنى قوله في الرواية الأخرى "ويلقم كله اليسرى ركبته" مع تبديد أصابعه وتفريقها (ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى) مقبوضة الأصابع إلَّا المسبحة (وأشار بإصبعه) المسبحة إلى توحيد الله ليجتمع له التوحيد اللفظي والقلبي والفعلي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [988] والنَّسائيّ [2/ 237] والحديث يدل على استحباب وضع اليدين على الركبتين حال الجلوس للتشهد وهو مجمع عليه، قال أصحاب الشَّافعيّ يكون الإشارة بالأصبع عند قوله إلَّا الله من الشهادة، قال النواوي: والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص، قال ابن رسلان: والحكمة في الإشارة بها الإشارة إلى أن المعبود سبحانه وتعالى واحد ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد وسيأتي بعض ما يتعلق بذلك اهـ من العون، قوله (وأشار بأصبعه) قال بعضهم: وفي الإِصبع عشر لغات تثليث الهمزة مع تثليث الباء والعاشرة أصبوع وزان عصفور والمشهور من لغاتها كسر الهمزة وفتح الباء وهي التي ارتضاها الفصحاء كذا في المصباح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما فقال:

1202 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللفْظُ لَهُ)، قَال: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبَيرِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، إِذَا قَعَدَ يَدْعُو، وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى. وَيدَهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى. وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السبابَةِ. وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الوُسْطَى. وَيُلقِمُ كَفهُ اليُسْرَى رُكْبَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1202 - (00) (00) (حدثنا قتيبة) بن سعيد الثَّقَفيّ البلخي (حَدَّثَنَا ليث) بن سعد المصري (عن) محمَّد (بن عجلان) المدنِيُّ القُرشيّ مولاهم، صدوق، من (5) (ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي بكر (قال) أبو بكر (حَدَّثَنَا أبو خالد الأحمر) الكُوفيّ سليمان بن حيان الأَزدِيّ، صدوق، من (8) (عن ابن عجلان) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة ابن عجلان لعثمان بن حكيم في رواية هذا الحديث عن عامر بن عبد الله (عن عامر بن عبد الله بن الزُّبير عن أبيه) عبد الله بن الزُّبير (قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد) وجلس حالة كونه (يدعو) أي يشهد سمي التشهد دعاء لاشتماله عليه أو لأنه بمنزلة استجلاب لطف الله تعالى ولذا قيل: إذا أَثْنى عليك المَرْءُ يومًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِه الثناءُ (وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه السبابة) أي بالمسبحة وهي التي تلي الإبهام سميت سبابة لأنها يشار بها عند السب ومسبحة لأنها يشار بها إلى تسبيح الله سبحانه عن الشريك، والمسبحة تسمية شرعية، والسبابة تسمية جاهلية أي أشار بها إلى توحيد الله تعالى بالعلو وخفض ما سواه من الآلهة بالقبض والذل (ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ويلقم كله اليسرى ركبته) اليسرى أي يبسط يده عليها ممدودة الأصابع بلا إشارة بها فيكون كانْ أَلقَمَ أي أَدْخَل ركبتَه اليسرى في راحته اليسرى فتكون الركبةُ بالنسبة للراحة كاللقمة للفم اهـ ملا علي، وفي الأبي: وقيل معنى ألقمها أدخل ركبته في راحته اليسرى من ألقمته الطعام فالتقمه إذا أدخلتَه في فيه، وقال القاضي: وفي موضع اليدين كذلك ضَبْط لَهُما عن العبثِ بهما كما شُرع وضع اليمنى على اليسرى في قيام الصلاة لذلك اهـ.

1203 - (541) (199) وحدثني محمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ -قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ- أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، كَانَ إِذَا جَلَسَ في الصلاةِ، وَضَعَ يَدَيهِ عَلَى رُكْبَتَيهِ. وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ اليُمْنَى الّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، فَدَعَا بِهَا. وَيَدَهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى، بَاسِطُهَا عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن الزُّبير بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 1203 - (541) (199) (وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري مولاهم النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثِقَة، من (11) (قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصَّنْعانِيّ، ثِقَة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ أبو عروة البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب العدوي المدنِيُّ، أحد الفقهاء السبعة، ثِقَة، من (5) (عن نافع) الفقيه العدوي مولاهم أبي عبد الله المدنِيُّ (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخَطَّاب المكيّ رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكّيّ وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد إما نيسابوري أو كسي. (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس) وقعد للتشهد (في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع اصبعه) السبابة من يده (اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها) إلى وحدانية الله تعالى بالإلهية مشيرًا بتلك الأصبع أو أشار بها إلى وحدانية الله تعالى (و) وضع (يده اليسرى على ركبته اليسرى) بنصب يده في النسخة المصححة وفي نسخة بالرفع على الابتداء وهو الظاهر كذا في المرقاة، حالة كونه (باسطها) بالنصب أي باسط أصابعه اليسرى (عليها) أي على ركبته اليسرى أي ناشرًا تلك اليد على الركبة من غير رفع أصبع بها، قال في المرقاة: بفتح الطاء ورفعها اهـ. وشارك المؤلف في رواية الحديث أبو داود [987] والتِّرمذيّ [254] والنَّسائيّ [2/ 237] وابن ماجه [913]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1204 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بن مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أيوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، كَانَ إِذَا قَعَدَ في التَّشَهدِ وَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى. وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُمْنَى. وَعَقَدَ ثَلاثَةَ وَخَمْسِينَ. وَأَشَارَ بِالسبابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1204 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حَدَّثَنَا يونس بن محمَّد) بن مسلم البغدادي أبو محمَّد المؤدب، ثِقَة ثبت، من (9) (حَدَّثَنَا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (عن أَيُّوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي أبي بكر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) (عن نافع) مولى ابن عمر أبي عبد الله المدنِيُّ (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أَيُّوب لعبيد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن نافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد) وجلس (في) حالة قراءة (التشهد) سمي تشهدًا لاشتماله على الشهادتين (وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى) مبسوطة الأصابع كلها (ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين) أي وعد بعقد أصابعه هذا العدد أي يكون كمن يَعدُّ بعقَدِها هذا العددَ، وأَنّثَ ثلاثة لكون المعدود المحذوف مذكرًا كدرهم ودينار (وأشار بالسبابة) إلى وحدانية الله تعالى. ولا يعارض قوله هنا وعقد ثلاثة وخمسين ما في رواية حديث ابن الزُّبير (ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى) لأنه يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ما في هذه الرواية في حالة، وما في الأخرى في حالة وقد جمع بعضهم بينهما بأن المراد بقوله على أصبعه الوسطى أي وضعها قريبًا من أسفل الوسطى وحينئذ يكون بمعنى العَقْدِ ثلاثًا وخمسين، وقال الطيبي: وللفقهاء في كيفية عقدها وجوه: أحدها أن يعقد الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة ويضم الإبهام إلى أصل المسبحة وهو عَقْدُ ثلاثة وخمسين. والثاني أن يضم الإبهام إلى الوسطى المقبوضة كالعاقد ثلاثًا وعشرين فإن ابن الزُّبير رواه كذلك، قال الأشرف: وهذا يدل على أن في الصَّحَابَة مَنْ يعرف هذا العَقْدَ والحسابَ المخصوصَ. والثالث أن يقبض الخنصر والبنصر ويرسل المسبحة ويُحلِّق الإبهامَ والوسطى كما رواه وائل بن حجر انتهى. اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

1205 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيٍّ بْنِ عَبْدِ الرَحْمَنِ المُعَاوي؛ أَنَّهُ قَال: رَآنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أعْبَثُ بِالحَصَى في الصَّلاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي. فَقَال: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَصْنَعُ. فَقُلتُ: وَكَيفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَصْنَعُ؟ قَال: كَانَ إِذَا جَلَسَ في الصَّلاةِ، وَضَعَ كَفهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى. وَقَبَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1205 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدنِيُّ أي أخبرني مالك بن أنس (عن مسلم بن أبي مريم) يسار السلولي مولاهم المدنِيُّ، روى عن علي بن عبد الرَّحْمَن المعاوي في الصلاة، وأبي صالح السمان في الصلة، وأبي سعيد الخُدرِيّ وابن عمروغيرهم، ويروي عنه (م د س ق) ومالك وابن عيينة وابن جريج وشعبة وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو داود والنَّسائيّ، وقال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من الرابعة (عن علي بن عبد الرَّحْمَن) الأَنْصَارِيّ (المعاوي) بضم الميم نسبة إلى بني معاوية بن مالك المدنِيُّ، روى عن عبد الله بن عمر في الصلاة وجابر، ويروي عنه (م د س ق) ومسلم بن أبي مريم والزهري، وثقه أبو زرعة والنَّسائيّ، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من الرابعة، وله عندهم حديث واحد وهو هذا الحديث (أنه) أي أن علي بن عبد الرَّحْمَن (قال رآني عبد الله بن عمر) بن الخَطَّاب رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكّيّ وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة علي بن عبد الرَّحْمَن لنافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، وكرر متن الحديث لما بين الروايات من المخالفة، وجملة قوله (وأنا أعبث) وألعب من باب فتح (بالحصى في الصلاة) جملة حالية من مفعول رآني لأن رأى هنا بصرية أي أبصرني ابن عمر، والحال أني لاعب بالحصى في صلاتي (فلما انصرف) ابن عمر وفرغ من الصلاة (نهاني) أي زجرني عن اللعب بالأصابع (فقال) لي لا تلعب بالحصى و (أصنع) في صلاتك (كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) في صلاته (فقلت) له (وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) في صلاته، وفي رواية أبي داود كيف يصنع بإسقاط الواو (قال) ابن عمر (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جلس) وقعد (في الصلاة) للتشهد (وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض

أَصَابِعَهُ كُلَّهَا. وَأَشَارَ بِإِصبَعِهِ التِي تَلِي الإِبْهَامَ. وَوَضَعَ كَفهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى. 1206 - (00) (00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصابعه) من اليمنى (كلها) إلَّا المسبحة (وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام) أي فإنَّه يرسلها ويشير بها إلى وحدانية الله تعالى بالإلهية (ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) مبسوطة الأصابع كلها، والحديث فيه دليل على قبض كل الأصابع والإشارة بالسبابة. قال النواوي: وأما الإشارة بالمسبحة فمستحبة عندنا للأحاديث الصحيحة, قال أصحابنا: يشير عند قوله إلَّا الله من الشهادة، ويشير بمسبحة اليمنى لا غير فلو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها لا من الأصل باليمنى ولا اليسرى، والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته؛ أي لا ينظر إلى السماء حين الإشارة إلى التوحيد كما هو عادة بعض النَّاس بل ينظر إلى إصبعه ولا يجاوز بصره عنها، وفي حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص والله أعلم اهـ. وفي المفهم: (قوله وأشار بأصبعه) يعني بها المسبحة؛ وهي التي تلي الإبهام كما قال ابن عمر "وأشار بها" معناه مدها في القبلة وهل حركها أم لا؟ اختلفت الرواية في ذلك فزاد أبو داود في حديث ابن الزُّبير أنَّه صلى الله عليه وسلم "كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها" وإلى هذا ذهب بعض العراقيين فمنع من تحريكها، وبعض أصحابنا رأوا أن مدها إشارة إلى دوام التوحيد، ومن حديث وائل بن حجر بعد قوله (وحلق حلقة) ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها كما هو لفظ النَّسائيّ [2/ 127] وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وأكثر أصحابنا، ثم من قال بالتحريك فهل يواليه أو لا يواليه؟ اختلف فيه على قولين وسبب اختلافهم في ماذا يعلل به ذلك التحريك فأما من وإلى التحريك فتاول ذلك بأنهما مذكرة بموالاة الحضور في الصلاة وبأنها مقمعة ومدفعة للشيطان ومن لم يوال رأى تحريكها عند التلفظ بكلمتي الشهادة فقط، وتأول في الحركة كأنها نطق تلك الجارحة بالتوحيد والله أعلم اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1206 - (00) (00) (حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكيّ، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة الهلالي الكُوفيّ، من (8) (عن

مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَلِيٍّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَاويّ؛ قَال: صَفيتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَر نَحْوَ حَدِيثِ مالك. وَزَادَ: قَال سُفْيَانُ: فَكَانَ يَحْيَى بْنُ سعيد حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ مُسْلِم، ثُمَّ حَدَّثَنِيهِ مُسْلِم ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم بن أبي مريم) السلولي المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) (عن علي بن عبد الرَّحْمَن المعاوي) المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته أَيضًا، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك في رواية هذا الحديث عن مسلم بن أبي مريم (قال) علي بن عبد الرَّحْمَن (صليت إلى جنب ابن عمر فذكر) سفيان عن مسلم (نحو حديث مالك) عن مسلم بن أبي مريم (وزاد) ابن أبي عمر (قال) لنا (سفيان) بن عيينة (فكان يحيى بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأَنْصَارِيّ أبو سعيد المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) (حَدَّثَنَا به) أي بهذا الحديث (عن مسلم) بن أبي مريم (ثم حدثنيه) أي حَدَّثني هذا الحديث (مسلم) بن أبي مريم نفسه بلا واسطة فحصل لي علو السند بعد ما كان نازلًا بواسطة يحيى، والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن الزُّبير ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به وذكر فيه ثلاث متابعات. [خاتمة]: وقد اختلف العلماء في المختار من كيفية الجلوس في الصلاة، فقال مالك: كل جلوس في الصلاة هو على هيئة واحدة وهو أن يفضي إلى الأرض بأيسر وركيه ويقعد على مقعدته ويضع قدمه اليسرى تحت ساقه اليمنى وينصب قدمه اليمنى مستقبلًا بأطراف أصابعه القبلة، تمسكًا بحديث ابن عمرو هو أنَّه عَلًّم الجلوس في الصلاة كذلك، وقال: هو سنة الصلاة، وبمثله قال أبو حنيفة غير أنَّه قال: يفرش قدمه اليسرى تحت مقعدته ويقعد عليها وبهذا قال الشَّافعيّ في الجلسة الوسطى وبمذهب مالك قال في الآخرة، وفرق بينهما تمسكًا بحديث أبي حميد الساعدي الذي خرجه البُخَارِيّ [828] فإنَّه قال: وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى وقعد على مقعدته، وروى أبو داود "إذا جلس في الركعة الرابعة أفضى بوركه إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة" [957] والتمسك بهذا الحديث أولى فإنَّه نص في موضع الخلاف اهـ من المفهم.

270 - (90) باب السلام من الصلاة وكم يسلم

275 - (90) باب: السلام من الصلاة وكم يسلم 1207 - (542) (200) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الحَكَمِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرِ، أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَينِ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: أَنَّى عَلِقَهَا؟ . قَال الحَكَمُ في حَدِيثِهِ: إِن رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 270 - (90) باب السلام من الصلاة وكم يسلم 1207 - (542) (200) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النَّسائيّ (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البَصْرِيّ (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البَصْرِيّ (عن الحكم) بن عتيبة الكندي مولاهم أبيِ محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) (ومنصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عَثَّاب الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) كلاهما رويا (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكيّ المقرئ الإِمام المفسر، ثِقَة، من (3) (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكُوفيّ، ثِقَة، من (2) (أن أميرًا كان بمكة يسلم تسليمتين) من الصلاة، قال القرطبي: وهذا الأمير هوفيما أحسب الحارث بن حاطب الجمحي، وهو والله أعلم الذي ذكر أبو داود أن أمير مكة خطب فقال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ نَنْسُك لِرُؤيتِه فإنْ لم نرَهُ وشَهِدَ به شاهدًا عدلٍ نَسَكْنَا بشهادتِهما والله أعلم (فقال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (أنى) بفتح الهمزة وتشديد النُّون المفتوحة اسم استفهام بمعنى أين، والاستفهام هنا للعجب (عَلِقَها) بفتح العين وكسر اللام من باب سمع من علق الرَّجل بالشيء وعلق الصيد بالحبالة وعلق الحُب بالقلب أي من أين حصَّل هذا الأمير واستفاد وتعلم وظفر هذه السنة أي سنة التسليم مرتين يعني أن عبد الله بن مسعود قال في ذلك الأمير لما رآه يسلم مرتين من أين تعلم هذه السنة وممن أخذها يعني سنة تسليمه مرتين يمينًا وشمالًا فكأنه تعجب من معرفة ذلك الرَّجل بسنة التسليم وهذا الاستبعاد من ابن مسعود يدل على أن عمل النَّاس كان على تسليمة واحدة (قال الحكم) بن عتيبة (في حديثه) أي في روايته، ثم قال ابن مسعود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله) أي يفعل التسليم مرتين. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مكّيّ وواحد نسائي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة أتباع روى بعضهم عن بعض؛

1208 - (00) (00) وحدثني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أبي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال شُعْبَةُ (رَفَعَهُ مَرَّةَ): أن أَمِيرًا أَوْ رَجُلًا سَلّمَ تَسْلِيمَتَينِ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: أَنَّى عَلِقَهَا؟ 1209 - (543) (201) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ. اخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم عن مجاهد عن أبي معمر، وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 1208 - (00) (00) (وحدثني أَحْمد) بن محمَّد (بن حنبل) بن هلال الشَّيبانِيّ أبو عبد الله المروزي الإِمام الفقيه الحافظ الثقة الحجة أحد الأئمة الأعلام، من (10) (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطَّان التَّمِيمِيّ أبو سعيد البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة أَحْمد بن حنبل لزهير بن حرب، وفائدتها بيان كثرة طرقه أو تقوية السند الأول (قال شعبة) بالسند السابق (رفعه) أي رفع الحكم هذا الحديث (مرة) إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أن أميرًا أو) قال الحكم أن (رجلًا) من أهل مكة (سلم تسليمتين فقال عبد الله أنى علقها) أي من أين تعلم هذا الأمير أو هذا الرَّجل هذه السنة المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا من اتباعه السنة التي هي التسليم من الصلاة مرتين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديث سعد رضي الله عنهما فقال: 1209 - (543) (201) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المروزي، ثِقَة إمام، من (10) (أخبرنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو القيسي (العقدي) بفتح المهملة والقاف، الحافظ البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا عبد الله بن جعفر) بن عبد الرَّحْمَن بن المسور بن مخرمة القُرشيّ الزُّهْرِيّ أبو جعفر المدنِيُّ، روى عن

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْد، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كُنْتُ أَرَى رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يُسَلًمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. حَتى أَرَى بَيَاضَ خَدِّه ـــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل بن محمَّد بن سعد في الصلاة والجنائز والحج، ويزيد بن عبد الله بن الهاد في الحدود، وسعد بن إبراهيم في الأحكام، ويروي عنه (م عم) وأبو عامر العقدي ويحيى بن يحيى، وثقه أَحْمد والعجلي، وقال أبو حاتم والنَّسائيّ: ليس به بأس، وقال ابن معين: ليس به بأس صدوق وليس بثبت، وقال التِّرْمِذِيّ: مدني ثِقَة عند أهل الحديث، وقال في التقريب: ليس به بأس، من الثامنة، مات سنة (170) سبعين ومائة، روى عنه في (5) أبواب كما بينا (عن إسماعيل بن محمَّد) بن سعد بن أبي وقَّاص الزُّهْرِيّ أبي محمَّد المدنِيُّ، وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثِقَة حجة، من (4) مات سنة (134) روى عنه في (5) أبواب (عن عامر بن سعد) بن أبي وقَّاص الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أَبيه) سعد بن أبي وقَّاص مالك بن أهيب الزُّهْرِيّ المدنِيُّ الصحابي الجليل رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد مروزي (قال) سعد بن أبي وقاص (كنت أرى) وأبصر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يسلم عن يمينه) مرة (وعن يساره) مرة أخرى، حالة كونه ملتفتًا (حتَّى أرى) مِنْ خَلفِه (بياضَ خده) الشريف أي صفحة وجهه صلى الله عليه وسلم وهو كذا بصيغة الإفراد في النسخ المصححة، وجعل ابن حجر خديه بصيغة التثنية أصلًا، ثم قال: وفي نسخة خده، ولا تخالف بينهما لأن معنى الأول حتَّى أرى بياض خده الأيمن في الأولى والأيسر في الثَّانية اهـ من المرقاة هذا حكم الإِمام والمنفرد على قول من يقول إنهما يسلمان اثنتين، وأما من قال يسلم واحدة كما سيأتي بسطه في الفائدة فحقه أن يبدأ قبالة وجهه ويتيامن كما روي في حديث عائشة وسمرة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 182] والنَّسائيّ [3/ 61] وابن ماجه [915]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عبد الله ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث سعد بن أبي وقَّاص ذكره للاستشهاد. [فائدة]: قال القرطبي: وقد اختلف العلماء في السلام في حق الإِمام والمأموم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمنفرد فذهب الجمهور إلى أن الفرض في حقهم تسليمة واحدة، وذهب أَحْمد بن حنبل وبعض أهل الظاهر إلى أن فرضهم اثنتان، قال الداودي: وأجمع العلماء على أن من سلم واحدة فقد تمت صلاته، وعلى هذا فالذي ذكر من أَحْمد وأهل الظاهر محمول على أن التسليمة الثَّانية فرض ليست بشرط فيعصي من تركها ويقع التحلل بدونها، فهذا تنَزلنا على قول من قال إن الفرض واحدة فهل يختار زيادة عليها لجميعهم أو فيه تفصيل اختلف فيه؛ فذهب الشَّافعيّ ومالك في المشهور عنه إلى أن الإِمام والمنفرد يقتصران على تسليمة واحدة ولا يزيدان عليها، وأما المأموم فيسلم ثانية يرد بها على الإِمام فإن كان عن يساره من سلم عليه فهل ينوي بالثانية الرد عَلَى الإِمام وعَليه أو يسلم ثلاثًا ينوي بهما الرد على من سلم عليه ممن على يساره قولان، ثم إذا قلنا بالثالثة فهل يبدأ بعد الأولى بالإمام أو ممن على يساره أو هو غير ثلاثة أقوال، وسبب الخلاف اختلاف الأحاديث وذلك أن في حديث ابن مسعود وسعد بن أبي وقَّاص أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين رواه أبو داود من حديث حسين بن الحارث الجدلي [2338] قال النَّسائيّ: في حديث ابن مسعود حتَّى نرى بياض خده الأيمن وبياض خده الأيسر، وفي حديث عائشة رواه التِّرْمِذِيّ [296] وابن ماجه [919] وفي حديث سمرة بن جندب رواه أبو داود [975] "كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه يميل إلى الشق الأيمن شيئًا" وأحاديث التسليمتين أصح، وأحاديث التسليمة الواحدة عمل عليها أبو بكر وعمر، ولم ير مالك في السلام من الصلاة زيادة "ورحمة الله وبركاته" تمسكًا بلفظ التسليم، ورأى ذلك الشَّافعيّ تمسكًا بحديث وائل بن حجر قال "صليت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" رواه أبو داود [997] وفي حديث ابن مسعود "السلام عليكم ورحمة الله، فقط رواه أبو داود [996] والتِّرمذيّ [295] والنَّسائيّ [3/ 63] ومعنى قول مالك والله أعلم أن التحلل يقع بالاقتصار على لفظ التسليم ولا يشترط في ذلك زيادة، ثم هل يشترط في السلام لفظ معين فلا يجزئ غيره أو يجزئ كل ما كان مأخوذًا من لفظ السلام وبالأول قال مالك تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم "تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم" رواه أَحْمد [1/ 123 و 129] وأبو داود [61] والتِّرمذيّ [3] من حديث علي رضي الله عنه، والألف والسلام فيه دالة على معهود سلامه صلى الله عليه وسلم وكل من روى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سلامه عين لفظه فقال: السلام عليكم، وبالثاني قال الشافعي تمسكًا بلفظ التسليم وحملا له على عموم ما يشتق منه، وبإطلاق قول الراوي إنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم، وكل ما ذكرنا من أصول السلام وفروعه إنما هو على مذهب من يرى أنه لا يتحلل من الصلاة إلَّا بالسلام وهم الجمهور، وقد ذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي إلى أنه ليس من فروضها وأنه سنة وأنه يتحلل منها بكل فعل أو قول ينافيها، وذهب الطبري إلى التخيير في ذلك والأحاديث المتقدمة كلها ترد عليهم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. قال النواوي: وفي حديث الباب دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه يسن تسليمتان، وقال مالك وطائفة: إنما يسن تسليمة واحدة وتعلقوا بأحاديث ضعيفة لا تقاوم هذه الأحاديث الصحيحة، ولو ثبت شيء منها حمل على أنه فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة، وأجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلَّا تسليمة واحدة فإن سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه وإن سلم تسليمتين جعل الأولى عن يمينه والثانية عن يساره ويلتفت في كل تسليمة حتى يرى من عن جانبه خده، هذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: حتى يرى خديه من عن جانبه، ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه، أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت تسليمتان ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما. واعلم أن السلام ركن من أركان الصلاة وفرض من فروضها لا تصح إلَّا به هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وقال أبو حنيفة: هو سنة ويحصل التحلل من الصلاة بكل شيء ينافيها من سلام أو كلام أو حدث أو قيام أو غير ذلك، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم، وثبت في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وبالحديث الآخر "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" اهـ من المنهاج. ***

271 - (91) باب الذكر بعد الصلاة أي بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة

271 - (91) باب الذكر بعد الصلاة أي بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة 1210 - (544) (202) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ عَمْرٍو. قَال: أَخْبَرَنِي بِذَا، أَبُو مَعْبَدٍ - ثُمَّ أَنْكَرَهُ بَعْدُ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 271 - (91) باب الذكر بعد الصلاة أي بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة 1210 - (544) (202) (حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا سفيان بن عيينة) الكاهلي الكوفي ثم المكي (عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (4) (قال) عمرو (أخبرني بـ) هـ (ذا) الحديث الآتي (أبو معبد) مولى ابن عباس اسمه نافذ - بالفاء والذال المعجمة - المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (ثم أنكره) من كلام عمرو أي قال عمرو بن دينار أخبرني معبد بهذا الحديث الآتي ثم أنكر معبد رواية هذا الحديث لي (بعد) أي بعد ما رواه لي أولًا (عن ابن عباس) متعلق بأخبرني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مكيون إلَّا زهير بن حرب فإنه نسائي (قال) ابن عباس (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وانتهاءها (بالتكبير) أي برفع الصوت بالتكبير والأذكار بعدها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [842] وأبو داود [1003] والنسائي [3/ 67] والحديث دليل لما قاله بعض السلف أنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة، وممن استحبه من المتاخرين ابن حزم الظاهري ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير، وحمل الشافعي هذا الحديث على أنه جهر وقتًا يسيرًا حتى يعلمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائمًا، قال: فاختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك إلَّا أن يكون إمامًا يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر، وحمل الحديث على هذا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

1211 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ. قَال عَمْرٌو: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لأَبِي مَعْبَدٍ فَأَنْكَرَهُ. وَقَال: لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهَذَا. وقَال عَمْرٌو: وَقَدْ أَخْبَرَنِيهِ قَبْلَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1211 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس أنه سمعه يخبر عن ابن عباس) وهذا السند أيضًا من خماسياته فهو نفس السند السابق، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن أبي عمر لزهير بن حرب في رواية هذا الحديث عن ابن عيينة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بزيادة لا تقبل الفصل وهي ما النافية وإلا الاستثنائية (قال) ابن عباس (ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا) برفع الصوت (بالتكبير) أي بعد الصلاة، وفي الرواية الآتية بالذكر وهو أعم من التكبير، والتكبير أخص، وهذا مفسر للأعم اهـ. قال الطبري: فيه دلالة على صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء يكبر بعد صلاته ويكبر من وراءه، وقال غيره: ولم أر أحدًا من الفقهاء قال بهذا إلَّا ما ذكره عبد الملك بن حبيب المالكي القرطبي في الواضحة (اسم كتاب له) أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاث مرات وهو قديم من شأن الناس، وعن مالك أنه محدث اهـ من المفهم. (قال عمرو) بن دينار (فذكرت ذلك) الحديث الذي حدثنيه أبو معبد أولًا (لأبي معبد) أي عرضت عليه (فأنكره) أي فأنكر أبو معبد ذلك الحديثَ عليَّ (وقال) أبو معبد في إنكاره (لم أحدثك) يا عمرو (بهذا) الحديث (وقال عمرو) بن دينار فأنكره أبو معبد عليَّ (و) الحال أنه (قد أخبرنيه) أي قد أخبر إياي ذلك الحديث (قبل ذلك) أي قبل إنكاره عليَّ، قال النواوي: في احتجاج مسلم بهذا الحديث دليل على ذهابه إلى صحة الحديث الذي يُرْوَى على هذا الوَجْهِ مع إنكار المحدِّث له إذاحدَّث به عنه ثقةٌ وهذا مذهب جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين قالوا: يحتج به إذا كان إنكار الشيخ له لِتَشَكُّكِهِ فيه أو لنسْيَانهِ أو قال: لا أحفظُه أو لا أَذْكُر أني حَدَّثْتُك به أو نَحْو

1212 - (545) (203) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، وخالفَهم الكرخيُّ من أصحاب أبي حنيفة فقال: لا يُحتجُّ به، فأما إذا أنكره إنكارًا جازمًا قاطعًا بتكذيب الراوي عنه وأنه لم يحدثه به قط فلا يجوز الاحتجاجُ به عند جميعهم لأن جَزْمَ كل واحد يُعارِضُ جَزْمَ الآخر والشيخُ هو الأصل فوجب إسقاطُ هذا الحديث ولا يَقْدَحُ ذلك في باقي أحاديث الراوي لأنه لم يُتَحقَّقْ كذبهُ اهـ. قال القسطلاني: وهذه مسألة معروفة عند أهل علم الحديث وهي إنكار الأصل تحديث الفرع، وصورتها أن يروي ثقة عن ثقة حديثًا فيكذبه المروي عنه، وفي ذلك تفصيل لأنه إما أن يجزمَ تكذيبَه أم لا، وإذا جزم فتارة يصرح بالتكذيب وتارة لم يصرح به، فإن لم يجزم بتكذيبه كأن قال: لا أذكره فاتفقوا على قبوله لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه، وإنْ جزم وصَرَّح بتكذيبه فاتفقوا على رَدّه لأن جَزْمَ الفرع بكونِ الأصل حدَّثه يستلزمُ تكذيبَه للأصل في دعواه أنه كَذَب عليه وليس قبولُ قولِ أحدهما أولى من الآخر، وإن جزَمَ ولم يُصرِّح بالتكذيب كقول أبي معبد لم أحدثك بهذا فَسَوَّى ابنُ الصلاح تبعًا للخطيب بينهما أيضًا وهو الذي مَشَى عليه الحافظُ ابن حجر في شرح النخبة، لكن قال في فتح الباري: إن الراجح عند المحدثين القبولُ، وتمَسَّك بصُنْعِ مسلم حيث أَخْرجَ حديثَ عمرو بن دينار هذا مع قولِ أبي معبد لعمرولم أحدثك به، فإنه دل على أن مسلمًا كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه ثقة ويعضده تصحيح البخاري أيضًا وكأنهم حملوا الشيخ على النسيان انتهى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى للحديث السابق بحديث آخر لابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1212 - (545) (203) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين البغدادي، صدوق، من (10) (أخبرنا محمد بن بكر) (الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (ح قال وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي (واللفظ) الآتي (له) أي لإسحاق بن منصور، وأما محمد بن حاتم فروى معناه دون لفظه (قال) إسحاق (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخَبْرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ، كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَنَّهُ قَال: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ، إِذَا انْصَرَفُوا، بِذلِكَ، إِذَا سَمِعْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (أن أبا معبد) نافذًا (مولى ابن عباس أخبره) أي أخبر لعمرو بن دينار (أن ابن عباس أخبره) أي أخبر لأبي معبد. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما أربعة منهم مكيون وواحد بصري وواحد بغدادي، ورجال الثاني منهما أربعة مكيون وواحد صنعاني وواحد مروزي (أن رفع الصوت بالذكر) من التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل، والظرف في قوله (حين ينصرف) ويفرغ (الناس من) الصلاة (المكتوبة) متعلق برفع الصوت وهو اسم أن وخبرها جملة قوله (كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي في زمانه فله حكم الرفع، وحمل الشافعي رحمه الله تعالى فيما حكاه النواوي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتًا يسيرًا لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلَّا إن احتيج إلى التعليم، وبالإسناد السابق قال ابن جريج (و) أخبرني عمرو بن دينار (أنه) أي أن أبا معبد (قال: قال ابن عباس: كنت أعلم) أي أظن (إذا انصرفوا) أي أعلم وقت انصرافهم وفراغهم من الصلاة (بذلك) أي برفع الصوت (إذا سمعته) أي الذكر، وإذا في الموضعين مجرد عن معنى الشرط، والمعنى كنت أعلم وقت انصرافهم من الصلاة برفع الصوت بالذكر وقت سماعي إياه. قال القسطلاني: وظاهره أن ابن عباس لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لصغره أو كان حاضرًا لكنه في آخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم وإنما كان يعرفه بالتكبير، وقال الشيخ تقي الدين: ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد انتهى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [841] وأبو داود [1002]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان كلاهما لابن عباس الأول للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني للاستشهاد.

272 - (92) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر في الصلاة

272 - (92) باب: استحباب التعوذ من عذاب القبر في الصلاة 1213 - (546) (204) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - قَال هَارُونُ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِي يُونُسُ بن يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ. وَهِيَ تَقُولُ: هَل شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ؟ قَالتْ: فَارْتَاعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَال: "إِنَّمَا تُفْتَنُ يَهُودُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 272 - (92) باب استحباب التعوذ من عذاب القبر في الصلاة 1213 - (546) (204) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي الأيلي، ثقة، من (10) (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري، صدوق، من (11) (قال هارون: حدثنا، وقال حرملة: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، من (9) (أخبرني يونس بن يزيد) بن أبي النجاد الأيلي أبو يزيد الأموي، ثقة، من (7) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة ثبت، من (4) (قال) ابن شهاب (حدثني عروة بن الزبير) الأسدي المدني، ثقة فقيه مشهور، من (2) (أن عائشة) أم المؤمنين. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة) أي والحال أن عندي امرأة (من اليهود وهي) أي والحال أن تلك اليهودية (تقول) لي (هل شعرت) بفتح العين من باب نصر وكسر تاء المخاطبة أي هل علمت يا عائشة (أنكم) أيها المسلمون (تفتنون في القبور) أي تسئلون في قبوركم عن ربكم ونبيكم ودينكم أو تعذبون فيها أي تختبرون هل أديتم ما أمرتم به أم لا؟ قال الأبي: وسؤال اليهودية يدل على أنها على حال من أمر دينها وشريعتها (قالت) عائشة (فارتاع) أي فزع (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الارتياع وهو الفزع، قال القرطبي: وارتياع النبي صلى الله عليه وسلم عند إخبار اليهودية بعذاب القبر إنما هو على جهة استبعاد ذلك للمؤمن إذ لم يكن أوحي إليه في ذلك شيء، ولذلك حققه على اليهود (وقال إنما تفتن) وتعذب (يهود) على ما كان عنده من علم ذلك، ثم أخبر أنه أوحي إليه بوقوع ذلك وحينئذ تعوذ منه كما سيذكره، قال الأبي: تقدم أن خبره صلى الله عليه وسلم عن الأمور

قَالتْ عَائِشَةُ: فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ. ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ؟ " قَالتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بَعْدُ، يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاعتقادية يجب مطابقته للواقع وهو عموم التعذيب لا حصره في اليهود، ويجاب عنه بأنه لا يعلم من الغيب إلَّا ما أعلم به فيحتمل أنه أوحي إليه بتعذيب اليهود فأخبر بذلك على مقتضى اعتقاده، ثم أوحي إليه بتعذيب الجميع، ولو أخبر أحد على مقتضى اعتقاده، ثم قال في علمي ثم انكشف خلافه لم يكن كاذبًا كما لا يحنث من حلف بالله على شيء وقال في علمي ثم ظهر خلافه اهـ. (قالت عائشة فلبثنا) أي مكثنا بعد ذلك اليوم (ليالي) وأيامًا قلائل (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شعرت) وعلمت يا عائشة (أنه) أي أن الشأن والحال (أوحي إلي) من ربي (أنكم) أيتها الأمة (تفتنون) وتمتحنون (في القبور) قال القاضي: فتنة القبر والتعذيب فيه حق، وأجمع عليه أهل الحق؛ وهي المرادة بفتنة الممات في قوله (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) قال الأبي: فتنة القبر هي إحياء الميت فيه، وسؤال الملكين له وعذابه ما ينْزل بالميت فيه من الشدائد المذكورة في الأحاديث، وأما كيفية الفتنة فيأتي في مسلم في أثناء حديث مطول: أن الملكين يَدْخُلانِ القَبْرَ فَيُجلسان الميتَ ويقولان: أنت في البرزخ، فمن ربك؟ ومن نبيك؟ فإن كان كافرًا قال: لا أدري، وإن كان مؤمنًا قال: آمنت بالله ربًا، وبمحمد نبيًّا، فيفتح الله له في قبره، ويرى موضعه من الجنة، ويقال له: ارقد رقدة العروس، واسم أحد الملكين منكر والآخر نكير (قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد) أي بعد ما أوحي إليه (يستعيذ) ويلوذ بالله (من عذاب القبر) أي فلما استعظم الأمر واستهوله أكثر الاستعاذة منه وعلمها وأمر بها وبإيقاعها في الصلاة ليكون أنجح في الإجابة وأسعف في الطلبة، إذ الصلاة من أفضل القرب وأرجى للإجابة وخصوصًا بعد فراغها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي هذا الحديث حجة على أبي حنيفة حيث منع الدعاء في الصلاة إلَّا بألفاظ القرآن. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 89 و 271].

1214 - (547) (205) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ - قَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ ذلِكَ، يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. 1215 - (548) (206) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. قَال زُهَيرْ: حَدَّثَنَا جَرِيرْ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 1214 - (547) (205) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي الأيلي (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (وعمرو بن سواد) بن الأسود العامري السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11) (قال حرملة: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من سُداسيَّاته رجالُه ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي أو اثنان أيليان وواحد مصري (قال) أبو هريرة (سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك) اليوم الذي سألَتْ فيه اليهودية (يستعيذ) بالله (من عذاب القبر) وفتنتِه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي رواه في الجنائز [2/ 115] عن عمرو بن سواد اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 1215 - (548) (206) (حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما) رويا (عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (قال زهير حدثنا جرير عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة

عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ. فَقَالتَا: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. قَالتْ: فَكَذَّبْتُهُمَا. وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا. فَخَرَجَتَا. وَدَخَلَ عَليَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ عَجُوزَينِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ. فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. فَقَال: "صَدَقَتَا. إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ" قَالت: فَمَا رَأَيتُهُ، بَعْدُ، فِي صَلاةٍ، إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيه مخضرم، من (2) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما نسائي أو مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي أبو وائل عن مسروق (قالت) عائشة (دخلت عليَّ) في حجرتي (عجوزان من عجز يهود المدينة) بضمتين جمع عجوز مثل رسل ورسول أي من عجائزهم (فقالتا) أي قالت العجوزان لي (إن أهل القبور يعذبون في قبورهم قالت) عائشة (فكذبتهما) أي كذبت العجوزين فيما زعمتا من تعذيب أهل القبور (ولم أنعم) بضم الهمزة وكسر العين أي ولم أرض (أن أصدقهما) أي لم تطب نفسي ولم ترض تصديقهما، ومنه قولهم في التصديق نعم، وقولهم أنعم الله عينك أي أقرها بما يسرها، قال الأبي: قد يقال عائشة رضي الله عنها سمعت قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق "أشعرت أنه أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور" فهي عالمة فكيف تكذبهما؟ وأجاب الشيخ ابن عرفة بأن الذي علمت عائشة من الحديث الأول إنما هو الفتنة والذي كذبت به التعذيب وهو غير الفتنة كما مر، وقال النواوي: بأن الحديثين قضيتان نزل الوحي بالتعذيب بينهما، ولم تكن عائشة علمت به حين نزوله فلهذا كذبتهما ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول العجوزين فقال: صدقتا، وأَعْلَمَ عائشة حينئذ بأن الوحي نزل به اهـ. (فخرجتا) أي فخرجت اليهوديتان من عندي (ودخل عَليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له) صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا على فزعمتا) أي قالتا (أن أهل القبور يعذبون في قبورهم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدقتا) فيما زعمتا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنهم) أي إن أهل القبور (يعذبون عذابًا) شديدًا (تسمعه البهائم) والوحوش والحيوانات غير الثقلين (قالت) عائشة (فما رأيته) صلى الله عليه وسلم (بعد) أي بعد ذلك اليوم (في صلاة إلَّا)

يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. 1216 - (00) (00) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَفِيهِ: قَالتْ: وَمَا صَلَّى صَلاةً، بَعْدَ ذلِكَ، إِلَّا سَمِعْتُهُ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو (يتعوذ من عذاب القبر) وفتنته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الدعوات [3/ 37] والنسائي في الجنائز [2/ 115]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1216 - (00) (00) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (7) (عن الأشعث) بن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، ثقة، من (6) (عن أبيه) سليم بن الأسود بن حنظلة المحاربي أبي الشعثاء الكوفي، ثقة، من (3) (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا عائشة فإنها مدنية، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الشعثاء سليم بن الأسود لأبي وائل في رواية هذا الحديث عن مسروق، وقوله (بهذا الحديث) متعلق بما عمل في المتابع وهو أبو الشعثاء أي حدثنا أبو الشعثاء عن مسروق بهذا الحديث كما حدثه أبو وائل عن مسروق (و) لكن (فيه) أي في حديث أبي الشعثاء لفظة (قالت) عائشة (وما صلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة بعد ذلك) اليوم (إلا سمعته) صلى الله عليه وسلم (يتعوذ من عذاب القبر) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عائشة رضي الله عنها الأول ذكره للاستدلال، والثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عائشة الثاني رضي الله عنها أيضًا ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة.

273 - (93) باب ما يستعاذ منه في الصلاة

273 - (93) باب: ما يستعاذ منه في الصلاة 1217 - (549) (207) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَن عَائِشَةَ قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلاتِهِ، مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 273 - (93) باب ما يستعاذ منه في الصلاة 1217 - (549) (207) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي (قالا حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، ثقة، من (9) (قال حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان المدني أبي محمد الغفاري مولاهم، ثقة، من (4) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب، قال أخبرني عروة بن الزبير) الأسدي المدني، ثقة فقيه، من (2) (أن عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله ستة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو نسائي، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية (قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ) أي يتعوذ، فالسين والتاء زائدتان (في صلاته من فتنة الدجال) أي من محنته وأصل الفتنة الامتحان والاختبار استعيرت لكشف ما يكره، والدجال فعّال من الدجل وهو التغطية سمي به لأنه يغطي الحق بباطله اهـ من شرح الإحياء (فإن قلت) كيف استعاذ من فتنة الدجال مع تحقق عدم إدراكه، أجيب: بِأنَّ فائدته تعليمُ أمتهِ لينتشر خبرهُ بين الأمة جيلًا بعد جيل بأنه كذاب مبطل ساع على وجه الأرض بالفساد حتى لا يلتبس كفره عند خروجه على من أدركه اهـ قسطلاني، والحديث ساقه هنا مختصرًا ليفيد أن الزهري رواه كذلك مع زيادة ذكر السماع عن عائشة رضي الله تعالى عنها وسياتي ذكره مطولًا. وشارك المؤلف في ذكر هذا الحديث هكذا مختصرًا البخاري رواه في الصلاة وكذا في الفتن. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

1218 - (550) (308) وحدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. قَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1218 - (550) (308) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري أبو عمر (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة قرية قريبة من البصرة، ثقة ئبت، من (10) (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (وزهير بن حرب) حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (قال أبو كريب: حدثنا وكيع) بتصريح السماع (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبو عمرو الشامي، ثقة، من (7) (عن حسان بن عطية) المحاربي مولاهم أبي بكر الدمشقي من أفاضل أهل زمانه، روى عن محمد بن أبي عائشة في الصلاة، ويروي عنه (ع) والأوزاعي وأبو غسان محمد بن مطرف، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: شامي ثقة، وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد، من الرابعة، مات بعد العشرين ومائة (120) (عن محمد بن أبي عائشة) أو محمد بن عبد الرحمن بن أبي عائشة الأموي مولاهم الشامي، روى عن أبي هريرة في الصلاة، وجابر، ويروي عنه (م د س ق) وحسان بن عطية وأبو قلابة وجماعة، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ليس به بأس، من الرابعة، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون وواحد مدني واثنان كوفيان أو كوفي وبصري أو كوفي ونسائي، وقوله (وعن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم اليمامي، ثقة، من (5) معطوف على قوله عن حسان بن عطية، والمعنى حدثنا الأوزاعي أيضًا عن يحيى بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تشهد أحدكم") أي إذا قرأ أحدكم التحيات لله والصلوات إلى آخرها، سميت بالتشهد لاشتمالها على الشهادتين أي إذا فرغ من قراءة التشهد مع ما بعده من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (فليستعذ) أي فليتعوذ

بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ. يَقُولُ: اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بالله) سبحانه وتعالى (من أربع) أمور، قال القاضي عياض: تعليمه لهم الدعاء وحضهم عليه وفعله له يدل على مكانة الدعاء، وأن من أوقاته المرغب فيه إثر الصلاة، وفيه جواز الدعاء في الصلاة بما ليس من القرآن ومنعه أبو حنيفة اهـ، وفي هذا الحديث تعيين محل هذه الاستعاذة بعد التشهد الأخير وهو مقيد وحديثُ عائشة المروي في الصحيحين والسنن الآتي بعد هذا الحديث بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) الحديث مطلقٌ فيُحمل عليه وهو يرد ما ذهب إليه ابن حزم من وجوبها في التشهد الأول وما ورد من الإذن للمصلي بالدعاء بما شاء بعد التشهد يكون بعد هذه الاستعاذة لقوله "إذا تشهد أحدكم" أي فرغ منه، وقوله (فليستعذ من أربع) استدل بهذا الأمر على وجوب الاستعاذة وقد ذهب إلى ذلك بعض الظاهرية، وفي السبل: والحديث دليل على وجوب الاستعاذة مما ذكر وهو مذهب الظاهرية وابن حزم منهم ويجب عنده أيضًا في التشهد الأول عملًا منه بإطلاق اللفظ المتفق عليه، وأمر طاوس ابنه بإعادة الصلاة لما لم يستعذ فيها فإنه يقول بالوجوبِ وبطلانِ الصلاة مِنْ تركها، والجمهور حملوه على الندب انتهى اهـ من العون قال ابن الملك: والأمر بالاستعاذة للاستحباب لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود حين علمه التشهد دلأ إذا قلت هذا، أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك" ولو كانت الاستعاذة واجبة لما تمت بدونها. (يقول) أحدكم في استعاذته منها (اللهم اني أعوذ) وألوذ وألتجئ (بك من عذاب جهنم) قُدِّمَ فإنه أشد وأبقى (ومن عذاب القبر) فيه رد على المنكرين لذلك من المعتزلة، والأحاديث في الباب متواترة (ومن فتنة المحيا والممات) مفعل من الحياة والموت، ويحتمل زمان ذلك لأن ما كان معتل العين من الثلاثي يأتي منه المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد، قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله تعالى سوء الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد على هذا بفتنة المحيا ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح أنهم يفتنون في قبورهم، وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر والرضا بالقدر وترك متابعة

وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". 1219 - (551) (209) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحاقَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق الهدى، وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة كذا في الفتح، وقيل شدة سكراته، وقيل هي سوء الخاتمة، أضيفت إلى الموت لقربها مِنْهُ كما في المبارق والمرقاة (ومن شر فتنة المسيح الدجال) أي ابتلائه وامتحانه على تقدير لقائه، والمسيح -بفتح الميم وكسر السين مخففة- وقيده بالدجال ليمتاز عن عيسى ابن مريم - عليه السلام - والدجل الخلط وسمي به لكثرة خلطه الباطل بالحق، أو من دجل إذا كذب، والدجال الكذاب، وبالمسيح لأن إحدى عينيه ممسوحة فعيل بمعنى مفعول أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في أيام معدودة فهو بمعنى فاعل أو لأن الخير مسح منه فهو مسيح الضلال، وإضافة شر إلى الفتنة للبيان، وفي السبل: وأما عيسى فقيل له المسيح لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل لأن زكريا مسحه، وقيل لأنه ما كان يمسح ذا عاهة إلَّا برئ، أو لأنه كان ممسوح القدمين، وقيل أصله المسيحا بالعبرانية ومعناه المبارك كذا في المرقاة. وذكر أن صاحب القاموس جمع في وجه تسميته بذلك خمسين قولًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 477] والبخاري [1377] وأبو داود [983] والنسائي [3/ 58]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا بحديث آخر لعائشة مطولًا رضي الله عنها فقال: 1219 - (551) (209) (حدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا أبو اليمان) الحمصي الحكم بن نافع القضاعي البهراني نسبة إلى بهراء قبيلة من قضاعة، ثقة، من العاشرة (10) (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) (عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته) أي أخبرت عروة. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم شاميان وثلاثة مدنيون وواحد بغدادي، وفيه التحديث بالإفراد والإخبار بالجمع والإفراد والعنعنة ورواية تابعي عن

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدُعُو فِي الصَّلاةِ "اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهمَّ إِنِّي اعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ" قَالتْ: فَقَال لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَال: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ. وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تابعي عن صحابية (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في) آخر (الصلاة) بعد التشهد قبل السلام، وفي حديث أبي هريرة المذكور قبل هذا "إذا تشهد أحدكم فليستعذ" (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم) أي ما يأثم به الإنسان من الأعمال أو هو الإثم نفسه وضعًا للمصدر موضع الاسم (و) أعوذ بك من (المغرم) أي الدين فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه فأما دين احتاجه وهو قادر على أدائه فلا استعاذة منه، والأول حق الله، والثاني حق العباد اهـ قسط. (قالت) عائشة (فقال له) صلى الله عليه وسلم (قائل) لم أر من ذكر اسمه، وفي رواية النسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عائشة ولفظها فقلت: يا رسول الله، وفي رواية الصحيحين أبهمت وجرَّدت (ما أكثر) بفتح الراء على التعجب (ما تستعيذ من المغرم) وجملة ما المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب بفعل التعجب أي ما أكثر استعاذتك من المغرم (يا رسول الله فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في بيان حكمة ذلك (أن الرجل إذا غرم) بكسر الراء وجواب إذا (حدّث) مع الدائن إذا طالبه (فكذب) في تحدثه معه بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه ولم يقم به فيصير كاذبًا، وذال كذب مخففة وهو معطوف على حدّث (ووعد) للدائن بالقضاء معطوف على حدّث (فاخلف) في وعده معطوف على وعبد كأن قال لصاحب الدين: أُوفيك دينك في يوم كذا ولم يُوف فيصير مُخلفًا لوعده، والكذب وخُلْف الوعد من صفات المنافقين، قال الأبي: الكذب في إخباره عن الماضي بخلاف الواقع، والإخلاف فيما وعد بوقوعه في المستقبل، وجواب الشرط إنما هو حدَّث وكذب وأخلف معطوفان على الجزاء بحرف التعقيب لا أنهما الجزاء اهـ. وهذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل التعليم لأمته وإلا فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك أو أنه سلك به طريق التواضع وإظهار العبودية وإلزام خوف الله

1120 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ. فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". 1121 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى والافتقار إليه، ولا يُمنع تكرر الطلب مع تحقق الإجابة لأن ذلك يُحصِّل الحسناتِ ويرفعُ الدرجاتِ اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 89] والبخاري [6375] وأبو داود [880] والنسائي [3/ 56] وابن ماجه [3838]. ولو قدم المؤلف حديث عائشة هذا على حديث أبي هريرة المذكور قبله فجعله ثاني أحاديث الباب، ثم ذكر حديث أبي هريرة فجعله ثالث أحاديث الباب لكان أوضح وأوفق لاصطلاحاته لأنه ذكر المتابعة هنا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1120 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي عالم الشام، ثقة، من (8) قال (حدثني الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي (حدثنا حسان بن عطية) المحاربي الدمشقي (حدثني محمد بن أبي عائشة) الأموي الشامي (أنه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم شاميون وواحد مدني وواحد نسائي، وفيه فائدة تصريح السماع في موضع العنعنة في الأول، وغرضه بسوقه بيان متابعة الوليد بن مسلم لوكيع في رواية هذا الحديث عن الأوزاعي، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ أحدكم من) قراءة (التشهد الآخر) قيد بالآخر لأن الأول ليس محل التطويل لأنه مبني على التخفيف (فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم) بدل بإعادة الجار (ومن عداب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1121 - (00) (00) (وحدثنيه الحكم بن موسى) البغدادي أبو صالح القنطري، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا هقل بن زياد) السكسكي مولاهم أبو

حَدَّثَنَا هِقْلُ بْنُ زِيادٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى، (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ)، جَمِيعًا عَنِ الأَوزَاعِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ" وَلَمْ يَذْكُرِ "الآخِرِ". 1122 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَة؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَعَذَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله الدمشقي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (ح قال وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (جميعًا) أي كلٌّ من هقل بن زياد وعيسى بن يونس روى (عن الأوزاعي) الدمشقي (بهذا الإسناد) يعني عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة، عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هقل وعيسى للوليد بن مسلم في رواية هذا الحديث عن الأوزاعي (و) لكن (قال) كل منهما (إذا فرغ أحدكم من التشهد ولم يذكر) كل منهما لفظة (الآخر) أي لم يقيد التشهد بالآخر، ولو قال (وقالا ولم يذكرا) بألف التثنية لكان أوضح، وفي بعض النسخ (وقالا ولم يذكرا) بألف التثنية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 1222 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبي بكر البصري، ثقة، من (7) (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (أنه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام الدستوائي للأوزاعي في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وكرر المتن لما فيها من المخالفة في سوق الحديث (قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اني أعوذ بك من عذاب القبر) أي من عقوبة فيه فهو من إضافة المظروف إلى ظرفه، وفي قوله (وعذاب

النَّارِ. وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". 1223 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عُوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ. عُوذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. عُوذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. عُوذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النار) من إضافة المسمى إلى الاسم، وفي قوله (وفتنة المحيا والممات) من إضافة المظروف إلى ظرفه، وفي قوله (وشر المسيح الدجال) من إضافة الشيء إلى سببه، وفي قوله "وعذاب القبر" إضافة المظروف إلى الظرف كمكر الليل، وأضيف إلى القبر لأنه الغالب والمراد البرزخ، قال ابن حجر المكي: وفيه أبلغ رد على المعتزلة في إنكارهم له ومبالغتهم في الحَطِّ على أهل السنة في إثباتِهم له حتى وقع لسُنّيٍ أنه صلى على معتزلي صلاةَ الجنازة فقال في دعائه: اللهم أذقه عذاب القبر فإنه كان لا يؤمن به ويبالغ في نفيه ويخطئ مثبته اهـ. فعلى هذا يكون من على مذهب الاعتزال معاملًا بما هو خلاف معتقده في هذه المسألة كما أنه يعامل بمقتضى معتقده في مسألة الرؤية فيكون محرومًا منها فهو معذب في الصورتين والعياذ بالله تعالى اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1223 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي المكي، ثقة، من (8) (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4) (عن طاوس) بن كيسان الحميري مولاهم الفارسي أبي عبد الرحمن اليماني، ثقة، من (3) (قال) طاوس (سمعت أبا هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد يماني، وغرضه بسوقه بيان متابعة طاوس لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عُوذُوا) أمر من عاذ يعوذ عَوْذًا من باب قال إذا تعوذ والتجأ بغيره أي تعوذوا والتجئوا (بالله من عذاب الله) وهذا عام يذكر بعده خاص (عوذوا بالله من عذاب القبر، عوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال، عوذوا بالله من فتنة المحيا والممات).

1224 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1225 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 1224 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني أبي محمد الحميري من أبناء فارس، روى عن أبيه في الصلاة والزكاة وغيرهما وعطاء وعكرمة بن خالد وغيرهم، ويروي عنه (ع) وسفيان بن عيينة ووهيب وابن جريج ومعمر والثوري وغيرهم وكان من أعلم الناس بالعربية، وثقه أبو حاتم والنسائي والعجلي والدارقطني، وقال في التقريب: ثقة فاضل عابد، من السادسة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (مثله) مفعول ثان لما عمل في المتابع، والضمير عائد على المتابع المذكور في السند السابق وهو عمرو بن دينار، والتقدير حدثنا ابن طاوس عن أبيه مثل ما حدث عمرو بن دينار عن طاوس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1225 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عباد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (مثلة) مفعول ثان لما عمل في المتابع وهو الأعرج، والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو طاوس بن كيسان، والتقدير حدثنا الأعرج عن أبي هريرة مثل ما حدث طاوس عن أبي هريرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

1226 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُدَيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَعَذَابِ جَهَنَّمَ. وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ. 1227 - (552) (210) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ - عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. يَقُولُ: "قُولُوا: اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1226 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن بديل) مصغرًا بن ميسرة العقيلي مصغرًا البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا هريرة، وغرضه بيان متابعة عبد الله بن شقيق لطاوس في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (أنه كان يتعوذ من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة الدجال). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 1227 - (552) (210) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (فيما قرئ عليه) وهو بمنزله أخبرنا (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن) عبد الله (بن عباس) الطائفي أبي العباس الهاشمي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد يماني وواحد مكي وواحد مدني وواحد بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم) أي كان يعلم الأصحاب (هذا الدعاء) الآتي (كما يعلمهم السورة من القرآن يقول) صلى الله عليه وسلم في تعليمهم (قولوا) أيها الأصحاب في صلاتكم (اللهم أنا نعوذ بك من عذاب جهنم) وفي المشكاة "إني أعوذ بك من عذاب جهنم" وهو الموافق لمقتضى السياق نظرًا للإفراد، ولكن أتى

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". قَال مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَال لابْنِهِ: أَدَعَوْتَ بِهَا فِي صَلاتِكَ؟ فَقَال: لَا. قَال: أَعِدْ صَلاتَكَ. لأَنَّ طَاوُسًا رَوَاهُ عَنْ ثَلاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ. أَوْ كَمَا قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ بضمير المتكلمين نظرًا للمخاطبين، قال في المرقاة: فيه إشارة إلى أنه لا مَخْلَص من عذابها إلَّا بالالتجاء إلى بارئها اهـ. (وأعوذ بك من عذاب القبر) ومنه شدة الضغطة ووحشة الموحدة (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) وهذا تعميم بعد تخصيص كما في المرقاة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 305] وأبو داود [984] وابن ماجه [3840]. (قال مسلم بن الحجاج) رحمه الله تعالى (بلغني) من بعض الناس (أن طاوسًا قال لابنه) عبد الله (أدعوت بها) أي بهذه الدعوة (في صلاتك فقال) ابنه (لا) أي ما دعوت بها (قال) طاوس لولده (أعد صلاتك) التي لم تدع فيها بهذا الدعاء لأنه واجب، قال الولد: وإنما قال لي والدي طاوس أعد صلاتك (لأن) والدي (طاوسًا رواه) أي روى هذا الحديث الذي فيه الأمر بالدعاء في الصلاة (عن ثلاثة) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أو) قال لي والدي رواه (أربعة) من الأصحاب (أو) الكلام (كما قال) لي والدي في عدد من رواه عنهم كقوله رواه عن خمسة أو ستة، والشك من ابن طاوس فيما ذكره والده في تعيين عدد من روى عنهم، والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي بعض الهوامش قوله لأن طاوسًا إلخ فيه التعبير عن التكلم بالغيبة والمعنى وإنما أمرتك بالإعادة لأني رويته عن ثلاثة أو أربعة. قال القرطبي: وأَمْرُ طاوس ابنَه بإعادة ما لم يتعوذ فيها من تلك الأمور دليلٌ على أنه كان يعتقد وجوب التعوذ منها في الصلاة وكأنه تمسك بظاهر الأمر بالتعوذ منها، وتأكد ذلك بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياها الناس كما يعلمهم السورة من القرآن، وبدوام النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ويحتمل أن يكون أمره بالاعادة تغليظًا عليه لئلا يتهاون بتلك الدعوات فيتركها فيحرم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدتها وثوابها والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ولعل طاوسًا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديثُ عائشة الأولُ ذكره للاستدلال، والثاني حديثُ عائشة الثاني ذكره للاستشهاد أو للمتابعة، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه سبع متابعات، والرابع حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

274 - (94) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

274 - (94) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده 1228 - (553) (211) حدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، (اسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ)، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاتِهِ، اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا. وَقَال: "اللَّهمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ. تبَارَكْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 274 - (94) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده 1228 - (553) (211) (حدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا الوليد) بن مسلم القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، ثقة، من (7) (عن أبي عمار) الدمشقي (اسمه شداد بن عبد الله) القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان، روى عن أبي أسماء عمرو بن مرثد في الصلاة، وأبي أمامة الباهلي في الصلاة والزكاة واللباس والكفارة، وواثلة بن الأسقع في شرف النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن فروخ في شرف النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (م عم) والأوزاعي وعكرمة بن عمار وغيرهم، وثقه العجلي وأبو حاتم والدارقطني ويعقوب بن سفيان، وقال في التقريب: ثقة يرسل، من (4) الرابعة (عن أبي أسماء) عمرو بن مرثد الرحبي الدمشقي، ثقة، من (3) (عن ثوبان) بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي عبد الله الشامي. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم شاميون إلَّا داود بن رشيد فإنه بغدادي (قال) ثوبان (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف) أي فرغ وسلم (من صلاته استغفر ثلاثًا) أي قال ثلاث مرات أستغفر الله، وقد استشكل استغفاره صلى الله عليه وسلم مع أنه مغفور له، قال ابن سيد الناس: هو وفاء بحق العبودية وقيام بوظيفة الشكر كما قال "أفلا أكون عبدًا شكورًا" وليبين للمؤمنين سنته فعلًا كما بينها قولًا في الدعاء والضراعة ليقتدي به في ذلك انتهى اهـ تحفة الأحوذي (وقال) أي ثم قال كما هو في رواية أبي داود (اللهم أنت السلام) أي ذو السلامة من المعائب والحوادث والنقائص والتغير والآفات، أو أنت المالك المُسلِّم للعباد من المهالك (ومنك) لا من غيرك يُرجى (السلام) أي السلامة من الآفات ويستوهب ويُستفاد منك (تباركت) أي تعاليت عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا أو تعالت صفاتك عن صفات المخلوقين

يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ". قَال الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: كَيفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَال: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ الله, أَسْتَغْفِرُ الله. 1229 - (554) (212) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا ذا الجلال) أي يا مستحق الجلال وهو العظمة وقيل الجلال التنزه عما لا يليق به، وقيل الجلال لا يُستعمل إلَّا لله سبحانه (و) ياذا (الإكرام) أي الإحسان إلى العباد، وقيل المُكْرِمُ لأوليائه بالإنعام عليهم والإحسان إليهم اهـ عون. وفي المفهم: (تباركت) تفاعلت من البركة وهي الكثرة والنماء ومعناه تعاظمت إذ كثرت صفات جلالك وكمالك و (ذا الجلال) ذا العظمة والسلطان وهو على حذف حرف النداء تقديره ياذا الجلال و (الإكرام) أي الإحسان وإفاضة النعم اهـ. وفي المرقاة قوله (تباركت ياذا الجلال والإكرام) أي تعاليت ياذا العظمة والمكرمة اهـ، وقال الأبي: قيل لما كان السلام معناه السالم من المعايب وسمات الحدوث جاء بقوله ومنك السلام وإليك السلام بيانًا واحتراسًا لأن الوصف بالسلامة إنما يكون فيمن هو بعرضة أن يلحقه ضرر فبيّن أن وصفه تبارك وتعالى بالسلام ليس على حد وصف المخلوقين المفتقرين لأنه تعالى الغني المتعالي الذي يعطي السلامة ومنه تستوهب وإليه ترجع اهـ. (قال الوليد) بن مسلم الدمشقي (فقلت لـ) شيخي عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي كيف) صفة (الاستغفار) الذي أمر به بعد الصلاة (قال) الأوزاعي في بيان كيفيته لي (تقول) يا وليد إذا أردت الاستغفار بعد الصلاة (أستغفر الله أستغفر الله) ثلاث مرات، لأنه الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما يزاد بعد هذا الذكر من قوله (وإليك يرجع السلام، فحينا ربنا بالسلام، وأدخلنا دارك دار السلام) فلا أصل له بل هو مختلق من بعض القُصَّاص اهـ من المرقاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 275, 279]، وأبو داود [1513]، والترمذي [200]، والنسائي [3/ 68]، وابن ماجه [928]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ثوبان بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1229 - (554) (212) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير

قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالت: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا سَلَّمَ، لَمْ يَقعُدْ. إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ "اللَّهمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ. تَبَارَكتَ ذَا الْجَلالِ وَالإِكرَامِ". وفي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيرٍ "يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن عاصم) بن سليمان الأحول أبي عبد الرحمن البصري التميمي، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن عبد الله بن الحارث) الأنصاري أبي الوليد البصري نسيب محمد بن سيرين روى عن عائشة في الصلاة، وابن عباس في الصلاة، وأبي هريرة في البيوع، وأفلح مولى أبي أيوب في الأطعمة، وعبد الله بن عمر في الدعاء، وزيد بن أرقم في الدعاء، ويروي عنه (ع) وعاصم الأحول وخالد الحذاء وأيوب وابنه يوسف بن عبد الله، وثقه أبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (قالت) عائشة (كان النبي صلى إله عليه وسلم إذا سلم) من الصلاة المكتوبة التي بعدها سنة (لم يقعد) أي بين الفريضة والسنة (إلا مقدار ما يقول) لأنه صح أنه كان يقعد بعد أداء الصبح على مصلاه حتى تطلع الشمس اهـ من المرقاة، أي لا يقعد إلَّا قدر زمن يقول فيه (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام، وفي رواية ابن نمير ياذا الجلال والإكرام) بزيادة حرف النداء، قال القرطبي: السلام الأول اسم من أسمائه تعالى كما قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيمِنُ} [الحشر: 23] والسلام الثاني السلامة كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} [الواقعة: 91] ومعنى ذلك أن السلامة من المعاطب والمهالك إنما تحصل لمن سلمه الله تعالى كما قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 62, 184, 235]، والترمذي [298]، والنسائي [3/ 69]، وابن ماجه [924]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1230 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، يَعْنِي الأَحْمَرَ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "يَاذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ". 1231 - (00) (00) وحدَّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ. وَخَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ. كِلاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ؛ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1230 - (00) (00) (وحدثناه ابن نمير حدثنا أبو خالد يعني الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري، وقوله (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة متعلق بحدثنا أبو خالد، غرضه بيان متابعة أبي خالد لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن عاصم (وقال) أبو خالد في روايته عن عاصم (ياذا الجلال والإكرام) بزيادة حرف النداء لا كما قال أبو معاوية في رواية ابن أبي شيبة بلا حرف النداء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1231 - (00) (00) (وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري، صدوق، من (11) (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري (عن عبد الله بن الحارث) الأنصاري البصري، وقوله (وخالد) بن مهران الحذاء البصري أبي المنازل المجاشعي، بالجر معطوف على عاصم أي روى شعبة عن عاصم وخالد الحذاء (عن عبد الله بن الحارث كلاهما) أي كل من عاصم وخالد رويا (عن عائشة) بواسطة عبد الله بن الحارث (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) الذكر المذكور، وساق شعبة (بمثله) أي بمثل ما حدث أبو معاوية عن عاصم، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن عائشة ولكن زاد شعبة على أبي معاوية روايته عن خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة فلأبي معاوية شيخ واحد عاصم، عن عبد الله بن الحارث، ولشعبة شيخان عاصم عن عبد الله، وخالد عن عبد الله (غير أنه) أي لكن أن

كَانَ يَقُولُ: "يَاذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة (كان يقول) في روايته عن شيخيه (يا ذا الجلال والإكرام) بإثبات حرف النداء وأبو معاوية في رواية ابن أبي شيبة "ذا الجلال والإكرام" بإسقاطه، وفي كلام المؤلف هنا تقديم وتأخير وتحريف، وصواب العبارة أن يقال (حدثنا شعبة، عن عاصم وخالد كليهما عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة) إلخ، هكذا ظهر لفهمي السقيم، والله أعلم. وفي المفهم (قول عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلَّا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام) الحديث دليل لمالك على كراهيته للإمام المقام في موضعه الذي صلى فيه بعد سلامه خلافًا لمن أجاز ذلك، والصحيح الكراهة لهذا الحديث ولما رواه البخاري من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيرًا، قال ابن شهاب: فنرى والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء، ووجه التمسك بذلك أنهم اعتذروا عن المقام اليسير الذي صدر عنه عليه الصلاة والسلام وبينوا وجهه فدل ذلك على أن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع، وأما القعود فإنما كان منه ليستوفي من الذكر ما يليق بالسلام الذي انفصل به من الصلاة ولينصرف النساء، وقد روى البخاري أيضًا عن سمرة بن جندب "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى أقبل بوجهه" رواه في [1386] وهذا يدل على أن إقباله على الناس كان متصلًا بفراغه ولم يكن يقعد، وقد روى أبو أحمد بن عدي في الكامل ما هو أنص من هذا كله عن أنس قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ساعةَ يُسلِّم يقومُ"، ثم صليت مع أبي بكر فكان إذا سلم وَثَب كأنَّه يَقُومُ عَنْ رَضْفَةٍ" الحجَرِ المُحمى على النارِ رواه في الكامل [4/ 1516] وهذا الحديث وإن لم يكن في الصحة مثل ما تقدم فهو عاضد للصحيح ومبين لمضمونه وإذا كره له القعود في موضع صلاته فأحرى وأولى أن تكره له الصلاة فيه، وقد روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول" رواه في [616] ويعتضد هذا من جهة المعنى بأن ذلك الموضع إنما استحقه الإمام للصلاة التي يقتدى به فيها فإذا فُرِغَتْ ساوى الناس وزال حُكْمُ الاختصاصِ والله أعلم اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ثوبان بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال:

1229 - (555) (213) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ وَزَادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ قَال: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاويةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ وَسَلَّمَ، قَال: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِيرٌ. اللَّهمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ. وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ. وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1229 - (555) (213) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن المسيب بن رافع) الأسدي أبي العلاء الكوفي الأعمى، ثقة، من (4) (عن وراد مولى المغيرة بن شعبة) وكاتبه أبي سعيد الثقفي الكوفي، روى عن المغيرة في الصلاة واللعان والأحكام، ويروي عنه (ع) والمسيب بن رافع وعبدة بن أبي لبابة وعبد الملك بن عمير وأبو سعيد والشعبي وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (قال) وراد (كتب المغيرة بن شعبة) الثقفي الكوفي، الصحابي المشهور رضي الله عنه (إلى معاوية) بن أبي سفيان الخليفة الأموي الشامي الصحابي الجليل رضي الله عنه يعني بعدما كتب إليه معاوية سأله أي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم كما هو مصرح في أبي داود. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة) المكتوبة (وسلَّم) عطفُ تفسيرٍ لفرَغَ، أو سبب على مسبب، ورواية أبي داود (إذا سلم من الصلاة) فحسب (قال) أي يقول خبر كان، وإذا ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق به أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول وقت فراغه من الصلاة وتسليمه منها (لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) قال الحافظ في الفتح: زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة "يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير .. إلى قدير" ورواته موثقون، وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح لكن في القول إذا أصبح وإذا أمسى اهـ (اللهم لا مانع لما أعطيت) أي الذي أعطيته (ولا معطي لما منعت) أي الذي منعته (ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم فيهما أي لا ينفع صاحب الغنى والحظ من الدنيا (منك) أي عندك (الجد) أي غناؤه وإنما ينفعه الإيمان والطاعة

1233 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والتقوى، وضبطه جماعة بكسر الجيم فيهما، قال في النهاية: أي لا ينفع ذا الغناء منك غناؤه وإنما ينفعه الإيمان والطاعة اهـ قال الجوهري: ومنك بمعنى عندك؛ ومعناه ولا ينفع صاحب الغنى عندك غناؤه وإنما ينفعه العمل بطاعتك ولا يحول بينه وبين ما يريده الله تعالى إذ لا حول ولا قوة إلَّا بالله، قال ابن الملك: ومنك معناه بَدَلَك ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ} أي بدلكم، والمعنى عليه ولا ينفع ذا الغنى غناه بدل طاعتك اهـ. والحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [245 و 247] والبخاري [844] وأبو داود [1505] والنسائي [3/ 70]. وهذا الحديث يدل على مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة، وظاهره أنه يقول ذلك مرة، ووقع عند أحمد والنسائي وابن خزيمة أنه كان يقول الذكر المذكور ثلاث مرات، قال الحافظ في الفتح: وقد اشتهر على الألسنة في الذكر المذكور زيادة "ولا راد لما قضيت" وهو في مسند عبد بن حميد من رواية معمر بن عبد الملك بهذا الإسناد لكن حذف قوله "ولا معطي لما منعت" ووقع عند الطبراني تامًّا من وجه آخر انتهى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: 1233 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (وأحمد بن سنان) بنونين بن أسد بن حبان بكسر الموحدة المهملة القطان أبو جعفر الواسطي، روى عن أبي معاوية في الصلاة، وعبد العزيز بن مهدي في المناقب، ويحيى بن سعيد القطان ووكيع وابن مهدي وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ق) وابن خزيمة وعدة، وقال أبو حاتم: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من (11) الحادية عشرة، مات سنة [259] تسع وخمسين ومائتين (قالوا حدثنا أبو معاوية) الكوفي (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكوفي (عن المسيب بن رافع) الكوفي (عن وراد مولى المغيرة بن شعبة) الكوفي (عن المغيرة) بن شعبة رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر في رواية

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. قَال أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ فِي رِوَايَتِهِمَا: قَال: فَأَمْلاهَا عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ. وَكَتَبْتُ بِهَا إِلَى مُعَاوَيةَ. 1234 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ؛ أَنَّ وَرَّادًا مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَال: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوَيةَ - كَتَبَ ذلِكَ الْكِتَابَ لَهُ وَرَّادٌ - إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، حِينَ سَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث عن المسيب بن رافع، وفائدتها بيان كثرة طرقه مع بيان محل المخالفة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (مثله) مفعول ثان لما عمل في المتابع وهو الأعمش أي حدثنا الأعمش عن المسيب بن رافع مثل ما حدث منصور عن المسيب ولكن (قال أبو بكر وأبو كريب في روايتهما) عن أبي معاوية (قال) وراد (فأملاها) أي أملى هذه الأذكار (عَلَيَّ المغيرةُ) بن شعبة، والإملاء حكاية القول لمن يكتبه كما مر في أوائل الكتاب (وكتبت بها) أي بهذه الأذكار مرسلة (إلى معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 1234 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عبدة بن أبي لبابة) الأسدي الكوفي، ثقة، من (4) (أن ورادًا مولى المغيرة بن شعبة قال) وراد (كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية) قال عبدة بن أبي لبابة (كتب ذلك الكتاب له) أي للمغيرة (وراد) مولاه وهذا مدرج من كلام الراوي لبيان الكاتب، ويحتمل كونه من كلام وراد على سبيل التجريد البياني (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين سلم) من صلاته الأذكار السابقة، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد بصري وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لمنصور والأعمش في رواية هذا الحديث عن وراد ولكنها متابعة ناقصة لأن منصورًا والأعمش رويا عن وراد بواسطة المسيب بن رافع، وأما ابن جريج فروى عنه بواسطة عبدة بن أبي

بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. إِلَّا قَوْلَهُ: "وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ" فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُر. 1235 - (00) (00) وحدَّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ). ح قَال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي أَزْهَرُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ وَرَّادٍ، كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ قَال: كَتَبَ مُعَاويةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لبابة، وقوله (بمثل حديثهما) متعلق بما عمل في المتابع وهو ابن جريج أي أخبرنا ابن جريج عن وراد بواسطة عبدة بمثل ما حدّث منصور والأعمش عن وراد بواسطة المسيب بن رافع (إلا قوله) صلى الله عليه وسلم (وهو على كل شيء قدير فإنه) أي فإن ابن جريج (لم يذكر) هـ أي لم يذكر في حديثه لفظ وهو على كل شيء قدير وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 1235 - (00) (00) (وحدثنا حامدبن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) مات سنة (233) (حدثنا بشر يعني ابن المفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (ح قال وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثني أزهر) بن سعد السمان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، روى عن ابن عون في الصلاة والهبة والوصايا والحدود والفضائل، وسليمان التيمي ويونس وآخرين، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن المثنى وأحمد بن عثمان النوفلي وإسحاق الحنظلي والحسن الحلواني وغيرهم، وثقه ابن سعد وابن قانع، وأثنى عليه ابن معين وابن عون، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (203) ثلاث ومائتين، حالة كون ابن المفضل وأزهر (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبي عون البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن أبي سعيد) عبد ربه بن سعيد الشامي، روى عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة في الصلاة، ويروي عنه (م) وابن عون، ثقة، من (4) (عن وراد كانب المغيرة بن شعبة) الكوفي (قال) وراد كتب معاوية) بن أبي سفيان (إلى المغيرة) بن شعبة يسأله عما يقوله النبي صلى الله عليه

بِمِثلِ حَدِيثِ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ. 1236 - (00) (00) وحدَّثنا بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ. حَدَّثنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيرٍ. سَمِعَا وَرَّادًا كَاتِبَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يَقُولُ: كَتَبَ مُعَاويَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلّيَّ بِشَيءِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَكَتَبَ إِلَيهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، إِذَا قَضَى الصَّلاةَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ. اللَّهمَّ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم بعد الصلاة، وساق ابن عون (بمثل حديث منصور والأعمش) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد شامي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن عون لمنصور والأعمش في رواية هذا الحديث عن وراد ولكنها متابعة ناقصة لأن ابن عون روى عن وراد بواسطة أبي سعيد، وأما منصور والأعمش فرويا عنه بواسطة المسيب بن رافع نظير متابعة ابن جريج لمنصور والأعمش كما مر آنفًا، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: 1236 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر المكي) أبو عبد الله العدني، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي، ثقة، من (8) (حدثنا عبدة بن أبي لبابة) الكوفي (وعبد الملك بن عمير) بن سويد اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) كلاهما (سمعا ورادًا كلاتب المغيرة بن شعبة) ومولاه الكوفي، حالة كون وراد (يقول كتب معاوية) بن أبي سفيان (إلى المغيرة) بن شعبة أن (اكتب إليّ بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول بعد الصلاة (قال) وراد (فكتب) المغيرة (إليه) أي إلى معاوية إني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول إذا قضى الصلاة) المكتوبة وأتمها وفرغ منها، وإذا ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بيقول، وقوله (لا إله إلَّا الله) إلى آخره مقول ليقول؛ أي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وقت قضائه وإتمامه الصلاة لا إله إلَّا الله (وحده) في ذاته وصفاته (لا شريك له) في أفعاله (له الملك) بضم الميم أي أصناف المخلوقات كلها (وله الحمد) على كل نعمه (وهو على كل شيء) من الممكنات (قدير) أي قادر (اللهم لا

مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ. وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ. وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". 1237 - (556) (214) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ؛ قَال: كَانَ ابْنُ الزُّبَيرِ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ، حِينَ يُسَلِّمُ: "لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِيرٌ. لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللهِ. لَا إِلَهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مانع) بترك التنوين في مانع على أنه اسم مفرد مبني على الفتح لتضمنه معنى من الاستغراقية، والخبر محذوف جوازًا أي لا مانع مانع (لما أعطيت) واللام متعلق بالخبر المحذوف، فائدتها تقوية العامل، وجوّز حذف الخبر ذكر مثل المحذوف وحسنه دفع التكرار، وكذا يقال في قوله (ولا معطي لما منعت) أي ولا معطي معط لما منعته (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا ابن أبي عمر فإنه مكي عدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمنصور والأعمش وابن جريج في رواية هذا الحديث عن وراد ولكنها متابعة ناقصة بالنسبة إلى منصور والأعمش وتامة بالنسبة إلى ابن جريج. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ثوبان بحديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم فقال: 1237 - (556) (214) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (حدثنا هشام) بن عروة الأسدي المدني، ثقة فقيه ربما دلس، من (5) (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي، صدوق، من (4) (قال) أبو الزبير (كان) عبد الله (بن الزبير) بن العوام الأسدي أبو خبيب المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي أي كان عبد الله بن الزبير (يقول في دبر كل صلاة) مكتوبة أي عقبها (حين يسلم) منها، قال الداودي عن ابن الأعرابي: دُبُر الشيء بالضم والفتح آخر أوقاته والصحيح الضم كما قال النواوي، ولم يذكر الجوهري وآخرون غيره، وفي القاموس: الدُّبُر بضمتين نقيض القُبُل ومن كل شيء عقبه، وبفتحتين الصلاة في آخر وقتها اهـ عون؛ أي كان ابن الزبير يقول عقب كل صلاة مفروضة ولو بعد سنة (لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلَّا بالله لا إله

إِلَّا اللهُ. وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ. وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ. لا إِلَهَ إِلا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ". وَقَال: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ. 1238 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، مَوْلًى لَهُمْ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ كَانَ يُهَلِّلُ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. وَقَال فِي آخِرِهِ: ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَّا الله ولا نعبد إلَّا إياه له النعمة وله الفضل) أي التفضل على عباده والإحسان إليهم (وله الثناء الحسن) أي الجميل اللائق بجلاله وكماله (لا إله إلَّا الله) أي نُقِر له الوحدانية، حالة كوننا (مخلصين له الدين) أي العمل عن ملاحظة المخلوق (ولو كره الكافرون) أي وإن كره المشركون إخلاصنا العمل له تعالى (وقال) ابن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل) أي يرفع صوته (بهن) أي بتلك الكلمات (دُبُر كل صلاة) أي عقب كل صلاة مفروضة، والحديث يدل على مشروعية هذا الذكر بعد الصلاة مرة واحدة لعدم ما يدل على التكرار قاله الشوكاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 4]، وأبو داود [506 و 507]، والنسائي [3/ 75]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقال: 1238 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، اسمه عبد الرحمن، ثقة، من (8) (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم الأسدي المكي، وقوله (مولى لهم) أي لبني أسد بدل من أبي الزبير (أن عبد الله بن الزبير) بن العوام رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبدة بن سليمان لعبد الله بن الزبير في رواية الحديث عن هشام بن عروة (كان) أي عبد الله (يهلل) أي يرفع صوته بهذه الكلمات (دبر كل صلاة) مكتوبة، وقوله (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) متعلق بحدثنا عبدة لأنه العامل في المتابع أي حدثنا عبدة بن سليمان بمثل حديث ابن نمير في اللفظ والمعنى (و) لكن (قال) عبدة (في آخره) أي في آخر ذلك المثل (ثم) بعد هذه

يَقُولُ ابْنُ الزُّبَيرِ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ. 1239 - (00) (00) وحدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ. حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ يَخْطُبُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ. وَهُوَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، إِذَا سَلَّمَ، فِي دُبُرِ الصَّلاةِ أَو الصَّلَوَاتِ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. 1240 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلمات (يقول ابن الزبير) بدل قول عبد الله بن نمير "وقال" (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن) أي يرفع بهذه الكلمات صوته (دبر كل صلاة) مكتوبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقال: 1239 - (00) (00) (وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من (8) (حدثنا الحجاج بن أبي عثمان) ميسرة الكندي مولاهم أبولصلت البصري، ثقة، من (6) (حدثني أبو الزبير) المكي (قال) أبو الزبير (سمعت عبد الله بن الزبير يخطب على هذا المنبر) النبوي أو المكي لم أر من عيّن أحدهما؛ يعني في زمن إمارته. وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد مكي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة حجاج بن أبي عثمان لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (و) سمعته أيضًا و (هو يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم في دبر الصلاة) أي عقب الصلاة المكتوبة، والجار والمجرور بدل من الظرف المذكور قبله أي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وقت تسليمه من الصلاة عقب الصلاة (أو) قال أبو الزبير في دبر (الصلوات) بلفظ الجمع، والشك من حجاج بن أبي عثمان (فذكر) حجاج (بمثل حديث هشام بن عروة) سواءً بسواء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقال: 1240 - (00) (00) (وحدثني محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة

الْمُرَادِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله بْنِ سالِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيرِ الْمَكِّيَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيرِ وَهُوَ يَقُولُ، فِي إِثْرِ الصَّلاةِ إِذَا سَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. وَقَال فِي آخِرِهِ: وَكَانَ يَذْكُرُ ذلِكَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 1241 - (557) (215) حدَّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيمِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (المرادي) الجملي أبو الحارث المصري الفقيه، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري، ثقة، من (9) (عن يحيى بن عبد الله بن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، صدوق، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتانية ومعجمة الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (أن أبا الزبير المكي حدثه) أي حدث موسى بن عقبة (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع عبد الله بن الزبير وهو) أي والحال أن عبد الله (يقول) الذكر المذكور (في إثر الصلاة) أي عقب الصلاة المفروضة (إذا سلم) وفرغ منها. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مدنيان واثنان مصريان، غرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لهشام بن عروة وحجاج بن أبي عثمان في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير، وساق موسى بن عقبة (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث هشام وحجاج (و) لكن (قال) موسى بن عقبة (في آخره) أي في آخر ذلك المثل الذي ساقه لفظة (وكان) ابن الزبير (يذكر ذلك) الذكر ويرويه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا عن رأيه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ثوبان بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1241 - (557) (215) (حدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري، روى عن المعتمر بن سليمان في الصلاة وغيرها، وخلف بن الحارث في مواضع، وخالد بن الحارث، ويروي عنه (م د س) وأبو يعلى، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة (حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي أبو محمد البصري، من (9) (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن

ح قَال: وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ كِلاهُمَا عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - وَهَذا حَدِيثُ قُتَيبَةَ - أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَال: "وَمَا ذاكَ؟ " قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطاب القرشي العدوي العمري أبو عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (5) (ح قال وحدثنا قتببة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن) محمد (بن عجلان) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني صدوق، من (5) (كلاهما) أي كل من عبيد الله بن عمر ومحمد بن عجلان رويا (عن سُميٍّ) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني القيسي مولاهم مولى جويرية بنت قيس القيسية، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان، ورجال الثاني أيضًا أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي، ومن لطائفه أن فيه رواية الأكابر من الأصاغر (وهذا) الآتي لفظ (حديث قتيبة) بن سعيد (أن فقراء المهاجرين) ومساكينهم، خص المهاجرين بالذكر لأن الفقر فيهم كان أكثر منه في الأنصار لانتقال المهاجرين رضي الله عنهم عن أموالهم التي بمكة اهـ أبي (أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجاءوه يشكون إليه فقرهم بسبب فقد ما يتصدقون به (فقالوا) وفيهم أبو ذر كما في رواية أبي داود (ذهب أهل الدثور) بضم الدال جمع دثر -بفتح الدال وسكون الثاء المثلثة- وهو المال الكثير، قال الهروي: يقال مال دثر ومالان دثر وأموال دثر، وحكى أبو عمر المطرز: إن الدثر بالثاء يثنى ويجمع، ومنه هذا الحديث أي استبد أهل الأموال الكثيرة (بالدرجات العلى) في الجنة أو المراد علو القدر عند الله تعالى جمع العليا تأنيث الأعلى ككبرى وكبر، والبَاءُ للتعدية أي أذهبوها وأزالوها وذكر ملا علي عن الطِّيبِيِّ كونها للمصاحبة فيكون المعنى استصحبوها معهم ولم يتركوا لنا شيئًا (و) بـ (النعيم المقيم) أي الدائم المستحق بالصدقة وهو نعيم الآخرة وعيش الجنة بخلاف النعيم العاجل فإنه على وَشَكِ الزوالِ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ذاك) أي وما سبب ذاك الشكوى (قالوا يصلون كما نصلي) ما كافة تُصحح دخول الجار على الفعل، وتفيد تشبيه الجملة بالجملة كقولك يكتب زيد كما يكتب عمرو، أو مصدرية كما في قوله تعالى: {بِمَا رَحُبَتْ} أي

وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ. وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ. ويعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُونَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَال: "تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ، ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاتهم مثل صلاتنا، وكذا يقال في (ويصومون كما نصوم) أي وصومهم مثل صومنا. زاد في حديث أبي الدرداء عند النسائي في اليوم والليلة "ويذكرون كما نذكر" وللبزار من حديث ابن عمر "وصدّقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا" (ويتصدقون) من فضول أموالهم (ولا نتصدق ويعتقون) الرقاب (ولا نعتق فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أعلمكم) والفاء زائدة كما تدل عليه رواية البخاري "ألا أحدثكم بشيء" أي ألا أعلمكم (شيئًا) إن أخذتم به (تدركون به) أي بذلك الشيء (من سبقكم) من أهل الأموال في الدرجات العلا والنعيم المقيم (وتسبقون به من بعدكم) أي تسبقون به أمثالكم الذين لا يقولون هذه الأذكار فتكون البعدية بحسب الرتبة اهـ مبارق، ويحتمل أن يكون إدراكهم من سبَقَهُم، وسَبْقُهم من بعدهم يكون ببركة وجوده صلى الله عليه وسلم وكونهم من قرنه الذي هو خير القرون اهـ مرقاة، قال القسطلاني: والسبقية المذكورة رجح ابن دقيق العيد أن تكون معنوية، وجوّز غيره أن تكون حسية، قال الحافظ: والأول أولى اهـ (ولا يكون أحد) لا من أصحاب الأموال ولا من غيرهم (أفضل منكم إلَّا من صنع) من الأغنياء (مثل ما صنعتم) من الأذكار فلستم خيرًا منه. (فإن قلت) ما معنى هذا الكلام لأن الاستثناء يقتضي ثبوت الأفضلية للمستثنى وهو مماثل للمستثنى منه لقوله صلى الله عليه وسلم "مثل ما صنعتم" (قلت) معناه لا يكون أحد من الأغنياء يزيد عليكم بصدقته في الثواب بل أنتم أفضل بهذه الأذكار إلَّا من يقول منهم هذه الأذكار فيزيد عليكم بصدقته اهـ ابن الملك. (قالوا) أي قال فقراء المهاجرين (بلى يا رسول الله) عفمنا ذلك الشيءَ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تسبحون) دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثًا وثلاثين مرة (وتكبرون) دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة (وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة) قال ابن الملك: معناه يكون جميعها ثلاثًا وثلاثين مرة لكن الأظهر أن كل واحد من

قَال أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: لسَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا. فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ". وَزَادَ غَيرُ قُتَيبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ اللَّيثِ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ: قَال سُمَيٌّ: فَحَدَّثْتُ بَعْضَ أَهْلِي هَذَا الْحَدِيثَ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذكار يكون ثلاثًا وثلاثين مرة اهـ وقال القسطلاني: فالمجموع لكل فرد فرد والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف - وهو دبر بمعنى خلف كما في رواية البخاري - وفي ثلاثًا وثلاثين وهو مفعول مطلق، وقيل المراد المجموع للجميع فإذا وزع كان لكل واحد من الثلاثة أحد عشر وبدأ بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عنه تعالى، ثم ثنى بالتحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له تعالى إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم ثلث بالتكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص وإثبات الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر، وقد وقع في رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد ومثله لأبي داود من حديث أم حكيم وله في حديث أبي هريرة يكبر ويحمد ويسبح، وهذا الاختلاف يدل على أَنْ لا ترتيب. فيه ويستأنس له بقوله في حديث الباقيات الصالحات لا يضرك بأيهن بدأت لكن ترتيب حديث الباب الموافق لأكثر الأحاديث أولى لما مر، اهـ منه. (قال أبو صالح) بالسند السابق (فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا) له (سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا) أي بما قلنا (ففعلوا) أي قالوا (مثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك) المال الذي سبقوكم به بعد فعلهم ما فعلتم (فضل الله) سبحانه وعطاؤُه (يؤتيه من يشاء) من عباده فلا تنافسوا فيه. (وزاد غير قتيبة) بن سعيد، قال الحافظ ابن حجر: والغير المذكور يحتمل أن يكون شعيب بن الليث أو سعيد بن أبي مريم فقد أخرجه أبو عوانة في مستخرجه عن الربيع بن سليمان عن شعيب، وأخرجه الجوزقي والبيهقي من طريق سعيد، وتبين بهذا أن في رواية عبيد الله بن عمر عن سُمَي في حديث الباب إدراجًا، وقد روى ابن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور ولم يذكر قوله فاختلفنا، اهـ منه (في هذا الحديث) المذكور، حال كون ذلك الغير راويًا (عن الليث عن ابن عجلان) قال (قال سُمَيّ: فحدثت بعض أهلي) وأقاربي (هذا الحديث فقال) ذلك البعض لي

وَهِمْتَ. إِنَّمَا قَال: "تُسَبِّحُ الله ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتَحْمَدُ الله ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَتُكَبِّرُ الله ثَلاثًا وَثَلاثِينَ" فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي صَالِحِ فَقُلْتُ لَهُ ذلِكَ. فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَال: اللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ للهِ. اللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ الله وَالْحَمْدُ لِلهِ. حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ. قَال ابْنُ عَجْلانَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَجَاءَ بْنَ حَيوَةَ فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهمت) وأخطأت يا سُميّ في قولك إن المجموع ثلاث وثلاثون كما هو المفهوم من الرواية السابقة (إنما قال) أبو صالح في الحديث (تسبح الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبر الله ثلاثًا وثلاثين) قال سُميّ (فرجعت إلى أبي صالح فقلت له) أي لأبي صالح (ذلك) الكلام الذي قاله بعض أهلي (فأخد) أبو صالح (بيدي فقال) لي تقول (الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، حتى تبلغ) وتكمل (من جميعهن) أي من كل فرد فرد من هذه الكلمات الثلاث (ثلاثًا وثلاثين) مرة (قال) محمد (بن عجلان) بالسند السابق (فحدثت بهذا الحديث) الذي سمعته من سُميّ (رجاء بن حيوة) الكندي الفلسطيني، ثقة، من الثالثة، مات سنة (112) اثنتي عشرة ومائة (فحدثني) رجاء (بمثله) أي بمثل ما حدثني سُميّ (عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القسطلاني: وهل العدد المذكور للجميع أو المجموع، ورواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع لأنه قال "حتى تبلغ من جميعهن ثلاثًا وثلاثين" ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف حين قال "الله أكبر وسبحان الله والحمد لله" والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله على كل حركة لذلك سواء كان بأصابعه أَوْ بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلَّا الثلث، ثم إن الأفضل الإتيان بهذا الذكر متتابعًا في الوقت الذي عين فيه. وهل إذا زيد على العدد المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المترتب عليه أم لا؟ قال بعضهم: لا يحصل لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية، وإن خفيت علينا لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكم فربما تفوت بمجاوزة ذلك العدد، والمعتمد الحصول لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب فلا تكون الزيادة مزيلة له بعد حصوله بذلك العدد، أشار إليه الحافظ زين الدين العراقي اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا

1242 - (00) (00) وحدَّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ بِمِثْلِ حَدِيثِ قُتَيبَةَ عَنِ اللَّيثِ. إِلَّا أَنَّهُ أَدْرَجَ، فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ، قَوْلَ أَبِي صَالِحٍ: ثُمَّ رَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ سُهَيلٌ: إِحْدَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث البخاري [843]، وأبو داود [1504]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1242 - (00) (00) (وحدثني أمية بن بسطام) بمنع الصرف للعلمية والعجمة و (العيشي) نسبة إلى بني عائش بن مالك بن تيم الله سكنوا البصرة كذا في اللباب، أبو بكر البصري، صدوق، من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) بزاي ثم راء مهملة مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث بكسر المعجمة البصري، ثقة، من (6) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة سهيل لسُميّ في رواية هذا الحديث عن أبي صالح (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم) أي أن فقراء المهاجرين والمراد فقراء الصحابة، وأضافهم إلى المهاجرين لأن أكثرهم كان منهم لخروجهم عن أموالهم التي بمكة طلبًا لرضا الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم (قالوا يا رسول الله ذهب) أي أخذ وفاز (أهل الدثور) والأموال الكثيرة (بالدرجات العلى) والمقام السامي عند الله تعالى (والنعيم المقيم) أي الدائم الذي لا يزول الذي هو نعيم الجنة وعيش الاخرة بسبب تصدقهم فضولَ أموالهم، وقوله (بمثل حديث قتيبة عن الليث) متعلق بحدثني أمية لأنه المتابع (إلا أنه) أي إلَّا أن أمية بن بسطام (أدرج في حديث أبي هريرة قول أبي صالح) السمان يعني قوله (ثم رجع فقراء المهاجرين) من أوله (إلى آخر الحديث وزاد) أمية على قتيبة (في) آخر (الحديث) بعد قوله "حتى تبلغ من جميعهن ثلاثة وثلاثين" ذِكْرًا، أي زاد لفظة (يقول سهيل) حتى تقول من جميعهن (إحدى

عَشْرَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ فَجَمِيعُ ذلِكَ كُلُّهُ ثَلاثَةٌ وَثَلاثونَ. 1243 - (558) (216) وحدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة) مرة (إحدى عشرة) مرة يعني تقول من كل من الأذكار الثلاثة إحدى عشرة مرة (فجميع ذلك) العدد (كله) من الأذكار الثلاثة الذي هو إحدى عشرة أي فمجموع ذلك العدد من الأذكار الثلاثة (ثلاثة وثلاثون) ذِكْرًا، قال الحافظ ابن حجر: يعني سهيل أن يكون المجموع للجميع فإذا وُزع على الثلاثة كان لكل واحد إحدى عشرة مرة لكن لم يتابع سهيل على ذلك بل لم أر في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة إلَّا في حديث ابن عمر عند البزار وإسناده ضعيف، والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد فعلى هذا ففيه تنازع ثلاثة أفعال في ظرف ومصدر، والتقدير: تسبحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمدون كذلك وتكبرون كذلك اهـ بتصرف، قال النواوي في كيفية عدد التسبيحات والتحميدات والتكبيرات: أن أبا صالح قال يقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ثلاثًا وثلاثين مرة، وذكر بعد هذه الطريق طرقًا غير طريق أبي صالح، وظاهرها أنه يسبح ثلاثًا وثلاثين مستقلة، ويكبر ثلاثًا وثلاثين مستقلة، ويحمد كذلك وهذا ظاهر الأحاديث، قال القاضي عياض: وهو أولى من تأويل أبي صالح، وأما قول سهيل إحدى عشرة إحدى عشرة فلا ينافي رواية الأكثرين ثلاثًا وثلاثين بل معهم زيادة يجب قبولها، وفي رواية تمام المائة "لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له" إلخ، وفي رواية أن التكبيرات أربع وثلاثون، وكلها زيادات من الثقات يجب قبولها فينبغي أن يحتاط الإنسان فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة ومثلها تحميدات وأربع وثلاثين تكبيرة ويقول معها لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له إلى آخرها ليجمع بين الروايات اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ثوبان خامسًا بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنهما فقال: 1243 - (558) (216) (وحدثنا الحسن بن عيسى) بن ماسرجس بفتح المهملة، وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة الحنظلي أبو علي النيسابوري مولى ابن مبارك أسلم على يديه، روى عن عبد الله بن المبارك في الصلاة والجنائز وأبي الأحوص ويروي عنه (م د) وأحمد بن حنبل والبغوي وابن صاعد وخلف وثقه الدارقطني والخطيب وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات بالثعلبية سن (240) أربعين ومائتين منصرفًا

أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ. قَال: سَمِعْتُ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ، (أَوْ فَاعِلُهُنَّ)، دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ. ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً. وَأرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً". 1244 - (00) (00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الحج (أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي أحد الأئمة الأعلام وأحد شيوخ الإسلام، ثقة، من (8) (أخبرنا مالك بن مغول) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح الواو البجلي أبو عبد الله الكوفي أحد علماء الكوفة، ثقة ثبت، من كبار (7) (قال) مالك (سمعت الحكم بن عتيبة) الكندي أبا عبد الله الكوفي، ثقة، من (5) حالة كونه (يُحدِّث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي، ثقة، من (2) قال عبد الله بن الحارث: ما ظننت أن النساء ولدن مثله (عن كعب بن عجرة) بن أمية الأنصاري أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي وواحد نيسابوري (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معقبات) جمع معقبة بصيغة اسم الفاعل، والمعقب ما جاء عقب ما قبله وهي مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده أي كلمات تقال عقب الصلاة، وجملة (لا يخيب قائلهن) أي لا يخسر ولا يحرم عن الثواب الآتي بهن صفة له (أو فاعلهن) شك من الراوي، وقوله (دبر كل صلاة مكتوبة) ظرف للقول، وقوله (ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة) خبره اهـ من المبارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [3409] والنسائي [3/ 75]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: 1244 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان البصري (الجهضمي) أبو عمر الأزدي، ثقة ثبت، من (10) (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن

حَدَّثَنَا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ، (أَوْ فَاعِلُهُنَ)، ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً. وَأرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً. فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ". 1245 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزبير بن عمرو بن درهم الزبيري مولاهم الكوفي ثقة ثبت إلَّا أنه قد يخطئ في حديث الثوري من (9) (حدثنا حمزة) بن حبيب بن عمارة (الزيات) التيمي مولى تيم الله من ربيعة أبو عمارة الكوفي أحد القراء السبعة كان من علماء أهل زمانه بالقراءات وكان من خيار عباد الله عبادة وفضلًا وورعًا ونسكًا، وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ويجلب من حلوان الجوز والجبن إلى الكوفة، قال ابن معين: ثقة، وقال الساجي: صدوق سيء الحفظ ليس بمتقن في الحديث، وقال في التقريب: صدوق زاهد ربما وهم، من السابعة، مات سنة (157) سبع أو ثمان وخمسين ومائة بحلوان (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الكوفي (عن كعب بن عجرة) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري، غرضه بسوقه بيان متابعة الزيات لمالك بن مغول في رواية هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) كلمات (معقبات) أي مقولات عقب الصلاة المكتوبة (لا يخيب) أي لا يحرم (قائلهن أو فاعلهن) أي الآتي بهن أجرها بل يثاب عليها (ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة) وقوله (في دبر كل صلاة) مكتوبة ظرف للقول أي كلمات لا يُحرم قائلهن خَلْف كل صلاة ثلاثٌ وثلاثون تسبيحة إلخ، وكرر متن الحديث لاختلاف الروايتين بتقديم الظرف وتأخيرها وبزيادة لفظة في الرواية الأخيرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: 1245 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا أسباط بن محمد) بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة القرشي

حَدَّثنَا عَمْرُو بْنُ قَيسٍ الْمُلائِيُّ عَنِ الْحَكَمِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبو محمد الكوفي، روى عن عمرو بن قيس الملائي في الصلاة، وهشام بن حسان في الجنائز، والأعمش في الجهاد، وزكرياء بن أبي زائدة في الفضائل، وعدة، وبروي عنه (ع) ومحمد بن حاتم وإسحاق الحنظلي ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال في موضع: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة ضعيف في الثوري، من (9) التاسعة، مات سنة (200) مائتين (حدثنا عمرو بن قيس الملائي) بضم الميم وتخفيف اللام والمد أبو عبد الله الكوفي، ثقة متقن عابد، من (6) (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا عمرو لأنه العامل في المتابع، والضمير في قوله (مثله) عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو حمزة الزيات وهو مفعول ثان لحدثنا عمرو، والتقدير حدثنا الملائي عن الحكم مثل ما حدث الزيات عن الحكم، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو لحمزة. قال الهروي: قال سمرة: معنى هذا الحديث تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة، وقال أبو الهيثم: سميت معقبات لأنها تفعل مرة بعد أخرى، وقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} أي ملائكة يعقب بعضهم بعضًا، واعلم أن حديث كعب بن عجرة هذا ذكره الدارقطني في استدراكاته على مسلم، وقال: الصواب أنه موقوف على كعب لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ، وهذا الذي قاله الدارقطني مردود لأن مُسْلِمًا رَواهُ من طرق كلها مرفوعة، وذكره الدارقطني أيضًا من طرق أخرى مرفوعةٍ، وإنما رُوي موقوفًا من جهة منصور وشعبة، وقد اختلفوا عليهما أيضًا في رفعه ووقفه وبَيَّن الدارقطني ذلك، وقد قدَّمْنَا في الفُصول السابقة في أول هذا الشرح أن الحديث الذي رُوي موقوفًا ومرفوعًا يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحققون من المحدثين منهم البخاري وآخرون حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حُكم بالرفع، كيف والأمر هنا بالعكس ودليله ما سبق أن هذه زِيادة ثقةٍ فوَجَبَ قبولها ولا ترد لنسيان أو تقصير حصل بمَنْ وَقَفه والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث ثوبان بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

1246 - (559) (217) حدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِي عُبَيدِ الْمَذْحِجِيِّ - قَال مُسْلِمٌ: أبُو عُبَيدِ مَوْلَى سُلَيمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ "مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ. وَحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ. وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ. فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ. وَقَال: تَمَامَ الْمِائَةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 1246 - (559) (217) (حدثني عبد الحميد بن بيان) بن زكريا اليشكري أبو الحسن (الواسطي) صدوق، من (10) (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن بن يزيد المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح ذكوان السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) (عن أبي عبيد) المدني اسمه حَي، وقيل حُيَيٌّ بتحتانيتين، وقيل حُوَيُّ بن أبي عَمرو، وقيل عبدُ الملك (المَذْحِجيُّ) -بفتح الميم وسكون الذال المعجمة ثم حاء مهملة مكسورة ثم جيم- منسوب إلى مذحج بوزن مسجد قبيلة معروفة، روى عن عطاء بن يزيد الليثي في الصلاة، وأنس وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، ويروي عنه (م د س) وسهيل بن أبي صالح والأوزاعي ومالك وميسرة بن معبد وآخرون، ثقة، من الخامسة، مات بعد المائة، قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد راوي المؤلف (قال) لنا الإمام (مسلم) بن الحجاج رحمه الله تعالى (أبو عبيد) الذي روى عنه سهيل بن أبي صالح هو (مولى سليمان بن عبد الملك) وحاجبه (عن عطاء بن يزيد الليثي) الجندعي أبي يزيد المدني نزيل الشام (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان واسطيان (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال (من سبح الله في دبر كل صلاة) أي خلف كل صلاة مكتوبة (ثلاثًا وثلاثين) تسبيحة (وحمد الله ثلاثًا وثلاثين) تحميدة (وكبر الله ثلاثًا وثلاثين) تكبيرة (فتلك) الأعداد المذكورة في الأذكار الثلاثة (تسعة وتسعون) لفظًا (وقال تمام المائة) معطوف على سبح، وفي بعض النسخ "قال" بغير عاطف ولكنه مقدر وهو كذلك في نسخة المشارق فجعله ابن الملك بدلًا من سبح وهو لفظ الرسول وضميره إلى المصلِّي وتمامَ المائة بالنصب ظرف أي في وقت تمام المائة، والعامل فيه قال أو مفعول به لقال والمراد من تمام المائة ما يتم به المائة، وهو في المعنى جملة لأن ما بعده عطف

"لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ". 1248 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِي عُبَيدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان له أو بدل فصحّ كونه مقول القول، وقيل يجوز رفع تمام على أن يكون مبتدأ وما بعده خبر وهو لا إله إلَّا الله إلخ فيكون تمام مع خبره حالًا من ضمير يسبح، فلفظة قال على هذا تكون للراوي، وضميره عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الوجه الأول أولى وعلى كلا التوجيهين الجزاء إنما يترتب على الشرط إذا وقع تمام المائة التهليل المذكور (لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غُفِرت خطاياه) هذا جواب الشرط وهو من سبح الله وما عطف عليه، والمراد بالخطايا الصغائر ويحتمل كونها الكبائر لسعة فضل الله تعالى (وإن كانت) تلك الخطايا في الكثرة أو العظمة (مثل زبد البحر) وهو ما يعلو على وجهه عند هيجانه وتموجه اهـ من المرقاة، وهذا الحديث من أفراد المؤلف رحمه الله تعالى ولكن رواه أحمد [2/ 371] وقد اتفق مساق هذه الأحاديث والتي قبلها على أن أدبار الصلوات أوقات فاضلة للدعاء والأذكار فيرتجى فيها القبول ويبلغ ببركة التفرغ لذلك إلى كل مأمول، وتسمى هذه الأذكار معقبات لأنها تقال عقيب الصلوات كما قال في حديث أبي هريرة دبر كل صلاة أي آخرها اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1248 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي البزاز، ثقة حافظ، من (10) (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الأسدي أبو زياد الكوفي، صدوق، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح المدني (عن أبي عبيد) المدني (عن عطاء) بن يزيد المدني (عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بقوله حدثنا إسماعيل لأنه العامل في المتابع، والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو خالد بن عبد الله والمعنى حدثنا إسماعيل بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زكريا عن سهيل بمثل ما حدّث خالد بن عبد الله عن سهيل. (واعلم) أنه قد اخْتَلَفَتِ الرواياتُ في عددِ الأذكارِ الثلاثةِ ففي حديث أبي هريرة ثلاثًا وثلاثين كما مر، وعند النسائي من حديث زيد بن ثابت خمسًا وعشرين ويزيدون فيها لا إله إلَّا الله خمسًا وعشرين، وعند البزار من حديث ابن عمر إحدى عشرة، وعند الترمذي والنسائي من حديث أنس عشرًا، وفي حديث أنس في بعض طرقه ستًّا، وفي بعض طرقه أيضًا مرة واحدة، وعند الطبراني في الكبير من حديث زُمَيل الجهني قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال وهو ثانٍ رجليه: "سبحان الله وبحمده وأستغفر الله إنه كان توابًا" سبعين مرة ثم يقول "سبعين بسبعمائة" الحديث، وعند النسائي في اليوم والليلة من حديث أبي هريرة مرفوعًا "من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبر مائة، وحمد مائة، غُفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر" وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون صَدَر في أوقات متعددة أو هو وارد على سبيل التخيير أو يختلف باختلاف الأحوال اهـ من القسطلاني. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة الأول حديث ثوبان ذكره للاستدلال، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث المغيرة بن شعبة ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والرابع حديث ابن الزبير ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث كعب بن عجرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

275 - (95) باب السكوت بين تكبيرة الإحرام والقراءة وما يقال فيه وعدمه عند النهوض من الثانية

275 - (95) باب السكوت بين تكبيرة الإحرام والقراءة وما يقال فيه وعدمه عند النهوض من الثانية 1249 - (560) (218) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلاةِ، كسَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيتَ سُكُوتَكَ بَينَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَال: "أَقُولُ: اللَّهمّ بَاعِدْ بَينِي وَبَينَ خَطَايَايَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 275 - (95) باب السكوت بين تكبيرة الإحرام والقراءة وما يقال فيه وعدمه عند النهوض من الثانية 1249 - (560) (218) (حدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نسائي (قال) أبو هريرة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر) للإحرام (في الصلاة سكت) بعد التكبير (هُنية) -بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية من غير همز- أي قليلًا من الزمان وهو تصغير هَنَةٍ، ويقال هُنَيهَة أيضًا ذكرَهُ في النهاية، وأَصْلُ هَنَهٍ هَنوَةٌ فلمَّا صُغرت صارت هُنَيوةً فاجتمعت الواو والياءُ وسُبقت إحداهما بالسكون فوجَبَ قَلْبُ الواو ياءً فقُلبت الواو ياء ثم أُدغمت فصار هُنَيَّة بوزن بُنيّة فهو منصوب على الظرفية أي سكَتَ زمانًا قليلًا، أو على المفعوليةِ المطلقة أي سكت سَكْتَةً قليلةً (قبل أن يقرأ) أي قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ في قراءةِ الفاتحة، قال أبو هريرة (فقُلتُ) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله بأبي أنت وأمي) أي أنت مفديٌّ بأبي وأمي أو أفديك بهما (أرأيتَ) أي أَخْبِرني (سُكوتَك بين التكبير والقراءة ما تقول) فيه. (فإن قلت) في الحديث تأخير البيان عن وقت الحاجة المتفقُ على منعه لوجوب بيان الشرعيات على الفور واجباتِ كُنَّ أو مندوباتٍ (قلت) أَخَّر بيانها لعلمه أن من الصحابة الفطنَ الذي يبادر بالسؤال عن ذلك فلما سأله بيَّن له فكأنه لم يؤخر اهـ من الأبي. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقول) فيه (اللهم باعد بيني وبين خطاياي)

كَمَا بَاعَدْتَ بَينَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهمَّ، نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ. اللَّهمَّ، اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وذنوبي (كما باعدت) الكاف صفة لمصدر محذوف تقديره أي باعد بيني وبينها مباعدةً مثلَ مباعدةِ ما (بين المشرق والمغرب) وهذا من المجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان أي امْحُ ما حَصَل من خطاياي وحُلْ بيني وبين ما يُخاف من وقوعه حتى لا يَبْقَى لها مِنِّي اقترابٌ بالكلية، وهذا الدعاء صَدَر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهارِ العبودية، وقيل إنه على سبيل التعليم لأمته، وعُورض بكونه لو أراد ذلك لجهر به. وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وأعاد لفظ بين في قوله وبين خطاياي ولم يَقُلْ وبَينَ المغرب لأن العطف على الضمير المخفوض يعاد معه العاملُ بخلاف العطف على الظاهر (اللهم نقني) بتشديد القاف في الموضعين لأنه من باب فَعَّل المضعف المعتل اللام أي صفِّني (من خطاياي كما يُنقى) ويصفى (الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ، والكاف صفة لمصدر محذوف أي نقِّني من الخطايا تنقية مثل تنقية الثوب الأبيض من الدنس، وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها وشبَّه بالثوب الأبيض لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان؛ والمعنى طهرني طهارة كاملة معتنى بها كما يُعتنى بتنقية الثوب الأبيض من الوسخ، وقال ملا علي: وفيه إيماء إلى أن القلب بمقتضى أصل الفطرة سليم ونظيف وأبيض وظريف، وإنما يسود بارتكاب الذنوب وبالتخلق بالعيوب (اللهم اغسلني) أي طهرني (من خطاياي بالثلج والماء والبرد) بفتح الراء، وفي رواية البخاري (بالماء والثلج والبرد) وذكر الأخيرين على هذه الرواية للتأكيد أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال قاله الخطابي، قال الأبي: قيل ذكر الأنواعَ المنزَّلَة للتطهير التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلَّا بأحدها بيانًا لأنواع المغفرة التي لا يُتخلص من الذنوب إلَّا بها أي طهرني بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالتها للأوضار اهـ منه، والحديث دليل على مشروعية دعاء الافتتاح بعد التحرم بالفرض أو النفل خلافًا للمشهور عن مالك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 231 و 494]، والبخاري [747]، وأبو داود [781]، والنسائي [1/ 50 - 51]، وابن ماجه [805]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فقال:

1250 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثنَا أبُو كَامِلٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ)، كِلاهُمَا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 1251 - (561) (219) قَال مُسْلِمٌ: وَحُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ ويونُسَ الْمُؤَدّبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1250 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (ح وحدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين بن طلحة البصري (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري (كلاهما) أي كل من ابن فضيل وعبد الواحد رويا (عن عمارة بن القعقاع بهذا الإسناد) يعني عن أبي زرعة، عن أبي هريرة (نحو حديث جرير) السابق، غرضه بيان متابعتهما لجرير. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة فقال: 1251 - (561) (219) (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى على سبيل التجريد أو قال ذلك بعض رواته (وحدثت) قال النواوي: هذا الحديث من الأحاديث المعلقة التي سقط أول إسنادها في صحيح مسلم، وقد سبق بيانها في مقدمة هذا الشرح اهـ، وقال القرطبي: ذكر الإمام مسلم هذا الحديث منقطعأ فقال: وحدثت عن يحيى بن حسان، وهو أحد الأربعة عشر حديثًا المنقطعة الواقعة في كتابه وقد وصله أبو بكر البزار، وانظر مسند أبي عوانة [2/ 99]، والسنن الكبرى للبيهقي [2/ 196] اهـ من المفهم، فالحديث موصول وإن علقة مسلم فيصح الاستدلال به فكان الإمام مسلمًا رحمه الله تعالى قال (حدثنا عبد الله) بن عبد الرحمن بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (عن يحيى بن حسان) بن حيان بتحتانية البكري أبي زكرياء البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب، قال الأصبهاني: روى عنه عبد الله الدارمي في الوضوء والصلاة، وقال مسلم في الصلاة: حدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب وغيرهما، حدثنا عبد الواحد بن زياد اهـ كلام الأصبهاني، والشيخ الذي أسقطه مسلم هو عبد الله الدارمي فالسند متصل والحديث موصول يصح الاستدلال به (ويونس) بن محمد بن مسلم (المؤدب) أبي محمد

وَغَيرِهِمَا. قَالُوا: حَدَّثَنَا عَندُ الْوَاحِدِ بنُ زَيادٍ. قَال: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بن القَعقَاعِ. حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ إِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثانِيَةِ اسْتَفتَحَ الْقِرَاءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} وَلَمْ يَسكُتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (وغيرهما) كالحسن بن الربيع ومحمد بن عبد الله الرقاشي وأبي كامل الجَحْدري (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (قال حدثني عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي (حدثنا أبو زرعة) هرم بن عمرو البجلي الكوفي (قال سمعت أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد سمرقندي، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والسماع والعنعنة والمقارنة والتعليق كما بيناه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض) وقام (من الركعة الثانية) من الرباعية والثلاثية إلى الثالثة (استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت) بعد نهوضه كما سكت في أول الأولى لدعاء الاستفتاح، وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من الكتب السبعة ولكن ذكره أبو عوانة في مسنده 21/ 99]، والبيهقي في السنن الكبرى [2/ 196]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني المعلق ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. * * *

276 - (96) باب فضل التحميد في الصلاة

276 - (96) باب فضل التحميد في الصلاة 1252 - (562) (220) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخَبَرَنَا قَتَادَةُ وَثَابِتٌ وَحُمَيدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ، فَدَخَلَ الصَّفَّ، وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَال: الْحَمْدُ لِلَهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَال: "أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟ " فَأَرَمَّ الْقَوْمُ. فَقَال: "أَيكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنهُ لَمْ يَقُلْ بَأسًا" فَقَال رَجُلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 276 - (96) باب فضل التحميد في الصلاة 1252 - (562) (220) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفَّار البصري، ثقة، من كبار (10) (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي أبو سلمة البصري، ثقة، من (8) (أخبرنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (وثابت) بن أسلم البناني البصري (وحميد) بن أبي حميد تَيرٍ أبو عبيدة الطويلُ البصري، ثقة، من (5) (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد نسائي (أن رجلًا) من الصحابة لم أر من ذكر اسمه (جاء) إلى المسجد (فدخل الصف وقد حفزه النفس) أي والحال أنه قد ضغطه النفس وكذه لسرعة سيره ليدرك الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على أن من أسرع عند إقامة الصلاة ليدركها لم يفعل محرمًا لكن الأولى به الرفق والسكينة كما سيأتي في حديث أبي هريرة الآتي (فقال) الرجل شكرًا على إدراكه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحمد لله حمدًا كثيرًا) من حيث العدد (طيبًا) بخلوه من الشوائب المحبطة له كالرياء والسمعة (مباركًا فيه) بكثرة الثواب عليه (فلما قضى) وأتم (رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته) وفرغ منها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيكم المتكلم بالكلمات) التي سمعتها منكم (فأرم القوم) أي سكتوا عن جواب سؤاله مأخوذ من المَرَمَّة وهي الشفة أي أطبقوا شفاههم، والرواية المشهورة فيه بالراء والميم المشددة، روي في غير مسلم (فأزم القوم) بزاي مفتوحة وميم مخففة مأخوذ من الأزَم وهو شد الأسنان بعضها على بعض، ومعناه أيضًا سكتوا (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم ثانيًا (أيكم المتكلم بها) أي بتلك الكلمات (فإنه) أي فإن متكلمها (لم يقل بأسًا) أي شيئًا ممنوعًا فيه حرج (فقال رجل) من القوم

جِئْتُ المسجد وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا. فَقَال: "لَقَد رَأَيتُ اثْنَي عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا. أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا". 1253 - (563) (221) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أبِي عُثْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (جئت المسجد) مسرعًا لإدراك الصلاة مع الجماعة (وقد حفزني) أي ضغطني (النفس) لشدة إسراعي فأدركت الصلاة (فقلتها) أي فقلت تلك الكلمات شكرًا لله على إدراك الصلاة معكم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها) أي يستبقونها (أيهم) يكتبها و (يرفعها) إلى المحل الذي ترفع إليه الأعمال الصالحة، وفي هذا دليل على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة أيضًا قاله النواوي. ولا يعارض هذا الحديث ما في البخاري من حديث رفاعة بن رافع قال: "كنا نصلي يومًا وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل من ورائه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم؟ قال: أنا! قال: رأيت بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول" رواه البخاري [799]، وأبو داود [770 و 773]، والترمذي [404]، والنسائي [2/ 196]، لأن مساق هذا الحديث يدل على أنه حديث آخر غير حديث أنس المتقدم فإن ذلك حمد الله على إدراكه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حمد الله عند الرفع من الركوع وعند قول النبي صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده، وحينئذ لا يكون بينهما تعارض، وهذا أولى من أن يُقَدَّرَا قصةَ واحدة ويتعسف في التأويل أو في الحمل على الرواة والله أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 106 و 107 و 252]، وأبو داود [763]، والنسائي [2/ 132]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1253 - (563) (221) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم (بن علية) اسم أمه، القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) (أخبرني الحجاج بن أبي عثمان) ميسرة الكندي مولاهم أبو

عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبدِ الله بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابنِ عُمَرَ؛ قَال: بَينَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. إِذ قَال رَجُلٌ مِنَ الْقَومِ. الله أَكْبَرُ كَبِيرًا. وَالْحَمْدُ لِلهِ كَثِيرا. وَسُبْحَانَ الله بُكْرَةً وَأَصِيلا. فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ: "مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ " قَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ الله. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلت البصري، ثقة، من (6) (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) (عن عون بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبي عبد الله الكوفي الزاهد، روى عن ابن عمر في الصلاة، والشعبي في البيوع، وأبيه في التفسير، وعائشة وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) وأبو الزبير وسعيد بن أبي هلال، وثقه أحمد وابن معين والعجلي والنسائي، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة (120) عشرين ومائة (عن) عبد الله (بن عمر) المكي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد كوفي وواحد نسائي (قال) ابن عمر (بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) بينما ظرف ملازم للإضافة إلى الجملة متعلق بالجواب، وقوله (إذ قال رجل من القوم) جوابها، وإذ فجائية رابطة لجوابها؛ والمعنى بين أوقات صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجأنا قول رجل من القوم (الله كبر) إلخ، وقد بسطنا الكلام على بينما في أوائل كتاب الإيمان في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فراجعه وجدّد العهد به، وقوله (كبيرًا) حال مؤكدة من الضمير المستكن في الخبر أي حالة كونه متعاليًا عن صفات النقص والحدوث، وقال القاضي عياض: انتصاب كبيرًا بإضمار فعل أي كبّرت كبيرًا، وقيل على القطع أعني كبيرًا، أو على المدح أمدح كبيرًا، وقيل على التمييز، قال الأبي: ولا يصح نصبه على القطع لأن النصب على القطع إنما يكون فيما يصح أن يكون صفة ولا تصح الصفة هنا ولا يصح النصب أيضًا على التمييز لأن تمييز أفعل الفضيل شرطه أن يكون مغايرًا للفظه نحو أحسن عملًا اهـ منه، فتعين كونه حالًا (والحمد لله) أحمده حمدًا (كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، فـ) لما فرغ من صلاته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل) والمتكلم كلمة كذا وكذا) كناية عن قوله الله أكبر كبيرًا إلخ فـ (قال رجل من القوم) الحاضرين (أنا) قلتها (يا رسول الله) ولم أُرِدْ إلا الخير (قال) رسول الله صلى الله

"عَجِبْتُ لَهَا. فُتِحَتْ لَهَا أَبوَابُ السمَاءِ". قَال ابْنُ عُمَرَ: فَمَا تَرَكْتُهُن مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (عجبت لها) أي من تلك الكلمة وعظيم شأنها لأنه (فتحت لها) أي لأجل رفعها (أبواب السماء) السبعة فرحًا بطلوعها (قال ابن عمر) بالسند السابق (فما تركتهن) أي فما تركت القول بهن (منذ سمعت) أي بعد ما سمعت (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك) الكلام المذكور في شأنهن ومدحهن رجاء بركتهن وثوابهن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [3592]، والنسائي [2/ 125 و 145]. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث أنس ذكره للاستدلال، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد. ***

277 - (97) باب الأمر بإتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيا

277 - (97) باب الأمر بإتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيًا 1254 - (564) (222) حدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو الناقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزهْرِي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. أخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ الزُهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وقَال: وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 277 - (97) باب الأمر بإتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيًا 1254 - (564) (222) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي، ثقة فقيه إمام حجة وكان ربما دلس على الثقات وتغير حفظه، من (8) (عن) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري) أبي بكر المدني، ثقة مشهور، من (4) (عن سعيد) بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات والفقهاء السبعة في المدينة، أبي محمد المدني الأعور (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (ح قال وحدثني محمد بن جعفر بن زياد) الوركاني نسبة إلى محلة أو قرية تسمى وركان أبو عمران الخراساني ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب (وأبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لابن عيينة (عن النبي صلى الله عليه وسلم ح وقال وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ) الآتي (له) أي لحرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي، غرضه بيان متابعته لابن عيينة (عن ابن شهاب قال

أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحمَنِ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصلاةُ فَلَا تَأتُوهَا تَسعَونَ. وَأتُوهَا تَمْشُونَ. وَعَلَيكُمُ السَّكِينَةَ. فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا. وَمَا فَاتَكُم فَأَتِمُّوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقيمت الصلاة" أي أقام لها المؤذن وأنتم في خارج المسجد، قال السنوسي: يعني إذا نادى المؤذن بالإقامة فأقيم السبب مقام المسبب (فلا تأتوها) أي فلا تحضروها وأنتم (تسعون) أي تهرولون إليها وتعْدُون مسرعين في المشي فوق العادة، فلا يعارض قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} لأن المراد بالسعي فيه المشي عادة لا الهرولة ولا الإسراع (وأتوها) أي واحضروها والحال أنكم (تمشون) إليها على عادتكم (وعليكم) أي والزموا (السكينة) بالنصب على أن عليكم اسم فعل أمر بمعنى الزموا كقوله تعالى: {عَلَيكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ويجوز الرفع على أنه مبتدأ مؤخر، وعليكم خبر مقدم، والسكينة هي التأني في المشي واجتناب العبث بالجوارح، والوقار الخوف القلبي من الله تعالى، وسيأتي الفرق بينهما عن النواوي (فما أدركتم) مع الإمام (فصلوا) معه (وما فاتكم) ولم تدركوه مع الإمام (فأتموه) بعد سلام الإمام، وفي كتاب السنن من حديث أبي هريرة مرفوعًا "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" رواه أبو داود [564] والنسائي [2/ 111] والحكمة في ملازمة الوقار والسكينة التشبه بالمصلي لأن الماشي إلى الصلاة هو في الصلاة ومعناه أنه لما خرج من بيته إلى المسجد يريد الصلاة كان له حكم الداخل في الصلاة من الوقار والسكينة حتى يتم له التشبه به فيحصل له ثوابه اهـ من المفهم. قال القرطبي: قوله (فلا تأتوها وأنتم تسعون) أصل السعي الجري، ومنه قوله تعالى: {يَأْتِينَكَ سَعْيًا} [البقرة: 260] وقد يكون السعي العمل كقوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: 205] وعلى هذا الثاني حمل مالك قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وقد اختلف العلماء فيمن سمع الإقامة هل يُسرع أو لا؟ فذهب الأكثر إلى أنه لا يُسرع وإن خاف فوت الركعة تمسكًا بهذا الحديث ونظرًا إلى المعنى وذلك أنه إذا أسرع انبهر (انقطع من الإعياء) فشوش عليه دخوله في الصلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقراءتها وخشوعها، وذهب جماعة من السلف منهم ابن عمر وابن مسعود في أحد قوليه إلى أنه إذا خاف فواتها أسرع، وقال إسحاق: يُسرع إذا خاف فوت الركعة، ورُوي عن مالك نحوه وقال: لا بأس لمن كان على فرس أن يُحرك الفرس، وتأوله بعضهم على الفرق بين الراكب والماشي لأن الراكب لا ينبهر كما ينبهر الماشي والقول الأول أظهر اهـ من المفهم. قال النواوي: وقوله (إذا أقيمت الصلاة) إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها لأنه إذا نهي عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى، وأكد ذلك ببيان العلة فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة" وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة، وأكد ذلك تأكيدًا آخر حيث قال "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هولمن لم يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات وبين ما يفعل فيما فات، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وما فاتكم" دليل على جواز قول فاتتنا الصلاة وأنه لا كراهة فيه، وبهذا قال جمهور العلماء، وكرهه ابن سيرين وقال: إنما يقال لم ندركها، وقوله صلى الله عليه وسلم "وما فاتكم فاتموا" هكذا ذكره مسلم في أكثر رواياته، وفي رواية (واقض ما سبقك) واختلف العلماء في المسألة فقال الشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف: ما أدركه المسبوق مع الإمام أول صلاته وما يأتي به بعد سلامه آخرها، وعكسه أبو حنيفة رضي الله عنه وطائفة، وعن مالك وأصحابه روايتان كالمذهبين، وحجة هؤلاء "واقض ما سبقك" وحجة الجمهور أن أكثر الروايات "وما فاتكم فأتموا" وأجابوا عن رواية "واقض ما سبقك" بأن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء وقد كثر استعمال القضاء بمَعْنَى الفِعْلِ فمنه قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} ويقال قضيت حق فلان ومعنى الجميع الفعل اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 170 و 452] والبخاري [908] وأبو داود [572 أو 573] والترمذي [327] والنسائي 2 [/ 114 و 115]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

1255 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال ابْنُ أيوبَ: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاةِ، فَلَا تَأتُوهَا وَأنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأتُوهَا وَعَلَيكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1255 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن طريف البلخي الثقفي (و) علي (بن حجر) السعدي أبو الحسن البغدادي، ثقة، من (9) (عن إسماعيل بن جعفر) الزرقي المدني، ثقة، من (8) (قال) يحيى (بن أيوب حدثنا إسماعيل) بن جعفر بصيغة السماع (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني أبو شبل المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني أبي العلاء المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لسعيد بن المسيب وأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ثوب) وأقيم، سميت الإقامة تثويبًا لأنها دعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان من قولهم ثاب إذا رجع اهـ نواوي. (للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون) أي تجرون وتعدون، والجملة الاسمية حال من ضمير الفاعل وإنما أطنب بهذا التركيب مع إمكان الاختصار بأن يقال إذا أقيمت الصلاة فلا تسعوا لتصوير حال سوء الأدب وأنه مناف لما هو أولى من الوقار والسكينة، ومن ثم عقبه بما ينبه على حسن الأدب من قوله (وأتوها) تمشون كقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} ثم ذيل المفهومين بقوله (وعليكم السكينة) بنصب السكينة بعليكم على الإغراء أي الزموا السكينة في جميع أموركم خصوصًا في الوفود إلى رب العزة، ففيه الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة والنهي عن إتيانها سعيًا سواء فيه صلاة الجمعة وغيرها، وأما قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فليس المراد به السعي عَلَى الأقْدَام ولكنه على النيات والقلوب كما في الكشاف عن الحسن البصري، ومن كلام الزمخشري في نصائحه الصغار (لتكن مشيتك إلى المسجد أوقر مشية، ولتكن خشيتك في الصلاة أوفر خشية) والفاء في قوله (فما أدركتم) فصيحة داخلة على شرط مقدر تقديره إذا

فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا، فَإِن أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعمِدُ إِلَى الصلاةِ فَهُوَ فِي صَلاةٍ". 1256 - (00) (00) حدثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. حَدَّثنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ: "إِذَا نودِيَ بِالصَّلاةِ فَأتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ. وَعَلَيكُمُ السَّكِينَةَ. فَمَا أَدْرَكْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بينت لكم ما هو أولى بكم وأردتم بيان اللازم لكم فأاقول لكم ما أدركتم مع الإمام (فصلوا) معه جماعة (وما فاتكم) أداؤه معه (فأتمو) هـ بعد سلامه، ثم علل ذلك بقوله (فإن أحدكم إذا كان يعمد) ويقصد (إلى) موضع (الصلاة فهو في) ثواب (صلاة) فليلتزم ما يلتزم المصلي من السكينة والوقار، قال النواوي: وفي هذا دليل على أنه يستحب للذاهب إلى الصلاة أن لا يعبث بيده ولا يتكلم بقبيح ولا ينظر نظرًا قبيحًا ويجتنب ما أمكنه مما يجتنبه المصلي فإذا وصل المسجد وقعد ينتظر الصلاة كان الاعتناء بما ذكرناه آكد اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1256 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أحدثكموه هو (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام أو أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نودي بالصلاة) الحديث. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري. وغرضه بسوقه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة السابقة أي إذا نودي وطلب بالإقبال إلى الصلاة يعني إذا أقيم لها (فأتوها) أي فاحضروها (وأنتم) أي والحال أنكم (تمشون) إليها مشية العادة بلا إسراع ولا هرولة (وعليكم السكينة) والتواضع الظاهري (فما أدركتم) من ركعات

فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". 1257 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْفُضَيلُ، (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ)، عَنْ هِشَامِ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا ثُوِّبَ بِالصَلاةِ فَلَا يَسْمعَ إِلَيهَا أَحَدُكُمْ. وَلكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاتكم مع الإمام (فصلو) ها معه (وما فاتكم) إدراكه معه من ركعات صلاتكم (فأتمو) بعد سلامه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1257 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا الفضيل يعني ابن عياض) بن مسعود التميمي أبو علي الخراساني المكي، ثقة، من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي أبي عبد الله البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (ح قال وحدثني زهير بن حرب واللفظ) الآتي (له) أي لزهير (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا هشام بن حسان) القردوسي (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، غرضه بيان متابعة محمد بن سيرين لمن روى عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثوب بالصلاة) أي نودي وأقيم لها، من التثويب وهو الرجوع إلى الشيء مرة بعد مرة سميت الإقامة تثويبًا لأنها دعاء إلى الصلاة مرة ثانية بعد الدعاء إليها أولًا بالأذان (فلا يسع) بالجزم على النهي أي فلا يجر ولا يعد (إليها أحدكم ولكن ليمش) إليها بالجزم بلام الأمر (وعليه) أي والحال أن عليه (السكينة) أي الخوف الظاهري (والوقار) أي الخوف القلبي، قيل هما بمعنًى، وجمع بينهما تأكيدًا، والظاهر أن بينهما فرقًا وأن السكينة هو التأني في المشي واجتناب العبث في الطريق، والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت والإقبال على طريقه بغير التفات قاله الحافظ في الفتح.

صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ". 1258 - (565) (223) حدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصُّورِيُّ. حَدَّثنَا مُعَاويَةُ بْنُ سَلامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (صل) أيها المسبوق مع الإمام (ما أدركتـ) ــــه (واقض) أي أدّ وأتمم بعد سلام الإمام (ما سبقك) وفاتك إدراكه مع الإمام؛ والمراد بالقضاء هنا الفعل لا القضاء الذي بمعنى فعل الشيء بعد خروج وقته، وفي الرواية السابقة وما فاتكم فأتموا، وهذه الرواية انفرد بها المؤلف عن أصحاب الأمهات إلا أحمد رواه [2/ 460] واختلف العلماء في الإتمام والقضاء المذكورين في هذا الحديث هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ويترتب على هذا الخلاف خلاف في ما يدركه الداخل هل هو أول صلاته أو آخرها؟ على ثلاثة أقوال أحدها: أنه أول صلاته وأنه يكون بانيًا عليه في الأفعال والأقوال وإليه ذهب جمهور العلماء والسلف الشافعي وغيره، وعليه فلا يجهر في الأخيرتين في الصلاة الجهرية. وثانيها: أنه آخر صلاته تبعًا لصلاة الإمام وأنه يكون قاضيًا في الأفعال والأقوال وهو مذهب أبي حنيفة، قال أبو محمد عبد الوهاب: وهو مشهور مذهب مالك، وعليه فيجهر في الركعتين فيها لأنهما أول صلاته. وثالثها: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها وكان هذا جمع بين الخبرين. وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن مالك وأصحابه وسبب الخلاف ما أشرنا إليه فتأمل اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي قتادة رضي الله عنهما فقال: 1258 - (565) (223) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11) (أخبرنا محمد بن المبارك) بن يعلى القرشي أبو عبد الله (الصوري) ثم الدمشقي القلانسي، روى عن معاوية بن سلام في الصلاة، ويحيى بن حمزة في الضحايا، ومالك وطائفة، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن منصور وعبد الله الدارمي وخلق، وثقه العجلي وأبو حاتم والخليل وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من كبار العاشرة، مات سنة (215) خمس عشرة ومائتين (حدثنا معاوية بن سلام) بتشديد اللام بن أبي سلام ممطور الحبشي أبو سلام

عَن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. أخْبَرَنِي عَبْدُ الله بْنُ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَن أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ قَال: بَينَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ. فَسَمِعَ جَلَبَةَ. فَقَال: "مَا شَأنُكُمْ؟ " قَالُوا: اسْتَعجَلنَا إِلَى الصلاةِ. قَال: "فَلَا تَفْعَلُوا. إِذَا أَتَيتُمُ الصلاة فَعَلَيكُمُ السَّكِينَةَ. فَمَا أَدرَكْتُمْ فَصَلوا، وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا". 1259 - (00) (00) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ هِشَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدمشقي وكان يسكن حمص، ثقة، من (8) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي، ثقة، من (5) (أخبرني عبد الله بن أبي فتادة) الأنصاري أبو إبراهيم المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (أن أباه) أبا قتادة الأنصاري السلمي بفتحتين المدني، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن ربعي رضي الله عنه، روى عنه في (7) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد مروزي (أخبره) أي أخبن عبد الله. وجملة (قال) أبو قتادة بدل من جملة أخبره (بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) والفاء في قوله (فسمع جلبة) أي أصواتًا مختلطة لحركتهم وكلامهم واستعجالهم، رابطة لجواب بينما نائبة عن إذا الفجائية كما في رواية البخاري "إذا سمع" أي بينما أوقات صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجأه سماع جلبة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما شأنكم) بالهمزة أي ما حالكم حيث وقع منكم الجلبة (قالوا) أي قال الحاضرون عنده (استعجلنا إلى الصلاة قال) عليه الصلاة والسلام (فلا تفعلوا) ذلك الاستعجال المفضي إلى عدم الوقار؛ أي لا تستعجلوا وعبر بلفظ تفعلوا مبالغة في النهي عنه اهـ قسط (إذا أتيتم الصلاة) جمعة أو غيرها (فعليكم السكينة) بالرفع على الابتداء والخبر، ويجوز النصب بعليكم على الإغراء (فما أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا) معه، وقد حصلت فضيلة الجماعة بالجزء المدرك منها (وما سبقكم) منها (فأتموا) أي أكملوا وحدكم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 310] والبخاري [635]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 1259 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا معاوية بن هشام) القصار الأزدي مولاهم أبو الحسن الكوفي، صدوق، من (9) روى

حَدَّثَنَا شَيبَانُ، بِهذَا الإِسنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (3) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) (بهذا الإسناد) يعني عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه "مثله" أي مثل ما روى معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شيبان لمعاوية بن سلام في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، قال النواوي رحمه الله تعالى: وكان ينبغي لمسلم أن يقول في هذا السند عن يحيى بهذا الإسناد لأن شيبان لم يتقدم له ذكر وعادة مسلم وغيره في مثل هذا أن يذكروا في الطريق الثاني رجلًا ممن سبق في الطريق الأول ويقولوا بهذا الإسناد حتى يعرف وكأن مسلمًا رحمه الله تعالى اقتصر على شيبان للعلم بأنه في درجة معاوية بن سلام السابق، وأنه يروي عن يحيى بن أبي كثير والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي قتادة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

278 - (98) باب متى يقوم الناس للصلاة

278 - (98) باب متى يقوم الناس للصلاة 1260 - (566) (224) وَحَدَّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أبِي قَتَادَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصلاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْني". وَقَال ابْنُ حَاتِم: "إِذَا أُقِيمَتْ، أَوُ نودِيَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 278 - (98) باب متى يقوم الناس للصلاة قيل أورد الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث لا تقوموا نهي عن القيام، وقوله حتى تروني تسويغ للقيام عند الرؤية وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي قاله الحافظ ابن حجر في الفتح. 1260 - (566) (224) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله المروزي الأصل ثم البغدادي، صدوق، من (10) (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) (عن حجاج) بن أبي عثمان ميسرة (الصواف) الخياط أبي الصلت الكندي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، من (3) (وعبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري المدني (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد إما بغدادي أو نيسابوري (قال) أبو قتادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة) أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة قاله الحافظ، وفيه إقامة السبب مقام المسبب اهـ ابن الملك (فلا تقوموا) إليها (حتى تروني) أي قد خرجت كما هو مصرح في رواية معمر الآتية لئلا يطول عليكم القيام وقد يعرض ما يقتضي التأخير اهـ من التيسير، وهو محل الترجمة (وقال ابن حاتم) في روايته (إذا أقيمت أو) قال الراوي (نودي) بالشك، وفيه جواز

1261 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ مَعْمَرٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: وَحَدثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حَجاجِ بْنِ أبِي عُثْمَانَ. ح قَال: وَحَدثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك قاله الحافظ ابن حجر، ومعنى الحديث أن جماعة المصلين لا يقومون عند الإقامة إلا حين يرون أن الإمام قام للإمامة اهـ عون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 304 - 308] والبخاري [638] وأبو داود 539 و 540] والترمذي [592] والنسائي [2/ 81]. قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته، ويعارضه حديث بلال أَنه كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ووجه الجمع أن بلالًا كان يراقب النبي صلى الله عليه وسلم فيرى أول خروجه قبل أن يراه من هناك فيشرع في الإقامة إذ ذاك، ثم لا يقوم الناس حتى يروا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى يعدلوا صفوفهم وبهذا الترتيب يصح الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا المعنى، وقد اختلف السلف والعلماء في متى يقومُ الناسُ إِلَى الصلاة؟ ومتى يكبر الإمام؟ فذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه ليس لقيام الناس حد ولكن استحب عامتهم القيام إذا أخذ المؤذن في الإقامة، وكان أنس يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، وذهب الكوفيون إلى أنهم يقومون إذا قال: حي على الفلاح، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر الإمام، وحكي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إذا قال المؤذن: الله أكبر وجب القيام، وإذا قال: حي على الصلاة اعتدلت الصفوف، فإذا قال: لا إله إلا الله كبر الإمام وذهب عامة الأئمة إلى أنه لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 1261 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (وحدثنا) أيضًا إسماعيل (بن علية) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري كما حدثنا سفيان عن معمر (عن حجاج) الصواف (بن أبي عثمان) ميسرة الكندي البصري (ح قال) المؤلف (وحدثنا) أيضًا (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (حدثنا

عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الرزاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. وَقَال إِسْحَاقُ: اخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ شَيبَانَ. كُلُهُمْ عَن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. وَزَادَ إِسْحَاقُ فِي رِوَايَتِهِ حَدِيثَ مَعْمَر وَشَيبَانَ: "حَتى تَرَوْني قَدْ خَرَجْتُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (وعبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (وقال إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (أخبرنا) أيضًا (الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي عالم الشام (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري (كلهم) أي كل من معمر بن راشد وحجاج الصواف وشيبان بن عبد الرحمن رووا (عن يحيى بن أبي كثير) الطائي اليمامي (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري المدني (عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري المدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم) مثله أي مثل ما روى حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة معمر وشيبان لحجاج الصواف في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير (و) لكن (زاد إسحاق) بن إبراهيم (في روايته حديث معمر وشيبان) لفظة (حتى تروني قد خرجت) أي زاد لفظة قد خرجت والله أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي قتادة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

279 - (99) باب إذا ذكر الإمام أنه محدث خرج فأمرهم بانتظاره

279 - (99) باب إذا ذكر الإمام أنه محدث خرج فأمرهم بانتظاره 1262 - (567) (225) حدثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: أقِيمَتِ الصلاةُ. فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ. قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ. فَأتَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ. حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ. وَقَال لَنَا: "مَكَانَكُمْ" فَلَم نَزَل قِيَاما نَنْتَظِرُهُ حَتى خَرَجَ إِلَينَا. وَقَدِ اغْتَسَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 279 - (99) باب إذا ذكر الإمام أنه محدث خرج فأمرهم بانتظاره 1262 - (567) (225) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري، صدوق، من (11) (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (قال أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني أنه (سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي أو واحد أيلي وواحد مصري وواحد مروزي (أقيمت الصلاة) أي ذكرت ألفاظ الإقامة بإذنه صلى الله عليه وسلم (فقمنا) للصلاة (فعدلنا) أي سوينا (الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاء من حجرته ودخل المسجد (حتى إذا قام) صلى الله عليه وسلم (في مصلاه) أي في مكان صلاته، وقوله (قبل أن يكبر) للإحرام متعلق بقوله (ذكر) أي تَذَكَّر قبل أن يكبر للإحرام أنه جنب، وفيه جواز النسيان في العبادات على الأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم لحكمة التشريع (فانصرف) أي رجع إلى الحجرة (وقال لنا مكانكم) أي كونوا مكانكم واثبتوا فيه حتى أرجع إليكم (فلم نزل قيامًا) أي قائمين على هيئتنا صافين حالة كوننا (ننتظره) أي ننتظر رجوعه إلينا، وحتى بمعنى الفاء في قوله (حتى خرج إلينا) أي فخرج إلينا من الحجرة (و) الحال أنه (قد اغتسل) من الجنابة، وقولُه

يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً. فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ينطف) بكسر الطاء وضمها لغتان مشهورتان أي يقطر (رأسه ماء) قليلًا قليلًا، حالٌ ثان من فاعل خرج أي خرج من حجرته حالة كونه يقطر رأسه ماء قليلًا قليلًا وماء منصوب على التمييز فقام في مصلاه (فكبر) للإحرام (فصلى بنا) ولم يأمر بالإقامة ثانيًا كما هو ظاهر السياق، فلعله لقرب رجوعه وسرعة اغتساله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 237 و 283] والبخاري [275] وأبو داود [234 و 235] والنسائي [1/ 81 - 82]. قوله: (فعدلنا الصفوف) إشارة إلى أن هذه سنة معهودة عندهم، وقد أجمع العلماء على استحباب تعديل الصفوف والتراص فيها اهـ نواوي، قوله (ذكر) أي تذكر شيئًا وهو لزوم الاغتسال فانصرف إلى الحجرة الشريفة، وقال لنا (مكانكم) أي الْزَمُوه، وقوله (ينطف رأسه ماء) فيه دليل على طهارة الماء المستعمل اهـ نواوي، وماء منصوب إما على التمييز كما مر آنفًا، أو على المفعولية لأن نطف يتعدى ولا يتعدى كما يعلم بمراجعة كتب اللغة. قوله: (حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف) قال القرطبي: هذا هو الصحيح من حديث أبي هريرة في كتاب مسلم والبخاري "أنه صلى الله عليه وسلم ذكر قبل أن يكبر، وقبل أن يدخل في الصلاة" وعلى هذا فلا يكون في الحديث إشكال ولا مخالفة أصل، وأقصى ما فيه أن يقال لم أشار إليهم ولم يتكلم ولم انتظروه قيامًا، والجواب أنا لا نسلم أنه لم يتكلم بل قد جاء في هذه الرواية أنه قال لهم مكانكم، وفي الرواية الأخرى أنه أومأ إليهم، وعلى الجمع بين الروايتين أنه جمع بين القول والإشارة تأكيدًا لملازمة القيام ولو سلمنا أنه لم يتكلم وأنه اقتصر على الإشارة لم يكن فيه دليل على أنه دخل في الصلاة إذ يحتمل أن يكون ذلك استصحابًا لما شَرَع فيه من الوقار لأنه بمنزلة من هو في الصلاة إذ قصده أن يخرج للتطهر ثم يعود إليها كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة والوقار" وأما ملازمتهم للقيام فامتثال لأمره صلى الله عليه وسلم لهم بذلك وإنما أمرهم بذلك ليشعر بسرعة رجوعه حتى لا يتفرقوا ولئلا يزايلوا ما كانوا شرعوا فيه من القيام للقربة حتى يفرغوا منها والله أعلم اهـ من المفهم.

1263 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرو، يَعْنِي الأوزَاعِي، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: أُقِيمَتِ الصلاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم لما رجع هل بنى على الإقامة الأولى أوْ استأنف إقامةَ أخرى؟ لم يصح في ذلك نقل، وظاهر الأمر أنه لو استجدَّ إقامة أخرى لَنُقِلَ ذلك إذ قد روي هذا الحديث من طرق وليس فيها شيء من ذلك وحينئذ يحتج به من يرى أن التفريق بين الإقامة والصلاة لا يقطع الإقامة وإن طال إذا كان لعذر كما قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ناجى رجلًا بعد أن أقيمت الصلاة حتى نام من في المسجد وبنى على تلك الإقامة كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه وليس هذا مذهب مالك بل مذهبه أن التفريق إن كان لغير عذر قطع الإقامة وابتدأها طويلًا كان التفريق أو يسيرًا كما قال في المدونة في المصلي بثوب نجس: يقطع الصلاة ويستأنف الإقامة، وكذلك قال في القهقهة وإن كان لعذر فإن طال قطع واستأنف وإن لم يطل لم يقطع وبنى عليها اهـ من المفهم. (واعلم) أن في حديث أبي هريرة هذا فوائد منها أنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أنه يتيمم، وقد بوّب له البخاري (إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم) وأورد فيه هذا الحديث، ومنها جواز الفصل بين الإقامة والصلاة كما مر آنفًا مفصلًا، ومنها جواز انتظار المامومين مجيء الإمام قيامًا عند الضرورة وهو غير القيام المنهي عنه في حديث "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1263 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي (حدثنا أبو عمرو يعني الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، الإمام العلم الفقيه ثقة، من (7) (حدثنا الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد شامي وواحد نسائي، غرضه بيان متابعة الأوزاعي ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها تقوية السند الأول لأن يونس له أوهام قليلة في الزهري، وكرر متن الحديث لما بين الرِوايتين من المخالفة في سوق الحديث (قال) أبو هريرة (أقيمت الصلاة) بضم الهمزة بعد أنْ أَذِنَ

وَصَفَّ الناسُ صُفُوفَهُمْ. وَخَرَجَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَامَ مَقَامَهُ. فَأَوْمَأ إِلَيهِمْ بِيَدِهِ، أَن "مَكَانَكُمْ" فَخَرَجَ وَقَدِ اغتَسَلَ وَرَأسُهُ يَنطُفُ المَاءَ. فَصَلى بِهِمْ. 1264 - (568) (226) وحدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزهْرِي قَال: حَدثَنِي أبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن الصلاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ. فَيَأخُذُ الناسُ مَصَافَّهُمْ. قَبْلَ أَن يَقُومَ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مَقَامَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في إقامتِها (وصَفَّ الناس) أي سووا (صفوفهم وخرج) إليهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الحجرة الشريفة (فقام مقامه) بفتح الميم لأنه من الثلاثي أي في مصلاه ليصلي بهم فذكر أنه جنب (فأومأ) أي أشار (إليهم بيده) الشريفة بـ (أن) اثبتوا (مكانكم) أي في مكانكم ولا تتفرقوا يعني في مصافكم (فخرج) إليهم من الحجرة (وقد اغتسل) من الجنابة (ورأسه) أي والحال أن رأسه (ينطف) أي يقطر (الماء) قليلًا قليلًا (فصلى بهم) من غير إعادة الإقامة كما هو ظاهر السياق. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي قتادة المذكور في الترجمة السابقة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1264 - (568) (226) (وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق الرازي، أحد بحور الحديث ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري قال) الزهري (حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس) المصلون معه (مصافهم) أي محل صفوفهم (قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه) أي في مصلاه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [541]. ولو قدم المؤلف هذا الحديث وحديث جابر الآتي على هذه الترجمة وجعلها تبعًا للترجمة السابقة لكان أوفق وأوضح وأولى كما فعله القرطبي في المفهم، فهما مؤخران عن محلهما فتدبر، ولا يعارض هذا الحديث من قوله (فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه) حديثَ أبي قتادة أعني قوله: "فلا تقوموا حتى تروني" لأن هذا كان مرة أو

1265 - (569) (227) وحدثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثنَا الْحَسَنُ بْنُ أعْيَنَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كَانَ بِلالٌ يُؤَذنُ إِذَا دَحَضَتْ. فَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصلاةَ حِينَ يَرَاه ـــــــــــــــــــــــــــــ مرتين لبيان الجواز أو لعذر كخروج النبي صلى الله عليه وسلم للاغتسال، وقوله فلا تقوموا حتى تروني كان بعد ذلك على الدوام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي قتادة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 1265 - (569) (227) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي بكسر الميم الأولى وفتح الثانية النيسابوري أبو عبد الله المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) القرشي مولاهم مولى بني مروان، وقد ينسب إلى جده أبو علي الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حُديج -بضم المهملة الأولى مصغرًا آخره جيم- الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبوالمغيرة الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي -بضم السين والمد- الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله عنه روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته رِجالُهُ ثلاثةٌ منهم كوفيون وواحد حراني وواحد نيسابوري (قال) جابر كان بلال) بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (يؤذن إذا دحضت) الشمس وزالت (فلا يقيم) للصلاة (حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم) من الحجرة الشريفة إلى المسجد (فإذا خرج) من الحجرة إلى المسجد (أقام) بلال (الصلاة) أي لها (حين يراه) صلى الله عليه وسلم أي حين يرى بلالٌ النبي صلى الله عليه وسلم قد خَرَج من الحجرة وقام في مصلاه، قال القاضي عياض: يجمع بين مختلف هذه الأحاديث بأن بلالًا رضي الله عنه كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يراه غيره أو إلا القليلُ، فعند أول خروجه يقيم ولا يقوم الناس حتى يروه، ثم لا يقوم مقامه حتى يعدلوا الصفوف، وقوله في رواية أبي هريرة رضي الله عنه فيأخذ الناس مصافهم قبل خروجه لعله كان مرة أو مرتين أو نحوهما لبيان الجواز أو لعذر، ولعل قوله صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم فلا تقوموا حتى تروني كان بعد ذلك، قال العلماء: والنهي عن القيام قبل أن يروه لئلا يطول عليهم القيام ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه اهـ نواوي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديثُ أبي هريرة الأولُ ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديثُ أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أبي قتادة المذكور في الترجمة السابقة كما بيناه آنفًا، والثالث حديث جابر ذكره أيضًا للاستشهاد به ثانيًا لحديث أبي قتادة المذكور، والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

280 - (100) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة

280 - (100) باب: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة 1266 - (570) (228) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ أدرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصًلاةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 280 - (100) باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة 1266 - (570) (228) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وفيه التحديث والقراءة والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك) في الوقت (ركعة من الصلاة) المكتوبة (فقد أدرك) تلك (الصلاة) مؤداة حكمًا فكأنما أدرك جميعها في الوقت فتكون أداء لأن الركعة الكاملة مشتملة على معظم أركانها فالباقي تكرار لها دون من أدرك دون الركعة في الوقت فلا تكون أداء لأن ما دونها لا يصلح لاستتباع باقيها، وأما الجماعة فتدرك بدون الركعة ما لم يسلم الإمام، قال الكرماني: ومعنى الحديث أن من دخل في الصلاة في الوقت فصلى ركعة فيه وخرج الوقت كان مدركًا لجميعها وتكون كلها أداء وهو الصحيح اهـ، وقال التيمي: معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة كما هو مصرح في الرواية الآتية، وقيل المراد بالصلاة الجمعة، وقيل غير ذلك، والصحيح الأول، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركًا الوقتَ، وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت وكذا مدرك الجمعة ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للإحرام ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين بشروطِ كلِ ذلك، وقال الرافعي: المعتبر فيها أخف ما يقدر عليه أحد، وهذا في حق غير أصحاب الأعذار، أما أصحاب الأعذار كَمَنْ أفَاقَ من إغماء أو طهرت من حيض أو غير ذلك فإن بقي من الوقت هذا القدر كانت الصلاة في حقهم أداء، وقد قال: قوم يكون ما أدرك في الوقت أداء وما بعده قضاء، وقيل يكون كذلك لكنه يَلْتحِقُ بالأداء حكمًا والمختارُ أن الكل أداء وذلك من فضل الله تعالى قاله

1267 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ قَال: "مَنْ أدْرَكَ رَكْعَةَ مِنَ الصَّلاةِ مَعَ الإِمَامِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصلاةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ ابن حجر اهـ من الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [580]، وأبو داود [1121]، والترمذي [5024]، والنسائي [1/ 274]، وابن ماجه [1122]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1267 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) المدني (عن أبي هريرة) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة يونس لمالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة) كاملة (من الصلاة) المكتوبة (مع الإمام فقد أدرك) فضيلة (الصلاة) جماعة يعني من كان مسبوقًا، وأدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة فعلَى هذا قَيدُ رَكْعةَ يكونُ لإخراجِ ما دونها، وليس المعنى أن إدراك الركعة يكفي عن بقية الصلاة وإنما المعنى أدرك حُكْمَ الجماعةِ وفَضْلَها مِنْ سجودِ سهو الإمام ونَحْوه كفسادِ صلاته، والحديث ظاهر في أنه لا يحصل فضلها بأدنى من ركعة، وعن أبي هريرة وغيره من السلف إذا أدركهم في التشهد أو قد سلموا فقد دخل في الفضل وقَيدُ الركعةِ في الحديث محمولٌ على الغالب، وقيل معنى الركعة هنا الركوع ومعنى الصلاة الركعة إطلاقا للكل على الجزء، والمعنى من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك تلك الركعة اهـ ابن الملك، وقال الشافعي: معنى (فقد أدرك الصلاة) أي لم تفته الجمعة صلاها ركعتين، قال ابن الملك: فيقوم بعد تسليم الإمام ويصلي ركعة أخرى، وإن أدرك دونها فاتته الجمعة وصلى أربعًا، قال الطيبي: وهذا مختص بالجمعة والأظهر حمل هذا الحديث على العموم اهـ من العون. وسيأتي بسط الكلام على أحاديث الباب في آخر الترجمة نقلًا عن النواوي إن شاء الله تعالى.

1268 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرْو الناقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ. ح قَال: وَحَدثَنَا أَبُو كُرَيب. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَر وَالأوزَاعِي وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَيُونُسَ. ح قَال: وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح قَال: وَحَدثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهابِ. جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ الله. كُل هَؤُلاءِ عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ عن الزهري. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ "مَعَ الإِمَامِ". وَفِي حَدِيثِ عُبَيدِ الله: قَال: "فَقَدْ أَدْرَكَ الصلاةَ كُلَّهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1268 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (قالوا حدثنا) سفيان (بن عبينة) الكوفي (ح قال وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (و) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي (ومالك بن أنس) المدني (ويونس) بن يزيد الأيلي (ح قال وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمبر) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (ح قال وحدثنا) محمد (بن المثنى) بن عبيد البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، حالة كون عبد الله بن نمير وعبد الوهاب الثقفي (جميعًا) أي مجتمعين على الرواية (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (كل هولاء) المذكورين من سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد والأوزاعي ومالك بن أنس ويونس بن يزيد وعبيد الله بن عمر رووا (عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك عن الزهري) وفي أكثر النسخ (بمثل حديث يحيى عن مالك) وهو تحريف من النساخ، والصواب ما كتبناه لأن الغرض من سوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأئمة غير مالك من سفيان بن عيينة ومعمر والأوزاعي ويونس وعبيد الله لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري لا متابعتهم ليحيى بن يحيى في الرواية عن مالك لأنه غلط فاحش (وليس في حديث أحد منهم) أي من هؤلاء الأئمة لفظة (مع الإمام، وفي حديث عبيد الله) بن عمرو وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال فقد أدرك الصلاة كلها) يزيادة لفظة كلها أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد أدرك الصلاة جميعها حكمًا لا حقيقةً لاستتباع الركعة باقي الصلاة في كونها مؤداة لأنها زيادة ثقة فهي مقبولة فتؤول هكذا. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين. ***

281 - (101) باب من أدرك من الفجر والعصر ركعة قبل طلوع الشمس وغروبها فقد أدركهما

281 - (101) باب من أدرك من الفجر والعصر ركعة قبل طلوع الشمس وغروبها فقد أدركهما 1269 - (571) (229) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ. وَعَنِ الأعْرَجِ. حَدَّثُوهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ قَال: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةَ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ الصُّبْحَ. وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 281 - (101) باب من أدرك من الفجر والعصر ركعة قبل طلوع الشمس وغروبها فقد أدركهما 1269 - (571) (229) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم أبي محمد المدني، من (3) (وعن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي الزاهد العابد المدني، ثقة، من (2) معطوف على عطاء، وكذا قوله (وعن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة ثبت، من (3) كل من الثلاثة (حدثوه) أي حدثوا زيد بن أسلم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس) أي وصلى ركعة بعد ما طلعت الشمس (فقد أدرك الصبح) أداء وهذا مذهب الشافعي وأحمد والجمهور خلافًا لأبي حنيفة حيث قال بالبطلان لدخول وقت النهي بالطلوع، أو المراد من أدرك من وقت الصبح قدر ركعة، فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو طهرت الحائض أو أفاق المجنون والمغمى عليه وبقي من الوقت قدر ركعة وجبت الصلاة وكذا دونها كقدر تكبيره لإدراك جزء من الوقت ويكون الوقت على هذا خرج مخرج الغالب فإن الغالب الإدراك بركعة ونحوها، ولو بلغ الصبي بالسن في الصلاة أتمها وجوبًا وأجزأته (ومن أدرك ركعة من العصر) أي من صلاتها (قبل أن تغرب) وتغيب (الشمس فقد أدرك العصر) أداء عند الجمهور بل إجماعًا حتى عند الأحناف.

1270 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ. 1271 - (573) (230) وحدثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِي. قَال: حَدَّثَنَا عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 462] والبخاري [556] وأبو داود [412] والترمذي [1116] والنسائي [257 - 258]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1270 - (00) (00) وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وقوله (بمثل حديث مالك عن زيد بن أسلم) عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة متعلق بقوله (أخبرنا معمر عن الزهري) لأنه العامل في المتابع وهو معمر ولكنها متابعة ناقصة لأن معمرًا روى عن أبي هريرة بواسطة الزهري عن أبي سلمة، وأما مالك فروى عن أبي هريرة بواسطة زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1271 - (573) (230) (وحدثنا حسن بن الربيع) البجلي الحصار الخشاب أبو علي الكوفي البوراني بضم الموحدة، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن يونس بن يزيد) الأيلي الأموي مولاهم، ثقة، من (7) (عن الزهري) محمد بن مسلم المدني، ثقة جليل، من (4) (قال) الزهري (حدثنا عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي المدني، ثقة فقيه مشهور، من (2) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد أيلي وواحد مروزي وواحد كوفي (قالت) عائشة رضي الله عنها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ح) قال وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري، ثقة، من (10)

وَحَرْمَلَةُ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، (وَالسيَاقُ لِحَرمَلَةَ)، قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أن عُرْوَةَ بْنَ الزبَيرِ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالت: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ العَصرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشمْسُ، أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا". وَالسجْدَةُ إِنمَا هِيَ الرَّكعَةُ. 1272 - (573) (231) وحدثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وحرملة) بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري، صدوق، من (11) (كلاهما) رويا (عن) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (والسياق) أي والحديث المسوق هنا مصدر بمعنى اسم المفعول (لحرملة) بن يحيى، وأما أبو الطاهر فروى معناه لا لفظه (قال) ابن وهب (أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة) رضي الله عنها، وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه وشيخيهما (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من العصر سجدة) أي ركعة (قبل أن تغرب الشمس أو) أدرك (من الصبح) سجدة (قبل أن تطلع) الشمس (فقد أدركها) أي أدرك صلاة العصر مؤداة أو صلاة الصبح مؤداة، قال ابن شهاب (والسجدة إنما هي الركعة) والجملة مدرجة في آخر الحديث أدرجها ابن شهاب في الحديث كما هو مشهور في أحاديثه، قال القرطبي وفسرها في الأم [في أصل صحيح مسلم رقم 608] بأنها الركعة ووجهه أن أهل الحجاز يسمون الركعة سجدة فهما عند الجمهور عبارتان عن معبر واحد، وقال الشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة: إن السجدة هنا ليست بالركعة وإنما هي على بابها من وضع الوجه على الأرض واحتجا بذلك على قولهما إنه يكون مدركًا بتكبيرة الإحرام ووجه احتجاجهم أنه لما ذكر مرة ركعة ومرة سجدة سَبَرْنَا أَوصافَهما فوجَدْنَاهُما يجمعانِ الركنيةَ والفرضيةَ، وأوَّلُ الفروضِ تكبيرةُ الإحرام فقَدَّرَاهُ بذلك والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 78] والنسائي [1/ 273]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 1272 - (573) (231) (وحدثنا حسن بن الربيع) الكوفي (حدثنا عبد الله بن

الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَر، عَنِ ابْنِ طَاوُس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَباسِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ. وَمَنْ أدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَة قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ". 1273 - (00) (00) وحدثناه عبد الأعلى بن حمَّاد. حدَّثنا معتمرٌ؛ قال: سمعت معمرًا، بهذا الإسناد ـــــــــــــــــــــــــــــ المبارك) بن واضح المروزي (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني أبي محمد الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم يمانيان وواحد مدني وواحد طائفي وواحد مروزي وواحد كوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول ورواية صحابي عن صحابي وولد عن والد (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك) العصر مؤداة (ومن أدرك من) صلاة (الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك) صلاة الفجر مؤداة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والنسائي ورويا في الصلاة كمسلم اهـ تحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1273 - (00) (00) (وحدثناه عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال سمعت معمرًا) ابن راشد الأزدي البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله حدثنا معتمر لأنه العامل في المتابع، واسم الإشارة راجع إلى ما بعد شيخ المتابع وهو عبد الله بن المبارك، والتقدير حدثنا معتمر عن معمر بهذا الإسناد يعني عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن أبي هريرة مثل ما روى عبد الله بن المبارك عن معمر، فغرضه بيان متابعة معتمر لعبد الله بن المبارك، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديثُ عائشة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكَرَ فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. [خاتمة]: قال النواوي: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث ليس على ظاهره، وأنه لا يكون بالركعة مدركًا لكل الصلاة وتكفيه وتحصل براءته من الصلاة بهذه الركعة بل هو مؤول على إضمار شيء تقديره: فقد أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها، قال أصحابنا: يدخل فيه ثلاث مسائل: إحداها إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة ركعة من وقتها لزمته تلك الصلاة وذلك في الصبي يبلغ، والمجنون والمغمى عليه يفيقان، والحائض والنفساء تطهران، والكافر يسلم فمن أدرك من هؤلاء ركعة قبل خروج وقت الصلاة لزمته تلك الصلاة، وإن أدرك دون ركعة كتكبيرة ففيه قولان للشافعي رحمه الله تعالى: أحدهما لا تلزمه لمفهوم هذا الحديث وأصحهما عند أصحابنا تلزمه لأنه أدرك جزءًا منه فاستوى قليله وكثيره ولأنه يشترط قَدْرُ الصلاةِ بكمَالِها بالاتفاقِ فينبغي أن لا يُفرَّق بين تكبيرة وركعةٍ. والجواب عن الحديث بأن التقييد بركعة خَرَج على الغالب فإن غالبَ ما يُمكن معرفة إدراكهِ ركعةٌ ونَحْوها، وأما التكبيرة فلا يكاد يُحسُّ بها، وهل يشترط مع التكبيرة أو الركعة إمكانُ الطهارة فيه وجهان لأصحابنا أصحُّهما أنه لا يشترط. المسألة الثانية: إذا دخل في الصلاة في آخر وقتها فصلى ركعة ثم خرج الوقت كان مدركًا لأدائها ويكون كلها أداء وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وقال بعض أصحابنا: يكون كلها قضاء، وقال بعضهم: ما وقع في الوقت أداء وما وقع بعده قضاء. وتظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى القصر وصلى ركعة في الوقت وباقيها بعده فإن قلنا الجميع أداء فله قصرها وإن قلنا كلها قضاء أو بعضها وجب إتمامها أربعًا إن قلنا إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها هذا كله إذا أدرك ركعة في الوقت فإن كان دون ركعة فقال بعض أصحابنا: هو كالركعة وقال الجمهور: يكون كلها قضاء. واتفقوا على أنه لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز تعمُّد التأخيرِ إلى هذا الوقت وإن قلنا إِنها أداءٌ، وفيه احتمال لأَبِي محمدٍ الجويني على قولنا أداءٌ وليس بشيء. المسألة الثالثة: إذا أدرك المسبوق مع الإمام ركعة كان مدركًا لفضيلة الجماعة بلا خلاف، وإن لم يدرك ركعة بل أدركه قبل السلام بحيث لا يُحسب له ركعة ففيه وجهان لأصحابنا: أحدهما لا يكون مدركًا للجماعة لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة". والثاني وهو الصحيح وبه قال جمهور أصحابنا يكون مدركًا لفضيلة الجماعة لأنه أدرك جزءًا منه، ويجاب عن مفهوم الحديث بما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" هذا دليل صريح في أن من صلى ركعة من الصبح أو العصر ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته بل يتمها وهي صحيحة وهذا مجمع عليه في العصر، وأما في الصبح فقال به مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة إلا أبا حنيفة فإنه قال: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف غروب الشمس، والحديث حجة عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ منه. * * *

282 - (102) باب أوقات الصلوات الخمس

282 - (102) باب: أوقات الصلوات الخمس 1274 - (574) (232) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح قَال وَحَدثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أخَّرَ الْعَصْرَ شَيئًا. قلت ـــــــــــــــــــــــــــــ 282 - (102) باب أوقات الصلوات الخمس 1274 - (574) (232) (حدثنا قتببة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح قال وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أمير المؤمنين المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (أخر) صلاة (العصر شيئًا) يسيرًا من التأخير عن أول وقتها فهو صفة لمصدر محذوف أي تأخيرًا يسيرًا وهذا يدل على أن تأخيرها إنما كان عن أول وقت الاختيار وإنما أنكر عليه لعدوله عن الأفضل وهو ممن يقتدى به فيؤدي تأخيره لها إلى أن يعتقد أن تأخير العصر سنة، ويحتمل أنه أخرها إلى آخر وقت أدائها وهو وقت الضرورة عندنا معتقدًا أن الوقت كله وقت اختيار كما هو مذهب إسحاق وداود، والأول أشبه بفضله وعلمه وأظهر من اللفظ اهـ من المفهم. وقال القاضي عياض: ولم يكن تأخيرُهُ هو والمُغيرةِ ذلك لِعُذْرٍ لأنهما لم يَعْتَذِرَا، ولا عمدًا مع العلم بالتحديد، وإنما ظنَّا الجوازَ مع أنه لم يكن بهما ذلك عادة لقوله في الآخر أخر الصلاة يومًا، ثم تأخيرهما إن كان عن الوقت المختار فالإنكار بَيِّنٌ لِما فيه من التقريرِ خوفَ الوقوعِ في الوقت المحظور لا سيما تأخير الأئمة المقتدى بهم، وقد يكون تأخيرهما لأنهما يريان أن العصر لا وقت ضرورة لها وهو مذهب أهل الظاهر، أو يكون خفي عليهما أن جبريل - عليه السلام - هو الذي حدد الأوقات، وخفيت عليهما السنة في ذلك وإحاطة البشر بكلها ممتنعة، وما يقتضيه قول أبي مسعود للمغيرة أليس قد علمت من أن عند المغيرة بذلك علمًا قد يكون باعتبار ظن أبي مسعود لمكان صحبة المغيرة رضي الله عنه. قال الأبي: (قلت) الأليق في تأخيرهما أنه عن وقت الفضيلة، وأنه إنما كان لاشتغالهما بمهم وإلا فعادتهما المبادرة إلى تحصيل الفضائل ولا يليق أن يظن بهما

فَقَال لَهُ عُرْوَةُ: أَمَا إِنَّ جِبرِيلَ قَد نَزَلَ. فَصَلَّى إِمَامَ رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ. فَقَال لَهُ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُروَةُ. فَقَال: سَمِعتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنهما أخَّرا عن الوقت المختار إلا أن يقال ما تقدم من أنهما رأيا أن لا وقت ضرورة لها ويبعد، وإلا لأجابا بذلك والذي خفي عن عمر أن يكون جبريل - عليه السلام - هو الذي حدد الأوقات اهـ إكمال المعلم. (فقال له) أي لعمر (عروة) بن الزبير (أما) بالتخفيف حرف استفتاح بمنزلة ألا أي انتبه واستمع مني ما أقول لك يا أمير المؤمنين (أن جبريل) الأمين - عليه السلام - (قد نزل) من السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فصلى) حالة كونه (إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الهمزة ويوضحه قوله في الحديث نزل جبريل فأمني ... إلح قاله النواوي، وقال شارح المصابيح: هو في جامع الأصول مقيد بالفتح والكسر فبالفتح ظرف وبالكسر إما منصوب بإضمار فعل أي أعني إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خبرًا لكان المحذوفة ولكنه بعيد لأنه ليس موضع حذفها. قال الأبي: وهذا إنكار لما أتى به عمر من التأخير، وصدَّره بكلمة أما التي هي من طلائع القسم، قال القاضي: وفيه الدخول على الأمراء وقول الحق عندهم وإنكار ما ينكر عليهم، وفيه العمل بالمراسيل لأن عروة إنما ذكره أوَّلا مُرْسَلًا، وإنما رجع إلى الإسناد حين استثبت عمر وقواه بحديث عائشة الذي لا يُعَارض باجتهاد ونَصَّ في النازِلةِ لأنها كانت صلاة عمر، وفيه ما كان عليه السلف من العمل بخبر الواحد اهـ (فقال له) أي لعروة (عمر) بن عبد العزيز (اعلم) بصيغة الأمر من العلم أي كن حافظًا ضابطًا (مما تقول) وتخبرني (يا عروة) ولا تقله عن غفلة، قيل هذا القول تنبيه من عمر بن عبد العزيز لعروة على إنكاره إياه ثم تصدره بأما التي هي من طلائع القسم أي تأمل يا عروة ما تقول وعلام تحلف وتنكر كذا قاله الطيبي، وكأنه استبعاد لقول عروة صَلى إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الأحق بالإمامة هو النبي صلى الله عليه وسلم، والأظهر أنه استبعاد لإخبار عروةَ بَنزل جبريلُ بدون الإسناد فكأنه غلَّظ عليه بذلك مع عظيم جلالته إشارة إلى مزيد الاحتياط في الرواية لئلا يقع في محذورِ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يتعمده اهـ من العون (فقال) عروة لعمر بن عبد العزيز: كيف لا أدري وقد (سمعت بشير) بفتح الموحدة بعدها معجمة على وزن فعيل (بن أبي مسعود) عقبة بن عمرو

يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسعُود يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "نَزَلَ جِبرِيلُ فَأَمَّنِي. فَصَلَّيتُ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري المدني، روى عن أبيه في الصلاة، له فرد حديث في (خ م) ويروي عنه (خ م د س ق) وعروة بن الزبير وابنه عبد الرحمن ويونس بن ميسرة وجماعة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: له رؤية، قتل يوم الحرة، وقال في الفتح: تابعي جليل ذكر في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه اهـ، حالة كونه (يقول سمعت) والدي (أبا مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البدري المدني الصحابي الجليل رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، حالة كون أبي مسعود (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول والسماع، وفيه ثلاثة أتباع ابن شهاب وعروة وبشير، قال الطيبي: معنى إيراد عروة الحديث أني كيف لا أدري ما أقول، وأنا صحبت وسمعت ممن صحب وسمع ممن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه هذا الحديث، فعرفت كيفية الصلاة وأوقاتها وأركانها، يقال ليس في الحديث بيان أوقات الصلاة! يجاب عنه بأنه كان معلومًا عند المخاطب فأبهمه في هذه الرواية وبينه في روايةِ جَابِر وابنِ عباس انتهى. وقال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن عمر لم ينكر بيان الأوقات وإنما استعظم إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم اهـ، وهو كذلك لأن معرفة الأوقات تتعين على كل أحد فكيف تخفى على مثله رحمه الله تعالى اهـ من العون، قال القرطبي: والأولى عندي أن حجة عروة عليه إنما هي فيما رواه عن عائشة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتها قبل أن تظهر وذكر له حديث جبريل موطئًا له ومعلمًا بأن الأوقات إنما ثَبَتَ أصْلُها بإيقافِ جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم عليها وتعيينِها له، والله أعلم اهـ من المفهم. (نزل جبريل) - عليه السلام - (فأمني) جبريل أي صار لي إمامًا في الصلاة ليعلمنيها، قال القاضي: احتج به من أجاز الائتمام بالمتنفل لأن صلاة جبريل - عليه السلام - كانت نَافِلَة ويؤيده رواية (أمرت) بفتح التاء، وقد يجاب عنه بأن جبريل مأمور بالتبليغ والتعليم بالفعل وهو واجب عليه (فصليت معه) أي جبريل الظهر أي فعل كل جزء فعله جبريل

ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ. ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ. ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ. ثُم صَلَّيتُ مَعَهُ". يَحسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمسَ صَلَوَاتٍ 1275 - (00) (00) أَخبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّميمِي. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أن عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْمًا. فَدَخَلَ عَلَيهِ عُرْوَةُ بْنُ الزبَيرِ. فأخْبَرَ؛ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أخَّرَ الصَّلاةَ يَوْما. وَهُوَ بِالْكُوفَةِ. فَدَخَلَ عَلَيهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأنْصَارِيُّ. فَقَال: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيس قَدْ عَلِمْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عقب فعله لأن ذلك حقيقة الائتمام (ثم) صلى جبريل العصر فـ (صليت معه، ثم) صلى المغرب فـ (صليت معه، ثم) صلى العشاء فـ (صليت معه، ثم) صلى الصبح فـ (صليت معه) حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يحسب) بضم السين مع التحتانية من الحساب لا من الحسبان أي يعد تلك المرات من الصلوات (بأصابعه) أي بعقد أصابعه (خمس صلوات) قال ولي الدين: هو مفعول صليت أو يحسب اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3221] وأبو داود [394] والنسائي [1/ 245 - 246] وابن ماجه [668]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه فقال: 1275 - (00) (00) (أخبرنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن ابن شهاب) المدني (أن عمر بن عبد العزيز) الأموي المدني (أخر الصلاة) أي صلاة العصر عن وقتها المختار (يومًا) من الأيام (فدخل عليه) أي على عمر (عروة بن الزبير) بن العوام المدني (فأخبره) أي فأخبر عروة لعمر (أن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبا محمد الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه قيل أحصن ألف امرأة، مات سنة خمسين (أخر الصلاة يومًا وهو) أي والحال أن المغيرة أمير (بالكوفة فدخل عليه) أي على المغيرة (أبو مسعود الأنصاري) البدري عقبة بن عمرو المدني (فقال) أبو مسعود للمغيرة (ما هذا) التأخير أي تأخير الصلاة عن وقتها المختار (يا مغيرة) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة مالك بن أنس لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب (أليس) الشأن (قد علمت) يا مغيرة، وفي شروح البخاري

أَن جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُم صَلى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ. ثُم صَلى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُمَّ صَلّى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُم صَلى. فَصَلَّى رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُم قَال: بِهَذَا أُمِرْتُ. فَقَال عُمَرُ لِعُرْوَةَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ! أَوَ إِن جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ وَقْتَ الصلاةِ؟ فَقَال عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في هذه الجملة بحث من حيث إن الشأن في مخاطبة الحاضر ألستَ، فليس ها هنا مسند إلى ضمير الشأن، وجملة قد علمت خبره (أن جبريل نزل) من السماء (فصلى) الظهر إمامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) معه (ثم صلى) جبريل العصر (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) معه (ثم صلى) جبريل المغرب (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) معه (ثم صلى) جبريل العشاء (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) معه (ثم صلى) جبريل الصبح (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) معه، وكرره هكذا خمس مرات؛ ومعناه أنه كلما فعل جبريل جزءًا من أجزاء الصلاة فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى تكاملت صلاته (ثم قال) جبريل عليه السلام (بهذا) العمل الذي علمتك (أمرت) يا محمد أن تفعله كل يوم وليلة، إن قرأنا بفتح التاء على الخطاب أو بهذا التعليم والتبليغ الذي علمتك يا محمد أمرت أنا إن قرأنا بضم التاء، والمعنى على كلا الروايتين ظاهر (فقال عمر) بن عبد العزيز العروة) بن الزبير (انظر) أي فكر وتأمل وتثبت واعلم (ما تحدث) به (يا عروة) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرزًا من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، والهمزة في قوله (أو إن) داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف أي أتنكر علي هذا التأخير، وإن (جبريل - عليه السلام - هو) الذي (أقام) وحدد الرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة) فلست مؤخرًا عن ذلك الوقت المحدد فكيف تنكر علي هذا التأخير (فقال عروة) لعمر الأمر (كذلك) أي كما قلت من أن جبريل - عليه السلام - هو المحدد له صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة أو الكاف متعلقة بيحدث الآتي الواقع خبرًا لكان أي كان بشير بن أبي مسعود يحدث) كذلك أي مثل ذلك الذي قلته (عن أبيه) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري من أن المحدد للأوقات هو جبريل - عليه السلام - وهذا الوجه الأخير

1276 - (575) (233) قَال عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا. قَبْلَ أنْ تَظْهَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى لأن عدم التقدير أولى من التقدير لأن مفعول يحدث محذوف على الوجه الأول والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي: قوله (أخر عمر بن عبد العزيز العصر فأنكره عليه عروة، وأخرها المغيرة فأنكر عليه أبو مسعود الأنصاري واحتجا بإمامة جبريل - عليه السلام -) أما تأخيرهما فلكونهما لم يبلغهما الحديث أو أنهما كان يريان جواز التأخير ما لم يخرج الوقت كما هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وأما احتجاج أبي مسعود وعروة بالحديث فقد يقال قد ثبت في الحديث في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما من رواية ابن عباس وغيره في إمامة جبريل - عليه السلام - أنه صلى الصلوات الخمس مرتين في يومين فصلى الخمس في اليوم الأول في أول الوقت، وفي اليوم الثاني في آخر وقت الاختيار، وإذا كان كذلك فكيف يتوجه الاستدلال بالحديث؟ وجوابه: أنه يحتمل أنهما أخرا العصر عن الوقت الثاني وهو مصير ظل كل شيء مثليه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي مسعود رضي الله عنه تقوية له بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها معلقًا سنده فقال: 1276 - (575) (233) (قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (و) الله (لقد حدثتني عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس) أي ضوءها باق (في) عرصة (حجرتها) كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث يكون طول جدارها أقل من مساحة العرصة بشيء يسير، فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر وتكون الشمس بعد في أواخر العرصة لم يقع الفيء على الجدار الشرقي (قبل أن تظهر) وتصعد الشمس أي ضوءها على الجدار الشرقي وينبسط الفيء في عرصتها، وهذا وما بعده من الروايات يدل على التبكير بالعصر في أول وقتها وهو حين يصير ظل كل شيء مثله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود اهـ من التحفة.

1277 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ كَانَ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي، لَمْ يَفِئ الْفَيءُ بَعْدُ. وَقَال أَبُو بَكير: لَمْ يَظهَرِ الفَيءُ بَعدُ. 1278 - (00) (00) وحدثني حَرمَلَةُ بن يَحيَى. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أن عَائِشَةَ زَوجَ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1277 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد قال عمرو حدثنا سفيان) بن عيينة، وأما أبو بكر فروى عنه بالعنعنة (عن الزهري عن عروة عن عائشة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس طالعة) الضوء وبارزته (في) عرصة (حجرتي) وبيتي (لم يفئ) أي لم يظهر (الفيء) أي الظل الذي بعد الزوال في عرصة حجرتي (بعد) أي الآن أي في الوقت الذي يصلي فيه العصر (وقال أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته (لم يظهر الفيء بعد) أي قال بدل لم يفيء لم يظهر والمعنى واحد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1278 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وغرضه بيان متابعة يونس لمالك وسفيان في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية السابقة في سوق الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشمْسُ فِي حُجرَتِهَا. لَم يَظْهَرِ الفَيءُ فِي حُجْرَتِهَا. 1279 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَابنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ يُصَلِّي العَصْرَ والشمْسُ وَاقِعَة فِي حُجْرَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كان يصلي العصر والشمس) أي ضوءها باق (في حجرتها) أي في ساحة بيتها لم يطلع ضوؤها على الجدار الشرقي (لم يظهر الفيء) ولم ينبسط (في) ساحة (حجرتها) والظهور هنا غير الظهور السابق في قوله (قبل أن تظهر) والمراد بظهور الشمس في قوله (قبل أن تظهر) خروجها من ساحة الحجرة وارتفاعها على الجدار الشرقي، وبظهور الفيء في قوله (لم يظهر الفيء) انبساطه في ساحة الحجرة، قال ابن حجر: وليس بين الروايتين اختلاف لأن انبساط الفيء لا يكون إلا بعد خروج الشمس اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال: 1279 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة هشام للزهري في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزبير (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر) في أول وقتها (والشمس) أي ضوؤها (واقعة) أي طالعة (في) ساحة (حجرتي) وعرصتها لم تطلع على الجدار الشرقي. قوله: (والشمس طالعة في حجرتي لم يفئ الفيء بَعْدُ وفي الآخر والشمس واقعة في حجرتي) قال الأبي: فمعنى لم يفيء الفيء لم يَعُمَّ ساحة الحجرة، وقال القاضي: ومعنى لم تظهر لم تَعْلُ السطحَ، وقيل إلى الجدار، وقيل معنى قَبْلَ أن تظهر قبل أن تزول والجميعُ بمعنىً، وفَسَّر بقوله في الأم والشمس واقعة في حجرتي أي لم تخرج من ساحتها، والحجرة الدار وكل ما أحاط به البناء فهو حجرة وكل هذه الطرق في حديث عائشة حجة على عمر بن عبد العزيز وإن الحكم التعجيل لأن هذا مع ضيق الحجرة، وقصر البناء إنما يتأتى في أول وقت العصر، قال النووي: وأول وقتها أن يصير ظل

1280 - (576) (234) حدثنا أبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (وَهُوَ ابْنُ هِشَام)، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ القائم مثله، وإنما لا يتأتى ذلك إلا في أول الوقت لأن الحجرة كانت ضيقة العرصة قصيرة الجدار أقل من مساحة العرصة بشيء يسير فإذا صار ظل الجدار مثله في الشمس لم تزل في أواخر العرصة والفيء لم يكن في جميعها فإذا زاد الفيء على ذلك وارتفع في الجدار الشرقي كان ذلك تمكينًا في الوقت (قلت) والفيء الظل ولا يقال إلا للراجع بعد الشمس، وقال ابن السكيت: الظل ما تنسخه الشمس، وذلك قبل الزوال، والفيء ما ينسخ الشمس وذلك بعد الزوال، ومنه قول حُمَيد بن حُميش: فلا الظِلُّ مِنْ بعدِ الضُّحى تَسْتَطِيعُه ... ولا الفيءُ مِنْ بعدِ العِشاء تَذُوقُ والمقصود من جميع طرق هذا الحديث ضبط أول وقت العصر وأنت تعرف أنه ليس فيه إيضاح لذلك ويأتي ما فيه اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي مسعود الأنصاري بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فقال: 1280 - (576) (234) (حدثنا أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) -بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة- البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (قالا حدثنا معاذ وهو ابن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أبي أيوب) يحيى بن مالك ويقال حبيب بن مالك الأزدي العتكي المراغي نسبة إلى مراغ بطن من الأزد، وقيل موضع بناحية عمان البصري، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الصلاة، وأبي هريرة في الرفق، وسمرة بن جندب وابن عباس وجويرية بن الحارث، ويروي عنه (خ م د س ق) وقتادة وثابت البناني وأبو عمران الجوني وغيرهم، وثقه النسائي وابن حبان، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا، وعده في الطبقة الثانية (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل السهمي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عبد الله بن عمرو فإنه

أَن نَبِيَّ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: لا إِذَا صَلَّيتُمُ الْفَجرَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى أَنْ يَطلُعَ قَرْنُ الشمْسِ الأَوَّلُ. ثُم إِذَا صَلَّيتُمُ الظُّهرَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى أَن يَحضُرَ العَصرُ. فَإِذَا صَلَّيتُمُ الْعَصرَ فَإنهُ وَقت إِلَى أَن تَصفَرَّ الشمسُ. فَإِذَا صَلَّيتُمُ المَغرِبَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى أنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مدني (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتم) أي إذا أردتم أن تصلوا صلاة (الفجر فإنه) أي فإن الزمن الذي بعد الفجر (وقت) لها (إلى أن يطلع) ويظهر (قرن الشمس) أي طرفها (الأرل) بالرفع صفة للقرن أي طرفها السابق الأعلى، وليس في الحديث بيان لأول وقتها فأول وقت الصبح طلوع الفجر وهو البياض المنتشر في الأفق من القبلة إلى الشمال لا المنتشر من المشرق إلى المغرب لأن ذلك هو الفجر الكاذب لأنه يطلع ويذهب (فإن قلت) القياس أن يكون هو المعتبر لأن الفجر هو البياض السابق بين يدي طلوع الشمس وهي إنما تطلع من المشرق صاعدة إلى المغرب فقياس فجرها أن يكون كذلك (قلت) الفجر الصادق هو البياض السابق بين يدي طلوعها وهو أيضًا إنما يطلع من المشرق صاعدًا إلى المغرب لكن لاتساع دائرته يتوهم أنه من القبلة إلى الشمال، وقلنا لاتساع دائرته لأن الدوائر ثلاث: دائرة قرص الشمس، ودائرة الحمرة المحيطة بها، ودائرة البياض المحدق بالحمرة المذكورة وهو السابق بين يدي طلوع الشمس المسمى بالفجر، وما بعدها إلى هنا غير داخل للقرينة، قال المازري: وقَرْن الشمسِ الأولُ أولُ ما يَبْدُو منها واحترز به عما يلي الأرض وهو حجةٌ على الإصطخري في قوله آخرُ وقتها الإسفارُ البيِّنُ، ولا حجة للإصطخري في حديث ما بين هذين وقت من أنه صلاها في اليوم الثاني آخرَ الإسفار، وقال ما بين هذين وقت. قال ابن الملك: قوله (إذا صليتم الفجر) إلخ هذا الحديث إلى آخره بيان لأواخر الأوقات وأوائلُها كانت معلومة لهم بقرينة قوله إذا صليتم، ثم قال عند شرح قوله وإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل، وهذا بيان لوقتها المختار اهـ (ثم إذا صليتم الظهر فإنه) أي فإن ذلك الزمن (وقت) لأدائها (إلى أن يحضر) وقت (العصر) وليس فيه أيضًا بيان لأول وقتها وأوله زوال الشمس عن أعلى درجات ارتفاعها (فإذا صليتم العصر فإنه وقت) لأدائها (إلى أن تصفر الشمس) ليس فيه أيضًا بيان لأول وقتها، وتقدمت أحاديث الحجرة (فإذا صليتم المغرب فإنه وقت) لأدائها (إلى أن يسقط) ويزول (الشفق) الأحمر، وأول وقتها

فَإِذَا صَلَّيتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنهُ وَقْت إِلَى نِصْفِ الليلِ". 1281 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ -وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ الأَزْدِيُّ ويقَالُ: الْمَرَاغِيُّ. وَالْمَرَاغُ حَيٌّ مِنَ الأزْدِ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ؛ قَال: "وَقْتُ الظُهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مغيب قرص الشمس ببلد لا جبال فيه وهو ببلد به جبل تغيب خلفه أن تطلع الظلمة من المشرق (فإذا صليتم العشاء فإنه وقت) لأدائها (إلى نصف الليل) وأول وقتها مغيب الشفق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [396]، والنسائي [1/ 260]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 1281 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري، ثقة، من (10) (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري، ثقة إمام الأئمة، من (7) روى عنه في (30) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة مدلس، من (4) (عن أبي أيوب) البصري قال المؤلف (واسمه يحيى بن مالك الأزدي ويقال) له (المراغي) نسبة إلى مراغ -بفتح الميم وبالغين المعجمة- (والمراغ حي من الأزد) ثقة، من (2) (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مصريون إلا عبد الله بن عمرو فإنه مدني طائفي، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة. وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقت الظهر ما لم يحضر) وقت (العصر) أفاد بقوله ما لم يحضر أن الوقت ممتد متسع، وأن آخره أول وقت العصر وهو انتهاء آخر ظل المثل، وهذا مثل ما جاء في حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى به العصر في اليوم الأول حين كان ظل كل شيء مثله، وكلاهما حجة على أبي حنيفة في قوله إن أول وقت العصر إذا كان ظل كل شيء مثليه وهو قول شاذ خالف فيه هذه النصوص وجميع الناس خلا أنه قد حُكي عن الشافعي وقد تبرَّأ من هذا القول أصحاب

وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصفَرَّ الشمسُ. وَوَقْتُ الْمَغرِبِ مَا لَم يَسْقُط ثَوْرُ الشَّفَقِ. وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ الليلِ. وَوَقْتُ الْفَجرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشمْسُ". 1282 - (00) (00) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. ح قَال: وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي حنيفة والشافعي لظهور فساده ثم تمام القامة بلا فصل بينهما هو أول وقت العصر وهو مشترك بينهما عند مالك وابن المبارك وإسحاق في آخرين تمسكًا بحديث جبريل، وذلك أنه صلى به العصر في اليوم الأول حين كان ظل كل شيء مثله، وصلى به في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثليه غير أنهم حملوا قوله صلى في الظهر على أنه فرغ منها في آخر القامة، وصلى في العصر على أنه بدأ بها في أول القامة الثانية اهـ من المفهم (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس) أي ما لم تدخلها صفرة، وظاهر هذا أن آخر وقت العصر قبل مخالطة الصفرة وهذا كما قال في حديث بريدة بن حصيب "ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة" يعني في اليوم الثاني، وهذا الظاهر مخالف لحديث أبي موسى إذ قال فيه "ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشمس" وظاهر هذا أنه بعد الصفرة بكثير، ووجه الجمع أن هذا كله تقريب، وإنما التحقيق يحصل بما في حديث جبريل من تقديره بما إذا كان ظل كل شيء مثل شخصه (ووقت) صلاة (المغرب ما لم يسقط) أي ما لم يزل وينعدم (ثور الشفق) أي ثورانه وانتشاره، وفي رواية أبي داود فور الشفق بالفاء وهو بمعناه، والشفق هو الحمرة أو البياض بعدها على الخلاف المشهور في الفقه (ووقت العشاء) أي وقتها المختار باق (إلى) مضي (نصف الليل ووقت) صلاة (الفجر) باق (ما لم تطلع الشمس) أي من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 1282 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا أبو عامر) القيسي (العقدي) عبد الملك بن عمرو البصري، ثقة، من (9) (ح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا يحيى بن أبي بكير) نَسْر القيسيُّ العبديُّ أبو زكريا البغدادي، ثقة، من (9) كلاهما) أي كل من أبي عامر ويحيى بن أبي بكير (عن شعبة

بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفي حَدِيِثهِمَا: قَال شُعْبَةُ: رَفَعَهُ مَرَّةً. وَلَمْ يَرْفَعْهُ مَرَّتَينِ. 1283 - (00) (00) وحدثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي أَيوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ قَال: "وَقْتُ الظُهْرِ إِذَا زَالتِ الشَّمْسُ. وَكَانَ ظِل الرَّجُلِ كَطُولِهِ. مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله، غرضه بسوقه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (و) لكن (في حديثهما قال شعبة رفعه) أي رفع هذا الحديث قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (مرة) واحدة (ولم يرفعه) قتادة (مرتين) بل وقفه فيهما على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 1283 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي المعروف بـ (الدورقي) نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس، أخو يعقوب الدورقي، وهو أصغر من أخيه بسنتين، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم أبو سهل البصري، صدوق، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) (حدثنا قتادة عن أبي أيوب) يحيى بن مالك المراغي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة همام بن يحيى لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من بعض المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقت الظهر إذا زالت) ومالت (الشمس) عن وسط السماء إلى جهة المغرب (وكان ظل الرجل) مثلًا (كطوله) أي قدر طول الرجل غير ظل الاستواء؛ أي وصار ظله كطوله أي قريبًا اهـ مرقاة، وقوله (ما لم يحضر العصر) أي وقته بأدنى زيادة، بدل من قوله وكان ظل الرجل لأن صيرورة ظل كل شيء مثله مع أدنى زيادة وقته وقت العصر، وقال في المرقاة: وهذا تأكيد وبيان لقوله وكان، قال أبو طالب في القوت: والزوال ثلاثة؛ زوال لا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ، وزوال يعلمه الملائكة المقربون عليهم السلام، وزوال يعرفه

وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ صَلاةِ المَغْرِبِ مَا لَم يَغِبِ الشفَقُ. وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ الليلِ الأَوْسَطِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس، قال وجاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل - عليه السلام - هل زالت الشمس؟ فقال: لا، نعم! قال: ما معنى لا نعم، قال: يا رسول الله قطعت الشمس من فلكها بين قولي لا ونعم مسيرة خمسمائة عام، والزوال الذي يعرفه الناس يعرف بمعرفة أقل ظل الشمس وطريق معرفة ذلك أن ينتصب قائمًا معتدلًا في أرض معتدلة وينظر إلى ظله في جهة المغرب وظله فيها أطول ما يكون غداة ويعرف منتهاه، ثم كلما ارتفعت الشمس نقص الظل حتى تنتهي إلى درجات ارتفاعها فتقف وقفة ويقف الظل فلا يزيد ولا ينقص وذلك وسط النهار، ووقت الاستواء ووسط سماء ذلك القائم ثم تميل إلى أول درجات انحطاطها في الغروب فذلك هو الزوال وأول وقت صلاة الظهر، ثم لا يزال إلى أن يصير ظل القائم مثله بعد الظل الذي زالت عليه الشمس وهو آخر وقتها اهـ (ووقت العصر) يدخل بذلك أي من كون ظل الرجل كطوله ويستمر من غير كراهة (ما لم تصفر الشمس) بفتح الراء المشددة وقد تكسر فالمراد به وقت الاختيار اهـ مرقاة؛ أي ما لم تدخلها وتخالطها صفرة لنقصان نورها (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) ومشهور قول مالك في الشفق إنه الحمرة، وقال مرةَ: البياضُ أَبْيَنُ، وبالأول قال الشافعي والمحدثون، وبأنه البياض قال أبو حنيفة والأوزاعي، وقال بعض اللغويين يطلق عليهما، وقال الخطابي: إنما يطلق على أحمر ليس بقان، وعلى أبيض ليس بناصع (قلت) وإنما كان البياض أبين لأن على الشمس دائرتين؛ حمراء تلي الشمس ودائرة بيضاء بعدها، والدائرة البيضاء هي الأخيرة في الغروب والأولى في الطلوع ولما كانت الحمراء التي تلي الشمس لا تنضبط انضباطَ البياض جُعِلَت آلاتِ الوقت على مذهب أبي حنيفة في أن الشفق البياضُ، ولذا من صلى اليوم العشاء قبل الأذان بيسير تجزئه لأن دائرة الحمرة تكون حينئذ غابت اهـ من الأبي (ووقت صلاة العشاء) يمتد اختيارًا (إلى نصف الليل الأوسط) والأوسط صفةُ الليلِ أي إلى نصف الليل المعتدل لا طويلٌ ولا قصيرٌ، وقيل الأوسط صفةُ النصفِ أي نصفٌ عدلٌ تامٌّ ليس فيه زيادة ولا نقص عمومًا أي نصفٌ من كل ليل سواء طال أو قصر وبه أخذ الفقهاء اهـ من المرقاة باختصار، قال القرطبي: أكثر رواة هذا الحديث لم يذكروا فيها الأوسط وإنما يقولون إلى نصف الليل فقط وتلك الزيادة هي من حديث همام عن قتادة

وَوَقْتُ صَلاةِ الصبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجرِ. مَا لَمْ تَطْلُعِ الشمسُ. فَإِذَا طَلَعَتِ الشمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلاةِ. فَإِنهَا تَطلُعُ بَينَ قَرْنَي الشيطَانِ". 1284 - (00) (00) وحدثني أَحْمَدُ بن يُوسُفَ الأَزدِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ رَزِينٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ- يَعْنِي ابْنَ طَهْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكل من روى هذا الحديث عن قتادة لم يذكرها غيره وكان هذه الرواية وهم لأن الأوسط في المقدرات والمعدودات إنما يقال فيما يتوسط بين اثنين فأكثر، اللهم إلا أن يريد بالأوسط الأعدل فحينئذ يصح أن يقال هو أوسط الشيئين أي أعدلهما وهذا الشيء أوسط من هذا ويمكن أن تحمل رواية تلك الزيادة على الصحة ويكون معناه أن النصف الأول أعدل بالنسبة إلى إيقاع الصلاة فيه من النصف الآخر لتأدية الصلاة في الأول وكثرة الثواب فيه اهـ من المفهم (ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر) الصادق ويبقى (ما لم تطلع الشمس) أي شيء منها (فإذا طلعت الشمس) أي أرادت الطلوع (فأمسك عن الصلاة) أي اتركها (فإنها) أي فإن الشمس (تطلع بين قرني الشيطان) أي بين جانبي رأسه وذلك لأن الشيطان يرصد وقت طلوع الشمس فينتصب قائمًا في وجه الشمس مستقبلًا لمن سجد للشمس لينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الصلاة في ذلك الوقت لتكون صلاة من عبد الله تعالى في غير وقت عبادة من عبد الشيطانَ اهـ من المرقاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 1284 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي أبو الحسن النيسابوري المعروف بحمدان، كان أبوه ينسب إلى الأزد وأمه إلى سليم، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين) بفتح الراء وكسر الزاي السلمي أبو العباس النيسابوري، روى عن إبراهيم بن طهمان في الصلاة فرد حديث عند (م) وعن ابن إسحاق، ويروي عنه (م د) وأحمد بن يوسف الأزدي وأحمد بن الأزهر وجماعة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق له غرائب، من التاسعة، مات سنة (203) ثلاث ومائتين (حدثنا إبراهيم يعني ابن طهمان) بن شعيب الهروي النيسابوري أبو سعيد المكي، روى عن الحجاج بن الحجاج

- عَنِ الْحَجَّاجِ -وَهُوَ ابنُ حَجاجٍ- عَن قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أيوبَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنهُ قَال: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلّمَ عَنْ وَقْتِ الصلَوَاتِ؟ فَقَال: "وَقتُ صَلاةِ الْفَجرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَمسِ الأَوَّلُ. وَوَقْتُ صَلاةِ الظُّهرِ إِذَا زَالتِ الشمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ. مَا لَم يَحْضُرِ الْعَصْرُ. وَوَقْتُ صَلاةِ العَصرِ مَا لَمْ تَصفَرَّا الشمْسُ. ويسْقُطْ قَرْنُهَا الأَوَّلُ، وَوَقْتُ صَلاةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ. وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ الليلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصلاة، وأبي حصين في الجنائز، وأبي الزبير في الصوم، وسماكِ بن حرب في دلائل النبوة، ويروي عنه (ع) وعمر بن عبد الله بن رزين ويحيى بن الضريس ومحمد بن سابق وأبو عامر العقدي وغيرهم، وثقه أحمد وأبو حاتم وأبو داود، وقال ابن معين والعجلي: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات سنة (168) ثمان وستين ومائة (عن الحجاج وهو ابن حجاج) الأسلمي الباهلي الأحول البصري، روى عن قتادة في الصلاة وابن سيرين والفرزدق وعدة، ويروي عنه (خ م د س ق) وإبراهيم بن طهمان ويزيد بن زريع، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أبي أيوب) البصري (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) المدني. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة نيسابوريون وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة حجاج بن الحجاج لمن روى عن قتادة وكرر المتن لما مر. (أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال: "وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ) أي طرفها الأعلى السابق في الطلوع (ووقت صلاة الظهر إذا زالت) أي مالت (الشمس عن بطن السماء) أي وسطها إلى جانب الغرب ويمتد (ما لم يحضر) وقت صلاة (العصر ووقت صلاة العصر) يدخل من آخر وقت الظهر ويستمر (ما لم تصفر الشمس) أي ما لم تخالطها الصفرة، وقوله (ويسقط) بالجزم معطوف على تصفر أي وما لم يسقط ويغرب (قرنها الأول) أي طرفها السابق في الغروب (ووقت صلاة المغرب) يدخل (إذا غابت) أي غربت (الشمس) ويستمر (ما لم يسقط) وينعدم (الشفق) الأحمر (ووقت صلاة العشاء) يمتد (إلى نصف الليل) يعني وقته المختار يمتد إلى مضي نصف الليل.

حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال) يحيى (أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، روى عن أبيه "لا يستطاع العلم براحة الجسم" في الصلاة، وعن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة في الرؤيا، ويروي عنه (خ م) ويحيى بن يحيى، وثقه أحمد، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: أثنى عليه مسدد، له عندهما حديث واحد، وقال في التقريب: صدوق، من الثامنة (قال سمعت أبي) يحيى بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) حالة كونه (يقول: لا يستطاع العلم) أي لا ينال العلم ولا يحصل لمن أراده (براحة الجسم) أي مع راحة الجسم وشهوات النفس، بل لا ينال إلا بترك شهواته وركوب متاعبه وذوق شدائده، وفي بعض الهوامش هذا الكلام لا مناسبة له بأحاديث مواقيت الصلاة ولا وجه لذكره هنا، ومن اعتذر عنه فقد تعسف لم يأت بشيء طائل والله أعلم. قال السنوسي: قيل في وجه مناسبته لأحاديث الباب إنَّ مسلمًا رحمه الله تعالى أعجبه حُسْنُ سياقِ هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عَمرو وكثرةُ فوائدها وتلخيصُ فوائدها وما اشتملَتْ عليه من الفوائد في الأحكام وغيرِها فنَبَّه على أن من له رغبةٌ في تحصيل العلم بمثل هذا الذي فعلته في حديث عبد الله بن عمرو بجَمْعِ جميعِ طرقه فَلْيُعانِق التعبَ وَلْيَهْجر الراحةَ في طريقِ طلب العلم فإني تَعِبْتُ فيه تعبًا كثيرًا، ولقد أجاد مَن قال: تريدين إدراك المعالي رخيصة ... ولا بد دون الشهد مِنْ إِبر النَّحْلِ وقال آخر: دبَبْتَ للمجد والساعون قد بلَغوا ... حدَّ النفوس وألْقَوا دُونَه الأُزرَا وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم ... وعانق المجد من وافى ومن صبرا لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي مسعود بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما فقال:

1285 - (577) (235) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنِ الأَزْرَقِ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ فَقَال لَهُ: "صَل مَعَنَا هَذينِ" -يَعْنِي الْيَوْمَينِ- فَلَمَّا زَالتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلالًا فَأَذنَ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1285 - (577) (235) (حدثني زهبر بن حرب وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) (كلاهما عن) إسحاق (الأزرق قال زهير حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي أبو محمد (الأزرق) الواسطي، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7) (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي، ثقة، من (6) (عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي، ثقة، من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان مروزيان واثنان كوفيان وواحد واسطي وواحد إما نسائي أو نيسابوري (عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا) من الأصحاب لم أر من ذكر اسمه (سأله) أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم (عن وقت الصلاة) المكتوبة (فقال له) النبي صلى الله عليه وسلم (صل معنا هذين يعني اليومين) أي المعلومين لِتعَلَّم أوقاتَ الصلواتِ كُلَّها أوائلَها وأواخرَها ووَقْتَ الفضيلةِ والاختيارِ وغيرَهما بالمشاهدة التي هي أقوى من السماع اهـ مرقاة، قال القاضي عياض: قيل وإنما أخر الجواب لِفائدة أن البيان بالفعل أبلغ لأنه يشاهده الجميع والبيان بالقول قد لا يسمعه البعض اهـ. وأجاب الباجي بأنه ليس من تأخير البيان لأن الخطاب هنا بالصلاة، وقد تقدم بيانها، فالسائل إنما سأل عن أمر ثبت بيانه، ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يؤخر الجواب ولا يجيب أصلًا، وقد اعتذر بعض الشيوخ عن تأخير جوابه صلى الله عليه وسلم مع جواز موته أو موت السائل قبل التعليم باحتمال أنه أوحي إليه أن ذلك لا يكون أو بأن الأصل استصحاب الحياة في مثل يومين اهـ من الأبي (فلما زالت الشمس أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بلالًا) بأذان الظهر (فأذن) للظهر (ثم أمره) النبي صلى الله عليه وسلم بالإقامة (فأقام الظهر) أي للظهر (ثم أمره) بالإقامة للعصر (فأقام العصر) أي أقام لها (والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) في السماء

بَيضَاءُ نَقِيَّةٌ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ. فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ. فَأَبْرَدَ بِهَا. فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا. وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ. وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ. وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ. وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا. ثُمَّ قَال: "أَينَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ؟ " فَقَال الرَّجُلُ: أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (بيضاء نقية) أي خالصة من مخالطة الصفرة؛ أي فصلى العصر في أول وقتها والشمس لم تختلط بها صفرة والمراد صفاء لونها وبقاء حرها (ثم أمره) بالأذان للمغرب والإقامة لها (فـ) أذن و (أقام المغرب حين غابت الشمس) وغربت (ثم أمره) بالأذان للعشاء (فـ) أذن لها و (أقام العشاء حين غاب الشفق) وزال (ثم أمره) بالأذان للصبح (فـ) أذن لها و (أقام الفجر) أي لصلاته (حين طلع الفجر) الصادق وانتشر في أفق السماء هكذا صلى بهم في اليوم الأول (فلما أن كان) وجاء (اليوم الثاني) من اليومين (أمره) أي أمر بلالًا بالإبراد (فأبرد بالظهر) أي أخر أذانه إلى أن يحصل البرد، والإبراد هو الدخول في البرد (فأبرد بها) أي زاد في إبرادها (فأنعم) أي بالغ في (أن يبرد بها) أي في إبرادها؛ والمعنى أي أبرد بصلاة الظهر وزاد وبالغ في الإبراد، يقال أحسن إلى فلان وأنعم أي زاد في الإحسان وبالغ، قال الخطابي: الإبرادُ أن يتفيأَ الأَفياءُ وينكسر وَهَجُ الحرِّ فهو بَرْدٌ بالنسبةِ إلى حَرِّ الظهيرة اهـ تحفة الأحوذي (وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها) أي أخر صلاة العصر (فوق) التأخير (الذي كان) في اليوم الأول؛ والمعنى أخر عصر اليوم الثاني تأخيرًا هو فوق التأخير الذي كان في اليوم الأول، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العصر في اليوم الثاني حين صار ظل الشيء مثليه، وقد كان صلاها في اليوم الأول حين كان ظل الشيء مثله، قال القاري في المرقاة: قوله "أخرها" بالتشديد أي أخر صلاة العصر في اليوم الثاني فوق التأخير الذي وجد في اليوم الأول بأن أوقعها حين صار ظل الشيء مثليه كما بينته الروايات الأخر؛ يريد أن صلاة العصر مؤخرة عن الظهر لأنها كانت مؤخرة عن وقتها اهـ تحفة الأحوذي (وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق) ويزول (وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل وصلى) صلاة (الفجر فأسفر بها) أي أدخلها في وقت إسفار الصبح أي انكشافه دماضاءته (ثم) بعدما فرغ من أداء صلوات اليوم الثاني (قال أين السائل) قبل الأمس (عن وقت الصلاة) المكتوبة (فقال الرجل) السائل (أنا) ها هنا حاضر، وأنا السائل

يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "وَقْتُ صَلاتِكُمْ بَينَ مَا رَأَيتُمْ". 1286 - (00) (00) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ. حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو السائل أنا (يا رسول الله قال: وقت صلاتكم) أيتها الأمة أي الوقت المختار لها ما (بين ما رأيتم) في اليومين أي هذا الوقت المقتصد الذي لا إفراط فيه تعجيلًا ولا تفريط فيه تأخيرًا قاله ابن الملك، وقال السندي في حواشي سنن ابن ماجه: أي ما بين وقت الشروع في المرة الأولى ووقت الفراغ في المرة الثانية اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 349] والترمذي [152] والنسائي [1/ 258] وابن ماجه [667]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال: 1286 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة) بمهملات القرشي (السامي) بمهملة نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب أبو إسحاق البصري، روى عن حرمي بن عمارة في الصلاة وذكر الحوض، ومحمد بن جعفر غندر في الجنائز، ومعاذ بن معاذ في الزكاة، ووهب بن جرير في الحج، وعبد الرحمن بن مهدي في الفضائل، وعبد الوهاب الثقفي في الفتن. فجملة الأبواب التي روى عنه فيها ستة أبواب تقريبًا، ويروي عنه (م س) وعثمانُ بن خُزَزَاذَ وأبو يعلى وخلق، وثقه ابن معين وابن قانع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة حافظ، تكلم أحمد في بعض سماعه، من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين (حدثنا حرمي) بصيغة النسبة نظير مكي (بن عمارة) بن أبي حفصة نابت -بنون فموحدة فمثناة- ويقال ثابت بمثلثة الأزدي العتكي مولاهم أبو روح -بفتح المهملة- البصري، روى عن شعبة في الصلاة، وقرة بن خالد في الحج والفضائل، وشداد بن أبي طلحة الراسبي، ويروي عنه (خ م د س ق) وإبراهيم بن محمد بن عرعرة وعبيد الله القواريري ومحمد بن عمرو بن جبلة، قال ابن معين: صدوق، وقال في التقريب: صدوق يهم، من التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وليس في مسلم من اسمه حرمي إلا هذا (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، من (7) (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن سليمان بن بريدة) الأسلمي المروزي (عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون

أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ فَقَال: "اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلاةَ" فَأَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ. فَصَلَّى الصّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ. حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ. وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ. حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَمَرَهُ، الْغَدَ، فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظَّهْرِ فَأَبْرَدَ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيلِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ واثنان مروزيان وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري في رواية هذا الحديث عن علقمة بن مرثد، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة) المكتوبة (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (أشهد) أي احضر (معنا الصلاة) لتعلم الأوقات التي نصلي فيها (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بلالًا) في اليوم الأول أن يؤذن للصبح (فأذن) لها بلال وأقام، فسمى الإقامة أذانًا إذ يحصل بها الإعلام بحضور الصلاة والشروع فيها اهـ من المفهم (بغلس) أي في ظلام، قال ابن الأثير: الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح (فصلى الصبح) في أول وقتها (حين طلع) وانتشر (الفجر) الصادق (ثم أمره) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا (بـ) أذان (الظهر حين زالت) ومالت (الشمس عن بطن السماء) ووسطها (ثم أمره بـ) أذان (العصر والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) في السماء (ثم أمره بالمغرب) أي بأذانه (حين وجبت الشمس) أي غابت كقولهم سقطت ووقعت ذكره الراغب، وذكر ابن الأثير أن أصل الوجوب السقوط والوقوع، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} (ثم أمره بالعشاء) أي بالإقامة لها (حين وقع الشفق) أي غاب (ثم أمره) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم (الغد) أي في الغد من اليوم الأول، والغد اسم لليوم الذي يلي اليوم الذي أنت فيه (فنور بالصبح) أي بأذانه أي آخره إلى وقت الإسفار وانتشار النور، يقال أسفر النهار إذا أضاء وانتشر نوره أي صلاها وقد استنار الأفق كثيرًا (ثم أمره بـ) أذان (الظهر فأبرد) أي آخره إلى أن حصل البرد وخف وهج الظهيرة (ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقبة) أي صافية (لم تخالطها صفرة ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع) ويغيب (الشفق ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو) قال شعبة

بَعْضِهِ -شَكَّ حَرَمِيٌّ- فَلَمَّا أَصْبَحَ قَال: "أَينَ السَّائِلُ؟ مَا بَينَ مَا رَأَيتَ وَقْتٌ". 1287 - (578) (236) حدَثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثمَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيهِ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عند ذهاب (بعضه) أي بعض الليل (شك حرمي) فيما قاله شعبة (فلما أصبح) النبي صلى الله عليه وسلم من الغد أي دخل في الصباح (قال أين السائل) عن أوقات الصلوات، فقال الرجل: ها أنا السائل يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما بين ما رأيت) في اليومين أي ما بين الشروع في الصلوات في اليوم الأول وبين الفراغ منها في اليوم الثاني (وقت) اختيار لهذه الصلوات، ورأيتَ بفتح التاء خطابًا للسائل، وفي بعض الهوامش قوله (أين السائل) إلخ سقط في هذه الرواية ما ثبت في غيرها وهو ظاهر اهـ كما قررناه في حلنا والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي مسعود بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1287 - (578) (236) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حدثنا بدر بن عثمان) الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان الكوفي، روى عن أبي بكر بن أبي موسى في الصلاة، والشعبي وعكرمة، ويروي عنه (م س) وعبد الله بن نمير ووكيع وعبد الله بن موسى، وثقه ابن معين والعجلي والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات (حدثنا أبو بكر بن أبي موسى) الأشعري عمرو بن عبد الله بن قيس الكوفي، ويقال اسمه عامر، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة ورواية ولد عن والده (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه) وجاءه (سائل يسأله عن مواقيت الصلاة) الخمس (فلم يرد) صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على السائل (شيئًا) من الجواب بالقول والبيان باللفظ؛ أي لم يردَّ عليه ما يحصل له به بيان ما سأل عنه، وإلا فقد قال له صل معنا هذين اليومين كما جاء في بعض الرواية الأخرى، وفي هذا جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وجاز للنبي صلى الله عليه

قَال: فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ. وَالنَّاسُ لا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْظُّهْرِ. حِينَ زَالتِ الشَّمْسُ. وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ. وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ. ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا. وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ. ثُمَّ أَخَّرَ الظّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ. ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا. وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ احْمَرَّتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أن يؤخر بيان ما سأله عنه وإن جاز على السائل أن يخترم بالمنية قبل ذلك لأن الأصل استصحاب السلامة والبقاء إلى مثل هذه المدة أو أوحي إليه أنه يبقى إلى هذه المدة (قال) أبو موسى رضي الله عنه (فأقام الفجر) أي أمر بالإقامة لها فأقيمت كما قال في الرواية الأخرى "فأمر بلالًا فأذن بغلس" أي أقام فسمى الإقامة أذانًا إذ يحصل بها الإعلام بحضور الصلاة والشروع فيها (حين انشق الفجر) وطلع (والناس) أي والحال أن الناس (لا يكاد) ولا يقرب (يعرف بعضهم بعضًا) لشدة الظلام، وهذه الحال مشعرة بالتغليس (ثم أمره) أي أمر بلالًا (فأقام بالظهر حين زالت) ومالت (الشمس والقائل) أي والحال أن القائل من الناس (يقول قد انتصف) الآن (النهار) ولم تزل الشمس عن وسط السماء (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم) بالزوال (منهم ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة) أي قريبة إلى وسط السماء (ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت) أي غابت (الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب) وزال (الشفق) الأحمر (ثم أخر الفجر) أي صلاته (من) الوقت الذي صلى فيه اليوم حين صلاها في (الغد) أي في اليوم الثاني (حتى انصرف) وفرغ (منها والقائل) أي والحال أن القائل من الناس (بقول قد طلعت الشمس أو كادت) أي قربت أن تطلع لشدة الإسفار، وأو هنا ليست للشك بل للتشكيك، والإبهام نظير قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} (ثم أخر الظهر) جدًّا (حتى كان) وقت صلاته (قريبًا من وقت العصر) أي من الوقت الذي صلى فيه العصر (بالأمس) أي في الأمس وهو اسم لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه متصلًا به وإلا فيسمى بالأمس الدابر (ثم أخر العصر) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس جدًّا (حتى انصرف) وفرغ (منها والقائل) أي والحال أن القائل من الناس (يقول قد احمرت

الشَّمْسُ. ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ. ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيلِ الأَوَّلُ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَال: "الْوَقْتُ بَينَ هَذَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشمس) للغروب أي خالطتها الحمرة لقرب غروبها (ثم أخر المغرب) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس (حين كان) النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها (عند سقوط الشفق) الأحمر وغيبوبته (ثم أخر العشاء) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس جدًّا (حتى كان) ومضى وتم (ثلث الليل الأول) بالرفع صفة للثلث (ثم أصبح) صلى الله عليه وسلم أي دخل في الصباح (فدعا) أي طلب النبي صلى الله عليه وسلم (السائل) عن مواقيت الصلاة؛ أي طلب حضوره فحضر وقال: أنا السائل يا رسول الله (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للسائل وللحاضرين عنده (الوقت) أي وقت صلاتكم ما (بين هذين) الوقتين اللذين صليت فيهما في اليومين أي هما وما بينهما، وفي رواية "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" يعني أن الوقت هذان وما بينهما فيجوز الصلاة في أوله ووسطه وآخره كما في المرقاة، وفي حديث ابن عمرو الوقت فيما بين أمس واليوم، وإنما أخر جوابه كما مر حتى صلى معه في اليومين لأن البيان بالفعل أبلغ، وفيه جواز تأخير البيان عن وقت السؤال إلى آخر وقت يجب فيه فعل ذلك ذكره الزرقاني في شرح الموطأ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [395] والترمذي [153] والنسائي [1/ 260]- 261، وابن ماجه [667]. قال القرطبي: وقوله (الوقت بين هذين) وقوله (ووقت صلاتكم بين ما رأيتم) وكذلك في حديث جبريل (الوقت بين هذين) هي كلها حجة لمالك وأصحابه على قولهم إن الوقت الموسع كله للوجوب من أوله إلى آخره، وأن المكلف مخير بين تقديم الصلاة وتأخيرها إلى آخر الوقت فأي وقت صلى فيه المكلف فقد أدى ما عليه، وقد تخبط كثير من الناس في هذا المعنى وطال فيه نزاعهم، وما ذكرناه واضح موافق لظاهر الحديث، وقد ذهب بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي إلى أن وقت الوجوب وقت واحد غير معين، وإنما يعينه المكلف بفعله، وذهب الشافعي إلى أن أول الوقت هو الواجب وإنما ضرب آخره فصلًا بين القضاء والأداء وهذا باطل بما أنه لو تعين ذلك الوقت للوجوب لأثم من أخر الصلاة عنه إلى غيره، وبالإجماع لا يأثم، وذهب الحنفية إلى أن وقت الوجوب آخر الوقت وهذا أيضًا باطل إذ لو كان كذلك لما جاز لأحد أن يوقع الصلاة

1288 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى. سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ؟ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل آخر الوقت، وقد جاز بالإجماع ذلك ثم الحديث الذي ذكرناه يرد على هذه الفرق كلها والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 1288 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن بدر بن عثمان) الأموي الكوفي (عن أبي بكر) عمرو (بن أبي موسى) الأشعري الكوفي (سمعه) أي سمع بدر بن عمان هذا الحديث (منه) أي من أبي بكر، حالة كون أبي بكر راويًا (عن أبيه) أبي موسى الأشعري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته أيضًا، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن بدر بن عثمان، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن سائلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة) المكتوبة، وساق وكيع (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) واستثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن وكيعًا (قال) في روايته (فصلى المنرب قبل أن يغيب الشفق في اليوم الثاني) بدل قول عبد الله بن نمير في روايته "ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق" فيجمع بين الروايتين بحمل رواية ابن نمير على التقريب أي ثم أخر المغرب حتى كان قريبًا عند سقوط الشفق والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والرابع حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

283 - (103) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

283 - (103) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر 1289 - (579) (237) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 283 - (103) باب الإبراد بالظهر في شدة الحرّ 1289 - (579) (237) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث عن ابن شهاب) المدني (عن) سعيد (بن المسيب) بن حَزْن المخزومي المدني (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوت الزهري المدني (عن أبي هريرة) المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة والتحويل ورواية تابعي عن تابعيين (أنه) أي أن أبا هريرة (قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) أي أخروها إلى أن يبرد الوقت ندبًا، فالباء زائدة أو للتعدية، والمراد بها الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أول وقتها، وفي الرواية الأخرى "أبردوا عن الصلاة" قال النواوي: وهو بمعنى أبردوا بالصلاة لأن الباء وعن يَتَقَارَضَانِ معناهما كما سيأتي قريبًا؛ والمعنى أخروها عن الوقت وأدخلوا بها في وقت البرد وهو الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر وتوجد فيه برودة ما، يقال أبرد الرجل أي صار في برد النهار و (عن) في قوله (عن الصلاة) بمعنى الباء لأن عن تأتي بمعناها كما يقال رميت عن القوس أي به كما تأتي الباء بمعنى عن كما قال الشاعر: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب أي عن النساء. وكما قال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} أي عنه [الفرقان: 59] وقيل إن عن هنا زائدة أي أبردوا الصلاة، يقال أبرد الرجل كذا إذا فعله في برد النهار (فإن قلت) ظاهره يقتضي وجوب الإبراد (أجيب) بأن القرينة صرفته إلى الندبية لأن العلة فيه دفع المشقة عن المصلي لشدة الحر فصار من باب الشفقة والنفع (فإن قلت) ما الجمع بين هذا وبين

فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث خباب "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يُشْكِنَا" أي لم يُزِلْ شَكْوَانَا (أجيب) بأن الإبراد رخصة، والتقديم أفضل، أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد، والإبراد مستحب لفعله عليه الصلاة والسلام له وأمره به، أو حديث خباب محمول على أنهم طلبوا زائدًا على قدر الإبراد لأنه بحيث يحصل للحيطان ظل يمشي فيه اهـ قسطلاني، وعبارة الفتح هنا قوله (إذا اشتد) أصله اشتدد بوزن افتعل من الشدة ثم أُدغمت إحدى الدالين في الأخرى، ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد، وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى، وقوله (فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء أي أخروا إلى أن يبرد الوقت، يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل الظهيرة، ومثله في المكان؛ أنجد إذا دخل نجدًا وأتْهَمَ إذا دخل تهامة اهـ. (فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور، وهل الحكم فيه دفع المشقة لكونها تسلب الخشوع وهذا أظهر، أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب ويؤيده حديث عمرو بن عبسة الآتي حيث قال له "أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم" وقد استشكل هذا بأن الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب فكيف أمر بتركها، وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه قاله الحافظ في الفتح (من فيح جهنم) هو بفتح الفاء وسكون الياء وفي آخره حاء مهملة معناه سطوع حرها وانتشاره، ومنه قولهم مكان أفيح أي واسع وأرض فيحاء أي واسعة أي من سعة انتثارها وتنفسها، وهذا كناية عن شدة استعارها كذا في الفتح، وقال علي القاري: أي من غليانها. ومعنى الحديث يحمل على وجهين؛ أحدهما أن شدة حر الصيف من وهج حر جهنم في الحقيقة، وروي أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فهو منها، وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة، والوجه الثاني أن هذا خرج مخرج التشبيه والتقريب أي كأن شدة الحر من نار جهنم فاحذروها واجتنبوا ضررها والأول أولى ويؤيده الحديث الآتي "اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين" وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 462] والبخاري [533] وأبو داود [452] والترمذي [157] والنسائي [1/ 248 - 249] وابن ماجه [677 و 678].

1290 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَة بْنُ يَحْيَى. أَخْبَزَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، سَوَاءً. 1291 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسى -قَال عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ- قَال: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيرًا حَدَّثَهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَسَلْمَانَ الأغَرَّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1290 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (أن ابن شهاب أخبره قال) ابن شهاب (أخبرني أبو سلمة) بن عبد الرحمن (وسعيد بن المسيب أنهما سمعا أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق يونس (بمثله) أي بمثل حديث الليث، حالة كون حديثهما (سواء) أي مستويين لفظًا ومعنى فهو تأكيد لمعنى المماثلة، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1291 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) ثقة، من (10) (وعمرو بن سواد) بن الأسود العامري السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف با لتستري بلدة با لأهواز، صدوق، من (10) (قال عمرو أخبرنا وقال الأخران حدثنا ابن وهب) المصري (قال) ابن وهب (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، ثقة فقيه، من (7) (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي أبا عبد الله المدني ثم المصري، ثقة ثبت، من (5) (حدثه) أي حدث عمرًا (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي الزاهد العابد المدني، ثقة، من (2) (وسلمان الأغر) الجهني مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) كلاهما (عن أبي هريرة)

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْحَارُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ". قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ". قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان أو ثلاثة مصريون وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة بسر بن سعيد وسلمان الأغر لأبي سلمة وابن المسيب، وكرر المتن لما بينهما من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان) ووجد (اليوم الحار) أي ذو الحرارة وهي ضد البرودة وكان تامة (فأبردوا بالصلاة) كذا للأكثر، والباء للتعدية، وقيل زائدة كما مر، ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين، وفي رواية "عن الصلاة" فقيل زائدة أو بمعنى الباء أو هي على بابها للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر، والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أول وقتها، وقد جاء صريحًا في حديث أبي سعيد المذكور في البخاري فلذلك حمل واضع الترجمة فيها المطلق على المقيد والله أعلم قاله الحافظ في الفتح، وقد حمل بعضهم الصلاة على عمومها بناء على أن المفرد المعرف يعم فقال به أشهب في العصر، وقال به أحمد في رواية عنه في الصيف حيث قال: تؤخر في الصيف دون الشتاء ولم يقل أحد به في المغرب ولا في الصبح لضيق وقتهما اهـ قاله أيضًا في الفتح (فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور (من فيح جهنم) أي من سعة انتشارها وتنفسها. (قال عمرو) بن الحارث بالسند السابق (وحدثني) أيضًا (أبو يونس) سليم بن جبير الدوسي مولاهم مولى أبي هريرة المصري، ثقة، من الثالثة، فهو معطوف على بكير ولكن فيه علو السند لعمرو (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبردوا عن الصلاة) أي تأخروا عن فعل الصلاة في أول وقتها إلى وقت حصول البرد يعني الظهر (فإن شدة الحر من فيح جهنم"). (قال عمرو) بن الحارث أيضًا بالسند السابق (وحدثني ابن شهاب) معطوف على

عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِنَحْو ذَلِكَ. 1292 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ هَذَا الْحَرَّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاةِ". 1293 - (00) (00) حدَّثنا ابْن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بكير (عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك) أي بنحو ما حدثني بكير عن بسر وسلمان عن أبي هريرة رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1292 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الدراوردي الجهني مولاهم أبو محمد المدني، صدوق، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي أبي شبل المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولاهم أبي العلاء المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لمن روى هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة في سوق الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا الحر) الذي تجدونه وقت الظهيرة (من فيح جهنم) أي من هيجانها وغليانها (فأبردوا بالصلاة) أي أخروا الصلاة عن أول وقتها إلى وقت حصول البرودة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1293 - (00) (00) (حدثنا) محمد (بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي أبو عروة البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام

هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدُوا عَن الْحَرِّ فِي الصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ". 1294 - (580) (238) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ مُهَاجِرًا أَبَا الْحَسَنِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَيدَ بْنَ وَهْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (هذا) الذي أذكره لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قوله قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا عن الحر في الصلاة) أي أخروها إلى البرد واطلبوا البرد لها أي أخروها عنه مبردين، قال الأبي: قوله "أبردوا عن الحر في الصلاة" أي أبعدوا بها عن الحر إلى وقت البرودة (فإن شدة الحر من فيح جهنم") أي من غليانها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة رضي الله عنه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي ذر رضي الله عنهما فقال: 1294 - (580) (238) (حدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (قال: سمعت مهاجرًا أبا الحسن) التيمي مولاهم الصائغ الكوفي، روى عن زيد بن وهب في الصلاة، والبراء وابن عباس وأبي وائل وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وشعبة والثوري ومسعر ومالك بن مغول وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وأحسن شعبة الثناء عليه، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (يحدث أنه سمع زيد بن وهب) الجهني أبا سليمان الكوفي، من قضاعة، خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقُبض صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، ثقة مخضرم جليل، من (2) مات سنة (96) روى عنه في (8) أبواب (يحدث عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني رضي الله عنه.

قَال: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالظُّهْرِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ". أَوْ قَال: "انْتَظِرِ انْتَظِرْ" وَقَال: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ". قَال أَبُو ذَرٍّ: حَتَّى رَأَينَا فَيءَ التُّلُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبو ذر (أذن موذن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بلال بن رباح (بالظهر) أي نادى بصلاته أي أراد بلال أن يؤذن للظهر (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لبلال رضي الله عنه (أبرد أبرد) مرتين أي انتظر البرد (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم والشك من الراوي (انتظر انتظر) مرتين كذلك أي انتظر حصول البرد (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الحكمة (إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا) أي فتأخروا (عن الصلاة) مبردين (فإن قلت) الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان (أُجيب) بأنه مبني على أن الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ وفيه خلاف مشهور، وظاهر هذا يقوي القول بأنه للصلاة لأن الأذان قد وقع وانقضى، أو أن المراد بالأذان الإقامة ويؤيده حديث الترمذي بلفظ "فأراد بلال أن يقيم" وفي رواية البخاري "فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال له: أبرد" وهي تقتضي أن الإبراد راجع إلى الأذان، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت اهـ قسطلاني. وقال الحافظ في الفتح: قوله (فقال أبرد) ظاهره أن الأمر بالإبراد وقع بعد تقدم الأذان منه، وسيأتي في الباب الذي بعده بلفظ فأراد أن يؤذن للظهر، وظاهره أن ذلك وقع قبل الأذان فيجمع بينهما على أنه شرع في الأذان، فقال له: أبرد، فترك. فمعنى أذن شرع في الأذان ومعنى أراد أن يؤذن أي يتم الأذان والله أعلم اهـ. (قال أبو ذر) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك (حتى) أخرنا تأخيرًا كثيرا إلى أن (رأينا فيء التلول) -بضم المثناة الفوقية وتخفيف اللام- جمع تل بفتح أوله؛ وهو كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحوهما، وهي في الغالب مسطحة غير شاخصة لا يظهر لها ظل إذا ذهب أكثر وقت الظهر وبعد تمكُّنِ الفيءِ واستطالتِهِ جدًّا بخلاف الأشياء المنتصبة التي يظهر فيئها سريعًا في أسفلها لاعتدال أعلاها وأسفلها، والفيء ما بعد الزوال والظل أعم منه يكون لما قبل ولما بعد، والتلول

1295 - (581) (239) وحدّثني عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ)، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ قَال: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا. فَقَالتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لانبساطها لا يظهر فيها عقب الزوال فيء بخلاف الشاخص المرتفع، نعم دخول وقت الظهر لا بد فيه من فيء فالوقت لا يتحقق دخوله إلا عند وجوده فيحمل الفيء هنا على الزائد على هذا المقدار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 176] والبخاري [535] وأبو داود [401] والترمذي [158]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له بالنظر إلى ما في المتابعة وإلا فهو استطرادي فقال: 1295 - (581) (239) (وحدثني عمرو بن سواد) بن الأسود العامري أبو محمد المصري، ثقة، من (11) (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ لحرملة أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث بالإفراد والإخبار بالإفراد والجمع والسماعُ والعنعنةُ والمقارنة، حالة كون أبي هريرة (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتكت النار" الأخروية (إلى ربها) شكاية حقيقية بلسان المقال كما يدل عليه ما بعده بحياة يخلقها الله تعالى فيها قاله القاضي عياض أو شكاية مجازية عرفية بلسان الحال عن لسان المقال كقوله: شَكَى إِليَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرٌ جَمِيلٌ فكِلانَا مُبْتَلى وقرر البيضاوي ذلك فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها، وصوب النواوي حملها على الحقيقة، وقال ابن المنير: هو المختار، وقال القرطبي: والأول أولى لأنه حَمْلُ اللفظِ على حقيقتِه، ولا إحالةَ في شيء من ذلك، وقد ورد مخاطبتها للرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بقولها: جُزْ يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي، ويضَعَّفُ حمل ذلك على المجاز قوله (فقالت) النار في شكواها (يا رب كل بعض) أجزائـ (ي بعضًا فأذن

لَهَا بنَفَسَينِ: نَفَسٍ فِي الشَّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيفِ. فَهُوْ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ. وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". 1296 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا مَعْنٌ. عن مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لها) ربها تعالى أن تتنفس في كل عام (بنفسين) تثنية نفس بفتح الفاء؛ وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في الشتاء، ونفس في الصيف) بجر نفس في الموضعين على البدل، ويجوز رفعهما بتقدير أحدهما، ونصبهما بتقدير أعني (فهو) أي فذلك النفس الذي تتنفس به في الصيف (أشد ما تجدونـ) ـه (من الحر و) ذلك النفس الذي تُنفَّسُ به في الشتاء (أشد ما تجدونـ) ـه (من الزمهرير") أي من البرد الشديد، وفي سياق المؤلف لف ونشر غير مرتب، وهو مرتب في رواية النسائي ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار لأن المراد من النار محلها وهو جهنم وفيها طبقة زمهريرية والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على جمع الضدين في محل واحد، وفي الحديث أن النار مخلوقة موجودة الآن، وهو أمر قطعي للتواتر المعنوي خلافًا لمن قال من المعتزلة إنها إنما تخلق يوم القيامة اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1296 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي أبو موسى المدني ثم الكوفي، ثقة متقن، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى القزاز المدني، ثقة ثبت، من كبار (10) روى عنه في (15) أبواب (عن مالك) بن أنس الأصبحي المدني، ثقة إمام، من (7) (عن عبد الله بن يحيىيد مولى الأسود بن سفيان) المخزومي الأعور أبي عبد الرحمن المدني، من شيوخ مالك، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) القرشي العامري مولاهم أبي عبد الله المدني، روى عن أبي هريرة في الصلاة، وزيد بن ثابت وجابر وجماعة، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان والزهري وابن الهاد ويحيى بن أبي كثير، وثقه النسائي، له في (م) فرد حديث، وقال في

عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا كَانَ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ". وَذَكَرَ: "أَنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا. فَأَذِنَ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ بِنَفَسَينِ: نَفَسٍ فِي الشَّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيفِ". 1297 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا حَيوَةُ. قَال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: "قَالتِ النَّارُ: رَبِّ، أَكَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة والمقارنة، غرضه بيان متابعة عبد الله بن يزيد لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان) ووجد (الحر فأبردوا) أي تأخروا (عن الصلاة) إلى وقت حصول البرودة (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي في هيجانها وغليانها (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على قال (أن النار اشتكت إلى ربها) فقالت: أكَل بَعضِي بعضًا (فأذن لها) ربها أن تتنفس (في كل عام بنفسين نفس في الشتاء) نفس البرد (ونفس في الصيف") نفس الحر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 1297 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (قال حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليثي أبو عبد الله المدني، ثقة مكثر، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن إبراهيم لعبد الله بن يزيد في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) اشتكت النار إلى ربها و (قالت النار رب أكل

بَعْضِي بَعْضًا. فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَينِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيفِ. فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ. وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض) أجزاء (ي بعضًا فَأْذَنْ لي) يا رب، بصيغة الدعاء (أتنفس) بالجزم في جواب الطلب أي أُخرج نفسي من جوفي (فأذن) بصيغة الماضي (لها) ربها أن تتنفس (بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف فما وجدتم) أي فالذي وجدتموه (من) شدة (برد أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (زمهرير) وهو البرد الشديد، فأو للشك من الراوي (فـ) هو (من نفس جهنم وما وجدتمـ) ـوه (من حر أو) قال (حرور) شك من الراوي وهو الحر الشديد (فـ) ـهو (من نفس جهنم) فسياق الحديث هنا على طريق اللف والنشر المرتب، وفي المصباح: الحر خلاف البرد، والحرور الريح الحارة تكون ليلًا ونهارًا، ويقال إن الحرور بالنهار، والسموم بالليل ويعكس اهـ. قاله القرطبي: و (أو) هنا تحتمل أن تكون شكًّا من الراوي فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قال أحدهما فشك فيه الراوي فجمعهما به، ويحتمل أن يكون ذَكَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم اللفظين فتكون أو للتقسيم أو التنويع، والحرور اشتداد الحر وفيحه بالليل والنهار فأما السموم فلا يكون إلا بالليل، والزمهرير شدة البرد، وبتأخير الظهر في شدة الحر قال مالك وأهل الرأي ورأوا أنها في ذلك الوقت أفضل وقدر أصحابنا هذا الوقت بزيادة على ربع القامة إلى وسط الوقت وهذا في الجماعة عند أصحابنا، وقد اختلفوا في المنفرد هل يبرد أم لا؟ وقال الشافعي: وتقديم الصلوات كلها للفذ والجماعة أفضل في الثتاء والصيف إلا للإمام الذي ينتاب ويحضر إليه الناس من بعيد فيبرد بالظهر في الصيف دون غيره، ولم يقل أحد بالإبراد في غير الظهر إلا الأشهب فقال به في العصر، وقال يؤخر ربع القامة، ورأى أحمد بن حنبل تأخير العشاء الآخرة في الصيف بالليل كما يؤخر الظهر، وعكسه ابن حبيب فرأى تأخيرها في الشتاء لطول الليل وتعجيلها في الصيف لقصره اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث؛ الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكر أصله للاستطراد وذكر فيه متابعتين للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.

284 - (104) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد، وفي زمن البرد

284 - (104) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد، وفي زمن البرد 1298 - (582) (240) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَابْنِ مَهْدِيٍّ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 284 - (104) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد، وفي زمن البرد 1298 - (582) (240) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (كلاهما عن يحيى) بن سعيد بن فروخ (القطان) التميمي أبي سعيد البصري (و) عن عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة، من (9) (قال ابن المثنى حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة، من (7) (قال) شعبة (حدثنا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبوالمغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي بضم المهملة الكوفي الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان (قال ابن المثنى) أيضًا (وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي) معطوف على حدثني يحيى بن سعيد (عن شعبة عن سماك عن جابر بن سمرة) أتى بمقالتي ابن المثنى إشعارًا بأنه روى عن شيخيه بصيغة السماع لا بالعنعنة، وأنه قال في يحيى: حدثني، وفي عبد الرحمن: حدثنا دون عبد الرحمن فإنه روى عن شيخيه بصيغة العنعنة (قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا دحضت) أي زالت (الشمس) ومالت عن وسط السماء وزلقت عن كبد السماء، والدحض الزلق كان هذا منه صلى الله عليه وسلم في زمن البرد كما رواه أنس "أنه إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد عجل" رواه النسائي [1/ 248] وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 106] وابن ماجه [673]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بن سمرة بحديث خباب رضي الله تعالى عنهما فقال:

1299 - (583) (241) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ خَبَّابٍ؛ قَال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ فِي الرَّمْضَاءِ. فَلَمْ يُشْكِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 1299 - (583) (241) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم) الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، ثقة، من (3) (عن سعيد بن وهب) الهمداني ثم الخيواني -بفتح المعجمة وسكون الياء التحتانية وبعد الألف نون- كان يقال له القُراد -بضم القاف مخففًا- الكوفي، روى عن خباب في الصلاة ومعاذ وعلي، ويروي عنه (م س) وأبو إسحاق السبيعي وابنه عبد الرحمن، وثقه ابن معين والعجلي وابن نمير، وذكره ابن حبان في الثقات وقال فيه: وهو الذي يقال له سعيد بن أبي خيرة، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من (2) مات سنة (76) ست وسبعين، له عندهم ثلاثة أحاديث (عن خباب) بن الأرت -بفتحتين وتشديد المثناة فوق- بن جعدلة بن سعد التميمي حليف بني زهرة أبي عبد الله الكوفي، من السابقين إلى الإسلام، وكان أحد مَن عُذب في الله تعالى، وشهد بدرًا، له (32) اثنان وثلاثون حديثًا، اتفقا على ثلاثة وانفرد (خ) بحديثين و (م) بفرد حديث، يروي عنه (ع) وسعيد بن وهب في الصلاة، وأبو وائل في الجنائز، وقيس بن أبي حازم في الدعاء، ومسروق في البعث، وعلقمة وطائفة، نزل بالكوفة، ومات بها منصرفًا في صفين سنة (37) سبع وثلاثين، عن ثلاث وسبعين سنة (73) وصلى عليه علي بن أبي طالب. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) خباب (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الرمضاء) أي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة إقامة صلاة الظهر في أول وقتها لأجل ما يصيب أقدامنا من الرمضاء وهي الرمل الذي اشتدت حرارته (فلم يُشْكِنَا) بضم الياء من أشكى الرباعي أي لم يزل شكوانا أي لم يزل ما اشتكينا إليه من المشقة بالترخيص لنا في الإبراد، فالهمزة هنا للسلب، وذكر النواوي أن حديث خباب هذا قيل إنه منسوخ بأحاديث الإبراد، وقيل المختار استحباب الإبراد لأحاديثه، وأما حديث خباب فمحمول على أنهم طلبوا تأخيرًا زائدًا على قدر الإبراد وهو الصحيح لكثرة الأحاديث الصحيحة فيه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 108] والنسائي [1/ 247] وابن ماجه [675].

1300 - (00) (00) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَعَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ - قَال عَوْنٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ يُونُسَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا زُهَيرٌ - قَال: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ. عَنْ خَبَّابٍ؛ قَال: أَتَينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا. قَال زُهَيرٌ: قُلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ: أَفِي الظُّهْرِ؟ قَال: نَعَمْ. قُلْتُ: أَفِي تَعْجِيلِهَا؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث خباب رضي الله عنه فقال: 1300 - (00) (00) (وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) مشهور بجده التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (وعون بن سلام) الهاشمي مولاهم أبو جعفر الكوفي، ثقة، من (10) (قال عون أخبرنا وقال ابن يونس واللفظ له حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (قال حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب) وهذا السند أيضًا من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون غرضه بسوقه بيان متابعة زهير بن معاوية لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من بعض المخالفة (قال) خباب (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه حر الرمضاء) أي شدة ما نلقى من حر الأرض المحماة بالشمس في أقدامنا إذا صلينا الظهر في أول وقتها (فلم يشكنا) أي لم يُسْعِفْ طلَبَنا ولم يُجِبْنا إلى مطلوبنا يقال شكوت إلى فلان إذا رفعت إليه حاجتك، وأَشْكَيتُه إذا نزعْتَ عنه الشكوى، وأشكيته إذا ألجأته إلى الشكوى كما قال الشاعر: تُشْكِي المُحِبَّ وتَشْكُو وهِيَ ظالمةٌ ... كالقَوْس تُصْمِي الرَّمَايَا وهِيَ مُرْنَانُ ويحتمل أن يكون هذا منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر بالإبراد ويحتمل أن يحمل على أنهم طلبوا زيادة تأخير الظهر على قدر الإبراد فلم يجبهم إلى ذلك، وقد قال ثعلب في قوله (فلم يشكنا): أي فلم يُحْوجْنا إلى الشكوى، ورَخَّص لنا في الإبراد حكاه عنه القاضي أبو الفرج، وعلى هذا تكون الأحاديث كلها متواردة على معنى واحد اهـ من المفهم (قال زهبر) بن معاوية (قلت لأبي إسحاق) السبيعي (أ) شكوا (في) حر (الظهر قال) أبو إسحاق (نعم) شكوا فيها، قال زهير (قلت) لأبي إسحاق (أ) شكوا (في) مشقة (تعجيلها) أي تعجيل الظهر (قال) أبو إسحاق (نعم) شكوا من مشقة تعجيلها في أول الوقت.

1301 - (584) (242) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كُنَا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث خباب بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 1301 - (584) (242) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بالقاف مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (من غالب) بن أبي غيلان (القطان) أبي سليمان البصري التميمي مولاهم من عبد القيس واسم أبي غيلان خُطَّاف -بضم المعجمة وتشديد الطاء المهملة- روى عن بكر بن عبد الله المزني في الصلاة، وابن سيرين وسعيد بن جبير والحسن، ويروى عنه (ع) وبشر بن المفضل وشعبة وابن علية وطائفة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، وليس في مسلم من اسمه غالب إلا هذا (عن بكر بن عبد الله) بن عمرو بن هلال المزني أبي عبد الله البصري، وثقه أبو زرعة والنسائي، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا ثبتًا حجة فقيهًا، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (3) مات سنة (108) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه أبي حمزة البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (قال) أنس (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) صلاة الظهر (في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض) في السجود (بسط ثوبه) المتصل به في الصلاة لتكون وقاية له عن حرارة الأرض (فسجد عليه) أي على ثوبه المبسوط، قال القرطبي: وهذا مما يدل على جواز الصلاة على البسط والثياب لا سيما عند الضرورة والمشقة، وعلى أن العمل القليل في الصلاة لا يفسدها اهـ، وقال القاضي عياض: فيه السجود على الثياب لا سيما عندما يتقى من حر أو شوك، وفيه أن السنة مباشرة الأرض بالجبهة إلا عند الضرورة من حر أو شوك، وفيه السجود على ما خف من طاقات العمامة، وأما على كورها فمكروه عند مالك ولم يأمره بالإعادة إن فعل، وأوجبها عليه ابن حبيب في الوقت، ومنع منه الشافعي، وأجازه الحنفية اهـ، وقال النواوي: وفي الحديث دليل لمن أجاز السجود

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على طرف ثوبه المتصل به وبه قال أبو حنيفة والجمهور، ولم يجوزه الشافعي، وتأول هذا الحديث وشبهه على السجود على ثوب منفصل اهـ. قال القرطبي: و (قول أنس كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر) ليس فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يبرد بل قد توجد سَوْرَة الحر وشدته بعد الإبراد إلا أنها أخف مما قبله والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [385] وأبو داود [660] وابن ماجه [10331]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث جابر ذكره للاستدلال، والثاني حديث خباب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد. * * *

285 - (105) باب تعجيل صلاة العصر

285 - (105) باب تعجيل صلاة العصر 1302 - (585) (243) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي، فَيَأْتِي الْعَوَالِيَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيبَةُ: فَيَأْتِي الْعَوَالِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 285 - (105) باب تعجيل صلاة العصر 1302 - (585) (243) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح قال وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد بصري وواحد مدني أو مصري وبلخي (أنه) أي أن أنس بن مالك (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) في السماء (حية) أي كاملة الضوء والحرارة فالمراد بحياتها صفاء لونها وبقاء حرها فإن كل شيء ضعفت قوته فكأنه قد مات، قال الخطابي: حياتها صفاء لونها قبل أن تصفر أو تتغير وهذا مثل قوله بيضاء نقية، وقال غيره: حياتها بقاء حرها (فيذهب الذاهب) ممن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى العوالي فيأتي) ذلك الذاهب (العوالي) إظهار في مقام الإضمار مبالغة في الإيضاح (والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) في السماء، والعوالي هي عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها، وأما ما كان من جهة تهامتها فيقال لها السافلة، وبُعد بعض العوالي من المدينة أربعة أميال وأبعدها ثمانية أميال وأقربها ميلان وبعضها ثلاثة أميال كما في الفتح (ولم يذكر قتيبة) في روايته لفظة (فيأتي العوالي) قال القرطبي: وهذا إنما يتفق في الأيام الطويلة إذا عجلت العصر في أول وقتها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [550] وأبو داود [404 - 406] والنسائي [1/ 252 - 254] وابن ماجه [682]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

1303 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، بِمِثْلِهِ، سَوَاءً. 1304 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ. ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءٍ. فَيَأَتِيهِمْ وَالشَمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1303 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعبد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (عن ابن شهاب عن أنس) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد بصري وواحد مدني وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر) وساق عمرو بن الحارث (بمثله) أي بمثل حديث ليث بن سعد، حالة كون حديثهما (سواء) أي متساويين في اللفظ والمعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1304 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة مالك لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قال) أنس (كنا نصلي العصر) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يذهب الذاهب) ممن صلى معه صلى الله عليه وسلم (إلى قباء) بضم القاف هو موضع بقرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب على نحو ميلين منها يقصر ويمد يصرف ولا يصرف قاله الفيومي (فيأتيهم) أي فيأتي أهل قباء (والشمس) أي والحال أن الشمس (مرتفعة) في السماء، قال القرطبي: قال هنا إلى قباء، وفي الرواية السابقة إلى العوالي، وكلاهما صحيحُ الروايةِ والمعنى فإن قباء من أدنى العوالي بينه وبين المديثة ميلان أو نحوهما قاله الباجي.

1305 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَيَجِدُهُمْ يُصلُّونَ الْعَصْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1305 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري أبي يحيى المدني، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أنس لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الألفاظ (قال) أنس (كنا نصلي العصر) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يخرج الإنسان) منا (إلى) منازل (بني عمرو بن عوف) بطن من الأنصار وهم على ميلين من المدينة أو هم أهل قباء (فيجدهم يصلون العصر) لكون الشمس حية مرتفعة، والمراد بهذه الأحاديث وما بعدها المبادرة لصلاة العصر أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو ثلاثة والشمس لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل الشيء مثله، ولا يكاد يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة، وقوله (ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف) إلخ، قال العلماء: منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة، وهذا يدل على المبالغة في تعجيل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت صلاة بني عمرو في وسط الوقت ولولا هذا لم يكن فيه حجة، ولعل تأخير بني عمرو بن عوف لكونهم كانوا أهل أعمال في حروثهم وزروعهم وحوائطهم فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة بالطهارة وغيرها، ثم اجتمعوا لها فتأخُّرُ صلاتِهم إلى وسط الوقت لهذا المعنى، وفي هذه الأحاديث وما بعدها دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء على أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله، وقال أبو حنيفة: لا يدخل حتى يصير ظل الشيء مثليه، وهذه الأحاديث حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس رضي الله عنهما في بيان المواقيت وحديث جابر وغير ذلك اهـ نواوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:

1306 - (586) (243) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَس بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ. حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ. وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيهِ قَال: أَصَلَّيتُمُ الْعَصْرَ؟ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ. قَال: فَصَلُّوا الْعَصْرَ. فَقُمْنَا فَصَلَّينَا. فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1306 - (586) (243) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) (ومحمد بن الصباح) الدولابي أبو جعفر البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من صغار (9) (قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، صدوق، من (5) (أنه) أي أن العلاءَ (دخل على أنس بن مالك) حالة كون أنس (في داره) ومنزله، حالة كون داره كائنة (بالبصرة) بلدة مشهورة بالعراق، والظرف في قوله (حين انصرف من الظهر) متعلق بدخل أي دخل العلاء على أنس حين فرغ العلاء من صلاة الظهر مع الناس (وداره) أي والحال أن دار أنس (بجنب المسجد) البصري أي بقرب المسجد على جانبه، قال العلاء (فلما دخلنا عليه) أي على أنس (قال) أي أنس (أصليتم) أي هل صليتم الآن (العصر) مع إمام البلدة؟ وفي الرواية الآتية كما في البخاري صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك (فقلنا له) أي لأنس ما صلينا العصر (إنما انصرفنا) وفرغنا هذه (الساعة) الحاضرة (من) صلاة (الظهر قال) لنا أنس (فصلوا) بضم اللام على صيغة الأمر أي صلوا بنا (العصر فقمنا) معه (فصلينا) العصر (فلما انصرفنا) وفرغنا من صلاة العصر (قال) أنس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك) الصلاة المخرجة عن وقتها المختار (صلاة المنافق) فتلك إشارة إلى صلاة العصر المخرجة عن وقتها، وقال ابن الملك: إشارة إلى مذكور حكمًا أي صلاة العصر التي أخرت إلى الاصفرار، وقال الطيبي: إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة، والخبر بيان لما في الذهن من الصلاة المخصوصة اهـ من تحفة الأحوذي، ومعناه أن الذي يخرجها عن وقتها يشبه

يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ. حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَينَ قَرْنَيِ الشَّيطَانِ. قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا. لا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ فعله ذلك فعل المنافق الذي يتهاون بأمرها ويضيعها حتى يخرجها عن وقتها، ولذلك وصفه بقوله (يجلس) ذلك المنافق، والجملة حال من المنافق أو مستأنفة كما في تحفة الأحوذي، وجملة (يرقب الشمس") وينتظرها حال من فاعل يجلس أي حالة كون ذلك المنافق يجلس ويتأخر عن أداء صلاة العصر في وقتها المختار، حالة كونه في جلوسه يراقب غروب الشمس أي ينتظر قرب غروبها، وهذا عبارة عن عدم مبالاته بها وتضييعه لها، ففيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم: "يجلس يرقب الشمس" اهـ نواوي. وقوله (حتى إذا كانت) غاية ليرقب أي يرقب الشمس حتى إذا قربت إلى الغروب وكانت (بين قرني الشيطان) قيل هو على حقيقته وظاهر لفظه، والمراد أن يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقاربها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له، وقيل هو على المجاز والمراد بقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه وتسلطه وغلبة أعوانه وسجود مطيعه من الكفار للشمس، قال الخطابي: هو تمثيل ومعناه أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه، والصحيح الأول اهـ نووي. أي حتى إذا كانت الشمس بين جانبي رأس الشيطان (قام) إلى الصلاة (فنقرها) أي نقر الصلاة، حالة كونها (أربعًا) أي أربع ركعات من نقر الطائر الحبة نقرًا إذا التقطها، وهذا كناية عن سرعة الحركات كنقر الطائر، قال في النهاية: يريد تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله اهـ وقيل: تخصيص الأربع بالنقر وفي العصر ثمان سجدات اعتبار بالركعات كما مر في الحل، وهذا يدل على وجوب تعديل الأركان والطمأنينة فيها. والمعنى حتى إذا رأى قد حان غروبها قام يصليها رياء وتلبيسًا حالة كونه (لا يذكر الله) سبحانه وتعالى (فيها) أي في الصلاة بلسانه ولا بقلبه (إلا) ذكرًا (قليلًا) وإنما خص العصر بالذكر لأنها الصلاة الوسطى، وقيل إنما خصها لأنها تأتي في وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم قاله القاري.

1307 - (587) (244) وحدّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ يَقُولُ: صَلَّينَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ. ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فَوَجَدْنَاهُ يُصَلَّي الْعَصْرَ. فَقُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قوله (فقام فنقرها أربعًا) هذا النقر عبارة عن سرعة حركاته في أركان الصلاة في ركوعها وسجودها وخفة ذلك بحيث لا يتم ركوعها ولا سجودها فشبهه بنقر الطائر، وهو ذم لمن فعل ذلك، وفيه رد على من قال إن الواجب من أركان الصلاة ومن الفصل بين أركانها أقل ما ينطلق عليه الاسم لأن من اقتصر على ذلك صدق عليه أنه نقر الصلاة فدخل في الذم المترتب على ذلك، وقوله (لا يذكر الله فيها إلا قليلًا) أي لسرعة حركاته فيها وليرائي بالقليل الذي يذكره عند تخيله من يلاحظه من الناس اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 103 و 185] وأبو داود [413] والترمذي [160] والنسائي [1/ 254]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 1307 - (587) (244) (وحدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي الكاتب، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي أبو عبد الرحمن المروزي، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي بكر) كنيته اسمه (بن عثمان بن سهل بن حنيف) الأنصاري الأوسي المدني، روى عن عمه أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف في الصلاة، ويروي عنه (خ م س) وابن المبارك والثوري ومالك، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (قال) أبو بكر (سمعت) عمي (أبا أمامة) أسعد (بن سهل) الأنصاري المدني (يقول صلينا مع عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أبي حفص المدني، في البصرة، وهو أمير على البصرة وقتئذ، ثقة، من (4) أي صلينا معه (الظهر ثم خرجنا) من المسجد (حتى دخلنا على أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد مروزي وواحد بغدادي (فوجدناه) أي فوجدنا أنسًا (يصلي العصر) قال أبو أمامة (فقلت)

يَا عَمِّ، مَا هَذِهِ الصَّلاةُ الَّتِي صَلَّيتَ؟ قَال: الْعَصْرُ. وَهَذِهِ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله تَعَالى عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. 1308 - (588) (245) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسى- وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنس (يا عم) بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسر أي يا عمي، وهذا من باب التوقير والتعظيم والإكرام لأنس ولكونه أكبر منه سنًّا مع أن نسبهما مجتمع في الأنصار، لأنه ليس عمه على الحقيقة اهـ عيني (ما هذه الصلاة التي صليتـ) ـها (قال) أنس هي (العصر وهذه) الصلاة المفعولة في هذا الوقت هي (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصليـ) ـها (معه) صلى الله عليه وسلم قال في الفتح: وإخراج المؤلف لهذا الحديث مشعر بأنه كان يرى أن قول الصحابي كنا نفعل كذا مسند ولو لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو اختيار الحاكم، وقال الدارقطني والخطيب وغيرهما: هو موقوف، والحق أنه موقوف لفظًا مرفوع حكمًا لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فدل هذا الحديث على تعجيل النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر في أول وقتها، وفي القصة دليل على أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي العصر في آخر وقتها تبعًا لسلفه إلى أن أنكر عليه عروة فرجع إليه كما تقدم، وإنما أنكر عليه عروة في العصر دون الظهر لأن وقت الظهر لا كراهة فيه بخلاف وقت العصر، وقال القاضي عياض: يدل أن تأخيره في حديث عروة المتقدم إنما كان إلى آخر الوقت المختار وهي كانت عادة بني أمية، ويحتمل أنه ليس بعادة له وإنما فعله لمهم شغله من أمور المسلمين، وفيه حجة للتوسعة إذ لم ينكر عليه أنس ذلك، وإنما احتج على أن المبادرة أولى اهـ من إكمال المعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [549]، والنسائي [1/ 253]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 1308 - (588) (245) (حدثنا عمرو بن سواد العامري) السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11) (ومحمد بن سلمة) بن عبد الله (المرادي) الجملي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة، من (11) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري لكونه يتجر فيها، صدوق، من (10) (وألفاظهم) أي ألفاظ حديثهم (متقاربة)

قَال عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ- أَخْبَرَنِي، عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ مُوسَى بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ. فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَاهُ رَجلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا. وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا. قَال: "نَعَمْ" فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ. فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ، فَنُحِرَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ متحدة المعنى، لكن (قال عمرو) بن سواد (أخبرنا، وقال الآخران حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري، ثقة، من (7) (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأزدي أبي رجاء المصري، ثقة، من (5) (أن موسى بن سعد) بن زيد بن ثابت (الأنصاري) المدني، روى عن حفص بن عبيد الله في الصلاة، وسالم بن عبد الله ويوسف بن عبد الله بن سلام وجماعة، ويروي عنه (م د ق) ويزيد بن أبي حبيب وسعيد بن أبي هلال وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة (حدثه) أي حدث ليزيد بن أبي حبيب (عن حفص بن عبيد الله) بن أنس الأنصاري البصري، روى عن جده أنس بن مالك وأبي هريرة وجابر في (خ) ويروي عنه (خ م ت س ق) وموسى بن سعد الأنصاري وأسامة بن زيد الليثي ويحيى بن أبي كثير وغيرهم، صدوق، من الثالثة (عن) جده (أنس بن مالك) الأنصاري البصري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان بصريان وواحد مدني (أنه) أي أن أنسًا (قال صلى) إمامًا (لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر) في أول وقتها (فلما انصرت) وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته (أتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل من بني سلمة) بكسر اللام كما في النواوي، بطن من الأنصار، منازلهم في قباء (فقال) الرجل (يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورًا لنا) والنحر الطعن في أسفل اللبة، والجزور بفتح الجيم ما ينحر من الإبل، والجزرة من غيرها من الجزر وهو الشق والطعن اهـ أبي (ونحن نحب) ونريد منك (أن تحضر) أكل لحمـ (ـها) معنا لنتبرك بحضورك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) أحضرها إن شاء الله تعالى، قال أنس (فانطلق) رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب إلى بني سلمة (وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر فنحرت) بالبناء

ثُمَّ قُطِّعَتْ، ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا، ثُمَّ أَكَلْنَا، قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ. وَقَال الْمُرَادِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ. 1309 - (589) (246) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثنَا الأَوْزَاعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ للمفعول؛ أي فنحرت الجزور بعد ما حضرناهم (ثم قطعت) بالبناء للمفعول أيضًا من القطع أي جعل لحمها قطعًا قطعًا (ثم طبخ منها) أي من لحمها شيء (ثم أكلنا) منه (قبل أن تغيب) وتغرب (الشمس) وهذا الحديث نص في المبالغة في التبكير بالعصر، وفيه إجابة الدعوة وأن الدعوة للطعام مستحبة في كل وقت سواء كانت في أول النهار أو في آخره اهـ نواوي، قال الأبي: وفي إجابته صلى الله عليه وسلم ما يدل على حسن خلقه، وفيه أكله الطعام بحضرة الغير ليتبرك به الغير، ولما جاء في بعض الأحاديث "من أكل مع مغفور له غفر له" وكان مالك لا يأكل الطعام إلا بحضرة أحد، والفرق ما ذكر آنفًا من خصوصية الأكل معه صلى الله عليه وسلم ليتبرك به (وقال) محمد بن سلمة (المرادي) في روايته (حدثنا ابن وهب عن) عبد الله (بن لهيعة) بفتح اللام وكسر الهاء، وفسر المجد اللهيعة بالغفلة والكسل، ابن عقبة الحضرمي أبي عبد الرحمن المصري، صدوق، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون فيه وهو ما هنا، مات سنة (174) أربع وسبعين ومائة؛ أي قال المرادي: حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة (وعمرو بن الحارث) بزيادة ابن لهيعة (في) سند (هذا الحديث) دون غيره، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما ذكره في تحفة الأشراف والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس الأول بحديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنهما فقال: 1309 - (589) (246) (حدثنا محمد بن مهران) -بكسر الميم وسكون الهاء- الجمال بالجيم، أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبو عمرو الشامي، ثقة، من (7) روى

عَنْ أَبِي النَّجَاشِى. قَال: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ تُنْحَرُ الْجَزُورُ، فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ، ثُمَّ تُطْبَخُ. فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (11) بابا (عن أبي النجاشي) -بفتح النون وتخفيف الجيم- عطاء بن صهيب الأنصاري مولاهم مولى رافع بن خديج المدني، روى عن رافع بن خديج في الصلاة والبيوع وغيرهما، ويروي عنه (خ م س ق) والأوزاعي وعكرمة بن عمار، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (4) (قال) أبوالنجاشي (سمعت رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي المدني، الصحابي المشهور، شهد أحدًا وما بعدها، له (78) ثمانية وسبعون حديثًا، اتفقا على (5) وانفرد (م) بـ (3) عاش (86) سنة، ومات سنة (74) أربع وسبعين، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمه ظهير وأخيه في البيوع، ويروي عنه (ع) وأبو النجاشي عطاء بن صهيب في الصلاة، وعباية بن رفاعة في الزكاة، وعبد الله بن عمرو بن عثمان في الحج، ونافع بن جبير في الحج، وبشير بن يسار وعبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر وسليمان بن يسار وحنظلة بن قيس والسائب بن يزيد. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد رازي (يقول كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تنحر) بالبناء للمفعول (الجزور) من الإبل (فتقسم) بضم أوله أي تُجَزَّأُ (عَشْرَ قِسَم) أي عشر أجزاء بين عشرة أنفار (ثم تطبخ) تلك الجزور بالبناء للمفعول، وفي بعض النسخ ثم نطْبخُ بالنون للبناء للفاعل (فنأكل لحمًا نضيجًا) أي مطبوخًا طبخًا جيدًا غير نيء (قبل مغيب الشمس) وغروبها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2485]. قال القرطبي: هذا الحديث وما قبله يدل على فساد مذهب أبي حنيفة، إذ قال: إن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه، إذ لا يتسع الوقت على رأيه لمثل هذا العمل، ولا لأن يأتوا العوالي والشمس مرتفعة، بل يتمكن من مثل هذا كله إذا صليت في أول المثل الثاني وكان النهار طويلًا والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ مفهم ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال:

1310 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسى بْنُ يُونُسَ وَشُعَيبُ بْنُ إِسَحَاقَ الدِّمَشْقِي. قَالا: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِي، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: كُنَّا نَنْحَرُ الْجَزُورَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ الْعَصْرِ. وَلَمْ يَقُلْ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1310 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (وشعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم (الدمشقي) روى عن الأوزاعي في الصلاة والبيوع واللباس، وعن هشام بن عروة في الزكاة والحج والوصايا والأدب، وعبيد الله بن عمر في الحدود وآخر الكتاب، ويروي عنه (خ م د س ق) وإسحاق الحنظلي والحكم بن موسى في الزكاة، وإبراهيم بن موسى وغيرهم، وثقه أحمد وأبو داود وقال: هو مرجئ، وابن معين ودحيم والنسائي، وقال أبو حاتم: صدودتى، وقال في التقريب: ثقة رمي بالإرجاء، من كبار التاسعة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة، عن (71) إحدى وسبعين سنة (قالا حدثنا الأوزاعي بهذا الإسناد) يعني عن أبي النجاشي عن رافع بن خديج مثله أي مثل ما روى محمد بن مهران عن الأوزاعي، غرضه بيان متابعة إسحاق بن إبراهيم لمحمد بن مهران في رواية هذا الحديث عن الأوزاعي ولكنها متابعة ناقصة لأن إسحاق روى عن الأوزاعي بواسطة عيسى وشعيب، وأما محمد بن مهران فروى عنه بواسطة الوليد، ولذلك قال (غير أنه) أي لكن أن إسحاق بن إبراهيم (قال) في روايته (كنا ننحر الجزور) من الإبل (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر ولم يقل) إسحاق في روايته (كنا نصلي معه) صلى الله عليه وسلم كما قال محمد بن مهران، وهذا استثناء من المماثلة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول حديث أنس ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد، والخامس حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى هنا وقفت الأقلام في ترقيم هذا المجلدِ هَاءِ التمامِ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد مصطفى الأنام، وعلى آله وصحبه الغر الكرام، ومن تبعهم إلى يوم القيام. وهذا آخر ما أردنا إيراده وشرحه في هذا المجلد الخاص، وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد الميمون من الأحاديث الغير المكررة من الأصول والشواهد [246] مائتان وستة وأربعون حديثًا، وجملة ما سبق منها من أول الكتاب إلى هنا [589] خمسمائة حديث وتسعة وثمانون حديثًا، وجملة ما سبق منها مع المكرر من أوله إلى هنا [1310] ألف حديث وثلاثمائة حديث وعشرة أحاديث، وجملة ما في هذا المجلد من الأبواب [105] مائة باب وخمسة أبواب، ومن أول الكتاب إلى هنا [285] مائتان وخمسة وثمانون بابا، وجملة ما في هذا المجلد من الأسانيد الرباعية [70] سبعون سندًا تقريبًا، وجملتها من أول الكتاب إلى هنا [108] مائة وثمان رباعيات، وفيه سند واحد من الثمانيات، وليس فيه شيء من التساعيات. وهذا آخر ما أكرمني الله به سبحانه وتعالى من هذا المجلد بإتمامه في تاريخ 10/ 4 / 1422 هـ قبيل المغرب من يوم الاثنين؛ العاشر من شهر ربيع الثاني من شهور سنة ألف وأربعمائة واثنتين وعشرين سنة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. بعد ما وفقني بابتدائه يوم الثلاثاء من تاريخ 1/ 4 / 1421 هـ، ولكن كتبت خلال هذه السنة مجلدًا واحدًا من كتابنا مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى حل وفك سنن ابن ماجه، ومن رسالتنا المقاصد الوفية من الأسانيد الرباعية في صحيح مسلم، مع ما لازمني من العوائق والمعائق لأنهن لمن في الدنيا شقائق وما أحسن قول من قال: محن الزمان كثيرة لا تنقضي ... وسروره يأتيك كالأعياد هل الدنيا وما فيها جميعًا ... سوى ظل يزول مع النهار الحمد لله واهب العطية، لمن شاء من عباده وافر المنة، والصلاة والسلام على سيد الكائنات، سيدنا محمد منبع العلوم والشريعات، وعلى آله وصحبه ذوي المقامات السنية، وأتباعهم على منهج الملة الحنيفية، إلى يوم المجازاة والعرض على رب البرية. قال أبو الطيب المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم يرى الجبناء أن العجز عقلى ... وتلك خديعة الطبع اللئيم وكل شجاعة في المرء تغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الآذان منه ... على قدر القرائح والعلوم آخر: كرر عليّ حديثهم يا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر عليّ حديثهم فلربما ... لان الحديد بضربة الحداد آخر: جزى الله خيرًا من تأمل صنعتي ... وقابل ما فيها من السهو بالعفو وأصلح ما أخطأت فيه بفضله ... وفطنته أستغفر الله من سهوي تم المجلد الثامن من الكوكب الوهاج على مسلم بن الحجاج ويليه المجلد التاسع وأوله "باب التغليظ في تفويت صلاة العصر" ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء التاسع دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة السعودية دار طوق النجاة بيروت - لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشاعر ثلاثٌ يَعِزُّ الصَّبرُ عِنْدَ حُلولِها ... ويَذْهَلُ عَنْهَا عَقْل كُلِّ لَبِيب خُروجُ اضطرارٍ مِنْ بِلادٍ تُحِبُّها ... وفُرْقَةُ إِخْوَانٍ وفَقْدُ حَبِيب آخر مَنْ شَاءَ أن يحْتَويَ آمَالهُ جُمَلا ... فَلْيَتَخِذ لَيلَه في دَرْكِهَا جَمَلا أقْلِلْ طَعَامَكَ كَي تَحْظَى به سَهَرًا ... إِنْ شِئْتَ يَا صَاحِبي أَنْ تَبْلُغَ الكَمَلا

286 - (1) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر

286 - (1) بابُ: التغليظ في تفويت صلاة العصر 1311 - (590) (1) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله على كبريائه والشكر له على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا مثيل له في ذاته ولا شريك له في صفاته ولا معين له في أفعاله، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله خص من الإرسال الإلهي بعمومه وختامه وكماله ومن الحق المبين بصفوه ومحضه وزلاله وأوتي من جوامع الكلم ما لا طاقة لبشر على مثاله وخياله صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهداة المهديين لا سيما الخلفاء الراشدين آمين. أما بعد: فلما فرغت من تسطير المجلد الخامس بعون الله وتيسيره، تفرغت لبداية المجلد السادس إن شاء الله تعالى بتوفيقه راجيًا منه الإمداد من قطرات الفيض والإرشاد فقلت وبالله التوفيق قال: وقال المؤلف رحمه الله تعالى: - 286 - (1) باب التغليظ في تفويت صلاة العصر 1311 - (590) (1) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري، وفيه التحديث والقراءة والعنعنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي تفوته صلاة العصر) بإخراجها عن وقتها المختار أو بإخراجها عن وقتها أصلًا (كأنما وتر) بالبناء للمفعول أي كأنما سلب (أهله وماله) وأخذا منه فصار وترًا أي فردًا بلا أهل ولا مال، وفي رواية أخرى "من فاتته" الخ، قال ابن الملك: الأظهر أن يراد به فوتها بالعمد لأنه جاء في رواية البخاري "من ترك" مكان من فاتته اهـ قوله (كأنما وتر أهله وماله) يقال: وترت زيدًا حقه أتره من باب وعد إذا نقصته، ومنه (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) بنصبهما على المفعولية شبه فقدان الأجر لأنه يُعَدُّ لقطعِ المصاعِب ودفع الشدائد بفقدان الأهل والمال لأنهما يعدان لذلك فأقام الأهل والمال مقام الأجر كذا في المصباح فهو كما في النهاية من الوتر بمعنى الفرد فكأنما جعل وترًا أي فردًا بعد أن كان

1312 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال عَمْرٌو: يَبْلُغُ بِهِ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: رَفَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كثيرًا، وقيل هو من الوتر بمعنى الجناية، وأرجعهما الزمخشري إلى معنى واحد، فقال في تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالكُمْ} من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلًا من ولد أو أخ أو حميم أو حريمه، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر وهو من فصيح الكلام، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" أي أفرد عنهما قتلًا ونهبًا. انتهى. إلى هنا ما في الكشاف، والتلاوة تدل على أنه متعد لمفعولين لتضمنه معنى السلب ونحوه مما يتعدى لاثنين بنفسه فالأهل والمال في الحديث منصوب على أنه مفعول ثان لوتر، والمفعول الأول نائب منابه وهو الضمير الذي فيه العائد إلى الموصول، قال ابن الملك: شبه خسران من فاته صلاة العصر بخسران من ضاع أهله وماله للتفهيم وإلا ففائت الثواب في المآل أخسر من فائت الأهل والمال، وقيل معناه ليكن حذره من فوتها كحذره من ذهابهما اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [525] وأبو داود [414] و 415] والترمذي [175] والنسائي [1/ 238] وابن ماجه [685]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1312 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (قالا حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، غرضه بسوف هذا السند بيان متابعة سالم لنافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) لنا (عمرو) الناقد في روايته لنا (يبلغ) ابن عمر (به) أي بهذا الحديث ويصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وقال أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته لنا (رفعه) أي رفع ابن عمر هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1313 - (00) (00) ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بن سَعِيدٍ الأَيلِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ .. فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1313 - (00) (00) (ح) وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) معطوف على حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (واللفظ) الآتي (له) أي لهارون لا لأبي بكر ولا لعمرو (قال حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة فقيه، من (7) (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه) غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن الحارث لسفيان في رواية الحديث الآتي عن الزهري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من فاتته) صلاة (العصر فكأنما وتر) وسلب (أهله وماله) في الخسران، وإن كان خسران الأول في الآخرة وخسران هذا في الدنيا، قال القرطبي: (وتر أهله وماله) رويناه برفع أهله وماله ونصبهما، فالرفع على أن وتر بمعنى نزع وأخذ ومحمول عليه، والنصب على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين بنفسه تقول سلب زيد ثوبه فتقيم الأول مقام الفاعل، وتترك الثاني منصوبًا على حاله، وقد اختلفوا في تأويل هذا الحديث فذهب ابن وهب إلى أن هذا إنما هولمن لم يصلها في الوقت المختار وقاله الداودي؛ فيكون معناه على هذا إن ما فاته من الثواب يلحقه عليه من الأسف والحزن مثل ما يلحق من أخذ ماله وأهله منه، وذهب الأصيلي إلى أن هذا الفوات إنما هو بغروب الشمس فيكون معناه على هذا ما قاله أبو عمر إنه يكون بمنزلة الذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترًا فلا يلحقه فيجتمع عليه غم المصاب وغم مقاضاة طلب الوتر، وقال الداودي: معناه أنه يجب عليه من الأسف والاسترجاع مثل الذي يمس من وتر أهله وماله لأنه أتى بكبيرة يجب عليه الندم والأسف لأجلها، وقيل هذا الفوات هو أن يؤخرها إلى أن تصفر الشمس، وقد روي مفسرًا من رواية الأوزاعي في الحديث قال فيه "وفواتها أن تدخل الشمس صفرة" وأما تخصيص هذا بالعصر فقال أبو عمر: يحتمل أن جوابه فيه على سؤال سائل عن العصر. وعلى هذا يكون حكم من فاته صلاة من الصلوات كذلك، وقيل خصت بذلك لكونها مشهودة للملائكة عند تعاقبهم وعلى هذا يشاركها في ذلك الصبح إذ الملائكة يتعاقبون فيها،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل خصت بذلك تأكيدًا وحضًا على المثابرة عليها لأنها صلاة تأتي في وقت اشتغال الناس وعلى هذا فالصبح أولى لذلك لأنها وقت النوم، ويحتمل أن يقال إنما خصت بذلك لأنها الصلاة الوسطى كما سيأتي، وقد جاء في البخاري "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" رواه البخاري [594] من حديث بريدة رضي الله عنه، قال الداودي: ليس ذلك خاصًّا بالعصر بل كذلك حكم غيرها من الصلوات اهـ من المفهم. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

287 - (2) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

287 - (2) باب: ما جاء في الصلاة الوسطى 1314 - (591) (2) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا. كَمَا حَبَسُونَا وَشَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى. حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 287 - (2) باب ما جاء في الصلاة الوسطى 1314 - (2) (وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (16) بابًا تقريبًا (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي أبي المنذر المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم أبي بكر بن أبي عمرة البصري، إمام وقته، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابا (عن عبيدة) بفتح أوله، ابن عمرو السلماني -بفتح السين وسكون اللام، ويقال بفتحها- قبيلة من مراد أبي عمرو الكوفي، مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، روى عن علي، وعنه ابن سيرين، ثقة ثبت مخضرم (عن علي) بن أبي طالب الهاشمي المدني ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد بصري (قال) علي بن أبي طالب (لما كان) ووجد (يوم) غزوة (الأحزاب) وهي غزوة الخندق، وكانت سنة أربع من الهجرة، وقيل سنة خمس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا) والضمير هنا بمعنى الكل لا بمعنى الكلية لأنه قد آمن منهم كثير، وهذا دعاء عليهم بعذاب الدارين من خراب بيوتهم في الدنيا فتكون النار استعارة للفتنة ومن اشتعال النار في قبورهم ذكره ابن الملك عن شارح المشكاة. والكاف في قوله (كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى) للتعليل كما هي في قوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ} أي لمنعهم إيانا عن أداء الصلاة الوسطى وشغلهم إيانا بمحاربتهم (حتى غابت الشمس) وغربت قبل صلاتنا إياها، قال القاضي عياض: ولفظ شغلونا ظاهر في أنه نسيها لشغله بالعدو أو يكون أخرها قصدًا لشغله بذلك ولم تكن صلاة الخوف شرعت حينئذ لأنها إنما أنزلت في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غزوة ذات الرقاع فهي ناسخة لهذا، وقال الشاميون ومكحول: إذا لم يمكن أداء صلاة الخوف على سننها أخرت لوقت الأمن، والصحيح والذي عليه الجمهور أنها إذا لم يمكن ذلك فيها تصلى بحسب الطاقة ولا تؤخر وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى في صلاة الخوف، وقيل يحتمل في وجه آخر أن يكون على غير وضوء فشغلهم ما هم فيه عن الوضوء والتيمم، وقد تقدمت هذه المسألة في الطهارة، قال الأبي: يعني مسألة فاقد الماء والتراب اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 82 و 113 و 122] والبخاري [2931] وأبو داود [409] والترمذي [2987] والنسائي [1/ 236] وابن ماجه [684]. قال القرطبي: اختلفوا في الصلاة الوسطى فقيل هي مبهمة ليحافظ على الصلوات كلها، وقيل الجمعة، وقيل الصلوات الخمس لأنها أوسط الدين، وقال ابن عباس: هي الصبح، ووافقه مالك والشافعي، وقال زيد بن ثابت وعائشة وأبو سعيد الخدري: هي الظهر، وقال علي بن أبي طالب: هي العصر ووافقه أبو حنيفة، وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب، وقال غيره: هي العتمة، وأضعف الأقوال من قال هي الصلوات كلها لأن ذلك يؤدي إلى خلاف عادة الفصحاء من أوجه: أحدها أن الفصحاء لا يذكرون شيئًا مفصلًا مبينًا، ثم يذكرونه مجملًا، وإنما عادتهم أن يشيروا إلى مجمل أو كل، ثم يفصلوه كقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وقد قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 238] والصلوات مبين والصلاة الوسطى مجمل. وثانيها أن الفصحاء لا يطلقون لفظ الجمع ويعطفون عليه أحد مفرداته ويريدون بذلك المفرد ذلك الجمع فإن ذلك في غاية العي والإلباس. وثالثهما أنه لو أراد بالصلاة الوسطى الصلوات لكان كأنه قال حافظوا على الصلوات والصلوات، ويريد بالثاني الأول، ولو كان كذلك لما كان فصيحًا في لفظه، ولا صحيحًا في معناه إذ لا يحصل باللفظ الثاني تأكيد للأول لأنه معطوف، ولا يفسد معنى آخر فيكون حشوًا وحمل كلام الله تعالى على شيء من هذه الثلاثة غير مسوغ ولا جائز، وسبب اختلاف العلماء القائلين بالتعيين صلاحية الوسطى لأن يراد بها التوسط في العدد أو في الزمان فإن راعينا عدد الركعات أدى إلى أنها المغرب لأن أكثر أعداد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلوات أربع ركعات وأقلها ركعتان وأوسطها ثلاث وهي المغرب، وإن راعينا أعداد الصلوات أنفسها فما من صلاة إلا وهي متوسطة بين شفعين إذ الصلوات خمس، وإن راعينا الأوسط من الزمان كان الأبين أنها الصبح لأنها بين صلاتي نهار محقق وهما الظهر والعصر وبين صلاتي ليل محقق وهما المغرب والعشاء، فأما وقت الصبح فوقت متردد بين النهار والليل. (قلت) والله أعلم لا يصلح هذا الذي ذكر أن يكون سببًا في الخلاف فيها إذ لا مناسبة لما ذكر لكون هذه الصلاة أفضل أو أوكد من غيرها. أما أعداد الركعات فالمناسب هو أن تكون الرباعية أفضل لأنها أَكْثَرُ ركعاتٍ وأكثر عملا والقاعدة أن ما كثر عمله كثر ثوابه، وأما مراعاة أعداد الصلوات فيلزم منه أن تكون كل صلاة هي الوسطى وهو الذي أبطلناه وأيضًا فلا مناسبة بين ذلك وبين أكثرية الثواب، وأما اعتبارها من حيث الأزمان فغير مناسب أيضًا لأن نسبة الصلوات إلى الأزمان كلها من حيث الزمانية واحدة فإن فرض شيء يكون في بعض الأزمان فذلك لأمر خارج عن الزمان، والذي يظهر لي أن السبب في اختلافهم فيها اختلافهم في مفهوم الكتاب والسنة الواردة في ذلك المعنى، ونحن نتكلم على ما ورد في ذلك بحسب ما يقتضيه مساق الكلام وصحيح الأحاديث إن شاء الله تعالى فنقول: إن قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] هو من باب قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} [البقرة: 98] فخص الرمان والنخل وجبريل وميكال بالذكر هان كانوا قد دخلوا فيما قبل بحكم العموم تشريفًا وتكريمًا، وإذا كان ذلك كذلك فلهذه الصلاة المعبر عنها بالوسطى شرفية وفضيلة ليست لغيرها غير أن هذه الشرفية لم يعينها الله تعالى في القرآن فوجب أن يبحث عن تعيينها في السنة فبحثنا عن ذلك فوجدنا ما يعينها، وأصح ما في ذلك أنها العصر على ما في حديث علي، وأنص من ذلك ما ذكره الترمذي وصححه وهو قوله صلى الله عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر" رواه الترمذي [2986 و 2988] من حديث سمرة بن جندب وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما وهذا نص في الغرض غير أنه قد جاء ما يشعث التعويل عليه وهو ما ذكره البراء بن عازب وذلك أنه قال نزلت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلزم من هذا أنها بعد أن عينت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التعيين

1315 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يمكنا أن نتمسك بالأحاديث المتقدمة فلما أبهم أمر تعيينها أخذ العلماء يستدلون على تعيينها بما ظهر لكل واحد منهم بما يناسب الأفضلية فذهب مالك وأهل المدينة إلى أن الصبح أولى بذلك لكونها تأتي في وقت نوم وركون إلى الراحة واستصعاب الطهارة فتكثر المشقة في المحافظة عليها أكثر من غيرها فتكون هي الأحق بكونها أفضل، وأيضًا فإنه وقت يتمكن الإنسان فيه من إحضار فهمه وتفرغه للصلاة لأن علاقات الليل قد انقطعت بالنوم وأشغال النهار بعد لم تأت ولذلك قال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] أي يحضره القارئ بفراغ ذهنه على أحد التأويلات وهو أحسنها وبنحو من هذا يستدل لسائرها من الصلوات إلا أن الصبح أدخل في هذا المعنى. وعلى الجملة فهذا النحو هو الذي يمكن أن يكون باعثًا لكل من المختلفين على تعيين ماعينه من الصلوات بحسب ما غلب على ظنه من أرجحية ما عين، والذي يظهر لي بعد أن ثبت نسخ التعيين أن القول قول من قال إن الله أخفاها في جملة الصلوات ليحافظ على الكل كما فعل في ليلة القدر وساعة الجمعة والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ، المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 1315 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) على صيغة اسم المفعول نسبة إلى جده مقدم، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المروزي (أخبرنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري، حالة كون كل من يحيى والمعتمر (جميعا) أي مجتمعين على الرواية (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن محمد عن عبيدة عن علي رضي الله تعالى عنه مثله، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة يحيى ومعتمر لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن هشام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال:

1316 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمدُ بن الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْن الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الأَحْزَابِ: "شَغَلُونَا عَنْ صَلاةِ الْوُسْطى حَتَّى آبَتِ الشمْسُ. مَلأَ اللهُ قُبُورَهُم نَارًا. أَوْ بُيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ" - شَك شُعْبَةُ في الْبُيُوتِ وَالْبُطُونِ. وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1316 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزى البصري (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (قال سمعت قتادة) بن دعامة السدوسى البصري (يحدث عن أبي حسان) مسلم بن عبد الله الأعرج الأجرد البصري، روى عن عبيدة السلماني في الصلاة وابن عباس في الحج وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وقتادة وعاصم الأحول، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: صدوق، رمي برأي الخوارج، من الرابعة، قتل سنة (130) ثلاثين ومائة (عن عبيدة) بن عمرو السلماني أبي عمرو الكوفي، ثقة مخضرم (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي حسان لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن عبيدة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في مساق الحديث (قال) علي رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (الأحزاب) والخندق سنة أربع (شغلونا) أي شغلنا الأحزاب والكفار المتحزبون (عن) أداء (صلاة الوسطى) في وقتها (حتى آبت الشمس) أي رجعت إلى مكانها في الليل؟ أي غربت، من قولهم آب إلى منزله إذا رجع قاله الحربي، وقال غيره: معناه سارت للغروب والتأويب سير النهار (ملأ الله) سبحانه وتعالى (قبورهم نارًا) قال شعبة (أو) قال لي قتادة: ملأ الله قبورهم و (بيوتهم أو) قال قتادة: ملأ الله قبورهم و (بطونهم، شك شعبة في) ما قال له قتادة من (البيوت والبطون) هل ذكر مع القبور البيوت أو ذكر معه البطون (وحدثنا محمد بن المثنى) أيضًا قال (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدى) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) (عن

سَعِيدٍ، عَن قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ - وَلَمْ يَشُكَّ -. 1317 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَن شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفظُ لَهُ)، قَال: حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيي، سَمع عَلِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ - سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن أبي حسان عن عبيدة عن علي - رضي الله عنه -، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (وقال) سعيد في روايته؛ ملأ الله (بيوتهم وقبورهم ولم يشك) سعيد في لفظ البيوت والبطون كما شك شعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث علي - رضي الله عنه - فقال: 1317 - (00) (00) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا وكيع عن شعبة عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن يحيى بن الجزار) -بفتح الجيم والزاي المشددة آخره راء مهملة - العرني -بضم العين المهملة وفتح الراء ثم نون- مولى نخيلة، قيل اسمه زبان - بزاي وموحدة - الكوفي، روى عن علي في الصلاة وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الإيمان وأبي بن كعب وابن عباس وعائشة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) والحكم بن عتيبة والحسن العرني وعمرو بن مرة وحبيب بن أبي ثابت وآخرون، وثقه أبو زرعة والنسائي وأبو حاتم، وقال العجلي: كوفي ثقة، وكان يتشيع، وقال في التقريب: صدوق رمي بالغلوفي التشيع، من الثالثة (عن علي) بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدنى وواحد بصري (ح وحدثناه عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (واللفظ) الآتي (له) أي لعبيد الله لا لأبي بكر ولا لزهير (قال) عبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبرى البصري (حدثنا شعبة عن الحكم عن يحيى) بن الجزار العرني الكوفي (سمع عليا) رضي الله عنه وأعاد مسلم هذا الطريق للاختلاف بينها وبين التي قبلها في عن وسمع لأنه قال في الأول يحيى بن الجزار عن علي، وفي هذه عن يحيى سمع عليا ذكره النواوي. وهذا السند أيضًا من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان

يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَوْمَ الأحزَابِ، وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فُرْضَةٍ منْ فُرَضِ الْخَنْدَقِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى. حَتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وبُيُوتَهُمْ، (أَوْ قَال: قُبُورَهُمْ وَبُطُونَهُمْ)، نَارًا". 1318 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعاويَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ بْنِ صُبَيحٍ، عَنْ شُتَيرِ بْنِ شَكَل، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد مدني، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة يحيى بن الجزار لعبيدة السلماني في رواية هذا الحديث عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكرر متن. الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (يقول) علي - رضي الله عنه - (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم، الأحزاب وهو قاعد على فرضة) بضم الفاء وسكون الراء وبالضاد المعجمة وهي المدخل من مداخله والمنفذ إليه وأصله المشارع إلى الماء يجمع على فرض أي على حفرة (من فرض الخندق) أي من حفر الخندق (شغلونا عن الصلاة الوسطى) وكانت الرواية فيما قيل عن صلاة الوسطى بالإضافة المعلومة (حتى غربت الشمس ملأ الله قبورهم) أمواتا (وبيوتهم) أحياء، قال شعبة (أو قال) لنا الحكم (قبورهم وبطونهم) بدل موتهم (نارًا) والشك من شعبة فيما قاله الحكم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 1318 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالوا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن مسلم بن صبيح) مصغرًا الهمداني الكوفي (عن شتير) مصغرًا (بن شكل) بالتحريك ويقال بإسكان الكاف، ابن حميد العبسي الكوفي أدرك الجاهلية. روى عن علي في الصلاة، وحفصة في البيوع، وعن أبيه شكل بن حميد وابن مسعود، ويروي عنه (م عم) ومسلم بن صبيج والشعبي وبلال بن يحيى، وثقة النسائي وابن سعد، وقال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن

عَلِيٍّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَوْمَ الأَحْزَابِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ. مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُم وَقُبُورَهُمْ نَارًا" ثُم صَلَّاهَا بَينَ الْعِشَاءَينِ، بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ علي) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عليًّا وزهير بن حرب، غرضه بسوقه بيان متابعة شتير بن شكل لعبيدة السلماني ويحيى بن الجزار في رواية هذا الحديث عن علي، وكرر متن الحديث لما فيها من المخالفة (قال) علي رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى) أي الفضلى (صلاة العصر) بدل أو عطف بيان، وفيه حجة على من قال: الصلاة الوسطى غير العصر، وعلى من قال إنها مبهمة أبهمها الله تعالى تحريضا للخلق على محافظتها كساعة الإجابة يوم الجمعة، فإن قيل ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها إنه صلى الله عليه وسلم قال (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) يدل على أن الوسطى غير العصر (قلت) يحتمل أن يكون الوسطى لقبًا والعصر اسمًا فذكرها النبي صلى الله عليه وسلم باسميها كذا في المبارق فتأمله. فالوسطى ثأنيث الأوسط وهو الأعدل من كل شيء، قال أعرابي يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: يا أوسط الناس طُرًّا في مفاخرهم ... وأكرم الناس أُمًا بَرّةً وأبا (ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا) أي فتنة وخرابًا (ثم صلاها) أي صلى العصر التي فاتته (بين) الغروب وبين صلاتي (العشاءين) يعني بين الغروب و (بين المغرب والعشاء) يعني صلاها بعد الغروب، وقيل المغرب والعشاء مراعاة للترتيب بين القضاء والأداء. قال القرطبي: وقوله (بين العشاءين بين المغرب والعشاء) ظاهر هذا أنه صلى العصر المتروكة بعد أن صلى المغرب وقبل العشاء، وليس بصحيح بدليل ما جاء في حديث جابر قال: "فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب" رواه أحمد [3/ 129] والبخاري [598] والترمذي [180]، والنسائي [3/ 84] وهذا نص وإنما أراد بقوله بين العشاءين بين وقتي العشاءين فإن التأخير كان منه إلى أن غربت الشمس، ثم توضأ، ثم أوقعها بعد الغروب قبل أن يصلي المغرب، وقد روى الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه "أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب

1319 - (592) (3) وَحَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِي. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ الْيَامِيُّ عَنْ زُبَيدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الليل ما شاء الله فأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء" رواه الترمذي [179]. قال النواوي: واعلم أنه وقع في هذا الحديث هنا وفي البخاري أن الصلاة الفائتة كانت صلاة العصر، وظاهره أنه لم يفته غيرها، وفي الموطإ أنها الظهر والعصر، وفي غيره أنه أخر أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى ذهب بعض من الليل، وطريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أيامًا فكان هذا في بعض الأيام وهذا في بعضها اهـ منه. وبهذه الأحاديث استدل جميع العلماء على أن من فاتته صلوات قضاها مرتبة كما فاتته إذا ذكرها في وقت واحد، واختلفوا إذا ذكر صلاة فائتة في ضيق وقت حاضرة هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة، أو يبدأ بالحاضرة، أو يتخير فيقدم أيتهما شاء؟ ثلاثة أقوال: وبالأول قال مالك والليث والزهري، وبالثاني قال الحسن وابن المسيب وفقهاء أصحاب الحديث وأصحاب الرأي والشافعي وابن وهب من أصحابنا، وبالثالث قال أشهب من أصحابنا. وهذا ما لم تكثر الصلوات فلا خلاف عند جمعيهم على ما حكاه القاضي عياض أنه يبدأ بالحاضرة مع الكثرة، واختلفوا في مقدار اليسير فعن مالك قال: إن الخمس فدون من اليسير، وقيل الأربع فدون، ولم يختلف المذهب أن الست كثير اهـ، من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث علي بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما فقال: 1319 - (592) (3) (وحدثنا عون بن سلام) بتشديد اللام الهاشمي مولاهم أبو جعفر (الكوفي) ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا محمد بن طلحة) بن مصرف بن عمرو الهمداني (اليامي) نسبة إلى يام بن رافع بن مالك أبي قبيلة باليمن من همدان، أبو عبد الله الكوفي، صدوق، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن زبيد) مصغرًا بن الحارث بن عبد الكريم اليامي نسبة إلى يام بن رافع المذكور أبي عبد الرحمن الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن مرة) بن شراحيل الهمداني أبي إسماعيل الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي

قَال: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاةِ الْعَصْرِ. حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَو اصْفَرَّتْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى صَلاةِ الْعَصْرِ. مَلأ اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا" أَوْ قَال: "حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا". 1320 - (593) (4) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ؛ أَنَّهُ قَال: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله (حبس المشركون) يوم الخندق أي منعوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وشغلوه (عن) أداء (صلاة العصر) في وقتها فصار كأنه ممنوع منها، والحبس المنع (حتى احمرت الشمس أو) قال عبد الله حتى (اصفرت) الشمس للغروب، والشك من مرة فيما قال عبد الله أو ممن دونه أي حتى تغيرت باحمرارها أو باصفرارها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله) سبحانه (أجوافهم) أي بطونهم (وقبورهم نارًا) دعاء عليهم بخسران الدارين (أو قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عبد الله، والشك من الراوي أو ممن دونه (حشا الله) بدل ملأ الله فهما بمعنى واحد (أجوافهم وقبورهم نارًا) وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 403 - 404] وابن ماجه [686]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث علي بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1320 - (593) (4) وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابورى (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني (عن القعقاع بن حكيم) الكناني المدني، ثقة، من (4) (عن أبي يونس مولى عائشة) المدني، اسمه كنيته، روى عن عائشة، ويروي عنه (م د ت س) والقعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم وغيرهم، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية، وذكره ابن حبان في الثقات، له في صحيح مسلم وفي السنن حديثان وذكره مسلم في الطبقة الأولى من المدفيين (أنه قال أمرتني عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أن أكتب لها مصحفًا) أي قرآنًا سيجعل

وَقَالتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الآيَةَ فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا. فَأمْلَتْ عَلَيَّ: حَافِظُوا عَلى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصرِ. وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. قَالتْ عَائِشَةُ: لسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ مصحفًا. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (وقالت) لي (إذا بلغت) في الكتابة (هذه الآية فآذني) - بمد الهمزة وكسر الذال المعجمة وتشديد النون - أي أعلمنى تريد بقولها هذه الآية قوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها) أي بلغت هذه الآية في الكتابة (آذنتها) أي أعلمتها (فأملت علي) - بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح اللام الخفيفة - من أملى - وبفتح الميم واللام مشددة - من أملل يملل أي ألقت علي فالأول لغة الحجاز، والثانية لغة بني تميم وقيس، والأولى من الإملاء وهو حكاية القول لمن يكتبه، والثانية من الإملال وهي بمعنى الأول أي قرأت علي بلفظ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) بزيادة (وصلاة العصر) على القراءة المشهورة بالواو الفاصلة وهي تدل على أن الوسطى غير العصر لأن العطف يقتضي المغايرة، وأجيب بوجوه أحدها أن هذه القراءة شاذة ليست بحجة ولا يكون لها حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع وإذا لم يثبت قرآنًا لا يثبت خبرًا قاله النواوي. وثانيها أن يجعل العطف تفسيريًا فيكون الجمع بين الروايات. وثالثها أن تكون الواوفيه زائدة كما زيدت في قول امرئ القيس: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل أي فلما أجزنا ساحة الحي انتحى فإذا قدرنا زيادتها كانت صلاة العصر هي الصلاة الوسطى ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها "والصلاة الوسطى صلاة العصر" بغير واو (وقوموا لله) في الصلاة (قانتين) أي مطيعين، وقيل ساكتين أي عن كلام الناس لا مطلق الصمت ثم (قالت عائشة) هكذا (سمعتها) أي سمعت هذه الآية (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الباجي: يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت كما في حديث البراء الآتي، فلعل عائشة لم تعلم بنسخها أو اعتقدت أنها مما نسخ حكمه وبقي رسمه، ويحتمل أنه ذكرها صلى الله عليه وسلم على

1321 - (594) (5) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا الْفُضَيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ قَال: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}. فَقَرَأناهَا مَا شَاءَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها من غير القرآن لتأكيد فضيلتها فظنتها قرآنًا فأرادت إثباتها في المصحف لذلك قاله الزرقاني في شرح الموطإ، قال القرطبي: وقد اتفق المسلمون كافة على أن قولها وصلاة العصر ليس قرآنًا اليوم يتلى، وإنما هي رواية شاذة انفردت بها وبرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم غايتها أن تكون خبرًا إلا أنها قد رفعتها وأسندتها، والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [410] والترمذي [2986] والنسائي [1/ 236]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث علي بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما فقال: 1321 - (594) (5) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي أبو زكريا الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا الفضيل بن مرزوق) الأغر بالمعجمة والراء الرقاشي أبو عبد الرحمن الكوفي، روى عن شقيق بن عقبة في الصلاة، وعدي بن ثابت في الزكاة وأبي حازم، ويروي عنه (م عم) ويحيى بن آدم في الصلاة، وأبو أسامة في الزكاة، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث صدوق يهم كثيرًا يكتب حديثه، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال العجلي: جائز الحديث صدوق، وكان فيه تشيع، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة، مات في حدود سنة (160) ستين ومائة (عن شقيق بن عقبة) العبدي الكوفي، روى عن البراء بن عازب في الصلاة، ويروي عنه (م) وفضيل ابن مرزوق والأسود بن قيس، وثقه أبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، ومن الرابعة (عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي (قال) البراء (نزلت هذه الآية) هكذا، يعني قوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فقرأناها) هكذا بزيادة (وصلاة العصر) (ما شاء الله) تعالى قراءتنا إياها من الزمن

ثُمَّ نَسَخَهَا اللهُ. فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}. فَقَال رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ: هِيَ إِذَنْ صَلاةُ الْعَصْرِ. فَقَال الْبَرَاءُ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيفَ نَزَلَتْ. وَكَيفَ نَسَخَهَا اللهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ. قَال مُسْلِمٌ: وَرَوَاهُ الأشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّورِيِّ، عَنِ الأسْوَدِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم نسخها الله) تعالى؛ أي نسخ تلاوتها (فنزلت) في نسخها آية ({حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قال الفضيل بن مرزوق (فقال رجل) ممن (كان جالسًا عند شقيق) بن عقبة (له) أي للبراء بن عازب فهو متعلق بقال لا صفة لشقيق لأن شقيقًا هنا علم للراوي لا بمعنى الأخ (هي) أي الصلاة الوسطى (إذن) أي إذا كان نزولها لنسخ صلاة العصر هي (صلاة العصر، فقال البراء) للرجل السائل (قد أخبرتك كيف نزلت) أولًا (وكيف نسخها الله) تعالى ثانيًا فعن أبي شيء سألتني بعد ذلك، قال القرطبي: وقول البراء للسائل قد أخبرتك كيف نزلت؟ وكيف نسخها الله؟ يظهر منه تردد، لكن فيماذا هل نسخ تعيينها فقط وبقيت هي الوسطى أو كونها وسطى في هذا تردد، والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. فهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات، ولكن شاركه أحمد [4/ 301] وقوله (والله أعلم) فيه مراعاة الأدب مع الله تعالى، قوله و (قال مسلم: ورواه الأشجعي) هذا من كلام مسلم على سبيل التجريد أو من كلام بعض رواته. وهذا السند معلق حذف شيخه لأن مسلمًا إنما يروي عن الأشجعي بواسطة بعض مشايخه لأنه إنما يروي عنه بواسطة أبي النضر هاشم بن القاسم أو أبي كريب أو عثمان بن أبي شيبة كأنه قال: (ورواه) أي وروى لنا هذا الحديث أبو النضر هاشم بن القاسم أو أبو كريب مثلًا، قال أبو النضر (حدثنا الأشجعي) عبيد الله بن عبيد الرحمن الكوفي، ثقة ثبت مأمون، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق (الثوري) الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (24) بابا (عن الأسود بن قيس) النخعي أبي قيس الكوفي، روى عن شقيق بن عقبة في الصلاة، وسعيد بن عمرو بن سعيد في الصوم، وجندب بن عبد الله في الجهاد والأضاحي، ويروي عنه (ع) والثوري وشعبة وأبو عوانة وابن عيينة وزهير بن معاوية وأبو الأحوص سلام بن سليم، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من (4) (عن شقيق بن عقبة) العبدي الكوفي (عن البراء بن عازب) الأنصاري الأوسي الكوفي رضي الله عنه، غرضه بسوق

قَال: قَرَأْنَاهَا مَعَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيلِ بْنِ مَرْزُوقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا التعليق بيان متابعة الأسود بن قيس لفضيل بن مرزوق في رواية هذا الحديث عن شقيق بن عقبة (قال) البراء (قرأناها مع النبي صلى الله عليه وسلم زمانا) طويلًا، وساق الأسود بن قيس عن شقيق عن البراء (بمثل حديث فضيل بن مرزوق) عن شقيق. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والرابع حديث البراء بن عازب ذكره للاستشهاد. ***

288 - (3) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

288 - (3) باب: من فاتته صلوات كيف يقضيها 1322 - (595) (6) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ قَال أَبُو غَسَّانَ: حَدَّثنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، جَعَلَ يَسُبُّ كُفارَ قُرَيشٍ. وَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ، مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتى كَادَتْ أَنْ تَغْرُبَ الشمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 288 - (3) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها 1322 - (595) (6) (وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) نسبة إلى جده مسمع البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن المثنى) العنَزي البصري (عن معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (قال أبو غسان: حدثنا معاذ بن هشام) بصيغة السماع لا بالعنعنة (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (قال حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، وقوله (يوم الخندق) متعلق بقوله (جعل يسب كفار قريش) أي أن عمر بن الخطاب جعل يسب كفار قريش يوم حفر الخندق وهو في غزوة الأحزاب، وفي رواية الترمذي "أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش" لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها إما المختار كما وقع وإما مطلقًا كما وقع لغيره اهـ تحفة الأحوذي (وقال) عمر (يا رسول الله: والله ما كدت) أي ما قاربت (أن أصلي العصر حتى كادت) الشمس (أن تغرب الشمس) ولفظ الشمس تنازع فيه كادت وتغرب، وفي رواية للبخاري "ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب" قال اليعمري: لفظة كاد من أفعال المقاربة، فإذا قلت كاد زيد يقوم، فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم، قال: والراجح أن لا تقترن بأن بخلاف عسى فإن الراجح فيها أن تقترن، قال: وقد وقع في مسلم في هذا الحديث "حتى كادت الشمس أن تغرب" قال: وإذا تقرر أن معنى كاد المقاربة فقول عمر ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها وإثبات

فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَوَاللهِ، إِنْ صَلَّيتُهَا" فَنَزَلْنَا إِلَى بُطحَانَ. فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَتَوَضأنَا. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ بَعْدَ ما غَرَبَتِ الشمْسُ. ثُم صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغروب يقتضي نفيه فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب (قلت) الأمر كما قال اليعمري لأن كاد إذا أثبتت نفت، صماذا نفت أثبتت، كما قال فيها المعري ملغزًا: وإذا نفت والله أعلم أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود فإن قيل الظاهر أن عمر كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف اختص بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة والنبي - صلى الله عليه وسلم - معهم، فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس وكان عمر حينئذ متوضئًا فبادر فأوقع الصلاة ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة، ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء قاله الحافظ ابن حجر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فو الله إن صليتها) أي ما صليتها، فإن نافية، وفي رواية البخاري "والله ما صليتها" وإنما حلف النبي صلى الله عليه وسلم تطييبًا لقلب عمر رضي الله عنه فإنه شق عليه تأخير العصر إلى قريب من المغرب فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصلها بعد ليكون لعمر به أسوة ولا يشق عليه ما جرى وتطيب نفسه، وأكد ذلك الخبر باليمين، وفيه دليل على جواز اليمين من غير استحلاف وهي مستحبة إذا كان فيه مصلحة من توكيد الأمر أو زيادة طمأنينة أو نفي توهم نسيان أو غير ذلك من المقاصد السائغة، وقد كثرت في الأحاديث وهكذا القسم من الله تعالى كقوله: {وَالذَّارِيَاتِ} {وَالطُّورِ} {وَالْمُرْسَلَاتِ}، {وَالضُّحَى}، {وَالتِّينِ} ونظائرها كل ذلك لتفخيم المقسم عليه وتوكيده والله أعلم اهـ نواوي. قال جابر (فنزلنا التي بطحان) -بضم الموحدة وسكون الطاء أو بالفتح والكسر- واد بالمدينة المنورة (فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر) بنا جماعةً (بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب) استدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة، وأجاب من اعتبر بأن المغرب كانت حاضرةً، ولم يذكر الراوي الأذان لها، وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم

1323 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - قَال أبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، في هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذان للحاضرة فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر كيف وقد وقع في حديث ابن مسعود المذكور في الباب فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر الحديث اهـ تحفة الأحوذي، قال القسطلاني: وهذا الحديث لا ينهض دليلًا للقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعاله صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب، نعم لهم أن يستدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي). وفي الموطإ من طريق أخرى إن الذي فاتهم الظهر والعصر، وأجيب بأن الذي في الصحيحين العصر وهو أرجح، ويؤيده حديث علي رضي الله عنه شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وقد يجمع بين الروايات المختلفة بأن وقعة الخندق كانت أيامًا فكانت في يوم الظهر، وفي الآخر العصر، وحملوا تأخيره صلى الله عليه وسلم على النسيان أو لم ينس لكنه لم يتمكن من الصلاة، وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف، وظاهر الحديث أنه صلاها جماعةً وذلك من قوله: فقام وقمنا وتوضأنا، بل وقع في رواية الإسماعيلي التصريح به إذ فيها "فصلى بنا العصر". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [129/ 3] والبخاري [598] والترمذي [180] والنسائي [84/ 3]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1323 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، قال أبو بكر: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا وكيع، عن علي بن المبارك) الهنائي -بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا- البصري، ثقة، من كبار (7) روى عنه في (4) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن أبي سلمة عن جابر (بمثله) أي بمثل ما روى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بيان متابعة علي بن المبارك لهشام الدستوائي، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر، وذكر فيه متابعة واحدةً.

289 - (4) باب فضل صلاتي الصبح والعصر

289 - (4) باب: فضل صلاتي الصبح والعصر 1324 - (596) (7) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ باللَّيلِ. وَمَلائكَةٌ بِالنَّهَارِ. وَيجْتَمِعُونَ في صَلاة الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ. ثُم يَعْرُجُ الذِينَ بَاتُوا فِيكُم ـــــــــــــــــــــــــــــ 289 - (4) باب فضل صلاتي الصبح والعصر 1324 - (596) (7) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (قال قرأت على مالك) ابن أنس المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون) أي يتناوبون (فيكم ملائكة) حفظة (بالليل وملائكة) حفظة (بالنهار) ومعنى يعاقبون تأتي طائفة بعد طائفة ومنه تعقب الجيوش وهو أن يذهب قوم منهم إلى ثغر ويجيء آخرون، ويتعاقبون جاء على لغة أكلوني البراغيث وهي لغة بلحرث، قالوا وعلامة الفاعل المذكور المجموع وهي لغة فاشية، والتعاقب أن تأتي جماعة عقب الأخرى ثم تعود الأولى عقب الثانية، وتنكير ملائكة في الموضعين ليفيد أن الثانية غير الأولى والمراد بالملائكة الحفظة عند الأكثرين وتعقب بأنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار اهـ من القسطلاني. (ويجتمعون في) وقت (صلاة الفجر و) في وقت (صلاة العصر) فإن قلت التعاقب يغاير الاجتماع، أجيب بأن تعاقب الصنفين لا يمنع اجتماعهما لأن التعاقب أعم من أن يكون معه اجتماع كهذا أو لا يكون معه اجتماع كتعاقب الضدين، أو المراد حضورهم معهم الصلاة في الجماعة فينزل على حالين، وتخصيص اجتماعهم في الورود والصدور بأوقات العبادة تكرمة بالمؤمنين ولطفًا بهم لتكون شهادتهم بأحسن الثناء وأطيب الذكر، ولم يجعل اجتماعهم معهم في حال خلواتهم بلذاتهم وانهماكهم على شهواتهم، ولأن العبادة في هذين الوقتين مع كونهما وقت اشتغال وغفلة أدل على خلوصهم (ثم يعرج) أي يصعد إلى السماء الملائكة (الذين باتوا فيكم) أيها المصلون أي كانوا فيكم طول الليل، وذكر الذين باتوا دون الذين ظلوا إما للاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر نحو

فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِم: كَيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّون وَأَتَينَاهُم وَهُمْ يُصَلُّونَ". 1325 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. حَدَّثَنَا معمرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي البرد، وإما لأن طرفي النهار يعلم من طرفي الليل، وإما لأنه استعمل بات في أقام مجازًا فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا نهار دون ليل فكل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، ويؤيد هذا ما رواه النسائي عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد "ثم يعرج الذين كانوا فيكم، (فيسألهم ربهم) إما تعبدًا لهم كما تعبدهم بكتب أعمالهم، وإما لأن يتباهى بعبيده العاملين مع كونهم للشهوات حاملين، وإما للتوبيخ على القائلين أتجعل فيها من يفسد فيها اهـ مبارق (وهو) سبحانه وتعالى (أعلم بهم) أي بالمصلين من الملائكة، فحذف صلة أفعل التفضيل، فيقول لهم في سؤالهم (كيف تركتم عبادي) أهل الأرض، أي على أي حال تركتموهم عند عروجكم من عندهم، هل تركتموهم مطيعين أم عاصين؟ أي على أي حال فارقتموهم (فيقولون) أي تقول الملائكة في جواب سؤال ربهم (تركناهم) أي فارقناهم يا رب (وهم) أي والحال أنهم (يصلون) صلاة الفجر أو العصر، والواو في قوله وهم للحال لكنه استشكل لأنه يلزم منه مفارقتهم قبل أن يشهدوها معهم، والحديث صرح بأنهم شهدوها معهم، وأجيب بالحمل على شهودهم لها مع المصلي لها أول وقتها وشهدوا من دخل فيها ومن شرع في أسبابها بعد ذلك والمنتظر لها في حكم مصليها وهذا آخر الجواب عن سؤالهم كيف تركتم ثم زادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم فقالوا: (وأتيناهم) أي جئناهم (وهم) أي والحال أنهم (يصلون) صلاة العصر أو الفجر، ولما كان المراد الإخبار عن صلاتهم والأعمال بخواتيمها حسن أن يخبروا عن آخر أعمالهم قبل أولها اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 486] والبخاري [7429]، والنسائي [1/ 240 - 241]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1325 - (00) (00) وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي

عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "وَالْمَلائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ" بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ. 1326 - (597) (8) وحدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ الْفَزَارِيُّ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. حَدَّثَنَا قَيسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. قَال: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يَقُولُ: كُنَّا جُلُوسا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ فَقَال: "أَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معمر لأبي الزناد في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة كما يعلم من كلامه الآتي قريبًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والملائكة يتعاقبون) أي يتناوبون (فيكم) أيها الناس، وساق معمر عن همام عن أبي هريرة (بمثل حديث أبي الزناد) عن الأعرج عن أبي هريرة فالمتابعة ناقصة كما عرفت، والحديث دليل على فضيلة الصلاتين لشهود الملائكة إياهما عند التعاقب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 1326 - (597) (8) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا قيس بن أبي حازم) عوف ابن عبد الحارث البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (قال سمعت جربر بن عبد الله) بن جابر البجلي اليماني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد يماني وواحد نسائي (وهو) أي والحال أن جريرًا (يقول كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ليلة مقمرة، والظرف في قوله (إذ نظر) رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل من عند المذكور قبله أي كنا جلوسًا إذ نظر أو واقعة في جواب بينما المقدر تقديره بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر (إلى القمر ليلة البدر) أي ليلة أربع عشرة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي

إِنكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ. لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ. فَإِنِ استَطَعتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" يَعْنِي الْعَصرَ وَالْفَجْرَ. ثُم قَرَأَ جَرِيرٌ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] ـــــــــــــــــــــــــــــ انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنكم) أيها المؤمنون (سترون ربكم) عزَّ وجلَّ يوم القيامة (كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها و (لا تضامون) -بضم أوله وفتحه مع تشديد الميم فيهما من الضم- أي لا ينضم بعضكم إلى بعض (في) حال (رؤيته) عز وجل، ولا يقول أرنيه لإشكاله وخفائه كما تفعلون عند النظر إلى الهلال بل كل ينفرد برؤيته، وروي بضم المثناة الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم في رؤيته أي تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها بل تشتركون كلكم في الرؤية فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي (فإن استطعتم) جزاء هذا الشرط ساقط هنا كما هو مصرح في رواية البخاري تقديره فإن استطعتم (أن لا تغلبوا) -بضم أوله وفتح ثالثه- مبنيًّا للمفعول بأن تستعدوا لقطع أسبابها أي الغلبة المنافية للاستطاعة كنوم وشغل مانع (على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاتين (العصر والفجر) فافعلوا عدم المغلوبية التي لازمها الصلاة أي فإن استطعتم المواظبة عليهما فافعلوا تلك المواظبة كأنه قال صلوا في هذين الوقتين جماعة أو فردًا (ثم قرأ جرير) بن عبد الله راوي الحديث استشهادًا لهذا الحديث قوله تعالى: (وسبح) يا محمد (بحمد ربك) أي نزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما لا يليق به حامدًا له على ما أنعم عليك (قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر، وقد عرفت فضيلة الوقتين على غيرهما مما مر من ذكر اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال إلى غير ذلك، وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح، وأن الأعمال ترفع آخر النهار فمن كان حينئذ في طاعة ربه بورك له في رزقه وعمله، وأعظم من ذلك بل من كل شيء وهو مجازاة المحافظة عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى وجه الله تعالى كما يشعر به سياق الحديث. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 362] والبخاري [573]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه فقال:

1327 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَوَكِيعٌ، بِهذَا الإِسنَادِ. وَقَال: "أَمَا إِنَّكُم سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هذَا الْقَمَرَ" وَقَال: ثُم قَرَأ. وَلَمْ يَقُلْ: جَرِيرٌ. 1328 - (598) (9) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. قَال أَبُو كرَيبٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أبِي خَالِدٍ وَمِسْعَرٍ وَالْبَخْترِيِّ بْنِ الْمُخْتَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1327 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شببة، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة ووكيع بهذا الإسناد) يعني عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، فالجار والمجرور متعلق بحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي بكر بن أبي شيبة لزهير بن حرب في رواية هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد، ولكنها متابعة ناقصة لأن أبا بكر روى عن إسماعيل بواسطة عبد الله بن نمير ومن معه، وأما زهير بن حرب فروى عنه بواسطة مروان بن معاوية فالمتابعة في مشايخ المؤلف (و) لكن (قال) أبو بكر بن أبي شيبة في روايته (أما إنكم ستعرضون على ربكم) يوم القيامة (فترونه) عزَّ وجلَّ، رؤيةً محققةً لائقةً بجنابه سبحانه (كما ترون هذا القمر) رؤيةً واضحةً لا خفاء فيها ولا إشكال (وقال) أبو بكر (ثم قرأ) بلا إسناد إلى فاعل ظاهر (ولم يقل) أبو بكر لفظة (جرير) كما قاله زهير، وهذه الرواية موافقة لرواية البخاري والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عمارة بن رؤيبة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1328 - (598) (9) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن وكيع، قال أبو كريب: حدثنا وكيع) بصيغة السماع (عن) إسماعيل (بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي (ومسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) (والبختري بن المختار) -بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة وكسر الراء- بن رويح مصغرًا، العبدي نسبة إلى عبد القيس من ربيعة الكوفي، روى عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة في الصلاة، وأبي بردة وأبي بكر بن أبي موسى وجماعة، ويروي عنه (م س) ووكيع وشعبة والثوري، وثقه وكيع وابن المديني، وقال في التقريب: صدوق، من

سَمِعُوهُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيبَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ. فَقَال لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ آنتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة، ومعنى البختري كما في القاموس الحسن المشي نسبة إلى البخترة بمعنى التبختر، وأما البحتري الشاعر فهو نسبة إلى بحتر بالضم والحاء أبي حي من طيء، واسمه الوليد يكنى أبا عبادة، وأبو البحتري بالحاء من وضعة الحديث كما في تاج العروس اهـ. كلهم (سمعوه) أي سمعوا هذا الحديث الآتي (من أبي بكر بن عُمارة) بضم العين (بن رؤببة) مصغرًا الثقفي الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة، ويروي عنه (م د س) وإسماعيل بن أبي خالد ومسعر والبختري بن المختار وعبد الملك بن عمير، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة (عن أبيه) عمارة - بالضم والتخفيف وزيادة هاء - بن رؤيبة - مصغرًا - الثقفي أبي زهير الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه، له تسعة أحاديث، انفرد له (م) بحديثين، يروي عنه (م د ت س) وابنه أبو بكر في الصلاة، وحصين بن عبد الرحمن في الصلاة، وأبو إسحاق السبيعي، مات بعد السبعين (70) سنة. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم (قال) عمارة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لن يلج) أي لن يدخل (النار أحد) أي لا يدخلها أصلًا أو على سبيل التأبيد أحد (صلى) صلاة (قبل طلوع الشمس و) صلاة (قبل غروبها) قال الراوي (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة قبل طلوع الشمس (الفجر) أي صلاته (و) بصلاة قبل غروبها (العصر) يعني داوم على أدائهما، وخص الصلاتين بالذكر لأن الصبح وقت النوم، والعصر وقت الاشتغال بالتجارة، فمن حافظ عليهما مع المشاغل كان الظاهر من حاله المحافظة على غيرهما والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأيضًا هذان الوقتان مشهودان يشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار، ويرفعون فيهما أعمال العباد، فبالحري أن يقع مكفرًا فيغفر له ويدخل الجنة اهـ من العون. والمعنى لن يدخل النار من عاهد وحافظ على هاتين الصلاتين ببركة المداومة عليهما والله أعلم، قال أبو بكر بن عمارة (فقال له) أي لأبي عمارة بن رؤيبة (رجل من أهل البصرة، آنت) بهمزة الاستفهام الاستثباتي المقلوبة مدة أي هل أنت يا عمارة (سمعت هذا) الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال)

نَعَمْ. قَال الرَّجُلُ: وَأنا أَشْهَدُ أَنِي سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. 1329 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ، حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤيبَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَلِجُ النَّارَ مَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشمْس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" وَعِنْدَهُ رَجُل مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَقَال: آنتَ سَمِعتَ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي عمارة للرجل السائل (نعم) سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الرجل) السائل (وأنا) أيضًا (أشهد) أي أخبر (أني سمعته) أي سمعت هذا الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجملة قوله (سمعته أذناي ووعاه) أي حفظه (قلبي) توكيد لفظي لرفع توهم سماعه بواسطة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 136] وأبو داود [427]، والنسائي [1/ 241] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه فقال: 1329 - (00) (00) (وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى بن أبي بكير) نسر العبدي أبو زكريا البغدادي، ثقة، من (9) (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية البغدادي، ثقة، من (7) (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي أبي عمر الكوفي، ثقة، من (3) (عن) أبي بكر (بن عمارة بن رؤبة) الثقفي الكوفي (عن أبيه) عمارة بن رؤيبة الثقفي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بغداديون وثلاثة كوفيون، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لإسماعيل بن أبي خالد ومسعر والبختري في رواية هذا الحديث عن أبي بكر بن عمارة، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في مساق الحديث (قال) عمارة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلج النار) أي لا يدخلها أصلًا أو دخولًا أبديًا (من صلى) أي من أدى بشروطها وفروضها صلاة (قبل طلوع الشمس) يعني الصبح (و) صلاة (قبل غروبها) وهي العصر، قال أبو بكر بن عمارة (وعنده) أي عند والدي عمارة عندما يحدث هذا الحديث (رجل من أهل البصرة) أي من سكانها وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) ذلك الرجل لوالدي عمارة (آنت سمعت) أي هل أنت سمعت يا عمارة (هذا) الحديث

مِنَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -؟ قَال: نَعَمْ. أَشْهَدُ بِهِ عَلَيهِ. قَال: وَأَنَا أَشْهَدُ. لَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُهُ، بِالْمَكَانِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنْهُ. 1330 - (599) (10) وحدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من النبي صلى الله عليه وسلم قال) عمارة (نعم) سمعته منه صلى الله عليه وسلم (أشهد به) أي بهذا الحديث (عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله (قال) ذلك الرجل البصري (وأنا أشهد) أيضًا، وأقسم أني والله القد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله) أي يقول هذا الحديث، وقوله (بالمكان) متعلق بـ (سمعت) أو (يقول) أي: سمعته قائلًا في المكان (الذي سمعته) بفتح التاء؛ أي: في المكان الذي سمعت هذا الحديث (منه) صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1330 - (599) (10) وحدثنا هداب بن خالد) بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة (الأزدي) وفي صحيح البخاري "هدبة بن خالد" بضم الهاء وسكون الدال - والمسمى واحد يظهر ذلك بمراجعة القاموس، والخلاصة لكن ذكروا أنه القيسي الثوباني أبو خالد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا همام بن يحيى) بن دينار الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثني أبو جمرة) -بفتح الجيم وسكون الميم- نصر بن عمران بن عصام (الضبعي) البصري، ثقة، من (3) (عن أبي بكر) بن أبي موسى الأشعري على الصواب، وقد وهم القرطبي هنا فجعله أبا بكر بن عمارة المذكور في السند السابق كما صرح به المؤلف في السند المذكور بعده، الكوفي اسمه عمرو أو عامر، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى البردين) - بفتح الموحدة وسكون الراء -أي من صلى صلاة الفجر والعصر، لأنهما في بردي النهار أي في طرفيه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر اهـ مناوي، وإنما حث عليهما

دَخَلَ الْجَنَّةَ". 1331 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ. ح قال: وَحدثنا ابن خراشٍ، حدَّثنا عمرُو بن عاصِمٍ. قالا جَمِيعًا: حدَّثَنَا همَّامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَنَسَبَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالا: ابْنُ أبِي مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ لكونهما وقت التشاغل والتثاقل، ومن راعاهما راعى غيرهما غالبًا اهـ مبارق (دخل الجنة) بغير عذاب أو بعده اهـ من المناوي. وعبر بالماضي عن المضارع ليعلم أن الموعود به بمنزلة الآتي المحقق الوقوع، وامتازت الفجر والعصر بذلك لزيادة شرفهما وترغيبًا في المحافظة عليهما لشهود الملائكة فيهما كما مر، ومفهوم اللقب ليس بحجة فافهم اهـ قسطلاني. قال القرطبي: قال كثير من العلماء: هما الفجر والعصر، وسميا بذلك لأنهما يفعلان في وقت البرد اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 80] والبخاري [574]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 1331 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي (حدثنا بشر بن السري) إلأفوه، صاحب مواعظ يتكلم فلقب بالأفوه، أبو عمرو البصري ثم المكي، ثقة متقن، من (9) روى عنه في (5) أبواب (ح قال) المؤلف (وحدثنا) أحمد بن الحسن (بن خراش) -بكسر المعجمة- الخراساني أبو جعفر البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوازع القيسي الكلابي أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (قالا) أي قال كل من بشر وعمرو، حالة كونهما (جميعا) أي مجتمعين في الرواية عن همام (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي جمرة عن أبي بكر عن أبي موسى بمثله، غرضه بيان متابعة بشر بن السري وعمرو بن عاصم لهداب بن خالد في رواية هذا الحديث عن همام بن يحيى (و) لكن (نسبا أبا بكر) أي ذكر بشر وعمرو نسب أبي بكر بن أبي موسى (فقالا) أي قال بشر وعمرو في ذكر نسبه أبو بكر (بن أبي موسى) الأشعري الكوفي، وفي القسطلاني: غرضه بذكر هذه المتابعة بيان أن أبا بكر السابق في السند قبله هو ابن أبي موسى الأشعري فإنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلف فيه، فقيل إن الحديث محفوظ عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة الثقفي فانتبه واعلم اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحد، والثاني حديث جرير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عمارة بن رؤيبة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. * * *

290 - (5) باب تعجيل صلاة المغرب

290 - (5) باب: تعجيل صلاة المغرب 1332 - (600) (11) حدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. 1333 - (601) (12) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 290 - (5) باب تعجيل صلاة المغرب 1332 - (600) (11) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن يزيد بن أبي عبيد) المدني أبي خالد الأسلمي مولاهم مولى سلمة بن الأكوع، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة) بن عمرو (بن الأكوع) اسمه سنان بن عبد الله السلمي أبي مسلم المدني رضي الله عنه، روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس) أي وقت غروبها فإذا ظرف مجرد عن معنى الشرط وهذا يدل على تأهبه لها قبل وقتها ومراقبة وقتها، قوله (وتوارت بالحجاب) جملة مفسرة لما قبلها أعني إذا غربت الشمس أي استترت بما يحجبها عن الأبصار يعني بتواريها غيبوبة جرم الشمس شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وأضمرها من غير ذكر اعتمادًا على قرينة قوله المغرب، والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس، وهو مجمع عليه وعلى استحباب تعجيلها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم" رواه أحمد [5/ 147 و 422] وأبو داود [418]، من حديث أبي أيوب رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [561]، وأبو داود [417]، والترمذي [164] وابن ماجه [688]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سلمة بن الأكوع بحديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنهما فقال: 1333 - (601) (12) (حدثنا محمد بن مهران) الجمال بالجيم، أبو جعفر

الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلمٍ. حَدَّثَنَا الأَوزَاعِيُّ. حَدَّثَنِي أَبُو النَّجَاشِيِّ. قَال: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ، مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم. فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وإنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. 1334 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيُّ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبو عمرو الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثني أبو النجاشي) عطاء بن صهيب الأنصاري مولاهم المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (قال) أبوالنجاشي (سمعت رافع بن خديج) بن رافع الأنصاري الأوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد رازي، حالة كون رافع (يقول كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف) أي يذهب (أحدنا) من المسجد (وإنه) أي والحال إن أحدنا (ليبصر مواقع) أي ليرى مواضع سقوط (نبله) أي سهمه إذا رمى، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة هي السهام العربية، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، وقيل واحدها نبلة مثل تمر وتمرة، أي ليبصر المواضع التي تصل إليها سهامه إذا رمى بها، ومقتضاه المبادرة بالمغرب في أول وقتها ولا يطولها بحيث إن الفراغ منها يقع والضوء باق، قال ابن حجر: قال القرطبي: وهذا يدل على تعجيل صلاة المغرب وأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يطولها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 142] والبخاري [559]، وابن ماجه [687]، قال النواوي: ومعنى الحديث أنه يعجل بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى نصلي معه وننصرف ويرمي أحدنا النبل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضوء والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - فقال: 1334 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) أبو يعقوب المروزي (أخبرنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم (الدمشقي حدثنا)

الأوزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّجَاشِي. حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيج قَال: كُنا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ، بِنَحْوهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي حدثني أبو النجاشي) عطاء بن صهيب المدني (حدثني رافع بن خديج) بن رافع الأنصاري (قال) رافع كنا نصلي المغرب) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق شعيب بن إسحاق (بنحوه) أي بنحو حديث الوليد بن مسلم، غرضه بيان متابعة شعيب بن إسحاق للوليد بن مسلم في رواية هذا الحديث عن الأوزاعي ولكن لم يصرح في هذه الرواية سماع أبي النجاشي لرافع بن خديج. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستدلال والثاني حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. * * *

291 - (6) باب تأخير العشاء الآخرة

291 - (6) باب: تأخير العشاء الآخرة 1335 - (602) (13) وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةَ مِنَ اللَّيَالِي بِصَلاةِ الْعِشَاءِ. وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ. فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى قَال عُمَرُ بن الْخَطَّابِ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال لأَهْلِ الْمَسْجِدِ حِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 291 - (6) باب تأخير العشاء الآخرة 1335 - (602) (13) (وحدثنا عمرو بن سواد) بن الأسود (العامري) السرحي المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (أن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبره) أي أخبر ليونس بن يزيد (قال) ابن شهاب ليونس (أخبرني عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني (أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار بالإفراد والجمع والأننة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (قالت) عائشة (أعتم) أي أخر (رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بصلاة العشاء) حتى اشتدت عتمة الليل أي ظلمته وقوله (ليلة من الليالي) يدل على أن غالب أحواله كان يقدمها رفقًا بهم ولئلا يشق عليهم كما قاله في آخر هذا الحديث، وقال الخطابي: إنما أخرهم ليقل حظ النوم وتطول مدة الصلاة فيكثر أجرهم لأنهم في صلاة ما داموا ينتظرون الصلاة، وقال بعض الحكماء: النوم المحمود مقدار ثمان ساعات من الليل والنهار اهـ من المفهم (وهي) أي صلاة العشاء (التي تدعى) أي تسمى عند الأعراب (العتمة فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى المسجد (حتى قال عمر بن الخطاب) ونادى رضي الله عنه (نام النساء والصبيان) يا رسول الله أراد بهم الحاضرين في المسجد لا النائمين في بيوتهم، وإنما خص هؤلاء بالذكر لأنهم مظنة قلة الصبر على النوم ومحل الشفقة والرحمة اهـ عيني (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى المسجد (فقال لأهل المسجد) الذين ينتظرونه للصلاة معه (حين

خَرَجَ عَلَيهِمْ: "مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِن أَهلِ الأَرضِ غَيرُكُم" وَذَلِكَ قَبلَ أَن يَفشُوَ الإِسلامُ في النَّاسِ. زَادَ حَرْمَلَةُ في رِوَايَتِهِ: قَال ابنُ شِهَاب: وَذُكِرَ لِي أن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَنْزُرُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّلاةِ" وَذَاكَ حِينَ صَاحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خرج عليهم) وقوله (ما ينتظرها) مقول لقال أي قال لهم ما ينتظرها أي الصلاة في هذه الساعة (أحد من أهل الأرض غيركم) صفة لأحد، ووقع صفة للنكرة مع إضافته إلى الضمير لأنه لا يتعرف بالإضافة إلى المعرفة، ويجوز نصبه على الاستثناء اهـ عيني، وفي إحدى روايات البخاري هذه الزيادة "ولا تصلي يومئذ إلا بالمدينة" قال ابن حجر: والمراد أن العشاء لا تصلَّى يومئذ بالهيئة المخصوصة وهي الجماعة إلا بالمدينة لأن من كان بمكة من المستضعفين لم يكونوا يصلون إلا سرًّا، وأما غير مكة والمدينة من البلاد لم يكن الإسلام دخلها وقتئذ (وذلك) المذكور من تأخير العشاء بهم، وقوله لهم ذلك الكلام (قبل أن يفشو) وينتشر (الإسلام في الناس) أي في غير المدينة، وإنما فشا الإسلام في غيرها بعد فتح مكة قاله ابن حجر، وزيادة في الناس غير موجودة في صحيح البخاري. (زاد حرملة) بن يحيى (في روايته) لهذا الحديث (قال ابن شهاب) بالسند السابق (وذكر لي) أي ذكر لي بعض من حضر تلك الواقعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لهم حين ناداه عمر بقوله "الصلاة نام النساء والصبيان" (وما كان لكم) أيها المؤمنون (أن تَنْزُروا) -بفتح المثناة الفوقية وإسكان النون ثم زاي مضمومة ثم راء -أي أن تكلفوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم على) الخروج إلى (الصلاة) وتكثروا عليه الكلام ليخرج إليكم، وروي تبرزوا من الإبراز وهو الإخراج (وذاك) أي قوله ذلك الكلام (حين صاح) ونادى (عمر بن الخطاب) بقوله نام النساء والصبيان، وتذكير عمر لظنه أنه نسيها أو شغل عنها لعذر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 150] والبخاري [569]، والنسائي [1/ 267]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1336 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الزهْرِيِّ: وَذُكِرَ لِي، وَمَا بَعْدَهُ. 1337 - (00) (00) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ)، قَالُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ 1336 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي أبو عبد الله المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة إمام، من (7) (عن عقيل) بن خالد بن عقيل -بفتح أوله- الأموي مولاهم أبي خالد المصري (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عروة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى يونس عن ابن شهاب (و) لكن (لم يذكر) عقيل (قول الزهري: وذكر لي) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما لكم (وما بعده) إلى قوله وذلك حين صاح عمر بن الخطاب. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، غرضه بسوقه بيان متابعة عقيل بن خالد ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1337 - (00) (00) حدثني إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (كلاهما عن محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) (ح قال وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي، ثقة، من (9) (ح قال وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (ومحمد بن رافع) القشيري أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (قالا حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (وألفاظهم متقاربة) أي وألفاظ هؤلاء الثلاثة المذكورين من محمد بن بكر وحجاج بن محمد وعبد الرزاق بن همام متقاربة (قالوا) أي قال كل من الثلاثة حالة

جَمِيعًا: عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أخبَرَنِي الْمُغِيرَةُ بن حَكِيمِ عَنْ أُمً كُلثُومِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيلَةٍ. حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيلِ. وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسجِدِ. ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى. فَقَال: "إِنَّهُ لَوَقْتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كونهم (جميعا) أي مجتمعين على الرواية (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (قال أخبرني المغيرة بن حكيم) بفتح الحاء الأبناوي نسبة إلى أبناء فارس الصنعاني، روى عن أم كلثوم بنت أبي بكر وابن عمر وأبي هريرة وطاوس وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) وابن جريج ومجاهد وهو أكبر منه ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، وثقه النسائي والعجلي وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (4) (عن أم كلثوم بنت أبي بكر) الصديق التيمية المدنية، توفي أبوها وهي حمل، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية (أنها) أي أن أم كلثوم (أخبرته) أي أخبرت للمغيرة بن حكيم (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من السداسيات، غرضه بسوقها بيان متابعة أم كلثوم لعروة بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها (قالت) عائشة (أعتم) أي أخر (النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي العشاء على وقت العتمة وهي ظلمة الليل (حتى ذهب) ومضى (عامة الليل) أي كثير منه وليس المراد أكثره، ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنه لوقتها" ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل اهـ من النواوي (وحتى نام أهل المسجد) قال النواوي: هذا محمول على نوم لا ينقض الوضوء وهو نوم الجالس ممكنًا مقعده من الأرض (ثم خرج) إلى المسجد (فصلى) بهم صلاة العشاء (فقال أنه) أي إن هذا الوقت (لوقتها) المختار أو الأفضل ففيه تفضيل تأخيرها، وأن الغالب كان تقديمها وإنما قدمها للمشقة في تأخيرها، ومن قال بتفضيل التقديم قال لو كان التأخير أفضل لواظب عليه ولو كان فيه مشقة، ومن قال بالتأخير قال قد نبه على تفضيل التأخير بهذا اللفظ، وصرح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة، ومعناه والله أعلم أنه خشي أن يواظبوا عليه فيفرض عليهم ويتوهموا إيجابه فلهذا تركه كما ترك صلاة التراويح، وعلل تركها بخشية افتراضها والعجز عنها، وأجمع العلماء على استحبابها لزوال العلة التي خيف منها وهذا المعنى موجود في العشاء اهـ من النواوي.

لَوْلا أَن أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي" وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزاقِ: "لَوْلَا أَن يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي". 1338 - (603) (14) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: (قَال إِسْحَاقُ: أخْبَرَنَا. وَقَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ)، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ؛ قَال: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيلَةِ نَنتَظِرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِصَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ. فَخَرَجَ إِلَينَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ أَوْ بَعْدَهُ. فَلا نَدْرِي أَشَيءٌ شَغَلَهُ في أهلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لولا أن أشق على أمتي) أي لولا خوف إدخالي مشقة التأخير على أمتي لأخرتها إلى هذا الوقت، فجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه، ومذكور في رواية البخاري بقوله الأمرتهم أن يصلوها هكذا" أي في هذا الوقت (وفي حديث عبد الرزاق) وروايته (لولا) مخافة (أن يشق) التأخير (على أمتي) لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى هذا الوقت والفعل في هذه الرواية مسند إلى التأخير، وفي الرواية الأولى مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 1338 - (603) (14) (وحدثني زهير بن حرب) النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) المروزي (قال إسحاق: أخبرنا، وقال زهير: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن نافع) مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن عمر) العدوي المكي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد مدني وواحد إما نسائي أو مروزي (قال) ابن عمر (مكثنا) بفتح الكاف وضمها؛ أي لبثنا في المسجد (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي، حالة كوننا (فنتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خروجه إلى المسجد الصلاة العشاء الآخرة) فيه دليل على جواز وصفها بالآخرة، وأنه لا كراهة فيه خلافًا لما حكي عن الأصمعي من الكراهة (فخرج إلينا حين ذهب) ومضى (ثلث الليل) وتم (أو) خرج (بعده) أي بعد تمام ثلث الليل بقليل، والشك من الراوي (فلا ندري) ولا نعلم (1) آخره (شيء شغله في أهله) عن تقديمها المعتاد

أَوْ غَيرُ ذلِكَ. فَقَال حِينَ خَرَجَ: "إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيرُكُمْ. وَلَوْلا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ" ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَلَّى. 1339 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ؛ أن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شُغِلَ عَنْهَا لَيلَةً فَأَخرَهَا. حَتى رَقَدْنَا في الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كالمحادثة معهم (أو) آخره (غير ذلك) كتجهيز جيش أو تعليم جاهل أو قصد تأخيرها لإحياء طائفة كثيرة من أول الليل بالسهر في العبادة التي هي انتظار الصلاة، وغير بالرفع عطف على شيء، وبالجر عطف على أهله قاله علي القاري (فقال حين خرج) إلينا من الحجرة الشريفة (إنكم) أيها المؤمنون (لتنتظرون صلاة) أي جماعة صلاة (ما ينتظرها) في هذا الوقت (أهل دين) من الأديان (غيركم) فلكم خصوصية بثواب انتظارها (ولولا) خوف (أن يثقل) ويشق (على أمتي) فعلها في هذه الساعة الصليت بهم هذه الساعة) في كل ليلة على الدوام (ثم) بعدما قال هذا القول (أمر المؤذن) يعني بلالًا أن يقيم للصلاة (فأقام الصلاة) أي أقام المؤذن للصلاة (وصلى) بهم النبي صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 88] والبخاري [570]، وأبو داود [420]، والنسائي [1/ 267 - 268]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1339 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (أخبرني نافع) العدوي مولاهم المدني (حدثنا عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج للحكم بن عتيبة في رواية هذ الحديث عن نافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنه) أي عن الخروج إلى صلاة العشاء أي شغله شاغل ومنعه عارض عن الخروج إلى المسجد لصلاة العشاء اليلة) من الليالي (فأخرها) أي فأخر الخروج إليها عن عادته (حتى رقدنا) ونمنا (في المسجد) أي قعودًا ممكنين المقعدة أو مضطجعين غير مستغرقين في النوم، أو مستغرقين ولكنهم توضئوا،

ثُمَّ اسْتَيقَظْنَا. ثُمَّ رَقَدْنَا. ثُمَّ اسْتَيقَظْنَا. ثُمَّ خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ قَال: "لَيسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ، اللَّيلَةَ، يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ غَيرُكُمْ". 1340 - (604) (15) وحدَّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعِ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثنَا بَهْزُ بْنُ أسَدٍ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ؛ أَنَّهُمْ سَألُوا أَنَسًا عَنْ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال: أَخَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيلَةٍ الْعِشَاءَ إِلَى شَطرِ اللَّيلِ. أَوْ كَادَ يَذْهَبُ شَطرُ اللَّيلِ. ثُمَّ جَاءَ فَقَال: "إِن النَّاسَ قَد صَلَّوْا وَنَامُوا. وَإِنَّكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم ينقل اكتفاء بأنهم لا يصلون إلا متوضئين (ثم استيقظنا) من نومنا (ثم رقدنا) مرة ثانية لطول الانتظار (ثم استيقظنا) من النوم الخفيف كالنعاس مع الإشعار، يقال استيقظ من سنته وغفلته، أو هو على ظاهره من الاستغراق وعدم الشعور (ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الحجرة الشريفة (ثم قال ليس أحد من أهل الأرض) هذه (الليلة) أي هذه الساعة (ينتظر الصلاة) جماعة (غيركم) أيها المصلون معي فلكم خصوصية بثواب انتظارها. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها بحديث أنس رضي الله تعالى عنه فقال: 1340 - (604) (15) (وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري، صدوق، من (10) (حدثنا بهز بن أسد العمي) -بفتح العين وتشديد الميم- نسبة إلى بني عم بن مرة بن وائل، أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار التميمي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني أبي محمد البصري، ثقة، من (4) (أنهم) أي أن ثابتًا ومن معه (سألوا أنسًا) ابن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صفته ونوعه وموضعه (فقال) أنس (أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (العشاء التي) ذهاب (شطر الليل) ونصفه أي إلى تمام نصفه (أو كاد يذهب شطر الليل) أي أو إلى أن كاد الليل يذهب شطره ولكن لم يتم شطره، والشك من الراوي (ثم جاء) إلينا مما شغل به (فقال (إن الناس) المعهودين بالصلاة وهم المسلمون (قد صلوا وناموا وإنكم) أيها المنتظرون

لَمْ تَزَالُوا في صَلاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ". قَال أَنَسٌ: كَأني أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ مِنْ فِضةٍ. وَرَفَعَ إِصبَعَهُ الْيُسْرَى بِالْخِنْصِرِ. 1341 - (00) (00) وحدَّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا أبُو زيدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ. حَدَّثنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ لي (لم تزالوا في) ثواب (صلاة ما انتظرتم الصلاة) أي مدة انتظاركم الصلاة جماعة (قال أنس) بالسند السابق (كأني أنظر) الآن (إلى وبيص خاتمه) صلى الله عليه وسلم أي إلى بريقه ولمعانه حالة كونه (من فضة) وجملة التشبيه مقول لقال أنس، وجملة (ورفع) أنس (إصبعه اليسرى) حال من أنس، وقوله (بالخنصر) متعلق بمحذوف حال من فاعل رفع، والتقدير قال أنس كاني انظر الآن .. إلخ، والحال أن أنسًا قد رفع إصبع يده اليسرى، حالة كونه مشيرًا بالخنصر إلى أن خاتمه صلى الله عليه وسلم كان في خنصر يده اليسرى، وهذا الذي رفع إصبعه هو أنس رضي الله عنه. قال القرطبي: وهذا دليل على جواز اتخاذ خاتم الفضة وعلى جعله في اليد اليسرى وهو الأفضل والأحسن عند مالك، وقال القاضي: وفيه تختم الرجال، قال النواوي: خاتم هو بكسر التاء وفتحها، ويقال خاتام وخيتام أربع لغات، وفيه جواز لبس خاتم الفضة للرجال وهو إجماع المسلمين اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [572] والنسائي [1/ 268] وابن ماجه [692]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1341 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي الرحال، ثقة، من (11) (حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع) العامري الحرشي بفتح المهملتين البصري الهروي، وإنما قيل له الهروي لأنه كان يتجر في الثياب الهروية، روى عن قرة بن خالد في الصلاة، وشعبة في الزكاة، وسعيد بن أبي عروبة، ويروي عنه (خ م ت س) وحجاج بن الشاعر ومحمد بن بشار وغيرهم، وثقه أحمد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من صغار التاسعة، مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين (حدثنا قرة بن خالد) السدوسي أبو خالد البصري، ثقة ضابط، من السادسة، روى عنه في (13) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته

قَال: نَظَرْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةً. حَتى كَانَ قَرِيبٌ مِن نِصْفِ اللَّيلِ. ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَينَا بِوَجْهِهِ. فَكَأنَّمَا أَنظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ، في يَدِهِ، مِنْ فِضَّةٍ. 1342 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ اللهِ بن الصَّبَّاحِ العَطَّارُ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبدِ الْمَجِيدِ الحَنَفِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجاله كلهم بصريون إلا حجاج بن الشاعر فإنه بغدادي، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت البناني، وكرر المتن لبيان محل المخالفة (قال) أنس (نظرنا) أي انتظرنا يقال: أنظرته وانتظرته بمعنى (رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة) من الليالي (حتى كان) وحصل زمن (قريب من نصف الليل) برفع قريب على أن كان تامة، قال النواوي: هكذا هو في بعض الأصول قريبٌ، وفي بعضها "قريبًا" على أن كان ناقصة وكلاهما صحيح، وتقدير المنصوب حتى كان الزمان قريبًا من نصف الليل (ثم جاء) مما كان مشغولًا به (فصلى) بنا العشاء (ثم أقبل علينا بوجهه) الشريف، قال أنس (فكأنما أنظر) الآن (إلى وبيص خاتمه) أي بريقه ولمعانه، حالة كونه (في) خنصر (يده) اليسرى، وحالة كونه مصبوغًا (من فضة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1342 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن الصباح) بن عبد الله الهاشمي مولاهم (العطار) البصري، روى عن عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي في الصلاة، وهشيم ومعتمر بن سليمان، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن خزيمة وابن صاعد وغيرهم، وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: صالح، وقال في التقريب: ثقة، من كبار العاشرة، مات سنة (250) خمسين ومائتين (حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي) أبو علي البصري، روى عن قرة بن خالد في الصلاة، وسلم بن زرير في الصلاة، ورباح بن أبي معروف في الحج، وإسماعيل بن مسلم في الحج، وسليم بن حيان في البيوع، وعكرمة بن عمار في الجهاد، ومالك بن أنس في دلائل النبوة، ويروي عنه (ع) وعبد الله ابن الصباح العطار وأحمد بن سعيد الدارمي وإسحاق بن منصور وحجاج بن الشاعر وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وغيرهم، وثقه العجلي وابن قانع، وقال في التقريب:

حَدَّثَنَا قُرَّةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُر: ثُمَّ أَقبَلَ عَلَينَا بِوَجْهِهِ. 1343 - (605) (16) وحدَّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي، الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي في السَّفِينَةِ، نُزُولًا في بَقِيعِ بُطْحَانَ. وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ. فَكَانَ يَتَنَاوَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من التاسعة، مات سنة (209) تسع ومائتين (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس، غرضه بيان متابعة عبيد الله لأبي زيد في رواية هذا الحديث عن قرة (و) لكن (لم يذكر) عبيد الله جملة قوله (ثم أقبل علينا بوجهه). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1343 - (605) (16) (وحدثنا أبو عامر الأشعري) عبد الله بن براد -بفتح الموحدة والراء المشددة- بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي، صدوق، من (10) (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبي بردة الكوفي، روى عن جده أبي بردة في مواضع كثيرة في الإيمان والصلاة وغيرهما، ويروي عنه (ع) وأبو أسامة وأبو معاوية وابن المبارك، ثقة، من (6) (عن أبي بردة) عامر بن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى كنت أنا وأصحابي) معطوف على اسم كان لحصول الشرط أي كنت أنا ورفقتي (الذين قدموا معي) من الحبشة (في السفينة) بعدما هاجرنا إليها (نزولا) جمع نازل كشهود وشاهد، منصوب على أنه خبر كان أي كنا نازلين (في بقيع بطحان) واد بالمدينة، والبقيع من الأرض المكان المتسع، قال ابن الأثير: ولا يسمى بقيعًا إلا وفيه شجر أو أصولها، وبطحان -بضم الموحدة وسكون الطاء- اسم موضع بعينه (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) نازل (بالمدينة فكان يتناوب) ويأتي

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ، كُلَّ لَيلَةٍ، نَفَرْ مِنْهُمْ. قَال أبُو مُوسَى: فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَصْحَابِي. وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ في أَمْرِهِ. حَتَّى أَعْتَمَ بِالصَّلاةِ. حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيلُ. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِهِمْ. فَلَمَا قَضَى صَلاتَهُ قَال لِمَنْ حَضَرَهُ: "عَلَى رِسْلِكُمْ. أُعْلِمُكُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في مسجده (عند صلاة العشاء كل ليلة نفرٌ منهم) أي جماعة من رفقتي، ويتناوب تفاعل من النوب، وأصل النوب البعد غير الكثير كفرسخين أو ثلاثة، وقيل يتناوب بمعنى يتداول أي يأتونه من بعد في أوقات متفرقة غير مجتمعين عند صلاة العشاء ليصلوا معه، والنفر قوم من ثلاثة إلى تسعة وهو فاعل يتناوب أي يأتيه كل ليلة عدة رجال متناوبين غير مجتمعين، قال أبو بردة (قال أبو موسى) الأشعري (فوافقنا رسول الله) بالنصب (صلى الله عليه وسلم أنا) تأكيد لضمير الفاعل (وأصحابي) معطوف على فاعل وافقنا أي وافق حضورنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وله) صلى الله عليه وسلم (بعض الشغل في أمره) أي بعض الاشتغال في حاجته أي وافقه حضورنا، والحال أنه مشغول في بعض مهماته كتجهيز الجيش كما في معجم الطبراني من وجه صحيح (حتى أعتم) أي فأعتم (بالصلاة) أي فاخر صلاة العشاء إلى عتمة الليل أي ظلمته، وحتى هنا بمعنى الفاء كما في رواية البخاري ليكون ما بعده غاية له أي فأعتم العشاء (حتى ابهارَّ الليل) أي أنصف الليل، وبُهْرة كل شيء بضم الباء وسكون الهاء وسطه، وقيل معنى (ابهار الليل) أي طلعت نجومه واستنارت، والأول أكثر كذا في النهاية، وقيل ابهار الليل ذهبت عامته وبقي نحو من ثلثه وهو سداسي من مزيد الثلاثي، وبناؤه للمبالغة في معنى الثلاثي، وفي القسطلاني (ابهار الليل) -بهمزة وصل ثم موحدة ساكنة فهاء فالف فراء مشددة- أي انتصف أو طلعت نجومه واشتبكت أو كثرت ظلمته، ويؤيد المعنى الأول رواية حتى إذا كان قريبًا من نصف الليل؛ والمعنى أخر الصلاة عن أول وقتها حتى انتصف الليل (ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الحجرة الشريفة إلى المسجد (فصلى بهم فلما قضى صلاته) أي أتمها وفرغ منها (قال لمن حضره) أي لمن حضر الصلاة معه (على رسلكم) -بكسر الراء وفتحها مع سكون السين- فيهما لغتان، والكسر أفصح وأشهر، اسم فعل أمر بمعنى تأنوا وتمهلوا ولا تستعجلوا للخروج (أعلمكم) -بضم الهمزة- من أعلم الرباعي يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل الأول منها

وَأَبشِرُوا، أن مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيكُم أَنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ، يُصَلَّي هَذِهِ السَّاعَةَ، غَيرُكُمْ" أوْ قَال: "مَا صَلَّى، هَذِهِ السَّاعَةَ، أحَدٌ غَيرُكُم" (لا نَدْرِي أيَّ الكَلِمَتَينِ قَال). قَال أبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا فَرِحِينَ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 1344 - (606) (17) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: قُلْتُ لِعَطَاء: أَيُّ حِينٍ أحَبُّ إِلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمير المخاطبين، والثاني والثالث سدت مسدهما جملة أن، وجملة (وأبشروا) بقطع الهمزة من أبشر الرباعي أو بهمزة وصل من بشر الثلاثي اهـ قسط، جملة معترضة بين أعلم ومفعوليها، وحقها التقديم على أعلمكم أي أبشروا بالأجر الجزيل على صلاتكم، وأعلمكم أي أخبركم (أنه من نعمة الله) تعالى (عليكم) والجار والمجرور خبر مقدم لأن قدم للاختصاص، وجملة (أنه ليس من الناس) اسمها مؤخر أي أن الشأن والحال ليس من الناس (أحد يصلي) العشاء (هذه الساعة غيركم) والمعنى إن من نعمة الله عليكم انفرادكم بهذه العبادة في هذا الوقت، قال أبو موسى (أو قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من نعمة الله عليكم أنه (ما صلى هذه الساعة أحد غيركم) قال أبو موسى (لا ندري) وفي رواية لا أدري بهمزة المتكلم أي لا نعلم (أي الكلمتين) منهما (قال) النبي صلى الله عليه وسلم، والشك من أبي موسى (قال أبو موسى) الأشعري رضي الله عنه (فرجعنا) من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي بطحان (فرحين) أي مسرورين (بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من اختصاصنا بهذه العبادة التي هي نعمة عظيمة مستلزمة للمثوبة الجسيمة مع ما انضم لذلك من صلاتهم لها خلف نبيهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة رضي الله عنها بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1344 - (606) (17) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي (قال) ابن جريج (قلت لعطاء) بن أبي رباح -بفتح الراء والموحدة- اسمه أسلم القرشي مولاهم المكي (أي حين) أي أي وقت (أحب إليك) أي وقت أكثر

أَنْ أُصَلِّيَ الْعِشَاءَ، الَّتِي يَقُولُهَا النَّاسُ الْعَتَمَةَ، إِمَامًا وَخِلوًا؟ قَال: سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَعْتَمَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيلَةِ الْعِشَاءَ قَال: حَتَّى رَقَدَ نَاسٌ وَاسْتَيقَظُوا. وَرَقَدُوا وَاسْتَيقَظُوا. فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطاب فَقَال: الصَّلاةَ. فَقَال عَطَاءٌ: قَال ابْنُ عَبَّاسِ: فَخَرَجَ نَبِي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهِ الآنَ. يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً. وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى شِق رَأْسِهِ. قَال: "لَوْلا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأمرْتُهُمْ أَنْ يُصلُّوهَا كَذلِكَ". قَال: فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاء كَيفَ وَضَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ محبوبية عندك لـ (أن أصلي العشاء) أي لأن أوقع صلاة العشاء (التي يقولها الناس) أي يسميها الناس (العتمة إماما) كنت (وخلوا) -بكسر الخاء وسكون اللام والواو بمعنى أو- أي منفردًا (قال) عطاء (سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما، حالة كونه (يقول أعتم) أي أخر (نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (العشاء) أي صلاة العشاء إلى وقت العتمة أي ظلمة الليل (قال) ابن عباس أخرها إلى وقت العتمة (حتى رقد) ونام (ناس) حضروا المسجد للصلاة معه (واستيقظوا) بعد رقدتهم (ورقدوا) ثانيًا (واستيقظوا) كذلك أي ناموا وانتبهوا مرة بعد مرة في حال انتظارهم إياه (فقام عمر بن الخطاب فقال) احضر (الصلاة) يا رسول الله فإن الناس قد ناموا، فالصلاة منصوبة على الإغراء (فقال عطاء) بن أبي رباح (قال ابن عباس فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم) من الحجرة الشريفة على المسجد حين سمع عمر، قال ابن عباس فلـ (كأني أنظر إليه) صلى الله عليه وسلم (الآن) وأراه اليوم، حالة كونه (يقطر) ويمطر (رأسه ماء) من غسلته، حالة كونه (واضعًا يده) أي كفه (على شق رأسه) أي على جانب رأسه وقرنه يعصر ماء الغسالة من شعره الشريف، ثم (قال) نبي الله صلى الله عليه وسلم (لولا) خوف (أن يشق) وثقل تأخير صلاة العشاء (على أمتي لأمرتهم أن) يؤخروها و (يصلوها) أي يصلوا العشاء (كذلك) أي مؤخرين تأخيرًا مثل تأخيري هذا، واستعار اسم إشارة البعيد للقريب تنْزيلًا للبعد الرتبي منزلة البعد الحسي، والأصل أن يصلوها هكذا كما هو في رواية البخاري، أي مؤخرين مثل تأخيري هذا والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ ما قاله العبد المهين (قال) ابن جريج (فاستثبت عطاء) أي طلبت من عطاء التثبت والتيقن في معرفة (كيف وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه) حين خرج إليهم أي طلبت منه اليقين في معرفة كيفية وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه وإخبارها لي

كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَينَ أصَابِعِهِ شَيئًا مِنْ تَبْدِيلًا. ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ. ثُم صَبَّهَا. يُمِرُّهَا كَذلِكَ عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأذُنِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ. ثُمَّ عَلَى الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ، لا يُقَصِّرُ وَلا يَبْطِشُ بِشَيءٍ. إِلا كَذلِكَ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: كَمْ ذُكِرَ لَكَ أَخَّرَهَا النبِي - صلى الله عليه وسلم - لَيلَتَئِذٍ؟ قَال: لَا أَدْرِي. قَال عَطَاء: أَحَبُّ إِليَّ أَنْ أُصَلِّيَهَا، إِمَامًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (كما أنبأه) أي كما أنبأ عطاءً وأخبره (ابن عباس) وأراه كيفيته (فـ) أجابني عطاء إلى ما سألته و (بدد لي عطاء) - بالباء الموحدة والدال المكررة المشددة أولاهما -أي فرق عطاء لأجل بيان كيفية ذلك الوضع لي (بين أصابعه شيئًا) قليلًا (من تبديد) أي من تفريق (ثم وضع) عطاء (أطراف أصابعه على ترن الرأس) أي على جانب رأسه (ثم صبها) أي صب أصابعه وألصقها على رأسه، حالة كونه (يمرها) أي يمر أصابعه ويحركها ويجريها، حالة كونها (كذلك) أي مبددة مفرقة (على الرأس) متعلق بيمرها أي يمر على الرأس، حالة كونها كائنة كذلك أي مفرقة مبددة شيئًا من تبديد، وقوله (حتى) غاية لإمرارها أي يمرها على الرأس حتى نزلها من الرأس و (مست إبهامه طرف الأذن) حالة كون ذلك الطرف (مما يلي الوجه) وأقبله من الأذن، وقوله (ثم على الصدغ) معطوف على قوله الرأس؛ أي حالة كونه يمرها على الرأس، ثم يمرها على الصدغ (وناحية اللحية) أي وعلى جانب اللحية، والصدغ ما بين العذار والنزعة أي الموضع المنخفض فوق عظم العذار ودون النزعة، حالة كون عطاء (لا يقصِّر) بتشديد الصاد من التقصير أي لا يبطئ في إمرارها على الرأس بشيء من التقصير (ولا يبطش) بضم الياء وكسر الطاء من الإبطاش، وبفتح الياء وضم الطاء من البطش كلاهما بمعنىً واحد أي لا يبطش ولا يستعجل في إمرارها (بشيء) من البطش والاستعجال (إلا) أنه يمرها (كذلك) أي إمرارًا بين ذلك؛ أي إمرارًا وسطًا بين التقصير والبطش أي بين البطء والعجلة. قال ابن جريج (قلت لعطاء: كم) ساعات (ذكر) وأخبر (لك) أنه (أخرها) أي أخر الصلاة (النبي صلى الله عليه وسلم) إليها (ليلتئذ) أي ليلة إذ أعتم بهم العشاء أي كم ساعات ذكر لك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة إليها ليلة إذ أخر بهم الصلاة (قال) عطاء (لا أدري) أي لا أعلم إلى كم ساعات أخرها ولا سمعت (قال عطاء) ولكن (أحب الي) أي أكثر محبوبية عندي خبر مقدم لقوله (أن أصليها) أي العشاء (إمامًا

وَخِلْوًا، مُؤَخَّرَةً. كَمَا صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيلَتَئِذِ. فَإِنْ شَقَّ عَلَيكَ ذلِكَ خِلْوًا أَوْ عَلَى النَّاسِ في الْجَمَاعَةِ، وَأَنْتَ إِمَامُهُمْ. فَصَلْهَا وَسَطًا. لا مُعَجَّلَةً وَلا مُؤَخَّرَةً. 1345 - (607) (18) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا أبُو الأَحْوَصِ)، عَنْ سِمَاكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وخلوا) حالان من فاعل أصليها، و (مؤخرة) حال من مفعوله أي فعلها، حالة كونها مؤخرة عن أول وقتها، وحالة كوني إمامًا للناس أو منفردًا (كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ) مؤخرة عن أول وقتها أحب إلي من فعلها مقدمة في أول وقتها، قال عطاء (فإن شق) وثقل (عليك ذلك) أي فعلها مؤخرة عن أول وقتها حالة كونك (خلوًا) أي منفردًا عن الجماعة (أو) شق ذلك التأخير (على الناس) المصلين معك (في) ما إذا صليت مع (الجماعة وأنت) أي والحال أنك (إمامهم فصلها) جواب إن الشرطية؛ أي فصل العشاء حالة كونها (وسطا) أي متوسطة بين التقديم والتأخير، وقوله (لا معجلة) في أول وقتها (ولا مؤخرة) عنه تأخيرًا بالغًا، تفسير لقوله وسطًا أي صلها حالة كونها غير معجلة ولا مؤخرة؛ أي صلها في الوقت المختار لها، وهو وسط الوقت. وسند هذا الحديث من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري. وشارك المؤلف في روايته، البخاري رواه في الصلاة [571] وأبو داود رواه في الطهارة، والله أعلم. تأمل فإن المحل محل زلت فيه الأقدام وأخطأ الكرام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال: 1345 - (607) (18) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكريا النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (19) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (وأبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (16) بابا (قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4)

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ صَلاةَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ. 1346 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ نَحْوًا مِنْ صَلاتِكُمْ. وَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَتَمَةَ بَعْدَ صَلاتِكُمْ شَيئًا. وَكَانَ يُخِفُّ الصَّلاةَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ: يُخَفِّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنه بن جنادة السوائيّ -بضم المهملة وبالمد- الكوفي الصحابي المشهور، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (قال) جابر بن سمرة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء الآخرة) عن أول وقتها إلى وقتها المختار، وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 1346 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل) البصري فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (19) بابا (عن سماك) بن حرب الكوفي (عن جابر بن سمرة) الكوفي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن سماك بن حرب، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة ومن المخالفة في اللفظ (قال) جابر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات) الخمس (نحوًا) أي قريبًا في الوقت والهيئات (من صلاتكم) التي صليتم بها الناس أيها الأئمة (وكان) صلى الله عليه وسلم (يؤخر العتمة) أي فعل صلاة العشاء (بعد) فعل (صلاتكم) الآن (شيئًا) من التأخير (وكان) صلى الله عليه وسلم (يخف الصلاة) بضم الياء وكسر الخاء؛ من الإخفاف مرادًا به التخفيف، ولكن لا يأتي الإخفاف بمعنى التخفيف لأن الإخفاف مصدر أخفَّه إذا ألبسه الخف (و) لكن (في رواية أبي كامل يخفف) بضم الياء وبفاءين أولاهما مشددة مكسورة؛ من التخفيف ضد التطويل

1347 - (608) (19) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاتِكُمْ. أَلا إِنَّهَا الْعِشَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي أوضح؛ أي كان يخفف الصلاة ولا يطولها لأن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت قصدًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فقال: 1347 - (608) (19) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي (قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن) عبد الله (بن أبي لبيد) -بفتح اللام- الثقفي الأخنسي مولاهم مولى الأخنس بن شريق من حلفاء بني زهرة أبي المغيرة المدني، وكان من عباد أهل المدينة، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الصلاة، والمطلب بن عبد الله، ويروي عنه (خ م د س ق) والسفيانان وابن إسحاق، وثقه العجلي وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، رمي بالقدر، من السادسة، مات سنة (133) بضع وثلاثين ومائة بالمدينة، وكان من العباد المنقطعين قليل الحديث (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عبد الله بن عمر) العدوي المكي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد كوفي أومكي ونسائي (قال) ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تغلبنكم الأعراب) يقال غلبه على كذا إذا غصبه منه، والأعراب -بفتح الهمزة - سكان البوادي، والأعرابي من كان من أهل البادية، والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويًا (على اسم صلاتكم ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنها) أي إن الصلاة التي غلبتكم الأعراب في اسمها (العشاء) الآخرة فالمعنى لا تغصب منكم الأعراب اسم العشاء وتعوض منه اسم العتمة، فالنهي في الظاهر للأعراب، وفي الحقيقة لهم فهو نهي لهم عن اتباع الأعراب في تسميتهم إياها عتمة لأن الله سبحانه وتعالى سماها عشاءً، وتسمية الله تعالى أولى من تسمية جهلة الأعراب اهـ من الأبي.

وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالإِبِلِ". 1348 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: والنهي عن اتباع الأعراب في تسميتهم العشاء عتمة إنما كان لئلا يعدل بها عما سماها الله تعالى به في كتابه إذ قال {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] فكان إرشادًا إلى ما هو أولى، وليس على جهة التحريم، ولا على أن تسميتها العتمة لا يجوز ألا ترى أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليها اسم العتمة إذ قال: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح" وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وابن عباس رضي الله عنهم، وقيل إنما نهى عن ذلك تنزيهًا لهذه العبادة الشريفة الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت ويشهد لهذا قوله (وهم) الأعراب (يعتمون) أي يؤخرون صلاة العشاء إلى وقت العتمة؛ وهي ظلمة الليل (بالإبل) أي بسبب انشغالهم بالإبل وحلابها فيسمونها صلاة العتمة لدأب تأخيرهم إياها بسبب اشتغالهم بالإبل في أول وقتها فسموا أنتم العشاء باسمها الذي في كتاب الله تعالى وهو العشاء واعتادوا هذه التسمية حتى لا يغلب اصطلاحهم الجاهلي على اصطلاحكم الإسلامي، قال السندي في حواشي سنن ابن ماجه: المراد النهي عن إكثار اسم العتمة لا عن استعماله أصلًا فاندفع ما يتوهم من التنافي والتعارض بين أحاديث المنع والثبوت في استعمالاته صلى الله عليه وسلم كحديث "لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوًا" اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 10 و 19] وأبو داود [4984] والنسائي [1/ 270] وابن ماجه [704] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1348 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد الله ابن أبي لبيد) الكوفي (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (عن) عبد الله (بن عمر) العدوي المكي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة في رواية هذا

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاتِكُمُ الْعِشَاءِ. فَإِنَّهَا، في كِتَابِ اللهِ، الْعِشَاءُ. وَإِنَّهَا تُعْتِمُ بِحِلابِ الإِبِلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن عبد الله بن أبي لبيد، وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء) بالجر بدل من اسم صلاتكم أي لا تغصبنكم الأعراب اسم صلاتكم الذي هو العشاء وتعوض لكم عنه اسم العتمة فتتبعونهم في تسميتها عتمة (فإنها) أي فإن اسم صلاتكم فالكلام على حذف مضاف (في كتاب الله) العزيز (العشاء) حيث سماها بقوله سبحانه {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} (وإنها تعتم) روي بالبناء للفاعل فالضميران حينئذ للأعراب؛ أي فإن الأعراب تعتم أي تؤخر صلاة العشاء إلى وقت العتمة وشدة الظلام بسبب اشتغالهم بحلاب الإبل، وروي بالبناء للمجهول، والضميران عليه للصلاة أي فإن صلاة العشاء تعتم أي تؤخر عندهم عن أول وقتها إلى وقت العتمة بسبب اشتغالهم (بحلاب الإبل) والحلاب وكذا الحلب والاحتلاب مصدر؛ وهو استخراج ما في الضرع من اللبن، وهذا أنسب هنا والمعنى أنهم يعتمون صلاة العشاء إلى وقت العتمة بسبب اشتغالهم بحلب النوق، ويأتي بمعنى المحلب كما مر في الطهارة، والمحلب -بكسر الميم - الإناء الذي يحلب فيه، ويفهم من عبارة ابن حجر إطلاق العتمة على الحلبة التي يحلبونها في ذلك الوقت، وعن بعضهم أن تلك الحلبة إنما كانوا يعتمدونها في زمان الجدب خوفًا من السؤال والصعاليك، فعلى هذا فهي فعلة دنيوية مكروهة ينبغي أن لا تطلق على فعلة دينية محبوبة اهـ من بعض الهوامش. قال الأبي: والفاء الأولى في الطريق الثاني علة للنهي، والفاء الثانية علة للتسمية أي لا تغلبنكم لأن الله سبحانه سماها عشاءً وهم سموها عتمة لأنهم يعتمون بحلاب الإبل فإنهم إنما يحلبونها بعد الشفق ومد الظلام، وهذا الوقت يسمى عتمة، وهو في اللغة مستفيض فأطلقته العرب على هذه الصلاة فجاء النهي عن اتباعهم في ذلك فهو موافق للآية ومعارض لحديث لو تعلمون وجوابه ما سبق اهـ منه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عمر الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والسادس حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

292 - (7) باب التغليس بصلاة الصبح وبيان قدر القراءة فيها

292 - (7) باب: التغليس بصلاة الصبح وبيان قدر القراءة فيها 1349 - (609) (20) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب. كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَينَةَ، قَال عَمْرٌو: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ كُنَّ يُصَلِّينَ الصُّبْحَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ يَرْجِعْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ. لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 292 - (7) باب التغليس بصلاة الصبح وبيان قدر القراءة فيها 1349 - (609) (20) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي (كلهم) أي كل من الثلاثة (عن سفيان بن عيينة) الكوفي (قال عمرو: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي (أن نساء المؤمنات) أي أن نساءً من المؤمنات كما هو المصرح به في الطريق الثاني عن الزهري فلا حاجة إلى التقديرات والتأويلات التي تكلف بها شراح الصحيحين، وقيل من إضافة الموصوف إلى صفته أي أن النساء المؤمنات كمسجد الجامع (كن يصلين الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن) إلى بيوتهن (متلفعات) بالعين بعد الفاء المشددة المكسورة؛ أي متلحفات بالحاء أي متجللات متغطيات (بمروطهن) أي بأكسيتهن، جمع مرط -بكسر مر الميم وسكون الراء- كساء من صوف أو خز يؤتزر به (لا يعرفهن أحد) أهن نساء أم رجال من الغلس كما في رواية البخاري لأنه لا يظهر للرائي إلا أشخاصهن فقط، فإن (قلت) هذا يعارضه حديث أبي برزة الآتي أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه (أجيب) بأن هذا إخبار عن المتلفعة من بعد وذلك إخبار عن الجليس القريب فافترق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. قوله (متلفعات بمروطهن) قال القرطبي: كذا الرواية الصحيحة بالفاء والعين المهملة من التلفع وهو تغطية الرأس والجسد، وقد وقع لبعض رواة الموطإ: متلففات أي متغطيات، والمروط جمع مرط -بكسر الميم- وهو الكساء اهـ. قال النواوي: وفي هذه الأحاديث استحباب التبكير بالصبح وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وقال أبو حنيفة: الإسفار أفضل، وفيها جواز حضور النساء الجماعة في المسجد وهو

1350 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ؛ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: لَقَدْ كَانَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ. ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ وَمَا يُعْرَفْنَ. مِنْ تَغْلِيسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ. 1351 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا لم يخش فتنة عليهم أو بهن. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 33] والبخاري [578] وأبو داود [423] والترمذي [153] والنسائي [1/ 271] وابن ماجه [669]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1350 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (أن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبره) أي أخبر ليونس (قال) ابن شهاب (أخبرني عروة بن الزبير) الأسدي المدني (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة يونس لابن عيينة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قالت) عائشة: والله (لقد كان نساء من المؤمنات يشهدن) أي يحضرن (الفجر) أي جماعة صلاة الفجر، فهو كما قال العيني: إما مفعول به أو مفعول فيه وكلاهما جائزان لأنها مشهودة ومشهود فيها اهـ (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونهن (متلفعات) أي متغطيات (بمروطهن) أي بأكسيتهن (ثم ينقلبن) أي يرجعن من المسجد (إلى بيوتهن و) الحال أنهن (ما يعرفن) لأحد أهن رجال أم نساء (من) شدة (تغليس) وتعجيل (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة) أي بصلاة الفجر وإقامتها في غلس؛ وهو ظلمة آخر الليل بعد طلوع الفجر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1351 - (00) (00) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي

الْجَهْضَمِي وإسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصَارِيِّ. قَالا: حَدَّثَنَا مَعْنٌ عَنْ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: إِن كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ. فَيَنْصَرِف النِّسَاءُ مُتَلَفعَات بِمُرُوطِهِن. مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ. وَقَال الأَنْصارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: مُتَلَفِّفَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عمر البصري (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة محلة بالبصرة، ثقة ثبت، من (10) (وإسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي، نسبة إلى بني خطمة بطن من الأوس، أبو موسى المدني، وثقه النَّسائيّ والخطيب، وقال في التقريب: ثقة متقن، من (10) روى عنه في (5) أبواب (قالا حدَّثنا معن) -بسكون العين- بن عيسى الأشجعي، أبو يَحْيَى المدني، ثقة ثبت، من كبار العاشرة، روى عنه في (10) أبواب (عن مالك) بن أنس الأصبحي أبي عبد الله المدني، ثقة إمام حجة، من (7) روى عنه في (17) بابا (عن يَحْيَى بن سعيد) الأنصاري النجاري أبي سعيد المدني، ثقة حجة ثبت، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية الفقيهة ثقة، من (3) ماتت قبل المائة، روى عنها في (6) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا نصر بن علي فإنَّه بصري، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرة لعروة في رواية هذا الحديث عن عائشة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. (قالت) عائشة رضي الله عنها (إن) مخففة من الثقيلة بدليل اللام الفارقة المذكورة بعدها؛ أي إن الشأن والحال (كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليصلي الصبح) في أول وقتها (فينصرف النساء) أي يرجعن إلى بيوتهن حالة كونهن (متلفعات) أي متغطيات متلففات (بمروطهن) أي بأكسيتهن حالة كونهن (مَّا يعرفن) لأحد من النَّاس أهن رجال أم نساء، وقيل لا تعرف أعيانهن، وإن عرف أنهن نساء وإن كن متكشفات الوجوه (من) أجل (الغلس) وهو بقايا ظلمة الليل يخالطها بياض الفجر قاله الأزهري، وقال الخطابي: الغبش بالباء الموحدة والشين المعجمة قبل الغبس بالسين المهملة وبعده الغلس باللام وكلها في آخر الليل ويكون الغبش أيضًا في أول الليل (وقال) إسحاق بن موسى (الأنصاري في روايته متلففات) بفاءين أولاهما مشددة مكسورة من اللف بمعنى الطي والتجلل وهو اختلاف لفظي وهذا يدل على أن الغالب من صلاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الصبح إنَّما كان في أول الوقت، وكذا قال ابن عباس ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتَّى مات لم يعد إلى أن يسفر، ويفيد هذا أن صلاة

1352 - (610) (21) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّار. قَالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِي؛ قَال: لَمَّا قَدِمَ الْحَجَّاجُ الْمَدِينَةَ فَسَألْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. فَقَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصبح في أول وقتها أفضل وهو مذهب مالك والشَّافعيّ وعامة العلماء خلافًا للكوفيين فإن آخر وقتها عندهم أفضل اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 1352 - (610) (21) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفيّ (حدَّثنا غندر) محمَّد بن جعفر الهذلي أبو عبد الله البصري، سماه بذلك ابن جريج لأنَّه كان يكثر عليه التشغب وأهل الشَّام يسمون المشغب غندرًا (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (ح قال وحدثنا محمَّد بن المثني) العنزي البصري (و) محمَّد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدَّثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري (حدَّثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريّ المدني، ثقة، من (5) (عن محمَّد بن عمرو بن الحسن بن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه الهاشمي المدني، روى عن جابر بن عبد الله في الصَّلاة والصوم، وابن عباس وجماعة، ويروي عنه (خ م د س) وسعد بن إبراهيم ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن أبي وقاص في الصوم، وطائفة، وثقه أبو زرعة والنَّسائيُّ وابن معين وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (قال) محمَّد بن عمرو (لما قدم الحجاج) بن يوسف الثَّقفيُّ الشَّامي التَّابعي الجائر المشهور (المدينة) المنورة، وجواب لما محذوف جوازًا لغرض الاستقباح، تقديره كان يؤخر الصلوات من أوقاتها المختارة لها (فسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري الخزرجي الصحابي المشهور رضي الله عنهما من أوقات الصلوات. وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون أو بصريان وكوفيٌّ؛ أي سألنا جابرًا عن الأوقات التي يصلِّي فيها النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم الصلوات الخمس حين خالف الحجاج عادة الخلفاء في صلواتهم (فقال) جابر في جواب سؤالنا (كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) دائمًا (يصلِّي الظهر بالهاجرة) أي في وقت الهاجرة؛ وهو وقت شدة

وَالْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ. وَالْمَغْرِبَ، إِذَا وَجَبَتْ. وَالْعِشَاءَ، أَحْيَانَا يُؤَخرُهَا وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ. كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ. وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَؤُوا أَخَّرَ. وَالصُّبْحَ، كَانُوا أَوْ (قَال): كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحر نصف النهار عقب الزَّوال من الهجر وهو الترك، سمي ذلك الوقت بالهاجرة لترك النَّاس أشغالهم فيه في بلاد العرب لأجل شدة الحر ويقيلون، فهي فاعلة بمعنى مفعولة، قال الحافظ: ظاهره يعارض حديث الإبراد لأنَّ قوله كان يفعله يشعر بالكثرة والدوام عرفًا إلَّا أن يجمع بينهما بأنه أطلق هنا الهاجرة على الوقت بعد الزَّوال مطلقًا وحديث الإبراد مقيد بحال شدة الحر، فإن وجدت شروط الإبراد أبرد، وإلا عجل؛ فالمعنى كان يصلِّي الظهر بالهاجرة إلَّا إن احتاج إلى الإبراد اهـ عون. (و) كان يصلِّي (العصر والشمس) أي الحال أن الشَّمس (نقية) أي صافية بيضاء لم تخالطها صفرة (و) يصلِّي (المغرب إذا وجبت) الشَّمس أي غابت، وحذف الشمس للعلم بها كقوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} وأصل الوجوب السقوط، ولا يخفى أن محل دخول وقتها بسقوط قرص الشَّمس حيث لا يحول بين رؤيتها وبين الرائي حائل (و) يصلِّي (العشاء أحيانًا) ظرف متعلق بما بعده؛ أي ويصلي العشاء حالة كونه (يؤخرها) أحيانًا أي في بعض الأزمان من أول وقتها إلى الوقت المختار (وأحيانا) أي أزمانًا (يعجلـ) ها أي يصليها في أول وقتها، وفسر بأن التأخير والتعجيل بقوله (كان) صَلَّى الله عليه وسلم (إذا رآهم) أي إذا رأى الأصحاب (قد اجتمعوا) كلهم في المسجد (عجل) أي قدم بهم العشاء في أول وقتها لأن في تأخيرها حينئذ تنفيرهم (وإذا رآهم قد أبطؤوا) وتأخروا عن الحضور (أخر) ها لإحراز الفضيلة في الجماعة (والصبح كانوا) أي كان الأصحاب رضي الله عنهم يصلونها بغلس فخبر كانوا محذوف يدل عليه خبر كان (أو قال) الراوي وهو جابر والصبح (كان النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم يصليها بغلس) أي مع بقاء غلس؛ وهو ظلمة آخر الليل، والشك كما في شروح البُخاريّ من الراوي عن جابر ومعناهما متلازمان لأنَّ أيهما كان يدخل فيه الآخر لأنهم يصلون معه فهم تبع له، والمعنى أنَّه لا يصنع في الصبح مثل ما يصنع في العشاء من تعجيلها إذا اجتمعوا وتأخيرها إذا أبطأوا. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 369] والبخاري [560]، وأبو داود [397] والنَّسائيُّ [1/ 764].

1353 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ. سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَال: كَانَ الحجَّاجُ يُؤَخِّرُ الصَّلَوَاتِ. فَسَأَلنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. 1354 - (611) (22) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بن حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنِي سَيَّارُ بْنُ سَلامَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يَسألُ أبَا بَرْزَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1353 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور (عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التميمي العنبري البصري، ثقة، من (10) (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن سعد) ابن إبراهيم الزُّهريّ المدني (سمع محمَّد بن عمرو بن الحسن بن علي) بن أبي طالب الهاشمي المدني (قال) محمَّد بن عمرو (كان الحجاج) بن يوسف الثَّقفيُّ (يؤخر الصلوات) الخمس عن أوقاتها المختارة (فسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري عن صلاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وساق معاذ بن معاذ عن شعبة (بمثل حديث غندر) عن شعبة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معاذ بن معاذ لغندر في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأوَّل لأنَّ غندرًا وإن كان ثقة ففيه غفلة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي برزة رضي الله عنهما فقال: 1354 - (611) (22) (وحدثنا يَحْيَى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) (حدَّثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج البصري، ثقة، من (7) (أخبرني سيار) بتشديد الياء التحتانية (بن سلامة) الرياحي -بالياء التحتانية- أبو المنهال البصري، ثقة، من (4) (قال) سيار (سمعت أبي) سلامة، قال الحافظ ابن حجر: وسلامة والد سيار، حكى عنه ولده هنا، ولم أجد من ترجمه، وقد وقعت لابنه عنه رواية في الطّبرانيّ الكبير في ذكر الحوض، لم يرو عنه ابنه هنا، بل روى عن أبي برزة وليس من رجال أصحاب الأمهات اهـ بزيادة، حالة كونه (يسأل أبا برزة) الأسلمي نضلة بن عبيد بن الحارث البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن

عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: قُلتُ: آنتَ سَمِعْتَهُ؟ قَال: فَقَال: كَأَنَّمَا أَسْمَعُكَ السَّاعَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يَسألُهُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: كَانَ لا يُبَالِي بَعْضَ تَأْخِيرِهَا. (قَال: يَعْنِي العِشَاءَ). إِلَى نِصْفِ اللَّيلِ. وَلا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلا الحَدِيثَ بَعْدَهَا. قَال شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ، بَعْدُ، فَسَألتُهُ فَقَال: وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ. وَالعَصرَ، يَذهَبُ الرَّجُلُ إِلَى أَقصَى المَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّة. قَال: وَالمَغْرِبَ، لا أَدْرِي أَي حِينِ ذَكَرَ. قَال: ثُمَّ لَقِيتُهُ، بَعدُ، فَسَألتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجاله كلهم بصريون (عن) أوقات (صلاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال) شعبة (قلت) لسيار بن سلامة (آنت) أي هل أنت (سمعته) أي سمعت أبا برزة يجيب لأبيك (قال) شعبة (فقال) سيار بن سلامة: سمعت أبا برزة (كأنما أسمعك) يا شعبة أي سمعت أبا برزة سماعًا كسماعي كلامك يا شعبة هذه (الساعة قال) سيار (سمعت أبي) سلامة (يسأله) أي يسأل أبا برزة، والجملة توكيد لفظي لما قبلها (عن صلاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال) أبو برزة (كان) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (لا يبالي) ولا يكترث (بعض تأخيرها) أي لا يبالي تأخير العشاء في بعض الليالي إلى نصف الليل أو تأخيرها شيئًا من التأخير، قال شعبة (قال) سيار (يعني) أبو برزة بضمير تأخيرها (العشاء) وقوله (إلى نصف الليل) متعلق بتأخيرها كما قدرناه أولًا (و) كان صَلَّى الله عليه وسلم (لا يحب النوم قبلها) أي قبل العشاء (ولا) يحب (الحديث) أي التحدث في الأمر الدنيوي (بعدها) أي بعد العشاء لا الديني (قال شعبة: ثم لقيته) أي لقيت سيار بن سلامة (بعد) أي بعد ما حدثني المرة الأولى (فسألته) أي سألت سيارًا عما قال أبو برزة في أوقات باقي الصلوات قال سيار (فقال) أبو برزة (وكان) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (يصلِّي الظهر حين تزول الشَّمس) عن كبد السماء (و) كان يصلِّي (العصر) بنا ثم (يذهب الرجل) ممن صَلَّى معنا (إلي أقصى المدينة) أي إلى أبعد أطراف المدينة كالعوالي ويصل إلى ذلك الأقصى (والشمس) أي الحال أن الشَّمس (حية) أي قوية الضوء لم يدخلها تغير ولا اصفرار، وقيل لم تذهب حرارتها (قال) سيار (والمغرب لا أدري) ولا أعلم (أي حين) وأي وقت (ذكر) أبو برزة فيه (قال) شعبة (ثم لقيته) أي لقيت سيارًا (بعد) أي بعد ما حدثني المرة الثَّانية (فسألته) أي فسألت سيارًا عما قال أبو برزة في وقت الصبح قال

فَقَال: وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِف الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُ فَيَعْرِفُهُ. قَال: وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِالستينَ إِلَى الْمِائَةِ. 1355 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيارِ بْنِ سَلامَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يُبَالِي بَعْضَ تَأْخِيرِ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيلِ. وَكَانَ لا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا. قَال شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرة أُخْرَى فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ سيار (فقال) أبو برزة (وكان) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (يصلِّي الصبح فينصرف) أي فيفرغ (الرجل) ممن صَلَّى معه من صلاته (فينظر) ذلك الرجل (إلى وجه جليسه) أي إلى وجه من يجلس جنبه (الذي يعرفـ) ـه أولًا (فيعرفه) أي فيعرف جليسه لانتشار الضوء (قال) أبو برزة (وكان) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (يقرأ فيها) أي في صلاة الصبح (بالستين) آية وما فوقها (إلى) تمام (المائة) لتطويلها، وقدرها الطّبرانيّ بالحاقة اهـ قسطلاني، وهذا موضع الجزء الأخير من الترجمة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ [547] وأبو داود [398] والنَّسائيُّ [1/ 246]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي برزة رضي الله عنه فقال: 1355 - (00) (00) (حدَّثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي البصري (حدَّثنا شعبة) العتكي البصري (عن سيار بن سلامة) الرياحي البصري (قال) سيار (سمعت أبا برزة) نضلة بن عبيد الأسلمي البصري. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معاذ بن معاذ لخالد بن الحارث في رواية هذا الحديث عن شعبة وكرر المتن لما في هذه الرِّواية من المخالفة في الاختصار وسوق الحديث (يقول كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لا يبالي) ولا يكترث أن يؤخر (بعض تأخير صلاة العشاء) أي أن يؤخرها بعض تأخير أي شيئًا من التأخير (إلى نصف الليل وكان لا يحب النوم قبلها) أي قبل العشاء لما يخاف من غلبة النوم سيفوت وقتها أو وقتها المختار (ولا) يحب (الحديث بعدها) أي بعد العشاء لما يؤدي إليه من السهر ومخافة غلبة النوم آخر الليل فينام عن قيام آخر الليل وربما ينام عن صلاة الصبح (قال شعبة ثم لقيته) أي لقيت سيارًا (مرَّة أخرى) فسألته عما قال أبو برزة في العشاء قال سيار (فقال) أبو برزة وكان النَّبيُّ صَلَّى الله عليه

أَوْ ثُلُثِ اللَّيلِ. 1356 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا سُوَيدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِي عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَيارِ بْنِ سَلامَةَ أَبِي الْمِنْهَالِ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيلِ. وَيَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. وَكَانَ يَقْرَأ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْمَائَةِ إِلَى الستينَ. وَكَانَ يَنْصَرِفُ حِينَ يَعْرِفُ بَعْضُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم لا يبالي بعض تأخير صلاة العشاء إلى نصف الليل (أو) إلى (ثلث الليل) بزيادة أو التفصيلية ولفظة ثلث الليل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه فقال: 1356 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدَّثنا الحديث المذكور يعني حديث أبي برزة (أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا سويد) مصغرًا (بن عمرو الكلبي) أبو الوليد الكوفيّ العابد، روى عن حماد بن سلمة في الصَّلاة، وداود الطَّائي وعبد العزيز بن الماجشون، ويروي عنه (م ت س ق) وأبو كريب وأحمد بن حنبل، وثقه ابن معين والنَّسائيُّ، وقال العجلي: كوفي ثقة ثبت في الحديث، وكان رجلًا صالحًا متعبدًا، وقال في التقريب: أفحش ابن حبان القول فيه ولم يأت بدليل، مات سنة أربع أو ثلاث ومائتين، من كبار العاشرة (عن حماد بن سلمة) بن دينار التميمي البصري (عن سيار بن سلامة) الرياحي (أبي المنهال) البصري (قال) سيار (سمعت أبا برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن سيار بن سلامة، وكرر المتن لما بين الروايتين من بعض المخالفة (يقول كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ويكره النّوم قبلها والحديث بعدها وكان) صَلَّى الله عليه وسلم (يقرأ في صلاة الفجر) آيًا من القرآن (من المائة إلى الستين) في العبارة قلب أي تقديم وتأخير أصله من الستين إلى المائة كما في الرّواية السابقة أي مبدؤها من الستين ونهايتها إلى المائة (وكان) صَلَّى الله عليه وسلم (ينصرف) أي يفرغ من صلاة الصبح (حين يعرف بعضنا) أي بعض المصلين معه صَلَّى

وَجهَ بَعضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم (وجه بعض) آخر منهم أي وجه جليسه لحصول الإسفار. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأوَّل حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثَّاني حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي برزة ذكره للاستشهاد وللاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي: قوله (ويكره النوم قبلها والحديث بعدها) قال العلماء: وسبب كراهة النوم قبلها أنَّه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم أو لفوات المختار والأفضل، ولئلا يتساهل النَّاس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة، وسبب كراهة الحديث بعدها أنَّه يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين أو الطاعات ومصالح الدُّنيا، قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها. أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه وذلك كمدارسة العلم وكتابته وتصنيفه، وحكايات الصَّالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين لحفظ متاعهم أو أنفسهم، وكالحديث في الإصلاح بين النَّاس والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي في معناه، وقد تقدم كثير منها في هذه الأبواب والباقي مشهور، ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها، واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلَّا ما كان في خير كما ذكرناه، وأمَّا النوم قبلها فكرهه عمر وابنه وابن عباس وغيرهم من السلف ومالك وأصحابنا رضي الله عنهم أجمعين ورخص فيه علي وابن مسعود والكوفيون رضي الله عنهم أجمعين، وقال الطحاوي: يرخص فيه بشرط أن يكون معه من يوقظه، وروي عن ابن عمر مثله والله أعلم اهـ منه. وقال القرطبي: ويظهر لي أن كراهة الحديث بعدها إنَّما هولما أن الله تعالى جعل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الليل سكنًا أي يسكن فيه فإذا تحدث الإنسان فيه فقد جعله كالنهار الذي هو متصرف المعايش فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده، وقيل يكره ذلك لئلا نلغوفي كلامنا أو نخطئ فيه فيختم عملنا بعمل سيئ أو بقول سيئ، والنوم أخو الموت أو لعله يكون فيه الموت والله أعلم، وقيل كره ذلك لِتُراحَ الكتبة الكرام، وقد كان بعض السلف يقول لمن أراد أن يتحدث بعد العشاء: أريحوا الكتبة، وهذه الكراهة تختص بما لا يكون من قبيل القرب والأذكار وتعلم العلم ومسامرة أهل العلم وتعلم المصالح وما شابه ذلك، فقد ورد عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وعن السلف ما يدل على جواز ذلك بل على ندبيته والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. * * *

293 - (8) باب: الأمر بأداء الصلاة في وقتها المختار إذا أخرها الإمام والصلاة معه إذا صلى

293 - (8) باب: الأمر بأداء الصَّلاة في وقتها المختار إذا أخرها الإمام والصلاة معه إذا صَلَّى 1357 - (612) (23) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنِي أَبُو الربِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كَامِل الْجَحْدَرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبي ذَرٍّ؛ قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَيفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيكَ أُمَرَاءُ يُؤَخرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 293 - (8) باب: الأمر بأداء الصَّلاة في وقتها المختار إذا أخرها الإمام والصلاة معه إذا صَلَّى 1357 - (612) (23) (حدَّثنا خلف بن هشام) بن ثعلب -بالمثلثة والمهملة- البزار آخره راء، أبو محمَّد البغدادي المقرئ، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدَّثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح قال: وحدثني أبو الرَّبيع) سليمان بن داود العتكي (الزهراني) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري، ثقة، من (10) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماعه من شيخيه (قالا) أي قال أبو ربيع وأبو كامل (حدَّثنا حماد) بن زيد البصري (عن أبي عمران الجوني) -بفتح الجيم- نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري مشهور بكنيته، ثقة، من (4) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن الصَّامت) الغفاري البصري، وثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثقة، من (3) مات بعد السبعين (70) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني أو ثلاثة بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي (قال) أبو ذر (قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كيف أنت) أي كيف حالك وشأنك وعملك (إذا كانت) والين (عليك أمراء) جمع أمير ومنع صرفه لألف التأنيث، وعليك خبر كانت أي كانوا أئمة مستولين عليك (يؤخرون الصَّلاة عن) أول (وقتها أو) قال أبو ذر أو من دونه إذا كانت عليك أمراء (يميتون الصَّلاة) أي يؤخرونها (عن وقتها) فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه وأو للشك من الراوي،

قَال: قُلْتُ: فَمَا تَأمُرُنِي؟ قَال: "صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا. فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ. فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ". وَلَمْ يَذْكُرْ خَلَفٌ: عَنْ وَقْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بإماتة الصَّلاة تأخيرها عن الوقت المختار لا عن كل وقتها لأنه لم ينقل أن الأمراء المتقدمين تركوا الصَّلاة قاله ابن الملك، وهذا منه صَلَّى الله عليه وسلم من أعلام نبوته إذ قد أخبر بأمر غيبي وقع على نحو ما أخبر وقد وقع ذلك في أمراء بني أميَّة وشوهد وعرف (قال) أبو ذر (قلت) يا رسول الله (فما) ذا (تأمرني) به حينئذ؛ أي فما الذي تأمرني به أن أفعله في ذلك الوقت (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لأبي ذر (صلِّ الصَّلاة) المفروضه حينئذ (لوقتها) الأفضل أو المختار (فإن أدركتها) أي فإن أدركت تلك الصَّلاة التي صليت وحدك، وتمكنت من الصَّلاة (معهم) يعني في الوقت (فصلـ) ـلها معهم جمعًا بين فضيلتي أول الوقت والجماعة، وفيه الحث على موافقة الأمراء في غير معصية، لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفنتة، ولهذا قال في الرِّواية الأخرى "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدع الأطراف"؛ أي مقطوع الأعضاء، والمجدع أردأ العبيد لقلة قيمته ومنفعته ونفرة النَّاس منه اهـ نواوي (فإنها) أي الصَّلاة التي صليت معهم (لك نافلة) أي زيادة في الثواب والعمل، وفيه تصريح بأن الأولى كانت فريضة بخلاف الصَّلاة التي في قصة معاذ المتقدمة في باب القراءة في العشاء فإنَّها كانت نفلًا كما مر بيانه، قال ابن الملك: والأوقات التي يكره بعد صلاتها النوافل كالصبح والعصر تكون مستثناة من هذا الحكم اهـ (ولم يذكر خلف) بن هشام في روايته لفظة (عن وقتها) في قوله "يؤخرون الصَّلاة عن وقتها". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [431] والترمذي [176] والنَّسائيُّ [2/ 75] وابن ماجه. قال الشوكاني: معنى الحديث صلِّ في أول الوقت وتصرف في شغلك فإن صادفتهم بعد ذلك وقد صلوا أجزأتك صلاتك، وإن أدركت الصَّلاة معهم فصل معهم، وتكون هذه الثَّانية لك نافلة، والحديث يدل على مشروعية الصَّلاة لوقتها وترك الاقتداء بالأمراء إذا أخروها من أول وقتها، وأن المؤتم يصليها منفردًا ثم يصليها مع الإمام فيجمع بين فضيلة أول الوقت وطاعة الأمير، ويدل على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفنتة، ويدل على أنَّه لا بأس بإعادة الصبح والعصر وسائر الصلوات، لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أطلق الأمر بالإعادة ولم يفرق بين صلاة وصلاة فيكون مخصصًا لحديث "لا صلاة بعد العصر وبعد الفجر" اهـ.

1358 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أبِي ذَرٍّ؛ قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرً، إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ. فَصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا. فَإِنْ صَلَّيتَ لِوَقْتِهَا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً. وَإلا كُنْتَ قَد أَحْرَزْتَ صَلاتَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 1358 - (00) (00) (حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى) بن بكر التميمي النيسابوري (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي -بضم المعجمة وفتح الموحدة- نسبة إلى ضبيعة، أبو سليمان البصري الزَّاهد صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي عمران الجوني) البصري عبد الملك بن حبيب الأزدي (عن عبد الله بن الصَّامت) الغفاري البصري (عن أبي ذر) الغفاري المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة جعفر بن سليمان لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن أبي عمران الجوني (قال) أبو ذر (قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يا أبا ذر إنَّه) أي إن الشأن والحال (سيكون بعدي أمراء يميتون الصَّلاة) أي يؤخرونها عن وقتها المختار، وفيه علم من أعلام النبوة كما مر، وفيه إشعار بقرب زمان ذلك لأنَّه عبر بالسين التي لاستقبال القريب، والفاء في قوله (فصل الصَّلاة لوقتها) الأفضل وهو أول الوقت للإفصاح لأنَّها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا عرفت ما قلته لك وأردت بيان ما هو الأصلح لك فأقول لك صلِّ الصَّلاة لوقتها الأفضل (فإن صليت) معهم (لوقتها) أي في وقتها (كانت) الثَّانية التي صليت معهم (لك نافلة) أي زيادة خير وأجر لك، وعليهم نقصان أجر بتأخيرها، وهذا صريح في أن الفريضة الأولى والنافلة الثَّانية (وإلا) أي وإن لم تصل معهم (كنت قد أحرزت) وحفظت (صلاتك) في حرزها بصلاتك في أول وقتها أي فعلتها وصليتها في وقتها وأديتها على ما يجب أداؤها، وفيه جواز فعل الصَّلاة مرتين، ويحمل النَّهي عن إعادة الصَّلاة على إعادتها من غير سبب، وأفاد النواوي في صورة الاقتصار على إحداهما استحباب الانتظار إن لم يفحش التأخير لينال ثواب الجماعة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال:

1359 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن إِدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمرَانَ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: إِن خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسمَعَ وَأُطِيعَ. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ. وَأَن أُصَلِّيَ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا. "فَإِنْ أَدْرَكْتَ الْقَومَ وَقَد صَلَّوْا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلاتَكَ. وإلا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1359 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفيّ (حدَّثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمَّد الكوفيّ، ثقة ثقة، من (8) (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة إمام، من (7) (عن أبي عمران) الجوني الأزدي البصري (عن عبد الله بن الصَّامت) البصري (عن أبي ذر) الغفاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن أبي عمران، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) أبو ذر (إن خليلي) وحبيبي وقدوتي محمدًا صَلَّى الله عليه وسلم (أوصاني) أي أمرني (أن أسمع) الأمير فيما يقول (وأطيع) الأمير فيما يأمر (وإن كان) الذي أمر علي (عبدًا مجدع الأطراف) أي مُقطَّع الأعضاء غيا به لأنَّه أردأ العبيد وأخسهم لخسته في جسمه وقلة قيمته ومنفعته ونفرة النَّاس منه، كما مر آنفًا (و) أوصاني أيضًا (أن أصلي الصَّلاة) المكتوبة (لوقتها) الأفضل، وقال لي (فإن أدركت القوم) يصلون مع الإمام في الوقت وصليت معهم (كانت) صلاتك معهم زيادة لك في الأجر والعمل وإلا أي وإن لم تصل معهم (وقد) أدركتهم (صلوا كنت قد أحرزت صلاتك) أي حصلتها وحفظتها وأديتها في أول الوقت فلا بأس عليك، ففي هذه الرِّواية تقديم وتأخير وتقدير قول، وأصلها (وأن أصلي الصَّلاة لوقتها، وقال لي: فإن أدركت القوم كانت لك نافلة، وإلا وقد صلوا كنت قد أحرزت صلاتك) ورواية التِّرمذيِّ (فصل الصَّلاة لوقتها فإن صليت) أي صلاة الأمراء (لوقتها) أي في وقتها (كانت لك نافلة) أي كانت الصَّلاة التي صليت مع الأمراء نافلة لك (وإلا كنت قد أحرزت صلاتك) أي حصلتها، قال النواوي: معناه إذا علمت من حالهم تأخيرها عن وقتها المختار فصلها لأول وقتها، ثم إن صلوها لوقتها المختار فصلها أيضًا وتكون صلاتك معهم نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك بفعلك في أول الوقت أي حصلتها وصنتها واحتطت لها اهـ.

1360 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُدَيلٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَضَرَبَ فَخِذِي: "كَيفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمِ يُؤَخرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ " قَال: قَال: مَا تَأْمُرُ؟ قَال: "صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا. ثُمَّ اذْهَبْ لِحَاجَتِكَ. فَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلِّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 1360 - (00) (00) (وحدثني يَحْيَى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حدَّثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن بديل) بن ميسرة العقيلي البصري، ثقة، من (5) (قال سمعت أبا العالية) البراء -بتشديد الراء- البصري زياد بن فيروز القرشي مولاهم، سمي بالبراء لأنَّه كان يبري النبل، روى عن عبد الله بن الصَّامت في الصَّلاة، وابن عباس في الحج، وابن عمرو ابن الزُّبير وأنس وغيرهم، ويروي عنه (خ م س) وبديل بن ميسرة وأيوب وغيرهم، قال أبو زرعة: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (يحدث عن عبد الله بن الصَّامت) الغفاري البصري (عن أبي ذر) الغفاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا ذر فإنَّه مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي العالية لأبي عمران الجوني في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن الصَّامت (قال) أبو ذر (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم و) قد (ضرب فخذي) لينبهني على الاستعداد لقبول ما يلقي إلي من الكلام (كيف أنت) أي كيف الحال والأمر بك (إذا بقيت) حيًّا (في قوم يؤخرون الصَّلاة) المكتوبة (عن وقتها) الأفضل أو المختار (قال) عبد الله بن الصَّامت (قال) أبو ذر قلت له (ما تأمر) في به يا رسول الله إن أدركت أولئك القوم (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إن أدركتهم (صلِّ الصَّلاة لوقتها) أي في وقتها الأفضل وهو أول الوقت (ثم اذهب لحاجتك) وتصرف في شغلك ولا تنتظرهم لتصلي معهم في آخر الوقت (فإن أقيمت الصَّلاة) أي صلاة النَّاس مع الإمام (وأنت) حاضر (في المسجد فصل) معهم نافلة لك.

1361 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيوبَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ؛ قَال: أَخَّرَ ابْنُ زِيَادٍ الصَّلاةَ. فَجَاءَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّامِتِ. فَأَلْقَيتُ لَهُ كُرْسِيًّا. فَجَلَسَ عَلَيهِ. فَذَكَرْتُ لَهُ صَنِيعَ ابْنِ زِيادٍ. فَعضَّ عَلَى شَفَتِهِ وَضَرَبَ عَلى فَخِذِي. وَقَال: إِنِّي سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ كَمَا سَأَلْتَنِي. فَضَرَب فَخِذِي كَمَا ضَرَبْتُ فَخِذَكَ وَقَال: إِنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْتُ فَخِذَكَ وَقَال: "صَلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 1361 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) النَّسائيّ (حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنَزي أبي بكر البصري، ثقة، من (5) (عن أبي العالية البراء) -بتشديد الراء- زياد بن فيروز القرشي البصري، ثقة، من (4) (قال) أبو العالية (أخر) عبيد الله (بن زياد) الأموي من أمراء بني أميَّة، وهو أمير لمعاوية إذ ذاك على البصرة، وهو الذي دخل على معقل بن يسار رضي الله عنه يعوده فحدثه معقل حديث "ما من عبد يسترعيه الله رعية .. " الحديث تقدم في أوائل كتاب الإيمان أي آخر ابنُ زياد (الصَّلاة) المكتوبة عن وقتها الأفضل أو المختار (فجاءني عبد الله بن الصَّامت) الغفاري البصري (فألقيت) أي وضعت (له) أي لعبد الله (كرسيًا) ليجلس عليه (فجلس) عبد الله (عليه) أي على الكرسي، قال أبو العالية (فذكرت له) أي لعبد الله بن الصَّامت (صنيع) عبيد الله (بن زياد) الأمير على البصرة من تأخيره الصلاة عن وقتها (فعض) عبد الله بن الصَّامت بأسنانه (على شفته) تأسفًا على صنيعه (وضرب) عبد الله بيده (على فخذي) لينبهني على استماع ما يقول (وقال) عبد الله (إنِّي سألت أبا ذر) عن الأمراء الذين يؤخرون الصلاة (كما سألتني) أنت الآن (فضرب) أبو ذر (فخذي كما ضربت فخذك) الآن (وقال) لي أبو ذر (إنِّي سألت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) بقول فما تأمرني حين قال لي كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصَّلاة (كما سألتني) الآن يا عبد الله (فضرب) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (فخذي كما ضربت فخذك) الآن فالحديث من المسلسل بضرب الفخذ (وقال) لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (صلِّ

الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا. فَإِن أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ مَعَهُم فَصَلِّ. وَلا تَقُلْ: إِنِّي قَدْ صَلَّيتُ فَلا أُصلِّي". 1362 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيمِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: قَال "كَيفَ أنْتُمْ"، أَوْ قَال: "كَيفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الصَّلاة لوقتها) أي في وقتها الأفضل ولا تؤخرها لانتظار النَّاس المؤخرين لها (فإن أدركتك) بتاء التأنيث أي وافقت وصادفت إياك (الصَّلاة معهم) وأمكنت لك لحضور جماعتهم (فصل) معهم مرَّة ثانيةً (ولا تقل) لنفسك (إنِّي قد صليت) في أول وقتها (فلا أصلي) معهم هذه المؤخرة فإنها لك نافلة، نهاه عن إظهار خلاف الأئمة ولذلك قال إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا مجدع الأطراف. وهذا السند من سداسياته، رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نسائي، غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب السختياني لبديل بن ميسرة في رواية هذا الحديث عن أبي العالية، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 1362 - (00) (00) (وحدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدَّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي البصري (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي نعامة) السعدي عبد ربه البصري، روى عن عبد الله بن الصَّامت في الصَّلاة، وأبي عثمان النهدي في الدعاء، ويروى عنه (م د ت س) وشعبة ومرحوم بن عبد العزيز، ثقة، من الرابعة (عن عبد الله بن الصَّامت عن أبي ذر) الغفاري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا ذر فإنَّه مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي نعامة لأبي العالية في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن الصَّامت (قال) أبو ذر (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (كيف أنتم) أيها الأصحاب (أو قال) عبد الله بن الصَّامت كيف أنت) يا أبا ذر والشك عن أبي نعامة (إذا بقيت) يا أبا ذر (في قوم يؤخرون الصَّلاة عن وقتها) الأفضل أو المختار، قال أبو ذر: فقلت له صَلَّى الله عليه وسلم فما تأمرني

فَصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقتِهَا. ثُمَّ إِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلِّ مَعَهُمْ. فَإِنَّهَا زِيادَةُ خَيرٍ". 1363 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ)، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَطَر، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ؛ قَال قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ: نُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَلْفَ أُمَرَاءَ، فَيُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ. قَال فَضَرَبَ فَخِذِي ضَرْبَةً أَوْجَعَتْنِي. وَقَال: سَألْتُ أَبَا ذَرٍّ عَنْ ذلِكَ. فَضَرَبَ فَخِذِي. وَقَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ. فَقَال: "صَلُّوا الصَّلاةَ لِوَقتِهَا وَاجْعَلُوا صَلاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً". قَال: وَقَال عَبْدُ اللهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فـ) ـقال لي (صلِّ الصَّلاة لوقتها) أي في وقتها الأفضل (ثم إن أقيمت الصَّلاة) مع الإمام وأنت حاضر معهم (فصل معهم) مرَّة ثانية (فإنها) أي فإن صلاتك معهم (زيادة خير) وأجر لك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 1363 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) نسبة إلى أحد أجداده البصري، ثقة، من (10) (حدَّثنا معاذ وهو ابن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري، صدوق، من (9) (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي البصري (عن مطر) بن طهمان الورَّاق أبو رجاء السلمي البصري، صدوق، من (6) (عن أبي العالية البراء) زياد بن فيروز البصري (قال) أبو العالية (قلت لعبد الله بن الصَّامت: نصلي يوم الجمعة خلف أمراء فيؤخرون) أي الأمراء (الصَّلاة) عن وقتها الأفضل أو المختار (قال) أبو العالية (فضرب) عبد الله بن الصَّامت (فخذي ضربة) شديدة (أوجعتني) أي آلمتني لينبهني على الإقبال على ما يقول (وقال) عبد الله (سألت أبا ذر عن ذلك) الأمر الذي سألتني عنه من تأخير الأئمة الصَّلاة (فضرب) أبو ذر (فخذي وقال) لي أبو ذر (سألت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عن ذلك) الحكم الذي سألتني عنه (فقال) لنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (صلوا) أيها الرعايا (الصَّلاة) لأنفسكم (لوقتها) أي في وقتها الأفضل، ثم صلوا مع الأئمة اتقاء من فتنتهم وحذرًا من تفريق الكلمة (واجعلوا صلاتكم معهم) أي مع الأمراء مرَّة ثانية (نافلة) لكم أي اقصدوا بها نافلة، دل بمنطوقه على أن الفرض هي الأولى (قال) أبو العالية (وقال عبد الله) بن

ذُكِرَ لِي أَن نَبِي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فَخِذَ أَبِي ذَرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصَّامت (ذكر لي أن نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم ضرب فخذ أبي ذر) فيكون الحديث من المسلسل بضرب الفخذ. وهذا السند من سباعياته، رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا ذر، غرضه بسوقه بيان متابعة مطر الورَّاق لأيوب السختياني في رواية هذا الحديث عن أبي العالية، ولو قدم هذا السند على سند أبي نعامة المذكور قبله لكان أولى وأوضح. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث أبي ذر وذكر فيه ست متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

294 - (8) باب صلاة الفذ جائزة والجماعة أفضل

294 - (8) بابٌ: صلاةُ الفَذِّ جائزةٌ والجماعةُ أفضلُ 1364 - (613) (24) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةِ وَعِشْرِينَ جُزءا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 294 - (8) باب صلاة الفذِّ جائزة والجماعة أفضل 1364 - (613) (24) (حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى) بن بكر التميمي أبو زكريا النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (19) بابا (قال) يَحْيَى (قرأت على مالك) بن أنس بن مالك الأصبحي أبي عبد الله المدني، ثقة ثبت إمام حجة، من (7) روى عنه في (17) بابا (عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزُّهريّ أبي بكر المدني، ثقة مشهور بجلالته، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن سعيد بن المسيب) بن حزن، بوزن سهل، القرشي المخزومي أبي محمَّد المدني، ثقة، من (2) من كبار التّابعين، روى عنه في (17) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: صلاة الجماعة) أي صلاة الرجل مع الجماعة ولو إمامًا ومأمومًا لأنهما أقل الجمع على قولٍ (أفضل) أي أزيد ثوابًا (من صلاة أحدكم وحده) أي منفردًا (بخمسة وعشرين جزءًا) من الثواب، هذا هو البُخاريّ على اللُّغة، وفي بعض النسخ بخمس وعشرين جزءًا، وفي بعضها بخمسة وعشرين درجة، فتؤول الدرجة بالجزء والجزء بالدرجة في هاتين النسختين كما في النواوي. وفي حديث ابن عمر الآتي "بسبع وعشرين درجة" اختلف في الجزء والدرجة هل مقدارهما واحد أو لا؟ فقيل الدرجة أصغر من الجزء فكأن الخمسة والعشرين إذا جزئت درجات كانت سبعًا وعشرين، وقيل يحمل على أن الله تعالى كتب فيها أنَّها أفضل بخمسة وعشرين جزءًا، ثم تفضل بزيادة درجتين، وقيل إن هذا بحسب أحوال المصلين فمن حافظ على آداب الجماعة واشتدت عنايته بذلك كان ثوابه سبعًا وعشرين فيحمل عليه حديث ابن عمر، ومن نقص عن ذلك كان ثوابه خمسًا وعشرين جزءًا، وعليه يحمل حديث أبي هريرة، وقيل إنَّه راجع إلى أعيان الصلوات فيكون على بعضها سبعًا وعشرين كالصبح والعشاء مثلًا، وعلى بعضها خمسًا وعشرين كالظهر والمغرب والله أعلم اهـ من

1365 - (00) (00) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ قَال: "تفضُلُ صَلاة فِي الْجَمِيعِ عَلَى صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة"، قَال: "وَتَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللَّيلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] ـــــــــــــــــــــــــــــ المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 484] والبخاري [477] وأبو داود [559] والترمذي [603] وابن ماجة [786] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1365 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمَّد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزُّهريّ عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد كوفي، غرضه بيان متابعة معمر لمالك في الرِّواية عن الزُّهريّ، وكرر المتن لما في هذه الرِّواية من الزيادة (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: تفضل) أي تزيد (صلاة في الجميع) أي صلاة مع الجماعة (على صلاة الرجل وحده) أي منفردًا (خمسًا وعشرين درجة) أي جزءًا من الثواب (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (وتجتمع ملائكة الليل) وحفظته عند طلوعها (وملائكة النهار) أي حفظته عند نزولها (في) وقت (صلاة الفجر) وهذا إشارة إلى مزيد أجر الجماعة فيها (قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم) مصداق ذلك قوله تعالى ({وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}) [الإسراء: 78] وقد اختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة هل هو لأجل الجماعة فقط حيث كانت أو إنَّما يكون ذلك الفضل للجماعة التي تكون في المسجد لما يلازم ذلك من أفعال تختص بالمساجد كإكثار الخطأ إلى المساجد وكتب الحسنات ومحو السيئات بكلِّ خطوة وانتظار الصَّلاة ودعاء الملائكة ومراعاة آداب دخول المسجد إلى غير ذلك، والظاهر الأوَّل لأنَّ الجماعة هو الوصف الذي علق عليه الحكم، ثم إذا قلنا ذلك لأجل الجماعة فهل تفضل جماعة جماعة بالكثرة المشهور عن مالك أنَّه لا فضل لجماعة على جماعة، وقال ابن حبيب: بل تفضل جماعة جماعة بالكثرة وفضيلة الإمام، وعلى المشهور فمن

1366 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ عَنِ الزُّهْرِي. قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ وَأَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثلِ حَدِيثِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَر. إلا أَنهُ قَال: "بِخَمْسِ وَعِشْرِينَ جُزْءًا". 1367 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعنَب. حَدَّثَنَا أَفْلَحُ عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى في جماعة فلا يعيد في أكثر منها وعليه عامة العلماء إلَّا ما روي عن مالك وغيره من إعادتها في المساجد الثلاثة في الجماعة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1366 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدَّثنا أبو اليمان) الحمصي الحكم بن نافع القضاعي، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الحمصي أبو بشر الأموي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن الزُّهريّ قال: أخبرني سعيد) بن المسيب المدني (وأبو سلمة) بن عبد الرحمن المدني (أن أبا هريرة قال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول) الحديث، وساق أبو اليمان عن شعيب عن الزُّهريّ (بمثل حديث عبد الأعلى عن معمر) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي اليمان لعبد الأعلى في رواية هذا الحديث عن الزُّهريّ ولكنها متابعة ناقصة (إلَّا أنَّه) أي لكن أن أبا اليمان (قال) في روايته (بخمس وعشرين جزءًا) بدل قول عبد الأعلى: خمسًا وعشرين درجة، وهذا استثناء من المماثلة بين الحديثين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1367 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) القعنبي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدَّثنا أفلح) بن حميد بن نافع الأنصاري أبو عبد الرحمن المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي

بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم، عَنْ سَلْمَانَ الأغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ صَلاةِ الْفَذِّ". 1368 - (00) (00) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجِ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ؛ أَنَّهُ بَينَا هُوَ جَالِسْ مَعَ نَافِعِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطعِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر) اسمه كنيته (بن محمَّد بن عمرو بن حزم) الأنصاري الخزرجي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن سلمان الأغر) الجهني مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سلمان الأغر لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تعدل) أي تساوي (خمسًا وعشرين من صلاة الفذِّ) أي الفرد بمعنى المنفرد الذي ترك الجماعة بلا عذر ففيه إشارة إلى أن الواحد إذا صَلَّى منفردًا بعذر يحصل له ثواب الجماعة اهـ مرقاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1368 - (00) (00) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز بزايين الحمال بالمهملة، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (قالا حدَّثنا حجاج بن محمَّد) الأعور البغدادي المصيصي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (قال) الحجاج (قال) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكيِّ، ثقة، من (6) روى عنه في (16) بابا، قال (أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار) -بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو- المكيِّ العامري مولاهم، روى عن نافع بن جبير بن مطعم في الصَّلاة، والسائب بن يزيد في الصَّلاة، وابن عباس، ويروي عنه (م د) وابن جريج وإسماعيل بن أميَّة، وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي ويعقوب بن سفيان، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (أنَّه) أي أن عمر بن عطاء (بينا هو جالس مع نافع بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبي محمَّد المدني، قال أبو

إِذْ مَرّ بِهِمْ أَبُو عَبْدِ اللهِ، خَتَنُ زَيدِ بْنِ زَبَّانَ، مَوْلَى الْجُهَنِيِّينَ. فَدَعَاهُ نَافِعٌ فَقَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صَلاةٌ مَعَ الإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ خَمسٍ وَعِشْرِينَ صَلاة يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ". 1369 - (614) (25) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "صَلاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ زرعة: ثقة، وقال ابن خراش: ثقة مشهور أحد الأئمة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال في التقريب: من (2) وإذ في قوله (إذ مر بهم) خارجًا؛ فجائية رابطة لجواب بينا، وضمير الجمع عائد على عمر بن عطاء ونافع بن جبير ومن معهم، وقوله (أبو عبد الله) فاعل مر، واسمه سلمان الأغر تلميذ أبي هريرة، وقوله (ختن زيد بن زبان) بدل أول من أبي عبد الله أو عطف بيان منه، والختن زوج بنت الرجل أو أخته أو نحوها، وزبان اسم علم فمن جعله فعلًا من زبن صرفه، ومن جعله فعلان من زب لم يصرفه نظير حسَّان كذا في تاج العروس شرح القاموس، وقوله (مولى الجهنيين) بدل ثان أو عطف بيان لأبي عبد الله، وقوله (فدعاه) أي دعا أبا عبد الله (نافع) بن جبير معطوف على مر، وكذا قوله (فقال) نافع معطوف على دعاه والتقدير؛ قال ابن جريج: أخبرني عمر بن عطاء بينا أوقات جلوسه مع نافع بن جبير فاجأهم مرور أبي عبد الله مولى الجهنيين ختن زيد بن زبان خارجًا من المسجد، فدعاه نافع بن جبير فقال له: لا تخرج من المسجد يا أبا عبد الله والصلاة قريبة فإني (سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: صلاة) واحدة (مع الإمام أفضل) أي أكثر أجرًا (من) أجر (خمس وعشرين صلاة يصليها) الرجل (وحده) بلا عذر. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان بغداديان، غرضه بسوقه بيان متابعة نافع بن جبير لسعيد بن المسيب وسلمان الأغر في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين فقال: 1369 - (614) (25) (حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: قال صلاة

الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الفَذِّ بِسَبْعِ وَعِشرِينَ دَرَجَةً". 1370 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ) أي المنفرد بلا عذر (بسبع وعشرين درجة) وسبق في حديث أبي هريرة خمس وعشرين درجة، ووجه التوفيق بينهما أن نقول: عرفنا من تفاوت الفضل أن الزائد متأخر عن الناقص لأنَّ الله تعالى يزيد عباده من فضله، ولا ينقصهم من الموعود شيئًا فإنَّه صَلَّى الله عليه وسلم بشر المؤمنين أولًا بمقدار من فضله، ثم رأى أن الله تعالى يمن عليه وعلى أمته فبشرهم به وحثهم على الجماعة، وأمَّا وجه قصر الفضيلة على خمس وعشرين تارةً وعلى سبع وعشرين أخرى، فمرجعه إلى العلوم النبوية التي لا يدركها العقلاء إجمالًا فضلًا عن التفصيل، ولعل الحكمة فيما كشف به حضرة النبوة هي اجتماع المسلمين على إظهار شعار الإسلام اهـ من المرقاة، وهذا أحسن الوجوه المذكورة في الجمع والتوفيق بين الحديثين، واستحسن الزرقاني وجه الجمع بأن السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية لطلب الإنصات عند قراءة الإمام، والاستماع لها، ولتأمينه إذا سمعه ليوافق تأمين الملائكة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 102] والبخاري [645] والترمذي [215] والنَّسائيُّ [2/ 103] وابن ماجة [789]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1370 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النَّسائيّ (ومحمد بن المثني) العنَزي البصري (قالا حدَّثنا يَحْيَى) بن سعيد القطان التميمي البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوي المدني (قال أخبرني نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن نافع (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعًا وعشرين) درجة، واسم العدد مفعول به لتزيد لأنَّه يقال زاد المال كذا.

1371 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا أَبُو أسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. ح قَال: وَحَدَّثنَا ابْنُ نُمَير. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال ابْنُ نُمَيرٍ عَنْ أَبِيهِ: "بِضْعًا وَعِشْرِينَ". وَقَال أبُو بَكْرِ فِي رِوَايَتِهِ: "سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَة" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث والذي قبله رد على داود في قوله: إن من صَلَّى فذًا وترك الجماعة لا تجزئه صلاته، ووجه الرد عليه أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ" فشرك بينهما في الفضيلة، وذلك لا يكون إلَّا بعد الحكم بصحة كل صلاة منهما، وقد نص على هذا المعنى في الرّواية التي قال فيها "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده سبعًا وعشرين درجة" ولا تتحقق الزيادة إلَّا بعد ثبوت المزيد عليه وتحققه، وقد أفادت هذه الزيادة أن المصلي في جماعة يكون له ثمانية وعشرون جزءًا باعتبار الأصل الذي زيد عليه سبع وعشرون، ويكون للمصلي وحده جزء واحد لا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة في إحدى الجهتين ونفيها عن الأخرى، وأفعل المضافة إلى صلاة الفذِّ كذلك لأنا نقول إنَّما يصح ذلك في أفعل مطلقًا غير مقرون بمن كقوله تبارك وتعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1371 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفيّ (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفيّ (و) عبد الله (بن نمير) الكوفيّ (ح قال: وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الكوفيّ (حدَّثنا أبي) عبد الله بن نمير (قالا) أي قال أبو أسامة وعبد الله بن نمير (حدَّثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (بهذا الإسناد) متعلق بقالا لأنه العامل في المتابع يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي أسامة وعبد الله بن نمير ليحيى بن سعيد القطان في رواية هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر. (قال) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) في روايته (عن أبيه) عبد الله بن نمير (بضعًا وعشرين) بدل سبعًا وعشرين (وقال أبو بكر) بن أبي شيبة (في روايته) عن ابن نمير وأبي أسامة (سبعًا وعشرين درجة) وهو اختلاف لفظي لأنَّه اختلاف بالتعيين والإبهام

1372 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ رَافِعٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيك أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "بِضْعًا وَعِشْرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمبهم يحمل على المعين، والبضع بكسر الموحدة -وقيل بفتحها- وسكون المعجمة فيهما هو ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل ما بين الواحد إلى العشرة، وقال الفيومي: إنَّه يستوي فيه المذكر والمؤنث، ويستعمل أيضًا من ثلاثة عشر إلى تسعة عشرة لكن نثبت الهاء في البضع مع المذكر ونحذفها مع المؤنث كأسماء الآحاد إذا ركبت مع العشرة، ولا يستعمل فيما زاد على العشرين، وأجازه بعض العلماء فيقول بضعة وعشرون رجلًا وبضع وعشرون امرأة، وعلى هذا معنى البضع والبضعة في العدد قطعة مبهمة غير محدودة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1372 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدَّثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن عمر محمَّد (ابن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (أخبرنا) محمَّد بن إسماعيل (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني (أخبرنا الضَّحَّاك) بن عثمان الأسدي أبو عثمان المدني (عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال) الضحاك في روايته (بضعًا وعشرين) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الضَّحَّاك لمالك وعبيد الله في رواية هذا الحديث عن نافع. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأوَّل حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثَّاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

295 - (9) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

295 - (9) باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة 1373 - (615) (26) وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَال: "لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ. ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالي يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 295 - (9) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة 1373 - (615) (26) (وحدثني عمرو) بن محمَّد بن بكر بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدَّثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفيّ (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقد ناسًا) من المنافقين (في) جماعة (بعض الصلوات) وهي العشاء، كما صرحه في الرّواية الآتية؛ أي لم يجدهم في المسجد، وورد مثله في صلاة الجمعة كما سيأتي، والمراد بأناس مفقودين بعض من المنافقين فإنَّه لا يظن بالمؤمنين أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع سيد المرسلين (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: والله (لقد هممت) وعزمت، واللام واقعة في جواب قسم محذوف، والهم العزم، وقيل دونه قاله ابن الملك، وقال الأبي: الهم؛ إجراء الشيء بالبال بغير تصميم لأنَّه مع التصميم يسمَّى عزمًا، وتقدم الفرق بين الهم والعزم (أن آمر رجلًا) من المؤمنين (يصلِّي) إمامًا (بالنَّاس) بدلي (ثم) أن (أخالف) معطوف على آمر، قال القاضي: أي أن أتخلف وأتأخر، ومنه "وخالف عنا علي والزبير" أي تخلفا، وقد يكون أخالف هنا بمعنى آتيهم من خلف لآخذهم على غرة، وقد يكون أخالف هو ما أمر به من إقامة الصَّلاة وذهابه لإخراجهم، أو أخالف ظنهم في أني في الصَّلاة بقصدي إليهم اهـ. وفي النهاية: قوله (ثم أخالف إلى رجال) أي آتيهم من خلفهم، أو أخالف ما أظهرت من إقامة الصَّلاة وأرجع إليهم فآخذهم على غفلة، أو يكون بمعنى أتخلف عن الصَّلاة بمعاقبتهم اهـ. راجع الكشاف في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} وفي الحديث حذف في هذه الرِّواية تقديره (ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها) أي عن الجماعة برجال معهم حزم من الحطب، كما

فآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيهِمْ، بِحُزَمِ الْحَطَبِ، بُيُوتَهُمْ. وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ إنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا" يَعْنِي صَلاةَ الْعِشَاءِ. 1374 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الرِّواية فيما سيأتي (فآمر بهم) أي بالرجال الذين معهم حزم الحطب بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة (فيحرقوا) التشديد للتكثير والمبالغة، والضمير عائد على رجال الحزم؛ أي فيحرق أصحاب الحزم (عليهم) أي على المتخلفين عن الجماعة (بحزم الحطب بيوتهم) أي بيوت المتخلفين عن الجماعة عقوبة لهم على تخلفهم عنها، وفي هذا دليل على جواز العقوبة في المال، وعلى أن تارك الصَّلاة متهاونًا يقتل، وعلى جواز أخذ أهل الجرائم على غرة، والحزم بضم ففتح جمع حزمة بضم فسكون بوزن غرفة وغرف؛ وهي ما يحمله إنسان أو حيوان من مجموع الخطيب أو نحوه (ولو علم أحدهم) أي أحد المتخلفين عن الجماعة (أنَّه يجد) ويصيب في المسجد (عظمًا يمينًا) أي عظمًا ذا لحم طيب (لشهدها) أي لحضر جماعة الصَّلاة مع النَّاس لغرض أخذ العظم السمين، قال الراوي: (يعني) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بضمير لشهدها (صلاة العشاء) وهو مدرج من الراوي في آخر الحديث لتفسير ما أبهمه النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث، أحمد [4242] والبخاري [2/ 44] تعليقًا، وأبو داود [548 و 549] والترمذي [217] والنَّسائيُّ [2/ 107] وابن ماجة [797]. ومعنى هذا الحديث أن المنافق لجهله بما أعد الله على شهودها في الجماعة يكسل عنها وتثقل عليه لقلة رغبته في أعمال الخير، فلو عَنَّ له حظ يسير من الدُّنيا كالعرق لبادر إليه وأتى المسجد في أي وقت كان إذا كان ذلك الحظ في المسجد والله تعالى أعلم أن من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1374 - (00) (00) (حدَّثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدَّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفيّ (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفيّ (وأبو كريب) محمَّد بن العلاء الكوفيّ (واللفظ) أي

لَهُمَا)، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن أَثْقَلَ صَلاةِ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ. وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ. ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالي مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لا يَشهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأحَرِّقَ عَلَيهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظ الحديث الآتي (لهما) أي لأبي بكر وأبي كريب لا لابن نمير (قالا) أي قال أبو بكر وأبو كريب (حدَّثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير التميمي الكوفيّ (عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني القيسي مولاهم مولى جويرية بنت الحارث القيسية (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح للأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إن أثقل صلاة على المنافقين) جماعة في المسجد (صلاة العشاء وصلاة الفجر) أي حضورهما في المسجد (ولو يعلمون ما فبهما) أي في جماعتهما من الأجر الجزيل (لأتوهما) أي لأتوا جماعتهما في المسجد (ولو) كان الإتيان إليهما (حبوا) والحبو مشي الصبي الصَّغير على يديه ورجليه؛ والمعنى لو يعلمون ما فيهما من الأجر والخير ثم لم يستطيعوا الإتيان إليهما إلَّا حبوًا لحبوا إليهما ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد، ففيه الحث البليغ على حضورهما (و) الله الذي لا إله غيره (لقد هممت) وقصدت (أن آمر) المؤذِّن (بـ) إقامة (الصَّلاة فتقام) الصَّلاة أي فينادى لها بألفاظ الإقامة (ثم آمر رجلًا) من المؤمنين أي يصلِّي بالنَّاس (فيصلي) الرجل (بالنَّاس) إمامًا لهم (ثم أنطلق) أنا وأذهب مصحوبًا (معي برجال معهم حزم من حطب إلى) بيوت (قوم لا يشهدون الصَّلاة) أي جماعتها (فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلِّي بالنَّاس، وإنَّما هم بإتيانهم بعد إقامة الصَّلاة لأنَّ بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيتوجه اللوم عليهم، وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصَّلاة لعذر اهـ نواوي. وفيه دليل على أن العقوبة في أول الأمر بالمال لأنَّ تحريق البيوت عقوبة مالية، وأجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصَّلاة، والغال من الغنيمة واختلف السلف فيها والجمهور على منع تحريق متاعهما، ثم إنَّه جاء في رواية

1375 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أن هذه الصَّلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنهما هي العشاء، وفي رواية إنَّها الجمعة، وفي رواية يتخلفون عن الصَّلاة مطلقًا وكله صحيح ولا منافاة بين ذلك اهـ منه. وأعلم أن ثقل صلاة العشاء والفجر على المنافقين للمشقة اللاحقة من المحافظة عليهما لأنهما في وقت نوم وركون إلى الراحة، ولمشقة الخروج إليهما في الظلمة إلى غير ذلك، فلا يتجشم هذه المشاق إلَّا من تيقن ثواب الله ورجاه وخاف عقاب الله واتقاه وذلك هو المؤمن، وأمَّا المنافق فكما قال الله تعالى فيهم {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلا قَلِيلًا} [النساء: 142] وقوله (ولو يعلمون ما فيهما) أي ما في فعلهما من الثواب وفي تركهما من العقاب (لأتوهما) أي لجاءوا إليهما (ولو حبوا) أي ولو كانوا متحبين يزحفون على ألياتهم من مرض أو آفة اهـ مفهم. وقوله (ولقد هممت أن آمر بالصلاة) إلخ استدل بهذا الهم داود وعطاء وأحمد وأبو ثور على أن صلاة الجماعة فرض، ولا حجة لهم فيه لأنَّه هم ولم يفعل وإنما مخرجه التهديد والوعيد للمنافقين الذين يتخلفون عن الجماعة والجمعة، وقد كان التخلف عن الصَّلاة في الجماعة علامة من علامات النفاق عندهم، كما قال عبد الله بن مسعود "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلَّا منافق معلوم النفاق" وكما قال صَلَّى الله عليه وسلم: "بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونهما" رواه مالك في الموطإ [1/ 130] من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه ويفيد هذا الحديث تأكد أمر شهود الصلوات في الجماعة، ولذلك قال جماعة من أئمتنا: إن الجماعة فيها واجبة على الكفاية من أجل أن إقامة السنن وإحياءها واجب على الكفاية أي تركها يؤدي إلى إماتتها، وذهب عامة العلماء إلى أنَّها سنة مؤكدة كما دلنا عليه بقوله "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ" كما مر تخريجه في الباب قبل هذا إذ حاصله أن صلاة الفذِّ صحيحة ووقوعها في الجماعة أفضل اهـ مفهم، قال القاضي عياض: اختلف في التمالؤ والتواطؤ على ترك ظاهر السنن هل يقاتل عليه أم لا؟ والصحيح قتالهم لأنَّ في التمالؤ عليها إماتتها اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1375 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدَّثنا

عَبْدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ؛ قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَقَد هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَانِي أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِي بِحُزَمٍ مِنْ حَطَبٍ. ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ. ثُمَّ تُحَرَّقُ بُيُوت عَلَى مَنْ فِيهَا". 1376 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَكِيع، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحوهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرَّزاق) بن همام الصنعاني (حدَّثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا ما حدَّثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) إلخ. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لمن روى هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، والله (لقد هممت أن آمر فتياني) أي أقوياء أصحابي قاله العسقلاني، جمع فتى وهو الرجل الشاب (أن يستعدوا لي) أي أن يتهيأوا لي (بحزم من حطب ثم آمر رجلًا يصلِّي بالنَّاس ثم تحرق بيوت) المتخلفين عن الجماعة (على من فيها) من المتخلفين عن الجماعة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1376 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (عن وكيع عن جعفر بن برقان) -بضم الباء وكسرها وسكون الراء بعدها قاف- الكلابي مولاهم أبي عبد الله الرقي، صدوق، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية أبي عوف البكائي -بفتح الباء وتشديد الكاف- الكوفيّ نزيل الرقة، يقال: له رؤية، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بنحوه) أي بنحو ما حدث همام بن منبه، غرضه بيان متابعة يزيد بن الأصم لهمام بن منبه في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة.

1377 - (616) (27) وَحَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ. سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال، لِقَومٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ: "لَقَد هَمَمْتُ أَن آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالِ يَتَخَلَّفُونَ، عَنِ الْجُمُعَةِ، بُيُوتَهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 1377 - (616) (27) (وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) وقد ينسب إلى جده التميمي الكوفيّ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدَّثنا زهير) بن معاوية بن حديج -بالحاء المهملة مصغرًا- ابن زهير بن خيثمة الجعفي أبو خيثمة الكوفيّ، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدَّثنا أبو إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفيّ، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة بن جريج الجشمي، نسبة إلى جشم بطن من الأنصار، الكوفيّ، روى عن عبد الله بن مسعود في الصَّلاة والفضائل والصدق والدعاء، وأبي موسى في الفضائل، وأبي مسعود في الفضائل، ويروي عنه (م عم) وأبو إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وعلي بن الأقمر وعبيد الله بن أبي الهذيل وعبد الله بن مرَّة ومالك بن الحارث وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال النَّسائيّ: كوفي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (3) قتلته الخوارج في أيَّام ولاية الحجاج على العراق (سمعه) أي سمع أبو إسحاق الحديث الآتي (منه) أي عن أبي الأحوص، حالة كونه راويًا (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفيّ. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة) والله (لقد هممت) وقصدت (أن آمر رجلًا يصلِّي بالنَّاس) الجمعة (ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) يعني ثم أنطلق وأطلع على من لم يحضر الجمعة فآمر بإحراق بيوتهم، قيل هذا مختص بزمانه صَلَّى الله عليه وسلم لأنَّه لا يتخلف عن الجمعة في ذلك الوقت إلَّا منافق، ويحتمل أن يجعل عامًا فيكون تشديدًا على تاركي الجمعة بغير عذر وتنبيهًا على عظم إثمهم اهـ من المبارق. وهذا الحديث من أفراد المؤلف رحمه الله تعالى ولكن رواه أحمد [1/ 402 و 449 و 461].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأوَّل حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثَّاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة والله أعلم. * * *

296 - (10) باب وجوب حضور الجمعة والجماعة على من سمع النداء

296 - (10) باب: وجوب حضور الجمعة والجماعة على من سمع النداء 1378 - (617) (28) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ الأَصَمِّ. قَال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ. فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيتِهِ. فَرَخَّصَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 296 - (10) باب وجوب حضور الجمعة والجماعة على من سمع النداء 1378 - (617) (28) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثَّقفيُّ البلخي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وسويد بن سعيد) بن سهل الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلدة على الفرات، صدوق، من (10) (ويعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) (كلهم عن مروان) بن معاوية بن الحارث (الفَزَاريُّ) أبي عبد الله الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (قال قتببة حدَّثنا الفَزَاريُّ عن عبيد الله) بن عبد الله (بن الأصم) العامري الكوفيّ، مقبول، من (6) روى عنه في (1) في الصَّلاة (قال حدَّثنا) عمي (يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد البكائي الكوفيّ، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إمَّا بلخي أو مروزي أو حدثاني أو بغدادي (قال) أبو هريرة (أتى النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم رجل أعمى) هو ابن أم مكتوم على ما ذكره أبو داود والدارقطني (فقال) ذلك الأعمى (يا رسول الله إنَّه) أي إن الشأن والحال (ليس لي قائد) أي رجل آخذ بيدي (يقودني) أي يمشي بي (إلى المسجد) أي إلى جماعة المسجد (فسأل) ذلك الأعمى (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يرخص) ويجوّز (له) التخلف عن جماعة الصَّلاة (فيصلي في بيته فرخص له) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم التخلف عن الجماعة والصلاة في بيته، وهذا الترخيص إنَّما كان من النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بناءً منه على أنَّه لما لم يكن له قائد يقوده تعذر عليه المشي

فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَال: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ " فَقَال: نَعَمْ. قَال: "فَأَجِبْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى المسجد، ثم إنَّه لما تبيّن له من حاله أنَّه يتمكن من ذلك كما قد يتفق لبعض العميان قال له لا أجد لك رخصة كما رواه أبو داود في هذا الخبر، ودليل صحة ما ذكرناه أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم لو تحقق له عذرًا لعذره كما رخص لعتاب بن مالك ولما قد أجمعت عليه الأمة من سقوط حضور الجماعة عن ذوي الأعذار، قال أبو هريرة (فلما ولى) وأدبر وذهب ذلك الأعمى من عند النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم (دعاه) النَّبي صَلَّى الله عليه وسلم أي ناداه وطلب منه الرجوع إليه ليستفسره (فقال) له النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (هل تسمع) من منزلك (النداء بالصلاة) والأذان لها (فقال) الأعمى (نعم) أسمع النداء للصلاة (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم للأعمى إذن (فأجب) النداء بالحضور، قال النواوي: وأمَّا ترخيص النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم له، ثم رده، وقوله فأجب؛ فيحتمل أنَّه بوحي نزل في الحال، ويحتمل أنَّه تغير اجتهاده صَلَّى الله عليه وسلم إذا قلنا بالصحيح؛ وقول الأكثرين أنَّه يجوز له الاجتهاد، ويحتمل أنَّه رخص له أولًا وأراد أنَّه لا يجب عليك الحضور إمَّا لعذره وإما لأن فرض الكفاية حاصل بحضور غيره وإما للأمرين ثم ندبه إلى الأفضل، فقال: الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب والله أعلم أن منه، وهذا يدل على أن ذلك كان في الجمعة وحينئذ لا تكون فيه حجة لداود ولا لمن استدل به على وجوب الجماعة في غير الجمعة، ولو سلم أن المراد به الجماعة لسائر الصلوات لأمكن أن يقال كان ذلك سدًا لباب الذريعة إلى إسقاطها لأجل المنافقين، كما قال عبد الله (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلَّا منافق أو مريض) اهـ من المفهم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ [2/ 109]. ***

297 - (11) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى

297 - (11) باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى 1379 - (618) (29) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيرٍ عَنْ أبِي الأَحْوَصِ. قَال: قَال عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ رَأَيتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلاةِ إلا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ. أَوْ مَرِيضٌ. إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَينَ رَجُلَينِ حتَّى يَأتِيَ الصَّلاةَ. وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 297 - (11) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى والسنن روي بفتح السِّين على أنَّه مفرد؛ بمعنى الطَّريق، وبضمها جمع سنة؛ وهي الطريقة نظير قرب وقربة. 1379 - (618) (29) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفيّ (حدَّثنا محمَّد بن بشر العبدي) الكوفيّ (حدَّثنا زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفيّ، ثقة، من (6) (حدَّثنا عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفيّ، ثقة، من (3) (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفيّ، ثقة، من (3) (قال) أبو الأحوص (قال عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفيّ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث بالجمع والعنعنة والقول، والله (لقد رأيتنا) أي نحن معاشر الصّحابة أو جماعة المسلمين. قال الطيبي: قد تقرر أن اتحاد الفاعل والمفعول إنَّما يسوغ في أفعال القلوب، وإنَّها من نواسخ المبتدإ والخبر، والمفعول الثَّاني الذي هو بمنزلة الخبر محذوف هنا، وسدَّ قوله (وما يتخلف عن) جماعة (الصَّلاة) في المسجد (إلَّا منافق قد علم) وظهر (نفاقه أو مريض) مرضًا يمنعه من حضور الجماعة وهو حال مسده؛ أي ولقد رأيت أنفسنا معاشر الصّحابة غير متخلفين عن جماعة المسجد، والحال أنه ما يتخلف عنها إلَّا منافق علم نفاقه أو مريض، وهذا يؤيد ما تقدم أن المهموم بإحراق بيوتهم كانوا منافقين، وإن في قوله (إن كان المريض) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة في قوله (ليمشي بين رجلين حتَّى يأتي الصَّلاة) أي وإن الشأن والحال كان المريض منا ليمشي إلى المسجد بين رجلين معتمدًا عليهما بعضديه يمسكانه من جانبيه لضعفه، وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل المشقة في حضورها وأنَّه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها (وقال) عبد الله

إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى. وإنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ. 1380 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَينٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيسِ، عَنْ عَلِي بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن مسعود رضي الله عنه (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم علمنا) معاشر الأمة (سنن الهدى) -بفتح السِّين- بمعنى طريق الهدى والرشاد، وبضمها جمع سنة نضير قرب وقربة أي طرائق الهدى والإسلام أي أحكامه وشرائعه. وذكر أهل الأصول أن السنة نوعان: سنة الهدى أي مكمل الدين وتاركها مسيء يستحق اللوم كالجماعة والأذان والإقامة، وسنة الزوائد وتاركها لا يستحقه كَسِيَرِ النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم في لباسه وقعوده وقيامه ونومه وأكله وشربه، قيل اختيار لفظ الجمع هنا، ولفظ الإفراد في الأوَّل إيماء إلى قلة سنة الهدى وكثرة الزوائد اهـ من بعض الهوامش (وإن من سنن الهدى الصَّلاة) جماعةَ (في المسجد الذي يؤذن فيه). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [550] والنَّسائيُّ [2/ 107 و 109] وابن ماجة [777]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة على حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1380 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا الفضل بن دكين) التميمي مولاهم أبو نعيم الكوفيّ مشهور بكنيته، واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير، ثقة، من (9) (عن أبي العميس) مصغرًا عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفيّ، ثقة، من (7) (عن علي بن الأقمر) بن عمرو بن الحارث الهمداني الوادعي أبي الوازع الكوفيّ، روى عن أبي الأحوص في الصَّلاة والفتن، وأبي جحيفة وابن عمر وأسامة بن شريك، ويروي عنه (ع) وأبو عميس وشعبة ومنصور والأعمش ومسعر، وثقه ابن معين والعجليّ والنَّسائيُّ ويعقوب بن سفيان وابن خراش والدارقطني، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة الكوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفيّ. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة علي بن الأقمر لعبد الملك بن عمير في

قَال: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا .. فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيثُ يُنَادَى بهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ. وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدِ مِنْ هَذهِ الْمَسَاجِدِ إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُل خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً. ويرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً. وَيحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً. وَلَقَدْ رَأَيتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلا مُنَافِقٌ، مَعْلُومُ النِّفَاقِ. وَلَقْد كَانَ الرَّجُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية هذا الحديث عن أبي الأحوص (قال) عبد الله (من سره) وبشره وأحبه (أن يلقى الله غدًا) أي يوم القيامة (مسلمًا) أي كاملًا (فليحافظ) أي فليواظب (على) أن يصلِّي (هؤلاء الصلوات) الخمس (حيث ينادى بهن) أي في المساجد والأماكن التي يؤذن لهن فيها كالمدارس والربط والمحافل (فإن الله) سبحانه وتعالى (شرع) وسن (لنبيكم) محمَّد (صَلَّى الله عليه وسلم سنن الهدى) شرائع الإسلام (وإنهن) أي وإن أداء تلك الصلوات في المحال التي يؤذن لهن فيها (من سنن الهدى) وشرائع الدين التي أمر الله تعالى بها نبيكم فاقتدوا به فيها (ولو أنكم) أيه المسلمون (صليتم) تلك الصلوات (في بيوتكم) ومنازلكم (كما يصلِّي هذا المتخلف) عن الجماعة (في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم) عن طريق الهدى، والضلال ضد الهدى، وأصله من ضل عن الطَّريق إذا أخطأ وعدل عنه، قال الخطابي: معناه أنَّه يؤديكم إلى الضلال بأن تتركوا عرى الإسلام شيئًا فشيئًا حتَّى تخرجوا عن الملة اهـ. قال القرطبي: وهذا يصلح أن يتمسك به من قال إن إقامة الجماعة للصلوات فرض على الكفاية، ويصلح لمن يقول أنَّها سنة، ويكون إطلاقُه الضلال على التاركين لها إذا تمالؤوا على تركها كما قدمناه اهـ (وما من رجل يتطهر) في بيته (فيحسن الطهور) بآدابها وشروطها (ثم يعمد) ويقصد (إلى مسجد من هذه المساجد) التي بنيت للصلاة فيها (إلا كتب الله له) أي لذلك الرجل (بكلِّ خطوة يخطوها) إلى المسجد (حسنة ويرفعه) أي يرفع لذلك الرجل (بها) أي بتلك الخطوة (درجة وبحط) أي يضع (عنه بها) بتلك الخطوة (سيئة) أي معصية من الصغائر (و) الله (لقد رأيتنا) أي رأيت أنفسنا معاشر الصّحابة مواظبين على الصَّلاة فيها (و) الحال أنه إمَّا يتخلف) أي ما يتأخر (عنها) أي عن الصَّلاة (إلَّا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل)

يُؤْتَى بهِ يُهَادَى بينَ الرَّجُلَينِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ منا (يؤتى به) أي يجاء به إلى المساجد ليصلي فيها حالة كونه (يهادى) أي يمشي به (بين الرجلين) لمرضه بالبناء للمجهول؛ أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما قاله النواوي، وقال ابن الأثير في النهاية: معناه يمشي بينهما معتمدًا عليهما من ضعفه وتمايله، من تهادت المرأة في مشيتها إذا تمايلت اهـ. وقال الخطابي: أي يرفد من جانبيه ويؤخذ بعضديه يتمشى به إلى المسجد اهـ (حتَّى يقام) به (في الصف) ليصلي مع الجماعة، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث عبد الله بن مسعود، وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. * * *

298 - (12) باب كراهية الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن

298 - (12) باب: كراهية الخروج من المسجد إذا أذن المؤذِّن 1381 - (619) (30) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أبِي الشَّعْثَاءِ؛ قَال: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيرَةَ. فأذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي. فَأتْبَعَهُ أَبُو هُرَيرَةَ بَصرَهُ حتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 298 - (12) باب كراهية الخروج من المسجد إذا أذن المؤذِّن 1381 - (619) (30) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفيّ، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن إبراهيم بن المهاجر) بن جابر البجلي أبي إسحاق الكوفيّ، صدوق لين الحفظ، من (5) روى عنه في (2) بابين (عن أبي الشعثاء) سليم بن أسود بن حنظلة المحاربي الكوفيّ، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الوضوء والصلاة (قال) أبوالشعثاء (كُنَّا قعودًا في المسجد) النبوي (مع أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا أبا هريرة (فأذن المؤذِّن فقام رجل) فخرج (من المسجد) حالة كونه (يمشي) إلى البلدة (فأتبعه) أي فألحقه (أبو هريرة بصره) أي نظر إليه بعينه لا يلتفت عنه (حتَّى خرج) الرجل (من المسجد) واستتر عنهم (فقال أبو هريرة: أما هذا) الرجل الخارج من المسجد بعد الأذان (فقد عصى أبا القاسم) محمدًا (صَلَّى الله عليه وسلم) أي خالفه في سنته وشريعته، فإن الخروج من المسجد بعد الأذان ليس في شريعته، فدل هذا الأثر على كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان، لأنَّ قوله (فقد عصى أبا القاسم) محمول على أنَّه حديث مرفوع إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بدليل ظاهر نسبته إليه في معرض الاحتجاج به وما كان يليق بواحد منهم أن ينسب إليه صَلَّى الله عليه وسلم ما ليس منه للذي علم من دينهم وأمانتهم وضبطهم وبعدهم عن التدليس ومواقع الإبهام، وكأنه سمع منه ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان، فأطلق لفظ المعصية، فإذا ثبت هذا استثمر منه أن من دخل المسجد لصلاة فرض فأذن مؤذن ذلك الوقت حرم عليه أو كره له أن يخرج منه لغير ضرورة حتَّى يصلِّي فيه تلك الصَّلاة لأنَّ ذلك المسجد معين لتلك الصَّلاة، أو لأنَّه إذا خرج قد يمنعه مانع من الرجوع إليه أو الذهاب إلى غيره فتفوته الصَّلاة جماعة اهـ من

1382 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، (هُوَ ابْنُ عُيَينَةَ)، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ، وَرَأَى رَجُلًا يَجْتَازُ الْمَسْجِدَ خَارِجًا، بَعْدَ الأَذَانِ، فَقَال: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [5361] والترمذي [204] والنسائي [2/ 29] وابن ماجة [733]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1382 - (00) (00) (وحدثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله (المكيِّ) صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا سفيان هو ابن عيينة) الهلالي أبو محمَّد الأعور الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (25) بابا (عن عمر بن سعيد) بن مسروق الثوري أخي سفيان الثوري الكوفيّ، روى عن أشعث بن أبي الشعثاء في الصَّلاة، وأبيه في الزكاة والضحايا، والأعمش، ويروي عنه (م د س) وسفيان بن عيينة وأبو بكر بن عياش، وثقه النَّسائيّ، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن الأسود (المحاربي) الكوفيّ، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي الكوفيّ (قال سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بيان متابعة أشعث بن أبي الشعثاء لإبراهيم بن المهاجر في رواية هذا الحديث عن أبي الشعثاء، وفائدتها تقوية السند الأول وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة، قال أبو الشعثاء سمعت أبا هريرة (و) الحال أنه (رأى رجلًا يجتاز) أي يمر ويعبر (المسجد) أي في المسجد، قال في اللسان: والاجتياز السلوك والمجتاز مجتاب الطَّريق ومجيزه اهـ، حالة كونه (خارجًا) منه (بعد الأذان فقال) أبو هريرة (أما هذا) الخارج من المسجد (فقد عصى أبا القاسم صَلَّى الله عليه وسلم). قال الطيبي: أما للتفصيل يقتضي شيئين فصاعدًا، والمعنى أما من ثبت في المسجد وأقام الصَّلاة فيه فقد أطاع أبا القاسم، وأمَّا هذا فقد عصى اهـ، وقال القارئ: رواه أحمد وزاد: "ثم قال: وأمرنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتَّى يصلِّي" وإسناده صحيح اهـ، قال الحافظ: وفيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان وهذا محمول على من خرج بغير ضرورة، وأمَّا إذا كان الخروج من المسجد للضرورة فهو جائز، وذلك مثل أن يكون محدثًا أو جنبًا أو كان حاقنًا أو حصل به رعاف أو نحو ذلك، أوكان إمامًا بمسجد آخر، وقد أخرجه الطّبرانيّ في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ولفظه "ولا يسمع النداء في مسجدي، ثم يخرج منه إلَّا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلَّا منافق" وذكر بعضهم أن هذا موقوف، وذكر أبو عمر النمري أنَّه مسند عنهم وقال: لا يختلفون في هذا وذاك أنَّهما مسندان مرفوعان يعني هذا، وقول أبي هريرة ومن لم يجب يعني الدعوة فقد عصى الله ورسوله اهـ من العون. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث أبي هريرة، وذكر فيه متابعة واحدة. ***

299 - (13) باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة

299 - (13) باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة 1383 - (620) (31) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُوميُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (وَهُوَ ابْنُ زِيادٍ)، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ. قَال: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ. فَقَعَدَ وَحْدَهُ. فَقَعَدْتُ إِلَيهِ. فَقَال: يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ .. فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيلِ. وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ .. فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيلَ كُلُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 299 - (13) باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة 1383 - (620) (31) (حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا المغيرة بن سلمة) القرشي (المخزومي) أبو هشام البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدَّثنا عبد الواحد وهو ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدَّثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف -مصغرًا- الأنصاري الأوسي أبو سهل المدني ثم الكوفيّ، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة) الأنصاري النجاري، قاص أهل المدينة المدني، روى عن عثمان بن عفَّان في الصَّلاة، وأبي هريرة في الزكاة والرحمة والزهد، يزيد بن خالد الجهني في الأحكام، ويروي عنه (ع) وعثمان بن حكيم وشريك بن أبي نمر وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وعبد الله بن عمرو بن عثمان، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: يقال ولد في عهد النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة (قال) عبد الرحمن (دخل عثمان بن عفَّان) القرشي الأموي أمير المؤمنين رضي الله عنه (المسجد) النبوي (بعد صلاة المغرب) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد مروزي (فقعد) فيه حالة كونه (وحده) أي منفردًا عن النَّاس (فقعدت إليه) أي جنبه (فقال) عثمان لي (يا ابن أخي) نداء شفقة أو أخوة الدين (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: من صَلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل) أي كأجر قيامه؛ أي نصف ليلة لم يصل فيها العشاء والصبح جماعة إذ لو صَلَّى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام قاله في المفهم (ومن صَلَّى الصبح) أي والعشاء (في جماعة فكأنما صَلَّى الليل كله) يعني أن كل

1384 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأسَدِيُّ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَهْل عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 1385 - (621) (32) وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثنَا بِشْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد يقوم مقام نصف ليلة، وأن اجتماعهما يقوم مقام ليلة، ويدل على هذا رواية أبي داود ولفظه "من صَلَّى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صَلَّى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة" وبعضهم جعل حديث مسلم على ظاهره، وأن جماعة العتمة توازي في فضيلتها قيام نصف ليلة، وصلاة الصبح في جماعة توازي في فضيلتها قيام ليلة اهـ عون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 58] وأبو داود [555] والترمذي [221]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان رضي الله عنه فقال: 1384 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب) النَّسائيّ (حدَّثنا محمَّد بن عبد الله) بن الزُّبير بن عمرو بن درهم (لأسدي) الزبيري مولاهم أبو أحمد الكوفيّ، ثقة، من (9) روى عنه في (10) (ح وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (قال حدَّثنا عبد الرَّزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من محمَّد بن عبد الله وعبد الرَّزاق (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفيّ، ثقة، من (7) (عن أبي سهل عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف الأنصاري المدني الكوفيّ، ثقة، من (5) (حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة) الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه (مثله) أي مثل ما حدث عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان الثوري لعبد الواحد بن زياد في رواية هذا الحديث عن عثمان بن حكيم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عثمان بن عفَّان بحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 1385 - (621) (32) (وحدثني نصر بن علي) بن نصر بن صهبان الأزدي أبو عمر البصري (الجهضمي) ثقة ثبت، من (10) (حدَّثنا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي

عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَنس بْنِ سِيرِينَ؛ قَال: سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ .. فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ. فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءِ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (عن خالد) بن مهران المجاشعي أبي المنازل الحذاء البصري، ثقة، من (5) (عن أنس بن سيرين) أخي محمَّد الأنصاري، مولاهم مولى أنس بن مالك أبي عبد الله البصري، ثقة، من (3) (قال) أنس (سمعت جندب بن عبد الله) بن سفيان البجلي أبا عبد الله الكوفيّ ثم البصري ثم المصري رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من صَلَّى الصبح) بإخلاص مع الجماعة (فهو في ذمة الله) تعالى وأمانه وجواره؛ أي قد استجار بالله تعالى، والله تعالى قد أجاره، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بشر أو أذىً، فمن فعل ذلك فالله يطلب بحقه ومن طلبه لم يجد مفرًا ولا ملجأ اهـ من المفهم، وفي بعض الهوامش قوله (فهو في ذمة الله) أي في أمانه في الدُّنيا والآخرة، وهذا الأمان غير الأمان الذي ثبت بكلمة التَّوحيد، وإنَّما خص صلاة الصبح بالذكر، لأنَّ فيها كلفةً لا يواظب عليها إلَّا خالص الإيمان فيستحق أن يدخل تحت الأمان (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) من إمَّا تعليلية، والكلام على حذف مضاف؛ والمعنى فلا يطلبنكم الله لأجل ترك ذمته بشيء أو بيانية، والجار والمجرور حال مقدمة عن شيء؛ والمعنى ولا يطلبنكم الله بشيء حال كونه من ذمته، ظاهره نهي عن مطالبة الله لكن المراد به النَّهي عما يوجب مطالبة الله، وهو التعرض بمكروه لمن يصلِّي الصبح أو هو ترك صلاة الصبح هذا على تقدير أن يراد بالذمة في قوله من ذمته نفس الصَّلاة من حيث إنَّها موجبة للذمة فمعناه لا تضيعوا صلاة الصبح، وقوله (فيدركه) بالنصب بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النَّهي، والضمير البارز في يدركه عائد على واحد مفهوم من الجمع السابق والتقدير فلا يطلبن الله واحدًا منكم بشيء من ذمته فيأخذه فيكبه في نار جهنم؛ أي فيدركه الله ويأخذه ولا يفوته (فيكبه) أي يسقطه على وجهه (في نار جهنم) يقال كبه إذا صرعه فأكب هو على وجهه وهذا من النوادر لأنَّ ثلاثيه متعد ورباعيه لازم اهـ من المبارق. وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين، وترغيب في حضور صلاة الصبح جماعة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 313] والترمذي [222].

1386 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَال: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْقَسْرِيَّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ. فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، فَإِنَّهُ مَن يَطلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيء يُدركهُ. ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه فقال: 1386 - (00) (00) (وحدثنيه يعقوب بن إبراهيم الدورقي) البغدادي، ثقة، من (10) (حدَّثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري، ثقة، من (5) (عن أنس بن سيرين) الأنصاري، ثقة، من (3) (قال) أنس (سمعت جندبًا) ابن عبد الله البجلي (القسري) -بفتح القاف وسكون السِّين- رضي الله عنه غرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن علية لبشر بن المفضل في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء، حالة كون جندب (يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "من صَلَّى صلاة الصبح" جماعةً أو فردًا (فهو في ذمة الله) تعالى وأمانه (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) أي بترك شيء من أمانته للمؤاخذة عليها (فإنَّه) أي فإن الشأن والحال (من يطلبه) الله سبحانه وتعالى (من ذمته بشيء) أي بترك شيء من ذمته للمؤاخذة عليها، فمن شرطية جوابها قوله (يدركه) الله سبحانه أي يأخذه ولا يفوته (ثم يكبه) ويسقطه (على وجهه في نار جهنم) قوله (فإنَّه) الضمير فيه للشأن، وخبرها جملة من الشّرطيّة في قوله (من يطلبه) الضمير المستكن فيه عائد على الله والبارز لمن الشّرطيّة و (من ذمته) أبيان مقدم لقوله (بشيء) وقوله (يدركه) جواب الشرط (ثم يكبه على وجهه) معطوف على يدركه (في نار جهنم) متعلق بيكبه؛ والمعنى فإن الشأن والحال من يطلب الله سبحانه وتعالى إياه للمؤاخذة بشيء من ذمته وأمانته يدركه الله ولا يفوته فيكبه في نار جهنم. وقوله في هذه الطَّريق (جندبًا القسري) قال المازري: كذا للجلودي وغلطه غيره لأنَّ قسرًا غير معروف في نسب جندب، وإنَّما هو بجلي علقي، وعلقة بطن من بجيلة، قال الحافظ أبو منصور: هو علقة بن عبقر بن بجيلة، وقسر هو أخو علقة؛ لأنَّه قسر بن

1387 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ: "فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ": ـــــــــــــــــــــــــــــ عبقر بن بجيلة، قال القاضي عياض: لعل له حلفًا في قسر أو سكنى أو جوارًا فنسب إليهم لذلك، أو لعل بني علقة انتسبوا نسبة بني عمهم كغير واحد من القبائل ينتسبون بنسبة بني عمهم لشهرتهم أو كثرتهم اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه فقال: 1387 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدَّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطيِّ، ثقة، من (9) (عن داود بن أبي هند) دينار القشيري، مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (5) (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري، مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة، من (3) (عن جندب بن سفيان) البجلي الكوفي؛ هذه الرِّواية نسب إلى جده سفيان، وفي الرّواية السابقة نسب إلى أبيه عبد الله بن سفيان. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الحسن البصري لأنس بن سيرين في رواية هذا الحديث عن جندب بن، عبد الله (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بهذا) الحديث، الجار والمجرور متعلق بما عمل في المتابع وهو الحسن أي حدَّثنا الحسن عن جندب بهذا الحديث الذي رواه أنس بن سيرين عن جندب (و) لكن (لم يذكر) الحسن لفظة (فيكبه في نار جهنم). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأوَّل حديث عثمان ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثَّاني حديث جندب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين. * * *

300 - (14) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

300 - (14) باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر 1388 - (622) (33) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَاب؛ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ الأنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، مِنَ الأَنْصَارِ؛ أنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي. وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي. وَإِذَا كَانَتِ الأمطَارُ سَال الْوَادِي الَّذِي بَينِي وَبَينَهُمْ. وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ. فَأُصَلِّيَ لَهُمْ. وَدِدْتُ أَنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي مُصَلَّى، فَأتَّخِذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 300 - (14) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر 1388 - (622) (33) (حدثني حرملة بن يَحْيَى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمَّد بن مسلم (ابن شهاب) الزُّهريّ المدني (أن محمود بن الرَّبيع) بن سراقة بن عمرو (الأنصاري) الخزرجي أبا نعيم المدني، صحابي صغير، جل روايته عن الصّحابة (حديثه) أي حدث لابن شهاب (أن عتبان بن مالك) بن عمرو الأنصاري الخزرجي السلمي المدني صحابي مشهور، ذهب بصره على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (وهو من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) أي ممن يلازمه (ممن شهد بدرًا من الأنصار أنَّه) أي أن عتبان (أتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي جاءه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والأننة، ورواية صحابي عن صحابي أي أن عتبان جاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (فقال) له (يا رسول الله إنِّي قد أنكرت) حال (بصري) وعرفت ضعفها؛ والمعنى عميت بعد أن لم أكن كذلك (وأنا أصلي) إمامًا (لقومي) في مسجدنا (وإذا كانت الأمطار) وحصلت (سال الوادي) أي سيله ففيه مجاز عقلي من إسناد ما للحال إلى المحل، والوادي مسيل للماء (الذي) صفة للوادي (بيني) أي بين منزلي (وبينهم) أي وبين مسجدهم (ولم أستطع) أي لم أقدر بسبب السيل (أن آتي) وأحضر (مسجدهم فأصلي) فيه إمامًا (لهم) أي لقومي فـ (وددت) أي أحببت (أنك يا رسول الله تأتي) وتحضر بيتي (فتصلي) لي (في مصلى) أي في مكان معين لصلاتك فيها (فأتخذه) أي فأتخذ المكان

مُصَلّى. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ". قَال عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ. فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأذِنْتُ لَهُ. فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيتَ. ثُمَّ قَال: "أَينَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيتِكَ؟ " قَال: فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيتِ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ. فَقُمْنَا وَرَاءَهُ. فَصَلَّى رَكْعَتَينِ ثُمَّ سَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي صليت فيه وأجعله (مصلى) لنفسي؛ أي مكانًا لصلاة نفسي إذا عجزت عن الخروج إلى المسجد بسبب الأمطار، فيه التبرك بآثار الصَّالحين وإجابتهم لما يسئلون من ذلك، وفيه إباحة التخلف عن الجماعة لضعف بصر أو مطر (قال) عتبان بن مالك (فقال) لي (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سأفعل) في الزمن القريب ما طلبته مني (إن شاء الله) سبحانه وتعالى (قال عتبان) بن مالك (فغدا) أي بكر (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر الصِّديق) رضي الله عنه إلى منزلي (حين ارتفع النهار) أي ارتفعت شمسه في السماء (فاستأذن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي طلب الإذن له في الدخول (فأذنت له) في الدخول (فلم يجلس) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (حتَّى دخل البيت) قال القاضي عياض: كذا لجميعهم، وقال بعضهم: صوابه فلم يجلس حين دخل البيت، وهذا تعسف لصحة معنى الأوَّل أي فلم يجلس في الدار حتَّى بادر إلى قضاء ما دعي له من الصَّلاة في البيت، فدخل البيت (ثم قال) ثم بمعنى الفاء أي فقال (أين تحب أن أصلي) لك (من بيتك قال) عتبان (فأشرت) له (إلى ناحية من البيت) أي إلى جانب منه (فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فكبّر) للإحرام (فقمنا) نحن أهل الدار (وراءه) أي خلفه صَلَّى الله عليه وسلم (فصلى ركعتين ثم سلم) من صلاته، قال القاضي عياض: فيه اتخاذ المساجد في الدور، قيل وفيه إمامة الزائر لكن بإذن رب المنزل فلا يعارض حديث النَّهي عن ذلك، وليس فيه ذلك لأنَّه صَلَّى الله عليه وسلم أحق بالإمامة حيث حل، وقد قالوا: إن الأمير أحق من رب المنزل إذا حضر فكيف به صَلَّى الله عليه وسلم وهو حق لصاحب المنزل مع غيره صَلَّى الله عليه وسلم فإذا قدم غيره جاز. قال النواوي: فيه التزام الصَّلاة بموضع معين، وإنَّما يكره ذلك في المسجد عند خوف الرياء، وفيه أنَّه لا بأس أن يجعل الرجل في بيته مسجدًا يصلِّي فيه، قال ابن رشد: ويحترم احترام

قَال: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ لَهُ. قَال: فَثَابَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ حَوْلَنَا. حَتَّى اجْتَمَعَ فِي الْبَيتِ رِجَالٌ ذَوُو عَدَدٍ. فَقَال قَائلٌ مِنْهُمْ: أينَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَال بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد، وقال ابن عرفة؛ ليست له حرمة المسجد اهـ من الأبي. (قال) عتبان بن مالك: فأراد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الذهاب والرجوع إلى منزله (وحبسناه) صَلَّى الله عليه وسلم أي منعناه من الرجوع (على خزير) أي لأجل تناول خزير (صنعناه) أي صلحناه (له) صَلَّى الله عليه وسلم أي لضيافته وقراه، قال النواوي: الخزير هو بالخاء المعجمة والزاي آخره راء، ويقال فيه خزيرة بالهاء، قال القاضي عياض: الخزيرة لحم يقطع صغارًا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، قال أبو الهيثم: إن كانت من دقيق فهي هريرة بالحاء المهملة والراء المكررة، وإن كانت من نخالة فهي خزيرة بالخاء المعجمة والزاي والراء، قال النضر: الخزيرة بالخاء المعجمة من النخالة، والحريرة بالحاء المهملة والراء المكررة من اللبن، وقال ابن السكيت: الخزيرة بالخاء المعجمة؛ التلبينة من لبن ومن ماء ودقيق، وقد سماها في الرّواية الآتية جشيشة، قال شمر: الجشيشة هي أن تطحن الحنطة قليلًا، ثم يلقى فيها لحم أو تمر فيطبخ فيه اهـ من الأبي بزيادة (قال) عتبان (فثاب) أي اجتمع (رجال من أهل الدار) أي من أهل الحارة الكائنة (حولنا) أي جنبنا لما سمعوا حضور رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، والمراد بالدار هنا المحلة (حتَّى اجتمع في البيت) أي في بيتنا ومنزلنا (رجال ذوو عدد) كثير، قال النواوي: فيه أنَّه يستحب لأهل المحلة إذا دخل رجل صالح لمنزل بعضهم أن يجتمعوا إليه لزيارته وإكرامه والانتفاع منه أن (فقال قائل منهم) أي من المجتمعين في البيت (أين مالك بن الدخشن) أما سمع حضور رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (فقال بعضهم) أي بعض الحاضرين في جواب ذلك السائل (ذلك) الرجل الذي سألت عنه (منافق لا يحب الله ورسوله) قال فيه ذلك على وجه التعريف لا على وجه التنقيص؛ لأنَّه على التنقيص يكون غيبة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهذا القائل (لا تقل له) أي لمالك بن الدخشن؛ أي لا تقل فيه (ذلك) القول يعني قوله منافق لا يحب الله ورسوله، واللام هنا بمعنى في؛ أي

أَلا تَرَاهُ قَدْ قَال: لَا إِلَهَ إلا اللهُ. يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟ " قَال قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَإِنَّمَا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ لِلْمُنَافِقِينَ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَإِن اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ". قَال ابْنُ شِهَاب: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَينَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ، وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ، عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ. فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تقل في حقه ذلك القول (ألا تراه) أي ألم تر أيها القائل مالك بن الدخشن ولم تعلم أنه (قد قال لا إله إلا الله) حالة كونه (يريد) ويقصد (بذلك) القول (وجه الله) سبحانه وتعالى (قال) عتبان (قالوا) أي قال القوم الحاضرون (الله ورسوله أعلم) هل قاله صدقًا أو نفاقًا (قال) الرجل القائل: إنه منافق (فإنما نرى) أي ولكن إنما نرى (وجهه) وإقباله على المنافقين لا على المؤمنين (و) نرى (نصحيته للمنافقين) لا للمؤمنين (قال) عتبان (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله) سبحانه (قد حرم على النار) دخولًا أو دومًا (من قال لا إله إلا الله) مع عديلتها محمد رسول الله، حالة كونه (يبتغي) ويطلب (بذلك) القول (وجه الله) سبحانه ورضاه لا نفاقًا ولا رياءً ولا اتقاءً من السيف (قال ابن شهاب) بالسند السابق (ثم) بعد ما سمعت هذا الحديث من محمود بن الربيع (سألت الحصين) مصغرًا (بن محمد الأنصاري) السالمي -بكسر اللام- نسبة إلى سالم بن عوف بطن من الأنصار المدني (وهو أحد بني سالم) بن عوف (وهو) أي حصين بن محمد (من سراتهم) وساداتهم وأشرافهم، جمع سري بمعنى سيد وشريف وهو جمع نادر، أي سألته (عن حديث محمود بن الربيع فصدقه) أي فصدق الحصين محمودًا (بذلك) أي في ذلك الحديث، ولم يرو عن حصين بن محمد هذا الحديث غير الزهري، وقال في التقريب: صدوق الحديث، من الثانية، لم يرو عنه غير الزهري، ويروي عنه (خ م). وفي هذا الحديث أنه أباح له الصلاة في بيته لتحقيق عذره، ولأن مثل هذا لا يقدر على الوصول إلى المسجد مع الأمطار وسيل الوادي وكونه أعمى، وهذا بخلاف عذر الأعمى الذي في حديث أبي هريرة المتقدم إذ قال له: لا أجد لك رخصة، وقد تقرر الإجماع المتقدم على أن من تحقق عذره أبيح له التخلف عن الجماعة والجمعة، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 44] والبخاري [6422] والنسائي [2/ 80].

1389 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَال: حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ رَبِيعٍ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ. قَال: أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال رَجُلٌ: أَينَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ أَو الدُّخَيشِنِ؟ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَال مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَفَرًا، فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ. فَقَال: مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: مَا قُلْتَ. قَال: فَحَلَفْتُ، إِنْ رَجَعْتُ إِلَى عِتْبَانَ. أَنْ أَسْأَلَهُ. قَال: فَرَجَعْتُ إِلَيهِ فَوَجَدْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه فقال: 1389 - (00) (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي (كلاهما عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (قال أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر ليونس في رواية هذا الحديث عن الزهري (قال) الزهري (حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال) عتبان (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق) معمر (الحديث) السابق (بمعنى حديث يونس) أي بمثل معنى حديث يونس لا بلفظه، وقوله (غير أنه قال) استثناء من المماثلة في المعنى أي لكن أن معمرًا قال في روايته (فقال رجل) من الحاضرين (أين مالك بن الدخشن أو) قال مالك بن (الدخيشن) بالشك على أنه مصغر أم لا (وزاد) عمر (في الحديث) المذكور على يونس جملة قوله (قال محمود) بن الربيع إلى آخره (فحدثت بهذا الحديث) الذي سمعته من عتبان (نفرًا) أي جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيهم) أي في أولئك النفر (أبو أيوب الأنصاري) النجاري المدني، اسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة (فقال) أبو أيوب (ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت) يا محمود (قال) محمود (فحلفت إن رجعت إلى عتبان أن أساله) في الكلام تقديم وتأخير، أي قال محمود فحلفت على أن أسال عتبان عن هذا الحديث إن رجعت إليه ولاقيته، ويحتمل كون إن بمعنى إلا والمعنى فحلفت إلا رجعت إلى عتبان فأساله عن هذا الحديث الذي أنكروه علي (قال) محمود (فرجعت إليه) أي إلى عتبان (فوجدته) أي

شَيخًا كَبِيرًا قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَهُوَ إِمَامُ قَوْمِهِ. فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ. فَسَالْتُهُ عَنْ هذَا الْحَدِيثِ. فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ. قَال الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَائِضُ وَأُمُورٌ نَرَى أَن الأَمْرَ انْتَهَى إِلَيهَا. فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَغْتَرَّ فَلا يَغْتَرَّ. 1390 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. قَال: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ. قَال: إِنِّي لأَعْقِلُ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَلْوٍ فِي دَارِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فوجدت عتبان (شيخًا كبيرًا) السنن (قد ذهب بصره) وعمي (وهو) أي والحال أنه (إمام قومه فجلست إلى جنبه فسألته عن هذا الحديث) الذي حدثنيه أولًا (فحدثنيه) أي فحدثني هذا الحديث (كما حدثنيه أول مرة) من غير تغيير في لفظه ولا معناه، ولا زيادة ولا نقصان. (قال الزهري) بالسند السابق (ثم نزلت بعد ذلك) العمل الذي جرى من النبي صلى الله عليه وسلم لعتبان بن مالك (فرائض) أي أمور عزائم (وأمور) رخص (نرى) بفتح النون وضمها أي نظن أو نعلم (أن الأمر) الديني والحكم الشرعي (انتهى إليها) وتم بها (فمن استطاع) وقدر على (أن لا يغتر) بالرخص (فلا يغتر) بالرخص ولا يتتبعها، لأن تتبعها يؤدي إلى التساهل في الدين، والمعنى فمن أراد الاحتياط لدينه فليلزم العزائم ما استطاع ولا يلتفت إلى الرخص. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عتبان رضي الله عنه فقال: 1390 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي (قال حدثني الزهري، عن محمود بن الربيع) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأوزاعي ليونس ومعمر في رواية هذا الحديث عن الزهري (قال) محمود (إنِّي لأعقل) الآن وأعرف (مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم) في وجهي كما في رواية البخاري (من) ماء (دلو) بئر (في دارنا) والمج طرح الماء من الفم بالتزريق، قال القاضي: ومجه صلى الله عليه وسلم في وجه محمود فيه جواز ملاطفة الصبيان وتأنيسهم

قَال مَحْمُودٌ: فَحَدَّثَنِي عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَصَرِي قَدْ سَاءَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَينِ، وَحَبَسْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَشِيشَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ زَيادَةِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإكرام آبائهم بذلك، وجواز المزاح معهم كما مازح النبي صلى الله عليه وسلم أبا عمير، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن العشرة، قال بعضهم: ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أواد بذلك أن يحفظ محمود الواقعة فينقلها كما وقعت فيحصل له فضل نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة الصحبة، وكان حينئذ ابن أربع سنين وقيل خمس، وبحديث محمود هذا احتجوا على جواز سماع الصغير إذا عقل وتثبت ثم نقله في كبره، وجعل بعضهم هذا السن حدًّا في صحة سماعهم، وليس كذلك بل حتى يعقل كما عقل محمود مجه صلى الله عليه وسلم عليه (قال محمود: فحدثني عتبان بن مالك قال) عتبان (قلت: يا رسول الله إن بصري قد ساء) ونقص نوره (وساق) الأوزاعي (الحديث) السابق (إلى قوله) أي إلى قول عتبان (فصلى بنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ركعتين وحبسنا) أي منعنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الإياب (على جشيشة) أي لأجل تناول جشيشة (صنعناها) أي طبخناها (له) أي لأجل إطعامه صلى الله عليه وسلم، والجشيشة -بجيم مفتوحة وشينين أولاهما مكسورة- أن تطحن الحنطة طحنًا جيدًا ثم تجعل في القدر ويلقى عليها لحم أو تمر وتطبخ، وقد يقال لها دشيشة بالدال كذا في النهاية (ولم يذكر) الأوزاعي (ما بعده) أي ما بعد قوله صنعناها له (من زيادة يونس ومعمر) من قولهما، قال: فثاب رجال من أهل الدار حولنا الخ. قال النواوي: وفي حديث عتبان هذا فوائد كثيرة تقدمت في كتاب الإيمان منها أنه يستحب لمن قال سأفعل كذا أن يقول إن شاء الله للآية والحديث، ومنها التبرك بالصالحين وآثارهم، والصلاة في المواضع التي صلوا فيها وطلب التبريك منهم، ومنها أن فيه زيارة الفاضل المفضول، وحضور ضيافته، وفيه سقوط الجماعة للعذر، وفيه استصحاب الإمام والعالم ونحوهما بعض أصحابه في ذهابه، وفيه الاستئذان على الرجل في منزله وإن كان صاحبه وقد تقدم منه استدعاء، وفيه الابتداء في الأمور بأهمها لأنه صلى الله عليه وسلم جاء للصلاة فلم يجلس حتى صلى، وفيه جواز صلاة النفل جماعة، وفيه أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون مثنى كصلاة الليل وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه أنه يستحب لأهل المحلة وجيرانهم إذا ورد رجل صالح إلى منزل بعضهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يجتمعوا إليه ويحضروا مجلسه لزيارته وإكرامه والاستفادة منه، وفيه أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت، وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء، وفيه الذب عمن ذكر بسوء وهو برئ منه، وفيه أنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد، وفيه غير ذلك والله أعلم اهـ منه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عتبان بن مالك وذكر فيه متابعتين. ***

301 - (15) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات

301 - (15) باب: جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات 1391 - (623) (34) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن جَدَّتَهُ مُلَيكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ. فَأَكَلَ مِنْهُ. ثُمَّ قَال: "قُومُوا فَأُصَلِّيَ لَكُمْ" قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ. فَنَضَحْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 301 - (15) باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات 1391 - (623) (34) (حدثنا بحيى بن بحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (من إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد نيسابوري (أن جدته) أي روى مالك عن إسحاق أن جده إسحاق، فالضمير عائد على إسحاق لأن مليكة أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة وهي اسم أم أنس، ومالك هو قائل هذا القول، وقوله (مليكة) بضم الميم وفتح اللام وهي الرواية الصحيحة، وذكر ابن عتاب عن الأصيلي أنها مليكة -بفتح الميم وكسر اللام- بدل من جدته أو عطف بيان له، أي روى مالك عن إسحاق أن جدته مليكة وهي أم أنس أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري (دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام) أي لتناول طعام (صنعنه) أي صلحته وطبخته لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأكل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (منه) أي من ذلك الطعام (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده من أهل البيت (قوموا) للصلاة (فأصلي) إمامًا (لكم) أو للتبريك لكم، فأصلي بالنصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الأمر، وهي في تأويل مصدر معطوف على مصدر مُتَصيّدٍ من الجملة التي قبلها، نظير قولهم أقبل فأحسن إليك، والتقدير هنا ليكن قيامكم فصلاتي لكم (قال أنس بن مالك: فقمت إلى حصير لنا) وهو ما ينسج من خوص النخل يبسط في البيوت (قد اسود من طول ما لبس) واستعمل أي من طول مدة لبسه وافتراشه، وما مصدرية، ولبس بالبناء للمفعول صلتها، ولبس كل شيء بحسبه فمعنى اللبس هنا الافتراش، وقوله (فنضحته) أي

بِمَاءٍ. فَقَامَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلًمَ. وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ. وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا. فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَينِ. ثُمَّ انْصَرَفَ. 1392 - (624) (35) وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نضحت ذلك الحصير ورششته، والنضح الرش (بماء) ليلين ويذهب عنه الغبار، معطوف على قمت، قال إسماعيل بن إسحاق: إنما نضحه ليلين وليتوطأ للصلاة، والأظهر قوله إن ذلك إما لنجاسة متيقنة فيكون النضح هنا غسلًا أو متوقعة لامتهانه بطول افتراشه فيكون رشًا لزوال الشك وتطييب النفس، وهذا هو الأليق لا سيما وقد كان عندهم أبو عمير أخو أنس طفلًا صغيرًا حينئذ اهـ من المفهم (فقام عليه) أي على الحصير (رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم) معطوف على ضمير الفاعل لتأكيده بضمير رفع منفصل، قال المنذري: واليتيم هو ابن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبيه صحبة وعدادهما في أهل المدينة اهـ. وقال النواوي: هذا اليتيم اسمه ضمير بن سعد الحميري اهـ والله أعلم (وراءه) صلى الله عليه وسلم، وهذا حجة لكافة أهل العلم في أن هذا حكم الاثنين خلف الإمام، وحجة على أبي حنيفة والكوفيين إذ يقولون: يقومان عن يمينه ويساره (و) صفت (العجوز) وهي أم أنس أم سليم (من ورائنا) وهذا حكم قيام المرأة خلف الإمام ولا خلاف فيه، ويجوز أن يستدل به على أن المرأة لا تؤم الرجال، لأنها إذا كان مقامها في الائتمام متأخرًا عن مرتبة الرجال فأبعد أن تتقدمهم وهو قول الجمهور خلافًا للطبري وأبي ثور في إجازتهما إمامة النساء للنساء والرجال جملة، وحكي عنهما إجازة ذلك في التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها، واختلف في إمامتها النساء فذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة من العلماء إلى منع إمامتها للنساء، وأجاز ذلك الشافعي، وفيه رواية شاذة عن مالك اهـ من المفهم (فصلى) إمامًا أو تبريكًا (لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف) قال الحافظ: أي إلى بيته أو من الصلاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 131 و 165] والبخاري [380] وأبو داود [612] والترمذي [234] والنسائي [2/ 56 - 57]. قال النواوي: وفي هذا الحديث إجابة للدعوة وإن لم تكن وليمة عرس، ولا خلاف في أن إجابتها مشروعة لكن هل إجابتها واجبة، أم فرض كفاية، أم سنة؟ فيه خلاف مشهور لأصحابنا وغيرهم، وظاهر الأحاديث الإيجاب، وسنوضحه في بابه إن شاء الله تعالى اهـ منه.

الْوَارِثِ. قَال شَيبَانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. فَرُبَّمَا تَحْضُرُ الصَّلاةُ وَهُوَ فِي بَيتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ. ثُمَّ يُنْضَحُ، ثُمَّ يَؤُمُّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا. وَكَانَ بِسَاطُهُمْ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه جواز صلاة الجماعة في النافلة، وجواز صلاة المنفرد خلف الإمام لأن المرأة قامت من ورائهما، وفيه دليل على وجوب ترتيب مواقف المأمومين وأن الأفضل يقدم على من دونه في الفضل، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى" وفيه جواز الصلاة على الحصير إلى غير ذلك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 1392 - (624) (35) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي -بفتحتين- أبو محمد الأبلي، صدوق، من (9) (وأبو الربيع) سليمان بن داود العتكي الزهراني البصري، ثقة، من (10) (كلاهما عن عبد الوارث) بن سعيد التميمي أبي عبيدة البصري، ثقة، من (8) (قال شيبان حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي -بضم ففتح- البصري، ثقة، من (5) (عن أنس بن مالك) الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا شيبان بن فروخ فإنه أبلي (قال) أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس) وأكرمهم (خلقا) وشيمةً وطبيعة (فربما تحضر الصلاة) تحتمل الفريضة والنافلة ويدخل وقتها (وهو) صلى الله عليه وسلم (في بيتنا) بيت أم أنس أم سليم (فيأمر) صلى الله عليه وسلم (بـ) كنس (البساط الذي تحته فيكنس) البساط أي يصفى من الغبار والقمامة (ثم ينضح) البساط ويرش بالماء ليلين (ثم يؤم) وفي بعض النسخ ثم يقوم؛ أي يكون إمامًا لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم) أهل البيت (خلفه) صلى الله عليه وسلم (فيصلي بنا وكان بساطهم) أي بساط أهل بيتنا يومئذ حصيرًا منسوجًا (من) خوص (جريد النخل) وأغصانه، والخوص أوراق النخل، والجريد أغصانه، ويحتمل أن يكون الكلام

1393 - (625) (36) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَينَا. وَمَا هُوَ إِلا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُ حَرامٍ خَالتِي. فَقَال: "قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ"- فِي غَيرِ وَقْتِ صَلاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ على ظاهره يعني أن البساط نسج من الجريد المشقق المقدد كالحبل فينسج بخيوط مثل زنبيل القصب، لأن الجريد هو غصن النخل المجرد من الخوص والورق. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من أصحاب الأمهات، لكن رواه أحمد [3/ 147 و 185] وفي الحديث أبواب من الفقه منها جواز الصلاة على الحصير وسائر ما تنبته الأرض وهذا مجمع عليه، وما روي عن عمر بن عبد العزيز من خلاف هذا محمول على استحباب التواضع لأن مباشرة الأرض بأعضاء السجود أبلغ في التواضع، وفيه حجة على أن من يعقل الصلاة من الصبيان حكمهم في القيام خلف الإمام حكم الرجال وهو مذهب الجمهور، وروي عن أحمد كراهة ذلك وقال: لا يقوم مع الناس إلا من بلغ، وروي عن عمر بن الخطاب وغيره أنه كان إذا أبصر صبيًّا في الصف أخرجه، وهذا عند الكافة محمول على من لا يعقل الصلاة ولا يكف عن العبث فيها اهـ مفهم إلى غير ذلك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 1393 - (625) (36) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان) بن المغيرة القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد نسائي (قال) أنس (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا) في بيتنا (وما هو) أي وما الشأن أو وما الموجود في البيت (إلا أنا وأمي) أم سليم (وأم حرام) بنت ملحان (خالتي) أي أخت أمي اسمها الغميصاء، وقيل الرميصاء (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوموا) يا أهل البيت (فلأصلي) إمامًا (بكم في غير وقت صلاة) أي في غير وقت فريضة، متعلق يقال، وفي بعض النسخ (فلأصلي لكم) وروي بستة

- فَصلَّى بِنَا. فَقَال رَجُلٌ لِثَابِتٍ: أَينَ جَعَلَ أَنسًا مِنْهُ؟ قَال: جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ دَعَا لَنَا، أَهْلَ الْبَيتِ، بِكُل خَيرٍ مِنْ خَيرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَقَالتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ، خُوَيدِمُكَ، ادْعُ اللهَ لَهُ. قَال: فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَال: "اللَّهمَّ أَكْثِرْ مَالهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أوجه: بياء مفتوحة ولام مكسورة على أنها لام كي، والفعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، واللام متعلقة بقوموا، والفاء زائدة على رأي الأخفش، وما بعدها خبر مبتدأ محذوف؛ أي قيامكم لأن أصلي بكم وبذلك أيضًا لكن بياء ساكنة تخفيفًا أو محذوف الياء على أن اللام لام الأمر أو محذوف اللام خبر مبتدأ محذوف أي فأنا أصلي، وبنون بدل الهمزة وحذف الياء على أن اللام لام الأمر، وبفتح اللام على أنها لام ابتداء، أو جواب قسم محذوف، والفاء واقعة في جواب شرط محذوف تقديره: إن قمتم فوالله لأصلي، قاله القاضي زكريا في شرح البخاري في باب الصلاة على الحصير (فصلى بنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين كما هو مصرح في الحديث السابق، قال سليمان بن طرخان (فقال رجل) معنا عند ثابت (لثابت أين جعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنسًا منه) أي من نفسه صلى الله عليه وسلم هل جعله عن يمينه أم عن يساره؟ (قال) ثابت للرجل السائل (جعله) أي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنسًا من نفسه (عن) جهة (يمينه) صلى الله عليه وسلم، قال أنس (ثم) بعد فراغه من الصلاة (دعا لنا أهل البيت) منصوب على الاختصاص؛ أي أخص أهل بيت أم سليم (بكل خير من خير الدنيا) كالمرأة الصالحة والرزق الواسع الحلال وكثرة الأولاد الأنجاب (و) خير (الآخرة) كالعلم النافع والعمل الصالح والدرجات العلا في الجنة، قال أنس (فقالت أمي) أم سليم (يا رسول الله خويدمك) تصغير خادم مبتدأ خبره (ادع الله) سبحانه (له) بخصوصه بخير الدنيا والآخرة (قال) أنس (فدعا لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بكل خير) من خير الدنيا والآخرة (وكان في آخر ما دعا لي به أن قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كان آخر دعائه بقوله (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له) أي لأنس (فيه) أي فيما أعطيته من المال والولد، وهذا حجة على جواز الدعاء في تكثير المال والولد، لكن مع الدعاء بالبركة والاجتهاد في كفاية الفتنة، وبذلك كمل لأنس خير الدنيا والآخرة، وهذا الحديث علم من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه استجيبت له

1394 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، سَمِعَ مُوسَى بْنَ أَنَسِ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالتِهِ. قَال: فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ دعوته فكثر ماله وولده، وبختم الدعاء بالبركة تمت الدعوة، وخلصه الله سبحانه وتعالى من الفتن، وفي الحديث التماس الدعاء من أهل الخير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 194] والبخاري [6334] والترمذي [3827]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 1394 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عبد الله بن المختار) البصري، روى عن موسى بن أنس في الصلاة، وزياد بن علاقة في الجهاد، والحسن ومعاوية بن قرة، ويروي عنه (م دس ق) وشعبة والحمادان، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من السابعة (سمع موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، قاضي البصرة، روى عن أنس في الصلاة وخلق النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهما، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن المختار في الصلاة، وشعبة في الصلاة، وحميد الطويل ومكحول الشامي وخلق، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (يحدث عن أنس ابن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة موسى بن أنس لثابت البناني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو) قال أنس صلى به وب (خالته) بدل أمه، والشك من موسى (قال) أنس (فأقامني عن يمينه وأقام المرأة) التي هي أمه أو خالته (خلفنا) أي خلفي وخلف النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس الأخير رضي الله عنه فقال:

1395 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ)، قَالا: حَدَّثنَا شُعْبَةُ. بِهذَا الإِسْنَادِ. 1396 - (626) (37) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ. كِلاهُمَا عَنِ الشيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ. قَال: حَدَّثَتنِي مَيمُونَةُ زَوجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1395 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري، غندر (ح وحدثنيه زهير بن حرب) النسائي (قال حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (قالا) أي قال كل من محمد بن جعفر وابن مهدي، وفي بعض النسخ (قال) وهو تحريف من النساخ (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به. . الخ مثله أي مثل ما روى معاذ بن معاذ، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن جعفر وابن مهدي لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس الأول بحديث ميمونة رضي الله تعالى عنها فقال: (1396 - (626) (37) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عباد بن العوام) ابن عمر بن عبد الله الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة، من (8) روى عنه في (5) أبواب (كلاهما) أي كل من خالد الطحان وعباد بن العوام رويا (عن) أبي إسحاق (الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز التابعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الله بن شداد) بن الهاد الليثي أبي الوليد المدني، وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة، من الثانية، روى عنه في (4) أبواب (قال حدثتني ميمونة) بنت الحارث الهلالية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها - وهذا

قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ. وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ. وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَةٍ. 1397 - (627) (38) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنِي سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللُّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا عِيسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد واسطي واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية (قال) ميمونة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) في الليل (وأنا) أي والحال أني راقدة (حذاءه) أي مقابله بكسر المهملة وبالمعجمة، وبالنصب على الظرفية، وفي رواية البخاري زيادة (وأنا حائض) جملة حالية (وربما أصابني ثوبه) صلى الله عليه وسلم (إذا سجد) وفي رواية البخاري زيادة (قالت) أي قالت ميمونة (وكان) النبي صلى الله عليه وسلم (يصلي على خمرة) -بضم الخاء المعجمة وسكون الميم- سجادة صغيرة من سعف النخل تزمل بخيوط، وسميت خمرة لأنها تستر وجه المصلي عن الأرض كتسمية الخمار لستره الرأس، واستنبط منه جواز الصلاة على الحصير، لكن روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه مبالغة في التواضع والخشوع كما مر، وأن بدن الحائض وثوبها طاهران، وأن الصلاة لا تبطل بمحاذاة المرأة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود وابن ماجه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس الأول بحديث أبي سعيد رضي الله عنهما فقال: 1397 - (627) (38) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي الضرير (ح وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى حديثة بلدة على الفرات (قال حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي قاضي الموصل، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا، حالة كون أبي معاوية وعلي بن مسهر (جميعا) أي مجتمعين في الرواية (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (له) أي لإسحاق (أخبرنا عيسى

ابْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: حَدَّثَنَا أبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَوَجَدَهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرِ يَسْجُدُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (حدثنا الأعمش عن أبي سفيان) القرشي مولاهم الإسكاف المكي، نزيل واسط، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذه الأسانيد الثلاثة من خماسياته رجال الأول منها ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد واسطي، ورجال الثاني منها اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد حدثاني، ورجال الثالث منها اثنان كوفيان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد مروزي، وفيها رواية صحابي عن صحابي (قال) جابر: (حدثنا أبو سعيد الخدري) الأنصاري المدني سعد بن مالك رضي الله عنه (أنه) أي أن أبا سعيد (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي على حصير) وهو ما اتخذ من سعف النخل وشبهه قدر طول الرجل وأكبر، حالة كونه (يسجد عليه) أي على الحصير بلا حائل، ولا يعارض هذا الحديث ما رواه ابن أبي شيبة وغيره عن يزيد بن المقدام عن أبيه عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير، والله تعالى يقول {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} فقالت: لم يكن يصلي على الحصير لضعف يزيد بن المقدام أورده لمعارضة ما هو أقوى منه اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه [1029]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أنس الأول ذكره للاستدلال على الترجمة، والثاني حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث ميمونة ذكره للاستشهاد، والخاص حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

302 - (16) باب فضل صلاة الجماعة وفضل انتظار الصلاة

302 - (16) باب: فضل صلاة الجماعة وفضل انتظار الصلاة 1398 - (628) (39) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيبٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. قَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. عَنْ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيتِهِ، وَصَلاتِهِ فِي سُوقِهِ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ أَن أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ. لا يَنْهَزُهُ إِلا الصَّلاةُ. لا يُرِيدُ إلا الصَّلاةَ، فَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 302 - (16) باب فضل صلاة الجماعة وفضل انتظار الصلاة 1398 - (628) (39) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) الكوفي (جميعًا عن أبي معاوية) الكوفي (قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة) أي مع جماعة ولو واحدًا (تزيد) أي تفضل ثوابًا (على صلاته في بيته) منفردًا (و) على (صلاته في سوقه) أي في موضع معاملته بيعًا وشراءً منفردًا (بضعًا وعشرين درجة) أي أجرًا، فيه أن أقل الجمع اثنان لأنه جعل هذا الفضل لغير المنفرد، وما زاد على الفذ فهو جماعة، لكن قد يقال إنما رتب هذا الفضل لصلاة الجماعة، وليس فيه تعرض لنفي درجة متوسطة بين الفذ والجماعة كصلاة الاثنين مثلًا لكن قد ورد في غير حديثِ التصريح بكون الاثنين جماعة فعند ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اثنان فما فوقهما جماعة" لكنه فيه ضعف، والبضع بكسر الموحدة وفتحها هو من الثلاثة إلى العشرة على الصحيح، والمراد به هنا خمس وعشرون وسبع وعشرون كما جاء مبينًا في الروايات السابقة، اهـ نواوي (وذلك) التضعيف المذكور والزيادة المذكورة سببه (أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء) باستكمال فرائضه وشروطه وآدابه (ثم) خرج من منزله و (أتى المسجد لا) يخرجه من منزله ولا (ينهزه) بفتح أوله وفتح الهاء وبالزاي (إلا الصلاة) أي لا ينهضه ولا يقيمه ولا يحركه من موضعه إلا إرادة الصلاة المكتوبة في جماعة يعني لم ينو بخروجه من بيته غير الصلاة من أمور الدنيا، ومنه انتهز الفرصة أي تحرك إليها وحصلها، وقوله (لا يريد) ولا يقصد (إلا الصلاة) المكتوبة في جماعة جملة مفسرة لما

يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ. وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ. حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسجِدَ. فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ. وَالْمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. يَقُولُونَ: اللَّهمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ تُبْ عَلَيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ. مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قبلها، والفاء في قوله (فلم يخط) زائدة في جواب إذا، ويدل عليه سقوطها في رواية البخاري وهو بفتح التحتانية وضم الطاء من خطأ يخطو من باب دعا مجزوم بحذف الواو، أي لم يمش (خطوة) بفتح الخاء مصدر، قال الجوهري: بالضم اسم لما بين القدمين يجمع على خطأ، وبالفتح المرة الواحدة يجمع على خطو (إلا رفع له) أي لأحدهم (بها) أي بتلك الخطوة (درجة) عند الله سبحانه (وحط عنه بها خطيئة) أي ذنب، بضم راء رفع وحاء حط، مبنيين للمفعول، ودرجة وخطيئة رفعا نائبين عن الفاعل، قال الداودي: هذا إن كانت له ذنوب حطت عنه وإلا رفعت له درجات (قلت) وهذا يقتضي أن الحاصل بالخطوة درجة واحدة، إما الحط، وإما الرفع، وقال غيره: بل الحاصل بالخطوة الواحدة ثلاثة أشياء لقوله في الحديث الآخر كتب الله له بكل خطوة حسنة ويرفعه بها درجة ويحط بها عنه سيئة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قال ابن الملك: اعلم أن ظاهر الحديث يدل على أن أفضلية الجماعة تحصل بجماعة في المسجد لأن قوله وذلك بيان لما قبله، وقال القرطبي: إنه بمطلق الجماعة، وقوله (حتى يدخل المسجد) غاية لقوله لم يخط خطوة (فإذا دخل المسجد كان في الصلاة) أي في حكم المصلي من جهة الثواب اهـ مبارق (ما كانت الصلاة هي تحبسه) أي مدة كونها حابسة له لا يمنعه من الخروج إلا انتظارها (والملائكة يصلون) أي يدعون ويستغفرون لكم (على أحدكم ما دام في مجلسه) وموضعه (الذي صلى فيه) أي أوقع فيه الصلاة من المسجد وكذا إذا قام إلى موضع آخر من المسجد مع دوام نية انتظاره للصلاة فالأول خرج مخرج الغالب، وجملة قوله (يقولون) حال من فاعل يصلون أي لم تزل الملائكة تصلِّي عليه حال كونهم قائلين (اللهم ارحمه) أي يا الله ارحمه (اللهم اغفر له) خطاياه (اللهم تب عليه) أي وفقه للتوبة أو اقبلها منه أو ثبته عليها (ما لم يؤذ فيه) أي في المسجد أي ما لم يصدر منه ما يتأذى به بنو آدم من قول أو فعل والملائكة، كالريح الخارج من الدبر، وقوله (ما لم يحدث فيه) أي في المسجد يحتمل أن يكون بدلًا من قوله ما لم يؤذ فيه

1399 - (00) (00) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، الأَشْعَثِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ. قَال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل أن يكون معناه ما لم يفعل في مجلسه أمرًا محدثًا ومبتدعًا، ويحتمل أن يكون معناه ما لم يَصِرْ فيه ذا حدث أي ما لم يبطل وضوءه اهـ مبارق، واستنبط منه أفضلية الصلاة على سائر العبادات، وصالحي البشر على الملائكة كما لا يخفى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 252 و 475] والبخاري [647] وأبو داود [559] والترمذي [603] وابن ماجه [876]. وهذا الحديث يفهم منه أن فضل الجماعة لم يكن لأجل الجماعة فقط، بل فضل الجماعة لما يلازمها من الأحوال كقصد الجماعة ونقل الخطأ وانتظار الصلاة وصلاة الملائكة عليه وغير ذلك، ويعتضد مالك بهذا الحديث لمذهبه في قوله لا تفضل جماعة جماعةً لاشتراكهم في تلك الأمور اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1399 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (15) (أخبرنا عبثر) بمثلثة بوزن جعفر بن القاسم الزبيدي بالضم أبو زبيد بضم الزاي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثني محمد بن بكار بن الريان) الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) (قال حدثنا إسماعيل بن زكرياء) ابن مرة الخلقاني -بضم الخاء وسكون اللام- نسبة إلى بيع الخلقان جمع خلق من الثياب وغيرها الأسدي، أبو زياد الكوفي، صدوق، من (8) (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (قال حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي أبو عمرو البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (كلهم) أي كل من عبثر وإسماعيل وشعبة رووا (عن الأعمش في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد؛ يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (بمثل معناه) أي بمثل معنى ما روى أبو معاوية عن الأعمش، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش.

1400 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن الْمَلائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ. تَقُولُ: اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَأَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ". 1401 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1400 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي ثم المكي (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي البصري (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن سيرين لأبي صالح السمان في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة تصلي على أحدكم) أيها المؤمنون، أي تدعو له وتستغفر (ما دام) جالسًا (في مجلسه) وموضعه الذي صلى فيه المكتوبة أي مدة دوامه فيه، فما مصدرية ظرفية، حالة كونها (تقول) في الصلاة عليه (اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما لم يحدث) بالجزم من الإحداث بمعنى الحدث لا من التحديث، أي ما لم يبطل الوضوء بحدث (وأحدكم) أيه المؤمنون (في صلاة) حكمًا أي في ثوابها (ما كانت الصلاة) أي انتظار صلاة أخرى (تحبسه) أي تمنعه من الخروج حتى لو كان إمامًا بأجر وكان ابن عرفة يقول: وحتى لو كان انتظاره ليدرأ به عن نفسه تعب الذهاب والرجوع، وهذا كله بشرط أن لا يتحدث بحديث غير علم أو ينام اختيارًا اهـ أبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1401 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي -بفتح العين وتشديد الميم- أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أبو سلمة

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ، يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، وَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: اللَّهمَّ، اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمَّ ارْحَمْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ". قُلْتُ: مَا يُحْدِثُ؟ قَال: يَفْسُو، أَوْ يَضْرِطُ. 1402 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني، ثقة، من (4) (عن أبي رافع) نفيع بن رافع الصائغ المدني ثقة ثبت مشهور، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي رافع لأبي صالح في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة للرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد في) ثواب (صلاة) لا في حكمها لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة أفاده العسقلاني (ما كان) جالسًا (في مصلاه) أي في موضعه الذي أوقع فيه الصلاة حالة كونه (ينتظر الصلاة) الأخرى (وتقول الملائكة) في الدعاء له (اللهم اغفر له اللهم ارحمه) وقوله (حتى ينصرف) ويذهب من ذلك المصلى قاصدًا الخروج لا التنقل في المسجد غاية لقوله لا يزال (أو يحدث) بالنصب معطوف على ما قبله أي أو حتى يبطل وضوءه بِحدث في ذلك المكان، قال أبو رافع (قلت) لأبي هريرة: (ما) معنى قوله صلى الله عليه وسلم أو (يحدث قال) أبو هريرة معناه حتى (يفسو) أي يخرج الريح من دبره بلا صوت (أو يضرط) من باب ضرب أي أو يخرج الريح من دبره بصوت، والفساء والضراط بضم أولهما كلاهما يشتركان في كونهما ريحًا يخرج من الدبر، إلا أن الأول بغير صوت والثاني مع صوت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 1402 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن أبي الزِّناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج، لمن روى عن أبي هريرة (أن رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَزالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إلا الصَّلاةُ". 1403 - (00) (00) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَحَدُكُمْ مَا قَعَدَ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، فِي صَلاةٍ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَدْعُو لَهُ الْمَلائِكَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أحدكم في) ثواب (صلاة ما دامت الصلاة) أي انتظارها (تحبسه) أي تمنعه من الخروج، وقوله (لا يمنعه أن ينقلب) ويرجع (إلى أهله) ومنْزله (إلا الصلاة) أي إلا انتظار جماعتها بدل من قوله (تحبسه) لأنه أبلغ وأظهر في إفادة المقصود، كما في قوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} حاصل معنى الحديث من كان منتظرًا للصلاة مع الجماعة كان كالكائن فيها في أن يكتب له ثوابها مدة انتظاره لها اهـ مبارق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1403 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرنا يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدثني محمد بن سلمة) بن عبد الله (المرادي) الجملي بفتح الجيم والميم، أبو الحارث المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن) الأعرج عبد الرحمن (بن هرمز) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لأبي الزناد في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن الأعرج (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحدكم) مبتدأ، وفي بعض النسخ إن أحدكم، وما في قوله (ما قعد) وجلس في المسجد حالة كونه (ينتظر الصلاة) جماعة مصدرية ظرفية، والظرف المقدر متعلق بما تعلق به الخبر في قوله (في صلاة) وهو خبر مبتدإ، والتقدير: أحدكم كائن في ثواب صلاة مدة قعوده منتظرا الصلاة، وكذلك يتعلق به الظرف المقدر في قوله (ما لم) يحدث) أي كائن في صلاة مدة عدم حدثه حالة كونه (تدعو) وتستغفر (له

اللَّهمَّ اغْفِرْ لَهُ. اللَّهمَّ ارْحَمْهُ". 1404 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِنَحْو هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الملائكة) بقولهم: (اللهم اغفر له اللهم ارحمه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1404 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وقوله (عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا) الحديث المذكور متعلق بما عمل في المتابع وهو همام بن منبه أي حدثنا همام عن أبي هريرة بنحو ما حدث الأعرج عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة همام للأعرج. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه ست متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

303 - (17) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

303 - (17) باب: من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر 1405 - (629) (40) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادِ الأشعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن أَعْظَمَ الناسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيهَا مَمْشى، فَأبْعَدُهُمْ، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِن الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 303 - (17) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر 1405 - (629) (40) (حدثنا عبد الله بن براد) -بفتح الموحدة والراء المشددة- ابن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبي بردة الصغير الكوفي، ثقة، من (6) (عن أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (2) (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم الناس) وأكثرهم (أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها) أي إلى مواضع الصلاة، متعلق بقوله (ممشى) لأنه مصدر ميمي وهو منصوب على التمييز باسم التفضيل أي إن أكثر الناس أجرًا في الصلاة أشدهم بعدًا في المشي إليها (فأبعدهم) أيضًا بالنسبة إلى ما بعده، قال العيني: والفاء هنا بمعنى ثم أي أبعدهم ممشى أي أبعدهم مسافة إلى المسجد لأجل كثرة الخطأ إليه لما في ذلك من المشقة، وفي بعض الهوامش: قوله: (ممشى) بفتح الميم الأولى وسكون الثانية تمييز؛ أي مكانًا يمشي فيه، يريد أبعدهم مسافة إلى المسجد فيكون اسم مكان، قوله (فأبعدهم) معطوف على أبعدهم والعطف بالفاء في الصفات يشعر بالتفاوت في معانيها، فالمعنى إن الأجر يتزايد بتزايد البعد اهـ. (والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام) ولو في آخر الوقت (أعظم أجرا) أي أكثر ثوابًا (من الذي يصليها) في وقت الاختيار وحده أو مع الإمام من غير انتظار (ثم

يَنَامُ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ: "حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَع الإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ". 1406 - (630) (41) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ قَال: كَانَ رَجُلٌ، لا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ. وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ. قَال: فَقِيلَ لَهُ، أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَو اشْتَرَيتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينام) أي كما أن بعد المكان مؤثر في زيادة الأجر لكثرة الخطأ المشتملة على المشقة كذلك طول الزمان مؤئر فيه، وفائدة قوله (ثم ينام) الإشارة إلى الاستراحة المقابلة للمشقة التي في ضمن الانتظار اهـ من تيسير المناوي (وفي رواية أبي كريب حتى يصليها مع الإمام في جماعة) بزيادة لفظة "في جماعة" وهو تصريح بما علم من قوله مع الإمام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [651] فقط. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي موسى الأشعري بحديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما فقال: 1406 - (630) (41) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا عبثر) ابن القاسم الزبيدي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري، ثقة، من (4) (عن أبي عثمان النهدي) بفتح النون وسكون الهاء نسبة إلى نهد بن زيد من قضاعة كما في اللباب عبد الرحمن بن مل -بتثليث الميم ولام مشددة- ابن عمرو بن عدي، مشهور بكنيته الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن أبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني سيد القراء. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري (قال) أبي بن كعب (كان رجل) من الأنصار (لا أعلم) أنا (رجلًا) من الناس (أبعد) بيتًا (من المسجد) النبوي (منه وكان) ذلك الرجل (لا تخطئه) ولا تفوته (صلاة) أي جماعة في صلاة من الصلوات، وأصل الإخطاء عدم الإصابة، ونفي النفي إئبات، والنكرة في سياق النفي تعم أي وكان تصيبه كل صلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبي بن كعب (فقيل له) أي لذلك الرجل الأبعد (أو) قال أبي (قلت له) أي لذلك الرجل، والشك من أبي عثمان فيما قال أبي (لو اشثريت حمارًا تركبه في الظلماء) أي في الليالي المظلمة عند العشاء والصبح (وفي الرمضاء) أي في الرمال، الحامية من حر الشمس عند الظهر

قَال: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ. وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ". 1407 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كِلاهُمَا عَنِ التَّيمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ بِنَحْوهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعصر، وجواب لو الشرطية محذوف تقديره لكان خيرًا لك، ويصح أن تكون لو بمعنى لولا التحضيضية، والتحضيض الطلب بعنف وشدة أي هلا اشتريت حمارًا يقيك من الحرارة (قال) الرجل: (ما يسرني) ولا يبشرني (أن منزلي إلى جنب المسجد) النبوي أي كون منزلي قريبًا من المسجد النبوي (إني أريد) وأقصد (أن يكتب لي) عند الله (ممشاي) وذهابي (إلى المسجد ورجوعي) منه إلى البيت (إذا رجعت إلى أهلي) ومنزلي أي أن يكتب ثواب مجيئي إليه ماشيًا وثواب رجوعي منه إلى أهلي ماشيًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله) قال النواوي: فيه إثبات الثواب في الخطا في الرجوع من الصلاة كما يثبت في الذهاب إليها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [557] وابن ماجه [783]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي رضي الله عنه فقال: 1407 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (كلاهما) أي كل من المعتمر وجرير رويا (عن) سليمان بن طرخان (التيمي بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان النهدي عن أبي بن كعب (بنحوه) أي بنحو ما حدث عبثر بن القاسم عن سليمان التيمي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال:

1408 - (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَال: كَانَ رَجُل مِنَ الأَنْصَارِ بَيتُهُ أَقْصَى بَيتٍ فِي الْمَدِينَةِ. فكَانَ لا تُخْطِئُهُ الصَّلاةُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَتَوَجَّعْنَا لَهُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلانُ، لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيتَ حِمَارًا يَقِيكَ مِنَ الرَّمْضَاءِ وَيَقِيكَ مِنْ هَوَامِّ الأَرْضِ. قَال: أَمَ وَاللهِ، مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيتِي مُطَنَّبٌ بِبَيتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1408 - (00) (00) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي العتكي المهلبي أبو معاوية البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عاصم) بن سليمان الأحول التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن أبي عثمان) النهدي الكوفي (عن أبي بن كعب) المدني. وهذا السند من خماسياته، رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة عاصم الأحول لسليمان التيمي في رواية هذا الحديث عن أبي عثمان النهدي، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة (قال) أبي بن كعب (كان رجل من الأنصار بيته) أي منزله (أقصى بيت) أي أبعد بيت (في المدينة) من المسجد النبوي (فـ) مع ذلك (كان) الرجل (لا تخطئه) أي لا تفوته (الصلاة) المكتوبة جماعة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أبي بن كعب (فتوجعنا) أي تألمنا معاشر المؤمنين (له) أي لذلك الرجل وتأسفنا لبعده ومشقته، قال أبي بن كعب (فقلت) أنا (له) أي لذلك الرجل الأبعد بيتًا (يا فلان) لم أر من ذكر اسمه (لو أنك اشتريت حمارا) تركبه فـ (يقيك) أي يكون بك وقاية وسترًا (من) حرارة (الرمضاء) أي الرمال الحامية في النهار (وبقيك) أي يكون لك وقاية (من) إذاية (هوام الأرض) وحشراتها في الليلة الظلماء كالعقرب والحيات (قال) الرجل الأبعد بيتًا لأبي بن كعب (أم والله) كذا بإسقاط ألف أما في أكثر النسخ، وفي بعضها بإثباتها، وأمَّا بالفتح والتخفيف حرف استفتاح بمنزلة ألا يكثر استعماله قبل القسم؛ أي انتبه واستمع ما أقول لك أقسمت لك بالإله الذي لا إله غيره على أني (ما أحب أن بيتي مطنَّب) بصيغة اسم مفعول من التطنيب أي مشدود مربوط بالأطناب؛ وهي حبال الخيمة على الأرض (بـ) جنب (بيت محمد صلى الله عليه وسلم) فأكون أقرب الناس إلى

قَال: فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا. حَتَّى أتَيتُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرْتُهُ. قَال: فَدَعَاهُ. فَقَال لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يَرْجُو فِي أَثَرِهِ الأجْرَ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ". 1409 - (00) (00) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد؛ يعني ما أحب أن يكون بيتي إلى جانب بيته صلى الله عليه وسلم ولا أن يكون بيتي ملصقًا بالأطناب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم، لأني أحتسب عند الله كثرة خطاي من بيتي إلى المسجد ومنه إلى بيتي (قال فحملت) على ظهر قلبي (به) بسبب قول ذلك الرجل مع مشقته ببعد بيته من المسجد (حملًا) ثقيلًا من الهم؛ أي استعظمت قوله واستغربته مع مشقته وأهمني حاله وشأنه، وفي السنوسي قوله (حملًا) ثقيلًا بكسر الحاء؛ أي حملت بسبب قوله هذا حملًا ثقيلًا عظيمًا شبه ما اعتراه من استعظام مقالته وثقلها عليه بحمل محسوس يحمله على ظهره اهـ. وفي بعض الهوامش (قوله فحملت به) كذا وجد مضبوطًا في النسخ المعتمدة بالتخفيف وبالبناء للفاعل، ولو ضبط بتشديد الميم مع البناء للمفعول لكان أوضح لأن التحميل يتضمن معنى التثقيل فيكون لتعديته بالباء وجهًا كما يعلم ذلك بمراجعة لسان العرب، والمعنى كما في النواوي عن القاضي أنه عظم علي حاله وثقل واستعظمت قوله لبشاعة لفظه وأهمني ذلك، وليس المراد به هنا الحمل على الظهر اهـ. أي حملت به همًا شديدًا (حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته) صلى الله عليه وسلم حاله وقوله؛ أي عراني ثقل قوله وكلامه واشتد علي حتى أتيت بسببه النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون الباء للتعدية، أي حتى سقت خبره إلى النبي صلى الله عليه وسلم اهـ سنوسي (قال) أبي بن كعب (فدعاه) أي فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل فسأله عن حاله (فقال) ذلك الرجل (له) صلى الله عليه وسلم (مثل ذلك) أي مثل ما قال لي من قوله ما أحب أن بيتي مطنب الخ (وذكر) الرجل (له) صلى الله عليه وسلم (أنه) أي أن ذلك الرجل (يرجو) من الله سبحانه أن يكتب له (في أثره) وخطاه (الأجر) والثواب (فقال له) أي لذلك الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم أن لك) على آثارك (ما احتسبت) على الله من الأجر ورجوت منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 1409 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو

وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَزْهَرَ الْوَاسِطِيُّ. قَال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا أَبِي. كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 1410 - (631) (42) وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَاعِرِ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثنَا أَبُو الزُّبَيرِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (كلاهما عن) سفيان (بن عيينة) الكوفي (ح وحدثنا سعيد) بن يحيى (بن أزهر) بن نجيح نسب إلى جده لشهرته به، أبو عثمان (الواسطي) روى عن وكيع في الصلاة، وأبي معاوية في الدعاء، وابن عيينة وأبي بكر بن عياش، ويروي عنه (م ق) وعمران بن موسى السختياني، وثقه علي بن الجنيد، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (243) ثلاث وأربعين ومائتين (قال حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (حدثنا أبي) الجراح بن مليح بن عدي الرؤاسي -بضم الراء بعدها واو بهمزة وبعد الألف مهملة- نسبة إلى رؤاس بطن من بني عامر بن صعصة أبو وكيع الكوفي، روى عن عاصم الأحول في الصلاة، ومنصور وقيس بن مسلم وسماك، ويروي عنه (م ت ق) وابنه وكيع وابن مهدي ومسدد وغيرهم، وقال عثمان الدارمي والنسائي والعجلي: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة، مات سنة (176) ست وسبعين ومائة، وقوله (كلهم) تحريف من النساخ، والصواب (كلاهما) أي كل من ابن عيينة والجراح رويا (عن عاصم) الأحول (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن أبي بن كعب (نحوه) أي نحو ما حدث عباد بن عباد عن عاصم، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن عيينة والجراح بن مليح لعباد بن عباد في رواية هذا الحديث عن عاصم الأحول. ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث أبي موسى بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 1410 - (631) (42) (وحدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) أبو محمد البغدادي، ثقة، من (11) ورى عنه في (13) بابا (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي، ثقة، من (6) وروى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي، صدوق، من (4) (قال) أبو الزبير

سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَال: كَانَتْ دِيَارُنَا نَائِيَةً عَنِ الْمَسْجِدِ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ بُيُوتَنَا فَنَقْتَرِبَ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "إِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةً". 1411 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ. قَال: حَدَّثَنِي الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَال: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي (قال) جابر بن عبد الله (كانت ديارنا) ومنازلنا معاشر بني سلمة (نائية) أي قاصية بعيدة (عن المسجد) النبوي (فأردنا) قصدنا (أن نبيع بيوتنا فـ) نشتري بيوتًا بأقرب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (نقترب من المسجد) النبوي (فنهانا) أي منعنا وزجرنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن ذلك البيع والاقتراب (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان حكمة نهيه لنا (إن لكم) أيها السلميون (بكل خطوة) تخطونها إلى المسجد للصلاة جماعة (درجة) أي حسنةً، وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن الكتب الستة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1411 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري أبو سهل البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (قال سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري أبا عبيدة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب حالة كونه (يحدث) هذا الحديث الآتي (قال) أبي في تحديثه (حدثني الجريري) سعيد بن إياس أبو مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا جابر ابن عبد الله، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي نضرة لأبي الزبير المكي، في رواية هذا الحديث عن جابر بن عبد الله، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة في مساق الحديث وبالزيادة في هذه الرواية (قال) جابر بن عبد الله (خلت البقاع حول

الْمَسْجِدِ. فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهُمْ: "إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ" قَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَال: "يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ. تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ. تُكْتَبْ آثَارُكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد) النبوي أي صارت خالية من الدور، والبقاع جمع بقعة؛ والبقعة من الأرض القطعة منها، قال الفيومي: وتضم الباء في الأكثر فتجمع على بقع مثل غرفة وغرف، وتفتح فتجمع على بقاع مثل كلبة وكلاب اهـ (فأراد) قومنا (بنو سلمة) بكسر اللام مع فتح السين هم بطن كبير من الأنصار ومنهم جابر بن عبد الله الأنصاري (أن ينتقلوا) أي أن يتحولوا من منازلهم (إلى) موضع (قرب المسجد) أي إلى محل قريب إلى المسجد الشريف (فبلغ ذلك) أي وصل خبر ذلك الذي أرادوا من التحول إلى قرب المسجد (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن الشأن والحال قد (بلغني) أي وصل إليَّ خبر (أنكم) يابني سلمة (تريدون أن تنتقلوا) وتتحولوا (قرب المسجد) الشريف وتعروا منازلكم من السكان (قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك) الانتقال إلى قرب المسجد (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بني سلمة دياركم) بالنصب على الإغراء بعامل محذوف جوازًا (تكتب) بالجزم بالطلب السابق (آثاركم) أي خطاكم إلى المسجد لأجل الصلاة جماعة، وقوله ثانيًا (دياركم تكتب آثاركم) توكيد لفظي لما قبله، والمعنى الزموا دياركم ومنازلكم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد، والمراد بكتبها كتبها في صحائف الأعمال أو في سير الصالحين فتكون سببًا في اجتهاد الناس في حضور الجماعة، ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، زاد البخاري (وكره أن تعرى المدينة) أي أن تخلو ناحيتها من الحرس، وهذه علة أخرى للنهي؛ أي ففيه التنبيه على سبب المنع وهو بقاء جهات المدينة عامرة بسكانها، واستفادوا بذلك كثرة الأجر لكثرة الخطا في المشي إلى المسجد الشريف وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [656] ولكنَّه جعلها من حديث أنس رضي الله عنه. وهذا الحديث والأحاديث التي قبله تدل على أن البعد من المسجد أفضل فلو كان بجوار مسجد فهل له أن يجاوزه للأبعد؟ اختلف فيه فروي عن أنس كان يجاوز المحدَث إلى القديم، وروي عن غيره أنه قال: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا، وكره الحسن وغيره هذا، وقال: لا يدع مسجدًا قربه ويأتي غيره

1412 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَضْرِ التَّيمِيُّ. حَدَّثنَا مُعْتَمِرٌ. قَال: سَمِعْتُ كَهْمَسًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ. قَال: وَالْبِقَاعُ خَالِيَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ. تُكْتَبْ آثارُكُمْ". فَقَالُوا: مَا كَانَ يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مذهبنا، وفي المذهب عندنا في تخطي مسجده إلى مسجده الأعظم قولان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 1412 - (00) (00) (حدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري، وقيل هو عاصم بن محمد بن النضر، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (قال) معتمر (سمعت كهمسًا) ابن الحسن التميمي أبا الحسن البصري، ثقة، من (5) (يحدث عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري (عن جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، غرضه بسوقه بيان متابعة كهمس لسعيد الجريري في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من بعض المخالفة والزيادة (قال) جابر (أراد بنو سلمة أن يتحولوا) وينتقلوا من ديارهم (إلى) البقاع والأراضي الفاضية التي كانت بـ (قرب المسجد) النبوي (قال) جابر (والبقاع) التي بقرب المسجد (خالية) أي فارغة من البيوت وقتئذ (فبلغ ذلك) التنقل الذي أرادوه (النبي صلى الله عليه وسلم) وكرهه (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم زجرًا لهم عن التحول (يا بني سلمة) الزموا (دياركم) أي منازلكم ولا تتحولوا عنها إن لزمتموها (تكتب) لكم عند الله تعالى (آثاركم) أي خطاكم الكثيرة إلى المسجد للصلاة فتؤجرون على كل خطوة (فقالوا) أي قال بنو سلمة (ما كان يسرنا) ويبشرنا (أنا كنا تحولنا) أي تحولنا من ديارنا إلى قرب المسجد، وتكتب رُوي بالجزم على الجواب، ويجوز الرفع على الاستئناف أي فهو تكتب لكم آثاركم، والآثار جمع أثر، وأثر الشيء بقاء ما يدل على وجوده، قال الأبي: ليس في العرب بنو سلمة بكسر اللام غيرهم، وكانت ديارهم على بعد من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد النبوي، وكانت وراء جبل سلع فأرادوا النقلة إلى قربه فكره صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة فرغبهم فيما عند الله من الأجر على كثرة الخطا فقال لهم: الزموا دياركم، وهو تغبيط لمن بعدت داره عن المسجد فلا يترجح أن يؤثر الإنسان شراء الدار البعيدة منه اهـ منه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة الأول حديث أبي موسى ذكره للاستدلال، والثاني حديث أبي بن كعب ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين. ***

304 - (18) باب: المشي إلى الصلاة المكتوبة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات وبيان مثل الصلوات الخمس

304 - (18) باب: المشي إلى الصلاة المكتوبة تُمْحَى به الخطايا وتُرْفَعُ به الدرجات وبيان مثل الصلوات الخمس 1413 - (632) (43) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ، (يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو)، عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ. . كَانَتْ خَطْوَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 304 - (18) باب: المشي إلى الصلاة المكتوبة تُمْحَى به الخطايا وتُرْفَعُ به الدرجات وبيان مثل الصلوات الخمس 1413 - (632) (43) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا عبيد الله يعني ابن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي، ثقة فقيه، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) مصغرًا، زيد الغنوي بفتحتين، أبي أسامة الجزري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي حازم) سلمان (الأشجعي) مولاهم مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان جزريان وواحد مدني وواحد نيسابوري (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تطهر) أي بوضوء أو غسل كما في المرقاة (في بيته) ومنزله (ثم مشى) برجله، وفي هذا إشارة إلى أن هذا الجزاء للماشي لا للراكب اهـ من شرح المشارق (إلى بيت من بيوت الله) سبحانه وتعالى أراد بها المساجد (ليقضي) أي ليؤدي، قال ابن الملك: والمراد به الأداء مع الجماعة لإشارته صلى الله عليه وسلم إليه في حديث آخر، والقضاء يستعمل في الأداء أيضًا حقيقةً، كما قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} (فريضة من فرائض الله) سبحانه وتعالى، وفيه إشعار بأن غيرها يستحب أن يصلى في البيت (كانت خطوتان) تثنية خطوة وهي بضم الخاء ما بين قدمي

إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً". 1414 - (633) (44) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. خ وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ)، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال. وَفِي حَدِيثِ بَكْرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَرَأَيتُمْ لَوْ أَن نَهْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الماشي، وبفتحها فعل ذلك، وههنا مفتوحة الخاء لأن المراد منها فعل الماشي (إحداهما) وهي بدل من خطوتاه أو مبتدأ وخبره (تحط) أي تقيل وتسقط، والجملة خبر كانت (خطيئة) أي سيئة من الصغائر لأن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة أو بمحض فضل الله تعالى (والأخرى ترفع درجة) وهذا الحديث من أفراد المؤلف رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1414 - (633) (44) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (خ وقال قتيبة) أيضًا (حدثنا بكر يعني ابن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة أبو محمد المصري، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب، وأتى بحاء التحويل لأن قال هنا بمعنى حدثني قتيبة والله أعلم (كلاهما) أي كل من ليث وبكر رويا (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن محمد بن (براهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (14) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة أتباع يزيد محمد أبو سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وفي حديث بكر) وروايته (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرأيتم) بهمزة الاستفهام التقريري وتاء الخطاب، أي أخبروني (لو) ثبت (أن نهرا) بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبتي الوادي سمي به لسعته

بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟ " قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ. قَال: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. يَمْحُو اللهُ بهِنَّ الْخَطَايَا". 1415 - (634) (45) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ)، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسمي النهار به لسعة ضوئه، ويقال فيه نهر بفتح الهاء ونهر بسكونها وكذلك يقال في كل ما كان عين الفعل فيه حرف حلق مثل شعر وشعر ودهر ودهر أي لو ثبت أن نهرًا صفته أنه (بباب أحدكم) ظرف مستقر حال كونه (يغتسل منه) أي من مائه (كل يوم) ظرف ليغتسل (خمس مرات) مصدر له (هل يبقى) بفتح الياء بالبناء للفاعل (من درنه) أي من درن أحدكم ووسخه (شيء قالوا) أي قال الحاضرون (لا يبقى من درنه) ووسخه (شيء) قليل ولا كثير (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فذلك) أي إذا علمتم ذلك المذكور من عدم بقاء درنه فهو أي فذلك النهر (مثل الصلوات الخمس) بفتح الميم والمثلثة أو بالكسر والسكون (يمحو الله بهن) أي الصلوات (الخطايا) أي الذنوب الصغائر، وفائدة التمثيل التأكيد وجعل المعقول كالمحسوس، قال الدماميني رحمه الله تعالى: شبه على جهة التمثيل حال المسلم المقترف لبعض الذنوب المحافظ على أداء الصلوات الخمس في زوال الأذى عنه وطهارته من أقذار السيئات بحال المغتسل في نهر على باب داره كل يوم خمس مرات في نقاء بدنه من الأوساخ وزوالها عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 379] والبخاري [528] والترمذي [2872] والنساني [1/ 231]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الثاني بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 1415 - (634) (45) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا حدثنا أبو معاوية) الكوفي (عن الأعمش) الكوفي (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي، صدوق، من (4) (عن جابر وهو ابن عبد الله) الأنصاري المدني. وهذا السند رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد واسطي (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الصلوات الخمس) أي صفتها (كمثل نهر جار)

غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ، يَغتَسِلُ مِنْهُ كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ". قَال: قَال الْحَسَنُ: وَمَا يُبْقِي ذَلِكَ مِنَ الدَّرَنِ؟ . 1416 - (635) (46) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ماؤه (غَمر) بفتح الغين المعجمة وسكون الميم أي كثير ماؤه (على باب أحدكم) متعلق بجار أو صفة ثالثة لنهر، وهذا إشارة إلى سهولته وقرب تناوله (يغتسل منه) أي من ذلك النهر (كل يوم) وليلة (خمس مرات) (قال) الأعمش بالسند السابق (قال الحسن: وما يبقي ذلك) الاغتسال (من الدرن) والوسخ شيئًا، قال الأبي: والغمر بفتح الغين وسكون الميم هو الكثير من كل شيء، وفي الموطإ: عذب غمر لأن العذب أبلغ في الإنقاء كما أن الكثير أبلغ، وهل يبقى من درن، استفهام تقرير، وضربه مثلًا لمحو الصلوات السيئات والدرن الوسخ وعلى باب أحدكم تنبيه على قرب تناوله اهـ. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في التحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له فقال: 1416 - (635) (46) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) النسائي (قالا حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا محمد بن مطرف) بن داود بن مطرف التيمي أبو غسان المدني نزيل عسقلان أحد العلماء الأثبات، روى عن زيد بن أسلم في الصلاة والعتق، وأبي حازم بن دينار في الصوم وغيره، ويروي عنه (ع) ويزيد بن هارون وسعيد ابن أبي مريم والوليد بن مسلم وغيرهم، وثقه ابن معين وأحمد، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات بعد الستين ومائة (160) (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد واسطي وواحد إما كوفي أو نسائي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي (عن النبي صلى الله عليه وسلم: من غدا) وبكر أول النهار لصلاة الصبح والظهر (إلى المسجد أو

رَاحَ. . أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ راح) أي ذهب آخر النهار لصلاة العصر والمغرب والعشاء، أصل غدا خرج بغدو، أي أتى مبكرًا (وراح) رجع بعشي، ثم قد يستعملان في الخروج والرجوع مطلقًا توسعًا، وهذا الحديث يصلح أن يحمل على الأصل وعلى التوسع، والله أعلم اهـ من المفهم. (أعد الله) سبحانه وتعالى وهيأ (له في الجنة نزلا) بضم النون والزاي، وقد تسكن الزاي كعنق وعنق، أي ضيافته من الطعام النفيس، أو مكانًا ينزل فيه (كلما غدا أو راح) إلى المسجد للصلاة وغيرها من أنواع الطاعات أي بكل غدوة أو روحة. ومعنى الحديث (من غدا إلى المسجد) أي ذهب إليه في الغداة (أو راح) أي ذهب إليه بعد الزوال (أعد الله له في الجنة) أي هيأ له، ومنه قول الأعشى: وأعددت للحرب أوزارها ... رماحًا طوالًا وخيلًا ذكورًا (نزلًا) أي ما يهيأ للضيف، يعني عادة الناس أن يقدموا طعامًا إلى من دخل بيوتهم، والمسجد بيت الله تعالى، فمن دخله في أي وقت كان من ليل أو نهار يعطيه أجره من الجنة لأنه أكرم الأكرمين، ولا يضيع أجر المحسنين (كما غدا أو راح) هذا يدل على أن المراد من قوله غدا إلى المسجد أو راح اعتياده ذلك اهـ مبارق. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 509] والبخاري [662]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول حديث أبي هريرة، الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني، والرابع حديث أبي هريرة الأخير ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول والله سبحانه تعالى أعلم. ***

305 - (19) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح، وبيان أفضل بقاع البلدة

305 - (19) باب: الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح، وبيان أفضل بقاع البلدة 1417 - (636) (47) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا سِمَاكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ. كَثِيرًا. كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَو الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ. فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيةِ. فَيَضْحكُونَ وَيَتَبَسَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 305 - (19) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح، وبيان أفضل بقاع البلدة 1417 - (636) (47) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب، مشهور بنسبته إلى جده (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبوالمغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى لا لأحمد (قال) يحيى (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن سماك بن حرب قال) سماك (قلت لجابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى (أكنت) أي هل كنت يا جابر (تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تجلس معه في مجالسه (قال) جابر (نعم) أجالسه (كثيرا) ومن آدابه (كان) صلى الله عليه وسلم (لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو) قال جابر يصلي فيه (الغداة) أي صلاة الغداة، والشك من سماك فيما قاله جابر (حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام) لصلاة الإشراق وهي الضحوة الصغرى، يقال لها الإشراق اهـ عون (وكانوا) أي الأصحاب (يتحدثون) فيما بينهم في أمور الدنيا (فيأخذون) أي يشرعون (في) الحديث عن (أمر الجاهلية) وشؤونها (فيضحكون) بفتح أفواههم مع إظهار الصوت، ومصدره الطحال، كما كتبناه في تفسيرنا (ويتبسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يظهر أنيابه بلا صوت، وفيه جواز

1418 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ. كِلاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الضحك والتبسم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 91] وأبو داود [1294] قال القرطبي: قوله (كان صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه) الخ هذا الفعل يدل على استحباب لزوم موضع صلاة الصبح للذكر والدعاء إلى طلوع الشمس، لأن ذلك الوقت وقت لا يصلى فيه، وهو بعد صلاة مشهودة، وأشغال اليوم بعد لم تأت فيقع الذكر والدعاء على فراغ قلب وحضور فهم فيرتجى فيه قبول الدعاء وسماع الأذكار، وقال بعض علمائنا: يكره الحديث حينئذ واعتذر عن قوله (وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم) بأن هذا فصل آخر من سيرة أخرى في وقت آخر وصله بالحديث الأول كما هو ساقط في رواية أبي داود (قلت) وهذا فيه نظر بل يمكن أن يقال إنهم في ذلك الوقت كانوا يتكلمون لأن الكلام فيه جائز غير ممنوع إذا لم يرد في ذلك منع، وغاية ما هنالك أن الإقبال في ذلك الوقت على ذكر الله تعالى أفضل وأولى، ولا يلزم من ذلك أن يكون الكلام مطلوب الترك في ذلك الوقت والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 1418 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان) الثوري (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (وحدثنا) أيضًا (محمد بن بشر) العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (6) (كلاهما) أي كل من سفيان وزكرياء بن أبي زائدة رويا (عن سماك) بن حرب (عن جابر بن سمرة) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته ورجاله كلهم كوفيون أيضًا، وغرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري وزكرياء بن أبي زائدة لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن سماك بن حرب (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر) أي صلاته (جلس في مصلاه) الذي صلى فيه الفجر (حتى تطلع الشمس) طلوعًا (حسنا) أي كاملًا، أي

1419 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قتَيبَةُ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ، حَدَّثنَا شُعْبَةُ، كِلاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَقُولا: حَسَنًا. 1420 - (637) (48) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ وَإِسْحَاق بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. قَالا: حَدَّثنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ -حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذُبَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مرتفعة، فحسنًا بفتح السين والتنوين نعت لمصدر محذوف، يعني بذلك أنه كان يستديم الذكر والمقام بمجلسه إلى أن يدخل الوقت الذي تجوز الصلاة فيه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1419 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (وأبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (قالا حدثنا أبو الأحوص) الحنفي سلام بن سليم الكوفي، ثقة، من (7) (ح قال) المؤلف (وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (كلاهما) أي كل من أبي الأحوص وشعبة رويا (عن سماك) بن حرب الذهلي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن جابر بن سمرة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة أبي الأحوص وشعبة لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن سماك بن حرب (و) لكن (لم يقولا) أي لم يقل شعبة وأبو الأحوص لفظة (حسنا) أي طلوعًا حسنًا كما ذكره سفيان وزكرياء بن أبي زائدة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة فقال: 1420 - (637) (48) (وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10) (وإسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي أبو موسى المدني ثم الكوفي (قالا حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (حدثني) الحارث بن عبد الرحمن بن المغيرة (بن أبي ذباب) الدوسي المدني، روى عن عبد الرحمن بن مهران في الصلاة، وعياض بن عبد الله بن سعد في الزكاة، ويزيد بن هرمز في القدر، وعبد الرحمن الأعرج

فِي رِوَايَةِ هَارُونَ- وَفِي حَدِيثِ الأنْصَارِيِّ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ مَوْلَى أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ في القدر، وعطاء بن ميناء في الدعاء والرحمة، ويروي عنه (م ت س ق) وأنس بن عياض وابن جريج، قال أبو حاتم: ويروي عنه الدراوردي أحاديث منكرة، ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: ليس به بأس، وقال ابن معين: مشهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق يهم، من (5) مات سنة (146) ست وأربعين ومائة، وهو هكذا (في رواية هارون) بن معروف بلفظ ابن أبي ذباب (و) أما (في حديث) إسحاق بن موسى (الأنصاري) أي في روايته فهو بلفظ (حدثني الحارث) بن عبد الرحمن لشدة إتقانه وحفظه وورعه، يبين مثل هذا الاختلاف بين صيغتي شيخيه، أي قالا حدثنا أنس بن عياض عن الحارث بن أبي ذباب (عن عبد الرحمن بن مهران) الأزدي الدوسي، مولاهم (مولى أبي هريرة) ويقال مولى مزينة أبي محمد المدني، روى عن أبي هريرة في الصلاة، ويروي عنه (م س) والحارث بن أبي ذباب مقبول، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون أو أربعة مدنيون وواحد بغدادي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحب) بقاع (البلاد) ومواضعها جمع بلدة وهو موضع اجتماع الناس للسكنى، وقيل لا حاجة إلى هذا التقدير لأن المراد بالبلد مأوى الإنسان قاله ابن الملك (إلى الله) أي عند الله سبحانه وتعالى (مساجدها) أي مساجد البلاد ومواضعها لأنها بيوت الطاعات وأساسها على التقوى، ومحل تنْزيلات الرحمة، والمراد بحب الله تعالى المسجد إرادة الخير لأهله اهـ نواوي (وأبغض) بقاع (البلاد إلى الله) تعالى؛ أي عنده تعالى (أسواقها) أي بقاع أسواقها، لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله تعالى وغير ذلك مما في معناه، والحب والبغض من الله تعالى إرادته الخير والشر أو فعله ذلك بمن أسعده أو أشقاه، والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها اهـ من النواوي. والقول الحق والمذهب الأسلم في معنى الحب والبغض من الله تعالى أنهما صفتان ثابتان لله تعالى نثبتهما ونعتقدهما لا نكيفهما ولا نمثلهما ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وعبارة القرطبي هنا قوله (وأحب البلاد إلى الله مساجدها) أي أحب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيوت البلاد أو بقاعها، وإنما كانت كذلك لما خصت به من العبادات والأذكار، واجتماع المؤمنين، وظهور شعائر الدين، وحضور الملائكة، وإنما كانت الأسواق أبغض البلاد إلى الله تعالى، لأنها مخصوصة بطلب الدنيا ومطالب العباد والإعراض عن ذكر الله تعالى، ولأنها مكان الإيمان الفاجرة، وهي معركة الشيطان وبها يركز رايته اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن الجماعة كلهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول: حديث جابر بن سمرة، ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

306 - (20) باب في الإمامة ومن أحق بها

306 - (20) باب: في الأمامة ومن أحق بها 1421 - (638) (49) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ. وَأَحَقْهُمْ بِالإِمَامَةِ اقْرَؤُهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 306 - (20) باب في الإمامة ومن أحق بها 1421 - (638) (49) (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد بلخي، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كانوا) أي القوم (ثلاثة فليؤمهم أحدهم) وهذا ليس له مفهوم خطاب، لأنه إذا كان اثنين أمهما أحدهما، كما قال في الحديث؛ حديث مالك بن الحويرث له ولصاحبه "إذا حضرت الصلاة فأذِّنا وأقيما وليؤمكما أكبركما" وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه سئل عنهم والله تعالى أعلم (وأحقهم بالإمامه أقرؤهم) أي أكثرهم قرآنًا، كما قال البخاري من حديث عمرو بن سلمة "ويؤمكم أكثركم قرآنًا" رواه البخاري [4302] ومحمله على أنه إذا اجتمع جماعة صالحون للإمامة فكان أحدهم أكثر قرآنًا كان أحقهم بالإمامة للمزية الحاصلة فيه، فلو كانوا قد استظهروا القرآن كله فيرجح من كان أتقنهم قراءة وأضبط لها وأحسن ترتيلًا فهو الأقرأ بالنسبة إلى هؤلاء اهـ من المفهم. قوله (وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) إنما قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأقرأ لأن الأقرأ في زمانه كان أفقه إذ لو تعارض فضل القراءة وفضل الفقه قُدِّم الأفقه إذا كان يُحسن من القراءة ما تصح به الصلاة، لأن الفقيه يعلم ما يجب من القراءة في الصلاة، لأنه محصور وما يقع فيها من الحوادث غير محصور، وقد يعرض للمصلي ما يفسد صلاته وهو لا يعلم إذا لم يكن فقيهًا، فالحاجة في الصلاة إلى الفقه أكثر، وعليه أكثر العلماء، فيؤول المعنى إلى أن المراد أعلمهم بكتاب الله وفي صورة المساواة فيه إن زاد أحدهم بفقه السنة فهو أحق أفاده ملا علي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 24 و 48] والنسائي [2/ 77].

1422 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ)، حَدَّثَنِي أَبِي. كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 1423 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 1422 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة، نسبة إلى أحد أجداده البصري، ثقة، من (10) (حدثنا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي البصري، صدوق، من (9) (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري، ثقة، من (7) (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة، يعني شعبة في السند الأول، وابن أبي عروبة في الثاني، وهشام الدستوائي في الثالث رووا (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري (مثله) أي مثل ما روى أبو عوانة عن قتادة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 1423 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا سالم ابن نوح) بن أبي عطاء العطار أبو سعيد البصري، روى عن سعيد الجريري في الصلاة والأطعمة والطب والفتن، وعمر بن عامر في الصوم والفضائل، وسعيد بن أبي عروبة في الدعاء، ويروي عنه (م دت س) ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وأحمد فَرْدَ حديث، والفلاس ومحمد بن بشار، وقال أحمد: ما بحديثه بأس، وقال ابن معين: ليس بشيء،

ح وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عِيسى. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. جَمِيعًا عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 1424 - (639) (50) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي خَالِدٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ ضمْعَجٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق ثقة، وذكره ابنا حبان وشاهين في الثقات، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من التاسعة (ح وحدثنا حسن بن عيسى) بن ماسرجس -بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها سين مهملة- الحنظلي، مولاهم مولى عبد الله ابن المبارك أبو علي النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (2) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي، مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي، ثقة ثبت فقيه، من (8) (جميعا) أي حالة كون سالم بن نوح وابن المبارك مجتمعين في الرواية (عن) سعيد بن إياس (الجريري) نسبة إلى أحد أجداده، جرير بن عباد بن ضبيعة بن قيس أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة الجريري لقتادة في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى قتادة عن أبي نضرة متعلق بما عمل في المتابع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 1424 - (639) (50) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) (كلاهما عن أبي خالد) الأحمر الكوفي سليمان بن حيان الأزدي، صدوق، من (8) (قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن إسماعيل بن رجاء) بن ربيعة الزبيدي بضم الزاي، مولاهم أبي إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أوس بن ضمعج) بوزن جعفر، معناه في أصله ناقة غليظة، الحضرمي الكوفي، روى عن أبي مسعود في الصلاة، وسلمان وعائشة، ويروي عنه (م عم) وإسماعيل بن رجاء وأبو إسحاق، قال ابن سعد: كان ثقة معروفًا قليل الحديث، وذكره

عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الأنْصَارِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَاب اللهِ. فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً. . فَأَعْلَمُهُمْ بَالسُّنَّةِ. فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً. . فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، مخضرم، من الثانية، مات سنة (74) أربع وسبعين (عن أبي مسعود الأنصاري) الخزرجي، عقبة بن عمرو بن ثعلبة المدني البدري. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا مسعود الأنصاري، وفيه التحديث والعنعنة والقول والمقارنة (قال) أبو مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم القوم أقرؤهم لكتاب الله) تعالى، قال الطيبي: هذا خبر بمعنى الأمر أي ليؤمهم أقرؤهم لكتاب الله، والظاهر أن المراد به أكثرهم له حفظًا، ويدل على ذلك ما رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، عن عمرو بن سلمة أنه قال: "انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه فكان فيما أوصانا ليؤمكم أكثركم قرآنًا، فكنت أكثرهم فقدموني" وأخرجه أيضًا البخاري وأبو داود والنسائي، وقيل أحسنهم قراءةً وإن كان أقلهم حفظًا، وقيل أعلمهم بأحكامه اهـ عون. قال الحافظ ابن حجر: ولا صى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفًا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلًا بذلك فلا يقدم اتفاقًا، والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان، فالأقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم اهـ كلام الحافظ (فإن كانوا في القراءة) أي في مقدارها أو حسنها أو في العلم بها على الخلاف المار (سواء) أي مستوين (فأعلمهم بالسنة) قال الطيبي: أراد بها الأحاديث، فالأعلم بها كان هو الأفقه في عهد الصحابة (فإن كانوا في السنة) أي في معرفة الأحاديث (سواء) أي مستوين (فأقدمهم هجرة) أي انتقالًا من مكة إلى المدينة قبل الفتح، فمن هاجر أولًا فشرفه أكثر ممن هاجر بعده، قال تعالى: {لَا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية، هذه الزيادة فيها فضيلة الهجرة، قال الخطابي: وإن كانت الهجرة اليوم قد انقطعت ففضيلتها باقية على أبنائهم، فمن كان من أبنائهم أوكان في آبائه وأسلافه من له سابقة وقدم في الإسلام فهو مقدم على غيره، وقال صاحب العون: قوله (فأقدمهم هجرة) هذا شامل لمن تقدم هجرة سواء كان في زمنه صلى الله عليه وسلم أو بعده، كمن يهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام، وأما حديث (لا هجرة بعد الفتح) فالمراد به الهجرة من مكة إلى

فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً. . فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا. وَلا يَؤُمِّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ. وَلا يَقْعُدْ فِي بَيتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلا بِإِذْنِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة أو لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح وهذا لا بد منه للجمع بين الأحاديث اهـ. قال ابن الملك: والمعتبر اليوم الهجرة المعنوية، وهي الهجرة من المعاصي، فيكون الأورع أولى كما في المرقاة (فإن كانوا في الهجرة سواء) أي مستوين (فأقدمهم) أي أسبقهم (سلما) أي إسلامًا فهو اسم مصدر لأسلم رباعي، لأن ذلك فضيلة يرجح بها (ولا يؤمن الرجل) بالرفع فاعل (الرجل) بالنصب مفعول به أي لا يكن الرجل الأول إمامًا للرجل الثاني (في سلطانه) أي في محل سلطنة الرجل الثاني ومحل ولايته، فهذا في الجمعات والأعياد، لتعلق هذه الأمور بالسلاطين، فأما في الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم بالإمامة، فإن جمع السلطان هذه الفضائل كلها فهو أولاهم بالإمامة، وكان أحمد بن حنبل يرى الصلاة خلف أئمة الجور ولا يراها خلف أهل البدع، وقولنا (وهذا في الجمعات والأعياد) الخ، قال القاضي: وهذا مما لا يوافق عليه، بل الصلاة لصاحب السلطنة حق من حقه وإن حضر أفضل منه، وقد تقدم الأمراء من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم على من تحت أيديهم، وفيهم الأفضل، وقد سبق ذكر شيوخنا أن الإمام بالجملة أفضل دون تفصيل في وجه، وحكى الماوردي قولين في الأحق، هل هو أو رب المنْزل ثم صاحب المنزل أحق من زائره، لأنه سلطانه وموضع تدبيره إلا أن يأذن صاحب المنزل للزائر ويستجيب له بأن حضر من هو أفضل منه أن يقدمه اهـ من المفهم. وقد يؤول قوله (ولا في سلطانه) بمعنى ما يتسلط عليه الرجل من ملكه في بيته أو بكونه إمام مسجد قومه، والمعنى حينئذ أن صاحب البيت والمجلس فيمام المسجد أحق من غيره فإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق، فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من يريد، وإن كان الذي يقدمه مفضولا بالنسبة إلى باقي الحاضرين لأنه سلطانه فيتصرف كيف شاء اهـ نواوي (ولا يقعد) أي لا يجلس الرجل الأول (في بيته) أي في بيت الرجل الثاني (على تكرمته) أي على تكرمة الرجل الثاني أي على فراشه وسجادته وسريره وما يعد لإكرامه من وطاء ونحوه، ووجه هذا المنع أنه مبني على منع التصرف في ملك الغير إلا بإذنه غير أنه خص التكرمة بالذكر للتساهل في القعود عليها، وإذا مغ القعود فمنع التصرف بنقلها مثلًا أو بيعها أولى اهـ مفهم (إلا بإذنه) أي يإذن الرجل الثاني، والتكرمة في الأصل مصدر لكرَّم

قَال الأشَجِّ فِي رِوَايَتِهِ -مَكَانَ سِلْمًا- سِنًّا. 1425 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا الأشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المضعف تكريمًا أطلق مجازًا على ما يعد للرجل إكرامًا له في منزله؛ أي لا يقعد على موضع أعد له بوضع وسادة يتكئ عليها أو بإلقاء ما يجلس عليه، وقيل المراد منها المائدة اهـ مبارق، والضمير في قوله إلا بإذنه كما في سلطانه وبيته وتكرمته للرجل الثاني اهـ مبارق، قال ابن الملك: قوله (إلا بإذنه) متعلق بجميع ما تقدم (قلت) كل من قال إن صاحب المنزل إذا أذن لغيره فلا بأس أن يصلي بهم، يقول إن قوله (إلا بإذنه) متعلق بجميع ما تقدم وكل من لم يقل به يقول إنه متعلق بقوله ولا يجلس فقط اهـ تحفة الأحوذي. قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) أبو سعيد (الأشج في روايته) لنا (مكان سلما) أي بدل قوله فأقدمهم سلمًا فأقدمهم (سنا) أي يقدم في الإمامة من كبر سنه في الإسلام لأن ذلك فضيلة يرجح بها، قال ابن الملك: وإنما جعل الأسن مقدمًا، لأن في تقديمه تكثير الجماعة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 118 و 124] وأبو داود [582] والترمذي [235] والنسائي [2/ 76] وابن ماجه [980]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال: 1425 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (وأبو معاوية ح وحدثنا) أبو سعيد (الأشج) الكندي الكوفي (حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (ح وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (كلهم) أي كل من أبي معاوية وجرير وابن فضيل وسفيان رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن إسماعيل عن أوس عن أبي مسعود (مثله) أي مثل ما روى أبو خالد الأحمر عن الأعمش، غرضه بيان متابعتهم له والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال:

1426 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ. قَال: سَمِعْتُ أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً. فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً. . فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً. فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً. . فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبرُهُمْ سِنًّا وَلا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَلا فِي سُلْطَانِهِ، وَلا تَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ، فِي بَيتِهِ، إلا أَنْ يَأْذَنَ لَكَ. أَوْ بِإِذْنِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1426 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن إسماعيل بن رجاء) الزبيدي الكوفي (قال) إسماعيل بن رجاء (سمعت أوس بن ضمعج) بوزن جعفر الحضرمي الكوفي، وهنا فائدة تصريح السماع في هذا السند بخلاف الأول فإنه بالعنعنة، وفيه أيضًا تصريح السماع في قوله (يقول) أوس (سمعت أبا مسعود) الأنصاري البدري المدني (يقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة للأعمش في رواية هذا الحديث عن إسماعيل بن رجاء، وفائدتها تقوية السند الأول، لأن الأعمش مدلس والله أعلم (يؤم القوم) خبر بمعنى الأمر؛ أي ليؤم القوم المصلين (أقروهم لكتاب الله) تعالى، أي أكثرهم قراءة لكتاب الله تعالى (وأقدمهم) أي أسبقهم (قراءة) أي أخذًا للقرآن (فإن كانت قراءتهم سواء) أي مستوية في القدر والأخذ (فليؤمهم أقدمهم) أي أسبقهم (هجرةً) أي نقلةً من مكة إلى المدينة (فإن كانوا في الهجرة سواء) أي مستوين (فليؤمهم أكبرهم سنا) أي عمرًا في الإسلام (ولا تؤمن) أيها الرجلُ (الرجلَ في أهله) ومنزله (ولا في سلطانه) أي في محل ولايته (ولا تجلس على تكرمته) -بفتح التاء وكسر الراء- الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به (في بيته إلا أن يأذن لك) في الجلوس عليها، وقال شعبة (أو) قال إسماعيل في روايته لنا إلا (بإذنه) بدل قوله إلا أن يأذن لك. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنهما فقال:

1427 - (640) (51) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيرِثِ؛ قَال: أَتَينَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيلَةً. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفيقًا. فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا. فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ. فَقَال: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ. فَأَقِيمُوا فِيهِمْ. وَعَلِّمُوهُمْ. وَمُرُوهُمْ. فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ. . فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1427 - (640) (51) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القرشي الأسلمي، مولاهم أبوالبشر البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الجرمي البصري، ثقة فاضل، من (3) (عن مالك بن الحويرث) بالتصغير الليثي أبي سليمان البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي (قال) مالك (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة) جمع شاب، مثل كتبة وكاتب (متقاربون) في السنن (فأقمنا عنده) صلى الله عليه وسلم (عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما) أي كثير الرحمة والإحسان إلى غيره (رفيقا) - بالفاء ثم القاف- من الرفق أي كثير الرفق والشفقة على غيره (فظن أنا قد اشتقنا أهلنا) أي قد أخذنا عشق أهلنا ومحبتهم، وفي رواية للبخاري "قد اشتقنا إلى أهلنا" بزيادة حرف الجر (فسألنا) بفتح اللام لأن الضمير مفعول به (عن من تركنا) وراءنا في البلاد (من أهلنا) وأقاربنا وقومنا (فأخبرناه) صلى الله عليه وسلم عمن تركناه وراءنا بسكون الراء، لأن الضمير هنا فاعل (فقال) لنا (ارجعوا إلى أهليكم) جمع أهل من الجموع النادرة الشاذة ملحق بجمع المذكر السالم في إعرابه (فأقيموا) أي فاجلسوا (فيهم) ولا تهتموا بالرجوع إلينا (وعلموهم) شرائع الدين (ومروهم) بالمأمورات أو المعنى علموهم الصلاة ومروهم بها (فإذا حضرت الصلاة) المكتوبة أي دخل وقتها (فليؤذن لكم) أي فليناد لكم بها (أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم) سنًّا. قال النواوي: ففي هذا الحديث الحث على الأذان والجماعة، وتقديم الأكبر في

1428 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ. قَال: قَال لِي أبُو قِلابَةَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيرِثِ أبُو سُلَيمَانَ قَال: أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ. وَنَحْنُ شَبَبَة مُتَقَارِبُونَ، وَاقْتَصَّا جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الإمامة إذا استووا في باقي الخصال، وهؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا جميعًا وأسلموا جميعًا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه ولم يبق ما يقدم به إلا السن، واستدل جماعة بها على تفضيل الإمامة على الأذان لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "يؤذن أحدكم" وخص الإمامة بالأكبر ومن قال بتفضيل الأذان وهو الصحيح المختار، قال: إنما قال يؤذن أحدكم، وخص الإمامة بالأكبر لأن الأذان لا يحتاج إلى كبير علم، وإنما أعظم مقصوده الإعلام بالوقت والإسماع بخلاف الإمامة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6008] وأبو داود [589] والترمذي [205] والنسائي [2/ 77]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه فقال: 1428 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) (وخلف بن هشام) بن ثعلب البزار -بالراء آخره- أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) كلاهما (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني البصري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة، عن مالك، ح (وحدثناه) معطوف على قوله وحدثنا أبو الربيع الزهراني؛ أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث مالك بن الحويرث محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا عبد الوهاب) ابن عبد المجيد الثقفي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (قال) أيوب: (قال لي أبو قلابة: حدثنا مالك بن الحويرث) الليثي (أبو سليمان) البصري الصحابي الجليل رضي الله عنه (قال) مالك (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس) أي مع ناس وجماعة من قومي (ونحن شيبة متقاربون) في السنن (واقتصا جميعا) أي واقتص كل من حماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي، حالة

الْحَدِيثَ. بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. 1429 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيرِثِ؛ قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَصَاحِبٌ لِي. فَلَمَّا أَرَدْنَا الإِقْفَال مِنْ عِنْدِهِ قَال لَنَا: "إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا. ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ كونهما مجتمعين متفقين في رواية هذا الحديث أي ذكر كل منهما جميعًا (الحديث) السابق (بنحو حديث) إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة حماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي لإسماعيل بن علية في رواية هذا الحديث عن أيوب. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - فقال: 1429 - (. . .) (. . .) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) أبو يعقوب المروزي (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (عن خالد) بن مهران المجاشعي أبي المنازل (الحذاء) البصري، ثقة، من (5) (عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث) الليثي البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة خالد الحذاء لأيوب في رواية هذا الحديث عن أبي قلابة (قال) مالك (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وصاحب) أي رفيق (لي فلما أردنا الإقفال) والرجوع (من عنده) - صلى الله عليه وسلم - إلى قومنا، يقال قفل الجيش إذا رجعوا، وأقفلهم الأمير إذا أذن لهم في الرجوع، فكأنه قال فلما أردنا أن يؤذن لنا في الرجوع من عنده إلى قومنا (قال لنا إذا حضرت الصلاة) المكتوبة ودخل وقتها (فأذنا ثمَّ أقيما) أي فليؤذن أحدكما ثمَّ ليقم (وليؤمكما أكبركما) سنًّا، يدل على تساويهما في شروط الإمامة، ورجح أحدهما بالسن، وقوله في الرواية السابقة "أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببة" تعارض هذه الرواية، أعني رواية "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وصاحب لي" إلا أن يجمع بينهما بأن الوفادة كانت مرتين أو كانت واحدةً غير أن ذلك الفعل تكرر منه ومن النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكر والله أعلم اهـ من المفهم. قوله (أردنا الإقفال) الإقفال مصدر أقفل الرباعي من مزيد الثلاثي، يقال في ثلاثيه قفلت فهي قافلة، وقفل الجند من

1430 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ)، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَال الْحَذَّاءُ: وَكَانَا مُتَقَارِبَينِ فِي الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مبعثهم أي رجعوا، ومصدره القفول كالدخول والخروج، ويحتمل أن يكون معدى قفل ويكون معناه فلما أردنا أن يُقفلنا هو والله أعلم اهـ منه. قوله (فأذنا وأقيما) يدل على تأكد الأذان والإقامة وإن لم يكن في المساجد بل في السفر، وكافة العلماء على استحباب الأذان للمسافر إلا عطاء فإنَّه قال: إذا لم يؤذن ولم يقم أعاد الصلاة، وحكى الطبري عن مالك في المسافر أنَّه يعيد إذا ترك الأذان ومشهور مذهبه الاستحباب. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [3/ 436] والنسائيُّ [2/ 77] وابن ماجه [979]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - فقال: 1430 - (. . .) (. . .) (وحدثناه أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي، ثقة فقيه، من (8) (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) البصري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن مالك، غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لعبد الوهاب في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء (و) لكن (زاد) حفص في روايته على عبد الوهاب لفظة (قال الحذاء: وكانا) أي وكان مالك وصاحبه (متقاربين في) معرفة (القراءة) للقرآن. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث مالك بن الحويرث ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه أعلم. ***

307 - (21) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمعين وعليه في الصلاة

307 - (21) باب: ما جاء في القنوت والدعاء للمعين وعليه في الصلاة 1431 - (641) (52) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ، حِينَ يَفْرُغُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَيُكَبِّرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: "اللَّهمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ. وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 307 - (21) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمعيَّن وعليه في الصلاة 1431 - (641) (52) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي، مولاهم المصري، ثقة، من (10) (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري، صدوق، من (11) (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمَّد المصري، ثقة، من (9) (أخبرني يونس بن يزيد) الأموي مولاهم أبو يزيد الأيلي، ثقة، من (7) (عن ابن شهاب) ثقة، من (4) (قال أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) (وأبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني، ثقة، من (3) (أنهما سمعا أبا هريرة) - رضي الله عنه - (يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار بالجمع والإفراد والقول والسماع والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر) والصبح، والجار والمجرور في قوله (من القراءة) فيها بدل من الجار والمجرور قبله، وقوله (ويكبر) لهوي الركوع (ويرفع رأسه) من الركوع معطوفًا على يفرغ، وقوله (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) مقول ليقول، والمعنى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، حين فرغ من قراءة صلاة الفجر، وكبر للركوع ورفع رأسه للاعتدال (ثمَّ يقول) بعد التسميع (وهو قائم) معتدل (اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة) ودعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء الثلاثة بالنجاة لأنهم كانوا أسارى بأيدي الكفار، وحديثهم في السير فلا نطيل بذكره، وقوله (والمستضعفين

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. اللَّهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ. وَاجْعَلْهَا عَلَيهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ. اللَّهمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من المؤمنين) تعميم بعد تخصيص، قال ابن الملك: قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - حين هاجر من مكة وهم بقوا فيها اهـ، وقوله أنج من النجاة، والهمزة للتعدية، وقد عُدِّيَ بالتضعيف، وأصله من النجوة؛ وهو المرتفع من الأرض وهؤلاء المدعو لهم هم قوم من أهل مكة أسلموا ففتنهم أهل مكة وعذبوهم وبعد ذلك نجوا منهم وهاجروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا دعاء للمعين وغيره، قال النواوي: وفيه استحباب القنوت والجهر به وأنه بعد الركوع، وأنه يجمع بين قوله سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد، وفيه جواز الدعاء لإنسان معين وعلى معين. وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول في الدعاء على الكفار (اللهم اشدد وطأتك) أي نكايتك وعقوبتك بهمزة وصل في اشدد وفتح الواو وسكون الطاء في قوله وطأتك أي اشدد عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر) اسم قبيلة يعني خذهم أخذًا شديدًا (واجعلها) أي واجعل الوطأة أو السنين أو الأيام (عليهم) أي على كفار مضر سنين كما هو مصرح في الرواية الآتية في رواية البخاري (كسني يوسف) - عليه السلام - في بلوغ غاية الشدة أي اجعلها عليهم سنين شدادًا ذوات قحط وغلاء وجوع كسني يوسف الصديق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام يعني بها قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48] فاستجيب له - صلى الله عليه وسلم - فأجدبوا سبعًا، أكلوا فيها كل شيء حتى أكلوا الميتة والعظام، وكأن الواحد منهم يرى بينه وبين السماء دخانًا من شدة الجوع والضعف حتى جاء أبو سفيان فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا لهم فسقوا كما بسطنا الكلام عليه في تفسيرنا في سورة الدخان، وقوله (سنين) جمع سنة، وفيه شذوذان تغييره من الفتح إلى الكسر وكونه جمعًا لغير عاقل، وحكمه أيضًا مخالف لجموع السلامة في جواز إعرابه كمسلمين، وبالحركات على النون وكونه منونًا وغير منون منصرفًا وغير منصرف، والسنة كما ذكره أهل اللغة الجدب يقال أخذتهم السنة إذا أجدبوا أو أقحطوا، قال ابن الأثير: وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس والمال في الإبل، وقد خصوها بقلب لامها تاء في أسنتوا إذا أجدبوا اهـ. وكان - صلى الله عليه وسلم - يقنت شهرًا متتابعًا في اعتدال الركعة الأخيرة من كل الصلوات الخمس يدعو على قبائل من العرب قتلوا أصحابه القراء في السنة الرابعة من الهجرة، ويقول في دعائه عليهم (اللهم

الْعَنْ لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ. عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ" ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أُنْزِلَ: {لَيسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] ـــــــــــــــــــــــــــــ العن) واطرد من رحمتك (لحيان) غير منصرف (ورعلا) بالصرف (وذكوان) غير منصرف (وعصية) غير منصرف، هذه قبائل (عصت) وخالفت (الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) - صلى الله عليه وسلم -، وهم قبائل من العرب قتلوا أصحاب بئر معونة وهم سبعون من القراء، وكان حديثهم أن أبا براء الكلابي ويعرف بملاعب الأسنَّة سأل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوجه معه رجالًا من أصحابه إلى قومه بنجد يدعونهم إلى الله ويعرضون عليهم الإِسلام، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أخاف عليهم أهل نجد" فقال له أبو براء: أنا لهم جار، فبعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه وكانوا زهاء سبعين رجلًا، فلما مروا ببني عامر استصرخ عليهم عدو الله عامر بن الطفيل، تلك القبائل التي دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم من بني سليم فأجابوه فقتلوهم ولم ينج منهم إلا عمرو بن أمية الضمري، وقيل إلا كعب بن زيد الأنصاري، فحزن عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حزنًا شديدًا، فإنَّه لم يصب بمثلهم، وكانوا من خيار المهاجرين - رضي الله عنهم -. قال أبو هريرة بالسند السابق (ثمَّ بلغنا أنَّه) - صلى الله عليه وسلم - (ترك ذلك) الدعاء عليهم، وأما أصل القنوت في الصبح فلم يتركه حتى فارق الدنيا كذا صح عن أنس - رضي الله عنه - كما سيأتي قريبًا (لما أنزل) قوله تعالى ({لَيسَ لَكَ}) أي محمَّد ({مِنَ الْأَمْرِ}) والتصرف في عبادي ({شَيءٌ}) إلا التبليغ ({أَوْ يَتُوبَ عَلَيهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}) [آل عمران: 128] والمعنى فالله عَزَّ وَجَلَّ مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يمزقهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا على الكفر، وليس لك من أمرهم شيء وإنما أنت نذير. قال القرطبي: والذي استقر عليه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القنوت ما رواه الدارقطني [2/ 41] بإسناد صحيح عن أنس أنَّه قال: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1006] وأبو داود [836] والنسائي [2/ 233] وابن ماجه [1244]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال:

1432 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، إِلَى قَوْلِهِ: "وَاجْعَلْهَا عَلَيهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ"، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 1433 - (. . .) (. . .) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ، فِي صَلاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1432 - (. . .) (. . .) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد (الناقد قالا حدثنا ابن عيبنة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن عيينة ليونس بن يزيد في الرواية عن الزهري، وفائدتها تقوية السند الأول (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله: واجعلها عليهم كسني يوسف ولم يذكر) سفيان بن عيينة (ما بعده) أي ما بعد قوله كسني يوسف من قوله اللهم العن لحيان ورعلًا إلى آخر الحديث. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 1433 - (. . .) (. . .) (حدثنا محمَّد بن مهران) -بكسر الميم وسكون الهاء- أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي، مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبي عمرو الشامي، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي، مولاهم أبي نصر اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (أن أبا هريرة حدثهم) أي حدث لأبي سلمة ومن معه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد رازي، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير للزهري في رواية هذا الحديث عن الزهري، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الحديث (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركعة) أي بعد الركوع في اعتدال الركعة الأخيرة (في) كل (صلاة) من الصلوات

شَهْرًا. إِذَا قَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: "اللَّهمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. اللَّهمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ. اللَّهمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ. اللَّهمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهمَّ، اجْعَلْهَا عَلَيهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: ثُمَّ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ. فَقُلْتُ: أُرَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ. قَال: فَقِيلَ: وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخمس (شهرا) كاملًا متتابعًا (إذا قال سمع الله لمن حمده) أي بعد فراغه من التسميع، حالة كونه (يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد) أمر من الإنجاء (اللهم نج) -بتشديد الجيم- أمر من التنجية (سلمة بن هشام، اللهم نج) من التنجية أيضًا (عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج) من التنجية أيضًا (المستضعفين من المؤمنين) أي خلصهم من إذاية المشركين وفكهم من أيديهم (اللهم اشدد وطأتك) وعقوبتك (على) كفار قريش من (مضر، اللهم اجعلها) أي اجعل وطأتك ونكايتك (عليهم سنين) مجدبة مقحطة (كسني يوسف) الصديق - عليه السلام -. قال القرطبي: وفي هذا الحديث من الفقه جواز الدعاء على معين، وجواز الدعاء بغير ألفاظ القرآن في الصلاة، وهو حجة على أبي حنيفة في منعه ذلك كله فيها، ولا خلاف في جواز لعن الكفرة والدعاء عليهم، واختلفوا في جواز الدعاء على أهل المعاصي، فأجازه قوم ومنعه آخرون، وقالوا يدعى لهم بالتوبة لا عليهم، وقيل إنما يدعى على أهل الانتهاك في حين فعلهم ذلك، وأما في إدبارهم فيدعى لهم بالتوبة اهـ من المفهم. (قال أبو هريرة) بالسند السابق (ثمَّ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الدعاء) لهم (بعد) أي بعد ما قنت شهرًا، قال أبو هريرة (فقلت) لبعض الناس (أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي أظنه (قد ترك الدعاء لهم) أي لهؤلاء المستضعفين (قال) أبو هريرة (فقيل) لي أتقول ذلك (وما تراهم قد قدموا) بتقدير همزة الاستفهام، كذا في نسخ مسلم، وفي معاني الآثار "أو ما تراهم قد قدموا" بالاستفهام مع العطف، والمعنى أتسأل عن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء لهم، وما تراهم أي ما تعلم أن

1434 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، بَينَمَا هُوَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" ثُمَّ قَال قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: "اللَّهمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ" ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الأَوْزَاعِيِّ، إِلَى قَوْلِهِ: "كَسِنِيِّ يُوسُفَ"، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشركين الذين أذوهم قد ماتوا وهلكوا ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للمستضعفين ولذلك ترك الدعاء لهم، أو المعنى أَوَمَا تعلم أن المستضعفين قد قدموا المدينة وهاجروا إليها وتخلصوا من إذاية المشركين. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 1434 - (. . .) (. . .) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا حسين بن محمَّد) بن بهرام التميمي أبو محمَّد المروذي -بفتح الميم وتشديد الراء وبالذال المعجمة- نسبة إلى مروروذ مدينة من خراسان، روى عن شيبان في الصلاة والصوم وغيرهما وإسرائيل وجرير بن حازم، ويروي عنه (ع) وزهير بن حرب ومحمد بن رافع وابن مهدي وابن معين، وثقه العجلي وابن حبَّان، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (214) أربع عشرة ومائتين (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي النحوي، مولاهم أبو معاوية البصري ثمَّ الكوفي ثمَّ البغدادي، ثقة، من السابعة، روى عنه في (7) أبواب (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة أن أبا هريرة أخبره) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد بصري وواحد خراساني وواحد نسائي، غرضه بسوقه بيان متابعة شيبان للأوزاعي في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يصلي) صلاة (العشاء إذ قال سمع الله لمن حمده) وإذ فجائية رابطة لجواب بينما؛ أي بينما أوقات صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء فاجأنا قوله سمع الله لمن حمده (ثمَّ قال) في اعتداله (قبل أن يسجد) أي ثمَّ قوله قبل سجوده (اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، ثمَّ ذكر) شيبان (بمثل حديث الأوزاعي إلى قوله كسني يوسف، ولم يذكر) شيبان (ما بعده) أي ما بعد قوله كسني يوسف، والله أعلم.

1435 - (642) (53) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: وَاللهِ، لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يَقْنُتُ فِي الظُّهْرِ. وَالْعِشَاءِ الآخِرَةِ. وَصَلاةِ الصُّبْحِ. وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له فقال: 1435 - (642) (53) (حدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن يحيى بن أبي كثير، قال حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أنَّه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي (والله) أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره (لأقربن بكم) من التقريب مع نون التوكيد الثقيلة؛ أي لأقربن إليكم (صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي كيفيتها وصفتها، وفي رواية للبخاري لأرينكم (فكان) بالفاء التفسيرية، وفي رواية البخاري: وكان بالواو (أبو هريرة يقنت في) اعتدال الركعة الأخيرة من ثلاث صلوات، صلاة (الظهر و) صلاة (العشاء الآخرة وصلاة الصبح) بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، كما هو مصرح في رواية البخاري، وقوله (ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار) معطوف على يقنت عطفًا تفسيريًا، وفي رواية البخاري فيدعو بالفاء التفسيرية، وفي زيادة البخاري بعدما يقول سمع الله لمن حمده، أن القنوت بعد الركوع في الاعتدال، وقال مالك: يقنت قبله دائمًا، وقوله (ويلعن الكفار) أي الغير المعينين، أما المعين فلا يجوز لعنه حيًّا كان أو ميتًا إلا من علمنا بالنصوص موته على الكفر كأبي لهب، وظاهر سياق الحديث أنَّه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس موقوفًا على أبي هريرة لقوله: لأقربن لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ فسره بقوله فكان أبو هريرة إلى آخره، وقيل المرفوع منه وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات المذكورة، ويدل له ما في رواية شيبان عن يحيى عند البخاري في تفسير سورة النساء من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء، لكن ينفي هذا كونه - صلى الله عليه وسلم - قنت في غير العشاء فالظاهر أن جميعه مرفوع اهـ قسطلا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [797] وأبو داود [1440] والنسائيُّ [2/ 202].

1436 - (643) (54) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: دَعَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاثِينَ صَبَاحًا، يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَال أَنَسٌ: أَنزلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ: أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أنس بن مالك فقال: 1436 - (643) (54) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد نيسابوري (قال) أنس (دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على) المشركين (الذين قتلوا أصحابـ) ـــه القراء في موضع سمي بـ (بئر معونة) وهو اسم موضع في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة، وأولئك القراء كانوا من أوزاع الناس ونزاع القبائل نازلين بصفة المسجد يتفقدون القرآن ويتعلمون العلم وكانوا ردأً للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة، وكانوا عمار المسجد وليوث الملاحم، بعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجد ليقرأوا عليهم القرآن ويدعوهم إلى الإِسلام، فلما نزلوا ببئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من سليم وهم رعل وذكوان وعصية ولحيان، وقاتلوهم فقتلوهم ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد من بني النجار فإنَّه تخلص وبه رمق فعاش حتى استشهد يوم الخندق، وكانوا سبعين، وكان ذلك سنة أربع اهـ إكمال الإكمال، وقوله (ثلاثين صباحا) ظرف لدعا أي دعا عليهم في ثلاثين صباحًا ومساءً في خمس صلوات، وقوله (يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصية) تفصيل لما أجمله أولًا بقوله على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة، وسميت القبيلة عصية بضم أوله لأنها (عصت) وخالفت (الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) - صلى الله عليه وسلم - فيما يدعوان إليه من التوحيد، وفيه من المحسنات البديعية جناس الاشتقاق (قال أنس) بالسند السابق (أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ في) القراء (الذين قتلوا ببئر معونة قرآنًا قرأناه) معاشر الصحابة (حتى نسخ بعد) أي بعد قراءتنا إياه، ولفظه أوصينا إليك ربنا (أن بلغوا قومنا)

أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا. فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ. 1437 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنِي عَمْروٌ النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ. قَال: قُلْتُ لأَنَسٍ: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلاةِ الصُّبْحِ؟ قَال: نَعَمْ. بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا. 1438 - (. . .) (. . .) وَحدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، (وَاللَّفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ)، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إخواننا المسلمين عبر عن الله سبحانه بضمير الجمع للتعظيم، كما هو في مواضع كثيرة في القرآن (أن) مخففة أي أنَّه (قد لقينا ربنا) كناية عن الموت (فرضي عنا) أعمالنا (ورضينا عنه) ما جزاه لنا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 167] والبخاري [1300] وأبو داود [1444] و 1445] والنسائيُّ [2/ 200] وابن ماجه [1184]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 1437 - (. . .) (. . .) (وحدثني عمرو) بن محمَّد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالا حدثنا إسماعيل) بن علية الأسدي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (عن محمَّد) بن سيرين البصري (قال) محمَّد (قلت لأنس: هل قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الصبح؟ قال) أنس (نعم) قنت في صلاة الصبح (بعد الركوع) زمنًا (يسيرا) قدر شهر يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصية. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد إما بغدادي أو نسائي، غرضه بيان متابعة محمَّد بن سيرين لإسحاق بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن أنس. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 1438 - (. . .) (. . .) (وحدثني عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التميمي (العنبري) البصري (وأبو كريب) محمَّد بن العلاء الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثمَّ البصري (واللفظ) الآتي (لـ) عبيد الله (بن معاذ حدثنا المعتمر بن سليمان) التيمي البصري، ثقة، من (9) (عن أبيه)

عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ. فِي صَلاةِ الصُّبْحِ. يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ. وَيقُولُ: "عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ". 1439 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري (عن أبي مجلز) -بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي- لاحق بن حميد بن سعيد بن خالد بن كسير بن حبيش بن عبد الله بن سدوس السدوسي البصري، ويقال إنه أتى مرو وله بها دار. روى عن أنس في الصلاة وابن عمر وابن عباس في الصلاة وجندب بن عبد الله البجلي في الجهاد وقيل بن عباد في التفسير وأبي موسى الأشعري وغيرهم، ويروى عنه (ع) وسليمان التيمي وأبو التياح وقتادة وأبو هاشم الرماني وعاصم الأحول، قال العجلي: بصري تابعي ثقة، وكان يحب عليًّا، وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث، وقال في التقريب: ثقة، من كبار الثالثة، مات سنة (109) تسع ومائة، وليس عندهم من اسمه لاحق إلا هذا الثقة (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا من ذكر للمقارنة وهما أبو كريب وإسحاق، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي مجلز لإسحاق بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك، وكرر المتن لما فيه من المخالفة للسابق في سوق الحديث، قال أنس (قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا بعد الركوع في صلاة الصبح) حالة كونه (يدعو على رعل وذكوان) ولحيان وعصية (ويقول) - صلى الله عليه وسلم - (عصية عصت الله ورسوله). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 1439 - (. . .) (. . .) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله البغدادي (حدثنا بهز بن أسد) العمي أبو الأسود البصري (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أبو سلمة البصري، ثقة، من (8) (أخبرنا أنس بن سيرين) أخو محمَّد بن سيرين الأنصاري، مولاهم مولى أنس بن مالك أبو عبد الله البصري، وقيل أبو حمزة يقال إنه لما ولد ذهب به إلى أنس بن مالك فسماه أنسًا وكناه أبا حمزة اسمَ نفسه وكُنْيَةَ نفسه،

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا، بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، يَدْعُو عَلَى بَنِي عُصَيَّةَ. 1440 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: سَأَلْتُهُ عَنِ الْقُنُوتِ، قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ فَقَال: قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَال: قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. فَقَال: إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن أنس بن مالك في الصلاة، وجندب في الصلاة، وابن عمر في الصلاة والطلاق، وأخيه معبد بن سيرين في النكاح، ويروي عنه (ع) وحماد بن سلمة وخالد الحذاء وهمام بن يحيى وحماد بن زيد وشعبة وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائيُّ وابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (118) ثماني عشرة ومائة (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا محمَّد بن حاتم فإنَّه بغدادي، غرضه بيان متابعة أنس بن سيرين لمن روى عن أنس بن مالك (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا بعد الركوع في صلاة الفجر، يدعو علي بني عصية) وغيرهم ممن قتلوا أصحاب بئر معونة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: 1440 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا حدثنا أبو معاوية عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي، مولاهم أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان، غرضه بسوقه بيان متابعة عاصم الأحول لمن روى عن أنس (قال) عاصم (سألته) أي سألت أنس بن مالك (عن) محل (القنوت) هل هو (قبل الركوع أو بعد الركوع؟ فقال) لي أنس هو (قبل الركوع، قال) عاصم (قلت) لأنس (فإن ناسا) من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يزعمون) أي يقولون (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركوع، فقال) أنس (إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرا) أي مقدار شهر؛ ثلاثين صباحًا، حالة كونه (يدعو على أناس) رعل وذكوان

قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ. يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ. 1441 - (. . .) (. . .) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ عَلَى سَرِيَّةٍ مَا وَجَدَ عَلَى السَّبْعِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، كَانُوا يُدْعَوْنَ الْقُرَّاءَ. فَمَكَثَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَتَلَتِهِمْ. 1442 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَابْنُ فُضَيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولحيان وعصية (قتلوا) غدرًا (أناسا) خيارًا (من أصحابه) - صلى الله عليه وسلم - (يقال لهم القراء) وهم الذين قتلوا في بئر معونة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 1441 - (. . .) (. . .) (حدثنا) محمَّد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن عاصم) بن سليمان التميمي البصري (قال) عاصم (سمعت أنسًا) ابن مالك، حالة كونه (يقول) وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن عاصم (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد) أي حزن (على سرية) من سرايا أصحابه، والسرية قطعة من الجيش تجمع على سرايا (ما وجد) أي مثل ما وجد وحزن (على) قتل (السبعين الذين أصيبوا) وقتلوا (يوم) وقعة (بئر معونة) موضع من أرض سليم بين مكة والمدينة (كانوا) أي كان أولئك القتلى (يدعون) أي يسمون من بين الأصحاب (القراء) لملازمتهم قراءة القرآن (فمكث) أي مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس (شهرا) كاملًا متتابعًا أي صار (يدعو على قتلتهم) أي على المشركين الذين قتلوهم غدرًا وهم القبائل المذكورة آنفًا، والقتلة جمع قاتل، ككملة جمع كامل، وفسقة جمع فاسق. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 1442 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو كريب حدثنا حفص) بن غياث النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (و) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، بِهَذَا الْحَدِيثِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. 1443 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا عَمْروٌ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا، يَلْعَنُ رِعْلًا وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) (ح وحدثنا) محمَّد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان) بن معاوية الفزاري الكوفي، ثقة، من (8) (كلهم) أي كل من حفص وابن فضيل ومروان (عن عاصم) الأحول، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عاصم (عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث) الذي رواه سفيان بن عيينة عن عاصم، حالة كون كل من الثلاثة (يزيد بعضهم على بعض). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 1443 - (. . .) (. . .) (وحدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا الأسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن البغدادي، ويلقب بشاذان، روى عن شعبة في الصلاة واللباس وذكر النفاق، وزهير بن معاوية في الحج والنكاح، حديثه عن زهير في الحج غريب، وعن حماد بن سلمة في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد وهارون بن عبد الله وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم، وثقه ابن المديني، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال ابن سعد: صالح، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات في أول سنة (208) ثمان ومائتين (أخبرنا شعبة) بن الحجاج البصري، (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس بن مالك) البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان بغداديان، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة قتادة لمن روى هذا الحديث عن أنس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا) حالة كونه (يلعن رعلًا وذكوان وعصية) لأنهم (عصوا) وخالفوا (الله ورسوله) فيما يدعوانهم إليه من التوحيد والإِسلام. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال:

1444 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا عَمْروٌ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، بِنَحْوهِ. 1445 - (. . .) (. . .) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ. ثُمَّ تَرَكَهُ. 1446 - (644) (55) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1444 - (. . .) (. . .) (وحدثنا عمرو الناقد) البغدادي أيضًا (حدثنا الأسود بن عامر) البغدادي (أخبرنا شعبة، عن موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري قاضيها، ثقة، من (4) (عن) أبيه (أنس) بن مالك الأنصاري البصري (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه) أي بنحو ما حدث قتادة عن أنس، غرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن أنس لقتادة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 1445 - (. . .) (. . .) (حدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشام لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا) كاملًا متتابعًا، حالة كونه (يدعو على أحياء) وقبائل جمع حي بمعنى قبيلة (من أحياء العرب) وقبائلهم؛ وهم رعل وذكوان ولحيان وعصية (ثمَّ) بعد مضي شهر (تركه) أي ترك الدعاء عليهم. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث البراء بن عازب فقال: 1446 - (644) (55) (حدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمَّد (بن

بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيلَى. قَال: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ. 1447 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنِ الْبَرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله الهمداني المرادي الجملي أبي عبد الله الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) (قال) عمرو (سمعت) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبا عيسى الكوفي، ثقة، من (2) (قال) عبد الرحمن (حدثنا البراء بن عازب) بن الحارث الأنصاري الأوسي أبو عمارة الكوفي - رضي الله عنه -، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقنت في الصبح والمغرب) لكونهما طرفي النهار لزيادة شرف وقتهما رجاء إجابة الدعاء، فكان تارةً يقنت فيهما وتارةً في جميع الصلوات حرصًا على إجابة الدعاء حتى نزل {لَيسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ} [آل عمران: 128] فترك إلا في الصبح، كما روى أنس أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا كما مر، كذا قرره البرماوي كالكرماني وتعقب بأن قوله إلا في الصبح يحتاج إلى دليل وإلا فهو نسخ فيهما، قال الطحاوي: أجمعوا على نسخه في المغرب، فيكون في الصبح كذلك اهـ انتهى من القسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 28] والترمذي [401] والنسائيُّ [2/ 202]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء - رضي الله عنه - فقال: 1447 - (. . .) (. . .) (وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن عمرو بن مرة) الهمداني الكوفي (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري الكوفي (عن البراء) بن عازب الأنصاري الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن مرة، وكرر المتن لما في هذه الرواية من بعض المخالفة للأولى

قَال: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ. 1448 - (645) (56) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ الْمِصْرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) البراء (قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفجر والمغرب) لكونهما طرفي النهار، قال الحافظ ابن حجر وغيره: أي في أول الأمر. [فائدة]: - قال الحازمي في كتاب الاعتبار اتفق أهل العلم على ترك القنوت من غير سبب في أربع صلوات وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: واختلف الناس في القنوت في صلاة الصبح فذهب أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار على إثبات القنوت فيها، قال: فممن روينا ذلك عنه من الصحابة الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومن الصحابة عمار بن ياسر وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عباس وأبو هريرة والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو حليمة معاذ بن الحارث الأنصاري وخفاف بن إيماء بن رحضة وأهبان بن صيفي وسهل بن سعد الساعدي وعرفجة بن شريح الأشجعي ومعاوية بن أبي سفيان وعائشة الصديقة، ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي وسويد بن غفلة وأبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ، ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن ومحمد بن سيرين وأبان بن عثمان وقتادة وطاوس وعبيد بن عمير والربيع بن خثيم وأيوب السختياني وعبيدة السلماني وعروة بن الزبير وزياد بن عثمان وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز وحميد الطويل، ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق وأبو بكر بن محمَّد والحكم بن عتيبة وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعيُّ وأصحابه، وعن الثوري روايتان وغير هؤلاء خلق كثير. وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ومنعوا من شرعية القنوت في الصبح، وزعم نفر منهم أنَّه كان مشروعًا ثمَّ نسخ انتهى كلام الحازمي اهـ تحفة الأحوذي. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا بحديث خفاف بن إيماء لحديث أبي هريرة - رضي الله عنهما - فقال: 1448 - (645) (56) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح المصري)

قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيثِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ الْغِفَارِيٍّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي صَلاةٍ: "اللَّهمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموي مولاهم، ثقة، من (10) (قال حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمَّد المصري، ثقة، من (9) (عن الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، ثقة، من (7) (عن عمران بن أبي أنس) القرشي العامري المصري، روى عن حنظلة بن علي في الفضائل والصلاة، وسلمان الأغر وعمر بن الحكم في النكاح، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الطلاق، ويروي عنه (م د ت س) والليث بن سعد وعبد الحميد بن جعفر ويزيد بن أبي حبيب، وثقه أبو حاتم وابن معين وأحمد والنسائيُّ، وقال العجلي: مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة بالمدينة. (عن حنظلة بن علي) بن الأسقع الأسلمي المدني، روى عن خفاف بن إيماء الغفاري في الصلاة والفضائل، وأبي هريرة في الحج، ويروي عنه (م د س ق) وعمران بن أبي أنس وعبد الرحمن بن حرملة والزهري وأبوالزناد، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية، وقيل إن له رؤية (عن خفاف) بضم أوله وفاءين الأولى مخففة (ابن إيماء) -بكسر الهمزة بعدها تحتانية ساكنة وبالتنوين لأنه منصرف لأنَّ الهمزة أصلية- ابن رحضة -بكسر المهملتين ثمَّ المعجمة- (الغفاري) المدني - رضي الله عنه - سيد قومه وإمامهم شهد بيعة الرضوان، له خمسة أحاديث، انفرد (م) بحديث، يروي عنه (خ م) وحنظلة بن علي في الصلاة، وابنه الحارث بن خفاف، مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وليس في مسلم من اسمه خفاف إلّا هذا الصحابي، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان (قال) خفاف بن إيماء (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في) جنس (صلاة) الصادقة بالصلوات الخمس في الدعاء على المشركين (اللهم العن) واطرد عن رحمتك (بني لحيان ورعلًا وذكوان وعصية) لأنهم (عصوا الله ورسوله غفار غفر الله لها) لأنهم آمنوا بالله ورسوله طوعًا (وأسلم سالمها) أي عافاها (الله) سبحانه وتعالى من بلاء الدنيا والآخرة لأنهم أسلموا لله ولرسوله طوعًا.

1449 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. قَال: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، (وَهْوَ ابْنُ عَمْروٍ)، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ خُفَافٍ؛ أَنَّهُ قَال: قَال خُفَافُ بْنُ إِيمَاءٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: وفي الحديث جواز لعن الكفار وطائفة معينة منهم، وتعقبه ابن ملك بأن لعن الأنبياء بعد عرفانهم بنور النبوة أنهم لا يهتدون وليس في غيرهم هذه المعرفة اهـ من بعض الهوامش (وقوله غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله) غفار وأسلم اسما قبيلتين ممنوعان من الصرف، وهما مبتدآن خبراهما جملتان بعدهما، وفيه كما في فتح الباري الدعاء بما يشتق من الاسم كأن يقال لأحمد أحمد الله عاقبتك، ولعلي أعلاك الله وهو من جناس الاشتقاق ولا يختص بالدعاء بل يأتي مثله في الخبر كعصية عصت الله ورسوله، ومنه قوله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيمَانَ} [النمل: 44] قال ابن الملك: إنما دعا لهم لأنهما دخلا الإِسلام بغير حرب، وهذا الحديث من أفراد المؤلف رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث خفاف بن إيماء - رضي الله عنه - فقال: 1449 - (. . .) (. . .) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي، (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (قال) إسماعيل (أخبرني محمَّد وهو ابن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي أبو الحسن المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن خالد بن عبد الله بن حرملة) المدلجي المدني، روى عن الحارث بن خفاف، ويروي عنه (م) ومحمد بن عمرو فرد حديث في الكتاب وهو هذا الحديث ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة، وكان يرسل، ووهم من ذكره في الصحابة (عن الحارث بن خفاف) -بضم الخاء المعجمة والفاء المخففة- بن إيماء -بكسر الهمزة وسكون التحتانية والمد- بن رحضة الغفاري المدني، مختلف في صحبته، وذكره ابن حبَّان في ثقات التابعين، روى عن أبيه خفاف بن إيماء في الصلاة، ويروي عنه (م) وخالد بن عبد الله بن حرملة فقط (أنه) أي أن الحارث (قال: قال) أبي (خفاف بن إيماء) الغفاري

رَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَفَعَ رأْسَهُ فَقَال: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ. اللَّهمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ، وَالْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ" ثُمَّ وَقَعَ سَاجِدًا. قَال خُفَافٌ: فَجُعِلَتْ لَعْنَةُ الْكَفَرَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. 1450 - (. . .) (. . .) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. قَال: وَأَخْبَرَنِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة الحارث بن خفاف لحنظلة بن علي في رواية هذا الحديث عن خفاف، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ رفع رأسه) من الركوع (فقال غفار) -بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء- أبو قبيلة من كنانة (غفر الله لها وأسلم) - بالهمزة واللام المفتوحتين - أبو قبيلة من خزاعة (سالمها الله) تعالى، من المسالمة؛ وهي ترك الحرب، أو بمعنى سلمها الله تعالى، وهل هو إنشاء دعاء أو خبر؟ رأيان، وعلى كل وجه ففيه جناس الاشتقاق، وإنما خص هاتين القبيلتين بالدعاء لأنَّ غفارًا أسلموا قديمًا، وأسلم سلموه - صلى الله عليه وسلم - (وعصية عصت الله ورسوله، اللهم العن بني لحيان والعن رعلًا وذكوان، ثمَّ) بعد هذا الدعاء (وقع) أي خر وسقط (ساجدًا، قال خفاف فجعلت) أي أخذت (لعنة الكفرة) وعودت (من أجل ذلك) اللعن الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في أولئك القبائل، أي جعل الناس يتعاطونها في حقهم وصاروا يلعنونهم. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث خفاف بن إيماء - رضي الله عنه - فقال: 1450 - (. . .) (. . .) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدثنا إسماعيل) بن جعفر المدني (قال) إسماعيل (وأخبرنيه) بالواو العاطفة على محذوف تقديره: قال إسماعيل: أخبرني هذا الحديث محمَّد بن عمرو، وأخبرنيه أيضًا (عبد الرحمن بن حرملة) بن عمرو الأسلمي أبو حرملة المدني، روى عن حنظلة بن علي بن الأسقع في الصلاة، وابن المسيب، ويروي عنه (م عم) وإسماعيل بن جعفر ومالك والقطان ولينه، قال ابن معين: صالح، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي؛ ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وقال الساجي:

عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ بِمِثْلِهِ. إِلّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: فَجُعِلَتْ لَعْنَةُ الْكَفَرَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، يهم في الحديث، وقال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ من السادسة، مات سنة (145) خمس وأربعين ومائة (عن حنظلة بن علي بن الأسقع) الأسلمي المدني (عن خفاف بن إيماء) بن رحضة الغفاري المدني الصحابي الجليل - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن أيوب فإنَّه بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن حرملة لعمران بن أبي أنس في رواية هذا الحديث عن حنظلة ابن علي، وساق عبد الرحمن بن حرملة عن حنظلة بن علي (بمثله) أي بمثل ما ساق عمران بن أبي أنس عن حنظلة بن علي (إلا أنَّه) أي لكن أن عبد الرحمن بن حرملة (لم يقل) أي لم يذكر لفظة (فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث؛ الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه تسع متابعات، والرابع حديث خفاف بن إيماء وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحا

308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحًا 1451 - (646) (57) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيبَرَ، سَارَ لَيلَةً. حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّسَ. وَقَال لِبَلالٍ: "اكْلأْ لَنَا اللَّيلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 308 - (22) باب: من عرس ونام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها واستحباب تعجيل قضائها والأذان والإقامة لها إذا صلاها جماعة واستحباب تقديم سنة الفجر إذا كانت الفائتة صبحًا 1451 - (646) (57) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمَّد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث بالإفراد والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قفل) ورجع (من غزوة خيبر) إلى المدينة، هذا هو الصواب، وأخطأ من قال إنها حنين كما في النواوي (سار ليلة) أي معظمها (حتى إذا أدركه) وأخذه (الكرى) أي النعاس أو النوم، والكرى النعاس، وقيل النوم، يقال منه كري كرضي يكرى كرى فهو كر، وامرأة كرية (عرس) من التعريس أي نزل واستراح ونام، والتعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة كما في الحديث الذي نحن فيه قاله الخليل والجمهور، وقال أبو زيد هو النزول للاستراحة أي وقت كان من ليل أو نهار، يقال عرس القوم إذا نزلوا أي وقت كان من ليل أو نهار، كما في المصباح أي عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وقال لبلال: اكلأ لنا الليل) أي آخره لإدراك الصبح، أي ارقبه واحفظه لنا لئلا ننام عن صلاة الفجر، مثل ما يأتي من حديث "احفظوا علينا صلاتنا" يقال كلأ الشيء من باب فتح ومصدره كلأة بالكسر، قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ} [الأنبياء: 42] وهذا إنما

فَصَلَّى بِلالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ. وَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ. فَلَمَّا تَقَارَبَ الْفَجْرُ اسْتَنَدَ بِلالٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ مُوَاجِهَ الْفَجْرِ. فَغَلَبَتْ بِلالًا عَينَاهُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَسْتَيقِظْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَلا بِلالٌ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِع رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَال: "أَي بِلالُ"! فَقَال بِلالٌ: أَخَذَ بِنَفْسِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن طلبوا ذلك منه كما قال البخاري: إنهم طلبوا التعريس منه، فقال: أخاف أن تناموا، فقال بلال: أنا أوقظكم، فحينئذ عرس بهم ووكل بلالًا بحفظ الفجر (فصلى بلال ما قدر له) من صلاة الليل (ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه) متكلين على حراسة بلال الليل (فلما تقارب الفجر) أي قرب طلوعه (استند بلال) أي نعس بلال وأسند ظهره (إلى راحلته) أي دابته، حالة كونه (مواجه الفجر) أي مستقبلًا بوجهه إلى جهة طلوع الفجر وهو أفق الشرق (فغلبت بلالًا عيناه) أي غلب النوم عينيه، وهذا كناية عن النوم؛ أي نام من غير اختيار (وهو) أي والحال أن بلالًا (مستند) بظهره (إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بلال ولا أحد من أصحابه) - صلى الله عليه وسلم - (حتى ضربتهم الشمس) أي حرارتها وأيقظتهم أي أصابتهم ووقع عليهم حرها، قال القاضي: فيه جواز النوم قبل الصلاة وإن خشي الاستغراق حتى يخرج الوقت لأنها لم تجب بعد (فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم) أي أول الأصحاب (استيقاظا) أي تيقظًا من النوم، قال الطيبي: استيقاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الناس إيماء إلى أن النفوس الزكية وإن غلب عليها في بعض الأحيان شيء من الحجب البشرية لكنها عن قريب ستزول وأن كل من هو أزكى كان زوال حجبه أسرع (ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) -بكسر الزاي المعجمة وعين مهملة -أي فجع من استيقاظه وقد فاتته الصبح، وقال الخطابي: معناه انتبه من نومه، يقال فزعت الرجل من نومه إذا أيقظته ففزع أي نبهته فانتبه (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أي بلال) كذا عند أكثر الرواة بأي التي للنداء، وعند العذري والسمرقندي "أين بلال" بأين الظرفية، وفي رواية أبي داود "يا بلال" والعتاب محذوف أو مقدر أي لم نمت حتى فاتتنا الصلاة (فقال بلال) معتذرًا عن نومه (أخذ) وقبض (بنفسي) وروحي

الَّذِي أَخَذَ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، يَا رَسُولَ اللهِ - بِنَفْسِكَ. قَال: "اقْتَادُوا" فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الإله (الذي أخذ) وقبض (بأبي أنت) أي أنت مفدي بأبي (وأمي يا رسول الله بنفسك) أي بروحك متعلق بأخذ، وجملة الفداء معترضة لتأكيد الكلام؛ والمعنى أي كما توفاك الله في النوم توفاني أو يقال معناه غلب على نفسي ما غلب على نفسك من النوم؛ أي كان نومي بطريق الاضطرار لا بالاختيار ليصح الاعتذار، أي قال ذلك على طريق الاعتذار مما كان تكفل به من إيقاظهم من النوم، والنفس هنا هي التي تتوفى بالنوم والموت كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] وقد عبر عنها في الموطإ في هذا الحديث بالروح فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حينٍ غير هذا" فما سماه بلال نفسًا سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روحًا، فهما إذن عبارتان عن معبر واحد، وهذا مذهب أئمتنا والذي يفهم من مجموع ما في الكتاب والسنة وأقاويل علمائنا أن ذلك؛ هو لطيفة مودعة في الأجساد مشاركة لجميع أجزائها التي تحلها الحياة يتأتى إخراجها من الجسد وإدخالها فيه وقبضها منه أجرى الله العادة بخلق الحياة في الجسد ما دامت فيه تلك اللطيفة وهي القابلة للعلوم والإنسان هو الجسد وتلك اللطيفة، اهـ من المفهم (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه (اقتادوا) بصيغة الأمر أي قودوا رواحلكم لأنفسكم آخذين بمقاودها (فاقتادوا) بلفظ الماضي أي فقادوا (رواحلهم) جمع راحلة (شيئًا) يسيرًا من الزمان أو اقتيادًا قليلًا من المكان، يعني قال اذهبوا برواحلكم فذهبوا بها من ثمة مسافة قليلة اهـ من العون، أي قاد كل منهم راحلته لنفسه انتقالًا من ذلك المنزل الذي فاتهم فيه أداء صلاة الصبح، ومعلوم أن القود نقيض السوق ففي القود يكون الرجل أمام الدابة، وفي السوق يكون خلفها، فإن قادها لنفسه يقال اقتادها، وقد جاء التصريح بذلك في الرواية الثانية. قال القرطبي: استدل بعض الأحناف على أن الفرائض لا تقضى في هذا الوقت بهذا الحديث لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ارتحل عن ذلك الموضع ليخرج الوقت المنهي عنه، وهذا تحكم بل كما يحتمل ما ذكروه يحتمل أنَّه إنما كان ذلك ليعم النشاط جميعهم، وأبين من ذلك كله ما قد نص عليه من كراهية ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - "ليأخذ كل رجل بأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" وقد زاد أبو داود في

ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَرَ بِلالًا فَأَقَامَ الصَّلاةَ. فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ. فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَال: "مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ. . فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. فَإِنَّ اللهَ قَال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. قَال يُونُسُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَؤُهَا: لِلذِّكْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة" (ثمَّ) بعدما تحولوا شيئًا يسيرًا (توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بلالا) بالإقامة للصلاة (فأقام) بلال (الصلاة) أي استنهض إليها بألفاظ الإقامة، ولم يذكر الأذان، وقد ذكره في حديث أبي قتادة، وسيأتي تحقيقه هنالك (فصلى بهم) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الصبح) قضاءً (فلما قضى الصلاة) وفرغ منها (قال: من نسي الصلاة) المكتوبة، وفي معنى النسيان النوم أو المعنى من تركها بنوم أو نسيان (فليصلها إذا ذكرها) أو استيقظ فإن في التأخير آفات، وفي لفظ آخر "أو غفل عنها" (فإن الله) - عز وجل - (قال {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) [طه: 14] قال يونس) بالسند السابق (وكان ابن شهاب يقرؤها) أي يقرأ هذه الكلمة (للذكرى) بلام التعريف وكسر الذال وسكون الكاف وفتح الراء بعدها ألف مقصورة على وزن فعلى مصدر لذكر يذكر، وهذه قراءة شاذة، والقراءة المشهورة (لذكرى) بلام واحدة، قال العيني: وعلى القراءتين اختلفوا في المراد منها فقيل المعنى لتذكرني فيها، وقيل لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة، وقال التوربشتي: هذه الآية تحتمل وجوهًا كثيرة من التأويل لكن الواجب أن يصار إلى وجه يوافق الحديث فالمعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه إذا ذكرها فقد ذكر الله تعالى أو يقدر المضاف أي لذكر صلاتي أو أوقع ضمير الله موقع ضمير الصلاة لشرفها وخصوصيتها فكأنه قال: أقم الصلاة لذكرها اهـ، وقال ابن الملك: لذكري من باب إضافة المصدر إلى المفعول واللام بمعنى الوقت أي إذا ذكرت صلاتي بعد النسيان اهـ واستدلاله - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه وهو قول أكثر أصحابنا. قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه أنهم لم يصلوا في مكانهم ذلك عندما استيقظوا حتى اقتادوا رواحلهم ثمَّ توضئوا ثمَّ أقام بلال وصلى بهم، وقد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس فلا يكون في وقت

1452 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى. قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منهي عن الصلاة فيه، وذلك أول ما تبزغ الشمس، قالوا: والفوائت لا تقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وعلى هذا مذهب أصحاب الرأي، وقال مالك والشافعيُّ والأوزاعي وأحمد وإسحاق: تقضى الفوائت في كل وقت نهي عن الصلاة فيه أو لم ينه عنها إذا كان لها سبب، وذلك إنما نهي عن الصلاة في تلك الأوقات إذا كان تطوعًا، وابتداء من قبل الاختيار دون الواجبات، فأما الفوائت فإنها تقضى فيها إذا ذكرت في أي وقت كان بدليل الحديث، وحملوا تأخير الصلاة عن المكان الذي كانوا فيه على أنَّه أراد أن يتحول عن المكان الذي أصابته الغفلة فيه والنسيان. فإن قيل قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "تنام عيناي ولا ينام قلبي" فكيف ذهل عن الوقت ولم يشعر به؟ قلنا: قد تأوله بعض أهل العلم على أنَّه خاص في أمر الحدث، وذلك أن النائم قد يكون منه الحدث ولا يشعر به، وليس كذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قلبه لا ينام حتى يشعر بالحدث اهـ عون، ويحتمل أن يكون نومه وخروجه عن عادته لما أراد الله تعالى من بيان سنة النائم عن الصلاة كما قال: "ولو شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن تكون سنة لمن بعدكم" اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [435 و 436] والترمذي [3162] والنسائيُّ [1/ 295 و 298] وابن ماجه [697]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 1452 - (. . .) (. . .) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (ويعقوب بن إبراهيم الدورقي) العبدي البغدادي (كلاهما عن يحيى) بن سعيد القطان البصري (قال ابن حاتم: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا يزيد بن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل الكوفي، صدوق، من (6) (حدثنا أبو حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي، وفيه التحديث إفرادًا

قَال: عَرَّسْنَا مَع نَبِيِّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمْ نَسْتَيقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ. فَقَال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ. فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيطَانُ" قَال: فَفَعَلْنَا. ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَأَ. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ - وَقَال يَعْقُوبُ: ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَينِ - ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَلاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجمعًا، والعنعنة والمقارنة، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي حازم لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث مع بيان محل المخالفة بين الروايتين (قال) أبو هريرة (عرسنا) أي استرحنا آخر الليل (مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) وغلبنا النوم (فلم نستيقظ) لصلاة الصبح (حتى طلعت الشمس فقال) لنا (النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذ) ويمسك (كل رجل) منكم (بـ) زمام (رأس راحلته) أي مركوبه لنتحول إلى مكان آخر (فإن هذا) المنزل (منزل حضرنا فيه الشيطان) ذهب بعض العلماء إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فقال: إن من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر زال عن موضعه، وإن كان واديًا خرج منه واعتضد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة" وهذه الزيادة ذكرها أبو داود في حديث أبي هريرة، وقال آخرون: إنما يلزم هذا في ذلك الوادي بعينه إن علم ونزلت فيه مثل تلك النازلة فيجب الخروج منه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقال الجمهور: إن هذا غير مراعىً، وإن من استيقظ عن صلاة فاتته صلاها في ذلك الوقت وحيثما كان لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فحيثما أدركتك الصلاة فصل" رواه أحمد والنسائيُّ من حديث جابر - رضي الله عنه -، وهذا الحديث لا يصلح لتخصيصه في غير حق النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لا يعلم غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من حال ذلك الوادي ولا من غيره من المواضع ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبتقدير أن تقع النازلة في ذلك الوادي فلا ندري هل ذلك الشيطان باق فيه أم لا؟ اهـ من المفهم (قال) أبو هريرة (ففعلنا) ذلك التحول (ثمَّ) بعدما خرجنا من الوادي (دعا) النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلب (بالماء) أي بالماء الذي يتوضأ به، فأتي به (فتوضأ) للصلاة (ثمَّ سجد) أي صلى (سجدتين) أي ركعتين سنة الفجر، وفيه تسمية الكل باسم جزئه، قال النواوي: فيه استحباب قضاء النوافل الراتبة (وقال يعقوب) بن إبراهيم في روايته (ثمَّ صلى سجدتين) والمعنى واحد كما عرفت (ثمَّ أقيمت الصلاة فصلى الغداة) أي صلاة الصبح، وفيه جواز تسمية الصبح بالغداة.

1453 - (647) (58) وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ)، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَال: "إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيلَتَكُمْ. وَتَأْتُونَ الْمَاءَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، غَدًا"، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. قَال أَبُو قَتَادَةَ: فَبَينَمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي قتادة - رضي الله عنهما - فقال: 1453 - (647) (58) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمَّد الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة ثقة، من (7) (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني مولاهم أبو محمَّد البصري، ثقة، من (4) (عن عبد الله بن رباح) بفتح الراء الأنصاري أبي خالد البصري، روى عن أبي قتادة في الصلاة، وعمران بن حصين وأبي بن كعب في الصلاة، وأبي هريرة في الجهاد، وعبد الله بن عمرو في العلم، ويروي عنه (م عم) وثابت البناني وأبوالسليل ضريب بن نقير وأبو عمران الجوني وخالد الحذاء، قال العجلي: تابعي بصري ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث، وقال ابن المديني والنسائيُّ: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي قتادة) الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام- الحارث بن ربعي المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد أبلي (قال) أبو قتادة (خطبنا) أي وعظنا وذكرنا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) في خطبته (إنكم) أيها الغازون معي سـ (تسيرون عشيتكم) هذه وهي ما بعد الزوال (وليلتكم) المستقبلة (وتأتون الماء) أي تردون عليه (إن شاء الله غدًا) أي في اليوم الذي بعد يومكم هذا، وفيه أنَّه يستحب لأمير الجيش إذا رأى مصلحة لقومه في إعلامهم بأمر أن يجمعهم كلهم ويشيع ذلك فيهم ليبلغهم كلهم ويتأهبوا له ولا يخص به بعضهم وكبارهم لأنه ربما خفي على بعضهم فيلحقه الضرر، وفيه استحباب قول إن شاء الله في الأمور المستقبلة وهو موافق لما في القرآن من الأمر به اهـ نواوي (فانطلق الناس) عشيتهم وليلتهم حالة كونهم (لا يلوي أحد) منهم ولا يعطف (على أحد) ولا ينتظره ولا يلتفت إليه بل يمشي بنفسه ويجتهد وأصله من لَيِّ العنق، قال عبد الله بن رباح (قال) لنا (أبو قتادة فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير حتى ابهار الليل) -هو

وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ. قَال: فَنَعَسَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَمَال عَنْ رَاحِلَتِهِ. فَأَتَيتُهُ فَدَعَمْتُهُ. مِنْ غَيرِ أَنْ أُوقِظَهُ. حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَال: ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيلُ مَال عَنْ رَاحِلَتِهِ. قَال: فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. قَال: ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَال مَيلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنَ الْمَيلَتَينِ الأُولَيَينِ. حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالباء الموحدة وتشديد الراء سداسي من مزيد الثلاثي نظير احمارَّ من باب افعال -أي حتى انتصف الليل، وبهرة كل شيء وسطه، وقيل حتى ذهب عامته وبقي نحو من ثلثه، قال أبو سعيد الضرير: ابهرار الليل طلوع نجومه إذا تسامت، وقال غيره: ابهار الليل طال، والباهر الممتلئ نورًا، وقد صحفه بعض الشارحين تصحيفًا قبيحًا، فقال: انهار الليل بالنون، وقال ومنه قوله تعالى: {فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 109] (وأنا) ماش (إلى جنبه) أي إلى جانبه، وقوله (قال) أبو قتادة تأكيد لقال الأول، والفاء في قوله (فنعس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بفتح العين، من باب نصر، رابطة لجواب بينما نائبة عن إذا الفجائية، والتقدير فبينما أوقات سيره - صلى الله عليه وسلم - إلى انتصاف الليل وأنا إلى جانبه فاجأني نعاس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال النواوي: والنعاس مقدمة النوم وهو ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين ولا تصل إلى القلب فإذا وصلت إلى القلب كان نومًا، ولا ينتقض الوضوء بالنعاس من المضطجع، وينتقض بنومه، وقوله (فمال عن راحلته) معطوف على قوله فنعس أي فاجأني نعاسه فميله يمينًا وشمالًا بسبب النعاس حتى قرب إلى السقوط (فأتيته) - صلى الله عليه وسلم - (فدعمته) أسندته وأقمت ميله من النوم وصرت تحته كالدعامة للبناء عليها وبابه نفع (من غير أن أوقظه) وأنبهه من النوم، وقوله (حتى اعتدل) واستقام (على راحلته) غاية لدعمته (قال) أبو قتادة (ثمَّ) بعدما دعمته (سار حتى) إذا (تهور الليل) أي ذهب أكثره مأخوذ من تهور البناء إذا تهدم يقال تهور الليل وتوهر إذا ذهب أكثره (مال) جواب لإذا المقدرة أي تمايل يمينًا وشمالًا (عن راحلته قال) أبو قتادة (فدعمته) أي أقمته من ميله (من غير أن أوقظه حتى اعتدل) واستقام (على راحلته) غاية لدعمته (قال) أبو قتادة (ثمَّ سار) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حتى إذا كان من آخر السحر مال) عن راحلته (ميلة) شديدة (هي أشد) وأبلغ (من الميلتين الأوليين حتى كاد) وقرب أن (ينجفل) ويسقط عن راحلته، قال

فَأَتَيتُهُ فَدَعَمْتُهُ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَال: "مَنْ هَذَا؟ " قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَال: "مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي؟ " قُلْتُ: مَا زَال هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ اللَّيلَةِ. قَال: "حَفِظَكَ اللهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ" ثُمَّ قَال: "هَلْ تُرَانَا نَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟ " ثُمَّ قَال: "هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ؟ " قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ. ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ آخَرُ. حَتَّى اجْتَمَعْنَا فَكُنَّا سَبْعَةَ رَكْبٍ. قَال: فَمَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الطَّرِيق. فَوَضَعَ رَأْسَهُ. ثُمَّ قَال: "احْفَظُوا عَلَينَا صَلاتَنَا". فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيقَظَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الأثير: هو مطاوع جفله إذا طرحه وألقاه اهـ؛ أي حتى قارب أن ينقلب ويقع، ومنه ما جاء في الحديث "إن البحر جفل سمكًا أي ألقاه فرمى به" ذكره الهروي (فأتيته فدعمته) أي أقمت ميله (فرفع رأسه) إلى (فقال من هذا) الذي دعمني (قلت) أنا (أبو قتادة) قال النواوي: فيه أنَّه إذا قيل للمستأذن ونحوه: من هذا يقول فلان باسمه، وأنه لا بأس أن يقول أبو فلان إذا كان مشهورًا بكنيته (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (متى كان هذا) السير جنبي (مسيرك مني) أي في أي وقت كان سيرك جنبي مسيرك مني، أي سيرك معي، قال أبو قتادة (قلت) له (ما زال هذا) السير جنبك (مسيري) أي سيري معك (منذ الليلة) أي في هذه الليلة (قال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حفظك الله) سبحانه يا أبا قتادة (بما حفظت به نبيه) أي بسبب حفظك نبيه، والباء الأولى سببية، والثانية مع الضمير زائدة إن قلنا ما مصدرية أو للتعدية، والضمير عائد على ما إن قلنا ما موصولة؛ أي بسبب الحفظ الذي حفظت به نبيه، وفيه أنَّه يستحب لمن صنع إليه معروف أن يدعو لفاعله (ثمَّ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هل ترانا) بضم التاء؛ أي هل تظن أنا (نخفى على الناس، ثمَّ قال: هل ترى من أحد؟ قلت) نعم (هذا راكب، ثمَّ قلت: هذا راكب آخر) فجاء الناس إلينا (حتى اجتمعنا) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فكنا سبعة ركب) جمع راكب، كصحب وصاحب (قال) أبو قتادة (فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطريق فوضع رأسه) على الأرض، وهذا الفعل منه - صلى الله عليه وسلم - مثل قوله "إذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنَّه مأوى الهوام" رواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (ثمَّ قال) لمن عنده (احفظوا علينا صلاتنا) أي وقتها يعني الصبح، فنام ونمنا واستغرقنا في النوم حتى طلعت الشمس (فكان أول من استيقظ) وانتبه منا، بنصب أول على أنَّه خبر كان مقدم على اسمها وهو

رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ. قَال: فَقُمْنَا فَزِعِينَ. ثُمَّ قَال: "ارْكَبُوا" فَرَكِبْنَا. فَسِرْنَا. حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَزَلَ. ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيءٌ مِنْ مَاءٍ. قَال: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ. قَال: وَبَقِيَ فِيهَا شَيءٌ مِنْ مَاءٍ. ثُمَّ قَال لأَبِي قَتَادَةَ: "احْفَظْ عَلَينَا مِيضَأَتَكَ. فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ" ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَينِ. ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالرفع على أنَّه اسمها مؤخر أي فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أول من استيقظ منا (والشمس) أي والحال أن الشمس مشرقة (في ظهره) بضوئها (قال) أبو قتادة (فقمنا) أي انتبهنا من النوم حالة كوننا (فزعين) أي فجعين حزنين لفوات الصلاة إيانا (ثمَّ قال) لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اركبوا) رواحلكم (فركبنا) رواحلنا (فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن راحلته ونزلنا معه (ثمَّ دعا) وطلب (بميضأة كانت معي فيها شيء) قليل (من ماء) والميضأة -بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد- وهو الإناء الذي يتوضأ به كالركوة، وفي المصباح الميضأة -بكسر الميم مهموز ويمد ويقصر- المطهرة يتوضأ منها اهـ (قال) أبو قتادة (فتوضأ منها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وضوءًا دون وضوء) أي توضأ وضوءًا خفيفًا مقتصدًا في الإسباغ المعتاد لقلة الماء، ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أن المراد توضأ ولم يستنج بماء بل استجمر بالأحجار، وهذا الذي زعمه هذا القائل غلط ظاهر والصواب ما سبق اهـ لأنَّ الاستجمار لا يطلق عليه وضوء عرفًا ولا لغة لأنه لا نظافة فيه بالغة، ولما روى أبو داود في هذه القصة من حديث ذي مخبر الحبشي خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه - صلى الله عليه وسلم - توضأ وضوءًا لم يبتل منه التراب رواه أحمد [4/ 91] وأبو داود [445]. (قال) أبو قتادة (وبقي فيها) أي في الميضأة (شيء) قليل (من ماء، ثمَّ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي قتادة احفظ علينا) أي احفظ لنا (ميضأتك) هذه (فسيكون لها) إن شاء الله تعالى (نبأ) عظيم وشأن عجيب، هذا علم من أعلام النبوة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، قال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة عظيمة اهـ (ثمَّ) أمر بلالًا بالأذان فـ (أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين) سنة الفجر (ثمَّ) أمر بلالًا بالإقامة فأقام فـ (صلى) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة (الغداة) أي

فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَال: وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَرَكِبْنَا مَعَهُ. قَال: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ: مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلاتِنَا؟ ثُمَّ قَال: "أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاة الصبح (فصنع) فيها أي في قضائها (كما كان يصنع كل يوم) في أدائها من غير فرق، قال النواوي: فيه استحباب الأذان للصلاة الفائتة، وفيه قضاء السنة الراتبة لأنَّ الظاهر أن هاتين الركعتين اللتين قبل الغداة هما سنة الصبح، وقوله (كما كان يصنع كل يوم) فيه إشارة إلى أن صفة قضاء الفائتة كصفة أدائها، فيؤخذ منه أن فائتة الصبح يقنت فيها، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وقد احتج به من يقول يجهر في الصبح التي يقضيها بعد طلوع الشمس، وهذا أحد الوجهين لأصحابنا وأصحهما أنَّه يسر بها، ويحمل قوله كما كان يصنع أي في الأفعال، وفيه إباحة تسمية الصبح غداة، وقد تكرر في الأحاديث. قال القرطبي: اختلف العلماء في الفوائت هل يؤذن لها ويقام أو لا يؤذن لها ولا يقام أو يقام لها ولا يؤذن؟ ثلاثة أقوال فالأول مذهب أهل الرأي وأحمد وأبي ثور، والثاني مذهب الثوري، والثالث مذهب مالك والأوزاعي والقول الثاني للشافعي، وقد تأول بعض أصحابنا الأذان في حديث أبي قتادة بمعنى الإعلام وهو تكلف، بل الذي يجمع بين الأحاديث أنَّه إن احتيج إلى الأذان بحيث يجمع متفرقهم فعل، وعلى هذا يحمل حديث أبي قتادة وإن كانوا مجموعين لم يحتج إلى ذلك إذ ليس وقتًا راتبًا فيدعى إليه الجميع ويعلمونه ويكون شعارًا، وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - اهـ من المفهم. (قال) أبو قتادة (وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركبنا معه قال) أبو قتادة (فجعل) أي شرع (بعضنا يهمس إلى بعض) -بفتح الياء وكسر الميم - من باب ضرب من الهمس وهو الكلام الخفي أي يكلمه بصوت خفي ويقول له (ما كفارة ما صنعنا) وارتكبنا (بتفريطنا) أي بتقصيرنا (في صلاتنا) أي بتفويت صلاتنا بالنوم (ثمَّ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أما) -بفتح الهمزة وتخفيف الميم - حرف استفتاح أي أما كان (لكم) أيها الأصحاب (في) جار ومجرور متعلق بأسوة أي أما كان لكم (أسوة) حسنة واقتداء بي في أفعالي وأقوالي وأحوالي فلا لوم عليكم في تفريطكم، والأسوة -بضم الهمزة وكسرها- كالقدوة وزنًا ومعنىً، وهي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن

ثُمَّ قَال: "أَمَا إِنَّهُ لَيسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ. إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى. . فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا. فَإِذَا كَانَ الْغَدُ. . فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ حسنًا وإن قبيحًا وإن سارًّا وإن ضارًا، ولهذا قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فوصفها بالحسنة اهـ مفردات الراغب (ثمَّ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أما إنه) أي إن الشأن والحال (ليس في النوم تفريط) أي تقصير في فوت الصلاة لانعدام الاختيار من النائم، وهذا يدل على أن النائم غير مكلف ولا مؤاخذ، قال النواوي: فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف وإنما يجب عليه قضاء الصلاة ونحوها بأمر جديد هذا هو المذهب الصحيح المختار عند أصحاب الفقه والأصول، ومنهم من قال: يجب القضاء بالخطاب السابق، وهذا القائل يوافق على أنَّه في حال النوم غير مكلف، وأما إذا أتلف النائم بيده أو غيرها من أعضائه شيئًا في حال نومه فيجب ضمانه بالاتفاق، وليس ذلك تكليفًا للنائم لأنَّ غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل أو غيرهم ممن لا تكليف عليه شيئًا وجب ضمانه بالاتفاق ودليله من القرآن قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فرتب سبحانه وتعالى على القتل خطأ الدية والكفارة مع أنَّه غير آثم بالإجماع اهـ النواوي. (إنما التفريط) أي إنما إثمه (على من لم يصل الصلاة) أي أخرها عامدًا (حتى يجيء) ويدخل (وقت الصلاة الأخرى) أي على من لم يصلها عامدًا لتركها، وفيه ما يدل على أن أوقات الصلوات كلها موسعة (فمن فعل ذلك) أي نام عن صلاة حتى خرج وقتها (فليصلها) أي فليقضها (حين ينتبه لها) أي حين انتبه من نومه أيَّ وقت كان وفي أيِّ مكان كان، إلا عند أبي حنيفة فإنَّه يمنعها في أوقات كراهة الصلاة (فإذا كان الغد) وجاء، هو اسم لليوم بعد يومك أي إذا جاءت مثل هذه الفائتة في اليوم الثاني (فليصلها عند) دخول (وقتها) فلا يؤخرها عن وقتها عامدًا، فإن الصلاة كانت كتابًا موقوتًا لم يتحول وقت عن وقت، قال النواوي: معناه أنَّه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ولا يتحول في المستقبل بل يبقى كما كان فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول وليس معناه أنَّه يقضي الفائتة مرتين اهـ قال القرطبي: قال قوم: ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، وقد وافق هذا الظاهر ما

ثُمَّ قَال: "مَا تَرَوْنَ النَّاسَ صَنَعُوا؟ " قَال: ثُمَّ قَال: "أَصْبَحَ النَّاسُ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ. فَقَال أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لِيُخَلِّفَكُمْ. وَقَال النَّاسُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه أبو داود نصًّا من حديث عمران بن حصين وذكر القصة وقال في آخرها "فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحًا فليقض معها مثلها" قال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال هذا وجوبًا، ويشبه أن يكون الأمر به استحبابًا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء (قلت) وهذا كله يعارضه ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من حديث الحسن عن عمران بن حصين في هذه القصة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى بهم المقضية قالوا: ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: "لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم" رواه ابن أبي شيبة [2/ 64] والصحيح ترك العمل بذلك الظاهر لهذه المعارضة ولما حكى الخطابي، ولأن الطرق الصحاح المشهورة ليس فيها من تلك الزيادة شيء إلا ما ذكر في حديث أبي قتادة وهو محتمل كما قررناه اهـ من المفهم، قال النواوي: في الحديث دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا مستمر على عمومه في الصلوات إلا الصبح فإنها لا تمتد إلى الظهر بل يخرج وقتها بطلوع الشمس لمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" وأما المغرب ففيها خلاف سبق بيانه في بابه، والصحيح المختار امتداد وقتها إلى دخول وقت العشاء للأحاديث الصحيحة السابقة في صحيح مسلم اهـ منه. (ثمَّ قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (ما ترون الناس صنعوا) أي ما ظنكم فيهم ماذا يقولون فينا، قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في طائفة منهم تقدموا في الطريق، وهذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن كان معه مستفهمًا على جهة استحضار أفهامهم، ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم - مخبرًا بما صنعوا وبما قالوا إلى قوله وقال الناس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أيديكم وهنا انتهى الخبر عنهم (قال) أبو قتادة (ثمَّ قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (أصبح الناس) الذين سبقونا (فقدوا نبيهم) أي ما وجدوه (فقال أبو بكر وعمر) للناس وهما مع الناس الذين سبقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) باق (بعدكم) أي وراءكم، واللام في قوله (لم يكن ليخلفكم) - بكسر اللام المشددة - لام الحجود لوقوعه بعد يكن المنفي بلم أي لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليسبقكم فيخلفكم أي فيترككم وراءه (وقال الناس) الذين سبقوا النبي

إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَينَ أَيدِيكُمْ، فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا". قَال: فَانْتَهَينَا إِلَى النَّاسِ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ وَحَمِيَ كُلُّ شَيءٍ. وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكْنَا. عَطِشْنَا. فَقَال: "لَا هُلْكَ عَلَيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - وفيهم أبو بكر وعمر (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) سبقكم فهو (بين أيديكم) أي قدامكم عكس ما قال العمران، ثمَّ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (فإن يطيعوا) أي يطع الناس الذين سبقونا (أبا بكر وعمر) فيما قالاه من كون النبي - صلى الله عليه وسلم - وراءهم (يرشدوا) إلى الصواب في شأني فينتظروني لأنهما وافقا الحق فيما قالاه فصوابه إذًا أن يكون (يطيعوا ويرشدوا) بياء الغائبين، والرشد خلاف الغي وبابه نصر وعلم، وقد قيل في بعض النسخ بتاء المخاطبين ووجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه أقبل على الغائبين فخاطبهم ويجري هذا مجرى قول عمر (الجبل يا سارية) وهو بالمدينة، وسارية بمصر أو بالشام فسمعه سارية ولجأ إلى الجبل ونجا هو وأصحابه والله أعلم، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حاكيًا قولهم اهـ من المفهم، وفي هذا من منقبة العمرين ما لا يخفى، وفيه أيضًا علم من أعلام النبوة لأنه أخبر عن أقوالهم وأحوالهم وهو غائب عنهم. قال النواوي: معنى هذا الكلام أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى بهم الصبح بعد ارتفاع الشمس وقد سبقهم الناس وانقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن عنده: "ما تظنون الناس يقولون فينا" فسكت القوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وراءكم ولا تطيب نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم، وقال باقي الناس إنه سبقكم فالحقوه فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا فإنهما على الصواب" والله أعلم. (قال) أبو قتادة (فانتهينا إلى الناس) أي وصلنا إلى الناس الذين سبقونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حين امتد النهار) وارتفعت شمسه (وحمي كل شيء) لشدة حرارتها (وهم) أي والحال أن الناس الذين سبقوه (يقولون يا رسول الله هلكنا) أي تعبنا بشدة الحرارة وطول المسير (عطشنا) لفقد الماء (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا هلك) -بضم الهاء وسكون اللام- اسم مصدر لهلك أي لا هلاك (عليكم) إن شاء

ثُمَّ قَال: "أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي" قَال: وَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَصُبُّ وَأَبُو قَتَادَةَ يَسْقِيهِم. فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النَّاسُ مَاءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكَابُّوا عَلَيهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَحْسِنُوا الْمَلأَ. كُلُّكُمْ سَيَرْوَى" قَال: فَفَعَلُوا. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ. حَتَّى مَا بَقِي غَيرِي وَغَيرُ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى (ثمَّ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أطلقوا لي غمري) -بضم الغين وفتح الميم- أي فكوا متاعي وأخرجوا منه غمري وإيتوني به، والغمر القدح الصغير، قال أبو عبيد: يقال للقعب الصغير غمر، وتغمرت شربت قليلًا قليلًا اهـ (قال) أبو قتادة (ودعا) أي طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بالميضأة) أي بالمطهرة التي كانت عندي (فجعل) أي شرع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب) الماء من الميضأة في القدح (وأبو قتادة يسقيهم) أي يسقي الناس الماء الذي في القدح أي يعطيهم واحدًا فواحدًا (فلم يعد) مضارع عدا من باب دعا بمعنى جاوز، وجملة قوله (أن رأى الناس) في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، وقوله (ماء في الميضأة) قرئ لفظ ما بالمد على أنَّه اسم مائع معروف وبالقصر على أنها موصولة، قال النواوي: وكلاهما صحيح، وقوله (تكابوا عليها) أي على الميضأة، في محل النصب مفعول به ليعد على تقدير أن المصدرية أي لم يتجاوز رؤية الناس الماء في الميضأة تكاببهم وتزاحمهم عليها مكبًا بعضهم على بعض لأخذ الماء (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسنوا الملأ) - بفتح الميم واللام وبالهمز آخره -أي أحسنوا خلقكم وعشرتكم ولا تتزاحموا عليها (كلكم سيروى) -بفتح الواو -أي كلكم يشبع الماء إن شاء الله تعالى، وقوله (أحسنوا الملاء) أي الخلق، وفي حديث آخر "أحسنوا أملاءكم" أي أخلاقكم، قال ابن الأثير: بعد ضبطه الملاء -بفتح الميم واللام والهمز -كما هنا، وأكثر قُراء الحديث يقرؤونه "أحسنوا الملء" -بكسر الميم وسكون اللام - من ملئ الإناء، وليس بشيء اهـ (كلكم سيروى) هو من الري والارتواء، تقول من الرواية روى يروي كرمى يرمي، ومن الري يروى، كرضي يرضي (قال) أبو قتادة (ففعلوا) ما أمرهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من إحسان الأخلاق وترك التكابب (فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب) الماء (و) أنا (أسقيهم) أي أناولهم القدح واحدًا فواحدًا (حتى ما بقي غيري وغير رسول الله

- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. قَال: ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَال لِي: "اشْرَبْ" فَقُلْتُ: لَا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا" قَال: فَشَرِبْتُ. وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. قَال: فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ جَامِّينَ رِوَاءً. قَال: فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ: إِنِّي لأُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ. إِذْ قَال عِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ: انْظُرْ أيُّهَا الْفَتَى كَيفَ تُحَدِّثُ. فَإِنِّي أَحَدُ الرَّكْبِ تِلْكَ اللَّيلَةَ. قَال: قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - قال) أبو قتادة (ثمَّ) بعد فراغهم من الشرب (صب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الماء في القدح (فقال لي اشرب) يا أبا قتادة (فقلت) له (لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله، قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن ساقي القوم آخرهم شربا) أي آخر القوم من جهة الشرب، قال النواوي: فيه هذا الأدب من آداب شاربي الماء واللبن ونحوهما، وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول كلحم وفاكهة ومشموم وغير ذلك والله أعلم (قال) أبو قتادة (فشربت) أنا (وشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بعد شربي (قال) أبو قتادة (فأتى الناس الماء) الذي وعدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الحديث بقوله "إنكم ستعيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء" حالة كونهم (جامِّين) - بتشديد الميم المكسورة -أي نشاطًا صالحي الأحوال (رواء) -بكسر الراء وبالمد آخره -أي شبعانين من الماء من الري، وهو الامتلاء من الماء، والمعنى مستريحين قد رووا من الماء اهـ نهاية، وهو كما في المصباح جمع ريان وريَّى كعطشان وعطشى، وفي حديث أبي قتادة أعلام كثيرة من أعلام النبوة وأحكام جمة من أحكام الفقه لا تخفى على متأمل كما أشرنا إلى بعضها فيما مر. (قال) ثابت البناني بالسند السابق (فقال عبد الله بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث) يعني حديث أبي قتادة (في مسجد الجامع) من إضافة الموصوف إلى صفته، أي في المسجد الجامع بالكوفة (إذ قال عمران بن حصين) إذ فجائية، أي فاجأني قول عمران بن حصين لي (انظر أيها الفتى) أي فكر أيها الفتى وتأمل (كيف تحدث) هذا الحديث، أي تثبت في كيفية تحديثه هل هو على الصواب أم لا (فإني) أنا (أحد الركب) الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (تلك الليلة) التي تخلف فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القوم للتعريس (قال) عبد الله بن رباح (قلت) لعمران بن حصين

فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ. فَقَال: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قلْتُ: مِنَ الأَنْصَارِ. قَال: حَدِّثْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِحَدِيثِكُمْ. قَال: فَحَدَّثْتُ الْقَوْمَ. فَقَال عِمْرَانُ: لَقَدْ شَهِدْتُ تِلْكَ اللَّيلَةَ وَمَا شَعَرْتُ أَنَّ أَحَدًا حَفِظَهُ كَمَا حَفِظْتُهُ. 1454 - (648) (59) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأنت) يا عمران (أعلم) وأيقن (بالحديث) مني فحدثنا لأنك حاضر الواقعة وليس الخبر كالعيان (فقال) لي عمران (ممن أنت) أيها الفتى (قلت) له أنا (من الأنصار) ثمَّ (قال) لي عمران (حدث) أيها الفتى حديثك (فأنتم) معاشر الأنصار (أعلم بحديثكم) من غيركم (قال) عبد الله بن رباح (فحدثت) هذا الحديث السابق (القوم) الحاضرين وعمران فيهم (فقال عمران) والله (لقد شهدت) وحضرت (تلك الليلة) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وحفظت ما وقع فيها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (و) لكن (ما شعرت) ولا ظننت (أن أحدا) من رفقة تلك الليلة (حفظه) أي حفظ هذا الحديث (كما حفظته) قال النواوي: ضبطناه بضم التاء وفتحها وكلاهما حسن. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 298] وأبو داود [5228] رواه مختصرًا في كتاب الصلاة، وابن ماجه [3434] رواه مختصرًا أيضًا. قال النواوي: وفي حديث أبي قتادة هذا معجزات ظاهرات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إحداهما إخباره بأن الميضأة سيكون لها نبأ وكان كذلك، الثانية تكثير الماء القليل، الثالثة قوله - صلى الله عليه وسلم - كلكم سيروى وكان كذلك، الرابعة قوله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بكر وعمر كذا وقال الناس كذا، الخامسة قوله - صلى الله عليه وسلم - إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء وكان كذلك، ولم يكن أحد من القوم يعلم ذلك، ولهذا قال: فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد إذ لو كان أحد منهم يعلم ذلك لفعلوا ذلك قبل قوله - صلى الله عليه وسلم -. ثمَّ استشهد المؤلف رحممه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - فقال: 1454 - (648) (59) (وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) أبو جعفر السرخسي ثمَّ النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي أبو

حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ الْعُطَارِدِيُّ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. قَال: كُنْتُ مَعَ نَبِيِّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسِيرٍ لَهُ. فَأَدْلَجْنَا لَيلَتَنَا. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسْنَا، فَغَلَبَتْنَا أَعْيُنُنَا حَتَّى بَزَغَتِ الشَّمْسُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ علي البصري، صدوق، من (9) (حدثنا سلم بن زرير) -بفتح الزاي وكسر الراء المهملة- (العطاردي) أبو بشر البصري، روى عن أبي رجاء في الصلاة، وبُرَيد بن أبي مريم السلولي، ويروي عنه (خ م س) وعبيد الله بن عبد المجيد وأبوالوليد وأبو داود الطيالسيان، قال أبو داود: ليس بذاك، وقال أبو داود: أحاديثه قليلة، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال العجلي: ثقة، وقال ابن معين: صدوق، من السادسة، مات سنة (160) روى عنه في الصلاة (قال سمعت أبا رجاء العطاردي) عمران ابن ملحان -بكسر الميم وسكون اللام- ابن تيم البصري مشهور بكنيته، ثقة مخضرم أسلم بعد فتح مكة، ويقال فيه ابن تيم، ويقال ابن عبد الله، وفي اسم أبيه اختلاف، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة معمر، مات سنة (105) خمس ومائة، كما مر بسط الكلام في ترجمته (عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي أبي نجيد مصغرًا البصري الصحابي المشهور - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أحمد بن سعيد فإنَّه نيسابوري، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والسماع والعنعنة (قال) عمران بن حصين (كنت مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير له) أي في سفر له (فأدلجنا) -بإسكان الدال- أي سرنا الليل كله، وأما أدلجنا - بشديد الدال المفتوحة - فمعناه سرنا آخر الليل وهذا هو الأشهر في اللغة، وقيل هما لغتان بمعنى واحد اهـ نواوي، أي سرنا (ليلتنا) كلها (حتى إذا كان) الليل (في وجه الصبح) أي في إقبال الصبح (عرسنا) أي استرحنا (فغلبتنا أعيننا) أي غلب النوم على أعيننا فنمنا (حتى بزغت الشمس) أي طلع حاجبها، قال ابن الأثير: البزوغ الطلوع، وقال النواوي: هو أول الطلوع، ويؤيده تفسير الزمخشري، قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا} [الأنعام: 77] أي مبتدئًا في الطلوع، وقال القرطبي: قوله (فأدلجنا ليلتنا) أي سرنا ليلتنا كلها، يقال - أدلج بقطع الألف وسكون الدال -أي سار الليل كله يدلج إدلاجًا، وأدلج بوصل الألف وتشديد الدال سار من آخره، وقد قيل هما بمعنى واحد، والتعريس في أصله النزول من آخر الليل وقد تقدم، وبزغت الشمس أي بدأ طلوعها اهـ من المفهم (قال)

فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيقَظَ مِنَّا أَبُو بَكْرٍ. وَكُنَّا لَا نُوقِظ نَبِيَّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنَامِهِ إِذَا نَامَ حَتَّى يَسْتَيقِظَ. ثُمَّ اسْتَيقَظَ عُمَرُ. فَقَامَ عِنْدَ نَبِيِّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ. حَتَّى اسْتَيقَظَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَأَى الشَّمْسَ قَدْ بَزَغَتْ قَال: "ارْتَحِلُوا" فَسَارَ بِنَا. حَتَّى إِذَا ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ نَزَل فَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ. فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ " قَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ. فَصَلَّى. ثُمَّ عَجَّلَنِي، فِي رَكْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمران (فكان أول) بالنصب (من استيقظ منا أبو بكر) الصديق - رضي الله عنه - (وكنا) معاشر الصحابة (لا نوقظ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من منامه) أي من نومه (إذا نام حتى يستيقظ) هو بنفسه، قال العلماء: كانوا يمتنعون من إيقاظه - صلى الله عليه وسلم - لما كانوا يتوقعون من الإيحاء إليه في المنام، ومع هذا فكانت الصلاة قد فات وقتها، فلو نام آحاد الناس اليوم وحضرت صلاة وخيف فوتها نبهه من حضره لئلا تفوته الصلاة اهـ نواوي (ثمَّ) بعد أبي بكر (استيقظ عمر) بن الخطاب - رضي الله عنه - (فقام) عمر (عند نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) أي قربه (فجعل) عمر (يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من نومه (فلما رفع) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (رأسه) من النوم (ورأى الشمس قد بزغت) أي طلع حاجبها (قال) للناس (ارتحلوا) بنا من هذا المكان (فسار بنا) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حتى إذا ابيضت الشمس) أي اشتد بياضها وارتفعت (نزل) بنا (فصلى بنا الغداة) أي صلاة الصبح التي فاتتنا (فاعتزل رجل من القوم) أي تنحى وابتعد وانفصل رجل منا، حالة كونه (لم يصل معنا فلما انصرف) وفرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة (قال له) أي لذلك الرجل (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا فلان ما منعك) وحجزك (أن تصلي معنا؟ قال) الرجل (يا نبي الله أصابتني جنابة) ولا ماء معي كما في تيمم البخاري (فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالتيمم (فتيمم) الرجل (بالصعيد) أي بالتراب الطيب (فصلى) فائتة الصبح بالتيمم، قال عمران بن حصين (ثمَّ عجلني) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتشديد الجيم؛ أي أمرني بالتعجيل والإسراع وأكد في السير (في ركب) أي مع جماعة

بَينَ يَدَيهِ، نَطْلُبُ الْمَاءَ. وَقَدْ عَطِشْنْا عَطَشًا شَدِيدًا. فَبَينَما نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيهَا بَينَ مَزَادَتَينِ. فَقُلْنَا لَهَا: أَينَ الْمَاءُ؟ قَالتْ: أَيهَاهْ. أَيهَاهْ. لا مَاءَ لَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أصحابه (بين يديه) أي قدامه، حالة كوننا (نطلب الماء وقد عطشنا عطشًا شديدًا فبينما نحن) معاشر الركب (نسير) ونمشي لطلب الماء (إذا نحن) راؤون (بامرأة سادلة) مرسلة مدلية نازلة (رجليها) على المزادتين، وفي رواية للعذري سابلة بالباء بدل الدال، والصواب مسبلة رجليها على المزادتين المعروضتين من الإسبال وهو الإرسال، يقال أسبل إزاره إذا أرخاه على القدمين، حالة كونها راكبةً جالسةً (بين مزادتين) أي قربتين عظيمتين معروضتين على جنبي الراحلة، تثنية مزادة، والمزادة القربة الكبيرة التي تحمل على الدابة، ثنتاها حمل بعير سميت بذلك لأنه يزاد فيها جلد من غيرها لتكبر وتتسع، قال عمران (فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: أيهاه أيهاه) هكذا هو في الأصول، وهو بمعنى هيهات هيهات، ومعناه البعد عن المطلوب واليأس منه كما قالت بعده (لا ماء لكم) أي ليس ها هنا ماء قريب لكم، وفي بعض الهوامش قولها أيهاه أيهاه بمعنى هيهات هيهات أي بعد الماء عنكم ليس قريبًا لكم، والثاني توكيد لفظي للأول، قالوا: أيهاه لغة في هيهات، وهي كلمة تبعيد مبنية على الفتح لأنها من أسماء الأفعال، وبعض الناس يكسرونها، فمن فتح التاء وقف عليها بالتاء، ومن كسرها وقف عليها بالهاء كما في الصحاح والنهاية. قال القرطبي: قوله (أيهاه أيهاه) روي هنا بالهمزة في أولهما وبالهاء في آخرهما، وتروى بالتاء أيضًا في آخرهما وهي هيهات المذكورة في قوله تعالى: {هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] أبدلت الهاء همزة ومعناهما البعد، والهاء في آخرهما للوقف، وقيل هي مركبة من (هَي) للتأسف و (هاه) للتأوه، فقلبت الهاء في الوصل تاء ثمَّ حركت بالفتح والضم والكسر، وقد قرئ بها في قوله تعالى: {هَيهَاتَ هَيهَاتَ} وهي اسم من أسماء الأفعال فتارة تقدر ببعد الذي هو الماضي كما في قول الشاعر: فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خل بالعقيق نواصله أي بعد العقيق، وتارة تقدر ببعد الذي هو المصدر كما قيل في قوله تعالى: {هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] أي بعدًا بعدًا للذي توعدون هو حكاية عن قول الكفار اهـ من المفهم

قُلْنَا: فَكَمْ بَينَ أَهْلِكِ وَبَينَ الْمَاءِ؟ قَالتْ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ. قُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. قَالتْ: وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيئًا حَتَّى انْطَلَقْنَا بِهَا. فَاسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَتْنَا. وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مُوتِمَةٌ. لَهَا صِبْيَانٌ أَيتَامٌ. فَأَمَرَ بِرَاويَتِهَا. فَأُنِيخَتْ. فَمَجَّ فِي الْعَزْلاوَينِ الْعُلْيَاوَينِ ثُمَّ بَعَثَ بَرَاويَتِهَا. فَشَرِبْنَا. وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا عِطَاشٌ. حَتَّى رَوينَا. وَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلنا) لها (فكم) قدر المسافة (بين أهلك وبين الماء؟ قالت) المرأة: مسافة ما بيننا وبين الماء (مسيرة يوم وليلة) أي مرحلتان (قلنا) لها (انطلقي) أي اذهبي بنا (إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها شيئًا) أي لم نخلها وشأنها حتى تملك أمرها (حتى انطلقنا) وذهبنا (بها) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فاستقبلنا بها) أي أتينا بها (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الماء كما سألناها (فأخبرته) - صلى الله عليه وسلم - (مثل) الخبر (الذي أخبرتنا) با (وأخبرته) - صلى الله عليه وسلم - أيضًا (أنها موتمة) -بضم الميم وكسر التاء- على صيغة اسم الفاعل، أي ذات أيتام توفي عنها زوجها وترك أولادًا صغارًا، كما يفسره قولها (لها صبيان أيتام) ويقال موتم أيضًا بلا تاء (فأمر) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بـ) إناخة (راويتها) أي جملها، والراوية عند العرب هي الجمل الذي يحمل الماء، والهاء للمبالغة كما في المصباح، وأهل العرف قد يستعملونه في المزادة استعارة والأصل البعير (فأنيخت) الراوية أي أبرك جملها (فمج) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي بزق (في العزلاوين) أي طرح بزاقه المبارك من فمه فيهما بعد فتحهما، وهما تثنية عزلاء بوزن حمراء، ويجمع على العزال بكسر اللام، والعزلاء بالمد فم المزادة الأسفل الذي يفرغ منه الماء بكثرة، ويطلق أيضًا على فمها الأعلى كما هو المراد هنا لأنه قيده بـ (العلياوين) تثنية علياء بوزن حمراء أيضًا مؤنث الأعلى (ثمَّ) بعد ما مج في العزلاوين (بعث) أي حرك وأقام (براويتها) أي بجملها (فشربنا) من مائها (ونحن أربعون رجلًا عطاش) بكسر العين جمع عطشان، صفة أربعون، ورجلًا تمييزٌ له، أي شربنا من ذلك الماء (حتى روينا) أي شبعنا من الماء، وهو بفتح الراء وكسر الواو بوزن رضينا (وملأنا) أي عبينا منه (كل قربة معنا) والقربة -بكسر القاف وسكون الراء- إناء الماء متخذ من

وَإِدَاوَةٍ. وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا. غَيرَ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا. وَهِيَ تَكَادُ تَنْضَرِجُ مِنَ الْمَاءِ، (يَعْنِي الْمَزَادَتَينِ)، ثُمَّ قَال: "هَاتُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ" فَجَمَعْنَا لَهَا مِنْ كِسَرٍ وَتَمْرٍ. وَصَرَّ لَهَا صُرَّةً. فَقَال لَهَا: "اذْهَبِي فَأَطْعِمِي هَذَا عِيَالكِ. وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكِ" فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا قَالتْ: لَقَدْ لَقِيتُ أَسْحَرَ الْبَشَرِ. أَوْ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ كَمَا زَعَمَ. كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ذَيتَ وَذَيتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جلد (و) كل (إداوة) المطهرة سواء كانت من جلد أو خشب أو نحاس أو غيرها (وغسلنا صاحبنا) الذي اعتزل لأجل الجنابة، أي أعطيناه ما يغسل به، وفيه دليل على أنّ المتيمم إذا وجد الماء وأمكنه استعماله استعمله (غير أنا) أي لكن أنا (لم نسق بعيرا) واحدًا ولا أكثر من الإبل أي لم نسق واحدًا منها لأنها تصبر على فقد الماء وتركنا مزادتها (وهي) أي والحال أن المزادة (تكاد) أي تقارب أن (تنضرج) وتنشق (من الماء) أي لأجل كثرة الماء الذي فيها، وهو من الانضراج وهو الانشقاق من باب انفعل، وروي تتضرج من باب تفعل، قال النواوي: وهو بمعناه والأول أشهر، وفي علامات النبوة من صحيح البخاري من الملء (يعني) الراوي بقوله وهي تكاد تنضرج (المزادتين) أي ما ذكر من المزادتين وهو من كلام أبي رجاء العطاردي (ثمَّ) بعدما شربنا وقضينا حاجتنا من ذلك الماء وربط العزلاوين (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هاتوا ما كان عندكم) أي ائتوا بما كان عندكم من الأزواد، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - تطييب لخاطرها، قال عمران بن حصين (فجمعنا لها) ما عندنا (من كسر) خبز جمع كسرة، كسدرة وسدر؛ وهي القطعة من الشيء المكسور (وتمر، وصر) أي شد (لها) ما جمعه في لفافة وجعله (صرة) أي كيسًا كبيرًا (فقال لها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اذهبي) وارجعي إلى قومك (فأطعمي هذا) الذي جمعنا لك في صرة (عيالك) أي أيتامك (و) انتبهي و (اعلمي أنا لم نرزأ) أي لم ننقص (من مائك) شيئًا، ومنه قولهم ما رزأته ذبالًا أي ما نقصته (فلما أتت) وجاءت تلك المرأة (أهلها) أي قومها (قالت) لهم حين سألوها عن تأخرها: والله (لقد لقيت) اليوم أي رأيت (أسحر البشر) أي أعلم الناس بالسحر إن كان من الساحرين (أو إنه لنبي) مرسل من ربه (كما زعم) وقال إنه رسول رب العالمين، قال الأبي: والأظهر في أو من كلامها أنها للإضراب أي بل إنه نبي، وهو من حسن فطرتها ولا يبعد حسن الفطرة من نساء الأعراب اهـ، فإنَّه (كان من أمره) وشأنه (ذيت وذيت) أي كذا وكذا كناية عما رأته من معجزات

فَهَدَى اللهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ. فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. 1455 - (. . .) (. . .) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ الأَعْرَابِيُّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَينِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مثل كيت وكيت كناية عن حديث معلوم، قال الراوي (فهدى) الله تعالى (ذاك الصرم) أي ذاك المجتمع والقوم الذين كانت منهم تلك المرأة، والصرم -بكسر الصاد- هو أبيات مجتمعة، أي هداهم وأرشدهم إلى الإِسلام والتوحيد (بتلك المرأة) أي بسبب ما أخبرتهم تلك المرأة من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي جرت في مزادتها (فأسلمت) تلك المرأة (وأسلموا) أي وأسلم قومها أي وفقهم للهداية فأسلمت وأسلموا معها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 434] والبخاري [344]. ولا يخفى ما تضمنه هذا الحديث من الأحكام ومن معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن حديث عمران بن حصين نازلة أخرى غير ما تضمنه حديث أبي قتادة - رضي الله عنهما - اهـ من المفهم. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - فقال: 1455 - (. . .) (. . .) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني النحوي أبو الحسن البصري ثمَّ الكوفي ثمَّ المروزي قاضيها وشيخها، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عوف بن أبي جميلة) -بفتح الجيم- العبدي أبو الحسن الهجري البصري المعروف بـ (الأعرابي) ولم يكن بالأعرابي، واسم أبي جميلة رزينة، ويقال بندويه، روى عن أبي رجاء العطاردي في الصلاة، وأبي العالية وأبي عثمان النهدي، ويروي عنه (ع) والنضر بن شميل وشعبة وغندر وخلق، وثقه النسائي وجماعة، وقال في التقريب: ثقة، رمي بالقدر وبالتشيع، من السادسة، مات سنة (147) ست أو سبع وأربعين ومائة (عن أبي رجاء العطاردي) عمران بن ملحان البصري (عن عمران بن الحصين) البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مروزيان، غرضه بسوقه بيان متابعة عوف بن أبي جميلة لسلم بن زرير في رواية هذا الحديث عن أبي رجاء العطاردي مع بيان محل المخالفة بينهما

قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ. فَسَرَينَا لَيلَةً. حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ، قُبَيلَ الصُّبْحِ، وَقَعْنَا تِلْكَ الْوَقْعَةَ الَّتِي لَا وَقْعَةَ عِنْدَ الْمُسَافِرِ أَحْلَى مِنْهَا. فَمَا أَيقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ. وَزَادَ وَنَقَصَ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ؛ فَلَمَّا اسْتَيقَظَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ. وَكَانَ أَجْوَفَ جَلِيدًا. فَكبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ. حَتَّى اسْتَيقَظَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لِشدَّةِ صَوْتِهِ، بِالتَّكْبِيرِ. فَلَمَّا اسْتَيقَظَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - شَكَوْا إِلَيهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لَا ضَيرَ. ارْتَحِلُوا". وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عمران بن حصين (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فسرينا) أي مشينا (ليلة) من الليالي (حتى إذا كان) الزمن (من آخر الليل قبيل الصبح) بضم القاف، هو أخص من قبل وأصرح في القرب (وقعنا) أي نمنا (تلك الوقعة) أي تلك النومة (التي لا وقعة) أي لا نومة (عند المسافر أحلى منها فما أيقظنا) منها (إلا حر الشمس، وساق الحديث) عوف بن أبي جميلة (بنحو حديث سلم بن زرير، وزاد) عوف على سلم بعض زيادة (ونقص) عوف من حديث سلم بعض نقصان (وقال) عوف (في الحديث) معطوف على زاد عطف تفسير (فلما استيقظ عمر بن الخطاب ورأى ما أصاب الناس) من مصيبة فوات الصلاة بالنوم (وكان) عمر (أجوف) الناس أي كبير الجوف رفيع الصوت جهرويًا (جليدا) أي قوي القلب والجسم، وقال القاضي عياض: ومعنى أجوف جليد قوي الصوت يخرج صوته من جوفه، وجوف كل شيء داخله، والجليد القوي اهـ. وقوله (فكبر) جواب لما، والفاء زائدة في جوابها؛ أي فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس كبر (ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشدة صوته بالتكبير فلما استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكوا إليه) - صلى الله عليه وسلم - (الذي أصابهم) من مصيبة فوات الصلاة بالنوم (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا ضير) أي لا ضرر عليكم في هذا النوم وتأخير الصلاة به، والضير والضر والضرر بمعنى واحد أي لا مؤاخذة عليكم بذلك لأنكم معذورون بالنوم (ارتحلوا) بنا من هذا المكان لأنه مكان غفلة (واقتص) عوف بن أبي جميلة (الحديث) السابق.

1456 - (649) (60) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَعَرَّسَ بِلَيلٍ، اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ. وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيلَ الصُّبْحِ، نَصَبَ ذِرَاعَهُ، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ. 1457 - (650) (61) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لأبي قتادة فقال: 1456 - (649) (60) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي نسبة إلى واشح بطن من الأزد أبو أيوب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار التميمي أبو سلمة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن حميد) بن أبي حميد تير أبي عبيدة الطويل البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن بكر بن عبد الله) بن عمرو بن هلال المزني أبي عبد الله البصري، ثقة ثبت، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله بن رباح) الأنصاري المدني ثمَّ البصري، ثقة، من (3) (عن أبي قتادة) الأنصاري الحارث بن ربعي المدني. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مروزي (قال) أبو قتادة (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فعرس) أي استراح (بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعيه) أي ساعده الأيمن على المرفق (ووضع رأسه على كفه) الأيمن لئلا تفوته صلاة الصبح. وهذا الحديث متنًا وسندًا لم يوجد في بعض نسخ المتن، ولا في النسخة التي شرح عليها النواوي مع وجوده في المتن المصري، ولو قدمه على حديث عمران بن حصين وذكره بعد حديث أبي قتادة لكان أنسب وعلى كل حال فهو من أفراد المؤلف رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس - رضي الله تعالى عنهما - فقال: 1457 - (650) (61) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي أبو

حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً. . فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ". قَال قَتَادَةُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. 1458 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وَلَمْ يَذْكُرْ: "لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خالد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من نسي صلاة) من الصلوات أو نام عنها حتى يخرج وقتها (فليصلها إذا ذكرها) أو استيقظ من نومه أي وقتٍ كان ولو وقت كراهة الصلاة كما مر (لا كفارة لها) أي للصلاة الفائتة (إلا ذلك) أي إلا قضاءها وقت تذكره، قال النواوي: معناه لا يجزئه إلا الصلاة مثلها، ولا يلزمه مع ذلك شيء آخر (قال قتادة) بالسند السابق أي ذكر مصداق ذلك قوله تعالى ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري كما في تحفة الأشراف. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 1458 - (. . .) (. . .) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث أنس (يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة مصنف، من (10) (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (جميعا) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس) بن مالك (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة (و) لكن (لم يذكر) أبو عوانة لفظة (لا كفارة لها إلا ذلك) بل اقتصر على ما قبلها. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال:

1459 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا. . فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا". 1460 - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيّ الْجَهضَمِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 1459 - (. . .) (. . .) (وحدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمَّد البصري، ثقة، من (8) (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (من نسي صلاة) من الصلوات الخمس (أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) قال القاضي: لم يختلف أحد في أن الناسي يقضي، وشذ بعض الناس وقال: لا يقضي ما كثر كالست، ولعله لمشقة قضاء الكثير كوجه الفرق في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة لمشقتها لتكررها، وكذلك لم يختلف في أن المتعمد يقضي، وحكي عن مالك أنَّه لا يقضي، ولا يصح عنه ولا عن أحد ممن ينتسب إلى العلم إلا عن داود وأبي عبد الرحمن الشافعي، ولا حجة لهما في الحديث، لأنَّ الحديث من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا قضى الناسي مع عدم الإثم فأحرى بالمتعمد اهـ باختصار. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 1460 - (. . .) (. . .) (وحدثنا نصر بن علي) الأزدي البصري (الجهضمي، حدثنا أبي) علي بن نصر بن علي بن صهبان الكبير الأزدي أبو الحسن البصري الجهضمي، روى عن قرة بن خالد في الإيمان، والمثنى بن سعيد في الصلاة والأشربة والأطعمة وغيرها، وشعبة في الحج وغيره، وخالد بن قيس في الجهاد، والليث بن سعد في الأشربة، وعبد الرحمن بن سليمان الغسيل في الطب، ومحمد بن جويرية في الرؤيا وآخر الكتاب، وهشام الدستوائي، ويروي عنه (ع) وابنه نصر ومعلي بن أسد وجماعة، وثقه ابن معين والنسائيُّ، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من كبار

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ـــــــــــــــــــــــــــــ التاسعة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة (حدثنا المثنى) بن سعيد الضبعي، نزل في ضبيعة ولم يكن منهم الذراع القسام أبو سعيد القصير البصري، روى عن قتادة في الصلاة وصفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي المتوكل في الأشربة، وأبي سفيان طلحة بن نافع في الأطعمة، وأبي جمرة في الفضائل، ويروي عنه (ع) وعلي بن نصر الجهضمي وإسماعيل بن علية وابن مهدي وغيرهم، وثقه ابن معين وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والعجلي، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال: وكان يخطئ، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن قتادة، عن أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة المثنى بن سعيد لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) أنس (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا رقد أحدكم) ونام (عن الصلاة) المكتوبة (أو غفل) ونسي (عن) أدائـ (ــها فليصلها إذا ذكرها) في أي وقت كان (فإن الله) سبحانه وتعالى (يقول) في كتابه العزيز ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}) وقد مر بسط الكلام فيه في أول الباب فراجعه والله سبحانه وتعالى أعلم. قال النواوي: واعلم أن أحاديث هذا الباب قد جرت في سفرين أو أسفار لا في سفرة واحدة كما يقتضي ذلك ظاهر ألفاظها. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي قتادة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي قتادة الثاني ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أنس ذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

309 - (23) باب قصر الصلاة في السفر

309 - (23) باب: قصر الصلاة في السفر 1461 - (651) (62) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنهَا قَالتْ: فُرِضَتِ الصلاةَ رَكعَتَينِ رَكْعَتَينِ، فِي الْحَضَرِ وَالسفَرِ. فَأقِرت صَلاة السفَرِ وَزِيدَ فِي صَلاةِ الْحَضَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 309 - (23) باب قصر الصلاة في السفر 1461 - (651) (62) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن صالح بن كيسان) الغفاري مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (4) (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أنها قالت: فرضت الصلاة) حالة كونها (ركعتين ركعتين في الحضر والسفر) متعلق بفرضت أي لمن أراد الاقتصار عليهما (فأقرت صلاة السفر) على ركعتين مع جواز الإتمام (وزيد في صلاة الحضر) على سبيل التحتم. قال النواوي: معنى هذا الحديث فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار، وثبتت دلائل جواز الإتمام فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 234 و 241] والبخاري [350] وأبو داود [1198] والنسائي [1/ 225]. وتعقب بعضهم هذا الحديث بأنه من قولها غير مرفوع فلا يستدل به كما أنها لم تشهد زمان فرض الصلاة، وأجيب بأنه مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع، ولئن سلمنا أنها لم تشهد فرض الصلاة لكنه مرسل صحابي وهو حجة لاحتمال أخذها له عنه عليه الصلاة والسلام أو عن أحد من أصحابه ممن أدرك ذلك، وأجاب في الفتح بأن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح كما روي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: (فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار) رواه ابنا خزيمة وحبان وغيرهما، ثم بعد أن استقر

1462 - (00) (00) وَحَدثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ. زَوْجَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَالتْ: فَرَضَ اللهُ الصلاةَ، حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَينِ، ثُم أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ. فَأُقِرَّتْ صَلاةُ السفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الأُولَى. 1463 - (00) (00) وَحَدثَنِي عَلِي بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزهْرِي، عَنْ عُرْوَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: {فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} وبهذا تجتمع الأدلة، ويؤيده أن في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1462 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (قال حدثني عروة بن الزبير) الأسدي المدني (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعا والعنعنة والأننة والقول والمقارنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن عروة، وفائدتها تقوية السند الأول، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (فرض الله الصلاة) أرادت بها جنس المكتوبة إلا المغرب فإنها وتر النهار (حين فرضها) ليلة الإسراء (ركعتين ثم أتمها في الحضر) بعد الهجرة (فأقرت) أي أثبتت (صلاة السفر على الفريضة الأولى) أي ركعتين ركعتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1463 - (00) (00) (وحدثني علي بن خشرم) -بزنة جعفر- ابن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا) سفيان (بن عيينة) الكوفي (عن الزهري عن عروة

عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن الصلاةَ أولَ مَا فُرِضَت رَكْعَتَينِ. فَأُقِرتْ صَلاة السفَرِ وَأُتِمتْ صَلاةُ الْحَضَرِ. قَال الزُّهْرِي: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِم فِي السفَرِ؟ قَال: إِنهَا تَأَولَت كَمَا تَأَولَ عُثْمَانُ. 1464 - (652) (63) وَحَدثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عائشة أن الصلاة) الرباعية (أول ما فرضت) بالنصب على الظرفية، والخبر محذوف تقديره كانت (ركعتين فأقرت صلاة السفر) على فرضيتها الأولى (وأتمت صلاة الحضر) أي زيد فيها بعد الهجرة (قلت) قولها (أن الصلاة) ناصب، واسمه (أول ما فرضت) بنصب أول على أنه ظرف للخبر المحذوف، وما مصدرية والمضاف محذوف (ركعتين) بالياء نصب على الحال الساد مسد الخبر، والتقدير أن الصلاة في أول أزمنة فرضها فرضت حالة كونها ركعتين ركعتين اهـ وشراحنا راقدون هنا، وفي رواية البخاري قالت (الصلاة أول ما فرضت ركعتان) والصلاة مبتدأ أول، وأول بدل منه أو مبتدأ ثان خبره ركعتان، والجملة خبر المبتدإ الأول، ويجوز نصب لفظ أول على الظرفية، والصلاة مبتدأ والخبر محذوف أي فرضت ركعتين في أول فرضها اهـ قسطلاني. (قال الزهري) بالسند السابق (فقلت لعروة: ما بال عالشة) وشأنها (تتم) الصلاة بضم أوله (في السفر) فهو مخالف لقولها (قال) عروة (أنها تأولت) واجتهدت (كما تأول عثمان) بن عفان رضي الله عنهما، أي اجتهدت في أمر صلاتها اجتهادًا كاجتهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه من جواز القصر والإتمام فأخذا بأحد الجائزين وهو الإتمام، يقال أول الكلام تأويلا وتأوله كما في القاموس، والمراد هنا تجويز القصر والإتمام. قال القرطبي: وأولى ما قيل في إتمام عائشة وعثمان رضي الله عنهما أنهما تأولا أي اجتهدا أن القصر رخصة غير واجبة وأخذا بالأكمل الذي هو الإتمام، وما عدا هذا القول مما أطالوا به الكلام إما فاسد وإما بعيد اهـ من المفهم. وقد ذكر بعضه القرطبي وأما نحن فلا نطيل به الكلام لأنه لا طائل تحته. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال: 1464 - (652) (63) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء

وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وإسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ -قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيس- عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ أبِي عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَابَيهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيةَ؛ قَال: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطاب: {فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فقد أمِنَ الناسُ! ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفيان (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال الأخرون حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (عن) عبد الرحمن بن عبد الله (بن أبي عمار) القرشي المكي المعروف بالقس -بفتح القاف وتشديد السين المهملة- لعبادته، روى عن عبد الله بن بابيه في الصلاة، وابن عمر وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) وابن جريج وعكرمة بن خالد وعمرو بن دينار، وثقه النسائي وأبو زرعة وابن سعد وابن المديني، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الثالثة (عن عبد الله بن بابيه) بفتح الباء الثانية وسكون الياء وكسر الهاء، ويقال ابن باباه بموحدتين بينهما ألف، ويقال ابن بابي بحذف الهاء المكي مولى آل حجير بن أبي إهاب، روى عن يعلى ابن أمية في الصلاة، وجبير بن مطعم وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) وعبد الرحمن بن أبي عمار وأبو الزبير وعمرو بن دينار، وثقه النسائي والعجلي وابن المديني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن يعلى بن أمية) بن أبي عبيدة عبيد بن همام بن الحارث التميمي حليف قريش، ويقال يعلى بن منية، أمية أبوه، ومنية أمه وهي بنت غزوان امرأة من بني تميم مولاة لقريش، المكي صحابي مشهور من مسلمة الفتح شهد حنينًا والطائف، له ثمانية وأربعون (48) حديثًا اتفقا على ثلاثة، سمع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والحج، وروى عن عمر رضي الله عنه في الصلاة، وعنبسة بن أبي سفيان، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن بابيه وابنه صفوان بن يعلى ومجاهد وعطاء وغيرهم (قال) يعلى (قلت لعمر بن الخطاب) العدوي المدني: ما تفسير قوله تعالى {فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] حيث قيد جواز القصر بالخوف (فقد أمن الناس) أي المسلمون الآن من خوف الكفار فهل يجوز القصر لهم أم لا؟ لأنه زال سببه الذي هو الخوف من الكفار وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مكيون

فَقَال: عَجِبْتُ مِما عَجِبْتَ مِنْهُ. فَسَألْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ ذَلِكَ. فَقَال: "صَدَقَةٌ تَصَدقَ اللهُ بِهَا عَلَيكُمْ. فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ". 1465 - (00) وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدميُّ. حَدَّثنَا يَحْيي ـــــــــــــــــــــــــــــ واثنان كوفيان وواحد مدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول والمقارنة، وفيه رواية صحابي عن صحابي (فقال) عمر بن الخطاب (عجبت مما عجبت منه) يا يعلى وأشكلني ما أشكلك، فموجب التعجب والإشكال هو أن القصر في العدد في الآية مشروط بالخوف، فإذا زال الخوف وجب الإتمام (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) الإشكال (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم القصر (صدقة) أي رخصة (تصدق الله) سبحانه وتعالى (بها عليكم) أي رخصة رخصها لكم مطلقًا (فاقبلوا) منه (صدقته) سبحانه أي رخصته، والتقييد بالخوف خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، قال القرطبي: قوله {فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} يعني بالقصر القصر من عدد الركعات، والقصر بتغيير الهيئات بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم" عندما سئل عن قصرها مع الأمن فكان قوله ذلك تيسيرًا وتوفيقًا على أن الآية متضمنة لقصر الصلاة مع الخوف ومع غير الخوف فالقصر مع الخوف هو في الهيئات على ما يأتي ومع الأمس في الركعات، والمتصدق به إنما هو إلغاء شرط الخوف في قصر عدد الركعات مع الأمن، وعلى هذا فيبقى اعتبار الخوف في قصر الهيئات على ما يأتي، وقد أكثر الناس الكلام في هذه الآية وما ذكرناه أولى وأحسن لأنه جمع بين الآية والحديث، والجناح الحرج وهذا يشعر أن القصر ليس واجبًا لا في السفر ولا في الخوف لأنه لا يقال في الواجب لا جناح في فعله اهـ من المفهم. قال النواوي: وفيه جواز قول: تَصَدَّق الله علينا، واللهم تصدق علينا، وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر، وفيه جواز القصر في غير الخوف، وفيه أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئًا يشكل عليه يسأله عنه والله أعلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 25] وأبو داود [1199] والترمذي [3037] والنسائي [3/ 116]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 1465 - (00) (00) وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان التميمي

عَنِ ابنِ جُرَيج. قَال: حَدثَنِي عَبدُ الرحْمنِ بْنُ عَبدِ اللهِ بْنِ أبِي عَمار عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ بَابَيهِ، عَنْ يَعْلَي بْنِ أميةَ؛ قَال: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطابِ ... بِمِثلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيس. 1466 - (653) (64) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الربِيعِ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، ثقة، من (9) (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار) المكي (عن عبد الله بن بابيه) المكي (عن يعلى بن أمية) المكي (قال) يعلى (قلت لعمر بن الخطاب) وساق يحيى بن سعيد عن ابن جريج (بمثل حديث) عبد الله (بن إدريس) الكوفي لفظًا ومعنى، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لعبد الله بن إدريس في رواية هذا الحديث عن ابن جريج، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهم فقال: 1466 - (653) (64) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) (وأبو الربيع) العتكي الزهراني سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي، ثقة، من (10) (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن بكير بن الأخنس) الليثي السدوسي الكوفي، روى عن مجاهد في الصلاة، وأنس في الحج، وعطاء بن أبي رباح في البيوع، وابن عباس وابن عمر وعدة، ويروي عنه (م د س ق) وأبو عوانة ومسعر وأبو إسحاق الشيباني وأيوب بن عائذ والأعمش، وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن مجاهد) ابن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي المقرئ المفسر، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد مكي وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري أو خراساني أو بصري أو بلخي، وفيه

قَال: فَرَض اللهُ الصلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيكُمْ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السفَرِ رَكْعَتَينِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً. 1467 - (00) (00) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَالِكٍ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ. حَدَّثَنَا أيوبُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (فرض الله) سبحانه وتعالى (الصلاة) الرباعية (على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا) من الركعات (وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة) يعني ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردًا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف كما في النواوي قال: وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة. قال القرطبي: ذهب جماعة من السلف إلى ظاهر هذا فقالوا: صلاة الخوف ركعة واحدة عند الشدة وهو قول إسحاق قال: أما عند شدة الخوف فركعة واحدة يومئ بها إيماء، فإن لم يقدر فسجدة فإن لم يقدر فتكبيرة، وقال الضحاك: إن لم يقدر على ركعة فتكبيرتان، وقال الأوزاعي: لا يجزئه التكبير، وقال قتادة والحسن: صلاة الخوف ركعة واحدة لكل طائفة من المأمومين وللإمام ركعتان، وسيأتي بسط الكلام عليه في صلاة الخوف إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 232] وأبو داود [1247] والنسائي [3/ 118 - 119] وابن ماجه [1072]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1467 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (جميعًا عن القاسم بن مالك، قال عمرو: حدثنا قاسم بن مالك المزني) أبي جعفر الكوفي، روى عن أيوب بن عائذ في الصلاة، وعاصم بن كليب في العطاس، والمختار بن فلفل، ويروي عنه (خ م ت س ق) وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وابن نمير وزهير بن حرب وغيرهم، وثقه العجلي وابن معين، وقال أحمد: كان صدوقًا، وقال في التقريب: صدوق فيه لين، من صغار الثامنة، مات سنة نيف وتسعين ومائة، له في (خ) فرد حديث (حدثنا أيوب بن

عَائِذٍ الطائيُّ عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: إِن اللهَ فَرَضَ الصلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيكُمْ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. عَلَى المسَافِرِ رَكْعَتَينِ، وَعَلى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وَفِي الْخَوفِ رَكْعَةً. 1468 - (654) (65) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدثُ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلي؛ قَال: سَألْتُ ابْنَ عَباسٍ: كَيفَ أُصَلي إِذَا كُنْتُ بِمَكَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عائذ) بمعجمة بن مدلج (الطائي) الكوفي، روى عن بكير بن الأخنس في الصلاة، والشعبي وقيس بن مسلم وجماعة، ويروي عنه (خ م ت س) والقاسم بن مالك المزني والسفيانان وعبد الواحد بن زياد، وثقه يحيى وأبو حاتم والنسائي والعجلي وأبو داود، وقال في التقريب: ثقة رمي بالإرجاء، من السادسة (عن بكير بن الأخنس) الليثي الكوفي (عن مجاهد) بن جبر المكي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب بن عائذ لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن بكير بن الأخنس، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (قال) ابن عباس (إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعًا، وفي الخوف ركعة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا بحديث آخر لابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1468 - (654) (65) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (قال سمعت قتادة) بن دعامة البصري (يحدث عن موسى بن سلمة) بن المحبق -بمهملة وموحدة مشددة مفتوحتين- بوزن محمد (الهذلي) البصري، روى عن ابن عباس في الصلاة والحج، ويروي عنه (م د س) وقتادة وأبوالتياح وابنه مثنى، وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (قال سألت ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن عباس كيف أصلي) هل أتم الصلاة أم أقصرها (إذا كنت) مشريحًا (بمكة) قبل الخروج

إِذَا لَمْ أُصَلِّ مَعَ الإِمَامِ؛ فَقَال: رَكْعَتَينِ. سُنةَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. 1469 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ مُحَمدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي عَرُوبَةَ. ح وَحَدثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منها؟ وإذا في قوله (إذا) صليت وحدي و (لم أصل مع الإمام) بدل من إذا الأولى، قيد به لأن المسافر إذا اقتدى بمقيم أتم. قال القاضي عياض: مفهومه أن الإمام إذا أتم يتم معه وهو مذهب كافة العلماء، واختلف بم يلزمه الإتمام معه؟ فقال مالك بعقد ركعة تامة، وقال الحنفية والشافعية بالدخول معه، وقال الأوزاعي بالقولين، وذكر أبو القاسم الطبري الشافعي عن مذهبهم أنه ينظر إلى نية الداخل فإن نوى الإتمام وراءه أتم وهذا كله يدل على أن القصر غير واجب إذ لو كان واجبًا لم يلزمه إتباع غير فرضه اهـ (فقال) لي ابن عباس صل (ركعتين) واتبع (سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم). وشارك في رواية هذا الحديث النسائي رواه في كتاب الصلاة كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1469 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن عباس (محمد بن منهال الضرير) التميمي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي من بني تيم الله أبو معاوية البصري، ثقة ثبت، من (8) (حدثنا) (سعيد بن أبي عروبة) البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا معاذ بن هشام) بن سنبر الدستوائي (حدثنا أبي) هشام الدستوائي البصري (جميعا) أي كل من سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة البصري؛ أي روى كل منهما عن قتادة (بهذا الإسناد) يعني عن موسى بن سلمة عن ابن عباس (نحوه) أي نحو ما روى شعبة عن قتادة. وهذان السندان من سداسياته، ومن لطائفهما أن رجالهما كلهم من البصريين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

1470 - (655) (66) وَحَدثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَب. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِم بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ. قَال: فَصلى لَنَا الطهْرَ رَكْعَتَينِ. ثُم أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ. حَتى جَاءَ رَحْلَهُ. وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ. فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيثُ صلى. فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا. فَقَال: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ. قَال: لَوْ كُنْتُ مُسَبحا لأَتْمَمْتُ صلاتِي. يَا ابْنَ أَخِي، إِني صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي السفَرِ. فَلَمْ يَزِدْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 1470 - (556) (66) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) بن عتاب بن الحارث التميمي الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) (حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) العدوي أبو زياد المدني، روى عن أبيه في الصلاة، ونافع في الحج وابن المسيب، ويروي عنه (خ م دس ق) وعبد الله بن مسلمة القنعبي وعثمان بن عُمر ويحيى القطان ووكيع، وثقه ابن معين له عندهم حديثان، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (157) سبع وخمسين ومائة (عن أبيه) حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة (قال) حفص بن عاصم (صحبت) عبد الله (بن عمر في طريق مكة) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد بصري (قال) حفص (فصلى) إمامًا (لنا) ابن عمر (الظهر ركعتين ثم أقبل) ابن عمر وانصرف إلى منزله (وأقبلنا) أي وانصرفنا (معه حتى جاء رحله) أي منزله غاية لأقبل (وجلس) في منزله (وجلسنا معه فحانت) أي وقعت وحصلت (منه) أي من ابن عمر (التفاتة نحو حيث صلى) أي إلى جهة المكان الذي صلى فيه (فرأى) ابن عمر (ناسًا قياما) أي قائمين (فقال) ابن عمر (ما يصنع هولاء) القائمون؟ قال حفص (قلت) له (يسبحون) أي يصلون الرواتب قبل الظهر وبعدها (قال) ابن عمر (لو كنت مسبحا) أي مصليًا النوافل (لأتممت صلاتي) أي فريضتي أي لاخترت إتمام الفريضة، يعني أنه لو كان مخيرًا بين الإتمام وصلاة الراتبة، لكان الإتمام أحب إليه لأنه فهم من القصر التخفيف فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم، بل السنة القصر وترك النفل ومراده بالنافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر والعشاء، ثم قال ابن عمر لحفص (يا ابن أخي) يريد عاصم بن عمر (إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على

رَكْعَتَينِ حَتى قَبَضَهُ اللهُ. وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرِ فَلَم يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَينِ حَتى قَبَضَهُ اللهُ. وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَينِ حَتى قَبَضَهُ اللهُ. ثُم صَحِبتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَينِ حَتى قَبَضَهُ اللهُ. وَقَدْ قَال اللهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعتين) أي لا يزيد عليهما راتبةً (حتى قبضه الله) سبحانه وتعالى، أي توفاه (وصحبت أبا بكر) في السفر (فلم يزد على ركعتين) أي على ركعتي الفريضة المقصورة راتبةً (حتى قبضه الله) سبحانه (وصحبت عمر) في السفر (فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله) سبحانه (ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله) سبحانه، أي صحبت كلهم في السفر وكانوا لا يزيدون على ركعتين الصلاة المقصورة، أي أنهم ما كانوا يتنفلون رواتب الفرائض في السفر لا قبل الفرض ولا بعده، وأما في غير ذلك فقد روى جابر وعلي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفل في السفر ليلًا ونهارًا اهـ. واستشكل ذكر عثمان لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما مر، وأجيب بأنه جاء في حديث ابن عمر في رواية مسلم في الباب التالي (وصدرًا من خلافته) قال في المصابيح: وهو الصواب أو أنه كان يتم إذا كان نازلًا، وأما إذا كان سائرًا فيقصر، قال الزركشي: ولعل ابن عمر أراد في هذه الرواية أيام عثمان في سائر أسفاره في غير منى لأن إتمامه كان بمنى، وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلًا أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى الإقامة بعد الحج، ورُد بأن الإقامة بمكة للمهاجرين أكثر من ثلاث لا تجوز كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي، وقد سبق أنه إنما فعل ذلك متأولًا جوازهما فأخذ بأحد الجائزين اهـ إرشاد الساري. (وقد قال الله) سبحانه وتعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] أي قدوة حسنة وسنة صالحة فاقتدوا به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1101] وأبو داود [1223] والترمذي [544] والنسائي [3/ 122 و 124] وابن ماجه [1071]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

1471 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، يَعْنِي ابْنَ زُريعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ؛ قَال: مَرِضْتُ مَرَضًا. فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ يَعُودُنِي. قَال: وَسَأَلْتُهُ عَنِ السبْحَةِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَال: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي السفَرِ. فَمَا رَأَيتُهُ يُسَبِّحُ. وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ. وَقَدْ قَال اللهُ تَعَالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ـــــــــــــــــــــــــــــ 1471 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) التيمي البصري (عن عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمر بن محمد لعيسى بن حفص في رواية هذا الحديث عن حفص، وكرر المتن لما بينهما من المخالفة (قال) حفص (مرضت مرضًا) شديدًا (فجاء ابن عمر) حالة كونه (يعودني) عن مرضي (قال) حفص (وسألته عن السبحة) أي عن النفل (في السفر) يعني رواتب الفرائض (فقال) ابن عمر (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فما رأيته يسبح) أي يصلي الرواتب (ولو كنت مسبحا) أي مصليًا الرواتب (لأتممت) صلاتي بدلها (وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} أي قدوة {حَسَنَةٌ} أي صالحة فاقتدوا به، واعلم أنه قد اختلف العلماء في استحباب النوافل الراتبة فكرهها ابن عمر وآخرون، واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور ودليله الأحاديث المطلقة في ندب الرواتب، وحديث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى يوم الفتح بمكة وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس وأحاديث أخر صحيحة ذكرها أصحاب السنن، والقياس على النوافل المطلقة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، فإن النافلة في البيت أفضل أو لعله تركها في بعض الأحيان تنبيهًا على جواز تركها، وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أولى، فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خير المكلف فالرفق أن تكون مشروعة ويتخير إن شاء فعلها وحصل ثوابها وإن شاء تركها ولا شيء عليه، واعلم أيضًا أن القصر مشروع بعرفات ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها، ولا يجوز لأهل مكة ومن كان دون مسافة القصر هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين، وقال مالك يقصر أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفات فعلة القصر عنده في تلك المواضع

1472 - (656) (67) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الربِيعِ الزهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا حَماد، وَهوَ ابْنُ زيدٍ. ح وَحَدَّثنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَيعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ صلى الظهرَ بِالْمَدِينَةِ أرْبَعًا. وَصَلى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيفَةِ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النسك، وعند الجمهور علته السفر والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ نواوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 1472 - (656) (67) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة البزار -بالراء آخره- المقرئ أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) (وأبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد قالوا حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب ويعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي الدورقي أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم رويا (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري. وهذان السندان من خماسياته، رجال الأول منهما كلهم بصريون أو أربعة منهم بصريون وواحد إما بغدادي أو بلخي، ورجال الثاني منهما أربعة منهم بصريون وواحد إما نسائي أو بغدادي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة) حالة كونها (أربعًا) من الركعات، أي تامة لأنه لم يبدأ السفر ثم سافر فأدركته العصر في ذي الحليفة (وصلى العصر بذي الحليفة) حالة كونها (ركعتين) ويحتمل أن يكون أربعًا وركعتين بدلًا من الظهر والعصر، وبين المدينة وذي الحليفة ستة أميال وقيل سبعة، وهذا الحديث مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره، وقال الجمهور لا يجوز القصر إلا في سفر يبلغ مرحلتين، وقال أبو حنيفة وطائفة شرطه ثلاث مراحل واعتمد في ذلك آثارًا عن الصحابة، وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر لأن المراد أنه حين سافر صلى الله عليه وسلم إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعًا ثم سافر فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين

1473 - (00) (00) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيسَرَةَ. سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكِ يَقُولُ: صَليتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الظُّهْرَ بِالمدِينَةِ أَرْبَعا. وَصَليتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيفَةِ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية سفره فلا دلالة فيه قطعا، وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام، هذا جملة القول فيه، وتفصيله مشهور في كتب الفقه، هذا مذهبنا ومذهب كافة العلماء إلا رواية ضعيفة عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال، وحكي عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إن أراد السفر قصر قبل خروجه، وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل، وهذه الروايات كلها منابذة للسنة واجماع السلف والخلف لأنه صلى الله عليه وسلم قصر بعد ما فارق وقبل الليل فكان ذلك ردًّا على عطاء وابن مجاهد ومن وافقهما، اهـ نواوي. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 177 و 186] والبخاري [1089] وأبو داود [1202] والترمذي [546] والنسائي [11/ 234]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1473 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني، ثقة، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (حدثنا محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير القرشي التيمي أبو عبد الله المدني، ثقة، من (3) (وإبراهيم بن ميسرة) الطائفي نزيل مكة، روى عن أنس بن مالك في الصلاة، وطاوس في الصلاة والطلاق والأشربة، وعمرو بن الشريد في ذكر الشعر، ويعقوب بن عاصم في ذكر الشعراء، ويروي عنه (ع) وسفيان بن عيينة وابن جريج وأيوب السختياني، وثقه أحمد والنسائي والعجلي ويحيى، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة، أنهما (سمعا أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن المنكدر وابن ميسرة لأبي قلابة في رواية هذا الحديث عن أنس، حالة كون أنس (يقول: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا) لأنه مقيم (وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين) لأنه مسافر لحجة الوداع.

1474 - (657) (67) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ بَشَّار. كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَر. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَر عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِي؛ قَال: سَألْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصلاةِ؟ فَقَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا خَرَجَ، مَسِيرَةَ ثَلاثةِ أَميَالٍ أَوْ ثَلاثةِ فَرَاسِخَ، (شُعْبَةُ الشَّاكُّ) صلى رَكعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة بحديث آخر لأنس رضي الله عنهما فقال: 1474 - (657) (67) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي، وفي بعض النسخ (وحدثناه) وهو تحريف من النساخ لأن الضمير لا مرجع له لأن الحديث غير الأول كما في سنن أبي داود (ومحمد بن بشار) البصري كلاهما) رويا (عن) محمد بن جعفر المعروف بـ (غندر) البصري (قال أبو بكر: حدثنا محمد بن جعفر غندر، عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن يحيى بن يزيد الهنائي) -بضم الهاء ثم نون خفيفة ومد- نسبة إلى هناء بن مالك بن فهم قاله السمعاني اهـ نواوي، أبي يزيد البصري، روى عن أنس بن مالك في الصلاة، والفرزدق، ويروي عنه (م د) وشعبة ومحمد بن دينار وخلف بن خليفة وابن علية، قال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من الخامسة (قال) يحيى بن يزيد (سألت أنس بن مالك) الأنصاري البصري (عن) حكم (قصر الصلاة) الرباعية ومتى يقصر المسافر، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون أو أربعة منهم بصريون وواحد كوفي (فقال) أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة) أي مسافة (ثلاثة أميال) قال شعبة (أو) قال لي يحيى مسيرة (ثلاثة فراسخ) بدل أميال (شعبة) هو (الشاك) فيما قاله يحيى هل قال ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ فجمع بين اللفظين (صلى ركعتين) جواب إذا وهو بمعنى حديث (وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين) لأن ذا الحليفة على ثلاثة أميال من المدينة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 190] وأبو داود [1201]. والأميال جمع ميل، قال في الفتح: الميل هو من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري وقيل أن ينظر إلى الشخص في أرضه مستوية فلا يدري أرجل هو أم امرأة أو ذاهب أو آت، قال النواوي: الميل ستة

1475 - (658) 681) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْب ـــــــــــــــــــــــــــــ الآف ذراع بذراع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذراع العمري المعمول عليه في صنعاء وبلادها قاله الصنعاني، والذراع أربعة وعشرون أصبعًا معترضةً معتدلةً، والأصبع ست شعيرات معترضة معتدلة، قال الحافظ: وهذ الذي قال هو الأشهر، وقيل هو أربعة آلاف ذراع، وقيل ثلاثة آلاف ذراع، ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل، قال: ثم إن الذراع الذي ذكر النواوي تحريره قد حرره غيره بذراع الحديد المشهور في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن فعلى هذا فالميل بذراع الحديد في القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعًا، وقدر الميل بمساحة أعصارنا (كيلو متر ونصف) كذا قالوا، والفراسخ جمع فرسخ، والفرسخ في الأصل السكون ذكره ابن سيده، وقيل السعة، وقيل الشيء الطويل، وذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال. قوله (إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) قال النواوي: هذا ليس على سبيل الاشتراط، وإنما وقع بحسب الحاجة لأن الظاهر من أسفاره صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يسافر سفرًا طويلًا فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها، وإنما كان يسافر بعيدًا من وقت المقصورة فتدركها على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصليها حينئذ والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فإنه يسمى حينذ مسافرًا والله أعلم اهـ. قال القرطبي: ربما تمسك بهذا الحديث بعض الظاهرية وبحديث ذي الحليفة على أن من نوى سفرًا قصيرًا ولم يبلغ يومًا تامًّا أنه قصر ولا حجة له فيه لأنه مشكوك فيه فلا يوثق لا بالثلاثة أميال ولا بالثلاثة فراسخ إذ كل واحد منهما مشكوك فيه، وعلى تقدير أحدهما فلعله حدد المسافة التي بدأ منها القصر وسفره بعد ذلك كان أزيد بالمقدار الذي حكيناه عن الجمهور اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف سابعًا بحديث عمر بن الخطاب لحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1475 - (658) (68) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي

وَمُحَمدُ بْنُ بَشارٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِي. قَال زُهَير: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمنِ بْنُ مَهْدِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيرٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيدٍ، عَن جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ؛ قَال: خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إِلَى قَرْيَةٍ، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلا. فَصَلَّى رَكْعَتَينِ. فَقُلْتُ لَهُ. فَقَال: رَأَيتُ عُمَرَ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (جميعًا عن) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة، من (9) (قال زهير: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقة إمام الأئمة، من (7) (عن يزيد بن خمير) بمعجمة مصغرًا بن يزيد الرحبي أبي عمرو الحمصي، روى عن حبيب بن عبيد في الصلاة وعبد الرحمن بن جبير في النكاح، وعبد الله بن بسر في الأطعمة، وسليم بن عامر وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وشعبة وصفوان بن عمرو وغيرهم، وثقه شعبة وابن معين، وقال في التقريب: صدوق، من الخامسة (عن حبيب بن عبيد) مصغرًا الرحبي بمهملتين مفتوحتين نسبة إلى رحبة بن زراعة أبي حفص الحمصي، روى عن جبير بن نفير في الصلاة والجنائز، والعرباض بن سارية وعوف بن مالك، ويروي عنه (م عم) ويزيد بن خمير ومعاوية بن صالح، وثقه النسائي وابن حبان وقال: قال حبيب بن عبيد: أدركت سبعين صحابيًا، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن جبير بن نفير) بالتصغير فيهما ابن مالك بن عامر الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي، ثقة، مخضرم، من (2) (قال) جبير بن نفير (خرجت مع شرحبيل) بضم أوله وفتح ثانيه وسكون المهملة (بن السمط) بكسر المهملة وسكون الميم، وقيل بفتح السين وكسر الميم، الكندي أبي السمط الشامي مختلف في صحبته، وقال ابن سعد والبخاري: له وفادة، كان على حمص، روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصلاة، وسلمان الفارسي في الجهاد، ويروي عنه (م عم) وجبير بن نفير ومكحول وسالم بن أبي الجعد وغيرهم، وثقه النسائي، وقال في التقريب: جزم ابن سعد بأن له وفادة وصحبة، مات سنة (40) أربعين أو بعدها، أي خرجت معه من حمص (إلى قرية) يقال لها دومين (على رأس) أي على تمام (سبعة عشر) ميلًا (أو) قال جبير بن نفير: على تمام (ثمانية عشر ميلًا فصلى) شرحبيل الصلاة الرباعية (ركعتين) ركعتين، قال جبير بن نفير (فقلت له) أي لشرحبيل: لم قصرت الصلاة؟ (فقال) شرجيل (رأيت عمر) بن الخطاب (صلى) الصلاة الرباعية

بِذِي الْحُلَيفَةِ رَكْعَتَينِ. فَقُلتُ لَهُ. فَقَال: إِنمَا أَفْعَلُ كَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَفْعَلُ. 1476 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: عَنِ ابْنِ السمْطِ. وَلَمْ يُسَم شُرَحْبِيلَ. وَقَال: إِنَهُ أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا دُوْمِينُ مِنْ حِمْصَ. عَلَى رَأسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بذي الحليفة ركعتين) قال شرحبيل (فقلت له) أي لعمر بن الخطاب لم قصرت الصلاة (فقال) لي عمر (إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) فلست مبتدعًا بل متبعًا له صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم شاميون وثلاثة بصريون أو بصريان ونسائي وواحد مدني، قال النواوي: وهذا السند فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض يزيد بن خمير فمن بعده، وهذا الحديث مما قد يتوهم أنه دليل لأهل الظاهر ولا دلالة فيه بحال لأن الذي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه إنما هو القصر بذي الحليفة وليس فيه أنها غاية السفر، وأما قوله قصر شرحبيل على رأس سبعة عشر ميلًا أو ثمانية عشر ميلًا فلا حجة فيه لأنه تابعي فعل شيئًا يخالف الجمهور أو يتاول على أنها كانت في أثناء سفره لا أنها غايته وهذا التأويل ظاهر وبه يصح احتجاجه بفعل عمر ونقله ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 1476 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث عمر بن الخطاب (محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا محمد بن جعفر لأنه العامل في المتابع يعني يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد الخ، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لعبد الرحمن بن مهدي في رواية هذا الحديث عن شعبة مع بيان محل المخالفة (وقال) محمد بن جعفر في روايته (عن ابن السمط ولم يسم) أي لم يذكر محمد بن جعفر اسم (شرحبيل) بل كنَى عنه بالابن (وقال) محمد بن جعفر لفظة (إنه) أي أن شرحبيل بن السمط (أتى أرضا) أي قرية (يقال لها دومين) بفتح الدال وضمها وجهان مشهوران مع سكون الواو وكسر الميم فيهما تلك القرية مسافتها (من حمص على رأس)

ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا. 1477 - (659) (69) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِي. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسَحْاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: خَرَجْنَا مَع رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكةَ. فَصَلى رَكْعَتَينِ رَكعَتَينِ. حَتى رَجَعَ. قُلْتُ: كم أَقَامَ بِمَكةَ؟ قَال: عَشْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي على تمام (ثمانية عشر ميلا) وحمص اسم لا ينصرف، وإن كانت اسمًا ثلاثيًّا ساكن الوسط لأنها عجمية اجتمع فيها العجمة والعلمية والتأنيث كماه وجور ونظائرهما. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث عائشة بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 1477 - (659) (69) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا هشيم) مصغرًا ابن بشير بوزن عظيم، السلمي أبو معاوية الواسطي، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري، روى عن أنس بن مالك في الصلاة والحج، وأبي سعيد مولى المهري في الحج، وعبد الرحمن بن أبي بكرة في البيوع، وسالم بن عبد الله في اللباس، وسعيد بن أبي الحسن في اللباس، ويروي عنه (ع) وهشيم وأبو عوانة وابن علية وشعبة والثوري وبشر بن المفضل وخلائق، وثقه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أحمد: في حديثه نكارة، وقال في التقريب: صدوق، ربما أخطا، من الخامسة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أنس (خرجنا) في حجة الوداع (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الرباعية (ركعتين ركعتين) قصرًا (حتى رجع) إلى المدينة، قال يحيى بن أبي إسحاق (قلت) لأنس (كم) أيامًا (أقام) النبي صلى الله عليه وسلم (بمكة قال) أنس أقام (عشرا) من الليالي، ثم خرج منها راجعًا إلى المدينة، وهذا الحديث معناه أنه أقام في مكة وما حواليها لا في نفس مكة فقط، والمراد في سفره صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقدم مكة في اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع، وخرج منها في الثامن إلى منى وذهب إلى عرفات في التاسع وعاد إلى منى في العاشر، فأقام بها

1478 - (00) (00) وَحَدثَنَا قُتَيبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدثَنَاهُ أَبُو كريب ـــــــــــــــــــــــــــــ الحادي عشر والثاني عشر ونفر في الثالث عشر إلى مكة وخرج منها على المدينة في الرابع عشر، فمدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة وحواليها عشرة أيام وكان يقصر الصلاة فيها كلها، ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج يقصر، وأن الثلاثة ليست إقامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام هو والمهاجرون ثلاثًا بمكة فدل على أن الثلاثة ليست إقامة شرعية، وأن يومي الدخول والخروج لا يحسبان منها، وبهذه الجملة قال الشافعي وجمهور العلماء وفيها خلاف منتشر للسلف اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 187 و 282] والبخاري [1081] وأبو داود [1233] والترمذي [548] والنسائي [3/ 121] وابن ماجه [1077]. قال القرطبي: تمسك بهذا الحديث بعض من قال إن المسافر إذا نوى إقامة عشرة أيام قصر فإن نوى زيادة عليها أتم وهو مروي عن علي وابن عباس في أحد قوليه، وقد كثر اختلاف الناس في هذه المسألة فقيل عن ربيعة إذا نوى إقامة يوم وليلة أتم، وروي عن سعيد بن المسيب: إذا نوى إقامة ثلاثة أيام أتم، وروي عن جمهور أئمة الفتوى إذا نوى إقامة أربعة أيام بلياليها أتم، وروي عن أحمد وداود إذا نوى زيادة على أربعةٍ ويقصر في الأربعة، وروي زيادة على عشرة عن من ذكرنا، وروي اثنا عشر عن ابن عمر في أحد قوليه، وعن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب، وروي عن الأوزاعي ثلاثة عشر وهو قول الكوفيين، وروي عن الليث أنه إذا زاد على خمسة عشر يومًا أتم، وروي عن ابن عباس يتم فيما زاد على سبعة عشر، وروي تسعة عشر، وروي عن أحمد يقصر إذا نوى إقامة أحد وعشرين، ويتم فيما زاد اعتمادًا على إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فإنه خرج صبيحة الثامن من يوم التروية، وقال داود: في عشرين صلاة، ويتم إذا زاد، ونحو هذا لابن الماجشون اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 1478 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (ح وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي

حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيةَ. جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيمٍ. 1479 - (00) (00) وَحَدثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: حَدثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ أنس بْنَ مَالِك يَقُولُ: خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحَج. ثُم ذَكَرَ مِثْلَهُ. 1480 - (00) (00) وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ. جَمِيعا عَنِ الثوْرِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَج ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا) إسماعيل (بن علية) ابن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (جيمعا) أي كل من أبي عوانة وابن علية رويا (عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث هشيم) بن بشير، غرضه بيان متابعتهما لهشيم في الرواية عن يحيى بن أبي إسحاق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1479 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي البصري (حدثنا شعبة قال حدثني يحيى بن أبو إسحاق قال سمعت أنس بن مالك يقول خرجنا من المدينة إلى الحج ثم ذكر) شعبة (مثله) أي مثل حديث هشيم، غرضه بيان متابعة شعبة لهشيم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1480 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (جميعا) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة (عن) سفيان بن سعيد (الثوري) الكوفي (عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل حديث هشيم (و) لكن (لم يذكر) سفيان (الحج) أي لفظة الحج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث؛ الأول حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن عباس رضي الله عنهما ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخاص حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أنس الأول رضي الله عنه ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث أنس الثاني رضي الله عنه ذكره للاستشهاد، والثامن حديث عمر الثاني رضي الله عنه ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، التاسع حديث أنس الثالث رضي الله عنه ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. ***

310 - (24) باب قصر الصلاة بمنى

310 - (24) باب: قصر الصلاة بمنى 1481 - (660) (70) وَحَدثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، وَهْوَ ابْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ صلى صَلاةَ الْمُسَافِرِ، بِمِنى وَغَيرِهِ، رَكْعَتَينِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ رَكْعَتَينِ، صَدْرًا مِنْ خِلافتِهِ، ثُم أَتَمهَا أَرْبَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 310 - (24) باب قصر الصلاة بمنى بكسر الميم وبالقصر يذكر ويؤنث فإن قصد الموضع فمذكر ويكتب بالألف وينصرف، وأن قصد البقعة فمؤنث ولا ينصرف ويكتب بالياء، والمختار تذكيره، وسمي منى لما يمنى فيه أي يراق من الدماء، والمراد الصلاة بها في أيام الرمي. 1481 - (660) (70) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم مولى قيس بن سعد بن عبادة أبو أمية المصري، ثقة فقيه، من (7) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري أبي بكر المدني، ثقة متفق على جلالته، من (4) (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب العدوي أبي عمر المدني، ثقة ثبت فاضل عابد، من (3) كان يشبه أباه في الهدى والسمت (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المكي، أحد المكثرين رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والعنعنة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة المسافر) يعني المقصورة (بمنى وغيره) من المشاعر كعرفة ومزدلفة، وذكر الضمير نظرًا إلى كون منى بمعنى الموضع كما مر آنفًا (ركعتين و) صلى (أبو بكر) ركعتين (و) صلى (عمر) ركعتين (و) صلى (عثمان ركعتين صدرًا من خلافته) أي في أول خلافته نحو سبع سنين، قال عمران بن حصين: "حججت مع عثمان سبعًا من إمارته لا يصلي إلا ركعتين ثم صلى بمنى أربعًا" رواه ابن أبي شيبة [2/ 450] (ثم) بعد ما صلاها ركعتين في أول خلافته (أتمها) أي أتم الصلاة الرباعية في منى وغيره (أربعا) من الركعات متأولًا بأن الإتمام أفضل من القصر، لأنه الأصل مع كونهما جائزين كما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها. وشارك المؤلف في رواية

1482 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعي. ح وَحَدثَنَاهُ إِسْحَاقُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أخْبَرَنَا مَعْمَر. جَمِيعا عَنِ الزهْرِي، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: بِمِنًى. وَلَمْ يَقُلْ: وَغَيرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث البخاري [1082] والنسائي [3/ 121]. قال القرطبي: لا خلاف أن هذا حكم الحجاج من غير أهل مكة وعرفة بمنى يقصرون الصلاة، وعند مالك أن حكم الحاج من أهل مكة أنهم يقصرون بمنى وعرفات وكذلك أهل عرفة بمنى ومكة يقصرون، وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي وجماعة فقالوا: إنهم يتمون إذ ليس في المسافة مسافة قصر، وحجة مالك التمسك بظاهر حديث ابن عمر المذكور واتباع العمل العام في ذلك، ولأن الحاج في مشاعره ومناسكه مقدار المسافة التي تقصر فيها الصلاة والله تعالى أعلم، فأما أهل تلك المواضع فلا خلاف، أحسبه في أن كل واحد منهم يتم في موضعه وإن شرع في عمل الحج لأنهم في أهلهم وقد ذكرنا ما تؤول به إتمام عثمان رضي الله عنه اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1482 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن محمر (زهير بن حرب) النسائي (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الشامي (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي (ح وحدثناه إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) ابن راشد الأزدي البصري (جميعا) أي كل من الأوزاعي ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن أبيه، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة الأوزاعي ومعمر لعمرو بن الحارث في رواية هذا الحديث عن الزهري وحينئذ فقوله (قال بمنى) تحريف من النساخ وكذا قوله (ولم يقل وغيره) والصواب (قالا بمنى) بألف التثنية وكذا قوله (ولم يقولا وغيره) بألف التثنية، أي قال كل من الأوزاعي ومعمر لفظة (بمنى) ولم يقولا لفظة (وغيره) كما قال عمرو بن الحارث في روايته السابقة، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

1483 - (00) (00) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ؛ قَال: صلى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِنى رَكعَتَينِ. وَأَبُو بَكرِ بَعدَهُ. وَعُمَرُ بَعدَ أَبِي بَكْر. وَعُثْمَانُ صَدرًا مِنْ خِلافتِهِ. ثُم إِن عُثمَانَ صَلَّى، بَعْدُ، أَرْبَعًا. فَكَانَ ابنُ عُمَرَ إِذَا صَلي مَعَ الإِمَام صَلي أربعًا. وَإِذَا صلاهَا وَحْدَهُ صَلى رَكعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1483 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني (عن نافع) مولى ابن عمر أبي عبد الله المدني (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي، غرضه بسوقه بحان متابعة نافع لسالم في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، وفائدتها تأكيد السند الأول، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (قال) ابن عمر (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين و) صلى (أبو بكر بعده) صلى الله عليه وسلم ركعتين (و) صلى (عمر بعد أبي بكر) ركعتين (و) صلى (عثمان) ركعتين صدرًا من خلافته) نحو سبع سنين كما مر عن عمران بن حصين (ثم) بعد ما صلى ركعتين (إن عثمان صلى بعد) أي بعد صدر خلافته (أربعًا) من الرباعيات، وقد عرفت تأويله فيما سبق قال نافع بالسند السابق (فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام) يعني عثمان بن عفان (صلى أربعًا) لما أتم (وإذا صلاها وحده) أي منفردًا عن عثمان وإن صلاها جماعة (صلى ركعتين) اتباعًا للسنة العامة، فإن ابن عمر وابن مسعود كانا يصليان معه ويتمان مع اعتقادهما أن القصر أولى وأفضل لكنهما اتبعاه لأن الإتمام جائز ومخالفة الإمام فيما رآه مما يسوغ ممنوعة، ويحتمل أن يريد بالإمام هنا أي إمام اتفق من أئمة المسلمين ويعني به أن ابن عمر كان إذا صلى خلف مقيم أتم تغليبًا لفضيلة الجماعة وبحكم الموافقة فيما يجوز أصله، وقد اختلف في مسافر صلى خلف مقيم هل يتم أو يقصر اهـ من المقهم. وهذا الخلاف يتنَزل صلى الخلاف المتقدم في حكم القصر فقياس من قال: إن القصر فرض أن لا تجزئه صلاته. ثم ذكر المؤلف رحمه، الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

1484 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحَدثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدثَنَاهُ ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. كُلهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 1485 - (00) (00) وَحَدثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيب بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1484 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي (وهو القطان) أبو سعيد البصري، ثقة إمام، من (9) (ح وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا عقبة بن خالد) بن عقبة بن خالد السكوني نسبة إلى سكون بوزن صبور حي من العرب، المجدر بوزن محمد، يقال لمن به أثر الجدري، أبو مسعود الكوفي، روى عن عبيد الله بن عمر في الصلاة والصوم والجهاد واللباس، وهشام بن عروة في النكاح، ويروي عنه (ع) ومحمد بن عبد الله بن نمير وسهل بن عثمان وابن أبي شيبة وأحمد وإسحاق وغيرهم، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: صدوق، صاحب حديث، من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة (كلهم) أي كل من يحيى القطان وابن أبي زائدة وعقبة بن خالد رووا (عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (نحوه) أي نحو ما روى أبو أسامة عن عبيد الله، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي أسامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1485 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن خبيب) بضم الخاء المعجمة مصغرًا (بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف -بفتح أوله وثانيه مخففا- الأنصاري أبي الحارث المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب

سَمِعَ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: صلى النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِنًى صَلاةَ الْمُسَافِرِ. وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَعُثْمَانُ ثَمَانِيَ سِنِينَ. أَو قَال ست سنينَ. قَال حَفْصٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِمِنَى رَكْعَتَينِ. ثُم يَأتِي فِرَاشَهُ. فَقُلْتُ: أَي عَم، لَو صَليتَ بَعْدَهَا رَكْعَتَينِ. قَال: لَوْ فَعَلْتُ لأَتْمَمْتُ الصلاةَ. 1486 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصمَدِ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمع) خبيب (حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن) عمه عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي، غرضه بيان متابعة حفص بن عاصم لسالم ونافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (قال) ابن عمر (صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة المسافر وأبو بكر وعمر وعثمان) صدرا من خلافته نحو (ثماني سنين أو قال) ابن عمر نحو (ست سنين) والشك من حفص بن عاصم، وقد تقدم أن الصحيح في مدة قصره سبع سنوات (قال حفص) بن عاصم (وكان ابن عمر يصلي بمنى ركعتين) مع الجماعة (ثم يأتي فراشه) ويضطجع عليه (فقلت) له أي لابن عمر (أي عم) أي يا عم أي حرف نداء لنداء القريب (لو صليت بعدها) أي بعد الفريضة المقصورة (ركعتين) من راتبتها لكان خيرًا لك فـ (قال) لي يا ابن أخي (لو فعلت) أي لو أردت فعل الزيادة على ركعتي الفريضة (لأتممت الصلاة) المقصورة بدل الراتبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1486 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن عمر (يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (قال: حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري أبو سهل البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (قالا) أي قال كل من خالد وعبد الصمد (حدثنا شعبة)

بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَقُولا فِي الْحَدِيثِ: بِمِنًى. وَلَكنْ قَالا: صَلَّى فِي السفَرِ. 1487 - (661) (71) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرحْمنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: صَلى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود. فَاسْتَرْجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الحجاج العتكي البصري (بهدا الإسناد) يعني عن خبيب عن حفص عن ابن عمر، غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (و) لكن (لم يقولا) أي يقل خالد وعبد الصمد (في الحديث) لفظة (بمنى ولكن قالا صلى) النبي صلى الله عليه وسلم (في السفر) صلاة المسافر، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 1487 - (661) (71) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد الواحد) ابن زياد العبدي، مولاهم أبو بشر البصري، وثقه ابن سعد وقال: كان كثير الحديث وأبو زرعة وأبو حاتم، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مقال، من (8) مات سنة (167) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) (حدثنا إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (قال) إبراهيم (سمعت عبد الله الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أبا بكر الكوفي، قال العجلي: كوفي تابعي، وقال في التقريب: ثقة، من كبار (3) مات سنة (83) في الجماجم، روى عنه في (9) حالة كون عبد الرحمن (يقول صلى بنا عثمان) بن عفان رضي الله عنه في حال إقامته (بمنى) أيام الرمي الصلاة الرباعية (أربع ركعات فقيل ذلك) أي فذكر ذلك الذي فعله عثمان (لعبد الله بن مسعود) رضي الله عنه الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد بصري وواحد بلخي، ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه التحديث والسماع والقول والعنعنةإ فاسترجع) ابن مسهحود أي قال {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ} لما رأى من تفويت عثمان لفضيلة القصر لا لكون الإتمام لا مجزئ ولوجود صورة خلافه لمن تقدمه، ولا يفهم منه أن ذلك الإتمام لا يجزئ لأنه قال: وليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان، فلو كانت تلك الصلاة لا تجزئ لما كان له فيها حظ لا من

ثُم قَال: صَليتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِنى رَكعَتَينِ. وَصَليتُ مَعَ أَبِي بَكْر الصديقِ بِمِنى رَكْعَتَينِ وَصَليتُ مَعَ عُمَرَ بنِ الْخَطابِ بِمِنى رَكْعَتَينِ. فَلَيتَ حَظي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ مُتَقَبلَتَانِ. 1488 - (00) (00) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدثنا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدثنا ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعتين ولا من غيرهما فإنها كانت فاسدة كلها والله تعالى أعلم، وقال الداودي: خشي أن لا تجزئه الأربع وليس صحيحًا لما ذكرناه أهـ من المفهم. (ثم قال) عبد الله (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي) -بالحاء المهملة والظاء المعجمة- أي فليت نصيبي (من أربع ركعات) أي بدل أربع ركعات (ركعتان متقبلتان) فمن بدلية كهي في قوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} وفيه تعريض بعثمان أي ليته صلى ركعتين بدل الأربع كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه وهو إظهار لكراهة مخالفتهم، لا يقال إن ابن مسعود كان يرى القصر واجبًا كما قال الحنفية وإلا لما استرجع ولا أنكر بقوله صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآخرة لأنا نقول قوله ليت حظي من أربع ركعات يرد ذلك لأن ما لا يجزئ لاحظ له فيه لأنه فاسد، ولولا جواز الإتمام لم يتابع هو ولا الملأ من الصحابة عثمان عليه، ويؤيده ما رواه أبو داود أن ابن مسعود صلى أربعًا فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعًا؟ فقال: الخلاف شر، إذ لو كان بدعة لكان مخالفته خيرًا وصلاحًا اهـ إرشاد الساري. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 378 و 4116] والبخاري [084 1] وأبو داود [1060] والنسائي [3/ 120 - 121]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 1488 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي (ح وحدثنا

عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ وَابْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسى. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 1489 - (662) (72) وحدثنا يَحْيي بْنُ يَحْيى وَقُتَيبَةُ -قَال يَحْيى: أَخْبَرَنَا. وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا أبُو الأحْوَصِ- عَنْ أبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ؛ قَال: صَليتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِنًى، آمَنَ مَا كَانَ الناسُ وَأَكثَرَهُ، رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان بن أبي شيبة) الكوفي (قال حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط بن هلال بن قيس الضبي أبو عبد الله الكوفي (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (و) علي (بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) (قالا أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة، من (8) (كلهم) أي كل من أبي معاوية وجرير وعيسى بن يونس رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبد الرحمن عن ابن مسعود (نحوه) أي نحو ما روى عبد الواحد عن الأعمش، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الواحد بن زياد في رواية هذا الحديث عن الأعمش. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث حارثة بن وهب رضي الله تعالى عنهما فقال: 1489 - (662) (72) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (قال يحيى: أخبرنا، وقال قتيبة: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من الثالثة (عن حارثة بن وهب) الخزاعي الكوفي أخي عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه أبو إسحاق السبيعي في الصلاة، ومعبد بن خالد في الزكاة وصفة النار، له ستة أحاديث اتفقا على أربعة وليس في مسلم من اسمه حارثة إلا هذا الصحابي الجليل. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد إما نيسابوري أو بلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) حارثة بن وهب (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى) أي في منى، والباء ظرفية متعلقة بصليت (آمن) بمد الهمزة وفتحات أفعل تفضيل من الأمن ضد الخوف (ما كان) وفي رواية للبخاري (ما كانت) بزيادة تاء التأنيث (الناس وأكثره) أي أكثر ما كان الناس أي صليت الرباعية معه صلى الله عليه وسلم في منى (ركعتين) آمن ما

1490 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. حَدثَنِي حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الخُزَاعِي؛ قَال: صَليتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِنًى، وَالناسُ أَكْثَرُ مَا كَانُوا، فَصَلى رَكْعَتَينِ فِي حَجةِ الْوَدَاعِ. قَال مُسْلِمٌ: حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ الْخُزَاعي، هُوَ أَخُو عُبَيدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان الناس، وكلمة ما مصدرية ومعناه الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل التفضيل يكون جمعًا والمعنى صليت معه صلى الله عليه وسلم في منى والحال أن الناس أكثر أكوانهم في سائر الأوقات أمنًا وعددًا من غير خوف وقلة عدد، وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز، وفيه دليل على جواز القصر في السفر من غير خوف وإن دل ظاهر قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} على الاختصاص لأن ما في الحديث رخصة، وما في الآية عزيمة يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "صدقة تصدق الله بها عليكم" كما مر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الصلاة وفي الحج، وأبو داود في الحج، وكذا الترمذي والنسائي اهـ إرشاد الساري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه فقال. 1490 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله الكوفي (حدثني حارثة بن وهب الخزاعي) الكوفي. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة زهير بن معاوية لأبي الأحوص (قال) حارثة (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى) أي في منى أيام الرمي (والناس) أي والحال أن الناس الذين كانوا معه (أكثر ما كانوا) أي أكثر أوقات أكوانهم عددًا (فصلى) الصلاة الرباعية (ركعتين) ركعتين، وقوله (في حجة الوداع) متعلق بصليت. (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى على سبيل التجريد البديعي (حارثة بن وهب الخزاعي) مبتدأ خبره قوله (هو أخو عبيد الله) بالتصغير على الصواب، ووقع في بعض

ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ، لأُمه ـــــــــــــــــــــــــــــ النسخ عبد الله بالتكبير وهو خطأ (ابن عمر بن الخطاب لأمه) أي لأم عبيد الله، الجار والمجرور حال من الأخ أي حالة كونه موسومًا بالأخوة المنسوبة لأمه، وأمه مليكة بنت جرول الخزاعي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأولدها أبنه عبيد الله مصغرًا، وأما عبد الله مكبرًا ابن عمر وأخته حفصة فأمهما زينب بنت مظعون رضي الله عنهم أجمعين. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث حارثة بن وهب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

311 - (24) باب جواز التخلف عن الجمعة والجماعة لعذر المطر وغيره

311 - (24) باب: جواز التخلف عن الجمعة والجماعة لعذر المطر وغيره 1491 - (663) (73) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكِ عَنْ نَافِعٍ؛ أن ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصلاةِ فِي لَيلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ. فَقَال: أَلا صَلوا فِي الرِّحَالِ. ثُم قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَأمُرُ الْمُؤَذنَ، إِذَا كَانَت لَيلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مطَرٍ، يَقُولُ: أَلا صَلوا فِي الرحَالِ. 1492 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 311 - (24) باب جواز التخلف عن الجمعة والجماعة لعذر المطر وغيره 1491 - (663) (73) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع) العدوي مولاهم المدني (أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري (أذن بالصلاة) أي نادى للصلاة بالفاظ الأذان (في ليلة ذات برد) -بفتح الباء وسكون الراء- ضد الحر، وبفتحتين حبوب المطر أي صاحبة برودة (وريح) شديدتين (فقال) ابن عمر بعدما فرغ من الأذان (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم وهو قولي (صلوا) أي أدوا صلاتكم (في الرحال) أي في الدور والمنازل والمساكن، جمع رحل، يقال لمنْزل الإنسان ومسكنه رحله، وانتهينا إلى رحالنا أي إلى منازلنا اهـ نهاية، أي أدوا صلاتكم في منازلكم (ثم) بعد قوله ألا صلوا (قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن) أي مؤذنه يعني بلالا (إذا كانت) وحصلت (ليلة باردة ذات مطر) أن (يقول ألا) أيها الناس (صلوا في الرحال) أي في رحالكم ومنازلكم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 10 و 53] والبخاري [632] وأبو داود [1060 - 1064] والنسائي [2/ 15] وابن ماجه [937]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1492 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي

حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. حَدثَنِي نَافِع عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنهُ نَادَى بِالصلاةِ فِي لَيلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ. فَقَال فِي آخِرِ نِدَائِهِ: أَلا صَلوا فِي رِحَالِكُمْ. أَلا صَلوا فِي الرحَالِ. ثُم قَال: إِن رَسُول اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَأمُرُ الْمُؤَذنَ، إِذَا كَانَت لَيلَة بَارِدَة أَوْ ذَاتُ مَطَر، فِي السفَرِ، أَنْ يَقُولَ: ألا صَلوا فِي رِحَالِكُمْ. 1493 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العدوي المدني (حدثني نافع) العدوي أبو عبد الله المدني (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (أنه) أي أن ابن عمر (نادى بالصلاة في ليلة ذات برد) شديد (وريح) عاصفة (ومطر) كثير (فقال) ابن عمر (في آخر ندائه) أي بعد فراغه من أذانه، وهذا نص في أنه فعله بعد تمام الأذان خلاف ما يأتي لابن عباس، وفيه التخلف عن الجماعة لعذر اهـ إكمال المعلم (ألا) أيها الناس (صلوا في رحالكم) أي في منازلكم (ألا صلوا في الرحال) أي في المساكن والدور، وأل فيه عوض عن المضاف إليه فهو توكيد لفظي لما قبله (ثم) بعد فراغه من ذلك (قال) حين عرف إنكار الناس عليه (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت) أي وجدت (ليلة باردة) أي ذات برد (أو ذات مطر في السفر أن يقول ألا صلوا في رحالكم) فلي أسوة حسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أهل اللغة: الرحال المنازل سواء كانت من حجر أو مدر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبر أو غيرها، واحدها رحل كما مر آنفًا، قال الكرماني: هل يكفي المطر فقط أو الريح أو البرد في رخصة ترك الجماعة أم يحتاج إلى ضم أحد الأمرين إلى المطر؟ فأجاب بأن كل واحد منها عذر مستقل في ترك الحضور إلى الجماعة فإن كلمة أو فيها للتنويع لا للشك نظرًا إلى العلة وهو المشقة اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1493 - (00) (00) وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن عمر (أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي

حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنهُ نَادَى بِالصلاةِ بِضَجْنَانَ ثُم ذَكَرَ بِمِثْلِهِ، وَقَال: أَلا صلوا فِي رِحَالِكُمْ. وَلَم يُعِدْ، ثَانِيَةً: أَلا صلوا فِي الرحَالِ، مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. 1494 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أبُو خَيثَمَةَ عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدثَنَا أَحَمْدُ بْنُ يُونُسَ. قَال: حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزبَيرِ عَنْ جَابِر؛ قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي سَفَرٍ، فَمُطِرْنَا. فَقَال: "لِيُصَلِّ مَن شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نانع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند أيضًا من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة لعبد الله بن نمير (أنه) أي أن ابن عمر (نادى) وأذن (بالصلاة بضجنان) -بضاد معجمة مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم نون- جبل على بريد من مكة (ثم ذكر) أبو أسامة (بمثله) أي بمثل حديث عبد الله بن نمير (وقال) أبو أسامة (ألا صلوا في رحالكم) مرة واحدة (ولم يعد) أبو أسامة -بضم الياء وكسر العين من أعاد الرباعي- أي لم يذكر مرة (ثانية) لفظة (ألا صلوا في الرحال) حالة كونها (من قول ابن عمر) كما ذكرها عبد الله بن نمير في روايته آنفًا وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 1494 - (664) (74) (حدثنا يحيى بن بحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن أبي الزبير) الأسدي محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري ثم السلمي بفتحتين، رضي الله عنهما (ح وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) نسب إلى جده لشهرته به ابن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) وأتى بحاء التحويل لاختلاف كيفية سماع شيخيه عن شيخهما (قال حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) من أسفاره (فمطرنا) بالبناء للمفعول أي أصبنا بالمطر (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليصل من شاء منكم) التخلف عن الجماعة (في رحله) أي في

1495 - (665) (75) وَحَدثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْر السعْدِي حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزيَادِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَباس؛ أَنهُ قَال، لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْم مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلا اللهُ أَشْهَدُ أن مُحَمدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصلاةِ. قُلْ: صَلوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَال: فَكَان الناسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقَال: أتعجَبُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منزله، ومن شاء حضور الجماعة فليأت إلينا ففي هذا دليل على أن الصلاة لعذر المطر ونحوه رخصة ليست بعزيمة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1065] والترمذي [409]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1495 - (665) (75) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة، من صغار (9) (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (عن عبد الحميد) بن دينار (صاحب الزيادي) البصري، قال عمرو بن علي هو عبد الحميد بن واصل، روى عن عبد الله بن الحارث في الصلاة، وأنس بن مالك في ذكر أبي جهل وأبي رجاء، ويروي عنه (خ م دس) وإسماعيل بن علية وحماد بن زيد وشعبة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن عبد الله بن الحارث) الأنصاري نسيب ابن سيرين أبي الوليد البصري التابعي، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مروزي (أنه) أي أن ابن عباس (قال لمؤذنه في يوم مطير) أي صاحب المطر (إذا قلت) في الأذان (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة) بل (قل) قبل قوله (صلوا في بيوتكم) ومساكنكم. فإن (قلت) بين حديث ابن عباس وحديث ابن عمر معارضة لأن حديث ابن عباس يدل على أنه يقوله في وسط الأذان، وحديث ابن عمر يدل على أنه يقوله بعد الفراغ من الأذان (قلت) لا معارضة بينهما لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت آخر وكلاهما صحيح (قال) عبد الله بن الحارث (فكان الناس) الحاضرين عنده (استنكروا ذاك) أي أنكروا قول ألا صلوا في وسط الأذان (فقال) ابن عباس (أتعجبون)

مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيرٌ مِني. إِن الْجُمُعَةَ عَزْمَة. وَإِني كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُوا فِي الطينِ وَالدحْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أيها الناس (من ذا) القول في الأذان وتستغربونه وتنكرونه، لا تعجبوا منه بل (قد فعل) هـ (ذا) القول أي أمر بقوله (من هو خير) وأفضل (مني) ممن لا تسعكم مخالفته يعني النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أمرت بذلك القول لـ (إن الجمعة عزمة) -بفتح العين وسكون الزاي- أي واجبة متحتمة، فلو قال المؤذن حي على الصلاة لكلفتم المجيء إليها ولحقتكم المشقة (وإني كرهت أن أحرجكم) -بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وكسر الراء- من الإحراج من الحرج وهو المشقة، أي أن أحملكم مشقة الخروج إلى الجمعة، وفي بعض النسخ أن أخرجكم بسكون الخاء المعجمة (فتمشوا في الطين والدحض) -بفتح الدال وسكون الحاء المهملة والضاد المعجمة آخره- وهو الزلق، وفي الرواية الآتية (الدحض والزلل) هكذا باللامين، والدحض والزلل والزلق والردغ -بفتح الراء وإسكان الدال المهملة وبالغين المعجمة- كله بمعنى واحد، ورواه بعض رواة مسلم رزغ بالزاي بدل الدال المهملة بفتحها وإسكانها وهو الصحيح؛ وهو بمعنى الردغ، وقيل هو المطر الذي يبل وجه الأرض اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 277] والبخاري [901] وأبو داود [1066] وابن ماجه [939]. قال القرطبي: وظاهر هذين الحديثين جواز التخلف عن الجماعة والجمعة للمشقة اللاحقة من المطر والريح والبرد وما في معنى ذلك من المشاق المحرجة في الحضر والسفر وهذا في غير الجمعة قريب إذ ليس غيرها بواجب على أصولنا، وأما في الجمعة ففيه إشكال وقد اختلف الناس في جواز التخلف عنها لعذر المطر والوحل، فذهب أحمد بن حنبل إلى جواز التخلف عنها للمطر الوابل وبمثله قال مالك في المطر الشديد والوحل في أحد القولين عنه، وروي عنه أنه لا يجوز، وحديث ابن عباس حجة واضحة على الجواز. [فرع]: وعلى القول بالجواز عن مالك تترك لعذر تمريض المشرف على الهلاك القريب والزوجة والمملوك، وقال أبو القاسم: ولجنازة أخ من إخوانه ينظر في أمره، وقال ابن حبيب: ولغسل ميت عنده اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

1496 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي. حَدَّثَنَا حَمادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحارِثِ قَال: خَطَبَنَا ابنُ عَباسٍ، فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُلَيةَ. وَلَم يَذكُرِ الْجُمُعَةَ. وَقَال: قَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَير مِني. يَعْنِي النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَقَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا حَماد عَن عَاصِم، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، بِنَحْوهِ. 1497 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ أَبُو الربِيعِ الْعَتَكِي، هُوَ الزهْرَانِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ 1496 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث ابن عباس (أبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة (الجحدري) نسبة إلى جحدر أحد أجداده البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن عبد الحميد) بن دينار صاحب الزيادي البصري (قال سمعت عبد الله بن الحارث) البصري (قال خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ) أي صاحب طين ووحل كثير والردغ -بفتح الراء وسكون الدال وفتحها- الطين، والوحل الكثير يجمع على ردغ بفتحتين ورداغ بكسر الراء. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن عباس، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لإسماعيل بن علية (وساق) حماد بن زيد (الحديث بمعنى حديث ابن علية ولم يذكر) حماد بن زيد (الجمعة وقال) حماد في روايته بدل قول إسماعيل قد فعل ذا (قد فعله من هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو كامل) أيضًا (حدثنا حماد) هذا الحديث (عن عاصم) بن سليمان الأحول (عن عبد الله بن الحارث بنحوه) أي بنحو ما حدث عبد الحميد صاحب الزيادي، غرضه بيان متابعة عاصم لعبد الحميد صاحب الزيادي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1497 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الربيع) سليمان بن داود (العتكي هو الزهراني) قال النواوي: جمع هنا بين العتكي والزهراني وتارةً يقول العتكي فقط، وتارةً يقول الزهراني فقط، ولا يجتمع العتك وزهران إلا في جدهما لأنهما ابنا عم وليس أحدهما من بطن الآخر، لأن زهران هو ابن حجر بن عمران بن عمرو، والعتك هو ابن أحد بني عمرو، وقد سبق التنبيه على هذا في أوائل الكتاب اهـ، قال الأبي: فلعله

حَدَّثَنَا حَمادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ، حَدَّثَنَا أَيوبُ وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. 1498 - (00) (00) وَحَدثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيلٍ. أخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزيَادِي. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ قَال: أَذنَ مُؤَذنُ ابْنِ عَباسٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيةَ. وَقَال: وَكَرِهْتُ أَنْ تَمْشُوا فِي الدحْضِ وَالزلَلِ. 1499 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صُلْبِيَّةٌ في النسبِ لأحدهما وكان حليفًا للآخر أو جارًا له اهـ (حدثنا حماد يعني ابن زيد حدثنا أيوب) السختياني (وعاصم) بن سليمان (الأحول بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله عن ابن عباس (ولم يذكر) أبو الربيع (في حديثه) أي في روايته لفظة (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الربيع لأبي كامل في رواية هذا الحديث عن حماد بن زيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1498 - (00) (00) وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المرزوي، ثقة، من (11) (أخبرنا) النضر (بن شميل) المازني أبو الحسن البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا شعبة) بن الحجاج البصري (حدثنا عبد الحميد) بن دينار (صاحب الزيادي) البصري (قال) عبد الحميد (سمعت عبد الله بن الحارث قال) عبد الله بن الحارث (أذن مؤذن ابن عباس يوم جمعة في يوم مطير فذكر) شعبة (نحو حديث) إسماعيل (بن علية) عن عبد الحميد صاحب الزيادي. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لإسماعيل بن علية (وقال) شعبة في روايته (وكرهت أن تمشوا في الدحض والزلل) بدل قول إسماعيل بن علية فتمشوا في الطين والدحض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1499 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) الكسي (حدثنا سعيد بن عامر)

عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأحوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَن ابْنَ عَباسٍ أَمَرَ مُؤَذنَهُ، فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي يَومٍ مَطِير، بِنَحْو حَدِيثِهمْ. وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيرٌ مِني. يَعْنِي النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. 1500 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضبعي -بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة- أبو محمد البصري، روى عن شعبة في الصلاة واللباس، وسعيد بن أبي عروبة في الأيمان، وجويرية بن أسماء في فضائل عمر، ويروي عنه (ع) وعبد بن حميد وعقبة بن مكرم وإسحاق الحنظلي (عن شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا عبد بن حميد) أيضًا (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري كلاهما) أي كل من شعبة ومعمر رويا (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) البصري (عن عبد الله بن الحارث) الأنصاري البصري (أن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما أربعة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد كسي، ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد صنعاني وواحد كسي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة شعبة ومعمر لإسماعيل بن علية وحماد بن زيد وشعبة بن الحجاج في السند السابق في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن الحارث ولكنها متابعة ناقصة لأن إسماعيل وحماد بن زيد وشعبة في السند السابق رووا عن عبد الله بن الحارث بواسطة عبد الحميد صاحب الزيادي، وأما شعبة هنا ومعمر بن راشد فرويا عن عبد الله بن الحارث بواسطة عاصم الأحول (أمر موذنه) لكن (في حديث معمر) وروايته (في يوم جمعة) بزيادة حرف الجر (في يوم مطير بنحو حديثهم) متعلق بما عمل في المتابع وهو معمر وشعبة، أي كل من شعبة ومعمر رويا عن عبد الله بن الحارث بواسطة عاصم بنحو حديث إسماعيل وحماد وشعبة في السند الأول (وذكر) عبد الرزاق (في حديث معمر) وروايته لفظة (فعله من هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1500 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) الكسي (حدثنا أحمد بن إسحاق)

الحَضْرَميُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا أيوبُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ -قَال وُهَيبٌ: لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ- قَال: أَمَرَ ابْنُ عَباسٍ مُؤَذنَهُ فِي يَوْمِ جُمُعَةِ، فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ، بِنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق (الحضرمي) -بفتح الحاء المهملة والراء، بينهما ضاد ساكنة- نسبة إلى حضرموت بلدة باقصى اليمن، أخو يعقوب بن إسحاق، وكان أكبر من أخيه، أبو إسحاق البصري، روى عن وهيب بن خالد في الصلاة والزكاة وصفة الحشر والفتن، وهمام بن يحيى في الحج، وأبي عوانة في فضائل الصحابة، وعبد العزيز بن المختار في الفتن، ويروي عنه (م دت س) وعبد بن حميد وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن سعيد الدارمي وزهير بن حرب، وثقه أبو حاتم وغيره، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من التاسعة، مات سنة (211) إحدى عشرة ومائتين (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن عبد الله بن الحارث) البصري (قال وهيب لم يسمعه) أي لم يسمع أيوب هذا الحديث (منه) أي من عبد الله بن الحارث (قال) عبد الله بن الحارث (أمر ابن عباس مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير) وقوله (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث إسماعيل وحماد وشعبة ومعمر متعلق بحدثنا وهيب، غرضه بيان متابعة وهيب لهؤلاء الأربعة في رواية هذا الحديث، عن عبد الله بن الحارث ولكنها متابعة ناقصة لأن وهيبًا روى عن عبد الله بن الحارث بواسطة أيوب وأولئك الأربعة رووا عن عبد الله بن الحارث بواسطة مشايخهم، قال النواوي: وفي هذا الحديث دليل على سقوط الجمعة بعذر المطر ونحوه وهو مذهبنا ومذهب آخرين، وعن مالك رحمه الله تعالى خلافه، والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث؛ الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات. ***

312 - (25) باب جواز التنفل والوتر على الراحلة في السفر

312 - (25) باب: جواز التنفل والوتر على الراحلة في السفر 1501 - (666) (76) حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يُصَلي سُبْحَتَهُ. حَيثُمَا تَوَجهَتْ بِهِ نَاقَتُهُ. 1502 - (00) (00) حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد الأَحْمَرُ عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 312 - (25) باب جواز التنفل والوتر على الراحلة في السفر 1 150 - (666) (76) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم (عن نافع) مولى ابن عمر العدوي (عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي سبحته) أي نافلته في السفر متوجهًا (حيثما توجهت) أي أي جهة توجهت (به ناقته) من الجهات الأربع من جهة مقصده. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1000] والترمذي [472] والنسائي [1/ 244]. قال القرطبي: لم يختلف العلماء في جواز التنفل على الراحلة للمسافر قبل أي وجه توجه بعد الشروع فيها، واختلفوا هل يلزمه أن يفتتح نافلته إلى القبلة أم لا؟ فذهب الشافعي وأحمد وأبو ثور إلى أن ذلك يلزمه، وذهب مالك وغيره إلى أن ذلك لا يلزمه، وحجتهم التمسك بظاهر الحديثين المذكورين في هذا الباب؛ أعني حديث ابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهما، ولا شك أن هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم إنما كان في السفر، وهل يجوز فعله في الحضر أم لا؟ فذهب أبو يوسف إلى أنه يجوز في الحضر، وروي عن أنس أنه كان يوميء على حمار في أزقة المدينة، وحكاه بعض الشافعية عن مذهبهم، ومالك لا يراه إلا في سفر طال اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1502 - (00) (00) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو خالد الأحمر) الأزدي سليمان بن حيان الكوفي، صدوق، من (8) (عن عبيد الله عن نافع عن

ابْنِ عُمَرَ؛ أَن النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يُصَلي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيثُ تَوَجهَتْ بِهِ. 1503 - (00) (00) وَحَدثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيمَانَ؛ قَال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن جُبَيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلي، وَهُوَ مُقْبِل مِن مَكةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيثُ كَانَ وَجْهُهُ. قَال: وَفِيهِ نَزَلَتْ: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته) أي ناقته التي تصلح لأن ترحل متوجهًا (حيث توجهت به) أي متوجهًا أي جهة توجهت به راحلته أي في جهة مقصده إلى قبل القبلة أو غيره فصَوْبُ الطريق بدل من القبلة فلا يجوز له الانحراف عنه، كما لا يجوز الانحراف في الفرض عن القبلة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1503 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (عن عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبي محمد الكوفي، صدوق، من (5) (قال) عبد الملك (حدثنا سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من (3) (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مكي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن جبير لنافع، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عمر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) النافلة (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (مقبل) أي ذاهب راجع (من مكة إلى المدينة على راحلته) متعلق بيصلي، والراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل، وكذا قوله (حيث كان وجهه) متعلق بيصلي أي يصلي متوجهًا حيث كان وجهه يعني جهة مقصده فلا يجوز العدول عنها يمنةً ويسرةً لأنها بدل عن القبلة (قال) ابن عمر (وفيه) أي وَفي توجهه صلى الله عليه وسلم إلى جهة مقصده (نزلت) آية ({فَأَينَمَا تُوَلُّوا}) أي فأي جهة توليتم واستقبلتم إليها في نافلة السفر يعني جهة مقصدهم

فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]. 1504 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. أخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كُلهُمْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُبَارَكٍ وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ: ثُمَّ تَلا ابْنُ عُمَرَ: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وَقَال: فِي هذَا نَزَلَتْ. 1505 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يحيى. قال: قرأت ـــــــــــــــــــــــــــــ ({فَثَمَّ}) أي ففي تلك الجهة ({وَجْهُ اللَّهِ}) أي قبلة الله سبحانه وتعالى التي هي بدل عن جهة الكعبة رخصة لكم، وأضيفت إلى الله تشريفًا له نظير بيت الله، ناقة الله، وقد بسطنا الكلام على هذه الآية في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن شئت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1504 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (و) يحيى بن زكرياء (ابن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (ابن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل من ابن المبارك وابن أبي زائدة وعبد الله بن نمير رووا (عن عبد الملك) بن أبي سليمان (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر (نحوه) أي نحو ما روى يحيى بن سعيد القطان، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليحيى بن سعيد القطان في رواية هذا الحديث عن عبد الملك (و) لكن (في حديث ابن مبارك وابن أبي زائدة) وروايتهما (ثم تلا ابن عمر) قوله تعالى ({فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}) وقال) ابن عمر (في هذا) التوجه الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم في سفره من مكة إلى المدينة (نزلت) هذه الآية، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال: 1505 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت

عَلَى مَالِكٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِني، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر - قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلي عَلَي حِمَارٍ، وَهُوَ مُوَجِّهٌ إِلَى خَيبَرَ. 1506 - (00) (00) وَحَدثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأت عَلَى مَالِكٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن (المازني) المدني سبط عبد الله بن زيد بن عاصم، ثقة، من (6) (عن سعيد بن يسار) مولى ميمونة رضي الله تعالى عنها، أبي الحباب المدني، روى عن ابن عمر في الصلاة، وعن ابن عباس في الصلاة، وأبي هريرة في الزكاة والحج والبيوع والبر، وزيد بن خالد الجهني في اللباس، ويروي عنه (ع) وعمرو بن يحيى المازني وعثمان بن حكيم ومعاوية بن أبي مزرد في الزكاة والبر، وسعيد المقبري في الزكاة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبو بكر بن عمر العمري وخلق، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة متقن، من الثالثة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن يسار لنافع وسعيد بن جبير في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (قال) ابن عمر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) صلاة النافلة في السفر (على حمار) قال الدارقطني وغيره: هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني، قالوا: وإنما المعروف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو على البعير، والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس كما ذكره مسلم بعد هذا (وهو) صلى الله عليه وسلم (موجه) -بكسر الجيم- أي متوجه (إلى خيبر) أي ذاهب إليها، يقال وجه فلان إلى كذا إذا توجه إليها، وقد يقال إن معناه قاصد هذا وجهي إليه أي قصدي، ولم يقع في كتاب مسلم كيفية صلاته على الدابة، وقد وقع مفسرًا في الموطإ من فعل أنس أنه صلى إيماءً، قال مالك: وتلك سنة الصلاة، قال: ولا يسجد على القربوس (القربوس حنو السرج) أي قسمه المقوس المرتفع من قدام المقعد ومن مؤخره، والجمع قرابيس اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1506 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك

عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنهُ قَال: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. قَال سَعِيدٌ: فَلَما. خَشِيتُ الصبْحَ نَزَلْتُ فَأَوتَرْتُ. ثُم أدْرَكْتُهُ. فَقَال لِي ابْنُ عُمَرَ: أَينَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: خَشِيتُ الْفَجْرَ فَنَزَلْتُ فَأوْتَرْتُ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: أَلَيسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أسْوَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، وَاللهِ! قَال: إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) القرشي العدوي المدني، روى عن سعيد بن يسار في الصلاة، وسالم ونافع وأرسل عن جد أبيه، ويروي عنه (خ م ت س ق) ومالك بن أنس وإبراهيم بن طهمان، قال أبو حاتم: لا بأس به، وقال اللالكائي: ثقة، له عندهم حديث واحد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من كبار السابعة (عن سعيد بن يسار) المدني (أنه) أي أن سعيدًا (قال كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكة قال سعيد فلما خشيت الصبح) أي الفجر (نزلت) عن راحلتي (فأوترت) أي صليت الوتر، وهذا يدل على أن آخر وقته طلوع الفجر (ثم أدركته) أي أدركت ابن عمر ولحقته في الطريق (فقال لي ابن عمر أين كنت) يا سعيد (فقلت له خشيت) طلوع (الفجر) فيفوتني الوتر (فنزلت) عن راحلتي (فأوترت) أي صليت الوتر، من الإيتار وهو جعل العدد وترًا أي فردًا (فقال عبد الله) بن عمر (أليس لك) يا سعيد، بهمزة الاستفهام التقريري (في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة) حسنة وقدوة صالحة، قال سعيد (فقلت) له (بلى والله) أي ليس الأمر عدم القدوة بل والله كانت لي أسوة حسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن بلى يجاب به لنفي النفي فيكون إثباتًا (قال) ابن عمر (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر) أي يصلي الوتر (على البعير) فلا حاجة للمسافر إلى النزول عن راحلته لصلاة الوتر بل يصليه عليها اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن. وسند هذا الحديث من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي بكر بن عمر لعمرو بن يحيى في رواية هذا الحديث عن سعيد بن يسار، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

1507 - (00) (00) وَحَدثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِك عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنهُ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصلي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيثُمَا تَوَجهَتْ بِهِ، قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 1508 - (00) (00) وَحَدثَنِي عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ. أَخْبَرَنَا الليثُ. حَدثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ؛ أَنهُ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1507 - (00) ... (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (4) (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن دينار لمن روى عن ابن عمر (أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) النافلة (على راحلته) متوجهًا (حيثما توجهت به) يعني جهة مقصده (قال عبد الله بن دينار كان ابن عمر يفعل ذلك) أي التنفل على الراحلة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1508 - (00) (00) (وحدثني عيسى بن حماد) بن مسلم الأنصاري التجيبي مولاهم أبو موسى (المصري) لقبه زغبة، روى عن الليث وابن وهب، ثقة، من (10) مات سنة (248) روى عنه في (2) في الإيمان والصلاة كما مر (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (حدثني) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبو عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن دينار) العدوي المدني (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن الهاد لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن دينار (أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر) أي يصلي الوتر في سفره (على راحلته) وهذا حجة لمالك والشافعي على أن الوتر سنة يجوز على الراحلة، وقال أبو حنيفة: إن الوتر واجب لا يجوز على الراحلة، وعبارة القرطبي: وفيه حجة للجمهور

1509 - (00) (00) وَحَدثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَن أَبِيهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُسَبحُ عَلَى الراحِلَةِ قِبَلَ أَي وَجْهِ تَوَجهَ. ويوتِرُ عَلَيهَا. غَيرَ أَنهُ لَا يُصَلي عَلَيهَا المكْتُوبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على أصحاب الرأي حيث يقولون إن الوتر لا يصلى على الراحلة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1509 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن سالم بن عبد الله) العدوي المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر العدوي المكي. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة سالم بن عبد الله لمن روى عن ابن عمر، وكرر المتن لما فيه من المخالفة للسابق (قال) ابن عمر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح) أي يصلي السبحة أي النافلة (على الراحلة) في سفره (قبل) -بكسر القاف وفتح الموحدة- ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من فاعل يسبح؛ أي يسبح النافلة على الراحلة، حالة كونه متوجهًا قبل (أي وجه توجه) أي جهة أي جهة توجه واستقبل بوجهه إليه يعني جهة مقصده (ويوتر) أي يصلي الوتر (عليها) أي على راحلته، فيه دليل على أن الوتر سنة لا واجب خلافًا لأبي حنيفة كما مر آنفًا (غير أنه) أي لكن أنه صلى الله عليه وسلم (لا يصلي عليها) أي على الراحلة الصلاة (المكتوبة) أي المفروضة مقضيةً كانت أو مؤداةً أصليةً أو منذورة، وقد أجمع أهل العلم فيما حكاه عياض على أنه لا يصلي فريضةً على الدابة في غير عذر خوف أو مرض، واختلف في الزمن واختلف فيه قول مالك، واختلف قول مالك أيضًا هل حكم السفينة في التنفل حيث توجهت به حكم الدابة أو خلافها؟ والمشهور أنها ليست كالدابة فلا يصلى عليها الفرض ومثلها السيارة والطائرة والباخرة إلا إن خاف خروج الوقت فيصليها كيف أمكن ثم يعيدها والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن عمر بحديث عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنهما فقال:

1510 - (667) (77) وحدثنا عَمْرُو بْنُ سَوادٍ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. أَخبَرَهُ؛ أَن أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلي السبحَةَ بِالليلِ، فِي السفَرِ، عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيثُ تَوَجهَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1510 - (667) (77) (وحدثنا عمرو بن سواد) بن الأسود بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي أبو محمد المصري، وثقه الخطيب والحاكم، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (11) روى عنه في الإيمان والصلاة وغيرهما (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنْزي -بفتح المهملة وسكون النون- نسبة إلى عنْز بن وائل أخي بكر بن وائل كما في اللباب حليف قريش أبي محمد المدني صحابي صغير، روى عن أبيه في الصلاة، وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف في الطب، وعائشة في الفضائل، ويروي عنه (ع) والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، قال ابن منده: مات النبي صلى الله عليه وسلم وله خمس سنين، ولأبيه صحبة مشهور، ووثقه العجلي، مات سنة (85) بضع وثمانين (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن أباه) عامر بن ربيعة بن عمرو بن وائل العنزي أبا عبد الله المدني أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرًا والمشاهد، وله (22) اثنان وعشرون حديثًا اتفقا على حديثين، ويروي عنه (ع) وابنه عبد الله في الصلاة، وعبد الله بن عمر في الجنائز وابن الزبير، قال المدائني: مات سنة (33) ثلاث وثلاثين قبل قتل عثمان بأيام. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والأننة والمقارنة، ورواية صحابي عن صحابي، وولد عن والد (أخبره) أي أخبر لعبد الله بن عامر (أنه) أي أن أباه (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي السبحة) أي النافلة (بالليل في السفر على ظهر راحلته) متوجهًا (حيث توجهت) راحلته يعني جهة مقصده، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في باب تقصير الصلاة. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال:

1511 - (668) (78) وَحَدثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَفانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا هَمامٌ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ؛ قَال: تَلَقَّينَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ. فَتَلَقَّينَاهُ بِعَينِ التَّمْرِ. فَرَأَيتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ ذَاكَ الْجَانِبَ -وَأَوْمَأَ هَمَّامٌ عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ- فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيتُكَ تُصَلِّي لِغَيرِ الْقِبْلَةِ. قَال: لَوْلَا أَنِّي رَأَيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1511 - (668) (78) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري، قال العجلي: ثقة ثبت، من كبار (10) مات سنة (220) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) (حدثنا أنس بن سيرين) الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك أبو عبد الله البصري، ثقة، من الثالثة (قال) أنس بن سيرين (تلقينا) أي استقبلنا (أنس بن مالك) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا محمد بن حاتم فإنه بغدادي (حين قدم) أنس ورجع من (الشام) إلى البصرة (فتلقيناه) أي لاقيناه وقابلناه (بعين التمر) أي بموضع يسمى بعين التمر اسم موضع بطرف العراق مما يلي الشام. وقوله (حين قدم الشام) هو هكذا في أكثر النسخ إلا في نسخة عندنا ففيها (حين قدم من الشام) وهو الصواب الموافق لما في صحيح البخاري فإن أنسًا كان سافر من البصرة إلى الشام يشكو الحَجاج الظالم إلى عبد الملك بن مروان، وكان ابن سيرين خرج لاستقباله من البصرة حين عاد إليها فحصل اللقاء بعين التمر وهو موضع بطرف العراق مما يلي الشام، وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة الصديق بين خالد بن الوليد والأعاجم، وتأول النواوي عبارة مسلم وروايته قائلًا بصحتها أن معناها تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام، وإنما حذف ذكر رجوعه للعلم به اهـ ولا يخفى بعده، قال أنس بن سيرين (فرأيته) أي رأيت أنس بن مالك (يصلي) النافلة (على حمار) له (ووجهه ذاك الجانب) ونسخة النواوي (ذلك الجانب) وعبارة صحيح البخاري (ووجهه من ذا الجانب) يعني عن يسار القبلة، وأوضح من الكل ما في الموطإ عن يحيى بن سعيد (رأيت أنسًا وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة) اهـ قال عفان بن مسلم (وأومأ) لنا (همام عن يسار القبلة) قال أنس بن سيرين (فقلت له) أي لأنس بن مالك (رأيتك) يا مولاي (تصلي لغير القبلة، قال) أنس بن مالك: نعم صليت لغير القبلة (لولا أني رأيت

رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَفْعَلُهُ، لَمْ أفْعَلْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله) أي يفعل التوجه لغير القبلة في نافلة السفر (لم أفعله) أي لم أفعل التوجه لغير القبلة في صلاتي هذه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الصلاة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه ثماني متابعات، والثاني حديث عامر بن ربيعة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أنس ذكره للاستشهاد أيضًا. ***

313 - (26) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

313 - (26) باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر 1512 - (669) (79) حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيرُ، جَمَعَ بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 313 - (26) باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر الطويل لا القصير عند الجمهور والجمع لغة: الضم، وشرعًا؛ هو إخراج إحدى الصلاتين المشتركتين عن وقت جوازها وإيقاعها في وقت الأخرى مضمومة إليها، وهو إنما يكون في الصلوات المشتركة الأوقات وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولا يكون في غيرها بالإجماع فلا يجمع بين الصبح وغيرها والعصر مع المغرب لعدم وروده، ولا في القصر لأن ذلك إخراج عبادة عن وقتها فاختص بالطويل ولو لمكي لأن الجمع للسفر لا للنسك اهـ قسط، ثم الجمع قسمان متفق عليه ومختلف فيه فالأول هو الجمع بعرفة ومزدلفة، والمختلف فيه هو الجمع في السفر والمطر والمرض فأما الجمع في السفر فإليه ذهب جماعة السلف وفقهاء المحدثين والشافعي وهو مشهور مذهب مالك، وهل ذلك لمجرد السفر أو لا بد من جد السير؟ قولان: بالأول قال جمهور السلف وعلماء الحجاز وفقهاء المحدثين وأهل الظاهر، وبالثاني قال مالك والليث والثوري والأوزاعي، وأبي أبو حنيفة وحده الجمع للمسافر، وكرهه الحسن وابن سيرين، وروي عن مالك كراهته وروي عنه أنه كرهه للرجال دون النساء، وأحاديث ابن عمر وأنس ومعاذ المذكورة في هذا الباب حجة على أبي حنيفة، لكن أبو حنيفة تأولها على أن الصلاة الأولى وقعت في آخر وقتها والثانية وقعت في أولى وقتها وهذا يجوز باتفاق والله أعلم اهـ مفهم. 1512 - (669) (79) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر قال) ابن عمر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير) أي إذا أعجله السير في وقت الأولى، ونسبة الفعل إلى السير مجاز، ومثله قوله (إذا جد به السير) أي في وقت الأولى أخرها إلى وقت الثانية و (جمع بين المغرب والعشاء) أي تأخيرًا، أي صلاهما في وقت العشاء، وكذا يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر، وفي نهاية ابن الأثير (كان رسول الله

1513 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا محمد بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يحيى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أخْبَرَنِي نَافِعٌ؛ أن ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السيرُ، جَمَعَ بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بَعدَ أَنْ يَغِيبَ الشفَقُ، ويقُولُ: إِن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السيرُ، جَمَعَ بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم إذا جد في السير جمع بين صلاتين) أي إذا اهتم به وأسرع فيه اهـ، وفي القسطلاني (إذ جد به السير) أي اشتد أو عزم وترك الهوينا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 7 و 51]، والبخاري [1092] وأبو داود [1207 - 1217] والترمذي [555]، والنسائي [1/ 287 و 289]. وإنما اقتصر ابن عمر على ذكر المغرب والعشاء دون جمع الظهر والعصر لأن الواقع له جمع المغرب والعشاء وهو ما سئل عنه فأجاب به حين استصرخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي أي حين أخبر بموتها بطريق مكة فاستعجل فجمع بينهما جمع تأخير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1513 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر المدني (قال أخبرني نافع أن ابن عمر كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق) الأحمر (ويقول) ابن عمر (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير) واستحثه وأسرع (جمع بين المغرب والعشاء) وسند هذه الرواية من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لمالك في الرواية عن نافع. قال النواوي: وقوله (بعد أن يغيب الشفق) صريح في الجمع في وقت إحدى الصلاتين، وفيه إبطال تأويل الحنفية في قولهم إن المراد بالجمع تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الثانية إلى أول وقتها، ومثله في حديث أنس إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما وهو صريح في الجمع في وقت الثانية، والرواية الأخرى أوضح دلالة وهي قوله إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما، وفي الرواية الأخرى ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق اهـ. ثم ذكر المؤلف

1514 - (00) (00) وَحَدثَنَا يحيى بْنُ يَحيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعمرٌو النّاقِدُ. كُلُهُم عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَجمَعُ بَينَ الْمَغرِبِ وَالْعِشَاءِ، إِذَا جدَّ بِهِ السيرُ. 1515 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرمَلَةُ بْنُ يَحيَى، أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَال: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَن أَبَاهُ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أعجَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1514 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة رووا (عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي (قال عمرو) في روايته (حدثنا سفيان) بن عيينة بتصريح السماع (عن) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهريّ) المدني (عن سالم) بن عبد الله بن عمر العدوي المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المكي. وهذا السند أيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع في الرواية عن ابن عمر أنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير) في إسناد الفعل إلى السير مجاز عقلي من إسناد ما للفاعل إلى المفعول، أصله إذا جد وأسرع وعجل في سيره واهتم وعزم به. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1515 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحبى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله أن أباه) عبد الله بن عمر (قال) وهذا السند من سداسياته، رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة يونس لابن عيينة (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله) واستحثه

السيرُ فِي السَّفَرِ، يُؤَخرُ صَلاةَ الْمَغْرِبِ حَتى يَجْمَعَ بَينَها وَبَينَ صَلاةِ الْعِشَاءِ. 1516 - (670) (80) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ، يَعنِي ابْنَ فَضَالةَ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، إِذَا ارتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشمسُ، أَخَّرَ الظهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعصرِ. ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَينَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشمسُ قَبْلَ أَنْ يَرتَحِلَ، صَلى الظهْرَ ثُمَّ رَكِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأسرع به (السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حنى يجمع بينها وبين صلاة العشاء) وهذا صريح في جمع التأخير أيضًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 1516 - (670) (80) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المفضل يعني ابن فضالة) بن عبيد بن ثمامة الحميري الرعيني القتباني -بكسر القاف وسكون المثناة بعدها موحدة- نسبة إلى بطن من رعين مصغرًا يسمى قتبان، أبو معاوية المصري قاضيها، روى عن عقيل في الصلاة، وعبد الله بن عياش في النذور وعياش بن عباس في الجهاد، ويروي عنه (ع) وقتيبة وزكرياء بن يحيى المصري (عن عقيل) مصغرًا بن خالد بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم مولى عثمان أبي خالد المصري (عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد بصري وواحد مدني وواحد بلخي (قال) أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل) وسار من منزله (قبل أن تزيغ) وتزول (الشمس) وتميل إلى جهة المغرب، والزيغ الميل عن الاستقامة (أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل) عن راحلته (فجمع بينهما) أي بين الظهر والعصر جمع تأخير (فإن زاغت) وزالت (الشمس قبل أن يرثحل صلى الظهر ثم ركب) راحلته وسار، كذا في الكتب المشهورة عن عقيل بغير ذكر العصر، وقد تمسك به من منع جمع التقديم، وقد قال أبو داود: وليس في تقديم الوقت حديث قائم انتهى اهـ إرشاد الساري. قال القرطبي: وكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب ولم يصل العصر مجموعة إليها، إما لأنه نوى أن ينزل في وقت العصر، وإما لأنه لم يرد أن يجمع بينهما

1517 - (00) (00) وَحدَّثَنِي عمرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْمَدَائِنِي. حَدَّثَنَا لَيثُ بْنُ سَعدٍ عَنْ عُقَيلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزهْرِي، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَينَ الصلاتَينِ فِي السفَرِ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدخُلَ أوَّلُ وَقْتِ العصرِ. ثُمَّ يَجْمَعُ بَينَهُمَا. 1518 - (00) (00) وَحدّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الجمع هنا غايته أن يكون جائزًا للرخصة، وإما أنه لم يجدَّ به السير والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 247 و 265] والبخاري [1111]، وأبو داود [1218 و 1219] والنسائي [1/ 284 و 285]. وقد جاء في حديث معاذ في سنن أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب، وهذا حجة ظاهرة للجمهور في الرد على أبي حنيفة اهـ قرطبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1517 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا شبابة بن سوار المدائني) يقال اسمه مروان أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا ليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (15) بابا (عن عقيل بن خالد) المصري (عن الزهريّ عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ليث بن سعد لمفضل بن فضالة في رواية هذا الحديث عن عقيل بن خالد، وفائدتها تقوية السند الأول (قال) أنسأكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما) جمع تأخير، وكرر المتن للمخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1518 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري

وَعمرُو بْنُ سَوَّادٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهب. حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: إِذَا عَجِلَ عَلَيهِ السفَرُ، يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعصرِ. فَيَجْمَعُ بَينَهُمَا. ويؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَينها وَبَينَ الْعِشَاءِ، حِينَ يَغِيبُ الشفَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وعمرو بن سواد) بن الأسود القرشي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني جابر بن إسماعيل) الحضرمي أبو عباد المصري، روى عن عقيل بن خالد في الصلاة، وحيي بن عبد الرحمن المعافري، ويروي عنه (م دس ق) وابن وهب فقط، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من (8) (عن عقيل) بن خالد المصري (عن ابن شهاب عن أنس) بن مالك. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة جابر بن إسماعيل لمفضل بن فضالة في رواية هذا الحديث عن عقيل بن خالد، وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل عليه السفر) قال النواوي: هكذا هو في الأصل (عجل عليه) وهو بمعنى عجل به في الروايات السابقة أي إذا اشتد عليه السير (يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما) جمع تأخير (ويؤخر المغرب) عن وقتها (حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق) الأحمر. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكوفيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

314 - (27) باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والغزو

314 - (27) باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والغزو 1519 - (671) (81) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالك عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عباس؛ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعا. وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. فِي غَيرِ خَوف وَلا سَفر ـــــــــــــــــــــــــــــ 314 - (27) باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والغزو 1519 - (671) (81) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة، من (3) (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي أبي العباس الطائفي. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد كوفي وواحد مكي وواحد مدني وواحد نيسابوري، وفيه التحديث والعنعنة والقراءة والقول ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال) ابن عباس (صلى) بنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر) حالة كونهما (جميعا) أي مجموعتين في وقت إحداهما (و) صلى بنا (المغرب والعشاء) حالة كونهما (جميعا) أي مجموعتين في وقت إحدا هما (في) الحضر والأمن من (غير) وجود (خوف) من العدو (ولا) حصول (سفر) لنا، قال القرطبي قد أخذ الناس في تأويل هذا الحديث مآخذ وأولاها أن هذا الجمع يمكن أن يكون المراد به تأخير الأولى إلى أن يفرغ منها في آخر وقتها، ثم بدأ بالثانية في أول وقتها، وإلى هذا يشير تأويل أبي الشعثاء، ويدل على صحة هذا التأويل أنه قد نفى فيه الأعذار المبيحة للجمع التي هي الخوف والسفر والمطر وإخراج الصلاة عن وقتها المحدود لها بغير عذر لا يجوز باتفاق فتعين ما ذكرناه من التأويل والله أعلم، قال النواوي: وهذا ضعيف وباطل لأنه خلاف الظاهر، والمختار في تأويله عند أحمد وجماعة من شيوخ مذهبنا أنه كان لعذر المرض ونحوه لأن المشقة فيه أشد من السفر اهـ أبي، وقول من تأوله على أنه كان في مطر قد أبطلته هذه الرواية الصحيحة التي قال فيها من غير خوف ولا مطر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 138] والبخاري [1112]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المطابقة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

1520 - (00) (00) وَحدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونُسَ وَعَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ. جَمِيعًا عَنْ زُهيرٍ. قَال ابْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا زُهيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزبَيرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الظهْرَ وَالْعَصرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ. فِي غَيرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ. قَال أَبُو الزبَيرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَال: سَأَلْتُ ابْنَ عَباس كَمَا سَأَلْتَنِي. فَقَال: أَرَادَ أَنْ لا يُخرِجَ أحَدًا مِنْ أمتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1520 - (00) (00) (وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (وعون بن سلام) بتشديد اللام الهاشمي مولاهم، أبو جعفر الكوفي، ثقة، من (10) (جميعا) أي كلاهما (عن زهير) بن معاوية الجعفي أبي خيثمة الكوفي (قال) أحمد (بن يونس) في روايته (حدثنا زهير) بتصريح صيغة السماع (حدثنا أبو الزبير) المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة زهير بن معاوية لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (قال) ابن عباس (على رسول الله على الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا) أي مجموعتين (بالمدينة في غير) أي من غير وجود (خوف ولا سفر) كرر المتن لما في هذه الرواية من الزيادة التي لا تقبل الفصل وهو قوله (بالمدينة) (قال أبو الزبير) بالسند السابق (فسألت سعيدًا) ابن جبير (لم فعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) الجمع بين الصلاتين من غير عذر (فقال) في سعيد (سألت) أنا (ابن عباس) عن ذلك (كما سألتني) أنت يا أبا الزبير عن ذلك (فقال) في ابن عباس (أراد) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الجمع (أن لا يُحرج) أي أن لا يُوقع (أحدًا من أمته) المرحومة في الحرج أي في الضيق والمشقة والتعب بتكرر حضورهم الجماعة، قال القرطبي: قوله (أن لا يُحرج أمته) رُوي بضم الياء التحتانية وأمته منصوبا على أنه مفعول وبفتح التاء الفوقانية وضم أمته على أنها فاعله، ومعناه إنما فعل ذلك لئلا يشق عليهم ويثقل فقصد إلى التخفيف عنهم مع المحافظة على إيقاع كل صلاة في وقتها على ما تأولناه والله أعلم اهـ من المفهم، قال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر. [قلت]: أما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم فيه تأويلات كما.

1521 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارثى. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، يَعنِي ابْنَ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنَا أبُو الزبَيرِ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جبَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَباسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ جَمَعَ بَينَ الصلاةِ فِي سَفرَةٍ سَافَرَها، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَجَمَعَ بَينَ الظهْرِ وَالْعَصرِ. وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قال سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لابْنِ عَباسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَال: أَرَادَ أَنْ لا يُخرِجَ أُمتَهُ. 1522 - (672) (82) حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ عَبْدِ الله بن يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1521 - (00) (00) (وحدثنا يحبى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة ثبت، من (8) (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي أبو خالد البصري، ثقة، من (6) (حدثنا أبو الزبير، حدثنا سعيد بن جبير، حدثنا ابن عباس) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة قرة بن خالد لمالك في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة) المكتوبة المراد بها الجنس الصادق باثنين (في سفرة) بفتح السين وسكون الفاء المرة من السفر (سافرها في غزوة تبوك) وهي آخر غزواته بمنع الصرف لوزن الفعل والعلمية، وقوله (فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء) تفسير لقوله جمع بين الصلاة، وهذه الرواية عن حديث ابن عباس ذكرها للاستدلال بها على الجزء الأخير من الترجمة (قال سعيد) بن جبير (فقلت لاين عباس ما حمله) صلى الله عليه وسلم أي ما الباعث له (على ذلك) الجمع (قال) ابن عباس حمله على ذلك أن (أراد أن لا يُحرج) أي لا يُدخل الحرج والتعب على (أمته) أي أن يرفع الحرج على أمته، قال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فيكلفكم بما يثقل عليكم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بالنسبة إلى الرواية الأخيرة منه بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنهم فقال: 1522 - (672) (82) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة،

حَدَثَنَا زُهيرَ. حَدَّثَنَا أَبُو الزبَيرِ عَنْ أَبِي الطفَيلِ عَامِرٍ عَنْ مُعَاذٍ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصرَ جَمِيعًا وَالْمَغرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. 1523 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ حَبِيب. حَدَّثنَا خَالِدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير) المكي (عن أبي الطفيل عامر) بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش البكري الليثي المكي، ولد عام أُحد وأدرك ثمان سنين من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، روى عن معاذ بن جبل في الصلاة ودلائل النبوة، وعمر بن الخطاب في الصلاة، وابن عباس في الحج، وحذيفة بن اليمان في الجهاد والنفاق، وعلي في الضحايا، وحذيفة بن أسيد الغفاري أبي سريحة في النذور والفتن، وعبد الله بن مسعود قوله في القدر، ويروي عنه (ع) وأبو الزبير والزهري وقتادة وعمرو بن دينار وخلق، نزل الكوفة ثم أقام في مكة حتى مات بها، وقد عُمر سنة (110) عشر ومائة على الصحيح قاله مسلم وغيره (عن معاذ) بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ الأنصاري الخزرجي أبي عبد الرحمن المدني صحابي جليل أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وشهد بدرًا والمشاهد، له (157) مائة وسبعة وخمسون حديثًا كما بسط الكلام في ترجمته في كتاب الإيمان. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان وواحد مدني، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) معاذ (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعًا والمغرب والعشاء جميعا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1206 و 1208] والترمذي [553 و 554] والنسائي [1/ 285] وابن ماجه [1070]. قال القاضي عياض: ولم يُفسر في شيء من هذه الأحاديث صورة الجمع، وفسره في أبي داود من حديث معاذ قال: كان إذا زالت الشمس وهو بالمنزل جمع حينئذ وإن زالت وهو ماش أخر الظهر حتى يدخل وقت العصر وفي المغرب والعشاء مثله اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاذ رضي الله عنه فقال: 1523 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن حبيب) الحارثي البصري (حدثنا خالد

يَعنِي ابْنَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا قُرةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الزبَيرِ. حَدَثَنَا عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ أَبُو الطُّفَيلِ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. قَال: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَينَ الظُّهْرِ وَالْعَصرِ. وَبَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَال: فَقُلْتُ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَال: فَقَال: أرَادَ أنْ لا يُخرِجَ أمتَهُ. 1524 - (00) (00) وَحدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأشَج وَاللفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ، قَالا: حَدَثنَا وَكِيع. كِلاهُمَا عَنِ الأعمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثَابِتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري (حدثنا قرة بن خالد) السدوسي البصري (حدثنا أبو الزبير) الأسدي المكي (حدثنا عامر بن واثلة) بمثلثة الليثي (أبو الطفيل) المكي، قال المازري: ووقع في بعض النسخ عمرو بن واثلة وهو خطأ والمشهور المحفوظ في اسم أبي الطفيل أنه عامر لا عمرو، وكذا فسره البخاري في تاريخه الكبير، ومسلم في التمييز، وإنما جاء هذا الغلط من قبل الراوي عن أبي الزبير اهـ (حدثنا معاذ بن جبل) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مكيان وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة قرة بن خالد لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (قال) معاذ بن جبل (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر) تأخيرا وتقديمًا (وبين المغرب والعشاء) تقديمًا وتأخيرًا كما آنفًا (قال) أبو الطفيل (فقلت) لمعاذ (ما حمله) صلى الله عليه وسلم (على ذلك) الجمع (قال) أبو الطفيل (فقال) معاذ (أراد) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الجمع (أن لا يُحرج) أي أن لا يحمل (أمته) الحرج والمشقة. ثم رجع المؤلف رحمه الله تعالى إلى ذكر المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس بعدما استشهد بحديث معاذ وذكر المتابعة فيه رضي الله تعالى عنهما فقال: 1524 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا حدثنا أبو معاوية) الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) (واللفظ) الآتي (لأبي كريب قال حدثنا وكيع) ابن الجراح الكوفي (كلاهما) أي كل من أبي معاوية ووكيع رويا (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (عن حبيب بن أبي ثابت) الكاهلي أبي يحيى الكوفي واسم

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عباسٍ؛ قَال: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بَينَ الظهْرِ وَالْعَصرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ. فِي غَيرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ. فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قَال: قُلْتُ لابْنِ عباس: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَال: كَي لا يُخرِجَ أُمِتَهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ، قِيلَ لابْنِ عَباسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَال: أَرَادَ أنْ لَا يُخرج أُمَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي ثابت قيس بن دينار الأسدي، روى عن سعيد بن جبير في الصلاة والحج والأشربة، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس في الصلاة، وطاوس في الصلاة، وأبي وائل في الجنائز والجهاد، والضحاك المشرقي في الزكاة، وأبي العباس الشاعر في الصوم والبر، وأبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم في البيوع، وعمن لم يسمه في الطب، وعطاء بن يسار في الطب، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص في الطب، ومجاهد في المداحين، فجملة الأبواب التي روى عنه فيها خمسة عشر بابا، ويروي عنه (ع) والأعمش وحصين والثوري وشعبة ومسعر وعبد العزيز بن سياه وأبو إسحاق الشيباني وأمم لا يحصون، وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم وأبو زرعة، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال ابن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال في التقريب: ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، من الثالثة، مات سنة (119) تسع عشرة ومائة (عن سعيد بن جيبر) الكوفي (عن ابن عباس) الطائفي رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس رضي الله عنهما. وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، غرضه بسوقه بيان متابعة حبيب بن أبي ثابت لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير (قال) ابن عباس (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر) ولكن (في حديث وكيع) وروايته لفظة (قال) سعيد بن جبير (قلت لابن عباس لم فعل ذلك) الجمع النبي صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عباس فعل ذلك الجمع النبي صلى الله عليه وسلم (كي لا يحرج) ولا يُحمل (أمته) إصرًا وثقلًا أي طلبًا للتخفيف عليهم (وفي حديث أبي معاوية) وروايته (قيل لابن عباس ما أراد) النبي صلى الله عليه وسلم (إلى ذلك) الجمع أي أي شيء قصَدَ بذلك الجمع (قال) ابن عباس (أراد) به (أن لا يحرج أمته) المشرفة بشرفه صلى الله عليه وسلم، وهذا بيان قال المخالفة بين الرواة.

1525 - (00) (00) وَحدَثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ عَمرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عباسٍ قَال: صَلَيتُ مَعَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ثَمَانِيًا جَمِيعًا. وَسَبْعًا جَمِيعًا. قَال: قُلْتُ: يَا أَبَا الشعثَاءِ! أَظُنهُ أخرَ الظُّهْرَ وَعجلَ الْعَصرَ. وَأَخرَ الْمَغْرِبَ وَعَجلَ الْعِشَاءَ. قَال: وَأَنَا أَظُن ذَاكَ. 1526 - (00) (00) وحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزهْرَاني، حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ زَيد، عَنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1525 - (00) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (4) (عن جابر بن زيد) الأزدي أبي الشعثاء البصري، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد مكي وفيه التحديث والعنعنة، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، غرضه بيان متابعة جابر بن زيد لسعيد بن جبير في رواية هذا الحديث عن ابن عباس (قال) ابن عباس (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيا) من الركعات الظهر والعصر حالة كونهما (جميعا) أي مجموعات في وقت واحد أي بلا فصل بينها بتطوع (و) صليت معه (سبعا) المغرب والعشاء حالة كونهما (جميعا) أي مجموعات في وقت واحد، (قال) عمرو (قلت: يا أبا الشعثاء) كنية جابر بن زيد (أظنه) صلى الله عليه وسلم (أخّر الظهر) إلى آخر وقتها (وعجّل العصر) في أول وقتها فيكون جمعًا صوريًا (وأخر المغرب) عن وقتها المختار (وعجّل العشاء) في أول وقتها فيكون جمعًا صوريًا (قال) أبو الشعثاء لعمرو بن دينار (وأنا أظن ذاك) الظن الذي ظننته من الجمع الصوري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1526 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد بن زيد) الأزدي البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن جابر

بْنِ زَيدٍ، عَنِ ابْنِ عباسٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ صلى بِالْمدينَةِ سَبْعا وَثَمَانِيا، الظُّهْرَ وَالْعَصرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. 1527 - (00) (00) وَحدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ الْخِرِّيتِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَال: خَطَبَنَا ابْنُ عَباسٍ يَومًا بَعدَ العصرِ حَتى غَرَبَتِ الشمسُ وَبَدَتِ النجُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بن زيد الأزدي البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة حماد بن زيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعًا وثمانيا) ثم بين السبع والثماني على طريق اللف والنشر المشوش بقوله (الظهر والعصر) راجع للثمان (والغرب والعشاء) راجع للسبع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1527 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد البصري (عن الزبير بن الخريت) بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم فوقانية البصري، روى عن عبد الله بن شقيق في الصلاة، والسائب بن يزيد وعكرمة، ويروي عنه (خ م دت س) وحماد بن زيد، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن عبد الله بن شقيق) بن عقيل مصغرًا بن كعب بن عامر البكري العقيلي بالضم أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (قال) ابن شقيق (خطبنا ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن عباس، غرضه بيان متابعة عبد الله بن شقيق لسعيد بن جبير وجابر بن زيد في رواية هذا الحديث عن ابن عباس، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، أي وعظنا ابن عباس (يومًا) من الأيام (بعد) صلاة (العصر حتى كربت الشمس وبدت) أي ظهرت (النجوم) لإقبال ظلام الليل يعني أنه استمرت خطبته من بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم، قال القاضي: وهو يدل على أن للمغرب وقتين ولا يدل على أن مذهبه الترخيص في الجمع في الحضر اهـ

وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصلاةَ. الصَّلاةَ. قَال: فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيم، لَا يَفْتُرُ وَلَا يَنْثَنِي: الصلاةَ. الصلاةَ. فَقَال ابْنُ عَباسٍ: أَتُعلمُنِي بِالسنةِ؟ لَا أُمَّ لَكَ! ثُمَّ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ جَمَعَ بَينَ الظُّهْرِ وَالْعَصرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ شَقِيقٍ: فَحَاكَ فِي صَدرِي مِنْ ذلِكَ شَيءٌ. فَأَتَيتُ أبَا هُرَيرَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَصدَّقَ مَقَالتَهُ. 1528 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي (وجعل) أي شرع (الناس يقولون) أي يقول بعضهم لبعض (الصلاة الصلاة) منصوب على الإغراء بعامل محذوف وجوبًا لقيام التكرار مقامه أي الزموا الصلاة أو صلوا الصلاة (قال) عبد الله بن شقيق (فجاءه) أي جاء ابن عباس (رجل من بني تميم) قبيلة مشهورة (لا يفتر) أي لا يقصر في عمله الصالح ولا يضعف عنه، من فتر يفتر من باب نصر (ولا ينثني) أي لا ينعطف ولا ينقطع ولا يرجع عنه، من انثنى الخماسي من باب انفعل، يقال انثنى عن الشيء إذا رجع عنه وتركه أي يجتهد في عمله ويواظب عليه (الصلاة الصلاة) يا ابن عباس (فقال) له (ابن عباس أتعلمني) اليوم يا رجل (بالسنة) المحمدية والطريقة الشرعية كأنك (لا أم لك) أي كانك لقيط لا تعرف لك أم فيكون ذمًا وسبًا، وقيل قد يقع هذا مدحًا بمعنى التعجب من اهتمامه بالصلاة وفيه بعد، كذا في نهاية ابن الأثير (ثم قال) لهم ابن عباس (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء) فأنا أريد جمع المغرب والعشاء اقتداء به صلى الله عليه وسلم، قال الزبير بن الخريت (قال عبد الله بن شقيق فحاك) أي وقع وخطر وتحرك (في صدري) أي في نفسي وقلبي (من ذلك) الجمع الذي أخبره ابن عباس (شيء) من الشك والتعجب والاستبعاد، يقال حاك يحيك من باب باع، وحك يحك واحتك يحتك كل بمعنى واحد، قال القاضي: الحيك أخذ القول بالقلب، وقيل معناه خطر، قال الجريري: هو ما يقع في قلبك ولا ينشرح له صدرك وخفت الإثم منه، قال بعضهم: صوابه حك في صدري ولم يقل شيئًا بل الأمران جائزان يقال حاك يحيك وحك يحك (فأتيت أبا هريرة فسألته) أي سألت أبا هريرة عن الجمع الذي قاله ابن عباس (فصدق) أبو هريرة (مقالته) أي مقالة ابن عباس من الجمع بين الصلاتين. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1528 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا

وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا عِمرَانُ بْنُ حُدَيرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ العُقَيلِي؛ قَال: قَال رَجُلٌ لابْنِ عَباس: الصلاةَ. فَسَكَتَ. ثُمَّ قَال: الصلاةَ. فَسَكَتَ. ثُمَّ قَال: الصلاةَ. فَسَكَتَ. ثُمَّ قَال: لا أم لَكَ! أَتُعَلِّمُنَا بِالصلاةِ؛ وَكُنا نَجْمَعُ بَينَ الصلاتَينِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيع) بن الجراح الكوفي (حدثنا عمران بن حدير) بمهملات مصغرًا السدوسي أبو عبيدة بالضم البصري، روى عن عبد الله بن شقيق العقيلي في الصلاة، وأبي مجلز وأبي قلابة، ويروي عنه (م دت س) ووكيع وحماد بن زيد وشعبة ومعاذ بن معاذ، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن المديني، وقال: ثقة من أوثق شيخ بالبصرة، له نحو عشرة أحاديث، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (149) تسع وأربعين ومائة (عن عبد الله بن شقيق العقيلي) البصري (قال) عبد الله بن شقيق (قال رجل) من بني تميم لم أر من ذكر اسمه (لابن عباس) صلوا (الصلاة) فإن الصلاة حاضرة (فسكت) ابن عباس لا يرد إليه جوابًا (ثم قال) الرجل ثانيًا (الصلاة فسكت) ابن عباس (ثم قال) الرجل ثالثًا (الصلاة) يا ابن عباس (فسكت) ابن عباس (ثم قال) له ابن عباس (لا أم لك أتعلمنا) اليوم (بالصلاة) وفي بعض النسخ أتعلمنا الصلاة (و) الله لقد (كنا) معاشر الصحابة (نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الحضر، قال القاضي عياض: تأوله مالك وغيره إنه كان في مطر وبالجمع للمطر، قال مالك والشافعي وجمهور السلف، وأباه الحنفية وأهل الظاهر والليث إلا أن مالكًا قصر الجمع للمطر في المعروف عنه على المغرب والعشاء، وعممه الشافعي فيهما وفي الظهر والعصر وهو ظاهر ما لمالك في الموطإ، وألحق مالك بالمطر اجتماع الطين والظلمة، وجاء عنه ذكر الطين مفردًا اهـ. قال الأبي: الجمع ليلة المطر لإدراك فضل الجماعة المشهور جوازه ومنعه ابن القاسم، وقال من جمع أعاد الثانية أبدًا، وقيل يختص بمساجد المدينة وقيل بمسجده صلى الله عليه وسلم وقيل بمسجد أحد الحرمين، وقيل بالبلاد المطيرة الباردة، والأقوال الستة في المذهب اهـ منه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال وذكر فيه سبع متابعات، والثاني حديث معاذ بن جبل ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.

315 - (28) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

315 - (28) باب: جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال 1529 - (673) (83) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: لا يَجْعَلَنَ أَحَدُكُم لِلشَّيطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا، لا يَرَى إِلا أَنَّ حَقًّا عَلَيهِ، أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ. أَكْثَرُ مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 315 - (28) باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال 1529 - (673) (83) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الكوفي (ووكيع) بن الجراح الكوفي (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكوفي (عن عمارة) بن عمير -بضم العين فيهما- التيمي تيم الله الكوفي، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم فقيه مكثر، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وأن فيه ثلاثة من التابعين؛ الأعمش ومن بعده (قال) عبد الله (لا يجعلن أحدكم) أيها المسلمون بنون التوكيد، وللبخاري لا يجعل بلا نون (للشيطان من) عقيدة (نفسه جزءًا) وللبخاري (شيئًا من صلاته) حالة كونه (لا يرى) بفتح أوله أي لا يعتقد، ويجوز الضم أي يظن أي حالة كونه لا يعتقد شيئًا من العقائد (إلا) عقيدة (أن حقا) أي واجبًا (عليه أن لا ينصرف) لحاجته (إلا عن) جهة (يمينه) أي عدم الانصراف في حاجته إلا عن يمينه، وقوله أن لا ينصرف بيان لما قبله من الجعل المذكور أو استئناف بياني كأنه قيل كيف يجعل للشيطان جزءًا من صلاته، فقال: لا يرى إلا أن حقا عليه .. الخ، وقوله أن لا ينصرف في موضع رفع خبر إن واستشكل بأنه معرفة إذ تقديره عدم الانصراف فكيف يكون اسمها نكرة وهو معرفة وأجيب بأن النكرة المخصوصة كالمعرفة أو من باب القلب أي ما يرى إلا أن عدم الانصراف إلا عن يمينه حق عليه، وتعقبه العيني فقال: هذا تعسف، والظاهر أن المعنى لا يرى واجبًا عليه إلا عدم الانصراف إلا عن يمينه والله أعلم (أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن (ينصرف عن شماله) واستنبط

1530 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى. جَمِيعًا عَنِ الأَعمَشِ، بِهذا الإِسنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن المنير منه أن المندوب ربما انقلب مكروها إذا خيف على الناس أن يرفعوه عن رتبته لأن التيامن مستحب لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقد وجوبه أشار إلى كراهته، قال أبو عبيدة لمن انصرف عن يساره: هذا أصاب السنة، يريد والله أعلم حيث لم يلزم التيامن على أنه سنة مؤكدة أو واجب وإلا فما يظن أن التياسر سنة حتى يكون التيامن بدعة، إنما البدعة في رفع التيامن عن رتبته قاله في المصابيح اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 464]، والبخاري [852]، وأبو داود [1042]، والنسائي [3/ 81]، قال القرطبي: هذا الحديث لا يدل على أن ملازمة الانصراف عن اليمين من الصلاة غير جائز، وأن له أن ينصرف عن يمينه وشماله وهو مذهب كافة العلماء غير أن الحسن ذهب إلى استحباب الانصراف عن اليمين وهو الظاهر من حديث أنس، وما حكاه ابن مسعود وأنس في هذين الحديثين يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الأمرين جميعًا وأن ذلك واسع وليس فيه سنة يدام عليها، إذ قد رأى ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر حالاته ينصرف عن شماله، ورأى أنس عكس ذلك فكان ذلك دليلًا على ما قلناه، والله أعلم اهـ من المفهم. قال النواوي: ووجه الجمع بين الحديثين أنه كان يفعل الأمرين، فهما جائزان وما دل عليه قول ابن مسعود من الكراهية إنما هي في اعتقاد أنه لا بد من ذلك، ومذهبنا أنه مستحب أن ينصرف في جهة حاجته فإن لم تكن له حاجة واستوت الجهات فيها فالأفضل اليمين للأحاديث الواردة في أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء، قال الأبي: وهذا الانصراف عن محل الصلاة سواء خرج من المسجد أم لا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1530 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (وعيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثناه علي بن خشرم) بوزن جعفر ابن عبد الرحمن بن عطاء المروزي (أخبرنا عيسى) بن يونس السبيعي الكوفي (جميعا) أي كل من جرير وعيسى (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن عمارة

مثله. 1531 - (674) (84) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ السدي. قَال: سَألْتُ أَنَسًا: كَيفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيتُ؟ عَنْ يَمِينِي أوْ عَنْ يَسَارِي؟ قَال: أَمَّا أَنَا فَأكْثَرُ مَا رَأيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَنصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الأسود عن عبد الله (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية ووكيع عن الأعمش، وغرضه بيان متابعة جرير وعيسى لأبي معاوية ووكيع في الرواية عن الأعمش، ولو قال (مثلهما) لكان أوضح لأن المتابع اثنان كالمتابع، والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1531 - (674) (84) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة (السدي) بضم السين وتشديد الدال المكسورة نسبة إلى سدة مسجد الكوفة كان يبيع بها المقانع والسدة الباب والمقانع ما تلف به المرأة رأسها، الأعور الهاشمي مولاهم مولى زينب بنت قيس بن مخرمة من بني عبد المطلب بن عبد مناف أبي محمد الكوفي، روى عن أنس بن مالك في الصلاة والنهي عن الطلاق والفضائل، وسعد بن عبيدة في الحدود، ويحيى بن عباد في الأشربة، ويروي عنه (م عم) وأبو عوانة والثوري والحسن بن صالح وزائدة واسرائيل وخلق، قال النسائي: صالح، وقال مرة: لا بأس به، وقال ابن عدي: هو صالح مستقيم الحديث، وقال أبو زرعة: بين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال في التقريب: صدوق يهم ورُمي بالتشيع، من الرابعة مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة (قال) السدي (سألت أنسًا) ابن مالك رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله واحد منهم بصري وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد بلخي أي سألته (كيف أنصرف) وأذهب من موضع الصلاة (إذا صليت) أي إذا فرغت منها أي إلى أي جهة أذهب هل (عن يميني أو عن يساري قال) أنس (أما أنا) إن سألتني عن انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) أقول لك (أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حالات انصرافه من الصلاة أن (ينصرف) أي انصرافه (عن يمينه) لأنه كان يحب التيامن في شؤونه كلها فإن [قلت] هذا يعارض ما ذكره البخاري تعليقًا من قوله

1532 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزهيرُ بْنُ حربٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السديِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ "وكان أنس ينفتل عن يمينه وعن يساره ويعيب من يتوخى الانفتال عن يمينه" [قلت] أجيب عنه بأن أنسًا إنما عاب من يعتقد تحتم ذلك ووجوبه وأما إذا استوى الأمران فجهة اليمين أولى لأنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر انصرافه لجهة اليمين ويحب التيامن في شأنه كله اهـ إرشاد الساري. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 217]، والنسائي [3/ 81]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1532 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قال حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن السدي) الكوفي (عن أنس) بن مالك البصري، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد بصري، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن السدي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان) في أكثر أحواله (ينصرف عن يمينه). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

316 - (29) باب استحباب يمين الإمام

316 - (29) باب: استحباب يمين الإمام 1533 - (675) (85) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيدٍ، عَنِ ابْنِ الْبَرَاءِ، عَنِ الْبَرَاءِ؛ قَال: كُنَّا إِذَا صلَينَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، أحبَبْنَا أنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَينَا بِوَجْهِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 316 - (29) باب استحباب يمين الإمام 1533 - (675) (85) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، وفي بعض النسخ حدثنا بلا واو (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني مولاهم أبو سعيد الكوفي، ثقة، من (9) (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7) (عن ثابت بن عبيد) الأنصاري مولاهم مولى زيد بن ثابت الكوفي، ثقة، من (3) (عن) عبيد (بن البراء) بن عازب الأنصاري الحارثي الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة، ويروي عنه (م دس ق) وثابت بن عبيد، وثقه العجلي وقال: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن البراء) بن عازب بن الحارث الأنصاري الخزرجي الحارثي رضي الله عنه أبي عمارة الكوفي، روى عنه في (5) أبواب، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال) البراء (كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا) أي اغتبطنا (أن نكون) في صلاتنا معه (عن) جهة (يمينه) لكون يمين الصف أفضل ولكونه (يقبل علينا بوجهه) الشريف عند سلامه من الصلاة أولًا قبل أن يقبل على من على يساره، وقيل معناه يقبل علينا عند الانصراف، قال القرطبي: وهذا يحتمل أن يكون هذا الإقبال منه صلى الله عليه وسلم في حال سلامه من الصلاة فإنه كان يبدأ السلام بيمينه، والأظهر أنه كان بن انصرافه من الصلاة ويكون هذا حين كان يكثر أن ينصرف عن يمينه كما قاله أنس والله أعلم اهـ من المفهم، وقال القاضي عياض: إقباله هذا يحتمل أنه عند القيام والذهاب عن الصلاة كالمذكور في الحديث السابق، ويحتمل أنه التيامن عند السلام وهو الأظهر لأن عادته صلى الله عليه وسلم إذا انصرف أن يقبل على الجميع بوجهه المبارك انصرف عن يمينه أو عن شماله، ثم هذا الإقبال أنه بعد قيامه أو حين ينفتل دون قيام ففيه أن الإمام لا يبقى في محله بل يقوم أو ينحرف وذلك لئلا يخلط على الناس فيظن الداخل

قَال: فَسَمِعتُهُ يَقُولُ: "رب قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ". 1534 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ وَزُهيرُ بْنُ حربٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ، بهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَم يَذْكُر: يُقْبِلُ عَلَينَا بِوَجْهِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه في صلاة ولأن سبب استحقاقه ذلك المحل انقضى فلا يكون أولى به من غيره، وأيضًا ففيه شيء من العجب والكبر كما قيل في صلاته على أرفع مما عليه أصحابه وهو صلى الله عليه وسلم كان أمن منه ذلك ففعله لئلا يكون سنة لأمته اهـ إكمال المعلم، قال الحافظ في الفتح: قيل الحكمة في استقبال الإمام المأمومين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه فعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم من قصد التعليم والموعظة، وقيل الحكمة فيه تعريف الداخل بأن الصلاة انقضت إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلًا، وقال الزين بن المنير: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة فإذا انقضت الصلاة زال السبب فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين والله أعلم انتهى اهـ من العون (قال) البراء (فسمعته) صلى الله عليه وسلم يومًا (يقول رب قني) أي احفظني (عذابك) وسلمني منه، أمر من الوقاية أي كن لي سترًا ووقاية من عذابك (يوم تبعث) أي تحشر (أو) يقول النبي صلى الله عليه وسلم (تجمع) بدل تبعث (عبادك) والشك من البراء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 304] وأبو داود [615]، قال المنذري: وأخرجه النسائي وابن ماجه، وفي رواية أبي داود والنسائي عن عبيد بن البراء عن أبيه، وفي رواية ابن ماجه عن ابن البراء عن أبيه ولم يسمه اهـ من العون. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1534 - (00) (00) وحدثناه أبو كريب وزهير بن حرب قال حدثنا وكيع عن مسعر بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن ابن البراء عن البراء (ولم يذكر) وكيع في روايته (يقبل علينا بوجهه) غرضه بيان متابعة وكيع لابن أبي زائدة. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث البراء وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

317 - (30) باب كراهية الشروع في النافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة

317 - (30) باب: كراهية الشروع في النافلة بعد شروع الموذن في الإقامة 1535 - (676) (85) وَحَدَّثَنِي أحمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ عَنْ وَرقَاءَ، عَنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ قَال: "إِذَا أُقِيمَتِ الصلاةُ .. فَلَا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 317 - (30) باب كراهية الشروع في النافلة بعد شروع المؤذن في الإقامة 1535 - (676) (85) (وحدثني أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله المروزي نزيل بغداد الإمام الفقيه الحافظ الثقة الحجة أحد الأئمة، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري ربيب شعبة المعروف بغندر، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري، ثقة إمام متقن، من (7) روى عنه في (30) بابا (عن ورقاء) ابن عمر بن كليب اليشكري أبي بشر الكوفي، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: صدوق، من (7) (عن عمرو بن دينار) الجمحي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (22) (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أبي محمد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي على الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجالهم اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي وواحد كوفي وواحد مروزي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعا، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة) المكتوبة أي أقام لها المؤذن (فلا صلاة إلا المكتوبة) التي أقيم لها. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 455] وأبو داود [1266] والترمذي [421] والنسائي [2/ 116] وابن ماجه [1151] قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث أنه لا تنعقد صلاة التطوع في وقت إقامة الفريضة، وبه قال أبو هريرة وأهل الظاهر ورأوا أنه يقطع صلاته إذا أقيمت عليه المكتوبة، وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب على صلاةٍ بعد الإقامة، وذهب مالك إلى أنه إذا أقيمت عليه المكتوبة وهو في نافلة فإن كان ممن يخفف القراءة ويتمها بأم القرآن وحدها فعل ولا يقطع كان لم يكن كذلك قطع، وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يتمها.

1536 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِي وَرقَاءُ، بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. 1537 - (00) (00) وَحدَّثَنِي يحيى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِياءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، أنهُ قَال: "إِذَا أُقِيمَتِ الصلاة .. فَلَا صَلاةَ إلا المَكْتُوبَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1536 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (و) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (قالا حدثنا شبابة) بن سوار المدائني الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) (حدثني ورقاء) بن عمر اليشكري (بهذا الإسناد) يعني عن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى شعبة عن ورقاء، غرضه بيان متابعة شبابة لشعبة في رواية هذا الحديث عن ورقاء بن عمر اليشكري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 1537 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء المصري ثقة، من (10) (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي، ثقة رُمي بالقدر، من (6) (حدثنا عمرو بن دينار) الجمحي المكي (قال) عمرو (سمعت عطاء بن يسار) الهلالي المدني (يقول) ويروي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد بصري وواحد مصري، غرضه بيان متابعة زكرياء بن إسحاق لورقاء بن عمر في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار، وفائدته بيان صريح سماع عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) الأظهر في قوله (لا صلاة إلا المكتوبة) أنه لنفي الكمال لا لنفي الإجزاء لأنه لم يامره بالإعادة، قال ابن عبد الملك: في هذا الحديث نهي عن افتتاح النافلة بعد الإقامة سواء كانت سنة مؤكدة أو غيرها وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى، قال النواوي: الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها ولا يفوته إكمالها بالاحرام

1538 - (00) (00) وَحدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِياءُ بْنُ إِسْحَاقَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 1539 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِي. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مع الإمام، وقال أبو حنيفة وأصحابه: سنة الصبح مخصوصة من هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوها وإن طردتكم الخيل" فعملنا بالدليلين فقلنا: يصلي سنة الصبح إذا لم يخش من فوات الركعة الثانية ليكون جامعًا بين الفضيلتين ويتركها حين خشي لأن ثواب الجماعة أفضل وأعظم والوعيد بتركها ألزم اهـ ابن الملك، وفي القرطبي: فمن دخل لصلاة الصبح والإمام في الصلاة، ولم يكن صلى سنة الفجر لا يصليها وهو مذهب جمهور السلف من الفقهاء وغيرهم، وقد اختلفوا هل يخرج لها من المسجد ويصليها خارجه أم لا يخرج؟ قولان لأهل العلم، وإذا قلنا: لا يخرج فهل يصليها والإمام يصلي أو لا يصليها ويدخل مع الإمام في صلاته وبالأول قالت طائفة من السلف منهم ابن مسعود، وبالثاني قال الشافعي وأحمد والطبري وابن سيرين وحُكي عن مالك أيضًا، وإذا قلنا إنه يخرج فهل ذلك ما لم يخش فوات الركعة الأولى، فإن خشيه دخل أو إنما يراعى خشية فوات الآخرة قولان الأول لمالك والثوري، والثاني حُكي أيضًا عن مالك، وقيل يصليها كان فاتته صلاة الإمام إذا كان الوقت واسعًا قاله ابن الجلاب اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 1538 - (00) (00) وحدثناه عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا زكرياء بن إسحاق بهذا الإسناد) يعني عن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى روح بن عبادة عن زكرياء بن إسحاق والجار والمجرور متعلق بحدثنا عبد الرزاق، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لروح بن عبادة في رواية هذا الحديث عن زكرياء بن إسحاق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1530 - (00) (00) (وحدثنا حسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي، ثقهّ، من (11) (حدثنا يريد بن هارون) بن زاذان السلمي

أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ عَنْ أَيوبَ، عَنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ. عنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ. قَال حماد: ثُمَّ لَقِيتُ عَمرًا فَحدَّثَنِي بِهِ. وَلَم يَرفَعهُ. 1540 - (677) (86) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مسلَمَةَ الْقَعنَبِي. حَدَثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالك ابْنِ بُحَينَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزرق الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي السختياني أبي بكر البصري، ثقة، من (5) (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان بصريان وواحد واسطي، غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب السختياني لزكرياء بن إسحاق في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أيوب (بمثله) أي بمثل ما روى زكرياء بن إسحاق عن عمرو بن دينار، والجار والمجرور متعلق بما عمل في المتابع وهو أيوب كما قدرناه (قال حماد) بن زيد وهو من كلام يزيد بن هارون؛ أي قالمالنا حماد بالسند السابق (ثم) بعد ما سمعته من أيوب (لقيت عمرًا) ابن دينار (فحدثني) عمرو (به) أي بهذا الحديث بلا واسطة (ولم يرفعه) أي ولم يرفع عمرو هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل أوقفه على أبي هريرة، قال النواوي: هذا الكلام لا يقدح في صحة الحديث ورفعه لأن أكثر الرواة رفعوه، قال الترمذي: ورواية الرفع أصح، ومعلوم أن الرفع مقدم على الوقف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن بحينة رضي الله عنهما فقال: 1540 - (677) (86) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب (القعنبي) أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف الزهريّ أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهريّ المدني قاضيها، ثقة، من (5) (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن مالك) صفة أولى لعبد الله، وقوله (ابن بحينة) مصغرًا صفة ثانية لعبد الله، ولذلك كتبوا همزة ابن فيه لوجود الفاصل

أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مَرّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي. وَقَد أقِيمَتْ صَلاةُ الصّبْحِ. فَكَلَّمَهُ بِشَيءٍ، لَا نَدرِي مَا هُوَ. فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَال لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؟ قَال: قَال لِي: "يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ احَدُكُمُ الصبْحَ أَربَعا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بينه وبين موصوفه، وبحينة اسم أم عبد الله وهي بحينة بنت الحارث بن المطلب بن عبد مناف، واسمها عبدة، وبحينة لقب لها أدركت الإسلام فأسلمت، وصحبت، وأسلم ابنها عبد الله قديمًا، ومالك اسم أبيه نظيره من الرواة إسماعيل بن إبراهيم ابن علية وهو عبد الله بن مالك بن جندب بن نضلة الأزدي الأسدي أبو محمد المدني صحابي مشهور، له (27) حديثًا كما في ترجمته في أوائل الكتاب، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا ابن مسلمة فإنه بصري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر) في المسجد (برجل يصلي) سنة الفجر وهو عبد الله الراوي كما عند أحمد، ولا يعارضه ما عند ابن خزيمة وابن حبان أنه ابن عباس لأنهما واقعتان (و) الحال أنه (قد أقيمت صلاة الصبح) أي نودي لها بألفاظ الإقامة لاستنهاض الحاضرين إلى الصلاة (فكلمه) أي كلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل المصلي (بشيء) من الكلام الذي يدل على الزجر له عن الصلاة (لا ندري) ولا نعلم (ما هو) أي جواب ما هو أي ما الكلام الذي كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم به لأنه كلمه سرًّا (فلما انصرفنا) وفرغنا من الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحطنا) أي درنا وأحدقنا بذلك الرجل حالة كوننا (نقول) له (ماذا قالمالك رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين كلمك وأنت تصلي النافلة والمعنى أحطنا واستدرنا بجوانبه واجتمعنا على رأسه قائلين ماذا قالمالك رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ذلك الرجل (قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوشك) أي يقرب (أن يصلي أحدكم الصبح) حالة كونه (أربعا) من الركعات ركعتين وحده بعد الإقامة وركعتين مع الإمام، والمراد بذلك النهي عن فعله لأنها تفسير صلاتين وربما يتطاول الزمان فيظن وجوبهما ولا ريب أن التفرغ للفريضة والشروع فيها تلو شروع الإمام أولى من التشاغل بالنافلة لأن التشاغل بها يفوت فضيلة الإحرام مع الإمام وقد اختلف في صلاة سنة فريضة عند إقامتها فكرهها الشافعي وأحمد وغيرهما، وقال الحنفية: لا بأس أن يصليها خارج المسجد إذا تيقن إدراك الركعة الأخيرة مع الإمام فيجمع بين فضيلة

قَال الْقعنَبِي: عَبْدُ اللهِ بْنُ مَالِكٍ ابْنِ بُحَينَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَال أَبُو الْحُسَينِ مُسْلِمٌ: وَقَوْلُهُ: عَنْ أَبِيهِ، فِي هذَا الْحَدِيثِ، خَطَأٌ. 1541 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ بُحَينَةَ؛ قَال: أُقِيمَتْ صَلاةُ الصُبْحِ. فَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ رَجُلًا يُصَلِّي، وَالْمُؤَذنُ يُقِيمُ. فَقَال: "أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَربَعًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ السنة وفضيلة الجماعة وقيدوه بباب المسجد لأن فعلها في المسجد يلزم منه تنفله فيه مع اشتغال إمامه بالفرض وهو مكروه لحديث "إذا أقيمت الصلاة" وقال المالكية: لا تبتدأ صلاة بعد الإقامة لا فرضًا ولا نفلًا لحديث "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" أي الحاضرة، كان أقيمت وهو في صلاته قطع إن خشي فوات ركعة وإلا أثم. اهـ إرشاد الساري. قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى (قال) عبد الله بن مسلمة (القعنبي) في روايته (عبد الله بن مالك بن بحينة عن أبيه) بزيادة لفظة عن أبيه (قال أبو الحسين مسلم) بن الحجاج هو من كلام بعض رواته أو هو من كلامه على سبيل التجريد البديعي (وقوله) أي قول القعنبي (عن أبيه في) سند (هذا الحديث خطأ) غير صواب، لأن مالكًا أبا عبد الله ليس له حديث أصلًا وإن كانت له صحبة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 345] والبخاري [663] والنسائي [2/ 117] وابن ماجه [1153]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن بحينة رضي الله عنه فقال: 1541 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني (عن حفص بن عاصم عن) عبد الله (ابن بحينة) غرضه بيان متابعة أبي عوانة لإبراهيم بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبيه سعد (قال) ابن بحينة (أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي) سنة الفجر في جانب المسجد (والمؤذن) أي والحال أن المؤذن (يقيم) للصلاة (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتصلي) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي هل تصلي أيها الرجل (الصبح) حالة كونه (أربعا) من

1542 - (678) (87) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحدَرِيُّ. حَدَثَنَا حَمَادٌ، يَعنِي ابْنَ زيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويَةَ. كُلُّهُم عَنْ عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الركعات، قال القرطبي: وفي قوله (أتصلي الصبح أربعًا) إنكار على الرجل الذي فعل ذلك، وهذا الإنكار حجة على من ذهب إلى جواز صلاة ركعتي الفجر في المسجد والإمام يصلي كما، وعلى سد الذريعة التي يخاف منها توهم الزيادة في الفرائض، وقال في رواية أخرى ماينص على ذلك "يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعًا" وكذلك يفهم من قوله في الحديث "يا فلان بأي الصلاتين اعتددت أبصلاتك وحدك أو بصلاتك معنا" ويزيد معنى آخر وهو أن فيه منع ما يؤدي إلى الخلاف على الإمام، ويمكن أن يستنبط من هذين الحديثين أن ركعتي الفجر إن وقعت في تلك الحال صحت لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطع عليهما مع تمكنه من ذلك، وفي إنكاره صلى الله عليه وسلم على المصلي مع كونه صلى في جانب المسجد ما يدل على شدة المنع من صلاتهما والإمام في الصلاة كان كان في زاوية اهـ من المفهم، وهذا بيان قال المخالفة بين الروايتين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن سرجس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1542 - (678) (87) (حدثنا أبو كامل الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده فضيل بن حسين البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثني حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي المشهور رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (ابن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين يعني حماد بن زيد وعبد الواحد بن زياد وأبا معاوية (عن عاصم) بن سليمان الأحول أبي عبد الرحمن البصري التميمي مولاهم، ثقة، من (4) (ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (واللفظ) الآتي (له) أي

حَدَّثَنَا مَروَانُ بْنُ مُعَاويةَ الْفَزَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الأحوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سرجِسَ، قَال: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ. فصلى رَكْعَتَينِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ. ثُم دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَلَّمَا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَا فُلانُ! بِأَيِّ الصلاتَينِ اعتَدَدتَ؟ أَبِصَلاتِكَ وَحدَكَ، أَم بِصَلاتِكَ مَعَنَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ لزهير، قال زهير (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) أبو عبد الرحمن الكوفي (عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس) بفتح السينين المهملتين بينهما راء ساكنة وجيم مكسورة بوزن مسجد غير منصرف للعلمية والعجمة، المزني حليف بني مخزوم البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه له (17) سبعة عشر حديثا، انفرد له (م) بحديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب في الحج، ويروي عنه (م عم) وعاصم الأحول في الصلاة وقتادة، وهذه الأسانيد الأربعة من رباعياته الأول والثاني منها رجالهما كلهم بصريون، والثالث منها رجاله اثنان كوفيان واثنان بصريان، والرابع منها رجاله اثنان بصريان وواحد كوفي وواحد نسائي. (قال) عبد الله بن سرجس (دخل رجل) لم أر من ذكره (المسجد) النبوي (ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة) أي الصبح (فصلى) ذلك الرجل الداخل (ركعتين) سنة الفجر (في جانب المسجد) وطرفه (ثم دخل) في الصلاة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم) من صلاته (قال) للرجل (يا فلان) كناية عن اسم الرجل (بأي الصلاتين) اللتين صليتهما (اعتددت) واحتسبت لفريضتك (أ) اعتددت (بصلاتك) التي صليتها (وحدك أم) اعتددت (بصلاتك) التي صليتها (معنا) قال الخطابي: وهذا سؤال إنكار لما فعله يريد بذلك التهديد على فعله، وفيه دلالة على أنه لا يجوز له أن يفعل ذلك كان كان الوقت يتسع الفراغ منها قبل خروج الإمام من صلاته لأن قوله صلى الله عليه وسلم أو التي صليت معنا يدل على أنه أدرك الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الركعتين، وفي هذا دليل أيضًا على أنه إذا صادف الإمام في الفريضة لم يشتغل بركعتي الفجر ويتركهما إلى أن يقضيهما بعد الصلاة. هذا آخر كلام الخطابي، وقال النواوي: فيه دليل على أنه لا يصلي بعد الإقامة نافلة كان كان يدرك الصلاح مع الإمام، ورد على من قال إن علم أنه يدرك الركعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى والثانية يصلي النافلة، وقال ابن عبد البر: كل هذا إنكار منه لذلك الفعل، فلا يجوز لأحد أن يصلي في المسجد شيئًا من النوافل إذا قامت المكتوبة، وفيه دليل على إباحة تسمية الصبح غداة والله أعلم اهـ نواوي، وقال ابن الملك: في الحديث حث على الاقتداء بالإمام قبل النافلة اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث عبد الله ابن بحينة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عبد الله بن سرجس ذكره للاستشهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

318 - (30) باب ما يقول عند دخول المسجد والأمر بتحيته واستحباب ركعتين فيه أول قدومه من سفر

318 - (30) باب: ما يقول عند دخول المسجد والأمر بتحيته واستحباب ركعتين فيه أول قدومه من سفر 1543 - (679) (88) حَدَّثَنَا يحيى بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلال عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرحمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيد، عَنْ أَبِي حُمَيد أوْ عَنْ أَبِي أُسَيد، ـــــــــــــــــــــــــــــ 318 - (30) باب ما يقول عند دخول المسجد والأمر بتحيته واستحباب ركعتين فيه أول قدومه من سفر 1543 - (679) (88) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) واسم أبي عبد الرحمن فروخ -بفتح وضم مع تشديد غير منصرف للعلمية والعجمة- التيمي مولاهم أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي، روى عن عبد الملك بن سعيد بن سويد في الصلاة، والقاسم بن محمد في الصلاة والزكاة والعتق، ومحمد بن يحيى بن حبان في النكاح، وحنظلة بن قيس الزرقي في البيوع، ويزيد مولى المنبعث في الأحكام، وأنس بن مالك في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (ع) وسليمان بن بلال وعمارة بن غزية ومالك بن أنس وإسماعيل بن جعفر والأوزاعي والثوري وعمرو بن الحارث وحماد بن سلمة وخلق، وثقه أحمد وابن سعد، وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت أفطن منه، وقال في التقريب: ثقة فقيه مشهور، من الخامسة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة على الصحيح (عن عبد الملك بن سعيد) بن سويد الأنصاري المدني، روى عن أبي حميد وأبي أسيد الساعديين وجابر، ويروي عنه (م د س ق) وربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال العجلي: تابعي مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعد بن المنذر الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه (أو) قال لنا عبد الملك بن سعيد (عن أبي أسيد) بضم الهمزة مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون الأنصاري الخزرجي الساعدي الصحابي المشهور المدني، شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، كفّ بصره في آخر عمره، له (28) ثمانية وعشرون حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد (خ) بحديثين و (م) بآخر، يروي عنه (ع) وعبد الملك

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ .. فَلْيَقُلِ: اللهم! افْتَح لِي أَبْوَابَ رَحمَتِكَ. وإذَا خَرَجَ .. فَلْيَقُلِ: اللهم! إِني أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ". (قَال مُسْلِمٌ): سَمِعْتُ يحيى بْنَ يحيى يَقُولُ: كَتَبْتُ هذَا الْحَدِيثَ مِنْ كِتَابِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. قَال: بَلَغَنِي أَن ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سعيد بالشك في الصلاة، وأنس بن مالك في الفضائل، وإبراهيم بن محمد بن طلحة في الفضائل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن في الفضائل، مات سنة ثلاثين، وله يوم مات ثمان وسبعون سنة (78) وله عقب بالمدينة. وأو في كلام المصنف للشك، والشك من ربيعة فيما قاله عبد الملك أو من عبد الملك فيمن سمع منه هذا الحديث، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (قال) أبو حميد أو أبو أسيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد) أي أراد دخوله عند وصول بابه، وقال الأبي: الأظهر أنه على ظاهره أنه يقوله بعد الدخول لا أن معناه إذا أراد أن يدخل إذ لا محوج إلى هذا التقدير اهـ منه (فليقل اللهم افتح في أبواب رحمتك وإذا خرج) منه (فليقل اللهم إني أسألك من فضلك) وعطائك، قال الطيبي: ولعل السر في تخصيص الرحمة بالدخول، والفضل بالخروج، أن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته فيناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل كما قال تعالى {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} انتهى، وعبارة المبارق: إنما أمر بسؤال الرحمة عند الدخول لأنه كان يريد الاشتغال بما يقربها من الطاعات التي هي كالأبواب لها، وبسؤال الفضل وهو الرزق الحلال عند الخروج لأنه هو المناسب بحاله قال الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 435] وأبو داود [465]، والنسائي [2/ 53] وابن ماجه [772]. (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى: وهذا من كلام بعض رواته (سمعت يحيى بن يحيى) التميمي (يقول كتبت هذا الحديث من كتاب) شيخي (سليمان بن بلال) التيمي بلفظ الشك في قوله (عن أبي حميد أو أبي أسيد) (قال) الإمام مسلم ثم (بلغني أن

يحيى الْحِمَّانِي يَقُولُ: وَأَبِي أُسَيدٍ. 1544 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرحمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيد الأَنْصَاري، عَنْ أَبِي حُمَيدٍ أَوْ عَنْ أبِي أسَيدٍ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى) بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن بن بشمين -بفتح الموحدة وسكون المعجمة- (الحماني) بكسر المهملة وتشديد الميم، قال السمعاني: نسبة إلى بني حمان قبيلة نزلت الكوفة الكوفي، روى عن سليمان بن بلال وعبد الله بن المبارك وحماد بن زيد وجماعة، ويروي عنه (م) وأبو حاتم ومطين والبغوي وابن أبي الدنيا وغيرهم، تكلم فيه أحمد وابن المديني، وضعفه النسائي، وقال في التقريب: حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث، من صغار التاسعة، مات سنة (228) ثمان وعشرين ومائتين (يقول وأبي أسيد) بالجمع بين الصحابيين بلا شك. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله تعالى عنهما فقال: 1544 - (00) (00) (وحدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي المشهور، أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بالقاف مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (حدثنا عمارة بن غزية) بن الحارث بن عمرو الأنصاري المازني المدني، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: لا بأس به، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التيمي مولاهم أبي عثمان المدني (عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري) المدني (عن أبي حميد أو عن أبي أسيد) الساعديين المدنيين (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (بمثله) متعلق بحدثنا عمارة لأنه المتابع، والضمير عائد إلى سليمان بن بلال لأنه المتابع، والتقدير حدثنا عمارة بن غزية عن ربيعة بمثل ما حدّث سليمان بن بلال عن ربيعة، وغرضه بيان متابعة عمارة لسليمان في الرواية عن ربيعة، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

1545 - (680) (89) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قعنَب وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عن عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبَيرِ، عَنْ عَمرِو بْنِ سُلَيمِ الزرَقِي، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمسجِدَ، فَلْيركَع رَكعَتَينِ قَبلَ أن يَجْلِسَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 1545 - (680) (89) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) بن عتاب بن الحارث ومعنى قعنب في الأصل القوي الشديد الصلب كما في القاموس، الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9) (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (قالا حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي أبي الحارث المدني، ثقة، من (4) (عن عمرو بن سليم) بن خلدة بسكون اللام بن مخلدة بن عامر بن زريق الأنصاري (الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء بعدها قاف المدني، ثقة، من الثانية، من كبار التابعين، وقيل له رؤية، مات سنة (104) (عن أبي قتادة) الأنصاري السلمي بفتح السين واللام الحارث بن ربعي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بصري أو بلخي أو نيسابوري، وفيه التحديث والقراءة والمقارنة والعنعنة وفيه، رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع) ندبًا (ركعتين قبل أن يجلس) تحية المسجد وتعظيمًا لربه، قال الخطابي: فيه من الفقه أنه إذا دخل المسجد عليه أن يصلي ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس وسواء كان ذلك في جمعة أو غيرها كان الإمام على المنبر أو لم يكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم عم ولم يخص، قلت: هذا القول هو الصحيح كما جاء مصرحًا في الرواية الآتية عن جابر (أن رجلًا جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع) قال الخطابي: وقد اختلف الناس في هذا، فقال بظاهر الحديث الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وإليه ذهب الحسن البصري ومكحول، وقالت طائفة: إذا كان الإمام على المنبر يجلس ولا يصلي،

1546 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلي عَنْ زَائدَةَ. قَال: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحيَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يحيى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمرِو بْنِ سُلَيمِ بْنِ خَلْدَةَ الأَنْصَارِي، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإليه ذهب ابن سيرين وعطاء بن أبي رباح والنخعي وقتادة وأصحاب الرأي وهو قول مالك والثوري، انتهى اهـ من العون. وقال قوم: تحية المسجد بركعتين واجبة لظاهر الحديث، والجمهور على أنها مستحبة لكن عند الشافعي يصليهما في أي وقت كان، وعند أبي حنيفة في غير أوقات النهي اهـ مبارق، وأداء الفرض ينوب عنها، وكذا كل صلاة صلاها عند الدخول بلا نية التحية لأنها لتعظيمه وحرمته وقد حصلى ذلك بما صلاه، ولا تفوت بالجلوس عند الأحناف، , وإن كان الأفضل فعلها قبله، وإذا تكرر دخوله يكفيه ركعتان في اليوم، ذكره الشرنبلالي في شرح نور الإيضاح، وهذا في غير المسجد الحرام فإن تحيته طواف القدوم، ويصلي بعده ركعتا الطواف. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 305 و 311] والبخاري [444]، وأبو داود [467 و 468] والترمذي [316] والنسائي [2/ 53] وابن ماجه [1013]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 1546 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) ابن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7) (قال حدثني عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن (الأنصاري) المازني المدني، ثقة، من (6) (حدثني محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني أبو عبد الله المدني الفقيه، كانت له حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (عن عمرو بن سليم بن خلدة الأنصاري) المدني (عن أبي قتادة) الأنصاري المدني (صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفارسه، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون، غرضه بيان متابعة محمد بن يحيى بن حبان لعامر بن عبد الله بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عمرو بن سليم (قال) أبو قتادة (دخلت المسجد) النبوي (ورسول الله

صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ جَالِس بَينَ ظَهْرَانَيِ الناسِ. قَال: فَجَلَسْتُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تركَعَ رَكْعَتَينِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟ " قَال: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأيتُكَ جَالِسًا وَالناسُ جُلُوس. قَال: "فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتى يَركَعَ رَكْعَتَين". 1547 - (681) (90) حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ جَوَاسٍ الْحَنَفِي أَبُو عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس) أي بين وسطهم (قال) أبو قتادة (فجلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك) يا أبا قتادة (أن تركع ركعتين قبل أن تجلس، قال) أبو قتادة (فقلت: يا رسول الله رأيتك جالسًا والناس جلوس) حولك فاستحييت من القيام بين الجالسين (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) تحية وتعظيمًا لرب المسجد. قال القرطبي: قوله في الرواية الأولى "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" عامة العلماء على أن هذا الأمر محمول على الندب والترغيب، وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب وهذا باطل، ولو كان الأمر على ما قالوه لحرم دخول المسجد على المحدث الحدث الأصغر حتى يتوضأ ولا قائل به وإنما الخلاف في دخول الجنب فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه تحيته عند دخوله إذ لو كان ذلك للزمه أن يتوضأ عند إرادة الدخول، فإن قيل: الخطاب بالتحية لمن كان متوضئًا قلنا: هذا تحكم وعدول عن الظاهر بغير دليل فإنه متوجد لداخل المسجد فيلزم ما ذكرناه، وقد عدها بعض أصحابنا في السنن، ثم هل يحيي المسجد في أي الأوقات دخله أو لا يحييه في الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها؟ قولان؛ الأول لبعض أهل الظاهر، والثاني للجمهور فلا يحيى المسجد عندهم بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس، غير أن الشافعي منع منها حالة الطلوع وحالة الغروب، وأجازها فيما قبل ذلك بناء منه على أصله أن كل صلاة يتعين فعلها بحسب سببها فجائز فعلها ما لم تطلع الشمس وما لم تغرب اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي قتادة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 1538 - (681) (90) (حدثنا أحمد بن جواس الحنفي أبو عاصم) الكوفي، ثقة،

حدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ الأشجَعِي عن سُفْيَانَ، عن مُحَارِب بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، قَال: كَانَ لِي عَلَى النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ دَينٌ. فَقَضَانِي وَزَادَنِي. وَدَخَلْتُ عَلَيهِ الْمَسْجِدَ. فَقَال لِي: "صلِّ رَكْعَتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) (حدثنا عبيد الله) بن عبيد الرحمن (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7) (عن محارب بن دثار) السدوسي أبي مطرف الكوفي، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي رضي الله عنهما أبي عبد الله المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا جابرًا (قال) جابر (كان في على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني) ذلك الدين (وزادني) على حقي نحو قيراط (ودخلت عليه المسجد فقال لي صل ركعتين) تحية المسجد، وهذا الدين هو ثمن البعير الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه منه في رجوعه إلى المدينة من بعض أسفاره وشرط عليه رهوبه إلى المدينة فلما بلغها دفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمل والثمن وزاده قيراطًا، وسيأتي في البيوع إن شاء الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 302 - 308] والبخاري [2394]. قال النواوي: وفي هذه الأحاديث من الأحكام الفقهية استحباب تحية المسجد بركعتين وهي سنة بإجماع المسلمين إلا ما حكاه القاضي عياض عن داود وأصحابه من وجوبهما، وفيها الثصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة وهي كراهة تنْزيه، وفيها استحباب التحية في أي وقت دخل وهو مذهبنا وبه قال جماعة، وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي، وأجاب أصحابنا بأن النهي إنما هو عفا لا سبب له لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر فخص وقت النهي وصلى فيه ذات السبب ولم يترك التحية في حال من الأحوال بل إمر الذي الذي دخل الخطبة ممنوع الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة في. حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت الآن لأنه قعد وهي مشروعة قبل القعود ولأنه كان يجهل حكمها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته وكلمه وأمره أن يصلي التحية فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم - عليه السلام - هذا الاهتمام، ولا يشترط أن ينوي التحية بل تكفيه ركعتان من فرض أو سنة

1548 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ عَنْ مُحَارِبِ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: اشْتَرَى مِني رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا. فَلَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ، فَأُصليَ رَكْعَتَينِ. 1549 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ راتبة أو غيرهما، ولو نوى بصلاته التحية والمكتوبة انعقدت صلاته وحصلتا له، ولو صلى على جنازة أو سجد شكرًا أو للتلاوة أو صلى ركعة بنية التحية لم تحصل التحية على الصحيح من مذهبنا، وقال بعض أصحابنا: تحصل وهو خلف ظاهر الحديث ودليله أن المراد إكرام المسجد ويحصل بذلك، والصواب أنه لا يحصل، وأما المسجد الحرام فأول ما يدخله الحاج بطواف القدوم فهو تحيته ويصلي بعده ركعتي الطواف اهـ. قال القرطبي: واختلف قول مالك في تحية المسجد إذا صليت العيد فيه، ورأى في مسجد مكة تقديم الطواف على التحية، وفي مسجد المدينة تقديم التحية على السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقد وسع في ذلك أيضًا، وقال بعض أصحاب مالك: إن من تكرر عليه الدخول في المسجد سقط عنه تحيته كمن أكثر تردده إلى مكة من الحطابين وغيرهم وكسقوط السجود عمن كثرت تلاوته من القرآن وسقوط الوضوء لمس المصحف للمتعلمين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1548 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن محارب) ابن دثار السدوسي الكوفي (سمع جابر بن عبد الله يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد مدني، غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري (اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا) في بعض أسفاره (فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين) تحية. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1549 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى) العنَزي البصري (حدثنا

عَبْدُ الوَهَّابِ، يعنِي الثَّقَفِي، حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي غَزَاةٍ. فَأَبْطأ بِي جَمَلِي وَأَعيى. ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَبْلِي. وَقَدِمتُ بِالْغَدَاةِ. فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجدتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. قَال: "الآنَ حِينَ قَدمتَ"؟ قُلْتُ: نَعَم. قَال: "فَدع جَمَلَكَ. وادخُلْ فَصَل رَكْعَتَينِ" قَال: فَدَخَلْتُ فَصليتُ، ثُمَّ رَجَعتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) أبو محمد البصري، ثقة من (8) (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عثمان المدني، ثقة، من (5) (عن وهب بن كيسان) القرشي الأسدي مولاهم أبي نعيم المعلم المكي، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما أبي عبد الله المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، غرضه بيان متابعة وهب بن كيسان لمحارب بن دثار (قال) جابر (خرجت) أي سافرت من المدينة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة) أي في غزوة من غزواته (فأبطأ بي) أي تأخر بي (جملي) عن رفقتي (وأعيى) أي وعجز عن السير بي منهم، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم من ورائي ودعا عليه ونشط في السير حتى كان يتقدم على جمال الرفقة (ثم) بعدما دعا على جملي ونشط تقدم علينا إلى المدينة فـ (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) المدينة (قبلي) بيوم (وقدمتـ) ها أنا (بالغداة) أي بالغد من يوم قدومه (فجئت المسجد) النبوي (فوجدته) أي رأيته صلى الله عليه وسلم وصادفته قائما (على باب المسجد) فـ (قال) لي (الآن حين قدمت) من سفرك، لفظة حين زائدة بين الظرف وعامله، لا توصف بإعراب ولا بناء كما توهمه بعض شراح الكتاب والآن ظرف للزمن الحاضر متعلق بقدمت قدم عليه لإفادة الحصر أي في هذا الزمن الحاضر قدمت من سفرك، قال جابر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) الآن جئت، ثم (قال) لي (فدع جملك) أي اتركه خارج المسجد (وادخل) لمسجد (فصل ركعتين) تحيته (قال) جابر (فدخلت) المسجد (فصليت) ركعتين كما أمرني (ثم رجعت) إليه صلى الله عليه وسلم عند الباب فنقدني ثمن الجمل. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الأخير بحديث كعب بن مالك رضي الله عنه فقال:

1550 - (682) (91) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الضحَاكُ، يَعنِي أبَا عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنِي محمُودُ بْنُ غَيلانَ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. قَالا جَمِيعًا: أخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهابٍ، أَنَّ عَبْدَ الرحمَنِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعب أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعبٍ، وَعَنْ عَمِّهِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ كَعبٍ، عَنْ كَعبِ بْنِ مَالكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 1550 - (682) (91) (حدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا الضحاك) بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني (يعني أبا عاصم) النبيل البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثني محمود بن كيلان) العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (قالا جميعًا) أي قال كل من الضحاك وعبد الرزاق (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهريّ المدني، ثقة، من (4) (أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي أبا الخطاب المدني، وكان أعلم قومه وأوعاهم بأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في ولاية هشام بن عبد الملك، روى عن كعب بن مالك وعن أبيه في الصلاة وتوبة كعب، وعمه عبيد الله بن كعب في توبة كعب، وسلمة بن الأكوع في الجهاد، ويروي عنه (خ م د س) والزهري ومحمد بن أبي أمامة وجماعة، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة عالم، من الثالثة (أخبره) أي أخبر للزهري (عن أبيه عبد الله بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي المدني، وثقه أبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة، يقال له رؤية، مات سنة (97) سبع وتسعين، وقوله (وعن عمه عبيد الله بن كعب) معطوف على قوله عن أبيه يعني عبيد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي أبي فضالة المدني، روى عن أبيه كعب بن مالك في الصلاة وتوبة كعب، ويروي عنه (خ م دس) وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وأخوه معبد والزهري، وثقه أبو زرعة، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة كلاهما (عن كعب بن مالك) بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن كعب الأنصاري السلمي بفتحتين، أبي عبد الله المدني الشاعر أحد الثلاثة الذين خُلفوا، شهد العقبة، له (80) ثمانون حديثًا، اتفقا على ثلاثة، وانفرد (خ) بحديث و (م) بحديثين، روى عنه بنوه عبد الله وعبيد الله في الصلاة والبيوع،

أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إلَّا نهارًا، فِي الضحَى فَإِذَا قَدِمَ، بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ. فصلى فِيهِ رَكْعَتَينِ. ثُم جَلَسَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الرحمن في الأطعمة، وقال في التقريب: صحابي مشهور، مات في أيام قتل علي بن أبي طالب، وقيل إنه مات سنة (50) خمسين، وكان له يوم مات (77) سبع وسبعون سنة، وهذان السندان من سباعياته رجال الأول منهما أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد مكي، ورجال الثاني منهما أربعة مدنيون وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد مروزي، وفيهما التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة والمقارنة، وفيه ثلاثة أتباع، روى بعضهم عن بعض، وفيه رواية ولد عن أبيه عن جده (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم) المدينة (من سفر) ولا يدخلها (إلا نهارًا في) وقت (الضحى فإذا قدم) المدينة ودخلها (بدأ بـ) دخول (المسجد فصلى فيه ركعتين) تحيته (ثم جلس فيه) أي في المسجد ليسلم عليه الناس الذين لم يسافروا معه من المعذورين، وقوله (لا يقدم من سفر إلا نهارًا) إنما فعل ذلك لأنه نُهي أن يأتي الرجل أهله طروقًا، وقد نبه على تعليله في حديث جابر فقال: "يتخونهم ويطلب عثراتهم" وفي حديث غيره "كي تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، واقتصر كعب هنا على ذكر وقت الضحى، وقد رواه أنس فقال: كان لا يطرق وكان يأتيهم غدوة وعشية وكأنه كان أكثر قدومه في أول النهار ليبدأ بالصلاة في المسجد فكان يتأخر حتى يخرج وقت النهي والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 455] والبخاري [4677]، وأبو داود [2202] والترمذي [3101] والنسائي [6/ 152]. قال النواوي: وفي هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد وفيه استحباب القدوم أوائل النهار وأنه يستحب للكبير في المرتبة ومن يقصده الناس إذا قدم من سفر أن يجلس بقرب داره في مسجد أو غيره ليسهل على زائره والمسلم عليه اهـ، قال الأبي: ويأتي تعليل استحباب القدوم نهارا، وأنه لتستحد المغيبة وتمتشط الشعثة حرصًا على دوام العشرة خوف أن يطلع القادم ليلًا على ما يكره اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة؛ الأول حديث أبي حميد أو أبي أسيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة، والثاني حديث أبي قتادة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث أبي قتادة وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث كعب بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والله أعلم. ***

319 - (31) باب استحباب صلاة الضحى وبيان أقلها وكملها وأوسطها والوصية بها

319 - (31) باب: استحباب صلاة الضحى، وبيان أقلها وكملها وأوسطها والوصية بها 1551 - (682) (92) وَحدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ؛ قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هلْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي الضحَى؟ قَالتْ: لَا. إلا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ. 1552 - (00) (00) وَحدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَيسِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيق. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 319 - (31) باب استحباب صلاة الضحى وبيان أقلها وكملها وأوسطها والوصية بها 1551 - (682) (92) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي أبو معاوية البصري، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن سعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم مصغرًا أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي بالضم أبي عبد الرحمن البصري، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من (3) روى عنه في (8) أبواب (قال) عبد الله (قلت لعاثشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نيسابوري (هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي) صلاة (الضحى، قالت: لا) يصلي الضحى (إلا أن يجيء) ويقدم (من منيبه) أي من سفره فيصليها في المسجد ركعتين أول قدومه من السفر، وهذا استدلال على كون أقلها ركعتين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 171] والنسائي [4/ 152]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1552 - (00) (00) وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا كهمس بن الحسن) التميمي (القيسي) أبو الحسن البصري، ثقه، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن شقيق) البصري (قال

قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي الضحَى؟ قَالتْ: لا. إِلا أَنْ يَجِيء مِنْ مَغِيبِهِ. 1553 - (683) (93) حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالك عَنِ ابْنِ شِهاب، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّها قَالتْ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحى قَطُّ. وَإِنِّي لأُسَبِّحُها. وَإن كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحبُّ أَنْ يَعمَلَ بِهِ، خَشيَةَ أَنْ يَعمَلَ بِهِ الناسُ، فَيُفرَضَ عَلَيهِم ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت لعائشة) رضي الله تعالى عنها، غرضه بيان متابعة كهمس بن الحسن للجريري في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن شقيق (أكان) بهمزة الاستفهام الاستخباري (النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا) يصليها (إلا أن يجيء من مغيبه) أي من سفره. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة؛ الأول بحديث آخر لها فقال: 1553 - (683) (93) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهريّ المدني (عن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أنها تالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى) بضم السين أي نافلة الضحى (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي متعلق برأيت أي ما رأيته يصلي سنة الضحى في زمن من الأزمان الماضية (وإني لأسبحها) أي لأصلي سنة الضحى لأنه بلغني أنه كان يصليها (وإن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها، واسمها ضمير الشأن أي كان الشأن والحال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع) أي ليترك (العمل) الصالح (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يحب أن يعمل به) أي بذلك العمل، وقوله (خشية) مفعول لأجله ليدع أي ليترك العمل وهو يريد عمله لأجل مخافة (أن يعمل به الناس) اقتداء به (فيُفرض عليهم) ذلك العمل بسبب مواظبتهم عليه فيتركوه فيؤاخذوا به كما قال في صلاة التراويح، وفيه بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته، وفيه أنه إذا تعارضت

1554 - (684) (94) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَثَنَا يَزِيدُ، يَعنِي الرِّشْكَ، حَدَثَتْنِي مُعَاذَةُ؛ أَنها سَأَلَتْ عَائِشَةَ رضي اللهُ تعالى عنها: كَم كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي صَلاةَ الضحى؟ قَالت: أَربَعَ رَكَعَاتٍ. ويزِيدُ مَا شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصالح قدم أهمها اهـ نواوي، قال القرطبي: قوله (فيُفرض عليهم) أي يظنونه فرضًا للمداومة فيجب على من يظنه كذلك كما إذا ظن المجتهد حِل شيء أو تحريمه وجب عليه العمل بذلك، وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكمه أنه إذا ثبت على شيء من أعمال القُرب واقتدى الناس به في ذلك العمل فرض عليهم كما قال في قيام رمضان، وسيأتي اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1128] وأبو داود [1293]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على كون أوسطها أربع ركعات بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 1554 - (684) (94) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) (حدثنا يزيد يعني الرشك) بكسر الراء وسكون الشين أي الملقب بالرشك لكثرة لحيته هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة مولاهم أبوالأزهر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (حدثتني معاذة) بنت عبد الله العدوية أم الصهباء البصرية، ثقة، من (3) (أنها سألت عائشة رضي الله تعالى عنها)، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد أبلي (كم) من الركعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) من الضحى إذا صلى (صلاة الضحى قالت) عائشة يصلي (أربع ركعات ويزيد ما شاء) من الركعات، وجملة قوله (ويزيد ما شاء) معطوفة على مقدر مقول للقول تقديره يصلي أربع ركعات ويزيد ما شاء هو أي من غير حصر ولكن لم ينقل أكثر من ثنتي عشرة ركعة كما في المرقاة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 124] وابن ماجه [1381].

1555 - (00) (00) حَدَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّار. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ عَنْ يَزِيدَ، بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَقَال يَزِيدُ: مَا شَاءَ اللهُ. 1556 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي يَحيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ مُعَاذَةَ الْعَدَويَّةَ حَدَّثَتْهُم عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصلِّي الضحى أربَعا. ويزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة الأخير رضي الله تعالى عنها فقال: 1555 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنَزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قال حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لعبد الوارث في رواية هذا الحديث عن يزيد الرشك (عن يزيد بهذا الإسناد) يعني عن معاذة عن عائشة متعلق بحدثنا شعبة، وكذا قوله (مثله) أي مثل حديث عبد الوارث مفعول به لحدثنا شعبة (و) لكن (قال) شعبة في روايته يصلي أربع ركعات و (يزيد ما شاء الله) سبحانه وتعالى زيادة بزيادة لفظ الجلالة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 1556 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء البصري (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة، من (6) (حدثنا قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري، ثقة، من (4) (أن معاذة) بنت عبد الله (العدوية) البصرية (حدثتهم) أي حدثت لقتادة ومن معه (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها، غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة ليزيد الرشك في رواية هذا الحديث عن معاذة (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله) تعالى زيادته من ست وثمان مثلًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال:

1557 - (00) (00) وَحدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ. قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، بهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1557 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (و) محمد (ابن بشار) العبدي البصري (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (قال حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشام لسعيد بن أبي عروبة، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثني أبي لأنه العامل في المتابع يعني عن معاذة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. قال القرطبي: واعلم أن الضحى في أصله صدر النهار والصلاة الموقعة فيه هي المنسوبة إليه، وأول وقتها خروج الوقت المنهي عنه، وآخره ما لم تزل الشمس، وأفضل وقتها إذا رمضت الفصال كما سيأتي، وهذه الصلاة مشروعة مندوب إليها مرغب فيها على ما يأتي بيانه عند جمهور العلماء، وقد روي عن أبي بكر وعمر وابن عمر وابن مسعود أنهم كانوا لا يصلونها، وهذا إن صح محمول على أنهم خافوا أن تتخذ سنة أو يظن بعض الجهال أنها واجبة، وقول ابن عمر وقد رأى الناس يصلونها في المسجد بدعة يعني به الاجتماع لها وفعلها في المسجد، ويحتمل أن يكون قوله في الضحى بدعة أي حسنة كما قال في قيام رمضان، وقد رُوي عنه ما ابتدع المسلمون بدعة أفضل من صلاة الضحى، وهذا منه نص على ما تأولناه. وقول عائشة رضي الله تعالى عنها (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط) يعارضه قولها فيما روت عنها معاذة أنه كان يصليها أربع ركعات ويزيد ما شاء الله، واختلف في الجمع بينهما فقيل إنما نفت أن تكون رأته يصليها بحضرتها وغير حال قدومه من سفر، وحيث صلى أربعًا كان إذا قدم من سفر كما جاء في حديث عبد الله بن شقيق أنها قالت: كان لا يصلي الضحى إلا أن يجيء من مغيبه. قال القاضي عياض: والأشبه عندي في الجمع بين حديثيها أن تكون إنما أنكرت صلاة الضحى المعهودة حينئذ عند الناس على الذي اختاره جماعة من السلف من صلاتها ثمان ركعات فقد صلاها كذلك خالد بن الوليد فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصليها أربعًا كما قالت ويزيد ما شاء الله (قلت) ويمكن أن يقال يحتمل أن يكون الذي

1558 - (685) (95) وَحَدّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ عَنْ عَمرِو بْنِ مُرةَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ أَبِي لَيلى. قَال: مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنهُ رَأَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلِّي الضحى إلَّا أُمُ هانِئٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنكرت ونفت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعله؛ اجتماع الناس لها في المسجد وصلاتها كذلك وهو الذي قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إنه بدعة اهـ من المفهم، (فإن قلت) وبالجملة ففي أحاديث الباب تعارض في الثبوت والنفي، وتعارض في العدد، فأما التعارض في الثبوت والنفي ففي حديث عائشة أنه كان لا يصليها إلا أن يجيء من مغيبه، وفي رواية عنها ما رأيته يصليها قط وإني لأستحبها، وفي رواية عنها أنه كان يصليها أربعًا ويزيد ما شاء، وفي حديث أم هانئ أنه صلاها ثمان ركعات، وفي حديث أبي هريرة وأبي ذر وأبي الدرداء رضي الله عنهم أنه صلاها ركعتين (قلت) وجه الجمع ونفي التعارض في الثبوت والنفي أن الأصل أحاديث الثبوت لأن النفي إنما جاء من طريق عائشة فقط، قال القاضي: وإنما نفت أن تكون رأت أو شاهدت وتكون علمت الأخرى من خبره أو خبر غيره، ووجه الجمع بين التعارض في العدد أن كلًّا من الرواة روى ما شاهد، وأما التعارض بالنسبة إلى فعله صلى الله عليه وسلم فبيّن بالركعتين أدنى ما يكون لأن النافلة لا تكون أقل منهما ثم كان يزيد ما شاء الله تعالى كما قالت عائشة فيصليها مرة أربعًا ومرة ستًّا ومرة ثمانيًا ثم بيّن فضيلة الزيادة إلى اثني عشر اهـ من الأبي بتصرف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على أن الضحى ثمان ركعات بحديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها فقال: 1558 - (685) (95) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي أبي عبد الله الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي، ثقة، من (2) (قال) عبد الرحمن (ما أخبرني أحد) من الناس (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أم هانئ) فاختة

فَإِنَّهَا حَدَّثَتْ؛ أن النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكةَ. فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. مَا رَأَيتُهُ صَلَّى صَلاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا. غَيرَ أنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بَشَّارٍ، فِي حَدِيثِهِ، قَوْلَهُ: قَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها الهاشمية المكية، بالرفع بدل من أحد لأن الاستثناء من المنفي التام، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مكي (فإنها) أي فإن أم هانئ (حدثنـ) ـني (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها) في مكة (يوم فتح مكة فصلى) عندها (ثماني ركعات) وفي بعض النسخ ثمان ركعات، والثمانية بالهاء للمعدود المذكر وبحذفها للمؤنث، وإذا أضيفت إلى مؤنث تثبت الياء ثبوتها في القاضي وأعرب إعراب المنقوص وتحذف الياء في لغة بشرط فتح النون كما في المصباح (ما رأيته) صلى الله عليه وسلم (صلى صلاة قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان متعلق برأيت أي ما رأيته قط صلى صلاة (أخف منها) أي أقصر من تلك الصلاة، وذلك بترك قراءته السورة الطويلة والأذكار الكثيرة (غير أنه) صلى الله عليه وسلم (كان يتم الركوع والسجود) فيه إشعار بالاعتناء بشأن الطمأنينة في الركوع والسجود كما في المرقاة (ولم يذكر ابن بشار في حديثه) أي في روايته (قوله) أي قول الراوي وهو أم هانئ لفظة (قط) بل أسقطها من روايته. قال القرطبي: وقول أم هانئ (إنه صلى الضحى يوم الفتح ثماني ركعات) وفي حديث معاذة (أربع ركعات) يدل على أنها ليس لعددها حد محدود، وقد ذكر البزار عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، وإن صليت أربعًا كتبت من العابدين، وإن صليت ستًّا لم يلحقك ذنب، وإن صليت ثمانيًا كتبت من القانتين، وإن صليت اثنتي عشرة بُني لك بيت في الجنة" رواه البزار [194] وقال: لا نعلمه إلا من هذا الوجه اهـ من المفهم (فإن قلت) قوله في أول هذا الحديث (دخل صلى الله عليه وسلم بيتها يوم الفتح) يعارضه ما في الرواية الأخرى أنها قالت (ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة بنته تستره) قال (ع) وكذا هو في الموطأ (قلت) لا معارضة لأن هذه الرواية أصح من الأولى لأن نزوله صلى الله عليه وسلم إنما كان بالأبطح قبل دخول مكة، وكذا وقع مفسرًا في رواية شعبة، وفيها قال (وهو في قبة في الأبطح) وأيضًا فإن طلب التأمين إنما كان قبل أن يدخل صلى الله عليه وسلم مكة بنفسه ويؤمن سائرهم بنفسه اهـ من الأبي، أو يحمل على تكرر ذلك منه اهـ قسط.

1559 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَن أَبَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَال: سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَجِدَ أحَدًا مِنَ النَّاسِ يُخْبِرُنِي أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1176] وأبو داود [1290 و 1291] والترمذي [474] والنسائي [1/ 126] وابن ماجه [1379]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها فقال: 1559 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (ومحمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (قالا أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب قال حدثني) عبد الله مكبرًا ويقال فيه عبيد الله مصغرًا والصواب الأول (ابن عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو يحيى المدني، روى عن أبيه في الصلاة، وعبد المطلب بن ربيعة في الزكاة، وعبد الله بن عباس في الطب، ويروي عنه (خ م د س) والزهري وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زبير بن الخطاب في الطب قتلته السموم بالأبواء وهو مع سليمان بن عبد الملك مات سنة (99) تسع وتسعين وصلى عليه سليمان بن عبد الملك، قال النسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (أن أباه عبد الله بن الحارث بن نوفل) بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي أبا محمد المدني، له رؤية، ولأبيه وجده صحبة حنكه النبي صلى الله عليه وسلم، قال في التقريب: أجمعوا على توثيقه، مات بعُمان سنة (84) أربع وثمانين من الثانية (قال سألت) الناس هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى أم لا؟ (وحرصت) أي والحال أني قد حرصت (على أن أجد أحدًا من الناس يخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى) أي صلى سنة الضحى

فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُحَدِّثُنِي ذلِكَ. غَيرَ أَن أُمَّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَتْنِي؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَى، بَعْدَ مَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، يَوْمَ الْفَتْحِ. فَأُتِيَ بِثَوْبٍ فَسُتِرَ عَلَيهِ. فَاغْتَسَلَ. ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. لا أَدْرِي أَقِيَامُهُ أَطْوَلُ، أَمْ رُكُوعُهُ، أمْ سُجُودُهُ، كُل ذلِكَ مِنْهُ مُتَقَارِبٌ. قَالتْ: فَلَمْ أَرَهُ سَبَّحَهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. قَال الْمُرَادِيُّ: عَنْ يُونُسَ. وَلَمْ يَقُلْ: أَخْبَرَنِي. 1560 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلم أجد أحدًا يحدثني ذلك) أي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة الضحى (غير أن أم هانئ) فاختة (بنت أبي طالب) شقيقة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما (أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى) مكة (بعدما ارتفع النهار) أي شمسه (يوم الفتح فأتي بثوب فستر) الثوب (عليه) صلى الله عليه وسلم أي جعل ساترًا يستره عن الناس (فاغتسل ثم قام فركع ثماني ركعات) قالت أم هانئ (لا أدري) ولا أعلم (أقيامه) صلى الله عليه وسلم في تلك الركعات (أطول) من ركوعه وسجوده (أم ركوعه) أطول من قيامه وسجوده (أم سجوده) أطول منهما (كل ذلك) المذكور من القيام والركوع والسجود (منه) صلى الله عليه وسلم (متقارب قالت) أم هانئ (فلم أره) صلى الله عليه وسلم (سبحها) أي صلى تلك الركعات (قبل) أي قبل ذلك اليوم (ولا بعد) أي ولا بعد ذلك اليوم، وقولها هذا محل نظر، فإنها من مسلمة الفتح، ولم تكن من المهاجرات فأنى لها الرؤية (قال) محمد بن سلمة (المرادي) في روايته لفظة (عن يونس ولم يقل) المرادي (أخبرني) يونس أي عبر عنه بلفظ العنعنة، وسند هذا الحديث من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد أيلي وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن الحارث لعبد الرحمن بن أبي ليلى في رواية هذا الحديث عن أم هانئ، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها فقال: 1560 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير النيسابوري (قال قرأت على مالك) الإمام ابن أنس المدني (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم

أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْت أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ؛ أَنهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ. فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ. وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ. قَالتْ: فَسَلَّمْتُ. فَقَال: "مَنْ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني، ثقة ثبت، من (5) (أن أبا مرة) يزيد الهاشمي مولاهم (مولى أم هانئ بنت أبي طالب) ويقال له مولى عقيل بن أبي طالب، وثقه العجلي وابن حبان وقال: كان ثقة قليل الحديث، وكان شيخًا قديمًا روى عن عثمان، وقال في التقريب: مدني مشهور بكنيته، ثقة، من الثالثة (أخبره) أي أخبر لأبي النضر (أنه) أي أن أبا مرة (سمع أم هانئ) فاختة (بنت أبي طالب تقول: ذهبت) من مكة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح) وهو نازل في قبته بالأبطح في أعلى مكة قبل دخوله مكة، وهذه الرواية أصح من رواية دخوله بيتها فلا تعارض كما مر في الرواية السابقة (فوجدته يغتسل) أي صادفته يغتسل في قبته بالأبطح (وفاطمة ابنته تستره بثوب) في حالة اغتساله، قال القاضي: فيه ستر ذات المحرم محرمهما وبينهما ستر (قالت) أم هانئ (فسلمت) عليه صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: فيه جواز التسليم على المتوضئ والمغتسل بخلاف البائل والمتغوط (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذه) المسلِّمة عليّ، فيه جواز كلام المغتسل، وقد كره العلماء كلامه على وضوئه وغسله ولا حجة في هذا الحديث على إباحته أو الكراهة إنما هو في كلام المغتسل غسلًا شرعيًّا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما اغتسل هنا تنظفًا من الغبار كما جاء مفسرًا في الحديث (فجاء وعلى وجهه وهج الغبار فأمر فاطمة أن تسكب له غسلًا). قال القاضي: واحتج من لم يجز شهادة الأعمى ولا على الصوت بقوله "من هذه" ولم يعول على صوتها ولم يعرفه إذ لم يرها وهذا لا حجة فيه لأن من يجيز الشهادة على الصوت إنما ذلك فيما حقق صاحب الصوت عليه فأما مع عدم تحقيقه فلا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحقق صوتها لبعد عهده بها، وقد تختلف الأصوات بعوارض وعلل وطول الزمان، وقيل إن قوله هذا وقد عرفها من نوع اللطف والتودد، وفيه تكنية النساء ومبرتهن وملاطفة الأهل والمعارف بالقول والتبشير عند اللقاء اهـ، قالت أم هانئ (قلت) له صلى الله عليه وسلم أنا (أم هانئ بنت أبي طالب) فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه

"مَرْحَبا بِأُمِّ هَانِئٍ" فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ، فُلانَ ابْنَ هُبَيرَةَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ أجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ " قَالتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذلِكَ ضُحًى ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم لها (مرحبًا بأم هانئ) أي صَادَفْتِ رحبًا وسعةً أم هانئ، منصوب على المصدرية بعامل محذوف ففيه دِلالةٌ على جوازِ هذا القول للقادم وبِرُّ الزائر والقريب ولقاؤه بجميل القول (فلما فرغ) صلى الله عليه وسلم (من غسله قام فصلى ثماني ركعات) وزاد في رواية ابن وهب: يسلم من كل ركعتين فاندفع بها ما قد يتوهم أنها موصولة (ملتحفًا في ثوب واحد) أي متلففًا به، فسره في الرواية الأخرى بقوله (قد خالف بين طرفيه) وهذا هو الاضطباع، وفيه جواز الصلاة في الثوب الواحد، وهذه اللبسة قد تقدم الكلام عليها (فلما انصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من صلاته (قلت) له (يا رسول الله زعم) أي قال (ابن أمي علي بن أبي طالب) والزعم القول الغير المقبول، ولكن هنا بمعنى ذكر وقال، وإنما قالت ابن أمي مع أن عليًّا شقيقها لتأكيد الحرمة بتذكير المشاركة في بطن واحد (أنه قاتل رَجلًا أجرته) وأمنته (فلان ابن هبيرة) تعني أنه عازم على قتل رجل جعلته في أمان، وقولها فلان ابن هبيرة بالنصب على أنه بدل من رجلًا أو من الضمير المنصوب في أجرته، وبالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف كما في شروح البخاري، وذكروا في تسمية فلان اختلافًا كثيرًا، وقال القاضي: ولم أر من سمى فلان ابن هبيرة هذا ولا من نسبه، ولا خلاف في كون هبيرة اسم زوجها وهو هبيرة بن أبي وهب المخزومي، هرب من مكة عام الفتح لما أسلمت زوجته أم هانئ، وفرق الإسلام بينه وبينها ولم يزل مشركًا حتى مات، فلعل فلانًا كان ابنه من غيرها أجارته لكونه عندها (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) أي أعطيناه الأمان، قال ابن الملك: دل الحديث على أن أمان المرأة الحرة نافذ، قيل هذا إنما يصح إذا آمنت واحدًا أو اثنين وأما أمان ناحية على العموم فلا يصح إلا من الإمام لأنه لو صح من غيره صار ذريعة إلى إبطال الجهاد اهـ (قالت أم هانئ وذلك) الوقت الذي رأيته يغتسل ويصلي (ضحى) أي وقت ضحى أي وقت ارتفاع الشمس أو ما صلاه عليه الصلاة والسلام هي صلاة الضحى، وسند هذه الرواية من خماسياته رجاله ثلاثة منهم

1561 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا وُهَيبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي بَيتِهَا عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالفَ بَينَ طَرَفَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي مرة لعبد الله بن الحارث في رواية هذا الحديث عن أم هانئ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها فقال: 1561 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا معلي بن أسد) العمي -بفتح المهملة وتشديد الميم- أبو الهيثم البصري، ثقة ثبت، من كبار (10) (حدثنا وهيب بن خالد) بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (عن جعفر) الصادق (ابن محمد) الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي عبد الله المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي جعفر الهاشمي المدني (عن أبي مرة) يزيد الهاشمي مولاهم (مولى عقيل) بن أبي طالب المدني، ثقة، من (3) (عن أم هانئ) فاختة بنت أبي طالب شقيقة علي الهاشمية المكية، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد مكي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد الباقر لأبي النضر في رواية هذ الحديث عن أبي مرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها) في مكة (عام الفتح ثماني ركعات) ملتحفًا (في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه) وقد تقدم قريبًا أن رواية (ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل) أصح من هذه الرواية لأن نزول النبي صلى الله عليه وسلم كان في أعلى مكة بالأبطح ولأن طلب التأمين وقتل المشركين إنما كان قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه مكة وتأمينه سائرهم بنفسه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على أن أقل الضحى ركعتان بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال:

1562 - (686) (96) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ مَيمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَينَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِي، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَة. فَكُل تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُل تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُل تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُل تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1562 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق (الضبعي) أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) (حدثنا مهدي وهو ابن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا واصل مولى أبي عيينة) بتحتانية مصغرًا ابن المهلب بن أبي صفرة الأزدي البصري، وثقه أحمد وابن معين، وقال العجلي: بصري ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق عابد، من (6) (عن يحيى بن عقيل) بالضم مصغرًا لخزاعي البصري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من (3) (عن يحيى بن يعمر) القيسي الجدلي أبي سليمان البصري، ثقة، من (3) (عن أبي الأسود الدولي) بضم الدال بعدها همزة مفتوحة ظالم بن عمرو بن سفيان البصري، ثقة فاضل مخضرم (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا ذر الغفاري فإنه مدني أو ربذي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يصبح) مضارع ناقص لأصبح الرباعي (على كل سلامى) خبره مقدم، وسلامى كسكارى عظام الأصابع وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان، قال النواوي: وأصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله اهـ (من أحدكم) صفة لسلامى، وقوله (صدقة) اسم يصبح مؤخر عن خبرها، والتقدير تكون الصدقة واجبة على كل سلامى كائنة من أحدكم صباح كل يوم، وفي رواية أبي داود زيادة (في كل يوم) يعني أن كل عظم من عظام ابن ادم يصبح سليمًا من الآفات باقيًا على الهيئة التي تتم بها منافعه، فعليه صدقة، والمراد بالصدقة الشكر كما في المبارق بزيادة من المرقاة (فكل تسبيحة) من أحدكم أي مرة واحدة من التسبيح (صدقة) له (وكل تحميدة) منه (صدقة) له (وكل تهليلة) منه (صدقة) له (وكل تكبيرة) منه (صدقة) له (وأمر بالمعروف) واقع منه (صدقة) له (ونهي عن المنكر)

صَدَقَةٌ. وَيُجْزِئُ، مِنْ ذلِكَ، رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى". 1563 - (687) (97) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ. حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ واقع منه (صدقة) له (وبجزئ من ذلك) كله كما في أبي داود بفتح أوله من جزى يجزئ بمعنى كفى ومنه قوله تعالى {لَا تَجْزِي نَفْسٌ} وبضمه من الإجزاء وهو الإغناء، ومنه حديث "لا يجزئ عن أحد بعدك" وقال ملا علي: يجزئ بالتذكير وتجزئ بالتأنيث؛ أي يكفي مما وجب على السلامى من الصدقات (ركعتان يركعهما) أي يصليهما (من الضحى) أي في وقت الضحى أي يكفي من هذه الصدقات الواجبة على السلامى ركعتان من الضحى لأن الصلاة عمل يجمع أعضاء البدن فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي وجبت عليه المذكورة في هذا الحديث وهو شكر ربها من سلامتها من الآفات، وفيه دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين والحث على المحافظة عليها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 167 و 178] وأبو داود [1286]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1563 - (687) (97) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري أبو عبيدة البصري (حدثنا أبوالتياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري، ثقة ثبت مشهور بكنيته، من (5) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أبو عثمان النهدي) عبد الرحمن بن مل- بتثليث الميم وتشديدها - الكوفي مشهور بكنيته، مخضرم أسلم وصدق ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه في (11) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد كوفي وواحد أبلي (قال) أبو هريرة (أوصاني) أي أمرني على سبيل التعاهد (خليلي) أي محبوبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي تخللت محبته قلبي فصار في خلاله أي في باطنه، وقوله هذا لا يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر) لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى

بِثَلاثٍ: بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ. وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى. وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ. 1564 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم غيره تعالى خليلًا لا أن غيره يتخذه هو (بثلاث) زاد في البخاري إلا أدعهن حتى أموت) أي لا أتركهن إلى أن أموت، وقوله (بصيام) بدل من قوله بثلاث بإعادة الجار أي أوصاني بصيام (ثلاثة أيام) البيض (من كل شهر) لتمرين النفس على جنس الصيام ليدخل في واجبه بانشراح ونشاط، ويثاب ثواب صوم الدهر بانضمام ذلك لصوم رمضان إذ الحسنة بعشرة أمثالها، وقيل يومًا من أوله ويومًا من وسطه ويومًا من آخره، وقيل كل يوم من أول كل عشر، وقيل مطلقًا هـ من العون (وركعتي الضحى) معطوف على صيام وهما أقله ويجزئان عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم وهي ثلاثمائة وستون مفصلًا كما مر آنفًا في حديث أبي ذر. وقوله (وأن أوتر قبل أن أرقد) وأنام، في تأويل مصدر معطوف على صيام أي وبالإيتار قبل رقدتي ونومي، إنما أمره بتقديم الوتر على النوم لأنه كان لا يثق على الانتباه، وقد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على التهجد فأمره بالضحى بدلًا عن قيام الليل ولهذه أمره صلى الله عليه وسلم أن لا ينام إلا على وتر ولم يأمر بذلك أبا بكر ولا عمر ولا غيرهما من الصحابة، لكن قد وردت وصيته صلى الله عليه وسلم بالثلاث أيضًا لأبي الدرداء كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا اهـ قسطلاني. وفي هذا الحديث وحديث أبي الدرداء الحث على الضحى وصحتها ركعتين، والحث على صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وعلى الوتر وتقديمه على النوم لمن خاف أن لا يستيقظ آخر الليل اهـ من العون. وهذا الحديث قد شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 233 و 258] والبخاري [1178] وأبو داود [1432] والترمذي [760] والنسائي [3/ 229]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1564 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنَزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن

عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيرِيِّ وَأَبِي شِمْرٍ الضُّبَعِيِّ. قَالا: سَمِعْنَا أَبَا عُثمَانَ النَّهْدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 1565 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجاج العتكي البصري (عن عباس) بن فروخ -بفتح الفاء وضم الراء المشددة آخره معجمة- (الجريري) بالتصغير أبي محمد البصري، روى عن أبي عثمان النهدي في الصلاة، وعمرو بن شعيب، ويروي عنه (ع) وشعبة والحمادان، قال أحمد: ثقة ثقة، وكذا قال النسائي، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات قديمًا بعد العشرين ومائة (120) (وأبي شمر) بكسر أوله وسكون الميم وبفتح أوله وكسر ثانيه ككتف (الضبعي) البصري ليس له اسم إلا هذه الكنية روى عن أبي عثمان النهدي في الصلاة، وأرسل عن عبادة بن الصامت، ويروي عنه (م س) وشعبة، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة، كلاهما (قالا سمعنا أبا عثمان النهدي) الكوفي (يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقا (بمثله) أي بمثل ما حدّث أبوالتياح عن أبي عثمان النهدي، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة والسماع والمقارنة في موضعين، غرضه بسوقه بيان متابعة الجريري وأبي شمر لأبي التياح في رواية هذا الحديث عن أبي عثمان النهدي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1565 - (00) (00) (وحدثني سليمان بن معبد) بن كوسجان -بجيم بعد المهملة- أبو داود السنجي -بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم- نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو النحوي المروزي الرحّال، روى عن معلي بن أسد في الصلاة، وعثمان بن عمر في الذبائح، وعمرو بن عاصم في الفضائل، وسليمان بن حرب في اللعان، والحسين بن حفص في القدر، ومحمد بن الفضل عارم، ويروي عنه (م ت س) وأبو نصر محمد بن حمدويه، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة صاحب حديث رحّال أديب، من الحادية عشرة، مات سنة (257) سبع وخمسين ومائتين (حدثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم البصري، ثقة ثبت، من كبار العاشرة، روى عنه في (5)

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ. قَال: حَدَّثَنِي أَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. 1566 - (688) (98) وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (حدثنا عبد العزيز بن مختار) الأنصاري مولاهم كان مولى حفصة بنت سيرين أبو إسماعيل الدباغ البصري، روى عن عبد الله الداناج في الصلاة والحدود، وسهيل في الزكاة والحج والنكاح والدعاء، وعمرو بن يحيى بن عمارة في الصوم والحج، وخالد الحذاء في البيوع، وأيوب السختياني في الفتن، ويروي عنه (ع) ومعلي بن أسد ومحمد بن عبد الملك الأموي وأبو كامل الجحدري ويحيى بن حماد وأحمد بن إسحاق الحضرمي، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من (7) السابعة (عن عبد الله) بن فيروز البصري (الداناج) بنون خفيفة وجيم، ويقال فيه الدانا والداناة فارسي معرب، لقب له، معناه بالفارسية العالم، روى عن أبي رافع الصائغ في الصلاة، وحضين بن المنذر أبي ساسان في الحدود، وأنس وأبي سلمة، ويروي عنه (خ م د س ق) وعبد العزيز بن المختار وقتادة وهمام، وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الخامسة (قال حدثني أبو رافع الصائغ) نفيع بن رافع المدني العدوي مولاهم مولى ابنة عمر بن الخطاب، ثقة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (قال) أبو رافع (سمعت أبا هريرة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مروزي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي رافع الصائغ لأبي عثمان النهدي في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة. (قال) أبو هريرة: (أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بثلاث) خصال (فذكر) أبو رافع (مثل حديث أبي عثمان عن أبي هريرة) أي مماثله لفظًا ومعنى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما فقال: 1566 - (688) (98) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البزاز أبو موسى البغدادي ثقة، من (10) (ومحمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري،

قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ؛ قَال: أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثٍ. لَنْ أَدَعَهُن مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أَيامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ. وَصَلاةِ الضُّحَى. وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتى أُوتِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (11) (قالا حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بضم الفاء مصغرًا يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام بكسر المهملة وبالزاي الأسدي الحزامي أبي عثمان المدني، صدوق، من (7) (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي مولاهم أبي إسحاق المدني، ثقة، من (3) (عن أبي مرة) يزيد الهاشمي مولاهم (مولى أم هانئ) هو مولاها حقيقة ويضاف إلى أخيها عقيل بن أبي طالب مجازًا كما مر، المدني، ثقة، من (3) (عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي الصحابي المشهور رضي الله عنه الشامي الدمشقي انتقل إلى الشام، ومات بها سنة (32) اثنتين وثلاثين في آخر خلافة عثمان، وقبره بدمشق معروف هناك، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد شامي وواحد بغدادي (قال) أبو الدرداء (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم) أي محبوبي (بثلاث) خصال والله (لن أدعهن) أي لن أتركهن (ما عشت) أي مدة عيشي وحياتي أوصاني (بصيام ثلاثة أيام من كل شهر) وهي أيام البيض أو غيرها كما مر (و) أوصاني بـ (صلاة الضحى و) أوصاني (بأن لا أنام حتى أوتر) أي إلى أن أصلي الوتر، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء وأبي هريرة تدل على فضيلة الضحى وكثرة ثوابه وتاكده ولذلك حافظا عليه ولم يتركاه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 440] وأبو داود [1433]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة؛ الأول منها: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به مفهومًا على أن أقل الضحى ركعتان إذا جاء من سفر وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد للحديث الأول، والثالث: حديث عائشة الثالث ذكره للاستدلال على أن أوسط الضحى أربع ركعات وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث أم هانئ ذكره للاستدلال على أن أكثر الضحى ثمان ركعات وذكر فيه ثلاث متابعات، والخاص: حديث أبي ذر الغفاري ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستدلال به منطوقًا على أن أقل الضحى ركعتان مطلقًا، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسابع: حديث أبي الدرداء ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

320 - (32) باب ما جاء في ركعتي الفجر في استحبابهما ووقتهما وفضلهما وما يقرأ فيهما

320 - (32) باب: ما جاء في ركعتي الفجر في استحبابهما ووقتهما وفضلهما وما يقرأ فيهما 1567 - (689) (99) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ، إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الأَذَانِ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، وَبَدَا الصُّبْحُ، رَكَعَ رَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ، قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 320 - (32) باب ما جاء في ركعتي الفجر في استحبابهما ووقتهما وفضلهما وما يقرأ فيهما 1567 - (689) (99) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن حفصة) بنت عمر شقيقة عبد الله بن عمر (أم المومنين) رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي أخبرت لابن عمر، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري، وفيه رواية صحابي عن صحابية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت الموذن من الأذان) الثاني الصلاة الصبح وبدا الصبح) أي ظهر ضوء الصباح وانتشر في أفق السماء (ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة) أي قبل إقامة المؤذن لها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2846] والبخاري [618] والترمذي [419] والنسائي [3/ 253 و 256] وابن ماجه [1145]. ظاهر حديث حفصة أنه لا يجوز في هذا الوقت نافلة إلا ركعتي الفجر، وقد روى الترمذي حديثًا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين" وقال: حديث غريب، وهو ما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر. [قلت]: وهذا الإجماع الذي حكاه الترمذي إنما هو على كراهة التنفل المبتدإ، وأما ما كان منه بحسب سبب فقد ذكرنا الخلاف فيه في باب تحية المسجد، وتخفيفه صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر إنما كان لمبادرته إلى إيقاع صلاة الصبح في أول وقتها والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حفصة رضي الله تعالى عنها فقال:

1568 - (00) (00) (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيى عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيوبَ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، كَمَا قَال مَالِكٌ. 1569 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زَيدِ بنِ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1568 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثني زهير بن حرب) الجرشي النسائي (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري أبو قدامة النيسابوري (قالا حدثنا يحيى) بن سعيد القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بابن علية الأسدي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (كلهم) أي كل من ليث بن سعد وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني رووا (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر عن حفصة وساقوا (كما قال مالك) بن أنس أي مثل ما ساق مالك لفظًا ومعنى وهذه الأسانيد الأول منها من خماسياته، والثاني منها من سداسياته، والثالث أيضًا من سداسياته، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حفصة رضي الله تعالى عنها فقال: 1569 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن عبد الله بن الحكم) بن أبي فروة الهاشمي أبو الحسين الكردي البصري المعروف بابن الكردي روى عن محمد بن جعفر غندر في الصلاة والضحايا والطب والرؤيا، ويحيى القطان ومروان بن معاوية، ويروي عنه (م ت س) ووثقه والبزار والقاسم بن زكريا المطرز، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (247) سبع وأربعين ومائتين (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة المعروف بغندر، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن زيد بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي

قَال: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لا يُصَلِّي إِلا رَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ. 1570 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 1571 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني، روى عن نافع في الصلاة والجهاد وأبيه، ويروي عنه (م س) وشعبة وأخواه عاصم وعمر ابنا محمد بن زيد، وثقه أبو داود وأبو حاتم والنسائي، وقال الدارقطني: مقل فاضل، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة (قال) زيد (سمعت نافعًا يُحَدِّث عن ابن عمر عن حفصة) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون وواحد مكي، غرضه بيان متابعة زيد بن محمد لمالك (قالت) حفصة رضي الله تعالى عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر) الصادق (لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين) سنة الفجر، فيه أن سنة الصبح لا يدخل وقتها إلا بطلوع الفجر، واستحباب تقديمها في أول طلوع الفجر وتخفيفها وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور، وقال بعض السلف: لا بأس بإطالتهما ولعله أراد أنها ليست محرمة ولم يخالف في استحباب التخفيف اهـ نواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث حفصة رضي الله تعالى عنها فقال: 1570 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا النضر) بن شميل المازني البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (بهذا الإسناد) متعلق بأخبرنا النضر يعني عن زيد بن محمد .. الخ (مثله) أي مثل ما روى محمد بن جعفر عن شعبة، والغرض بيان متابعة النضر لمحمد بن جعفر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث حفصة رضي الله تعالى عنها فقال: 1571 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، نزيل بغداد، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي المكي (عن عمرو) بن دينار الجمحي

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ؛ أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا أَضَاءَ لَهُ الْفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَينِ. 1572 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، إِذَا سَمِعَ الأذَانَ، ويخَفِّفُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المكي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن سالم) بن عبد الله بن عمر المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر قال (أخبرتني حفصة) بنت عمر، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مكيون وثلاثة مدنيون، غرضه بيان متابعة سالم لنافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أضاء له الفجر) واستنار وانتشر ضوؤه في أفق السماء (صلى ركعتين) سنة الصبح. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حفصة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1572 - (690) (100) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت، من (8) (حدثنا هشام بن عروة) الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان) الثاني (ويخففهما) أي يخفف القراءة فيهما مبادرة إلى الشروع في فرض الصبح في أول وقتها، قال النواوي: ولم يخالف في استحباب التخفيف، وقد بالغ قوم فقالوا لا قراءة فيهما أصلًا حكاه الطحاوي والقاضي، وهو غلط بيّن، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بعد الفاتحة بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وفي رواية قولوا آمنا بالله، وقل يا أهل الكتاب تعالوا، وثبت في الأحاديث الصحيحة لا صلاة إلا بقراءة ولا صلاة إلا بأم القرآن ولا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بالقرآن، واستدل بعض الحنفية بهذا الحديث على أنه لا يؤذن للصبح قبل طلوع الفجر للأحاديث الصحيحة أن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم

1573 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، يَعْنِي ابْنَ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ وَأَبُو كُرَيبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي اسَامَةَ: إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ. 1574 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 164 و 165] والبخاري [619] وأبو داود [1255] والنسائي [3/ 256]، . ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1573 - (00) (00) (وحدثنيه علي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) (حدثنا علي يعني ابن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، (9) (ح وحدثناه أبو بكر) بن أبي شيبة (وأبو كريب و) محمد (بن نمير عن عبد الله بن نمير ح وحدثناه عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد حدثنا وكليع كلهم) أي كل من علي ابن مسهر وأبي أسامة وعبد الله بن نمير ووكيع رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لعبدة بن سليمان في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة (وفي حديث أبي أسامة) وروايته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر (إذا طلع الفجر) بدل قوله إذا سمع الأذان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1574 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى) العنَزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمر البصري (عن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي

أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَينِ، بَينَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ، مِنْ صَلاةِ الصُبْحِ. 1575 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. قَال: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أنَّهُ سَمِعَ عَمْرَةَ تُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. فَيُخَففُ حَتَّى إِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لعروة بن الزبير (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بين النداء) أي الأذان الثاني (والإقامة من صلاة الصبح) أي لصلاة الصبح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1575 (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، ثقة، من (8) (قال) عبد الوهاب (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري النجاري أبا سعيد المدني، ثقة، من (5) (قال) يحيى (أخبرني محمد بن عبد الرحمن) بن حارثة الأنصاري النجاري أبو عبد الرحمن المدني، ويلقب بأبي الرجال لأنه ولد له عشرة رجال فكملوا ولم يمت منهم أحد، روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن في الصلاة والحج والبيوع وغيرها، وعن أنس، ويروي عنه (خ م س ق) ويحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة بن الضحاك بن عثمان ومالك، وثقه ابن سعد وأبو داود والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الخامسة (أنه سمع) أمه (عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، ثقة، من (3) حالة كونها (تحدث عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرة بنت عبد الرحمن لعروة بن الزبير وأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن عائشة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة لما قبلها (أنها كانت تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر) أي سنتها بعد الأذان الثاني (فيخفف) القراءة فيهما ويبالغ في

أَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. 1576 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التخفيف (حتى إني أقول) في نفسي (هل قرأ فيهما) أي في الركعتين (بأم القرآن) أي الفاتحة فضلًا عن غيرها أم لم يقرأها لمبالغته في التخفيف، قال القرطبي: ليس معنى هذا الحديث أنها شكت في قراءته صلى الله عليه وسلم فيها بأم القرآن لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" رواه البخاري [756] ومسلم [295] من حديث عبادة رضي الله عنه وإنما معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان في غيرها من النوافل يقرأ بالسورة ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها بخلاف فعله في هذه فإنه كان يخفف أفعالها وقراءتها حتى إذا نُسبت إلى قراءته في غيرها كانت كأنها لم يقرأ فيها، وقد دل على صحة هذا المعنى ما في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وهذا بعد قراءة الفاتحة في الركعتين قبل السورتين على ما تبين اشتراطه في الصلاة كما تقدم وعلى هذا يحمل حديث ابن عباس أنه كان يقرأ فيهما بقوله تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] وبقوله تعالى {تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران: 64] إنه كان يقرأ ذلك بعد الفاتحة وما ذكرناه هو الظاهر من مجموع الأحاديث وهو اختيار جمهور أصحاب مالك استحبوا أن يقرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة منهما وقل يا أيها الكافرون في الأولى وقل هو الله أحد في الثانية وهو قول الشافعي وأحمد، واستحب مالك الاقتصار على أم القرآن على ظاهر حديث عائشة وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ فيهما بالجملة اهـ من المفهم. قال النواوي: هذا الحديث دليل على المبالغة في التخفيف والمراد المبالغة بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من إطالة صلاة الليل وغيرها من نوافل اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1576 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التميمي العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن

الأَنْصَارِيِّ. سَمِعَ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ، إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَينِ. أَقُولُ: هَلْ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ! 1577 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيءٍ مِنَ النَّوافِلِ، أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ، عَلَى رَكْعَتَينِ قَبْلَ الصُّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري سمع عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، غرضه بيان متابعة شعبة ليحيى بن سعيد الأنصاري (قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر) الثاني (صلى ركعتين) وأنا (أقول) في نفسي (هل يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب) أم لا؟ . ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضل الركعتين بعد الفجر بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1577 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (قال) ابن جريج (حدثني عطاء) بن أبي رباح، اسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبو محمد المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي أبي عاصم المكي قاضي أهل مكة، ثقة مخضرم مجمع على توثيقه (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة) أي محافظة ومواظبة (منه) أي من تعاهده ومحافظته (على ركعتين قبل) فرض (الصبح) استدل بهذا الحديث من قال إنها سنة وهو قول كافة العلماء وأكثر أصحاب مالك، وروي عنهم أنها من الرغائب وهو القول الآخر عن مالك، وذهب الحسن إلى وجوبهما وهو شاذ لا أصل له والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 43 و 54] والبخاري [1169] وأبو داود [1254] والترمذي [416] والنسائي

1578 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: مَا رَأَيتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي شَيءٍ مِنَ النَّوَافِلِ، أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الرَّكْعَتَينِ قَبْلَ الْفَجْرِ. 1579 - (692) (102) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ [3/ 252] والحديث فيه دليل على عظم فضلهما وأنهما أقوى وأوكد السنن الرواتب والمحافظة عليهما أشد من غيرهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1578 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة ابن طلق النخعي أبي عمر الكوفي (قال) محمد (بن نمير حدثنا حفص) بصيغة السماع (عن ابن جريج) الأموي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي المكي (عن عببد بن عمير) بالتصغير فيهما (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة حفص بن غياث ليحيى بن سعيد في الرواية عن ابن جريج (قالت) عائشة (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من النوافل) أي الزوائد على الفرائض من السنن (أسرع منه) أي من إسراعه (إلى الركعتين قبل الفجر) لفضلهما، ويدل على تأكدهما صلاته لهما يوم الوادي. ثم استشهد المؤلف لهذا الحديث الدال على فضلهما بحديث آخر لعائشة يدل على فضلهما أيضًا فقال: 1579 - (692) (152) (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين (الغبري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري،

عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". 1580 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَال: قَال أَبِي: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيي صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (4) (عن زرارة بن أوفى) العامري الحرشي أبي حاجب البصري، ثقة، من (3) (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري ابن عم أنس المدني، روى عن عائشة في الصلاة واللباس والدعاء، وسأل ابن عباس عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (ع) وزرارة بن أوفى والحسن وحميد بن هلال، وثقه النسائي وابن سعد، وذكره ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد واسطي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ركعتا) سنة (الفجر) أي ثوابهما (خير من الدنيا) أي من الأرض (وما فيها) من متاع الدنيا وزخارفها الصرف وإلا فهي من الدنيا وكونهما خيرًا من الدنيا لا يقتضي ذم الدنيا، وروي أن رجلًا ذم الدنيا بمحضر علي رضي الله عنه فقال: (ما لك ولذمها وهي دار غنى لمن تزود منها ودار عظة لمن فهم عنها، ذكرَتْ بسرورها السرورَ وببلائها البلاءَ، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومَتْجَرُ أوليائه، ربحوا فيها بالحسنات ... ) في كلام طويل ذكره اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية في هذا الحديث أحمد [6/ 265] وهو من أفراده من أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1580 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) (حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (قال) معتمر (قال أبي) سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري أحد سادة التابعين علما وعملا، ثقة، من (4) (حدثنا قتادة) بن دعامة البصري (عن زرارة) بن أوفى البصري (عن سعد بن هشام) الأنصاري المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم بصريون واثنان مدنيان، غرضه بيان متابعة سليمان بن طرخان لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة (عن النبي صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال، فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَينِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: "لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا". 1581 - (693) (103) حَدَّثنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاد وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ عَنْ يَزِيدَ، هُوَ ابْنُ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم أنه قال في شأن الركعتين) المفعولتين (عند طلوع الفجر) أي عقب طلوع الفجر أي قال في بيان فضلهما (لهما) أي لهاتان الركعتان (أحب إليّ) أي عندي (من) متاع (الدنيا) وزخارفها (جميعًا) من أولها إلى آخرها، واللام في لهما لام الابتداء كما في قوله تعالى {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} وهما مبتدأ وأحب خبره، وصح الإخبار به عنه لأن اسم التفضيل يخبر به عن الجمع والتثنية والمفرد بلفظ واحد، والجملة مقول للقول. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على ما يقرأ فيهما بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1581 - (693) (153) (حدثني محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، صدوق، من (10) (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي، صدوق، من (10) (قالا حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) (عن يزيد هو ابن كيسان) اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي) سنة (الفجر) في الركعة الأولى منهما سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و) في الركعة الثانية منهما سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1256] والنسائي 21/ 155 و 156] وابن ماجه [1148]. وفي هذا الحديث دليك لمذهب الجمهور أنه يستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة، ويستحب أن تكون هاتين السورتين أو الآيتين المذكورتين في رواية أخرى، وقال مالك وجمهور أصحابه: لا يقرأ غير الفاتحة، وقال

1582 - (694) (104) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْفَزَارِيُّ، يَعْنِي مَرْوَانَ بْنَ مُعَاويَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَنْصَارِيِّ. قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فِي الأوُلَى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَينَا} [البقرة: 136]. الآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ. وَفِي الآخِرَةِ منْهُمَا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52]. 1583 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَئو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض السلف: لا يقرأ شيئًا وكلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لها اهـ من العون. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1582 - (694) (104) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا الفزاري يعني مروان بن معاوية) أبو عبد الله الكوفي (عن عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف مصغرًا (الأنصاري) الأوسي أبي سهل المدني ثم الكوفي، ثقة، س من (5) روى عنه في (6) أبواب (قال أخبرني سعيد بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة أبو الحباب بموحدتين ومهملة مضمومة المدني، ثقة متقن، من (3) روى عنه في (7) أبواب (أن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أخبره) أي أخبر لسعيد بن يسار، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في) الركعة (الأولى منهما) قوله تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَينَا} يعني (الآية التي في البقرة [136] احترز بهذا القيد عن التي في آل عمران (و) يقرأ (في) الركعة (الآخرة منهما) أي من الركعتين قوله تعالى {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} الآية 52 من آل عمران. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 272] وأبو داود [1359] والنسائي [2/ 155]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1583 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر)

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الْفَجْرِ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَينَا} [البقرة: 136]. وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: {تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ} [آل عمران: 64]. 1584 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأزدي سليمان بن حيان الكوفي، صدوق، من (8) (عن عثمان بن حكيم) الأنصاري المدني (عن سعيد بن يسار) الهلالي مولاهم المدني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد طائفي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لمروان بن معاوية في رواية هذا الحديث عن عثمان بن حكيم (قال) ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي) سنة (الفجر) في الركعة الأولى منهما الآية التي في البقرة يعني قوله تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَينَا} و) في الركعة الأخيرة الآية (التي في آل عمران) يعني قوله تعالى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ {تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ} [آل عمران: 64]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1584 - (00) (00) (وحدثني علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عثمان بن حكيم) الأنصاري المدني (في هذا الإسناد) المذكور أي بهذا الإسناد، ففي بمعنى الباء وقد تقدم حكمة تعبيره بفي دون الباء في أوائل الكتاب فجدد العهد به يعني عن سعيد بن يسار عن ابن عباس، والجار والمجرور متعلق بأخبرنا عيسى لأنه العامل في المتابع، وكذا يتعلق به الجار والمجرور في قوله (بمثل حديث مروان الفزاري) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عيسى بن يونس لمروان بن معاوية في رواية هذا الحديث عن عثمان بن حكيم، والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث؛ الأول حديث حفصة ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستدلال به على أوائل الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات أيضًا، والثالث حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على فضلهما وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد به لحديثها الثاني وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

321 - (33) باب رواتب الفرائض وفضلها وعددها القبلية منها والبعدية وكيفية صلاة الليل

321 - (33) باب: رواتب الفرائض وفضلها وعددها القبلية منها والبعدية وكيفية صلاة الليل 1585 - (695) (105) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، يَعْنِي سُلَيمَانَ بْنَ حَيَّانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. قَال: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، بِحَدِيثٍ يَتَسَارُّ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 321 - (33) باب رواتب الفرائض وفضلها وعددها القبلية منها والبعدية وكيفية صلاة الليل 1585 - (695) (105) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو خالد) الأحمر (بعني سليمان بن حيان) بالتحتانية الكوفي، صدوق، من (8) (عن داود بن أبي هند) دينار القشيري مولاهم أبي بكر المصري أو البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن النعمان بن سالم) الطائفي، روى عن عمرو بن أوس في الصلاة، ويعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي في الفتن، ويروي عنه (م عم) وداود بن أبي هند وشعبة وسماك بن حرب وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم وشعبة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن عمرو بن أوس) بن أبي أوس الثقفي الطائفي روى عن عنبسة بن أبي سفيان في الصلاة، وعبد الله بن عمرو بن العاص في الصوم والجهاد، وعبد الرحمن بن أبي بكر في الحج، ويروي عنه (ع) والنعمان بن سالم وعمرو بن دينار وابن سيرين وعدة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: تابعي كبير، من الثانية، ووهم من ذكره في الصحابة، مات بعد التسعين من الهجرة (قال) عمرو (حدثني عنبسة بن أبي سفيان) بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أبو الوليد الحجازي أخو معاوية بن أبي سفيان، روى عن أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله- غليه وسلم وشداد بن أوس، ويروي عنه (م عم) وعمرو بن أوس وأبو صالح السمان وغطاء وجماعة، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، مات سنة (47) سبع وأربعين قبل أخيه (في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسار إليه) بفتح التحتانية والفوقانية والراء المضمومة بالبناء للفاعل على وزن يتحاب، أي يسر به عنبسة من السرور لما فيه من البشارة مع سهولته، وكان عنبسة محافظًا عليه كما ذكره في آخر

قَال: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى اثْنَتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمِ وَلَيلَةٍ .. بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيتٌ فِي الْجَنةِ". قَالتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُن مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُن مُنْذُ سَمِعْتُهُن مِنْ اُمِّ حَبِيبَةَ. وَقَال عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُن مُنْذُ سَمِعْتُهُن مِنْ عَنْبَسَةَ. وَقَال النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُن مُنْذُ سَمِعْتُهُن مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، ورواه بعضهم بضم أوله بالبناء لما لم يسم فاعله (قال) عنبسة (سمعت) أختي (أم حبيبة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم رملة بنت أبي سفيان القرشية الأموية المدنية، وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان طائفيان واثنان كوفيان وواحد بصري، وفيه أربعة تابعيون، روى بعضهم عن بعض وهم داود والنعمان وعمرو وعنبسة، وقد سبقت لهذا نظائر كثيرة اهـ نواوي حالة كونها (تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى اثنتي عشرة) بسكون الشين، وقد تكسر (ركعة) بسكون الكاف، وإنما ذكرنا ذلك مع أنه من الواضحات لأنها على ألسنة كثير من العوام تجري بفتحها لكون جمعها كذلك اهـ من العون، أي من صلى اثنتي عشرة ركعة من الرواتب (في يوم وليلة) المراد بها السنن المؤكدة كما جاء في رواية الترمذي بيانها بهذه الزيادة "أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر" وكلها مؤكدة وآخرها آكدها (بُني له) بالبناء للمفعول (بهن) أي بسبب تلك الركعات (بيت) مشتمل على أنواع من النعمة (في الجنة) أي بنى الله سبحانه وتعالى لذلك المصلي بيتًا في الجنة بسببهن إكرامًا له وجزاءً على تلك الصلوات (قالت أم حبيبة) بالسند السابق (فما تركتهن) ما تركت تلك الاثنتي عشرة ركعة في كل يوم (منذ سمعتهن) أي بعدما سمعت فضلها (من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عنبسة) الراوي عنها (فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة وقال عمرو بن أوس) الراوي عن عنبسة (ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة وقال النعمان بن سالم) الراوي عن عمرو (ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس) قال النواوي: ويؤخذ من كلامهم هذا أنه يحسن من العالم ومن يقتدى به أن يقول مثل هذا ولا يقصد به تزكية نفسه بل يريد حث السامعين على التخلق بخلقه في ذلك وتحريضهم على المحافظة عليه وتنشيطهم لفعله اهـ.

1586 - (00) (00) حَدَّثَنِي أبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وقع في كتاب مسلم حديث أم حبيبة لم يعين اثنتي عشرة ركعة ولا عددها، وقد ذكر النسائي عن أم حبيبة هذا الحديث مرفوعًا وعين فيه الركعات وعددها فقال "أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل صلاة الصبح" وهو صحيح، واختلف العلماء هل للفرائض رواتب مسنونة أو ليس لها؟ فذهب الجمهور إلى الأخذ بحديث أم حبيبة وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله لهذه النوافل على ما ذُكر عن عائشة وابن عمر في هذا الباب فقالوا: هي سنة مع الفرائض، وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه لا رواتب في ذلك ولا توقيت عدا ركعتي الفجر، وقد تقدم ذكرهما حماية للفرائض ولا يُمنع من تطوع بما شاء إذا أمن ذلك، وذهب العراقيون من أصحابنا إلى استحباب الركوع بعد الظهر وقبل العصر وبعد المغرب، وقد تقدم أن أهل الحجاز يسمون الركعة سجدة اهـ من المفهم. قيل: والحكمة في تشريع هذه الرواتب أن أوقات الصلوات أوقات تُفتح فيها أبواب السماء ويُستجاب فيها الدعاء فرغب الشارع في تكثير العمل فيها، قال بعضهم: وحكمة تقديم بعض الرواتب على الفرائض لتتوطن النفس بها وتتفرغ عن علائق الدنيا فلا يأتي المكلف الصلاة المفروضة إلا وهو جميع القلب لأدائها على وجهها، واختلاف الأحاديث في كيفية فعلها يدل على التوسعة فيها وأنه لا حد لها، قال النواوي: وحكمة هذه الرواتب تكميل ما عسى أن يكون نقصا في الفرائض، قال الأبي: كره مالك التنفل بهذه النية اهـ من إكمال المعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 327] وأبو داود [1250] والترمذي [415] والنسائي [3/ 261] وابن ماجه [1141]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 1586 - (00) (00) (حدثنا أبو كسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) نسبة إلى أحد أجداده البصري (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل

حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: "مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَي عَشْرَةَ سَجْدَة، تَطَوُّعًا .. بُنِيَ لَهُ بَيتٌ فِي الْجَنَّةِ". 1587 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ النُعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلهِ كُل يَوْمٍ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعَة تَطَوُّعًا، غَيرَ فَرِيضَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، ثقة، من (8) (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري البصري، ثقة، من (5) (عن النعمان بن سالم) الثقفي الطائفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا بشر بن المفضل لأنه العامل في المتابع يعني عن عمرو بن أوس عن عنبسة عن أم حبيبة، غرضه بيان متابعة بشر بن المفضل لأبي خالد الأحمر (من صلى في) كل (يوم) وليلة، فالمراد باليوم ما يشمل الليل وقد جاء الليل صريحًا في الرواية المتقدمة وكذا يقال في الرواية المتاخرة، واليوم قد لا يختص بالنهار دون الليل كما في النهاية (ثنتي عشرة سجدة) أي ركعة كما هو الرواية فيما مر آنفًا، حالة كونها (تطوعًا) أي تنفلًا احترز به عن الاستعادة (بُني له بيت في الجنة) كرر المتن لبيان محل المخالفة في بعض الكلمات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 1587 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري (عن النعمان بن سالم) الطائفي (عن عمرو بن أوس) الطائفي (عن عنبسة بن أبي سفيان) الأموي المدني (عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لداود بن أبي هند في الرواية عن النعمان بن سالم (أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما) تميمية لاقترانها بمن الزائدة (من عبد) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة تقدم النفي عليه، خبره ما بعد إلا الاستثنائية أي ليس عبد (مسلم يصلي لـ) طلب رضا (الله) تعالى لا للرياء والسمعة أي يصلي مخلصًا عمله لله تعالى (كل يوم) وليلة (ثنتي عشرة ركعة تطوعًا) أي تنفلًا لا معادة، وقوله (غير فريضة) تأكيد لما قبله، قال

إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا فِي الْجَنَّةِ. أَوْ إِلا بُنِيَ لَهُ بَيتٌ فِي الْجَنَّةِ".قَالتْ أُم حَبِيبَةَ: فَمَا بَرِحْتُ أُصلِّيهِن بَعْدُ. وَقَال عَمْرٌو: مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِن بَعْدُ. وَقَال النُّعْمَانُ، مِثْلَ ذلِكَ. 1588 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ أَخْبَرَنِي. قَالى: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ النواوي: هذا من باب التوكيد ورفع احتمال إرادة الاستعادة، وقال ابن الملك: هو بدل من تطوعًا بدل الكل من الكل وأوفى لتأدية المقصود لأن المراد من تلك الركعات السنن المؤكدة، والمؤكدة في حكم الواجبة، والتطوع مستعمل في النوافل التي يخير المصلي بين فعلها وتركها، فقوله غير فريضة يكون أدل على المقصود، وفي بعض النسخ تطوعًا غير الفريضة، وفي بعضها تطوعًا من غير الفريضة (إلا بنى الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك المصلي (بيتًا) أي قصرًا رفيعًا (في الجنة) قال شعبة (أو) قال لي النعمان بن سالم (إلا بني له بيت في الجنة) والشك من شعبة فيما قاله النعمان، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة في سوق الحديث (قالت أم حبيبة) بالسند السابق (فما برحت) أي فما زلت (أصليهن) أي أصلي تلك الصلوات (بعد) أي بعد ما سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال عمرو: ما برحت أصليهن بعد) أي بعد ما سمعت هذا الحديث من عنبسة (وقال النعمان مثل ذلك) أي ما برحت أصليهن بعد ما سمعت هذا الحديث من عمرو بن أوس، ففيه حث للسامعين على مواظبتهن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 1588 - (00) (00) (وحدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي أبو محمد النيسابوري، ثقة، من صغار (10) روى عنه في (13) بابا (وعبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن النيسابوري، ثقة، من صغار (10) روى عنه في (9) أبواب (قالا حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (قال) شعبة (النعمان بن سالم) الطائفي مبتدأ خبره جملة قوله (أخبرني قال) النعمان (سمعت عمرو بن أوس)

يُحَدِّثُ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ؛ قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ تَوَضأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى لِلهِ كُل يَوْمٍ" فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 1589 - (696) (106) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطائفي (يُحدّث) أي يروي (عن عنبسة) بن أبي سفيان (عن) أخته (أم حبيبة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان طائفيان واثنان بصريان وواحد نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة بهز لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء) أي أكمله بفرائضه وآدابه (ثم صلى) مخلصًا (لله) سبحانه وتعالى (كل يوم) وليلة (فذكر) بهز بن أسد (بمثله) أي بمثل حديث محمد بن جعفر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم حبيبة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1589 - (696) (106) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة مأمون سني، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا حدثنا يحيى وهو ابن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من (5) (قال أخبرني نافع) مولى ابن عمر العدوي (عن ابن عمر (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاضمي مولاهم الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) وهذان السندان من خماسياته، رجال الأول منهما اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد بصري وواحد إما نسائي أو نيسابوري، ورجال الثاني منهما اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (قال) ابن عمر (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أراد معية المشاركة لا معية الجماعة، فإنها في النفل مكروهة سوى التراويح

قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَينِ. وَبَعْدَهَا سَجْدَتَينِ. وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَينِ. وَبَعْدَ الْعِشَاءِ سَجْدَتَينِ. وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ سَجْدَتَينِ. فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ. فَصَلَّيتُ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَيتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونظيره قوله تعالى حاكيًا وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين اهـ ملا علي (قبل الظهر سجدتين) أي ركعتين كما هو لفظ البخاري في كتاب الجمعة، قال ملا علي: والتثنية لا تنافي الجمع، وبه يحصل الجمع بينه وبين ما روي أنه - عليه السلام - كان لا يدع أربعًا قبل الظهر، ويؤيده حديث الصدّيقة الآتي (وبعدها سجدتين، وبعد المغرب سجدتين، وبعد العشاء سجدتين، وبعد الجمعة سجدتين، فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت) رواتبها (مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته) صلى الله عليه وسلم وهذا صريح في أن ابن عمر أيضًا صلى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان أخته حفصة منه صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1172] وأبو داود [1252] والترمذي [433 و 434] والنسائي [2/ 119]. وقول ابن عمر (فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم) يدل على أنه كان يصلي بعض النوافل في المسجد مع أنه قد قال "خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" رواه البخاري [6113] ومسلم [781] وأبو داود [447] والنسائي [3/ 198] من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهذا مقتضى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها ذكرت فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى ذلك كله في بيته إلا الفرائض خاصة فإنه كان لا يصليها في المسجد، وعلى هذا فالأصلُ في أفضلية التطوع أن يكون في البيت وإيقاعهُ في المسجد قد يكون لمقتضٍ لذلك وعارضِ مثلُ تشوُّشه في البيت أو لِيُسْرٍ في المسجد ونشاطٍ وما شاكل ذلك، وقد كره النوافل في المسجد النخعي وعبيدة وعُلل ذلك لهما بالحماية للفرائض وبأن لا يُخْلَ بيتُه من الصلاة وبقوله صلى الله عليه وسلم "خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" وذهب بعضهم أن كونها في المسجد أجمع، وحكي عن مالك والثوري أنهما ذهبا إلى كونها في المسجد نهارًا وبالليل في البيت [قلت] هذا قول بمقتضى حديث ابن عمر، وأما بعد الجمعة فذهب مالك وأصحابه إلى أن الأفضل للإمام أن لا يتنفل بأثرها في المسجد، ووُسع في ذلك للمأموم واختار الشافعي والكوفيون الركوع بعد الجمعة ستًّا أو أربعًا، وقال الشافعي: ما كثر فهو أحب إليّ، وسيأتي الكلام في ركعتي العصر وقبل المغرب اهـ من المفهم.

1590 - (697) (107) حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالتْ: كَانَ يُصَلِّي فِي بَيتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا. ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ. ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ. وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ. ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ. وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الِعشَاءَ. ويدْخُلُ بَيتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أم حبيبة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1590 - (697) (107) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي، ثقة، من (7) (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي بالضم أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3) (قال) عبد الله (سألت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد نيسابوري (عن) كمية (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكيفيتها، وقوله (عن تطوعه) بدل مما قبله بدل غلط أي سالتها عن كمية رواتبه وكيفية فعلها (فقالت) لي عائشة (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا) وقد ثبت في حديث ابن عمر أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين فبينهما معارضة، قال الحافظ ابن حجر: يجمع بينهما بحملهما على حالين مختلفين فكان يصلي تارة ثنتين وتارة يصلي أربعًا اهـ (ثم) بعد ما صلى أربعًا في بيتي (يخرج) إلى المسجد (فيصلي بالناس) الظهر (ثم) بعدما صلى بالناس الظهر (يدخل) بيتي (فيصلي ركعتين) راتبة الظهر البعدية (وكان) صلى الله عليه وسلم يخرج من بيتي بعد الأذان فـ (يصلي بالناس المغرب ثم) بعدما صلى بهم (يدخل) بيتي (فيصلي ركعتين) راتبة المغرب البعدية ثم يخرج من بيتي بعد أذان العشاء (ويصلي بالناس العشاء وبدخل بيتي) بعدما صلى بالناس (فيصلي ركعتين) راتبة العشاء البعدية، ففيه ذكر عدد رواتبه وبيان أنه يصليها في البيت والله أعلم. قال ابن الملك: في دليل على استحباب أداء السنة في البيت، قيل في زماننا إظهار السنة الراتبة أولى ليعملها الناس اهـ، قال القاري: أي ليعلموا عملها أو لئلا

وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ. فِيهِن الْوتْرُ. وَكَانَ يُصَلِّي لَيلًا طَويلًا قَائِمًا. وَلَيلًا طَويلًا قَاعِدًا. وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ. وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ. وَكَانَ إِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ينسبوه إلى البدعة، ولا شك أن متابعة السنة أولى مع عدم الالتفات إلى غير المولى اهـ تحفة الأحوذي. (وكان) صلى الله عليه وسلم (يصلي من الليل) أي في آناء الليل (تسع ركعات فيهن) أي في تلك التسع (الوتر) أي الركعة التي توتر ما قبلها، وهذا مثل حديث سعد بن هشام، قالت: كان يصلى تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة وهذا مخالف لما يأتي بعد هذا من قولها: إنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة، ولما قالت إنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها، ولقولها كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر، ولقولها يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا كذلك، ثم يصلي كذلك ثلاثًا، ولقولها إنه كان يوتر بسبع، وقد أشكلت هذه الأحاديث على كثير من العلماء حتى إن بعضهم نسبوا حديث عائشة في صلاة الليل إلى الاضطراب، وهذا إنما كان يصح لو كان الراوي عنها واحدًا أو أخبرت عن وقت واحد، والصحيح أن كل ما ذكرته صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة وأحوال مختلفة حسب النشاط والتيسير، وليبين أن كل ذلك جائز ولأجل هذه الأحاديث المختلفة، قال الحنفية: إن صلاة النفل ليلًا ونهارًا لا يشترط فيها الفصل بين كل ركعتين بسلام بل يصلي ستًّا وثمانيًا وأقل وأكثر بتسليمة واحدة، وقال عبد الوهاب بن نصر: والمختار في النفل مثنى مثنى ليلًا ونهارًا (قلت) ويفهم من هذا أنه يجوز غير ذلك من أربع وست وثمان وعشر كمذهب الأحناف، والجمهور على أن الفصل بين كل ركعتين أولى وأفضل اهـ مفهم (وكان) صلى الله عليه وسلم (يصلي) في بعض الأحيان (ليلًا طويلًا قائمًا) لا يقعد في موضع القراءة (و) كان في بعض الأحيان يصلي (ليلًا طويلًا قاعدًا) لا يقوم في موضع القراءة (وكان إذا قرأ) الفاتحة وغيرها (وهو قائم ركع وسجد) أي انتقل إلى الركوع والسجود (وهو قائم) بلا قعود قبلهما (و) كان (إذا قرأ) القرآن (قاعدًا) في موضع القيام (ركع وسجد) أي انتقل إليهما (وهو قاعد) أي لا يقوم لأجل الركوع من القيام (وكان إذا

طَلَعَ الْفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَينِ. 1591 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ بُدَيلٍ وَأَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسًول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَيلًا طَويلًا. فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، رَكَعَ قَائِمًا. وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا، رَكَعَ قَاعِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ طلع الفجر) الثاني وانتشر في الأفق (صلى ركعتين) سنة الفجر لكن هذا في بعض الأحيان، وفي بعضها ينتقل من القعود إلى القيام ويقرأ بعض القراءة ثم ينتقل من القيام إلى الركوع والسجود ولم يرو عكس ذلك، فكان صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل على ثلاث أحوال؛ قائمًا في كلها، وقاعدًا في كلها، وقاعدًا في بعضها ثم قائمًا اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 62] وأبو داود [1251] والترمذي [436]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1591 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعبد) الثقفي البلخي (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (عن بديل) مصغرًا بن ميسرة العقيلي مصغرًا البصري، ثقة، من (5) (وأيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العَنْزي أبي بكر البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي البصري، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بلخي، غرضه بيان متابعة بديل وأيوب لخالد الحذاء في الرواية عن عبد الله بن شقيق (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلًا طويلًا فإذا صلى قائمًا ركع) أي انتقل من القيام إلى الركوع، حالة كونه (قائمًا) أي لا يقعد لأجل الركوع من القعود (وإذا صلى قاعدًا ركع) أي انتفل من القعود إلى الركوع، حالة كونه (قاعدًا) أي لا يقوم لأجل الركوع من القيام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1592 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. عَنْ شُعْبَةَ عَنْ بُدَيل، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: كُنْتُ شَاكِيًا بِفَارِسَ. فَكُنْتُ أُصَلِّي قَاعِدًا. فَسَأَلْتُ عَنْ ذلِكَ عَائِشَةَ؟ فَقَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَيلًا طَويلًا قَائِمًا. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. 1593 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيلِيِّ؛ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيلِ؟ فَقَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 1592 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنَزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن بديل) بن ميسرة العقيلي البصري (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي البصري (قال) عبد الله كنت شاكيًا) أي مريضًا (بـ) بلاد (فارس) بمنع الصرف للعلمية والعجمة، اسمٌ لِجَيل كبير من أولاد سام بن نوح، بلادهم ثمانية آلاف فرسخ، كما بسطنا الكلام فيه في تفسيرنا حدائق الروح والريحان في سورة الروم (فكنت أصلي قاعدًا فسألت عن) حكم (ذلك) القعود في الصلاة النافلة (عائشة) رضي الله تعالى عنها (فقالت) في الجواب عما سألتها، الاستدلال عليه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) صلاة الليل (ليلًا طويلًا قائمًا) وليلًا طويلًا قاعدًا (فذكر) شعبة (الحديث) أي مثل الحديث الذي رواه حماد عن بديل بن ميسرة، فغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن بديل بن ميسرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1593 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا معاذ بن معاذ) التميمي البصري (عن حميد) بن أبي حميد تير الطويل أبي عبيدة البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق العقيلي) البصري (قال) عبد الله (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن) كيفية (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حميد الطويل لمن روى عن عبد الله بن شقيق

كَانَ يُصَلِّي لَيلًا طَويلا قَائِمًا. وَلَيلًا طَويلًا قَاعِدًا. وَكَانَ إِذَا قَرَأ قَائِمًا، رَكَعَ قَائِمًا. وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا، رَكَعَ قَاعِدًا. 1594 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيلِيِّ. قَال: سَأَلْنَا عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ قَائمًا وَقَاعِدًا. فَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ قَائِمًا، رَكَعَ قَائِمًا. وَإِذَا افتَتَحَ الصِّلاةَ قَاعِدًا، رَكَعَ قَاعِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقالت) عائشة (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصلي ليلًا طويلًا قائمًا وليلًا طويلًا قاعدًا وكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قرأ قائمًا ركع قائمًا وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1594 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن هشام بن حسان) الأزدي القردوسي أبي عبد الله البصري، ثقة، من (6) (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن شقيق العقيلي) البصري (قال) عبد الله (سألنا عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالليل، وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن سيرين لمن روى عن عبد الله بن شقيق (فقالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر الصلاة) في الليل أي يصلي كثيرًا في الليل (قائمًا وقاعدًا فإذا افتتح الصلاة) أي الركعة (قائمًا ركع قائمًا وإذا افتتح الصلاة) أي الركعة (قاعدًا ركع قاعدًا) وكرر المتن في جميع المتابعات لما بين كل رواية من المخالفة للأخرى في سوق الحديث حرفًا أو كلمة أو أكثر. قال القرطبي: وقولها (كان يصلي ليلًا طويلًا قائمًا أو ليلًا طويلًا قاعدًا) فيه جواز النفل قاعدًا مع القدرة على القيام ولا خلاف فيه، وقولها (وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد قاعدًا) هذا يخالف حديثها الآتي أنه كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجمع بين القعود والقيام في ركعة واحدة، ولا تناقض فيه فإن ذلك كان منه في أوقات مختلفة وبحسب ما يجد من المشقة والتعب والانتقال في النافلة من الجلوس إلى القيام أو من القيام إلى الجلوس جائز عند جمهور العلماء مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم، وكره محمد بن الحسن وأبو يوسف أن يبتدئ صلاته قائمًا ثم يقعد ثم يركع قاعدًا، وحجة الجمهور أنه انتقال من حال إلى حال لو ابتدأ الصلاة عليه لجاز كالانتقال من القعود إلى القيام المتفق عليه عندهم وعندنا اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة: الأول حديث أم حبيبة ذكره للاستدلال به وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد وللاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والله أعلم. ***

322 - (34) باب جواز صلاة النفل قائما وقاعدا مع القدرة على القيام وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا

322 - (34) باب: جواز صلاة النفل قائمًا وقاعدًا مع القدرة على القيام وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا 1595 - (698) (108) وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِي. أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ، ح قَال: وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير. جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. قَال: أَخْبَرَنِي أبِي عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي شَيءِ مِنْ صَلاةِ الليلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 322 - (34) باب جواز صلاة النفل قائمًا وقاعدًا مع القدرة على القيام وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا 1595 - (698) (108) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) (أخبرنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (ح قال) المؤلف (وحدثنا) أيضًا (حسن بن الرببع) البجلي أبو علي الكوفي البوراني، بضم الموحدة، الحصّار الخشاب، ثقة، من (10) (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) عبد الله (ابن نمير) الهمداني الكوفي (جميعًا) أي كل من حماد بن زيد ومهدي بن ميمون ووكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (واللفظ) الآتي إله) أي لزهير بن حرب، وأما غيره فروى معنى الحديث الآتي (قال) زهير بن حرب (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان أبو سعيد البصري (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (قال) هشام (أخبرني أبي) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذه الأسانيد الخمسة كلها من خماسياته ما بين بصري وكوفي ومدني ونسائي (قالت) عائشة (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) طول حياته (يقرأ في شيء من صلاة الليل

جَالِسًا. حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا. حَتَّى إِذَا بَقِيَ عَلَيهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةَ، قَامَ فَقَرَأَهُن، ثُم رَكَعَ. 1596 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي النضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ جالسًا حتى إذا كبر) من باب تعب أي دخل في سن الكبر وزمن ثقل الجسم (قرأ جالسًا) في أوائل ركعاته (حتى إذا) بلغ أواخرها و (بقي عليه من السورة) التي يقرأها (ثلاثون أو أربعون آية) أي قدر هذا العدد تقريبًا وأو للتنويع لا للشك (قام) مستويًا (فقرأهن) أي قرأ تلك البواقي (ثم ركع) من قيام ثم سجد ثم يفعل مثل ذلك في الركعة الثانية وما بعدها. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 178] والبخاري [1118 و 1119] وأبو داود [953 و 954] والترمذي [372] والنسائي [3/ 219] وابن ماجه [1226]. قال النواوي: قولها (حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون) الخ فيه جواز تقسيم الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء وسواء قام ثم قعد أو قعد ثم قام ومنعه بعض السلف وهو غلط اهـ وفي قولها (حتى إذا بقي عليه) الخ إشارة إلى أن الذي كان يقرأه قبل أن يقوم أكثر لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل، وفيه أنه لا يشترط لمن افتتح النافلة قاعدًا أن يركع قاعدًا، أو قائمًا أن يركع قائمًا اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1596 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن عبد الله بن يزيد) مولى الأسود بن سفيان المخزومي الأعور أبي عبد الرحمن المدني المقرئ، ثقة، من (6) (وأبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (5) كلاهما (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لعروة بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) في آخر حياته (يصلي) صلاة الليل

جَالِسًا. فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ. فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً. قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذلِكَ. 1597 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (جالسًا فيقرأ) أغلب قراءته (وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية) أي قدر ثلاثين آية أو أربعين آية فلفظة ما يكون مقحمة بين المضاف والمضاف إليه (قام) مستويًا (فقرأ) ما بقي له من قراءته (وهو قائم ثم) بعد ما أتم قراءته (ركع ثم سجد ثم) بعد ما فرغ من الركعة الأولى هكذا (يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك) أي مثل ما فعل في الركعة الأولى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1597 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال أبو بكر: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه الأسدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) (عن الوليد بن أبي هشام) زياد القرشي الأموي مولاهم المدني أو البصري، روى عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في الصلاة، والحسن ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، ويروي عنه (م عم) دماسماعيل ابن علية، وثقه أحمد جدا وابن معين وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة (عن أبي بكر بن محمد) ابن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي النجاري المدني القاضي اسمه وكنيته واحد، وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد، وثقه ابن معين وابن خراش والواقدي، وقال في التقريب: ثقة عابد، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن) خالته (عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد إما كوفي أو مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة علقمة بن وقاص

قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ إِنْسَان أَرْبَعِينَ آيَةً. 1598 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقاصٍ؛ قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: كَيفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمن روى عن عائشة (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ) في صلاة الليل (وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام قدر ما) أي قدر زمن (يقرأ) فيه (إنسان أربعين آية) قال النواوي: وهذا دليل على استحباب تطويل القيام، وأنه أفضل من إكثار عدد الركعات في ذلك الزمان اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1598 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا محمد بن بشر) العبدي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص بن محصن الليثي المدني، وثقه النسائي مرة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (6) له أوهام، روى له (خ) فرد حديث مقارنة، مات سنة (145) وروى عنه (م) في (5) أبواب متابعة (حدثني محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن خراش، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة، له أفراد من (4) مات سنة (120) روى عنه في (11) بابا (عن علقمة بن وقاص) -بتشديد القاف- الليثي المدني روى عن عائشة في الصلاة والإفك، وعمر بن الخطاب في الجهاد، وعمرو بن العاص، ويروي عنه (ع) ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي والزهري، وثقه النسائي، وقال ابن سعد: قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثانية، وأخطأ من زعم أنه له صحبة، وقيل إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مات في خلافة عبد الله، له عندهما حديثان (قال قلت لعائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بسوقه بيان متابعة علقمة بن وقاص لمن روى عن عائشة كيف

كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ؟ قَالتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا. فَإِذَا أرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَرَكَعَ. 1599 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ؛ قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالتْ: نَعَمْ. بَعْدَمَا حَطَمَهُ النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين) من صلاة الليل إذا صلاهما (وهو جالس قالت) عائشة (كان يقرأ فيهما) وهو جالس (فإذا أراد أن يركع قام فركع) من قيام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1599 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري (عن سعيد) بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3) (قال قلت لعائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن شقيق لمن روى عن عائشة (هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد قالت) عائشة (نعم) يصلي قاعدًا (بعدما حطمه) وشغله (الناس) بشؤونهم وتدبير مصالحهم، وفي رواية (بعد ما حطمتموه) يقال: حطم فلانًا أهله إذا كبر فيهم وأسن كما في النهاية كأنه لما حمل أثقالهم وسياستهم والاعتناء بمصالحهم صيروه شيخًا محطومًا والحطم الشيء اليابس اهـ أبي ويؤيد هذا المعنى قول حفصة (أنه صلى الله عليه وسلم ما صلى سبحته قاعدًا حتى كان قبل وفاته). وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [6/ 171 و 218] وأبو داود [956]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1600 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ. فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 1601 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيج: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ؛ أَن أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ؛ أَن عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، حَتى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ صَلاتِهِ، وَهُوَ جَالِسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1600 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري البصري (حدثنا كهمس) بن الحسن التميمي أبو الحسن البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي البصري، ثقة، من (3) (قال) عبد الله بن شقيق (قلت لعائشة فذكر) كهمس عن عبد الله بن شقيق (عن النبي صلى الله عليه وسلم) عن عائشة (بمثله) أي بمثل ما ذكر الجريري عن عبد الله بن شقيق، غرضه بيان متابعة كهمس لسعيد الجريري في الرواية عن عبد الله بن شقيق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 1601 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السّمين البغدادي، صدوق، من (10) (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (قالا حدثنا حجاج بن محمد) الأعور أبو محمد المصيصي نزل بغداد ثم المصيصة، ثقة، من (9) (قال) الحجاج (قال) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم القرشي المكي، ثقة، من (6) (أن أبا سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (أخبره) أي أخبر لعثمان بن أبي سليمان (أن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي أخبرت لأبي سلمة، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان بغداديان، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لمن روى عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت) حين مات (حتى كان كثير من صلاته) في الليل حاصلًا (وهو جالس) والجملة الاسمية حال من المضاف إليه سدت مسد الخبر.

1602 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ زَيدٍ. قَال حَسَنٌ: حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ، كَانَ أَكْثَرُ صَلاتِهِ جَالِسًا. 1603 - (700) (110) حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ يَحْيى. قَال: قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1602 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (وحسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (كلاهما) رويا (عن زيد) بن الحباب (قال حسن) بن علي في روايته (حدثنا زيد بن الحباب) -بضم الحاء المهملة وبموحدتين- بصيغة تدل على السماع، أبو الحسين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى بطن من تميم تسمى عكل، الخراساني ثم الكوفي الحافظ الجوال، صدوق، من (9) (حدثني الضحاك بن عثمان) بن عبد الله الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني، صدوق، من (7) (حدثني عبد الله بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدي أبو بكر المدني، روى عن أبيه في الصلاة والنكاح والفضائل، وعبد الله بن الزبير في الفضائل، وأبي هريرة، ويروي عنه (خ م ت س ق) والضحاك بن عثمان وإسماعيل بن أمية وهشام بن عروة وخلق، وثقه أبو حاتم والنسائي والدارقطني، وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل، من الثالثة (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عروة لمن روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها (قالت) عائشة (لما بدّن) وأسنّ (رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل) جسمه (كان أكثر صلاته) إذا كان (جالسًا) يقال بدّن تبدينًا من باب فعل المضعف إذا أسن أي دخل في سن الكبر، وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث حفصة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1603 - (700) (110) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت

عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْمُطلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ، عَنْ حَفْصَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: مَا رَأَيتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني (عن السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة الكندي المعروف بابن أخت نمر أبي يزيد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، له أحاديث اتفقا على حديث وانفرد البخاري بخمسة، وحج به أبوه في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر على سوق المدينة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في لا هام وصفةِ النبي صلى الله عليه وسلم وعن المطلب بن أبي وداعة في الصلاة، وعبد الرحمن بن عبد القاري، ومعاوية في الصلاة، وحويطب بن عبد العزى في الزكاة، والعلاء بن الحضرمي في الحج، ورافع بن خديج في البيوع، وسفيان بن أبي زهير في البيوع، ويروي عنه (ع) والزهري وعمر بن عطاء بن أبي الحوار وعبد الرحمن بن حميد الزهري وحميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ومحمد بن يوسف وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ ويزيد بن خصيفة والجعد بن عبد الرحمن ويحيى بن سعيد وخلق، مات سنة (91) إحدى وتسعين وهو ابن ثمان وثمانين وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (عن المطلب بن أبي وداعة) الحارث بن صبرة -بمهملة ثم موحدة- بن سعيد مصغرًا (السهمي) أبي عبد الله المكي ثم المدني من مسلمة الفتح، وأمه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل، له أحاديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حفصة، ويروي عنه (م عم) والسائب بن يزيد وبنوه كثير وجعفر وعبد الرحمن وحفيده أبو سفيان بن عبد الرحمن بن المطلب، له في (م) حديثه عن حفصة في صلاة النافلة قاعدًا ونزل بالمدينة، ومات بها وليس في مسلم من اسمه المطلب إلا هذا الصحابي (عن حفصة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، وفيه التحديث والقراءة والعنعنة، وأن فيه ثلاثة من الصحابة روى بعضهم عن بعض السائب بن يزيد والمطلب بن أبي وداعة وحفصة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته) -بضم السين المهملة وسكون الباء الموحدة- أي في نافلته، قال في مجمع البحار: ويقال للذكر وصلاة النافلة سبحة

قَاعِدًا. حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ. فَكَانَ يُصَلَّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا. حَتى تَكُونَ أطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا. 1604 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضًا وهي من التسبيح كالسخرة من التسخير، وخصت النافلة بها وإن شاركتها الفريضة في معناها لأن التسبيحات في الفرائض نوافل فالنافلة شاركتها في عدم الوجوب اهـ من تحفة الأحوذي؛ أي ما رأيته صلى حالة كونه (قاعدًا) بدل قيامه (حتى كان قبل وفاته بعام) أي حتى كان ما بقي له من عمره عامًا واحدًا (فكان) صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت (يصلي في سبحته) ونافلته (قاعدًا) أي يصلي قاعدًا في سبحته بدل القيام (وكان يقرأ بالسورة) القصيرة من سور القرآن (فيرتلها) أي فيمد قراءتها (حتى تكون) تلك السورة القصيرة بسبب ترتيلها ومد قراءتها (أطول من) سورة (أطول منها) أي من تلك القصيرة أي يرتلها حتى يكون زمن قراءتها أطول من زمان قراءة سورة أخرى طويلة منها في عدد الآيات أو الكلمات اهـ وعبارة تحفة الأحوذي يعني أن مدة قراءته لها أطول من مدة قراءة سورة أخرى أطول منها إذا قُرئت غير مرتلة وإلا فلا يمكن أن تكون السورة نفسها أطول من أطول منها من غير تقيد بالترتيل والإسراع، والحديث يدل على جواز صلاة التطوع من قعود وهو مجمع عليه، وفيه استحباب ترتيل القراءة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 285] والترمذي [373] والنسائي [3/ 223]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حفصة رضي الله تعالى عنها فقال: 1604 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي مولاهم المصري، ثقة، من (10) (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري، صدوق، من (11) (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (جميعًا)

عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيرَ أَنَّهُمَا قَالا: بِعَامٍ وَاحِدٍ، أَو اثْنَينِ. 1605 - (701) (111) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سمَاكٍ؛ قَال: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، حَتى صَلَّى قَاعِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كل من يونس ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن السائب بن يزيد عن المطلب عن حفصة (مثله) أي مثل ما روى مالك عن الزهري، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة يونس ومعمر لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري، وقوله (غير أنهما) استثناء من المماثلة أي لكن أن يونس ومعمرًا (قالا) في روايتها هذا الحديث حتى كان قبل وفاته (بعام واحد أو) عامين (اثنين) بالشك من الراوي. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1605 - (701) (111) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن حسن بن صالح) بن صالح بن مسلم بن حيان الهمداني الثوري أبي عبد الله الكوفي، روى عن سماك بن حرب في الصلاة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، والسُدّي إسماعيل بن عبد الرحمن في الطلاق، وعاصم الأحول في الطب، وهارون بن سعد في صفة النار، ويروي عنه (م عم) وعبيد الله بن موسى ويحيى بن آم وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي وإسحاق السلولي وخلق، وثقه ابن معين والدارقطني والعجلي، وقال في التقريب: ثقة فقيه عابد رُمي بالتشيع، من السابعة مات سنة (169) تسع وستين ومائة (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (قال أخبرني جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى) كبر و (صلى) صلاة الليل (قاعدًا) وهذا الحديث انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن الجماعة كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

1606 - (702) (112) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَال: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ". قَال: فَأَتَيتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا, فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ. فَقَال: مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟ قُلْتُ: حُدِّثْتُ, يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَّكَ قُلْتَ: "صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1606 - (702) (112) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة ثبت، من (5) (عن هلال بن يساف) -بكسر التحتانية وفتحها ثم مهملة ثم فاء- ويقال ابن إساف الأشجعي مولاهم أبي الحسن الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي يحيى) الكوفي مصدع الأعرج المعرقب، عرقبه بشر بن مروان أو الحجاج أي قطع عرقوبه حين عرض عليه سبّ علي فأبى منه، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو داود: كوفي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل السهمي أبي عبد الرحمن المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نسائي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا، والعنعنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال) عبد الله بن عمرو (حدثت) بالبناء للمفعول أي حدثني ناس من الصحابة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل) أي ثواب صلاته حالة كونه (قاعدًا) مع القدرة على القيام يعني صلاة النفل (نصف) ثواب (الصلاة) أي صلاته قائمًا فـ (قال) عبد الله (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (فوجدته يصلي) النافلة حالة كونه (جالسًا) مع القدرة على القيام، قال عبد الله (فوضعت يدي على رأسه) صلى الله عليه وسلم تعجبًا من صلاته جالسًا مع قوله أولًا (صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة) (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالك) أي أي شيء ثبت لك (يا عبد الله بن عمرو) في تعجبك مني، قال عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (حدثت يا رسول الله) أي حدثني بعض من سمع حديثك (أنك قلت) يا رسول الله (صلاة الرجل) أي ثواب صلاة الرجل (قاعدًا) مع القدرة على القيام (على نصف) أجر (الصلاة)

وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! قَال: "أَجَلْ، وَلكنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قائمًا (وأنت) يا رسول الله مع قولك هذا (تصلي قاعدًا، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أجل) أي نعم أصلي قاعدًا (ولكني لست) أنا (كأحد منكم) أي كأحد من الأمة فصلاتي قاعدًا لا ينقص أجرها عن أجر صلاتي قائمًا فكلاهما سواء فإن عملي ذلك لغرض التشريع للأمة فثوابي لا ينقص وإن لم يكن لي عذر في القعود. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [950]، والنسائي [3/ 223]، وابن ماجه [1229]. قال النواوي: معناه أن ثواب القاعد فيها نصف ثواب القائم فيتضمن صحتها ونقصان أجرها، قال القرطبي: قوله (لست كأحد منكم) أي لا يكون له في صلاته قاعدًا نصف الأجر بل أكثر من ذلك أو الأجر كله، ويحتمل أن يكون معناه لست كأحد منكم ممن لا عذر له ممن قلت له هذا القول فإنه لم يصل قاعدًا حتى ثقل، والأول أظهر. قال النواوي: وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدًا مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائمًا، وأما الفرض فإن صلاها قاعدًا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به، قال أصحابنا: وإن استحله كفر، وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الربا أوالزنا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم، وإن صلى الفرض قاعدًا لعجزه عن القيام أو مضطجعًا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائمًا لا ينقص باتفاق أصحابنا فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدًا مع قدرته على القيام هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث، وحكاه القاضي عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون، وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر، قال: وحمله بعضهم على من له عذر يُرخص في القعود في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة اهـ. قوله (فوضعت يدي على رأسه) صلى الله عليه وسلم هذا يدل على عظيم تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحنانه وحُسن أخلاقه، وأنه كان مع خاصة أصحابه فيما يرجع إلى المعاشرة والمخالطة كواحد منهم إذ كان يباسطهم ويمازحهم ويكون معهم في عملهم ولا يستأثر عليهم ولا يترفع عنهم، ولذلك كانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيده وتنطلق به حيث شاءت ويجلس يحدثها حيث أرادت، ومن كانت هذه حاله فلا يستنكر من بعض أصحابه أن يعامله بمثل ذلك في بعض الأحوال سيما وكان مقصود

1657 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله أن يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجيبه عما وقع في خاطره من هذا الأمر الديني المهم في حقه، والله أعلم. وهذا كله على ما صح عندنا من الرواية (على رأسه) وظاهره أنه عائد على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر لي أن بعض الناس رواه (رأسيه) فألحق به ياء المتكلم وهاء السكت، ووجهها واضح لو ثبت وأظن أنه إصلاح، ورأي لا رواية، ويقرب من فعل عبد الله فعل جبريل - عليه السلام - معه حيث أسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه على قول من قال إنه أراد فخذي النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح اهـ من المفهم. وفي حاشية (ظ) قد ثبت في هذه القصة أن وضع عبد الله يده على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان في الليل في ظلمة من غير قصد من عبد الله، وإنما وقعت يده على رأسه صلى الله عليه وسلم بغير تعمد وهذا هو الحق والله أعلم اهـ، وقال ملا علي قوله (فوضعت يدي على رأسه) أي بعد فراغه من الصلاة، وإنما وضعها ليتوجه إليه وكأنه كان هناك مانع من أن يحضر بين يديه، ومثل هذا لا يسمى خلاف الأدب عند طائفة العرب لعدم تكلفهم وكمال تأنفهم اهـ. وقوله (أجل) أي نعم (ولكني لست كأحدكم) فهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم جعلت نافلته قاعدًا مع القدرة على القيام كنافلته قائمًا تشريفًا له كما خص بأشياء معروفة قاله النواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 1607 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (ومحمد بن المثنى) العنَزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن محمد بن جعفر) الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري القطان (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي كلاهما) أي كل من شعبة

عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: عَنْ أَبِي يَحْيَى الأعرَجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسفيان رويا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو مثله أي مثل ما روى جرير بن عبد الحميد عن منصور، غرضه بيان متابعة شعبة وسفيان لجرير في رواية هذا الحديث عن منصور، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (في رواية شعبة) وحديثه لفظة (عن أبي يحيى الأعرج) بزيادة الأعرج على غيره. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول منها حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه سبع متابعات، والثاني حديث حفصة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد، والرابع حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. ***

323 - (35) باب: صلاة الليل وعدد ركعات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة واحدة

323 - (35) باب: صلاة الليل وعدد ركعات صلاة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الليل وأن الوتر ركعة واحدة 1608 - (703) (113) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً, يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ, فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيمَنِ, حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 323 - (35) باب: صلاة الليل وعدد ركعات صلاة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الليل وأن الوتر ركعة واحدة 1608 - (703) (113) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة) من تلك الإحدى عشرة أي ينوي الوتر بواحدة منها (فإذا فرغ منها) أي من تلك الإحدى عشرة ركعة (اضطجع على شقه) أي على جنبه (الأيمن حتى يأتيه المؤذن) بلال ليستأذنه في الإقامة (فـ) يقوم و (يصلي ركعتين خفيفتين) سنة الفجر. وقوله (كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة) هي أكثر الوتر عند الشافعي لهذا الحديث ولقولها (ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) ولا يصح زيادة عليها فلو زاد عليها لم يجز ولم يصح وتره، قال السبكي: وأنا أقطع بحل الإيتار بذلك وصحته لكني أحب الاقتصار على إحدى عشرة فأقل لأنه غالب أحواله صلى الله عليه وسلم وقوله (يوتر منها بواحدة) قال القاضي عياض: فيه صحة الوتر بواحدة وإن الركعة الواحدة تكون صلاة، ومنعه أبو حنيفة وقال: لا تكون صلاة، والحديث يرد عليه اهـ أبي، وقوله (فإذا فرغ منها) أي من صلاة الليل (اضطجع) أي للاستراحة من تعب قيام الليل ليصلي فرضه على نشاط (على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيمن، قال بعض العلماء: حكمته أن لا يستغرق في النوم لأن القلب في اليسار ففي النوم عليه راحة له فيستغرق فيه، وفيه نظر لأنه صح أنه صلى الله عليه وسلم كان

1609 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَينَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ -وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ- إِلَى الْفَجْرِ, إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً, يُسَلِّمُ بَينَ كُلِّ رَكْعَتَينِ. وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ, فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ, وَتَبَيَّنَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنام عينه ولا ينام قلبه، نعم يجوز أن يكون فعله لإرشاد أمته وتعليمهم، وفيه دليل على استحباب الاضطجاع والنوم على الشق الأيمن، قوله (حتى يأتيه المؤذن) بلال فيستأذنه للإقامة، وفيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد، وفيه جواز إعلام المؤذن الإمام بحضور الصلاة وإقامتها واستدعائه لها اهـ نووي (فيصلي ركعتين) سنة الفجر يقرأ فيهما الكافرون والإخلاص. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 83]، وأبو داود [1335]، وابن ماجه [1358]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1609 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن بحيى) التجيبي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، ثقة، من (7) (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لمالك بن أنس، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ) أي في الزمن الذي بين فراغه (من صلاة العشاء وهي التي يدعو) ها (الناس) أي الأعراب (العتمة) أي صلاة العتمة، والعتمة شدة اختلاط ظلام أول الليل وبين آخر الليل (إلى) طلوع (الفجر) الثاني أي كان يصلي بين فراغه من صلاة العشاء الآخرة وبين طلوع الفجر الثاني (إحدى عشرة ركعة) حالة كونه (يسلم بين) أي عقب (كل ركعتين) من تلك الركعات العشرة فيكون تسليمه منها خمس مرات (ويوتر) أي يجعل تلك العشرة وترًا (بـ) زيادة ركعة (واحدة) بعدها يتشهد منها ويسلم (فإذا سكت المؤذن) أي فرغ (من) أذان (صلاة الفجر وتبين له) أي ظهر ووضح له صلى الله عليه وسلم

الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ. ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيمَنِ. حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ. 1610 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَسَاقَ يُونُسُ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ, وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يَذْكُرِ: الإِقَامَةَ. وَسَائِرُ الْحَدِيثِ, بِمِثْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الفجر) الثاني (وجاءه المؤذن) ليعلمه بالأذان (قام) صلى الله عليه وسلم جواب إذا (فركع) أي صلى (ركعتين خفيفتين) يقرأ في أولاهما الكافرون وفي الثانية الإخلاص (ثم) بعد فراغه منهما (اضطجع) استراحة من تعب قيام الليل (على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيامن في أموره (حتى يأتيه) ويحضره (المؤذن لـ) استئذانه في ا (لإقامة) لصلاة الصبح. وفي هذه الرواية أن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وفي الرواية السابقة قبل ركعتي الفجر فبين الروايتين معارضة فيجاب عنه بأن رواية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر مرجوحة فتقدم رواية الاضطجاع قبلهما لأن لها شاهدًا من حديث ابن عباس (أن الاضطجاع كان بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر) أفاده النواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1610 - (00) (00) (وحدثنيه حرملة) بن يحيى أيضًا (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يونس لعمرو بن الحارث في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه ولذلك قال (وساق يونس الحديث بمثله) أي بمثل حديث عمرو بن الحارث، وفي أكثر النسخ (وساق حرملة) وهو تحريف من النساخ، والصواب ما قلنا، ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن يونس بن يزيد (لم يذكر) في روايته لفظة (وتبين له الفجر وجاءه المؤذن ولم يذكر) يونس أيضًا لفظة (الإقامة) كأنه قال (فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن) (وسائر الحديث) أي وباقي حديث يونس (بمثل) أي مثل، فالباء

حَدِيثِ عَمْرٍو، سَوَاءً. 1611 - (704) (114) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةَ. يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ. لا يَجْلِسُ فِي شَيءٍ إِلا فِي آخِرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة في الخبر أي مثل (حديث عمرو) وقوله (سواء) أي حالة كون كل من الحديثين متساويين في اللفظ والمعنى تأكيد لمعنى المماثلة، والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على كون عدد ركعات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل ثلاث عشرة ركعة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1611 - (704) (114) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا حدثنا عبد الله بن نمير) الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذان السندان من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل) أي في آناء الليل (ثلاث عشرة ركعة يوتر) أي ينوي الوتر (من ذلك) العدد (بخمس) ركعات (لا يجلس في شيء) من ذلك العدد يعني الخمس (إلا في آخرها) أي إلا في آخر الخمس أي يصلي الخمس موصولة ولا يتشهد إلا في آخرها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1149]، وأبو داود [1338]، والترمذي [459]، والنسائي [1/ 210]، وابن ماجه [1359]. وقوله (يصلي ثلاث عشرة ركعة) منها الركعتان الخفيفتان اللتان يفتتح بهما صلاته، وقوله (يوتر من ذلك) أي من ذلك العدد يعني ثلاث عشرة أي ينوي الوتر (بخمس) من ذلك العدد أي يصلي خمس ركعات بنية الوتر (لا يجلس) للتشهد (في شيء) من الخمس (إلا في آخرها) أي في آخر الخمس وإليه ذهب الشافعي وغيره من الأئمة، والحديث يدل على مشروعية الإيتار بخمس ركعات، وهو يرد على من قال بتعيين الثلاث، قال ابن الملك: إنما أعدت الوتر وركعتي الفجر بالتهجد لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر آخر الليل ويبقى مستيقظًا إلى الفجر ويصلي الركعتين أي سنة الفجر

1612 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 1613 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَي الْفَجْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ متصلًا بتهجده ووتره كذا في المرقاة، قال السندي ظاهر هذا التفصيل أنها ثلاث عشرة مع سنة الفجر والله أعلم اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1612 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (كلهم) أي كل من عبدة ووكيع وأبي أسامة رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة مثله، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن هشام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 1613 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد -مصغرًا- الأزدي أبي رجاء المصري عالمها، ثقة، من (5) (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني، ثقة، من (3) (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد بلخي، غرضه بيان متابعة عراك بن مالك لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة (أخبرته) أي أخبرت لعروة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي) في الليل (ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر) أي مع ركعتي سنة الفجر، ظاهره حسبان سنة الفجر من الثلاثة عشرة كما مر عن السندي قريبًا. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال:

1614 - (705) (115) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: كَيفَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟ قَالتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ, وَلَا فِي غَيرِهِ, عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ. ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 1614 - (705) (115) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المدني (المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (أنه سأل عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في) ليالي (رمضان) هل يزيد فيه على صلاته في غيره (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) أي غير ركعتي الفجر، وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر) فإسناده ضعيف، وقد عارضه حديث عائشة هذا وهو في الصحيحين مع كونها أعلم بحاله صلى الله عليه وسلم ليلًا من غيرها (يصلي أربعًا) موصولة من الركعات، وأما ما ورد من أنه (كان يصلي مثنى مثنى ثم واحدة) فمحمول على وقت آخر فالأمران جائزان، قال القاضي: واختلف في معنى الأربع فقيل إنه لم يكن يسلم من كل ركعتين، وقيل إنه لم يجلس إلا في آخر كل أربعة، وقال مالك: والأكثر أنه كان يسلم من كل ركعتين، ثم اختلفوا في معنى الأربع فقيل أرادت أنها على صفة واحدة في التلاوة والحسن لم تختلف الأخيرتان من الأوليين، ثم الأربعة الثانية مستوية أيضًا في الطول والحسن وإن لم تبلغ في الطول قدر الأربعة الأولى كما قال في الآخر: صلى ركعتين طويلتين ثم صلى ركعتين هما دون اللتين قبلهما، وقيل إنما خص الأربع بالذكر لأنه كان ينام قبل كل أربعة نومة، وفي حديث أم سلمة كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام، هذا معنى ذكر الأربع لا أنه لم يكن يفصل بينهما بسلام اهـ من الأبي (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) لأنهن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف (ثم يصلي أربعًا) أُخر

فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ. ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا. فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَال: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَينَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي". 1615 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ موصولات (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) لما ذكر (ثم يصلي ثلاثًا) من الركعات موصولة أي من غير فصل فلو كان يفصل لقالت ثم يصلي ركعتين ثم واحدة كما بين الزيلعي اهـ من الهوامش، يوتر بهن (فقالت عائشة) بفاء العطف على السابق (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أتنام) بهمزة الاستفهام الاستخباري (قبل أن توتر) أي قبل أن تصلي الوتر، قال القاضي عياض: لما رأته ينام قبل أن يوتر وعهدت من أبيها العكس على ما علم وكانت صغيرة ليس عندها كبير علم ظنت أن فعل أبيها لا يجوز غيره فسألت فأجابها بذلك اهـ قال الأبي: والمعنى أن السبب في تقديم الوتر إنما هو خوف غلبة النوم وهو في ذلك بخلاف الناس لأنه صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه، قال القاضي: وذلك من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اهـ من إكمال الإكمال (فقال: يا عائشة إن عيني) بتشديد الياء على صيغة المثنى المضاف إلى ياء المتكلم (تنامان ولا ينام قلبي) فلا ينقض نومي الوضوء لأن النفوس الكاملة القدسية لا يضعف إدراكها بنوم العين ومن ثم كان جميع الأنبياء مثله كذا في تيسير المناوي، قال ابن الملك: وفيه بيان أن يقظة قلبه تعصمه من الحدث، ولا يعارض بنومه صلى الله عليه وسلم في الوادي لأن طلوع الفجر متعلق بالعين لا بالقلب، وفيه دلالة على كراهة النوم قبل الوتر لاستفهام عائشة عن ذلك لأنه تقرر عندها منع ذلك فأجابها بأنه صلى الله عليه وسلم ليس هو في ذلك كغيره ذكره القسطلاني اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 73]، والبخاري [662]، وأبو داود [1351]، والترمذي [439]، والنساني [1/ 210 - 211]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1615 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي البصري (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي

عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالتْ: كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُصَلِّي ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ. ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ. ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَينِ بَينَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ, مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ. 1616 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي أبي نصر اليمامي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (قال سألت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لسعيد بن أبي سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (عن) كيفية (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الليل (فقالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم (يصلي) في الليل (ثلاث عشرة ركعة) مع سنة الفجر (يصلي ثمان ركعات) نافلة الليل (ثم يوتر) بركعة واحدة (ثم) بعد الوتر (يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع) من القيام، قال القاضي: أخذ به أحمد والأوزاعي وأجازا ركعتين بعد الوتر وأنكره مالك لمعارضته ما كثر من أحاديث فعل الوتر آخر صلاة الليل اهـ. قال النواوي: فلعله ليدل على الجواز، ولذا لم يتكرر فعله ذلك، ولا يغتر بكان فإنها ليست للدوام بدليل قول عائشة كنت أطيبه لحله وحرمه مع أنها لم تحج معه إلا واحدة فلا معارضة اهـ (ثم يصلي ركعتين) سنة الفجر (بين النداء) أي الأذان الثاني (والإقامة من صلاة الصبح) أي لصلاة الصبح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1616 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (حدثنا حسين بن محمد) بن بهرام التميمي أبو محمد المروذي الأصل بفتح الميم وتشديد الواو المفتوحة وبذال معجمة نسبة إلى مروروذ مدينة من خراسان نزيل بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمى أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن

يَحْيَى. قَال سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ، يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ, عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا: تِسْعَ رَكَعَاتٍ قَائِمًا. يُوتِرُ مِنْهُنَّ. 1617 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (قال) يحيى (سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن، ففي هذا السند فائدة تصريح السماع (ح وحدثني يحيى بن بشر) بن كثير (الحريري) بفتح المهملة الأسدي أبو زكرياء الكوفي، روى عن معاوية بن سلام في الصلاة والصوم والطلاق، وجعفر الأحمر، والوليد بن مسلم وجماعة، ويروي عنه (م) والدارمي وبَقِيُّ بن مخلد ومطين وغيرهم، وثقه الدارقطني ومطين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة (229) تسع وعشرين ومائتين (حدثنا معاوية يعني ابن سلام) بالتشديد بن أبي سلام ممطور الحبشي أبو سلام الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير قال أخبرني أبو سلمة) ففي هذا السند أيضًا فائدة تصريح السماع (أنه سأل عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان الأول منهما من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بغداديان وواحد يمامي وواحد نسائي، والثاني منهما من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد شامي وواحد كوفي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة شيبان ومعاوية بن سلام لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وفائدتها بيان كثرة طرقه وساقا (بمثله) أي ساق كل من شيبان ومعاوية بمثل ما حدَّث هشام الدستوائي (غير أن في حديثهما) أي لكن أن في رواية شيبان ومعاوية يصلي (تسع ركعات) حالة كونه (قائمًا يوتر) أي ينوي الوتر بواحدة (منهن) أي من تلك التسع ركعات، قال النواوي: وفي بعض الأصول (فيهن) وكلاهما صحيح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1617 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور بمعجمة (الناقد)

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ. سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ قَال: أَتَيتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَيْ أُمَّهْ, أَخْبِرِينِي عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: كَانَتْ صَلاتُهُ. فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيرِهِ, ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِاللَّيلِ, مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ. 1618 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبد الله بن أبي لبيد) بفتح اللام وكسر الباء مولى الأخنس بن شريق أبي المغيرة المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (1) باب واحد الصلاة (سمع أبا سلمة) بن عبد الرحمن المدني (قال أتيت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، غرضه بيان متابعة عبد الله بن أبي لبيد لمن روى عن أبي سلمة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة لما سبق (فقلت) لها (أي أمه) أي يا أمي أم المؤمنين أي حرف نداء لنداء القريب، أمه منادى مضاف منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف بعد قلب الكسرة فتحة لمناسبة الألف، منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة لمناسبة الألف، أم مضاف وياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف في محل الجر مضاف إليه مبني على السكون، والهاء حرف سكت لا محل لها من الإعراب، وقد بسطنا الكلام في إعراب المنادى المضاف إلى ياء المتكلم في رسالتنا هدية أولي العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف فراجعها إن شئت، وكذا في كتابنا نزهة الألباب على ملحة الإعراب (أخبريني عن) كيفية (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسم) في الليل (فقالت) عائشة (كانت صلاته) صلى الله عليه وسلم (في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة ركعة بالليل) أي من نافلة الليل (منها) أي من تلك الثلاث عشرة (ركعتا الفجر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1618 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حدثنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن

عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَال: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ. وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ. وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. فَتِلْكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن صفوان بن أمية القرشي الأموي المكي، ثقة حجة، من (6) (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي أبي محمد المدني أحد الفقهاء السبعة (قال: سمعت عائشة تقول) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة القاسم بن محمد لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن عائشة (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من) نافلة (الليل عشر ركعات ويوتر) ها (بسجدة) أي بركعة واحدة من إطلاق الجزء وإرادة الكل، قال العيني: أي يوتر بركعة وركعتين قبلها فيكون وتره ثلاثًا ونفله ثمانيًا اهـ (ويركع) أي يصلي (ركعتي) سنة (الفجر) إذا طلع الفجر الثاني (فتلك) أي فمجموع تلك الركعات التي صلاها (ثلاث عشرة ركعة). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث كلها من أحاديث عائشة رضي الله عنها؛ الأول حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على كون ركعات صلاته صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة في الليل وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على كون ركعاته صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد به للحديثين السابقين وذكر فيه أربع متابعات. واعلم أن الاختلاف الواقع في حديث عائشة قيل هو منها، وقيل من الرواة عنها فيحتمل أن إخبارها بأحد عشرة هو الأغلب وباقي رواياتها إخبار منها بما كان يقع نادرًا في بعض الأوقات فأكثره خمس عشرة بركعتي الفجر وأقله سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود، أو لنوم أو عذر مرض أو غيره أو في بعض الأوقات عند كبر السن كما قالت، فلما أسن صلى سبع ركعات، أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل كما رواه زيد بن خالد وروتها عائشة في مسلم، وتعد ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة، أو تعد إحداهما، وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها تارة، قال القاضي: ولا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه اهـ من النواوي. ***

324 - (36) باب في أي وقت يصلي النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وكيف حاله مع أهله

324 - (36) باب: في أي وقت يصلي النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وكيف حاله مع أهله 1619 - (706) (116) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَأَلْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ عَمَّا حَدَّثَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيلِ وَيُحْيِي آخِرَهُ. ثُمَّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى أَهْلِهِ قَضَى حَاجَتَهُ, ثُمَّ يَنَامُ, فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الأَوَّلِ, - (قَالتْ) -: وَثَبَ - (وَلَا وَاللَّهِ مَا قَالتْ): قَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 324 - (36) باب في أي وقت يصلي النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وكيف حاله مع أهله 1619 - (706) (116) (وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج -بمهملة في أوله وجيم في آخره مصغرًا- الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة تابعي، من (3) (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الكوفي (عن أبي إسحاق) السبيعي (قال) أبو إسحاق (سألت الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي أبا عمرو الكوفي، ثقة مخضرم فقيه، من (2) (عما حدّثته عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما (عن) أوقات (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الليل قال الأسود (قالت) لي عائشة في بيان ذلك (كان) صلى الله عليه وسلم (ينام أول الليل ويحيي آخره) بالصلاة والأذكار (ثم) بعد فراغه من صلاة الليل (إن كانت له حاجة) استمتاعية (إلى أهله) وزوجاته (قضى حاجته) منهن (ثم ينام فإذا كان عند النداء) أي الأذان (الأول) قبل الفجر (قالت) عائشة (وثب) أي نهض وقام بسرعة من مضجعه، قال الأسود (ولا) قالت (والله ما قالت) لي عائشة لفظة (قام) إشعارًا بأنه قام من مضجعه بسرعة، قال النواوي: قوله (وثب) أي قام بسرعة ففيه الاهتمام بالعبادة والإقبال عليها بنشاط وهو بعض معنى الحديث الصحيح "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " اهـ.

- فَأَفَاضَ عَلَيهِ الْمَاءَ - (وَلا وَاللهِ مَا قَالتِ: اغْتَسَلَ، وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ) - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ لِلصَّلاةِ. ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَينِ. 1620 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وقول عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره) تعني أن هذا كان آخر فعله أو أغلب حاله وإلا فقد قالت (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر) كما سيأتي وقولها (إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام) يُفهم منه جواز نوم الجنب من غير أن يتوضأ فإنها لم تذكر وضوءًا عند النوم وذكرت أنه إن لم يكن جنبًا توضأ وضوء الصلاة اهـ من المفهم، أي وثب من مضجعه (فأفاض) أي صب (عليه الماء) بكثرة، وقال الأسود (ولا) قالت (والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد) عائشة بقولها (فأفاض عليه الماء) يعني أن مرادها بأفاض الاغتسال (وإن لم يكن جنبًا توضأ وضوء الرجل) أي توضأ وضوءًا كوضوء الرجل (للصلاة ثم صلى الركعتين) سنة الصبح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 102 و 253]، والبخاري [1146]، والنسائي [3/ 218]، وابن ماجه [1365]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1620 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عمار بن رزيق) بتقديم الراء مصغرًا الضبي أو التميمي أبو الأحوص الكوفي، وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن المديني، وقال في التقريب: لا بأس به، من (8) مات سنة (159) (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون، غرضه بيان متابعة عمار بن رزيق لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة، وفيه رواية تابعي عن

قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ, حَتَّى يَكُونَ آخِرَ صَلاتِهِ الْوتْرُ. 1621 - (707) (117) حَدَّثَنِي هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالتْ: كَانَ يُحِبُّ الدَّائِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تابعي عن صحابية (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الوتر) قال النواوي: فيه دليل لما قدمناه من أن السنة جعل آخر صلاة الليل وترًا، وبه قال العلماء كافة، وتقدم تأويل الركعتين بعده جالسًا اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 1621 - (707) (117) (حدثني هناد بن السري) -بفتح المهملة وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة- بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أشعث) بن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) سليم بن أسود بن حنظلة المحاربي أبي الشعثاء الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الوضوء والصلاة (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (قال سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة، وفيه رواية تابعي عن تابعي (عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعبادته (فقالت كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحب) العمل (الدائم) أي الذي يدوم عليه صاحبه وإن قل كما في رواية أخرى، والمراد بالدوام الدوام العرفي لا شمول الأزمنة لأنه متعذر، وهذا الحديث من أفراد المؤلف ولكنه شاركه أحمد [6/ 279] وسبب محبته صلى الله عليه وسلم للدائم من العمل إن فاعله لا ينقطع من عمل الخير ولا ينقطع عنه الثواب والأجر، ويجتمع منه الكثير وأن قل العمل في الزمان الطويل، ولا تزال صحائفه مكتوبة بالخير ومصعد عمله معمورًا بالبر ويحصل به مشابهة الملائكة في الدوام والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

قَال: قُلْتُ: أَيَّ حِينٍ كَانَ يُصَلِّي؟ فَقَالتْ: كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ, قَامَ فَصَلَّى. 1622 - (708) (118) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا أَلْفَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّحَرُ الأَعْلَى فِي بَيتِي, أَوْ عِنْدِي, إِلَّا نَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: فيه الحث على القصد في العبادة، وأنه ينبغي للإنسان أن لا يتحمل من العبادة إلا ما يطيق الدوام عليه ثم يحافظ عليه اهـ (قال) مسروق (قلت) لعائشة (أي حين) وزمن (كان) صلى الله عليه وسلم (يصلي) صلاة الليل (فقالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم (إذا سمع) صياح (الصارخ) أي الديك سُمي بذلك لكثرة صياحه اهـ نووي، وفي المصباح: يقال صرخ يصرخ من باب قتل، صراخًا فهو صارخ، وصريخ إذا صاح وصرخ فهو صارخ إذا استغاث اهـ منه، قال ابن ناصر: وأول ما يصيح نصف الليل غالبًا وهذا موافق لقول ابن عباس نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، وقال ابن بطال: يصرخ عند ثلث الليل اهـ قسط (قام) جواب إذا أي استيقظ من نومه (فصلى) ما كتب له من صلاة الليل لأنه وقت نزول الرحمة والسكون وهدوء الأصوات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديثها بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 1622 - (708) (118) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (أخبرنا) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة فقيه، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون (قالت) عائشة (ما ألفى) ماض رباعي من الإلفاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مفعول به مقدم على فاعله (السحر الأعلى) أي السحر الأخير فاعل، والسحر الأعلى من آخر الليل ما قبيل الصبح، يقال لقيته بأعلى السحرين أي قبيل الصبح وهو فاعل ألفى أسند إليه مجازًا أي ما وجد السحر الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (في بيتي) وحجرتي (أو) قالت عائشة حالة كونه (عندي) والشك من الراوي عنها (إلا) استثناء مفرغ (نائمًا) مفعول ثان لألفى أي ما

1623 - (709) (119) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ, فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيقِظَةً, حَدَّثَنِي, وَإِلَّا اضْطَجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء السحر الأعلى إلا حالة كونه نائمًا بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصارخ، جمعًا بينه وبين رواية مسروق السابقة، وهل المراد حقيقة النوم أو اضطجاعه على جنبه لقولها في الحديث الآخر فإن كنت يقظى حدثني وإلا اضطجع أو كان نومه خاصًّا بالليالي الطوال وفي غير رمضان دون القصار لكن يحتاج إخراجها إلى دليل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود وابن ماجه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديثها الأول بحديث آخر فقال: 1623 - (709) (119) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ونصر بن علي) الأزدي أبو عمر البصري الجهضمي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي (قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي ثم المكي (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبصري أو كوفي ومكي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قالت) عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي) سنة (الفجر فإن كنت مستيقظة) أي غير نائمة (حدثني) أي تحدث معي وكلمني، وفي بعض النسخ (حدثني) حدثيني بصيغة أمر المؤنث فنقدر القول (وإلا) أي وإن لم أكن متيقظة (اضطجع) على شقه الأيمن ليستريح من تعب قيام الليل. وفيه دليل على جواز الحديث بعد ركعتي الفجر وهذا مذهب الجمهور، وقد كرهه الكوفيون ورُوي مثله عن ابن مسعود وبعض السلف لما جاء أنه وقت الاستغفار وما ذكرناه أولى لأن الأصل الإباحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه وقت استحباب الاستغفار لا يمنع من الكلام والله أعلم. وهذا الحديث من أفراد المؤلف ولكنه شاركه أحمد [6/ 121 و 254].

1624 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتَّابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, مِثْلَهُ. 1625 - (710) (120) وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1624 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني الأصل أبي عبد الرحمن المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة، من (6) قال ابن عيينة: كان أثبت أصحاب الزهري، من السادسة (عن ابن أبي عتاب) بمهملة مفتوحة ومثناة فوقية مشددة آخره موحدة اسمه زيد بن أبي عتاب، ويقال زيد أبو عتاب، ويقال عبد الرحمن بن أبي عتاب الشامي الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان أو أخته أم حبيبة، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الصلاة، ويروي عنه (م د س ق) وزياد بن سعد، ثقة، من الثالثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) مفعول لما عمل في المتابع وهو ابن أبي عتاب؛ أي روى ابن أبي عتاب عن أبي سلمة مثل ما روى أبو النضر عن أبي سلمة، غرضه بيان متابعة ابن أبي عتاب لأبي النضر في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديثها الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 1625 - (710) (120) (وحدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن تميم بن سلمة) السلمي من أنفسهم الكوفي، روى عن عروة في الصلاة، وعبد الرحمن بن هلال في الزكاة، وشريح وجماعة، ويروي عنه (م د س ق) والأعمش ومنصور، وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة، مات سنة (100) مائة (عن عروة بن الزبير عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد نسائي (قالت) عائشة

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ. فَإِذَا أَوْتَرَ قَال: "قُومِي, فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ". 1626 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من) نوافل (الليل فإذا أوتر) أي إذا أراد الوتر (قال) لها (قومي) من النوم (فأوتري يا عائشة) فكان يوقظها للوتر، وهذا الحديث من أفراد المؤلف ولكنه شاركه أحمد [6/ 152 و 205] وفي هذا الحديث دلالة على مشروعية تنبيه النائم للصلاة إذا خيف عليه خروج وقت الصلاة، ولا يبعد أن يقال إن ذلك واجب في الصلاة الواجبة لأن النائم وإن لم يكن مكلفًا في حال نومه لكن مانعه سريع الزوال فهو كالغافل ولا شك أنه يجب تنبيه الغافل اهـ من المفهم، وفيه يستحب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره، وأن الأمر بالنوم على وتر إنما هو في حق من لم يثق الاستيقاظ، وقد سبق التنبيه عليه في حديثي أبي هريرة وأبي الدرداء اهـ. واختلف في حكم الوتر فذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه سنة مؤكدة ولا يُؤَثم تاركها من حيث هو تارك، وقال مالك: إنه يحرج تاركه، وذهب أبو حنيفة إلى أنه واجب يأثم تاركه ولم يسمه فرضًا بناء منه على أن الفرض هو الذي يقطع بلزومه أو ما وجب بالقرآن أو ما يكفر من خالف فيه هذه عبارات أصحاب مذهبه والمعنى متقارب وهذا الفرق إن ادعاه لغة أو شرعًا منعناه وطالبناه بالدليل عليه وإن كان اصطلاحًا من جهته سلمناه ولم نناقشه عليه، ونستدل بعد ذلك على أن الوتر ليس بواجب بأدلة قد تقدمت في باب الإسراء، وفي باب التنفل على الراحلة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1626 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ التيمي مولاهم أبي عثمان المدني، ثقة، من (5) (عن القاسم بن محمد) بن أبي

عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي صَلاتَهُ بِاللَّيلِ, وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَينَ يَدَيهِ. فَإِذَا بَقِيَ الْوتْرُ أَيقَظَهَا فَأَوْتَرَتْ. 1627 - (711) (121) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، وَاسْمُهُ وَاقِدٌ, وَلَقَبُهُ وَقْدَانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، كِلاهُمَا عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر الصديق التيمي أبي محمد المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لعروة بن الزبير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاته بالليل وهي) أي والحال أن عائشة (معترضة) أي نائمة مضطجعة عرضًا (بين يديه) أي قدامه صلى الله عليه وسلم (فإذا بقي) عليه (الوتر) وأراد أن يصليه (أيقظها) من النوم (فأوترت) معه صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة الأول رضي الله تعالى عنها فقال: 1627 - (711) (121) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن أبي يعفور واسمه واقد ولقبه وقدان) العبدي الكوفي الكبير مشهور بكنيته، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (كلاهما) أي كل من أبي يعفور والأعمش رويا (عن مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني مولاهم أبي الضحى العطار الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نيسابوري، ورجال الثاني منهما خمسة منهم كوفيون وواحد مدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة، وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض الأعمش عن مسلم عن مسروق (قالت) عائشة (من كل الليل) أي من كل أجزاء الليل من أوله وأوسطه وآخره أي في كل

قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فَانْتَهَى وتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. 1628 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أجزائه في أوقات مختلفة (قد أوتر) أي قد فعل الوتر (رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى) أي وَصَلَ (وتره إلى السحر) بفتح السين والحاء المهملتين، أي كان آخره الإيتار في السحر والمراد به آخر الليل كما قالت في الروايات الأخرى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [996]، وأبو داود [1435 و 1437]، والترمذي [456]، والنسائي [3/ 230]، وابن ماجه [1185]. ففيه جواز الإيتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته، وفيه أيضًا استحباب الإيتار آخر الليل، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عليه، واختلفوا في أول وقته فالصحيح في مذهبنا والمشهور عن الشافعي والأصحاب أنه يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني، وفي قول يمتد إلى صلاة الصبح وقيل إلى طلوع الشمس، وفي وجه لا يصح الإيتار بركعة إلا بعد نافلة العشاء اهـ من النواوي، ولا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة وانتهى وتره إلى السحر لأن الأول لإرادة الاحتياط، والآخر لمن علم من نفسه قوة كما ورد في حديث جابر عند المؤلف ولفظه "من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل، ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله" اهـ من فتح الباري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1628 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن أبي حصين) مكبرًا، عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن يحيى بن وثاب) بتشديد المثلثة، الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ، روى عن مسروق في الصلاة، وابن عباس وابن عمرو وزر بن حبيش وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) وطلحة بن مصرف وأبو حصين وأبو إسحاق والأعمش وعدة، وثقه النسائي وابن حبان، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة وكان مقرئ

عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, مِنْ أَوَّلِ اللَّيلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ, فَانْتَهَى وتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. 1629 - (00) (00) حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا حَسَّانُ، قَاضِي كِرْمَانَ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الكوفة، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة (103) ثلاث ومائة (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي، ثقة، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سباعياته رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة أو زهير بن حرب، غرضه بيان متابعة يحيى بن وثاب لمسلم بن صبيح في رواية هذا الحديث عن مسروق (قالت) عائشة (من كل) أجزاء (الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (من أول الليل وأوسطه وآخره) بدل من كل الليل بدل تفصيل من مجمل (فانتهى وتره إلى السحر) آخر الليل، حين مات كما في رواية أبي داود. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 1629 - (00) (00) (حدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، ثقة، من (9) (حدثنا حسان) بن إبراهيم بن عبد الله العنَزي -بفتح العين والنون- نسبة إلى عنَزة بن أسد أبو هاشم (قاضي كرمان) وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من (8) مات سنة (186) وفي القاموس: وكرمان بفتح أوله وكسره مع سكون ثانيه اسم بلد بينه وبين حدود الهند أربعة أيام واسم إقليم بين فارس وسجستان، قال بن خرداذيه: هي مائة وثمانون فرسخًا في مثلها، افتتحها عبد الرحمن بن سمرة بن جندب رضي الله عنه اهـ (عن سعيد بن مسروق) بن عدي الثوري من ثور بن عبد مناة بن أن بن طابخة التميمي أبي سفيان الكوفي، روى عن أبي الضحى في الصلاة، وسلمة بن كهيل في الصلاة، وعباية بن رفاعة في الزكاة والضحايا والطب، وعبد الرحمن بن أبي نعم في الزكاة، والشعبي في الصيد، ويزيد بن حيان في الفضائل، وخيثمة في عذاب القبر، ويروي عنه (ع) وحسان بن إبراهيم الكرماني وأبو الأحوص وابناه عمر وسفيان وشعبة وإسماعيل بن مسلم وزائدة وعدة، وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي والنسائي وابن المديني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في

عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كُلَّ اللَّيلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فَانْتَهَى وتْرُهُ إِلَى آخِرِ اللَّيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي وواحد كرماني، غرضه بيان متابعة سعيد بن مسروق لأبي يعفور وسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي الضحى، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قالت) عائشة كل الليل) أي في جميع أثلاث الليل (قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره) حين مات كما في أبي داود (إلى آخر الليل) والمعنى كان آخر أمره الإيتار في آخر الليل والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث حديثها الثالث ذكره للاستشهاد، والرابع حديثها الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديثها الخامس ذكره للاستشهاد ذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديثها السادس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

324 - (36) باب السوال عن خلقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض

324 - (36) باب: السوال عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض 1630 - (712) (122) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا. فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ, وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ, لَقِيَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 324 - (36) باب السوال عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم وعن وتره ومن نام عن حزبه أو مرض 1630 - (712) (122) (حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد (العنَزي) البصري (حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن زرارة) بن أوفى الحرشي البصري، ثقة، من (3) (أن سعد بن هشام بن عامر) بن أمية الأنصاري الخزرجي المدني ابن عم أنس، ثقة، من (3) استشهد بأرض الهند، وهذا السند مع عائشة من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون واثنان مدنيان أي أن سعدًا (أراد أن يغزو) أي أن يتجرد للغزو والجهاد (في سبيل الله) تعالى (فقدم المدينة) أي من نواحيها إلى داخل البلدة (فأراد أن يبيع عقارًا له بها) أي بالمدينة، والعقار ما لا يقبل النقل من المال كالأرض والدار، وفي العون: العقار على وزن سلام؛ كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل، وقال بعض أهل اللغة: ربما أطلق على المتاع (فيجعله) أي فيجعل ثمنه (في السلاح والكراع) بضم الكاف أي فيشتري بثمنه الأسلحة كالسيف والرماح والقوس والأفراس، والكراع كغراب في الأصل ما دون الركبة من الساق كما في حديث "لو دعيت إلى كراع لأجبت" وفي المثل (أعطي العبد كراعًا فطلب ذراعًا) لأن الذراع في اليد وهو أفضل من الكراع في الرِجْل، قال النواوي: والكراع الخيل اهـ (ويجاهد الروم) جيل معروف من البيضان (حتى يموت فلما قدم المدينة لقي أناسًا) أي نفرًا (من أهل المدينة) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنهوه) أي نهى أولئك الناس سعدًا (عن ذلك) أي عن

وَأَخْبَرُوهُ؛ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَقَال: "أَلَيسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟ " فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ. وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا. وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا. فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: مَنْ؟ قَال: عَائِشَةُ. فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا. ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بيع عقاره (وأخبروه) أي أخبروا سعدًا (أن رهطًا) أي قومًا منا (ستة) بدل من رهطًا (أرادوا ذلك) الأمر الذي قصدته أي تطليق النساء وبيع المتاع لإرادة الغزو (في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال) لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم (أليس لكم فيّ أسوة) أي قدوة حسنة ومتابعة جميلة (فلما حدثوه) أي فلما حدث أولئك الأناس لسعد بن هشام (بذلك) النهي الذي نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أولئك الرهط في حياته (راجع امرأنه) أي زوجته المطلقة إلى نكاحه (وقد كان طلقها) أولًا قبل قدومه المدينة ليبيع عقاره بها، وكان كل ذلك لعزمه على التجرد للجهاد، وقوله (وأشهد) معطوف على راجع (على رجعتها) أي على مراجعتها، قال النواوي: هي بفتح الراء وكسرها والفتح أفصح عند الأكثرين، وقال الأزهري: الكسر أفصح اهـ لأنه يجب الإشهاد عليها كما في ابتداء النكاح أو يندب على الخلاف المذكور في الفروع (فأتى) سعد (ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فسأله) أي فسأل سعد ابن عباس (عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عن كيفية وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقته وعدده (فقال) له (ابن عباس ألا أدلك) الهمزة للاستفهام التقريري، ولا نافية، ويحتمل أن تكون (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي هل أدلك (على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه أنه يستحب للعالم إذا سئل عن شيء ويعرف أن غيره أعلم منه به أن يرشد السائل إليه فإن الدين النصيحة ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع (قال) سعد (من) الذي هو أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عباس هو أي ذلك الأعلم (عائشة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (فأتها) أي فاذهب إليها يا سعد (فاسألها) عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ما ذهبت إليها وسألتها (ائتني فأخبرني بردها

عَلَيْكَ. فَانْطَلَقْتُ إِلَيهَا. فَأَتَيتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ. فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيهَا. فَقَال: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا. لأَنِّي نَهَيتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَينِ الشِّيعَتَينِ شَيئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا. قَال: فَأَقْسَمْتُ عَلَيهِ. فَجَاءَ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ. فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيهَا, فَأَذِنَتْ لَنَا. فَدَخَلْنَا عَلَيهَا. فَقَالتْ: أَحَكِيمٌ؟ - (فَعَرَفَتْهُ) -. فَقَال: نَعَمْ. فَقَالتْ: مَنْ مَعَكَ؟ قَال: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَال: ابْنُ عَامِرٍ. فَتَرَحَّمَتْ عَلَيهِ. وَقَالتْ خَيرًا. - (قَال قَتَادَةُ: وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ) - فَقُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليك) أي بجوابها لك وما قالته لك (فانطلقت) أي أردت الانطلاق والذهاب (إليها) لأسألها كما أمرني ابن عباس (فأتيت) أي فجئت قبل الذهاب إليها ومررت (على حكيم بن أفلح) المدني، وقال في التقريب: هو مقبول، من الثالثة، روى عنه ابن ماجه (فاستلحقته) أي فاستلحقت حكيم بن أفلح أي طلبت منه مرافقته إياي ومصاحبته معي في الذهاب (إليها) أي إلى عائشة (فقال) لي حكيم بن أفلح (ما أنا بقاربها) أي بقارب وذاهب إليها معك يعني لا أريد قربها (لأني نهيتها أن تقول) أي أن تفعل، ففيه إطلاق القول على الفعل بقرينة قوله إلا مضيًا أي أن تفعل (في هاتين الشيعتين) أي الفرقتين تريد شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشيعة أصحاب الجمل، قال النواوي: الشيعتان الفرقتان، والمعنى نهيتها عن الدخول في تلك المحاربة الواقعة بين الشيعتين، وأن تفعل في المعاونة لإحداهما (شيئًا فأبت) أي فامتنعت (في) شأن مساعدة إحدا (هما إلا مضيا) ومداومة في المساعدة لإحداهما؛ أي فامتنعت من غير المضي وهو الذهاب، مصدر مضى، ومنه قوله تعالى {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا} (قال) سعد بن هشام (فأقسمت عليه) أي على حكيم بن أفلح أي ناشدته الذهاب معي إلى عائشة مقسمًا له باسم الله تعالى (فجاء) إليّ حكيم (فانطلقنا) معه (إلى عائشة فاستأذنا) أي طلبنا الإذن في الدخول (عليها فأذنت لنا) في الدخول عليها (فدخلنا عليها فقالت) عائشة لحكيم (أحكيم) أنت بهمزة الاستفهام الاستخباري (فعرفته) بصوته حين سلمنا عليها (فقال) حكيم (نعم) أنا حكيم بن أفلح (فقالت من) الذي (معك؟ قال) حكيم معي (سعد بن هشام، قالت) عائشة (من هشام؟ ) الذي هو والده (قال) حكيم هو هشام (بن عامر) بن أمية (فترحمت عليه) أي على عامر أي سألت له رحمة الله تعالى (وقالت) في عامر (خيرًا) أي أثنت عليه (قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق (وكان) عامر بن أمية (أصيب) أي استشهد وقُتل (يوم) غزوة (أحد) قال سعد بن هشام (فقلت) لها

يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ, أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ. قَال: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ, وَلَا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ. ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالتْ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ, فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا. وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا أم المؤمنين أنبئيني) أي أخبريني (عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم الخاء واللام ويسكن أي عن أخلاقه وشمائله (قالت ألست) يا سعد (تقرأ القرآن؟ قلت بلى) أقرؤه (قالت) عائشة (فإن خُلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن) أي كان خُلقه جميع ما فصل في القرآن من مكارم الأخلاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان متحليًا به، وقال النواوي: معنى (كان القرآن) أي كان خُلقه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبر معانيه وحسن تلاوته، وقال القرطبي: ومعنى قول عائشة (كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) أي كان يتخلق بما فيه من محمود الأوصاف ويتجنب ما فيه من ممنوعها، ويحتمل أن تريد بقولها القرآن الآيات التي اقتضت الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]، وكقوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 157] وما في معنى ذلك اهـ من المفهم (قال) سعد بن هشام (فهممت) أي قصدت (أن أقوم) من عندها وأذهب (و) أن (لا أسأل أحدًا) من الناس أبدًا (عن شيء) من خُلقه صلى الله عليه وسلم (حتى أموت) وقال القرطبي: وقول سعد (فهممت أن أقوم) إنما كان ذلك الهم منه استقصارًا لفهمه إذ لم يفهم ذلك من القرآن مع وضوح ذلك المعنى فيه وإنهاضًا لهمته للبحث عن معاني القرآن واكتفاء بذلك عن سؤال أحد من أهل العلم اهـ من المفهم (ثم) بعد ما هممت القيام من عندها (بدا) وظهر (لي) أن أسألها عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) لها (أنبئيني) أي أخبريني يا أم المؤمنين (عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم) وصلاته في الليل (فقالت) لي (ألست تقرأ) سورة (يا أيها المزمل؟ قلت) لها (بلى) أقرأها (قالت: فإن الله عزَّ وجلَّ افترض) وأوجب عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه (قيام الليل) وصلاته (في أول هذه السورة) بقوله {قُمِ اللَّيلَ إلا قَلِيلًا} (فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) أي صلوا في الليل (حولًا) كاملًا (وأمسك الله) سبحانه وتعالى عنده (خاتمتها) أي خاتمة

اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ. حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ, فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ, التَّخْفِيفَ. فَصَارَ قِيَامُ اللَّيلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَال: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ, أَنْبِئِينِي عَنْ وتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ. فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيلِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه السورة عن إنزالها تعنى أنها متأخرة النزول عما قبلها وهي قوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيلِ} الآية (اثنى عشر شهرًا في السماء) وقوله (حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف) غاية لقوله (افترض قيام الليل) (فصار قيام الليل) وصلاته (تطوعًا) أي نفلًا (بعد فريضة) أي بعد كونه فرضًا، وظاهر هذا الكلام أنه صار تطوعًا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة، فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في نسخه في حقه، والأصح عندنا نسخه، وأما ما حكاه القاضي عياض عن بعض السلف أنه يجب على الأمة من قيام الليل ما يقع عليه الاسم ولو قدر حلب شاة فغلط ومردود بإجماع من قبله مع النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس اهـ نواوي، قال القرطبي: وقول عائشة إن الله فرض قيام الليل إلى قولها فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة ظاهر قولها هذا يدل على أنه كان فرضًا عليه وعلى الناس، قال مكي: وهو قول كافة أهل العلم، وقيل إنه لم يكن فرضًا عليه ولا عليهم حكاه الأبهري عن بعضهم قال: لقوله {نِصْفَهُ أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيهِ} [المزمل: 3 - 4] وليس هذا دأب الفروض، وإنما هو ندب، وقيل كان فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده مندوبًا لغيره وكأن هذا مأخوذ من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} فخص بالخطاب، وبما روي عن ابن عباس مرفوعًا "ثلاث عليّ فريضة ولكم تطوع؛ الوتر والضحى وركعتا الفجر" وهو ضعيف، والصحيح ما نقلته عائشة، وقولها إن النسخ كان بعد حول خولفت في ذلك، وقيل بعد عشر سنين، قال عياض: وهو الظاهر لأن السورة مكية ومن أول ما نزل من القرآن إلا الآيتين آخرها نزلت بالمدينة، وهذا الذي قاله صحيح؛ فصحيح الأحاديث والنقل المشهور تؤيده على ما قدمناه في كتاب الإيمان اهـ مفهم (قال) سعد بن هشام (قلت) لها (يا أم المومنين أنبئيني) أي أخبريني (عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) عائشة (كنا نعد) ونهيئ (له سواكه وطهوره) بفتح أوله ماء يتوضأ به (فيبعثه الله) سبحانه وتعالى أي يوقظه لأن النوم أخو الموت قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيلِ} (ما شاء أن ببعثه) أي أن يوقظه (من الليل) فالموصول عبارة عن المقدار،

فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ. لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ. فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ. ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ. ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ. ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ. ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا. ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَينِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ. فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً, يَا بُنَيَّ. فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الليل بيان له (فيتسوك) بسواكه (ويوضأ) بطهوره (ويصلي تسع ركعات) موصولات (لا يجلس فيها) أي في تلك التسع التشهد (إلا في الثامنة) أي إلا في الركعة الثامنة (فيذكر الله) تعالى في جلوسه للتشهد (ويحمده) أي يصفه بما يليق به من صفات الكمال (وبدعوه) حوائجه (ثم ينهض) ويقوم من الثامنة (ولا يسلم) بعدها (ثم يقوم) في التاسعة (فيصلي التاسعة ثم يقعد) بعدها للتشهد (فيذكر الله) تعالى في تشهده بعد التاسعة (ويحمده ويدعوه ثم يسلم) بعد التاسعة (تسليمًا يسمعنا) به، فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها، ويقعد في الثامنة ولا يسلم (ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم) من التاسعة (وهو قاعد) قال القرطبي: قوله (وهو قاعد) يعني أنه كان يسلم من وتره وهو قاعد مخبرة بمشروعية السلام في القعود، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتي الفجر قاعدًا، والله أعلم اهـ من المفهم وحَ فالجملة الاسمية حال من فاعل يسلم وهذا هو الصواب، هاتان الركعتان هما سنة الفجر، فإن لم تكونا سنة الفجر فهما لبيان جواز النفل بعد الوتر، وإن كانت السنة الشائعة أن يجعل آخر صلاة الليل وترًا اهـ من بعض الهوامش، وفي العون: أخذ بظاهر هذا الحديث الأوزاعي وأحمد وأباحا ركعتين بعد الوتر جالسًا، وأنكره مالك، قال النواوي: الصواب أن فعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرات قليلة، ولفظ كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، قال: وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين أن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كانت وترًا، وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترًا فكيف يظن أنه يدوم على ركعتين بعد الوتر، وما أشار إليه القاضي عياض من رد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع تعين اهـ ملخصًا اهـ (فتلك) الركعات المذكورة من التسع والركعتين مجموعها (إحدى عشرة ركعة يا بني) تصغير ابن، تصغير شفقة وملاطفة (فلما سن نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي دخل في سن الكبر، هكذا في أكثر الأصول (سن) بلا همزة، وفي بعضها (فلما أسن) بالهمز وهو المشهور في اللغة، والمعنى واحد كما ذكرنا

وَأَخَذَهُ اللَّحْمَ, أَوْتَرَ بِسَبْعٍ. وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَينِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوَّلِ. فَتِلْكَ تِسْعٌ, يَا بُنَيَّ. وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاومَ عَلَيهَا. وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ, أَوْ وَجَعٌ, عَنْ قِيَامِ اللَّيلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيلَةٍ. وَلَا صَلَّى لَيلَةً إِلَى الصُّبْحِ. وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيرَ رَمَضَانَ. قَال: فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا. فَقَال: صَدَقَتْ. لَوْ كُنْتُ أَقْرَبُهَا أَوْ أَدْخُلُ عَلَيهَا لأَتَيتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِي بِهِ. قَال: قُلْتُ: لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأخذه اللحم) هكذا في بعض النسخ بزيادة الهاء مع رفع اللحم، وفي بعضها (وأخذ اللحم) بنصب اللحم وإسقاط الضمير وهما متقاربان، والظاهر أن معناه كثر لحمه وهو خلاف صفته صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن سمينًا لحيما، نعم جاء في صفته صلى الله عليه وسلم "بادن متماسك" والبادن الضخم، فلما قيل بادن أردف بمتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضًا فهو معتدل الخلق فليحرر اهـ من بعض الهوامش (أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول) أي صلاهما بعد ما سلم من السبع وهو قاعد (فتلك) السبع مع الركعتين (تسع) ركعات (يا بني، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة) أو عمل عمل خير (أحب أن يداوم عليها، وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا غلبه) أي شغله (نوم أو وجع) أي مرض (عن قيام الليل) وصلاته (صلى من النهار) أي منه إلى الليل (ثنتي عشرة ركعة) وهي السنن المؤكدة التي سبق ذكرها، وهذا بيان لمداومته صلى الله عليه وسلم ومواظبته عليها، ومن ظن أنها صلاة الضحى قال أي من أول النهار إلى الزوال اهـ من بعض الهوامش، قال النواوي: وفي هذا استحباب المواظبة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضى، وتقدم أن الأرجح الرفق في العبادة لأنه الذي في مظنة الدوام اهـ (ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان، قال) سعد بن هشام (فانطلقت) أي ذهبت ورجعت (إلى ابن عباس فحدثته بحديثها) أي بحديث عائشة (فقال) ابن عباس (صدقت) عائشة فيما حدثته لك (لو كنت أقربها) أي لو كنت أولًا أقربها وأحضرها (أو) قال ابن عباس لو كنت أولًا (أدخل عليها لأتيتها) اليوم، والشك من سعد فيما قاله ابن عباس وممن دونه (حتى تشافهني) أي تخاطبني وتكلمني (به) أي بهذا الحديث بلا واسطة (قال) سعد (قلت) لابن عباس (لو

عَلِمْتُ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُ عَلَيهَا مَا حَدَّثْتُكَ حَدِيثَهَا. 1631 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ؛ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبِيعَ عَقَارَهُ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 1632 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها) قال القاضي عياض: قال له ذلك على طريق العتب له في ترك الدخول عليها ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها، ويشبه أن يكون ترك الكلام معها لأجل المنازعة كانت بينها وبين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أو لأمر آخر اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1342 - 1352] والنسائي [3/ 199]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1631 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنَزي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن زرارة بن أوفى) الحرشي البصري (عن سعد بن هشام) بن عامر بن أمية الأنصاري الخزرجي المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان مدنيان، غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لسعيد بن أبي عروبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (أنه) أي أن سعد بن هشام (طلق امرأته) ليتجرد للجهاد (ثم انطلق) وذهب (إلى المدينة) أي إلى داخلها (ليبيع عقاره) أي ماله الثابت الذي لا يقبل النقل كالأشجار والدور ليشتري به الأسلحة (فذكر) هشام الدستوائي (نحوه) أي نحو ما حدّث سعيد بن أبي عروبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 1632 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (حدثنا قتادة)

عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ قَال: انْطَلَقْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْوتْرِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَقَال فِيهِ: قَالتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَامِرٍ. قَالتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ عَامِرٌ, أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ. 1633 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامٍ كَانَ جَارًا لَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ، طَلَّقَ امْرَأَتَهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سَعِيدٍ. وَفِيهِ, قَالتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَال: ابْنُ عَامِرٍ. قَالتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ أُصِيبَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن دعامة البصري (عن زرارة بن أوفى) البصري (عن سعد بن هشام) الأنصاري المدني، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن بشر لابن أبي عدي في رواية هذا الحديث عن سعيد بن أبي عروبة (أنه) أي أن هشام بن سعد (قال انطلقت إلى عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فسألته عن الوتر) أي عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وساق) محمد بن بشر (الحديث) السابق (بقصته) أي بقصته التامة لم ينقص منها شيئًا (و) لكن (قال) محمد (فيه) أي في الحديث (قالت) عائشة (من هشام) أي هشام من؟ قال حكيم بن أفلح (قلت) لها هشام (ابن عامر) بن أمية الأنصاري الخزرجي (قالت) عائشة (نعم المرء) هو أي عامر (كان عامر أصيب) أي استشهد (يوم) غزوة (أحد) رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1633 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (كلاهما عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن قتادة) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر بن راشد لسعيد بن أبي عروبة (عن زرارة بن أوفى أن سعد بن هشام كان جارًا له) أي لزرارة بن أوفى (فأخبره) أي أخبر سعد لزرارة (أنه) أي أن سعدًا (طلق امرأته واقتص) معمر (الحديث) السابق (بمعنى حديث سعيد) بن أبي عروبة لا بلفظه (و) لكن (فيه) أي في حديث معمر لفظة (قالت) عائشة (من هشام؟ قال) حكيم بن أفلح: هو هشام (بن عامر، قالت) عائشة (نعم المرء) عامر (كان) عامر

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, يَوْمَ أُحُدٍ. وَفِيهِ: فَقَال حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ: أَمَا إِنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُ عَلَيهَا مَا أَنْبَأْتُكَ بِحَدِيثِهَا. 1634 - (00) (00) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيلِ مِنْ وَجَعٍ, أَوْ غَيرِهِ, صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. 1635 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، (وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ) , ـــــــــــــــــــــــــــــ (أصيب) أي قتل (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وفيه) أي وفي حديث معمر أيضًا لفظة (فقال حكيم بن أفلح: أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (إني لو علمت أنك) يا ابن عباس (لا تدخل عليها) أي على عائشة (ما أنبأتك) أي ما أخبرتك (بحديثها) لأنك قصرت في الاستفادة منها أولًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديثها فقال: 1634 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني، ثقة مصنف، من (10) روى عنه في (15) بابا (وقتيبة بن سعبد جميعًا عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (قال سعبد) بن منصور في روايته (حدثنا أبو عوانة) بصيغة السماع (عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لمن روى عن قتادة، وكرر المتن لما فيها من المخالفة للرواية السابقة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من) نوافل (الليل من وجع) أي لأجل مرض (أو غيره) كنوم (صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) تعني أنه يواظب عليها لا يمنعه منها مانع وقد مر البحث عنه قريبًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها فقال: 1635 - (00) (00) (وحدثنا علي بن خشرم) -بمعجمتين ثانيتهما ساكنة والأولى مفتوحة بزنة جعفر- بن عبد الرحمن المروزي (أخبرنا عيسى وهو ابن يونس) بن أبي

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ, وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيلِ, أَوْ مَرِضَ, صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالتْ: وَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ, وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ. 1636 - (713) (123) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَعُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إسحاق الهمداني السبيعي أبو عمرو الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن زرارة) بن أوفى البصري (عن سعد بن هشام) بن عامر (الأنصاري) المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا) من الأعمال الصالحة (أثبته) أي جعله ثابتًا غير متروك (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا نام من) نوافل (الليل أو مرض) عنها (صلى من) نوافل (النهار) المؤكدة (ثنتي عشرة ركعة قالت) عائشة بالسند السابق (وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة) كاملة (حتى الصباح وما صام شهرًا متتابعًا) كاملًا (إلا رمضان). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: 1636 - (713) (123) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب عن يونس بن يزيد) الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة الكندي أبي يزيد المدني المعروف بابن أخت نمر الصحابي إين الصحابي (وعبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن

أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ. قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ, أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ, فَقَرَأَهُ فِيمَا بَينَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ .. كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني الأعمى (أخبراه) أي أَخْبَرَا لابن شهاب (عن عبد الرحمن بن عبد) بغير إضافة (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى القارة قبيلة مشهورة بجودة الرمي، من خزيمة بن مدركة تسمى بالقارة، ويقال فيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد القاري أبي محمد المدني، يقال إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويقال له رؤية، روى عن عمر بن الخطاب في الصلاة وأبي طلحة، ويروي عنه (ع) والسائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله وعروة بن الزبير، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، واختلف قول الواقدي فيه تارة قال له صحبة وتارة تابعي، مات سنة (88) ثمان وثمانين (قال) عبد الرحمن (سمعت عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري ومروزي وواحد أيلي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية صحابي عن تابعي عن صحابي، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام) يعني غفل (عن حزبه) بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي، والحزب ما يوظفه المرء على نفسه من قراءة أو صلاة في الليل، وقال القرطبي: الحزب الجزء من القرآن يُصَلَّى به اهـ (أو عن شيء منه) أي أو عن بعض من حزبه (فقرأه فيما) أي في زمن (بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) أي كُتب له أجر مثل الأجر الذي يكتب له فيما إذا قرأه أو صلاة في الليل، يعني من فاته حزبه أو بعض منه عن الوقت الذي كان يفعله فيه ففعله في وقت آخر كُتب له من الأجر ما لم يفت لأن تعيين ذلك الوقت بما وظفه لم يكن بتعيين الشرع حتى يكون قضاء بتفويته، وإنما كان باعتياد فعله فيه وجميع الأوقات بالنسبة إليه سواء، فعلى هذا تخصيص الليل بالذكر لأن حزب العابدين يوجد فيه غالبًا، وأما تخصيص ما بين الفجر والظهر فلأنه وقت واسع اهـ من المبارق. قال الشوكاني: والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل، وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو عذر من الأعذار، وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظهر كان كمن فعله في الليل، وفيه استحباب قضاء التهجد إذا فاته من الليل ولم يستحب أصحاب الشافعي قضاءه وإنما استحبوا قضاء السنن الرواتب اهـ منه. قوله (كُتب له) قال القرطبي: هذا الفضل من الله تعالى وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه نوم أو عذر منعه من القيام مع أن نيته القيام، وفيه دليل على أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار. وقد ذكر مالك في الموطإ عنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه" رواه مالك في الموطإ [1/ 117] وهذا أتم في التفضل والمجازاة بالنية، وظاهره أن له أجره مكملًا مضاعفًا وذلك لحسن نيته وصدق تلهفه وتأسفه قاله بعض مشايخنا، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون غير مضاعف إذ الذي يصليها أكمل وأفضل، وقد رأى مالك أن يصلي حزبه من فاته بعد طلوع الفجر وهو عنده وفت ضرورة لمن غلب على حزبه وفاته كما يقول في الوتر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1313]، والترمذي [581]، والنسائي [3/ 259]، وابن ماجه [1343]. قال النواوي: وهذا الإسناد والحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وزعم أنه معلل بأن جماعة رووه هكذا مرفوعًا وجماعة رووه موقوفًا، وهذا التعليل لا يقدح فالحديث صحيح وإسناده أيضًا صحيح، والصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققوا المحدثين أنه إذا روي الحديث مرفوعًا وموقوفًا أو موصولًا ومرسلًا حُكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد والله أعلم اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث عمر ذكره للاستشهاد والله أعلم.

325 - (37) باب وقت صلاة الأوابين

325 - (37) باب: وقت صلاة الأوّابين 1637 - (714) (124) وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ، نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) , عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ الشَّيبَانِيِّ؛ أَنَّ زَيدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى. فَقَال: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلاةَ فِي غَيرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 325 - (37) باب وقت صلاة الأوابين وذكر هذا الباب هنا استطرادي ولو قدم المؤلف حديث هذا الباب عند حديث صلاة الضحى كما قدمه القرطبي في تلخيصه كان أنسب لأن صلاة الأوابين من صلاة النهار وهو مشترك مع الضحى في الوقت، والمقام هنا مقام صلاة الليل والله أعلم. 1637 - (714) (124) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري (وهو ابن علية) اسم أمه، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنَزي أبي بكر البصري، ثقة، من (5) (عن القاسم) بن عوف (الشيباني) البكري الكوفي، روى عن زيد بن أرقم في الصلاة، وأبي برزة والبراء وابن عمر، ويروي عنه (م ق) وأيوب وهشام بن أبي عبد الله وقتادة وعدة، قال أبو حاتم: مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق، وقال ابن عدي: هو ممن يُكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، له في (م) فرد حديث في صلاة الأوابين، وقال في التقريب: صدوق يغرب، من الثالثة (أن زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد نسائي (رأى قومًا يصلون من) صلاة (الضحى) في أول وقتها وهو من ارتفاع الشمس قدر رمح (فقال) زيد (أما) -بفتح الهمزة والميم المخففة- حرف تنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم، والله (لقد علموا) أي لقد علم هؤلاء المصلون في هذا الوقت (أن الصلاة) أي أن صلاة الضحى (في غير هذه الساعة) التي هي أول وقتها (أفضل) أي أكثر أجرًا (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجملة إن معللة لما قبلها أي وإنما قلت ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال صلاة الأوابين) أي الرجاعين من الإساءة إلى الإحسان أي أن أفضل وقت صلاتهم (حين

تَرْمَضُ الْفِصَالُ". 1638 - (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. قَال: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الشَّيبَانِيُّ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ. قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ قُبَاءٍ وَهُمْ يُصَلُّونَ. فَقَال: "صَلاةُ الأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتِ الْفِصَالُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ترمض الفصال) أي حين تحترق أخفاف الفصال من شدة حر الرمل، والفصال جمع فصيل وهو ولد الناقة، وقال ابن الملك: وفيه إشارة إلى مدح الأوابين بصلاة الضحى في الوقت الموصوف لأن الحر إذا اشتد عند ارتفاع الشمس تميل النفوس إلى الاستراحة فيرد على قلوب الأوابين المستأنسين بذكر الله أن ينقطعوا عن كل مطلوب سواه، وإنما عبر عن ذلك الوقت بقوله إذا رمضت الفصال لأن الفصال لرقة جلود أخفافها تنفصل عن أمهاتها عند ابتداء شدة الحر فتتركها، والأوابون هم الذين يكثرون الرجوع إلى طاعة الله تعالى والله أعلم اهـ. وهذا الحديث انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات لكنه أخرجه أحمد [4/ 366]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فقال: 1638 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي أبو سعيد البصري (عن هشام بن أبي عبد الله) سنبر الدستوائي البصري (قال) هشام (حدثنا القاسم) بن عوف (الشيباني) البكري الكوفي (عن زيد بن أرقم) بن زيد الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد نسائي، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام لأيوب السختياني في رواية هذا الحديث عن القاسم الشيباني (قال) زيد بن أرقم (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة ومر (على أهل قباء وهم) أي والحال أنهم (يصلون) الضحى (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الأوابين) أي وقتها المختار (إذا) اشتد الحر و (رمضت) أي انحرقت (الفصال) أي أخفافها بحرارة الرمال. قال القرطبي: قوله (صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال) الأوابون جمع أواب وهو مبالغة آيب، وهو من آب إلى كذا إذا رجع إليه، ومنه قول تأبط شرًّا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبت إلى فهم وما كدت آيبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر أي رجعت فمعنى الأوابين هنا وفي قوله تعالى {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] أي الراجعين من الإساءة إلى الإحسان على ما قاله قتادة، وقال مجاهد: التائبون، وابن عمر: المستغفرون، وقال ابن عباس: المسبحون، وكل ذلك متقارب، وأما الفصال والفصلان جمع فصيل وهو الذي يفطم عن الرضاعة من الإبل، وأما الرمضاء فهي شدة الحر في الأرض، وخص الفصلان هنا فإنها هي التي ترمض قبل انتهاء شدة الحر التي ترمض فيها أمهاتها لقلة جلدها وذلك يكون في الضحى أو بعده بقليل أو قبله بقليل وهو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها اهـ من المفهم، وقال النواوي: يقال رمض يرمض من باب علم، والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس أي حين تحترق أخفاف الفصال؛ وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع فصيل وذلك من شدة حر الرمل اهـ. ***

326 - (38) باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة في آخر الليل

326 - (38) باب: صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة في آخر الليل 1639 - (715) (125) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ, عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاةِ اللَّيلِ؟ فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى, فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ, صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً, تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى" ـــــــــــــــــــــــــــــ 326 - (38) باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة في آخر الليل 1639 - (715) (125) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن نافع وعبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (4) كلاهما (عن ابن عمر) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري (أن رجلًا) قيل هو ابن عمر كما هو في المعجم الصغير للطبراني، وعورض برواية عبد الله بن شقيق عن ابن عمر الآتية أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل، وقيل هو من أهل البادية ولا تنافي لاحتمال تعدد من سأل (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) عدد (صلاة الليل) أو عن الفصل والوصل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى) غير مصروف للعدل التحقيقي، والوصف والتكرير للتأكيد لأنه في معنى اثنتين اثنتين اثنتين اثنتين أربع مرات، والمعنى يسلم من كل ركعتين كما فسره به ابن عمر في الرواية الأخيرة من حديثه، واستدل بمفهومه للحنفية على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا، وعورض بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح (فإذا خشي) أي خاف (أحدكم الصبح) أي فوات صلاة الصبح (صلى ركعة واحدة توتر له) تلك الركعة الواحدة (ما قد صلى) فيه أن أقل الوتر ركعة، وأنها تكون مفصولة بالتسليم مما قبلها، وبه قال الأئمة الثلاثة خلافًا للحنفية حيث قالوا يوتر بثلاث كالمغرب لحديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بها كذلك رواه الحاكم وصححه، نعم قال الشافعية: لو أوتر بثلاث موصولة فأكثر وتشهد في الأخيرتين أو في الأخيرة جاز للاتباع رواه مسلم لا إن تشهد في غيرهما فقط أو معهما أو مع أحدهما لأنه خلاف المنقول اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 155]، والبخاري [990]، وأبو داود

1640 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ, حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاةِ اللَّيلِ؟ فَقَال: "مَثْنَى مَثْنَى, فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ [1326]، والترمذي [537]، والنسائي [3/ 227]، وابن ماجه [1175]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1640 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر، وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع وعبد الله بن دينار في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمر أن أباه (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول) صلاة الليل مثنى مثنى (ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن عباد (حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثنا عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وقوله (ح وحدثنا الزهري) بإسناد محمد بن عباد معطوف على قوله حدثنا عمرو، والأولى إسقاط هذه الحاء لأن التحويل إنما يكون في أول السند (عن سالم عن أبيه أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل) أي عن نافلته (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل (مثنى مثنى) أي اثنتان اثنتان أي ركعتان ركعتان (فإذا خشيت الصبح) أي خفت دخول وقت الصبح (فأوتر) أي فاجعل ما صليته من الشفع وترًا (بـ) صلاة (ركعة) واحدة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1641 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحُمَيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَاهُ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ قَال: قَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيفَ صَلاةُ اللَّيلِ؟ قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ". 1642 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1641 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المصري، ثقة، من (7) (أن ابن شهاب حدثه أن سالم بن عبد الله بن عمر وحميد بن عبد الرحمن بن عوف حدثاه) أي حدثا لابن شهاب (عن عبد الله بن عمر بن الخطاب) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن الحارث لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب (أنه) أي أن ابن عمر (قال قام رجل فقال يا رسول الله كيف) تصلي (صلاة الليل) أتصلي مثنى مثنى، أم تصلي رباع رباع (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤاله تصلي (صلاة الليل مثنى مثنى) أي اثنتين اثنتين لأنه أكثر تشهدًا وسلامًا ولأنه أنشط وأذهب للغفلة (فإذا خفت) وخشيت (الصبح) أي دخول وقته (فأوتر) ما صليته من الأشفاع (بـ) ركعة (واحدة) قال ابن الملك: استدل به أبو يوسف ومحمد والشافعي على أن الأفضل في نافلة الليل أن يسلم من كل ركعتين، وقال أبو حنيفة: الأفضل في نافلة الليل والنهار أربع أربع لأنه أدوم تحريمة، فيكون أكثر مشقة وحمل المثنى على الشفع اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1642 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود العتكي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري، ثقة، من (5)

وَبُدَيلٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَأَنَا بَينَهُ وَبَينَ السَّائِلِ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ, كَيفَ صَلاةُ اللَّيلِ؟ قَال: "مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَصَلِّ رَكْعَةً. وَاجْعَلْ آخِرَ صَلاتِكَ وتْرًا" ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ, عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ, وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَا أَدْرِي, هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ, أَوْ رَجُلٌ آخَرُ. فَقَال لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وبديل) مصغرًا ابن ميسرة العقيلي بضم العين البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي بالضم أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عبد الله بن عمر فإنه مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن شقيق لسالم بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا) أي والحال أني جالس (بينه) صلى الله عليه وسلم (وبين) الرجل (السائل فقال) الرجل في سؤاله (يا رسول الله كيف) تصلي (صلاة الليل) أتصلي مثنى مثنى أم تصلي رباع رباع؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله تصلي صلاة الليل (مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح) أي دخول وقته (فصل ركعة) توتر لك ما صليته من الأشفاع (واجعل آخر صلاتك) في الليل (وترًا ثم سأله) صلى الله عليه وسلم (رجل) آخر (على رأس الحول) أي على تمامه من السؤال الأول جريًا على القاعدة المشهورة عند البلغاء؛ أن النكرة إذا أُعيدت نكرة كانت غير الأولى كما قال السيوطي في عقود الجمان: ثم من القواعد المشتهره ... إذا أتت نكرة مكرره تغايرت وإن يعرف ثاني ... تَوافَقَا كذا المعرفان أي سأله رجل آخر (وأنا) أي والحال أني جالس (بذلك المكان) الذي كنت جالسًا فيه في السؤال الأول قريبًا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) من ذلك السائل (فلا أدري) أي لا أعلم أن ذلك السائل (هو ذلك الرجل) الذي سأله أولًا (أو) هو (رجل آخر) والظاهر أنه غيره كما قررناه (فقال له) أي لذلك السائل الثاني (مثل ذلك) أي مثل ما قاله في السؤال الأول يعني قوله صلاة الليل مثنى مثنى الخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1643 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَبُدَيلٌ وَعِمْرَانُ بْنُ حُدَيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَالزُّبَيرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَا بِمِثْلِهِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ, وَمَا بَعْدَهُ. 1644 - (716) (126) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1643 - (00) (00) (وحدثني أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد) بن زيد البصري (حدثنا أيوب) السختياني البصري (وبديل) بن ميسرة البصري (وعمران بن حدير) -بمهملات مصغرًا- السدوسي أبو عبيدة البصري (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي البصري (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (ح وحدثنا محمد بن عبيد) بن حساب (الغبري) البصري (حدثنا حماد) بن زيد (حدثنا أيوب) السختياني (والزبير بن الخريت) -بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم فوقانية- البصري (عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي كامل الجحدري ومحمد بن عبيد الغُبَرِيّ لأبي الربيع الزهراني في رواية هذا الحديث عن حماد بن زيد (قال) ابن عمر (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث (فذكرا) أي فذكر أبو كامل ومحمد بن عبيد (بمثله) أي بمثل حديث أبي الربيع الزهراني (و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث أبي كامل ومحمد بن عبيد لفظة (ثم سأله رجل على رأس الحول و) ليس فيه أيضًا (ما بعده) أي ما بعد قوله ثم سأله رجل من قوله وأنا بذلك المكان الخ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1644 - (716) (126) (وحدثنا هارون بن معروف) المروزي الأصل أبو علي البغدادي، ثقة، من (10) (وسريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل أبو الحارث البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني

جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. قَال هَارُونُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. أَخْبَرَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوتْرِ". 1645 - (717) (127) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَال: مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلاتِهِ وتْرًا. فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبي سعيد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (قال هارون حدثنا ابن أبي زائدة) بصيغة السماع قال ابن أبي زائدة: (أخبرني عاصم) بن سليمان (الأحول) أبو عبد الرحمن البصري التميمي مولاهم، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي البصري (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مكي واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بادروا الصبح) أي سابقوا الصبح وتعجلوا (بالوتر) بأن توقعوه قبل دخول وقته، قال ابن الملك: هذا يدل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر وإليه ذهب أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي: له وقت بعد الفجر ما لم يصل صلاته والحديث حجة عليهما اهـ، وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف لم يروه غيره كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف لهذا الحديث بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1645 - (717) (127) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر قال) وهذان السندان من رباعياته: (من صلى من) نوافل (الليل فليجعل آخر صلاته وترًا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك) أي بجعل آخر صلاة الليل وترًا كما يأتي ذلك الأمر في الحديث التالي لهذا الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [472]، وأبو داود [1438]، والنسالْي [3/ 235 و 231].

1646 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَال: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيلِ وتْرًا". 1647 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1646 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (ح وحدثني زهير بن حرب و) محمد (بن المثنى قالا حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (كلهم) أي كل من أبي أسامة وعبد الله بن نمير ويحيى بن سعيد (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذه الأسانيد من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن نافع (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا) فالأمر فيه للاستحباب لأنه لو كان للوجوب وتنفل بعد وتره فأعاد وتره ليجعله آخر صلاته يلزمه تكرار الوتر، وذلك منهي عنه لخبر "لا وتران في ليلة" ولو لم يعده لم يكن وتره آخرًا فتعين الاستحباب اهـ مبارق، وحديث "لا وتران في ليلة" جاء على لغة من ينصب المثنى بالألف فإن لا النافية للجنس يبنى الاسم معها على ما ينصب به، ومعناه أن من أوتر ثم تهجد لم يعده كما في التيسير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1647 - (00) (00) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور أبو محمد المصيصي ثم البغدادي، ثقة، من (9) (قال) حجاج بن محمد (قال) لنا عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لعبيد الله

مَنْ صَلَّى مِنَ الليلِ .. فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلاتِهِ وتْرًا قَبْلَ الصبْحِ. كَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَأْمُرُهُمْ. 1648 - (718) (128) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: حَدثَنِي أَبُو مِجْلَزٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الْوترُ رَكْعَة مِنْ آخِرِ الليلِ". 1649 - (00) (00) وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ؛ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ في الرواية عن نافع (من صلى من) نوافل (الليل فليجعل آخر صلاته وترًا) يوقعه (قبل الصبح كذلك) متعلق بما بعده أي بمثل ذلك الذي ذكرته لكم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر الثاني بحديث آخر له: 1648 - (718) (128) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأبلي، صدوق، من صغار (9) (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) (عن أبي التياح) -بفتح أوله وتشديد الياء- الضبعي يزيد بن حميد البصري، ثقة، من (5) (قال حدثني أبو مجلز) لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، ثقة، من (3) (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مكي وواحد أبلي (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر ركعة) واحدة (من) صلاة (آخر الليل) وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 23 و 51]، والنسائي [3/ 232]، وابن ماجه [1175]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1649 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أبي مجلز) لاحق بن حميد البصري (قال

سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "الْوتْرُ رَكْعَة مِنْ آخِرِ الليلِ". 1650 - (719) (129) وَحَدثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثنَا عَبْدُ الصمَدِ. حَدَّثنَا هَمامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي مِجْلَزِ؛ قَال: سَأَلَتُ ابْنَ عَبَّاسِ عَنِ الْوتْرِ؛ فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَفَمَ يَقُولُ: "رَكْعَة مِنْ آخِرِ الليلِ". وَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ الليلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلا ابن عمر، غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لأبي التياح في رواية هذا الحديث عن أبي مجلز، حالة كونه (يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الوتر ركعة) واحدة (من آخر) صلا ة (الليل). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1650 - (719) (129)) وحدثني زهير بن حرب) أبو خيثمة الحرشي النسائي (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري أبو سهل البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة عن أبي مجلز) لاحق بن حميد البصري (قال) أبو مجلز (سألت ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد نسائي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة والقول والسؤال ورواية تابعي عن تابعي أي سألته (عن الوتر) أي عن عدد ركعاته ووقته الأفضل (فقال) ابن عباس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) الوتر (ركعة) واحدة (من آخر) صلاة (الليل وسألت ابن عمر) عن الوتر (فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) الوتر (ركعة من آخر الليل) قال النواوي: ففيه صحة الإيثار بركعة خلافًا لأبي حنيفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لأحاديث الباب بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1651 - (720) (130) وَحَذثَنَا أبُو كُرَيبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. قَال: حَدثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أن ابْنَ عُمَرَ حَدثَهُمْ؛ أَن رَجُلا نَادَى رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ أُوتِرُ صلاةَ الليلِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ صَلى فَلْيُصل مَثْنَى مَثْنَى، فَإِنْ أَحَسن أَنْ يُصْبِحَ، سَجَدَ سَجْدَةً، فَأَوتَرَت لَهُ مَا صَلى". قَال أَبُو كُرَيبٍ: عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَلَمْ يَقُلِ: ابْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1651 - (720) (130) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني ثم الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (قال) الوليد (حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهم العدوي أبو بكر المدني شقيق سالم، روى عن أبيه عبد الله بن عمر في الصلاة والحج والبيوع، ويروي عنه (ع) والوليد بن كثير والزهري ومحمد بن إسحاق، وثقه النسائي وأبو زرعة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (106) (أن ابن عمر حدثهم) أي حدث لعبيد الله ومن معه (أن رجلًا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (في المسجد) النبوي (فقال) الرجل عطف تفسير لنادى (يا رسول الله كيف أوتر صلاة الليل؛ ) أي كيف أجعلها وترا أبثلاث أم بخمس أو بواحدة؟ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى) صلاة الليل (فليصد) ها (مثنى مثنى) أي اثنتين اثنتين (فإن أحس) وعلم أو ظن (أن يصبح) أي أن يدخل الصباح أو أن يصبح الفجر أو النهار (سجد سجدة) أي صلى ركعة واحدة (فأوترت) تلك السجدة (له ما صلى) أولًا مثنى مثنى (قال أبو كريب) في روايته (عبيد الله بن عبد الله ولم يقل) أبو كريب في روايته لفظة (ابن عمر) بل قالها هارون، وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن الجماعة كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1652 - (00) (00) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَام وَأَبُو كَامِل. قَالا: حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ. قَال: سَألْتُ ابْنَ عُمَرَ، قُلْتُ: أَرَأَيتَ الرَّكْعَتَينِ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ أَأُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلي مِنَ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى ويوتِرُ بِرَكْعَةٍ. قَال: قُلْتُ: إِني لَسْتُ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ. قَال: إِنكَ لَضَخْمٌ. أَلا تَدَعُنِي أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ؛ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُصَلي مِنَ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى. وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. وَيُصَلي رَكْعَتَينِ قَبْلَ الْغَدَاةِ. كَأَن ـــــــــــــــــــــــــــــ 1652 - (00) (00) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد بن زيد) بن درهم البصري (عن أنس بن سيرين) البصري (قال) أنس (سألت ابن عمر) وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مكي أو اثنان مصريان وواحد مكي وواحد بغدادي ف (قلت) له (أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة) أي قبل صلاة الصبح يعني سنة الفجر أي أخبرني عن حكمهما (أأطيل) بهمزتين أولاهما للاستفهام الاستخباري مفتوحة، والثانية همزة المتكلم مضمومة من الإطالة أي هل أطول (فيهما القراءة) بقراءة طوال المفصل أو أوساطه، أم أخففهما بقراءة قصاره؛ (قال) ابن عمر في جواب سؤاله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من) نوافل (الليل مثنى مثنى) أي ركعتين ركعتين (ويوتر) ما صلى في الليل من الأشفاع (بركعة) واحدة أي يختمه بركعة وترًا له (قال) أنس بن سيرين (قلت) لابن عمر (إني لست عن هذا) الذي يصليه في الليل (أسالك) أي إني لست مريدًا سؤالك عن هذا الذي يصليه في الليل بل أردت سؤالك عن سنة الفجر (قال) ابن عمر لأنس (إنك) يا أنس الضخم) أي لعظيم الجسم قليل الفهم، ففيه إشارة إلى الغباوة والبلادة وقلة الأدب، قالوا: لأن هذا الوصف يكون للضخم غالبًا، وإنما قال ذلك لأنه قطع عليه الكلام وعاجله قبل تمام حديثه (ألا تدعني) أي أتشغلني عن تحديثك ولا تتركني أن (أستقرئ) أي أن أقرأ الك الحديث) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من) نوافل (الليل مثنى مثنى ويوتر) ها (بركعة ويصلي ركعتين) خفيفتين (قبل) صلاة (الفداة) أي صلاة الصبح يُخفف فيهما (كان

الأذانَ بِأُذُنَيهِ. قَال خَلَفٌ: أَرَأَيتَ الركْعَتَينِ قَبْلَ الغَدَاةِ. وَلَم يَذكُرْ: صَلاةً. 1653 - (00) (00) وحدثنا ابن المثنى وابن بشار. قالا: حدثنا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أنس بْنِ سِيرينَ؛ قَال: سَألْتُ ابْنَ عُمَرَ بِمِثْلِهِ وَزَادَ: ويوتِرُ بِرَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ. وَفِيهِ: فَقَال: بَهْ بَهْ إِنَكَ لَضَخْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأذان) أي كان الإقامة لصلاة الصبح (بأذنيه) قال القاضي: المراد بالأذان هنا الإقامة لأن الأذان قد وقع قبل الركعتين، وهو إشارة إلى شدة تخفيفهما بالنسبة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم وقوله (ألا تدعني استقرئ لك الحديث) هو بالهمزة آخره من القراءة، ومعناه ألا تدعني أن أذكر لك الحديث وآتي به على وجهه ونسقه بتمامه وبتركها، من قروت إليه قروًا أي قصدت نحوه؛ ومعناه ألا تدعني أن أقصد إلى ما طلبته وأحدثه لك بمساقه وترتيبه أفاده النواوي والأبي. (قال خلف) بن هشام في روايته (أرأيت الركعتين قبل الغداة ولم يذكر) خلف في روايته لفظة (صلاة) في قوله (قبل صلاة الغداة) وهي رواية أبي كامل، وهذا بيان لمحل المخالفة بين المتقارنين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 1653 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى وابن بشار) البصريان (قالا حدثنا محمد بن جعفر) البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أنس بن سيرين) البصري (قال سألت ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وساق شعبة (بمثله) أي بمثل ما حدّث حماد بن زيد عن ابن سيرين، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا ابن عمر، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد (و) لكن (زاد) شعبة في روايته عقب قوله (ويوتر بركعة) لفظة (من آخر الليل و) زاد شعبة أيضًا (فيه) أي في ذلك المثل الذي حدَّثه لفظة (فقال) ابن عمر لابن سيرين (بَهْ بَهْ إنك لضخم) -بفتح الباء وسكون الهاء- مكررًا معناه منه منه أي انكفف وانزجر عن كلامك واسكت عنا، وقال ابن السكيت: هي لتفخيم الأمر بمعنى بخ بخ أي حسن حسن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال:

1654 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ حُرَيثٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدثُ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلًمَ قَال: "صَلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا رَأَيتَ أن الصبحَ يُدْرِكُكَ فَأوتِر بِوَاحِدَةٍ". فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ: مَا مَثنَى مَثنَى؟ قَال: أَن يُسَلِّمَ فِي كُل رَكْعَتَينِ. 1655 - (721) (131) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ عَبْدِ الأعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيي بْنِ أبِي كَثِيرٍ، عَنْ أبِي نَضْرَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1654 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال) شعبة (سمعت عقبة بن حريث) بمثلثة مصغرًا التغلبي بمثناة الكوفي، روى عن ابن عمر في الصلاة والصوم والأشربة، وسعيد بن المسيب، ويروي عنه (م س) وشعبة، وثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (قال) عقبة: (سمعت ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مكي وواحد كوفي، غرضه بيان متابعة عقبة بن حريث لابن سيرين في الرواية عن ابن عمر (يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الليل مثنى مثنى) أي اثنتان اثنتان (فإذا رأيت) أي علمت أو ظننت (أن الصبح) أي الفجر الصادق (يدركك) أي يأتيك ويلحقك قبل أن توتر (فأوتر) أي فاجعل ما صليته في الليل وترًا (بـ) ــفعل ركعة (واحدة فقيل لابن عمر ما) معنى (مثنى مثنى) وما المراد به (قال) ابن عمر معناه (أن يسلم) بالياء أي أن يسلم المصلي، وبالتاء أي أن تسلم أيها المخاطب (في كل ركعتين) أي من كل ركعتين من صلاة الليل فهو أفضل لكثرة التشهدات والسلام من الوصل بأربع أو ست أو أكثر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1655 - (721) (131) (حدثنا أبو بكر بن أبي شببة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (10) (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (عن أبي نضرة) بمعجمة ساكنة، المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن

أَبِي سَعِيدٍ؛ أَن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "أَوْترُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا". 1656 - (00) (00) وَحَدثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَني عُبَيدُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد يمامي وواحد كوفي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أوتروا) أي صلوا الوتر (قبل أن تصبحوا) أي قبل أن تدخلوا في الصباح بطلوع الفجر الثاني، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 37] والترمذي [468] والنسائي [3/ 231]. قال القرطبي: وقوله في هذا الحديث "أوتروا قبل أن تصبحوا" وقوله "إذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة" دليل على أن آخر وقت الوتر طلوع الفجر، وقد زاد هذا المعنى وضوحًا ما أخرجه الترمذي عن ابن عمر مرفوعًا برقم (469) "إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فاوتروا قبل طلوع الفجر" تفرد به سليمان بن موسى الأشدق، وهو ثقة إمام، ولا خلاف في أن أول وقته بعد صلاة العشاء، وأما آخر وقته المختار فمذهب الجمهور أنه طلوع الفجر، وقال ابن مسعود: إلى صلاة الصبح، وهل له بعد ذلك وقت ضرورة؛ فقال مالك والشافعي: وقت ضرورته بعد طلوع الفجر ما لم يصل الصبح، وقال أبو مصعب: لا وقت ضرورة له فلا يصلي بعد طلوع الفجر وقاله الكوفيون وقد روي عن مالك، وقال أبو حنيفة: يقضي بعد صلاة الصبح وقاله طاوس، وقال الأوزاعي وأبو ثور والحسن والليث وغيرهم: يقضي بعد طلوع الشمس، وحكي عن سعيد بن جبير أنه يوتر من القابلة. [قلت]: - وقد روى أبو داود عن أبي سعيد مرفوعًا برقم (1431) "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" وهذا الظاهر يقتضي أنه يقضي دائمًا كالفرض ولم أر قائلًا به والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 1656 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثم النيسابوري، ثقة ثبت، من (11) مات سنة (251) (أخبرني عبيد الله) بن موسى بن باذام العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه

عَنْ شَيبَانَ، عَنْ يَحيَى. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو نَضْرَةَ الْعَوَقِي؛ أَن أَبَا سَعِيدِ أَخْبَرَهُم؛ أَنهُمْ سَأَلُوا النبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ الْوتْرِ؛ فَقَال: "أَوْتِرُوا قَبلَ الصبْحِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في (7) أبواب (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبي معاوية الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي مولاهم اليمامي (قال) يحيى (أخبرني أبو نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي (العوقي) -بعين مهملة وواو مفتوحتين وقاف- منسوب إلى العوقة بطن من عبد القيس، وحكى صاحب المطالع فتح الواو وإسكانها، والصواب المشهور المعروف الفتح لا غير اهـ نواوي، البصري (أن أبا سعيد) الخدري (أخبرهم) أي أخبر لأبي نضرة ومن معه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة شيبان بن عبد الرحمن لمعمر في رواية هذا الحديث عن يحيى، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (أنهم) أي أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم (سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن) وقت (الوتر فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوتروا) أي صلوا الوتر (قبل) دخول وقت (الصبح) ودخول وقت الصبح بطلوع الفجر الصادق. ثم إن القائلين بأن أقل الوتر ثلاث، اختلفوا هل يفصل بينها بسلام أم لا؛ فالأول مشهور مذهب مالك والشافعي، والثاني مذهب أبي حنيفة، وقال ابن نافع: إذا صلى شفعًا قبل وتره فلا يسلم منه ولا يفصل بينها وليأت به متصلًا كصلاة المغرب، وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز، وذكر أنه مذهب الفقهاء السبعة في المدينة وهم خارجة بن زيد وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رحمهم الله تعالى أجمعين، ومذهب أهل المدينة، وقال الأوزاعي: إن وصل فحسن وإن فصل فحسن، ثم المستحب عند الشافعي وأصحابه وعند مالك وجل أصحابه أن يقرأ في الوتر بقل هو الله أحد والمعوذتين، وقيل عن مالك بقل هو الله أحد فقط وبه قال الثوري وأحمد وأصحاب الرأي وعليه أكثر أهل العلم، واختار أبو مصعب أن يقرأ في كل ركعة من الشفع والوتر بقل هو الله أحد، واختارت طائفة من أهل العلم أن يقرأ في الشفع بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وفي الوتر بقل هو الله أحد والمعوذتين أخذا بما أخرجه النسائي في رقم (3/ 136) والترمذي برقم (462) من فعله صلى الله عليه وسلم لذلك اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث، الأول حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثالث حديث ابن عمر الثالث ذكره للاستشهاد للحديث الثاني له وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث ابن عمر الرابع ذكره للاستدلال على آخر الترجمة وذكر فيه متابعةً واحدةً، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الخامس، والسادس حديث ابن عمر الأخير ذكره للاستشهاد لجميع الأحاديث السابقة وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الثاني وذكر فيه متابعةً واحدةً والله أعلم. ***

327 - (39) باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله

327 - (39) باب: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله 1657 - (722) (132) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِر؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ: "مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ الليلِ فَلْيُوتِر أَولَهُ. وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فليُوتِرْ آخِرَ الليلِ. فَإِن صَلاةَ آخِرِ الليلِ مَشْهُودَة. وَذَلِكَ أَفْضَلُ". وَقَال أَبُو مُعَاويةَ: مَحْضورَة ـــــــــــــــــــــــــــــ 327 - (39) باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله 1657 - (722) (132) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا حفص) بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي كلاهما رويا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خاف) أي علم أر ظن (أن لا يقوم من آخر الليل) أي أن لا يستيقظ في أواخر الليل (فليوتر) أي فليصل الوتر (أوله) أي في أوائله (ومن طمع) ورجا أي ظن أو علم (أن يقوم) ويستيقظ (آخره) أي في آخر الليل (فليوتر) أي فليؤخر وتره إلى (آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة) أي محضورة تحضرها ملائكة الرحمة (وذلك) أي إيتاره في آخر الليل (أفضل) أي أكثر أجرًا (وقال أبو معاوية: محضورة) بدل مشهودة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 337 و 348] والترمذي [455] وابن ماجه [1187]، قال النواوي: وهذا الحديث دليل على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل، وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل وهذا هو الصواب، ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح فمن ذلك حديث "أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر" وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ.

1658 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيب. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: سَمِعتُ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "أيكُمْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِن آخِرِ الليلِ، فَلْيُوتِرْ، ثُم لْيَرْقُدْ. وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنَ الليلِ فَلْيُوتِر مِنْ آخِرِهِ. فَإِن قِرَاءَةَ آخِرِ الليلِ مَحْضُورَةٌ. وَذَلِكَ أَفْضَلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحافظ في الفتح: لا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة وانتهى وتره إلى السحر لأن الأول لإرادة الاحتياط والآخر لمن علم من نفسه قوة، كما ورد في حديث جابر عند مسلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1658 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني، وقد ينسب إلى جده كما في مسلم، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله) العبسي مولاهم أبو عبد الله الجزري، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سفيان في رواية هذا الحديث عن جابر، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أيكم خاف) أي الشخص الذي خاف منكم (أن لا يقوم) أي أن لا يستيقظ (من آخر الليل فليوتر) من أول الليل (ثم ليرقد) أي ينم بعد وتره احتياطًا لوتره (ومن وثق) أي استيقن من نفسه (بقيام) أي باستيقاظ (من) آخر (الليل فليوتر من آخره) أي فليؤخر وتره إلى آخر الليل (فإن قراءة آخر الليل) أي صلاة آخر الليل فهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل (محضورة) أي تحضرها ملائكة الرحمة (وذلك) أي ما ذكر من قراءة القرآن في آخر الليل (أفضل) أي أكثر أجرًا. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر رضي الله عنه، وذكر فيه متابعة واحدةً. ***

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة السلام على سيد البريات، سيدنا محمد وآله وجميع الصحابات، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامات. تم الجزء التاسع من الكوكب الوهاج والروض البهاج يليه الجزء العاشر. ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء العاشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأيِّ شكلٍ من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر دار المنهاج للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية- جدة حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي 6326666 - الإدارة 6300655 المكتبة 6322471 - فاكس 6320392 ص. ب 22943 - جدة 21416 هاتف المؤلف 0562009188 ISBN 978 - 9953 - 498 - 36 - 2 WWW.alminhaj.com E-mail: [email protected]

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشاعر ثلاثٌ يَعِزُّ الصَبرُ عِنْدَ حُلولِها ... ويَذْهَلُ عَنْهَا عَقْل كُلّ لَبِيب خُروجُ اضطرارٍ مِنْ بِلادٍ تُحِبُّها ... وفُرْقَةُ إِخْوَانٍ وفَقْدُ حَبِيب آخر مَنْ شَاءَ أن يَحْتَويَ آمَالهُ جُمَلا ... فَلْيَتَخِذ لَيلَه في دَرْكِهَا جَمَلا أقْلِلْ طَعَامَكَ كَي تَحْظَى به سَهَرًا ... إِنْ شِئْتَ يَا صَاحِبي أَنْ تَبْلُغَ الكَمَلا

327 - (39) باب أي أركان الصلاة أفضل، وأن في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء

327 - (39) باب: أي أركان الصلاة أفضل وأن في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء 1659 - (723) (133) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِم. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي أَبُو الزبَيرِ عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَفْضَلُ الصلاةِ طُولُ الْقُنُوتِ". 1660 - (00) (00) وَحَدَثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيب. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 327 - (39) باب أي أركان الصلاة أفضل، وأن في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء 1659 - (723) (133) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا أبو عاصم) النبيل الشيباني الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني أبو الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد كسي (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصلاة طول القنوت) قال النواوي: المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت. يعني أفضل أحوال الصلاة طول القيام فدل بمفهومه على أن القيام أفضل أركان الصلاة، فهو أفضل من الركوع والسجود، وبهذا الحديث استدل أبو حنيفة والشافعي على أن طول القيام أفضل من كثرة السجود ليلا كان أو نهارا، وذهب بعضهم إلى أن الأفضل في النهار كثرة السجود وفي الليل طول القيام لأن مِنْ وصفِ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل طولَ القيام، قلنا: ما ذكرتم حكاية فعل، والمنطوق أولى اهـ من المبارق. وفي تحفة الأحوذي: والحديث يدل على أن القيام أفضل من السجود والركوع وغيرهما وإلى ذلك ذهب جماعة من العلماء منهم الشافعي اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 302 و 314] والترمذي [387] والنسائي [5/ 58] وابن ماجه [124]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1660 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا

حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِبر؛ قَال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: أَيُ الصلاةِ أَفْضَلُ؟ قَال: "طُولُ الْقُنُوتِ". قَال أَبُو بَكْير: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. 1661 - (724) (1341) وَحَدثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِبر؛ قَال: سَمِعْتُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِن فِي الليلِ لَسَاعَةً، لا يُوَافِقُهَا رَجُل مُسْلِم يَسْألُ اللهَ خَيرًا مِنْ أَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا أبو معاوية) الكوفي (حدثنا الأعمش) الكوفي (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي المكي (عن جابر) بن عبد الله المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) جابر (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي) أركان (الصلاة أفضل) وأولى بالتطويل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (طول القنوت) أي تطويل القيام أفضل من تطويل غيره من الأركان، والمراد بالقنوت القيام كما مر آنفا أي أفضلها وأولاها بالتطويل القيام، لأن الشغل فيه القراءة والقرآن أفضل من الأذكار (قال أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته (حدثنا أبو معاوية عن الأعمش) بصيغة العنعنة، وأما رواية أبي كريب فهي بصيغة حدثنا الأعمش وكلاهما سواء، لأن أبا معاوية ليس من المدلسين. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لجابر رضي الله عنه فقال: 1661 - (724) (134) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش) الكوفي (عن أبي سفيان) المكي (عن جابر) بن عبد الله المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر رضي الله عنه (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الليل) كله بدليل آخر الحديث (لساعة) لطيفة، كما دل عليه التنكير والتنوين (لا يوافقها) أي لا يصادفها بالدعاء (رجل مسلم) أي شخص مسلم رجلًا كان أو امرأة، حالة كونه (يسأل الله) سبحانه وتعالى (خيرًا) وهو كل ما له فيه منفعة عاجلة أو آجلة في الدين أو الدنيا ولا يلام عليه في الآخرة (من أمر

الدُنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلا أَعْطَاهُ إِياهُ، وَذَلِكَ كُل لَيلَةٍ". 1662 - (00) (00) وَحَدثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِر؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِن مِنَ الليلِ سَاعَة، لا يُوَافِقُهَا عَبْد مُسْلِم يَسْأَلُ اللهَ خَيرًا، إِلا أَعْطَاهُ إِياهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيا والآخرة) أي حاجة من حوائج الدنيا والآخرة (إلا أعطاه) أي أعطى ذلك السائل (إياه) أي ذلك الخير (وذلك) المذكور من الساعة كائن (كل ليلة) من ليالي الدهر، قال النواوي: فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة، ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها اهـ يعني وجود تلك الساعة لا يختص ببعض الليالي بل كائن في جميعها اهـ ابن الملك. وهذا الحديث من أفراد المؤلف لكنه أخرجه أحمد [3/ 13 3 وا 33]. قال القرطبي: هذه الساعة هي التي ينادي فيها "من يسألني فأعطيه" .. الحديث، وهي في الثلث الأخير من الليل إلى أن يطلع الفجر، كما يأتي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1662 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) الحراني (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي الجزري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سفيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من) ساعات (الليل) كله (ساعة) لطيفة (لا يوافقها) أي لا يصادفها (عبد مسلم) حالة كونه (يسأل الله) تعالى (خيرًا) أي نفعًا من خيري الدنيا والآخرة (إلا أعطاه) الله سبحانه وتعالى (إياه) أي ذلك الخير المسؤول له، وكرر المتن لما في هذا الرواية من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان فقط كلاهما لجابر رضي الله عنه الأول منهما ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني منهما ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

328 - (40) باب فضل آخر الليل ونزول الله سبحانه وتعالى فيه إلى السماء الدنيا، وقوله من يدعوني فأستجيب له

328 - (40) باب: فضل آخر الليل ونزول الله سبحانه وتعالى فيه إلى السماء الدنيا، وقوله من يدعوني فأستجيب له 1663 - (725) (135) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأغرِّ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَنْزِلُ رَبنَا تَبَارَكَ وَتَعَالى كُل لَيلَة إِلَى السمَاءِ الدُنْيَا. حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 328 - (40) باب فضل آخر الليل ونزول الله سبحانه وتعالى فيه إلى السماء الدنيا، وقوله من يدعوني فأستجيب له 1663 - (725) (135) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن أبي عبد الله) سلمان (الأغر) المدني الجهني مولاهم أصله من أصبهان، ثقة، من (3) (وعن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) كلاهما (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، وفيه التحديث والعنعنة والقراءة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا تبارك) أي تزايد بره وخيره لعباده (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من سمات الحدوث كل ليلة) من ليالي الدنيا (إلى السماه الدنيا) أي القربى إلى الأرض، اسمها رفيع بالتصغير كما سيأتي، أي ينزل نزولًا وصفيًا وهو صفة ثابتة لله تعالى نثبته ونعتقده لا نكيفه ولا نمثله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهذا هو المذهب الحق الأسلم الذي عليه السلف الصالح كما سيأتي البسط فيه في الفائدة لا نزولًا معنويًا وهو إقباله على الداعين بالإجابة واللطف أو نزول رحمة، ولا نزولًا مجازيًا على حذف مضاف وهو نزول حامل أمره وهو الملك كما يقولهما المؤولون (حين يبقى ثلث الليل الآخر) بالرفع صفة للثلث، وفي الرواية الثانية "حين يمضي ثلث الليل الأول" وفي رواية "إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه" قال القاضي عياض: الصحيح رواية "حين يبقى ثلث الليل الآخر" كذا قاله علماء الحديث وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه اهـ كلام القاضي، وفي تضعيف الرواية الثانية نظر مع رواية مسلم إياه عن الصحابيين من الثقات، قال النواوي: ويحتمل أن يكون النبي

فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأخبر به، وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعًا، وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة وهذا جمع ظاهر اهـ. (فيقول) سبحانه (من يدعوني) دفع المضرات (فأستجيب له) أي فأجيبه، فالسين والتاء زائدتان، وهذا من الله وعد حق وقول صدق {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة / 111] وإذا وقعت شروط الإجابة من العبد على حقيقتها وكمالها فلا بد من المشروط فإن تخلف شيء من ذلك فذلك لخلل في الشروط (ومن يسألني) جلب المسرات (فأعطيه ومن يستغفرني) من الذنوب (فأغفر له) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 419 و 504] والبخاري [1145] وأبو داود [1315] والترمذي [3493] وابن ماجه [1366]. قال ابن الملك: وفي قوله (من يدعوني فاستجيب له) إلى آخره توبيخ لهم على غفلتهم عن السؤال له اهـ. [فائدة]: - قوله (ينزل ربنا) أخرج البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي محمد المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق صحيحة، وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى وجاء ربك والملك صفًّا صفا والمجيء والنزول صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه ولا تمثيل جل الله تعالى عما يقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوًا كبيرًا. وفي كتاب الدعوات لأبي عثمان: وقد اختلف العلماء في قوله (ينزل الله) فسئل أبو حنيفة فقال: ينزل بلا كيف، وقال بعضهم: ينزل نزولًا يليق بالربوبية بلا كيف من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق بالتجلي والتملي لأنه جل جلاله منزه عن أن تكون صفاته مثل صفات الخلق كما كان منزهًا عن أن يكون ذاته مثل ذات الغير فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته من غير تشبيه وكيفية انتهى، وأخرج البيهقي من طريق بقية قال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري ومكحول قالا: أمضوا الأحاديث على ما

1664 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الْقَارِيُّ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السمَاءِ الدنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ جاءت. ومن طريق الوليد بن مسلم قال: سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في التشبيه فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيفية، وعن إسحاق بن راهويه يقول دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي: يا أبا يعقوب تقول إن الله ينزل كل ليلة، فقلت: أيها الأمير إن الله بعث إلينا نبيًّا نقل إلينا عنه أخبارًا بها نحلل الدماء وبها نحرم، وبها نحلل الفروج وبها نحرم، وبها نبيح الأموال وبها نحرم، فإن صح ذا صح ذاك، وإن بطل ذا بطل ذاك، فأمسك عبد الله. انتهى ملخصًا محررًا. والحاصل أن هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها وإجراءها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها، وقد أطال الكلام في هذه المسألة وأشباهها من أحاديث الصفات حفاظ الإسلام كابن تيمية وشمس الدين ابن القيم والذهبي وغيرهم، فعليك مطالعة كتبهم والله أعلم اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1664 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن القاري) -بتخفيف الراء المكسورة وياء مشددة- نسبة إلى قارة قيلة مشهورة، ابن محمد بن عبد الله المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة، وغرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح السمان لأبي سلمة وأبي عبد الله الأغر في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله) سبحانه وتعالى نزولًا يليق به (إلى السماء الدنيا) أي القربى إلى الأرض، اسمها رفيع كما مر، وقد نظم بعضهم أسماء السموات

كُل لَيلَةٍ. حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ الليلِ الأولُ. فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَنَا الْمَلِكُ. مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ! مَنْ ذَا الذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتى يُضِيءَ الْفَجْرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السبع على طبق ما روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: أولاها رفيع ثانيها أرفلون ... ثالثها قيدوم رابعها ماعون خامسها دبقاء والسادس وفناء ... سابعها عروباء سميت بهن السماء كما ذكرناه في تفسيرنا نقلًا عن روح البيان والله أعلم (كل ليلة) من ليالي الدنيا، والظرفان متعلقان بينزل، وقوله (حين) بدل من كل ليلة؛ أي ينزل حين (يمضي) أي حين مضى وتم (ثلث الليل الأول) بالرفع صفة الثلث، وتخصيصه بالليل وبذلك الوقت منه لأنه وقت التهجد وغفلة الناس عمن يتعرض لنفحات رحمة الله تعالى، وعند ذلك تكون النية الخالصة والرغبة إلى الله تعالى وافرة وذلك مظنة القبول والإجابة، وقد تقدم الجمع بين الروايات المختلفة (فيقول) الله عزَّ وجلَّ (أنا الملك) القادر على ما يريد (أنا الملك) القريب المجيب (من ذا) اسم استفهام مركب في محل الرفع مبتدأ خبره (الذي يدعوني) أي من الذي يدعوني دفع المضار (فأستجيب له) بدفعها بالنصب على جواب الاستفهام وبالرفع على تقدير مبتدإ؛ أي فأنا أستجيب له وكذلك حكم "فأعطيه فأغفر له" وليست السين للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب (من ذا الذي) أي من الذي (يسألني) جلب المسار. (فأعطيه من ذا الذي يستغفرني) الذنوب (فأغفر له فلا يزال) الله سبحانه كائنًا (كذلك) أي قائلًا ذلك (حتى يضيء الفجر) الصادق وينتشر ضوؤه. والثلاثة؛ الدعاء والسؤال والاستغفار، إما بمعنى واحد كررها للتأكيد، وإما لأن المطلوب دفع المضار أو جلب المسار، وهذا إما دنيوي أو ديني، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول، وفي السؤال إشارة إلى الثاني، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث، وإنما خص الله تعالى هذا الوقت بالنزول الإلهي والتفضل على عباده باستجابة دعائهم وإعطائهم سؤلهم لأنه وقت غفلة واستغراق في النوم واستلذاذ به ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، وكذا أهل التعب ولا سيما في قصر الليل، فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه اهـ قسطلا.

1665 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصور. أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا مَضَى شَطْرُ الليلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى إِلَى السمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحافظ في الفتح: وفي حديث الباب من الفوائد تفضيل صلاة آخر الليل على أوله، وتفضيل تأخير الوتر لكن ذلك من حق من طمع أن ينتبه، وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار ويشهد له قوله تعالى والمستغفرين بالأسحار وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب، ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بان يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله سبحانه وتعالى اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1665 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة، من (11) (أخبرنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي، روى عن الأوزاعي في الصلاة والزكاة والصوم، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن منصور وسلمة بن شبيب وعبد الله الدارمي وأحمد وعوف بن محمد، وثقه العجلي، وقال أبو حاتم: كان صدوقًا، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، وقال البخاري: مات سنة (212) اثنتي عشرة ومائتين (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، ثقة، من (7) (حدثنا يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مضى) أي ذهب وتم (شطر الليل) أي نصفه (أو) قال أبو هريرة أو من دونه: إذا مضى (ثلثاه) أي الثلثان من الليل وبقي ثلثه الأخير (ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول هل

مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى، هَلْ مِنْ داعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ". 1666 - (00) (00) حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو الْمُوَرِّعِ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَال: أَخْبَرَنِي ابْنُ مَرْجَانَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من سائل) لي فـ (يعطى) مسئوله (هل من داع) لي فـ (يستجاب له) الدعاء (هل من مستغفر) لي فـ (يغفر له) وقوله (حتى ينفجر) أي ينشق وينتشر (الصبح) أي الفجر، متعلق بيقول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1666 - (00) (00) (حدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف ب (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا محاضر) -بكسر الضاد المعجمة- بن المورع -بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة- الهمداني (أبو المورع) الكوفي، روى عن سعد بن سعيد في الصلاة، وهشام بن عروة وعاصم الأحول والأعمش ومجالد وغيرهم، ويروى عنه (م د س) وحجاج بن الشاعر وأحمد وابنا أبي شيبة وطائفة، قال أبو زرعة: صدوق صدوق، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين يكتب حديثه، وقال أحمد: سمعت منه أحاديث لم يكن من أصحاب الحديث كان مغفلًا جدًّا، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين (206) (حدثنا سعد بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، روى عن سعيد بن مرجانة في الصلاة، والقاسم بن محمد في الصلاة، وعمر بن كثير بن أفلح في الجنائز، وعمرة في الصوم، وعمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي في الصوم، وأنس بن مالك في الأطعمة، ويروي عنه (م عم) ومحاضر بن المورع وسليمان بن بلال وعبد الله بن نمير وإسماعيل بن جعفر وأبو أسامة وعبد الله بن المبارك في الصوم، ويحيى بن سعيد الأموي، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الترمذي: تكلموا فيه من قبل حفظه، وقال في التقريب: صدوق ستئ الحفظ، من الرابعة، له أفراد، مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة (قال) سعد بن سعيد (أخبرني) سعيد (بن مرجانة) -بفتح الميم وسكون الراء أمه واسم أبيه عبد الله على الصحيح كما

قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَنْزِلُ اللهُ فِي السمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ الليلِ، أوْ لِثُلُثِ الليلِ الآخِرِ، فَيقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، أَوْ يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ، ثُم يقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غيرَ عَدِيمٍ وَلا ظَلُومٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر المؤلف فيما بعد، القرشي العامري مولاهم أبو عثمان المدني، روى عن أبي هريرة في الصلاة والعتق في (خ م) واين عمر وابن عباس، ويروي عنه (خ م ت س) وسعد بن سعيد وإسماعيل بن أبي حكيم وعلي بن الحسين وعمر بن حسين وواقد بن محمد بن زيد، قال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث، وقال ابن حبان في الثقات: كان من أفاضل أهل المدينة، وقال النسائي: ثقة، وقال في التقريب، ثقة فاضل، من الثالثة، مات قبل المائة بثلاث سنين سنة (97) سبع وتسعين (قال) سعيد (سمعت أبا هريرة يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن مرجانة لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل الله في السماء الدنيا لشطر الليل) أي في شطر الليل ونصفه (أو) قال أبو هريرة الثلث الليل الآخر) أي فيه، والشك من ابن مرجانة فيما قاله أبو هريرة (فيقول) الله تبارك وتعالى: (من يدعوني فاستجيب له) دعاءه (أو) قال أبو هريرة: من (يسألني فأعطيه) والشك منه أيضًا (ثم يقول) سبحانه (من يقرض) غنيًّا (غير عديم) أي غير فقير لا يجد ما يرده للمقرض (و) عادلًا (لا ظلوم) أي غير ظالم بمطل رد بدل المقرض، وفي الرواية الآتية (غير عدوم) بالواو بدل الياء، قال النواوي: هكذا هو في الرواية الأولى عديم، في الثانية عدوم، يقال أعدم الرجل إذا افتقر فهو معدم وعديم وعدوم، والمراد بالقرض عمل الطاعة سواء فيه الصدقة والصلاة والصوم والذكر وغيرها من صنوف الطاعات، وسماه سبحانه وتعالى قرضًا ملاطفة للعباد ومؤانسة لهم وتحريضًا لهم على المبادرة إلى الطاعة، فإن القرض إنما يكون ممن يعرفه المقترض وبينه وبينه مؤانسة ومحبة فحين يتعرض للقرض يبادر بالمطلوب منه بإجابته لفرحه بتأهيله للاقتراض منه وإدلاله عليه وذكره له اهـ منه. قال ابن الملك: قوله (غير عديم) أي غير فقير أراد به ذاته تعالى، والمراد بالقرض هنا الطاعة مالية كانت أو بدنيةً، وخصصه بعضهم بالمالية لكن الأولى التعميم يعني من يفعل خيرًا يجد جزاءه كاملًا عندي، كمن يقرض غنيًّا لا يظلمه بنقص ما أخذه والله تعالى شبه إعطاءه الثواب من فضله على عمل عبده برد المستقرض بدل ما أخذه فأطلق

قَال مُسْلِمٌ: ابْنُ مَرْجَانَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَمَرْجَانَةُ أُفٌ. 1667 - (00) (00) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ: "ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيهِ تبَارَكَ وَتَعَالى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيرَ عَدُومٍ وَلا ظَلُومٍ". 1668 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرِ ابْنَا أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْطَلِيُّ، وَاللَّفْظُ لابْنَيْ أَبِي شَيبَةَ -قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنا ـــــــــــــــــــــــــــــ على نفسه المستقرض استعارةً اهـ منه، ففي الكلام استعارة تصريحية تبعية مرشحة، وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى: (ابن مرجانة) اسمه (هو سعيد بن عبد الله ومرجانة اسم أمه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 1667 - (00) (00) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي أبو جعفر (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (قال: أخبرني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن سعد بن سعيد) الأنصاري المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بقوله أخبرني سليمان بن بلال لأنه العامل في المتابع يعني أخبرني سليمان بن بلال عن سعد بن سعيد عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة مثل ما روى أبو المورع عن سعد بن سعيد، غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لأبي المورع في رواية هذا الحديث عن سعد بن سعيد (و) لكن (زاد) ابن بلال على أبي المورع لفظة (ثم يبسط) سبحانه وتعالى (يديه) بسطًا يليق به من غير تشبيه ولا تمثيل ولا كيفية. (تبارك وتعالى) حالة كونه (يقول من يقرض) -بضم أوله وكسر ثانيه- من الإقراض (غير عدوم ولا ظلوم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1668 - (00) (00) (حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي واللفظ لابني أبي شيبة، قال إسحاق: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا

جَرِيرٌ- عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ. يَرْويهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيرَةَ. قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن اللهَ يُمْهِلُ. حَتى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ الليلِ الأَولُ نَزَلَ إِلَى السمَاءِ الدُّنْيَا. فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ! هَلْ مِنْ تَائِبٍ! هَلْ مِنْ سَائِل! هَل مِنْ دَاعٍ! حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ". 1669 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب -بمثلثة بعدها موحدة- الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي، ثقة عابد، من (3) (عن الأغر) هو لقب له، اسمه سلمان بن عبد الله مولى أبي هريرة وأبي سعيد وكانا اشتركا في عتقه فهو مولى لهما (أبي مسلم) المدني نزيل الكوفة، روى عنهما في الصلاة والجامع، وأبي هريرة في الدعاء وصفة الجنة، ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو إسحاق السبيعي وعلي بن الأقمر وطلحة بن مصرف، وقال في التقريب: ثقة، من (3) الثالثة. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا الصحابيين، غرضه بسوقه بالنسبة إلى أبي هريرة بيان متابعة أبي مسلم لمن روى عن أبي هريرة وبالنسبة لأبي سعيد الاستشهاد لحديث أبي هريرة حالة كون أبي مسلم (يرويه عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة) الدوسي (قالا) أي قال كل منهما (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله) سبحانه وتعالى (يمهل) ويؤخر نزوله إلى السماء الدنيا (حتى إذا ذهب) ومضى (ثلث الليل الأول) بالرفع صفة للثلث (نزل إلى السماء الدنيا فيقول) سبحانه (هل من مستغفر) يستغفرني من ذنوبه (هل من تائب) يتوب من هفواته (هل من سائل) يسألني دفع المضار (هل من داع) يدعوني جلب المسار، وقوله (حتى ينفجر) وينشق (الفجر) الصا دق، غاية لقوله يقول، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث عن الصحابيين الترمذي في تفسير سورة الزمر عن محمود بن غيلان وغير واحد، والنسائي في الكبرى في تفسير تلك السورة اهـ من تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسا في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما فقال: 1669 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان

قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أنَّ حَدِيثَ مَنْصُورٍ أَتَمَّ وَأَكْثَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا شعبة يعني عن أبي مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لمنصور في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق (غير أن حديث منصور أتم) متنًا (وأكثر) رواةً من حديث شعبة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة، وذكر فيه ست متابعات ولكنه ذكر حديث أبي سعيد الخدري على سبيل المقارنة استشهادًا لحديث أبي هريرة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

329 - (41) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

329 - (41) باب: الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام 1670 - (726) (136) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانا وَاحْتِسَابا، غفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 329 - (41) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام 1670 - (726) (136) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري أبي إبراهيم المدني، ثقة، من (2) مات سنة (105) روى عنه في (12) بابا (عن أبي هريرة) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قام رمضان) أي أحيا لياليه بالتراويح (إيمانًا) أي تصديقًا بأنه حق معتقدًا فضيلته (واحتسابًا) أي محتسبًا بما فعله أجرًا عند الله تعالى لم يقصد به غيره أي مخلصًا لوجه الله تعالى لا رياءً ولا سمعة (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد أحمد (وما تأخر) أي من الصغائر، ويرجى غفران الكبائر بمحض فضله تعالى اهـ من المرقاة. قال النواوي والمعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، قال بعضهم: ويجوز أن يخفف من الكبائر ما لم يصادف صغيرةً اهـ، وقال أيضًا: واتفق العلماء على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح وعلى استحبابها، واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفردًا في بيته أم في جماعة في المسجد، فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم: الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة، فأشبه صلاة العيد، وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم: الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" اهـ منه. وقوله (من قام رمضان) الخ هذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب،

1671 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزهْرِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ. فَيَقُولُ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانا وَاحْتِسَابا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنْبِهِ". فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب اهـ من العون، وفيه دليل على جواز إطلاق لفظ رمضان غير مضاف إلى شهر خلافًا لمن منع ذلك حتى يقال شهر رمضان، قال: لأن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ مفهم، قوله (إيمانًا) أي مؤمنًا بالله ومصدقًا بأنه تقرب إليه (واحتسابًا) أي محتسبًا أجر ما فعله عند الله تعالى لا يقصد به غيره، يقال احتسب بالشيء أي اعتد به فنصبهما على الحال، ويجوز أن يكون على المفعول أي تصديقًا بالله وإخلاصًا وطلبًا للثواب اهـ عون، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 281 و 423] والبخاري [137] وأبو داود [1371 و 1372] والترمذي [808] والنسائي [4/ 157 - 158]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1671 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري) المدني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد كسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لحميد بن عبد الرحمن في الرواية عن أبي هريرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) أبو هريرة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب) الناس (في قيام) شهر (رمضان) ويحثهم على إحياء لياليه بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن والاعتكاف مثلًا (من غير أن يأمرهم فيه) أي في قيام رمضان أمرًا ملتبسًا (بعزيمة) أي بإيجاب وتحتيم وإلزام بل يأمرهم أمر ندب وترغيب في أجره، وقوله (فيقول) معطوف على يرغب عطفًا تفسيريًا، أي يقول في ترغيبهم فيه (من قام رمضان) أي أحيا لياليه بأنواع العبادات (إيمانًا) أي تصديقًا بأنه حق (واحتسابًا) أجره على الله (غفر له ما تقدم من ذنبه) يعني من الصغائر (فتوفي رسول الله

صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَالأَمْرُ عَلَى ذلِكَ. ثُم كَانَ الأمرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَدْرًا مِنْ خِلافةِ عُمَرَ عَلَى ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم والأمر) أي أمر قيام رمضان (على ذلك) أي على الحال التي كان الناس عليها في زمنه صلى الله عليه وسلم من إحيائهم ليالي رمضان بالتراويح منفردين في بيوتهم بعضهم في المسجد، إما لكونهم معتكفين أو لأنهم من أهل الصفة المفردين، أو لأن لهم في البيت ما يشغلهم عن العبادة فيكونون في المسجد من المغتنمين فلا مخالفة لأمره صلى الله عليه وسلم إياهم بصلاة التراويح في بيوتهم (ثم كان الأمر) أي أمر التراويح (على ذلك) أي على وفق ما كان عليه في زمانه صلى الله عليه وسلم (في) جميع زمان (خلافة أبي بكر) الصديق رضي الله عنه (و) كان الأمر أيضًا (صدرًا من خلافة عمر) أي في أول خلافته (على ذلك) أي على ما كان عليه في حياته صلى الله عليه وسلم من صلاتهم إياها منفردين في بيوتهم أو في المسجد اهـ ملا علي. قال النواوي: ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة واستمر العمل على فعلها جماعةً، وقد جاءت هذه الزيادة في صحيح البخاري في كتاب الصيام اهـ، والحاصل أن أمر قيام رمضان لم يزل معلوم الفضيلة يقومونه لكن متفرقين وفي بيوتهم ولم يجتمعوا على قارئ واحد حتى كان من جمع عمر لهم على أبي في المسجد ما قد ذكره مالك في الموطإ، ثم اختلف في المختار من عدد القيام فعند مالك أن المختار من ذلك ست وثلاثون ركعة لأن ذلك عمل أهل المدينة المتصل، وقد قال نافع: لم أدرك الناس إلا وهم يقومون بتسع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث، وقال الشافعي: عشرون ركعة، وقال كثير من أهل العلم: إحدى عشرة ركعة أخذًا بحديث عائشة المتقدم اهـ من المفهم. قال القرطبي: (قوله: وكان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة) يدل على أن قيام الليل في رمضان من نوافل الخير ومن أفضل أعمال البر لا خلاف في هذا، وإنما الخلاف في الأفضل منه هل إيقاعه في البيت أو في المسجد، فذهب مالك إلى أن إيقاعه في البيت أفضل لمن قوي عليه وكان أولًا يقوم في المسجد ثم ترك ذلك، وبه قال أبو يوسف وبعض أصحاب الشافعي، وذهب ابن عبد الحكم وأحمد وبعض أصحاب الشافعي على أن حضورها في الجماعة أفضل، وقال الليث: لو قام الناس في

1672 - (00) (00) وَحَدثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ أبَا هُرَيرَةَ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانا واحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَمَنْ قَامَ لَيلَةَ الْقَدرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنْبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بيوتهم ولم يقم أحد في المسجد لا ينبغي أن يخرجوا إليه، والحجة لمالك قوله صلى الله عليه وسلم "خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث زيد بن ثابت، وقول عمر: نعم بدعة هي، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون فيها، وحجة مخالفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها في الجماعة في المسجد ثم أخبر بالمانع الذي منعه من الدوام على ذلك وهي خشية أن تفرض عليهم، ثم إن الصحابة كانوا يصلونها في المسجد أوزاعًا متفرقين إلى أن جمعهم عمر على قارئ واحد فاستقر الأمر على ذلك وثبتت سنته بذلك، قلت: ومالك أحق الناس بالتمسك بهذا بناءً على أن أصله في التمسك بعمل أهل المدينة اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1672 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد أبو خيثمة النسائي (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (قال) يحيى (حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (حدثهم) أي حدث أبو هريرة لعبد الرحمن ومن معه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد نسائي، وفيه التحديث إفرادا وجمعًا والقول والأننة، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير للزهري في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان إيمانًا) أي تصديقًا بأنه حق (واحتسابًا) أجره على الله (غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر) أي أحيا ليله بأنواع العبادات وهو يعلم أنها ليلة القدر، وإن لم يقم غيرها من سائر ليالي رمضان (إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) فكل من قيام رمضان من غير موافقة

1673 - (00) (00) حَدثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ يَقُمْ لَيلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا -أُرَاهُ قَال- إِيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ليلة القدر، وقيام ليلة القدر من غير قيام ليالي رمضان سبب للغفران أفاده النواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1673 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي، صدوق، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد مدائني وواحد نيسابوري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يقم ليلة القدر) ويحييها بأنواع العبادات وهو يعلم أنها ليلة القدر كما ذكره بقوله (فيوافقها) قال النواوي: معناه أي يعلم أنها ليلة القدر، قال أبو هريرة أو من دونه (أراه) صلى الله عليه وسلم أو أبا هريرة أي أظن أنه (قال) لفظة (إيمانًا واحتسابًا) والشك من أبي هريرة أو ممن دونه، وقوله (غفر له) ما تقدم من ذنبه جواب من الشرطية. قال القرطبي: ويقم في هذه الرواية يعني به يطلب بقيامه ليلة القدر وحينئذ يلتئم مع قوله يوافقها، لأن معنى يوافقها يصادفها، ومن صلى فيها فقد صادفها، ويحتمل أن تكون الموافقة هنا عبارة عن قبول الصلاة فيها والدعاء أو يوافق الملائكة في دعائها أو يوافقها حاضر القلب متأهلًا لحصول الخير والثواب إذ ليس كل دعاء يسمع ولا كل عمل يقبل فإنه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الماندة: 27]. واختلف في القدر الذي أضيفت إليه الليلة، فقال ابن عباس: القدر العظمة من قوله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]، أي ما عظموه حق عظمته، وقال مجاهد: القدر تقدير الأشياء من أمور السنة، وقال ابن الفضل: يعني سوق المقادير إلى المواقيت، وقيل قدر في وقتها إنزال القرآن اهـ من المفهم.

1674 - (727) (137) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِك عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ صَلى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيلَة. فَصَلى بِصَلاتِهِ نَاسٌ. ثُم صَلى مِنَ الْقَابِلَةِ. فَكَثُرَ الناسُ. ثُم اجْتَمَعُوا مِنَ الليلَةِ الثالِثَةِ أَو الرابِعَةِ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَما أَصْبَحَ قَال: "قَدْ رَأَيتُ الذِي صَنَعْتُمْ. فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيكُم إِلا أَني خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1674 - (727) (137) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد) النبوي (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (فصلى) مقتدين (بصلاته ناس) من أصحابه، وعند البخاري فأصبح الناس فتحدثوا (ثم صلى من) الليلة (القابلة) أي الثانية (فكثر الناس) الذين صلوا معه (ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو) قال الراوي: ثم اجتمعوا من الليلة (الرابعة) فأو للشك من عروة فيما قالته عائشة أو ممن دونه، وعند البخاري فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الرابعة عجز المسجد عن أهله بلا شك في روايته (فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) حتى خرج لصلاة الصبح (فلما أصبح) رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج لصلاة الصبح وفرغ منها (قال) لهم (قد رأيت) وعرفت (الذي صنعتم) من الاجتماع في المسجد وانتظاركم خروجي إليكم (فلم يمنعني من الخروج إليكم) والصلاة معكم مانع من الموانع (ألا أني خشيت) وخفت (أن تفرض عليكم) صلاة التراويح فتعجزوا عنها، وظاهر قوله (خشيت أن تفرض عليكم) أنه توقع ترتب افتراض قيام رمضان في جماعة على مواظبتهم عليه، فقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكمه أنه إذا ثبت على شيء من أعمال القرب واقتدى الناس به في ذلك العمل فرض عليهم، ولذا قال: خشيت أن تفرض عليكم اهـ من العون، وقال في الفتح: إن المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل بالليل، ويومئ

قَال: وَذلِكَ فِي رَمَضَانَ. 1675 - (00) (00) وَحَدثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيرِ؛ أن عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ خَرَجَ مِن جَوْفِ الليلِ فَصَلى فِي الْمَسْجِدِ. فَصَلى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ. فَأصْبَحَ الناسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت "حتى خشيت أن تكتب عليكم ولو كتبت عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم" فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم انتهى. وكان عمر رضي الله عنه يقول في جمعه الناس على جماعة واحدة (نعمت البدعة هي) وإنما سماها بدعةً باعتبار صورتها، فإن هذا الاجتماع محدث بعده صلى الله عليه وسلم، وباعتبار الحقيقة فليست ببدعة لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بصلاتها في بيوتهم لعلة هي خشية الافتراض وقد زالت بوفاته صلى الله عليه وسلم. (قال) الراوي بالسند السابق إما عائشة أو عروة أو من دونه (وذلك) الاجتماع في المسجد والصلاة بهم ثم الامتناع من الخروج إليهم (في) شهر (رمضان) المبارك والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [119] وأبو داود [1373] والنسائي [3/ 202]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1675 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني (قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة يونس لمالك بن أنس في روايته عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وكرر المتن لما في هذه من الزيادة الكثيرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) من عندي (من جوف الليل) أي في وسطه (فصلى) صلاة الليل (في المسجد فصلى) معه (رجال) من أصحابه مقتدين (بصلاته) صلى الله عليه وسلم (فأصبح الناس) أي كانوا في

يَتَحَدَّثُونَ بِذلِكَ. فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي الليلَةِ الثانِيَةِ. فَصَلوْا بِصَلاتِهِ. فَأصْبَحَ الناسُ يَذْكُرُونَ ذلِكَ. فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ الليلَةِ الثالِثَةِ. فَخَرَجَ فَصَلوْا بِصَلاتِهِ. فَلَما كَانَتِ الليلَةُ الرابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ. فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَطَفقَ رِجَال مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الصلاةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَتى خَرَجَ لِصلاةِ الْفَجْرِ. فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقبَلَ عَلَى الناسِ. ثُم تَشَهدَ، فَقَال: "أَما بَعْدُ، فَإِنهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصباح (يتحدثون بذلك) أي بصلاتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد (فاجتمع) في الليلة الثانية في المسجد رجال (كثر منهم) أي من الذين اجتمعوا في الليلة الأولى (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أيضًا إلى المسجد (في الليلة الثانية فصلوا) أي فصلى أولئك الرجال المجتمعون في الليلة الثانية مقتدين (بصلاته) صلى الله عليه وسلم (فأصبح الناس) أي كانوا في صباح الليلة الثانية (يذكرون ذلك) الإجتماع والصلاة معه صلى الله عليه وسلم (فكثر أهل المسجد) أي المجتمعون فيه (من الليلة الثالثة) أي فيها (فخرج) صلى الله عليه وسلم إليهم في الليلة الثالثة (فصلوا) مقتدين (بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله) أي امتلأ حتى ضاق عنهم وكاد لا يسعهم، قال في الأساس: ومن المستعار ثوب عاجز وجاؤوا بجيش تعجز الأرض عنه (فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الليلة الرابعة (فطفق) أي شرع (رجال منهم) أي من المجتمعين في المسجد (يقولون) احضر (الصلاة) معنا أو صل الصلاة بنا يا رسول الله (فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) لقولهم ذلك (حتى) أصبح و (خرج لصلاة الفجر فلما قضى) صلاة (الفجر) وفرغ منها (أقبل) بوجهه الشريف (على الناس ثم تشهد) أي أتى بالشهادتين (فقال أما بعد) الخ، قال النواوي: في هذه الألفاظ فوائد منها استحباب التشهد في صدر الخطبة والموعظة، وفي حديث في سنن أبي داود "الخطبة التي ليس فيها تشهد كاليد الجذماء" ومنها استحباب قول أما بعد في الخطب، وقد جاءت به أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة، ومنها أن السنة في الخطبة والموعظة استقبال الجماعة، ومنها أنه يقال جرى الليلة كذا وكذا وإن كان بعد الصبح، وهكذا يقال الليلة إلى زوال الشمس، وبعد الزوال يقال البارحة اهـ (فإنه) أي

لَمْ يَخْفَ عَلَى شَأْنُكُمُ الليلَةَ. وَلكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيكُمْ صَلاةَ الليلِ. فَتَعْجِزُوا عَنْهَا". 1676 - (728) (138) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن الشأن والحال (لم يخف) بفتح الياء وسكون الخاء المعجمة، من خفي يخفى من باب رضي يرضى، أي لم يخف (علي) ولم يستتر عني (شأنكم الليلة) أي اجتماعكم في المسجد في هذه الليلة (ولكني خشيت) لو خرجت إليكم وصليت بكم (أن تفرض عليكم صلاة الليل) جماعة في المسجد (فنعجزوا عنها) أي تشق عليكم فتتركوها مع القدرة عليها، وليس المراد العجز الكلي لأنه يسقط التكليف من أصله قاله العسقلاني وذكره الزرقاني، قال النواوي: وفي هذا الحديث جواز النافلة جماعة ولكن الاختيار فيه الانفراد إلا في نوافل مخصوصة؛ وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح عند الجمهور كما سبق، وفيه جواز النافلة في المسجد وإن كان البيت أفضل ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها في المسجد لبيان الجواز أو أنه كان معتكفًا، وفيه جواز الاقتداء بمن لم ينو إمامته وهذا هو الصحيح على المشهور من مذهبنا ومذهب العلماء، ولكن إن نوى الإمام إمامتهم بعد اقتدائهم حصلت فضيلة الجماعة له ولهم، وإن لم ينوها حصلت لهم فضيلة الجماعة ولا تحصل للإمام على الأصح لأنه لم ينوها والأعمال بالنيات وأما المأمومون فقد نووها. وفيه أيضًا إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر أهمهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة لما ذكرناه فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي تخاف من عجزهم وتركهم للفرض، وفيه أن الإمام وكبير القوم إذا فعل شيئًا خلاف ما يتوقعه أتباعه وكان له فيه عذر يذكره لهم تطييبًا لقلوبهم وإصلاحًا لذات البين لئلا يظنوا خلاف هذا وربما ظنوا ظن السوء والله أعلم اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما فقال: 1676 - (728) (138) (حدثنا محمد بن مهران) -بكسر أوله وسكون الهاء- أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الوليد بن

مُسْلِم. حَدَّثنَا الأَوْزَاعي. حَدثَنِي عَبْدَةُ عَنْ زِرٍّ. قَال: سَمِعْتُ أبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ -وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودِ يَقُولُ: مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيلَةَ الْقَدْرِ- فَقَال أُبَي: وَاللهِ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ! إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ -يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي- وَوَاللهِ، إِني لأَعلَمُ أَيُّ لَيلَةٍ هِيَ. هِيَ الليلَةُ التِي أمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثني عبدة) بن أبي لبابة الأسدي مولاهم أبو القاسم الكوفي، نزيل دمشق، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن زر) بن حبيش مصغرا بن حباشة -بضم المهملة- الأسدي أبي مريم الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (3) أبواب (قال) زر (سمعت أبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبا المنذر سيد القراء كاتب الوحي الصحابي المشهور رضي الله عنه، كان ربعة نحيفًا أبيض الرأس واللحية لا يخضب. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان شاميان وواحد مدني وواحد رازي، أي سمعت أبي بن كعب (يقول و) الحال أنه قد (قيل له إن عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة) أي لياليها كلها أي أحياها بالصلاة والأذكار وغيرهما (أصاب ليلة القدر) أي وافقها ونال أجرها لأنها مستترة في ليالي السنة (فقال أبي) بن كعب (والله) أي أقسمت بالله (الذي لا إله إلا هو إنها) أي إن ليلة القدر (لفي رمضان) أي منحصرة فيه لا تخرج عنه، حالة كون أبي (يحلف) على ذلك و (ما يستثني) في حلفه بالمشيئة يعني أن أبيًا قال ذلك حالفًا بالله على جزمِ من غير أن يقول في يمينه إن شاء الله تعالى (و) يحلف أبي أيضًا ويقول (والله) الذي لا إله إلا هو (إني لأعلم أي ليلة) من رمضان، بالرفع مبتدأ خبره (هي) ليلة القدر، ويجوز العكس وهي جملة اسمية معلق عنها ما قبلها؛ أي لأعلم جواب هذا الاستفهام، وقوله (هي الليلة) مبتدأ وخبر فالجملة مستأنفة؛ أي ليلة القدر هي الليلة (التي أمرنا بها) أي بإحيائها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (بقيامها) بدل من الجار والمجرور في قوله بها (هي) أي ليلة القدر اليلة صبيحة سبع وعشرين) أي ليلة صباحها يوم سبع وعشرين يومًا من رمضان (وأمارتها) أي أمارة وعلامة كون الليلة ليلة القدر (أن تطلع الشمس في صبيحة يومها) أي طلوع شمس

بَيضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا. 1677 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يومها (بيضاء) غير مضيئة (لا شعاع لها) وشعاع الشمس مايرى من ضوئها ممتدًا كالرماح بعيد الطلوع فكان الشمس يومئذ لغلبة نور تلك الليلة على ضوئها تطلع غير ناشرة أشعتها في نظر العيون. وفي حديث أبي هريرة "إن القمر يطلع فيه مثل شق جفنة" رواه مسلم (1170) قيل إن ذلك إنما كان لصعود الملائكة الذين تنزلوا في ليلة القدر حين تطلع الشمس فكأن الملائكة لكثرتها حالت بين الناظرين إلى الشمس وبين شعاعها والله أعلم. ثم هل هذه الأمارات راتبة لكل ليلة قدر تأتي أو كان ذلك لتلك الليلة الخاصة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "وأراني أسجد في صبيحتها في ماء وطين" رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري، قولان لأهل العلم والأول أولى لما رواه أبو عمر بن عبد البر من طريق عبادة بن الصامت مرفوعًا "إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجاء كان فيها قمرًا ساطعًا ساكنة لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى يصبح، وأن أمارة الشمس أنها تخرج صبيحتها مشرقة ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يطلع يومئذ معها" رواه أحمد (5/ 324) قال: وهذا حديث حسن غريب من حديث الشاميين رواته كلهم معروفون ثقات اهـ من المفهم. وفي مشكاة المصابيح: (وعن زر بن حبيش قال: سألت ابن بن كعب فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، فقال: أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني إنها ليلة سبع وعشرين فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؛ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تطلع يومئذ لا شعاع لها) اهـ، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1378] والترمذي [793]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 1677 - (00) (00) (حدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن

جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَةَ بْنَ أبِي لُبَابَةَ يُحَدِّثُ عَن زِرِّ بْنِ حُبَيشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. قَال: قَال أُبَي، فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ: وَاللهِ، إِني لأَعْلَمُهَا. وَأكْثَرُ عِلْمِي هِيَ الليلَةُ التِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيلَةُ سَبْع وَعِشْرِينَ. وَإِنَّمَا شَكَّ شُعْبَةُ فِي هَذا الحَرْفِ: هِيَ الليلَةُ التِي أمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: وَحَدثَنِي بِهَا صَاحِبٌ لِي عَنْهُ. 1678 - (00) (00) وَحَدثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (قال) شعبة (سمعت عبدة بن أبي لبابة) الأسدي الكوفي (يحدث عن زر بن حبيش) بن حباشة الأسدي الكوفي (عن أبي بن كعب) الأنصاري المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة للأوزاعي في رواية هذا الحديث عن عبدة بن أبي لبابة (قال) زر بن حبيش (قال أبي) بن كعب (في) شأن (ليلة القدر: والله إني لأعلمها) قال شعبة (وأكثر علمي) أي أرجح ظني في لفظ هذا الحديث، قال النواوي: ضبطناه بالمثلثة وبالموحدة والمثلثة أكثر، أن لفظه (هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها) وإحيائها بإسقاط لفظة بها (هي ليلة سبع وعشرين) من رمضان بإسقاط لفظة صبيحة (وإنما شك شعبة) حين قال: وأكثر علمي (في هذا الحرف) يعني قوله (هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني شك في لفظة (بها) هل ذكرها عبدة أم لا؟ (قال) شعبة (وحدثني) بزيادة لفظة (بها صاحب لي عنه) أي عن عبدة بن أبي لبابة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 1678 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا أبي لأنه العامل في المتابع بكسر الباء يعني عن عبدة عن زر عن أبي أي حدثنا معاذ بن معاذ عن شعبة بهذا الإسناد (نحوه) أي نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة،

وَلَمْ يَذْكُرْ: إِنَّمَا شَك شُعْبَةُ، وَمَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في الرواية عن شعبة (و) لكن (لم يذكر) معاذ بن معاذ لفظة (إنما شك شعبة وما بعده) أي وما بعد قوله: وإنما شك من قوله (قال: وحدثني بها صاحب لي) والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والشاك حديث أبي بن كعب ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين. ***

330 - (42) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ودعائه

330 - (42) باب: في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ودعائه 1679 - (729) (139) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيانَ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ، يَعْنِي ابْنَ مَهْدِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ كُرَيب، عَنِ ابْنِ عَباس؛ قَال: بِتُّ لَيلَةً عِنْدَ خَالتِي مَيمُونَةَ. فَقَامَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الليلِ، فَأَتَى حَاجَتَهُ، ثُم غَسَلَ وَجْهَهُ ويدَيهِ، ثُم نَامَ، ثُم قَامَ، فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 330 - (42) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ودعائه 1679 - (729) (139) (حدثني عبد الله بن هاشم بن حيان) بتحتانية (العبدي) أبو عبد الرحمن الطوسي النيسابوري، ثقة، من صغار (10) مات سنة (255) (حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة ثبت، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، من (7) روى عنه في (24) بابا (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، وثقه أحمد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من (4) روى عنه في (12) بابا (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس أبي رشدين المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه أبي العباس الطائفي. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد طائفي وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة (قال) ابن عباس (بت) -بكسر الباء الموحدة وتشديد التاء المضمومة ماض مسند إلى المتكلم- من بات يبيت أي كنت (ليلة) من الليالي (عند خالتي) أي أخت أمي (ميمونة) بنت الحارث الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته) حاجة الإنسان أي محل قضائها فقضاها (ثم غسل وجهه ويديه) للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره (ثم نام ثم قام) من نومه (فأتى القربة) -بكسر القاف وسكون الراء- أي قربة الماء، وهي وعاء الماء يتخذ من جلد (فأطلق) أي حل وفك (شناقها) أي شناق القربة، والشناق -

ثُمَّ تَوَضأَ وُضُوءًا بَينَ الْوُضُوءَينِ. وَلَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أبْلَغَ ثُم قَامَ فَصَلى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَني كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ، فَتَوَضأْتُ، فَقَامَ فَصَلى، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدارَني عَنْ يَمِينِهِ. فَتَتَامَّتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الليلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُم اضْطَجَعَ. فَنَامَ حَتى نَفَخَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر الشين المعجمة- خيط يشد به فم القربة كما في المصباح، قال النواوي: الشناق، هو الخيط الذي تربط به في الوتد، قاله أبو عبيدة وأبو عبيد وغيرهما، وقيل الوكاء اهـ (ثم توضأ) من مائها (وضوءًا) وسطًا (بين الوضوءين) الأكمل والأقل (ولم يكثر) صب الماء على أعضاء الوضوء (و) الحال أنه (قد أبلغ) أي أكمل وضوءه، وفي المرقاة قوله (بين الوضوءين) أي من غير إسراف ولا تقتير، وقيل توضأ مرتين مرتين، وقوله (ولم يكثر) أي صب الماء، وهو إيماء إلى عدم الإفراط، وقوله (وقد أبلغ) إيماء إلى عدم التفريط، أي أوصل الماء على محاله المفروضة، أفاده ملا على في مرقاة المفاتيح (ثم قام فصلى) أي أحرم بالصلاة (فقمت) أنا من نومي (فتمطيت) من التمطي أي تمددت بجسمي كأني استيقظت الآن، وقوله (كراهية أن يرى) مفعول لأجله لفعل التمطي؛ أي تمطيت وتمددت لأجل كراهية أن يظن (أني كنت أنتبه) وأستيقظ (له) أي لاستماعه كذا ضبط النواوي بتقديم النون على التاء، وفي بعض النسخ (أتنبه) بتقديم التاء على النون (فتوضأت فقام فصلى فقمت) أنا (عن يساره) لأصلي معه (فأخذ بيدي فأدارني) أي حولني (عن يمينه) فالأخذ هنا للإدارة، وأما الأخذ بالأذن فللتنشيط والتنبيه، وقد فسر هذه الإدارة في رواية أخرى "فقال: وأخذ بيدي من وراء ظهره" ولا تعارض بين الأخذين إذ جمعهما له ممكن، قال ابن الملك: وعن هنا بمعنى الجانب أي أدارني عن جانب يساره إلى جانب يمينه اهـ مرقاة، قال النواوي: فيه أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، وأنه إذا وقف عن يساره يحول إلى يمينه وأنه إذا لم يتحول حوله الإمام، وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن صلاة الصبي صحيحة، وأن له موقفًا من الإمام كالبالغ، وأن الجماعة في غير المكتوبة صحيحة اهـ منه. (فتتامت) أي تكاملت كما هو الرواية فيما يأتي (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل) أي في ذلك الليل (ثلاث عشرة ركعة ثم) بعدما صلى ثلاث عشرة ركعة (اضطجع) على جنبه الأيمن (فنام حتى نفخ) أي تنفس بصوت حتى يسمع منه صوت

وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَأَتَاهُ بِلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ. فَقَامَ فَصَلى وَلَمْ يَتَوَضأ. وَكَانَ فِي دُعَائِهِ "اللهم اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وعَنْ يَمِينِي نُورًا، وعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورا، وَخَلْفِي نُورا، وَعَظِّمْ لِي نُورًا". قَال كُرَيبٌ: وَسَبْعًا فِي التابُوتِ. فَلَقِيتُ بَعْضَ وَلَدِ الْعَباسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ. فَذَكَرَ عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعَرِي وَبَشَرِي. وَذَكَرَ خَصْلَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النفخ بالفم كما يسمع من النائم (وكان) صلى الله عليه وسلم في عادته (إذا نام نفخ) أي صوت في نومه (فأتاه بلال) بن رباح الحبشي مؤذنه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه (فآذنه) بلال (بـ) إقامة (الصلاة) أي استشاره في الإقامة (فقام) من نومه (فصلى) ركعتين خفيفتين سنة الفجر (ولم يتوضأ) لنومه لأن نوم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا ينقض الوضوء، قال النواوي: هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن نومه مضطجعًا لا ينقض وضوءه، وسيأتي قول سفيان بن عيينة، وهذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، قال ملا علي: فالوضوء الأول إما لنقض آخر، أو لتجديد وتنشيط اهـ (وكان في) جملة (دعائه) تلك الليلة قوله (اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وعظم لي نورًا) فعل دعاء من التعظيم أي واجعل نوري في هذه الأمور كلها عظيمًا قويًّا ينفعني في الدنيا والآخرة (قال كريب) مولى ابن عباس بالسند السابق (و) ذكر لي ابن عباس بعد هذه الكلمات السابقة (سبعًا) من الكلمات محفوظةً لي (في التابوت) أي في القلب، ولكن نسيتها وعجزت عن ذكرها باللسان، قالوا المراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره، تشبيهًا بالتابوت الذي كالصندوق يحرز فيه المتاع اهـ من النواوي، ولفظ البخاري في الدعوات "وسبع في التابوت" وفي شرح العيني: هو كما يقال لمن لم يحفظ العلم علمه في التابوت مستوح اهـ. قال سلمة بن كهيل (فلقيت بعض ولد العباس) بن عبد المطلب (فحدثني) ذلك البعض (بهن) أي بتلك السبع التي نسي عنها كريب (فذى) ذلك البعض خمسةً منها وهي (عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري وذكر) ذلك البعض مع هذه الخمسة (خصلتين) أخريين، ولعلهما ما في المشكاة من قوله "واجعل في نفسي نورًا وفي لساني نورًا" فيكون المجموع مع الخمسة المذكورة سبعةً والله أعلم.

1680 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيمَانَ، عَنْ كُرَيب مَوْلَى ابْنِ عَباسٍ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ بَاتَ لَيلَةً عِنْدَ مَيمُونَةَ أم الْمُؤْمِنِينَ. وَهِيَ خَالتُهُ. قَال: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوسَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: جعل النور في حميع الأعضاء والجهات الست المراد به بيان الحق والهداية حتى لا يزيغ شيء منها عنه، وقيل جعل النور في الأعضاء يحتمل أن يريد به قوتها بأكل الحلال لأن بأكله به يصلح القلب وينشرح الصدر وينصقل الفهم وأكل الحرام بضد ذلك، اهـ. قال الأبي: دعاؤه صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوات وبما في الأحاديث بعدها إن كان تعليمًا للأمة فواضح وإلا فهو بحسب ارتفاع المقامات لأن الجميع قد جعل له صلى الله عليه وسلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 341] والبخاري [699 و 6316] وأبو داود [58 و 660] والنسائي [2/ 30] وابن ماجه [1363]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1680 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن مخرمة بن سليمان) الأسدي الوالبي -بكسر اللام والموحدة- المدني، روى عن كريب في الصلاة، وأسماء بنت أبي بكر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومالك وعياض بن عبد الله الفهري وعبد ربه بن سعيد والضحاك بن عثمان وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وقال في التقريب ة ثقة، من الخامسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن كريب) الهاشمي مولاهم (مولى ابن عباس) أبي رشدين المدني (أن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أخبره) أي أخبر لكريب. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة مخرمة بن سليمان لسلمة بن كهيل في رواية هذا الحديث عن كريب (أنه) أي أن ابن عباس (بات ليلة عند ميمونة) بنت الحارث (أم المومنين) رضي الله تعالى عنها (وهي خالته) أي أخت أمه (قال) ابن عباس (فاضطجعت في عرض الوسادة) والعرض بفتح العين ضد الطول، وهو المراد هنا وعرض الوادي بالضم ناحيته، والعرض بالكسر السب والذم، والوسادة ما يتوسد إليه وعليه، ويريد بها الفراش، وكان اضطجاع ابن عباس لرؤوسهما أو لأرجلهما وذلك

وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا. فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَتى انْتَصَفَ الليلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيقَظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُم ـــــــــــــــــــــــــــــ لصغره، وفي تسمية الفراش وسادة تجوز لا شك إذ الوسادة ما يتوسد إليه كما أن المرفقة ما يرتفق عليه، ويحتمل أن يبقى لفظ الوسادة على حقيقته المعروفة التي تجعل تحت الرأس، والعرض بالضم الجانب أي جعلوا رؤوسهما في طولها وجعل هو رأسه في الجهة الضيقة القصيرة منها والأول أكثر رواية وأظهر معنى، قال النواوي: والصحيح إبقاء الوسادة على حقيقتها وتأويلها بالفراش ضعيف أو باطل، وفي الحديث تقريب الأصهار وتأنيسهم ونوم الرجل مع امرأته دون مواقعة بحضرة من في هذا السن من القرابة والمحارم، وكان ابن عباس نحو ابن عشر سنين، وجاء في بعض روايات هذا الحديث "عند خالتي ميمونة في ليلة كانت فيها حائضًا" وهي زيادة حسنة جدًّا إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت عندها إلا في ليلة يعلم أنه لا حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى أهله لا سيما مع قوله في عرض الوسادة، ولا يرسله أبوه للمبيت إلا في مثل ذلك اهـ (واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله) يعني ميمونة (في طولها فنام رسول الله حتى انتصف الليل) ثم استيقظ (أو) استيقظ (قبله) أي قبل الانتصاف (بقليل أو) استيقظ (بعده) أي بعد الانتصاف (بقليل) وقوله (استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم) تفسير لما قدرناه، وفي بعض الهوامش (قوله حتى انتصف الليل) كذا في نسخ مسلم، وعبارة الموطأ "حتى إذا انتصف الليل" إلى آخر ما هنا، ولفظ البخاري في باب الوتر "حتى انتصف الليل أو قريبا منه فاستيقظ" ولا غبار عليهما ولا كذلك رواية مسلم اهـ. قال القرطبي: قوله (فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل) هذا من ابن عباس تقدير للوقت لا تحقيق لكنه لم يخرج به عن قول الله تعالى {قُمِ اللَّيلَ إلا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيهِ} [المزمل: 2 - 4]. قال القاضي عياض: فيه تحري القول في الرواية وترك المسامحة، وقيامه إنما كان في النصف الأخير، والتردد إنما كان من ابن عباس ومثله يخفى على كثير لا سيما على ابن عشر سنين والا فوقت قيامه كان معلومًا عنده اهـ (فجعل) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمسح النوم) أي أثره (عن وجهه بيده) الشريفة، وفيه استحباب مثله (ثم

قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُم قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُم قَامَ فَصلى. قَال ابْنُ عَباسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، ثُم ذَهَبْتُ فَقُمتُ إِلَى جَنْبِهِ. فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي. وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلى رَكْعَتَينِ، ثُم رَكْعَتَينِ، ثُم رَكْعَتَينِ، ثُم رَكْعَتَينِ، ثُم رَكْعَتَينِ، ثُم رَكْعَتَينِ، ثُم أَوْتَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (العشر الآيات الخواتم) أي الأواخر (من سورة آل عمران) وقراءته هذه العشرة في هذا الوقت لما تضمنته من الحض والتنبيه على الذكر والدعاء والصلاة والتفكر وغير ذلك من المعاني المنشطة على القيام على ما لا يخفى قال النواوي: فيه استحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم، وفيه جواز قول سورة كذا، وكرهه بعض السلف وقال: وإنما يقال السورة التي يذكر فيها، والصواب الأول لتظافر الأحاديث الصحاح بذلك اهـ. (ثم قام) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى شن) أي قربة (معلقة) على الجدار. قال النواوي: الشن -بفتح الشين- القربة الخلقة، وجمعها شنان، وأنثها على معنى القربة، وفي رواية بعد هذه الآخر شن معلق ذكَّرها على معنى السقاء والوعاء اهـ (فتوضأ منها) أي من مائها (فأحسن وضوءه) أي أبلغه وأكمله ومع ذلك فلم يهرق من الماء إلا قليلًا كما جاء في الرواية الأخرى (ثم قام فصلى) قال كريب بن أبي مسلم (قال ابن عباس: فقمت) من نومي (فصنعت مثل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها) أي يدلكها لينبهه عن بقية النوم كما يدل عليه قوله في الرواية الآتية "فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني" قال القرطبي: ووضعه صلى الله عليه وسلم يمينه على رأس عبد الله تسكين له، وأخذه بأذنه تثبيت للتعليم أو زيادة في التأنيس والتسكين، وقيل فعل ذلك لينفي عنه العين لما أعجبه فعله معه، وقيل فعل ذلك به طردًا للنوم، وفي بعض طرق هذا الحديث عنه قال: "فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني" وهذا نص في ذلك (فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين) يعني ست مرات فالجملة ثنتا عشرة ركعة (ثم أوتر) أي جعل الشفع الأخير منضمًا إلى الركعة

ثُمَّ اضْطَجَعَ، حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. 1681 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْفِهْرِيِّ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمَّ عَمَدَ إِلَى شَجْبٍ مِنْ مَاءٍ. فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ. وَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُهْرِقْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخيرة فصار وترًا بثلاث ركعات على أن تكون جملة الركعات ثلاث عشرة ركعة كما هو مقتضى قوله في الرواية السابقة (فتتامت) الخ، ولا مانع في هذه الرواية أن يكون المعنى، ثم أوتر بثلاث ركعات على حدة فإن الظاهر أنه فصل بين كل ركعتين فيكون المجموع خمس عشرة ركعة وهو رواية (ثم اضطجع) استراحة من تعب قيام الليل (حتى جاء المؤذن) فاستشاره في الإقامة للصلاة (فقام فصلى ركعتين خفيفتين) ولم يتوضأ (ثم خرج) إلى المسجد (فصلى الصبح) بالناس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1681 - (00) (00) (وحدثني محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي -بفتح الجيم والميم- مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة فقيه، من (11) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (عن عياض بن عبد الله) بن عبد الرحمن (الفهري) المدني ثم المصري، وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال في التقريب: فيه لين، من (7) (عن مخرمة بن سليمان) الأسدي المدني، ثقة، من (5) وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا عياض بن عبد الله يعني عن كريب عن ابن عباس. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عياض لمالك في الرواية عن مخرمة (و) لكن (زاد) عياض بن عبد الله على مالك بن أنس لفظة (ثم عمد) وقصد النبي صلى الله عليه وسلم (إلى شجب) -بفتح الشين وسكون الجيم- أي إلى سقاء خلق (من ماء) وهو بمعنى الرواية الأولى "شن معلقة"، وقيل الأشجاب الأعواد التي تعلق عليها القربة، ويقال سقاء شاجب أي يابس (فتسوك) أي استعمل السواك في أسنانه وما حواليها (وتوضأ) أي استعمل الماء في أعضاء الوضوء (وأسبغ الوضوء) أي أكمله (ولم يهرق) أي

مِنَ الْمَاءِ إِلَّا قَلِيلًا. ثُمَّ حَرَّكَنِي فَقُمْتُ. وَسَائِرُ الْحَدِيثِ نَحْوُ حَدِيثِ مَالِكٍ. 1682 - (00) (00) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ رَبِّهُ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيمَانَ، عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: نِمْتُ عِنْدَ مَيمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيلَةَ. فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. فَقُمْتُ عَن يَسَارِهِ. فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ. فَصَلَّى فِي تِلْكَ اللَّيلَةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يرق على الأرض (من الماء إلَّا قليلًا ثم حركني) من مضجعي ليوقظني (فقمت) من نومي (وسائر الحديث) أي باقيه (نحو حديث مالك) بن أنس السابق، وهذا بيان لمحل المخالفة والله أعلم، وفيه استحباب السواك عند الوضوء، وإسباغ الوضوء، وعدم الإسراف في الماء، وإيقاظ النائم للصلاة ولو نفلًا أو صبيًّا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1682 - (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثنا عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، ثقة فقيه حافظ، من (7) (عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري أخي يحيى بن سعيد الأنصاري، ثقة، من (5) (عن مخرمة بن سليمان) الأسدي المدني (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم (مولى ابن عباس) المدني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مصريون وثلاثة مدنيون وواحد طائفي، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد ربه لمالك بن أنس (أنه) أي أن ابن عباس (قال: نمت) ليلة (عند) خالتي (ميمونة) بنت الحارث (زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله) أي والحال أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم عندها) في بيتها (تلك الليلة فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام فصلى) صلاة الليل (فقمت عن يساره فأخذني) أي فأمسك بيده الثريفة رأسي (فجعلني) قائمًا (عن يمينه فصلى في تلك الليلة ثلاث عشرة

رَكْعَةً. ثُمَّ نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَفَخَ. وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ. ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى. وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَال عَمْرٌو: فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيرَ بْنَ الأَشَجِّ. فَقَال: حَدَّثَنِي كُرَيبٌ بِذلِكَ. 1683 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيمَانَ، عَنْ كُرَيب مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: بِتُّ لَيلَةً عِنْدَ خَالتِي مَيمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. فَقُلْتُ لَهَا: إِذَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَيقِظِينِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعة، ثم نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفخ) أي صوت صوت غطيط النائم (وكان) في عادته (إذا نام نفخ) أي غط (ثم) بعد نومه (أتاه المؤذن) استئذانًا في الإقامة للصلاة فأذن المؤذن (فخرج) صلى الله عليه وسلم إلى المسجد (فصلى) بالناس الصبح (ولم يتوضأ) لنومه لأن نومه لا ينقض الوضوء، قال ابن وهب (قال عمرو) بن الحارث (فحدثت به) أي بهذا الحديث (بكير بن) عبد الله بن (الأشج) المخزومي المدني (فقال) بكير (حدثني كريب) عن ابن عباس (بذلك) الحديث الذي حدثته عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1683 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بالفاء مصغرًا يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني، صدوق، من (7) (عن مخرمة بن سليمان) الأسدي المدني، ثقة، من (5) (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم (مولى ابن عباس) المدني (عن ابن عباس) الطائفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة الضحاك بن عثمان لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن مخرمة بن سليمان، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عباس (بت) أي كنت (ليلة) من الليالي (عند خالتي ميمونة بنت الحارث) الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (فقلت لها: إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الليل للصلاة (فأيقظيني)

فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ الأَيسَرِ. فَأَخَذَ بِيَدِي. فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ الأَيمَنِ. فَجَعَلْتُ إِذَا أَغْفَيتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي. قَال: فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. ثُمَّ احْتَبَى. حَتَّى إِنِّي لأَسْمَعُ نَفَسَهُ، رَاقِدًا. فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ. 1684 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي نبهيني من النوم لأصلي معه (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) للصلاة (فقمت) مصليًا (إلى جنبه الأيسر) أي إلى جانبه الأيسر (فأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيدي فجعلني من شقه الأيمن) أي في جانبه الأيمن (فجعلت) أي شرعت وكان مقتضى الظاهر فجعل أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أغفيت) ونعست في الصلاة، والإغفاء النوم الخفيف (يأخذ) بيده الشريفة، خبر جعل لأنه من أفعال الشروع (بشحمة أذني) أي جلدتها أي فجعل يأخذ بشحمة أذني ويدلكها لإزالة النوم عني إذا أغفيت ونعست في الصلاة لطول قيامه (قال) ابن عباس (فصلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إحدى عشرة ركعة) مع الوتر ولا معارضة بين هذه الرواية وبين رواية ثلاث عشرة ركعة لأنه حسب في تلك الرواية الركعتين الخفيفتين اللتين افتتح بهما التهجد (ثم) جلس و (احتبى) أي ربط جسمه بعضه ببعض بثوب لئلا يسقط، والاحتباء أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، وقد يكون الاحتباء باليدين بدل الثوب، وفي الحديث "الاحتباء حيطان العرب" أي ليس في البراري حيطان فإذا أرادوا أن يستندوا احتبوا لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم ذلك كالجدار اهـ من نهاية ابن الأثير، ثم اضطجع ونفخ (حتى إني لأسمع نفسه) حالة كونه (راقدًا) أي نائمًا، قال النواوي: معناه أنه احتبى أولًا ثم اضطجع كما سبق في الروايات المتقدمة فاحتبى ثم اضطجع حتى سمع نفخه ونفسه بفتح الفاء (فلما تبين له الفجر) الصادق وظهر (صلى ركعتين خفيفتين) سنة الفجر، ثم خرج إلى المسجد فصلى بالناس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1684 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10)

عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ خَالتِهِ مَيمُونَةَ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيلِ. فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلِّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا - قَال: وَصَفَ وُضُوءَهُ وَجَعَلَ يُخَففُهُ ويقَلِّلُهُ - قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. فَأَخْلَفَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ. فَصَلَّى. ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ. ثُمَّ أَتَاهُ بلالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ. فَخَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَال سُفْيَانُ: وَهَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن) سفيان (ابن عيينة) الهلالي أبي محمد الأعور الكوفي ثم المكي، ثقة، من (8) (قال ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة بصيغة السماع مع تصريح اسمه (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن كريب مولى ابن عباس) المدني (عن ابن عباس) الهاشمي أبي العباس الطائفي، وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن دينار لمخرمة بن سليمان في رواية هذا الحديث عن كريب بن أبي مسلم (أنه بات عند خالته ميمونة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من) جوف (الليل) من نومه (فتوضأ من) ماء (شن) أي سقاء (معلق) على الجدار، والتذكير هنا على الأصل على إرادة السقاء والوعاء، والتأنيث على إرادة القربة، قال أهل اللغة: الشن القربة الخلق والجمع شنان، وقال ابن الأثير: الأسقية الخَلِقة أشد تبريدًا للماء من الجدد اهـ، فتوضأ منها (وضوءًا خفيفًا قال) كريب (وصف) ابن عباس (وضوءه) صلى الله عليه وسلم (وجعل) أي شرع ابن عباس حين وصفه (يخففه) أي يخفف صب الماء عليه (ويقلله) من حيث العدد، قال كريب (قال) لنا (ابن عباس فقمت) من نومي (فصنعت) في الوضوء (مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جئت) إلى مقامه (فقمت عن يساره فأخلفني) أي أدارني من خلفه (فجعلني عن يمينه فصلى) صلاة الليل (ثم اضطجع) ضجعة استراحة من تعب القيام (فنام حتى نفخ) وغط (ثم أتاه بلال) المؤذن (فآذنه) أي أعلمه (بـ) إقامة (الصلاة فخرج) إلى المسجد (فصلى) بهم صلاة (الصبح ولم يتوضأ) لنومه (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وهذا) أي عدم نقض النوم الوضوء ثابت (للنبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (خاصة) بالنصب أي مخصوصًا به صلى الله عليه وسلم دون أمته، وهو مصدر على وزن فاعلة كالعافية والعاقبة، ولكنه بمعنى اسم

لأَنَّهُ بَلَغَنَا أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَينَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ. 1685 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: بِتُّ فِي بَيتِ خَالتِي مَيمُونَةَ. فَبَقَيتُ كَيفَ يُصَلِّي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: فَقَامَ فَبَال، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَكَفَّيهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ صَبَّ فِي الْجَفْنَةِ أَو الْقَصْعَةِ، فَأَكَبَّهُ بِيَدِهِ عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المفعول كما هو مبسوط في محله، وإنما كان خاصًّا به (لأنه) أي لأن الشأن والحال (بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولاينام قلبه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1685 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد وهو ابن جعفر) الهذلي البصري، ربيب شعبة (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (عن سلمة) بن كهيل الحضرمي الكوفي، ثقة، من (4) (عن كريب) بن أبي مسلم (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مدني وواحد كوفي، غرضه بيان متابعة سلمة بن كهيل لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن كريب (قال) ابن عباس (بت في بيت خالتي ميمونة) بنت الحارث (فبقيت) أي رقبت ونظرت ولاحظت، يقال بقيت بفتح الموحدة والقاف بمعنى رقبت ورمقت اهـ نواوي، ووقع في رواية البخاري في الحديث المتقدم "كراهية أن يرى أني كنت أبقيه" أي أنظره وأرصده أي نظرت ورصدت (كيف يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الليل أي نظرت لمعرفة كيفية صلاته (قال فقام) من فراشه (فبال) أي قضى حاجة البول (ثم غسل وجهه وكفيه) إزالة لثقل النوم (ثم نام ثم قام) من فراشه (إلى القربة) المعلقة (فأطلق) أي فك وحل (شناقها) أي وكاءها وخيطها الذي ربط به فمها (ثم صب) الماء منها (في الجفنة أو) قال ابن عباس في (القصعة) والشك من كريب أو ممن دونه، والجفنة والقصعة جمعهما جفان وقصاع بمعنى واحد وهما إناء الطعام، وقيل القصعة هي التي تسع ما يشبع ثلاثة، والجفنة هي التي تسع ما يشبع عشرة وما فوقهم (فأكبه) أي أكب الماء وأفرغه (بيده) الشريفة (عليها)

ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا حَسَنًا بَينَ الْوُضُوءَينِ. ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ. فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. قَال: فَأَخَذَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَتَكَامَلَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَة. ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ. وَكُنَّا نَعْرِفُهُ إِذَا نَامَ بِنَفْخِهِ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى صَلاةٍ. فَصَلَّى. فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلاتِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ: "اللَّهمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا، أَوْ قَال: وَاجْعَلْنِي نُورًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي على الجفنة أو القصعة، وفي بعض الهوامش قوله فأكبه بيده عليها المشهور في اللغة كبه فأكب أي قلبه فانقلب وهو من النوادر التي تعدى ثلاثيها وقصر رباعيها، قال تعالى فكبت وجوههم في النار وقال أفمن يمشي مكبًا على وجهه لكن ذكر المجد في القاموس كبه وأكبه بالتعدية فيهما على القياس (ثم توضأ وضوءًا حسنًا) أي وسطًا (بين الوضوءين) أي بين الوضوء الذي فيه الإفراط والإسراف والوضوء الذي فيه التفريط والتقتير، وقيل بين الوضوء المعتاد الذي هو غسل الكفين وبين الوضوء الشرعي الذي هو غسل الأعضاء الأربعة (ثم قام) حالة كونه (يصلي) قال ابن عباس: فتوضأت (فجئت فقمت إلى جنبه) وقوله (فقمت عن يساره) تفسير لما قبله (قال) ابن عباس (فأخذني) أي أمسكني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأقامني عن يمينه فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بلغ عدد ركعاتها (ثلاث عشرة ركعة ثم نام) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى نفخ) وصوت وغط غطيط النائم (وكنا) في العادة (نعرفه) أي نعرف نومه (إذا نام بنفخه) وغطيطه (ثم) صلى ركعتين خفيفتين بعدما آذنه المؤذن بالإقامة، ثم (خرج إلى) المسجد للـ (صلاة) أي لصلاة الصبح (فصلى) بالناس (فجعل) صلى الله عليه وسلم أي شرع (يقول في صلاته) في الليل (أو) قال ابن عباس (في سجوده) في صلاة الليل (اللهم اجعل في قلبي نورًا) أعلم به الحق (وفي سمعي نورًا) أسمع به الحق (وفي بصري نورًا) أبصر به الحق (وعن يميني نورًا وعن شمالي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا واجعل لي نورًا) في هذه الأشياء كلها (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عباس بدل هذه الكلمة الأخيرة (واجعلني نورًا) أي سراجًا منيرًا للحق، والشك من ابن عباس أو ممن دونه، ومعنى طلب النور للأعضاء عضوًا عضوًا لأن يتحلى بأنوار

1686 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شمَيلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيلٍ عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال سَلَمَةُ: فَلَقِيتُ كُرَيبًا فَقَال: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ عِنْدَ خَالتِي مَيمُونَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعرفة والطاعة ويتعدى عن ظلمة الجهالة والمعاصي لأن الإنسان ذو سهو وطغيان، ورأى أنه قد أحاطت به ظلمات الحيلة وأفرغت عليه من قرنه إلى قدمه الأدخنة الثائرة من نيران الشهوات من جوانبه، ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض فلم ير للتخلص منها مساغًا إلَّا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله تعالى أن يمده بها ليستأصل شأفة تلك الظلمات إرشادًا للأمة وتعليمًا لهم، وكل هذه الأنوار راجعة إلى هداية وبيان وصيانة وإلى مطالع هذه الأنوار يرشد قوله تعالى الله نور السماوات والأرض إلى قوله نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء وإلى أودية تلك الظلمات يلمح قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي إلى قوله ظلمات بعضها فوق بعض وقوله ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور اللهم إنا نعوذ بك من تلك الظلمات، ونسألك هذه الأنوار يا أرحم الراحمين اهـ من السنوسي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1686 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11) (حدثنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم المروزي، ثقة، من (9) (أخبرنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (حدثنا سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي، ثقة، من (4) (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري، ثقة، من (5) (عن كريب) بن أبي مسلم المدني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مروزيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة النضر بن شميل لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة، قال النضر بن شميل (قال سلمة) بن كهيل بالسند السابق (فلقيت كريبًا) مولى ابن عباس بعد ما سمعت هذا الحديث من بكير بن عبد الله (فقال) لي كريب (قال ابن عباس: كنت عند خالتي ميمونة

فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. وَقَال: "وَاجْعَلْنِي نُورًا" وَلَمْ يَشُكَّ. 1687 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ أَبِي رِشْدِينٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَال: بِتُّ عِنْدَ خَالتِي مَيمُونَةَ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّينِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: ثُمَّ أَتَى الْقِرْبَةَ فَحَلَّ شِنَاقَهَا. فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا بَينَ الْوُضُوءَينِ. ثُمَّ أَتَى فِرَاشَهُ فَنَامَ. ثُمَّ قَامَ قَوْمَةً أُخْرَى. فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَحَلَّ شِنَاقَهَا. ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا هُوَ الْوُضُوءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر) النضر بن شميل (بمثل حديث غندر) محمد بن جعفر (و) لكن (قال) النضر في روايته (واجعلني نورًا ولم يشك) النضر أي لم يذكر الشك بقوله "واجعل لي نورًا أو واجعلني نورًا" كما شك غندر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1687 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وهناد بن السري) التميمي الدارمي الكوفي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا أبو الأحوص) الكوفي سلام بن سليم الحنفي، ثقة، من (7) (عن سعيد بن مسروق) الثوري والد سفيان الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن سلمة بن كهيل) الكوفي (عن) كريب (أبي رشدين) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة، كني باسم ابنه (مولى ابن عباس) المدني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مدني، غرضه بيان متابعة سعيد بن مسروق لشعبة في رواية هذا الحديث عن سلمة بن كهيل (قال) ابن عباس (بت عند خالتي ميمونة واقتص) أي ذكر سعيد بن مسروق (الحديث) السابق (ولم يذكر) سعيد بن مسروق (غسل الوجه والكفين غير أنه) أي لكن أن سعيد بن مسروق (قال) في روايته (ثم أتى) النبي صلى الله عليه وسلم (القربة فحل شناقها) أي فك وكاءها (فتوضأ وضوءًا) وسطًا (بين الوضوءين) أي وضوء الإفراط ووضوء التفريط (ثم أتى فراشه فنام ثم قام) من فراشه (قومة أخرى) أي مرة ثانية (فأتى القربة) مرة ثانية (فحل شناقها ثم توضأ وضوءًا) كاملًا (هو الوضوء)

وَقَال: "أَعْظِمْ لِي نُورًا" وَلَمْ يَذْكُرْ: وَاجْعَلْنِي نُورًا. 1688 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَلْمَانَ الْحَجْرِيِّ، عَنْ عُقَيلِ بْنِ خَالِدٍ؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيلٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ كُرَيبًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بَاتَ لَيلَةً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى إللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَسَكَبَ جمنْهَا. فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُكْثِرْ مِنَ الْمَاءِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي الْوُضُوءِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ المعتاد الشرعي بغسل الأعضاء الأربعة لا الوجه والكفين فقط (وقال) سعيد بن مسروق في روايته (أعظم لي نورًا ولم يذكر) سعيد (واجعلني نورًا) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1688 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن عبد الرحمن بن سلمان الحجري) بفتح المهملة وسكون الجيم، الرعيني بالتصغير نسبة إلى ذي رعين من قبائل اليمن المصري، روى عن عقيل بن خالد في الصلاة، ويزيد بن الهاد وعمرو بن أبي عمرو، ويروي عنه (م س) وابن وهب فقط، وثقه ابن يونس، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، وقال في التقريب: لا بأس به من السابعة (عن عقيل بن خالد) بن عقيل بفتح أوله الأموي المصري، ثقة، من (6) (أن سلمة بن كهُيل) الكوفي (حدثه) أي حدث عقيلًا (أن كريبًا حدثه) أي حدث سلمة (أن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وواحد طائفي وواحد مدني وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة عقيل لشعبة في رواية هذا الحديث عن سلمة أي أن ابن عباس (بات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) ابن عباس (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القربة فسكب) أي صب وأفرغ (منها) أي من القربة ماء (فتوضأ ولم يكثر) أي لم يسرف (من الماء ولم يقصر) أي لم يقتر ولم يقلل (في) ماء (الوضوء وساق) عقيل بن خالد (الحديث) السابق مثل ما رواه شعبة (وفيه) أي وفي الحديث الذي

قَال: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيلَتَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً. قَال سَلَمَةُ: حَدَّثَنِيهَا كُرَيبٌ. فَحَفِظْتُ مِنْهَا ثِنْتَي عَشْرَةَ. وَنَسِيتُ مَا بَقِي. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهمَّ اجْعَلْ لِي فِي: قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَمِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ بَينِ يَدَيَّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا". 1689 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَني شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ساقه عقيل (قال) ابن عباس (ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ) أي ليلة إذ بت عنده أي ذكر في دعائه (تسع عشرة كلمة قال سلمة: حدثنيها) أي حدثني تلك الكلمات التسعة عشرة (كريب) بن أبي مسلم (فحفظت منها ثنثي عشرة) كلمة (ونسيت ما بقي) منها يعني سبع كلمات وتلك الكلمات ما ذكره بقوله قال ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل لي في قلبي نورًا وفي لساني نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا ومن فوقي نورًا ومن تحتي نورًا وعن يميني نورًا وعن شمالي نورًا ومن بين يدي نورًا ومن خلفي نورًا واجعل في نفسي نورًا وأعظم لي نورًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1689 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) (أخبرنا) سعيد بن الحكم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة، من (10) (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (7) (أخبرني شريك) بن عبد الله (بن أبي نمر) الليثي من أنفسهم أبو عبد الله المدني، صدوق، من (5) (عن كريب عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد مصري وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة شريك بن أبي نمر لسلمة بن كهيل في

أَنَّهُ قَال: رَقَدْتُ فِي بَيتِ مَيمُونَةَ لَيلَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا. لِأَنْظُرَ كَيفَ صَلاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيلِ. قَال: فَتَحَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةَ. ثُمَّ رَقَدَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ. 1690 - (00) (00) حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلِ عَنْ حُصَينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية هذا الحديث عن كريب (أنه) أي أن ابن عباس (قال: رقدت) أي نمت (في بيت) خالتي (ميمونة ليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها) بإضافة ليلة إلى كان، والأفعال يضاف إليها أسماء الزمان (لأنظر كيف) كانت (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل) أي في جوف الليل (قال) ابن عباس (فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد) ونام (وساق) شريك بن أبي نمر (الحديث) السابق مثل حديث سلمة بن كهيل (و) لكن (فيه) أي في الحديث الذي ساقه شريك (ثم قام) النبي صلى الله عليه وسلم (فتوضأ واستن) أي استاك من الاستنان وهو استعمال السواك في الأسنان وما حواليها لأن من استعمله يمره على أسنانه. قال القاضي عياض: فيه جواز الحديث مع الأهل في هذا الوقت ومثله الحديث فيما يحتاج إليه، وفي العلم، وللعروس، وللمسافر، ومع الضيف، والنهي الوارد في ذلك إنما هو لخوف أن يطول فيؤدي إلى النوم عن الحزب وفوت صلاة الصبح والكسل بالنهار عن عمل البر، وجل حديث العرب في أنديتها إنما كان بالليل لبرد الهواء، وحر بلادهم بالنهار، وشغلها في طرفيه بالمارة والضيفان اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1690 - (00) (00) (حدثنا واصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (عن حصين بن عبد الرحمن) السلمي أبي الهذيل الكوفي، ثقة، من (5) (عن حبيب بن أبي ثابت) قيس الأسدي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس) الهاشمي المدني، ثقة ثبت، من (6) (عن أبيه)

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَاسْتَيقَظَ. فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ. ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَينِ. فَأَطَال فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ. ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ. كُلَّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيتَوَضَّأُ وَيَقْرأُ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ. ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلاثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي أبي محمد المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد طائفي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة علي بن عبد الله بن عباس لكريب بن أبي مسلم في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عباس (أنه) أي أن عبد الله بن عباس (رقد) أي نام ليلة (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ) النبي صلى الله عليه وسلم من نومه (فتسوك) أي استعمل السواك في أسنانه (وتوضأ وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول) والجملة الإسمية حال من فاعل استيقظ أي استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحال أنه يقرأ قوله تعالى ({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ}) ساعات ({اللَّيلِ وَالنَّهَارِ}) زيادة ونقصانًا ({لآيَاتٍ}) أي لدلالات على قدرة الله تعالى ({لِأُولِي الْأَلْبَابِ}) أي لأصحاب العقول الكاملة يعني المؤمنين [آل عمران: 190] (فقرأ هولاء الآيات حتى ختم السورة ثم) بعد وضوئه (قام) إلى الصلاة (فصلى ركعتين) طويلتين (فأطال فيهما) أي في الركعتين (القيام والركوع والسجود ثم) بعد فراغه من الركعتين (انصرف) أي ذهب ورجع إلى فراشه (فنام) نومة خفيفة (حتى نفخ) أي غط في نومه (ثم) هنا بمعنى الواو أي و (فعل ذلك) المذكور من صلاة ركعتين والنوم بعدهما (ثلاث مرات) فتكون جملة صلاته (ست ركعات كل ذلك) أي في كل من المرات الثلاث (يستاك ويتوضأ ويقرأ هولاء الآيات) التي في آخر سورة آل عمران (ثم أوتر) تهجده أعني الست الركعات المذكورة (بثلاث) ركعات، قال ابن الملك: وهذا الحديث يدل على أن الركعات الست كانت تهجده وأن الوتر ثلاث، وإليه ذهب أبو حنيفة اهـ ولا يخالفه الشافعي في ذلك بل يكره عنده الاقتصار على ركعة واحدة اهـ مرقاة. قال النواوي: هذه الرواية فيها مخالفة لباقي الروايات في تخلل النوم بين الركعات وفي عدد

فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ. وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهمَّ! أَعْطِنِي نُورًا". 1691 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الركعات فإنه لم يذكر في باقي الروايات تخلل النوم وذكر الركعات ثلاث عشرة ركعة. قال القاضي عياض: هذه الرواية وهي رواية حصين عن حبيب بن أبي ثابت مما استدركه الدارقطني على مسلم لاضطرابها واختلاف الرواة، قال الدارقطني: وروى عنه على سبعة أوجه، وخالف فيه الجمهور. [قلت] ولا يقدح هذا في مسلم فإنه لم يذكر هذه الرواية متأصلة مستقلة إنما ذكرها متابعة والمتابعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الأصول كما سبق بيانه في مواضح، قال القاضي: ويحتمل أنه لم يعد في هذه الصلاة الركعتين الأوليين الخفيفتين فتكون الخفيفتان ثم الطويلتان ثم الست المذكورات ثم ثلاث بعدها كما ذكر فصارت الجملة ثلاث عشرة ركعة كما في باقي الروايات والله أعلم اهـ. وقوله (فأذن الموذن) معطوف على أوتر أي فصلى ركعتين خفيفتين (فخرج إلى) المسجد لـ (الصلاة وهو) أي والحال أنه (يقول اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا واجعل في سمعي نورًا واجعل في بصري نورًا واجعل من خلفي نورًا ومن أمامي نورًا واجعل من فوقي نورًا ومن تحتي نورًا اللهم أعطني نورًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشرها في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1691 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عطاء) بن أبي رباح، اسمه أسلم القرشي المكي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد بغدادي، غرضه بيان متابعة عطاء بن أبي رباح لكريب وعلي بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن ابن عباس (قال)

بِتُّ ذَاتَ لَيلَةٍ عِنْدَ خَالتِي مَيمُونَةَ. فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَطَوِّعًا مِنَ اللَّيلِ. فَقَامَ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَتَوَضَّأَ. فَقَامَ فَصَلَّى. فَقُمْتُ، لَمَّا رَأَيتُهُ صَنَعَ ذَلِكَ، فَتَوَضَّأْتُ مِنَ الْقِرْبَةِ. ثُمَّ قُصْتُ إِلَى شِقِّهِ الأَيسَرِ. فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، يَعْدِلُنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إِلَى الشِّقِّ الأَيمَنِ. قُلْتُ: أَفِي التَّطَوُّعِ كَانَ ذَلِكَ؟ قَال: نَعَمْ. 1692 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي. قَال: سَمِعْتُ قَيسَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عباس (بت ذات ليلة) أي ليلة من الليالي، ولفظ ذات مقحم (عند خالتي ميمونة) بنت الحارث (فقام النبي صلى الله عليه وسلم) من النوم واستيقظ، حالة كونه يريد أن (يصلي) حالة كونه (متطوعًا) أي متنفلًا (من) جوف (الليل فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى القربة) التي فيها ماء (فتوضأ فقام فصلى) قال ابن عباس (فقمت) من نومي (لما رأيته) أي حين رأيته صلى الله عليه وسلم (صنع ذلك) المذكور من القيام والوضوء والصلاة (فتوضأت من) ماء (القربة ثم قمت إلى شقه) أي عند جانبه (الأيسر فأخذ بيدي من وراء ظهره) حالة كونه (يعدلني) أي يصرفني ويحولني (كذلك) أي ماسكًا بيدي (من وراء ظهره إلى الشق الأيمن) يعني كما أنه أخذني بيدي من وراء ظهره كذلك صرفني من شقه الأيسر إلى شقه الأيمن من وراء ظهره اهـ من بعض الهوامش، قال عطاء (قلت) لابن عباس (أفي) صلاة (التطوع كان ذلك) التحويل لك من الأيسر إلى الأيمن (قال) ابن عباس (نعم) كان ذلك في صلاة التطوع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1692 - (00) (00) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (قالا: حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد الأزدي أبو العباس البصري، ثقة، من (9) (أخبرني أبي) جرير بن حازم بن زيد الأزدي أبو النضر البصري، ثقة، من (6) (قال سمعت قيس بن سعد) الحنفي الحبشي أبا عبد الملك المكي مفتي مكة، ثقة، من (6) حالة كونه (يحدث عن عطاء) بن أبي رباح (عن ابن

عَبَّاسٍ؛ قَال: بَعَثَنِي الْعَبَّاسُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي بَيتِ خَالتِي مَيمُونَةَ. فَبِتُّ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيلَةَ. فَقَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ. فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ. فَتَنَاوَلَنِي مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ. فَجَعَلَنِي عَلَى يَمِينِه. 1693 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: بِتُّ عِنْدَ خَالتِي مَيمُونَةَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيجٍ وَقَيسِ بْنِ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد طائفي وواحد بغدادي أو نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة قيس بن سعد لابن جريج في رواية هذا الحديث عن عطاء (قال) ابن عباس (بعثني) والدي (العباس) بن عبد المطلب (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (في بيت خالتي ميمونة) بنت الحارث رضي الله تعالى عنها (فبت معه) صلى الله عليه وسلم (تلك الليلة فقام) صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يصلي) التهجد (من) جوف (الليل فقمت عن يساره فتناولني) أي فأخذني (من خلف ظهره فجعلني على يمينه) والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1693 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري الكوفي، وثقه النسائي والعجلي ويعقوب بن سفيان، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (5) (عن عطاء عن ابن عباس قال) ابن عباس (بت عند خالتي ميمونة) وساق عبد الملك (نحو حديث ابن جريج وقيس بن سعد) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك لابن جريج وقيس بن سعد في رواية هذا الحديث عن عطاء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامس عشرها في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

1694 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 1694 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري الملقب بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي جمرة) نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري، ثقة، من (3) (قال: سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا ابن عباس، غرضه بيان متابعة أبي جمرة لكريب وعلي بن عبد الله وعطاء بن أبي رباح، حالة كونه (يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من) نوافل (الليل ثلاث عشرة ركعة). ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذكر فيه خمس عشرة متابعة. ***

331 - (43) باب افتتاح التهجد بركعتين خفيفتين وبالأذكار وفعله في ثوب واحد

331 - (43) باب: افتتاح التهجد بركعتين خفيفتين وبالأذكار وفعله في ثوب واحد 1695 - (730) (140) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدِ الْجُهَنِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: لأَرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اللَّيلَةَ. فَصَّلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 331 - (43) باب افتتاح التهجد بركعتين خفيفتين وبالأذكار وفعله في ثوب واحد 1695 - (730) (140) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أبي محمد المدني، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة، وقال النسائي: ثقة، ثبت، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عالمًا، وقال في التقريب: ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي المدني اسمه وكنيته واحد، ثقة تابعي، من (5) روى عنه في (5) أبواب (أن عبد الله بن قبس بن مخرمة) بن المطلب القرشي المدني، روى عن زيد بن خالد الجهني في الصلاة، ويروى عنه (م عم) وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، يقال: له رؤية، وهو من كبار التابعين، واستقضاه الحجاج على المدينة سنة (73) ثلاث وسبعين، مات سنة (76) ست وسبعين، وثقه النسائي، له عندهم حديثان، من (2) الثانية (أخبره) أي أخبر أبا بكر بن محمد (عن زيد بن خالد الجهني) المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من الأتباع عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عبد الله بن قيس (أنه) أي أن زيد بن خالد (قال) قلت لنفسي: والله (لأرمقن) أي لأنظرن وأرقبن (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه (الليلة) حتى أرى كم صلى، وكيف صلى، يقال رمقه بعينه رمقًا من باب قتل إذا أطال النظر إليه كما في المصباح أي لأطيلن النظر إلى صلاته صلى الله عليه وسلم لأعرف كم صلى وكيف صلى؟ وفي أبي داود زيادة "قال: فتوسدت عتبته" بفتحتين أي وضعت رأسي عليها، والمراد رقدت عند بابه، قال في المصباح: العتبة هي أسكفة الباب (أو فسطاطه) وهو الخيمة فيكون المراد من توسد

رَكْعَتَينِ خَفِيفَتينِ. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَينِ طَويلَتَينِ. طَويلَتَينِ، طَويلَتَينِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَينِ. وَهُمَا دُونَ اللَّتَينِ قَبْلَهُمَا. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَينِ. وَهُمَا دُونَ اللَّتَينِ قَبْلَهُمَا. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَينِ. وَهُمَا دُونَ اللَّتَينِ قَبْلَهُمَا. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَينِ. وَهُمَا دُونَ اللَّتَينِ قَبْلَهُمَا. ثُمَّ أَوْتَرَ. فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. 1696 - (731) (141) وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفسطاط توسد عتبته، فيكون شكًّا من الراوي قاله القاري (فصلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ركعتين خفيفتين) افتتح بهما صلاة الليل، قال القاضي: هاتان الركعتان كان يفتتح بهما قيام الليل، وفي الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أمر من قام الليل أن يفتتح بهما صلاته، وبهما تم عدد زيد بن خالد ثلاث عشرة ركعة، فهو تنبيه على ما ذكر من الجمع بين الروايات، وفيه أن الوثر واحدة لأن تمام عدد الاثني عشر به، ثم قال ثم أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة، قال النواوي: والافتتاح بالخفيفتين مستحب اهـ (ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين) كررها ثلاث مرات للمبالغة في طولهما، وفي بعض الهوامش كرره ثلاثًا إشعارًا بغاية طولهما، ثم خفف شيئًا شيئًا اهـ (ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر) بركعة (فذلك) المذكور مع الركعتين الخفيفتين (ثلاث عشرة ركعة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 193] وأبو داود [1366] وابن ماجه [1362]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 1696 - (731) (141) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي، أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر، حدثني محمد بن جعفر المداثني أبو جعفر) البزاز بزايين، روى عن ورقاء بن عمر في الصلاة، وحمزة الزيات وشعبة وجماعة، ويروي عنه (م ت) وحجاج بن الشاعر وطائفة، قال أحمد: لا بأس به، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا

حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَيرٍ، فَانْتَهَينَا إِلَى مَشْرَعَةٍ. فَقَال: "أَلا تُشْرعُ يَا جَابِرُ؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَال: فَنَزَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَشرَعْتُ. قَال: ثُمَّ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ وَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا. قَال: فَجَاءَ فَتَوَضَّأَ. ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ خَالفَ بَينَ طَرَفَيهِ. فَقُمْتُ خَلْفَهُ. فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتج به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق فيه لين، من التاسعة، مات سنة (206) ست ومائتين (حدثنا ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر المدائني، صدوق، من (7) (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مدائنيان وواحد بغدادي (قال) جابر (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانتهينا) أي وصلنا (إلى مشرعة) أي إلى مجتمع ماء المطر، يقال شرع في الماء شرعًا وشروعا من باب فتح إذا شرب منه بكفيه وشرع الوارد تناول الماء بفيه، والمشروعة بفتح الراء وضمها، وكذا المشرع مجتمع الماء مطلقًا أو مجتمع ماء المطر في الصحاري والجبال (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تشرع) ونشرب الماء (يا جابر) أو ألا تسقى ناقتك الماء من هذا المشرع والمجتمع، قال جابر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (بلى) أشرب الماء وأسقي ناقتي (قال) جابر (فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن ناقته (وأشرعت) أي شربت وأسقيت ناقتي الماء (قال) جابر (ثم) بعدما نزل عن ناقته (ذهب) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لـ) قضاء (حاجته) حاجة الإنسان يعني الحدث (ووضعت) أي هيأت (له) صلى الله عليه وسلم (وضوءا) بفتح الواو؛ أي ماء يتوضأ به (قال) جابر (فجاء) رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلائه (فتوضأ ثم قام) يصلي (فصلى) ملتحفًا (في ثوب واحد) وقد (خالف بين طرفيه) أي بين طرفي الثوب (فقمت خلفه) أي وراءه صلى الله عليه وسلم لأصلي معه (فأخذ بأذني فجعلني عن يمينه) لأن يمين الإمام موقف المأموم إذا كان واحدًا، وهذا الحديث من أفراد المؤلف لم يشاركه أحد من الجماعة في روايته كما في التحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زيد بن خالد بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

1697 - (732) (142) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنْ هُشَيمٍ. قَال أَبُو بكْرٍ: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو حُرَّةَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ لِيُصَلِّيَ، افْتَتَحَ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ. 1698 - (733) (143) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 1697 - (732) (142) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (جميعا) أي كلاهما (عن هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (قال أبو بكر حدثنا هشيم أخبرنا أبو حرة) بضم المهملة وتشديد الراء الرقاشي، واصل بن عبد الرحمن البصري، روى عن الحسن في الصلاة، وعكرمة بن عبد الله المزني ويزيد الرقاشي، ويروي عنه (م س) وهشيم ويحيى القطان وحماد بن سلمة وابن مهدي ووكيع وغيرهم، وثقه شعبة وأحمد، وقال في التقريب: صدوق عابد، كان يختم القرآن في كل ليلتين، وكان يدلس عن الحسن، من كبار السابعة، مات سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة (عن الحسن) البصري الأنصاري مولاهم، ثقة، من (3) (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري أو كوفي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي) أي التهجد (افتتح صلاته بركعنين خفيفتين) قيل هما ركعتا الوضوء، والأظهر أنهما من جملة التهجد يقومان معَام سنة الوضوء اهـ مرقاة. وهذا الحديث من أفراد المؤلف لم يذكره أحد من الجماعة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بن خالد بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1698 - (733) (143) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام) بن حسان القردوسي البصري (عن محمد) بن سيرين

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيلِ، فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَينِ خَفِيفَتَينِ". 1699 - (734) (144) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ، إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيلِ: "اللَّهمَّ! لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّموَاتِ وَالأرضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري البصري (عن أبي هريرة) الدوسي المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد بصري (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام) وصلى (أحدكم من) نوافل (الليل) أي إذا أراد أن يصلي التهجد (فليفتتح) ندبًا (صلاته) أي تهجده (بركعتين خفيفتين) لينشط بهما لما بعدهما وقيدهما بخفيفتين لأنهما يؤتى بهما لافتتاح قيام الليل وكسر شهوة النوم، والخفيفة أنسب لدفعها لتعاقب الحركات فيها اهـ من المبارق، وصرف الأمر في هذا الحديث من الوجوب إلى الندب حديث عائشة المذكور قبله. وهذا الحديث أيضًا من أفراد المؤلف لم يذكره أحد من الجماعة غير المؤلف كما في تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1699 - (734) (144) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) المدني (عن أبي الزبير) الأسدي محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته واحد منهم طائفي وواحد مكي وواحد يماني وواحد مدني وواحد بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل) أي في وسطه (اللهم لك الحمد) والشكر (أنت نور السموات والأرض) أي منورهما، قال ابن عباس: هادي أهلهما، ومجاهد: مدبرهما، وقيل هو المنزه في السموات والأرض من كل عيب، من قول العرب امرأة نوارة أي مبرأة من كل ريبة، وقيل هو اسم مدح يقال فلان نور البلد وشمس الزمان كما قال النابغة: فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّموَاتِ وَالأَرضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: إذا سار عبد الله في مرو ليلة ... فقد سار فيها نورها وجمالها قال أبو العالية: مزين السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والأولياء والعلماء (ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض) ولفظ قيام صيغة مبالغة من قام الشيء إذا هيأ له ما يحتاج إليه، ويقال قيوم وقيام وقيم، وقرأ عمر (الله لا إله إلَّا هو الحي القيوم) وعلقمة (القيم) وقال قتادة: هو القائم بتدبير خلقه، والحسن: القائم على كل شيء بما كسبت، وابن جبير: الدائم الوجود، وابن عباس: الذي لا يحول ولا يزول، وفي رواية (قيوم السموات والأرض) قال الراغب: وبناء قيوم فيعول، وقيام فيعال، نحو ديون وديان اهـ، ولفظ البخاري (قيم السموات والأرض) أي حافظهما وراعيهما، وقيل القيم معناه: القائم بأمور الخلق ومدبرهم ومدبر العالم في جميع أحواله، ومنه قيم الطفل (ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن) أي مصلحهما ومصلح من فيهما مأخوذ من الرَّبة، وهي نبت تصلح عليه المواشي، يقال رب يرب ربا فهو راب ورب وربى يربي تربية فهو مرب، قال النابغة: ورب عليه الله أحسن صنعه وقال آخر: يرب الذي يأتي من الخير أنه ... إذا فعل المعروف زاد وتمما والرب أيضًا السيد فيكون معناه أنه سيد من في السموات والأرض، والرب المالك أي هو مالكهما ومالك من فحق القويهما (أنت الحق) أي الواجب الوجود، وأصله من حق الشيء إذا ثبت ووجب، ومنه {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} [الزمر: 19] {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] أي ثبت ووجب (ووعدك الحق) أي الثابت المتحقق فلا يدخله خلف ولا شك في وقوعه وتحققه (وقولك الحق) أي مدلوله ثابت (ولقاؤك حق) أي رؤيتك في الدار الآخرة ثابت حيث لا مانع أو لقاؤك جزاؤك لأهل السعادة والشقاوة وهو داخل فيما قبله فهو من عطف الخاص على العام (والجنة حق والنار حق) أي كل

وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهمَّ! لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيكَ تَوَكَلْتُ وَإِلَيكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهي لا إِلَه إِلا أَنْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ منهما موجود (والساعة) أي يوم القيامة (حق) أي ثابت، وأصل الساعة الجزء القليل من اليوم أو الليلة، ثم استعير للوقت الذي تقام فيه القيامة يريد أنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم، وتكرير الحمد للاهتمام بشأنه وليناط به كل مرة معنى آخر، وفي تقديم الجار والمجرور إفادة التخصيص. فإن قلت: لم عرف الحق في الأولين ونكره في البواقي؟ قلت: لأنه هو الحق الواجب الدائم وما سواه في معرض الزوال، وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره، ونكره في البواقي لأنه لم يكن موضع حصر لأن لقاءه ثابت من جملة ما يكون ثابتًا اهـ من المبارق، قال القرطبي: ومعنى لقائنا الله تعالى عبارة عن حال مآلنا بالنسبة إلى جزائنا على أعمالنا في الدار الآخرة، والساعة يوم القيامة وأصله القطعة من الزمان لكن لما لم يكن هناك كواكب تقدر بها الأزمان سميت بذلك والله أعلم، وإطلاق اسم الحق على هذه الأمور كلها معناه أنها لا بد من كونها وأنها مما ينبغي أن يصدق بها، وتكرار الحق في تلك المواضع على جهة التأكيد والتفخيم والتعظيم لها اهـ من المفهم. (اللهم لك) أي لأمرك ونهيك (أسلمت) أي انقدت وخضعت (وبك) أي بما أنزلت (آمنت) أي صدقت (وعليك توكلت) أي فوضت أمري إليك (وإليك أنبت) أي رجعت إليك مقبلًا بقلبي عليك (وبك) أي بما آتيتني من البراهين والحجج (خاصمت) أي جادلت من خاصمني من الكفار أو بتأييدك ونصرتك قاتلت (وإليك حاكمت) كل من أبي قبول ما أرسلتني به أو كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحكم بيننا لا من كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه، وقدم جميع صلات هذه الأفعال عليها إشعارًا بالتخصيص وإفادةً للحصر (فاغفر لي ما قدمتـ) ـــه قبل وقتي هذا (وما أخرت) عنه (وما أسررت) أي أخفيت (وما أعلنت) أي أظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني، قال تواضعًا وإجلالًا لله تعالى وتعليمًا لأمته (أنت إلهي) أي معبودي ومقصودي الذي وَلِهَ فيك قلبي، وتحير في عظمتك وجلالك عقلي وكَلَّ عن ثنائك لساني، فغاية الوسيلة إليك لا أحصي ثناءً عليك (لا إله إلَّا أنت) أي لا معبود غيرك ولا معروف بهذه المعرفة سواك. وفي هذا الحديث وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم في الليل على

1700 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ نُمَيرٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. كِلاهُمَا عَنْ سُلَيمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيجٍ فَاتَّفَقَ لَفْظُهُ مَعَ حَدِيثِ مَالِكٍ. لَمْ يَخْتَلِفَا إِلَّا فِي حَرْفَينِ. قَال ابْنُ جُرَيجٍ: مَكَانَ قَيَّامُ. قَيِّمُ. وَقَال: وَمَا أَسْرَرْتُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُيَينَةَ فَفِيهِ بَعْضُ زِيادَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 298 و 308] والبخاري [1120] وأبو داود [771] والترمذي [3418] والنسائي [3/ 209 - 210] وابن ماجه [1355]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1700 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (و) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة: (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (قال حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني أبو بكر الحميري، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي (كلاهما) أي كل من سفيان وابن جريج (عن سليمان) بن أبي مسلم عبد الله (الأحول) المكي، قال أحمد: ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (5) روى عنه في (6) أبواب (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذان السندان الأول منهما من خماسياته، والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سليمان الأحول لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن طاوس (أما حديث ابن جريج فاتفق لفظه مع) لفظ (حديث مالك) بن أنس (لم يختلفا) أي لم يختلف لفظ حديثيهما (إلا في حرفين) أي إلَّا في كلمتين وذلك أنه (قال ابن جريج مكان) أي بدل (قيام) المذكور في حديث مالك (قيم) بلا ألف (وقال) ابن جريج أيضًا (وما أسررت) بزيادة ما بدل قول مالك (وأسررت) (وأما حديث) سفيان (بن عيينة ففيه بعض زيادة) على

وَيُخَالِفُ مَالِكًا وَابْنَ جُرَيجٍ فِي أَحْرُفٍ. 1701 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، وَهُوَ ابْنُ مَيمُونٍ، حَدَّثنَا عِمْرَانُ الْقَصِيرُ عَنْ قَيسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ - وَاللَّفْظُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفَاظِهِمْ -. 1702 - (735) (145) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث مالك وابن جريج (ويخالف) ابن عيينة (مالكًا وابن جريج في أحرف) وكلمات بتغييرها وتبديلها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1701 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي -بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام- صدوق، من صغار (9) (حدثنا مهدي وهو ابن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري، ثقة، من صغار (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عمران) بن مسلم المنقري -بكسر الميم وسكون النون- أبو بكر البصري (القصير) روى عن قيس بن سعد في الصلاة، وأبي رجاء العطاردي في الحج، وعطاء بن أبي رباح في كفارة المرض، وإبراهيم التيمي وابن سيرين، ويروي عنه (خ م د ت س) ومهدي بن ميمون وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد القطان، وثقه أبو داود، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من السادسة (عن قيس بن سعد) الحنفي الحبشي المكي، ثقة، من (6) (عن طاوس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم، ثقة فاضل، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة قيس بن سعد لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن طاوس (عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) متعلق بما عمل في المتابع وهو قيس بن سعد (واللفظ) أي لفظ حديث عمران القصير (قريب من ألفاظهم) أي قريب من ألفاظ حديث مالك وسفيان وابن جريج. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1702 - (735) (145) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (ومحمد بن

حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ. قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: بِأَيِّ شَيءٍ كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ؟ قَالتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ: "اللَّهمَّ رَبِّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ. فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي (وعبد بن حميد) الكسي (وأبو معن) زيد بن يزيد الثقفي (الرقاشي) البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب، ولم يرو عنه غير مسلم (قالوا حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، وثقه ابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (5) يغلط وكان مجاب الدعوة، روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (قال سألت عائشة أم المومنين) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم يماميون واثنان مدنيان وواحد إما بصري أو بغدادي أو كسي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والمقارنة أي قال أبو سلمة: سألت عائشة (بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام) وصلى (من الليل) أي من نوافل الليل (قالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم (إذا قام) وصلى (من الليل افتتح صلاته) بقوله (اللهم) أي يا إلهي ويا (رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل) ومالكهم ومعبودهم، وتخصيص هؤلاء الثلاثة بالإضافة مع أنه تعالى رب كل شيء إظهارًا لشرفهم وفضلهم على غيرهم كما في المرقاة إذ بهم ينتظم هذا الوجود إذ قد أقامهم تعالى في ذلك، وقيل خصهم بالإضافة مبالغة في تعظيم الخالق بإضافة كل عظيم إلى إيجاده فيقال رب السموات والأرض، ورب النبيين والمرسلين، ورب الجبال، ورب البحار، دون ما يستحقر ويستقذر فلا يقال رب الحشرات ورب الكلاب والقردة والخنازير، إلَّا على وجه العموم فيقال خالق المخلوقات وخالق كل شيء، ورب منصوب على النداء بإسقاط حرف النداء (فاطر السموات والأرض) أي مبتدئ خلقهما

عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. أَنْتَ تَحْكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطِ مُسْتَقِيمٍ". 1703 - (736) (146) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْمَاجِشُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ على غير مثال سابق (عالم الغيب) أي ما غاب عن عياننا (والشهادة) أي ما شاهدناه أي علمناه بمشاهدتنا (أنت) يا إلهي (تحكم) وتقضي (بين عبادك) وتبين الحق لهم (فيما كانوا فيه يختلفون) من أمر الدين (اهدني) أي أرشدني ودلني (لـ) ـــصواب (ما اختلف فيه من الحق بإذنك) أي بتمكينك وتسخيرك، وقال النواوي: معنى (اهدني) ثبتنى عليه كقوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم والهداية يتعدى بنفسه وباللام وإلى، فاللام فيه كهي في قوله تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ومن بيان لما وهي موصولة أي اهدني للذي اختلف فيه عند مجيء الأنبياء وهو الطريق المستقيم الذي دعوا إليه فاختلفوا فيه اهـ من المرقاة (إنك) يا إلهي (تهدي) وترشد (من تشاء) وتريد هدايته (إلى صراط) أو إلى طريق (مستقيم) لا اعوجاج فيه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 156] وأبو داود [768] والترمذي [3420] والنسائي [3/ 212 - 213]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث علي رضي الله عنهم فقال: 1703 - (736) (146) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) بالدال المشددة المفتوحة نسبة إلى جده أبو عبد الله الثقفي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يوسف) بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة، اسمه دينار (الماجشون) - بكسر الجيم وضم الشين - لفظ أعجمي، لقب له، معناه أبيض الوجه مورده وهو بالرفع صفة ليوسف القرشي التيمي مولاهم أبو سلمة المدني، روى عن أبيه في الصلاة، وصالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن في الجهاد، والزهري في الصيد، ومحمد بن المنكدر في فضل علي، ويروى عنه (خ م ت س ق) ومحمد بن أبي بكر المقدمي ويحيى بن يحيى ومحمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريج بن يونس وأحمد وعلي بن المديني وعدة، وثقه ابن معين وأبو داود ويعقوب بن شيبة والخليلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثامنة، مات سنة (185) خمس وثمانين ومائة.

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي بعض الهوامش قوله (حدثنا يوسف الماجشون) هكذا هو في هذا الباب، وفي باب فضائل علي (يوسف الماجشون) قال النواوي هناك: وفي بعض النسخ يوسف الماجشون بحذف لفظة ابن وكلاهما صحيح، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة دينار، والماجشون لقب يعقوب وهو لقب جرى عليه وعلى أولاده وأولاد أخيه، وهو لفظ فارسي ومعناه الأبيض المورد، لقب به يعقوب لحمرة وجهه اهـ باختصار، وضبطه في الموضعين -بكسر الجيم وضم الشين- وقال المجد: الماجشون بضم الجيم السفينة وثياب مضيقة ولقب لبعضهم معرب ماه كون اهـ وفي تاج العروس إنه مثلث الجيم ومعناه يشبه القمر اهـ، وفي المعنى الماجشون بفتح الجيم وقيل بكسرها وشين معجمة مضمومة ونون معرب ماه كون أي شبه القمر سمي به لحمرة وجنتيه اهـ زاد البخاري عن هارون بن محمد: الماجشون بالفارسية الورد، وقال مصعب الزبيري: إنما سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان اهـ تهذيب (حدثني أبي) يعقوب بن أبي سلمة دينار القرشي التيمي مولاهم مولى آل المنكدر أبو يوسف المدني، روى عن الأعرج في الصلاة، وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وابن عمر وغيرهم، ويروي عنه (م د ت س) وابناه يوسف وعبد العزيز وابن أخيه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وآخرون، وثقه البستي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الرابعة، مات بعد العشرين ومائة (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، القارئ، ثقة، من (3) (عن عبيد الله بن أبي رافع) مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وكاتب علي رضي الله عنه المدني، واسم أبي رافع أسلم، روى عن علي في الصلاة والزكاة والفضائل، وأبي هريرة في الصلاة وعدة، ويروي عنه (ع) والأعرج ومحمد بن علي بن الحسين وبسر بن سعيد والحسن بن محمد بن الحنفية وبنوه إبراهيم وعبد الله ومحمد والمعتمر والزهري، وثقه أبو حاتم والخطيب وابن سعد وقال: كان كثير الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا المقدمي فإنه بصري، وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة) في

"وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الليل (قال: وجهت وجهي) أي صوبت قصدي وأقبلت بوجهي وأخلصت عبادتي (للذي) أي لطلب رضا الذي (فطر) أي خلق وأبدع (السموات والأرض) حالة كوني (حنيفا) أي مائلًا عن جميع المعبودات سوى الله تعالى إلى الدين الحق وهو الإسلام، ونصبه على الحال من فاعل وجهت أي وجهت قصدي لعبادة الذي فطر السموات والأرض، حالة كوني حنيفًا أي مائلًا من الأديان الباطلة إلى الدين الحق الذي هو إخلاص العمل لله تعالى، وقوله (وما أنا من المشركين) بيان للحنيف وإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم، والجملة الاسمية في محل النصب على الحالية معطوفة على حنيفًا؛ أي والحال أني لست من المشركين (أن صلاتي ونسكي) أي عبادتي أي ما أتنسك به من القرب، والعبادات معطوف على صلاتي عطف عام على خاص (ومحياي ومماتي) مصدران ميمان؛ أي حياتي وموتي كما قال للأنصار: "المحيا محياكم والممات مماتكم" فيما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانها والأكثرون على فتح ياء محياي دماسكان مماتي، منسوبات (لله) قال العلماء: هذه اللام لام الإضافة ولها معنيان الملك والاختصاص وكلاهما مراد هنا (رب العالمين) أي مالكهم أو معبودهم أو مصلحهم أو مدبرهم أو خالقهم إلى غير ذلك من معاني الرب، والعالمين إما من العلم أر من العلامة (لا شريك له) في العبادة (وبذلك أمرت) أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص قولًا واعتقادًا الخ (وأنا من المسلمين) أي مسلم من المسلمين المتمكنين في الاستسلام الذين سلموا أنفسهم للنيران (نيران الحروب والأعداء أي ضحوا أنفسهم في سبيل الله تعالى) وأموالهم للضيفان وولدهم للقربان وفوضوا جميع أمورهم للرحمن، وفي التلاوة {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] أي أول سابق إلى الإسلام بالنسبة إلى زمانه فأول هذه الآية قل وآخرها وأنا أول المسلمين وما هنا اقتباس من القرآن اهـ (اللهم) أي يا الله، والميم عوض عن حرف النداء ولذا لا يجمع بينهما إلَّا في الشعر (أنت الملك) أي القادر على كل شيء المالك الحقيقي لجميع المخلوقات (لا إله)

إِلا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ. ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا. إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ. وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الأَخْلاقِ. لا يَهْدِي لأَحسَنِهَا إِلا أَنْتَ. وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا. لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ، لَبَّيكَ وَسَعْدَيكَ! وَالْخَيرُ كُلُّهُ فِي يَدَيكَ، وَالشَّرُّ لَيسَ إِلَيكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا معبود بحق في الوجود (إلا أنت) يا إلهي (أنت ربي) أي مالكي ومربي ومصلحي (وأنا عبدك) أي معترف بعبوديتي لك وبأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في (ظلمت نفسي) أي قصرت في حقوقها أي اعترفت بالتقصير فيها قدمه على سؤال المغفرة أدبًا، كما قال آدم وحواء ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (واعترفت) أي أقررت (بذنبي) علي (فاغفر لي ذنوبي جميعا) أي كلها صغائرها وكبائرها (أنه) أي إن الشأن والحال (لا يغفر الذنوب إلَّا أنت) أي لا يقدر على غفرانها إلَّا أنت (واهدني) أي أرشدني (لأحسن الأخلاق) أي لصوابها ووفقني للتخلق به (لا يهدي لأحسنها) أي لا يقدر على التوفيق له (إلا أنت واصرف عني سيئها) أي قبيحها (لا يصرف عني سيئها إلَّا أنت لبيك) قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامةً بعد إقامة، يقال لب بالمكان لبًا وألب إلبابًا أي أقام به، وأصل لبيك لبين لك حذفت النون للإضافة (وسعديك) قال الأزهري وغيره: معناه مساعدةً لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة وسعديك إنما يذكر تأكيدًا لمعنى لبيك، وهما من المصادر التي لا تستعمل إلَّا مضافةً مثناة (والخير كله في يديك والشر ليس) منسوبًا (إليك) أي لا يضاف إليك مخاطبة ونسبة تأدبًا مع أنه بقضاء الله تعالى وقدره وخلقه واختراعه كالخير كما قال تعالى {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78] قال الخطابي وغيره: فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب، وأما قوله الشر ليس إليك فمما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال أحدها: معناه لا يتقرب به إليك قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم، والثاني: حكى الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضًا: معناه لا يضاف إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا، وإن كان خالق كل شيء ورب

أَنَا بِكَ وَإلَيكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَاليتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيكَ". وَإِذَا رَكَعَ قَال: "اللَّهمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي". وَإِذَا رَفَعَ قَال: "اللَّهمَّ رَبُّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل شيء وحينئذ يدخل الشر في العموم، والثالث: معناه الشر لا يصعد إليك، وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، والرابع: معناه والشر ليس شرًّا بالنسبة إليك فإنك خلقته لحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين، والخامس: حكاه الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو وضعوه معهم اهـ عون (أنا) أي توفيقي (بك و) التجائي وانتمائي (إليك تباركت) أي تزايد خيرك وإحسانك لعبادك، وقيل استحققت الثناء، وقيل ثبت الخير عندك، وقال ابن الأنباري: تبارك العباد بتوحيدك، وقيل تعظمت وتمجدت (وتعاليت) أي ترفعت عن كل ما لا يليق بك في ذاتك وصفاتك وأفعالك (أستغفرك) أي أطلب منك الغفران من كل الذنوب (وأتوب إليك) أي أرجع إلى طاعتك (وإذا ركع) صلى الله عليه وسلم (قال) في ركوعه (اللهم لك) لا لغيرك (ركعت وبك) أي بوحدانيتك (آمنت) وصدقت (ولك) أي ولأوامرك (أسلمت) انقدت وقبلت أو لك أخلصت وجهي أو لك خذلت نفسي وتركت أهواءها (خشع) أي خضع وتواضع أو سكن (لك سمعي) فلا يسمع إلَّا منك (وبصري) فلا ينظر إلَّا بك وإليك، وتخصيصهما من بين الحواس لأن أكثر الآفات بهما فإذا خشعتا قلت الوساوس قاله ابن الملك (ومخي) قال ابن رسلان: المراد به هنا الدماغ، وأصله الودك الذي في العظم وخالص كل شيء (وعظمي وعصبي) فلا يقومان ولا يتحركان إلَّا بك في طاعتك وهي عمد الحيوان وأطنابه واللحم والشحم غاد ورائح، والمعنى أخذ كل عضو من هذه الأعضاء حظه من الخضوع والتذلل أي سكنت وافتقرت، وإن كان أصل الخشوع في القلب لكن ثمرته تظهر على الجوارح والأعضاء، فسمي بذلك خشوعًا كما قال تعالى و {تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت: 39] أي متذللة مفتقرة لما تحيا به من الماء أو يكون هذا على وجه الإغياء (بلوغ الغاية في الأمر) والتشبيه كما قال: لا عضو لي إلَّا وفيه محبة ... فكان أعضائي خلقن قلوبَا وهذا هو النور الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتقدم (وإذا رفع) رأسه من الركوع (قال) في اعتداله (اللهم ربنا لك الحمد ملء

السَّموَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَينَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ". وَإِذَا سَجَدَ قَال: "اللَّهمَّ لَكَ سَجَدَّتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ. تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَينَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: "اللَّهمَّ! اغفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ. وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ. وَمَا أَسْرَفْتُ. وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ السموات وملء الأرض) بكسر الميم ونصب الهمزة ورفعها والنصب أشهر قاله النواوي صفة مصدر محذوف تقديره أحمدك حمدًا ملء السموات، وقيل حال من الضمير المستكن في الخبر الظرفي أي حال كونه مالئًا لتلك الأجرام على تقدير تجسمه، وبالرفع صفة الحمد قاله في المرقاة (وملء ما بينهما وملء ما شئت) ملئه (من شيء بعد) أي غيرهما أو بعد ذلك المذكور كالعرش والكرسي وغيرهما مما لا يعلمه إلَّا الله، والمراد الاعتناء في تكثير الحمد اهـ من العون، قال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه من شيء يمكن أن يخلقه يكون أكبر من السموات والأرض، ويحتمل أن يراد به العرش والكرسي ففي الحديث "إن السموات والأرض في الكرسي كالحلقة الملقاة في فلاة من الأرض، والكرسي وما فيه في العرش كحلقة ملقاة في فلاة" رواه الآجري وأبو حاتم البستي والبيهقي اهـ تفسير القرطبي (3/ 278). ومقصود هذا الحديث الإغياء في تكثير الحمد والثناء والله أعلم، وبعد ظرف مبني على الضم لقطعه عن المضاف إليه مع أنه مراد، ومعناه هنا بعد السموات والأرض المذكورة قبل اهـ من المفهم (وإذا سجد قال) في سجوده (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه) وأوجده من العدم (وصوره) بأشكال بديعة وحواس عجيبة (وشق سمعه) أي صماخه (وبصره) أي حدقته (تبارك الله) أي تزايد خيره وتواتر إحسانه على عباده مرةً بعد مرة (أحسن الخالقين) لو فرضوا، أو أحسن المصورين والمقدرين فإن الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والأمداد، وغيره إنما يوجد صورًا مموهة ليس فيها شيء من حقيقة الخلق مع أنه تعالى خالق كل صانع وصنعته والله خلقكم وما تعملون، والله خالق كل شيء (ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت) أي أظهرت، وقد مر تفسير هذه الكلمات (وما أسرفت) أي إسرافي في النعم التي أكرمتني بها (وما) أي وذنبًا (أنت أعلم به) أي عالم بوقوعه (مني) ولا

أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤخِّرُ. لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ". 1704 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلمه من نفسي (أنت المقدم) لي في البعث في الآخرة (وأنت المؤخر) لي في البعث في الدنيا (لا إله إلَّا أنت) وقيل معنى (وما أسررت وما أعلنت) أي جميع الذنوب لأنها إما سر وإما علن (وما أسرفت) أي جاوزت الحد (وما أنت أعلم به مني) أي من ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك (أنت المقدم) من شئت بطاعتك وغيرها (وأنت المؤخر) من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك وتعز من تشاء وتذل من تشاء اهـ من العون. وعبارة القرطبي هنا: قوله (أنت المقدم وأنت المؤخر) أي تقدم من تشاء فتجعلهم أنبياء وأولياء وعلماء وفضلاء، وتؤخر من شئت فتجعله فرعون وأبا جهل، أو تملك الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وبالجملة فكل تقديم وتأخير منه تعالى، والحديث يدل على مشروعية الاستفتاح بما في هذا الحديث، قال النواوي: إلَّا أن يكون إمامًا لقوم لا يرون التطويل. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: واختلف في وقت هذا الدعاء الذي في آخر الصلاة ففي سنن أبي داود كما ذكره هنا قال (وإذا سلم قال) وفي صحيح مسلم روايتان إحداهما (ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي) إلى آخره، والرواية الثانية (قال وإذا سلم قال اللهم اغفر لي) كما ذكره أبو داود. وفي هذا الحديث شيء آخر وهو أن مسلمًا أدخله في باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وظاهر هذا أن هذا الافتتاح كان في قيام الليل، وقال الترمذي وابن حبان في صحيحه في هذا الحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ثم قال) الحديث، وروى النسائي من حديث محمد بن المنكدر عن جابر قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال إن صلاتي ونسكي) الخ اهـ من شرح ابن القيم على أبي داود. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 102] وأبو داود [761] والترمذي [3423]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1704 - (00) (00) (وحدثناه زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم)

أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، بِهَذا الإِسْنَادِ. وَقَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَال: "وَجَّهْتُ وَجْهِي" وَقَال: "وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" وَقَال: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَال: "سَمِعَ اللهُ لِمْنَ حَمِدَهُ. رَبُّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" وَقَال: "وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ" وَقَال: وَإِذَا سَلَّمَ قَال: "اللَّهمَّ! اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ" إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ: بَينَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو النضر) هاشم بن القاسم الليثي البغدادي (قالا) أي قال ابن مهدي وأبو النضر (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) التيمي المدني (عن عمه الماجشون) يعقوب (بن أبي سلمة) دينار التيمي المدني، ثقة، من (7) (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) الهاشمي المدني، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا عبد العزيز لأنه العامل في المتابع يعني عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب. وهذان السندان من سباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عبد العزيز بن عبد الله ليوسف بن يعقوب الماجشون في رواية هذا الحديث عن يعقوب الماجشون بن أبي سلمة (و) لكن (قال) عبد العزيز في روايته (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة) ظاهره العموم للفرض والنفل كما قاله الشافعي كما سيأتي (كبر) للإحرام (ثم قال: وجهت وجهي وقال) عبد العزيز في روايته أيضًا (وأنا أول المسلمين) من هذه الأمة بزيادة لفظة أول (وقال) عبد العزيز أيضًا (وإذا رفع رأسه من الركوع قال) النبي صلى الله عليه وسلم (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وقال) عبد العزيز أيضًا (وصوره فأحسن صوره) أي أشكاله بأن جعل فيه لسانًا وشفتين وأنفًا وعينين (وقال) عبد العزيز أيضًا (وإذا سلم) النبي صلى الله عليه وسلم (قال اللهم اغفر لي ما قدمت إلى آخر الحديث ولم يقل) عبد العزيز في روايته لفظة (بين التشهد والتسليم) وهذا بيان لمحل المخالفة، قال القرطبي: قوله (كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي) أخذ به الشافعي وقال: إن هذا التوجه سنة راتبة في صلاة الفرض. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول حديث خالد بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به على الجزء الأخير من الترجمة، والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث خالد بن زيد، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به أيضًا لحديث خالد بن زيد، والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عباس، والسابع حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث ابن عباس وذكر فيه متابعةً واحدة. ***

332 - (44) باب ترتيل القراءة والجهر بها وتطويلها في صلاة الليل

332 - (44) باب: ترتيل القراءة والجهر بها وتطويلها في صلاة الليل 1705 - (737) (46) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الأَحْنَفِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيفَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 332 - (44) باب ترتيل القراءة والجهر بها وتطويلها في صلاة الليل 1705 - (737) (46) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفيان (ح وحدثنا زهير بن حرب) النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعا) أي كل من زهير وإسحاق (عن جرير) ابن عبد الحميد الضبي الكوفي (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي معاوية وجرير رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (ابن نمير) الهمداني الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن نمير (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة) -مصغرًا مع التاء- السلمي أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن المستورد بن الأحنف) الكوفي، روى عن صلة بن زفر في الصلاة، وابن مسعود وحذيفة ومعقل بن عامر، ويروي عنه (م عم) وسعد بن عبيدة وسلمة بن كهيل وغيرهم، وثقه ابن المديني، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن صلة) -بكسر الصاد وفتح اللام (بن زفر) -بضم الزاي وفتح الفاء - بن بغيض بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان العبسي أبو بكر الكوفي، روى عن حذيفة في الصلاة والفضائل، وعلي وابن مسعود وعمار، ويروي عنه (ع) والمستورد بن الأحنف وأبو إسحاق السبيعي وأيوب، وثقه ابن معين والخطيب وابن نمير، وقال ابن خراش: كوفي ثقة، وقال في التقريب: تابعي كبير ثقة جليل، من الثانية، مات في حدود السبعين (عن حذيفة) بن اليمان العبسي أبي عبد الله الكوفي حليف الأنصار الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذه الأسانيد من سباعياته،

قَال: صَلَّيت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيلَةٍ. فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ. ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ. فَمَضَى. فَقُلْت: يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا. إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ. وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ. وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن لطائفها أن رجالها كلهم من الكوفيين إلَّا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، وأنه اجتمع فيها أربعة من التابعين روى بعضهم عن بعض وهم الأعمش والثلاثة بعده (قال) حذيفة (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (فافتتح) أي فابتدأ بعد الفاتحة (البقرة) أي قرءاة سورتها (فقلت) في نفسي لعله (يركع عند) تمام (المائة) آية (ثم) بعد تمام المائة (مضى) واستمر في قراءتها (فقلت) في نفسي لعله (يصلي بها) ركعتين فيقسمها عليهما فيقرأ (في) كل (ركعة) نصفها (فمضى) أي استمر في قراءتها حتى قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلَّا في آخر البقرة (فقلت) في نفسي لعله (يركع) ركوع الركعة الأولى (بها) أي عند تمامها (ثم) أتمها فجاوزها و (افتتح) قراءة سورة (النساء فقرأها) أي فأتم قراءتها (ثم افتتح آل عمران فقرأها) أي فأتم قراءتها، ومن الضرورة هنا أن يقال كما في النواوي: إن قوله: (ثم افتتح النساء ثم آل عمران) كان قبل توقيف ترتيب السور فإن سورة النساء بعد آل عمران، والصحيح أن الترتيب في جميع السور توقيفي وهو ما عليه الآن المصاحف الشريفة كما ذكره السيوطي في الإتقان (يقرأ) أي وهو يقرأ جميع السور حالة كونه (مترسلا) في قراءته أي مرتلًا متمهلًا متأنيًا غير مستعجل في قراءته، قال في النهاية: يقال ترسل الرجل في كلامه ومشيه إذا لم يعجل وهو والترتيل سواء اهـ، وفي القرطبي: قوله (مترسلًا) أي مترففًا متمهلًا من قولهم على رسلك أي على رفقك، وهذا التطويل وهذه الكيفية التي صدرت عنه في هذه الصلاة إنما كان منه بحسب وقت صادفه، ووجد وجده، فاستطاب ما كان فيه واستغرقه عما سواه وهو موافق لما قاله في حديث آخر "إذا أم أحدكم الناس فليخفف وإذا صلى وحده فليطول ما شاء" رواه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ومن ترسله فيها أنه (إذا مر) وجاوز (بآية فيها تسبيح سبح) الله سبحانه وتعالى (وإذا مر بـ) آية (سؤال) أي بآية فيها سؤال رحمة (سأل) الرحمة (وإذا مر بـ) آية (تعوذ) أي بآية

تَعَوَّذَ. ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ" فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ. ثُمَّ قَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" ثُمَّ قَامَ طَويلًا. قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ. ثُمَّ سَجَدَ فَقَال: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى" فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. قَال: وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ: فَقَال: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبُّنَا لَكَ الْحَمْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها تعوذ من عذاب (تعوذ) من العذاب، وفي هذا استحباب هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها، ومذهبنا استحبابه للإمام والماموم والمنفرد اهـ نواوي (ثم) بعد ما فرغ من قراءة هذه السور الثلاث (ركع) أي انحنى للركوع (فجعل) أي شرع (يقول سبحان ربي العظيم) بفتح ياء ربي وسكن (فكان ركوعه) أي طوله (نحوًا) أي قريبًا (من قيامه) والمراد أن ركوعه متجاوز عن الحد المعهود كالقيام (ثم قال) رافعًا رأسه من الركوع (سمع الله لمن حمده ثم) بعدما ارتفع من ركوعه (قام) في اعتداله قيامًا (طويلًا قريبًا مما ركع) أي قريبًا من ركوعه، وفي بعض نسخ أبي داود (فكان قيامه) أي اعتداله (نحوًا من قيامه) أي للقراءة، قال ابن حجر: وفيه تطويل الاعتدال مع أنه ركن قصير، ومن ثم اختار النواوي أنه طويل بل جزم به جزم المذهب في بعض كتبه انتهى، ويدل عليه ما تقدم في الحديث المتفق عليه (إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) كذا في المرقاة (ثم) بعد اعتداله (سجد) أي هوى للسجود (فقال) في سجوده (سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبًا من قيامه) أي للقراءة قاله عصام الدين، وكأنه أراد أن لا يكون سجوده أقل من ركوعه والأظهر الأقرب من قيامه من الركوع للاعتدال، ثم رأيت ابن حجر قال أي من اعتداله قاله القاري (قال) الإمام على سبيل التجريد (وفي حديث جرير) بن عبد الحميد وروايته (من الزيادة فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد) بزيادة لفظة ربنا لك الحمد. قال النواوي: وفي هذا استحباب تكرير سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود وهو مذهبنا ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة والكوفيين وأحمد والجمهور، وقال مالك: لا يتعين ذكر الاستحباب اهـ، وفي شرح أبي داود: والحديث يدل على مشروعية هذا التسبيح في الركوع والسجود وقد ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء إلى أنه سنة وليس بواجب، وقال إسحاق بن راهويه: التسبيح واجب، فإن تركه عمدًا بطلت صلاته، وإن نسيه لم تبطل، وقال الظاهري: واجب مطلقًا وأشار الخطابي إلى اختياره، وقال أحمد: التسبيح في الركوع والسجود وقول سمع الله

1706 - (738) (147) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِل. قَال: قَال عَبْدُ اللهِ: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَطَال حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سوءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمن حمده وربنا لك الحمد والذكر بين السجدتين وجميع التكبيرات واجب، فإن ترك منه شيئًا عمدًا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو هذا هو الصحيح عنه، وعنه رواية أنه سنة كقول الجمهور، واحتج الموجبون بقوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" وبقول الله تعالى وسبحوه ولا وجوب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها، وبالقياس على القراءة، واحتج الجمهور بحديث المسيء صلاته فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمه واجبات الصلاة ولم يعلمه هذه الأذكار مع أنه علمه تكبيرة الإحرام والقراءة فلو كانت هذه الأذكار واجبةً لعلمه إياها لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فيكون تركه لتعليمه دالًا على أن الأوامر الواردة بما زاد على ما علمه للاستحباب لا للوجوب، والحديث يدل على أن التسبيح في الركوع والسجود يكون بهذا اللفظ فيكون مفسرًا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة بن عامر: "اجعلوها في ركوعكم، اجعلوها في سجودكم" اهـ من العون، وقال الماوردي: إن الأكمل فيه إحدى عشرة أو تسع، وأوسطه خمس ولو سبح مرةً حصل التسبيح اهـ منه. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [871 و 874] والنسائي [2/ 176 و 177]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 1706 - (738) (147) (وحدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر أسن منه بسنتين (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (قال عثمان: حدثنا جرير) بصيغة السماع (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) أبو وائل (قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا الإسناد من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال) الصلاة (حتى هممت) وقصدت (بأمر سوء)

قَال: قِيلَ: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ قَال: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ. 1707 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بأمر قبيح، وفي القاموس: لا خير في قول السوء بالفتح والضم، إذا فتحت فمعناه في قول قبيح، وإذا ضممت فمعناه في أن تقول سوءًا، وقرئ عليهم دائرة السوء بالوجهين وكذلك أمطرت مطر السوء اهـ أراد بأمر سوء قعوده في الصلاة كما فسره فيما أجاب السائل عن ذلك، وقوله أمر سوء بإضافة أمر إلى سوء (قال) أبو وائل (قيل) لابن مسعود أي سأله أصحابه فقالوا (وما هممت به) أي وما الأمر السيئ الذي هممت به، فما استفهامية (قال) عبد الله (هممت أن أجلس) من طول قيامه (وأدعه) أي وأن أتركه قائمًا وحده، وإنما جعله سوءًا وإن كان القعود في النفل جائزًا لأن فيه ترك الأدب معه صلى الله عليه وسلم وصورة مخالفته وقد كان ابن مسعود قويًّا محافظًا على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فلولا أنه طول كثيرًا لم يهم بالقعود. وقد اختلف هل الأفضل في صلاة الليل كثرة الركوع والسجود أو طول القيام فقال بكلٍّ قوم؛ فأما القائلون بالأول فتمسكوابنحو حديث ثوبان عند مسلم: "أفضل الأعمال كثرة الركوع والسجود" وتمسك القائلون بالثاني بحديث مسلم أيضًا: "أفضل الصلاة طول القنوت" والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال اهـ قسطلاني، قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث أن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيئ، وفيه تنبيه على فائدة معرفة ما بينهم من الأحوال وغيرها لأن أصحاب ابن مسعود ما عرفوا مراده من قوله هممت بأمر سوء حتى استفهموه عنه، ولم ينكر عليهم استفهامهم عن ذلك اهـ من الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 385] والبخاري [1135] وابن ماجه [1418]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 1707 - (00) (00) (وحدثناه إسماعيل بن الخليل) الخزاز بمعجمات أبو عبد الله الكوفي، روى عن علي بن مسهر في الصلاة والرؤيا والفضائل، وعبد الرحمن بن سليمان، ويروي عنه (خ م) وجماعة، وثقه أبو حاتم ومطين والعجلي، قال البخاري: جاءنا نعيه وموته سنة (225) خمس وعشرين ومائتين، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (225) (وسويد بن سعيد) الهروي الأصل، صدوق، من (10) روى

عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (7) أبواب (عن علي بن مسهر) القرشي أبي الحسن الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن) سليمان (الأعمش) الكوفي، ثقة مدلس، من (5) (بهذا الإسناد) يعني عن أبي وائل عن عبد الله (مثله) أي مثل ما روى جرير عن الأعمش. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة علي بن مسهر لجرير بن عبد الحميد. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث حذيفة ذكره للاستدلال، والثاني حديث عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. ***

333 - (45) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان وكون الإنسان أكثر شيء جدلا

333 - (45) باب: استغراقِ الليل بالنوم من آثار الشيطان وكون الإنسان أكثر شيء جدلًا 1708 - (739) (148) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ. قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيلَةَ حَتَّى أَصْبَحَ. قَال: "ذَاكَ رَجُلٌ بَال الشَّيطَانُ فِي أُذُنَيهِ لا أَوْ قَال: "فِي أُذُنِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 333 - (45) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان وكون الإنسان أكثر شيء جدلًا 1708 - (739) (148) (حدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (قال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم (قال) عبد الله (ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة) كلها (حتى أصبح قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاك) النائم طول الليل هو (رجل بال الشيطان في أذنيه) أي استحوذ عليه وغلبه واستخفه واستعلى عليه حتى نومه طول الليل ومنعه من الاستيقاظ بسد أذنيه بسحره ونفثه فالبول كناية عن تحكمه فيه وعقده على قافية رأسه حتى نام عن طاعة الله تعالى، قال ملا علي: وخص البول من الأخبثين لأنه مع خباثته أسهل مدخلًا في تجاويف الخروق والعروق، ونفوذه فيها يورث الكسل في جميع الأعضاء، وخص الأذن لأن الانتباه أكثر ما يكون باستماع الأصوات اهـ. قال القرطبي: يصح بقاؤه على ظاهره إذ لا إحالة فيه ويفعل ذلك استهانةً به، ويحتمل أن يحمل على التوسع فيكون معناه أن الذي ينام الليل كله ولا يستيقظ عند أذان المؤذنين ولا تذكار المذكرين فكان الشيطان سد أذنيه ببوله، وخص البول بالذكر إبلاغًا في التفحيش به وليجتمع له مع إذهاب سمعه استقذار ما صرف به سمعه، ويحتمل أن يكون معناه أن الشيطان استولى عليه واستهان به حتى قد اتخذه كالكنيف المعد لإلقاء البول فيه والله أعلم اهـ من المفهم، قال أبو وائل (أو قال) لنا عبد الله (في أذنه) بالإفراد، والشك من أبي وائل أو

1709 - (740) (149) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ؛ أَنَّ الْحُسَينَ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ممن دونه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 375] والبخاري [3270] والنسائي [3/ 204] وابن ماجه [1330]. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 1709 - (740) (149) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) مصغرًا بن خالد بن عقيل مكبرًا الأموي المصري (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني (عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسين زين العابدين المدني، وكان من أفاضل بني هاشم وفقهاء أهل المدينة وعبادهم، روى عن أبيه في الصلاة والأشربة، وعائشة في الصوم، وذكوان مولى عائشة في الحج، وعمرو بن عثمان بن عفان في الحج والفرائض، وسعيد بن مرجانة في الفتن، وصفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الأدب، وابن عباس في ذكر الجن، والمسور بن مخرمة في الفضائل، ويروي عنه (ع) والزهري وأبو الزناد والحكم بن عتيبة وزيد بن أسلم، قال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا كثير الحديث عاليًا رفيعًا ورعًا، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور، من الثالثة، مات سنة (93) ثلاث وتسعين، وقيل (92) وقيل (94) (أن) أباه (الحسين بن علي) بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبا عبد الله المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، روى عن أبيه في الصلاة والأشربة، وعن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أحاديث، وأمه وعمر، ويروي عنه (ع) وابنه علي بن الحسين، استشهد بكربلاء من أرض العراق جنب الكوفة يوم عاشوراء سنة (61) إحدى وستين عن (54) أربع وخمسين سنة (حدثه) أي حدث لعلي بن الحسين (عن) أبيه (علي بن أبي طالب) الهاشمي المدني رضي الله عنهم روى عنه في (8) أبواب. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد بلخي (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة) أي طرق عليًّا وفاطمة بنته صلى الله عليه وسلم أي أتاهما

فَقَال: "أَلا تُصَلُّونَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ. فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] ـــــــــــــــــــــــــــــ في الليل (فقال) لهما (1) تنامان و (لا تصلون) هكذا في الأصول تصلون بصيغة الجمع، وجمع الإثنين وارد في كلام العرب صحيح كما في قوله تعالى قلنا اهبطوا منها قال علي (فقلت) للنبي صلى الله عليه وسلم في جواب استفهامه (يا رسول الله إنما أنفسنا) وأرواحنا (بيد الله) المقدسة سبحانه وتعالى (فإذا شاء) الله سبحانه وتعالى وأراد (أن يبعثنا) ويوقظنا من النوم (بعثنا) أي أيقظنا منه ونصلي (فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهب ورجع غضبان (حين قلت له) صلى الله عليه وسلم (ذلك) الكلام (ثم) بعد انصرافه (سمعته وهو) أي والحال أنه (مدبر) أي مول ظهره إلينا، حالة كونه (يضرب) بيده الشريفة (فخذه) والمختار في معناه أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا الكلام ولهذا ضرب فخذه (و) هو (يقول {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا}) وقيل قاله تسليمًا لعذرهما وأنه لا عتب عليهما، وفي هذا الحديث الحث على صلاة الليل وأمر الإنسان صاحبه بها وتعهد الإمام الكبير رعيته بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وأنه ينبغي للناصح إذا لم يقبل المنصوح له نصيحة أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يعنف إلا لمصلحة اهـ نواوي. وعبارة القرطبي هنا: (قوله طرقه وفاطمة) أي أتاهما ليلًا، والطارق هو الآتي بالليل، ومنه سمي النجم طارقًا في قوله تعالى والسماء والطارق وهذا الإتيان منه صلى الله عليه وسلم إنما كان منه ليوقظهما للصلاة بدليل قوله (ألا تصلون) وقد استنكر منهما نومهما في تلك الليلة إذ خالفا عادتهما ووقت قيامهما ولذلك اعتذر له علي رضي الله عنه بقوله (إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء بعثها) أي أيقظها، وانصراف النبي صلى الله عليه وسلم عند سماعه هذا الكلام منه، وضربه فخذه، وتمثله بالآية يدل على أنه لم يرض بذلك الجواب منه لأن الجزم والتهمم بالشيء يقتضي أن لا ينام عنه لأن من تحقق رجاؤه بشيء واشتدت عنايته به ورغبته فيه أو خاف من شيء مكروه قلَّ ما يصيبه ثقيل النوم أو طويله والله أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 102] والبخاري [1127] والنسائي [3/ 205 - 206].

1710 - (741) (150) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَعْقِدُ الشَيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ. بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيكَ لَيلًا طَويلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1710 - (741) (150) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قال عمرو: حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد إما بغدادي أو نسائي، حالة كون أبي هريرة (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفع به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يعقد الشيطان) أي يربط ويشد الشيطان (على قافية رأس أحدكم) أي على قفاه، والقافية آخر الرأس، وقافية كل شيء آخره، ومنه قافية الشعر (ثلاث عقد) جمع عقدة أي ثلاث شدات والمراد بها عقد الكسل وهي كناية عن تسويل الشيطان وتحبيبه النوم إليه والدعة والاستراحة، والتقييد بالثلاث للتأكيد، أو لأن الذي ينحل به عقدته ثلاثة أشياء الذكر والوضوء والصلاة اهـ من المرقاة، وقوله (إذا نام) ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بيعقد، وقوله (بكل عقدة) متعلق بقوله (يضرب) ولفظ المشكاة على كل عقدة كما هو في روايات البخاري أي حالة كونه يضرب على كل عقدة بيده الخبيثة إحكامًا لها قائلًا (عليك ليلًا طويلا) أي الزم النوم في ليل طويل، ولفظ البخاري (عليك ليل طويل فارقد) قال القرطبي: قوله (يعقد الشيطان على قافية أحدكم) الخ هذا العقد الذي يعقده الشيطان كأنه من باب عقد السواحر {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] وذلك بأنهن يأخذن خيطًا فيعقدن عليه عقدة منه ويتكلمن عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك إما بمرض أو تخيل أو تحريك قلب أو تحزين أو غير ذلك، فشبه الشيطان بالنائم بفعل السواحر وذلك أن النائم كلما أراد أن يقوم ليذكر الله أو يصلي غره وخدعه بأن يقول له عليك ليل طويل فارقد فيريه أن لطول ما بقي عليه من الليل يمكنه استيفاء راحته من النوم

فَإِذَا اسْتَيقَظَ، فَذَكَرَ اللهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ. وَإِذَا تَوَضَّأَ، انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ. فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ. فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ. وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيامه بعد ذلك لحزبه فيصغي لذلك ويرقد ثم إن استيقظ ثانيةً فعل ذلك وكذلك ثالثةً فلا يستيقظ من الثالثة إلَّا وقد طلع الفجر فيفوته ما كان أراد من القيام، وإنما خص النوم العقد بثلاث لأن أغلب ما يكون انتباه النائم في السحر فإن اتفق له أن يستيقظ ويرجع للنوم ثلاث مرات لم تنقض النومة الثالثة في الغالب إلَّا والفجر قد طلع والله أعلم اهـ من المفهم. وقال أيضًا: وروايتنا الصحيحة (عليك ليل طويل) على الابتداء والخبر، وقد وقع في بعض الروايات (عليك ليلًا طويلًا) على الإغراء، والأول أولى من جهة المعنى لأنه الأمكن في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله فارقد، وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلَّا الأمر بملازمة طول الرقاد وحينئذ يكون قوله فارقد ضائعًا والله أعلم اهـ منه. (فإذا استيقظ) وانتبه أحدكم من نوم الغفلة (فذكر الله) بقلبه أو بلسانه بالاستغفار والتوحيد والتسبيح مثلًا (انحلت) أي انفكت وانفتحت عنه (عقدة) من العقد الثلاث (وإذا توضأ) بعد ذكره تعالى (انحلت عنه عقدتان) أي تمام العقدتين يعني عقدة النجاسة (فإذا صلى) ما كتب له ولو ركعتين (انحلت) أي انفكت عنه (العقد) الثلاث كلها، يعني تمامها وهي عقدة الكسالة (فأصبح نشيطا) أي اتصف في الصباح بالنشاط لما يرد عليه من عبادات آخر من صلوات وغيرها فإنه يألف العبادات ويعتادها حتى تصير له شربًا (أي موردًا) فتذهب عنه مشقتها ولا يستغني عنها (طيب النفس) أي ذات فرح لرجاء ثواب ما فعل ولانشراح صدره بما يستقبل والله أعلم اهـ من المفهم. (وإلا) أي وإن لم يفعل ما ذكر من الذكر والوضوء والصلاة بل أطاع الشيطان ونام حتى تفوته صلاة الصبح (أصبح خبيث النفس) وخسيسها بشؤم تفريطه وبإتمام خديعة الشيطان عليه إذ قد حمله على أن فاته الحظ الأوفر من قيام الليل (كسلان) مذكر كسلى ممنوع من الصرف لزيادة الألف والنون، وقد وقع لبعض رواة الموطإ (كسلانًا) بالصرف وليس بشيء أي متثاقلًا من الخيرات فلا يكاد تسخو نفسه بها ولا تخف عليها صلاة ولا غيرها من القربات وربما يحمله ذلك على تضييع الواجبات (فإن قلت) في هذا الحديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد أضاف النبي صلى الله عليه وسلم الخبث إلى النفس مع أنه قد قال في حديث آخر "لا يقل أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل لقست نفسي" رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن حنيف فبينهما معارضة (قلت) لا تعارض بينهما لأن الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو أن يطلق الإنسان على نفسه لفظ الخبث وهو مذموم فيذم نفسه ويضيف الذم إليها وهو ممنوع في مثل هذا، وأما لو أضاف الإنسان لفظ الخبث إلى غيره مما يصدق عليه لم يكن ذلك مذمومًا ولا ممنوعًا، ومعنى لقست غثت أي فسدت، ويقال مقست بالميم والقاف، ونقست بالنون وكله بمعنى خبثت وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره إطلاق ذلك اللفظ فنقل إلى غيره كما قررناه، وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم عاصية بجميلة رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وكره لفظ العقوق رواه البخاري ومسلم من حديث المغيرة رضي الله عنه، وهذا النحو كثير عنه صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 243] والبخاري [3269] وأبو داود [1306] والنسائي [3/ 203 - 204] وابن ماجه [1329]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله، والله أعلم. ***

334 - (46) باب استحباب صلاة النافلة وقراءة البقرة في بيته وجوازها في المسجد

334 - (46) باب: استحباب صلاة النافلة وقراءة البقرة في بيته وجوازها في المسجد 1711 - (742) (151) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "اجْعَلُوا مِنْ صَلاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ. وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 334 - (46) باب استحباب صلاة النافلة وقراءة البقرة في بيته وجوازها في المسجد 1711 - (742) (151) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يحيى) بن يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني (قال أخبرني نافع) العدوي مولاهم أبو عبد الله المدني (عن) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي (عن النبي صلى الله عليه وسم قال: اجعلوا من صلاتكم) أي بعض صلاتكم (في بيوتكم) فمن تبعيضية، ويعني به النوافل بدليل قوله في حديث جابر الآتي "فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته" (ولا تتخذوها قبورا) أي لا تصيروها كالقبور التي ليس فيها صلاة معناه صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورةً من الصلاة، والمراد به صلاة النافلة، أي صلوا النوافل في بيوتكم، ولا يجوز حمله على الفريضة، وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 16] والبخاري [432] وأبو داود [1448] والترمذي [451] والنسائي [3/ 197]. وقال القاضي عياض: يعني به الفرض ليقتدي به من لا يخرج من البيت من النساء والعبيد والخدم والمرضى، قالوا: والمتخلف عن الجماعة في المسجد للصلاة في جماعة دونها ليس بمتخلف ومن على هذا للتبعيض يعني اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم، وقيل يعني النفل، ومن على هذا زائدة أي اجعلوا نوافلكم، وقد تكون للتبعيض لأن بعض النوافل لا يصلي في البيوت كالتحية ورواتب الفرائض، ويدل على أنها النافلة أنه صلى الله عليه وسلم إنما أنكر التخلف عن الجماعة وقد كان النساء يخرجن إلى

1712 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". 1713 - (743) (152) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيتِهِ نَصِيبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ المساجد في الفرض وعليه أيضًا تدل أحاديث الباب اهـ أبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1712 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (أخبرنا أيوب) السختياني البصري (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب لعبيد الله (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا في بيوتكم) كل نفل لا تشرع له جماعة (ولا تتخذوها قبورا) أي مهجورة من الصلاة كالقبور خالية بترككم الصلاة فيها كالميت في قبره لا يصلي فيه اهـ مناوي. قال القاضي: هو من التمثيل البديع لأنه شبه النائم بالميت، وشبه البيت الذي لا يصلى فيه بالقبر الذي لا تتأتى الصلاة من ساكنه لأن العمل إنما يكون من الحي اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 1713 - (743) (152) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده) يعني أدى الفرض في محل الجماعة (فليجعل لبيته) أي لمحل سكنه (نصيبا)

مِنْ صَلاتِهِ. فَإِن اللهَ جَاعِلٌ في بَيتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيرًا". 1714 - (744) (152) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأشعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَثَلُ الْبَيتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيتِ الَّذِي لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قسمًا (من صلاته) بأن يجعل الفرض في المسجد والنفل في منزله لتعود بركته عليه اهـ مناوي (فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا) عظيمًا، الضمير في بيته عائد على المصلي الَّذي تضمنه الكلام المتقدم، ومن ها هنا سببية بمعنى من أجل، والخير الَّذي يجعل في البيت بسبب التنفل فيه هو عمارته بذكر الله وبطاعته وبالملائكة وبدعائهم واستغفارهم وما يحصل لأهله من الثواب والبركة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [3/ 316]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1714 - (744) (152) (حَدَّثَنَا عبد الله بن براد) -بفتح الموحدة والراء المشددة- بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي، صدوق، من (15) روى عنه في (3) أبواب (ومحمد بن العلاء) بن غريب الهمداني الكوفي (قالا حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن بريد) مصغرًا بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري الكوفي، ثقة، من (6) (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل) ساكن (البيت الَّذي يذكر الله) سبحانه وتعالى (فيه) بأنواع الذكر والتلاوة (و) ساكن (البيت الَّذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت) فيه من المحسنات البديعية اللف والنشر المرتب أي مثل ساكن البيت الَّذي يذكر الله الخ مثل الشخص الحي بجامع الانتفاع أو الميت بجامع عدم الانتفاع فالذي يوصف بالجاة والموت حقيقةً هو الساكن لا المسكن كما دل عليه رواية البخاري (مثل الَّذي يذكر ربه عزَّ وجلَّ) الخ فشبه الذاكر بالحي الَّذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنه بنور المعرفة، وغير الذاكر بالميت الَّذي ظاهره عاطل باطنه باطل فالحي المشبه به من ينتفع بحياته بذكر الله وطاعته فلا يكون نفس المشبه،

1715 - (745) (154) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ. إِنَّ الشَّيطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيتِ الَّذِي تُقْرَأ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كما شبه المؤمن بالحي والكافر بالميت مع كونهما حيين في قوله تعالى أو من كان ميتًا فأحييناه فلا يرد أن ساكن البيت حي فكيف يكون مثل حي كما في المبارق، قال النواوي: في الحديث الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت وأنه لا يخلى من الذكر، وفيه جواز التمثيل، وفيه أن طول العمر في الطاعة فضيلة وإن كان الميت ينتقل إلى خير لأن الحي يستلحق به ويزيد عليه بما يفعله من الطاعات اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [6407] فقط. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1715 - (745) (154) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (حَدَّثَنَا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاريُّ) بتشديد التحتانية المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) ذكوان المدني أبي صالح السمان، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا قتيبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر) أي كالمقابر في خلوها عن الذكر والطاعة بل اجعلوا لبيوتكم من القرآن نصيبًا وقيل معناه لا تجعلوا بيوتكم أوطانًا للنوم لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت اهـ من المبارق (أن الشيطان ينفر) من نفر من باب ضرب أي تخرج وتهرب. قال النواوي: هكذا ضبطه الجمهور ينفر -بفتح الياء وسكون النون وكسر الفاء- ورواه بعض رواة مسلم يفر - بتشديد الياء - وكلاهما صحيح (من البيت الَّذي تقرأ فيه سورة البقرة) وهذا دليل على جوازه بلا كراهة، وأما من كره قول سورة البقرة ونحوها فغالط. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 367] وأبو داود [2042] والنسائي [10801] في الكبرى.

1716 - (746) (155) وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا سَالِمٌ أبُو النَّضرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَال: احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حُجَيرَةً بِخَصَفَةٍ، أَوْ حَصِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 1716 - (746) (155) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (حَدَّثَنَا عبد الله بن سعيد) بن أبي هند الفزاري مولاهم مولى لبني شمخ بن مازن من بني فزارة أبو بكر المدني، روى عن سالم أبي النضر في الصلاة، ومحمد بن عمرو بن حلحلة في الجنائز، وإسماعيل بن أبي حكيم في العتق، وابن المسيب والأعرج وأبي بكر بن حزم، ويروي عنه (ع) ومحمد بن جعفر ويحيى القطان وعبد الرزاق ومالك وابن المبارك ووكيع، وثقه أحمد وابن معين وأبو داود، وقال العجلي ويعقوب بن سفيان: مدني ثقة، وأما أبو حاتم فقال: ضعيف الحديث، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من السادسة، مات سنة (147) سبع وأربعين ومائة (حَدَّثَنَا سالم) بن أبي أمية (أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله) بن معمر القرشي التيمي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني الزاهد العابد، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري النجاري المدني كاتب الوحي رضي الله عنه، روى عنه في ستة أبواب (6) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان (قال) زيد (احتجر) أي اتخذ (رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة) تصغير حجرة؛ وهو الموضع المنفرد أي احتجر واستتر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الناس في موضع من المسجد (بخصفة) بفتحات؛ وهو حصير يخصف أي يخاط من السعف، ومنه قوله تعالى {يَخصِفَانِ عَلَيهُمَا مِن وَرَقِ الجْنَّة} [الأعراف: 22] أي يخيطان (أو) قال الراوي ب (حصير) والحصير ما ينسج من خوص النخل أي من ورقه فالخصفة ما يخصف، والحصير ما ينسج، وهو على الشك من الراوي، وكان هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم وهذا القول في رمضان وقد تقدم في حديث عائشة اهـ من المفهم.

فَخَرَجَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيهَا. قَال: فَتَتَبَّعَ إِلَيهِ رِجَالٌ وَجَاؤُوا يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ. قَال: ثُمَّ جَاؤُوا لَيلَةً فَحَضرُوا. وَأَبْطَأَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ قَال: فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيهِمْ. فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ. فَخَرَجَ إِلَيهِمْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: أصل الحجر المنع، والمعنى أنَّه اقتطع موضعًا من المسجد منعه من غيره وحوطه بخصفة أو حصير وهما بمعنى، وقيل الخصفة ما خصف من خوص المقل، والحصير ما نسج من خوص النخل اهـ. قال النواوي: شك بسر بن سعيد أو من دونه أي اللفظتين سمع من الراوي هل الخصفة أو الحصير، وإنما فعل ذلك ليتفرغ قلبه ويتوفر خشوعه بالبعد عن الناس، وقوله بخصفة متعلق باحتجر وهي واحدة الخصف وهو الحصير بمعنى واحد اهـ بتصرف، والمعنى اتخذ موضعًا من المسجد يصلي فيه محوطأ بخصفة أو حصير يخلو بنفسه في داخله ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ولا تهوش بغيره ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه، وفيه جواز فعل مثل هذا في المسجد إذا لم يكن فيه تضييق على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائمًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها في الليل يصلي فيها ويرفعها في النهار ويبسطها كما ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه ثم تركه النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار وعاد إلى الصلاة في البيت، وفيه أيضًا بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والأخذ بما لا بد منه (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته إلى المسجد حالة كونه (يصلي فيها) أي في تلك الحجيرة خاليًا عن الناس (قال) زيد بن ثابت (فتتبع إليه رجال) من أصحابه أي تطلب وفحص عن موضع صلاته رجال فعرفوه واجتمعوا إليه (وجاووا يصلون) مقتدين (بصلاته) ففيه جواز النافلة في المسجد، وجواز الجماعة في غير المكتوبة، وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة (قال) زيد (ثم جاؤوا ليلة) ثانية إلى المسجد (فحضروا) جنب الحجيرة فصلوا معه صلى الله عليه وسلم (وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم) أي تأخر عن الخروج إليهم في الليلة الثالثة (قال) زيد (فلم يخرج إليهم) رسولى الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الرابعة (فرفعوا أصواتهم) في المسجد (وحصبوا الباب) أي باب حجرته أي رموه ونقروه حرصًا على خروجه إليهم للصلاة بالحصباء وهي الحصا الصغار وتنبيهًا له، وظنوا أنَّه نسي (فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا) أي غضبان عليهم

فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا زَال بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيكُمْ. فَعَلَيكُمْ بِالصَّلاةِ في بُيُوتِكُمْ. فَإِن خَيرَ صَلاةِ الْمَرْءِ في بَيتِهِ. إِلا الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ". 1717 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لإساءتهم الأدب بضرب باب الحجرة بالحصباء (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال) ملتبسًا (بكم صنيعكم) هذا أي اجتماعكم في المسجد وصلاتكم معي جماعةً (حتَّى ظننت أنَّه) أي أن هذا الصنيع والعمل (سيكتب) أي سيفرض (عليكم فعليكم) أي فالزموا (بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء) أي أفضلها وأكثرها أجرًا صلاته (في بيته) أي في مسكنه ومبيته لبعده عن الرياء وسائر المحبطات (إلا الصلاة المكتوبة) أي المفروضة فإنها في المساجد ومواضع الجماعة أفضل منها في البيت لئلا يتهم بتركها وليصليها جماعة فإن الجماعة فرض فيها، وفي الحديث ترك بعض المصالح لخوف مفسدة أعظم من ذلك، وفيه بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته ومراعاة مصالحهم وأنه ينبغي لولاة الأمور وكبار الناس والمتبوعين في علم وغيره الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في ذلك. قال النواوي: قوله (فإن خير صلاة المرء في بيته) الخ، هذا عام في جميع النوافل المرتبة مع الفرائض والمطلقة إلَّا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح فإنها مشروعة في جماعة في المسجد، والاستسقاء في الصحراء وكذا العيد إذا ضاق المسجد. (قلت) وكذا تحية المسجد لأنها لا تفعل إلَّا في المسجد والله أعلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [5/ 182 و 187] والبخاري [7290]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 1717 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون المروزي ثم البغدادي، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا

مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً في الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لَيَالِيَ. حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيهِ نَاسٌ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَزَادَ فِيهِ: "وَلَوْ كُتِبَ عَلَيكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (قال سمعت أبا النضر) سالم بن أبي أمية المدني (عن بسر بن سعيد) المدني (عن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبد الله بن سعيد في رواية هذا الحديث عن سالم أبي النضر (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرةً في المسجد من حصير) أي مكانًا محوطًا بالحصير في المسجد ليصلي فيه (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي في تلك الحجرة (ليالي) ثلاثًا أو أربعًا (حتَّى اجتمع إليه) أي عنده (ناس) يصلون معه (فذكر) موسى بن عقبة الحديث السابق (نحوه) أي نحو حديث عبد الله بن سعيد (و) لكن (زاد فيه) موسى بن عقبة أي في آخر الحديث (ولو كتب) وفرض (عليكم) صنيعكم هذا (ما قمتم به) أي ما استطعتم القيام به. وجملة ما ذكر المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدةً، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد به، والثالث حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس حديث زيد بن ثابت ذكره للاستشهاد به والاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه أعلم. ***

335 - (47) باب أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل صلاة كان أو غيرها

335 - (47) باب: أحب العمل إلى اللَّه أدومه وإن قل صلاة كان أو غيرها 1718 - (747) (156) وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، يَعْنِي الثَّقَفِيَّ، حدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنهَا قَالتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَصِيرٌ. وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيلِ فَيُصَلَّي فِيهِ. فَجَعَلَ الناسُ يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ. ويبْسُطُهُ بِالنهَارِ. فَثَابُوا ذَاتَ لَيلَةٍ. فَقَال: "يَا أَيهَا النَّاسُ" عَلَيكُمْ مِنَ الأعمَالِ مَا تُطِيقُونَ. فَإِنَّ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 335 - (47) باب أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل صلاةً كان أو غيرها 1718 - (747) (156) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان (أنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير) أي نسيج من خوص النخل في المسجد (وكان) صلى الله عليه وسلم (يحجره) - بتشديد الجيم المكسورة - من التحجير أي يتخذه حجرة وسترة له عن الناس (من الليل) أي في الليل (فيصلي) صلاة الليل (فيه) أي في الحصير الَّذي اتخذه حجرة (فجعل الناس) وشرعوا (يصلون) مقتدين (بصلاته وببسطه) أي يفرش ذلك الحصير (بالنهار) أي في النهار في المسجد ليصلوا عليه (فثابوا) أي اجتمعوا عليه وكثروا (ذات ليلة) أي ليلة من تلك الليالي (فقال: يا أيها الناس عليكم) أي الزموا (من الأعمال) التي تقربكم إلى الله سبحانه صلاةً كانت أو غيرها (ما تطيقون) أي قدرًا تقدرون الدوام عليه بلا ضرر، ولا تحملوا أنفسكم أورادًا كثيرةً ووظائف من العبادات لا تقدرون على مداومتها فتتركون اهـ من المبارق، وهذا حض على التخفيف في أعمال النوافل، ويتضمن الزجر عن التشديد والغلوفيها وسبب ذلك أن التخفيف يكون معه الدوام والنشاط فيكثر الثواب لتكرار العمل وفراغ القلب بخلاف الشاق منها فإنه يكون معه التشويش والانقطاع غالبًا اهـ من المفهم (فإن الله) سبحانه

لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. وَإِن أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيهِ وَإِنْ قَلَّ". وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعالى (لا يمل) بفتح الميم أي لا يقطع الإقبال عليكم بالإحسان (حتَّى تملوا) في عبادته وتقطعوا عملها وتتركوه، وفي رواية (لا يسأم حتَّى تسأموا) وهما بمعنى، والملل هو استثقال النفس من الشيء ونفورها عنه بعد محبته، وإطلاقه على الله تعالى من باب المشاكلة كما في قوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} كذا في المرقاة. قال القرطبي: قوله (إن الله لا يمل حتَّى تملوا) ظاهره محال على الله تعالى فإن الملال فتور عن تعب وألم عن مشقة وكل ذلك على الله تعالى محال، وإنما أطلق هنا على الله تعالى على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] وقال {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوأ عَلَيهِ} [البقرة: 194] ووجه مجازه أنَّه تعالى لما كان يقطع ثواب عمل من مل العمل وقطعه عبر عن ذلك بالملل من باب تسمية الشيء باسم سببه اهـ من المفهم. قال القسطلاني: والمعنى والله أعلم اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور كانت معاملة الله معكم حينئذ معاملة الملول. قال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله تعالى على طريق الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر إحدى اللفظتين موافقةً للأخرى ديان خالفتهما معنى، وقيل معناه أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل، ومعنى تمل تترك لأنه من مل شيئًا إذا تركه وأعرض عنه اهـ. ومذهب السلف الأسلم أن يقال إن الملل صفة منفية عنه تعالى نعتقد نفيها عنه لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (وإن أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله سبحانه وتعالى أي أكثرها أجرًا وثوابًا عند الله تعالى (ما دووم عليه) -بضم الدال وبواوين أولاهما ساكنة ثانيتهما مكسورة- أي ما داوم وواظب عليه صاحبه (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه لأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع، والمراد بالمواظبة العرفية وإلا فحقيقة الدوام شمول جميع الأزمنة وهو غير مقدور عليه اهـ من المبارق (وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم) أي أهله وأزواجه، قال النواوي: والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه وسلم من أزواجه وقرابته

إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ. 1719 - (00) (00) حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يُحدَّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَال: "أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ". 1720 - (748) (157) وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحوهم (إذا عملوا عملا) صالحًا (أثبتوه) أي لازموه وداوموا عليه، وإنما كان القليل الدائم خيرًا من الكثير المنقطع لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرةً. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 212] والبخاري [43 و 6464] وأبو داود [1368]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1719 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (أنَّه سمع أبا سلمة) بن عبد الرحمن (يحدث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة سعد بن إبراهيم لسعيد بن أبي سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة في سوق الحديث وبالاختصار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل) أي أي عمل من الأعمال الصالحة (أحب إلى الله) أي أكثر أجرًا عند الله تعالى (قال) صلى الله عليه وسلم أحب العمل عند الله تعالى (أدومه) أي أكثره تتابعًا ومواظبةً (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه لأن القليل الدائم لا ينقطع أجره بخلاف الكثير المنقطع فإنه ينقطع أجره. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها فقال: 1720 - (748) (157) (وحدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق بن

إِبْرَاهِيمَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَال: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَال: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيئًا مِنَ الأيَّامِ؟ قَالتْ: لا. كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً. وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطِيعُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال زهير: حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي من (3) (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي أبي شبل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) علقمة (سألت أم المومنين عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما مروزي أو نسائي (قال) علقمة (قلت) لها (يا أم المومنين كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم) في عبادة ربه (هل كان) صلى الله عليه وسلم (يخص شيئًا) أي بعضًا (من الأيام) كالجمعة والخميس والاثنين ببعض من الأعمال (قالت) عائشة (لا) يخص شيئًا من الأيام ببعض من الأعمال، وجواب عائشة بنفي ذلك خرج على غير الصيام لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يخص الاثنين والخميس بالصيام فتعين صرف نفسها إلى غير ذلك والله أعلم (كان عمله) صلى الله عليه وسلم (ديمة) أي يدوم عليه ولا يقطعه أي دائمًا غير مقطوع، قال في النهاية: الديمة بكسر الدال وسكون الياء المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر، وأصله دِوْمَة بالواو فانقلبت ياء لكسر ما قبلها (وأيكم يستطيع) ويقدر (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع) من الأعمال، وهذا يدل على شدة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه من كثرة التكاليف والاجتهاد في الوفاء بها وذلك أنَّه كلف بتكاليف خاصة به كما خص به من الواجبات زيادةً على ما ساوى فيه جميع المكلفين، ثم إنه قد كلف مراعاة مصالح أهل بيته ومصالح الخلق كلهم خاصةً وعامةً الدينية والدنيوية هذا بالنظر إلى ظاهر أمره، وأما بالنظر إلى خواص باطنه مما لا يدرك ولا يمكن وصفه فغاية العبارة عنه قوله: "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان والعبادات والمشقات ليست له راحة، وقال في لفظ آخر: "إني

1721 - (00) (00) وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ". قَال: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده" رواه أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد كان تتفطر قدماه من القيام، ويجهد نفسه من الجوع، ويربط على بطنه بالحجر والحجرين، وكان ينتهي من إجهاد نفسه إلى أن يرق عليه وليه ويرحمه الناظر إليه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 43 و 55] والبخاري [6466]، وأبو داود [1370] والترمذي [2856]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا فقال: 1721 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الكوفي (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حَدَّثَنَا سعد بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري المدني أخو يحيى بن سعيد، صدوق سيئ الحفظ، من (4) له أفراد، مات سنة (141) روى عنه في (5) أبواب (أخبرني القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لعلقمة بن قيس في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الأعمال) وأكثرها أجرأ وأدومها ثوابًا (إلى الله تعالى) أي عنده سبحانه (أدومها) أي أكثرها مداومةً ومواظبةً عليها (وإن قل) قدره (قال) القاسم بالسند السابق (وكانت عائشة) رضي الله عنها (إذا عملت العمل) من العبادة (لزمته) أي واظبته ودامت عليه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان كلاهما لعائشة رضي الله عنها الأول للاستدلال وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثاني للاستشهاد وذكر فيه أيضًا متابعةً واحدةً، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

336 - (48) باب: كراهية التعمق في العبادة وأمر من استعجم عليه القرآن أو الذكر أو نعس أن يرقد

336 - (48) باب: كراهية التعمق في العبادة وأمر من استعجم عليه القرآن أو الذكر أو نعس أن يرقد 1722 - (749) (158) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ قَال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ. وَحَبْل مَمْدُودٌ بَينَ سَارِيَتَينِ. فَقَال: "مَا هَذَا؟ " قَالُوا: لِزَينَبَ. تُصَلِّي. فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَال: "حُلُّوهُ. لِيُصَل أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ. فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ". وَفِي حَدِيثِ زُهَيرٍ "فَلْيَقْعُدْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 336 - (48) باب: كراهية التعمق في العبادة وأمر من استعجم عليه القرآن أو الذكر أو نعس أن يرقد 1722 - (749) (158) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حَدَّثَنَا) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم القرشي الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (ح وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن علية (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي أو نسائي (قال) أنس (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد) النبوي (وحبل) مبتدأ خبره (ممدود) وسوغ الابتداء بالنكرة قصد الإبهام أي مربوط (بين ساريتين) أي الأسطوانتين المعهودتين اهـ من العون (ف) لما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: ما هذا) الحبل (قالوا) هذا حبل (لزينب) بنت جحش بن رئاب الأسدية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (تصلي) صلاة الليل (فإذا كسلت) بكسر السين من باب فرح، والكسل ضد النشاط؛ أي إذا كسلت عن القيام وذهب نشاطها لطوله (أو فترت) وأعيت وعجزت عنه (أمسكت به) أي بذلك الحبل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده (حلوه) أي فكوا هذا الحبل من الساريتين (ليصل) بكسر اللام لأنه مجزوم بلام الأمر (أحدكم) أيها المؤمنون (نشاطه) بفتح النون أي ليصل أحدكم وقت نشاطه أو الصلاة التي نشط لها (فإذا كسل) أي زال نشاطه في القيام (أو فتر) أي عجز وضعف عن القيام في أثنائه (قعد) أي فليصل قاعدًا (وفي حديث زهير) وروايته (فليقعد) كما هي رواية أبي داود أي فليتم صلاته قاعدًا أو فتر بعد فراغ بعض التسليمات فليقعد لإيقاع ما بقي من نوافله قاعدًا أو

1723 - (00) (00) وَحدَّثَنَاهُ شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1724 - (755) (159) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَة بْنُ الزُّبَيرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ فتر بعد انقضاء البعض فليترك بقية النوافل جملةً إلى أن يحدث له نشاط أو فتر بعد الدخول فيها فليقطعها كذا في إرشاد الساري، قال النواوي: والحديث فيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق فيها، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتَّى يذهب الفتور، وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه، وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 101] والبخاري [1150]، وأبو داود [1312] والنسائي [3/ 218 - 219] وابن ماجة [1371]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1723 - (00) (00) (وحدثناه شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حَدَّثَنَا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) (عن عبد العزيز) بن صهيب البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (مثله) بالنصب مفعول ثان لحدثنا عبد الوارث لأنه العامل في المتابع، والضمير عائد إلى إسماعيل بن علية لأنه المتابع أي حَدَّثَنَا عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب مثله؛ أي مثل ما حدث عنه إسماعيل ابن علية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1724 - (750) (159) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (ومحمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي أبو الحارث المصري، ثقة فقيه، من (11) (قالا حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (عن يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (قال: أخبرتي عرره بن الزبير) الأسدي المدني

أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ الحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مَرَّتْ بِهَا. وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: هَذِهِ الْحَوْلاءُ بِنْتُ تُوَيتِ. وَزَعَمُوا أَنَّهَا لا تَنَامُ اللَّيلَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَنَامُ اللَّيلَ! خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ لا يَسْأَمُ اللهُ حَتَّى تَسْأَمُوا". 1725 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته) أي أخبرت لعروة. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه المقارنة ورواية تابعي عن تابعي (أن الحولاء بنت تويت) مصغرًا (بن حبيب بن أسد بن عبد العزى مرت بها) أي بعائشة رضي الله عنهما (وعندها) أي والحال أن عند عائشة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قالت عائشة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله (هذه) المارة علي هي (الحولاء بنت تويت وزعموا) أي زعم الناس وقالوا (أنها لا تنام الليل) أي طول الليل لاشتغالها بالصلاة والأذكار (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) استثباتًا لشأنها وإنكارًا عليها وكراهةً لفعلها وتشديدها على نفسها هل (لا تنام الليل، خذوا من العمل ما تطيقون) الدوام عليه ولا تكلفوا أنفسكم بما لا تطيقون المواظبة عليه (فوالله) أي فأقسمت لكم بالله الَّذي لا إله غيره (لا يسأم الله) سبحانه وتعالى أي لا يقطع الله سبحانه وتعالى أجوركم ولا يترك إثابتكم على الأعمال (حتَّى تساموا) عن الأعمال وتتركوها فإن الله سبحانه لا يظلم مثقال ذرة، وقد تقدم لك بيان معنى السآمة والملل وأنهما مرادفان. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن الجماعة لم يروه غيره. قال المناوي: معناه أي اعملوا بحسب وسعكم وطاقتكم فإنكم إذا ملتم وأتيتم بالعبادة على سآمة وكلال كان معاملة الله تعالى معكم معاملة الملول عنكم اهـ والسآمة الملل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1725 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب) الكوفيان (قالا: حَدَّثَنَا أبو أسامة) الكوفي (عن هشام بن عروة) المدني (ح وحدثني زهير بن حرب) بن

وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أبِي عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، فَقَال: "مَنْ هَذِهِ؟ " فَقُلْتُ: امْرَأَةٌ. لا تَنَامُ، تُصَلِّي. قَال: "عَلَيكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ! لا يَمَل اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا"، وَكَانَ أَحبَّ الدِّينِ إِلَيهِ مَا دَاوَمَ عَلَيهِ صَاحِبُهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: أَنَّهَا امْرَأْةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ. 1726 - (751) (160) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن نُمَيرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ شداد الحرشي النسائي (واللفظ) الآتي (له) أي لزهير (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري القطان (عن هشام) بن عروة (قال: أخبرني أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة هشام بن عروة لابن شهاب (قالت) عائشة (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة) وهي الحولاء السابقة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذه) الجالسة عندك (فقلت: امرأة لا تنام) الليل حالة كونها (تصلي) طول الليل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم من العمل ما تطيقون) الدوام عليه أي الزموا ما تطيقون ولا تكلفوا أنفسكم لما لا تطيقون (فوالله لا يمل الله) أي لا يقطع الأجر عنكم (حتى تملوا) وتقطعوا العمل وتتركوه، قال المناوي: إطلاف الملال على الله تعالى من باب المشاكلة كما في قوله تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك وهذا باب واسع في العربية كثير في القرآن (وكان أحب الدين) أي أحب العمل وأكثره أجرًا وأدومه ثوابًا (إليه) أي عنده سبحانه وتعالى (ما داوم) أي واظب (عليه صاحبه) أي عامله، هكذا في رواية يحيى بن سعيد بإبهام المرأة (وفي حديث أبي أسامة) وروايته (أنها امرأة من بني أسد) بذكر نسبها، ولهذه المخالفة كرر متن الحديث. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: 1726 - (751) (160) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير (ح) وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (ح

وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ في الصَّلَاةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ. فَإِن أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (جميعًا) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة (عن هشام بن عروة (ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد واللفظ له) أي لقتيبة (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته رجال الأول والثاني منها ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان ورجال الثالث منها أربعة منهم مدنيون وواحد بلخي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعس أحدكم) بفتح العين، من باب قتل كما في المصباح وكذا المفهوم من الصحاح، وقال المجد: نعس كمنع اهـ. والنعاس أول النوم ومقدمته (في الصلاة) والصلاة تعم الفرض والنفل لكن لا يخرج فريضةً عن وقتها كما في النواوي (فليرقد) أي فلينم، الأمر فيه للاستحباب فيترتب عليه الثواب، ويكره له الصلاة حينئذ (حتَّى يذهب عنه النوم) أي النعاس (فإن أحدكم) علة للرقاد وترك الصلاة (إذا صلى وهو نائم لعله) أي لعل أحدكم (يذهب) ويقصد أن (يستغفر) لنفسه كأن يريد أن يقول اللهم اغفر لي (فيسب نفسه) أي يدعو عليها من حيث لا يدري كأن يقول اللهم اعفر لي - بعين مهملة - والعفر هو التراب، فيكون دعاء عليه بالذل والهوان وهو تصوير مثال من الأمثلة، فالمراد بالسب قلب الدعاء لا الشتم كما في تيسير المناوي، قال ابن حجر المكي: قوله (فيسب) بالرفع عطفًا على يستغفر، وبالنصب جوابًا للترجي ذكره في المرقاة، قال القرطبي: قوله (فيسب نفسه) رويناه برفع الباء ونصبها فمن رفع فعلى العطف على يذهب ومن نصب فعلى جواب لعل وكأنه أشربها معنى التمني كما قرأ حفص {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} [غافر: 36، 37] بنصب العين والحديث نبه في آخره على علة ذلك، وهو أنَّه توقع منه ما يكون منه من الغلط فيما يقرأ أو يقول ولم يجعل علة ذلك نقض طهارته فدل على أن النوم ليس بحدث اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد

1727 - (751) (161) وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيلِ، فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ، فَلْيَضْطَجِعْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ [6/ 205] والبخاري [212] وأبو داود [1310] والترمذي [355] وابن ماجة [1/ 99 - 100]. قال النواوي: وفي الحديث الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، لكن لا يخرج فريضةً عن وقتها، قال القاضي: وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنها محل النوم غالبًا اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1727 - (752) (161) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الآتي (ما حَدَّثَنَا) به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام) وصلى (أحدكم من) آناء (الليل فاستعجم) عليه (القرآن) أي استغلق (على لسانه) ولم ينطق به لغلبة النوم (فلم يدر) ويعلم (ما يقول فليضطجع) أي فليرقد. قال القرطبي (قوله فاستعجم عليه القرآن) بالرفع على أنَّه فاعل استعجم أي صارت قراءته كالعجمية لاختلاط حروف النائم وعدم بيانها والله أعلم اهـ من المفهم. وفي النهاية: (استعجم عليه القرآن) أي أرتج عليه واختلط فلم يقدر أن يقرأ كأنه صار به عجمةٌ اهـ. قوله (فليضطجع) وهو بمعنى الحديث الأول لئلا يغير كلام الله تعالى ويبدله وهو من هذا أشد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأول اهـ أبي. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 318] وأبو داود [1311] وابن ماجة [1372]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثاني حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عائشة الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الوسط من الترجمة، والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

أبواب فضائل القرآن وما يتعلق به

أبواب فضائل القرآن وما يتعلق به 337 - (49) باب: الأمر بتعاهد القرآن واستذكاره وكراهة قول: نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها 1728 - (753) (162) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيلِ. فَقَال: "يَرْحَمُهُ اللهُ. لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا. آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". 1729 - (00) (00) وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب فضائل القرآن وما يتعلق به 337 - (49) باب الأمر بتعاهد القرآن واستذكاره وكراهة قول: نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها 1728 - (753) (163) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا: حَدَّثَنَا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وفيه التحديث والمقارنة والعنعنة (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ) القرآن (من الليل فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرحمه الله) سبحانه وتعالى؛ أي رحم الله هذا الرجل وأحسن إليه، والله (لقد أذكرني) أي ذكرني هذا الرجل (كذا وكذا) بالتكرار، كرره إشعارًا بأنه كناية عن المبهم لا اسم إشارة، وميزه بقوله (آية) والناصب لهذا التمييز الذات المبهمة أعني كذا وكذا نظير قولك ذكرني عشرين آيةً أو ثلاثين آيةً (كنت) أنا (أسقطتها) أي تركت تلاوتها اهـ ابن الملك (من سورة كذا وكذا) والمعنى لقد ذكرني آية كذا تركت تلاوتها من سورة كذا والله أعلم. والحديث استدل به على الجزء الأخير من الترجمة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في فضائل القرآن عن أحمد بن أبي رجاء اهـ من تحفة الإشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1729 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي

حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَأَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ. فَقَال: "رَحِمَهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَة كُنْتُ أُنْسِيتُهَا". 1730 - (754) (163) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حَدَّثَنَا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن هشام) بن عروة المدني (عن أبيه) عروة المدني (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبدة وأبي معاوية لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن هشام (قالت) عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع قراءة رجل) يقرأ (في المسجد فقال: رحمه الله) سبحانه وتعالى: والله (لقد أذكرني) هذا الرجل (آية كنت أنسيتها) ماض مبني للمجهول، من أنسى الرباعي أي أنساني الله تعالى تلاوتها اهـ ابن الملك، قال النواوي: وفي الحديث الآتي "بئسما لأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي" وفي هذه الألفاظ فوائد: منها جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدًا ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك، وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خير وإن لم يقصده ذلك الإنسان، وفيه أن الاستماع للقراءة سنة، وفيه جواز قول سورة كذا كسورة البقرة ونحوها ولا التفات إلى من خالف في ذلك فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على استعماله، وفيه كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قول أُنسيتها وإنما نهى عن قول نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها وقد قال تعالى {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه: 126] وقال القاضي عياض: أولى ما يُتأول به الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول أعني نسيت الحالة المذمومة حال من حفظ القرآن فغفل عنه حتَّى نسيه اهـ نواوي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة فقال: 1730 - (754) (163) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من رباعياته اثنان من رجاله مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري (أن رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ. إِنْ عَاهَدَ عَلَيهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ". 1731 - (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَهُوَ الْقَطَّانُ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمَرُ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم قال: إنما مثل) وشبه (صاحب القرآن) وحافظه أي مع القرآن، والمراد بصاحبه من ألِف تلاوته نظرًا أو عن ظهر قلب، وعبارة المفهم: وصاحب القرآن هو الحافظ له المشتغل به الملازم لتلاوته، ولفظ الصحبة في أصل اللغة مستعمل في إلف الشيء وملازمته، ومنه أصحاب الجنّة وأصحاب النار وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اهـ منه (كمثل) صاحب (الإبل المعقلة) على صيغة اسم المفعول بالتشديد وبعدمه أي مع الإبل المشدودة بعقال وهو حبل يشد به ذراع البعير لئلا يقوم فيشرد، والكاف زائدة (أن عاهد) صاحبها وراقب (عليها) وحفظها ولازمها (أمسكها) أي استمر إمساكه لها (وإن أطلقها) أي أطلق عقالها وفكها (ذهبت) وانفلتت وشردت ولا يجدها، وخص المثل بالإبل لأنها أشد الحيوان الأهلي نفورًا وشرودًا. قال الأبي: فالتشبيه إنما هو بالإبل النافرة التي لا تثبت معقلة، وإلا فالأكثر في المعقلة أنها تثبت ولا تنفر اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 112] والبخاري [5031] والنسائي [2/ 154]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1731 - (00) (00) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) (قالوا: حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد التميمي البصري (وهو القطان (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (كُلّهم) أي كل من يحيى القطان وأبي خالد الأحمر وعبد الله بن نمير (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثنا) محمد بن يحيى

عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. اخبَرَنَا مَعْمَر عَن أَيُّوبَ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيِّبِي، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، جَمِيعًا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ في حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ "وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ. وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ". 1732 - (755) (164) وَحدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثمَانُ بْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن أبي عمر) العدني المكي (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همَّام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حَدَّثَنَا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاريّ المدني (ح وحدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي (المسيَّبي) نسبة إلى جده المسيَّب بن السائب أبو عبد الله المدني (حَدَّثَنَا أنس يعني ابن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني (جميعًا) أي كل من يعقوب بن عبد الرحمن وأنس بن عياض روى (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) (كل هولاء) أي كل من عبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وموسى بن عقبة رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث مالك) عن نافع، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن نافع (و) لكن (زاد) الراوي عن موسى بن عقبة وهما يعقوب بن عبد الرحمن وأنس بن عياض، والصواب (وزادا) بألف التثنية، وكأن النساخ أسقطوا الألف أي زادا على غيرهما (في حديث موسى بن عقبة) وروايتهما عنه لفظة (وإذا قام) وصلَّى (صاحب القرآن) وحافظه بالقرآن (فقرأه) في صلاته (بالليل والنهار ذكره) أي تذكر القرآن ولم ينسه (وإذا لم يقم) ويصلِّ (به) أي بالقرآن (نسيه) أي نسي القرآن فلا بد لصاحب القرآن من مراجعته ليلًا ونهارًا لئلا ينساه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 1732 - (755) (164) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد النسائي (وعثمان بن أبي

شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ- عَنْ مَنْصورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بِئْسَمَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيتَ وَكَيتَ. بَلْ هُوَ نُسِّيَ. اسْتَذْكِرُوا الْقُرآنَ. فَلَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ شيبة) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا زهير بن حرب، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئسما لأحدهم) بئس فعل ماض لإنشاء الذم، وفاعله ضمير مبهم مستتر وجوبًا لشبهه بالمثل، وما نكرة موصوفة في محل النصب تمييزٌ لفاعل بئس، ولأحدهم جار ومجرور صفة لما الواقعة تمييزًا لفاعل بئس، والتقدير بئس هو أي بئس القول قولًا مقولًا لأحدهم، والمخصوص بالذم جملة قوله أن (يقول) أحدهم بتقدير أن المصدرية كما هي ملفوظة في بعض الروايات أي والمخصوص بالذم قول أحدهم (نسيت) أي تركت (آية) مفعول به لنسيت، وهو مضاف (كيت وكيت) في محل الجر مضاف إليه مبني على فتح الجزأين لتركبه تركيب خمسة عشر، وهو من الكنايات التي كني بها عن الأشياء المبهمة نحو كذا وكذا ونحو ذيت وذيت (بل هو) أي أحدهم (نُسِّيَ) بضم النون وتشديد السين المكسورة على صيغة المبني للمجهول أي بل الله سبحانه أنساه، كره نسبة النسيان إلى النفس لمعنيين؛ أحدهما: أن الله تعالى هو الَّذي أنساه إياه لأنه المقدر للأشياء كلها، والثاني أن أصل النسيان الترك فكره له أن يقول تركت القرآن أو قصدت إلى نسيان القرآن ولأن ذلك لم يكن باختياره يقال نسَّاه الله تعالى وأنساه، ولو روي (بل هو نسي) بالتخفيف بدل المشدد مع البناء للمفعول لكان معناه بل هو ترك من الخير وحرم كذا في النهاية (استذكروا القرآن) أي ذاكروا القرآن وراجعوه وكرروا تلاوته ليلًا ونهارًا يا أهل القرآن ولا تضيعوه، قال الأبي: ومعنى استذكروا اطلبوا من أنفسكم تذكره وتعاهده فالسين للطلب اهـ، وفي بعض الهوامش أي أكثروا تلاوته واستحضروه في قلوبكم وعلى ألسنتكم والزموا ذلك، والسين للمبالغة اهـ من المناوي (فلهو) الفاء تعليلية واللام

أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتدائية، وهو مبتدأ خبره (أشد) أي استذكروا القرآن وراجعوه ليلًا ونهارًا لأنه أشد أي أكثر (تفصيا) أي تخليصًا وتفلتًا وخروجًا (من صدور الرجال) وقلوب الحفاظ، الجار والمجرور متعلق بتفصيًا، وقوله (من النعم) متعلق بأشد، وقوله (بعقلها) متعلق بالتفصي المقدر والباء بمعنى من أي لأن القرآن أكثر تخلصًا من صدور الحفاظ من تفصي النعم وتخلصها من عقلها لتشرد، يقال تفصيت من الأمر إذا خرجت منه، والنعم بفتحتين، قال النواوي: أصلها الإبل والبقر والغنم، والمراد به هنا الإبل خاصةً لأنها التي تعقل وهي تذكر وتؤنث، وقوله (بعقلها) قال النواوي: الباء بمعنى من كما في قوله تعالى عينًا يشرب بها عباد الله أي منها على أحد القولين في معناها، والقول الثاني في الآية الباء على معناها، ويشرب بمعنى يروي، وكما في رواية الجامع الصغير (من عُقلها) وكما في الرواية الآتية (من عُقله) بتذكير النعم وهو صحيح كما ذكرناه آنفًا، ويحتمل أن تكون الباء هنا للمصاحبة أو الظرفية أي أشد تفصيًا من تفصي النعم حالة كونها ملتبسةَ بعُقلها أو في عُقلها ويعني به تشبيه من يتفلت منه بعض القرآن بالناقة التي انفلتت من عِقالها وبقي متعلقًا بها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 429] والبخاري [5039] والترمذي [2943] والنسائي [2/ 154]. وعبارة المفهم في هذا الحديث: قوله (بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت) بئسما هي بئس التي للذم أخت نعم التي هي للمدح وهما فعلان غير متصرفين يرفعان الفاعل ظاهرًا أو مضمرًا إلَّا أنَّه إن كان ظاهرًا لم يكن في الأمر العام إلَّا بالألف، واللام للجنس أو مضافًا إلى ما هما فيه حتَّى يشتمل على الممدوح بهما أو المذموم ولا بد من ذكر الممدوح أو المذموم تعيينًا كقولك نِعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، فإن كان فاعلهما مضمرًا فلا بد من ذكر اسم نكرة ينصب على التمييز لذلك المضمر كقولك نِعم رجلًا زيد وقد يكون هذا تفسير ما كما في هذا الحديث وكما في قوله تعالى {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] وقد يجمع بين الفاعل الظاهر وبين المفسر، كما قال جرير: تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا والاسم الممدوح أو المذموم مرفوع بالابتداء، وخبره الجملة المتقدمة من نِعم وبئس وفاعلهما، وقيل على الخبر وإضمار المبتدإ. واختلف العلماء في متعلق هذا الذم فقال بعضهم: هو على نسبة الإنسان النسيان إلى نفسه إذ لا صنع له فيه فالذي ينبغي له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يقول أُنسيت مبنيًّا لما لم يسم فاعله، وهذا ليس بشيء لأنه صلى الله عليه وسلم قد نسب النسيان إلى نفسه، وقد نسبه الله إليه في قوله سنقرئك فلا تنسى إلَّا ماشاء الله وفي قوله صلى الله عليه وسلم! "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وقيل: كان هذا الذم خاصًّا بزمان النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان من ضروب النسخ نسيان الآية كما قال تعالى سنقرئك فلا تنسى إلَّا ماشاء الله أن يُنسيكه، وفيه بُعد، وقيل: قول ثالث وهو أولاها: إن نسيان القرآن إنما يكره لترك تعاهده وللغفلة عنه كما أن حفظه إنما يثبت بتكراره والصلاة به كما قال في حديث ابن عمر المتقدم: "إذا قام صاحب القرآن يقرأه بالليل والنهار ذكره وإن لم يقم به نسيه" فإذا قال الإنسان نسيت آية كيت وكيت فقد شهد على نفسه بالتفريط وترك معاهدته له وهو ذنب عظيم كما قال في حديث أنس الَّذي خرَّجه الترمذي مرفوعًا: "عرضت علي أعمال أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أُوتِيَها رجل ثم نسيها" وهو نص، وعلى هذا فمتعلق الذم ترك ما أمر به من استذكار القرآن وتعاهده، والنسيان علامة ترك ذلك فعلق الذم عليه، ولا يقال حفظ جميع القرآن ليس واجبًا على الأعيان فكيف يذم من تغافل عن حفظه، لأنّا نقول: من جمع القرآن فقد علت رتبته ومرتبته وشرف في نفسه وقومه شرفًا عظيمًا، وكيف لا يكون كذلك ومن حفظ القرآن فكأنما أُدرجت النبوة بين كتفيه وقد صار ممن يقال فيه هو من أهل الله وخاصته وإذا كان كذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره كما قال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَينِ} [الأحزاب: 30] لا سيما إذا كان ذلك الذنب مما يحبط تلك المنزلة ويسقطها كترك معاهدة القرآن المؤدي به إلى الرجوع إلى الجهالة، ويدل على صحة هذا التأويل قوله في آخر الحديث (بل هو نُسّي) وهذا اللفظ رويناه مشددًا مبنيًّا للمفعول، وقد سمعناه من بعض من لقيناه بالتخفيف، وبه ضبط عن أبي بحر، والتشديد لغيره ولكل منهما وجه صحيح فعلى التشديد يكون معناه أنَّه عوقب بتكثير النسيان عليه لما تمادى في التفريط، وعلى التخفيف فيكون معناه تركه غير ملتفت إليه ولا معتنى به ولا مرحوم له كما قال تعالى: {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة.

1733 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاويةَ. ح وَحدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ. قَال: قَال عَبْدُ اللهِ: تَعَاهَدُوا هَذِهِ الْمَصَاحِفَ. وَرُبَّمَا قَال: القُرْآنَ. فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ. قَال: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كَيتَ وَكَيتَ. بَلْ هُوَ نُسِّيَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (كيت وكيت) كلمة يعبر بها عن الجمل الكثيرة والحديث من الأمر الطويل، ومثلها (ذيت وذيت) قال ثعلب: كان من الأمر (كيت وكيت) وكان من فلان (ذيت وذيت) فكيت كناية عن الأفعال، وذيت إخبار عن الأسماء (والتفصي) التفلُّت والانفصال، يقال تفصّى فلان عن كذا أي انفصل عنه، و (النعم) الإبل ولا واحد له من لفظه، والعقل جمع عقال ككتب وكتاب وهو حبل تعقل به الناقة كما مرّ بيانه اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 1733 - (00) (00) (حَدَّثَنَا) محمد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (وأبو معاوية) محمد بن خازم (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى بن يحيى (قال) يحيى بن يحيى (أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن شقيق) بن سلمة أبي وائل الأسدي (قال) شقيق بن سلمة (قال عبد الله) بن مسعود. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر في رواية هذا الحديث عن أبي وائل (تعاهدوا) أي تحافظوا (هذه المصاحف) وراجعوا ما فيها من القرآن بالتلاوة، جمع مصحف وهو اسم لما جمع بين الدفتين من كلام الله تعالى، قال ابن عطية: ففيه تنبيه للمؤمنين على تعاهد المصحف ولا يترك حتَّى تعلوه الغبار، وفي الحديث من علق مصحفًا ولم يتعاهده جاء يوم القيامة متعلقًا به يقول هذا اتخذني مهجورًا أي تركني وصد عني فأحكم بيني وبينه اهـ من الأبي. (وربما قال) عبد الله تعاهدوا هذا (القرآن فلهو أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم) أي من تفصي النَّعم (من عُقله) أي من عُقل النَعم، ذكَّر الضمير هنا نظرًا إلى لفظه وأنثه في الرواية السابقة نظرًا إلى معناه لأنها بمعنى النوق (قال) عبد الله (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقل أحدكم نسيت آية كيت وكيت) أي آية كذا وكذا (بل) فليقل (هو نُسِّي) بضم النون مع تشديد المهملة المكسورة أي أنساه الله تعالى.

1734 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بِئْسَمَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ سُورَةَ كَيتَ وَكَيتَ. أَوْ نَسِيتُ آيَةَ كَيتَ وَكَيتَ. بَلْ هُوَ نُسِّيَ". 1735 - (756) (165) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1734 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين البغدادي (حَدَّثَنَا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) المكي (حدثني عبدة بن أبي لبابة) بضم اللام القرشي الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقهَ من (4) (عن شقيق بن سلمة) الأسدي أبي وائل الكوفي (قال سمعت) عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد بصري وواحد بغدادي، غرضه بيان متابعة عبدة بن أبي لبابة لمنصور بن المعتمر وسليمان الأعمش (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئسما) أي بئس القول قولًا كائنًا (للرجل) والمخصوص بالذم (أن يقول) الرجل (نسيت سورة كيت وكيت) أي تركت قراءة سورة كذا وكذا (أو) أن يقول (نسيت آية كيت وكيت) وأو للتنويع لا للشك (بل) اللائق به اللازم له أن يقول (هو نُسِّي) أي أنساه الله تعالى بغير اختياره. وقوله (كيت وكيت) بفتح التاء على المشهور، وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة اهـ نواوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1735 - (756) (165) (حَدَّثَنَا عبد الله بن برَّاد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي، ثقة، من (10) (وأبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا: حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن بُريد) بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري الكوفي، أبي بردة الصغير (عن أبي بردة)

عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ في عُقُلِهَا". وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لابْنِ بَرَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكبير عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون أشعريون إلَّا أبا أسامة فإنه قرشي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعاهدوا هذا القرآن) أي جددوا العهد به مرة بعد مرة ليلًا ونهارًا بملازمة تلاوته لئلا تنسوه (فواالَّذي) أي فأُقسم لكم بالإله الَّذي (نفس محمد) وروحه (بيده) المقدسة (لهو) أي للقرآن (أشد) أي أسرع (تفلُّتًا) أي تخلصًا وخروجًا من صدور الرجال (من) تفلت (الإبل) المعقلة (في عقلها) أي من عقالها، قال ابن الأثير: التفلُّت والإفلات والانفلات التخلص من الشيء فجاة من غير تمكث؛ أي هو أشد تفلتًا وأسرع ذهابًا منها في تفلّتها من عقلها اهـ (ولفظ الحديث) المذكور هنا (لابن برّاد) وأما أبو غريب فروى معناه لا لفظه والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 397] والبخاري [5033]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستدلال على الجزء الأول منها وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاسثشهاد له أيضًا والله تعالى أعلم.

338 - (50) باب استحباب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

338 - (50) باب: استحباب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها 1736 - (757) (166) حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ، مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 338 - (50) باب استحباب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها 1736 - (757) (166) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (قالا: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن أبي سلمة) ابن عبد الرحمن الزهري المدني (عن أبي هريرة) الدوسي المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد إما بغدادي أو نسائي، وفيه رواية تابعي عن تابعي حالة كون أبي هريرة (يبلغ به) أي يصل بهذا الحديث (النبي صلى الله عليه وسلم) ويرفع إليه ويسنده ولا يوقفه عليه بل يرويه مسندًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ما أَذِنَ الله لشيء) أي ما استمع الله سبحانه لشيء وأصغى إليه، وأصله أن المستمِعَ بكسر الميم يميل بأذنه إلى جهة المستمَع بفتحها يقال أَذِن بكسر الذال في الماضي يأذَن بفتحها في المضارع أَذَنًا بفتح الهمزة والذال في المصدر من باب تعِب إذا أصغى واستمع (ما أَذِن لنبي) أي مثل ما استمع لنبي من الأنبياء (يتغنى) أي يحسن صوته (بالقرآن) أي بقراءة القرآن وكلام الله تعالى، فما الأولى نافية والثانية مصدرية، أي ما استمع لشيء من الأصوات كاستماعه لصوت نبي يحسن صوته بقراءة القرآن، قال النووي: قالوا: ولا يجوز أن تحمل هنا على الاستماع بمعنى الإصغاء فإنه يستحيل على الله تعالى بل هو مجاز ومعناه الكناية عن تقريبه القارئ وإجزال ثوابه؛ لأن سماع الله تعالى لا يختلف، وفي هذا الحديث حث القارئ على إعطاء القراءة حقها من ترتيلها وتحسينها وتطييبها بالصوت الحسن ما أمكن ما لم يغير لفظ القرآن بزيادة أو نقصان، وفي شروح البخاري أذِن يأذَن كعلِم يعلَم مشترك بين الإطلاق والاستماع، فإن أردت الإطلاق فالمصدر إذْنٌ، وإن أردت الاستماع فالمصدر أَذَن بفتحتين، والمراد بالاستماع هنا إجزال مثوبة القارئ لتنزهه تعالى عن

1737 - (00) (00) وَحدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَال: "كَمَا يَأْذَنُ لِنَبِيّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السمع بالحاسة اهـ، قوله (لنبي) أي لصوت نبي من الأنبياء، قال المناوي: يعني ما رضي الله من المسموعات شيئًا هو أرضى عنده، ولا أحب إليه من قول نبي يتغنى بالقرآن أي يجهر به ويحسن صوته بالقراءة بخشوع وترقيق وتحزن، وأراد بالقرآن ما يقرأ من الكتب المنزلة من كلامه اهـ. [قلت]: والمذهب الأسلم الَّذي هو مذهب السلف أن (السمع) صفة ثابثة لله تعالى نثبته ونعتقده ولا نكيفه ولا نمثله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 450] والبخاري [5024] وأبو داود [1473] والنسائي [2/ 180]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1737 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (ح وحدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري، ثقة، من صغار (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم مولى سعد بن عبادة أبو أمية المصري المقرئ، ثقة فقيه حافظ، من (7) روى عنه في (13) بابا، قال ابن وهب: لو بقي لنا عمرو ما احتجنا إلى مالك اهـ (كلاهما) أي كل من يونس وعمرو بن الحارث رويا (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) مثله يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة يونس وعمرو لسفيان بن عيينة ولكن (قال) أي كل منهما، والصواب (قالا) بألف التثنية؛ أي قال يونس وعمرو في روايتهما: (ما أذِن لشيء) من الأصوات (كما يأذَن) أي كما يستمع النبي) أي لصوت نبي من الأنبياء (يتغنى). أي يحسن صوته (بالقرآن) أي بقراءة كتاب من الكتب المنزلة من عند الله تعالى كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.

1738 - (00) (00) حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (وَهُوَ ابْنُ الْهَادِ)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ، مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1738 - (00) (00) (حدثني بشر بن الحكم) بن حبيب العبدي النيسابوري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني أبو محمد المدني، صدوق، من (8) (حَدَّثَنَا يزيد) بن عبد الله بن أسامة (وهو ابن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5) (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا بشر بن الحكم فإنه نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن إبراهيم لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (أنه) أي أن أبا هريرة (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أذن الله) سبحانه وتعالى (لشيء) من الأصوات (ما أذن لنبي) أي مثل ما أذن واستمع لصوت نبي من الأنبياء، وقوله (حسن الصوت) صفة كاشفة لنبي قاله ملا علي (يتغنى) ذلك النبي أي يحسن صوته (بالقرآن) أي بقراءة كتاب الله أيًا كان حالة كونه (يجهر) ويرفع صوته (به) أي بقراءة القرآن، قال الهروي: قوله (يجهر به) تفسير (ليتغنى) لأنه من تفسير الصحابي الَّذي روى الحديث، واتفق الشافعية على أن تحسين الصوت به مستحب ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتَّى زاد حرفًا أو أخفاه حرم، وتحسين الصوت به أن يقرأه على غير قراءة الألحان وهو تزيينه بالترتيل والجهر والتحزين والترقيق، وقراءته بالألحان هي قراءته بطريقة أهل علم الموسيقا في الألحان أي في النغم والأوزان حسبما رتبوه في صنعة الغناء. وقال بعضهم: إن أفرط في المد واشباع الحركة حتَّى تولد عن الفتحة ألف وعن الضمة واو وعن الكسرة ياء أو أدغم في غير موضع الإدغام كره وإلا جاز، وقال بعضهم: إن انتهى إلى ذلك فهو حرام يفسق فاعله ويعزر اهـ من الأبي بتصرف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

1739 - (00) (00) وَحدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مَالِكٍ وَحَيوَةُ بْنُ شُرَيح، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَال: إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1739 - (00) (00) (وحدثني) أحمد (بن) عبد الرحمن بن وهب (أخي) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي الفهري أبو عبيد الله المصري، روى عنه (م) وابن خزيمة وجماعة، وقال في التقريب: صدوق تغير بآخرة، من (11) مات سنة (264) وقال ابن يونس: لا تقوم به الحجة، وقال ابن عدي: رأيت شيوخ المصريين أجمعوا على ضعفه، وتقدم البسط في ترجمته وهو من أفراد مشايخ مسلم (حَدَّثَنَا عمي عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمر بن مالك) الشرعبي -بفتح المعجمة وسكون الراء وفتح المهملة بعدها موحدة- نسبة إلى شرعب بن قيس من حمير -كما في اللباب- المصري، روى عن ابن الهاد في الصلاة، وصفوان بن سليم وعبيد الله بن أبي جعفر، ويروي عنه (م د س) وابن وهب، وثقه أحمد بن صالح المصري، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به فقيه، من السابعة (وحيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي المصري، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة ثبت فقيه، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني، وقوله (بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة متعلق بأخبرني عمر بن مالك وكذا قوله (مثله) مفعول ثان لأخبرني عمر بن مالك، والضمير عائد إلى المتابع المذكور في السند السابق وهو عبد العزيز بن محمد؛ والتقدير أخبرني عمر بن مالك وحيوة بن شريح عن ابن الهاد بهذا الإسناد مثل ما حدَّث عبد العزيز بن محمد، حالة كون حديث المتابع والمتابَع (سواء) أي متساويين في اللفظ والمعنى فهو تأكيد لمعنى المماثلة، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة، غرضه بسوقه بيان متابعة عمر بن مالك وحيوة بن شريح لعبد العزيز بن محمد في رواية هذا الحديث عن ابن الهاد (و) لكن (قال) عمر بن مالك وحيوة بن شريح والصواب (وقالا) لان المتابع اثنان أي قالا في روايتهما (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل) عمر ابن مالك وحيوة، والصواب (ولم يقولا) بألف التثنية أي لم يقولا في روايتهما (سمع) أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1740 - (00) (00) وَحدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِقْلٌ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ، يَتَغَنى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1740 - (00) (00) (وحدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري نسبة إلى القنطرة محلة ببغداد، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا هِقل) -بكسر أوله وسكون ثانيه- ابن زياد السكسكي مولاهم أبو عبد الله الدمشقي، وهِقل لقب غلب عليه، واسمه محمد، ثقة، من (9) مات سنة (179) وليس عندهم هِقل إلَّا هذا الثقة (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبي عمرو الدمشقي، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمحمد بن إبراهيم في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أذِن) -بفتح الهمزة وكسر الذال- من باب فرح يفرح فرحًا، أي ما أمر (الله) سبحانه (لشيء) أي لاستماع شيء من الأصوات ولا حث عليه (كأَذَنه) -بفتح الهمزة والذال- مصدر لأذِن من باب فرح، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، أي ما أذِن لاستماع شيء من الأصوات ولا حث عليه أَذَنًا مثل أذَنِه، أي أمرًا مثل أمره (لنبي) أي لاستماع صوت نبي من الأنبياء وحثه عليه (يتغنى) أي يُحَسِّن ذلك النبي صوته ويزَيّنه (بـ) قراءة (القرآن) أي بقراءة كتاب من كتب الله المنزلة على أنبيائه حالة كونه (يجهر) ويرفع صوته (به) أي بقراءة القرآن، والله أعلم. قال القاضي: (قوله: كأذَنه) هو على هذه الرواية بمعنى الحث على ذلك والأمر به اهـ، قال النواوي: هذه الرواية تشهد للقول بأن معنى يتغنى تحسين الصوت، قال الأبي: إنما كانت تشهد لأن جملة يجهر به هي بيان لحسن الصوت فلو حُمل يتغنى على الاستغناء كان البيان غير المبيّن إذ لا مناسبة بين الاستغناء والجهر به اهـ.

1741 - (00) (00) وَحدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. غَيرَ أَن ابْنَ أَيُّوبَ قَال في رِوَايَتِهِ: "كَإِذْنِهِ". 1742 - (758) (167) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1741 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي أبي الحسن المدني، قال أبو حاتم: صالح الحديث يكتب حديثه، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال مرّة: ثقة، وقال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن عمرو ليحيى بن أبي كثير في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل) مفعول ثان لما عمل في المتابع؛ والتقدير حَدَّثَنَا محمد بن عمرو عن أبي سلمة مثل (حديث يحيى بن أبي كثير) عن أبي سلمة (غير أن) يحيى (بن أيوب قال في روايته) عن إسماعيل (كإذنه) بكسر الهمزة وسكون الذال. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1742 - (758) (167) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني

حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، (وَهُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيسٍ، أَو الأشعَرِيَّ أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ". 1743 - (759) (168) وَحدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا مالك وهو ابن مغول) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح الواو، البجلي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (7) (عن عبد الله بن بريدة) بن الحُصَيب الأسلمي أبي سهل المروزي أخي سليمان كانا توأمين وُلد عبد الله قبل سليمان، ثقة، من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحُصَيب بن عبد الله الأسلمي المروزي رضي الله عنه (قال) بريدة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عبد الله بن قيس أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بريدة إن (الأشعري) أبا موسى رضي الله عنه، والشك من الراوي أو ممن دونه (أُعطي) أي أعطاه الله سبحانه وتعالى (مزمارا) أي صوتًا حسنًا (من) جنس (مزامير آل داود) - عليه السلام - أي من جنس أصوات داود - عليه السلام - حين يتغنى بالزبور والأذكار، شبّه حسن صوته وحلاوة نغمه بصوت المزمار، ثم حذف المشبّه واستعار له اسم المشبّه به على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، ثم جرّد له بذكر آل داود، وداود هو ابن إيشا صاحب الزبور - عليه السلام - وإليه المنتهى في حُسن الصوت بالقراءة، والآل في قوله آل داود مقحم لأن المراد به هنا نفس ابن إيشا - عليه السلام - كذا في النهاية، والمزمار آلة الغناء واللهو والطرب معروفة من الزمر وهو الغناء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الكبرى في فضائل القرآن، وزاد في أوله (مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي موسى ذات ليلة وهو يقرأ) وسنده من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مروزيان. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1743 - (759) (168) (وحدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي أبو أيوب الكوفي، قال أبو داود: ليس به بأس ثقة، وقال ابن معين: هو من أهل الصدق ليس به بأس، وقال مرّة: ثقة، وقال في التقريب:

حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَبِي مُوسَى: "لَوْ رَأَيتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ! لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق يغرب، من كبار (9) (حَدَّثَنَا طلحة) بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله القرشي الكوفي، صدوق يخطئ، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي بُردة) الكبير عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد بغدادي (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى) الأشعري، ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة لأن الأسماء الظاهرة من قبيل الغيبة ومقتضى الحال أن يقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: (لو رأيتني) يا أبا موسى (وأنا) أي والحال أني (أستمع لقراءتك البارحة) أي في الليلة الماضية المتصلة بهذا اليوم، وجواب لو محذوف تقديره: لأعجبك ذلك الاستماع الواقع منّي، والله (لقد أوتيت) أي أُعطيت يا أبا موسى (مزمارا) أن صوتًا حسنًا (من مزامير آل داود) أي من جنس أصوات داود - عليه السلام -. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5048] والترمذي [3854]. قال القرطبي: المزمار والمزمور الصوت الحسن وبه سميت آلة الزمر مزمارًا، آل داود نفسه، وآل صلة والمراد به داود نفسه، وفي غير مسلم "قال أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبَّرته لك تحبيرًا" أي لحسنته ولجملته، وهذا من أبي موسى محمول على أنَّه كان يزيد في رفع صوته وتحسين ترتيله حتَّى يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ويعرِّفه أنَّه قبل عنه كيفية أداء القراءة وأنه متمكن منها فيحمده النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو له فتحصل له فضيلة ومنقبة كما فعل بأُبيّ حيث سأله فأجابه، فقال: "ليَهنِكَ العلم أبا المنذر" رواه مسلم من حديث أُبيّ، ويحتمل أن يكون ذلك ليبالغ في حالة يُطيب بها القرآن له فإن الإنسان قد يتساهل مع نفسه في أموره ويعتني بها عند مشاركة غيره فيها وإن كان مخلصًا في أصل عمله اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث بريدة بن الحُصَيب ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد أيضًا.

339 - (51) باب ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة

339 - (51) باب: ذكر قراءة النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: سورة الفتح يوم فتح مكة 1744 - (760) (169) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَوَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ قُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِي يَقُولُ: قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ، في مَسِيرٍ لَهُ، سُورَةَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ. فَرَجَّعَ في قِرَاءَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 339 - (51) باب ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة 1744 - (760) (169) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حَدَّثَنَا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (30) بابا (عن معاوية بن قرة) بن إياس بن هلال بن رئاب المزني أبي إياس البصري، كان من عقلاء الناس، روى عن عبد الله بن مغفل في الصلاة، وأنس في الحدود والجهاد وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وعائذ بن عمرو في الفضائل، ومعقل بن يسار في الفتن وغيرهم، ويروي عنه (م د س ق) وشعبة وسماك بن حرب وثابت البناني وعدة، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وأبو حاتم وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة عالم، من الثالثة، مات سنة (113) ثلاث عشرة ومائة، مولده يوم الجمل، وله (76) ست وسبعون سنة (قال) معاوية بن قرة: (سمعت عبد الله بن مغفل) بتشديد الفاء على صيغة اسم المفعول ابن عبيد بن نهم (المزني) أبا عبد الرحمن البصري، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان منهم كوفيان، وفيه التحديث والسماع والعنعنة والمقارنة (يقول: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح) فتح مكة (في مسير له) أي في سير له إلى مكة (سورة الفتح) حالة كونه (على راحلته) أي ناقته (فرجع) أي مد صوته (في قراءته) تلك في مواضع المد، والترجيع ترديد الصوت في الحلق وقد حكى عبد الله بن مغفل ترجيعه صلى الله عليه وسلم بمد الصوت في القراءهْ نحو آآ آ، قال ابن الأثير: وهذا إنما حصل

قَال مُعَاويَةُ: لَوْلا أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ. لَحَكَيتُ لَكُمْ قِرَاءَتَهُ. 1745 - (00) (00) وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ قُرَّةَ؛ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ. قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، عَلَى نَاقَتِهِ، يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ. قَال: فَقَرَأَ ابْنُ مُغَفَّلٍ وَرَجَّعَ. فَقَال مُعَاويةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ منه والله أعلم يوم الفتح لأنه كان راكبًا فجعلت الناقة تحركه وتُنَزِّيهِ فحدث الترجيع في صوته، وفي حديث آخر غير أنَّه كان لا يرجع ووجهه أنَّه لم يكن حينئذ راكبًا فلم يحدث في قراءته الترجيع اهـ، وهذا غير الترجيع المذكور في باب صفة الأذان، قال القرطبي: وهذا محمول على إشباع المد في موضعه، ويحتمل أن يكون ذلك حكاية صوته عند هز الراحلة إذا كان راكبًا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز الركوب اهـ مفهم (قال معاوية) بن قرة (لولا أني أخاف أن يجتمع علي الناس) لاستماعي (لحكيت) أي لوصفت (لكم قراءته) أي قراءة عبد الله بن مغفل فإنه الحاكي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حكى عبد الله بن مغفل ترجيعه صلى الله عليه وسلم بمد الصوت في القراءة نحو أآ أآ أآ ثلاث مرات كما في توحيد البخاري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 54] والبخاري [4281] وأبو داود [1467]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فقال: 1745 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن معاوية بن قرة) المزني البصري (قال) معاوية: (سمعت عبد الله بن مغفل) المزني البصري. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن جعفر لعبد الله بن إدريس ووكيع في رواية هذا الحديث عن شجة (قال) عبد الله بن مغفل: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة) المكرمة راكبًا (على ناقته) حالة كونه (يقرأ سورة الفتح، قال) معاوية بن قرة (فقرأ) عبد الله (بن مغفل) رضي الله عنه سورة الفتح لمحاكاة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (ورجع) ابن مغفل في قراءته لحكاية ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم (فقال معاوية) بن

لَوْلا النَّاسُ لأَخَذْتُ لَكُمْ بِذلِكَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 1746 - (00) (00) وَحدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ قَال: عَلَى رَاحِلَةٍ يَسِيرُ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قرة (لولا الناس) أي لولا مخافة اجتماع الناس علي (لأخذت) أي لوصفت (لكم بذلك) الترجيع (الَّذي ذكره) عبد الله (بن مغفل) وحكاه (عن النبي صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فقال: 1746 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث عبد الله بن مغفل (يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (قالا) أي قال كل من خالد ومعاذ (حَدَّثَنَا شعبة) غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع أي حَدَّثَنَا خالد بن الحارث ومعاذ بن معاذ عن شعبة بهذا الإسناد يعني عن معاوية عن عبد الله بن مغفل (نحوه) أي نحو ما روى محمد بن جعفر عن شعبة (و) لكن (في حديث خالد بن الحارث) وروايته (قال) ابن مغفل: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبًا (على راحلة يسير) إلى مكة (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقرأ سورة الفتح). ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلَّا حديث عبد الله بن مغفل وذكر فيه متابعتين. ***

340 - (52) باب نزول السكينة لقراءة القرآن

340 - (52) باب: نزول السكينة لقراءة القرآن 1747 - (761) (170) وَحدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ. وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو. وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "تِلْكَ السَّكِينَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 340 - (52) باب نزول السكينة لقراءة القرآن 1747 - (761) (170) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي أبو زكرياء النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي إسحاق) الهمداني السبيعى عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) (عن البراء) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي، وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد نيسابوري (قال) البراء (كان رجل) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقرأ) في جوف الليل (سورة الكهف) ليس نزول السكينة خاصًّا بها لقوله تنزلت للقرآن (وعنده) في البيت (فرس مربوط بشطنين) أي بحبلين، تثنية شطن وهو الحبل الطويل المضطرب والنوى وجمعه أشطان، وإنما ربطه بشطنين لقوته وشدته، وصف أعرابي فرسه فقال: كأنه شيطان في أشطان، والشطون البعيدة يقال شطن إذا بعد ومنه الشيطان على أحد التأويلين (فتغشته) غطت ذلك الرجل القارئ (سحابة) مثل الضبابة (فجعلت) السحابة (تدور) أي تجول وتطوف حوله (وتدنو) أي تقترب منه (وجعل فرسه) المربوط عنده (ينفر) أي يهرب ويشرد (منها) أي من تلك السحابة، وهذه هي الرواية المشهورة، تنفر من النفور، وعند أبي بحر تنقز بالقاف والزاي ومعناه تثب يقال نقز الصبي وقفز إذا وثب (فلما أصبح) الرجل ودخل في الصباح (أتى النبي صلى الله عليه وسلم نذكر) أي أخبر الرجل (ذلك) الَّذي حصل له في الليل من مجيء السحابة له عند القراءة ونفور الفرس منها (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (تلك) السحابة التي جاءتك عند القراءة هي (السكينة) وهي ما يحصل به السكون وصفاء القلب، قال النواوي: قد قيل في معنى السكينة أشياء كثيرة المختار منها أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة، وقال الراغب الأصفهاني: قيل هو مَلكٌ يُسكِّن قلب المؤمن ويؤمِّنه، كما روي أن عليًّا قال:

تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ". 1748 - (00) (00) وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ. وَفِي الدَّارِ دَابَةٌ. فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ. فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إن السكينة لتنطق على لسان عمر اهـ (تنزلت) عليك وتدلت (للقرآن) أي لقراءتك القرآن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 293 - 298] والبخاري [3614] والترمذي [2887]. وعبارة القرطبي هنا: والسكينة مأخوذة من السكون وهو الوقار والطمأنينة وهي هنا اسم للملائكة كما فسرها في الرواية الأخرى وسماهم بذلك لشدة وقارهم وسكونهم تعظيمًا لقراءة هذه السورة، واختلف المفسرون في قوله تعالى {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 248] على أقوال كثير؛ فقيل السكينة الرحمة، وقيل حيوان كالهر له جناحان وذنب ولعينيه شعاع فإذ انظر للجيش انهزم، وقيل آيات يسكنون لها، وقال ابن وهب: روح من الله يتكلم معهم ويبين لهم إذا اختلفوا وهذا القول أشبهها لأنه موافق لما في هذا الحديث اهـ من المفهم. قال النواوي: وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة، وفيه فضيلة القراءة وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة، وفيه فضيلة استماع القرآن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 1748 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى وابن بشار) البصريان (واللفظ (الآتي (لابن المثنى قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) البصري المعروف بغندر (حَدَّثَنَا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي (قال: سمعت البراء يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي خيثمة في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق (قرأ رجل) من المسلمين لم أرَ من ذكر اسمه (الكهف) أي سورته، لا يختص نزول السكينة بقرائتها دون سائر القرآن لقوله في آخر الحديث تنزلت عند القرآن اهـ من الأُبيّ (وفي الدّار) عنده (دابّة) يعني فَرَسًا كما هو مصرَّح في الرواية السابقة (فجعَلَت) أي شرَعَت الدابّة (تَنْفِر) من نَفَر من باب ضرب أي تثِب وتضطرب (فنظر) الرجل القارئ حواليه (فإذا ضبابة) واحدة الضباب بفتح الضاد فيهما؛ وهو ندى كالغبار

أَوْ سَحَابَةٌ، قَدْ غَشِيَتْهُ. قَال: فَذَكَرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "اقْرَأْ فُلانُ! فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ". 1749 - (00) (00) وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو دَاوُدَ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ، فَذَكَرَا نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُمَا قَالا: تَنْقُزُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يُغَشِّي الأرض بالغدَوات كما في المصباح (أو) قال أبو إسحاق (سحابة) وهي غربال المطر معروفة، والشك من شعبة، وإذا فجائية (قد غشيته) أي قد غشيت الرجل وغظته أي ففاجأه غِشيان ضبابة (قال) البراء (فذكر) الرجل القارئ (ذلك) الَّذي رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (اقرأ) القرآن يا (فلان) ولا تخف من الضبابة أو من السحابة (فإنها) فإن تلك الضبابة (السكينة تنزلت عند القرآن) أي لأجل قراءة القرآن (أو) قال أبو إسحاق (تنزَّلت للقرآن) والشك أيضًا من شعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث البراء فقال: 1749 - (00) (00) وحدثنا ابن المثنى) البصريّ (حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسَّان الأزدي البصريّ، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (وأبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا كلاهما (قالا حَدَّثَنَا شعبة) غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول) الحديث (فذكرا) أي فذكر عبد الرحمن وأبو داود (نحوه) أي نحو حديث محمد بن جعفر ومثله (غير أنهما) أي لكن أنّ عبد الرحمن وأبا داود (قالا) في روايتهما فجَعَلَت الدابّة (تنقُز) أي تثب بالقاف والزاي من باب نصر، وكانت الرواية الأولى وجَعَل فرسه ينفِر والرواية الثانية فجَعَلت تنفر وهذه رواية ثالثة، قال النواوي: الروايتان الأوليان بالفاء والراء بلا خلاف وأما الثالثة فبالقاف المضمومة وبالزاي هذا هو المشهور، ووقع في بعض نسخ بلادنا في الثالثة ينفز بالفاء والزاي وحكاه القاضي عياض عن بعضهم وغلّطه، ومعنى ينقز بالقاف والزاي يثب وفي معناه القفز من باب ضرب وكذلك النفر كما هو مقتضى ما في بعض النسخ اهـ هامش. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال:

1750 - (762) (171) وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، (وَتَقَارَبَا في اللَّفْظِ)، قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ خَبَّابٍ حدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حدَّثَهُ؛ أَنَّ أُسَيدَ بْنَ حُضَيرٍ، بَينَمَا هُوَ، لَيلَةً، يَقْرَأُ في مِرْبَدِهِ. إِذْ جَالتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1750 - (762) (171) (وحدثني حسن بن علي الحلواني) الهُذلي أبو علي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وحجّاج) بن يوسف بن حجّاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (وتقاربا في اللفظ قالا: حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا يزيد) بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبو عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (أن عبد الله بن خبّاب) الأنصاري النجّاري مولاهم مولى بني عدي بن النجّار المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) (حدثه أن أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) رضي الله عنه (حدثه) أي حدّث لعبد الله بن خبّاب (أن أُسيد بن حضير) بالتصغير فيهما، بن سماك بن عتيك بن امرئ القَيس الأنصاري الأشهلي أبا عيسى المدني رضي الله عنه شهد العقبة وكان أحد النقباء فيها، له ثمانية عشر حديثًا (18) اتقفا على حديث واحد منها، روى عنه (ع) وأنس بن مالك في الجهاد، وأبو سعيد الخدري في الصلاة، وليس في مسلم مَن اسمه أُسيد إلَّا هذا الصحابي الجليل. وهذا السند من سباعياته رجاله ستة منهم مدنيون وواحد إما مكي أو بغدادي، وفيه رواية صحابي عن صحابي (بينما هو ليلة) من الليالي (يقرأ) القرآن (في مربده) أي في موضع تجفيف التمر كالبيدر للحنطة ونحوها (إذ جالت فرسه) أي وثبت، أنّث الفرس هنا حين قال جالت فرسه، وذكّره في الرواية السابقة حيث قال وعنده فرس مربوط فكلاهما صحيح لأن الفرس يقع على الذكَر والأنثى، ومعنى جالت اضطربت ووثبت، والمربد هو الموضع الَّذي يُيبّس فيه التمر كالبيدر للطعام، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما والظرف متعقق بالجواب أي بينما أوقات قراءته القرآن في مربده إذ جالت فرسه المربوطة عنده (فقرأ) ثانيًا (ثم جالت) أي وثبت الفرس مرةً (أخرى فقرأ) ثالثًا (ثم جالت) مرة ثالثة

أَيضًا. قَال أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، فَقُمْتُ إِلَيهَا. فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي، فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ. عَرَجَتْ في الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا. قَال: فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَينَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيلِ أَقْرَأُ في مِرْبَدِي إِذْ جَالتْ فَرَسِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَإِ ابْنَ حُضَيرٍ! " قَال: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالتْ أَيضًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَإِ ابْنَ حُضَيرٍ! " قَال: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالتْ أَيضًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَإِ ابْنَ حُضَيرٍ! " ـــــــــــــــــــــــــــــ (أيضًا) ولفظة أيضًا كلمة يؤتى بها بين شيئين بينهما عُلقة كما بسطنا الكلام عليها في جواهر التعليمات (قال أُسيد) بن حضير (فخشيت) أي خفت من الفرس (أن تطأ) وتدوس ولدي (يحيى) وكان قريبًا من الفرس (فقمت إليها) أي إلى الفرس لأبحث عن سبب اضطرابها (فإذا) شيء (مثل الظُّلة) أي شبهها، والظُّلة هي ما بقي من الشمس كسحاب أو سقف بيت مأخوذة من الظل قائم (فوق رأسي) وإذا فجائية أيضًا أي ففاجأني رؤية مثل الظلة فوق رأسي (فيها) أي في تلك الظلة أنوار (أمثال السرُج) أشباه المصابيح والسرج بضمتين جمع سراج وهو المصباح، شبَّه الأَنوار التي رأى في السحابة بها، ولفظ البخاري أمثال المصابيح أي أجسام لطيفة نورانية، ثم (عرجت) وصعدت تلك الظلة (في الجو) والهواء وارتفعت (حتَّى ما أراها) ولا أبصرها، والجو بتشديد الواو ما بين السماء والأرض (قال) أسيد (ف) لما أصبحت (غدوت) أي بكرت ودخلت (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ) أخبرته خبر ما رأيته في ليلتي و (قلت) له (يا رسول الله بينما أنا البارحة) أي في الليلة القريبة إلينا (من جوف الليل أقرأ) القرآن (في مربدي إذ جالت) ووثبت (فرسي) وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي بينما أوقات قراءتي جوف الليل من هذه البارحة في مربدي فاجأني جولان فرسي ووثوبها (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ) أي دُم على قراءتك يا (ابن حضير) فيما يستقبلك من الليالي. قال القرطبي: (وقوله صلى الله عليه وسلم لابن حضير: اقرأ) عند إخباره له بما رأى هو أمر له بمداومته على القراءة فيما يستأنفه فرحًا بما أطلعه الله عليه، وكرر ذلك تأكيدًا اهـ المفهم، ولفظ البخاري (اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير) (قال) أُسيد (فقرأت ثم جالت أيضًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير قال: فقرأت ثم جالت أيضًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير) وتكرار

قَال: فَانْصَرَفْتُ، وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا. خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ. فَرَأَيتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ. فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ. عَرَجَتْ في الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تِلْكَ الْمَلائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ. وَلَوْ قَرَأْتَ لأصبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ. مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله فقرأت، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير للتأكيد اللفظي كما يدل عليه لفظ البخاري المذكور آنفًا (قال) أُسيد (فانصرفت) أي ذهبت إلى جهة الفرس (وكان) ولدي (يحيى قريبًا منها) أي من الفرس وهو نائم، وقد (خشيت) أي خفت (أن تطأه) أي أن تدوسه الفرس (فرأيت) فوق رأسي (مثل الظلة) أي شبه السحابة (فيها) أي في ذلك المثل، أنّث الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه (أمثال السُّرُج) أي أنوار أشباه المصابيح فـ (عرجَت) أي صعدت تلك الظلة (في الجو) أي في الهواء وغابت عني (حتَّى ما أراها) ولا أبصرها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك) الظلة هي (الملائكة كانت تستمع لك) قراءتك (ولو قرأت) أي ولو دمت في قراءتك (لأصبحت) عندك حتَّى (يراها الناس) عندك، والحال أنها (ما تستتر) ولا تختفي (منهم) أي من الناس وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5518] لكنه جعل الحديث من حديث أسيد وجعله مسلم من حديث أبي سعيد. واعلم أن قراءة أسيد بن حضير ورؤيته الظلة وإخباره للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم له: اقرأ يا ابن حضير كانت كلها مرة واحدة في ليلة واحدة لا تكرار فيها، والتكرار الواقع في الحديث في بعضها للتوكيد، قال النواوي: (قوله اقرأ ابن حضير) أي كان ينبغي لك أن تدوم على القراءة وتغتنم ما حصل لك من نزول الملائكة عليهم السلام وتستكثر اهـ، وقال القاضي: فيه جواز رؤية الملائكة عليهم السلام اهـ، قال الأُبيّ: والأظهر في السكينة التي ذكرت في الحديث السابق أنها الملائكة عليهم السلام لقوله في هذا الحديث: تلك الملائكة، وقال القاضي: وتكون السحابة أو الظلة أمرًا من عجائب ملكوته ينزل معه في قلب القارئ الرحمة أو الطمأنينة أو الوقار كما في الغمامتين أو الظلّتين لقارئ البقرة اهـ من الأُبيّ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث البراء ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد.

341 - (53) باب أمثال من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ وفضل الماهر بالقرآن والذي يتعب فيه

341 - (53) باب: أمْثالِ مَنْ يقرأ القرآنَ ومن لا يقرأ وفضل الماهر بالقرآن والذي يتعب فيه 1751 - (763) (172) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 341 - (53) باب أمثال من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ وفضل الماهر بالقرآن والذي يتعب فيه 1751 - (763) (172) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (كلاهما عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة ثبت، من (7) (قال قتيبة: حَدَّثَنَا أبو عوانة) بصيغة السماع (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري (عن أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنهما (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (مثل المؤمن الَّذي يقرأ القرآن) أي الَّذي يداوم ويستمر على تلاوته أي صفته في طيب ظاهره وباطنه (مثل الأترجّة) أي صفتها، والأُترجّة بضم الهمزة وسكون التاء وضم الراء وتشديد الجيم المفتوحة هي ثمر جامع لطيب الطعم والرائحة وحُسن اللون يشبه البطيخ (ريحها طيب وطعمها طيب) وجه التشبيه مجموع الأمرين طيب المطعم وطيب الرائحة لا أحدهما على التفريق وهو من باب تشبيه معقول بمحسوس فطيب المطعم في النفس المؤمنة الإيمان لأنه ثابت في النفس هي به طيبة الباطن كثبوته في الأترجة، وطيب الرائحة فيه يرجع إلى قراءته القرآن لأن القراءة قد يتعدى نفعها إلى الغير فينتفع بها المستمع كما أن طيب رائحة الأترج تتعدى اهـ من الأبي. (ومثل المؤمن الَّذي لا يقرأ القرآن) قال الطيبي: ليس المراد بهذا النفي الانتفاء بالكلية بل المراد أن لا تكون القراءة دأبه وعادته والأظهر خلاف ما ذكر وأن المراد عدم حفظه ألبتة لأن الحديث إنما خرج مخرج الحضّ على حفظه، قال السنوسي: وفيه نظر لأن المقصود من حفظ القرآن تعاهده بكثرة التلاوة للوقوف على أسرار معانيه والاتعاظ

مَثَلُ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرانَ مَثَلُ الرِّيحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ. لَيسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ". 1752 - (00) (00) وَحدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكريم مواعظه والعمل بشريف أوامره ونواهيه فالمقصود من الحديث الحضُّ على هذا المعنى لا على مجرَّد حفظه إذ لا جدوى له كما هو المشاهد في كثير من حفّاظه حتَّى إن كثيرًا من عامّة المؤمنين أحسن منهم بكثير دينًا وعلمًا اهـ (مثل التمرة لا ريح لها) أي لا ريح مشتهى لها وإلا فالتمرة لها ريح (وطعمها حلو) أي حال فحلاوة النفس المؤمنة الإيمان وانتفاء الرائحة الطيبة عنها عدم تلاوتها القرآن (ومثل المنافق الَّذي يقرأ القرآن مثل الريحانة) قال العسقلاني: الريحانة كل بقلة طيبة الريح (ريحها طيب وطعمها مرٌّ) فطيب رائحة النفس المنافقة بقراءة القرآن ومرارتها بخبث الاعتقاد (ومثل المنافق الَّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة) نبت مرٌّ لا ساق له (ليس لها ريح) طيب (وطعمها مرّ) فكذلك المنافق الَّذي لا يقرأ القرآن ليس له رائحة طيبة لعدم تلاوته القرآن ولا طيب القلب لخبث اعتقاده. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 403 و 404] والبخاري [5020] وأبو داود [4803] والترمذي [2865] والنسائي [8/ 124 - 125] وابن ماجة [124]. قال النواوي: في الحديث فضيلة حافظ القرآن واستحباب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد اهـ. وفيه أيضًا تمثيل الأعمال بالأثمار وهي من ثمرات النفوس وفي هذا التمثيل معان ذكرها ابن الملك في المبارق؛ من جملتها أن الأشجار المثمرة لا تخلو عمن يغرسها ويسقيها ويربّيها كذا المؤمن يقئض له الله من يؤدِّبه ويعلِّمه ويهذِّبه ولا كذلك الحنظلة المهملة المتروكة بالعراء اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 1752 - (00) (00) (وحدثنا هدّاب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي أبو خالد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا همَّام) بن يحيى بن دينار الأزدي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا محمد بن

الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَن في حَدِيثِ هَمَّامٍ بَدَلَ "الْمُنَافِقِ": "الْفَاجِرِ". 1753 - (764) (174) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال ابْنُ عُبَيدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري (عن شعبة) بن الحجَّاج البصري (كلاهما) أي كل من همّام وشعبة رويا (عن قتادة) بن دعامة البصري، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لأبي عوانة في الرواية عن قتادة، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وكذا قوله (مثله) مفعول ثان له أي حَدَّثَنَا شعبة وهمَّام عن قتادة بهذا الإسناد يعني عن أنس عن أبي موسى مثل ما حدّث أبو عوانة عن قتادة، ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أن في حديث همّام) وروايته (بدل المنافق) المذكور في الرواية السابقة لفظة، ومثل (الفاجر) الَّذي يقرأ القرآن ... الخ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1753 - (764) (174) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (ومحمد بن عبيد) بن حساب (الغبري) البصري (جميعا) أي كلاهما (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (قال ابن عبيد: حَدَّثَنَا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى) العامري الحرشي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد واسطي وواحد بلخي أو ثلاثة بصريون وواحد بلخي (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن) هو الحاذف الكامل الحفظ الَّذي لا يتوقف ولا يثق عليه القراءة لجودة حفظه هاتقانه، يكون في الآخرة (مع السفرة) جمع سافر ككاتب وكتبة وزنًا ومعنًى وهم الملائكة الموصوفون بقوله (الكرام البررة) كما في الآية الكريمة، قال ابن الملك: أراد بهم الملائكة الدِّين يكتبون أعمال العباد ويحفظونها لأجلهم، ومعنى كونه معهم أن

وَالَّذِي يَقرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون في منازلهم ورفيقًا لهم في الآخرة لاتصافه بصفتهم من جهة أنَّه حامل الكتاب وأمين عليه، والبررة جمع البار بمعنى المحسن، قوله (الماهر بالقرآن) يعني الحاذق به، قال الهروي: أصله الحذق بالسباحة، قلت: ومنه قول امرئ القيس: وترى الضَّبَّ خفيفًا ماهرًا ... ثانيًا بُرثُنه ما ينعفر (البراثن) بمنزلة الأصابع من الإنسان (ما ينعفر) أي لا يصيبه العفر وهو التراب، وقال المهلب: المهارة في القرآن جودة التلاوة بجودة الحفظ ولا يتردد فيه لأن الله سبحانه يسره عليه كما على الملائكة فهو على مثلهم في الحفظ والدرجة، و (السفرة) جمع سافر وهم ملائكة الوحي سموا بذلك لأنهم يسفرون بين الله وبين خلقه وهم رؤساء الملائكة، وقيل هم الكتبة، والكاتب يسمى سافرًا، ومنه أسفار الكتاب وعلى هذا فوجه كونهم مع الملائكة أن حملة القرآن يبلغون كلام الله إلى خلقه، فهم سفراء بين رسل الله وبين خلقه فهم معهم أي في مرتبتهم في هذه العبادة، ويستفاد من هذا أن حملة القرآن ينبغي لهم الاعتناء في التبليغ والتعليم والاجتهاد في تحصيل الصدق وإخلاص النية لله حتَّى تصح لهم المناسبة بينهم وبين الملائكة اهـ مفهم. (والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه) أي يتردد في تلاوته عيًا وصعوبةً ويتلبد عليه لسانه ويقف في قراءته لعدم مهارته، والتعتعة في الكلام العي، وجملة قوله (وهو) أي القرآن (عليه شاق) أي شديد تصيبه مشقه، حال من فاعل يتتعتع (له أجران) أي ثوابان أجر لقراءته وأجر لتحمل مشقته، هذا تحريض على تحصيل القراءة وليس معناه أن الَّذي يتتعتع فيه له من الأجر أكثر من الماهر بل الماهر أفضل وله أجور كثيرة حيث اندرج في سلك الملائكة اهـ ملا علي. ولم يذكر هذه المنزلة لغيره وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته ودرايته كاعتنائه حتَّى مهر فيه اهـ إكمال المعلم. والحاصل أن المضاعفة للماهر لا تحصى فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر، والأجر شيء مقدر، وهذا له أجران من تلك المضاعفات والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4937] وأبو داود [1454] والترمذي [2906] والنسائي وابن ماجة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

1754 - (00) (00) وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحدَّثَنَا أبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال في حَدِيثِ وَكِيعٍ: "وَالَّذِي يَقْرَأْ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيهِ لَهُ أَجْرَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 1754 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا) محمد (بن) إبراهيم بن (أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) البصري كلاهما) أي كل من سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي رويا (عن قتادة) بن دعامة البصري. وهذان السندان من سباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سعيد وهشام لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن قتادة (بهذا الإسناد) يعني عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله تعالى عنها (و) لكن (قال) أبو بكر بن أبي شيبة (في حديث وكيع) وروايته (والذي يقرأ وهو يشتد) أي يشق (عليه له أجران) وهو بمعنى الرواية الأولى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي موسى ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أيضًا متابعة واحدة. ***

342 - (54) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه

342 - (54) باب: استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه 1755 - (765) (174) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لأُبَي: "إِن اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيكَ" قَال: اللهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَال: "اللهُ سَمَّاكَ لِي" قَال: فَجَعَلَ أُبَي يَبْكِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 342 - (54) باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحُذَّاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه 1755 - (765) (174) (حدثنا هدّاب بن خالد) القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا همّام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا قتادة) بن دعامة البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأُبيّ) بن كعب بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني سيد القرّاء كاتب الوحي رضي الله عنه (أن الله) سبحانه وتعالى (أمرني أن أقرأ عليك) القرآن، إنما كان ذلك ليلقن عنه أُبن كيفية القراءة مشافهة وصفتها وليبيِّن طريق تحميل الشيخ للراوي بقراءته عليه، وفي حديث عبد الله بن مسعود الآتي قراءة التلميذ على الشيخ وكلاهما طريق صحيح، وتخصيص سورة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1]، لما تضمّنته من ذكر الرسالة والصحف والكتب في قوله تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 2] وهو مناسب لحالهما والله تعالى أعلم، اهـ من المفهم (قال) أُبيّ (الله) سبحانه وتعالى (سمّاني) أي ذكر اسمي (لك) يا رسول الله، بهمزة الاستفهام على التعجب منه إذ كان ذلك مستبعدًا عنده لأن تسميته تعالى له وتعيينه ليقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم تشريف عظيم وتأهيل لم يحصل مثله لأحد من الصحابة رضوان الله عليهم، ولذلك لمَّا أخبره بذلك بكى من شدة الفرح والسرور لحصول تلك المنزلة الشريفة والمرتبة المُنيفة له، اهـ من المفهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم (الله سمّاك لي) أي ذكر اسمك لي (قال) أنس (فجعل أُبيّ يبكي) فرحًا بذلك، قال ابن الملك: قوله (آلله سمّاني لك) أي أعينني الله سبحانه بذكر اسمي لك يا رسول الله، وهو معطوف على فعل مقدَّر مع حرف الاستفهام تقديره: هل ذكرني صريحًا وسمَّاني، قيل الحكمة في الأمر بالقراءة

1756 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأُبيِّ بْنِ كَعْبٍ: "إِن اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1] قَال: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَال: "نَعَمْ " قَال: فَبَكَى. 1757 - (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ -يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه هو أن الله تعالى كان عالمًا بأن الناس سيأخذون القرآن منه ويكون شيخًا فيه فأمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بالقراءة عليه ليتعلّم آداب القراءة وآداب التعليم لتستنّ الأمة بذلك كما في المبارق. وتخصيص قراءة (لم يكن) فلأنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدين وفروعه ومهماته في الوعد والوعيد والإخلاص وتطهير القلوب وكان الوقت يقتضي الاختصار كما في النواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 273] والبخاري [3809] والترمذي [3894]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1756 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار) البصريان (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجّاج البصري (قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس) بن مالك رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لهمّام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن كعب) رضي الله عنه (أن الله) سبحانه (أمرني أن أقرأ عليك) سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} قال) أُبيّ بن كعب (وسمّاني) الله تعالى أي ذكر الله اسمي الك) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) ذكر الله لي اسمك (قال) أنس (فبكى) أُبيّ فرحًا بذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 1757 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنسًا يقول: قال

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأُبَيٍّ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي) بن كعب وساق خالد بن الحارث (بمثله) أي بمثل ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة، غرضه بيان متابعة خالد لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أنس وذكر فيه متابعتين. قال النواوي: هذه الأسانيد الثلاثة المذكورة في هذا الباب رُواتها كلهم بصريون وهذا من المستطرفات التي قل نظيرها لأنه اجتمع هنا ثلاثة أسانيد متصلة مسلسلون بغير قصد وقد سبق بيان مثله، وفي الطريق الثالث فائدة حسنة وهي أن قتادة صرح بالسماع عن أنس بخلاف الأوليين وقتادة مدلّس فينتفى أن يُخاف من تدليسه بتصريحه بالسماع وقد سبق التنبيه على مثل هذا مزات، وفي الحديث فوائد كثيرة منها استحباب قراءة القرآن على الحذّاق فيه وأهل العلم به والفضل وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، ومنها المنقبة الشريفة لأُبيّ بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولا يُعلم أحد من الناس شاركه في ذلك، ومنها منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له ونصحه عليه في هذه المنزلة الرفيعة، ومنها البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور. وأما قوله (آلله سمَّاني لك) فيه أنه يجوز أن يكون الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على رجل من أمَّته ولم ينص على أُبيّ فأراد أُبيّ أن يتحقق هل نص عليه أو قال على رجل؟ فيؤخذ منه الاستثبات في المحتملات، واختلفوا في الحكمة في قراءته صلى الله عليه وسلم على أُبيّ، والمختار أن سببها أن تستن الأُمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل ويتعلّموا آداب القراءة ولا يأنف أحد من ذلك، وقيل للتنبيه على جلالة أُبي وأهليته لأخد القرآن عنه وكان بعده صلى الله عليه وسلم رأسًا وإمامًا في إقراء القرآن وهو أجل ناشرته أو من أجلّهم، ويتضمن معجزةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تخصيص هذه السورة فلأنها وجيزة جامعة لقواعد كثيرة من أصول الدِّين وفروعه ومهماته والإخلاص وتطهير القلوب، وكان الوقت يقتضي الاختصار والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من النواوي. ***

343 - (55) باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر

343 - (55) باب: فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر 1758 - (766) (175) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ حَفْصٍ. قَال أبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأ عَلَي الْقُرْآنَ" قَال: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَقْرَأُ عَلَيكَ، وَعَلَيكَ أُنْزِلَ؟ قَال: "إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيرِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 343 - (55) باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر 1758 - (766) (175) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (جميعًا عن حفص قال أبو بكر: حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي، ثقة، من (5) (عن عبيدة) بالتاء مع التصغير، ابن عمرو السلماني نسبة إلى قبيلة من مراد أبي عمرو الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ) يا عبد الله (عليّ القرآن) لأستمع منك (قال) عبد الله (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أقرأ) بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم مع تقدير همزة الاستفهام أي أأقرأ (عليك) القرآن (و) الحال أنه (عليك أنزل قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أشتهي) وأحب (أن أسمعه) أي أن أسمع القرآن (من كيري) هذا بيان لعلة أمره بالقراءة عليه أو ليعلمه طريق الأداء والعرض أو لأنه أبلغ في التفهم لتفرغه عن الشغل بالتلاوة، وتخصيصه صلى الله عليه وسلم ابن مسعود يحتمل أنه لم يحضر غيره أو لم يحضر أعلم منه، اهـ أبي. وعبارة القرطبي: قوله (إني أشتهي أن أسمعه من غيري) أي أستطيب ذلك، وذلك أن السامع قد يكون أحضر من القارئ لاشتغال القارئ بالقراءة وكيفيتها، ويحتمل أن يكون أشتهي بمعنى أحب، وفيه بيان سُنة قراءة الطالب على الشيخ، اهـ من المفهم، قوله (وعليك أنزل) انظر ما الذي توهم

فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ، حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] رَفَعْتُ رَأْسِي. أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي فَرَفَعْتُ رَأسِي. فَرَأَيتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ. 1759 - (00) (00) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَمِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، جَمِيعًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ هَنَّادٌ فِي رِوَايَتهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله حتى قال ذلك فيحتمل أنه فهم أنه أراد بقراءته عليه الاتعاظ، فقال: أتتعظ بقراءتي وعليك أنزل لا أنه للتعلم، اهـ أُبيّ، قال عبد الله (فقرأت) عليه من أول سورة (النساء حتى إذا بلغت) قوله تعالى ({فَكَيفَ}) حال الكفار ({إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ}) يشهد عليها بعملها وهو نبيها ({وَجِئْنَا بِكَ}) يا محمد ({عَلَى هَؤُلَاءِ}) الكفرة ({شَهِيدًا}) [النساء: 41] تشهد عليهم بعملهم من الشرك (رفعت رأسي أو) قال عبد الله (غمزني) أي طعنني (رجل) جالس (إلى جنبي) أي إلى جانبي لينبهني على حال النبي صلى الله عليه وسلم والشك من عبيدة بن عمرو (فرفعت رأسي) فالتفتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرأيت دموعه) صلى الله عليه وسلم (تسيل) وتجري على خدَّيه وتفيض، قال القاضي: وبكاؤه صلى الله عليه وسلم لما تضمنته الآية وما قبلها من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وما بعده من قوله تعالى {يَوْمَئِذٍ} أي يوم المجيء بالشهداء {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ} أي أن {تُسَوَّى بِهِمُ} أي تتسوَّى بهم {الْأَرْضُ} [النساء: 42] بأن يكونوا ترابًا مثلها لعظم هَوله كما في آية أخرى: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَاليتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} عمَّا عملوه في الدنيا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 433] والبخاري [5050] وأبو داود [3668] والترمذي [3027 و 3028] وابن ماجه [4194]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1759 - (00) (00) (حدثنا هنَّاد بن السريّ) بن مصعب التميمي أبو السريّ الكوفي، ثقة، من (10) (ومنجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمد الكوفي، ثقة، من (10) (جميعًا عن علي بن مسهر) القرشي أبي الحسن الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لحفص بن غياث (و) لكن (زاد هنَّاد) بن السريّ (في روايته) عن

قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، "اقْرَأْ عَلَي". 1765 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي مِسْعَرٌ. وَقَال أَبُو كُرَيبٍ: عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "اقْرَأْ عَلَيَّ" قَال: أَقْرَأُ عَلَيكَ وَعَلَيكَ أنْزِلَ؟ قَال: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيرِي" قَال: فَقَرَأَ عَلَيهِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النسَاءِ. إِلَى قَوْلِهِ: {فَكَيفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] فَبَكَى. قَال مِسْعَرٌ: فَحَدَّثَنِي مَعْنٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ علي بن مسهر على غيره (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (على المنبر: اقرأ عليَّ) فزاد لفظة وهو على المنبر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 1760 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (قالا: حدثنا أبو أسامة) حمَّاد بن أسامة الكوفي (حدثني مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي، ثقة، من (7) (وقال أبو كريب عن مسعر) بالعنعنة (عن عمرو بن مرّة) بن عبد الله الهمداني المرادي الجملي أبي عبد الله الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (قال) إبراهيم (قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: اقرأ عليّ) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن مزة للأعمش في رواية هذا الحديث عن إبراهيم ولكن فيه إرسال (قال) عبد الله (أقرأ عليك وعليك أنزل) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أحب أن أسمعه من غيري قال) إبراهيم (فقرأ عليه) عبد الله (من أول سورة النساء إلى قوله {فَكَيفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} فبكى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال مسعر) بالسند السابق (فحدثني) أيضًا (معن) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي، ثقة، من كبار (6) (عن جعفر بن عمرو بن حُريث)

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "شَهِيدًا عَلَيهِمْ مَا دُمْتُ فِيهِمْ، أَوْ مَا كُنْتُ فِيهِمْ" (شَكَّ مِسْعَرٌ). 1761 - (767) (176) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: كُنْتُ بِحِمْصَ. فَقَال لِي بَعْضُ الْقَوْمِ: اقْرَأْ عَلَينَا. فَقَرَأْتُ عَلَيهِمْ سُورَةَ يُوسُفَ. قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَاللهِ، مَا هكَذَا أُنْزِلَتْ. قَال: قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ القرشي المخزومي الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة والحج وجدِّه لأمِّه عدي بن حاتم، ويروي عنه (م د س ق) ومعن بن عبد الرحمن المسعودي ومُساور الورّاق وحجّاج بن أرطاة، ذكره ابن حبان في الثفات، وقال في التقريب: مقبول، من (3) الثالثة (عن أبيه) عمرو بن حُريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبي سعيد الكوفي رضي الله عنه صحابي صغير له ثمانية عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديثين كما مر (عن) عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه (قال) ابن مسعود (قال النبي صلى الله عليه وسلم) كنت (شهيدًا عليهم ما دمت فيهم أو) قال لي معن بن عبد الرحمن (ما كنت فيهم، شك مسعر) فيما قاله معن فأوصل مسعر السند في هذا الطريق بخلافه في سنده عن إبراهيم فإنه أرسل، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديثٍ آخر له فقال: 1761 - (767) (176) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثم الرازي، ثقة، من (8) (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله (كنت بحمص) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم اسم بلدة معروفة في الشام (فقال لي بعض القوم) الذين كانوا معي (اقرأ علينا) يا ابن مسعود شيئًا من القرآن لنستمع منك قال عبد الله (فقرأت عليهم سورة بوسف قال) عبد الله (فقال وجل من القوم: والله ما هكذا أنزلت) أي أقسمت لك بالله الذي لا إله غيره ما أنزلت هذه السورة هكذا أي بمثل ما قرأته علينا (قال) عبد الله (قلت) للرجل المعارض علي

وَيحَكَ، وَاللهِ، لَقَدْ قَرَأتُهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لِي: "أَحْسَنْتَ". فَبَينَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ. قَال: فَقُلْتُ: أَتَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتُكَذِّبُ بِالْكِتَابِ؟ لا تَبرَحُ حَتَّى أَجْلِدَكَ. قَال: فَجَلَدْتُهُ الْحَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويحك) أي ألزمك الله الويح والترحم، وهي كلمة تقال لمن وقع في هلكة (والله) أي أقسمت لكم بالله الذي أنزل القرآن بالحق (لقد قرأتها) أي قرأت هذه السورة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) مثل ما قرأتها عليكم (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحسنت) في قراءتك وأصبت قال عبد الله (فبينما أنا كلمه) أي أكلم ذلك الرجل (إذ وجدت) وشممت (منه) أي من ذلك الرجل (ريح الخمر) أي رائحة المسكر، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما، وبينما أصله بين فزيدت عليه ما الكافة فكفته عن الإضافة إلى المفرد فلزمت الإضافة إلى الجملة وهو متعلق بالجواب أي بينما أوقات تكليمي إياه فاجأني إحساس رائحة الخمر منه بحاسة الشم (قال) عبد الله (فقلت) له (أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب) المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أي تنكر بعضه جاهلًا وليس المراد التكذيب الحقيقي لأنه لو كذبه حقيقةً لكفر وصار مرتدًا يجب قتله، وقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن فهو كافر تجري عليه أحكام المرتدين اهـ نووي. قال عبد الله: فقلت له (لا تبرح) أيها الرجل أي لا تزال ملازمًا لي أو لا تنتقل عن هذا المكان (حتى أجلدك) وأضربك الضرب الخاص (قال) عبد الله (فجلدته) أي ضربت الرجل (الحد) أي جلد حد الخمر وهو أربعون جلدةً لعله جلده لحصول اعترافه به، ولعله كان لابن مسعود ولاية إقامة الحدود هناك كما ذكره النواوي. قال القرطبي: قوله (أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب) نسبه إلى التكذيب بالكتاب على جهة التغليظ وليس على حقيقته إذ لو كان كذلك لحكم برِدَّتِهِ أو قتله إذ هذا حكم من كذب بحرف منه، وكان الرجل إنما كذب عبد الله لا القرآن وهو الظاهر من قول الرجل ما هكذا أنزلت جهالةً منه أو قلة حفظ أو قلة تثبت لأجل السّكَر والله أعلم اهـ. وحد ابن مسعود للرجل الذي وجد منه ريح الخمر هو مذهب كافة العلماء خلافًا لأبي حنيفة والثوري، قال النواوي: وهو مذهبنا لأن الرائحة قد تكون لأنه شربه مكرهًا أو نسيانًا أو لأنه اشتبه عليه ولعل الرجل في القضية اعترف وحده بحمص وهو إنما كان قاضيًا لعمر وصدرًا من خلافة عثمان بالكوفة فلعله راعى حكمه حيثما حل أو كان مقدمًا

1762 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، جَمِيعًا عَنِ الأعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ: فَقَال لِي: "أَحْسَنْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في بعض تلك المغازي أو حده بإذن من له الأمر هناك اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 405 و 425] والبخاري [5001] وعبارة النواوي هنا: فحد ابن مسعود للرجل هو محمول على أنه كان له ولاية إقامة الحدود لكونه نائبًا للإمام عمومًا أو في إقامة الحدود أو في تلك الناحية أو استاذن من له إقامة الحدود هناك في ذلك ففوضه إليه، ويحمل أيضًا على أن الرجل اعترف بشرب خمر بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها لاحتمال النسيان أو الاشتباه عليه أو الإكراه أو غير ذلك اهـ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1762 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية جميعًا) أي كل من عيسى بن يونس وأبي معاوية رويا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن الأعمش (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود (مثله) (و) لكن (ليس في حديث أبي معاوية) وروايته (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحسنت) في قراءتك والله أعلم.

344 - (56) باب فضل تعلم القرآن وقراءته في الصلاة

344 - (56) باب: فضل تعلم القرآن وقراءته في الصلاة 1763 - (768) (177) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟ " قُلْنَا: نَعَمْ. قَال: "فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، خَيرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 344 - (56) باب فضل تعلم القرآن وقراءته في الصلاة 1763 - (768) (177) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيحب أحدكم) بهمزة الاستفهام التقريري أي هل يحب أحدكم أيها الحاضرون (إذا رجع إلى أهله) أي إلى منزله الذي يسكن فيه أهله (أن يجد فيه) أي في منزله (ثلاث خلفات) بفتح الخاء وكسر اللام هي الحوامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي عشار، والواحدة خلفة وعشراء اهـ نواوي، وخص الخلفات لأنها محبوبات عند العرب، ولأن إيراد الحكم بالمثال أرسخ وأوقع في النفس اهـ أبي (عظام) الجسم (سمان) اللحم (قلنا) له صلى الله عليه وسلم (نعم) نحب ذلك (قال) صلى الله عليه وسلم (فثلاث آيات) قال الطيبي: الفاء فيه للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا تقرر عندكم ما قلتم من أنكم تحبون ما ذكرت لكم وأردتم بيان ما هو أفضل لكم منه فأقول لكم: ثلاث آيات (يقرأ بهن أحدكم في صلاته) أي أجرها (خير له) أي لأحدكم (من ثلاث خلفات عظام سمان) لأن هذه من الباقيات الصالحات وتلك من الزائلات الفانيات، قال السنوسي: والحديث ورد على سبيل تحبيب الطاعة للنفس وتنشيطها بحيث يصطحب العقل والخيال على إيثار طاعة الله تعالى وتستلذ النفس والجوارح بها أعظم من استلذاذها بالسعي في الحظوظ الدنيوية، وإلا فالحرف الواحد من القرآن والتسبيحة الواحدة خير من ملك الدنيا بحذافيرها اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه رواه في كتاب الأدب في ثواب التسبيح اهـ من تحفة الأشراف.

1764 - (769) (178) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَينٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُلِيٍّ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنهما فقال: 1764 - (769) (178) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين) التميمي الملائي أبو نعيم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (15) أبواب (عن موسى بن علي) بضم أوله مصغرًا، وقيل مكبرًا، ابن رباح -بالموحدة- بن معاوية بن حُديج اللخمي أبي عبد الرحمن المصري الإسكندراني، روى عن أبيه في الصلاة والصوم والفتن، ويروي عنه (م عم) والفضل بن دكين ووكيع في الصوم، وعبد الله بن وهب والليث بن سعد في الصوم والفتن، وثقه أحمد وابن سعد وابن معين والعجلي والنسائي، وقال أبو حاتم: كان رجلًا صالحًا يتقن حديثه لا يزيد ولا ينقص، صالح الحديث، وكان من ثقات المصريين وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من السابعة، مات سنة (163) ثلاث وستين ومائة، وله نيف وتسعون سنة (93) (قال سمعت أبي) علي بن رباح - بموحدة - ابن قصير -ضد الطويل- اللخمي أبا موسى المصري، قال علي بن عمر: لقبه عُلَيٌّ بضم أوله مصغرًا وكان يغضب منه روى عن عقبة بن عامر في الصلاة، وأبي قيس مولى عمرو بن العاص في الصوم، وفضالة بن عبيد في البيوع، والمستورد بن شداد القرشي في الفتن، ويروي عنه (م عم) وابنه موسى وأبو هاني الخولاني ويزيد بن أبي حبيب، وثقه ابن سعد والنسائي، وقال العجلي: تابعي مصري، ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من صغار الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة (117) (يحدث عن عقبة بن عامر) بن عبس الجهني أبي حماد المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه، له (00) حديثًا، روى عنه في (3) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان كوفيان (قال) عقبة بن عامر (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حجرته إلى المسجد (و) الحال (نحن في الصفة) أي في موضع مظلل من المسجد الشريف كان فقراء المهاجرين يأوون إليه وهم المسمون بأصحاب الصفة، وكانوا أضياف الإسلام عدهم أبو نعيم في الحلية أكثر من

فَقَال: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغدُوَ كُل يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَينِ كَوْمَاوينِ، فِي غَيرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُحِبُّ ذلِكَ. قَال: "أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ، آيَتَينِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَل خَيرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مائة، وعبارة العون: والصفة مكان في مؤخر المسجد أعد لنزول الغرباء فيه من ليس له مأوى ولا أهل اهـ منه (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيكم يحب أن يغدو) أي يذهب في الغدوة وهي أول النهار (كل يوم إلى بطحان أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي أن يغدو (إلى العقيق) وبطحان والعقيق واديان بينهما وبين المدينة قريب من ثلاثة أميال أو نحوها، قال ابن الملك: خصهما بالذكر لكون كل منهما أقرب المواضع التي يقام فيه أسواق الإبل إلى المدينة، والظاهر أن أو للتنويع لكن في جامع الأصول أو قال إلى العقيق فدل على أنها للشك من الراوي قاله ملا علي، وعبارة العون: وبطحان -بضم الموحدة وسكون الطاء- اسم واد بالمدينة سمي بذلك لسعته وانبساطه، من البطح وهو البسط، وضبطه ابن الأثير بفتح الباء أيضًا وقيل أراد بالعقيق العقيق الأصغر وهو على ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة (فيأتي منه) أي من بطحان أو من العقيق (بناقتين كوماوين) تثنية كوماء قلبت الهمزة واوًا كما هو القاعدة في الهمزة الزائدة، وأصل الكوم العلو، والكوماء الناقة العظيمة السنام، أي فيحصل منه على ناقتين عظيمتي السنام وهي من خيار مال العرب، وفي قوله (في غير إثم) سببية أي فيحصلهما بسبب فعل ليس فيه إثم كغصب ونهب وسرقة سمي موجب الإثم إثمًا مجازًا، وقوله (ولا قطع رحم) معطوف على إثم أي ويحصلهما بسبب فعل ليس فيه قطع رحم، قال ملا علي: وهو تخصيص بعد تعميم (فقلنا: يا رسول الله) كلنا (نحب ذلك) أي تحصيل ذلك المذكور من الناقتين (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلا يغدو) أي ألا يجتهد (أحدكم) في تحصيل ما هو خير من ذلك فلا يغدو ويبكر (إلى المسجد فيعلم) بالنصب في جواب الاستفهام، أو بالرفع على الاستئناف قاله ملا علي، وذكر هو وابن الملك في ضبط هذه الكلمة أنها إما من العلم أر من التعليم ورجحا كونها من العلم بمعنى التعلم (أو يقرأ آيتين من كتاب الله عزَّ وجلَّ) وأو للتنويع كما في المرقاة، فيكون الفعلان متنازعين في المفعول، والمعنى أفلا يكن غدو أحدكم إلى المسجد فتعلمه أو قراءته آيتين من كتاب الله عزَّ وجلَّ هما أو الغدو (خير له) أي لأحدكم (من ناقتين) فقوله (خير له)

وَثَلاثٌ خَيرٌ مِنْ ثَلاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ. وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر لمبتدإ محذوف أي هما أو الغدو اهـ من المبارق (وثلاث) آيات يقرؤها (خير له من ثلاث) نوق (وأربع) آيات يقرؤها (خير له من أربع) نوق، وقوله (ومن أعدادهن) متعلق بمحذوف تقديره: وأكثر من أربع آيات يقرؤهن خير له من أعدادهن (من الإبل) على التفصيل المذكور أي فخمس آيات يقرؤهن خير له من خمس إبل وعلى هذا القياس، وقوله من الإبل بدل من أعدادهن أو بيان لها وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك على وفق ما يغتنمه ويبتغيه المخاطب وإلا فالآية الواحدة خير من الدنيا وما فيها اهـ من المبارق. قال القرطبي: ومقصود الحديث الترغيب في تعلم القرآن وتعليمه، وخاطبهم على ما تعارفوه فإنهم أهل إبل وإلا فأقل جزء من ثواب القرآن وتعليمه خير من الدنيا وما فيها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ولموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها" رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 154] وأبو داود [1456]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول منهما حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال، والثاني حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد.

345 - (57) باب فضل قراءة القرآن وفضل قراءة سورة البقرة وسورة آل عمران

345 - (57) باب: فضل قراءة القرآن وفضل قراءة سورة البقرة وسورة آل عمران 1765 - (770) (179) حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، (وَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ)، حَدَّثَنَا مُعَاويةُ، (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ)، عَنْ زَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اقْرَؤُوا الْقُرْانَ، فَإِنهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأصحَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 345 - (57) باب فضل قراءة القرآن وفضل قراءة سورة البقرة وسورة آل عمران 1765 - (770) (179) (حدثني الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (حدثنا أبو توبة وهو الربيع بن نافع) الحلبي الطرسوسي، ثقة حجة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا معاوية يعني ابن سلام) بتشديد اللام بن أبي سلام ممطور الحبشي الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن) أخيه (زيد) بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي، ثقة، من (4) (أنه) أي أن زيدًا (سمع أبا سلام) ممطورًا الحبشي الأسود الدمشقي الأعرج، وقيل النوبي، وقيل إن الحبشي نسبة إلى حي من حمير، ثقة، من (3) وليس عندهم ممطور إلا هذا، روى عنه في (4) أبواب (يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي) صُدَيُّ بالتصغير، بن عجلان الحمصي الصحابي المشهور، له مائتا حديث وخمسون حديثًا، سكن مصر، ومات بالشام سنة (86) ست وثمانين وهو ابن (91) إحدى وتسعين سنة، وكان يُصَفِّرُ لحيته، وكان مع علي بصفين، روى عن عمرو بن عبسة في الصلاة، ويروي عنه (ع) لي في (خ) خمسة أحاديث، وفي (م) ثلاثة، وأبو سلام ممطور الحبشي وأبو عمار شداد في الصلاة، ويحيى بن أبي كثير مرسلًا وشهر بن حوشب وسالم بن أبي الجعد وغيرهم وليس في مسلم من اسمه صُديٌّ إلا هذا الصحابي الجليل. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم شاميون إلا حسن بن علي فإنه مكي (قال) أبو أمامة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه) هذا على جهة التوسع في الأفهام، وتحقيقه أنه يشفع له بسببه فإما الملائكة الذين كانوا يشاهدون تلاوته أو من شاء الله تعالى ممن يشفعهم فيه بسببه وهذه الشفاعة على تقدير أن يكون

اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَينِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ. فَإِنهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيرٍ صَوَافَّ. تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ القارئ صاحب كبيرة في تخليصه من النار وإن لم يكن عليه ذنوب شفع له في ترفيع درجاته في الجنة أو في المسابقة إليها أو في جميعهما أو ما شاء الله منها إذ كل ذلك بكرمه تعالى وتفضله و (اقرؤوا الزهراوين) تثنية الزهراء تأنيث الأزهر وهو المضيء الشديد الضوء سميتا زهراوين لكثرة أنوار الأحكام الشرعية والأسماء الحسنى العلية فيهما اهـ من المرقاة. وفي النواوي: سميتا بذلك لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما (البقرة وسورة آل عمران) بالنصب على البدلية من الزهراوين أو بتقدير أعني، ويجوز رفعهما بتقديرهما وذكر السورة في الثانية دون الأولى لبيان جواز كل منهما اهـ مرقاة. قال النواوي: وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وشبهها ولا كراهة في ذلك، وكرهه بعض المتقدمين وقال: إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران، والصواب الأول، وبه قال الجمهور لأن المعنى معلوم اهـ (فإنهما تأتيان يوم القيامة كانهما غمامتان) أي سحابتان تظلان صاحبهما من حر الموقف (أوكانهما غيايتان) الغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه كالسحابة وغيرها اهـ نهاية. وأو للتنويع لا للشك، قال النواوي: قال أهل اللغة: الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه سحابةً وغبرةً وغيرهما، قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين اهـ، قال القرطبي: والغمام السحاب الملتف وهي الغياية إذا كانت قريبًا من الرأس والظلة أيضًا، وقد جاءت هذه الألفاظ الثلاثة في هذا الحديث وفي حديث النواس، ومعنى هذا الحديث أن صاحب هاتين السورتين في ظل ثوابهما يوم القيامة، كما قال: "سبعة يظلهم الله في ظله" رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، وقال: "الرجل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس" رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وعبر عن هذا المعنى بتلك العبارة توسعأ واستعارةَ إذ كان ذلك بسببهما اهـ من المفهم (أو كأنهما فرقان) هما وحزقان في الرواية الآتية واحد ومعناهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة وهو الجماعة (من طير صواف) أي صافات جمع صافّة بمعنى مصطفة وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء؛ اهـ مبارق، قال تعالى {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] (تُحاجّان عن أصحابهما) أي تدافعان الجحيم والزبانية عنهم، وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة اهـ مرقاة. وعبارة القرطبي:

اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ. فَإنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ. وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ. وَلا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ". قَال مُعَاويةُ: بَلَغَنِي أَن الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ. 1766 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ)، حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَكَأَنهُمَا" فِي كِلَيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (تُحاجّان) أي تقومان وتجادلان عنه كما قال صلى الله عليه وسلم في سورة تبارك "تجادل عن صاحبها" رواه مالك في الموطإ، وهذه المجادلة إن حُملت على ظاهرها معناها يخلق الله تعالى من يجادل بها عنه من الملائكة كما جاء في بعض هذا الحديث: "أن من قرأ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ} [آل عمران: 18] خلق الله سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة" رواه أبو نُعَيم من حديث أنس، ولكن فيه مُجاشع بن عمرو أحد الكذّابين، وإن أُوِّلت فيكون معناها أن الله تعالى يوصله إلى ثواب قراءتهما ولا ينقص منه شيء كما يفعل من يستخرج حقه ويجادِل عليه كما قال: "والقرآن حُجّة لك أو عليك" رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي مالك رضي الله عنه. (اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها) أي قراءتها (بَركة) لقارئها (وتركها) أي ترك قراءتها (حسرة) وندامة على من تركها (ولا تستطيعها) بالتانيث والتذكير أي لا يقدر على تحصيلها (البَطَلَة) أي السّحَرة، عبر عن السحرة بالبطلة لأن أفعالهم باطلة اهـ مبارق (قال معاوية) بن سلّام بالسند السابق (بلغني) من بعض الناس (أن البطلة) هو (السحَرة) جمع ساحر وهو تفسير مدرج من معاوية، وهذا الحديث مما انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات، ولكن شاركه أحمد [5/ 249 و 254]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أبي أمامة رضي الله عنه فقال: 1766 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا يحيى يعني ابن حسّان) بن حيان التنيسي أبو زكريا البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا معاوية) بن سلّام (بهذا الإسناد) يعني عن زيد عن أبي سلّام عن أبي أمامة (مثله) مفعولٌ ثانٍ لقوله أخبرنا يحيى لأنه العامل في المتابع أي أخبرنا يحيى بن حسّان عن معاوية بن سلّام مثل ما روى أبو توبة عن معاوية (غير أنه) أي لكن أن يحيى بن حسّان (قال) في روايته (وكأنهما) بالواو لا بأو التنويعية (في كليهما) أي في

وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُعَاويةَ: بَلَغَنِي. 1767 - (771) (180) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلا الموضعين يعني قوله أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير (ولم يذكر) يحيى بن حسّان (قول معاوية: بلغني) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهما. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي أمامة بحديث النوَّاس بن سِمعان رضي الله عنهما فقال: 1767 - (771) (180) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكَوسج التميمي أبو يعقوب المروزي، ثقة واسع العلم، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا يزيد بن عبد ربه) الزُّبيدي -بضم الزاي- أبو الفضل الحمصيّ المؤذن الجُرجُسي، بجيمين مضمومتين بينهما راء ساكنة ثم مهملة نسبة إلى جُرجُس اسم كنيسة بحمص كان ينزل عندها فنسب إليها، روى عن الوليد بن مسلم في الصلاة، ومحمد بن حرب في الطلاق، وعقبة بن علقمة البيروتي وبقية بن الوليد، ويروي عنه (م د س ق) والذهلي وابن معين وأحمد وأبو حاتم والدارمي وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين والعِجلي، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي عالم الشام، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن محمد بن مهاجر) الأنصاري مولاهم الشامي أخي عمرو بن مهاجر مولى أسماء بنت يزيد الأشهليّة، روى عن الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي في الصلاة، ونافع وربيعة بن يزيد، ويروي عنه (م عم) والوليد بن مسلم وهشام بن سعيد وغيرهم، وثّقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات سنة (170) سبعين ومائة (عن الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي) -بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة- الحمصي الزجّاج، روى عن جُبير بن نُفير في الصلاة، وابن عمر وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن مهاجر ويعلى بن عطاء وإبراهيم بن أبي عبلة وغيرهم، وثقه أبو حاتم وابن معين وابن خراش، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن جُبير بن نُفير) -بالتصغير فيهما- ابن مالك بن عامر الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي، ثقة مخضرم من الثانية، روى عنه

قَال: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلابِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ. تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ" وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَمْثَالٍ. مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ. قَال: "كَأَنهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ. بَينَهُمَا شَرْق. أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ في (10) أبواب (قال) جُبير بن نُفير: (سمعت النوّاس) بفتح النون وتشديد الواو (بن سمعان) بفتح أوّله أو بكسره (الكلابي) الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه، له (17) سبعة عشر حديثًا انفرد له (م) بثلاثة، ويروي عنه (م عم) وجُبير بن نُفير في الصلاة والفتن، وأبو إدريس الخولاني وليس عندهم نوّاس إلّا هذا الصحابي المشهور، وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم شاميون إلّا إسحاق بن منصور فإنه مروزي (يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يُؤتى) أي يُجاء (بالقرآن يوم القيامة و) بـ (أهله) أي وبأصحابه (الذين كانوا) يلازمون تلاوته و (يعملون به) أي بما فيه من الأوامر والنواهي (تقدمه) أي تتقدم أهله أو القرآن نظير قوله تعالى يقدم قومه يوم القيامة (سورة البقرة و) سورة (آل عمران وضرب) أي جعل (لهما) أي لسورة البقرة وآل عمران (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال) أي ثلاثة أشباه، قال النواس (ما نسيتهن) أي ما نسيت تلك الأمثال الثلاثة (بعد) أي بعد سماعي منه ولا ذهلت عنها حتى الآن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب أمثالهما (كأنهما غمامتان) أي سحابتان (أو ظلتان) أي سحابتان (سوداوان) لكثافتهما وارتكام البعض منهما على بعض وذلك من المطلوب في الظلال اهـ من المرقاة (بينهما شرق) بفتح الراء وسكونها أي ضوء ونور، وسكون الراء فيه أشهر من فتحها اهـ المرقاة (أو كأنهما حزقان) أي قطيعان (من طير صواف) أي مصطفات (تحاجان) أي تجادلان (عن صاحبهما) أي عن تاليهما والعامل بهما. قال القرطبي: (قوله كأنهما غمامتان أو ظلتان أو كأنهما حزقان) هذا يدل على أن أو ليست للشك لأنه مثل السورتين بثلاثة أمثال فيحتمل أن تكون أو بمعنى الواو كما يقول الكوفي وأنشدوا عليه: نال الخلافة أو كانت له قدرًا ... كما أتى ربه موسى على قدر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشدوا أيضًا: وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها وقالوه في قوله تعالى {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ} [البقرة: 19] وقال البصريون: إنها بمعنى الإباحة فكأنه قال: شبهوهم بكذا وبكذا، وهذا الخلاف جار في هذا الحديث لأنها أمثال معطوفة بأو فهي مثل أو كصيب وقال بعض علماء الشافعية: وليست أو للشك بل للتنويع فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما، والثاني لمن جمع الأمرين، والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستعدين للتعليم اهـ من الأبي (وقوله بينهما شرق) قال القاضي عياض: رويناه بكسر الراء وفتحها، قيل وهو الضياء والنور، قلت: والأشبه أن الشرق بالسكون بمعنى المشرق يعني أن بين تلك الظلتين السوداوين مشارق أنوار، وبالفتح هو الضياء نفسه، وإنما نبه في هذا الحديث على هذا الضياء لأنه لما قال سوداوان توهم أنهما مظلمتان فنفى ذلك بقوله بينهما شرق أي مشارق أنوار أو أنوار حسب ما قررناه ويعني بهما سوداوين أي من كثافتهما التي بسببها حالتا بين من تحتهما وبين حرارة الشمس وشدة اللهب، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 183] والترمذي [2886]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث أبي أمامة الباهلي ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث النواس بن سمعان ذكره للاستشهاد. ***

346 - (58) باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخرها

346 - (58) باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخرها 1768 - (772) (181) حَدَّثَنَا حَسَن بن الرَّبِيعِ وَأَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَال: بَينَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ. فَقَال: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 346 - (58) باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخرها 1768 - (772) (181) (حدثنا حسن بن الربيع) البجلي أبو علي الكوفي، ثقة، من (10) (وأحمد بن جواس الحنفي) أبو عاصم الكوفي، ثقة، من (10) (قا لا: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (7) (عن عمار بن رزيق) بتقديم الراء مصغرًا الضبي أبي الأحوص الكوفي، وثقه ابن معين وأبو زرعة وعلي بن المديني، وقال أبو حاتم والنسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: لا بأس به، من (8) مات سنة (159) (عن عبد الله بن عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبي محمد الكوفي، روى عن سعيد بن جبير في الصلاة، وجده عبد الرحمن في الصلاة في (خ م) قال الحربي: لم يسمع منه، ويروي عنه (ع) وعمار بن رزيق وإسماعيل بن أبي خالد، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي، وقال الحاكم: هو من أوثق آل أبي ليلى، وقال ابن المديني: منكر الحديث، وقال في التقريب: ثقة فيه تشيع، من السادسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من (3) قتله الحجاج الجائر (عن ابن عباس) الهاشمي الطائفي رضي الله عنهما، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس فإنه طائفي (قال) ابن عباس (بينما جبريل) - عليه السلام - (قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع) النبي صلى الله عليه وسلم (نقيضا) بالقاف والضاد المعجمة أي صوتًا كصوت الباب إذا فتح (من فوقه فرفع) النبي صلى الله عليه وسلم (رأسه) إلى السماء (فقال) له جبريل (هذا)

إِلا الْيَوْمَ. فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ. فَقَال: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ. لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلا الْيَوْمَ. فَسَلَّمَ وَقَال: أَبْشِرْ بِنُورَينِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ. فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلا أُعْطِيتَهُ. 1769 - (773) (182) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوت الذي سمعته (باب) أي صوت (من السماء فُتح اليوم لم يُفتح قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية، وفي بعض النسخ ولم يُفتح قط (إلا اليوم) أي إلا في هذا اليوم (فنَزل منه) أي من ذلك الباب (ملك فقال) جبريل - عليه السلام - (هذا) الملك (ملك نزل إلى الأرض لم ينْزل قط) إلى الأرض (إلا اليوم) وفي بعض النسخ، ولم ينْزل قط (فسلم) أي هذا الملك عليك يا محمد (وقال) لك (أبشر) يا محمد (بنورين أوتيتهما) أي أعطيتهما (لم يؤتهما) أي لم يعطهما (نبي) من الأنبياء (قبلك) هما (فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة) بالجر بدل من نورين ويجوز القطع إلى الرفع كما قررنا، وإلى النصب بتقدير يعني سماهما نورين لأن كل واحد منهما نور يسعى بين يدي صاحبهما أو لأنهما يرشدان إلى الصراط المستقيم اهـ ملا علي. ويعني بخواتيم البقرة الآيات الثلاث منهما. قال القرطبي: قوله (بنورين) أي بأمرين عظيمين نيرين تبين لقارئهما وتنوره، وخصت الفاتحة بهذا لما ذكرناه من أنهما تضمنت جملة معاني الإيمان والإسلام والإحسان، وعلى الجملة فهي آخذة بأصول القواعد الدينية والمعاقد المعارفية، وخصت خواتيم سورة البقرة بذلك لما تضمنته من الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضي الله تعالى عنهم بجميل انقيادهم لمقتضاها وتسليمهم لمعناها وابتهالهم إلى الله تعالى ورجوعهم إليه في جميع أمورهم، ولما حصل فيها من إجابة دعواتهم بعد أن علموها فخفف عنهم وغفر لهم ونصروا، وفيها غير ذلك مما يطول تتبعه اهـ من المفهم. (لن تقرأ) يا محمد أنت وأمتك (بحرف) أي بكلمة (منهما) أي من كلماتهما (إلا أعطيته) أي إلا أعطيت بمعنى ذلك الحرف أي بمقتضى تلك الكلمة وأجبت به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [2/ 138]. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال:

حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ؛ قَال: لَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيتِ. فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ فِي الآيَتَينِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَقَال: نَعَمْ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيلَةٍ، كَفَتَاهُ". 1770 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 1769 - (773) (182) (وحدثنا أحمد بن) عبد الله بن (يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ، من كبار العاشرة (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عثاب الكوفي، ثقة ثبت، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس أخي الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبي بكر الكوفي، ثقة تابعي كوفي، من كبار (3) روى عنه في (9) أبواب (قال لقيت أبا مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري المدني رضي الله عنه في مكة (عند البيت) المشرف زادها الله تعالى شرفا وهو يطوف، قال عبد الرحمن بن يزيد (فقلت) له (حديث بلغني عنك) بواسطة الناس حدثته (في) شأن (الآيتين) اللتين (في) آخر (سورة البقرة) هل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ (فقال) أبو مسعود (نعم) سمعته منه فإنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة) من الليالي (كفتاه) أي دفعتا عنه الشر والمكروه الواقع في تلك الليلة قاله ملا علي، وقال بعض شراح البخاري: أجزأتا عنه من قيام الليل، وقيل: إنهما أقل ما يجزئ من القراءة في قيام الليل اهـ من بعض الهوامش، وقال القرطبي: قوله (كفتاه) أي من قيام الليل أو من حزبه إن كان له حزب من القرآن، وقيل: وقتاه شر كل شيطان وكل ذي شر كما جاء في أن "من قرأ آية الكرسي لم يزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطان حتى يصبح" رواه البخاري والترمذي من حديث أبي هريرة أو كفتاه في الأجر لكثرة ما يحصل بقراءتهما من الثواب والأجر والله أعلم اهـ من المفهم، وعبارة العون: كفتاه من قيام الليل، وقيل من الشيطان، وقيل من الآفات، ويحتمل من الجميع اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5008 و 5009] وأبو داود [1397] والترمذي [2881] والنسائي وابن ماجه [1369]. 1770 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا

جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 1771 - (00) (00) حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ هَاتَينِ الآيَتَينِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي لَيلَةٍ، كَفَتَاهُ". قَال عَبْدُ الرَّحْمنِ: فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيتِ. فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِي بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنَزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري كلاهما (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج (كلاهما) أي كل من جرير وشعبة رويا (عن منصور) بن المعتمر (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبد الرحمن عن أبي مسعود، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وشعبة لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن منصور بن المعتمر. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيا في حديث أبي مسعود فقال: 1771 - (00) (00) (وحدثنا منجاب بن الحارث التميمي) أبو محمد الكوفي، ثقة، من (10) (أخبرنا) علي (بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم) النخعي الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) الكوفي (عن علقمة بن قيس) النخعي الكوفي (عن أبي مسعود الأنصاري) البدري المدني، وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا مسعود فإنه مدني، وغرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور في رواية هذا الحديث عن إبراهيم النخعي (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة) وفي رواية البخاري "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة" وهي أسلم من الحشو (في ليلة) من الليالي (كفتاه) أي أجزأتاه عن قيام تلك الليلة (قال عبد الرحمن) بن يزيد بالإسناد السابق (فلقيت) أي التقيس (أبا مسعود) الأنصاري بعد ما حدثني علقمة بن قيس عنه (وهو) أي والحال أن أبا مسعود (يطوف بالبيت فسألته) أي سألت أبا مسعود عن هذا الحديث الذي حدثنيه عنه علقمة بن قيس (فحدثني به) أي بذلك الحديث أبو مسعود

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 1772 - (00) (00) وَحِدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسى، يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1773 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بمثل ما حدثني علقمة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال: 1772 - (00) (00) (وحدثني علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (جميعًا) أي روى كل من عيسى وابن نمير (عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة) بن قيس (وعبد الرحمن بن يزيد) كلاهما (عن أبي مسعود) الأنصاري (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل ما روى علي بن مسهر عن الأعمش، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عيسى وعبد الله بن نمير لعلي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن الأعمش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال: 1773 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص) بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي، ثقة، من (8) (وأبو معاوية) كلاهما (عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل ما روى علي بن مسهر عن الأعمش، غرضه بيان متابعة حفص بن غياث وأبي معاوية لعلي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن الأعمش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان، الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

347 - (59) باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي

347 - (59) باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسيّ 1774 - (774) (183) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيِّ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 347 - (59) باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي 1774 - (774) (183) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنَزي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن سالم بن أبي الجعد) رافع (الغطفاني) ثم الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة الكناني (اليعمري) -بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى يعمر بطن من كنانة- الشامي، ثقة، من (2) وليس في مسلم من اسمه معدان إلا هذا (عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد بن عبد الله بن قيس بن عائشة الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه الشامي الدمشقي، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان شاميان (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حفظ) على ظهر قلبه (عشر آيات من أول صورة الكهف عُصم) أي حُفظ (من الدجال) أي من فتنته، كما في بعض النسخ، قال ابن الملك: اللام فيه للعهد، ويجوز أن تكون للجنس لأن الدجال من يكثر منه الكذب والتلبيس، وقد جاء في الحديث يكون في آخر الزمان دجالون اهـ والكهف الغار الواسع في الجبل والصغير منه يسمى الغار اهـ مفهم، قوله (من أول سورة الكهف عُصم من الدجال) وفي رواية أخرى من آخر الكهف، واختلف المتأولون في سبب ذلك فقيل لما في قصة أصحاب الكهف من العجائب والآيات فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال ولم يهله ذلك فلا يفتتن به، وقيل لما في قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} إلى آخر السورة من المعاني المناسبة لحال الدجال وهذا على رواية من روى من آخر الكهف، وقيل لقوله تعالى: {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} تمسكًا بتخصيص البأس بالشدة واللدنية وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية واستيلائه وعظيم فتنته ولذلك عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمره وحذر منه وتعوذ من فتنته فيكون معنى هذا

1775 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيّ. حَدَّثنَا هَمَّامٌ. جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها ووقف على معناها حذره فأمن من ذلك، وقيل هذا من خصائص هذه السورة كلها فقد روي: "من حفظ سورة الكهف ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه" رواه الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري [41/ 511]، وعلى هذا تجتمع رواية من روى من أول سورة الكهف ورواية من روى من آخرها ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها اهـ من السيوطي. [قلت]: وعلى هذا تجتمع أيضًا رواية عشر آيات مع رواية من روى ثلاث آيات كما أخرجه الترمذي، وقيل إنما كان ذلك لقوله {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} فإنه يهون بأس الدجال، ولقوله {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} فإنه يهون الصبر على فتن الدجال بما يُظهر من جنته وناره وتنعيمه وتعذيبه ثم ذمه تعالى لمن اعتقد الولد يفهم منه أن من ادعى الإلهية أولى بالذم وهو الدجال، ثم قصة أصحاب الكهف فيها عبرة تناسب العصمة من الفتن وذلك أن الله تعالى حكى عنهم أنهم قالوا {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} فهؤلاء قوم ابتلوا فصبروا وسألوا إصلاح أحوالهم فأصلحت لهم وهذا تعليم لكل مدعو إلى الشرك، ومن روى من آخر الكهف فلما في قوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} فإن فيه ما يهون ما يظهر الدجال من ناره اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 449] وأبو داود [4323] والترمذي [2888]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي الدرداء فقال: 1775 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (جميعًا) أي كل من شعبة وهمام، رويا (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن معدان عن أبي الدرداء، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة وهمام لهشام

قَال شُعْبَةُ: مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ. وَقَال هَمَّامٌ: مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ. كَمَا قَال هِشَامٌ. 1776 - (775) (184) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاح الأنصَارِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْب؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ " قَال: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أعْظَمُ؟ " قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة (و) لكن (قال شعبة: من آخر الكهف وقال همام: من أول الكهف كما قال هشام) الدستوائي، وقد تقدم الجمع بينهما قريبًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 1776 - (775) (184) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن أبي السليل) -بفتح السين المهملة وكسر اللام- القيسي الجريري ضريب -بالضاد المعجمة آخره موحدة مصغرًا- بن نقير بنون وقاف مصغرًا، وقيل نفير بالفاء، وقيل نفيل بالفاء واللام، بن شمير مصغرًا، البصري، روى عن عبد الله بن رباح الأنصاري في الصلاة، وزهدم الجرمي في الإيمان، وأبي حسان في الأطفال، وأبي ذر مرسلًا، ويروي عنه (م عم) والجريري وسليمان التيمي وعوف، وثقه ابن معين وابن سعد وابن نمير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن عبد الله بن رباح الأنصاري) أبي خالد المدني ثم البصري، ثقة، من (3) (عن أبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني سيد القراء رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي (قال) أبي بن كعب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا المنذر) كنية أبي بن كعب (أتدري) أي أتعلم (أي آية) مبتدأ (من كتاب الله) سبحانه كائنة (معك أعظم؟ ) خبر المبتدأ أي أعظم أجرًا وأشمل معنى (قال) أبيّ (قلت الله ورسوله أعلم) بأعظمهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له مرة ثانية (يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ ) أي أفضل من غيرها (قال) أبي

قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. قَال: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَال: "وَاللهِ، لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) له صلى الله عليه وسلم أفضلها هي قوله تعالى ({اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}) (قال) أبي (فضرب) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في صدري وقال: والله) أي أقسمت بالله (ليهنك العلم) أي ليكن العلم هنيئًا لك يا (أبا المنذر) بصيغة الأمر للغائب، وفي بعض النسخ (ليهنئك) بهمزة بعد النون على الأصل، قال ابن الملك: هذا دعاء له بتيسير العلم له ورسوخه فيه، وفي هذا الحديث حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض وهو المختار فتكون جميع الآيات فاضلة وبعضها أفضل، بمعنى أن يكون الثواب بها أكثر لمعنى فيها كما كان يقال جميعها بليغ وبعضها أبلغ اهـ منه. قال القرطبي: وفي هذا الحديث حجة لمن يقول بتفضيل بعض آي القرآن على بعض، وتفضيل القرآن على سائر الكتب المنَزلة، وهذا مما اختلف فيه فذهب إلى جوازه إسحاق بن راهويه وغيره من الفقهاء والمتكلمين مستدلًا بهذا الحديث وبما يشبهه كقوله: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" رواه أبو يعلى من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ومنع ذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر وجماعة من الفقهاء قالوا: لأن الأفضل يشعر بنقص المفضول وكلام الله تعالى لا نقص فيه، وتاولوا هذا اللفظ بان أفعل يأتي بمعنى فعيل كما قال تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ} [الروم: 27] وهذا فيه نظر فإنا نقول إن أُريد بالنقص اللازم من التفضيل إلحاق ما يُعيب المفضول فهذا ليس بلازم مطلقًا، وإن أُريد بالنقص أن المفضول ليس فيه ما في الأفضل من ذلك القدر الذي زاد به فهو الحق ولولا ذلك لما تحققت المفاضلة، ثم لا يجوز إطلاق النقص ولا الأنقص على شيء من كلام الله تعالى، وأما تأويل الحديث فهو وإن كان فيه مسوغ فلا يجري في كل موضع يستدل به على التفضيل فإن منها نصوصًا لا تقبل التأويل كقوله صلى الله عليه وسلم: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" وغير ذلك مما في هذا المعنى، وإنما كانت آية الكرسي أعظم لما تضمنته من أوصاف الإلهية وأحكامها على ما لا يخفى على من تأملها فإنها تضمنت من ذلك ما لم يتضمنه غيرها من الآي، وقال بعض المتأخرين: إن هذه الآية اشتملت من الضمائر العائدة على الله تعالى على ستة عشر وكلها تفيد تعظيمًا لله تعالى، فكانت أعظم آية في كتاب الله تعالى لذلك والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: والمختار جواز قول هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر وهو معنى الحديث، قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات والله أعلم اهـ منه. (وقوله لأبي حين أخبره بذلك ليهنك العلم) وضربه صدره تنشيط له وترغيب له في أن يزداد علمًا وبصيرة وفرح بما ظهر عليه من آثاره المباركة، وفيه إلقاء العالم المسائل على المتعلم ليختبره بذلك اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكن شاركه أحمد [5/ 142]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين؛ الأول حديث أبي الدرداء ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي بن كعب ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

348 - (60) باب فضل قراءة {قل هو الله أحد}

348 - (160) باب: فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} 1777 - (776) (185) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ " قَالُوا: وَكَيفَ يَقْرَأ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 348 - (60) باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1777 - (776) (185) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (قال زهير: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري القطان (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي الكوفي (عن معدان بن أبي طلحة) الكناني اليعمري الشامي (عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي الشامي الدمشقي. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان شاميان وواحد كوفي أو ثلاثة بصريون وواحد نسائي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيعجز أحدكم) بكسر الجيم من باب ضرب (أن يقرأ في ليلة) واحدة (ثلث القرآن قالوا) أي قال الحاضرون عنده من الصحابة (وكيف يقرأ) أحد منا (ثلث القرآن) لأنه يصعب على الدوام عادة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) أي إلى آخره أي سورته (تعدل) بالتذكير والتأنيث أي يساوي (ثلث القرآن) لأن معاني القرآن آيلة إلى تعليم ثلاثة علوم علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق، وسورة الإخلاص تشتمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للقسمين الأخيرين وهو علم التوحيد على أبين وجه وآكده اهـ من المرقاة. قال المازري: قيل كانت ثلثه لأن القرآن ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات وهي مشتملة على الصفات فهي ثلث من هذا الوجه ويشهد له حديث إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جُزأ، وقيل ثواب قراءتها يعدل ثواب ثلث القرآن دون تضعيف اهـ من المعلم بفوائد مسلم، وفي الأبي: قال ابن رشد: والذي عندي في معنى (تعدل ثلث القرآن) أن ما ترتب من الثواب على ختمة ثلثه لها وثلثاه لبقيتها وليس معناه

1778 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا أَبَان الْعَطَّارُ. جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِن اللهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن من قرأه وحدها يكون له مثل ثواب ثلث ختمة ولو كان معناه ذلك لآثر العلماء قراءتها على قراءة السور الطوال في الصلاة وعلى قراءتها دون سائر القرآن، وقد أجمعوا على أن قراءتها ثلاث مرات لا يساوي في الأجر قراءة من أحيا الليل بختمة اهـ منه. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف لكن شاركه أحمد [6/ 442 و 447]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 1778 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، وثقه أبو داود وابن سعد وابن معين والعجلي، وقال ابن حجر: صدوق، من (9) (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري، ثقة، من (9) (حدثنا أبان) بن يزيد (العطار) أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) (جميعًا) أي كل من سعيد بن أبي عروبة وأبان بن يزيد رويا (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن معدان عن أبي الدرداء، غرضه بيان متابعتهما لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث سعيد وأبان (من قول النبي صلى الله عليه وسلم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله) سبحانه وتعالى (جزأ القرآن) أي قسم القرآن بحسب مضمونه (ثلاثة أجزاء) أي ثلاثة أقسام (فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءًا) واحدًا (من أجزاء القرآن) الثلاثة. قال القرطبي: وإيضاحه أن القرآن بالنسبة إلى معانيه الكلية على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وأوصاف لله، وقل هو الله أحد تشتمل على ذكر أوصاف الحق سبحانه وتعالى فكانت ثلثا من هذه الجهة. [قلت]: وهذا إنما يتم إذا حقق أن هذه السورة مشتملة على ذكر جميع أوصافه تعالى وليس ذلك ظاهرا فيها لكنها اشتملت على اسمين من أسمائه تعالى يتضمنان جميع

1779 - (777) (186) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ويعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى. قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "احْشِدُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ أوصاف كماله تعالى لم يوجدا في غيرها من جميع السور وهما الأحد والصمد فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع صفات الكمال المعظمة، فالأحد في أسمائه تعالى مشعر بوجوده الخاص به الذي لا يشاركه فيه غيره وهو المعبر عنه بواجب الوجود، وأما الصمد فهو المتضمن لجميع أوصاف الكمال فإن الصمد هو الذي انتهى سؤدده بحيث يصمد إليه في الحوائج كلها أي يقصد ولا يصح ذلك تحقيقًا إلا ممن حاز جميع خصال الكمال حقيقة، وذلك لا يكمل إلا لله تعالى فهو الأحد الصمد الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} فقد ظهر أن لهذين الاسمين من شمول الدلالة على الله تعالى وصفاته ما ليس لغيرهما من الأسماء وأنهما ليسا موجودين في شيء من سور القرآن فظهرت خصوصية هذه السورة بأنها ثلث القرآن كما قررناه، وقد كثرت أقوال الناس في هذا المعنى وهذا أنسبها وأحسنها حسب ما ظهر فلنقتصر عليه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم باختصار. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي الدرداء بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 1779 - (777) (186) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين، المروزي الأصل البغدادي، صدوق، من (15) (ويعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري أبو يوسف المدني، ثقة، من (9) (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن يحيى) بن سعيد القطان البصري (قال ابن حاتم: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا يزيد بن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: صدوق، من (6) (حدثنا أبو حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد بصري واثنان مدنيان أو مدني وبغدادي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احشدوا) أي اجتمعوا واستحضروا الناس، والحشد الجماعة واحتشد القوم لفلان تجمعوا له وتأهبوا، قال ابن الملك: بكسر الشين المعجمة من باب ضرب أي اجتمعوا أيها الناس،

فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ. ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}. ثُمَّ دَخَلَ. فَقَال بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ. فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "إِني قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيكُمْ ثُلُثَ الْقُرآنِ، أَلا إِنهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ". 1780 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمذكور في المصباح: حشدت القوم حشدًا من باب قتل، وفي لغة من باب ضرب إذا جمعتهم وحشدوا هم أي اجتمعوا هم يستعمل لازمًا ومتعديًا اهـ، قال ابن الأثير: أي اجتمعوا (فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن فحشد) أي اجتمع (من حشد) أي من اجتمع منهم وتأهب من تأهب، قال الهروي: يقال حشد القوم لفلان اجتمعوا له وتأهبوا، قال ابن دريد: حشد القوم يحشد ويحشد إذا جمعهم، والحشد القوم المجتمعون اهـ (ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم) من حجرته إلى المسجد (فقرأ) علينا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم دخل) الحجرة (فقال بعضنا) معاشر المجتمعين البعم) آخر (إني أرى) وأظن بضم الهمزة وفتح الراء، وفي روايهَ الترمذي لأرى باللام (هذا) أي خروجه فقراءته ثم دخوله صلى الله عليه وسلم (خبر) أي أمر (جاءه من السماء) أي وحي من الله تعالى (فذاك) الخبر الذي جاءه من السماء هو (الذي أدخله) بعد قراءته علينا، قال القاضي عياض: وفي بعض روايات هذا الحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حشد الناس فحصل له من ترديدها وتكرارها قدر تلاوته ثلث القرآن) اهـ من إكمال المعلم. (ثم خرج) علينا (نبي الله صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى (فقال إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن ألا) حرف استفتاح وتنبيه (إنها) أي إن هذه السورة (تعدل) وتساوي أجرًا وثوابًا في قراءتها (ثلث القرآن) أي أجر قراءة ثلث القرآن، والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 439] والترمذي [2902]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1780 - (00) (00) (وحدثنا واصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي أبو

عَنْ بَشِيرٍ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: خَرَج إِلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "أَقْرَأ عَلَيكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} حَتَّى خَتَمَهَا. 1781 - (778) (188) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ؛ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) (عن بشير) بن سليمان الكندي (أبي إسماعيل) الكوفي، روى عن أبي حازم سلمان الأشجعي في الصلاة والفتن، ومجاهد، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن فضيل وأبو نعيم، وثقه أحمد وابن معين والعجلي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان شيخًا قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة يغرب، من السادسة (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة، غرضه بسوقه بيان متابعة بشير بن سليمان ليزيد بن كيسان في رواية هذا الحديث عن أبي حازم (قال) أبو هريرة (خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام من حجرته الشريفة (فقال: أقرأ عليكم) أيها المؤمنون (ثلث القرآن فقرأ) سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} حتى ختمها) أي حتى قرأ خاتمتها وآخرها. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي الدرداء بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1781 - (778) (188) (حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) بن مسلم المصري أبو عبيد الله القرشي الفهري، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عمي عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، ثقة فقيه متقن، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري، صدوق، من (6) روى عنه في (11) بابا (أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن) بن حارثة الأنصاري النجاري أبا عبد الرحمن المدني لقب بأبي الرجال

حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، وَكَانَتْ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ. وَكَانَ يَقْرَأُ لأصحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ فَيَختِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "سَلُوهُ. لأَيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ". فَسَأَلُوهُ. فَقَال: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأنَا أُحِبُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه ولد له عشرة رجال فكملوا ولم يمت منهم أحد، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (حدثه) أي حدث لسعيد بن أبي هلال (عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة، ثقة، من (3) روى عنها في (6) أبواب (وكانت في حجر عائشة) وتربيتها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث) أي أمر (رجلا) من أصحابه (على سرية) أي على جيش بعثها لغزاة، والجار والمجرور متعلق ببعث ولا يصح أن يتعلق بصفة لرجل لفساد المعنى ولا بحال لأن رجلًا نكرة ولم يقل في سرية لأن على تفيد معنى الاستعلاء والرجل قيل هو كلثوم بن الهدم، قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لأنهم ذكروا أنه مات في أول الهجرة قبل نزول القتال، قال: ورأيت بخط الرشيد العطار كلثوم بن زهدم وعزاه لصفوة الصفوة لابن طاهر، ويقال قتادة بن النعمان وهو غلط وانتقال من الذي قبله إلى هذا، اهـ قسطلاني (وكان) ذلك الرجل (يقرا لأصحابه في صلاتهم) أي التي يصليها بهم، وفي رواية البخاري (في صلاته) أي يقرأ في صلاته بعد الفاتحة سورة من سور القرآن (فيختم) قراءته بعد الفاتحة (بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}) أي بهذه السورة إلى آخرها، وهذا يشعر بأنه كان يقرأ بغيرها معها في ركعة واحدة فيكون دليلًا على جواز الجمع بين السورتين غير الفاتحة في ركعة أو المراد أنه كان من عادته أن يقرأها بعد الفاتحة (فلما رجعوا) من السرية (ذكروا ذلك) الذي فعله الرجل من ختم قراءته بالإخلاص الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده (سلوه) أي اسئلوا ذلك الرجل (لأي شيء يصنع ذلك) الذي يفعله من ختم قراءته بالإخلاص (فسألوه) لم تختم قراءتك بـ (قل هو الله أحد) (فقال) الرجل أختم بها (لأنها صفة الرحمن) أي لأن فيها أسماءه وصفاته، وأسماؤه مشتقة من صفاته (فأنا أحب

أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أقرأ بها) فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه) أي أخبروا الرجل (أن الله) سبحانه وتعالى (يحبه) أي يحب الرجل لمحبته قراءته، ومحبة الله تعالى لعباده إرادة الإثابة لهم على عملهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [7375]، والنسائي [2/ 171]. قال القرطبي: ومحبة الله تعالى للخلق تقريبه لمحبوبه وإكرامه له وليست بميل ولا غرض كما هي منا، وليست المحبة في حقوقنا هي الإرادة بل شيء زائد عليها فإن الإنسان يجد من نفسه أنه يحب ما لا يقدر على اكتسابه ولا على تخصيصه به، والإرادة هي التي تخصص الفعل ببعض وجوهه الجائزة، والإنسان يحس من نفسه أنه يحب الموصوفين بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة مثل العلماء والفضلاء وإن لم يتعلق له بهم إرادة مخصصة، دهاذا وضح فرق ما بينهما فالله تعالى محبوب لمحبيه على حقيقة المحبة كما هو المعروف عند من رزقه الله تعالى منا شيئًا من ذلك فنسأله تعالى أن لا يحرمنا من ذلك وأن يجعلنا من محبيه المخلصين اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث؛ الأول حديث أبي الدرداء ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

349 - (61) باب فضل قراءة المعوذتين

349 - (61) باب: فضل قراءة المعوذتين 1782 - (779) (188) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُن قَط؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} " ـــــــــــــــــــــــــــــ 349 - (61) باب فضل قراءة المعوذتين بكسر الواو المشددة أي قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. 1782 - (779) (188) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن بيان) بن بشر الأحمسي أبي بشر الكوفي المعلم، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن عقبة بن عامر) الجهني أبي حماد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بلخي (قال) عقبة بن عامر (قال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تر) يا عقبة كلمة تحجب أي تعجب من (آيات أُنزلت) علي هذه (الليلة) يعني البارحة (لم ير) بصيغة المجهول وبرفع (مثلهن قط) أي في بابها وهو التعويذ، وهذا بيان لسبب التعجب يعني لم يوجد آيات كلهن تعويذ للقارئ غير هاتين السورتين، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سواهما، ولما سُحر استشفي بهما، وإنما كانا كذلك لأنهما من الجوامع في هذا الباب يعني باب التعويذ اهـ تحفة الأحوذي والمبارق، وقوله (لم ير) قال النواوي: ضبطناه بالياء المضمومة وبالنون المفتوحة وكلاهما صحيح، وقوله {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} خبر مبتدإ محذوف أي هي أي تلك الآيات قل أعوذ برب الفلق الخ، وفي الحديث دليل واضح على كونهما من القرآن، ورد على من نسب إلى ابن مسعود خلاف هذا وعلى من زعم أن لفظة قل ليست من القرآن، قال: وإنما أمر أن يقول فقال وهو شيء روى في الحديث فتأوله بعض الملحدة على هذا، والإجماع وكتبهما في المصحف يرده اهـ إكمال المعلم، وعبارة شرح الترمذي: وفيه أن

1783 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيسٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُنْزِلَ أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَى آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُن قَطُّ: الْمُعَوِّذَتَينِ". 1784 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةُ كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظة قل من القرآن ثابتة من أول السورتين بعد البسملة وقد اجتمعت الأمة على هذا كله اهـ تحفة الأحوذي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 151]، والترمذي [2904 و 2905]، والنسائي [8/ 158]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 1783 - (00) (00) (وحدثني محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس) بن أبي حازم الأحمسي الكوفي (عن عقبة بن عامر) الجهني المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عقبة بن عامر فإنه مدني، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أبي خالد لبيان بن بشر في رواية هذا الحديث عن قيس بن أبي حازم (قال) عقبة (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل) علي آيات (أو) قال قيس بن أبي حازم (أنزلت على آيات لم ير مثلهن قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية يعني في بابهن وهو التعويذ، والشك من إسماعيل أو من قيس، وقوله (المعوذتين) بكسر الواو المشددة هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وهو منصوب بفعل محذوف تقديره أعني المعوذتين اهـ نواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 1784 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكليع (ح) وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (كلاهما) أي كل من وكيع وأبي أسامة رويا (عن إسماعيل) بن أبي خالد، غرضه

بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أبِي أُسَامَةَ: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِي، وَكَان مِنْ رُفَعَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعتهما لعبد الله بن نمير، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بما عمل في المتابع وهو هما، وقوله (مثله) مفعول ثان له، تقديره حدثنا وكيع وأبو أسامة عن إسماعيل بهذا الإسناد يعني عن قيس عن عقبة مثل ما حدّث عبد الله بن نمير عن إسماعيل (و) لكن (في رواية أبي أسامة عن عقبة بن عامر الجهني) زيادة لفظة (وكان) عقبة بن عامر (من رفعاء) وأفاضل (أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم). ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عقبة بن عامر وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

350 - (62) باب لا حسد إلا في اثنتين ومن يرفع بالقرآن

350 - (62) باب: لا حسد إلا في اثنتين ومن يرفع بالقرآن 1785 - (785) (186) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا الزهْرِيُّ عَن سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَينِ: رَجُلٍ آتاهُ الْقُرْآنَ. فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آناءَ اللَّيلِ. وَآناءَ النَّهَارِ. وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 350 - (62) باب لا حسد إلا في اثنتين ومن يرفع بالقرآن أصل الحسد تمني زوال النعمة عن المُنعم عليه ثم قد يكون مذمومًا وغير مذموم فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله تعالى عن أخيك المسلم سواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أم لا وهذا النوع هو الذي ذمه الله تعالى بقوله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] وأما غير المذموم فقد يكون محمودًا مثل أن يتمنى زوال النعمة عن الكافر وعمن يستعين بها على المعصية، وأما الغبطة فهي أن تتمنى أن يكون لك من النعمة والخير مثل ما لغيرك من غير أن تزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، ومنه قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] غير أنه قد يطلق على الغبطة حسد، وعليه يحمل الحسد في هذا الحديث فكأنه قال: لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين، وقد نبه البخاري على هذا حيث بوب على هذا الحديث (باب الاغتباط في العلم والحكمة) اهـ من المفهم. 1785 - (780) (186) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي (قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن سالم) بن عبد الله بن عمر العدوي المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي أو اثنان كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي كما قد عرفت من حلنا (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد) أي لا غبطة جائزة في شيء (إلا في) وجود (اثنتين) أي خصلتين إحداهما (رجل) أي خصلة رجل (آتاه القرآن) أي علمه تلاوة وتفسيرًا (فهو يقوم به) تلاوة وعملًا (آناء الليل وآناء النهار) أي ساعاتهما، واحده آن وأنًا وأني وأنو أربع لغات ذكره النواوي (و) ثانيتهما

رُجُلٌ آتاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آناءَ اللَّيلِ وَآناءَ النَّهَارِ" 1786 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا حَسَدَ إِلا عَلَى اثْنَتَينِ: رَجُلٍ آتاهُ اللهُ هَذَا الْكِتَابَ. فَقَامَ بِهِ آناءَ اللَّيلِ وَآناءَ النَّهَارِ. وَرَجُلٍ آتاهُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (رجل) أي خصلة رجل (آتاه الله مالًا فهو ينفقه) أي ينفق ذلك المال ويصرفه في مصارف الخير من المحتاجين ومصالح المسلمين (آناء الليل وآناء النهار) أي ساعاتهما، قيل إن فيه تخصيصًا لإباحة نوع من الحسد وإن كانت جملته محظورة وإنما رخص فيه لما يتضمن مصلحة في الدين، قال أبو تمام: وما حاسد في المكرمات بحاسد وكما رخص في الكذب تضمن فائدة هي فوق آفة الكذب، وقال في شرح المشكاة: أثبت الحسد لإرادة المبالغة في تحصيل النعمتين الخطيرتين يعني ولو حصلنا بهذا الطريق المذموم فينبغي أن يتحرى، ويجتهد في تحصيلهما فكيف بالطريق المحمود لا سيما وكل واحدة من الخصلتين بلغت غاية لا أمد فوقها، ولو اجتمعتا في امرئ بلغ من العلياء كل مكان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 36 و 88 و 152]، والبخاري [5025]، والترمذي [1937]، وابن ماجه [4209]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1786 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد) جائز (إلا على اثنتين) أي خصلتين خطيرتين إحداهما (رجل) أي خصلة رجل (آتاه الله) أي علمه الله سبحانه وتعالى (هذا الكتاب) العظيم والقرآن الكريم (فقام به) تلاوة وعملًا به (آناء الليل وآناء النهار) أي أوقاتهما (و) ثانيتهما (رجل) أي خصلة رجل (آتاه الله) أي

مَالًا. فَتَصَدَّقَ بِهِ آناءَ اللَّيلِ وَآناءِ النَّهَارِ". 1787 - (781) (187) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسٍ. قَال: قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيسٍ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَينِ: رَجُلٌ آَتاهُ اللهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ رزقه الله (مالًا فتصدق به) على المحتاجين (آناء الليل وآناء النهار) أي أوقاتهما. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنهم فقال: 1787 - (781) (187) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعيد الأحمسي الكوفي (عن قيس) بن أبي حازم الأحمسي الكوفي (قال) قيس (قال عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ومحمد بن بشر) العبدي الكوفي (قالا: حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد الكوفي (عن قيس) بن أبي حازم الكوفي (قال سمعت عبد الله بن مسعود) الكوفي (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند أيضًا من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون كسابقه إلا حسد) جائز (إلا في اثنتين) أي خصلتين شريفتين إحداهما (رجل) أي خصلة رجل (آتاه الله مالًا فسلطه) أي سلط الله ذلك الرجل (على هلكته) أي على إنفاقه (في الحق) أي في مصارف الخير، وفي التعبير بالهلكة مبالغة لأنه يدل على أنه لا يبقي من المال بقية ولما أوهم الإسراف والتبذير كمله بقوله (في الحق) كما قيل: لا سرف في الخير، وفي بعض الهوامش قوله (لا حسد الخ) المراد بالحسد هنا الغبطة وهي تمني حصول مثل النعمة التي أنعم بها على غيره لنفسه من غير تمني زوالها عن صاحبها كأن يقول لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل كما جاء في رواية البخاري عن أبي هريرة، قال النواوي: فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة قوله (إلا في اثنتين) أي إلا في خصلتين، وروي بالتذكير فيقدر المضاف في شأن

وَرَجُلٌ آتاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا". 1788 - (782) (188) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ اثنين، ومثله قوله إلا على اثنتين في الرواية الأخرى، قوله رجل روي مجرورًا على البدل أي خصلة رجل وهو أوثق الروايات، وروي مرفوعًا على تقديرهما أو منهما أو أحدهما كما في المرقاة، قوله (آتاه الله القرآن) أي من عليه بحفظه له كما ينبغي (فهو يقوم به) أي بتلاوته وحفظ مبانيه أو بالتأمل في أحكامه ومعانيه أو بالعمل بأوامره ونواهيه أو يصلي به ويتحلى بآدابه (آناء الليل والنهار) أي ساعاتهما اهـ مرقاة، والآناء أفعال وفي واحدها لغتان إني كإلى وإِنْي كحِمْل كما في المصباح (فسلطه) أي وكله الله ووفقه (على هلكته) بفتحتين أي على إنفاقه وإهلاكه وعبر بذلك ليدل على أنه لا يبقي منه شيئا وكمله بقوله (في الحق) ليزيل الإسراف المذموم والرياء الملوم، ولا سرف في الخير كما لا خير في السرف اهـ من المرقاة (ورجل) معطوف على رجل الأول ففيه وجهان الرفع والجر أي وثانيتهما خصلة رجل (آتاه) أي أعطاه (الله) سبحانه (حكمة) أي علما نافعًا (فهو) أي فذلك الرجل (يقضي) ويحكم (بها) أي بتلك الحكمة بين الناس فيما إذا كان قاضيًا (ويعلمها) الناس فيما إذا كان معلمًا أو مفتيًا، قال النواوي: والحكمة ما منع من الجهل وزجر عن القبيح، ومعنى (يقضي بها) يعمل بها ويعلمها الناس احتسابًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 432]، والبخاري [7141]، وابن ماجه [4208]. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 1788 - (782) (188) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف المدني، ثقة، من (9) (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة حجة، من (4) (عن عامر بن واثلة) بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي البكري أبي الطفيل المكي، ولد عام أُحد، وأدرك ثمان سنوات من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعُمِّر إلى أن مات

أنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ. فَقَال: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَال: ابْنَ أَبْزَى. قَال: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَال: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَال: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيهِمْ مَوْلًى؟ قَال: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَإِنهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَال عُمَرُ: أَمَا إِن نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَال: "إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا ويضَعُ بِهِ آخَرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة عشر ومائة (110) وهو آخر من مات من جميع الصحابة على الإطلاق (أن نافع بن عبد الحارث) بن خالد بن عمير بن الحارث الخزاعي المكي الصحابي المشهور، من مسلمة الفتح، وأفره عمر على مكة وأقام بها إلى أن مات ولم يهاجر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب في الصلاة، ويروي عنه (م دس ق) وعامر بن واثلة وأبو سلمة بن عبد الرحمن، انفرد له مسلم بحديث (لقي) أي استقبل (عمر) بن الخطاب لأنه استعمله على مكة، والحال أن عمر نازل (بعسفان) حاجًّا إلى مكة، وعسفان كعثمان اسم موضع على مرحلتين من مكة (وكان عمر) بن الخطاب (يستعمله) أي استعمله وولاه (على) أهل (مكة) المكرمة، عبر بالمضارع لإفادة الاستمرار والتجدد، وفي بعض النسخ وكان عمر استعمله على مكة (فقال) له عمر (من استعملت) واستخلفت (على أهل الوادي) يعني وادي مكة حين استقبلتني إلى هنا (فقال) نافع بن عبد الحارث استعلمت عليهم عبد الرحمن (بن أبزى) -بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة بعدها زاي مفتوحة مقصورًا- الخزاعي مولاهم، صحابي صغير، وكان في عهد عمر رجلًا، وكان على خراسان لعلي، له اثنا عشر حديثًا (12) (قال) عمر (ومن) هو (ابن أبزى) أي من أي قبيلة هو (قال) نافع بن عبد الحارث هو (مولى من موالينا) أي من موالي الخزاعيين، وفيه اعتبار النسب في الولاية وإن العلم والقرآن يجبران نقص النسب (قال) عمر أفقدت غير الموالي (فاستخلفت عليهم) أي على أهل الوادي (مولى) من مواليكم؛ وهمزة الإنكار مقدرة قبل الفاء العاطفة على محذوف كما قدرناه (قال) نافع بن عبد الحارث (إنه) أي إن عبد الرحمن بن أبزى (قارئ) أي عارف (لـ) قراءة (كتاب الله عزَّ وجلَّ وإنه) أيضًا (عالم بـ) علم (الفرائض) وقسمة التركات ولذلك استخلفته (قال عمر) بن الخطاب: أصبت وأحسنت حينئذ (أما إن نبيكم) محمدًا (صلى الله عليه وسلم قد قال إن الله) سبحانه قد (يرفع بهذا الكتاب أقوامًا وبضع به آخرين) معنى (يرفع بهذا الكتاب) أي بهذا القرآن

1789 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِي وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَال: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيثِيُّ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطابِ بِعُسْفَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكريم أقوامًا أي درجة أقوام وهم من امن به وعمل بمقتضاه (ويضع به) أي يحط بهذا القرآن أقوامًا آخرين وهم من أعرض عنه ولم يحفظ وصاياه اهـ من المبارق، وعبارة القرطبي: يعني يشرف ويكرم في الدنيا والآخرة وذلك بسبب الاعتناء به والعلم به والعمل بما فيه ويضع يعني يحقر ويصغر في الدنيا والآخرة وذلك بسبب تركه والجهل به وترك العمل به اهـ من المفهم، قال الأبي: والمعنى إن هذا الأمير رفعه الله عزَّ وجلَّ على هؤلاء المؤمر عليهم، وقال بعضهم: إن الله سبحانه وتعالى يرفع من عمل بالعلم ويضع من لم يعمل به والعلم من حيث إنه علم لا يضع اهـ منه وسند هذا الحديث من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مكيان وواحد نسائي، ومن ألطف لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض؛ عامر عن نافع عن عمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 35] وابن ماجه [218]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 1789 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، قال الدارقطني: ثقة وفوق ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قالا: أخبرنا أبو اليمان) القضاعي البهراني الحكم بن نافع الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة عابد، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن) محمد بن مسلم (الزهري) أبي بكر المدني، ثقة جليل، من (4) (قال) الزهري (حدثني عامر بن واثلة الليثي) البكري أبو الطفيل المكي (أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي) المكي (لقي) أي استقبل أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) أبا حفص المدني (بعسفان) اسم موضع قريب إلى مكة،

بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وساق شعيب بن أبي حمزة (بمثل حديث إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن الزهري) وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان شاميان وواحد إما سمرقندي أو بغدادي، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لإبراهيم بن سعد. وجملة ما ذكره المؤلف ثلاثة أحاديث؛ الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث ابن سعد ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عمر ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

351 - (63) باب نزول القرآن على سبعة أحرف

351 - (63) باب: نزول القرآن على سبعة أحرف 1790 - (783) (189) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيِّ؛ قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 351 - (63) باب نزول القرآن على سبعة أحرف والصحيح أنها هي القراءات السبع كلها مستفيضة من النبي صلى الله عليه وسلم ضبطتها الأئمة وأضافت كل حرف منها إلى من كان أكثر قراءة به من الصحابة، ثم أضيفت كل قراءة منها إلى من اختارها من القراء السبعة اهـ ابن الملك، وكأنه صلى الله عليه وسلم كشف له أن القراءة المتواترة تستقر في أمته على سبع وهي الموجودة الآن المتفق على تواترها، والجمهور على أن ما فوقها شاذ لا يحل القراءة به فعلى هذا يكون معنى قوله على سبعة أحرف على شعة أوجه كما في العسقلاني قال: يجوز أن يقرأ بكل وجه منها وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة اهـ من بعض الهوامش. 1790 - (783) (189) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عروة بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني (عن عبد الرحمن بن عبد) بغير إضافة (القاري) بتخفيف الراء وتشديد الياء نسبة إلى القارة قبيلة مشهورة بجودة الرمي من خزيمة بن مدركة تُسمى بالقارة، ويقال له رؤية أبي محمد المدني، روى عن عمر وأبي طلحة، ويروي عنه (ع) والزهري كما مر البسط في ترجمته، وثقه ابن معين، وذكره العجلي في ثقات التابعين، واختلف قول الواقدي فيه قال تارة: له صحبة وتارة: تابعي، مات سنة (88) روى عنه في الصلاة (قال) عبد الرحمن (سمعت عمر بن الخطاب) وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد نيسابوري، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض: ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن؛ أي سمعت عمر حالة كونه (يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام) -بكسر الحاء قبل الزاي- ابن خويلد القرشي الأسدي، قال الطيبي: حكيم بن حزام قرشي وهو ابن أخي خديجة أم المؤمنين، وكان من أشراف قريش في الجاهلية والإسلام تأخر إسلامه إلى عام الفتح

يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيرِ مَا أَقْرَؤُهَا. وَكَان رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا. فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيهِ. ثُمَّ أمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ. ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ. فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ! فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِني سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسِلْهُ. اقْرَأْ" فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَكذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَال لِيَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأولاده صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، حالة كون هشام (يقرأ سورة الفرقان على كير ما أقروها) أي على غير القراءة التي أنا أقرأ بها (و) قد (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها) أي أقرأني تلك السورة على خلاف ما قرأه هشام (فكدت) أي قاربت (أن أعجل عليه) -بفتح الهمزة والجيم- وفي نسخة بالتشديد أي أن أخاصمه بالعجلة في أثناء القراءة، وفي الرواية الأخرى كما في صحيح البخاري (فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم) (ثم أمهلته) أي قاربت أن أخاصمه وأظهر بوادر غضبي عليه بالعجلة في أثناء القراءة، أنظرته (حتى انصرف) وفرغ من قراءته أو من صلاته (ثم لببته) أي مسكت لبته (بردائه) واللبة النقرة التي في أسفل الحلق، قال الطيبي: لببت الرجل تلبيبًا إذا جمعت ثيابه عند صدره في الخصومة ثم جررته، وهذا من عمر رضي الله عنه غيرة على كتاب الله سبحانه وتعالى وقوة في دينه، وعبارة الطيبي: وهذا يدل على اعتنائهم بالقرآن والمحافظة على لفظه كما سمعوه بلا عدول إلى ما تجوزه العربية (فجئت) أنا (به) أي بهشام (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) له (يا رسول الله إني سمعت هذا) الرجل (يقرأ سورة الفرقان على كير ما أقرأتنيها) أي على غير الوجه الذي أقرأتنيها عليه، قيل نزل القرآن على لغة قريش فلما عسر على غيرهم أذن في القراءة بسبع لغات للقبائل المشهورة كما ذكر في أصول الفقه، وذلك لا ينافي زيادة القراءات على سبع للاختلاف في لغة كل قبيلة وإن كان قليلًا وللتمكين بين الاختلاف في اللغات اهـ من العون (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لي (أرسله) يا عمر أي أطلق هشامًا ليتنفس فيُعرب عما في نفسه، ثم قال له (اقرأ) يا هشام ما عندك، ليسمع منه ما ادعى عليه إفساده ليتضح ذلك (فقرأ) هشام (القراءة التي سمعته يقرأ) بها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهشام (هكذا أنزلت) السورة أو القراءة على لسان جبريل كما هو الظاهر (ثم قال لي)

"اقْرَأْ" فَقَرَأْتُ. فَقَال: "هَكذَا أُنْزِلَتْ. إِن هَذا الْقُرْآنَ أُنْزِل عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأ) يا عمر لتجويزه الغلط عليّ أو ليبين أن كل واحدة من القراءتين جائزة كما قد صوبني فيها بعد ذلك بقوله (هكذا أنزلت) قال عمر (فقرأت) القراءة التي أقرأتنيها (فقال: هكذا أنزلت) السورة أو قراءتها على لسان جبريل كما هو الظاهر أو هكذا على التخيير أنزلت، ثم قال (أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي على سبع لغات أو قراءات أو أنواع إلى غير ذلك (فاقرؤوا ما تيسر منه) أي من المُنَزّل، قال ابن حجر العسقلاني: وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور وأنه للتيسير على القارئ اهـ. قال في العون: وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 40]، والبخاري [6936]، وأبو داود [1475]، والترمذي [2944]، والنسائي [2/ 150 و 152] وفي العون (قوله على سبعة أحرف) اختلف في معناه على أحد وأربعين قولًا (41) منها أن هذا من المتشابه الذي لا يدرى تأويله قاله السيوطي واختاره لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة وعلى الطرف، قال العلماء: إن القراءات وإن زادت على سبع فإنها راجعة إلى سبعة أوجه من الاختلافات؛ الأول اختلاف الكلمة في نفسها بالزيادة والنقصان كقوله تعالى (نُنْشِزُها) نَنْشِرُها الأول بالزاي المعجمة، والثاني بالراء المهملة، وقوله سَارِعوا (وسَارِعوا) فالأول بحذف الواو العاطفة قبل السين والثاني بإثباتها. الثاني التغيير بالجمع والإفراد ككتبه وكتابه. والثالث الاختلاف بالتذكير والتأنيث كما في يكن وتكن. والرابع الاختلاف التصريفي كالتخفيف والتشديد في نحو يكُذِّبون ويَكْذبون والفتح والكسر في نحو يَقْنَطُ ويَقْنِطُ. والخامس الاختلاف الإعرابي كقوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} برفع الدال وجرها. والسادس اختلاف الأداة نحو {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ} بتشديد النون وتخفيفها. والسابع اختلاف اللغات كالتفخيم والترقيق والإمالة والمد والقصر لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل بما يوافق لغته ويسهل على لسانه وإلا فلا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلا القليل مثل (عبد الطاغوت) و (لا تقل أف لهما) وهذا كله تيسير على الأمة المرحومة. قال السندي: (قوله على سبعة أحرف) أي على سبع لغات مشهورة بالفصاحة وكان ذاك رخصة أولًا تسهيلًا عليهم ثم جمعه عثمان رضي الله عنه حين خاف الاختلاف

1791 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزبَيرِ؛ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ أَخْبَرَاهُ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: فَكِدْتُ أُسَاورُهُ فِي الصلاةِ. فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ. 1792 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم في القرآن وتكذيب بعضهم بعضًا على لغة قريش التي أُنزل عليها أولًا اهـ. [قلت]: سبع اللغات المشهورة هي لغة الحجاز والهذيل والهوازن واليمن والطي والثقيف وبني تميم اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 1791 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني عروة بن الزبير) الأسدي المدني (أن المسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب القرشي الزهري أبا عبد الرحمن المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه المؤلف في (6) أبواب (وعبد الرحمن بن عبد القاري) أبا محمد المدني (أخبراه) أي أخبرا لعروة بن الزبير (أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب (سمعت هشام بن حكيم) بن حزام الأسدي (يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق) أي ذكر يونس بن يزيد (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل ما ساقه مالك بن أنس عن الزهري (و) لكن (زاد) يونس على مالك لفظة، قال عمر (فكدت) أي قاربت (أساوره) أي أساور هشامًا أي آخذ برأسه أو أعاجله وأواثبه اهـ ابن حجر أي أخذه برأسه (في الصلاة فتصبرت) أي تكلفت الصبر (حتى سلم) أي حتى فرغ من صلاته الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 1792 - (00) (00) (حدثا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد)

قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِي كَرِوَايَةِ يُونُسَ بِإِسْنَادِهِ. 1793 - (784) (190) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَن ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ عَلَى حَرْفٍ. فَرَاجَعْتُهُ. فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي. حَتى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري كرواية يونس) الأيلي (بإسناده) أي بإسناد يونس يعني عن المسور وعبد الرحمن عن عمر رضي الله تعالى عنهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1793 - (784) (190) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي مولاهم أبو يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني الأعمى الفقيه أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (3) (أن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي الطائفي رضي الله عنه (حدثه) أي حدّث لعبيد الله، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد طائفي وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والأننة، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبريل - عليه السلام -) القرآن (على حرف) واحد من الأحرف السبعة أي على لغة من اللغات السبع، قال في الفتح: وهذا مما لم يصرح ابن عباس بسماعه له منه صلى الله عليه وسلم وكأنه سمعه من أبي بن كعب فقد أخرج النسائي من طريق عكرمة ابن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب نحوه (فراجعته) أي فراجعت جبريل أن يراجع لي ربي في طلب الزيادة على حرف، وفي حديث أبي الآتي فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، وفي رواية منه إن أمتي لا تطيق ذلك (فلم أزل أستزيده) أي أطلب منه أن يطلب لي من الله الزيادة في الأحرف للتوسعة (فيزيدني) جبريل - عليه السلام - أي ويسأل جبريل ربه تعالى فيزيدني (حتى انتهى إلى سبعة أحرف) جمع حرف مثل فلس وأفلس أي لغات أو قراءات فعلى الأول يكون المعنى على

قَال ابْنُ شِهَابٍ: بَلَغَنِي أن تِلكَ السَّبْعَةَ الأَحْرُفَ إِنمَا هِيَ فِي الأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا، لا يَخْتَلِفُ فِي حَلالٍ وَلا حَرَامٍ. 1794 - (00) (00) وَحَدثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 1795 - (785) (191) حَدَّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أوجه من اللغات لأن أحد معاني الحرف في اللغة الوجه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} وعلى الثاني يكون من إطلاف الحرف على الكلمة مجازًا لكونه بعضها اهـ قسطلاني. وفي حديث أبي الآتي "ثم أتاه الثانية فقال: على حرفين، ثم آتاه الثالثة فقال: على ثلاثة أحرف، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا". وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري أخرجه في كتاب بدء الخلق وفي كتاب فضائل القرآن والله أعلم. (قال ابن شهاب) بالسند السابق (بلغني) من بعض من روى هذا الحديث (أن تلك السبعة الأحرف) أي أن القراءة على سبعة أحرف (إنما هي في الأمر الذي يكون واحدًا لا يختلف) حكمه (في حلال ولا حرام). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1794 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث ابن عباس (عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، غرضه بيان متابعة معمر ليونس بن يزيد والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيا لحديث عمر بحديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما فقال: 1795 - (785) (191) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) سعد

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعْبٍ؛ قَال: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ. فَدَخَلَ رَجُل يُصَلِّي. فَقَرَأَ قِرَاءَة أَنْكَرْتُهَا عَلَيهِ. ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ. فَقَرَأَ قِرَاءَةَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبهِ. فَلَمَّا قَضَينَا الصَّلاةَ دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: إِن هذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيهِ، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَرأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ. فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَرَآ. فَحَسَّنَ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَأْنَهُمَا. فَسُقِطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ وَلا إِذْ كنْتُ فِي الْجَاهِليَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البجلي الأحمسي الكوفي (عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري أبي محمد الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (1) باب واحد (عن جده) عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبي بن كعب فإنه مدني. (قال) أبي بن كعب (كنت في المسجد) النبوي (فدخل) المسجد (رجل) يريد أن (يصلي) فصلى (فقرأ) الرجل في صلاته (قراءة أنكرتها عليه) لكوني لم أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم دخل) المسجد رجل (آخر) غير الأول فصلى (فقرأ) هذا الآخر في صلاته (قراءة سوى) أي غير (قراءة صاحبه) يعني الرجل الأول (فلما قضينا الصلاة) وفرغنا منها مسكتهما ومشيت بهما حتى (دخلنا جميعا) معاشر الثلاثة أنا وهما (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) له صلى الله عليه وسلم (إن هذا) الرجل يعني الداخل أولًا (قرأ) في صلاته (قراءة أنكرتها عليه) لأني لم أسمعها منك (ودخل آخر) يعني الثاني (فقرأ) في صلاته قراءة (سوى) أي غير (قراءة صاحبه فأمرهما) أي فأمر الرجلين (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأن يقرأ (فقرآ) على رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءتيهما التي سمعتها منهما (فحسّن) أي صوب (النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما) أي قراءتهما (فسُقط في نفسي من التكذيب) أي وقع في خاطري من تكذيب النبوة لتصويبه قراءة الرجلين ما لم يقع مثله إذ كنت في الإسلام (ولا إذ كنت في الجاهلية) فلفظ سُقط من السقوط بمعنى الوقوع وهو على بناء المعلوم كما هو المفهوم

فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي. فَفِضْتُ عَرَقًا. وَكَأنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَل فَرَقًا. فَقَال لِي: "يَا أُبَي، أُرْسِلَ إِلَيَّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلام النواوي وغيره، والفاعل محذوف، وحذف الفاعل المعلوم جائز مطرد في كلامهم، وعبر عن خطر المستعمل في المعاني بسقط المستعمل في الأجسام إشعارًا بشدة هذا الخاطر وثقله ووقوعه من غير اختيار، ونقل ملا علي عن شراح المصابيح ضبطهم إياه بصيغة المجهول واستصوبه وقال: إن لفظ سُقط جاء في قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيدِيهِمْ} بالقراءة المتواترة على الضم فتحمل رواية هذا الحديث عليه مطابقة بينهما ولا شك أن قوله تعالى: {فِي أَيدِيهِمْ} وقوله في الحديث في نفسي بمعنى واحد لأنه كثيرًا ما يعبر عن النفس بالأيدي فالمعنى هنا ندمت من تكذيبي وإنكاري قراءتهما ندامة ما ندمت مثلها في الإسلام ولا إذ كنت في الجاهلية اهـ وعن هذا ضبطناه بوجهين كما تراه في تشكيلنا، وقوله (ولا إذ كنت في الجاهلية) فهم مما سبق من التقدير كونه معطوفًا والمعنى لا في وقت إسلامي ولا في وقت جاهليتي اهـ من بعض الهوامش. (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشبني) وغطاني من الندامة والدهشة أي فلما علم إتيان ما قد أتاني وأخذني وسترني من آثار الخجالة وعلامات الندامة (ضرب) بيده الشريفة (في صدري) لإخراج ذلك الخاطر المذموم ببركة يده المباركة (ففضت عرقا) أي تصببت عرقًا أي امتلأ عرقي استحياء منه صلى الله عليه وسلم حتى فاض أي سال من جميع جسدي (وكأنما أنظر) في ذلك الوقت (إلى الله عزَّ وجلَّ) نظر عيان (فرقا) أي خوفًا منه تعالى، وانتصابه على أنه مفعول له، وانتصاب عرقًا على التمييز. قال الطيبي: كان أُبي رضي الله عنه من أفضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن الموقنين وإنما طرأ عليه ذلك التلويث بسبب الاختلاف نزغة من الشيطان فلما أصابته بركة ضربه صلى الله عليه وسلم بيده المباركة على صدره ذهبت تلك الهاجسة وخرجت مع العرق فرجع إلى اليقين فنظر إلى الله تعالى خوفًا وخجلًا مما غشيه من الشيطان اهـ أبي. (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على ضرب (يا أُبي أُرسل إليّ)

أَنِ اقْرَأ القُرْآنَ عَلَي حَرْفٍ. فَرَدَدْتُ إِلَيهِ: أنْ هَوِّنْ عَلَي أُمَّتِي. فَرَدَّ إِلَي الثَّانِيَةَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَينِ. فَرَدَدْتُ إِلَيهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي. فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ: اقْرَأْهُ عَلَي سَبْعَةِ أَحْرُفٍ. فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةْ تَسْأَلُنِيهَا. فَقُلْتُ: اللَّهمَّ! اغْفِرْ لأُمَّتِي. اللَّهمَّ! اغْفِرْ لأُمَّتِي. وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ. حَتَّى إِبْرَاهِيمُ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ (أن اقرأ القرآن على حرف) واحد أي على لغة واحدة من اللغات السبع أي أرسل الله تعالى إليّ جبريل - عليه السلام - أن اقرأ القرآن على حرف أي على قراءة واحدة، فأن هنا وفيما بعده وفيما بعده من قوله (فرددت إليه أن هوّن) مفسرة لسبقها بجملة فيها معنى القول أي كررت الطلب إليه تعالى أن هون أي سهل (على أمتي) قراءتهم بالتوسعة فيها ويصح كونها مصدرية بتقدير الجار كما أشرنا إليه في الحل الأول (فرد إلي الثانية) أي فرجع إليَّ الردة الثانية بأن (اقرأه) أي بأن اقرأ القرآن (على حرفين) أي على لغتين أو على قراءتين (فرددت) أي كررت الطلب (إليه) سبحانه بـ (أن هوّن) وسهل (على أمتي) القرآن (فرد إليّ) سبحانه الردة (الثالثة) أي المرة الثالثة بأن (اقرأه على سبعة أحرف فلك) يا محمد (بـ) عدد (كل ردة) ودفعة (رددتكها) أي بكل رجعة رجعتكها إليّ (مسألة) أي دعوة مستجابة لك قطعًا، وأما باقي الدعوات فمرجوة الإجابة ليست قطعية الإجابة، وفي المرقاة قوله (فلك بكل ردة رددتكها) أي لك بمقابلة كل دفعة رجعت إليّ ورددتكها بمعنى أرجعتك إليها بحيث ما هونت على أمتك من أول الأمر اهـ منه قوله (مسألة) أي دعوة مستجابة (تسألنيها) أي ينبغي لك أن تسألنيها فأجيبك إليها (فقلت) في مقابلة الردة الأولى (اللهم اغفر لأمتي) وفي مقابلة الردة الثانية (اللهم اغفر لأمتي) أيضًا (وأخرت) الدعوة (الثالثة) التي تكون في مقابلة الردة الثالثة وهي الشفاعة العظمى (ليوم) أي لأدعو بها في يوم (يرغب) ويميل ويحتاج ويبتهل (إليّ) فيه (الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم) خليل الله سبحانه وتعالى وهو يوم فصل القضاء. قال ملا علي: قوله (حتى إبراهيم) بالرفع معطوف على الخلق نحو قولهم مات الناس حتى الأنبياء، وفيه دليل على رفعة إبراهيم على سائر الأنبياء، وتفضيل نبينا على الكل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 124]، وأبو داود [1477 و 1478]، والترمذي [2945]، والنسائي [2/ 152 و 154].

1796 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى. أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ؛ أَنهُ كَانَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ. إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى. فَقَرَأَ قِرَاءَةً. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. 1797 - (786) (192) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أُبي رضي الله عنه فقال: 1796 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثني إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي (حدثني عبد الله بن عيسى) الأنصاري الكوفي (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري الكوفي (أخبرني أُبي بن كعب) الأنصاري المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أُبي بن كعب، وفيه التصريح بسماع إسماعيل عن عبد الله بن عيسى وسماع عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أُبي بن كعب، غرضه بيان متابعة محمد بن بشر لعبد الله بن نمير في الرواية عن إسماعيل بن أبي خالد (أنه) أي أن أُبيًا (كان جالسًا في المسجد) النبوي (إذ) فجائية و (دخل رجل) معطوف على كان أي إنه كان جالسًا في المسجد ففاجأه دخول رجل المسجد (فصلى) ذلك الرجل (فقرأ قراءة) أنكرتها عليه (واقتص) أي ذكر محمد بن بشر (الحديث) أي حديث أُبي بن كعب (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) وروايته من غير فرق بين الروايتين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا بحديث آخر لأبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 1797 - (786) (192) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثناه) محمد (بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) بتصريح السماع وباسمه (حدثنا شعبة عن الحكم) بن عُتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي، ثقة، من (3) (عن) عبد الرحمن (بن أبي

لَيلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ. قَال فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ. فَقَال: إِن اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. فَقَال: "أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ. وَإِن أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ"، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ. فَقَال: إِن اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَينِ. فَقَال: "أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ. وَإِن أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُم جَاءَهُ الثَّالِثَةَ فَقَال: إِن اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرآنَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ. فَقَال: "أَسْالُ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليلى) الكوفي (عن أُبي بن كعب) الأنصاري المدني، وهذان السندان من سباعياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مكي وواحد مدني، والثاني منهما رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني وواحد مكي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار) بكسر الغين المعجمة، وأضاة -بوزن حصاة- الغدير، قال النواوي: الأضاة هي الماء المستنقع كالغدير، وجمعها أضا كحصاة وحصى، وإضاء بكسر الهمزة والمد كأكمة وإكام (قال) أبي بن كعب (فأتاه) صلى الله عليه وسلم (جبريل - عليه السلام - فقال: إن الله) سبحانه وتعالى (يأمرك) يا محمد (أن تقرأ) بفتح التاء والراء بينهما قاف ساكنة و (أمتك) فاعله (القرآن) مفعوله (على حرف) واحد متعلق بتقرأ. وفي رواية أبي داود أن تقرئ بضم التاء وكسر الراء من الإقراء، وأمتك مفعول تقرئ أي يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد ولغة واحدة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسال الله) سبحانه وتعالى (معافاته) أي تسهيله وتيسيره لهم من عفا الأثر أي سهل وتغير (ومغفرته) أي غفرانه لهم وسؤاله المغفرة لمخافة وقوع التقصير منهم فيما يلزمهم في القراءة اهـ من المفهم. (وإن أمتي لا تطيق ذلك) أي القراءة على حرف واحد (ثم أتاه) صلى الله عليه وسلم جبريل المرة (الثانية فقال) جبريل - عليه السلام - (إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين) أي على لغتين (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أسال الله) تعالى (معافاته) أي سلامته لهم من التشديد في القراءة (ومغفرته) لهم فيما قصروا فيه من القراءة (وإن أمتي لا تطيق ذلك) أي قراءته على حرفين فقط (ثم جاءه) صلى الله عليه وسلم جبريل - عليه السلام - المرة (الثالثة فقال) جبريل (أن الله) سبحانه وتعالى (يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف) فقط (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أسأل الله) تعالى

مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُم جَاءَهُ الرَّابِعَةَ فَقَال: إِن اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَأُوا عَلَيهِ، فَقَدْ أَصَابُوا. 1798 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (معافاته) لهم من التشديد (ومغفرته) لهم فيما قصروا فيه من ذلك (وإن أمتي لا تطيق ذلك) أي قراءته على ثلاثة أحرف (ثم جاءه) جبريل المرة (الرابعة فقال) جبريل (أن الله) تعالى (يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف) أي على سبع لغات ولا يزيدوا عليها (فأيما حرف قرأوا عليه) أي فأي حرف قرأوا عليه من تلك السبع (فقد أصابوا) أي فقد وافقوا الصواب فيما يلزمهم في القراءة أي فأي شيء قرأوا به من تلك السبع كفاهم وأجزأهم، قال النواوي: معناه لا تجاوز أمتك سبعة أحرف ولهم الخيار في السبعة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود والنسائي كما في تحفة الأشراف والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 1798 - (00) (00) (وحدثناه عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحخاج البصري (بهذا الإسناد) يعني عن الحكم عن مجاهد .. الخ (مثله) أي مثل ما روى محمد بن جعفر عن شعبة، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في الرواية عن شعبة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة؛ الأول حديث عمر بن الخطاب ذكره للاسدلال به وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي بن كعب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي بن كعب الأخير ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

352 - (64) باب: الترتيل في القراءة واجتناب الهذ فيها، وإباحة جمع سورتين فأكثر في ركعة

352 - (64) باب: الترتيل في القراءة واجتناب الهذ فيها، وإباحة جمع سورتين فأكثر في ركعة 1799 - (787) (192) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ. فَقَال: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، كَيفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ. أَلِفًا تَجِدُهُ أَمْ يَاءً: مِنْ مَاءِ غَيرِ آسِنٍ أَوْ مِنْ مَاء غَيرِ يَاسِنٍ؟ قَال: فَقَال عَبْدُ اللهِ: وَكُل الْقُرْآنِ قَد أَحْصَيتَ غَيرَ هَذَا؟ قَال: إِنِّي لأقرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 352 - (64) باب: الترتيل في القراءة واجتناب الهذ فيها، وإباحة جمع سورتين فأكثر في ركعة والترتيل في القراءة هو التأني فيها مع التدبر في المعاني، والهذ هو الإسراع المبالغ في القراءة بحيث يمنع التدبر في المعاني. 1799 - (787) (192) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (و) محمد بن عبد الله (ابن نمير) الهمداني الكوفي حالة كونهما (جميعا) أي مجتمعين في الرواية (عن وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (قال أبو بكر: حدثنا وكيع عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (قال) أبو وائل: (جاء رجل) من المسلمين (يقال له: نهيك) بفتح النون وكسر الهاء بعدها ياء ساكنة (بن سنان) بكسر السين وبنونين البجلي الكوفي (إلى عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (فقال) ذلك الرجل (يا أبا عبد الرحمن) كنية عبد الله بن مسعود (كيف تقرأ هذا الحرف) أ (ألفا تجده) أي تقرأه بأن تقول آسن (أم) تجده وتقرأه (ياء) بأن تقول ياسن حالة كون ذلك الحرف من قوله تعالى: {مِنْ مَاءٍ غَيرِ آسِنٍ} والآسن من الماء هو المتغير الطعم واللون، والياسن من اليسن وهو بالتحريك من أسن البئر من باب فرح أي أصابت ببخارها من دخلها كما في القاموس أي أتقرأه (من ماء غير آسن) بالألف الممدودة (أو) تقرأه (من ماء غير ياسن) بالياء (قال) أبو وائل (فقال) له (عبد الله) بن مسعود أ (وكل القرآن قد أحصيت) وضبطت ألفاظه (غير هذا) اللفظ الذي تسأل عنه (قال) الرجل: نعم (إني لأقرأ المفصل) من القرآن (في ركعة)

فَقَال عَبْدُ اللهِ: هَذا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوزُ تَرَاقِيَهُمْ. وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ، نَفَعَ. إِن أَفْضَلَ الصلاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ. إِنِّي لأعلَمُ النَّظَائِرَ التِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَينَهُنَّ. سُورَتَينِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. ثُم قَامَ عَبْدُ اللهِ فَدَخَلَ عَلْقَمَةُ فِي إِثْرِهِ. ثُم خَرَجَ فَقَال: قَدْ أَخْبَرَنِي بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة، قال الأبي: وهذا إخبار عن كثرة حفظه وإتقانه ولم يجبه عبد الله عن سؤاله لأنه فهم عنه أنه غير مسترشد اهـ (فقال) له (عبد الله) أتَهذّ القرآن (هَذَّا كهذّ الشعر) أي أتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشعر وإنشاده، قال النواوي: الهذ شدة الإسراع والإفراط في العجلة، ونصبه على المصدرية بفعل محذوف وجوبًا كما قدرناه، قال في المصباح: الهذ سرعة القطع، وهذ قراءته هذا من باب قتل إذا أسرع فيها، ثم قال عبد الله (أن أقواما) من الناس (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) وهذا اقتباس من حديث الخوارج أي لا يجاوز القرآن تراقيهم ليصل إلى قلوبهم فليس حظهم منه إلا مروره على ألسنتهم، والتراقي جمع الترقوة؟ وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين، وزنها فعلوة بفتح الفاء وضم اللام، وفي المصباح عن بعضهم: ولا تكون الترقوة لشيء من الحيوانات إلا للإنسان خاصة اهـ، وهذا كناية عن عدم الفهم كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به الخوارج حيث قال: "لا يجاوز حناجرهم" (ولكن إذا وقع) القرآن يعني معناه (في القلب فرسخ) أي ثبت (فيه) أي في القلب (نفع) بالعبرة والموعظة (أن أفضل) أركان (الصلاة الركوع والسجود إني لأعلم النظائر) والأشباه (التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن) بضم الراء من باب نصر (بينهن) في الصلاة حالة كونه يقرأ (سورتين) سورتين منها (في كل ركعة) النجم والرحمن في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة مثلًا (ثم قام عبد الله) من بيننا فدخل بيته (فدخل علقمة) على عبد الله (في إثره) أي في إثر عبد الله أي عقب دخول عبد الله بيته ونحن أمرناه بسؤاله عن تلك النظائر (ثم خرج) علقمة من عند عبد الله فقلنا له: هل سألته عن تلك النظائر (فقال) علقمة: نعم (قد) سألته عنها فـ (أخبرني بها) أي بتلك النظائر، وهذه الرواية فيها ركاكة تبينها رواية أبي معاوية الآتية والله أعلم.

قَال ابْنُ نُمَيرٍ فِي رِوَايَتِهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَجِيلَةَ إِلَي عَبْدِ اللهِ. وَلَمْ يَقُلْ: نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ. 1800 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللهِ، يُقَالُ لَهُ: نَهيكُ بن سِنَانٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَجَاءَ عَلْقَمَة لِيَدخُلَ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله النظائر) هي والقرائن وهي السور المتقاربة في المقدار، وقد عددها ثماني عشرة في رواية، وفي أخرى عشرين، ولا بعد في ذلك فإنه يذكر في وقت الأقل من غير تعرض للحصر، ويزيد في وقت آخر أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم قرن في وقت بين ثماني عشرة، وفي أخرى بين عشرين (وقوله إن أفضل الصلاة الركوع والسجود) حجة لمن قال: إن كثرة السجود أفضل من تطويل القيام، قال الأبي: وهذا مذهب ابن مسعود في المسألة، وفي الاحتجاج بمذهب الصحابي خلاف، وقد تقدم ذكر الخلاف في هذه المسألة، واختلف في مبدإ المفصل فقيل من سورة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل من سورة ق وقيل من سورة الحجرات، وسمي بذلك لكثرة الفصل بين سورة بسطر بسم الله الرحمن الرحيم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5043] مختصرًا، وأبو داود [1396]. وقوله (قال) محمد (بن نمير في روايته: جاء رجل من بني بجيلة إلى عبد الله ولم يقل) ابن نمير (نهيك بن سنان) بيان لمحل المخالفة بين ابن نمير وأبي بكر بن أبي شيبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1800 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفي الأسدي (قال) أبو وائل: (جاء رجل إلى عبد الله) بن مسعود (يقال له) أي لذلك الرجل (نهيك بن سنان) البجلي وساق أبو معاوية عن الأعمش (بمثل حديث وكيع) عن الأعمش، وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي معاوية لوكيع في رواية هذا الحديث عن الأعمش، ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن أبا معاوية (قال) في روايته (فجاء علقمة) بن قيس النخعي (ليدخل عليه) أي على عبد الله بعد ما قام عبد الله من بيننا

فَقُلْنَا لَهُ: سَلْهُ عَنِ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي رَكْعَةٍ. فَدَخَلَ عَلَيهِ فَسَأَلَهُ. ثُمَّ خَرَجَ عَلَينَا فَقَال: عِشْرُونَ سُورَةَ مِنَ الْمُفَضَّلِ. فِي تَأْلِيفِ عَبْدِ اللهِ. 1801 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا الأَعْمَشُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِنَحْو حَدِيثِهمَا. وَقَال: إِنِّي لأَعْرِفُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. اثْنَتَينِ فِي رَكْعَةِ. عِشْرِينَ سُورَةً فِي عَشْرِ رَكَعَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقلنا) معاشر المجلس (له) أي لعلقمة إذا دخلت عليه فـ (سله) أي فاسأل عبد الله (عن) السور (النظائر) والأشباه (التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها) أي بسورتين منها (في ركعة) واحدة (فدخل) علقمة (عليه) أي على عبد الله (فسأله) عن تلك النظائر (ثم خرج علينا) علقمة من عند عبد الله (فقال) علقمة هي (عشرون سورة من المفصل) أي عد لنا علقمة في بيان تلك النظائر عشرين سورة من المفصل (في تأليف) أي في ترتيب مصحف ومجمع (عبد الله) بن مسعود من القرآن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1801 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (حدثنا الأعمش في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن أبي وائل عن عبد الله، وساق عيسى بن يونس (بنحو حديثهما) أي بنحو حديث وكيع وأبي معاوية عن الأعمش، غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لهما (و) لكن (قال) عيسى في روايته قال عبد الله (إني لأعرف) السور (النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (اثنتين) منهن (في ركعة) واحدة بدل من ضمير بهن أي يقرأ باثنتين منهن في ركعة، وكذلك قوله (عشرين سورة في عشر ركعات) بدل ثان من الضمير أي يقرأ بعشرين سورة في عشر ركعات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:

1802 - (00) (00) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. حَدَّثنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَال: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَومًا بَعْدَ مَا صلَّينَا الْغَدَاةَ. فَسَلَّمْنَا بِالْبَابِ. فَأَذِنَ لَنَا. قَال: فَمَكَثْنَا بِالْبَابِ هُنَيَّة. قَال: فَخَرَجَتِ الْجَارِيَةُ فَقَالتْ: أَلا تَدْخُلُونَ؟ فَدَخَلْنَا. فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يُسَبِّحُ. فَقَال: مَا مَنَعَكُمْ أَن تَدخُلُوا وَقَدْ أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا. إِلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَن بَعْضَ أَهْلِ الْبَيتِ نَائِمٌ. قَال: ظَنَنْتُمْ بِآلِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ غَفْلَة؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1802 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأُبُلِّيُّ (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري، ثقة، من صغار (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا واصل) بن حيان (الأحدب) الأسدي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة واصل الأحدب لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، وكرر المتن لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة (قال) أبو وائل: (غدونا) أي بكَّرْنا (على عبد الله بن مسعود يوما) من الأيام (بعدما صلينا) أي بعد صلاتنا، فما مصدرية (الغداة) أي صلاة الصبح (فسلمنا) سلام الاستئذان (بالباب) أي عند الباب (فأذن لنا) في الدخول عليه بواسطة الجارية (قال) أبو وائل (فمكثنا) أي جلسنا وتأخرنا (بالباب) أي عند الباب (هنية) بضم الهاء وتشديد الياء بدون همز مصغر هنة أي قليلًا من الزمان، ويعبر بها عن كل شيء كما في النهاية (قال) أبو وائل: (فخرجت) إلينا (الجارية) التي أذنت لنا في الدخول (فقالت) لنا (ألا تدخلون) البيت (فدخلنا فإذا هو) أي عبد الله (جالس) حالة كونه (يسبح) أي يذكر الله تعالى بأنواع الذكر من التسبيح والتحميد والتهليل لأن الوقت وقت كراهة الصلاة، وإذا فجائية، والفاء عاطفة أي فدخلنا عليه ففاجأنا جلوسنا مسبحًا أي ذاكرًا (فقال) لنا عبد الله (ما منعكم) من (أن تدخلوا) علينا (و) الحال أنه (قد أذن لكم) في الدخول بواسطة الجارية، قال أبو وائل: (فقلنا) له (لا) مانع من الدخول موجود لنا (إلا أنا) أي لكن أنا (ظننا) أي توهمنا (أن بعض أهل البيت نائم) فنزعجه، قال الأبي: وليس الظن هنا حقيقته الذي هو ترجح أحد الطرفين (قال) عبد الله (ظننتم بآل ابن أم عبد) يعني نفسه فإن أم عبد الهذلية أمه، والنبي صلى الله عليه وسلم وغيره كانوا يقولون لابن مسعود ابن أم عبد أي أتظنون بهم (غفلة)

قَال: ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ. فَقَال: يَا جَارِيَةُ! انْظُرِي. هَلْ طَلَعَتْ؟ قَال: فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَطْلُعْ. فَأَقْبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى إِذَا ظَن أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ قَال: يَا جَارِيةُ! انْظُرِي. هَلْ طَلَعَتْ؟ فَنَظَرَتْ فَإذَا هِيَ قَدْ طَلعَتْ. فَقَال: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَقَالنَا يَوْمَنَا هَذا. - (فَقَال مَهْدِيٍّ وَأَحْسِبُهُ قَال) -: وَلَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا. قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: قَرَأْتُ الْمُفَضَّلَ الْبَارِحَةَ كُلَّهُ. قَال: فَقَال عَبْدُ اللهِ: هَذًّا كَهَذِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي غفلة عن طاعة الله تعالى لا تظنوا ذلك بهم، ففيه مراعاة الرجل أهل بيته وعيشه في أمر دينهم، والظن هنا بمعنى التوهم يتعدى إلى مفعول واحد (قال) أبو وائل (ثم أقبل) عبد الله أي رجع إلى شغله الأول حالة كونه (يسبح) الله تعالى (حتى ظن) أي توهم أي أدرك إدراكًا غير راجح (أن الشمس قد طلعت فقال يا جارية انظري) الشمس (هل طلعت) أم لا (قال) أبو وائل (فنظرت) الجارية الشمس (فإذا هي) أي الشمس (لم تطلع فأقبل يسبح حتى إذا ظن) وعلم (أن الشمس قد طلعت قال يا جارية انظري هل طلعت) الشمس (فنظرت) الجارية (فإذا هي) أي الشمس (قد طلعت) قال القاضي: ففي قوله (انظري هل طلعت) قبول خبر الواحد والعمل بالظن مع القدرة على اليقين لأنه اكتفى بخبرها مع قدرته على رؤية طلوعها، وقبول خبر المرأة. [قلت]: الخلاف في قبول خبر الواحد إنما هو عند تجرده عن القرائن ومع وجودها فلا خلاف في قبوله والقرائن في القضية واضحة حضورها ولاء والقرب وتمكنه من العلم وغير ذلك مما لا يمكن الجارية معه أن تخبر بخلاف الواقع، وفيه أيضًا أن الأوقات المخصوصة بالذكر ثواب الذكر فيها أكثر من ثواب التلاوة، وفيه أيضًا أن الكلام بمثل هذا لا يقطع ورد التسبيح والذكر اهـ من الأبي (فقال) عبد الله (الحمد لله الذي أقالنا) أي رفع عنا ذنوبنا وسامحها لنا في (يومنا هذا) ولم يؤاخذنا بها حتى تطلع الشمس من مغربها أي أقال عثرتنا ولم يؤاخذنا بسيئاتنا هذا اليوم حتى أطلع علينا الشمس من مطلعها ولم يطلعها من مغربها استعجالًا لعقوبتنا (فقال مهدي) بن ميمون في روايته (وأحسبه) أي وأحسب شيخي واصلًا الأحدب (قال) عند روايته لنا أي زاد لفظة (ولم يهلكنا بذنوبنا قال) أبو وائل (فقال رجل من القوم) الحاضرين عند عبد الله (قرأت المفصل) الليلة (البارحة) أي القريبة إلينا (كله) أي كل المفصل (قال) أبو وائل (فقال عبد الله) أتَهذُّ القرآن (هذًّا كهذ

الشِّعْرِ؟ إِنَّا لَقَدْ سَمِعْنَا الْقَرَائِنَ. وَإِنِّي لأَحْفَظُ الْقَرَائِنَ الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُفَصَّلِ. وَسورَتَينِ مِنْ آلِ حم. 1803 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِي، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَجِيلَةَ. يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعر) أي أتسرع قراءته إسراعًا كإسراع الشعر عند إنشاده (أنا) معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (لقد سمعنا) من رسول الله صلى الله عليه وسلم السور (القرائن) أي النظائر والمتشابهات في الطول والقصر التي يقرأ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد بها ما أراد بالنظائر الواقعة في الرواية السابقة واللاحقة يعين ما كان يقرن صلى الله عليه وسلم بينهن من السور في صلاته (وإني لأحفظ) تلك (القرائن التي كان يقرؤهن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (ثمانية عشر) بدل من القرائن أي وإني لأحفظ ثمانية عشر منها (من المفصل) أي من السور التي يكثر الفصل بينهن بسطر بسم الله الرحمن الرحيم وأوله من الحجرات عند الجمهور (و) أحفظ (سورتين من آل حم) معطوف على ثمانية عشر يعني من السور التي في أولها حم نُسب السور إلى هذه الكلمة كقولهم آل فلان وقد يريد حم نفسها لأن الأول يقع على الشخص قاله أبو عبيد، والحديث يدل على أن المفصل ما بعد الحواميم، قال النواوي: وقوله في الرواية الأولى عشرون من المفصل وقوله هنا ثمانية عشر من المفصل وسورتين من آل حم لا تعارض فيه لأن مراده في الأول معظم العشرين من المفصل ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1803 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة منصور بن المعتمر للأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل (قال) شقيق بن سلمة (جاء رجل من بني بجيلة يقال له نهيك بن

سِنَانٍ، إِلَى عَبْدِ اللهِ. فَقَال: إِني أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ لَقَدْ عَلِمْتُ النَّظَائِرَ التِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقْرَأُ بِهِنَّ. سُورَتَينِ فِي رَكْعَةٍ. 1854 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَال: إِنِّي قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيلَةَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: هَذا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ عَرَفْتُ النظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنان إلى عبد الله) بن مسعود (فقال) الرجل (إني أقرأ المفصل) كله (في ركعة) واحدة (فقال عبد الله) له أتهذ القرآن (هذًّا كهذ الشعر) والله (لقد علمت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن سورتين) سورتين (في) كل (ركعة) من ركعات تهجده فكيف يمكن لك أن تقرأ كله في ركعة واحدة إلا أن تهذه هذًّا كهذ الشعر وهذا لا يجوز في القرآن بل الواجب فيه الترتيل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 1804 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري الملقب بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي الجملي أبي عبد الله الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) (أنه) أي أن عمرًا (سمع أبا وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، وهذا السند أيضًا من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن مرة لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل حالة كون أبي وائل (يحدّث أن رجلا) من بني بجيلة (جاء إلى) عبد الله (بن مسعود فقال) الرجل لابن مسعود (إني قرأت المفصل) هذه (الليلة كله في ركعة) واحدة (فقال) له (عبد الله) أتهذه (هذًا كهذا الشعر فقال عبد الله) والله (لقد عرفت) وحفظت السور (النظائر) المتشابهات في الطول والقصر (التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن) بضم الراء من باب نصر

بَينَهُنَّ. قَال: فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ. سُورَتَينِ سُورَتَينِ فِي كُل رَكْعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بينهن) أي بين سورتين منهن في ركعة واحدة (قال) أبو وائل (نذكر) لنا عبد الله بن مسعود في بيان تلك النظائر (عشرين سورة من المفصل) وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤهن (سورتين سورتين في كل ركعة) من ركعات تهجده. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

353 - (65) باب قراءة ابن مسعود رضي الله عنه

353 - (65) باب: قراءة ابن مسعود رضي الله عنه 1805 - (788) (193) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أبُو إِسْحَاقَ. قَال: رَأَيتُ رَجُلًا سَأَلَ الأسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ، وَهُوَ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَال: كَيفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ؟ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 40] أَدَالًا أَمْ ذَالًا؟ قَال: بَلْ دَالًا. سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مُدَّكِرٍ" دَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 353 - (65) باب قراءة ابن مسعود رضي الله عنه كذا ترجم عن الحديث الآتي الأبي والسنوسي. 1805 - (788) (193) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (5) (قال) أبو إسحاق (رأيت رجلا) من أهل الكوفة (سأل الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي عن القراءة (وهو) أي والحال أن الأسود بن يزيد كان (يعلّم) الناس (القرآن) أي قراءته (في المسجد) الكوفي (فقال) الرجل في سؤاله (كيف تقرأ) يا أسود (هذه الآية) يعني قوله تعالى ({فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر} أ) تقرأها (دالا) مهملة (أم) تقرأها (ذالا) معجمة (قال) الأسود لا أقرأها ذالًا معجمة (بل) أقرأها (دالا) مهملة كما هو قراءة حفص، وأصل مدكر مذتكر بمثناة بعد ذال معجمة فأبدلت تاء الافتعال دالًا مهملة ثم أهملت المعجمة لمقاربتها ثم أدغمت في الدال المنقلبة عن تاء الافتعال فصار النطق مدكر بالدال المهملة، وسبب سؤاله عن ذلك لأن بعض السلف قرأها بالمعجمة وهو منقول أيضًا عن قتادة اهـ تحفة الأحوذي، ثم علل الأسود قراءته بالدال المهملة بقوله لأني (سمعت عبد الله بن مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مدكر دالا) أي بدال مهملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في أبواب كثيرة رواه في التفسير في ثلاثة مواضع، ورواه في أحاديث الأنبياء، وأبو داود في الحروف، والترمذي في القراءات وقال: حسن صحيح، والنسائي في التفسير في الكبرى، وسنده من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي أبو إسحاق عن الأسود.

1806 - (00) (00) وَحَدثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّار. قَال ابْن الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ. عَنْ عَبْدِ اللهِ. عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذا الْحَرْفَ: "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ". 1807 - (789) (194) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. (وَاللَّفْظ لأَبِي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَال: قَدِمْنَا الشَّامَ. فَأَتَانَا أَبُو الدَّرْدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 1806 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي (عن الأسود) بن يزيد الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ هذا الحرف) أي هذا اللفظ يعني قوله تعالى (فهل من مدكر) بالدال المهملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما فقال: 1807 - (789) (194) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (واللفظ) الآتي (لأبي بكر قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن (براهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) علقمة: (قدِمنا) معاشر أصحاب عبد الله (الشام) وفي رواية البخاري عن طريق حفص عن الأعمش: قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء (فأتانا أبو الدرداء) عويمر بن زيد بن عبد الله بن قيس الأنصاري الخزرجي الشامي الدمشقي الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا الدرداء

فَقَال: أَفِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْتُ: نَعْم. أَنَا. قَال: فَكَيفَ سَمِعْتَ عَبْدَ اللهِ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ؟ {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى (1)} [الليل: 1]. قَال: سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: "وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى" وَالذكَرِ وَالأنثَى قَال: وَأَنَا وَاللهِ، هَكذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا. وَلَكنْ هَؤُلاءِ يُرِيدُونَ أَنْ أَقْرَأَ: وَمَا خَلَقَ. فَلا أُتَابِعُهُمْ. 1808 - (00) (00) وَحَدثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه شامي (فقال) أبو الدرداء (أفيكم) معاشر أصحاب عبد الله (أحد يقرأ على قراءة عبد الله) بن مسعود، قال علقمة (فقلت) له (نعم) فينا من يقرأ قراءة عبد الله (أنا) أقرأ قراءته (قال) أبو الدرداء (فكيف سمعت عبد الله) بن مسعود (بقرأ هذه الآية) يعني قوله تعالى {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى} قال) علقمة قلت له (سمعته) أي سمعت عبد الله حالة كونه (يقرأ والليل إذا يغشى والذكر والأنثى) والمفهوم من سياق الأحاديث في هذا الصحيح وصحيح البخاري أن الذي أسقطه عبد الله في هذه السورة إنما هو ما خلق فإنه كان يقرأ (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) بإعراب الجر لعدم ما خلق عنده، وفي هذا الحديث إسقاط ما لم يسقطه عبد الله رضي الله عنه والرواية التامة ما سيأتي في طريق علي بن حجر السعدي اهـ من بعض الهوامش (قال) أبو الدرداء (وأنا والله هكذا) مفعول ثان مقدم ليقرأها أي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها) أي يقرأ هذه الآية هكذا أي مثل ما قرأته يعني والذكر والأنثى بلا ذكر لفظ خلق (ولكن هولاء) الشاميون (يريدون) أي يطلبون مني (أن أقرأ) ها بلفظ (وما خلق) الذكر والأنثى (فلا أتابعهم) أي فلا أوافقهم فيما طلبوا مني من تلك القراءة بل أقرأها والذكر والأنثى كقراءة عبد الله، قوله (فلا أتابعهم) قال المازري: يجب أن يحمل على أن ذلك كان قرآنًا ونسخ ولم يعلم بالنسخ بعض من خالف فبقي على الأول، ولعل هذا إنما وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ، وأما بعد بلوغه فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 1808 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جَمِيِل الثقفي البلخي (حدثنا

جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. قَال: أَتَى عَلْقَمَةُ الشامَ. فَدَخَلَ مَسْجِدًا فَصَلَّى فِيهِ. ثُم قَامَ إِلَى حَلْقَةٍ فَجَلَسَ فِيهَا، قَال: فَجَاءَ رَجُل فَعَرَفْتُ فِيهِ تَحَوُّشَ الْقَوْمِ وَهَيئَتَهُمْ. قَال: فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي. ثُم قَال: أَتَحْفَظُ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ يَقْرَأُ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 1809 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِي. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ؛ قَال: لَقِيتُ أبَا الدَّرْدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن مغيرة) بن مقسم الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (3) (قال) إبراهيم (أتى علقمة) بن قيس الكوفي، ثقة مخضرم، من (5) (الشام فدخل) علقمة (مسجدا) من مساجد الشام (فصلى فيه) تحيته (ثم قام) علقمة ذاهبًا (إلى حلقة) مجتمعة في المسجد، قال النواوي: هي بإسكان اللام على اللغة المشهورة وفتحها لغة رديئة (فجلس) علقمة (فيها) أي في تلك الحلقة (قال) علقمة (فجاء رجل) من أهل البلد (فعرفت فيه) أي في حق ذلك الرجل (تحوش القوم) أي اجتماعهم حوله وإحاطتهم به (وهيئتهم) أي احترامهم به وإكرامهم له وانقباضهم عني، ويكون معنى التحوش هنا الاجتماع حوله يقال احتوش القوم فلانًا جعلوه وسطهم وكانوا حاشيته (قال) علقمة (فجلس) ذلك الرجل (إلى جنبي ثم قال) لي (أتحفظ كما كان عبد الله) بن مسعود (يقرأ) أي أتحفظ قراءته في سورة والليل (فذكر) مغيرة بن مقسم عن إبراهيم (بمثله) أي بمثل ما روى الأعمش عن إبراهيم، وسند هذه الرواية من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة المغيرة للأعمش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 1809 - (00) (00) (حدثنا علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن البغدادي ثم المروزي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن داود بن أبي هند) دينار القشيري مولاهم المصري أو البصري، ثقة، من (5) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن علقمة) بن قيس الكوفي (قال) علقمة (لقيت أبا الدرداء) عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته،

فَقَال لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَال: مِنْ أَيِّهِمْ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَال: هَلْ تَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود؟ قَال: قُلتُ: نَعَمْ. قَال: فَاقْرَأ: {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى (1)} [الليل: 1]. قَال: فَقَرَأتُ: {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}. قَال: فَضَحِكَ ثُم قَال: هَكذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقرَؤهَا. 1810 - (00) (00) وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَال: أَتَيتُ الشَّامَ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بسوقه بيان متابعة الشعبي لإبراهيم بن يزيد في رواية هذا الحديث عن علقمة بن قيس (فقال لي) أبو الدرداء (ممن أنت) أي من أي بلدة أنت أيها الرجل الغريب (قلت) أنا (من أهل العراق قال من أيهم) أي من أي أهل العراق أمن أهل البصرة أم من أهل الكوفة؟ (قلت) له أنا (من أهل الكوفة قال) أبو الدرداء (هل تقرأ) القرآن (على قراءة عبد الله بن مسعود قال) علقمة (قلت) له (نعم) أقرأ على قراءته (قال) أبو الدرداء (فاقرأ) علي سورة {وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى} قال) علقمة (فقرأت) عليه (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) بالجر عطفًا على الليل (قال) علقمة (فضحك) أبو الدرداء تعجبًا من موافقة قراءتي قراءته (ثم قال) أبو الدرداء (هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها) أي سمعته صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة هكذا أي بمثل قراءتك هذه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 1810 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثني عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري البصري (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي (عن علقمة) بن قيس الكوفي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الأعلى لابن علية في روايته عن داود بن أبي هند (قال) علقمة (أتيت الشام فلقيت أبا الدرداء فذكر) عبد الأعلى (بمثل حديث ابن علية) سواءً. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين حديث ابن مسعود وذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، وحديث أبي الدرداء ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات.

354 - (66) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها وتحريها بالصلاة فيها

354 - (66) باب: الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، وتحريها بالصلاة فيها 1811 - (790) (195) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَي مَالِكٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، حَتَّى تَغْرُبَ الشمْسُ. وَعَنِ الصلاةِ بَعْدَ الصبْحِ، حَتى تَطْلُعَ الشَمس ـــــــــــــــــــــــــــــ 354 - (66) باب الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها وتحريها بالصلاة فيها 1811 - (790) (195) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن محمد بن يحيى بن حبان) - بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة- ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني أبي عبد الله المدني، ثقة فيه، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن الصلاة) التي لا سبب لها متقدم أو مقارن (بعد) فعل صلاة (العصر حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها (وعن الصلاة) المذكورة (بعد) فعل صلاة (الصبح حتى تطلع الشمس) وترتفع قدر رمح، والمراد بالطلوع هنا ارتفاع الشمس وإشراقها وإضاءتها لا مجرد ظهور قرصها كما في النواوي، يدل عليه ما يأتي من حديث "إذا بدا حاجب الشمس فأخّروا الصلاة حتى تبرز" وحديث النهي حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وهو مذهب الحنفية أيضًا إلا أنهم رأوا النهي في هاتين الحالتين أخف منه في غيرهما، وذهب آخرون إلى أنه لا كراهة في هاتين الصورتين ومال إليه ابن المنذر وعلى القول بالنهي اتفق على أن النهي فيما بعد العصر متعلق بفعل الصلاة فإن قدمها اتسع النهي وإن أخرها ضاق، وأما الصبح فاختلفوا فيها فقال الشافعي: هو كالذي قبله إنما تحصل الكراهة بعد فعله كما هو مقتضى الأحاديث، وذهب المالكية والحنفية إلى ثبوت الكراهة من طلوع الفجر سوى ركعتي الفجر وهو مشهور مذهب أحمد ووجه عند الشافعية، قال

1812 - (791) (196) وَحَدثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. جَمِيعًا عَنْ هُشَيمٍ. قَال دَاوُدُ: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ قَتَادَةَ. قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: سَمِعْتُ غَيرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الصباغ: إنه ظاهر المذهب وقطع به المتولي في التتمة، واستثنى الشافعية من كراهة الصلاة في هذه الأوقات مكة فلا تكره الصلاة فيها في شيء منها لا ركعتا الطواف ولا غيرهما لحديث جبير مرفوعًا "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى آية ساعة شاء من الليل والنهار" رواه أبو داود وغيره، قال ابن حزم: وإسلام جبير متأخر جدًّا، وإنما أسلم يوم الفتح وهذا بلا شك بعد نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات فوجب استثناء ذلك من النهي، والله تعالى أعلم اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1812 - (791) (196) (وحدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وإسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (جميعًا عن هشيم) بن بشير السلمي أبي معاوية الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (قال داود: حدثنا هشيم) بصيغة السماع (أخبرنا منصور) بن زاذان الواسطي أبو المغيرة الثقفي، ثقة عابد، من (6) روى عنه في (4) أبواب، وهو الذي روى عن قتادة، ويروي عنه هشيم (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (قال) قتادة (أخبرنا أبو العالية) الرياحي -بكسر الراء- نسبة إلى بطن من تيم أو إلى محلة لهم بالبصرة، رفيع -مصغرًا- ابن مهران البصري، ثقة إمام مخضرم، من (2) ففي هذا السند تصويح قتادة بالسماع (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان واسطيان وواحد طائفي وواحد بغدادي، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال) ابن عباس: (سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) كلهم عدول مرضيون لا شك في صدقهم ودينهم (منهم عمر بن الخطاب) رضي

وَكَانَ أحَبَّهُمْ إِلَيَّ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنِ الصلاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ، حَتى تَطْلُعَ الشمْسُ. وَبَعْدَ الْعَصْرِ، حَتى تَغْرُبَ الشمْسُ. 1813 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ. ح وَحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَني أَبِي، كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى عنهم أجمعين (وكان) عمر (أحبهم) وأرضاهم (اليّ) أي عندي أي سمعتهم يحدثون (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى) نهي تحريم (عن الصلاة) التي لا سبب لها (بعد) صلاة (الفجر حتى تطلع الشمس) وترتفع (وبعد) صلاة (العصر حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها، فلو أحرم بما لا سبب له كالنافلة المطلقة لم تنعقد كصوم يوم العيد بخلاف ماله سبب كفرض أو نفل فائتين فلا كراهة فيهما لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر سنة الظهر التي فاتته رواه الشيخان، فالسنة الحاضرة والفريضة الفائتة أولى وكذا صلاة جنازة وكسوت وتحية مسجد وسجدة شكر وتلاوة، ومنع أبو حنيفة مطلقًا إلا عصر يومه كان صلى العصر منفردًا وأراد إعادة تلك العصر مع الجماعة فيجوز له إعادتها، والنهي في الحديث متعلق بأداء الصلاة لا بالوقت فتعين تقدير لفظ الصلاة في الموضعين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [581]، وأبو داود [1276]، والترمذي [183]، والنسائي [1/ 276 و 277]، وابن ماجه [1250]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1813 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة ح وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) -بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة- البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري، ثقة مدلس، من (6) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري، صدوق، من (9) (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي أبو بكر البصري (كلهم) أي كل من شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشام

عَن قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أن فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ وَهِشَامِ: بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ. 1814 - (792) (197) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ؛ أن ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ؛ قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيثِي؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصرِ حَتى تَغرُبَ الشمسُ. وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الفَجْرِ، حَتى تَطْلُعَ الشَمسُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الدستوائي رووا (عن قتادة) بن دعامة البصري، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمنصور بن زاذان (بهذا الإسناد) يعني عن أبي العالية عن ابن عباس (غير أن في حديث سعيد) بن أبي عروبة (وهشام) الدستوائي لفظة (بعد الصبح حتى تشرق الشمس) بدل قول منصور (بعد الفجر حتى تطلع الشمس). وقوله (تشرق) ضبطه النواوي بوجهين بفتح التاء وضم الراء من الشروق وهو الطلوع يقال شرقت الشمس تشرق إذا طلعت على وزن طلعت تطلع وغربت تغرب، وبضم التاء وكسر الراء من الإشراق يقال أشرقت الشمس تشرق إشراقًا إذا ارتفعت وأضاءت ومنه قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69] والمراد بالشروق هنا الإشراق الذي هو بمعنى الارتفاع والإضاءة لا مجرد الطلوع وقد أطال النواوي الكلام هنا فراجعه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1814 - (792) (197) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (أن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبره قال) ابن شهاب (أخبرني عطاء بن يزيد الليثي) المدني (أنه سمع) سعد بن مالك الأنصاري (أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة) صحيحة أو حاصلة (بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها (ولا صلاة) صحيحة أو حاصلة (بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) وترتفع كما في رواية البخاري إلا لسبب أو المراد لا تصلون بعد صلاة

1815 - (793) (198) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلا عِنْدَ غُرُوبِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ العصر فيكون نفيًا بمعنى النهي، وإذا كانت غير حاصلة فتحري الوقت لها كلفة لا فائدة فيها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 95]، والبخاري [586]، والنسائي [1/ 277 و 278]، وابن ماجه [1249]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على كراهة الصلاة عند الطلوع وعند الغروب بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1815 - (793) (198) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن نافع) العدوي مولى ابن عمر (عن) عبد الله (ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتحرى أحدكم) أي لا يقصد أحدكم نفي بمعنى النهي، وفي بعض النسخ (لا يتحر أحدكم) بالجزم على النهي، قال ابن الملك في شرح المشارق: مفعوله محذوف لدلالة المقام عليه أي لا يقصد أحدكم الوقت الذي عند طلوع الشمس بالصلاة (فيصلي) بالرفع عطفًا على لا يتحرى على النفي، وبالنصب في جواب النهي على نسخة لا يتحر، والمعنى لا يقصد أحدكم الوقت الذي عند طلوع الشمس فيصلي (عند طلوع الشمس ولا) يقصد أحدكم الوقت الذي عند غروبها فيصلي (عند غروبها) اهـ ابن الملك، وقال ملا علي في شرح المصابيح: أي لا يقصد أحدكم فعلًا ليكون سببًا لوقوع الصلاة في زمان الكراهة اهـ. والمنهي عنه في هذين الوقتين الفرائض والنوافل جميعًا عند أبي حنيفة وأصحابه، والنوافل فقط عند مالك والشافعي رحمهم الله تعالى لقوله - عليه السلام -: "من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها" اهـ ابن الملك. وقيل هذا الحديث مفسر للحديث السابق أي لا تكره الصلاة بعد فعل العصر والفجر إلا لمن قصد بها طلوع الشمس وغروبها، وجزم الجمهور بأن المراد بهذا الحديث نهي مستقل وجعلوا الكراهة مع القصد وعدمه، وقيل في حكمة النهي إن قومًا كانوا يتحرون طلوع الشمس وغروبها فيسجدون لها عبادة من دون الله تعالى فنهى صلى الله عليه وسلم أن يتشبه بهم اهـ قسطلاني، وقوله (لا يتحرى أحدكم) خرج بالقصد عدمه

1816 - (00) (00) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بشْرٍ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَحَرَّوْا بِصَلاتِكُمْ طُلُوعَ الشمْسِ وَلا غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَي شَيطَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو استيقظ من نومه أو ذكر ما نسيه فليس بقاصد وفي الروضة كأصلها: لو دخل المسجد في أوقات الكراهة ليصلي التحية فوجهان أقيسهما الكراهة كما لو أخر الفائتة ليقضيها فيها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1816 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ومحمد بن بشر) العبدي الكوفي (قالا) هو تحريف من النساخ والصواب (قالوا) كما يدل عليه ما سيأتي في الرواية التالية أي قال كل من وكيع وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر حالة كونهم (جميعا) أي مجتمعين على الرواية عن هشام (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عروة بن الزبير لنافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحروا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي لا تقصدوا (بصلاتكم) بالموحدة، وفي رواية للبخاري لصلاتكم (طلوع الشمس ولا غروبها) أي وقت طلوعها وغروبها، وهذان الوقتان هما المقصودان بالنهي لأنهما الوقتان اللذان يسجد فيهما الكفار للشمس كما قال في الحديث الآخر وما قبل هذين الوقتين إنما نهي عنه لأنه ذريعة ووسيلة إلى إيقاع الصلاة فيهما، ومن هنا أجاز مالك الصلاة على الجنازة ما لم تغرب الشمس، وكرهها عند ذلك (فإنها) أي فإن الشمس (تطلع بقرني شيطان) أي بين قرني رأس شيطان فالباء بمعنى بين كما هو في حديث عمرو بن عبسة الآتي، قال النواوي: قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه، وقيل قوته وغلبته وانتشار فساده، وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره وهذا هو الأقوى، قالوا: ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون

1817 - (794) (198) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَابْنُ بشْير. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشمسِ، فَأَخِّرُوا الصلاةَ حَتَّى تَبرُزَ. وإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشمْسِ، فَأَخرُوا الصلاةَ حَتَّى تَغِيبَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة حينئذ يكون له ولبنيه تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان، وفي بعض نسخ مسلم هنا بقرني الشيطان بالألف واللام، وسمي شيطانًا لتمرده وعتوه، وكل مارد عات شيطان، والأظهر أنه مشتق من شطن إذا بعد لبعده من الخير والرحمة، وقيل مشتق من شاط إذا هلك واحترق اهـ نواوي. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [2/ 106]، والبخاري [585]، والنسائي [1/ 277]. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث آخر له أيضًا رضي الله تعالى عنهما فقال: 1817 - (794) (198) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي وابن بشر قالوا جميعًا حدثنا هشام عن أبيه عن ابن عمر) وهذا السند عين السند الذي قبله فلا حاجة إلى شرحه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بدا) وظهر وبدا هنا غير مهموز لأنه من البدو بمعنى الظهور لا من البدء بمعنى الابتداء (حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى عند الطلوع، وفي المفهم: وحاجب الشمس هو أول ما يبدو منها في الطلوع وهو أول ما يغيب منها عند الغروب اهـ. قال ابن الملك: أراد به ناحيتها وهو مستعار من حاجب الوجه (فأخروا الصلاة) التي لا سبب لها كالنفل المطلق (حتى تبرز) أي تخرج بارزة بالارتفاع قدر رمح أي إلى أن تطلع وترتفع قدر رمح (وإذا غاب) واستتر (حاجب الشمس) أي طرفها الأسفل عند الغروب وهو الذي كان أعلى عند الطلوع (فأخروا الصلاة) التي لا سبب لها (حتى) أي إلى أن (تغيب) وتغرب بجميع قرصها، زاد البخاري في بدء الخلق من طريق عبدة "فإنها تطلع بين قرني شيطان" وعند مسلم من حديث عمرو بن عبسة "وحينئذ يسجد لها

1818 - (795) (199) وَحَدثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ خَيرِ بْنِ نُعَيمٍ الْحَضْرَمِي، عَنِ ابْنِ هُبَيرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيشَانِي، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفار". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [582]، والنسائي [1/ 279]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي بصرة الغفاري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1818 - (795) (199) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن خير) بالخاء المعجمة (بن نعيم) بن مرة بن كريب (الحضرمي) أبي نعيم المصري قاضيها وقاضي رقة، روى عن عبد الله بن هبيرة السبئي في الصلاة، وعطاء وأبي الزبير، ويروي عنه (م س) والليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وحيوة بن شريح، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق فقيه، من السادسة، مات سنة (137) سبع وثلاثين ومائة، وليس في مسلم من اسمه خير إلا هذا (عن) عبد الله (بن هبيرة) مصغرًا بن أسد السبئي -بفتح المعجمة والموحدة- أبي هبيرة المصري، روى عن أبي تميم الجيشاني في الصلاة، وقبيصة بن ذؤيب وعبد الرحمن بن غنم وعبيد بن عمير، ويروي عنه (م عم) وخير بن نعيم وحيوة بن شريح وابن لهيعة، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان، وقال أبو داود: معروف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة (عن أبي تميم) عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم -بمهملتين- (الجيشاني) نسبة إلى جيشان قبيلة باليمن -بمعجمتين مفتوحتين بينهما ياء ساكنة- المصري، هاجر زمن عمر من اليمن، مشهور بكنيته، روى عن أبي بصرة الغفاري في الصلاة، وعلي وأبي ذر، ويروي عنه (م ت س ق) وعبد الله بن هبيرة وكعب بن علقمة، وثقه جماعة، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة (77) سبع وسبعين (عن أبي بصرة) حميل -بوزن حميد- ابن بصرة بن وقاص بن حاجب من بني حرام بن غفار، ويقال حميل مكبرًا، ويقال جميل بالجيم (الغفاري) المصري له صحبة، ويقال عداده في أهل الحجاز، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي ذر في الفضائل، شهد فتح مصر، وداره بها ودفن في مقبرتها، له (12) اثنا عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديث، وليس له عند (م) سواه، ويروي عنه (م دس) وأبو تميم الجيشاني في الصلاة، وقال في التقريب:

قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ. فَقَال: "إِن هَذِهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ عَلَي مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيعُوهَا. فَمَنْ حَافَظَ عَلَيهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ. وَلا صَلاةَ بَعْدَهَا حَتى يَطْلُعَ الشاهِدُ". وَالشَاهِدُ النجْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحابي، سكن مصر، ومات بها، وليس في مسلم من اسمه حميل إلا هذا الصحابي الجليل، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، وفيه التحديث والعنعنة (قال) أبو بصرة: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر) أي صلاتها بموضع يسمى (بالمخمص) هو بضم الميم الأولى وخاء معجمة مفتوحة ثم بميم مشددة مفتوحة آخره صاد مهملة على وزن محمد، موضع معروف بالحجاز كذا في النواوي، وقال ملا علي: بضم الميم الأولى وفتح الخاء المعجمة والميم جميعًا، وقيل بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها في آخرها صاد مهملة على وزن مجلس، اسم طريق اهـ. وقال المجد في القاموس: والمخمص كمنزل اسم طريق اهـ. وقال السيد مرتضى عند شرح قوله كمنزل: ضبطه الصاغاني كمقعد اهـ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن هذه الصلاة) التي تصلونها في هذا الوقت يعني العصر (عرضت) أي فرضت (على من كان قبلكم) من الأمم (فضيعوها) أي تركوا ملازمتها لكونها في وقت الاشتغال اهـ من المبارق (فمن حافظ) منكم (عليها) أي على أدائها في وقتها المحدد لها (كان له أجره مرتين) أي أجر من جهة امتثاله أمر الله وأجر آخر من جهة محافظة ما ضيعوها اهـ من المبارق، قال القرطبي: وهذا يشعر بتأكدها على غيرها، وذلك مما يدل على أنها الصلاة الوسطى كما تقدم في مبحثها (ولا صلاة) صحيحة (بعدها) أي بعد فعلها (حتى يطلع) ويظهر (الشاهد) أي النجم والمراد به غروب الشمس، وسُمي النجم شاهدًا لأنه يشهد بمغيب الشمس ودخول الليل، والصلاة المنفية بعد العصر هي النافلة التي لا سبب لها لأنها هي المكروهة، وأما التي لها سبب والفوائت فغير مكروهة ما لم تتغير الشمس اهـ من المبارق. قوله (والشاهد النجم) كلام مدرج من الراوي أو ممن دونه تفسيرًا للشاهد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 397]، والنسائي [1/ 259 - 260]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بصرة رضي الله عنه فقال:

1819 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيب عَنْ خَيرِ بْنِ نُعَيم الْحَضْرَمِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُبَيرَةَ السَّبَئِي، وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيشَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الْعَصْرَ. بِمِثْلِهِ. 1820 - (796) (200) وَحَدثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1819 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني (حدثنا أبي) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن) محمد (بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني، صدوق، من (5) (قال حدثني يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأزدي المصري، ثقة فقيه، من (5) (عن خير بن نعيم الحضرمي) المصري (عن عبد الله بن هبيرة السبئي) المصري، قال خير بن نعيم (وكان) عبد الله بن هبيرة (ثقة عن أبي تميم الجيشاني) عبد الله بن مالك المصري، ثقة مخضرم، من (2) (عن أبي بصرة الغفاري) حميل بن بصرة المصري رضي الله عنه، وهذا السند من تساعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن أبي حبيب لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن خير بن نعيم (قال) أبو بصرة (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر) وساق يزيد بن أبي حبيب (بمثله) أي بمثل ما ساق ليث بن سعد عن خير بن نعيم. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1820 - (796) (200) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن موسى بن عُلي) بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء مصغرًا، ابن رباح بالموحدة اللخمي أبي عبد الرحمن المصري، صدوق، من (7) (عن أبيه) علي بن رباح بن قصير ضد الطويل اللخمي أبي عبد الله المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) علي بن رباح (سمعت عقبة بن

عَامِرٍ الْجُهَنِي يَقُولُ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَنْهَانا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِن. أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيِهن مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشمْسُ بَازِغَة حَتى تَرتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر الجهني) أبا حماد المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري حالة كون عقبة (يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن) صلاة الجنازة (أو نقبر فيهن موتانا) أي أن ندفن، يقال قبرته من باب نصر إذا دفنته، والمراد به صلاة الجنازة اهـ ابن الملك، قال القرطبي: رويت هذا اللفظ بأو التي لأحد الشيئين، ورويته أيضًا بالواو الجامعة وهو الأظهر ويكون مورد النهي الصلاة على الجنازة والدفن لأنه إنما يكون إثر الصلاة عليها، وأما رواية أو ففيها إشكال إلا إن قلنا إن أو تكون بمعنى الواو كما قاله الكوفي، وقد اختلف في الصلاة عليها في هذه الأوقات المذكورة في هذا الحديث فأجاز الشافعي الصلاة عليها ودفنها في هذه الأوقات، وكره الجمهور الصلاة عليها حينئذ، وعن مالك في ذلك خلاف يذكر في الجنائز إن شاء الله تعالى، والمعنى نهانا أن نصلي فيهن صلاة الجنازة ونقبر فيهن موتانا، وذكر الدفن خرج مخرج الغالب، قال ابن الملك: المذهب عندنا أن هذه الأوقات الثلاثة يحرم فيها الفرائض والنوافل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة إلا إذا حضرت أو تليت آية السجدة حينئذ فإنهما لا يكرهان لكن الأولى تأخيرهما إلى خروج الأوقات المذكورة اهـ. قال النواوي: قال بعضهم: إن المراد بالقبر صلاة الجنازة، وهذا القول ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين كما سبق في الحديث الصحيح "قام فنقرها أربعًا" فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره اهـ منه. وقوله (حين تطلع الشمس) الخ بيان للساعات الثلاث أي الأول من الساعات الثلاث وقت طلوع الشمس وشروقها في الأفق الشرقي، حالة كونها (بازغة) أي طالعة بارزة حال مؤكدة لمعنى العامل من البزوغ وهو الطلوع (حتى ترتفع) الشمس في السماء قدر رمح في رأي العين وإلا فالمسافة بعيدة (و) الثاني منها (حين يقوم) ويقف (قائم

الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ. وَحِينَ تَضَيَّفُ الشمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتى تَغْرُبَ. 1821 - (797) (201) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر الْمَعْقِرِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمد ـــــــــــــــــــــــــــــ الظهيرة) أي ظل واقف وقت الظهيرة أي وقت الاستواء أي وقت بلوغ الشمس وسط السماء حين لا يبقى للقائم في الظهيرة وهو حر نصف النهار ظل في المشرق ولا في المغرب، وعبارة العون هنا: أي حين قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت، والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسط السماء أبطات حركة الظل إلى أن تزول فيحسب الناظر المتأمل أنها قد وقفت وهي سائرة لكن سيرًا لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال وبعده فيقال لذلك الوقوف المشاهد قائم الظهيرة قاله في النهاية اهـ منه (حتى تميل الشمس، و) الثالث منها (حين تضيف) بحذف إحدى التاءين أي حين تتضيف (الشمس) وتميل وتجنح (للغروب) يقال ضاف الشيء يضيف بمعنى يميل (حتى تغرب) وتغيب بجميع قرصها، قال القرطبي (قوله حين يقوم قائم الظهيرة) الظهيرة شدة الحر وقائمها قائم الظل الذي لا يزيد ولا ينقص في رأي العين وذلك يكون منتصف النهار حين استواء الشمس، وقد اختلف في الصلاة في ذلك الوقت على ما يأتي في حديث عمرو بن عبسة، وقوله (وحين تضيف الشمس للغروب) أي تميل للغروب يقال ضافت تضيف من باب باع إذا مالت، وأصل الإضافة الإسناد والإمالة كما قال امرؤ القيس: فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب المشطب الذي فيه خطوط، وطرائق كمدارج النمل، ومنه ضفت فلانًا إذا نزلت به وأضفته أنزلته اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 152]، وأبو داود [3192]، والترمذي [1030]، والنسائي [1/ 275 و 276]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث عمرو بن عبسة رضي الله عنهم فقال: 1821 - (797) (201) (حدثني أحمد بن جعفر المعقري) -بفتح الميم وكسر القاف بينهما عين ساكنة- نسبة إلى معقر ناحية باليمن ثم المكي، مقبول، من (11) مات سنة (255) (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي -بالجيم المضمومة والشين المعجمة- الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب

حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- قَال عِكْرِمَةُ: وَلَقِيَ شَدَّادٌ أَبَا أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ. وَصَحِبَ أَنَسًا إِلَى الشَّامِ. وَأَثْنَى عَلَيهِ فَضلًا وَخَيرًا- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَال: قَال عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِي: كُنْتُ، وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيةِ، أَظُن أَن النَّاسَ عَلَى ضَلالةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيسُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا شداد بن عبد الله) القرشي الأموي مولى معاوية (أبو عمار) الدمشقي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (ويحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا كلاهما رويا (عن أبي أمامة) صُدي بن عجلان بن والبة الباهلي الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب، قال النضر بن محمد: (قال عكرمة) بن عمار في الثناء على شيخه شداد (ولقي) شيخي (شداد) بن عبد الله شيخه (أبا أمامة) صُدي بن عجلان (و) لقي أيضًا (واثلة) بن الأسقع الليثي الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه (وصحب) شداد أيضًا (أنسًا) ابن مالك البصري رضي الله عنه في سفره (إلى الشام وأثنى) عكرمة (عليه) أي على شيخه شداد أي ذكر فيه (فضلا) أي مزية ومنقبة في حسبه (وخيرا) أي صلاحًا في دينه، وقوله ثانيًا (عن أبي أمامة) كرره تأكيدًا لما ذكره لطول الفاصل بينه وبين ما بعده (قال) أبو أمامة (قال عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحات بن عامر بن خالد (السلمي) أبو نجيح الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه له (48) ثمانية وأربعون حديثًا، انفرد له (م) بحديث واحد، يروي عنه (م عم) وأبو أمامة وشرحبيل بن السمط، قال الواقدي: أسلم بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه حتى مضت بدر وأحد وخندق وحديبية وخيبر ثم قدم المدينة، قال أبو سعيد: يقولون إنه رابع أو خامس في الإسلام، وكان قبل الإسلام يعتزل عبادة الأصنام ويراها باطلًا وضلالًا، وكان يرعى فتظله غمامة ذكره في التهذيب، روى عنه أبو أمامة في الصلاة، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون واثنان يماميان وواحد مكي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية صحابي عن صحابي (كنت وأنا) أي والحال أني (في) زمن (الجاهلية) أي في زمن أهل الجهالة بالله تعالى، وجملة قوله (أظن أن الناس على ضلالة) وغواية خبر كان أي كنت ظانًا كون الناس على ضلالة في عبادتهم الأصنام، والحال أني في جهالة (و) أظن (أنهم ليسوا

عَلَى شَيءٍ. وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأوثَانَ. فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا. فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي. فَقَدِمْتُ عَلَيهِ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا، جُرَءَاءُ عَلَيهِ قَوْمُهُ. فَتَلَطَّفْتُ حَتى دَخَلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّةَ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَال: "أَنَا نَبِيٌّ" قُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ على شيء) من الحق والدين، قال القرطبي: (قوله أظن أن الناس على ضلالة) أي أعلم وأتيقن، فإن الظن قد يطلق على اليقين كما في قوله تعالى {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] اهـ من المفهم، وقال الأبي: الأظهر من هذا الكلام أنه قد اهتدى في نفسه فالظن بمعنى العلم وهو في ذلك كقس بن ساعدة أو كأحد من الأربعة الذي خلصوا نجيًّا من قريش الذي قدمنا حديثهم في الكلام على حديث ورقة بن نوفل من كتاب الإيمان، وكان شيخنا يحمل الظن على بابه ويقول: لا مانع من حمله عليه اهـ منه، وجملة قوله (وهم) أي والحال أنهم (يعبدون الأوثان) حال من اسم ليس، والأوثان جمع وثن وهو كل ما عبد من دون الله سواء كان من حجر أو شجر وسواء كان على صورة آدمي أم لا (فسمعت) من الناس (برجل) أي بظهور رجل (بمكة يُخبر أخبارا) حقة عن الله بتوحيده وبرسالته وببطلان الشرك مع الله تعالى (فقعدت على راحلتي) أي ناقتي أي ركبتها إلى مكة (فقدمت) إلى مكة واطلعت (عليه فإذا) هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا) من الناس أي مستترًا منهم خوفًا من إذايتهم وهو حال من رسول الله، وكذا جملة قوله (جرءاء عليه قومه) حال منه أي يجترءون عليه من الجرأة وهو شدة الإقدام على إذايته، وهو مرفوع على أنه خبر مقدم وقومه مبتدأ مؤخر على مذهب البصريين، قال النواوي: كذا هو في جميع الأصول بضم الجيم بوزن برءاء كعلماء جمع جريء بالهمز من الجرأة أي متسلطون عليه غير هائبين له، وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين حراء بالحاء المهملة المكسورة ومعناه غضاب ذوو غم من شأنه قد قيل حيرهم حتى أثر في أجسادهم من قولهم حرى جسمه يحري من باب رمى يرمي إذا نقص من ألم أر غيره والصحيح أنه بالجيم اهـ، وقوله (فتلطفت) أي طلبت الدخول عليه بلطف ورفق (حتى دخلت عليه) وهو (بمكة) معطوف على قوله (فقدمت عليه) عطفًا تفسيريًّا (فقلت له ما أنت) أي ما حالك وشأنك، قال النواوي: لم يقل من أنت لأنه لم يسئله عن ذاته وإنما سأله عن صفاته والصفات مما لا يعقل اهـ وفي بعض الأصول (من أنت) لأنه سؤال عمن يعقل (قال) لي ذلك الرجل (أنا نبي) من أنبياء الله تعالى (قلت) له (وما نبي؟ ) أي وما معنى

قَال: "أَرْسَلَنِيَ اللهُ" فَقُلْتُ: وَبِأَي شَيءِ أَرْسَلَكَ؟ قَال: "ارْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيءٌ" قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَي هَذَا؟ قَال: "حُرٌّ وَعَبْدٌ"، (قَال: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك أنا نبي (قال) ذلك الرجل معناه أنا رسول (أرسلني الله) تعالى إلى كافة الخلق، وفي المفهم قوله (وما نبي) سؤال عن النبوة وهي من جنس ما لا يعقل لأنها معنى من المعاني اهـ (فقلت) له (وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام) أي بالأمر بصلة الأرحام والنهي عن قطيعتها، قال النواوي: يدل على تأكد صلتها لأنه قرنها بالتوحيد، قال الأبي: قد صح أن جواباته صلى الله عليه وسلم تكون بحسب السائل وبحسب الزمان والحال، فتخصيص الرحم بالذكر يحتمل لمراعاة حال العرب فيها أو أن غيرها من الفرائض لم يكن فرض اهـ منه (وكسر الأوثان) والأصنام وإعدامها (وأن يوحد الله) تعالى أي يفرد بالعبادة حال كونه (لا يشرك به شيء) من المخلوقات (قلت له) صلى الله عليه وسلم (فمن معك على هذا) التوحيد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم معي على هذا التوحيد (حر وعبد، قال) عمرو بن عبسة (ومعه) صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ قدمت عليه (أبو بكر وبلال) حال كونهما (ممن آمن به) صلى الله عليه وسلم يعني الحر أبو بكر والعبد بلال، ولم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا لصغره فإنه أسلم وهو ابن سبع سنين، وقيل ابن عشر ولا خديجة رضي الله تعالى عنها لأنه فهم عنه أنه إنما سأله عن الرجال فأجابه حسب ذلك. ويشكل هذا الحديث بحديث سعد بن أبي وقاص فإنه قال: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام وظاهره وأن أبا بكر وبلالًا أسلما في اليوم الذي أسلم فيه سعد، وأنه أقام سبعة أيام لم يسلم معهم أعني الثلاثة أحد، وحينئذ يلزم أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم جاءه عمرو بن عبسة أبو بكر وسعد وبلال لكن سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم أعني عن سعد فلم يذكره إما ذهولًا عنه وإما لأن سعدًا لم يكن حاضرًا إذ ذلك بمكة وإما لأمر آخر والله أعلم اهـ من المفهم. قال النواوي: يحتج به من يقول إن أبا بكر أول من آمن، قال الأبي: جمع بين أحاديث أول من آمن فمن قال: أبو بكر يعني من الرجال، ومن قال: بلال يعني من

فَقُلْتُ: إِني مُتَّبِعُكَ. قَال: "إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذا. أَلا تَرَى حَالِي وَحَال الناسِ؟ وَلَكنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ. فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي" قَال: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي. وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الْمَدِينَةَ. وَكُنْتُ فِي أَهْلِي. فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هذَا الرجُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموالي، ومن قال: خديجة يعني من النساء، ومن قال: على يعني من الصغار، وفي الجمع بذلك نظر اهـ (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (إني متبعك) أي أصحبك وأكون معك في موضعك هذا (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (إنك) يا عمرو (لا تستطيع) ولا تقدر (ذلك) أي صحبتك معي في هذه البلدة (يومك هذا) أي في وقتك هذا الحاضر لم يرد رده عن الإسلام، وإنما رده عن إظهار اتباعه خوفًا عليه لغربته في قريش وأمره أن يدوم على الإسلام ويرجع إلى بلده حتى يسمع أنه قد ظهر، قال النواوي: وفيه معجزة إذ وقع الظهور كما ذكر (ألا ترى) وتبصر يا عمرو (حالي وحال الناس) من ضيقي وكربتي منهم وإنكارهم علي رسالتي وما جئت به من التوحيد (ولكن ارجع) الآن (إلى أهلك) وقومك واعبد ربك على حالك (فإذا سمعت بي) أي بخبري بأني (قد ظهرت) وغلبت وعلوت عليهم، وهذا من إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيب فهو داخل في باب دلالات نبوته فإنه أخبر عن غيب وقع على نحو ما أخبر عنه، وهذا معنى قوله تعالى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الفتح: 28] أي ليعليه (فأتني) أي فاحضر إلي في أي مكان كنت فيه (قال) عمرو (فذهبت) من مكة ورجعت (إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) مهاجرًا إليها (وكنت) مواطنًا (في أهلي فجعلت) أي شرعت (أتخبر) أي أستخبر (الأخبار) عن حاله صلى الله عليه وسلم (وأسال الناس) عنها (حين قدم المدينة) وهاجر إليها وكنت مواظبًا على الاستخبار عن حاله (حتى قدم) ومر (علي نفر) ورهط (من أهل يثرب) وقوله (من أهل المدينة) بدل مما قبله بدل كل من كل، ويثرب اسم للناحية التي منها المدينة، وقيل لناحية منها، وقيل هي المدينة، روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقال للمدينة يثرب وسماها طيبة وطابة كأنه كره الثرب لأنه فساد في كلام العرب كذا في تاج العروس، وما في سورة الأحزاب فحكاية مقالة المنافقين، ولعل ما هنا كان قبل وصول خبر النهي إليه (فقلت) لأولئك النفر (ما فعل هذا الرجل

الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟ فَقَالُوا: الناسُ إِلَيهِ سِرَاعٌ. وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَدَخَلْتُ عَلَيهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَعْرِفُنِي؟ قَال: "نَعَمْ. أَنْتَ الذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ؟ " قَال: فَقُلْتُ: بَلَى. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ. أَخْبِرْنِي عَنِ الصلاةِ؟ قَال: "صَلِّ صَلاةَ الصُبْحِ. ثُم أَقْصِرْ عَنِ الصلاةِ حَتى تَطْلُعَ الشمْسُ حَتى تَرْتَفِعَ فَإِنهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَينَ قَرْنَي شَيطَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي قدم المدينة فقالوا) أي قال النفر (الناس) الذين في المدينة ومن حولها (إليه) أي إلى الدخول في دينه، وهو متعلق بقوله (سراع) جمع سريع أي مسرعون (وقد أراد قومه) من أهل مكة (قتله) قبل خروجه من مكة (فلم يستطيعوا) أي لم يقدروا (ذلك) أي قتله ولم يتمكنوا منه، قال عمرو بن عبسة (فقدمت المدينة) وكان قدومه إلى المدينة على ما ذكر في أسد الغابة بعد مضي بدر وأحد وخندق بل بعد خيبر وقبل الفتح كما في الإصابة (فدخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (فقلت: يا رسول الله أتعرفني قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) أعرفك (أنت الذي لقيتني بمكة قال) عمرو (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (بلى) أي نعم، أنا الذي لقيتك في مكة، وبلى هنا بمعنى نعم لعدم تقدم النفي، قال النواوي: فيه صحة الجواب ببلى وإن لم يتقدم نفي وصحة الإقرار بها وهو الصحيح من مذهبنا، وشرط بعض أصحابنا أن يتقدمها النفي اهـ. قال الأبي: وهو الصحيح عند النحاة وأنه لا يجاب بها إلا بعد النفي، والنفي هنا مقدر أي أولست بالذي لقيتني اهـ قال عمرو (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله أخبرني عما علمك الله) سبحانه وتعالى (وأجهله) من أمور الدين (أخبرني) أولًا (عن الصلاة) أي عن وقتها الجائزة فيه بدليل الجواب قاله ملا علي، وقال القرطبي: سؤال عن تعيين الوقت الذي يجوز التنفل فيه من الوقت الذي لا يجوز، وإنما قلنا ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم فهم عنه ذلك فأجابه به ولو كان سؤاله عن غير ذلك لما كان جوابه مطابقًا للسؤال اهـ من المفهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له (صل صلاة الصبح) أي فرضها (ثم) بعد الفراغ منها (أقصر) أي اكفف (عن الصلاة) التي لا سبب لها (حتى تطلع الشمس) بازغة (حتى ترتفع) قدر رمح فالغاية الثانية بدل من الغاية الأولى، وفي بعض النسخ (حين تطلع حتى ترتفع) قاله ابن الملك (فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان) قيل تنكيره للتحقير، وفي بعض النسخ بين قرني الشيطان يعني إنه يدني رأسه إلى الشمس في

وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. ثُم صَلِّ. فَإِن الصلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حَتى يَسْتَقِل الظِّلُّ بِالرُمْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الأوقات حبًّا منه أن يعبدوا بجهته فيكون الساجد لها من الكفار كالساجدين له في الصورة فنهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ذلك الوقت تحرزًا عن شبه الكفرة كما في المبارق (وحينئذ) أي وحين إذ تطلع بين قرني شيطان (يسجد لها الكفار) أي الذين يعبدونها، وهذا الوقت واللذان بعده هو موضع الترجمة من الحديث والله أعلم (ثم) بعدما طلعت الشمس وارتفعت (صل) أي صلاة شئت لأنه خرج وقت الكراهة (فإن الصلاة مشهودة) يشهدها الملائكة (محضورة) يحضرها أهل الطاعات اهـ مبارق، أي من سكان السماء والأرض، فمحضورة ليس تفسير مشهودة فالتأسيس أولى من التأكيد اهـ مرقاة، وعبارة العون مع أبي داود (مشهودة مكتوبة) أي تشهدها الملائكة ويحضرونها وتكتب أجرها وذلك أقرب إلى القبول وحصول الرحمة (حتى يستقل الظل بالرمح) أي حتى يرتفع الظل مع الرمح ولم يبق على الأرض منه شيء وذلك يكون في وقت الاستواء، وتخصيص الرمح بالذكر لأن العرب أهل بادية إذا أرادوا أن يعلموا نصف النهار ركزوا رماحهم في الأرض ثم نظروا إلى ظلها اهـ من المرقاة، وعبارة القرطبي: (قوله حتى يستقل الظل بالرمح) أي حتى يكون ظله قليلًا كأنه قال حتى يقل ظل الرمح، والباء زائدة كقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25] وقد رواه أبو داود فقال (حتى يعدل الرمح ظله) قال النواوي: معناه أنه يقوم مقابله في الشمال ليس مائلًا إلى المشرق ولا إلى المغرب وهذا حالة الاستواء اهـ والمراد أنه يكون الظل في جانب الرمح ولم يبق على الأرض من ظله شيء وهذا يكون في بعض أيام السنة ويقدر في سائر الأيام عليه، وقال الخطابي: وهو إذا قامت الشمس قبل أن تزول وإذا تناهى قصر الظل فهو وقت اعتداله فإذا أخذ في الزيادة فهو وقت الزوال اهـ من العون، وقد روى الخشنى: لفظ كتاب مسلم (حتى يستقل ظل الرمح) أي يقوم ولا تظهر زيادته، وفيه حجة لمن منع الصلاة حينئذ وهم أهل الرأي، وقد روي عن مالك، ومشهور مذهبه ومذهب جمهور العلماء جواز الصلاة حينئذ وحجتهم عمل المسلمين في جميع الأقطار على جواز التنفل يوم الجمعة إلى صعود الإمام على المنبر عند الزوال، والظاهر حمل النهي على منع التنفل في هذه الأوقات الثلاثة إلا في يوم الجمعة جمعًا بين الأحاديث والإجماع المحلي اهـ من المفهم باختصار.

ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصلاةِ. فَإنَّ، حِينَئِذٍ، تُسْجَرُ جَهَنَّمُ. فَإِذَا اقْبَلَ الْفَيءُ فَصَلِّ. فَإِنَّ الصلاة مشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ. ثم أَقْصِرْ عَنِ الصلاةِ. حَتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. فَإِنهَا تَغْرُبُ بَينَ قَرْنَي شَيطَانٍ. وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفارُ". قَال فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَالْوُضُوءُ؟ حَدثْنِي عَنْهُ. قَال: "مَا مِنْكُمْ رَجْل يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ ويسْتَنْشِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ) اسم إن محذوف في أكثر النسخ وهو ضمير الشأن وفي بعضها (فإنه) والظرف متعلق بقوله (تسجر جهنم) أي فإن الشأن والحال توقد جهنم حينئذ أي حين إذ يستقل الظل أي توقد إيقادًا بليغًا كأنه أراد الإبراد بالظهر كما مر في بابه، وضبطه ابن الملك بالتشديد وملا علي به وبالتخفيف، وبكليهما جاء القرآن قال تعالى: {ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 72] وقال: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6] وقال: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] ولكون إطلاق الشارح التخفيف اقتصرنا عليه وسجر النار تهييجها (فإذا أقبل) وجاء (الفيء) أي الظل بعد الزوال أي أخذ الظل في الازدياد بالزوال (فصل) أي صلاة شئت (فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر) أي إلى أن تصلي العصر (ثم أقصر عن الصلاة) من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه أي أمسك نفسك عنها (حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها (فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ) أي حين إذ غربت الشمس (يسجد لها الكفار) قال الخطابي: وذكر تسجير جهنم وكون الشمس بين قرني شيطان وما أشبه ذلك من الأشياء التي تذكر على سبيل التعليل لتحريم شيء أو لنهي عن شيء من الأمور التي لا تدرك معانيها من طريق الحس والعيان وإنما يجب علينا الإيمان بها اهـ قوله (حتى تصلي العصر) قال في النيل: فيه دليل على أن وقت النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير المصلي، وإنما يكره لكل إنسان بعد صلاة نفسه حتى لو أخرها عن أول الوقت لم يكره التنفل قبلها اهـ منه. أقلت، : هذا هو الظاهر من الحديث وحمله الآخرون على وقت الغروب وعلى وقت الطلوع اهـ عون. (قال) عمرو بن عبسة (فقلت: يا نبي الله فالوضوء) قال في المرقاة: بالرفع، وقيل بالنصب (حدثني عنه) أي أخبرني عن فضله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي (ما منكم) أيها المؤمنون (رجل يُقرّب) بضم الياء وتشديد الراء المكسورة من التقريب (وضوءه) بفتح الواو أي ماء يتوضأ به (فيتمضمض) منه فمه (ويستنشق) منه

فَيَنْتَثِرُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ. ثُم إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أمَرَهُ اللهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُم يَغْسِلُ يَدَيهِ إِلَى الْمِرْفَقَينِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رَأسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيهِ إِلَى الْكَعْبَينِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ، وَمَجَّدَهُ بَالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أنفه (فينتثر) أي فيخرج ما في أنفه من الماء والمخاط (إلا خرت) أي سقطت منه (خطايا وجهه) أي ذنوب عملها بوجهه (وفيه) أي وخطايا فمه (وخياشيمه) جمع خيشوم وهو أقصى الأنف وقيل الخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ، وقيل غير ذلك أي وخطايا أنفه، والمراد بالخطايا الصغائر كما سبق في كتاب الطهارة (ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله) تعالى به بإسباغ غسل وجهه (إلا خرت) أي سقطت (خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء) فيه إشارة إلى سرعة انمحاء الخطايا مع ماء الوضوء كما مر في باب الوضوء (ثم يغسل يديه إلى المرفقين) أي معهما (إلا خرت) وسقطت (خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين) أي معهما (إلا خرت) وسقطت (خطايا رجليه من أنامله مع الماء) قال القرطبي: رواية أكثرهم (خرت) بالخاء المعجمة أي سقطت وهو كناية عن مغفرة الذنوب، وعند أبي جعفر (جرت) بالجيم في الأولى، وقد رويناه بالجيم في جميعها ومعناه صحيح كما قال خرجت خطاياه مع الماء (فإن هو) أي ذلك الرجل المتوضئ (قام فصلى) ركعتين سنة وضوء أو غيرهما (فحمد الله) أي وصفه بالكمالات (وأثنى عليه) أي ذكره بتنْزيهه من النقائص (ومجده) أي عظمه (بالذي) أي بذكر الكمال الذي (هو) أي ذلك الكمال إله) تعالى (أهل) أي لائق به تعالى (وفرغ) بالتشديد (قلبه لله) أي مما يشغله عن الصلاة كما قال: لا يحدث فيها نفسه (إلا انصرف) ورجع (من خطيئته كهيئته) أي على هيئته (يوم ولدته أمه) أي لا يبقى عليه شيء من ذنبه لا كبيرة ولا صغيرة، وهذا المعنى ما يدل عليه ظاهر الحديث وقد بينا هذا المعنى في الطهارة فراجعه اهـ من المفهم، وقوله (إلا انصرف من خطيئته) قال ابن الملك: جزاء الشرط محذوف يعني فإن قام فصلى فما يكون على حال من الأحوال إلا على حال انصرافه من خطيئته

فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَال عَمْرو: يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ، وَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ. لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلا مَرَّة، أَوْ مَرَّتَينِ، أَوْ ثَلاثا، (حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ)، مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكني سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقائه منها اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 112]، وأبو داود [1277]، والنسائي [1/ 279 - 280]، وابن ماجه [1251]. قال عبد الله بن شداد: (فحدّث عمرو بن عبسة بهذا الحديث) المذكور (أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) أي لعمرو (أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة انظر) وفكر (ما تقول) وتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمل فيه هل هو معقول أم لا قبل أن تحدّث للناس هل (في مقام واحد) وشغل قليل (يعطى هذا الرجل) الذي توضأ وصلى هذا الأجر الجزيل الذي هو خروجه عن خطيئته كيوم ولدته أمه (فقال عمرو) بن عبسة لأبي أمامة (يا أبا أمامة) والله (لقد كبرت سني) وطال عمري (ورق عظمي) وضعف جسمي (واقترب أجلي) أي قرب أجل موتي لكبر سني (وما بي حاجة) ولا لي غرض في (أن أكذب على الله) سبحانه وتعالى (ولا) أن أكذب (على رسول الله) صلى الله عليه وسلم كحب الشهرة والمحمدة و (لو) لا أني (لم أسمعه) أي لم أسمع هذا الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة) واحدة (أو مرتين أو ثلاثا) أو أكثر منها فذكر ما فوقها (حتى عد) وذكر من الأعداد (سبع مرات) لي (ما حدثت به) أي بهذا الحديث أحدًا من الناس (أبدا) أي زمنًا من الأزمنة الباقية من عمري (ولكني) أي ولكن أنا (سمعته) أي سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثر من ذلك) العدد المذكور من السبع أو الثلاث فأنا واثق بهذا الحديث متقن حافظ به والله سبحانه وتعالى أعلم، قال النواوي: قد يستشكل كلام عمرو بن عبسة هذا من حيث إن ظاهره أنه لا يرى التحديث إلا بما سمعه أكثر من سبع مرات، ومعلوم أن من سمع مرة واحدة جاز له الرواية بل تجب عليه إذا تعين لها، وجوابه أن معناه لو لم أتحققه وأجزم به لما حدّثت به، وذكر المرات بيانًا لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط والله أعلم اهـ.

1822 - (798) (202) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنهَا قَالتْ: وَهِمَ عُمَرُ. إِنمَا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَمْسِ وَغُرُوبُهَا. 1823 - (00) (00) وَحَدثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 1822 - (798) (202) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني، ثقة، من (16) عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي، اسمه ذكوان، ولقبه طاوس، ثقة فاضل، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد بغدادي، وفيه التحديث والعنعنة ورواية ولد عن والد (أنها قالت: وهم عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أي أخطا في نهيه عن الصلاة بعد العصر مطلقًا، ومستندها في توهيم عمر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد العصر حيث قالت (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى) أي يقصد بالصلاة (طلوع الشمس) أي وقت طلوعها (وغروبها) لا عن فعل الصلاة بعد العصر، وما رواه عمر رواه أبو هريرة وأبو سعيد وغيرهما رضي الله عنهم، قال النواوي: ويجمع بين الروايتين بأن رواية التحري محمولة على تأخير الفرض إلى هذا الوقت ورواية النهي مطلقًا محمولة على النوافل التي لا سبب لها اهـ، قال في النهاية: والتحري هو القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل أو القول اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي أخرجه في كتاب الصلاة كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1823 - (00) (00) (وحدثنا حسن) بن علي (الحلواني) المكي (حدثنا

عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّهَا قَالتْ: لَمْ يَدَعْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الرَّكْعَتَينِ بَعْدَ الْعَصْرِ. قَال: فَقَالتْ عَائِشَةُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لا تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشمْسِ وَلا غُرُوبَهَا. فَتُصَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني، وهذا السند أيضًا من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لوهيب في رواية هذا الحديث عن ابن طاوس (عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أنها قالت: لم يدع) أي لم يترك (رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر) اللتين هما قضاء عن الركعتين اللتين شغل عنهما بعد الظهر (قال) طاوس (فقالت عائشة) أيضًا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتحروا) أي لا تقصدوا (طلوع الشمس) أي وقت طلوعها (ولا فروبها) بالصلاة عندهما (فتصلوا عند ذلك) أي عند الطلوع والغروب فتشبهوا الكفار العابدين لها الساجدين عند ذلك لها. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي سعيد ذكلره للاستشهاد به أيضًا، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة، والسادس حديث أبي بصرة الغفاري ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر، والثامن حديث عمرو بن عبسة ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة، والتاسع حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

356 - (67) باب أحاديث الركعتين اللتين يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر

356 - (67) باب: أحاديث الركعتين اللتين يصليهما النبيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بعد العصر 1824 - (799) (203) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي عَمْرو، (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ)، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ كُرَيب مَوْلَى ابْنِ عَبَّاس؛ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاس وَعَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيهَا السَّلامَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَينِ بَعْدَ الْعَصرِ. وَقُلْ: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنكِ تُصَلِّينَهُمَا. وَقَدْ بَلَغَنَا أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُمَا قَال ابْنُ عَباسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَع عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ النَّاسَ عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 356 - (67) باب أحاديث الركعتين اللتين يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر 1824 - (799) (203) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (عن بكير) مصغرًا ابن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري، ثقة، من (5) (عن كريب مولى ابن عباس) ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم أبي رشدين المدني (أن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (وعبد الرحمن بن أزهر) الزهري أبا جبير المدني صحابي صغير، مات قبل الحرة، وله ذكر في الصحيحين مع عائشة، روى عنه (د س) (والمسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري أبا عبد الرحمن المدني، صحابي صغير (أرسلوه) أي أرسلوا كريبًا (إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا) لكريب (أقرأ عليها) أولًا (السلام منا جميعا) فيه جواز السلام على الغائب، وأنه يجب على الغائب إذا بلغه أن يرد حين يسمع (وسلها عن) حكم (الركعتين بعد) صلاة (العصر وقل) لها (إنا أخبرنا) بالبناء للمفعول (أنك تصلينهما) وجملة أن سادة مسد المفعول الثاني والثالث لأخبر (و) وقل لها (قد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما) وقل لها (قال ابن عباس وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها) أي على زجرهم عن فعل صلاة الركعتين. قال النواوي: كذا في بعض الأصول أضرب

قَال كُرَيبٌ: فَدَخَلتُ عَلَيهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ. فَقَالتْ: سَلْ أُمَ سَلَمَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَيهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا. فَرَدُّوني إِلَى أُم سَلَمَةَ، بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ. فَقَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُمَا. ثُمَّ رَأَيتُهُ يُصَلِّيهِمَا. أَمَّا حِينَ صَلَّاهُمَا فَإِنَّهُ صلَّى الْعَصْرَ. ثُم دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَني حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَصَلَّاهُمَا. فَأَرْسَلْتُ إِلَيهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِني أَسْمَعُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس عليها، وفي بعضها أصرف الناس عنها أي أمنع وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما بحمل ضربهم عليها في وقت وبصرفهم عنها من غير ضرب في وقت آخر، أو لعله يضرب من بلغه النهي ويصرف من لم يبلغه، وفيه منع الإمام الرعية من البدع والمنهيات وتعزيرهم عليها اهـ (قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به) أي بتبليغه إليها من السلام والكلام (فقالت) لي عائشة (سل أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة، قال القاضي: استدل به بعضهم على رفع العالم إلى الأعلم منه فلعل عائشة إنما سمعته من أم سلمة إذ كانت أم سلمة هي المعتنية السائلة عن ذلك، فإن قيل: قالت عائشة: ما تركهما في بيتي قط، قيل لعله بعد قضية أم سلمة وهذا أبين وأوضح من قول من قال: إنما أحالت على أم سلمة لأنه إنما كان يصليهما في بيتها سرًّا فلذلك لم تجب السائل وأحالته على أم سلمة، وكيف يصح هذا وقد أخبرت عائشة غير واحد وقالت: ما تركهما في بيتي سرًّا ولا علانية هذا آخر كلام القاضي، قال الأبي: قد تقدم لعلها علمت هذا بعد قضية أم سلمة اهـ، قال كريب (فخرجت) من عندها فرجعت (إليهم فأخبرتهم) أي فأخبرت ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة (بقولها) أي بما قالت عائشة من قولها سل أم سلمة (فردوني إلى أم سلمة) أي أرجعوني إليها (بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة) قال النواوي: فيه أن الرسول في حاجة لا يتصرف في غير ما أُذن له فيه لأنهم لم يرسلوه إلا إلى عائشة فلذلك لم يذهب إلى أم سلمة إلا بإذنهم (فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما) أي عن الركعتين بعد العصر (ثم رأيته يصليهما) أي يصلي الركعتين بعد العصر (أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل) بيتي (وعندي نسوة من بني حرام) بطن (من الأنصار فصلاهما فأرسلت إليه) صلى الله عليه وسلم في مصلاه (الجارية فقلت) للجارية (قومي بجنبه)

تَنْهَى عَنْ هَاتَينِ الرَّكْعَتَينِ. وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ. قَال: فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال: "يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ! سَأَلْتِ عَنِ الرّكْعتَينِ بَعْدَ الْعَصرِ. إِنهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيسِ بِالإِسْلامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَينِ اللَّتَينِ بَعْدَ الظُّهْرِ. فَهُمَا هَاتَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (فقولي له تقول) لك (أم سلمة: يا رسول الله إني أسمعك) وفي بعض النسخ إني سمعتك (تنهى عن هاتين الركعتين) بعد العصر (وأراك تصليهما) بنفسك (فـ) قلت للجارية (أن أشار بيده) بأن استأخري عني (فاستأخري عنه قال) أي قال الراوي وهي أم سلمة، وفي بعض النسخ (قالت) وهو الصواب أي قالت أم سلمة (ففعلت الجارية) ما أمرتها به (فأشار) النبي صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة بأن استأخري عني (فاستأخرت) الجارية (عنه) صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: فيه أن إشارة المصلي بيده ونحوها من الأفعال الخفيفة لا تبطل الصلاة، وفي إرسالها الجارية مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم قبول خبر الواحد والمرأة، وفي قولها تقول أم سلمة ولم تقل تقول هند باسمها جواز ذكر الإنسان نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالبًا إلا بها، وكنيت بابنها سلمة بن أبي سلمة وكان صحابيًّا، وقد ذكرت أحواله في ترجمتها من تهذيب الأسماء اهـ منه (فلما انصرف) النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة (قال) لأم سلمة مخاطبًا لها (يا بنت أبي أمية) واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية أ (سألتـ) ــــني (عن) سبب (الركعتين) اللتين أصليهما (بعد العصر) مع نهيي للناس عن الصلاة بعد العصر سببهما (إنه) أي إن الشأن والحال (أتاني ناس من عبد القيس بـ) خبر (الإسلام) الواقع (من قومهم فشغلوني) بالمحادثة معهم (عن) فعل (الركعتين اللتين بعد الظهر فهما) أي الركعتان اللتان شغلت عنهما بعد الظهر (هاتان) الركعتان اللتان صليتهما بعد عصر كل يوم، وظاهر الحديث أن هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم لعموم النهي للغير ولأنه ورد في أحاديث عن عائشة أنه كان يصليهما دائمًا، وقد ذكر الطحاوي بسنده حديث أم سلمة وزاد "فقلت يا رسول الله أفنقضيها إذا فاتتنا؟ قال: لا" اهـ فمعنى الحديث أي وقد علمت أن من خصائصي أني إذا عملت عملًا داومت عليه فمن ثم فعلتهما ونهيت غيري عنهما اهـ من المرقاة. وشارك المؤلف في روايته البخاري [1233]، وأبو داود [1237]، والنسائي [1/ 281 - 282]، وسند هذا الحديث من

1825 - (800) (204) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ). أخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ)، قَال: أَخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ عَنِ السَّجْدَتَينِ اللَّتَينِ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَليهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَالتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ. ثُم إِنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ. ثُم أَثْبَتَهُمَا. وَكَانَ إِذَا صَلى صَلاةً أَثبتَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم سلمة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 1825 - (800) (204) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن البغدادي (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي أبو إسحاق المدني، ثقة ثبت، من (8) (أخبرني محمد وهو ابن أبي حرملة) القرشي مولاهم أبو عبد الله المدني، روى عن أبي سلمة في الصلاة والفضائل، وكريب في الصوم والحج، وسالم بن عبد الله بن عمر في البيوع، وعطاء وسليمان ابني يسار في فضائل عثمان، ويروي عنه (خ م د ت س) وإسماعيل بن جعفر ومالك وخلق، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (133) بضع وثلاثين ومائة، روى عنه في (6) أبواب (قال) محمد (أخبرني أبو سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (أنه سأل عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (عن السجدتين) أي عن الركعتين فهو من إطلاق الجزء، و (اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم في العادة (يصليهما قبل العصر ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (شغل عنهما) أي عن فعلهما قبل العصر بحادث شغل (أو) قالت (نسيهما) أي نسي الركعتين قبل العصر عن فعلهما قبل العصر، والشك من أبي سلمة (فصلاهما بعد العصر) قضاء (ثم أثبتهما) أي أثبت تلك الركعتين وواظبهما بعد العصر (وكان) صلى الله

(قَال يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: قَال إِسْمَاعِيلُ: تَعْنِي دَاوَمَ عَلَيهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم في عادته (إذا صلى صلاة) في أي وقت ولو وقت كراهة لسبب ما (أثبتها) أي أثبت تلك الصلاة التي صلاها وواظب عليها (قال يحيى بن أيوب) في روايته (قال) لنا (إسماعيل) بن جعفر عندما حدثنا هذا الحديث (تعني) عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها أثبتها (داوم عليها) أي على تلك الصلاة، قال الخطابي: إن هذا خاص به صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف الأصوليون فيصحا أمر به غيره أو نهاه عنه هل هو داخل فيه أم لا؟ قلت: قد تقدم ما في كونه من خواصه اهـ أبي، وهو تفسير مدرج في آخر الحديث من إسماعيل، وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن الجماعة رحمهم الله تعالى، قال النواوي: فيه أن للظهر راتبة بعدية اهـ. قال القاضي في حديث أم سلمة المذكور قبله: إنهما قضاء الركعتين كان يصليهما بعد الظهر، وفي حديث عائشة هذا كان قضاء الركعتين كان يصليهما قبل العصر فبينهما معارضة، ويجمع بينهما بأن يكونا هما راتبتي الظهر البعديتين لأنهما إنما تصليان قبل العصر، والجمع أولى لئلا تختلف الأحاديث لكن في حديث عائشة في الرواية الآتية: ما تركهما في بيتي قط تعني بعد وقد عبد القيس اهـ. قال القرطبي: وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله لهما على ما في حديث أم سلمة فقد ذكرت أم سلمة القضية وتممتها عائشة رضي الله تعالى عنهما بقولها، ثم أثبتها، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، وقد روى أبو داود عن عائشة أنها قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواصل، وينهى عن الوصال، ويصلي بعد العصر، وينهى عنها" وهذا نص جلي في خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك فلا ينبغي لأحد أن يصلي في هذه الأوقات المنهي عنها نفلًا مبتدأ. [قلت] ويظهر لي أن النهي عن الصلاة في هذا الوقت هو ذريعة لئلا توقع الصلاة في الوقت الذي إذا صلى فيه قارن فعله فعل الكفار، ووقع التشابه بينهم فإذا أمنت العلة التي لأجلها نهى عن الصلاة فيه جاز ذلك كما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنها، وكما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على قول من لا يرى خصوصيته بذلك لكن عموم النهي في الوقت كله أدفع للذريعة وأسد للباب فيمنع مطلقًا والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

1826 - (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَينِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ. 1827 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: صَلَاتَانِ مَا تَرَكَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَيتِي قَطُّ، سِرًّا وَلا عَلَانِيَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ 1826 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير، حالة كون جرير وعبد الله (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن هشام بن عروة) الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية تعني بعد قصة وقد عبد القيس كما مر قريبًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1827 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا علي بن حجر) بن إياس السعدي البغدادي (واللفظ) الآتي (له) أي لعلي بن حجر (أخبرنا علي بن مسهر أخبرنا أبو إسحاق) الكوفي سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي أبي حفص الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة أو إلا علي بن حجر (قالت) عائشة (صلاتان ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي قط سرًّا ولا علانية

رَكْعَتَينِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَرَكْعَتَينِ بَعْدَ الْعَصْرِ. 1828 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَّنَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ. قَالا: نَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالتْ: مَا كَانَ يَوْمُهُ الَّذِي كَانَ يَكُونُ عِنْدِي إلا صَلَّاهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَيتِي. تَعْنِي الرَّكْعَتَينِ بَعْدَ الْعَصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ركعتين) بدل من ضمير تركهما (قبل) صلاة (الفجر وركعتين بعد) صلاة (العصر) لم ترد أنه كان يصلي بعد العصر من أول فرضها بل من الوقت الذي شغل فيه عنهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1828 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى وابن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي عمرو بن عبد الله (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي (ومسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قالا: نشهد على عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بيان متابعة مسروق لمن روى عن عائشة (أنها قالت: ما كان يومه) صلى الله عليه وسلم (الذي كان يكون) فيه (عندي إلا صلاهما) أي صلى الركعتين بعد العصر (رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي تعني) عائشة بضمير صلاهما (الركعتين بعد العصر) وكلمة يكون زائدة أو كان ثانية، والمعنى ما كان يأتيني بوجه أو بحالة إلا بهذا الوجه أو الحالة فالاستثناء مفرغ، والجمع بين هذا وحديث النهي عن الصلاة بعد العصر أن ذلك فيما لا سبب له وهذا سببه قضاء فائتة الظهر اهـ قسط. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول لأم سلمة ذكره للاستدلال، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. ***

357 - (68) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

357 - (68) باب: الركوع بعد الغروب وقبل المغرب 1829 - (800) (204) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ فُضَيلٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ عَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ. قَال: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَال: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الأَيدِي عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَكُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَينِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا؟ قَال: كَانَ يَرَانَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 357 - (68) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب 1829 - (800) (204) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (جميعا) أي كلاهما (عن) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (قال أبو بكر: حدثنا محمد بن فضيل) بصيغة السماع (عن مختار بن فلفل) مولى عمرو بن حريث الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (قال: سألت أنس بن مالك) الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حمزة البصري، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم كوفيون إلا أنس بن مالك (عن التطوع) أي عن التنفل (بعد العصر فقال) أنس (كان عمر) بن الخطاب (يضرب الأيدي) أي أيدي الناس وهو كناية عن ضربهم حثًا لهم (على) ترك (صلاة بعد العصر) وزجرًا لهم عنها، وفي بعض النسخ (بالأيدي) أي يأمر من معه يضرب الناس بالأيدي لا بالعصا زجرًا لهم عن صلاة بعد العصر، قال القرطبي: ويحتمل أن يكون من الضرب بالدرة تأديبًا وقد جاء ما يعضد هذا في الموطإ (أن عمر كان يضرب بالدرة على الصلاة في هذا الوقت) وهو معلوم من فعله رضي الله عنه، وإنما كان عمر يمنع من ذلك للنهي الوارد في ذلك اهـ من المفهم. (و) قال أنس أيضًا (كانا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب) قال المختار بن فلفل (فقلت له) أي لأنس بن مالك (أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما) أي صلى الركعتين قبل المغرب (قال) أنس بن مالك (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرانا) أي يبصرنا حالة كوننا

نُصَلِّيهِمَا. فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (نصليهما) أي نصلي الركعتين قبل المغرب (فلم يأمرنا) بالمواظبة عليهما (ولم ينهنا) أي لم يزجرنا عن فعلهما بل سكت عنا وقررنا عليها فصار تقريرًا، قال القرطبي: ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب كان أمرًا قرر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وأنهم عملوا بذلك وتضافروا عليه حتى كانوا يبتدرون السواري لذلك وهذا يدل على الجواز وعدم الكراهية بل على الاستحباب لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم (بين كل أذانين صلاة) وإلى جواز ذلك ذهب كثير من السلف وأحمد وإسحاق، وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجماعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أنهم كانوا لا يصلونها وهو قول مالك والشافعي، وقال النخعي: هي بدعة وكأنه لم يبلغه حديث أنس. قال ابن أبي صفرة: وصلاتها كان في أول الإسلام ليتبين خروج الوقت المنهي عنه بمغيب الشمس ثم التزم الناس المبادرة بالمغرب لئلا يتباطأ الناس عن وقت الفضيلة للمغرب، وقد يقال لأن وقتها واحد على قول أكثر العلماء ولا خلاف بينهم في أن المبادرة بها وإيقاعها في أول وقتها أفضل وتجويز الاشتغال بغيرها في ذلك الوقت ذريعة إلى خلاف ذلك اهـ من المفهم. قال النواوي: وفي صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب" قال في الثالثة "لمن شاء" وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به صلاة المغرب عن أول وقتها، وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك والله أعلم اهـ منه، قال الحافظ ابن حجر: قلت: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر، قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر اهـ فتح الباري. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن الجماعة والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال.

1830 - (801) (205) وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، (وَهُوَ ابْنُ صُهَيبٍ)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ. فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِى فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَينِ رَكْعَتَينِ. حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ، مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا. 1831 - (802) (206) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1830 - (801) (205) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي العنبري مولاهم أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) (عن عبد العزيز وهو ابن صهيب) البناني البصري، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا شيبان بن فروخ لأنه أبلي (قال) أنس: زمان إذ (كانا بالمدينة) والفاء في قوله (فإذا) زائدة كما هي ساقطة في رواية البخاري (أذن الموذن لصلاة المغرب) وفي رواية للبخاري: إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب، والمعنى زمان إذ كنا بالمدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرع المؤذن في الأذان لصلاة المغرب (ابتدروا السواري) أي تسارع الناس وتسابقوا إلى سواري المسجد وأسطوانته للاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى، والسواري جمع سارية وهي الإسطوانة، والعمد للمسجد أي يقف كل واحد خلف أسطوانة لئلا يقع المرور بين يديه في صلاته فردًا (فيركعون) أي يصلون (ركعتين ركعتين حتى إن الرجل الغريب) أي القادم من أرجاء الأرض (ليدخل المسجد) في ذلك الوقت (فيحسب) أي يظن (أن الصلاة) أي صلاة المغرب (قد صليت) أي فرغ من صلاتها، وقوله (من كثرة من يصليهما) أي الركعتين تعليل متعلق بيحسب. وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر البخاري [625] , والنسائي [2/ 28 و 89]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنهما فقال: 1831 - (802) (206) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي كلاهما (عن

كَهْمَسٍ. قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بَينَ كُلِّ أَذَانَينِ صَلَاةٌ" قَالهَا ثَلَاثًا. قَال فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كهمس) بن الحسن التميمي البصري، ثقة، من (5) (قال) كهمس (حدثنا عبد الله بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي أبو سهل المروزي، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن مغفل) بصيغة اسم المفعول بن عبيد بن نهم (المزني) أبي عبد الرحمن البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه له (43) حديثًا، اتفقا على (4) وانفرد (خ) بحديث و (م) بآخر، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مروزي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كل أذانين صلاة) أي بين الأذان والإقامة لأي صلاة من الصلوات الخمس فيدخل فيه المغرب فهو من باب التغليب وغلب عليهما اسم الأذان لأن فيهما إعلامًا بالشروع في الصلاة، ووجه الاستشهاد بهذا الحديث أنه إذا أذن المؤذن للصلاة فقد خرج وقت النهي فتجوز الصلاة حينئذ والله أعلم اهـ من المفهم. قال الحافظ: ولا يصح حمله على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخبر ناطق بالتخيير لقوله (لمن شاء) اهـ، وقال في النهاية: يريد بها السنن الرواتب التي تصلى بين الأذان والإقامة لأن الفرائض إنما تصلى بعد الإقامة لا قبلها فلا يصح كلام ابن حجر، وقال السندي في حواشي سنن النسائي: وهذا الحديث وأمثاله يدل على جواز الركعتين قبل صلاة المغرب بل ندبهما اهـ وذكر العيني عن ابن الجوزي أن فائدة هذا الحديث هو أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز اهـ. وقال ابن الملك: فإن (قلت) كيف يعم هذا الحكم، والصلاة بعد أذان المغرب مكروهة! (قلنا) الحديث يفيد مشروعية الصلاة في ذلك الوقت وهي لا تنافي كراهيتها اهـ والقول ما قاله السندي (قالها) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة بين كل أذانين صلاة (ثلاثا) أي ثلاث مرات (قال) أي زاد (في) المرة (الثالثة) منها لفظة (لمن شاء) أن يصلي رفعًا لتوهم الوجوب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 86 - 5/ 56] والبخاري [627] , وأبو داود [1221] , وابن ماجه [11621]. وفي العون: حديث أنس يدل على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها، وحديث عبد الله بن مغفل بعمومها، وأخرج محمد بن نصر من حديث عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله

1832 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. إِلا أَنَّهُ قَال فِي الرَّابِعَةِ: "لِمَنْ شَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها سجدتان" يعني ركعتين اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فقال: 1832 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن) سعيد بن إياس (الجريري) نسبة إلى جده أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الله بن بريدة) الأسلمي المروزي (عن عبد الله بن مغفل) المزني البصري، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مروزي وواحد كوفي، غرضه بيان متابعة الجريري لكهمس بن الحسن في رواية هذا الحديث عن ابن بريدة (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل ما روى كهمس عن ابن بريدة (إلا أنه) أي لكن أن الجريري قال في روايته لفظة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (في) المرة (الرابعة لمن شاء) أن يصلي دفعًا لتوهم الوجوب. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس الأول وذكره للاستدلال، والثاني أثر أنس الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث حديث ابن مغفل ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. * * *

358 - (69) باب صلاة الخوف

358 - (69) باب: صلاة الخوف ـــــــــــــــــــــــــــــ 358 - (69) باب صلاة الخوف أي باب معقود في بيان كيفية الصلاة الواقعة في الخوف الذي هو ضد الأمن فالكيفية بمعنى الصفة والإضافة على معنى في على حد مكسر الليل أو المعنى في بيان كيفية صلاة الشخص الخائف من العدو فالخوف مصدر بمعنى اسم الفاعل وإلا فهي الصلاة المعهودة شرعًا يحضر وقتها والمسلمون متعرضون لحرب العدو، وهي من خصائص هذه الأمة، وشرعت في السنة السادسة من الهجرة اهـ من البيجوري على الغزي. أي هذا باب بيان كيفية الصلاة الواقعة في حالة الخوف من العدو من حيث إنه يغتفر فيها عنده ما لا يغتفر فيها عند غيره من الركوب والمشي والمضاربة والأفعال الكثيرة لضرورة المقاتلة مع الكفار، وقد جاءت في كيفيتها سبعة عشر نوعًا لكن يمكن تداخلها، ومن ثم قال في زاد المعاد: أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهًا من فعله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة، قال في فتح الباري: وهذا هو المعتمد اهـ قسط. قال القرطبي: وقد اختلف العلماء هل للخوف تأثير في تغيير الصلاة المكتوبة عن أصل شرعيتها المعهودة أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أن للخوف تاثيرًا في تغيير الصلاة على ما سيأتي تفصيل مذاهبهم، وذهب أبو يوسف إلى أنه لا تغيير في الصلاة لأجل الخوف اليوم، وإنما كان التغيير المروي في ذلك والذي عليه القرآن خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم مستدلًا بخصوصية خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102] قال: فإذا لم يكن فيهم لم تكن صلاة الخوف وهذا لا حجة فيه لثلاثة أوجه أحدها أنا قد أمرنا باتباعه والتأسي به فيلزم اتباعه مطلقًا حتى يدل دليل واضح على الخصوص ولا يصلح ما ذكره دليلًا على ذلك، ولو كان مثل ذلك دليلًا على الخصوصية للزم قصر الخطابات على من توجهت له وحينئذ يلزم أن تكون الشريعة قاصرة على من خوطب بها لكن قد تقرر بدليل إجماعي أن حكمه على الواحد حكمه على الجميع وكذلك ما يخاطب هو به كقوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} [يونس: 94] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال: 64] ونحوه كثير، وثانيها أنه قد قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو

1833 - (803) (207) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ. بِإِحْدَى الطَّائِفَتَينِ رَكْعَةً. وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ. ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ. مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ. وَجَاءَ أُولَئِكَ. ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ داود والنسائي من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، وثالثها أن الصحابة رضي الله عنهم اطرحوا توهم الخصوص في هذه الصلاة وعدوه إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال فلا يلتفت إلى قول من ادعى الخصوصية اهـ من المفهم. 1833 - (803) (207) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن سالم) بن عبد الله العدوي المدني (عن) عبد الله (بن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد كسي، وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي وولد عن والد (قال) ابن عمر (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) أي صلاة الخائف من العدو، وفي رواية البخاري (قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد) أي جهته بأرض غطفان والنجد كل ما ارتفع من بلاد العرب من تهامة إلى العراق، وكانت الغزوة ذات الرقاع، وأول ما صليت صلاة الخوف فيها سنة أربع أو خمس أو ست أو سبع اهـ إرشاد الساري (بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو) أي مقابلة العدو حراسة لهم عن هجومهم على المصلين (ثم) بعد ما صلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتيها (انصرفوا) وهم في حكم الصلاة أي ذهبوا عند قيامه صلى الله عليه وسلم إلى الثانية منتصبًا أو عند رفعه من السجود (وقاموا) أي وقام هؤلاء المصلون معه صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى (في مقام أصحابهم) الذين حرسوا في الركعة الأولى (مقبلين على العدو) ومواجهين لهم للحراسة (وجاء أولئك) الذين حرسوا في الركعة الأولى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم قائم في الركعة الثانية قارئ منتظر لهم (ثم) بعد مجيئهم إليه (صلى بهم) أي بهؤلاء الذين حرسوا في الركعة الأولى (النبي صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً. ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ. ثُمَّ قَضَى هَؤُلاءِ رَكْعَةً. وَهَؤُلاءِ رَكْعَةً. 1834 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا فُلَيحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم ركعة) ثانية أي قام بهم حتى قرءوا وركع بهم وسجد بهم سجدتين وتشهد بهم (ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم) لفراغ صلاته (ثم قضى) أي أتم (هؤلاء) الذين صلوا معه الركعة الأولى (ركعة) باقية لهم بأنفسهم (و) أتم (هؤلاء) الذين صلوا معه الركعة الثانية (ركعة) باقية لهم بأنفسهم، وظاهر هذا أنهم أتموا في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وهذه الكيفية اختارها الحنفية، واختار الشافعية في كيفيتها أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية ليسلم بهم كما في حديث صالح بن خوات الآتي قريبًا، وإنما اختار الشافعية هذه الكيفية لسلامتها من كثرة المخالفة ولأنها أحوط لأمر الحرب فإنها أخف على الفريقين، ويكره كون الفرقة المصلية معه والتي في وجه العدو أقل من ثلاثة لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} مع قوله {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} فذكرهم بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة فأقل الطائفة هنا ثلاثة، وهذا النوع حيث يكون العدوفي غير القبلة أوفيها لكن حال دونهم حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا اهـ من إرشاد الساري. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 147] , والبخاري [942] وأبو داود [1243] , والترمذي [564] , والنسائي [3/ 171 و 173] , وابن ماجه [1258]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1834 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الربيع الزهراني) العتكي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا فليح) بالتصغير بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي أبو يحيى المدني، صدوق كثير الخطإ، من (7) (عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد بصري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة فليح لمعمر في الرواية عن الزهري (أنه) أي أن أباه عبد الله بن

كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ فِي الْخَوْفِ وَيقُولُ: صَلَّيتُهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْمَعْنَى. 1835 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ. فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبُوا وَجَاءَ الآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً. ثُمَّ قَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً. قَال: وَقَال ابْنُ عُمَرَ: فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر (كان يحدّث عن) كيفية (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في) حالة (الخوف ويقول) ابن عمر (صليتها) أي صليت صلاة الخوف (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق فليح (بهذا المعنى) أي بمعنى هذا الحديث الذي رواه معمر عن الزهري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1835 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (عن سفيان) بن سعيد الثوري، ثقة إمام، من (7) روى عنه في (24) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتانية ومعجمة -الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (عن نافع) العدوي مولاهم المدني (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد مكي، غرضه بيان متابعة نافع لسالم في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (قال) ابن عمر: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) أي صلاة الخائف من العدو (في بعض أيامه) أي في بعض أيام غزواته وهي غزوة ذات الرقاع ففرق الناس فرقتين (فقامت طائفة معه) صلى الله عليه وسلم (وطائفة) واقفة (بإزاء العدو) أي بمقابل العدو لحراستهم (فصلى بالدين معه ركعة ثم ذهبوا) أي ذهبت هذه الطائفة المصلية في الركعة الأولى إلى وجه العدو (وجاء الآخرون) الواقفون إزاء العدو (فصلى بهم ركعة) ثانية (ثم قضت) أي أتمت (الطائفتان) بأنفسهم (ركعة ركعة قال) نافع (وقال ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (فـ) ـــهذا إذا لم يشتد الخوف، وأما (إذا

كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَصَلِّ رَاكِبًا، أَوْ قَائِمًا. تُومِئُ إِيمَاءً. 1836 - (804) (208) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ. فَصَفَّنَا صَفَّينِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كان) الـ (خوف أكثر من ذلك) أي أشد من ذلك التفريق بحيث لا يحتمل التفريق والصلاة مع الإمام فرقة فرقة بأن التحم القتال (فصل) أيها المقاتل حالة كونك (راكبا) وماشيًا (أو قائما) وقاعدًا ومضطجعًا، وحالة كونك (تومئ) إلى الركوع والسجود أي تشير إليهما (إيماء) أي إشارة وتتمهما كيفما أمكن لك تُصلي. والمراد أنه إذا اشتد الخوف والتحم القتال أو اشتد الخوف ولم يأمنوا أن يدركوهم لو ولوا أو انقسموا فليس لهم تأخير الصلاة عن وقتها بل يصلون ركبانًا ومشاة ولهم ترك الاستقبال إذا كان سبب القتال والإيماء عن الركوع والسجود عند العجز للضرورة ويكون السجود أخفض من الركوع ليتميزا فلوا انحرف عن القبلة لجماح الدابة وطال الزمن بطلت صلاته ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة ويعذر في العمل الكثير لا في الصياح لعدم الحاجة إليه وحكم الخوف على نفس أو منفعة من سبع أو حية أو حرق أو غرق أو على مال ولو لغيره كما في المجموع فكالخوف في القتال ولا إعادة في الجميع اهـ إرشاد الساري. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 1836 - (804) (208) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي، صدوق له أوهام، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري أبي عبد الله المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، وفيه التحديث والعنعنة (قال) جابر (شهدت) أي حضرت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) في غزوة جهينة كما سيأتي التصريح في الرواية الآتية (فصفنا) أي فرقنا وجعلنا (صفين

صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالْعَدُوُّ بَينَنَا وَبَينَ الْقِبْلَةِ. فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ. وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ. انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ. وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ صف) واحد منهما قائم (خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو) أي الكفار نازل (بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه وسلم) تكبيرة الإحرام (وكبرنا جميعًا) أي كبر كل من الصفين معه صلى الله عليه وسلم أي أحرم كلنا معه صلى الله عليه وسلم بعد ما جعلنا صفين (ثم ركع وركعنا جميعًا) أي هوى كل من الصفين معه صلى الله عليه وسلم ركوع الركعة الأولى (ثم رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه من الركوع ورفعنا) رؤوسنا (جميعًا) أي كل من الصفين معه صلى الله عليه وسلم من الركوع (ثم انحدر) أي خر وسقط النبي صلى الله عليه وسلم (بالسجود) أي لسجود الركعة الأولى (و) انحدر وخر معه صلى الله عليه وسلم (الصف الذي يليه) صلى الله عليه وسلم يعني سجد معه صلى الله عليه وسلم الصف المقدم، وهو بالرفع معطوف على فاعل وانحدر من غير تأكيد بضمير رفع منفصل لوجود الفاصل، وأجازوا فيه النصب على أنه مفعول معه انظر المرقاة (وقام الصف المؤخر) أي ثبت قائمًا (في نحو العدو) أي في مقابلته وحراسته، ونحر كل شيء أوله قاله النواوي، وفي بعض النسخ نخت هـ العدو وبالواو بدل الراء وهو غلط نشأ من التباس الخط حتى التبس على ملا علي فقال: وفي نسخة في نحو العدو وسلم من هذا الغلط في جمعه (نحور) لعدم التباس الخط فيه (فلما قضى) وأتم (النبي صلى الله عليه وسلم السجود) أي سجود الركعة الأولى (وقام) هو و (الصف الذي يليه) وهو الساجدون معه (انحدر) وهوى (الصف المؤخر بالسجود) وهم في محلهم (وقاموا ثم) بعد قيامهم (تقدم) إلى جهة الإمام هؤلاء (الصف المؤخر) الساجدون أخيرًا (وتأخر) إلى مكانهم (الصف المقدم) الساجدون أولًا مع الإمام (ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم) ركوع الركعة الثانية (وركعنا جميعًا) أي كلا الصفين معه صلى الله

ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ والصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ. فَسَجَدُوا. ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا. قَال جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ. 1837 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرٍ. قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (ثم رفع) النبي صلى الله عليه وسلم (رأسه من الركوع ورفعنا) معاشر الصفين (جميعا) رؤوسنا من الركوع (ثم انحدر) وهوى النبي صلى الله عليه وسلم (بالسجود و) انحدر معه (الصف الذي يليه الذي كان موخرًا في الركعة الأولى وقام الصف الموخر) أي ثبت قائمًا (في نحور العدو) ومقابلتهم (فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم) أي أتم (السجود و) أتم (الصف الذي إليه) سجودهم (انحدر) وخر (الصف الموخر بالسجود فسجدوا) أي أتموا سجودهم (ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم) من صلاته (وسلمنا جميعا) أي كلا الصفين معه (قال جابر) بالسند السابق: صنعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ (كما يصنع حرسكم) وأعوانكم (هؤلاء بأمرائهم) والحرس خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته كما في النهاية، ويقال في واحده أيضًا حرسي بفتحتين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 298] , والبخاري [4125] , والنسائي [3/ 175 - 178] , وابن ماجه [1260]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1837 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الزبير لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن جابر، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) جابر (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قاتلنا

قَوْمًا مِنْ جُهَينَةَ. فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا. فَلَمَّا صَلَّينَا الظُّهْرَ قَال الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيهِمْ مَيلَةً لاقْتَطَعْنَاهُمْ. فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ. فَذَكَرَ ذلِكَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال وَقَالُوا: إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيهِمْ مِنَ الأَوْلادِ. فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَال: صَفَّنَا صَفَّينِ. وَالْمُشْرِكُونَ بَينَنَا وَبَينَ الْقِبْلَةِ. قَال فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا. وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا. ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ. فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قومًا من جهينة) قبيلة معروفة قرب المدينة المنورة (فقاتلونا) أي فقاتل أولئك القوم المسلمين (قتالًا شديدًا فلما صلينا الظهر قال المشركون) بعضهم لبعض (لو ملنا) أي حملنا (عليهم) أي على المسلمين (ميلة) أي حملة واحدة أي لو حملنا عليهم حملة واحدة وهجمناهم كما قال تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيكُمْ مَيلَةً وَاحِدَةً} ففي أنوار التنزيل: تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم فيشتدون عليكم شدة واحدة وهو بيان ما لأجله أمروا بأخذ السلاح اهـ. والشدة بالفتح الحملة في الحرب كما في القاموس (لاقتطعناهم) أي لأصبناهم منفردين واستأصلناهم (فأخبر جبريل) الأمين - عليه السلام - (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) التشاور الذي تشاوروا عليه (فذكر ذلك) التشاور الذي أخبره جبريل - عليه السلام - (لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) جابر (وقالوا) أي وقال المشركون أيضًا فهو معطوف على قوله قال المشركون (إنه) أي إن الشأن والحال (ستأتيهم) أي ستأتي المسلمين (صلاة هي أحب إليهم) أي عندهم (من الأولاد) أي من أولادهم، قال القاضي: كذا للأكثر، وعند بعضهم من الأولى، والصواب الأول، وعند ابن أبي شيبة هي أحب إليهم من أبنائهم زاد الدارقطني: ومن أنفسهم اهـ أبي (فلما حضرت العصر) أي دخل وقتها (قال) جابر (صفنا) أي فرقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلنا (صفين والمشركون بيننا وبين القبلة قال) جابر رضي الله عنه (فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) لإحرام صلاة العصر (وكبرنا) معه صلى الله عليه وسلم (وركع) رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوع الركعة الأولى (فركعنا) معه (ثم سجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم سجود الركعة الأولى (وسجد معه) صلى الله عليه وسلم (الصف الأول فلما قاموا) أي فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم والساجدون معه (سجد الصف الثاني) الذين كانوا في الحراسة في

ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي. فَقَامُوا مَقَامَ الأَوَّلِ. فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا. وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا. ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ. وَقَامَ الثَّانِي. فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا، سَلَّمَ عَلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال أَبُو الزُّبَيرِ: ثُمَّ خَصَّ جَابِرٌ أَنْ قَال: كَمَا يُصَلِّي أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلاءِ. 1838 - (805) (209) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الركعة الأولى (ثم) بعد فراغهم من السجود (تأخر الصف الأول) عن مقامهم (وتقدم الصف الثاني) إلى جهة الإِمام (فقاموا مقام) الصف (الأول فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) لركوع الركعة الثانية (وكبرنا) معه (وركع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فركعنا) عقبه (ثم سجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم سجود الركعة الثانية (وسجد معه) صلى الله عليه وسلم (الصف الأول) الذي تقدم إليه (وقام) الصف (الثاني) في الحراسة (فلما سجد الصف الثاني) أي فرغوا من سجودهم (ثم جلسوا) كلهم (جميعا) وتشهدوا (سلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) تسليم الفراغ من الصلاة (قال أبو الزبير) المكي (ثم خص جابر) أي أجمل جابر ما فصله أولًا عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (أن قال) صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في ذلك اليوم (كما يصلي أمراؤكم هؤلاء) بكم عند الخوف أو المعنى خص أي بين جابر ومثل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بـ (أن قال) صلى بنا صلاة الخوف (كما يصلي) بكم (أمراؤكم هؤلاء) الذين يقودون بكم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1838 - (805) (209) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي أبي محمد المدني، ثقة جليل، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر

عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ. فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّينِ. فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً. ثُمَّ قَامَ. فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ. فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً. ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً. ثُمَّ سَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن صالح بن خوات) بفتح المعجمة وتشديد الواو (ابن جبير) بن النعمان الأنصاري المدني، روى عن أبيه في الصلاة وعمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، وخاله وسهل بن أبي حثمة، ويروي عنه (ع) والقاسم بن محمد ويزيد بن رومان، وثقه النسائي، وقال ابن سعد: قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن سهل بن أبي حثمة) عبد الله بن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي الصحابي الصغير رضي الله عنه، يقال قُبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنوات، أبي يحيى المدني، له (25) خمسة وعشرون حديثًا، اتفقا على ثلاثة، ولد سنة ثلاث من الهجرة ومات في خلافة معاوية، يروي عنه صالح بن خوات بن جبير في الصلاة، و (ع) وعروة بن الزبير والزهري ونافع بن جبير وغيرهم. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم) أي فرق الأصحاب (خلفه) وجعلهم (صفين فصلى بـ) الصف (الذين يلونه ركعة ثم قام) إلى الثانية (فلم يزل) النبي صلى الله عليه وسلم (قائما) في الثانية ثابتًا فيها (حتى صلى) أي أتم (الذين خلفهم) لأنفسهم (ركعة) باقية لهم (ثم) جاء الذين خلفهم و (تقدموا) إلى الإمام (وتأخر الذين كانوا قدامهم) وذهبوا إلى العدو (فصلى بهم) أي بالذين جاءوا (ركعة) باقية له (ثم قعد) النبي صلى الله عليه وسلم في جلوس التشهد (حتى صلى) هؤلاء (الذين تخلفوا) أي قاموا خلفهم أولًا وجاءوا الآن (ركعة) باقية لهم (ثم سلم) بهم وبهذا التأويل والتقدير الذي قدرناه صحت هذه الرواية وتكون موافقة لما بعدها ففيها حذف وتقديم وتأخير ولم أر من ذكرها وصححها من الشراح والله سبحانه وتعالى أعلم.

1839 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواية أبي داود بسندها (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري، أن سهل بن أبي حثمة الأنصاري حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام وطائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائمًا ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم فكانوا وجاه العدو، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبروا وراء الإمام فيركع بهم ويسجد بهم، ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون) قال أبو داود: وأما رواية يحيى بن سعيد عن القاسم نحو رواية يزيد بن رومان الآتية إلا أنه خالفه في السلام، ففي رواية يحيى الأنصاري يسلم الإمام قبل إتمام الطائفة الثانية صلاتهم، وفي رواية يزيد بن رومان يسلم الإمام بالطائفة الثانية بعد انتظار إتمامها جلوسًا كما سيأتي في المتن. ورواية عبيد الله بن معاذ العنبري التي نحن فيها نحو رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، قال صاحب العون: وقول أبي داود (نحو رواية يحيى) يحتمل معنيين الأول أن رواية عبيد الله من طريق شعبة عن عبد الرحمن عن القاسم نحو رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم لكن رواية عبد الرحمن عن القاسم فيها اختصار وهو عدم الذكر لإتمام الطائفة الأولى ركعتهم الأخرى وانتظار الإمام لهم قائمًا، ورواية يحيى الأنصاري عن القاسم مشتملة على هذه الزيادة فتحمل رواية عبد الرحمن على رواية يحيى بتقدير هذه الزيادة فيها كما قدرناها في حلنا آنفًا، والمعنى الثاني أن رواية عبيد الله أيضًا نحو رواية يحيى بن سعيد بتقدير هذه الزيادة وهو ذكر إتمام الطائفة الأولى ركعتهم الآخرة، ولم يسق أبو داود رواية عبيد الله بن معاذ هذه وإنما ساق رواية يحيى بن سعيد ورواية يزيد بن رومان اهـ بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 448] , والبخاري [4131] , وأبو داود [1237 - 1239] , والترمذي [565] , والنسائي [3/ 170 - 171] , وابن ماجه [1259]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه فقال: 1839 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت

عَلَى مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، صَلَاةَ الْخَوْفِ؛ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وجَاهَ الْعَدُوِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن يزيد بن رومان) القرشي الأسدي مولاهم مولى الزبير بن العوام أبي روح المدني، روى عن صالح بن خوات في الصلاة، وعروة بن الزبير في العتق والبر والزهد، ويروي عنه (ع) ومالك وعبيد الله بن عمر ومعاوية بن أبي مزرد وأبو حازم بن دينار وهشام بن عروة وجماعة، وثقه ابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن صالح بن خوات) -بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو- الأنصاري المدني، تابعي ثقة، وأبوه صحابي جليل (عمن صلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم) غزوة (ذات الرقاع صلاة الخوف) قيل هو سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن رومان للقاسم بن محمد في رواية هذا الحديث عن صالح بن خوات، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة، وقال الحافظ: والراجح أن الصحابي المبهم أبو صالح خوات بن جبير كما جزم به النواوي في تهذيبه، وقال: إنه محقق من رواية مسلم وغيره، وذلك لأن أبا أويس رواه عن يزيد شيخ مالك فقال: عن صالح، عن أبيه أخرجه ابن منده، ويحتمل أن صالحًا سمعه من أبيه ومن سهل فأبهمه تارة وعينه أخرى لكن قوله (يوم ذات الرقاع) يعين أن المبهم هو أبوه إذ ليس في رواية صالح عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده أن سهلًا لم يكن في سن من يخرج في تلك الغزوة لصغره لكن لا يلزم أن لا يرويها فروايته إياها مرسل صحابي فبهذا يقوى تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بخوات بن جبير وعلى هذا فغرضه بسوقه هذا الحديث الاستشهاد اهـ من عون المعبود. وسميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء وإعواز النعال فكانوا يلفون عليها الخرق، وقيل: لأنهم رقعوا راياتهم، وقيل: لأن هناك جبلًا يقال له الرقاع لبياض وسواد وحمرة كانت فيه (أن طائفة صفت معه) صلى الله عليه وسلم والطائفة الفرقة، والقطعة من الشيء تقع على القليل والكثير (وطائفة) صفت (وجاه العدو) بكسر الواو وضمها يقال وجَاهُهُ ووُجَاهُهُ وتُجَاهُهُ أي قبالته

فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً. ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وجَاهَ الْعَدُوِّ. وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ. ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا. وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. 1840 - (806) (210) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَال: كُنَّا إِذَا أَتَينَا عَلَى شَجَرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو ظرف متعلق بمحذوف (فصلى بالذين معه ركعة ثم) قام بهم و (ثبت قائمًا وأتموا) صلاتهم (لأنفسهم) منفردين (ثم انصرفوا) أي ذهبوا إلى نحو العدو (فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى) التي كانت تجاه العدو وأحرموا (فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت) النبي صلى الله عليه وسلم ودام (جالسا) للتشهد لم يخرج من صلاته (وأتموا) أي أتم هؤلاء الصف الأخير صلاتهم (لأنفسهم ثم سلم بهم) النبي صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 448] , والبخاري [4129] , قال أبو داود: وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إلي في صلاة الخوف اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لجابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1840 - (806) (210) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري، ثقة، من (10) قال العجلي: ثقة ثبت، من كبار العاشرة (حدثنا أبان بن يزيد) العطار أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد كوفي وفيه التحديث والعنعنة (قال) جابر (أقبلنا) أي خرجنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) للجهاد (حتى إذا كنا بذات الرقاع) أي بموضع يُسمى ذات الرقاع (قال) جابر و (كنا) في عادتنا معاشر الصحابة (إذا أتينا) ووقفنا (على شجرة

ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيفُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بشَجَرَةٍ. فَأَخَذَ سَيفَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرَطَهُ. فَقَال لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَال: "لا" قَال: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَال: "اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ" قَال: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَغْمَدَ السَّيفَ وَعَلَّقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ظليلة) أي ذات ظل كثير (تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ليستريح تحتها وطلبنا لأنفسنا غيرها، وجملة القول الثاني معترضة بين إذا الأولى وجوابها وهو قوله (قال: فجاء رجل) ولفظة (قال) مؤكدة لقال الأولى، والفاء في قوله (فجاء) زائدة في جواب إذا، والتقدير: قال جابر: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع جاء رجل بدوي (من المشركين) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منفرد تحت شجرة ظليلة (وسيف رسول الله) أي والحال أن سيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم معلق) بغلافها (بشجرة) أي بغصن شجرة هو تحتها (فأخذ) الأعرابي (سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه) أي اخترط الأعرابي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سله وأخرجه من غمده، وهو افتعل من الخرط يقال خرطت العود أخرطه خرطًا من باب نصر قشرته اهـ أبي (فقال) الأعرابي (لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتخافني) يا محمد (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أخافك (قال) الأعرابي (فمن يمنعك) أي يحفظك (مني) أي من قتلي إياك لأنك وحيد عن الغوث (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله يمنعني) أي يحفظني (منك) أي من إذايتك وقتلك، قوله (الله يمنعني منك) قال الأبي: وإنما أطنب صلى الله عليه وسلم في الجواب وكان يكفيه أن يقول: الله، لا سيما ومن مقامات الإيجاز الحذف لأنه صلى الله عليه وسلم في مقام الأمن والطمأنينة والثقة في غايةٍ بعصمة ربه عزَّ وجلَّ له قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ولما علم من عظيم شجاعته صلى الله عليه وسلم بحيث لا تقلق نفسه بخطور المخوف ولو عظم فبسط كلامه صلى الله عليه وسلم بسط أمر لا يرتاع إذا جاءه مخوف هائل اهـ منه (قال) جابر (فتهدده) أي تهدد ذلك الأعرابي (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خوفوه بالقتل يقال: تهدده إذا توعده وهدده إذا خوفه (فأغمد) الأعرابي (السيف) أي أدخله في غمده وغلافه (وعلقه) أي علق السيف على الشجرة وذهب ولم

قَال: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ. فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَينِ. قَال: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ. 1841 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ)، حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ، (وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ). أَخْبَرَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم (قال) جابر (فنودي بالصلاة) أي أُذن لها، وفيه مشروعية الأذان في السفر (فصلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بطائفة ركعتين ثم تأخروا) وذهبوا إلى جهة العدو (وصلى) مرة ثانية (بالطائفة الأخرى) التي كانت وجاه العدو بعد ما ذهبت المصلية معه وجاءت الأخرى (ركعتين قال) جابر (فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوبع ركعات) ركعتان فريضة وركعتان نافلة (وللقوم) أي ولكل من الصفين (ركعتان) ركعتان. قال النواوي: معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين وسلم وسلموا وبالثانية كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم متنفلًا في الثانية وهم مفترضون. واستدل به الشافعي على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل اهـ وتبعه ابن حجر، ونحن معاشر الأحناف لا نسلم ذلك فنقول كما في المرقاة لا ينبغي أن يحمل الحديث على المختلف في جوازه ويترك ظاهره المتفق على صحته، وقد قيل إن هذا كان قبل آية القصر أو في موضع الإقامة فقوله في الحديث وللقوم ركعتان يعني مع الإمام، وقول النواوي: وسلم وسلموا غير مُسلّم بل كل من الطائفتين أتموا صلاتهم أربعًا إلا أن إحدى الطائفتين أتموها بصفة اللاحق والأخرى بصفة المسبوق على ما ذكر في كتب فقه الأحناف، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 364] , والبخاري [4136] تعليقًا والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال: 1841 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابًا (أخبرنا يحيى يعني ابن حسان) بن حيان بتحتانية التنيسي البكري أبو زكرياء البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معاوية وهو ابن سلّام) بتشديد اللام، بن أبي سلام ممطور الحبشي أبو سلام الدمشقي، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (أخبرني

يَحْيَى. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَينِ رَكْعَتَينِ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَينِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي (أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (أن جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري المدني (أخبره) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد شامي وواحد بصري وواحد سمرقندي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن سلام لأبان بن يزيد في الرواية عن يحيى بن أبي كثير (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) في غزوة ذات الرقاع (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوبع ركعات وصلى بكل طائفة ركعتين). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث سهل بن أبي حثمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. إلى هنا وصلت في كتابة هذا الشرح قبيل المغرب من يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة 29/ 9 / 1422 هـ ألف وأربعمائة واثنين وعشرين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. * * *

أبواب الجمعة

أبواب الجمعة 359 - (70) باب: ندب غسل يوم الجمعة لحاضرها وتأكيده وجواز الاقتصار على الوضوء 1842 - (807) (211) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَّنا لَيثٌ, عَنْ نَافِعٍ, عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب الجمعة سميت جمعة لاجتماع الناس فيها، وكان يسمى في الجاهلية يوم العروبة. 359 - (70) باب ندب غسل يوم الجمعة لحاضرها وتأكيده وجواز الاقتصار على الوضوء 1842 - (807) (211) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) النيسابوري (ومحمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي أبو عبد الله المصري كلاهما (قالا: أخبرنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة، من (7) (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري، أتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي شيخيه (عن نافع) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب العدوي المكي كما سيأتي التصريح به، وهذان السندان من رباعياته رجال الأول منهما اثنان منهم مصريان أو مصري ونيسابوري وواحد مكي وواحد مدني، ورجال الثاني منهما واحد منهم مكي وواحد مدني وواحد مصري وواحد بلخي (قال) عبد الله بن عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد أحدكم) بإضافة أحد إلى ضمير الجمع ليعم الرجال والنساء والصبيان والأحرار والعبيد، وقد صرح به في رواية عثمان بن واقد عند أبي عوانة وابني خزيمة وحبان في صحاحهم ولفظه: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل" وهو الأصح عند الشافعية وبه قال الجمهور، خلافًا لأكثر الأحناف اهـ إرشاد (أن يأتي الجمعة) أي إتيان صلاتها وحضورها (فليغتسل) ندبًا لا وجوبًا، وقد علم

1843 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من تقييد الغسل بالإتيان أن الغسل للصلاة لا لليوم وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة رحمهم الله تعالى، فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة، ولو اغتسل بعد الفجر أجزأه عند الشافعية والحنفية خلافًا للمالكية والأوزاعي وفي حديث إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وغيره: كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من جاء منكم الجمعة -أي أراد مجيئها- فليغتسل" فأفاد سبب الحديث، واستدل به المالكية في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلًا بالذهاب لئلا يفوت الغرض وهو رعاية الحاضرين من التأذي بالروائح حال الاجتماع وهو غير مختص بمن تلزمه الجمعة اهـ منه. قال النواوي: والحديث يدل على أنه يؤمر به كل من يريد إتيانها من صغير أو كبير ذكر أو أنثى، وحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم صريح في البالغ، وفيه أحاديث تقتضي دخول النساء كحديث (من اغتسل فالغسل أفضل) فيقال في الجمع بين الأحاديث: الغسل مستحب لكل من يريد إتيانها ويتأكد في حق المذكور أكثر من النساء وفي حق البالغين أكثر من الصبيان، والمشهور عندنا أنه يستحب للجميع، وقيل للذكور خاصة، وقيل لمن يلزمه إتيانها دون النساء والعبيد والصبيان والمسافرين، وقيل مستحب لكل أحد دوان لم يأت الجمعة كاستحباب غسل العيد لكل أحد اهـ. ولفظ (الجمعة) يقرأ بضم الميم إتباعًا لضمة الجيم كعُسر في عُسر، اسم من الاجتماع أُضيف إليه اليوم أو الصلاة ثم كثُر الاستعمال حتى حُذف منه الصلاة، وجُوِّز إسكانها على الأصل للمفعول كهُزأة وهي لغة تميم وقرأ بها المطوعي عن الأعمش وفتحها بمعنى فاعل أي اليوم الجامع فهو كهمزة ولمؤة ولم يقرأ بها، واستشكل كونه أُنِّث وهو صفة اليوم، وأُجيب بأن التاء ليست للتأنيث بل للمبالغة كما في رجل علّامة أو هو صفة للساعة وحُكي الكسر أيضًا اهـ إرشاد. وشارك المؤلف في رواية الحديث أحمد [2/ 9 و 35 و 330] , والبخاري [894] , والترمذي [492] , والنسائي [3/ 93 و 105] , وابن ماجه [1088]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1843 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا) محمد (بن

رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ". 1844 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَي عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المدني، كان وَصِيَّ أبيه عبد الله بن عمر، روى عن أبيه في الصلاة والحج، وأبي هريرة، ويروي عنه (خ م دت س) والزهري وعبد الله بن أبي سلمة والقاسم بن محمد، وثقه وكيع وأبو زرعة والنسائي، وقال العجفي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومائة (105) أول ما استخلف هشام بن عبد الملك (عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو قائم على المنبر) وهو شيء مرتفع له ثلاث درج فأكثر سواء كان منقولًا أم لا وسواء كان من خشب أم لا، قال في القاموس: نبر للشيء رفعه، ومنه المنبر بكسر الميم اهـ (من جاء منكم) أيها المسلمون أي من أراد منكم مجيء (الجمعة) وحضورها على حد قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] (فليغتسل) ندبًا بنية غسل حضورها، وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن عبد الله لنافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، وكرر المتن لما بينهما من المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1844 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) مصغرًا الأموي مولاهم أبو الوليد المكي، ثقة، من (6) (أخبرني ابن شهاب عن سالم وعبد الله) وقوله (ابني عبد الله بن عمر) بالجر صفة لهما كلاهما (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) الجار والمجرور متعلق بأخبرنا ابن جريج لأنه العامل في المتابع -بكسر الباء-

1845 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِهِ. 1846 - (808) (212) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، بَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والضمير عائد إلى المتابَع -بفتحها- وهو الليث بن سعد، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 1845 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وقوله (بمثله) متعلق بأخبرني يونس لأنه المتابع، والضمير عائد إلى الليث أيضًا، وهذا السند من سداسياته أيضًا، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عمر رضي الله عنه فقال: 1846 - (808) (212) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر (أن عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي، وفيه التحديث إفرادًا والإخبار إفراد وجمعًا والعنعنة والأننة، وفيه تابعيان روى أحدهما عن الآخر، وصحابيان روى أحدهما عن الآخر، وفيه رواية حفيد عن أبيه عن جده أي أن أباه عمر بن الخطاب (بينا) بالألف، وفي رواية البخاري بينما بالميم

هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هذِهِ؟ فَقَال: إِنِّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ. فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ. فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضأْتُ. قَال عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيضًا! وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهما لفظ بين زيدت فيه الألف فقط كما هنا أو الألف والميم كما في رواية البخاري فلزم الإضافة إلى الجملة (هو) أي عمر قائم على المنبر (يخطب الناس) ويعظهم بذكر الوعد والوعيد (يوم الجمعة دخل رجل) جواب بينا، والأفصح أن لا يكون في جوابه إذ وإذا أي بينا أوقات خطبة عمر دخل المسجد رجل (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المهاجرين الأولين كما هو في رواية البخاري ممن شهد بدرًا أو أدرك بيعة الرضوان أو صلى القبلتين؛ هو عثمان بن عفان رضي الله عنه (فناداه) أي فنادى ذلك الرجل (عمر) رضي الله تعالى عنهما أي قال له يا فلان (آية ساعة هذه) الساعة التي جئت فيها أهي ساعة المبكرين أم ساعة المتأخرين، استفهام إنكار لينبه على ساعة التبكير التي رُغب فيها وليرتدع من هو دونه أي لم تأخرت إلى هذه الساعة (فقال) عثمان معتذرًا عن التأخر (إني شُغلت اليوم) بضم الشين وكسر الغين المعجمة مبنيًّا للمفعول أي كنت اليوم مشغولًا بشواغل خارجية (فلم أنقلب) أي فلم أرجع (إلى أهلي) أي إلى بيتي من الانقلاب وهو الرجوع نظير قوله تعالى: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 9] (حتى سمعت النداء) أي التأذين بين يدي الخطيب (فلم أزد على أن توضأت) أي فلم أشتغل بشيء إلا بالوضوء بعد أن سمعت النداء (قال عمر: والوضوء أيضًا) بالنصب أي وتوضأت الوضوء واقتصرت عليه أيضًا أي كما قصرت في التبكير، قال الحافظ ابن حجر: بنصب الوضوء وبالواو عطفًا على الإنكار الأول أي والوضوء اقتصرت عليه واخترته دون الغسل أي أما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء اهـ وجُوز الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي والوضوء تقتصر عليه أو خبر حُذف مبتدؤه أي كفايتك الوضوء أيضًا، وأيضًا منصوب على أنه مصدر من آض يئيض أي عاد ورجع، والمعنى ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه اهـ من الإرشاد (و) الحال أنك (قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل) أي أمر ندب لمن يريد حضور الجمعة كما دل عليه تركه

1847 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. قَال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ؛ قَال: بَينَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ. فَقَال: مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ على حاله بمحضر الصحابة، وفي حديث أبي هريرة في هذه القصة في الصحيحين: أن عمر قال: ألم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل" وفي الحديث تفقد الإمام رعيته وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة وإن كان كبير القدر، وفيه جواز الإنكار على الكبار في مجمع من الناس، وفيه جواز الكلام في الخطبة، وفيه أيضًا استحباب المنبر للخطبة فإن تعذر فليكن على موضع عال ليبلغ صوته جميعهم ولينفرد فيكون أوقع في النفوس، وفيه أن الخطيب يكون قائمًا، ويُسمى المنبر منبرًا لارتفاعه من المنبر وهو الارتفاع اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في كتاب الصلاة، والنسائي في الكبرى في الصلاة اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 1847 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي عالم الشام، ثقة، من (8) (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة، من (7) (قال (الأوزاعي (حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (حدثني أبو هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه (قال) أبو هريرة: (بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة) وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي هريرة لعبد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن عمر بن الخطاب، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والقول، وفيه رواية صحابي عن صحابي أبي هريرة عن عمر، ومتابعة صحابي لصحابي أبي هريرة لعبد الله بن عمر (إذ دخل عثمان بن عفان) الأموي المدني رضي الله عنه المسجد (فعرض به عمر) من التعريض وهو ضد التصريح أي ذكر عمر بعثمان على سبيل التعريف (فقال) عمر في تعريضه له (ما

بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ! فَقَال عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ. ثُمَّ أَقْبَلْتُ. فَقَال عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيضًا! أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَلْيَغْتَسِلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بال رجال) أي ما شأن رجال (يتأخرون) في بيوتهم عن حضور الجمعة (بعد النداء) والأذان لها، وهذا إنكار منه على عثمان تأخره عن وقت وجوب السعي إليها، ثم عذر عمر عثمان حين اعتذر إليه (فقال عثمان) في اعتذاره إليه (يا أمير المومنين ما زدت) شيئًا من الشغل (حين سمعت النداء) والأذان بين يدي الخطيب لأن الأذان الأول لم يكن في زمن عمر بل أحدثه عثمان في زمنه (أن توضأت ثم أقبلت) إلى المسجد؛ أي على وضوئي وحضوري إلى الجمعة يعني أنه ذهل عن الوقت ثم تذكره فإذا به قد ضاق عن الغسل، وكان ذهوله ذلك لعذر مسوغ (فقال) له (عمر) بن الخطاب موبخًا له على ترك الغسل: (و) اخترت (الوضوء) وقصرت في الغسل وتركته (أيضًا) أي كما قصرت في التبكير إلى الجمعة، وهذا إنكار آخر على ترك السنة المؤكدة التي هي الغسل على جهة التغليظ حتى لا يتهاون بالسنن لا أنه كان يعتقد الغسل واجبًا، ويجوز في لفظ الوضوء النصب والرفع فالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف تقديره: الوضوء تقتصر عليه، والنصب على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره أتخص الوضوء دون الغسل أو ما في معنى ذلك و (الواو) عوض من همزة الاستفهام كما قال تعالى: {قَال فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123] في قراءة ابن كثير اهـ من المفهم. ثم قال عمر أيضًا على سبيل الاستفهام التقريري لعثمان أولمن حضر من الصحابة: (ألم تسمعوا) أي أما سمعتم (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جاء أحدكم) أي أراد مجيئه (إلي) صلاة (الجمعة فليغتسل) ندبًا مؤكدًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث بهذه الرواية البخاري وأبو داود أعني برواية أبي هريرة عن عمر رضي الله تعالى عنهما. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، وحديث عمر ذكره للاستشهاد به على الجزء الأول وللاستدلال به على الجزء الأخير منها وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. * * *

360 - (71) باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به

360 - (71) باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به 1848 - (809) (213) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْغُسْلُ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 360 - (71) باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أُمروا به 1848 - (809) (213) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن صفوان بن سليم) مصغرًا القرشي الزهري مولاهم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف أبي الحارث المدني، وثقه ابن المديني والعجلي وأبو حاتم والنسائي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت مشهور، وقال في التقريب: ثقة عابد رُمي بالقدر، من (4) مات سنة (132) (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة أبي محمد المدني ثقة، من (3) مات سنة (94) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) المدني الصحابي المشهور من المكثرين رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغسل يوم الجمعة واجب) أي حق مؤكد (على كل محتلم) أي في حق كل بالغ ليس المراد أنه الواجب المتحتم المعاقب عليه بل المراد بالواجب هنا المندوب لأنهم كانوا يلبسون الصوف ويتأذى بعضهم برائحة بعض فعبر عنه بلفظ الواجب ليكون أدعى إلى الإجابة. فإن قلت: إن قوله على كل محتلم أي بالغ يشير إلى أن المراد بالواجب هو الواجب الاصطلاحي وإلا لكان القيد به عبثًا، قلنا: ذكره لأن الغسل غالب فيه لا للاحتراز عن غيره كذا في المبارق اهـ. قال القرطبي: وخص بالمحتلم بالذكر لأن الاحتلام أكثر ما يبلغ به الرجال وهو الأصل وهذا مثل ما قال في حق النساء "لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار" يعني بالحائض البالغة من النساء وخصها به لأن الحيض أغلب ما يبلغ به النساء من علامات البلوغ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه دليل على أن الجمعة لا تجب على صبي ولا امرأة لأنه بين محل وجوبها اهـ من المفهم. وقال القرطبي أيضًا: وهذا الحديث ظاهر في وجوب غسل الجمعة وبه قال أهل الظاهر، وحُكي عن بعض الصحابة وعن الحسن، وحكاه الخطابي عن مالك لكن معروف مذهبه وصحيحه أنه سنة وهو مذهب عامة أئمة الفتوى، وحملوا تلك الأحاديث على أنه واجب وجوب السنن المؤكدة ودلهم على ذلك أمور: -[أحدها] قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له" فدل على أن الوضوء كاف من غير غسل وأن الغسل ليس بواجب. [وثانيها] قوله صلى الله عليه وسلم لهم حين وجد منهم الريح الكريهة "لو اغتسلتم ليومكم هذا" وهذا عرض وتحضيض وإرشاد للنظافة المستحسنة ولا يقال مثل ذلك اللفظ في الواجب. [وثالثها] تقرير عمر والصحابة لعثمان رضي الله تعالى عنهم على صلاة الجمعة بالوضوء من غير غسل ولم يامروه بالخروج ولم ينكروا عليه فصار ذلك كالإجماع منهم على أن الغسل ليس بشرط في صحة الجمعة ولا واجب. [ورابعها] ما يقطع مادة النزاع ويحسم كل إشكال حديث الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وهذا نص في موضع الخلاف غير أن سماع الحسن من سمرة مختلف فيه، وقد صح عنه أنه سمع منه حديث العقيقة فيحمل حديثه عنه على السماع إلى أن يدل دليل على غير ذلك والله تعالى أعلم. [وخامسها] أنه صلى الله عليه وسلم قد قال: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه" وظاهر هذا وجوب السواك والطيب وليس كذلك بالاتفاق يدل على أن قوله واجب ليس على ظاهره بل المراد ندب المتأكد إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب في لفظ الواو والله أعلم اهـ من المفهم. وقد يقال جاء تشريك ما ليس بواجب مع الواجب في كتاب الله تعالى قال تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فالأكل ليس بواجب والإتيان واجب والله تعالى أعلم.

1849 - (810) (214) حدّثني هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْعَوَالِي. فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 60] , والبخاري [2665] , وأبو داود [341] , والنسائي [2/ 92] , وابن ماجه [1089]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 1849 - (810) (214) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) - بفتح الهمزة وسكون التحتية- أبو جعفر، نزيل مصر، ثقة، من (10) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري، ثقة، من (10) كلاهما (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو يعقوب المصري، الفقيه المقرئ ثقة، من (7) (عن عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني أبي بكر المصري، ثقة، من (5) (أن محمد بن جعفر) بن الزبير بن العوام الأسدي المدني، روى عن عروة بن الزبير في الصلاة والصوم، وعباد بن عبد الله بن الزبير في الصوم، ويروي عنه (ع) وعبيد الله بن أبي جعفر وعبد الرحمن بن القاسم، قال الدارقطني: مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (113) بضع عشرة ومائة (حدثه) أي حدث لعبيد الله (عن) عمه (عروة بن الزبير) الأسدي المدني (عن) خالته (عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة منهم مدنيون وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والعنعنة والأننة والمقارنة والقول (أنها قالت: كان الناس) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينتابون الجمعة) أي يأتونها نوبًا نوبًا بفتح الياء وسكون النون وفتح الفوقية يفتعلون من النوبة أي يحضرونها نوبة نوبة، وفي رواية يتناوبون (من منازلهم) القريبة من المدينة و (من العوالي) جمع عالية مواضع وقرى شرقي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة وأبعدها ثمانية، قولها من العوالي بدل من منازلهم أوصفة للمنازل (فيأتون) الجمعة (في العباء) بفتح العين المهملة والمد جمع عباءة بالمد، وعباية بزيادة الياء لغتان مشهورتا

وَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ. فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ عِنْدِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي أكسية خشان فيها خطوط سود اهـ أبي (وبصيبهم الغبار) والعرق فيخرج منهم العرق كما في رواية البخاري (فتخرج منهم الريح) الكريهة (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية (إنسان منهم) أي من أهل العوالي بالرفع على الفاعلية، وفي رواية البخاري أناس بالجمع (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (عندي) في نوبتي، جملة حالية (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم) لو شرطية تختص بالدخول على الفعل فالتقدير: لو ثبت تطهركم واغتسالكم (ليومكم هذا) يعني يوم الجمعة لكان حسنًا، أو لو للتمني فلا تحتاج إلى تقدير جواب الشرط المقدر هنا، وهذا اللفظ ولفظ رواية "لو اغتسلتم يوم الجمعة" يقتضي عدم وجوب غسل يوم الجمعة لأن تقدير الجواب لكان حسنًا كما علمت وهذا الحديث كان سببًا لغسل الجمعة كما في رواية ابن عباس عند أبي داود، واستدل به على أن الجمعة تجب على من كان خارج المصر وهو يرد على الكوفيين حيث قالوا بعدم الوجوب لأنه لو كان واجبًا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعًا، وقال الشافعية: إنما تجب على من يبلغه النداء، وحكاه الترمذي عن أحمد لحديث: "الجمعة على من سمع النداء" رواه أبو داود بإسناد ضعيف، لكن ذكر له البيهقي شاهدًا بإسناد جيد والمراد به من سمع نداء بلد الجمعة فمن كان في قرية لا يلزم أهلها إقامة الجمعة لزمته إن كان بحيث يسمع النداء من صيت على الأرض من طرف قريته الذي يلي بلد الجمعة مع اعتدال السمع وهدوء الأصوات وسكون الرياح، وليس المراد من الحديث أن الوجوب متعلق بنفس السماع وإنما هو متعلق بمحل السماع، وقال المالكية: تجب على من بينه وبين المنار ثلاثة أميال، أما من هو في البلد فتجب عليه ولو كان من المنار على ستة أميال رواه علي عن مالك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [902] , وأبو داود [352] , والنسائي [3/ 93 - 94]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1850 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ النَّاسُ أَهْلَ عَمَلٍ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ. فَكَانُوا يَكُونُ لَهُمْ تَفَلٌ. فَقِيلَ لَهُمْ: لَو اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1850 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني قاضي المدينة (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان، غرضه بيان متابعة عمرة لعروة في رواية هذا الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أنها قالت: كان الناس) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (أهل عمل) وشغل في أموالهم ومزارعهم (ولم يكن لهم كفاة) أي عبيد وخدم يكفونهم عملهم، وهو بضم الكاف جمع كاف نظير قاض وقضاة؛ وهم الخدم الذين يكفونهم عملهم (فكانوا) من كثرة أشغالهم (يكون) أي يوجد (لهم تفل) بفتح التاء المثناة فوق والفاء أي رائحة كريهة (فقيل لهم) أي قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس (لو اغتسلتم) وتنظفتم (يوم الجمعة) لكان مستحبًا لتزول عنكم تلك الرائحة الكريهة التي يتأذى بها الناس والملائكة، ولما كانت هذه الرائحة أخف من رائحة الثوم والبصل وإنما هي مثل ريح الصنان لم يمنع أهلها من المسجد كمنع آكل البصل والثوم لكن حُضوا على إزالتها والتنظيف جملة، قال القاضي: والحديث يدل على أن الغسل على الترغيب والحض لا على الوجوب، وعلته ما ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها وهو يدل على تنزيه المساجد من الريح الكريهة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني في هذه الرواية رواية عمرة عن عائشة البخاري [953] , وأبو داود أخرجه في الطهارة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين حديث أبي سعيد الخدري للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، وحديث عائشة للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. * * *

361 - (72) باب استحباب السواك والطيب يوم الجمعة

361 - (72) باب: استحباب السواك والطيب يوم الجمعة 1851 - (811) (215) وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ وَبُكَيرَ بْنَ الأَشَجِّ، حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ. وَسِوَاكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 361 - (72) باب استحباب السواك والطيب يوم الجمعة 1851 - (811) (215) (وحدثنا عمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود بن عمرو بن محمد (العامري) السرحي بمهملات أبو محمد المصري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم الفهمي المصري (أخبرنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المصري، ثقة، من (7) (أن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبا العلاء المصري مدني الأصل، صدوق، من (6) روى عنه في (11) بابا (وبكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبا عبد الله المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا كلاهما (حدثاه) أي حدثا لعمرو بن الحارث (عن أبي بكر بن المنكدر) بن عبد الله بن ربيعة بن الهدير القرشي التيمي المدني، أخي محمد بن المنكدر، كان أسن من أخيه محمد، روى عن عمرو بن سليم في الصلاة، وأبي أمامة بن سهل في الذبائح، ويروي عنه (خ م دت س) وسعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج، وثقه أبو داود، وقال في التقريب: ثقة، من (4) (عن عمرو بن سليم) مصغرًا بن خلدة الأنصاري الزرقي المدني، ثقة، من (2) من كبار التابعين، قيل: له رؤية (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد) الأنصاري (الخدري) أبي محمد المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم مدنيون وأربعة مصريون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والأننة والمقارنة ورواية الأكابر عن الأصاغر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غسل يوم الجمعة) حق مؤكد (على كل محتلم) أي بالغ من الرجال، فغسل يوم الجمعة مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده (وسواك) بالرفع معطوف على المبتدأ على كونه مبتدأ خبره الجار والمجرور أي واستياك يوم الجمعة أي استعمال العود في الأسنان وما حواليها في يوم

وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيهِ". إلَّا أَنَّ بُكَيرًا لَمْ يَذْكُرْ: عَبْدَ الرَّحْمنِ. وَقَال فِي الطِّيبِ: "وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ". 1852 - (812) (216) حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمعة لتنظيف فيه حق مؤكد على كل محتلم (ويمس) بضم الميم لأنه من المضاعف المعدى نظير شد وفتحها إتباعًا لفتحة السين لأنه منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الواو العاطفة على مصدر خالص لأنه معطوف على غسل يوم الجمعة، وضم السين فيه إما من تحريف النساخ أو من لحن جهلة الطلبة فهو نظير قول ميسون زوج معاوية رضي الله عنه: ولُبس عباءة وتقر عيني ... أحب إليّ من لبس الشفوف ينصب تقر عطفًا على لبس وقوله (من الطيب) بيان مقدم لما بعده، وقوله إما قدر عليه) مفعول به ليس، والتقدير ومس ما قدر عليه من الطيب أي استعمال ما وجده من أنواع الطيب ولو من طيب امرأته حق مؤكد على كل محتلم، فليتأمل فإن المحل مما زلت فيه الأقدام كابرًا عن كابر، وقالوا فيه: هذا ما وجدنا عليه آباءنا، وبحثت عنه في شروح كتب الحديث ولم أر من ذكره إلا ما وجد عليه آباءه، ويشير إلى هذا التقدير رواية البخاري "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبًا إن وجد" حيث أظهرت أن المصدرية في هذا المقام اهـ من الفهم السقيم والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم بين محل المخالفة بين المقارنين تورعًا من الكذب على أحدهما فقال (إلا أن بكيرا) أي لكن أن بكير بن الأشج (لم يذكر) في سنده (عبد الرحمن) بن أبي سعيد بين عمرو بن سليم وبين أبي سعيد بل رواه عن عمرو عن أبي سعيد فانفرد سعيد بن أبي هلال بزيادة عبد الرحمن (وقال) بكير أي زاد (في) مسئلة (الطيب) لفظة (ولو من طيب المرأة) فإنه قال: "ويمس من الطيب ما قدر عليه ولو من طيب المرأة" أي ولو كان الذي قدر عليه طيب المرأة لأنه مكروه للرجال إلا في حالة الضرورة، وطيبها هو ما ظهر لونه وخفي ريحه فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره، وهذا يدل على تأكد التطيب للجمعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 60] , والبخاري [2665] , وأبو داود [341] , والنسائي [2/ 92] , وابن ماجه [1089]. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي سعيد بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال: 1852 - (12) (216) (حدثنا حسن) بن علي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11)

حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَال طَاوُسٌ: فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: وَيمَسُّ طِيبًا أَوْ دُهْنًا، إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ قَال: لَا أَعْلَمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة) الطائفي التابعي نزيل مكة، وثقه أحمد، وقال في التقريب: ثبت حافظ، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) الهاشمي الطائفي رضي الله تعالى عنهما، وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما اثنان منهم طائفيان واثنان مكيان وواحد يماني وواحد بصري، ورجال الثاني منهما اثنان منهم طائفيان واثنان يمانيان وواحد مكي وواحد نيسابوري، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي. (أنه) أي أن ابن عباس (ذكر) للناس (قول النبي صلى الله عليه وسلم في) شأن (الغسل يوم الجمعة) أي أمره به (قال طاوس) بن كيسان (فقلت لابن عباس) هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: يغتسل أحدكم يوم الجمعة وإن لم يكن جنبًا (ويمس طيبا) أي يتطيب بطيب (أو) يدهن (دهنًا إن كان) ذلك الطيب أو الدهن (عند أهله) وزوجته، وأو بمعنى الواو فلا ينافي الجمع بينهما، وأضاف الطيب إلى البيت إشارة إلى أن السنة اتخاذ الطيب في البيت ويجعل استعماله عادة له (قال) ابن عباس في جواب طاوس: إلا أعلمه) أي لا أعلم كون الطيب أو الدهن من قوله صلى الله عليه وسلم ولا من كونه مندوبًا، نفي علمه لا يدل على نفيه لأنه لم ينف كونه مندوبًا، وفي المشكاة عن مسند الإمام أحمد وعن سنن الترمذي: "حقًّا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة، وليس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب" اهـ. قال الأبي: ولا يتأكد الطيب تأكد الغسل لعطفه على الغسل لصحة عطف غير الواجب على الواجب كعكسه كما تقدم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الصلاة.

1853 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ. كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 1853 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، روى عنه في (5) أبواب، وثقه أبو داود وابن سعد وابن معين والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (9) (ح وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا الضحاك بن مخلد) بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (كلاهما) أي كل من محمد بن بكر والضحاك بن مخلد رويا (عن) عبد الملك (بن جريج بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس، غرضه بيان متابعتهما لروح بن عبادة وعبد الرزاق في رواية هذا الحديث عن ابن جريج. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

362 - (73) باب مشروعية الغسل في يوم من أيام الأسبوع سواء لحاضرها أو لغيره

362 - (73) باب: مشروعية الغسل في يوم من أيام الأسبوع سواء لحاضرها أو لغيره 1854 - (813) (217) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَال: "حَقٌّ للهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 362 - (73) باب مشروعية الغسل في يوم من أيام الأسبوع سواء لحاضرها أو لغيره 1854 - (813) (217) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة ثبت، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني أبو محمد الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد بغدادي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حق) ثابت الله على كل مسلم) ومسلمة (أن يغتسل في) يوم واحد من (كل سبعة أيام يغسل) فيه (رأسه وجسده) ورُوي (حق الله) بالإضافة على ما يظهر من شرح المشارق، ولفظ البخاري (حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا) وأراد به يوم الجمعة، كما جاء في بعض الطرق على ما ذكره العسقلاني، قال المناوي: وذكر الرأس وإن شمله الجسد اهتمامًا به ولأنه يغسل بنحو خطمي ولذلك قدمه وهذا حق اختيار لا حق وجوب اهمن بعض الهوامش، قال القرطبي: لم يعين في الصحيح يوم هذا الغسل، وقد عينه البزار في زيادة زادها في هذا الحديث قال (وهو يوم الجمعة) رواه البزار من حديث ثوبان رضي الله عنه وتمسك به من قال من أهل الظاهر بأن الغسل ليوم الجمعة لا للجمعة كأبي ثور وبعض السلف، ولا حجة فيه لأن الصحيح ليس فيه يوم الجمعة والمفسر ظاهره أنه قول الراوي والله تعالى أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح أن الغسل للجمعة لإضافته إليها ولأن معقوله المبالغة في النظافة كما فهم من حديث عائشة المتقدم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في كتاب الصلاة، والنسائي في الصلاة اهـ تحفة الأشراف. * * *

363 - (74) باب تفاوت درجات المبكرين إلى الجمعة

363 - (74) باب: تفاوت درجات المبكرين إلى الجمعة 1855 - (814) (218) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ قَال: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ. فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 363 - (74) باب تفاوت درجات المبكرين إلى الجمعة 1855 - (814) (218) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (فيما قُرئ عليه) وأنا أسمع وهو بمنزلة أخبرنا مالك (عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) القيسي مولاهم مولى جويرية بنت الحارث امرأة من قيس المدني، ثقة ثبت، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) أي غسلًا كغسل الجنابة فهو منصوب على المصدرية، والتشبيه لبيان صفة الغسل لا لبيان الوجوب ولا حقيقة غسل الجنابة بالمواقعة فإن الغسل لحضور الجمعة لا لليوم وهو ظاهر، وإن خفي على من قال: ويستحب له مواقعة زوجته ليلة الجمعة ليكون أغض على بصره اهـ والمعنى من اغتسل يوم الجمعة غسلًا كغسل الجنابة في شروطه وآدابه وهيئاته (ثم راح) أي مضى وذهب إلى صلاة الجمعة فالمراد بالرواح هنا الذهاب أول النهار لكون التبكير إليها مطلوبًا لا الرواح المتعارف الذي هو الذهاب آخر النهار الذي هو نقيض الغدو، قال تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} فليس هذا هو المراد هنا، وقال الأزهري: الرواح في لغة العرب الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث اهـ (فكأنما قرب) أي تصدق (بدنة) والبدنة هنا هي الإبل خاصة لوقوعها في مقابلة البقرة، سميت بذلك لعظم بدنها، وفي غير هذا الموضع تشملها ويقعان على الذكر والأنثى والهاء فيهما للوحدة كقحمة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس (ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة) أي تصدق بها سميت بقرة لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة أو بقرنها من البقر وهو الشق ومنه قولهم بقر بطنه، ومنه

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيضَةً. فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد الباقر لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلًا بليغًا ووصل منه غاية مرضية (ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب) أي تصدق (كبشًا) أي فحلًا (أقرن) أي ذا قرن، والكبش ذكر الضأن، وصفه بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة ولأن قرنه ينتفع به، والمعنى فكأنما تصدق ذكرًا من الضأن ذا قرن وما كان بلا قرن يقال له أجم (ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة) أي تصدق بها، قال القسطلاني: والدجاجة بتثليث الدال، وفتحها هو الفصيح، وتطلق على الذكر والأنثى والهاء فيها للوحدة كسابقه (ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب) أي تصدق (بيضة) من الدجاج، والهاء فيها أيضًا للوحدة (فهذا خرج الإمام) إلى المسجد وجلس على المنبر (حضرت) بفتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان، والفتح أفصح وأشهر وبه جاء القرآن في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} (الملائكة) الذي يكتبون مراتب المبكرين على الأبواب وجلسوا في المسجد حالة كونهم (يستمعون الذكر) أي الخطبة فلا يكتبون أجر من جاء في ذلك الوقت لأن التبكير انتهى زمنه بخروج الإمام وجلوسه على المنبر، وفي الآخر زيادة (وطووا الصحف) قال القاضي: قالوا وهو يدل على أنهم ليسوا الحفظة والله أعلم. قال الكرماني: فإن قلت القربان إنما هو في النعم لا في الدجاجة والبيضة (قلت) معنى قرب ها هنا تصدق متقربًا إلى الله تعالى بها، وقال العيني: وفيه إطلاق القربان على الدجاجة والبيضة لأن المراد من التقرب ها هنا التصدق، ويجوز التصدق بالدجاجة والبيضة ونحوهما اهـ. قال الأبي: وهذه كلها ضرب مثل لمقادير الأجور لا أنه تشبيه حقيقة حتى لا يكون أجر هذا قدر أجر هذا اهـ منه. قال النواوي: مذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي حسين وإمام الحرمين أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، والرواح عندهم بعد زوال الشمس وادعوا أن هذا معناه في اللغة، ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره كما مر عن الأزهري لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى كأنما قرب بدنة ثم من جاء في الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية النسائي السادسة (فإذا أخرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدًا)، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلًا بعد الزوال وهو بعد انقضاء السادسة فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، وكذا ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها بالاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ، ويحرم التخلف بعد النداء انتهى كلام النواوي. [قلت]: المراد بالساعات هنا أجزاء من الزمان يوزع على مراتب المبكرين عادة الأول فالأول إلى الزوال لا الساعات الفلكية ولا الرملية ولا المائية، وفي الغالب إنما يبكر من بكر بعد ما ارتفع النهار كما هو عادة السلف من الأصحاب والتابعين ومن بعدهم. وأما فقه الحديث ففيه الحث على التبكير إلى الجمعة، وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم وهو من باب قول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وفيه أن القربان والصدقة يقع على القليل والكثير وقد جاء في رواية النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة، وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة، وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الإبل وجعل البقرة في الدرجة الثانية، وقد أجمع العلماء على أن الإبل أفضل من البقرة في الهدايا واختلفوا في الأضحية فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم كما في الهدايا، ومذهب مالك أن أفضل الأضحية الغنم ثم البقر ثم الإبل قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وحجة الجمهور ظاهر هذا الحديث والقياس على الهدايا، وأما تضحيته صلى الله عليه وسلم فلا يلزم منها ترجيح الغنم لأنه محمول على أنه صلى الله عليه وسلم لم يتمكن في ذلك الوقت إلا من الغنم، أو فعله لبيان الجواز، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر اهـ من النواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 460] , والبخاري [881] , وأبو داود [351] , والترمذي [499] , والنسائي [3/ 97 - 99] , وابن ماجه [1092]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

364 - (75) باب الإنصات يوم الجمعة في الخطبة والإنصات السكوت مع الإصغاء

364 - (75) باب: الإنصاف يوم الجمعة في الخطبة والإنصات السكوت مع الإصغاء 1856 - (815) (219) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. قَال ابْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 364 - (75) باب الإنصات يوم الجمعة في الخطبة والإنصات السكوت مع الإصغاء 1856 - (815) (219) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (ومحمد بن رمح بن المهاجر) المصري (قال ابن رمح: أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) بن خالد الأموي المصري (عن ابن شهاب) الزهري المدني (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني الأعور سيد التابعين (أن أبا هريرة أخبره) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك) الذي تخاطبه إذ ذاك أو لجليسك (أنصت) أي اسكت مع الإصغاء للخطبة (يوم الجمعة والإمام) أي والحال أن الإمام (يخطب) أي يعظ الناس، جملة حالية مشعرة بأن ابتداء الإنصاف من الشروع في الخطبة خلافًا لمن قال بخروج الإمام كما سيأتي، نعم الأحسن الإنصات اهـ قسط (فقد لغوت) أي أعرضت عن استماع الخطبة وتكلمت بما لا ينبغي، قال النواوي: فيه نهي عن جميع أنواع الكلام لأن قول أنصت إذا كان لغوًا مع أنه أمر بمعروف فغيره من الكلام أولى وإنما طريق النهي هنا الإنكار بالإشارة اهـ مبارق. قال أهل اللغة: يقال لغا يلغو كغزا يغزو ويقال: لغي يلغى كعمي يعمى لغتان الأول أفصح، وظاهر القرآن يقتضي هذه الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال الله تعالى: {وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} وهذا من لغي يلغى بوزن رضي يرضى ولو كان من الأول لقال والغوا بضم الغين فمصدر الأول اللغو كالغزو ومصدر الثاني اللغا كالرضا واللقا، ومعنى فقد لغوت أي قلت اللغو وهو الكلام الملغي الساقط الباطل المودود اهـ نواوي، وقيل معناه قلت غير الصواب، وقيل تكلمت بما لا ينبغي.

1857 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال: انصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغوًا فغيره من الكلام أولى وإنما طريقه إذا نهى غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن، واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه وهما قولان للشافعي، قال القاضي عياض: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصاف للخطبة، وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلي فيها القرآن، قال: واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصاف كما لو سمعه، فقال الجمهور: يلزمه، وقال النخعي وأحمد واحد قولي الشافعي لا يلزمه، وقوله (والإمام يخطب) دليل على أن وجوب النهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال أبو حنيفة: يجب الإنصاف بخروج الإمام والله أعلم اهـ. وقد استثنى من الإنصاف ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لا يشرع في الخطبة كالدعاء للسلطان مثلًا اهـ من الإرشاد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 272 و 396] , والبخاري [934] , وأبو داود [1112] , والترمذي [512] , والنسائي [3/ 103 - 104] , وابن ماجه [1110]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1857 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث المصري، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد الفهمي المصري، ثقة إمام عالم حجة، من (7) (حدثني عقيل بن خالد) الأموي الأيلي ثم المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب) الزهري المدني (عن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي المدني، ثقة، من (4) (عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ) الزهري المدني، روى عن أبي هريرة في الوضوء والصلاة والحج، ويروي عنه (م س) وعمر بن عبد العزيز وأبو سلمة بن عبد الرحمن

وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ؛ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِهِ. 1858 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ. بِالإِسْنَادَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو صالح السمان وغيرهم، والمعروف في اسمه إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، صدوق، من الثالثة (وعن ابن المسيب) معطوف على عمر بن عبد العزيز؛ أي وروى ابن شهاب أيضًا عن ابن المسيب (أنهما) أي أن عمر بن عبد العزيز أو سعيد بن المسيب (حدثاه) أي حدثا لابن شهاب (أن أبا هريرة قال) لكن عمر بن عبد العزيز رواه عن أبي هريرة بواسطة عبد الله بن قارظ وابن المسيب رواه بلا واسطة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) الحديث السابق، وساق عبد الملك بن شعيب (بمثله) أي بمثل حديث قتيبة، والصواب (بمثلهما) أي وساق عبد الملك بن شعيب عن أبيه عن جده بمثلهما أي بمثل حديث قتيبة ومحمد بن رمح عن جده ليث بن سعد، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الملك بن شعيب لقتيبة ومحمد بن رمح في رواية هذا الحديث عن ليث بن سعد لكنها متابعة ناقصة لأن عبد الملك روى عن الليث بواسطة أبيه شعيب بن الليث وهما رويا عنه بلا واسطة، وهذان السندان الأول منهما أعني سند عبد الله بن قارظ عن أبي هريرة من ثمانياته رجاله أربعة منهم مدنيون وأربعة مصريون، والثاني منهما أعني سند ابن المسيب عن أبي هريرة من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة منهم مدنيون، غرضه بسوقهما بيان متابعة عبد الملك بن شعيب لقتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح في رواية هذا الحديث عن ليث بن سعد لكنها متابعة ناقصة كما مر آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1858 - (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة (محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (ابن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني ابن شهاب بالإسنادين) له

جَمِيعًا. فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيجٍ قَال: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبدِ الله بْنِ قَارِظٍ. 1859 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متعلق بأخبرنا ابن جريج (جميعًا) حال من الإسنادين، وقوله (في هذا الحديث) حال من الإسنادين أيضًا أو صفة له والمراد بالإسنادين لابن شهاب سنده عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن قارظ عن أبي هريرة، وفيه نزول وسنده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وقوله (مثله) مفعول ثان لأخبرنا ابن جريج، والضمير عائد إلى عقيل بن خالد والمعنى أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب بالإسنادين الكائنين لابن شهاب في هذا الحديث جميعًا (مثله) أي مثل ما حدّث عقيل بن خالد عن ابن شهاب، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن جريج لعقيل بن خالد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، ثم استثنى المؤلف من المماثلة بقوله (غير أن ابن جريج) أي لكن أن ابن جريج (قال) في سنده (إبراهيم بن عبد الله بن قارظ) وهذا هو المحفوظ المعروف عندهم دون عبد الله بن إبراهيم بن قارظ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1859 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم أبو محمد الأعور الكوفي ثم المكي، ثقة حجة، من (8) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مكيان، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لسعيد بن المسيب (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك) الذي تخاطبه إذ ذاك أو جليسك (أنصت) من الإنصاف وهو السكوت والاستماع شغل السمع بالسماع فبينهما عموم وخصوص من وجه (يوم الجمعة والإمام يخطب) جملة حالية مشعرة بأن ابتداء الإنصاف من الشروع في

فَقَدْ لَغِيتَ". قَال أَبُو الزِّنَادِ: هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيرَةَ. وَإِنَّمَا هُوَ فَقَدْ لَغَوْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطبة خلافًا لأبي حنيفة كما مر (فقد لغيت) بالياء بوزن رضيت أي تركت الأدب (قال أبو الزناد) بالسند السابق (هي) أي لفظة لغيت بالياء (لغة أبي هريرة) أي لغة قومه وهو بمعنى لغوت أي تكلمت بما لا ينبغي، يقال لغا يلغو كغزا يغزو، ويقال لغي يلغى كلقي يلقى ومصدر الأول اللغو ومصدر الثاني اللغا كغنى كما في القاموس، وعليها التلاوة في قوله تعالى: {وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] كما مر (وإنما هو) أي وإنما الفصيح المحفوظ (فقد لغوت) بالواو. واستدل به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة وبه قال الجمهور، نعم لغير السامع عند الشافعية أن يشتغل بالتلاوة والذكر، وكلام المجموع يقتضي أن الاشتغال بهما أولى وهو ظاهر خلافًا لمن منع كما مر، ولو عرض مهم ناجز كتعليم خير ونهي عن منكر وتحذير إنسان عقربًا أو أعمى بئرًا لم يمنع من الكلام بل قد يجب عليه لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة إن أغنت، نعم منع المالكية نهي اللاغي بالكلام أو رميه بالحصى أو الإشارة إليه بما يفهم النهي حسمًا للمادة اهـ إرشاد الساري. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه ثلاث متابعات. * * *

365 - (76) باب: في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة

365 - (76) باب: في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة 1860 - (816) (22) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَال: "فِيهِ سَاعَةٌ. لَا يُوَافِقُهَا عَبْدْ مُسْلِمٌ، وَهُوَ يُصَلي، ـــــــــــــــــــــــــــــ 365 - (76) باب: في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة 1860 - (816) (220) وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (عن مالك بن أنس) إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) المدني رضي الله عنه، وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، والثاني أيضًا رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر) فضل (يوم الجمعة فقال) في ذكر فضله (فيه ساعة) لطيفة، وفي رواية ستأتي (إن في الجمعة لساعة) أي إن في يومها لساعة شريفة عظيمة، قال المناوي: أبهمها كليلة القدر والاسم الأعظم والرجل الصالح لتتوفر الدواعي على مراقبة ساعات ذلك اليوم، وقد روي: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها" ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضًا لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والدعاء والنزوع عن وساوس الدنيا فعساه يَحْظَى بشيء من تلك النفحات، وهل هذه الساعة باقية أو رفعت؟ وإذا قلنا إنها باقية وهو الصحيح، فهل هي في جمعة واحدة من السنة أو في كل جمعة منها؟ قال: بالأول كعب الأحبار لأبي هريرة ورده عليه فرجع لما راجع التوراة إليه، والجمهور على وجودها في كل جمعة، ووقع تعيينها في أحاديث أخر كثيرة أرجحها حديث أبي موسى مرفوعًا أنها ما بين أن يجلس الإِمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة رواه مسلم وأبو داود اهـ من الإرشاد (لا بوافقها) أي لا يصادفها (عبد مسلم) قصدها أو اتفق له وقوع الدعاء فيها، وفي رواية البخاري زيادة (وهو) قائم، جملة اسمية حالية (يصلي) جملة فعلية حالية، والجملة الأولى خرجت مخرج الغالب لأن الغالب في المصلي أن يكون

يَسْأَلُ الله شَيئًا، إلا أَعْطَاهُ إِياهُ". زَادَ قُتَيبَةُ في رِوَايَتِهِ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَللُهَا. 1861 - (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "إِن في الجُمُعَةِ لَسَاعَةً. لَا يُوَافِقُهَا مُسلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسألُ الله خَيرًا، إلا أَعطَاهُ إِياهُ". وَقَال بِيَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قائمًا فلا يعمل بمفمومها وهو أنه إن لم يكن قائمًا لا يكون له هذا الحكم أو المراد بالصلاة انتظارها أو الدعاء، وبالقيام الملازمة والمواظبة لا حقيقة القيام لأن منتظر الصلاة في حكم الصلاة (يسأل الله) سبحانه وتعالى فيها (شيئًا) مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل فيه ربه تعالى، وفي رواية (خيرًا) بدل شيئًا، قال المناوي: خيرًا من خيور الدنيا والآخرة (إلا أعطاه) أي أعطى الله سبحانه ذلك العبد (إياه) أي ذلك الشيء المسئول له (زاد قتيبة) على يحيى بن يحيى (في روايته) لفظة (وأشار) النبي صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة إليها حالة كونه (يقللها) أي يشير إلى قلة تلك الساعة وعدم امتدادها من التقليل ضد التكثير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 401] , والبخاري [935] , والنسائي [3/ 115 - 116] وابن ماجه [1137]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1861 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) (عن محمَّد) بن سيرين الأنصاري البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، غرضه بسوقه بيان متابعة محمَّد للأعرج (قال) أبو هريرة (قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: إن في الجمعة لساعة لا يوافقها) أي لا يصادفها عبد (مسلم قائم يصلي يسأل الله) تعالى (خيرا) من خيور الدنيا والآخرة (إلا أعطاه إياه) ولابن ماجه من حديث أبي أمامة: "ما لم يسأل حرامًا" ولأحمد من حديث سعد بن عبادة: "ما لم يسأل إثمًا أو قطيعة رحم" وقطيعة رحم من جملة الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به اهـ إرشاد (وقال) أي أشار النبي صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة إليها أي إلى قلتها بأن وضع طرف إبهامه

يُقَللُهَا، يُزهدُهَا. 1862 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أبي عَدِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحمدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال أَبُو الْقَاسِمِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. بِمِثلِهِ. 1863 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنملة الوسطى وأنملة الخنصر حالة كونه (يقللها) أي يعدها قليلة صغيرة، وأكد قوله يقللها توكيدًا لفظيًّا بالمرادف بقوله (يزهدها) لأن معنى التزهيد أيضًا التقليل يقال شيء زهيد أي قليل، ويأتي في الحديث "وهي ساعة خفيفة". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1862 - (00) (00) (حدثنا) محمَّد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان -بفتح فسكون ففتح- المزني مولاهم أبي عون البصري، ثقة ثبت فاضل، من أقران أيوب في العلم والعمل والسن، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن محمَّد) بن سيرين البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن عون لأيوب في رواية هذا الحديث عن محمَّد بن سيرين (قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم) وساق ابن عون (بمثله) أي بمثل حديث أيوب السختياني أي بمماثله في جميع لفظه ومعناه والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 1863 - (00) (00) (وحدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك (الباهلي) السامي بمهملة أبو علي البصري، روى عن بشر بن المفضل في الصلاة والفتن، وخالد بن الحارث في الحج، وحماد بن زيد وعبد الوارث، ويروي عنه (م عم) وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين (حدثنا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو

حَدَّثَنَا سَلَمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ) عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال أَبُو الْقَاسِمِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. بِمِثْلِهِ. 1864 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنَّهُ قَال: "إِن في الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً. لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله فِيهَا خَيرًا، إلا أَعْطَاهُ إِياهُ" قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل البصري، العابد ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سلمة وهو ابن علقمة) التميمي أبو بشر البصري، روى عن محمَّد بن سيرين في الصلاة، ونافع في الصوم، ويروي عنه (خ م د س ق) وبشر بن المفضل وابن عليه والحمادان، وثقه أحمد وابن معين وابن سعد، وقال ابن المديني: ثبت، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة (عن محمَّد) بن سيرين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم) وساق سلمة بن علقمة (بمثله) أي بمثل حديث أيوب عن محمَّد بن سيرين، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، غرضه بيان متابعة سلمة بن علقمة لأيوب السختياني في رواية هذا الحديث عن محمَّد بن سيرين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1864 - (00) (00) (وحدثنا عبد الرحمن بن سلام) بالتشديد (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري، صدوق، من (10) مات سنة (231) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا الربيع يعني ابن مسلم) الجمحي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن محمَّد بن زياد) القرشي الجمحي أبي الحارث البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، غرضة بيان متابعة محمَّد بن زياد لمحمد بن سيرين في روايته عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في الجمعة) أي في يومها (لساعة) لطيفة شريفة (لا يوافقها) أي لا يصادفها عبد (مسلم يسأل الله) تعالى (فيها خيرا) أي جنس خير من خيور الدنيا والآخرة (إلا أعطاه إياه قال) النبي صلى الله

وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ. 1865 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (وهي ساعة خفيفة) أي قصيرة غير طويلة كما قال في الرواية الأخرى يزهدها أي يقللها، وهذا يدل على أنها ليست من بعد العصر إلى غروب الشمس لطول هذا الوقت اهـ مفهم، فإن (قلت): قد ورد في حديث جابر مرفوعًا بإسناد حسن عند أبي داود (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة فيه ساعة) الخ ومقتضاه أنها غير خفيفة. (أجيب) بأنه ليس المراد أنها مستغرقة للوقت المذكور بل المراد أنها لا تخرج عنه لأنها لحظة خفيفة كما مر، وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلًا وانتهاؤها انتهاء الصلاة، واستشكل حصول الإجابة لكل داع بشرطه مع اختلاف الزمان باختلاف البلاد والمصلي فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة بالوقت فكيف يتفق مع الاختلاف، وأجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل كما قيل نظيره في ساعة الكراهة، ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي خفيفة قاله في فتح الباري اهـ من إرشاد الساري. وحقيقة الساعة المذكورة أنها جزء من الزمان مخصوص، وتطلق على جزء من اثني عشر من مجموع النهار أو على جزء ما غير مقدر من الزمان فلا يتحقق أو على الوقت الحاضر اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثه فقال: 1865 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة أو لمحمد بن زياد لأنه أقربهم (عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل) همام في روايته لفظة (وهي ساعة ضيفة) أي لطيفة والله أعلم.

1866 - (817) (221) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَم. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ. قَال: قَال لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: اسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ في شَأنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَال: قُمتُ: نَعَم. سَمِعتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَقُولُ: "هِي مَا بَينَ أن يَجلِسَ الإِمَامُ إِلَى أن تُقضى الصَّلاةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1866 - (817) (1 22) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن عبد الله بن السرح الأموي المصري، ثقة، من (10) (وعلي بن خشرم) بوزن جعفر، ابن عبد الرحمن الهلالي أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (عن مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي أبي المسور المدني، صدوق، من (7) (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التيميمي أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري، صدوق، من (10) (قالا: حدثنا ابن وهب) أتى بحاء التحويل لبيان اختلاف صيغتي مشايخه (أخبرنا مخرمة) بن بكير (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري، ثقة، من (5) (عن أبي بردة) عامر (بن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) الكوفي، ثقة، من (2) (قال) أبو بردة (قال لي عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي المكي (أسمعت) أي هل سمعت يا أبا بردة (أباك) أبا موسى الأشعري (يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة) يوم (الجمعة) وتعيينها (قال) أبو بردة (قلت) لابن عمر (نعم سمعته) أي سمعت أبي أبا موسى الأشعري (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان كوفيان وواحد مدني أو مصريان ومروزي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار، وفيه العنعنة والمقارنة والسماع (هي) أي ساعة الإجابة في يوم الجمعة (ما بين أن يجلس الإمام) على المنبر وبين ما بعده (إلى أن تقضى الصلاة) أي إلى أن تؤدى صلاة الجمعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويفرغ منها، ذكر النواوي عن القاضي عياض بيان اختلاف السلف في تعيين تلك الساعة، ثم قال: والصحيح بل الصواب ما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ما بين أن يجلس الإِمام إلى أن تقضى الصلاة اهـ، وفي المرقاة قال الطيبي: الظاهر أن يقال بين أن يجلس وبين أن تقضى إلا أنه أتى بإلى ليبين أن جميع الزمان المبتدأ من الجلوس إلى انقضاء الصلاة تلك السويعة وإلى هذه نظيرة من في قوله تعالى: {وَمِنْ بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ} فدلت على استيعاب الحجاب للمسافة المتوسطة ولولاها لم يفهم اهـ، وعبارة السنوسي هنا قال الطيبي: أصل الكلام يقتضي أن تقترن لفظة بين بطرفي الزمان فيقال بين أن يجلس وبين أن تقضى إلا أنه أتى بإلى لإفادة أن جميع الزمان المبتدأ من الجلوس إلى انقضاء الصلاة تلك الساعة الشريفة وإلى هذه نظيرة من في قوله تعالى: {وَمِنْ بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ} فإن من هنالك لتحقيق الابتداء فيلزم منه الانتهاء كما أن إلى هنا لتحقيق الانتهاء فيلزم الابتداء فإنه لو قيل بيننا وبينك حجاب لكان المعنى إن حجابًا حاصل وسط الجهتين فأما بزيادة من فالمعنى إن الحجاب ابتداؤه منا وابتداؤه منك فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها اهـ منه. قال النواوي: هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه قال: والصواب أنه من قول أبي بردة وكذلك رواه يحيى القطان عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة وتابعه واصل الأحدب ومجالد رواه عن أبي بردة من قوله وقال النعمان بن عبد السلام عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف، ولم يثبت قوله عن أبيه، وقال أحمد بن حنبل: عن حماد بن خالد قلت لمخرمة سمعت: من أبيك شيئًا؟ قال: لا. هذا آخر كلام الدارقطني. وهذا الذي استدركه بناء على القاعدة المعروفة له ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة، وقد روينا في سنن البيهقي عن أحمد بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة قال: ذاكرت مسلم بن الحجاج حديث مخرمة هذا فقال مسلم: هو أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة. والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1049] فقط. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد به للأول والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

366 - (77) باب فضل يوم الجمعة وهداية هذه الأمة له

366 - (77) باب: فضل يوم الجمعة وهداية هذه الأمة له 1867 - (818) (222) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ الأَعْرَجُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أبا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "خَيرُ يَوْم طَلَعَتْ عَلَيهِ الشمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. فِيهِ خُلِقَ آدَمُ. وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنةَ. وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 366 - (77) باب فضل يوم الجمعة وهداية هذه الأمة له 1867 - (818) (222) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمَّد (بن شهاب) الزهريّ المدني (أخبرني عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي أبو داود المدني (أنه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت) أي أشرقت (عليه) أي على أهله (الشمس) يعني من أيام الأسبوع، وأما أيام السنة فخيرها يوم عرفة، قال السنوسي على يحتمل أن تكون بمعنى في أي طلعت فيه، والضمير يعود على اليوم، ويحتمل أن تكون على بابها والتقدير طلعت على ما سكن فيه كقوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيلِ وَالنَّهَارِ} اهـ سنوسي (يوم الجمعة) لأنه (فيه خلق آدم) - عليه السلام - أي نفخ فيه الروح (و) لأن (فيه أدخل الجنة) حين أدخلها (و) لأن (فيه أخرج) أي أهبط (منها) أي من الجنة إلى الأرض، وفي الرواية الآتية زيادة (ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) وكل هذه الأمور خيور فإن إهباط آدم من الجنة لا للطرد بل للخلافة ترتب عليها مصالح كثيرة، وأما قيام الساعة فذكر النواوي أنه سبب لتعجيل جزاء الصالحين. [واعلم] أن كون يوم الجمعة أفضل الأيام لا يرجع ذلك إلى عين اليوم لأن الأيام متساوية في أنفسها، وإنما يفصّل بعضها بعضًا بما فيه من أمر زائد على نفسه ويوم الجمعة قد خص من جنس العبادات بهذه الصلاة المعهودة التي يجتمع لها الناس وتتفق هممهم ودواعيهم ودعواتهم فيها ويكون حالهم فيها كحالهم في يوم عرفة فيستجاب لبعضهم في بعض ويغفر لبعضهم ببعض ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "الجمعة حج المساكين" ذكره في كشف الخفاء [1076] وقال: رواه القضاعي عن ابن عباس، وفي

1868 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيَ) عَنْ أبي الزنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ قَال: "خَيرُ يوْمٍ طَلَعَت عَلَيهِ الشمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. فِيهِ خُلِقَ آدَمُ. وَفِيهِ أُدخِلَ الْجَنةَ. وَفِيهِ أُخرِجَ مِنهَا. وَلَا تَقُومُ السَّاعةُ إلا في يَوْمِ الْجُمُعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سنده مقاتل فهو ضعيف؛ أي يحصل لهم فيها ما يحصل لأهل عرفة والله أعلم. ثم إن الملائكة يشهدونهم ويكتبون ثوابهم ولذلك سمي هذا اليوم اليوم المشهود ثم تخطر فيه لقلوب العارفين من الألطاف والزيادات بحسب ما يدركونه من ذلك ولذلك سمي بيوم المزيد، ثم إن الله تعالى قد خصه بالساعة التي فيه عمل ما سبق ذكرها، ثم إن الله تعالى قد خصه بأن أوقع فيه هذه الأمور العظيمة التي هي خلق آدم الذي هو أصل البشر، ومن ولده الأنبياء والأولياء والصالحون، ومنها إخراجه من الجنة التي حصل عنده إظهار معرفة الله وعبادته في هذا النوع الآدمي، ومنها توبة الله عليه بها ظهر لطفه تعالى عليه ورحمته لهذا النوع الآدمي مع اجترامه ومخالفته، ومنها موته الذي بعده وفي أجره ووصل إلى مامنه ورجع إلى المستقر الذي خرج منه، ومن فهم هذه المعاني فهم فضيلة هذا اليوم وخصوصيته بذلك فحافظ عليه وبادر إليه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 380] , وأبو داود [1050] , والترمذي [498] , وابن ماجه [1090]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1868 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن الأسدي (يعني الحزامي) المدني، ثقة، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه، غرضه بيان متابعة أبي الزناد لابن شهاب (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم) الذي هو مبنى البشر (وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها, ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) ولفظ خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها فإذا كانتا للمفاضلة فاصلهما أخير وأشر على وزن أفعل، وقد نطق بأصله فجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "توافون يوم القيامة سبعين أمة أنتم أخيرهم" ثم أفعل إن قرنت

1869 - (819) (223) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ (من) كانت نكرة، ويستوي فيها المذكر والمؤنث والواحد والإثنان والجمع وإن لم تقرن بها لزم تعريفها بالإضافة أو بالألف واللام فهذا عرف بالألف واللام أُنث، وثني وجمع وإن أضيف ساغ فيه الأمران كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123] وقال: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] وأما إذا لم يكونا للمفاضلة فهما من جملة الأسماء كما قال تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيرًا} [البقرة: 180] وقال: {وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. وهي في هذا الحديث للمفاضلة غير أنها مضافة لنكرة موصوفة ومعناها في هذا الحديث: إن يوم الجمعة أفضل من كل يوم طلعت شمسه اهـ من المفهم. قوله: (وفيه أخرج من الجنة) أي أنزل من الجنة إلى الأرض لعدم تعظيمه يوم الجمعة بما وقع له من الزلة ليتداركه بعد النزول في الطاعة والعبادة فيرتقي إلى أعلى درجات الجنة وليعلم قدر النعمة لأن المنحة تتبين عند المحنة، وفي رواية أبي داود: "وفيه أهبط من الجنة" والظاهر أن أهبط فيه بمعنى أخرج قيل: كان الإخراج من الجنة إلى السماء والإهباط منها إلى الأرض فيفيد أن كلًّا منهما كان يوم الجمعة إما في يوم واحد وإما في يومين والله أعلم اهـ من العون. قال ابن العربي: جميع هذه المعدودات من الفضائل؛ خروج آدم - عليه السلام - لهذا النسل العظيم الذي منه الأنبياء والرسل عليهم السلام ولم يخرج منها طردًا بل لقضاء أوطار ويعود إليها، وقيام الساعة سبب لتعجيل جزاء الثلاثة الأصناف والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم اهـ عارضه الأحوذي على الترمذي، قال السنوسي: ظاهر كلام ابن العربي حسن ولا خفاء لما في خروج آدم من الفضيلة بما هو أحرى بالفضيلة من دخول الجنة لما فيه من تكثير النسل وبث عباد الله في الأرضين، وظاهر العبادة التي خلق الخلق لأجلها وما أقيمت السماوات والأرض إلا بها اهـ منه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الأخير من الترجمة فقال: 1869 - (819) (223) (وحدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي، ثقة إمام، من (8)

عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيزةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. بَيدَ أَن كُل أُمَّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا. وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ. ثُمَّ هذَا الْيَوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن) أي أنا وأمتي (الآخرون) ظهورًا في الدنيا (ونحن السابقون يوم القيامة) أي حسابًا ودخولا في الجنة كما سيأتي مبينًا في أحاديث الباب، وهذا كله شرف لهذه الأمة بشرف نبيها ولأنهم خير أمة أخرجت للناس، ويروى الأولون بدل السابقون (بيد) هو مثل غير وزنًا ومعنى وإعرابًا فمعنى بيد (أن كل أمة) غير أن كل أمة من الأمم السابقة أي إلا أن كل أمة من الأمم السابقة (أوتيت الكتاب) أي أعطوه (من قبلنا) أي من قبل ظهورنا في الدنيا، والكتاب التوراة، ويحتمل أن يريد به التوراة والإنجيل بدليل أنه قد ذكر بعد هذا اليهود والنصارى، فأل في الكتاب على هذا للجنس وعلى الأول للعهد، قال أبو عبيد: (بيد) بفتح الباء وسكون الياء وفتح الدال يكون بمعنى غير وبمعنى على وبمعنى من أجل، وأنشد: عمدًا فعلت ذاك بيد أني ... أخاف إن هلكت لم ترني من الرنة الصيحة الحزينة قال الليث: ويقال (ميد وبيد) بالميم والياء بمعنى غير. (قلت): ونصبه إذا كان بمعنى غير على الاستثناء ويمكن أن يقال: إنه بمعنى مع ويكون نصبه على الظرفية الزمانية، قال السنوسي: وقيل معنى بيد أنهم على أنهم، وقيل معناه الاستثناء بمعنى غير أنهم وعليه فيكون من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم، قال النابغة: فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقيا والمعنى نحن السابقون يوم القيامة بما منحنا من الفضائل والكمالات غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وهذا الإيتاء يؤكد مدح السابقين بما عقب من قوله: (وأوتيناه من بعدهم) لما أدمج فيه معنى النسخ لكتابهم، فالناسخ هو السابق في الفضل وإن كان مسبوقًا في الوجود؛ أي وأوتينا من بعدهم فهو سابق في الفضل والكمال، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: "والناس لنا فيه تبع" اهـ منه (وأوتيناه) أي أعطينا الكتاب وهو القرآن الكريم، فأل فيه للعهد (من بعدهم) أي من بعد كل أمة (ثم هذا اليوم) يعني

الذِي كَتَبَهُ اللهُ عَلَينَا. هَدَانَا اللهُ لَهُ. فَالناسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ. الْيَهُودُ غَدا. وَالنصَارَى بَعْدَ غَدٍ". 1870 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. وَابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ يوم الجمعة (الذي كتبه الله) سبحانه وتعالى أي فرض الله تعظيمه (علينا) بأنواع العبادات، قال القاضي: فيه وجوب الجمعة (هدانا الله) سبحانه وتعالى أي وفقنا (له) أي لهذا اليوم، وعينه لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم وجزاه علينا خير الجزاء (فالناس) الذين سبقونا مبتدأ، وقوله (لنا فيه) متعلق بقوله (تبع) وهو خبر المبتدأ أي فالناس الذين سبقونا تبع لنا فيه أي في اليوم الذي يعظمونه أي فاليوم الذي يعيدونه تبع لليوم الذي نعيِّده أي عيدهم واقع بعد عيدنا متأخر عنه (اليهود) أي عيد اليهود يكون (غدا) أي يومًا بعد يوم عيدنا وهو السبت، فالغد اسم لليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه أي عيدهم يلي عيدنا (والنصارى) أي وعيد النصارى يكون (بعد غد) الذي هو عيد اليهود أي عيدهم يلي يوم عيد اليهود وهو يوم الأحد أي يكون كذلك بعد إلزام المشروعية لنا وبالاختيار لهم، وإنما قدرنا الظرفين كذلك لأن ظروف الزمان لا تكون أخبارًا عن الجثث "الأشخاص" فيقدر فيها معنى يمكن تقديرها خبرًا قاله النواوي، قال السنوسي: ويحتمل أن يقدر الخبر كونًا خاصًّا فلا يحتاج إلى تقدير المضاف، والتقدير اليهود تبع لنا في غد، والنصارى تبع لنا بعد غد وقرينة هذا المحذوف قوله والناس تبع لنا فيه لأنه تفصيل للمجمل وهذا الوجه أظهر والله تعالى أعلم اهـ سنوسي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 274] , والبخاري [876] , والنسائي [3/ 85 و 87]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1870 - (00) (00) (وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه (وابن طاوس) بالجر معطوف على أبي الزناد، وحدثنا سفيان عن عبد الله بن طاوس (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن أبي

هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" بِمِثْلِهِ. 1871 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب. قَالا: حَدَّثنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أبي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ الأوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يدخلُ الْجَنةَ. بَيدَ أنهُمْ أُوتُوا انكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ. فَاخْتَلَفُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة) رضي الله عنه فلسفيان سندان سند عن أبي الزناد عن الأعرج، وسند عن ابن طاوس عن أبيه، غرضه بسوق هذا السند متابعة ابن أبي عمر لعمرو الناقد في رواية هذا الحديث عن سفيان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون) في الدنيا (ونحن السابقون) إلى الجنة (يوم القيامة) وساق ابن أبي عمر (بمثله) أي بمثل حديث عمرو الناقد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1871 - (00) (00) وحدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب قالا حدثنا جرير) ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي صالح السمان لعبد الرحمن الأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون) خلقًا (الأولون) حسابًا (يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة بيد) أي غير (أنهم أوتوا) أي أعطوا (الكتاب من قبلنا) أي من قبل وجودنا وإيتائنا (وأوتيناه) أي وأعطينا الكتاب (من بعدهم) أي من بعد إيتائهم (فاختلفوا) في يوم الجمعة الذي فرض عليهم تعظيمه، وقد اختلف العلماء في كيفية ما وقع لهم من فريضة يوم الجمعة، فقالت طائفة: إن موسى أمرهم بيوم الجمعة وعينه لهم وأخبرهم بفضيلته على غيره، فناظروه أن السبت أفضل، فقال الله له: دعهم وما اختاروا لأنفسهم، ونقلوا هذا القول، ويؤيد هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الآتية "وهذا يومهم الذي فرض عليهم ثم اختلفوا" وقيل: إن الله لم يعينه لهم وإنما

فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اختَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَق. فَهذَا يَوْمُهُمُ الّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ. هَدَانَا اللهُ لَهُ (قَال: يَوْمُ الْجُمُعَةِ) فَالْيَوْمَ لَنَا. وَغَدا لِليَهُودِ. وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ أمرهم بتعظيم يوم في الأسبوع فاختلف اجتهادهم في تعيينه فعينت اليهود السبت لأن الله سبحانه وتعالى فرغ فيه من الخلق، وعينت النصارى يوم الأحد لأن الله تعالى بدأ فيه الخلق فألزم كل واحد منهم ما أدى إليه اجتهاده وعينه الله لهذه الأمة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم فضلًا منه ونعمة، ويدل على صحة هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: "فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه" أي في تعيينه (هدانا الله له) أي بتعيينه لنا لا باجتهادنا، ومما يؤيده أنه لو عين لهم فعاندوا فيه لما قيل اختلفوا فيه، وإنما كان ينبغي أن يقال فخالفوا فيه وعاندوا، ومما يؤيده أيضًا ما سيأتي في الرواية آخر الباب من قوله "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا" اهـ من المفهم. قال المازري: الحديث يدل أن يوم الجمعة عين لهم وأمروا بتعظيمه فتركوه وغلبوا القياس فغلبت اليهود السبت للفراغ فيه من الخلق وظنت ذلك فضيلة توجب عظم اليوم، وعظمت النصارى الأحد لما كان ابتداء الخلق فيه، واتبع المسلمون الوحي الوارد في تعظيم الجمعة فعظموه اهـ. (قلت): الأظهر أنه عين لهم لأن السياق دل على ذمهم في العدول عنه فيجب أن يكون عين لهم لأنه لو لم يعين ووكل التعيين إلى اجتهادهم لكان الواجب عليهم تعظيم يوم لا بعينه اهـ من الأبي (فهدانا الله) سبحانه وتعالى أي وفقنا (لما اختلفوا فيه من الحق) الذي هو يوم الجمعة (فهذا) اليوم الذي نعظمه يعني يوم الجمعة هو (يومهم الذي) أمروا بتعظيمه و (اختلفوا فيه) ف (هدانا الله) أي وفقنا (له) أي لتعظيمه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم هو أي اليوم الذي اختلفوا فيه (يوم الجمعة) ولفظ النسائي (يعني يوم الجمعة) وهو واضح أي يعني النبي صلى الله عليه وسلم بذلك اليوم يوم الجمعة وهو من كلام أبي هريرة (فاليوم) أي فهذا اليوم الذي نعظمه يعني يوم الجمعة عيد (لنا وغدا) بالنصب على الحكاية لأنه مبتدأ، وفي بعض النسخ وغد بالرفع فيقال في إعرابه غد مبتدأ محكي مرفوع بضمة مقدرة (لليهود) جار ومجرور خبر المبتدإ أي وغدًا من يومنا عيد لليهود (وبعد غد) مبتدأ محكي أيضًا (للنصارى) جار ومجرور خبره أي وبعد غد عيد للنصارى. قال القرطبي: وحق (غدًا) و (بعد غد) أن يكونا مرفوعين على الابتداء وخبرهما

1872 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ مُحمدٍ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. بَيدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ من بَعْدِهِمْ. وَهذَا يَوْمُهُمُ الذِي فُرِضَ عَلَيهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. فَهَدَانَا اللهُ لَهُ. فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ. فَالْيَهُودُ غَدًا. وَالنصَارَى بَعْدَ غَدٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المجروران بعدهما، وقد قيدهما كذلك بعض من نعتمده، وقيدناهما أيضًا بالنصب بناء على أنهما ظرفان غير متمكنين والأول أولى لأنهما قد أخبر عنهما هنا فقد خرجا عن الظرفية اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1872 - (00) (00) وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (أخي وهب بن منبه) القصاص (قال) همام (هذا) الحديث الذي أحدثه لكم إما حدثنا أبو هريرة عن محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون) وجودًا (السابقون) فضلًا (يوم القيامة بيد أنهم) أي غير أن أهل الكتاب (أو توا الكتاب) أي أعطوه (من قبلنا وأوتيناه) أي أعطينا الكتاب الذي هو الفرقان (من بعدهم وهذا) اليوم الذي نعظمه يعني الجمعة هو (يومهم الذي فرض عليهم (تعظيمه (فاختلفوا فيه) وضلوا عنه (فهدانا الله له) أي وفقنا الله تعالى له فعظمناه (فهم) أي فاهل الكتاب (لنا فيه تبع) أي تابعون لنا في اليوم الذي يعيِّدونه (فاليهود) عيدوا (غدا) أي السبت (والنصارى) عيدوا (بعد غد) يعني الأحد. قال السنوسي: استدل بعض شراح المصابيح على عدم تعيينه لهم بقوله في الحديث (فهدانا الله له) قال: ومعناه بعد قوله (فرض الله عليهم) أن الله تعالى أمر عباده وفرض عليهم أن يجتمعوا يوم الجمعة ليحمدوا خالقهم ويشكروه بالعبادة وما عين لهم بل أمرهم أن يستخرجوه بأفكارهم ويعينوه باتجهادهم فقالت اليهود: هو يوم السبت،

1873 - (820) (224) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْجَعِيِّ، عَنْ أبي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه يوم فراغ وقطع عمل فإن الله تعالى فرغ فيه من خلق العالم فينبغي للخلق أن يعرضوا عن صنائعهم ويفرغوا للعبادة، وزعمت النصارى أن المراد به يوم الأحد فإنه يوم بدء الخلق الموجب للشكر والعبادة، فهدى الله هذه الأمة ووفقهم للإصابة حتى عينوا الجمعة وقالوا: إن الله تعالى خلق الإنسان للعبادة وكان خلقه يوم الجمعة إذ فيه خلق آدم فكانت العبادة فيه أولى، ولأنه تعالى أوجد في سائر الأيام ما ينتفع به الإنسان، وفي الجمعة أوجد نفس الإنسان والشكر على نعمة وجود نفسه أهم وأحرى، ولما كان مبدأ دور الإنسان وأول أيامه يوم الجمعة كان التعبد فيه باعتبار العبادة متبوعًا والمتعبد في اليومين بعده تابعًا اهـ. [قلت]: وهذا الكلام يؤذن بأن تعيين الجمعة لهذه الأمة إنما كان أولًا بالاجتهاد ثم انكشف الوحي أنه موافق لما أمرهم الله تعالى، وفيه بعد ويصح أن يقال: لم يعين لغير هذه الأمة ووكلوا في تعيينه إلى اجتهادهم، أما هذه الأمة فقد تفضل الله تعالى عليها ولم يكلها في تعيين هذا اليوم المأمور به إلى نفسها بل أوحى بتعيينه لهم أولًا ويكون هذا معنى قوله (فهدانا الله له) ويحتمل أن يكون عين للجميع لكن لم يوفق من قبلنا لقوله (ووفقت هذه الأمة) للتفويض للمولى الكريم واختيار ما اختاره لهم والله أعلم اهـ من السنوسي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة مع استشهاده له بحديث حذيفة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1873 - (820) (4 22) (وحدثنا أبو غريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفي (وواصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقة، من (10) كلاهما (قالا: حدثنا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبي مالك) سعد بن طارق بن أشيم (الأشجعي) الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) الأشجعي سلمان مولى عزة الكوفي، جليس أبي هريرة خمس سنوات، ثقة، من كبار (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة، وفيه التحديث

وَعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ. قَالا: قَال رَسول اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "أَضَل اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبلَنَا. فَكَانَ لِليَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ. وَكَانَ لِلنصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ. فَجَاءَ اللهُ بِنَا. فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسبتَ وَالأَحَدَ. وَكَذلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَومَ الْقِيَامَةِ. نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَالأَوَّلُونَ يَومَ الْقِيَامَةِ. الْمَقْضِي لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائقِ". وَفِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ: "الْمَقْضِي بَينَهُم" ـــــــــــــــــــــــــــــ والعنعنة والمقارنة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي حازم لمن روى عن أبي هريرة أعني الأعرج وأبا صالح وهمامًا ابن منبه، وقوله (وعن ربعي بن حراش) معطوف على أبي حازم أي وروى أبو مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش العبسي أبي مريم الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن حذيفة) بن اليمان العبسي أبي عبد الله الكوفي، وهذا السند أيضًا من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم قاطبة كوفيون، وغرضه بسوقه الاستشهاد بحديث حذيفة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (قالا) أي قال كل من أبي هريرة وحذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أضل الله) سبحانه وتعالى أي حكم الله تعالى بالخطإ والضلال (عن) موافقة تعظيم يوم (الجمعة من كان قبلنا) من أهل الكتاب (فكان) عيدًا (لليهود يوم السبت وكان) عيدًا (للنصارى يوم الأحد فجاء الله) سبحانه وتعالى (بنا) معاشر الأمة المحمدية أي خلقنا من بعدهم (فهدانا الله) سبحانه أي وفقنا (لـ) (تعظيم (يوم الجمعة فجعل) الله سبحانه وتعالي أعيادنا وأعيادهم (الجمعة) لنا (والسبت) لليهود (والأحد) للنصارى (وكذلك) أي وكما جعلهم الله تبعًا لنا في أيام العيد الذي اختاروه (هم تبع لنا) أي تابعون لنا (يوم القيامة) في دخول الجنة يدخلون بعد دخولنا، يعني أن ما اختاروه من الأيام تابعان ليوم الجمعة يجيئان بعده فكذلك هم تابعون لنا يوم القيامة في دخول الجنة لا يدخلون حتى ندخل اهـ ابن الملك (نحن الآخرون من أهل الدنيا) في الزمان والوجود (والأولون يوم القيامة) في الفضل ودخول الجنة فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم، وقوله (المقضي لهم) صفة للأولين أي ونحن الأولون الذين يقضى لهم بدخول الجنة (قبل الخلائق) أي قبل قضائه لسائر الأمم هكذا في رواية أبي غريب (وفي رواية واصل: المقضي بينهم) أي الذي يقضى بينهم فيما يتعلق بحقوقهم. وشارك المؤلف في رواية حديث حذيفة النسائي [3/ 87].

1874 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أبي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ. حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "هُدِينَا إِلَى الْجُمُعَةِ وَأَضَلَّ اللهُ عَنْهَا مَنْ كَانَ قَبْلَنَا" فَذَكَرَ بِمَعْنَى الحَدِيثِ ابْنِ فُضَيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 1874 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) الهمداني الكوفي (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار (9) روى عنه في (12) بابا (عن سعد بن طارق) الأشجعي الكوفي (حدثني ربعي بن حراش) العبسي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم جميعًا كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي زائدة لابن فضيل في رواية هذا الحديث عن سعد بن طارق، وفيه التحديث إفرادا وجمعًا والإخبار والعنعنة (قال) حذيفة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هدينا) معاشر الأمة المحمدية أي هدانا الله سبحانه وتعالى (إلى) تعظيم يوم (الجمعة وأضل الله) سبحانه وتعالى (عنها) أي عن تعظيم يوم الجمعة (من كان قبلنا) من الأمم من اليهود والنصارى (فذكر) يحيى بن زكريا في باقي الحديث (بمعنى الحديث) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان دون لفظه والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثالث حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

367 - (78) باب فضل التهجير إلى الجمعة وفضل من أنصت واستمع إلى الخطبة

367 - (78) باب: فضل التهجير إلى الجمعة وفضل من أنصت واستمع إلى الخطبة 1875 - (821) (225) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب). أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الأغَرُّ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُل بَاب من أَبْوَاب الْمَسْجِدِ مَلائِكَة يَكْتُبُونَ الأولَ فَالأوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 367 - (78) باب فضل التهجير إلى الجمعة وفضل من أنصت واستمع إلى الخطبة قال الخليل: التهجير التبكير، وقال الفراء: هو السير في الهاجرة أي وقت اشتداد الحر، والصحيح أنه هو التبكير. 1875 - (821) (225) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي مولاهم الفقيه المصري، ثقة، من (10) (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري، ثقة، من (11) (وعمرو بن سواد العامري) السرحي أبو محمَّد المصري، ثقة، من (11) (قال أبو الطاهر: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري، ثقة متقن، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي، ثقة، من (7) (عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزهريّ المدني، ثقة حجة مشهور، من (4) (أخبرني أبو عبد الله) سلمان الجهني مولاهم (الأغر) لقبًا، الأصبهاني أصلًا، المدني وطنًا، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار إفرادًا وجمعًا والسماع والعنعنة والقول والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة) وقوله (يكتبون) جملة فعلية صفة للملائكة أو حال منها ومفعوله محذوف تقديره يكتبون ثواب من يأتي (الأول فالأول) قال في المصابيح نصب على الحال، وجاءت معرفة لأنها في تأويل المشتق وهو قليل اهـ فهو حال مركبة مبني

فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاؤُا يَسْتَمِعُونَ الذكْرَ. وَمَثَلُ الْمُهَجرِ كَمَثَلِ الذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ. ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَة. ثُم كَالذِي يُهْدِي الْكَبْشَ. ثُمّ كَالَّذِي يُهْدِي الدجَاجَةَ. ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيضَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على فتح الجزأين كخمسة عشر، وصاحب الحال محذوف أي يكتبون من يأتي المسجد حال كونهم مرتبين في الكتابة أي يكتبون ثواب من يأتي في الوقت الأول ثم من يأتي في الوقت الثاني، قال ابن الملك: سماه أول لأنه سابق على من يأتي في الوقت الثالث فالأول هنا بمعنى الأسبق فالأسبق (فهذا جلس الإِمام) على المنبر أي سعد المنبر، قال الجوهري: يقال جلس الرجل إذا أتى نجدًا وهو الموضع المرتفع، وفي المشكاة: فإذا خرج الإِمام وهو لفظ البخاري وفسر الخروج بالصعود فلا يتوقف وجوب الإنصات على شروع الخطيب في الخطبة بل يجب بخروجه كما هو مذهب الأحناف اهـ من بعض الهوامش (طووا) أي الملائكة ولفوا (الصحف) أي صحفهم التي كتبوا فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة (وجاؤوا) إلى المسجد حالة كونهم (يستمعون الذكر) أي الخطبة، وأتى بصيغة المضارع لاستحضار صورة الحال اعتناء بهذه المرتبة وحملًا على الاقتداء بالملائكة، قال التيمي: في استماع الملائكة حض على استماعها والإنصات إليها، وقد ذكر كثير من المفسرين أن قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} نزل في الخطبة، وسميت قرآنًا لاشتمالها عليه، والإنصات السكوت مطلقًا، والاستماع شغل السمع بالسماع فبينهما عموم وخصوص من وجه اهـ من الإرشاد (ومثل) بفتح الميم والمثلثة (المهجر) بضم الميم وتشديد الجيم المكسورة أي وصفة المبكر إلى الجمعة والتبكير إلى كل شيء هو المبادرة إليه كما في النهاية، أو صفة الذي يأتي في الهاجرة فيكون دليلًا للمالكية وسبق البحث عنه (كمثل) أي كصفة (الذي يهدي) بضم أوله وكسر ثالثه أي يقرب (البدنة) من الإبل خبر عن قوله مثل المهجر، والكاف لتشبيه صفة بصفة أخرى من الإهداء ويختص ما يهدي إلى البيت باسم الهدي كما قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (ثم) الثاني (كالذي يهدي بقرة ثم) الثالث (كالذي يهدي الكبش ثم) الرابع (كالذي يهدي الدجاجة ثم) الخامس (كالذي يهدي البيضة) الدجاجة والبيضة ليستا من الهدي فهو محمول على حكم ما تقدمه من الكلام وحسن إطلاق اسم الهدي عليهما المشاكلة لأنه لما أطلق اسم الهدي على ما قبلهما وجيء بهما

1876 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. بِمِثلِهِ. 1877 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "عَلَى كُلِّ بَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعده لزمهما حكمه وحملا عليه كقوله: (متقلدًا سيفًا ورمحا) أي وحاملا رمحًا فكأنه قال: كالذي يقرب الدجاجة الخ اهـ أبي، وإنما قدر بالثاني لأنه كما قال في المصابيح لا يصح العطف على الخبر لئلا يقعا معًا خبرًا عن واحد وهو مستحيل وحينئذ فهو خبر مبتدإ محذوف مقدر بما مر وكذا ما بعده. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 239 و 264] والبخاري [929]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 1876 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وعمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (عن سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (عن) محمَّد بن مسلم (الزهريّ) المدني (عن سعيد) بن المسيب بن حزن المخزومي أبي محمَّد المدني، ثقة، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب لأبي عبد الله الأغر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق سعيد بن المسيب (بمثله) أي بمثل حديث أبي عبد الله الأغر، وفائدتها تقوية السند الأول. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 1877 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمَّد القاري المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) ذكوان السمان الزيات المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح لسلمان الأغر، وفائدتها بيان كثرة طرقه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: على كل باب

من أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلَك يَكْتُبُ الأَوَّلَ فَالأوَّلَ (مَثلَ الْجَزُورَ ثُمَّ نَزلَهُمْ حَتى صَغرَ إلى مَثَلِ البَيضَةِ) فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طُويَتِ الصُّحُفُ وَحَضَرُوا الذكْرَ". 1878 - (822) (226) حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ. حَدَّثنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُريعٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ من أبواب المسجد ملك) يوم الجمعة (يكتب) صفة لملك أي يكتب ثواب من يأتي الجمعة حالة كونهم (الأول فالأول) أي مرتبين في الكتابة بكتابة الأسبق في الحضور ثم الأسبق، والفاء هنا للتعقيب بلا مهلة (مثل) بفتح الميم والثاء المثلثة المشددة فعل ماض من التمثيل بمعنى التشبيه أي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في بيان مثل الجائي أولًا (الجزور) أي شبه ثوابه بثواب من تصدق الجزور، والجزور ما ينحر من الإبل، ويسمى موضع النحر والذبح مجزرة (ثم نزلهم) بتشديد الزاي المفتوحة من التنزيل أي ثم ذكر منازلهم ومراتبهم في السبق والفضيلة (حتى صغر) بتشديد الغين المعجمة أي حتى قلل منازلهم (إلى) أن ذكر أقلهم درجة ومثله بـ (مثل البيضة) أي شبه ثوابه بثواب من تصدق بالبيضة، ومثل هنا بفتح الميم والثاء المخففة بمعنى صفة (فهذا) خرج من بيته و (جلس الإِمام) على المنبر (طويت الصحف) أي طوتها الملائكة (وحضروا الذكر) أي الخطبة يستمعونها، قال النواوي: تقدم في الحديث السابق (فإذا خرج الإِمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) فبينهما تعارض إلا أن يجمع بينهما أنهم بخروج الإِمام يحضرون المسجد ولا يطوون الصحف فهذا جلس الإِمام على المنبر طووها، وفيه استحباب الجلوس للخطبة أول صعوده حتى يؤذن المؤذن وهو مستحب عند الشافعي ومالك والجمهور، وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه: لا يستحب، ودليل الجمهور هذا الحديث مع أحاديث كثيرة في الصحيح، والدليل على أنه ليس بواجب أنه ليس من الخطبة والله أعلم اهـ منه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1878 - (822) (226) (حدثنا أمية بن بسطام) بكسر الباء وسكون السين وفتح الطاء، وحكي في المغني فتح الباء، والصرف وعدمه، العيشي نسبة إلى بني عائش بن مالك بن تيم الله سكنوا البصرة، أبو بكر البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) مصغرًا لتيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من

حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ. ثُمّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ. ثُمَّ يُصَلِّيَ مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَينَهُ وَبَينَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلاثةِ أَيامٍ". 1879 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة ورواية ولد عن والد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل) يوم الجمعة غسل الجنابة في بيته ففيه فضيلة الغسل، وعدم وجوبه للرواية الثانية (ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له) في علم الله أزلًا من النوافل (ثم أنصت) أي سكت عن الكلام مع الاستماع للخطبة، قال القاضي: كذا للجمهور، وفي رواية الباجي (انتصت) بزيادة التاء المثناة من فوق وهو وهم، قال النواوي: ليس بوهم، قال الأزهري: يقال: نصت وأنصت وانتصت اهـ (حتى يفرغ) الإِمام، فضمير الفاعل عائد على الإِمام فحذفه للعلم به وإن لم يكن مذكررًا (من خطبته ثم يصلي) بالنصب عطفًا على يفرغ فيفيد الإنصاف فيما بين الخطبة والصلاة أيضًا قاله ملا علي أي حتى يفرغ الإِمام ثم يصلي صلاة الجمعة (معه) أي مع الإِمام (غفر له) أي لذلك المغتسل الذي فعل جميع ما ذكر (ما بينه) من الصغائر أي ما بين ذلك المغتسل أو ما بين ذلك اليوم (وبين الجمعة الأخرى) يعني الماضية أو الآتية والأول أظهر أي غفر له ما ارتكبه من الصغائر بين ذلك اليوم وبين الجمعة الماضية أي غفر له ذنوب سبعة أيام (وفضل ثلاثة أيام) بالرفع معطوف على ما الموصولة على كونه نائب فاعل لغفر أي وغفر له ذنوب ثلاثة أيام فاضلة أي زائدة على السبعة لتكون الحسنة بعشر أمثالها، وبالنصب على أنه مفعول معه ذكره ملا علي، واقتصر النواوي على النصب فيه وفي قوله (وزيادة ثلاثة أيام) ثم إن أيام الأسبوع سبعة، والسبعة مع الثلاثة عشرة فتصير الحسنة بعشر أمثالها. وهذا الحديث من أفراد المؤلف رحمه الله تعالى لم يذكره أحد من الجماعة، ثم ذكر المتابعة فيه فقال: 1879 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن

أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ) عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُول اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوضُوءَ. ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ. غُفِرَ لَهُ مَا بَينَهُ وَبَينَ الْجُمُعَةِ. وَزِيَادَةُ ثَلاثةِ أَيَّامٍ. وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفي (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء) باستيفائه ثلاثًا ثلاثًا ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والإتيان بسننه المشهورة (ثم أتى الجمعة فاستمع) أي فأشغل سمعه بسماع الخطبة (وأنصت) أي كف لسانه عن الكلام، قال النواوي: هما شيئان متمايزان وقد يجتمعان فالاستماع الإصغاء والإنصات السكوت ولهذا قال الله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا اهـ فظهر أن الاستماع بالأذن والإنصات باللسان (كفر له ما بينه وبين الجمعة) الأخرى وهو ذنوب سبعة أيام من الصغائر (وزيادة) بالرفع والنصب نظير ما مر كما أشرنا إليه هناك أي مع زيادة (ثلاثة أيام) على السبعة فتكون عشرة أيام، ومعنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها، وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها، قال بعض أصحابنا: والمراد بما بين الجمعتين من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل الوقت من الجمعة الثانية حتى تكون سبعة أيام بلا زيادة ولا نقصان ويضم إليها ثلاثة فتصير عشرة اهـ نواوي (ومن مس الحصى) وغيره بيده في حال الخطبة لتسويته في موضع سجوده أو في موضع جلوسه أو للعبث به كأخذه من الأرض وتناقله من يد إلى أخرى، وقال ملا علي: قوله (ومن ص الحصى) أي سواه للسجود غير مرة في الصلاة وقيل بطريق اللعب في حال الخطبة (فقد لغا) وأعرض عن استماع الخطبة فينبغي له ترك ذلك ليفوز ثوابًا كاملًا، قال النواوي: ففيه النهي عن ص الحصى وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الإقبال على الخطبة بالقلب والجوارح، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان كلاهما لأبي هريرة الأول منهما ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

368 - (79) باب وقت صلاة الجمعة حين تزول الشمس

368 - (79) باب: وقت صلاة الجمعة حين تزول الشمس 1885 - (823) (227) وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كُنا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا. قَال حَسَنْ: فَقُلتُ لِجَعْفَرٍ: في أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 368 - (79) باب وقت صلاة الجمعة حين تزول الشمس 1880 - (823) (227) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال أبو بكر: حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب، وأما إسحاق فروى عنه بالعنعنة (حدثنا حسن بن عياش) بن سالم الأسدي مولاهم أبو محمَّد الكوفي أخو أبي بكر بن عياش، روى عن جعفر بن محمَّد في الصلاة، والأعمش والمغيرة، ويروي عنه (م ت س) ويحيى بن آدم وابن مهدي وأحمد بن يونس، وثقه العجلي والطحاوي والنسائي وابن معين، وقال في التقريب صدوق، من الثامنة، مات سنة (172) اثنتين وسبعين ومائة (عن جعفر بن محمَّد) الباقر بن علي بن الحسين الهاشمي أبي عبد الله المدني المعروف بالصادق، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) محمَّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي جعفر المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) جابر: (كنا) معاشر الصحابة (نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) صلاة الجمعة كما يعلم من الرواية الآتية (ثم نرجع) من المسجد إلى بيوتنا (فنريح) من الإراحة أي نعطي الراحة من تعب العمل والسقي (نواضحنا) ونخليها من الشغل، وأشار القاضي إلى أنه يجوز أن يكون أراد الرواح للرعي اهـ نووي، جمع ناضح والناضح البعير الذي يسقي عليه النخل ويستقي به أهل البيت سمي بذلك لأنه ينضح الماء أي يصبه تحت النخل مثلًا (قال حسن) بن عياش (فقلت لجعفر) بن محمَّد (في أي ساعة تلك) الصلاة (قال) جعفر

زَوَال الشَّمْسِ. 1881 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدارِميُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسان. قَالا جَمِيعًا: ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلونها (زوال الشمس) أي وقت زوالها، قال القاضي عياض: اشتركت أحاديث الباب في الدلالة على تعجيلها أول الوقت، والوقت الزوال فلا تصلى قبله خلافًا لأحمد وإسحاق ولا حجة له في قوله (نتتبع الفيء) وذلك للتبكير بها وقصر حيطانهم، قال الأبي: أول وقتها الزوال كما ذكر، ولا يجزئ أن يخطب قبل الزوال، ولا يصلي إلا بعد الزوال، فإن فعل فكمن لم يصل، ونقل بعض من صنف في الخلاف عن مالك صحة ذلك ونسبه المازري إلى الوهم، واختلف في آخر وقتها فقال ابن القاسم من المالكية: ما لم يدخل وقت العصر، قال ابن القصار: ويدرك بركعة قبل دخوله، وقال الأبهري: وبركعة بسجدتيها وإلا أتمها ظهرًا، وقال أصبغ: آخره ما لم تصفر الشمس، وقال سحنون: ما لم يبق أربع ركعات للغروب، وفي المدونة: ما لم تبق ركعة، وقال أبو عمر عن ابن القاسم: إن صلى ركعة فغربت أتمها اهـ من الأبي، وقال القاضي أبو الفضل: لا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الجمعة لا تصلى إلا بعد الزوال إلا أحمد وإسحاق، وروي من هذا عن الصحابة أشياء لم تصح عنهم إلا ما عليه الجمهور، وقد روي عن مجاهد أنها صلاة عيد اهـ إكمال المعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 231] , والنسائي [3/ 100]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1881 - (00) (00) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمَّد الكوفي الطحاوي وربما نسب إلى جده، ثقة، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) أبو محمَّد السمرقندي صاحب المسند والتفسير، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا يحيى بن حسان) بن حيان التيمي البكري أبو زكرياء البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (قالا) أي قال كل من خالد بن مخلد ويحيى بن حسان حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: مَتَى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؟ قَال: كَانَ يُصَلي. ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا. زَادَ عَبْدُ اللهِ في حَدِيثِهِ: حِينَ تَزُولُ الشمْسُ، يَعْنِي النوَاضِحَ. 1882 - (824) (228) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَب وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ متفقين في الرواية عن سليمان بن بلال (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمَّد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن جعفر) الصادق بن محمَّد الهاشمي المدني (عن أبيه) محمَّد الباقر بن علي بن الحسين الهاشمي المدني (أنه) أي أن محمدًا (سأل جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه، وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، والثاني منهما رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد سمرقندي، وغرضه بسوقهما بيان متابعة سليمان بن بلال لحسن بن عياش في رواية هذا الحديث عن جعفر بن محمَّد، وفائدتها تقوية السند الأول، أي سأل جابرًا (مني كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في أي وقت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصلي) صلاة (الجمعة قال) جابر (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصلي) الجمعة (ثم) بعد الصلاة معه (نذهب) ونرجع (إلى جمالنا) جمع جمل ذكر الإبل، والمراد بها النواضح كما مر وسيفسر التي شغلنا بها قبل الذهاب إلى الجمعة (فنريحها) أي فنعطي لها الراحة من تعب الشغل ومشقة النضح ونفك عنها أدوات النضح لتستريح أو نخليها إلى المرعى (زاد عبد الله) بن عبد الرحمن الدارمي (في حديثه) أي في روايته لفظة (حين تزول الشمس) أي قال في روايته: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تزول الشمس، وزاد عبد الله بن عبد الرحمن أيضًا لفظة (يعني) جابر بجمالنا (النواضح) جمع ناضح وهو الإبل يستقى عليه كما مر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث سهل بن سعد الساعدي الأنصاري رضي الله تعالى عنهما فقال: 1882 - (824) (228) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) بن عتاب بن الحارث التميمي الحارثي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (ويحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (19) بابا (وعلي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في

وَعَلِي بْنُ حُجرٍ. (قَال يَحْيَى: أخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمِ) عَنْ أبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ. قَال: مَا كُنا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلا بَعْدَ الْجُمُعَةِ. (زَادَ ابْنُ حُجْرٍ): في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. 1883 - (825) (229) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالا: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (11) بابا (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني الفقيه، صدوق، من (8) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل) بن سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته ثلاثة منهم مدنيون وواحد إما نيسابوري أو مروزي أو بصري (قال) سهل بن سعد (ما كنا نقيل) من القيلولة وهو استراحة نصف النهار سواء كان معها نوم أم لا؛ أي ما نستريح استراحة وسط النهار (ولا نتندى) أي ولا نأكل الغداء وهو ما يؤكل أول النهار (إلا بعد) رجوعنا من صلاة (الجمعة زاد) على (ابن حجر) في روايته على غيره لفظة (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قال: ما كنا نقيل ولا نتغدى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمن حياته إلا بعد صلاة الجمعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والترمذي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال: 1883 - (825) (229) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قالا: أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (عن يعلى بن الحارث) بن حرب بن جرير (المحاربي) أبي الحارث الكوفي، روى عن إياس بن سلمة في الصلاة، وإسماعيل بن أبي خالد وأشعث بن أبي الشعثاء وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) ووكيع وهشام بن عبد الملك أبو الوليد وابن مهدي وغيرهم، وثقه ابن مهدي وابن معين وابن المديني والنسائي ويعقوب بن شيبة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من

عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كُنا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالتِ الشمْسُ. ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيءَ. 1884 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. حَدَّثنَا يَعْلَى بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثامنة، مات سنة (168) ثمان وستين ومائة (عن للناس بن سلمة بن الأكوع) واسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك الأسلمي أبي سلمة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سلمة بن الأكوع السلمي أبي مسلم المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد نيسابوري أو مروزي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية ولد عن والد (قال) سلمة بن الأكوع (كنا) معاشر الصحابة (نجمع) بضم النون وتشديد الميم المكسورة من التجميع أي نصلي الجمعة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا) ظرف مجرد عن معنى الشرط لا جواب لها متعلق بنجمع، وقوله (زالت الشمس) جملة فعلية مضاف إليه لإذا أي نجمع معه صلى الله عليه وسلم وقت زوال الشمس وميلها عن كبد السماء، وقوله (ثم نرجع) معطوف على نجمع أي ثم بعد صلاتنا معه صلى الله عليه وسلم نرجع إلى بيوتنا حالة كوننا (نتتبع) أي نتطلب في طريق رجوعنا (الفيء) أي مواقع الفيء ومواضعه لشدة التبكير وقصر الحيطان، ونتتبع من التتبع من باب التفعل، والفيء الظل بعد الزوال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1085] فقط. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمة رضي الله عنه فقال: 1884 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا هشام بن عبد الملك) الباهلي مولاهم أبو الوليد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا يعلى بن الحارث) المحاربي أبو الحارث الكوفي (عن إياس بن سلمة بن الأكوع) المدني (عن أبيه) سلمة بن الأكوع المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد كوفي وواحد بصري وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام بن عبد الملك لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث

قَال: كُنا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ الْجُمُعَةَ. فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيئًا نستَظِل بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن يعلى بن الحارث (قال) سلمة بن الأكوع: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة فنرجع) إلى منازلنا (وما نجد للحيطان) أي لجدران البيوت (شيئًا) أي ظلًا واسعًا (نستظل به) من حر الشمس لقلته وصغره، قال القرطبي: يعني أنه كان يفرغ من صلاة الجمعة قبل تمكن الفيء من أن يستظل به كما قال (ثم نرجع نتتبع الفيء) وهذا يدل على إيقاعه صلى الله عليه وسلم الجمعة في أول الزوال اهـ مفهم. قال النواوي: هذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة ولا تجوز إلا بعد الزو الذي قول جماهير العلماء، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم فجوزاها قبل الزوال، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها، وقوله في الرواية الأولى (نتتبع الفيء) إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانهم، وفيه تصريح بأنه كان قد صار فيء يسير، وقوله في الرواية الأخيرة (وما نجد فيئًا نستظل به) موافق لتلك الرواية فإنه لم ينف الفيء من أصله وإنما نفى ما يستظل به وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث جابر ذكره للاستدلال به وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث سهل الساعدي ذكره للاستشهاد، والثالث حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

369 - (80) باب الخطبتين قبل صلاة الجمعة وما يشترط فيهما من القيام فيهما والجلوس بينهما والدعاء والقراءة

369 - (80) باب: الخطبتين قبل صلاة الجمعة وما يشترط فيهما من القيام فيهما والجلوس بينهما والدعاء والقراءة 1885 - (826) (230) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَاريرِي وأبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي، جَمِيعًا عَنْ خَالِدٍ. قَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 369 - (80) باب الخطبتين قبل صلاة الجمعة وما يشترط فيهما من القيام فيهما والجلوس بينهما والدعاء والقراءة 1885 - (826) (230) (وحدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (10) أبواب (وأبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (جميعًا عن خالد) بن الحارث (قال أبو كامل: حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عثمان المدني (عن نافع) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة) خطبتين حالة كونه (قائما) فيهما فيه أن القيام حال الخطبة مشروع، قال ابن المنذر: وهو الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار اهـ واختلف في وجوبه فذهب الجمهور إلى الوجوب، ونقل عن أبي حنيفة أن القيام سنة وليس بواجب قاله الشوكاني، وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: لم يكن أبو بكر وعمر يقعدان على المنبر، وأول من جلس على المنبر معاوية بن أبي سفيان، وروى ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: إنما خطب معاوية قاعدًا حيث أكثر شحم بطنه ولحمه، وقال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أْنهم كانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين قيامًا يفصلون بينهما بالجلوس حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى فخطب جالسًا وخطب في الثانية

ثُمّ يَجْلِسُ. ثُمّ يَقُومُ. قَال: كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْمَ. 1886 - (827) (231) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَحَسَنُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قائمًا. (قلت) إن الثابت بمجرده لا يفيد الوجوب اهـ من العون (ثم) بعد الخطبة الأولى (يجلس) جلسة خفيفة (ثم يقوم) فيخطب خطبة ثانية (قال) ابن عمر بالسند السابق يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبتين يوم الجمعة (كما يفعلون) بالتحتانية أي كما يفعل الأمراء (اليوم) في خطبهم من القيام فيهما والجلوس بينهما، وبالفوقانية أي يفعل كما تفعلون اليوم أيها الناس في خطبكم. قال النواوي: فيه دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام إلا قائمًا في الخطبتين، ولا تصح حتى يجلس بينهما وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين، قال القاضي: ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة، وعن الحسن البصري وأهل الظاهر في رواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة، وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائمًا لمن أطاقه، وقال أبو حنيفة: تصح قاعدًا وليس القيام بواجب، وقال مالك: هو واجب ولو ترك أساء وصحت الجمعة، وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور: الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط، ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط لصحة الخطبة، قال الطحاوي: لم يقل هذا غير الشافعي، دليل الشافعي أنه ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" انتهى كلامه، وقال الرافعي: واظب النبي صلى الله عليه وسلم على الجلوس بينهما اهـ واستشكل ابن المنذر البخاري الجلوس بين الخطبتين، وقال: إن استفيد من فعله فالفعل بمجرده عند الشافعي لا يقتضي الوجوب ولو اقتضاه لوجب الجلوس الأول قبل الخطبة الأولى، ولو وجب لم يدل على إبطال الجمعة بتركه اهـ من العون. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [920] , وأبو داود [1092] , والترمذي [506] , والنسائي [3/ 109] , وابن ماجه [1103]. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 1886 - (827) (231) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وحسن بن

الربيعِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كَانَتْ لِلنبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَينَهُمَا. يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ويذَكِّرُ الناسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الربيع) البجلي أبو علي الكوفي، ثقة، من (10) (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة حافظ متقن، من (10) (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا) أبو الأحوص (وقال الآخران: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، وثقه النسائي وابن نمير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي، الصحابي ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة والقول (قال) جابر: (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان) يوم الجمعة (يجلس بينهما) جلسة خفيفة على المنبر للفصل بينهما كالفصل بين السجدتين (يقرأ القرآن) فيهما (ويذكّر الناس) أي يعظ فيهما بذكر الوعد والوعيد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 101] , وأبو داود [1101] , والترمذي [507] , والنسائي [3/ 110] , وابن ماجه [1105]. قال النواوي: في هذا الحديث دليل للشافعي على أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن، قال الشافعي: لا تصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما والوعظ وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما على الأصح، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح، وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور: يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية عنه: يكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، وهذا ضعيف لأنه لا يسمى خطبة ولا يحصل به مقصودها مع مخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ منه. وفي العون: (قلت) (وقوله يذكر الناس) فيه دليل صريح على أن الخطبة وعظ وتذكير للناس، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإِسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو

1887 - (828) (232) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يخطب أن يصلي ركعتين، ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس، وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال اجلس يا فلان، وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فلا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به ويأمر وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها فإن كان السامعون أعاجم يترجم بلسانهم، فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم، وحديث جابر هذا هو أدل دليل على جواز ذلك وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} الآية، قال في جامع البيان: أي ليُبَينَ لهم ما أمروا به فيفهموه بلا كلفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بعث إلى الأحمر والأسود بصرائح الدلائل لكن الأولى أن يكون بلغة من هو يهم حتى يفهموا ثم ينقلوه ويترجموه. انتهى (فإن قلت) إن كانت الترجمة تجوز في الخطبة فتجوز قراءة ترجمة القرآن أيضًا في الصلاة، فإن صلى واحد وقرأ ترجمة سورة الفاتحة مثلًا مكان الفاتحة صحت صلاته. [قلت] كلا ولا يجوز ذلك في الصلاة قط، والقياس على الخطبة قياس مع الفارق لأن الخطبة ليس فيها ألفاظ مخصوصة وأذكار معينة بل إنما هي التذكير كما مر، والصلاة ليست بتذكير بل إنما هي ذكر وبين الذكر والتذكير فرق واضح، ولابد في الصلاة من قراءة القرآن للإمام والمأموم والمنفرد لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فلفظ اقرءوا صيغة أمر يدل على الوجوب، ولا يمتثل الأمر إلا بقراءة القرآن بالنظم العربي كما أنزل عليه ووصل إلينا بالنقل المتواتر لأن من يقرأ ترجمة القرآن في الصلاة لا يطلق عليه قراءة القرآن بل هو خالف الأمر المأمور به، فكيف يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة؟ ! بل هو ممنوع، وأما الخطبة فهي تذكير فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته ويذكر السامعين بلسانهم وإلا فيفوت مقصود الخطبة كذا في غاية المقصود ملخصًا اهـ من العون. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لجابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال: 1887 - (828) (232) وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي

قَال: أَنْبَأَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا. ثُمّ يَجْلِسُ. ثُم يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا. فَمَنْ نَبأَكَ أَنهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ. فَقَدْ، وَاللهِ، صَلَّيتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَي صَلاةٍ. 1888 - (829) (233) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِير. قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) سماك (أنبأني) أي أخبرني (جابر بن سمرة) رضي الله عنهما، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى، وفيه التحديث والإخبار والإنباء والعنعنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما) في الخطبة الأولى (ثم يجلس) بعدها (ثم) بعد جلوسه (يقوم فيخطب) الخطبة الثانية (قائما) فيها, ثم قال جابر لسماك (فمن نبأك) أي فمن أخبرك يا سماك (أنه) صلى الله عليه وسلم (كان يخطب جالسًا فقد كذب) على الرسول صلى الله عليه وسلم بما لم يفعله فليتب إلى الله تعالى (فقد والله صليت) أي هو الله قد صليت (معه) صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن قد مختصة بالفعل وهي معه كالجزء فلا تفصل منه بشيء اللهم بالقسم، نص عليه ابن هشام في المغني (أكثر من ألفي) بصيغة التثنية (صلاة) مفروضة ما بين جمعة وغيرها، قال القرطبي: ظاهر هذا الكلام أنه أراد ألفي صلاة جمعة وهو محال لأن هذا القدر من الجمع إنما يكون في نيف وأربعين سنة، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المقدار من الجمع فيتعين أن يراد به الصلوات المفروضات أو قصد به الإغياء والتكثير والله أعلم اهـ مفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم فقال: 1888 - (829) (233) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي أخو أبي بكر، أسن منه بسنتين (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما) رويا (عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (قال عثمان: حدثنا جربر عن حصين بن عبد الرحمن) السلمي الكوفي (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن

جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن النبِي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ كَانَ يَخْطبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجمعَةِ. فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ الناسُ إِلَيهَا. حَتى لَمْ يَبْقَ إلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. فَأُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ التِي في الْجُمُعَةِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ـــــــــــــــــــــــــــــ جابر بن عبد الله) بن عمرو الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا جابر بن عبد الله أو إسحاق بن إبراهيم، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب) حالة كونه (قائمًا يوم الجمعة) هكذا سنة الخطبة ليكون أبلغ في الإسماع كالمؤذن إلا أن تدعوه ضرورة من ضعف أو غيره (فجاءت عير) أي إبل حاملة الطعام والتجارة، وهي المسماة في الرواية الأخرى بسويقة تصغير سوق (من الشام فانفتل) أي انصرف (الناس) من عند النبي صلى الله عليه وسلم وذهبوا مقبلين (إليها) أي إلى تلك العير (حتى لم يبق) عند النبي صلى الله عليه وسلم (إلا اثنا عشر رجلًا) فيه رد على من يقول: إن الخطبة لا تقام إلا على أربعين فصاعدًا وحكي ذلك عن الشافعي، وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من أهل العلم على أن أقل ما تنعقد به الجمعة اثنا عشر، ولا حجة فيه على ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم إنما عقدها وشرع فيها بأكثر من هذا العدد ثم عرض لهم أن تفرقوا ولم يبق منهم غير ذلك العدد، وقد روي في بعض روايات هذا الحديث أنه بقي معه أربعون رجلًا والأول أصح وأشهر اهـ من المفهم. (فأنزلت هذه الآية النبي في) سورة (الجمعة) وهي قوله تعالى ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً}) أي عيرًا تحمل تجارة أو ميرة ({أَوْ}) سمعوا ({لَهْوًا}) أي طبلًا كانوا يضربونه عند قدوم العير ({انْفَضُّوا}) أي تفرقوا من عندك ذاهبين ({إِلَيهَا}) أي إلى تلك العير المفهومة من التجارة أو اللهو ({وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) تخطب، فهذا ذم لمن ترك الجمعة بعد الشروع فيها، ونهي للمسلمين أن يتفرقوا عن إمامهم، وقد استدل به على اشتراط الخطبة في الجمعة وفيه بعد، وأحسن متمسك فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه أحمد والبخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قوله (فجاءت عير من الشام) العير بالكسر الإبل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة كذا في المصباح، والميرة الطعام أعني الذخيرة، قوله (فانفتل الناس إليها) أي انصرفوا، قوله (انفضوا) أي تفرقوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متوجهين (إليها) وإفراد التجارة برد الكناية لأنها المقصودة كما في أنوار التنزيل، ثم إن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه إنما كانت بعد الصلاة كخطبة العيد كما في مراسيل أبي داود فإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ما كانوا يدعون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم ظنوا أنه لا شيء في الانفضاض عن الخطبة بعد انقضاء الصلاة وبعد هذه القضية كان يخطب قبل الصلاة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الصلاة والبيوع والتفسير، والترمذي في التفسير، والنسائي [3/ 110]. فقد اختلف العلماء في العدد المشروط في وجوب الجمعة، وفي العدد الذي تصح ببقائهم إذا تفرقوا عن الإِمام بعد شروعه فيها على أقوال كثيرة فلنرسم فيه مسئلتين: - المسألة الأولى: اختلف هل يشترط في وجوب الجمعة عدد أم لا؟ فذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى اشتراطه، وذهب داود إلى أنه لا يشترط ذلك في وجوبها وتلزم المنفرد وهي ظهر ذلك اليوم عنده لكل أحد، قال القاضي عياض: وهو خلاف الإجماع، واختلف المشترطون هل هو مختص بعدد محصور أم لا؟ فعدم الحصر هو مذهب مالك فإنه لم يشترط في ذلك حدًّا محدودًا، وإنما قال: يكونون: بحيث يمكنهم الثواء في بلدهم وتتقرى بهم قرية، وفسره بعض أصحابنا بنصب الأسواق فيها حكاه عياض، والمشترطون للعدد اختلفوا في تعيينه فمن قائل: مائتان، ومن قائل: خمسون قاله عمر بن عبد العزيز، ومن قائل: أربعون قاله الشافعي، ومن قائل: ثلاثون بيتًا قاله مطرف وعبد الملك ومالك، ومن قائل: اثنا عشر، ومن قائل: أربعة قاله أبو حنيفة لكن إذا كانوا في مصر وقال غيره: ثلاثة، وقيل: واحد مع الإِمام وهذه أقوال متكافئة وليس على شيء منها دليل فالأصل ما صار إليه مالك من عدم التحديد والتمسك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم والعمل المتصل في ذلك فإنهم كانوا يجمعون في الأمصار الكبار والقرى الصغار كجواثا وغيرها. وأما المسألة الثانية: فقد اختلفوا فيما إذا كمل ما تنعقد به الجمعة ثم تفرقوا عن الإِمام، فقيل: إنها تجزئ وإن بقي وحده قاله أبو ثور وحكي عن الشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنان وهو قول الثوري والشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنا عشر رجلًا تمسكًا بهذا الحديث وحكاه أبو يعلى العبدي عن أصحاب مالك وبه قال إسحاق، ثم اختلفوا

1889 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَينِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: وَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَخْطُبُ. وَلَمْ يَقُلْ: "قَائِمًا". 1895 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثَمِ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطَّحَّانَ) عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحال التي يتفرقون عنها فقال أبو حنيفة: إن عقد بهم ركعة وسجدة ثم تفرقوا عنه أجزأه أن يتمها جمعة وإن كان قيل ذلك استقبل ظهرًا، وقال مالك والمزني: إن صلى بهم ركعة بسجدتيها أتمها جمعة وإلا لم تجزه، وقال زفر: متى تفرقوا قبل الجلوس للتشهد لم تصح جمعة وإن جلس وتفرقوا عنه قبل السلام صحت وقال ابن القاسم وسحنون: إن تفرقوا عنه قبل سلامه لم تجزئ الجمعة، وللشافعي قول ثالث: إنها لا تجزئه حتى يبقى معه أربعون رجلًا إلى تمام الصلاة، والأصح من هذه الأقوال ما يعضده هذا الحديث وهو قول إسحاق وأصحابنا والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1889 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث جابر بن عبد الله (أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان الكوفي (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (عن حصين) بن عبد الرحمن التميمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن سالم بن أبي الجعد عن جابر، غرضه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن حصين، ولكن (قال) عبد الله بن إدريس في روايته لفظة (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ولم يقل) عبد الله لفظة (قائما) وهذا بيان لمحل المخالفة بين المُتابع والمُتابَع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1890 - (00) (00) (وحدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم (الواسطي) أبو سعيد، روى عن خالد الطحان في الصلاة، ويروي عنه (م) وعبد الله بن محمَّد بن شيرويه وهو مقل، وقال في التقريب: مقبول، من العاشرة (حدثنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي (يعني الطحان) لقبه، ثقة، عن (8) (عن

حُصَينٍ، عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كُنا مَعَ النبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَوْمَ الجمعةِ. فَقَدِمَتْ سُوَيقَةٌ. قَال: فَخَرَجَ الناسُ إِلَيهَا. فَلَمْ يَبْقَ إلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلا. أَنَا فِيهِمْ. قَال: فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] إلى آخرِ الآيَةِ. 1891 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشيمٌ. أَخْبَرَنَا حُصَينٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حصين) بن عبد الرحمن التميمي الكوفي (عن سالم) بن أبي الجعد (وأبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي كلاهما (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان واسطيان وواحد مدني أو ثلاثة واسطيون وواحد كوفي وواحد مدني، غرضه بيان متابعة خالد الطحان لجرير بن عبد الحميد، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) جابر: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقدمت سويقة) من الشام إي إبل حاملة الطعام، تصغير سوق؛ وهي العير المذكورة في الرواية السابقة وهي الإبل التي تحمل الطعام أو التجارة، ولا تسمى عيرًا إلا إذا كانت هكذا، وسميت سوقًا لأن البضائع تساق إليها أو لقيام الناس فيها على ساقهم (قال) جابر (فخرج الناس) الذين صلوا الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد ذاهبين (إليها) أي إلى تلك السويقة (فلم يبق) مع النبي صلى الله عليه وسلم (إلا اثنا عشر رجلًا أنا فيهم) أي أنا واحد منهم (قال) جابر (فأنزل الله) تعالى بسبب انفضاضهم قوله جل ذكره ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) في الخطبة وحدك (إلى آخر الآية) يعني قوله تعالى: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيرٌ مِنَ اللَّهْو وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيرُ الرَّازِقِينَ}. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1891 - (00) (00) (وحدثنا إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10) (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (أخبرنا حصين) بن عبد الرحمن الكوفي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشيم لجرير بن

عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَسَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال جَابِرٌ: بَينَا النبِيُّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَائِم يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَال: وَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا} [الجمعة: 11]. 1892 - (830) (234) وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن حصين، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (وسالم بن أبي الجعد) الكوفي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما: (قال جابر: بينا) زيدت فيها الألف فلازمت الإضافة إلى الجملة وهي هنا قوله (النبي صلى الله عليه وسلم قائم يوم الجمعة) وإذ في قوله (إذ قدمت عير إلى المدينة) فجائية رابطة لجواب بينا وجملة (فابتدرها) أي تسابق إليها (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) معطوفة على جملة قدمت، والمعنى بينا أوقات قيام النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة خطيبًا فاجأهم قدوم عير من الشام إلى المدينة فابتدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها (حتى لم يبق معه) صلى الله عليه وسلم في المسجد (إلا اثنا عشر رجلًا فيهم) أي في جملة الباقين (أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب، ففيه فضلهما وفضل من بقي فيها حيث لم يستفزهم ذلك اهـ أبي (قال) جابر (ونزلت) بسبب ذلك الانفضاض (هذه الآية) يعني قوله تعالى ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا}) الآية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنهم لقال: 1892 - (830) (234) (وحدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمَّد (بن بشار) العبدي البصري (قالا: حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله الهمداني الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي عبيدة) مصغرًا عامر

عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ؛ قَال: دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ ابْنُ أُمّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا. فَقَال: انْظُرُوا إلى هذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا. وَقَال اللهُ تَعَالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، ثقة، من كبار (3) (عن كعب بن عجرة) بن أمية الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون وواحد مدني، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو عبيدة (دخل) كعب بن عجرة (المسجد) النبوي (وعبد الرحمن بن أم الحكم) بفتحتين، قال الطيبي: أظنه من بني أمية قلت أو من أتباعهم اهـ ملا علي؛ أي والحال أن عبد الرحمن (يخطب قاعدًا فقال) كعب بن عجرة لمن عنده (انظروا) أيها الناس (إلى هذا الخبيث) الذي لا يراعي السنة حيث (يخطب قاعدًا و) قد (قال الله تعالى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) وجه استدلاله بالآية أن الله سبحانه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا والاقتداء به واجب، وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} مع قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} وقوله {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} مع قوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" وهذا الكلام من كعب يتضمن إنكار المنكر والإنكار على ولاة الأمور إذا خالفوا السنة اهـ نواوي، ويدل أيضًا على خلاف قول أبي حنيفة حيث رأى أن الخطيب إن شاء قام، وإن شاء قعد في خطبته اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [2/ 102]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال، والثاني حديث جابر بن سمرة الأول ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر بن سمرة الثاني ذكره للاستشهاد، والرابع حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث كعب بن عجرة ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

370 - (81) باب التغليظ في ترك الجمعة واستحباب كون الصلاة والخطبة قصدا

370 - (81) باب: التغليظ في ترك الجمعة واستحباب كون الصلاة والخطبة قصدًا 1893 - (831) (235) وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيُّ الْحُلْوَانِي. حَدَّثنَا أَبُو تَوْبَةَ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ (وَهُوَ ابْنُ سَلام) عَنْ زَيدٍ (يَعْنِي أَخَاهُ) أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلام قَال: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مِينَاءَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيرَةَ حَدَّثَاهُ؛ أنهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ، عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 370 - (81) باب التغليظ في ترك الجمعة واستحباب كون الصلاة والخطبة قصدًا 1893 - (831) (235) (وحدثني الحسن بن علي) بن محمَّد الهذلي أبو محمَّد (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع الحلبي الطرسوسي، ثقة، من (10) (حدثنا معاوية وهو ابن سلام) بالتشديد بن أبي سلام ممطور الحبشي أبو سلام الدمشقي، ثقة، من (7) (عن زيد) بن سلام بن أبي سلام (يعني أخاه) أي أخا معاوية بن سلام الدمشقي، ثقة، من الرابعة (أنه) أي أن زيد بن سلام (سمع) جده (أبا سلام) ممطورًا الحبشي الأسود الدمشقي الأعرج، وقيل النوبي، ثقة، من (3) (قال) أبو سلام (حدثني الحكم بن ميناء) -بكسر الميم بعدها تحتانية ثم نون ومد- الأنصاري المدني، روى عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة في الصلاة، وعائشة وبلال، ويروي عنه (م س ق) وأبو سلام ممطور الحبشي ويحيى بن أبي كثير وغيرهم، قال أبو زرعة: ثقة له عندهم فرد حديث، ولأبيه صحبة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الثانية، من أولاد الصحابة (أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه) أي حدثا للحكم بن ميناء (أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم شاميون واثنان مدنيان وواحد مكي أو مكيان وواحد مدني وواحد طرسوسي وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والسماع والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي؛ أي سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول على أعواد منبره) لم يختلف في أن المنبر سنة للخطيب الخليفة وأما غير الخليفة فمخير بين المنبر والأرض، قال مالك: ومن لم يرق فجلهم يقف عن يساره وبعضهم يقف عن يمينه وكل واسع (قلت) رجح ابن يونس اليمين لمن يمسك العصا واليسار لتاركها ليضع يمينه على عود

"لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ. أَوْ لَيَخْتِمَن اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ لَيَكُونُن مِنَ الْغَافِلِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المنبر لأن المشهور استحباب توكؤ الخطيب على عصا، والمنبر مستحب، ومحله في الوضع يمين المحراب اهـ أبي، واللام في قوله (لينتهين) موطئة لقسم محذوف تقديره والله لينْزجرن (أقوام) أخفاء الأحلام لا يعتنون بدينهم (عن ودعهم) أي عن تركهم (الجمعات) جمع جمعة، قال القاضي: قال شمر: هذا الحديث يرد على النحاة في دعواهم أن العرب أماتت مصدر يدع وماضيه، فإنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وقد نطق بالمصدر في هذا الحديث، وبالماضي في حديث: "إذا لم ينكر الناس المنكر فقد تودع منهم" أي تركوا وما استوجبوه من العقوبة، وقد قرأ ابن أبي عبلة: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] بتخفيف الدال أي ما تركك، والأكثر في الكلام ما ذكره شمر عن النحويين (أو ليختمن الله) سبحانه وتعالى أي ليغطين الله (على قلوبهم) حتى لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا ولا تعي خيرًا لأن من خالف أمرًا من أوامر الله تعالى يظهر في قلبه نكتة سوداء فإذا تكررت المخالفة تكررت النكتات فيسود قلبه ويغلب عليه الغفلة والبعد من الله تعالى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (ثم ليكونن من الغافلين) أي يكونن معدودين من جملتهم، قال السنوسي: والمعنى إن أحد الأمرين كائن لا محالة إما الانتهاء عن ترك الجمعات أو ختم الله تعالى على قلوبهم وذلك يؤدي بهم إلى أن يكونوا من الغافلين، وأدخلت ثم في قوله (ثم ليكونن من الغافلين) للتراخي في الرتبة فإن كونهم من جملة الغافلين المشهود فيهم بالغفلة أدعى لشقائهم وأنطق لخسرانهم من مطلق كونهم مختومًا عليهم اهـ. والختم هو الطبع والتغطية وأصله من ختمت الكتاب إذا طبعته بطابعه، وهو في الحقيقة عبارة عما يخلقه الله في قلوبهم من الجهل والجفاء والقسوة وهذا مذهب أهل السنة، والمراد به هنا إعدام اللطف وأسباب الخير في حقه، وفي بعض الفتاوى: ترك الجمعة ثلاث مرات وقيل مرة يسقط العدالة اهـ من المبارق، وهذا الحديث حجة واضحة في وجوب الجمعة وفرضيتها، وجمهور الأئمة على أنها فرض من فروض الأعيان اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 239 و 254 و 2/ 84] , والنسائي [3/ 188 و 189] , وابن ماجه [794].

1894 - (832) (236) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الصلَوات. فَكَانَتْ صَلاتهُ قَصْدًا. وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا. 1895 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ. حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْب، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 1894 - (832) (236) (حدثنا حسن بن الربيع) البجلي أبو علي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (قالا: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي رضي الله عنهما، وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) جابر: (كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات) الخمس (فكانت صلاته) صلى الله عليه وسلم في أغلب الأحوال (قصدا) أي وسطًا بين الطول والقصر (و) كانت (خطبته قصدا) أي متوسطة بين الإفراط والتفريط من التقصير والتطويل اهـ مرقاة، ومنه القصد من الرجال والقصد في المعيشة، وكان يفعل ذلك لئلا يطول على الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى بالناس فليخفف" والإكثار في الخطبة مكروه لما في الطول من التشدق والتصنع والإملال اهـ مفهم، والسنة فيها كونها بين الطول الظاهر والتخفيف الماحق اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه [1106]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 1895 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الكوفيان (قالا: حدثنا محمَّد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون، ويقال هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني أبو يحيى الكوفي، ثقة، من (6) (حدثني سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما،

قَال: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ الصَّلَوَاتِ. فَكَانَتْ صَلاتهُ قَصْدًا. وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: زَكَرِياءُ عَنْ سِمَاكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة زكرياء بن أبي زائدة لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن سماك، وفيه تصريح بسماع زكرياء عن سماك (قال) جابر: (كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات) الخمس (فكانت صلاته) صلى الله عليه وسلم (قصدا) أي وسطًا بين الطول والقصر (وخطبته قصدا) أي متوسطة بين الطول الممل والقصر المخل، وقوله (حدثني سماك بن حرب) هو في رواية ابن نمير (وفي رواية أبي بكر) حدثنا (زكرياء عن سماك) بالعنعنة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

371 - (82) باب ما يقال في الخطبة من الحمد والثناء على الله تعالى والإتيان بأما بعد ورفع الصوت بها

371 - (82) باب: ما يقال في الخطبة من الحمد والثناء على الله تعالى والإتيان بأما بعد ورفع الصوت بها 1896 - (833) (237) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحمدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرتْ عَينَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ. حَتى كَأَنهُ مُنْذِرُ جَيشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمسَّاكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 371 - (82) باب ما يقال في الخطبة من الحمد والثناء على الله تعالى والإتيان بأما بعد ورفع الصوت بها 1896 - (833) (237) (وحدثني محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) الثقفي البصري (عن جعفر) الصادق (بن محمَّد) الباقر الهاشمي المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) محمَّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة ورواية ولد عن والده (قال) جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب) وذكر الناس بالوعد والوعيد والأمر والنهي (احمرت عيناه) أي اشتدت حمرتهما على ما كانت في العادة لأن باب أفعل الخماسي بناؤه لمبالغة معنى ثلاثيه كما بيناه في مناهل الرجال (وعلا صوته) أي ارتفع صوته (واشتد غضبه) لتغافلهم عن الله تعالى، قال النواوي: ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا وتحذيره خطبًا جسيمًا اهـ وفي المرقاة، قوله (احمرت عيناه) لما ينزل عليه من بوارق أنوار الجلال الصمدانية ولوامع أضواء الكمال الرحمانية وشهود أحوال الأمة المرحومة وتقصير أكثرهم في امتثال الأمور المعلومة من الدين اهـ، قال القاضي عياض: وهذا حكم المنذر المخوف، ويعني بشدة الغضب أن صفته صفة الغضبان، ويحتمل أنه لنهي خولف فيه شرعه، وهكذا تكون صفة الواعظ مطابقة للذي هو يتكلم فيه حتى لا يأمر بشيء وضده ظاهر عليه (حتى كأنه) صلى الله عليه وسلم (منذر جيش) أي كمن ينذر قومه بقرب جيش عظيم من عدوهم قصدوا الإغارة عليهم في الصباح والمساء، وهو معنى قوله (يقول) ذلك المنذر لقومه (صبحكم) جش العدو (ومساكم)

وَيقُولُ: "بُعِثْتُ أنا وَالسَّاعةُ كَهَاتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أتاكم في الصباح والمساء، وضمير يقول عائد على منذر جيش، وضمير صبحكم ومساكم للجيش كما أشرنا إليه في الحل، والباء في صبحكم مشددة وكذا السين في مساكم مشددة، وجملة يقول في موضع الصفة لمنذر جيش أو حال منه لتخصصه بالإضافة، قال السنوسي: ويصح أن تكون جملة يقول في موضع الحال من اسم كأن، والعامل فيه معنى التشبيه فالقائل إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الثاني عطف على الأول في هذا الوجه وعلى الوجه الأول عطف على جملة كأنه. (قلت) مثل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته وإنذاره القوم بمجيء القيامة وقرب وقوعها وتهالك الناس فيما يرديهم بحال من ينذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم يقصد الإغارة عليهم والإحاطة بهم من كل جانب بحيث لا يفوت منهم أحد فكما أن ذلك المنذر يرفع صوته وتحمر عيناه ويشتد غضبه على تغافلهم كذلك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ سنوسي، قال القرطبي: ومنذر الجيش هو المخبر بقرب جيش العدو الذي يخوف به، وكونه صلى الله عليه وعسلم تحمر عيناه ويعلو صوته ويشتد غضبه في حال خطبته كان هذا منه في أحوال، وهذا مشعر بأن الواعظ حقه أن يكون منه في وعظه بحسب الفصل الذي يتكلم فيه ما يطابقه حتى لا يأتي بالشيء وضده ظاهر عليه، وأما اشتداد غضبه فيحتمل أن يكون عند نهيه عن أمر خولف فيه أو يريد أن صفته صفة الغضبان اهـ من المفهم. وجملة قوله (ويقول) معطوف على جملة احمرت عيناه على كونها خبر كان أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول (بعثت أنا والساعة) بالنصب على أنه مفعول معه، وبالرفع معطوف على التاء في بعثت، وفصل بينهما بأنا توكيدًا للضمير المتصل على ما هو الأحسن عند النحويين، وقد اختار بعضهم النصب بناء على أن التشبيه في قوله (كهاتين) الإصبعين وقع بملاصقة الإصبعين واتصالهما، واختار آخرون الرفع بناء على أن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما يعني أن ما بين زمان النسبي صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة قريب كقرب السبابة من الوسطى، وقد جاء من حديث سهل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سبقتها بما سبقت هذه هذه" رواه الترمذي من حديث المستورد بن شداد يعني الوسطى والسبابة اهـ من المفهم، قال النواوي: والمشهور نصبها على المفعول معه اهـ قال ابن الملك: والمعنى أن ما بيني وبين الساعة بالنسبة إلى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على السبابة

وَيقْرُنُ بَينَ إِصْبَعَيهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَيقُولُ: "أمَّا بَعْدُ. فَإِنْ خَيرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ. وَخَيرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ. وَشَرِّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. وَكُل بِدْعَةٍ ضَلالة" ـــــــــــــــــــــــــــــ كما فسره قتادة في حديث آخر بقوله يعني كفضل إحداهما على الأخرى، شبه القرب الزماني بالقرب المساحي لتصوير غاية قرب الساعة اهـ. قال القاضي: ويحتمل أنه تمثيل لاتصال زمنه بزمنها وأنه ليس بينهما نبي كما أنه ليس بينهما إصبع أخرى، ويحتمل أنه تمثيل لقرب ما بينهما من المدة اهـ، وجملة قوله (و) الحال أنه (يقرن) بضم الراء على المشهور ويروى بكسرها أي يضم (بين إصبعيه السبابة) سميت سبابة لأنهم كانوا يشيرون بها عند السباب (والوسطى) سميت بذلك لكونها وسط الأصابع الأربع، جملة حالية من فاعل يقول، قوله (ويقول: أما بعد) معطوف على احمرت أيضًا، قال القرطبي (وقوله أما) كلمة تفصل ما بعدها عما قبلها، وهي حرف متضمن للشرط ولذلك تدخل الفاء في جوابها، وقدرها النحويون بـ (مهما) و (بعد) ظرف زمان قطع عن الإضافة مع كونها مرادة فتبنى على الضم، وخص بالضم لأنه حركة ليست له في حال إعرابه والعامل فيه ما تضمنه أما من معنى الشرط فإن معناه مهما يكن من شيء بعد حمد الله تعالى فكذا والله أعلم، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَآتَينَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20] هي كلمة أما بعد، وقيل فيه غير ذلك، والأولى أنه الفصل بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)} قال القاضي: وهي كلمة يستعملها الخطيب للفصل بين ما كان فيه من الحمد والثناء والانتقال إلى ما يريد أن يتكلم فيه، قال النواوي: ويستحب الإتيان بها حتى في خطب التصانيف، وعقد البخاري بابا لاستحبابها، واختلف في أول من تكلم بها فقيل داود - عليه السلام - وقيل يعرب بن قحطان وقيل قس بن ساعدة اهـ (فإن خير الحديث) وأصدق الكلام (كتاب الله) العزيز الذي لا تبديل فيه ولا تغيير وهو القرآن الكريم (وخير الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال وهو المسموع من أفواه المحدثين، قال الفيومي والهدى بالفتح السيرة، وبضم الهاء وفتح الدال أي فإن أفضل المذهب وأحسن الطريقة (هدي محمَّد) صلى الله عليه وسلم بالضبطين المذكورين أي مذهب محمَّد وطريقته التي أرسل بها من التوحيد والأحكام العملية والاعتقادية (وشر الأمور) أي أقبح الأمور الدينية لا الدنيوية (محدثاتها) أي مخترعاتها ومبتدعاتها التي ليس لها في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة والجواز وهي المسماة بالبدع (و) لذلك حكم عليها بأن كل بدعة) أي محدثة (ضلالة) أي غواية، وحقيقة البدعة ما ابتدئ وافتتح من غير أصل

ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ. مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلأهْلِهِ. وَمَنْ تَرَكَ دَينًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شرعي وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد" رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها. قال القاضي عياض: (قوله وخير الهدي هدي محمد) صلى الله عليه وسلم بالضبطين الفتح والضم فمعنى الفتح خير الطريقة أي أحسن الطرق طريقة محمد صلى الله عليه وسلم يقال: فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "اهتدوا بهدي عمار" وللضم معنيان أحدهما الدعاء والإرشاد، ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وقوله {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ} وثانيهما خلق الإيمان في القلب، وهو بهذا المعنى مما انفرد الله تعالى به كقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وقوله (وكل بدعة ضلالة) هذا عام مخصوص لأن البدعة تنقسم بحسب أقسام الشريعة إلى واجبة كترتيب الأدلة على طريقة المتكلمين للرد على الملحدة، ومندوبة كوضع التآليف وبناء المدارس واتخاذ الدواوين، ومحرمة ومكروهة واضحين، ومباحة كالتبسط في أنواع الأطعمة، ويشهد لهذا التقسيم قول عمر رضي الله عنه (نعمت البدعة هذه) في تراويح رمضان اهـ من إكمال المعلم. (ثم يقول) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا أولى بكل مؤمن) أي أقرب له (من نفسه) أو أحق به منها، ثم فسر وجهه بقوله (من ترك مالًا فـ) ـــهو موروث (لأهله ومن ترك دينا) بلا وفاء (أو ضياعا) أي عيالًا ضائعين لا يستقلون بأمرهم ولا مال لهم (فإليّ) كفاية عياله ومؤنتهم (وعليّ) قضاء دينه ففي الكلام لف ونشر مشوش. قال القرطبي: معنى كونه صلى الله عليه وسلم (أولى بكل مؤمن من نفسه) أنه إذا ترك دينًا أو ضياعًا ولم يقدر على أن يخلص نفسه منه إذ لم يترك شيئًا يسد به ذلك ثم يخلصه النبي صلى الله عليه وسلم بقيامه به عنه أو سد ضيعته كان أولى به من نفسه إذ قد فعل معه ما لم يفعل هو بنفسه، وأما رواية من رواه "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم" في غير مسلم فيحتمل أن يحمل على ذلك، ويحتمل أن يكون معناه أنا أولى بالمؤمنين من

1897 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم لبعض كما قال تعالى: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 66] أي ليقتل بعضكم بعضًا في أشهر أقوال المفسرين (والضياع) بالفتح العيال قاله النضر بن شميل، وقال ابن قتيبة: هو مصدر ضاع يضيع ضياعًا، ومثله مضى يمضي مضاء، وقضى يقضي قضاء أراد من ترك عيالًا عالة أو أطفالًا صغارًا فجاء بالمصدر موضع الاسم كما تقول ترك فقرًا أي فقراء (والضياع) بالكسر جمع ضائع مثل جائع وجياع وضيعة الرجل أيضًا ما يكون منه معاشه من صناعة أو غلة قاله الأزهري، وقال شمر: ويدخل فيه التجارة والحرفة فيقال: ما ضيعتك؟ فتقول كذا اهـ مفهم، وقوله (فإليّ وعليّ) لف على غير ترتيب النشر فهو من المحسنات البديعية اللفظية أي فإليّ كفاية عياله وعلي قضاء دينه. (قلت): وهذا الكلام إنما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع ما كان قرر من امتناعه من الصلاة على من مات وعليه دين لم يترك له وفاء كما قاله أبو هريرة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالميت عليه الدين، فيسأل: "هل ترك لدينه وفاء؟ " فإن قيل: إنه ترك له وفاء صلى عليه، وإن قالوا: لا، قال: "صلوا على صاحبكم") ولم يصل هو عليه لئلا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، قال: فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي وترك دينًا فعليّ ومن ترك مالًا فلورثته" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. قال القاضي: وهذا مما يلزم الأئمة من الفرض في مال الله تعالى للذرية وأهل الحاجة والقيام بهم وقضاء ديون محتاجيهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [3/ 188 - 189]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 1897 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من كبار (10) مات لسنة (213) (حدثني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (حدثني جعفر بن محمد) المدني (عن أبيه) محمد الباقر المدني (قال) محمد الباقر: (سمعت جابر بن

عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَتْ خُطْبَةُ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. يَحْمَدُ اللهَ ويثْنِي عَلَيهِ. ثُمَّ يَقُولُ عَلَيَّ إِثْرِ ذلِكَ، وَقَدْ عَلا صَوْتُهُ. ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. 1898 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ. يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ يَهْدِهِ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد كسي، غرضه بسوقه بيان متابعة سليمان بن بلال لعبد الوهاب الثقفي في رواية هذا الحديث عن جعفر بن محمد (كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة) أن (يحمد الله) سبحانه وتعالى أي بوصفه بالكمالات (و) أن (يثني عليه) تعالى بتنزيهه من النقائص، وجملة يحمد وما عطف عليه خبر كان بتقدير أن المصدرية نظير قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقوله (ثم يقول) معطوف على يثني، والمعنى كانت خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة حمدًا لله تعالى وثناء عليه، ثم قوله (على إثر ذلك) أي عقيب ذلك الثناء أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله .. الخ (و) الحال أنه (قد علا) وارتفع (صوته) ليبلغ الناس ويسمعهم (ثم ساق) وذكر سليمان بن بلال (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل ما حدث عبد الوهاب الثقفي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1898 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن جعفر) بن محمد (عن أبيه) محمد الباقر (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لعبد الوهاب الثقفي في رواية هذا الحديث عن جعفر بن محمد (قال) جابر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس) أي يذكرهم بذكر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب حالة كونه (يحمد الله) تعالى أي يصفه بكمال ذاته (ويثني عليه) أي يصفه في صفاته (بما) أي بوصف (هو) أي ذلك الوصف (أهله) أي لائق به تعالى أن يحمده ويثني عليه في مبدإ خطبته (ثم) بعد حمده وثنائه (يقول) أما بعد (من يهده الله) تعالى أي يوفقه الله تعالى

فَلَا مُضِلَّ لَهُ. وَمَنْ يُضْلِلْ الله فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَخَيرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ". ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الثقَفِيّ. 1899 - (834) (238) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى (وَهُوَ أَبُو هَمَّامٍ) حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ. وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق الهداية والرشاد (فلا مضل) ولا مغوي (له) عن طريق الرشاد (ومن يضلل الله) سبحانه وتعالى أي يرد في سابق علمه إضلاله وإغواءه عن طريق الرشاد (فلا هادي له) أي فلا موفق له بطريق الرشاد (وخير الحديث) أي أفضل الكلام (كتاب الله) العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (ثم ساق) سفيان وذكر (الحديث) السابق (بمثل حديث) عبد الوهاب (الثقفي) البصري. ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال: 1899 - (834) (238) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (كلاهما عن عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبي محمد البصري أحد الكبار، ثقة، من (8) (قال ابن المثنى: حدثنا عبد الأعلى وهو) الذي كنيته (أبو همام) وكان يغضب إذا قيل له أبو همام (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (5) (عن عمرو بن سعيد) القرشي مولاهم أبي سعيد البصري، قال الأصبهاني: يشبه أن يكون الثقفي، روى عن سعيد بن جبير في الصلاة، وأنس وأبي العالية، ويروي عنه (م عم) وداود بن أبي هند ويونس بن عبيد وابن عون، وثقه النسائي وابن سعد، وقال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (5) (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة، من (3)) عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد طائفي أو ثلاثة بصريون وواحد مروزي وواحد كوفي وواحد طائفي وفيه التحديث إفرادا وجمعًا والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (أن ضمادا) بكسر الضاد المعجمة وفتح الميم المخففة آخره دال مهملة، ابن ثعلبة الأزدي (قدم مكة) المكرمة قبل الهجرة (وكلان من أزد شنوءة) بفتح الشين وضم النون وبعدها

وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هذِهِ الرِّيحِ. فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِن مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَال: لَو أَني رَأَيتُ هذَا الرَّجُلَ لَعَل اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ. قَال: فَلَقِيَهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي أَرْقِي مِنْ هذِهِ الرِّيحِ. وإنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَيَّ يَدِي مَنْ شَاءَ. فَهَلْ لَكَ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ. نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مدة، من بني سعد بن بكر، قال ابن حجر: وله ذكر في حديث أخرجه مسلم عن ابن عباس: أن ضمادًا قدم مكة .. الحديث، وأما ضمام -بضاد معجمة آخره ميم- المعروف فهو أيضًا بن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر، وقع ذكره في حديث أنس في الصحيحين، قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي .. الحديث اهـ من الإصابة (وكان) ضماد هذا (يرقي) من رقى يرقى من باب رمى يرمي من الرقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة أي يعالج بالقراءة (من هذه الريح) وفي بعض النسخ (يرقى هذه الريح) فمن في نسختنا زائدة، والمراد بالريح هنا الجنون ومس الجن اهـ نواوي، وفي غير رواية مسلم يرقى من الأرواح أي الجن سموا بذلك لأنهم لا يبصرهم الناس فهم كالروح والريح اهـ سنوسي، أي وكان يرقى من هذه الريح يعني الجنون من أصابته الجان (فسمع) ضماد (سفهاء) أي قومًا حمقًا خفاف الأحلام (من أهل مكة) وسكانها أي سمعهم حالة كونهم (يقولون: إن محمدًا مجنون) أي أصابته الجن (فقال) ضماد (لو أني رأيت هذا الرجل) الذي قلتم: إنه مجنون، فلو هنا للتمني أي أتمنى رؤية هذا الرجل فأعالجه و (لعل الله) سبحانه أن (يشفيه) من هذا المس (على يديّ) بصيغة التثنية (قال) ابن عباس (فلقيه) أي فلقي ضماد النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) ضماد له صلى الله عليه وسلم (يا محمد إني أرقي) وأعالج بالرقية من أُصيب (من هذه الريح) قال النواوي: المراد بالريح هنا الجنون ومس الجن (وإن الله يشفي) ويعافي (على يدي) بالإفراد أي بسببي (من شاء) وأراد شفاءه (فهل لك) يا محمد رغبة في رقيتي؟ وهل تميل إليها؟ فقوله لك خبر مبتدإ مقدر قدر مع صلته فإنه في الاستعمال ورد بفي وإلى كما يدل عليه عبارة الكشاف فيقدر لكل ما يناسبه ولوروده في سورة النازعات بإلى قدر البيضاوي كلمة ميل فقال في تفسير قوله تعالى فهل لك إلى أن تزكى هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان اهـ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وخطب في رد ما ظنه ضماد: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه) في أمورنا (من يهده الله فلا مضل

لَهُ. وَمَنْ يُضلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ". قَال: فَقَال: أَعِدْ عَلَي كَلِمَاتِكَ هؤُلاءِ. فَأَعَادَهُنَّ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثَلاثَ مَرَّاتِ. قَال: فَقَال: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ. فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هؤُلاءِ. وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ. قَال: فَقَال: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أما بعد) فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد .. الحديث (قال) ابن عباس (فقال) ضماد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أعد عليّ) يا محمد، أمر من الإعادة (كلماتك هؤلاء) التي أمليتها على (فأعادهن) أي أعاد تلك الكلمات (عليه) أي على ضماد (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال) ابن عباس (فقال) ضماد: والله (لقد سمعت قول الكهنة) في كهانتهم من الكلام المسجع، جمع كاهن نظير سحرة وساحر (وقول السحرة) من الكلام الذي يخيلون به على الناس، جمع ساحر ككامل وكملة وفاسق وفسقة (وقول الشعراء) من الكلام الموزون بأجزاء معلومة، جمع شاعر نظير عالم وعلماء، وإنما ذكر الثلاثة لأن سفهاء مكة يقولون له صلى الله عليه وسلم تارة: كاهن وتارة: ساحر وتارة: شاعر، فنفى عنه الثلاثة التي يقولون فيه، وقوله (فما سمعت) معطوف على سمعت الأول أي فما سمعت في كلام أولئك الثلاثة (مثل كلماتك هؤلاء) التي سمعتهن منك وقد عرفت الآن أنك لست بكاهن ولا ساحر ولا شاعر وأيقنت أنك نبي صادق ورسول مرسل حقًّا من الله تعالى (و) الله (لقد بلغن) هؤلاء الكلمات التي نطقت بهن ووصلن في تأثيرهن في قلب كل حيوان وتصديقهم لهن (ناعوس البحر) أي لجته وقعره ووسطه، هكذا وقع في صحيح مسلم، وفي غيره في بعض الروايات (قاموس البحر) وهو الصحيح الحق ومعناه وسطه ولجته، ولعل بعض النساخ صحفه إلى (ناعوس) بالنون والعين، وفي بعضها (قاعوس البحر) بالقاف والعين وهذا تصحيف أيضًا، والكل غلط وتصحيف إلا قاموص بالقاف والميم والمعنى بلغن غاية الغايات في الصدق والتأثير في المخلوق، وأطال النواوي فيه الكلام بما لا طائل تحته، وفيما ذكرنا كفاية ومقنع لمقتنع والله أعلم (قال) ابن عباس (فقال) ضماد: (هات يدك) يا محمد أي ابسط إليّ يدك، وقوله (أبايعك على الإسلام) بالجزم في جواب الطلب

قَال: فَبَايَعَهُ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَعَلَى قَوْمِكَ" قَال: وَعَلَى قَوْمِي. قَال: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ. فَقَال صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هؤُلاءِ شَيئًا؟ فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَال: رُدُّوهَا. فَإِنَّ هؤُلاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ السابق (قال) ابن عباس (فبايعه) أي فبايع ضماد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وآمن (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) بايع (على) الإسلام أيضًا لـ (قومك) الذين خلفتهم في بلادك (قال) ضماد (و) بايعت (على) الإسلام لنفسي ولـ (قومي قال) ابن عباس: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية) أي قطعة جيش من المسلمين للجهاد (فمروا) أي فمر أولئك الجيش (بقومه) أي على قوم ضماد (فقال صاحب السرية) أي أميرهم (للجيش: هل أصبتم) أي هل أخذتم (من هؤلاء) القوم يعني قوم ضماد (شيئًا) من المال (فقال رجل من القوم) أي من السرية (أصبت) أي أخذت (منهم) أي من قوم ضماد (مطهرة) بكسر الميم وفتحها والكسر أشهر، أي ميضأة منها (فقال) أمير السرية (ردها) أي رد أيها الآخذ تلك المطهرة ورجعها إليهم (فإن هؤلاء) القوم (قوم ضماد) بن ثعلبة الأزدي الذين بايعوا على الإسلام بواسطة ضماد فلا يجوز أخذ أموالهم لأنهم مسلمون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 302] والنسائي [6/ 89 - 90] وابن ماجه [1893]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث جابر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

372 - (83) باب من مئنة فقه الرجل طول صلاته وقصر خطبته والإنكار على من أساء الأدب في الخطبة

372 - (83) باب: من مئنة فقه الرجل طول صلاته وقصر خطبته والإنكار على من أساء الأدب في الخطبة 1900 - (835) (239) حَدَّثَنِي سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ. قَال: قَال أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ. فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ. فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ 372 - (83) باب من مئنة فقه الرجل طول صلاته وقصر خطبته والإنكار على من أساء الأدب في الخطبة ليس هذا بمعارض بما تقدم من أحاديث الأمر بالتخفيف لأن المراد بطول الصلاة طولها بالنسبة إلى قصر الخطبة لا طولها في نفسها بحيث يشق على المأمومين وهي حينئذ قصد أي معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها اهـ أبي. 1900 - (835) (239) (حدثنا سريج) مصغرًا (ابن يونس) بن إبراهيم البغدادي أبو الحارث العابد القدوة، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك) بن سعيد بن حيان بمهملة وتحتانية (ابن أبجر) بموحدة وجيم بوزن أحمد الهمداني الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة والزكاة، والثوري، ويروي عنه (م س) وسريج بن يونس وابن مهدي، قال ابن معين: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، له عندهما ثلاثة أحاديث، وقال في التقريب: ثقة، من كبار التاسعة، مات سنة (181) إحدى وثمانين ومائة (عن أبيه) عبد الملك بن سعيد بن حيان بتحتانية ابن أبجر الهمداني الكوفي، وثقه ابن معين وقال في التقريب: ثقة عابد، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن واصل بن حيان) الأحدب الأسدي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (قال) واصل: (قال أبو وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (9) أبواب (خطبنا عمار) بن ياسر بن عامر بن الحصين بن قيس بن ثعلبة العنسي المخزومي مولاهم أبو اليقظان المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، قتل بصفين مع علي سنة (37) روى عنه في (2) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغدادي (فأوجز) أي اختصر عمار في خطبته من حيث اللفظ، والإيجاز تقليل الألفاظ مع كثرة المعاني (وأبلغ) فيها من حيث المعنى أي خطب خطبة بليغة في المعنى مع إيجاز لفظها، والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال (فلما)

نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ! لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ. فَلَوْ كُنْتَ تَنَفسْتَ. فَقَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ. فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ. وإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرغ منها، و (نزل) من المنبر (قلنا) له معاشر الحاضرين (يا أبا اليقظان) كنية عمار: والله (لقد أبلغت وأوجزت) في خطبتك أي خطبت لنا خطبة بليغة من حيث المعنى، موجزة من حيث اللفظ (فلو كنت) يا أبا اليقظان (تنفست) فيها أي أطلت قليلًا، فلو إما شرطية حذف جوابها لعلمه من السياق أي لو تأخرت فيها وأطلتها لنا قليلًا لكان خيرًا لنا، أو للتمني لا جواب لها أي نتمنى تنفسك وتأخرك فيها لكونها بليغة مفيدة لنا (فقال) عمار لا ينبغي لي ولا يليق بي أن أتنفس فيها فـ (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل) بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلها بحيث يشق على الناس فيكون المراد القصد في التطويل (وقصر خطبته) الذي هو وضعها بالنسبة إلى الصلاة فلا يعارض حديث الأمر بتخفيف الصلاة كما مر آنفًا (مئنة) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة مفتوحة أي علامة يستدل بها (من فقهه) أي على فقهه في الدين فمن بمعنى على، قال السنوسي: قوله من فقهه صفة لمئنة أي مئنة ناشئة من فقهه فمن على بابها، ويحتمل أن تكون من بمعنى على كما ذكرنا في الحل، وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له، قال بعضهم: وحقيقتها أنها مفعلة من معنى إن المكسورة التي للتحقيق والتأكيد غير مثتق من لفظها لأن الحروف لا يسْتق منها وإنما ضمنت حروفها دلالة على أن معناها فيها، ولوقيل إنها اشتقت من لفظها بعد ما جعلت اسمأ لكان وجهًا، ومن أغرب ما قيل فيها: إن الهمزة فيها بدل من ظاء المظنة. قيل إنما جعل صلى الله عليه وسلم ذلك علامة من فقهه لأن الصلاة هي الأصل والخطبة هي الفرع الذي جعل توطئة لها، ومن القضايا الفقهية والعقلية أن يؤثر الأصل على الفرع بالزيادة والفضل فإذا علم تلك القضايا فيصرف العناية إلى ما هو الأهم الأصل دون الفرع اهـ منه (فـ) إذا عرفتم ذلك أيها الناس (أطيلوا) بهمزة قطع من الإطالة أي أطيلوا أيها الأئمة (الصلاة) بالنسبة إلى قصر الخطبة لا تطويلها في نفسها بحيث يشق على المأمومين فلا ينافي حديث الأمر بتخفيف الصلاة (واقصروا الخطبة) بهمزة وصل فيه أي اجعلوها قصيرة بالنسبة إلى الصلاة لأنها توطئة للصلاة لا مقصودة بذاتها والعياذ بالله تعالى مما يفعله أهل عصرنا من خلاف السنة، وجملة قوله (وإن من البيان) والبلاغة

سِحْرًا". 1901 - (836) (240) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الخطب (سحرا) أي ما هو كالسحر لميل القلوب إليه وإصغائها إليه كما أن السحر الحقيقي يميل القلب ويصرفه عن حالته الأصلية، حال من فاعل اقصروا، وأصل السحر صرف الأشياء عن حالتها الأصلية فكذلك البيان البليغ يصرف القلوب ويميلها إلى ما يدعو إليه فالكلام على التشبيه البليغ، قال السنوسي: جملة قوله (وإن من البيان سحرًا) حال من ضمير الفاعل في اقصروا أي اقصروا أيها الأئمة الخطب في حال كونكم تأتون فيها بمعان جمة شريفة تطابق الفصل في ألفاظ يسيرة وهو أعلى طبقات البيان ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم" هذا على رواية الواو لأنها واو الحال، وأما على رواية الفاء فالمعنى اقصروا الخطبة مع جمعكم فيها للمعاني الجمة الشريفة لتكونوا آتين فيها بالسحر الحلال فإن من البيان لسحرًا، فالفاء تعليلية اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 263]، وأبو داود [1106]. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال: 1901 - (836) (240) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير) الكوفيان (قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد العزيز بن رفيع) مصغرًا أبي عبد الله الأسدي المكي، روى عن تميم بن طرفة في الإيمان والصلاة، وزيد بن وهب في الزكاة، وعبد الله بن أبي قتادة في الحج، وأنس في الحج، وعبيد الله بن القبطية في الفتن، وأبي الطفيل عامر بن واثلة في الفتن، ويروي عنه (ع) والثوري وجرير بن عبد الحميد في الزكاة، وأبو الأحوص وشعبة والأعمش وأبو إسحاق الشيباني وزهير بن معاوية، قال أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن تميم بن طرفة) -بفتح المهملتين الطائى الكوفي- وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) مات سنة (95) (عن عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس القحطاني

أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ. وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ. قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ". قَال ابْنُ نُمَيرٍ: فَقَدْ غَويَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطائي أبي طريف الكوفي الجواد ابن الجواد الصحابي المشهور، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع له (66) ستة وستون حديثًا، اتفقا على ستة، وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بحديثين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه عمر في الفضائل، ويروي عنه (ع) وتميم بن طرفة في الصلاة، وعبد الله بن معقل في الزكاة، وخيثمة في الزكاة، والشعبي في الصوم والصيد والفضائل، وهمام بن الحارث في الصيد، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عبد العزيز بن رفيع فإنه مكي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (أن رجلا) لم أر من ذكر اسمه (خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم) يعني في عقد نكاح أو بين يدي وفد لا في خطبة جمعة اهـ من الأبي (فقال) ذلك الرجل في خطبته (من يطع الله ورسوله فقد رشد) بفتح الشين وكسرها (ومن بعصهما) أي ومن يعص الله ورسوله أي خالفهما (فقد غوى) أي ضل عن طريق الحق، قال القاضي: يروى بفتح الواو من باب رمى، وكسرها من باب رضي، والصواب الفتح لأنه من الغي، وهو الانهماك في الشر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب) أي كلامه والمخصوص بالذم (أنت) أيها الرجل (قل) أيها الرجل (ومن يعص الله ورسوله) بإفراد الجلالة (قال ابن نمير) في روايته: (فقد غوي) بكسر الواو من باب رضي. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 256]، وأبو داود [1099]. وقول الخطيب (من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى) قال القرطبي: ظاهره أنه أنكر عليه جمع اسم الله تعالى واسم رسوله صلى الله عليه وسلم في ضمير واحد، ويعارضه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال في خطبته: "من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه" وفي حديث أنس: "ومن يعصهما فقد غوى" رواه أبو داود أيضًا وهما صحيحان، ويعارضه أيضًا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فجمع بين ضمير اسم الله وملائكته ولهذه المعارضة صرف بعض القراء هذا الذم إلى أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك الخطيب وقف على (ومن يعصهما) وهذا تأويل لم تساعده الرواية فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد، وأن آخر كلامه هو فقد غوى، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه وعلمه صواب ما أخل به فقال: "قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى" فظهر أن ذمه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير، وحينئذ يتوجه الإشكال ونتخلص عنه من أوجه: - أحدها أن المتكلم لا يدخل تحت خطاب نفسه إذا وجهه لغيره فقوله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت منصرف لغير النبي صلى الله عليه وسلم لفظًا ومعنى. وثانيها أن إنكاره على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كان هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد فمنع ذلك لأجله وحيث عدم ذلك جاز الإطلاق. وثالثها أن ذلك الجمع تشريف للملائكة ولله تعالى أن يشرف من شاء بما شاء ويمنع من مثل ذلك للغير كما قد أقسم بكثير من المخلوقات ومنعنا من القسم بها فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} وكذلك أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم في إطلاق مثل ذلك ومنع منه الغير على لسان نبيه. ورابعها أن العمل بخبر المنع أولى لأوجه لأنه تقعيد قاعدة والخبر الآخر يحتمل الخصوص كما قررناه، ولأن هذا الخبر ناقل والآخر مبقى على الأصل فكان الأول أولى، ولأنه قول والثاني فعل فكان أولى. والله أعلم اهـ من المفهم. وقوله (فقد رشد) من الرشد وهو الصلاح وإصابة الصواب، ويقال فيه رشد رشدًا من باب تعب، ورشد يرشد من باب قتل كما في المصباح قال الشاعر: وهل أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد وقوله (فقد غوى) من باب رمى من الغي كما مر أنه الصواب قال الشاعر: ومن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائمَا ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث عمار ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث عدي بن حاتم ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله أعلم. ***

373 - (84) باب قراءة القرآن في الخطبة والإشارة باليد فيها

373 - (84) باب: قراءة القرآن في الخطبة والإشارة باليد فيها 1902 - (837) (241) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيَّ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77] ـــــــــــــــــــــــــــــ 373 - (84) باب قراءة القرآن في الخطبة والإشارة باليد فيها 1902 - (837) (241) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (وأبو بكر ابن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق) بن إبراهيم بن راهويه (الحنظلي) المروزي (جميعًا عن) سفيان (بن عيينة) الأعور الهلالي الكوفي (قال قتيبة: حدثنا سفيان) بن عيينة بصيغة السماع (عن عمرو) بن دينار الجمحي أبي محمد المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (22) بابا (سمع عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبا محمد المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (يخبر عن صفوان بن يعلى) بن أمية التميمي أو التيمي حليف لقريش المكي روى عن أبيه في الصلاة والحج والحدود، ويروي عنه (خ م ت س) وعطاء بن أبي رباح والزهري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (عن أبيه) يعلى ابن أمية بن أبي عبيدة عبيد بن الهمام بن الحارث التميمي حليف قريش وهو يعلى ابن منية اسم أمه الصحابي المشهور المكي رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مكيون واثنان كوفيان أو كوفي وبلخي أو كوفي ومروزي، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض عمرو عن عطاء عن صفوان، وفيه التحديث والسماع والعنعنة والمقارنة (أنه) أي أن يعلى ابن أمية (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ) في خطبته (على المنبر) قوله تعالى (ونادوا يا مالك) ليقض علينا ربك .. ) الآية، قال النواوي: فيه القراءة في الخطبة وهي مشروعة بلا خلاف، واختلفوا في وجوبها والصحيح عندنا وجوبها وأقلها آية اهـ، قال الأبي: وفيه استحباب التحذير، قال القرطبي: يحتمل أن يكون أراد الآية وحدها أو السورة كلها ونبه ببعضها عليها كما يقال: قرأت (الحمد لله) وفي قراءته هذه الآية وسورة (ق) دليل على صحة استحباب مالك قراءة شيء من القرآن في الخطبة، وخص هذه الآية وسورة (ق) لما تضمنته من المواعظ والزجر والتحذير اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا

1903 - (838) (242) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ؛ قَالتْ: أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ يَقْرَأُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فِي كُلِّ جُمُعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أحمد [4/ 223]، والبخاري [3230]، وأبو داود [3992]، والترمذي [508]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث يعلى بحديث أخت عمرة بنت عبد الرحمن رضي الله عنهم فقال: 1903 - (838) (242) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان البكري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني، ثقة، من (5) (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، ثقة، من (3) (عن أخت لعمرة) بنت عبد الرحمن لأمها قيل هي أم هشام بنت حارثة بن النعمان الأنصارية لها صحبة، وقيل أم هند بنت حارثة بن النعمان الأنصارية المدنية صحابية مشهورة، لها أحاديث انفرد لها (م) بحديثين، وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها المذكورة، ويروي عنها (م د س ق) وأختها لأمها عمرة بنت عبد الرحمن، ولم أر من ذكر اسمها، قال النواوي: لا يضر السند عدم تسميتها لأنها صحابية والصحابة كلهم عدول، وهذا السند من سداسياته أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد سمرقندي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والعنعنة، وفيه رواية تابعي عن تابعية (قالت) أخت عمرة (أخذت) وتعلمت سورة ({ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} من في رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من فمه (يوم الجمعة وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقرأ بها) أي بسورة ق في الخطبة (على المنبر في كل) يوم (جمعة) قال القاضي: وسبب ذلك ما فيها من أمر الموت والآخرة والمواعظ الشديدة، وفيه استحباب قراءتها أو بعضها في كل جمعة. [قلت]: قد تقدم ما نقلنا من حديث كان لا يدع قراءة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

1904 - (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ. كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا. بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. 1905 - (00) (00) حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] ويجمع بين الحديثين بأن كلا منهما محمول على الأغلب اهـ أبي. وشارك المؤلف افي رواية هذا الحديث أحمد [6/ 436]، وأبو داود [1100]، والنسائي [3/ 107]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أخت عمرة رضي الله تعالى عنها فقال: 1904 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور (أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن يحيى بن أيوب) الغافقي أبي العباس المصري، صدوق، من (7) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية (عن) أم هشام بنت حارثة بن النعمان بن نفيع -بالنون والفاء مصغرًا- بن زيد الأنصارية الخزرجية (أخت لعمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية لكن يشكل هذا بأن أم هشام هي بنت حارثة وعمرة هي بنت عبد الرحمن فكيف تكون أختها؟ ويجاب بأن المراد أختها من الرضاعة ومن الأم أو من القرابة البعيدة فلا إشكال اهـ من العون (كانت) أي أخت لعمرة (أكبر منها) أي من عمرة، وساق يحيى بن أيوب (بمثل حديث سليمان بن بلال) عن يحيى بن سعيد، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بيان متابعة يحيى بن أيوب لسليمان بن بلال في الرواية عن يحيى بن سعيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أخت عمرة رضي الله عنها فقال: 1905 - (00) (00) (حدثني محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن

عَنْ خُبَيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ، عَنْ بِنْتِ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ؛ قَالتْ: مَا حَفِظْتُ (ق) إلا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. يَخْطُبُ بِهَا كُلِّ جُمُعَةٍ. قَالتْ: وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا. 1906 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. قَال: حَدَّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الورد العتكي أبو بسطام البصري، ثقة إمام الأئمة، من (7) روى عنه في (30) بابا (عن خبيب) بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الله بن محمد بن معن) الغفاري المدني، روى عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان حديث (ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة) ويروي عنه (م د) وخبيب بن عبد الرحمن وليس له في الكتابين غير هذا الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة (عن) أم هشام (بنت لحارثة بن النعمان) الأنصارية المدنية، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن محمد بن معن لعمرة بنت عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أم هشام، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قالت) بنت حارثة: (ما حفظت) وتعلصت سورة (ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إلا من فمه حالة كونه (يخطب بها) أي بسورة ق أي يقرأ بها في خطبته (كل) يوم (جمعة قالت) بنت حارثة (وكان تنورنا) أي مخبزنا (وتنور) أهل (رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا) ليس له ثان، وهذا إشارة إلى حفظها ومعرفتها بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وقرب منزلها من منزله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أم هشام رضي الله تعالى عنها فقال: 1906 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن يحيى بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري أبو يوسف المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) (عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي أبي عبد الله المدني، صدوق، من (5) (قال) محمد بن إسحاق (حدثني

عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أُمِّ هِشَامِ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ؛ قَالتْ: لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا. سَنَتَينِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ. وَمَا أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. يَقْرَؤُهَا كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ. إِذَا خَطَبَ النَّاسَ. 1907 - (839) (243) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري) أبو محمد المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد) ويقال أسعد (بن زرارة) الأنصاري الخزرجي المدني، روى عن أم هشام بنت حارثة في الصلاة، وسودة بنت زمعة وأبي هريرة وغيرهم، ويروي عنه (م د) وعبد الله بن بكر بن محمد ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال العجلي: تابعي ثقة، من (4) (عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان) الأنصارية المدنية رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا عمرًا الناقد فإنه بغدادي، وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن عبد الله لعمرة بنت عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أم هشام، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قالت) أم هشام والله القد كان تنورنا) أي مخبزنا (وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا سنتين) أي مدة سنتين (أو) قالت أم هشام (سنة وبعض سنة) شك يحيى بن عبد الله، قالت أم هشام: (وما أخذت) أي تعلمت ونقلت سورة ({ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}) عن لسان أحد (إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس) أي وعظهم. ثم استشهد المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه فقال: 1907 - (839) (243) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأزدي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (عن حصين) بن

عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤيبَةَ. قَال: رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيهِ. فَقَال: قَبَّحَ اللهُ هَاتَينِ الْيَدَينِ. لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَيَّ أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هكَذَا. وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ. 1908 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا أَبُو عَوَانَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي، ثقة، من (5) (عن عمارة بن رؤيبة) مصغرًا الثقفي أبي زهير الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) حصين: (رأى) عمارة بن رؤيبة (بشر بن مروان) بالنصب على المفعولية لأن رأى بصرية، وفاعلها ضمير يعود على عمارة وهو بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي المدني، من أمراء بني أمية حالة كون بشر (على المنبر) النبوي وحالة كونه (رافعًا يديه) إلى السماء، وفي رواية الترمذي زيادة في الدعاء (فقال) عمارة كما هو مصرح في رواية الترمذي (قبح الله) تعالى (هاتين اليدين) اللتين رفعتا عند الدعاء على خلاف السنة يعني يدي بشر، والظاهر أنه دعاء عليه لأنه خالف السنة، وقيل إخبار عن قبح صنعه نحو قوله تعالى تبت يدا أبي لهب كما في المرقاة، وفي رواية الترمذي (هاتين اليدين القصيرتين) بالتصغير فيهما، والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول) أي على أن يشير فهو من إطلاق القول على الفعل (بيده) الشريفة (هكذا) قال حصين بن عبد الرحمن (وأشار) عمارة (بإصبعه المسبحة) حكاية لرفع النبي صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: كان ذلك والله أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التشهد في الخطبة كما كان يفعل في الصلاة اهـ. والحديث يدل على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء اهـ تحفة الأحوذي، قال النواوي: وهذا يدل على أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم، وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى، وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض الاستسقاء اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد، وأبو داود [1104]، والترمذي [515]، والنسائي [3/ 108]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمارة رضي الله عنه فقال: 1908 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة)

عَنْ حُصَينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ؛ قَال: رَأَيتُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، يَرْفَعُ يَدَيهِ. فَقَال عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيبَةَ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن حصين بن عبد الرحمن) السلمي الكوفي (قال) حصين: (رأيت بشر بن مروان) الأموي المدني (يوم جمعة يرفع يديه) على المنبر عند الدعاء (فقال عمارة بن رؤيبة) الحديث (فذكر) أبو عوانة في روايته (نحوه) أي نحو حديث عبد الله بن إدريس، وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لعبد الله بن إدريس في رواية هذا الحديث عن حصين بن عبد الرحمن. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث يعلى ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أخت عمرة بنت عبد الرحمن ذكره للاستشهاد لحديث يعلى وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث عمارة بن رؤيبة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

374 - (85) باب ركوع من دخل والإمام يخطب والتعليم في حالة الخطبة

374 - (85) باب: ركوع من دخل والإمام يخطب والتعليم في حالة الخطبة 1909 - (845) (244) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: بَينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَصَلَّيتَ يَا فُلانُ؟ " قَال: لَا. قَال: "قُمْ فَارْكَعْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 374 - (85) باب ركوع من دخل والإمام يخطب والتعليم في حالة الخطبة 1909 - (840) (244) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قالا: حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (عن عمرو بن دينار) الجمحي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد مكي أو بلخي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) جابر (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ) فجائية رابطة لجواب بينا (جاء رجل) هو سليك -بضم السين مصغرًا، ابن عمرو أو ابن هدية كذا في الإصابة- الغطفاني بفتحتين فجلس أي بينا أوقات وعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم الجمعة فاجأهم مجيء رجل فجلوسه قبل صلاة ركعتين تحية المسجد (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت يا فلان) بهمزة الاستفهام الاستخباري فـ (قال) الرجل (لا) أي ما صليت (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (قم) يا فلان (فأركع) أي فصل ركعتين تحية المسجد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 317]، وأبو داود [1115]، والترمذي [510]، والنسائي [3/ 103]، وابن ماجه [1112]. قال القسطلاني: واستدل بهذا الحديث الشافعية والحنابلة على أن الداخل للمسجد والخطيب يخطب على المنبر يندب له صلاة تحية المسجد إلا في آخر الخطبة ويخففها وجوبًا ليسمع الخطبة، قال الزركشي: والمراد بالتخفيف فيما ذكر الاقتصار على

1910 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ويعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كَمَا قَال حَمَّادٌ. وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّكْعَتَينِ. 1911 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الواجبات لا الإسراع، قال: ويدل له ما ذكروه من أنه إذا ضاق الوقت وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات اهـ ومنع منها المالكية والحنفية لحديث ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال للذي دخل يتخطى رقاب الناس: "اجلس فقد آذيت" وأجابوا عن قصة سليك بأنها واقعة عين لا عموم لها فتختص بسليك (وأجيب) بأن الأصل عدم الخصوصية وبان التحية لا تفوت بالجلوس في حق الجاهل أو الناسي، فحال هذا الرجل الداخل محمولة على أحدهما، وبأن قوله للذي يتخطى على رقاب الناس: اجلس أي لا تتخط أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز فإنها ليست واجبة أو لكون دخوله وقع في آخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية أو كان قد صلى التحية في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة فوقع منه التخطي فانكر عليه اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1910 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (ويعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المعروف ب (ابن علية) اسم أمه، القرشي الأسدي مولاهم أبي بشر البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن جابر) بن عبد الله المدني، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب السختياني لحماد بن زيد في الرواية عن عمرو (عن النبي صلى الله عليه وسلم) فقال أيوب في روايته (كما قال حماد) بن زيد أي مثل ما روى حماد بلا زيادة ولا نقص (ولم يذكر) أيوب لفظة (الركعتين) كما لم يذكره حماد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 1911 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي الثقفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال قتيبة: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا سفيان) بن

عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَال: "أَصَلَّيتَ؟ " قَال: لَا. قَال: "قُمْ فَصَلّ الرَّكْعَتَينِ". وَفِي رِوَايَةِ قُتَيبَةَ قَال: "صَلِّ رَكْعَتَينِ". 1912 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عيينة الهلالي الكوفي (عن عمرو) بن دينار المكي (سمع) عمرو (جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (يقول) وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان لحماد بن زيد في الرواية عن عمرو، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (دخل رجل) هو سليك الغطفاني (المسجد) النبوي (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يخطب يوم الجمعة فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (أصليت) بهمزة الاستفهام الاستخباري (قال) الرجل (لا) أي ما صليت (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (قم فصل الركعتين) هكذا في رواية إسحاق بالتعريف (و) أما (في رواية قتيبة) فإنه قال: (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (صل ركعتين) بالتنكير، وبلا ذكر لفظ (قم) وبلا فاء في لفظ فصل. [تنبيه]: - لو جاء في آخر الخطبة فلا يصلي لئلا يفوته أول الجمعة مع الإمام، قال في المجموع: وهذا محمول على تفصيل ذكره المحققون من أنه إن غلب على ظنه أنه إن صلاها فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام لم يصل التحية بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لثلا يكون جالسًا في المسجد قبل التحية. قال ابن الرفعة: ولو صلاها في هذه الحالة استحب للإمام أن يزيد في كلام الخطبة بقدر ما يكملها فإن لم يفعل الإمام ذلك، قال في الأم: كرهته له فإن صلاها وقد أقيمت الصلاة كرهت ذلك له اهـ من القسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1912 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (ابن جريج) الأموي المكي (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي

أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَخْطُبُ. فَقَال لَهُ: "أَرَكَعْتَ رَكْعَتَينِ؟ " قَال: لَا. فَقَال: "ارْكَعْ". 1913 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو؛ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَال: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الإِمَامُ، فَليُصَلِّ رَكْعَتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان في رواية هذا الحديث عن عمرو، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (جاء رجل) وهو سليك المار (والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر بوم الجمعة) حالة كونه (يخطب فقال له) النبي صلى الله عليه وسلم: (أركعت) بهمزة الاستفهام أي هل صليت (ركعتين قال) الرجل: (لا) أي ما صليت (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (اركع) أي صل ركعتين تحية المسجد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 1913 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد وهو ابن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عمرو) بن دينار المكي (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني، وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لمن روى عن عمرو (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب) الناس ووعظهم (فقال) في خطبته (إذا جاء أحدكم) المسجد (يوم الجمعة و) الحال أنه (قد خرج الإمام) إلى المسجد وشرع في الخطبة (فليصل ركعتين) تحية المسجد، قال ابن الملك: استدل به الشافعي وأحمد على استحباب تحية المسجد وإن كان الإمام في الخطبة، وكرهها أبو حنيفة ومالك لأنها تخل باستماع الخطبة وهو واجب عند الجمهور، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام" فتعارضا وتساقطا فبقي الاستماع على وجوبه اهـ لكن قول (إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام) قال فيه ابن الهمام: رفعه غريب، والمعروف كونه من كلام الزهري.

1914 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ قَال: "جَاءَ سُلَيكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَقَعَدَ سُلَيكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرَكَعْتَ رَكْعَتَينِ؟ " قَال: لَا. قَال: "قُمْ فَارْكَعهُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1914 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني، وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن جابر (أنه) أي أن جابرًا (قال: جاء سليك الغطفاني) بفتحات (يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي) تحية المسجد (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أركعت) أي هل صليت (ركعتين) تحية المسجد (قال) سليك: (لا، قال) النبي صلى الله عليه وسلم (قم فاركعهما) أي فصل الركعتين. قال النواوي: وفي هذه الأحاديث جواز الكلام في الخطبة لحاجة، وفيها جوازه للخطيب وغيره، وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن، وفيها أن تحية المسجد ركعتان وأن نوافل النهار ركعتان، وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل حكمها اهـ. وقد أطلق الشافعية فواتها بالجلوس وهو محمول على العالم بأنها سنة، أما الجاهل فيتداركها على قرب لهذا الحديث. ويستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن الصلاة وأنها ذات سبب تباح في كل وقت ويلحق بها كل ذوات الأسباب كقضاء الفائتة ونحوها لأنها لو سقطت في حال ما لكان هذا الحال أولى به فإنه مامور باستماع الخطبة فلما ترك لها استماع الخطبة وقطع النبي صلى الله عليه وسلم لها الخطبة وأمره بها بعد أن قعد وكان هذا الجالس جاهلًا حكمها دل على تأكدها وأنها لا تترك بحال ولا في وقت من الأوقات والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من العون.

1915 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. كِلاهُمَا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. قَال ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: جَاءَ سُلَيك الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ. فَقَال لَهُ: "يَا سُلَيكُ! قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَينِ. وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا". ثُمَّ قَال: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَينِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا". 1916 - (841) (245) وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 1915 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن المروزي (كلاهما عن عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (قال ابن خشرم: أخبرنا عيسى عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن جابر (قال) جابر: (جاء سليك الغطفاني بوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخطب فجلس) سليك بلا صلاة (فقال له) النبي صلى الله عليه وسلم (يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما) أي خفف أداءها بالاقتصار على الواجبات، قال في المصباح: يقال: تجوزت في الصلاة ترخصت فيها فاتيت بادنى ما يكفي اهـ (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) أي فليخفف في الركعتين باقتصاره على أقل ما يجزئ في الصلاة لئلا تشغله عن استماع الخطبة. قال القاضي عياض: وفي الحديث أن الجمعة لا يخرج فيها إلى الصحراء وإنما تصلى بالمسجد وهو شرط فيها وهذا إجماع من العلماء إلا شيئًا حكاه القزويني وأنكره شيوخنا اهـ أبي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة فقال: 1916 - (841) (245) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأبلي،

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ. قَال: قَال أَبُو رِفَاعَةَ: انْتَهَيتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ. قَال: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ. جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ. لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ. قَال: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) العدوي أبو نصر البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) حميد بن هلال: (قال أبو رفاعة) العدوي الصحابي الجليل رضي الله عنه تميم بن أسيد البصري، وقيل عبد الله بن الحارث بن أسد بن عدي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (م س) وحميد بن هلال وصلة بن أشيم العدويان البصريان، قال ابن عبد البر: كان من فصحاء الصحابة قيل استشهد سنة (44) أربع وأربعين (انتهيت) ووصلت (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وتقربت إليه (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يخطب) في الجمعة، قال القرطبي: يحتمل أن تكون تلك الخطبة للجمعة ولغيرها إذ قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع الناس لغير الجمعة عند نزول النوازل فيخطبهم ويعظهم اهـ من المفهم (قال) أبو رفاعة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله) أنا (رجل كريب) عن أهله ووطنه (جاء) إليك، حالة كونه (يسألـ) ـــك (عن) أحكام (دينه) أي يريد أن يسألك عنها، وحالة كونه (لا يدري) ولا يعلم الجواب (ما) أحكام (دينه) قال القرطبي: وفيه استلطاف في السؤال واستخراج حسن للتعليم لأنه لما أخبره بذلك تعين عليه أن يعلمه، وأيضًا فإن هذا الرجل الغريب الذي جاء سائلًا عن دينه هو من النوع الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ناسًا يأتونكم من أقطار الأرض يطلبون العلم فاستوصوا بهم خيرًا" رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري، فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يأمر بشيء إلا كان أول آخذ به، وإذا نهى عن سْيء كان أول تارك له اهـ من المفهم (قال) أبو رفاعة (فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) بوجهه الشريف (وترك خطبته) يحتمل أن هذه الخطبة خطبة أمر غير الجمعة ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل، ويحتمل أنها كانت خطبة الجمعة واستأنفها، ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل، ويحتمل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلقًا بالخطبة فيكون

حَتَّى انْتَهَى إِليَّ. فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا. قَال: فَقَعَدَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَجَعَلَ يُعَلّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ. ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ منها ولا يضر المشي في أثنائها اهـ نواوي، قال القرطبي: إنما فعل ذلك لتعينه عليه في الحال ولخوف الفوت ولأنه لا يناقض ما كان فيه من الخطبة، ومشيه صلى الله عليه وسلم وقربه منه في تلك الحال مبادرة لاغتنام الفرصة وإظهار التهمم بشأن السائل اهـ من المفهم (حتى انتهى) ووصل (إليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بكرسي) يجلس عليه، قال أبو رفاعة (حسبت) أي أحسب وأظن (قوائمه) أي قوائم ذلك الكرسي وأرجلها (حديدا) أي كونها من حديد بنصب الجزأين على أنهما مفعولان لحسب، وقد فسره حميد في كتاب ابن أبي شيبة فقال: أراه كان من عود أسود فحسبه من حديد، قلت: وأظن أن هذا الكرسي هو المنبر ويعني به أنه نقل عن موضعه المعتاد له إلى موضع السائل ليجلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم (قال) أبو رفاعة (فقعد) أي جلس (عليه) أي على ذلك الكرسي الذي جيء به (رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعلمني مما علمه الله) سبحانه وتعالى من أحكام الدين (ثم أتى خطبته فأتم آخرها) أي لما فرغ من تعليم الرجل رجع إلى أسلوب خطبته المتقدم، لا يقال: إن هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم قطع للخطبة لما قررناه من أن تعليم العلم والأمر والنهي في الخطبة لا يكون قطعًا للخطبة، والجمهور على أن الكلام في الخطبة لأمر يحدث لا يفسدها، وحكى الخطابي عن بعض العلماء: أن الخطيب إذا تكلم في الخطبة أعادها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 80]، والنسائي [8/ 220]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والثاني حديث أبي رفاعة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

375 - (86) باب ما يقرأ به في صلاة الجمعة وفي صبح يومها

375 - (86) باب: ما يقرأ به في صلاة الجمعة وفي صبح يومها 1917 - (842) (245) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ) عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ؛ قَال: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ. فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيرَةَ الْجُمُعَةَ. فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}. قَال: فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيرَةَ حِينَ انْصَرَفَ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَينِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ. فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 375 - (86) باب ما يقرأ به في صلاة الجمعة وفي صبح يومها 1917 - (842) (245) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن جعفر) بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق الهاشمي أبي عبد الله المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين الهاشمي أبي جعفر المدني (عن) عبيد الله (بن أبي رافع) إبراهيم القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاشمي المدني، ثقة، من (3)) قال) ابن أبي رافع (استخلف مروان) ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي المدني من أمراء بني أمية (أبا هريرة على المدينة) حين كان عاملًا عليها لمعاوية بن أبي سفيان (وخرج) مروان (إلى مكة) وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا عبد الله بن مسلمة فإنه بصري أو هو مدني أيضًا، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (فصلى) إمامًا (لنا أبو هريرة الجمعة فقرأ) أبو هريرة (بعد) قراءة (سورة الجمعة) في الركعة الأولى أي قرأ (في الركعة الآخرة) أي الثانية متعلق بقرأ ({إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}) مفعول به لقرأ (قال) ابن أبي رافع (فأدركت) أي لحقت (أبا هريرة حين انصرف) أي حين خرج من المسجد وذهب (فقلت له) أي لأبي هريرة (إنك) يا أبا هريرة (قرأت) لنا اليوم (بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما) حين كان إمامًا لنا (بالكوفة فقال أبو هريرة) قرأتهما (إني) أي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما) أي بهاتين السورتين (يوم الجمعة) في صلاتها. وشارك المؤلف في

1918 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ). كِلاهُمَا عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أبِي رَافِعٍ. قَال: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيرَةَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ: فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، فِي السَّجْدَةِ الأُولَى. وَفِي الآخِرَةِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية هذا الحديث أبو داود [1124]، والترمذي [519]، وابن ماجه [1118]. قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة بسورتها ليذكرهم بأمرها ويبين تأكيدها وأحكامها، وأما قراءة سورة المنافقين فلتوبيخ من يحضرها من المنافقين لأنه قل من كان يتأخر عن الجمعة منهم إذ قد كان هدد على التخلف عنها بحرق البيوت على من فيها ولعل هذا والله أعلم كان في أول الأمر فلما عقل الناس أحكام الجمعة وحصل توبيخ المنافقين عدل عنها إلى قراءة (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) على ما في حديث عباد بن بشر لما تضمنتاه من الوعظ والتحذير والتذكير وليخفف أيضًا عن الناس كما قال: "إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية" رواه البخاري ومسلم وأبو داود من حديث جابر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1918 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (وأبو بكر ابن أبي شيبة) العبسي الكوفي (قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل) المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا عبد العزيز) بن محمد الجهني مولاهم المدني (يعني الدراوردي) صدوق، من (8) (كلاهما) أي كل من حاتم وعبد العزيز رويا (عن جعفر) الصادق (عن أبيه) محمد الباقر (عن عببد الله بن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة) وساق (بمثله) أي ساق حاتم بن إسماعيل وعبد العزيز الدراوردي بمثل حديث سليمان بن بلال، وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة حاتم بن إسماعيل والدراوردي لسليمان بن بلال في رواية هذا الحديث عن جعفر الصادق، ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أن) أي لكن أن (في رواية حاتم) بن إسماعيل (فقرأ) أبو هريرة (بسورة الجمعة في السجدة الأولى) أي في الركعة الأولى، ففيه مجاز مرسل علاقته الجزئية (وفي) الركعة (الآخرة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}) هكذا رواية حاتم

وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. 1919 - (843) (246) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) أما (رواية عبد العزيز) فهي (مثل رواية سليمان بن بلال) والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهم فقال: 1919 - (843) (246) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي حالة كونهم (جميعا) أي مجتمعين على الرواية (عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (قال يحيى) بن يحيى في روايته عنه (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بصيغة السماع (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) بن الأجدع ابن أخي مسروق بن الأجدع الهمداني الكوفي، روى عن أبيه في الصلاة والحج، وقيس بن مسلم، ويروي عنه (ع) وجرير بن عبد الحميد وأبو عوانة وشعبة والسفيانان ومسعر وخلق، وثقه أحمد وأبو حاتم والنسائي والعجلي ويعقوب بن سفيان وابن سعد ويحيى بن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة قانت لئه نبيل، من الخامسة (عن أبيه) محمد بن المنتشر الهمداني الكوفي، روى عن حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير في الصلاة، وحميد بن عبد الرحمن الحميري في الصوم، وعائشة في الحج، وسال عبد الله بن عمرو في الحج، ويروي عنه (ع) وابنه إبراهيم وعبد الملك بن عمير ومجالد وسماك بن حرب وغيرهم، وثقه أحمد وابن سعد وقال: له أحاديث قليلة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير) وكاتبه الأنصاري مولاهم الكوفي، روى عن النعمان بن بشير في الصلاة، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن المنتشر وبشير بن ثابت، وثقه أبو داود وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من الثالثة (عن النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي أبي عبد الله المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (2) بابين، وهذا السند من

قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ، فِي الْعِيدَينِ وَفِي الْجُمُعَةِ، بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى)، وَ (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ). قَال: وَإذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأُ بِهِمَا أَيضًا فِي الصَّلاتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني أو أربعة كوفيون وواحد مدني وواحد إما نيسابوري أو مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) النعمان بن بشير: كان رسول الله صلى الله عليه وملم يقرأ في العيدين) أي الفطر والأضحى أي في صلاتهما منفردين عن الجمعة (وفي الجمعة) أي في صلاتها (بسبح اسم ربك الأعلى) في الركعة الأولى بعد الفاتحة (وهل أتاك حديث الغاشية) أي في الركعة الئانية بعدها، وكأنه كان يقرأ ما ذكره أبو هريرة تارة من قراءة سورة الجمعة والمنافقون، وما ذكره النعمان تارة، وفي سبح اسم ربك والغاشية من التذكير بأحوال الآخرة والوعد والوعيد ما يناسب قراءتهما في تلك الصلاة الجامعة، وقد ورد في العيدين أنه كان يقرأ بقاف واقتربت، فالسنة أن يقرأ الإمام في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين، أو في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية، أو في الأولى بالجمعة وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية، قال العراقي: والأفضل من هذه الكيفيات قراءة الجمعة في الأولى ثم المنافقين في الثانية كما نص عليه الإمام الشافعي فيما رواه عنه الربيع، وقد ثبتت الأوجه الثلاثة التي قدمناها فلا وجه لتفضيل بعضها على بعض إلا أن الأحاديث التي فيها لفظ كان مشعرة بأنه فعل ذلك في أيام متعددة اهـ من العون. (قال) النعمان بن بشير (وإذا اجتمع العيد) أي أحد العيدين (والجمعة في يوم واحد) بأن كان العيد يوم جمعة كان (يقرأ) النبي صلى الله عليه وسلم (بهما) أي بسورة الأعلى وسورة الغاشية (أيضًا) أي كما يقرأ بهما فيهما إذا انفردا (في الصلاتين) أي في صلاة العيد وصلاة الجمعة، وهذا يدل على أنه لا يكتفى بصلاة العيد عن صلاة الجمعة إذا اجتمعتا في يوم واحد وهو المشهور من مذاهب العلماء خلافًا لمن ذهب إلى أن الجمعة تسقط يومئذ وإليه ذهب ابن الزبير وابن عباس، وقالا: هي السنة، وذهب غيرهما إلى أنهما يصليان غير أنه يرخص لمن أتى العيد من أهل البادية في ترك إتيان الجمعة وإلى ذلك ذهب عثمان رضي الله عنه، والذي استمر العمل عليه ما دل عليه ظاهر الحديث المتقدم اهـ من المفهم.

1925 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 1921 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيسٍ إِلَى النعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 1920 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن حبيب بن سالم بن النعمان بن بشير، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي عوانة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 1921 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي، ثقة، من (8) (عن ضمرة) بفتح فسكون (بن سعيد) بن أبي حسنة -بفتح المهملتين وبالنون- اسمه عمرو بن غزية الأنصاري المازني نسبة إلى جده مازن بن النجار المدني، روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود في الصلاة، وأبي سعيد وأنس، ويروي عنه (م عم) وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس وفليح بن سليمان، وثقه ابن معين وأحمد وأبو حاتم والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، وليس في مسلم ضمرة إلا هذا الثقة (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني الأعمى الفقيه أحد السبعة ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (قال: كتب الضحاك بن قيس) هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين التميمي السعدي، أبو بحر البصري اسمه الضحاك، وقيل: صخر مخضرم، ثقة، من الثانية، مات سنة (67) سبع وستين، روى عنه (ع) (إلى النعمان بن بشير) الأنصاري، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي غرضه بسوقه

يَسْأَلُهُ: أَيَّ شَيءٍ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، سِوَى سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَال: كَانَ يَقْرَأُ: (هَلْ أتَاكَ). 1922 - (844) (247) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة عبيد الله بن عبد الله لحبيب بن سالم في رواية هذا الحديث عن النعمان بن بشير حالة كون الضحاك (يسأله) أي يسأل النعمان بن بشير (أي شيء) من سور القرآن (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة سوى سورة الجمعة) التي قرأها في الركعة الأولى (فقال) النعمان بن بشير: (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقرأ) في الركعة الثانية سورة (هل أتاك) حديث الغاشية. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1922 - (844) (247) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت، من صغار (8) روى عنه في (12) بابا (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7) روى عنه في (24) بابا (عن مخول) بوزن محمد أو بوزن منبر (بن راشد) النهدي مولاهم أبي راشد الكوفي الحناط بمهملة ونون، روى عن أبي مسلم البطين في الصلاة، ومحمد الباقر وأبي سعيد، ويروي عنه (ع) والثوري وشعبة وأبو عوانة، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (140) أربعين ومائة (عن مسلم) بن عمران أو أبي عمران (البطين) -بفتح فكسر- لقبه، معناه عظيم البطن، أبي عبد الله الكوفي، روى عن سعيد بن جبير في الصلاة والصوم والزهد والتفسير، ومجاهد في الصوم، وعطاء بن أبي رباح في الصوم، وأبي وائل وغيرهم، ويروي عنه (ع) ومخول بن راشد والأعمش وإسماعيل بن سميع وسلمة بن كهيل وأبو إسحاق وابن عون وغيرهم، وثقه أحمد والنسائي وابن معين وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة فقيه مشهور، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: (الَمَ تَنْزِيلُ) السَّجْدَةُ، وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ). وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ، فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ، سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. 1923 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس فإنه طائفي (أن النبي صلى الله عليه وسم كان يقرأ في صلاة الفجر) أي في صلاة الصبح (يوم الجمعة) أي كان يقرأ في الركعة الأولى من صبح يوم الجمعة (الم تنزيل السجدة) تنزيل بالرفع على الحكاية، ويجوز نصبه على البدل، وقوله السجدة يجوز نصبه بأعني، ورفعه على أنه خبر لمبتدإ محذوف، وجره بالإضافة على تقدير إعراب تنزيل، ذكره ملا علي في المرقاة اهـ من بعض الهوامش (و) في الركعة الثانية (هل أتى على الإنسان حين من الدهر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة) في الركعة الأولى (سورة الجمعة و) في الثانية (المنافقين). قال القرطبي: وسجوده صلى الله عليه وسلم في صلاة صح يوم الجمعة عند قراءة السجدة دليل على جواز قراءة السجدة في صلاة الفريضة، وقد كره ذلك في المدونة وعلل بخوف التخليط على الناس، وقد علل بخوف زيادة سجدة في صلاة الفرض، وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1124]، والترمذي [519]، وابن ماجه [1118]. قال النواوي: وفي هذا الحديث تدليل لمذهبنا ومذهب موافقينا في استحبابهما في صبح يوم الجمعة، وأنه لا تكره قراءة آية السجدة في الصلاة ولا السجود لها، وكره مالك وآخرون ذلك وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المروية من طرق عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1923 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب) الهمداني محمد بن العلاء

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 1924 - (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُخَوَّلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. فِي الصَّلاتَينِ كِلْتَيهِمَا. كَمَا قَال سُفْيَانُ. 1925 - (845) (248) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي (كلاهما) أي كل من عبد الله بن نمير ووكيع بن الجراح رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (بهذا الإسناد) يعني عن مخول بن راشد عن مسلم عن سعيد عن ابن عباس (مثله) أي مثل ما روى عبدة بن سليمان عن سفيان، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد الله بن نمير ووكيع بن الجراح لعبدة بن سليمان في رواية هذا الحديث عن سفيان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1924 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن مخول) بن راشد (بهذا الإسناد) يعني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (مثله) أي مثل ما روى سفيان عن مخول، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري في رواية هذا الحديث عن مخول أي روى شعبة عن مخول (في الصلاتين) يعني صلاة الفجر وصلاة الجمعة (كلتيهما) تأكيد للصلاتين، وقال شعبة في روايته (كما قال سفيان) الثوري أي مثل ما قال سفيان لفظًا ومعنى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 1925 - (845) (248) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبي إسحاق المدني التابعي الصغير (عن عبد الرحمن) بن هرمز المعروف بـ (الأعرج) المدني التابعي الكبير (عن أبي هريرة) المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم

عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: (المَ تَنْزِيلُ)، وَ (هَلْ أَتَى). 1926 - (00) (00) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: بِـ (الم تَنْزِيلُ)، فِي الرَّكْعَةِ الأوُلَى. وَفِي الثانِيَةِ: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيئًا مَذْكُورًا) ـــــــــــــــــــــــــــــ مدنيون واثنان كوفيان وواحد نسائي، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في) فريضة (الفجر يوم الجمعة (الم تنزيل) السجدة في الركعة الأولى (وهل أتى) على الإنسان في الركعة الثانية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الصلاة، والنسائي أخرجه في الصلاة أيضًا، وابن ماجه أخرجه أيضًا في الصلاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1926 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري المدني (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان، وفيه التحديث والعنعنة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إبراهيم بن سعد لسفيان الثوري في رواية هذا الحديث عن سعد بن إبراهيم، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح يوم الجمعة بالم تنزيل) بالرفع على الحكاية (في الركعة الأولى و) كان يقرأ (في) الركعة (الثانية هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورا) والحكمة في قراءتهما الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة لأن ذلك كان ويكون في يوم الجمعة، والتعبير بكان يشعر بمواظبته صلى الله عليه وسلم على القراءة بهما فيها، وعورض بأنه ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائمًا اقتضاء قويًّا، وأكثر العلماء على أن كان لا تقتضي المداومة، وأجيب بأنه ورد في حديث ابن مسعود

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك أخرجه الطبراني بلفظ يديم ذلك، وأصله في ابن ماجه بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات، لكن صوب أبو حاتم إرساله، وبالجملة فالزيادة نص في ذلك فدل على النية وبه أخذ الكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال به أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وكره مالك في المدونة للإمام أن يقرأ بسورة فيها سجدة خوف التخليط على المصلين، ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط، وأجيب بأنه صح في حديث ابن عمر عند أبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بها فبطلت التفرقة، وقيل العلة خشية اعتقاد العامي وجوبها، وحينئذ تترك أحيانًا لتندفع الشبهة وبه قال صاحب المحيط من الحنفية اهـ إرشاد الساري. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث النعمان بن بشير ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيها متابعتين، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد لحديث ابن عباس وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

376 - (87) باب التنفل بعد الجمعة والفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال

376 - (87) باب: التنفل بعد الجمعة والفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال 1927 - (846) (249) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 376 - (87) باب التنفل بعد الجمعة والفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال 1927 - (846) (249) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني، ثقة ثبت، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد واسطي وواحد نيسابوري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا) من الركعات من النوافل هكذا في رواية، وفي رواية "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعًا" وفي رواية "من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا" وفي رواية "أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعدها ركعتين" قال النواوي: في هذه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها والحث عليها، وأن أقلها ركعتان، وأكملها أربع، ونبه صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا صلى أحدكم بعد الجمعة فليصل بعدها أربعًا" على الحث عليها فأتى بصيغة الأمر، ونبه بقوله "من كان منكم مصليًا" على أنها سنة ليست واجبة، وذكر الأربع لفضيلتها وفعل الركعتين في أوقات بيانًا بأن أقلها ركعتان، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعًا لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به اهـ منه. قال القرطبي: قوله (إذا صليتم الجمعة فصلوا أربعًا) أي إذا أردتم أن تصلوا نفلًا كما قال في الرواية الأخرى "من كان مصليًا بعد الحمعة فليصل أربعًا" قال الإمام: وكل هذا إشارة إلى ترك الاقتصار على ركعتين لئلا تلتبس الجمعة بالظهر التي هي أربع على

1928 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا صَلَّيتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا". زَادَ عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ: قَال ابْنُ إِدْرِيسَ: قَال سُهَيل: "فَإِنْ عَجِلَ بِكَ شَيءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهل، أو لئلا يتطرق أهل البدع إلى صلاتها ظهرًا أربعًا وإلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، ذهب أبو حنيفة وإسحاق فقالا: يصلي أربعًا لا يفصل بينهن، وروي عن جماعة من السلف أنه يصلي بعدها ركعتين ثم أربعًا وهو مذهب الثوري وأبي يوسف، لكن استحب أبو يوسف تقديم الأربع على الاثنين، واستحب الشافعي التنفل بعدها وأن الأكثر أفضل، وأخذ مالك برواية ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي في بيته ركعتين، وجعله في الإمام أشد ووسع لغيره في الركوع في المسجد مع استحبابه أن لا يفعلوا قاله عياض اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 249 و 442] وأبو داود [1131] والنسائي [3/ 113] وابن ماجه [1132]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1928 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني (عن أبيه) أبي صالح السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لخالد بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن سهيل (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صليتم) أي إذا أردتم صلاة النافلة (بعد) فراغكم من (الجمعة فصلوا أربعًا) أي كملوا أربع ركعات فلا تقتصروا على ركعتين لئلا تلتبس الجمعة بالظهر التي هي أربع على الجاهل أو لئلا يتطرق أهل البدع على صلاتها ظهرًا أربعًا (زاد عمرو) الناقد (في روايته: قال) لنا (ابن إدريس قال) لنا (سهيل) بالسند السابق أي زاد عمرو على أبي بكر لفظة (فإن عجل بك) يا أبا هريرة (شيء) من الأشياء أي فإن أخذك استعجال إلى الخروج بسبب أمر عارض من

فَصَلِّ رَكْعَتَينِ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَينِ إِذَا رَجَعْتَ". 1929 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. كِلاهُمَا عَنْ سُهَيل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَل أَرْبَعًا". وَلَيسَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ "مِنْكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمور كمريض لا متعهد له أو إنقاذ مشرف على الهلاك (فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت) إلى منزلك أو بيتك، قال في سبل السلام: وفي الحديث دليل على شرعية أربع ركعات بعد الجمعة والأمر بها، وإن كان ظاهره الوجوب إلا أنه أخرجه عنه ما وقع في لفظه من رواية ابن الصئاح: "ومن كان مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا" أخرجه أبو داود، فدل على أن ذلك ليس بواجب، والأربع أفضل من الاثنتين لوقوع الأمر بذلك وكثرة فعله صلى الله عليه وسلم لها اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 1929 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا) أي قال عمرو وأبو كريب: (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (كلاهما) أي كل من جرير وسفيان (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وسفيان لخالد بن عبد الله وعبد الله بن إدريس في رواية هذا الحديث عن سهيل، وكرر المتن لما فيها من المخالفة للأوليين في معظم الكلمات (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان منكم مصليا) أي مريد الصلاة النافلة (بعد) فراغه من (الجمعة فليصل أربعا) من الركعات (و) لكن (ليس في حديث جرير) وروايته لفظة (منكم) بل هي في رواية سفيان فقط، وفي رواية: "من كان منكم مصليًا بعد الجمعة" فليصل ركعتين، وفي رواية ابن عمر: (كان لا يصلي بعدها حتى ينصرف) وفي رواية معاوية (إذا صليت الجمعة فلا تصل حتى تتكلم أو تخرج) قال النواوي: فدل الأمر

1930 - (847) (250) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ كَانَ، إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ، انْصَرَفَ فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ فِي بَيتِهِ. ثُمَّ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأول على الحث على صلاة الأربع، وقوله في الثاني من كان مصليًا على أنها سنة واجبة، ودل حديث الركعتين على أن أقل تلك السنة ركعتان. [قلت] ودل حديث ابن عمر على الكراهة، وحديث معاوية على علة الكراهة، قال القاضي: فأخذ مالك بحديث ابن عمر وجعلها في الإمام أشد ووسع لغيره مع أن الأولى فيه الترك خشية أن يتطرق أهل البدع إلى صلاتها أربعًا ويراه من ينتفل بعدها بركعتين فيعتقد أنها ظهر، وأخذ الشافعي بحديث التنفل بعدها وأن يكثر عنده أفضل، وقال أبو حنيفة وإسحاق: يصل أربعًا لا يفصل بينهما وحجتهما الحديث ولئلا يظن أنها ظهر كما تقدم، وخير أحمد بين ركعتين أو أربع، وقال الثوري: يصلي ركعتين ثم أربعًا، وعكس أبو يوسف فقال: يصلي أربعًا ثم ركعتين اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 1930 - (847) (250) (وحدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (ومحمد بن رمح) المصري (قالا أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مصريان أو مصري ونيسابوري وواحد مدني وواحد مكي، والثاني منهما رجاله واحد منهم مكي وواحد مدني وواحد مصري وواحد بلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أنه) أي أن ابن عمر (كان إذا صلى الجمعة) أي فرغ منها (انصرف) من المسجد وخرج (فسجد سجدتين) أي صلى ركعتين (في بيته) راتبة الجمعة البعدية (ثم قال) ابن عمر لمن عنده: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك) أي يفعل ذلك الذي صنعته من صلاة ركعتين في بيته بعد الانصراف من الجمعة، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 35] وأبو داود [1128] والترمذي [432] وابن ماجه [1130].

1931 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ وَصَفَ تَطَوَّعَ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ. فَيُصَلِّي رَكْعَتَينِ فِي بَيتِهِ. قَال يَحْيَى: أَظُنُّنِي قَرَأْتُ: فَيُصَلِّي أَوْ أَلْبَتَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ركعتين في حديث ابن عمر (أنه كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش) الحديث، فربما لحقه تعب من ذلك فاقتصر على الركعتين في بيته، وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي (وأفضل الصلاة طول القنوت) أي القيام فلعلهما كانتا أطول من أربع خفاف أو متوسطات، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأمة أمرًا مختصًا بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة، وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع لعدم المعارضة بينهما اهـ من النيل بتصرف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1931 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة مالك بن أنس لليث بن سعد في الرواية عن نافع (أنه) أي أن ابن عمر (وصف تطوع) أي ذكر صفة وكيفية (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كيفية فعله بصلاة التطوع (قال) ابن عمر (فكان) صلى الله عليه وسلم (لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف) ويرجع إلى بيته (فيصلي ركعتين في بيته قال يحيى) بن يحيى التميمي: (أظنني) فعل مضارع مسند إلى ضمير المتكلم والياء ضمير المتكلم في محل النصب مفعول أول لظن والنون الثانية نون الوقاية، والعمل في ضميري المتكلم من خواص أفعال القلوب، وجملة (قرأت) على مالك في محل النصب مفعول ثان لظن (فيصلي) مفعول به محكي لقرأت، والمعنى قال وأظن كوني قارئًا على مالك لفظة فيصلي ركعتين في بيته، وكلمة (أو) بمعنى بل الإضرابية، وقوله (البتة) مفعول مطلق مؤكد لفعل محذوف من معناه أي بل أَجزِمُ بذلك أي بقراءتي على مالك لفظة فيُصلِّي البتةَ أي جزمًا

1932 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مصدر لبت الثلاثي المضعف، يقال بته بتًّا وبتة فادخلوا عليه أل فقالوا ألبتة، وقد بسطنا الكلام على لفظة ألبتة في حاشيتنا رفع الحجاب عن مخيمات كشف النقاب على ملحة الإعراب فراجعه، قال القاضي: معناه أظن أني قرأت على مالك في روايتي عنه فيصلي أو أجزم بذلك فحاصله أنه قال أظن هذه اللفظة أو أجزم بها يعني أن لفظة يصلي هو متردد في قراءته إياها بين الظن واليقين، وكان رحمه الله تعالى مع علمه وحفظه كثير التشكك في الألفاظ لورعه وتقاه حتى كان يسمى الشكاك أفاده القاضي عياض والنواوي. [تنبيه]: وقد جرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك إلى خروج الإمام وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقهة منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر وكل ذلك بمعزل عن التحقيق، والجمعة لا سنة لها قبلها كالعشاء والمغرب وكذا العصر اهـ من العون، قال القسطلاني: وأقوى ما يستدل به في مشروعيتها قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعًا "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان" اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1932 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) الحرشي أبو خيثمة النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم بن عبد الله لنافع مولى ابن عمر في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين) راتبة الجمعة البعدية والله سبحانه وتعالى أعلم.

1933 - (848) (251) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ، ابْنِ أُخْتِ نَمِيرٍ، يَسْأَلُهُ عَنْ شَيءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاويَةُ فِي الصَّلاةِ. فَقَال: نَعَمْ. صَلَّيتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير بحديث معاوية رضي الله عنه فقال: 1933 - (848) (251) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (قال) ابن جريج (أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار) -بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو- المكي مولى بني عامر، ثقة، من (4) روى عنه عنه في الصلاة (أن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبا عبد الله المدني، ثقة، من (2) روى في (10) أبواب (أرسله) أي أرسل عمر بن عطاء (إلى السائب) بن يزيد بن سعيد بن ثمامة المعروف بـ (ابن أخت نمر) الكندي المدني الصحابي ابن الصحابي، مات سنة (91) إحدى وتسعين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة رضي الله عنهم روى عنه في (8) أبواب، حالة كون نافع (يسأله) أي يسأل السائب بن يزيد (عن شيء رآه) أي رأى ذلك الشيء (منه) أي من السائب (معاوية) بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي أبو عبد الرحمن الشامي، الصحابي المشهور، الخليفة المعروف رضي الله عنه روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد شامي وواحد مدني وواحد بصري وواحد كوفي، وفيه التحديث والإخبار والسؤال والجواب ورواية صحابي عن صحابي (في الصلاة فقال) السائب بن يزيد لعمر بن عطاء: (نعم) أخبرنا نافعًا عن الشيء الذي رأى مني معاوية وذلك أني (صليت معه) أي مع معاوية (الجمعة في المقصورة) التي اتخذها معاوية في المسجد النبوي وهي الحجرة المبنية في المسجد أحدثها معاوية بعدما ضربه الخارجي، وفي المصباح: قصرته قصرًا حبسته، ومنه حور مقصورات في الخيام، ومقصورة الدار الحجرة منها، ومقصورة المسجد أيضًا، قال القرطبي: والمقصورة موضع من المسجد تقصر على الملوك والأمراء، وأول من عمل ذلك معاوية لمّا ضربه الخارجي واستمر العمل عليها لهذه العلة تحصينًا للأمراء فإن كان

فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي. فَصَلَّيتُ. فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِليَّ فَقَال: لَا تَعُدْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذلِكَ. أَنْ لَا تُوصَلَ صَلاةٌ بِصَلاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اتخاذها لغير تلك العلة فلا يجوز ولا يصلى فيها لتفريقها الصفوف وحيلولتها بين الإمام والمصلين خلفه مع تمكنهم من مشاهدة أفعاله، وقد أجاز اتخاذها بعض المتأخرين لغير التحصين، وفيه بعد، واختلف في الصلاة فيها فأجازه أكثر السلف وصلوا فيها منهم الحسن والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم، وأباه آخرون وكرهوه، ورُوي عن ابن عمر أنه كان إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج عنها إلى المسجد وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، غير أن إسحاق قال: فإن صلى أجزأته، وقيل هذا إذا كانت مباحةً فإن كانت محجورةً إلا على آحاد لم تجز فيها الجمعة لأنها بتحجيرها خرجت عن حكم الجامع المشترك في الجمعة اهـ من المفهم. قال السائب (فلما سلم الإمام) من صلاة الجمعة (قمت في مقامي) الذي صليت فيه الجمعة (فصليت) فيه راتبة الجمعة (فلما دخل) معاوية بيته (أرسل إلي) رسولًا فاجبته إليه (فقال) لي معاوية (لا تعد) نهي، من العود بمعنى الرجوع أي لا ترجع (لما فعلتـ) ـــه آنفًا من صلاة الراتبة في مكان الفريضة (إذا صليت الجمعة فلا تصلها) بفتح فكسر وسكون اللام المخففة، من الوصل أي لا تصل الجمعة (بصلاة) أخرى (حتى تكلم) بفتح اللام المشددة، من باب تفعل الخماسي حذفت منه إحدى التاءين أي حتى تتكلم بكلام آدمي (أو) حتى (تخرج) وتتحول من مكان صلاتك أي تنتقل منه بالخروج من المسجد أو إلى مكان آخر من المسجد لإكثار مواضع السجود (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك) المذكور الذي ذكرته لك، وقوله (أن لا توصل) بالبناء للمجهول بدل من اسم الإشارة أي أمرنا بأن لا توصل (صلاة) جمعة (بصلاة) أخرى (حتى نتكلم) بينهما بكلام آدمي (أو نخرج) من المسجد أو من مكان الفريضة بالتحول منه، قال القرطبي: روي (أن لا توصل بصلاة) بالتاء مبنيًّا لما لم يسم فاعله، وفيه ضمير النائب عن الفاعل وبصلاة متعلق به، فعلى هذا يكون النهي مخصوصًا بالجمعة لفظا، وروي (أن لا نوصل) بالنون مبنيا للفاعل و (صلاة) مفعول به، وهذا اللفظ يعم جميع

1934 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَلَمَّا سَلَّمَ قُمْتُ فِي مَقَامِي. وَلَمْ يَذْكُرِ: الإِمَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلوات، ومقصود هذا الحديث منع ما يؤدي إلى الزيادة على الصلوات المحدودات والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وفيه دليل على أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده ولتفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة، وقوله (حتى نتكلم) دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضًا ولكن الانتقال أفضل قاله النواوي اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1129]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال: 1934 - (00) (00) (وحدثنا هاورن بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمّال بالحاء المهملة، ثقة، من (10) (حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور، ثقة، من (9) (قال) حجاج (قال ابن جريج) الأموي المكي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حجاج بن محمد لغندر في رواية هذا الحديث عن ابن جريج: (أخبرني عمر بن عطاء أن نافع بن جبير) بن مطعم (أرسله) أي أرسل عمر بن عطاء (إلى السائب بن يزيد ابن أخت نمر وساق) أي ذكر حجاج بن محمد (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث غندر (غير أنه) أي لكن أن حجاج بن محمد (قال) في روايته: (فلما سلّم قمت في مقامي ولم يذكر) الحجاج لفظة (الإمام) وهذا استثناء من المماثلة ببيان محل المخالفة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عمر ذكر للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث معاوية بن أبي سفيان ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

أبواب العيدين

أبواب العيدين 377 - (88) باب: الصلاة فيهما قبل الخطبة 1935 - (849) (252) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزاقِ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بن مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى، والعيد مشتق من العود لتكرره كل عام، وقيل لعود السرور فيه بعوده، وقيل لكثرة عوائد الله تعالى على عباده فيه، وجمعه أعياد وإنما جمع بالياء وإن كان أصله الواو للزومها في الواحد، وقيل للفرق بينه وبين أعواد الخشب، واختلف في حكم صلاة العيدين، قال النواوي: هي عند الشافعي وجمهور أصحابه وجماهير العلماء سنة مؤكدة، وقال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية: هي فرض كفاية، وقال أبو حنيفة: هي واجبة، فإذا قلنا فرض فامتنع أهل موضع من إقامتها قوتلوا عليها كسائر فروض الكفاية، وإذا قلنا: إنها سنة لم يقاتلوا بتركها كسنة الظهر وغيرها، وقيل: يقاتلون عليها لأنها شعار ظاهر، قالوا: وقيل تفاؤلًا بعوده على من أدركه كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلًا لقفولها سالمةً وهو رجوعها وحقيقتها الرّاجعة، وأول عيد صلاه النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة. 377 - (88) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة 1935 - (849) (252) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري مولاهم أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (قال ابن رافع) في روايته: (حدثنا عبد الرزاق) بصيغة السماع (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني الحسن بن مسلم) بن ينَّاقٍ -بفتح التحتانية وتشديد النون آخره قاف- قال المجد: ويناق كشداد صحابي، جد الحسن بن مسلم بن يناق، المكي، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) الطائفي. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان مكيان وواحد

قَال: شَهِدْتُ صَلاةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ. ثُمَّ يَخْطُبُ. قَال فَنَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَال بِيَدِهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ. حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ طائفي وواحد إما نيسابوري أو كسي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عباس (شهدت) وحضرت (صلاة) عيد (الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان) رضي الله تعالى عنهم أجمعين (فكلهم) أي فكل من النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة (يصليها) أي يصلي صلاة العيدين (قبل الخطبة ثم) بعد الفراغ من الصلاة (يخطب) أي يذكر كل منهم الناس ويعظهم، وهذا الحديث وما في معناه ونقل أهل المدينة المتصل يردان على من قدم الخطبة على الصلاة فيهما ولا قائل به اليوم من فقهاء الإسلام اهـ مفهم (قال) ابن عباس: (فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم) من موضع الخطبة ويدل هذا على أن خطبته كانت على شيء عال، فإن قلت: إنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب في المصلى على الأرض، وقوله هنا نزل يشعر بأنه كان يخطب على مكان عال. أجيب: باحتمال أن الراوي ضمن النزول معنى الانتقال أي انتقل اهـ قسطلاني، قال ابن عباس (كأني أنظر) الآن (إليه) صلى الله عليه وسلم (حين يجلس الرجال) بضم الياء وكسر اللام المشددة أي يأمرهم بالجلوس يعني يشير إليهم (بيده) الشريفة بالجلوس لأنهم قاموا ليذهبوا ظنًّا منهم أنه فرغ من الخطبة حين رأوه نزل من المنبر (ثم أقبل) وذهب إلى قبالته حالة كونه (يشقهم) أي يشق صفوف الرجال ويخرقها (حتى جاء النساء) أي صفوفهن (و) الحال أنه (معه بلال) بن رباح الحبشي مؤذنه صلى الله عليه وسلم ونزوله إلى النساء ليسمعهن، قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز للإمام اليوم قطع الخطبة ووعظ من بَعُدَ منه، ويظهر أن دعوى خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فيه بعد لعدم البيان، وإنما محمل هذا والله أعلم على أنه لم يقطع الخطبة ولم يتركها تركًا متفاحشًا وإنما كان ذلك كله قريبًا إذ لم يكن المسجد كبيرًا ولا صفوف النساء بعيدة ولا محجوبة والله أعلم اهـ من المفهم. قال القاضي: هذا النزول كان في أثناء الخطبة، قال النواوي: وليس كما قال إنما

فَقَال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا} [الممتحنة: 12]. فَتَلا هذِهِ الآيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. ثُمَّ قَال، حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: "أَنْتُنَّ عَلَى ذلِكِ؟ " فَقَالتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ يُجِبْهُ غَيرُهَا مِنْهُن: نَعَمْ. يَا نَبِيَّ اللهِ! لَا يُدْرَى حِينَئِذٍ مَنْ هِيَ. قَال: "فَتَصَدَّقْنَ" فَبَسَطَ بِلالٌ ثَوْبَهُ. ثُمَّ قَال: هَلُمَّ! فِدًى لَكُنَّ أَبِي وَأُمِّي! فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِمَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ نزل إليهن بعد فراغ خطبة العيد وبعد انقضاء وعظ الرجال اهـ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم أي قرأ قوله تعالى ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا}) [الممتحنة: 12] (فتلا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه الآية حتى فرغ منها ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين فرغ منها) أي من قراءتها (أنتن) يا معشر النساء (على ذلك) العهد المذكور في الآية بكسر الكاف، وهذا مما وقع فيه ذلك بكسر الكاف موقع ذلكن، والإشارة إلى ما ذكر في الآية اهـ قسطلاني (فقالت امرأةٌ واحدةٌ) منهن (لم يجبه) صلى الله عليه وسلم (غيرها) أي غير تلك الواحدة (منهن) أي من النساء المستمعات (نعم) نحن (يا نبي الله) على ذلك المذكور في الآية (لا يدرى) بالبناء للمجهول أي لا يعلم (حينئذ) أي حين إذ أجابته صلى الله عليه وسلم (من هي) أي من المجيبة أي جواب من هي المجيبة لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن، وعبارة البخاري إلا يدري حسن من هي) على تسمية الفاعل وهو الحسن بن مسلم الراوي له عن طاوس فيكون من كلام ابن جريج، وأراد بقوله من هي المرأة المجيبة، قال ابن حجر: ولم أقف على تسمية هذه المرأة إلا أنه يختلج في خاطري أنها أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء اهـ، ثم ذكر وجهه. (قال) ابن عباس (فتصدقن فبسط بلال ثوبه) ليجمع صدقاتهن فيه (ثم قال) بلال لهن (هلم) أي هاتين الصدقة، قال ابن حجر: القائل بلال وهو على اللغة الفصحى في التعبير بها عن المفرد والجمع اهـ (فدى لكنَّ) أيها النساء (أبي وأمي) من كل مكروه، وقوله (فدى) مقصور وتفتح الفاء وتكسر على ما يفهم من الصحاح والمصباح، قال الجوهري: الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر، وإذا فتح فهو مقصور وهو حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذله عنه وذلك المبذول يسمى فدية ويسمى فداءً كبناء، وفَدى وفِدى كعلى وإلى وما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصر فيها يقال له فدية كما في الصوم والحج (فجعلن) أي شرعن النساء (يلقين الفتخ) أي يرمين الخواتيم العظام (والخواتم) الصغار (في ثوب بلال) رضي الله عنه، والفتخ

1936 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتحتين واحدها فتخة كقصب وقصبة، واختلف في تفسيرها ففي صحيح البخاري عن عبد الرزاق قال: هي الخواتيم العظام، وقال الأصمعي: هي خواتيم لا فصوص لها، وتجمع أيضًا على فتخات وأفتاخ، والخواتم جمع خاتم، وفيه أربع لغات فتح التاء وكسرها وخاتام وخيتام، وفي هذا الحديث استحباب وعظ النساء وتذكيرهن الآخرة وأحكام الإسلام وحثهن على الصدقة، وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما، ويدل على أن خطبته كانت على شيء مرتفع كما مر، وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم خوفًا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه، وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول بل تكفي فيها المعاطاة لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره هذا هو الصحيح، وقال أكثر أصحابنا العراقيين: تفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة، والصحيح الأول، وبه جزم المحققون اهـ من العون، وفيه أيضًا جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها فلا يتوقف ذلك على ثلث مالها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا يجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضا زوجها اهـ منه. ولا يقال في هذا إن أزواجهن كانوا حضورًا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل ذلك فلم ينقل تسليم أزواجهن في ذلك، ومن ثبت له حق فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه ولم يصرح القوم ولا نقل ذلك فصح ما قلناه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4895] وأبو داود [1142 - 1147] والنسائي [3/ 184] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1936 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (و) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا أيوب) بن أبي تميمة العنزي السختياني البصري (قال: سمعت عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم أبا محمد المكي، ثقة، من (3) (قال) عطاء: (سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد مكي وواحد بصري واثنان كوفيان أو مكيان وكوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة

يَقُولُ: أَشْهَدُ َعَلَى رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ. قَال: ثُمَّ خَطَبَ. فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ. فَأَتَاهُن. فَذَكَّرَهُنَّ. وَوَعَظَهُنَّ. وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. وَبِلَالٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ. فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْخَاتَمَ وَالْخُرْصَ وَالشَّيءَ. 1937 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهذا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عطاء لطاوس، وفيه التحديث والسماع والعنعنة والمقارنة، حالة كون ابن عباس (يقول: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أقسم عليه إنه والله (لصلى) صلاة العيدين (قبل الخطبة قال) ابن عباس (ثم) بعد فراغه من الصلاة (خطب) النَّاس (فرأى) أي فظن (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (لم يسمع النساء) لبعدهن عنه، بضم الياء، من الإسماع (فأتاهن) أي فأتى النساء (فذكرهن) بذكر الوعيد وهو تشديد الكاف (ووعظهن) بذكر الوعد (وأمرهن بالصدقة) أي بالتصدق من أموالهن لكونه رآهن أكثر أهل النَّار (وبلال قائل) أي رافع مشير (بثوبه) إلى الطلب أو فاتح باسط ثوبه للأخذ فيه، قال القاضي عياض: وفي رواية (وبلال قابل) أي يقبل ما دفعن إليه (فجعلت المرأة) منهن (تلقي) أي ترمي في ثوب بلال (الخاتم) الصغير بلا فص (و) تلقي (الخرص) بضم الخاء وقد تكسر الحلقة الصغيرة التي تعلق في الأذن (و) تلقي (الشيء) الآخر غيرهما كالطوق والقلادة والخلخال والسخاب؛ خيط من خرز ليس فيه شيء من جوهر. وشارك المؤلف في هذه الراوية ابن ماجه [1273]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 1937 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الرَّبيع) سليمان بن داود (الزهراني) البَصْرِيّ (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (ح وحدثني يعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم القُرشيّ مولاهم أبو بشر البَصْرِيّ المعروف بابن عليّة، ثِقَة، من (8) روى عنه في (15) يابًا (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أَيُّوب) السختياتي البصري (بهذا الإسناد) المذكور آنفًا (بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن

نَحْوَهُ. 1938 - (850) (253) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى. فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبلَ الْخُطْبَةِ. ثُمّ خَطَبَ النَّاسَ. فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ نَزَلَ. وَأَتَى النِّسَاءَ. فَذَكَّرَهُنَّ. وَهُوَ يَتَوَكَّأُ َعَلَى يَدِ بِلَالٍ. وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ. يُلْقِينَ النِّسَاءُ صَدَقَةً. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عباس، غرضه بسوقهما بيان متابعة حماد وإسماعيل لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عطاء (نحوه) أي نحو ما روى سفيان عن أَيُّوب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 1938 - (850) (253) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ (قال ابن رافع: حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري الصَّنْعانِيّ (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) المكيّ الأُموي (أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القُرشيّ المكيّ (عن جابر بن عبد الله) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد إما مروزي أو نيسابوري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) عطاء بن أبي رباح (سمعته) أي سمعت جابر بن عبد الله (يقول: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قام) فينا (يوم) عيد (الفطر فصلى) بنا صلاة عيد الفطر (فبدأ بالصلاة) أي بصلاة العيد (قبل) الشروع في (الخطبة) جملة البداية مفسرة لما قبلها (ثم) بعد فراغه من الصلاة (خطب النَّاس فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل) أي انتقل من مكان الخطبة كما مر (وأتى النساء فذكرهن) بتشديد الكاف أي وعظ النساء قائمًا على قدميه (وهو) صلى الله عليه وسلم (يتوكأ) أي يعتمد (على يد بلال) أي وعظهن قائمًا على قدميه فلما تعب توكأ على يد بلال (وبلال) أي والحال أن بلالًا (باسط ثوبه) كي (يلقين النساء) بالرفع على لغة أكلوني البراغيث أي كي يرمين (صدقة) في ثوبه. (قال) ابن جريج (قلت لعطاء) بن أبي رباح يلقين (زكاة يوم الفطر) في ثوبه أي

قَال: لا. وَلكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ بِهَا حِينَئِذٍ. تُلْقِي الْمَرْاةُ فَتَخَهَا. وَيُلْقِينَ ويلْقِينَ. قَال قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَحَقًّا عَلَى الإِمَامِ الآنَ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ حِينَ يَفْرُغُ فَيُذَكِّرَهُنَّ؟ قَال: إِي. لَعَمْرِي! إِن ذلِكَ لَحَقٌّ عَلَيهِمْ. وَمَا لَهُمْ لا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ . 1939 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أكانت الصدقة التي أعطتها النساء زكاة يوم الفطر، وذكر القسطلاني رواية الرفع أَيضًا على تقدير أهي زكاة الفطر ويقدر مثله في قوله ولكن صدقة (قال) عطاء (لا) أي ليست تلك الصدقة زكاة يوم الفطر (ولكن) كانت تلك الصدقة (صدقةً يتصدقن) النساء (بها حينئذ) أي حين إذ يلقين (تلقي المرأة) منهن في ثوب بلال (فتخها) أي خواتمها التي لا فص لها (ويلقين) النساء سخابها (ويلقين) خاتمها ويلقين قرطها (قال) ابن جريج (قلت لعطاء أ) ترى بفتح التاء أي أتظن (حقًّا) أي أمرًا متاكدًا (على الإِمام) الخَطيب (الآن) أي في زماننا هذا (أن يأتي النساء) الجالسات وراء الرجال (حين يفرغ) من الخطبة (فيذكرهن) معطوف على يأتي (قال) عطاء (أي) أي نعم (لعمري) لحياتي قسمي جرت على لسانه على عادة العرب لم يقصد بها القسم (إن ذلك) جواب القسم إي إن الإتيان لهن وتذكيرهن (لحق) أي لأمر متأكد (عليهم) أي على الأئمة (وما لهم) أي وأيُّ شيء ثبت لهم (لا يفعلون ذلك) الإتيان للتذكير لهن فما استفهامية، قال القاضي: نزوله صلى الله عليه وسلم كان لأنه رأى أنهن لم يسمعهن وكان في أول الإِسلام ولتأكيد البيعة وذلك خاص به صلى الله عليه وسلم، وأما اليوم فلا يباح قطع الخطبة لأجل النساء ومن بعُد من الرجال وهذا قول عطاء، وما لهم أي للأئمة لا يفعلون ذلك غير موافق عليه وقد قال ليبلغ الشاهد الغائب، ولعله لتأكيد البيعة كما قال: أنتن على ذلك، وفيه كون النساء بمعزل من الرجال اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [961] وأبو داود [1441] والنَّسائيّ [3/ 186 - 187] وابن ماجه [1289]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 1939 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكُوفيّ (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا عبد الملك بن أبي سليمان) اسمه ميسرة العرزمي بمهملتين ثم معجمة الفزاري مولاهم أبو محمَّد بن ميسرة الكُوفيّ، صدوق، من (5)

عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ الصَّلاةَ يوْمَ الْعِيدِ. فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. بِغَيرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ. ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ. فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ. وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ. وَوَعَظَ النَّاسَ. وَذَكرَهُمْ. ثُمّ مَضَى. حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ. فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ. فَقَال: "تَصَدَّقْنَ. فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ" فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح المكيّ (عن جابر بن عبد الله) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكّيّ، غرضه بيان متابعة عبد الملك لابن جريج في رواية هذا الحديث عن عطاء (قال) جابر (شهدت) أي حضرت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالصلاة) أي بصلاة العيد (قبل) الشروع في (الخطبة) وقوله (بغير أذان ولا إقامة) متعلق بقوله فبدأ بالصلاة (ثم قام) على قدميه حالة كونه (متوكئًا) أي معتمدًا (على بلال) ليريح نفسه من تعب القيام (فأمر) النَّاس (بتقوى الله) سبحانه وتعالى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (وحث) أي حرض (على طاعته) بامتثال المأمورات، وذكره بعد التقوى من ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا بشأنه أو يقال المراد بالتقوى اتقاء عذاب الله باجتناب المنهيات والطاعة بامتثال المأمورات ويكون من ذكر المخالف والضد بعد الضد (ووعظ النَّاس) بالترغيب في ثواب الله تعالى (وذكرهم) بالترهيب من عذاب الله تعالى (ثم مضى) وذهب إلى جهة النساء (حتَّى أتى) مجالس (النساء فوعظهن وذكرهن) كما وعظ وذكّر الرجال (فقال) في تذكيرهن يَا معشر النساء (تصدقن) من أموالكن في طاعة الله تعالى يعني صدقة التطوع (فإن أكثركن) أي أغلبكن (حطب جهنم) ووقودها (فقامت) أي نهضت من بينهن (امرأة من سطة النساء) أي من خيارهن وهو من الوسط، قال الزمخشري في الكشاف: قيل للخيار وسط لأن الأطراف يسارع إليها الخلل والأوساط محمية محوطة، وقد اكتريت بمكة جمل أعرابي للحج، فقال: أعطني من سطا تهنه أراد من خيار الدنانير اهـ وكانت تلك المرأة من المنزلة بين الصحابيات بما قد سمعته من ابن حجر فمن زعم أن صحة العبارة كونها من سفلة النساء أو قال إن العبارة صحيحة وليس المراد أنها من خيارهن بل المراد امرأة من وسط النساء أي جالسة في وسطهن فحقيق أن يقال يقيه الحجر اهـ عن الهامش (سفعاء)

الْخَدَّينِ. فَقَالتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ. وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ" قَال: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ. يُلْقِينَ في ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي حمراء (الخدين) متغيرة لونهما، والسفعة على وزان غرفة سواد مشرب بحمرة، وسفع الشيء من باب تعب إذا كان لونه كذلك فالمذكر أسفع والمؤنث سفعاء اهـ مصباح، قال القتبي: الأسفع الذي أصاب خده لون مخالف لسائر لونه من السواد اهـ أبي (فقالت) تلك المرأة (لم) كن حطب جهنم (يَا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأنكن) معشر النساء (تكثرن الشكاة) بفتح الشين أي الشكوى من الأزواج وغيرهم (وتكفرن) أي تنكرن (العشير) أي الإحسان منه، والعشير هو المعاشر المخالط، والمراد هنا الزوج أو كل من يعاشر الخليل، يقال هذا عشيرك وشعيرك على القلب وهو معدول عن اسم الفاعل للمبالغة، والمعنى يكتمن الإحسان ويظهرن الشكوى كيرًا (قال) جابر (فجعلن) أي شرعن (يتصدقن من حليهن) أي من جواهرهن التي يلبسن (يلقين) أي يرمينها صدقةً (في ثوب بلال) وقوله (من أقرطتهن) في آذانهن (وخواتمهن) في أصابعهن بيان لحليهن، وقوله (من أقرطتهن) قيل إنه جمع قرط، وقيل جمع جمعه والمعروف في جمعه أقراط وقراط وقروط وقرطة كقردة، والقرط بالضم نوع من حلي النساء معروف يعلق في شحمة الأذن اهـ، وقال ابن دريد: كل ما علق في شحمة الأذن من ذهب أو خرز فهو قرط، قال شمر: الحلقة الصغيرة من الحلي قرط اهـ من الأبي. ولا يبعد أن يكون أقرطة جمع جمع أي جمع قراط الذي هو جمع قرط لا سيما وقد جاء في الحديث اهـ منه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعةً واحدةً والله تعالى أعلم. ***

378 - (89) باب لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين وأن الخطبة بعدها

378 - (89) باب: لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين وأن الخطبة بعدها 1940 - (851) (254) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ. قَالا: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الأَضْحَى. ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ حِيني عَنْ ذلِكَ؟ فَأَخْبَرَنِي. قَال: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأنصَارِيُّ؛ أَنْ لا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ. حِينَ يَخْرُجُ الإِمَامُ وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ. وَلَا إِقَامَةَ. وَلَا نِدَاءَ. وَلَا شَيءَ. لا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلَا إِقَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 378 - (89) باب لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين وأن الخطبة بعدها 1940 - (851) (254) (وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري الصَّنْعانِيّ (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأُموي المكيّ (أخبرني عطاء) بن أبي رباح القُرشيّ المكيّ (عن ابن عباس) الهاشمي الطَّائِفِيِّ (وعن جابر بن عبد الله الأَنْصَارِيّ) رضي الله عنهم كلاهما (قالا: لم يكن يؤذن يوم) عيد (الفطر ولا يوم) عيد (الأضحى) أي لا أذان لصلاتهما، قال ابن جريج (ثم سألته) أي سألت عطاءً (بعد حين) أي بعد زمان (عن ذلك) الحديث الذي أخبرني أولًا (فأخبرني) عطاء ثانيًا (قال) عطاء (أخبرني جابر بن عبد الله الأَنْصَارِيّ أن لا أذان) أن مخففة من الثقيلة أي أنَّه لا أذان (للصلاة) أي لصلاة العيد (يوم الفطر حين يخرج الإِمام) إلى المصلى (ولا بعد ما يخرج) الإِمام أي وقت خروجه إلى المصلى ولا بعد خروجه (ولا إقامة) لاستنهاض الحاضرين إلى الصلاة (ولا نداء) لها بالصلاة جامعة (ولا شيء) معها من الراتبة القبلية ولا البعدية، وقوله (لا نداء) أي لا أذان (يومئذ) أي يوم إذ يصلون صلاة عيد الفطر (ولا إقامة) توكيد لفظي لما قبله، والمعنى لا يؤذن للعيدين في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا يقام لهما، واستدلت المالكية والجمهور بقوله ولا إقامة ولا شيء أنَّه لا يقال قبلها الصلاة جامعة ولا الصلاة، واحتج الشافعية على استحباب قوله بما روى الشَّافعيّ عن الثقة عن الزُّهْرِيّ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن في العيدين فيقول: الصلاة جامعة، وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة

1941 - (852) (255) وَحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ؛ أَن ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيرِ أَوَّلَ مَا بُويعَ لَهُ؛ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ. فَلَا تُؤَذِّنْ لَهَا. قَال: فَلَمْ يُؤَذنْ لَهَا ابْنُ الزُّبَيرِ يَوْمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسوف لثبوته فيها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فليتوق ألفاظ الأذان كلها أو بعضها فلو أذن أو أقام كره له كانص عليه في الأم اهـ إرشاد الساري، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يؤذن لهما ولم يقم دليل على أن ذلك ليس مشروعًا فيهما ولا في غير الفرائض من السنن الراتبة وهذا هو المعلوم من عمل النَّاس بالمدينة وغيرها، وروي أن معاوية أحدث الأذان لهما، وقيل زياد وهو الأشبه، وهذا الحديث وغيره يرد على من أخذ بذلك، وخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى دليل على أن مشروعية صلاة العيدين بالخروج إلى المصلى وهو الذي عليه عمل النَّاس، وحكمته إظهار شعار الإِسلام والمباهاة والغلظة على الكفار، وتستوي في ذلك البلاد كلها مع التمكن إلَّا مكة فإنَّه لا يخرج منها في العيدين لخصوصية ملاحظة البيت اهـ من المفهم، قال النواوي: ولأصحابنا وجهان أحدهما الصحراء أفضل من المسجد لهذا الحديث، والثاني هو الأصح عند أكثرهم المسجد أفضل إلَّا أن يضيق، قالوا: وإنما صلى أهل مكة في المسجد لسعته، وإنما خرج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلى لضيق المسجد فدل على أن المسجد أفضل إذا اتسع اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [960] وأبو داود [1147] والنَّسائيّ [3/ 182] وابن ماجه [1274]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس وجابر بحديث آخر لابن عباس رضي الله عنهم فقال: 1941 - (852) (255) (وحدثني محمَّد بن رافع) النَّيسَابُورِيّ (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) الصَّنْعانِيّ (أخبرنا ابن جريج) المكيّ (أخبرني عطاء) بن أبي رباح (أن ابن عباس أرسل إلى) عبد الله (بن الزُّبير أول ما بويع) بالخلافة (له) أي لابن الزُّبير سنة أربع وستين (64) عقب موت يزيد بن معاوية؛ أي أرسل إليه بـ (أنه لم يكن يؤذن) بالبناء للمفعول اللصلاة) أي لصلاة العيد (يوم) عيد (الفطر) أي لم يكن يؤذن لها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تؤذن) يَا ابن الزُّبير (لها) أي لصلاة العيد (قال) عطاء: (فلم يؤذن لها) أي لصلاة العيد (ابن الزُّبير يومه) أي يوم الفطر، وفي صحيح البُخَارِيّ زيادة

وَأَرْسَلَ إِلَيهِ مَعَ ذلِكَ: إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَإِنَّ ذلِكَ قَدْ كَانَ يُفْعَلُ. قَال: فَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. 1942 - (853) (256) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَقُتَيبَةُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا الأَحْوَصِ) عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى عَلَيهِ وسلَّمَ الْعِيدَينِ. غَيرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَينِ. بِغَيرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ. 1943 - (854) (257) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولا يوم الأضحى) (وأرسل) ابن عباس أَيضًا (إليه) أي إلى ابن الزُّبير (مع ذلك) المذكور من أنَّه لا يؤذن لها أي أرسل إليه (إنما الخطبة بعد الصلاة) أي بعد صلاة العيد في زمنه صلى الله عليه وسلم (وإن ذلك) المذكور من تقديم الصلاة على الخطبة (قد كان يفعل) في عهده صلى الله عليه وسلم (قال) عطاء (فصلى ابن الزُّبير قبل الخطبة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديثهما بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال. 1942 - (853) (256) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (وحسن بن الرَّبيع) البَجَليّ أبو علي الكُوفيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (4) (وقتيبة بن سعيد) البلخي (وأبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا، وقال: الآخرون حَدَّثَنَا أبو الأحوص) الكُوفيّ سلام بن سليم الحنفي مولاهم، ثِقَة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن سماك) بن حرب بن أوس الذُّهليّ أبي المغيرة الكُوفيّ، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكُوفيّ رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم كوفيون أو ثلاثة منهم كوفيون وواحد إما نيسابوري أو بلخي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) جابر (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين) بل صليت معه مرات كثيرةً (بغير أذان ولا إقامة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [5/ 107] وأبو داود [1148] والتِّرمذيّ [532] ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 1943 - (854) (257) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن

سُلَيمَانَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَانُوا يُصَلُّونَ العِيدَينِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان) الكلابي أبو محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة ثبت، من صغار (8) (وأبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) وهو معطوف على عبدة كلاهما (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) (عن نافع) مولى ابن عمر المدنِيُّ (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكّيّ (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [963] والتِّرمذيّ [531] والنَّسائيّ [3/ 183] وابن ماجه [1276]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عباس وجابر ذكره للاستدلال، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

379 - (90) باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في العيدين وإقباله على الناس في الخطبة وأمرهم بالصدقة والإنكار على من بدأ بالخطبة قبل الصلاة

379 - (90) باب: خروج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في العيدين وإقباله على النَّاس في الخطبة وأمرهم بالصدقة والإنكار على من بدأ بالخطبة قبل الصلاة 1944 - (855) (258) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيسٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأضحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ. فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا صَلَّى صَلاتَهُ وسلَّمَ، قَامَ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ جُلُوسٌ في مُصَلَّاهُمْ. فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ، ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ. أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 379 - (90) باب خروج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في العيدين وإقباله على النَّاس في الخطبة وأمرهم بالصدقة والإنكار على من بدأ بالخطبة قبل الصلاة 1944 - (855) (258) (حَدَّثَنَا يحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكريا البغدادي، ثِقَة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، ثِقَة، من (9) (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ مولاهم أبو إسحاق المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) (عن داود بن قيس) الفراء الدباغ القُرشيّ مولاهم أبي سليمان المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) (عن عياض بن عبد الله بن سعد) بن أبي سرح القُرشيّ العامري المكيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأَنْصَارِيّ (الخُدرِيّ) المدنِيُّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكّيّ وواحد إما بغدادي أو مروزي أو بلخي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) دائمًا (يخرج) من بيته أو المسجد إلى المصلى (يوم) عيد (الأضحى ويوم) عيد (الفطر فيبدأ) أول ما خرج (بالصلاة) أي بصلاة العيدين (فإذا صلى صلاته) أي صلاة العيد (وسلم) منها (قام) من مصلاه (فأقبل على النَّاس وهم) أي والحال أن النَّاس (جلوس) أي جالسون (في مصلاهم) أي في مكان صلاتهم (فإن كان له) صلى الله عليه وسلم (حاجة ببعث) أي ببعث جيش لموضع للغزو (ذكره) أي ذكر ذلك البعث (للناس أو كانت له حاجة

بِغَيرِ ذلِكَ، أَمَرَهُمْ بِهَا. وَكَانَ يَقُولُ: "تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا" وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ. ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، فَخَرَجْتُ مُخَاصِرًا مَرْوَانَ حَتَّى أَتَينَا الْمُصَلَّى. فَإِذَا كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ قَدْ بَنَى مِنْبَرًا مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ. فَإِذَا مَرْوَانُ يُنَازِعُنِي يَدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بغير ذلك) البعث المذكور من أمور المسلمين ومصالحهم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أمرهم) أي أمر النَّاس (بها) أي بتلك الحاجة (وكان) صلى الله عليه وسلم يأمر في خطبته بالتصدق و (يقول) لهم (تصدقوا) أيها النَّاس على المحتاجين من أموالكم، وقوله (تصدقوا تصدقوا) توكيد لفظي للأول وهو أمر من التصدق (وكان أكثر من يتصدق) من النَّاس، بالنصب خبر كان مقدم على اسمها، وهو قوله (النساء) بالرفع (ثم) بعد فراغه من الخطبة (ينصرف) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أي يذهب ويرجع إلى بيته (فلم يزل) الأمر أي أمر العيد كائنًا (كذلك) من تقديم الصلاة على الخطبة (حتَّى كان) أي إلى أن صار (مروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية الأُموي المدنِيُّ عاملًا على المدينة لمعاوية بن أبي سفيان فغير أمر العيد بتقديم الخطبة على الصلاة، قال أبو سعيد الخُدرِيّ: (فخرجت) يومًا مع مروان إلى المصلى حالة كوني (مخاصرًا مروان) أي مماشيًا محاذيًا معه يده في يدي، يقال خاصره إذا أخذ بيده في المشي كما في القاموس، وأصله من الخصر وكأنه حاذى خاصرته (حتَّى أتينا) أي حتَّى جئت أنا وهو (المصلى) أي مصلى العيد، وإذا في قوله (فإذا كثير بن الصلت) -بفتح الصاد وسكون اللام فجائية- وكثير مبتدأ، وهو كثير بن الصلت بن معدي كرب الكندي المدنِيُّ، ثِقَة، من الثَّانية، ووهم من جعله صحابيًّا، روى عنه النَّسائيّ فقط اهـ من التقريب، وجملة قوله (قد بني منبرًا من طين ولبن) خبر المبتدأ، أي أتينا المصلى ففاجأنا بناء كثير بن الصلت المنبر ومنازعةُ مروان يده من قَبْلُ (¬1)، إنما بناه قبل هذا لعثمان، وفيه خطبة العيد على المنبر، ولبن جمع لبنة ككلم وكلمة، واللبنة ما يعمل من الطِّين ويبنى به الجدار ويسمى مطبوخه الآجر، وكذا في قوله (فإذا مروان ينازعني يده) فجائية وينازعني أي يجاذبني، ويده بالرفع بدل بعض من ضمير الفاعل، وينصب على أنَّه مفعول ثان كذا في المرقاة، والمعنى على الرفع أي تجذبني يدهُ إلى جهة المنبر، وعلى النصب يجذبني يدَه مني أي ¬

_ (¬1) متعلق بالبناء؛ أي: قبل حضور مروان.

كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ. وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الصَّلَاةِ. فَلَمَّا رَأَيتُ ذلِكَ مِنْهُ قُلْتُ: أَينَ الابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَال: لا. يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ. قُلْتُ: كَلَّا. وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَأْتُونَ بِخَيرٍ مِمَا أَعْلَمُ (ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ انْصرَفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ يَسُلُّ من يدي يده ليطلع المنبر ويصعد عليه للخطبة يريد تقديمها على الصلاة حتَّى صرنا (كأنه يجرني) أي يسحبني (نحو المنبر وأنا أجره نحو) المصلى لـ (الصلاة فلما رأيت ذلك) الذي أراده من تقديم الخطبة على الصلاة (منه) أي من مروان (قلت) له (أين الابتداء بالصلاة) الذي فعله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون، قاله النواوي: هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها (ألا نبدأ) بألا التي للاستفتاح وبعدها نون ثم موحدة، وكلاهما صحيح والأول أجود في هذا الموطن لأنه ساقه للإنكار عليه، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان المنكر عليه واليًا اهـ (فقال) مروان (لا) نبدأ بالصلاة (يَا أَبا سعيد قد ترك ما تعلمـ) ـه منهم تقديم الصلاة على الخطبة أي قد تركه الأمراء قبلي (قال) أبو سعيد (قلت) لمروان (كلا) أي ارتدع عما تفعل من مخالفة السنة بتقديم الخطبة على الصلاة. قال القرطبي: (كلا) بمعنى لا النافية كقول الشَّاعر: فقالوا قد بكيت فقلت كلا أي لا كان مروان قال له ما نفعله خير مما تعلمه فقال كلا ليس خيرًا مما نعلمه (والذي) أي أقسمت لك بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (لا تأتون) أنتم معاشر الأتباع في الدين (بـ) أمر (خير مما أعلمـ) ـه لأن ما أعلمه من السنن وما تفعلونه من البدع يعني أن ما يعلمه هو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين، وكيف يكون غيره خيرًا منه، وفي صحيح البُخَارِيّ فخطب قبل الصلاة فقلت له: غيرتم والله، فقال: أَبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة اهـ وهذا الاعتذار اعتراف منه بجورهم وسوء صنيعهم بالنَّاس حتَّى صاروا متنفرين عنهم كارهين لسماع كلامهم، قال أبو سعيد: ذلك يعني قوله: والذي نفسي بيده الخ (ثلاث مرار) أي كرره ثلاث مرات تأكيدًا للكلام (ثم انصرف) أبو سعيد أي تحول من جهة المنبر إلى جهة الصلاة وليس معناه أنَّه انصرف وذهب من المصلى وترك الصلاة معه كذا أفاد النواوي، وقال ملا علي: "انصرف أبو سعيد ولم يحضر الجماعة تقبيحًا لفعل مروان وتنفيرًا عنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ. والحديث قد تقدم في الجزء الأول في باب كون النهي عن المنكر من الإيمان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 36 و 42] والبخاري [304] والنَّسائيّ [3/ 187] وابن ماجه [1288]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه. ***

380 - (91) باب: الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور إلى العيدين ومجامع الخير والدعوة للمسلمين وأمر الحيض باعتزالهن عن مصلى المسلمين

380 - (91) باب: الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور إلى العيدين ومجامع الخير والدعوة للمسلمين وأمر الحيض باعتزالهن عن مصلى المسلمين 1945 - (856) (259) حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: أَمَرَنَا (تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ) أَنْ نُخْرِجَ، في الْعِيدَينِ، الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أن يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 380 - (91) باب: الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور إلى العيدين ومجامع الخير والدعوة للمسلمين وأمر الحيض باعتزالهن عن مصلى المسلمين 1945 - (856) (259) (حَدَّثني أبو الرَّبيع) سليمان بن داود (الزهراني) البَصْرِيّ (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أَيُّوب) بن أبي تميمة كيسان العنَزي البَصْرِيّ (عن محمَّد) بن سيرين الأَنْصَارِيّ مولاهم البَصْرِيّ (عن أم عطية) نسيبة مصغرًا ويقال فيها نسيبة بفتح النُّون وكسر المهملة بنت كعب الأنصارية المدنية، الصحابية المشهورة، لها أربعون حديثًا (40) اتفقا على سبعة (7) وانفرد كل منهما بحديث (1) يروي عنها (ع) ومحمَّد بن سيرين وحفصة بنت سيرين في الصلاة والجنائز. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أم عطية فإنَّها مدنية (قالت) أم عطية (أمرنا) معاشر الصحابيات (تعني) بالأمر (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن نخرج في العيدين) ومشاهد الخير ودعوة المسلمين (العواتق) إلى المصلى أي الجواري الشابة جمع عاتق وهي الجارية البالغة، وقال ابن دريد: هي التي قاربت البلوغ، وقال ابن السكيت: هي التي بين أن تبلغ إلى أن تعنس، والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتَّى تطعن في السنن (و) نخرج (ذوات الخدور) أي صواحب الستور وملازماتها وهي المخدرات اللاتي قل خروجهن من بيوتهن، والخدور البيوت، وقيل الخدر ستر يكون في ناحية البيت، وأصله الهودج (وأمر) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (الحيض) جمع حائض مثل ركع وراكع (أن يعتزلن) أي أن يبتعدن وينفصلن (مصلى المسلمين) أي موضع صلاتهم ويكن خلف النَّاس تنزيهًا للصلاة وللمصليات من اختلاط من لا يصلي بمن يصلي، ولا يصح أن يستدل بهذا الأمر على وجوب صلاة العيدين والخروج إليهما

1946 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمّ عَطِيةَ. قَالتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ في الْعِيدَينِ. وَالْمُخَبَّأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن هذا الأمر إنما يوجه لمن ليس بمكلف بالصلاة باتفاق كالحيض وإنما مقصود هذا الأمر تدريب الأصاغر على الصلاة وشهود دعوة المسلمين ومشاركتهم في الثواب وإظهار جمال الدين، وهذا الحديث حجة على خروج النساء في العيدين وهو مذهب جماعة من السلف منهم أبو بكر وعمر وعلي وابن عمر وغيرهم، ومنهم من منعهن من ذلك جملةً منهم عروة والقاسم ومنهم من مغ الشابة دون غيرها منهم عروة والقاسم في قول آخر لهما ويحيى بن سعيد وهو مذهب مالك وأبي يوسف، واختلف قول أبي حنيفة في ذلك بالإجازة والمنع، وكان مستند المانع ما أحدثه النساء من التبرج والزينة الظاهرة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [974] وأبو داود [1136 - 1139] والتِّرمذيّ [539 و 540] والنَّسائيّ [3/ 180 و 181] وابن ماجه [1307]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم عطية رضي الله عنها فقال: 1946 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكُوفيّ (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التَّمِيمِيّ مولاهم أبي عبد الرَّحْمَن البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) (عن حفصة بنت سيرين) أخت محمَّد بن سيرين أم الهذيل الأنصارية البصرية، روت عن أم عطية في الصلاة والجنائز والزكاة والطلاق والجهاد، وأنس بن مالك في الجهاد، ويروي عنها (ع) وعاصم الأحول ومحمَّد بن سيرين وأيوب السختياني وخالد الحذَّاء وقتادة وابن عون وغيرهم، قال ابن معين: ثِقَة حجة، وقال العجلي: تابعية بصرية، ثِقَة، ذكرها ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من الثالثة (عن أم عطية) نسيبة بنت كعب الأنصارية رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد كُوفِيّ وواحد نيسابوري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حفصة بنت سيرين لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أم عطية (قالت) أم عطية (كنا) معاشر النساء (نؤمر) والأمر هو النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (بالخروج) إلى المصلى (في العيدين و) كانت (المخبأة) أي

وَالْبِكْرُ. قَالتِ: الْحُيَّضُ يَخْرُجْنَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ. يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ. 1947 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا هِشَامٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الْفِطْرِ وَالأضحَى. الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ. فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المخدرة المستورة في بيتها (والبكر) أي الجارية الشابة يؤمران بالخروج إلى العيدين و (قالت) أم عطية أَيضًا (الحيض يخرجن) إلى المصلى (فيكن) أي يجلسن (خلف النَّاس) أي وراءهم لا يختلطن بالنساء الطاهرات فضلًا عن الرجال، حالة كون الحيض (يكبرن) أي يذكرن تكبير العيد (مع) تكبير (النَّاس) غيرهن، فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب وإنما يحرم عليها القرآن، قال النواوي: فيه استحباب التكبير لكل أحد في العيدين وهو مجمع عليه، قال العلماء: يستحب التكبير ليلتي العيدين، وحال الخروج إلى الصلاة إلى أن يحرم الإِمام بصلاة العيد. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم عطية رضي الله عنها فقال: 1947 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) أبو عثمان البغدادي، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (حَدَّثَنَا هشام) بن حسان الأَزدِيّ القردوسي أبو عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد كُوفِيّ وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام بن حسان لعاصم الأحول في رواية هذا الحديث عن حفصة بنت سيرين. (قالت) أم عطية (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن) تعني النساء، والضمير عائد على نساء جرى ذكرهن (في) عيد (الفطر و) وفي عيد (الأضحى) وقد أبدلت من ضمير (هن) بقولها (العواتق) أي أمرنا أن نخرج العواتق أي الجواري الشواب (و) نخرج (الحيض) جمع حائض (و) نخرج (ذوات الخدور) أي صواحبات الستور سميت بذلك لملازمتهن البيوت (فأما الحيض فيعتزلن الصلاة) أي يبتعدن عن مواضع الصلاة خوف التنجيس، والإخلال بتسوية الصفوف، ومنعهن من المصلى منع تنزيه لأنه ليس مسجدًا، وقال بعضهم: يحرم اللبث فيه كالمسجد لكونه

وَيَشْهَدْنَ الْخَيرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَال: "لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع الصلاة، والصواب الأول فيأخذن ناحيةً في المصلى عن المصلين ويقفن بباب المسجد لحرمة دخولهن له (ويشهدن) أي يحضرن الحيض (الخير) أي مجالس الخير كسماع العلم والحديث وعيادة المرضى (ودعوة المسلمين) أيِ مجالس دعائهم كاستسقائهم رجاء بركة تلك المجالس وطهرة ذلك اليوم من الذنوب لأنه يوم الجوائز. قالت أم عطية (قلت يَا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب) تستتر به فكيف تحضر بلا ساتر، قال النضر بن شميل: هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار؛ وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها، وقيل هو ثوب واسع دون الرداء تغطي به صدرها وظهرها، وقيل هو كالملاءة والملحفة وقيل هو الإزار، وقيل هو الخمار اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتلبسها) أي لتلبس فاقدة الجلباب وتعرها (أختها) في الدين أو النسب أي صاحبتها (من جلبابها) أي من جنس جلبابها، ويؤيده رواية ابن خزيمة من جلابيبها أي ما لا تحتاج إليه عاريةً، قال النواوي: الصحيح أن معناه جلبابًا لا تحتاج إليه أو هو على سبيل المبالغة أي يخرجن ولو كان ثنتان في ثوب واحد، قال ابن بطال: فيه تأكيد خروجهن للعيد لأنه إذا أمر من لا جلباب لها فمن لها جلباب أولى اهـ إرشاد الساري. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فذكر فيه متابعتين لبيان اختلاف الرواة والروايات. ***

381 - (92) باب لا صلاة في المصلى قبل صلاة العيدين ولا بعدها وبيان ما يقرأ في صلاتهما

381 - (92) باب: لا صلاة في المصلى قبل صلاة العيدين ولا بعدها وبيان ما يقرأ في صلاتهما 1948 - (857) (260) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ. فَصَلَّى رَكْعَتَينِ. لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ. وَأَمَرَهُنَّ بالصَّدقَةِ. فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَتُلْقِي سِخَابَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 381 - (92) باب لا صلاة في المصلى قبل صلاة العيدين ولا بعدها وبيان ما يقرأ في صلاتهما 1948 - (857) (260) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التَّمِيمِيّ (العنبري) أبو عمرو البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج العتكي البَصْرِيّ، ثِقَة حجة، من (7) (عن عدي) بن ثابت الأَنْصَارِيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمَّد الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد طائفي، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عدي عن سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) من بيته أو من المسجد إلى المصلى (يوم أضحى أو فطر) بالشك من الراوي (فصلى) صلاة العيد (ركعتين لم يصل قبلها) سنةً (ولا بعدها) قال الطيبي: هذا النفي محمول على المصلى لخبر أبي سعيد الخُدرِيّ (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئًا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين) رواه ابن ماجه وأَحمد والحاكم وصححه، وحسنه الحافظ في الفتح، وحديث ابن عباس هذا أخرجه الأئمة الستة، وفيه دليل على كراهة الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها وإلى ذلك ذهب أَحْمد بن حنبل (ثم أتى) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (النساء) أي مجلسهن (ومعه بلال وأمرهن بالصدقة) أي بالتصدق من حليهن (فجعلت المرأة) منهن أي (تلقي) أي ترمي في ثوب بلال (خرصها) وهي حلقة تعلق في الأذن (وتلقي سخابها) بكسر السين نوع من قلائد النساء، قال النواوي: السخاب قلادة من طيب معجون على هيئة الخرز يكون من مسك أو قرنفل أو

1949 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ ومُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 1950 - (858) (261) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ غيرهما، من الطيب ليس فيه شيء من الجواهر، وجمعه سخب ككتاب وكتب اهـ، قال القرطبي: وكونه صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلهما ولا بعدهما حجة لمالك وجماعة من السلف على الشَّافعيّ وجماعة حيث أجازوا الصلاة قبلهما وبعدهما وعلى الكوفيين والأوزاعي حيث أجازوا الصلاة بعدهما ومنعوها قبلهما، لكن خص مالك المنع بما إذا صليا خارج العصر آخذًا بموجب فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 355] والبخاري [1431] وأبو داود [1159] والتِّرمذيّ [537] والنَّسائيّ [3/ 693] وابن ماجه [1291]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 1949 - (00) (00) (وحدثنيه عمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) البغدادي (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكُوفيّ، ثِقَة ثِقَة، من (8) (ح وحدثني أبو بكر) محمَّد بن أَحْمد (بن نافع) العبدي البَصْرِيّ، صدوق، من (10) (ومحمَّد بن بشار) العبدي البَصْرِيّ (جميعًا عن غندر) محمَّد بن جعفر الهذلي البصري (كلاهما) أي كل من ابن إدريس وغندر رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن سعيد عن ابن عباس (نحوه) أي نحو ما روى عنه معاذ بن معاذ، غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ في الرواية عن شعبة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي واقد الليثيّ رضي الله تعالى عنه فقال: 1950 - (858) (261) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدنِيُّ (عن ضمرة بن سعيد) بن أبي حسنة عمرو بن

الْمَازِنِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبا وَاقِدٍ اللَّيثِيَّ: مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في الأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقَال: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} ـــــــــــــــــــــــــــــ غزية الأَنْصَارِيّ (المازنِيّ) المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدنِيُّ، الفقيه الأعمى، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ثِقَة، من (3) (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، قال النواوي: هكذا في جميع النسخ فالرواية الأولى مرسلة لأن عبيد الله لم يدرك عمر، ولكن الحديث صحيح بلا شك متصل من الرواية الثَّانية فإنَّه أدرك أَبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف فلا عتب على مسلم حينئذ في روايته فإنَّه صحيح متصل (سأل أَبا واقد) الحارث بن مالك أو ابن عوف بن أسيد بن جابر بن عبد مناة بن أشجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن عليّ بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (الليثيّ) المدنِيُّ، شهد بدرًا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وكان قديم الإِسلام، جاور بمكة سنة، ومات فيها، ودفن في مقبرة المهاجرين سنة ثمان وستين (68) وله (65) خمس وستون سنة، له (24) أربعة وعشرون حديثًا، اتفقا على حديث وانفرد (م) بآخر، روى عنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة في الصلاة، وأبو مرة مولى عقيل في الأدب. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري أي سأل عمر أَبا واقد الليثيّ (ما كان) ما اسم موصول في محل نصب مفعول ثان لسأل، وكان زائدة أي سأله عما (يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في) عيدي (الأضحى والفطر فقال) أبو واقد لعمر (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقرأ فيهما) أي في العيدين (بـ) سورة (ق والقرآن المجيد) في الركعة الأولى (و) بسورة (اقتربت الساعة وانشق القمر) في الركعة الثَّانية. وسؤال عمر أَبا واقد عما صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين يحتمل أن يكون اختبارًا لحفظ أبي واقد، ويحتمل أن يكون استشهد به على من نازعه في ذلك ويجوز أن يكون نسي فاستذكر بسؤاله اهـ مفهم، وسؤاله أَبا واقد دون غيره من أكابر الصَّحَابَة يحتمل أنَّه لم يحضر غيره، وفيه قبول خبر الواحد اهـ أبي، قال النواوي: فيه دليل للشافعي وموافقيه أنَّه تسن القراءة بهما في العيدين، قال العلماء: والحكمة في تخصيص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بقراءة هاتين السورتين لما اشتملتا عليه

1951 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. حَدَّثَنَا فُلَيحٌ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي وَاقِدِ اللَّيثِيِّ؛ قَال: سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: عَمَّا قَرَأَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في يَوْمِ الْعِيدِ؟ فَقُلْتُ: بِـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، وَ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز النَّاس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر اهـ. وفيه دليل على سنة الجهر بالقراءة فيهما ولا خلاف فيه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1154] والتِّرمذيّ [534] والنَّسائيّ [3/ 183 - 184]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي واقد الليثيّ رضي الله عنه فقال: 1951 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو عامر) القيسي (العقدي) -بفتحتين- عبد الملك بن عمرو البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حدثنا فليح) بن سليمان بن أبي المغيرة الخُزَاعِيّ أبو يحيى المدنِيُّ، صدوق كثير الخطأ، من (7) (عن ضمرة بن سعيد) المدنِيُّ (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) الهذلي المدنِيُّ (عن أبي واقد) الحارث بن مالك (الليثيّ) المدنِيُّ. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة فليح بن سليمان لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن ضمرة بن سعيد، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) أبو واقد (سألني عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في) صلاة (يوم العيد فقلت) له قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيد (بـ) سورة (اقتربت الساعة) في الركعة الثَّانية (و) سورة (ق والقرآن المجيد) في الركعة الأولى، وهذا الحديث يعارض حديث النُّعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعا في يوم واحد فيقرأ بهما رواه التِّرْمِذِيّ [531]. وقد جمع النواوي بين الأحاديث المتعارضة فقال: كان في وقت يقرأ في العيدين بـ (ق) و (اقتربت)، وفي وقت بسبح وهل أتاك. قلت: وهو القول الراجح الظاهر المعول عليه اهـ تحفة الأحوذي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديثين الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثاني حديث أبي واقد الليثيّ ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعةً واحدةً. ***

382 - (93) باب الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد

382 - (93) باب: الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد 1952 - (859) (262) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ. تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ، يَوْمَ بُعَاثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 382 - (93) باب الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد 1952 - (859) (262) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) (عن هشام) بن عروة بن الزُّبير الأسدي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) (عن أَبيه) عروة بن الزُّبير أبي عبد الله المدنِيُّ أحد الفقهاء السبعة، ثِقَة، من (2) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (دخل علي) في بيتي والدي (أبو بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما (وعندي) في بيتي (جاريتان) أي شابتان (من جواري الْأَنصار) أي من شواب بنات الْأَنصار إحداهما لحسان بن ثابت كما في الطَّبْرَانِيّ أو كلاهما لعبد الله بن سلام اهـ قسطلا. والجارية هي فتية النساء أي شابتهن سميت بها لخفتها وكثرة جريها في بيت أهلها للخدمة، ثم توسعوا حتَّى سموا كل أمة جارية وإن كانت غير شابة، ولكن المراد هنا معناها الأصلي كما في حديث الصديقة الآتي (وأنا جارية) قال القرطبي: الجارية في النساء كالغلام في الرجال وهما يقالان على من دون البلوغ منهما ولذلك قالت عائشة عن نفسها فاقدروا قدر الجارية العربة أي المحببة عند زوجها (تغنيان) أي ترفعان أصواتهما (بما تقاولت به الْأَنصار) أي بإنسْاد شعر تخاطبت به الْأَنصار بعضهم بعضًا (يوم) وقعة (بعاث) التي كانت بينهم في الجاهلية، والغناء إنشاد الشعر بصوت رقيق فيه تمطيط وهو يجري مجرى الحداء، ويوم بعاث -بضم الموحدة والعين المهملة- كان يومًا معروفًا من أيام الحروب المعروفة بين الأوس والخزرج، وكان الظهور فيه للأوس على الخزرج؛ أي بما تخاطبت به القبيلتان في الحرب من الأشعار التي يفتخرون بها ويهجو بها بعضهم بعضًا وهم أهل قبيلتين الأوس والخزرج وكان بينهما قبل إسلامهم بين المبعث والهجرة ما حكاه الله سبحانه وتعالى في كتابه بقوله واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم الآية، وقوله (يوم بعاث) هو اسم مقتلة عظيمة فيما بينهم،

قَالتْ: وَلَيسَتَا بِمُغَنِّيَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك بين المبعث والهجرة، وكان الظفر فيها للأوس، ويطلق اليوم ويراد به الوقعة، يقال ذكر في أيام العرب كذا أي في وقائعها كما في أساس البلاغة، و (بعاث) اسم حصن للأوس يصرف ولا يصرف، وبعضهم يقول (بغاث) بالغين المعجمة، وهو تصحيف قاله ابن الأثير، وقال المجد: وبعاث بالعين والغين كغراب، ويثلث موضع بقرب المدينة، ويومه معروف اهـ فليحرر. (قالت) عائشة (وليستا) أي الجاريتان (بمغنيتين) أي ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور المحرمات لا يختلف في تحريمه لأنه اللهو واللعب المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من تلك المحرمات فيجوز القليل منه في أوقات الفرح كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، ويدل على جواز هذا النوع هذا الحديث وما في معناه على ما يأتي في أبوابه مثل ما جاء في الوليمة، وفي حفر الخندق، وفي حدو الحبشة وسلمة بن الأكوع. فأما ما ابتدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير وشُهر بذكره حتَّى عموا عن تحريم ذلك وعن فحشه حتَّى قد ظهرت من كثير منهم عورات المُجَّان والمخانيث والصبيان فيرقصون ويزفنون بحركات مطابقة وتقطيعات متلاحقة في أذكارهم كما يفعل أهل السفه والمجون، وقد انتهى التواقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالحات الأعمال وأن ذلك يثمر صفاء الأوقات وسيئات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة والمخرفة نعوذ بالله من البدع والفتن ونسأله التوبة والمشي على السنن اهـ من المفهم. قال القاضي: (قولها وليستا بمغنيتين) أي ليس الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما كذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو

فَقَال أَبُو بَكْرٍ: أَبِمُزْمُورِ الشَّيطَانِ في بَيتِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ رفع الصوت بالإنشاد ولهذا قالت: وليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يغني بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل (الغنا رقية الزنا) وليستا أَيضًا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعةً وكسبًا، والعرب تسمي الإنشاد غناءً وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح، وقد استجازت الصَّحَابَة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم، وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه، وهذا ومثله ليس بحرام ولا يحرج الشاهد اهـ منه. (فقال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (أ) ترفعان (بمزمور الشيطان) وصوته وتظهرانه (في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمزمور -بضم الميم الأولى وفتحها والضم أشهر- ولم يذكر القاضي غيره، ويقال أَيضًا مزمار وأصله صوت بصفير، والزمير الصوت، ويطلق على الغناء أَيضًا. وهذا إنكار منه لما سمع مستصحبًا لما كان مقررًا عنده من تحريم اللهو والغناء جملةً حتَّى ظن أن هذا من قبيل ما ينكر فبادر إلى ذلك قيامًا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذلك على ما ظهر له وكأنه ما كان تبين له أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قررهن على ذلك بعد، وعند ذلك قال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: دعهما، ثم علل الإباحة بأنه يوم عيد يعني أنَّه يوم سرور وفرح شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا (والمزمور) الصوت، ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر، وفي الإرشاد: أضافها للشيطان لأنها تلهي القلب عن ذكر الله تعالى وهذا من الشيطان اهـ. قال الإِمام: فأما الغناء بآلة مطربة فيمنع، وبغير آلة اختلف النَّاس فيه فمنعه أبو حنيفة وكرهه الشَّافعيّ ومالك وحكى أصحاب الشَّافعيّ عن مالك أن مذهبه الإجازة من غير كراهة. قال القاضي: المعروف من مذهب مالك المنع لا الإجازة. قلت: ذكر الأئمة هذا الخلاف هكذا مطلقًا ولم يفصلوا موضعه، والتفصيل الذي ذكرناه لا بد من اعتباره، وبما ذكرناه يجتمع شمل مقصود الشرع الكلي ومضمون الأحاديث الواردة في ذلك، وينبغي أن يستثني من الآلات التي ذكر الإِمام الدف فإنَّه قد جاء ذكره في هذا الحديث وفي حديث العرس اهـ من المفهم.

وَذلِكَ في يَوْمِ عِيدٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا. وَهذَا عِيدُنَا". 1953 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ، عَنْ هِشامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِيهِ: جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وذلك) المذكور من غناء الجاريتين وإنكار أبي بكر عليهما كان (في يوم عيد) الأضحى كما صرح به في الرواية الآتية بقوله في أيام مني (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأبي بكر (يَا أَبا بكر) دعهما (إن لكل قوم عيدا) أي يوم فرح وسرور (وهذا) اليوم (عيدنا) فلا يمنع فيه إظهار الفرح والسرور، قال النواوي: وفي قوله (أبمزمور الشيطان) الخ، فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وإن يكن فيه إثم، وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتًا على الكبير بل هو أدب ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه، وإنما سكت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عنهن لأنه مباح لهن وتَسَجى بثوبه وحول وجهه عن اللهو، ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن، وكان هذا من رأفته صلى الله عليه وسلم وحلمه وحسن خلقه اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [6/ 33 و 127] والبخاري [949] والنَّسائيّ [3/ 195]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1953 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) النَّيسَابُورِيّ (وأبو كُريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكُوفيّ (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن أبي معاوية) محمَّد بن خازم التَّمِيمِيّ الكُوفيّ (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أَبيه عن عائشة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي معاوية لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن هشام (وفيه) أي وفي حديث أبي معاوية (جاريتان تلعبان بدف) بدل رواية أبي أسامة تغنيان بما تقاولت به الْأَنصار، والدف بضم الدال وفتحها والضم أشهر وأفصح، قال في المنجد: الدف آلة الطرب وجمعه دفوف اهـ وفي الأبي: والدف هو المدور المغشى من جهة واحدة المسمى بالغربال. [قلت] في الغريبين الدف الجنب، ومنه دفتا المصحف شبهتا بجنبين، وسمي به الشكل المعروف لأنه متخذ من جلد الجنب اهـ. [قلت] وأما إن غطي من الجهتين فيسمى

1954 - (00) (00) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيهَا. وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ في أَيَّامِ مِنًى. تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ دربكة فهي حرام عند جماهير الشافعية والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1954 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التَّمِيمِيّ السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأَنْصَارِيّ أبو أمية المصري، ثِقَة، من (7) (أن) محمَّد (بن شهاب) الزُّهْرِيّ (حدثه) أي حدث عمرًا (عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزُّبير (أن أَبا بكر) الصديق (دخل عليها وعندها) في بيتها (جاريتان) أي من جواري الْأَنصار (في أيام) عيد الأضحى في (منى) قال النواوي: يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق أضيف إلى المكان بحسب الزمان ففيه أن هذه الأيام داخلة في أيام العيد وحكمه جار عليها في كثير من الأحكام لجواز التضحية فيها وتحريم الصوم واستحباب التكبير وغير ذلك (تغنيان) أي ترفعان أصواتهما بأشعار يوم بعاث (وتضربان) الدف، فيه أن ضرب دف العرب مباح في السرور الظاهر وهو العيد والعرس والختان (ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى) أي مغط وجهه (بثوبه) وتسجية رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه بثوبه إعراض عنهما، وقالت في الحديث الآخر: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان على الفراش مضطجعًا وإنه حول وجهه عند غناء الجاريتين وكأنه أعرض عن ذلك الغناء لأنه من قبيل اللغو الذي يعرض عنه، وأما لعب الحبشة في المسجد فكان لعبًا بالحراب والدرق تواثبًا ورقصًا بهما وهو من باب التدريب على الحرب والتمرين والتنشيط عليه وهو من قبيل المندوب ولذلك أباحه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد اهـ من المفهم.

فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ عَنْهُ. وَقَال: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" وَقَالتْ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ. وَأَنَا جَارِيَةٌ. فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فانتهرهما أبو بكر) أي زجرهما عن الغناء بكلام غليظ بحضرته صلى الله عليه وسلم (فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه) أي أزال الثوب عن وجهه الشريف كما هو الظاهر من لفظ البُخَارِيّ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (دعهما) أي دع الجاريتين واتركهما على غنائهما (يَا أَبا بكر فإنَّها) أي فإن هذه الأيام (أيام عيد) فيجوز فيها إظهار السرور بالغناء وضرب الدفوف (وقالت) عائشة بالسند السابق، وهذا حديث آخر، وقد جمعه مع السابق بعض الرواة وأفردهما آخرون (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه) عن أعين النَّاس (وأنا) أي والحال أني (أنظر إلى الحبشة وهم) أي والحال أن الحبشة (يلعبون) في المسجد بالدرق والحراب (وأنا جارية) صغيرة أحب النظر على اللعب، قال النواوي: معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبًّا بليغًا وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلَّا بعد زمن طويل، وفيه دليل على جواز نظر النساء إلى الأجانب من الرجال على مثل هذه الحال التي قد أمنت المفاسد والفتن فيها، وإنكار عمر عليهم تمسك منه بالصورة الظاهرة كما قلنا في حق أبي بكر رضي الله عنهما، وفيه أبواب من الفقه لا تخفى اهـ من المفهم. (فاقدروا) بضم الدال وكسرها من القدر بمعنى التقدير أي قدروا حالي في الرغبة في اللهو (قدر) حال (الجارية) أي الشابة (العربة) -بفتح العين وكسر الراء- أي المشتهية للعب الحريصة عليه المحبة للنظر إليه (الحديثة السنن) أي القليلة السنن الصغيرة العمر أي قيسوا حالي بحالها في حداثة سنها وحرصها على اللهو ومع ذلك كنت أنا هي التي تمل وتنصرف عن النظر إليه والشعبي صلى الله عليه وسلم لا يمسه شيء من الضمير والإعياء رفقًا بها وحفظًا لقلبها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

1955 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَقُومُ َعَلَى بَابِ حُجْرَتِي. وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ. في مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ. لِكَي أَنْظُرَ إلى لَعِبِهِمْ. ثُمّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي. حَتَّى أَكُونَ أَنَا الّتِي أَنْصَرِفُ. فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، حَرِيصةً عَلَى اللَّهْو ـــــــــــــــــــــــــــــ 1955 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري، ثِقَة، من (10) (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمَّد (بن شهاب) المدنِيُّ (عن عروة بن الزُّبير) المدنِيُّ الأسدي (قال) عروة (قالت عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لعمرو بن الحارث في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وفيه التحديث إفرادًا والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة والقول (والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة) أي والحال أن الحبشة هم جنس من السودان أولاد حام بن نوح - عليه السلام - (يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع حربة وهو الرمح الصغير, وجملة قوله (يسترني بردائه) حال من فاعل يقوم أي يقوم على باب حجرتي حالة كونه يسترني بردائه عن النَّاس (لكي أنظر إلى لعبهم) لا إلى ذواتهم (ثم يقوم من أجلي) أي من أَجل نظري إلى الحبشة (حتَّى أكون أنا) هي (التي أنصرف) وأذهب (فاقدرو) ني أي قيسوني (قدر الجارية) أي قياس الجارية (الحديثة السن) أي القريبة السن حالة كونها (حريصة) أي مقبلة (على اللهو) كثيرة الرغبة والطمع فيه. قال النواوي: ففي هذا الحديث جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر، وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس أبدانهم، وأما نظر المرأة إلى وجه الرَّجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا أصحهما تحريمه لقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ

1956 - (00) (00) حَدَّثَني هَارُونُ بْنُ سعيدٍ الأَيلِيُّ ويونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْروٌ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ حَدّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 30] ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة: "احتجبا عنه" أي عن ابن أم مكتوم، فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "أعمياوان أنتما أليس تبصرانه" وهو حديث حسن رواه التِّرْمِذِيّ وغيره وقال: هو حديث حسن، وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجوابين. وأقواهما أنَّه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن وإن وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال، والثاني لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر أو أنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول: إن للصغير المراهق النظر والله أعلم. وفي الحديث أَيضًا بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1956 - (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) المصري أبو جعفر التَّمِيمِيّ (ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري، ثِقَة، من (10) (واللفظ) الآتي (لهارون قالا: حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) المصري، ثِقَة، من (9) (أخبرنا عمرو) بن الحارث الأَنْصَارِيّ أبو أمية المصري، ثِقَة، من (7) (أن محمَّد بن عبد الرَّحْمَن) بن نوفل بن الأسود الأسدي أَبا الأسود المدنِيُّ يتيم عروة، ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن عروة) بن الزُّبير المدنِيُّ (عن عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والعنعنة والمقارنة، وغرضه بيان متابعة محمَّد بن عبد الرَّحْمَن لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن عروة (قالت) عائشة (دخل) علي (رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ. فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ. وَحَوَّلَ وَجْهَهُ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي. وَقَال: مِزْمَارُ الشَّيطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. فَقَال: "دَعْهُمَا" فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم) يوم عيد (وعندي جاريتان) أي دون البلوغ من جواري الْأَنصار إحداهما لحسان بن ثابت أو كلاهما لعبد الله بن سلام، اسم إحداهما حمامة واسم الأخرى زينب كما في الإرشاد (تغنيان) أي ترفعان أصواتهما (بغناء) أي بأشعار تقاولت به الْأَنصار يوم وقعة (بعاث) من فخر وهجاء، وبعاث اسم حصن وقع الحرب عنده بين الأوس والخزرج وكان به مقتلة عظيمة وكان النصر للأوس على الخزرج واستمرت المقتلة مائةً وعشرين سنة حتَّى جاء الإِسلام فألف الله بين قلوبهم ببركة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله (فاضطجع على الفراش) معطوف على دخل (وحوّل وجهه) عن جهتهما إلى الجهة الأخرى للإعراض عن ذلك لأن مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إليه لكن عدم إنكاره يدل على تسويغ مثله على الوجه الذي أقره إذ أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، والأصل التنَزه عن اللعب واللهوفيقتصر على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفيةً اهـ قسط (فدخل) علينا (أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (فانتهرني) أبو بكر أي زجرني لتقديرها لها على الغناء، ولفظ البُخَارِيّ عن الزُّهْرِيّ (فانتهرهما) أي الجاريتين لفعلهما ذلك، والظاهر على طريق الجمع أنَّه شرّك بينهن في الزجر (وقال) أبو بكر (مزمار) -بكسر الميم وسكون الزاي- مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له صفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، والكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي أمزمار (الشيطان) وصوته يفعل (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا من الصديق رضي الله عنه إنكار لما سمع معتمدًا على ما تقرر عنده من تحريم اللهو والغناء مطلقًا ولم يعلم أنَّه صلى الله عليه وسلم أقرهن على هذا القدر اليسير لكونه دخل فوجده مضطجعًا فظنه نائمًا فتوجه له الإنكار (فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له يَا أَبا بكر (دعهما) أي دع الجاريتين واتركهما على غنائهما، وزاد في رواية هشام إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا، فعرّفه صلى الله عليه وسلم الحال مقرونًا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس، قالت عائشة (فلما غفل) أبو بكر عني بمحادثة الرسول صلى الله عليه وسلم (غمزتهما) أي أشرت إليهما بالعين أو الحاجب أن

فَخَرَجَتَا. وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ. فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. وَإِمَّا قَال: "تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ. خَدِّي عَلَى خَدِّهِ. وَهُوَ يَقُولُ: "دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ" حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَال: "حَسْبُكِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "فَاذْهَبِي". 1957 - (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ اخرجا (فخرجتا) بفاء العطف (و) قالت عائشة (كان) اليوم (يوم عيد) وهذا حديث آخر قد جمعه مع السابق بعض الرواة وأفردهما آخرون اهـ من الإرشاد (يلعب) فيه (السودان بالدرق) بفتحتين جمع درقة الترس من جلود ليس فيه خشب (والحراب) جمع حربة، قالت عائشة (فإما سألت) أنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن انظر إلى لعبهم (وإما قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لي أ (تشتهين) وتحبين (تنظرين) أي أن تنظري إلى لعبهم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أشتهي (فأقامني وراءه) حالة كوني (خدي على خده) صلى الله عليه وسلم متلاصقين (وهو) أي والحال أنَّه صلى الله عليه وسلم (يقول) للسودان آذنًا لهم ومنشطًا (دونكم) اسم فعل أمر مبني على الفتح، بمعنى الزموا هذا اللعب الذي أنتم فيه، والكاف ضمير لجماعة المخاطبين في محل نصب مفعول به، وهو هنا يدل على الإغراء، وهو تنبيه المخاطب على أمر محمود ليلزمه (يا بني أرفدة) -بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح وبالدال المهملة- وهو جد الحبشة الأكبر، وزاد الزُّهْرِيّ عن عروة: فزجرهم عمر، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "أمنًا بني أرفدة"، وقوله (حتَّى إذا مللت) بكسر اللام الأولى غاية لقوله أقامني وراءه أي فأقامني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه حتَّى إذا مللت وكسلت من النظر إليهم (قال) صلى الله عليه وسلم أ (حسبك) أي أما يكفيك هذا القدر من النظر بتقدير همزة الاستفهام (قلت) له (نعم) حسبي (قال) لي إذن (فاذهبي) وارجعي إلى البيت. وشارك المؤلف في الرواية البُخَارِيّ [950] فقط، والحديث استدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التدريب للحرب والتنشيط له اهـ قسط. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 1957 - (00) (00) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب) الحرشي أبو خيثمة النَّسائيّ (حدثنا - جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (عن هشام) بن عروة (عن

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ في يَوْمِ عِيدٍ في الْمَسْجِدِ. فَدَعَانِي النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَوَضَعْتُ رَأْسِي. َعَلَى مَنْكِبِهِ. فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ. حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيهِمْ. 1958 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَحْيى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا محمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهذا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا: في الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبيه) عروة بن الزُّبير المدنِيُّ (عن عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كُوفِيّ وواحد نسائي، غرضه بيان متابعة هشام بن عروة لمحمد بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن عروة (قالت) عائشة (جاء حبش) هم والحبشة جنس من السودان حالة كونهم (يزفنون) -بفتح الياء وإسكان الزاي وكسر الفاء- معناه يرقصون ويتواثبون ويترامون بسلاحهم ورماحهم (في يوم عيد) الفطر (في المسجد) النبوي (فدعاني النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه) صلى الله عليه وسلم ليسترني عن النَّاس (فجعلت) أي شرعت (انظر إلى لعبهم) لا إلى ذواتهم (حتَّى كنت أنا) هي (التي أنصرف) أرجع (عن النظر إليهم) باختياري لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقهره وإجباره. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديثها رضي الله عنها فقال: 1958 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (أخبرنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبو سعيد الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) (ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكُوفيّ (حَدَّثَنَا محمَّد بن بشر) العبدي الكُوفيّ (كلاهما) أي كل من يحيى بن زكريا ومحمَّد بن بشر رويا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة نحو ما روى جرير عن هشام (و) لكن (لم يذكرا) أي لم يذكر ابن زكريا وابن بشر لفظة (في لمسجد) غرضه بسوقهما بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن هشام. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديثها رضي الله عنها فقال:

1959 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ (وَاللَّفْظُ لِعُقْبَةَ) قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ بْنُ عُمَيرٍ. أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ؛ أَنَّهَا قَالتْ، لِلَعَّابِينَ: وَدِدْتُ أَنيِّ أَرَاهُمْ. قَالتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. وَقُمْتُ عَلَى الْبَابِ أَنْظُرُ بَينَ أُذُنَيهِ وَعَاتِقِهِ. وَهُمْ يَلْعَبُونَ في الْمَسْجِدِ. قَال عَطَاءٌ: فُرْسٌ أَوْ حَبَشٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 1959 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار لم يرو عنه غير مسلم من الجماعة، ثِقَة ثبت، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وعقبة بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف على صيغة اسم المفعول (العمِّيُّ) بفتح العين وتشديد الميم أبو عبد الملك البَصْرِيّ، ثِقَة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (وعبد بن حميد) الكسي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي عاصم) النَّبِيل البَصْرِيّ الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشَّيبانِيّ، ثِقَة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (واللفظ) الآتي (لعقبة) بن مكرم (قال) عقبة (حَدَّثَنَا أبو عاصم) بصيغة السماع (عن) عبد الملك (بن جريج) الأُموي المكيّ، ثِقَة، من (6) (قال) ابن جريج (أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القُرشيّ مولاهم أبو محمَّد اليماني المكيّ، ثِقَة، من (3) (أخبرني عبيد بن عمير) -بالتصغير فيهما- ابن قتادة الليثيّ أبو عاصم المكيّ، ثِقَة مخضرم، من الثَّانية، روى عنه في (7) (أخبرتني عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان بصريان أو بصري وبغدادي أو بصري وكسي وواحد مدني، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار إفرادًا والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي عطاء عن عبيد بن عمير، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبيد بن عمير لعروة بن الزُّبير في رواية هذا الحديث عن عائشة (أنها قالت لـ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الحبش الـ (لعابين) في المسجد (وددت) أي أحببت يَا رسول الله (أني أراهم) وأنظرهم (قالت) عائشة (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند باب حجرتي ليسترني (وقمت) أنا (على الباب) أي على باب حجرتي لـ (انظر) إلى لعابهم (بين أذنيه) صلى الله عليه وسلم (وعاتقه وهم) أي والحال أن اللعابين (يلعبون) بالحراب (في المسجد) النبوي (قال عطاء) بن أبي رباح هم (فرس أو حبش) قال النواوي: هكذا في كل النسخ،

قَال: وَقَال لِي ابْنُ عَتِيقٍ: بَلْ حَبَشٌ. 1960 - (860) (263) وَحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: بَينَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعناه أن عطاء شك هل قال عبيد بن عمير هم فرس أو حبش بمعنى هل هم من الفرس أم من الحبشة (قال) عطاء (و) لكن (قال لي ابن عتيق) الصواب ابن عمير يعني عبيد بن عمير (بل حبش) بالجزم بلا شك، قال القاضي عياض: قوله (وقال لي ابن أبي عتيق) هكذا هو عند شيوخنا، وعند الباجي (وقال لي ابن عمير قال) وفي نسخة أخرى (قال لي ابن أبي عتيق) قال صاحب المشارق والمطالع: الصحيح ابن عمير وهو عبيد بن عمير المذكور في السند وهو الصواب اهـ منه، وأما ابن عتيق فهو عبد الله بن أبي عتيق محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصديق التَّيميّ، روى عن عائشة في الحج، ويروي عنه سالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولاه صدوق، من الثالثة. والفرس بضم الفاء وسكون الراء، وكذا الفارس جنس من النَّاس من أولاد سام بن نوح ويسمى الآن بالإيران أرضهم أربعة آلاف فرسخ، وأرض العرب أَلْف فرسخ كما بسطت الكلام فيه وفي نظائره في حدائق الروح والريحان، والحبش وكذا الحبشة -بفتحتين فيهما- جنس من السودان، والجمع حبشان كحمل وحملان اهـ من المختار. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 1960 - (860) (263) (وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد) بن حميد (أخبرنا) عبد الرَّزّاق (وقال ابن رافع: حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن الزُّهْرِيّ) المدني (عن) سعيد (بن المسيّب) المخزومي المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (قال) أبو هريرة: (بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم

إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "دَعْهُمْ. يَا عُمَرُ! " ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ دخل عمر بن الخطاب) المسجد النبوي وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي بينما أوقات لعب الحبشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجأهم دخول عمر بن الخطاب (فأهوى) عمر بن الخطاب أي مد يده (إلى الحصباء) أي إلى الحصى الصغار فأخذها بكفه حالة كونه يريد أن (يحصبهم) أي يرميهم (بها) أي بالحصباء ليزجرهم عن لعبهم (فقال له) أي لعمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهم) أي اتركهم (يَا عمر) يلعبون. والحديث أقوى دليل على جواز ذلك، وكذا قوله في حديث عائشة لأبي بكر: دعهما يَا أَبا بكر وإنما أنكر عمر رضي الله عنه مخافة أن يكون ذلك مما لا يباح في المسجد، ولعله لم يعلم أنَّه صلى الله عليه وسلم رأى لعبهم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 308] والبخاري [2901]. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلَّا حديثين الأول حديث عائشة رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه سبع متابعات، والثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة. وهذا آخر ما أردنا إيراده وشرحه في هذا المجلد السادس (1)، وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة من الأصول والشواهد (263) مائتان وثلاثة وستون حديثًا، وجملة ما فيه من الأبواب (93) ثلاث وتسعون. قال مؤلفه: وهذا آخر ما أكرمني الله به من هذا المجلد بإتمامه مع كثرة العوائق والمعائق في أوائل ليلة الخميس الليلة العاشرة من شهر ذي القعدة من شهور سنة (10/ 11 / 1422) أَلْف وأربعمائة واثنتين وعشرين سنةً من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية بعد ما وفقني بابتدائه في تاريخ (13/ 4 / 1422) من الهجرة النبوية في اليوم الثالث عشر من شهر الرَّبيع الثاني من شهور سنة أَلْف وأربعمائة واثنتين وعشرين سنةً من الهجرة النبوية، وكانت مدة اعتنائي به مع كثرة العوائق والموانع سبعة أشهر وثلاثة أيام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة السلام على سيد البريات، سيدنا محمَّد وآله وجميع الصحابات، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامات. *** تم الجزء العاشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج ويليه المجلد الحادي عشر وأوله أبواب الاستسقاء *** ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهاج والروض البهاج في شرح صحيح مسلم الحجاج جمع وتأليف مُحمَّدٍ الأمِين بن عبد اللهِ الأُرميّ العَلَويّ الهَرَريّ الشَّافِعِيّ نزيل مكة المكرمة والمجاور بهَا مراجعَة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستَشَار برَابطَةِ العَالمِ الإسلَاميِّ- مَكَّةَ المكرمَّة الجزء الحادي عشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطّبعَة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة- السعودية دار طوق النجاة بيروت- لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

شعر تفرج بالروض البهاج ... واستضئ بالكوكب الوهاج فإنَّه غنية المحتاج ... إلى صحيح مسلم بن الحجاج فإنَّه مركز الابتهاج ... وأوضح المهيع الوهاج آخر لا تحقرن امرأ إن كان ذا ضعة ... كم من وضيع من الأقوام قد راسا فرب قوم حقرناهم فلم نرهم ... أهلًا لخدمتنا صاروا لنا رؤسا آخر كرر علي حديثهم يَا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر علي حديثهم فلربما ... لأن الحديد بضربة الحداد

أبواب الاستسقاء

بِسم اللهِ الرّحمِنِ الرحيم أبواب الاستسقاء ـــــــــــــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على كماله والشكر له على نواله: شكرًا يوافي محصوله ويكافئ مزيده والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه وأتباعه منبع حكمه وأحكامه سيدنا محمَّد صاحب جوامع الكلم مأخذ الدين القويم الأقدم صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين صلاة تحل بها العقد وتفك بها الكرب وتبلغ بها العبد غاية ما طلب صلاة أُرقى بها مراقي الإخلاص وأنال بها غاية الاختصاص صلاتك التي صليت عليه دائمة بدوامك باقية ببقائك عدد مأحاط به علمك وجرى به قلمك آمين آمين يَا رب العالمين. (أما بعد) فإنِّي لما فرغت من تسطير المجلد السادس من شرح هذا الجامع الصحيح تفرغت لبداية المجلد السابع من هذا الشرح الجليل بتسطير ما عندي من رشحات العلوم الناقلة والفيوضات الهاطلة مستمدًا من الله التوفيق والهداية لأقوم الطريق فقلت وقولي هذا: أبواب الاستسقاء والاستسقاء لغة طلب السقيا مطلقًا من الله أو من غيره وشرعًا طلب سقيا العباد من الله عند حاجتهم إليها لانقطاع مطر أو قلة ماء عين أو نهر بعد كثرته أو توقف النيل في أيام زيادته أو ملوحة ماءٍ بعد عذوبته وأول من استسقى من الأنبياء موسى - عليه السلام - كما قال تعالى {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: 60] الآية والاستسقاء ثلاثة أنواع أحدها أن يكون بالدعاء مطلقًا فرادى ومجتمعين وثانيها أن يكون بالدعاء خلف الصلاة ولو نافلة كما ذكره صاحب البيان وغيره من الأصحاب خلافًا لما وقع للنوويّ في شرح مسلم من تقييده بالفرائض وفي خطبة الجمعة وثالثها وهو الأفضل أن يكون بالصلاة والخطبتين وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمَّد وعن أَحْمد لاخطبة وإنما يدعو ويكثر الاستغفار والجمهور على سنية الصلاة خلافًا لأبي حنيفة ومحل كونها سنة إذا لم يأمر بها الإِمام وإلا وجبت. ***

383 - (1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء وكيفية العمل فيها

383 - (1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء وكيفية العمل فيها (1951) (861) (1) وحدّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأْت َعَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّه سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ: سمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللُّهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى. وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. (1952) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَن عَبَّادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 383 - (1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء وكيفية العمل فيها (1951) (861) (1) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال: قرأت على مالك) بن أنسٍ الأصبحي المدنِيُّ (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأَنْصَارِيّ أبي محمَّد المدنِيُّ ثِقَة من (5) روى عنه في (11) بابا (أنَّه سمع عبّاد بن تميم) بن زيد بن عاصم الأَنْصَارِيّ المازنِيّ المدنِيُّ ثِقَة من (3) روى عنه في (6) أبواب (يقول: سمعت) عمي (عبد الله بن زيد) بن عاصم بن كعب الأَنْصَارِيّ (المازنِيّ) أَبا محمَّد المدنِي الصحابي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى وفيه التحديث والعنعنة والقراءة والسماع والقول وراوية تابعي عن تابعي (يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) في شهر رمضان سنة ست من الهجرة (إلى المصلى) أي إلى مصلى العيد (فاستسقى) أي فطلب من الله سبحانه وتعالى سقيا المطر (وحوّل رداءه حين استقبل القبلة) في أثناء الاستسقاء فجعل يمينه يساره. هو عكسه تفاؤلًا بتغير الحال من القحط إلى الخصب ونزول المطر ومن ضيق الحال إلى سعته.؟ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ (1005) وأبو داود (1661 - 1664) والتِّرمذيّ (556) والنَّسائيّ (3/ 155 و 175) وابن ماجه (1367). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال: (1952) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (أخبرنا سفيان بن عيينة) بن ميمون الهلالي الكُوفيّ ثِقَة من (8) (عن عبد الله بن أبي بكر) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ (عن عبّاد

ابْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ. قَال: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. وَصَلَّى رَكْعَتَينِ. (1953) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيدٍ الأنصَارِيَّ أَخْبَرَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن تميم) الأَنْصَارِيّ (عن عمّه) عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن أبي بكر (قال) عبد الله بن زيد: (خرج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلى) أي إلى مصلى العيد (فاستسقى) أي طلب من الله تعالى سقيا المطر (واستقبل القبلة) في أثناء دعائه (وقلب رداءه) أي جعل أعلاه أسفله وعكسه تفاؤلًا بتغير الحال من القحط إلى نزول المطر (وصلى ركعتين) كركعتي العيد في هيئاتهما ثم خطب خطبتين قيل معنى القلب والتحويل واحد وليس في الاستسقاء قلب الرداء عند عامة العلماء في حق القوم وما روي أن القوم فعلوه فمحمول على أنَّهم فعلوا ذلك موافقة له صلى الله عليه وسلم كخلع النعال ولم يعلم به وأما في حق الإِمام فكذلك عند أبي حنيفة لعدم فعله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس كما سيأتي في باب الدعاء في الاستسقاء ولعدم فعل الصَّحَابَة له كعمر وغيره وكيفية القلب على قول من يراه أن يجعل أعلاه أسفله ما أمكن وإن لم يمكن كالجبة جعل يمينه يساره كذا في أكثر الكتب وقال الطحاوي: قولهم: يجعل أعلاه أسفله صادق بأن يراد به جعل ما يلي البدن إلى السماء وجعل ما يلي الرجل إلى الرأس وكل منهما جائز اهـ من بعض الهوامش ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال: (1953) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا سليمان بن بلال) التَّيميّ المدنِيُّ ثِقَة من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ ثِقَة من (5) (قال: أخبرني أبو بكر بن محمَّد بن عمرو) بن حزم الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ واسمه وكنيته واحد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمَّد ثِقَة من (5) (أن عباد بن تميم) المازنِيّ المدنِيُّ (أخبره) أي أخبر لأبي بكر (أن عبد الله بن زيد الأَنْصَارِيّ) المازنِيّ المدنِيُّ رضي الله عنه (أخبره) أي أخبر لعبّاد بن تميم وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنَّه نيسابوري غرضه بسوقه بيان متابعة أبي بكر بن محمد لعبد الله بن أبي بكر في رواية هذا

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلى يَسْتَسْقِي. وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أنّ يَدْعُوَ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ. (1954) (0) (0) وحدّثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ؛ عَنْ عَمِّهِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ يَوْمًا يَسْتَسْقِي. فَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ. يَدْعُو اللَّهَ. وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن عباد بن تميم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى) حالة كونه يريد أن (يستسقي) أي أن يطلب من الله تعالى سقيا المطر (و) أخبره أَيضًا (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (لما أراد) وقصد (أن يدعو) الله تعالى (استقبل القبلة) أي جهتها لشرفها (وحول) صلى الله عليه وسلم (رداءه) أي جعل يمينه يساره وعكسه كما مرّ في الرواية الأولى تفاؤلًا بتغير الحال من القحط إلى الخصب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال: (1954) (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو بن سرح الأُموي المصري ثِقَة من (10) (وحرملة) بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري صدوق من (11) (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري ثِقَة من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأُموي الأيلي المصري (عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزُّهْرِيّ المدنِيُّ ثِقَة حجة من (4) (قال: أخبرني عبّاد بن تميم) الأَنْصَارِيّ (المازنِيّ) المدنِيُّ (عن عمّه) عبد الله بن زيد بن عاصم الأَنْصَارِيّ المازنِيّ رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لعبد الله بن أبي بكر وأبي بكر بن محمَّد في رواية هذا الحديث عن عبّاد بن تميم (وكان) عمّه (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجملة كان معترضة بين الحال وصاحبها أي سمع عمه حالة كونه (يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى المصلى (يومًا) من شهر رمضان لسنة ست من الهجرة كما في الإرشاد حالة كونه (يستسقي) أي يريد سقيا المطر من الله تعالى (فجعل) موليًا (إلى النَّاس ظهره) الشريف حالة كونه (يدعو الله) سبحانه وتعالى المطر (واستقبل القبلة) تفسير لجعل المذكور (وحوّل رداءه) أي جعل يمينه يساره وعكسه (ثم

صَلَّى رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلّى) صلاة الاستسقاء (ركعتين) كما يصلي العيد كبر في الأولى بسبع تكبيرات وقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقرأ في الثَّانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر بخمس تكبيرات رواه الدارقطني (3/ 66) وهذا نص لكن في إسناده محمَّد بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الرَّحْمَن بن عوف وهو ضعيف الحديث ذكره ابن أبي حاتم اهـ مفهم. وظاهر هذه الرواية أن الخطبة مقدمة على الصلاة لأنه قال فيه: (ثم صلّى ركعتين) بثم الدالة على الترتيب والمهلة وبذلك قال مالك في أول قوليه وهو قول كثير من الصَّحَابَة والجمهور على أن الصلاة مقدمة على الخطبة وإليه رجع مالك وهو قوله في الموطإ وكأن مستند هذا القول رواية من روى هذا الخبر بالواو الغير المرتبة بدل ثم وما روي عن إسحاق بن عيسى بن الطبّاع عن مالك أنَّه صلى الله عليه وسلم بدأ بالصلاة قبل الخطبة وهذا نص في ذلك ويعتضد هذا بقياس هذا، الصلاة على صلاة العيدين بجامع أنهما يخرج لهما ولهما خطبة ولم يذكر في حديث عبد الله بن زيد هذا أنها يكبر لها كما يكبر في العيد ولذلك لم يصر إليه أكثر العلماء مالك وغيره وقد قال بالتكبير فيها جماعة منهم ابن المسيّب وعمر بن عبد العزيز والشافعي والطبري وحجتهم حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو داود قال فيه: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متذللًا متواضعًا متضرعًا حتَّى أتى المصلى فرقى على المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلّى ركعتين كما يصلي في العيد) وهذا لا ينتهض حجة فإنَّه يصدق على التشبيه وإن كان من بعض الوجوه ولا يلزم التشبيه من كل الوجوه إلا في شبيه ومثيل للمبالغة التي فيه فإن العرب تقول زيد كالأسد وكالبحر وكالشمس تريد بذلك أنَّه يشبهه في وجه من الوجوه اهـ من المفهم. ولا خلاف في أنَّه يجهر فيها بالقراءة وقد ذكره البُخَارِيّ ويخطب فيهما خطبتين يجلس في أولاهما ووسطهما وهو قول مالك والشافعي وقال أبو يوسف ومحمَّد بن الحسن وعبد الرَّحْمَن بن مهدي: يخطب خطبةٌ واحدة لا جلوس فيها وخيره الطبري ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلاحديث عبد الله بن زيد المازنِيّ وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

384 - (2) باب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء والإشارة إلى السماء بظهر كفيه

384 - (2) باب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء والإشارة إلى السماء بظهر كفيه (1955) (863) - (3) حدَّثنا أَبُو بكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيهِ في الدُّعاءِ. حَتى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيهِ. (1956) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الأعلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ 384 - (2) باب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء والإشارة إلى السماء بظهر كفيه (1955) (863) (3) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسيُّ الكُوفيّ (حَدَّثَنَا يحيى بن أبي بكير) مصغرًا اسمه نسر بفتح النُّون وسكون المهملة القيسي العبدي أبو زكريا البغدادي (عن شعبة) بن الحجاج البَصْرِيّ (عن ثابت) بن أسلم البناني البَصْرِيّ (عن أنس) بن مالك الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد كُوفِيّ وفيه التحديث والعنعنة (قال) أنس: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه) أي كفيه (في) حالة (الدعاء) رفعًا بليغًا (حتَّى يرى) لمن عنده (بياض إبطيه) بكسر الهمزة وسكون الموحدة استدل به على استحباب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء ولذا لم يرو عن الإِمام مالك رحمه الله أنَّه رفع يديه إلَّا في دعاء الاستسقاء خاصةً وهل ترفع في غيره من الأدعية أم لا والصحيح الاستحباب في سائر الأدعية رواه الشيخان وغيرهما وأما حديث أنس المروي في الصحيحين وغيرهما الآتي في الرواية التالية لهذه الرواية أنَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلَّا في الاستسقاء فإنَّه كان يرفع يديه حتَّى يرى بياض إبطيه فمؤول على أنَّه لا يرفعهما رفعًا بليغًا ولذا قال في المستثنى حتَّى يرى بياض إبطيه اهـ من الإرشاد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ (933) وأبو داود (1174 و 1175) والنَّسائيّ (3/ 154 - 155). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (1956) (0) (0) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى) البَصْرِيّ العنزيُّ (حَدَّثَنَا) محمَّد (بن أبي عدي) إبراهيم السلميُّ مولاهم أبو عمرو البَصْرِيّ ثقهَ من (9) (وعبد الأعلى) بن

عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ كَانَ لا يَرْفَعُ يَدَيهِ في شَيءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا في الاسْتِسْقَاءِ. حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبطيهِ. غَيرَ أَنَّ عَبْدَ الأَعْلَى قَال: يُرَى بَيَاضُ إِبْطِهِ أَوْ بَيَاضُ إِبْطَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الأعلى السامي بمهملة أبو محمَّد البَصْرِيّ ثقة من (8) (عن سعيد) بن أبي عروية مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البَصْرِيّ ثِقَة من (6) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البَصْرِيّ ثِقَة من (4) (عن أنس) بن مالك الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لثابت البناني في رواية هذا الحديث عن أنس (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه) أي رفعًا بليغًا لئلا يعارض الرواية السابقة (في شيء من دعائه إلَّا في الاستسقاء) فإنَّه كان يرفع يديه رفعًا بليغًا (حتَّى يرى بياض إبطيه) هكذا قال ابن أبي عدي (غير أن عبد الأعلى قال) في روايته حتَّى (يرى بياض إبطه) بالإفراد (أو) يرى (بياض إبطيه) بالتثنية بالشك في أي الصيغتين قال سعيد: وظاهر هذه الرواية تنفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وهو معارض بما سبق في الرواية السابقة وبما سنذكره من الأحاديث المثبتة للرفع في سائر الأدعية فليحمل النفي في هذه الرواية على صفة مخصوصة إما الرفع البليغ كما يدل عليه قوله حتَّى يرى بياض إبطيه كما مر آنفًا وإما على صفة اليدين في ذلك كما ذكره في الرواية الآتية بقوله فأشار بظهر كفيه إلى السماء وعلى نفي رؤية أنس لذلك وهو لا يستلزم نفي رؤية غيره ورواية المثبت مقدمة على النافي. والحاصل استحباب الرفع في كل دعاء إلَّا ما جاء من الأدعية مقيدًا بما يقتضي عدم الرفع فيه كدعاء الركوع والسجود وغيرهما فقد ورد رفعه صلى الله عليه وسلم يديه في مواضع كثيرة فمنها رفعه يديه حتَّى يرى عفرة إبطيه حين استعمل ابن اللتبية على الصدقة كما في الصحيحين ومنها رفعهما في قصة خالد بن الوليد قائلًا: اللهم إنِّي أبرأ إليك مما صنع خالد رواه البُخَارِيّ والنَّسائيّ ومنها رفعهما على الصفا رواه مسلم وأبو داود ومنها رفعهما ثلاثًا بالبقيع مستغفرا لأهله رواه البخاري في رفع اليدين ومسلم ومنها رفعهما حين تلا قوله تعالى {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} الآية قائلًا: اللهم أمتي أمتي رواه مسلم ومنها رفعهما حين بعث جيشًا فيهم علي قائلًا: اللهم لا تمتني حتَّى تريني عليًّا رواه التِّرْمِذِيّ

(1957) (0) (0) وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أن أنس بنِ مالِكٍ حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. (1958) (863) (0) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها رفعهما حين جمع أهل بيته وألقى عليهم الكساء قائلًا: اللهم هؤلاء أهل بيتي رواه الحاكم وقد جمع النواوي في شرح المهذب نحوًا من ثلاثين حديثًا في ذلك من الصحيحين وغيرهما وللمنذري فيه جزءٌ قال الرُّوياني: ويكره رفع اليد النجسة في الدعاء ويحتمل أن يقال: لا يكره بحائل وفي مسلم وأبي داود عن أنس (أنه صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا ومد يديه وجعل بطونها مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه) فقال أصحابنا الشافعية وغيرهم السنة في دعاء القحط ونحوه من رفع بلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء وهي صفة الرهبة وإن سأل شيئًا يجعل بطونهما إلى السماء والحكمة أن القصد رفع البلاء بخلاف القاصد حصول شيء أو تفاؤلًا ليقلب الحال ظهرًا لبطن وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء أو إشارة إلى ما يسأله وهو أن يجعل بطن السحاب إلى الأرض لينصب مافيه من المطر اهـ من القسطلاني وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري والنسائي وابن ماجه والله سبحانه وتعالى أعلم ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (1957) (0) (0) (وحدثنا) محمد (بن المثنى) البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري ثقة من (9) (عن) سعيد (بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم) أي حدث قتادة ومن معه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق يحيى بن سعيد (نحوه) أي نحو حديث ابن أبي عدي وأفرد الضمير لأن المعتبر من المتقارنين المذكور أولًا لا الثاني وغرضه بسوقه بيان متابعة يحيى القطان لابن أبي عدي. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (1958) (863) (3) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو على الأشيب ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا حَماد بن سلمة)

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى. فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيهِ إِلَى السَّمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن دينار التميمي أبو سلمة البصري (عن ثابت) بن أسلم البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد كسي (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء) وجعل باطنهما إلى الأرض تفاؤلًا برفع القحط وحصول الخصب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود فقط كما في تحفة الأشراف ولم يذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب إلا حديثين كلاهما لأنس ذكر الأول منهما استدلالًا به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين وذكر الثاني منهما استدلالًا به على الجزء الأخير من الترجمة والله أعلم. ***

385 - (3) باب الدعاء في الاستسقاء في المسجد بغير صلاة

385 - (3) - باب الدعاء في الاستسقاء في المسجد بغير صلاة (1959) - (864) (4) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 385 - (3) باب الدعاء في الاستسقاء في المسجد بغير صلاة (1959) (864) (4) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وبحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي (وقتيبة) بن سعيد البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي (قال يحيى) بن يحيى: (أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8) (عن شريك) بن عبد الله (بن أبي نمر) القرشي أبي عبد الله المدني وثقه أبو داود وابن سعد ذكره ابن حبَّان في الثقات وقال في التقريب صدوق من (5) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو بلخي أو مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أن رجلًا) هو كعب بن مرة أو غيره. اهـ قسط (دخل المسجد) النبوي قال الأبي: هذا المُشِقُّ من القحط كان أكابر الصحابة رضي الله عنهم عالمين به ولم يقع منهم ما وقع من الرجل فيقوم منه أن الصبر على المشاق وعدم التسبب في كشفها أرجح لأنهم إنما يفعلون الأفضل اهـ. (يوم جمعة) بالتنكير وفي بعض روايات البخاري (يوم الجمعة) بالتعريف (من باب كان نحو) أي جهة (دار القضاء) وهي دار كانت لعمر بن الخطاب سميت دار القضاء لأنها بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتبه على نفسه لبيت مال المسلمين وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله فإن عجز ماله استعان ببني عدي ثم بقريش فباع عبد الله ابنه داره هذه لمعاوية بن أبي سفيان وباع ماله بالغابة وقضى دينه فكان يقال له دار قضاء دين عمر ثم اختصروا فقالوا دار القضاء وهي دار مروان وقد غلط من قال فيها دار قضاء الأمراء ووهم أيضًا من قال فيها دار الإمارة لأنه لمَّا بلغه أنها دار مروان ظنَّ أنها دار الإمارة وكان دين عمر الذي كتبه على نفسه ثمانية وعشرين ألفًا

وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ. فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا. ثُمَّ قَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ. فَادْعُ اللهِ يُغِثْنَا. قَال: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيهِ. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.". قَال أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ, مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: هذا غلط والصحيح أنها ستة وثمانون ألفًا وكذا ذكره البخاري في صحيحه وغيره من أصحاب السير هـ أبي (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب) خطبة الجمعة (فاستقبل) الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بوجهه حالة كونه (قائمًا) اعتناءً بسؤاله (ثم قال) الرجل في هذا جواز كلام الداخل مع الخطيب في حال خطبته ويحتمل أن يكون إنما كلمه في حال سكتةٍ كانت من النبي صلى الله عليه وسلم إما الاستراحة في النطق وإما في حال الجلوس والله أعلم: (يا رسول الله هلكت الأموال) أي المواشي وأصل المال كل ما يتموَّل وعرفه عند العرب الإبل لأنها معظم أموالهم وهلاكها لقلة الأقوات بسبب انعدام المطر والنبات (وانقطعت السبل) أي الطرق لهلاك الإبل ولعدم ما يؤكل في الطرق أي انقطعت الطرق فلم تسلكها الإبل إما لخوف الهلاك أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه (فادع الله) لنا المطر إن دعوت الله لنا (يغثنا) بالجزم بالطلب السابق أي يمطر لنا الغيث بضم الياء من أغاث الرباعي يغيث إغاثة والمشهور في كتب اللغة أنه إنما يقال: غاث الله الناس والأرض يغيثهم بفتح الياء أي أنزل المطر قال القاضي عياض: قال بعضهم: هذا المذكور في الحديث من الإغاثة بمعنى الإعانة وليس من طلب الغيث إنما يقال في طلب الغيث: اللهم أغثنا قال القاضي: ويحتمل أن يكون من طلب الغيث أي هب لنا غيثًا وارزقنا غيثًا كما يقال سقاه الله وأسقاه أي جعل له سقيا على لغة من فرق بينهما اهـ (قال) أنس: (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) ثلاث مرات أي أنزل لنا الغيث أو أدركنا من جهد القحط بالغيث وبهذا الحديث استدلت الأحناف على عدم تحويل الرداء وعدم الصلاة في الاستسقاء فقد استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ولم يقلب رداءه ولم يصل له وثبت أن عمر استسقى كذلك ولو كان سنة لما تركها لأنه كان أشد الناس اتباعًا للسنة وهي لا تثبت إلا بالمواظبة اهـ من بعض الهوامش (قال أنس) رضي الله عنه: (ولا والله ما) تأكيد للنفي المفهوم من لا أو لا زائدة لتأكيد القسم

نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ. وَمَا بَينَنَا وَبَينَ سَلْعٍ مِنْ بَيتٍ وَلَا دَارٍ. فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ. فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ. ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَال: فَلَا وَاللَّهِ, مَا رَأَينَا الشَّمْسَ سَبْتًا. قَال: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ. وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ. فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا. فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كما في قوله تعالى {لَا أُقسِمُ} كلَّا أي ما (نرى في السماء من سَحَاب ولا قزعة) أي قطعة من سحاب من ذكر الجزء بعد الكل يجمع على قزع كقصبة وقصب قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون في الخريف (وما بيننا) يعني أهل المدينة (وبين) جبل (سلع) بفتح السين المهملة وسكون اللام جبل مشهور بقرب المدينة (من بيت) صغير (ولا دار) كبير أي ليس بيننا وبينه من حائل يمنعنا من رؤية سبب المطر فنحن مشاهدون له وللسماء (فطلعت) أي ظهرت (من ورائه) أي من وراء ذلك الجبل (سحابة مثل الترس) أي شبه الحجفة والترس هو ما يتقى به السيف وتشبيه السحابة بالترس في كثافتها واستدارتها لا في القدر (فلما توسطت) السحابة (السماء) أي وصلت وسط السماء (انتشرت) وتفرقت في نواحي السماء (ثم أمطرت) السحابة أي أنزلت المطر الكثير وأمطر رباعيًّا ومطر ثلاثيًّا بمعنى واحد وقيل أمطر في العذاب ومطر في الرحمة والأول أشهر. (قال) أنس: (فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا) أي أسبوعًا من السبت إلى السبت كما نقول جمعةً أي من جمعة إلى جمعة والسبت في اللغة القطع وبه سمي يوم السبت وقد رواه الداودي سبتًا وفسره بستة أيام من الدهر وهو تصحيف (قال) أنس (ثم) بعد أُسبوع (دخل رجل) آخر (من هذا الباب) الذي كان من جهة دار القضاء (في الجمعة المقبلة) أي المستقبلة للجمعة الأولى وإنما فسرنا برجل آخر جريًا على القاعدة المشهورة عند البلغاء كما قال السيوطي في عقود الجمان: ثم من القواعد المشتهرةْ ... إذا أتت نكرة مكررةْ تغايرت وإن يعرِّف ثاني ... توافقا كذا المعرفان (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله) صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل حالة كونه (قائمًا فقال يا رسول الله هلكت الأموال) أي المواشي من كثرة المطر لتعذر رعيها (وانقطعت السبل) لتعذر سلوكها فهلاك الأموال وانقطاع السبل في هذه

فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قَال: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيهِ. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ حَوْلَنَا وَلَا عَلَينَا. اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ, وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ, وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". فَانْقَلَعَتْ. وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ قَال شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَال: لَا أَدْرِي. (1960) (0) (0) وحدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيد. حدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المرة من كثرة الأمطار لتعذر الرعي والسلوك (فادع الله) سبحانه لنا أن (يمسكها عنَّا) بالرفع على تقدير فهو يمسكها وبالجزم على جواب الطلب (قال) أنس (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم) أنزله (حولنا ولا) تنزله (علينا اللهم) أمطره (على الآكام) بكسر الهمزة أو بفتحها مع المد قال في المصباح الأكمة تل والجمع أكم وأكمات مثل قصبة وقصب وقصبات وجمع الأكم إكام مثل جبل وجبال وجمع الإكام أكم بضمتين مثل كتاب وكتب وجمع الأكم آكام مثل عنق وأعناق اهـ (و) على (الظراب) أي على الجبال الصغار وهو بكسر الظاء المشالة جمع ظرب بفتحها وكسر الراء بمعنى الرابية الصغيرة فالظراب الجبال الصغار وهي دون الجبل الكبار والآكام هي التلال وهي دون الظراب (و) على (بطون الأودية و) على (منابت الشجر فانقلعت) أي فأمسكت السحابة الماطرة عن المدينة المنورة (وخرجنا) من المسجد حالة كوننا (نمشي في الشمس قال شريك) بن أبي نمر: (فسألت أنس بن مالك أهو) أي الرجل الثاني الذي اشتكى كثرة المطر هو (الرجل الأول) الذي اشتكى القحط أم لا (قال) أنس (لا أدري) أي ما أدري ولا أعلم هل هو الرجل الأول أم غيره والظاهر من القواعد أنه غير الأول كما مر ولكن قد جاء في رواية للبخاري وغيره أنه الأول اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 104 و 1187) والبخاري (1013) وأبو داود (1174 و 1175) والنسائي (3/ 154 و 155) وفي هذا الحديث استحباب طلب انقطاع المطر على المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به ولكن لا يشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء اهـ النواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (1960) (0) (0) (وحدثنا داود بن رشيد) بالتصغير الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي

عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ. وَفِيهِ قَال: "اللَّهُمَّ حَوَالينَا وَلَا عَلَينَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم الدمشقي ثقة من (8) (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبي عمرو الدمشقي ثقة عالم من (7) (حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم دمشقيان وواحدٌ بصري وواحدٌ مدني وواحدٌ بغدادي وفيه التحديث إفرادًا وجمعا والعنعنةُ غرضه بسوقه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لشريك بن أبي نمر في رواية هذا الحديث عن أنس. (قال) أنس (أصابت الناس سنة) أي قحطٌ وجدب وهو انقطاع المطر ويبس الأرض (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمان حياته (فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس) ويذكرهم (على المنبر يوم الجمعة إذ) فجائيةٌ رابطةٌ لجوابِ بينا (قام أعرابيٌّ) أي شخصٌ بدويٌّ والمعنى بينا أوقات خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على المنبر فاجأهم قيامُ أعرابى (فقال) الأعرابي (يا رسول الله هلك المال) أي الإبل لقلة المرعى (وجاع العيال) أي الأولاد والنساء لقلة القوت (وساق) إسحاق بن عبد الله (الحديث) السابق (بمعناه) أي بمعنى حديث شريك بن أبي نمر (و) لكن (فيه) أي في الحديث الذي ساقه إسحاق بن عبد الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم) أنزل المطر (حوالينا) أي في الجهات المحيطة بنا (ولا) تنزله (علينا) وهو منصوب بالياء على الظرفية لأنه ملحق بالمثنى في إعرابه لأن المقصود منه التكرار لا التثنية قال الجوهري: يقال: قعدوا حوله وحواله وحوليه وحواليه بفتح اللام ولا يقال حواليه بكسرها اهـ. قال القاضي عياض: وفي قوله (اللهم حوالينا) الخ أدبه الكريم وخلقه العظيم إذ لم يدع برفعه لأنه رحمة بل دعاء بكشف ما يضرهم وتصييره إلى حيث يبقى فيه نفعه وخصبه ولا يستضر به ساكن ولا ابن سبيل فيجب التأدب بمثله في مثل هذا اهـ.

قَال: فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلَّا تَفَرَّجَتْ. حَتَّى رَأَيتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ. وَسَال وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا. وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا أَخْبَرَ بِجَوْدٍ. (1961) (0) (0) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَامَ إِلَيهِ النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أنس (فما يشير) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة (إلى ناحية) وجانب من نواحي المدينة (إلا تفرجت) السحب وتقطعت وزالت وانكشفت عنها (حتى رأيت المدينة) ونظرت إليها كأنها (في مثل الجوبة) وشبهها والجوبة بفتح الجيم وسكون الواو الفجوة والفجوة الفرجة بين الشيئين أو بين البيوت والفجوة أيضًا المكان المتسع وفجوة الدار ساحتها اهـ مصباح. والمعنى تقطعت السحب عن المدينة وانكشفت عنها وصارت مستديرة حولها حتى باينت المدينة ما جاورها من الأرض مباينة الجوبة لما حولها وصارت خالية منها (وسال) سيل (وادي قناة شهرًا) وقناة إسم واد من أودية المدينة وعليه زروع لهم فأضافه هنا إلى نفسه (ولم يجئ أحد من ناحية) من نواحي المدينة (إلا أخبر بجود) أي بمطر كثير والجود هو المطر الشديد. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (1961) (0) (0) (وحدثني عبد الأعلى بن حمّاد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (ومحمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) نسبة إلى هذا الجد أبو عبد الله الثقفي البصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (قالا: حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي البصري ثقة من (9) (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العدوي العمري المدني ثقة من (5) (عن ثابت) بن أسلم (البناني) نسبة إلى بنانة أبي محمد البصري ثقة من (4) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عبيد الله بن عمر وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة والقول والمقارنة وغرضه بيان متابعة ثابت لإسحاق بن عبد الله في الرواية عن أنس. (قال) أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقام إليه الناس

وَصَاحُوا وَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! قَحِطَ الْمَطَرُ, وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ, وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الأَعْلَى: فَتَقَشَّعَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ. فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوَاليهَا. وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً. فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ. (1962) (0) (0) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ وصاحوا) أي ضجوا ورفعوا أصواتهم بالشكوى في الرواية السابقة (جاء رجل) الخ فبين الروايتين معارضة فيجمع بينهما بأن الرجل ابتدأ بالشكوى فتبعه الناس فذكر في الأولى المبتدئ وفي هذه التابعين له في الشكوى ويحتمل أن يراد بالناس هنا الواحد نظير قوله تعالى {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ} وإنما قال لهم واحد اهـ من إكمال المعلم بتصرف. (وقالوا) في صياحهم: (يا نبي الله قحط) بفتح القاف وبفتح الحاء وكسرها أي احتبس (المطر واحمر الشجر) كناية عن يبس ورقها وظهور عودها أي تغيرت لونه من الخضرة إلى الحمرة من اليبس (وهلكت البهائم) أي المواشي لفقدان الكلأ (وساق) ثابت أي ذكر (الحديث) السابق بمثل حديث إسحاق بن عبد الله (و) لكن (فيه) أي في حديث ثابت حالة كونه (من رواية عبد الأعلى) بن حمّاد لفظه (فتقشعت) السحابة أي زالت وانكشفت (عن المدينة فجعلت) أي شرعت (تمطر حواليها) أي حوالي المدينة وجوانبها (وما تمطر) السحابة بضم التاء من الأمطار (بالمدينة قطرة) من الماء بالنصب مفعول به وجملة النفي حالية قال أنس: (فنظرت إلى المدينة) أي إلى سمائها وإلى أرضها (وإنها) أي وإن سماءها أو إن أرضها (لفي مثل الإكليل) هو كل ما أحاط بالشيء وسمي التاج إكليلًا لإحاطته بالرأس شبه إحاطة المطر أو السحاب بها بإحاطة الإكليل بجوانب الرأس. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (1962) (0) (0) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي (عن سليمان بن المغيرة) القيسي البصري من (7) (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وساق سليمان بن

بِنَحْوهِ. وَزَادَ: فَأَلَّفَ اللَّهُ بَينَ السَّحَابِ. وَمَكَثْنَا حَتَّى رَأَيتُ الرَّجُلَ الشَّدِيدَ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ. (1963) (0) (0) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ؛ أَنَّ حَفْصَ بْنَ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ, وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المغيرة (بنحوه) أي بنحو حديث عبيد الله بن عمر فغرضه بيان متابعة سليمان لعبيد الله (و) لكن (زاد) سليمان بن المغيرة على عبيد الله لفظة (فألف الله) سبحانه وتعالى بعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أي ركّب وجمع (بين السحاب ومكثنا) أي جلسنا أسبوعًا يمطر السحاب المؤلف وكثر المطر (حتى رأيت الرجل الشديد) أي القوي منا فضلًا عن الضعيف (تهمه نفسه) بضم التاء مع كسر الهاء من أهم الرباعي أو بفتح التاء مع ضم الهاء من همّ الثلاثي يقال همّه الشيء وأهمّه أي اهتم له واغتنم به أي تدخل عليه نفسه الهم والغم. وجملة قوله (أن يأتي أهله) وعياله ويرجع إليهم في تأويل مصدر مرفوع على أنه بدل اشتمال من نفسه أي يهمه إتيان أهله والرجوع إليهم لكثرة المطر. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أنس فقال: (1963) (0) (0) (وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي أبو جعفر (الأيلي) المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني أسامة) بن زيد الليثي أبو زيد المدني صدوق من (7) (أن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك) الأنصاري البصري صدوق من (3) (حدّثه) أي حدّث لأسامة بن زيد (أنه) أي حفص بن عبيد الله (سمع أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان مصريان وواحد مدني غرضه بسوقه بيان متابعة حفص بن عبيد الله لثابت في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك حالة كون أنس. (يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو) صلى الله عليه وسلم (على المنبر واقتص) أي ذكر حفص بن عبيد الله (الحديث) السابق الذي

وَزَادَ: فَرَأَيتُ السَّحَابَ يَتَمَزَّقُ كَأَنَّهُ الْمُلاءُ حِينَ تُطْوَى ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه ثابت (و) لكن (زاد) حفص بن عبيد الله على ثابت لفظة (فرأيت السحاب يتمزق) أي يتقطع ويتفرق قطعًا قطعًا حتى يكون (كأنه الملاء) بضم الميم وبالمد جمع ملاءة بالمد أيضًا وهي الريطة أي الملحفة تلتحف بها المرأة وترتدي بها (حين تطوى) وتلف أي كأنه الملحفة أي مثل الملحفة المطوية بعد نشرها شبه انقشاع السحاب وانكشافه عن المدينة بلف الملاءة والملحفة المنشورة للبسها أولًا ثم طويت. قال النواوي: لا خلاف أن الملاءة في الجمع والإفراد ممدودة ورأيت في كلام القاضي أنها مقصورة في الجمع وهو غلط من الناسخ وإن كان من الأصل فهو خطأ لا شك فيه اهـ. وفي بعض الهوامش شبه تفرق الغيم واجتماع بعضه إلى بعض في أطراف السماء بلف الملاءة المضموم بعضها إلى بعض بعد نشرها للبسها اهـ. وانفرد مسلم بهذه الرواية ولا يخفى ما في هذا الحديث من الأحكام ومن كرامات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب إلا حديث أنس وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. (تنبيه): (فإن قلت) لمَ لمْ يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالاستسقاء حتى سألوه مع أنه صلى الله عليه وسلم أشفق عليهم منهم وأولى بهم من أنفسهم. (قلت) إنما ترك البداية به قبل سؤالهم به لأن مقامه صلى الله عليه وسلم التوكل والصبر على البأساء والضراء ولذلك كان أصحابه الخواص يقتدون به في ذلك وهذا المقام لا يصل إليه العامة وأهل البوادي ولهذا والله أعلم كان السائل في الاستسقاء بدويًّا فلما سألوه أجاب رعاية لهم وإقامةً لسنة هذه العبادة فيمن بعده من أهل الأزمنة التي يغلب على أهلها الجزع وقلة الصبر على اللأواء فيؤخذ منه أن الأفضل للأئمة الاستسقاء ولمن ينفرد بنفسه في صحراء أو سفينة الصبر والتسليم للقضاء لأنه صلى الله عليه وسلم قبل السؤال فوّض ولم يستسق اهـ من الإرشاد.

386 - (4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور

386 - (4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور (1964) (865) - (5) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ. قَال فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ. حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَال: "لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالى" ـــــــــــــــــــــــــــــ 386 - (4) باب التبرك بالمطر والفرح به والتعوذ عند الريح والغيم وما ورد في الصبا والدبور (1964) (865) (5) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم الضاد وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة مصغرًا أبو سليمان البصري صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن ثابت البناني) البصري (عن أنس) ابن مالك البصري. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري. (قال) ثابت: (قال أنس: أصابنا) أي نزل بنا (ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر) بالرفع على الفاعلية لأصاب (قال) أنس (فحسر) أي كشف (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه) عن بعض بدنه ليصيبه المطر (حتى أصابه) أي فأصابه شيء (من المطر فقلنا) معاشر الحاضرين معه: (يا رسول الله لم صنعت هذا) أي كشف ثوبك ليصيبك المطر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأنَّه) أي لأن هذا المطر (حديث عهد) أي قريب زمن (بربه تعالى) أي بإيجاد ربه وخلقه تعالى إياه والمعنى أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها اهـ نواوي. قال القاضي: قيل: المعنى حديث عهد بالكون بإرادة الرحمة لأن المطر رحمة لقوله تعالى {بُشْرًا بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ}. وسماه الله تعالى مباركًا بقول {مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ}. قال الأبي: الأظهر قرب عهد بالإيجاد قبل أن تمسه الأيدي الخاطئة ولم تدركه ملاقاة أرض عبد عليها غير الله تعالى. قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم تبرُّك بالمطر واستشفاء به لأن

(1965) (865) - (6) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ جَعْفَرٍ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ) عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيمِ, عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى قد سمَّاه رحمة ومباركًا وطهورًا وجعله سبب الحياة ومبعدًا عن العقوبة ويستفاد منه احترام المطر وترك الاستهانة به باستعماله في النجاسات كصبه في المراحيض واختار بعضهم استعمال ماء المطر دون ماء الآبار لهذا الحديث والأطباء يقولون: إنه أنفع المياه ما لم يختزن كاختزانه في المراجل. قال النواوي: وفي الحديث دليل لقول أصحابنا: إنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 367) وأبو داود (1100). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها مستدلًّا به على الفرح والتعوذ عما ذكر فقال: (1965) (865) - (6) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقةٌ من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني ثقة من (8) (عن جعفر) الصادقِ (وهو ابن محمد) الباقر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني صدوق من (6) (عن عطاء بن أبي رباح) أسلم القرشي مولاهم أبي محمد اليماني المكي ثقة من (3) (أنه سمع عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد بصري وفيه التحديث والعنعنة والعناية والهوية والسماع والقول. (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح) العاصف (والغيم) المظلم (عرف) أثر خوفه من (ذلك) الريح والغيم (في وجهه) أي ظهر أثر الخوف من ذلك في وجهه وهو تغير وجهه تغير الخائف من شيء مخافة أن يكون في ذلك الريح وذلك السحاب ما فيه ضرر الناس وهذا الحديث خلاف الحديث الأول إذ فيه التبرك بما هو قريب عهد بآثار الرحمة وهذا فيه الخوف بما يتقى أن يكون قريب عهد بإرادة غضب أو سخط وحذّر صلى الله عليه وسلم أن تصيبهم العقوبة بذنوب العاصين منهم اهـ من إكمال

أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ, سُرَّ بِهِ, وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَال: "إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي". وَيَقُولُ, إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: "رَحْمَةٌ". (1966) (0) (0) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيجٍ يُحَدِّثُنَا, عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ, عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ المعلم قال الأبي: ففيه إيثار الخوف عند نزول أسبابه اهـ. (وأقبل) على الناس أو دخل أو جاء (وأدبر) إلى الناس أو خرج أوذهب يعني ليس مطمئنًا على حال واحدة لشدة خوفه أن يكون ذلك عذابًا (فإذا أمطرت) أي أمطرت السحابة ونزل المطر (سرّ به) أي فرح بذلك المطر (وذهب عنه ذلك) أي أثر الخوف (قالت عائشة: فسألته) صلى الله عليه وسلم عن سبب إقباله وإدباره وتغير وجهه (فقال: إني خشيت) وخفت (أن يكون) ذلك المذكور من الريح والغيم (عذابًا سلط) وأرسل (على أمتي) يعني على العتاة عليه من العصاة له من أمته وكان صلى الله عليه وسلم لعظيم حلمه ورأفته وشفقته يرتجى لهم الفلاح والرجوع إلى الحق وهذا كما قال يوم أحد: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون رواه أحمد والبخاري من حديث ابن مسعود وقيل: خاف أن تعمهم عقوبة بسبب العصاة منهم والأول أوضح (ويقول) صلى الله عليه وسلم (إذا رأى المطر) هذا (رحمة) لنا وفضل من الله تعالى علينا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 66) والبخاري (4829) وأبو داود (5098) والترمذي (3257). قال النواوي: في هذا الحديث الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة منهم وسروره لزوال سبب الخوف اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (1966) (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (قال: سمعت) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح) المكي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت) - وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان

كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيرَهَا, وَخَيرَ مَا فِيهَا, وَخَيرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا, وَشَرِّ مَا فِيهَا, وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" قَالتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ, تَغَيَّرَ لَوْنُهُ, وَخَرَجَ وَدَخَلَ, وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ. فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ. فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَال: "لَعَلَّهُ, يَا عَائِشَةُ, كَمَا قَال قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ واثنان مصريان وواحد مدني غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لجعفر بن محمد في رواية هذا الحديث عن عطاء - (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح) أي هبت هبوبًا شديدًا وبردت دعا الله سبحانه وتعالى من خيرها واستعاذ من شرها و (قال) في دعائه: (اللهم إني أسألك من خيرها) أي نفعها من سوقها السحاب وإدرارها المطر كما تدر اللقحة من الإبل (وخير ما فيها) من المطر (وخير ما أرسلت به) لأنها مرسلة إما بالرحمة أو بالعذاب (وأعوذ بك من شرها) أي ضررها كهدمها البيوت وكسرها الأشجار (وشر ما فيها) من العذاب (وشر ما أرسلت به قالت) عائشة: (وإذا تخيلت السماء) أي كثرت فيها المخيلة أي سحابة يخال فيها المطر والمخيلة بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وبعد التحتية الساكنة لام مفتوحة هي سحابة فيها رعد وبرق لا ماء فيها يخيل إلى الناظر إليها أنها ماطرة (تغير لونه) أي لون وجهه من البياض إلى الحمرة خوفًا من أن يحصل من تلك السحابة ما فيه ضرر بالناس (وخرج) من البيت أو المسجد تارة (ودخل) فيه أخرى (وأقبل) على الناس تارة أو جاء (وأدبر) أخرى أي ولى إليهم أو ذهب (فإذا أمطرت) السماء أي أمطرت (سرِّى) بضم السين وتشديد الراء المكسورة مبنيًّا للمجهول أي كشف (عنه) الخوف وانكشف عنه الهم قال ابن الأثير: وقد تكرر ذكر هذه اللفظة في الحديث وخاصة في ذكر نزول الوحي عليه وكلها بمعنى الكشف والإزالة يقال سروت الثوب وسريته إذا خلعته والتشديد فيه للمبالغة (فعرفت ذلك) الذي عرض له أولًا وآخرًا من الحزن والسرور (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (قالت عائشة: فسألته) صلى الله عليه وسلم عن سبب ما عرض له في الحالتين (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لعله) أي لعل الشأن (يا عائشة) أن يكون الأمر (كما قال قوم عاد) الأولى وهم قوم هود - عليه السلام - ({فَلَمَّا رَأَوْهُ}) أي العذاب ({عَارِضًا}) أي سحابًا عرض في أفق السماء ({مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}) أي متوجه أوديتهم ({قَالُوا}) أي قال بعضهم لبعض ({هَذَا}) الغيم

عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]. (1967) (0) (0) وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ, عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا قَالتْ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا. حَتَّى أَرَى مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي ظهر لنا ({عَارِضٌ}) أي سحاب عرض في أفق السماء ({مُمْطِرُنَا}) أي يأتينا بالمطر بإذن الله سبحانه وتعالى (الأحقاف: الآية 24). وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري (3206) والترمذي (3449) والنسائي في الكبرى (10776) ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (1967) (0) (0) (وحدثني هارون بن معروف) الخزَّاز البصري ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري ثقة من (9) (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (ح وحدثني أبو الطاهر) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرنا عمرو بن الحارث) المصري (أن أبا النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم المدني ثقة من (5) (حدثه) أي حدث عمرو بن الحارث (عن سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة من (3) (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون إلا هارون بن معروف فإنه بصري غرضه بيان متابعة سليمان بن يسار لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن عائشة. (أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا) أي متهيئًا للضحك مستعدًا له مبالغا فيه والمستجمع المجد في الشيء القاصد له (ضاحكًا) أي مظهرًا للصوت ففي الكلام قلب أي ما رأيته ضاحكًا مجدًا في ضحكه (حتى أرى منه) صلى الله عليه وسلم

لَهَوَاتِهِ. إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. قَالتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيمًا أَوْ رِيحًا, عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَرَى النَّاسَ, إِذَا رَأَوُا الْغَيمَ, فَرِحُوا. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ. وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيتَهُ, عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالتْ: فَقَال: "يَا عَائِشَةُ, مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ. قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ. وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} " [الأحقاف: 24]. (1968) (867) - (7) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (لهواته) جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك قاله الأصمعي (إنما كان) صلى الله عليه وسلم (يتبسم) أي يظهر أسنانه لا صوته (قالت) عائشة: (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا رأى غيمًا) أي سحابًا مظلمًا (أو ريحًا) عاصفةً (عرف ذلك) أي عرف أثر مخافته من ذلك (في وجهه) الشريف (فقالت) له عائشة يومًا مقتضى السياق أن يقول (فقلت) بتاء المتكلم: (يا رسول الله) إني (أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا) به (رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته) أي رأيت الغيم (عرفت في وجهك الكراهية) والخوف منه أي أثر الكراهية من تغير اللون وفي لفظ البخاري عن أنس: كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي: (يا عائشة ما يؤمنني) أي أيُّ شيء حصَّل لي الأمان وعدم الخوف من (أن يكون فيه) أي في ذلك الغيم (عذاب) وعقوبة بسبب عصيان من عصاني لأنه (قد عذب) وأهلك (قوم) من الأمم المخالفة لأنبيائها (بالريح) العقيم كعاد وثمود (وقد رأى قوم) منهم (العذاب) المستقبل لهم بصورة السحاب (فقالوا) مستبشرين (هذا) الغيم المستقبل لأوديتنا (عارض) أي سحاب (ممطرنا) أي ينزل لنا المطر قال الأبي: ودل خوفه صلى الله عليه وسلم عند رؤيته الريح والسحاب على رأفته بالخلق ودل نفي الضحك البليغ على أنه لم يكن فرحًا لعبًا بطرًا ودل إثبات التبسم له على طلاقة وجهه وبشاشته وهذا هو الخلق العظيم اهـ منه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (1968) (867) (7) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا غندر) محمد

عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا. وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". (1969) (0) (0) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم) بفتحتين بن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله اثنان منهما بصريان واثنان كوفيان وواحد طائفي وواحد مكيّ والثاني منهما ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مكيّ وواحد كوفي وفيهما التحديث والعنعنة والمقارنة. (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نصرت) يوم الأحزاب على الكفار وكانوا زهاء اثنى عشر ألفًا حين حاصروا المدينة (بالصبا) بفتح الصاد مقصورًا وهي الريح التي تهب إلى جهة الشمال وقيل هي الريح التي تجيئ من جهة ظهرك إذا استقبلت باب الكعبة وتسمى القبول (وأُهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد) قوم هود (بالدبور) بفتح الدال هي التي تهب إلى جهة الجنوب وقيل هي الريح التي تجيئ من قبل وجهك إذا استقبلت باب الكعبة. وقال القاضي الصبا الريح الشرقية والدبور الريح الغربية فالقبول نصرت أهل القبول والدبور أهلكت أهل الأدبار وفي المبارق الريح مأمورة مرة للنصرة وتارة للإهلاك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 324 و 341) والبخاري (3343). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: (1969) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفيان (قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ح وحدثنا عبد الله بن

عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانِ الْجُعْفِي. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ). كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر بن محمد بن أبان) بن صالح بن عمير الأموي مولاهم مولى عثمان ويقال له (الجعفي) كما في صحيح مسلم نسبة إلى خاله حسين بن علي الجعفي أبو عبد الرحمن الكوفي روى عن عبدة بن سليمان وعبد العزيز بن أبي حازم وابن المبارك ويروى عنه (م د) والبغوي والسراج وزكريا الساجي وقال في التقريب: صدوق فيه تشيُّع من العاشرة مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (238) (حدثنا عبدة يعني ابن سليمان) الكلابي الكوفي ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من معاوية وعبدة بن سليمان رويا (عن الأعمش) الكوفي (عن مسعود بن مالك) الأسدي أبي رزين الكوفي ثقة فاضل من (2) مات سنة (85) روى عنه في (3) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي ثقة من (3) (عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن جبير لمجاهد بن جبر في رواية هذا الحديث عن ابن عباس. وقوله: (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو سعيد بن جبير والضمير عائد إلى المتابع وهو مجاهد بن جبر والتقدير حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثل ما حدّث مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني حديث عائشة ذكره للاستدلال به على وسط الترجمة وذكره فيه متابعتين. والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. (تتمة) قوله: (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) قال الطيبي: ونُصرته صلى الله عليه وسلم بالصبا هو حين حاصرت الأحزاب بالمدينة يوم الخندق وسبب ذلك أنه صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم أجلى بني النضير من موضعهم عند المدينة إلى خيبر فاجتمعت جماعة منهم ومن غيرهم من اليهود وخرجوا إلى مكة مستنفرين قريشًا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرؤوهم على ذلك وأجمعت قريش السير إلى المدينة ونهض اليهود إلى غطفان وبني أسد ومن أمكنهم من أهل نجد وتهامة فاستنفروهم إلى ذلك فتحزب الناس وساروا إلى المدينة واتصل خبرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بحفر الخندق حول المدينة وحصنها وكان أمرًا لم تعهده العرب وإنما كان من أعمال فارس والروم وأشار به سلمان الفارسي رضي الله عنه فورد الأحزاب قريش وكنانة والأحابيش في نحو عشرة آلاف عليهم أبو سفيان بن حرب ووردت غطفان عليهم عيينة بن حصن الفزاري وورد بنو عامر وغيرهم عليهم عامر بن الطفيل إلى غير هؤلاء فحصروا المدينة المشرفة في شوال سنة خمس وقيل سنة أربع وكانت بنو قريظة عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهدنة وعاهدوه على أن لا يلحقه منهم ضرر فلما تمكن هذا الحصار داخلهم بنو النضير فغدروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد وصاروا من الأحزاب فضاقت الحال على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين ونجم النفاق وساءت الظنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر ويعد بالنصر من الله تعالى فألقى الله سبحانه وتعالى الرعب في قلوب المشركين ويئسوا من الظفر لمنعة الخندق ولما رأوا من صبر المؤمنين. وجاء رجل من قريش اسمه نوفل بن الحارث واقتحم الخندق برأسه فقتل فيه فكان حاجزًا بينهم ثم إن الله تعالى بعث ريح الصبا لنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على الكفار فأسرت ذريتهم وتهدمت بيوتهم وأطفئت نارهم وقطعت حبالهم وأُكفئت قدورهم ولم يمكنهم معها قرار وبعث الله تعالى مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل نحو فعلها وتلقي الرعب في قلوب الكفرة حتى أزمعوا الرحلة بعد بضع وعشرين ليلة للحصر فانصرفوا خائبين وفي القصة أنزل الله تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} الآية فكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (فإن قلت) كل من الريحين وقع فيه نصر وهلاك فبالصبا نصرته صلى الله عليه وسلم وهلكة قومه وبالدبور نصر هود - عليه السلام - وهلكة قومه فلم روعى في الصبا طرف النصرة وفي الدبور طرف الهلاك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) روعي في كل من الريحين ما جاءت له فالصبا إنما جاءت لنصرته صلى الله عليه وسلم على الأحزاب والدبور إنما جاءت لهلاك عاد حين عتوا. اهـ من الأبي. (واعلم) أن الريح تنقسم إلى قسمين رحمة وعذاب ثم إن كل قسم ينقسم إلى أربعة أقسام ولكل قسم اسم فأسماء أقسام الرحمة المبشرات والنشر والمرسلات والرخاء وأسماء أقسام العذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والعقيم والصرصر وهما في البر وقد جاء القرآن بكل هذه الأسماء. وقد جعل الله تعالى بلطف قدرته الهواء عنصرًا لأبداننا وأرواحنا فيصل إلى أبداننا بالتنفس فينمي الروح الحيواني ويزيد في النفساني فما دام معتدلًا صافيًا لا يخالطه جوهر غريب فهو يحفظ الصحة ويقويها وينعش النفس ويحييها ومن خاصيته أن الله تعالى جعله واسطة بين الحواس ومحسوساتها فلا ترى العين شيئًا ما لم يكن بينه وبينها هواء وكذلك لا تسمع الأذن ولايصدق الذوق ولو أن الإنسان فقد الهواء ساعة لمات وقال كعب الأحبار لو أن الله حبس الهواء عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض ولقد أحسن بعض الشعراء حيث قال: إذا خلا الجو من هواء ... فعيشهم غُمَّة وبوس فهو حياة لكل حي ... كأن أنفاسه نفوس اهـ من الإرشاد

أبواب الكسوف

أبواب الكسوف 387 - (5) - باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة (1970) (868) - (8) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أبواب الكسوف) قال القاضي عياض: في هذه الأحاديث استعمال الكسوف والخسوف في كل من الشمس والقمر في قوله صلى الله عليه وسلم لا يخسفان ولا يكسفان فإذا يقال: خسف القمر وانكسفت الشمس وقيل: لا يقال في الشمس إلا الخسف وهو في الأُم عن عروة ولا يصح لأن القرآن يرده قال الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} وإنما عنه ما تقدم في الشمس ثم اختلف فقيل: هما بمعنى وقال الليث: الخسوف ذهاب الكل والكسوف ذهاب البعض وقال أبو عمر: الخسوف ذهاب لونها والكسوف تغيره اهـ. وقال القرطبي: الكسوف التغير إلى سواد ومنه كسف وجهه إذا تغير والخسوف النقصان قاله الأصمعي والخسف أيضًا الذل ومنه سامه خطة خسف أي ذل فكسوف الشمس والقمر وخسوفهما تغيرهما ونقصان ضوئهما فهما بمعنى واحد هذا هو المستعمل في القرآن وفي الأحاديث وقد قال بعض اللغويين: لا يقال في الشمس إلا كسفت وفي القمر إلا خسف وذَكَر هذا عن عروة وقال الليث، بن سعد: الخسوف في الكل والكسوف في البعض يعني في الشمس والقمر اهـ مفهم. 387 - (5) باب كيفية العمل في صلاة الكسوف وأن فيها ركوعين في كل ركعة (1970) (868) (8) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله عنها (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي بكر (قال: حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

قَالتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي. فَأَطَال الْقِيَامَ جِدًّا. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ جِدًّا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَال الْقِيَامَ جِدًّا. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ جِدًّا. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ قَامَ فَأَطَال الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ. فَأَطَال الْقِيَامَ. وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ. وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بلخي والثاني منهما رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (قالت) عائشة: (خسفت الشمس) أي تغيرت وزال عنها ضوءها (في عهد) أي في زمن حياة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم مات ابنه إبراهيم (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يصلي) صلاة الكسوف (فأطال القيام) الأول (جدًّا) أي تطويلًا مبالغًا لطول القراءة فيه (ثم ركع فأطال الركوع) الأول تطويلًا (جدًّا) أي مبالغًا بالتسبيح وقدروه بمائة آية من البقرة (ثم رفع رأسه) من الركوع (فأطال القيام) الثاني تطويلًا (جدًّا) أي مبالغًا (وهو) أي والحال أن القيام الثاني (دون القيام الأول ثم ركع) الركوع الثاني (فأطال الركوع جدًّا وهو دون الركوع الأول ثم سجد) سجدتين (ثم قام) بعد السجدتين إلى الركعة الثانية (فأطال القيام) الأول من الركعة الثانية (وهو دون القيام الأول) أي الأخير من الركعة الأولى (ثم ركع) الركوع الأول من الركعة الثانية (فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول) أي الأخير من الركعة الأولى (ثم رفع رأسه) من هذا الركوع (فقام) القيام الثاني من الركعة الثانية (فأطال القيام وهو دون القيام الأول) من الركعة الثانية (ثم ركع) الركوع الثاني من الركعة الثانية (فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول) يعني من الركعة الثانية (ثم سجد) سجدتين ولم يذكر التطويل في السجود في الركعتين (ثم انصرف) أي فرغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من صلاته وسلم (و) الحال أنه (قد تجلت الشمس) أي صفت وعاد نورها (فخطب الناس) أي وعظ الناس وذكرهم خطبتين كالجمعة (فحمد الله) سبحانه وتعالى بتنزيهه من النقائص (وأثنى عليه)

ثُمَّ قَال: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا. وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى بوصفه بالكمالات يعني بدأ خطبته بحمد الله وثنائه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشمس والقمر) آيتان (من آيات الله) تعالى الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته أو على تخويف عباده من بأسه وسطوته (وإنهما لا ينخسفان لموت أحد) من الناس (ولا لحياته) وإنما يخوف الله سبحانه بكسوفهما عباده. (فإن قلت): أي فائدة في قوله ولا لحياته وقد كان توهم انكسافهما لموت عظيم من العظماء؟ (قلنا) دفع به توهم من كان يتوهم منهم أن الانكساف يقع لولادة شرير اهـ ابن الملك وقيل ذكره تتميمًا للأقسام وإلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد أو ذكر لدفع توهم من يقول لا يلزم من نفى كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم اهـ من الإرشاد. وقد أخرج البخاري عن المغيرة بن شعبة بسنده قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه من مارية القبطية (إبراهيم) بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة وجزم النواوي بأنها كانت سنة الحديبية اهـ قسط. (فإذا رأيتموهما) أي إذا رأيتم انخسافهما أو إذا رأيتموهما منخسفين (فكبروا) الله سبحانه وتعالى عن شركة كل معبود سواه (وادعوا الله) سبحانه انكشاف ما نزل بكم (وصلوا) ركعتين في كل ركعة ركوعان كما مر آنفًا أو ركعتين كسنة الظهر (وتصدقوا) من أموالكم صدقة تطوع لأن الصدقة تدفع البلاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أمة محمد إن) نافية بمعنى ما (من) زائدة (أحد) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة تقدم النفي عليه (أغير) خبر المبتدأ (من الله) متعلق بأغير وغيرة الله صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها ولا نمثلها ولا نكيفها أثرها المنع من المعاصي وكراهته لها (أن يزني عبده) متعلق بأغير بتقدير من الجارة للمصدر المؤول وحذف من قبل أن المصدرية قياس مطرد وأو في قوله (أو تزني أمته) للتنويع لا للشك والمعنى ما من أحد أمنع من المعاصي من الله سبحانه وتعالى ولا أحد أشد كراهة لزنا عبده أو زنا أمته من الله تعالى.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ, لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا. أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الطيبي: ووجه اتصال هذا المعنى بما تقدم من قوله فكبروا وادعوا الله هو أنه صلى الله عليه وسلم لما خوف أمته من الكسوفين وحرضهم على الفزع والالتجاء إلى الله تعالى بالتكبير والدعاء والصلاة والصدقة أراد أن يردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب حدوث البلاء وخص منها الزنا لأنه أعظمها والنفس إليه أميل وخص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب اهـ من الإرشاد. ثم كرر الندبة فقال (يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم) أي من عظمة الله تعالى وعظيم انتقامه من أهل الجرائم وشدة عقابه لهم وأهوال القيامة وما بعدها ما علمت وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره (لبكيتم) بكاء (كثيرًا ولضحكتم) ضحكًا (قليلًا) لتفكركم فيما علمتموه والقلة هنا بمعنى العدم كما في قوله (قليل التشكي) أي عديمه وقوله تعالى {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82] أي غير منقطع ثم قال: (ألا هل بلغت) وألا حرف تنبيه والاستفهام تقريري (وفي رواية مالك) بن أنس: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) سبحانه وتعالى بزيادة لفظة (آيتان) دون رواية عبد الله بن نمير فإن قيل: إن الخطاب في بكيتم وضحكتم إن كان للكافرين فليس لهم ما يوجب ضحكًا أصلًا وإن كان للمؤمنين فعاقبتهم الجنة مخلدين فيها وإن دخلوا النار فما يوجب البكاء بالنسبة إلى ما يوجب الضحك شيء يسير فينبغي أن يكون الأمر بالعكس قلنا: الخطاب للمؤمنين لكن خرج هذا الحديث في مقام ترجيح الخوف على الرجاء اهـ ابن الملك. قال القرطبي: ذهب الجمهور إلى أن صلاة كسوف الشمس ركعتان في كل ركعة ركوعان على ما في حديث عائشة رضي الله عنها وما في معناه قال أبو عمر: وهذا أصح ما في هذا الباب وأما غيره من الروايات التي خالفته فمعلولة ضعيفة وأما الأحاديث الآتية بعد هذا التي تدل على أن في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع ركوعات أو خمس ركوعات على ما في حديث أُبيّ فقد قال بكل حديث منها طائفة من الصحابة وغيرهم ومن أهل العلم من ذهب إلى أن ذلك الاختلاف إنما هو بحسب طول مدة الكسوف وقصرها وفي هذا نظر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 168) والبخاري (1046) وأبو داود (1190) والترمذي (561) والنسائي (3/ 137) وابن ماجه (1363).

(1971) (0) (0) حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ" وَزَادَ أَيضًا: ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ فَقَال: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ". (1972) (0) (0) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ. فَقَامَ وَكَبَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (1971) (0) (0) (حدثناه يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي معاوية لمالك بن أنس (و) لكن (زاد) أبو معاوية لفظة (ثمَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما بعد فإنَّ الشمس والقمر من آيات الله وزاد) أبو معاوية (أيضًا ثمَّ رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يديه فقال اللهم هل بلغت). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: (1972) (0) (0) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرني) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (ومحمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة (المرادي) الجملي أبو الحارث المصري ثقة من (11) (قالا: حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لهشام ابن عروة (قالت) عائشة: (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم مات ابنه إبراهيم بالمدينة سنة الحديبية كما جزم به النواوي. (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرة إلى المسجد) لا إلى الصحراء لخوف الفوات بالانجلاء والمبادرة إلى الصلاة مشروعة (فقام وكبر) تكبيرة الإحرام

وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ. فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَويلَةً. ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَويلَةً. هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى. ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا. هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ قَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" ثُمَّ سَجَدَ (وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطَّاهِرِ: ثُمَّ سَجَدَ) ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وصف الناس) بالرفع فاعل أي اصطفوا (وراءه) صلى الله عليه وسلم وصف يتعدى ويلزم. قال العسقلاني: ويجوز النصب في الناس والفاعل محذوف فالمراد به النبي صلى الله عليه وسلم أي جعلهم صفوفًا وراءه (فاقترأ) مبالغة في قرأ أي فقرأ (رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة) في قيامه نحوًا من سورة البقرة بعد الفاتحة والتعوذ ولأبي داود قالت: فقام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة (ثم كبَّر) للركوع (فركع ركوعًا طويلًا) مسبحًا فيه قدر مائة آية من البقرة (ثم رفع رأسه) من الركوع (فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قام) من الركوع (فاقترأ قراءة طويلة) في قيامه (هي) أي تلك القراءة (أدنى) أي أقل (من القراءة الأولى) نحوًا من سورة آل عمران بعد قراءة الفاتحة والتعوذ ولأبي داود: قالت: فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران (ثم كبر) للركوع الثاني (وركع ركوعًا طويلًا هو أدنى) وأقل (من الركوع الأول) مسبحًا فيه قدر ثمانين آية (ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد) مسبحًا قدر مانة آية (ولم يذكر أبو الطاهر) في روايته لفظة (ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى) أي الأخيرة (مثل ذلك) أي مثل ما فعل في الركعة الأولى لكن القراءة في أولهما كالنساء وفي ثانيهما كالمائدة وهذا نص الشافعي في البويطي قال السبكي: وقد ثبت بالأخبار تقدير القيام الأول بنحو البقرة وتطويله على الثاني والثالث ثم الثاني على الرابع وأما نقص الثالث عن الثاني أو زيادته عليه فلم يرد فيه شيء فيما أعلم فلأجله لا بعد في ذكر سورة النساء فيه وآل عمران في الثاني نعم إذا قلنا بزيادة ركوع ثالث فيكون أقصر من الثاني كما ورد في الخبر اهـ. والتسبيح في أولهما قدر سبعين وفي الرابع خمسين قال الأذرعي: وظاهر كلامهم استحباب هذه الإطالة وإن لم يرض بها المأمومون وقد يفرق بينها وبين المكتوبة بالندرة

حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ. ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ. فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يقال: لا يطيل بغير رضا المحصورين لعموم حديث: إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف وتحمل إطالته صلى الله عليه وسلم على أنه علم رضا أصحابه أو أن ذلك مغتفر لبيان تعليم الأكمل بالفعل (حتى استكمل أربع ركعات) أي ركوعات في ركعتين يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كل ركعة بركوعين وسمى الركوع الزائد ركوعًا باعتبار المعنى اللغوي وإن كانت الركعة الشرعية إنما هي الكاملة قيامًا وركوعًا وسجودًا اهـ قسط (و) سجد (أربع سجدات) في ركعتين كما هو المعتاد في كل صلاة وفائدة ذكره بيان أن الزيادة منحصرة في الركوع دون السجود وهذا قول الأئمة الثلاثة وأما الأحناف فيقولون تؤول رواية تلك الزيادة على رفع بعض القوم رؤوسهم من طول الركوع ثم عودهم إليه فعندهم صلاة الكسوف على الأصول المعهودة في الصلوات لما رواه أبو داود عن قبيصة بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين فأطال فيهما القيام ثم انصرف وانجلت الشمس فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة قال ابن الهمام: وهي الصبح فإن الكسوف كان عند ارتفاع الشمس قيد رمحين والأخذ بهذا أولى لوجود الأمر به وهو مقدم على الفعل اهـ من بعض الهوامش. (وانجلت الشمس) بنون قبل الجيم أي صفت (قبل أن ينصرف) من صلاته (ثم قام) أي خطيبًا (فخطب الناس) أي وعظهم وذكرهم وهذا دليل لمن قال: من سنة صلاة الكسوف الخطبة وهم الشافعي وإسحاق والطبري وفقهاء أصحاب الحديث وخالفهم في ذلك أبو حنيفة ومالك وقالا: إن هذه الخطبة إنما كان مقصودها زجر الناس عما قالوا من أن الكسوف إنما كان لموت إبراهيم وليخبرهم بما شاهده في تلك الصلاة مما اطلع عليه من الجنة والنار اهـ من المفهم (فأثنى على الله) سبحانه وتعالى أي وصف الله سبحانه وتعالى (بما) أي بوصف (هو) أي ذلك الوصف (أهله) أي لائق بالله تعالى من سائر الكمالات (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) سبحانه وتعالى أي دليلان على وجود الحق سبحانه وقهره وكمال الإلهية وقد خصهما بالذكر لما وقع للناس من أنهما ينخسفان لموت عظيم وهذا إنما صدر عمن لا علم عنده ممن ضعف عقله واختل فهمه فرد النبي صلى الله عليه وسلم

لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ". وَقَال أَيضًا: "فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ". وَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم جهالتهم وضمن ذلك الرد على من قال بتأثيرات النجوم ثم أخبر بالمعنى الذي لأجله ينكسفان وهو أن الله تعالى يخوف بهما عباده لأن ذلك مذكر بالكسوفات التي تكون بين يدي الساعة ويمكن أن يكون ذلك الكسوف منها ولذلك قام صلى الله عليه وسلم فزعًا يخشى أن تكون الساعة وكيف لا وقد قال الله عزَّ وجلَّ {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 7, 8] وخص هنا خسوفهما بالتخويف لأنهما أمران علويان نادران طارئان عظيمان والنادر العظيم مخوف موجع بخلاف ما يكثر وقوعه فإنه لايحصل منه ذلك غالبًا فلما وقع فيهما من الغلط الكثير للأمم التي كانت تعبدهما ولما وقع من الجهال من اعتقاد تأثيرهما اهـ من المفهم. (لا ينخسفان لموت أحد) من الناس كإبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم (ولا لحياته) أي حياة أحد من الناس وولادته كولادة شرِّير ذكره تميمًا للمقابلة كما مر (فإذا رأيتموها) أي رأيتم الكسفة في أحدهما أو رأيتم تلك الآية وهي المدلول عليها بقوله آيتان وفي بعض النسخ (فإذا رأيتموهما) أي كسوف الشمس وخسوف القمر (فافزعوا) بفتح الزاي أي التجؤوا وتوجهوا (للصلاة) أي إلى الصلاة المعهودة الخاصة السابق فعلها منه صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة لأنها ساعة خوف وفي رواية البخاري (فافزعوا إلى الصلاة) فاللام هنا بعنى إلى (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أيضًا فصلوا حتى يفرج الله) سبحانه وتعالى بضم الياء وتشديد الراء المكسورة من فعل المضعف أي حتى يكشف الله سبحانه ويرفع (عنكم) ما نزل بكم من الكسوف قال القاضي يجب تطويل القراءة ما لم تنجل فإن أتم الصلاة بسنتها قبل أن تنجلي لم يلزمه إعادة الصلاة بسنتها وللناسي أن يصلي ركعتين أفذاذًا كسائر النوافل وإن انجلت وهو في الصلاة فقيل: يتمها بسنتها وقيل: بركعة واحدة كسائر النوافل اهـ أبي. واستنبط من قوله (فافزعوا) أن الجماعة ليست شرطًا في صحتها لأن فيه إشعارًا بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى فواتها أو إخلاء بعض الوقت من الصلاة نعم يستحب لها الجماعة اهـ من الإرشاد. (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (رأيت في مقامي) أي في مكاني (هذا كل شيء وعدتم) في الآخرة أي أخبرتم به على سبيل الوعد أو الوعيد يعني الجنة والنار ثم يحتمل أن يكون رؤية عين برفع الحجب بينه وبينها كما كشف له عن المسجد

حَتَّى لَقَدْ رَأَيتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدِّمُ. (وَقَال الْمُرَادِيُّ: أَتَقَدَّمُ) وَلَقَدْ رَأَيتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا, حِينَ رَأَيتُمُونِي تَأَخَّرْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأقصى حين كان يصفه وقريش تسأله عنه اهـ. (حتى) والله (لقد رأيتني أريد) أي لقد رأيت نفسي مريدة (أن آخذ قطفًا) أي عنقودًا (من) عنب (الجنة) أي مريدة أخذ قطف من ثمار الجنة والقطف بكسر القاف وسكون الطاء هو ما يجتنى من الثمار والجمع قطوف قال تعالى {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} أي ثمارها قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع (حين رأيتموني جعلت) أي شرعت أن (أقدم) نفسي أو رجلي هو بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة من التقديم بمعنى أتقدم هذا لفظ غير المرادى (وقال المرادي: أتقدم) من تفعَّل الخماسي (و) الله (لقد رأيت جهنم يحطم) من باب ضرب أي يكسر ويحرق (بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت) عن مقامي إلى جهتكم فيه التأخر عن مواضع العذاب والهلاك وفي المفهم: قوله (يحطم) أي يكسر بعضها ويسقط كما يفعل البحر والحطم الكسر يحتمل أن يريد بذلك أن بعضها يأكل بعضًا وبذلك سميت جهنم الحطمة والرجل الحطمة وهو الأكول اهـ منه. وقوله (وقد رأيت في منامي هذا) الخ هذه الرؤية رؤية عيان حقيقية لا رؤية علم بدليل أنه رأى في الجنة والنار أقوامًا بأعيانهم ونعيمًا وقطفًا من عنب وتناوله وغير ذلك ولا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا. ووجدنا كما دل عليه الكتاب والسنة وذلك أنه راجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكًا خاصًّا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما كما قد خلق له إدراكًا لبيت المقدس فطفق يخبرهم آياته وهو ينظر إليه ويجوز أن يقال: إن الله تعالى مثل له الجنة والنار وصورهما له في عرض الحائط كما تتمثل صور المرئيات في المرآة ويعتضد بما رواه البخاري من حديث أنس في غير حديث الكسوف قال صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار متمثلتين في قبلة هذا الجدار) رواه البخاري (749) وفي لفظ آخر: (عرضت علي الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي) رواه البخاري أيضًا (540) وقال في مسلم: (إني صورت لي الجنة والنار فرأيتهما دون هذا الحائط) رواه مسلم (2359) من حديث أنس ولا يستبعد هذا حيث إن الانطباع في المرآة إنما هو في الأجسام الصقيلة لأنا نقول: إن ذلك شرط عادي لا عقلي ويجوز أن نخرق العادة وخصوصًا في مدة النبوة ولو سلم أن تلك الشروط عقلية فيجوز أن تكون تلك الأمور

وَرَأَيتُ فِيهَا ابْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ موجودة في جسم الحائط ولا يدرك ذلك إلا النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (أن آخذ قطفًا من الجنة) وقطف الثمرة ما يقطف منها أي يقطع ويجني وهو هنا عنقود من العنب كما قد جاء مفسرًا في الرواية الأخرى اهـ من المفهم. (ورأيت فيها) أي في النار عمرو (بن لحي) بضم اللام وفتح الحاء بن قمعة بفتحات بن إلياس الخزاعي ولحي لقب أبيه واسمه مالك وهو الذي كناه في الحديث الآخر بأبي ثمامة وقد جاء في رواية أخرى: عمرو بن عامر الخزاعي وفيه دليل على أن بعض الناس معذب في نفس جهنم اليوم عافانا الله منها وجميع المسلمين والله أعلم. وكان عمرو هذا أول من غيَّر دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي فيما ذكر ابن إسحاق وهو الذي عنى الله تعالى بقوله {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103] (وهو) أي عمرو بن لحي (الذي سيب السوائب) أي أرسلها وأعتقها وخلّاها تذهب حيث شاءت والسوائب جمع سائبة: الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ثم خُلِّي سبيلها مع أمها على حكمها وهي البحيرة بنت السائبة وسميت بذلك لأنها بحرت أذنها أي شقت شقًا واسعًا وهذا قول ابن إسحاق وقال غيره: السائبة هي التي ينذرها الرجل أي إن برأ من مرضه أو أصاب أمرًا يطلبه فإذا كان ذلك أسابها فسابت لا ينتفع بها. قال ابن إسحاق: والوصيلة الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر قالوا: وصلت فكانت ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون الإناث إلا أن يموت شيء منها فيشترك فيه ذكورهم وإناثهم وقال كثير من أهل اللغة: إن الشاة كانت إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت ذكرًا ذبحوه لآلهتهم وإذا ولدت ذكرًا وأنثى لم يذبحوا الذكر وقالوا: وصلت أخاها فيسيبون أخاها ولا ينتفعون به. والحامي الفحل إذا ركب ولد ولده وقيل: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فلا يركب ولا ينتفع به ولا يمنع من ماء ولا كلإ اهـ من المفهم.

وَانْتَهَى حَدِيثُ أَبِي الطَّاهِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: "فَافْزَعُوا لِلصَّلاةِ". وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. (1973) (0) (0) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. قَال: قَال الأَوْزَاعِيُّ أَبُو عَمْرٍو وَغَيرُهُ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ يُخْبِرُ, عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَعَثَ مُنَادِيًا "الصَّلاةَ جَامِعَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وانتهى حديث أبي طاهر) وروايته (عند قوله: فافزعوا للصلاة ولم يذكر) أبو الطاهر (ما بعده) أي ما بعد قوله: فافزعوا ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (1973) (0) (0) (وحدثنا محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون ثانيه الجمّال بالجيم أبو جعفر (الرازي) ثقة من (10) (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي ثقة من (8) (قال) الوليد: (قال) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي أبو عمرو) الشامي ثقة من (7) (وغيره) أي وغير الأوزاعي معطوف على الأوزاعي أي قال كل منهما: (سمعت) محمد بن مسلم (بن شهاب الزهري) المدني (يخبر عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة الأوزاعي ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب وفائدتها تقوية السند الأول (أن الشمس خسفت) أي تغيرت من البياض إلى السواد (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته قال القسطلاني: الأصح أن الخسوف والكسوف المضافين إلى الشمس والقمر بمعنى واحد يقال: كسفت الشمس والقمر وخسفا بفتح الكاف والخاء مبنيًّا للفاعل وخُسفا بضمهما مبنيًّا للمفعول وانكسفا وانخسفا بصيغة انفعل ومعنى المادتين واحد أو يختص ما بالكاف بالشمس وما بالخاء بالقمر وهو المشهور على ألسنة الفقهاء اهـ والمراد استتارهما بعارض مخصوص والله أعلم. (فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر (مناديًا) بأن ينادي (الصلاة) أي هذه الصلاة (جامعة) تجمع الناس في المسجد برفعهما على الابتداء والخبر وبنصبهما الأول على الإغراء والثاني على الحال أي احضروا الصلاة حالة كونها جامعة ويجوز رفع الأول ونصب الثاني وبالعكس كما بسطنا الكلام عليه في نزهة الألباب. وفي بعض النسخ (بالصلاة جامعة) فيكون الإغراب على حاله فإن حروف الجر لا

فَاجْتَمَعُوا. وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ. وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَينِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. (1974) (0) (0) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُخْبِرُ, عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ فِي صَلاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ. فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَينِ. وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يظهر عملها في باب الحكاية اهـ أي فأمر مناديًا ينادي بالصلاة جامعة فنادى (فاجتمعوا) أي فاجتمع الناس لصلاة الكسوف (وتقدم) النبي صلى الله عليه وسلم (فكبر) تكبيرة الإحرام (وصلى) بهم (أربع ركعات) أي أربع ركوعات (في ركعتين و) سجد (أربع سجدات) في ركعتين أيضًا يعني في كل ركعة ركوعان وسجودان فصار جملة ما في الركعتين أربع ركوعات وأربع سجودات والله تعالى أعلم. قال النواوي: وفي الحديث دليل للشافعي ومن وافقه على أنه يستحب أن ينادى لصلاة الكسوف الصلاة جامعة وأجمعوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عائشة فقال: (1974) (0) (0) (وحدثنا محمد بن مهران) الرازي أبو جعفر الجمّال (حدثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي ثقة من (8) (أخبرنا عبد الرحمن بن نمر) بفتح النون وكسر الميم اليحصبي أبو عمرو الدمشقي روى عن الزهري في (خ م) فرد حديث ومكحول ويروي عنه (خ م د س) والوليد بن مسلم فقط وثقوه في الزهري وقال أبو داود ليس به بأس وقال ابن معين ضعيف وذكره ابن حبان في الثقات وقال من ثقات أهل الشام ومتقنيهم وقال أبو أحمد الحاكم مستقيم الحديث وقال ابن البرقي: ثقة وقال في التقريب: ثقة لم يرو عنه غير الوليد من الثامنة (أنه سمع ابن شهاب يخبر عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن نمر لعبد الرحمن الأوزاعي في رواية الحديث عن ابن شهاب. (أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر) أي رفع الصوت (في صلاة الخسوف بقراءته فصلّى) بهم (أربع ركعات) أي ركوعات (في ركعتين وأربع سجدات) في ركعتين كما هو العادة في الصلاة قال القرطبي: أخذ بظاهر هذا الحديث جماعة من السلف ومحمد بن الحسن وأبو يوسف وأحمد وإسحاق وفقهاء الحديث ورواه معن والواقدي عن مالك

(1975) (869) - (9) قَال الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَني كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فقالوا يجهر بها في صلاة كسوف الشمس ومشهور قول مالك الإسرار فيها وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والليث وسائر أصحاب الرأي متمسكين بقول ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها نحو سورة البقرة قالوا: ولو جهر لعلم ما قرأ وبما خرجه النسائي من حديث سمرة بن جندب ووصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف قال صلى فقام كأطول قيام قام بنا في الصلاة قط ما سمع له صوتًا وذكر الحديث وتأولوا الحديث الأول على أنه كان في خسوف القمر بالليل وخيَّر الطبري بين الجهر والإسرار عملًا بالحديثين اهـ من المفهم. وفي بعض الهوامش: (قوله جهر في صلاة الخسوف) لعل المراد خسوف القمر كما هو المتبادر فإنه يكون بالليل وصلاة الليل جهرية فيكون المراد من المثلية الآتية في قوله (إن ابن عباس كان يحدث عن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس بمثل ما حدث عروة عن عائشة) المثلية في الكمية دون كيفية القراءة لكن قال فقهاؤنا: إن القمر خسف مرارًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم جمع الناس له دفعًا للفتنة اهـ. ويؤيد إسرار القراءة في صلاة الكسوف رواية تخمينها بقدر سورة البقرة على ما يأتي ذكرها في حديث ابن عباس إذا كانت القراءة جهرًا لما احتيج إلى الحزر والتقدير وفي مشكاة المصابيح عن سمرة بن جندب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوفٍ لانسمع له صوتًا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وروي مثله عن ابن عباس كما في المرقاة اهـ. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث ابن عباس بطريق العطف على السند الأول فقال: (1975) (869) (9) (قال الزهري) بطريق العطف على سنده في حديث عائشة (وأخبرني كثير بن عباس) وتقدير الكلام: وحدثنا محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم أخبرنا عبد الرحمن بن نمر أنه قال (قال) لنا (الزهري) أخبرني عروة عن عائشة (وأخبرني) أيضًا (كثير بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي أبو تمام بالتخفيف المدني روى عن أخيه عبد الله بن عباس في الصلاة وأبيه العباس في الجهاد ويروي عنه (خ م د س) والزهري وجماعة له في (خ) فرد حديث وكان صالحًا عابدًا فقيهًا سيدًا وقال في التقريب: صحابي صغير مات بالمدينة أيام عبد الملك وقال ابن حبان في الثقات: كان

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فِي رَكْعَتَينِ. (1976) (0) (0) وَحَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَال: كَانَ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ. بِمِثْلِ مَا حَدَّثَ عُرْوَةُ, عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلًا صالحًا فاضلًا فقيهًا وقال ابن سعد: كان رجلًا صالحًا فقيهًا ثقة قليل الحديث (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى أربع ركعات وأربع سجدات في ركعتين) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في صلاة الكسوف وأبو داود في الصلاة والنسائي اهـ من تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (1976) (0) (0) (وحدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي أبو محمد الأعور صدوق من (10) روى عنه (م) فقط (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي الأبرش ثقة من (9) (عن محمد بن الوليد) بن عامر (الزبيدي) مصغرًا أبي الهذيل الحمصي ثقة من (7) (عن الزهري قال: كان كثير بن عباس يحدث أن ابن عباس كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس) وساق كثير (بمثل ما حدث عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وقد سبق آنفًا بيان معنى المماثلة بين الحديثين وقد تقدم لك مرارًا أن ذكر المتابعة في الشواهد نادر. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون واثنان مدنيان وواحد طائفي وغرضه بسوقه بيان متابعة الزبيدي لعبد الرحمن بن نمر في رواية هذا الحديث أعني حديث ابن عباس عن الزهري. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات. والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعةً واحدةً والله أعلم.

388 - (6) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

388 - (6) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات (1977) (870) - (10) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَيدَ بْنَ عُمَيرٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي مَنْ أُصَدِّقُ (حَسِبْتُهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ) أَنَّ الشَّمْسَ انْكَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ قِيَامًا شَدِيدًا. يَقُومُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ. ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ. ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ. رَكْعَتَينِ فِي ثَلاثِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. فَانْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. وَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 388 - (6) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات أي ثلاث ركوعات (1977) (870) (10) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري صدوق من (9) (أخبرنا ابن جريج) المكي الأموي (قال) ابن جريج (سمعت عطاء) بن أبي رباح اليماني المكي ثقة من (3) (يقول: سمعت عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي أبا عاصم المكي القاصَّ ثقة مخضرم من (3) (يقول: حدثني من أصدّق) وأثق حديثه كما هو مصرح في بعض النسح قال عطاء (حسبته) أي أظن عبيد بن عمير (يريد) ويقصد بمن أصدقه (عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وكلاهما لقيا عائشة وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي وفيه التحديث والإخبار والسماع والقول ورواية تابعي عن تابعي (أن الشمس انكسفت) أي تغير بياضها وانمحى ضوءها (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قيامًا شديدًا) أي طويلًا نحو البقرة حالة كونه (يقوم قائمًا) أي يقوم القيام الأول مستويًا معتدلًا لا منحنيًا ولا مائلًا (ثم يركع) الركوع الأول (ثم يقوم) القيام الثاني (ثم يركع) الركوع الثاني (ثم يقوم) القيام الثالث (ثم يركع) الركوع الثالث يصلي (ركعتين في) كل ركعة (ثلاث ركعات) أي ركوعات إطلاقًا للكل وإرادة للجزء تعني في كل ركعة ركع ثلاث مرات فيكون مجموع ركوع الركعتين ستًّا كما سيصرح به (و) يصلي ركعتين في (أربع سجدات) فيكون مجموع سجود الركعتين أربع سجدات كما هو عادة كل صلاة فلا زيادة في السجود (فانصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فرغ من الصلاة (وقد تجلت الشمس) أي تنورت (وكان) صلى الله عليه

إِذَا رَكَعَ قَال: "اللَّهُ أَكْبَرُ" ثُمَّ يَرْكَعُ. وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. وَلَكِنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ. فَإِذَا رَأَيتُمْ كُسُوفًا, فَاذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى يَنْجَلِيَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (إذا ركع) أي إذا أراد الهُوي إلى الركوع (قال: الله أكبر ثم يركع) أي يهوي إلى الركوع (وإذا رفع رأسه) من الركوع أي أراد أن يرفع رأسه (قال: سمع الله لمن حمده) وقوله (فقام) معطوف على قوله فانصرف أي قام خطيبًا. (فحمد الله وأثنى عليه) من ذكر العام بعد الخاص كما في الإرشاد (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد) من الناس (ولا) يكسفان (لحياته) أي ولادته (ولكنهما) أي لكن كسوفهما آيتان (من آيات الله) تعالى الدالة على وجوده وألوهيته (يخوف الله) سبحانه وتعالى (بهما) أي بكسوفهما (عباده) من عقوبته وشدة بأسه إن لم يتوبوا عما هم عليه من المعاصي والمظالم (فإذا رأيتم) بهما (كسوفًا) أي تغيرهما وانمحاق نورهما (فاذكروا الله) سبحانه وتعالى بالصلاة والدعاء والاستغفار (حتى ينجليا) أي حتى ينكشف عنهما كسوفهما ويعود إليهما نورهما وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم ذكر المتابعة فيه فقال: ***

389 - (7) باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف

389 - (7) باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف (1978) (0) (0) وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 389 - (7) باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف (1978) (0) (0) (وحدثنا أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) نسبة إلى أجداده البصري ثقة من (10) (ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (قالا: حدثنا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي البصري صدوق من (9) (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري ثقة من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة من (4) (عن عطاء بن أبي رباح) المكي ثقة من (3) (عن عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما المكي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان مكيان وواحد مدني غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لابن جريج في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح. (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات) في ركعتين تعني صلى ست ركعات وأربع سجدات في ركعتين لم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه متابعة واحدة.

389 - (7) باب التعوذ من عذاب القبر في صلاة الخسوف

389 - (7) باب التعوذ من عذاب القبر في صلاة الخسوف (1979) (871) - (10) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ؛ أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ عَائِشَةَ تَسْأَلُهَا. فَقَالتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يُعَذَّبُ النَّاسُ فِي الْقُبُورِ؟ قَالتْ عَمْرَةُ: فَقَالتْ عَائِشَةُ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَائِذًا بِاللَّهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 389 - (7) باب التعوذ من عذاب القبر في صلاة الخسوف (1979) (871) (10) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي) أبو عبد الرحمن البصري المدني ثقة من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني ثقة من (8) (عن يحيى) بن سعيد بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني ثقة من (5) (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة من (3) (أن يهودية) أي امرأة من اليهود قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (أتت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أي جاءتها في بيته حالة كون اليهودية (تسألها) أي تسأل عائشة العطاء وتطلب منها الصدقة. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا القعنبي فإنه بصري مدني فلما أعطتها السيدة عائشة ما سألته دعت لها. (فقالت) اليهودية في دعائها لها (أعاذك الله) سبحانه أي أجارك وأمَّنك وسلَّمك (من عذاب القبر قالت عائشة) فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) له: (يا رسول الله) أ (يعذب الناس في القبور) بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري قالته مستفهمة منه صلى الله عليه وسلم عن قول اليهودية ذلك لكونها لم تعلمه بعد ولفظ البخاري: أيعذب الناس في قبورهم (قالت عمرة: فقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عائذًا بالله) على وزن فاعل وهو من الصفات القائمة مقام المصدر وناصبه محذوف أي أعوذ عياذًا به كقولهم: عُوفي عافية أو منصوب على الحال المؤكدة النائبة مناب المصدر والعامل فيه محذوف أي أعوذ حال كوني عائذًا بالله من ذلك أي من عذاب القبر وروى بالرفع أي عائذٌ ومناسبة التعوذ من عذاب القبر عند الكسوف أن ظلمة النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وإن كان نهارًا والشيء بالشيء يذكر فيخاف من هذا كما يخاف من هذا فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة الآخرة قاله ابن

ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا. فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ بَينَ ظَهْرَي الْحُجَرِ فِي الْمَسْجِدِ. فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَرْكَبِهِ. حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ. فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ قِيَامًا طَويلًا ثُمَّ رَكَعَ. فَرَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ المغيرة في الحاشية (فإن قلت) هل كان صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ولا يتعوذ منه أوكان يتعوذ ولم تشعر به عائشة أو سمع ذلك من اليهودية فتعوذ (أجاب) التوربشتي بأن الطحاوي نقل أنه صلى الله عليه وسلم سمع اليهودية تقول بذلك فارتاع ثم أوحي إليه بعد ذلك بفتنة القبر أو أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية وسألته عنه أعلن به بعد ما كان يسر ليرسخ ذلك في عقائد أمته ويكونوا منه على خيفة اهـ قسطلاني. (ثم) بعدما قال ذلك لعائشة رضي الله عنها (ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة) من إضافة المسمى إلى اسمه أو ذات زائدة (مركبًا) بفتح الكاف أي سار وهو راكب وذات غداة معناه وقت ضحى (فخسفت الشمس) بعد ذهابه (قالت عائشة: فخرجت في نسوة) أي مع نسوة (بين ظهري الحجر) أي بين الحجرات وظهري بفتح الظاء والراء وكسر الياء تثنية ظهر أصله ظهرين للحجر حذفت النون واللام للإضافة وهو مقحم بين المضاف والمضاف إليه أي مع نسوة بين حجرنا والحجر بضم الحاء المهملة وفتح الجيم تعني بيوت الأزواج الطاهرات وفي بعض الهوامش: فكلمة ظهري مقحمة وهي تثنية ظهر ويقال بين ظهراني بالألف والنون المزيدتين يقال هو نازل بين ظهرانيهم بفتح النون وبين ظهريهم بالتثنية وبين أظهرهم بالجمع كلها بمعنى بينهم وفائدة إدخاله في الكلام أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم وكأن المعنى أن ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه هذا أصله كما في المصباح اهـ منه. وقوله (في المسجد) متعلق بخرجت أي خرجنا. إلى المسجد ففي بمعنى إلى (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رجع (من مركبه) أي من مسيره ودخل المسجد (حتى انتهى) ووصل (إلى مصلاه) وموقفه من المسجد (الذي كان يصلي فيه) في العادة (فقام) رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الكسوف (وقام الناس وراءه) أي خلفه يصلون (فقام قيامًا طويلًا) قرأ فيه نحو سورة البقرة (ثم ركع) أي هوى إلى الركوع الأول (فركع ركوعًا طويلًا) نحو مائة آية منها

ثُمَّ رَفَعَ. فَقَامَ قِيَامًا طَويلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا. وَهُوَ دُونَ ذَلِكَ الرُّكُوعِ. ثُمَّ رَفَعَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَقَال: "إِنِّي قَدْ رَأَيتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ". قَالتْ عَمْرَةُ: فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: فَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, بَعْدَ ذَلِكَ, يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم رفع) رأسه من الركوع الأول (فقام قيامًا طويلًا) نحو آل عمران (وهو) أي القيام الثاني (دون القيام الأول ثم ركع) أي هوى إلى الركوع الثاني (فركع ركوعًا طويلًا) نحو ثمانين آية (وهو) أي الركوع الثاني (دون ذلك الركوع) الذي ركعه أولًا (ثم رفع) رأسه من الركوع الثاني وفي رواية مسلم رحمه الله تعالى اختصار ولفظ البخاري (فسجد) بفاء التعقيب وهو يدل على عدم إطالة الاعتدال بعد الركوع الثاني (ثم قام) من سجوده (فقام قيامًا طويلًا) نحو سورة النساء (وهو دون القيام الأول) الذي كان قبله وهو القيام الثاني (ثم ركع) ثالثًا (ركوعًا طويلًا) نحو سبعين آية (وهو دون الركوع الأول) الذي قبله وهو الركوع الثاني (ثم قام) من الركوع الثالث (فقام قيامًا طويلًا) نحو المائدة (وهو دون القيام الأول) يعني الذي قبله وهو القيام الثالث (ثم ركع) رابعًا (ركوعًا طويلًا) نحو خمسين آية (وهو دون الركوع الأول) يعني الذي قبله وهو الركوع الثالث (ثم رفع) رأسه من الركوع الرابع (فسجد) بفاء التعقيب أيضًا (وانصرف) من صلاته بعد التشهد بالسلام إلى هنا انتهى لفظ البخاري (و) الحال أنه (قد تجلت) أي صفت وتنورت (الشمس) (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني قد رأيتكم تفتنون في القبور) فتنة شديدةً جدًّا (كفتنة الدجال) ويمتحنون امتحانًا هائلًا فيقال له: ما عليك بهذا الرجل فيقول المؤمن: هو رسول الله ويقول المنافق: سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته هكذا جاء مفسرًا في حديث أسماء كما سيأتي ولكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت (قالت عمرة) بالسند السابق (فسمعت عائشة) رضي الله تعالى عنها (تقول: فكنت أسمع) أنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك) اليوم (يتعوذ) في صلاته (من عذاب النار و) من (عذاب القبر) تعليمًا لهم ولفظ البخاري (ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى وفي الحديث أن اليهودية كانت عارفة بعذاب القبر ولعله من كونه في التوراة أو شيء من كتبهم وأن عذاب القبر حق يجب الإيمان به وقد دل القرآن في مواضع كثيرة على أنه حق فقد أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي

(1980) (0) - (0) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة عنه صلى الله عليه وسلم في قوله (فإن له معيشة ضنكًا) قال: عذاب القبر وفي الترمذي عن علي قال: ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}. وقال قتادة والربيع بن أنس في قوله {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَينِ}: أحدهما في الدنيا والآخر عذاب القبر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: (1980) (0) (0) (وحدثناه محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) ابن عبد المجيد الثقفي البصري (ح وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي المكي (جميعًا عن يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (في هذا الإسناد) أي كل من عبد الوهاب وسفيان رويا بهذا الإسناد يعني عن يحيى الأنصاري عن عمرة عن عائشة (بمثل معنى حديث سليمان بن بلال) التيمي أي رويا بالمعنى المماثل لمعنى حديث سليمان بن بلال بلا زيادة ولا نقص لا بلفظه غرضه بسوقهما بيان متابعة عبد الوهاب وسفيان لسليمان بن بلال ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

390 - (8) باب ماعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار

390 - (8) باب: ما عرض على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (1981) (873) - (11) وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ. قَال: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَال: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ. فَأَطَال الْقِيَامَ. حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال. ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَال. ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَال. ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَال. ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ. ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَاكَ. فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 390 - (8) باب ماعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (1981) (873) (11) (وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه ثقة من (8) (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) أبي بكر البصري ثقة من (7) (قال) هشام: (حدثنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم صدوق من (4) (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة (قال) جابر (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (في يوم شديد الحر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) صلاة الكسوف (بأصحابه فأطال القيام) الأول (حتى جعلوا) أي شرعوا (يَخِرُّون) أي يسقطون على الأرض لطول القيام (ثم ركع) الركوع الأول (فأطال) الركوع (ثم رفع) رأسه من الركوع (فأطال) القيام الثاني (ثم ركع) الركوع الثاني (فأطال) الركوع (ثم رفع) رأسه من الركوع الثاني (فأطال) القيام وفيه الاعتدال (ثم سجد سجدتين ثم قام) إلى الركعة الثانية (فصنع نحوًا) أي مثلًا (من ذاك) الذي صنع في الركعة الأولى (فكانت) صلاته (أربع ركعات) أي أربع ركوعات (وأربع سجدات) في ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان (3) خطب خطبتين

قَال: "إِنَّهُ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ. فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ. حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا لأَخَذْتُهُ (أَوْ قَال: تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا) فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ. وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ. فَرَأَيتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا. رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. وَرَأَيتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ و(قال) في خطبته (إنه عرض علي كل شيء) أي عرض الله سبحانه وتعالى عليَّ كل شيء (تولجونه) بصيغة المجهول أي كل منزل ومكان تدخلونه في الآخرة من جنة ونار وقبر ومحشر وحساب وميزان وصراط وغيرها وأطلعني عليه من الإيلاج وهو الإدخال وقوله (فعرضت علي الجنة) وما بعده تفصيل لما أجمله أولًا من قوله عرض علي كل شيء تولجونه أي فعرضت علي الجنة وقربت إليَّ (حتى لو تناولت منها قطفًا) أي عنقودًا من العنب أي حتى لو أردت أن آخذ منها قطفًا (لأخذته) لشدة قربها إليَّ (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو جابر فعرضت علي الجنة حتى (تناولت منها قطفًا) أي حتى قصرت أن أتناول وآخذ منها قطفًا (فقصرت يدي عنه) أي عن القطف أي عن تناوله والشك من الراوي أو ممن دونه (وعرضت علي النار) الأخروية (فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها) أي بسبب هرة لها وهذه المعصية صغيرة وإنما كانت كبيرة بإصرارها أفاده النواوي وقوله (ربطتها) صفة ثانية لهرة أي ربطتها بحبل (فلم تطعمها) في مربطها معطوف على ربطتها (ولم تدعها) أي لم تتركها (تأكل من خشاش الأرض) بفتح الخاء المعجمة وهو هوامها وحشراتها (ورأيت) فيها (أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر) ويسحب (قصبه) وأمعاءه (في النار) وقوله أبا ثمامة هو كنية ابن لحي المتقدم الذكر واسمه عمرو بن مالك. قال الأبي: اسم لحي مالك ولحي لقب له وسماه في الحديث الآخر عمرو بن عامر الخزاعي اهـ. ففي باب قصة خزاعة من صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة وفيه أيضًا وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب. قال ابن حجر في شرح الباب المذكور: إن خزاعة من ولد عمرو بن لحي وهو معنى

وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ. وَإِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيكُمُوهُمَا. فَإِذَا خَسَفَا فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ". (1982) (0) - (0) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله صلى الله عليه وسلم عمرو بن لحي أبو خزاعة مبتدأ وخبر كما في العيني وفي الجامع الصغير عن ابن عباس: أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة اهـ من بعض الهوامش. وقوله (يجر قصبه) هو بضم القاف وإسكان الصاد وهي الأمعاء. (و) قال أيضًا (إنهم) أي إن جهلة الناس وضلالهم (كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم) أي عظيم القدر أو لحياته (وإنهما آيتان من آيات الله) تعالى الدالة على قدرته وألوهيته لا ينكسفان لموت أحد إذ هما خلقان مسخران ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما (يريكموهما) أي يريكم الله خسوفهما تخويفًا لكم عن عقوبته (فإذا خسفا) أي فإذا رأيتم خسوفهما (فصلوا) أي فافزعوا إلى الصلاة وادعوا الله واستغفروه (حتى ينجلي) بالياء أي حتى ينكشف ويزول عنهما خسوفهما أو حتى تنكشف خسفتهما. قال العلماء: والحكمة في هذا الكلام أن بعض الجهلة الضلال كانوا يعظمون الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما وكان بعض الضلّال من المنجمين وغيرهم يقول: لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو نحو ذلك فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم لا سيما وقد صادف موت إبراهيم رضي الله عنه فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا حتى ينجلي وفيه الحث على هذه الطاعة وهو أمر استحباب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (1178 و 1179) والنسائي (3/ 136). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (1982) (0) (0) (وحدثنيه أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري ثقة من (10) (حدثنا عبد الملك بن الصباح) المسمعي أبو محمد البصري صدوق من (9) (عن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر (مثله)

إِلَّا أَنَّهُ قَال: "وَرَأَيتُ فِي النَّارِ امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْدَاءَ طَويلَةً". وَلَمْ يَقُلْ: "مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ". (1983) (0) - (0) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ) قَال: حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال النَّاسُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي مثل ما روى إسماعيل بن علية عن هشام غرضه بيان متابعة عبد الملك لابن علية في رواية هذا الحديث عن هشام (إلا أنه) أي لكن أن عبد الملك بن الصباح (قال) في روايته: (ورأيت في النار امرأة حميرية) أي منسوبة إلى حمير بوزن درهم أبو قبيلة من اليمن وموضع غربي صنعاء كما في القاموس (سوداء طويلة ولم يقل) ابن الصباح (من بني إسرائيل) والجمع بينها بترجيح الرواية الأولى على الثانية لأن ابن علية ثقة وابن الصباح صدوق ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (1983) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وتقاربا) أي تقارب أبو بكر وابن نمير (في اللفظ قال) محمد بن نمير (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي صدوق من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح اليماني أبي محمد المكي ثقة من (3) روى عنه في (10) أبواب) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي وفيه التحديث والعنعنة وغرضه بسوقه بيان متابعة عطاء لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن جابر. (قال) جابر: (انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في السنة العاشرة من الهجرة وهو ابن ثمانية عشر شهرًا أو أكثر وكان ذلك يوم عاشر المحرم كما قال بعض الحفاظ وفيه رد لقول أهل الهيئة لا يمكن كسوفهما في غير يوم السابع أو الثامن أو التاسع والعشرين إلا أن يريدوا أن ذلك باعتبار العادة وهذا خارق لها اهـ عون (فقال الناس) من الجهال الضلال

إِنَّمَا انْكَسَفَتْ الشمس لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. بَدَأَ فَكَبَّرَ. ثُمَّ قَرَأَ فَأَطَال الْقِرَاءَةَ. ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَرَأَ قِرَاءَةً دُونَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى. ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَرَأَ قِرَاءَةً دُونَ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ. ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ. ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم) رضي الله عنه (فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات) أي ركوعات في الركعتين كما دل عليه قوله (بأربع سجدات) فإن سجود كل ركعة اثنان وكان ركوع كل ركعة على هذه الرواية ثلاثًا وفيه دلالة على مشروعية الجماعة فيها قال الطيبيُّ: أي صلى ركعتين كل ركعة بثلاث ركوعات وعند الشافعي وأكثر أهل العلم أن الكسوف إذا تمادى جاز أن يركع في كل ركعة ثلاث ركوعات وخمس ركوعات وأربع ركوعات انتهى وقال الإمام البخاري وغيره من الأئمة لا مساغ لحمل هذه الأحاديث على بيان الجواز إلا إذا تعددت الواقعة وهي لم تتعدد لأن مرجعها كلها إلى صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم وحينئذ يجب ترجيح أخبار الركوعين فقط لأنها أصح وأشهر وخالف في ذلك جماعة من الأئمة الجامعين بين الفقه والحديث كابن المنذر فذهبوا إلى تعدد الواقعة وحملوا الروايات في الزيادة والتكرير على بيان الجواز وقواه النواوي في شرح مسلم انتهى من العون. وقوله (بدأ) الخ تفسير لقوله (فصلى) أي أراد بداية صلاته (فكبر) للإحرام (ثم قرأ فأطال القراءة) في القيام الأول (ثم ركع) الركوع الأول فأطال الركوع (نحوًا مما قام) أي ركع ركوعًا مماثلًا للقيام الأول في المقدار اهـ أي أطال الركوع الأول قدر القيام الأول (ثم رفع رأسه من الركوع) الأول (فقرأ) في القيام الثاني (قراءة دون القراءة) الواقعة في القومة (الأولى ثم ركع) الركوع الثاني فأطال (نحوًا مما قام) أي قدرًا مماثلًا للقيام الثاني (ثم رفع رأسه من الركوع) الثاني (فقرأ) في القيام الثالث (قراءة دون القراءة) الواقعة في القومة (الثانية ثم ركع) الركوع الثالث وأطاله (نحوًا مما قام) أي قدرًا مماثلًا للقيام الثالث (ثم رفع رأسه من الركوع) الثالث. (ثم انحدر) هبط وهوى من الانحدار وهو الانهباط والنزول (بالسجود) أي للسجود (فسجد سجدتين) فائدة ذكرها الإشعار بأن الزيادة منحصرة في الركوع دون السجود (ثم

قَامَ فَرَكَعَ أَيضًا ثَلاثَ رَكَعَاتٍ. لَيسَ فِيهَا رَكْعَةٌ إِلَّا الَّتِي قَبْلَهَا أَطْوَلُ مِنَ الَّتِي بَعْدَهَا. وَرُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ. ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ. حَتَّى انْتَهَينَا. (وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَتَّى انْتَهَى إِلَى النِّسَاءِ) ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ النَّاسُ مَعَهُ. حَتَّى قَامَ فِي مَقَامِهِ. وَانْصَرَفَ حِينَ انْصَرَفَ, وَقَدْ آضَتِ الشَّمْسُ. فَقَال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قام) إلى الركعة الثانية (فركع) فيها (أيضًا ثلاث ركعات) أي ثلاث ركوعات إطلاقًا للكل وإرادة للجزء كما مر (ليس فيها) أي في الركوعات الثلاث (ركعة) أي ركوع (إلا) الركعة (التي قبلها) أي الركوع الذي قبله (أطول من التي بعدها) أي من الركوع الذي بعده (و) كان (ركوعه) بالرفع على أنه خبر كان المحذوفة وقوله (نحوًا) أي قدرًا بالنصب خبر لكان المذكورة وفي بعض النسخ (نحوًا) بالرفع على أنه خبر لركوعه ولا حاجة إلى تقدير كان وقوله (من سجوده) الصواب نحوًا من قيامه كما في رواية أبي داود ولفظه (إلا أن ركوعه نحو من قيامه) والمعنى وكان ركوعه نحوًا من قيامه الذي قبله أي فالركوع الأول قدر القيام الأول والركوع الثاني قدر القيام الثاني والركوع الثالث قدر القيام الثالث وكذا الرابع والمعنى كان كل ركوع من الركوعات الثلاث قدر القيام الذي قبله قال جابر: (ثم) للترتيب الذكري أي ثم بعد ما ذكرته لكم من كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم للكسوف أقول لكم (تأخر) النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته عن موقفه في صلاته إلى جهة الصفوف (وتأخرت الصفوف) التي (خلفه) عن موقفها إلى جهة النساء اتباعًا للنبي صلى الله عليه وسلم (حتى انتهينا) أي وصلنا في التأخر إلى النساء (وقال أبو بكر) في روايته تأخر (حتى انتهى) في تأخره (إلى) موقف (النساء ثم) بعد تأخره (تقدم) إلى موقفه الأول (وتقدم الناس معه) إلى موقفهم الأول وقوله: (حتى قام في مقامه) أي في موقفه الأول متعلق بقوله (تقدم) (وانصرف) أي فرغ من صلاته (حين انصرف) وفرغ منها (و) الحال أنه (قد آضت) ورجعت (الشمس) إلى حالها الأول التي كانت عليها قبل الكسوف يقال آض يئيض أيضًا إذا رجع ومنه قولهم أيضًا وهو مصدر منه والحكمة في تأخره وتقدمه في صلاته رؤيته الجنة حين تقدم ورؤيته النار حين تأخر ثم خطب صلى الله عليه وسلم (فقال) في خطبته: (يا أيها الناس إنما الشمس والقمر آيتان) أي علامتان دالتان على قدرته تعالى (من آيات الله) أي كائنات من بعض دلائل قدرته تعالى (وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من) أشراف

النَّاسِ (وَقَال أَبُو بَكْرٍ: لِمَوْتِ بَشَرٍ) فَإِذَا رَأَيتُمْ شَيئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ. مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ. لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ. وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا. وَحَتَّى رَأَيتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ. كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ. فَإِنْ فُطِنَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الناس) وخيارهم ولا لموت شرير من أشرارهم (وقال أبو بكر) في روايته: (لموت) جنس (بشر) من الأخيار أو الأشرار وإنما قال ذلك ردًّا على الجهلة الضلال حيث كانوا يعظمون الشمس والقمر فبين أنهما آيتان مخلوقتان لله تعالى لا صنع لهما بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغيير كغيرهما وكان بعض الضلال من المنجمين وغيرهم يقول: لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو نحو ذلك فبين أن هذا باطل لا يغتر بأقوالهم وقد صادف موت إبراهيم رضي الله عنه. (فإذا رأيتم شيئًا من ذلك) الكسوف (فصلوا حتى تنجلي) أي حتى تنكشف وتزول كسفتهما ففيه الحث على هذه الطاعة وهذا يدل على أن وقت الكسوف ينبغي أن يكون معمورًا بالصلاة إما بتطويل الصلاة أو بتعديد الركعات وهذا الأمر على جهة الندب (ما من شيء توعدونه) بصيغة المجهول في الآخرة هذا من الإيعاد وهو الوعيد بخلاف ما يأتي (إلا قد رأيته في صلاتي هذه) ومقامي هذا والله (لقد جيء) إليَّ (بالنار) أي بنار جهنم فرأيتها رؤية عيان ومكاشفة أو ممثلة لي في مقامي هذا (وذلكم) أي رؤيتي إياها (حين رأيتموني تأخرت) عن مقامي إلى جهتكم (مخافة أن يصيبني) وينالني (من لفحها) أي من ضرب لهبها شيء ولفح النار شدة لهبها وتأثيره ومنه قوله تعالى {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ} أي تضربها بلهبها واللفح أشد تأثيرًا من النفح كما في قوله تعالى {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} أي أدنى شيء منها قاله الهروي وهذا يدل على أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها (و) رأيت النار (حتى رأيت فيها صاحب المحجن) أي الذي يسرق بمحجنه إذا غفل المسروق منه فإن انتبه له أرى من نفسه أن ذلك تعلق بمحجنه من غير قصد والمحجن عصًا معوجة الرأس كالصولجان (يجر قصبه) أي أمعاءه (في النار كان) صاحب المحجن (يسرق الحاج) أي متاعه (بمحجنه) أي يجره بعصاه المعوجة (فإن فطن) بالبناء للمفعول أي فهم (له) أي لصاحب المحجن والفطنة الفهم بحذق أخص من

قَال: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي. وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ. وَحَتَّى رَأَيتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا. ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ. وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي. وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيهِ. ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لَا أَفْعَلَ. فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الفهم أي فهم صاحب المتاع وعلم بسرقته (قال) صاحب المحجن أنا ما سرقته (إنما تعلق) متاعك (بمحجني) أي بعصاي من غير قصد مني (وإن غفل عنه) بالبناء للمجهول أيضًا أي غفل صاحب المتاع عن صاحب المحجن أي عن أخذه ولم يعلم به (ذهب) صاحب المحجن (به) أي بما أخذه من المتاع ولم أر من ذكر اسمه (و) رأيت النار (حتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها) أي حبستها (فلم تطعمها) أي لم تعط لها الطعام (ولم تدعها) أي لم تتركها وتفكها عن حبسها حالة كونها (تأكل من خشاش الأرض) بفتح الخاء والشين المعجمتين وهي هوام الأرض وقيل صغار الطير ويقال بكسر الخاء وحكي عن أبي عليِّ أنه يقال بضمها وقيل لا يقال في الطير إلا بالفتح أي لم تدعها تأكل منها (حتى ماتت) الهرة (جوعًا). (ثم جيء) إلي (بالجنة وذلكم) أي المجيء بها إليَّ (حين رأيتموني) أي وقت ما رأيتموني (تقدمت) من محل تأخري أولًا إلى قدامي (حتى قمت في مقامي) الأول (و) الله (لقد مددت) أي بسطت (يدي) اليمنى إلى قدامي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في الأخذ والعطاء (وأنا) أي والحال أني (أريد أن أتناول) وآخذ (من ثمرها) أي من ثمر الجنة (لتنظروا إليه ثم) بعدما أردت مناولته (بدا) أي ظهر (لي أن لا أفعل) مناولته وأخذه ووقع في رواية أخرى (فقصرت يدي عنه) ووجه الجمع بينهما أنه لما تحقق أنه لا يناله بداله فيما هم به فقصرت يده عنه أي بصرفه إياها عن الأخذ ويحتمل أن يريد أنه لم تلحقه يده لأنه مدخر ليوم الجزاء اهـ من المفهم (فما من شيء توعدونه) في الآخرة من النعيم الأبدي من الوعد بخلاف ما تقدم (إلا قد رأيته في صلاتي هذه) ومقامي هذا. وشارك المؤلف رحمه الله في رواية هذا الحديث بهذه الرواية أبو داود (1178 و 1179) والنسائي (3/ 136). وقوله (فما من شيء توعدونه) من الوعد بخلاف ما تقدم في صفة النار فإنه من (الإيعاد كما مر) والخلف في الوعد عند العرب كذب وفي الوعيد كرم قال الشاعر:

(1984) (873) - (12) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ الْهَمْدَانِي. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ قَالتْ: خَسَفَتِ الشمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي. فَقُلْتُ: مَا شَأنُ النَّاسِ يُصَلُّونَ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالتْ: نَعَمْ. فَأَطَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقِيَامَ جِدًّا. حَتى تَجَلَّنِي الْغَشْيُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - فقال: (1984) (873) (12) حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب (الهمداني) أبو كريب الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا هشام) بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوام بنت عمه الأسدية المدنية (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق التيمية المدنية ذات النطاقين - رضي الله تعالى عنها -. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعية وزوج عن زوجة وحفيدة عن جدتها. (قالت) أسماء: (خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على عائشة) - رضي الله تعالى عنها - في حجرتها فإذا الناس قيام في المسجد يصلون (وهي) أي عائشة قائمة (تصلي) معهم وفيه مشروعية صلاة الكسوف جماعة وصلاة النساء معهم قالت أسماء (فقلت) لعائشة (ما شأن الناس يصلون) في هذا الوقت جماعة ولو يدخل وقت الظهر لأن الوقت ضحى (فأشارت) عائشة (برأسها إلى السماء) إعلامًا لها بسبب الصلاة تعني انكسفت الشمس قالت أسماء (فقلت) لعائشة: أهي (آية) أي هذه الكسفة علامة لعذاب الناس (قالت) عائشة بالإشارة: (نعم) أي هي علامة لعذاب الناس ولفظ البخاري (فأشارت أي نعم). قالت أسماء: (فأطال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القيام) إطالة (جدًّا) أي بالغًا الغاية (حتى تجلاني) وغشاني وعلاني (الغشي) أي الغشاوة وهو معروف يحصل بطول القيام في الحر وفي غير ذلك من الأحوال أي حتى علاني وغلبني مرض قريب من

فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءِ إلى جَنْبِي. فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي أَوْ َعَلَى وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ. قَالتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ. فَخَطَبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ. فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. مَا مِنْ شَيءٍ لَمْ أَكُنْ رَأَيتُهُ إلا قَدْ رَأَيتُهُ في مَقَامِي هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الإغماء لطول تعب القيام اهـ نواوي قال ابن الأثير: قوله: (تجلاني الغشي) أي غطاني وغشاني وأصله تجللني فأبدلت إحدى اللامات ألفًا ويجوز أن يكون معنى (تجلاني الغشي) ذهب بقوتي وصبري من الجلاء أو ظهر بي وبان عليَّ اهـ. والغشي بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين آخره مثناة تحتية مخففة وبكسر الشين وتشديد التحتانية مرض قريب من الإغماء (فأخذت قربة من ماء إلى جنبي) أي إلى جانبي قريبًا مني (فجعلت) أي شرعت (أصب على رأسي أو) قالت أسماء: أصب (على وجهي من الماء) ليذهب عني الغشي والشك من فاطمة أو ممن دونها وهذا يدل على أن حواسها كانت مجتمعة سليمة وإلا فالإغماء الشديد المستغرق ينقض الوضوء بالإجماع وهذا محمول على أنها لم تكثر أفعالها متوالية لأن الأفعال إذا كثرت متوالية أبطلت الصلاة اهـ نواوي. وهو مقتضى أحد الأقوال المذكورة في تفسير العمل الكثير كما يعلم من كتب الفقه. قال النواوي: وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات متتابعات وقالوا الثلاث متتابعات تبطلها. قال القرطبي: هذا كان منها لطول القيام وشدة الحر وكأنها رأت أن فعل مثل هذا مع شدة الحاجة يجوز لخفة ما ليس بفريضة ولأن هذا الفعل ليس من قبيل العمل الكثير الذي ينصرف به عن الصلاة كتأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقدمه في هذه الصلاة اهـ مفهم. (قالت) أسماء: (فانصرف أي فرغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الصلاة (وقد تجلت) أي والحال أنه قد تجلت وصفت وتنورت (الشمس فخطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فحمد الله) سبحانه وتعالى بتنزيهه من النقائص (وأثنى عليه) بوصفه بالكمالات (ثم) بعد حمد الله وثنائه (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما بعد: ما من شيء) من الأشياء (لم أكن رأيته) قبل (إلاقد رأيته) رؤيا عين (في مقامي هذا)

حَتَّى الْجَنةَ وَالنَّارَ. وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِليَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في الْقُبُورِ قَرِيبا أَوْ مِثْلَ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. (لَا أَدْرِي أَيَّ ذلِكَ قَالتْ أَسْمَاءُ) فَيُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهذَا الرّجُلِ؟ فأَما الْمُؤْمِنُ أَو الْمُوقِنُ. (لَا أَدْرِي أَيَّ ذلِكَ قَالتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: هُوَ مُحمدٌ، هُوَ رَسُولُ الله، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى. فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَأَطَعْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الميم الأولى وكسر الثانية لأنه من قام الثلاثي ويصح كونه ظرف مكان أو مصدرًا (حتى) رأيت (الجنة والنار) بالنصب على أن حتى عاطفة عطفت الجنة على الضمير المنصوب في رأيته والنار معطوف عليه وبالرفع على أن حتى ابتدائية والجنة مبتدأ حذف خبره أي حتى الجنة مرئية لي والنار عطف عليه وبالجر على أن حتى جارة واستشكل في المصابيح الجر بأنه لا وجه له إلا العطف على المجرور المتقدم وهو ممتنع لما يلزم عليه من زيادة من مع المعرفة والصحيح منعه اهـ قسط (وإنه) أي إن الشأن والحال (قد أوحي إلى أنكم) أيها الناس (تفتنون في القبور) بسؤال الملكين أي تمتحنون فيها فتنًا (قريبًا) من فتنة المسيح الدجال وأخف منها (أو) قالت أسماء: تفنون فيها (مثل فتنة المسيح الدجال) قالت فاطمة (لا أدري) ولا أعلم (أي ذلك) أي: أيَّ الكلمتين (قالت أسماء) أي أقالت لفظة مثل أو لفظة قريبًا (فيؤتى أحدكم) أيها الناس في قبره (فيقال) له (ما علمك) واعتقادك مبتدأ وخبر قوله (بهذا الرجل) متعلق بعلمك والباء بمعنى (في) أي أيُّ شيء اعتقادك في هذا الرجل المبعوث إليكم أصادق أم كاذب غنى به عن نفسه - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل برسول الله لأنه يصير تلقينًا لحجته أي إنما قال له الملكان السائلان: ما علمك بهذا الرجل ولم يقولا: ما علمك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - امتحانًا له وإغرابًا عليه لئلا يتلقى منهما إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم - ورفع مرتبته فيعظمه هو تقليدًا لهما لا اعتقادًا ولهذا يقول المؤمن: هو رسول الله ويقول المنافق: لا أدري فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. (فأما المؤمن أو) قالت أسماء: فأما (الموقن) قالت فاطمة: (لا أدري أي ذلك) أي أيَّ الكلمتين (قالت أسماء) أي لا أدري هل قالت لفظة المؤمن أو لفظة الموقن والإيقان أشد من الإيمان والشك من فاطمة بنت المنذر (فيقول هو) أي الرجل الذي سألتماني عنه اسمه (محمَّد) - صلى الله عليه وسلم - (هو) أي وصفه أنه (رسول الله جاءنا بالبينات) أي بالمعجزات الدالة على نبوته (والهدى) الموصل إلى المراد (فأجبنا) دعوته (وآمنا) أي صدقنا بنبوته بحذف ضمير المفعول للعلم أي قبلنا نبوته معتقدين مصدقين

ثَلاثَ مِرَارٍ. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ. قَدْ كُنا نَعْلَمُ إنكَ لَتُؤْمِنُ بِهِ. فَنَمْ صَالِحًا. وَأَمّا الْمُنَافِقُ أَو الْمُرْتَابُ (لَا أَدْرِي أَيَّ ذلِكَ قَالتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي. سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيئا فَقُلْتُ". (1985) (0) - (0) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ. قَالتْ: أَتَيتُ عَائِشَةَ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ. وإِذَا هِيَ تُصَلِّي. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ عَنْ هِشَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأطعنا) أي امتثلنا أمره ونهيه بالانقياد له أي يقول المؤمن ذلك (ثلاث مرارٍ) أي ثلاث مرات (فيقال له) من جهة الملكين أي يقول الملكان للمؤمن المجيب بهذا الجواب: (نم) نومة العروس (قد كنا نعلم إنك لتومن به) أي بهذا الرجل أي قد علمنا إيمانك به (فنم) حالة كونك (صالحًا) مؤمنًا (وأما المنافق أو) قالت أسماء: (المرتاب) أي الشاك في نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - قالت فاطمة: (لا أدري) ولا أعلم (أي ذلك) أي أيَّ الكلمتين (قالت أسماء فيقول لا أدري) ولا أعلم ما شأنه (سمعت الناس يقولون) في شأنه (شيئًا فقلت) ما قالوا ولا أدري الآن وفي هذا الحديث أحكام كثيرة من الفقه منها ما تقدم ومنها ما لم نذكره لكونها لا تخفى على المتأمل الفطن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (148) وابن ماجه (1265). ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أسماء رضي الله عنها فقال: (1985) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام عن فاطمة عن أسماء). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن هشام. (قالت) أسماء: (أتبت عائشة) أختي (فإذا الناس قيام) أي قائمون يصلون (وإذا هي) أي عائشة (تصلي) معهم (فقلت) لها: إما شأن الناس) قائمين مصلين (واقتص) أبو أسامة أي ذكر (الحديث) السابق (بنحو حديث) عبد الله (بن نمير) أي بقريبه في اللفظ والمعنى الذي رواه عبد الله (عن هشام) بن عروة. اهـ.

(00) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ. قَال: لَا تَقُلْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ. وَلكِنْ قُلْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد فصل المؤلف رحمه الله بين روايات حديث أسماء بأثر عروة بن الزبير على سبيل الاستطراد لأحاديث الباب فقال: (00) (أخبرنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن) محمَّد بن مسلم (الزهريّ عن عروة قال) عروة: (لا تقل: كسفت الشمس) بالكاف (ولكن قل: خسفت الشمس) بالخاء وهذا قول انفرد به عروة لم يقله غيره كما في النواوي والقول المشهور عندهم أن الخسوت والكسوف كلاهما بمعنى واحد سواء أضيفا إلى الشمس أو إلى القمر فمعنى المادتين واحد وهو استتار نورهما بعارض مخصوص يقال: كسفت الشمس وخسف القمر وبالعكس وانكسف القمر وانخسفت الشمس وبالعكس وقيل: بالكاف للشمس وبالخاء للقمر وما قاله عروة قول شاذ لا اعتداد به وغرض المؤلف بذكره بيان شذوذه وانفراد عروة به ولو أسقطه المؤلف لكان أولى لأنه ليس بحديث. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني حديث أسماء ذكره للاستدلال به على الجزء الخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

391 - (9) باب فزع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف

391 - (9) باب فزع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف (1986) (874) (13) حدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ الْحَارِثِي. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيج. حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أُمِّهِ صَفيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكرِ؛ أَنَّهَا قَالتْ: فَزعَ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ - يَوْمًا. (قَالتْ: تَعْنِي يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ) فَأَخَذَ دِرْعًا حَتى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 391 - (9) باب فزع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف (1986) (874) (13) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري ثقة من (10) (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة من (8) (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي ثقة من (6) (حدثني منصور بن عبد الرحمن) بن طلحة العبدري الحجبي المكي ثقة من (5) (عن أمه صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية لها رؤية. (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق التيمية المدنية وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بمكيان واثنان بصريان وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة ورواية صحابية عن صحابية وولد عن والدته (أنها) أي أن أسماء (قالت: فزع) أي بادر وأسرع (النبي - صلى الله عليه وسلم -) إلى صلاة الكسوف اهتمامًا بشأنه أو خاف من عقوبة الله تعالى وهاب من جلاله عَزَّ وَجَلَّ (يومًا) من الأيام (قالت) صفية: (تعني) أسماء بذلك اليوم (يوم كسفت الشمس فأخذ درعًا) أي درع أهله بدل ردائه سهوًا يدل على هذا قولها في الرواية الثانية: (فأخطأ بدرع) يقال لمن أراد فعل شيء ففعل غيره أخطأ. (حتى أدرك) وألحق (بردائه) فلبسه أي ألحق به رداؤه وأوصل إليه من ورائه والدرع يطلق ويراد به درع الحديد وهي مؤنثة ويطلق ويراد به درع المرأة وهو قميصها وهو مذكر يقال له درع سابغة ولها درع واسع والمفهوم من كلام النواوي أنه المراد ها هنا فإنه قال عند شرح الرواية الثانية فأخذ درع بعض أهل البيت سهوًا ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه وأخذ رداء غيره أدركه به أنس - رضي الله عنه - وهو الموافق للأخذ بسرعة والسهولة عند الاستعجال لادرع الحديد التي لا تخطر بالبال إلا وقت القتال لكن ينبغي أن يجلَّ قدره - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ما ذكره من التعبيرات فإن قلبه الشريف لا يشغله ما سوى الله تعالى اهـ.

فَقَامَ لِلناسِ قِيَامًا طَويلًا. لَوْ أَن إِنْسَانًا أَتَى لَمْ يَشْعُرْ أَن النبِي - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ رَكَعَ، مَا حَدَّثَ أَنَّهُ رَكَعَ، مِنْ طُولِ الْقِيَامِ. (1987) (0) - (0) وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأمُويُّ. حَدَّثِني أَبِي. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيج، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: قِيَامًا طَويلًا. يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ. وَزَادَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ أَسَنَّ مِني. وَإِلَى الأخرَى هِيَ أَسْقَمُ مِنِّي. (1988) (0) - (0) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سعيد الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقام) - صلى الله عليه وسلم - إمامًا (للناس قيامًا طويلًا لو أن إنسانًا) وقوله (أتى) وجاء خبر أن وقوله (لم يشعر) أي لم يعلم صفة إنسان وجملة قوله (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركع) سادة مسد مفعول يشعر وقوله (ما حدث) وظن (أنه ركع) جواب لو الشرطية وقوله (من طول القيام) متعلق يحدث والمعنى لو أتى وجاء إنسان غير عالم بركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل القيام الثاني ورآه في قيامه بعد ركوعه الأول ما حدث في قلبه وظن أنه ركع أولًا من أجل طول قيامه الثاني والله أعلم كذا في النووي ويؤيد هذا المعنى قولها في الرواية الأخرى: (حتى لو أن رجلًا جاء خيِّل إليه أنه لم يركع) اهـ. وانفرد الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى- برواية هذا الحديث كما في تحفة الأشراف ثم ذكر المتابعة في هذا الحديث فقال: (1987) (0) (0) (وحدثني سعيد بن يحيى) بن سعيد بن أبيان بن سعيد بن العاص (الأموي) أبو عثمان البغدادي ثقة من (10) (حدثني أبي) يحيى بن سعيد بن أبيان بن سعيد بن العاص الأموي أبو أيوب الكوفي صدوق من (9) (حدثنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن منصور عن صفية عن أسماء (مثله) أي مثل ما روى خالد بن الحارث عن ابن جريج غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لخالد بن الحارث (و) لكن (قال) يحيى بن سعيد (قيامًا طويلًا يقوم ثم يركع وزاد) يحيى أيضًا: قالت أسماء: (فجعلت انظر إلى المرأة أسن) أي أكبر (مني) سنًّا (و) انظر (إلى) المرآة (الأخرى هي أسقم) أي أشد سقمًا ومرضًا (مني) وهي قائمة في الصلاة فأصبر على تعب طول القيام كما صبرت هي اتعاظًا بها. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أسماء - رضي الله تعالى عنها - فقال: (1988) (0) (0) وحدثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) أبو جعفر النيسابوري ثقة من (11) (حدثنا حبان) بفتح الحاء والباء المشددة بن هلال الباهلي أبو

حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النبي -صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ-. فَفَزعَ، فَأخْطَأ بِدِرْعٍ، حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذلِكَ. قَالتْ: فَقَضَيتُ حَاجَتِي ثُمَّ جِئْتُ وَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ. فَرَأَيتُ رَسُولَ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- قَائِمًا. فَقُمْتُ مَعَهُ. فَأطَال الْقِيَامَ حَتَّى رَأَيتُنِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ. ثُمَّ أَلْتَفِتُ إِلَى الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حبيب البصري ثقة من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري صاحب الكرابيسي ثقة من (7) (حدثنا منصور) بن عبد الرحمن الحجبي المكي (عن أمه) صفية بنت شيبة (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي وواحد نيسابوري غرضه بسوقه بيان متابعة وهيب بن خالد لابن جريج في رواية هذا الحديث عن منصور بن عبد الرحمن. (قالت) أسماء: (كسفت الشمس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ففزع) أي استعجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبادر إلى صلاة الكسوف (فأخطأ) لاستعجاله واهتمامه بصلاة الكسوف (بـ) أخذ (درع) بعض أهله وأزواجه ظانًا أنه رداؤه (حتى أدرك) بالبناء للمجهول أي لحق (بردائه بعد ذلك) أي بعد ما أخذ درع أهله والفزع ها هنا المبادرة إلى الشيء والاستعجال به ومعنى هذا الكلام كما مر أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ درع بعض أهل البيت سهوًا ولم ينتبه لذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان اهـ نواوي. والمراد بالدرع هنا القميص كما مر قال القرطبي: ويظهر لي أن قولها: (أخطأ بدرع) أي أخطأ فانصرف بدرع وحده من غير ردائه ولذلك قالت: حتى أدرك بردائه اهـ. (قالت) أسماء: (فقضيت حاجتي) حاجة الإنسان وحاجتها عند عائشة (ثم جئت) أي ذهبت إلى جهة المسجد (ودخلت المسجد) النبوي (فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا) في الصلاة (فقمت معه) - صلى الله عليه وسلم - (فأطال القيام حتى رأيتني أريد أن أجلس) أي حتى رأيت نفسي مريدة الجلوس في الصلاة لطول تعب القيام ونصب ضميري المتكلم من خصائص أفعال القلوب (ثم ألتفت) أنا مضارع أسند إلى ضمير المتكلم من باب افتعل أي ألتفت (إلى) جوانبي فأرى (المرأة الضعيفة) قائمة في الصلاة

فَأَقُولُ: هذِهِ أَضْعَفُ مِني، فَأَقُومُ. فَرَكَعَ فَأَطَال الرُّكُوعَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَال الْقِيَامَ. حَتَّى لَوْ أَن رَجُلا جَاءَ. خُيِّلَ إِلَيهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأقول) في نفسي (هذه) المرأة (أضعف مني) أي أشد ضعفًا ومع ذلك فهي قائمة في الصلاة (فأقوم) أنا أي أستمر في القيام صابرة على تعبه (فركع) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فأطال الركوع ثم رفع رأسه) من الركوع (فأطال القيام) بعد الركوع (حتى لو أن رجلًا جاء) ورآه قائمًا (خيِّل إليه) وصور في قلبه (أنه) - صلى الله عليه وسلم - (لم يركع) أولًا لطول قيامه. وشارك المؤلف في هذا الرواية البخاري (1058) ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أسماء وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

392 - (10) باب مشروعية صلاة الكسوف جماعة

392 - (10) باب مشروعية صلاة الكسوف جماعة (1989) (875) (14) حدثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ. حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ-. فَصَلَّى رَسُولُ الله -صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ- وَالنَّاسُ مَعَهُ. فَقَامَ قِيَامًا طَويلًا قَدْرَ نَحْو سُورَةِ الْبَقَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 392 - (10) باب مشروعية صلاة الكسوف جماعة (1989) (875) (14) حدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمَّد الحدثاني صدوق من (10) (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني صنعاء الشام العسقلاني ثقة من (8) (حدثنا زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر بن الخطاب المدني ثقة من (3) (عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمَّد المدني ثقة من (3) (عن ابن عباس) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته اثنان منهم مدنيان وواحد طائفي وواحد صنعاني صنعاء الشام وواحد هروي. (قال) ابن عباس: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) صلاة الكسوف (و) صلى (الناس معه) - صلى الله عليه وسلم - جماعة (فقام) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قيامًا طويلًا قدر نحو سورة البقرة) ونحو هنا بمعنى قدر فإسقاط أحد اللفظين أولى ولفظ البخاري: (فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة) أي قام قيامًا طويلًا زمنه قدر زمن قراءة سورة البقرة وهذا الحزر والتخمين يدل على أنه لم يجهر بالقراءة فيها بل أسر فيها ولذا قالت عائشة كما في بعض الطرق عنها (فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة) وأما قول بعضهم: إن ابن عباس كان صغيرًا فمقامه آخر الصفوف فلم يسمع القراءة فحزر المدة فمعارض بأن في بعض طرقه (قمت إلى جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - فما سمعت منه حرفًا) ذكره أبو عمر اهـ قسط. وروى الترمذي عن سمرة بن جندب - رضي الله تعالى عنه- قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كسوف الشمس لا نسمع له صوتًا قال القاري في المرقاة: وهذا يدل على أن الإِمام لا يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف وبه قال أبو حنيفة وتبعه الشافعي وغيره قال: ولهما رواية عن عائشة في الصحيحين قالت: (جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخسوف بقراءته) وللبخاري من حديث أسماء: (جهر النبي - صلى الله عليه وسلم -

ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا. ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَويلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ سَجَدَ. ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَويلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ. ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَويلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأوَّلِ. ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَويلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ. ثُمَّ يسَجَدَ. ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ. فَقَال: "إِن الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله. لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيتُمْ ذلِكَ فَاذْكُرُوا الله" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، رَأَينَاكَ تَنَاوَلْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في صلاة الكسوف) ورواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ولفظه (صلى صلاة الكسوف فجهر فيها بالقراءة) ثم قال: وإذا حصل التعارض وجب الترجيح بأن الأصل في صلاة النهار الإسرار انتهى ما في المرقاة. (قلت) أحاديث الجهر نصوص صريحة في الجهر فلا شك أنها مقدمة على حديث ابن عباس وحديث سمرة بن جندب المذكورين والله تعالى أعلم. وقال الحافظ في الفتح: قال الأئمة الثلاثة يعني مالكًا والشافعي وأبا حنيفة: يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر وقال الحافظ أيضًا: احتج الشافعي يقول ابن عباس قرأ نحوًا من سورة البقرة لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير وتخمين اهـ تحفة الأحوذي. (ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من مائة آية (ثم رفع) رأسه من الركوع (فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من قراءة سورة آل عمران (وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من ثمانين آية (وهو دون الركوع الأول ثم سجد) أي سجدتين (ثم قام قيامًا طويلًا) نحوًا من النساء (وهو دون القيام الأول) يعني الذي قبله وهو القيام الثاني من الركعة الأولى (ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من سبعين آية (وهو دون الركوع الأول) يعني الركوع الثاني من الركعة الأولى (ثم رفع) رأسه من الركوع (فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من المائدة (وهو دون القيام الأول) يعني الذي قبله وهو القيام الأول من الركعة الثانية (ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من خمسين آية (وهو دون الركوع الأول) يعني الذي قبله (ثم سجد) سجدتين (ثم انصرف) وفرغ من الصلاة (وقد انجلت) وصفت (الشمس فقال) - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشمس والقمر) كسوفهما (آيتان من آيات الله) سبحانه وتعالى (لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك) أي كسوفهما (فاذكروا الله) سبحانه وتعالى بالصلاة والاستغفار والأذكار (قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت) أي مددت يدك

شَيْئًا في مَقَامِكَ هذَا. ثُمَّ رَأَينَاكَ كَفَفْتَ. فَقَال: "إِني رَأَيتُ الْجَنَّةَ. فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا. وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَرَأَيتُ النَّارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأخذ شيء (شَيْئًا في مقامك هذا ثم رأيناك كففت) أي توقفت أو كففت يدك يتعدى ولا يتعدى من الكف وهو المنع (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني رأيت الجنة) رؤيا عين كشف له عنها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما كبيت المقدس حين وصفه لقريش وفي حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة ما يشهد له حيث قال فيه: دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها أو مثلت له في الحائط كانطباع الصور في المرآة فرأى جميع ما فيها وفي حديث أنس الآتي إن شاء الله تعالى في التوحيد ما يشهد له حيث قال فيه: (عرضت على الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي) وفي رواية (لقد مثلت) ولمسلم (صورت) ولا يقال: الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة لأن ذلك شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصًا له - صلى الله عليه وسلم - (فتناولت) أي في حال قيامه القيام الثاني من الركعة الثانية كما رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن زيد بن أسلم (منها) أي من الجنة (عنقودًا) أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله لكن لم يقدَّر له قطفه (ولو أخذته) أي لو تمكنت من قطفه وأخذته (لأكلتم منه) أي من العنقود (ما بقيت الدنيا) وجه ذلك أنه يخلق الله تعالى مكان كل حبَّة تنقطف حبَّة أخرى والخطاب فيه عام في كل جماعة يتأتى منهم السماع. والأكل إلى يوم القيامة لقوله: (ما بقيت الدنيا) وسبب تركه - صلى الله عليه وسلم - تناول العنقود قال ابن بطال: لأنه من طعام الجنة ولا يفنى والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى وقال صاحب المظهر: لأنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع التوبة قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ} [الأنعام: 158] وقال غيره: لأن الجنة جزاء لا يقع إلا في الآخرة اهـ من الإرشاد. (ورأيت النار) بتقديم الراء على الهمزة مفتوحتين من الرؤية وفي رواية البخاري (وأُريت النار) بضم الهمزة وكسر الراء وضم التاء مبنيًّا للمفعول من الإراءة وهو يقتضي مفعولين وكانت رؤيته النار قبل رؤيته للجنة كما يدل له رواية عبد الرزاق حيث قال فيها: (عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النار فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس ليركب بعضهم بعضًا وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه) ويؤيده حديث مسلم عن جابر حيث قال فيه: (قد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة

فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ. وَرَأَيتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ" قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "بِكُفْرِهِن" قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِالله؟ قَال: "بِكُفْرِ الْعَشِيرِ. وَبِكُفْرِ الإِحْسَانِ. لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيئًا، قَالتْ: مَا رَأَيتُ مِنْكَ خَيرًا قَطُّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يصيبني من لفحها) وفيه (ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي) الحديث والسلام في النار للعهد أي رأيت نار جهنم (فلم أر منظرًا كاليوم قط) منظرًا نصب بأر وقط بتشديد الطاء وتخفيفها ظرف للماضي متعلق بأر (أفظع) أي أقبح وأشنع وأسوأ صفة للمنصوب وكاليوم قط اعتراض بين الصفة والموصوف والتقدير فلم أر قط منظرًا أفظع مثل منظر اليوم (ورأيت أكثر أهلها) أي أهل النار (النساء) واستشكل مع حديث أبي هريرة (إن أدنى أهل الجنة من له زوجتان من الدنيا) ومقتضاه أن النساء ثلثا أهل الجنة وأجيب يحمل حديث أبي هريرة على ما بعد خروجهن من النار أو أنه خرج مخرج التغليظ والتخويف (قالوا: بم) أصله بما حذفت ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة أي بأيِّ سبب بن أكثر أهل النار (يا رسول الله قال: بكفرهن قيل) له (أيكفرن بالله) تعالى (قال: بكفر العشير) أي الزوج أي إحسانه لا ذاته وقوله (وبكفر الإحسان) معطوف مبين للمعطوف عليه على حدِّ أعجبني زيد وكرمه وكفر "الإحسان تغطيته وعدم الاعتراف به أو جحده وإنكاره كما يدل عليه قوله: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر) كله كما في رواية البخاري أي عمر الرجل أو الزمان جميعه نصب على الظرفية (ثم رأت منك شيئًا) قليلًا لا يوافق غرضها في أي شيء كان (قالت: ما رأيت منك خيرًا قط). وليس المراد من قوله أحسنت خطاب رجل بعينه بل كل من يتأتى منه الإحسان, فهو خطاب خاص لفظًا عام معنى اهـ من الإرشاد. وفي بعض الهوامش: قوله: (بكفر العشير وبكفر الإحسان) بالباء الموحدة الجارة والكاف المضمومة وسكون الفاء وفي بعض النسخ (يكفرن العشير ويكفرن الإحسان) بصيغة المضارع المسند إلى ضمير جمع المؤنث والمراد بالعشير الزوج وفيه جواز إطلاق الكفر على كفران الحقوق وقوله: (الدهر) نصب على الظرفية أي طول الزمان وفي جميع الأزمان اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1053). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال:

(1990) (0) - (0). وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ (يَعْنِي ابْنَ عِيسَى). أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، في هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: ثُمَّ رَأَينَاكَ تَكَعْكَعْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (1990). (0). (0) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (حدثنا إسحاق يعني ابن عيسى) بن نجيح بن الطَّباع والطَّباع من يعمل السيوف أبو يعقوب البغدادي روى عن مالك بن أنس في الصلاة والصوم واللعان والأطعمة والفضائل والزهد وأبي الأشهب وجرير بن حازم وطبقته ويروي عنه (م ت س ق) ومحمد بن رافع وزهير بن حرب وأحمد بن حنبل والدارمي وعدة قال البخاري: مشهور الحديث وقال صالح بن محمَّد: لا بأس به صدوق وقال في التقريب: صدوق من التاسعة ولد سنة (140) أربعين ومائة ومات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين. (أخبرنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن زيد بن أسلم في هذا الإسناد) يعني عن عطاء عن ابن عباس أي أخبرنا مالك بهذا الإسناد عن زيد بن أسلم (بمثله) أي بمثل ما روى حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم غرضه بيان متابعة مالك لحفص بن ميسرة في رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن مالكًا (قال) في روايته (ثم رأيناك تكعكعت) أي توقفت وأحجمت وجبنت يقال تكعكع الرجل وتكاعى وكعَّ كعوعًا إذا أحجم وجبن قاله الهروي وغيره قلت وهو في هذا الحديث بمعنى كففت كما قاله في الرواية الأخرى ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عباس وذكر فيه متابعة واحدة. ***

393 - (11) باب ما جاء أنه يركع في كل ركعة أربع ركعات

393 - (11) باب ما جاء أنه يركع في كل ركعة أربع ركعاتٍ (1991) (876) - (15) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبيبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، حِينَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ، ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، في أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. وَعَنْ عَلِيُّ، مِثْلُ ذلِكَ. (1992) (0) (0) وحدّثنا محمَّد بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 393 - (11) باب ما جاء أنه يركع في كل ركعة أربع ركعاتٍ (1991) (876) (15) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن عليه) اسم أمه الأسدي البصري ثقة من (8) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس ويقال هند بن دينار الأسدي الكوفي ثقة من (3) ولكن لم يسمعه من طاوس وفيه انقطاع كما سيأتي البحث عنه قريبًا في المتابعة (عن طاوس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي ثقة من (3) (عن ابن عباس) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد يماني وواحد بصري. (قال) ابن عباس: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كسفت الشمس ثمان ركعات) أي ركوعات أي صلى ركعتين ركع فيهما ثمان مرات في كل ركعة أربع ركوعات وقوله (في أربع سجدات) مشعر بعدم زيادته في السجود (و) روى (عن علي) ابن أبي طالب - رضي الله عنه - (مثل ذلك) أي مثل ما رواه ابن عباس وقد أخرجه أحمد ولفظه: قال: (كسفت الشمس فصلَّى علي للناس فقرأ (يس) ونحوها ثم ركع نحوًا من قدر سورة) الحديث وفيه: (حتى صلى أربع ركوعات ثم قال: سمع الله لمن حمده ثم سجد ثم قام إلى الركعة الثانية ففعل كفعل الركعة الأولى ثم جلس يدعو ويرغب حتى انجلت الشمس ثم حدثهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك فعل) انتهى اهـ تحفة الأحوذي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (1180) والترمذي (560) والنسائي (3/ 129) ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: (1992) (0) (0) (وحدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (وأبو بكر) محمَّد

ابْنُ خَلَّادٍ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ. قَال: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ؛ ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيّ -صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ؛ أَنَّهُ صَلَّى في كُسُوفٍ. قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. ثُمَّ سَجَدَ. وَالأُخرَى مِثْلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ابن خلّاد) بن كثير الباهلي البصري ثقة من (10) (كلاهما عن يحيى) بن سعيد بن فروخ (القطان) التميمي أبي سعيد البصري ثقة من (9) (قال ابن المثنى: حدثنا يحيى عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الكوفي (قال) سفيان: (حدثنا حبيب) بن أبي ثابت الأسدي الكوفي (عن طاوس عن ابن عباس) - رضي الله عنهما - وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى القطان لإسماعيل بن عليه في رواية هذا الحديث عن سفيان الثوري (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلّى في كسوف) الشمس وقوله (قرأ) إلى آخره تفسير لقوله: صلَّى (ثم ركع) الركوع الأول (ثم قرأ) في القيام الثاني (ثم ركع) الركوع الثاني (ثم قرأ) في القيام الثالث (ثم ركع) الركوع الثالث (ثم قرأ) في القيام الرابع (ثم ركع) الركوع الرابع (ثم سجد) سجدتين (والأخرى) أي والركعة الأخيرة (مثلها) أي مثل الركعة الأولى في اشتمالها على أربع ركوعات في سجدتين وهذا السند مع كونه في صحيح مسلم ومع تصحيح الترمذي له قد قال ابن حبان في صحيحه: إنه ليس بصحيح قال: لأنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن طاوس ولم يسمعه حبيب من طاوس وحبيب معروف بالتدليس ولم يصرح بالسماع من طاوس وقد خالفه سليمان الأحول فوقفه وروى عن حذيفة نحوه قاله البيهقي والحديث يدلس على أن من جملة صفات الكسوف في كل ركعة أربع ركوعات اهـ من العون. وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - ركع في كل ركعة من صلاة الكسوف ركوعين وسجد سجدتين من عدة أحاديث صحيحة قال الرافعي: واشتهرت الرواية عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن في كل ركعتين ركوعين اهـ من تحفة الأحوذي. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عباس وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

394 - (12) باب النداء في الكسوف بالصلاة جامعة

394 - (12) - باب النداء في الكسوف بالصلاة جامعة (1993) (877) - (16) حدّثني محمد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ (وَهُوَ شَيبَانُ النَّحْويُّ) عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ بْنُ سَلَّام، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ، عَنْ خَبَرِ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 394 - (12) باب النداء في الكسوف بالصلاة جامعة (1993) (877) (16) (حدثني محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي مشهور بكنيته ثقة من (9) (حدثنا أبو معاوية وهو شيبان) بن عبد الرحمن التميمي الأزدي مولاهم (النحوي) نسبة إلى نحو بن شمس من الأزد لا إلى علم النحو كما في التقريب البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة من (7) (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبي نصر اليمامي ثقة من (5) (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني ثقة من (3) (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بالصاد آخره لأنه معتل العين لا معتل اللام لأنه من عاص يعيص كما يعلم من القاموس ومن شرح الشفا لملا علي بن وائل بن هاشم السهمي أبي عبد الرحمن المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بغداديان وواحد يمامي وواحد نيسابوري. (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمَّد السمرقندي ثقة فاضل من (11) (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان البكري أبو زكريا البصري التنيسي سكن تنيس ثقة من (9) (حدثنا معاوية بن سلام) بشديد اللام بن أبي سلام ممطور الحبشي أبو سلام الدمشقي وكان يسكن حمص ثقة من (7) (عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن خبر) وقول (عبد الله بن عمرو بن العاص) السهمي المدني - رضي الله عنه - لا من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وهذا السند من سداسياته أيضًا رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد شامي وواحد بصري وواحد سمرقندي.

أَنَّهُ قَال: لَمَّا انْكَسَفَتِ الشمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-، نُودِيَ بِـ (الصَّلاةُ جَامِعَة). فَرَكَعَ رَسُولُ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- رَكْعَتَينِ في سَجْدَةٍ. ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَينِ في سَجْدَةٍ. ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشمْسِ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ، وَلَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ، كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنه) أي أن عبد الله بن عمرو (قال: لما انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي) بـ (الصلاة جامعة) بنصب الجزأين الأول على الإغراء والثاني على الحال أو برفعهما على الابتداء والخبر أو بنصب الأول على الإغراء ورفع الثاني على أنه خبر لمحذوف أو بالعكس ولكن جره بكسرة مقدرة ممنوعة بحركة الحكاية (فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين) أي ركوعين (في سجدة) أي في ركعة (ثم قام) إلى الثانية (فركع ركعتين) أي ركوعين (في سجدة) أي في ركعة (ثم جلِّي) بالبناء للمفعول أي كشف وأزيل (عن الشمس) ما بها من الانكساف قال عبد الله بن عمرو: (فقالت عائشة) - رضي الله تعالى عنها -: (ما ركعت ركوعًا قط) كان أطول منه (ولا سجدت سجودًا قط كان أطول منه) أي من سجود -النبي صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1051) وأبو داود (1194) والنسائي (3/ 136 - 137) ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. ***

395 - (13) باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته

395 - (13) باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته (1994) (878) (17) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي مَسعود الأنصَارِي؛ قَال: قَال رَسُولُ الله -صَلْى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-: "إِن الشمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ. يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ. وإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ الناسِ. فَإِذَا رَأَيتُمْ مِنْهَا شَيئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ. حَتى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 395 - (13) باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته كما هي ترجمة البخاري رحمه الله تعالى. (1994) (878) (17) وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي أبو معاوية الواسطي ثقة من (7) (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي ثقة من (4) (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن أبي مسعود الأنصاري) البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد نيسابوري. (قال) أبو مسعود: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) سبحانه وتعالى (يخوف الله) تعالى (بهما) أي بكسوفهما (عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس) ولا لحياته لما كانت الجاهلية تعتقد أنهما إنما ينكسفان لموت عظيم والمنجمون يعتقدون تأثيرهما في العالم وكثير من الكفرة يعتقد تعظيمهما لكونهما أعظم الأنوار حتى أفضى الحال إلى أن عبدهما كثير منهم خصهما - صلى الله عليه وسلم - بالذكر تنبيهًا على سقوطهما عن هذه المرتبة لما يعرض لهما من النقص وذهاب ضوئهما الذي عظما في النفوس من أجله (فإذا رأيتم منها) أي من تلك الآيات المخوفة (شيئًا) ولو قليلًا (فصلوا) الصلاة المعهودة في الكسوف (وادعو الله) سبحانه وتعالى انكشاف ما نزل بكم من كسوفهما (حتى يكشف) بالبناء للمفعول ويرفع عنكم (ما) نزل (بكم) من كسوفهما والحديث يدل على التسوية بين كسوف الشمس وخسوف

(1995) (0) (0) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ وَيحْيَى بْنُ حَبيب. قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسِ، عَنْ أَبِي مَسعود؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ- قَال: "إِن الشمْسَ وَالْقَمَرَ لَيسَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ. وَلكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله. فَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَقُومُوا فَصَلُّوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ القمر في الأمر بالصلاة عندهما وبذلك قال جميع الفقهاء والعلماء من السلف وغيرهم غير أنهم اختلفوا في حكم ذلك وكيفيته كما سبق وسيأتي فالجمهور على أن صلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة وأنها يجتمع لها وأنها تصلى بإمام على خلاف في كيفية ذلك ذكر في الباب وأمّا خسوف القمر فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يجتمع لصلاته وأنها تصلى ركعتين ركعتين كسائر النوافل وذهب الجمهور من العلماء والصحابة وأصحاب الحديث والشافعي إلى أنها يجتمع لها وتصلى على كيفية مخصوصة مذكورة في هذا الباب على الخلاف فيها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1041) والنسائي (3/ 126) وابن ماجه (1261). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: (1995) (0) (0) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ التميمي (العنبري) أبو عمرو البصري ثقة من (10) (ويحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) (قالا: حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي أبو محمَّد البصري ثقة من (9) (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي الكوفي (عن قيس) بن أبي حازم الأحمسي الكوفي (عن أبي مسعود) الأنصاري. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد مدني وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي غرضه بسوقه بيان متابعة معتمر لهشيم في رواية هذا الحديث عن إسماعيل. (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أن الشمس والقمر ليس ينكسفان لموت أحد من الناس ولكنهما) أي ولكن كسوفهما (آيتان من آيات الله) سبحانه وتعالى الدالة على قدرته وألوهيته وجبره وقهره (فإذا رأيتموه) أي رأيتم كسوفهما (فقوموا) إلى الصلاة (فصلوا) صلاة الكسوف المخصوصة به. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال:

(1996) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وكيع وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَمَرْوَانُ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ؛ بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَوَكِيعٍ: انْكَسَفَتِ الشمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ. فَقَال النَّاسُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (1996). (0) (0) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (وأبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (و) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) ابن عبد الحميد الضبي الكوفي (ووكيع ح وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي صدوق من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (ومروان) بن معاوية بن الحارث الفزاري الكوفي ثقة من (8) (كلهم) أي كل من هؤلاء المذكورين من وكيع وأبي أسامة وابن نمير وجرير وسفيان ومروان رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد (بهذا الإسناد) يعني عن قيس عن أبي مسعود مثل ما روى هشيم ومعتمر عن إسماعيل غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء المذكورين لهشيم ومعتمر في رواية هذا الحديث عن إسماعيل (و) لكن (في حديث سفيان) بن عيينة (ووكيع) بن الجراح لفظة (إنكسفت الشمس يوم مات إبراهيم) ابنه - صلى الله عليه وسلم - (فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم) ولده وأمه مارية القبطية أهداها له المقوقُس صاحب الإسكندرية ولد بالمدينة في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي وهو ابن ثمانية عشر شهرًا كما في أسد الغابة. ولم يذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب إلا حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - وذكر فيه متابعتين. ***

396 - (14) باب الفزع إلى الذكر والدعاء والاستغفار عند الكسوف

396 - (14) باب الفزع إلى الذكر والدعاء والاستغفار عند الكسوف (1997) (879) (19) حدثنا أَبُو عَامِرِ الأشعَرِيُّ عَبْدُ الله بْنُ بَرَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: خَسَفَتِ الشَّمْسُ في زَمَنِ النَّبيِّ - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ- فَقَامَ فَزِعًا يَخشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 396 - (14) باب الفزع إلى الذكر والدعاء والاستغفار عند الكسوف (1997) (879) (19) حدثنا أبو عامر الأشعري عبد الله بن براد) بفتح الموحدة وتشديد الراء بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي صدوق من (10) (ومحمد بن العلاء) الهمداني أبو غريب الكوفي (قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبي بردة الصغير الكوفي ثقة من (6) (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي ثقة من (3) (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى: (خسفت الشمس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه دليل على أن الخسوف يطلق على الشمس (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -) من مجلسه حالة كونه (فزعًا) أي فجعًا بكسر الزاي صفة مشبهة أو بفتحها مصدر بمعنى الصفة أو مفعول مطلق لعامل مقدر تقديره: فزع فزعًا (يخشى) أي يخاف (أن تكون) في موضع نصب مفعول يخشى (الساعة) رفع على الفاعلية على أن تكون تامة أو على أنها ناقصة واسمها محذوف أي أن تكون هذه الآية الساعة أي علامة حضورها واستشكل هذا يكون الساعة لها مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك وأجيب باحتمال أن يكون هذا قبل أن يعلمه الله تعالى بهذه العلامات فهو يتوقع الساعة كل لحظة وفيه نظر اهـ من الإرشاد. وقيل هذا تخييل من الراوي وتمثيل منه كأنه قال فزع فزعًا كفزع من يخشى أن تقع الساعة وإلا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان عالمًا بأن الساعة لا تقوم وهو فيهم وقد

حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ. فَقَامَ يُصَلي بِأَطْوَلِ قِيَامِ وَرُكُوعِ وَسُجُودِ. مَا رَأَيتُهُ يَفْعَلُهُ في صَلاةٍ قَطُّ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُها اللهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. وَلكِن الله يُرْسِلُهَا يُخَوَفُ بِهَا عِبَادَهُ. فَإِذَا رَأَيتُمْ مِنْهَا شَيئًا فَافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْعَلاءِ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ. وَقَال: "يُخَوِّفُ عِبَادَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعده الله تعالى مواعد لم تتم بعد وأيضًا كيف يعلم أبو موسى ما في ضمير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن سبب الفزع خشية قيام الساعة بل الظاهر أن الفزع من وقوع العذاب والهيبة من جلال الله تعالى كذا في بعض حواشي المشكاة (حتى أتى المسجد) النبوي (فقام) حالة كونه (يصلي) صلاة الكسوف (بأطول قيام وركوع وسجود ما رأيته يفعله في صلاة قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية ظرف مستغرق لما مضى من الزمان متعلق برأيت لملازمتها النفي أي ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل مثله في صلاة قط (ثم) بعد فراغه من الصلاة (قال) - صلى الله عليه وسلم -: (إن هذه الآيات) أي كسوف الشمس والقمر والزلزلة وهبوب الريح الشديدة (التي يرسلها الله) سبحانه وتعالى أي يوجدها في الكون (لا تكون لموت أحد) من الناس (ولا لحياته) وقد مر أن هذا من باب التتميم وإلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد (ولكن الله) سبحانه (يرسلها) أي يوجدها حالة كونه (يخوف بها عباده) قال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْويفًا} [الإسراء: 59] (فإذا رأيتم منها شيئًا فافزعوا) بفتح الزاي أي التجئوا من عذابه (إلى ذكره) تعالى وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى (ودعائه) بكشفها (واستغفاره). (وفي رواية) محمَّد (بن العلاء: كسفت الشمس وقال) محمَّد أيضًا: (يخوف عباده) بلا ذكر لفظة (بها) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1059) والنسائي (3/ 153 و 154) ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي موسى. ***

397 - (15) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

397 - (15) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل (1998) (880) (20) وحدّثني عُبَيدُ الله بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ حَيانَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: بَينَمَا أنَّا أَرْمِي بِأَسْهُمِي في حَيَاةِ رَسُول الله -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، إِذِ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 397 - (15) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل (1998) (880) (20) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري ثقة من (10) (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بالقاف مولاهم أبو إسماعيل البصري ثقة من (8) (حدثنا الجريري) مصغرًا سعيد بن إياس أبو مسعود البصري ثقة من (5) (عن أبي العلاء حيان بن عمير) البصري روى عن عبد الرحمن بن سمرة وابن عباس ويروى عنه (م د س) والجريري وسليمان التيمي له عندهم فرد حديث قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال النسائي: ثقة بصري وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: من الثالثة مات قبل المائة (عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي أبي سعيد البصري الصحابي الجليل - رضي الله عنه - من مسلمة الفتح سكن البصرة ومات بها سنة (50) خمسين أو بعدها له أربعة عشر حديثًا اتفقا على حديث وانفرد مسلم بحديثين روى عنه حيان بن عمير أبو العلاء في الصلاة والحسن البصري في الإيمان والجهاد. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون. (قال) عبد الرحمن: (بينما أنا أرمي بأسهمي) جمع سهم أي أرمي السهم عن القوس يقال رميت السهم وبالسهم عن القوس وعليها لابها رميًا ورمايًة بالكسر كما في القاموس أي بينما أنا أطرح بأسهمي عن القوس إلى الغرض (في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) امتثالًا لقوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] فإنه صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسرها بالرمي وقال: من تعلم الرمي فتركه فليس منا (إذ) فجائية رابطة لجواب بينما (انكسفت الشمس) أي بينما أوقات رميي بأسهمي في حياة رسول الله

فَنَبَذْتُهُنَّ. وَقُلْتُ: لأنْظُرَنَّ إلى مَا يَحْدُثُ لِرَسُولِ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- في انْكِسَافِ الشمْسِ، الْيَوْمَ. فَانْتَهَيتُ إِلَيهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيهِ، يَدْعُو وَيكبرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ. حَتَّى جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ. فَقَرَأَ سُورَتَينِ وَرَكَعَ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم فاجأني انكساف الشمس (فنبذتهن) أي رميت أسهمي من يدي وطرحتها أي وضعتها وألقيتها على الأرض (وقلت) في نفسي أو لأصحابي والله (لأنظرن) أي لأبصرن (إلى ما يحدث) ويتجدد من السنة (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في انكساف الشمس اليوم) الظرف متعلق بيحدث (فانتهيت) أي وصلت (إليه) - صلى الله عليه وسلم - (وهو رافع يديه) إلى السماء حالة كونه (يدعو الله) تعالى كشف ما نزل بالناس من الكسوف (ويكبر ويحمد ويهلل حتى جلي) بالبناء للمفعول أي كشف وأزيل الكسوف (عن الشمس فقرأ سورتين) كل سورة في ركعة (وركع) أي صلى (ركعتين) كسائر النوافل وهذا محل الترجمة. قوله (فنبذتهن) أي فألقيت سهامي من يدي وطرحتهن إعراضًا عن الرمي قال الراغب النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به ولذلك يقال نبذته نبذ النعل الخلق اهـ قال تعالى {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] {فَفَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [القصص: 40] {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة: 4] قوله (وهو رافع يديه) الح يعني أنه لما وصل إليه وجده في الصلاة رافعًا يديه يدعو كما طرح به في الراوية الثانية قوله: (حتى جلي عن الشمس) أي زال وانكشف عنها ما بها قوله: (فقرأ سورتين) أي في صلاته فالراوي جمع جميع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد وقراءة سورتين في القيامين اهـ من بعض الهوامش وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (1195) والنسائي (3/ 125). قال القرطبي: قوله (وصلى ركعتين) ظاهر هذا الحديث أن صلاته هاتين الركعتين لم يكن لأجل أنها صلاة الكسوف لأنه إنما صلى بها بعد الانجلاء وهو الزمان الذي يفرغ فيه من العمل بها لأنه الغاية التي مد فعل صلاة الكسوف إليها بقوله (فصلوا حتى ينجليا) فلا حجة للكوفيّين على أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل غير أنه قد روى أبو داود من حديث النعمان بن بشير قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها أي بالإشارة حتى انجلت) رواه أبو داود وابن ماجه وهذا معتمد قوي للكوفيّين غير أن الأحاديث المتقدمة أصح وأشهر

(1999) (0) (0) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ حَبانَ بْنِ عُمَير، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ. وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويصح حمل هذا الحديث على أنه بين فيه جواز مثل هذه الصلاة في الكسوف وإن المتقرر في الأحاديث المتقدمة هو السنة والله أعلم اهـ من المفهم. وفي الرواية الآتية قال (فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حسر عنها قال: فلما حسر عنها (قرأ سورتين وصلى ركعتين) قال الطيبي يعني دخل في الصلاة ووقف في القيام الأول وطول التسبيح والتكبير والتحميد حتى ذهب الخسوف ثم قرأ القرآن وركع ثم سجد ثم قام في الركعة الثانية وقرأ فيها القرآن وركع وسجد وتشهد وسلم اهـ. وقال النواوي: هذا مما يستشكل ويظن أن ظاهره أنه ابتدأ صلاة الكسوف بعد انجلاء الشمس وليس كذلك فإنه لا يجوز ابتداء صلاتها بعد الانجلاء وهذ الحديث محمول على أنه وجده في الصلاة كما صرح به في الرواية الثانية ثم جمع ما جرى في الصلاة من دعاء وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد وقراءة سورتين في القيامين الآخرين للركعة الثانية وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميمًا للصلاة فتمت جملة الصلاة ركعتين أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء وهذا الذي ذكرته من تقديره لا بد منه لأنه مطابق للرواية الثانية ولقواعد الفقه ولرواية باقي الصحابة والرواية الأولى محمولة عليه أيضًا لتتفق الروايتان ونقل القاضي عن المارزي أنه تأوله على صلاة ركعتين تطوعًا مستقلًا بعد انجلاء الكسوف لا أنها صلاة كسوف وهذا ضعيف مخالف لظاهر الرواية الثانية وقوله (وهو رافع) فيه دليل لأصحابنا في رفع اليدين في القنوت ورد على من يقول لا ترفع الأيدي في دعوات الصلاة اهـ كلام النواوي اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - فقال: (1999) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي أبو محمَّد البصري ثقة من (8) (عن) سعيد بن إياس (الجريري) البصري (عن حيان بن عمير) البصري (عن عبد الرحمن بن سمرة) البصري (وكان من أصحاب

رَسُولِ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. قَال: كُنْتُ أرْتَمِي بِأَسْهُمِ لِي بِالْمَدِينَةِ في حَيَاةِ رَسُولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-. إِذْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ. فَنَبَذْتُهَا. فَقُلْتُ: وَالله! لأنظُرَنَّ إلى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- في كُسُوفِ الشَّمْسِ. قَال: فَأَتَيتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ في الصَّلاةِ. رَافِعٌ يَدَيهِ. فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ ويهَلِّلُ وَيكبِّرُ وَيَدْعُو. حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا. قَال: فَلَما حُسِرَ عَنْهَا، قَرَأَ سُورَتَينِ وَصَلَّى رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الأعلى لبشر بن المفضل في رواية هذا الحديث عن الجريري (قال) عبد الرحمن: (كنت) أنا (أرتمي) أي أرمي (بأسهم) أي بسهام (لي بالمدينة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والارتماء كالترامي بمعنى المراماة على بيان المجد وقال ابن الأثير: يقال: رميت وارتميت ارتماءً وتراميت تراميًا وراميت مراماةً إذا رميت السهام عن القسط وخرجت أرتمي إذا رميت القنص والقنص بالتحريك المصيد اهـ وقوله: (إذا كسفت الشمس) إذا فجائية رابطة لجواب بينما المحذوفة كما تدل عليها الرواية السابقة والتقدير: بينما أوقات ارتمائي بأسهم لي بالمدينة فاجأني كسوف الشمس (فنبذتها) أي طرحتها من يدي لإعراض عنها وعدم اهتمامي بها (فقلت) في نفسي (والله لأنظرن) أي لأبصرن (إلى ما حدث) اليوم ووقع (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم) من السنة (في) شأن كسوف الشمس قال) عبد الرحمن: (فأتيته) أي فجئته - صلى الله عليه وسلم - وحضرته (وهو) - صلى الله عليه وسلم - (قائم في الصلاة رافع يديه) إلى السماء (فجعل) - صلى الله عليه وسلم - وشرع (يسبح) الله سبحانه وتعالى (ويحمد) هـ بأنواع المحامد (ويهلل) ـه (ويكبر) (ويدعو) تعالى انجلاء الشمس (حتى حسر) أي إلى أن حسر وكشف وأزيل (عنها) أي عن الشمس ما سترها من الكسوف (قال) عبد الرحمن: (فلما حسر) وكشف (عنها) ما بها من الكسوف (قرأ) - صلى الله عليه وسلم - (سورتين) كل سورة في ركعة (وصلى ركعتين) كسائر النوافل كل ركعة بركوع واحد وسجود واحد ظاهره أن الصلاة كانت بعد الانجلاء فتكون تطوع الشكر لا صلاة الكسوف وقد مر تأويله. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثانيًا في حديث عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - فقال:

(2000) (0) (0) حدثنا محمدُ بْنُ الْمُثَّنَى. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. أَخْبَرَنَا الْجُرَيرِيُّ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: بَينَمَا أَنَا أَتَرَمَّى بِأَسْهُمِ لِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله -صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-، إِذْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (2000) (0) (0) (حدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا سالم بن نوح) ابن أبي عطاء العطار أبو سعيد البصري صدوق من (9) (أخبرنا الجريري عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة) وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة سالم بن نوح لبشر بن المفضل وعبد الأعلى في رواية هذا الحديث عن الجريري (قال) عبد الرحمن: (بينما أنا أترمى) أي أرمي (بأسهم لي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي في زمانه - صلى الله عليه وسلم - (إذ خسفت الشمس ثم ذكر) سالم بن نوح (نحو حديثهما) أي نحو حديث بشر بن المفضل وعبد الأعلى بن عبد الأعلى. ***

398 - (16) باب الأمر بصلاة الكسوف على الإطلاق

398 - (16) باب الأمر بصلاة الكسوف على الإطلاق (2001) (881) - (21) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَن عَبْدَ الرحْمنِ بْنَ الْقَاسِمِ حدَّثهُ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ محمد بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-؛ أَنَّهُ قَال: "إِن الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. وَلكِنَّهُمَا آيَةٌ مِنْ آيَاتِ الله. فَإِذَا رَأَيتُمُوهُمَا فَصَلُّوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 398 - (16) باب الأمر بصلاة الكسوف على الإطلاق أي من غير بيان لكيفيتها ولو قدم هذين الحديثين أول أبواب الكسوف لكان أنسب كما فعله البخاري ليكون من باب ذكر المطلق قبل المقيد لأنه أقيد وأرسخ في النفس دون العكس. (2001) (881) (21) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) الأنصاري المصري (أن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن أبيه القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق) التيمي المدني (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي المكي - رضي الله عنه - وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي (أنه) أي أن ابن عمر (كان يخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الشمس والقمر لا ينخسفان) بالخاء المعجمة مع فتح أوله على أنه لازم ويجوز الضم مع فتح ثانيه على صيغة المجهول على أنه متعد لكن نقل الزركشي عن ابن الصلاح أنه حكى منعه ولم يبين لذلك دليلًا أي لا يذهب الله نورهما (الموت أحد) من العظماء (ولا لحياته) تتميم للتقسيم وإلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد وذكر لدفع توهم من يقول: لا يلزم من نفى كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم (ولكنهما) أي خسوفهما (آية من آيات الله) يخوف الله بخسوفهما عباده (فإذا رأيتموهما) أي خسوفهما (فصلوا) ركعتين في كل ركعة ركوعان أو ركعتين كسنة الظهر ولم يبين في هذا الحديث ولا حديث المغيرة الآتي كيفية صلاته ولو قدمهما على الأحاديث المفصلة لكان أوفق كما قدمهما البخاري في أوائل أيواب الكسوف وشارك

(2002) (882) - (22) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ (وَهُوَ ابْنُ الْمِقْدَامِ) حَدَّثَنَا زَائِدَةُ. حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاقَةَ (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بن أبي شيبة قَال: قَال زِيَادُ بْنُ عِلاقَةَ) سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُول الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-. يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ. فَقَال. رَسُول الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-: "إِن الشمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله. لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. فَإِذَا رَأَيتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وادْعُوا الله ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي كما في التحفة. ثم استشهد له بحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فقال: (2002) (882) (22) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير) الكوفيان (قالا: حدثنا مصعب وهو ابن المقدام) الخثعمي بمعجمتين قبل المهملة مولاهم أبو عبد الله الكوفي صدوق من (9) (حدثنا زائدة) بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي ثقة من (7) (حدثنا زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وبالقاف الثعلبي أبو مالك الكوفي ثقة من (3) (وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة قال) زائدة بن قدامة: (قال زياد بن علاقة: سمعت المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبا محمَّد الكوفي الصحابي المشهور - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون. حالة كونه (يقول: انكسفت) ولفظ البخاري: (كسفت) (الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي في زمان حياته - صلى الله عليه وسلم - (يوم مات) ابنه (إبراهيم) - رضي الله عنه - ولده من مارية القبطية بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة كما عليه جمهور أهل السير في ربيع الأول أو في رمضان ولا يصح كونه في عاشر ذي الحجة كما عليه الأكثر أو في رابعه أو في رابع عشره لأنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - شهد وفاته من غير خلاف ولا ريب أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذ ذاك بمكة في حجة الوداع ولا يمكن أن يكون حضر وفاته بالمدينة (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية البخاري قبل هذا الكلام (فقال الناس كسفت لموت إبراهيم) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد) من الناس (ولا لحياته فإذا رأيتموهما) أي كسوفهما (فصلوا وادعوا الله)

حَتَّى يَنْكَشِفَ". "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله. لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحانه وتعالى انكشاف ما بهما (حتى ينكشف) ويزول ما بهما من الكسوف وإنما ذكر المؤلف بالأحاديث المطلقة عن بيان كيفية الصلاة بعد ما ذكر الأحاديث المبينة لكيفيتهما ليكون من باب الإجمال بعد التفصيل على عادة المتقدمين لأنه أضبط وأعون على الحفظ ولأنها تفيد أصل الامتثال الذي الصلاة وإن لم تبين كيفيتها والله سبحانه وتعالى أعلم وقد ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب حديثين الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به والثاني حديث المغيرة ذكره للاستشهاد به. تتمة وقوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) أي علامتان من العلامات الدالة على وجوده تعالى (لا ينكسفان لموت أحد) من الناس فإنه لما مات ولده - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم انكسفت الشمس فظن الناس أنها انكسفت لموته فرد ذلك عليهم. وقوله: (ولا لحياته) ذكره لمشاكلة الموت والحكمة في الكسوف تنبيه عباد الشمس والقمر على أنهما مسخران لله مذللان له ولو كانا إلهين لدفعا النقص عن أنفسهما ولما محيي نورهما. وشرعت صلاة كسوف الشمس في السنة الثانية من الهجرة وصلاة خسوف القمر في السنة الخامسة من الهجرة في الجمادى الأخيرة على الراجح اهـ من البيجوري على ابن القاسم. ***

أبواب الجنائز

أبواب الجنائز 399 - (17) باب تلقين الموتى وما يقال عند المصيبة وعند حضور المرضى والموتى (2003) (883) - (23) وحدّثنا أَبُو كَامِل الْجَحْدَرِيُّ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ بِشْرٍ. قَال أَبُو كَامِل: حَدَّثَنَا بِشرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب الجنائز والجنائز بفتح الجيم لا غير جمع جنازة بفتحها وكسرها لغتان مشهورتان من جَنَزَه من باب ضرب إذا ستره قال بعضهم: والكسر أفصح من الفتح وهي بلغتيها اسم للميت في النعش وقيل: بالفتح اسم للميت في النعش وبالكسر اسم للنعش وعليه الميت وقيل: بالعكس ولا يقال: نعش إلا إذا كان الميت عليه فإن لم يكن عليه قيل: سرير وهو يقول كل يوم. انظر إليَّ بعقلك ... أنا المهيأ لنقلك أنا سرير المنايا ... كم سار مثلي بمثلك وإنما ذكر المؤلف الجنائز في كتاب الصلاة دون الفرائض مع مناسبتهما لتعلق كل بالموت لاشتمالها على الصلاة التي هي أهم وبهذا يجاب عن عدم ذكرها في الجهاد مع فروض الكفاية مع أنها منها واعلم أن الموت أعظم المصائب والغفلة عنه أعظم فيسن ذكره لخبر: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت) اهـ بيجوري. 399 - (17) باب تلقين الموتى وما يقال عند المصيبة وعند حضور المرضى والموتى والتلقين في عرفهم حكاية القول لمن يقوله ويقابله الإملاء وهو مما يطلب في مقدمات الموت. (2003) (883) (23) (وحدثنا أبو كامل الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده (فضيل بن حسين) بن طلحة البصري ثقة من (15) (وعثمان) بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان ثقة من (10) (كلاهما عن بشر قال أبو كامل: حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق

حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سعيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لَا إِلهَ إلا الله" ـــــــــــــــــــــــــــــ الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري ثقة من (8) (حدثنا عمارة بن غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها ياء مشددة بن الحارث بن عمرو الأنصاري المازني المدني وثقة أحمد وأبو زرعة وقال في التقريب: لا بأس به ثقة من (6) (حدثنا يحيى بن عمارة) بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني ثقة من (3) (قال) يحيى: (سمعت أبا سعيد) الأنصاري (الخدري) سعد بن مالك المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بصري وكوفي وفيه التحديث والعنعنة والسماع والمقارنة حالة كونه (يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقنوا) أمر استحباب والخطاب للمسلمين أي ذكروا (موتاكم) أي من حضره مقدمات الموت منكم ففيه مجاز الأول إلا إله إلا الله) مع عديلتها أي بكلمة التوحيد بأن، تتلفظوا بها عنده أي ذكروا من حضره الموت منكم بكلمة التوحيد بأن تتلفظوا بها عنده سمى من قرب من الموت ميتًا باعتبار ما يؤول إليه مجازًا مرسلًا علاقته الأول والمراد بها كلمة التوحيد مع قرينتها فإنه بمنزلة علم على الكلمتين فيجوز الاكتفاء لفظًا وإن كان يراد قرينته معنى كما في المرقاة وقال المناوي: ولا يلقن الشهادة الثانية لأن القصد ذكر التوحيد والصورة أنه مسلم اهـ. واختلفت عبارات الفقهاء في ذلك والذي ذكره الشرنبلالي هو الثاني والأول أصح نظرًا لظاهر الحديث والمراد ذكرها عنده لا الأمر وإذا لقن المسلم لا يعاد عليه إذا قالها مرة إلا إذا تكلم بعدها بكلام فيلقن ثانيًا ليكون آخر ما سمعه وتكلم به لا إله إلا الله كما جاء في الحديث (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) أي مع الفائزين وإلا فكل مسلم يدخلها ولو بعد حين اهـ من بعض الهوامش وعبارة القرطبي هنا: (قوله: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) أي قولوا لهم ذلك وذكروهم به عند الموت وسماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - موتى لأن الموت قد حضرهم وتلقين الموتى هذه الكلمة سنة مأثورة عمل بها المسلمون وذلك ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله فيختم له بالسعادة وليدخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أحمد وأبو داود من حديث معاذ بن جبل ولينبه المحتضر على ما يدفع به الشيطان فإنه يتعرض للمحتضر ليفسد عليه عقيدته فإذا تلقنها المحتضر وقالها مرة واحدة فلا تعاد عليه لئلا يتضجر وقد كره أهل العلم الإكثار عليه من التلقين والإلحاح عليه إذا هو تلقنها أو فهم عنه ذلك والتلقين

(2004) (0) (0) وحدَّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخلَدٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. جَمِيعًا، بِهذا الإِسْنَادِ. (2005) (884) - (24) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ ابْنَا أَبِي شَيبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي عَمْرْو النَّاقِدُ. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد الموت قد جزم كثير أنه حادث وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - بتلقين الموتى ما يدل على تعين الحضور عند المحتضر لتذكيره وإغماضه والقيام عليه وذلك من حقوق المسلم على المسلمين ولا خلاف في ذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 3) وأبو داود (3117) والترمذي (976) والنسائي (4/ 5) وابن ماجه (1445). ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: (2004) (0) (0) وحدثناه قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمَّد بن عبيد (يعني الدراوردي) الجهني مولاهم أبو محمَّد المدني صدوق من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني صدوق من كبار (10) (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمَّد المدني ثقة من (8) (جميعًا) أي كل من عبد العزيز وسليمان بن بلال رويا عن عمارة بن غزية (بهذا الإسناد) يعني عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد العزيز وسليمان بن بلال لبشر بن المفضل في رواية هذا الحديث عن عمارة بن غزية. ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهما - فقال: (2005) (884) (24) (وحدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة) الكوفيان (ح وحدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (قالوا جميعًا: حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي ثقة من (8) (عن يزيد بن كيسان) اليشكري الكوفي صدوق من (6) (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج. التمار المدني ثقة من

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ-: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لَا إِلهَ إلَّا اللهُ". (2006) (885) (25) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال ابْنُ أيوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنِ ابْنِ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وثلاثة منهم كوفيون أو كوفيان وبغدادي (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) تقدم شرح هذا الحديث آنفًا فلا عود ولا إعادة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه. ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أم سلمة - رضي الله تعالى- عنها فقال: (2006) (885) (25) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي ثقة من (10) (وقتيبة) بن سعيد الثقفي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي ثقة من صغار (9) (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل) بصيغة السماع (أخبرني سعد بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني (عن عمرو بن كثير بن أفلح) مولى أبي أيوب الأنصاري المدني روى عن عمر بن سفينة مولى أم سلمة في الجنائز وأبي محمَّد مولى أبي قتادة في الجهاد ويروي عنه (خ م دت ق) وسعد بن سعيد ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن عون قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن الديني والعجفي: ثقة وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (عن) عمر (ابن سفينة) بالتكبير أو سفينة بالتصغير مولى أم سلمة المدني روى عن أم سلمة في الجنائز ويروي عنه عمر بن كثير بن أفلح و (م دت) صدوق من الثالثة (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية المدنية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنها -. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة.

أَنَّهَا قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِم تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ الله: إِنَّالله وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ. اللَّهُم أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيرًا مِنْهَا، إلا أَخْلَفَ الله لَهُ خَيرًا مِنْهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من مسلم) ولا مسلمة (تصيبه مصيبة) أي شدة وتنزل به في نفسه أو في أهله أو في ماله والمصيبة ما أصاب الإنسان من خير أو شر ولكن اللغة قصرها على الشر اهـ. (فيقول) عندما أصابته (ما أمره الله) في ضمن مدح الصابرين بقوله في سورة البقرة {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة: 156] قالوا (إنا لله) خلقًا وإيجادًا، (وإنا إليه راجعون) للمحاسبة والمجازاة فإن كل خصلة ممدوحة في الكتاب الكريم تتضمن الأمر بها كما أن المذمومة فيه تقتضي النهي عنها وقال عمر - رضي الله عنه -: نعم العدلان ونعم العلاوة {أُولَئِكَ عَلَيهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 157] كما في باب الصبر عند الصدمة الأولى من صحيح البخاري قال القرطبي: (فيقول ما أمره الله) هذا تنبيه على قوله {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، الآية مع أنه ليس فيها أمر بذلك القول وإنما تضمنت مدح من قاله فيكون ذلك القول مندوبًا والمندوب مأمور به أي مطلوب وإن جاز تركه وقال أبو المعالي: لم يختلف الأصوليون في أن المندوب مطلوب وإنما اختلفوا هل يسمى مأمورًا به قلت: وهذا الحديث يدل على أنه يسمى بذلك وقوله (إنالله وإنا إليه راجعون) كلمة اعتراف بالملك لمستحقه وتسليم له فيما يجريه في ملكه وتهوين للمصيبات بتوقع ما هو أعظم منها وبالثواب المرتب عليها وتذكير المرجع والمآل الذي حكم به ذو العزة والجلال (اللهم أجرني) أي أثبني وأعطني الأجر والثواب (في مصيبتي) أي على ما أصابني من المصائب والشدائد (واختلف لي) أي أبدل لي (خيرًا منها) أي مما أصابتني المصيبة فيه والمعنى أي ليس مسلم أصابته مصيبة في نفسه أو أهله أو ماله فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني على مصيبتي وأبدل لي خيرًا منها (إلا أخلف الله) أي إلا أبدل الله سبحانه (له) أي لذلك القائل (خيرًا منها) أي أفضل مما أصابته المصيبة فيه إن كان مما يخلف كالولد والأهل والمال. قوله: (اللهم أجرني) كذا بهمزة واحدة وهو أمر من أجره الله إذا أعطاه أجرًا وثوابًا فهمزة الوصل المجلوبة لصيغة الأمر أسقطت كما أسقطت في نحو (فأتنا) كراهة توالي المثلين وبابه نصر وضرب فيجوز في الجيم الضم والكسر والأول أكثر وذكر

قَالتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيتٍ هَاجَرَ ثُمَّ إِني قُلْتُهَا. فَأَخْلَفَ الله لِي رَسُولَ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- قَالتْ: أَرْسَلَ إِليَّ رَسُولُ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشارح رواية آجرني بالمد وهي لغة ثالثة كما في المصباح فيتعين الكسر في الجيم وقال ملَّا علي قوله: (اللهم آجرني) على حذت العاطف فإنه ليس من جملة المأمور به السابق وأما الدعاء المأمور به في القرآن ضمنًا وصراحة فمطلق الدعاء وفي الحديث الدعاء الخاص اهـ والتقدير: ما من مسلم أصابته مصيبة فقال: إنالله وانا إليه راجعون وقال: اللهم آجرني في مصيبتي الخ وقوله (وأخلف لي) هو بقطع الهمزة وكسر اللام قال أهل اللغة: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله: أخلف الله عليك أي رد عليك مثله فإن ذهب عنه ما لا يتوقع مثله كوالد أو عم أو أخ لمن لأجد له ولا والد له قيل له خلف الله عليك بغير ألف أي كان خليفة لك منه اهـ نواوي. (قالت) أم سلمة (فلما مات أبو سلمة) هو زوجها قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و - رضي الله تعالى عنهما - اسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي من السابقين الأولين إلى الإِسلام قال ابن إسحاق: أسلم بعد عشرة أنفس وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة كما ثبت في الصحيحين وتزوج أم سلمة ثم صارت بعده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ابن عمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمه برة بنت عبد المطلب وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه ومات بالمدينة بعد أن رجعوا من أحد على الصحيح وهو أول من هاجر بظعينته إلى الحبشة ثم إلى المدينة وفيمن شهد بدرًا اهـ من الإصابة. (قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة) استعظام منها لشأن زوجها وتعجب من أن يكون لها خلف خير منه على موجب الحديث الشريف هو (أول) أهل (بيت هاجر) مع عياله فهو أول من هاجر بأهله إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة وابن عمته (ثم إني قلتها) أي كلمة الاسترجاع والدعاء المذكور بعدها وعبارة الموطإ (ثم إني قلت ذلك). (فأخلف الله لي) عن أبي سلمة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) خير خليفة وخير حظ (قالت) أم سلمة في بيان مبدإ تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها: (أرسل الي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن أبي بلتعة) بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها

يَخْطُبُنِي لَهُ. فَقُلْتُ: إِن لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ. فَقَال: "أما ابْنَتُهَا فَنَدْعُو الله أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا. وَأَدْعُو الله أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيرَةِ". (2007) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يحدث؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مثناة ثم مهملة مفتوحتان ابن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى فكاتبه فأدى مكاتبته اتفقوا على شهوده بدرًا وثبت ذلك في الصحيحين من حديث علي في قصة كتابة حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بتجهيز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} [الممتحنة: 1] الآية اهـ من الإصابة. حالة كون حاطب (يخطبني) أي يطلب مني تزوجي (له) - صلى الله عليه وسلم - (فقلت) له في جواب خطبته (إن لي بنتًا) لم تتزوج أخاف ضياعها إن تزوجت وتركتها في البيت وهي زينب بنت أبي سلمة (و) مع ذلك (أنا غيور) أي شديدة المغيرة على الزوج وعندك أزواج وغيور على زنة فعول من المغيرة بفتح المعجمة وهي الحمية والأنفة تكون للرجل على امرأته ولها عليه يقال: رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء لأن فعولًا يشترك فيه المذكر والمؤنث وفي رواية (إني امرأة غيرى) وهي فعلى من المغيرة كما في النهاية والرجل غيران نظير عطشى وعطشان فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطبًا إليها (فقال) لحاطب: قل لها (أما ابنتها فندعو الله) سبحانه وتعالى (أن يغنيها عنها) بزوج (وأدعو الله) تعالى (أن يذهب) عنها (بالغيرة) يقال: أذهب الله الشيء وذهب به كقوله تعالى {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (3119) والترمذي (3506). ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقال: (2007) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن سعد بن سعيد) الأنصاري المدني (قال: أخبرني عمر بن كثير بن أفلح) الأنصاري المدني (قال: سمعت) عمر (بن سفينة) مولى أم سلمة المخزومي المدني (يحدث أنه سمع أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: سمعت رسول -الله صلى الله على وسلم -) وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان

يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ. اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيرًا مِنْهَا، إلا آجَرَهُ الله في مُصِيبَتِهِ. وَأَخْلَفَ لَهُ خَيرًا مِنْهَا". قَالتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ الله -صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-. فَأَخْلَفَ الله لِي خَيرًا مِنْهُ. رَسُولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ-. (2008) (0) (0) وحدّثنا محمد بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ) عَنِ ابْنِ سَفِينَةَ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبي - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ -. قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- يَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة أبي أسامة لإسماعيل بن جعفر في رواية هذا الحديث عن سعد بن سعيد وكرر لما بين الروايتين من المخالفة (يقول: ما من عبد) وأمة (تصيبه) أوتصيبها (مصيبة) أي مشقة نازلة (فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون) ثم يقول: (اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا آجره الله) تعالى أي أثابه (في مصيبته وأخلف له خيرًا منها قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من الاسترجاع والدعاء المذكور بعده (فأخلف الله لي خيرًا منه) أي من أبي سلمة وقوله (رسول الله - صلى الله عليه وسلم) عطف بيان لخيرًا والحديث مر شرحه آنفًا فلا عود ولا إعادة. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقال: (2008) (0) (0) وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سعد بن سعيد) الأنصاري المدني (أخبرني عمر يعني ابن كثير) بن أفلح الأنصاري المدني (عن) عمر (بن سفينة) المخزومي مولاهم (مولى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -). وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن سعد بن سعيد. (قالت) أم سلمة: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) الحديث المذكور

بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَزَادَ: قَالتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خير مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ الله -صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ-؟ ثُمّ عَزَمَ اللهُ لِي فَقُلْتُهَا. قَالتْ: فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ الله -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ-. (2009) (886) - (26) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالتْ: قَال رَسُولُ الله -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ-: "إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ، أَو الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وساق عبد الله بن نمير (بمثل حديث أبي أسامة وزاد) عبد الله بن نمير: (قالت) أم سلمة: (فلما توفي أبو سلمة قلت من خير) مبتدأ وخبر و (من) للاستفهام التعجبي أي أيُّ خير (من أبي سلمة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عزم الله لي) أي خلق الله لي العزم والجزم والقصد المؤكد في قلبي على هذه الدعوة والعزم عقد القلب وتصميمه على إمضاء الأمر (فقلتها) أي فقلت تلك الكلمات الاسترجاعية والدعائية (قالت) أم سلمة: (فتزوجت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ببركة هذه الدعوة. ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقال: (2059) (886) (26) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمَّد بن العلاء (قالا: حدثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير الكوفي (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (عن شقبق) بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن أم سلمة) - رضي الله تعالى- عنها. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أم سلمة. (قالت) أم سلمة: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حضرتم المريض أو الميت) أو للتنويع لا للشك (فقولوا خيرًا) أي قولًا خيرًا لهما من الدعاء للمريض بالعافية وللميت بالمغفرة ولصاحب المصيبة بإعقاب من هو خير منه إن كان يتوقع حصول مثل المفقود وإلا فباللطف به والتخفيف عنه قال القرطبي: وهذا أمر تأديب وتعليم بما يقال عند الميت وإخبار بتأمين الملائكة على دعاء من هناك ومن هنا استحب علماؤنا أن يحضر الميت الصالحون وأهل الخير حالة موته ليذكروه ويدعوا له ولمن يخلفه ويقولوا خيرًا فيجتمع دعاؤهم وتأمين الملائكة فينتفع بذلك الميت ومن يصاب به ومن يخلفه كما

فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ" قَالتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيتُ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ-. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِن أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ. قَال: "قُولِي: اللَّهُم، اغْفِرْ لِي وَلَهُ. وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً" قَالتْ: فَقُلْتُ، فَأَعْقَبَنِيَ الله مَنْ هُوَ خير لِي مِنْهُ. مُحَمَّدًا - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ- ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) فيستجاب لكم (قالت) أم سلمة: (فلما مات أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها (قولي: اللهم: اغفر لي وله وأعقبني) أي بدلني وعوضني (منه) أي في مقابلته (عقبى حسنة) أي عاقبة جميلة وبدلًا صالحًا (قالت) أم سلمة: (فقلت) ما أمرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فأعقبني الله) أي عوضني الله تعالى منه (من هو خير لي منه) أي من أبي سلمة (محمدًا صلى الله عليه وسلم) بالنصب بدل مِنْ مَنْ الموصولة أو عطف بيان له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (3118) والترمذي (997) والنسائي (4/ 4 - 5) وابن ماجه (1447). وجملة ماذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به. والثالث: حديث أم سلمة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والرابع حديث أم سلمة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

400 - (18) باب إغماض الميت والدعاء له وشخوص بصره عند الموت

400 - (18) باب: إغماض الميت والدعاء له، وشخوص بصره عند الموت (2010) (887) - (27) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَاريُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤيب، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ: دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ َعَلَى أبي سَلَمَةَ وَقَد شَقَّ بَصَرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 400 - (18) باب إغماض الميت والدعاء له وشخوص بصره عند الموت وإغماض الميت سد أجفانه بعد موته، وشخوص بصره انفتاحه عند خروج الروح. (2010) (887) (27) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي (حدثنا معاوية بن عمرو) بن المهلب الأزدي المعْنِيُّ بفتح الميم وسكون العين وكسر النون أبو عمرو الكوفي نزيل بغداد المعروف بابن الكرماني ثقة من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبو إسحاق الفزاري) إبراهيم بن محمَّد بن الحارث الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن خالد) بن مهران المجاشعي (الحذاء) أبي المنازل البصري ثقة من (5) روى عنه في (14) بابا (عن أبي قلابة) البصري عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي ثقة من (3) روى عنه في (11) (عن قبيصة بن ذؤيب) مصغرًا ابن حلحلة الخزاعي أبي إسحاق المدني نزيل دمشق من أولاد الصحابة وله رؤية ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات بالشام سنة (86) ست وثمانين روى عن أم سلمة في الجنائز وأبي هريرة في النكاح ويروي عنه (4) وأبو قلابة والزهري وابنه إسحاق ومكحول ورجاء بن حيوة وخلق قال العجلي: تابعي مدني ثقة وذكره ابن حبان في الثقات صحابي صغير أو ثقة من (2) (عن أم سلمة) -رضي الله تعالى- عنها وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان واثنان كوفيان وواحد نسائي (قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة) بعد موته (وقد شق بصره) وانفتح. قوله: (وقد شق بصره) بفتح الشين وفتح الراء إذا نظر إلى شيء لا يرتد إليه طرفه والمعنى فتح بصره للنظر إلى شيء وضم الشين غير مختار قاله الطيبي وقال النواوي: هو

فَأغْمَضَهُ. ثُمَّ قَال: "إِن الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ". فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ. فَقَال: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلا بِخَيرٍ. فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ َعَلَى مَا تَقُولُونَ". ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الْغَابِرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الشين ورفع بصره وهو فاعل شق أي انفتح بصره وبقي مفتوحًا هكذا ضبطناه وهو المشهور وضبط بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضًا والشين مفتوحة بلا خلاف وقال ابن السكيت في الإصلاح والجوهري حكاية عن ابن السكيت يقال شق بصر الميت ولا تقل: شق الميت بصره وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه. (فأغمضه) أي أغمض عينيه لئلا يقبح منظره وإغماض الميت هو سد أجفانه وتغطيتها بعد موته وهو سنة عمل بها المسلمون كافة ومقصوده تحسين وجه الميت وستر تغير بصره وقوله: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) معناه إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظرًا أين يذهب وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث وهذا الحديث دليل للتذكير وفيه دليل على أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن وتذهب الحياة من الجسد بذهابها (فضجَّ) أي رفع الصوت بالبكاء (ناس من أهله) أي من أهل أبي سلمة وأقاربه قال ابن الأثير: الضجيج الصياح عند المكروه والمشقة والجزع (فقال) لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير) أي لا تقولوا شرًّا ولا ويلًا أو الويل لي وما أشبه ذلك (فإن الملائكة يؤمنون) أي يقولون آمين (على ما تقولون) في دعائكم من خير أو شر (ثم قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم اغفر لأبي سلمة) خطاياه (وارفع درجته) عندك يا رب العالمين (في المهدببن) أي مع حملة المهديين بتشديد الياء الأولى أي مع الذين هداهم الله للإسلام سابقًا والهجرة إلى خير الأنام أو المعنى: واجعله في زمرة الذين هديتهم إلى الإِسلام اهـ أي (واخلفه في عقبه) أي كن له خليفة في ذريته الذين بقوا بعده (في الغابرين) أي الباقين أي في الأحياء من الناس قوله: (واخلفه) بهمزة الوصل وضم اللام من خلف يخلف إذا قام مقام غيره بعده في رعاية أمر هو حفظ مصالحه أي كن خلفًا أو خليفة له (في عقبه) بفتح العين وكسر القاف أي فيمن يعقبه ويتأخر عنه من ولد وغيره والعقب في الأصل مؤخر الرجل واستعير للولد وولد الولد ولا يقال فيمن لا عقب له أي لم يبق له ولد ذكر وقوله (في الغابرين) حال من عقبه أي أوقع خلافتك في عقبه حالة كونهم في جملة الباقين في الدنيا من الناس قاله القاري

وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالمِينَ. وَافْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ. وَنَورْ لَهُ فِيهِ". (2011) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّد بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ الْحَسَنِ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى كن له خليفة على من يتركه من عقبه ويبقى بعده في الباقين على الدنيا اهـ مفهم وقال الأبي: والعقب الأولاد و (الغابرين): الباقين أي بن خليفته في أولاده الباقين لا تكلهم إلى غيرك ففي الغابرين بدل من عقبه قال (ع): في أحاديث أم سلمة تعليم ما يقال عند الموت من الذكر والدعاء وقول الخير والاسترجاع والدعاء لمن يخلفه فينبغي التأسي به - صلى الله عليه وسلم - في ذلك قال أهل اللغة: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو شيء يتوقع حصول مثله: أخلف الله عليك أي رد عليك مثله فإن ذهب عنه ما لا يتوقع حصول مثله كالوالد يقال: خلف الله عليك أي كان الله خليفة منه عليك اهـ من بعض الهوامش (واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح) أي وسع (له) أي لأبي سلمة (في قبره) دعاء له بعدم الضغطة (ونور له) أي لأبي سلمة (فيه) أي في قبره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 297) وأبو داود (3115) والنسائي (4/ 4 - 5) وابن ماجه (1454). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: (2011) (0) (0) وحدثنا محمَّد بن موسى) بن عمران (القطان) أبو جعفر (الواسطي) روى عن المثنى بن معاذ في الجنائز ويزيد بن هارون وأبي عامر العقدي وغيرهم ويروي عنه (خ م ق) وأبو إسماعيل السلمي وأبو بكر البزار وابن صاعد وغيرهم ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: صدوق من الحادية عشرة (11) (حدثنا المثنى بن معاذ بن معاذ) العنبري أخو عبيد الله أبو الحسن البصري روى عن أبيه في الجنائز ومعتمر بن سليمان وبشر بن المفضل وغيرهم ويروي عنه (م) ومحمد بن موسى القطان وابناه الحسن ومعاذ وأخوه عبيد الله وغيرهم ثقة من (10) العاشرة (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري ثقة من (9) (حدثنا عبيد الله بن الحسن) بن الحصين بن الحر بن الخشاش التميمي العنبري البصري روى عن خالد الحذاء في الجنائز وداود بن أبي هند والجريري ويروي عنه (م) له فيه فرد حديث في الجنائز ومعاذ بن معاذ وابن مهدي قال النسائي: ثقة فقيه بصري من السابعة (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي أبو

بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنهُ قَال: "وَاخْلُفْهُ في تَرِكَتِهِ" وَقَال: "اللَّهُمَّ أَوْسِعْ لَهُ في قَبْرِهِ" وَلَمْ يَقُلِ "افْسَحْ لَهُ". وَزَادَ: قَال خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: وَدَعْوَةٌ أُخْرَى سَابِعَةٌ نَسِيتُهَا. (2012) (888) (28) وحدّثنا محمد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ يَعْقُوبَ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ-: "أَلَمْ تَرَوُا الإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ شَخَصَ بَصَرُهُ؟ " قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ المنازل البصري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن قبيصة بن ذؤيب عن أم سلمة (نحوه) أي نحو ما حدث الفزاري عن خالد وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد واسطي غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله بن الحسن لأبي إسحاق الفزاري في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء (غير أنه) أي لكن أن عبيد الله بن الحسن (قال) في روايته: (واخلفه في تركته) أي فيما تركه من الأولاد والأهل (وقال) عبيد الله أيضًا في روايته: (اللهم أوسع له في قبره ولم يقل) عبيد الله في روايته لفظة: (افسح له وزاد) عبيد الله: (قال خالد الحذاء: و) بقيت (دعوة أخرى سابعة نسيتها) وفي الحديث استحباب الدعاء للميت عند موته ولأهله وذريته بأمور الدنيا والآخرة اهـ نواوي. ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: (2012) (888) (28) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (عن العلاء) بن عبد الرحمن (بن يعقوب) الجهني أبي شبل المدني صدوق من (5) نسب إلى جده (قال: أخبرني أبي) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3) (أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه-. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري. (يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألم تروا الإنسان) أي لم تنظروا إلى حاله وهيئته وسرعة تغيره (إذا مات) وقبض روحه (شخص) من باب نفع (بصره) أي ارتفعت أجفانه وانفتح بصره فلا يرتد إليه طرفه (قالوا) أي قال الحاضرون عنده - صلى الله

بلَى. قَال: "فَذلِكَ حِينَ يَتْبَعُ بَصَرُهُ نَفْسَهُ". (2013) (0) (0) وحدَّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدِّرَاوَرْدِيِّ) عَنِ الْعَلاءِ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: (بلى) أي نرى شخوص بصره (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم في بيان حكمته وسببه: (فذلك) أي شخوص بصره (حين يتبع) وينظر (بصره نفسه) برفع الأول ونصب الثاني أي روحه حين فارق البدن بقبض الملك له فلم يبق لانفتاح بصره فائدة فأغمضوه كما مر في حديث أم سلمة فإذا علة الإغماض أو سبب الشخوص مشاهدة ما لم يكن يشاهده من قبل ذلك لأن الملك يتمثل له بصورة هائلة أو حسنة كما قال تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22]. قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن النفس والروح بمعنى واحد وهو الذي يقبض عند الموت وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم لم يروه غيره. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: (2013) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمَّد الجهني مولاهم (يعني الدراوردي) المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد العزيز لابن جريج في رواية هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

401 - (19) باب البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى

401 - (19) - باب: البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى (2014) (889) - (29) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَابْنُ نُمَيرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ. قَال: قَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ. لأبكِيَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 401 - (19) باب البكاء على الميت وعيادة المرضى والصبر عند الصدمة الأولى (2014) (889) (29) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (و) محمَّد بن عبد الله (ابن نمير) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن) سفيان (بن عيينة) الكوفي (قال) محمَّد (بن نمير: حدثنا سفيان) بصيغة السماع (عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار الثقفي مولاهم أبي يسار المكي روى عن أبيه في الجنائز ومجاهد في الحج والنكاح والجهاد والأطعمة وعبد الله بن كثير في البيوع ويروي عنه (ع) وابن عيينة وإبراهيم بن نافع وهشام الدستوائي وعبد الوارث بن سعيد وإسماعيل بن عليه والثوري قال الخليلي: ثقة وقال ابن حبان: مستقيم الحديث وقال في التقريب: ثقة رمى بالقدر من السادسة مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (131) (عن أبيه) يسار الثقفي مولاهم مولى الأخنس أبي نجيح المكي روى عن عبيد بن عمير في الجنائز وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم ويروي عنه (م دت س) وابنه عبد الله وعمرو بن دينار وغيرهم وثقه ابن معين وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (109) تسع ومائة. (عن عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما الليثي أبي عاصم المكي ثقة مخضرم من (3) روى عنه في (7) أبواب (قال) عبيد: (قالت أم سلمة). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني واثنان كوفيان أو كوفي ومروزي. (لما مات) زوجي (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (قلت) لنفسي: هو رجل (غريب) عن أقاربه بني مخزوم (و) رجل (في أرض غربة) ووحشة ليست وطنه معناه أنه من أهل مكة مات بالمدينة تعني مات غريبًا عن أقاربه وعن وطنه والله (لأبكينّه) أي

بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ. فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيهِ. إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِي. فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ- وَقَال: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلِي الشيطَانَ بَيتًا أَخْرَجَهُ الله مِنْهُ؟ " مَرَّتَينِ. فَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ. (2015) (890) - (30) حدثنا أَبُو كامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأبكين وأنوحن عليه (بكاء) ونوحًا شديدًا رفيع الصوت كثير الندب كثير الدموع يكون مثلًا (يتحدث عنه) عند الناس تعني أنها تنوح عليه وتندبه نياحة شديدة وذلك منها على ما كانوا عليه في الجاهلية من النياحة والاجتماع لها قبل أن يبلغها تحريم النياحة والله أعلم قالت أم سلمة: (فكنت قد تهيأت) واستعددت (للبكاء عليه) فبينما أنا متهيئة للبكاء عليه (إذ أقبلت امرأة من الصعيد) وإذ فجائية رابطة لجواب بينما المحذوفة والتقدير: بينما أوقات استعدادي وتهيئي للبكاء عليه فاجأني إقباب امرأة من أهل الصعيد حالة كونها (تريد أن تسعدني) أي تساعدني وتوافقني في البكاء والنوح عليه والمراد بالصعيد هنا عوالي المدينة وأصل الصعيد ما كان على وجه الأرض من التراب ومنه صعيد مصر أي أعلى بلادها (فاستقبلها) أي أتاها من قبالتها (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال) لها: (أتريدين) وتقصدين أيتها المرأة بهمزة الاستفهام الإنكاري (أن تدخلي الشيطان) أي عمله وتسويلاته (بيتًا أخرجه الله) سبحانه أي أخرج الله الشيطان (منه) أي من ذلك البيت وقوله: (مرتين) إما معمول للإخراج أي أخرجه الله منه إخراجًا مرتين الأولى منهما إخراجه بالإيمان والثانية إخراجه بالهجرة لأن الإيمان لا يخرجه مطلقًا أو معمول للقول أي قال لها ذلك مرتين أي قولتين قالت أم سلمة: (فـ) لما سمعت ذلك أي مقالته صلى الله عليه وسلم للمرة (كففت) نفسي أي منعتها وزجرتها (عن البكاء فلم أبك) عليه ولم أنح لأن كونه من عمل الشيطان يدلس على حرمته فغرضه بسوق هذا الحديث الاستدلال به على حرمة النوح والندب لأنهما هما اللذان اعتدن المساعدة عليهما في الجاهلية لا سيلان الدموع وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى-. ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث أم سلمة بحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - فقال: (2015) (890) (30) (حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن الحسين البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن عاصم) بن سليمان التميمي

الأحْوَلِ. عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. قَال: كُنا عِنْدَ النَّبيِّ - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ-. فَأَرْسَلَتْ إِلَيهِ إِحْدَى بَنَاتِهِ. تَدْعُوهُ. وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لَهَا، أَو ابْنًا لَهَا، في الْمَوْتِ. فَقَال لِلرَّسُولِ: "ارْجِعْ إِلَيهَا. فَأَخْبِرْهَا: أَنَّ لله مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي عبد الرحمن (الأحول) البصري ثقة من (4) (عن أبي عثمان النهدي) عبد الرحمن بن مل الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن أسامة بن زيد) بن حارثة. الكلبي الأصل القرشي الهاشمي المدني حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاه وابن حبه زيد بن حارثة وابن حاضنته أم أيمن - رضي الله تعالى- عنهم أجمعين له مائة وثمانية وعشرون حديثًا (128) اتفقا على خمسة عشر وانفرد كل منهما بحديثين يروي عنه (ع) وابن عباس وكريب وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص وعروة وأبو وائل وكثيرون. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي. (قال) أسامة: (كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه) - صلى الله عليه وسلم - (إحدى بناته) هي زينب في ابنها عليّ بن أبي العاص بن الربيع أو في ابنتها أمامة بنت أبي العاص أو هي رقية في ابنها عبد الله بن عثمان بن عفان أو هي فاطمة في ابنها محسن بن علي بن أبي طالب وفي كل من هذه الأقوال إشكال مذكور في شروح البخاري لا نطيل الكلام به وجمع البرماوي بين ذلك باحتمال تعدد الواقعة في بنت واحدة أو ابنتين أرسلت زينب في علي أو أمامة أو رقية في عبد الله بن عثمان أو فاطمة في ابنها محسن بن علي والله أعلم حالة كونها (تدعوه) - صلى الله عليه وسلم - أي تطلب حضوره إليها (وتخبره) - صلى الله عليه وسلم - (أن صبيًّا لها أو) قال الراوي أن (ابنًا لها) والشك ممن دونه وفي رواية البخاري (أن ابنًا لها) بلا شك (في) حالة (الموت) ومقدماته فأتنا كما في رواية البخاري (فقال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (للرسول) الذي أرسلته: (ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى) أي إن الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له وقدم الأخذ على الإعطاء وإن كان متأخرًا في الواقع لأن المقام يقتضيه ولفظ مافي الموضعين مصدرية أي إن لله الأخذ والإعطاء أو موصولة والعائد محذوف للدلالة على العموم فيدخل فيه أخذ الولد وإعطاؤه وغيرهما اهـ من الإرشاد، والمعنى أن ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه بل هو سبحانه وتعالى يفعل فيه

وَكُل شَيءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى. فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ" فَعَادَ الرَّسُولُ فَقَال: إِنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا. قَال: فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ-. وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ. فَرُفِعَ إِلَيهِ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا في شَنَّةٍ. فَفَاضَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يشاء والمقصود الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله تعالى وتقديره ومعناه إن الذي أخذ منكم كان له لا لكم فلم يأخذ إلا ما هو له فينبغي ألا تجزعوا كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية (وكل شيء) كائن من الكائنات مقدر مؤجل (عنده) تعالى (بأجل مسمّى) أي بوقت معين قال العيني: والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر ومعنى عنده في علمه وإحاطته اهـ أي وكل من الأخذ والإعطاء عنده تعالى أي في علمه مؤجل بأجل معلوم فإذا علمتم ذلك كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم فإن كل من مات فقد انقضى أجله المسمى فمحال تقدمه أو تأخره عنه (فمرها فلتصبر) على ما أصابها (ولتحتسب) أجر مصيبتها على الله تعالى أي ولتنو بصبرها طلب الثواب من ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح (فعاد) أي رجع (الرسول) أي رسولها إليه - صلى الله عليه وسلم - (فقال) له: (إنها) أي إن البنت (قد أقسمت) عليك والله (لتأتينها) ووقع في رواية عبد الرحمن بن عوف (إنها راجعته مرتين) وإنه إنما قام في ثالث مرة. (قال) أسامة: (فقام النبي صلى الله عليه وسلم و) قد (قام معه) - صلى الله عليه وسلم - بتقدير قد لأن الجملة حالية (سعد بن عبادة) بن دليم مصغرًا بن حارثة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وسيد الخزرج وأحد الأجواد مات بالشام سنة خمس عشرة - رضي الله عنه - (ومعاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي - رضي الله عنه - قال أسامة: (وانطلقت معهم) فمشوا إلى أن دخلوا بيتها (فرفع إليه) - صلى الله عليه وسلم - (الصبي) أو الصبية فوضع في حجره - صلى الله عليه وسلم - (ونفسه) وروحه أي والحال أن نفس الصبي (تقعقع) أي تضطرب وتتحرك كلما صار إلى حالة لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى تقربه من الموت (كأنها) أي كان نفسه وروحه (في شنة) أي في قربة بالنية والقعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت والشن القربة البالية شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها اهـ نهاية والمعنى: وروحه تضطرب وتتحرك لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقي في القربة البالية (ففاضت

عَينَاهُ. فَقَال لَهُ سَعْدٌ: مَا هذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "هذِهِ رَحْمَةٌ. جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ. وَإِنمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عيناه) صلى الله عليه وسلم أي سالت دموعًا بالبكاء وهذا موضع الترجمة لأن البكاء العاري عن النوح لا يؤاخذ به الباكي ولا الميت وحديث أم سلمة السابق دل على حرمة البكاء المقترن بالنوح والندب لأنها أرادت ذلك بدليل قولها (فجاءت امرأة من الصعيد تريد أن تساعدني) لأن ذلك هو الذي يقبل المساعدة وحديث أسامة دل على البكاء الجائز بدليل قوله (فقال له) صلى الله عليه وسلم (سعد) بن عبادة: (ما هذا) البكاء (يا رسول الله) وفي رواية عبد الواحد قال سعد بن عبادة (تبكي) وزاد أبو نعيم في مستخرجه (وتنهى عن البكاء) (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه) الدمعة التي تراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة عليها لأنها (رحمة) أي علامة رحمة وشفقة (جعلها الله) سبحانه وتعالى (في قلوب عباده) الرحماء (وإنما يرحم الله) سبحانه (من عباده الرحماء) بالنصب على أن ما في قوله (وإنما) كافة وبالرفع على أنها موصولة أي وإن الذين يرحمهم الله من عباده الرحماء جمع رحيم من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود وغيره: (الراحمون يرحمهم الرحمن) والراحمون جمع راحم فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة اهـ إرشاد الساري. قال القرطبي: قوله: (هذه رحمة) أي رقة يجدها الإنسان في قلبه تبعثه على البكاء من خشية وعلى أفعال البر والخير وعلى الشفقة على المبتلى والمصاب ومن كان كذلك جازاه الله برحمته وهو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) وضد ذلك القسوة في القلوب الباعثة على الإعراض عن الله تعالى وعن أفعال الخير ومن كان كذلك قيل فيه: {فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22] الآية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1284) والنسائي (4/ 22) وأبو داود (3123) وابن ماجه. قال العيني: وفي الحديث جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وفيه جواز القسم عليهم لذلك وفيه جواز المشي إلى التعزية والعبادة بغير إذنهم بخلاف الوليمة وفيه استحباب إبرار القسم اهـ منه. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أسامة رضي الله عنه فقال:

(2016) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. جَمِيعًا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ حَمَّادٍ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ. (2017) (891) - (31) حدَّثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى الصَّدَفِيُّ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الأنصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2016) (0) (0) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الكوفي (حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9). (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الكوفي (جميعًا) أي كل من من ابن فضيل وأبي معاوية رويا (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري ثقة من (4) (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن فضيل وأبي معاوية لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عاصم الأحول. (غير أن حديث) أي لكن أن حديث (حماد) بن زيد (أتم) وأوضح معنى (وأطول) لفظًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فقال: (2017) (891) (31) (حدثنا يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصدفي) أبو موسى المصري (وعمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود (العامري) السرحي المصري ثقة من (11) (قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9) (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب (الأنصاري) المصري ثقة من (7) (عن سعيد بن الحارث) بن المعلى ويقال: ابن أبي المعلى ويقال: ابن أبي سعيد بن أبي المعلى (الأنصاري) المدني قاضي المدينة روى عن ابن عمر في الجنائز وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر ويروي عنه (ع) وعمرو بن الحارث وعمارة بن غزية وفليح بن سليمان قال ابن معين: مشهور وثقه يعقوب بن سفيان وابن حبان وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (3) (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما.

قَال: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ. فَأَتَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ. فَقَال: "أَقَدْ قَضى؟ " قَالُوا: لَا. يَا رَسُولَ الله! فَبَكَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَما رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بَكَوْا. فَقَال: "أَلا تَسْمَعُونَ؟ إِن اللهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون وواحد مكي وواحد مدني وفيه التحديث والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة والمقارنة. (قال) عبد الله بن عمر: (اشتكى) أي مرض (سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي (شكوى) أي مرضًا حاصلًا (له فأتاه) (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يعوده) أي يزوره من مرضه (مع عبد الرحمن بن عوف) الزهري (وسعد بن أبي وقاص) الزهري (وعبد الله بن مسعود) الهذلي (فلما دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على سعد بن عبادة (وجده) أي وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدًا (في غشية) بفتح الغين وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء وضبطه بعضهم بإسكان الشين وتخفيف الياء وفي رواية البخاري (في غاشية) وكلها صحيح ومعناها واحد. قال ملا علي في شرح المشكاة قوله: (وجده في غشية) أي في شدة من المرض أو في غشيان وإغماء من غاية المرض حتى ظن أنه مات وقال التوربشتي في شرح المصابيح: المراد ما يتغشاه من كرب الوجع الذي فيه لا الموت لأنه برئ من هذا المرض وعاش بعده زمانًا (فقال) صلى الله عليه وسلم: (أقد قضى) أي هل قضى نحبه ومات وخرج من الدنيا (قالوا) أي قال الحاضرون عنده: (لا) أي ما قضى (يا رسول الله) جواب لما مر مما استفهمه (فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا محل الترجمة (فلما رأى القوم) الحاضرون (بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تسمعون) ما أقول لكم أو المعنى أو ما سمعتم (إن الله) سبحانه وتعالى بكسر الهمزة استئنافًا لأن قوله تسمعون لا يقتضي مفعولًا لأنه جعل كاللازم فلا يقتضي مفعولًا أي ألا توجدون السماع كذا قرره البرماوي وابن حجر كالكرماني وقد تعقبه العيني فقال: ما المانع أن يكون أن بالفتح في محل المفعول لتسمعون وهو الملائم لمعنى الكلام اهـ لكن الذي في روايتنا بالكسر أي إن الله سبحانه وتعالى (لا يعذب) الباكي بإجراء الدموع (بدمع العين) أي بسيلان الدموع بلا إظهار

وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلكِنْ يُعَذِّبُ بِهذَا (وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ) أَوْ يَرْحَمُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صوت (ولا) يعذبه (بحزن القلب ولكن يعذبـ) ـــه (بهذا) اللسان إن قال به سوءًا من النوح والندب قال الأبي: قوله (بهذا) يعني بالبكاء بصوت (وأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة عند قوله: بهذا (إلى لسانه) الشريف (أو يرحم) بهذا إن قال خيرًا قال النواوي: وفي الحديث استحباب عيادة المريض وعيادة الفاضل المفضول وعيادة الإمام والقاضي والعالم أتباعه اهـ. قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن البكاء الذي لا يصحبه صوت ولا نياحة جائز قبل الموت وبعده بل قد يقال فيه: إنه مندوب إليه لأنه قد قال فيه (إنه رحمة) والرحمة مندوب إليها فأما النياحة التي كانت الجاهلية تفعلها من تعديد خصال الميت والثناء عليه بما كان فيه من الخصال الدنيوية والمذمومة والصراخ الذي يخرجه الجزع المفضي إلى السخط والعبث من ضرب الخدود وشق الجيوب فكل ذلك محرم من أعمال الجاهلية ولا يختلف فيه فأما بكاء وصراخ لا يكون معه شيء من ذلك فهو جائز قبل الموت مكروه بعده أما جوازه فبدليل حديث جابر بن عقبة الذي خرجه مالك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: غلبنا عليك أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية رواه مالك في الموطإ. ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم أقرهن على البكاء والصياح قبل الموت وأمر بتركهن على ذلك وإنما قلنا إنه مكروه بعد الموت ليس بمحرم لما في حديث جعفر من بكائهن بعد الموت وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهيهن عنه فلما لم ينكففن قال للمبلغ احث في أفواههن التراب رواه مسلم برقم (935/ 30) ولم يبالغ في الإنكار عليهن ولا زجرهن ولا ذمهن ولو كان ذلك محرمًا لفعل كل ذلك والله أعلم. وبهذا الذي قررناه يرتفع الاختلاف بين ظواهر الحديث التي في هذا الباب ويصح جمعها فتمسك به فإنه حسن جدًّا وهو الصواب إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم قال الأبي: في النوادر عن ابن حبيب: إن البكاء قبل الموت وبعده دون صوت ودون اجتماع مباح ويكره اجتماعهن له ولذا فرق عمر اجتماعهن لذلك في موت أبي بكر رضي الله عنه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري فقط (1304). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال:

(2018) - (892) (32) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عُمَارَةَ (يَعْنِي ابْنَ غَزِيَّةَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَال: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ. ثُمَّ أَدْبَرَ الأَنْصَارِيُّ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَخَا الأَنْصَارِ، كَيفَ أَخِي سَعْدُ بن عُبَادَةَ؟ " فَقَال: صَالِحٌ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ (2018) (892) (32) (وحدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري (حدثنا محمد بن جهضم) بن عبد الله الثقفي البصري صدوق من (10) (حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8) (عن عمارة يعني ابن غزية) بن الحارث الأنصاري المازني ثقة من (6) (عن سعيد بن الحارث بن المعلى) الأنصاري المدني (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد مكي (أنه) أي أن ابن عمر (قال كنا) معاشر الأصحاب (جلوسًا) أي كنا جالسين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ) بسكون الذال فجائية رابطة لجواب بينما المقدرة (جاءه) صلى الله عليه وسلم (رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (فسلم) الرجل (عليه) صلى الله عليه وسلم والتقدير: بينما أوقات جلوسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجأنا مجيء رجل من الأنصار فتسليمه على النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أدبر الأنصاري) أي جعل دبره مقبلًا إلينا للذهاب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أخا الأنصار كيف) حال (أخي سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي هل هو طيب أم وجع وفي هذا دليل على حسن التعاهد وتفقد الإخوان والسؤال عن أحوالهم إذا فقدوا وعلى الاستلطاف في السؤال عنهم (فقال) الرجل في جواب سؤاله صلى الله عليه وسلم عنه: هو (صالح) الآن أي طيب خفيف الوجع (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده: (من يعوده) ويزوره للعيادة عن مرضه موجود (منكم) ففي هذا حض على عيادة المرضى وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة تدل على ندبيتها وكثرة ثواب فاعلها وهي مندوبة وقد تجب إذا خيف على المريض ضياع فإن التمريض واجب على الكفاية فإذا قام به أحد سقط الحرج عن غيره والله أعلم اهـ من

فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ. وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ. مَا عَلَينَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ وَلَا قَلانِسُ وَلَا قُمُصٌ. نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ. فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ. حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ. (2019) (893) - (33) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) حَدَّثَنَا شعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المفهم (فقام) رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه لزيارته (وقمنا) نحن (معه) صلى الله عليه وسلم. (ونحن) القائمون معه صلى الله عليه وسلم مبتدأ خبره (بضعة عشر) رجلًا كذا بالبناء على فتح الجزأين كما في اللسان وتثبت الهاء في بضع مع المذكر كما هنا وتحذف مع المؤنث فيقال: بضع عشرة امرأة والبضع بكسر الباء وسكون الضاد ما بين العقود من الآحاد (ما علينا) أي ما على أقدامنا (نعال) جمع نعل (ولا خفاف) جمع خف (ولا) على رؤوسنا (قلانس) جمع قلنسوة شيء يليس في الرأس طويل مثل طاقية طويلة (ولا قمص) جمع قميص حالة كوننا (نمشي) بأرجلنا (في تلك السباخ) المعروفة بالمدينة جمع سبخة بوزن كلبة مخفف سبخة بوزن كلمة وهي كما في النهاية الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر (حتى جئناه) غاية للمشي أي ماشين بأرجلنا في تلك السباخ الصعبة إلى مجيئنا سعدًا والسين والتاء في قوله (فاستأخر قومه) زائدتان أي تأخر قومه وعشيرته (من حوله) أي من حول سعد وجانبه أي رجعوا من جوانبه إلى ورائهم (حتى دنا) وقرب (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين) جاؤوا (معه) صلى الله عليه وسلم إلى سعد المريض قال النواوي: في هذا الحديث بيان ما كانت عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الزهد في الدنيا والتقلل منها واطراح فضولها وعدم الاهتمام بفاخر اللباس ونحوه وفيه جواز المشي حافيًا وعيادة الإمام والعالم المريض مع أصحابه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (2019) (893) (33) (حدثنا محمد بن بشار العبدي) البصري (حدثنا محمد يعني ابن جعفر) المدائني أبو جعفر البزاز بزايين صدوق من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج

عَنْ ثَابِتٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". (2020) (0) (0) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا. فَقَال لَهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (قال) ثابت: (سمعت أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه حالة كونه (يقول) وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله بصريون إلا محمد بن جعفر فإنه مدائني: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر) الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه اهـ نواوي أو الصبر المأجور عليه صاحبه والمحمود عليه فاعله هو ما كان (عند الصدمة الأولى) أي عند مفاجأة المصيبة لكثرة المشقة فيه بخلاف ما بعد ذلك فإنه على مرور الأيام يسلو والمراد بالصدمة الأولى كل مكروه حصل بغتة وأصل الصدم كما في النهاية ضرب الشيء الصلب بمثله ثم استعمل مجازًا في كل مكروه حصل بغتة والصدمة المرة منه وفي تيسير المناوي: الصبر العظيم الثواب عند أول صدمة أي ما كان عند فورة المصيبة وابتدائها وبعد ذلك تنكسر حدة المصيبة وحرارة الرزية اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 217) والبخاري (2 130) وأبو داود (3124) والترمذي (987) والنسائي (4/ 22) وابن ماجه (1596). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2020) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) (أخبرنا شعبة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بيان متابعة عثمان بن عمر لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى) ومر (على امرأة تبكي) لم أر من ذكر اسمها (على صبي لها) قد مات وهذا البكاء منها كان معه ما ينكر من رفع صوت أو غيره كالجزع وأما نفس البكاء فعلى ما تقدم من الإباحة اهـ مفهم (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه

"اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي" فَقَالتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي، فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ. فَأَتَتْ بَابَهُ. فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ الله، لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَال: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ" أَوْ "عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (اتقي) أيتها الباكية عقاب (الله) سبحانه وتعالى (واصبري) على مصيبتك (فقالت) له صلى الله عليه وسلم اسكت عني (و) أنت (ما تبالي) ولا تكترث ولا تعتني (بمصيبتي) ولم تصب بمثلها ولم تذقها يقال: باليته وباليت به أي ما تكترث بها والظاهر من قولها هذا أنها لعظيم حزنها لم تعرفه ولم تكن رأته قبله فلما أخبرت بأنه النبي صلى الله عليه وسلم أخذها مثل الموت خوفًا من سوء ما جاوبت به النبي صلى الله عليه وسلم وتوهمت أنه على سيرة الملوك فقالت اعتذارًا: لم أعرفك ولما أتت بابه صلى الله عليه وسلم لم تجد عليه بوابين يمنعون الناس من الدخول عليه كما هو عادة الملوك وعبارة العون هنا: قوله: (وما تبالي) بصيغة المخاطب المعروف من باب المفاعلة يقال بالاه وبالى به مبالاة أي اهتم به واكترث له قال في النهاية: يقال: ما باليته وما باليت به أي لم أكترث به اهـ والمعنى أنت لا تبالي بمصيبتي ولا تعبأ بها ولا تعتني ولا تهتم بشأنها قال أصحاب اللغة اكترث له بالى به يقال: هو لا يكترث لهذا الأمر أي لا يعبأ به ولا يباليه وقال بعضهم الاكتراث الاعتناء ولفظ المصابيح من رواية الشيخين (فإنك لم تصب) على بناء المجهول أي لم تبتل (بمصيبتي) أي بعينها أو بمثلها على زعمها (فلما ذهب) صلى الله عليه وسلم من عندها (قيل لها: إنه) أي إن القائل الآمر لك بالصبر والتقوى هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها) حزن وهم (مثل الموت) خوفا من سوء أدبها في ردها عليه وحياء منه صلى الله عليه وسلم (فأتت بابه) صلى الله عليه وسلم اعتذارًا إليه مما وقع منها (فلم تجد على بابه بوابين) أي حجابين يمنعون الناس من الدخول عليه لأن ذلك كان من عادته لتواضعه ومجانبة أحوال المترفين والمتكبرين لأنه كان عبدًا نبيًّا لا نبيًّا ملكًا صلى الله عليه وسلم اهـ مفهم (فقالت) في اعتذارها: (يا رسول الله لم أعرفك) حين جاوبتك فلا تؤاخذني على سوء أدبي وجوابي. (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر) الشاق الصعب على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو (عند أول صدمة أو) قال الرسول صلى الله عليه وسلم أو الراوي: (عند أول الصدمة) بتعريف الصدمة والشك من الراوي أو ممن دونه أي عند هجوم المصيبة

(2021) (0) (0) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرمٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحرارتها فإنه يدل على قوة النفس وتثبتها وتمكنها في مقام الصبر وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك ولذلك قيل: يجب على العاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث ولهذا المعنى أبيح للمصابة أن تحد على غير زوجها ثلاثًا لا غير إذ بعدها تبرد المصيبة غالبًا وأما دوام الإحداد إلى أربعة أشهر وعشرة للمتوفى عنها زوجها فلمعنى يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. قال القرطبي: ومعنى هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صادمته هذه المرأة بقولها: إليك عني كما رواه البخاري وبقولها: ما تبالي بمصيبتي وهو سوء أدب تأذى به قابل ذلك بالصبر وحلم عنها ولم يؤاخذها به مع تمكنه من ذلك فحصل من الصبر على أشقه على النفوس وأعظمه في الثواب هذا ما سمعناه في هذا ويحتمل عندي أن ينجر مع هذه المرأة منه معنى وذلك أنها لما شاهدت قبر ابنها تجددت عليها مصيبتها فكان ابتداء تجددها صدمة أولى صدمتها فلم تصبر حتى غشيها من الجزع ما سدها عن معرفة من كلمها ثم لما أفاقت من ذلك جاءت معتذرة مظهرة للتجلد فقال لها ذلك منبهًا على أنها قد فاتها محل الصبر والأجر والله أعلم اهـ مفهم قال الحافظ: في هذا الحديث كثير من الفوائد منها ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بالجاهل ومسامحة المصاب وقبول اعتذاره وملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها أن القاضي لا ينبغي له أن يتخذ حاجبا يحجبه عن قضاء حوائج الناس ومنها أن الجزع من المنهيات لأمره لها بالتقوى مقرونًا بالصبر اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2021) (0) (0) (وحدثناه يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري ثقة من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري ثقة من (8) (ح وحدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول من أكرم الرباعي (العمي) البصري ثقة من (11) (حدثنا عبد الملك بن عمرو) القيسي أبو عامر العقدي البصري ثقة من (9) (ح وحدثني أحمد بن إبراهيم) بن كثير البغدادي (الدورقي) نسبة إلى بلدة بفارس ثقة من

حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، بِقِصَّتِهِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث البصري صدوق من (9) (قالوا جميعًا) أي كل من خالد وعبد الملك وعبد الصمد (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري ثقة من (7) (بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أنس (نحو حديث عثمان بن عمر بقصته) أي مع ذكرهم قصة ذكرت في حديث عثمان بن عمر من قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها ... إلخ غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة خالد بن الحارث وعبد الملك بن عمرو وعبد الصمد بن عبد الوارث لعثمان بن عمر في رواية هذا الحديث عن شعبة (و) لكن (في حديث عبد الصمد) بن عبد الوارث (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة) باكية (عند قبر) صبي لها وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول منها حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على أول الترجمة والثاني حديث أسامة بن زيد ذكره للاستشهاد به لحديث أم سلمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا والرابع حديث عبد الله بن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على وسط الترجمة والخامس حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

402 - (20) باب ما جاء أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه

402 - (20) باب ما جاء أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه (2022) (894) - (34) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ بِشْرٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عُمَرَ قَال: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ الله؛ أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ. فَقَال: مَهْلًا يَا بُنَيَّةُ، أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيهِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 402 - (20) باب ما جاء أن الميت يعذب ببكاء الحي عليه (2022) (894) (34) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير جميعًا عن) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي (قال أبو بكر: حدثنا محمد بن بشر العبدي عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني (قال) عبيد الله: (حدثنا نافع) العدوي مولاهم أبو عبد الله المدني (عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة. (أن) أختي (حفصة) بنت عمر رضي الله تعالى عنها (بكت على) والدنا (عمر) بن الخطاب حين طعن أبي صاحت عليه (فقال) عمر لها (مهلًا) أي أمهليني مهلًا وأنظريني إنظارًا (يا بنية) لأكلمك لحظة (ألم تعلمي) بهمزة الاستفهام التقريري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يعدب ببكاء أهله عليه) يحمل البكاء هنا على النياحة توفيقًا بين الروايات وهو رفع الصوت بالبكاء والحديث محمول على ما إذا أوصى الميت بالنياحة عليه كما كان يفعل أهل الجاهلية ونفذت وصيته ومن الوصية بذلك قول طرفة بن العبد: إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يا ابنة معبد فحينئذ كما قال ابن الملك يصير معذبًا بفعله لا بفعل غيره فلا معارضة بينه وبين قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} وحمله أبو داود وطائفة على ظاهره فيمن لم يوص ألا يبكى عليه فيعذب لتفريطه في ترك الوصية وتركه ما أمره الله به في قوله {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} اهـ أبي وانفرد المؤلف بهذه الرواية عن أصحاب الأمهات. قال النواوي: (قوله: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وفي رواية: (ببعض بكاء أهله عليه) وفي رواية: (ببكاء الحي عليه) وفي رواية: (يعذب في قبره بما نيح عليه) وفي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية: (من يبك عليه يعذب) وهذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما وأنكرت عائشة ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه عليهما وأنكرت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك واحتجت بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} قالت وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يهودية (إنها تعذب وهم يبكون عليها) يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها عليها لا بسبب البكاء. واختلف العلماء في هذا الحديث الذي اختلفت الروايات فيه فتأوله الجمهور على من وصى بأن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه قالوا: فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} قالوا: وكان من عادة العرب الوصية بذلك قالوا: فخرج الحديث مطلقًا حملًا على ما كان معتادًا لهم وهذا أصح التأويلات كما سيأتي. وقالت طائفة: هذا الحديث محمول على من أوصى بالبكاء والنوح عليه أو لم يوص بتركهما فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه وحاصل هذا القول إيجاب الوصية بتركهما ومن أهملها عذب بهما. وقالت طائفة: معنى الحديث أنهم كانوا ينوحون على الميت ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم وتلك الشمائل قبائح في الشرع يعذب بها كما كانوا يقولون: يا مرمل النسوان ومخرب العمران ومفرق الأخدان ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرًا وهو حرام شرعًا. وقالت طائفة: معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره وقال القاضي عياض: وهو أولى الأقوال واحتجوا بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال: (إن أحدكم إذا بكى استعبر به صويحبه) يعني الميت فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم وقالت عائشة: معنى الحديث أن الكافر أو غيره من أصحاب الذنوب يعذب في حال بكاء أهله عليه بذنبه لا ببكائهم والصحيح من هذه الأقوال الأربعة قول الجمهور المذكور أولًا كما مر هناك

(2023) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيهِ". (2024) (0) (0) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمع كل الطوائف على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2023) (0) (0) (حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري الملقب ببندار (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يحدث عن سعيد بن المسيب) بن حرب القرشي المخزومي أبي محمد المدني سيد التابعين (عن ابن عمر عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي وفيه التحديث والعنعنة ورواية صحابي عن صحابي وولد عن والده وتابعي عن تابعي وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب لنافع وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه) ما مصدرية نيح ماض مبني للمجهول صلة لما المصدرية أي بالنوح عليه أي رفع الصوت بالبكاء عليه. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد (2/ 61) والبخاري (1292) والترمذي (1000) وابن ماجه (1593). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2024) (0) (0) (وحدثناه محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن عمر) رضي الله تعالى عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم

قَال: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيهِ". (2025) (0) (0) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أُغْمِيَ عَلَيهِ. فَصِيحَ عَلَيهِ. فَلَمَّا أَفَاقَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي وغرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه) أي بالنوح عليه إذا أوصاه ونفذت وصيته ولا وجه لتكرار المتن هنا على هذه النسخة لأنها مثل الرواية التي قبلها والحق أن يقال: بمثله ولكن في بعض النسخ: (يعذب) بالبناء للفاعل (في قبره ما نيح عليه) بحذف الباء الجارة وجملة ما المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية أي يعذب الميت في قبره النوح عليه أي رفع الصوت بالبكاء عليه أي يعذب بسببه وأيضًا فيه حذف لفظة (في قبره) وعلى هذه النسخة فلتكرار المتن وجه لما بين الروايتين من المخالفة بإثبات الباء الجارة وحذفها وبإثبات لفظة (في قبره) وحذفها كما ذكره النواوي هذا ما ظهر لفهمي السقيم ولم أر من ذكره من الشراح ولكن أشار إليه النواوي بقوله في الرواية الأولى: إنه روى بإثبات الباء الجارة وبحذفها اهـ والباء على إثباتها سببية وما موصولة أو مصدرية أي بسبب ما نيح عليه مثل واجبلاه بأن يزعم أنه كان كجبل يلاذ به ويا مؤيم النسوان ويا مؤتم الولدان ومخرب العمران ومفرق الأخدان ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرًا وهو كما قال النواوي: حرام شرعًا أو بسبب النياحة وعلى تقدير حذف الباء تكون ما مصدرية ظرفية أي يعذب مدة النوح عليه أو مصدرية مجردة أي يعذبه النوح عليه كما مر آنفًا والله أعلم اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2025) (0) (0) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي قاضي الموصل (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان السمان القيسي مولاهم المدني (عن ابن عمر قال: لما طعن عمر) بن الخطاب بالخنجر وهو سكين حاد الجانبين طعنه كافر من كفار العجم وهو يصلي بالناس الصبح بخنجر في خاصرته وتحت سرته لست بقين من ذي الحجة وتوفي في سلخه سنة ثلاث وعشرين من الهجرة (23) رضي الله عنه وأرضاه (أغمي عليه) أي غشي عليه لشدة الألم (فصيح عليه) أي رفع الصوت بالبكاء عليه (فلما أفاق) عمر من إغمائه (قال) لمن عنده.

أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ؟ ". (2026) (0) (0) حدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعدي. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ، جَعَلَ صُهَيبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهْ! فَقَال لَهُ عُمَرُ: يَا صُهَيبُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عليه" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي وواحد مروزي غرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح لنافع وسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن ابن عمر. أي فلما أفاق عمر قال لمن عنده: (أما) بهمزة الاستفهام التقريري وما النافية أو للاستفتاح أي قد (علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء الحي) بكاء مع رفع الصوت والندب سواء كان الباكي من أهل الميت أم لا فليس مختصًا بأهله وقوله: (ببكاء أهله) خرج مخرج الغالب لأن المعروف أنه إنما يبكى على الميت أهله والمراد بالحي المقابل للميت أو المراد بالحي القبيلة ويراد به قبيلة الميت لأنه في تقدير حيه فيوافق قوله في الرواية الأخرى: (ببكاء أهله عليه) أفاده القسطلاني وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2026) (0) (0) (حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (حدثنا علي بن مسهر) الكوفي (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أبي إسحاق الكوفي ثقة من (5) (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي الفقيه ثقة من (3) (عن أبيه) أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه (قال) أبو موسى (لما أصيب عمر) بن الخطاب أي جرح بالخنجر الجراحة التي مات منها على ما تقدم (جعل) أي شرع (صهيب) بن سنان النينوي الأصل الرومي المنشإ أبو يحيى المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه يبكي وينوح على عمر و (يقول) في نوحه: (واأخاه) بألف الندبة وهاء السكت ساكنة (فقال له عمر) منكرًا عليه بكاءه لرفعه صوته بقوله: واأخاه خوفًا من استصحابه ذلك أو زيادته عليه بعد موته: (يا صهيب أما علمت) أي قد علمت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه) أي

(2027) (0) (0) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا شُعَيبُ بْنُ صَفْوَانَ أَبُو يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ قَال: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ أَقْبَلَ صُهَيبٌ مِنْ مَنْزِلِهِ. حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ. فَقَامَ بِحِيَالِهِ يَبْكِي. فَقَال عُمَرُ: عَلامَ تَبْكِي؟ أَعَلَيَّ تَبْكِي؟ قَال: إِي ـــــــــــــــــــــــــــــ المقابل للميت أو المراد بالحي القبيلة وتكون اللام فيه عوضًا عن الضمير المضاف إليه والتقدير: يعذب ببكاء حيه أي قبيلته وعشيرته عليه فيوافق قوله في الرواية الأخرى (ببكاء أهله عليه) وهو صريح في أن الحكم ليس خاصًّا بالكافر وظاهره أن صهيبًا سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نسيه حتى ذكره به عمر رضي الله عنه اهـ من القسطلاني كما مر. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي موسى الأشعري لابن عمر في رواية هذا الحديث عن عمر بن الخطاب وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة ورواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي وولد عن والد وهذه الرواية شارك المؤلف في روايتها البخاري. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2027) (0) (0) (وحدثني علي بن حجر) السعدي المروزي (أخبرنا شعيب بن صفوان) بن الربيع الثقفي (أبو يحيى) الكوفي كاتب عبد الله بن شبرمة الضبي روى عن عبد الملك بن عمير في الجنائز والفتن وأبي إسحاق ويروي عنه (م س) وعلي بن حجر وثقه أحمد وابن حبان وقال أبو حاتم: لا يحتج به ويكتب حديثه وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، له في (م) حديث واحد وقال في التقريب: مقبول من السابعة (عن عبد الملك بن عمير) مصغرًا اللخمي الكوفي ثقة فقيه تغير حفظه من (3) روى عنه في (15) بابا (عن أبي بردة بن أبي موسى) الكوفي ثقة من (3) (عن أبي موسى) الأشعري (قال) أبو موسى: (لما أصيب) وطعن (عمر أقبل) أي جاء (صهيب) بن سنان الرومي (من منزله) أي من بيته (حتى دخل على عمر) في بيت عمر (فقام) صهيب (بحياله) أي بحيال عمر وحذائه ومقابله حالة كون صهيب (يبكي) على عمر (فقال عمر) لصهيب: (علام تبكي) أي على أيِّ شيء تبكي وهو مركب من على الجارة وما الاستفهامية حذفت ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة إذا دخل عليها حرف الجر (أ) أي هل (عليَّ تبكي قال) صهيب: (إي) أي نعم

وَاللهِ. لَعَلَيكَ أَبْكِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَال: وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ يُبْكَى عَلَيهِ يُعَذَّبُ". قَال: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ. فَقَالطَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنَّمَا كَانَ أُولئِكَ الْيَهُودَ. (2028) (0) (0) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (والله لعليك أبكي يا أمير المومنين قال) عمر: (والله لقد علمت) يا صهيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبكى عليه يعذب) بالبناء للمجهول في الفعلين بسبب البكاء عليه قال النواوي: هكذا هو في الأصول (يبكى) بإثبات الألف التي أصلها الياء في آخره وهو صحيح وتكون من موصولة بمعنى الذي والتقدير الذي يبكي عليه أهله يعذب بسبب البكاء عليه ويجوز أن تكون من شرطية جازمة وإثبات الألف حينئذ على لغة لبعض العرب كقولهم: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد بإثبات الياء في يأتيك مع دخول ألم عليه وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مروزي غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لأبي إسحاق الشيباني في رواية هذا الحديث عن أبي بردة. (قال) عبد الملك بن عمير بالسند السابق: (فذكرت ذلك) الحديث الذي سمعته من أبي بردة (لموسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبي محمد المدني ثقة من (2) (فقال) موسى بن طلحة: (كانت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (تقول: إنما كان أولئك) المعذبون ببكاء أهلهم عليهم وهو اسم كان وخبرها قوله: (اليهود) أي أولئك المعذبون ببكاء أهلهم هم اليهود والكافرون لا المسلمون لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2028) (0) (0) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان البصري ثقة من كبار (10) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أبو سلمة البصري ثقة من (8) (عن ثابت)

عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، لَمَّا طُعِنَ، عَوَّلَتْ عَلَيهِ حَفْصةُ. فَقَال: يَا حَفْصَةُ، أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْمُعَوَّلُ عَلَيهِ يُعَذَّبُ"؟ وَعَوَّلَ عَلَيهِ صُهَيبٌ. فَقَال عُمَرُ: يَا صُهَيبُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيهِ يُعَذَّبُ؟ (2029) (895) - (35) حدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي مُلَيكَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أسلم بن موسى البناني أبي محمد البصري ثقة من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه. وهذا السند من. سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي وفيه رواية صحابي عن صحابي غرضه بسوقه بيان متابعة أنس بن مالك لابن عمر وأبي موسى الأشعري في رواية هذا الحديث عن عمر بن الخطاب. (لما طعن) وجرح الجراحة التي مات بها (عوّلت) أي صاحت (عليه) ابنته (حفصة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أي رفعت صوتها بالبكاء والصياح عليه (فقال) عمر: (يا حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المعوّل عليه) أي الميت الذي عوّل عليه وصيح بالبكاء عليه (يعذب) بما عوّل عليه وفي نهاية ابن الأثير: المعوّل عليه اسم مفعول من أعول إعوالًا إذا بكى رافعًا صوته ويروى بفتح العين وتشديد الواو المفتوحة للمبالغة والعويل صوت الصدر بالبكاء، قيل: أراد به من يوصي بذلك، أو كافرًا، أو شخصًا بعينه علم بالوحي حاله اهـ. (وعوَّل) أيضًا أي رفع صوته بالبكاء (عليه صهيب) بن سنان (فقال) له (عمر: يا صهيب أما علمت أن المعوّل عليه يعذب) بما عوَّل عليه أهله. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: (2029) (895) (35) (حدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه الأسدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة من (8) (حدثنا أيوب) السختياني بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري ثقة من (5).

قَال: كُنْتُ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ. وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جَنَازَةَ أُمِّ أَبَانٍ بِنْتِ عُثْمَانَ. وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ. فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدٌ. فَأُرَاهُ أَخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عُمَرَ. فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي. فَكُنْتُ بَينَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن عبد الله) بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي الأحول أبي بكر المكي كان قاضيًا بمكة على عهد ابن الزبير روى عن عائشة في الصلاة والصوم والعلم وابن عمرو في الجنائز وابن عباس والقاسم في القدر والنكاح والحشر والفضائل وعباد بن عبد الله بن الزبير في الزكاة والمسور بن مخرمة في الزكاة والفضائل وذكوان مولى عائشة في النكاح وعبد الله بن الزبير في النكاح والفضائل وأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن عمرو في دلائل النبوة وعبد الله بن جعفر في الفضائل وحميد بن عبد الرحمن بن عوف في ذكر المنافقين فجملة ماروى عنه المؤلف فيها عشرون بابًا تقريبًا ويروي عنه (ع) وأيوب وابن جريج وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وحميد الطويل في الصوم ونافع بن عمر في الأحكام وغيره وخلق قال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وقال العجلي: مكي تابعي ثقة وقال في التقريب: ثقة فقيه من الثالثة مات سنة (117) سبع عشرة ومائة وقد أدرك ثلاثين (30) من الصحابة. (قال) ابن أبي مليكة: (كنت جالسًا إلى جنب ابن عمرو ونحن) معاشر المجتمعين هناك (ننتظر) حضور (جنازة أم أبان بنت عثمان) لم أر من ذكر اسمها وكان وفاتها بمكة كما سيأتي لنصلِّي عليها (وعنده) أي وعند ابن عمر (عمرو بن عثمان) أخوها وبه يكنى سيدنا عثمان (فجاء ابن عباس) حالة كونه (يقوده قائد) أي يتقدمه إنسان آخذًا بيده لأنه كان قد عَمِي في كبره قال ابن أبي مليكة (فأراه) أي فأظن قائد ابن عباس (أخبره) أي أخبر لابن عباس (بمكان) جلوس (ابن عمر) رضي الله عنهما (فجاء) ابن عباس ودنا إلينا (حتى جلس إلى جنبي) أي إلى جانبي قال ابن أبي مليكة: (فكنت) أنا جالسًا (بينهما) أي بين ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. وفي هذا دليل على جواز الجلوس والاجتماع لانتظار الجنازة واستحبابه وأما جلوسه بين ابن عمر وبين ابن عباس وهما أفضل بالصحبة والعلم والفضل والصلاح والنسب والسن وغير ذلك مع أن الأدب أن المفضول لا يجلس بين الفاضلين إلا لعذر فمحمول على عذر إما لأن ذلك الموضع أرفق بابن عباس وإما لغير ذلك والله أعلم اهـ نواوي.

فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ (كَأَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَى عَمْرٍو أَنْ يَقُومَ فَيَنْهَاهُمْ): سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ" قَال: فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ الله مُرْسَلَةً. فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيدَاءِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ نَازِلٍ فِي شَجَرَةٍ. فَقَال لِي: اذْهَبْ فَاعْلَمْ لِي مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ. فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإذا) فجائية (صوت) مرتفع (من) جهة (الدار) التي فيها الجنازة أي فاجأنا صوت مرتفع من جهة دار الجنازة من أصوات النائحات (فقال ابن عمر كأنه) أي كان ابن عمر (يعرض على عمرو) بن عثمان أخيها أي يطلب منه على سبيل التعريض (أن يقوم فينهاهم) أي فينهى الباكين ويزجرهم عن البكاء والنوح أي قال ابن عمر معرضا لعمرو: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد بغدادي. أي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله) عليه (قال) عبد الله بن أبي مليكة: (فأرسلها) أي أرسل روايته لهذا الحديث (عبد الله) بن عمر وجعلها (مرسلة) أي عامة غير مقيدة ببعض كما ذكره ابن عباس عن عمر كذلك ولا بيهودي كما ذكرته عائشة كذلك ولا بوصية كما قيده بذلك بعضهم اهـ أبي. قال النواوي: معناه أن ابن عمر أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحي ولم يقيده بيهودي كما قيدته عائشة ولا بوصية كما قيده آخرون ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبوه عمر كذلك رضي الله عنه اهـ. قال عبد الله بن أبي مليكة بالسند السابق: (فقال ابن عباس) رضي الله عنهما: (كنا مع أمير المومنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه) في طريق مكة (حتى إذا كنا بالبيداء) اسم موضع بين مكة والمدينة قريب إلى المدينة وهي في الأصل المفازة التي لا شيء فيها وإذا في قوله (إذا هو) أي عمر راءٍ (برجل نازل في) ظل (شجرة) فجائية رابطة لجواب إذا الشرطية أعني إذا الأولى لكون الجواب جملة اسمية أي حتى إذا كنا بالبيداء فاجأه رؤية رجل نازل في ظل شجرة (فقال لي) عمر: (اذهب) إلى هذا الرجل النازل (فاعلم لي) أي فاعرف لي (من ذاك الرجل) أي أيٌّ هو قال ابن عباس: (فذهبت) إلى ذلك الرجل (فإذا هو) أي ذلك الرجل (صهيب) بن سنان بن قاسط بالقاف وكان من

فَرَجَعْتُ إِلَيهِ. فَقُلْتُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَعْلَمَ لَكَ مَنْ ذَاكَ. وَإِنَّهُ صُهَيبٌ. قَال: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا. فَقُلْتُ: إِنَّ مَعَهُ أَهْلَهُ. قَال: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ (وَرُبَّمَا قَال أَيُّوبُ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا). فَلَمَّا قَدِمْنَا لَمْ يَلْبَثْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أُصِيبَ. فَجَاءَ صُهَيبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهْ، وَاصَاحِبَاهْ! فَقَال عُمَرُ: أَلَمْ تَعْلَمْ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ السابقين الأولين المعذبين في الله رضي الله عنه (فرجعت إليه) أي إلى عمر (فقلت) له: (إنك أمرتني) آنفًا (أن أعلم) وأعرف (لك من ذاك) الرجل النازل تحت الشجرة فذهبت إليه (وإنه صهيب قال) عمر: اذهب إليه و (مره) بأن يلحق بنا (فليلحق بنا) أي فليذهب معنا (فقلت) لعمر: (إن معه أهله) فلا يمكن أن يلحق بنا (قال) عمر: مره باللحوق بنا (وإن كان معه أهله وربما قال أيوب) السختياني في روايته عن ابن أبي مليكة أي ربما زاد بعد قوله وإن كان معه أهله لفظة: (مره فليلحق بنا) أي وإن كان معه أهله مره فليلحق بنا وهذا من كلام ابن علية قال ابن عباس: (فلما قدمنا) المدينة من مكة (لم يلبث) أي لم يمكث (أمير المؤمنين) عمر بن الخطاب أي لم يتأخر عن (أن أصيب) وطعن أبي لم يمض زمان كثير بين إقامته وإصابته (فجاءه) (صهيب) حالة كونه يبكي و (يقول) في بكائه (واأخاه واصاحباه) بألف الندبة فيهما لتطويل مد الصوت وليست علامة إعراب في الأسماء الستة. والهاء للسكت لا ضمير لكن الشرط في المندوب أن يكون معروفًا فيقدر أن الأخوة والصاحِبِيّة كانا معلومين معروفين حتى يصح وقوعهما للندبة والندبة نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه كواظهراه. (فائدة) وإعراب (واأخاه) وا: حرف نداء وندبة مبنية على السكون أخا منادى مندوب مضاف منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة لالتقائها ساكنة مع ألف الندبة منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة للياء الممنوعة بالفتحة المناسبة لألف الندبة لأن أصله يا أخي يا صاحبي أخ مضاف وياء المتكلم المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الجر مضاف إليه مبنية على السكون والألف حرف ندبة جيئ بها لمد الصوت مبنية على السكون والهاء حرف سكت مبني على السكون وكذا يقال في صاحباه. (فقال عمر) بن الخطاب لصهيب: (ألم تعلم) يا صهيب بهمزة الاستفهام التقريري أي ألم تعلم يا صهيب أن رسول الله قال (أو) بفتح الهمزة وسكون الواو للشك من ابن

لَمْ تَسْمَعْ (قَال أَيُّوبُ: أَوْ قَال: أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ". قَال: فَأَمَّا عَبْدُ الله فَأَرْسَلَهَا مُرْسَلَةً. وَأَمَّا عُمَرُ فَقَال: بِبَعْضِ. فَقُمْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ. فَحَدَّثْتُهَا بمَا قَال ابْنُ عُمَرَ. فَقَالتْ: لَا وَاللهِ! مَا قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَطُّ: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ". وَلكِنَّهُ قَال: "إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا. وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس أو ممن دونه أو قال عمر أو ابن عباس: أ (لم تسمع) يا صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخ (قال أيوب) السختياني: (أو قال) لنا ابن أبي مليكة: (أو) بفتح الواو العاطفة على محذوف والهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف تقديره: أتبكي يا صهيب و (لم تعلم) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أ) تبكي يا صهيب (ولم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله) بزيادة لفظة بعض في رواية عمر قيده ببعض البكاء فحمل على ما فيه نياحة جمعًا بين الأحاديث اهـ قسط (قال) ابن أبي مليكة: (فأما عبد الله) بن عمر (فأرسلها) أي ساق روايته (مرسلة) أي مطلقة غير مقيدة بلفظ بعض ولا بغيره (وأما) أبوه (عمر) بن الخطاب (فقال) أي ساق روايته مقيدًا: (بـ) لفظ (بعض) حين قال: (ليعذب ببعض بكاء أهله) وذلك البعض هو ما اشتمل على النوح والندب ورفع الصوت كما مر مرارًا. قال ابن أبي مليكة بالسند السابق: (فقمت) من ذلك المجمع (فدخلت على عائشة) رضي الله عنها (فحدثتها بما قال ابن عمر) من قوله: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله) (فقالت) عائشة: (لا) أي ليس الأمر كما قال ابن عمر (والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط) أي في زمن من أزمنة حياته ففيه الحلف على غلبة الظن (إن الميت يعذب ببكاء أحد) من الناس (ولكنه) صلى الله عليه وسلم (قال: إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابًا) على عذاب الكفر (و) كيف يعذب ببكاء أهله (إن الله لهو أضحك) أي لهو الذي أظهر الضحك ممن ضحك (وأبكى) أي أظهر البكاء ممن بكى. وهذا تقرير لنفي ما ذهب إليه ابن عمر من أن الميت يعذب ببكاء أهله وذلك أن بكاء الإنسان وضحكه وحزنه وسروره من الله تعالى يظهرها فيه فلا أثر في ذلك يعني أن

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]. قَال أَيُّوبُ: قَال ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَال: لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ قَالتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُوني عَنْ غَيرِ كَاذِبَينِ وَلَا مُكَذَّبَينِ. وَلكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ ـــــــــــــــــــــــــــــ العَبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها فكيف يعاقب عليها فضلًا عن الميت اهـ نواوي حسبكم القرآن أي كافيكم حجة على ما قلنا قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} أي لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها. (قال أيوب) السختياني بالسند السابق: (قال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (قال) القاسم: (لما بلغ عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (قول عمر وابن عمر قالت) عائشة: (إنكم) أيها المؤمنون (لتحدثوني) هذا الحديث (عن غير كاذبين) أي عن رجلين غير قاصدين الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم (ولا مكذبين) بصيغة اسم المفعول أي غير منسوبين إلى الكذب فيما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم (ولكنّ) بتشديد النون (السمع) منهما قد (يخطئ) ويغلط فيظن أنه سمع بما لم يسمع. وفي العون: وإنكار عائشة لعدم بلوغ الخبر إليها من وجه آخر فحملت الخبر على الخبر المعلوم عندها بواسطة ما ظهر لها من استبعاد أن يعذب أحد بذنب آخر وقد قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} لكن الحديث ثابت بوجوه كثيرة وله معنى صحيح وهو حمله على ما إذا رضي الميت ببكائهم وأوصى به أو علم من دأبهم أنهم يبكون ولم يمنعهم من ذلك فلا وجه لإنكارها ولا إشكال في الحديث قاله في فتح الودود اهـ. قال الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا الحديث أحد الأحاديث التي ردتها عائشة على عمر واستدركتها ووهمت فيه ابن عمر والصواب مع ابن عمر فإنه حفظه ولم يتهم فيه وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبوه عمر بن الخطاب وهو في الصحيحين وقد وافقه من حضره من جماعة الصحابة كما أخرجا في الصحيحين عن ابن عمر قال: لما طعن عمر أغمي عليه فصيح عليه فلما أفاق قال: أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه وأخرجا أيضًا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والميت يعذب بما نيح عليه) وأخرجا أيضًا في الصحيحين عن أبي موسى قال: فلما أصيب عمر جعل صهيب يقول: واأخاه فقال له عمر: يا

(2030) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيكَةَ. قَال: تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِمَكَّةَ. قَال: فَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا. قَال: فَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَال: وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَينَهُمَا. قَال: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ صهيب أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبك عليه يعذب وفي الصحيحين عن أنس أن عمر لما طعن أعولت عليه حفصة فقال: يا حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (المعوَّل عليه يعذب) وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه) فهؤلاء عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابنته حفصة وصهيب والمغيرة بن شعبة كلهم يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومحال أن يكون هؤلاء كلهم وهموا في الحديث والمعارضة التي ظنتها أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها بين روايتهم وبين قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} غير لازمة لزم في روايتها أيضًا أن الكافر يزيده الله تعالى ببكاء أهله عذابًا فإن الله تعالى لا يعذب أحد بذنب غيره الذي لا تسبب له فيه فما تجيب به أم المؤمنين من قصة الكافر يجيب به أبناؤها عن الحديث الذي استدركته عليهم اهـ من شرحه على أبي داود. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2030) (0) (0) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ثقة من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن جريج لأيوب السختياني في رواية هذا الحديث عن ابن أبي مليكة (قال) ابن أبي مليكة: (توفيت) أي ماتت (ابنة لعثمان بن عفان بمكة) تقدم أن اسمها أم أبان (قال) ابن أبي مليكة: (فجئنا) أي حضرنا (لنشهدها) أي لنحضر جنازتها للصلاة عليها ودفنها (قال) ابن أبي مليكة: (فحضرها) أي فحضر جنازتها (ابن عمر وابن عباس قال) ابن أبي مليكة: (وإني لجالس بينهما قال) ابن أبي مليكة في بيان كيفية جلوسه بينهما: (جلست) أنا (إلى أحدهما) أي جنب أحدهما الجالسِ قبلي وهو ابن

ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي. فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ مُوَاجِهُهُ: أَلا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيهِ". فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذلِكَ. ثُمَّ حَدَّثَ فَقَال: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ. فَقَال: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاءِ الرَّكْبُ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيبٌ. قَال: فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال: ادْعُهُ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر كما مر في الرواية السابقة (ثم جاء الآخر) وهو ابن عباس (فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان) أخي الجنازة (وهو) أي والحال أن ابن عمر (مواجهه) أي مستقبل لعمرو بن عثمان بوجهه: (ألا تنهى) وتزجر النائحات (عن البكاء) أي عن النياحة حين سمع النياحة من داخل الدار (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) فيما إذا أوصى بأن يبكى عليه ويناح عليه بعد موته فنفذت وصيته فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسببه ومنسوب إليه فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقول الله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى}. فأرسل ابن عمر روايته عن التقييد ببعض بكاء أهله (فقال ابن عباس: قد كان) أمير المؤمنين (عمر) بن الخطاب (يقول بعض ذلك) أي بعض الحديث الذي حدثته يا ابن عمر (ثم حدَّث) ابن عباس أي شرع في بيان حديث عمر (فقال) ابن عباس: (صدرت) أي رجعت قافلًا من الحج (مع عمر) بن الخطاب بعد ما حججنا (من مكة) ودنونا إلى المدينة (حتى إذا كنا بالبيداء) موضع قريب إلى ذي الحليفة (إذا) فجائية (هو) أي عمر راء (بركب) أي أصحاب إبل عشرة فما فوقها مسافرين نازلين (تحت ظل شجرة) أي حتى إذا كنا بالبيداء فاجأه رؤية ركب نازلين في ظل شجرة عظيمة من العضاه. (فقال) لي عمر: (اذهب) إلى هؤلاء الركب (فانظر من هولاء الركب) وفي بعض الهوامش: قوله: (إذا هو بركب) أي مفاجئ بجماعة من الركبان أصحاب الإبل مسافرين والرواية المتقدمة (إذا هو برجل نازل في ظل شجرة) وهو المراد ها هنا أيضًا بقوله: (فانظر من هؤلاء الركب) يعني كبيرهم كما يدل عليه (فنظرت فإذا هو) أي كبيرهم (صهيب) بن سنان الرومي (قال) ابن عباس: (فأخبرته) أي فأخبرت عمر أنه صهيب (فقال) عمر: (ادعه لي) أي

قَال: فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيبٍ. فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا أَنْ أُصِيبَ عُمَرُ، دَخَلَ صُهَيبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَاأَخَاهْ، وَاصَاحِبَاهْ! فَقَال عُمَرُ: يَا صُهَيبُ! أَتَبْكِي عَلَيَّ؟ وَقَدْ قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيهِ". فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِعَائِشَةَ. فَقَالتْ: يَرْحَمُ الله عُمَرَ. لَا وَاللهِ! مَا حَدَّثَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ" وَلكِنْ قَال: "إِنَّ اللهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيهِ". قَال: وَقَالتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] ـــــــــــــــــــــــــــــ اطلب منه الحضور إلي (قال) ابن عباس: (فرجعت إلى صهيب فقلت) له: (ارتحل) أي انتقل من منزلك هذا (فالحق أمير المؤمنين) عمر بن الخطاب فإنه يريد مرافقتك قال ابن عباس: (فلما) شرطية (أن) زائدة بعد لما أي فلما (أصيب) وطعن (عمر) بعد عوده من الحج (دخل صهيب) على عمر حالة كونه (يبكي) عليه وينوح حالة كونه (يقول) في نوحه (واأخاه واصاحباه فقال عمر: يا صهيب أتبكي عليَّ) بهمزة الاستفهام الإنكاري (و) الحال أنه (قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه) قيده ببعض البكاء فحمل على ما فيه نياحة جمعًا بين الأحاديث. (فقال ابن عباس: فلما مات عمر) بن الخطاب (ذكرت ذلك) الحديث الذي حدثه عمر (لعائشة فقالت) عائشة: (يرحم الله عمر) قال الطيبي: هذا من الآداب الحسنة على منوال قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} فاستغربت عائشة من عمر ذلك القول فجعلت قولها (يرحم الله عمر) تمهيدًا ودفعًا لما يوحش من نسبته إلى الخطإ (لا) أي ليس الأمر كما قال عمر (والله ما حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد) من الناس قال في الإرشاد: يحتمل أن يكون جزمها بذلك لكونها سمعت صريحًا من النبي صلى الله عليه وسلم اختصاص العذاب بالكافر أو فهمت ذلك من القرآن (ولكن قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه قال) ابن عباس: (وقالت عائشة: حسبكم القرآن) أي كافيكم أيها المؤمنون قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ} أي نفس آثمة ولا غيرها {وزْرَ أُخْرَى} أي لا تؤاخذ

قَال: وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذلِكَ: وَاللهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. قَال ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ: فَوَاللهِ مَا قَال ابْنُ عُمَرَ مِنْ شَيءٍ. (2031) (0) (0) وحدّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ: كُنَّا فِي جِنَازَةِ أُمِّ أَبَانٍ بِنْتِ عُثْمَانَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَنُصَّ رَفْعَ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَمَا نَصَّهُ أَيُّوبُ وَابْنُ جُرَيجٍ. وَحَدِيثُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ نفس بذنب غيرها (قال) ابن أبي مليكة: (وقال ابن عباس عند ذلك) أي عند إنكار عائشة قول عمر وابن عمر: (والله أضحك وأبكى) تقرير لنفي ما ذهب إليه ابن عمر من أن الميت يعذب ببكاء أهله وذلك أن بكاء الإنسان وضحكه وحزنه وسروره من الله تعالى يظهرها فيه فلا أثر له في ذلك اهـ قسط يعني أن العبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها فكيف يعاقب عليها فضلًا عن الميت اهـ من المرقاة كما مر. (قال ابن أبي مليكة) بالسند السابق: (فوالله ما قال ابن عمر) بعد ما حدث ابن عباس حديث عمر (من شيء) من الكلام أي ما قال شيئًا من الكلام كما هو لفظ البخاري يعني أن ابن عمر سكت بعد ذلك إما تركًا للمجادلة وإما إذعانًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2031) (0) (0) (وحدثنا عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي النيسابوري ثقة من (10) روى عنه في (13) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثقة حجة من (8) (قال) سفيان (عمرو) بن دينار الجمحي المكي ثقة من (4) روى عنه في (22) بابا وعمرو مبتدأ خبره محذوف تقديره: قال سفيان: عمرو بن دينار حدثنا (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن جدعان التيمي المكي ثقة من (3) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن دينار لأيوب السختياني وابن جريج في رواية هذا الحديث عن ابن أبي مليكة قال ابن أبي مليكة: (كنا في جنازة أم أبان بنت عثمان) بن عفان (وساق) عمرو بن دينار (الحديث) السابق الذي روياه عن ابن أبي مليكة (ولم ينص) عمرو أي لم يصرح (رفع الحديث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نصه) أي كما صرح رفع الحديث (أيوب) السختياني (وابن جريج وحديثهما) أي

أَتمُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو. (2032) (0) (0) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ". (2033) (896) - (36) وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَال خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيهِ". فَقَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أيوب وابن جريج (أتم) أي أطول متنًا (من حديث عمرو) بن دينار. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2032) (0) (0) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (أن سالمًا) ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثقة من (3) (حدثه) أي حدث سالم بن عبد الله عمر بن محمد (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي غرضه بسوقه بيان متابعة سالم بن عبد الله لابن أبي مليكة في رواية هذا الحديث عن ابن عمر. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي) ثم استشهد المؤلف لحديث عمر ثانيًا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2033) (896) (36) (وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البزار أبو محمد البغدادي ثقة من (10) (وأبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري ثقة من (10) (جميعًا) أي كل منهما (عن حماد) بن زيد الأزدي البصري ثقة من (8) (قال خلف: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه قال) عروة: (ذكر عند عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بغدادي وبصري أي ذكر عند عائشة (قول ابن عمر: الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقالت) عائشة:

رَحِمَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ. سَمِعَ شَيئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ. إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ. وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيهِ. فَقَال: "أَنْتُمْ تَبْكُونَ وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ". (2034) (0) (0) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيهِ". فَقَالتْ: وَهَلَ. إِنَّمَا قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (رحم الله أبا عبد الرحمن) هو كنية عبد الله بن عمر فقولها: رحم الله تمهيد ودفع لما يوحش من نسبته إلى الخطإ (سمع شيئًا) من النبي صلى الله عليه وسلم: (فلم يحفظه إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي وهم) أي والحال أن اليهود (يبكون عليه) أي على الميت (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم تبكون) عليه (وإنه ليعذب) في قبره بكفره في حال بكاء أهله لا بسبب البكاء لأنه ليس من عمله وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (3129) والنسائي (4/ 18). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2034) (0) (0) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة المدني الأسدي (عن أبيه) عروة بن الزبير (قال: ذكر عند عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة. (أن ابن عمر يرفع) أي يروي رافعًا (إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه فقالت) عائشة: (وَهَلَ) ابن عمر بفتح الواو وفتح الهاء وكسرها أي غلط ونسي وأخطأ قال الهروي: يقال: وهل يهل إلى الشيء إذا ذهب وهمك إليه ومنه قول ابن عمر: (وهل أنس) يريد غلطَ، وقال أبو زيد وهلت في الشيء ووهلت عنه أهل وهلًا نسيت وغلطت ووهلت إلى الشيء أهل وهلًا إذا ذهب وهمك إليه اهـ من المفهم. (إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه) أي إن الميت (ليعذب بخطيئته) أي

أَوْ بِذَنْبِهِ. وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيهِ الآنَ". وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْقَلِيب يَوْمَ بَدْرٍ. وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَقَال لَهُمْ مَا قَال: "إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ" وَقَدْ وَهِلَ. إِنَّمَا قَال: "إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ" ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]. {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]. يَقُولُ: حِينَ تَبَوَّؤُا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعصيته (أو) قالت عائشة: ليعذب (بذنبه) والشك من عروة أو ممن دونه (وإن أهله ليبكون عليه الآن) أي بعد موته ودفنه (وذاك) أي وهله في هذا الحديث يعني إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه (مثل) وهله وخطئه في (قوله) أي في قول ابن عمر: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب) أي على قليب بدر وهو حفرة رميت فيها جيف كفار قريش المقتولين ببدر وفسر بالبئر العادية القديمة ولفظه مذكر ليس كلفظ البئر ولذا قال: (وفيه قتلى بدر) وفي المفهم: والقليب البئر غير المطوية أي قام على قليب بدر (يوم) غزوة (بدر وفيه) أي والحال أن في القليب (قتلى) يوم (بدر من المشركين) والقتلى جمع قتيل كالجرحى جمع جريح. (فقال لهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قال) لهم يعني قوله: هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم حين قيل له: يا رسول الله تنادي ناسًا أمواتًا: (إنهم) أي إن هؤلاء القتلى (ليسمعون ما أقول) لهم وفي مغازي البخاري (ما أنتم بأسمع لما قلت منهم) قالت عائشة: (وقد وهل) وأخطأ ابن عمر في هذا الحديث بقوله: إنهم ليسمعون ما أقول (إنما قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم: (إنهم) أي إن قتلى بدر (ليعلمون أن ما كنت أقول لهم) من التوحيد (حق) أي صدق إذا رأوا جزاء شركهم (ثم قرأت) عائشة استدلالًا على إنكارها سماع الموتى قوله تعالى ({إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}) [النمل: 80] وقوله تعالى ({وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}) [فاطر: 22] (يقول) النبي صلى الله عليه وسلم أي يريد بقوله: (إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول حق) أي ليعلمون حقيته (حين تبوؤا) أي اتخذوا ونزلوا (مقاعدهم) أي منازلهم (من النار) فقولها: (وذاك مثل قوله) إلخ هذا تنظير منها وهله في عذاب الميت ببكاء الحي بوهله في سماع الموتى ذكر الفقهاء في كتاب الأيمان لو حلف لا يكلمه فكلمه ميتًا لا

(2035) (0) (0) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَحَدِيثُ أَبِي أُسَامَةَ أَتَمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحنث لأنها تنعقد على من يفهم والميت لا يفهم لعدم سماعه قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وهذا التشبيه لحال الكفار في عدم إذعانهم للحق بحال الموتى يفيد سماع الموتى إذ هو فرعه وقد قيل في الجمع: سماع موتى كلام الخلق قد وردت ... حقًّا وجاءت به الآثار في الكتب وآية النفي معناها سماع هدى ... لا يقبلون ولا يصغون للأدب اهـ من بعض الهوامش. وقولها: حين تبوؤا مقاعدهم من النار أي اتخذوا منازل منها ونزلوها اهـ منه. قال القرطبي: وحاصل الكلامِ أنها أنكرت ما رواه الثقة الحافظ لأجل أنها ظنت أن ذلك معارض بقوله تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} وبقوله {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ولا تعارض بينهما لوجهين: أحدهما أن الموتى في الآية إنما يراد بهم الكفار فكأنهم موتى في قبورهم والسماع يراد به الفهم والإجابة هنا كما قال تعالى {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} وهذا كما سماهم بصم وبكم وعمي مع سلامة هذه الحواس منهم وثانيهما أنا لو سلمنا أن الموتى في الآية على حقيقتهم فلا تعارض بينها وبين أن بعض الموتى يسمعون في وقت ما أو في حال ما فإن تخصيص العموم ممكن وصحيح إذا وجد المخصص وقد وجد هنا بدليل هذا الحديث وحديث أبي طلحة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بدر: (والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) متفق عليه وبما في معناه مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الميت (إنه ليسمع قرع النعال). رواه أحمد من حديث أبي هريرة وبالمعلوم من سؤال الملكين للميت في قبره وجوابه لهما إلى غير ذلك مما لا ينكر فحديث ابن عمر صحيح النقل وما تضمنه يقبله العقل فلا طريق لتخطئته والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة فقال: (2035) (0) (0) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (بمعنى حديث أبي أسامة) غرضه بيان متابعة وكيع لأبي أسامة (و) لكن (حديث أبي أسامة أتم) أي أطول من حديث وكيع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثهما فقال:

(2036) (0) (0) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ، وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ الله لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ. أَمَّا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ. وَلكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ. إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى يهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيهَا. فَقَال: "إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا". (2037) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيدِ الطَّائِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (236) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل البلخي الثقفي (عن مالك بن أنس) المدني (فيما قرئ عليه عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي أبي محمد المدني ثقة من (5) قال العجلي: مدني تابعي ثقة (عن أبيه) أبي بكر بن محمد ثقة من (5) وأبو بكر اسمه وكنيته واحد وقيل: اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة من (3) (أنها) أي أن عمرة (أخبرته) أي أخبرت أبا بكر بن محمد (أنها) أي أن عمرة (سمعت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي غرضه بيان متابعة عمرة لعروة في رواية هذا الحديث عن عائشة. (و) الحال أنه قد (ذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن) كنية عبد الله بن عمر (أما) حرف استفتاح (إنه) أي إن عبد الله بن عمر (لم يكذب) بهذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكنه نسي أو) قالت عائشة: (أخطأ) والشك من عمرة أو ممن دونها وإنما قلت ذلك لأنه (إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على) ميتة (يهودية يبكى عليها) أي يبكي عليها أهلها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم ليبكون) عليها (و) الحال (إنها لتعذب) بكفرها (في قبرها) لا ببكائهم لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 39) والترمذي (1004) وابن ماجه (1595). ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عمر بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال: (2037) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سعيد بن عبيد الطائي) أبي

وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ. قَال: أَوَّلُ مَنْ نِيحَ عَلَيهِ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ. فَقَال الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الهذيل الكوفي روى عن علي بن ربيعة في الجنائز وبشير بن يسار في القيامة وعبد الله بن شقيق ويروي عنه (خ م د ت س) ووكيع ومروان الفزاري ويحيى القطان وأبو نعيم وثقه أحمد والنسائي وابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان وابن نمير وقال في التقريب: ثقة من السادسة (6) (ومحمد بن قيس) الأسدي أبي قدامة الكوفي روى عن علي بن ربيعة الوالبي في الجنائز والحكم والشعبي وأبي الضحى ويروي عنه (م د س) ووكيع وعلي بن مسهر وثقه أحمد وابن المديني: وابن معين والنسائي ووكيع وقال في التقريب: ثقة من كبار السابعة قال ابن المديني له نحو عشرين حديثًا كلاهما رويا (عن علي بن ربيعة) بن نضلة الأسدي الوالبي نسبة إلى والبة بطن من أسد بن خزيمة أبي المغيرة الكوفي روى عن المغيرة بن شعبة في الجنائز وعن علي وسلمان ويروي عنه (ع) ومحمد بن قيس الأسدي وسعيد بن عبيد الطائي وثقة النسائي وابن نمير وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال العجلي: تابعي كوفي ثقة له في (خ م) فرد حديث وقال في التقريب: ثقة من كبار الثالثة (قال) علي بن ربيعة: (أول من نيح) أي رفع الصوت بالبكاء (عليه قرظة) بفتحات وظاء مشالة (بن كعب) بن ثعلبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر مع عمار بن ياسر إلى الكوفة من الأنصار لتعليم الناس دينهم وكان فاضلًا وفتح الري سنة (23) ثلاث وعشرين في خلافة عمر وولاه على الكوفة لما سار إلى الجمل فلما خرج إلى صفين أخذه معه وشهد مع علي مشاهده وتوفي في خلافته في داره بالكوفة وصلى عليه علي وقيل: بل توفي في إمارة المغيرة بن شعبة على الكوفة أول أيام معاوية والأول أصح كذا في أسد الغابة والمذكور في هذا الصحيح يؤيد الثاني (فقال المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبو محمد الكوفي رضي الله عنه وكان واليًا على الكوفة إلى أن مات سنة خمسين (50) كما في أسد الغابة وقد مر البسط في ترجمته في أول الكتاب وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وفيه التحديث والقول والعنعنة والمقارنة. وفي رواية الترمذي: (فجاء المغيرة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال النوح في الإسلام).

سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ نِيحَ عَلَيهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (2038) (0) (0) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيسِ الأَسْدِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسْدِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. (2039) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيَّ). حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيدٍ الطَّائِيُّ، عَنْ عَلِيُّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه) أي بسبب النوح عليه إن كان النوح من عادته أو وصى بالنوح عليه (يوم القيامة) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 245) والبخاري (1291) والترمذي (1000). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: (2038) (0) (0) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة من (9) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) (أخبرنا محمد بن قيس الأسدي) الكوفي (عن علي بن ربيعة الأسدي) الوالبي الكوفي (عن المغيرة بن شعبة) الثقفي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن حجر فإنه مروزي (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل ما روى وكيع عن محمد بن قيس غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث عن محمد بن قيس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: (2039) (0) (0) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث (يعني الفزاري) أبو عبد الله الكوفي (حدثنا سعيد بن عبيد الطائي) الكوفي (عن علي بن ربيعة) الوالبي الكوفي (عن المغيرة بن شعبة) الكوفي (عن

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل ما روى وكيع عن سعيد بن عبيد وجملة ما ذكر المؤلف في هذ الباب أربعة أحاديث: الأول: منها حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال وذكر فيه ست متابعات. والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات. والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات. والرابع: حديث المغيرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله أعلم. * * *

403 - (21) باب ما جاء في النياحة واتباع النساء الجنائز

403 - (21) باب ما جاء في النياحة واتباع النساء الجنائز (2040) (898) - (38) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثَنَا أَبَانٌ. حَدَّثَنَا يَحْيَى؛ أَنَّ زَيدًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَّامِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 403 - (21) باب ما جاء في النياحة واتباع النساء الجنائز (2040) (898) (38) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان البصري (حدثنا أبان بن يزيد) العطار أبو يزيد البصري ثقة من (7) (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي ثقة من (11) (واللفظ) الآتي (له) أي لإسحاق (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة والباء المشددة (بن هلال) الباهلي أبو حبيب البصري ثقة من (9) (حدثنا أبان) بن يزيد العطار (حدثنا يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5) (أن زيد) بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي ثقة من (4) (حدثه أن) جده (أبا سلام) ممطورًا الحبشي الأسود الدمشقي ثقة من (3) (حدثه أن أبا مالك الأشعري) عمرًا ويقال: عبيد ويقال: كعب بن مالك الكوفي رضي الله عنه له (27) سبعة وعشرون حديثًا يروي عنه (م دس ق) وأبو سلام ممطور الحبشي في الوضوء والجنائز وجابر وعبد الرحمن بن غنم قال ابن سعد: مات في خلافة عمر رضي الله عنه (حدثه) أي حدَّث أبا سلام وهذان السندان من سباعياته رجال الأول منهما اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان واثنان شاميان وواحد يماني والثاني منهما رجاله اثنان منهم شاميان واثنان بصريان وواحد كوفي وواحد يمامي وواحد مروزي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع) مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة الإضافة المقدرة (في أمتي) خبر المبتدأ (من أمر الجاهلية) حال من الضمير المستكن في الخبر والتقدير: أربع خصال كائنة في أمتي حالة كونها من أمر الجاهلية وشأنهم ودأبهم حالة كون أمتي (لا يتركونهن) غالبًا أي لا يتركون تلك الأربع كل الترك وحقه أي لا يتفقون على تركهن إن تركتها طائفة فعلتها طائفة أخرى أحدها (الفخر) أي الافتخار (في الأحساب) أي بالأحساب أي بمفاخر آبائهم ومزاياهم

وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ". وَقَال: "النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَب" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفضائلهم كالجود والكرم والشجاعة والضيافة جمع حسب وهو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائهم (و) ثانيها (الطعن) أي التنقيص والتعيير (في الأنساب) أي في أنساب الناس كقولهم: فلان لا عرق له فلان خبيث العرق منبت فلان من الأراذل أي إدخالهم العيب في أنساب الناس تحقيرًا لآبائهم وتفضيلًا لآباء أنفسهم على آباء غيرهم (و) ثالثها (الاستسقاء) أي إضافة سقيا المطر (بالنجوم) أي إلى النجوم والكواكب أي اعتقادهم نزول المطر بسقوط نجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من المشرق كما كانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا على ما مر ذكره (و) رابعها (النياحة) أي رفع الصوت بالبكاء على الميت مع تعديد شمائله وقوله (وقال) معطوف على قال الأول أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (النائحة) أي الرافعة صوتها بالبكاء على الميت (إذا لم تتب) وتقلع عنها (قبل موتها) أي قبل وقت الغرغرة (تقام) أي تبعث من قبرها (يوم القيامة وعليها سربال) يجمع على سرابيل أي قميص (من قطران) لأنها كانت تلبس السود في المآتم (ودرع من جرب) أي يسلط على أعضائها الجرب والحكة بحيث يغطي بدنها تغطية الدرع وهو القميص لأنها كانت تجرح بكلماتها المحرقة قلوب ذوي المصيبات اهـ من المرقاة. وعبارة القرطبي: قوله: (والفخر بالأحساب) يعني الافتخار بالآباء الكبراء والرؤساء وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب) رواه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة (والطعن في الأنساب) أي استحقارها وعيبها (والاستسقاء بالنجوم) أي استدعاء السقيا وسؤاله من النجوم وكأنهم كانوا يسألون من النجوم أن تسقيهم بناة منهم على اعتقادهم الفاسد في أن النجوم توجد المطر. (والسربال) واحد السرابيل وهي الثياب والقميص يعني أنهن يلطخن بالقطران فيصير لهن كالقميص حتى يكون اشتعال النار والتصاقها بأجسادهن أعظم ورائحته أنتن وألمهما بسبب الحر أشد اهـ من المفهم وفيه دليل على تحريم النياحة وهو مجمع عليه

(2041) (899) - (39) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه صحة التوبة ما لم يمت المكلف ولم يصل إلى الغرغرة اهـ نواوي. (فائدة): قال ابن العربي: (النوح) ما كانت الجاهلية تفعل: كان النساء يقفن متقابلات يصحن ويحثين التراب على رؤوسهن ويضربن وجوههن وفي ذلك جاء الحديث: (ليس منا من حلق وسلق) الحديث اهـ من السنوسي وانفرد المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد (5/ 342). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي مالك الأشعري بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2041) (899) (39) (وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قال ابن المثنى: حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال) عبد الوهاب: (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري النجاري المدني حالة كونه (يقول: أخبرتني عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة سيدة نساء التابعين (أنها سمعت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (تقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بصري ومكي وفيه التحديث والإخبار السماع والمقارنة: (لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية (قتل) بالرفع على الفاعلية أي خبر قتل زيد (بن حارثة و) قتل (جعفر بن أبي طالب و) قتل (عبد الله بن رواحة) في غزوة مؤتة وجواب لما قوله (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم) في المسجد كما في رواية أبي داود حالة كونه (يعرف فيه) أي في وجهه (الحزن) أي أثر الحزن قال في شرح المشكاة: والجملة حال أي جلس حزينًا وعدل إلى قوله يعرف ليدل على أنه صلى الله عليه وسلم كظم الحزن كظمًا وكان ذلك القدر الذي ظهر فيه من جبلة البشرية وهو يدل على الإباحة

قَالتْ: وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ (شَقِّ بَابِ) فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ، وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ فيَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ. فَأَتَاهُ فَذَكَرَ أَنهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ. فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَذْهَبَ فَيَنْهَاهُنَّ. فَذَهَبَ. ثُمَّ أَتَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن إظهاره يدل عليها نعم إذا كان معه شيء من اللسان أو اليد حرم (قالت) عائشة: (وأنا أنظر) إليه جملة حالية (من صائر الباب) أي من شق باب الحجرة وهو بالصاد المهملة المفتوحة والهمزة المكسورة بعد الألف كلابن وتامر على صيغة فاعل بمعنى المصدر هكذا هو في روايات البخاري ومسلم قال الإمام المازري: والصواب (صير الباب) بكسر الصاد وسكون الياء وهو المحفوظ كما في المجمل والصحاح والقاموس وفي حديث آخر (من اطلع من صير باب فقد دمر) كما في النهاية لابن الأثير. وهو شق الباب ومعنى (دمر) دخل بغير إذن وفسرته عائشة أو من دونها بقوله: (شق باب) بفتح الشين المعجمة والخفض على البدلية أي من الموضع الذي ينظر منه. (فأتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل) من الصحابة لم يقف الحافظ على اسمه (فقال: يا رسول الله إن نساء جعفر) أي إن امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية ومن حضر عندها من النساء من أقارب جعفر وأقاربها ومن في معناهن من الجارات وليس لجعفر امرأة غير أسماء كما ذكره العلماء بالأخبار (و) الحال أن الرجل قد (ذكر بكاءهن) أي كثرته والجملة حال من المستتر في (فقال) وحذف خبر إن من القول المحكي لدلالة الحال عليه أي إن نساء جعفر يبكين عليه برفع الصوت والنياحة أو ينحن ولو كان مجرد بكاء لم ينه عنه لأنه رحمة (فأمره) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل (أن يذهب) إليهن (فينهاهن) عن فعلهن (فذهب) الرجل إليهن فنهاهن فلم يطعنه لكونه لم يسند النهي للرسول صلى الله عليه وسلم قال القرطبي: وكون نساء جعفر لم يطعن الناهي لهن عن البكاء إما لأنه لم يصرح لهن بأن النبي صلى الله عليه وسأنهاهن فظنن منه أنه كالمحتسب في ذلك وكالمرشد للمصلحة أو لأنهن غلبن في أنفسهن على سماع النهي لحرارة المصيبة والله أعلم اهـ من المفهم (فأتاه) أي فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم (فذكر) له صلى الله عليه وسلم (أنهن لم يطعنه) في النهي هذا حكاية قول الرجل أي نهيتهن فلم يطعنني (فأمره) النبي صلى الله عليه وسلم المرة (الثانية أن يذهب) إليهن (فينهاهن فذهب) الرجل إليهن فنهاهن فلم يطعنه (ثم أتاه) أي ثم أتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم المرة الثالثة

فَقَال: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالتْ: فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "اذهَبْ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ" قَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَرْغَمَ الله أَنْفَكَ. وَاللهِ مَا تَفْعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) الرجل: (والله لقد غلبننا يا رسول الله) بلفظ جمع المؤنثة الغائبة وفي بعض روايات البخاري (لقد غلبتنا) بلفظ المفردة المؤنثة الغائبة (قالت) عمرة: (فزعمت) عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) للرجل لما لم ينتهين: (اذهب) إليهن (فاحث) بضم المثلثة أمر من حثا يحثو وبكسرها أيضًا من حثى يحثي أي فاجعل وارم (في أفواههن) شيئًا (من التراب) ليسد محل النوح فلا يتمكن منه أو المراد المبالغة في الزجر وإنكار البكاء عليهن ومنعهن منه قال القرطبي: وهذا يدل على أنهن صرخن إذ لو كان بكاء بالعين فقط لما كان لملء أفواههن بالتراب معنى وليس أمره صلى الله عليه وسلم للرجل بذلك ليفعله بهن على كل حال ولكن على طريق أن هذا مما يسكتهن إن فعلنه فافعله إن أمكنك وهو لا يمكنه وفيه دليل على أن المنهي عن المنكر إن لم ينته عوقب وأُدِّب بذلك وإلا فالملاطفة فيه أولى إن وقعت اهـ من المفهم (قالت عائشة: فقلت) للرجل: (أرغم الله أنفك) بالراء والغين المعجمة أي ألصقه بالرغام وهو التراب إهانة وذلًا. والمعنى أذلك الله تعالى فإنك آذيت رسول الله وما كففتهن عن البكاء ودعت عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنسوة لفهمها من قرائن الحال أنه أحرج النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة تردده إليه في ذلك وإخباره ببكائهن ولذلك قالت له: (والله) أنت (ما تفعل ما أمرك) به (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من نهيهن وإن كان نهاهن لأنه لم يترتب على فعله الامتثال فكأنه لم يفعله أو لم يفعل الحثو بالتراب لتعذره والمعنى إنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك وتقصيرك ولا تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء ولذلك قالت: (وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء) بفتح العين المهملة والنون والمد أي من المشقة والتعب. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري (1299) وأبو داود (3122) والنسائي (4/ 15) وابن ماجه (1581). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2042) (0) (0) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ صالِحٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعِيِّ. (2043) (900) - (40) حدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (2042) (0) (0) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (عن معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا لحضرمي الحمصي صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي (الدورقي) نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس ثقة من (10) (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري صدوق من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبد العزيز يعني بن مسلم) القسملي بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الميم مخففًا نسبة إلى محلة بالبصرة تسمى القساملة أبو زيد المروزي ثقة من (7) (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير ومعاوية بن صالح وعبد العزيز بن مسلم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن عمرة عن عائشة (نحوه) أي نحو ماروى عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الوهاب الثقفي (و) لكن (في حديث عبد العزيز) بن مسلم لفظة: (وما تركت) أنت أيها الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم من العيِّ) بكسر العين المهملة وتشديد الياء أي التعب وهو بمعنى العناء السابق في الرواية الأولى قاله النواوي وذكر عن القاضي عياض أن وقوع الغيِّ بفتح الغين المعجمة وتشديد الياء الذي هو ضد الرشد بدله تصحيف. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي مالك الأشعري بحديث أم عطية رضي الله تعالى عنهما فقال: (2043) (900) (40) (حدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري ثقة من (10) (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري ثقة من (8) (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري ثقة من (5) (عن محمد) بن سيرين

عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: أَخَذَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْبَيعَةِ، أَلَّا نَنُوحَ. فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ. إلا خَمْسٌ: أُمِّ سُلَيمٍ، وَأُمُّ الْعَلاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، أَو ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري ثقة من (3) (عن أم عطية) نسيبة مصغرًا بنت كعب الأنصارية المدنية الصحابية الجليلة رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجالهم كلهم بصريون إلا أم عطية فإنها مدنية (قالت) أم عطية: (أخذ علينا) أي جعل علينا معاشر النساء (رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة) على الإسلام حين بايعناه عليه العهد على (ألا ننوح) أي على أن لا نرفع الصوت بالبكاء على الميت وأن مصدرية أي جعل علينا العهد على عدم النوح بالبكاء على الميت وهذا موضع الترجمة لأن النوح لو لم يكن منهيًا عنه لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليهن في البيعة تركه قال القرطبي: فالحديث دليل على تحريم النياحة وتشديد المنع فيها لأنها تستجلب الحزن وتصد عن الصبر المحمود اهـ من مفهم (فما وفت) ذلك العهد (منا امرأة) بترك النوح أي ممن بايع معها في الوقت الذي بايعت فيه من النساء المسلمات (إلا خمس) منهم وليس المراد أنه لم يترك النياحة من النساء المسلمات غير خمس قال القاضي: معناه لم يف ممن بايع مع أم عطية رضي الله تعالى عنها في الوقت الذي بايعت فيه من النسوة إلا خمس لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمس اهـ وقوله (أم سليم) بضم السين وفتح اللام بدل من خمس أو خبر لمحذوف تقديره: إحداهن أم سليم اسمها سهلة بنت ملحان والدة أنس رضي الله تعالى عنها وكذلك يجوز الوجهان فيما بعدها (وأم العلاء) بفتح العين والمد الأنصارية بنت الحارث بن ثابت بن خارجة (وابنة أبي سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة وهي (امرأة معاذ) بن جبل (أو) قالت أم عطية: (ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ) بزيادة واو العطف شك من الراوي هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو غيرها قال في الفتح: والذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح لأن امرأة معاذ هي أم عمرو بنت خلاد بن عمرو السلمية ذكرها ابن سعد وعلى هذا فابنة أبي سبرة غيرها. (وقوله إلا خمس) إلخ لم تستوف ذكر الخمس بل ذكرت ثلاثًا أو أربعًا فذكرت أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ أو وامرأة معاذ وفي صحيح البخاري زيادة: (وامرأتين) بعد ذكر الثلاث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 408) والبخاري (1306) وأبو داود (3127) والنسائي (7/ 148 - 149).

(2044) (0) (0) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: أَخَذَ عَلَينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيعَةِ، أَلَّا تَنُحْنَ. فَمَا وَفَتْ مِنَّا غَيرُ خَمْسٍ. مِنْهُنَّ أُمُّ سُلَيمٍ. (2045) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم عطية رضي الله عنها فقال: (2044) (0) (0) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا أسباط) بن محمد بن عبد الرحمن مولى السائب بن يزيد أبو محمد الكوفي ثقة من (9) (حدثنا هشام) ابن حسان الأزدي القردوسي أبو عبد الله البصري ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن حفصة) بنت سيرين أم الهذيل الأنصارية البصرية ثقة من (3) روى عنها في (6) أبواب (عن أم عطية) نسيبة بنت كعب الأنصارية المدنية رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة حفصة بنت سيرين لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أم عطية. (قالت) أم عطية: (أخذ علينا) أي ذكر لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم في) خصال (البيعة) معنا (ألا تنحن) أي أن لا ترفعن أصواتكن في البكاء على الميت (فما وفت) تلك البيعة على النوح (منا) معاشر المبايعات معي في ذلك اليوم (غير خمس) نسوة (منهن) خبر مقدم أي من تلك الخمس (أم سليم) بنت ملحان رضي الله تعالى عنها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى عنها المتابعة ثانيًا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: (2045) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال زهير: حدثنا محمد بن خازم) بصيغة السماع مع تصريح اسمه (حدثنا عاصم) بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري التميمي ثقة من (4) (عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية البصرية (عن أم عطية) نسيبة بنت كعب الأنصارية المدنية رضي الله تعالى عنها.

قَالتْ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] قَالتْ: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ. قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إلا آلَ فُلانٍ. فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إلا آلَ فُلانٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسايته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني أو كوفي ونسائي أو كوفي ومروزي وفيه المقارنة والتحديث والعنعنة وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عاصم الأحول لهشام بن حسان في رواية هذا الحديث عن حفصة بنت سيرين وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. (قالت) أم عطية: (لما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] (قالت) أم عطية: (كان منه) أي مما أخذ علينا البيعة فيه (النياحة) أي ترك النياحة على الميت (قالت) أم عطية: (فقلت: يا رسول الله) قبلت البيعة على ترك النياحة وعلى جميع ما بايعتك (إلا آل فلان) إلا نياحتي مع آل فلان (فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية) على نياحتي على أقاربي (فلا بد) أي فلا غنى (لي من أن أسعدهم) أي من أن أكافئهم في إسعادهم إياي. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا آل فلان) أي بايعتك على ترك النياحة إلا نياحتك مع آل فلان فإنه جائز لك قال النواوي: هذا الحديث محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح في الحديث وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالًا عجيبة ومقصودي التحذير عن الاغترار بها حتى إن بعض المالكية قال: النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصة نساء جعفر قال: وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية والصواب ما ذكرناه أولًا وأن النياحة حرام مطلقًا وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأم عطية رضي الله تعالى عنها فقال:

(2046) (901) - (41) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَال: قَالتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَينَا. (2047) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (2046) (901) (41) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي ثقة من (10) (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم (ابن علية) الأسدي البصري ثقة من (8) (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي البصري أبو بكر البصري ثقة من (5) (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري ثقة من (3) (قال) محمد بن سيرين: (قالت أم عطية: كنا) معاشر النساء (ننهى) أي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن اتباع الجنائز) أي عن اتباعنا إياها إلى محل الدفن نهي كراهة تنزيه لا نهي كراهة تحريم بدليل قولها: (ولم يعزم علينا) أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم قال القرطبي: ظاهر سياق أم عطية أن النهي للتنزيه وبه قال جمهور أهل العلم قاله في الفتح وكأنها فهمته من قرينةٍ ويدل له ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال: دعها يا عمر الحديث. وأما ما رواه ابن ماجه وغيره أيضًا مما يدل على التحريم فضعيف ولو صح حمل على ما يتضمن حرامًا والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 409) والبخاري (1278) وأبو داود (3167) وابن ماجه (1577). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (2047) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (كلاهما) أي كل من أبي أسامة وعيسى بن يونس رويا (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي (عن حفصة) بنت سيرين (عن أم عطية) رضي الله تعالى عنها (قالت:

نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ نهينا) أي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن اتباع الجنائز) إلى محل الدفن (و) لكن (لم يعزم) أي لم يحتم (علينا) غرضه بسوقه بيان متابعة حفصة بنت سيرين لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أم عطية. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث أبي مالك الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث أم عطية الأول ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين. والرابع حديث أم عطية الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

404 - (22) باب الأمر بغسل الميت وبيان كيفيته

404 - (22) باب الأمر بغسل الميت وبيان كيفيته (2048) (902) - (42) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: دَخَلَ عَلَينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ. فَقَال: "اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ إِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 404 - (22) باب الأمر بغسل الميت وبيان كيفيته (2048) (902) (42) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي أبو معاوية البصري ثقة من (8) (عن أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين عن أم عطية) وكانت تغسل الميتات وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نيسابوري وفيه التحديث والعنعنة والإخبار والقول ورواية تابعي عن تابعي (قالت) أم عطية: (دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته) زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة وهي كبرى بناته صلى الله عليه وسلم كما سيأتي أو أم كلثوم كما في أبي داود قال الحافظ عبد العظيم المنذري: والصحيح الأول لأن أم كلثوم توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب ببدر وتعقب بأن التي توفيت وهو صلى الله عليه وسلم ببدر رقية لا أم كلثوم اهـ من الإرشاد (فقال) صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها) وجوبًا مرة واحدة عامةً لجميع بدنها أي بعد إزالة النجس عنها إن كان عليها على ما قاله الرافعي لكن صحح النواوي الاكتفاء لهما بغسلة واحدة (ثلاثًا) ندبًا فالأمر للوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل وللندب بالنسبة إلى الإيتار كما قرَّره ابن دقيق العيد (أو خمسًا) وفي رواية هشام بن حسان عن حفصة (اغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا). (أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف خطابًا لأم عطية وكذا فيما سيأتي أي واغسلنها أكثر من ذلك المذكور من الخمس وفي الرواية الآتية عن أيوب عن حفصة (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا) قال في الفتح: (ولم أر في شيء من الروايات) بعد قوله: سبعًا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود وكره الزيادة على السبع وقال الماوردي: الزيادة على السبع سرف اهـ وقال أبو حنيفة: لا يزاد على الثلاث وأو هنا ليست للتخيير بين هذه الأعداد بل المراد اغسلنها وقرأ فالغسل المستوعب مرة بعد إزالة النجس والتثليث مندوب فإن لم يحصل به النقاء فالتخميس مندوب وإلا فالتسبيع كما في المبارق

رَأَيتُنَّ ذلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيئًا مِنْ كَافُورٍ. فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي" فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ. فَأَلْقَى إِلَينَا حِقْوَهُ. فَقَال: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (إن رأيتن ذلك) بكسر الكاف خطابًا لأم عطية كما مر آنفًا قال ابن الملك: ليس معناه التفويض إلى رأيهن بل معناه إن احتجن إلى الزيادة اهـ أي إن أداكن اجتهادكن إلى ذلك بحسب الحاجة إلى الإنقاء لا التشهي فإن حصل الإنقاء بالثلاث لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترًا حتى يحصل الإنقاء وهذا بخلاف طهارة الحي فإنه لا يزيد على الثلاث والفرق أن طهارة الحي محض تعبد وهنا المقصود النظافة اهـ من الإرشاد وقوله (بماء وسدر) متعلق بقوله: (اغسلنها) ويقوم نحو السدر كالخطمي مقامه بل هو أبلغ في التنظيف نعم السدر أولى للنص عليه ولأنه أمسك للبدن وظاهره تكرير الغسلات به إلى أن يحصل الإنقاء فإذا حصل وجب الغسل بالماء الخالص عن السدر وتسن ثانية وثالثة كغسل الحي (واجعلن في) الغسلة (الآخرة) أي في الغسلة الأخيرة كما في المشارق (كافورًا أو) قالت أم عطية: (شيئًا من كافور) أي في غير المحرم للتطيب وتقويته للبدن والشك من الراوي أي اللفظين قال والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه اهـ من الإرشاد (فإذا فرغتن) من غسلها (فآذنني) بمد الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون الأولى المفتوحة وكسر الثانية أي أعلمنني بالفراغ من غسلها (فلما فرغنا) من غسلها بصيغة الماضي المسند لجماعة المتكلمين وفي بعض روايات البخاري: (فلما فرغن) بصيغة الماضي المسند لجمع المؤنث (آذناه) أي أعلمناه بالفراغ من غسلها (فألقى إلينا) أي فأعطانا كما هو رواية البخاري (حقوه) بفتح الحاء المهملة وقد تكسر وهي لغة هذيل كما في القاموس بعدها قاف ساكنة أي إزاره والحقو في الأصل معقد الإزار ثم سمي به الإزار توسعًا للمجاورة لأنه يشد فيه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشعرنها) أي اجعلن شعار زينب (إياه) أي هذا الحقو بقطع همزة. (أشعرنها) أي اجعلنه شعارها أي ثوبها الذي يلي جسدها سمي شعارًا لأنه يلي شعر الجسد والضمير الأول للغاسلات والثاني للميت والثالث للحقو وفي رواية البخاري زيادة (تعني) أم عطية (إزاره) صلى الله عليه وسلم وإنما فعل ذلك لينالها بركة ثوبه وأخره ولم يناولهن إياه أولًا ليكون قريب العهد من جسده الشريف حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل لا سيّما مع قرب عهده بعرفه الكريم. وفي الحديث دليل على استحباب السدر في غسل الميت وهو متفق على استحبابه ويكون في المرة الواجبة وقيل: يجوز فيهما وفيه استحباب شيء من الكافور في الأخيرة

(2049) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: مَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ. (2050) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو متفق عليه عندنا وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة: لا يستحب وحجة الجمهور هذا الحديث ولأنه يطيب الميت ويصلب بدنه ويبرده ويمنع إسراع فساده أو يتضمن إكرامه وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 407 و 419) والبخاري (1352) وأبو داود (3142 - 3146) والترمذي (990) والنسائي (4/ 28) وابن ماجه (1457). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: (2049) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) التميمي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (عن محمد بن سيرين) البصري (عن) أخته (حفصة بنت سيرين) البصرية (عن أم عطية) الأنصارية المدنية رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نيسابوري غرضه بسوقه بيان متابعة حفصة بنت سيرين لمحمد بن سيرين في رواية هذا الحديث عن أم عطية وفيه رواية تابعي عن تابعي عن تابعية عن صحابية. (قالت) أم عطية: (مشطناها) أي مشطنا شعرها وسرحناه بالمشط وجعلناه (ثلاثة قرون) أي ثلاث ضفائر جعلنا قرنيها ضفيرتين وناصيتها ضفيرة والمراد بالقرنين جانبا الرأس وقال أبو حنيفة: لا يسن التسريح لأنه للزينة وقد استغنى الميت عنها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: (2050) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (ح وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنا يحيى بن أيوب)

حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالتْ: أَتَانَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ. وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ قَالتْ: دَخَلَ عَلَينَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. (2051) (0) (0) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، بِنَحْوهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا. أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، إِنْ رَأَيتُنَّ ذلِك" ـــــــــــــــــــــــــــــ المقابري البغدادي (حدثنا ابن علية) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري (كلهم) أي كل من مالك وحماد وابن علية رووا (عن أيوب) السختياني غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليزيد بن زريع في رواية هذا الحديث عن أيوب السختياني (عن محمد) بن سيرين (عن أم عطية) نسيبة بنت كعب (قالت) أم عطية: (توفيت) أي ماتت (إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم) وهي زينب على المشهور (وفي حديث ابن علية) وروايته: (قالت) أم عطية: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاءنا معاشر الغاسلات ابنته (ونحن) أي والحال أننا (نغسل ابنته) زينب (وفي حديث مالك) وروايته (قالت) أم عطية: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت) وماتت (ابنته) زينب (بمثل حديث يزيد بن زريع عن أيوب عن محمد عن أم عطية). ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثالثًا فقال: (2051) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف البلخي (حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة البصري (عن حفصة) بنت سيرين (عن أم عطية بنحوه) أي بنحو ما حدث أخوها محمد عن أم عطية (غير أنه) أي غير أن أيوب (قال) في حديثه عن حفصة ولو قال غير أنها قالت الخ لكان أوضح لأن الغرض بيان متابعة حفصة لمحمد أي زاد بعد قوله: اغسلنها (ثلاثًا أو خمسًا) لفظة: (أو سبعًا) ولم يقل: (أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) إذ لم يجتمعا إلا عند أبي داود أي لم يجتمع قوله: (أو سبعًا) وقوله: (أو أكثر من ذلك) إلا في رواية لأبي داود وأما سواها فإما أو سبعًا وإما أو أكثر من ذلك فيحتمل تفسير قوله: (أو أكثر من ذلك) بالسبع وبه قال أحمد وكره الزيادة على السبع اهـ من الإرشاد

فَقَالتْ حَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ. (2052) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. وَأَخْبَرَنَا أَيُّوبُ. قَال: وَقَالتْ حَفْصَةُ: عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالتِ: اغْسِلْنَهَا وتْرًا. ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا. قَال: وَقَالتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: مَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ. (2053) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بتصرف وزيادة وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حفصة لأخيها محمد في رواية هذا الحديث عن أم عطية مع بيان محل المخالفة قال أيوب: (فقالت حفصة) أيضًا في روايتها وفي رواية للبخاري (وقالت حفصة) بالواو بدل الفاء أي زادت حفصة في روايتها أيضًا: (عن أم عطية وجعلنا رأسها) أي جعلنا شعور رأس زينب (ثلاثة قرون) أي ثلاث ضفائر بعد أن خللناه بالمشط وألقيناها خلفها وهذا مذهب الشافعية وأحمد وقال الحنفية: يجعل ضفيرتان على صدرها كما في القسطلاني. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: (2052) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية) الأسدي البصري قال إسماعيل أخبرنا غير أيوب: (وأخبرنا) أيضًا (أيوب) السختياني البصري فالواو عاطفة على محذوف (قال) أيوب السختياني حدثنا محمد بن سيرين الحديث السابق: (وقالت) أي حدثت لنا (حفصة) بنت سيرين أيضًا فالواو عاطفة على محذوف: (عن أم عطية قالت) أم عطية أي زادت حفصة عن أم عطية على محمد أخيها لفظة: (اغسلنها وترًا) لأن الله وتر يحب الوتر وزادت حفصة أيضًا بعد قولها: (ثلاثًا أو خمسًا) لفظة: (أو سبعًا قال) أيوب قالت حفصة أيضًا: (وقالت أم عطية مشطناها) أي سرحنا شعرها بالمشط وجعلناه (ثلاثة قرون) أي ثلاث ضفائر وألقيناها خلفها غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن علية لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن أيوب السختياني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: (2053) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (جميعًا) أي كلاهما (عن أبي معاوية) محمد بن

قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: لَمَّا مَاتَتْ زينَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اغسِلْنَهَا وتْرًا. ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا. وَاجْعَلْنَ فِي الْخَامِسَةِ كَافورًا. أَوْ شَيئًا مِنْ كَافُورِ. فَإِذَا غَسَلْتُنَّهَا فَأعْلِمْنَنِي" قَالت: فَأَعْلَمْنَاهُ. فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ وَقَال: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". (2054) (0) (0) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ خازم الضرير الكوفي (قال عمرو) الناقد: (حدثنا محمد بن خازم أبو معاوية) بتصريح صيغة السماع (حدثنا عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي أبو عبد الرحمن البصري (عن حفصة بنت سيرين) البصرية (عن أم عطية) الأنصارية المدنية. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان أو كوفي وبصري وواحد مدني غرضه بسوقه بيان متابعة عاصم الأحول لأيوب السختياني في رواية هذا الحديث عن حفصة بنت سيرين. (قالت) أم عطية: (لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلنها وترًا) أي (ثلاثًا أو خمسًا) بدل من قوله وترًا بدل تفصيل من مجمل (واجعلن في) المرة (الخامسة كافورًا أو) قال: (شيئًا من كافور) والشك من الراوي في أي اللفظين قال (فإذا غسلتنها) أي فرغتن من غسلها (فأعلمنني قالت) أم عطية: (فأعلمناه) صلى الله عليه وسلم بالفراغ من غسلها (فأعطانا حقوه) أي إزاره (وقال) لنا: (أشعرنها) أي اجعلن شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها (إياه) أي هذا الحقو أي اجعلنه يلي جسدها. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: (2054) (0) (0) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) (أخبرنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي البصري (عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد بغدادي غرضه بيان متابعة هشام بن حسان لعاصم الأحول وأيوب في رواية هذا الحديث عن حفصة (قالت) أم عطية:

أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ إِحْدَى بَنَاتِهِ. فَقَال: "اغْسِلْنَهَا وتْرا خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكِ" بِنَحْو حَدِيثِ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: قَالتْ: فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلاثَةَ أَثْلاثٍ. قَرْنَيهَا وَنَاصِيَتَهَا. (2055) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حَيثُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْسِلَ ابْنَتَهُ قَال لَهَا: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل إحدى بناته) وهي زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة وهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم كما مر (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها وترًا خمسًا أو كثر من ذلك) وساق هشام (بنحو حديث أيوب وعاصم وقال) هشام (في الحديث: قالت) أم عطية: (فضفرنا شعرها) أي جعلنا شعرها (ثلاثة أثلاث) أي ثلاثة أجزاء من الثلث وجعلنا كل ثلث ضفيرة فحصلت لها ثلاث ضفائر وقوله (قرنيها وناصيتها) بدل من ثلاثة أثلاث أي جعلنا لها ضفيرتين على قرنيها أي على جانبي رأسها وضفيرة على ناصيتها والمعنى جعلنا شعرها أثلاثًا وجعلنا كل ثلث ضفيرة فحصلت ثلاث ضفائر ضفيرتان منها قرناها وضفيرة منها ناصيتها من الضفر وضفر الشعر نسجه بإدخال بعضه في بعض مثل الحبل المضفور من ثلاث طبقات فما فوق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: (2055) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي المروزي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري (عن حفصة بنت سيرين) البصرية (عن أم عطية) وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة خالد الحذاء لأيوب وعاصم وهشام (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمرها أن نغسل ابنته) زينب (قال لها) أي لأم عطية ومن معها: (ابدأن) بجمع المؤنث (بميامنها) أي بالأيمن من كل بدنها في الغسلات التي لا وضوء فيها (ومواضع الوضوء منها) أي في الغسلة المتصلة بالوضوء وهذا الحديث يرد على أبي قلابة حيث قال: يبدأ بالرأس ثم باللحية والبداءة بالميامن ومواضع الوضوء مما زادته

(2056) (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال أَبُو بَكْرِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَهُن فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ حفصة في روايتها عن أم عطية على أخيها محمد والحكمة في أمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء تجديد أثر سيماء المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل ومذهب الحنفية كالشافعية سنية الوضوء للميت لكن قال الحنفية: لا يمضمض ولا يستنشق لتعذر إخراج الماء من الفم والأنف اهـ من الإرشاد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: (2056) (0) (0) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن) إسماعيل بن إبراهيم (بن علية) الأسدي البصري (قال أبو بكر: حدثنا إسماعيل بن علية) بصيغة السماع مع صريح اسمه (عن خالد) بن مهران الحذاء (عن حفصة عن أم عطية). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن علية لهشيم في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن) أي لغاسلات ابنته زينب (في) بيان كيفية (غسل ابنته: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) ولم يذكر المؤلف في هذا إلا حديث أم عطية وذكر فيه ثماني متابعات والله أعلم. ***

405 - (23) باب في تكفين الميت وتسجيته والأمر بتحسين الكفن

405 - (23) باب في تكفين الميت وتسجيته والأمر بتحسين الكفن (2057) (903) - (43) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ) عَنِ الأعمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأرتِّ. قَال: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللهِ. نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ. فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ. فَمِنا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 405 - (23) باب في تكفين الميت وتسجيته والأمر بتحسين الكفن (2057) (953) (43) (وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (ومحمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي (عن خباب بن الأرت) بن جندلة بن سعد التميمي حليف بني زهرة أبي عبد الله الكوفي رضي الله تعالى عنه من السابقين إلى الإسلام. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى. (قال) خباب: (هاجرنا) أي تحولنا من مكة وطننا إلى المدينة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة (في سبيل الله) أي في دين الله سبحانه وتعالى وطلب رضاه أي لأجل ذلك لا لغرض من أغراض الدنيا وقوله: (نبتغي) ونطلب به (وجه الله) أي رضاه سبحانه تفسيرًا لما قبله (فوجب أجرنا على الله) وجوبًا شرعيًّا بمقتضى إنجاز وعده الصدق لا عقليًّا إذ لا يجب على الله شيء أي ثبت أجرنا وثوابنا عليه بمقتضى وعده (فمنا) أي فمن المهاجرين معه (من مضى) وذهب إلى الآخرة أي مات حالة كونه (لم يأكل) أي لم يأخذ (من أجره) من الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح (شيئًا) بل قصر نفسه عن شهواتها لينالها متوفرة في الآخرة قال النواوي: معناه لم يوسع عليه الدنيا ولم يعجل له من جزاء عمله شيء.

مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيرٍ. قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ. فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيءٌ يُكَفنُ فِيهِ إلا نَمِرَةٌ -أَي فُوطَةٌ- فَكُنا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأسِهِ، خَرَجَتْ رِجْلاهُ. وَإذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيهِ، خَرَجَ رَأْسُهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ. وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيهِ الإِذْخِرَ" وَمِنَّا مَنْ أَينَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدُبُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (منهم مصعب بن عمير) بضم العين وفتح الميم مصغرًا بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي (قتل يوم أحد) شهيدًا قتله عبد الله بن قميئة وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والجملة مستأنفة (فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة) بفتح النون وكسر الميم ثم راء إزار من صوف أو بردة وقال في القاموس: النمرة شملة أي فوطة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف تلبسها الأعراب (فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه) منها لقصرها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوها) أي اجعلوها (مما) أي على ما (يلي رأسه) من جسده (واجعلوا على رجليه الإذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة والراء نبت حجازي طيب الرائحة (قلت): ليس مخصوصًا بالحجاز ينبت في السهول والحزون إذا جف أبيض كذا في العمدة قال ابن بطال: فيه أن الثوب إذا ضاق فتغطية رأس الميت أولى من رجليه لأنه أفضل اهـ. قال المهلب: وإنما استحب لهم النبي صلى الله عليه وسلم التكفين في تلك الثياب التي ليست سابغة لأنهم قتلوا فيها اهـ. وفي هذا الجزم نظر بل الظاهر أنه لم يجد لهم غيرها كذا في الفتح. قال العيني: والتكفين في الثوب الواحد كفن الضرورة وحالة الضرورة مستثناة في الشرع وفي المبسوط: ولو كفنوه في ثوب واحد فقد أساءوا لأن في حياته تجوز صلاته في إزار واحد مع الكراهة فكذا بعد الموت إلا عند الضرورة بأن لم يوجد غيره ومسألة حمزة ومصعب من باب الضرورة اهـ من الملهم. (ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتيّة وفتح النون أي أدركت ونضجت يقال ينع الثمر وأينع ينعًا وينوعًا فهو يانع وفي بعض الروايات: (ينعت) بغير ألف فهي لغة فيه قال القزاز: وأينعت أكثر أي نضجت (له ثمرته) واستحقت القطف (فهو يهدبها) بفتح التحتانية وسكون الهاء وتثليث الدال بعدها موحدة أي يقطفها ويجنيها وهذا استعارة لما فتح عليهم من الدنيا اهـ نواوي.

(2058) (0) (0) وحدّثنا عُثْمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحديث بيان فضيلة مصعب بن عمير وأنه ممن لم ينقص له من ثواب الآخرة شيء قال ابن بطال: وفيه أيضًا ما كان عليه السلف من الصدق في وصف أحوالهم وفيه أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ثم قال: ليس في حديث خباب تفضيل الفقير على الغني وإنما فيه أن هجرتهم لم تكن لدنيا يصيبونها ولا نعمة يتعجلونها وإنما كانت لله خالصة ليثيبهم عليها في الآخرة فمن مات منهم قبل فتح البلاد توفر له ثوابه ومن بقى حتى نال من طيبات الدنيا خشي أن يكون عجل لهم أجر طاعتهم وكانوا على نعيم الآخرة أحرص اهـ منه. قال النواوي: في قوله (فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة) دليل على أن الكفن من رأس المال وأنه مقدم على الديون لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفينه في نمرته ولم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا ولا يبعد من حال من لم يكن عنده إلا نمرة أن يكون عليه دين واستثنى أصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال فيقدم على الكفن وذلك كالعبد والجاني والمرهون والمال الذي تعلقت به زكاة أو حق بائعه بالرجوع بإفلاس ونحو ذلك وفي قوله: (واجعلوا على رجليه من الإذخر) دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس وجعل النقص مما يلي الرجلين وستر الرأس فإن ضاق عن ذلك سترت العورة فإن فضل شيء جعل فوقها فإن ضاق عن العورة سترت العورتان لأنهما أهم وهما الأصل في العورة ويستدل به أيضًا على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن (فإن قيل) لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله: (لم يوجد له غيرها) فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملك الميت إلا نمرة ولو كان ستر جميع البدن واجبًا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته فإن كان وجب عليه فإن قيل: كانوا عاجزين عن ذلك لأن القضية جرت يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو فجوابه أن يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1276) وأبو داود (2876) والترمذي (3852) والنسائي (4/ 38). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث خباب رضي الله عنه فقال: (2058) (0) (0) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن

ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (2059) (904) - (44) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهبم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (ح وحدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) الكوفي ثقة من (10) (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن ابن عيينة) ولعل تقديم جميعًا على ابن عيينة تحريف من النساخ والصواب تأخيره عنه بان يقال: (وابن أبي عمر عن ابن عيينة جميعًا) أي كل من هؤلاء المذكورين من جرير وعيسى وعلي بن مسهر وابن عيينة. (عن) سليمان بن مهران (الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن خباب (نحوه) أي نحو ما حدث أبو معاوية عن الأعمش غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش. قال القرطبي: وقد يستدل بهذا الحديث على أن الكفن من رأس المال وهو قول عامة علماء الأمة إلا ما حكى عن طاوس أنه من الثلث إن كان المال قليلًا وإلا ما حكى عن بعض السلف أنه من الثلث على الإطلاق ولم يتابعا على هاتين المقالتين وفيه أن الكفن إذا ضاق عن الميت كانت تغطية وجهه ورأسه أولى إكرامًا للوجه وسترًا لما يظهر عليه من تغير محاسنه وإن ضاق عن الوجه والعورة بدئ ستر العورة وتكفين الميت المسلم واجب عند العلماء فإن كان له مال فمن رأس ماله على ما تقدم وإن لم يكن له مال فمن بيت المال أو على جماعة المسلمين واختلف أصحابنا هل يلزم ذلك من كان تلزمه نفقته في حياته أم لا والوتر في الكفن مستحب عند كافة العلماء وكلهم مجمعون على أنه ليس فيه حد واجب اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث خباب بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2059) (904) (44) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة)

وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، مِنْ كُرْسُفٍ. لَيسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن هشام بن عروة) الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو مروزي وكوفي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (قالت) عائشة: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية) بضم السين نسبة إلى سحول بضم السين جمع سحل وهو الثوب الأبيض أي في ثلاثة أثواب بيض نقية أو بفتح السين نسبة إلى سحول بفتحهما قرية باليمن تجلب منها هذه الثياب وعلى الأول فسحولية صفة ثانية لأثواب مؤكدة لبيض وعلى الثاني صفة ثانية مؤسسة لأثواب وقوله (من كرسف) أي كائنة من قطن صفة ثالثة مؤسسة أي في ثلاثة أثواب لفائف بيض نقية كائنة من قطن والكرسف بضم الكاف والسين بينهما راء ساكنة القطن وقوله (ليس فيها قميص ولا عمامة) يحتمل نفي وجودهما بالكلية ويحتمل نفي كونهما معدودين من الثلاثة أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة وبه قال الشافعي وبالثاني قال المالكية نعم يجوز التقميص عند الشافعي من غير استحباب لأن ابن عمر كفن ابنًا له في خمسة أثواب قميص وعمامة وثلاثة لفائف رواه البيهقي قال في المهذب وشرحه والأفضل أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة وإن كان لم يكره لكنه خلاف الأولى لخبر عائشة المذكور اهـ من الإرشاد. والمعنى لم يكفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميص ولا عمامة وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر اهـ نواوي. (أما الحلة) قال ابن الأثير: الحلة واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا إذا كانت ثوبين من جنس واحد إزارًا ورداء أي وأما الحلة التي زعموا أنه صلى الله عليه وسلم كفن فيها (فـ) ـأنه لم يكفن (إنما شبه) بالبناء للمفعول مع تشديد الباء

عَلَى النَّاسِ فِيهَا، أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا. فَتُرِكَتِ الْحُلَّةُ. وَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ. فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. فَقَال: لأحبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِي. ثُمَّ قَال: لَوْ رَضِيَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا. فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا. (2060) (0) (0) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. أَخْبَرَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموحدة أي اشتبه والتبس (على الناس) أمر (فيها) أي في الحلة لـ (ـأنها اشتريت له) صلى الله عليه وسلم اشتراها عبد الله بن أبي بكر الصديق (ليكفن فيها فتركت الحلة و) لم يكفن فيها بل (كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال) عبد الله: (لأحبسنها) وأدخرنّها عندي (حتى أكفن) أي كي أكفن (فيها نفسي) إذا مت أي ليكفنوني فيها إذا مت (ثم قال) عبد الله: (لو رضيها الله عزَّ وجلَّ) أي لو رضي الله تعالى وأراد التكفين بها (لنبيه) صلى الله عليه وسلم (لكفنه) أي لكفن الله تعالى نبيه (فيها) ولكن لم يرد تكفينه فيها (فباعها) عبد الله (وتصدق بثمنها) على المحاويج وقال الترمذي: وقد روى في كفن النبي صلى الله عليه وسلم روايات مختلفة وحديث عائشة أصح الروايات التي رويت في كفن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم انتهى. وهذا الحديث يدل على استحباب البياض في الكفن وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن من خير ثيابكم البياض فكفنوا فيها موتاكم) والكفن في غيره جائز ومن أطلق عليه أنه مكروه فمعناه أن البياض أولى واختلف قول مالك في المعصفر فمرة كرهه لأنه مصبوغ يتجمل به وليس بموضع تجمل وأجازه أخرى لأنه من الطيب ولكثرة لباس العرب له وقد كره مالك وعامة العلماء التكفين في ثياب الحرير للرجال والنساء وأجازه ابن حبيب للنساء خاصة اهـ من المفهم وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 40 و 231) والبخاري (1271) وأبو داود (3151) والترمذي (969) والنسائي (4/ 35) وابن ماجه (1469). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2060) (0) (0) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة من (9) (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8)

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: أُدْرِجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ يَمَنِيةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ. وَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَاب سُحُولٍ يَمَانِيَةٍ. لَيسَ فِيهَا عِمَامَةٌ وَلَا قَمِيصٌ. فَرَفَعَ عَبْدُ اللهِ الْحُلَّةَ فَقَال: أُكَفَّنُ فِيهَا. ثُمَّ قَال: لَمْ يُكَفَّنْ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأُكَفَّنُ فِيهَا! فَتَصَدَّقَ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة علي بن مسهر لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة (قالت) عائشة: (أدرج) بالبناء للمفعول أي أدخل (رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمنية) بفتح أوله منسوبة إلى اليمن اختلف رواة مسلم في هذه اللفظة فعند العذري: (يمنية) بلا ألف مع فتح أوله منسوبة إلى اليمن وعند الصدفي: (يمانية) بفتح أوله أيضًا مع إثبات الألف أي منسوبة إلى اليمن أيضًا وعند الفارسي (يمنة) بضم الياء وإسكان الميم وفتح النون وبحذف التنوين من حلة وإضافتها إلى يمنة قال الخليل هي ضرب من برود اليمن أي أدخل في حلة يمنية (كانت لعبد الله بن أبي بكر) الصديق وهو عبد الله بن عبد الله بن عثمان وهو شقيق أسماء بنت أبي بكر ذكره ابن حبان في الصحابة وقال: مات قبل أبيه وثبت ذكره في البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت: وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش وهو غلام شاب فطن فكان يبيت عندهما ويخرج من السحر فيصبح مع قريش اهـ من الإصابة (ثم نزعت) تلك الحلة وأخذت (عنه) صلى الله عليه وسلم (وكفن في ثلاثة أثوابٍ) بالتنوين (سحولٍ) بالتنوين أيضًا صفة لأثواب وهو بضم المهملتين آخره لام أي بيض وهو جمع سحل وهو الثوب الأبيض النقي ولا يكون إلا من قطن كذا في الفتح (يمانيةٍ) صفة ثانية لها أي منسوبة إلى اليمن وهو بتخفيف الياء مع الألف على اللغة المشهورة (ليس فيها) أي في تلك الثلاثة (عمامة ولا قميص) معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة كما مر (فرفع عبد الله) بن أبي بكر (الحلة) وأخذها لأنه اشتراها ليكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تركوها أخذها (فقال) عبد الله: (أكفن) بالبناء للمفعول أي أكفن (فيها) إن شاء الله تعالى لأنها مست جسده الشريف (ثم قال) عبد الله: (لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) وتركت (و) كيف (أكفن فيها) فباعها (فتصدق بها) أي بثمنها.

(2061) (0) (0) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَابْنُ عُيَينَةَ وَابْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدَةُ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمْ قِصَّةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. (2062) (0) (0) وحدّثني ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلف في القميص الذي غسل فيه النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهوا عن نزعه كما ذكر ابن عبد البر فقال بعض العلماء إنه نزع عنه حين كفن وستر بالأكفان لأنه كان مبلولًا ولا يتفق تكفينه فيه ذكره القرطبي في المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2061) (0) (0) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) (و) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي ثقة حجة من (8) (و) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي ثقة من (8) (وعبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي ثقة من (8) (ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي ثقة من (9) (ح وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي المدني (كلهم) أي كل من هؤلاء المذكورين من حفص ومن بعده في السند الأول وعبد العزيز بن محمد في السند الثاني رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة مثل ما روى علي بن مسهر عن هشام غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء المذكورين لعلي بن مسهر (و) لكن (ليس في حديثهم قصة عبد الله بن أبي بكر) الصديق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثهما فقال: (2062) (0) (0) (وحدثني) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد الدراوردي المدني (عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي مولاهم أبي عبد الله المدني ثقة من (5) (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد بن صخر القرشي التيمي أبي عبد الله المدني ثقة من (4) (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة من (3) (أنه) أي أن أبا سلمة (قال: سألت عائشة زوج

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لَهَا: فِي كَمْ كفِّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالتْ: كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَاب سَحُولِيَّةٍ. (2063) (905) - (55) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَحَسَنٌ الْحُلوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزهري أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ أَخبَرَهُ؛ أَن عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالتْ: سُجِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا ابن عمر فإنه مكي غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة لعروة بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عائشة (فقلت لها) أي لعائشة: (في كم) من الأثواب (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) عائشة: (كفن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في ثلاثة أثوابٍ) أي في ثلاثة لفائف (سحوليةٍ) قال الأزهري: بالفتح ناحية من اليمن تعمل فيها الثياب وبالضم الثياب البيض وقيل بالفتح نسبة إلى قرية باليمن وبالضم ثياب القطن وفي المغرب للمطرزي: نسبة إلى سحول قرية باليمن بالفتح والضم اهـ من فتح الملهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: (2063) (905) (55) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وحسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) الخلال أبو علي المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد) بن حميد: (أخبرني وقال الآخران: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من صغار (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري أبو إسحاق المدني ثقة من (8) (عن صالح) بن كيسان المدني أبي محمد الغفاري مولاهم ثقة من (4) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب الزهري) أبي بكر المدني ثقة متقن حافظ من (4) (أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن عائشة أم المومنين) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته رجاله ستة منهم مدنيون وواحد إما نسائي أو مكي أو كسي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (قالت: سجي) بالبناء للمجهول من

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ. (2064) (0) (0) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، كِلاهُما عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ التسجية بمعنى التغطية أي غطي وستر (رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات) قبل غسله أي غطى جميع بدنه (بثوب حبرة) بالإضافة أي بثوب من حبرة وحبرة ضرب من برود اليمن قال القاضي عياض: مضى العمل على تسجية الميت وتغطية وجهه لتغير حاله بالموت فحكمته صيانته عن الانكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين والحبرة بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة هي ضرب من برود اليمن اهـ. وفي الحديث استحباب تسجية الميت قال أصحابنا: ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه قالوا تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها اهـ نواوي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 153 و 269) والبخاري (5814) وأبو داود (3120). ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: (2064) (0) (0) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة من (9) (قال) عبد الرزاق: (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري ثقة من (7) (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة متقن من (11) (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي ثقة من (7) (كلاهما) أي كل من معمر وشعيب رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة مثل ما روى صالح بن كيسان عن الزهري حالة كون كل من الحديثين (سواء) أي متساويين في اللفظ والمعنى فهو تأكيد لمعنى المماثلة المفهومة من المقام غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر وشعيب لصالح بن كيسان. ثم استدل المؤلف على تحسين الكفن بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال:

(بشارة عظيمة حصلت لي في هذا المكان)

(2065) (906) - (56) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2065) (906) (56) (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى الحمال ثقة من (10). (بشارة عظيمة حصلت لي في هذا المكان) ومما بشرني الله سبحانه وتعالى به فله الفضل كله وعليَّ الشكر جهده وتلك البشارة أني كتبت هذا التعليق يوم الجمعة الليلة الأولى من شهر الله المحرم من شهور سنة (1/ 1 / 1423 هـ) ألف وأربعمائة وثلاث وعشرين كتبته من أول الليل إلى الساعة السادسة وكسلت من الكتابة وأخذني النوم ونمت الساعة السابعة وفي آخر هذه الساعة رأيتني كأني جئت الحج من البلاد وأردت زيارة المدينة واجتمعت مع ابن عباس وابن عمر وخلق كثير من الصحابة تحت الكعبة في حجر إسماعيل وضيفوني وأوقدوا لي النور يضيء إلى السماء ويضيء إلى مشارق الأرض ومغاربها وقلت لمعاشر الصحابة الذين اجتمعوا عندي لضيافتي: لقد فرغت من حجي وأريد زيارة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجده الشريف وأهل البقيع من الصحابة وأهل بيته صلى الله عليه وسلم فقالوا لي: لا تتحرك من هذا المكان حتى تلتقي مع عمر بن الخطاب فإنه يأتي الحج اليوم فبينما هم يحدثوني ويؤانسوني إذا عمر بن الخطاب طائف بالبيت ونحن في حجر إسماعيل - عليه السلام - ومعه خلق كثير من الصحابة كعثمان وعلي بن أبي طالب وأكابر الصحابة فلما فرغ عمر رضي الله عنه من الطواف دخل علي في الحجر من فتحة الحجر التي تلي باب الكعبة واتسع الحجر من مشارق الأرض إلى مغاربها وازداد ضوء النور الذي أوقدوه لي أولًا للضيافة حتى وصل مشارق الأرض ومغاربها وقبلت رأس عمر وهو يقبلني وبكيت كما يبكي الولد عند لقاء الوالد القادم من السفر وقلت: نحن أيتام في بلاد الكفار وغرباء في حرم الله الأمين وأنتم أحياء على الأرض فقال لي: أبشر فلا يتم عليك بعد اليوم فلا تتحرك عن بلد الله الأمين نحن نزورك كل سنة ونأتي كل يوم لترميم هذا البيت فإنه متهدم وكأن الزمن زمن خلافة عمر وسألني مسائل من التفسير والقراءة فقلت له: كيف سألتني يا أمير المؤمنين وأنا من أيتام الحبشة وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن العشرة المبشرة بالجنة فقال لي: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقد رأيت في هذه الرؤيا من لا يحصون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت بشارة عظيمة لا يصفها كلامي ولا يدركها فهمي فلله الحمد على هذه النعمة.

وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا. فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيرِ طَائِلٍ. وَقُبِرَ لَيلا. فَزَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيهِ. إلا أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولنرجع إلى كتابة تعليقنا (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) أبو محمد البغدادي ثقة من (11) (قالا: حدثنا حجاج بن محمد) مولى سليمان بن مجالد المصيصي الأعور أبو محمد البغدادي ثقة من (9) (قال) حجاج بن محمد: (قال) لنا (ابن جريج) عبد الملك الأموي المكي: (أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بغداديان وواحد مدني وفيه التحديث والإخبار والسماع والقول والمقارنة حالة كون جابر (يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب) أي ذكر ووعظ الناس (يومًا) من الأيام (فذكر) في خطبته (رجلًا من أصحابه قبض) أي توفي (فكفن في كفن غير طائل) أي حقير غير كامل الستر قاله النواوي أو لا خطر له ولا قيمة أو لا ستر فيه ولا كفاية أو لا نظافة له ولا نقاوة قاله القرطبي (وقبر) أي دفن (ليلًا فزجر) أي نهى (النبي صلى الله عليه وسلم) عن (أن يقبر) أي يدفن (الرجل) وكذا المرأة (بالليل حتى يصلى عليه) صلاة الجنازة بفتح اللام على صيغة المجهول مع الجماعة العظيمة فقيل: سبب النهي عن ذلك أن الدفن نهارًا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد من الناس وقيل: لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل ويؤيده أول الحديث وآخره قال القاضي: العلتان صحيحتان قال والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معًا وقال الحافظ: قوله: (حتى يصلى عليه) مضبوط بكسر اللام أي النبي صلى الله عليه وسلم فهذا سبب آخر يقتضي أنه إن رجي بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره وإلا فلا وبه جزم الطحاوي وقوله (إلا أن يضطر) بالبناء للفاعل وتحتاج حاجة شديدة (إنسان) ميت بالرفع على الفاعلية (إلى ذلك) أي إلى دفنه ليلًا بأن خيف انفجاره أو تغيره تغيرًا فاحشًا فيه دليل على أنه لا بأس به في وقت الضرورة كما مثلنا وقد اختلف العلماء

وَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في الدفن ليلًا فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة وهذا الحديث مما يستدل له به وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلًا من غير إنكار وبحديث المرأة السوداء أو الرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلًا وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه قالوا: توفي ليلًا فدفناه بالليل فقال: ألا آذنتموني قالوا: كانت ظلمة ولم ينكر عليهم وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل وإنما نهى لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع اهـ نواوي. (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) إحسان الكفن جعله أبيض وأنظف وقيل: ألا يبذر فيه ولا يقتر اهـ مبارق. وذكر النواوي في ضبط لفظة كفنه وجهين فتح الفاء وإسكانها والمعنى على الإسكان التكفين ثم قال: والفتح أصوب وأظهر وضبط ملّا علي لفظة فليحسِّن بالتشديد كما هو مقتضى الترجمة ثم قال: ويخفف والمفهوم من كلام ابن الملك التخفيف وفي الحديث إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته قال القاضي: وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة في نفاسته وإنما المراد نظافته ونقاؤه وستره وتوسطه قاله النواوي وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 259 و 329) وأبو داود (3150) والترمذي (995) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة الأول حديث خباب بن الأرت ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

406 - (24) باب الإسراع بالجنازة وفضل الصلاة عليها واتباعها

406 - (24) باب الإسراع بالجنازة وفضل الصلاة عليها واتباعها (2066) (907) - (57) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 406 - (24) باب الإسراع بالجنازة وفضل الصلاة عليها واتباعها (2066) (907) (57) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن ابن عيينة قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد) بن المسيب القرشي المخزومي أبي محمد المدني تابعي ثقة من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسرعوا بالجنازة) أي بحملها إلى قبرها في مشيكم يدل عليه قوله في آخره: (فخير تقدمونها إليه أو شر تضعونه عن رقابكم) والمعنى أسرعوا بالسير إلى القبر بأن يكون المشي بها فوق المشي المعتاد ودون الخبب وهو شدة المشي المؤدية إلى اضطراب الميت وقيل المعنى أسرعوا بتجهيزها بعد موتها لئلا تتغير قال القرطبي رحمه الله تعالى: والأول أظهر ثم لا يبعد أن يكون كل واحد منهما مطلوبًا إذ مقتضاه الإسراع فإنه لم يقيده بقيد والله أعلم ثم على الأول فذلك الإسراع يكون برفق ولطف فإنه إن لم يكن كذلك تعب المتبع ولعله يضعف عن كمال الاتباع وانخرقت حرمة الميت لكثرة تحريكه وربما يكون ذلك سبب خروج شيء منه فيتلطخ به فيكون ذلك نقيض المقصود الذي هو النظافة ومقصود الحديث أن لا يتباطأ في حمله بالمشي فيؤخر عن خير يقدم به عليه أو يستكثر من حمل الشر إن كان من أهله ولأن المبطئ في مشيه يخاف عليه الزهو والتكبر وهذا قول الجمهور وقد تضمن هذا الحديث الأمر بحمل الميت إلى قبره وهو واجب على الكفاية إن لم يكن له مال يحمل منه و (الجنازة) بفتح الجيم وكسرها لغتان للميت والكسر أفصح قاله القتبي وقال أبو علي: بالكسر السرير الذي يحمل عليه الميت قال ابن دريد: يقال جنزت الشيء سترته ومنه سمي الميت جنازة لأنه يستر وعن ابن الأعرابي: الفتح للميت والكسر للنعش كما مر في أوائل الباب اهـ من المفهم. وحاصل المعنى أسرعوا بالجنازة إسراعًا خفيفًا بين المشي المعتاد والخبب لأن

فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيرٌ. (لَعَلَّهُ قَال) تُقَدِّمُونَهَا عَلَيهِ. وَإِنْ تَكُنْ غَيرَ ذلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ". (2067) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ما فوق ذلك يؤدي إلى انقطاع الضعفاء أو مشقة الحامل فيكره وهذا إن لم يضره الإسراع فإن ضره فالتأني أفضل فإن خيف عليه تغير أو انفجار أو انتفاخ زيد في الإسراع اهـ من الإرشاد. (فإن تك) أي الجنازة أصله تكن حذفت النون للتخفيف والضمير الذي فيه يعود إلى الجنازة التي هي عبارة عن الميت (صالحة) بالنصب خبر تكون (فخير) مرفوع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي فهناك خير قال سعيد بن المسيب: العله) أي لعل أبا هريرة (قال: تقدمونها) بالتشديد أي فهناك أي في قبره خير تقدمون الجنازة (عليه) الضمير فيه يعود إلى الخبر باعتبار الثواب يعني حاله في القبر حسن طيب فأسرعوا بها حتى تصل إلى تلك الحالة قريبًا أي فهناك خير تقدمون الجنازة عليه أي على ثواب الخير الذي أسلفه فيناسب الإسراع به ليناله ويستبشر به ولا يقدم على الخير إلا من كان من الأخيار ومن كان غير ذلك يكون المقصود منه المفارقة ولذا قال: (وإن تكن) الجنازة (غير ذلك) أي غير صالحة (فشر) أي فهو شر (تضعونه) أي تحطونه (عن رقابكم) أي عن أعناقكم فلا مصلحة لكم في مصاحبتها لأنها بعيدة عن الرحمة ولم يقل هنا: تقدمونها إليه لأنه لا ينبغي لأحد أن يذهب بشخص إلى الشر فضلًا عن أن يسرع به وهذا لا ينافي حصول الثواب في حمله قال العيني: ففيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت لكن بعد تحقق موته وفيه مجانبة صحبة أهل البطالة وصحبة غير الصالحين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 220) والبخاري (1315) وأبو داود (3181) والترمذي (1015) والنسائي (4/ 48) وابن ماجه (1477). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2067) (0) (0) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (وعبد بن حميد) الكسي حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن عبد الرزاق) ابن همام الصنعاني ثقة من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا يحيى

ابْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ قَال: لَا أَعْلَمُهُ إلا رَفَعَ الْحَدِيثَ. (2068) (0) (0) وحدّثني أَبُو الطاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِي (قَال هَارُونُ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي أبو محمد البصري ثقة من (9) (حدثنا محمد بن أبي حفصة) ميسرة أبو سلمة المصري ويقال له: محمد بن ميسرة روى عن الزهري في الجنائز والحج وقتادة وجماعة ويروي عنه (خ م س) وروح بن عبادة وابن المبارك وجماعة وثقة ابن معين وأبو داود وضعفه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: صدوق يخطئ من السابعة (كلاهما) أي كل من معمر ومحمد بن أبي حفصة رويا (عن الزهري) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر وابن أبي حفصة لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري وفائدتها بيان كثرة طرقه (عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أن) أي لكن أن (في حديث معمر) وروايته (قال) الزهري قال لنا سعيد بن المسيب: (لا أعلمه) أي لا أعلم أبا هريرة (إلا) أنه (رفع) هذا (الحديث) إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2068) (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن بحيى) التجيبي المصري (وهارون بن سعيد الأيلي) نزيل مصر أبو جعفر التميمي السعدي (قال هارون: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي أبو يزيد الأموي (عن ابن شهاب) المدني (قال) ابن شهاب: (حدثني أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) الأنصاري المدني رضي الله عنه مشهور بكنيته معدود من الصحابة له رؤية ولكن لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أمامة لسعيد بن المسيب وفيه رواية

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ. فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إِلَى الْخَيرِ. وَإنْ كَانَتْ غَيرَ ذلِكَ كَانَ شَرًّا تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ". (2069) (908) - (58) وحدّثني أَبُو الطاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِي (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ وَحَرْمَلَةَ) (قَال هَارُونُ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ هُرْمُزَ الأعرَجُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتى يُصَلَّى عَلَيهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحابي عن صحابي (قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أسرعوا بالجنازة) أي بدفنها أو بتجهيزها (فإن كانت) تلك الجنازة (صالحة) أي عاملة بالخيرات (قربتموها إلى) جزائها وثوابها (الخير وإن كانت غير ذلك) أي غير صالحة (كان) الميت (شرًّا تضعونه) أي تحطونه (عن رقابكم) فلا مصلحة لكم في مصاحبته. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2069) (908) (58) (وحدثني أبو الطاهر) المصري (وحرملة بن بحيى) المصري (وهارون بن سعيد الأيلي) المصري (واللفظ) الآتي (لهارون وحرملة قال هارون: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج) الهاشمي مولاهم المدني (أن أبا هريرة قال) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد الجنازة) وحضرها وكان معها (حتى يصلَّى عليها) صلاة الميت (فله قيراط) واللام في قوله (حتى يصلى) بالفتح عند الأكثر وفي بعض الروايات بكسرها ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة عليها من الذي يحصل له الأجر ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضرها من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة عليها وبذلك صرح المحب الطبري وغيره والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضًا لمن صلى عليها فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلًا وصلى اهـ من فتح الملهم (والقيراط) اسم لمقدار معلوم في العرف وهو جزء من أربعة وعشرين جزءًا من الدينار وقد يراد به

وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ" قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَال: "مِثْلُ الْجَبَلَينِ الْعَظِيمَينِ". انْتَهَى حَدِيثُ أَبِي الطَّاهِرِ. وَزَادَ الآخَرَانِ: قَال ابْنُ شِهَابٍ: قَال سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَيهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَلَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: لَقَدْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الجزء مطلقًا ويكون عبارة عن الحظ والنصيب ألا ترى أنه قال: (كل قيراط مثل أحد) كما سيأتي في الرواية الآتية ومقصود هذا الحديث أن من صلى على جنازة كان له حظ عظيم من الثواب والأجر فإن صلى عليها واتبعها كان له حظان عظيمان من ذلك إذ قد عمل عملين أحدهما صلاته عليها والثاني كونه معها حتى تدفن اهـ من المفهم كما قال: (ومن شهدها) واتبعها (حتى تدفن فله قيراطان) قيراط في الصلاة وقيراط في اتباعها حتى تدفن وفيه الحث على الصلاة على الجنازة واتباعها ومصاحبتها حتى تدفن (قيل) له صلى الله عليه وسلم: (وما القيراطان) يا رسول الله (قال): القيراطان (مثل الجبلين العظيمين) وهذا تمثيل والمراد منه أن يرجع بنصيبين كبيرين من الأجر والياء في (قيراط) بدل من الراء فإن أصله قرَّاط مشدد الراء بدليل جمعه قراريط ويقال مثله في دينار ودنانير اهـ من المبارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 470) والبخاري (1325) وأبو داود (3168) والترمذي (1040) والنسائي (4/ 76 - 77) وابن ماجه (1517) ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى إلى هنا (انتهى) وتم (حديث أبي الطاهر) وروايته. (وزاد الآخران) يعني حرملة بن يحيى وهارون بن سعيد لفظة: (قال ابن شهاب) بالسند السابق و (قال) لنا (سالم بن عبد الله بن عمر) معطوف على حدثني عبد الرحمن بن هرمز: (وكان) عبد الله (بن عمر يصلي عليها) أي على الجنازة (ثم) بعد صلاته عليها (ينصرف) أي يرجع إلى بيته (فلما بلغه) أي بلغ ابن عمر (حديث أبي هريرة) هذا (قال) ابن عمر: والله (لقد ضيعنا) وفوتنا (قراريط كثيرة) وقصرنا فيها بعدم المواظبة على حضور الدفن والإعراض عنه قال النواوي: هكذا ضبطناه وفي كثير من الأصول أو أكثرها: ضيعنا في قراريط بزيادة (في) والأول هو الظاهر والثاني صحيح على أن ضيعنا بمعنى فرطنا كما في الرواية الأخرى وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين بلغتهم والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه اهـ.

(2070) (0) (0) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. كِلاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ: "الْجَبَلَينِ الْعَظِيمَينِ". وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الأعلَى: حَتَّى يُفْرَغَ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ. (2071) (0) - (0) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. قَال: حَدَّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2070) (0) (0) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري ثقة من (8) (ح وحدثنا) محمد (ابن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (وعبد بن حمبد) الكسي (عن عبد الرزاق) الصنعاني (كلاهما) أي كل من عبد الأعلى وعبد الرزاق رويا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن سعيد بن المسبب) المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب لعبد الرحمن بن هرمز في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (إلى قوله) صلى الله عليه وسلم مثل: (الجبلين العظيمين) متعلق بقوله: حدثنا عبد الأعلى وحدثنا عبد الرزاق أي حدث كل منهما عن معمر هذا الحديث السابق الذي رواه يونس عن الزهري إلى قوله: الجبلين العظيمين (ولم يذكرا) أي لم يذكر عبد الأعلى وعبد الرزاق (ما بعده) أي ما بعد قوله الجبلين العظيمين من قوله: قال ابن شهاب: قال سالم بن عبد الله: الخ (وفي حديث عبد الأعلى) وروايته ومن شهدها (حتى يفرغ منها) أي من تجهيزها (وفي حديث عبد الرزاق) وروايته (حتى توضع) الجنازة (في اللحد) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الرواة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال: (2071) (0) (0) (وحدثني عبد الملك بن شعبب بن الليث) الفهمي البصري قال: (حدثني أبي) شعيب بن الليث (عن جدي) ليث بن سعد المصري (قال) الليث (حدثني

عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: حَدَّثَنِي رِجَالٌ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَقَال: "وَمَنِ اتبَعَهَا حَتى تُدْفَنَ". (2072) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنِي سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم المصري (عن ابن شهاب أنه قال: حدثني رجال) كثيرون كالأعرج في السند الأول وسعيد بن المسيب في السند الثاني: (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث معمر) وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عقيل بن خالد لمعمر بن راشد (و) لكن (قال) عقيل بن خالد: (ومن اتبعها حتى تدفن) وسيجيء في بعض الطرق: (من تبع جنازة) قال الحافظ: واستدل على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها لأن ذلك هو حقيقة الاتباع حسًّا قال ابن دقيق العيد: اللذين رجحوا المشي أمامها حملوا الاتباع هنا على الاتباع المعنوي أي المصاحبة وهو أعم من أن يكون أمامها أو خلفها أو غير ذلك وهذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدليل الدال على استحباب التقدم راجحًا اهـ وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي وأبي داود من طريق يحيى بن عبد الله عن أبي ماجد: الجنازة متبوعة ولا تتبع وليس معها من تقدمها وقال: ضعَّفه البخاري وابن عدي والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرهم اهـ من فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2072) (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي صدوق من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري ثقة من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة من (7) (حدثني سهيل) بن أبي صالح السمان أبو يزيد المدني صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد بغدادي غرضه بيان متابعة أبي صالح السمان لعبد الرحمن الأعرج وسعيد بن المسيب (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى على جنازة ولم يتبعها) إلى محل الدفن (فله) من الأجر (قيراط) واحد

فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ" قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَال: "أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ". (2073) (0) - (0) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ. حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ. وَمَنِ اتبَعَهَا حَتى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ" قَال: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، وَمَا الْقِيرَاطُ؟ قَال: مِثْلُ أُحُدٍ. (2074) (0) - (0) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإن تبعها) إلى محل الدفن (فله قيراطان قيل: وما القيراطان) يا رسول الله (قال) صلى الله عليه وسلم: (أصغرهما مثل) جبل (أحد) قيراط في الصلاة وقيراط في اتباعها حتى تدفن قاله القاضي عياض. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2073) (0) (0) (حدثني محمد بن حاتم) البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري (عن يزيد بن كيسان) اليشكري أبي إسماعيل الكوفي صدوق من (6) (حدثني أبو حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد كوفي وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي حازم لمن روى عن أبي هريرة. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة) ولم يتبعها (فله) من الأجر (قيراط) للصلاة عليها (ومن اتبعها حتى توضع في القبر فـ) ـله (قيراطان) قيراط للصلاة وقيراط لاتباعها إلى الدفن (قال) أبو حازم: (قلت: يا أبا هريرة وما القيراط قال) أبو هريرة القيراط الواحد (مثل) جبل (أحد) في العظم السائل أبو حازم والمجيب أبو هريرة وروى أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة ولفظه: قلت: وما القيراط يا رسول الله وسيأتي التصريح في حديث ثوبان أن المجيب هو النبي صلى الله عليه وسلم فثبت أن أبا هريرة سأل النبي صلى الله عليه وسلم كما سأل عنه أبو حازم والله أعلم اهـ من فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2074) (0) (0) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدثنا جرير يعني ابن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو النضر البصري ثقة من (6).

حَدَّثَنَا نَافِع قَال: قِيلَ لابنِ عُمَرَ: إِن أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ تَبعَ جَنَازَة فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنَ الأَجْرِ" فَقَال ابْنُ عُمَرَ: أَكْثَرَ عَلَينَا أَبُو هُرَيرَةَ. فَبَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيرَةَ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا نافع) العدوي مولاهم المدني (قال) نافع: (قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تبع جنازة فله قيراط من الأجر) والثواب والقائل لابن عمر هو خباب صاحب المقصورة المدني قيل: له صحبة وقيل: مخضرم من الثانية روى عن أبي هريرة وعائشة. فتكون سلسلة السند هنا هكذا: حدثنا نافع عن خباب عن أبي هريرة فيكون السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد أُبُلِّيٌّ فغرضه من سوقه بيان متابعة خباب لمن روى عن أبي هريرة وفي بعض النسخ تأخير هذا السند عن السند الذي بعده. (فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة) الحديث قال ابن التين: لم يتهمه ابن عمر بل خشي عليه السهو وقال الكرماني: (قوله: أكثر علينا) أي في ذكر الأجر أو في رواية الحديث كأنه خشي لكثرة رواياته أن يشتبه عليه بعض الأمر اهـ. وقال النواوي: معناه أنه خاف لكثرة رواياته أنه اشتبه عليه الأمر في ذلك واختلط عليه حديث بحديث لا أنه نسبه إلى رواية ما لم يسمع لأن مرتبة ابن عمر وأبي هريرة أجل من هذا اهـ ووقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور (فبلغ ذلك ابن عمر فتعاظمه) وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضًا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح (فقال ابن عمر: يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) اهـ من فتح الملهم (فبعث) ابن عمر (إلى عائشة) رضي الله تعالى عنها خبابًا صاحب المقصورة كما يعلم من الرواية الآتية (فسألها) أي فسال ابن عمر عائشة عن هذا الحديث بواسطة الرسول (فصدَّقت) عائشة (أبا هريرة فقال ابن عمر): والله (لقد فرطنا) وقصرنا (في) تحصيل (قراريط كثيرة) وأجور وفيرة من التفريط وهو التقصير وهو بمعنى لقد ضيعنا كما مر. وفي فتح الملهم: قوله: (فصدَّقت أبا هريرة) ووقع في رواية الوليد بن عبد الرحمن عن سعيد بن منصور (فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره فقالت: اللهم نعم) ويجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر بخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة

(2075) (0) - (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي حَيوَةُ. حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيطٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ أَن دَاوُدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقاصِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فمشى إلى ابن عمر فأسمعه ذلك عن عائشة مشافهة وزاد في رواية الوليد (فقال أبو هريرة: لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الوديِّ ولا صفق بالأسواق وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمينها) قال له ابن عمر: (كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه) اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2075) (0) (0) (وحدثني محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا عبد الله بن يزيد) القصير مولى آل عمر أبو عبد الرحمن المصري المقرئ نزيل مكة ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثني حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أبو صخر) حميد بن زياد الخرَّاط المدني صدوق يهم من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن يزيد بن عبد الله بن قسيط) مصغرًا الليثي أبي عبد الله المدني الأعرج ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (أنه) أي أن يزيد بن عبد الله (حدثه) أي حدَّث أبا صخر (أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص) القرشي الزهري المدني روى عن أبيه في الجنائز ويروي عنه (م دت) ويزيد بن قسيط وابن إسحاق قال مسلم: ثقة وقال العجلي: مدني ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من السادسة (حدَّثه) أي حدث داود ليزيد بن عبد الله (عن أبيه) عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (أنه) أي أن عامر بن سعد (كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر إذ طلع) وظهر علينا معاشر الجالسين (خباب) قال في الإصابة: خباب مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة أبو مسلم المدني (صاحب المقصورة) قيل: له صحبة وقيل: مخضرم روى عن أبي هريرة وعائشة في الجنائز ويروي عنه (م د) وعامر بن سعد (أن ابن عمر أرسله إلى عائشة) ثقة مخضرم من الثانية وقال بعضهم: لا يعرف وذكره أبو عمر وابن الأثير وابن حجر في الصحابة ولم يذكر واحد منهم وجه تلقيبه بصاحب المقصورة ولم أعثر عليه مع البحث في مظانه والله أعلم قال في تاج العروس: المقصورة الدار الواسعة المحصنة بالحيطان أو هي

فَقَال: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ؟ إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةِ مِنْ بَيتِهَا وَصَلَّى عَلَيهَا. ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ. كُل قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ. وَمَنْ صَلَّى عَلَيهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الأجرِ مِثْلُ أُحُدٍ"؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالتْ. وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصغر من الدار كالقصارة بالضم وهي المقصورة من الدار لا يدخلها إلا صاحبها وقيل: مقصورة الدار هي الحجرة المحصنة بالحيطان من حجر دار كبيرة ومقصورة المسجد كذلك والمقصورة من النوق ما قصرته وأمسكته على عيالك يشربون لبنها ومن النساء مخدرتهن ومن القصائد ماكان كمقصورة ابن دريد اهـ من بعض الهوامش. وإذا في قوله إذا طلع فجائية والتقدير: بينما نحن جالسون عند عبد الله بن عمر فاجأنا طلوع خباب صاحب المقصورة (فقال) خباب: (يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة) بهمزة الاستفهام التقريري يقول: (إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من تساعياته رجاله ستة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد كوفي غرضه بسوقه بيان متابعة خباب لمن روى هذا الحديث عن أبي هريرة. (من خرج مع جنازة من بيتها وصلَّى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر) وثواب قيراط على صلاته عليها وقيراط على اتباعه كل قيراط) منهما (مثل أحد) وفي الرواية السابقة (أصغرهما مثل أحد) قال ابن الملك: وهذا تشبيه للمعنى بالجسم الجسيم تفهيمًا للتفخيم اهـ. والقيراط هنا اسم لقدر من الثواب معلوم عند الله تعالى عبر عنه ببعض أسماء المقادير وأحد جبل بقرب المدينة المنورة من جهة الشمال قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم على ما أخرجه الشيخان وغيرهما: (أحد جبل يحبنا ونحبه) وكان به الوقعة في أوائل شوال سنة ثلاث من الهجرة النبوية. (ومن صلَّى عليها ثم رجع) إلى بيته (كان له من الأجر مثل أحد فأرسل ابن عمر خبابًا) صاحب المقصورة (إلى عائشة) حالة كونه (يسألها عن قول أبي هريرة) وحديثه هل هو صحيح أم لا (ثم يرجع) خباب (إليه) أي إلى ابن عمر (فيخبره) أي فيخبر ابن عمر (مما قالت) عائشة في حديث أبي هريرة من الصحة وعدمها (وأخذ ابن عمر) بعدما ذهب

قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتَّى رَجَعَ إِلَيهِ الرَّسُولُ. فَقَال: قَالتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيرَةَ. فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأرضَ. ثُمَّ قَال: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. (2076) (909) - (59) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ خباب إلى عائشة (قبضة) أي كفة وقطعة (من حصباء المسجد) وحصاه حالة كونه (يقلبها) أي يقلب تلك الحصباء (في يده) وينقلها من كفة إلى كفة (حتى رجع إليه الرسول) الذي أرسله إلى عائشة وهو خباب المذكور (فقال) الرسول له: (قالت عائشة: صدق أبو هريرة) فيما حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم (فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده) أي في كفه (الأرض) تاسفًا على ما فوته من أجر اتباع الجنازة (ثم) بعد ماضرب بالحصى الأرض (قال) والله: (لقد فرطنا) وقصرنا (في) تحصيل (قراريط كثيرة) والحصباء هي الحصى والحصى جمع حصاة وهو الصغار من الأحجار وفيه أنه لا باس بمثل هذا الفعل وإنما بعث ابن عمر إلى عائشة يسألها بعد إخبار أبي هريرة كأنه خاف على أبي هريرة من النسيان والاشتباه كما قدمنا بيانه فلما وافقته عائشة علم أنه حفظ وأتقن وشارك المؤلف في هذه الرواية أبو داود فقط (3169). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ثوبان رضي الله عنهما فقال: (2076) (909) (59) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (حدثني قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن معدان بن أبي طلحة) الكناني (اليعمري) بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى يعمر بطن من كنانة كما في اللباب الشامي ثقة تابعي شامي من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن ثوبان) بن بجدد أبي عبد الله الشامي (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذ السند من سباعياته

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ. الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ". (2077) (0) - (0) وحدّثني ابْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. قال: وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ. كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ وَهِشَامِ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِيرَاطِ؟ فَقَال: "مِثْلُ أُحُدٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رجاله أربعة منهم بصريون واثنان شاميان وواحد كوفي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلَّى على جنازة) ورجع إلى بيته بعد الصلاة عليها (فله قيراط) واحد لأنه عمل عملًا واحدًا وهو الصلاة عليه (فإن شهد) وحضر (دفنها) ثم رجع إلى بيته (فله قيراطان) قيراط للصلاة عليها وقيراط لاتباعها إلى محل الدفن (القيراط) الواحد منهما (مثل) جبل (أحد) في العظم لو كان جسمًا وانفرد المؤلف برواية هذا الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال: (2077) (0) (0) (وحدثني) محمد (بن بشار) العبدي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام الدستوائي. (قال) المؤلف رحمه الله تعالى: (وحدثنا) أيضًا محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري (ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عفان) بن مسلم الصفار الأنصاري البصري (حدثنا أبان) بن يزيد العطار أبو يزيد البصري (كلهم) أي كل من هشام وسعيد وأبان رووا (عن قتادة) بن دعامة البصري (بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن معدان عن ثوبان (مثله) أي مثل ما حدث شعبة عن قتادة وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (و) لكن (في حديث سعيد وهشام) وروايتهما لفظة: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القيراط فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: (القيراط مثل أحد) في العظم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ست متابعات. والثالث: حديث ثوبان ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

407 - (25) باب الاستشفاع للميت وأن الثناء عليه شهادة له وأنه مستريح ومستراح منه

407 - (25) باب الاستشفاع للميت وأن الثناء عليه شهادة له وأنه مستريحٌ ومستراحٌ منه (2078) (910) - (60) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مائَةَ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 407 - (25) باب الاستشفاع للميت وأن الثناء عليه شهادة له وأنه مستريحٌ ومستراحٌ منه (2078) (910) (60) (حدثنا الحسن بن عيسى) بن ماسرجس الحنظلي مولاهم أبو علي النيسابوري ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم المروزي ثقة ثبت متقن من (8) (أخبرنا سلام بن أبي مطيع) سعد أبو سعيد الخزاعي مولاهم البصري وفي النسائي: الدمشقي وقال الأصفهاني: عداده من أهل البصرة روى عن أيوب السختياني وشعيب بن الحبحاب في الجنائز وأبي عمران الجوني وقتادة ويروي عنه (خ م ت س ق) وابن المبارك وابن مهدي وهدبة بن خالد وسليمان بن حرب ومسدد وثقة أحمد وابن معين وأبو داود وقال النسائي: ليس به بأس وقال ابن عدي: ليس بمستقيم الحديث عن قتادة وله أحاديث حسان وقال في التقريب: ثقة رمي بالقدر من السابعة مات سنة (167) سبع وستين ومائة (عن أيوب) السختياني العنزي أبي بكر البصري ثقة من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البصري ثقة فاضل من (3) (عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة) رضي الله تعالى عنها البصري قال في القاموس: رضيعك أخوك في الرضاعة روى عن عائشة في الجنائز ويروي عنه (م عم) وأبو قلابة فقط قال العجلي: تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مروزي وواحد نيسابوري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت) أي مسلم ولو أنثى (يصلي) بالياء والتاء على صيغة المعلوم (عليه أمَّة) أي جماعة (من المسلمين يبلغون مائة) رجل (كلهم

يَشْفَعُونَ لَهُ. إلا شُفِّعُوا فِيهِ". قَال: فَحَدَّثْتُ بِهِ شُعَيبَ بْنَ الْحَبْحَابِ. فَقَال: حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. (2079) (911) - (61) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يشفعون) من المجرد أي يطلبون ويدعون بالرحمة والمغفرة (له) من الله تعالى (إلا شفعوا) من التفعيل على بناء المجهول أي إلا قبلت شفاعتهم (فيه) أي في ذلك الميت قال القرطبي: وفي الحديث الآخر أربعون قيل: سبب هذا الاختلاف اختلاف السؤال وذلك أنه سئل مرة عمن صلَّى عليه مائة واستشفعوا له فقال: شفعوا وسئل مرة أخرى عمن صلَّى عليه أربعون فأجاب بذلك ولو سئل عن أقل من ذلك لقال ذلك والله أعلم. إذ قد يستجاب دعاء الواحد ويقبل استشفاعه وقد رُويَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلَّى عليه ثلاثة صفوف شفعوا له) رواه البيهقي في شعب الإيمان (9252) من حديث ميمونة ولعلهم يكونون أقل من أربعين اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 32 و 40) والترمذي (1029) والنسائي (4/ 75 - 76). (قال) سلام بن أبي مطيع الراوي أولًا عن أيوب هكذا بيَّنه النسائي في روايته: (فحدثت به) أي بالحديث الذي حدثنيه أيوب (شعيب بن الحبحاب) الأزدي مولاهم أبا صالح البصري روى عن أنس في الجنائز والنكاح والدعاء والفتن وأبي العالية ويروي عنه (خ م دت س) وسلام بن أبي مطيع وحماد بن زيد وعبد الوارث ويونس بن عبيد وغيرهم وثقه أحمد والنسائي وابن سعد قال ابن المديني: له نحو ثلاثين حديثًا وقال في التقريب: ثقة من الرابعة مات صنة (131) إحدى وثلاثين ومائة (فقال) لي شعيب: (حدثني به) أي بهذا الحديث (أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال القاضي عياض: رواه سعيد بن منصور موقوفًا على عائشة فأشار إلى تعليله بذلك وليس معللًا لأن من رفعه وهو شعيب بن الحبحاب ثقة وزيادة الثقة مقبولة اهـ نواوي بتصرف وزيادة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: (2079) (911) (61) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي البغدادي نزيل بغداد ثقة من (10) (وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر

وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعِ السَّكُونِيُّ (قَال الْوَلِيدُ: حَدَّثَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب). أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ. فَقَال: يَا كُرَيبُ، انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ. قَال: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ. فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال: تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: أَخْرِجُوهُ. فَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُل مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة من (10) (والوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس (السكوني) نسبة إلى السكون بفتح السين وضم الكاف اسم قبيلة اهـ عون الكندي أبو همام الكوفي نزيل بغداد ثقة من (10) (قال الوليد: حدثني وقال الآخران: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9) (أخبرني أبو صخر) حميد بن زياد الخراط المدني صدوق من (6) (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) أبي عبد الله المدني القرشي ويقال: الليثي من أنفسهم صدوق من (5) (عن كريب مولى ابن عباس) أبي رشدين المدني ثقة من (3) (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد مصري وواحد إما مروزي أو أيلي أو كوفي وفيه التحديث والإخبار والمقارنة والعنعنة. (أنه) أي أن الشأن والحال (مات ابن له) أي لابن عباس (بقديد) بالتصغير (أو) قال الراوي: مات (بعسفان) بضم العين وسكون السين شك من الراوي وقديد وعسفان موضعان بين الحرمين وعسفان أقرب إلى مكة من قديد. (فقال) لي ابن عباس: (يا كريب انظر ما اجتمع له) أي الذين اجتمعوا للصلاة على هذا الابن (من الناس) هل هم قليل أم كثير (قال) كريب: (فخرجت) من عند ابن عباس وهو عند الميت (فإذا) فجائية (ناس) مبتدأ سوّغ الابتداء بالنكرة وقوعه بعد إذا الفجائية أو قصد الجنس وجملة (قد اجتمعوا له) أي للصلاة على هذا الابن خبر المبتدإ والمعنى فخرجت من عنده ففاجأني اجتماع ناس له (فأخبرته) أي فأخبرت ابن عباس اجتماعهم له (فقال) لي ابن عباس: (تقول): أي هل تقول وتظن أنـ (هم أربعون) نفرًا أي هل تظن بلوغهم هذا العدد (قال) كريب: قلت له: (نعم) أي أظن بلوغهم هذا العدد المذكور (قال) ابن عباس لمن عنده: (أخرجوه) أي أخرجوا هذا الميت إلى المجتمعين من الناس ليصلوا عليه ويدفنوه (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم) وكذا

يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيئًا إلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَعْرُوفٍ: عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المرأة المسلمة (يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا) للصلاة عليها وجملة (لا يشركون بالله شيئًا) من المخلوق (إلا شفَّعهم) من التشفيع أي إلا قبل (الله) سبحانه وتعالى شفاعتهم (فيه) أي في ذلك الرجل المسلم بفضله وكرمه فيغفر له صفة لأربعين أي غير مشركين بالله (وفي رواية) هارون (بن معروف: عن شريك بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس) بلا ذكر لفظة عبد الله بين شريك وبين ابن أبي نمر. قيل: وحكمة خصوص هذا العدد أنه ما اجتمع أربعون قط إلا كان فيهم ولي لله ذكره ملا علي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 277) وأبو داود (3170) وابن ماجه (1489). وأخرج أصحاب السنن إلا النسائي حديث مالك بن هبيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما من ميت يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب) وقال الترمذي: حديث حسن وفي هذه الأحاديث استحباب تكثير جماعة الجنازة ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد الذي يكون من موجبات الفوز وقد قيد ذلك بأمرين: الأول: أن يكونوا شافعين فيه أي مخلصين له الدعاء سائلين له المغفرة الثاني: أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئًا كما في حديث ابن عباس قال القاضي عياض: قيل: هذه الأحاديث خرجت أجوبة للسائلين سألوا عن ذلك فأجاب كل واحد عن سؤاله قال النواوي: ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به ثم بقبول شفاعة أربعين فأخبر به ثم ثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبر به وحينئذ كل الأحاديث معمول بها وتحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين اهـ كلام النواوي. وقال التوربشتي: لا تضاد بين هذه الأحاديث لأن السبيل في أمثال هذ المقام أن يكون الأقل من العددين متأخرًا عن الأكثر لأن الله تعالى إذا وعد المغفرة لمعنى لم يكن من سنته النقصان من الفضل الموعود بعد ذلك بل يزيد تفضلًا فيدل على زيادة فضل الله

(2080) (912) - (62) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيهَا خَيرًا. فَقَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ" وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فأُثْنِيَ عَلَيهَا شَرًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ وكرمه على عباده اهـ تحفة الأحوذي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (2080) (912) (62) (وحدثني يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي (وأبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خثيمة النسائي (وعلي بن حجر السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة من صغار التاسعة (كلهم) رووا (عن) إسماعيل بن إبراهيم (بن علية) القرشي الأسدي مولاهم أبي بشر البصري (واللفظ ليحيى) بن أيوب (قال) يحيى: (حدثنا) إسماعيل (بن علية أخبرنا عبد العزيز بن صهيب) البناني مولاهم البصري الأعمى ثقة من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد إما بغدادي أو كوفي أو نسائي أو مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة. (قال) أنس: (مُرَّ) بضم الميم على صيغة المجهول أي مروا (بجنازة) على مجلس كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأثني عليها خيرًا) منصوب بنزع الخافض أي وصفوها بخير وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه عند الحاكم: فقالوا: كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت) بالتكرار ثلاث مرات قال النواوي: والتكرار لتأكيد الكلام المهتم ليحفظ ويكون أبلغ وليس التكرار في غير هذا الصحيح (ومرَّ بجنازةٍ) أي مروا على ذلك المجلس بجنازة أخرى (فأثني عليها شرًّا) منصوب بنزع الخافض أيضًا أي وصفوها بشر قال في رواية الحاكم المذكورة (فقالوا: كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها) واستعمال الثناء في الشر لغة شاذة لكنه استعمل هنا للمشاكلة لقوله فأثني عليها خيرًا وإنما مكنوا من الثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري في النهي عن سب الأموات لأن النهي عن سبهم إنما هو في حق غير المنافقين والكفار وغير المتظاهر بالفسق والبدعة وأما هؤلاء فلا يحرم سبهم للتحذير من

فَقَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ". قَال عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيهَا خَيرًا. فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فأثْنِيَ عَلَيهَا شَرًّا. فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَثْنَيتُمْ عَلَيهِ خَيرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. وَمَنْ أَثْنَيتُمْ عَلَيهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأرضِ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأرضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم قاله النواوي اهـ من الإرشاد (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت) بالتكرار ثلاثًا أيضًا (قال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستفهمًا عن قوله: (فدى) بكسر الفاء وفتحها وبالقصر وبكسرها مع المد وهو خبر مقدم و (لك) متعلق به (أبي وأمي) مبتدأ مؤخر أي أبي وأمي فداء لك يا رسول الله عن كل مكروه وفيه جواز قول مثل ذلك أي ما معنى قولك: وجبت في الحالتين فإنه (مر بجنازة فأُثني عليها خيرًا) بالنصب وبالرفع على أنه نائب فاعل (فقلت: وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأُثني عليها شرًّا فقلت: وجبت وجبت وجبت) فما معنى قولك: وجبت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيرًا) أي من وصفتموه بخير فإنه (وجبت له الجنة) بمقتضى فضله ففيه بيان أن المراد بقوله: وجبت أي الجنة لذي الخير والنار لذي الشر والمراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب والأصل أنه لا يجب على الله شيء بل الثواب فضله والعقاب عدله لا يسئل عمَّا يفعل (ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار) بمقتضى عدله قال الطيبي: استعمال الثناء في الشر مشاكلة أو تهكم اهـ ويمكن أن يكون أثنوا في الموضعين بمعنى وصفوا فيحتاج حينئذِ إلى القيد ففي القاموس: الثناء وصف بمدح أو ذم أو خاص بالمدح اهـ (أنتم) أيها المخاطبون (شهداء الله في الأرض) والإضافة للتشريف وهم بمنزلة عالية عند الله تعالى وهو أيضًا كالتزكية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وإظهار عدالتهم بعد شهادتهم لصاحب الجنازة فينبغي أن يكون لها أثر ونفع في حقه وإلى معنى هذا يشير قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} فالمراد بهم المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان فالمعتبر شهادة أهل الفضل والصدق لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من كان مثلهم كما في شروح البخاري وفيها أيضًا والصحيح أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله الناس الثناء عليه بخير كان دليلًا على أنه من أهل الجنة سواء كانت

أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأرضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأرضِ". (2081) (0) (0) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أفعاله تقتضي ذلك أم لا إذ العقوبة غير واجبة فإلهام الله تعالى الثناء عليه دليل على أنه شاء المغفرة له وبهذا تظهر فائدة الثناء وإلا فإذا كانت أفعاله مقتضية للجنة لم يكن للثناء فائدة ولعله لهذا جاء (لا تذكروا الموتى إلا بخير) اهـ بزيادة من السندي على النسائي وقوله: (أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض) مرتين بعد الأولى تأكيد لها على ما تقرر من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم منه وهذا هو الأظهر وقيل: كرره ثلاثًا إشارة إلى أن المراد القرون الثلاثة الذين قال فيهم (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه البخاري ومسلم وغيرهما قال القرطبي: (قوله من أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار) يشكل هذا بالنهي عن سب الموتى وبقوله: (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) رواه أبو داود والترمذي والحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (وأجيب) عنه بأوجه: أحدها: أن هذا الذي تحدث عنه بالشر كان مستظهرًا له ومشهورًا به فيكون ذلك من باب لا غيبة لفاسق انظر كشف الخفاء (2/ 366). وثانيها: أن محمل النهي إنما هو فيما بعد الدفن وأما قبله فمسوغ ليتعظ به الفساق وهذا كما يكره لأهل الفضل الصلاة على المعلن بالبدع والكبائر. وثالثها: أن الذي أثنى عليه الصحابة بالشر يحتمل أن يكون من المنافقين ظهرت عليه دلائل النفاق فشهدت الصحابة بما ظهر لهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وجبت له النار) والمسلم لا تجب له النار وهذا هو مختار القاضي عياض ورابعها: أن يكون النهي عن سب الموتى متأخرًا عن هذا الحديث فيكون ناسخًا والثناء بتقديم الثاء المثلثة على النون ممدودًا إنما يقال في الخير غالبًا والذي يقال في الشر هو النثا بتقديم النون وتأخير الثناء والقصر إلا أن هذا الحديث جاء في الثناء في الشر لمطابقته للفظ الثناء في الخير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 186 و 245) والبخاري (2642) والنسائي (4/ 49 - 50) والترمذي (1058) وابن ماجه (1491) والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2081) (0) (0) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا

حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ. كِلاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِجَنَازَةٍ. فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. غَيرَ أَن حَدِيثَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَتَمُّ. (2082) (913) - (63) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ؛ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيهِ بِجَنَازَةٍ. فَقَال: "مُسْتَرِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي نسبة إلى ضبيعة نزل فيهم أبو سليمان البصري (كلاهما) أي كل من حماد وجعفر رويا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته رجالهما كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري غرضه بسوقهما بيان متابعة ثابت بن أسلم لعبد العزيز بن صهيب في رواية هذا الحديث عن أنس: (قال) أنس: (مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازةٍ فذكر) ثابت (بمعنى حديث عبد العزيز عن أنس غير أن حديث عبد العزيز أتم) وأطول متنًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة فقال: (2082) (913) (63) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (فيما قرئ عليه عن محمد بن عمرو بن حلحلة) الديلي المدني ثقة من (6) (عن معبد بن كعب بن مالك) الأنصاري المدني قال العجلي: مدني تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: مقبول من الثالثة كان أصغر الإخوة روى عنه في (3) أبواب (عن أبي قتادة) الحارث (بن ربعي) الأنصاري السلمي بفتح السين واللام فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه روى عنه في (7) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي. (أنه كان يحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرَّ) بضم الميم على صيغة المبني للمجهول (عليه) صلى الله عليه وسلم (بجنازة فقال) النبي صلى الله عليه وسلم هذا الميت أو كل ميت إما: (مستريح) من تعب الدنيا لأنها سجن المؤمن والواو في

وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَال: "الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا. وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ". (2083) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ومستراح) بمعنى أو التفصيلية أي أو مستراح (منه) العباد يعني أن أمر الميت بين هذين الأمرين قاله ابن الملك في المبارق وقال السندي في حواشي النسائي: الواو بمعنى أو التفصيلية والتقدير: هذا الميت أو كل ميت إما مستريح أو مستراح منه (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه) أي ما معناهما (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا) وتعبها لأنها سجن المؤمن والنصب كالتعب وزنًا ومعنى فهذا بيان للمستريح (والعبد الفاجر) أي الكافر أو الفاسق (يستريح منه) أي من أذاه (العباد) من جهة أنه إذا فعل منكرًا فمنعوه من فعله أذاهم وإن سكتوا أذنبوا اهـ ابن الملك قال ابن التين: يحتمل أن يريد بالمؤمن التقي خاصة ويحتمل أن يريد كل مؤمن والفاجر يحتمل أن يريد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه كل عاص قال النواوي: أما استراحة العباد من الفاجر معناه اندفاع أذاه عنهم وأذاه يكون من وجوه منها: ظلمه لهم ومنها: ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك وربما نالهم ضرره وإن سكتوا عنه أثموا (و) يستريح منه (البلاد والشجر) لأنها تمنع المطر بمعصيته قاله: الداودي، وقال الباجي: لأنه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره (و) تستريح منه (الدواب) لأنه كان يؤذيها ويضربها ويحملها ما لا تطيقه ويجيعها في بعض الأوقات إلى غير ذلك اهـ منه بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 296 و 304) والبخاري (6512) والنسائي (4/ 48). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: (2083) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (جميعًا) أي كل من يحيى بن سعيد وعبد الرزاق رويا

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: "يَسْتَرِيحُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا وَنَصَبِهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند) الفزاري أبي بكر المدني وثقه أحمد وأبو داود وابن معين وقال في التقريب: صدوق ربما وهم من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن محمد بن عمرو) بن حلحلة الديلي المدني ثقة من (6) (عن) معبد (ابنٍ لكعب بن مالك) الأنصاري المدني (عن أبي قتادة) الحارث بن رِبْعِي الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان أو مروزي وصنعاني غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن سعيد لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن محمد بن عمرو. (عن النبي صلى الله عليه وسلم و) لكن (في حديث يحيى بن سعيد) القطان البصري: العبد المؤمن (يستريح من أذى الدنيا ونصبها) أي من إذاية الناس له ومن تعب عيشها (إلى رحمة الله) ورضوانه أي إلى محلهما وهو الجنة دار الكرامة للمؤمنين جعلنا الله وأحبتنا وجميع المسلمين من أهلها. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول منهما: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة. والثالث: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع: حديث أبي قتادة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعةً واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

408 - (26) باب كم يكبر على الميت والصلاة على الغائب والصلاة على القبر

408 - (26) باب كم يكبر على الميت والصلاة على الغائب والصلاة على القبر (2084) (914) - (64) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِي فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى. وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 408 - (26) باب كم يكبر على الميت والصلاة على الغائب والصلاة على القبر (2084) (914) (64) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن) محمد (بن شهاب) المدني (عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى) وأخبر (للناس النجاشي) أي موته (في اليوم) متعلق بنعى (الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى) معطوف على نعى (وكبر) في الصلاة عليه (أربع تكبيرات) أي أربع مرات قوله: (نعى للناس) يقال: نعى الميت ينعاه نعيًا إذا أذاع موته وأخبر به والمعنى أخبرهم بموته والنعي إشاعة الأخبار بموت الميت وقال الهروي: النعي بسكون العين الفعل يعني المصدر والنعي بكسرها الرجل الميت ويجوز أن يجمع على نعايا مثل صفي وصفايا. قال النواوي: في هذا الحديث إثبات الصلاة على الميت وأجمعوا على أنها فرض كفاية والصحيح أن فرضها يسقط بصلاة رجل واحد وقيل: يشترط اثنان وقيل: ثلاثة وقيل: أربعة وفيه أن تكبيرات الجنازة أربع وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وفيه دليل للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه وفيه استحباب الإعلام بموت الميت لا على صورة نعي الجاهلية بل مجرد إعلام للصلاة عليه وتجهيزه وقضاء حقه في ذلك إلى آخر ما فيه اهـ منه. قال القرطبي: وهذا الحديث احتج به أئمتنا على جواز الإعلام بموت الميت ولم يروه من النعي المنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والنعي فإن النعي من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل الجاهلية) رواه الترمذي (984) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وهذا النعي الذي كان من عمل الجاهلية إنما كان أن الشريف إذا مات فيهم بعثوا الركبان إلى أحياء العرب فيندبون الميت ويثنون عليه بنياحة وبكاء وصراخ وغير ذلك وذلك هو الذي نهى عنه وقد روي عن حذيفة أنه نهى أن يؤذن بالميت أحد وقال: إني أخاف أن يكون نعيًا ونحوه عن ابن المسيب وقال به بعض السلف من الكوفيين من أصحاب ابن مسعود. (قلت): وهذا الحديث حجة على من كره الإعلام به وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (هلا آذنتموني به) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ونعيه صلى الله عليه وسلم أهل مؤتة اهـ من المفهم. قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات الأول إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاة فهذا سنة والثانية دعوة الحفل للمفاخر فهذه تكره والثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم اهـ من فتح الملهم. (النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء مشددة كياء النسب وقيل بالتخفيف ورجحه الصنعاني وحكى المطرزي تشديد الجيم عند بعضهم وخطاه وحكى بعضهم كسر النون فيه والنجاشي هذا هو الذي هاجر إليه الصحابة جعفر وغيرهم فأكرم نزلهم فأكرمه الله بالجنة وكان يخفي إيمانه قال ابن جريج: ولما صلَّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم طعن في ذلك المنافقون فنزلت هذه الآية {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} إشارة إليه وإلى قومه اهـ أبي واسمه أصحمة بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين ومعناه بالعربية عطية وذكر مقاتل في نوادر التفسير من تأليفه أن اسمه مكحول بن صعصعة وقال في القاموس: اسمه أصحمة بن بحر اهـ من الإرشاد. وقال القاضي عياض: النجاشي اسم لمن ملك الحبشة وكسرى لمن ملك الفرس وهرقل وقيصر لمن ملك الروم وخاقان لمن ملك الترك وتُبَّع لمن ملك اليمن والقيل لمن ملك حمير وقيل: القيل أقل درجة من الملك قال النواوي: وأمير المؤمنين لمن ملك الإسلام قلت: وفرعون لمن ملك القبط والعزيز لمن ملك مصر ونمروذ لكل جبار ملك قرية نمروذ إبراهيم وهذه الأسماء هي أعلام أجناس كأسامة اهـ أبي. وقوله: (في اليوم الذي مات فيه) فيه علم من أعلام النبوة لأنه صلى الله عليه وسلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صدق عليهم بموته في اليوم الذي مات فيه مع بُعد ما بين أرض الحبشة والمدينة قال القاري: وكان بينهما مسيرة شهر اهـ من فتح الملهم. قوله: (فخرج بهم إلى المصلى) والمراد بها المكان الذي يصلَّى فيه العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد قاله الحافظ في الحدود وحكى ابن بطَّال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقًا بالمسجد النبوي من ناحية المشرق ويستفاد من الحديث أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز كما أجاب به بعض أصحابنا عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء في المسجد أنه صلى الله عليه وسلم كان معتكفا إذ ذاك فلم يمكنه الخروج من المسجد اهـ من فتح الملهم باختصار. قال القرطبي: قوله: (فخرج بهم إلى المصلى) يستدل به على أن الجنائز لا يصلّى عليها في المسجد كما قد روى عن مالك وأبي حنيفة وجوَّزه الشافعي وظاهر هذا الحديث جواز الصلاة على الغائب وهو قول الشافعي ولم ير ذلك أصحابنا جائزًا لأنه لو كان ذلك لكان أحق من صُلِّيَ عليه كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاد النائية عن المدينة ولم يصح أنه فعل ذلك أحد من الصحابة ولا غيرهم ولو كان ذلك مشروعًا للزم أن يفعل ذلك دائمًا إلى غير غاية لعدم القاصر له على زمان معين وأجابوا عن حديث النجاشي بأمور أحدها: أن ذلك مخصوص بالنجاشي ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بإسلامه وليستغفروا له كما جاء في الحديث وثانيها: أنه كان قد رفع وأحضر له صلى الله عليه وسلم حتى رآه فصلَّى على حاضر بين يديه كما رفع للنبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس كما تقدم في باب الإيمان وثالثها: أنه كان لم يصل عليه أحد لأنه مات بين قوم كفار وكان يكتم إيمانه منتظرًا التخلص منهم فمات قبل ذلك ولم يصلِّ عليه أحد وعلى هذا فيصلى على الغريق وأكيل السبع وهو قول ابن حبيب من أصحابنا ولم ير ذلك مالك ولا جماعة من العلماء (قلت): وهذا الوجه الثالث أقربها وفيما تقدم نظر اهـ من المفهم. (قلت): ويؤيد ظاهر الحديث مذهب الشافعي وهو الراجح والله أعلم. قوله (وكبر أربع تكبيرات) وفي حديث زيد بن ثابت أنه كبر خمسًا وسيأتي بسط

(2085) (0) (0) وحدّثني عَبدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ. فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. فَقَال: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ". قَال ابْنُ شِهَابِ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؛ أَن أبَا هُرَيرَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى. فَكَبَّرَ عَلَيهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام على ذلك هناك إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2085) (0) (0) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري (حدثني أبي) شعيب بن الليث (عن جدي) ليث بن سعد المصري (قال) جدي ليث: (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل الأموي المصري (عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أنهما حدَّثاه) أي حدَّثا لابن شهاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة عقيل بن خالد لمالك في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب. (أنه قال: نعى) أي أخبر (لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي) أي موته (صاحب الحبشة) أي ملكها (في اليوم الذي مات فيه فقال: استغفروا لأخيكم) في الدين يعني أصحمة ملك الحبشة. (قال ابن شهاب) بالسند السابق: (وحدثني) أيضًا (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدَّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفَّ بهم) أي جعلهم صفوفًا (بالمصلى) أي بمصلى العيد والجنائز شرقي المسجد النبوي جنب البقيع (فكبر) في الصلاة (عليه أربع تكببرات) مع تكبيرة الإحرام. وهل ترفع الأيدي مع التكبير أم لا اختلف فيه قول مالك على ثلاثة أقوال الرفع في الأول فقط والرفع في الجميع ولا يرفع في شيء منها واختلف هل يقرأ في صلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنازة بأم القرآن أم لا فذهب مالك في المشهور عنه إلى ترك القراءة فيها وكذلك أبو حنيفة والثوري وكأنهم تمسكوا بظاهر ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له في الدعاء) رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وبأن مقصود هذه الصلاة إنما هو الدعاء له واستفراغ الوسع بعمارة كل أحوال تلك الصلاة في الاستشفاع للميت. وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن مسلمة وأشهب من أصحابنا وداود إلى أنه يقرأ فيها بالفاتحة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت حملًا له على عمومه وبما أخرجه البخاري عن ابن عباس وصلَّى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: لتعلموا أنها سنة وأخرج النسائي من حديث أبي أمامة قال: (السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتةً ثم يكبر ثلاثًا والتسليم عند الآخرة وذكر محمد بن نصر المروزي عن أبي أمامة أيضًا قال السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في التكبيرة الأولى ثم يسلم) وهذان الحديثان صحيحان وهما ملحقان عند الأصوليين بالمسند والعمل على حديث أبي أمامة أولى إذ فيه جمع بين عموم قوله: (لا صلاة) وبين إخلاص الدعاء للميت وقراءة الفاتحة فيها إنما هو استفتاح للدعاء والله سبحانه أعلم. ولم يقع في الصحيح ذكر السلام من صلاة الجنازة على الخصوص لكن يستدل عليه بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه. وهو صحيح واختلف في عدده فالجمهور من السلف وغيرهم على أنه واحدة وذهب أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وجماعة من السلف إلى أنه تسليمتان ثم هل يجهر الإمام أو يسر؟ قولان عن مالك والجهر والإسرار للشافعي وهل يرد الماموم على إمامه أم لا؟ قولان لمالك والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة هذا أحمد (2/ 438 و 439) والبخاري (1245) وأبو داود (3204) والنسائي (4/ 72).

(2086) (0) (0) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. كَرِوَايَةِ عُقَيلٍ، بِالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا. (2087) (915) - (65) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانٍ. قَال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2086) (0) (0) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وحسن) بن علي بن محمد بن علي الهذلي أبو على (الحلواني) المكي ثقة من (11) (وعبد بن حميد) الكسي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة: (حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان المدني أبي محمد الغفاري مولاهم ثقة من (4) (عن ابن شهاب) الزهري (كرواية عقيل) بن خالد متعلق بما عمل في المتابع أي روى صالح بن كيسان عن الزهري مثل رواية عقيل بن خالد عن الزهري أي روى مماثلة عنه (بالإسنادين جميعًا) يعني إسناده عن سعيد بن المسيب وإسناده عن أبي سلمة وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة صالح بن كيسان لعقيل بن خالد. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: (2087) (915) (65) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (عن سليم) بفتح السين وكسر اللام مكبرًا (بن حيان) بمهملة وتحتانية ينصرف ولا ينصرف كما في العيني والقسطلاني واقتصر المجد على إعرابه بمنع الصرف مع ذكره في (ح ي ن) الهذلي البصري قال في التقريب: ثقة من السابعة وليس في مسلم سليم مكبرًا إلا هذا الثقة روى عن سعيد بن ميناء في الجنائز ويروي عنه (4) ويزيد بن هارون وغيرهم (قال) سليم: (حدثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وبالمد مولى البختري بن أبي ذباب بوزن غراب أبو الوليد الحجازي المكي أو المدني روى عن جابر في الجنائز والبيوع والأطعمة ودلائل النبوة وعبد الله بن عمرو في الصوم وعبد الله بن الزبير وأبي هريرة ويروي عنه (خ م ت ق) وسليم بن حيان.

عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِي. فَكَبَّرَ عَلَيهِ أَرْبَعًا. (2088) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَاتَ الْيَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزيد بن أبي أنيسة وأيوب وحنظلة بن أبي سفيان وابن إسحاق وثقة ابن معين وأبو حاتم والنسائي وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد واسطي وواحد كوفي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى) صلاة الجنازة (على أصحمة) بن بحر بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين وهذا الذي وقع في رواية مسلم هو الصواب المعروف فيه وهكذا هو في كتب الحديب والمغازي وغيرها اهـ من فتح الملهم وهو اسم علم لملك الحبشة الصالح الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه بالعربية عطية كما مر (النجاشي) صفة لأصحمة أو بدل منه أو عطف بيان له وهو لقب لكل من ملك الحبشة آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم غائبًا عنه وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه ورد طلب كفار قريش تسليمه إياهم إليهم وتوفي ببلاده قبل فتح مكة على ما ذكره في أسد الغابة وقوله (فكبر عليه) أي في الصلاة عليه (أربعًا) من التكبيرات تفسير لقوله: (صلَّى). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 155) والنسائي (4/ 70). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2088) (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبي محمد اليماني المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي غرضه بسوقه بيان متابعة عطاء لسعيد بن ميناء في رواية هذا الحديث عن جابر. (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات اليوم) أي في هذا الوقت

عَبْدٌ لِلهِ صَالِحٌ. أَصْحَمَةُ" فَقَامَ فَأَمَّنَا وَصَلَّى عَلَيهِ. (2089) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدِ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ. فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيهِ" قَال: فَقُمْنَا فَصَفَّنَا صَفَّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاضر (عبدٌ لله صالح) أي مراع لحقوق الله وحقوق العباد فصالح صفة لعبد و (أصحمة) عطف بيان له (فقام) بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما خرج إلى المصلى (فأمَّنا) أي صار إمامًا لنا (وصلَّى عليه) أي على أخيكم أصحمة صلاة الغائب كما يدل عليه ظاهر الحديث وهو مذهب الشافعي ومن وافقه فالتأويلات السابقة لا تعارض النص كما أشار إليه القرطبي هناك بقوله: وأقربها ثالثها ولفظ البخاري في باب موت النجاشي مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أصحمة فقام صلى الله عليه وسلم فصلى مع أصحابه صلاته ثم تتابعت الأخبار بموته في ذلك اليوم الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك معجزة له صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2089) (0) (0) (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملتين آخره موحدة (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة البصري ثقة من (10) (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري السختياني ثقة من (5) (عن أبي الزبير) الأسدي مولاهم محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق مدلس من (4) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي غرضه بيان متابعة أبي الزبير لمن روى عن جابر. (ح وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي ثقة من (10) (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (حدثنا ابن علية) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) المدني رضي الله عنه غرضه بيان متابعة ابن علية لحماد بن زيد (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أخًا لكم) أيها المؤمنون يعني أخوة الدين (قد مات) اليوم (فقوموا فصلوا عليه قال فقمنا فصفنا) أي فجعلنا (صفين)

(2090) (916) - (66) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّب، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ. فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيهِ" يَعْنِي النَّجَاشِيَ. وَفِي رِوَايَةِ زُهَيرِ: "إِنَّ أَخَاكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فصلينا عليه خلفه وفيه دليل على وجوب الصلاة على الميت المسلم وهو المشهور من مذاهب العلماء أنه واجب على الكفاية ومن مذهب مالك وقيل عنه: إنه سنة مؤكدة وقد استدل عليه بقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيهِمْ} [التوبة: 103] وبقوله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] وفي تقرير وجه الاحتجاج بهما طول يعرف في الفقه اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيأ لحديث أبي هريرة بحديث عمران رضي الله عنهما فقال: (2090) (916) (66) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وعلي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي (قالا: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (ح وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدثنا) إسماعيل (بن علية) البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي المهلب) الجرمي البصري عمِّ أبي قلابة عمرو بن معاوية وقيل: عبد الرحمن بن معاوية (عن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي أبي نجيد مصغرًا البصري رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد إما نسائي أو مروزي والثاني منهما أربعة بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي وفيهما التحديث إفرادًا وجمعًا والقول والعنعنة والمقارنة وفيه ثلاثة من التابعين. (قال) عمران: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخًا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إن أخًا لكم (النجاشي) ملك الحبشة (وفي رواية زهير: إن أخاكم) بالإضافة إلى ضمير المخاطبين وبهذا الحديث استدل على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه وعن المالكية والحنفية:

(2091) (917) - (68) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيبَانِي، عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ. فَكَبَّرَ عَلَيهِ أَرْبَعًا. قَال الشَّيبَانِيُّ: فَقُلْتُ لِلشَّعْبِي: مَنْ حَدَّثَكَ بِهذَا؟ قَال: الثِّقَةُ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، هذَا لَفْظُ حَدِيثِ حَسَنٍ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيرٍ قَال: انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَبْرِ رَطْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يشرع ذلك وأتوا باعتذارات ضعيفة قد سبق ذكر بعضها وأخرى ضعيفة لا حاجة إلى ذكرها والكلام عليها قال الشوكاني بعد البحث في هذه المسألة ما لفظه: والحاصل أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيءٍ يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلى عليه فيها وهو أيضًا جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر اهـ قلت: الكلام في هذه المسألة طويل مذكور في فتح الباري وغيره فعليك أن تراجعه اهـ تحفة الأحوذي وشارك المؤلف في رواية حديث عمران أحمد والترمذي والنسائي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (2091) (917) (67) (حدثنا حسن بن الربيع) البجلي أبو علي الكوفي ثقة من (10) ومحمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمد الكوفي ثقة من (8) (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أبي إسحاق الكوفي ثقة من (5) (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) أبي عمرو الكوفي ثقة مشهور فقيه فاضل من (3) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبر) رطب أي جديد (بعد ما دفن) الميت (فكبر عليه) أي على القبر (أربعًا) من المرات (قال الشيباني فقلت للشعبي: من حدثك بهذا) الحديث (قال) الشعبي: حدثنيه (الثقة) أي الموثوق به (عبد الله بن عباس) بدل من الثقة أو عطف بيان منه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس فإنه طائفي. قال المؤلف: (هذا) المذكور (لفظ حديث حسن) بن الربيع وروايته (وفي رواية ابن نمير قال) الشعبي: (انتهى) أي وصل (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب)

فَصَلَّى عَلَيهِ. وَصَفُّوا خَلْفَهُ. وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. قُلْتُ لِعَامِرٍ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَال: الثِّقَةُ، مَنْ شَهِدَهُ، ابْنُ عَبَّاسٍ. (2092) (0) (0) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمْ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي جديد لم ييبس ترابه لقرب وقت الدفن فيه (فصلَّى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعًا) قال الشيباني: (قلت لعامر) بن شراحيل الشعبي: (من حدثك) هذا الحديث (قال) عامر: حدثنيه (الثقة) أي الشخص الموثوق به وهو فاعل فعل مقدر دل عليه السؤال كما قدرناه وقوله: (من شهده) أي من شهد ذلك القبر وحضره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل من الثقة أو عطف بيان منه وقوله: (ابن عباس) بدل مِنْ مَنْ أو من الثقة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (857) والنسائي (4/ 85). قال القرطبي: (قوله: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب) أي حديث الدفن لم يبل بعد لرطوبة ثراه وقرب هيله وظاهر هذا الحديث وحديث السوداء جواز الصلاة على القبر وقد اختلف في ذلك وحاصل مذهب مالك ومشهور أقوال أصحابه جواز ذلك إذا لم يصل عليه وعنه أيضًا وعن أشهب وسحنون أنه لا يصلى عليه لفوت ذلك وأما من صلى عليه فليس لمن فاتته الصلاة عليه أن يصلى وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه وهو قول الليث والثوري وأبي حنيفة قال: إلا أن يكون وليه فله إعادة الصلاة عليه وقد روى عن مالك جواز الصلاة عليه وهو شاذ من مذهبه وهو قول الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم وحيث قلنا بفوت الصلاة على الميت فما الذي يقع به الفوت اختلف فيه فقيل: بهيل التراب وتسويته وهو قول أشهب وعيسى وابن وهب وقيل: بخوف تغيره وهو قول ابن القاسم وابن حبيب وسحنون وقيل: بالطول فيمن لم يصل عليه وهو ما زاد على ثلاثة أيام فأكثر عند أبي حنيفة وقال أحمد فيمن صلى عليه تعاد إلى شهر وقاله إسحاق في الغائب وقال في الحاضر: ثلاثة أيام قال أبو عمر: وأجمع من قال بالصلاة على القبر أنه لا يصلى عليه إلا بالقرب وأكثر ما قيل في ذلك شهر اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (2092) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثم البغدادي (ح وحدثنا حسن بن

الرَّبِيعِ وَأبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُل هؤُلاءِ عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَيسَ في حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَيهِ أَرْبَعًا. (2093) (0) (0) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. جَمِيعًا عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الربيع) البجلي الكوفي (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة من (8) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي صدوق من (10) (حدثني وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (قال: حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (كل هولاء) الستة المذكورين قبل حاء التحويل من هشيم وعبد الواحد وجرير وسفيان ومعاذ بن معاذ وشعبة رووا (عن) سليمان بن أبي سليمان (الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله) أي بمثل ما روى عبد الله بن إدريس عن الشيباني غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الستة لعبد الله بن إدريس (و) لكن (ليس في حديث أحد منهم) أي من هؤلاء الستة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر عليه أربعًا) إلا ما في رواية ابن إدريس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (2093) (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبرهيم) المروزي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (جميعًا عن وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبي

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيسِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ. كِلاهُمَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، في صَلاتِهِ عَلَى الْقَبْرِ. نَحْوَ حَدِيثِ الشَّيبَانِيِّ. لَيسَ في حَدِيثِهِمْ: وَكَبَّرَ أَرْبَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ العباس البصري ثقة من (9) (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي الكوفي ثقة من (4) (ح وحدثني أبو غسان محمد بن عمرو) بن بكر بن الحبحاب التميمي (الرازي) المعروف بزنيج مصغرًا روى عن يحيى بن الضريس في الجنائز وبهز بن أسد في المناسك وجرير بن عبد الحميد في الحج وحكَّام بن سليم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (م د ق) وأبو حاتم ووثَّقه وأبو زرعة والحسن بن سفيان وغيرهم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (240) أربعين ومائتين أو بعدها (حدثنا يحيى بن الضريس) مصغرًا بن يسار البجلي مولاهم أبو زكريا الرازي روى عن إبراهيم بن طهمان في الجنائز وعكرمة بن عمَّار وزهير بن معاوية والثوري ويروي عنه (م ت) وأبو غسان الرازي وجرير بن عبد الحميد ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وغيرهم قال وكيع: يحيى بن الضريس من حفاظ الناس لولا أنه خلط في حديثين وقال ابن معين: كان كيسًا ثقة وقال النسائي: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: صدوق من التاسعة مات سنة (203) (حدثنا إبراهيم بن طهمان) بن شعيب الهروي ثم المكي وبها مات ثقة مرجئ من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي حصين) مكبرًا عثمان بن عاصم بن حصين مصغرًا الأسدي الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (كلاهما) أي كل من إسماعيل بن أبي خالد وأبي حصين رويا (عن الشعبي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته على القبر) أي رويا (نحو حديث الشيباني) ولكن (ليس في حديثهم) بضمير الجمع تحريف من النساخ والصواب: (في حديثهما) بضمير التثنية أي ليس في حديث إسماعيل وأبي حصين لفظة (وكبَّر أربعًا) كما ذكره الشيباني وهذا بيان لمحل المخالفة بين المتابع والمتابع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهم فقال:

(2094) (918) - (68) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم صلَّى - عَلَى قَبْرٍ. (2095) (919) - (69) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِي وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ (وَاللفْظ لأبي كَامِلِ) قَالا: حَدَّثَنَا حَمادٌ (وَهُوَ ابْنُ زيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2094) (918) (68) وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة) بمهملات (السامي) نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب أبو إسحاق البصري ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي أبو عبد الله البصري. (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن حبيب بن الشهيد) الأزدي أبي محمد البصري ثقة ثبت من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني أبي محمد البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على قبر) أي أنه صلَّى على امرأة بعد ما دفنت وهو محتمل للمسكينة وغيرها اهـ تحفة الأحوذي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه فقط كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: (2095) (919) (69) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري واللفظ) الآتي (لأبي كامل قالا: حدثنا حماد وهو ابن زيد) البصري (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (عن أبي رافع) الصائغ نفيع بن رافع المدني مولى ابنة عمر بن الخطاب نزيل البصرة ثقة من (2) روى عنه في (7) أبواب وأبو رافع هذا تابعي كبير ووهم بعض الشراح فقال: إنه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هو من رواية صحابي عن صحابي وليس كما قال فإن ثابتًا البناني لم يدرك أبا رافع الصحابي اهـ من فتح الملهم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة.

أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ (أَوْ شَابًا) فَفَقَدَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَسَأَلَ عَنْهَا (أَوْ عَنْهُ) فَقَالُوا: مَاتَ. قَال: "أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي". قَال: فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا (أَوْ أَمْرَهُ). فَقَال: "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ" فَدَلُّوهُ. فَصَلَّى عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن امرأةً سوداء) ورواه البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن بريدة عن أبيه فسماها أم محجن وأفاد أن الذي أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق وذكر ابن منده في الصحابة سرقاء امرأة سوداء كانت تقم المسجد وقع ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس وذكرها ابن حبان في الصحابة بذلك بدون ذكر السند قال ابن منده محفوظ فهذا اسمها وكنيتها أم محجن كذا في الفتح اهـ فتح الملهم (كانت تقم المسجد) بضم القاف أي تكنس القمامة بضمها أيضًا أي تجمعها وترميها خارجه (أو) قال الرواي أن (شابًّا) كان يقم المسجد النبوي والشك فيه من ثابت أو من أبي رافع ولكن الظاهر أنه من ثابت لأنه رواه عنه جماعة هكذا (ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها) أي عن المرأة (أو) قال الراوي (عنه) أي عن الشاب بالشك في الضمير كما شك في مرجعه (فقالوا) وتقدم أن المجيب لسؤاله هو أبو بكر الصديق أي فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها أو عن حاله ومفعوله محذوف أي الناس فقالوا له صلى الله عليه وسلم (مات) أي الشخص الذي يقم المسجد إما المرأة أو الشاب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلا كنتم آذنتموني) أي أعلمتموني (قال) أنس: (فكأنهم) أي فكان الناس (صغروا أمرها) أي حقروا شأنها (أو) قال الراوي (أمره) أي أمر الشاب (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (دلوني) على قبرها أو (على قبره فدلوه) صلى الله عليه وسلم على قبره (فصلَّى عليها) أو عليه قال القرطبي: وسؤاله صلى الله عليه وسلم عن هذه المسكينة يدل على كمال تفضله وحسن تعهده وكرم أخلاقه وتواضعه ورأفته ورحمته وتنبيه على أن لا يحتقر مسلم ولا يصغر أمره. (قلت) قال بعض من لم يجز الصلاة على القبر: إن القبر الرطب الذي في حديث ابن عباس يحتمل أن يكون قبر السوداء التي كانت تقم المسجد وكانت صلاته عليه خاصة به لأنه قد قال (إنَّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها بصلاتي عليهم) فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وغيره لا يعلم ذلك فكان ذلك خصوصًا به وهذا ليس بشيء لثلاثة أوجه أحدها أنا وإن لم نعلم ذلك لكنا نظنه ونرجو فضل الله

ثُمَّ قَال: "إِن هذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا. وَإِن اللهَ عَز وَجَل يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سبحانه ودعاء المسلمين لمن صلوا عليه وثانيها أنه صلى الله عليه وسلم قد قال (من صلى عليه مائة وأربعون من المسلمين شفعوا فيه) فقد أعلمنا أن ذلك يكون من غيره. وثالثها أنه كان يلزم منه أن لا يصلى على ميت بعد النبي صلى الله عليه وسلم لإمكان الخصوصية فيمن صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا باطل وأشبه ما قيل في حديث السوداء أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبرها لأنه لم يصل عليها صلاة جائزة لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام ولم يستخلف بل قد روي أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يعلموه بموتها فلم يعلموه بذلك كراهة أن يشقوا عليه كما ذكره مالك من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن مسكينة مرضت وهذه المسكينة هي السوداء في هذا الحديث والله أعلم ويحصل منه أنه من دفن بغير صلاة أنه يصلى على قبره ولا يخرج ولا يترك بغير صلاة وهو الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم. (ثم) بعد الصلاة عليها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هذه القبور مملوءة ظلمةً على أهلها وإنَّ الله عزَّ وجلَّ ينورها لهم بصلاتي عليهم) قال ابن الملك: قوله: (إن هذه القبور) المشار إليها القبور التي يمكن أن يصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليها استدل الشافعي بهذا الحديث على جواز تكرار الصلاة على الميت قلنا: صلاته صلى الله عليه وسلم كانت لتنوير القبر وذا لا يوجد في صلاة غيره فلا يكون التكرار مشروعًا فيها لأن الفرض منها يؤدَّى بمرة اهـ من المفهم قال الحافظ: قوله: (إن هذه القبور الخ ... ) إنما لم يخرج البخاري هذه الزيادة لأنها مدرجة في هذا الإسناد وهي من مراسيل ثابت بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج قال البيهقي: يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبدة أو من رواية ثابت عن أنس يعني كما رواه ابن منده اهـ كذا في الفتح اهـ من فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 353 و 388) والبخاري (458) وأبو داود (3203) وابن ماجه (1527). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنهما فقال:

(2096) (0) (0) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (وَقَال أَبُو بَكْرٍ: عَنْ شُعْبَةَ) عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى. قَال: كَانَ زَيدٌ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا. وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةِ خَمْسًا. فَسَأَلْتُهُ. فَقَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (2096). (0). (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة وقال أبو بكر: عن شعبة) بصيغة العنعنة (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي أبي عبد الله الكوفي الأعمى تابعي ثقة من (5) رمى بالإرجاء (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) اسمه يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي ثقة من (2) (قال) عبد الرحمن بن أبي ليلى: (كان زيد) بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان أو ثلاثة كوفيون وثلاثة بصريون وفيه التحديث والقول والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي أي كان زيد (يكبر) في صلاته (على جنائزنا أربعًا وإنه) أي وإن زيدًا (كبر) يومًا (على جنازة خمسًا فسألته) أي قال ابن أبي ليلى: فسألت زيد بن أرقم عن سبب تخميسه التكبير (فقال) زيد: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها) أي يكبر خمس تكبيرات في صلاته على الجنازة. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (4/ 367 و 368) وأبو داود (3197) والترمذي (1023) والنسائي (4/ 72) وابن ماجه (1505). قال القاضي: اختلفت الآثار في عدد التكبير على الجنازة فجاء من رواية ابن أبي خثيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعًا وخمسًا وستًا وسبعًا وثمانيًا حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعًا وثبت على ذلك حتى توفي صلى الله عليه وسلم قال: واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع وروى عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر على أهل بدر ستًّا وعلى سائر الصحابة خمسًا وعلى غيرهم أربعًا قال ابن عبد البر: وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع وأجمع الفقهاء في الأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه اليوم قال: ولا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى قال الإمام: وهذا المذهب متروك الآن لأن ذلك صار علمًا على القول بالرفض اهـ من النواوي بزيادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول حديث أبي هريرة في أول الترجمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول: من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين. والثالث: حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد. والرابع: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال على الجزء الأخير وذكر فيه متابعتين. والخامس: حديث أنس ذكره للاستشهاد لحديث ابن عباس. والسادس: حديث أبي هريرة الأخير ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عباس. والسابع: حديث زيد بن أرقم ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول والله أعلم. ***

409 - (27) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

409 - (27) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه (2097) (921) - (71) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرْو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَيتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا، حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 409 - (27) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه أي إذا مرَّت على من ليس معها. (2097) (921) (71) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالوا) أي قال كل من الأربعة: (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن سالم) بن عبد الله العدوي المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر المكي (عن عامر بن ربيعة) بن كعب بن مالك بن ربيعة العنزي بإسكان النون المدني أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرًا رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي وواحد مكي وفيه التحديث والقول والعنعنة والمقارنة ورواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (قال) عامر بن ربيعة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الجنازة) سواء كانت لمسلم أو ذمي (فقوموا لها) إعظامًا للذي يقبض الأرواح (حتى تخلفكم) بضم المثناة الفوقية وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي تترككم وراءها ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها (أو توضع) تلك الجنازة عن أعناق الرجال أو توضع في القبر وفي الحديث أنه ينبغي لمن رأى الجنازة أن يقلق من أجلها ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال وقد اختلف في القيام للجنازة فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب فقال كما نقله البيهقي في سننه: هذا إما أن يكون منسوخًا أو يكون قام لعلة وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمره إن كان الأول واجبًا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان مستحبًا فالآخر هو المستحب وإن كان مباحًا فلا بأس بالقيام والقعود والقعود أحب إليَّ اهـ من الإرشاد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 446) والبخاري (1307) وأبو داود (3172) وابن ماجه (1572).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: قوله: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع) وفي رواية: (إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه) وفي رواية: (إذا اتبعتم جنازةً فلا تجلسوا حتى توضع) وفي رواية: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع) وفي رواية: (أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا لجنازة فقالوا: يا رسول الله إنها يهودية فقال: إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) وفي رواية: (قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت) وفي رواية: (قيل إنه يهودي فقال أليس نفسًا) وفي رواية علي رضي الله عنه: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد) وفي رواية: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا وقعد فقعدنا) قال القاضي: اختلف الناس في هذه المسألة فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: القيام منسوخ وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون المالكيان هو مخير قال: واختلفوا في قيام من يشيعها عند القبر فقال جماعة من الصحابة والسلف: لا يقعد حتى توضع قالوا: والنسخ إنما هو في قيام من مرت عليه اهـ منه. وقال القرطبي: (قوله: فقوموا لها) هذا الأمر إنما كان متوجهًا لمن لم يكن متبعًا للجنازة بدليل ما جاء في حديث أبي سعيد (إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع) وقد جاء من حديث علي أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة ثم قعد) واختلف العلماء بسبب هذه الأحاديث على ثلاثة أقوال: أولها: الأمر بالقيام مطلقًا لمن مرت به ولمن تبعها وهو قول جماعة من السلف والصحابة أخذًا بالأحاديث المتقدمة وكان هؤلاء لم يبلغهم الناسخ أو لم يروا ترك قيامه ناسخًا. وثانيها: لا يقوم لها أحد لا مرورًا به ولا متبعًا وكأن هؤلاء رأوا أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم القيام ناسخ لمطلق القيام وهو قول قوم من أهل العلم وروي عن أحمد وإسحاق وابن الماجشون من أصحابنا أن ذلك على التوسعة والتخيير. وثالثها: أن القيام منسوخ في حق من مرت به وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال أحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن والأوزاعي: فمن اتبعها لا يجلس حتى توضع وأما من مرت به فلا يلزمه القيام وقد اختلف في القيام على القبر حتى يقبر فكرهه قوم وعمل به آخرون وروي ذلك عن علي وعثمان وابن عمر وقد تقدم في كتاب الإيمان قول عمرو بن العاص: (وأقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها) أي تربصوا وتثبتوا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه فقال:

(2098) (0) (0) وحدَّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللِّيثُ. ح وَحَدَّثَنِي حَرمَلَةُ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ؛ أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ، عَنِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قَال: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الْجَنَازَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا، فَلْيَقُمْ حَتَّى تُخَلِّفَهُ، أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلِّفَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2098) (0). (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث ح وحدثني حرملة) بن يحيى المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (جميعًا) أي كل من ليث ويونس بن يزيد رويا (عن ابن شهاب) الزهري (بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة مثل حديث سفيان بن عيينة غرضه بسوق. هذين السندين بيان متابعة ليث بن سعد ويونس بن يزيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهري. (و) لكن (في حديث يونس) وروايته (أنه) أي أن عامر بن ربيعة (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ح، وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح، وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة نافع لسالم في رواية هذا الحديث عن ابن عمر. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم الجنازة فإن لم يكن ماشيًا معها) وفي الرواية الآتية (إذا كان غير متبعها) والمراد بالمشي متابعتها ولو راكبًا (فليقم) من مجلسه (حتى تخلفه) بضم التاء وكسر اللام المشددة أي حتى تجاوزه ويصير هو ورائها غائبًا عنها (أو) حتى (نوضع) هي على الأرض عن أعناق الرجال أي فليقم قصدًا للمساعدة وقيامًا بحق الأخوة حتى توضع على الأرض (من قبل أن تخلفه) إن كان قريبًا منها أو حتى توضع في القبر للاحتياج في الدفن إلى الناس وليكمل أجره في القيام بخدمته كما في المرقاة وأو للتقسيم وهو تقسيم بنسبة إلى موضع الدفن أو إلى موضع الصلاة عليها فحتى تخلفه إذا كان بعيدًا عنها وحتى

(2099) (0) (0) وحدَّثني أَبُو كَامِلٍ. حَّدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. كُلَّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. غَيرَ أَن حَدِيثَ ابْنِ جُرَيجٍ: قَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الْجَنَازَةَ فَلْيَقُمْ حِينَ يَرَاهَا، حَتى تُخَلِّفَهُ إِذَا كَانَ غَيرَ مُتَّبِعِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ توضع من قبل أن تخلفه إذا كان قريبًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه فقال: (2099). (0) (0) (وحدثني أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري (ح وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي البغدادي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية الأسدي البصري (جميعًا) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) البصري (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري. (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (كلهم) أي كل من أيوب وعبيد الله وابن عون وابن جريج رووا (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة (نحو حديث الليث بن سعد) عن نافع غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لليث بن سعد (غير أن حديث ابن جريجًا ولفظه: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها) ظاهره أنه يقوم بمجرد الرؤية قبل أن تصل إليه اهـ نووي يعني يقوم لأول ما يقع عليه البصر (حتى تخلفه) أي حتى تمر عليه وتتركه خلفها (إذا كان غير متبعها) أي غير ماشٍ معها أي غير مريد اتباعها ماشيًا معها مشيعًا لها ثم إذا جاوزته وغابت عن بصره فليقعد وأما إذا كان مريد الاتباع في جنازة مسلم فلا يقعد وليتبعها ندبًا إلى أن توضع عن الأعناق أو إلى ما شاء وفي الحديث: (من حمل جنازة أربعين خطوة

(2100) (922) - (72) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اتَّبَعْتُمْ جَنَازَةً فَلَا تَجْلِسُوا حَتى تُوضَعَ". (2101) (0) (0) وحدَّثني سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ هِشَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كفرت عنه أربعين كبيرة) لعل فيه مقالًا أو هو موضوع تأمل اهـ من بعض الهوامش. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عامر بن ربيعة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: (2100) (922) (72) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن سهيل بن أبي صالح) السمان أبي يزيد المدني صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني ثقة من (3) (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اتبعتم جنازة) من اتبع الخماسي وفي بعض النسخ: (إذا تبعتم) من تبع الثلاثي أي إذا مشيتم معها مشيعين لها إلى المصلى أو إلى المقبرة فيما إذا كان الميت مسلمًا كما هو المفهوم مما سبق من الأحاديث (فلا تجلسوا) ندبًا (حتى توضع) أي إلى أن توضع على الأرض قال ابن الملك: كذا نقله سفيان الثوري عن سهيل وهو أحد رواته ونقل عنه أبو معاوية أي في اللحد والأول أولى لكون سفيان أحفظ من أبي معاوية وإنما نهى عن الجلوس لأنه ربما يحتاج إلى المعاونة عند الوضع أو لأن الميت كالمتبوع فينبغي للتابع أن لا يجلس قبله اهـ انفرد بهذا الحديث الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد (3/ 38). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2101) (0) (0) (وحدثني سريج) مصغرًا (ابن يونس) بن إبراهيم المروزي أبو الحارث البغدادي ثقة من (10) (وعلي بن حجر) السعدي أبو الحسن المروزي ثقة من (9) (قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن علية) الأسدي البصري (عن هشام) بن أبي عبد الله

الدَّسْتَوَائِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِذَا رَأَيتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا. فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ". (2102) (923) - (73) وحدّثني سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ وَعَلِي بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سنبر (الدستوائي) البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى واللفظ) الآتي (له) أي لابن المثنى قال ابن المثنى: (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لأبي صالح السمان في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا) أمر بالقيام لمن كان قاعدًا أما من كان راكبًا فيقف لأن الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد قال المناوي: الأمر فيه أمر إباحة أي إن شئتم لتهويل الموت والتنبيه على أنه أمر فظيع وخطب شديد اهـ فعلَّة القيام تهويل الموت لا تبجيل الميت وتعظيمه ومرعن النواوي أن الأمر للندب وأنه غير منسوخ وقعوده صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز اهـ إلا أن المذكور في الفقه منسوخية القيام كما هو سياق الباب فيما سيأتي من الكتاب ولكن من رأى الجنازة ولم يبال بها وبقي على حاله فهذا علامة قسوته وغفلته (فمن تبعها) إلى موضع الدفن (فلا يجلس حتى توضع) على الأرض وأما من مرت به فليس عليه من القيام إلا بقدر ما تمر عليه أو توضع عنده كان يكون بالمصلى مثلًا. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عامر بن ربيعة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: (2102) (923) (73) (وحدثني سريج بن يونس) المروزي (وعلي بن حجر) المروزي (قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن علية عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبيد الله بن مقسم) القرشي مولاهم مولى ابن أبي نمر المدني روى عن جابر بن

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: مَرَّتْ جَنَازَةٌ. فَقَامَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَقُمْنَا مَعَهُ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنهَا يَهُودِيَّة. فَقَال: "إِن الْمَوْتَ فَزَعٌ. فَإِذَا رَأَيتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله في الجنائز والذبائح والظلم والقاسم بن محمد في الحج وأبي صالح السمان في الجهاد وعبد الله بن عمر في ذكر قدرة الله ويروي عنه (خ م د س ق) ويحيى بن أبي كثير وبكير بن عبد الله بن الأشج وسهيل بن أبي صالح وغيرهم. وثقه أبو حاتم وأبو داود والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة مشهور من الرابعة (عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد مروزي (قال: مرت) علينا (جنازة) أي مر بها علينا (فقام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه) صلى الله عليه وسلم أي لأجل قيامه (فقلنا: يا رسول الله إنها) أي إن هذه الجنازة (يهودية) أي جنازة يهود فلا حرمة لها لأنها كافرة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الموت فزع) بفتح الزاي مصدر وصف به للمبالغة أي مفزع مخوف مهول أي يفزع منه لشدته وهو له أو على تقدير مضاف أي ذو فزع أي خوف وهول وهذا تنبيه على استذكاره وإعظامه وجعله من أهم ما يخطر بالإنسان (فإذا رأيتم الجنازة) أي سواء كانت لمسلم أو ذمي (فقوموا) ندبًا تعظيمًا للرب الذي قبضها والمقصود من هذا الحديث أن لا يستمر الإنسان على غفلته عند رؤية الميت فإنه إذا رأى الميت ثم تمادى على ما كان عليه من الشغل كان هذا دليلًا على غفلته وتساهله بأمر الموت فأمر الشرع أن يترك ما كان عليه من الشغل ويقوم تعظيمًا لأمر الميت واستشعارًا به وعلى هذا فيستوي في ذلك الميت المسلم وغيره ولذلك قال في الميت الذمي: (أليست نفسًا) معناه أليست هذه الجنازة نفسًا قبضت وقيل: إنما قام النبي صلى الله عليه وسلم إجلالًا للملائكة الذين مع الميت وقيل: إنما قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة اليهودي لأنه كره أن تعلو جنازة اليهودي رأسه وقيل: لأنه آذاه نتن ريحها والصحيح الأول اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 319) والبخاري (1311) والنسائي (4/ 45 - 46). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

(2103) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِجَنَازَةٍ، مَرَّتْ بِهِ، حَتَّى تَوَارَتْ. (2104) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ أَيضًا؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ، حَتَّى تَوَارَتْ. (2105) (924) - (74) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ (2103) (0) (0) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (أنه سمع جابر) بن عبد الله (يقول: قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة مرت به) أي عليه (حتى توارت) واستترت عنه وغابت غاية للقيام وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الزبير لعبيد الله بن مقسم في روايته عن جابر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2104) (0) (0) وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أيضًا) أي كما أخبرني في المتن السابق (أنه سمع جابرًا يقول) وإنما كرر السند مع أنه نفس السند الأول لبيان أن عبد الرزاق روى عن ابن جريج في هذا السند بالعنعنة وفي الأول بأخبرنا فكأنه اختلف السندان باختلاف صيغتهما والمقصود بالتكرار بيان مخالفة المتن في الروايتين. (قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) جميعًا (لـ) ـــمرور (جنازة يهودي) عليهم أي قاموا (حتى توارت) أي حتى غابت واستترت عنهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عامر بن ربيعة بحديث قيس بن سعد وسهل بن حنيف رضي الله عنهم فقال: (2105) (924) (74) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيلَى؛ أَن قَيسَ بْنَ سَعْدٍ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيفٍ كَانَا بِالْقَادِسِيةِ. فَمَرَّتْ بِهِمَا جَنَازَةٌ. فَقَامَا. فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأرضِ. فَقَالا: إِن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ. فَقِيلَ: إِنَّهُ يَهُودِيٌّ. فَقَال: "أَلَيسَتْ نَفْسًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق المرادي الجملي الكوفي ثقة من (5) (عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي ثقة من (2) (أن قيس بن سعد) بن عبادة بن عبد الله الأنصاري الخزرجي أبا عبد الله المدني الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما له (16) ستة عشر حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) له بطرق من حديث آخر ويروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الجنائز وأبو تميم الجيشاني وقال في التقريب: مات سنة (60) ستين تقريبًا وكان واليًا لعلي بن أبي طالب على اليمن (وسهل) بسكون الهاء (ابن حنيف) مصغرًا بن واهب بن غنم بن ثعلبة الأنصاري الأوسي أبا ثابت المدني البدري شهد بدرًا والمشاهد كلها له (40) أربعون حديثًا اتفقا على أربعة وانفرد (م) بحديثين مات بالكوفة سنة (38) ثمان وثلاثين وصلى عليه علي رضي الله عنه وكبر ستًّا ويروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن أبي ليلى في الجنائز وبشير بن عمرو في الزكاة والحج وأبو وائل شقيق بن سلمة في الجهاد وابنه أبو أمامة وهذان السندان من سداسياته رجاله الأول منهما ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني والثاني رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني وفيهما التحديث والقول والعنعنة والمقارنة (كانا بالقادسية) بالقاف وكسر الدال والسين المهملتين وتشديد التحتية مدينة صغيرة ذات نخل ومياه بينها وبين الكوفة مرحلتان أو خمسة عشر فرسخًا (فمرت بهما) أي عليهما كما هو لفظ البخاري أي على قيس وسهل (جنازة فقاما) أي قام قيس وسهل (فقيل لهما: إنها) أي إن الجنازة كافرة (من أهل) هذه (الأرض) وسكانها أي من أهل الذمة والجزية المقرين بأرضهم لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على العمل في الأرض وحمل الخراج وقيل الأرض هنا كناية عن السفالة ومنه قوله تعالى {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} أي إلى السفالة أي ركن إلى الدنيا ظانًّا أنه يخلد فيها كذا في الأبي (فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل: إنه) أي إن هذا الميت (يهودي) وفي لفظ البخاري: (فقيل له: إنها جنازة يهودي) (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليست) هذه الجنازة (نفسًا) ماتت فالقيام لها لأجل صعوبة الموت وتذكره لا لذات الميت أو لتعظيم خالقها وقابضها.

(2106) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ القَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِيهِ: فَقَالا: كُنا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَمَرَّتْ عَلَينَا جَنَازَةٌ. (2107) (925) - (75) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 6 - 7) والبخاري (1312) والنسائي في الكبرى (2048). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديثهما رضي الله تعالى عنهما فقال: (2106) (0) (0) (وحدثنيه القاسم بن زكريا) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي ثقة من (11) (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبي معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة من (7) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي أبي محمد الكوفي ثقة من (5) (عن عمرو بن مرة) الهمداني الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي ليلى عن قيس وسهل عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمش لثعلبة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن مرة (و) لكن (فيه) أي فيما رواه الأعمش لفظ (فقالا: ) أي فقال قيس وسهل كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت علينا جنازة) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث علي رضي الله عنه فقال: (2107) (925) (75) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (واللفظ) الآتي (له) أي لابن مهاجر قال: (حدثنا الليث) بن سعد (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني (عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي أبي عبد الله المدني روى عن نافع بن جبير في الجنائز ومحمد بن علقمة وسعيد بن إسحاق بن كعب وغيرهم.

أَنَّهُ قَال: رَآنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيرٍ، وَنَحْنُ في جَنَازَةٍ، قَائِمًا. وَقَدْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجَنَازَةُ. فَقَال لِي: مَا يُقِيمُكَ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَظِرُ أَنْ تُوضَعَ الْجَنَازَةُ. لِمَا يُحَدِّثُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ. فَقَال نَافِعٌ: فَإِن مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ أَنَّهُ قَال: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ قَعَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وثقه أبو زرعة وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات وقال يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو: وكان من أحب الناس وأعظمهم وأطولهم قال في التقريب: ثقة من الرابعة مات سنة (120) عشرين ومائة. (أنه) أي أن واقدًا (قال: رآني) أي أبصرني (نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبو محمد المدني ثقة من (2) (ونحن في جنازة) أي في تجهيز جنازة جملة حالية أو معترضة (قائمًا) حال من ضمير المتكلم لأن الرؤية بصرية أي رآني حالة كوني قائمًا حالة كوننا عند جنازة (و) الحال أن نافعًا (قد جلس) حالة كونه (ينتظر أن توضع الجنازة) في اللحد (فقال لي) نافع: (ما يقيمك) أي أيُّ سبب جعلك قائمًا فما استفهامية قال واقد: (فقلت) لنافع إنما قمت لأني: (أنتظر أن توضع الجنازة) في القبر (لما) أي لأجل حديث (يحدثـ) ـــــه (أبو سعيد الخدري) من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا) (فقال) لي (نافع: فإن مسعود بن الحكم) بن الربيع بن عامر الأنصاري الزرقي أبا هارون المدني ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رؤية كان سريًا (أي سيدًا شريفًا) وكان له رواية عن بعض الصحابة وكان من علماء التابعين وثقاتهم روى عن علي بن أبي طالب في الجنائز وعمرو بن عثمان وعبد الله بن حذافة السهمي ويروي عنه (م عم) ونافع بن جبير ومحمد بن المنكدر والزهري وخلف قال الواقدي: كان ثبتًا مأمونًا ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البر: كان له قدر ويعد في جلة التابعين وكبارهم. (حدثني عن علي بن أبي طالب) عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبي الحسن المدني رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي (أنه) أي أن عليًّا (قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أولًا لجنازة إذا مرت عليه (ثم قعد) أي ترك القيام لها عند رؤيتها. قال البيضاوي: يحتمل قول علي: (ثم قعد) أي بعد أن جاوزته وبعدت عنه ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلًا وعلى هذا يكون فعله الأخير

(2108) (0) (0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى وإسحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. قَال: أَخْبَرَنِي وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ الأنصَارِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُول، في شَأنِ الْجَنَائِزِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ ثُمَّ قَعَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قرينة: في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب ويحتمل أن يكون نسخًا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر والأول أرجح لأن احتمال المجاز يعني في الأمر أولى من دعوى النسخ. اهـ كلام البيضاوي وقال الشافعي: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان الأول واجبًا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابًا فالآخر هو الاستحباب وإن كان مباحًا لا بأس بالقيام والقعود فالقعود أولى لأنه الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم اهـ تحفة الأحوذي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (3175) والترمذي (1044) والنسائي (4/ 77 - 78). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال. (2108) (0) (0) (وحدثني محمد بن المثنى) البصري (وإسحاق بن إبراهيم) المروزي (و) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كلهم رووا (عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (قال ابن المثنى) في روايته: (حدثنا عبد الوهاب) بصيغة السماع (قال) عبد الوهاب: (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري أبا سعيد المدني غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الوهاب لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد (قال) يحيى: (أخبرني واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصاري) المدني (أن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي المدني (أخبره) أي أخبر لواقد بن عمرو (أن مسعود بن الحكم الأنصاري) المدني (أخبره) أي أخبر نافعًا (أنه) أي أن مسعود بن الحكم (سمع علي بن أبي طالب) عبد مناف بن عبد المطلب الهاشمي المدني رضي الله عنه حالة كون علي (يقول في شأن) تجهيز (الجنائز) وبيان هيئة من يجهزها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام) أي كان في أوائل أمره يقوم عند رؤية الجنازة (ثم قعد) أي ثم كان في أواخر أمره يقعد عند رؤية الجنازة ولا يقوم لها لبيان الجواز

وَإِنَّمَا حَدَّثَ بِذلِكَ لأنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ رَأَى وَاقِدَ بْنَ عَمْرٍو قَامَ، حَتَّى وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ. (2109) (0) (0) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي زَائِدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. (2110) (0) (0) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. قَال: سَمِعْتُ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ يُحَدِّثُ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإنما حدث) وأخبر نافع (بذلك) الحديث لواقد بن عمرو الآن نافع بن جبير رأى واقد بن عمرو قام حتى وضعت الجنازة) في القبر فحدث له هذا الحديث زجرًا له عن هذا القيام. وقوله: (قام ثم قعد) استدل من ادعى نسخ القيام للجنازة بهذه الرواية ولا مطابقة بين المدعي والدليل فإن المدعى إنما هو نسخ القيام عند رؤية الجنازة وسياق الدليل لمنع القيام بعد الوضع عن الأعناق حتى توضع في القبر وذكر في الفقه أنه يكره القيام بعد الوضع عن الأعناق لما في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد فكان قائمًا مع أصحابه على رأس القبر فقال يهودي: هكذا نصنع في موتانا فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: خالفوهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2109) (0) (0) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (حدثنا) يحيى بن زكريا (بن أبي زائدة) الكوفي. (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري (بهذا الإسناد) متعلق بحدثنا ابن أبي زائدة يعني عن واقد عن نافع عن مسعود عن علي رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي زائدة لعبد الوهاب الثقفي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث علي رضي الله عنه فقال. (2110) (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) الأزدي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله القرشي المدني (قال: سمعت مسعود بن الحكم) الأنصاري المدني (يحدث عن

عَلِيٍّ؛ قَال: رَأَينَا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ، فَقُمْنَا. وَقَعَدَ، فَقَعَدْنَا. يَعْنِي في الْجَنَازَةِ. (2111) (0) (0) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّميُّ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ علي) بن أبي طالب رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن المنكدر لنافع بن جبير في رواية هذا الحديث عن مسعود بن الحكم (قال) علي بن أبي طالب: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام) لرؤية الجنازة في أوائل أمره (فقمنا) نحن معه صلى الله عليه وسلم أي فاتبعناه في القيام لها (وقعد) عند رؤيتها في أواخر أمره (فقعدنا) عند رؤيتها أي اتبعناه في القعود عند رؤيتها (يعني) علي رضي الله عنه اتبعناه (في) القيام لـ (الجنازة) وتركه أنه صلى الله عليه وسلم لم يقم لكل جنازة بل بين جواز القعود أيضًا بتركه القيام في بعضها توسعةً فلا دلالة فيه قطعية على نسخ القيام اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2111) (0) (0) (وحدثناه محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) نسبة إلى جده مقدم (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري ثقة من (10) (قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان عن شعبة) بن الحجاج البصري (بهذا الإسناد) يعني عن ابن المنكدر عن مسعود بن الحكم عن علي غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة القطان لابن مهدي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث. الأول: حديث عامر بن ربيعة ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين. والرابع: حديث قيس وسهل ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والخامس: حديث علي ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

410 - (28) باب الدعاء للميت في الصلاة وأين يقوم الإمام من المرأة وركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

410 - (28) باب الدعاء للميت في الصلاة وأين يقوم الإمام من المرأة وركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها (2112) (926) - (76) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ. أَخْبَرَنِي مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَبيبِ بْنِ عُبَيدٍ، عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ. سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جنَازَةٍ. فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 410 - (28) باب الدعاء للميت في الصلاة وأين يقوم الإمام من المرأة وركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها (2112) (926) (76) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي أبو جعفر (الأيلي أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا الحضرمي أبو عبد الرحمن الحمصي صدوق من (7) (عن حبيب بن عبيد) الرحبي بفتح الحاء والراء نسبة إلى رحبة بن زراعة أبي حفص الحمصي ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين (عن جبير بن نفير) بالتصغير فيهما الحضرمي الحمصي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (10) أبواب (سمعه) أي سمع حبيب بن عبيد جبير بن نفير حالة كون جبير (يقول: سمعت عوف بن مالك) الأشجعي الغطفاني أبا حماد الدمشقي الصحابي المشهور رضي الله عنه صاحب راية قومه بني الأشجع يوم الفتح له (67) سبعة وستون حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بواحد و (م) بخمسة يروي عنه (ع) وجبرِ بن نفير وأبو مسلم الخولاني في الزكاة ومسلم بن قرظة مات سنة (73) ثلاث وسبعين أول ولاية عبد الملك حالة كون عوف بن مالك (يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم شاميون وواحد مصري وواحد أيلي وفيه التحديث والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة. فدعا للميت (فحفظت من دعائه) للميت قال الأبي: من للتبعيض وظاهره أنه كان ثم دعاء غير هذا اهـ. وليس في دعاء الميت دعاء محدود عند العلماء بل يدعو المصلي بما تيسر له لكن الأولى أن يكون بالأدعية المأثورة في ذلك كحديث عوت بن مالك هذا وحديث أبي هريرة وما أشبه ذلك اهـ من المفهم.

وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ. وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ. وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ. وَاغسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ. وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ. وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ. وَأَهْلا خَيرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيرًا مِنْ زَوْجِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول) في دعائه للميت بعد التكبيرة الثالثة ولا ينافي هذا ما تقرر في الفقه من الإسرار لأن الجهر للتعليم نقله ملا علي: (اللهم اغفر له) بمحو السيئات عنه (وارحمه) بقبول الطاعات (وعافه) أمر من المعافاة والهاء ضمير وقيل للسكت والمعنى خلصه من المكاره وقال الطيبي: أو سلمه من العذاب والبلايا (واعف عنه) أي عما وقع منه من التقصيرات (وأكرم نزله) بضمتين أو بسكون الزاي أي اجعل رزقه ونصيبه من الجنة طيبًا حسنًا والنزل بضم الزاي وإسكانها ما يقدم للقادم أو الضيف من الطعام النفيس قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (ووسِّع) بتشديد السين المكسورة من التوسعة (مدخله) بفتح الميم وضمها أي قبره. (واغسله) من الذنوب (بالماء) البارد (والثلج) أي بالماء المتجمد (والبرد) بفتحتين أي حب المطر النازل من السماء وجمع بينها للمبالغة أي طهره من الذنوب بأنواع المغفرة كما أن هذه الأشياء أنواع المطهرات من الدنس وقد تقدم شرح هذه الألفاظ في كتاب الصلاة (ونقه) بهاء الضمير أو السكت قاله ملا على من التنقية وهو التنظيف أي صفه (من الخطايا) والذنوب (كما نقيت) بفتح التاء للخطاب (الثوب الأبيض من الدنس) بفتحتين أي الوسخ ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس وهو تأكيد لما قبله على ماذكره ابن حجر يعني طهارة كاملة معتنى بها فإن تنقية الأبيض يحتاج إلى العناية أو المراد بأحدهما الصغائر وبالآخر الكبائر أو المراد باحدهما حق الله وبالآخر حق العباد (وأبدله) أي عوضه (دارًا خيرًا من داره) أي منزلًا خيرًا من منزله (و) أبدله (أهلًا) أي خدمًا وخولًا والأهل هنا عبارة عن الخدم والخول ولا تدخل الزوجة فيهم لأنه قد خصها بالذكر فيما بعد (خيرًا من أهله) في الدنيا (و) أبدله (زوجًا خيرًا من زوجه) في الدنيا قال القرطبي: ويفهم منه أن نساء الجنة أفضل من نساء الآدميات وإن دخلت الجنة وقد اختلف في هذا المعنى اهـ. قال ابن عابدين: والمراد بالإبدال في الأهل والزوجة إبدال الأوصاف لا الذوات

وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ "أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ". قَال: حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذلِكَ الْمَيِّتَ. قَال: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ جُبَيرٍ. حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لقوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ولخبر الطبراني وغيره: (إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين). (وأدخله الجنة) أي ابتداء من غير تعذيب سابق (وأعذه) أي سلمه (من عذاب القبر أو من عذاب النار) ظاهره أنه شك من الراوي ويمكن أن تكون أو بمعنى الواو ويؤيده ما في بعض النسخ بالواو اهـ مرقاة (قال) عوف بن مالك دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوات كثيرة: (حتى تمنيت) واغتبطت (أن أكون أنا ذلك الميت) الذي دعا له قال الأبي: وهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت) لأن ذلك كما ورد في بعض الطرق (لضر نزل به) وهذا عكسه إنما هو لتحصيل ثمرة دعائه صلى الله عليه وسلم وكره في العتبية الدعاء بالموت قال ابن رشد: لما يرجوه في طول الحياة من صالح العمل وليجعل الرجل مكان الدعاء بالموت الدعاء بذلك فإن خيرًا للرجل أن لا يخلق فإذا خلق فخيرٌ له أن يموت صغيرًا فإن لم يقع ذلك فإن يطول عمره ويحسن عمله فإن خاف التقصير في العمل جاز الدعاء بالموت فإن عمر قال: كبرت سني وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع وكذلك كان عمر بن عبد العزيز يدعو خوف التضييع ورغبة فيما عند الله وحبًا للقائه اهـ من فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 28) والترمذي (1025) والنسائي (4/ 73) قوله: (قال: وحدثني عبد الرحمن) إلح قال النواوي: قائله هو معاوية بن صالح الراوي في الإسناد الأول عن حبيب اهـ. فهو معطوف في المعنى على قوله عن حبيب بن عبيد والتقدير: (قال) معاوية بن صالح حدثني حبيب بن عبيد (وحدثني) أيضًا (عبد الرحمن بن جبير) بن نفير الحضرمي أبو حميد الشامي وثقه أبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم: صالح الحديث وقال ابن سعد: كان ثقة وبعض الناس يستنكر حديثه وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (4) مات سنة (118) روى عنه في (8) أبواب قال معاوية: (حدَّثه) أي حدَّث عبد الرحمن لمعاوية فهو بدل من حدثني وفيه التفات (عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي الشامي (عن عوف بن مالك)

عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِنَحو هذَا الْحَدِيثِ أَيضًا. (2113) (0) (0) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبدُ الرَّحْمنِ بن مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ بْنُ صَالِحٍ، بِالإِسنَادَينِ جَمِيعًا، نَحوَ حَدِيثِ ابْنِ وَهبٍ. (2114 (0) (0) وحدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ، وَإِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ عِيسَى بنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْحِمْصِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيلِيُّ (وَاللَّفْظُ لأَبِي الطَّاهِرِ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشجعي الشامي رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا الحديث) الذي حدثنيه حبيب بن عبيد (أيضًا) أي كما حدثنيه حبيب بن عبيد ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه فقال: (2113) (0) (0) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي) الأزدي البصري ثقة من (9) (حدثنا معاوية بن صالح) الحضرمي الشامي صدوق من (7) (بالإسنادين) له (جميعًا) يعني إسناده عن حبيب بن عبيد وإسناده عن عبد الرحمن بن جبير وقوله (نحو حديث ابن وهب) منصوب بأخبرنا عبد الرحمن بن مهدي لأنه المتابع أي أخبرنا عبد الرحمن عن معاوية بإسناديه نحو حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي لعبد الله بن وهب في رواية هذا الحديث عن معاوية بن صالح ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه فقال: (2114) (0) (0) (وحدثنا نصر بن علي الجهضمي) البصري (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (كلاهما) رويا (عن عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي ثقة من (8) (عن أبي حمزة) عيسى بن سليم العنسي بنون ساكنة بعد المهملة الرستني بفتح الراء والمثناة بينهما مهملة ساكنة آخره نون نسبة إلى بلدةٍ بين حمص وحماة تدعى الرستن روى عن عبد الرحمن بن جبير في الجنائز وراشد بن سعد وجماعة ويروي عنه (م س) وعيسى بن يونس وعمرو بن الحارث وثقه أبو حاتم وقال في التقريب: صدوق له أوهام من السابعة. (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وهارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي واللفظ) الآتي (لأبي الطاهر قالا: حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني

عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أبِي حَمْزَةَ بْنِ سُلَيمٍ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ؛ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - (وَصَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ) يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ. وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ. وَأَكْرِم نُزُلَهُ. وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ. وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ. وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ. وَأبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ. وَأَهْلًا خَيرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيرًا مِنْ زَوْجِهِ. وَقِهِ فِتْنَةَ القبرِ وَعَذَابَ النَّارِ". قَال عَوفٌ: فَتَمَنيتُ أَنْ لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المصري (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة عيسى (بن سليم) العنسي الشامي الرستني (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير) الحضرمي الشامي (عن أبيه) جبير بن نفير الشامي (عن عوف بن مالك الأشجعي) الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذان السندان الأول منهما من سداسياته رجاله أربعة منهم شاميون وواحد كوفي وواحد إما بصري أو مروزي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة والثاني منهما من سباعياته رجاله أربعة منهم شاميون وثلاثة مصريون غرضه بسوقهما بيان متابعة عبد الرحمن بن جبير لحبيب بن عبيد في رواية هذا الحديث عن جبير بن نفير والله أعلم. (قال) عوف بن مالك: (سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - و) الحال أنه قد (صلى على جنازة) حالة كونه (يقول: اللهم اغفر له) بمحو سيئاته (وارحمه) بقبول حسناته (واعف عنه) أي عن تقصيراته في حقك (وعافه) أي سلمه من المكاره (وأكرم نزله) أي أحسن ضيافته ورزقه من الجنة (ووسع مدخله) أي قبره (واغسله) أي طهره من ذنوبه (بماء وثلج وبرد) أي بانواع الغفران (ونقه) أي صفه (من الخطايا) والصغائر (كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) والوسخ (وأبدله) أي عوضه عن منزله في الدنيا (دارًا) أي منزلًا (خيرًا من داره) في الدنيا (وأهلًا) أي خدمًا وخولًا (خيرًا من أهله) أي من خدمه في الدنيا (وزوجًا خيرًا من زوجه) في الدنيا (وقه) واحفظه أمر من الوقاية (فتنة القبر) أي التحير في جواب الملكين المؤدي إلى عذاب القبر (وعذاب النار) في الآخرة (قال عوف) بن مالك رضي الله عنه: (فتمنيت) أي اغتبطت لبركة دعائه صلى الله عليه وسلم وحسنه وكثرته (أن لو) حرفان مصدريان إحداهما زائدة والأولى زيادة لو لأن أن أم

كُنْتُ أَنَا الْمَيِّتَ. لِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذلِكَ الْمَيِّتِ. (2115) (927) (77) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى التَّميمي أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَينِ بْنِ ذَكْوَانَ؛ قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ؛ قَال: صَلَّيتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ. مَاتَتْ وَهِيَ نُفَسَاءُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلصَّلاةِ عَلَيهَا وَسَطَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب (كنت) أي تمنيت كوني (أنا) ذلك (الميت لدعاء) أي لأجل بركة دعاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك) أي لذلك (الميت) أو مصليًا على ذلك الميت ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الثاني من الترجمة بحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه فقال: (2115) (927) (77) (وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي العنبري البصري ثقة من (8) (عن حسين بن ذكوان) المعلم العوذي البصري ثقة من (6) (قال حدثني عبد الله بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي قاضيها ثقة من (3) (عن سمرة بن جندب) بضم الدال وفتحها كما في المرقاة ابن هلال الفزاري أبي سعيد البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه عنه له (123) مائة حديث وثلاثة وعشرون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بحديثين و (م) بأربعة يروي عنه (ع) وعبد الله بن بريدة في الجنائز وسوادة بن حنظلة القشيري في الصوم والربيع بن عميلة في الأدب وأبو رجاء العطاردي في الرؤيا وأبو نضرة في صفة النار قال ابن عبد البر توفي بالبصرة وقيل بالكوفة سنة (58) ثمان وخمسين وقيل تسع (59). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مروزي وواحد نيسابوري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة. (قال) سمرة: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم) صلاة جنازة (و) الحال أنه قد (صلى على أم كعب) الأنصارية قال ابن حجر في الإصابة: ذكر أبو نعيم في الصحابة أنها أنصارية ولم أر من ذكر اسمها وقد (ماتت وهي نفساء) بضم النون وفتح الفاء المرأة الحديثة العهد بالولادة وهي صيغة مفردة على غير القياس اهـ من فتح الملهم (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها) أي حذاء وسطها يعني قام محاذيًا لوسطها قال القاري: (وسطها) بسكون السين ويفتح كذا في المرقاة قال النواوي: هو بإسكان السين اهـ.

(2116) (0) (0) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعروف أن الوسط بالسكون ظرف بمعنى بين نحو جلست وسط القوم أي بينهم قال الطيبي: الوسط بالسكون يقال فيما كان متفرق الأجزاء كالناس والدواب وغير ذلك وما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح وقيل كل منهما يقع موقع الآخر وكأنه أشبه وقال صاحب المغرب الوسط بالفتح كالمركز للدائرة وبالسكون داخل الدائرة اهـ وقيل غير ذلك. قال العيني: وكون هذه المرأة في نفاسها وصف غير معتبر اتفاقًا وإنما هو حكاية أمر وقع وأما وصف كونها امرأة فهل هو معتبر أم لا من الفقهاء من ألغاه وقال: يقام عند وسط الجنازة مطلقًا ذكرًا كان أو أنثى ومنهم من خص ذلك بالمرأة محاولة لسترها وقيل كان ذلك قبل اتخاذ الأنعشة والقباب وأما الرجل فعند رأسه لئلا ينظر فرجه وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة قال في الهداية: وعن أبي حنيفة أنه يقوم، من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها لأن أنسًا رضي الله عنه فعل كذلك وقال: هو من السنة اهـ من فتح الملهم. قال القرطبي: وقد اختلفوا في أي موضع يقوم الإمام من الجنازة بعد إجماعهم على أنه لا يقوم ملاصقًا لها وأنه لا بد من فرجة بينهما على ما حكاه الطبري فذهب قوم إلى أنه يقوم عليها وسطها ذكرًا كان أو أنثى وقال آخرون: هذا حكم المرأة كي يسترها عن الناس وأما الرجل فعند رأسه لئلا ينظر الإمام إلى فرجه وهو قول أبي يوسف وقال ابن مسعود: بعكس هذا في المرأة والرجل وذكر عن الحسن التوسعة في ذلك وبها قال أشهب وابن شعبان وقال أصحاب الرأي: يقوم فيها بحذاء الصدر وقد روى أبو داود ما يرفع الخلاف عن أنس وصلى على جنازة فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعًا ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة قال نعم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وهذا الحديث يدل على أن مشروعية مقام الإمام كذلك وهو يبطل تأويل من قال إن مقام النبي صلى الله عليه وسلم وسط جنازة أم كعب إنما كان من أجل جنينها حتى يكون أمامه بل كان ذلك لأن حكم مشروعيته ذلك اهـ. من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 14 و 19) والبخاري (1331) وأبو داود (3195) والترمذي (1035) والنسائي (1/ 195) وابن ماجه (1493) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه فقال: (2116) (0) (0) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن

وَيزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى. كُلُّهُمْ عَنْ حُسَينٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا: أُمَّ كَعْبٍ. (2117) (0) (0) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُسَينٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيدَةَ؛ قَال: قَال سَمُرَةُ بن جُنْدُبٍ: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - غُلامًا ـــــــــــــــــــــــــــــ واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) (ويزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي ثقة من (9) (ح وحدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي ثقة من (9) (أخبرنا ابن المبارك والفضل بن موسى) المروزي أبو عبد الله السيناني بمهملة مكسورة ونونين بينهما ألف نسبة إلى سينان قرية من قرى مرو روى عن حسين بن ذكوان المعلم في الجنائز وهشام بن عروة في الحج وشريك في البيوع وإسماعيل بن أبي خالد في الجهاد وطلحة بن يحيى في الاستئذان والفضائل وخثيم بن عراك في الفضائل والحسين بن واقد في صفة أهل الجنة والنار ويروي عنه (ع) وعلي بن حجر ويوسف بن عيسى وإسحاق ومحمود بن غيلان وغيرهم وثقه ابن معين وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار التاسعة مات سنة (192) اثنتين وتسعين ومائة في ربيع الأول. (كلهم) أي كل من ابن المبارك ويزيد بن هارون والفضل بن موسى رووا (عن حسين) بن ذكوان (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن بريدة عن سمرة غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الوارث بن سعيد (و) لكن (لم يذكروا أم كعب) أي لفظتها بل قالوا: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها كما هو الرواية الآتية. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث سمرة رضي الله عنه فقال: (2117) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى) البصري (وعقبة بن مكرم العمي) بفتح العين البصري ثقة من (11) (قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة من (9) (عن حسين) بن ذكوان المعلم غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي عدي لعبد الوارث بن سعيد (عن عبد الله بن بريدة) الأسلمي المروزي (قال) عبد الله: (قال سمرة بن جندب) والله: (لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا)

فَكُنْتُ أَحْفَظ عَنْهُ. فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إلا أَن ههُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي. وَقَدْ صَلَّيتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ في نِفَاسِهَا. فَقَامَ عَلَيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّلاةِ وَسَطَهَا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنَّى قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيدَةَ قَال: فَقَامَ عَلَيهَا لِلصَّلاةِ وَسَطَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي صبيًّا مراهقًا (فكنت أحفظ عنه) صلى الله عليه وسلم الحديث (فما يمنعني من القول) بالحديث والرواية به (إلا أن ها هنا رجالًا هم أسن) أي أكبر سنًّا (مني) قال القاضي عياض: فيه من حسن الأدب ترك التقدم بين يدي الأسن والأعلم ومنه قول ابن عيينة وقد قال له الثوري: لم لا تحدث؟ أما ما أنت حي فلا (قلت): والأصل في ذلك حديث (كبر كبر) وهذا ما لم يتعين التحديث اهـ من الأبي (وقد صليت وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي خلفه وإن كان قد جاء بمعنى قدام كما في قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} هو أي أمامهم وهو ظرف مكان ملازم للإضافة (على امرأة ماتت في نفاسها) في هنا للتعليل كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن امرأة دخلت النار في هرة) (فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة) أي قام في الصلاة عليها (وسطها) بفتح السين أي محاذيًا لوسطها وفي نسخة (على وسطها) وفي نسخة بسكون السين وإسقاط لفظة عليها فمن سكن جعله ظرفًا ومن فتح جعله اسمًا والمراد على الوجهين عجيزتها والخنثى كالمرأة فعند الشافعي يقف الإمام والمنفرد عند عجيزة الأنثى وأما الرجل فعند رأسه لئلا يكون ناظرًا إلى فرجه بخلاف المرأة فإنها في القبة كما هو الغالب ووقوفه عند وسطها ليسترها عن أعين الناس كما مر وبذلك قال أحمد وأبو يوسف والمشهور عند الحنفية أن يقوم من الرجل والمرأة حذاء الصدر وقال مالك: يقوم من الرجل عند وسطه ومن المرأة عند منكبها اهـ من الإرشاد بتصرف. (وفي رواية ابن المثنى قال) حسين بن ذكوان: (حدثني عبد الله بن بريدة) بصيغة السماع لا بالعنعنة (قال) جابر بن سمرة: (فقام عليها للصلاة وسطها) بدل قوله: (في الصلاة) وبلا ذكر لفظة رسول الله. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لجابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال:

(2118) (928) - (78) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ) عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: أُتِيَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِفَرَسٍ مُعْرَوْرى. فَرَكِبَهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ جَنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ. وَنَحْنُ نَمْشِي حَوْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2118) (928) (78) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (واللفظ) الآتي (ليحيى قال أبو بكر: حدثنا وقال يحيى: أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة من (4) (عن مالك بن مغول) بكسر أوله وسكون ثانيه المعجم وفتح الواو البجلي أبي عبد الله الكوفي ثقة من (7) (عن سماك بن حرب) ابن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي صدوق من (4) (عن جابر بن سمرة) بفتح السين وضم الميم بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري. (قال) جابر: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بفرس معرورىً) أي بفرس عري لا سراج عليه ولا جل ولا برذعة وهو بضم الميم وسكون العين وفتح الراء قال أهل اللغة اعروريت الفرس إذا ركبته عريًا فهو معرورى قالوا: ولم يأت افعوعل معدى إلا قولهم: اعروريت الفرس واحلوليت الشراب اهـ نواوي. والأفصح بفرس عري كما هو الرواية الآتية والعري في الحيوان كالعريان في الإنسان ولا يقال: رجل عري كما لا يقال: فرس عريان. وفي مشكاة المصابيح: (بفرس معرور) بصيغة اسم الفاعل قال ملا علي أي عارٍ من السرج والجل ونحوهما اهـ فلعله لازم متعد اهـ من بعض الهوامش. وفي المفهم: ورواية من روى بفرس معرور لا وجه لها اهـ. (فركبه) صلى الله عليه وسلم (حين انصرف) ورجع (من) تجهيز (جنازة ابن الدحداح) بدالين وحاءين مهملات ويقال: أبو الدحداح ويقال: أبو الدحداحة وهو رجل من الصحابة توفي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عبد البر: لا يعرف اسمه (ونحن نمشي) بأرجلنا (حوله) صلى الله عليه وسلم قال النواوي: فيه جواز مشي

(2119) (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْب، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ. ثُمَّ أُتِيَ بِفَرَسٍ عُرْيٍ. فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ. فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ. وَنَحْنُ نَتَّبِعُهُ. نَسْعَى خَلْفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماعة مع كبيرهم الراكب وأنه لا كراهة فيه في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن فيه مفسدة وإنما كره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب ونحوه في حق التابع أو نحو ذلك من المفاسد اهـ، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 90 و 95) والترمذي (1013 و 1014) والنسائي (4/ 22 - 23). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: (2119) (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار) البصريان (واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) الكوفي (عن جابر بن سمرة) الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان غرضه بسوفه بيان متابعة شعبة لمالك بن مغول. (قال) جابر: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على) جنازة (ابن الدحداح ثم) بعد فراغه من تجهيزه (أتى بفرس عري) أي لا سرج عليه ولا جل (فعقله) أي فعقل الفرس وأمسكه وحبسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم (رجل) من القوم الحاضرين معه صلى الله عليه وسلم ليركبه وفيه إباحة ذلك وأنه لا بأس بخدمة التابع متبوعه برضاه (فركبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فجعل) الفرس (يتوقص) أي يثب وينزو (به) صلى الله عليه وسلم ويقارب الخطا (ونحن نتبعه) صلى الله عليه وسلم ونمشي معه حالة كوننا (نسعى) ونجري ونهرول (خلفه) أي وراءه صلى الله عليه وسلم فالجملة الفعلية بدل من الجملة التي قبلها أي نمشي مسرعين اتباعًا لمشي فرسه وهذا إخبار عن صورة تلك الحالة لأنه تقدمهم وأتوا بعده لا أن ذلك كانت عادتهم في مشيهم معه بل المنقول من

قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَومِ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ (أَوْ مُدَلًّى) في الْجَنَّةِ لابْنِ الدَّحْدَاحِ". أَوْ قَال شُعْبَةُ: "لأَبِي الدَّحْدَاحِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سيرتهم أنه كان يقدمهم ولا يتقدمهم وينهى عن وطءِ العقب ولا خلاف في جواز الركوب عند الانصراف من الجنازة وإنما الخلاف في الركوب لمتبعها فكرهه كثير من العلماء سواء كان معها أو سابقها أو خلفها والصحيح جواز الركوب إلا أنه يتأخر عنها لما أخرجه الترمذي وصححه عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها والطفل يصلي عليه) وهذا أصح من الأحاديث التي ذكر فيها منع الركوب مع الجنازة اهـ من المفهم. (قال) جابر بن سمرة: (فقال رجل من القوم) الحاضرين الجنازة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كم) خبرية بمعنى عدد كثير في محل الرفع مبتدأ (من عذق) من زائدة في تمييز (كم) والعذق بكسر العين العرجون بما فيه من الشماريخ كما في النهاية (معلق) بصيغة اسم المفعول صفة لعذق أي علق على شيء مرتفع كالخشب ليسهل تناول رطبه لقاطفه (أو) قال الراوي بدل معلق: (مدلى) شك من الراوي على صيغة اسم المفعول من دلَّى تدلية نظير زكَّى تزكية والتدلية نزول الشيء من فوق إلى أسفل وفي نهاية ابن الأثير كم من عذق مذلل بصيغة اسم المفعول من التذليل وتذليل العذق تسهيل اجتناء ثمره وإدناؤه من قاطفه قال تعالى: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} وقوله: (في الجنة) متعلق بمعلق أو بمدلى وقوله: (لابن الدحداح) خبر المبتدأ قال محمد بن جعفر: (أو قال) لنا (شعبة) عندما حدثنا هذا الحديث لفظة (لأبي الدحداح) بدل قوله: (لابن الدحداح) والشك من محمد بن جعفر وفي المفهم: والدحداح الرجل القصير دون الربعة وقال شعبة: أبو الدحداح وقال غيره: ابن الدحداح وقال أبو عمر: أبو الدحداح ويقال: أبو الدحداحة فلان ابن الدحداحة اهـ منه. وسبب ورود هذا الحديث على ما نقله النواوي هو أن يتيمًا خاصم أبا لبابة في نخلة فبكى الغلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة: أعطه إياها ولك بها عذق في الجنة فأبى أبو لبابة فسمع ذلك ابن الدحداح فاشتراها من أبي لبابة بحديقة له ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكون لي بها عذق في الجنة إن أعطيتها اليتيم قال: نعم فأعطاها اليتيم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته موافقًا لما قاله في حياته رواه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد والحاكم وابن حبان من حديث أنس رضي الله عنه وروى غير ذلك. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول حديث عوف بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة فيه متابعتين. والثاني حديث سمرة بن جندب ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة فيه متابعتين. والثالث حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة فيه متابعة واحدة. ***

411 - (29) باب اللحد ونصب اللبن على الميت وجعل القطيفة تحته والأمر بتسوية القبور والنهي عن تجصيصها والجلوس عليها

411 - (29) باب اللحد ونصب اللبن على الميت وجعل القطيفة تحته والأمر بتسوية القبور والنهي عن تجصيصها والجلوس عليها (2120) (929) - (79) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمِسْوَرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ أَن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقاصٍ قَال في مَرَضِهِ الذِي هَلَكَ فِيهِ: الْحَدُوا لِي لَحْدًا. وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنَ نَصْبًا. كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ 411 - (29) باب اللحد ونصب اللبن على الميت وجعل القطيفة تحته والأمر بتسوية القبور والنهي عن تجصيصها والجلوس عليها (2120) (929) (79) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (أخبرنا عبد الله بن جعفر) بن عبد الرحمن بن المسور الزهري المخرمي بفتح الميم (المسوري) أبو محمد المدني وثقه العجلي وقال في التقريب: لا بأس به من (8) (عن إسماعيل بن محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبي محمد المدني وثقه ابن معين والعجلي وقال في التقريب: ثقة حجة من (4) (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني ثقة من (3) (أن سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم زهريون مدنيون إلا يحيى بن يحيى (قال) سعد (في مرضه الذي هلك) ومات (فيه) أي منه وذكر الموت بلفظة الهلاك في لغة العرب غير مقصور في موضع الذم: (الحدوا لي لحدًا) لا شقًا أي إذا مت فاحفروا لي لحدًا وادفنوني فيه وقوله: (الحدوا) بوصل الهمزة وفتح الحاء ويجوز بقطع الهمزة وكسر الحاء قاله النواوي واللحد هو ما يحفر أسفل جانب القبر القبلي أو غيره (وانصبوا عليَّ) أي على فتحة لحدي (اللبن) وهو ما يضرب من الطين مربعًا للبناء به واحدتها لبنة ككلمة وكلم أي ضعوا على فتحة لحدي اللبن (نصبًا) أي وضعًا أي سدوها باللبن لئلا يصل إلى تراب القبر واصنعوا بي (كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم) عند دفنه وهذا تأكيد لما قبله وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 184) والنسائي (4/ 80) وابن ماجه (1556). قال القرطبي: (قوله: الحدوا لي لحدًا) واللحد هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جهة القبلة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن وهو أفضل

(2121) (930) - (80) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَوَكِيعٌ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عندنا من الشق وكل واحد منهما جائز غير أن الذي اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم هو اللحد وذلك أنه لما أراد الصحابة أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم اشتوروا في ذلك وكان في المدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد فقالت الصحابة: اللهم اختر لنبيك فجاء الذي يلحد أولًا فلحدوا اشتوارهم في ذلك وتوقفهم يدل على أنه لم يكن عندهم في أفضلية أحدهما من النبي صلى الله عليه وسلم تعيين ولذلك رجعوا إلى الدعاء في تعيين الأفضل وفيه استحباب اللحد ونصب اللبن وأنه فعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقد نقلوا أن عدد لبناته صلى الله عليه وسلم تسع اهـ نواوي ولم يقع في كتاب مسلم ذكر غسله صلى الله عليه وسلم ولا الصلاة عليه وقد ذكر في غيره فأما غسله صلى الله عليه وسلم فغسل في قميصه وذلك أنهم أرادوا أن ينزعوا قميصه ليغسلوه فسمعوا قائلًا يقول: لا تنزعوا القميص كما ذكره مالك في الموطإ بلفظ بلاغًا (2/ 231) وأما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فصلى الناس عليه أفواجًا الرجال النساء والصبيان من غير إمام صلوا فوجًا بعد فوج على ما ذكره أهل السير واختلف في سبب ذلك على أقوال فقيل: لأنهم لم يكن لهم إمام وهذا خطأ لأن إمامة الفريضة لم تتعطل ولأن البيعة لأبي بكر تمت قبل دفنه وهو إمام الناس وقيل: بل صلى عليه كذلك ليأخذ كل من الناس بنصيبه من الأجر والفضل ومات النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأخر إلى يوم الثلاثاء لأنهم اشتغلوا بأمر الإمامة لأنهم خافوا ثوران فتنة اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (2121) (930) (80) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا وكيع) ابن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا) محمد بن جعفر (غندر) الهذلي البصري (ووكيع جميعًا عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى واللفظ له قال: حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (حدثنا شعبة حدثنا أبو جمرة) نصر بن

قَال: جُعِلَ في قَبْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَطِيفَة حَمْرَاءُ. قَال مُسْلِمٌ: أَبُو جَمْرَةَ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ. وَأَبُو التَّيَّاحِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيدٍ. مَاتَا بِسَرَخْسَ. (2122) (931) - (81) وحدَّثني أَبُو الطاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عمران بن عصام الضبعي البصري (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته الأول منها رجاله اثنان بصريان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد نيسابوري والثاني منها ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد كوفي أو بصريان وكوفيان والثالث منها أربعة بصريون وواحد طائفي. (قال) ابن عباس: (جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة) كساء له خمل (حمراء قال مسلم) على سبيل التجريد أو بعض رواته (أبو جمرة اسمه نصر بن عمران وأبو التياح) ولكن لا ذكر له هنا (اسمه يزيد بن حميد ماتا بسرخس) مدينة معروفة بخراسان. إنما ذكره مسلم مع أبي جمرة لاشتراكهما في أشياء قل أن يشترك فيها اثنان من العلماء فإنهما جميعًا ضبعيان بصريان تابعيان ثقتان ماتا بسرخس في سنة واحدة (128) ثمان وعشرين ومائة أفاده النواوي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي (1048) والنسائي (4/ 81) وهذه القطيفة كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها فلما مات اختلف في أخذها علي وعباس وتنازعا فيها فأخذها شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلها في القبر وقال: والله لا يلبسها أحد بعده أبدًا وقيل: إنما جعلت في قبره لأن المدينة سبخة والله تعالى أعلم. وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة ونحو ذلك تحت الميت في القبر وشذ عنهم البغوي من أصحابنا فقال في كتابه التهذيب: لا بأس بذلك لهذا الحديث والصواب كراهته كما قاله الجمهور وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك لم يوافقه غيره من الصحابة ولا علموا ذلك وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته أن يلبسها أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم اهـ نواوي. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه فقال: (2122) (931) (81) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو) المصري (حدثنا)

ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ (في رِوَايَةِ أَبِي الطَاهِرِ) أن أَبَا عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيَّ حَدَّثَهُ. (وَفِي رِوَايَةِ هَارُونَ)؛ أن ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ حَدَّثَهُ. قَال: كُنَّا مَعَ فَضَالةَ بْنِ عُبَيدِ بِأرْضِ الرُّومِ. بِرُودِسَ. فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا. فَأَمَرَ فَضَالةُ بْنُ عُبَيدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ. ثُمَّ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِتَسْويَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث في رواية أبي الطاهر: أن أبا علي) ثمامة بن شفي بضم المعجمة وفتح الفاء وتشديد التحتانية (الهمداني) المصري (حدثه) أي حدث عمرًا (وفي رواية هارون: أن ثمامة بن شفي) بذكر اسمه روى عن فضالة بن عبيد في الجنائز وعقبة بن عامر في الجهاد وجماعة ويروي عنه (م س ق) وعمرو بن الحارث وابن إسحاق وعدة وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات قال ابن يونس: توفي قبل العشرين ومائة (120) (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (قال) ثمامة بن شفي: (كنا مع فضالة بن عبيد) بن نافذ بن قيس الأنصاري الأوسي أبي محمد الدمشقي الصحابي المشهور رضي الله عنه له (50) خمسون حديثًا انفرد له (م) بحديثين ويروي عنه (م عم) وأبو علي الهمداني في الجنائز وعلي بن رباح في البيوع وحنش الصنعاني مات في عهد معاوية بدمشق سنة (58) ثمان وخمسين وقيل قبلها. وهذان السندان من خماسياته رجالهما أربعة منهم مصريون وواحد دمشقي. (بأرض الروم برودس) بضم الراء وسكون الواو ثم دال مكسورة ثم سين مهملة وقيل بفتح الراء وقيل بفتح الدال وقيل بالشين المعجمة وهي جزيرة معروفة بأرض الروم تجاه الإسكندرية قال أبو علي: (فتوفي صاحب لنا) أي رفيق لنا (فأمر فضالة بن عبيد) بالرفع على الفاعلية (بقبره) أي بتسوية قبر ذلك الصاحب وطمسه وعدم رفعه (فسوي) قبره بالأرض ولم يرفع (ثم قال) فضالة بن عبيد: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها) أي بتسوية القبور وعدم رفعها على الأرض ومعنى التسوية أن لا يعلو بناؤها ولا يرتفع كما كانت قبور المشركين بل تكون لاصقة بالأرض ثم تسنم ليعرف أنه قبر وجاء أن عمر هدمها وقال: ينبغي أن تُسَوَّى تسوية تسنيم وهو معنى قول الشافعي:

(2123) (932) - (82) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ) عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأسَدِيِّ. قَال: قَال لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: ألا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَن لَا تَدَعَ تِمْثَالا إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ تسطح ولا تبنى ولا ترفع بل تكون على وجه الأرض نحوًا من شبر اهـ من الأبي. قال النواوي: وفيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعًا كثيرًا ولا يسنم بل يرفع نحوًا من شبر ويسطح وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه ونقل القاضي عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها هو مذهب مالك اهـ منه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (3219) والنسائي (4/ 88). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث فضالة بحديث علي رضي الله عنهما فقال: (2123) (932) (82) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (قال يحيى أخبرنا وقال الآخران: حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن حبيب بن أبي ثابت) قيس الأسدي الكوفي ثقة من (3) (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم (عن أبي الهياج الأسدي) حيان بن حصين الكوفي روى عن علي بن أبي طالب في الجنائز وعمر ويروي عنه (م د ت س) وأبو وائل والشعبي وابناه منصور وجرير قال العجلي: تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (قال) أبو الهياج: (قال لي علي بن أبي طالب) الهاشمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن أبي طالب فإنه مدني أو خمسة كوفيون وواحد نيسابوري أو نسائي وواحد مدني ومن لطائفه أيضًا أنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض حبيب عن أبي وائل عن أبي الهياج وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة. (ألا أبعثك) بتشديد اللام للتخصيص وقيل بفتحها للتنبيه أي هلَّا أجعلك أميرًا (على ما بعثني) أي على ما أمرني (عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله: أبعثك وأؤمرك على (أن لا تدع) ولا تترك (تمثالًا) أي صورة حيوان مجسدة أو منقوشة (إلا

طَمَسْتَهُ. وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيتَهُ. (2124) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ طمسته) أي إلا كسرته ومحوته وأبطلته بيان لما بعثه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قال النواوي: فيه الأمر بتغيير صورة ذوات الأرواح. قال القرطبي: (والتمثال) مثال صورة ما فيه روح وهو يعم ما كان متجسدًا وما كان مصورًا في رقم أو نقش لا سيما وقد روى (صورةً) مكان (تمثال) وقيل إن المراد به هنا ما كان له شخص وجسد دون ما كان في ثوب أو حائط منقوشًا وحاصل هذا الحديث الأمر بتغيير الصور مطلقا وأن إبقاءها كذلك منكرًا و (طمسها) تغييرها وذلك يكون بقطع رؤوسها وتغيير وجوهها وغير ذلك مما يذهبها (و) أن (لا) تدع أي لا تترك (قبرًا مشرفًا) أي مرتفعًا (إلا سويته) أي ألزقته بالأرض قال في الأزهار: وقال العلماء: يستحب أن يرفع القبر قدر شبر ويكره فوق ذلك ويستحب الهدم ففي قدره خلاف قيل: إلى الأرض تغليظًا وهو أقرب إلى لفظ الحديث من التسوية وقال ابن الهمام: هذا الحديث محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء العالي وليس مرادنا بذلك تسنيم القبر بل بقدر ما يبدو من الأرض ويتميز عنها والله سبحانه وتعالى أعلم. قال القرطبي: (قوله: ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته) ظاهره منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون لاطية أي لازقة إلى الأرض وقد قال بها بعض أهل العلم وذهب الجمهور إلى أن هذا الارتفاع المأمور بإزالته ليس هو التسنيم ولا ما يعرف به القبر كي يحترم وإنما هو الارتفاع الكثير الذي كانت الجاهلية تفعله فإنها كانت تعلي عليها وتبني فوقها تفخيمًا لها وتعظيمًا وأما تسنيمها فذلك صفة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وهذا معنى قول الشافعي: تسطح القبور ولا تبنى ولا ترفع وتكون على وجه الأرض وتسنيمها اختيار أكثر العلماء وجلة أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والشافعي. (قلت): والذي صار إليه عمر أولى فإنه جمع بين التسوية والتسنيم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (3219) والنسائي (4/ 88 - 89) والترمذي (1049) وأحمد (1/ 96 و 129). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عليّ رضي الله عنه فقال: (2124) (0) (0) (وحدثنيه أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري

حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي حَبِيبٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: وَلَا صُورَةً إلا طَمَسْتَهَا. (2125) (933) - (83) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة من (10) (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي أبو سعيد البصري (وهو القطان حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني حبيب) بن أبي ثابت الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي وائل عن أبي الهياج عن علي غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى القطان لوكيع (و) لكن (قال) يحيى القطان في روايته: (ولا) تدع (صورةً إلا طمستها) بدل قوله: (ولا تمثالًا إلا طمسته). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: (2125) (933) (83) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي ثقة من (8) (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن أبي الزبير) الأسدي محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان وواحد مدني. (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصَّص القبر) أي أن يطلى بالجص وهو النورة قال ملا علي: لعل ورود النهي لأنه نوع من الزينة ولذلك رخَّص بعضهم في التطيين منهم الحسن البصري اهـ. وفي الرواية الأخرى: (نهى عن تقصيص القبور) بقاف وصادين مهملتين وهو التجصيص والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص قال في الأزهار: النهي عن تجصيص القبور للكراهة وهو يتناول البناء بذلك وتجصيص وجهه والنهي في البناء للكراهة إن كان في ملكه وللحرمة في المقبرة المسبلة ويجب الهدم وإن كان مسجدًا وقال التوربشتي: البناء يحتمل وجهين أحدهما البناء على القبر بالحجارة وما يجري مجراها والآخر أن يضرب عليها خباء ونحوه كلاهما منهي عنه لعدم الفائدة فيه وكأنه من صنيع

وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيهِ. وَأَنْ يُبْنَى عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الجاهلية أي كانوا يظللون على الميت إلى سنة قال: وعن ابن عمر أنه رأى فسطاطًا على قبر أخيه عبد الرحمن فقال: انزعه يا غلام وإنما يظله عمله وقال بعض الشراح من علمائنا: ولإضاعة المال اهـ من فتح الملهم (و) نهى (أن يقعد عليه) بالبناء للمفعول كالذي قبله والذي بعده قيل: للتغوط والحدث وقيل: للإحداد وهو أن يلازم القبر ولا يرجع عنه وقيل: مطلقًا لأن فيه استخفافًا بحق أخيه المسلم وحرمته كذا قاله بعض علمائنا وقال الطيبي: المراد من القعود هو الجلوس كما هو الظاهر وقد نهى عنه لما فيه من الاستخفاف بحق أخيه المسلم وحمله بعضهم على قضاء الحاجة. ونسبوه إلى زيد بن ثابت والأول هو الصحيح لما أخرجه الحاكم والطبراني عن عمارة بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا على قبر فقال: يا صاحب القبر انزل من على القبر لا تؤذي صاحب القبر ولا يؤذيك وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه سئل عن الوطء على القبر قال: كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته اهـ منه. (وأن يبنى عليه) فيه دليل على تحريم البناء على القبر وتقدم بيانه آنفًا في شرح قوله: (وأن يجصص القبر) قال الشافعي: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى على القبر ويدل على الهدم حديث علي المتقدم وروى الترمذي مصححًا نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يُبنى عليها وأن توطأ وقال الحاكم: الكتابة وإن لم يذكرها مسلم فهي على شرطه وهي صحيحة غريبة وفي الدر المختار: لا بأس بالكتابة إن احتيج إليها حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن قال ابن عابدين: كان النهي عنها وإن صح فقد وجد الإجماع العملي بها فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طرق ثم قال هذه الأسانيد صحيحة وليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف اهـ ويتقوى بما أخرجه أبو داود بإسناد جيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل حجرًا فوضعه عند رأس عثمان بن مظعون فقال أتعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي فإن الكتاب طريق إلى تعرف القبر بها نعم يظهر أن محل دلالة هذا الإجماع العملي على الرخصة فيها إذا كانت الحاجة داعية إليها في الجملة كما أشار إليه في المحيط بقوله: إن احتيج إلى الكتابة حتى لا يذهب ولا يمتهن فلا بأس به فأما الكتابة بغير عذر فلا اهـ من فتح الملهم.

(2126) (0) (0). وحدّثني هَارُونَ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (2127) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: نُهِيَ عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) وما ذكره الحاكم من أنه عمل أخذه الخلف عن السلف لا يسلم لأن أئمة المسلمين لم يفتوا بالجواز ولا أوصوا أن يفعل ذلك بقبورهم بل تجد أكثرهم يفتي بالمنع ويكتب ذلك في تصنيفه وغاية ما يقال: إنهم يشاهدون ذلك ولا ينكرون اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 332) والنسائي (4/ 88) وابن ماجه (1562). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2126) (0) (0) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي أبو محمد المصيصي ثقة من (9) (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (جميعًا) أي كل من حجاج وعبد الرزاق رويا (عن ابن جريج) غرضه بيان متابعتهما لحفص بن غياث (قال) ابن جريج: (أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) وساقا (بمثله) أي بمثل حديث حفص بن غياث وفائدة هذه المتابعة تصريح سماع أبي الزبير عن جابر لأنه مدلس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2127) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا إسماعيل) ابن إبراهيم (ابن علية) الأسدي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أيوب السختياني لابن جريج (قال) جابر: (نهى) أي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن تقصيص القبور) وتجصيصها قال النواوي: قال أصحابنا: تجصيص القبر مكروه والقعود عليه حرام وكذا الاستناد إليه والاتكاء عليه وأما البناء عليه فإن كان في ملك الباني فمكروه

(2128) (934) - (84) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان في مقبرة مسبّلة فحرام نص عليه الشافعي والأصحاب قال الشافعي في الأم ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى عليها ويؤيد الهدم قوله: (ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته). قال القرطبي: ووجه النهي عن البناء والتجصيص في القبور أن ذلك مباهاة واستعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة وتشبه بمن كان يعظم القبور ويعبدها وباعتبار هذه المعاني وبظاهر هذا النهي ينبغي أن يقال هو حرام كما قد قال به بعض أهل العلم وقوله: (وأن يقعد عليها) اختلف في معناه فمنهم من حمله على ظاهره من الجلوس ورأى أن القبر يحترم كما يحترم المسلم المدفون فيه فيعامل بالأدب وبالتسليم عليه وبغير ذلك ولا شك في أن التخلي على القبور وبينها ممنوع إما بهذا الحديث وإما بغيره كحديث الملاعن الثلاث فإنه مجلس الزائر للقبر فهو في معنى التخلي في الظلال والطرق والشجر المثمر وغير ذلك ولأن ذلك استهانة للميت المسلم وأذىً لأوليائه الأحياء والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2128) (934) (84) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا جرير) ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة) وشعلة من نار (فتحرق ثيابه فتخلص) بضم اللام أي فتصل (إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) الظاهر عمومه وفي الأزهار نقلًا عن بعض العلماء أن يحمل ما فيه التغليظ من هذه الأحاديث على الجلوس للحدث فإنه يحرم وما لا تغليظ فيه على الجلوس المطلق فإنه مكروه وهذا تفصيل حسن والاتكاء والاستناد كالجلوس المطلق كذا في المرقاة وفي الحديث جعل الجلوس على القبر وسراية مضرته إلى قلبه وهو لا

(2129) (0) (0) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ). ح وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيرِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ سُهَيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (2130) (935) - (85) وحدَّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرِ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ وَاثِلَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يشعر بمنزلة سراية النار من الثوب إلى الجلد والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 311 و 389) وأبو داود (3228) والنسائي (4/ 95) وابن ماجه (1566). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2129) (0) (0) (وحدثناه قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد الجهني المدني (يعني الدراوردي ح وحدثنيه عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي (الزبيري) مولاهم الكوفي ثقة من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة حجة من (7) (كلاهما) أي كل من عبد العزيز وسفيان رويا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما حدث جرير بن عبد الحميد عن سهيل أي قريبه لفظا ومعنى غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد العزيز وسفيان لجرير بن عبد الحميد فالسند الأول من خماسياته والثاني من سداسياته. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي مرثد رضي الله عنهما فقال: (2130) (935) (85) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي ثقة من (9) (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي ثقة من (8) (عن) عبد الرحمن بن يزيد (بن جابر) الأزدي أبي عتبة الدمشقي الداراني ثقة من (7) (عن بسر بن عبيد الله) الحضرمي الشامي الحافظ روى عن واثلة في الجنائز وأبي إدريس الخولاني في الجنائز والجهاد وعمرو بن عبسة وعدة ويروي عنه (ع) وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وزيد بن واقد وثور بن يزيد وعدة وثقه العجلي والنسائي ومروان بن محمد وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة حافظ من الرابعة (عن واثلة) بن الأسقع بن

عَنْ أَبِي مَرْثَدِ الْغَنَويِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ كعب الليثي الشامي الصحابي المشهور من أهل الصفة أسلم قبل تبوك وشهدها له (56) ستة وخمسون حديثًا انفرد له (خ) بحديث و (م) بآخر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة وأم سلمة وأبي مرثد الغنوي مات سنة (85) خمس وثمانين وله مائة وخمس سنين (105) (عن أبي مرثد الغنوي) بفتح أوله وثانيه كناز بن الحصين بن يربوع القرشي الهاشمي مولاهم حليف حمزة بن عبد المطلب وكان تِرْبَةُ الصحابي المشهور بكنيته الشامي شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي عنه (م د ت س) وواثلة بن الأسقع في الجنائز له عندهم فرد حديث عن واثلة بن الأسقع عداده في الشاميين مات سنة (12) اثنتي عشرة من الهجرة وليس عندهم من الرواة من اسمه كناز إلا هذا. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم شاميون إلا علي بن حجر فإنه مروزي وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو مرثد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجلسوا على القبور) قال ابن الهمام وكره الجلوس على القبر ووطؤه وحينئذ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ودفنت حواليه خلق من وطءِ القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه ويكره النوم عند القبر وقضاء الحاجة بل أولى ويكره كل ما لم يعهد من السنة والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائمًا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في الخروج إلى البقيع ويقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العافية (ولا تصلوا) مستقبلين (إليها) لما فيه من التعظيم البالغ لأنه من مرتبة المعبود فجمع بين الاستخفاف العظيم والتعظيم البليغ. قال الطيبي: لو كان هذا التعظيم حقيقةً للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم فالتشبه به مكروه وينبغي أن تكون كراهة تحريم وفي معناه بل أولى من الجنازة الموضوعة أمامه وهو مما ابتلي به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها قاله القاري في شرح المشكاة اهـ من فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 135) والترمذي (1050) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه فقال:

(2131) (0) (0) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ الْبَجَلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنْ أَبِي مَرْثَدِ الْغَنَويِّ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ. وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2131) (0) (0) (وحدثنا حسن بن الربيع البجلي) أبو علي الكوفي ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي ثقة من (8) (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن جابر الشامي (عن بسر بن عبيد الله) الشامي (عن أبي إدريس الخولاني) العوذي عائذ الله بن عبد الله الشامي ثقة من (2) (عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي). وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة ابن المبارك للوليد بن مسلم. (قال) أبو مرثد (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) ومعنى قوله: (لا تصلوا إلى القبور) أي لا تتخذوها قبلةً وهذا مثل ما قدمناه في النهي عن اتخاذ قبره مسجدًا وفي ذم اليهود بما فعلوا من ذلك وكل ذلك لقطع الذريعة أن يعتقد الجهال في الصلاة إليها أو عليها الصلاة لها فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام ذلك اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول منها: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني. والثالث: حديث فضالة بن عبيد ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة. والرابع: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد به لحديث فضالة بن عبيد وذكر فيه متابعة واحدة. والخامس: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والسابع: حديث أبي مرثد الغنوي ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها

412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها (2132) (936) - (86) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ (وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ) (قَال عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أن عَائِشَةَ أَمَرَت أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ في الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 412 - (30) باب الصلاة على الجنازة في المسجد وزيارة القبور وما يقال فيها (2132) (936) (86) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) المروزي ثقة من (9) (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) المروزي (واللفظ لإسحاق قال علي: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا عبد العزيز بن محمد) الجهني الدراوردي المدني (عن عبد الواحد بن حمزة) بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبي حمزة المدني روى عن عمه عباد بن عبد الله في الجنائز ويروي عنه (م ت س) والدراوردي وموسى بن عقبة قال ابن معين: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: لا بأس به من السادسة (عن) عمه (عباد بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني روى عن عائشة في الجنائز والصوم والفضائل وأسماء بنت أبي بكر في الزكاة ومحمد بن جعفر بن الزبير في الصوم وهشام بن عروة ويروي عنه (ع) وابن أخيه عبد الواحد بن حمزة وثقه النسائي وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب: ثقة من الثالثة (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أمرت أن يمر) بالبناء للمفعول (بجنازة سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني. وقد مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة وحمل إليها على أعناق الرجال ليدفن بالبقيع وذلك في إمرة معاوية رضي الله تعالى عنهم أجمعين (في المسجد) النبوي (فتصلي) عائشة (عليه) أي على سعد ويأتي في آخر الباب رواية قولها: (ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه) (فأنكر الناس ذلك) أي المرور بالجنازة في المسجد (عليها) أي على عائشة فأبوا عليها وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها في المسجد كما

فَتُصَلِّيَ عَلَيهِ. فَأَنْكَرَ الناسُ ذلِكَ عَلَيهَا. فَقَالتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيلِ بْنِ الْبَيضَاءِ إلا في الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الرواية الآتية (فقالت) عائشة: (ما أسرع ما نسي الناس) أي ما أسرع نسيانهم فما الأولى تعجبية والثانية مصدرية وفي حديث ابن حاتم: (قالت ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما ليس لهم به علم) (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلَّا في) جوف (المسجد) النبوي قال العلماء: وبنو بيضاء ثلاثة إخوة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء اسمها دعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة رضي الله عنه اهـ نواوي. قال القاري ناقلًا عن الطيبي: ذهب الشافعي إلى قول عائشة وأبو حنيفة وأصحابه يكرهون ذلك وقالوا: إن الصحابة كانوا متوافرين فلو لم يعلموا بالنسخ لما خالفوا اهـ كلام الطيبي أو حملوه على عذر كمطير أو على الخصوصية أو على الجواز وعملوا بالأفضل في حق سعدٍ قال: ولو كانت الصلاة في المسجد أفضل لكان أكثر صلاته صلى الله عليه وسلم على الميت في المسجد ولما امتنع جل الصحابة وإنما الحديث يفيد بالجواز في الجملة وقد كان للجنائز موضع معروف خارج المسجد والغالب منه صلى الله عليه وسلم الصلاة عليها ثمة اهـ فتح الملهم. قال النواوي: وفي هذا الحديث دليل للشافعي والأكثرين في جواز الصلاة على الميت في المسجد وممن قال به أحمد وإسحاق قال ابن عبد البر: ورواه المدنيون في الموطأ عن مالك وبه قال ابن حبيب المالكي وقال ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك على المشهور عنه: لا تصح الصلاة عليه في المسجد لحديث في سنن أبي داود من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له ودليل الشافعي والجمهور حديث سهيل بن البيضاء وأجابوا عن حديث سنن أبي داود بأجوبة: أحدها: أنَّه ضعيف لا يصح الاحتجاج به قال أحمد بن حنبل: هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف والثاني: أن الَّذي في النسخ الصحيحة المسموعة من نسخ أبي داود: (ومن صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه) ولا حجة لهم حينئذ فيه الثالث: أنَّه لو ثبت الحديث وثبت أنَّه قال (فلا شيء له) لوجب تأويله على (فلا شيء عليه) ليجمع بين الروايتين وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن البيضاء وقد جاء له بمعنى عليه كقوله تعالى

(2133) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ. يُحدَّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا لمَّا تُوُفيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ {وَإنْ أَسَأْتُم فَلَهَا} الرابع أنَّه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه والله أعلم وفي حديث سهيل هذا دليل على طهارة الآدمي الميت وهو الصحيح في مذهبنا اهـ نواوي قال القرطبي: وقد اختلف في نجاسة الميت قول مالك والشافعي وأصحابهما وقال بعض المتأخرين: الخلاف إنما يصح في المسلمين لا الكافرين فإنهم متفقون على تنجيس الميت منهم وهذا القول حسن لأنه قد تقرر الإجماع على أن الموت بغير ذكاة سبب التنجيس فيما له نفس سائلة مطلقًا وهذا يقتضي تنجيس الميت المسلم إلَّا أنَّه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال (إن المؤمن لا ينجس) رواه السبعة فهل يحمل هذا على أنَّه لا ينجس حيًّا ولا ميتًا فيستثنى تلك القاعدة الكلية أو يحمل على أنَّه لا ينجس ما دام حيًّا وهو الَّذي خرج عليه الحديث وتحمل تلك القاعدة الكلية على أصلها ويبقى الكافر على أصل القاعدة وإنما الخلاف في نجاسة عين الكافر في حال حياته فقال بنجاسته الشافعي وغيره وبطهارته مالك وغيره اهـ من المفهم باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 79) وأبو داود (3189 و 3190) والترمذي (1033) والنسائي (4/ 68). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2133) (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) (حَدَّثَنَا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني ثقة فقيه إمام في المغازي من (5) (عن عبد الواحد) بن حمزة بن عبد الله بن الزبير الأسدي المدني (عن) عمه (عباد بن عبد الله بن الزبير) الأسدي المدني (يحدث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبد العزيز بن محمد في رواية هذا الحديث عن عبد الواحد بن حمزة (أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني بقصره في العقيق وحملت جنازته إلى البقيع ليدفن فيه

أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ في الْمَسْجِدِ. فَيُصَلِّينَ عَلَيهِ. فَفَعَلُوا. فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيهِ. أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ. فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ. وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ. فَقَالتْ: مَا أَسْرَعَ الناسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، عَابُوا عَلَينَا أَنْ يُمَرُّ بِجِنَازَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) إلى حمال جنازته وأمرنهم بـ (ـأن يمروا بجنازته في) جوف (المسجد فيصلين) الأمهات (عليه) أي على سعد (ففعلوا) أي ففعل حمال جنازته ما أمرنهم به (فوقف به) أي بسعد (على حجرهن) أي على أبواب حجرهن وبيوتهن حالة كونهن (يصلين عليه) أي على سعد أي يدعون له وهذا بعد أن صلى عليه الصلاة الجامعة ويحتمل أن تكون هذه الصلاة هي الصلاة ويكون معنى قوله: فوقف به على حجرهن على هذا أي حبس بين حجرهن حتَّى يجتمع الناس للصلاة عليه فصلين عليه في جملة الناس والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قال الأبي: وهذا ظاهر في أن المراد بالصلاة الدعاء كما جاء في الموطأ لتدعو له وكانت الصلاة المعهودة لم تحتج إلى الوقوف به على الحجر وكن يصلين بصلاة الناس وقد رفع الإشكال قوله: (عابوا عليها أن يمروا بجنازة في المسجد) اهـ. ثم (أخرج به) أي أخرج بجنازة سعد من المسجد (من باب الجنائز) أي من الباب الَّذي يسمى باب الجنائز لإخراجها من المسجد من ذلك الباب (الَّذي) صفة للباب أي من الباب الذي (كان) منفتحًا (إلى) جهة (المقاعد) أي إلى جهة الموضع الَّذي يسمى مقاعد بقرب المسجد الشريف سمي بذلك لأنه اتخذ للقعود فيه للحوائج والوضوء وفي مجمع البحار قوله: (إلى المقاعد) بفتح الميم دكاكين عند دار عثمان وقيل درج وقيل موضع بقرب المسجد اتخذ للقعود فيه للحوائج والوضوء والاستراحة اهـ (فبلغهن) أي فبلغ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (أن الناس عابوا ذلك) أي إدخال الجنازة في المسجد (وقالوا) أي قال الناس في تعييب ذلك: (ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك) الَّذي قالوه في التعييب (عائشة) رضي الله تعالى عنها (فقالت) عائشة: (ما أسرع الناس) أي أي شيء أسرع الناس أي شيء عجيب جعل الناس مسرعين (إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به) من حكم إدخال الجنازة المسجد هم (عابوا علينا أن يمر بجنازة

في الْمَسْجِدِ! وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيلِ بْنِ بَيضَاءَ إلا في جَوْفِ الْمَسْجِدِ. (2134) (0) (0) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي فُدَيكٍ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ) عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَن عَائِشَةَ، لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ في المسجد وما صلى) أي والحال أنَّه ما صلى (رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلَّا في جوف المسجد) وداخله. وأجابت الحنفية عن هذا الحديث بأنه منسوخ وإلا لما أنكرت الصحابة على عائشة أو محمول على عذر كمطر أو على الخصوصية أو على بيان الجواز كما مر قالوا! وتكره الصلاة على الميت في مسجد الجماعة وفيه في غير المسجد الحرام كراهة تنزيه إن كانت العلة شغل المسجد بما لم يبن له وكراهة تحريم إن كانت العلة التلويث ورجح ابن الهمام الأولى وقيد بمسجد الجماعة لأنها لا تكره في مسجد أعد لها وكذا في مدرسة ومصلى عيد لأنه ليس له حكم المسجد في الأصح إلَّا في جواز الاقتداء وإن لم تتصل الصفوف وكذا في المسجد الحرام لأنه موضوع للجماعات والجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء وصلاة الجنازة وهذا أحد وجوه إطلاق المساجد عليه بصيغة الجمع في قوله تعالى: {أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} وقيل لعظمته ظاهرًا وباطنًا أو لأنه قبلة المساجد أو لأن جهاته كلها مساجد ذكره الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنهما فقال: (2134) (0) (0) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ لابن رافع قالا: حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) مصغرًا اسمه يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني (حَدَّثَنَا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام بكسر المهملة وبالزاي الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم مولى عمر بن عبيد الله التيمي المدني ثقة من (5) (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أن عائشة) الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو نيسابوري (لمَّا توفي) ومات (سعد بن أبي

وَقاصٍ، قَالتِ: ادْخُلُوا بِهِ الْمَسْجِدَ حَتى أُصَلِّيَ عَلَيهِ. فَأُنْكِرَ ذلِكَ عَلَيهَا. فَقَالتْ: واللهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَي بَيضَاءَ في الْمَسْجِدِ، سُهَيلٍ وَأَخِيهِ. قَال مُسْلِمٌ: سُهَيلُ بْنُ دَعْدٍ وَهُوَ ابْنُ الْبَيضَاءِ. أُمُّهُ بَيضَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقاص) مالك بن أهيب الزهري (قالت) للناس: (ادخلوا به) أي بسعد (المسجد) الدخول كما يتعدى بالهمزة يتعدى بالباء يقال أدخلته ودخلت به كما هو المفهوم من القاموس (حتَّى أصلي عليه) صلاة الجنازة (فأنكر ذلك) إي إدخاله المسجد والفعل مبني للمفعول (عليها) أي على عائشة (فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه) سهل مكبرًا قال الزرقاني في شرح المواهب: وعند ابن منده وأخيه سهل بالتكبير وبه جزم في الاستيعاب وزعم الواقدي أن سهلًا بالتكبير مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو نعيم: اسم أخي سهيل صفوان ووهم من سماه سهلًا كذا قال ولم يزد مالك في روايته على ذكر سهيل المصغر قاله في الإصابة اهـ باختصار. وفي بعض الهوامش: والروايتان المتقدمتان اقتصرتا على سهيل بن بيضاء ولم يذكر الأخ في غير هذه الرواية والمذكور في تراجم الصحابة أن بني بيضاء ثلاثة سهل وسهيل وصفوان والمتفق منهم على وفاته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو سهيل كما يظهر من أسد الغابة. (قال مسلم) رحمه الله تعالى على سبيل التجريد أو من كلام رواته: (سهيل بن دعد) مبتدأ وقوله (وهو ابن البيضاء) جملة معترضة وجملة قوله (أمه بيضاء) خبر المبتدأ وفي بعض الهوامش: هذه عبارة لا تكاد تفهم وتوضيحها أن سهيلًا معروف بالإضافة إلى أمه وهي بيضاء واسمها دعد بنت جحدم والبيضاء وصف لها وكذلك أخوه سهل وصفوان معروفان بالإضافة إلى أمهم بيضاء ولها صحبة وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري وليس له صحبة يعرف ذلك بمراجعة كتب التراجم. قال النواوي: هذا الحديث ما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: خالف الضحاك حافظان مالك والماجشون فروياه عن أبي النضر عن عائشة مرسلًا وقيل: عن الضحاك عن أبي النضر عن أبي بكر بن عبد الرحمن ولا يصح إلَّا مرسلًا هذا كلام الدارقطني وقد سبق الجواب عن مثل هذا الاستدراك في الفصول السابقة في مقدمة هذا

(2135) (937) - (87) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ويحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ شَرِيكٍ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي نَمِرٍ) عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (كُلَّمَا كَانَ لَيلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ إِلَى الْبَقِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرح في مواضع منه وهو أن هذه الزيادة التي زادها الضحاك زيادة ثقة وهي مقبولة لأنه حفظ ما نسيه غيره فلا تقدح فيه والله أعلم اهـ منه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2135) (937) (87) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزُّرقيّ مولاهم المدني ثقة من (8) (عن شريك) بن عبد الله (وهو ابن أبي نمر) أبي عبد الله المدني صدوق من (5) (عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني ثقة من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو بلخي وفيه التحديث والإخبار والمقارنة والعنعنة (أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها) أي ليلة نوبتها التي تخصها (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) فكلما ظرف فيه معنى الشرط وجوابه (يخرج) وهو العامل فيه وجملة كلما خبر كان الأول والمعنى كان من عادته صلى الله عليه وسلم إذا بات عندها أن يخرج (من آخر الليل) قال الأبي: كلما هي من ألفاظ العموم وهي إنما ذكرت ليلة واحدة ويجاب بأن تلك الليلة هي التي حضرت فيها ثم علمت أن ذلك كان شأنه في غيرها أو يكون العموم فيها وفيما بعدها اهـ وقوله: (من آخر الليل) فيه تأكيد الزيارة في هذا الوقت لأنه مظنة لقبول الدعاء كما دل عليه حديث النزول. وفي بعض الهوامش: وإنما ميزنا قولها: (كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين هلالين لكونه حكاية معنى قولها لا لفظها الَّذي تلفظت به اهـ وقوله: (إلى البقيع) أي إلى بقيع الغرقد وهو موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها وفي النهاية هو

فَيَقُولُ: "السَّلَامُ عَلَيكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا. مُؤَجَّلُونَ. وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِكُمْ لَاحِقُونَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المكان المتسع ولا يسمى بقيعًا إلَّا وفيه شجر أو أصولها والغرقد اسم شجر والآن بقيت الإضافة دون الشجر (فيقول: السلام عليكم) قال الخطابي: فيه أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء في تقديم لفظ السلام على المسلم عليه خلافًا لمن قال: إن تحية الميت عليك السلام بتقديم عليك على السلام تمسكًا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه رجل فقال: عليك السلام يا رسول لله فقال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الميت رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان. وهذا لا حجة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كره منه أن يبدأ بعليك السلام لأنه كذلك كانت تحية الجاهلية للموتى كما قال شاعرهم: عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما ومقصوده صلى الله عليه وسلم أن سلام المسلمين على الأحياء والموتى مخالف لما كانت الجاهلية تفعله وتقوله والله سبحانه وتعالى أعلم. (دار قوم مؤمنين) بنصب دار على النداء وقيل: على الاختصاص ولفظ الدار مقحم أو هو من ذكر اللازم لأنه إذا سلم على الدار فأولى سكانها والتقدير: يا أهل دار قومٍ مؤمنين كذا في المرقاة اهـ ويجوز جره على البدل من الضمير في عليكم سمى صلى الله عليه وسلم موضع القبور دارًا لاجتماع الموتى فيه كالأحياء في الديار قال الخطابي: وفيه أن اسم الدار يقع على المقابر وهو الصحيح لأن الدار لغة تطلق على المسكون والخرب (وأتاكم) أي جاءكم الآن (ما) كنتم (توعدونـ) ـــه (غدًا) أي بوقوعه في الغد وهو يوم القيامة وأنتم (مؤجلون) في وقوعه عليكم والأجل مدة ما بين الموت إلى النشور (وإنا إن شاء الله) سبحانه وتعالى موتنا على الإيمان أو دفننا في هذه المقبرة (بكم لاحقون) في الدفن في هذه المقبرة وعلق بالمشيئة مع أن الموت لا بد منه قيل: امتثالًا لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ} الاية وقيل: في الدفن في تلك البقعة (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) أضيف إلى الغرقد لغرقد كان فيه والغرقد ما عظم من شجر العوسج وفيه إطلاق لفظ الأهل على ساكن المكان من حي وميت. قال العلامة السندي: أي أتاكم ما كنتم توعدون يوم إذ كنتم في الدنيا أنَّه يجيئكم عذابه

(وَلَمْ يُقِمْ قُتَيبَةُ قَوْلَهُ "وَأَتَاكُمْ"). (2136) (0) (0) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقال لكم: إنه يجيئكم غدًا كذا وكذا فقد جاءكم ذلك وأنتم مؤجلون أي ممهلون يومئذٍ. وقال القاري: وقوله: (غدًا) متعلق بما قبله كما قررنا ويحتمل تعلقه بما بعده وهو قوله: (مؤجلون) أي أنتم مؤخرون ممهلون إلى غد باعتبار أجوركم استيفاء واستقصاء فالجملة مستأنفة مبيِّنة أن ما جاءهم من الموعود أمور إجمالية لا أمور تفصيلية والله أعلم وقوله: (وإنا إن شاء الله) إلخ قيل وإن شرطية ومعناه لاحقون بكم في الموافاة على الإيمان وقيل: هو للتبرك والتفويض كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وقيل: هو للتأديب وعن أحمد بن يحيى استثنى الله تعالى فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون وأمر بذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ذكره الطيبي قال ابن عابدين: والمراد باللحوق على أتم الحالات فتصح المشيئة اهـ فتح الملهم. (ولم يقم قتيبة) بضم الياء من الإقامة أي ولم يثبت قتيبة في روايته: أي لم يذكر فيها (قوله) أي قوله صلى الله عليه وسلم: (وأتاكم) ما توعدون غدًا مؤجلون أي لم يذكر في روايته هذه الجملة وفي بعض النسخ: (ولم يقم قتيبة قوله وأتاكم) باللام بدل الميم في يقم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 221) والنسائي (7/ 72 - 73) وابن ماجة (1546) مختصرًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2136) (0) (0) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن عبد الله بن كثير بن المطلب) بن أبي وداعة الحارث بن صبيرة من بني عبد الدار القرشي السهمي العبدري القاص المكي روى عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب في الجنائز وأبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم في البيوع ويروي عنه (م س) وابن جريج وابن أبي نجيح له حديث عندهما مختلف في إسناده قال ابن المديني: كان

أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُحَدِّثُ فَقَالت: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَنِّي! قُلْنَا: بَلَى. ح وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الأعوَرَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة وقال ابن سعد: ثقة وله أحاديث صالحة وقال ابن معين: ثقة وقال في التقريب مقبول من السادسة مات سنة (122) اثنتين وعشرين ومائة (أنَّه) أي أن عبد الله بن كثير (سمع محمد بن قيس) بن مخرمة بن المطلب المطلبي المكي روى عن عائشة في الجنائز وأبي هريرة في كفارة المرضى ويروي عنه (م ت س) وعبد الله بن كثير بن المطلب وعمر بن عبد الرحمن بن محيصن قال أبو داود: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وذكر العسكري أنَّه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير (يقول: سمعت عائشة) رضي الله تعالى عنها (تحدث) لنا شأنها وشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد مصري وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن قيس لعطاء بن يسار في رواية هذا الحديث عن عائشة (فقالت) في حديثها لنا: (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم فإني (أحدثكم عن) شأن (النبي صلى الله عليه وسلم وعنِّي) أي وعن شأني أو الهمزة في ألا للاستفهام التقريري ولا نافية ولذا أجابوه ببلى قال محمد بن قيس: (قلنا) معاشر الحاضرين لها: (بلى) أي حَدَّثَنَا عن شأن النبي صلى الله عليه وسلم وعن شأنك. (ح وحدثني) أيضًا (من سمع حجاجًا) ابن محمد (الأعور واللفظ) الآتي (له) أي لذلك السامع لا لهارون بن سعيد (قال) ذلك السامع: (حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور والمعنى: وحدثني من سمع حجاج بن محمد المعروف بالأعور أنَّه قال: حَدَّثَنَا حجاج بن محمد فلا يرد ما في شرح النواوي عن القاضي عياض أن قول مسلم: (وحدثني من سمع حجاجًا الأعور واللفظ له قال: حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) يوهم أن حجاجًا الأعور حدث به عن رجل آخر يقال له حجاج بن محمد وليس كذلك بل حجاج الأعور هو حجاج بن محمد بلا شك وتقدير كلام مسلم: (وحدثني من سمع حجاجًا الأعور قال) هذا السامع المحدث عنه: (حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور ولا يقدح رواية مسلم لهذا الحديث من هذا المجهول الَّذي سمعه منه عن حجاج الأعور لأن مسلمًا ذكره متابعة لا متأصلًا معتمدًا عليه بل الاعتماد على الإسناد الصحيح المذكور قبله اهـ فتح الملهم

حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ (رَجُلٌ مِنْ قُرَيشِ) عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ قَيسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ؛ أَنَّهُ قَال يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي! قَال: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ. قَال: قَالتْ عَالشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ! قُلْنَا: بَلَى. قَال: قَالتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيلَتِيَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عِنْدِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ (حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني عبد الله) بن كثير بن المطلب العبدري المكي هو (رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب) المطلبي المكي قال المازري: كذا وقع في مسلم في إسناد حديث حجاج عن ابن جريج: (أخبرني عبد الله رجل من قريش) وكذا رواه أحمد بن حنبل وقال النسائي وأبو نعيم الجرجاني وأبو بكر النيسابوري وأبو عبد الله الجرجاني كلهم عن يوسف بن سعيد المصيصي حَدَّثَنَا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة وقال الدارقطني هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة قال أبو علي الغساني الجياني هذا الحديث أحد الأحاديث المقطوعة في مسلم وهو أيضًا من الأحاديث التي وهم رواتها وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة أنَّه سمع عائشة رضي الله تعالى عنها قال القاضي: قوله: إن هذا الحديث مقطوع لا يوافق عليه بل هو مسند لم يسم بعض رواته فهو من باب المجهول لا من باب المنقطع إذ المنقطع ما سقط من رواته راوٍ قبل التابعي اهـ فتح الملهم. (أنه) أي أن محمد بن قيس (قال) لنا (يومًا: ألا أحدثكم عني وعن أمي) أم المؤمنين أراد بها عائشة أي أحدثكم عما جرى بيني وبينها من التحديث والسماع (قال) عبد الله بن كثير: (فظننا) معاشر الحاضرين (أنه) أي أن محمد بن قيس (يريد) بقوله: عن أمي أي يقصد بها (أُمه التي ولدته) والحال أنَّه أراد بها أم المؤمنين وليته قال: وعن أم المؤمنين حتَّى لا يشتبه الكلام على السامعين (قال) محمد بن قيس: (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها: (ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا) معاشر الحاضرين لها: (بلى) حَدَّثَنَا عن شأنكما (قال) محمد بن قيس: (قالت) عائشة (لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي) هذا حكاية منها أول خروجه صلى الله عليه وسلم من عندها ليلة نوبتها بخلاف ما تقدم في الرواية الأولى فإن الحكاية فيها بمفهوم (كلما) ولفظة (كان) الثانية ساقطة في أكثر النسخ.

انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ. فَلَمْ يَلْبَثْ إلا رَيثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ. ثُمَّ أَجَافَهُ رُويدًا. فَجَعَلْتُ دِرْعِي في رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنعْتُ إِزَارِي. ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (انقلب) النبي صلى الله عليه وسلم أي انصرف من المسجد بعد العشاء ورجع إلى فراشه (فوضع رداءه) عند رأسه (وخلع نعليه) أي نزعهما عن رجليه (فوضعهما) أي وضع النعلين (عند رجليه) قال الأبي: فيه أن العازم على الشيء يهيئ أسبابه قبل حضور وقته (وبسط طرف إزاره على فراشه) تحت جنبه (فاضطجع) على فراشه كأنه ينام (فلم يلبث) أي لم يمكث ولم يستمر على اضطجاعه (إلا ريثما) بفتح الراء وسكون الياء بعده ثاء مثلثة منصوب على الاستثناء من أعم الزمان أي لم يمكث ولم يدم على اضطجاعه زمنًا من الأزمان إلَّا ريثما أي إلَّا قدر الزمن الَّذي (ظن) فيه (أن قد رقدت) أي رقدتي ونومي وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة قد رقدت خبرها أي إلَّا ريثما ظن أنَّه قد رقدت أي أني قد رقدت أو مصدرية قال الأبي: وفيه أنَّه لا يعلم من الغيب إلَّا ما علمه الله تعالى (فأخذ) أي فلما لبث ومكث قدر ذلك الزمن أخذ (رداءه) أخذًا (رويدًا) أي خفيفًا بلطف لئلا يوقظها من النوم (وانتعل) نعليه انتعالًا (رويدًا) أي خفيفًا لطيفًا (وفتح الباب) فتحًا خفيفًا (فخرج) من البيت (ثم أجافه) أي أجاف الباب ورده عليه وأغلقه من الخارج إجافةً وإغلاقًا (رويدا) أي خفيفًا بلا إظهار صوت الإجافة وإنما فعل ذلك كله في خفية لئلا يوقظها ويخرج من عندها وهي يقظى فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل قال القاضي عياض: وفعل ذلك لئلا تعلم بخروجه فيلحقها ذعر أو استيحاش والظاهر في خروجها أنها اتهمته أن يذهب لبعض نسائه بدليل لهده لها أي ضربه لها في صدرها اهـ قال الأبي: والحامل لها على الخروج الغيرة وإلا فمثل هذا الخروج يفتقر إلى إذن اهـ قالت عائشة: (فجعلت درعي) أي أدخلت قميصي (في رأسي) ولبسته ودرع المرأة قميصها (واختمرت) أي ألقيت خماري على رأسي والخمار ما تستر به المرأة رأسها (وتقنعت) أي لبست وعقدت (إزاري) على حقوي قال النواوي: هكذا في الأصول (إزاري) بغير باء موحدة في أوله وكأنه بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه (ثم انطلقت) وذهبت (على إثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي عقب خروجه بلا مهلة

حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ. فَأَطَال الْقِيَامَ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ. فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ. فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ. فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ. فَلَيسَ إِلا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ. فَقَال: "مَا لَكِ يَا عَائِشُ؟ حَشْيَا رَابِيَةً! " قَالتْ: قُلْتُ: لَا شَيءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (حتَّى جاء البقيع) غاية لمحذوف أي ثم انطلق وذهب (حتَّى جاء البقيع فقام) في البقيع للدعاء لأهله (فأطال القيام ثم رفع يديه) عند الدعاء لهم (ثلاث مرات) قال النواوي: فيه استحباب إطالة الدعاء وتكريره ورفع الأيدي للدعاء فلعله كان لغير الدعاء فلا يكون فيه دليل على إطالة الدعاء. (ثم انحرف) أي مال وذهب عن موضع قيامه للرجوع (فانحرفت) أي ذهبت عن موضع انتظاري إياه وذهبت للرجوع إلى البيت قبله (فأسرع) في مشيته (فأسرعت) في مشيتي (فهرول) صلى الله عليه وسلم في مشيته (فهرولت) في مشيتي والهرولة فوق الإسراع (فأحضر) أي فعدا النبي صلى الله عليه وسلم (فأحضرت) أي فعدوت في مشيتي والإحضار العدو والعدو فوق الهرولة (فسبقته) صلى الله عليه وسلم إلى البيت (فدخلت) البيت (فليس) شأني (ألا أن اضطجعت) أنا (فدخل) هو صلى الله عليه وسلم فليس شأننا إلَّا اضطجاعي ودخوله البيت فتنفست تنفس الإسراع (فقال) لي: (ما لك) أي أي شيء ثبت لك (يا عائش) بالضم والفتح على اللغتين في المنادى المرخم لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر لأنه مرخم عائشة أي أي شيء ثبت لك لأي سبب اضطرب جسمك وانقطع نفسك حالة كونك (حشيا) أي مضطربة الجسم (رابية) أي مرتفعة النفس والمعنى مالك قد وقع عليك الحشا والحشا بالقصر التهيج والاضطراب الَّذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره يقال: امرأة حشيا ورجل حشيان إذا اضطرب جسمه وتواتر نفسه ومالك قد وقع عليك الربو والربو ارتفاع البطن لشدة التحرك وكثرة التنفس والرابية المرأة التي أخذها الربو (قالت) عائشة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (لا شيء) عندي مما يوجب الحشا والربو. قال النواوي: هكذا في بعض الأصول: (لا شيء) بلا النافية واسمها وفي بعضها: (لا بي شيء) بياء الجر وفي بعضها: (لأي شيء) قلت ذلك بتشديد الياء على الاستفهام حكاها القاضي والأول الَّذي عليه شرحنا أصوبها اهـ قال الأبي: حمل بعضهم رواية

قَال: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبيرُ" قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! فَأْخْبَرْتُهُ. قَال: "فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأْيتُ أَمَامِي؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَهَدَنِي في صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي. ثُمَّ قَال: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيكِ وَرَسُولُهُ؟ " قَالتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ. نَعَمْ. قَال: "فَإِنَّ جِبْرِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفهام على الاستفهام حقيقة ويحتمل أنها للإنكار فترجع لرواية (لا بي شيء بالباء الموحدة والمعنى لأي شيء أكون حشيا رابية اهـ. (قال) صلى الله عليه وسلم: والله (لتخبريني) عن سبب كونك حشيا رابية (أو ليخبرني) بنون التوكيد الثقيلة أو ليخبرني عن سبب ذلك الرب (اللطيف) أي الرفيق لعباده (الخبير) أي العليم بأحوالهم ظاهرها وباطنها أي اخْتَرِي بين إخبارك لي وبين إخبار الله إياي فأو للتخيير لا للشك (قالت) عائشة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله بأبي أنت) مفدي من كل مكروه (و) بـ (ـــأمي) أخبرك عن سبب ذلك (فأخبرته) عن سبب ذلك بأني خرجت من البيت ومشيت خلفك لأنظر إلى أي مكان مشيت فـ (ـــقال) لي: (فأنت السواد) أي الشخص (الَّذي رأيتـ) ــه (أمامي) أي قدامي حين رجعت من البقيع (قلت) له: (نعم) أنا ذلك السواد الَّذي رأيت. (فلهدني) بفتح الهاء والدال المهملة أي دفعني (في صدري لهدة) أي دفعة (أوجعتني) أي آلمتني وروي (فلهزني) بالزاي وهما متقاربان قال أهل اللغة: لهَدهُ بتخفيف الهاء ولهَّده بتشديدها أي دفعه ويقال: لهزه إذا ضربه بجمع كفه في صدره ويقرب منهما لكزه ووكزه اهـ نواوي. (ثم قال) لي: (أظننت) يا عائشة (أن يحيف الله) ويجور (عليك ورسوله) بالذهاب في نوبتك إلى بعض بيوت أزواجه من الحيف وهو الجور والظلم أي أظننت أني ظلمتك بجعل نوبتك لغيرك وذكر الله تعالى تمهيد وتوطئة لذكر رسوله فليس مقصودًا بالحيف (قالت) عائشة: قلت له صلى الله عليه وسلم: (مهما يكتم الناس) أي أيّ شيء يكتمه الإنسان ويخفيه عن غيره (يعلمه الله) الَّذي يعلم خواطر القلوب (نعم) ظننت ذلك الحيف قال النواوي: هكذا هو في كل الأصول وهو صحيح وكأنها لما قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله صدقت نفسها فقالت: نعم اهـ ثم (قال: فإن جبريل) الفاء للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إن أردت بيان سبب خروجي من عندك ومعرفة

أَتَانِي حِينَ رَأَيتِ. فَنَادَانِي. فَأَخْفَاهُ مِنْكِ. فَأَجَبْتُهُ. فَأَخْفَيتُهُ مِنْكِ. وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ. وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ. وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي. فَقَال: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ". قَالتْ: قُلْتُ: كَيفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ. وَإِنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، بِكُمْ لَلَاحِقُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حكمته فأقول لك: إن جبريل الأمين - عليه السلام - (أتاني) أي جاءني (حين رأيتـ) ـــني قمت من فراشي (فناداني) جبريل أي دعاني من خارج حجرتك (فأخفاه) أي فأخفى جبريل نداءه (منك) أي خفض صوته بحيث لا تسمع. قال السندي: أي أخفى نفسه منك أو أخفى الحديث منك وعلى التقديرين هو كناية عن بعده منها والوجه الثاني أولى لما في الأول من جعل الفاعل والمفعول ضميرين لشيء واحد في غير أفعال القلوب اهـ. (فأجبته) أي فأجبت نداءه (فأخفيته) أي أخفيت إجابتي له (منك و) إنما ناداني جبريل من خارج حجرتك لأنه (لم يكن يدخل عليك) في حجرتك (و) الحال أنك (قد وضعت) وخلعت (ثيابك) وقميصك عنك (وظننت) أنا حين خرجت من عندك (أن قد رقدت) أي أنَّه قد رقدت ونمت (فكرهت أن أوقظك) أي أنبهك من نومتك (وخشيت) أي خفت من إيقاظك (أن تستوحشي) أي أن تلحقك وحشة بانفرادك في ظلمة الليل يقظى (فـ) ـــلما خرجت إلى جبريل (قال) لي: (أن ربك) يا محمد (يأمرك أن تأتي) وتجيء (أهل البقيع فتستغفر) أي تطلب (لهم) من الله سبحانه غفران ذنوبهم (قالت) عائشة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (كيف أقول) أنا (لهم) أي لأهل البقيع إذا أردت زيارتهم (يا رسول الله قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أردت زيارتهم فـ (ـــقولي) لهم (السلام على أهل) هذه (الدبار من المومنين) والمؤمنات (والمسلمين) والمسلمات (ويرحم الله) سبحانه (المستقدمين) أي السابقين (منا) في الموت (والمستأخرين) منا في الموت أي اللاحقين بنا في الموت والسين والتاء فيهما زائدتان لا للطلب (وإنا إن شاء الله) تعالى لحوقنا بكم في الموت على الإسلام وفي الدفن في هذه المقبرة (بكم للاحقون) واللام فيه لام الابتداء وفيه جواز زيارة القبور للنساء وسيأتي البحث فيه.

(2137) (938) - (88) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُعَلَّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ. فَكَانَ قَائِلُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (من المؤمنين والمسلمين) المؤمن والمسلم قد يكونان بمعنى واحد وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظ ولا يجوز أن يراد بالمسلم غير المؤمن لأن المنافق لا يجوز السلام عليه والترحم له فهو بمعنى قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيرَ بَيتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أفاده النواوي. قال الطيبي: (قوله: أهل الديار) سمى صلى الله عليه وسلم موضع القبور دارًا وديارًا لاجتماعهم فيه كالأحياء في الديار وقوله: (من المؤمنين والمسلمين) بيان لأهل الديار والعطف فيه للتأكيد باعتبار تغاير الوصفين أو المراد بالمسلمين المخلصون لوجهه تعالى قوله: (المستقدمين منا والمستأخرين) إلح قال القاري: أي الدِّين تقدموا علينا بالموت والمستأخرين والسين فيهما لمجرد التأكيد أي الأموات منا والأحياء قدم الأموات هنا لاقتضاء المقام ولاستنساق الكلام أو مراعاة ما ورد في كلام الملك العلام حيث قال: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} وإن كان معنى الآية يراد به العام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنهما فقال: (2137) (938) (88) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله) بن الزبير بن عمرو بن درهم (الأسدي) الزبيري أبو أحمد الكوفي ثقة ثبت من (9) روى عنه في (15) أبواب (عن سفيان) الثوري الكوفي (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي ثقة من (6) (عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب مصغرًا بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المدني ثم البصري ثم المروزي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) بريدة بن الحصيب: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم) أي يعلم أصحابه ما يقولون (إذا خرجوا إلى المقابر) لزيارتها (ف) بعد ما علمهم (كان قائلهم) أي قائل منهم إذا خرج إلى

يَقُولُ (في رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ): السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ. (وَفِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ): السَّلَامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ. وإنَّا، إِنْ شَاءَ اللهُ، لَلَاحِقُونَ. أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقابر (يقول: في رواية أبي بكر) بن أبي شيبة (السلام على أهل الديار وفي رواية زهير: السلام عليكم) يا (أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله) تعالى اللاحقون) بكم (أسأل الله لنا ولكم) يا أهل الديار (العافية) أي الخلاص من المكاره والنجاة من العذاب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجنائز والنسائي في الجنائز وابن ماجة كذلك اهـ من تحفة الأشراف. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة. ***

413 - (31) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه والنهي عن زيارة القبور ثم الترخيص فيها وترك الصلاة على قاتل نفسه

413 - (31) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه والنهي عن زيارة القبور ثم الترخيص فيها وترك الصلاة على قاتل نفسه (2138) (939) - (89) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ، عَنْ يَزِيدَ (يَعْنِي ابْنَ كَيسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَأذَنْتُ رَبِّي أنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي. وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 413 - (31) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه والنهي عن زيارة القبور ثم الترخيص فيها وترك الصلاة على قاتل نفسه (2138) (939) (89) (حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي (ومحمد بن عباد) بن الزبرقان نزيل بغداد صدوق من (10) (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن أيوب (قالا: حَدَّثَنَا مروان بن معاوية) بن الحارث الفزاري أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) (عن يزيد يعني ابن كيسان) اليشكري أبي إسماعيل الكوفي صدوق من (6) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغدادي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربي) أي طلبت الإذن لي من ربي (أن أستغفر لأمي) أي في الاستغفار لها (فلم يأذن لي) في الاستغفار لها فإن قلت: كيف استأذن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} قلنا: يحتمل أن يكون لرجائه صلى الله عليه وسلم اختصاصه بذلك كما اختص بأشياء لم تجز لغيره ويحتمل أن هذا الحديث قبل نزول الآية اهـ ابن الملك وفيما ذكره تأمل بالنظر إلى آخر الآية أعني قوله سبحانه: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} قال القرطبي: والاحتمال الأول يعني رجاء خصوصية أمه بذلك أولى (واستأذنته) تعالى في (أن أزور قبرها فأذن لي) ربي في زيارتها فيه دليل على جواز زيارة قبر القريب الَّذي لم يدرك الإسلام قال القاضي عياض: سبب زيارته صلى الله عليه وسلم قبرها أنَّه قصد قوة

(2139) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ. فَبَكَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث (فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت) اهـ. قال الشوكاني: وفي الحديث دليل على عدم جواز الاستغفار لمن مات على غير ملة الإسلام. وقال السندي: للمتأخرين في نجاة والديه صلى الله عليه وسلم ثلاث مسالك أنهما ما بلغتهما الدعوة ولا عذاب على من لم تبلغه الدعوة لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} فلعل من سلك هذا المسلك يقول في تأويل الحديث أن الاستغفار فرع تصوير الذنب وذلك في أوان التكليف ولا يعقل ذلك فيمن لم تبلغه الدعوة فلا وجه للاستغفار لهم فالاستغفار ما شرع إلَّا لأهل الدعوة لا لغيرهم وإن كانوا ناجين والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 141) وأبو داود (3234) والنسائي (4/ 90) وابن ماجة (1572). ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: (2139) (0) (0) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حَدَّثَنَا محمد بن عبيد) مصغرًا بلا إضافة ابن أبي أمية عبد الرحمن الطنافسي الإيادي الأحدب أبو عبد الله الكوفي ثقة من (11) روى عنه في (3) أبواب (عن بزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن عبيد لمروان بن معاوية في رواية هذا الحديث عن يزيد بن كيسان وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) أبو هريرة: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه) آمنة بنت وهب الزهرية (فبكى) أي على فراقها قاله القاري احتمالًا. وقال القاضي عياض: بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ما فاتها من إدراك أيام الإسلام والإيمان به والله أعلم.

وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ. فَقَال: "اسْتَأذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي. وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي. فَزُورُوا الْقُبُورَ. فَإِئهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المرقاة: ذكر ابن الجوزي في كتاب الوفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبيه كان مع أمه آمنة فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخوالها بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم ومنهم أبو أيوب ثم رجعت به إلى مكة فلما كانوا بالأبواء توفيت فقبرها هناك وقيل: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة زار قبرها بالأبواء ثم قام مستعبرًا فقال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي ونزل {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} الآية وذكر ابن الجوزي في تصحيح المصابيح أنَّه صلى الله عليه وسلم زار قبرها عام الحديبية سنة ست من الهجرة والله أعلم. (وأبكى من حوله) أي بكوا بسبب بكائه (فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي) في الاستغفار لها (واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي) في زيارة قبرها بالبناء للمجهول مراعاة لقوله: فلم يؤذن لي ويجوز أن يكون بصيغة المبني للفاعل قاله ملا علي اهـ فتح الملهم. (فزوروا القبور) يا معشر الرجال (فإنها) زيارتها (تذكر الموت) وذكر الموت يزهد في الدنيا ويرغب في العقبى قال بعضهم: والحكمة في النهي عن زيارة القبور أولًا لأنها تفتح باب العبادة لها فلما استقرت الأصول الإسلامية واطمأنت نفوسهم على تحريم العبادة لغير الله تعالى أذن فيها وعلل التجويز بأن فائدته عظيمة وهي أنها تذكر الموت وإنها سبب صالح للاعتبار بتقليب الدنيا اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: (قوله: فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) وتذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء على أن أصح ما ورد في نهي النساء عن زيارة القبور ما خرجه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور رواه الترمذي (1056) وصححه على أن في إسناده عمر بن أبي سلمة وهو ضعيف عندهم ثم إن هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لأن زوارات للمبالغة ويمكن أن يقال إن النساء إنما يمنعن من إكثار الزيارة لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوج والتبرج والشهرة والتشبه بمن يلازم القبور لتعظيمها ولما يخاف عليها من الصراخ وغير ذلك من المفاسد

(2140) (940) - (90) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ نُمَيرٍ). قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ (وَهُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ) عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَهَيتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا يفرق بين الزائرات والزوارت والصحيح نسخ المنع عن الرجال والنساء والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فقال: (2140) (940) (90) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن المثنى واللفظ) الآتي الأبي بكر وابن نمير قالوا: حَدَّثَنَا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (عن أبي سنان وهو ضرار بن مرة) بكسر الضاد المعجمة وضم الميم وتشديد الراء الكوفي الشيباني الأكبر ثقة ثبت من (6) (عن محارب بن دثار) السدوسي أبي مطرف الكوفي القاضي ثقة من (4) (عن) عبد الله (بن بريدة) الأسلمي المروزي (عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) بريدة بن الحصيب: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهيتكم) أيها المؤمنون والمؤمنات (عن زيارة القبور فزوروها) الآن هذا الإذن مختص بالرجال لما روى أنَّه صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور وقيل: إن هذا الحديث قبل الترخيص فلما رخص عمت الرخصة لهما كما في شرح السنة اهـ من المبارق قال القرطبي: قوله: (فزوروها) نص في النسخ للمنع المتقدم لكن اختلف العلماء هل هذا النسخ عام للرجال وللنساء أم هو خاص للرجال دون النساء فيبقى حكم النساء على المنع والأول أظهر وقد دل على صحة ذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم قد رأى امرأة تبكي عند قبر فلم ينكر عليها الزيارة وإنما أنكر عليها البكاء كما تقدم اهـ من المفهم. (قوله: فزوروها) أيضًا فيه مشروعية زيارة القبور ونسخ النهي عن الزيارة وقد حكى

وَنَهَيتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأضَّاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ. وَنَهَيتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إلا في سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا في الأسقِيَةِ كُلِّهَا. وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا". قَال ابْنُ نُمَيرٍ في رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحازمي والعبدري والنووي اتفاق أهل العلم على أن زيارة القبور للرجال جائزة قال الحافظ كذا أطلقوه وفيه نظر لأن ابن أبي شيبة وغيره رووا عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي والشبعي أنهم كرهوا ذلك مطلقًا حتَّى قال الشعبي: لولا نهى النبي صلى الله عليه وسلم لزرت قبر ابنتي فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء وكان هؤلاء لم يبلغهم الناسخ والله أعلم وذهب ابن حزم إلى أن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به وهذا يتنزل على الخلاف في الأمر بعد النهي هل يفيد الوجوب أو مجرد الإباحة فقط والكلام في ذلك مستوفى في الأصول اهـ من فتح الملهم (ونهيتكم عن) إمساك (لحوم الأضاحي) بتشديد الياء وتخفيفها جمع أضحية وهي ما يذبح أيام النحر على وجه القربة يعني كنت نهيتكم من أن تأكلوا ما بقي من لحومها (فوق ثلاث) ليال أي بعد ثلاثة أيام وأمرتكم بالتصدق بها (فأمسكوا ما بدا لكم) الإمساك وظهر يعني كلوا ما بقى منها بعد ثلاثة أيام مدة ظهور الإمساك لكم فما مصدرية ظرفية وفاعل بدا ضمير عائد إلى مصدر أمسكوا قال ابن الملك: ولو أعطى منها الأغنياء جاز لكن الفقراء أفضل اهـ. (ونهيتكم عن) انتباذ (النبيذ) أي عن إلقاء التمر ونحوه في ماء مظروف فتشربوا بعد مدة (إلا) ما انتبذ (في سقاء) أي إلَّا في قربة إناء من جلد إنما استثناها لأن السقاء يبرد الماء فلا يشتد ما يقع فيه اشتداد ما في الظروف والأواني غيره اهـ من المبارق (فاشربوا) الآن ما انتبذ (في الأسقية) والأواني (كلها) ما لم يسكر (ولا تشربوا) ما كان منه (مسكرًا) لأن كل مسكر حرام. (قال ابن نمير في روايته: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه) بتصريح اسم ابن بريدة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 350) والنسائي (8/ 310 - 311). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال -

(2141) (0) (0) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ زُبَيدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ (الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيثَمَةَ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزاقِ، عَن مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2141) (0) (0) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خثيمة) الكوفي زهير بن معاوية الجعفي (عن زبيد) مصغرًا بن الحارث (اليامي) أبي عبد الرحمن الكوفي ثقة من (6) (عن محارب بن دثار) السدوسي الكوفي (عن) عبد الله (بن بريدة) الأسلمي المروزي قال أبو خثيمة: (أراه) أي أظن شيخي زبيدًا قال في روايته لفظة: (عن أبيه) أي حَدَّثَنَا ابن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب (الشك) في لفظة عن أبيه وقع (من أبي خثيمة) زهير بن معاوية (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة زبيد اليامي لأبي سنان في رواية هذا الحديث عن بريدة ولكنها متابعة ناقصة. (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا قبيصة بن عقبة) بن عامر بن صعصعة السوائي العامري أبو عامر الكوفي روى عن الثوري في الجنائز وفطر بن خليفة ويونس بن أبي إسحاق ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة وأحمد ومحمود بن غيلان وقال ابن نمير: لو حَدَّثَنَا قبيصة عن النخعي لقبلناه وهو أقدم من الثوري وقال ابن معين: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: صدوق من التاسعة مات سنة (215) خمس عشرة ومائتين على الصحيح (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن سليمان بن بريدة) المروزي (عن أبيه) بريدة بن الحصيب المروزي (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان لأبي سنان في رواية هذا الحديث عن بريدة بن الحصيب ولكنها متابعة ناقصة أيضًا. (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن عطاء) بن أبي مسلم عبد الله أو ميسرة مولى المهلب بن أبي صفرة أبي أيوب (الخراساني) الأصل

قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيدَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كُلُّهُمْ بِمَعْنَي حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ. (2142) (941) - (91) حدَّثنا عَوْنُ بْنُ سَلامٍ الْكُوفِيُّ. أَخْبَرَنَا زُهَيرٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: أُتِيَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ. فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشامي وكان من أهل بلخ سكن الشام روى عن عبد الله بن بريدة في الجنائز ويروي عنه (م عم) ومعمر وابن جريج والأوزاعي ومالك وشعبة وحماد بن سلمة وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد والدارقطني وقال في التقريب: صدوق من الخامسة يهم كثيرًا أو يرسل ويدلس مات سنة (135) خمس وثلاثين ومائة وله (85) خمس وثمانون سنة (قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة معمر بن راشد لأبي سنان في رواية هذا الحديث عن بريدة ولكنها متابعة ناقصة (كلهم) أي كل من زبيد اليامي وسفيان الثوري ومعمر بن راشد رووا عن بريدة بن الحصيب (بمعنى حديث أبي سنان) ضرار بن مرة ولكنها متابعة ناقصة كما قد عرفت لأن أبا سنان روى عن بريدة بواسطة محارب وعبد الله بن بريدة وسفيان روى عنه بواسطة علقمة وسليمان بن بريدة ومعمر روى عنه بواسطة عطاء وعبد الله بن بريدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: (2142) (941) (91) (حَدَّثَنَا عون بن سلام) بتشديد اللام الهاشمي مولاهم أبو جعفر (الكوفي) ثقة من (10) (أخبرنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي أبو خثيمة الكوفي (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي صدوق من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) جابر بن سمرة: (أتي) بالبناء للمجهول (النبي صلى الله عليه وسلم بـ) جنازة (رجل قتل نفسه بمشاقه) أي بسهام عراض جمع مشقص بكسر الميم وفتح القاف وهو سهم فيه نصل عريض وفي المفهم: إنه السكين (فلم يصل عليه) بنفسه زجرًا للناس عن مثل عمله وصلت عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابة والقاتل لنفسه لا يكفر كما مر في كتاب الإيمان والجواب عن هذا الحديث أنَّه صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليه لما ذكر آنفًا كما ترك الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجرًا لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائه وأمر أصحابه بالصلاة عليه فقال صلوا على صاحبكم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي (1068) والنسائي (4/ 66) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. قال القرطبي: (قوله: قتل نفسه بمشاقص) ولعل هذا القاتل لنفسه كان مستحلًا لقتل نفسه فمات كافرًا فلم يصل عليه لذلك وأما المسلم القاتل لنفسه فيصلى عليه عند كافة العلماء وكذلك المقتول في حد أو قصاص ومرتكب الكبائر وولد الزنا غير أن أهل الفضل يجتنبون الصلاة على المبتدعة والبغاة وأصحاب الكبائر ردعًا لأمثالهم ويجتنب الإمام خاصة الصلاة على من قتله في حد وحكى عن بعض السلف خلاف في بعض الصور فعن الزهري: لا يصلى على المرجوم ويصلى على المقتول في قول وقال أحمد: لا يصلي الإمام على قاتل نفس ولا غال وقال أبو حنيفة لا يصلى على محارب وعلى من قتل من الفئة الباغية وقال الشافعي: لا يصلى على من ترك الصلاة إذا قتل ويصلى على من سواه وعن الحسن: لا يصلى على النفساء تموت من زنا ولا على ولدها وقاله قتادة في ولد الزنا وعن بعض السلف خلاف في الصلاة على الطفل الصغير لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على إبراهيم ابنه رواه أبو داود من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (3187) وقد جاء عنه أنَّه صلى الله عليه وسلم صلى عليه رواه أبو داود (3188) ذكر الحديثين أبو داود وقد علل ترك الصلاة عليه بعلل ضعيفة أشبهها أنَّه لم يصل عليه هو بنفسه لشغله بكسوف الشمس وصلى عليه غيره والله أعلم اهـ من المفهم. ***

كتاب الزكاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (4) - كتاب الزكاة ـــــــــــــــــــــــــــــ (4) - كتاب الزكاة وفرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر والمشهور عند المحدثين أنها فرضت في شوال السنة المذكورة بعد زكاة الفطر وقال بعضهم: فرضت في شعبان مع زكاة الفطر من السنة المذكورة وهي من الشرائع القديمة بدليل قول عيسى - عليه السلام -: (وأوصاني بالصلاة والزكاة) هكذا قيل وقد يدفع بأن المراد بها الزكاة غير المعروفة كما أن المراد بالصلاة غير الصلاة المعروفة. ويؤيد ذلك ما نقله السيوطي في الخصائص عن ابن عطاء الله السكندري أن الأنبياء لا تجب عليهم الزكاة لأنهم لا ملك لهم مع الله إنما كانوا يشهدون أن ما بين أيديهم من ودائع لله تعالى عندهم ولأن الزكاة طهرة مما عساه أن يقع ممن وجبت عليه والأنبياء مبرؤون من الدنس لكن قال المناوي: وهذا كما ترى بناه ابن عطاء الله على مذهب إمامه مالك رحمه الله تعالى من أن الأنبياء لا يملكون ومذهب إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى أنهم يملكون ولذلك نقل عن الشهاب الرملي أنَّه أفتى بوجوبها عليهم وعلى هذا فليست من خصوصياتنا إلَّا باعتبار الكيفية المشتملة على الشروط الآتية. وإنما قدمها المؤلف على الصوم والحج مع أنهما أفضل منه نظرًا لحديث بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الخ ... الحديث والحكمة في تقديمها فيه أن النفوس تشح بها لكونها طبعت على حب المال اهـ بيجوري على أبي شجاع. والزكاة في اللغة هي التطهير والإصلاح والنماء والمدح ومنه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الشرع اسم لما يخرج من مال أو بدن على وجه مخصوص سمي بها ذلك لأنها تطهر المال من الخبث وتقيه من الآفات والنفس من رذيلة البخل وتثمر لها فضيلة الكرم ويستجلب بها البركة في المال ويمدح المخرج عنه وهي أحد أركان الإسلام يكفر جاحدها ويقاتل الممتنعون من أدائها وتؤخذ منهم إن لم يقاتلوا قهرًا كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهي أم العبادات المالية اهـ من الإرشاد. وتسمى أيضًا صدقة مأخوذة من الصدق إذ هي دليل على صحة إيمانه وصدق باطنه مع ظاهره وشرعها الله تعالى مواساةً للفقراء وتطهيرًا للأغنياء من البخل وإنما تجب على من كان له من المال ماله بال وأقل ذلك النصاب على ما يأتي بيانه ثم موضوعها الأموال النامية أي الصالحة للنماء وهي العين والحرث والماشية ثم هذه الأصول منها ما ينمو بنفسه كالحرث والماشية ومنها ما ينمو بتغيير عينه وتقليبه كالعين والإجماع منعقد على تعلق الزكاة بأعيان هذه المسميات وأما تعلق الزكاة بما سواها من العروض والديون ففيها للفقهاء خلاف اهـ من المفهم. ***

414 - (32) باب ما تجب فيه الزكاة وبيان نصبه ومقدار ما يخرج منها

414 - (32) باب ما تجب فيه الزكاة وبيان نصبه ومقدار ما يخرج منها (2143) (942) - (92) وحدَّثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيرٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. قَال: سَأَلْتُ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ. فَأَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 414 - (32) باب ما تجب فيه الزكاة وبيان نصبه ومقدار ما يخرج منها (2143) (942) (92) (وحدثني عمرو بن محمد بن بكير) بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة قال) سفيان: (سألت عمرو بن يحيى بن عمارة) بن أبي الحسن المازني المدني ثقة من (6) روى عنه في (9) أبواب أي سألته عما تجب فيه الزكاة وعن نصبه قال الأبي: والمسؤول عنه مفهوم من السياق وهو مقدار النصب التي دل عليها الجواب بقوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) إلى آخر ما ذكر (فأخبرني) عمرو بن يحيى (عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي سعيد) الأنصاري (الخدري) سعد بن مالك المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس فيما دون) أي في أقل من (خمسة أوسق صدقة) أي زكاة ودون في كل مواضعه من هذا الحديث بمعنى أقل أي ليس في أقل من خمس صدقة لا أنَّه نفى الصدقة عن غير الخمس مما زاد كما زعم بعضهم في قوله (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) أنها بمعنى غير وظاهر الحديث أنَّه إذا نقص من النصاب ولو أقل ما ينطلق عليه اسم النقص لم تجب فيه زكاة وبه قال أبو حنيفة وقال مالك: إذا كان النقصان يسيرًا لم تسقط الزكاة واختلف أصحابه في مقدار اليسير فمنهم من قال: ما لا يتشاح فيه في العادة ومنهم من فسره بأنه المقدار الَّذي تختلف فيه المكاييل أو الموازيين وحكي عن عمر بن عبد العزيز أن نصاب الدراهم إن نقص ثلاثة دراهم ونصاب الذهب إن نقص ثلث دينار لم تسقط الزكاة والظاهر مع أبي حنيفة. والمعنى ليس فيما يخرج من الأرض عشر حتَّى يبلغ هذا المقدار فلفظ دون بمعنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أقل والأوسق جمع قلة لوسق كفلس وأفلس ويقال: أوساق جمع وسق بكسر الواو يقال: عدل وأعدال ورطل وأرطال ويجمع على وسوق كفلس وفلوس والوسق كما في القاموس ستون صاعًا أو حمل بعير سمى وسقًا لجمعه الصيعان لأنه من وسق بمعنى جمع ومنه قوله تعالى: {وَالْلَّيلِ وَمَا وَسَقَ} أي جمع وضم قال الخطابي: والوسق تمام حمل الدواب النقالة وهو ستون صاعًا وقال غيره: والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالعراقي ويقال بالبغدادي والرطل العراقي هو اثنا عشر أوقية والأوقية هنا هي زنة عشرة دراهم وثلثي درهم من دراهم الكيل فمبلغ زنة الرطل من دراهم الكيل مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا والحديث حجة لأبي يوسف ومحمد في قولهما بعدم الوجوب حتَّى يبلغ خمسة أوسق وتمسك الإمام أبو حنيفة في قوله بالوجوب في قليل ما يخرج من الأرض وكثيره بعموم قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} وعموم ما يأتي من قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت الأنهار والغيم العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر). وأول ما تمسكا به من حديث الباب بأن المراد به زكاة التجارة لأن الناس كانوا يتبايعون بالأوسق وقيمة الوسق أربعون درهمًا كما في الفتح وغيره فيساوي خمسة أوسق مائتي درهم اهـ من بعض الهوامش ولم يقع في الحديث بيان المكيل بالأوسق لكن في رواية مسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة) وفي رواية له: (ليس في حب ولا تمر صدقة حتَّى يبلغ خمسة أوسق) ولفظ (دون) في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنَّه نفي عن غير الخمس بالصدقة كما زعم بعض من لا يعتد بقوله كذا في الفتح اهـ. وقوله أيضًا: (ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة) احتج به الشافعي وأبو يوسف ومحمد والجمهور على أن ما أخرجته الأرض إذا بلغ خمسة أوسق تجب فيها الصدقة وهي العشر وليس فيما دون ذلك شيء وقال أبو حنيفة في كل ما أخرجته الأرض قليله وكثيره العشر سواء سقي نضحًا أو سقته السماء إلَّا القصب الفارسي والحطب والحشيش قال النواوي: وفي هذا الحديث فائدتان إحداهما: وجوب الزكاة في هذه المحدودات والثانية: أنَّه لا زكاة فيما دون ذلك ولا خلاف بين المسلمين في هاتين إلَّا ما قال أبو حنيفة وبعض السلف إنه تجب الزكاة في قليل الحب وكثيره وهذا مذهب باطل منابذ لصريح الأحاديث الصحيحة اهـ قال العيني: وهذه عبارة سمجة فلا يليق التلفظ بها في

وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ. وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حق إمام متقدم علمًا وفضلًا وزهدًا وقربًا إلى الصحابة والتابعين اهـ من فتح الملهم باختصار. (ولا فيما دون خمس ذود صدقة) والذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة الإبل قال القرطبي: والرواية المشهورة فيه على الإضافة ومنهم من يرويه بالتنوين على البدل والصحيح في الرواية: إسقاط الهاء من خمس على التأنيث وأثبتها بعضهم على التذكير وهذا على الخلاف في الذود هل يطلق على الإناث أو على المذكور على ما يأتي وأصل وضع الذود إنما هو مصدر من ذاد يذود إذا دفع شيئًا فكان من كان عنده دفع عن نفسه معرة الفقر أو شدة الفاقة والحاجة واختلف اللغويون في معناه فقال أبو عبيد: هو ما بين الثنتين إلى التسع من الإناث دون المذكور ونحوه عن سيبويه في التأنيث وقال الأصمعي: الذود ما بين الثلاث إلى العشر والضبة خمس أو ست والصرمة ما بين العشر إلى العشرين والفكرة ما بين العشرين إلى الثلاثين والهجمة ما بين الستين إلى السبعين والهنيدة مائة والخطر نحو المائتين والعرج من خمسمائة إلى الألف وقال غيره: وهند غير مصغر مائتان وأمامة ثلاثمائة اهـ من المفهم. قال العيني: وفيه بيان أقل الإبل التي تجب فيها الزكاة فبين أنَّه لا تجب الزكاة في أقل من خمس ذود من الإبل فإذا بلغت خمس سائمات وحال عليها الحول ففيها شاة وهذ بالإجماع وليس فيه خلاف. قال الشيخ الدهلوي: وإنما قدر من الإبل خمس ذود وجعل زكاته شاة وإن كان الأصل أن لا تؤخذ الزكاة إلَّا من جنس المال وأن يجعل النصاب عددًا له بال لأن الإبل أعظم المواشي جثة وأكثرها فائدةً يمكن أن تذبح وتركب وتحلب ويطلب منها النسل ويستدفأ بأوبارها وجلودها وكان بعضهم يقتني نجائب قليلة يكفي كفاية الصرمة (وهي من عشرة إلى عشرين) وكان البعير في ذلك الزمان يسوّى بعشر شياه وبثمان شياه واثنتي عشرة شاه كما ورد في كثير من الأحاديث أنَّه جعل خمس ذود في حكم أدنى نصاب من الغنم وجعل فيها شاةً اهـ من فتح الملهم (ولا فيما دون خمس أواق صدقة) أي زكاة زاد مالك (من الورق) وأواق كجوار بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددًا ومخففًا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية وحكى بعضهم وقية بحذف الألف وفتح الواو وهي هنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالاتفاق أربعون درهمًا كما في المصباح والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبًا أو غير مضروب قال القاضي عياض: قال أبو عبيد: إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتَّى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وهذا يلزم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحال نصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنَّه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة الوزن بالنسبة إلى العدد فعشرة مثلًا وزن عشرة وعشرةٌ وزن ثمانية فاتفق الرأي على أن ينقش بكتابة عربية ويصير وزنها وزنًا واحدًا وقال غيره: لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام وأما الدرهم فاجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم كذا في الفتح وقال الشيخ بدر الدين: وحدد الشرع نصاب كل جنس بما يحتمل المواساة فنصاب الفضة خمس أواق وهو مائتا درهم بنص الحديث والإجماع وأما الذهب فعشرون مثقالًا والمعول عليه فيه الإجماع إلَّا ما روى عن الحسن البصري والزهري وسيأتي الكلام فيه مبسوطًا إن شاء الله تعالى اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: قال أبو عبيد: والأوقية هي اسم لوزن مبلغه أربعون درهمًا كيلًا ودرهم الكيل زنته خمسون حبة وخمسًا حبة وسمى درهم الكيل لأنه بتكييل عبد الملك بن مروان أي بتقديره وتحقيقه وذلك أن الدراهم التي كان الناس يتعاملون بها على وجه الدهر نوعان نوع عليه نقش فارس ونوع عليه نقش الروم أحد النوعين يقال له البغلية وهي السود الدرهم منها ثمانية دوانق والأخرى يقال لها: الطبرية (نسبة إلى طبرستان) وهي العتق الدرهم منها أربعة دوانق فجاء الإسلام وهي كذلك فكان الناس يتعاملون بها مجموعة على الشطر من هذه والشطر من هذه لدى الإطلاق ما لم يعينوا بالنص أحد النوعين وكذلك كانوا يؤدون الزكاة في أول الإسلام باعتبار مائة من هذه ومائة من هذه في النصاب ذكر هذا أبو عبيد وغيره فلما كان عبد الملك بن مروان تحرج من نقوشها فضرب الدرهم بنقش الإسلام بعد أن تحرى معاملتهم الإطلاقية فجمع بين درهم بغلي من ثمانية دوانق وبين درهم طبري من أربعة دوانق فكان اثني عشر دانقًا فقسمها نصفين فضرب الدرهم من نصفها وهو ستة دوانق والدانق ثمان حبات وثلث حبة وثلث خمس حبة من الشعير المطلق. واتفق المسلمون على اعتبار درهم الكيل المذكور لمواققته ما كان معتبرًا من عهد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن ضربت وأن نصاب الزكاة مائتا درهم من دراهم الكيل وهي الخمسة الأواقي المذكورة في الحديث ولم يخالفه في ذلك إلَّا من زعم أن أهل كل بلد يعتبرون النصاب بما يجرى عندهم من الدراهم صغرت أو كبرت وهو مذهب ابن حبيب الأندلسي والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم (الوزن على وزن أهل مكة) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة من حديث ابن عباس رضي الله عنه وهو حديث صحيح وقد تقدم أن هذا المقدار المذكور هو الَّذي كان على وزن أهل مكة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم. وأما دينار الذهب فهو أربعة وعشرون قيراطًا والقيراط ثلاث حبات من وسط الشعير فمجموعه اثنتان وسبعون حبة وهو مجمع عليه. ولم يجر في هذا الحديث ذكر لنصاب الذهب ولا وقع في الصحيحين ولا ما يدل على اشتراط الحول في الزكاة وقد ذكر أبو داود ما يدل عليهما فروى بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك (يعني في الذهب) حتَّى يكون لك عشرون دينارًا فإذا كان لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك ولا أدري أعلي يقول بحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس في مال زكاة حتَّى يحول عليه الحول رواه أبو داود (1573). (قلت): هذا الحديث غاية ما قيل فيه إن جرير بن حازم رواه عن أبي إسحاق وقرن فيه بين عاصم بن ضمرة وهو ثقة وبين الحارث الأعور وهو كذاب ورواه جماعة من الأئمة عن أبي إسحاق عن عاصم موقوفًا على علي فقال من رد ذلك الحديث: لعل جريرًا سمعه من أبي إسحاق عن عاصم موقوفًا وسمعه عنه من الحارث في هذا الحديث مسندًا ولذلك فرق بينهما وكان الإسناد متلقًى عن الحارث وهذا لا ينبغي أن يرد الخبر له لأنه وهم وظن غير محقق بل هو مردود لأن المعتمد ثقة. جرير وأمانته وقد أخبر أنَّه سمعه منهما في مساق واحد وظاهره أنَّه تلقاه عن كل واحد منهما على نحو ما تلقاه عن الآخر فيعتمد على رواية الثقة وتلغى رواية غيره ولا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يضر وقف من وقفه إذا كان الَّذي رفعه ثقة قال القاضي عياض: فأما نصاب الذهب فهو عشرون دينارًا والمعول في تحديده على الإجماع وقد حكي فيه خلاف شاذ وورد فيه أيضًا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. (قلت) وأما نصاب الغنم فلم يخرج في كتاب مسلم من ذلك شيء وقد خرج البخاري فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق وأما نصاب البقر فلم يقع في الصحيحين شيء من ذلك وقد روى في ذلك النسائي عن مسروق عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة وعن كل حالم دينارًا أو عدله معافر والمعافر برود (أي ملابس) يمنية منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن. غير أنَّه منقطع لم يلق مسروقٌ معاذًا وقد خرجه الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع أبو عبيدة من أبيه ورواه مالك عن طاوس عن معاذ من فعله موقوفًا وطاوس لم يدرك معاذًا وأحسن ما في الباب ما خرجه الدارقطني عن الشعبي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل أربعين من البقر مسنة وفي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة) رواه الدارقطني (2/ 103) ورواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس (10974). قال أبو محمد بن حزم: وقد صح الإجماع المتيقن المقطوع به الَّذي لا اختلاف فيه أن في كل خمسين بقرة بقرة فوجب الأخذ بهذا وما دون ذلك فمختلف فيه ولا نص في إيجابه. (قلت): وحديثا جابر وأبي سعيد المذكوران في مسلم وغيره يدلان على أن ما نقص عن هذه النصب ليس فيه زكاة ولا خلاف في ذلك إلَّا ما ذهب إليه أبو حنيفة وبعض السلف من أن الحب تخرج الزكاة من قليله وكثيره والحديثان حجة عليهم وقال داود: كل ما يدخله الكيل فتراعى فيه الخمسة الأوسق وما عداه مما لا يوسق ففي قليله وكثيره الزكاة قال القاضي عياض: وأجمعوا على أن في عشرين دينارًا الزكاة ولا تجب في أقل منها إلَّا ما روي عن الحسن والزهري مما لم يتابعا عليه أن لاصدقة في أقل من أربعين دينارًا والأشهر منهما ما روي عن الجماعة وروي عن بعض السلف أن الذهب إذا كانت قيمته مائتي درهم فيه الزكاة فإن نقصت عن ذلك فلا شيء فيه واتفقوا على أن

(2144) (0) (0) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنِي عَمْرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما زاد من الحب على خمسة أوسق أن الزكاة في قليله وكثيره ولا وقص فيه واتفقوا على الأوقاص في المواشي واختلفوا في الذهب والفضة فذهب مالك وبعض السلف والجمهور إلى أن لا وقص فيهما وذهب أبو حنيفة وبعض الجماعة إلى أنَّه لا شيء فيما زاد. على المائتي درهم حتَّى تبلغ أربعين ولا العشرين دينارًا حتَّى تبلغ أربعة دنانير فإذا زادت على ذلك ففي كل أربعين درهمًا درهم وفي كل أربعة دنانير درهم ومعتمدهم في هذا حديث ضعيف لا أصل له ومالك وجمهور علماء الأمصار يرون ضم الذهب والفضة على اختلاف بينهم فمالك وجماعة يراعون الوزن والضم على الإجزاء لا على القيم وينزلون كل دينار منزلة عشرة دراهم على الصرف القديم وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري يرون ضمها على القيمة في وقت الزكاة وقال الشافعي وداود وأبو ثور وأحمد لا يضم منهما شيء إلى شيء ويراعى نصاب كل واحد منهما بنفسه وذهب آخرون إلى أنَّه إنما يضم إذا كمل من أحدهما نصاب فيضم الآخر ويزكى الجميع اهـ من المفهم. قال الخطابي: وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن الصدقة لا تجب في شيء من الخضراوات لأنه يزعم أنها لا توسق ودليل الخبر أن الزكاة إنما تجب فيما يوسق ويكال من الحبوب والثمار دون ما لا يكال من الفواكه والخضراوات ونحوها وعليه عامة أهل العلم اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 44 - 45) والبخاري (1447) وأبو داود (1558) والنسائي (5/ 17) وابن ماجة مختصرًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: (2144) (0) (0) وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثني عمرو) بن محمد (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حَدَّثَنَا عبد الله بن إدريس) الأودي الكوفي كلاهما) أي كل من الليث وعبد الله رويا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه يحيى بن عمارة عن أبي سعيد (مثله) مفعول ثان لما

(2145) (0) (0) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. وَأَشَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَفًهِ بِخَمْسِ أَصَابِعِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ. (2146) (0) (0) وحدَّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينِ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ) حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بن غَزِيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل في المتابع وهو يحيى بن سعيد والضمير عائد إلى ابن عيينة والتقدير: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن يحيى مثل ما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن سعيد الأنصاري لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن يحيى. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2145) (0) (0) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه يحيى بن عمارة) المازني المدني (قال: سمعت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن يحيى (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول و) الحال أنَّه قد (أشار النبي صلى الله عليه وسلم بكفه) وقوله: (بخمس أصابعه) بدل من قوله: (بكفه) أي أشار بخمس أصابعه إلى خمسة أوسق وإلى خمس ذود وإلى خمس أواق (ثم ذكر) ابن جريج (بمثل حديث ابن عيينة). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه فقال: (2146) (0) (0) (وحدثني أبو كامل فضيل بن حسين الجَحْدري) البصري (حَدَّثَنَا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي البصري (حَدَّثَنَا عمارة بن كزية) الأنصاري المازني المدني وثقه أحمد وأبو زرعة وقال في التقريب: لا بأس به من السادسة (عن يحيى بن عمارة) المازني المدني (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول) وهذا السند من

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ. وَلَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ. وَلَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ". (2147) (0) (0) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان غرضه بيان متابعة عمارة بن غزية لعمرو بن يحيى في رواية هذا الحديث عن يحيى بن عمارة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة) وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: (2147) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة: (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) الثوري الكوفي (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المكي ثقة من (6) (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة الأنصاري المازني أبي عبد الله المدني ثقة من (4) (عن يحيى بن عمارة) بن أبي حسن المازني المدني (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون وواحد مكي أو كوفيان ونسائي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن يحيى بن حبان لعمرو بن يحيى بن عمارة في رواية هذا الحديث عن يحيى بن عمارة. (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمسة أوساق) هكذا هو في الأصول (خمسة أوساق) وهو صحيح جمع وسق بكسر الواو كحمل وأحمال (من تمر) بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الميم (ولا حب) هذا بيان ما أجمل في الروايات المتقدمة (صدقة) أي زكاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

(2148) (0) (0) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَن يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ في حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَة. حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ. وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ". (2149) (0) (0) وحدَّثني عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2148) (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثقة من (11) (أخبرنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة حجة من (7) (عن إسماعيل بن أمية) الأموي المكي (عن محمد بن يحيى بن حبان) المازني المدني (عن يحيى بن عمارة) المازني المدني (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي لوكيع بن الجراح في رواية هذا الحديث عن سفيان الثوري (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس في حب ولا) في (تمر) بفتح المثناة وسكون الميم (صدقة) أي زكاة (حتَّى يبلغ) ويكمل (خمسة أوسق ولا فيما دون خمس ذود) أي إبل (صدقة ولا فيما دون خمسة أواق) من الفضة (صدقة) أي زكاة. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2148) (0) (0) (وحدثني عبد بن حميد) بن نصر الكسي نسبة إلى شمس مدينة فيما وراء النهر ثقة من (11) (حَدَّثَنَا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي ثقة من (9) (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد (الثوري) الكوفي (عن إسماعيل بن أمية بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري الجار والمجرر متعلق بحدثنا يحيى بن آدم وكذا قوله: (مثل حديث ابن مهدي) مفعول ثان غرضه بيان متابعة يحيى بن آدم لعبد الرحمن بن مهدي. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

(2150) (0) (0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الزَّرَّاقِ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ آَدَمَ. غَيرَ أنَّهُ قَال بَدَلَ (التَّمْرِ): ثَمَرٍ. (5151) (943) - (93) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. قَالا: حدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2150) (0) (0) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة من (9) (أخبرنا) سفيان (الثوري ومعمر) بن راشد الأزدي البصري (عن إسماعيل بن أمية) المكي وقوله: (بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن يحيى بن حبان الخ متعلق بحدثنا عبد الرزاق وكذا قوله: (مثل حديث ابن مهدي ويحيى بن آدم) مفعول ثان له غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لهما واستثنى من المماثلة بقوله: (غير أنَّه) أي لكن أن عبد الرزاق (قال) في روايته (بدل التمر) بفتح المثناة وسكون الميم: ولا (ثمر) بفتح المثلثة وفتح الميم فيكون حجة لمن لم يشترط البقاء في وجوب العشر وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن الخلاف بينه وبين صاحبيه كما تقرر في محله من الفقه في موضعين في اشتراط النصاب وفي اشتراط البقاء عندهما لا عنده فالعشر يجب عنده في كل ما أخرجته الأرض ولا يشترط فيه نصاب ولا أن يكون مما يبقى كالحنطة والتمر والزبيب حتَّى يجب في الثمار والخضراوات اهـ من بعض الهوامش. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: (2151) (943) (93) (حَدَّثَنَا هارون بن معروف) المروزي نزيل بغداد ثقة من (10) (وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من (10) (قالا: حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9) (أخبرني عياض بن عبد الله) بن عبد الرحمن الفهري المدني ثم المصري وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم: ليس بالقوي وقال في التقريب: فيه لين من السابعة روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم المكي (عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد مدني وواحد مكي وواحد إما مروزي أو أيلي

أَنهُ قَال: "لَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ. وَلَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ. وَلَيسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ". (2152) (944) - (94) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعِ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) قال أهل اللغة: يقال: ورق بفتح الواو وكسر الراء وإسكانها والمراد به هنا الفضة كلها مضروبة كانت أو غير مضروبة لكن ينبغي أن يفسر ما في سورة الكهف بالمضروبة منها كما لا يخفى واختلف أهل اللغة في أصله فقيل: يطلق في الأصل على جميع الفضة وقيل: هو حقيقة في المضروب دراهم ولا يطلق على غير الدراهم إلَّا مجازًا وهذا قول كثير من أهل اللغة وبالأول قال ابن قتيبة وغيره منهم وهو مذهب الفقهاء ولم يات في الصحيح بيان نصاب الذهب وقد جاءت فيه أحاديث بتحديد نصابه بعشرين مثقالًا وهي ضعاف ولكن أجمع من يعتد به في الإجماع على ذلك وكذا اتفقوا على اشتراط الحول في زكاة الماشية والذهب والفضة دون المعشرات كما مر اهـ من فتح الملهم وجعل الحول شرطًا لأنه عدل بين أرباب الأموال والمساكين لأن الأموال تنمو فيه وليس على المساكين إجحاف في الصبر إليه ولهذا المعنى لم يجعل شرطًا في زكاة الحب لأن النماء يحصل فيه قبل الحول اهـ أبي و (أواق) بالتنوين كجَوارٍ بإثبات التحتانية مشددًا ومخففًا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية وحكى بعضهم بحذف الألف وفتح الواو ومقدارها في هذا الحديث أربعون درهمًا كما مر (وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لجابر رضي الله عنه فقال: (2152) (944) (94) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (وهارون بن سعيد الأيلي وعمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود السرحي أبو محمد المصري ثقة من (11) روى عنه في (2) بابين (والوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس الكندي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (كلهم) أي كل من

عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَال أَبُو الطَّاهِرِ: أخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيرِ حدَّثَهُ؛ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَذْكُرُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "فِيمَا سَقَتِ الأنَّهَارُ وَالْغَيمُ الْعُشُورُ. وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأربعة رووا (عن) عبد الله (بن وهب) المصري (قال أبو الطاهر) في روايته: (أخبرنا عبد الله بن وهب) بصيغة السماع بالعنعنة (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري أبي أمية المصري الفقيه المقرئ ثقة من (7) (أن أبا الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أنَّه) أي أن أبا الزبير (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (يذكر أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون وواحد مدني وواحد مكي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت الأنهار) جمع نهر وهو الماء الجاري على وجه الأرض (و) فيما سقت (الغيم) أي المطر والجار والمجرور خبر مقدم لقوله: (العشور) وهو مبتدأ مؤخر نظرًا إلى خفة المؤنة والأنهار جمع نهر وهو الماء الكبير الجاري على وجه الأرض كالفرات والنيل وفي رواية أبي دواد زيادة: (والعيون) جمع عين وهو الماء القليل الجاري على وجه الأرض والمراد بها الأنهار الجارية التي يستقى منها من دون اغتراف بآلة بل تساح إساحة (والغيم) المراد به ماء المطر أو الثلج أو البرد أو الطل والعشور بضم العين جمع عشر بدليل مابعده والمعروف في جمعه أعشار كقفل وأقفال وقدم في القاموس ذكر العشور على الأعشار لوروده في الحديث وأكثر الرواة على فتح العين وهو اسم للقدر المخرج من المال قال الطبري: والحكمة في فرض العشر أنَّه يكتب بعشرة أمثاله فكان المخرج للعشر تصدق بجميع ماله فافهم والله أعلم (وفيما سقي بالسانية) وهي البعير الَّذي يستقى به الماء من البئر ويقال له: الناضح يقال من سنا يسنو سنًّا إذا استقى به قال الحافظ: وذكر البعير كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم اهـ من فتح الملهم وفي بعض الهوامش: السانية هي حيوان يرفع بواسطة الماء من بئر أو نهر يكون ذلك الحيوان في بلاد العرب بعيرًا أو ناقة وفي بعض البلاد ثورًا أو حمارًا أو برذونًا يدور بالدولاب في ساحة بجانب البئر أو في شاطئ النهر والجمع سوان كجوار جمع جارية وفي المثل (سير السواني سفر لا ينقطع) والمراد بها كل ما فيه مؤنة (نصف العشر) نظرًا إلى ثقل المؤنة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحديث يدل على أنَّه يجب العشر الكامل فيما سقي بماء السماء والأنهار وغيرهما مما ليس فيه مؤنة كثيرة ونصف العشر فيما سقي بالسواني ونحوهما مما فيه كلفة قال النواوي: وهذا متفق عليه وإن وجد مما يسقى بالنضح تارةً وبالمطر تارةً أخرى فإن كان كذلك على جهة الاستواء وجب ثلاثة أرباع العشر وإن اختلفا فيقسط كل وهو قول أهل العلم قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافًا بينهم وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعًا للأكثر عند أحمد والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقيل: يؤخذ بالتقسيط قال الحافظ: ويحتمل أن يقال: إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه اهـ من العون. قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث في قدر ما يؤخذ واستدل أبو حنيفة بعمومه على وجوب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض من الثمار والرياحين والخضر وغيرها إلَّا الحشيش وشبهه من الحطب والقصب وما يثمر من الشجر كالسمر وشبهه وما سبق من قوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) إذا لم يحمل على زكاة التجارة كما تأوله الإمام كذلك خاص معارض لما هنا ولما لم يعلم التاريخ قدم العام الَّذي هو ما هنا لأنه أحوط. وخالفه جماعة من العلماء في ذلك على اختلافهم في تفاصيل ذلك وقد أجمعوا على الحنطة والشعير والتمر والزبيب ورأى الحسن والثوري وابن أبي ليلى في آخرين أنَّه لا زكاة إلَّا في هذه الأربعة وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنها تجب في كل ما يقتات ويدخر للعيش غالبًا ونحوه قال الشافعي وأبو ثور إلَّا أنهما استثنيا الزيتون وقال ابن الماجشون من أصحابنا: تجب في ذوات الأصول كلها ما ادخر منها وما لا يدخر اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 341) وأبو داود (1597) والنسائي (5/ 42) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول والثاني من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد والثالث حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

415 - (23) باب لا زكاة فيما اتخذ للقنية وتقديم الزكاة وتحملها عمن وجبت عليه

415 - (33) باب لا زكاة فيما إتخذ للقنية وتقديم الزكاة وتحملها عمن وجبت عليه (2153) (945) - (95) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ عَلَى الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 415 - (23) باب لا زكاة فيما اتخذ للقنية وتقديم الزكاة وتحملها عمن وجبت عليه (2153) (945) (95) (وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة أحد الفقهاء السبعة (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المسلم في عبده) الَّذي اتخذه للخدمة (ولا) في (فرسه) الَّذي اتخذه للركوب أو الحمل أو الجهاد في سبيل الله تعالى (صدقة) أي زكاة إجماعًا لأنه اتخذهما للقنية والانتفاع بهما أما إذا اتخذهما للتجارة فيهما ففيهما زكاة التجارة وهو ربع عشر قيمتهما آخر كل حول إن بلغت النصاب وهو مائتا درهم أو عشرون مثقالًا قال النواوي: هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة وبهذا الحديث استدل سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعطاء والشعبي والحكم وابن سيرين والثوري والزهري ومالك والشافعي وأحمد هاسحاق وأبو يوسف ومحمد من الأحناف وكافة أهل العلم من السلف والخلف على أنَّه لا زكاة في الخيل ولا في الرقيق إذا لم تكن للتجارة وقال الترمذي: والعمل عليه أي على حديث أبي هريرة المذكور في الباب عند أهل العلم أنَّه ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة صدقة إلَّا أن يكونوا للتجارة فإذا كانوا للتجارة ففي أثمانهم الزكاة إذا حال عليها الحول وبلغت

(2154) (0) (0) وحدَّثني عَمْرو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، (قَال عَمْرٌو): عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. (وَقَال زُهَيرٌ: يَبْلُغُ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ النصاب وهو مذهب كافة العلماء وأئمة الفتوى إلَّا أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان والنخعي وزفر أوجبوا الزكاة في الخيل إذا كافت إناثًا أوذكورًا في كل فرس آخر كل حول دينار وإن شاء قومها وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وليس لهم حجة في ذلك وهذا الحديث صريح في الرد عليهم اهـ نواوي بزيادة وتصرف وفي البدائع: الخيل إن كانت لعلف للركوب أو الحمل أو الجهاد في سبيل الله فلا زكاة فيها إجماعًا وإن كانت للتجارة وجيت فيها الزكاة إجماعًا وإن كانت تسام للدر والنسل وهي ذكور وإناث تجب عند هـ فيها الزكاة قولًا واحدًا وفي المذكور المنفردة والإناث المنفردة روايتان وفي المحيط: المشهور عدم الوجوب فيهما وجه رواية الوجوب الاعتبار بسائر السوائم من الإبل والبقر والغنم أنَّه تجب الزكاة فيها والصحيح أنَّه لا زكاة فيها لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي ولا نماء فيها بالدر والنسل ولا اعتبار لزيادة اللحم لأن لحمها غير مأكول عنده بخلاف الإبل والبقر والغنم لأن لحمها مأكول فكان زيادة اللحم فيها بالسمن بمنزلة الزيادة بالدر والنسل والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 242 و 254) والبخاري (1464) وأبو داود (1595) والترمذي (628) والنسائي (5/ 35) وابن ماجه (1812). ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: (2154) (0) (0) (وحدثني عمرو) بن محمد (الناقد (البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (قالا: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الكوفي (حَدَّثَنَا أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي أبو موسى الكوفي (عن مكحول) النوبي الهذلي مولاهم مولى امرأة منهم أبي عبد الله الشامي ثقة فقيه كثير الإرسال من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال عمرو) الناقد: (عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال زهير) بن حرب: (يبلغ) أبو هريرة (به) أي بهذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني يرفعه إليه صلى الله عليه وسلم ولم

"لَيسَ عَلَى الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ". (2155) (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالِ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجعله موقوفًا عليه وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد شامي وواحد إما بغدادي أو نسائي غرضه بسوقه بيان متابعة مكحول لعبد الله بن دينار في رواية هذا الحديث عن سليمان بن يسار أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) وفي بعض النسخ: (ولا في فرسه) بزيادة لفظة (في) وبها وبقوله: (قال عمرو: عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال زهير: يبلغ به) تظهر فائدة تكرار المتن. وفي بعض الهوامش: حملوا العبد والفرس في هذا الحديث على عبد الخدمة وفرس الركوب وأما ما أعد للنماء والتجارة ففيه الزكاة قال ابن الملك في المبارق: وهذا الحديث بظاهره حجة لأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة في عدم وجوب الزكاة في الفرس وللشافعي في عدم وجوبها في العبد والخيل سواء كانت للتجارة أم لم تكن في قوله القديم وذهب أبو حنيفة إلى وجوبها في الفرس لقوله صلى الله عليه وسلم: (في كل فرس سائمة دينار) وفي العبد إذا لم تكن للخدمة لما روى سمرة بن جندب أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالزكاة من العروض التي نعدها للبيع وحمل العبد في الحديث على العبد للخدمة والفرس على فرس الغازي توفيقًا بين الأحاديث فإن قيل: هذا الحديث بإطلاقه يقتضي أن لا يجب في العبد صدقة الفطر على مولاه قلنا: قد جاء في رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه (إلَّا صدقة الفطر) فتحمل هذه المطلقة على تلك المقيدة اهـ قال ابن الهمام: الإضافة في قوله: (فرسه) تقتضي إن المراد به الفرس الملابس للإنسان ركوبًا ذهابًا ومجيئًا في العرف وكذا (عبده) هو الملازم له خدمة وشغلًا اهـ فخرج بهما ما أعد للتجارة أو للنماء ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2155) (0) (0) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي المدني ثقة من (8) (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) الأزدي البصري من (8). (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حَدَّثَنَا حاتم بن إسماعيل) العبدري مولاهم المدني صدوق من (8) (كلهم) أي كل من سليمان بن بلال

عَنْ خُثَيمِ بْنِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (2156) (0) (0) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يُحدِّثُ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحماد بن زيد وحاتم بن إسماعيل رووا (عن خثيم) مصغرًا (بن عراك بن مالك) الغفاري المدني روى عن أبيه في الزكاة والبيوع والفضائل وسليمان بن يسار ويروي عنه (خ م س) وحماد بن زيد وسليمان بن بلال وحاتم بن إسماعيل والفضل بن موسى وثقه النسائي وابن حبان وقال في التقريب: لا بأس به من السادسة وليس في مسلم من اسمه خثيم إلَّا هذا (عن أبيه) عراك بن مالك الغفاري (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) الجار والمجرور في قوله (بمثله) متعلق بما عمل في المتابع وهو خثيم بن عراك والضمير فيه عائد إلى سليمان بن يسار لأنه المتابع والتقدير: حَدَّثَنَا خثيم بن عراك عن أبيه عراك بن مالك بمثل ما حدث سليمان بن يسار عن عراك بن مالك غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة خثيم بن عراك لسليمان بن يسار في رواية هذا الحديث عن عراك بن مالك وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2156) (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر) المصري أحمد بن عمرو الأموي (وهارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) التميمي (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري بضم التاء وسكون السين وفتح التاء الأخيرة نسبة إلى تستر بلدة بالأهواز لكونه يتجر فيها صدوق من (15) (قالوا) أي قال كل من الثلاثة: (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبوالمسور المدني المخزومي مولاهم صدوق من (7) (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري ثقة من (5) (عن عراك بن مالك قال: سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة بكير بن عبد الله لسلممان بن يسار في رواية هذا الحديث عن عراك بن مالك وفي هذا السند فائدة تصريح سماع عراك عن أبي هريرة وكرر المتن لما في هذه الرواية من زيادة

قَال: "لَيسَ في الْعَبْدِ صدَقَةٌ إلا صَدَقَةُ الْفِطْرِ". (2157) (946) - (96) وحدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ. حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستثناء ونقص الفرس (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس في العبد) على سيده (صدقة) أي زكاة (إلا صدقة الفطر) بالرفع على البدلية من صدقة وبالنصب على الاستثناء وهذا صريح في وجوب صدقة الفطر على السيد عن عبده المسلم سواء كان للقنية أم للتجارة وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور وقال أهل الكوفة: لا تجب في عبيد التجارة وحكي عن داود أنَّه قال لا تجب على السيد بل تجب على العبد ويلزم السيد تمكينه من الكسب ليؤديها وحكاه القاضي عن أبي ثور أيضًا ومذهب الشافعي وجمهور العلماء أن المكاتب لا فطرة عليه ولا على سيده وعن عطاء ومالك وأبي ثور وجوبها على السيد وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وفيه وجه أيضًا لبعض أصحابنا أنها تجب على المكاتب لأنه كالحر في كثير من الأحكام اهـ نواوي. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2157) (946) (96) (وحدثني زهير بن حرب) النسائي (حَدَّثَنَا علي بن حفص) المدائني أبو الحسن البغدادي روى عن ورقاء في الزكاة والأدب وحريز بن عثمان وشعبة ويروي عنه (م د ت س) وزو بن حرب وأحمد وابن رافع وثقه ابن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو داود وقال في التقريب: صدوق من التاسعة (9) (حَدَّثَنَا ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي نزيل المدائن أصله من مرو وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات صدوق من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) المدني (عن أبي هريرة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي وواحد نسائي (قال) أبو هريرة: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أي أرسله عاملًا (على الصدقة) أي على الزكاة وهو مشعر بأنها صدقة الفرض لأن الصدقة

فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التطوع لا يبعث عليها السعاة وقال ابن القصَّار المالكي: الأليق أنها صدقة التطوع لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة أنهم منعوا الفرض وتعقب بانهم ما منعوه كلهم جحدًا ولا عنادًا أما ابن جميل فقد قيل: إنه كان منافقًا ثم تاب بعد ذلك اهـ كذا حكاه المهلب وجزم القاضي حسين في تعليقه أن فيه نزلت: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ] الآية انتهى والمشهور أنها نزلت في ثعلبة وأما خالد فكان متأولًا بإجزاء ما حبسه عن الزكاة وكذلك العباس لاعتقاده ما سيأتي التصريح به ولهذا عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالدًا والعباس ولم يعذر ابن جميل اهـ فتح الملهم (فقيل) للنبي صلى الله عليه وسلم (منع ابن جميل) أي امتنع عن دفع الزكاة قائل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الحافظ: وابن جميل لم أقف على اسمه في كتب الحديث (وخالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي سيف الله (والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني أن هؤلاء منعوا الزكاة وامتنعوا دفعها وما أعطوها زاد ابن أبي الزناد عن أبيه عند أبي عبيد: (أن يعطوا الصدقة قال فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذب عن اثنين العباس وخالد) (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم) بكسر القاف أي ما ينكر أو ما يكره (ابن جميل إلَّا أنَّه كان) أولًا (فقيرًا فأغناه الله) تعالى وهذا ليس مما يكره وينكر ولا يصلح أن يكون علة لكفران النعمة يعني ما يغضب ابن جميل على طالب الصدقة إلَّا كفران هذه النعمة وهي أنَّه كان فقيرًا فأغناه الله وهذه ليست بمانعة عن الزكاة فعلم أنَّه لا مانع له أصلًا فيكون المراد به المبالغة على حد قول الشاعر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من ضراب الكتائب قال الحافظ: وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم ولأنه إذا لم يكن له عذر إلَّا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له وفيه التعريض بكفران النعمة والتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان قال العيني ناقلًا عن بعضهم: كان ابن جميل منافقًا فمنع الزكاة فاستتابه الله تعالى بقوله: {وَمَا نَقَمُوا إلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيرًا لَهُمْ} فقال: استتابني ربي فتاب وصلحت حاله وفي المبارق وابن جميل هذا مذكور في عداد من عرف من الصحابة بآبائهم لا يعرف اسمه لكن قال ملا علي:

وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا. قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ في سَبِيلِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشهور أنَّه منافق فلا يعد من الصحابة اهـ. وفي البخاري (فأغناه الله ورسوله) قال الحافظ: إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه لأنه كان سببًا لدخوله في الإسلام فأصبح غنيًّا بعد فقره بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم اهـ (وأما خالد) بن الوليد (فإنكم) أيها السعاة (تظلمون خالدًا) أي تصفونه بصفة من يمنع الزكاة وليست عليه زكاة لأنه (قد احتبس) ووقف (أدراعه) جمع درع وهو زرد الحديد الَّذي يجاهد به وهذا اعتذار منه صلى الله عليه وسم لخالد عن المنع وكان مقتضى الظاهر تظلمونه لكن أظهر في موضع الإضمار تأكيدًا ومبالغة ويقال: حبسه واحتبسه إذا وقفه ويقال للوقف حبسٌ والأدراع جمع درع كالدروع (وأعتاده) جمع عتد بفتحتين لا جمع عتاد كما قيل فإن جمعه أعتدة كأزمنة فعتاد وعتد كزمان وزمن وهو ما يستأهبه الرجل للحرب من السلاح والدواب وقيل: الخيل خاصة يقال: فرس عتيد أي صلب أو معد للركوب أو سريع الوثوب أقوال وفي رواية (وأعتده) كما هو لفظ البخاري والأعتد بضم التاء جمع عتد أيضًا كازمان وأزمن في جمع زمن أي وقف ملابسه الحربية وأسلحته ودوابه (في سبيل الله) سبحانه وتعالى ظرف لاحتبس يعني أن منقولاته موقوفة في سبيله تعالى وأنتم تظلمونه بأن تعدوها من عروض التجارة فتطلبون الزكاة منه. وفي فتح الملهم: هذه القصة على أوجه: أحدها: أن المعنى أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يقبل بإخبار من أخبره بمنع خالد حملًا على أنَّه لم يصرح بالمنع وإنما نقلوه عنه بناء على ما فهموه ويكون قوله: (تظلمونه) أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لم يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله ثانيها: أنهم ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها فأعلمهم عليه الصلاة والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس وهذا يحتاج لنقل خاص فيكون حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبسة ولمن أوجبها في عروض التجارة ثالثها: أنَّه كان نوى بإخراجها عن ملكه الزكاة عن ماله لأن أحد الأصناف في سبيل الله وهم المجاهدون وهذا يقوله من يجيز إخراج القيم في الزكاة كالحنفية ومن يجيز التعجيل كالشافعية كذا في الفتح اهـ. ومعنى حديث أنهم طلبوا من خالد زكاة: أعتاده ظنًّا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة واجبة فيها فقال لهم لا زكاة لكم علي فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن خالدًا منع

وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ. وَمِثْلُهَا مَعَهَا". ثُمَّ قَال: "يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الزكاة فقال لهم إنكم تظلمونه لأنه حبسها ووقَفَها في سبيل الله قبل حولان الحول عليها فلا زكاة فيها. (وأما العباس فهي) أي صدقته للسنة الماضية (عليَّ) أنا أؤديها عنه (ومثلها معها) أي والحال أن مثل تلك الصدقة في كونها فريضة عام آخر كائنة معها أي هي علي أيضًا أؤديها عنه معناه أني تسلفت منه زكاة عامين لحاجة بي وتكفلت عنه بها فلا تطلبوه بها (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (يا عمر أما شعرت) بفتح العين أي أما علمت (أن عم الرجل صنو أبيه) أي صنو أبي الرجل أي مثل أبيه ونظيره يعني أنهما من أصل واحد وهو جد الرجل يقال لنخلتين طلعتا من عرق واحد صنوان وأحدهما صنو ويكون جمعه جمع تكسير على صورة مثناة المرفوع ويتميزان بالإعراب ومثله قنو وقنوان والصنو الغصن والقنو العذق فهما متقاربان وفي الحديث تعظيم حق العم وتفضيله على غيره وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1468) وأبو داود (1623) والنسائي (3315). (تتمة): وعبارة القرطبي في هذا الحديث: (قول أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة) ظاهر هذا اللفظ أنها الصدقة الواجبة وإليه صار الجمهور وعلى هذا فيلزم استبعاد منع مثل هؤلاء المذكورين لها ولذلك قال بعض العلماء كانت صدقة تطوع وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الصدقة رواه عبد الرزاق في مصنفه (6862) وذكر الحديث قال ابن القصار: وهذا أليق بالقصة فلا يظن بأحد منهم منع الواجب قال: فيكون عذر خالد واضحًا لأنه لما أخرج أكثر ماله حبسًا في سبيل الله لم يحتمل صدقة التطوع فعذره النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ابن جميل شح في التطوع الَّذي لا يلزمه فعتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث وأخبر أن العباس يسمح بما طلب منه ومثله معه وأنه ممن لا يمتنع مما حضه عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل يعده كاللازم. وأما من قال: إنها صدقة الفرض فيشكل عليه امتناع هؤلاء الكبراء والفضلاء من الصحابة عن أدائها واحتسابه صلى الله عليه وسلم لخالد فيها بما كان حبس من آلة الجهاد مع أنَّه قد كان يعدها على وجه الحبس على ما هو ظاهر الحديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و(قوله: إنكم تظلمون خالدًا) و (قوله: هي على ومثلها معها) وقد انفصل عن استبعاد منعهم بانهم لم يمنعوها عنادًا بل توقفًا من ابن جميل إلى أن يرى هل يسامح بها وقال المهلب: كان ابن جميل منافقًا أولًا فمنع الزكاة فأنزل الله تعالى {وَمَا نَقَمُوا إلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74] فقال: استتابني ربي فتاب صلحت حاله وتأولًا من خالد بأنه يحتسب له بها ومن العباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يحملها عنه أو بأنه غريم أو بغير ذلك من أنواع التأويلات المسوغة ولم يكن فيهم أبعد تأويلًا من ابن جميل ولذلك عتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وأما (قوله: إنكم تظلمون خالدًا) فهو خطاب منه للعمال على الصدقة حيث لم يحتسبوا له بما أنفق في الجهاد من الخيل والعدة وكأن خالدًا والله أعلم رأى أن الحاجة قد تعينت للجهاد في سبيل الله وقد جعل الله للجهاد حظًّا من الزكاة فرأى أن يصرفها فيه فأخرج زكاته واشترى بها مايصلح للجهاد كما يفعله الإمام ولما تحقق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال: فإنكم تظلمون خالدًا فإن قد صرفها مصرفها وأنتم تطلبونه بها وعند ذلك يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إمضاءً لما فعل خالد ويكون معنى احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله رفع يده عنها وأبانها عن ملكه وخلى بين الناس وبينها في سبيل الله لا أنَّه حبسها وقفًا على التأبيد والأدراع جمع درع الحديد والأعتاد جمع عتد وكذلك الأعتد في غير هذه الرواية وكلاهما جمع قلة وهو الفرس الصلب وقيل: هو المعد للركوب وقيل السريع الوثب وقال الهروي: هو ما أعده الرجل من سلاح ودواب وآلة للحرب ويجمع أيضًا على أعتدة وفي غير مسلم (أعتده) بضم التاء وفتح الدال وروى أيضًا أعبده بالباء الموحدة جمع عبد. (وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حق العباس: فهي علي ومثلها معها) فقد اضطربت ألفاظ الرواة فيه فقيل ما ذكرناه وفي البخاري (فهي عليه صدقة ومثلها معها) وفي غيرهما (فهي له ومثلها معها) فأما رواية مسلم فظاهرها أنَّه تحملها عنه ومثلها ويحتمل أنها كانت له عليه إذ قد كان قدمها له وفيه بعد من حيث اللفظ وإن كان الدارقطني قد روى من حديث موسى بن طلحة عن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنا كنا احتجنا إلى مال فتعجلنا من العباس صدقة ماله لسنتين رواه الدارقطني (3/ 134) وبهذا يحتج من يرى تقديم الزكاة قبل وقت وجوبها وهو مذهب أبي حنيفة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأوزاعي والشافعي وفقهاء المحدثين ومن هؤلاء من يجيز تقديم زكاة عامين أخذًا بهذا الحديث ومنع ذلك الليث ومالك وهو قول عائشة وابن سيرين فقالوا: لا يجوز تقديمها على وقت وجوبهما كالصلاة وعن مالك خلاف فيما قرب وكان هؤلاء لم يصح عندهم الحديث والله أعلم ولا ارتضوا ذلك التأويل. وقيل في قوله صلى الله عليه وسلم: (هي عليَّ ومثلها): إنه صلى الله عليه وسلم كان قد تسلف من العباس مالًا احتاج إليه في السبيل فقاصه به عند الحول وهذا ما لا يختلف في جوازه وحينئذ لا يكون حجة على جواز التقديم وأما رواية البخاري فنص في أنَّه تركها له ومثلها وذلك لأنه قد فدى نفسه وعقيلَا فكأنه كان غريمًا وإليه يرد قوله: (وهي له ومثلها) ويحتمل فهي له علي كما تقدم وبحسب هذه التأويلات تنزل الأحكام. و(قوله: ما ينقم ابن جميل) أي ما يعيب يقال نقم ينقم من باب ضرب ونقم ينقم من باب فرح ومنه قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَنْ يُؤْمِنُوا} [البروج: 8] وقال الشاعر: ما نقم الناس من أمية ... إلَّا أنهم يحلمون إن غضبوا وإنهم سادة الملوك ... ولا تصلح إلَّا عليهم العرب و(قوله: أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه) أي يرجع مع أبيه إلى أصل واحد ومنه قوله تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيرُ صِنْوَانٍ} [الرعد: 4] وأصله من النخلتين والنخلات التي ترجع إلى أصل واحد والصنوان جمع صنو كقنوان وقنو ويجمع على أصناء كأسماء فإذا كثرت قلت الصّني والصُّني وهذا تعظيم لحق العم وهو مقتض ومناسب لأن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (هي علي) على أنَّه تحملها عنه احترامًا له وميزة وإكرامًا حتَّى لا يتعرض له بطلبها أحد إذ تحملها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة ولم يذكر فيه متابعة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

416 - (34) باب الأمر بزكاة الفطر وبيان من تخرج عنه وما تخرج منه ومتى تخرج

416 - (34) باب الأمر بزكاة الفطر وبيان من تخرج عنه وما تخرج منه ومتى تخرج (2158) (946) - (96) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبِ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مَالِك. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 416 - (34) باب الأمر بزكاة الفطر وبيان من تخرج عنه وما تخرج منه ومتى تخرج وأضيفت الزكاة إلى الفطر من رمضان لكونها تجب بالفطر منه ويقال: صدقة الفطر وزكاة رمضان وزكاة الصوم وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في شهر مضان قبل العيد بيومين قاله القسطلاني وهي تجبر الخلل الواقع في صوم رمضان كما أن سجود السهو يجبر الخلل الواقع في الصلاة قاله وكيع بن الجراح وهي من خصائص هذه الأمة كما أن عيد الفطر من خصائصهم. (2158) (946) (96) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن المدني البصري ثقة من (9) (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (قالا: حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ له قال) يحيى: (قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر). وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد إما بصري أو بلخي أو نيسابوري. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض) أي أوجب قال ابن عبد البر: قوله: فرض يحتمل وجهين: أحدهما: وهو الأظهر فرض بمعنى أوجب والآخر بمعنى قدر كما تقول فرض القاضي نفقة اليتيم أي قدرها والذي أذهب إليه أن لا يزال قوله فرض عن معنى الإيجاب إلا بدليل الإجماع وذلك معدوم فإن القول بانها غير واجبة شاذ أو في معنى الشاذ اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: جمهور أئمة الفتوى على أنها واجبة وهو المنصوص عن مالك محتجين بقوله: فرض فإن عرفه الشرعي أوجب وبأنها داخلة في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وذهب بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك إلى أنها سنة ورأوا أن فرض بمعنى قدر وهو أصله في اللغة كما قال تعالى {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] ولم يروها

زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ. صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ داخلة في عموم ما ذكر وقال أبو حنيفة: هي واجبة وليست بفريضة على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض (زكاة الفطر) هذا اللفظ يشير إلى كون صدقة الفطر زكاة فيشترط لها النصاب وأضيفت الزكاة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان كما في الفتح. وقد استدل بقوله زكاة الفطر (من رمضان) على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان وقيل: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد لأن الليل ليس محلًا للصوم وإنما يتبين الفطر الحقيقي من رمضان بالأكل بعد طلوع الفجر والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد واحدى الروايتين عن مالك والثاني قول أبي حنيفة والليث والشافعي في القديم والرواية الثانية عن مالك ويقويه قوله في بعض أحاديث الباب (وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). قال ابن دقيق العيد: الاستدلال بذلك لهذا الحكم ضعيف لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر اهـ. وقال ابن قتيبة: معنى صدقة الفطر أي صدقة النفوس والذوات والفطرة أصل الخلقة وهذا بعيد بل مردود بقوله (صدقة الفطر من رمضان) والأول أظهر. وقوله: (على الناس) يشمل أغنياءهم وفقراءهم خلافًا لأصحاب الرأي في قولهم: لا تلزم من يحل له أخذها واختلف قول مالك وأصحابه في ذلك ومشهور مذهبه أنها تجب على من فضل عن قوته يوم الفطر بقدرها ويدخل في ذلك الحاضر والبادي خلافًا لليث وربيعة والزهري وعطاء في قصر وجوبها على أهل الحواضر والقرى دون أهل العمود (كل خباء يقوم على أعمدة كثيرة يقال لأهله أهل العمود) وأهل الخصوص جمع خص وهو بيت من شعر أو قصب وقوله: (صاعًا من تمر) بدل من زكاة الفطر (أو صاعًا من شعير) معطوف على ما قبله ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في الاقتصار على هذين القوتين إلا ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبد العزيز بن أبي رَوَّاد عن نافع فزاد (السلت والزبيب) فأما السلت فهو بضم المهملة وسكون اللام بعدها مثناة فوقية نوع من الشعير وأما الزبيب فهو عنب جفف. وقوله: (على كل حر) بدل من قوله على الناس بدل تفصيل من مجمل قوله: (أو عبد)

ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. مِنَ الْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوف على حر (ذكر) عطف بيان لحر (أو أنثى) معطوف على ذكر. وقوله: (على كل حر أو عبد) قال الحافظ: ظاهره إخراج العبد عن نفسه ولم يقل به أحد إلا داود فقال: يجب على السيد أن يمكن العبد من الاكتساب بها كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة وخالفه أصحابه والناس واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعًا: (ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر) أخرجه مسلم كما مر ومقتضاه أنها على السيد. قال الطيبي: جعل وجوب الفطرة على السيد كالوجوب على العبد. وقوله: (ذكر أو أنثى) قال في الفتح: ظاهره وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق: تجب على زوجها إلحاقًا لها بالنفقة وفيه نظر. وقوله: (من المسلمين) صريح في أنها لا تخرج إلا عن مسلم فلا يلزمه عن عبده وزوجته وولده ووالده الكفار وإن وجبت عليه نفقتهم وهذا مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء وقال الكوفيون وإسحاق وبعض السلف: تجب عن العبد الكافر. قال الطيبي: قوله: (من المسلمين) صفة لحر وما بعده أو حال منه لوقوعه في معرض التفصيل وأما قوله: (صاعًا من كذا أو صاعًا من كذا) ففيه دليل على أن الواجب في الفطرة عن كل نفس صاع. (واعلم) أن الصاع صاعان حجازي وعراقي فالصاع الحجازي خمسة أرطال وثلث رطل والعراقي ثمانية أرطال وإنما يقال له: العراقي لأنه كان مستعملًا في بلاد العراق مثل الكوفة وغيرها وهو الذي يقال له: الصاع الحجاجي لأنه أبرزه الحجاج الوالي وأما الصاع الحجازي فكان مستعملًا في بلاد الحجاز وهو الصاع الذي كان مستعملًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبه كانوا يخرجون صدقة الفطر في عهده صلى الله عليه وسلم وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف والجمهور وهو الحق وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بالصاع العراقي وكان أبو يوسف يقول بقوله فلما دخل المدينة وناظر الإمام مالكًا رجع عن قوله وقال بقول الجمهور اهـ تحفة الأحوذي. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 63) والبخاري (1504) وأبو داود (1611) والترمذي (676) والنسائي (5/ 48) وابن ماجه (1826). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

(2159) (0) (0) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أسَامَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ. صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2159) (0) (0) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (واللفظ له) أي لأبي بكر لا لمحمد بن نمير (قال) أبو بكر: (حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبيد الله لمالك (قال) ابن عمر: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أوجب (زكاة الفطر) من رمضان (صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل عبد أو حر صغير أو كبير) وكرر المتن لما بين الروايتين من بعض المخالفة. والحكمة في إيجاب الفطرة أن الصوم لما كان من العبادات التي يطول زمنها ويشق التحرز فيها من أمور تفوت كمالها جعل الفطرة فيه لتكون كفارة وجبرًا لما يقع في الصوم من لغو وغيره كما جعل في الحج والعمرة الهدي ليكون جبرانًا لما يقع فيهما من النقص كما جاء في حديث آخر أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث واستشكل بأن الصبي ليس محتاجًا إلى التطهير لعدم الإثم وأجاب الجمهور عن هذا بأن التعليل بالتطهير لغالب الناس ولا يمتنع أن لا يوجد التطهير من الذنب كما أنها تجب على من لا ذنب له كصالح محقق الصلاح وككافر أسلم قبل غروب الشمس بلحظة فإنها تجب عليه مع عدم الإثم وكما أن القصر جوز في السفر للمشقة فلو وجد من لا مشقة عليه فله القصر اهـ نواوي بتصرف. (فائدة): وقد ذكر القفال الشاشي في محاسن الشريعة معنى لطيفًا في إيجاب الصاع وهو أن الناس تمتنع غالبًا من الكسب في العيد وثلاثة أيام بعده ولا يجد الفقير من يستعمله فيها لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزًا ثمانية أرطال من الخبز فإنه خمسة أرطال وثلث كما مر ويضاف إليه نحو الثلث من الماء فيكفي المجموع الفقير في الأربعة أيام كل يوم رطلان وفي هذه الحكمة نظر لأن الصاع لا يختص به شخص واحد بل يجب دفعه للأصناف الثمانية اللَّهُمَّ إلا أن يقال: إنه نظر لقول من يجوز دفعها لواحد ولأن ما ذكره من كونه يضاف إليه نحو الثلث من الماء لا يظهر في نحو التمر

(2160) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: فَرَضَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذكَرِ وَالأنثَى، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَال: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. (2161) (0) (0) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واللبن إلا أن يجاب بان ذلك بالنظر للغالب اهـ بيجوري على أبي شجاع. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2160) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي البصري ثقة من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أيوب لمالك بن أنس (قال) ابن عمر: (فرض) أي أوجب (النبي صلى الله عليه وسلم صدقة) أي زكاة الفطر من (رمضان على الحر والعبد والذكر والأنثى صاعًا من تمر) عطف بيان من صدقة رمضان (أو صاعًا من شعير) وتخصيصهما بالذكر لكونهما غالب القوت في المدينة المنورة وقتئذ كما جاء ذلك مبينًا في رواية البخاري عن أبي سعيد الخدري وكان الأقط والزبيب أيضًا من جملة الأقوات فيها أيضًا (قال) ابن عمر: (فعدل الناس) من الصحابة (به) أي بالصاع المذكور أي جعل الناس (نصف صاع من بر) عدله أي مثل الصاع المذكور في الإجزاء في الفطرة وأراد بالناس معاوية ومن وافقه كما سيأتي التصريح بذلك في حديث أبي سعيد الخدري. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثالثًا فقال: (2161) (0) (0) (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) المصري (أخبرنا الليث عن نافع أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (قال) وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة الليث لأيوب السختياني: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر) أي أمر إيجاب فإن الأمر الثابت بظني إنما يفيد الوجوب وهو بمعنى فرض أيضًا.

صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ. قَال ابْنُ عُمَرَ: فَجَعَلَ النَّاسُ عَدْلَهُ مُدَّينِ مِنْ حِنْطَةٍ. (2162) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ. أَوْ رَجُلٍ أَو امْرَأَةٍ. صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ. صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (صاع من تمر) عطف بيان من زكاة الفطر (أو صاع من شعير) معطوف على ما قبله (قال ابن عمر: فجعل الناس) يعني معاوية ومن وافقه (عدله) أي عدل الصاع المذكور أي مثله ونظيره في الإجزاء (مدين من حنطة) نظرًا للقيمة وكسر العين في (عدله) أظهر من فتحها كما في العيني قال الفيومي: وعدل الشيء بالكسر مثله من جنسه أو مقداره (وعدله) بالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه ومنه قوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} اهـ باختصار. وفي النهاية: وقد تكرر ذكر العدل والعدل بالكسر والفتح في الحديث وهما بمعنى المثل وقيل: هو بالفتح ما عادله من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه وقيل بالعكس اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2162) (0) (0) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني صدوق من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبو عثمان صدوق من (7) (عن نافع عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة الضحاك لمالك بن أنس لأنه لم يذكر لفظة: (من المسلمين) إلا مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين) وبهذا القيد احتج مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور على أنه لا يجب على أحد إخراج صدقة الفطر عن عبده الكافر وهو قول عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي واحتج الحنفية ومن وافقهم بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر) وقد تقدم وأجاب الآخرون بأن الخاص يقضي على العام فعموم قوله: (في عبده) مخصوص بقوله: (من المسلمين) اهـ فتح الملهم. (حر أو عبد) عطف بيان لنفس أو بدل منها (أو رجل أو امرأة صغير أو كبير) وقوله: (صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير) عطف بيان لزكاة الفطر.

(2163) (947) - (97) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم فقال: (2163) (947) (97) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) ابن أنس المدني (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني (عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح) بمهملات القرشي العامري المكي ثقة من (3) (أنه سمع أبا سعيد) الأنصاري (الخدري يقول) وهذا السند من خماسياته. رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري: (كنا) معاشر الصحابة (نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام) أي من بر. قال الحافظ: وهذا الحديث يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكره بعده وقد حكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص له قال: ويدل على ذلك ذكر الشعير وغيره من الأقوات بعده والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لكان ذكرها عند التفصيل كغيرها من الأقوات ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف أو التفصيلية وقال هو وغيره: وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل: اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أقرب اهـ من فتح الملهم. (أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وفي آخره طاء سكن قافه في الشعر وهو لبن جفف قبل نزع زبده فإن أفسد الملح جوهره لم يجز وإن ظهر عليه ولم يفسده وجب بلوغ خالصه صاعًا وأما الجبن فلبن جفف بعد نزع زبده فلا يجزئ في الفطرة لأنه ليس بقوت بل يؤكل تفكُهًا وإدامًا كذا في كتب الفقه فراجعها والله أعلم قال ابن الملك: في الأقط خلاف وظاهر الحديث على جوازه في حق من هو قوتهم اهـ (أو صاعًا من زبيب). قال القرطبي: و (قوله: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) مثل هذا ملحق بالمسند المرفوع عند المحققين من الأصوليين لأن مثل هذا لا

(2164) (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ (يَعْنِي ابْنَ قَيسٍ) عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: كُنَّا نُخْرِجُ، إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ. حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ. صَاعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ يأمر به غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفى مثله عنه ولا يذكره الصحابي في معرض الاحتجاج إلا وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وقوله: (صاعًا من طعام) الطعام هنا هو القمح بدليل ذكر الشعير وقد رواه أبو داود وقال: (أو صاعًا من حنطة) مكان من طعام وهو حجة على من قال: لا تخرج من البر وهو خلاف شاذ وهو مسبوق بإجماع السلف وهو حجة على من يقول: إنه يخرج من البر نصف صاع وهو جماعة من السلف وأبو حنيفة واحتجوا بأحاديث لم يصح عند أهل الحديث شيء منها وقال الليث: مدان بمد هشام والأوزاعي: مدان بمد أهل بلده والجمهور على التمسك بما ذكرناه (وقوله: أو صاعًا من أقط) حجة لعامة أهل العلم على من منع إخراج الأقط فيها وهو (الحسن) وهو أحد قولي الشافعي وقصر أشهب إخراجها على هذه الأصناف الأربعة المذكورة في هذا الحديث واختلف فيه قول مالك فالمشهور عنه أنه ألحق بهذه الأربعة ما في معناها من المقتاتات كالذرة والدخن والسلت (وهو نوع من شعير) وزاد ابن حبيب العلس (نوع من القمح وقيل هو العدس) واختلف عنه في القطنية والسويق والتين إذا كان عيشًا لأهل البلد وتفصيل هذا في الفقه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 98) وأبو داود (1616) والنسائي (5/ 51 و 53) وابن ماجه (1829). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2164) (0) (0) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) القعنبي البصري ثقة من (9) (حدثنا داود يعني ابن قيس) الفراء الدباغ أبو سليمان القرشي المدني ثقة فاضل من (5) (عن عياض بن عبد الله) القرشي المكي (عن أبي سعيد الخدري) المدني وهذا السند من رباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة داود بن قيس لزيد بن أسلم في رواية هذا الحديث عن عياض بن عبد الله (قال) أبو سعيد: (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر) من رمضان بالنصب مفعول نخرج (عن كل صغير) ولو طفلًا إذا أدرك شمس آخر يوم من رمضان (وكبير حر أو مملوك صاعًا) بدل من زكاة الفطر أو عطف

مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتى قَدِمَ عَلَينَا مُعَاويةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا. فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَال: إِنِّي أُرَى أَنَّ مُدَّينِ مِنْ سَمْرَاءِ الشامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. فَأَخَذَ النَّاسُ بِذلِكَ. قَال أَبُو سَعِيدٍ: فَامَّا أنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان له (من طعام) أي من حنطة لأنه عام أريد به خاص للعرف فيه كما مر (أو صاعًا من أقط) والحديث حجة على من منع إخراج الفطرة منه (أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب) قال أبو سعيد (فلم نزل نخرجه) أي نخرج الصاع من هذه المذكورات من طعام أي حنطة وما بعدها (حتى قدم) من الشام مارًا (علينا) في المدينة (معاوية بن أبي سفيان) الأموي رضي الله عنه حالة كونه (حاجًّا أو) قال أبو سعيد: (معتمرًا) والشك من عياض (فكلم) معاوية (الناس) أي خطبهم حالة كونه قائمًا (على المنبر) النبوي (فكان فيما كلم به الناس) في خطبته (أن قال) أي قوله للناس: (إني أرى) بضم الهمزة وفتحها أي أظن أو أعلم (أن مدين) تثنية مد وهو ربع الصاع فالمدان نصفه (من سمراء الشام) أي من حنطته (تعدل) أي تساوي في الإجزاء (صاعًا من تمر) يعني أن نصف الصاع من الحنطة يساوي صاعًا من تمر في الإجزاء في الفطرة كما أنه يساويه في القيمة وقتئذ (فأخذ الناس) أي تمسك بعض الناس من الصحابة والتابعين (بذلك) الذي قاله معاوية برأيه بلا حجة عندهم فأخرجوا نصف صاع من الحنطة في الفطرة (قال أبو سعيد) رضي الله عنه (فأما أنا) بنفسي (فلا أزال أخرجه) أي أخرج الصاع الكامل من أي قوت كان سواء كان من حنطة أو غيرها وقوله: (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان متعلق بلا أزال وقوله: (ما عشت) ما مصدرية ظرفية والظرف متعلق بأخرجه الأول زاده تأكيدًا لأبدًا فلا أزال أبدًا أخرجه مدة معاشي (كما كنت أخرجه) في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا ونحوه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى وأجيب بأنه قال في أول الحديث (صاعًا من طعام) وهو في الحجاز الحنطة فهو صريح في أن الواجب منها صاع وقد عدد الأقوات فذكر أفضلها قوتًا عندهم وهو البر لا سيما وعطفت بأو الفاصلة فالنظر إلى ذواتها لا قيمتها ومعاوية إنما صرح بأنه رأيه فلا يكون حجة على غيره اهـ قسط. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال:

(2165) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ. قَال: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِينَا، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ. حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ. مِنْ ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ كَذلِكَ حَتَّى كَانَ مُعَاويةُ. فَرَأَى أَنَّ مُدَّينِ مِنْ بُرٍّ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. قَال أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2165) (0) (0) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرازق) ابن همام الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي المكي ثقة من (6) (قال) إسماعيل: (أخبرني عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح) القرشي المكي (أنه سمع أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن أمية لداود بن قيس في رواية هذا الحديث عن عياض بن عبد الله قال النواوي: وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم فقال: خالف سعيد بن مسلمة معمرًا فيه فرواه عن إسماعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض. قال الدارقطني: والحديث محفوظ عن الحارث قلت: وهذا الاستدراك ليس بلازم فإن إسماعيل بن أمية صحيح السماع عن عياض والله أعلم اهـ منه. حالة كون أبي سعيد (يقول: كنا نخرج زكاة الفطر ورسول الله صلى الله عليه وسلم) حي (فينا عن كل صغير وكبير حر ومملوك) وقوله: (من ثلاثة أصناف) أي أنواع من القوت متعلق بنخرج وقوله: (صاعًا من تمر) الخ بدل من زكاة الفطر أو بيان له (صاعًا من أقط صاعًا من شعير فلم نزل نخرجه) أي نخرج واجب الفطر حالة كونه كائنًا (كذلك) أي صاعًا من تمر الخ (حتى كان) من إمارة (معاوية) بن أبي سفيان (فرأى) أي فاجتهد معاوية فأفتى (أن مدين من بر تعدل) أي تساوي في الإجزاء عن الفطرة (صاعًا من تمر قال أبو سعيد) فتمسك الناس برأيه: (فأما أنا فلا أزال أخرجه) أي أخرج واجب الفطرة حالة كونه كائنًا (كذلك) أي صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط أو صاعًا من شعير ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

(2166) (0) (0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي ذبَابٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ: الأقَطِ، وَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ. (2167) (0) (0) وحدَّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2166) (0) (0) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (عن الحارث بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن سعد (بن أبي ذباب) بضم الذال المعجمة وبالباء الموحدة قاله النواوي الدوسي المدني صدوق من (5) (عن عباض بن عبد الله بن أبي سرح) القرشي المكي (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة الحارث بن أبي ذباب لإسماعيل بن أمية في رواية هذا الحديث عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح (قال) أبو سعيد: (كنا نخرج زكاة الفطر) إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ثلاثة أصناف الأقط والتمر والشعير) قال القرطبي: وقد زاد في الرواية المتقدمة على هذه الثلاثة الطعام وصارت الأصناف المذكورة في الحديث أربعة اهـ من المفهم. قال الحافظ: وكان الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لمّا كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها هذه حجة الشافعي ومن تبعه وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناءً منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن لكن لا يلزم على قولهم أن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة اهـ فتح الملهم. وفي هذا الحديث دلالة على أنه لم يكن يعرف في الفطرة إلا التمر والشعير والأقط والزبيب وفي بعض روايات الطحاوي: (ولا يخرج غيره) فظهر أنه إنما أنكر على معاوية إخراجه المدين من القمح لأنه ما كان يعرف القمح اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: (2167) (0) (0) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان

حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ مُعَاوَيةَ، لَمَّا جَعَلَ نِصْفَ الصَّاعِ مِنَ الْحِنْطَةِ عَدْلَ صَاعٍ مِنْ تَمْرِ، أَنْكَرَ ذلِكَ أَبُو سَعِيدٍ. وَقَال: لَا أُخْرِجُ فِيهَا إلا الَّذِي كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ. (2168) (948) - (98) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عن عبد الله بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، أَنْ تُؤَدَّى، قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ البغدادي (حدثنا حاتم بن إسماعيل) مولى بني الدار أبو إسماعيل المدني صدوق من (8) (عن) محمد (بن عجلان) القرشي أبي عبد الله المدني وثقه أحمد وابن معين وروى عنه (م) متابعة و (خ) تعليقًا وذكره من الضعفاء وقال في التقريب: صدوق من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح) المكي (عن أبي سعيد الخدري) وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة ابن عجلان لإسماعيل بن أمية (أن معاوية) بن أبي سفيان (لما جعل نصف الصاع من الحنطة عدل صاع) أي مثل صاع (من تمر أنكر ذلك) أي جعله مثل ذلك (أبو سعيد) الخدري (وقال) أبو سعيد: (لا أخرج فيها) أي في الفطرة (إلا) قدر (الذي كنت أخرجـ) ـه (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وزمنه وقوله: (صاعًا من تمر) بدل من المستثنى أعني الموصول أو عطف بيان له وقوله: (أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط) معطوفات على قوله: (صاعًا من تمر). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2168) (948) (98) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني ثقة من (5) (عن نافع) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد كوفي وواحد نيسابوري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر) أمر استحباب (بزكاة الفطر أن تودى) وتدفع إلى الفقراء (قبل

خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ. (2169) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفطْرِ أَنْ تُؤَدَّى، قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خروج الناس إلى) المصلى لـ (الصلاة) أي لصلاة عيد الفطر وبهذ الحديث قال جمهور العلماء واستحسنوه ليتستغني بها المساكين عن السؤال في ذلك اليوم وروي مرفوعًا (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر وكرهوا تأخيرها عن يوم الفطر ورخص بعضهم في تأخيرها عنه وقاله مالك وأحمد بن حنبل وجعله بعض شيوخنا خلافًا من قول مالك وحاصل مشهور مذهب مالك أن آخر يوم الفطر آخر وقت أدائها وما بعد يوم الفطر وقت قضائها اهـ من المفهم. وقال النواوي: وفي الحديث دليل للشافعي والجمهور على أنه لا يجوز تأخير الفطرة عن يوم العيد وأن الأفضل إخراجها قبل الخروج إلى المصلى والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 151 و 157) والبخاري (1509) وأبو داود (1615) والترمذي (677) والنسائي (5/ 54). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2169) (0) (0) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي المدني (أخبرنا الضحاك) بن عثمان الأسدي المدني صدوق من (7) (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج زكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الضحاك لموسى بن عقبة. وجملة قوله: (أن تؤدى) في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من قوله: (بإخراج) أي أمرنا بادائها قبل خروج الناس إلى الصلاة. وظاهر الأمر وجوب الأداء قبل صلاة العيد ولكنه محمول على الاستحباب وذلك ليحصل الغناء للفقراء في هذا اليوم ويستريحون عن الطواف على أبواب الناس ووقع في حديث أخرجه ابن سعد عن ابن عمر قال: أغنوهم يعني المساكين عن طواف هذا اليوم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى الخطابي الإجماع على هذا الاستحباب في معالم السنن ولم يحك الترمذي فيه خلافًا أما جواز تقديمها عليه وتأخيرها عنه ففيه الخلاف. قال العيني: وقد ذكرنا فيما مضى أن وقت صدقة الفطر عند أبي حنيفة بطلوع الفجر يوم الفطر وهو قول الليث بن سعد ومالك في رواية ابن القاسم وابن وهب وغيرهما وفي رواية عنه: تجب باخر جزء من ليلة الفطر وأول جزء من يوم الفطر وفي رواية أشهب: تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق والثافعي في الجديد وكان قال في القديم ببغداد: وإنما تجب بطلوع فجر يوم الفطر وبه قال أبو ثور ومع هذا كله يستحب أن يخرجها قبل ذهابه إلى صلاة العيد دل عليه حديث الباب اهـ من فتح الملهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات. والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات. والثالث: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

417 - (35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة

417 - (35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة (2170) (949) - (99) وحدَّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ مَيسَرَةَ الصَّنْعَانِيَّ) عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ ابَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 417 - (35) باب وجوب الزكاة في الذهب والبقر والغنم وإثم مانع الزكاة (2170) (949) (99) (وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني صدوق من (10) (حدثنا حفص يعني بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر (الصنعاني) ثقة من (8) (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني ثقة من (3) (أن أبا صالح ذكوان) السمان القيسي مولاهم ثقة من (3) (أخبره) أي أخبر لزيد بن أسلم (أنه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد صنعاني وواحد هروي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة) من زائدة لوقوعها بعد النفي أي ما صاحب ذهب ولا فضة (لا يؤدي) ولا يدفع (منها حقها) أي منهما زكاتهما قال القرطبي؛ كذا صحت الرواية بهاء التأنيث المفردة وظاهره أنه عائد على الفضة فإنه أقرب مذكور وهي مؤنثة وحينئذ يبقى ذكر الذهب ضائعًا لا فائدة له وهذا مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وقد حمل هذا على الاكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر كما قال الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف وقال الآخر: لكل هم من الهموم سعهْ ... والصبح والمسي لا بقا معه وقيل أعادها على معنى الكلمات المتقدمة وكأنه قال لا يؤدى من تلك الأمور

إلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكورات حقها وأشبه من هذه الأوجه أن يقال إن الذهب والفضة يقال عليهما عين لغة فأعاد عليها الضمير وهي مؤنثة والله أعلم اهـ من المفهم. وعبارة المرقاة: وقد جاء هذا الحديث على وفق الآية المذكورة فاكتفى ببيان حال صاحب الفضة عن بيان حال صاحب الذهب لأن الفضة مع كونها أقرب مرجع للضمير أكثر تداولًا في المعاملات من الذهب ولذا اكتفى بها في حديث أنس (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) أفاده ملا علي. والحديث حجة في وجوب الزكاة في المذكورات لأن العقاب إنما يكون على ترك الواجب اهـ فتح الملهم. وعبارة القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن الذهب والبقر والغنم فيها الزكاة وإن لم يجئ ذكرها في حديث جابر المتقدم ذكره ولا في كتاب أبي بكر في الصدقة على ما ذكره البخاري ولا خلاف في وجوب الزكاة فيها وإن اختلفوا في نصاب البقر اهـ من المفهم. (إلا إذا كان يوم القيامة) فعل وفاعل لأن كان تامة أي جاء يوم القيامة (صفحت) بضم الصاد وكسر الفاء المشددة على صيغة المبني للمفعول (له) أي لصاحبها (صفائح) بالرفع على أنه نائب فاعل لصفح والصفائح جمع صفيحة وهي العريضة من حديد وغيره وقيل: ما طبع عريضًا (من نار) صفة لصفائح أي إلا صلحت وصنعت له صفائح من نار وبالنصب مفعول ثان لصفحت لتضمينه معنى الجعل والتصيير ونائب فاعله ضمير يعود على الذهب والفضة وأنث إما على التأويل السابق وإما على التطبيق بينه وبين المفعول الثاني الذي هو هو أي إلا جعلت له كنوزه الذهبية والفضية كامثال الألواح (من نار) يعني كأنها نار لا أنها نار حتى لا يستزاد قوله: (فأحمي) بالبناء للمجهول (عليها) أي على تلك الصفائح جار ومجرور نائب فاعل لأحمى أي أوقدت تلك الصفائح (في نار جهنم) والمعنى على الأول يجعل له صفائح من نار وعلى الثاني يجعل الذهب والفضة صفائح كأنها نار أو كأنها مأخوذة من نار يعني كان صفائح الذهب والفضة لفرط إحمائها وشدة حرارتها صفائح النار فتكوى بها. (فيكوى) أي يحرق (بها) أي بتلك الفضة أو بتلك الصفائح (جنبه) أي ضلعه

وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ. كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وجبينه) بتقديم الموحدة على النون أي جانبا جبهته والمراد جبهته (وظهره) قيل خصت هذه المواضع دون غيرها من البدن لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد وقيل المراد بها الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومؤخره وجنباه وقيل: إن الكي في الوجه أبشع وأشهر وفي الظهر والجنب آلم وأوجع وقيل غير ذلك اهـ فتح الملهم وقال القرطبي: إنما خصت هذه المواضع بالكي دون غيرها من أعضائه لتقطيبه وجهه في وجه السائل وازوراره عنه بجانبه وانصرافه عنه بظهره اهـ من المفهم. (كلما بردت) بالباء الموحدة على صيغة المعلوم كذا في رواية السجزي قال القرطبي: وهي الصواب والمعنى عليها كلما صارت تلك الصفائح باردة (أعيدت له) أي لأجله في نار جهنم فيحمى عليها فيكوى بها مرة ثانية ولكافة الرواة: (كلما ردت) بالبناء للمجهول من الرد والمعنى عليها كلما ردت تلك الصفائح عن بدنه إلى النار لتزيد حرارتها (أعيدت له) أي أعيدت عليه مرة ثانية أشد ما كانت عليه من الحرارة اهـ من المرقاة بتصرف. وقال الطيبي: أي كلما بردت ردت إلى نار جهنم ليحمى عليها والمراد منه الاستمرار وقال ابن الملك: يعني إذا وصل كي هذه الأعضاء من أولها إلى آخرها أعيد الكي إلى أولها حتى وصل إلى آخرها اهـ. ويمكن أن يكون الضمير في ردت راجعا إلى الأعضاء بالتبديل بعد الإحراق والقرب من الإفناء أعيدت الصفائح عليها فيكون موافقًا لقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} اهـ من فتح الملهم. وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) مما تعدون في الدنيا متعلق بيكوى وجملة كلما معترضة أو بصفحت أو بمحذوف أي فيعذب بذلك الكي في يوم كان مقداره الخ وهو يوم القيامة أي في يوم كان مقداره وطوله على الكافرين ويطول على بقية العاصين بقدر ذنوبهم وأما المؤمنون الكاملون فهو على بعضهم كركعتي الفجر وأشار إليه بقوله عزَّ وجلَّ: {يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيرُ يَسِيرٍ} كذا في المرقاة وفي القرطبي: معناه لو حاسب فيه غير الله سبحانه وتعالى وقال الحسن: قدر مواقفهم للحساب وقال ابن اليمان: هو يوم القيامة فيه خمسون موطنًا كل موطن ألف سنة وفي الحديث: (والذي نفسي بيده ليخفف على المؤمن

حَتَّى يُقْضَى بَينَ الْعِبَادِ. فَيُرَى سَبِيلُهُ. إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وإمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالإِبلُ؟ قَال: "وَلَا صَاحِبُ إِبِل لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا. وَمِنْ حَقِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة) رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن على ضعف في راويه اهـ من المفهم وقوله: (حتى يقضى) ويحكم بالبناء للمفعول غاية ليكوى أو ليعذب المحذوف أي يكوى بتلك الصفائح حتى يحكم الله سبحانه وتعالى (بين العباد) ويفصل بينهم فريق إلى الجنة وفريق إلى النار قال القاري: وفيه إشارة إلى أنه في العذاب وبقية الخلق في الحساب قال العراقي في شرح الترمذي: يمكن أن يؤخذ منه أن مانع الزكاة آخر من يقضى فيه وأنه يعذب بما ذكر حتى يفرغ من القضاء بين الناس فيقضى فيه بالنار ويحتمل أن المراد حتى يشرع في القضاء بين الناس ويجيئ القضاء فيه إما في أوائلهم أو أوسطهم أوآخرهم على ما يريد الله سبحانه وتعالى وهذا أظهر اهـ قال ولده في شرح التقريب: قد يشير إلى الأول قوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) ويقال: إنما ذكر في معرض استيعاب ذلك اليوم بتعذيبه لجواز أن يكون القضاء فيه آخر الناس وإن احتمل أن يكون فصل أمره في وسطه أو في أوله والله أعلم اهـ من فتح الملهم. (فيرى) على صيغة المجهول من الرؤية أو الإراءة (سبيله) بالرفع على أنه نائب فاعل إن كان من الرؤية وبالنصب على أنه مفعول ثان إن كان من الإراءة وفي بعض النسخ: (فيرى) بالبناء للمعلوم من الرؤية أي فيرى سبيله (إما) موصلًا له (إلى الجنة) إن لم يكن له ذنب سواه وكان العذاب تكفرًا به وقيل: إن كان مؤمنًا بأن لم يستحل ترك الزكاة (وإما) موصلًا له (إلى النار) إن كان على خلاف ذلك أو إن كان كافرًا بأن استحل تركها قال النواوي: وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار يومئذ مقهور لا يقدر أن يذهب حتى إلى النار فضلًا عن الجنة حتى يعين له إحدى السبيلين وفيه أيضًا رد على من يقول: إن الآية مختصة بأهل الكتاب ويؤيده القاعدة الأصولية: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مع أنه لا دلالة في الحديث على خلوده في النار. (قيل: يا رسول الله فالإبل) بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي هذا حكم النقود فالإبل ما حكمها يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا) من (صاحب إبل) يجوز فيه الرفع والجر عطفا على قوله: (ما من صاحب ذهب) (لا يؤدي) أي لا يدفع (منها) أي من تلك الإبل (حقها) أي زكاتها (ومن حقها) أي المندوب ومن تبعيضية والجملة معترضة.

حَلْبُهَا يَوْمَ ورْدِهَا. إلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاري: واعلم أن ذكره وقع استطرادًا أو بيانًا لما ينبغي أن يعتني به من له مروءة لا لكون التعذيب يترتب عليه أيضًا لما هو مقرر من أن العذاب لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم اللهم إلا أن يحمل على وقت القحط أو حالة الاضطرار أو على وجوب ضيافة العمال. والجار والمجرور خبر مقدم لقوله: (حلبها) وهو مبتدأ مؤخر والجملة ومعترضة سيقت لبيان حقها المندوب لا الواجب فإن معنى حلبها يوم وردها الماء أن يسقي ألبانها المارة وهو غير واجب إلا أن يحمل على ماذكر آنفًا. قال النواوي: حلبها بفتح اللام من باب طلب هي اللغة المشهورة وحكي سكونها من باب قتل وهو غريب ضعيف وإن كان هو القياس. (يوم وردها) قيل: الورد الإتيان إلى الماء ونوبة الإتيان إلى الماء فإن الإبل تأتي الماء في كل ثلاثة أيام أو أربعة وربما تأتي في ثمانية أيام. قال الطيبي: ومعنى حلبها يوم وردها أن يسقي المارة ألبانها وهذا مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الجذاذ بالليل أراد أن يصرم بالنهار ليحضرها الفقراء. قال ابن بطال: يريد حق الكرم والمواساة وشريف الأخلاق لا أن ذلك فرض وقال أيضًا: كانت عادة العرب التصدق باللبن علي الماء فكان الضعفاء يرصدون ذلك منهم قال: والحق حقان فرض عين وغيره فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق، وقال إسماعيل القاضي: الحق المفترض هو الموصوف المحدود وقد تحدث أمور لا تحد فتجب فيها المواساة للضرورة التي تنزل من ضعيف مضطر أو جائع أو عار أو ميت ليس له من يواريه فيجب حينئذ على من يمكنه المواساة التي تزول بها هذه الضرورات قال ابن التين: وقيل: كان هذا قبل فرض الزكاة. قال الحافظ: ووقع عند أبي داود من حديث أبي هريرة: قلنا: يا رسول الله ما حقها قال: إطراق فحلها صماعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله اهـ من فتح الملهم. (إلا إذا كان يوم القيامة بطح) بالبناء للمفعول أي ألقي على وجهه وبسط (لها) أي لأجل وطئها عليه (بقاع) أي في أرض مستوية لا انخفاض ولا ارتفاع فيها (قرقر) أي أملس فقوله: (بطح لها) أي ألقي ذلك الصاحب على وجهه أو على ظهره قال القاضي:

أَوْفَرَ مَا كَانَتْ. لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا. تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا. كُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيهِ أُخْرَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قد جاء في رواية البخاري: (يخبط وجهه بأخفافها) قال: وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح كونه على الوجه وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد فقد يكون على وجهه وقد يكون على ظهره ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها قوله: (بقاع) والقاع الأرض الواسعة المستوية يعلوها ماء السماء (قرقر) والقرقر بفتح القافين الأملس وقيل: المستوي أيضًا من الأرض الواسعة فيكون صفة مؤكدة والمعنى ألقى لها في أرض واسعة مستوية ملساء حالة كون تلك الإبل. (أو فر ما كانت) عليه في الدنيا أي أكثر أكوانها عددًا أو أعظمها سمنًا وأقواها قوة وفي رواية أخرى (أعظم ما كانت) وهذا للزيادة في عقوبته بكثرتها وقوتها وكمال خلقها فتكون أثقل في وطئها اهـ نواوي وهو منصوب على الحال من المجرور في لها والعامل بطح كما في المرقاة وفي شرح السنة يريد كمال حال الإبل التي وطئت صاحبها في القوة والسمن لتكون أثقل لوطئها قال الحافظ: لأنها تكون عنده على حالات مختلفة فتأتي على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها اهـ. حالة كونه (لا يفقد) ولا يعدم أي الصاحب (منها) أي من تلك الإبل (فصيلًا) أي ولدًا (واحدًا) والجملة حال من مرفوع بطح حالة كونها (تطؤه) أي تضربه وتدوسه وتمشي عليه (بأخفافها) أي بأرجلها والجملة حال من ضمير له في قوله: (بطح لها) أو من ضمير بطح وجملة قوله: (وتعضه) بفتح التاء وضم العين من باب شد أي تأكله وتقضمه وتقطع جلده (بأفواهها) أي بأسنانها معطوفة على جملة (تطؤه) (كلما مر) ومشى (عليه) أي على صاحب الإبل (أولاها) أي أولى الإبل في المرور عليه أي كلما وصلت أولاها في المرور عليه إلى آخر ما تمشي عليه من جسده الممدود لها تلاحقت بها أخراها في المرور ثم إذا أرادت أولاها بالرجوع إلى ورائها (رد عليه أخراها) من ورائها أي بدأت الأخرى بالرجوع عليه فعادت الأخرى أولى والأولى أخرى في هذه المرة الثانية حتى تنتهي إلى آخره. قال القرطبي: (قوله: كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها) هكذا صحت الرواية فقيل: هو تغيير وقلب في الكلام وصوابه كما جاء في رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة:

فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. حَتى يُقْضَى بَينَ الْعِبَادِ. فَيُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَال: "وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَّمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا. إلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ- لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيئًا. لَيسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلما مر عليه أخراها ردت عليه أولاها) قيل: وهكذا يستقيم الكلام لأنه إنما يريد الأول الذي قد مر قبل وأما الآخر فلم يمر بعد فلا يقال. فيه: ردت. (قلت) ويظهر لي أن الرواية صحيحة ليس فيها تغيير ولا تصحيف لأن معناها أن أولى الماشية كلما وصلت إلى آخر ما تمشي عليه تلاحقت بها أخراها ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع قبلها فعادت الأخرى أولى حتى تنتهي إلى آخره وهكذا إلى أن يقضي الله بين العباد والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. والظرف في قوله: (في يوم) متعلق بتطؤه أو ببطح لها أي تطؤه بأخفافها في يوم (كان مقداره خمسين ألف سنة) مما تعدون وقوله: (حتى يقضى بين العباد) غاية لقوله: (تطؤه بأخفافها) (فـ) إذا فرغ من القضاء بين العباد (يرى سببله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يا رسول الله فالبقر والغنم) ماحكم صاحبهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا صاحب بقر) بالرفع على الابتداء لأن من في المعطوف عليه زائدة أي ولا صاحب بقر (ولا غنم لا يؤدي منها) أي من الماثسية المذكورة يعني البقر والغنم (حقها) أي زكاتها (إلا إذا كان يوم القيامة بطح) أي ألقي صاحبهما على وجهه (لها) أي لأجل وطئها عليه (بقاع قرقر) أي بموضع مستو واسع أملس والقاع الموضع المستوي الواسع يجمع على قيعة وقيعان مثل جار وجيرة وجيران قال الثعالبي: إذا كانت الأرض مستوية مع الاتساع فهي الخبت والجدجد والصحيح ثم القاع والقرقر والصفصف اهـ من المفهم. وفي النهاية: القاع المكان المستوي الواسع والقرقر المكان المستوي فيكون صفة مؤكدة وقيل: الأملس المستوي من الأرض حالة كونه (لا يفقد) ولا يعدم (منها) أي من ذواتها وصفاتها (شيئًا) قال الطيبي: أي قرونها سليمة (ليس فيها) أي في تلك الماشية (عقصاء) أي ملتوية القرنين (ولا جلحاء) أي التي لا قرن لها خلقة (ولا عضباء) أي مكسورة القرن ونفى الثلاثة عبارة عن سلامة قرونها ليكون أجرح للمنطوح اهـ من المرقاة.

تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا. كُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيهِ أُخْرَاهَا. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. حَتى يُقْضَى بَينَ الْعِبَادِ. فَيَرَى سَبِيلَهُ. إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْخَيلُ؟ قَال: "الْخَيلُ ثَلاثَةٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر الحديث أن هذه الصفات فيها معدومة في العقبى وإن كانت موجودة لها في الدنيا وظاهر الحديث أن يعيد الله تعالى الأشياء على ما كانت عليه في الحالة الأولى كما هو مفهوم من الكتاب والسنة ولعله يخلقها أولًا كما كانت ثم يعطيها القرون ليكون سببًا لعذابه على وجه الشدة والله أعلم اهـ من فتح الملهم. حالة كونها (تنطحه) بفتح الطاء وتكسر وفي القاموس نطحه كمنعه وضربه إذا أصابه بقرنه أي تطعنه (بقرونها) إما تأكيد أو تجريد (وتطؤه) أي تدوسه (بأظلافها) جمع ظلف وهو للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس قال النواوي: الظلف للبقر والغنم والظباء وهو المنشق من القوائم والخف للبعير والقدم للآدمي والحافر للفرس والبغل والحمير وقال القرطبي: والظلف هو الظفر من كل دابة مشقوقة الرجل اهـ. وقوله: (كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها) هكذا هنا وفيما سبق والظاهر أن يقال عكس ذلك كما في الرواية الآتية عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وهو (كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها) وتوجيه ما هنا أنه مرت الأولى على التتابع ثم الأخرى فإذا انتهت الأخرى إلى الغاية ردت من هذه الغاية وتبعها ما يليها من الأولى فيما يليها إلى مبدئها فيحصل الغرض من الاستمرار والتتابع على طريق الطرد والعكس فهو أولى من العكس والحاصل أنه يحصل هذا مرة بعد أخرى اهـ من المرقاة. وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) وهو يوم القيامة ظرف تنازع فيه بطح وتطؤ وقوله: (حتى يقضى بين العباد) غاية لهما أيضًا (ف) جعد القضاء الفاصل (يرى سبيله إما إلى الجنة) إن لم يكن له ذنب سواه (وإما إلى النار) إن كان له ذنب سواه (قيل: يا رسول الله فالخيل) ما حكم صاحبها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخيل) بالنظر إلى منفعتها ومضرتها. (ثلاثة) لا غير قال الطيبي: هذا جواب على أسلوب حكيم وله توجيهان فعلى مذهب الشافعي معناه دع السؤال عن الوجوب إذ ليس فيها حق واجب ولكن اسئل عما يرجع من اقتنائها على صاحبها من المضرة والمنفعة وعلى مذهب أبي حنيفة معناه لا

هِيَ لِرَجُلٍ وزْرٌ. وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ. فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ. فَهِيَ لَهُ وزْرٌ. وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ. فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تسأل عما وجب فيها من الحقوق وحده بل اسأل عنه وعما يصل بها من المنفعة والمضرة إلى صاحبها فإن قيل: يستدل بهذا الحديث على الوجوب قلت بعطف الرقاب على الظهور لأن المراد بالرقاب الذوات وليس في الرقاب منفعة للغير كما في الظهور وبمفهوم الجواب الآتي في الحمر من قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل عليَّ في الحمر شيء) كذا في المرقاة اهـ من فتح الملهم. (هي) أي الخيل (لرجل وزر) أي ثقل وإثم (وهي لرجل ستر) أي حجاب من سؤال الغير عند حاجته لركوب فرس بدليل قوله: (تجملًا وتعففًا) أي عن الناس اهـ من المفهم. أو المعنى (ستر) أي لحاله في معيشته لحفظه عن الاحتياج والسؤال قال الأكثر (أو ستر) له عن النار كما نبه عليه ابن الهمام في تقريره في مسئلة زكاة الخيل اهـ من فتح الملهم والله أعلم. (وهي لرجل أجر) أي ثواب عظيم (فأما) الرجل (التي هي له وزر) فالموصول صفة سببية لموصوف محذوف فلا حاجة إلى ما قدره النواوي (فرجل ربطها) أي اتخذها (رياء) أي ليرى الناس عظمته في ركوبه وحشمته (وفخرًا) بها أي افتخارًا بها باللسان على من دونه من الإنسان وليقال: إنه يربي خيل كذا وكذا (ونواءً) بكسر النون والمد أي تعديًا (على أهل) دين (الإسلام) ومعاداة بها عليهم يقال: ناوأته نواء ومناوأة إذا عاديته أي منازعة ومعاداةً لهم والواو في الموضعين بمعنى أو كما هو الظاهر فإن هذه الأشياء قد تفترق في الأشخاص وكل واحد منها مذموم على حدته (فهي) أي فتلك الخيل (له) أي لذلك المرائي أو المفتخر أو المناوئ (وزر) أي ذنب عظيم على ذلك القصد والنية فهي جملة مؤكدة مشعرة باهتمام الشارع وتحذيره عنه (وأما) الرجل (التي هي له ستر فـ) ـهو (رجل ربطها) أي أعدها للجهاد (في سبيل الله) تعالى لإعلاء كلمته من الربط وهو الحبس ومنه الرباط وهو حبس الرجل نفسه وعدته في الثغور تجاه العدو اهـ من المفهم. قال ابن الملك: ليجاهد بها والصواب ما قاله الطيبي من أنه لم يرد به الجهاد بل

ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا. فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ. وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ. فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ لأَهْلِ الإِسْلامِ. فِي مَرْجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ النية الصالحة إذ يلزم التكرار مع ما بعده وأيضًا إذا أراد به الجهاد تكون له أجرًا فكيف يقال: إنها له ستر. وقال الطيبي: ويؤيده رواية غيره: (ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا) (ثم لم ينس حق الله في ظهورها) أي بالعارية للركوب والطروق والحمل عليها في سبيل الله مثلًا (ولا) في (رقابها) أي في ذواتها الظاهر أن الحق الثابت في رقابها ليس إلا الزكاة وأوله المانعون فقال الحافظ ابن حجر: قيل: المراد حسن ملكها وتعهد شبعها وريها والشفقة عليها في الركوب وإنما خص رقابها بالذكر لأنها تستعار كثيرًا في الحقوق اللازمة ومنه قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وهذا جواب من لم يوجب الزكاة في الخيل وهو قول الجمهور المراد بالحق الزكاة وهو قول حماد وأبي حنيفة وخالفه صاحباه وفقهاء الأمصار قال أبو عمر لا أعلم أحدًا سبقه إلى ذلك. (قلت): ويؤيد القول الأول ما سيأتي من طريق سهيل ولا ينسى حق ظهورها ورقابها والله أعلم. وأول السندي حديث الباب بأن المراد ولم ينس شكر الله لأجل إباحة ظهورها وتمليك رقابها وذلك الشكر يتأدى بالعارية والله أعلم اهـ فتح الملهم. وفي المبارق: (قوله: ثم لم ينس حق الله في ظهورها) أراد به ركوبها في سبيل الله (ولا رقابها) أراد به أداء زكاتها إذا كانت سائمة استدل به أبو حنيفة على وجوب الزكاة في الخيل وأوله المانعون بأن المراد بحق الله في رقابها الإحسان إليها والقيام بعلفها ولكنه ضعيف لأن ذلك لا يطلق عليه حق الله في رقابها بل ذلك أمر موكول إلى مولاها اهـ. (فهي) أي تلك الخيل (له) أي لذلك الرجل (ستر) أي حجاب له عن مسألة الناس والتكفف بين أيديهم (وأما) الرجل (التي هي له أجر) أي سبب أجر وثواب (فـ) ـهو (رجل ربطها) أي أعدها وهيأها من الرباط وهو حبس الرجل نفسه وعدته في الثغور تجاه العدو أي ربطها للجهاد بها (في سبيل الله) أي لإعلاء كلمة الله مساعدةً (لأهل الإسلام) على أعدائهم الكفار وفيه إشارة إلى أن المراد به الجهاد فإن نفعه متعد إلى أهل الإسلام والجار والمجرور في قوله: (في مرج) بفتح الميم وسكون الراء أي مرعى متعلق بربط. قال ابن الأثير: المرج هو الأرض الواسعة ذات نبات كثير يمرج فيها الدواب أي

وَرَوْضَةٍ. فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذلِكَ الْمَرْجِ أَو الرَّوْضَةِ مِنْ شَيءٍ. إلا كُتِبَ لَهُ، عَدَدَ مَا أَكَلَتْ، حَسَنَاتٌ، وَكُتِبَ لَهُ، عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا، حَسَنَاتٌ. وَلَا تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ، عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا، حَسَنَاتٍ. وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ تسرح وقوله (وروضة) عطف تفسير لمرج أو الروضة أخص من المرج وفي نسخة المصابيح بلفظ: (أو روضة) كما في المشارق قال ابن الملك: شك من الراوي اهـ. (فما أكلت) تلك الخيل (من ذلك المرج أو الروضة من شيء) من زائدة لوقوعها بعد النفي أي شيئًا من العلف والأزهار قل أو كثر (إلا كتب) بالبناء للمفعول (له) أي لذلك الرجل (عدد ما أكلت) منصوب بنزع الخافض أي بعدد مأكولاتها (حسنات) أي أجور بالرفع نائب فاعل لكتب وروى ابن ماجه من حديث تميم الداري مرفوعًا (من ارتبط فرسًا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة) (و) إلا (كتب له عدد) أي بعدد (أرواثها وأبوالها حسنات) بالرفع نائب فاعل لكتب أيضًا لأن بها بقاء حياتها مع أن أصلها قبل الاستحالة غالبًا من مال صاحبها اهـ ملا علي. (ولا تقطع) تلك الخيل (طولها) بكسر الطاء وفتح الواو ويقال (طيلها) بالياء كذا جاء في الموطإ والطوال والطيل حبلها الطويل الذي شد أحد طرفيه في يد الفرس والآخر في وتد أو غيره لتدور فيه وترعى من جوانبها ولا تذهب لوجهها (فاستنت) بتشديد النون أي جرت وعدت قال أبو عبيد: الاستنان أن يحضر الفرس وليس عليه فارس وقال غيره: يستن في طوله يمرح فيه من النشاط وقال الجوهري: هو أن يرفع يديه ويطرحها معًا وقال غيره: أن يلج في عدوه مقبلًا أو مدبرًا ذاهبًا أو راجعًا. (شرفًا أو شرفين) أي شوطًا أو شوطين كما في النهاية والشرف بفتح الشين والراء في الأصل: العالي المرتفع من الأرض وقيل: المراد به هنا طلقًا أو طلقين وفي المرقاة: وإنما سمي شرفًا لأن الدابة تعدو حتى تبلغ شرفًا من الأرض أي مرتفعًا منها فتقف عند ذلك وقفة ثم تعدو ما بدالها (إلا كتب الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الرجل (عدد) أي بعدد (آثارها) أي آثار حوافرها جمع أثر هو موطن الحافر (وأرواثها) وأبوالها ولعله أراد بالروث هنا ما يشمل البول أو أسقطه للعلم به منه أي بعدد خطاها وأرواثها في تلك الحالة (حسنات) بالنصب على المفعولية (ولا مر بها) أي بتلك الخيل (صاحبها على

نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا، إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ، عَدَدَ مَا شَرِبَتْ، حَسَنَاتٍ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْحُمُرُ؟ قَال: "مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيءٌ إلا هذِهِ الآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ نهر) ماء بفتح الهاء وسكونها (فشربت) تلك الخيل (منه) أي من مائه (و) الحال أنه (لا يريد) ولا يقصد (أن يسقيها) منه أي شرب الخيل منه أي يمنعها من شرب يضر بها أو به باحتباسها للشرب فيفوته ما يؤمله أو يقع به ما يخافه من عدو أو سبع اهـ من المفهم. قال النواوي: وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا كتب له وهو لا يريد سقيها فإذا قصده كتب له أضعاف ذلك اهـ منه. (إلا كتب الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الرجل (عدد) أي بعدد (ما شربت) من مائه وقدره (حسنات) أي أجورًا قال الطيبي فيه مبالغة في اعتداد الثواب له لأنه إذا اعتبر ما تستقذره النفوس وتنفر عنه الطباع فكيف بغيرها وكذا إذا احتسب له ما لا نية له فيه وقد ورد (وإنما لكل امرئ ما نوى) فما بال ما إذا قصد الاحتساب فيه. قال ابن الملك: فالحاصل أنه يجعل لمالكها بجميع حركاتها وسكناتها وفضلاتها حسنات. قال الحافظ: وفيه أن الإنسان يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة إذا قصد أصلها وإن لم يقصد تلك التفاصيل (قيل: يا رسول الله فالحمر) الأهلية ما حكم صاحبها جمع حمار (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل عليَّ في) خصوص حكم (الحمر شيء) من النصوص الشرعية (إلا هذه الآية الفاذة) بالفاء وتشديد المعجمة أي العديمة النظير معناها (الجامعة) لجميع أنواع الخير والشر وسميت فاذة لانفرادها في معناها وجامعة لاشتمالها على جميع أنواع الطاعة والمعصية قليلهما وكثيرهما. قال النواوي: وفيه إشارة إلى التمسك بالعموم ومعنى الحديث ما أنزل علي فيها نص بخصوصها لكن نزلت هذه الآية العامة فهي تقتضي أن من أحسن إلى حماره رأى جزاء إحسانه ومن أساء إليه وكلفه فوق طاقته رأى عقوبته في الآخرة وقد يحتج بهذا الحديث من قال: لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما يحكم بالوحي وأجاب الجمهور القائلون بجواز الاجتهاد له بأنه لم يظهر له فيها شيء اهـ فتح الملهم يعني قوله تعالى: ({فَمَنْ يَعْمَلْ}) إيمانا واحتسابا ({مِثْقَال ذَرَّةٍ}) أي وزن نملة

{خَيرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]. (2171) (0) (0) وحدَّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى الصَّدَفِيُّ. أَخبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيسَرَةَ، إِلَى آخِرِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا" وَلَمْ يَقُلْ: "مِنْهَا حَقَّهَا" وَذَكَرَ فِيهِ: "لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ صغيرة أو وزن ذرة من الهباء الطائر في الهواء ({خَيرًا}) أي من جهة الخير ({يَرَهُ}) أي ير جزاء ذلك المثقال ({وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}) أي ير عقوبته فلو أعان أحدًا على بر بركوبها يثاب ولو استعان بركوبها على فعل معصية يعاقب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 262 و 276) وأبو داود (1658 و 1659) والنسائي (5/ 12 و 13). قال القرطبي: (قوله: هذه الآية الفاذة الجامعة) أي القليلة المثل المتفردة بمعناها (الجامعة) أي العامة الشاملة لكل خير وشر وهو حجة للقائلين بالعموم فإن لفظة شيء من صيغ العموم وهو مذهب الجمهور من الفقهاء والأصوليين وهذا منه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه لم يفسر الله من أحكام الحمر وأحوالها ما فسر له في الخيل والإبل وغيرها مما ذكره اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2171) (0) (0) (وحدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصدفي) أبو موسى المصري ثقة من (10) (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني هشام بن سعد) المدني أبو عباد القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم صدوق من (7) (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم أبو عبد الله المدني ثقة من (3) (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد متعلق بحدثني هشام بن سعد غرضه بيان متابعة هشام بن سعد لحفص بن ميسرة (بمعنى حديث حفص بن ميسرة) من أوله (إلى آخره كير أنه) أي لكن أن هشام ابن سعد (قال) في روايته: (ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها ولم يقل) هشام لفظة: (منها) في قوله: لا يؤدي منها (حقها) وقوله (وذكر) هشام (فيه) أي في الحديث (لا يفقد منها فصيلا واحدًا) كما ذكره حفص بن ميسرة إشارة إلى أن هذه الجملة لم تذكر في رواية سهيل عن أبي صالح في الحديث الآتي إلا فلا معنى لهذا الكلام فإسقاطه أولى

وَقَال: "يُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ". (2172) (0) (0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَويُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ. حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَذِّي زَكَاتَهُ إلا أُحْمِيَ عَلَيهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ. فَيُكْوَى بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه تحريف من النساخ (وقال) هشام أيضًا: (يكوى بها جنباه) بالتثنية بدل قول حفص (جنبه) بالإفراد (و) قال هشام: (جبهته) بدل قول حفص: (جبينه) (وظهره). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2172) (0) (0) (وحدثني محمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عبد الرحمن (الأموي) أبو عبد الله الأيلي ثقة من (10) (حدثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري مولاهم أبو إسماعيل الدباغ البصري ثقة من (7) (حدثنا سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان أبو يزيد المدني صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة سهيل بن أبي صالح لزيد بن أسلم في رواية هذا الحديث عن أبي صالح السمان. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب كنز) قال العيني: قال ابن سيده: الكنز اسم للمال ولما يحرز فيه وجمعه كنوز يقال: كنزه يكنزه كنزًا واكتنزه وكنز الشيء في الوعاء أو الأرضى يكنزه غمزه في يده وفي المغيث: الكنز اسم للمال المدفون. وقال الطبري: هو كل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرضى كان أو في ظهرها. وقال القرطبي: أصله الضم والجمع ولا يختص ذلك بالذهب والفضة اهـ فتح الملهم. ولكن المراد هنا الذهب والفضة أي ما صاحب مال مجموع (لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه) أي أوقد عليه (في نار جهنم فيجعل صفائح) أي ألواحًا (فيكوى بها) أي

جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ. حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلا بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ. تَسْتَنُّ عَلَيهِ. كُلَّمَا مَضَى عَلَيهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيهِ أُولاهَا. حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وإِمَّا إِلَى النَّارِ. وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا. إلا بُطِحَ لَهَا بِقَاعِ قَرْقَرٍ. كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ. فَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا. لَيسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ. كُلَّمَا مَضَى عَلَيهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيهِ أُولاهَا. حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَينَ عِبَادِهِ. فِي يَوْمِ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةِ مِمَّا تَعُدُّونَ. ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَّا إِلَى النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فيحرق بتلك الصفائح (جنباه) تثنية جنب وهو الضلع (وجبينه) أي جبهته وقوله: (حتى يحكم الله) سبحانه (بين عباده) غاية ليكوى وكذا قوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) متعلق بيكوى (ثم) بعد كيه تلك المدة (يرى سبيله إما) موصلًا (إلى الجنة وإما) موصلًا (إلى النار وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح) واضطجع (لها) أي لأجل وطئها عليه (بقاع) أي في أرض مستوية (قرقر) أي ملساء حالة كون تلك الإبل (كأوفر) أي كأعظم وأسمن (ما كانت) عليه في الدنيا. وقوله: (تستن عليه) حال من ضمير لها أي بطح لها حالة كونها تستن وتطأُ عليها بأخفافها (كلما مضى) ومر (عليه أخراها ردت) وأعيدت (عليه أولاها) وهذه الرواية أصوب الروايات وإليها ترد باقيها كما مر بسط الكلام عليه وقوله: (حتى يحكم الله بين عباده) غاية لتستن وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) متعلق به أيضًا (ثم) بعد القضاء الفاصل (يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح) واستلقى (لها بقاع قرقر) حالة كونها (كأوفر) وأسمن (ما كانت) عليه في الدنيا (فتطؤه) معطوف على بطح أي تدوسه (بأظلافها) وقوائمها (وتنطحه) أي تطعنه (بقرونها ليس فيها عقصاء) أي ملتوية القرنين (ولا جلحاء) أي عادمتهما (كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون) في الدنيا وهذه الكلمة زادها في هذه الرواية (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).

قَال سُهَيلٌ: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ الْبَقَرَ أَمْ لَا. قَالُوا: فَالْخَيلُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "الْخَيلُ فِي نَوَاصِيهَا (أَوْ قَال) الْخَيلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا (قَال سُهَيلٌ: أَنَا أَشُكُّ) الْخَيرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: وفي الحديث إن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده لأنه قصد منع حق الله منها لغرض وهو الارتفاق والانتفاع بما يمنعه منها فكان ما قصد الانتفاع به أضر الأشياء عليه والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها لأن الحق في جميع المال غير متميز ولأن المال لما لم تخرج زكاته غير مطهر اهـ. (قال سهيل) بن أبي صالح بالسند السابق: (فلا أدري) ولا أعلم (أذكر) أي هل ذكر أبو صالح في هذا الحديث (البقر) أي حكم صاحبها (أم لا) يذكر أي أم لم يذكرها فيه والشك من سهيل وقائل هذا الكلام عبد العزيز بن المختار الراوي عنه. (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فالخيل) ما حكم صاحبها (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابهم: (الخيل في نواصيها) الخير إلى يوم القيامة (أو قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود) أي مربوط (في نواصيها) أي في رؤوسها قال عبد العزيز (قال سهيل: أنا أشك) أي أنا الشاك فيما قال أبو صالح هل قال الخيل في نواصيها الخير أو قال: الخيل معقود في نواصيها (الخير إلى يوم القيامة) بزيادة لفظة معقود قال العيني: قوله: (معقود) مرفوع على أنه خبر المبتدأ المؤخر وهو قوله: الخير والجملة خبر المبتدإ الأول وهو الخيل ومعنى قوله معقود ملازم لها كأنه معقود فيها وهو من باب الإستعارة المكنية لأن الخير ليس بمحسوس حتى تعقد عليه الناصية ولكنهم يدخلون المعقول في جنس المحسوس ويحكمون عليه بما حكم على المحسوس مبالغة في اللزوم والنواصي جمع ناصية وهي قصاص الشعر وهو الشعر المسترسل على الجبهة وخص النواصي بالذكر لأن العرب تقول غالبًا: فلان مبارك الناصية فيكنى بها عن الإنسان وقوله: الخيل إلى آخره لفظه عام والمراد به المخصوص لأنه لم يرد به إلا بعض الخيل بدليل قوله: (الخيل ثلاثة) اهـ. وفي بعض الهوامش: قوله: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) يعني أن الخير ملازم لها كأنه معقود فيها كما في النهاية (إلى يوم القيامة) أي إلى قربه وفي رواية زيادة: (الأجر والغنيمة) وهما تفسيران للخير كما في شرح المشكاة.

الْخَيلُ ثَلاثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلِ أَجْرٌ. وَلِرَجُلِ سِتْرٌ. وَلِرَجُلٍ وزْرٌ. فَامَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ. فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ. فَلَا تُغَيِّبُ شَيئًا فِي بُطُونِهَا إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرًا. وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيءٍ إلا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا. وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ. (حَتَّى ذَكَرَ الأَجْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة) كما في المشارق برمز اتفاق الشيخين وفيه أيضًا عن أنس بالرمز المذكور: (البركة في نواصي الخيل) أي كثرة الخير في ذواتها وقد يكنى بالناصية عن الذات يقال: فلان مبارك الناصية أي مبارك الذات فهو مجاز مرسل من التعبير بالجزء عن الكل. قال ابن الملك: إنما جعلت البركة في نواصيها لأن بها يحصل الجهاد الذي فيه خير الدنيا وخير الآخرة وأما الحديث الآخر وهو: (الشؤم يكون في الفرس) فمحمول على ما لم يكن معدًا للغزو. وفي قوله: (إلى يوم القيامة) دليل على أن الجهاد قائم إلى ذلك الوقت والمراد: قبيل القيامة بيسير أي حتى تأتي الريح الطيبة من قبل اليمن تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة كما ثبت في الصحيح. (الخيل) أي جنسها (ثلاثة) أقسام (فهي لرجل أجر) أي ذو أجر وثواب (ولرجل ستر) أي ذو ستر وحجاب عن مسألة الناس (ولرجل وزر) أي ذو وزر وذنب (فأما) الرجل (التي هي له أجر) أي ذو أجر وثواب (فـ) ـهو (الرجل) الذي (يتخذها) ويقتنيها للجهاد بها (في سبيل الله) أي لإعلاء كلمة الله تعالى (ويعدها) أي يهيؤها (له) أي للجهاد في سبيل الله (فلا تغبب) أي لا تدخل (شيئًا) من علفها وشرابها (في بطونها) أي في جوفها (إلا كتب الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك الرجل بذلك الشيء الذي غيبت في جوفها (أجرًا) وثوابًا (ولو رعاها) أي رعى تلك الخيل وسامها (في مرج) وروضة (ما أكلت) ورعت (من شيء) أي شيئًا من نبات ذلك المرج (إلا كتب الله) سبحانه (له) أي لذلك الرجل (بها) أي بأكلها ومقتضى السياق أن يقال: (به) بالتذكير أي بالشيء الذي أكلته (أجرًا) أي ثوابًا (ولو سقاها من) ماء (نهر) مر عليه (كان له) أي لذلك الرجل أي يكتب له (بكل قطرة) وجرعة (تنيبها) أي تدخلها (في بطونها أجر) أي ثواب وقوله: (حتى ذكر الأجر) غاية لمحذوف تقديره: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأجر

فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا) وَلَو اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ. وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّما وَتَجَمُّلًا. وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا وَبُطُونِهَا. فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا. وَأَمَّا الَّذِي عَلَيهِ وزْرٌ فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا وَرِئَاءَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثواب في تعهده ورعايته إياها حتى ذكر الأجر والثواب له (في أبوالها وأرواثها) لأن بها بقاء حياتها مع أن أصلها قبل الاستحالة غالبًا من مال صاحبها وهذا مبالغة في كثرة الثواب لأنه إذا كتب له ما يستقذر فكيف بغيره اهـ أبي. (ولو) أنها (استنت) أي عدت وجرت (شرفًا) أي شوطًا (أو شرفين) أي شوطين (كتب له) أي لصاحبها (بكل خطوة) بفتح الخاء مصدرًا وهو نقل الرجل من موضع إلى آخر وبالضم اسم لما بين القدمين أي بعدد كل خطوة (تخطوها) أي تمشيها (أجر) وثواب (وأما) الرجل (الذي هي له ستر) أي تستره وتعفه عن سؤال الغير إما بما يكتسب عليها أو بما يطلب من نتاجها (فـ) ـهو (الرجل) الذي (يتخذها) ويقتنيها (تكرمًا) أي تحفظًا من مسئلة الناس وترفعًا عنها (وتجملًا) أي تزينًا بصرفها في حوائجه (و) الحال أنه (لا ينسى) ولا يترك (حق) الله في (ظهورها) بإعارتها للمحتاج وللحمل عليها في سبيل الله مثلًا (و) حقها في (بطونها) من شبعها وريها (في) حالة (عسر) علف (ـها) ومائها وقلتهما (و) في حالة (يسر) علفـ (ـها) وشرابها وكثرتهما (وأما) الرجل (الذي) هي (عليه وزر) وذنب (فـ) هو الرجل (الذي يتخذها) ويقتنيها (أشرًا) أي حالة كونه ذا أشر أو لأجل الأشر والبطر والبذخ والرياء وهو قلة القيام بشكرها (وبطرًا) أي وحالة كونه ذا بطر وهو صرف النعمة في غير مصارفها (وبذخًا) أي وذا بذخ وهو الفخر بالنعمة على الناس والتطاول بها عليهم (ورياء الناس) أي وذا رياء للناس وهو أن يُرِيَ الناس ما أعطاه الله له على سبيل الظهور والترفع عليهم قال الراغب: الأشر شدة البطر والبطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها اهـ. والبذخ بالتحريك الفخر والتطاول على الناس كما في النهاية اهـ من بعض الهوامش. وفي فتح الملهم: الأشر بفتح الهمزة والشين هو المرح واللجاج وأما البطر فهو الطغيان عند الحق وأما البذخ بفتح الموحدة والذال المعجمة فهو بمعنى الأشر والبطر.

فَذَاكَ الَّذِي هِيَ عَلَيهِ وزْرٌ". قَالُوا: فَالْحُمُرُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ فِيهَا شَيئًا إلا هذِهِ الآيَةَ الْجَامِعَةَ الْفَاذَّةَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8]. (2173) (0) (0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (2174) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت): الثلاثة كلها بمعنى واحد وهو قلة القيام بشكر النعمة وصرفها في غير مصارفها. (فذاك) الرجل هو (الذي هي عليه وزر) وذنب (قالوا فالحمر) ماحكم صاحبها (يا رسول الله قال) في جوابهم: (ما أنزل الله) سبحانه وتعالى (على فبها شيئًا) من القرآن والوحي (إلا هذه الآية الجامعة) أي الشاملة لها ولغيرها (الفاذة) أي العديمة النظير بعمومها كل خير وشر مع قلة ألفاظها أعني قوله تعالى: ({فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2173) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد الجهني المدني (سني الدراوردي عن سهيل) بن أبي صالح المدني غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الدراوردي لعبد العزيز بن المختار في رواية هذا الحديث عن سهيل (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (وساق) أي ذكر الدراوردي (الحديث) السابق بمعنى حديث عبد العزيز بن المختار. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2174) (0) (0) (وحدثنيه محمد بن عبد الله بن بزيع) مكبرأ أبو عبد الله البصري ثقة من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة من (8) (حدثنا روح بن القاسم) التميمي العنبري أبو غياث البصري ثقة من (6) (حدثنا سهيل بن

أَبِي صَالِحٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال بَدَلَ (عَقْصَاءُ): "عَضْبَاءُ" وَقَال: "فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَظَهْرُهُ" وَلَمْ يَذْكرْ: جَبِينُهُ. (2175) (0) (0) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَن بُكَيرًا حَدَّثَهُ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنهُ قَال: "إِذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَرْءُ حَقَّ اللهِ أَو الصَّدَقَةَ فِي إِبِلِهِ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي صالح) المدني (بهذا الإسناذ) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة روح بن القاسم لعبد العزيز بن المختار في رواية هذا الحديث عن سهيل (و) لكن (قال) روح بن القاسم في روايته (بدل عقصاء) أي ملتوية القرنين بالرفع فيه على الحكاية وكذا قوله: (عضباء) أي مكسورة القرنين (وقال) روح: (فيكوى بها جنبه) بالإفراد بدل قول عبد العزيز (جنباه) بالتثنية وزاد روح عليه لفظة: (وظهره و) لكن (لم يذكر) روح (جبينه) بالرفع على الحكاية وهذا بيان لمحل المخالفة بينهما. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2175) (0) (0) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) ابن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري ثقة من (5) (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن ذكوان) السمان أبي صالح الزيات المدني غرضه بسوقه بيان متابعة بكير بن عبد الله لسهيل بن أبي صالح في رواية هذا الحديث عن أبي صالح السمان. (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا لم يؤد المرء) ولم يدفع (حق الله) سبحانه وتعالى أي زكاته في إبله (أو) قال الراوي: إذا لم يؤد المرء (الصدقة) الواجبة (في إبله) بطح لها بقاع قرقر بدل قول سهيل: وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها وأو للشك من الراوي (وساق) أي ذكر بكير بن عبد الله (الحديث) أي باقي الحديث (بنحو) أي بقريب (حديث سهيل) ابن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان.

(2176) (950) - (100) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَسْتَنُّ عَلَيهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: (2176) (950) (100) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن رافع: (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري) المدني وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد إما مروزي أو نيسابوري وفيه التحديث والإخبار والسماع والمقارنة. (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من صاحب إبل لا يفعل فيها) أي لا يدفع عنها (حقها) أي واجبها أو زكاتها (إلا جاءت يوم القيامة) حالة كونها (أكثر ما كانت) عليه (قط) أي في الدنيا (وقعد لها بقاع) أي بمكان مستو (قرقر) أي أملس حالة كونها (تستن) وتطؤ وتمشي (عليه بقوائمها) أي بايديها وأرجلها وقوله: (وأخفافها) بالجر معطوف على قوائمها من عطف الجزء على الكل لغرض بيان موضع الوطء منها وقوله (أكثر ما كانت) هكذا في الأصول بالثاء المثلثة قال ابن الملك: أراد بالكثرة كونها أكمل في اللحم ليكون أثقل و (قط) بفتح القاف وضم الطاء المشددة على المشهور ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للماضي المنفي نحو ما فعلته قط وقد تستعمل في الإثبات كما هنا ومعناه أكثر وجودها فيما مضى من الدهر قال المجد وفي مواضع من البخاري جاء بعد المثبت منها في الكسوف (أطول صلاة صليتها قط) وفي سنن أبي داود (توضأ ثلاثًا قط). (وقعد) بفتح القاف والعين أي جلس الصاحب لها (تستن عليه بقوائمها وأخفافها) أي ترفع يديها وتطرحهما معا على صاحبها اهـ من المبارق (بقاع قرقر) أي في مكان

وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِقَوَائِمِهَا. وَلَا صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا، إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَقَعَدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا. لَيسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا. وَلَا صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ. إلا جَاءَ كَنْزُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مستو أملس وقيل: القرقر بمعنى القاع ذكره للتأكيد أراد به موضعًا لا يكون فيه شيء يمنع الإبل من إبصار صاحبها كما في المبارق. (ولا) من (صاحب بقر لا يفعل) أي لا يدفع (فيها) أي عنها (حقها) أي زكاتها (إلا جاءت يوم القيامة كثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه) أي تطعنه (بقرونها وتطوه) أي تدوسه (بقوائمها ولا) من (صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة كثر ماكانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها) جمع ظلف وهي للشاة بمنزلة القدم للإنسان حالة كونها (ليس فيها جماء) بفتح الجيم وتشديد الميم هي كجلحاء الشاة التي لا قرن لها خلقة مذكره أجم ومن أمثالهم: (عند النطاح يغلب الكبش الأجم) ويقال أيضًا التيس الأجم كما في المجمع. (ولا منكسر قرنها) منكسر بالرفع معطوف على جماء وقرنها بالرفع فاعل لمنكسر (ولا) من (صاحب كنز) وهو كل مال مخزون مبطونًا كان في الأرض أو لا لكن المراد به هنا مال وجبت فيه الزكاة ولم تؤد عنه فإن ما أدى زكاته لا يعد كنزًا قاله ابن الملك (لا يفعل فيه) أي لا يدفع عنه (حقه) أي زكاته (إلا جاء كنزه) أي تحول كنزه (يوم القيامة شجاعًا أقرع) أي حية عظيمة أي إلا صير الله سبحانه ماله المجموع على صورة شجاع أقرع والشجاع بضم المعجمة ثم جيم الحية الذكر وقيل الذي يقوم على ذنبه ويوائب الراجل والفارس وربما بلغ رأس الفارس ويكون في الصحاري والأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط وتقشر لكثرة سمه وفي كتاب أبي عبيد: سمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه وتعقبه القزاز بأن الحية لا شعر برأسها فلعله يذهب جلد رأسه وفي تهذيب الأزهري سمي أقرع لأنه يقري السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط فروة رأسه قال القرطبي: الأقرع من الحيات الذي ابيض رأسه من السم ومن الناس الذي لا شعر برأسه لمرض كذا في الفتح وقال السندي: ولعل ذلك أي تمثله شجاعًا أقرع في بعض الأحوال

يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ. فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ. فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَأْتَهُ. فَأَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ. فَإِذَا رَأَى أَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ. فَيَقْضَمُهَا قَضْمَ الْفَحْلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والمواقف وما سبق من قوله: صفحت له صفائح في حال وموقف آخر فلا معارضة بين الحديثين اهـ فتح الملهم. (يتبعه) أي يتغ الشجاع صاحب الكنز حالة كون الشجاع (فاتحًا فاه) أي فمه ليأكله (فإذا أتاه) أي أتى الشجاع صاحب الكنز وجاءه (فر) وشرد صاحب الكنز (منه) أي من الشجاع (فيناديه) أي ينادي الشجاع صاحب الكنز فيقول في ندائه: (خذ كنزك) أي جزاءه أو منقلبه قال ابن الملك: أراد به الشجاع نفسه لما جاء في حديث آخر (ثم يقول أنا مالك أنا كنزك) (الذي خبأته) أي سترته عن المساكين وحفظته من الناس (فأنا عنه) أي عن كنزك (غني). قال ابن الملك: ظاهره مشعر بأن الشجاع غير الكنز ولعل هذا يكون تجريدًا فإنه لكماله في كونه كنزًا جرد عن نفسه كنزًا آخر اهـ. وإنما خص التمثيل بالشجاع لشدة عداوة الحيات للإنسان وفائدة هذا القول إثارة الحسرة والندامة والزيادة في التعذيب حيث لا ينفعه الندم. قال الطيبي: وفيه نوع تهكم لمزيد غمه وهمه لأنه شر أتاه من حيث كان يرجو خيرًا (فإذا رأى) وظن صاحب الكنز (أن لا بد له) أي أنه لا بد ولا مفر له من الشجاع فـ (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لا النافية خبرها وجملة أن المخففة سادة مسد مفعولي رأى أي لأن رأى علمية فإذا علم عدم المفر والمهرب له (منه سلك) أي أدخل (يده في فيه) أي في فم الشجاع والجملة جواب إذا (فيقضمها) أي فيقضم الشجاع يده ويأكلها (قضم الفحل) من البعير الغصن من الشجر أي قضمًا كقضم الفحل أي أكلًا كأكل البعير الغصن من الشجر ففي الكلام تشبيه بليغ وإنما خص القضم باليد لأن المانع الكانز يكتسب المال بيديه يقال: قضمت الدابة شعيرها بكسر الضاد تقضمه بفتحها إذا أكلته والقضم بأطراف الأسنان والخضم بالفم كله وقيل: القضم أكل اليابس والخضم أكل الرطب ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: (تخضمون ونقضم والله الموعد) اهـ قرطبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 321) والنسائي (5/ 27).

قَال أَبُو الزُّبَيرِ: سَمِعْتُ عُبَيدَ بْنَ عُمَيرٍ يَقُولُ هذَا الْقَوْلَ. ثُمَّ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ ذلِكَ فَقَال مِثْلَ قَوْلِ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ. وَقَال أَبُو الزُّبَيرِ: سَمِعْتُ عُبَيدَ بْنَ عُمَيرٍ يَقُولُ: قَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا حَقُّ الإِبِلِ؟ قَال: "حَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ. وَإعَارَةُ دَلْوهَا. وَإِعَارَةُ فَحْلِهَا. وَمَنِيحَتُهَا. وَحَمْلٌ عَلَيهَا فِي سَبِيلِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال أبو الزبير) المكي بالسند السابق: (سمعت عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي أبا عاصم المكي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين وكان قاص أهل مكة مجمع على ثقته مات قبل ابن عمر روى عنه (ع) (يقول هذا القول) يعني قوله: فيقضمها قضم الفحل (ثم سألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (عن ذلك) القول (فقال) جابر (مثل قول عبيد بن عمير وقال أبو الزبير) أيضًا بالسند السابق: (سمعت عبيد بن عمير بقول: قال رجل: يا رسول الله ماحق الإبل قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم حقها (حلبها) أي حلب لبنها وسقيه للمساكين يوم ورودها (على الماء) وشربه قال النواوي: وفي حلبها في ذلك اليوم رفق بالماشية وبالمساكين لأنه أهون على الماشية وأرفق بها وأوسع عليها من حلبها في المنازل وهو أسهل على المساكين وأمكن في وصولهم إلى موضع الحلب ليواسوا اهـ. قال القرطبي: وخص حلب الإبل بموضع الماء ليكون أقرب على المحتاج والجائع فقد لا يقدر على الوصول لغير مواضع الماء اهـ مفهم. (وإعارة دلوها) أي إعارة دلوٍ وإناءٍ يستقى به الماء من البئر لشربها لمن احتاج إليه من أرباب الإبل والإضافة فيه لأدنى ملابسة (وإعارة فحلها) ليطرق ناقة الغير لمن احتاج إليه من أرباب الإبل (ومنيحتها) أي إعطاء ذات اللبن منها لمن يشرب ثم يردها والمنيحة ناقة أو بقرة أو شاة يعطيها صاحبها لمن به حاجة إليها لينتفع بلبنها ووبرها زمانًا ثم يردها عليه ثم صارت كل عطية منحة ويقال لها: المنحة أيضًا بكسر الميم كما في النهاية قال الفراء: يقال: منحه بفتح النون في المضارع وكسرها. وقال أبو هريرة: حق الإبل أن تنخر السمينة وتمنح الغزيرة ويفقر الظهر ويطر الفحل ويسقى اللبن وإفقار الظهر هو إعارة فقار المركوب وهو الظهر كما قد جاء في الرواية الأخرى (وحمل عليها في سبيل الله) تعالى.

(2177) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ. تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا. وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا. لَيسَ فِيهَا يَؤمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟ قَال: "إِطْرَاقُ فَحْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وظاهر هذا السؤال والجواب أن هذا هو الحق المتوعد عليه فيما تقدم حين ذكر الإبل وأنه كل الحق مع أنه لم يتعرض فيه لذكر الزكاة وفي هذا الظاهر إشكال تزيله الرواية الأخرى التي ذكر فيها (من) التي هي للتبعيض بل وقد جاء في رواية أخرى مفسرًا (ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها وكذلك قال في الغنم) وكان بعض الرواة أسقط في هذه الرواية (من) وهي مرادة ولا بد ثم ظاهره أن هذه الخصال واجبة ولا قائل به مطلقًا ولعل هذا الحديث خرج على وقت الضرورة ووجوب المواساة وحال الضرورة كما كان في أول الإسلام ويكون معنى هذا الحديث أنه مهما تعينت هذه الحقوق ووجبت فلم تفعل تعلق بالممتنع من فعلها هذا الوعيد الشديد والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2177) (0) (0) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي صدوق من (5) روى عنه في (7) (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك بن أبي سليمان لعبد الملك بن جريج في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها) أي زكاتها (إلَّا أقعد لها يوم القيامة) وأقعد كذا بزيادة الهمزة هنا في النسخ كلها خطها وطبعها وتقدم في ضبط الشارح أنه قعد بفتح القاف والعين اهـ من بعض الهوامش. (بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف) أو الخف (بظلفها) أو بخفها (وتنطحه ذات القرن بقرنها ليس فيها) أي في ذات القرن (يومئذ جماء) أي فاقدة القرن خلقة (ولا مكسورة القرن قلنا: يا رسول الله وما حقها قال إطراق فحلها) أي إعارته للضراب كما في اللسان

وَإِعَارَةُ دَلْوهَا. وَمَنِيحَتُهَا. وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ. وَحَمْل عَلَيهَا فِي سَبِيلِ اللهِ. وَلَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إلا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ. يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيثُمَا ذَهَبَ. وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ. ويقَالُ: هذَا مَالُكَ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِهِ. فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ. فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء وحمل عليها) أي إركاب الغازي (في سبيل الله) عليها. (ولا من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحول) وتصور وتمثل (يوم القيامة شجاعًا أقرع يتبع صاحبه) أي صاحب المال (حيثما ذهب) صاحب المال أي يتبع الشجاع صاحب المال أي موقف وقف فيه من مواقف يوم القيامة (وهو) أي والحال أن صاحب المال (يفر) ويهرب (منه) أي من الشجاع (ويقال) له أي تقول له الملائكة أو الشجاع كما مر: (هذا) الشجاع (مالك الذي كنت) في الدنيا (تبخل) وتشح (به) أي بادائه في حق الله تعالى (فإذا رأى) وعلم صاحب المال (أنه) أي أن الشأن والحال (لا بد) أي لا مفر ولا مهرب له (منه) أي من ذلك الشجاع (أدخل) صاحب المال (يده في فيه) أي فم الشجاع (فجعل) أي شرع الشجاع (يقضمها) أي يقضم يده ويمضغها (كما يقضم) أي يمضغ (الفحل) الذكر من الإبل غصن الشجر وقوله: (هذا مالك الذي تبخل به) هذا إخبار لمزيد الغصة والهم لأنه شر أتاه من محبوبه الذي كان يعده للنوائب ويرجو منه خيرًا عظيمًا وفيه نوع تهكم كأنه يقول له أتفر من محبوبك وأنيسك ومن كنت ترجو الخيرات من قبله اهـ من بعض الشروح. وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة: (ويأتي الكنز شجاعًا أقرع فيلقى صاحبه يوم القيامة فيفر منه صاحبه مرتين ثم يستقبله فيفر فيقول: مالي ولك فيقول: أنا كنزك فيتقيه بيده فيلقمها) وفيه عن عبد الله بن مسعود: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع حتى يطوق عنقه ثم قرأ صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان: الأول: حديث أبي هريرة: ذكره للاستدلال وذكر فيه خمس متابعات. والثاني: حديث جابر رضي الله عنه ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدةً. ***

418 - (36) باب إرضاء السعاة وتغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة

418 - (36) باب إرضاء السعاة وتغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة (2178) (951) - (101) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَبِي إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ هِلالٍ الْعَبْسِيُّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأعرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُصَدِّقِينَ يَأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 418 - (36) باب إرضاء السعاة وتغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة والسعاة جمع الساعي وهم العاملون عليها. (2178) (951) (101) (حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري) البصري (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا محمد بن أبي إسماعيل) راشد السلمي الكوفي روى عن عبد الرحمن ابن هلال في الزكاة والعلم وأنس وجماعة ويروي عنه: (م د س) وعبد الواحد بن زياد وعبد الرحيم بن سليمان ويحيى بن سعيد القطان وأبو أسامة وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة (حدثنا عبد الرحمن بن هلال العبسي) بموحدة ساكنة الكوفي روى عن جرير بن عبد الله في الزكاة والعلم والرفق ويروي عنه: (م دس ق) ومحمد بن أبي إسماعيل وأبوالضحى وتميم بن سلمة وغيرهم وثقه النسائي وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات (عن جرير بن عبد الله) بن جابر البجلي اليماني وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد يماني (قال) جرير: (جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ناسًا من المصدقين) بتخفيف الصاد وهم السعاة العاملون على الصدقات أي إن المصدقين الذين أرسلتهم إلينا لأخذ الزكوات منا (يأتوننا) أي يأتون إلينا لأخذ الزكوات (فيظلموننا) أي في زعم القائلين كما سيأتي (قال) جرير: (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضوا مصدقيكم) أي السعاة الذين يأخذون الصدقات منكم أي تحروا إرضاءهم ببذل الواجب وملاطفتهم وتلقيهم بالترحيب وترك مشاقتهم زاد في رواية أبي داود: (قالوا: يا رسول الله وإن ظلمونا قال: أرضوا مصدقيكم وإن ظلمتم)

قَال جَرِيرٌ: مَا صَدَرَ عَني مُصَدِّقٌ، مُنْذُ سَمِعْتُ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إلا وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ. (2179) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالبناء للمجهول أي وإن اعتقدتم أنكم مظلومون بسبب حبكم أموالكم ولم يرد أنهم وإن كانوا مظلومين حقيقة يجب إرضاؤهم بل المراد أنه يستحب إرضاؤهم وإن كانوا مظلومين لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن تمام زكواتكم رضاؤهم) اهـ من فتح الملهم. قال الطيبي: لأن لفظة (إن) الشرطية هنا تدل على الفرض والتقدير لا على الحقيقة فإنهم كانوا عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يستعمل ظالمًا اهـ. قال القاضي عياض: وفي الحديث مداراة الأمراء ومدافعتهم بالتي هي أحسن وترك القيام عليهم وفيه مداراة جميع المسلمين فيما لا يضر بالدين. قال النواوي: والحديث محمول على ظلم لا يفسق به الساعي إذ لو فسق لانعزل ولم يجب الدفع إليه بل لا يجزئ والظلم قد يكون بغير معصية الله فإنه مجاوزة الحد ويدخل في ذلك المكروهات اهـ. (قال جرير) بن عبد الله راوي الحديث رضي الله عنه: (ما صدر) أي رجع (عني مصدق) أي ساع (منذ سمعت) أي بعد ما سمعت (هذا) الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو) أي إلا والحال أن المصدق (عني راض) غير غضبان علي بعدم دفع الواجب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير رضي الله عنه فقال: (2179) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الطائي أبو علي المروزي ثقة من (8) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا يحيى بن معيد) القطان البصري (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من عبد الرحيم ويحيى بن سعيد وأبي أسامة رووا (عن

مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (2180) (952) - (102) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: انْتَهَيتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ. فَلَمَّا رَآنِي قَال: "هُمُ الأَخْسَرُونَ. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ" قَال: فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ. فَلَمْ أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن أبي إسماعيل) راشد الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير (نحوه) أي نحو ما روى عبد الواحد بن زياد عن محمد بن أبي إسماعيل غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الواحد بن زياد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال: (2180) (952) (102) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد) الأسدي أبي أمية الكوفي وثقه أبو حاتم وقال في التقريب: ثقة من (3) وعاش (120) سنة (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وتقدم البسط في ترجمته روى عنه في (4) أبواب وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا ذر الغفاري (قال) أبو ذر: (انتهيت) أي وصلت (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (جالس في ظل الكعبة فلما رآني) النبي صلى الله عليه وسلم (قال: هم الأخسرون) أي الأكثرون في المال هم الأكثرون خسارة في المآل قال ابن الملك: هم ضمير لم يذكر مرجعه لكن يأتي تفسيره وهو قوله: (هم الأكثرون) (و) أقسمت لكم بـ (رب الكعبة) المشرفة سبحانه وتعالى وهذا قسم يناسب المقام وفيه جواز الحلف بغير تحليف بل هو مستحب إذا كان فيه مصلحة كتأكيد أمر وتحقيقه ونفي المجاز عنه وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا النوع لهذا المعنى (قال) أبو ذر: (فجئت) أي تقربت إليه (حتى جلست) قريبًا منه (فلم أتقار) أي فلم أتمكن من القرار والثبات جالسًا معرضًا من (أن قمت) أي من القيام أي فلم أثبت جالسًا حتى قمت وسألته (فقلت: يا رسول الله فداك أبي وأمي) من كل مكروه قال القاري: بفتح الفاء لأنه ماض خبر بمعنى الدعاء ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال أي يفديك

مَنْ هُمْ؟ قَال: "هُمُ الأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا. إلا مَنْ قَال هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا (مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ) وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي وأمي من كل مكروه وهم أعز الأشياء عندي (من هم) أي من الأخسرون؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم) أي الأخسرون الذين ذكرتهم هم (الأكثرون) في الدنيا (أموالًا) الأقلون أجرًا في الآخرة (إلا من قال) وصرف بأمواله (هكذا) أي قدامه (و) صرفها (هكذا) أي خلفه (و) صرفها (هكذا) أي يمينه وصرفها هكذا أي شماله وقوله: أي صرفها (من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله) بيان لاسم الإشارة واقتصر في الإشارة على الثلاث لأنه أقل الجمع. قال الطيبي: يقال: قال بيده أي أشار وقال بيده أي أخذ وقال برجله أي ضرب وقال بالماء على يده أي صبه وقال بثوبه أي رفعه فيطلقون القول على جميع الأفعال توسعًا. وقال في الحديث بمعنى أشار بيده إشارة مثل هذه الإشارة ومن بيان للإشارة في قوله: هكذا وهكذا وهكذا ثلاث مرات والمراد بالثلاث الجمع لأنه أقل مراتب الجمع اهـ فتح الملهم قال النواوي: فيه الحث على الصدقة في وجوه الخير وأنه لا يقتصر على نوع من وجوه البر بل ينفق في كل وجه من وجوه الخير يحضر وفيه جواز الحلف بغير تحليف إلى آخر ما سبق آنفًا وأما إشارته صلى الله عليه وسلم إلى قدام ووراء والجانبين فمعناها ما ذكرنا أنه ينبغي أن ينفق متى حضر أمرًا مهمًا اهـ منه. وقوله (من بين يديه ومن خلفه) الخ بيان للإشارة واشتملت هذه الرواية على الجهات الأربع وبقي من الجهات فوق وأسفل والإعطاء من قبل كل منهما ممكن لكن حذفتا لندورهما وقد فسر بعضهم الإنفاق من وراء بالوصية وليس قيدًا فيه بل قد يقصد الصحيح الإخفاء فيدفع لمن وراءه ما لا يعطى به من هو أمامه (وقليل ما هم) هم مبتدأ مؤخر وقليل خبره وقدم الخبر للمبالغة في الاختصاص وما زائدة مؤكدة للقلة أي المستثنون قليل أو من يفعل ذلك قليل وهو مقتبس من قوله تعالى: {إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} وإيماء إلى قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وإشارة إلى أفضلية الفقر لأنه طريق أسلم والله أعلم اهـ من فتح الملهم. (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم

مَا كَانَتْ وَأسْمَنَهُ. تَنْطحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا. كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيهِ أُولاهَا. حَتَّى يُقْضَى بَينَ النَّاسِ". (2181) (0) (0) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ مُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: انْتَهَيتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِل الْكَعْبَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ وَكِيعٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا عَلَى الأَرْضِ رَجُلٌ يَمُوتُ. فَيَدَعُ إِبِلَّا أَوْ بَقَرًا أوْ غَنَمًا، لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ما كانت وأسمنه) حالة كونها (تنطحه) أي تطعنه (بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت) قال النواوي: هكذا ضبطناه بالدال المهملة وكسر الفاء ونفذت بالذال المعجمة وفتح الفاء وكلاهما صحيح أي كلما مرت عليه (أخراها عادت عليه أولاها) وقوله: (حتى يفضى بين الناس) غاية لكل من تنطحه وتطؤه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: (2181) (0) (0) (وحدثناه أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن المعرور) بن سويد الأسدي الكوفي (عن أبي ذر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي معاوية لوكيع بن الجراح (قال) أبو ذر: (انتهيت) أي وصلت (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فذكر) أبو معاوية (نحو حديث وكيع) أي مثله (غير أنه) أي لكن أن أبا معاوية (قال) في روايته لفظة: (والذي نفسي بيده ما على الأرض رجل يموت فيدع) أي يترك بعد موته (إبلًا أو بقرًا أو غنمًا لم يؤد زكاتها) إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت ... الحديث. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني حديث أبي ذر الغفاري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أيضًا متابعة واحدة والله أعلم. ***

419 - (37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك

419 - (37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك (2182) (953) (103) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا. تَأْتِي عَلَى ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ. إلا دِينَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 419 - (37) باب الترغيب في الصدقة والاعتناء بالدين وذم المكثرين وأن صاحب الكبائر يدخل الجنة إلا الشرك (9182) (953) (103) (حدثنا عبد الرحمن بن سلام) بالتشديد (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري صدوق من (10) (حدثنا الربيع يعني ابن مسلم) الجُمَحِي أبو بكر المصري ثقة من (7) (عن محمد بن زياد) الجُمَحِي أبي الحارث البصري ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يسرني) أي ما يعجبني ولا يحصل لي سرور به وجملة أن في قوله: (أن لي أحدًا) بضمتين جبل معروف بالمدينة وهو اسم إن مؤخر عن خبرها (ذهبًا) تمييز لأحد فاعل يسرني أي ما يعجبني كون أحد لي ذهبًا وفي بعض الروايات: (مثل أحد ذهبًا) وفي رواية أبي شهاب عن الأعمش عند البخاري في الاستئذان (فلما أبصر أحدًا قال ما أحب أنه تحول لي ذهبًا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث) قال الحافظ: ويمكن الجمع بين قوله: (مثل أحد) وبين قوله: (تحول لي أحد) بحمل المثلية على شيء يكون وزنه من الذهب وزن أحد والتحويل على أنه إذا انقلب ذهبًا كان قدر وزنه أيضًا اهـ. وجملة قوله: (تأتي) أي تمر (عليَّ) ليلة (ثالثة) حال من الياء في قوله: (لي) أي ما يسرني كون جبل أحد لي ذهبًا حالة كوني تمر عليَّ ليلة ثالثة قيل: وإنما قيد بالثلاث لأنه لا يتهيأ تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالبًا ويعكر عليه رواية (يوم وليلة) فالأولى أن يقال: الثلاثة أقصى ما يحتاج إليه في تفرقته مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن وجملة قوله: (وعندي منه) أي من ذلك الذهب (دينار) واحد حال من الياء في عندي أي تمر عليَّ ثالثة حالة كون دينار منه عندي (إلا دينار) بالرفع على ماقاله الطيبي من أن المستثنى في حيز النفي أي لسرني أن لا يبقى منه دينار إلا دينار الخ وروي بالنصب على الاستثناء على أن المستثنى منه عام مطلق والمستثنى مقيد خاص فاتجه النصب اهـ من فتح الملهم بتصرف.

أُرْصِدُهُ لِدَينٍ عَلَيَّ". (2183) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ؛ قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (2184) (954) - (104) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. كلُّهُمْ عَنْ أَبِي فعَاويةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيدِ بْنِ وَهْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة قوله: (أرصده) أي أعده وأهيؤه وأحفظه (لدين عليَّ) أي لقضاء دين ثابت عليَّ صفة للمستثنى أي لسرني أن لا يبقى منه دينار إلا دينارًا مدخرًا لقضاء دين على وهذا الإرصاد أعم من أن يكون لصاحب دين غائب حتى يحضره فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المتابعة فيه فقال: (2183) (0) (0) (وحدثنا محمد بن بشار) البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن محمد بن زياد) الجُمَحِي البصري (قال) محمد: (سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق شعبة (بمثله) أي بمثل حديث الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة للربيع بن مسلم. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما فقال: (2184) (954) (104) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (كلهم) أي كل من الأربعة رووا (عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال يحيى) بن يحيى: (أخبرنا أبو معاوية) بصيغة السماع (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني أبي سليمان الكوفي ثقة مخضرم من (2)

عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ، عِشَاءً. وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى أُحُدٍ. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا ذَاكَ عِندِي ذَهَبٌ. أَمْسَى ثَالِثَةً عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ. إلا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ هاجر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة كوفيون وواحد مدني أو ثلاثة كوفيون وواحد نيسابوري وواحد مدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة. (قال) أبو ذر (كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة) وهي أرض ذات حجارة سود خارج المدينة المنورة وهي بين حرتين وتسميان لابتين اهـ نواوي. وقيل: الحرة هي الأرض التي حجارتها سود وهي تشتمل جميع جهات المدينة التي لا عمارة فيها وهذا يدل على أن قوله في رواية المعرور بن سويد عن أبي ذر: (انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة وهو يقول: هم الأخسرون ورب الكعبة فذكر قصة المكثرين) وهي قصة أخرى مختلفة الزمان والمكان والسياق كذا في الفتح اهـ فتح الملهم. وقيل: حرة المدينة مكان معروف بالمدينة من الجانب الشمالي منها وكانت به الوقعة المشهورة في زمن يزيد بن معاوية اهـ منه. وقوله: (عشاءً) بكسر العين ظرف متعلق بأمشي أي أمشي معه في وقت عشاء والعشاء ظلمة أوائل الليل (ونحن) أي والحال أنا والنبي صلى الله عليه وسلم (ننظر) ونبصر (إلى أحد) جبل عظيم معروف بالمدينة لعدم شدة الظلام (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر قال) أبو ذر (قلت) إجابة لندائه: (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة (يا رسول الله) ماذا تقول وماذا تريد وفيه جواز الجواب بلبيك وسعديك قاله القاضي عياض. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر: (ما أحب أن أحدًا) هـ (ـذاك) بدل من اسم أن كائن (عندي) خبرها (ذهب) خبر ثان لها وجملة قوله: (أمسى) ذلك الذهب ودخل (ثالثة) أي ليلة ثالثة صفة لذهب وجملة قوله: (عندي منه دينار) حال من فاعل أمسي أي ما أحب كون أحد هذا ذهبًا أمسي ثالثة والحال أن عندي منه دينار (إلا دينارًا أرصده) بضم الهمزة من الإرصاد أي أهيؤه وأبقيه (لي) قضاء (دين) عليَّ أي ما

إلا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ. هكَذَا (حَثَا بَينَ يَدَيهِ) وَهكَذَا (عَنْ يَمِينِهِ) وَهكَذَا (عَنْ شِمَالِهِ) "قَال: ثُمَّ مَشَينَا فَقَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "إِنَّ الأكثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إلا مَنْ قَال هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا" مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي الْمَرَّةِ الأوُلَى. قَال: ثُمَّ مَشَينَا. قَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ، كَمَا أَنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أريد بقاء دينار منه عندي (إلا أن أقول به) أي إلا أن أصرفه وأنفقه (في) حوائج (عباد الله) سبحانه وتعالى قدامًا ويمينًا وشمالًا وفي بعض الهوامش أي ما أحب كون أحد ذهبًا بقي عندي منه دينار في مساء الليلة الثالثة إلا أن أنفق به في عباد الله وأصرفه في حوائجهم وفي إحدى روايات البخاري فلما أبصر أحدًا قال ما أحب أنه يتحول لي ذهبًا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث. وقوله: (إلا أن أقول به) إلخ أي أصرفه وأنفقه ففيه إطلاق القول على الفعل كما مر مرارًا. قال العسقلاني: هو استثناء بعد استثناء فيفيد الإثبات فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيد بعدم الإنفاق فيلزم محبة وجوده مع الإنفاق فما دام الإنفاق مستمرًا لا يكره وجود المال وإذا انتفى الإنفاق ثبتت كراهية وجود المال ولا يلزم من ذلك كراهة حصول شيء آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر منه مع استمرار الإنفاق اهـ منه وذكره القسطلاني أيضًا أي إلا أن أنفقه في عباد الله إنفاقًا كائنًا (هكذا) قال أبو ذر في تفسير هكذا أي: (حثا) ورمى النبي صلى الله عليه وسلم وحفن (بين يديه و) إنفاقًا كائنًا (هكذا) أي: حثا (عن يمينه و) إنفاقًا كائنًا (هكذا) أي حثا (عن شماله) والمراد بهذه الجهات ما ينفق فيه من جميع وجوه المكارم والخيرات (قال) أبو ذر: (ثم) بعد ما قال ذلك الكلام (مشينا) سويعة (فقال) لي: (يا أبا ذر قال) أبو ذر: (قلت) مجيبًا له: (لبيك يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأكثرين) أموالًا في الدنيا (هم الأقلون) أجرًا وثوابًا (يوم القيامة) وهذا في حق من كان مكثرًا ولم يتصف بما دل عليه الاستثناء المذكور بقوله: (إلا من قال) منهم بأمواله أي: إلا من صرفها وأنفقها (هكذا) أي بين يديه (و) صرفها (هكذا) أي يمينه (و) صرفها (هكذا) أي شماله قال أبو ذر: صنع النبي صلى الله عليه وسلم في الإشارة (مثل ما صنع في المرة الأولى) يعني حثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله (قال) أبو ذر: (ثم) بعد ما قال ذلك (مشينا) سويعة ثم (قال: يا أبا ذر) كن (كما) كنت (أنت) عليه الآن أي الزم

حَتَّى آتِيَكَ" قَال: فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي. قَال: سَمِعْتُ لَغَطًا وَسَمِعْتُ صَوْتًا. قَال: فَقُلْتُ: لَعَل رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ لَهُ. قَال: فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَّبِعَهُ. قَال: ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: "لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ" قَال: فَانْتَظَرْتُهُ. فَلَمَّا جَاءَ ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي سَمِعْتُ. قَال: فَقَال: "ذَاكَ جِبْرِيلُ. أَتَانِي فَقَال: مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكانك ولا تبرح عنه (حتى آتيك) وأرجع إليك (قال) أبو ذر: (فانطلق) رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب من عندي (حتى توارى) أي حتى غاب واستتر (عني قال) أبو ذر: ثم (سمعت لغطًا) بفتح الغين وإسكانها لغتان أي جلبة وأصواتًا مرتفعة مختلطة. وقال الأبي: إن كان اللغط اختلاط الأصوات وارتفاعها فلعله كان مع جبريل عليه السلام غيره من الملائكة. (وسمعت صوتًا) غير مفهوم (قال) أبو ذر: (فقلت) في نفسي: (لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض له) على صيغة المبني للمجهول أي عرض له الجن وأصابه منهم مس. وفي بعض الروايات: (فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم) أي تعرض له بسوء. (قال) أبو ذر: (فهممت) أي قصدت (أن أتبعه) وألحقه بفتح الهمزة وتشديد التاء من الإتباع بمعنى اللحوق أي أردت أن أذهب إليه وفيه أدب أبي ذر مع النبي صلى الله عليه وسلم وترقبه أحواله وشفقته عليه حتى لا يدخل عليه أدنى شيء مما يتأذى به (قال) أبو ذر: (ثم ذكرت) أي تذكرت (قوله) لي (لا تبرح) أي لا تزل عن مكانك هذا (حتى آتيك) وأرجع إليك فيه امتثال أمر الكبير بالوقوف عنده أولى من ارتكاب ما يخالفه بالرأي ولو كان فيما يقتضيه الرأي توهم دفع مفسدة حتى يتحقق ذلك فيكون دفع المفسدة أولى (قال) أبو ذر: (فانتظرته) صلى الله عليه وسلم في مكاني ذلك حتى رجع (فلما جاء) في (ذكرت له) صلى الله عليه وسلم الصوت (الذي سمعتـ) ـه أي سألته عن ذلك وفيه استفهام التابع من متبوعه على ما يحصل له فائدة دينية أو علمية أو غير ذلك (قال) أبو ذر: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي: (ذاك) الصوت صوت (جبريل) - عليه السلام - أو الذي كنت أخاطبه جبريل (أتاني) أي جاءني (فقال) لي: (من

مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِك بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قَال: قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مات من أمتك) يا محمد حالة كونه (لا يشرك بالله شيئًا) من المخلوق (دخل الجنة قال) أبو ذر: (قلت) له - صلى الله عليه وسلم - دخل الجنة: (وإن زنى وإن سرق قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم دخل الجنة: (وإن زنى وإن سرق). وفي الحديث حجة لأهل السنة في أنه لايخلد أصحاب الكبائر من المؤمنين في النار خلافًا للخوارج والمعتزلة وخص الزنا والسرقة بالذكر لكونهما من أفحش الكبائر وهو داخل في أحاديث الرجاء كما في النواوي اهـ منه. قوله: (دخل الجنة) رتب دخول الجنة على الموت بغير إشراك بالله وقد ثبت الوعيد بدخول النار لمن عمل بعض الكبائر وبعدم دخول الجنة لمن عملها فلذلك وقع الاستفهام قوله: (وإن زنى وإن سرق) فيه المراجعة في العلم بما تقرر عند الطالب في مقابلة ما يسمعه مما يخالف ذلك لأنه تقرر عند أبي ذر من الآيات والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب فلما سمع أن من مات لا يشرك دخل الجنة استفهم عن ذلك بقوله: (وإن زنى وإن سرق) واقتصر على هاتين الكبيرتين لأنهما كالمثالين فيما يتعلق بحق الله وبحق العباد. وقد حمل البخاري هذا الحديث على من تاب عند الموت وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعم من أن يكون ابتداء أو بعد المجازاة على المعصية. قال الطيبي: قال بعض المحققين: قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث المطلقة ذريعة إلى طرح التكاليف وإبطال العمل ظنًّا أن ترك الشرك كاف وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له بل يقتضي الانخلاع عن الدين والانحلال عن قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبْط وترك الناس سدىً مهملين وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى مع أن قوله في بعض طرق الحديث (أن يعبدوه) يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية وقوله: (ولا يشركوا به شيئًا) يشمل مسمى الشرك الجلي والخفي فلا راحة للتمسك به في ترك العمل لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض فإنها في حكم الحديث الواحد فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها وبالله التوفيق اهـ من فتح الملهم.

(2185) (0) (0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ رُفَيعٍ) عَنْ زَيدِ بنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ قَال: خَرَجْتُ لَيلَةً مِنَ اللَّيَالِي. فَإِذَا رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي وَحْدَهُ. لَيسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ. قَال: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ. قَال: فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ. فَالْتَفَتَ فَرآنِي. فَقَال: "مَنْ هذَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 395) والبخاري (2388) والترمذي (2644) والنسائي (1120) في عمل اليوم والليلة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - فقال: (2185) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن عبد العزيز وهو ابن رفيع) مصغرًا الأسدي أبي عبد الله المكي سكن الكوفة من صغار التابعين لقي بعض الصحابة كأنس وثقه أحمد وابن معين وقال في التقريب: ثقة من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن أبي ذر) الغفاري المدني. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد العزيز بن رفيع للأعمش في رواية هذا الحديث عن زيد بن وهب. (قال) أبو ذر: (خرجت) من منزلي (ليلة من) بعض (الليالي فإذا) فجائية (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي وحده) أي فاجأني مشيه - صلى الله عليه وسلم - وحده وقوله: (ليس معه إنسان) تأكيد لقوله: (وحده) ويحتمل أن يكون لرفع توهم أن يكون معه أحد من غير جنس الإنسان من ملك أو جن وفيه حسن الأدب مع الأكابر وأن الصغير إذا رأى الكبير منفردًا لا يتسور عليه ولا يجلس معه ولا يلازمه إلا بإذن منه وهذا بخلاف ما إذا كان في مجمع كالمسجد والسوق فيكون جلوسه معه بحسب ما يليق به اهـ فتح الملهم. (قال) أبو ذر: (فظننت أنه) - صلى الله عليه وسلم - (يكره أن يمشي معه أحد) من الناس (قال) أبو ذر (فجعلت) أي شرعت أن (أمشي في ظل القمر) أي في المكان الذي ليس للقمر فيه ضوء ليخفي شخصه وإنما استمر يمشي لاحتمال أن يطرأ للنبي - صلى الله عليه وسلم - حاجة فيكون قريبًا منه (فمالتفت) النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جوانبه (فرآني) أي فأبصرني (فقال) لي: (من هنا) الذي يمشي في ظل القمر كأنه رأى شخصه ولم يتميز

فَقُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ. جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! تَعَالهْ" قَال: فَمَشَيتُ مَعَهُ سَاعَةً. فَقَال: "إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللهُ خَيرًا. فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالهُ، وَبَينَ يَدَيهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيرًا" قَال: فَمَشَيتُ مَعَهُ سَاعَةً. فَقَال: "اجْلِسْ ههُنَا" قَال: فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ له (فقلت): ها أنا (أبو ذر) الغفاري يا رسول الله وفيه جواز تكنية الرجل نفسه لغرض صحيح كأن يكون أشهر من اسمه ولا سيما إن كان اسمه مشتركًا بغيره وكنيته فردة (جعلني الله) سبحانه وتعالى (فداءك) من كل مكروه كذا بالمد وفي بعض النسخ (فداك) بالقصر. قال القاضي عياض: فيه جواز الفدية خلافا لمن كرهها وقال: لا يفدى بمسلم. فـ (قال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أبا ذر تعاله) كذا بهاء السكت ويروى (تعال) بإسقاطها كما يظهر من شروح البخاري في الرقاق. (قال) أبو ذر: (فمشيت معه) - صلى الله عليه وسلم - (ساعة) أي زمنًا قليلًا (فقال: إن المكثرين) أموالًا في الدنيا (هم المقلون) أجرًا (يوم القيامة إلا من أعطاه الله) تعالى (خيرًا) أي مالًا (فنفح فيه) بنون وفاء ومهملة أي أعطى منه كثيرًا بغير تكلف (يمينه وشماله وبين يديه ووراءه) أي أعطى منه يمينًا وشمالًا وبين يديه ووراءه أي خلفه قال القرطبي: كلها منصوبة على الظرفية معمولة لنفح وذكر هذه الجهات كناية عن كثرة العطاء فكأنه يعطي السؤال من أي جهة أتوه اهـ من المفهم. قال النواوي: النفح الرمي والضرب أي ضرب بيديه ووضعهما فيه وأنفقه في كل الجهات الأربع والمراد بالجهات الأربع جميع وجوه المكارم والخيرات كما سبق (وعمل فيه) معطوف على نفح عطف تفسير أي عمل في ذلك المال (خيرًا) أي حسنة وفيه جناس تام في قوله: (أعطاه الله خيرًا) وفي قوله: (وعمل فيه خيرًا) فمعنى الخير الأول المال كما في قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيرًا الْوَصِيَّةُ} وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيرِ لَشَدِيدٌ} ومعنى الخير الثاني الحسنة وطاعة الله تعالى (قال) أبو ذر: (فمشيت معه) - صلى الله عليه وسلم - (ساعة) أي زمنًا قليلًا (فقال) لي: (اجلس ها هنا) أي في هذا المكان (قال) أبو ذر: (فأجلسني) أي أمرني بالجلوس (في قاع) أي في أرض سهلة منبطحة قال القرطبي: والقاع المستوي من الأرض في انخفاض.

حَوْلَهُ حِجَارَةٌ. فَقَال لِي: "اجْلِسْ ههُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيكَ" قَال: فَانْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى لَا أَرَاهُ. فَلَبِثَ عَنِّي. فَأَطَال اللُّبْثَ. ثُمَّ إِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَهُوَ يَقُولُ: "وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى" قَال: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاءَكَ. مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيكَ شَيئًا. قَال: "ذَاكَ جِبْرِيلُ. عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ. فَقَال: بَشَّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَال: نَعَمْ. قَال: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَال: نَعَمْ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (حوله) أي حول ذلك القاع وجوانبه (حجارة) سود كثيرة (فقال لي: اجلس ها هنا) أي في هذا القاع (حتى أرجع إليك) بعد قضاء حاجتي (قال) أبو ذر: (فانطلق) أي ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - (في) تلك (الحرة) قال القرطبي: الحرة الصحراء ذات الحجارة السود وجمعها: حرات اهـ مفهم. وابتعد عني (حتى لا أراه) ولا أبصره بعيني (فلبث عني) أي مكث عني وأخر الرجوع إلي (فأطال اللبث) بفتح اللام وضمها نظير المكث والمكث أي فأطال التأخر عني (ثم) بعد ما تأخر عني (إني سمعته وهو مقبل) أي ذاهب إلي (وهو) أي والحال أنه (يقول: وإن سرق وإن زنى قال) أبو ذر: (فلما جاء) ووصل إلي (لم أصبر) عن سؤاله (فقلت) له في سؤاله: (يا نبي الله جعلني الله فداءك من تكلم) بضم التاء وكسر اللام المشددة من التكليم أي من الذي تكلمه (في جانب) هذه (الحرة) القريبة إلي (ما سمعت أحدًا) من الناس (يرجع إليك شيئًا) من الكلام لا قليلًا ولا كثيرًا (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ذاك) الذي أكلمه هو (جبريل) الأمين - عليه السلام - (عرض) أي ظهر (لي) جبريل (في جانب) هذه (الحرة فقال) لي جبريل: (بشر أمتك) يا محمد يعني أمة الإجابة (أنه) أي أن الشأن والحال (من مات) منهم حالة كونه (لا يشرك بالله شيئًا) من الشرك أو شيئًا من المخلوق (دخل الجنة) ابتداء بمحض فضله تعالى أو بعد المجازاة على ذنوبه (فقلت) له: (يا جبريل) هل يدخل الجنة (وإن سرق وإن زنى قال) جبريل: (نعم) يدخل الجنة وإن سرق وإن زنى (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قلت) لجبريل يدخل الجنة (وإن سرق وإن زنى قال) جبريل: (نعم) يدخل الجنة وإن فعل ذلك (قال) النبي - صلى الله

قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَال: نَعَمْ. وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (قلت) له يدخل الجنة (وإن سرق وإن زنى قال) جبريل: (نعم) يدخلها (وإن) سرق وزنى و (شرب الخمر). وهذه الرواية صريحة في أن القائل ذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم - والمقول له هو الملك المبشر الذي بشره به وسائر الروايات تدل على أن القائل هو أبو ذر والمقول له هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويمكن أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله مستوضحًا وأبو ذر قاله مستبعدًا والله أعلم. قوله: (وإن شرب الخمر) فيه إشارة إلى فحش تلك الكبيرة لأنها تؤدي إلى خلل العقل الذي شرف به الإنسان على البهائم وبوقوع الخلل فيه قد يزول التوقي الذي يحجز عن ارتكاب بقية الكبائر والله أعلم اهـ من فتح الملهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث أبي ذر - رضي الله عنه - ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدةً.

420 - (38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف

420 - (38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف (2186) (955) - (105) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ. قَال: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَبَينَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيشٍ. إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ. أَخْشَنُ الْجَسَدِ. أَخْشَنُ الْوَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 420 - (38) باب التغليظ على الكنازين وتبشير المنفق بالخلف (2186) (955) (105) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الأسدي البصري (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري ثقة من (5) (عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري البصري ثقة من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن الأحنف بن قيس) التميمي السعدي أبي بحر البصري اسمه الضحاك بن قيس والأحنف لقب له أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسلم ويروى بسند لين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له وقيل: اسمه صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن سعد بن زيد بن تميم كان من عقلاء الناس وفضلائهم وحلمائهم. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نسائي روى عن أبي ذر في الزكاة وعبد الله بن مسعود في العلم وأبي بكرة في الفتن وعن عمر وعثمان وعلي ويروي عنه: (ع) وأبو العلاء بن الشخير وخليد العصري وطلق بن حبيب والحسن البصري وجماعة وقال في التقريب: ثقة مخضرم مات سنة (67) سبع وستين بالكوفة في إمارة ابن الزبير وليس في مسلم من اسمه الأحنف إلا هذا. (قال) الأحنف: (قدمت المدينة فبينا) بالألف ظرف مضاف إلى الجملة وقد مر بسط الكلام فيه في كتاب الإيمان (أنا في حلقة) بإسكان اللام وحكى الجوهري لغة رديئة في فتحها (فيها) أي في تلك الحلقة (ملأ) أي أشراف (من قريش) قال النواوي: الملأ الأشراف ويقال للجماعة (إذ) فجائية رابطة لجواب بينا وهو جملة قوله: (جاء رجل) أي بينا أوقات جلوسي في ملأ من قريش فاجأنا مجيء رجل (أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه) بالخاء والشين المعجمتين في الألفاظ الثلاثة ونقله القاضي هكذا عن الجمهور وهو من الخشونة وهو أصوب لأنه هو اللائق بزي أبي ذر وطريقته والخشن من

فَقَامَ عَلَيهِمْ فَقَال: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثياب الغليظ الذي لا قيمة له ومن الجسد الأغبر ومن الوجه الذي لا تدهن فيه قال: وعند ابن الحذاء في الأخير خاصة (حسن الوجه) من الحسن ضد القبح. ورواه القابسي في البخاري (حسن الشعر والثياب والهيئة) من الحسن ولغيره (خشن) من الخشونة وهو أصوب لما مر آنفًا. وفي رواية يعقوب بن سفيان من طريق حميد بن هلال عن الأحنف: (قدمت المدينة فدخلت مسجدها إذ رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية يشبه بعضه بعضًا فقالوا: هذا أبو ذر). (فقام) أي وقف (عليهم) أي على أولئك الملإ (فقال: بشر) أيها المخاطب (الكانزين) بالنون والزاي جمع كانز اسم فاعل من كنز يكنز من باب ضرب. وفي رواية الإسماعيلي: (بشر الكنَّازين) بتشديد النون جمع كنَّاز مبالغة كانز وقال ابن قرقول: وعند الطبري والهروي الكاثرين بالثاء المثلثة والراء من الكثرة والمعروف هو الأول. وقوله: بشر من باب التهكم كما في قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وقد تقدم تفسير الكنز في باب (إثم مانع الزكاة) فليراجع. قال ابن عبد البر: وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله وإن آية الوعيد نزلت في ذلك وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانع الزكاة وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال: (هل عليَّ غيرها قال: لا إلا أن تطوع) اهـ من فتح الملهم. أي بشر أيها المخاطب الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله (برضف) بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها فاء هي الحجارة المحماة واحدها رضفة مثل تمر وتمرة (يحمى عليه) أي يوقد عليه (في نار جهنم فيوضع) ذلك الرضف (على حلمة) بفتح الحاء المهملة واللام هو ما نشز من الثدي وطال ويقال لها قراد الصدور وفي المحكم: حلمتا الثديين طرفاهما وعن الأصمعي هو رأس الثدي من المرأة

ثَدْيِ أَحَدِهِمْ. حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيهِ. يَتَزَلْزَلُ. قَال: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُؤُوسَهُمْ. فَمَا رَأَيتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيهِ شَيئًا. قَال: فَأدْبَرَ. وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ. فَقُلْتُ: مَا رَأَيتُ هؤُلاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. قَال: إِنَّ هؤُلاءِ لَا يَعْقِلُونَ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والرجل وفي هذا الحديث جواز استعمال الثدي للرجال وهو الصحيح أي يوضع ذلك الرضف على رأس (ثدي أحدهم حتى يخرج) ذلك الرضف (من نغض كتفيه) بضم النون وسكون المعجمة بعدها ضاد معجمة العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف قال الخطابي: هو الشاخص منه. وأصل النغض الحركة فسمى ذلك الموضع نغضًا لأنه يتحرك بحركة الإنسان. حالة كون ذلك الرضف (يتزلزل) أي يتحرك ويضطرب ويتجول في باطنه من النغض إلى الحلمة قبل خروجه إلى ظاهره. وفي رواية الإسماعيلي: (فيتجلجل) بجيمين وهو بمعنى الأول. (قال) الأحنف: (فوضع القوم) أي طأطأوا وخفضوا (رؤوسهم) وأطرقوها متخشعين أو مستثقلين يدل عليه قوله: (إن هؤلاء لا يعقلون). (فما رأيت أحدًا منهم) أي من الملإ (رجع) أي رد (إليه) أي إلى ذلك الرجل الواقف فوقهم (شيئًا) من الجواب يعني ما أجابه أحد منهم بشيء من الجواب بل سكتوا وأطرقوا رؤوسهم وأمالوها إلى أذقانهم وما رفعوها إليه عند كلامه وبعد ختامه وما أجابه أحد بكلمة (قال) الأحنف: (فأدبر) ذلك الرجل القائل وذهب وهو أبو ذر (واتبعته) أي لحقته ومشيت وراءه ومشى (حتى جلس إلى سارية) أي مسندًا ظهره إلى سارية من سواري المسجد أي إلى عمود منها أو عند سارية قال الأحنف: (فقلت) له: (ما رأيت) أنا ولا ظننت (هولاء) الملإ (إلا كرهوا ما قلت لهم) من الكلام السابق لأنهم سكتوا عنك ولم يردوا عليك شيئًا مما يدل على القبول أو الإنكار (قال) الرجل: لا تستغرب ذلك أي ما وقع منهم من الكراهية فـ (ـإن هؤلاء) الملإ (لا يعقلون) أي لا يعرفون (شيئًا) من مصالح دينهم ولا يحبون النصيحة لهم ولذلك كرهوا كلامي فسر ذلك في الأخير بقوله (ثم هؤلاء يجمعون الدنيا) فالذين يجمعون الدنيا لا يفهمون كلام من ينهاهم عن الكنز اهـ من فتح الملهم.

إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ. فَقَال: "أَتَرَى أُحُدًا؟ " فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ. فَقُلْتُ: أَرَاهُ. فَقَال: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ. إِلَّا ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم علل أبو ذر قوله لهم ذلك الكلام بقوله: (إن خليلي) وحبيبي (أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -) وهذا حديث مستقل تقدم الكلام عليه قريبًا. قال الحافظ: وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب إليه من ذم اكتناز المال وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب ومن ثم عقبه البخاري بالترجمة التي تليه فقال: (باب إنفاق المال في حقه) وأورد فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على من لا يؤدي الزكاة. (دعاني) يومًا (فأجبته فقال) لي: (أترى) أي هل ترى وتبصر (أحدًا) جبل معروف بالمدينة واستفهامه له عن رؤيته لتحقق رؤيته حتى يشبه له ما أراد بقوله: (ما يسرني أن لي مثله ذهبًا) اهـ مفهم. قال أبو ذر: (فنظرت ما) بقي (عليَّ من الشمس) لأعرف كم بقي من النهار فإنه كما حكاه ظن أنه - صلى الله عليه وسلم - يبعثه إلى جهة أحد في حاجة له. قال السندي: أي تأملت ما علي من التعب بواسطة حرارة الشمس على تقدير الذهاب إلى أحد على ما فهمت من كلامه اهـ. قال العيني: وفيه ما يشعر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل أفاضل أصحابه في حاجته يفضلهم بذلك لأنه يصير رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي فنظرت ما بقي عليَّ من غروب الشمس (وأنا أظن) أي والحال أني أظن (أنه) - صلى الله عليه وسلم - (يبعثني) أي يرسلني (في) قضاء (حاجة له فقلت) له - صلى الله عليه وسلم -: (أراه) أي أرى أحدًا وأبصره (فقال: ما يسرني) ويعجبني (أن لي مثله) أي مثل أحد (ذهبًا) تمييز رافع لإبهام المثلية (أنفقه) لخاصة نفسي أي أنفق ذلك المثل (كله) في حوائجي (إلا ثلاثة دنانير) يعني دينارًا يرصده لدين أي يؤخره ودينارًا لأهله ودينارًا لإعتاق رقبة والله أعلم اهـ من المفهم. قال الكرماني: يحتمل أن هذا المقدار كان دينًا أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة له صلى الله عليه وسلم وهذا محمول على الأولوية لأن جمع المال وإن كان مباحًا

ثُمَّ هؤُلاءِ يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا. لَا يَعْقِلُونَ شَيئًا. قَال: قُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَتِكَ مِنْ قُرَيشٍ، لَا تَعْتَرِيهِمْ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ. قَال: لَا. وَرَبِّكَ لَا أَسْالُهُمْ عَنْ دُنْيَا. وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ. حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن الجامع مسؤول عنه وفي المحاسبة خطر فكان الترك أسلم وما ورد من الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه محمول على من وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يأمن معه من خطر المحاسبة اهـ قسطلاني. (ثم هولاء) الملإ (يجمعون الدنيا لا يعقلون شيئًا) من مصالحهم وهذا أيضًا من قول أبي ذر عطفًا على قوله (لا يعقلون شيئًا) الأول وكرره للتأكيد. (قال) الأحنف: (قلت) لأبي ذر: (مالك ولإخوتك من قريش) يعني أخوة الدين أي أي شيء ثبت لك من مجانبة إخوتك من أمراء قريش وأغنيائهم حالة كونك (لا تعتريهم) أي لا تأتيهم (و) لا (تصيب) أي تطلب حاجة لك (منهم) يقال: عروته واعتريته واعتروته أي أتيته أطلب منه حاجة (قال) أبو ذر (لا) أسألهم (وربك) أي أقسمت لك بربك (لا أسألهم عن دنيا) أي شيئًا من متاعها بل أقنع بالقليل وأرضى باليسير ولا زائدة لتأكيد لا الأولى لفصلها عن الفعل بالقسم. قال النواوي: وفي رواية البخاري (لا أسألهم دنيا) بحذف عن وهو الأجود أي لا أسألهم شيئًا من متاعها فإني لا أطمع فيه. (ولا أستفتيهم عن دين) أي لا أسألهم عن أحكام الدين أي أقنع بالبلغة من الدنيا وأرضى باليسير مما سمعت من العلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله: (حتى ألحق) غاية لكل من السؤال والاستفتاء أي لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق (بالله ورسوله) - صلى الله عليه وسلم - وهذا كناية عن موته أي حتى أموت. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 160) والبخاري (1107). وهذا الحديث يدل على تفضيل الفقر على الغنى وقد تقدمت المسألة والعطاء الذي سئل عنه أبو ذر هو ما يعطاه الرجل من بيت المال على وجه يستحقه وهو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: (ما أتاك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبع نفسك) ذكره صاحب التمهيد (2/ 17). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر فقال:

(2187) (0) (0) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ. حَدَّثَنَا خُلَيدٌ الْعَصَرِيُّ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ. قَال: كُنْتُ فِي نَفَرِ مِنْ قُرَيشٍ. فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِكَيِّ فِي ظُهُورِهِمْ. يَخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ. وَبِكَيِّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ. قَال: ثُمَّ تَنَحَّى فَقَعَدَ. قَال: قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: هذَا أَبُو ذَرٍّ قَال: فَقُمْتُ إِلَيهِ فَقُلْتُ: مَا شَيءٌ سَمِعْتُكَ تَقُولُ قُبَيلُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2187) (0) (0) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي أبو محمد الأُبُلِّي صدوق من (9) (حدثنا أبو الأشهب) جعفر بن حيان التميمي السعدي العطاردي نسبة إلى جده عطارد البصري الحذاء الأعمى ثقة مشهور بكنيته من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا خليد) بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وإسكان الياء بن عبد الله العبدي (العصري) بفتح المهملتين نسبة إلى بني عصر بطن من عبد القيس يسمى عصرًا أبو سليمان البصري ثم الموصلي ثم المقدسي روى عن الأحنف بن قيس في الزكاة وعلي وسلمان وأبي الدرداء ويروي عنه (م د) وأبو الأشهب العطاردي وقال في التقريب: صدوف يرسل من الرابعة (عن الأحنف بن قيس) البصري. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة خليد العصري لأبي العلاء في رواية هذا الحديث عن الأحنف. (قال) الأحنف: (كنت) أنا (في نفر) أي مع جماعة (من) ملإ (قريش) في المسجد النبوي (فمر) علينا (أبو ذر) الغفاري (وهو) أي والحال أن أبا ذر (يقول: بشر الكانزين) بصيغة اسم الفاعل أي الجامعين للأموال (بكي) أي بحرق يقع (في ظهورهم) و (يخرج من جنوبهم) جمع جنب وهو الضلع (و) بشرهم (بكي) يبتدئ (من قبل) بكسر القاف وفتح الباء أي من جهة (أقفائهم) جمع القفا وهو مؤخر الرأس و (يخرج من جباههم) جمع جبهة مقدم الرأس (قال) الأحنف: (ثم تنحى) أبو ذر أي تباعد عن الناس (فقعد) أي جلس عند سارية من سواري المسجد (قال) الأحنف: (قلت) للناس: (من هذا) القائل الذي مر علينا (قالوا) أي قال النفر الذين كنت معهم: (هذا) القائل الذي مر علينا (أبو ذر) الغفاري (قال) الأحنف: (فقمت) من الحلقة ماشيًا (إليه) أي إلى أبي ذر (فـ) ـلما وصلت إليه (قلت) له: (ما شيء) أي ما كلام (سمعتك تقولـ) ـه (قبيل) أي قبل هذا الوقت مصغر قبل مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة وهو ظرف للقول أي ما الكلام

قَال: مَا قُلْتُ إِلَّا شَيئًا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم -. قَال: قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي هذَا الْعَطَاءِ؟ قَال: خُذْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً. فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدِينِكَ فَدَعْهُ. (2189) (956) - (106) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي قلته آنفًا (قال) أبو ذر: (ما قلت) أنا شيئًا من قبل نفسي (إلا شيئًا قد سمعته من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - قال) الأحنف (قلت) له (ما تقول في) حكم (هذا العطاء) الذي نعطاه من بيت المال هل يجوز أم لا (قال) أبو ذر: (خذه) أي خذ ذلك العطاء يا أحنف إن كنت محتاجًا إليه لمؤنة عيالك ولم يكن عوضًا عن دينك كأجرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبين عليك وجوبًا عينيًا (فإن فيه) أي فإن فيما أخذته منه (اليوم معونة) لك أي إعانة لك على قضاء حوائجك (فإذا كان) هذا العطاء الذي أخذته من بيت المال (ثمنًا) أي عوضًا (لدينك) أي عن دينك أي أخذته في مقابلة الشغل الواجب عليك في الدين كالأمر المذكور مع استغنائك عنه بل أخذته لجمع المال في البنوك (فدعه) أي دع ذلك العطاء واتركه ولا تأخذه فإنه لا خير لك فيه إلا خطر المحاسبة عليه في الآخرة، قال القرطبي: والمعنى أي إذا كنت لا تتوصل إليه إلا بوجه غير جائز فلا تلتفت إليه فإن سلامة الدين أهم من نيل الدنيا فكيف إذا انتهى الأمر إلى أن لا يسلم دين ولا تنال دنيا ومن أخسر صفقة ممن خسر الآخرة والأولى نعوذ بالله من سخطه اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: (2189) (956) (106) (حدثني زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي حالة كون أبي هريرة (يبلغ به) أي يرفع هذا

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "قَال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: يَا ابْنَ آدَمَ! أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيكَ". وَقَال: "يَمِينُ اللهِ مَلآى (وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ مَلآنُ) سَحَّاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث ويوصله (النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي إلى النبي ويسنده إليه ولا يقفه على نفسه (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه: (قال الله تبارك) أي تزايد خيره وإحسانه لعباده مرة بعد مرة (وتعالى) أي ترفع عن كل ما لا يليق به من سمات النقص: (يا ابن آدم أنفق) بفتح الهمزة وسكون القاف بصيغة الأمر بالإنفاق (أُنفق عليك) بضم الهمزة وسكون القاف على الجواب بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم أي أنفق واصرف ما في يدك في الخيرات إن أنفقت فيها أعطك عوض ما أنفقته وتصدقته من خزانتي وهو وعد بالخلف وهو مثل قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] وفي ترك تقييد النفقة بشيء معين ما يرشد إلى أن الحث على الإنفاق يشمل جميع أنواع الخير. (وقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صرحه في الرواية الآتية: (يمين الله) سبحانه وتعالى وفي بعض الروايات (يد الله) قال العيني: هي حقيقة لكنها لا كالأيدي التي هي الجوارح اهـ فيمين الله سبحانه صفة حقيقية ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهذا هو المذهب الأسلم الأعلم الذي نلقى عليه الرب جل جلاله لا مجازية مؤولة كما أولها المؤولون. وقوله: (يمين الله) مبتدأ وقوله (ملآى) بفتح الميم وسكون اللام وبهمزة مع القصر على وزن فعلى مؤنث ملآن خبر أول للمبتدأ قال القرطبي: كذا صحت الرواية ملأى على صيغة المؤنث وهي الصواب ومن رواها ملآن فقد أخطأ فإن المين اسم لليد مؤنثة اهـ من المفهم. (وقال) محمد (بن نمير) في روايته (ملآن) بوزن فعلان على صفة مذكر قيل: هو غلط كما مر آنفًا ولكن قال بعضهم: إن اليمين تذكر وتؤنث والمراد من قوله: ملآى أو ملآن لازمه وهو أنه تعالى في غاية الغنى وعنده من الأرزاق مالا نهاية له في علم الخلائق اهـ فتح الملهم. وقوله: (سحاء) قال الحافظ: بفتح المهملتين مشددًا ممدودًا وبالرفع على وزن فعلاء وهذا هو الذي عليه النسخ الموجودة خبر ثان أي دائمة الصب والعطاء يقال: سح بفتح أوله مشددًا يسح بكسر السين في المضارع ويجوز ضمها سحا والسح الصب الدائم

لَا يَغِيضُهَا شَيءٌ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ". (2190) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ، أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهِ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (لا يغيضها) أي لا يغيض ما في تلك اليد ولا ينقصها (شيء) من الإنفاق جملة فعلية في محل الرفع خبر ثالث يقال: غاض الماء إذا نقص وغاضه الله لازم ومتعد وقوله: (الليل والنهار) منصوبان على الظرفية متعلقان بما في سحاء من معنى الفعل تقديره: سحاء تسح وتصب في الليل والنهار أو متعلقان بالإنفاق المعلوم من السياق أي لا يغيضها شيء من الإنفاق في الليل والنهار وهذه هي الرواية المشهورة. وعند أبي بحر: (سحًا) مصدرًا منونًا منصوبًا بعامل محذوف وجوبًا تقديره تسح تلك اليد سحًا أي تصب من العطاء صبًا في الليل والنهار والسح الصب الكثير كما قال امرؤ القيس: فدمعهما سكب وسح وديمة ... ورش وتوكاف وتنهملان وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 242 و 500) والبخاري (4684) والترمذي (3045) وابن ماجه (197) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: (2190) (0) (0) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق بن همام) الحميري الصنعاني (حدثنا معمر بن راشد) الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (أخي وهب بن منبه) القصاص الصنعاني اليماني ثقة من (3) مات سنة (113) قيده به للإيضاح لا للاحتراز لأن همامًا الذي يروي عن أبي هريرة ليس إلا هو وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام للأعرج في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة. (قال) همام: (هذا) الحديث الآتي (ما حدثنا) به أي بعض ما حدثنا به (أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قول همام: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا (وقال) أبو هريرة:

قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ قَال لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيكَ". وَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَمِينُ اللهِ مَلآى لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيلُ وَالنَّهَارِ. أَرَأَيتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله) سبحانه وتعالى (قال لي: أنفق) يا محمد ما في يدك واصرفه في الخيرات إن أنفقته (أُنفق عليك) من خزائني ومنها قال أبو هريرة: (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يمين الله) سبحانه وتعالى (ملآى) أي مملوءة بالأرزاق وقوله: (لا يغيضها) أي لا ينقصها شيء من الإنفاق جملة فعلية في محل الرفع خبر ثان وفاعلها مضمر يدل عليه السياق تقديره: لا ينقصها شيء وقد جاء هذا المضمر مظهرًا في رواية ابن نمير السابقة فقال: لا يغيضها شيء (سحاء) بالمد والرفع خبر ثالث وهو مضاف (الليل والنهار) مجروران بإضافته إليهما على التوسع كما قالوا: (يا سارق الليلة أهل الدار) أي كثيرة السح والصب في الليل والنهار اهـ من المفهم. وروي برفعهما على الفاعلية وسحاء يكون معترضًا بين الفعل وفاعله ولكنه على حذف مضاف والتقدير: يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها الليل والنهار أي لا ينقصها إنفاق الليل والنهار وروي بنصبهما على الظرفية تنازع فيهما لا يغيضها وسحاء كما في المبارق أي لا يغيضها الإنفاق في الليل والنهار أو سحاء الليل والنهار أي كثيرة الصب والعطاء فيهما وتحصل مما ذكر أن في الليل والنهار ثلاثة أوجه من الإعراب والله أعلم. ووقع عند الطبري في حديث عبد الرزاق: (لا يغيضها سح الليل والنهار) برفع سح على أنه فاعل يغيضها اهـ من المفهم. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أرأيتم) أي أخبروني (ما أنفق الله) سبحانه وتعالى على عباده وما اسم موصول في محل الرفع مبتدأ أي أخبروني الرزق الذي أنفقه الله تعالى على عباده (مذ خلق السماء والأرض) أي بعد أن خلق السماء والأرض والخبر قوله: (فإنه) أي فإن ما أنفقه عليهم بعد خلقهما (لم يغض) أي لم ينقص (ما في يمينه) من الأرزاق أي لم ينقص منه شيئًا مع كثرة إنفاقه ليلًا ونهارًا. وفي فتح الملهم: وقوله: (أرأيتم إلخ) تنبيه على وضوح ذلك لمن له بصيرة وفي بعض الهوامش: قوله: (أرأيتم ما أنفق) ما مصدرية أي أتعلمون إنفاق الله تعالى (مذ

قَال: "وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خلق السماوات والأرض) (فإنه) الضمير فيه للإنفاق (لم يغض ما في يمينه) ما هذه موصولة وهي مع صلتها مفعول لم يغض اهـ. وقال الطيبي: يجوز أن يكون قوله: (أرأيتم) استئنافًا فيه معنى الترقي. كأنه لما قيل: ملآى أوهم جواز النقصان فأزيل بقوله: (لا يغيضها شيء) وقد يمتلئ الشيء ولا يغيض فقيل: سحاء إشارة إلى الغيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خاف على ذي بصر وبصيرة بعدما أن اشتمل عليه من ذكر الليل والنهار بقوله: (أرأيتم) على تطاول المدة لأنه خطاب عام والهمزة فيه للتقرير قال: وهذا الكلام إذا أخذته بحملته من غير نظر إلى مفرداته أبان زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء كذا في الفتح. ثم (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (و) كان (عرشه) سبحانه وتعالى الذي هو أعظم المخلوقات قبل السماء والأرض (على الماء) أي فوق الماء الذي تحت الأرضين يعني ليس بينه وبين الماء حجاب ثم خلق بينهما السماء والأرض قال كعب: قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] إن الله بدأ الخلق ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق عرشه عديه وقال ابن عباس: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} أي فوقه إذ لم يخلق سمًاء ولا أرضًا وظاهر هذا الحديث أن العرش حالة إخباره - صلى الله عليه وسلم -هو على الماء كما قال كعب وظاهر كلام ابن عباس أنه لما خلق السماوات والأرض أضيفت فوقية العرش إليهما اهـ من المفهم. وقال الحافظ في الفتح: مناسبة ذكر العرش هنا أن السامع يتطلع من قوله: (خلق السماوات والأرض) ما كان قبل ذلك فذكر ما يدل على أن عرشه قبل خلق السماوات والأرض كان على الماء كما وقع في حديث عمران بن حصين الماضي في بدء الخلق بلفظ: (كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض) اهـ ثم قال بعد عدة أبواب: وظاهر قوله: (والعرش على الماء) أنه كان كذلك حين التحديث بذلك وظاهر الحديث الذي قبله أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض ويجمع بأنه لم يزل على الماء وليس المراد بالماء ماء البحر بل هو ماء تحت العرش كما شاء الله تعالى وقد جاء بيان ذلك في حديث اهـ من فتح الملهم.

وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْقَبْضُ. يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وبيده) سبحانه (الأخرى) أي غير اليمين التي هي سحاء الليل والنهار (القبض) أي قبض الرزق عمن يشاء القبض عنه وتقتيره عليه قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بالقبض المنع لأن الإعطاء قد ذكر في قوله قبل ذلك: (سحاء الليل والنهار) مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} اهـ. قال القرطبي: (قوله: وبيده الأخرى) ولم يقل (وبيده اليسرى ولا الشمال) اجتنابًا لما تضمنته ألفاظهما من الشؤم ونفيًا لتوهم النقص. وقوله: (يرفع) أي يعلى ويعز من يشاء (ويخفض) أي يضع ويذل من يشاء ويفعل ما يشاء من الشيء ونقيضه اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

421 - (39) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم والابتداء في الإنفاق بالنفس ثم الأهل ثم ذوي القرابة

421 - (39) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم والابتداء في الإنفاق بالنفس ثم الأهل ثم ذوي القرابة (2191) (957) - (107) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ. دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ. وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 421 - (39) باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم والابتداء في الإنفاق بالنفس ثم الأهل ثم ذوي القرابة (2191) (957) (107) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (كلاهما عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (قال أبو الربيع) في روايته: (حدثنا حماد) بن زيد بصيغة السماع لا بالعنعنة (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري ثقة من (3) (عن أبي أسماء) عمرو بن مرثد الرحَبِي بفتح المهملتين نسبة إلى رحبة دمشق قرية بينها وبين دمشق ميل الدمشقي ثقة من (3) (عن ثوبان) بن بجدد أبي عبد الله الحمصي مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابي المشهور - رضي الله عنه - وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان شاميان وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) ثوبان: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفضل دينار ينفقه الرجل) في سبيل الخير أي أكثرها أجرًا وهو مبتدأ خبره (دينار ينفقه) ويصرفه (على عياله) أي على من يعوله وينفقه ويلزمه مؤنته من نحو زوجة وخادم وولد ولفظ الجامع الصغير: (أفضل الدنانير) أي أكثرها ثوابًا إذا أنفقت (دينار ينفقه الرجل على عياله) أي على من يعوله إلخ (ودينار ينفقه الرجل على دابته) المربوطة (في سبيل الله) تعالى من نحو الجهاد أي التي أعدها للغزو عليها (ودينار ينفقه على أصحابه) أي على رفقته المجاهدين معه (في سبيل الله) تعالى كذا في المرقاة والمراد أن إنفاقه عليهم يكون في سبيل الله لا في سبيل النفس والشيطان وقيل: أْراد بسبيله كل طاعة كسفر الحج

قَال أَبُو قِلابَةَ: وَبَدَأَ بِالْعِيَالِ. ثُمَّ قَال أَبُو قِلابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ. يُعِفُّهُمْ، أَوْ يَنْفَعُهُمُ اللهُ بِهِ، وَيُغْنِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وطلب العلم وصلة الأرحام وقدم العيال لأن نفقتهم أهم اهـ مناوي. (قال أبو قلابة) بالسند السابق: (وبدأ) في الإنفاق (بالعيال) لأن الإنفاق عليهم أكثر ثوابًا ولأن العيال أعم من أن تكون نفقتهم واجبة عليه أو مستحبة وسيجيء التصريح بأعظميته أجرًا لي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. يعني الإنفاق على هؤلاء الثلاثة على الترتيب المذكور أفضل من الإنفاق على غيرهم ذكره ابن الملك ولا دلالة في الحديث على الترتيب لأن الواو لمطلق الجمع إلا أن يقال الترتيب الذكري الصادر من الحكيم لا يخلو عن حكمة فالأفضل ذلك إلا أن يوجد مخصص ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "ابدأوا بما بدأ الله تعالى به إن الصفا والمروة من شعائر الله": كذا في المرقاة. قال الأبي: وعيال الرجل من في نفقته كالأب والابن والزوجة والمملوك ومن أدخل في العيال والحديث يدل أن النفقة عليهم أفضل من العتق والصدقة والنفقة في سبيل الله. قال القاضي: كانت أفضل لأنها واجبة والواجب أكثر ثوابًا من التطوع ويؤيد أنها في الواجب قوله في الآخر "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته" اهـ. (ثم قال أبو قلابة) بالسند السابق: (وأي رجل أعظم أجرًا) أي أكثر ثوابًا (من رجل ينفق على عيال صغار) قال الأبي: ولفظ صغار في الحديث خرج مخرج الغالب وإلا فلا يشترط في العيال أن يكونوا صغارًا (يعفهم) أي يجعلهم الله به أعفة أغنياء ويمنعهم عن السؤال (أو) قال أبو قلابة: (ينفعهم الله) سبحانه وتعالى (به) أي بذلك الرجل المنفق عليهم بتحصيل قوتهم (وبغنيهم) عن مسئلة الناس والشك من الراوي عن أبي قلابة هل قال يعفهم الله به ويغنيهم أو قال: ينفعهم الله به ويغنيهم والشك في كلمة يعفهم أو ينفعهم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 289 و 284) وابن ماجه (2760). ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لأبي هريرة - رضي الله عنه - فقال:

(2192) (958) - (108) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُزَاحِم بْنِ زُفَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ. وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ. وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ. أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2192) (958) (108) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب واللفظ) الآتي (لأبي كريب قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن مزاحم بن زفر) بن الحارث الضبي الكوفي ويقال: مزاحم بن أبي مزاحم روى عن مجاهد في الزكاة وعمر بن عبد العزيز والشعبي والضحاك بن مزاحم وغيرهم ويروي عنه (م س) وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من السادسة وليس في مسلم مزاحم إلا هذا الثقة. (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي المقرئ المفسر المشهور (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي. (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دينار) مبتدأ أول وجملة قوله (أنفقته في سبيل الله) أي في الجهاد أو الحج أو طلب العلم مثلًا صفته وبه سوغ الابتداء بالنكرة وقوله: (ودينار أنفقته في) فك (رقبة) وإعتاقها وقوله: (ودينار تصدقت به على مسكين) وقوله: (ودينار أنفقته على أهلك) وزوجك وعيالك معطوفات على المبتدإ وقوله: (أعظمها) أي أكثر تلك الدنانير (أجرًا) وثوابًا مبتدأ ثان وقوله: (الذي أنفقته على أهلك) خبر للمبتدإ الثاني وجملة المبتدإ الثاني مع خبره جملة صغرى في محل الرفع خبر للمبتدإ الأول. قال النواوي: ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وبيان عظم الثواب فيه لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة ومنهم من تكون مندوبة ومنهم من تكون صدقة وصلة ومنم من تكون واجبة بملك النكاح أو ملك اليمين وهذا كله فاضل محثوث عليه وهو أفضل من صدقة التطوع ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في رواية ابن أبي شيبة: (أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك) مع أنه ذكر قبله النفقة في سيبل الله وفي العتق وفي الصدقة ورجح النفقة على العيال على هذا كله لما ذكرناه وزاده تأكيدًا بقوله في الحديث الآخر:

(2193) (959) - (109) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ الْكِنَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ خَيثَمَةَ؛ قَال: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو. إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته) اهـ. قال القرطبي: وقوله: في الدنانير المنفقة في طرق الخير (أعظمها أجرًا الذي تنفقه على أهلك) هذا محمول على ما إذا استوت الحالة في الأهل والأجنبي فلو كان أحدهما أحوج أو أوكد لكان المنفق في الأوكد أعظم أجرًا فإذا استوت المراتب فترتيب الأعظم كما وقع في الحديث اهـ من المفهم. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى بهذا الحديث لم يشاركه فيه غيره. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على نفقة الرقيق بحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - فقال: (2193) (959) (109) (حدثنا سعيد بن محمد) بن سعد (الجرمي) بفتح أوله وسون ثانيه نسبة إلى جرم بن ريان بن ثعلبة الكوفي صدوق من (11) (حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر) بموحدة وجيم وراء بوزدط أحمد الهمداني (الكناني) الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (2) بابين الصلاة والزكاة (عن أبيه) عبد الملك بن سعيد بن أبجر الهمداني الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن طلحة بن مصرف) بن عمرو بن كعب اليامي أبي محمد الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي روى عن عبد الله بن عمرو في الزكاة وعدي بن حاتم في الزكاة وسويد بن غفلة في الزكاة وأبي حذيفة الأرحبِيّ في الأطعمة والنعمان بن بشير في التراحم والبراء بن عازب في عذاب القبر ويروي عنه (ع) وطلحة بن مصرف والأعمش وعمرو بن مرة وسعيد بن مسروق وثقه ابن معين والنسائي وقال العجلي: تابعي كوفي ثقة وقال في التقريب: ثقة وكان يرسل من الثالثة مات سنة ثمانين (80). (قال: كنا جلوسًا مع عبد الله بن عمرو) بن العاص القرشي السهمي الطائفي - رضي الله عنهما - وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عبد الله بن عمرو فإنه طائفي (إذ جاءه) أي جاء عبد الله بن عمرو (قهرمان) بفتح القاف وسكون

لَهُ، فَدَخَلَ. فَقَال: أَعْطَيتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَال: لَا. قَال: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ، قُوتَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الهاء وفتح الراء وهو الخازن القائم بحوائج الإنسان وهو لغة فارسية بمعنى الوكيل أي جاءه خازن (له) أي لعبد الله بن عمرو (فدخل) القهرمان على عبد الله (فقال) له عبد الله: هل (أعطيت الرقيق) أي المماليك بحذف همزة الاستفهام (قوتهم) أي غذاءهم (قال) القهرمان: (لا) أي ما أعطيتهم الغذاء (قال) عبد الله: (فانطلق) أي فاذهب إليهم (فأعطهم) أي فأعطهم الغذاء ثم (قال) عبد الله بن عمرو: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كفى بالمرء) الباء زائدة في مفعول كفى أي كفى المرء والشخص (إثمًا) أي من جهة الإثم والذنب (أن يحبس) أي أن يمنع أو يؤخر (عمن يملك قوته) مفعول يحبس أي طعامه وشرابه عن الوقت المعتاد غداءً أو عشاءً وفي بعض النسخ: (كفى إثمًا أن تحبس عمن تملك قوته) بصيغة الخطاب. قال ابن الملك: وهذا يدل على أنه لا يتصدق بما لا يفضل عن قوت الأهل يلتمس به الثواب لأنه ينقلب إثمًا. وقال الأبي: والحديث يدل على أن المراد بالنفقة النفقة في الضروريات لأنها التي تجب وأما النفقة في التوسعة عليهم فإنها مندوبة والذي يظهر أن الصدقة أفضل منها كما لو كان لرجل ديناران دينار يكفي ضروراتهم وآخر يوسع عليهم به لكانت الصدقة به أفضل ولا يشترط في العيال أن يكونوا صغارًا ولفظ صغار في الحديث خرج مخرج الغالب كما مر. وعن بعض أصحاب أيوب السختياني قال: كنت مع أيوب على جبل كذا فأدركني عطشي فشكوت إليه فقال: إن سترتني سقيتك فقلت: سترتك فقال: لا حتى تقسم لي فأقسمت له فضرب برجله صخرًة وقال: أسقنا ماءً بإذن الله فانفجرت عينًا قال: وما كنت أعلم له كبير عبادة إلا حسن النفقة على العيال اهـ من فتح الملهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - فقال:

(2194) (960) - (110) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ. قَال: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ. فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال: "أَلَكَ مَالٌ غَيرُهُ؟ " فَقَال: لَا. فَقَال: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِني؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعَيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَدَويُّ بِثَمَانِمَائَةِ دِرْهَمٍ. فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَفَعَهَا إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2194) (960) (110) (حدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري وهذا السند من رباعياته اثنان منهم مصريان وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر: (أعتق رجل من بني عذرة) قبيلة مشهورة من العرب اسمه أبو مذكور كما سيأتي (عبدًا له) اسمه يعقوب كما في الرواية الآتية (عن دبر) أي عتقًا معلقًا بدبر حياته أي بآخر حياته بأن قال له أنت حر بعد موتي (فبلغ ذلك) أي عتق الرجل عبده وتدبيره له (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للرجل: (ألك) أي هل لك أيها الرجل (مال غيره) أي غير هذا العبد تنفقه على نفسك وأهلك (فقال) الرجل المعتق: (لا) يا رسول الله أي ليس لي مال سوى هذا المدبر (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من يشتريه) أي من يشتري هذا المدبر (مني فاشتراه) أي فاشترى ذلك المدبر منه - صلى الله عليه وسلم - (نعيم) مصغرًا (بن عبد الله) بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي (العدوي) وأسيد وعبيد وعويج في نسبه مفتوح أول كل منها أسلم قديمًا قبل عمر فكتم إسلامه وأراد الهجرة فسأله بنو عدي أن يقيم على أي دين شاء لأنه كان ينفق على أراملهم وأيتامهم ففعل ثم هاجر عام الحديبية ومعه أربعون من أهل بيته واستشهد في فتوح الشام زمن أبي بكر أو عمر وروى الحارث في مسنده بإسناد حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه صالحًا وكان اسمه الذي يعرف به نعيمًا أي اشتراه منه (بثمانمائة درهم فجاء) نعيم (بها) أي بتلك الدراهم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها) أي فدفع تلك الدراهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إليه) أي إلى مولى العبد يعني الرجل الذي دبره أولًا. قال الحافظ: واتفقت الروايات على أن بيع المدبر كان في حياة الذي دبره إلا ما

ثُمَّ قَال: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيهَا. فَإِنْ فَضَلَ شَيءٌ فَلأَهْلِكَ. فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ. فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيءٌ فَهكَذَا وَهكَذَا" يَقُولُ: "فَبَينَ يَدَيكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه شريك عن سلمة بن كهيل بهذا الإسناد أن رجلًا مات وترك مدبرًا ودينًا فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فباعه في دينه بثمانمائة درهم أخرجه الدارقطني ونقل عن شيخه أبي بكر النيسابوري أن شريكًا أخطأ فيه والصحيح ما رواه الأعمش وغيره عن سلمة وفيه (ودفع ثمنه إليه) وفي رواية النسائي (ودفع ثمنه إلى مولاه) اهـ فتح الملهم. (ثم قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي دبر المباع: (ابدأ) أيها الرجل في انفاق هذه الدراهم (بنفسك) أي بإنفاقها على نفسك (فتصدق عليها) أي على نفسك بإطعامها (فإن فضل شيء) يقال فضل فضلًا من باب قتل وفي لغة فضل يفضل من باب تعب وفضل بالكسر يفضل بالضم لغة ليست بالأصل ولكنها على تداخل اللغتين اهـ مصباح وضبطه المناوي في الحديث بفتح الضاد أي فإن بقي شيء من نفسك (فـ) هو (لأهلك) وزوجك (فإن فضل) وبقي (عن أهلك شيء فـ) هو (لذي قرابتك) إما وجوبًا وإما استحبابًا (فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فـ) اصرفه (هكذا وهكذا) قال الراوي (يقول) أي يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله هكذا وهكذا: (فـ) ـا صرفه (بين يديك) أي قدامك (وعن يمينك وعن شمالك). فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فهكذا وهكذا) الظاهر أنه إشارة إلى اليمين واليسار كما في المبارق وزاد الراوي في تفسيره (بين يديك) وهو أعلم والإشارة المذكورة كناية عن تكثير الصدقة وتنويع جهاتها. وقال الطيبي: الإشارة كناية عن التفريق أشتاتًا على من جاءه عن يمينه وشماله وأمامه. وقال النواوي: في هذا الحديث فوائد منها الابتداء بالنفقة بالمذكور على هذا الترتيب ومنها أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد ومنها أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير ووجوه البر بحسب المصلحة ولا ينحصر في جهة بعينها ومنها دلالة ظاهرة للشافعي وموافقيه في جواز بيع المدبر وقال مالك وأصحابه: لا يجوز بيعه إلا إذا كان على السيد دين فيباع فيه وهذا الحديث صريح أو ظاهر في الرد عليهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما باعه لينفقه سيده على نفسه والحديث

(2195) (0) (0) وحدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ (يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَذْكُورٍ) أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ. يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوبُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صريح أوظاهر في هذا ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها إلى آخره) والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 369) وأبو داود (3957) والنسائي (7/ 304) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر - رضي الله عنه - فقال: (2195) (0) (0) (وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) البغدادي ثقة من (10) (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم (يعني ابن علية) اسم أمه الأسدي البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب السختياني لليث بن سعد في الرواية عن أبي الزبير (أن رجلًا من الأنصار) تقدم في الطريق الأول أنه كان من بني عذرة فلعله كان من بني عذرة وحالف الأنصار قاله الحافظ. (يقال له: أبو مذكور) الأنصاري قال الحافظ في الإصابة: ثبت ذكره في حديث بيع المدبر أخرجه مسلم من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر وجاء في سائر الروايات غير مسمى اهـ. (أعتق غلامًا له عن دبر) أي عتقًا معلقًا بدبر حياته أي بآخر حياته (يقال له) أي: لذلك الغلام: (يعقوب وساق) أيوب (الحديث) السابق (بمعنى حديث الليث) لا بلفظه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث ثوبان ذكره للاستدلال به على أول الترجمة. والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد. والثالث: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على نفقة المماليك. والرابع: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

شَرْحُ صَحِيحِ مُسلمُ المسمَّى الكَوْكَبَ الوَهَّاج وَالرَّوْضَ البَهَّاج في شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِم بن الحجَّاجِ جَمْع وَتأليف مُحَّمدٍ الأَمِين بن عَبد اللهِ الأُرمِيّ العَلَويّ الهَرَريّ الشَّافِعِيّ نزيل مكة المكرّمة والمجاور بهَا مراجَعة لجنة منَ العلماء برئاسة البرفسور هاشم محّمد علي مهدي المستَشَار برَابطَة العَالمِ الإسلَامِيِّ - مكَّةَ المكرمة الجُزءُ الثَّانِي عَشَرَ دَارُ المِنهَاجِ دَارُ طَوق النَّجاة

الطبعَة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دَارُ المِنهَاجِ جدة- السعودية دَارُ طَوق النَّجاة بيروت - لبنان

شَرْحُ صَحِيح مُسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

شعر تفرج بالروض البهاج ... واستضئ بالكوكب الوهاج فإنه غنية المحتاج ... إلى صحيح مسلم بن الحجاج فإنه مركز الابتهاج ... وأوضح المهيع الوهاج آخر لا تحقرن امرأ إن كان ذا ضعة ... كم من وضيع من الأقوام قد راسا فرب قوم حقرناهم فلم نرهم ... أهلًا لخدمتنا صاروا لنا رؤسا آخر كرر علي حديثهم يا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر علي حديثهم فلربما ... لان الحديد بضربة الحداد

422 - (40) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين

422 - (40) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين (2196) (961) - (111) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا. وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 422 - (40) باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين (2196) (961) (111) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري المدني ثقة من (4) (أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد نيسابوري حالة كونه (يقول: كان أبو طلحة) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بمهملتين بن عمرو الأنصاري الخزرجي النجاري المدني مشهور بكنيته شهد بدرًا والمشاهد وكان من نقباء الأنصار له (92) اثنان وتسعون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بحديث و (م) بآخر ويروي عنه (ع) وأنس بن مالك في عذاب القبر وعبد الله بن عباس في اللباس وزيد بن خالد في اللباس وابنه عبد الله قال أنس: قتل أبو طلحة بيده يوم حنين عشرين رجلًا وأبلى يوم أحد بلًاء عظيمًا وشلت يده التي وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل: مات سنة (34) أربع وثلاثين وصلى عليه عثمان وقال أنس: عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة لم يفطر فيها إلا يوم أضحى أو فطر وكان في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصوم لا شتغاله بالغزو وكان فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومناقبه جمة ستأتي في كتاب فضائل الصحابة إن شاء الله تعالى. أي كان أبو طلحة (أكثر أنصاري) أي أكثر رجل منسوب إلى الأنصار كان (بالمدينة مالًا) أي بستانًا أي أكثر كل واحد من الأنصار والإضافة إلى المفرد النكرة عند إرادة التفضيل سائغة كذا في الفتح ومالًا تمييز منصوب باسم التفضيل (وكان أحب أمواله) أي بساتينه (إليه) أي عنده. قال الحافظ: فيه جواز إضافة حب المال إلى الرجل الفاضل العالم ولا نقص عليه في ذلك وقد أخبر تعالى عن الإنسان بقوله: (وإنه لحب الخير لشديد) والخير هنا المال اتفاقًا اهـ.

بَيرُحَا. وَكَانَت مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (وكان أحب أمواله) بنصب أحب على أنه خبر كان مقدم على اسمها وقوله: (بَيرُحَا) بالرفع أسمها مؤخرًا أو أحب اسمها وبيرحا خبرها لكن قال الزركشي وغيره: إن الأول أحسن لأن المحدث عنه بير فينبغي أن يكون هو الاسم. وقد اختلف في بيرحا هل بكسر الموحدة أو بفتحها وهل بعدها همزة ساكنة أو مثناة تحتية وهل الراء مضمومة أو مفتوحة وهل هو معرب أم لا وهل (حا) ممدود أو مقصور منصرف أو غير منصرف وهل هو اسم قبيلة أو بستان أو امرأة أو أرض وجزم التيمي بأن المراد به في الحديث البستان معللًا بأن بساتين المدينة تدعى بأبارها أي البستان الذي فيه بيرحا. وقال الصنعاني: بيرحا فيعلى من البراح اسم أرض كانت لأبي طلحة وأهل الحديث يصحفون ويقولون: بئر حاء بإضافة البئر إلى (حاء) على أن يكون (حاء) اسم رجل على لفظ حرف الحاء ويحسبون أنها بئر من آبار المدينة ونحوه اهـ قسطلاني. (وكانت) بيرحا أي تلك الأرض أو البقعة تعرف بقصر بني حديلة بضم الحاء وفتح الدال مصغرًا كما في العسقلاني. (مستقبلة المسجد) النبوي أي قبالته قريبة منه (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها) دائمًا (ويشرب من ماء فيها) أي في بيرحا (طيب) صفة ماء أي عذب. قوله: (طيب) قال ابن بطال: استعذاب الماء لا ينافي الزهد ولا يدخل في الترفه المذموم بخلاف تطييب الماء بالمسك ونحوه فقد كرهه مالك لما فيه من السرف وأما شرب الماء الحلو وطلبه فمباح فقد فعله الصالحون وليس في شرب الماء الملح فضيلة قال: وفيه دلالة على أن أستطابة الأطعمة جائزة وأن ذلك من فعل أهل الخير وقد ثبت أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} نزل في الذين أرادوا الامتاع من لذائذ المطاعم قال: ولو كانت مما لا يريد الله تناولها ما امتن بها على عباده بل نهيه عن تحريمها يدل على أنه أراد منهم تناولها ليقابلوا نعمته بها عليهم بالشكر له وإن كانت نعمة لا يكافئها شكرهم. وقال ابن المنير: أما أن استعذاب الماء لا ينافي الزهد والورع فواضح وأما الاستدلال بذلك على لذيذ الأطعمة فبعيد قاله الحافظ اهـ فتح الملهم.

قَال أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: إِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِن أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيرُحَا. وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ. أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ. فَضَعْهَا! ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي بعض الروايات: (ويستظل بها) قال الحافظ: فيه دخول أهل العلم والفضل في الحوائط والبساتين والاستظلال بظلها والأكل من ثمارها والراحة والتنزه فيه وقد يكون ذلك مستحبًا يترتب عليه الأجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها للطاعة اهـ منه. (قال أنس: فلما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: ({لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ}) أي لن تصيبوا ({الْبِرَّ}) أي بر الله الذي هو الرحمة والرضا والجنة ({حَتَّى تُنْفِقُوا}) في الخيرات ({مِمَّا تُحِبُّونَ}) أي من بعض ما تحبون من المال أو مما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيل الله تعالى. (قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) جواب لما (فقال) أبو طلحة له - صلى الله عليه وسلم -: (أن الله) سبحانه (يقول في كتابه) العزيز وممن عمل بهذه الآية ابن عمر فقد روى البزار من طريقه أنه قرأها قال: فلم أجد شيئًا أحب إلي من من مرجانة جارية لي رومية فقلت: هي حرة لوجه الله فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لتزوجتها كذا في الفتح ولعله - رضي الله عنه - لم يطلع على حديث تضعيف الأجر لثلاثة كما سبق في كتاب الإيمان والله أعلم. ({لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}) وإن أحب أموالي إلي بيرحا) بالرفع خبر إن فيه فضيلة لأبي طلحة لأن الآية تضمنت الحث على الإنفاق من المحبوب فترقى هو إلى إنفاق أحب المحبوب فصوب - صلى الله عليه وسلم - رأيه وشكر عن ربه فعله ثم أمره أن يخص بها أهله وكنى عن رضاه بذلك بقوله: بخ (وإنها صدقة) مصروفة (لله) أي لوجه الله (أرجو) وأطمع (برها) أي خيرها وثوابها (وذخرها) بضم الذال أي ادخارها (عند الله) تعالى أي أقدمها فأدخرها لأجدها عند الله يوم القيامة يعني لا أريد ثمرتها العاجلة الدنيوية الفانية بل أطلب مثوبتها الآجلة الأخروية الباقية اهـ ملا علي (فضعها) أي فاجعل تلك البقعة المسماة ببيرحا (يا رسول الله حيث شئت) أي في المصرف الذي

يَا رَسُولَ اللهِ، حَيثُ شِئْتَ. قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَخْ! ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا. وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ" فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ شئت وأردت أن تجعلها فيه من مصارف الخير واصرفها فيه فوض تعيين مصرفها إليه - صلى الله عليه وسلم - لكن ليس فيه تصريح بأن أبا طلحة جعلها حبسًا قال أنس كما في رواية البخاري: فـ (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بخ) بفتح الباء وسكون الخاء على وزن بل وهل وتنوينها مكسورة مخففة في الأكثر بلا تكرار وقد تكرر للمبالغة الأول منون مكسور أو مضموم والثاني مسكن ويقال بخْ بخْ مسكنين وبخٍ بخٍ منوّنين وبخٍّ وبخٍّ مشددين وهي كلمة تقال عند الرضا والإعجاب بالشيء أو الفخر والمدح اهـ من القاموس فمن نونه شبهه بأسماء الأفعال كصه ومه فيكون بمعنى أعجب من هذا الأمر وقال ابن دريد: معناه تعظيم الأمر وتفخيمه. (ذلك) الذي صرفته لله تعالى (مال رابح ذلك مال رابح) كرره للتأكيد وهو بالباء الموحدة أي مال ذو ربح عند الله تعالى صيغة نسب كلابن وتامر أي يربح صاحبه في الآخرة أو مال مربوح فيه على أنه فاعل بمعنى مفعول. وذكر النواوي فيه رواية (رائح) بالهمزة المنقلبة عن الواو أي رائح عليك أجره ونفعه في الآخرة هذا محصل ما ذكره وهو من الرواح أي من شأنه الذهاب فإذا ذهب في الخير فهو أولى. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد سمعت) أنا (ما قلت) لي (فيها) يا أبا طلحة (و) لكن (أني أرى) من الرأي أو من الرؤية بمعنى العلم (أن تجعلها في الأقربين) لك وتقسمها بينهم قال أنس: (فقسمها) أي فقسم بيرحا (أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) وهو من عطف الخاص على العام اهتمامًا بشأنهم وفيه أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين وفي تفسير صحيح البخاري (فجعل لحسان وأبي وأنا أقرب إليه ولم يجعل لي منها شيئًا) اهـ. وفي بعض الروايات (فجعلها أبو طلحة في ذي رحمه وكان منهم حسان وأبي بن كعب) وفي مرسل أبي بكر بن حزم (فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه وابن أخيه شداد بن أوس ونبيط بن جابر فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم) قال الحافظ: وهذا يدل على أن أبا طلحة ملكهم الحديقة المذكورة

(2197) (0) (0) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. قَال أَبُو طَلْحَةَ: أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا. فَأُشْهِدُكَ، يَا رَسُولَ اللهِ، أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِي بَرِيحا لِلَّهِ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ" قَال: فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يقفها عليهم إذ لو وقفها ما ساغ لحسان أن يبيعها فيعكر على من استدل بشيء من قصة أبي طلحة في مسائل الوقف إلا فيما لا تخالف فيه الصدقة الوقف ويحتمل أن يقال: شرط أبو طلحة عليهم لما وقفها عليهم أن من احتاج إلى بيع حصته منهم جاز له بيعها وقد قال بجواز هذا الشرط بعض العلماء كعلي وغيره والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 141) والبخاري (1461). ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: (2197) (0) (0) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين المروزي ثم البغدادي صدوق من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري ثقة من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) الربعي أبو سلمة البصري ثقة من (8) (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري أبي حمزة البصري - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا محمد بن حاتم غرضه بسوقه بيان متابعة ثابت لإسحاق بن عبد الله (قال) أنس (لما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: ({لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ}) قال الحسن: لن تكونو أبرارًا ({حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}) أي حتى تبذلوا كبير أموالكم وقال أبو بكر الوراق: لن تنالوا بري بكم حتى تبروا إخوانكم وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: هو الجنة وقال مجاهد: ثواب البر (قال أبو طلحة: أرى) بضم الهمزة أي أظن (ربنا يسألنا من أموالنا) أي يطلب منا إنفاقها في سبيله (فأشهدك يا رسول الله) على (أني قد جعلت أرضي) وحديقتي (بريحا) مصروفة (لله) أي لوجه الله تعالى (قال) أنس: (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجعلها) مقسومة (في) ذوي (قرابتك قال) أنس: (فجعلها) أبو طلحة (في) أقاربه (حسان بن ثابت وأبي بن كعب) قال النواوي: وفي هذا الحديث استحباب الإنفاق مما يحب ومشاورة أهل العلم والفضل في كيفية الصدقات ووجوه الطاعات وغيرها اهـ. وقال القرطبي: وفي هذا الحديث أبواب من الفقه منها صحة الصدقة المطلقة

(2198) (962) - (112) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنْ مَيمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ؛ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال: "لَوْ أَعْطَيتِهَا أَخْوَالكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والحبس المطلق وهو الذي لم يعين مصرفه وبعد هذا يعين ومنها صحة الوكالة لقوله: (ضعه حيث شئت) ومنها إطلاق لفظ الصدقة بمعنى الحبس وقد روى أنها بقيت وقفًا بأيدي بني عمه وبه احتج غير واحد على جواز تحبيس الأصول خلافًا للكوفيين ومنها مراعاة القرابة وإن بعدوا في النسب إذ بين أبي طلحة وحسان وأبي آباء كثيرة وإنما يجتمعان مع أبي طلحة في عمرو بن مالك بن النجار وهو السابع من آبائهم وقال أبو عمر: إن حسان يجتمع معه في حرام وهو الجد الثالث وأبي يجتمع معه في عمرو وهو الجد السابع إلى غير ذلك فتأمل ما فيه اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ميمونة أم المؤمنين - رضي الله عنهما - فقال: (2198) (962) (112) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري ثقة من (5) (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم أبي رشدين المدني ثقة من (3) (عن ميمونة بنت الحارث) الهلالية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها - وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان (أنها) أي أن ميمونة (أعتقت) أي حررت (وليدة) أي أمة (لها في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي المرقاة أي جارية مولودة في ملكها مملوكة لها اهـ. وفي رواية النسائي من طريق عطاء بن يسار عن ميمونة أنها كانت لها جارية سوداء (فذكرت) ميمونة (ذلك) أي إعتاقها الوليدة (لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أعطيتها) بكسر التاء أي لو أعطيت الوليدة ووهبتها (أخوالك) باللام جمع خال وأخوالها كانوا من بني هلال أيضًا واسم أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث ووقع في البخاري من رواية الأصيلي (أخواتك) بالتاء بدل اللام قال

كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عياض: ولعله أصح من رواية أخوالك بدليل رواية مالك في الموطأ (فلو أعطيتها أختيك). وقال النواوي الجميع صحيح ولا تعارض ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك كله. (كان) إعطاؤك إياهم (أعظم) أي أكثر (لأجرك) أي في أجرك وثوابك من إعتاقها لأنه كان صدقة وصلة رحم اهـ مرقاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 332) والبخاري (2592). قال القرطبي: وهذا يدل على أن الصدقة على الأقارب أفضل من عتق الرقاب وهو قول مالك وتخصيص الأخوال إما لأنهم من جهة الأم وللأم ثلاثة أرباع البر وإما لأنهم كانوا أحوج اهـ من المفهم. قال النواوي وفي الحديث فضيلة صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب وأنه أفضل من العتق وفيه الاعتناء بأقارب الأم إكرامًا بحقها وهو زيادة في برها قال المازري: إن لم تكن إلا قرابة من جهة الأم فالأمر واضح وإن كانت له قرابة من الجهتين فيحتمل قرابة الأم لأنه لما كانت الأم أولى بالبر كان قرابتها أولى بالصدقة اهـ. وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها قال ابن بطال فيه أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق ويؤيده ما رواه الترمذي والنسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعًا الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة لكن لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقًا لاحتمال أن يكون المسكين محتاجًا ونفعه بذلك متعديًا والآخر بالعكس وقد وقع في رواية النسائي (فقال: أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم) فبين الوجه في الأولوية المذكورة وهو احتياج قرابتها إلى من يخدمها وليس في الحديث أيضًا حجة على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما قررته كذا في الفتح اهـ فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث زينب بنت معاوية رضي الله تعالى عنهما فقال: (2199) (963) (113) (حدثنا حسن بن الربيع) البجلي أبو علي الكوفي البوراني

(2199) (963) - (113) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَينَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! وَلَوْ مِنْ حَلْيِكُنَّ" قَالتْ؟ فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ. وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ. فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ. فَإِنْ كَانَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بضم الموحدة ثقة من (10) (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة من (7) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عمرو بن الحارث) بن أبي ضرار الخزاعي المصطلقي أخي جويرية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابي المدني رضي الله تعالى عنه روى عن زينب بنت معاوية في الزكاة ويروي عنه (ع) وأبو وائل وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وهو صحابي قليل الحديث مات بعد الخمسين (عن زينب) بنت معاوية ويقال بنت عبد الله بن أبي معاوية الثقفية الكوفية (امرأة عبد الله) بن مسعود - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي. (قالت) زينب (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن) بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء على وزن فعول جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام نظير فلس وفلوس وهو ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة وروى مفردًا وجمعًا وفي رواية البخاري: (قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن). (قالت) زينب: (فرجعت إلى) زوجي (عبد الله) بن مسعود وهو في البيت (فقلت) له: (أنك) يا عبد الله (رجل خفيف ذات اليد) أي خفيف اليد غير ثقيلها بالأموال فلفظ ذات مقحم أو الإضافة للبيان أي خفيف ذات هي اليد أي قليلها وهو كناية عن الفقر وهو صفة رجل (وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا) اليوم معاشر النساء (بالصدقة) أي بصرف أموالنا في الخيرات (فأته) - صلى الله عليه وسلم - أي فاذهب أنت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فاسأله) - صلى الله عليه وسلم - هل يجوز صرف المرأة صدقتها إلى زوجها وإلى أولادها المحتاجين إليها (فإن كان ذلك) أي صرف صدقتي إليكم

يَجْزِي عَنِّي وَإِلّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيرِكُمْ. قَالتْ: فَقَال لِي عَبْدُ اللهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ. قَالتْ: فَانْطَلَقْتُ. فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتِي حَاجَتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (يجزي) خبر كان بفتح الياء وكسر الزاي أي يغني ويقضي (عني). وفي بعض النسخ: بضم الياء والهمزة في آخره أي يكفي عني وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كان التصدق عليك وعلى أولادي يكفي عني تصدقت عليكم وأديتها إليكم (وإلا) أي وإن لم يجزئ ذلك عني (صرفتها) أي صرفت صدقتي ودفعتها (إلى غيركم قالت) زينب: (فقال لي عبد الله) بن مسعود لا أذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أساله عن ذلك ولعل امتناعه من سؤال ذلك لأن سؤاله ينبئ عن الطمع في مالها: (بل ائتيه أنت) أتى بالضمير المنفصل لتأكيد ضمير الفاعل أي بل اذهبي أنت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسليه عن ذلك بنفسك (قالت) زينب (فـ) ـلما أبي عبد الله من سؤاله - صلى الله عليه وسلم - (انطلقت) أنا بنفسي: أي ذهبت إلى منزله - صلى الله عليه وسلم - لأساله والفاء في قوله (فإذا) عاطفة ما بعدها على جملة انطلقت وإذا فجائية (امرأة من الأنصار) مبتدأ خبره واقفة (بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي انطلقت ففاجأني وقوف امرأة على باب منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ: في رواية الطيالسي: (فإذا امرأة من الأنصار يقال لها زينب) وكذا أخرجه النسائي من طريق أبي معاوية عن الأعمش وزاد من وجه آخر عن علقمة عن عبد الله قال: (انطلقت امرأة عبد الله يعني ابن مسعود وامرأة أبي مسعود يعني عقبة بن عمرو الأنصاري) قلت: لم يذكر ابن سعد لأبي مسعود امرأة أنصارية سوى هزيلة بنت ثابت بن ثعلبة الخزرجية فلعل لها اسمان ووهم من سماها زينب انتقالًا من اسم امرأة عبد الله إلى اسمها اهـ. والمفهوم من حديث البزار أن المراد بالباب باب المسجد قاله ملا علي. وجملة قوله: (حاجتي حاجتها) صفة لامرأة وفي العبارة قلب أي حاجة تلك المرأة عين حاجتي ولفظ البخاري: (حاجتها مثل حاجتي). (قالت) زينب: (وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت) وألبست (عليه)

قَالتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيهِ الْمَهَابَةُ. قَالتْ: فَخَرَجَ عَلَينَا بِلالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَينِ بِالْبَابِ تَسْأَلانِكَ: أَتَجْزِي الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا، عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من عند الله سبحانه وتعالى (المهابة) بفتح الميم أي الهيبة فكان يهابه الناس ولا يجترئ أحد بالدخول عليه أي أعطى الله سبحانه رسوله هيبة وعظمة يهابه الناس ويعظمونه ولذا ما كان أحد يجترئ على الدخول عليه. قال الطيبي: كان تدل على الاستمرار ومن ثم كان أصحابه في مجلسه كأن على رؤوسهم الطير وذلك عزة منه - صلى الله عليه وسلم - لا كبر وسوء خلق هان تلك العزة ألبسها الله تعالى إياه - صلى الله عليه وسلم - لا من تلقاء نفسه اهـ فتح الملهم. (قالت) زينب: (فخرج علينا بلال) بن رباح مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية البخاري: (فمر علينا بلال) (فقلنا له) أي لبلال: (ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) واذهب إليه (فأخبره) - صلى الله عليه وسلم - (أن امرأتين بالباب) أي عند الباب (تسألانك) خبر (أن) أي تستفتيانك وتقولان (أتجزي الصدقة عنهما) أي أيكفي لهما التصدق من مالهما (على أزواجهما وعلى أيتام) صغار (في حجورهما) أي في حمايتهما وتربتهما بضم الجيم جمع حجرة بالفتح والكسر يقال: فلان في حجر فلان أي في كنفه ومنعه والمعنى في تربيتهما أي ألنا أجر في التصدق عليهم وفي رواية النسائي على أزواجنا وأيتام في حجورنا وللطيالسي (أنهم بنو أخيها وبنو أختها) وللنسائي أيضًا من طريق علقمة (لإحداهما فضل مالٍ وفي حجرها بنو أخ لها أيتام وللأخرى فضل مال وزوج خفيف ذات اليد) أي فقير اهـ قسطلاني وفي القرطبي وفي غير مسلم (أن امرأة عبد الله بن مسعود كانت صناعًا وأنها قالت: يا رسول الله إني ذات صنعة أبيع منها وليس لزوجي ولا لولدي شيء فهل لي فيهم من أجر) وفي أخرى (أنها أخذت حليها لتصدق به وقالت: لعل الله أن لا يجعلني من أهل النار) رواه أحمد (3/ 503) وهذا يدل على أنها كانت صدقة تطوع اهـ من المفهم. وقالتا لبلال: (ولا تخبره) - صلى الله عليه وسلم - (من نحن) إرادة الإخفاء مبالغة في نفي الرياء أو رعاية للأفضل وهذا أيضًا يصلح أن يكون وجهًا لعدم دخولهما قاله القاري في المرقاة أي لا يتعين له اسمنا بل قل: تسألك امرأتان (قالت) زينب: (فدخل بلال

قَالتْ: فَدَخَلَ بِلالٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَسَأَلَهُ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هُمَا؟ " فَقَال: امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَزَينَبُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ " قَال: امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله) - صلى الله عليه وسلم - بلال ذلك على ما أمرتاه (فقال له) أي لبلال (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من هما) أي من المرأتان (فقال) بلال معينًا لهما لوجوبه عليه بطلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - هما: (امرأة من الأنصار وزينب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الزيانب) هي أي أي زينب منهن فعرَّف باللام مع كونه علمًا لما نكر حتى جمع اهـ قسط. قال ابن الملك: وإنما لم يقل آية الزيانب لأنه يجوز التذكير والتأنيث قال الله تعالى {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} اهـ من المرقاة. وإنما سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الأنصارية لأن بلالًا ذكر اسمها العلم دونها والعلم قد يحتاج إلى التعيين لإزالة الاشتراك العارض فيه (قال) بلال: (امرأة عبد الله) بن مسعود ولم يذكر بلال في الجواب معها زينب امرأة أبي مسعود الأنصاري اكتفاء باسم من هي أكبر وأعظم اهـ قسط. (فقال له) أي لبلال (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): نعم يجزي عنهما و (لهما أجران أجر) صلة (القرابة) أي الرحم (وأجر الصدقة) أي ثوابها. قال المازري: الأظهر حمله على الصدقة الواجبة لسؤالهما عن الإجزاء وهذا اللفظ إنما يستعمل في الواجبة انتهى. قال العيني: احتج بهذا الحديث الشافعي وأحمد في رواية وأبو ثور وأبو عبيد وأشهب من المالكية وابن المنذر وأبو يوسف ومحمد وأهل الظاهر وقالوا: يجوز للمرأة أن تعطي زكاتها إلى زوجها الفقير وقال القرافي: كرهه الشافعي وأشهب وقال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد وأبو بكر من الحنابلة: لا يجوز للمرأة أن تعطي زوجها من زكاة مالها ويروى ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: واختلف قول مالك في الصدقة الواجبة على القرابة غير الوالدين والولد والزوجة بالجواز والكراهة ووجه هذه الكراهة مخافة الميل بالمدح بصلة الأرحام

(2200) (0) (0) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأعْمَشُ عن شَقِيقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَينَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ. قَال: فَذَكَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ. فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فتفسد نية أداء الفرض أو تضعف فأما الوالدان والولد الفقراء فلا تدفع الزكاة إليهم بالإجماع. وليس إخبار بلال بالسائلتين اللتين استكتمتاه من هما بكشف أمانة سر لوجهين الأولى: أن بلالًا فهم أن ذلك ليس على الإلزام وإنما كان ذلك منهما على أنهما رأتا أنه لا ضرورة تحوج إلى ذلك. والثاني: أنه إنما أخبر بهما جوابًا لسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى أن إجابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهم وأوجب من كتمان ما أمرتاه وهذا كله بناء على أنهما أمرتاه ويحتمل أن يكون سؤالًا للإسراع ولا يجب إسعاف كل سؤال اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (3/ 502) والبخاري (1466) والنسائي (5/ 92 - 93). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زينب رضي الله تعالى عنها فقال: (2200) (0). (0) (حدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي أبو الحسن النيسابوري كان أبوه ينسب إلى الأزد وأمه إلى سليم ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا الأعمش عن) أبي وائل (شقيق) بن سلمة الكوفي (عن عمرو بن الحارث) الخزاعي المدني (عن زينب امرأة عبد الله) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لأبي الأحوص في روايته عن الأعمش. (قال) الأعمش بالسند السابق: (فذكرت) هذا الحديث الذي سمعته عن شقيق عن عمرو عن زينب (لإبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة من (5) قال الأعمش: (فحدثنيـ) ـه إبراهيم (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي ثقة من كبار الثالثة (عن عمرو بن الحارث) الخزاعي المدني (عن زينب امرأة عبد الله) بن مسعود

عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَينَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ. بِمِثْلِهِ سَوَاءً. قَال: قَالتْ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ. فَرَآنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: "تَصَدَّقْنَ. وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والجار والمجرور في قوله: (بمثله) متعلق بقوله: (فحدثني) والضمير عائد إلى شقيق لأنه المتابع بالفتح والمتابع بالكسر هو إبراهيم النخعي وقوله: (سواءً) بالنصب حال من المثل أتى به تأكيدًا لمعنى المماثلة والمعنى. قال الأعمش بالسند السابق: فذكرت هذا الحديث الذي سمعته من شقيق لإبراهيم النخعي استثباتًا منه فحدثني إبراهيم عن أبي عبيدة عن عمرو بن الحارث عن زينب بمثله أي بمثل ما حدثني شقيق عن عمرو بن الحارث حالة كون حديث إبراهيم مساويًا لحديث شقيق لفظًا ومعنى فللأعمش سندان: سند عن شقيق عن عمرو وهو من سباعياته كما مر وسند عن إبراهيم عن أبي عبيدة وهو من ثمانياته كما بيناه في رسالتنا الكبرى وفيه ثلاثة من التابعين الأعمش عن إبراهيم عن أبي عبيدة غرضه بهذا السند الثاني بيان متابعة إبراهيم لشقيق بن سلمة ولكنها متابعة ناقصة فليتأمل فإن في المقام دقة. وفي بعض الهوامش: قوله: (فذكرته لإبراهيم) أي قال الأعمش: فذكرت الحديث لإبراهيم النخعي فحدثني هو عن أبي عبيدة عن عمرو بن الحارث عن زينب بمثله سواءً ومقصود الأعمش من هذا الكلام إخبار أنه رواه عن شيخين شقيق وإبراهيم اهـ. ولكن (قال) إبراهيم في روايته عن أبي عبيدة: (قالت) زينب: (كنت في المسجد) النبوي (فرآني النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية البخاري: (فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -) ولا منافاة بينهما (فقال): يا معشر النساء (تصدقن ولو) كان تصدقكن (من حليكن) التي تتزين بها وهذا بيان لمحل المخالفة بين رواية شقيق وراوية إبراهيم. وقوله: (وساق الحديث) معطوف على (حدثنا أبي) والمعنى قال حفص بن غياث: حدثنا الأعمش إلى آخر السندين وساق الحديث السابق (بنحو حديث أبي الأحوص) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حفص بن غياث لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن الأعمش والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال:

(2201) (964) - (114) حدَّثنا أَبُو كُرَيب مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ لِي أَجْرٌ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ أُنْفِقُ عَلَيهِمْ. وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هكَذَا هكَذَا وَهكَذَا. إِنمَا هُمْ بَنِيَّ. فَقَال: "نَعَمْ. لَكِ فِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2201) (964) (114) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (حدثنا هشام) بن عروة الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن زينب بنت أبي سلمة) المخزومية المدنية الصحابية المشهورة ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنها وكان اسم زينب أولًا برة بفتح الباء وتشديد الراء وسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب وأبو سلمة اسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية ولدت بأرض الحبشة وحفظت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروت عنه (عن أم سلمة) أم المؤمنين هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان ومن لطائفه أن فيه رواية صحابية عن صحابية ورواية تابعي عن تابعي. (قالت) أم سلمة: (قلت: يا رسول الله هل لي أجر) وثواب (في) إنفاقي على أولادي (بني أبي سلمة) بن عبد الأسد المخزومي وكان زوج أم سلمة قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ولها من أبي سلمة سلمة وعمر ومحمد وزينب ودرة وليس في حديث أم سلمة تصريح بأن الذي كانت تنفقه عليهم من الزكاة فكان القدر المشترك حصول الإنفاق على الأيتام قاله الحافظ. وقال النواوي: المراد به صدقة التطوع ويدل عليه سياق الحديث. (أنفق عليهم) من مالي تريد التصدق عليهم تطوعًا (ولست بتاركتهم هكذا) أي جائعين (وهكذا وهكذا) أي عارين تعني محتاجين (إنما هم بنيَّ) منه فلا أستطيع ولا أحب ضياعهم بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد الياء أصله بنون لي حذفت النون واللام للإضافة فصار بنوي فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الواو قبلها ياء فصار بني بضم النون وتشديد الياء ثم أبدلت من ضمة النون كسرة لمناسبة الياء فصار: هم بنى (فقال) لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نعم لك فيهم) أي في

أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيهِمْ". (2202) (0) (0) وحدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. (2203) (965) - (115) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإنفاق عليهم (أجر مما أنفقت عليهم) بإضافة أجر لتاليه فتكون ما موصولة تقديره: لك أجر الذي أنفقتيه عليهم وجوز بعضهم التنوين فتكون ما ظرفية تقديره: لك أجر مدة إنفاقك عليهم. وشارك المؤلف في روايته هذا الحديث أحمد (6/ 292 و 293) والبخاري (1467). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: (2202) (0) (0) (وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي صدوق من (10) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا) أي قال إسحاق وعبد: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (جميعًا) حال مؤكدة من علي بن مسهر ومعمر بن راشد أي حالة كونهما مجتمعين في الرواية (عن هشام بن عروة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور في الرواية السابقة يعني عن أبيه عن زينب عن أم سلمة أي كلاهما رويا عن هشام (بمثله) أي بمثل ما روى أبو أسامة عن هشام وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لأبي أسامة. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أنس بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: (2203) (965) (115) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي الصحابي - رضي الله عنه - ثقة من (4) (عن) جده لأمه

عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قَال: "إِن الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عبد الله بن يزيد) بن زيد بن الحصين الأنصاري الأوسي الخطمي أبي موسى المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه (عن أبي مسعود البدري) عقبة بن عمرو المدني رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي أنصاري عن صحابي أنصاري. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال إن المسلم إذا أنفق على أهله) يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب ويحتمل أن يختص بالزوجة ويلحق بها من عداها بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولى. قال القرطبي: قوله: (على أهله) أي على زوجته وولده (نفقة) حذف المقدار لإفادة التعميم (وهو) أي والحال أنه (يحتسبها) أي يقصد بها ثواب الله تعالى (كانت) تلك النفقة (له صدقة) أي ثوابًا أي يثاب عليها كما يثاب على الصدقة والتشبيه في أصل المقدار لا في الكمية والكيفية وإطلاق الصدقة على الثواب مجاز مرسل من إطلاق السبب وإرادة المسبب اهـ تيسير. قال ابن الملك: يفهم من قوله: (وهو يحتسبها) أن من غفل عن نية القربة لا تكون نفقته صدقة قيل كسب الحلال والنفقة على العيال من أعمال الأبدال اهـ منه. قال النواوي: قوله: (وهو يحتسبها) معناه أراد بها وجه الله تعالى فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلًا ولكن يدخل فيه المحتسب وطريقه في الاحتساب أن يتذكر أنه يجب عليه الإنفاق على الزوجة وأطفال أولاده والمملوك وغيرهم ممن تجب نفقته على حسب أحوالهم واختلاف العلماء فيهم وأن غيرهم ممن ينفق عليه مندوب إلى الإنفاق فينفق بنية أداء ما أمر به وقد أمر بالإحسان إليهم والله أعلم اهـ منه. قال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي أفضل من صدقة التطوع. وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرَّفهم أنها لهم

(2204) (0) (0) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِع. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ. (2205) (966) - (116) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأوْدِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيبًا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع وقال ابن المنير: تسمية النفقة صدقة من جنس تسمية الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتأنيس والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن لا يجب لها عليه شيء إلا أن الله خص الرجل بالفضل على المرأة بالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز إطلاق النحلة على الصداق والصدقة على النفقة اهـ من فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 120 و 122) والبخاري (55) والنسائي (5/ 69). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - فقال: (2204) (0) (0) (وحدثناه محمد بن بشار وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (10) كلاهما عن محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة (ح وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي حالة كون كل من محمد بن جعفر ووكيع (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن شعبة) بن الحجاج البصري (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن أبي مسعود الأنصاري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ العنبري في الرواية عن شعبة بن الحجاج. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: (2205) (966) (116) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد (الأودي) الكوفي ثقة من (8) (عن هشام بن عروة) الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق التيمية المدنية.

قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِن أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ (أَوْ رَاهِبَةٌ) أَفَأَصِلُهَا؟ قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (قالت) أسماء: (قلت: يا رسول الله إن أمي) اسمها قتيلة بالقاف والمثناة مصغرًا بنت عبد العزى بن معد من بني مالك بن حسل بكسر الحاء وسكون السين المهملتين العامرية القرشية وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية وقيل: اسمها قيلة بسكون التحتانية وقيل قتلة بسكون المثناة من فوق والراجح هو الأول (قدمت) من مكة ونزلت (عليَّ) في بيتي (وهي) أي والحال أنها (راغبة) في بر ابنتها لها (أو) قالت: (راهبة) أي خائفة من ردها إياها خائبة هكذا فسره الجمهور وهذا الشك إنما هو في هذه الرواية. وأما الرواية الثانية ففيها: (وهي راغبة) بلا شك ولا تردد وهو الذي في هبة صحيح البخاري وأدبه وللطبراني من طريق عبد الله بن إدريس المذكور (راغبة وراهبة) وفي حديث عائشة عند ابن حبان (جاءتني راغبة وراهبة) وهو يؤيد رواية الطبراني والمعنى أنها قدمت راغبة في عطائها خائفة من حرمانها هكذا فسره الجمهور كما مر ونقل المستغفري أن بعضهم أوله فقال وهي راغبة في الإسلام فذكرها لذلك في الصحابة ورده أبو موسى بأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على إسلامها وقولها (وهي راغبة) أي في شيء تأخذه وهي على شركها ولهذا استأذنت أسماء في أن تصلها ولو كانت راغبة في الإسلام لم تحتج إلى إذن لشيوع التألف على الإسلام من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره فلا يحتاج إلى استئذانه في ذلك اهـ فتح الملهم. (أفأصلها) أي فهل أعطيها الصلة أم لا (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم) أعطيها صلة وفي الطريق الأخرى (نعم صلي أمك) زاد البخاري في الأدب عقب حديثه عن الحميدي عن ابن عيينة (قال ابن عيينة فأنزل الله فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}) وكذا وقع في آخر حديث عبد الله بن الزبير ولعل ابن عيينة تلقاه منه. وروى ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين شيء جانبًا للمسلمين وأحسنه قلت: ولا منافاة بينهما فإن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء. قال الخطابي: فيه أن الرحم الكافرة توصل بالمال ونحوه كما توصل المسلمة

(2206) (0) (0) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ. أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَال: "نَعَمْ. صِلِي أُمَّكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وإن كان الولد مسلمًا اهـ وفيه موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة. قال الحافظ: ثم البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد والمنهي عنه في قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والله أعلم اهـ من فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 344 و 347) والبخاري (5979). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: (2206) (0) (0) وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام) بن عروة المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن) أمه (أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة لعبد الله بن إدريس. (قالت) أسماء (قدمت على أمي وهي مشركة) جملة حالية من فاعل قدمت وقولها: (في عهد قريش) ظرف لقولها قدمت تعني أن قدومها كان في مدة عهد قريش (إذ عاهدهم) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ترك الحرب قال ابن حجر: أرادت بذلك ما بين الحديبية والفتح (فاستفتيت) أي سألت (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هل أصلها أم لا (فقلت) في سؤاله: (يا رسول الله قدمت عليَّ أمي وهي راغبة أفأصل أمِّي قال: نعم صلي أمك) وبري إليها. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث ميمونة ذكره للاستشهاد لحديث أنس والثالث حديث امرأة عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس حديث أسماء بنت أبي بكر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم.

423 - (41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة

423 - (41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة (2207) (967) - (117) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تُوصِ. وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ. أَفَلَهَا أَجْرٌ, إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 423 - (41) باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه وأن كل معروف صدقة (2207) (967) (117) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا هشام) بن عروة المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم) قيل: هو سعد بن عبادة رضي الله عنه وأمه عمرة بنت مسعود (فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت) بضم التاء الأولى وكسر اللام وفتح الثانية التي هي لام الكلمة وسكون الثالثة لأنها تاء التأنيث على صيغة المبني للمجهول (نفسها) بالرفع على أنه نائب فاعل أي أخذت نفسها وروحها افتلاتًا وفجأة فيكون الفعل متعديًا إلى واحد وذلك الواحد قام مقام الفاعل وهو الله سبحانه أي أخذ الله نفسها وقبضها افتلاتًا أي بغتة وبالنصب على أنه مفعول ثان والأول ضمير يعود على الأم كان نائب فاعل والمعنيان أمي سلبت وأخذت نفسها وروحها بغتة من الافتلات وهو أخذ الشيء بسرعة وكل شيء فعل بلا تمكث ولا ترو فقد افتلت ويقال افتلت الكلام إذا ارتجله واقترحه واقتضبه بلا ترو ولا فكر والمعنى إن أمي ماتت فجأة (ولم توص) شيئًا من التبرعات (وأظنها) أي وأظن أنها (لو تكلمت) أي لو قدرت على الكلام (تصدقت) أي أوصت بتصدق شيء من مالها (أفلها أجر) وثواب أي فهل لها أجر (إن تصدقت) الرواية الصحيحة بكسر الهمزة من إن على الشرطية ولا يصح قول من فتحها لأنه إنما سأل عما لم يفعله أي إن دفعت الصدقة بنية التصدق (عنها قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) لها أجر إن تصدقت عنها فيه جواز الصدقة عن الميت وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد.

(2208) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: وَلَمْ تُوصِ. كَمَا قَال ابْنُ بِشْرٍ, وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: ولم يختلف في مقتضى هذا الحديث وهو أن الصدقة بالمال نافعة للميت واختلف في عمل الأبدان. هل ينفع الميت إذا فعل عنه كالصوم والصلاة والتلاوة فمن حمله على المال قال: ينفعه ومن لم يحمله عليه وأخذ بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} [النجم: 39]، قال: لا ينفعه وقال مالك والشافعي العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم والتلاوة فلا يصل ثوابها إلى الميت بخلاف غيرها كالصدقة والحج وسيأتي كمال هذه المسئلة في الصوم والحج إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم بزيادة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 511) والبخاري (2760) والنسائي (6/ 250). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2208) (0) (0) (وحدثنيه زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة ح وحدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (ح حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد (حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي (كلهم) أي كل من يحيى وأبي أسامة وعلي بن مسهر وشعيب بن إسحاق رووا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى محمد بن بشر عن هشام غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمحمد بن بشر (و) لكن (في حديث أبي أسامة: ولم توص كما قال ابن بشر ولم يقل ذلك) أي لفظة ولم توصِ (الباقون) من الأربعة.

(2209) (968) - (118) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، (فِي حَدِيثِ قُتَيبَةَ. قَال: قَال نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم. وَقَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) قَال: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث حذيفة رضي الله عنه فقال: (2209) (968) (118) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عباد بن العوام) بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من أبي عوانة وعباد بن العوام رويا (عن أبي مالك الأشجعي) سعد بن طارق بن أشيم الكوفي ثقة من (4) (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد بلخي والثاني منهما رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد واسطي وفيه رواية تابعي عن تابعي ولكن (في حديث قتيبة) وروايته (قال) حذيفة: (قال نبيكم صلى الله عليه وسلم) باللفظ الصريح في السماع (وقال ابن أبي شيبة: عن النبي صلى الله عليه وسلم) بلفظ العنعنة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) أي كل ما يفعل من أعمال البر والخير كان ثوابه كثواب من تصدق بالمال والله أعلم اهـ من المفهم. قال الراغب: المعروف اسم كل فعل يعرف حسنه بالشرع والعقل معًا ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف. وقال ابن أبي جمرة: يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البر سواء جرت به العادة أم لا قال: والمراد بالصدقة الثواب فإن قارنته النية أجر صاحبه جزمًا وإلا ففيه احتمال قال: وفي هذا الكلام إشارة إلى أن الصدقة لا تخص في الأمر المحسوس منه فلا تختص بأهل اليسار مثلًا بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة.

(2210) (969) - (119) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَينَةَ, عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة اهـ من فتح الملهم. وفي المبارق: (كل معروف) أي كل ما عرف فيه رضاء الله تعالى (صدقة) أي ثوابه كثواب الصدقة وفيه إشارة إلى أنه لا يحتقر شيء من المعروف كما لا يحتقر شيء من الصدقة اهـ منه وفي المشكاة عن مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي (وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك) اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 383 و 397) وأبو داود ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنهما فقال: (2210) (969) (119) (حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى بني ضبيعة مصغرًا أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (10) (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري ثقة من (6) (حدثنا واصل مولى أبي عيينة) مصغرًا بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي البصري صدوق من (6) (عن يحيى بن عقيل) مصغرًا الخزاعي البصري نزل مرو صدوق من (3) (عن يحيى بن يعمر) البصري القيسي قاضي مرو ثقة من (3) (عن أبي الأسود الديلي) البصري القاضي ظالم بضم اللام بن عمرو بن سفيان ثقة فاضل مخضرم من (2) (عن أبي ذر) الغفاري المدني رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا ذر فإنه مدني ربذي ومن لطائفه أيضًا أن فيه ثلاثة من التابعين يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود. (أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم)

يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ. يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي. وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ. وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَال: "أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي تقدم في باب استحباب الذكر بعد الصلاة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا وقد سمى منهم في بعض روايات أبي داود أبا ذر الغفاري راوي حديث الباب وسمي منهم أبو الدرداء عند النسائي وغيره ويشعر سياق بعض الروايات أن أبا هريرة منهم والله أعلم كذا قاله الحافظ رحمه الله تعالى: (يا رسول الله ذهب) أي استبد وفاز (أهل الدثور) أي أصحاب الأموال الكثيرة بضم المهملة والمثلثة جمع دثر بفتح ثم سكون وهو المال الكثير (بالأجور) الكثيرة والمثوبات الوفيرة وفي حديث أبي هريرة (بالدرجات العلى والنعيم المقيم) فمقصود الفقراء تحصيل الدرجات العلى والنعيم المقيم لهم أيضًا لا نفي زيادة الأغنياء مطلقًا. وقوله: (يصلون) الليل (كما نصلي ويصومون) النهار (كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم) أي بالأموال الفاضلة عن حاجاتهم ونحن فقراء لا نقدر على هذا التصدق واستبدوا منا وفاقوا علينا بأجر التصدق كلام مستأنف واقع في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: كيف ذهبوا بالأجور فقالوا: يصلون كما نصلي الخ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تقولون ذلك أي لا تقولوا ذلك فالهمزة للاستفهام التقريري المضمن للنهي (وليس) الشأن (قد جعل الله) سبحانه (لكم ما تصدقون) به قال النواوي: الرواية بتشديد الصاد والدال جميعًا ويجوز في اللغة تخفيف الصاد أي ثوابًا مثل ثواب ما تصدقون به اهـ مبارق. وقال ابن الملك: والاستفهام في قوله: (أو ليس) لتقرير ما بعد النفي وما عطف عليه الواو محذوف أي أليس لكم ثواب مثل ثواب الأغنياء وليس قد جعل الله لكم اهـ. وقوله (إن بكل تسبيحة) الخ استئناف بياني سيق لبيان ما أجمل من التصدق الذي أثبته لهم أي إن لكم بكل مرة من التسبيح (صدقة) أي ثوابًا مثل ثواب التصدق بالمال وكذا يقال فيما بعده. قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجرًا كما للصدقة أجر وإن هذه الطاعات تماثل الصدقات وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام وقيل: معناه أنها صدقة على نفسه اهـ.

وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ. وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: اختلاف الروايات دال على أن لا ترتيب في هذه الأذكار ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات: (لا يضرك بأيهن بدأت) لكن يمكن أن يقال: الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال ثم التكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص واثبات الكمال أن لا يكون هناك كبير آخر ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك (و) إن لكم بـ (محل تكبيرة صدقة و) بـ (محل تحميدة صدقة و) بـ (كل تهليلة صدقة) قال النواوي: رويناه بوجهين رفع صدقة على الاستئناف ونصبه عطفًا على أن بكل تسبيحة صدقة. وقوله: (وأمر بالمعروف) بالرفع على الابتداء سوغ الابتداء بالنكرة عمله فيما بعده أو وقوعه في معرض التفصيل (صدقة) أي على صاحبك بالنصيحة وإرادة المنفعة سواء قبلها أم لا (ونهي عن منكر صدقة) فيه إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا أنكره والثواب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر منه في التسبيح والتحميد والتهليل لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية وقد يتعين ولا يتصور وقوعه نفلًا والتسبيح والتحميد والتهليل نوافل ومعلوم أن أجر الفرض أكثر من أجر النفل لقوله عزَّ وجلَّ: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه) رواه البخاري من رواية أبي هريرة وقد قال إمام الحرمين من أصحابنا عن بعض العلماء: إن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة واستأنسوا فيه بحديث كذا قال النواوي رحمه الله تعالى. قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث أن أعمال الخير إذا حسنت النيات فيها تنزلت منزلة الصدقات في الأجور ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل له من سائر الأعمال القاصرة على فاعلها اهـ من المفهم. (وفي بضع أحدكم) أي في جماعه (صدقة) على نفسه وعلى حليلته وإنما لم يقل: (وببضع أحدكم) إشارة إلى أنه إنما يكون صدقة إذا نوى به عفاف نفسه أو زوجته أو حصول ولد صالح وفيه جهة أخرى وهي الالتذاذ والشهوة وعلى هذا لا يكون صدقة قاله

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ, أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَال: "أَرَأَيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الملك والبضع بضم الباء وسكون الضاد يطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه وكلاهما تصح إرادته هنا وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعهما جميعًا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة. قال الطيبي: والباء في قوله: (إن بكل تسبيحة صدقة) بمعنى في وإنما أعيدت في قوله: (وفي بضع أحدكم) لأن هذا النوع من الصدقة أغرب اهـ فتح الملهم. (قالوا: يا رسول الله أيأتي) أي هل يقضي ويفعل (أحدنا شهوته) واستمتاعه (ويكون) بالنصب بعد واو المعية الواقعة في جواب الاستفهام وبالرفع عطفًا على يأتي أي فيكون (له فيها) أي في قضاء شهوته (أجر) وثواب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم) أي أخبروني (لو وضعها) أي لو قضى شهوته (في) فرج (حرام أكان عليه) أي على أحدكم (فيها) أي في وضع شهوته في الحرام (وزر) أي ذنب قالوا: نعم قال الطيبي: أقحم همزة الاستفهام على سبيل التقرير بين لو وجوابها تأكيدًا للاستخبار في أرأيتم اهـ. قال: (فكذلك) أي فكما يكون عليه وزر إذا وضعها في الحرام (إذا وضعها) أي وضع شهوته (في) الفرج (الحلال كان له أجرًا) بالرفع على أن كان تامة وبالنصب على أنها ناقصة واسمها ضمير يعود على الوضع والمعنى عليه فكما يكون وضعها في الحرام وزرًا كان وضعها في الحلال أجرًا له. قال النواوي: (أجرًا) ضبطناه بالنصب والرفع وهما ظاهران اهـ. قال القاري: فالأجر ليس في نفس قضاء الشهوة بل في وضعها موضعها كالمبادرة إلى الإفطار في العيد وكأكل السحور وغيرهما من الشهوات النفيسة الموافقة للأمور الشرعية ولذا قيل: الهوى إذا وافق الهدى فهو كالزبد مع العسل ويشير إليه قوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ} [القصص: 50] هذا ما سنح لي وخطر ببالي والله أعلم اهـ منه. قال القرطبي: قولهم: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجرًا) استفهام من

(2211) (970) - (120) حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ) عَنْ زَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ استبعد حصول أجر بفعل مستلذ يحث الطبع عليه وكان هذا الاستبعاد إنما وقع من تصفح الأكثر من الشريعة وهو أن الأجور إنما تحصل في العبادات الشاقة على النفوس المخالفة لها ثم إنه صلى الله عليه وسلم أجابهم على هذا بقياس العكس فقال: (أرأيتم لو وضعها في حرام) ونظمه: كما يأثم في ارتكاب الحرام يؤجر في فعل الحلال وحاصله راجع إلى إعطاء كل واحد من المتقابلين ما يقابل به الآخر من الذوات والأحكام وقد اختلف الأصوليون في هذا النوع من القياس هل يعمل عليه أم لا على قولين وهذا الحديث حجة لصحة العمل بهذا النوع اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 167 و 168) وأبو داود (5243 و 5244). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث حذيفة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2211) (970) (120) (حدثنا حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) المكي ثقة من (11) (حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي الطرسوسي ثقة من (10) (حدثنا معاوية يعني ابن سلام) بن أبي سلام ممطور بن عمار الحبشي الدمشقي الحمصي ثقة من (7) (عن) أخيه (زيد) بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي ثقة من (4) (أنه) أي أن زيدًا (سمع) جده (أبا سلام) ممطور بن عمار الحبشي الأعرج الدمشقي ثقة من (3) (يقول: حدثني عبد الله بن فروخ) القرشي التيمي مولى عائشة الدمشقي روى عن مولاته عائشة في الزكاة وأبي هريرة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه: (م د) وأبو سلام الحبشي ممطور بن عمار وشداد أبو عمار قال العجلي: شامي تابعي ثقة وقال أبو حاتم: مجهول وقال في التقريب: ثقة من الثالثة روى له مسلم حديثين أخرج أبو داود أحدهما وهو أنا سيد ولد آدم والآخر في الذكر بعدد المفاصل (أنه سمع عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم شاميون وواحد مدني وواحد مكي وفيه رواية تابعي عن تابعي.

تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمَائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ, وَحَمِدَ اللَّهَ, وَهَلَّلَ اللَّهَ, وَسَبَّحَ اللَّهَ, وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ, وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ, أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ, وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ, أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ, عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى. فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه) أي إن الشأن والحال (خلق) بالبناء للمجهول ونائب فاعله كل إنسان ويصح أن يعود الضمير إلى الله لكونه معلومًا ويكون خلق على صيغة المبني للفاعل والمعنى عليه إن الله سبحانه وتعالى خلق (كل إنسان) وشخص (من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل) بالإضافة بفتح الميم وكسر الصاد ملتقى العظمين في البدن كما في القاموس. قال القرطبي: قوله: (إنه خلق كل إنسان) إلخ الضمير في إنه ضمير الأمر والشأن والمفاصل هي العظام التي ينفصل بعضها من بعض وقد سماها سلاميات قال أبو عبيد: السلامى بوزن الحبارى في الأصل عظم في فرسن البعير وقد تقدم القول في السلاميات في الصلاة ومقصود هذا الحديث أن العظام التي في الإنسان هي أصل وجوده وبها حصول منافعه إذ لا تتأتى الحركات والسكنات إلا بها والأعصاب رباطات واللحوم والجلود حافظات وممكنات فهي إذًا أعظم نعم الله على الإنسان وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصها وهو أن يعطي صدقة كما أعطى منفعة لكن الله تعالى لطف وخفف بأن جعل التسبيحة الواحدة كالعطية وكذلك التحميدة وغيرها من أعمال البر وأقواله وإن قل مقدارها وأتم تمام الفضل أن اكتفى من ذلك كله بركعتين في الضحى على ما مر وقد نبهنا على سر ذلك في باب صلاة الضحى اهـ من المفهم. (فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل) أي أزال وأبعد (حجرًا) يؤذي المارة (عن طريق الناس أو شوكة) هي واحدة الشوك (أو عظمًا) يؤذي المارة أو نحوها (عن طريق الناس وأمر بمعروف) في الشرع (أو نهى عن منكر) في الشرع (عدد) منصوب بنزع الخافض أي فعل هذه المذكورات بعدد وهو متعلق بالأذكار وما بعدها أو منصوب بفعل مقدر تقديره: فمن فعل الخيرات المذكورة ونحوها عدد (تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي) بفتح الياء وبالشين المعجمة من المشي (يومئذ) على

وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ". قَال أَبُو تَوْبَةَ: وَرُبَّمَا قَال: "يُمْسِي". (2212) (0) (0) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنِي مُعَاويَةُ. أَخْبَرَنِي أَخِي، زَيدٌ, بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض أي وقت إذ فعل الخيرات المذكورة (و) الحال أنه (قد زحزح) أي باعد (نفسه) ونحاها (عن النار) قال حسن بن علي: (قال) لنا (أبو توبة: وربما قال) لنا شيخنا معاوية بن سلام لفظة: (يمسي) يومئذ بضم الياء وبالسين المهملة من الإمساء وكلاهما صحيح أي يدخل يومئذ في المساء وقد زحزح نفسه عن النار. قال الطيبي: أضيف الثلاث وهي معرفة إلى مائة وهي نكرة واعتذر عنه بأن اللام زائدة فلا اعتداد بها ولو ذهب إلى أن التعريف بعد الإضافة كما في الخمسة عشر بعد التركيب لكان وجهًا حسنًا اهـ. وعبارة القرطبي هنا: كذا وقعت الرواية هنا وصوابه في العربية وثلاثمائة السلامى لأنه لا يجمع بين الألف واللام والإضافة إلا في الإضافة غير المحضة بشرط دخول الألف واللام على المضاف والمضاف إليه اهـ من المفهم. والسلامى كحبارى عظام صغار طول الأصبع في اليد والرجل وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء كما في القاموس وفسره النواوي وابن الملك بالمفصل. قال ملا علي: وخص مفاصل الأصابع لأنها العمدة في الأفعال قبضًا وبسطًا اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: (2212) (0) (0) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا يحيى بن حسان) ابن حيان بتحتانية البكري أبو زكرياء البصري سكن تنيس ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثني معاوية) بن سلام الدمشقي (أخبرني أخي زيد) بن سلام الدمشقي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلام عن عبد الله بن فروخ عن عائشة رضي الله عنها (مثله) أي مثل ما روى أبو توبة عن معاوية بن سلام ثم استثنى من المماثلة بقوله: (غير أنه) أي لكن أن

قَال: "أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ" وَقَال: "فَإِنهُ يُمْسِي يَوْمَئِذٍ". (2213) (0) (0) وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ (يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ) حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ زَيدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَّامٍ. قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى بن حسان (قال) في روايته (أو أمر بمعروفٍ) بلفظة (أو) بدل الواو في الرواية الأولى (وقال) يحيى أيضًا (فإنه يمسي يومئذ) بضم الياء وبالسين المهملة بدل يمشي في الرواية الأولى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2213) (0) (0) (وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يحيى بن كثير) بن درهم العنبري مولاهم أبو غسان البصري روى عن علي بن المبارك في الزكاة وشعبة في الحج والضحايا وقرة بن خالد وجماعة ويروي عنه (ع) وأبو بكر بن نافع ومحمد بن المثنى وحجاج بن الشاعر وابن بشار وآخرون ثقة من (9) مات سنة (206) (حدثنا علي يعني ابن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا البصري ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (عن زيد بن سلام) الدمشقي (عن جده أبي سلام) ممطور بن عمار الحبشي الدمشقي (قال) أبو سلام: (حدثني عبد الله بن فروخ) التميمي الدمشقي (أنه سمع عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من ثمانياته رجاله ثلاثة منهم دمشقيون وثلاثة بصريون وواحد مدني وواحد يمامي غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمعاوية بن سلام في رواية هذا الحديث عن زيد بن سلام. (خلق كل إنسان) أي كل شخص من بني آدم وساق يحيى بن أبي كثير عن زيد بن

بِنَحْو حَدِيثِ مُعَاويَةَ، عَنْ زَيدٍ. وَقَال: "فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ". (2214) (971) (121) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ, عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَال: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سلام (بنحو حديث معاوية عن زيد) بن سلام (و) لكن (قال) يحيى بن أبي كثير في روايته: (فإنه يمشي يومئذ) بفتح الياء وبالشين المعجمة أي وقت إذ فعل ذلك اهـ فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث حذيفة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: (2214) (971) (121) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن سعيد بن أبي بردة) عامر بن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري الكوفي روى عن أبيه في الزكاة والجهاد والأشربة والفضائل وفداء المؤمن وأنس بن مالك في خلق النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (ع) وشعبة وعمرو بن دينار أكبر منه وقتادة وغيرهم وثقه أحمد وابن معين وقال في التقريب: ثقة ثبت وروايته عن ابن عمر مرسلة من الخامسة (عن أبيه) أبي بردة عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن جده) أبي موسى الأشعري الكوفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا شعبة بن الحجاج فإنه بصري. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب والندب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله صلى الله عليه وسلم: (على المسلم ست خصال) فذكر منها ما هو مستحب اتفاقًا فحديث الباب من تعليم مكارم الأخلاق وليس ذلك بفرض إجماعًا قال ابن بطال: وأصل الصدقة ما يخرجه المرء من ماله تطوعًا به وقد يطلق على الواجب لتحري صاحبه الصدق يفعله ويقال لكل ما يحابي به المرء من حقه صدقة لأنه تصدق بذلك على نفسه اهـ فتح الملهم.

قِيلَ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَال: "يَعْتَمِلُ بِيَدَيهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ" قَال: قِيلَ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَال: "يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قوله: (على كل مسلم صدقة) هو هنا مطلق وقد قيده من حديث أبي هريرة بقوله: (في كل يوم) وظاهر هذا اللفظ الوجوب لكن خففه الله تعالى حيث جعل ما خف من المندوبات مسقطًا له لطفًا منه وتفضلًا اهـ من المفهم. (قيل) له صلى الله عليه وسلم: (أرأيت) أي أخبرني (إن لم يجد) ما يتصدق به أي أخبرني ما حكم من لم يجد ما يتصدق به وفي زكاة البخاري وأدبه: (قالوا: فمن لم يجد) وهو المأخوذ في المشكاة كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف. وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخل به فيه نظر الذي يظهر أنها غيرها لما تبين من حديث عائشة المذكور إنها شرعت بسبب عتق المفاصل حيث قال في آخر هذا الحديث (فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار) (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم فمن لم يجد ما يتصدق به (يعتمل) الاعتمال افتعال من العمل وعند البخاري (يعمل) أي يعمل ويكتسب (بيديه فينفع نفسه) أولًا بما اكتسبه ويدفع ضرره عن الناس (ويتصدق) إن فضل عن نفسه. قال ابن بطال: فيه التنبيه على العمل والتكسب ليجد المرء ما ينفق على نفسه ويتصدق به ويغنيه عن ذل السؤال وفيه الحث على فعل الخير مهما أمكن وأن من قصد شيئًا منها فتعسر فلينتقل إلى غيره (قال) أبو موسى الأشعري: (قيل) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا: (أرأيت) يا رسول الله (إن لم يستطع) ذلك المسلم لنفسه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابهم: (يعين) ذلك العاجز عن العمل لنفسه (ذا الحاجة) أي صاحب الحاجة إلى الإعانة أي يعين المحتاج إلى الإعانة له في عمله (الملهوف) بالنصب صفة لذا لأنه من الأسماء الخمسة أي المضطر إلى الإعانة له ويحتمل أن تكون الإعانة بالفعل أو بالمال أو بالجاه أو بالدلالة أو النصيحة أو الدعاء (الملهوف) أي المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلومًا أو عاجزًا قال النواوي: الملهوف عند أهل اللغة يطلق على المتحسر وعلى المضطر وعلى المظلوم وقولهم: يا لهف نفسي على كذا كلمة يتحسر بها على ما فات ويقال: لهف يلهف لهفًا من باب فهم أي حزن وتحسر وكذلك التلهف اهـ.

قَال: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَال: "يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَو الْخَيرِ" قَال: أَرَأَيتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَال: "يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي (الملهوف) هو المضطر الذي قد شغله همه بحاجته عن كل ما سواها ولا شك في أن قضاء حاجة من كانت هذه حاله يتعدد فيها الأجر ويكثر بحسب ما كشف من كربة صاحبها ومقصود هذه الأحاديث الترغيب في أعمال البر والخير بطريق إظهار وجه الاستحقاق واللطف والحمد لله اهـ من المفهم. (قال) الراوي: (قيل له) صلى الله عليه وسلم ثالثًا: (أرأيت) يا رسول الله (إن لم يستطع) أي إن لم يقدر الإعانة للملهوف فماذا يفعل (قال) صلى الله عليه وسلم: (يأمر) ذلك العاجز عن الإعانة للملهوف (بالمعروف) أي يأمر الناس بما عرف حسنه شرعًا واجبًا أو مندوبًا (أو) قال الراوي أو من دونه: يأمر بـ (الخير) بدل المعروف والمعنى واحد أو للشك من الراوي (قال) الرواي قيل له صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إن لم يفعل) الأمر بالمعروف عجزًا أو كسلًا (قال) صلى الله عليه وسلم: (يمسك) نفسه (عن الشر) والإذاية للناس ويكفها عنه (فإنها) أي فإن خصلة الإمساك عن الشر (صدقة) على نفسه كما في غير هذه الرواية والمراد أنه إذا أمسك عن الشر لله تعالى كان له أجر على ذلك كما أن للمتصدق بالمال أجرًا اهـ نووي. وفي فتح الملهم: كذا وقع هنا بضمير المؤنث وهو باعتبار معنى الخصلة في الإمساك كما ذكرنا في الحل قال الزين ابن المنير: إنما يحصل للمسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك والإمساك أعم من أن يكون عن غيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه فإن كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم قال: وليس ما تضمنه الخبر من قوله: (فإن لم يجد) ترتيبًا وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 395 و 411) والبخاري (6022). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فقال:

(2215) (0) (0) وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. (2216) (972) - (122) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2215) (0) (0) (وحدثناه محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أبيه عن جده. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن شعبة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث حذيفة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2216) (972) (122) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق بن همام) الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام: (هذا) الحديث الآتي (ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري (فذكر) أبو هريرة أو همام (أحاديث منها) أنه صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا (و) منها أنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سلامى) بضم السين المهملة وتخفيف اللام المفصل قاله النواوي. وفي الفتح: أي أنملة وقيل: كل عضو مجوف صغير وقيل: هو في الأصل عظم يكون في فرس البعير واحده وجمعه واحد وقيل جمعه سلاميات اهـ أي كل عضو (من الناس عليه) أي على كل سلامى والمعنى على كل واحد من الناس بعدد كل مفصل من أعضائه (صدقة) فأوجب الصدقة على السلامى مجازًا وفي الحقيقة على صاحبه (كل يوم)

تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ". قَال: "تَعْدِلُ بَينَ الا ثْنَينِ صَدَقَةٌ. وَأَنْ تُعِينَ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيهَا مَتَاعَهُ, صَدَقَةٌ". قَال: "وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ. وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنصب على الظرفية أي في كل يوم (تطلع فيه الشمس) ووصف اليوم بذلك لإفادة التنصيص على التعميم كما قالوا في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ} فالحاصل أن الشيء إذا وصف بوصف يعم جميع أفراده يصير نصًّا في التعميم قاله السندى رحمه الله تعالى. وفي المرقاة: والمعنى أي على كل واحد من الناس بعدد كل مفصل من أعضائه صدقة مندوبة شكرًا لله تعالى على أن جعل في أعضائه مفاصل يقدر بها على القبض والبسط. وقوله: (كل يوم تطلع فيه الشمس) صفة تخص اليوم عن مطلق الوقت بمعنى النهار اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان بعض الصدقة المجملة: (تعدل) قال ملا علي: بالغيبة وبالخطاب بتقدير أن تعدل على أنه في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء وقوله: (بين الاثنين) ظرف له والخبر قوله: (صدقة) والتقدير: أي عدلك وإصلاحك بين الخصمين ودفعك ظلم الظالم عن المظلوم صدقة اهـ. ومثله قوله: (وأن تعين الرجل) أي الشخص الأقطع أو الأشل مثلًا في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء أي وإعانتك الرجل (في) ركوبه على (دابته فتحمله) أي فترفع ذلك الرجل (عليها) أي على دابته وهذا وما بعده تفسير للإعانة (أو) لتنويع الإعانة أي أو (ترفع له) أي لذلك الرجل العاجز عن رفع المتاع (عليها) أي على دابته (متاعه) أي حمولته وقوله: (صدقة) خبر المبتدأ المؤول من الجملة الفعلية. قال ابن بطال: وإذا أجر على فعل ذلك بدابة غيره فإذا حمل غيره على دابة نفسه احتسابًا كان أعظم أجرًا اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والكلمة الطيبة) أي الحسنة كان يدعو للسائل إذا لم يكن عنده شيء يعطيه (صدقة وكل خطوة) بفتح الخاء المرة الواحدة وبالضم ما بين القدمين (تمشيها) أي تخطو بها (إلى) موضع جماعة (الصلاة) مسجدًا

صَدَقَةٌ. وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيق صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كان أو غيره (صدقة وتميط الأذى) أي وأن تزيل ما يؤذي المارة وتنحيه (عن الطريق) أي عن أرضه أو عن هوائه كالشوك النابت في هواء الطريق أو الساقط في أرضه وكالحجر المتردي في الطريق والقذر الساقط فيه كالميتة (صدقة) أي يؤجر على هذه المذكورات كما يؤجر من تصدق بالمال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 361) والبخاري (277). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث حذيفة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. والثالث: حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد لحديث حذيفة. والرابع: حديث عائشة أيضًا ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين. والخامس: حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

424 - (42) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك والأمر بالمبادرة إلى الصدقة قبل فوتها وعدم قبولها إلا من الكسب الطيب وتربيتها عند الرحمن

424 - (42) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك والأمر بالمبادرة إلى الصدقة قبل فوتها وعدم قبولها إلا من الكسب الطيب وتربيتها عند الرحمن (2217) (973) - (123) وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ) حَدَّثَنِي مُعَاويَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ, إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 424 - (42) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك والأمر بالمبادرة إلى الصدقة قبل فوتها وعدم قبولها إلا من الكسب الطيب وتربيتها عند الرحمن (2217) (973) (123) (وحدثني القاسم بن زكريا) بن دينار القرشي الكوفي الطحان ثقة من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي أبو الهيثم الكوفي صدوق من (10) (حدثني سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني ثقة من (8) (حدثني معاوية بن أبي مزرد) بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء المكسورة عبد الرحمن بن ياسر الهاشمي مولاهم المدني روى عن سعيد بن يسار أبي الحباب في الزكاة ويزيد بن رومان في البر ويروي عنه (خ م س) وسليمان بن بلال وحاتم: بن إسماعيل ووكيع وابن المبارك وغيرهم قال ابن معين: صالحٌ، وقال أبو زرعة: لا بأس به وقال أبو حاتم: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ليس به بأس من السادسة (عن سعيد بن يسار) مولى ميمونة أم المؤمنين أبي الحباب المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم) ما نافية لا عمل لها لانتقاض نفيها بإلا وزيادة من بعدها ومن زائدة لتأكيد الاستغراق ويوم مبتدأ أول سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده وجملة (يصبح العباد فيه) أي يدخلون في صباحه صفة ليوم ولكنها صفة سببية (إلا) أداة استثناء مفرغ (ملكان) مبتدأ ثان وسوغ الابتداء به وقوعه بعد إلا المفيدة للحصر (ينزلان) خبر للمبتدأ الثاني والجملة خبر للأول والرابط مقدر والتقدير: ما يوم مصبح العباد فيه إلا ملكان نازلان فيه من السماء وما في العيني والقسطلاني هنا

فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفا" ـــــــــــــــــــــــــــــ من إعراب هذه الجملة ليس بصواب لأن ما الحجازية لا عمل لها هنا لانتقاض نفيها بإلا ولزيادة من الاستغراقية بعدها تأمل والله أعلم بالصواب. (فيقول أحدهما) أي أحد الملكين في دعائه للمنفق: (اللهم أعط منفقًا) ماله الطيب في الخيرات واجبًا كان ذلك الإنفاق أو مندوبًا (خلفًا) بفتح اللام أي أعط من ينفق من محله في محله عوضًا عظيمًا وهو العوض الصالح أو عوضًا في الدنيا وبدلًا في العقبى كقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] وقوله: (ابن آدم أنفق أنفق عليك) قال الحافظ: أما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب وغيرهما وكم من منفق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعد له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك اهـ. (ويقول) الملك (الآخر: اللهم أعط ممسكًا) ماله عن الإنفاق في الخيرات والتعبير هنا بالإعطاء من باب المشاكلة لأن التلف ليس من العطية (تلفًا) لماله يحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال أو المراد به فوات أعمال البر والتشاغل بغيرها قال النواوي: الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات. وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه. قال السندي: لا يقال لا فائدة في هذا القول على تقدير عدم سماع الناس ذلك إذ لا يحصل به ترغيب ولا ترهيب بدون السماع لأنا نقول: تبليغ الصادق يقوم مقام السماع فينبغي للعاقل أن يلاحظ كل يوم هذا الدعاء بحيث كأنه يسمعه من الملكين فيفعل بسبب ذلك ما لو سمع من الملكين لفعل وهذا هو فائدة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على أن المقصود بالذات الدعاء لهذا وعلى هذا سواء علموا به أم لا والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 305 - 306) والبخاري (1442). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث حارثة بن وهب رضي الله تعالى عنه فقال:

(2218) (974) - (124) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ. قَال: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تَصَدَّقُوا. فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ, فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيَهَا: لَوْ جِئْتَنَا بِهَا بِالأَمْسِ قَبِلْتُهَا. فَأَمَّا الآنَ, فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا. فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2218) (974) (124) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى) البصري (واللفظ) الآتي (له) أي لابن المثنى (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن معبد بن خالد) بن مرير مصغرًا القيسي الجدلي بجيم ومهملة مفتوحتين من جديلة قيس الكوفي القاص روى عن حارثة بن وهب في الزكاة والحوض وصفة النار وعبد الله بن شداد بن الهاد في الطب ويروي عنه (ع) وشعبة ومسعر والثوري والأعمش وغيرهم (قال) معبد: (سمعت حارثة بن وهب) الخزاعي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما كلهم كوفيون إلا شعبة ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان. حالة كون حارثة (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تصدقوا) أي اغتنموا التصدق عند وجود المال وعند حصول من يقبله واقبلوا منة الفقير في أخذه منكم فالمعنى تصدقوا قبل أن لا تصدقوا وهذا الأمر حض على المبادرة إلى إخراج الصدقة اهـ من المفهم. فإن قيل: إن من أخرج صدقته مثاب على نيته وإن لم يجد من يقبلها فالجواب إن الواجد يثاب ثواب المجازاة والفضل والناوي يثاب ثواب الفضل فقط والأول أربح كذا في الفتح والله أعلم. (فيوشك) أي فيقرب (الرجل) منكم أن (يمشي بصدقته) ليتصدق بها (فيقول الذي أعطيها) أي الذي عرضت عليه الصدقة وكان من قبل مستحقًا لها: (لو جئتنا بها بالأمس قبلتها) منك (فأما الآن) أي فأما اليوم (فلا حاجة لي بها فلا يجد من يقبلها) منه.

(2219) (975) - (125) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ, عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَال: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ. ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ. وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني أنه قد استغنى عنها بما أخرجت الأرض كما قال في الحديث الآخر (تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب) قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذلك قد وقع كما ذكر في خلافة عمر بن عبد العزيز وسببه بسط عمر العدل وإيصال الحقوق لأهلها حي استغنوا وأما فيض المال الذي يقع في زمن عيسى - عليه السلام - فسببه كثرة المال وقلة الناس واستشعارهم بقيام الساعة وسيأتي بيان ذلك في حديث أبي هريرة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 306) والبخاري (1411) والنسائي (5/ 77). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حارثة بن وهب بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال: (2219) (975) (125) (وحدثنا عبد الله بن براد) بفتح الموحدة والراء المشددة ابن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي (وأبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن بريد) مصغرًا بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبي بردة الصغير الكوفي (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي (عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه) ويتجول في الناس (بالصدقة من الذهب) خصه بالذكر مبالغة في عدم من يقبلها وكذا قوله: (يطوف ثم لا يجد من يقبلها) (ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه ويُرى) بالبناء للمجهول (الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة) الظاهر أنه أريد بهذا العدد الكثرة ويؤيده ما في

يَلُذْنَ بِهِ. مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ بَرَّادٍ" وَتَرَى الرَّجُلَ". (2220) (976) - (126) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أنس (وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) أي من يقوم بأمرهن واللام للعهد إشعارًا بما هو معروف من كون الرجال قوامين على النساء. وقال القرطبي في التذكرة: يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهن سواء كن موطوات أولًا ويحتمل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول: الله الله فيتزوج الواحد بغير عدد جهلًا بالحكم الشرعي. قال الحافظ: وقد وجد ذلك من أمراء التركمان من أهل هذا الزمان مع دعواه الإسلام والله المستعان. (يلذن به) أي يلتجئن إليه ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن من لاذ به يلوذ لوذًا ولياذًا إذا التجأ إليه واستغاث به وفي حديث الدعاء (اللهم بك أعوذ وبك ألوذ) كما في النهاية (من قلة الرجال وكثرة النساء). قال النواوي: معنى يلذن به أي ينتمين إليه ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن كقبيلة بقي من رجالها واحد فقط وبقيت نساؤها فيلذن بذلك الرجل ليذب عنهن ويقوم بحوائجهن ولا يطمع فيهن أحد بسببه وأمّا سبب قلة الرجال وكثرة النساء فهو الحروب والقتال الذي يقع في آخر الزمان وتراكم الملاحم كما قال صلى الله عليه وسلم: (ويكثر الهرج) أي القتل اهـ منه. وقال القرطبي: معنى يلذن يستترن ويتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة وذلك إنما يكون لكثرة قتل الرجال في الملاحم اهـ مفهم. وقال الحافظ: والظاهر إنها علامة محضة لا لسبب آخر بل يقدر الله تعالى في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكر ويكثر من يولد من النساء. (وفي رواية ابن براد: وترى الرجل) بفتح التاء من ترى مسندًا إلى ضمير المخاطب ونصب الرجل على المفعولية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث حارثة بن وهب بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2220) (976) (126) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا

يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ. وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ يعقوب وهو ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد التحتانية نسبة إلى القارة قبيلة معروفة المدني حليف بني زهرة ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح المدني صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة) أي القيامة (حثى يكثر المال ويفيض) بفتح الياء أي يسيل من كثرته من كل جانب كالسيل ليميل الخلق إليه كل الميل (حتى يخرج الرجل) أي الشخص (بزكاة ماله فلا يجد أحدًا يقبلها منه وحتى تعود) أي تصير (أرض العرب) التي هي قليلة النبات والماء (مروجًا) أي رياضًا ومزارع بضم الميم جمع مرج وفي النهاية: المرج الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيه الدواب أي تسرح مختلطة كيف شاءت (وأنهارًا) أي مياها كثيرة جارية في أنهارها قيل: كانت أكثر أراضيهم أولًا مروجًا وصحاري ذات مياه وأشجار فخربت ثم تكون معمورة باشتغال الناس في آخر الزمان بالعمارة يدل عليه قوله: (حتى تعود) وقال بعضهم: المرج هو الموضع الذي ترعى فيه الدواب فمعنى الحديث: إن أراضي العرب تبقى معطلة في آخر الزمان لا تزرع ولا ينتفع بها لقلة الرجال وتراكم الفتن لكن هذا المعنى لا يناسب قوله: (وأنهارًا) لأن الأنهار في الأراضي التي لا نهر فيها لا تكون إلا بالكرى والعمارة اهـ مبارق. وقال النواوي: معناه والله أعلم أنهم يتركونها ويعرضون عنها فتبقى مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياهها وذلك لقلة الرجال وكثرة الحروب وتراكم الفتن وقرب الساعة وقلة الآمال وعدم الفراغ لذلك والاهتمام به اهـ. قال القرطبي: قوله: (حتى تعود أرض العرب مروجًا) أي حي تنصرف دواعي العرب عن مقتضى عاداتهم من انتجاع الغيث والارتحال في المواطن للحروب والغارات ومن نخوة (عزة) النفوس العربية الكريمة الأبية إلى أن يتقاعدوا عن ذلك فينشغلوا بغراسة

(2221) (0) (0) وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ. فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ صَدَقَةً. وَيُدْعَى إِلَيهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لَا أَرَبَ لِي فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض وعمارتها وإجراء مياهها كما قد شوهد في كثير من بلادهم وأحوالهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 417) فقط. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (2221) (0) (0) (وحدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (عن أبي يونس) سليم بن جبير الدوسي المصري ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة غرضه بسوقه بيان متابعة أبي يونس لأبي صالح في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة: (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض) من فاض الماء إذا انصب عند امتلائه ففيض المال كناية عن كثرته (حتى يهم) ضبطوه بوجهين أجودهما وأشهرهما (يُهِم) بضم الياء وكسر الهاء ويكون (رب المال) منصوبًا على المفعولية والفاعل (من يقبله منه) من أهمه إذا أخرجه والمعنى يحزنه ويهتم له والثاني (يَهُم) بفتح الياء وضم الهاء من هم به إذا قصده ويكون رب المال مرفوعًا على الفاعلية والتقدير: حتى يهم رب المال من يقبل صدقته أي يقصده ويطلبه اهـ نواوي. يعني يكثر المال في آخر الزمان حتى يجعل مغمومًا صاحب المال فقدان من يقبل صدقته منه وذلك يكون لانعدام رغبة الناس في الأموال لتعاقب أشراط الساعة وظهور الأهوال اهـ ابن الملك. وقوله (صدقة) حال من ضمير يقبله العائد إلى المال أي من يقبل منه المال حالة كونه صدقة أي متصدقًا به (ويدعى إليه) أي إلى المال أي يطلب إلى أخذ المال (الرجل) الذي كان يأخذ الصدقة أولًا (فيقول) ذلك الفقير لصاحب المال اليوم (لا أرب لي) بفتح الهمزة والراء أي لا حاجة لي ولا رغبة (فيه) أي في المال لاستغنائي عنه.

(2222) (977) - (127) وَحَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَأَبُو كُرَيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (حتى يكثر فيكم المال) قال الحافظ: والتقييد بقوله فيكم يشعر بأنه محمول على زمن الصحابة فيكون إشارة إلى ما وقع من الفتوح واقتسامهم أموال الفرس والروم ويكون قوله: (فيفيض حتى يهم رب المال) إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز فقد تقدم أنه وقع في زمنه أن الرجل كان يعرض ماله للصدقة فلا يجد من يقبل صدقته ويكون قوله (وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي به) إشارة إلى ما سيقع في زمن عيسى ابن مريم فيكون في هذا الحديث إشارة إلى ثلاثة أحوال: الأولى: إلى كثرة المال فقط وقد كان ذلك في زمن الصحابة ومن ثم قيل فيه: (يكثر فيكم) الحالة الثانية: الإشارة إلى فيضه من الكثرة بحيث يحصل استغناء كل أحد عن أخذ مال غيره وكان ذلك في آخر عصر الصحابة وأول عصر من بعدهم ومن ثم قيل (حتى يهم رب المال) وذلك ينطبق على ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز الحالة الثالثة: فيه الإشارة إلى فيضه وحصول الاستغناء لكل أحد حتى يهتم صاحب المال بكونه لا يجد من يقبل صدقته ويزداد بأنه يعرضه على غيره ولو كان ممن لا يستحق الصدقة فيأبى أخذه فيقول: لا حاجة لي فيه وهذا في زمن عيسى - عليه السلام - اهـ. وقال في موضع آخر ويحتمل أن يكون هذا الأخير لاشتغال كل منهم بنفسه عند طروق الفتنة فلا يلوي على الأهل فضلًا عن المال وذلك في زمن الدجال وإما بحصول الأمن المفرط والعدل البالغ بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما في يد غيره وذلك في زمن المهدي وعيسى ابن مريم وإما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر فيعز حينئذ الظهر وتباع الحديقة بالبعير الواحد ولا يلتفت أحد حينئذ إلى ما يثقله من المال بل يقصد نجاة نفسه ومن يقدر من ولده وأهله وهذا أظهر الاحتمالات وهو المناسب لصنيع البخاري والعلم عندالله تعالى اهـ منه. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث حارثة بن وهب بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2222) (977) (127) (وحدثنا واصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي ثقة من (10) (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (ومحمد بن يزيد) بن محمد بن كثير بن رفاعة العجلي (الرفاعي) أبو هشام الكوفي قاضي بغداد روى

(وَاللَّفْظُ لِوَاصِلٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلاذَ كَبِدِهَا. أَمْثَال الأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن محمد بن فضيل في الزكاة والفتن ويروي عنه (م ت ق) وابن صاعد والمحاملي وابن أبي خثيمة وغيرهم قال ابن معين: لا أرى به بأسًا وقال العجلي: كوفي لا بأس به صاحب قرآن وقال البخاري: رأيتهم مجتمعين على ضعفه وقال النسائي: ضعيف ولا يقدح مسلمًا إدخاله في جامعه لكونه على طريق المقارنة كما ذكرناه في خلاصتنا وقال في التقريب: ليس بالقوي من صغار العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين (واللفظ) الآتي (لواصل قالوا: حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (20) عشرين بابا (عن أبيه) فضيل ابن غزوان الضبي الكوفي ثقة من (7) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقيء الأرض) مضارع من القيء أي تخرج الأرض (أفلاذ كبدها) أي قطع كبدها أي كنوزها وتطرحها على ظهرها والأفلاذ بفتح الهمزة جمع فلذ كأكتاف وكتف والفلذ جمع فلذة بكسر الفاء وهي قطعة من الكبد مقطوعة طولًا وخص الكبد لأنها من أطايب ما في الجزور اهـ من النهاية. وسمي ما في الأرض كبدًا تشبيهًا له بالكبد التي في بطن البعير لأنها أحب ما هو مخبأ فيها كما أن الكبد أطيب ما في بطن الجزور وأحبه إلى العرب وإنما قلنا في بطن البعير لأن ابن الأعرابي قال: الفلذ لا يكون إلا للبعير فالمعنى تظهر كنوزها وتخرجها من بطونها إلى ظهورها حالة كون أفلاذها (أمثال الأسطوان) أي أشباه العمد في العظم والكثرة والأسطوان بضم الهمزة والطاء وهو جنس والأسطوانة واحده وهي السارية والعمود وشبهه بالأسطوان لعظمه وكثرته. وقوله: (من الذهب والفضة) بيان للأفلاذ أي حالة كون تلك الأفلاذ المخرجة المشبهة بالأسطوان من الذهب والفضة قيل: معناه إن الأرض تلقي من بطنها ما فيه من الكنوز وقيل: ما رسخ فيها من العروق المعدنية (فيجيء القاتل) أي فيحضر قاتل النفس

فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ. وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي. وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي. ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيئًا". (2223) وحدّثنا (0) (0) قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ , وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ لأجل الدنيا وينظر إليها (فيقول) بقلبه ولسانه: (في هذا) أي لأجل المخاصمة والمنازعة في هذا الكنز الذي أخرجته (قتلت) أي لأجل طلب هذا العرض ولأجل تحصيل هذا المرغوب عنه قتلت من قتلت من الأنفس (ويجيء القاطع) للرحم لشدة الحرص على المال فينظر إليها (فيقول: في هذا) أي لأجل عدم المواساة لهذا الكنز (قطعت رحمي) أي قطعت صلة أقاربي (ويجيء السارق) لمال الناس فينظر إليها (فيقول: في هذا) أي لأجل سرقة هذا الكنز (قطعت يدي) حدًّا (ثم) بعد ما نظروا إليه وقالوا ما قالوا (يدعونه) بفتح الدال أي يتركون ما قاءته الأرض من الكنز أو المعدن أو الذهب والفضة أي يتركون الذي أشاروا إليه مستحقرين له (فلا يأخذون منه شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا لاستغنائهم عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي فقط (2208). ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (2223) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني (عن سعيد بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي حالة كون أبي هريرة (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصدق أحد) منكم (بصدقة من) مال (طيب) أي حلال وجملة قوله: (ولا يقبل الله إلا الطيب) أي الحلال جملة معترضة بين الشرط والجزاء لغرض التأكيد وفيه إشارة إلى أن غير الحلال غير مقبول وأن الحلال المكتسب يقع بمحل عظيم. قال القرطبي: وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام لأنه غير مملوك للمتصدق وهو

إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً. فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ. كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ممنوع من التصرف فيه والتصدق به تصرف فيه فلو قبلت منه لزم أن يكون الشيء الواحد مأمورًا به منهيًا عنه من وجه واحد وهو محال ولأن أكل الحرام يفسد القلوب فتحرم الرقة والإخلاص فلا تقبل الأعمال وأشار الحديث إلى أنه إنما لم يقبل لأنه ليس بطيب فانتفت المناسبة بيه وبين الطيب بذاته اهـ. (إلا أخذها) أي أخذ تلك الصدقة (الرحمن) أخذًا يليق به (بيمينه) المقدسة وأخذها باليمين يدل على حسن القبول ووقوع الصدقة منه موقع الرضا على أكمل الحصول لأن الشيء المرضي يتلقى باليمين في العادة اهـ. مرقاة و (إلا) أداة استثناء مفرغ والأخذ بمعنى القبول ولعل ذكر الرحمن للإشعار بأن هذا من فضل رحمته وسعة كرمه واليمين صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نؤولها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (وإن كانت) تلك الصدقة (تمرة) أي حبة من تمر والذي في المشكاة (بعدل تمرة) أي بمثلها صورة أو قيمة اهـ مرقاة. (فتربو) أي تزيد وتكبر (في كف الرحمن) المقدسة والكف صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نمثلها (حتى تكون) تلك التمرة (أعظم من الجبل) الكبير مثل أحد والظاهر أن المراد بعظمها أن عينها تعظم لتثقل في الميزان ويحتمل أن يكون ذلك معبرًا به عن ثوابها (كما يربي) ويكبر (أحدكم فلوه) أي ولد فرسه (أو فصيله) أي ولد ناقته و (أو) إما للشك من الراوي أو للتنويع والفلو بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو وهو المهر أي ولد الفرس سمي فلوًّا لأنه فلي عن أمه أي فصل وعزل عنها وقيل هو كل فطيم من ذات حافر والجمع أفلاء كعدو وأعداء وقال أبو زيد: إذا فتحت الفاء شدت الواو وإذا كسرتها سكنت اللام كجرو وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال وكذلك عمل ابن آدم لا سيما الصدقة فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى ينتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل اهـ فتح الملهم. (أو فصيله) والفصيل ولد الناقة إذا فصل من إرضاع أمه فعيل بمعنى مفعول كجريح وقتيل بمعنى مجروح ومقتول اهـ منه.

(2224) (0) (0) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ. إِلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ. فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ قَلُوصَهُ. حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ, أَوْ أَعْظَمَ". (2225) (0) (0) وحدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 538) والترمذي (661) والنسائي (5/ 57) وابن ماجه (1842). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (2224) (0) (0) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتخفيف الراء وتشديد الياء نسبة إلى قارة قبيلة معروفة المدني (عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي صالح لسعيد بن يسار في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتصدق أحد) منكم (من كسب طيب) أي حلال معنى الكسب المكسوب والمراد به ما هو أعم من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث وكأنه ذكر الكسب لكونه الغالب في تحصيل المال اهـ فتح الملهم. (إلا أخذها الله) سبحانه وتعالى أخذًا يليق بجلاله (بيمينه) المقدسة (فيربيها) التربية كناية عن الزيادة أي يزيدها ويعظمها حتى تثقل في الميزان اهـ مرقاة. (كما يربي أحدكم فلوه أو قلوصه) أو للشك أو للتنويع كما مر آنفًا والقلوص بفتح القاف وضم اللام وهي الناقة الفتية أي الشابة (حتى تكون) تلك التمرة غاية ليربيها (مثل الجبل) العظيم في الثقل (أو أعظم) أي بل أعظم منه فأو للإضراب وهذا تمثيل لزيادة التعظيم وفي الحديث اقتباس من قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] فالمراد بالربا جميع الأموال المحرمات والصدقات تقيد بالحلالات اهـ مرقاة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: (2225) (0) (0) (وحدثني أمية بن بسطام) بمنع الصرف للعلمية والعجمة كما في شرح القاموس العيشي بتحتانية ثم معجمة أبو بكر البصري صدوق من (10) (حدثنا يزيد

(يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ) حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الأَوْدِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ). كِلاهُمَا عَنْ سُهَيلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِي حَدِيثِ رَوْحٍ: "مِنَ الْكَسْبِ الطَّيِّبِ فَيَضَعُهَا فِي حَقِّهَا". وَفِي حَدِيثِ سُلَيمَانَ: "فَيَضَعُهَا فِي مَوْضِعِهَا". (2226) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني ابن زريع) التميمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة ثبت من (8) (حدثنا روح بن القاسم) التميمي العنبري أبو غياث البصري ثقة من (6) (ح وحدثنيه أحمد بن عثمان) بن أبي عثمان عبد النور بن عبد الله بن سنان (الأودي) النوفلي أبو عثمان البصري ثقة من (11) (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي صدوق من (10) (حدثني سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من روح بن القاسم وسليمان بن بلال رويا (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة وهذان السندان من سداسياته غرضه بسوقهما بيان متابعة روح وسليمان ليعقوب بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن سهيل. ولكن (في حديث روح) بن القاسم وروايته لفظة: (من الكسب الطيب) أي الحلال بإدخال الألف واللام على الكسب والطيب ومع زيادة لفظة: (فيضعها) أي فيضع تلك التمرة ويتصدق بها (في حقها) أي في الموضع الذي تستحق فيه كأن أعطاها للمحتاج لا للأغنياء ولا للشربة (وفي حديث سليمان) بن بلال وروايته (فيضعها في موضعها) أي في الموضع اللائق بها يعني وقع في لفظ الحديث على رواية روح بن القاسم هذه المغايرة مع هذه الزيادة أعني (فيضعها في حقها) وفي رواية سليمان بن بلال زيادة (فيضعها في موضعها). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: (2226) (0) (0) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني هشام بن سعد) المدني أبو عباد القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي

صلى الله عليه وسلم. نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ, عَنْ سُهَيلٍ. (2227) (979) - (129) وَحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ. حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا. وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم) وقوله: (نحو حديث يعقوب عن سهيل) عن أبي صالح مفعول ثان لأخبرني هشام بن سعد أي أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح نحو حديث يعقوب عن سهيل عن أبي صالح غرضه بيان متابعة هشام ليعقوب في رواية هذا الحديث عن أبي صالح ولكنها متابعة ناقصة لأن رواية هشام عن أبي صالح بواسطة زيد بن أسلم ورواية يعقوب عن أبي صالح بواسطة سهيل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له فقال: (2227) (979) (129) (وحدثني أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (حدثنا فضيل بن مرزوق) الأغر بالمعجمة والراء الرقاشي الكوفي صدوق من (7) (حدثني عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة من (4) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله) سبحانه وتعالى (طيب) أي منزه عن النقائص في ذاته وصفاته وأفعاله (لا يقبل) الله من الصدقات (إلا طيبًا) أي حلالًا. قال القاضي رحمه الله تعالى: الطيب ضد الخبيث فإذا وصف به تعالى يراد به أنه منزه من النقائص مقدس عن الآفات وإذا وصف به العبد مطلقًا يراد به أنه المتعري عن رذائل الأخلاق وقبائح الأعمال والمتحلي بأضداد ذلك وإذا وصف به الأموال يراد به كونه حلالًا من خيار الأموال ومعنى الحديث أنه تعالى منزه عن العيوب فلا يقبل ولا ينبغي أن يتقرب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى وهو خيار أموالكم الحلال كما قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (وإن الله) تعالى (أمر المؤمنين بما أمر به

الْمُرْسَلِينَ. فَقَال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ. أَشْعَثَ أَغْبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المرسلين) يعني لم يفرق الله تعالى بين الرسل وغيرهم في وجوب طلب الحلال والاجتناب عن الحرام اهـ ابن الملك. (فقال) تعالى في أمر الرسل: ({يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}) [المؤمنون: 51] وهذا النداء خطاب لجميع الأنبياء لا أنهم خوطبوا بذلك دفعة واحدة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على أن كلًّا منهم خوطب في زمانه ويمكن أن يكون هذا النداء يوم الميثاق لخصوص الأنبياء أو باعتبار أنه تعالى ليس عنده صباح ولا مساء وفيه تنبيه نبيه على أن إباحة الطيبات شرع قديم واعتراض على الرهبانية في رفضهم اللذات وإيماء إلى أن أكل الطيب مورث العمل الصالح وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى اهـ فتح الملهم. (وقال) تعالى في أمر المؤمنين: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}) [البقرة: 172] أي من حلالاته أو مستلذاته ونعمته {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وفيه إشارة إلى أن الله تعالى خلق الأشياء كلها لعبيده كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} وإنه خلق عبيده لمعرفته وطاعته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}. (ثم ذكر الرجل) هذه الجملة من كلام الراوي والضمير فيه للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالرفع مبتدأ مذكور على وجه الحكاية من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجوز أن ينصب على أنه مفعول ذكر (يطيل السفر) أي يسافر من مكان في وجوه الطاعات كحج وزيارة مستحبة وصلة رحم وجهاد وتعلم العلم وغير ذلك وهذه الجملة على الوجه الثاني صفة للرجل لأنه في المعنى كالنكرة كما وجه كذا قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ويصح أن تكون حالًا منه نظرًا إلى لفظه كما في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني أي ثم بعد ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر في وجوه الطاعات حالة كونه (أشعث) الرأس أي متلبد شعر الرأس متوسخه وحالة كونه (أغبر) الجسد أي متلطخ الغبار في جسده.

يَمُدُّ يَدَيهِ إِلَى السَّمَاءِ. يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ, وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ, وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ, وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ. فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: والشعث في الشعر والغبرة في سائر الجسد اهـ. أي حالة كونه ذا وسخ في الرأس وغبار في الجسد وهذا يدل على أن سفره في الحج حالة كونه (يمد يديه إلى السماء) أي يرفعهما إليها عند الدعاء لأنها قبلة الدعاء وهذا يدل على مشروعية مد اليدين إلى السماء عند الدعاء قائلًا في دعائه (يا رب) اغفر لي (يا رب) ارحمني وهذا حكاية قول ذلك الرجل في دعائه وهو كما ترى مرتان. وقال ابن الملك: ذكره ثلاث مرات ظانًا أن هذه الحالات من إطالة السفر وتحمل الزحمات من مظان إجابة الدعوات اهـ. أي قائلًا مكررًا: يا رب وفيه إشارة إلى أن الدعاء بلفظ الرب مؤثر في الإجابة لإيذانه بأن وجوده فائض عن تربيته وإحسانه وجوده وامتنانه (ومطعمه) أي والحال أن مطعمه أي مأكوله ومطعومه (حرام ومشربه) أي مشروبه (حرام وملبسه) أي لباسه (حرام و) الحال أنه قد (غذي) وربي في صغره (بالحرام) غذي بضم الغين وكسر الذال المعجمة المخففة كذا ضبطه النواوي رحمه الله تعالى وفي نسخ المصابيح وقعت مقيدة بالتشديد كذا ذكره الطيبي وهو كذلك في بعض نسخ المشكاة والمعنى أي ربي بالحرام من صغره إلى كبره. قال الأشرف ذكر قوله وغذي بالحرام بعد قوله ومطعمه حرام لأنه لا يلزم من كون المطعم حرامًا التغذية به وإما تنبيهًا به على استواء حاليه أعني كونه منفقًا في حال كبره ومنفقًا عليه في حال صغره في وصول الحرام إلى باطنه فأشار بقوله: مطعمه حرام إلى كبره وبقوله وغذي بالحرام إلى حال صغره وهذا دال على أن لا ترتيب في الواو وذهب المظهر إلى الوجه الثاني ورجح الطيبي الوجه الأول ولا منع من الجمع فيكون إشارةً إلى أن عدم إجابة الدعوة إنما هو لكونه مصرًا على تلبس الحرام والله تعالى أعلم بالمرام. (فأنى يستجاب لذلك) الرجل أي من أين يستجاب لمن هذه صفته أو كيف يستجاب له قال ابن الملك: هذا استبعاد لاستجابة الدعاء لا بيان لاستحالته قال القرطبي: أي كيف يستجاب له على جهة الاستبعاد ومعناه أنه ليس أهلًا لإجابة دعائه لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلًا ولطفًا وكرمًا اهـ مفهم. وقوله: (لذلك) أي لذلك الرجل وقيل: هو إشارة إلى كون مطعمه ومشربه حرامًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون علةً للاستبعاد لكن الوجه الأول أولى اهـ ابن الملك. قال الأشرف رحمه الله تعالى وفيه إيذان بأن حل المطعم والمشرب مما تتوقف عليه إجابة الدعاء ولذا قيل: إن للدعاء جناحين أكل الحلال وصدق المقال. قال التوربتشي رحمه الله تعالى: أراد بالرجل الحاج الذي أثر فيه السفر وأخذ منه الجهد وأصابه الشعث وعلاه الغبرة فطفق يدعو الله على هذه الحالة وعنده أنها من مظان الإجابة فلا يستجاب له ولا يعبأ ببؤسه وشقائه لأنه متلبس بالحرام وصارت النفقة من غير حلها. قال الطيبي رحمه الله تعالى: فإذا كان حال الحاج الذي هو في سبيل الله هذا فما بال غيره وفي معناه أمر المجاهد في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وسلم (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث مغبرة قدماه) وكل هذه الحالات حالة على غاية استحقاق الداعي للإجابة ودلت تلك الخيبة على أن الصارف قوي والحاجز مانع شديد. قال الأبي رحمه الله تعالى: قوله: (فأنى يستجاب لذلك) الأظهر أنه استبعاد لا إياس وعلى كل تقدير فالاستبعاد في حق من جمع بين الثلاث اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد (2/ 328). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث حارثة بن وهب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة. والثالث: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد به لحديث حارثة. والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد له وذكر فيه متابعة واحدة. والخامس: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد لحديث حارثة أيضًا. والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. والسابع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد لما قبله فجملة أحاديث الباب سبعة خمسة منها لأبي هريرة وواحد لحارثة بن وهب وواحد لأبي موسى والله سبحانه وتعالى أعلم.

425 - (43) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة وحث الإمام على الصدقة إذا رأى فاقة

425 - (43) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة وحث الإمام على الصدقة إذا رأى فاقة (2228) (980) - (130) حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ. حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ مُعَاويَةَ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ, فَلْيَفْعَلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 425 - (43) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة وحث الإمام على الصدقة إذا رأى فاقة (2228) (980) (130) (حدثنا عون بن سلام) بتشديد اللام الهاشمي مولاهم أبو جعفر (الكوفي) ثقة من (10) (حدثنا زهير بن معاوية) بن حديج مصغرًا (الجعفي) أبو خيثمة الكوفي ثقة من (7) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي ثقة من (3) (عن عبد الله بن معقل) بن مقرن المزني أبي الوليد الكوفي روى عن عدي بن حاتم في الزكاة وكعب بن عمرو في الحج وثابت بن الضحاك في البيوع ويروي عنه (خ م ت س ق) وأبو إسحاق السبيعي وعبد الرحمن الأصبهاني وعبد الله بن السائب. قال العجلي: كوفي تابعي ثقة من "خيار التابعين وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث وقال في التقريب: ثقة من كبار الثالثة مات سنة (88) ثمان وثمانين (عن عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي الجواد ابن الجواد أبي طريف الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وفيه رواية تابعي عن تابعي. (قال) عدي: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من استطاع) أي قدر (منكم) أيها المسلمون (أن يستتر) أي أن يتخذ سترًا وحجابًا (من) عذاب (النار ولو) قدر الاستتار عنها (بشق تمرة) بكسر الشين أي بنصف حبة تمرة أو بعدلها أي ولو قدر على الاستتار عنها بنصف تمرة أو بدونها (فليفعل) ذلك الاستتار والجملة جواب من الشرطية وجملة لو معترضة ومفعول يفعل محذوف كما قدرناه أو معنى ليفعل ليستتر أو ليتصدق ذكرًا للأعم وإرادة للأخص بقرينة ما قبله اهـ ابن الملك.

(2229) (0) (0) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ (قَال ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ. لَيسَ بَينَهُ وَبَينَهُ تُرْجُمَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحديث الحث على الصدقة وأنه لا يمتنع منها لقلتها وأن قليلها سبب للنجاة من النار اهـ نووي. فلا يحقر الإنسان ما يتصدق به وإن كان يسيرًا فإنه يستر المتصدق به من النار. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (4/ 258 و 259) والبخاري (1417). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه فقال: (2229) (0) (0) (حدثنا علي بن حجر) بن إياس (السعدي) المروزي ثقة من (9) (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بزنة جعفر بن عبد الرحمن المروزي ثقة من (10) (قال ابن حجر: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي ثقة من (8) (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن خيثمة) بفتح المعجمة وسكون الياء ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي الكوفي ثقة من (3) (عن عدي بن حاتم) الطائي الكوفي. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مروزي وفيه المقارنة والتحديث والإخبار والعنعنة وفيه رواية تابعي عن تابعي غرضه بسوقه بيان متابعة خثيمة بن عبد الرحمن لعبد الله بن معقل في رواية هذا الحديث عن عدي بن حاتم وكرر المتن لما في هذه الرواية من الزيادة الكثيرة. (قال) عدي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد) ظاهر الخطاب للصحابة ويلحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة أي ما من أحد منكم (إلا سيكلمه الله) سبحانه وتعالى يوم القيامة والحال أنه (ليس بينه) أي بين الله سبحانه وتعالى (وبينه) أي وبين أحد منكم (ترجمان) بفتح التاء وضم

فَيَنْظُرُ أَيمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ. وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ. وَيَنْظُرُ بَينَ يَدَيهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الجيم وفتحها فيضمان ويفتحان وهو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى والمراد إن الله سبحانه وتعالى يكلم ويخاطب العبد بلا واسطة ولم يذكر في هذه الرواية ما يقول له ولكن بينه في رواية أخرى (ثم ليقولن له: ألم أرتك مالًا فليقولن: بلى ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولًا فليقولن: بلى) اهـ فتح الملهم. والمراد بالترجمان هنا الرسول لأن الله تعالى لا يخفى عليه لغة فيكون كلامه تعالى في الآخرة بالوحي لا بالرسول اهـ من بعض الهوامش. (فينظر) أحدكم حينما كلمه تعالى (أيمن منه) أي إلى جانبه الأيمن (فلا يرى إلا ما قدم) من أعماله الصالحة (وينظر أشأم منه) أي إلى جانبه الشمال (فلا يرى إلا ما قدم) من أعماله السيئة (وينظر بين يديه) أي قدامه (فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه) أي قبالة وجهه إذا سمعتم ما قلت لكم وأردتم بيان ما تتقون به من تلك النار (فـ) أقول لكم (اتقوا النار) أي اجعلوا الوقاية والستارة بينكم وبين النار (ولو بشق تمرة) أي ولو كان الذي تتقون به منها بعض حبة تمر أي ولو كان الاتقاء بتصدق تمرة اهـ من المبارق. وفي فتح الملهم: قوله: (فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم) أي ما قدمه من أعماله السيئة وفي رواية محل بن خليفة (فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار) ورواية خثيمة هي المعتمدة في ذلك وقوله: أيمن وأشأم بالنصب فيهما على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال قال ابن هبيرة: نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يمينًا وشمالًا يطلب الغوث. (قلت): ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقًا يذهب فيها ليحصل النجاة من النار فلا يرى إلا ما يفضي به إلى النار كما وقع في رواية محل بن خليفة كذا في الفتح. قوله: (فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه) قال ابن هبيرة: والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن يحيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف وقد أخرج البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه بسند رجاله ثقات رفعه كأني أراكم بالكوم جثى من دون جهنم وقوله جثى بضم الجيم بعدها مثلثة مقصور جمع جاث والكوم بفتح الكاف وسكون الواو

زَادَ ابْنُ حُجْرٍ: قَال الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ, عَنْ خَيثَمَةَ, مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ" وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". وَقَال إِسْحَاقُ: قَال الأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيثَمَةَ. (2230) (0) (0) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المكان العالي الذي يكون عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في حديث كعب بن مالك عند مسلم أنهم يكونون يوم القيامة على تل عالٍ. قوله: (ولو بشق تمرة) بكسر المعجمة نصفها أو جانبها أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وما جل وأن لا يحتقر ما يتصدق به وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار. (زاد) علي (بن حجر) على غيره لفظة: (قال) لنا (الأعمش) حدثني خيثمة بن عبد الرحمن ما سبق بلا واسطة (وحدثني) أيضًا (عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي أبو عبد الله الأعمى الكوفي ثقة من (5) (عن خيثمة) بن عبد الرحمن (مثله) أي مثل ما حدثني خيثمة بلا واسطة (و) لكن (زاد) عمرو بن مرة (فيه) أي في حديثه وروايته عن خثيمة لفظة: (ولو بكلمة طيبة) بعد قوله: (ولو بشق تمرة) قال ابن هبيرة: المراد بالكلمة الطيبة هي ما يدل على هدي أو يرد عن ردى أو يصلح بين ائنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلًا أو يكشف غامضًا أو يدفع ثائرًا أو يسكن غضبًا والله سبحانه وتعالى أعلم. وقال ابن بطال: وجه كون الكلمة الطيبة صدقة أن إعطاء المال يفرح به قلب الذي يعطاه ويذهب ما في قلبه وكذلك الكلام الطيب فاشتبها من هذه الحيثية (وقال إسحاق) بن إبراهيم في روايته: (قال الأعمش: عن عمرو بن مرة عن خيثمة) بصيغة العنعنة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال: (2230) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الكوفي (عن الأعمش عن عمرو بن مرة) الكوفي (عن خيثمة) ابن عبد الرحمن الكوفي (عن عدي بن حاتم) الطائي الكوفي.

قَال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّارَ فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ. ثُمَّ قَال: "اتَّقُوا النَّارَ". ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيهَا. ثُمَّ قَال: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ, فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو كُرَيبٍ: كَأَنَّمَا. وَقَال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وأن فيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض الأعمش وعمرو وخيثمة. (قال) عدي: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار) الأخروية (فأعرض) بوجهه عنها كأنه يراها (وأشاح) أي بالغ في إعراضه عنها أو حذر عنها كأنه ينظر إليها أو جد على الإيصاء باتقائها قال الخليل: أشاح عن كذا تنحى عنه وهذا يطابق أعرض وعلى هذا فعطفه على أعرض من عطف المرادف قال الجرمي: أشبه الوجوه ما قاله الخليل من أنها التنحية بمعنى الإعراض. (ثم قال: اتقوا النار) أي اجعلوا الوقاية بينكم وبين النار (ثم أعرض) وتنحى عنها (وأشاح) أي عدل وأقبل إلينا كأنه يهرب منها (حتى ظننا) من شدة إعراضه وإشاحته عنها (أنه كأنما) زائدة بدليل سقوطها في رواية أبي كريب وجملة: (ينظر إليها) خبر أن أي حتى ظننا أنه ناظر إليها أي حتى ظننا من كثرة ما رأينا من تغيره من حالة إلى حالة أخرى وعدم ثباته على حالة واحدة أنه ناظر إليها لما فيه من الدلالة على الاضطراب والتحير والتدهش. (ثم قال) ثانيًا: (اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد) تمرة (فـ) ـليتق (بكلمة طيبة ولم يذكر أبو كريب) في روايته لفظة (كأنما وقال) أبو كريب في روايته: (حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش) بصيغة التحديث عن الأعمش ولم يعنعن عنه. فمعنى هذا الكلام (فمن لم يجد) أي شيئًا يتقى به من النار (فبكلمة طيبة) أي فليتق بها قال النواوي: فيه أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب إنسان إذا كانت مباحة أوطاعة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال:

(2231) (0) (0) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا. وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ. ثَلاثَ مِرَارٍ. ثُمَّ قَال: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا, فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". (2232) (981) - (131) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيفَةَ, عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (2231) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عمرو بن مرة عن خيثمة عن عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن عمرو بن مرة. (أنه) صلى الله عليه وسلم (ذكر النار فتعوذ) أي استعاذ (منها) بالله سبحانه وتعالى (وأشاح) أي أعرض (بوجهه) عنها كأنه ينظر إليها وقوله: (ثلاث مرار) تنازع فيه كل من تعوذ وأشاح (ثم) بعد استعاذته وإشاحته ثلاث مرار (قال) صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا) ما تتقون به منها من المال (فـ) ـاتقوا منها (بكلمة طيبة) أي صالحة مبشرة للسائل ومفرحة له. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جرير رضي الله عنه فقال: (2232) (981) (131) (حدثني محمد بن المثنى العنزي) البصري (أخبرنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عون بن أبي جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي الكوفي (عن المنذر بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي روى عن أبيه في الزكاة والعلم ويروي عنه (م د س ق) وعون بن أبي جحيفة في الزكاة وعبد الملك بن عمير في الزكاة وأبو إسحاق السبيعي والضحاك بن منذر وأبو حيان التيمي

عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ. فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَو الْعَبَاءِ. مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ. عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ. بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ. فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: مقبول من الثالثة (عن أبيه) جرير بن عبد الله بن جابر البجلي اليماني أبي عمرو الكوفي الصحابي الشهير رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وثلاثة كوفيون وفيه رواية تابعي عن تابعي. (قال) جرير: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار) أي في أول النهار ويقال له: وجه النهار أيضًا (فجاءه) صلى الله عليه وسلم (قوم) من الأعراب كما صرح به في الرواية الأخيرة (حفاة) أي ماشون بلا نعال (عراة) أي يغلب عليهم العري حالة كونهم (مجتابي النمار) حال من قوم لتخصصه بالصفة أي لابسيها خارقين أوساطها مقورين لها اسم فاعل من الاجتياب وهو تقوير أوساطها ليدخلوا فيها الرأس كالقميص ومنه قوله تعالى {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي نقبوا وخرقوا يقال اجتبيت القميص أي دخلت فيه. قال ابن الأثير: وكل شيء قطع وسطه فهو مجوب ومجوب وبه سمي جيب القميص. قال القرطبي: أي مقطوعي أوساط النمار من الاجتياب وهو التقطيع والخرق اهـ. والنمار بكسر النون جمع نمرة بفتحها وهي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف (أو) قال الراوي لابسي (العباء) بالشك من الراوي وفي فتح الملهم: الظاهر أنه شك من الراوي أو للتنويع والعباء بفتح العين وبالمد جمع عباءة وعباية لغتان وفي القاموس: إنه كساء معروف وقال القرطبي: هي أكسية غلاظ مخططة اهـ مفهم. (متقلدي السيوف) أي لابسي السيوف في أعناقهم بعلاقتها (عامتهم) أي أكثرهم ومعظمهم (من) قبيلة (مضر) بوزن عمر قبيلة معروفة أي أكثرهم منها (بل كلهم من مضر) إضراب لغرض المبالغة (فتمعر) بتشديد العين المهملة من باب تفعل الخماسي أي تغير (وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وظهر عليه آثار الحزن (لما رأى) أي لأجل ما رأى

بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ. فَأَمَرَ بِلالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ. فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَال: " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18] تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ, مِنْ دِرْهَمِهِ, مِنْ ثَوْبِهِ, مِنْ صَاعِ بُرِّهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ (بهم من) آثار (الفاقة) والفقر الشديد يعني لما لم يكن عنده من المال ما يجبر كسرهم ويغني فقرهم ويكسوهم ويعطيهم وما يعينهم وهذا من كمال رأفته ورحمته خصوصًا في حق أمته قوله: (فتمعر) قال ابن الأثير: وأصل التمعر قلة النضارة وعدم إشراق اللون من قولهم: مكان أمعر وهو الجدب الذي لا خصب فيه ومعر الرأس بفتحتين قلة شعره والأمعر أيضًا القليل الشعر اهـ. (فدخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرته لعله يلقى شيئًا من زيادة النفقة أو لتجديد الطهارة والتهيئة للموعظة قاله القاري (ثم خرج) من بيته فرجع إلى المسجد (فأمر بلالًا) مؤذنه صلى الله عليه وسلم بأن يؤذن للظهر كما صرح في رواية أخرى (فأذن) بلال (وأقام) للصلاة (فصلى) بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر (ثم) بعد ما فرغ من الصلاة صعد المنبر و (خطب) الناس فيه استحباب جمع الناس للأمور المهمة ووعظهم وحثهم على مصالحهم وتحذيرهم من القبائح (فقال) في خطبته أي قرأ في خطبته قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إلى آخر الآية) يعني قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا} قال عياض: قراءته صلى الله عليه وسلم لها كلها لما فيها من قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} وقال النواوي: يريد كأنهم إخوة وقال الأبي: يعني من قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وهو تنبيه على سبب التواصل (و) قرأ (الآية التي) في سورة (الحشر) يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي ولتتفكر النفوس ولتتأمل بأي شيء من العبادات والخيرات هيأته وادخرته لغد من الزمان وهو يوم القيامة. وقوله (تصدق رجل) بفتح القاف خبر بمعنى الأمر أي ليتصدق كل رجل منكم (من ديناره) الذي عنده و (من درهمه) الذي عنده و (من ثوبه) الذي عنده و (من صاع بره)

مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ (حَتَّى قَال): وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا. بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي عنده و (من صاع تمره) الذي عنده أي فليتصدق كل رجل منكم بما تيسر له مما عنده. قال القاري: قوله: (تصدق رجل) بفتح القاف وتسكن قال الطيبي لعل الظاهر ليتصدق رجل ولام الأمر للغائب محذوفة وجوزه ابن الأنباري ولو حمل تصدق على الفعل الماضي لم يساعده قوله: (حتى قال: ولو بشق تمرة) فالمعنى ليتصدق رجل ولو بشق تمرة وكذا قوله: (فجاء رجل إلخ) لأنه بيان لامتثال أمره صلى الله عليه وسلم عقيب الحث على الصدقة ولمن يجريه على الإخبار وجه لكن فيه تعسف غير خاف اهـ. قال الأبهري: ويأبى عن الحمل على حذف اللام عدم حرف المضارعة فيتعين حمله على أنه خبر لفظًا وأمر معنى وإتيان الإخبار بمعنى الإنشاء كثير في الكلام فليس فيه تكلف فضلًا عن تعسف وعلى هذا جرى حلنا وهو الظاهر الموافق لقاعدتهم اهـ من فتح الملهم. وقوله: (رجل من ديناره) إلح قال الطيبي: رجل نكرة وضعت موضع المعرف لإفادة الاستغراق في الإفراد وإن لم تكن في سياق النفي كشجرة في قوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: 27] فإن شجرة وقعت موقع الأشجار ومن ثم كرر في الحديث مرارًا بلا عطف أي ليتصدق رجل من ديناره ورجل من درهمه وهلم جرًا ومن في من ديناره إما تبعيضية أي ليتصدق مما عنده من هذا الجنس وإما ابتدائية متعلقة بالفعل فالإضافة بمعنى اللام أي ليتصدق بما هو مختص به وهو مفتقر إليه على نحو قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وقوله: (من صاع تمره) إعادة العامل تفيد الاستقلال وتدفع أن يكون الصاع منهما. وقوله: (حتى قال) غاية لمحذوف معلوم من السياق أي أمر كلهم بتصدقه مما عنده حتى قال: تصدقوا (ولو) كان تصدقكم (بشق تمرة) أي بنصفها (قال) جرير بن عبد الله (فجاء رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (بصرة) بضم الصاد وتشديد الراء أي بربطة وكيس من الدراهم والدنانير والصرة ما تعقد فيه الدراهم (كادت) وقربت (كفه) أن (تعجز عنها) أي عن حملها أي عن حمل الصرة لثقلها لكثرة ما فيها (بل قد عجزت) إضراب

قَال: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ. حَتَّى رَأَيتُ كَوْمَينِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ. حَتَّى رَأَيتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ. كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً, فَلَهُ أَجْرُهَا, وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لغرض المبالغة (قال) الراوي: (ثم) بعد ما جاء ذلك الرجل بالصرة (تتابع الناس) ذلك الرجل وتلاحقوه بصدقاتهم فجمعوا أموالًا كثيرة (حتى رأيت كومين) أي صبرتين مجموعتين (من طعام وثياب) والكومان ثنية كوم بالفتح وبالضم الصبرة. قال القرطبي: قوله: (كومين) بفتح الكاف تثنية كوم بالفتح والكوم الرابية أي التل المرتفع والمعنى حتى رأيت جمعًا كثيرًا من مأكول وملبوس وقد قيد كومين بضم الكاف قال أبو مروان بن سراج: هو بالضم اسم لما كوم أي جمع وبالفتح المرة الواحدة والكومة الصبرة والكوم العظيم من كل شيء والكوم المرتفع كالرابية والفتح هنا أولى لأنه إنما شبه ما اجتمع هناك بالكوم الذي هو الرابية. وقوله: (حتى رأيت) غاية لمحذوف تقديره: فجمعوا كومين إحداهما من طعام والأخرى من ثياب حتى رأيت (وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل) أي يتنور فرحًا وسرورًا حتى صار وجهه كأنه مذهبة) بضم الميم وسكون الذال وفتح الهاء بعدها موحدة أي فضة مموهة بالذهب في إشراقه. قال القرطبي: والرواية الصحيحة المشهورة فيه هكذا بالذال المعجمة والباء الموحدة من الذهب. ووقع في بعض الرواية: (مدهنة) بضم الميم وسكون الدال المهملة وضم الهاء بعدها نون والمدهن نقرة في الجبل يستنقع فيه ماء المطر والمدهن أيضًا ما جعل فيه الدهن وَالمدهنة من ذلك شبه صفاء وجهه بإشراق السرور بصفاء هذا الماء في الحجر أو بصفاء الدهن وسروره صلى الله عليه وسلم فرح بما ظهر من المسلمين من سهولة البذل عليهم ومبادرتهم لذلك وبما كشف الله تعالى من فاقات أولئك المحاويج اهـ من المفهم. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة) أي من فعل فعلًا جميلًا في الإسلام فاقتدى به فيه (فله أجرها) أي أجر فعل تلك السنة بنفسه (وأجر) عمل (من عمل بها بعده) اقتداءً به لأن عمله بنفسه كان سببًا في عملهم فالأجر الأول على مباشرته والأجر الثاني على تسببه في عملهم فإذا لا يعارض بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ

مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً, كَانَ عَلَيهِ وزْرُهَا وَوزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ. مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ". (2233) (0) (0) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، الْعَنْبَرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} (من غير أن ينقص من أجورهم) أي من أجور العاملين بها (شيء) قليل ولا كثير لأنه أجر على تسببه في عملهم لا على عملهم. وعبارة فتح الملهم: قوله: (من سن سنة حسنة) أي أتى بطريقة مرضية يقتدى به فيها (فله أجرها) أي أجر تلك السنة أي ثواب العمل بها والإضافة لأدنى ملابسة لأن السنة سبب ثبوت الأجر فجازت الإضافة (وأجر من عمل بها بعده) أي من بعد ما سنه قال الأبي: وظاهره وإن لم ينو المبتدئ أن يتبع ففيه ثبوت الأجر على ما لم ينو الفاعل فيكون مخصصًا لحديث (إنما الأعمال بالنيات). (ومن سن في الإسلام سنة سيئة) أي فعل فعلًا قبيحًا فاقتدى به فيه (كان عليه وزرها) أي وزر عمله تلك السيئة بنفسه (ووزر) عمل (من عمل بها من بعده) إلى يوم القيامة أي عليه وزر تسببه في عملهم (من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) قليل ولا كثير. ويفيد هذا الحديث الترغيب في الخير المتكرر أجره بسبب الاقتداء والتحذير من الشر المتكرر إثمه بسبب الاقتداء اهـ من المفهم. قال النواوي: وفي الحديث الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات وسبب هذا الكلام في هذا الحديث أنه قال في أوله (فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها فتتابع الناس) وكان الفضل العظيم للبادئ والفاتح لباب هذا الإحسان اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 357 و 358) والترمذي (2675) والنسائي (5/ 75 - 77) وابن ماجه (203). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جرير رضي الله عنه فقال: (2233) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري

حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيفَةَ. قَال: سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرَ النَّهَارِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُعَاذٍ مِنَ الزِّيَادَةِ قَال: ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ خَطَبَ. (2234) (0) (0) حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَويُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (قالا) أي قال أبو أسامة ومعاذ بن معاذ حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية عن شعبة: (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (حدثنا عون بن أبي جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي الكوفي (قال سمعت المنذر بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي (عن أبيه) جرير بن عبد الله البجلي الكوفي. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما خمسة منهم كوفيون وواحد بصري ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم بصريون وثلاثة كوفيون وغرضه بسوقهما بيان متابعة أبي أسامة ومعاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة. (قال) جرير بن عبد الله: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر النهار) وأوله وساقا (بمثل حديث) محمد (بن جعفر) الهذلي (و) لكن (في حديث) معاذ (بن معاذ) العنبري (من الزيادة) لفظة (قال) جرير: (ثم صلى) النبي صلى الله عليه وسلم (الظهر ثم خطب) بدل رواية ابن جعفر: (فصلى ثم خطب) ففي هذه الرواية تعيين الصلاة التي صلى بهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جرير رضي الله تعالى عنه فقال: (2234) (0) (0) (حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة (القواريري) الجشمي مولاهم أبو شعيب البصري (وأبو كامل) فضيل بن حسين الجَحْدَري البصري (ومحمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عبد الرحمن (الأموي) البصري (قالوا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الفرسي نسبة إلى فرس له سابق أبي عمر الكوفي (عن المنذر بن جرير عن أبيه) وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لعون بن أبي جحيفة في رواية

قَال: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَاهُ قَوْمٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ. وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَفِيهِ: فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرًا صَغِيرًا. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} الآيَةَ. (2235) (0) (0) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث عن المنذر بن جرير (قال) جرير: (كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه قوم مجتابي النمار وساقوا) أي ساق عبيد الله بن عمر وأبو كامل ومحمد بن عبد الملك (الحديث) السابق يعني حديث ابن المثنى (بقصته) أي بقصة الحديث التي اشتمل عليها حديث ابن المثنى يعني بمساقه فحينئذ غرضه بسوقه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لابن المثنى في رواية هذا الحديث عن منذر بن جرير ولكنها متابعة ناقصة وفي هذه المتابعة بعد من وجهين كثرة الوسائط بينهم وبين شيخ المتابع وعدم وقوع المتابعة في أول السند بل في وسطه أو في آخره. والظاهر أن قوله: (وساقوا) تحريف من النساخ والصواب: (وساق) عبد الملك بن عمير (الحديث) أي الحديث السابق (بقصته) أي بمساق عون بن أبي جحيفة وترتيبه يعني بمثله والضمير راجع إلى المتابع وهو عون بن أبي جحيفة هكذا ظهر لفهمي السقيم والله أعلم. (و) لكن (فيه) أي في حديث عبد الملك بن عمير زيادة لفظة: (فصلى الظهر ثم صعد منبرًا صغيرًا فحمد الله) أي شكر الله سبحانه وتعالى على آلائه (وأثنى عليه) سبحانه بكمالاته (ثم) بعد حمد الله وثنائه (قال: أما بعد فإن الله) سبحانه (أنزل في كتابه) العزيز قوله: ({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}) {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أكمل (الآية) إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] وهذا بيان لمحل المخالفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جرير رضي الله عنه فقال: (2235) (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن موسى بن عبد الله بن يزيد) الأنصاري الخطمي الكوفي روى عن عبد الرحمن بن هلال في الزكاة والعلم وأبيه وأبي حميد الساعدي

وَأَبِي الضُّحَى, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ قَال: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. عَلَيهِمُ الصُّوفُ. فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ. فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الرحمن بن أبي قتادة وغيرهم ويروي عنه (م د ق) والأعمش ومنصور وإسماعيل بن أبي خالد ومعتمر بن سليمان وثقه ابن معين والعجلي والدارقطني وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (وأبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا القرشي العطار الكوفي وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وقال العجلي: تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة فاضل مشهور بكنيته من (4) روى عنه في (5) أبواب كلاهما (عن عبد الرحمن بن هلال العبسي) بسكون الموحدة وبالسين المهملة الكوفي قال العجلي: كوفي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جرير بن عبد الله) الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي وفيه ثلاثة من التابعين الأعمش ومن بعده وغرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن هلال لمنذر بن جرير في رواية هذا الحديث عن جرير بن عبد الله وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن منذر بن جرير مقبول وعبد الرحمن بن هلال متفق على توثيقه. (قال) جرير: (جاء ناس من الأعراب) أي من سكان البوادي (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف) ثوب من شعر الغنم (فرأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سوء حالهم) أي ضيق معاشهم (قد أصابتهم حاجة) أي فاقة وفقر شديد. وقوله: (فذكر) زهير بن حرب (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث مشايخ المؤلف من ابن المثنى ومن بعده فيه بعد لوجهين كما مر آنفًا ولعله تحريف من النساخ في ضمير الجمع والصواب (فذكر) عبد الرحمن بن هلال (بمعنى حديثه) أي بمعنى حديث منذر بن جرير كما مر آنفًا في بيان غرضه في هذه المتابعة والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث عدي بن حاتم ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. والثاني: حديث جرير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق

426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق (2236) (982) - (132) حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 426 - (44) باب النهي عن لمز المتصدق والترغيب في صدقة المنيحة وبيان مثل المتصدق والبخيل وقبول الصدقة وإن وقعت في يد غير مستحق (2236) (982) (132) (حدثني يحيى بن معين) بن عون بن زياد بن عون الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي أصله من سرخس إمام الجرح والتعديل الحافظ الإمام العلم روى عن محمد بن جعفر في الزكاة ومروان بن معاوية في النكاح وأبي أسامة في البيوع وعبد الله بن المبارك وحفص بن غياث وعبد الرزاق وخلائق ويروي عنه (ع) وأحمد وداود بن رشيد قريناه وخلق قال أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث ثقة ثبت حافظ حجة وقال في التقريب: ثقة حافظ مشهور من العاشرة مات سنة (233) ثلاث وثلاثين ومائتين بالمدينة وهو حاج وغسل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم وحمل على نعش رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناد ينادي بين جنازته: معشر المسلمين هذا ذاب الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا عامًا. (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (حدثنا شعبة ح وحدثنيه بشر بن خالد) الفرضي نسبة إلى علم الفرائض أبو محمد العسكري ثم البصري ثقة من (10) (واللفظ) الآتي (له) أي لبشر بن خالد لا ليحيى بن معين: (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) البصري (عن شعبة عن سليمان) بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري ثقة من (4) (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن أبي مسعود) الأنصاري البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة الكوفي رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد بغدادي ورجال الثاني أربعة منهم بصريون واثنان كوفيان وفيه رواية تابعي عن تابعي.

قَال: أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ. قَال: كُنَّا نُحَامِلُ. قَال: فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ قَال: وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو مسعود: (أمرنا) بالبناء للمفعول (بالتصدق) على المحاويج لتكون وقاية لنا من النار أي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق فهو في حكم الرفع لأنه قول صحابي والآمر لا يكون إلا النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مقرر في علم الاصطلاح والصدقة صرف المال أوغيره للمحتاج طلبًا للثواب الأخروي. (قال) أبو مسعود: فـ (كنا) معاشر الصحابة (نحامل) الحمولة للناس طلبًا للأجرة أي نحمل على ظهورنا بالأجرة يقال: حاملت بمعنى حملت كسافرت وقال الخطابي: يريد نكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به ويؤيده ما ورد في بعض الروايات (انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل) أي يطلب الحمل بالأجرة والمحاملة مفاعلة من الجانبين وهي تكون بين اثنين والمراد هنا أن الحمل من أحدهما والأجرة من الآخر كالمساقاة والمزارعة اهـ فتح الملهم. وفي بعض الهوامش: (قوله: كنا نحامل) وفي الرواية الثانية (كنا نحامل على ظهورنا) معناه نحمل الحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة أو نتصدق بها كلها ففيه التحريض على الاعتناء بالصدقة وأنه إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به من حمل بالأجرة أو غيره من الأسباب المباحة اهـ نووي. وقال ابن الأثير في تفسير المحاملة: أي نحمل لمن يحمل لنا من المفاعلة أو هو من التحامل وهو تكلف الحمل على مشقة اهـ. (قال) أبو مسعود: (فتصدق أبو عقيل) بفتح العين الأنصاري قال الحافظ في الإصابة اسمه حثحاث بمهملتين مفتوحتين ومثلثتين الأولى ساكنة اهـ وفي فتح الملهم اسمه حبحاب بمهملتين بينهما موحدة ساكنة وآخره مثلها اهـ وفي تفسير مراح لبيد في سورة التوبة اسمه عبد الرحمن بن بيجان اهـ والله أعلم بالصواب (بنصف صاع) من تمر. وفي رواية البخاري: (فتصدق بصاع) أي من تمر وكان قد آجر نفسه على النزع من البئر بالحبل على صاعين فترك صاعًا لعياله وجاء بالآخر اهـ قسط ويجمع بين الروايتين بحمل رواية البخاري على تكميل الكسر (قال) أبو مسعود: (وجاء إنسان) هو عبد الرحمن بن عوف (بشيء أكثر منه) أي من نصف صاع جاء بنصف ماله ثمانية آلاف

فَقَال الْمُنَافِقُونَ: إِن الله لَغَنِيٌّ عَنْ صدَقَةِ هذَا. وَمَا فَعَلَ هذَا الآخَرُ إلَّا رِيَاءً. فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]. وَلَم يَلْفِظْ بِشْر بِالْمُطوعِينَ. (2237) (0) (0) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الربِيعِ. ح وَحدَثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ درهم كما هو الأصح مع اختلاف الروايات وقيل: أربعة آلاف ذكره الواقدي وقيل: هو عاصم بن عدي وكان تصدق بمائة وسق اهـ قسط. (فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا) الذي تصدق بنصف صاع (وما فعل هذا الآخر) الذي تصدق بمال كثير (إلا رياء) أي إلا مراءاة للناس (فنزلت) آية {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} أي يعيبون {الْمُطَّوِّعِينَ} أصله المتطوعين فابدلت التاء طاء وأدغمت الطاء في الطاء أي المتبرعين {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} كالذي جاء بشيء كثير ({و}) يلمزون ({وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ}) أي طاقتهم كالذي تصدق بنصف صالح قال الحافظ: الحق أنه معطوف على المطوعين ويكون من عطف الخاص على العام والنكتة فيه التنويه بالخاص لأن السخرية من المقل أشد من المكثر غالبًا والله تعالى أعلم اهـ. وذكر الخطيب في المتفق في ترجمة زيد بن أسلم من طريق مغازي الواقدي من اللامزين معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة فوقية مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام اهـ قسط. (ولم يلفظ بشر) بن خالد أي لم يذكر في روايته لفظة: (بالمطوعين) وما بعده فاقتصر على قوله فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} [التوبة: 79] ولم يذكر ما بعده. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري (1415) والنسائي (5/ 59 - 60) وابن ماجه ذكره في الزهد والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه فقال: (2237). (0). (0) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثني سعيد بن الربيع) العامري الحرشي أبو زيد الهروي البصري كان يتجر في الثياب الهروية ثقة من (9) (ح وحدثنيه إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة من (11)

أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ. كِلاهُمَا عَنْ شُعبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الربِيعِ قَال: كُنا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا. (2238) (983) - (133) حدثنا زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ: "أَلا رَجُل يَمنَحُ أَهْلَ بَيتِ نَاقَةً. تَغْدُو بِعُسٍّ. وَتَرُوحُ بِعُسٍّ. إِن أَجْرَها لَعَظِيم" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري ثقة من (9) (كلاهما) أي كل من سعيد وأبي داود رويا (عن شعبة) بن الحجاج غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (بهذا الإسناد) السابق في السند الأول يعني عن سليمان عن أبي وائل عن أبي مسعود مثله (و) لكن (في حديث سعيد بن الربيع قال) أبو مسعود: (كنا نحامل على ظهورنا) بزيادة لفظة (ظهورنا) والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة فقال: (2238) (983) (133) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي ثم المكي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) المدني وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي حالة كون أبي هريرة (يبلغ به) أي يوصل بهذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفعه ويسنده إليه يعني لم يوقفه على نفسه فكأنه قال: عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يمنح) إلخ ولا فرق بين هاتين الصيغتين باتفاق العلماء والله أعلم. (ألا) حرف استفتاح وتنبيه (رجل) مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده وتقدم حرف الاستفتاح عليه. وجملة قوله: (يمنح أهل بيت ناقة) صفة رجل أي يعطيهم ناقة يشربون لبنها وينتفعون بوبرها مدة من الزمان ثم يردونها إليه وتسمى الناقة المعطاة على هذا الوجه منيحة ومنحة، وجملة قوله: (تغدو) أي تدر وتحلب وقت الغدوة والصباح (بعس) أي بملء عس وقدح لبنًا صفة مادحة لناقة وكذا قوله: (وتروح) أي تدر وتحلب وقت الرواح والمساء (بعس) أي بملء عس لبنًا وجملة إن في قوله: (إن أجرها) أي إن أجره وثوابه عليها (لعظيم)

(2239) (984) - (134) حدّثني مُحَمدُ بْنُ أحمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا زَكَرياءُ بْنُ عَدِي. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَمرٍو، عَنْ زَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لجزيل كثير عند الله تعالى خبر المبتدإ الذي هو لفظ رجل والرابط محذوف كما قدرناه في الحل والعمس بضم العين وتشديد السين المهملتين القدح الكبير يجمع على أعساس كأقفال وعلى عساس كسهام والقدح إناء يروى رجلين كما في المصباح والقاموس وأما العساء بالمهملة والمد فقيل بمعنى العس أيضًا. وقد وقع في بعض النسخ: (بعشاء) بالمعجمة والمد ولم يتعرض له أحد من الشراح والظاهر أن المراد به بقدر ما يتعشى به والله تعالى أعلم ذكره السندي رحمه الله تعالى. والمعنى يحلب من لبنها ملء إناء يسمى عسًا صباحًا ومساء. وقوله: (وتروح بعس) قال الحافظ: إشارة إلى أن المستعير لا يستأصل لبنها. وقوله: (إن أجرها لعظيم) قال القاري: ولعل بعض أسخياء العرب كانوا يذمون هذه العطية لأنها مخالفة لطبع الكرام على مقتضى السجية فمدحها الشارع ردًّا عليهم بأن ما لا يدرك كله لا يترك كله كان القليل له أجر جزيل وثناء جميل. وقال القرطبي: (والعس) إناء ضخم يحلب فيه والرواية الصحيحة المعروفة (بعس) بعين مهملة مضمومة ووقع للسمرقندي: (تروح بعشاء وتغدو بعشاء) ورواه الحميدي (بعساء) بعين مهملة مفتوحة وسين مهملة وبالمد والهمز وفسره في غير الأم بالعس الكبير اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لهذا الحديث بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2239) (984) (134) (حدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي القطيعي بفتح القاف نسبة إلى قطيعة محلة ببغداد ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة من كبار (10) (أخبرنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد وقال في التقريب: ثقة من (7) السابعة روى عنه في (8) أبواب (عن زيد) بن أبي أنيسة مصغرًا اسمه زيد

عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابت، عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ؛ أَنهُ نَهى فَذَكَرَ خِصَالا وَقَال: "مَنْ مَنَحَ مَنِيحَة، غَدَتْ بِصَدَقَةٍ، وَرَاحَتْ بِصَدَقَةٍ، صَبُوحِها وَغَبُوقها" ـــــــــــــــــــــــــــــ الغنوي الجزري شيخ الجزيرة أصله من الكوفة ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان جزريان وواحد مدني وواحد بغدادي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة. (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى) عن أشياء من المنكرات وأمر بأشياء من المعروفات (فذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم منها (خصالًا) أي أمورًا كثيرة (و) منها أنه (قال: من منح منيحة) أي من أعطى بهيمة ذات لبن للمحتاج إليها ليشرب لبنها وينتفع بوبرها وصوفها وشعرها ثم يردها إليه ومن اسم موصول في محل الرفع مبتدأ والخبر جملة قوله: (غدت بصدقة) أي درت في الغداة بصدقة مكتوبة عند الله تعالى. وقوله: (وراحت بصدقة) معطوف على ما قبله أي ودرت في الرواح والمساء بصدقة مكتوبة له عند الله تعالى وقوله (صبوحها وفبوقها) بفتح أولهما وبالجر بدل من صدقة على سبيل النشر واللف المرتب والصبوح ما يحلب من اللبن في الصباح والغبوق ما يحلب في المساء أي درت في الغداة بالصبوح المكتوب له عند الله تعالى ودرت في الرواح بالغبوق المكتوب له عند الله تعالى والإضافة في صبوحها وغبوقها لأدنى ملابسة أي بالصبوح والغبوق المحلوبين منها ويصح نصبهما على الظرفية ويتعلقان بغدت وراحت على سبيل النشر واللف المرتب والصبوح حينئذ بمعنى الصباح والغبوق بمعنى المساء والمعنى من منح منيحة غدت أي درت في صباحها بصدقة مكتوبة له عند الله تعالى وراحت أي ودرت في مسائها بصدقة مكتوبة له عند الله تعالى ويحتمل كون من شرطية في محل الرفع على الابتداء والجواب محذوف وجملة غدت وراحت صفة لمنيحة والتقدير: من منح منيحة تدر في الغداة بصدقة صبوحها أو في صباحها وتدر في الرواح بصدقة غبوقها أو في غبوقها فقد فاز أجرًا جزيلًا وجمع ثوابًا كثيرًا. وقوله: (من منح منيحة) وفي بعض النسخ منحة بحذف الياء وكسر الميم والمنيحة

(2240) (985) - (135) حدثنا عَمرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أبِي الزنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الميم وبالنون وبالمهملة بوزن كريمة وكذا المنحة بلا ياء هي في الأصل العطية وقال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون ملكًا له والآخر: أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمانًا ثم يردها إليه والمراد في حديث الباب عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد هي لصاحبها وقال القزاز: قيل: لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة والأول أشهر. قوله: (غدت بصدقة) إلح قال الحافظ؛ لا تلازم بين الصدقة والعطية فكل صدقة عطية وليس كل عطية صدقة وإطلاق الصدقة على المنيحة مجاز ولو كانت صدقة لما حلت للنبي صلى الله عليه وسلم بل هي من جنس الهبة والهدية اهـ. قوله: (صبوحها وغبوقها) الصبوح بفتح الصاد ما يحلب من اللبن بالغداة والغبوق ما يحلب منه بالعشي كما في القاموس فيكونان مجرورين على البدل من صدقة ويجوز نصبهما على الظرفية فيتعلقان بغدت وراحت أي غدت في صباحها وراحت في مسائها. قال القرطبي: قوله: (من منح منيحة) ويروى (منحةً) (غدت بصدقة وراحت بصدقة) المنحة والمنيحة عطية ذوات الألبان لينتفع المعطى له باللبن ثم يرد المحلوب (ومن) اسم شرط في محل رفع بالابتداء جوابه: (غدت بصدقة وراحت بصدقة) وهو خبر المبتدإ على قول والصحيح: أن خبرها مابعدها لأن من الشرطية لا تحتاج إلى صلة بل هي اسم تام وإنما لم يتم الكلام بما بعدها لما تضمنته من معنى الشرط فتدبره فإنه الصحيح ومعنى الكلام أن من منح منيحة كان للمانح صدقة كما غدت أو راحت لأجل ما ينال منها في الصباح والمساء والغدو والبكرة والرواح العشي والصبوح شرب الصباح والغبوق شرب العشي والجاشرية شرب نصف النهار اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة فقال: (2240) (985) (135) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان

عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال عَمرو: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. قَال: وَقَال ابْنُ جُرَيجٍ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَثَلُ المُنْفِقِ وَالْمُتَصَدِّقِ. كَمَثَلِ رَجُلٍ عَلَيهِ جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ. مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد بغدادي (عن النبي صلى الله عليه وسلم). قال المؤلف رحمه الله تعالى: (قال) لنا (عمرو) الناقد حدثنا غير سفيان عن ابن جريج: (وحدثنا سفيان بن عيينة) عن ابن جريج قالوا: وحدثنا سفيان عاطفة على ما قدرناه (قال) سفيان حدثنا غير ابن جريج عن الحسن (وقال) أي وحدثنا: (ابن جريج) أيضًا (عن الحسن بن مسلم) بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون آخره قاف المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري مولاهم الفارسي (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد يماني وواحد كوفي وواحد بغدادي غرضه بيان متابعة طاوس للأعرج، (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المنفق) أي صفة المنفق ماله في الخيرات. وقوله: (والمتصدق) تحريف من النساخ أو تصحيف من الرواة والصواب: والبخيل. وقوله: (كمثل رجل عليه جبتان) بتشديد الباء تثنية جبة وهو قميص محشو يلبس للبرد (أو جنتان) بالنون المشددة وبالشك تثنية جنة وهي درع من حديد سمي الدرع جنة لأنها تحصن صاحبها من السيف والرماح تصحيف من الرواة صوابه: (كمثل رجلين عليهما جنتان) بالنون بلا شك كما تدل عليه زيادة (من حديد) في الرواية الثانية سابغتان لهما كلتا الجنتين (من لدن ثديهما) بضم المثلثة وكسر الدال وبياء واحدة مشددة جمع ثدي والثدي خاص بالمرأة أو عام كذا في القاموس ويعني بهما جنبي الصدر كذا في المرقاة. (إلى تراقيهما) جمع الترقوة بفتح التاء فيهما وهما عظمان ناتئان بين النحر والصدر من الجانبين وعبارة القسطلاني هما العظمان الناتئان في أعلى الصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر اهـ.

فَإِذَا أَرَادَ المُنْفِقُ (وَقَال الآخَرُ: فَإِذَا أَرَادَ الْمُتَصدِّقُ) أَنْ يَتَصَدَّقَ سَبَعَتْ عَلَيهِ أَوْ مَرتْ. وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ. قَلَصَتْ عَلَيهِ وَأَخَذَتْ كُل حَلْقَةِ مَوْضِعها. حَتى تُجِن بَنَانَهُ وَتعفُوَ أَثَرَهُ". قَال: فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَقَال: يُوَسعها فَلَا تَتَّسِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال: أحد شيخَي سفيان وهما أبو الزناد وابن جريج: (فإذا أراد المنفق وقال الآخر) منهما: (فإذا أراد المتصدق) فالمخالفة بينهما في لفظ المنفق والمتصدق والمعنى واحد أي فإذا أراد المتصدق (أن يتصدق سبغت) جنته أي امتدت وانبسطت (عليه) وغطت جميع جسمه وسترت (أو) قال أبو هريرة شك من الراوي عنه (مرت) بالراء المشددة بدل سبغت وهذا تصحيف من الرواة أيضًا وصوابه: (مدت) بالدال بدل الراء أي امتدت وانبسطت وشملت على جميع جسمه وهذا كناية عن انشراح قلبه بالصدقة (وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت) جنته (عليه) بفتح اللام أي انضمت والتصقت عليه جنته وانقبضت وتضيقت عليه (وأخذت كل حلفة) وسلسلة (موضعها) أي صاحبتها أي اشتدت والتصقت الحلق بعضها ببعض أي ضاقت غاية التضييق فيجتهد أن يوسعها فلا يستطيع وهذا كناية عن ضيق قلبه بالصدقة وهذا مثل البخيل. وقوله: (حتى تجن) بضم التاء وكسر الجيم وتشديد النون أي حتى تجن وتخفى جنته (بنانه) بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة أي أصبعه غاية لقوله: (سبغت عليه) فهو مؤخر عن محله لأنه صفة المتصدق أي سبغت عليه جنته واتسعت وطالت حتى سترت أصابعه (وتعفو) أي تمحو جنته لطولها (أثره) أي أثر قدمه وموطئها وقوله: (وتعفو) بالنصب أي تستر أثره يقال: عفا الشيء وعفوته أنا لازمًا ومتعديًا ويقال: عفت الدار إذا غطاها التراب والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه وموطئ قدمه إذا مشى بمرور الذيل عليه اهـ فتح الملهم. وهذا أيضًا من جملة الأوهام التي اختل بها نظام الكلام فإنهم جعلوا ما جاء في وصف المتصدق وصفًا للبخيل. وقوله: (قال) الراوي عن أبي هريرة: (فقال أبو هريرة: فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف البخيل: فهو يريد أن (يوسعها) أي أن يوسع جنته (فلا تتسع) له مؤخر عن قوله: (قلصت عليه وأخذت كل حلقة موضعها) لأنه من بعض أوصاف البخيل فصحفوه وجعلوه من أوصات المتصدق وقد عرفت موضعه ومعناه مما قررناه في حلنا.

(2241) (0) (0) حدّثني سُلَيمَانُ بْنُ عُبَيدِ الله أَبُو أَيوبَ الْغَيلانِي. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ (يعنِي الْعَقَدِي). حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُس، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (فقال أبو هريرة) الخ ليس بمدرج بل هو مرفوع كما صرح برفعه في طريق أخرى اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 305 - 306) والبخاري (1442). قال القاضي عياض: وقع في هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة وتصحيف وتحريف وتقديم وتأخير كما بيناها في مواضعها على التفصيل ويعرف صوابه من الروايات التي بعدها والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2241) (0) (0) (حدثني سليمان بن عبيد الله) بن عمرو بن جابر (أبو أيوب) البصري المازني (الغيلاني) روى عن أبي عامر العقدي في الإيمان والزكاة والحج والدعاء وبهز بن أسد في الحج ويروي عنه (م س) قال أبو حاتم: صدوق ووثقه النسائي وقال في التقريب: صدوق من الحادية العشرة مات سنة (246) ست وأربعين ومائتين. (حدثنا أبو عامر يعني العقدي) القيسي عبد الملك بن عمرو البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب. (حدثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي أبو إسحاق المكي روى عن الحسن بن مسلم في الزكاة وفي اللباس وعبد الله بن أبي نجيح في الحج وسليمان الأحول في اللباس ومسلم بن يناق ويروي عنه (ع) وأبو عامر العقدي وزيد بن الحباب وعمر بن أيوب الموصلي وأبو نعيم وابن المبارك وثقه أحمد وابن معين والنسائي وقال ابن مهدي كان أوثق شيخ بمكة وقال في التقريب: ثقة حافظ من السابعة. (عن الحسن بن مسلم) بن يناق المكي (عن طاوس) اليماني (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد يماني غرضه بيان متابعة إبراهيم بن نافع لابن جريج في رواية هذا الحديث عن الحسن بن مسلم.

قَال: ضَرَبَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ "مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ. كَمَثَلِ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ. قَدِ اضْطرتْ أَيدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا. فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ. حَتى تُغَشِّيَ أَنَامِلَهُ وَتَعفُوَ أَثَرَهُ. وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هم بِصدَقَةٍ قَلَصَتْ. وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَها". قَال: فأنا رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ بِإِصبَعِهِ فِي جَيبِهِ. فَلَوْ رَأَيتَهُ يُوَسِّعُها وَلَا تَوَسعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو هريرة: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بين وجعل (مثل البخيل والمتصدق) أي صفتهما (كمثل رجلين) أي كتمثل رجلين (عليهما جنتان) أي درعان (من حديد قد اضطرت) بضم الطاء أي شدت (أيديهما) وعصرت وضمت وألصقت (إلى ثديهما وتراقيهما) وضمت إليها كأنها مغلولة إلى أعناقهما. وفي كتاب الجهاد من صحيح البخاري: (ضطرت أيديهما) بفتح الطاء ونصب التحتانية الثانية من أيديهما على المفعولية أي ألصقت جنتهما أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما. (فجعل المتصدق) أي فكان المتصدق (كلما تصدق) أي كل وقت أراد أن يتصدق (بصدقة) قليلة أو كثيرة (انبسطت) جنته وانفتحت (عنه) واتسعت له وطالت (حتى تغشي) بمعجمتين أي حتى تغطي وتستر وتخفي من غشيت الشيء بالتشديد إذا غطيته (أنامله) أي رؤوس أصابع رجليه (وتعفو) تلك الجنة أي تمحو (أثره) أي أثر مشيته وتطمسه لفضلها عن قامته يعني أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه (وجعل البخيل) أي كان (كما هم) أي كل وقت قصد أن يتصدق (بصدقة قلصت) جنته وانقبضت وضاقت (وأخذت كل حلقة) أي لزمت (مكانها) وموضعها واستقرت فيه (قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) أي يدخل (بإصبعه في جيبه) بفتح الجيم وسكون الياء بعدها موحدة هو ما يقطع. (فلو رأيته يوسعها ولا توسع) ويقور من الثوب ليخرج منه الرأس أو اليد مثلًا أي يدخلها فيه مشيرًا إلى إرادة التوسيع بالاجتهاد فالقول فيه ليس على حقيقته بل هو مجاز عن الفعل ولو في قوله: (فلو رأيته) بفتح التاء للخطاب العام للتمني فلا تحتاج للجواب أي يدخل إصبعه في جيبه حالة كونه (يوسعها) أي يشير إلى توسعة جيبه بالقوة (و) الحال

(2242) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِي، عَنْ وُهيبٍ. حَدَثَنَا عَبْدُ الله بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها (لا توسع) بفتحات مع تشديد السين بحذف إحدى التاءين أي ولا تتوسع. قال النواوي: وفي هذا دليل على لباس القميص وكذا ترجم عليه البخاري: (باب جيب القميص من عند الصدر) لأنه المفهوم من لباس النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة مع أحاديث صحيحة جاءت به والله أعلم قال الحافظ ناقلًا عن ابن بطال: وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت في الموضع الذي ضاق عليها وهو الثدي والتراقي وذلك في الصدر قال: فبان أن جيبه كان في صدره لأنه لو كان في يده لم تضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه والله أعلم. قال الخطابي وغيره: وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعًا يستتر به من سلاح عدوه فصبها على رأسه ليلبسها والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها فجعل المنفق كمن لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وهو معنى قوله: (حتى تعفو أثره) أي تستر جميع بدنه وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه كما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته وهو معنى قوله قلصت أي تضامت واجتمعت والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون وقال المهلب: المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة بخلاف البخيل فإنه يفضحه اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2242) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله (الحضرمي) نسبة إلى حضرموت بلدة باقصى اليمن أبو إسحاق البصري ثقة من (9) (عن وهيب) بن خالد الباهلي البصري ثقة من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري ثقة من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان

قَال: قَال رَسُول الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدَّقِ مَثَلُ رَجُلَينِ عَلَيهِمَا جُنتَانِ مِنْ حَدِيدِ. إِذَا هَم الْمُتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيهِ. حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ. وَإذَا همَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقلَّصَتْ عَلَيهِ. وَانْضمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ. وَانْقَبَضَتْ كُل حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتها". قَال: فَسَمِعتُ رَسُول الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُول: "فَيَجهدُ أَنْ يُوسِّعها فَلَا يَسْتَطِيعُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد مدني وواحد كوفي غرضه بيان متابعة عبد الله بن طاوس لحسن بن مسلم (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل البخيل والمتصدق) أي صفتهما (مثل رجلين) أي كصفة رجلين ففيه تشبيه بليغ وفي هذه الرواية حذف الكاف. وهذه الرواية هي الرواية الصحيحة وهي المذكورة في زكاة البخاري وجهاده ولباسه وهي المأخوذة في المشارق والجامع الصغير والحديث جاء على التمثيل ليس خبرًا عن كائن (عليهما جنتان) أي درعان (من حديد) وفي أكثر روايات البخاري: (جبتان) بالباء تثنية جبة اللباس المعروف ولا مانع من إطلاقها على الدرع خصوصًا مع معونة قوله: (من حديد). (إذا هم) وأراد (المتصدق) أن يتصدق (بصدقة اتسعت) جنته وانبسطت (عليه) وطالت وانجرت على الأرض (حتى تعفي) بتشديد الفاء من التعفية وتمحو (أثره) أي أثر قدمه بذيلها لكونها سابغة وهذا كناية عن انشراح قلبه بالصدقة كما (وإذا هم البخيل) وقصد أن يتصدق (بصدقة تقلصت) الجنة وانقبضت (عليه) وضاقت (وانضمت يداه) أي صارتا منضمتين (إلى تراقيه) أي إلى عظام ثغرة نحره (وانقبضت) أي انضمت (كل حلقة) بسكون اللام أي كل حلقة من حلق الدرع (إلى صاحبتها) وقرينتها أي إلى التي في جنبها ولزقت بها وما انبسطت (قال) أبو هريرة: (فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيجهد) ذلك البخيل أي يجتهد ويحاول (أن يوسعها) أي أن يوسع تلك الجنة من التوسعة (فلا يستطيع) أي لا يطيق توسعتها لشدة التصاقها وانضمامها والله أعلم. قال القرطبي: وهذان المثلان للبخيل والمتصدق واقعان لأن كل واحد منهما إنما يتصرف بما يجد من نفسه فمن غلب الإعطاء والبذل عليه طاعت نفسه وطابت بالإنفاق وتوسعت فيه ومن غلب عليه البخل كان كما خطر بباله إخراج شيء مما بيده شحت نفسه بذلك فانقبضت يده للضيق الذي يجده في صدره ولشح نفسه الذي من وقيه فقد

(2243) (986) - (136) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "قَال رَجُلٌ: لأَتصَدَّقَنَّ الليلَةَ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ زَانِيَةٍ. فَأصبَحُوا يَتَحدثُونَ: تُصُدِّقَ الليلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أفلح كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 9]. وقد وقع حديث أبي هريرة هكذا في الأم من طرق فيها تشبيج وتخليط (شبج الكتاب والكلام تشبيجًا إذا لم يبينه وقيل: إذا لم يأت به على وجهه) اهـ من اللسان وما أثبتناه هنا أحسنها مساقًا والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2243) (986) (136) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الحدثاني نسبة إلى الحديثة اسم بلدة على الفرات صدوق من (10) (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني ثقة من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني ثقة من (5) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد صنعاني وواحد حدثاني. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (قال رجل) من بني إسرائيل كما في شروح البخاري: والله (لأتصدقن) هذا من باب الالتزام كالنذر مثلًا والقسم فيه مقدر كأنه قال: والله لأتصدقن كذا في الفتح هذه (الليلة) الحاضرة فيه فضل صدقة السر وفضل الإخلاص (بصدقة) خالصة لوجه الله تعالى (فخرج) ذلك الرجل في جوف الليل (بصدقته) ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد زانية) وهو لا يعلم أنها زانية وكذا الكلام في اثنين بعدها (فأصبحوا) أي فاصبح الناس وكانوا (يتحدثون) في الصباح ويقولون من عجيب أمر الله (تصدق الليلة) بضم أوله على البناء للمفعول (على زانية) وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير

قَال: اللهم! لَكَ الْحَمدُ عَلَى زَانِيَةٍ. لأَتَصَدقَن بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ غَنِي. فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصدِّقَ عَلَى غَنِي. قَال: اللَهم لَكَ الْحَمدُ عَلَى غَنِي. لأتصَدقَنَ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ سَارِقٍ. فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَال: اللهم! لَكَ الْحَمدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ وَعَلَى سَارِقٍ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ قَدْ قُبِلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة (قال) الرجل المتصدق: (اللهم لك الحمد على) وقوع صدقتي في يد (زانية) حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي فإن إرادتك كلها جميلة ولا يحمد على المكروه سواك فسلم الأمر وفوضه إلى الله تعالى ورضي بقضائه فحمد الله على تلك الحال لأنه المحمود على جميع الحال لا يحمد على المكروه سواه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا راى ما لا يعجبه قال اللهم: لك الحمد على كل حال اهـ فتح الملهم بتصرف. والله (لأتصدقن بصدقة) أخرى لعلها تقع في محلها وفيه استحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع (فخرج بصدقته) في جوف الليل (فوضعها في يد غني فأصبحوا) أي فأصبح الناس وكانوا (يتحدثون) في الصباح ويقولون في حديثهم من عجيب أمر الله (تصدق) الليلة (على غني) فـ (ــقل) الرجل المتصدق: (اللهم لك الحمد على) وقوع صدقتي في يد (غني) والله (لأتصدقن بصدقة) أخرى (فخرج بصدقته) في جوف الليل (فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون) ويقولون (تصدق) الليلة (على سارق فقال) الرجل المتصدق: (اللهم لك الحمد على) تصدقي على (زانية وعلى) تصدقي على (غني وعلى) تصدقي على (سارق فأتي) ذلك الرجل في منامه أي أتاه آت في منامه كما في شروح البخاري. وفي رواية الطبراني في مسند الشاميين: (فساءه ذلك فأتي في منامه). (فقيل له) في منامه: (أما صدقتك) كلها (قد قبلت) فلا تتاسف على ما وقع فيها أي أما صدقاتك كلها فمقبولة حقًّا فلا تخلو عن مثوبة متضمنة لحكمة سنبيّنها وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة فرض ولا دلالة في الحديث على الإجزاء وعلى عدمه والمسألة عند الأحناف أنه لو دفع الزكاة بتحر لمن يظنه مستحقًا فبان أنه غني أو أبوه أو ابنه لا

أَما الزانِيَةُ فَلَعَلَّها تَسْتَعِفُّ بِها عَنْ زِنَاها. وَلَعَل الْغَنِي يَعتَبِرُ فَيُنْفِقُ بِمَا أَعطَاهُ الله. وَلَعَلَّ السارِقَ يَسْتَعف بِها عَنْ سَرِقَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يعيد لأنه أتى بما في وسعه حتى لو دفع بلا تحر لم يجز إن أخطأ خلافًا للشافعية فإنها لا تجزئ مطلقًا ظنه فقيرًا أم لا وفي الحديث بركة التسليم والرضا وذم التضجر بالقضاء كما قال بعض السلف: لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول. (أما الزانية) أي أما حكمة وقوع صدقتك في يد الزانية (فلعلها نستعف بها) أي بصدقتك (عن زناها) إن كان لضرورة الفقر (ولعل الغني يعتبر) بصدقتك أي يتعظ ويتذكر (فينفق بما أعطاه الله) تعالى في الخيرات (ولعل السارق يستعف بها) أي بصدقتك (عن سرقته) أي إما مطلقًا أو مدة الاكتفاء وفيه إيماء إلى أن الغالب في السارق والزانية أنهما يرتكبان المعصية للحاجة وهو أحد معاني ما ورد (كاد الفقر أن يكون كفرًا). قال القرطبي: (قول المتصدق: اللهم لك الحمد على زانية) فيه إشعار بألم قلبه إذ ظن أن صدقته لم توافق محلها وأن ذلك لم ينفعه ولذلك كرر الصدقة فلما علم الله سبحانه صحة نيته تقبلها منه وأعلمه بفوائد صدقاته ويستفاد منه صحة الصدقة وإن لم توافق محلًا مرضيًا إذا حسنت نية المتصدق فأما لو علم المتصدق أن المتصدق عليه يستعين بتلك الصدقة على معصية الله لحرم عليه ذلك فإنه من باب التعاون على الإثم والعدوان اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 350) والبخاري (1421) والنسائي (5/ 55 - 56). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: منها حديث أبي مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة. والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد لما قبله. والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والخامس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وكلها لأبي هريرة إلا الأول فإنه لأبي مسعود الأنصاري.

427 - (45) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تنفق من طعام بيتها والعبد من مال سيده

427 - (45) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تنفق من طعام بيتها والعبد من مال سيده (2244) (987) - (137) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الأشعَري وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. كُلهُم عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. قَال أَبُو عَامِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا بُرَيدٌ، عَنْ جَدِّهِ، أَبِي بُردَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِن الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الأَمِينَ الذي يُنْفِذُ (وَربَّمَا قَال: يُعطِي) مَا أُمِرَ لَهُ بِهِ، 427 - (45) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تنفق من طعام بيتها والعبد من مال سيده (2244) (987) (137) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو عامر الأشعري) عبد الله بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي صدوق من (10) (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (كلهم) رووا (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (قال أبو عامر: حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد) بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري الكوفي (عن جده أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون. (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الخازن) وفي زكاة البخاري: (الخازن) بدون إن وهو المأخوذ في المشارف برمز مسلم وهو مبتدأ ولكن هو هنا اسم إن خبره قوله في آخر الحديث: أحد المتصدقين والخازن هو الذي بيده النفقة الحافظ لها. (المسلم) قيده به لتصحيح حصول الأجر له إذ لا نية لكافر (الأمين) وهو الذي لا يخون في أخذه وإعطائه (الذي ينفذ) ويمضي بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه مخففًا اخره ذال معجمة مضارع أنفذ ويجوز فتح النون وتشديد الفاء مضارع نفذ المضعف وهو على الأول من الإنفاذ وعلى الثاني من التنفيذ وهو الإمضاء وقوله: (وربما قال: يعطي) هو من كلام الراوي أي وربما قال صلى الله عليه وسلم بدل (ينفذ): (يعطي) وهو الذي في المشارق والجامع الصغير وفي رواية للبخاري: (ينفق) بدل ينفذ أيضًا (ما أمر له به) من

فَيعطِيهِ كَامِلًا مُوَفرًا، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدفَعُهُ إِلَى الذي أُمِرَ لَهُ بِهِ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصدقة مفعول ينفذ أي الذي يعطي ما أمره صاحب المال بإعطائه (فيعطيه) حالة كونه (كاملًا) غير ناقص من حيث العدد (موفرًا) بفتح الفاء المشددة أي تامًّا من حيث الصفة فهو صفة مؤكدة لكاملًا ومؤسسة على حلنا وبكسرها حال من الفاعل أي مكملًا عطاءه (طيبة به نفسه) أي راضية غير شحيحة بالعطاء ونفسه بالرفع فاعل طيبة. وقوله: (كاملًا موفرًا طيبة به نفسه) ثلاثتها حال من ما أمر به والضمير المجرور في نفسه للخازن وطيب نفسه يظهر بعدم إيذائه الفقير في إعطائه. (فيدفعه) أي فيدفع ذلك المال (إلى) الشخص (الذي أمر له) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي فيدفعه إلى الشخص الذي أمره الآمر لأجله (به) أي بالدفع. قال الحافظ: قيد الخازن بكونه مسلمًا لإخراج الكافر لأنه لا نية له وبكونه أمينًا لإخراج الخائن لأنه مأزور ورتب الأجر على إعطائه ما أمر به غير ناقص لكونه خائنًا أيضًا وبكون نفسه طيبة بذلك لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها اهـ. وعبارة القرطبي: هذه الأوصاف لا بد من اعتبارها في تحصيل أجر الصدقة للخازن فإنه إن لم يكن مسلمًا لم يصح منه التقرب وإن لم يكن أمينًا كان عليه وزر الخيانة فكيف يحصل له أجر الصدقة كان لم يطب بذلك نفسًا لم يكن له نية فلا يؤجر اهـ من المفهم. وقال القاري: فيه شروط أربعة شرط الإذن لقوله: (ما أمر له به) وعدم نقصان ما أمر به لقوله: (كاملًا موفرًا) وطيب النفس بالتصدق إذ بعض الخزان والخدام لا يرضون بما أمروا به من التصدق والبخيل كل البخيل من بخل بمال غيره دماعطاء من أمر له لا إلى مسكين آخر (أحد المتصدقين) بفتح- القاف على صيغة التثنية خبر إن أي هو ورب الصدقة في الأجر سواء وإن اختلف مقداره لهما لأن أجره غير مضاعف له عشر حسنات بخلاف رب المال. وفي فتح الملهم: قوله: (أحد المتصدقين) ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية كما يقال: القلم أحد اللسانين مبالغة أي الخادم والمتصدق بنفسه متصدقان لا ترجيح لأحدهما على الآخر في أصل الأجر ومعناه أنه بما فعل متصدق والذي أخرج الصدقة بما أخرج متصدق آخر فهما متصدقان اهـ مفهم قالوا: ولا يلزم منه أن يكون مقدار ثوابهما سواء لأن الأجر فضل من الله يؤتيه من يشاء وذكر القرطبي إنه لم يرو إلا بالتثنية ويصح أن يقال على الجمع ويكون معناه إنه متصدق من جملة المتصدقين وبنحوه ذكره ابن التين وغيره.

(2245) (988) - (138) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى وَزُهيرُ بْنُ حربٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ جَرِير. عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمرأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيتِها غَيرَ مُفْسِدَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 394) والبخاري (1437) وأبو داود (1684) والنسائي (5/ 79 - 80). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: (2245) (988) (138) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي المروزي حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) ابن المعتمر السلمي أبي عتاب الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني أبي عائشة الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما نيسابوري أو نسائي أو مروزي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قالت) عائشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة) على عيال زوجها وأضيافه ونحو ذلك أو تصدقت كما في رواية للبخاري وفي أخرى له (إذا أطعمت المرأة) (من طعام) زوجها أي من الذخيرة الموجودة في (بيتها) من مال زوجها كما هو المفهوم من الروايات الآتية المتصرفة بإذنه الصريح أو العرفي وعلمت رضاه بذلك حالة كونها (غير مفسدة) أي غير مسرفة في الإنفاق بأن لم تتجاوز العادة ولا يضر نقصانه وقيد بالطعام لأن الزوج يسمح به عادة بخلاف الدراهم والدنانير فإن إنفاقها منها بغير إذنه لا يجوز فلو اضطرب العرف أو شكت في رضاه أوكان شحيحًا يشح بذلك وعلمت ذلك من حاله أو شكت فيه حرم عليفا التصدق من ماله إلا بصريح أمره وليس في هذا الحديث تصريح بجواز التصدق بغير إذنه إلا ما سيأتي في حديث أبي هريرة الآتي في آخر الباب من قوله: (وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له) لكن قال النووي: معناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره إما بالصريح أو بالمفهوم كما سيأتي هناك والله أعلم.

كَانَ لَها أَجْرُها بِمَا أَنْفَقَتْ. وَلِزَوْجِها أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ. وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذلِكَ. لَا يَنْقُصُ بَعضُهُم أَجْرَ بَعضِ شَيئًا". (2246) (0) (0) وحدثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "مِنْ طَعَامِ زَوْجها" ـــــــــــــــــــــــــــــ (كان لها) أي للمرأة (أجرها بما أنفقت) أي بإنفاقها غير مفسدة (ولزوجها أجره بما كسب) أي بسبب كسبه (وللخازن) الذي يكون بيده حفظ الطعام المتصدق به (مثل ذلك) أي مثل ما لهما من الأجر لكن بالشروط المذكورة في حديث أبي موسى. (لا ينقص بعضهم) أي أجر بعض هؤلاء الثلاثة (أجر بعض) أي من أجر بعض آخر (شيئًا) من النقص فشيئًا منصوب على المفعولية المطلقة بينقص كما أشرنا إليه في الحل أو مفعول ثان لينقص والأول أجر بعض لأن ينقص يتعدى إلى مفعولين كيزيد قال تعالى {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: 10] اهـ قسط بتصرف. فهم في أصل الأجر سواء كان اختلف مقداره قال في الفتح: المراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر ويحتمل أن يراد مساوة بعضهم بعضًا والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الزكاة والبيوع وأبو داود والترمذي في الزكاة وأخرجه النسائي في عشرة النسائي وابن ماجه في التجارات قاله المنذري. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: (2246) (0) (0) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكي صدوق من (10) (حدثنا فضيل بن عياض) بن مسعود اليربوعي أبو علي المكي المشهور بشيخ الحرم الخراساني الأصل ثقة من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن مسروق عن عائشة غرضه بيان متابعة فضيل لجرير بن عبد الحميد (و) لكن (قال) فضيل: (من طعام زوجها) بدل رواية جرير: (من طعام بيتها). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيا في هذا الحديث فقال:

(2247) (5) (5) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرأَةُ مِنْ بَيتِ زَوْجِها غَيرَ مُفْسِدَةٍ. كَانَ لَها أَجْرُها. وَلَهُ مِثْلُهُ. بِمَا اكْتَسَبَ. وَلَها بِمَا أَنْفَقَتْ. وَللْخَازِنِ مِثْلُ ذلِكَ. مِنْ غَيرِ أنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِم شَيئا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2247) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة وفيه ثلاثة من التابعين الأعمش ومن بعده غرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور في رواية هذا الحديث عن شقيق وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة. (قالت) عائشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة) وتصدقت (من) طعام (بيت زوجها) بإذنه الصريح أو العرفي (غير مفسدة) أي مسرفة في الإنفاق (كان لها) أي للمرأة (أجرها) أي أجر إنفاقها (وله) الأوّللزوج (مثله) أي مثل مالها من الأجر وقوله: (بما اكتسب ولها بما أنفقت) تفسير لقوله: (كان لها أجرها وله مثله) على سبيل النشر واللف المشوش أي له أجره بكسبه ولها أجرها بإنفاقها (وللخازن) الذي يحفظ الطعام (مثل ذلك) أي مثل ما لهما من الأجر (من غير أن ينتقص) الانتقاص كما جاء مطاوعًا جاء متعديًا وهو هنا بمعنى الثلاثي فيكون متعديًا أي من غير أن ينقص الله سبحانه وتعالى (من أجورهم) أي من أجور الثلاثة (شيئًا) من النقص بسبب إعطائه للآخر. قال العلامة السندي: أي من غير أن ينقص ذلك وهو ثبوت الأجر لكل مثل ما للآخر (من أجورهم) أي من أجور الثلاثة الذين هم المرأة والزوج والخازن (شيئًا) ولعل هذا أقرب مما ذكره النووي رحمه الله تعالى والله تعالى أعلم اهـ من فتح الملهم. قال النواوي: قوله: (من غير أن ينتقص من أجورهم شيئًا) هكذا وقع في جميع النسخ شيئًا بالنصب فيقدر له ناصب فيحتمل أن يكون تقديره: من غير أن ينقص الله من أجورهم شيئًا ويحتمل أن يقدر من غير أن ينقص الزوج من أجر المرأة والخازن شيئًا وجمع ضميرها مجازًا على قول الأكثرين: إن أقل الجمع ثلاثة أو حقيقة على قول من قال: أقل الجمع اثنان اهـ.

(2248) (0) (0) وحدثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحوه. (2249) (989) - (139) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَزهيرُ بْنُ حَربٍ. جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ عُمَيرٍ مَوْلى آَبِي اللحمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2248) (0) (0) (وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (وأبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن مسروق عن عائشة (نحوه) أي نحو ما حدث أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية. غرضه بيان متابعة محمد بن نمير لأبي بكر بن أبي شيبة في رواية هذا الحديث عن أبي معاوية لكن زاد محمد بن نمير على أبي بكر الرواية عن أبيه عبد الله بن نمير. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عمير مولى آبي اللحم رضي الله تعالى عنه فقال: (2249) (989) (139) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وزهير بن حرب جميعًا عن حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) (قال ابن نمير: حدثنا حفص) بصيغة السماع (عن محمد بن زيد) بن المهاجر بن قنفذ بن عمير بن جدعان القرشي التيمي المدني روى عن عمير مولى آبي اللحم في الزكاة وأبيه وأبي أمامة وابن المسيب وجماعة ويروي عنه (م عم) وحفص بن غياث والزهري ومالك وبشر بن المفضل وطائفة وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وقال أبو داود والعجلي: ثقة وقال البرقاني عن الدارقطني: يحتج به وقال: مرة يعتبر به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (5) وقال في التهذيب: وقد عمر حتى بلغ مائة سنة (100) (عن عمير مولى آبي اللحم) أي مملوكه الغفاري المدني الصحابي الشهير رضي الله تعالى عنه شهد خيبر وعاش إلى نحو السبعين (75) سنة له أحاديث انفرد له (م) بحديث ويروي عنه (م عم) ومحمد بن زيد في الزكاة ويزيد بن أبي عبيد بن الهاد ومحمد بن إبراهيم التيمي وجماعة (وأبي اللحم) هو بهمزة ممدودة وكسر الباء قيل له ذلك لأنه كان لا يأكل اللحم وقيل: لا يأكل ما ذبح للأصنام واسمه عبد الله وقيل:

قَال: كُنْتُ مَملُوكًا. فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: أَأَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِي بِشَيءٍ؟ قَال: "نَعَم. وَالأجرُ بَينَكُمَا نِصفَانِ". (2250) (0) (0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حدَثَنَا حَاتم (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيل) عَنْ يَزِيدَ (يَعنِي ابْنَ أَبِي عُبَيدٍ) قَال: سَمِعْتُ عُمَيرا مَوْلَى آبِي اللحمِ. قَال: أَمَرَنِي مَوْلايَ أَنْ أُقدِّدَ لَحمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ خلف وقيل: الحويرث الغفاري وهو صحابي استشهد يوم حنين روى عمير مولاه قال: كنت مملوكًا الخ قاله النووي. والأظهر أن وجه تسميته أنه أبي مولاه عميرًا أن يعطي اللحم إلى المسكين كما تدل عليه الرواية الآتية اهـ ملا علي. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان مدنيان واثنان كوفيان. (قال) عمير: (كنت مملوكًا) أي رقيقًا (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتصدق) أي هل يجوز في أن اتصدق (من مال موالي) بتشديد الياء جمع مولى بمعنى السيد جمعه للتعظيم أي من مال سيدي (بشيء) أي تافه أو ماذون فيه عادة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) لك التصدق (والأجر بينكما نصفان) أي لكل منكما أجر وليس المراد أن أجر نفس المال يتقاسمانه كما مر أفاده النواوي وهذا محمول على ما سبق أنه استأذن في الصدقة بقدر يعلم رضا سيده به وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمير رضي الله تعالى عنه فقال: (2250) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني صدوق من (8) (عن يزيد يعني ابن أبي عبيد) المدني أبي خالد الأسلمي مولاهم مولى سلمة بن الأكوع وثقه أبو داود وابن معين وقال العجلي: حجازي تابعي ثقة وقال في التقريب: ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (قال) يزيد: (سمعت عميرًا مولى أبي اللحم) أي مملوكه. وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة يزيد بن أبي عبيد لمحمد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمير مولى آبي اللحم. (قال) عمير: (أمرني مولاي) أي سيدي (أن أقدد لحمًا) أي أن أشققه وأيبسه في

فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمتُهُ مِنْهُ. فَعَلِمَ بِذلِكَ مَوْلايَ فَضَرَبَنِي. فَأَتَيتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَذَكَرتُ ذلِكَ لَهُ. فَدَعَاهُ فَقَال: "لِمَ ضرَبْتَهُ؟ " فَقَال: يُعطِي طَعَامِي بِغَيرِ أَنْ آمُرَهُ. فَقَال: "الأَجْرُ بَينَكُمَا". (2251) (990) - (140) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الشمس وهو الشق طولًا (فجاءني مسكين) أي فمر علي وأنا عند اللحم (فأطعمته) أي فأعطيت المسكين (منه) أي من ذلك اللحم شيئًا تافهًا يسمح فيه عرفًا (فعلم بذلك) أي بإطعامي المسكين منه (مولاي) أي سيدي أبي اللحم (فضربني) ضربًا شديدًا (فأتيت) أي فجئت (رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) أي ضربه إياي لأجل اللحم (له) صلى الله عليه وسلم وشكوته إليه (فدعاه) أي فدعا النبي صلى الله عليه وسلم سيدي وطلبه فجاءه (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لم ضربته) أي لأي سبب ضربته (فقال) مولاي ضربته لأنه: (يعطي) الناس (طعامي) أي لحمي (بغير أن آمره) بالإعطاء أي بغير إذني له (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: له لا تضربه ولا تغضب عليه فإن (الأجر بينكما) نصفين. قال النواوي: هذا محمول على أن عميرًا تصدق بشيء يظن أن مولاه يرضى به ولم يرض به مولاه فلعمير أجر لأنه فعل شيئًا يعتقده طاعة بنية الطاعة ولمولاه أجر لأن ماله تلف عليه. ومعنى قوله: (الأجر بينكما) أي لكل منكما أجر وليس المراد أن أجر نفس المال يتقاسمانه وقد سبق لك هذا قريبًا فهذا الذي ذكرته من تأويله هو المعتمد وقد وقع في كلام بعضهم ما لا يرتضى من تفسيره. وقال الطيبي: لم يرد به إطلاق يد العبد بل كره صنيع مولاه في ضربه على أمر تبين رشده فيه فحث السيد على اغتنام الأجر والصفح عنه فهذا تعليم وإرشاد لابي اللحم لا تقرير لفعل العبد والله أعلم اهـ من فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فلو قدمه على حديث عمير مولى آبي اللحم لكان أنسب وأولى ولعل تأخيره إلى هنا لأجل مناسبته لحديث عمير في وفوع الإنفاق بغير الإذن الصريح فقال: (2251) (990) (140) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا

عَبْدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعمَر، عَنْ همَامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ مُحَمدٍ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْها. وَقَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تَصُمِ الْمَرأةُ وَبَعلُها شَاهِدٌ إلا بِإِذْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل الصنعاني ثقة من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الآتي (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله على الله عليه وسلم) الحديث. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري. (لا تصم المرأة) صوم التطوع ولا الواجب الذي ليس به وقت معين كالنذر المطلق (وبعلها) أي والحال أن زوجها وسيدها (شاهد) أي حاضر مقيم في البلد لأن له حق التمتع بها في كل وقت والصوم يمنعه وهو معنى الجملة الحالية التي تليه أعني قوله: (وبعلها شاهد) أي وزوجها حاضر مقيم في البلد أما إذا لم يكن حاضرا بأن كان مسافرًا فلها الصوم لأنه لا يتأتَّى منه الاستمتاع معه كما في النواوي ومثل التطوع الواجب الذي ليس له زمان معين كما في المبارق. وفي بعض الروايات: (وزوجها حاضر) قال الحافظ رحمه الله: وبعلها أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فإن ثبت وإلا ألحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى يعني يلتحق به السيد بالنسبة لأمته التي يحل له وطؤها (إلا بإذنه). قال النواوي وهذا محمول على صوم التطوع والواجب الذي ليس له زمان معين وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام والأوقات وحقه فيه واجب على الفور فلا تفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي فإن قيل: ينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها فالجواب أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة لأنه كتاب انتهاك الصوم بالإفساد اهـ. وفي معنى الغيبة أن يكون مريضًا بحيث لا يستطيع الجماع قال الحافظ: وفي

وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيتِهِ وَهُوَ شَاهِد إلا بِإِذْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع اهـ. وفي رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق: لا تصوم المرأة من غير رمضان وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا في أثناء حديث ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعًا إلا بإذنه فإن فعلت لم يقبل منها. (ولا تأذن) المرأة لأحد (في) الدخول في (بيته) أي في بيت الزوج (وهو شاهد) أي حاضر. قال الحافظ: وهذا القيد لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات أي من غاب عنها زوجها ويحتمل أن يكون له مفهوم وذلك أنه إذا حضر يتيسر استئذانه وإذا غاب تعذر فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استئذانه لتعذره. قال القرطبي: قوله: (ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه) تخصيص المنع بحضور الزوج يدل على أن ذلك لحق الزوج في زوجته إذ قد يكون المأذون له في تلك الحال ممن يشوش على الزوج مقصوده وخلوته بها وعلى هذا تظهر المناسبة بين هذا النهي وبين النهي عن الصوم المتقدم وقال بعض الأئمة: إن ذلك معلل بأن البيت ملك الزوج وإذنها في دخوله تصرف فيما لا تملك وهذا فيه بعد إذ لو كان معللًا بذلك لاستوى حضور الزوج وغيبته والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. (إلا بإذنه) أي إلا بإذن الزوج. قال النواوي: في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكي البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلا بإذنهم وهذا محمول على ما لا يعلم رضا الزوج ونحوه به فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز كما سبق في الإنفاق اهـ. وقوله: (ولا تأذن في بيته) بالجزم معطوف على لا تصم قال ابن الملك: يعني لا يحل لامرأة أن تأذن لأحد بالدخول في بيت زوجها إلا بإذنه وهذا محمول على ما إذا لم تعلم الزوجة رضي الزوج به فإن علمت جاز إذنها به كمن جرت عادته بإدخال الضيفان

وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيرِ أمرِهِ فَإِن نصفَ أَجْرِهِ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعًا معدًا لهم سواء كان حاضرًا أو غائبًا فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلًا أو إجمالًا كذا في الفتح. (وما أنفقت) المرأة وتصدقت به (من كسبه) أي من مال زوجها الذي كسبه (من غير أمره) أي من غير إذنه الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره وذلك الإذن الذي قد بيناه سابقا في حديث عائشة إما بالصريح وإما بالعرف لا بد من هذا التأويل لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح أو معروف فلا أجر لها بل عليها وزر فتعين تأويله (فإن نصف أجره له) أي لزوجها والضمير في أجره لمصدر أنفقت ومعنى فنصف أجره أي فقسم من أجره كان كان أحدهما أكثر كما في ابن الملك. وقال القاضي عياض: إن ثوابهما سواء كما هو المفهوم من ظاهر الحديث لأن الأجر فضل من الله تعالى لا يعرف مقداره بمقياس الأعمال اهـ. والمختار الأول ومعلوم أن هذا كله مفروض في قدر يسير ككسرة خبز ونحوها مما جرت العادة به واطرد العرف فيه وعلم بالعرف رضا الزوج به فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه وقاصديه من ضيف وابن سبيل ونحوهما وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو بالعرف والله أعلم اهـ من العون. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف في حديث الباب الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما للرجل لكونه الأصل في اكتسابه ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص وللمرأة لكونه من النفقة التي تختص بها ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود وعقب حديث أبي هريرة هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها قال: (لا إلا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه) اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 316) والبخاري (5192) وأبو داود (2458). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. والثالث: حديث عمير مولى آبي اللحم ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة بالنظر إلى الطرف الأخير منه وإلا فهو ليس من أحاديث الزكاة ولو قدمه على حديث عمير لكان أنسب وأولى كما والله أعلم. ***

428 - (46) باب فضل من جمع الصدقة وأعمال الخير والحث على الإنفاق والنهي عن الإحصاء

428 - (46) باب فضل من جمع الصدقة وأعمال الخير والحث على الأنفاق والنهي عن الإحصاء (2252) (991) - (141) حدّثني أَبُو الطاهِرِ وَحرمَلَةُ بْنُ يَحيَى التجِيبِي (وَاللفْظُ لأَبِي الطاهِرِ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهاب، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرحمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَينِ فِي سَبِيلِ الله نُودِيَ فِي الْجَنةِ: يَا عَبْدَ الله! هذَا خَير ـــــــــــــــــــــــــــــ 428 - (46) باب فضل من جمع الصدقة وأعمال الخير والحث على الإنفاق والنهي عن الإحصاء (2252) (991) (141) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (وحرملة بن يحيى النجيبي) المصري (واللفظ) الآتي (لأبي الطاهر قالا: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهريّ المدني (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين) أي شفعًا من جنس كدرهمين أو دينارين أو فرسين أو بعيرين أو مدين من الطعام ويحتمل أن يراد التكرير والمداومة على الصدقة والمعنى أنه يشفع صدقته بأخرى ويمكن أن يراد بهما صدقتان إحداهما سر والأخرى علانية لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} اهـ مرقاة. (في سبيل الله) أي في مرضاته من أبواب الخير وقيل: في الجهاد خاصة والأصح العموم كما في النواوي والمطلوب تشفيع صدقته بأخرى والتنبيه على فضل الصدقة والنفقة في الطاعة والاستكثار منها (نودي في الجنة) وفي رواية عند البخاري: (نودي من أبواب الجنة) (يا عبد الله هذا) الباب فيما نعتقده (خير) لك من غيره من الأبواب لكثرة ثوابه ونعيمه فتعال فادخل منه ولا بد من تقدير ما ذكرناه إذ كل مناد يعتقد أن ذلك الباب أفضل من غيره كذا في الشرح.

فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصلاةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصلاةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهادِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهادِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصدَقَةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصدَقَةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصيَامِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الريانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحافظ رحمه الله: قوله: هذا خير ليس اسم التفضيل على بابه بل المعنى هذا خير من الخيرات والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة يعني أن لفظ خير بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل كان كان اللفظ قد يوهم ذلك ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب الدخول من ذلك الباب والمعنى دعته كل الخزنة من جميع أبوابها تكريمًا له وإعزازًا يا عبد الله هذا الباب خير لك في الدخول من غيره من الأبواب فادخل من ها هنا يقوله كل خازن رغبة في دخوله من الباب الذي هو موكل به. (فمن كان من أهل الصلاة) أي من المكثرين لصلاة التطوع وكذلك غيرها من أعمال البر المذكورة في هذا الحديث لأن الواجبات لا بد منها لجميع المسلمين ومن ترك شيئًا من الواجبات إنما يخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنم فيستوي في القيام بها المسلمون كلهم وإنما يتفاضلون بكثرة التطوعات التي بها يحصل تلك الأهلية التي بها ينادونك من تلك الأبواب (دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد) أي أكثر عمله الجهاد (دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة) أي أكثر عمله الصدقة (دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام) أي أكثر عمله صيام التطوع يقال فيه مثل ما قيل في الصلاة آنفًا (دعي من باب الريان) وعند أحمد: الكل أهل عمل باب يدعون منه بذلك العمل فلأهل الصيام باب يدعون منه يقال له: الريان) كذا في القسطلاني. والريان ضد العطشان يعني أن الصائم بتعطشه في الدنيا يدخل من باب ليأمن من العطش كما في المرقاة. قال العلماء: سمي باب الريان تنبيهًا على أن العطشان بالصوم في الهواجر سيروى وعاقبته إليه وهو مشتق من الري وهو الشبع من الماء. قال القرطبي: والريان فعلان من الري على جهة المبالغة وسمي بذلك على جهة مقابلة العطشان لأنه جوزي على عطشه بالري الدائم في الجنة التي يدخل إليها من ذلك الباب اهـ من المفهم.

قَال أَبُو بَكْرٍ الصديقُ: يَا رَسُولَ الله، مَا عَلَى أَحَدٍ يُدعَى مِنْ تِلْكَ الأبوَاب مِنْ ضَرُورَةٍ. فَهلْ يُدعَى أَحدٌ مِنْ تِلْكَ الأبوَابِ كُلِّها؟ قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَعَم. وَأَرجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُم" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما فهم أبو بكر رضي الله عنه هذا المعنى (قال أبو بكر الصديق) رضي الله عنه (يا رسول الله ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة) أي من ضرر وتعب فمن زائدة استغراقية وضرورة اسم ما مؤخر وعلى أحد خبرها أي أي أليس تعب وضرر كائنًا على أحد يدعى من تلك الأبواب المختلفة (فهل يدعى أحد من تلك الأبواب) المختلفة (كلها) أي فهل يحصل لأحد من أهل الإكثار من تطوعات البر المختلفة ما يتأهل به لأن تدعوه خزنة الجنة من كل باب من أبوابها فـ (ـقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم) أي يدعى منها كلها على سبيل التخيير في الدخول من أيها شاء لاستحالة الدخول من الكل معًا اهـ قسطلاني أي يكون جماعة يدعون من جميع الأبواب تعظيمًا وتكريمًا لهم لكثرة صلاتهم وجهادهم وصيامهم وغير ذلك من أبواب الخير (وأرجو أن تكون) أنت يا أبا بكر (منهم) أي من الذين يدعون من كل باب تكرمة لهم. قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع بهذا التقرير، قال الحافظ: وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه والله أعلم وأما ما أخرجه مسلم عن عمر (من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله) الحديث وفيه: (فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) فلا ينافي ما تقدم كان كان ظاهره أنه يعارضه لأنه يحمل على أنها تفتح له على سبيل التكريم ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه كما تقدم وليس فيه ذكر المناداة والله أعلم. (تنبيه) وذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة فذكر باب الصلاة وباب الصدقة وباب الصيام وباب الجهاد وزاد غيره بقية الثمانية فذكر فيها باب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وباب الراضين لقضاء الله تعالى والباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه حكاه القاضي أبو الفضل اهـ من المفهم.

(2253) (0) (0) حدّثني عَمرو الناقِدُ وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا معمر. كِلاهُمَا عَنِ الزهْرِي. بِإِسْنَادِ يُونُسَ، وَمَعنى حَدِيثِهِ. (2254) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ. حَدَثَنَا شَيبَانُ. ح وَحَدثَنِي مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللفْظُ لَهُ) حدَثَنَا شَبَابَةُ. حَدَثَنِي شَيبَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 166) والبخاري (1897) والترمذي (3674) والنسائي (4/ 168 - 169). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2253) (0) (0) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (والحسن) بن علي بن محمد بن علي (الحلواني) المكي أبو علي الخلال الهذلي ثقة من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر (قالوا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزهريّ أبو يوسف المدني ثقة من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ أبو إسحاق المدني ثقة من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم أبي محمد المدني ثقة من (4) (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من أبي صالح ومعمر بن راشد رويا (عن الزهريّ بإسناد يونس و) بـ (معنى حديثه) أي حديث يونس غرضه بسوقهما بيان متابعة صالح ومعمر ليونس في الرواية عن الزهريّ. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2254) (0) (0) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير) بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري مولاهم أبو أحمد الكوفي ثقة من (9) (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية البصري ثم البغدادي ثقة من (7) (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن حاتم (حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري أبو عمرو المدائني (حدثني شيبان بن

عَبْدِ الرحمنِ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَينِ فِي سَبِيلِ الله دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنةِ. كُل خَزَنَةِ بَابٍ: أَي فُلُ! هلُم". فَقَال أبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذلِكَ الذي لَا تَوَى عَلَيهِ. قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنِّي لأرجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُم" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن) التميمي البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) الزهريّ المدني (أنه سمع أبا هريرة يقول): وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة بن عبد الرحمن لحميد بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنفق زوجين) أي صنفين من المال (في سبيل الله) تعالى أي في طاعته من كل بر (دعاه) أي ناداه (خزنة الجنة) أي بوابها (كل خزنة باب) بالرفع بدل من خزنة الجنة بدل الكل وتنوين باب للتكثير فدعوتهم من كل باب تعظيم له ورغبة إليه اهـ ابن الملك. قال الحافظ: كأنه من المقلوب لأن المراد خزنة كل باب اهـ. (أي فل) مرخم فلان على لغة من لا ينتظر المحذوف أي يا فلان (هلم) أي أقبل إلينا لتدخل من هذا الباب. قال النواوي: هكذا ضبطناه أي فل بضم اللام وهو المشهور ولم يذكر القاضي وآخرون غيره وضبطه بعضهم بإسكان اللام والأول أصوب. قال القاضي: معناه أي فلان فرخم ونقل إلى إعراب الكلمة على إحدى اللغتين في الترخيم قال: فقيل: فل لغة في فلان في غير النداء والترخيم اهـ. (فقال أبو بكر: يا رسول الله ذلك) مبتدأ خبره (الذي) وجملة (لا توى عليه) بفتح التاء والقصر أي لا ضياع ولا هلاك ولا خسارة صلة الموصول أي ذلك المدعو من كل باب هو الذي لا هلاك ولا ضياع ولا خسارة عليه أي هو من الفائزين الذين نجوا من المهالك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اني لأرجو أن تكون منهم) أي من الذين يدعون من كل باب قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع.

(2255) (992) - (142) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مروَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيَّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ كَيسَانَ) عَن أَبِي حَازِم الأشجَعِي، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ أصبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائمًا؟ " قَال أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أنَا. قَال: "فَمَنْ تَبعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ " قَال أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه: (قال أجل وأنت هو يا أبا بكر) أي لأنه رضي الله عنه كان جامعًا لهذه الخيرات كلها أما التعبير بعنوان الرجاء في حديث الباب فقيل: إنه خرج مخرج الأدب مع الله تعالى إذ لا يجب عليه سبحانه شيء وهو سبحانه أكرم من أن يخلف رجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث آخر له فقال: (2255) (992) (142) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (يعني الفزاري) أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد وهو ابن كيسان) اليشكري أبي إسماعيل الكوفي صدوق من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمان (الأشجعي) الكوفي مولى عزة (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم اليوم صائما) أي من الذي اتصف منكم بالصيام في صباح هذا اليوم (قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا) أصبحت اليوم صائمًا قال الطيبي: ذكر أنا هنا للتعيين في الإخبار لا للاعتداد بنفسه كما يذكر في مقام المفاخرة وهو الذي كره الصوفية رد لكراهة طائفة هذا القول لكن إنما محلها إذا صدر عن إثبات النفس ورعونتها وتوهم كمال ذاتها وحقيقتها كما صدر عن إبليس حيث قال أنا خير منه وأما حديث جابر في الصحيح (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان علي فدققت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أنا فقال: أنا أنا كأنه كرهها) فسبب كراهته له الاقتصار عليه المؤدي إلى عدم تعريفه نفسه ولو عرفه بصوته لما استفهمه اهـ فتح الملهم. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن تبع منكم اليوم جنازة) لتجهيزها (قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا) الذي تبعها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينا؟ " قَال أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. قَال: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ " قَال أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا. فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَا اجْتَمَعنَ فِي امرِئٍ، إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ". (2256) (993) - (143) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفص (يَعنِي ابْنَ غِيَاثٍ) عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنها ـــــــــــــــــــــــــــــ (فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا قال أبو بكر رضي الله عنه أنا) الذي أطعمه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن عاد منكم اليوم مريضًا قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا) الذي عاد مريضًا والمعاد هو عبد الرحمن بن عوف كذا في مسند أبي موسى قاله ابن بشكوال اهـ من تنبيه المعلم على صحيح مسلم. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن) هذه الخصال الأربعة ولا وجدن (في امرئ) أي في يوم واحد من الأيام ولم يعن ذلك اليوم الذي قاله فيه اهـ أبي (إلا دخل الجنة) ففيه الشهادة له بالجنة. والمعنى أي هذه الخصال الأربعة المذكورة ما وجدت وحصلت في امرئ في يوم واحد إلا دخل الجنة أي بلا محاسبة وإلا فمجرد الإيمان يكفي لمطلق الدخول أو معناه دخل الجنة من أي باب شاء كما تقدم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال: (2256) (993) (143) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص يعني ابن غياث) ابن طلق النخعي الكوفي ثقة من (8) (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني ثقة من (5) (عن) زوجته (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوام الأسدية المدنية ثقة من (3) (عن) جدتها (أسماء بنت أبي بكر) الصديق (رضي الله عنها) التيمية المدنية المسماة ذات النطاقين من كبار الصحابة عاشت مائة (100) سنة وماتت سنة (7).

قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَنْفِقِي (أَو انْفَحِي، أَو انْضَحِي) وَلَا تحصِي، فَيُحصِيَ الله عَلَيكِ". (2257) (0) (0) وحدّثنا عَمرٌو الناقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان. (قالت) أسماء: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفقي أو انفحي): بفتح الفاء وحاء مهملة (أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انضحي) بفتح الضاد وأو للشك من الراوي أو ممن دونه ومعنى انفحي وانضحي أعطي. قال النواوي: النفح والنضح العطاء ويطلق النضح أيضًا على الصب فلعله المراد هنا ويكون أبلغ من النفح اهـ. ومعنى الثلاثة: اصرفي ما عندك في الخيرات (ولا تحصي) من الإحصاء وهو معرفة قدر الشيء وزنًا أو عددًا أو المراد به هنا عده للتبقية أو ادخاره للاعتداد به وترك النفقة منه في سبيل الله تعالى ومعناه الحث على النفقة في الطاعة والنهي عن الإمساك والبخل وعن ادخار المال في الوعاء اهـ نووي. وقيل: معنى (لا تحصي) لا تعدي ما تعطي فتستكثري به فتمتنعي من الإعطاء وهذا أولى ما يقال في الحديث اهـ سنوسي. وقوله: (فيحصي الله عليك) بنصب يحصي لوقوعه في جواب النهي بكسر الكاف خطابًا لأسماءَ من باب المشاكلة والمقابلة كقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] وإحصاء الله قطع البركة عنه أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة كذا في الفتح والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة لأن الله تعالى يثيب على العطاء بغير حساب ومن لا يحسب عند العطاء لا يحاسب عليه عند الجزاء ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب وقيل: المراد بالإحصاء محمد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 345 و 346) والبخاري (1433) والنسائي (5/ 73 - 74). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: (2257) (0) (0) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان

وَزُهيرُ بْنُ حَربٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَن أَبِي مُعَاويةَ. قَال زهير: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ خَازِمٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبادِ بْنِ حمزَةَ، وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "انْفَحِي (أو انْضَحِي، أَوْ أَنْفِقِي) ـــــــــــــــــــــــــــــ البغدادي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (قال زهير) في روايته: (حدثنا محمد بن خازم) بصيغة السماع مع التصريح باسمه قال أبو معاوية: (حدثنا هشام بن عروة عن عباد بن حمزة) بن عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي روى عن أسماء بنت أبي بكر في الزكاة وعائشة ويروي عنه (م س) وهشام بن عروة وثقه النسائي وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (3) الثالثة (وعن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير كلاهما (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي معاوية لحفص بن غياث في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة. (قالت) أسماء: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انفحي أو انضحي أو أنفقي) بقطع الهمزة معنى الكل أعطى وأوفي الموضعين للشك وأصل النفخ الضرب بالعصا أو بالسيف وكأن الذي ينفق يضرب المعطأنه بما يعطيه ويحتمل أن يكون من نفح الطيب إذا تحركت رائحته إذ العطية تستطاب كما تستطاب الرائحة الطيبة أو من نفحت الريح إذا هبت باردة فكأنه أمر بعطية سهلة كثيرة. وفي حديث أبي ذر: (ونفح به يمينًا وشمالًا) أي أعطاه في كل وجه وأصل النضح الرش وكأنه أمره بالتصدق بما تيسر وإن كان قليلًا. وفي الحديث ارضخي أي أعطي بغير تقدير، ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرضخ للنساء من الغنيمة ولا يضرب لهم بسهم رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس. ويفيد تكرار هذه الألفاظ تأكيد أمر الصدقة والحض عليها على أي حال تيسرت بكثير أو قليل بمقدر أو غير مقدر والله أعلم اهـ من المفهم.

وَلَا تُحصِي، فَيُحصِيَ اللهُ عَلَيكِ. وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيكِ". (2258) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدثَنَا مُحَمًدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبادِ بْنِ حَمزَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّ النبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَها نَحوَ حَدِيثِهم ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولا تحصي) أي لا تعديه للتبقية والادخار وقد سبق قريبًا معنى الإحصاء وهو الإحاطة بالشيء حصرًا وعدًا (فيحصي الله) سبحانه وتعالى (عليك) بالنصب لوقوعه في جواب النهي أي يقطع عنك مادة الرزق أو يرفع البركة عنه والمعنى لا تبخلي فتجازين على بخلك (ولا توعي) بضم التاء وكسر العين من الإيعاء وهو جعل الشيء في الوعاء وأصله الحفظ والمراد به هنا منع الفضل عمن افتقر إليه يقال: أوعيت المتاع في الوعاء أوعيه إيعاءً إذا جعلته فيه ووعيت الشيء حفظته (فيوعي الله عليك) بضم الياء وكسر العين وبالنصب في جواب النهي وإسناد الإيعاء إلى الله مجاز عن الإمساك. قال النواوي: هو من مقابلة اللفظ باللفظ للتجنيس كما في قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] اهـ. والمعنى لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك اهـ فتح الملهم. وقال الأبي: ومعنى (فيحصي الله عليك ويوعي عليك) يمنعك فضله ويقتر عليك كما منعت وقترت وهو من مجاز المقابلة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: (2258) (0) (0) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا هشام عن عباد بن حمزة عن أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها) الحديث. وقوله: (نحو حديثهم) بضمير الجمع تحريف من النساخ والصواب نحو حديثهما أي وساق محمد بن بشر نحو حديث حفص بن غياث وأبي معاوية. غرضه بسوقه بيان متابعته لهما وهذا هو الصواب لأن أغلب متابعات مسلم هي التامة ويحتمل على بعد أن ضمير الجمع عائد إلى مشايخ المؤلف في السندين السابقين فيكون غرضه بيان متابعة محمد بن نمير لأبي بكر وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم فتكون المتابعة ناقصة والله أعلم.

(2259) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. قَالا: حَدَّثَنَا حَجاجُ بْنُ مُحَمدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ؛ أن عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْر؛ أَنها جَاءَتِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَالتْ: يَا نَبِيَّ الله! لَيسَ لِي شَيءٌ إِلَّا مَا أَدخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيرُ. فَهلْ عَلَيَّ جُنَاح أَنْ أرضَخَ مِما يُدخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَال: "ارضَخِي مَا اسْتَطَعتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثالثًا فقال: (2259) (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البزاز أبو موسى البغدادي (قال: حدثنا حجاج بن محمد) مولى سليمان بن مجالد المصيصي الأعور البغدادي ثقة من (9) (قال) حجاج: (قال) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي: (أخبرني) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي ملكية) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي ثقة من (3) (أن عباد بن عبد الله بن الزبير) ثقة من (3) (أخبره عن أسماء بنت أبي بكر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان بغداديان غرضه بسوقه بيان متابعة عباد بن عبد الله بن الزبير لفاطمة بنت المنذر في رواية هذا الحديث عن أسماء وكرر المتن لما بينهما من المخالفة. (أنها جاءت النبي على الله عليه وسلم فقالت) له: (يا نبي الله ليس في شيء) من المال أي ليس في شيء من المال مملوكًا في فاتصدق به (إلا ما أدخل عليَّ) بتشديد الياء وسلم إليَّ بسبب نفقة زوجي (الزبير) بن العوام الأسدي تعني ما يدخل عليها للإنفاق عليها وعلى أهل بيتها (فهل علي جناح) أي ذنب في (أن أرضخ) وأعطي شيئًا يسيرًا (مما يدخل عليَّ) ويسلمه إليَّ والرضخ إعطاء شيء ليس بالكثير (فقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (ارضخي) بهمزة مكسورة إذا لم توصل فعل أمر المؤنث من الرضخ بالضاد والخاء المعجمتين وهو العطاء اليسير أي أنفقي من غير إجحاف (ما استطعت) أي ما دمت مستطيعة قادرة على الرضخ اهـ قسط. أي مما يرضى به الزبير يقال: أرضخه أعطاه عطاءً غير كثير أو قليلًا من كثير. قال النواوي: هذا محمول على ما أعطاها الزبير لنفسها بسبب النفقة وغيرها أو مما هو ملك الزبير ولا يكره الصدقة منه بل يرضى بها على عادة غالب الناس.

وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (ما استطعت) معناه مما يرضى به الزبير وتقديره: إن لك في الرضخ مراتب مباحة بعضها فوق بعض وكلها يرضاه الزبير فافعلي أعلاها أو يكون معناه ما استطعت مما هو ملك لك اهـ نووي. (ولا توعي) أي لا تمسكي ما عندك عن الإنفاق أي لا تمسكي المال في الوعاء فيمسك الله فضله وثوابه عنك (فيوعي الله عليك) أي فيمسك الله رزقه عنك مجازاة على عملك من الإيعاء وهو جعل المتاع في الوعاء والمراد لازم الإيعاء وهو الإمساك والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد للحديث الأول. والثالث: حديث أسماء ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. ***

429 - (47) باب النهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها وأي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

429 - (47) باب النهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها وأي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة (2260) (994) - (144) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أخْبَرَنَا الليثُ بْنُ سَعد. ح وَحَدثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيد. حَدَّثَنَا اللَيثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَقُولُ: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 429 - (47) باب النهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها وأي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة (2260) (994) (144) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا الليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني (عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري المدني الليثي مولاهم سمي بالمقبري لأنه كان يحفظ مقبرة بني دينار ثقة من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد إما نيسابوري أو بلخي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا نساء المسلمات) قال النووي: ذكر القاضي في إعرابه ثلاثة أوجه أصحها وأشهرها نصب النساء وجر المسلمات على الإضافة وهي من إضافة الشيء إلى نفسه والموصوف إلى صفته والأعم إلى الأخص كمسجد الجامع وجانب الغربي ولدار الآخرة وعند الكوفيين جائز على ظاهره والبصريون يقدرون فيه أي مسجد المكان الجامع وجانب المكان الغربي ولدار الحياة الآخرة وتقدر هنا يا نساء الأنفس المسلمات أو الجماعات المؤمنات وقيل: تقديره يا فاضلات المؤمنات كما يقال: هؤلاء رجال القوم أي ساداتهم وأفاضلهم والوجه الثاني رفع النساء ورفع المسلمات أيضًا على معنى النداء والصفة أي يا أيها النساء المسلمات. قال الباجي: هكذا يرويه أهل بلادنا والوجه الثالث رفع نساء وكسر التاء من المسلمات على أنه منصوب على الصفة عن المحل كما يقال: يا زيد العاقل برفع زيد ونصب العاقل والله أعلم.

لَا تحقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِها. وَلَوْ فرسِنَ شَاةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2261) (995) - (145) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى. جَمِيعًا عَنْ يَحيَى الْقَطَّانِ. قَال زُهيرٌ: حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ الله. أَخْبَرَنِي خُبَيبُ بْنُ عَبْدِ الرحمنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا تحتقرن جارة) بفتح حرف المضارعة وبنون التوكيد الثقيلة أي لا تستحقر جارة إهداء (لجارتها) أي هدية مهداة لجارتها (ولو) كان الذي تهديه لها (فرسن شاة) أي ظلف شاة معناه لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستحقارها الموجود عندها بل تجود بما تيسر وإن كان قليلًا كفرس شاة اهـ نووي. والفرسن بكسر الفاء وفتح المهملة بينهما راء ساكنة آخره نون هو عظم قليل اللحم وهو للبعير كالحافر للفرس والقدم للإنسان واستعير هنا للشاة ونونه زائدة وقيل: أصلية وأريد به هنا المبالغة الأوّلو شيئًا قليلًا. وعبارة فتح الملهم: وأشار بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمتنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر كان كان قليلًا فهو خير من العلم وذكر الفرسن على سبيل المبالغة ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع للمهدى إليها وأنها لا تحتقر ما يهدى إليها ولو كان قليلا وحمله على الأعم من ذلك أولى. وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير ولأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت وإذا تواصل اليسير صار كثيرًا وفيه استحباب المودة وإسقاط التكلف وخص النهي بالنساء لأنهن موارد المودة والبغضاء ولأنهن أسرع انفعالًا في كل منهما قاله الحافظ في أبواب الهبة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 264 و 432) والبخاري (6017) والترمذي (2130). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2261) (995) (145) (حدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى جميعًا عن يحيى) بن سعيد (القطان) التميمي البصري (قال زهير: حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (أخبرني خبيب بن عبد الرحمن)

عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، قَال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله فِي ظِلهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظلُّهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن خبيب بن يساف الأنصاري ثقة من (4) وهو خال عبيد الله الراوي عنه (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بصري ونسائي وفيه التحديث والإخبار والمقارنة. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة) العدد لا مفهوم له إذ قد ورد ما يدل على الزيادة وقد بسطها الحافظ في الفتح ثم قال وقد أوردت الجميع في الأمالي وقد أفردته في جزء سميته معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال وقد ذكر في إرشاد الساري ما ينيف على سبع وسبعين بأحاديثها أي سبعة من الأنفار (يظلهم الله) سبحانه وتعالى (في ظله) أي في ظل عرشه كما جاء في الحديث الآخر (يوم لا ظل إلا ظله) أي إلا ظل عرشه والمراد يوم القيامة إذا قام الناس في صعيدها وقربت الشمس من الرؤوس وأديرت النار بأهل الموقف فليس هناك إلا ظل العرش فأما ظل الصدقة فمن ظل العرش والله أعلم. ويحتمل أن يراد بالظل هنا الكنف والكرامة والوقاية من المكاره كما تقول العرب: أنا في ظل فلان أي في صيانته وكرامته وكنفه إلى هذا نحا عيسى بن دينار اهـ من المفهم. وقوله (سبعة) أي من الأشخاص ليدخل النساء فيما يمكن أن يدخلن فيه شرعًا اهـ قسطلاني. وهو مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بصفة محذوفة كما قدرناها أو قصد الجنس. وقوله: (يظلهم في ظله) خبر المبتدإ قال في الفتح: قال عياض: إضافة الظل إلى الله إضافة ملك وكل ظل فهو ملكه كذا قال وكان حقه أن يقول: إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا عن غيره كما قيل للكعبة: بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه وقيل: المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن ديناو وقواه عياض. وقيل المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن

الإِمَامُ الْعَادِلُ. وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ الله. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سبعة يظلهم الله في ظله عرشه) فذكر الحديث وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهذا أرجح وبه جزم القرطبي ويؤيده أيضًا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند البخاري في كتاب الحدود اهـ. الأول منهم: (الإمام العادل) أي الذي يتبع أمر الله وشرعه بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط والمراد به صاحب الولاية العظمى ويلتحق به كل من ولي شيئًا من أمر المسلمين فعدل فيه ويؤيده ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ورفعه: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) وقدمه في الذكر لعموم النفع به لأن نفعه كثير ومتعد إلى غيره والخير المتعدى أولى من غيره اهـ مبارق. (و) الثاني: (شاب نشأ) أي نبت ونما وتربى ملتبسًا (بعبادة الله) سبحانه وتقواه مصاحبًا بها وخص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة من قوة الباعث على متابعة الهوى فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر: (حتى توفى على ذلك) أخرجه الجوزقي وفي حديث سلمان (أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله تعالى). قال القرطبي: قوله: (شاب نشأ بعبادة الله) كذا الرواية: (بعبادة الله) بالباء وهذه الباء هي باء المصاحبة كما تقول: جاء زيد بسلاحه أي مصاحبًا لها ويحتمل أن تكون بمعنى في كما قد تكون في بمعنى الباء في مثل قوله تعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] ونشأ نبت وابتدأ أي لم يكن له صبوة وهو الذي قال فيه في الحديث الآخر (يعجب ربك من صبي ليست له صبوة) رواه أحمد (4/ 151) وإنما كان كذلك لغلبة التقوى عليه التي بسببها ارتفعت الصبوة اهـ من المفهم. (و) الثالث: (رجل قلبه معلق بالمساجد) أي يحب الكون فيها للصلاة والذكر وقراءة القرآن وهذا إنما يكون ممن استغرقه حب الصلاة والمحافظة عليها وشغف بها اهـ مفهم. قال النواوي: معناه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيه وليس معناه دوام القعود في المسجد اهـ.

وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي الله، اجْتَمَعَا عَلَيهِ وَتَفرَّقَا عَلَيهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَال: إِنِّي أَخَاف الله ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (معلق بالمساجد) هكذا في الصحيحين وظاهره أنه من التعليق كأنّه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلًا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجًا عنه ويدل عليه رواية الجوزقي (كأن قلبه معلق في المسجد) ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب ويدل عليه رواية أحمد (معلق بالمساجد) اهـ فتح الملهم. (و) الرابع (رجلان تحابا) بتشديد الباء وأصله تحاببا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقةً لا إظهارا فقط (في الله) أي لله أو في مرضاته لا لغرض دنيوي (اجتمعا عليه) أي على الحب في الله والمراد أنهما وإما على المحبة الدينية (وتفرقا عليه) لم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت. قال القاري: يعني يحفظان الحب في الحضور والغيبة. وقال الطيبي: تفرقا عليه من مجلسهما وقيل: التفرق بالموت. قال الحافظ وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا بالاثنين أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان محمد أحدهما مغنيًا عن محمد الآخر لأن الغرض عد الخصال لا محمد جميع من اتصف بها اهـ. وعبارة القرطبي: أي وإما على المحبة الصادقة الدينية المبرأة عن الأغراض الدنيوية ولم يقطعاها بعارض في حال اجتماعهما ولا في حال افتراقهما اهـ المفهم. (و) الخامس: (رجل دعته) أي طلبته (امرأة ذات منصب) بكسر الصاد أي صاحبة نسب شريف (و) ذات (جمال) بارع إلى نفسها للزنا أو للتزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالاكتساب لها أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر كما يدل عليه السياق اهـ قسطلاني. (فقال) بلسانه أو بقلبه ليزجر نفسه (إني أخاف الله) تعالى أي عقوبته على الزنا. قال القرطبي: وقول المدعو في مثل هذا: إني أخاف الله وامتناعه لذلك دليل على عظيم معرفته بالله تعالى وشدة خوفه من عقابه ومتين تقواه وحيائه من الله تعالى وهذا هو المقام اليوسفي اهـ من المفهم.

وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاها حتَّى لَا تَعلَمُ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغتنت عن مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها ويلتحق بهذه الخصلة من وقع له نحوها كالذي دعا شابًّا جميلًا لأن يزوجه ابنةَ له جميلة كثيرة الجهاز جدًّا لينال منه الفاحشة ضعف الشاب عن ذلك وترك المال والجهاز وقد شاهد ذلك اهـ فتح الملهم. (و) السادس (رجل تصدق بصدقة) تطوعًا نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير وظاهره أيضًا يشمل المندوبة والمفروضة. قال القرطبي هذه صدقة التطوع في قول ابن عباس وأكثر العلماء. (فأخفاها حتى لا تعلم) بنصب تعلم نحو سرت حتى تغيب الشمس وبرفعه نحو مرض زيد حتى لا يرجونه فعلامة الرفع فيه ثبوت النون (يمينه ما تنفق شماله) هذا مقلوب من المعروف في الحديث إنما هو (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) كذا في هامش نسخة ويوافقه شرح النواوي ووقع في معظم روايات البخاري وغيره (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه). قال عياض قوله (حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب والصواب الأول وله وجه لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين. وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة (باب الصدقة باليمين) قال ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم اهـ قاله القاضي. والصواب أن الوهم ليس ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان. قوله (فأخفاها) الخ هو أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة وهو موضع الترجمة من الحديث وأما آية ({إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] فظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضًا ولكن ذهب الجمهور إلى أنها نزلت في صدقة التطوع ونقل الطبري وغيره الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء وصدقة التطوع على العكس من ذلك ونقل الزجاج أن إخفاء الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها فلهذا

وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَينَاهُ". (2262) (0) (0) وحدّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِي (أَوْ عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كان إظهار الزكاة المفروضة أفضل له اهـ فتح الملهم. ومعنى: (حتى لا تعلم شماله) إلخ أي حتى لو قدرت الشمال رجلًا متيقظًا لما علم صدقة اليمين للمبالغة في الإخفاء وصور بعضهم إخفاء الصدقة بأن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع له مثلًا درهمًا فيما يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقة وأنبئت عن بعضهم أنه كان يطرح دراهمه في المسجد ليأخذها المحتاج والله الموفق اهـ قسطلاني. (و) السابع (رجل ذكر الله) تعالى (خاليًا) من الناس أو من الالتفات إلى غير المذكور تعالى كان كان في ملإ (ففاضت) أي سألت (عيناه) أسند الفيض إلى العين مع أن الفائض هو الدمع لا العين مبالغة لأنه يدل على أن العين صارت دمعًا فياضًا وفيض العين بكاؤها وهو على حسب حال الذكر وبحسب ما ينكشف له من أوصافه تعالى فإن انكشف له غضبه فبكاؤه عن خوف كان انكشف له جماله وجلاله فبكاؤه عن محبة وشوق وهكذا يتلون الذكر بتلون ما يذكر من الأسماء والصفات اهـ مفهم. وقوله: (ذكر الله) إلخ أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر و (خاليًا) أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليًا عن الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملإ ويؤيده رواية (ذكر الله بين يديه) ويؤيد الأول رواية ابن المبارك وحماد بن زيد (ذكر الله في خلاء) أي في موضع خال وهي أصح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 439) والبخاري (660) والترمذي (239). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة فقال: (2262) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن خبيب بن عبد الرحمن) الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) بن عمر المدني (عن أبي سعيد الخدري أو) قال خبيب بن عبد الرحمن (عن أبي

هُرَيرَةَ)؛ أَنهُ قَال: قَال رَسُول الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيدِ الله. وَقَال: "وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتى يَعُودَ". (2263) (996) - (146) حدَّثنا زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقعقَاعِ، عَنْ أَبِي زرعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: أَتَى رَسُول اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ! أيُ الصدَقَةِ أعظَمُ؟ فَقَال: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيح ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة) رضي الله عنهما والشك من مالك فيما قاله خبيب (أنه) أي أن أبا سعيد أو أبا هريرة (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق مالك (بمثل حديث عبيد الله) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة مالك لعبيد الله في الرواية عن خبيب (و) لكن (قال) مالك في روايته لفظة: (ورجل معلق بالمسجد) بدل رواية عبيد الله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) مع زيادة لفظة: (إذا خرج منه حتى يعود). ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2263) (996) (146) (حدثنا زهير بن حرب) النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة الضبي الكوفي ثقة من (6) (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نسائي. (قال) أبو هريرة: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه قيل: يحتمل أن يكون أبا ذر لأنه ورد في مسند أحمد (أنه سأل أي الصدقة أفضل) وكذا عند الطبرني لكنه أجيب (جهد من مقل أو سر إلى الفقير) (فقال) الرجل: (يا رسول الله أي الصدقة أعظم) أي أكثر أجرأ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الصدقة (أن تصدق) بتخفيف الصاد وحذف إحدى التاءين أصله أن تتصدق وبتشديدها بإبدال إحدى التاءين صادًا وإدغامها في الصاد وهي في تأويل مصدر مرفوع على أنه خبر لمبتدإ محذوف كما قدرناه أي أعظمها تصدقك (وأنت صحيح) جملة اسمية حالية. والمراد بالصحيح في الحديث من لم يدخل في مرض مخوف فيتصدق عند انقطاع أمله من الحياة كما أشار إليه في آخره بقوله: (ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم).

شَحِيحٌ. تَخشَى الفَقْرَ وَتَأمُلُ الْغِنَى. وَلَا تُمهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلتَ: لِفُلانٍ كَذَا. وَلِفُلانٍ كَذَا. وَقَد كَانَ لِفُلانٍ كَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (شحيح) من الشح وهو البخل مع الحرص أي بخيل حريص حال كونك (تخشى الفقر وتأمل الغنى) بضم الميم أي تطمع الغنى لمجاهدة النفس حينئذ على إخراج المال مع قيام المانع وهو الشح إذ فيه دلالة على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة قال الخطابي: الشح أعم من البخل وكان الشح جنس والبخل نوع وأكثر ما يقال البخل في أفراد الأمور والشح عام كالوصف اللازم وما هو من قبل الطبع قال: فمعنى الحديث أن الشح غالب في حال الصحة فإذا سمع فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة ورأى مصير المال لغيره فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح ورجاء البقاء وخوف الفقر اهـ نواوي. وعبارة القرطبي هنا: والشح المنع مطلقًا يعم المال وغيره وهو من أوصاف النفس المذمومة ولذلك قال: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] والبخل بالمال فكأنه نوع من الشح قال معناه الخطابي. وقد دل على صحة هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والشح فإنه أهلك من قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالفجور ففجروا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا) رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمر أي شح النفس وهو منعها من القيام بالحقوق المالية وغيرها اهـ من المفهم. وقوله: (وتخشى الفقر) أي تقول في نفسك لا تتلف مالك كيلا تفسير فقيرًا فتحتاج إلى الناس. وقوله: (وتأمل الغنى) بضم الميم بمعنى تطمع وترجو أي وتقول اترك مالك في بيتك لتكون غنيًّا ويكون لك عز عند الناس بسبب غناك. (ولا تمهل) بالإسكان على أنه نهي وبالرفع على أنه نفي ويجوز النصب عطفًا على أن تصدق أي ولا تؤخر الصدقة (حتى إذا بلغت) الروح وقاربت (الحلقوم) بضم الحاء المهملة مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والشراب والمراد قاربت بلوغه إذ لو بلغت حقيقة لم يصح شيء من تصرفاته ولم يجر للروح ذكر استغناء بدلالة السياق (قلت لفلان كذا ولفلان كذا) كناية عن الموصى له والموصي به فيهما (وقد كان لفلان كذا) أي وقد

(2264) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرعَةَ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ؛ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، أي الصدَقَةِ أَعظَمُ أَجْرا؟ فَقَال: "أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبأنَّهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ صار ما أوصى به للوارث فيطلبه إن شاء إذا زاد على الثلث أو أوصى به لوارث آخر والمعنى: تصدق مالك في حال صحتك واختصاص بك لا في حال سقمك وسياق موتك لأن المال حينئذ خرج منك وتعلق بغيرك اهـ قسط. وفي الفتح: قال الخطابي: فلان الأول والثاني الموصى له وفلان الأخير الوارث اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 25 و 231) والبخاري (1419) وأبو داود (2865) والنسائي (8615) وابن ماجه (2706). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2264) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قال: حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (عن عمارة) بن قعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو البجلي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة غرضه بيان متابعة ابن فضيل لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن عمارة. (قال) أبو هريرة: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما وأبيك) أما بالتخفيف حرف تنبيه والواو في وأبيك للقسم لكنه جرى على اللسان كعادة العرب بلا قصد اليمين وإلا فالحلف بغير الله تعالى منهي عنه (لتنبأنه) بالبناء للمجهول من باب التفعيل جواب القسم والمعنى: أما وأبيك لتخبرن ما سألته لأنك سقطت على خبير اهـ ابن الملك. قال بعض المعلقين على حاشية السندي: ربما يتوهم من هذه اللفظة المباركة أنها كلمة قسم أقسم بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم يختلج في خاطره معارضة بقوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك) فتغلب عليه الحيرة وأنت ترى أن

أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيح شَحِيح. تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأمُلُ الْبَقَاءَ. وَلَا تُمهِل حَتى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا. وَلِفُلانٍ كَذَا. وَقَد كَانَ لِفُلان". (2265) (0) (0) حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدٍ. حَدَّثَنَا عمَارَةُ بْنُ الْقَعقَاعِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيرَ أنهُ قَال: أَي الصدَقَةِ أَفْضَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحلف لا يكون من الحالف عقلًا إلا بشيء معظم أو محبوب وهذه الكلمة لو فرضنا أنها حلف لكان صطى الله عليه وسلم قد حلف بكافر عدو لله فضلًا عن أن يكون محبوبًا له فضلًا عن أن يكون معظمًا فيشهد بذلك عقل عاقل لا والله فقد ثبت أن هذا ليس بحلف بل هو تعجب من حال الأعرابي والعرب كما يستعملون الواو في محاواراتهم في مقام القسم كذلك يستعملونها في مقام التعجب ولهذا في كلامهم نظائر كثيرة والله أعلم اهـ فتح الملهم. وقيل: إن النهي عن الحلف بالمخلوق في حق من يعظمه والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من تعظيم المخلوق فلا يمنع في حقه الحلف بالمخلوق. والمعنى: انتبه واستمع ما أقول لك والعجب لأبيك حيث أولدك وأنا أخبرك عن سؤالك وأقول أعظم الصدقة أجرًا وأكثرها ثوابًا (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء) أي الحياة (ولا تمهل حتى إذا بلغت) الروح (الحلقوم قلت): أوصيت (لفلان كذا) من مالي (ولفلان كذا وقد كان) ذلك المال (لفلان) بطريق الإرث. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2265) (0) (0) (حدثنا أبو كامل الجَحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عمارة بن القعقاع) الضبي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي زرعة عن أبي هريرة (نحو حديث جرير) بن عبد الحميد غرضه بيان متابعة عبد الواحد لجرير في الرواية عن عمارة (غير أنه) أي لكن أن عبد الواحد (قال) في روايته: (أي الصدقة أفضل) بدل قول جرير: أي الصدقة أعظم والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

(2266) (997) - (147) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتعَففَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَير مِنَ الْيَدِ السفْلى. وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ. وَالسفْلَى المسائِلَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2266) (997) (147) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نسائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر) النبوي (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يذكر) شؤون (الصدقة) وأجورها وهو تمليك المحتاج لوجه الله تعالى (و) يذكر فضائل (التعفف عن المسألة) أو عن مسألة الناس وهو متعلق بالتعفف ومعناه تعاطي العفة عن السؤال من الناس. وقال الأبي: التعفف كشف النفس عن الحرام وسؤال الناس والمعنى أنه كان يحض الغني على الصدقة والفقير على التعفف عن المسألة وجملة قوله: (وهو يذكر) حال من فاعل قال. وقوله: (اليد العليا) أي المعطية (خير من اليد السفلى) أي الآخذة مقول قال والمراد بالعلو علو الفضل ونيل الثواب ثم فسر النبي صلى الله عليه وسلم اليد العليا بالمنفقة والسفلى بالسائلة حيث قال: (واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة) وهو نص يرفع تعسف من تعسف في تأويله وهو تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لا من ابن عمر كما يصرح بذلك قول الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى حيث قال: وتفسير من فسر العليا بالآخذة باطل قطعًا من أوجه: أحدها: أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم بالمنفقة يدل على بطلانه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنها خير من اليد السفلى ومعلوم بالضرورة أن العطاء خير وأفضل من الأخذ فكيف تكون يد الآخذ أفضل من يد المعطي الثالث: أن يد المعطي أعلى من يد السائل حسًّا ومعنى وهذا معلوم بالضرورة الرابع أن العطاء صفة كمال دال على الغنى والكرم والإحسان والمجد والأخذ صفة نقص مصدره عن الفقر والحاجة فكيف تفضل يد المعطي وهذا عكس الفطرة والحس والشريعة والله أعلم اهـ ابن القيم.

(2267) (998) - (148) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ. قَال ابْنُ بَشارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ. قَال: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ؛ أَن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ (أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن ادعى أبو العباس الداني في أطراف الموطإ أن التفسير المذكور مدرج في الحديث ولم يذكر مستندًا لذلك ثم وجدت في كتاب العسكري في الصحابة بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اليد العليا خير من اليد السفلى) ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: (كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة) كذا في الفتح اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (2/ 67) والبخاري (1429) وأبو داود (1648) والنسائي (5/ 61). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنهم فقال: (2267) (998) (148) (حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري (جميعًا عن يحيى) بن سعيد (القطان) البصري (قال ابن بشار: حدثنا يحيى) بصيغة السماع (حدثنا عمرو بن عثمان) بن عبد الله بن موهب التيمي مولاهم أبو سعيد الكوفي ثقة من (6) (قال: سمعت موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبا عيسى المدني نزل الكوفة ثقة من (3) حالة كونه (يحدث أن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي أبا خالد المدني ابن أخي خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنهما الصحابي المشهور له (40) حديثًا ولد في جوف الكعبة وعمر وعاش في الجاهلية (60) وفي الإسلام (60). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد كوفي. (حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة) أي أكثرها أجرًا (أو)

خَيرُ الصَّدَقَةِ) عَنْ ظَهْرِ غِنًى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الصدقة) والشك من الراوي أو ممن دونه (عن ظهر غنى) قال ابن الملك: يعني أفضل الصدقة ما بقي بعدها غنى لصاحبها ليستظهر وششعين به على مصالحه وحوائجه لأن من لم يكن كذلك يندم غالبًا أو لفظ ظهر مقحم لتأكيد الكلام فإن قلت: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن أفضل الصدقة قال صلى الله عليه وسلم: (جهد المقل) يعني ما يتصدقه الفقير مع احتياجه إليه بجهد ومشقة فكيف الجمع بينهما (قلنا): الغنى في حديث حكيم أعم من أن يكون غنى النفس أو غنى المال وصدقة المقل إنما تكون خيرًا إذا كانت عن غنى النفس فيكون كلاهما خيرًا فلا معارضة بين الحديثين. وأجاب عنه الطيبي بأن الفضيلة تتفاوت بحسب تفاوت الأشخاص وقوة التوكل فلما كان أبو هريرة فقيرًا متوكلًا على الله وكان حكيم بن حزام وجيهًا في الجاهلية والإسلام أجاب كلًّا منهما بما يناسب حالهما وقيل: المراد بالغنى غنى الفقير الآخذ يعني أفضل الصدقة ما يتغنى به الفقير اهـ من المبارق. وقوله (عن ظهر غنى) قال الحافظ: معنى الحديث أن أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه ولمن تلزمه نفقته قال الخطابي: ولفظ الظهر يرد في مثل هذا إشباعًا للكلام والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية ولذلك قال بعده: (وابدأ بمن تعول). وقال البغوي: المراد غنى يستظهر به ويستعين على النوائب التي تنوبه ونحوه قولهم: (ركب متن السلامة) والتنكير في قوله: (غنىً) للتعظيم هذا هو المعتمد في معنى الحديث وقيل: المراد خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة وقيل: عن للسببية والظهر زائد أي خير الصدقة ما كان سببها غنى في المتصدق. قال النواوي: مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون ويكون هو ممن يصبر على الإضافة والفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه. وقال القرطبي في المفهم يرد على تأويل الخطابي بالآيات والأحاديث الواردة في فضل المؤثرين على أنفسهم ومنها حديث أبي ذر (أفضل الصدقة من مقل).

وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". (2268) (999) - (149) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو ـــــــــــــــــــــــــــــ والمختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجًا بعد صدقته إلى أحد فمعنى الغنى في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه وستر العورة والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى وما هذا سبيله فلا يجوز الإيثار به بل يحرم وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه والإضرار بها أو كشف عورته فمراعاة حقه أولى على كل حالى فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار وكانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمله من مضض الفقر وشدة مشقته فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء الله تعالى. قال القاري: المراد إما غنى مالي فضلًا عما أعطاه وإما غنى قلبي متكل على فضل مولاه ولهذا لما تصدق أبو بكر بجميع ماله قرره صلى الله عليه وسلم لما عرف من كمال حاله وأراد غيره من الصحابة ذلك فأمره بإمساك بعض ماله والله أعلم. (واليد العليا) أي المعطية (خير من السفلى) أي الآخذة (وابدأ) في الإنفاق والصرف (بمن تعول) وتمون أي بمن تنفقهم من العيال. قال الحافظ: قوله: (وابدأ بمن تعول) أي بمن يجب عليك نفقته يقال: عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وهو أمر بتقديم ما يجب على ما لا يجب وقال ابن المنذر: اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب فأوجبت طائفة النفقة لجميع الأولاد أطفالًا كانوا أو بالغين إناثًا وذكرانًا إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها وذهب الجمهور إلى أن الواجب أن ينفق عليهم حتى يبلغ الذكر أو تتزوج الأنثى ثم لا نفقة على الأب إلا إن كانوا زمنى فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1472) والنسائي (5/ 69). ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لحكيم بن حزام رضي الله تعالى عنهما فقال: (2268) (999) (149) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وعمرو) بن محمد

النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَسَعِيدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ؛ قَال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي. ثُمَّ قَال: "إِنَّ هذَا الْمَال خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ. فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الناقد) البغدادي (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني (وسعيد) بن المسيب بن حزن المخزومي المدني (عن حكيم بن حزام) القرشي المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة وراوية تابعي عن تابعي. (قال) حكيم بن حزام: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم) المال (فأعطاني) مرة (ثم سألته) ثانيًا (فأعطاني) ثانية (ثم سألته) ثالثًا (فأعطاني) ثالثة (ثم) بعد المرة الثالثة (قال) لي: (إن هذا المال) الدنيوي (خضرة) أي شهية في المنظر يميل إليه الطبع كما تميل العين إلى النظر إلى الخضرة وفي القرطبي أي روضة خضراء أو شجرة ناعمة غضة (حلوة) في المذاق مستحلاة الطعم تميل إليه النفس كما يميل الفم إلى أكل الحلو والتأنيث واقع على التشبيه أي إن هذا المال كبقلة أو كفاكهة خضرة حلوة أو التاء للمبالغة كما في تيسير المناوي وذكر الحديث في الجامع الصغير بالتذكير والتأنيث. قوله: (خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين. قال الحافظ: معناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة والعرب تسمي كل شيء مشرف ناضرًا أخضر والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم شبهه في الرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى اليابس والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى الحامض فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد وفيه إشارة إلى عدم بقائه لأن الخضراوات لا تبقى ولا تراد للبقاء. (فمن أخذه بطيب نفس) أي بسخاوتها وقلة حرصها وفي بعض الروايات (بسخاوة نفس) أي بغير شره ولا إلحاح أي من أخذه بغير سؤال وهذا بالنسبة إلى الآخذ ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي أي بسخاوة نفس المعطي وطيبها أي انشراحه بما يعطيه (بورك له فيه) أي في هذا المال أي انتفع به صاحبه في الدنيا بالتنمية وفي الآخرة بأجر

وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ. وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النفقة (ومن أخذه بإشراف نفس) أي بطمع نفس وحرصها عليه. قال العلماء: إشراف النفس تطلعها إليه وتعرضها له وطمعها فيه. (لم يبارك له فيه) أي لا ينتفع به صاحبه إذ لا يجد له لذة نفقته ولا ثواب صدقته بل يتعب بجمعه ويذم بمنعه ولا يصل إلى شيء من نفعه ولا شك في أن الحرص على الحياة الدنيا وعلى المال مذموم مفسد للدين كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) رواه أحمد والترمذي من حديث كعب بن مالك. (وكان) الذي يأخذه بحرص النفس وإشرافها (كالذي يأكل) الطعام (ولا يشبع) منه أي كان هذا السائل الآخذ الصدقة في هذه الصورة لما يسلط عليه من عدم البركة وكثرة الشره والنهمة كذي آفة يزداد سقمًا بالأكل وهو المعبر عنه بجوع البقر وفي معناه مرض الاستسقاء وقيل: إن التشبيه بالبهيمة الراعية وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده الحث على التعفف والقناعة والرضا بما تيسر في عفاف وإن كان قليلًا والإجمال في الكسب وأنه لا يغتر الإنسان بكثرة ما يحصل له بإشراف نفس ونحوه فإنه لا يبارك له فيه وهو قريب من قول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]. وقال ابن أبي جمرة: في حديث حكيم فوائد: منها: أنه قد يقع الزهد مع الأخذ فإن سخاوة النفس هو زهدها يقال: سخت بكذا أي جادت وسخت عن كذا أي لم تلتفت إليه ومنها أن الأخذ بسخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق فتبين أن الزهد يحصل خيري الدنيا والآخرة وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فتبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى وضرب لهم المثل بما يعهدون فالآكل إنما يأكل للشبع فإذا أكل ولم يشبع كان عناءً في حقه بغير فائدة وكذلك المال ليست الفائدة في عينه وإنما هي لما يتحصل به من المنافع فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا عند قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع لئلا يتخيل إليه أن ذلك سبب لمنعه من حاجته وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثًا وجواز المنع في الرابعة والله أعلم اهـ. وفي الحديث أيضًا أن سؤال الأعلى ليس بعار وأن رد السائل بعد ثلاث ليس

وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى". (2269) (100) - (150) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا شَدَّادٌ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا ابْنَ آدَمَ! إِنكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيرٌ لَكَ. وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمكروه وفي مسند إسحاق بن راهويه زيادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام دون ما أعطى أصحابه فقال حكيم: يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد من الناس فزاده ثم استزاده حتى رضي فذكر نحو الحديث) اهـ فتح الملهم. وقد مر شرح قوله: (واليد العليا خير من اليد السفلى). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 334) والنسائي (5/ 60 و 100). ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث أبي أمامة رضي الله عنهما فقال: (2269) (100) (150) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي وزهير بن حرب) النسائي (وعبد بن حميد) الكسي (قالوا: حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليمامي ثقة من (9) (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي صدوق من (5) (حدثنا شداد) بن عبد الله القرشي الأموي مولى معاوية أبو عمار الدمشقي ثقة من (4) (قال: سمعت أبا أمامة) صدي بن عجلان بن والبة الباهلي الشامي الصحابي المشهور. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم شاميان واثنان يماميان وواحد إما بصري وإما نسائي وإما كسي وفيه التحديث والسماع والمقارنة. (قال) أبو أمامة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل) وتعطيه للمحتاج بفتح همزة أن والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على أنه مبتدأ خبره قوله: (خير لك) والجملة الابتدائية في محل الرفع خبر إن والتقدير إنك بذلك الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك خير لك من إمساكه لبقاء ثوابه (وأن تمسكه) بفتح همزة أن والجملة في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء خبره (شر لك) أي وإمساكك الفاضل عن حاجتك وحاجتهم شر وضرر لك في الآخرة لأنه إن أمسكه عن الواجب استحق العقاب

وَلَا تُلامُ عَلَى كَفَافٍ. وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى". (2270) (1001) - (151) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَاب. أَخْبَرَنِي مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ. حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصُبِيِّ. قَال: سَمِعْتُ مُعَاويةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن أمسكه عن المندوب فقد نقص ثوابه وفوت مصلحة نفسه في آخرته وهذا كله شر. (ولا تلام) أي لا تعاتب ولا تؤاخذ ولا تذم (على) إمساك قدر (كفاف) بفتح الكاف أي قدر كفايتك لحاجتك وحاجة عيالك والكفاف من الرزق القوت سمي كفافًا لكفه عن سؤال الناس وإغنائه عنهم والمعنى أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه في حفظه وإمساكه وهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي كمن كان له نصاب زكوي ووجبت عليه الزكاة بشروطها وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه وجب عليه إخراج زكاته ويحصل كفايته من جهة مباحة كذا قال النواوي. (وابدأ) في الإنفاق (بمن تعول) وتنفق عليهم (واليد العليا خير من اليد السفلى). وقوله: (وابدأ بمن تعول) أي ابدأ في إعطاء الزائد على قدر الكفاف بمن تمونه ويلزمك نفقته والغرض أن العيال والقرابة أحق من الأجانب اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي (2344). ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فقال: (2270) (1001) (151) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب) بضم المهملة وبموحدتين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عكل بطن من تميم أبو الحسين الكوفي (أخبرني معاوية بن صالح) الحضرمي أبو عمرو الحمصي صدوق من (7) (حدثني ربيعة بن يزيد) الإيادي القصير أبو شعيب (الدمشقي) فقيه أهل دمشق مع مكحول ثقة من (4) (عن عبد الله بن عامر) بن زيد (اليحصبي) بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الصاد وفتحها بعدها موحدة نسبة إلى بني يحصب أبي عمران الدمشقي أحد القراء السبعة ثقة من (3) (قال: سمعت معاوية) بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي أبا عبد الرحمن الشامي الصحابي الخليفة رضي الله عنه.

يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَأَحَادِيثَ. إلا حَدِيثًا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ. فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يُخِيفُ النَّاسَ فِي اللهِ عَز وَجَل. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم شاميون واثنان كوفيان. حالة كون معاوية (يقول: إياكم) منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا (وأحاديث) معطوف على الضمير أي باعدوا أنفسكم عن رواية أحاديث عن رسول الله بغير تثبت لئلا تدخلوا في وعيد (من كذب علي متعمدًا فليتبوَّأ مقعده من النار). وفي بعض النسخ: (والأحاديث) ومراد معاوية النهي عن الإكثار من الأحاديث بغير تثبت فيها لما شاع في زمنه من التحدث عن أهل الكتاب وما وجد في كتبهم حين فتحت بلدانهم وأمرهم بالرجوع في الأحاديث إلى ما كان في زمن عمر بن الخطاب لضبطه الأمر وشدته فيه وخوف الناس من سطوته ومنعه الناس من المسارعة إلى الأحاديث وطلبه الشهادة على ذلك حتى استقرت الأحاديث واشتهرت السنن اهـ فتح الملهم. (إلا حديثًا كان) مشهورًا (في عهد عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فإن عمر كان يخيف) من أخاف الرباعي أي يخوف (الناس) بدرته (في) حقوق (الله عزَّ وجلَّ) وأمور دينه لئلا يدخله التحريف والتبديل ثم قال معاوية: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من يرد الله به خيرًا) كاملًا وهو الإيمان مع الفقه لأن التنوين يدل على الكمال (يفقهه) أي يصيره فقيهًا عالمًا (في) أحكام (الدين) المحمدي ويفهمه فيها وهو بسكون الهاء لام الكلمة لأنه جواب الشرط يقال فقُه بالضم إذا صار الفقه سجية له وفقَه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقِه بالكسر إذا فهم. قال العيني: (يفقهه) أي يجعله فقيهًا في الدين والفقه لغة الفهم وعرفًا العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية بالاستدلال ولكن لا يناسب هنا إلا المعنى اللغوي ليتناول فهم كل علم من علوم الدين ونكر خيرًا على أن التنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه أي خيرًا عظيمًا وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم. (و) قاله معاوية أيضًا: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما أنا خازن)

فَمَنْ أَعْطَيتُهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ. وَمَنْ أَعْطَيتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَشَرَهٍ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ". (2271) (1002) - (152) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ هَمَّامٍ، عَنْ مُعَاوَيةَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي حافظ على ما عندي من خزائن رزق الله قاسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره والإنسان مصرف مربوب (فمن أعطيته عن طيب نفس) أي بطيب نفس أي بسخاوة نفس منه أي بغير شره ولا إلحاح أي بغير سؤال ولا حرص منه (فيبارك) أي فهو يبارك (له فيه) أي فيما أعطيته فينتفع به في الدنيا والآخرة (ومن أعطيته عن مسألة) أي بسؤال منه (وشره) أي حرص منه وفي المصباح: الشره أشد الحرص (كان كالذي يأكل ولا يشبع) لمرض في معدته يسمى جوع البقر كما مر. قال النووي: غرضه النهي عن السؤال وهو موضع الترجمة من الحديث واتفق العلماء عليه إذا لم تكن ضرورة واختلف أصحابنا في مسئلة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما: أنها حرام لظاهر الأحاديث والثاني: حلال مع الكراهة بثلاثة شروط أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق والله أعلم اهـ منه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث معاوية بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه فقال: (2271) (1002) (152) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمَحي المكي (عن وهب بن منبه) بن كامل اليماني أبي عبد الله الصنعاني ثقة من (3) (عن أخيه همام) بن منبه بن كامل اليماني أبي عقبة الصنعاني ثقة من (4) (عن معاوية) بن أبي سفيان القرشي الشامي وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان واثنان كوفيان وواحد شامي وواحد مكي وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض (قال) معاوية: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلحفوا) أي لا تبالغوا ولا تلحوا (في المسألة) أي في سؤال الناس أموالهم.

فَوَاللهِ! لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيئًا، فَتُخْرِجُ لَهُ مَسْألتُهُ مِنِّي شَيئًا، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيتُهُ". (2272) (0) (0) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: هكذا هو في بعض الأصول: (في المسألة) وفي بعضها: (بالمسألة) بالباء وكلاهما صحيح والمسألة مصدر بمعنى السؤال والإلحاف هو الإلحاح من ألحف في المسألة إذا ألح وبالغ فيها واشتقاق ألحف من اللحاف لأنه يشتمل على وجوه الطلب كاشتمال اللحاف في التغطية وقيل: معنى الإلحاف في المسألة مأخوذ من قولهم: ألحف الرجل إذا مشى في لحف الجبل وهو أصله كأنه استعمل الخشونة في الطلب اهـ فتح الملهم. (فوالله) أي فقد أقسمت لكم بالإله الذي لا إله غيره (لا يسألني أحد منكم) بالإلحاف (شيئًا) من هذا المال (فتخرج) بالتأنيث والتذكير منصوبًا ومرفوعًا والنسبة مجازية سببية في الإخراج اهـ ملا علي، أي فتخرج (له) أي لأحدكم (مسألته) أي سؤاله (مني) أي من يدي (شيئًا) من المال (وأنا له كاره) جملة حالية والضمير المجرور لذلك الشيء يعني كاره لإعطائه أو لذلك الإخراج الدال عليه تخرج (فيبارك له) بالبناء للمجهول وبالنصب في جواب النفي والنفي وارد عليه في المعنى يعني لا يبارك له (فيما أعطيته) على تقدير الإلحاف في المسألة كما يقال ما تأتينا فتحدثنا معناه نفي التحدث على تقدير عدم الإتيان اهـ ابن الملك. والمعنى: إن لم يكن إتيانك إيانا فتحديثك إيانا وقال الطيبي: نصبه على معنى الجمعية أي لا يجتمع إعطائي كارها مع البركة وفي نسخة بالرفع فيقدر هو كقوله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] اهـ ملا علي. قال الغزالي رحمه الله: من أخذ شيئًا مع العلم بأن باعث المعطي الحياء منه أو من الحاضرين ولولا ذلك لما أعطاه فهو حرام إجماعًا ويلزمه رده أورد بدله إليه أو إلى ورثته اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 98) والنسائي (5/ 97 - 98)، ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: (2272) (0) (0) (حدثنا) محمد (بن أبي عمر المكي) العدني الأصل (حدثنا

سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ (وَدَخَلْتُ عَلَيهِ فِي دَارِهِ بِصَنْعَاءَ فَأَطْعَمَنِي مِنْ جَوْزَةٍ فِي دَارِهِ) عَنْ أَخِيهِ. قَال: سَمِعْتُ مُعَاويةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. (2273) (1003) - (153) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ قَال: سَمِعْتُ مُعَاويَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقهْهُ فِي الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار) قال عمرو: (حدثني وهب بن منبه و) الحال أني (دخلت عليه) أي على وهب (في داره بصنعاء) اليمن (فأطعمني) وهب (من جوزة في داره) أي أطعمني حبة من ثمر شجرة يسمى ثمرها الجوز نابت في فناء داره والجوز ثمر معروف وشجر الجوز كثير بأرض العرب من بلاد اليمن ذكر ذلك إشعارًا بتثبته في الحديث أي حدثني وهب بن منبه (عن أخيه) همام بن منبه (قال) أخوه همام: (سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) هذا الحديث السابق (فذكر) ابن أبي عمر (مثله) أي مثل ما حدثني محمد بن نمير. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي عمر لمحمد بن نمير. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث معاوية الأول بحديث آخر لمعاوية أيضًا فقال: (2273) (1003) (153) (وحدثني حرملة بن بحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (قال) ابن شهاب: (حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (قال) حميد: (سمعت معاوية بن أبي سفيان) الأموي الشامي رضي الله تعالى عنه (وهو) أي والحال أن معاوية (يخطب) أي يعظ الناس ويذكرهم وجملة (يقول) بدل من جملة يخطب: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول). وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد شامي وواحد أيلي. (من يرد الله به خيرًا) كاملًا (يفقهه) أي يصيره فقيهًا (في) أحكام (الدين) الإسلامي

وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإنما أنا قاسم) بينكم أي أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به (ويعطي الله) سبحانه وتعالى ما شاء لمن شاء ولست أنا معطيًا ولا مانعًا فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره فهو المانع والمعطي فغيره مجبور مأمور. وقال التوربشتي: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم أصحابه أنه لم يفضل في قسمة ما أوحى الله إليه أحدًا من أمته بل سوى في البلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء ولقد كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم أو ممن بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده. وقال الشيخ قطب الدين في شرحه: (إنما أنا قاسم) يعني أنه لم يستأثر بشيء من مال الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس وهو مردود عليكم) صيانما قال أنا قاسم تطييبًا لنفوسهم لمفاضلته في العطاء فالمال لله والعباد لله وأنا قاسم بإذن الله ماله بين عباده. (قلت): بين الكلامين بون لأن الكلام الأول يشعر بأن القسمة في تبليغ الوحي وبيان الشريعة وهذا الكلام صريح في قسمة المال ولكل منهما وجه كذا في عمدة القاري. ويؤيد المعنى الثاني ما مر في الطريق الأول: (ومن أعطيته عن مسئلة وشره) إلخ والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي بعض الهوامش قوله (من يرد الله به خيرًا) تنكيره للتفخيم (يفقهه في الدين) أي يجعله عالمًا بالأحكام الشرعية ذا بصيرة فيها بحيث يستخرج المعاني الكثيرة من الألفاظ القليلة اهـ مبارق. وفي تيسير المناوي: (من يرد الله به خيرًا) أي عظيمًا كثيرًا (يفقهه في الدين) أي يفهمه أسرار أمر الشارع ونهيه بنور رباني قوله: (إنما أنا قاسم) أي أقسم بينكم تبليغ الوحي من غير تخصيص (والله يعطي) كل واحد منكم من الفهم على قدر ما تعلقت به إرادة الله تعالى فالتفاوت في أفهامكم منه سبحانه وتعالى كذا في القسطلاني في كتاب العلم من صحيح البخاري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في العلم وفي الاعتصام وفي الخمس اهـ من تحفة الأشراف. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة. والخامس: حديث حكيم بن حزام ذكره استشهادًا لحديث ابن عمر. والسادس: حديث حكيم بن حزام الثاني ذكره أيضًا استشهادًا لحديث ابن عمر. والسابع: حديث أبي أمامة ذكره أيضًا استشهادًا لحديث ابن عمر. والثامن: حديث معاوية الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. والتاسع: حديث معاوية الثاني ذكره استشهادًا لحديثه الأول. والعاشر: حديث معاوية الثالث ذكره أيضًا استشهادًا لحديثه الأول والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

430 - (48) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس وبيان من تحل له المسألة

430 - (48) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس وبيان من تحل له المسألة (2274) (1004) - (154) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَمِيَّ) عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ الْمِسْكِينُ بِهذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ. فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ. وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 430 - (48) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس وبيان من تحل له المسألة (2274) (1004) (154) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (يعني الحزامي) بكسر الحاء وبالزاي المدني ثقة من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني ثقة من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المسكين) الكامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها (بهذا الطواف) أي الجوال (الذي يطوف) ويجول (على) أبواب (الناس) ويدور على مجالسهم لطلب المال (فترده) من الطواف على أبواب الناس وترجعه إلى منزله (اللقمة واللقمتان) أي وجدان اللقمة واللقمتين (والتمرة والتمرتان) أي وجدانها أي ليس المسكين الكامل من يتردد على الأبواب ويأخذ لقمة أو لقمتين فإن من شأنه هذا ليس بمسكين لأنه يقدر على تحصيل قوته فلا يعد مسكينًا والمراد ذم من هذا فعله إذا لم يكن مضطرًا والمسكين مفعيل من السكون فكأنه من عدم المال سكنت حركاته ووجوه مكاسبه ولذلك قال تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أي لاصقًا بالتراب وعند الأصمعي أنه أسوأ حالًا من الفقير وعند غيره عكس ذلك وقيل: هما لمسمى واحد اهـ مفهم.

قَالُوا: فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ. وَلَا يُفْطَنُ لَهُ، فَيُتَصَدَّقَ عَلَيهِ. وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشافعي: الفقير الذي لا حرفة له أو له حرفة لا تقع من حاجته موقعًا والمسكين من له حرفة تقع من حاجته موقعًا ولا تكفيه وعياله. (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم: (فما المسكين يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابهم المسكين الكامل الذي هو الأحق باسم المسكنة هو: (الذي لا يجد غنىً يغنيه) أي مالًا يغنيه عن سؤال الناس أي الذي لا يجد شيئًا أو مالًا يغنيه عن غيره ويكفيه مؤنته ومؤنة عياله (ولا يفطن له) أي لا يعرف بمسكنته (فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئًا) من المال أو من السؤال أي الأحق باسم المسكين هذا الذي لا يجد غنىً ولا يتصدق عليه وهذا كقوله: (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) ومثل هذا كثير اهـ من المفهم. قال الحافظ رحمه الله: قوله: (لا يجد غنى يغنيه) فيه دلالة لمن يقول إن الفقير أسوأ حالًا من المسكين وأن المسكين هو الذي له شيء لكنه لا يكفيه والفقير الذي لا شيء له أصلًا ويؤيده قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها وهذا قول الشافعي رحمه الله تعالى وجمهور أهل الحديث والفقه وعكس آخرون فقالوا المسكين أسوأ حالًا من الفقير وقال آخرون: هما سواء وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال والأول هو الأصح وهو المذهب اهـ فتح الملهم. وقوله: (ولا يفطن له) بصيغة المجهول أي لا يعلم باحتياجه (فيتصدق عليه) بالرفع والنصب مجهولًا (ولا يسأل الناس شيئًا) بل يخفي حال نفسه وفيه أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال وحسن الإرشاد لوضع الصدقة وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 260 و 469) والبخاري (1476) وأبو داود (1631) والنسائي (5/ 84 - 85). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

(2275) (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ. وَلَا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ. إِنمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ. اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]. (2276) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (2275) (0) (0) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي (وقتيبة بن سعيد) البلخي (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8) (أخبرني شريك) بن عبد الله بن أبي نمر أبو عبد الله المدني صدوق من (5) (عن عطاء بن يسار) الهلالي (مولى ميمونة) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي غرضه بسوقه بيان متابعة عطاء بن يسار لعبد الرحمن الأعرج (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المسكين) أي الكامل المسكنة (بالذي ترده التمرة والتمرتان ولا) بالذي ترده (اللقمة ولا اللقمتان إنما المسكين) الكامل المسكنة هو (المتعفف) أي الذي يعف نفسه عن مسألة الناس (اقرووا إن شئتم) أيها الأصحاب مصداق ذلك قوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]. روى أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه مرفوعًا: (من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف) وفي رواية ابن خزيمة (فهو ملحف) والأوقية أربعون درهمًا ولأحمد من حديث عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد رفعه: (من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافًا) ولأحمد والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: (من سأل وله أربعون درهمًا فهو ملحف). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (2276) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي ثقة من (11) (حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي

مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ. أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ. (2277) (1005) - (155) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ مريم) الجمحي مولاهم أبو محمد المصري ثقة من كبار (10) (أخبرنا محمد بن جعفر) ابن أبي كثير الزرقي المدني أخو إسماعيل السابق ثقة من (7) (أخبرني شريك) بن عبد الله بن أبي نمر المدني (أخبرني عطاء بن يسار) الهلالي المدني (وعبد الرحمن بن أبي عمرة) الأنصاري النجاري المدني قال ابن سعد: ثقة وقال في التقريب: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة (أنهما سمعا أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث السابق وساق محمد بن جعفر (بمثل حديث) أخيه (إسماعيل) بن جعفر. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن جعفر لإسماعيل بن جعفر في الرواية عن شريك بن عبد الله. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (2277) (1005) (155) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي بالمهملة أبو محمد البصري ثقة من (8) (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري ثقة من (7) (عن عبد الله بن مسلم) بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة الزهري أبي محمد المدني (أخي الزهري) الإمام روى عن حمزة بن عبد الله بن عمر في الزكاة وأخيه الزهري في النكاح وأنس ويروي عنه (م د ت س) ومعمر وبكير بن الأشج وغيرهم قال ابن معين: ثقة وقال النسائي: ثقة ثبت وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات قبل أخيه. (عن حمزة بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثقة من (3) (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتى يَلْقَى اللهَ، وَلَيسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي وواحد كوفي. (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال المسألة) أي سؤال المال للناس مذلة (بأحدكم) قائمة به (حتى يلقى الله) سبحانه وتعالى يوم القيامة (و) الحال أنه (ليس في وجهه مزعة لحم) بضم الميم مع سكون الزاي بعدها عين مهملة أي قطعة يسيرة من اللحم. قال القرطبي: يقال: مزعت المرأة الصوف إذا قطعته لتهيئه للغزل وتمزع أنفه أي تشقق وهذا كما قيل في الحديث الآخر (المسألة كدوح أو خدوش يخدش بها الرجل وجهه يوم القيامة) رواه أبو داود والنسائي والترمذي من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. وهذا محمول على كل من سال سؤالًا لا يجوز له وخص الوجه بهذا النوع لأن الجناية وقعت به إذ قد بذل من وجهه ما أمر بصونه عنه وتصرف به في غير ما سوغ له اهـ من المفهم. وقال الطيبي: أي يأتي يوم القيامة لا جاه له ولا قدر من قولهم: لفلان وجه في الناس أي قدر ومنزلة أو يأتي فيه ليس على وجهه لحم أصلًا إما عقوبة له وإما إعلامًا بعمله اهـ. وذلك بأن يكون علامة له يعرفه الناس بتلك العلامة أنه كان يسأل الناس في الدنيا فيكون تفضيحًا له وتشهيرًا لمآله وإذلالًا له كما أذل نفسه في الدنيا وأراق ماء وجهه بالسؤال. ومن دعاء الإمام أحمد اللهم كما صنت وجهي عن سجود غيرك فصن وجهي عن مسئلة غيرك. قال الحافظ: والأول صرف الحديث عن ظاهره وقد يؤيده ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعًا إلا يزال العبد يسال وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه). قال ابن أبي جمرة: معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء لأن حسن الوجه بما فيه من اللحم ومال المهلب إلى حمله على ظاهره وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره قال: والمراد به من

(2278) (0) (0) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَخِي الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ "مُزْعَةُ". (2279) (0) (0) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي اللَّيثُ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ سأل تكثرًا أو هو غني لا تحل له الصدقة وأما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري (1474) والنسائي (5/ 94). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2278) (0) (0) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثني إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية ثقة من (8) (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن) عبد الله بن مسلم (أخي الزهري) وقوله: (بهذا الإسناد) يعني عن حمزة عن أبيه متعلق بحدثني إسماعيل وكذا قوله: (مثله) مفعول ثان له والضمير عائد لعبد الأعلى والمعنى: حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن معمر بهذا الإسناد مثله أي مثل ما حدث عبد الأعلى عن معمر (و) لكن (لم يذكر) إسماعيل لفظة (مزعة) بالرفع على الحكاية يعني أنه لم يقل في روايته: (وليس في وجهه مزعة لحم) بل قال: (وليس في وجهه لحم) وهذا استثناء من المماثلة فغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل لعبد الأعلى بن عبد الأعلى. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2279) (0) (0) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني الليث) بن سعد المصري (عن عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني مولاهم أبي بكر المصري ثقة من (5) (عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع أباه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون وواحد مكي وواحد مدني غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله بن أبي

"مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ". (2285) (1006) - (156) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا. فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر لعبد الله بن مسلم الزهري في رواية هذا الحديث عن حمزة بن عبد الله: (ما يزال الرجل) منكم وكذا المرأة (يسأل الناس) لغير ضرورة (حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) وكرر المتن هنا لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم: فقال: (2280) (1006) (156) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (وواصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي الكوفي ثقة من (10) كلاهما (قالا: حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة من (6) (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس أموالهم تكثرًا) أي تجمعًا للمال- الكثير وهو مفعول لأجله أي سأل المال ليكثر ماله لا للاحتياج إليه اهـ ابن الملك. (فإنما يسأل جمرًا) أي شعلة وقطعة من نار جهنم يعني أن ما أخذ سبب للعقاب بالنار وجعله جمرًا للمبالغة في التهديد فهذا كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] أي ما يوجب نارًا في العقبى وعارًا في الدنيا ويجوز أن يكون جمرًا حقيقة يعذب به كما ثبت لمانعي الزكاة (فليستقل أو ليستكثر) أي ليطلب منه قليلًا إن شاء أو كثيرًا منه ولينظر عاقبة أمره. قال القرطبي: هو أمر على جهة التهديد أو على جهة الإخبار عن مآل حاله والمعنى فإنه يعاقب على القليل من ذلك وعلى الكثير اهـ مفهم.

(2281) (1007) (157) حدّثني هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا أبُو الأَحْوَصِ، عَنْ بَيَانِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ النَّاسِ، خَيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْألَ رَجُلًا، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذلِكَ. فَإِن الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السندي: والأمر فيه للتهديد أو للتوبيخ نظير قوله تعالى: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] والمعنى سواء عليه استكثر منه أو استقل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 231) وابن ماجه (1838). ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهم فقال: (2281) (1007) (157) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي ثقة من (10) (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة من (7) (عن بيان) بن بشر الأحمسي (أبي بشر) الكوفي المعلم ثقة من (5) (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث بن عوف الأحمسي أبي عبد الله الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة. (قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لأن يغدو) أي لأن يبكر ويذهب (أحدكم) صباحًا إلى المحتطب وهو في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء مقرون بلام الابتداء أو للقسم بدليل الرواية الآتية (فيحطب) بكسر الطاء من باب ضرب أي فيجمع الحطب ويحمله (على ظهره) فيدخل به السوق فيبيعه (فيتصدق به) أي ببعض ثمنه (ويستغني به) أي ببعض ثمنه الآخر في مؤنته ومؤنة عياله (عن) مسئلة (الناس). وقوله: (خير له) خبر المبتدإ (من أن يسأل رجلًا) سواء (أعطاه) ذلك الرجل مسؤوله (أو منعه ذلك) المسؤول يعني يستوي الأمران في أنه خير له منه وقوله (ذلك) إشارة إلى ما يسأله وهو مفعول ثان للفعلين على سبيل التنازع ثم علل الخيرية بقوله: (فإن اليد العليا) أي المعطية (أفضل) أي خير (من البد السفلى) أي من الآخذة (وابدأ) في إنفاق ما حصلته (بمن تعول) أي بمن تمونهم وتنفقهم من نفسك وعيالك ثم تتصدق بما بقى منهم ففيه الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرأ نفسه في

(2282) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك ولولا قبح المسئلة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها وذلك لما يدخل على السائل من ذم السؤال ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل. وأما قوله: (خير له) فليست المفاضلة على بابها إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الاكتساب ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل وتسميته الذي يعطاه خيرًا وهو في الحقيقة شر والله أعلم. وقال السندي: (قوله خير من أن يسأل رجلًا) أي لو فرض في السؤال خير لكان هذا خيرًا منه وإلا فمعلوم أنه لا خيرية في السؤال. قال الحافظ: ومن المواضع التي وقع فيها التردد من لا شيء له فالأولى في حقه أن يكتسب للصون عن ذل السؤال أو يترك وينتظر ما يفتح عليه بغير مسئلة فصح عن أحمد مع ما اشتهر من زهده وورعه أنه قال لمن سأله عن ذلك: الزم السوق وقال لآخر: استغن عن الناس فلم أر مثل الغنى عنهم وقال: ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله وأن يعودوا أنفسهم التكسب ومن قال بترك التكسب فهو أحمق يريد تعطيل الدنيا نقله عنه أبو بكر المروزي وقال: أجرة التعليم والتعلم أحب إيئَ من الجلوس لانتظار ما في أيدي الناس وقال أيضًا: من جلس ولم يحترف دعته نفسه إلى ما في أيدي الناس وأسند عن عمر رضي الله عنه: كسب فيه بعض الشيء خير من الحاجة إلى الناس وأسند عن سعيد بن المسيب أنه قال عند موته وترك مالًا: اللهم إنك تعلم أني لم أجمعه إلا لأصون به ديني وعن سفيان الثوري وعن أبي سليمان الداراني ونحوهما من السلف نحوه بل نقله البربهاري عن الصحابة والتابعين وأنه لا يحفظ عن أحد منهم أنه ترك تعاطي الرزق مقتصرًا على ما يفتح عليه اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 475) والترمذي (680). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (2282) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي

حَدَّثَنِي قَيسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. قَال: أَتَينَا أَبَا هُرَيرَةَ، فَقَال: قَال النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَاللهِ! لأن يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهُ". ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بَيَانٍ. (2283) (0) (0) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لأن يَحْتَزِمَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحمسي أبي عبد الله الكوفي ثقة من (4) (حَدَّثَنِي قيس بن أبي حازم) الأحمسي الكوفي ثقة من (2) (قال أتينا أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أبي خالد لبيان بن بشر في رواية هذا الحديث عن قيس بن أبي حازم. (فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لأن يغدو) ويبكر (أحدكم) إلى المحتطب (فيحطب) أي فيحمل الحطب (على ظهره فيبيعه ثم ذكر) إسماعيل (بمثل حديث بيان). ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2283) (0) (0) (حدثني أبو الطاهر) المصري (ويونس بن عبد الأعلى) الصدفي المصري (قالا: حدثنا ابن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) المصري (عن ابن شهاب) المدني (عن أبي عبيد) سعد بن عبيد (مولى عبد الرحمن بن عوف) ويقال: مولى عبد الرحمن بن أزهر الزهري المدني ثقة من (2) روى عنه في (4) أبواب (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان والله: (لأن يحتزم) أي لأن يحتطب (أحدكم حزمة) أي مجموعة (من حطب). قال ابن الملك: الحزمة قدر ما يحمل بين العضدين والصدر ويستعمل فيما يحمل على الظهر من الحطب. قال النواوي: فيه الحث على الصدقة والأكل من عمل يده والاكتساب بالمباحات

فَيَحْمِلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، خَيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا، يُعْطِيهِ أَوْ يَمْنَعُهُ". (2284) (1008) - (158) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ (قَال سَلَمَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَال الدَّارِمِيُّ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ الدِّمَشْقِيُّ) حَدَّثَنَا سَعِيدٌ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمِ الْخَوْلانِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ كالحطب والحشيش النابتين في موات (فيحملها على ظهره فيبيعها) في السوق وينفق ثمنها في مؤنته ومؤنة عياله ويتصدق الفاضل منها (خير له من أن يسال رجلًا) سواء كان (يعطيه) لما فيه حينئذ من ذل السؤال والمن (أو) كان (يمنعه) لما فيه من ذل السؤال والرد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: (2284) (1008) (158) (حدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (وسلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (4) أبواب (قال سلمة: حدثنا وقال الدارمي: أخبرنا مروان وهو ابن محمد) بن حسان الأسدي أبو بكر (الدمشقي) ثقة من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سعيد وهو ابن عبد العزيز) التنوخي أبو محمد الدمشقي الفقيه ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن ربيعة بن يزيد) الإيادي القصير أبي شعيب الدمشقي فقيه أهل دمشق ثقة من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي إدريس) عائذ الله بن عبد الله بن عمرو (الخولاني) العوذي الشامي ثقة من (2) روى عنه في (8) أبواب. (عن أبي مسلم) عبد الله بن ثوب بضم المثلثة وفتح الواو بعدها موحدة وقيل: ابن أثوب بوزن أحمر وقيل: أبو ثواب وقيل: ابن عوف وقيل: غير ذلك اليماني (الخولاني) الشامي مشهور بالزهد والكرامات الظاهرة والمحاسن الباهرة أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وألقاه الأسود العنسي في النار فلم يحترق فتركه فجاء مهاجرًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق فجاء إلى المدينة فلقي أبا بكر وعمر وغيرهما من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين روى عن

قَال: حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الأَمِينُ. أَمَّا هُوَ فَحَبِيبٌ إِلَيَّ. وَأَمَّا هُوَ عِنْدِي، فَأَمِينٌ. عَوْفُ بْنُ مَالِكِ الأَشْجَعِيُّ. قَال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً. فَقَال: "أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ " وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيعَةٍ. فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ! ثُمَّ قَال: "أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ " فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ! ثُمَّ قَال: "أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ " قَال: فَبَسَطْنَا أَيدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَعَلامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عوف بن مالك الأشجعي في الزكاة وعمر ومعاذ وعبادة بن الصامت وأبي عبيدة بن الجراح ويروي عنه (م عم) وأبو إدريس الخولاني وشرحبيل بن مسلم الخولاني وجبير بن نفير وغيرهم وثقه ابن سعد وابن معين وقال العجلي: شامي تابعي ثقة من كبار التابعين ثقة مخضرم من الثانية. (قال) أبو مسلم: (حدثني الحبيب الأمين أما هو) أي أما الذي حدثني (ف) هو (حبيب إليَّ) أي عندي (وأما هو عندي فأمين) على ما يحدث. وقوله: (عوف بن مالك) بدل من الحبيب الأمين أو عطف بيان منه (الأشجعي) الغطفاني الصحابي المشهور من مسلمة الفتح أبو حماد الدمشقي. وهذا السند من سباعياته رجاله ستة منهم شاميون وواحد إما سمرقندي أو نيسابوري. (قال) عوف بن مالك: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة) أنفار (أو ثمانية أو سبعة) وأو للشك أو للإضراب (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تبايعون) أيها الأنفار (رسول الله) صلى الله عليه وسلم على الإسلام ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة وكان مقتضى الظاهر: ألا تبايعوني (وكنا حديث عهد) وزمن (ببيعة) معه صلى الله عليه وسلم (فقلنا) له: (قد بايعناك يا رسول الله) من قبل (ثم قال) مرة ثانية: (ألا تبايعون رسول الله فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله ثم قال) مرة ثالثة: (ألا تبايعون رسول الله قال) عوف بن مالك: (فبسطنا) أي مددنا (أيدينا) إليه صلى الله عليه وسلم (وقلنا) له: (قد بايعناك) أولًا (يا رسول الله) على الإسلام (فعلام) بحذف ألف ما الاستفهامية لدخول حرف الجر عليها فرقًا بينها وبين ما الموصولة نظير عم يتساءلون أي فعلى أي شيء

نُبَايِعُكَ؟ قَال: "عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا. وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَأَنْ تُطِيعُوا (وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً) وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيئًا" فَلَقَدْ رَأَيتُ بَعْضَ أُولئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ. فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاولُهُ إِيَّاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (نبايعك) الآن (قال) تبايعوني: (على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و) على أداء (الصلوات الخمس و) على (أن تطيعو) في فيما أمرت ونهيت وفي رواية أبي داود: (وتسمعوا وتطيعوا) قال عوف بن مالك: (وأسر) النبي صلى الله عليه وسلم أي أخفى منا ولم يجهر (كلمة خفية) لم نسمعها لعدم تعلق تكليف بها (و) على أن (لا تسألوا الناس شيئًا) أي من السؤال أو من الأشياء اهـ عون. وهذا موضع الترجمة من الحديث قال عوف بن مالك أيضًا: (فـ) وَالله (لقد رأيت بعض أولئك النفر) الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على أن لا يسألوا الناس شيئًا (يسقط سوط أحدهم) من يده وهو راكب على دابته (فما يسأل أحدًا) من الناس (يناوله إياه) أي ذلك السوط. قال النواوي: فيه التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالًا وإن كان حقيرًا والله أعلم. وفي المشكاة عن أبي ذر قال (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشترط على أن لا تسأل الناس شيئًا قلت: نعم قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه) رواه أحمد. قال القرطبي: وأخذه صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة أن لا يسألوا أحدًا شيئًا حمل لهم على مكارم الأخلاق والترفع عن تحمل منن الخلق وتعليم الصبر على مضض الحاجات والاستغناء عن الناس وعزة النفوس ولما أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء وفي كل الأحوال حتى فيما لا تلحق فيه منة طردًا للباب وحسمًا للذرائع اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 27) وأبو داود (1642) والنسائي (1/ 229) وابن ماجه (2867). ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث قبيصة بن مخارق رضي الله عنه فقال:

(2285) (1009) - (159) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ. حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيمٍ الْعَدَويُّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلالِيِّ. قَال: تَحَمَّلْتُ حَمَالةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (2285) (1009) (159) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (كلاهما عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد عن هارون بن رياب) بكسر الراء المهملة وتحتانية مخففة وباء موحدة التميمي الأسيدي بضم الهمزة وكسر التحتانية المشددة أبي بكر البصري من بني كاهل بن نمير بن أسيد بن عمرو بن تميم روى عن كنانة بن نعيم في الزكاة وأنس وابن المسيب والأحنف بن قيس ويروي عنه (م د س) وحماد بن زيد وأيوب والأوزاعي وحماد بن سلمة وغيرهم قال النسائي: ثقة وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث وقال يعقوب بن سفيان: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات له في (م) فرد حديث في الزكاة وقال في التقريب: ثقة عابد من السادسة. (حدثني كنانة بن نعيم العدوي) أبو بكر البصري روى عن قبيصة بن مخارق في الزكاة وأبي برزة الأسلمي في الفضائل ويروي عنه (م دس) وهارون بن رياب وغيرهم قال ابن سعد: كان معروفًا ثقة وقال العجلي: تابعي بصري ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الرابعة. (عن قبيصة بن مخارق) بضم الميم وتخفيف المعجمة بن عبد الله بن شداد العامري (الهلالي) البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد إما نيسابوري أو بلخي. (قال) قبيصة: (تحملت حمالةً) بفتح الحاء وتخفيف الميم أي استدنت دينًا والتزمته والحمالة بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم هي المال الذي يتحمله الإنسان أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين كالإصلاح بين قبيلتين ونحو ذلك وإنما تحل له المسألة ويعطى من الزكاة بشرط أن يستدين لغير معصية اهـ نووي. وفي نهاية ابن الأثير: الحمالة بالفتح ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة

فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا. فَقَال: "أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ. فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا". قَال: ثُمَّ قَال: "يَا قَبِيصَةُ! إِن الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلا لأحَدِ ثَلاثَةٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل أن يقع حرب بين فريقين يسفك فيهما الدماء فيدخل بينهم رجل يتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين والتحمل أن يحملها عنهم على نفسه اهـ والعرب كانوا يعدون ذلك شرفًا. قال القرطبي: (قوله: تحملت حمالة) أي ألزمتها نفسي والحمالة ما لزم الإنسان تحمله من غرم أو دية وكانت الرب إذا وقعت بينهم ثائرة اقتضت غرمًا في دية أو غيرها قام أحدهم فتبرع بالتزام ذلك والقيام به حتى ترتفع تلك الثائرة ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق ولا يصدر مثله إلا عن سادات الناس وخيارهم وكانت الرب لكرمها إذا علمت بأن أحدًا تحمل حمالة بادروا إلى معونته وأعطوه ما يتم به وجه مكرمته وتبرأ به ذمته ولو سأل المتحمل في تلك الحمالة لم يعد ذلك نقصًا بل شرفًا وفخرًا ولذلك سأل هذا الصحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمالته التي تحملها على عاداتهم فأجابه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بحكم المعونة على المكرمة ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بمال من الصدقة لأنه غارم من جملة الغارمين المذكورين في آية الصدقات اهـ من المفهم. (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كوني (أسأله) صلى الله عليه وسلم صدقة تكون معونة لي (فيها) أي في قضاء تلك الحمالة أو أساله مالًا لأجل وفاء تلك الحمالة ففي بمعنى لام التعليل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقم) يا قبيصة من الإقامة بمعنى اثبت واصبر وكن مقيمًا في المدينة اهـ من العون. (حتى تأتينا الصدقة) أي يحضرنا مالها يعني الزكاة (فنأمر لك) السعاة (بها) أي بإعطاء الصدقة لك أي بإعطاء ما توفي به دينك من مال الزكاة أو بوفاء الحمالة. وفي العون: قوله: (فنأمر لك بها) أي بالصدقة أو بالحمالة. (قال) قبيصة: (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا قبيصة إن المسألة) أي السؤال والشحذة (لا تحل إلا لأحد ثلاثة) من الأشخاص.

رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ. وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيشٍ (أَوْ قَال: سِدَادًا مِنْ عَيشٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: لما قرر النبي صلى الله عليه وسلم منع قاعدة المسألة من الناس بما تقدم من الأحاديث وبمبايعتهم على ذلك وكانت الحاجات والفاقات تنزل بهم فيحتاجون إلى السؤال بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم من يخرج من عموم تلك القاعدة وهم هؤلاء الثلاثة اهـ من المفهم. وفي شرح ابن الملك: قالوا: هذا بحث سؤال الزكاة وأما سؤال صدقة التطوع فمن لا يقدر على كسب لكونه زمنًا أو ذا علة أخرى جاز له السؤال بقدر قوت يومه ولا يدخر وإن كان قادرًا عليه فتركه لاشتغال العلم جاز له الزكاة وصدقة التطوع فإن تركه لاشتغال صلاة التطوع وصيامه لا تجوز له الزكاة ويكره له صدقة التطوع قاله في المرقاة. (رجل) بالجر بدل من أحد وقال ابن الملك: من ثلاثة وبالرفع خبر لمبتدإ محذوف تقديره: أحدها رجل (تحمل) أي التزم (حمالة) أي دينًا لأجل تسكين فتنة وقعت بين القوم (فحلت) أي جازت (له المسألة) أي السؤال بشرط أن يترك الإلحاح والتغليظ في الخطاب (حتى يصيبها) أي حتى يجد ما يوفي به تلك الحمالة ويؤدي ذلك الدين (ثم يمسك) نفسه عن السؤال يعني إذا أخذ من الصدقات ما يؤدي به ذلك الدين لا يجوز له أخذ شيء آخر منها ذكره ابن الملك. (و) ثانيها (رجل أصابته) في ماله (جائحة) أي آفة وحادثة مستأصلة من جاحه يجوحه إذا استاصله وهي الآفة المهلكة للثمار والأموال قال القرطبي: والجائحة الآفة التي تجتاح المال وتتلفه إتلافًا ظاهرًا كالسيل والحرق والسرق وغلبة العدو وغير ذلك مما يكون إتلافه للمال ظاهرًا (فحلت) أي جازت إله المسألة) أي سؤال الناس (حتى يصيب) ويجد (قوامًا من عيش) والقوام بكسر القاف ما يقوم به العيش وبفتحها الاعتدال أي حلت له المسألة إلى أن يجد ما تقوم به حاجته من معيشته أي إلى أن يدرك ما تقوم به حاجته الضرورية (من عيش) أي معيشة من قوت ولباس وسكن (أو قال) شك من الراوي أي أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصيب: (سدادًا من عيش) والسداد بكسر السين ما يسد الفقر ويدفع ويكفي الحاجة. وقال النواوي: القوام والسداد بكسر أولهما بمعنى واحد وهو ما يغني من الشيء وما تسد به الحاجة وكل شيء سددت به شيئًا فهو سداد ومنه سداد الثغر وسداد القارورة

وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والسداد بفتح أوله الإصابة في الشيء وقوله: (حتى يصيبها ثم يمسك وحتى يصيب قوامًا) فيه حد الإباحة إلى زوال الموجب لها ثم عوده إلى الأصل السابق الممنوع اهـ من المفهم. (و) ثالثها (رجل) أي غني (أصابته فاقة) أي حاجة شديدة اشتهر بها بين قومه (حتى يقوم) ويقول على رؤوس الأشهاد (ثلاثة من ذوي الحجا) بكسر الحاء وفتح الجيم مقصورًا أي من أصحاب العقل الكامل (من قومه) أي من جيرانه ممن له خبرة بباطنه وإنما قال صلى الله عليه وسلم: (من قومه) لأنهم من أهل الخبرة بباطنه والمال مما يخفى في العادة فلا يعلمه إلا من كان خبيرًا بصاحبه أي حتى يقوموا قائلين على رؤوس الإشهاد والله (لقد أصابت فلانًا فاقة) أي فقر بعد غناه والمراد المبالغة في ثبوت الفاقة وإلا فبينة الإعسار كبينة غيره. قال النواوي: هكذا هو في جميع النسخ (يقوم) بالميم والذي في سنن أبي داود (يقول) باللام كما في نسخة عندنا وفي قوله: (من ذوي الحجا) تنبيه على أنه يشترط في الشاهد التيقظ فلا يقبل من مغفل. قال السندي: وهذا كناية عن كون تلك الفاقة محققة لا مخيلة حتى لو استشهد عقلاء قومه بتلك الفاقة شهدوا بها والله تعالى أعلم. والفرق بين هذا القسم والقسم السابق أن الفاقة في القسم الأول ظاهرة بين غالب الناس وفي هذا القسم خفية عنهم وقال ابن الملك: وهذا على سبيل الاستحباب والاحتياط ليكون أدل على براءة السائل عن التهمة في ادعائه وأدعى للناس إلى سرعة إجابته وخص بكونهم من قومه لأنهم هم العالمون بحاله وهذا من باب التبيين والتعريف إذ لا مدخل لعدد الثلاث من الرجال في شيء من الشهادات عند أحد من الأئمة وقيل: إن الإعسار لا يثبت عند البعض إلا بثلاثة لأنها شهادة على النفي فثلثت على خلاف ما اعتيد في الإثبات للحاجة. وقال السيد جمال الدين نقلًا عن التخريج: أخذ بظاهر الحديث بعض أصحابنا وقال الجمهور: يقبل من عدلين وحملوا الحديث على الاستحباب وهذا محمول على من

فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ. حَتى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيشٍ (أَوْ قَال: سِدَادًا مِنْ عَيشٍ) فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ، يَا قَبِيصَةُ! سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عرف له مال فلا يقبل قوله في تلفه والإعسار إلا ببينة وأما من لم يعرف له مال فالقول قوله في عدم المال كذا في المرقاة. (فحلت) أي جازت (له المسألة) أي السؤال (حتى يصيب) أي إلى أن يجد (قوامًا من عيش) أي كفاية من معيشته الضرورية من طعام ولباس (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (سدادًا من عيش) بالشك من الراوي (فما سواهن) أي سوى هذه الأقسام الثلاثة (من المسألة) يكون (يا قبيصة سحتًا) أي حرامًا. قال النواوي: هكذا هو في جميع النسخ (سحتًا) بالنصب ورواية غير مسلم: (سحت) بالرفع على الخبرية وهذا واضح ورواية مسلم صحيحة أيضًا ولكن فيها حذف تقديره يكون سحتًا أو اعتقده يا قبيصة سحتًا أو يؤكل سحتًا اهـ. والسحت بضمتين وبسكون ثانيه وهو الأكثر الحرام الذي لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة أي يذهبها. (يأكلها) أي يأكل ما يحصل له بالمسئلة قاله الطيبي أي يأكل تلك المسألة قال في السبل: يأكلها أي الصدقة أنث لأنه جعل السحت عبارة عنها وإلا فالضمير له (صاحبها) أي يأكل صاحب تلك الصدقة وسائلها حالة كونها (سحتًا) أي حرامًا عليه. وفي العون: قوله: (سحتًا) نصب على التمييز أو بدل من الضمير في يأكلها أو حال منه. قال ابن الملك: وتانيث الضمير بمعنى الصدقة أو المسألة اهـ. وقال القرطبي: قوله: (فما سواهن سحت) الخ هذا الحديث مخصوص بحديث سمرة الذي أخرجه أبو داود مرفوعًا (المسائل كدوح يكدح الرجل بها وجهه إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدًا) وما تدعو الحاجة والضرورة إلى المسألة فيه يزيد على الثلاثة المذكورين في هذا الحديث الذي نحن باحثون عنه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 477) وأبو داود (1640) والنسائي (5/ 89). واختلف فيمن تحل له الزكاة والمسألة قال الترمذي في حديث ابن مسعود: قيل: يا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله وما يغنيه قال: خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق قال: ووسع قوم في ذلك فقالوا: إذا كان عنده خمسون درهمًا أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم اهـ. وقال الشافعي: قد يكون الرجل غنيًّا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وفي المسألة مذاهب أخرى لا نطيل بذكرها اهـ من فتح الملهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثالث: حديث أبي هريرة ذكره استشهادًا لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعتين. والرابع: حديث عوف بن مالك ذكره أيضًا استشهادًا لحديث ابن عمر. والخامس: حديث قبيصة بن المخارق ذكره استدلالًا على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر

431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر (2286) (1010) - (160) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ. فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيهِ مِنِّي. حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالا. فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيهِ مِنِّي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خُذْهُ. وَمَا جَاءَكَ مِنْ هذَا الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 431 - (49) باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير سؤال ولا استشراف وكراهة الحرص على المال والعمر (2286) (1010) (165) (وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه) رضي الله عنه (قال) ابن عمر: (سمعت) والدي (عمر بن الخطاب يقول): وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري ومروزي وواحد مكي وواحد أيلي وفيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والتحويل. (قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء) قيل: كان ذلك أجر عمله في الصدقة اهـ مرقاة ويدل عليه حديث ابن الساعدي الآتي. (فأقول) له صلى الله عليه وسلم: (أعطه) إما ضمير للعطاء وإما هاء السكت كما في المرقاة. أي أعط هذا العطاء (أفقر إليه) أي أحوج إلى هذا العطاء (مني) وفيه دليل على زهده وإيثاره لغيره على نفسه (حتى أعطاني) أي فأعطاني (مرة مالًا فقلت) له: (أعطه أفقر إليه مني فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه) أي خذ هذا العطاء (وما جاءك من هذا المال) الذي لك فيه حق كمال الفيء وسهم العامل من الزكاة وسهم المجاهد مما

وَأَنْتَ غَيرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ، فَخُذْهُ. وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يقسمه الإمام على كل الناس غنيًّا أو فقيرًا (وأنت) أي والحال أنك (غير مشرف) أي غير متطلع إليه ولا طامع فيه ولا حريص عليه (ولا سائل) أي طالب له. قال أبو داود: سألت أحمد عن إشراف النفس فقال: بالقلب وقال يعقوب بن محمد: سألت أحمد عنه فقال: هو أن يقول مع نفسه: يبعث إلي فلان بكذا وقال الأثرم: يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك اهـ فتح الملهم. (فخذه) أمر على جهة الندب والإرشاد لمصلحة. قال القرطبي: إشراف النفس تطلعها وتشوفها وشرحها لأخذ المال ولا شك أن هذه الأمور إذا كانت هي الباعثة على الأخذ للمال كان ذلك من أدل دليل على شدة الرغبة في الدنيا والحب لها وعدم الزهد فيها والركون إليها والتوسع فيها وكل ذلك أحوال مذمومة فنهاه عن الأخذ على هذه الحالة اجتنابًا للمذموم وقمعًا لداوعي النفس ومخالفة لها في هواها فإن من لم يكن كذلك جاز له الأخذ للأمن من تلك العلل المذمومة قال الطحاوي: وليس معنى هذا الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم اهـ من المفهم. (ومالا) أي وما لا يجيئك إلا بتطلع إليه واستشراف عليه (فلا تتبعه نفسك) من الإتباع بالتخفيف أي فلا تجعل نفسك تابعة له ولا توصل المشقة إليها في طلبه اهـ مرقاة. وقال القرطبي: أي لا تعلقها ولا تطمعها في ذلك فإذا فعلت ذلك بها سكنت ويئست وهذا النهي على الكراهة يرشد إلى المصلحة التي في الإعراض. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (7164) وأبو داود (1671) والنسائي (5/ 105). وقال الطبري: اختلف الناس فيما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به عمر من ذلك بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد فقيل: هو ندب إلى عطية السلطان وغيره وقيل بل ذلك إلى عطية غير السلطان وأما عطية السلطان فقد حرمها قوم وكرهها آخرون فأما من حمل الحديث على عطية السلطان وأنها مندوب إليها فذلك إنما يصح أن يقال: إذا كانت أموالهم كما كانت أموال سلاطين السلف مأخوذة من وجوهها غير ممنوعة من مستحقيها فأما اليوم فالأخذ من أموالهم إما حرام وإما مكروه والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم.

(2287) (0) (0) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْعَطَاءَ. فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَفْقَرَ إِلَيهِ مِنِّي. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ. وَمَا جَاءَكَ مِنْ هذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ، فَخُذْهُ. وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2287) (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه). وهذا السند من سداسياته غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن الحارث ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول لأن يونس بن يزيد له أوهام فيما رواه عن الزهري. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء) الذي هو من مال الله تعالى كما مر آنفًا (فيقول له) صلى الله عليه وسلم (عمر: أعطه) أي أعط هذا العطاء (يا رسول الله أفقر) وأحوج (إليه مني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه) أي خذ هذا العطاء (فتموله) أي أدخله في مالك إن كنت محتاجًا (أو تصدق به) أي على أفقر منك إن كان فاضلًا عنك عما لا بد لك منه. قال ابن بطال: أشار صلى الله عليه وسلم على عمر بالأفضل لأنه وإن كان ماجورًا بإيثاره بعطائه على نفسه من هو أفقر إليه منه فإن أخذه للعطاء ومباشرته للصدقة بنفسه أعظم لأجره وهذا يدل على عظيم فضل الصدقة بعد التمول لما في النفوس من الشح على المال. وعبارة النهاية (فتموله) أي اجعله لك مالًا على تقدير الاحتياج (أو تصدق به) على تقدير الاستغناء عنه اهـ. (وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك

قَال سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدا شَيئًا. وَلَا يَرُدُّ شَيئًا أُعْطيَهُ. (2288) (0) (0) وحدّثني أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذلِكَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سالم) بالسند السابق (فمن أجل ذلك) أي فمن أجل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر (كان ابن عمر لا يسأل أحدًا شيئًا ولا يرد شيئًا أعطيه) أي أعطاه أحدٌ إياه. قال الحافظ: وهذا بعمومه ظاهر في أنه كان لا يرد ما فيه شبهة وقد ثبت أنه كان يقبل هدايا المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو أخو صفية زوج ابن عمر بنت أبي عبيد وكان المختار غلب على الكوفة وطرد عمال عبد الله بن الزبير وأقام أميرا عليها مدة في غير طاعة الخليفة وتصرف فيما تحصل منها من المال على ما يراه ومع ذلك فكان ابن عمر يقبل هداياه وكان مستنده أن له حقًّا في بيت المال فلا يضره على أي كيفية وصل إليه أو كان يرى أن التبعة في ذلك على الآخذ الأول أو أن للمعطي المذكور مالًا آخر في الجملة وحقًا ما في المال المذكور فلما لم يتميز وأعطاه له عن طيب نفس دخل في عموم قوله: (ما أتاك من هذا المال من غير سؤال ولا استشراف فخذه) فرأى أنه لا يستثنى من ذلك إلا ما علمه حرامًا محضًا اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا من حديث عمر رضي الله تعالى عنه فقال: (2288) (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر) المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري قال ابن وهب: (قال) لنا (عمرو) بن الحارث المصري حدثني ابن شهاب بأحاديث كثيرة: (وحدثني) أيضًا (ابن شهاب بمثل ذلك) فالواو وعاطفة على محذوف كما قدرناه وقد مر نظائره في الكتاب مرارًا أي بمثل ما حدثني عن سالم بن عبد الله (عن السائب بن يزيد) ابن سعيد بن ثمامة الكندي الحجازي المدني المعروف بابن أخت نمر الصحابي ابن الصحابي. وهنا إسقاط من السند أسقطه مسلم أو شيخه تقديره: (عن حويطب) مصغرًا (بن عبد العزى) بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة العامري القرشي أبي محمد الحجازي المدني يقال من

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلمة الفتح له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه مات بالمدينة سنة (54) أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة وله دار بالمدينة بالبلاط عند أصحاب المصاحف روى عن عبد الله بن السعدي في الزكاة ويروي عنه (خ م) والسائب بن يزيد وليس في مسلم حويطب إلا هذا الصحابي الجليل. (عن عبد الله) بن وقدان المعروف بـ (ابن السعدي) لأن أباه وقدان استرضع في بني سعد بن بكر بن هوازن فأبوه وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل القرشي العامري الشامي الأردني الصحابي المشهور مات سنة (57) سبع وخمسين روى عن عمر بن الخطاب في الزكاة ويروي عنه (خ م د س) وحويطب بن عبد العزى وعبد الله بن محيريز له عندهما فرد حديث. (عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من ثمانياته على ما قررناه وهو الصحيح الذي اتفق عليه الجماعة أعني عن الزهري عن السائب عن حويطب عن ابن السعدي عن عمر بن الخطاب وهذا السند مما استدرك به على مسلم لأن في ظاهر سند الإمام مسلم انقطاعًا لأن السائب بن يزيد لم يسمع من عبد الله بن السعدي إنما سمعه من حويطب بن عبد العزى قال القرطبي: وحديث عبد الله بن السعدي هذا فيه انقطاع فإن مسلمًا رواه من حديث السائب بن يزيد عن ابن السعدي وبينهما رجل وهو حويطب بن عبد العزى قاله النسائي وغيره اهـ من المفهم. ولم نكتب هذا السند في رسالتنا الجهيرية في الأسانيد الثمينية نظرًا لظاهر ما ذكره الإمام مسلم في صحيحه والحق إلحاقه بالثمينية ورجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون وواحد شامي أردني ومن لطائفه أنه اجتمع فيه أربعة صحابيون روى بعضهم عن بعض روى السائب عن حويطب عن ابن السعدي عن عمر. غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن السعدي لعبد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن عمر وقد بسط النووي وغيره من الشراح الكلام هنا فراجعه وفي ما ذكرناه كفاية لمن اكتفى فلا نطيل الكلام بذكر كلامهم والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال:

(2289) (0) (0) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ السَّاعِدِيِّ الْمَالِكِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى الصَّدَقَةِ. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا، وَأدَّيتُهَا إِلَيهِ، أَمَرَ لِي بِعُمَالةٍ. فَقُلْتُ: إِئمَا عَمِلْتُ لِلهِ، وَأَجْرِي عَلَى اللهِ. فَقَال: خُذْ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (2289) (0) (0) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة من (5) (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني ثقة من (2) (عن) عبد الله (بن الساعدي) قال النواوي: هذا تحريف والصواب (عن ابن السعدي) نسبة إلى بني سعد بن بكر بن هوازن لأن أباه وقدان استرضع فيهم كما مر آنفًا. (المالكي) نسبة إلى أحد أجداده مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب الصحابي الجليل الشامي رضي الله تعالى عنه (أنه) أي أن عبد الله بن السعدي المالكي (قال استعملني عمر بن الخطاب) أي جعلني عاملًا (على الصدقة) والزكاة أي واليًا على أخذها من أرباب الأموال وجمعها. وهذا السند من سداسياته رجالة اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد شامي وواحد بلخي غرضه بيان متابعة بسر بن سعيد لحويطب بن عبد العزى على ما هو الصواب وللسائب على ما ذكره مسلم في رواية هذا الحديث عن ابن السعدي. (فلما فرغت منها) أي من جمع الصدقة (وأديتها) أي أديت وسلمت الصدقة المجموعة (إليه) أي إلى عمر (أمر لي) أي أمر بعض من يلي قسم الصدقات أن يعطيني (بعمالة) بضم العين وتثلث أي بأجرة عملي كما في القاموس. قال القرطبي: والعمالة ما يعطاه العامل على عمله وهي الأجرة اهـ من المفهم. وأما العمالة بالفتح فهي نفس العمل. قال الحافظ: وروينا في الجزء الثالث من فوائد أبي بكر النيسابوري زيادات من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله بن السعدي قال: قدمت على عمر فأرسل إلي بألف دينار فرددتها وقلت: أنا عنها غني فذكره أيضًا بنحوه واستفيد منه قدر العمالة المذكورة اهـ فتح الملهم. (فقلت) لعمر: (إنما عملت لله وأجري على الله) تعالى (فقال) لي عمر: (خذ ما

أُعْطِيتَ. فَإِني عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَعَمَّلَنِي. فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أُعْطِيتَ شَيئًا مِنْ غَيرِ أَنْ تَسْأَلَ، فَكُلْ وَتَصَدَّقْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أعطيت) بصيغة المجهول المسند إلى ضمير المخاطب أي ما أعطيتك من العمالة (فإني عملت) في جمع الزكوات (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني) بتشديد الميم أي أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرة عملي. قال الطحاوي: فليس معنى هذا الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام وليست هي من جهة الفقر ولكن من الحقوق فلما قال عمر: (أعطه أفقر إليه مني) لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال: ويؤيده قوله في رواية شعيب: (خذه فتموله) فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات. وقال الطبري: في حديث عمر الدليل الواضح على أن لمن شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله وذكر ابن المنذر أن زيد بن ثابت كان يأخذ الأجر على القضاء واحتج أبو عبيد في جواز ذلك بما فرض الله تعالى للعاملين على الصدقة وجعل لهم منها حقًّا لقيامهم وسعيهم فيها اهـ فتح الملهم. (فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل قولك) لي يعني إنما عملت لله (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل فـ) ـخذه ولا ترده ثم (كلـ) ـه إن كنت محتاجًا إليه (وتصدق) به إن كنت مستغنيًا عنه. قال القرطبي: (قوله: فكل وتصدق) يدل على أنه حلال طيب يصلح للأكل والتصدق وغيرهما وأما ما لا يكون كذلك فلا يصلح لشيء من ذلك كما تقدم وهذا الحديث أصل في أن كل من عمل للمسلمين عملًا من أعمالهم العامة كالولاية والقضاء والحسبة والإمامة فأرزاقهم في بيت مال المسلمين وأنهم يعطون ذلك بحسب عملهم اهـ من المفهم قال النواوي: في هذا الحديث منقبة لعمر وبيان فضله وزهده وإيثاره (قلت): وكذا لابن السعدي فقد طابق فعله فعل عمر سواءً اهـ قال الطبري (قوله: فكل وتصدق) اختلفوا فيه بعد إجماعهم على أنه ندب فقيل: هو ندب لكل من أعطي عطية أبي قبولها كائنًا من كان وهذا هو الراجح يعني بشرط عدم السؤال وإشراف النفس وقيل: هو مخصوص بالسلطان ويؤيده حديث سمرة في السنن (إلا أن يسأل السلطان) وكان بعضهم يقول: يحرم قبول

(2290) (0) (0) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ السَّعْدِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ، عَلَى الصَّدَقَةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ. (2291) (101) - (161) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العطية من السلطان وبعضهم يقول: يكره وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف والله أعلم والتحقيق في المسئلة أن من علم كون ماله حلالًا فلا ترد عطيته ومن علم كون ماله حرامًا فتحرم عطيته ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع ومن أباحه أخذ بالأصل كذا في الفتح اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: (2290) (0) (0) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثم المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري (عن بسر بن سعيد) المدني (عن) عبد الله (بن السعدي) الشامي (أنه قال: استعملني عمر بن الخطاب على الصدقة) وساق عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج (بمثل حديث الليث) عن بكير. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد في الرواية عن بكير بن الأشج. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: (2291) (101) (161) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أس هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي حالة كون أبي هريرة.

يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "قَلْبُ الشَّيخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَينِ: حُبِّ الْعَيشِ، وَالْمَالِ". (2292) (0) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقفه على نفسه بل يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (قلب الشيخ) لا جسمه (شاب) أي قوي مستمر (على حب اثنتين) أي خصلتين ملازم له يعني قلب الشيخ كامل الحب لشيئين ومستمر عليه لا يفارقه حبهما (حب العيش) والحياة (و) حب (المال). وأخرج البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بزيادة في أوله قال: (إن ابن آدم يضعف جسمه وينحل لحمه وقلبه شاب). قال النواوي: هذا مجاز واستعارة ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال متحكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه اهـ. والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في الشباب أكثر وبهم أليق لكثرة الرجاء عادة في طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا قال القرطبي: في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وأن ذلك ليس بمحمود وقال غيره: الحكمة في التخصيص بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فاحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه من أعظم الأسباب في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبًا طول العمر فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتد حبه له ورغبته في دوامه اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 335 و 338) والبخاري (6420) والترمذي (2338) وابن ماجه (4233). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2292) (0) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى المصريان (قالا: أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (عن أبي هريرة).

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "قَلْبُ الشَّيخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَينِ: طُولُ الْحَيَاةِ، وَحُبُّ الْمَالِ". (2293) (1012) - (162) وحدّثني يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب للأعرج في الرواية عن أبي هريرة. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلب الشيخ شاب) أي حريص (على حب اثنتين) أي خصلتين (طول الحياة) والعمر (وحب) كثرة (المال) بالرفع فيهما على أنهما خبران لمحذوف تقديره: هما ويصح الجر على البدلية وفيه ذم الأمل والحرص اهـ من تيسير المناوي. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال: (2293) (1012) (162) (وحدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني ثم المكي ثقة من (10) (وقتيبة بن سعيد كلهم عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) (قال يحيى: أخبرنا أبو عوانة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة مدلس من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري أو مكي أو بلخي. (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهرم ابن آدم) بفتح الراء من باب فرح أي يشيب جسمه (وتشب منه اثنتان) بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة أي ينمو ويقوى من أخلاقه وخصاله اثنتان (الحرص على المال والحرص على العمر) والحياة وإنما لم تنكسر هاتان الخصلتان لأن الإنسان مجبول على حب الشهوات كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} الآية والشهوة إنما تنال بالمال والعمر والعمر مدة أجله الله تعالى لعباده في دار الفناء لا ينقص ولا يزيد اهـ مبارق. ولفظ البخاري في الرقاق (يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان طلب المال وطول العمر) اهـ.

(2294) (0) (0) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال بِمِثْلِهِ. (2295) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْوهِ. (2296) (1013) - (163) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 192 و 256) والبخاري (6421) والترمذي (2455) وابن ماجه (4234). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2294) (0) (0) (وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) البصري ثقة من (10) (ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (قالا: حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة عن أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال) يهرم ابن آدم الحديث السابق وساق هشام (بمثله) أي بمثل حديث أبي عوانة غرضه بيان متابعة هشام لأبي عوانة. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2295) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (قال) شعبة: (سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) ففيه تصريح بسماع قتادة عن أنس (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق شعبة (بنحوه) أي بنحو حديث أبي عوانة عن قتادة غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة وتقدم الفرق بين النحو والمثل في أوائل الكتاب فجدد العهد به لأنه المهم في صحيح مسلم. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لأنس رضي الله عنهما فقال: (2296) (1013) (163) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (وسعيد بن منصور)

وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَ لا بْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا. وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ. وَيتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن شعبة المكي (وقتيبة بن سعيد) البلخي (قال: يحيى أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد إما نيسابوري وإما مكي وإما بلخي. (لو كان لابن آدم واديان) مملوءان (من مال) أي لو حصل له واديان من مال فكان تامة والجار والمجرور صفة للواديين وفي رواية (من ذهب) وفي أخرى (من فضة وذهب) ذكره المناوي (لابتغى) وطلب (واديًا ثالثًا) يضمه إليهما لشدة حرصه على المال وفي المشارق زيادة إليهما بعده. فقال ابن الملك: الابتغاء هو الطلب عدى هنا بإلى لتضمنه معنى الضم يعني لضم إليهما واديًا ثالثًا وهلم جرا وجملة قوله: (ولا يملأ جوف ابن آم إلا التراب) مستأنفة استئنافًا بيانيًا يعني أنه لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره اهـ نواوي. وههنا (نكتة) وهي أن في ذكر ابن آدم دون الإنسان تلويحًا إلى أنه مخلوق من تراب ومن طبيعته القبض واليبس وإزالته ممكنة بأن يمطر الله تعالى عليه من تمام توفيقه كما يدل عليه قوله في الحديث: (ويتوب الله) سبحانه وتعالى (على من تاب) من حرصه فإنه في موضع إلا من عصمه الله أفاده ابن الملك وقال النواوي: معناه أن الله تعالى يقبل التوبة من التائب عن حرصه المذموم وعن غيره من المذمومات. وفي بعض الروايات الآتية: (ولن يملأ فاه) وفي أخرى: (ولا يملأ نفس ابن آدم) قال الكرماني: ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ غيره يملؤه أيضًا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وهي من التفنن في العبارة. (قلت): وهذا يحسن في فيما إذا اختلفت مخارج الحديث وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة كذا في الفتح.

(2297) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (فَلَا أَدْرِي أَشَيءٌ أُنْزِلَ أَمْ شَيءٌ كَانَ يَقُولُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إلا التراب) أي تراب قبره ففيه تنبيه نبيه على أن البخل المورث للحرص مركوز في جبلة الإنسان. قال الحافظ: ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر التراب دون غيره أن المرء لا ينقص طعمه حتى يموت فإذا مات كان من شأنه أن يدفن فإذا دفن صب عليه التراب فملأ جوفه وفاه وعينيه ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره وأما بالنسبة إلى الفم فلكونه الطريق إلى الوصول إلى الجوف اهـ. قوله: (ويتوب الله على من تاب) أي إن الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره قيل: وفيه إشارة إلى ذمّ الاستكثار من جمع المال وتمنى ذلك والحرص عليه للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 243) والبخاري (6439) والترمذي (2337) والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2297) (0) (0) (وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) الحديث السابق زاد شعبة في روايته لفظة قال أنس (فلا أدري) والله أعلم (أشيء) أي هل هذا الكلام المذكور في الحديث شيء (أنزل) على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن (أم) هو (شيء كان يقوله) أي يقول لفظه من عند نفسه لا معناه لأن المعنى لا يكون إلا وحيا أي فلا أدري أمن القرآن هو أنزل الله سبحانه أم هو من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوله أولًا ويقال: إنه كان قرآنًا فنسخ خطه وفي رواية لأنس عن أبي قال: (كنا نرى هذا من القرآن حتى نزل

بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ. (2298) (0) (0) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ؛ أَنَّهُ قَال: "لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنَّ لَهُ وَادِيًا آخَرَ. وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إلا التُّرَابُ. وَاللهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ألهاكم التكاثر) كما في رقاق المرقاة فكأنما هم شاكون في قرآنيته مع عدم كونه على أسلوب بلاغته وساق شعبة (بمثل حديث أبي عوانة) مع هذه الزيادة المذكورة. قال الأبي: المراد بحديث أبي عوانة المتقدم في حديث (يهرم ابن آدم ويشب منه اثنتان) فهو الذي شك فيه أنس ها هنا. اهـ منه غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2298) (0) (0) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لقتادة في رواية هذا الحديث عن أنس وفائدتها تقوية السند الأول لأن قتادة مدلس. (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان لابن آدم واد) أصله وادي نظير قاض عومل معاملته اسم كان مؤخر (من ذهب) تمييز مجرور بمن البيانية (أحب) فعل ماض جواب لو أي تمنى (أن له واديًا آخر) أي كون واد آخر له (ولن يملأ فاه إلا التراب) أي تراب قبره وهذا كناية عن الموت (والله يتوب على من تاب) من الحرص. قال الطيبي: يمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول على حب المال وأنه لا يشبع من جمعه إلا من حفظه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع (والله يتوب) موضعه إشعارًا بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله تعالى وتسديده وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ففي إضافة الشح إلى النفس دلالة على أنه غريزة فيها وفي قوله: (ومن يوق) إشارة إلى إمكان إزالة ذلك ثم رتب الفلاح على ذلك. قال: وتؤاخذ المناسبة أيضًا من ذكر التراب فإن فيه إشارة إلى أن الآدمي خلق من التراب ومن طبعه القبض واليبس وأن إزالته

(2299) (1014) - (164) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ لابْنِ آدَمَ مِلْءَ وَادٍ مَالًا لأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيهِ مِثْلُهُ. وَلَا يَمْلأُ نَفْسَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ. وَاللهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ". قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا أَدْرِي أَمِنَ الْقُرْآنِ هُوَ أَمْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ممكنة بأن يمطر الله عليه ما يصلحه حتى يثمر الخلال الزكية والخصال المرضية قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إلا نَكِدًا} فوقع قوله (والله يتوب) موقع الاستدراك أي إن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيرًا على من يسره الله تعالى عليه اهـ منه. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2299) (1014) (164) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البزاز أبو موسى البغدادي المعروف بالحمال ثقة من (10) (قالا: حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي ثقة من (9) (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (قال: سمعت عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم أبا محمد المكي ثقة من (3) (يقول: سمعت ابن عباس). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بغداديان أو بغدادي ونسائي وواحد طائفي. (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن لابن آم ملء واد مالًا) تمييز ملء (لأحب أن يكون) منضمًا (إليه مثله) اسم يكون مؤخر أي لأحب أن يكون مثله منضمًا إليه لشدة حرصه (ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب والله يتوب على من تاب). وقوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا من الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهي قليلة بالنسبة لمرويه عنه فإنه أحد المكثرين ومع ذلك فتحمله كان أكثره عن كبار الصحابة. (قال ابن عباس) بالسند السابق: (فلا أدري) ولا أعلم (أمن القرآن هو) أي الكلام الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (أم لا) أي أم لم يكن من القرآن بل هو

وَفِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ قَال: فَلَا أَدْرِي أَمِنَ الْقُرْآنِ. لَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ. (2300) (1015) - (165) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِى بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: بَعَثَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلامه صلى الله عليه وسلم (وفي رواية زهير: قال) ابن عباس: (فلا أدري أمن القرآن) هو أم لا يعني (لم يذكر) زهير لفظة (ابن عباس). هذا بيان لما وقع من المخالفة بين شيخيه وهذا الذي شك فيه ابن عباس غير الذي شك فيه أنس قاله الأبي وفي أحاديث الباب ذم الحرص والشره ومن ثم آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة باليسير والرضا بالكفاف. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري فقط أخرجه في الرقاق عن أبي عاصم. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى رضي الله عنهما فقال: (2300) (1015) (165) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة اسم بلدة على الفرات (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي قاضي الموصل ثقة من (8) (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبي بكر المصري أو البصري ثقة من (5) (عن أبي حرب بن أبتي الأسود) الديلي البصري اسمه كنيته وقيل: محجن وقيل: عطاء وقيل: خليفة والأول هو الأصح روى عن؛ أبيه أبي الأسود الديلي في الزكاة وعمه وعبد الله بن عمرو بن العاص ويروي عنه (م د ت ق) وداود بن أبي هند وقتادة ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من قراء أهل البصرة وقال: كان معروفًا وله أحاديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة مات سنة (109) تسع ومائة. (عن أبيه) أبي الأسود الدؤلي البصري ظالم بن عمرو بن سفيان واضع النحو ثقة فاضل مخضرم (قال) أبو الأسود: (بعث أبو موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد حدثاني وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد.

إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَدَخَلَ عَلَيهِ ثَلاثُمائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ. فَقَال: أنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ. فَاتْلُوهُ. وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيكُمُ الأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ. كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً. كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ. فَأُنْسِيتُهَا. غَيرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا: لَوْ كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا. وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ. وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةَ كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ. فَأُنْسِيتُهَا. غَيرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلى قراء أهل البصرة) وكانوا فقهاء لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن كما يدل عليه حديث أبي موسى (فدخل عليه) أي على أبي موسى (ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن) وحفظوه (فقال) لهم أبو موسى: (أنتم) أيها الحاضرون (خيار أهل البصرة) وفقهاؤهم (وقراؤهم فاتلوه) أي فاتلو القرآن ولازموا تلاوته (ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم) الأمد الغاية والمدة والقسوة غلظ القلب وفيه تلميح إلى قوله تعالى في سورة الحديد: {فَطَال عَلَيهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} اهـ نواوي. أي ولا يعجبنكم طول مدة البقاء في الدنيا فتستطيبوا طولها فتطمعوا فيه فتقسو قلوبكم أي فتكون قلوبكم غليظة قاسية عن قبول الخير. قال القرطبي: يعني به لا تستطيبوا طول مدة البقاء في الدنيا فإن ذلك مفسد للقلب بما يجره إليها من الحرص والقسوة حتى لا تلين لذكر الله ولا تنتفع بموعظة ولا زجر كما قال صلى الله عليه وسلم (إن أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى وطول الأمل فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا وما بعدهما لأحد خير من دنيا ولا آخرة) رواه ابن عدي في الكامل اهـ من المفهم. (كما قست) وغلظت (قلوب من كان قبلكم) من الأمم بطول الأمد وأبت عن قبول كل خير إلا اتباع الهوى (وإنا) معاشر الصحابة (كنا نقرأ) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (سورة كنا نشبهها في الطول والشدة) أي صعوبة كلماتها (ببراءة فأنسيتها غير أني) أي لكن أني (قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديًا ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) قال الأبي: هذا هو الذي شك فيه ابن عباس (وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها) في القصر والسهولة (بإحدى المسبحات) هي من السور ما افتتح بسبحان وسبح ويسبح وسبح اسم ربك (فأنسيتها غير أني حفظت منها) أي لكن بقي في

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ. فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حفظي منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب) مقالتكم تلك (شهادة في أعناقكم) أي شاهدة عليكم معلقة في أعناقكم (فتسألون عنها) عن عدم العمل بها (يوم القيامة) وقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] هو استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله إما في الماضي فيكون كذبًا أو في المستقبل فيكون خلفًا وكلاهما مذموم وكما قال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وأما ما في هذا الحديث فإنما يتناول أن يخبر عن نفسه بشيء فعله فيما مضى ويمتدح به فقط بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (فتكتب شهادة في أعناقكم) اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم. قال القرطبي: قوله: (فأنسيتها) هذا ضرب من النسخ فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة أضرب أحدها نسخ الحكم وبقاء التلاوة كآية الحول في العدة والثاني نسخ التلاوة وبقاء الحكم كآية الرجم والثالث نسخ الحكم والتلاوة كآية ثلاث رضعات يحرمن وكرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى فإنهما رفع حكمهما وتلاوتهما وهاتان السورتان مما قد شاء الله تعالى أن ينسيه بعد أن أنزله لحكمة أرادها لأن الله تعالى فعال لما يريد قادر على ما يشاء إذ كل ذلك ممكن ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء فإن ذلك باطل بدليل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان كما قررناه في أصول الفقه اهـ من المفهم بتصرف. وقال القرطبي أيضًا أحاديث هذا الباب كلها متواردة على الإخبار عما جبل الإنسان عليه من حب المال والحرص على البقاء في الدنيا وعلى أن ذينك ليسا بمحمودين بل مذمومان ويحقق الذم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (ويتوب الله على من تاب) وقد نص الله تعالى على ذم ذلك في قوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] وغيره مما في معناه وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) وقد تقدم أن القراء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصدر الأول هم كانوا الفقهاء لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن وحديث أبي موسى هذا يدل عليه اهـ منه أيضًا. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث عمر رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات. والثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث أنس ذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين. والرابع: حديث أنس الثاني ذكره أيضًا استشهادًا لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين. والخامس: حديث ابن عباس ذكره استشهادًا لحديث أبي هريرة أيضًا. والسادس: حديث أبي موسى الأشعري ذكره أيضًا استشهادًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنهما. ***

432 - (50) باب الغنى غنى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والصبر والكفاف والقناعة

432 - (50) باب الغنى غنى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والصبر والكفاف والقناعة (2301) (1016) - (166) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ. وَلكِن الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 432 - (50) باب الغنى غنى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والصبر والكفاف والقناعة (2301) (1016) (166) (حدثنا زهبربن حرب) النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الكوفي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن أبي الزناد) المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الغنى) المحمود ما كان (عن كثرة العرض) والعرض بفتحتين متاع الدنيا وزخرفها. وقال القرطبي: العرض بفتح العين والراء حطام الدنيا ومتاعها وأما العَرْض بفتح العين وسكون الراء فهو ما خلا العقار والحيوان مما يدخله الكيل والوزن قاله أبو عبيد وفي كتاب العيني: العرض بفتحتين ما نيل من الدنيا ومنه قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} وجمعه عروض اهـ من المفهم. (ولكن الغنى) المحمود الدائم (غنى النفس) وقناعتها بما عندها من المال ومعنى الحديث الغنى المحمود الدائم المستمر الذي لا يزول عن صاحبه غنى النفس وشبعها عما في أيدي الناس وقلة حرصها على جمع المال لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة لأن من كان طالبًا للزيادة لم يستغن بما معه فليس له غنى اهـ نواوي بزيادة وتصرف. ولابن حبان من حديث أبي ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى قلت نعم قال وترى قلة المال هو الفقر قلت نعم يا رسول الله قال إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب) قال بعض الشيوخ: والمراد بغنى النفس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القناعة ويمكن أن يراد به ما يسد الحاجة قال الشاعر: غنى النفس ما يكفيك عن سد حاجة ... فإن زاد شيء عاد ذاك الغنى فقرا وقال الطيبي: ويمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية وأنشد أبو الطيب في معناه: ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر يعني ينبغي أن ينفق ساعاته وأوقاته في الغنى الحقيقي وهو طلب الكمالات ليزيد غنى بعد غنى لا في المال لأنه فقر بعد فقر. (قلت): يعني أن الفقر هو الحاجة ومهما زاد شيئًا من المال أو الرياسة احتاج لحفظ ذلك وعظم خوفه من زواله هذا في الدنيا واحتاج إلى استعداد عظيم وقيام بحقوق ذلك لأجل الآخرة فاستبان أن الفقر يكثر بكثرة عرض الدنيا ويقل بقلتها اهـ من السنوسي. قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه وإنما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني. وقال القرطبي: ومعنى هذا الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت فجعل لها من الحظوة والنزاهة والتشريف والمدح أكثر ممن كان غنيا بماله فقيرا بحرصه وشرهه فإن ذلك يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لبخله ودناءة همته فيكثر ذامه من الناس ويصغر قدره فيهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل اهـ من المفهم. والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعًا بما رزقه الله تعالى لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال بل يرضى بما قسم الله له فكأنه واجد أبدًا والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أُعطي بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطي فكأنه ليس بغني ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره علما بأن الذي عند الله تعالى خير وأبقى فهو معرض عن الحرص والطلب.

(2302) (1019) - (167) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ) قَال: حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ الناسَ، فَقَال: "لَا وَاللهِ، مَا أَخْشَى عَلَيكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ! ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه على نعمائه ويفزع إليه في كشف ضرائه فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 243 و 389) والبخاري (6446) والترمذي (2373) وابن ماجه (4137). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2302) (1019) (167) (وحدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا الليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (وتقاربا) أي تقارب يحيى وقتيبة (في اللفظ) أي في لفظ الحديث الذي روياه وهو بمعنى قوله: نحوه (قال) قتيبة: (حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) المدني ثقة من (3) (عن عياض بن عبد الله بن سعد) بن أبي سرح القرشي العامري المكي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد مصري وواحد إما نيسابوري أو بلخي ففيه رواية تابعي عن تابعي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والتحويل. حالة كون أبي سعيد (يقول: قام) فينا (رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس) أي وعظهم بالوعد والوعيد (فقال: لا) نافية (والله) جملة قسمية زادها لتأكيد الكلام (ما) زائدة زيدت لتأكيد النفي المفهوم من لا أي أقسمت لكم بالله الذي لا إله غيره لا (أخشى) ولا أخاف (عليكم أيها الناس) فتنا تشغلكم عن الدين والعمل الصالح

إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا". فَقَال رَجُل: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي الْخَيرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلا ما يخرج الله) سبحانه وتعالى (لكم) أي يخرجه من الأرض ويبسطه لكم حالة كون ما يخرجه لكم (من زهرة الدنيا) وزينتها ومتاعها ونعيمها والزهرة بفتح الزاي وسكون الهاء والمراد بها الزينة والبهجة كما في الحديث والزهرة مأخوذة من زهرة الشجر وهو نورها بفتح النون والمراد بها ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها مما يفتخر الناس بحسنه مع قلة البقاء. قال القاري: والمعنى إني أخاف عليكم أن كثرة أموالكم عند فتح بلادكم تمنعكم من الأعمال الصالحة وتشغلكم عن العلوم النافعة وتحدث فيكم الأخلاق الدنية من التكبر والعجب والغرور ومحبة المال والجاه وما يتعلق بهما من لوازم الأمور الدنيوية والإعراض عن الاستعداد للموت وما بعده من الأحوال الأخرى. قال النواوي: وفيه التحذير من الاغترار بالدنيا والنظر إليها والمفاخرة بها وفيه استحباب الحلف من غير استحلاف إذا كان فيه زيادة في التوكيد والتفخيم ليكون أوقع في النفوس اهـ. (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه: (يا رسول الله أيأتي الخير بالشر) أي أتصير النعمة عقوبة لأن زهرة الدنيا نعمة من الله فهل تعود هذه النعمة نقمة وهو استفهام استرشاد لا إنكار والباء في قوله بالشر صلة ليأتي أي هل يستجلب الخير والشر وفيه تسمية المال خيرًا ويؤيده قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيرِ لَشَدِيدٌ} وقوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيرًا الْوَصِيَّةُ}. وفي بعض الهوامش: قوله: (أيأتي الخير بالشر) الباء فيه للتعدية والاستفهام الإنكاري للاسترشاد والمعنى فهل يستجلب الخير الشر يعني أن ما يحصل لنا من الدنيا خير إذا كان من جهة مباحة فهل يترتب عليه شر اهـ. (فصمت) أي سكت (رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً) أي زمانًا قليلًا. وفي رواية عطاء عند البخاري: (حتى ظننت أنه ينزل عليه) أي الوحي وكأنهم فهموا ذلك بالقرينة من الكيفية التي جرت عادته بها عندما يوحى إليه. قال الحافظ رحمه الله: إنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي عند إرادة

ثُمَّ قَال: "كَيفَ قُلْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأْتِي الْخَيرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن الْخَيرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيرٍ. أَوَ خَيرٌ هُوَ. إِن كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجواب عما يسأل عنه وهذا على ما ظنه الصحابة ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة وقد عد ابن دريد هذا الحديث وهو قوله (إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم) من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم إلى معناه وكل من وقع شيء منه في كلامه فإنما أخذه منه. ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل ويؤيد أنه من الوحي قوله في رواية هلال عن عطاء (فأفاق يمسح عنه الرحضاء) أي العرق فإنه كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في أحاديث بدء الوحي: (وإن جبينه ليتفصد عرقًا). (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (كيف قلت) أيها الرجل (قال) الرجل: (قلت: يا رسول الله أيأتي الخير بالشر فقال له) أي للرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إن الخير) الحقيقي (لا يأتي إلا بخير) ولكن هذه الزهرة ليست بخير محض لما تؤدي إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال على الآخرة. قال الحافظ: ويؤخذ منه أن الرزق ولو أكثر فهو من جملة الخير وإنما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع وأن كل شيء قضى الله أن يكون خيرًا فلا يكون شرا وبالعكس ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر اهـ. (أوخير هو) بفتح الواو العاطفة على محذوف والهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على ذلك المحذوف وخير خبر مقدم وهو مبتدأ مؤخر والتقدير: أتقول ذلك وتظن أن هذا المال خير كله لا فإنه ليس خيرًا حقيقيًّا وإن سمي خيرًا لأن الخير الحقيقي هو ما يعرض له من الإنفاق في الحق كما أن الشر الحقيقي فيه هو ما يعرض له من الإمساك عن الحق والإخراج في الباطل ثم ضرب صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مثلين أحدهما للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها وأشار إلى الأول منهما بقوله: (إن كل ما ينبت الربيع) قيل هو الفصل المشهور بالإنبات من فصول السنة الأربعة المجموعة في قول بعضهم: ربيع صيف من الأزمان ... خريف شتاء فخذ بياني

يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. أَكَلَتْ. حَتى إِذَا امْتَلأت ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: هو النهر الصغير المتفجر من النهر الكبير كما في القسطلاني والأول هو الأصح والله أعلم. (يقتل) البهيمة (حبطًا) أي انتفاخًا وتخمة والحبط بفتحتين التخمة وهي امتلاء البطن وانتفاخه من الإفراط في الأكل وهو تمييز محول عن الفاعل والتقدير: إن كل ما ينبت الربيع يقتل الماشية حبطه حقيقة إذا أفرطت في الرعي منه وفي الرواية الآتية: (وإن مما ينبت الربيع) فهذه محمولة على تلك كما سيأتي اهـ نواوي. يعني أن ما يحصل من النبات في الربيع بتوالي أمطاره بإنبات الله تعالى ففي الإسناد مجاز عقلي يهلك الماشية حبطًا أي تخمة. (أو يلم) بضم الياء وتشديد الميم أي أو يقارب أن يقتل ويهلك فأو للتنويع والمعنى إن الربيع ينبت خيار العشب فتستكثر منه الماشية لاستطابتها إياه حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الاعتدال فتنفتق أمعاؤها من ذلك فتموت أو تقرب الموت ومن المعلوم أن الربيع ينبت أضراب العشب فهي كلها خير في نفسها وإنما يأتي الشر من قبل إفراط الأكل فكذلك المفرط في جمع المال من غير حله أو من الحلال المشغل عن حاله يكثر في التنعم بماله من غير تامل في مآله فيقسو قلبه من كثرة الأكل فيورث الأخلاق الدنية فيتكبر ويتجبر ويحقر الناس ويمنع ذا الحق حقه منها فحيث آل مآل المال لهلاكه في الدنيا ولعذابه في العقبى يصير سبب الوبال وشدة النكال وسوء الحال كذا في المرقاة وأشار إلى المثل الثاني أعني مثل المقتصد بقوله: (إلا آكلة الخضر) بمد همزة آكلة وكسر الكاف والخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين للأكثر وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية واحده خضرة أي إلا الماشية التي تأكل الخضر وهي البقول التي ترعاها المواشي قال السندي: والاستثناء منقطع أي لكن آكلة الخضر تنتفع بأكلها فكأنها أخذت الكلاء على الوجه الذي ينبغي وقيل متصل مفرغ في الإنبات أي تقتل كل آكلة إلا آكلة الخضر والله تعالى أعلم. قال القاضي عياض: هو عند الجمهور استثناء ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتخفيف اللام على الاستفتاح أي انظروا آكلة الخضر وما كان منها اهـ أبي. أي إلا آكلة الخضر التي (أكلت) منها ورعت فيها (حتى إذا امتلأت) شبعًا وامتدت

خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ. ثَلَطَتْ أَوْ بَالتْ. ثُمَّ اجْتَرَّتْ. فَعَادَتْ. فَأَكَلَتْ. فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ. وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعظمت (خاصرتاها) أي جنباها وفي رواية (امتدت) تثنية خاصرة بخاء معجمة وصاد مهملة وهما جانبا البطن من الحيوان (استقبلت الشمس) أي بركت مستقبلة إليها تستمرئ بذلك ما أكلت أي حتى إذا شبعت تركت الأكل ولم تأكل ما فوق طاقة كرشها حتى تقتلها كثرة الأكل وتوجهت إلى مسقط ضوئها واستراحت فيه و (ثلطت) بمثلثة ولام مفتوحتين ثم طاء مهملة أي ألقت ما في بطنها من السرقين رقيقًا سهلا والثلط الرجيع الرقيق وأكثر ما يقال للإبل والبقر والفيلة (أو بالت) أي أخرجت البول وأو هنا مانعة خلو (ثم اجترت) بالجيم الساكنة والراء المشددة أي استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف فاعادت مضغه. قال النواوي: أي مضغت جرتها قال أهل اللغة: الجرة بكسر الجيم ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثم يبلعه والقصع شدة المضغ. (فعادت) إلى الرعي أي ثم إذا حصل لها خفة واحتاجت إلى الأكل عادت إلى الرعي (فأكلت) قال الحافظ: والمعنى أنها إذا شبعت فثقل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأن تجتر فيزداد نعومة ثم تستقبل الشمس فتحمى بها ليسهل خروجه فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت وهذا بخلاف ما إذا لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعًا والله أعلم اهـ. (فمن يأخذ مالًا) من أموال الدنيا (بحقه) أي يأخذه بقدر احتياجه من طريق حله ويضعه في حقه أي في محله (يبارك له فيه) أي في ذلك المال (ومن يأخذ مالًا بغير حقه) أي من طريق لا يستحقه بها كالربا والرشوة والغصب والسرقة مثلًا أو يصرفه في غير حقه من الوجوه المحرمة كالزنا وشرب الخمر (فمثله) أي صفته (كمثل الذي يأكل ولا يشبع) فيقع في الداء العضال والورطة المهلكة لغلبة الحرص عليه كالذي به داء جوع البقرة وكالمريض الذي به الاستسقاء حيثما يروى وكلما يشرب يزيد عطشًا وانتفاخًا ومعنى الحديث أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطًا بالتخمة لكثرة الأكل أو يقارب القتل إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فإنه لا يضره وهكذا المال هو كنبات الربيع مستحسن تطلبه النفوس وتميل إليه فمنهم من يستكثر منه

(2303) (0) (0) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستغرق فيه غير صارف له في وجوهه فهذا يهلكه أو يقارب إهلاكه ومنهم من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا يسيرًا وإن أخذ كثيرًا فرقه في وجوهه كما تثلطه الدابة فهذا لا يضره هذا مختصر معنى الحديث والله أعلم اهـ فتح الملهم. قوله: (فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع) قال الزين بن المنير في هذا الحديث وجوه من التشبيهات البديعة: أولها: تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره. وثانيها: تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب. وثالثها: تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالبشرة في الأكل والامتلاء منه. ورابعها: تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعًا. وخامسها: تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونًا وسكينة وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها. وسادسها: تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها. وسابعها: تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوًا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه وذلك يقتضي منعه من مستحقه فيكون سببًا لعقاب مقتنيه. وثامنها: تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 7) وابن ماجه (3995). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2303) (0) (0) حدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم المدني (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان غرضه بسوقه بيان متابعة عطاء بن يسار لعياض بن عبد الله.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا" قَالُوا: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "بَرَكَاتُ الأرضِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَأْتِي الْخَيرُ بِالشَّرِّ؟ قَال: "لَا يَأْتِي الْخَيرُ إِلَّا بِالْخَيرِ. لَا يَأْتِي الْخَيرُ إِلَّا بِالْخَيرِ. لَا يَأْتِي الْخَيرُ إِلَّا بِالْخَيرِ. إِن كُل مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. فَإِنَّهَا تَأْكُلُ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ. ثُمَّ اجْتَرَّتْ وَبَالتْ وَثَلَطَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخوف ما أخاف عليكم) من فتن الدنيا (ما يخرج الله) سبحانه وتعالى أي فتنة ما يخرجه الله ويظهره ويعطيه الكم من زهرة الدنيا) أي من زينتها وما يزهر منها مأخوذ من زهر الأشجار وهو ما يصفر من نوارها والنور هو الأبيض منها وهذا قول ابن الأعرابي وحكى أبو حنيفة أن النور والزهر سواء وقد فسرها صلى الله عليه وسلم بانها بركات الأرض اهـ مفهم. (قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم هي: (بركات الأرض) وحسنها وزينتها أي ما تزهر به الأرض وتخرجه من الخيرات والخصب والثمار والنبات (قالوا: يا رسول الله وهل يأتي الخير) الذي هو نعيم الدنيا (بالشر) والضرر الذي هو العقوبة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا يأتي الخير) الحقيقي (إلا بالخير لا يأتي الخير إلا بالخير لا يأتي الخير إلا بالخبر) كرره ثلاثًا مبالغة في التأكيد (أن كل ما أنبت الربيع) فيه إسناد مجازي كما قد سبق. (يقتل) الماشية حبطًا وتخمة (أو يلم) ويقرب إلى أن يقتله أي يقتل آكلته (إلا أكلة الخضر) وهذا مثل للمقتصد وذلك أن الخضر ليس من أجرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي الأمطار فتحسن وتنعم ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمر بها فضرب آكلة الخضر من المواشي مئلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها فهو بنجوة من وبالها كما نجت آكلة الخضر (فإنها تكل) من الخضر (حتى إذا امتدت) وارتفعت (خاصرتاها) أي جنباها (استقبلت الشمس) أي توجهت عين الشمس لتحمي نفسها (ثم اجترت) أي استرفعت ما في جوفها إلى فمها وتمضغه حتى يصير ناعمًا دقيقًا ثم تبلعه (وبالت) أي أخرجت البول (وثلطت) أي

ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ. إِنَّ هذَا الْمَال خَضِرَة حُلْوَة. فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ. وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيرِ حَقِّهِ، كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ". (2304) (0) (0) حدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجت الثلط وهو السرقين الرقيق فإذا ثلطت زال عنها الحبط (ثم عادت) إلى المرعى (فأكلت) أي رعت مرة ثانية (أن هذا المال) الدنيوي (خضرة) أي كالبقلة الخضراء التي يحسن النظر إليها (حلوة) أي حالية الطعم أي إن هذا المال كالبقلة حسنة المنظر لذيذة في المذاق وجاءت الرواية هنا بالتأنيث على معنى تأنيث المشبه به أي كالبقلة الخضرة الحلوة. وقال ابن الملك: على تأويل إن العيشة بالمال خضرة حلوة اهـ. (فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة) أي فنعم المعين على الطاعة والمخصوص بالمدح (هو) أي ذلك المال وذكر الفعل والمخصوص بالمدح نظر إلى كون المعونة بمعنى المعين. وفي فتح الملهم: قوله: (فنعم المعونة هو) الخ أي ما يعان به على الطاعة ويدفع به ضروريات المؤنة إذ المراد بالمعونة الوصف مبالغة أي فنعم المعين على الدين وضمير هو راجع إلى المال قال الحافظ: وفيه إشارة إلى عكسه وهو بئس الرفيق هو لمن عمل فيه بغير الحق وقوله (كالذي يأكل ولا يشبع) ذكره في مقابلة: (فنعم المعونة هو) اهـ منه. (ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع) أي كمن به جوع البقرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2304) (0) (0) (حدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي نزيل بغداد ثم مرو ثقة من (9) (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الأسدي البصري (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر (صاحب الدستوائي) بفتح الدال والمثناة بينهما مهملة ساكنة وبالمد نسبة إلى دستواء من كور الأهواز وكان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها أبي بكر البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5)

عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ. فَقَال: "إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيكُمْ بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا" فَقَال رَجُل: أَوَ يَأْتِي الْخَيرُ بِالشَّرِّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ تُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُكَلِّمُكَ؟ قَال: وَرَأينَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيهِ. فَأفَاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن هلال) بن علي بن أسامة (بن أبي ميمونة) ويقال: (ابن أبي هلال) القرشي العامري المدني ثقة من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني (عن أبي سعيد الخدري) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد مروزي غرضه بيان متابعة هلال بن أبي ميمونة لزيد بن أسلم في رواية هذا الحديث عن عطاء بن يسار. (قال) أبو سعيد: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: إن مما أخاف عليكم بعدي) من الفتن (ما يفتح عليكم) أي فتنة ما يفتح عليكم (من زهرة الدنيا وزينتها) أي إن من جملة ما أخشى عليكم. قال العيني: ويجوز أن تكون ما مصدرية والتقدير: إن من خوفي عليكم وما في قوله: (ما يفتح) يحتمل الوجهين أيضًا اهـ. (فقال رجل) من الحاضرين لم أعرف اسمه: (أ) تقول ذلك (و) هل (يأتي الخير بالشر يا رسول الله قال) أبو سعيد: (فسكت عنه) أي عن الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له) أي للرجل أي فقال بعض الحاضرين للرجل السائل ظانا أنه عليه الصلاة والسلام رأى سؤاله منكرًا: (ما شانك) وحالك أيها الرجل (تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك) ولا يجيب كلامك (قال) أبو سعيد: (ورأينا) أي ظننا (أنه) صلى الله عليه وسلم (ينزل عليه) الوحي أي يوحى إليه بواسطة جبريل وإلا فهو ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إما وحيا جليا أو خفيا اهـ ملا علي. (فأفاق) من شدة ما يراه عند الوحي حالة كونه (يمسح عنه) أي عن جسده الشريف (الرحضاء) أي العرق الحاصل من شدة الوحي وأكثر ما يسمى به عوف الحمَّى.

وَقَال: "إِنَّ هذَا السَّائِلَ" (وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ) فَقَال: "إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيرُ بِالشَّرِّ. وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ. إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ. فَإِنَّهَا أَكَلَتْ. حتَّى إِذَا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَينَ الشَّمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي فتح الملهم: الرحضاء بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد هو العرق وقيل: للكثير وقيل: عرق الحُمي وأصل الرحض بفتح ثم سكون الغسل ولهذا فسره الخطابي: إنه عرق يرحض الجلد لكثرته اهـ. (وقال) صلى الله عليه وسلم: (أن هذا السائل) لحقيق أن يجاب فأين هو؟ قال النواوي: هكذا هو في بعض النسخ وفي بعضها: أين وفي بعضها أنَّى وفي بعضها: أيُّ. وكله صحيح فمن قال: أنَّى أو أين فهما بمعنى ومن قال: إن فمعناه والله أعلم إن هذا هو السائل الممدوح الحاذق الفطن ومن قال: أيٌّ فمعناه أيكم فحذف الكاف والميم (و) لهذا قال الراوي (كأنه) صلى الله عليه وسلم (حمده) أي حمد ذلك السائل والحاصل أنهم لاموه أولا حيث رأوا سكوت النبي صلى الله عليه وسلم فظنوا أنه أغضبه ثم حمدوه آخرًا لما رأوا مسألته سببًا لاستفادة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله: (فكأنه حمده) فأخذه من قرينة الحال (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: (إنه لا يأتي الخير) الحقيقي (بالثمر و) لكن (أن مما ينبت الربيع) أي إن أغلب ما ينبت الربيع (يقتل) آكلته حبطًا وتخمة (أو يلم) قتلها قال الحافظ: ومما فيه للتكثير وليست من للتبعيض لتوافق رواية كلما أنبت. وفي بعض الهوامش: قوله: وإن مما ينبت الربيع الخ ووقع في الروايتين السابقتين إن كل ما ينبت الربيع أو أنبت الربيع ورواية (كل) محمولة على رواية (مما) وهو من باب {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ} {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ} اهـ نواوي. وقوله: (يقتل) إلخ قال العيني: فيه حذف ما سقط في الكلام من الرواية تقديره: ما يقتل اهـ. وهو اسم إن كما في ما يفتح عليكم اهـ. وهذا الكلام كله وقع كالمثل للدنيا وقد وقع التصريح بذلك في مرسل سعيد المقبري اهـ. (إلا آكلة الخضر فإنها أكلت) أي فإنها تأكله (حتى إذا امتلات) شبعًا وارتفعت (خاصرتاها) أي جنباها (أستقبلت عين الشمس) أي تركت الأكل وبركت مستقبلة ذات

فَثَلَطَتْ وَبَالتْ. ثُمَّ رَتَعَتْ. وَإِنَّ هذَا الْمَال خَضِرٌ حُلْوٌ. وَيعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ (أَوْ كَمَا قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ. ويكُونُ عَلَيهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشمس ولم تأكل ما فوق طاقة كرشها (فثلطت) أي أخرجت الروث الرقيق (وبالت) أي أخرجت البول (ثم رتعت) أي رعت واتسعت في المرعى (وإن هذا المال خضر) أي حسن المنظر كالخضروات (حلو) أي لذيذ المذاق كالحلاوة (ونعم صاحب المسلم) أي نعم رفيقه والمخصوص بالمدح (هو) أي هذا المال المن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل) فيه فضيلة المال لمن أخذه بحقه وصرفه في وجوه الخير وفيه حجة لمن يرجح الغنى على الفقر والله أعلم. (أو) لفظ الحديث (كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) شك الراوي هل قال الرسول لفظة (نعم صاحب المسلم هو) أو قال (نعم المعونة هو) أو قال (نعم العون هو) مثلًا. قال الحافظ: والشك من يحيى بن أبي كثير اهـ. (وإنه) أي وإن هذا المال (من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة) أي حجة عليه يوم يشهد على حرصه وإسرافه وأنه أنفقه فيما لا يرضاه الله تعالى ولم يؤد حقه من مال الله لعباد الله. قال الحافظ: يحتمل أن يشهد عليه حقيقة بأن ينطقه الله تعالى ويجوز أن يكون مجازًا والمراد شهادة الملك الموكل به اهـ. وعبارة القرطبي هنا: يحتمل البقاء على ظاهره وهو أنه يجاء بماله يوم القيامة فينطق الصامت منه بما فعل فيه أو يمثل له أمثال حيوانات كما جاء في مال مانع الزكاة من أنه يمثل له ماله شجاعًا أقرع أو يشهد عليه الموكلون بكتب الكسب والإنفاق وإحصاء ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

(2305) (1018) - (168) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أن نَاسًا مِنَ الأنصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَعْطَاهُمْ. ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ. حَتى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَال: "مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ. وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ. وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ. وَمَنْ يَصْبِرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2305) (1018) (168) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن ناسًا من الأنصار) رضي الله تعالى عنهم لم أر من ذكر أسماءهم (سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) شيئًا من مال الله تعالى (فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم) فيه إعطاء السائل مرتين (حتى إذا نفد) بكسر الفاء من باب فهم أي فرغ وفني (ما عنده) صلى الله عليه وسلم من المال (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يكن) أي يوجد (عندي من خير) أي مال وما شرطية ويكن تامة فعل شرط لما. وفي بعض الروايات: (ما يكون عندي) بالرفع فما حينئذ موصولة متضمنة معنى الشرط والمعنى الذي يوجد عندي من مال الله تعالى. (فـ) أنا أعطيكم و (لن أدخره) أي فلن أجعله مدخرًا مخبوءًا لنفسي أو لغيركم مستبدًا به معرضًا (عنكم) والجملة الفعلية جواب الشرط ربطها بالفاء وجوبًا لاقترانها بلن الناصبة كما هو القاعدة النحوية وفيه ما كان عليه من السخاء وإنفاذ أمر الله والاعتذار إلى السائل والحض على التعفف وفيه جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بغير مسألة (ومن يستعفف) أي يمتنع عن السؤال للخلق (يعفه الله) بتشديد الفاء المفتوحة أي يجازه على استعفافه بصيانة وجهه ورفع فاقته. وقال ابن التين: معناه إما بأن يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال وإما بأن يرزقه القناعة والله أعلم. (ومن يستغن) بالله وبما أعطاه عمن سواه (يغنه الله) أي يخلق في قلبه الغنى فإن الغنى غنى النفس كما مر أو يعطه ما يستغنى به عن الخلق (ومن يصبر) وفي بعض الرواية: (ومن يتصبر) أي يكلف نفسه على الصبر وترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له

يُصَبِّرْهُ اللهُ. وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الرزق (يصبِّره الله) أي يقوه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له وتذعن لتحمل الشدائد وعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه ويوصله إلى مرغوبه اهـ من المفهم. وعبارة العون هنا: (ومن يستعفف) أي من يطلب من نفسه العفة عن السؤال وليست السين لمجرد التأكيد (يعفه الله) أي يجعله عفيفًا من الإعفاف وهو إعطاء العفة وهي الحفظ عن المناهي يعني من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز لا يفنى (ومن يستغن) أي يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيًّا من التعفف (يغنه الله) أي يجعله غنيًّا أي بالقلب. لأن الغنى ليس عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس (ومن يتصبر) أي يطلب توفيق الصبر من الله لأن الله تعالى قال لنبيه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بِاللَّهِ} أو يأمر نفسه بالصبر ويكلفها بتحمل مشاقه وهو تعميم بعد تخصيص لأن الصبر يشمل صبرًا على الطاعة وصبرًا عن المعصية وعلى البلية أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه (يصبره الله) بالتشديد أي يسهل عليه الصبر فتكون الجمل مؤكدات ويؤيد إرادة معنى العموم قوله: (وما أعطي أحد) بالرفع نائب فاعل لأعطى (من عطاء) من زائدة عطاء بمعنى شيئا معطى مفعول ثان لأعطى (خير) بالرفع خبر لمبتدإ محذوف (وأوسع) معطوف على خير (من الصبر) تنازع فيه كل من خير وأوسع والجملة الاسمية صفة لعطاء بمعنى معطي أي وما أعطى أحد من الناس عطاء هو خير وأوسع وأشرح للصدر من الصبر وذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات لأنه جامع لمكارم الأخلاق والصفات والحالات كذا في المرقاة وفي بعض الروايات: (خيرًا وأوسع) بالنصب فيهما صفة لعطاء تابع لمحله وهي أوضح قال النواوي: كذا في نسخ مسلم خير بالرفع وهو صحيح والتقدير: هو خير وأوسع كما في رواية البخاري من طريق مالك وفي الحديث الحض على الاستغناء عن الناس والتعفف عن سؤالهم بالصبر والتوكل على الله وانتظار ما يرزقه الله وأن الصبر أفضل ما يعطاه المرء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 93) والبخاري (1469) وأبو داود (1644) والترمذي (2024) والنسائي (5/ 95 - 96). ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

(2306) (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (2307) (1019) - (169) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ. حَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ (وَهُوَ ابْنُ شَرِيكٍ) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2306) (0) (0) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر لمالك بن أنس (بهذا الإسناد) أي أخبرنا معمر بهذا الإسناد يعني عن عطاء عن أبي سعيد (نحوه) أي نحو ما حدَّث مالك عن الزهري. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: (2307) (1019) (169) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ) عبد الله بن يزيد المّصير المصري نزيل مكة ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم أبي يحيى المصري ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (حدثني شرحبيل وهو ابن شريك) المعافري أبو محمد المصري. روى عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي في الزكاة والنكاح وعلي بن رباح ويروي عنه (م دت س) وسعيد بن أبي أيوب وحيوة بن شريح والليث وابن لهيعة قال أبو حاتم: صالح الحديث وقال النسائي: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: صدوق من السادسة (عن أبي عبد الرحمن الحبلي) منسوب إلى بني حبل بطن من الأنصار -والمشهور في استعمال المحدثين ضم الباء منه والمشهور عند أهل العربية فتحها ومنهم من سكنها قاله النووي- المعافري المصري روى عن عبد الله بن عمرو في الزكاة والنكاح والجهاد والقدر والزهد وأبي أيوب في الجهاد وأبي سعيد الخدري في الجدال وجابر بن عبد الله في اللباس ويروي عنه (م عم) وشرحبيل بن شريك وأبو هانئ الخولاني وعياش بن عباس وثقه ابن سعد والعجلي وابن معين وقال في التقريب ثقة من الثالثة مات بإفريقية سنة مائة (105) (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي أبي محمد المدني بينه وبين ابنه إحدى عشرة سنة.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كفافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتاهُ". (2308) (1020) - (170) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجِّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعمَشُ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ. كِلاهُمَا عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون وواحد مدني وواحد كوفي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد أفلح) أي فاز وظفر بمطلوب الدنيا والآخرة (من أسلم) وجهه لله وانقاد لشريعة الإسلام (ورزق كفافًا) أي ما يكفه ويمنعه من مسئلة الناس والكفاف بفتح الكاف من الكف بمعنى المنع لا من الكفاية كما يتوهم (وقنعه الله) سبحانه (بما آتاه) من الرزق فلم تطمح نفسه لطلب ما زاد على ذلك فمن حصل له ذلك فقد فاز اهـ مناوي. قال القرطبي: والكفاف ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات والفاقات ولا يلحق بأهل الترفهات ومعنى هذا الحديث أن من فعل تلك الأمور واتصف بها فقد حصل على مطلوبه وظفر بمرغوبه في الدنيا والاخرة اهـ من المفهم. قال النواوي: فيه فضيلة هذه الأوصاف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 168 و 172) والترمذي (2348) وابن ماجه (4138). ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن عمرو بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: (2308) (1020) (175) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وأبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (قالوا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (عن أبيه) فضيل بن غزوان (كلاهما) أي كل من الأعمش وفضيل بن غزوان رويا (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذان السندان من سداسياته ومن لطائفهما أن رجالهما كلهم كوفيون إلا أبا هريرة وعمرًا الناقد. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل رزق آل محمد) أي ذريته وأهل بيته أو أتباعه وأحبابه على وجه الكمال اهـ ملا علي. ومفاد ما ذكره ابن الملك كون آل مقحمًا (قوتًا) قال النواوي: القوت عند أهل اللغة والعربية ما يسد الرمق اهـ. وفي المشكاة زيادة: وفي رواية (كفافًا) فقال ملا علي: وهو من القوت ما يكف الرجل عن الجوع أو عن السؤال والظاهر أن هذه الرواية تفسير للأول اهـ. قال القرطبي: قوله: (قوتًا) أي ما يقوتهم ويكفيهم بحيث لا يشوشهم الجهد ولا ترهقهم الفاقة ولا تذلهم المسألة والحاجة ولا يكون أيضًا في ذلك فضول يخرج إلى الترف والتبسط في الدنيا والركون إليها وهذا يدل على زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وعلى تقلله منها وهو حجة لمن قال: إن الكفاف أفضل من الفقر والغنى اهـ من المفهم. قال النواوي: وفي الحديث فضيلة التقلل من الدنيا والاقتصار على القوت منها والدعاء بذلك اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 446 و 481) والترمذي (2361) وابن ماجه (4139). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثالث: حديث أبي سعيد الخدري أيضًا ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. والخامس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو والله أعلم.

433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه

433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه (2309) (1021) - (171) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ. قَال: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا. قَال فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَغَيرُ هؤُلاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 433 - (51) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة وإعطاء المؤلفة قلوبهم وتصبر من قوي إيمانه (2309) (1021) (171) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال إسحاق: أخبرنا وقال: الآخران: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن سلمان بن ربيعة) بن يزيد بن عمرو بن سهم التميمي الباهلي أبي عبد الله الكوفي وهو أول قاض استقضى بالكوفة فمكث أربعين يوما لا يأتيه خصم وكان قد استقضاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينئذ ويقال له سلمان الخيل كان يلي الخيول في خلافة عمر بالكوفة وكان رجلًا صالحًا يحج كل سنة روى عن عمر بن الخطاب في الزكاة مختلف في صحبته ويروي عنه (م) وأبو وائل وأبو ميسرة وأبو عثمان النهدي وسويد بن غفلة والشعبي قال أبو حاتم: له صحبة وقال ابن منده: ذكره البخاري في الصحابة ولا يصح وقال العجلي: كوفي ثقة وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وإن أردت تمام البحث عن ترجمته فراجع إلى الإصابة (ج 2 ص 61) وتهذيب التهذيب لابن حجر (ج 4 ص 136). (قال) سلمان: (قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما كوفي أو نسائي أو مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض الأعمش وسلمة وسلمان. (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين المسلمين أموال الفيء (قسمًا) مصدر مؤكد

كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ. قَال: "إِنَّهُمْ خَيَّرُوبي أنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ أَوْ يُبَخِّلُونِي. فَلَسْتُ بِبَاخِلٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لعامله (قال) عمر: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (والله يا رسول الله لغير هولاء) الذين أعطيتهم بفتح اللام على أنها لام قسم والمراد بغيرهم أهل الصفة قال ابن الملك: كان أحق به) أي بهذا العطاء (منهم) أي من الذين قسمت لهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم خيَّروني) بلسان الحال بين (أن يسألوني بالفحش) والغلظة فأعطيتهم (أو يبخِّلوني) أي ينسبوني إلى البخل إن لم أعطهم (فلست بباخل) أي بممتنع عن إعطائهم فيصفوني بالبخل. يعني أن الذين أعطيتهم لا يخلو حالهم من أحد الأمرين إما أن يسألوني بالفحش والتعدي في الطلب أو ينسبوني إلى البخل فما أعطيتهم إنما هو لدفع الأمرين لا برضى القلب شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما ظهر من حالهم مع نفسه بالتخيير فقال: خيروني على وجه الاستعارة اهـ مبارق. وقوله: (فلست بباخل) أي لا يوجد في البخل على وجه الحدوث فضلًا أن يكون على وجه الثبوت ونظيره من القرآن قوله تعالى: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}. قال القرطبي: قوله: (إنهم خيروني) إلخ معناه أنهم ألحوا عليه في المسألة واشتطوا في السؤال وقصدوا بذلك أحد شيئين إما أن يصلوا إلى ما طلبوه أو ينسبوه إلى البخل فاختار النبي صلى الله عليه وسلم ما يقتضيه كرمه من إعطائهم ما سألوه وصبره على جفوتهم فسلم من نسبة البخل إليه إذ لا يليق به وحلم عنهم كي يتألفهم وكأن عمر رضي الله عنه عتب عليه في ذلك نظرًا إلى أهل الدين والغناء فيه أحق بالمعونة عليه وهذا هو الذي ظهر لسعد بن أبي وقاص فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بمصالح أخر لم تخطر لهم هي أولى مما ظهر لهم اهـ مفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وقوله: (إنهم خيروني) إلخ قال الأبي: الأظهر أنه بلسان الحال قال عياض: والمعنى أنهم اشتطوا عليَّ في السؤال على وجه يقتضي أنه إن أجابهم إليها حاباهم وإن منعهم آذوه وبخلوه فاختار أن يعطي إذ ليس البخل من خلقه صلى الله عليه وسلم ومداراةً وتألفًا كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره) وكما أمر الله تعالى بإعطاء المؤلفة قلوبهم كذا في إكمال المعلم وفيه أيضًا تنبيه لظنه أن الإيثار بالعطاء هو بحسب

(2310) (1022) - (172) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيمَانَ الرَّازِيُّ. قَال: سَمِعْتُ مَالِكًا. ح وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضيلة والسابقة في الدين فبين له صلى الله عليه وسلم وجه إيثاره بقوله: إنهم خيروني. قال النواوي: وفيه مدارة أهل الجهالة والقسوة وتألفهم إذا كان فيهم مصلحة وجواز دفع المال إليهم لهذه المصلحة. ثم استشهد المؤلف لحديث عمر رضي الله عنه بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: (2310) (1022) (172) (حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي) أبو يحيى الكوفي العنزي أو العبدي روى عن مالك بن أنس في الزكاة وأفلح بن حميد في الحج وحنظلة بن أبي سفيان في اللباس والعلم والفتن ويروي عنه (ع) وعمرو الناقد ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب والكوسج قال: وكان يبكي كل ساعة وكان يعد من الأبدال خاشعًا عابدًا وثقه ابن سعد والنسائي وابن معين وجماعة وقال في التقريب: ثقة من التاسعة مات سنة (200) مائتين في أولها قاله أبو داود (قال: سمعت مالكًا) ابن أنس الإمام. (ح وحدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة الصدفي أبو موسى المصري وثقه النسائي وأبو حاتم وقال في التقريب: ثقة من صغار العاشرة مات سنة (264) أربع وستين ومائتين وله (96) ست وتسعون سنة روى عنه في (3) أبواب (واللفظ له أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (حدثني مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن) عمه (أنس بن مالك) الأنصاري المدني. وهذان السندان من خماسياته الأول منهما رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد كوفي وواحد بغدادي والثاني منهما رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بصري.

وَعَلَيهِ رِداءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ. فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ. فَجَبَذَهُ بِرِدَالهِ جَبْذَة شَدِيدَةٌ. نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ. مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أنس: أكنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ في رواية الأوزاعي (أدخل المسجد) (وعليه) صلى الله عليه وسلم (رداء) ما يليس في أعالي البدن وفي بعض الروايات: (برد) أي ثوب مخطط على ما في النهاية (نجراني) بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى نجران بلد معروف بين الحجاز والشام واليمن أي من عمل أهل نجران كما في النهاية. (غليظ الحاشية) بالرفع صفة لرداء أو برد أي ثخين الطرف الطولي وهذا يدل على إيثاره صلى الله عليه وسلم التقلل من الدنيا والتبلغ منها بما أمكن من اللباس والمطعم وغيره وأنه لم يكن بالذي يترفه في الدنيا ولا يتوسع فيها اهـ مفهم. (فأدركه) صلى الله عليه وسلم أي لحقه من خلفه (أعرابي) أي شخص من الأعراب أي من سكان البادية في رواية الأوزاعي (فجاء أعرابي من خلفه) (فجبذه) بفتح الجيم والموحدة بعدها ذال معجمة وفي رواية الأوزاعي (فجذب) بتقديم الذال وتأخير الباء وهي بمعنى جبذ. قال النواوي: جبذ وجذب لغتان مشهورتان وفي الرواية الثانية (فجاذبه) وهو بمعنى جبذه وبابهما ضرب كما في المصباح أي جبذ الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجره إليه (بردائه) أي برداء النبي صلى الله عليه وسلم (جبذة شديدة) أي جرة شديدة (نظرت) لأجلها (إلى صفحة) أي إلى جانب (عنق رسول الله) فرأيتها (وقد أثرت بها) أي في صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم (حاشية الرداء) وطرفها الغليظ الطولي (من شدة جبذته) أي لأجل جذبة الأعرابي الشديدة. قال القاري وصدق الله سبحانه وتعالى في قوله: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}. قال الحافظ: وزاد في رواية همام إن ذلك وقع من الأعرابي لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجرته ويجمع بأنه لقيه خارج المسجد فأدركه لما كاد يدخل

ثُمَّ قَال: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَضَحِكَ. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فكلمه وأمسك بثوبه لما دخل فلما كاد يدخل الحجرة خشي أن يفوته فجبذه اهـ. (ثم قال) الأعرابي: (يا محمد مر) وكلاءك بأن يعطوا (لي من مال الله الذي) كان (عندك) وعبارة الفتح: أي (مر وكلاءك أن يعطوا لي من مال الله أو من غير مالك الذي خص بك) كما صرح به في رواية حيث قال: (لا من مالك ولا من مال أبيك) قيل المراد به مال الزكاة فإنه كان يصرف بعضه إلى المؤلفة (فالتفت إليه) أي إلى الأعرابي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) تعجبًا (فضحك) به تلطفًا وفي رواية الأوزاعي (فتبسم). (ثم أمر) صلى الله عليه وسلم وكلاءه بأن يعطوا (له) أي للأعرابي (بعطاء) أي شيئًا من العطاء. قال الحافظ: وفي هذا الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن. قال النواوي: وفيه العفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله واحتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم واباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل اهـ. قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على ما وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أنه على خلق عظيم وأنه رؤوف رحيم فإن هذا الجفاء العظيم الذي صدر من هذا الأعرابي لا يصبر عليه ولا يحلم عنه مع القدرة عليه إلا مثله ثم ضحكه صلى الله عليه وسلم عند هذه الجبذة الشديدة التي انشق البرد لها وتأثر عنقه بسببها حتى انفلت عن وجهته ورجع إلى نحر الأعرابي دليل على أن الذي تم له من مقام الصبر والحلم ما تم لأحد وهذا نظير صبره وحلمه يوم أحد حيث كسرت رباعيته وشج وجهه وصرع على جنبه وهو في هذا الحال يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم اهـ من المفهم.

(2311) (0) (0) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. ح وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. عَنِ الأوزَاعِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِهذَا الْحَدِيثِ. وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارِ مِنَ الزِّيَادَةِ: قَال: ثُمَّ جَبَذَهُ إِلَيهِ جَبْذَةً. رَجَعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ الأعرَابِيِّ. وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ: فَجَاذَبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 152 و 210) والبخاري (5809). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2311) (0) (0) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري أبو سهيل البصري صدوق من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري ثقة من (7) (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليمامي ثقة من (9) (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي اليمامي صدوق من (5). (ح وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النيسابوري نزيل مكة قال في التقريب ثقة من كبار (11) الحادية عشرة (حدثنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي ثقة من (9) (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبي عمرو الشامي ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (كلهم) أي كل من همام وعكرمة بن عمار والأوزاعي رووا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) الذي رواه مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس ثم بين محل المخالفة فقال: (و) لكن (في حديث عكرمة بن عمار) وروايته (من الزيادة) على مالك (قال) أنس: (ثم جبذه إلبه جبذة رجع نبي الله صلى الله عليه وسلم) بسببها إلى جهة الأعرابي حتى صار منضمًا (في نحر الأعرابي) وصدره من شدة جذبه والنحر أعلى الصدر تحت العنق أي

حَتَّى انْشَقَّ الْبُرْدُ. وَحَتى بَقِيَتْ حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. (2312) (1023) - (173) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ؛ أَنهُ قَال: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ استقبل نحره استقبالًا تامًّا وهو معنى قوله (وإذا التفت التفت معًا) وهذا يدل على أنه لم يتغير ولم يتأثر من سوء أدبه. (وفي حديث همام) بن يحيى وروايته (فجاذبه) صلى الله عليه وسلم الأعرابي أي جذبه جذبة شديدة وهو بمعنى جبذ الثلاثي لأن المفاعلة ليست على بابها (حتى انشق) وانقطع (البرد) في عنقه صلى الله عليه وسلم (وحتى بقيت حاشيته) أي حاشية البرد وطرفه الغليظ (في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي: يحتمل أنه على ظاهره وأن الحاشية انقطعت وبقيت في العنق ويحتمل أن يكون معناه وبقى أثرها لقوله في الرواية الأخرى: (وقد أثرت بها حاشية الرداء). ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمر بحديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما فقال: (2312) (1023) (173) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي بكر المكي ثقة من (3) روى عنه في (20) عشرين بابا (عن المسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبي عبد الرحمن المكي الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مصري وواحد بلخي. (أنه) أي أن المسور بن مخرمة (قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية) بين مؤلفة المسلمين جمع قباء بفتح القاف وبالموحدة ممدودا كسماء فارسي معرب وقيل: عربي واشتقاقه من القبو وهو الضم والجمع وهو ثوب يلبس فوق الثياب مفتوح قدام (ولم يعط) رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الأقبية والدي (مخرمة) بن نوفل (شيئًا) منها في حال تلك القسمة وإلا فقد وقع في رواية حماد بن زيد متصلًا بقوله: (من أصحابه) وعزل منها واحدًا لمخرمة ومخرمة هو والد المسور وهو ابن نوفل الزهري كان

فَقَال مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ! انْطَلِق بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. قَال: ادْخُل فَادْعُهُ لِي. قَال: فَدَعَوْتُهُ لَهُ. فَخَرَجَ إِلَيهِ وَعَلَيهِ قَبَاءٌ مِنْهَا. فَقَال: "خَبَأْتُ هذَا لَكَ". قَال: فَنَظَرَ إِلَيهِ فَقَال: "رَضِيَ مَخْرَمَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من رؤساء قريش ومن العارفين بالنسب وأنصاب الحرم وتأخر إسلامه إلى الفتح وشهد حنينًا وأعطي من تلك الغنيمة مع المؤلفة ومات سنة (54) أربع وخمسين وهو ابن (115) مائة وخمس عشرة سنة ذكره ابن سعد كذا في الفتح. (فقال) والدي (مخرمة: يا بني) تصغير ابن تصغير شفقة (انطلق) أي اذهب (بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت) أي ذهبت (معه) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) لي والدي مخرمة يا بني: (ادخل) منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فادعه) أي فادع رسول الله صلى الله عليه وسلم الي) واطلب منه الخروج إلي (قال) المسور: (فدعوته) أي فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لمخرمة (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى مخرمة (وعليه) أي والحال أن على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم (قباء) بوزن سماء (منها) أي من بقية تلك الأقبية المقسومة. قال الحافظ: ظاهره استعمال الحرير قيل: ويجوز أن يكون قبل النهي ويحتمل أن يكون المراد أنه نشره على أكتافه ليراه مخرمة كله ولم يقصد لبسه. (قلت) ولا يتعين كونه على أكتافه بل يكفي أن يكون منشورا على يديه فيكون قوله (عليه) من إطلاق الكل على البعض وقد وقع في رواية حاتم (فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه) وفي رواية حماد (فتلقاه به واستقبله بأزراره). (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمخرمة (خبأت) أي أخفيت وأبقيت (هذا) القباء وحفظته (لك) يا مخرمة من الناس لأعطيه إياك قال النواوي: هو من باب التأليف (قال) المسور (فنظر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى مخرمة وهو لابس للقباء (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له هل (رضي مخرمة) ما أعطيت له من القباء ففيه التفات قال الداودي: هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الاستفهام أي هل رضيت وقال ابن التين: يحتمل أن يكون من قول مخرمة قلت وهو المتبادر إلى الذهن كذا في الفتح والله أعلم والمعنى عليه فنظر مخرمة إلى القباء فقال مخرمة: رضي مخرمة القباء.

(2313) (0) (0) حدَّثنا أَبُو الْخَطَّابِ زَيادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا أَئوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ. قَال: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ. فَقَال لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيئًا. قَال: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (2599) وأبو داود (8/ 205) والترمذي (4028) والنسائي (2818). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه فقال (2313) (0) (0) (حدثنا أبو الخطاب زياد بن بحيى) بن زياد بن حسان النكري بضم النون وسكون الكاف نسبة إلى نكرة بطن من بطون العرب (الحساني) نسبة إلى جده العدني البصري روى عن حاتم بن وردان في الزكاة ومحمد بن سواء في النكاح ومحمد بن أبي عدي في الدعاء وابن عيينة ومعتمر بن سليمان ويروي عنه (ع) وله في (خ) فرد حديث وثقه النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (10) مات سنة (254) أربع وخمسين ومائتين (حدثنا حاتم بن وردان) السعدي (أبو صالح) البصري روى عن أيوب السختياني في الزكاة والضحايا وابن جدعان ويروي عنه (خ م ت س) وزياد بن يحيى الحساني وابن راهويه وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثامنة مات سنة (184) أربع وثمانين ومائة (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي أبو بكر البصري ثقة من (5) روى عنه في (17) بابا (عن عبد الله) بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن جدعان التيمي المكي (عن المسور بن مخرمة) الزهري المكي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب السختياني لليث بن سعد في الرواية عن ابن أبي مليكة. (قال) المسور: (قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية) وفي بعض الروايات أهديت له. قال ابن بطال: ما أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين فحلال له أخذه لأنه فيء وله أن يهب منه ما شاء ويؤثر به من شاء كالفيء وأما من بعده فلا يجوز

فَتَكَلَّمَ. فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ. وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ. وَهُوَ يَقُولُ: "خَبَأْتُ هذَا لَكَ. خَبَأتُ هذَا لَكَ". (2314) (1024) - (174) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ له أن يختص به لأنه غنما أهدي إليه لكونه أميرهم اهـ. (فقال لي أبي مخرمة: انطلق بنا إليه) صلى الله عليه وسلم (عسى) أي نرجو (أن يعطينا منها) أي من تلك الأقبية (شيئًا قال) المسور: (فقام أبي على الباب) أي على باب منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتكلم) أبي بكلام ليسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إليه (فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته) قال السندي: ولعله اجتمعت المعرفة مع دعوة الولد فصارت سببًا للخروج ولا منافاة بينهما (فخرج) النبي صلى الله عليه وسلم إليه (ومعه) أي والحال أنه مع النبي صلى الله عليه وسلم (قباء وهو) صلى الله عليه وسلم (يريه) أي يري أبي (محاسنه) أي محاسن ذلك القباء أي حسنه وجودته (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول) لأبي: (خبأت) وأبقيت (هذا) القباء الجيد (لك) واخترته لك من بين الأقبية وقوله: (خبأت هذا لك) توكيد لفظي لما قبله زاد في رواية حماد أبا المسور هكذا دعاه بالمسور وكأنه على سبيل التأنيس له بذكر والده الذي جاء صحبته وإلا فكنيته في الأصل أبو صفوان وهو أكبر أولاده ذكر ذلك ابن سعد وزاد حماد أيضًا في آخر الحديث (وكان في خلقه شدة). قال ابن بطال: يستفاد منه استئلاف أهل اللسن ومن في معناهم بالعطية والكلام الطيب. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: (2314) (1024) (174) (حدثنا الحسن بن علي الحلواني) الهذلي أبو علي المكي ثقة من (11) (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب) الزهري المدني

أنَّهُ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ. قَال: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلا لَمْ يُعْطِهِ. وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ. فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلانٍ؟ وَاللهِ! إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. قَال: "أَوْ مُسْلِمًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرني عامر بن سعد) بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري المدني (عن أبيه سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله ستة منهم مدنيون وواحد إما مكي أو كسي. (أنه أعطى) هكذا هو في النسخ وهو صحيح لأنه على حذف قال تقديره: (أنه) أي أن سعدا قال: أعطى (رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطًا) أي جماعة من المؤلفة. وفي بعض الهوامش: لفظة قال ساقطة عند الشارح موجودة في نسختنا اهـ. (وأنا جالس فيهم) أي في أولئك الرهط (قال) سعد: (فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم) أي من أولئك الرهط (رجلًا لم يعطه) اسمه جعيل مصغرًا ذكره برهان الدين في تنبيه المعلم (وهو) أي ذلك الرجل المتروك (أعجبهم) أي أعجب أولئك الرهط وأفضلهم وأرضاهم دينًا (إلي) أي عندي (فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ليتوجه إلي وهذا مسلك أدب (فساررته) صلى الله عليه وسلم أي فكلمته سرًّا دون جهر تأدبًا معه صلى الله عليه وسلم وفيه التأدب مع الكبار وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه ولا يجاهرون به فقد يكون في المجاهرة مفسدة اهـ فتح الملهم. (فقلت) له في تكليمه: (يا رسول الله ما لك) أي أي شيء ثبت لك في إعراضك (عن فلان) ولم تعطه يعني أي سبب لعدولك عنه إلى غيره في الإعطاء ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر وفي الحديث جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه وتنبيه الصغير للكبير على ما يظن أنه ذهل عنه ومراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة (والله إني لأراه) ضبطه النواوي بفتح الهمزة أي لأعلمه. وقال ملا علي: بضم الهمزة أي لأظنه (مومنًا) أي كامل الإيمان (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلهم (أو) بإسكان الواو تلقين له بالأحسن وهو الجزم بالإسلام الظاهر

فَسَكَتُّ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لكَ عَنْ فُلانٍ؟ فَوَاللهِ، إِني لأرَاهُ مُؤْمِنًا. قَال: "أَوْ مُسْلِمًا" فَسَكَتُّ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لكَ عَنْ فُلانٍ؟ إِني لأرَاهُ مُؤْمِنًا. قَال: "أَوْ مُسْلِمًا" قَال: "إِني لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النارِ عَلَى وَجْهِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ دون الإيمان الباطن وكأن سعدًا لكمال اشتغال قلبه بما كان فيه لم يتفطن لهذا التلقين فلذلك تكرر منه في المرة الثانية والثالثة الجزم بالإيمان والله تعالى أعلم أي بل (مسلمًا) أي بل ظنه أنت مسلمًا لا تقطع بإيمان من لم تختبر حاله في الباطن لأن الباطن لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى فالأولى لك التعبير بالإسلام الظاهر اهـ من المرقاة. وفي الحديث من الفوائد: التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام وترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه قال الراغب: والإسلام في الشرع على ضربين أحدهما دون الإيمان وهو الاعتراف باللسان وبه يحقن الدم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل وإياه قصد بقوله تعالى: {قَالتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} والثاني فوق الإيمان وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب ووفاء بالفعل واستسلام لله تعالى في جميع ما قضى وقدر كما ذكر من إبراهيم - عليه السلام - في قوله تعالى: {إِذْ قَال لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَال أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ}. قال سعد: (فسكتُّ) بضم التاء المشددة لأن لام الكلمة أدغم في تاء الفاعل أي سكت عن الكلام زمنًا (قليلًا ثم كلبني) وأحوجني إلى الكلام (ما) كنت (أعلم منه) أي من ذلك الرجل المتروك من حسن إسلامه وكريم أخلاقه (فقلت) ثانيًا: (يا رسول الله ما لك) معرضًا (عن فلان) فلم تعطه (فوالله إني لأراه مؤمنًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مسلمًا) أي بل قل أراه مسلمًا لأن الإيمان لا يطلع عليه غير الله تعالى (فسكت قليلًا ثم غلبني ما أعلم فقلت) ثالثًا: (يا رسول الله ما لك عن فلان إني لأراه مؤمنًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل أراه مؤمنًا: (أو مسلمًا) أي بل قل أراه مسلمًا ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة: (إني لأعطي الرجل) أراد به الجنس أي رجلًا من الرجال اهـ ملا علي. وفيه أن من أشير عليه بما يعتقده المشير مصلحة لا ينكر عليه بل يبين له وجه الصواب وفيه الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك إجابته وأن لا عيب على

وَفِي حَدِيثِ الْحُلْوَانِيِّ تَكْرَارُ الْقَوْلِ مَرَّتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافع إذا ردت شفاعته لذلك (وغيره) أي والحال أن غير ذلك الرجل المعطي (أحب إليَّ) أي أفضل وأعجب عندي وأولى بالعطاء (منه) أي من ذلك المعطي (خشية) أي مخافة (أن يكبَّ) ويسقط ذلك الرجل المعطي (في النار على وجهه) يوم القيامة إن لم أعطه وقوله: خشية مفعول لأجله أي إنما أعطي بعضا لعلمي أن إيمانه ضعيف حتى لو لم أعطه لأعرض عن الحق وسفط في النار على وجهه وأترك بعضا في القسمة لعلمي أنه قام بالإيمان وأوثق بجميع ما أفعله وفيه بيان أن الإمام يجوز له أن يرجح البعض في قسمة الغنيمة لما يرى فيه من المصلحة اهـ مبارق. قال الأبي: يعني لذمه وتبخيله النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يعطه فيكفر وقيل: غير ذلك. (وفي حديث) حسن بن علي (الحلواني) وروايته (تكرار القول) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أو مسلمًا) (مرتين) فقط لا ثلاثًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ومعنى هذا الحديث على ما قاله النواوي أن سعدا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي ناسًا ويترك من هو أفضل منهم في الدين وظن أن العطاء يكون بحسب الفضائل في الدين وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم حال هذا الإنسان المتروك فأعلمه به وحلف أنه يعلمه مؤمنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أو مسلمًا) فلم يفهم منه النهي عن الشفاعة فيه مرةً أخرى فسكت ثم رآه يعطي من هو دونه بكثير فغلبه ما يعلم من حسن حال ذلك الإنسان فقال: (يا رسول الله ما لك عن فلان) تذكيرا وجوَّز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هم بعطائه من المرة الأولى ثم نسيه فأراد تذكيره وهكذا المرة الثالثة إلى أن أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن العطاء ليس هو على حسب الفضائل في الدين فقال صلى الله عليه وسلم (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار) معناه إني أعطي ناسا مؤلفة في إيمانهم ضعف لو لم أعطهم كفروا فيكبهم الله تعالى في النار وأترك أقواما هم أحب إليَّ من الذين أعطيتهم ولا أتركهم احتقارًا لهم ولا لنقص دينهم ولا إهمالًا لجانبهم بل أكلهم إلى ما جعل الله في قلوبهم من النور والإيمان التام وأثق بأنهم لا يتزلزل إيمانهم لكماله اهـ.

(2315) (0) (0) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (2316) (0) (0) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ثبت هذا المعنى في صحيح البخاري عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالًا وترك رجالًا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فحمد الله تعالى ثم أثنى عليه ثم قال (أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إليَّ من الذي أعطي ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقوامًا إلى ما جعل في قلوبهم من الغنى والخير) اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: (2315) (0) (0) (حدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة المكي (ح وحدثنيه زهير بن حرب) النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب المدني (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري وثقه أبو داود وضعفه ابن معين وقال في التقريب: صدوق له أوهام من (6) روى عنه في (3) أبواب مات سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة قال الواقدي: قتله غلمانه بأمر ابنه (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة من سفيان ومحمد بن عبد الله ومعمر رووا (عن الزهري) محمد بن مسلم (بهذا الإسناد) يعني عن عامر بن سعد عن أبيه (على معنى) أي بمعنى (حديث صالح) بن كيسان (عن الزهري) وعبر بعلى في قوله (على معنى) فرارًا من كراهة تعلق حرفي جر متحدي المعنى واللفظ بعامل واحد وغرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن الزهري.

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ؛ قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ بِهذَا الْحَدِيثِ. يَعْنِي حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا. فَقَال فِي حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بَينَ عُنُقِي وَكَتِفِي، ثُمَّ قَال: "أَقِتَالًا أَي سَعْدُ؟ ! ". (2317) (1025) - (175) حدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث سعد رضي الله عنه فقال: (2316) 3 (0) (0) (حدثنا الحسن بن علي الحلواني) أبو علي الهذلي المكي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان المدني (عن إسماعيل بن محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من (4) (قال) إسماعيل: (سمعت) أبي (محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من (3) (يحدث بهذا الحديث) عن سعد بن أبي وقاص (يعني) إسماعيل بن محمد بقوله بهذا الحديث (حديث الزهري) أي حديثًا رواه الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص. وهذا السند من سباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا حسن بن علي الحلواني غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن سعد لعامر بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبيهما سعد بن أبي وقاص. (الذي ذكرنا) هـ آنفًا (فقال) محمد بن سعد (في حديثه) أي في روايته قال سعد بن أبي وقاص (فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (بين عنقي) وهو أصل الرأس (وكتفي) وهو ما بين أصل العنق والعضد من سطح الإبط (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) تريد (قتالًا) ودفاعا عن عملي (أي سعد) أي: يا سعد؛ أي: أتدافعني مدافعة وتكابرني عن عملي يا سعد شبه تكريره القول بعد التنبيه بالقتال أي أمدافعة ومكابرة تريد يا سعد. وقد تقدم إشباع الكلام على هذا الحديث وما يتعلق به من البحث في كتاب الإيمان في باب تالف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهي عن القطع بالإيمان بغير دليل قاطع فليراجع.

أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا، يَوْمَ حُنَينٍ، حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ. فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيشٍ. الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ. فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ. يُعْطِي قُرَيشًا ويتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ! ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث سعد بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: (2317) (1025) (175) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد بصري وواحد مدني وواحد أيلي (أن أناسًا من الأنصار) لم أر من ذكر أسماءهم (قالوا يوم) غزوة (حنين) مصغرًا قال السهيلي: حنين الذي عرف به المكان هو حنين بن قانية ويقال لغزوة حنين غزوة أوطاس تسمية لها بالموضع الذي كانت فيه الوقعة (حين أفاء الله) تعالى أي رجع ورد (على رسوله) صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم يوم حنين وأصل الفيء الرد والرجوع ومنه سمي الظل بعد الزوال فيئًا لأنه رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق فكان الأموال التي بأيدي الكفار كانت بالأصالة للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه فغلب الكفار على تلك الأموال بطريق التعدي فإذا غنم المسلمون منهم شيئًا فكأنه رجع إليهم من يد الغاصب. (من أموال هوازن ما أفاء) عليه وهوازن قبيلة مشهورة من العرب وبلغ السَّبي يومئذ ستة آلاف نفس من النساء والأطفال وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفًا والغنم أربعين ألف شاة كما في الفتح أي حين جعل الله من أموالهم ما جعله فيئًا على رسوله وهو من الغنيمة ما لا تلحقه مشقة (فطفق) معطوف على أفاء الأول (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي شرع (يعطي رجالًا من قريش) من المؤلفة قلوبهم وسيأتي بيانهم في حديث رفاعة بن خديج كأبي سفيان وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن وغيرهم (المائة من الابل) كل فرد منهم (فقالوا) أي قال أناس من الأنصار: (يغفر الله) سبحانه (لرسول الله) صلى الله عليه وسلم.

قَال أَنَسُ بن مَالِكٍ: فَحُدِّثَ ذلِكَ رَسُول اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قَوْلِهِمْ. فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ. فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الطيبي: هذا القول توطئة وتمهيد لما يرد بعده من العتاب كقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} قال الأبي: والعذر لهم في قولهم ذلك ما ذكر من أنه حديثة أسنانهم لأنه (يعطي قريشًا) من الغنائم ما شاؤوا (ويتركنا) من العطاء ولا يعطينا (وسيوفنا) أي والحال أن سيوفنا (تقطر) وتمطر وتسيل (من دمائهم) أي من دماء قريش يعني يوم الفتح. قال الطيبي: هذا من باب قول العرب: عرضت الناقة على الحوض فهو من القلب والأصل ودماؤهم تقطر من سيوفنا ويحتمل أن تكون من بمعنى الباء الموحدة وبالغ في جعل الدم قطر السيوف قال الأبي: يعنون أنهم ليس لهم سابقة ولا قدم في الإسلام. قال القاري: ولا يبعد أن يكون التقدير: وسيوفنا باعتبار ما عليها تقطر من دمائهم وهو إشعار بقرب قتلهم كفار قريش وإيماء إلى أنهم أولى بزيادة البر فالجملة حال مقررة لجملة الإشكال. (قال أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه (فحدث ذلك) بالبناء للمجهول من التحديث أي أخبر بمقالتهم تلك (رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم) وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم ذلك الكلام السابق ولفظة (ذلك) مفعول مقدم لقولهم ولفظ البخاري: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أخصر وأوضح والذي حدثه بأن الأنصار وجدوا في أنفسهم هو سعد بن عبادة كما في سيرة ابن سيد الناس اهـ تنبيه المعلم. وقال ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم سعد بن عبادة ولفظه: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منه المقالة فدخل عليه سعد بن عبادة فذكر له ذلك فقال له: فأين أنت من ذلك يا سعد قال: ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك فخرج فجمعهم الحديث وأخرجه أحمد من هذا الوجه وهذا يعكر على الرواية التي فيها أما رؤساؤكم فلم يقولوا شيئًا لأن سعد بن عبادة من رؤساء الأنصار بلا ريب إلا أن يحمل على الأغلب الأكثر وإن الذي خاطبه بذلك سعد بن عبادة ولم يرد

أَدَمٍ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ، فَقَال لَهُ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا، يَا رَسُول اللهِ! فَلَمْ يَقُولُوا شَيئًا. وَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةُ أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِهِ. يُعْطِي قُرَيشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ! فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَإِني أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ. أَتَأَلَّفُهُمْ. أَفَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ؟ فَوَاللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إدخال نفسه في النفي أو أنه لم يقل لفظًا وإن كان رضي بالقول المذكور فقال: ما أنا إلا من قومي وهذا أوجه والله تعالى أعلم اهـ فتح الملهم. (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى الأنصار فجمعهم) أي أمر بجمعهم (في قبة) أي في خيمة والقبة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب (من أدم) أي من جلود مدبوغة والأدم بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوغ ويجمع على أدم بضمتين أيضًا قال الفيومي: وهو القياس مثل برد وبريد اهـ. (فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسم فقال) لهم: (ما حديث بلغني عنكم) أي من جهتكم ولفظ البخاري في المناقب (ما الذي بلغني عنكم) كما هو الرواية فيما يأتي (فقال له) صلى الله عليه وسلم (فقهاء الأنصار) أي علماؤهم وعقلاؤهم: (أما ذوو رأينا) أي أصحاب عقولنا وفهومنا (يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا) من الكلام الذي بلغك (وأما أناس حديثة أسنانهم) أي قليلة أعمارهم خفيفة أفكارهم جمع سن بمعنى العمر والمراد بهم الشبان (قالوا: يغفر الله لرسوله) توطئة وتمهيد لما بعده كما مر (يعطي قريشًا) أقوامه (ويتركنا) ونحن أنصاره عند الشدة (وسيوفنا تقطر) أي تتصبب (من دمائهم) يعنون قريب عهدهم بالإسلام ليس له قدم في الإسلام (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أعطي) من هذه الأموال (رجالًا حديثي عهد) أي قريبي زمن (بكفر) ليس لهم رسوخ في الإسلام (أتألفهم) أي أطلب ألفتهم بالإسلام ورسوخهم فيه بإعطاء المال لا لكونهم من قريش قومي أو لغرض آخر من الأغراض وهذا موضع الترجمة من الحديث وقال النواوي أي أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإسلام رغبة في المال وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة من الصدقات وكانوا من أشراف العرب فمنهم من كان يعطيه دفعًا لأذاه ومنهم من كان يعطيه طمعًا في إسلامه وإسلام نظرائه وأتباعه ومنهم من

لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ" فَقَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ رَضِينَا. قَال: "فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ. فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ". قَالُوا: سَنَصْبِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان يعطيه ليثبت على إسلامه لقرب عهده بالجاهلية اهـ نووي. (أفلا ترضون) يا معشر الأنصار (أن يذهب الناس) ويرجعوا من الجهاد إلى منازلهم (بالأموال) أي بالغنائم (وترجعون) أنتم من المعارك (إلى رحالكم) بالحاء المهملة أي إلى منازلكم ودياركم طيبة المدينة (برسول الله) صلى الله عليه وسلم (فوالله) الذي لا إله غيره (لما تنقلبون) وترجعون (به) واللام موطئة للقسم وما موصولة أو موصوفة أي فوالله إن الذي ترجعون وتنصرفون به إلى دياركم من الأجر وصحبة الرسول (خير) أي أفضل (مما ينقلبون به) أي من الغنائم التي يرجع بها الناس إلى منازلهم (فقالوا) أي فقال الأنصار جوابًا لرسوله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أي ليس الأمر عدم رضانا ذلك (يا رسول الله) بل (قد رضينا) ذلك يا رسول الله. قال الحافظ: وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين تكون لهم خاصة بعده دون الناس وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فابوا وقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا اهـ. (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنكم) يا معشر الأنصار (ستجدون) بعدي فيه التفات إليهم متضمن للترحم عليهم (أثرة شديدة) أي استئثارًا واستبدادًا شديدًا يفضل عليكم غيركم بغير حق وهو اسم مصدر من آثر يؤثر إيثارًا نظير آمن قال الأعشى: استأثر الله بالبقاء وبالـ ... ـعدل وولى الملامة الرجلا فيه لغتان إحداهما ضم الهمزة وإسكان الثاء وأصحهما وأشهرهما بفتحهما جميعًا أي استئثار واستبداد أمرائكم واستقلالهم بأمور الدنيا من المغانم والفيء ونحوهما أي يستأثرون أنفسهم بالأموال والولاية دونكم ويفضلون عليكم غيركم من أقاربهم وقبائلهم ممن هو أدنى منكم والأثرة الاستبداد بالمشترك والاختصاص دون الشركاء. قال الحافظ رحمه الله: وفيه علم من أعلام النبوة لقوله: (ستجدون بعدي أثرة) فكان كما قال وقد قال الزهري في روايته الآتية: قال أنس: فلم نصبر. (فاصبروا) على تلك الأثرة ولا تنازعوهم فتكون فتنة وهذا موضع الجزء الأخير من

(2318) (0) (0) حدَّثنا حَسَن الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنهُ قَال: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. إِلَّا أَنهُ قَال: قَال أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ. وَقَال: فَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ. (2319) (0) (0) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الترجمة (حتى تلقوا الله ورسوله) أي يوم القيامة فيجازيكم على صبركم أحسن الجزاء (فإني) منتظركم (على الحوض) أي فحينئذ يحصل جبر خاطركم المتعطش إلى لقائي بسقيكم شربةً لا تظمؤون بعدها أبدا ويحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر (قالوا) أي قال الأنصار في جواب أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بالصبر (سنصبر) إن شاء الله تعالى على تلك الأثرة يا رسول الله والظاهر (فقالوا) كما هو لفظ البخاري في المغازي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 246) والبخارى (4331) والترمذي (3901). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2318) (0) (0) (حدثنا حسن) بن علي (الحلواني) المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري المدني (حدثني أنس بن ممالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته كرضه بسوقه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد في رواية هذا الحديث عن الزهري وفائدتها تقوية السند الأول. (أنه) أي أن أنسًا (قال: لما أفاء الله) سبحانه وتعالى أي رجع ورد (على رسوله) صلى الله عليه وسلم (ما أفاء من أموال هوازن واقتص) صالح بن كيسان (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث يونس لفظًا ومعنى إلا ما استثنى بقوله: (إلا أنه) أي أن صالحًا (قال) في روايته زيادة على يونس: (قال أنس: فلم نصبر) نحن معاشر الأنصار

حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَال: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. إِلَّا أَنَّهُ قَال: قَال أَنَسٌ: قَالُوا: نَصْبِرُ. كَرِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (2320) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الأنصَارَ. فَقَال: "أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيرِكُمْ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم (وقال) صالح أيضًا: (فأما) بالفاء بدل الواو (أناس حديثة أسنانهم) بحذف منَّا. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2319) (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) المدني (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم (بن أخي ابن شهاب) الزهري المدني (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني (قال) ابن شهاب: (أخبرني أنس بن مالك). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة ابن أخي ابن شهاب ليونس بن يزيد. (وساق) ابن أخي ابن شهاب (الحديث) أي ذكر (بمثله) أي بمثل حديث يونس لفظًا ومعنىً (إلا أنه) أي أن ابن أخي ابن شهاب (قال) في روايته: (قال أنس: قالوا) أي قال الأنصار: (نصبر) بحدف السين التي هي للاستقبال (كرواية يونس عن الزهري) إلا في حذف سين الاستقبال أي لم يذكر لفظة فلم نصبر كما ذكرها صالح. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2320) (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (أخبرنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (قال شعبة: سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه.

فَقَالُوا: لَا. إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ " فَقَال: "إِن قُرَيشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ. وَإِني أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأتَأَلَّفَهُمْ. أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أنس. (قال) أنس: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار) في قبة من أدم ثم جاءهم (فقال) لهم: (أفيكم) أي هل فيكم في هذا الجمع (أحد من غيركم) أي من غير الأنصار (فقالوا) أي فقال الأنصار: (لا) يكون فينا أحد غيرنا أي لم يكن فينا أحد غيرنا (إلا ابن أخت لنا) هو النعمان بن مقرن المزني كما أخرجه أحمد عن معاوية بن قرة في حديث أنس هذا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن أخت القوم منهم) أي من القوم في الصلة والقرابة وعدم كتمان السر عنه. قال النواوي: احتج به أبو حنيفة وأحمد على توريث ذوي الأرحام ومنعه مالك والشافعي وأجابوا عن الحديث بأنه ليس فيه ذكر التوريث وإنما المعنى إن بينه وبينهم وصلة وقرابة وأنه كالواحد منهم في إفشاء السر بحضرته ونحو ذلك اهـ. قال العيني: وللحنفية في توريث ذوي الأرحام حديث عائشة (الخال وارث من لا وارث له) وغيره من الأحاديث (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن قريشًا حديث عهد) أي قريب زمن (بجاهلية ومصيبة) أي من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم يعني أن زمانهم قريب من زمان الكفر قال ابن حجر في مغازي البخاري: كذا وقع (حديث عهد) بالإفراد في الصحيحين والمعروف (حديثو عهد) اهـ. ولكن فعيل يستوي فيه المفرد وغيره. (وإني أردت) أي قصدت بتخصيصهم بالعطاء (أن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالباء الموحدة وبالراء من الجبر ضد الكسر أي أن أجبر كسير قلبهم بالعطايا أي أن أفعل معهم ما ينجبر به خاطرهم وينسيهم مصيبتهم. وقال ابن حجر: كذا للأكثر (أن أجبرهم) بالجيم والراء وللسرخسي والمستملي (أن أجيزهم) بضم أوله وكسر الجيم بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي من الجائزة اهـ.

بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَ الأنصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". (2321) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: لَمَّا فُتِحَتْ مَكةُ قَسَمَ الْغَنَائِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو المأخوذ من المشارق فقال ابن الملك: أي أن أتحفهم وأعطيهم عطية تجبر كسر قلبهم بالمصائب. (وأتألفهم) أي أستأنسهم على الإسلام (أما ترضون) أيها الأنصار (أن يرجع الناس) غيركم (بالدنيا) والأموال (وترجعون برسول الله) صلى الله عليه وسلم (إلى بيوتكم) ومنازلكم والله (لو سلك الناس) غيركم ودخلوا في المسير (واديًا) من الأودية وهو المكان المنخفض مطلقًا وقيل: الذي فيه ماء (وسلك الأنصار شعبًا) من الشعاب بكسر الشين المعجمة وسكون العين اسم لما انفرج بين جبلين وقيل: الطريق في الجبل (لسلكت شعب الأنصار) أظهره إشعارًا بكمال محبته لهم لا الاقتداء بهم والمتابعة اهـ من المبارق أي لسلكت شعبهم وتركت سلوك وادي سائر الناس. قال الحافظ: أراد به التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريفه ويتبع حاله اهـ. قال الخطابي: أراد إن أرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا ضاق الطريق عن الجميع فسلك رئيسهم شعبًا تبعه قومه حتى يفضوا إلى الجادة وفيه وجه آخر: وهو أنه أراد بالوادي الرأي والمذهب كما يقال: فلان في واد وأنا في واد قيل: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم حسن الوفاء بالعهد وحسن الجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن متابعته حق على كل مؤمن لأنه صلى الله عليه وسلم هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2321) (0) (0) (حدثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي العامري أبو عبد الله البصري الملقب بحمدان ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب سْعبة المعروف بغندر ثقة من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري ثقة من (5) روى عنه في (7)

فِي قُرَيشٍ. فَقَالتِ الأَنْصَارُ: إِن هذَا لَهُوَ الْعَجَبُ. إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. وَإِن غَنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيهِمْ! فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَهُمْ. فَقَال: "مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ " قَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ. قَال: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ الناسُ بِالذُنْيَا إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَ الناسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنصَارِ أَوْ شِعْبَ الأنصَارِ". (2322) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (قال) أبو التياح: (سمعت أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بسوقه بيان متابعة أبي التياح لمن روى هذا الحديث عن أنس بن مالك. (قال) أنس: (لما فتحت مكة) المكرمة (قسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الغنائم) أي غنائم حنين وكان ذلك بعد الفتح بشهرين (في قريش) المراد بهم من فتحت مكة وهم فيها (فقالت الأنصار: إن هذا) القسم يعنون قسم الغنائم لقريش (لهو العجب) أي لهو الأمر الذي يستحق التعجب منه لأنه أمر خارق للعادة في قسم الغنائم (أن سيوفنا) وإنما كان من العجب لأن سيوفنا (تقطر) أي تمطر (من دمائهم) أي من دماء قريش يعنون يوم الفتح (وإن غنائمنا) أي إن الغنائم التي تستحق قسمها (نرد عليهم) أي تقسم على طلقاء قريش (فبلغ ذلك) الذي قالوه (رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم) أي أمر بجمعهم في قبة فلما اجتمعوا جاءهم (فقال) لهم: (ما) الخبر (الذي بلغني عنكم) أي من جهتكم (قالوا) له صلى الله عليه وسلم خبرنا (هو) الخبر (الذي بلغك) يا رسول الله (وكانوا) أي وكان من خلقهم أنهم (لا يكذبون) بإنكار ما قالوا أي قال فقهاؤهم هو الذي قاله ناس منا حديثة أسنانهم فلا منافاة بينه وبين ما سبق ولعل ذلك كان منهم بعد أن سكتوا أول مرة فلا ينافيه ما سيأتي أنهم سكتوا والله تعالى أعلم بالصواب اهـ فتح الملهم (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ترضون) أيها الأنصار (أن يرجع الناس) غيركم كقريش (بالدنيا) والأموال (إلى بيوتهم وترجعون) أنتم (برسول الله إلى بيوتكم) ومنازلكم والله (لو سلك الناس) كلهم غير الأنصار (واديًا) من الأودية وهو مجرى الماء المتسع (أو شعبًا) من الشعاب وهو الطريق في الجبل

عَرْعَرَةَ (يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ الْحَرْفَ بَعْدَ الْحَرْفِ) قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ زَيدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَينٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ، وَغَيرُهُمْ بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ. وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ الآفٍ. وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لسلكت وادي الأنصار) أي لاخترت السلوك في واد سلكت فيه الأنصار (أو شعب الأنصار) وأو في الموضعين لتنويع المسلك لا للشك. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2332) (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (وإبراهيم بن محمد بن عرعرة) بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة السامي بمهملة أبو إسحاق البصري ثقة من (10) (يزيد أحدهما على الأخر الحرف بعد الحرف) أي الكلمة بعد الكلمة (قالا: حدثنا معاذ بن معاذ) التميمي العنبري أبو المثنى البصري (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المزني مولاهم أبو عون البصري ثقة ثبت من (6) روى عنه في (11) بابا (عن هشام بن زيد بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري ثقة من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بسوقه بيان متابعة هشام بن زيد لمن روى عن أنس. (قال) أنس: (لما كان يوم) غزوة (حنين أقبلت) أي جاءت إلى مقابلة المسلمين ومقاتلتهم (هوازن وغطفان) هما قبيلتان من قيس بن عيلان بن مضر بن معد بن عدنان (وغيرهم) ممن انضاف إليهما كثقيف وناس من هلال وفي بعض النسخ إسقاط (وغيرهم) (بذراريهم) أي بنسائهم وأطفالهم (ونعمهم) أي وبمواشيهم والنعم واحد الأنعام وهي الأموال الراعية وأكثر ما يقع على الإبل. قال القسطلاني: وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبت في القتال استصحاب الأهالي وثقلهم معهم إلى موضع القتال اهـ. وكان خروجهم بالأموال والنساء والأطفال بأمر رئيسهم مالك بن عوف النصري وكان دريد بن الصمة الجشمي قد أشار إليه بخلافه فلم يقبل منه مشورته وسيأتي ما فيه

فَأَدْبَرُوا عَنْهُ. حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ. قَال: فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَينِ. لَمْ يَخْلِطْ بَينَهُمَا شَيئًا. قَال: فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ" فَقَالُوا: لَبَّيكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَال: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ"! قَالُوا: لَبيكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. قَال: وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيضَاءَ. فَنَزَلَ فَقَال: أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ. فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ. وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ كثِيرَةً. فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطلَقَاءِ. وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ من الحكمة الإلهية التكوينية (و) كان (مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يومئذ أقبلت عليهم هوازن وغطفان (عشرة آلاف) من الصحابة الذين فتح بهم مكة (و) كان (معه) صلى الله عليه وسلم (الطلقاء) يعني مسلمة الفتح الذين من عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فلم يأسرهم ولم يقتلهم جمع طليق. قال العيني: الطليق هو الأسير الذي أطلق عنه أسره وخلى سبيله ويراد بهم أهل مكة فإنه صلى الله عليه وسلم أطلق عنهم وقال لهم: أقول لكم ما قال يوسف: لا تثريب عليكم اليوم اهـ. وكانوا ألفين من أهل مكة ومن انضاف إليهم (فأدبروا) أي فأدبر المسلمون (عنه) صلى الله عليه وسلم أي ولوا عنه أدبارهم وما أقبلوا على العدو معه صلى الله عليه وسلم وهربوا عنه (حتى بقي) صلى الله عليه وسلم (وحده قال) أنس: (فنادى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ أقبلت عليهم هوازن (نداءين لم يخلط بينهما شيئًا) مفسر بما بعده يعني أنه صلى الله عليه وسلم نادى الأنصار يومئذ نداءين متعاقبين يمينًا وشمالًا. (قال) أنس في تفسير قوله: (لم يخلط بينهما) (فالتفت) صلى الله عليه وسلم (عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار فقالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال) أنس (ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال) أنس: (وهو) صلى الله عليه وسلم كان حين ندائهم (على بغلة بيضاء) وهذا من كمال شجاعته صلى الله عليه وسلم فإن البغال لا تعتمد في القتال (فنزل) عن بغلته (فقال: أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون) وهربوا (وأصاب) أي أخذ (رسول الله صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم) من المشركين (غنائم كثيرة فقسم) تلك الغنائم (في المهاجربن والطلقاء) يعني مسلمة الفتح (ولم يعط الأنصار شيئًا) قال الحافظ: وهذا ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة. وقال القرطبي في المفهم: والإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم. (قلت) الأول هو المعتمد ويؤكده ما سبق من قوله وءان غنائمنا ترد عليهم وما يأتي في هذه الرواية من قولهم ويعطي الغنائم غيرنا. ثم قال الحافظ: والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف وقيل: إنما تصرف في الغنيمة كذلك لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس. (وقال ابن القيم) رحمه الله تعالى: اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سببًا لدخول كثير من قبائل العرب في الإسلام وكانوا يقولون: دعوه وقومه فإن غلبهم دخلنا في دينه وإن غلبوه كفونا أمره فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسلمين في كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن النصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم ولو قدر أن يغلبوا الكفار ابتداءً لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظمًا فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعًا متخشعًا واقتضت حكمته أيضًا أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم

فَقَالتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى. وَتُعْطَى الْغَنَائِمُ غَيرَنَا! فَبَلَغَهُ ذلِكَ. فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ. فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الانْصَارِ! مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ " فَسَكَتُوا. فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ الناسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأنها جبلت على حب من أحسن إليها ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورًا عليهم بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببًا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول فكان في ذلك عظيم المصلحة ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلًا ولا كثيرًا مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ماهم فيه فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم فرأى كبيرهم أن يخرجوا معهم أموالهم ونساءهم وأبناءهم غنيمة للمسلمين ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقه معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفه فكان ذلك سببًا لتصييرهم غنيمة للمسلمين ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه مملوء بالإيمان ثم كان من تمام التأليف رد من سبي منهم إليهم فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع لهم من الكسرة وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم وقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله إلى بلادهم فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا من الأنثى والصغير بما حازوه من الفوز العظيم ومجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه انتهى ملخصًا. (فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا فبلغه) صلى الله عليه وسلم (ذلك) الذي قالوه (فجمعهم في قبة فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني

قَالُوا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ! رَضِينَا. قَال: فَقَال: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". قَال هِشَامٌ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَال: وَأَينَ أَغِيبُ عَنْهُ؟ . (2323) (0) (0) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَال ابْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: حَدَّثَنِي السُّمَيط، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنكم فسكتوا) يحتمل أن بعضهم سكت وبعضهم أجاب قاله الحافظ. (فقال: يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد) حالة كونكم (تحوزونه) أي تضمونه وتجمعونه مع أنفسكم وتردونه (إلى بيوتكم) ودياركم المدينة المنورة فيكون جارًا لكم حيًّا وميتًا وهو بالحاء المهملة وبالزاي من الحوز وهو الضم والجمع والإحاطة. قال الفيومي: وكل من ضم إلى نفسه شيئًا فقد حازه اهـ. (قالوا: بلى يا رسول الله رضينا) ذلك (قال) أنس: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (لو سلك الناس واديًا) من الأودية أي متسعًا من الطريق (وسلكت الأنصار شعبًا) من الشعاب أي طريقًا ضيقًا صاعدًا في الجبل (لأخذت) أي لسلكت (شعب الأنصار) أظهر في مقام الإضمار إشعارًا بكمال محبته إياهم. (قال هشام) بن زيد بن أنس بالسند السابق: (فقلت) لأنس: (يا أبا حمزة) كنية أنس بن مالك جد هشام (أنت شاهد) أي حاضر (ذاك) القصص الواقع بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أبو حمزة: (وأين) أي وإلى أين (أغيب عنه) أي عن ذاك الواقع بينه وبينهم لأني خادمه صلى الله عليه وسلم هو استفهام إنكار يقرر أنه ما كان ينبغي له أن يظن أن أنسا يغيب عن ذلك اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2323) (0) (0) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر العنبري البصري ثقة من (10) (وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي البكراوي البصري ثقة من (10) (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثم البصري ثقة من

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: افْتَتَحْنَا مَكةَ. ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَينًا. فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيتُ. قَال: فَصُفَّتِ الْخَيلُ. ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ. ثُمَّ صُفَّتِ النسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذلِكَ. ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ. ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ. قَال: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ. قَدْ بَلَغْنَا سِتةَ الآفٍ. وَعَلَى مُجَنِّبَةِ خَيلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَال: فَجَعَلَتْ خَيلُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) (قال ابن معاذ: حدثنا المعتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري ثقة من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري ثقة من (4) (قال) سليمان: (حدثني السميط) مصغرًا تصغير سمط بن عمير بن حية بن زميلة بن واقد بن شراحيل بن حرمل بن عمرو بن سدوس ويقال: سميط بن سمير السدوسي أبو عبد الله البصري روى عن أنس في الصلاة والزكاة وأبي موسى وعمران بن حصين ويروي عنه (م س ق) وسليمان التيمي وعاصم الأحول قال العجلي: ثقة وقال في التقريب: صدوق من الثالثة وليس في مسلم سميط إلا هذا (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة غرضه بسوقه بيان متابعة سميط لمن روى عن أنس. (قال) أنس: (افتتحنا مكة ثم إنا) بعد افتتاح مكة (غزونا حنينًا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت) في الدنيا (قال) أنس: (فصفت الخيل) أي الفرسان (ثم صفت المقاتلة) أي الرجالة المقاتلون (ثم صفت النساء من وراء ذلك) المذكور من الخيل والمقاتلة (ثم صفت الغنم ثم صفت النعم) أي الإبل وجه ذلك ما نقلناه من القسطلاني قبل (قال) أنس: (ونحن) معاشر المسلمين (بشر كثير) وجم غفير (قد بلغنا ستة آلاف) مقاتلة قال القاضي: هذا وهم من الراوي عن أنس والصحيح ما جاء في الرواية الأولى (عشرة آلاف ومعهم الطلقاء) لأن المشهور في كتاب المغازي أن المسلمين كانوا يومئذ اثني عشر ألفًا عشرة آلاف شهدوا الفتح وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم اهـ إكمال المعلم. (وعلى مجنبة خيلنا) بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون قال شمر: المجنبة هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ جانب الطريق الأيمن وهما مجنبتان ميمنة وميسرة بجانبي الطريق والقلب بينهما كذا في الشرح أي والأمير عليهما (خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي سيف الله يكنى أبا سليمان أسلم في صفر سنة ثمان وشهد غزوة مؤتة وكان إسلامه بين الحديبية والفتح مات بحمص على الراجح وقيل

تَلْوي خَلْفَ ظُهُورِنَا. فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيلُنَا، وَفَرَّتِ الأَعْرَابُ، وَمَنْ نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ. قَال: فَنَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَال الْمُهَاجِرِينَ! يَالَ الْمُهَاجِرِينَ! " ثُمَّ قَال: "يَال الأنصَارِ! يَال الأنصَارِ! ". قَال: قَال أَنَسٌ: هذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمدينة سنة إحدى أو اثنتين وعشرين رضي الله عنه. وفي النهاية في حديث الفتح كان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى والزبير على المجنبة اليسرى. قال ابن الأثير: مجنبة الجيش هي التي تكون في الميمنة والميسرة وهما مجنبتان. (قال) أنس: (فجعلت خيلنا) أي شرعت خيلنا يعني خيل المسلمين (تلوي) هكذا هو في أكثر النسخ تلوي بوزن (ترمي) قال في مجمع البحار: أي تتلوى من لوى عليه إذا عطف وفي بعضها (تلوذ) بالذال المعجمة وكلاهما صحيح أي فجعلت فرساننا يثنون أفراسهم ويعطفونها (خلف ظهورنا) أي يردونها خلف ظهورنا (فلم نلبث أن انكشفت) وانهزمت (خيلنا) وهربت (وفرت) أي هربت وشردت (الأعراب) الذين كانوا معنا (ومن نعلمـ) ـهم بالشجاعة (من الناس) المهاجرين والأنصار (قال) أنس: (فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في أصحابه بالرجوع إليه وقال في ندائه: (يال المهاجرين يال المهاجرين) مرتين (ثم قال: يال الأنصار يال الأنصار) مرتين هكذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة: (يال) بلام مفصولة مفتوحة والمعروف بلام التعريف التي بعدها بأن يكتب هكذا: يا للمهاجرين يا للأنصار وهي لام الجر إلا أنها تفتح في المستغاث به فرقًا بينه وبين المستغاث له فيقال: يا لزيد لعمرو بفتحها في الأولى وكسرها في الثانية ويسمى هذا النوع من المنادى الاستغاثة وهي نداء من يخلص من شدة أو يعين على مشقة. ويقال في إعرابه: (يا للمهاجرين) يا حرف نداء للمهاجرين اللام حرف جر واستغاثة مبني على الفتح فرقًا بينها وبين اللام الداخلة على المستغاث له المهاجرين مستغاث به مجرور باللام وعلامة جره الياء لأنه من جمع المذكر السالم الجار والمجرور متعلق بفعل الندا بعد تضمينه معنى الالتجاء والمستغاث له محذوف هنا لعلمه تقديره: للمسلمين واللام فيه حرف جر مبني على الكسر على الأصل في لام الجر المسلمين مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم والجار والمجرور متعلق بفعل النداء أيضًا والتقدير:

قَال: قُلْنَا: لَبَّيكَ. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَايمُ اللهِ! مَا أَتَينَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ. فَقَبَضْنَا ذلِكَ الْمَال. ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيلَةً. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ فَنَزَلْنَا. قَال: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. كَنَحْو حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، وَهِشَامِ بْنِ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أستغيث المهاجرين وأناديهم للمسلمين وقس عليه ما بعده. (قال) سميط بن عمير: (قال أنس) بن مالك (هذا) الحديث الآتي (حديث عميه) أي حديث حدثني به أعمامي أو جماعتي كأنه حدَّثه بأول الحديث عن مشاهدة ثم لعله لم يضبط آخر الحديث الذي سيذكره بعد لتفرق الناس فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه كما يدل عليه قوله فقلنا: لبَّيك رسول الله فقال هذا الحديث الباقي الذي سأذكره لكم حديث سمعته من أعمامي وما قبله حدثته لكم عن مشاهدة وعيان ولفظة (عميه) ضبطوها في صحيح مسلم على أربعة أوجه أحدها (عِمِيَّه) بكسر العين وتشديد الميم والياء وهي رواية عامة مشايخنا وفسر بالشدة والثاني (عَمِّيَه) بفتح العين وكسر الميم المشددة وتخفيف الياء بعدها هاء السكت أي حدثني به عمي والثالث (عُمِّيَه) بضم العين وتشديد الميم المكسورة وتخفيف الياء بعدها هاء السكت والرابع كذلك إلا أنه بتشديد الياء ومعنى الكل ما قدمناه في حلنا والهاء في الأوجه الأربعة هاء السكت. قال الأبي: (قال) أنس: (قلنا) معاشر المسلمين في جواب نداء النبي صلى الله عليه وسلم: (لبيك يا رسول الله قال) أنس: (فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى جهة العدو (قال) أنس: (فايم الله) أي فاسم الله قسمي وهي من ألفاظ القسم وهمزتها همزة وصل وقد تقطع كذا في النهاية (ما أتيناهم) أي ما أتينا المشركين ولا جئناهم (حتى هزمهم الله) تعالى وشتتهم أي ما قابلناهم ولا وجدناهم إلا منهزمين (فقبضنا) أي أخذنا (ذلك المال) الذي صفوا لنا من وراءهم من الغنم والإبل (ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم) أي حاصرنا أهل الطائف وأحطنا بهم ومنعناهم من الخروج من المدينة (أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا) بها (قال) أنس (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل) من المؤلفة (المائة من الإبل) والآخر كذلك وهلم جرًا (ثم ذكر) سميط بن عمير (باقي الحديث كنحو حديث قتادة وأبي التياح وهشام بن زيد) بن أنس

(2324) (1026) - (176) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ قَال: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي مقارب حديثهم في بعض الألفاظ والمعاني. (تتمة): سبب سيره صلى الله عليه وسلم إلى الطائف أنه لما فرغ من حنين وأقبل فل ثقيف إلى الطائف ولجأ إليه مالك بن عوف رئيس هوازن وتحصن الجميع به وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم وقاتلهم قتالًا شديدًا ورماهم بالمنجنيق وهم أول من رمي به في الإسلام ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يدرك فيها ما يريد ولم يكن أُذن له في قتالها أمر عمر ينادي في الناس بالرحيل واستشهد من أصحابه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلًا سبعة من قريش وأربعة من الأنصار ورجل من بني سليم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وكان قدم إليها سبي هوازن، فقسمه بين الناس بها وقال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف: يا رسول الله ادع الله عليهم فقال: اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم فأتاه سبحانه بهم وأسلموا هذا كله من شرح الأبي مختصرًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بن أبي وقاص ثانيًا بحديث رافع بن خديج رضي الله عنهما فقال: (2324) (1026) (176) (حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني الأصل (المكي) صدوق من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي (عن عمر بن سعيد بن مسروق) الثوري الكوفي أخي سفيان الثوري ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري والد سفيان الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن عباية بن رفاعة) بن رافع بن خديج الأنصاري الزرقي أبي رفاعة المدني روى عن جده رافع بن خديج في الزكاة والضحايا والطب وعن أبيه عن جده أيضًا وابن عمر ويروي عنه (ع) وسعيد بن مسروق ويزيد بن أبي مريم ويحيى بن سعيد التيمي وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة وليس

وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَينَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانِ مِنْهُمْ، مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذلِكَ. فَقَال عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيـ ... ـدِ بَينَ عُيَينَةَ وَالأَقْرَعِ؟ فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ ... يفُوقَانِ مِرْدَاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في مسلم من اسمه عباية إلا هذا الثقة كما في الخلاصة (عن) جده (رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان واثنان مكيان. (قال) رافع بن خديج: (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم حنين (أبا سفيان) صخر (بن حرب) بن أمية بن عبد شمس الأموي المكي من مسلمة الفتح وشهد حنينًا وأعطى من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية (وصفوان بن أمية) بن خلف بن وهب بن قدامة بن جمح القرشي المكي من مسلمة الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم (وعيينة بن حصن) بن حذيفة بن بدر بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر (والأقرع بن حابس) بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدارمي. قال ابن إسحاق: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسن إسلامه اهـ من الإصابة. أعطى (كل إنسان منهم) أي من هؤلاء الأربعة (مائة) مائةً (من الإبل وأعطى عباس بن مرداس) بن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن الحارث أبا الهيثم السلمي شهد العباس بن مرداس مع النبي صلى الله عليه وسلم الفتح وحنينًا قال ابن سعد لقى النبي صلى الله عليه وسلم بالمشلل وهو متوجه إلى فتح مكة ومعه سبعمائة من قومه فشهد بهم فتح مكة اهـ من الإصابة أباعر (دون ذلك) أي دون ما أعطى للأربعة الأول فسخطها العباس. (فقال عباس بن مرداس) قصيدته التي منها هذه الأبيات التي هي من بحر المجتث الذي وزنه مستفعلن فاعلات: (أتجعل) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أتجعل يا رسول الله (نهبي) أي سهمي من الغنيمة (ونهب العبيد) أي وسهم فرسي الذي يسمى بالعبيد وكان العباس يسمى فارس العبيد موزعة (بين عيينة) بن حصن (و) بين (الأقرع) بن حابس (فما كان بدر) الذي هو

............ ... ............. فِي الْمَجْمَعِ وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَخْفِضِ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ قَال: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِائَةً. (2325) (0) (0) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ جد أبي عيينة والمحفوظ في النحو حصن. قال الأبي رحمه الله: لم تختلف الرواية في البيت أنه بدر وإنما اختلفت في غير البيت فقال مرة: عيينة بن حصن ومرة: عيينة بن بدر فمرة نسبه إلى أبيه حصن ومرة إلى جد أبيه بدر لأنه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر اهـ. (ولا حابس) أبو الأقرع (يفوقان) أي يفضلان أبي (مرداس) هكذا هو في جميع الروايات بمنع الصرف وهو حجة لمن جوز منع الصرف بعلة واحدة وأجاب الجمهور بأنه لضرورة الشعر اهـ نواوي. (في المجمع) أي في مجمع الأكابر والأشراف ومحاضر الأمراء والرؤساء (وما كنت) أنا (دون امرئ منهما) أي من عيينة والأقرع يعني لا في النسب ولا في المجد أما في النسب فلأن الجميع من مضر وأما في المجد فلأن كلًّا من الثلاثة رئيس عشيرته (ومن تخفض) بصيغة الخطاب مبنيًّا للفاعل وفي بعض النسخ: (يخفض) بصيغة الغيبة مبنيًّا للمجهول أي ومن تخفض أنت يا رسول الله (اليوم لا يرفع) بعد اليوم (قال) رافع بن خديج: (فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائةً) من الإبل. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: (2325) (0) (0) (وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) نسبة إلى ضبة بفتح الضاد وتشديد الموحدة المفتوحة بن أن بن طابخة أبو عبد الله البصري ثقة من (10) (أخبرنا) سفيان (بن عيينة) الكوفي (عن عمر بن سعيد بن مسروق) الثوري الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديِج غرضه بيان متابعة أحمد بن عبدة لمحمد بن أبي عمر.

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَينٍ. فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ. وَزَادَ: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ مِائَةً. (2326) (0) (0) وحدّثنا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ، وَلَا صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ فِي حَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم حنين فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل وساق) أحمد بن عبدة (الحديث) السابق (بنحوه) أي بنحو ما حدث محمد بن أبي عمر (وزاد) أحمد بن عبدة لفظة: (وأعطى علقمة بن علاثة مائةً) من الإبل أيضًا وهو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكندي العامري من المؤلفة قلوبهم وكان سيدًا في قومه حليمًا عاقلًا ولم يكن فيه ذاك الكرم اهـ من الإصابة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث رافع رضي الله عنه فقال: (2326) (0) (0) (وحدثنا مخلد بن خالد) بن يزيد (الشعيري) بفتح المعجمة وكسر العين منسوب إلى الشعير الحب المعروف أبو محمد البغدادي سكن طرسوس روى عن سفيان بن عيينة في الزكاة وعبد الرزاق بن همام وإبراهيم بن خالد الصنعانيين ويروي عنه (م د) وعبد الله بن أحمد ومحمد بن إسحاق وطائفة وثقه أبو داود وقال في التقريب: ثقة من العاشرة وقال أبو حاتم لا أعرفه (حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثني عمر بن سعيد بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عباية عن رافع غرضه بسوقه بيان متابعة مخلد بن خالد لابن أبي عمر أيضًا. (و) لكن (لم يذكر) مخلد بن خالد (في الحديث علقمة بن علاثة ولا صفوان بن أمية ولم يذكر) مخلد أيضًا (الشعر) أي الأبيات السابقة (في حديثه) أي في روايته وهذا بيان لمحل المخالفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنهما فقال:

(2327) (1027) - (177) حدَّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ حُنَينًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ. فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ. فَبَلَغَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهُمْ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (2327) (1027) (177) (حدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل أبو الحارث البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8) (عن عمرو بن يحيى بن عمارة) بن أبي حسن المازني المدني ثقة من (6) (عن عباد بن تميم) بن غزية الأنصاري المازني المدني ثقة من (3) (عن عبد الله بن زيد) بن عاصم الأنصاري المازني أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا سريج بن يونس فإنه بغدادي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح حنينًا قسم الغنائم فأعطى) منها (المولفة قلوبهم) قال الحافظ: المراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا وقيل: كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبًا في الإسلام وقيل: مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم وقيل: مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم وأما المراد بالمؤلفة هنا فهو هذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب (فإني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم) اهـ. قال العيني: وسرد أصحاب السير أسماءهم ما ينيف على الأربعين منهم أبو سفيان وأبناؤه معاوية ويزيد. (فبلغه) صلى الله عليه وسلم (أن الأنصار يحبون أن يصيبوا) ويأخذوا (ما أصاب الناس) أي ما أخذوه من القسمة (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم) أي فخطب الأنصار (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا) بالضم والتشديد جمع ضال والمراد هنا ضلالة الشرك

فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَعَالةً، فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي؟ " وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. فَقَال: "أَلا تُجِيبُونِي؟ " فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. فَقَال: "أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا". لأَشْيَاءَ عَدَّدَهَا. زَعَمَ عَمْرٌو أَنْ لَا يَحْفَظُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والاستفهام فيه للتقرير (فهداكم الله) سبحانه وتعالى (بي) أي بسببي والمراد بالهداية الإيمان (و) ألم أجدكم (عالة) أي فقراء لا مال لهم جمع عائل وهو جمع مطرد في الأجوف الثلاثي من العيلة وهو الفقر (فأغناكم الله) سبحانه (بي) أي بسبب هجرتي إليكم (و) ألم أجدكم (متفرقين) أي متدابرين يعادي بعضكم بعضًا كما قال تعالى: {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ} الآية (فجمعكم الله) تعالى (بي) أي بسبب هجرتي إليكم وقد كانت الأنصار قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها فزال ذلك كله بالإسلام كما قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَينَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُمْ} (ويقولون: الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة والميم والتشديد أفعل تفصيل من المن أي أكثر منا وفضلًا وإحسانًا وفي حديث أبي سعيد: فقالوا: ماذا نجيبك يا رسول الله ولرسوله المن والفضل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبوني فقالوا الله ورسوله أمن فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنكم لو شئتم أن تقولوا) في جوابي لقلتم (كذا وكذا وكان من الأمر) أي من أمرك (كذا وكذا) هو كناية عما يقال: جئتنا مكذبًا فصدقناك ومخذولًا فنصرناك وطريدًا فآويناك وعائلًا فواسيناك ولفظ البخاري (لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا) فدل على أن جواب لو محذوف في رواية مسلم كما قدرناه في حلنا حالة كونه يذكر (لأشياء عددها) لهم وأملاها عليهم (زعم) أي قال (عمرو) بن يحيى بن عمارة (أن لا يحفظها) أي أن لا يحفظ تلك الأشياء. وفي هذا رد على من قال: إن الراوي كنى عن ذلك عمدًا على طريق التأدب وصرح بذلك في حديث أبي سعيد وروى أحمد من حديث ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بلفظ (أفلا تقولون: جئتنا خائفًا فآمناك وطريدًا فآويناك ومخذولًا فنصرناك قالوا: بلى المن علينا لله ولرسوله) انتهى وإنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعًا وإنصافًا وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم لما كان بينهم وبين غيرهم فرق نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (أترضون) ويروى (ألا ترضون).

فَقَال: "أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبِلِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ الأَنْصارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ. وَلَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأ مِنَ الأَنْصارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا ترضون) أيها الأنصار (أن يذهب الناس بالشاء) جمع شاة كشياه وهي الغنم (والإبل وتذهبون) أنتم (برسول الله إلى رحالكم) ومنازلكم ففي هذا تنبيه لهم على ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية كذا في عمدة القاري (الأنصار شعار) أي كالشعار لي والشعار بكسر المعجمة بعدها مهملة خفيفة الثوب الذي يلي الجلد من الجسد (والناس) سواهم (دثار) أي كالدثار بكسر المهملة ومثلثة خفيفة هو الثوب الذي يكون فوق الشعار وهي استعارة لطيفة لفرط قربهم منه وأراد أيضًا أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم زاد في حديث أبي سعيد (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًا) والمعنى الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء وألصق الناس بي من سائر الناس وهذا من مناقبهم الظاهرة وفضائلهم الباهرة اهـ نووي. (ولولا الهجرة) لا يسعني تركها (لكنت امرأ من الأنصار) أي أتسمى بهم وأنتسب إليهم كما كانوا يتناسبون بالحلف لكن خصوصية الهجرة ومرتبتها سبقت وعلقت فهي أعلى وأشرف فلا تبدل بغيرها ولا ينتفى منها من حصلت له اهـ من المفهم. قال الخطابي: أراد بهذا الكلام تألف الأنصار واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدًا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان تقع على وجوه منها الولادية والبلادية والاعتقادية والصناعية ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعًا وأما الاعتقادي فلا معنى للانتقال فيه فلم يبق إلا القسمان الأخيران وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرًا واجبًا أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم قال: ويحتمل أنه لما كانوا أخواله لكون أم عبد المطلب منهم أراد أن ينتسب إليهم بهذه الولادة لولا مانع الهجرة وقال ابن الجوزي: لم يرد صلى الله عليه وسلم تغير نسبه ولا محو هجرته وإنما أراد أنه لولا ما سبق من كونه هاجر لانتسب إلى المدينة وإلى نصرة الدين فالتقدير: لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها لانتسب إلى داركم وقيل: معناه لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد اهـ فتح الملهم.

وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ. إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ". (2328) (1028) - (178) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَينٍ آثرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي القِسْمَةِ. فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَأَعْطَى عُيَينَةَ مِثْلَ ذلِكَ. وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ. وَآثَرَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولو سلك الناس واديًا) من الأودية أ (وشعبًا) من الشعاب وسلكت الأنصار واديًا آخر أو شعبًا آخر (لسلكت وادي الأنصار وشعبهم) ثم قال: (إنكم) يا معشر الأنصار (ستلقون بعدي) أي سترون بعد وفاتي (أثرة) أي استبداد غيركم وانفرادهم وتخصصهم بأمور الدنيا وولايتها وزخارفها (فاصبروا) على استبدادهم عنكم (حتى تلقوني على الحوض) يوم القيامة فلا تنازعوهم فيها واتركوها لهم. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث عبد الله رضي الله عنهما فقال: (2328) (1028) (178) (حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وعثمان بن أبي شيبة) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون أو أربعة منهم كوفيون وواحد إما نسائي أو مروزي (قال) عبد الله: (لما كان يوم حنين) أي حصل ووجد فكان تامة (آثر) أي اختار (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بين المسلمين (ناسًا) من المؤلفة قلوبهم (في القسمة) أي في الإعطاء من الغنيمة ثم بينهم بقوله: (فأعطى الأقرع بن حابس مائةً من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن (مثل ذلك) أي مائة من الإبل (وأعطى) أيضًا (أناسًا من أشراف العرب) ورؤسائهم مثل ذلك كأبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وقوله: (وآثرهم) رسول الله صلى الله عليه

يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. فَقَال رَجُلٌ: وَاللهِ! إِنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أي خصهم (يومئذ) أي يوم إذ غزا حنينًا (في القسمة) والعطاء معطوف على آثر الأول على سبيل التوكيد اللفظي (فقال رجل) من الحاضرين وهو معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف. قال الحافظ: في رواية الأعمش عند البخاري: فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي: إنه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال: لم أر أحدًا قال: إنه من الأنصار إلا ما وقع هنا وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبًا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (والله إن هذه) القسمة (لقسمة ما عدل) وأنصف (فيها وما أريد فيها وجه الله) ورضاه والإخلاص له. قال القاضي عياض رحمه الله: حكم الشرع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر وقتل ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل. قال المازري: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة والمعاصي ضربان: كبائر وصغائر فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع واختلفوا في إمكان وقوع الصغائر ومن جوزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص وحينئذ فلعله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب هذا القائل لأنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وشهادة الواحد لا يراق بها الدم. وقال القاضي هذا التأويل باطل يدفعه قوله: (اعدل يا محمد) وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملإ حتى أستأذن عمر وخالد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه فهذه هي العلة وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما كرهه لكنه صبر استبقاءً لانقيادهم وتأليفًا لغيرهم لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه فينفروا وقد رأى الناس هذا في جماعتهم وعدوه من جملتهم اهـ.

قَال: فَقُلْتُ: وَاللهِ! لأُخبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَأَتَيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَال. قَال: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ. ثُمَّ قَال: "فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ! " قَال: ثُمَّ قَال: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى. قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما عد هذا الرجل المنافق من الأنصار كما في رواية الأعمش فلكونه من قبائلهم والله أعلم. (قال) عبد الله: (فقلت) في نفسي: (والله لأخبرن رسول الله قال الله عليه وسلم) بما قال هذا الرجل: (قال) عبد الله: (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (فأخبرته بما قال) الرجل فيه جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم ليحذروا القائل وفيه بيان ما يباح من الغيبة والنميمة لأن صورتهما موجودة في صنيع ابن مسعود هذا ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وذلك إن قصد ابن مسعود كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بمن يطعن فيه ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن مكرهم وكيدهم وقد ارتكب الرجل المذكور بما قال إثمًا عظيمًا فلم يكن له حرمة (قال) ابن مسعود: (فتغيَّر وجهه) صلى الله عليه وسلم (حتى كان كالصرف) أي كالصبغ الأحمر وهو بكسر الصاد المهملة وسكون الراء صبغ أحمر يصبغ به الجلود قال ابن دريد: وقد يسمى الدم أيضًا صرفًا (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله قال) عبد الله: (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله موسى) - عليه السلام - (قد أوذي بأكثر من هذا) أي بأشد من هذا الذي أوذيت به (فصبر) فلي أسوة به. والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن مسعود نقله ما نقل بل غضب من قول المنقول عنه ثم حلم عنه وصبر على أذاه استئساءً بموسى - عليه السلام - وامتثالًا لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] قال الحافظ: وقد تقدمت الإشارة إلى أن المذموم من نقلة الأخبار من يقصد الإفساد وأما من يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويجتنب الأذى فلا وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك مما لا يباح الإمساك عن ذلك اهـ.

قَال: قُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ إِلَيهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا. (2329) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا. فَقَال رَجُلٌ: إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. قَال: فَأَتَيتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ. فَغَضِبَ مِنْ ذلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا. وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى تَمَنَّيتُ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عبد الله: (قلت لا جرم) أي أقسمت بالله على أن (لا أرفع) ولا أخبر (إليه) صلى الله عليه وسلم (بعدها) أي بعد هذه المرة (حديثًا) وكلامًا سمعته من الناس لما رأيت في وجهه من الغضب الشديد قال في القاموس (لا جرم) أي لا بد أو حقًّا أو لا محالة أو هذا أصله ثم كثر حتى تحول إلى معنى القسم اهـ وقد أطلنا البحث في لا جرم في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن أردت الخوض في هذا المقام والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 411) والبخاري (6336). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: (2329) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر. (قال) عبد الله: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا) من الغنائم بين المؤلفة قلوبهم (فقال رجل) من الحاضرين اسمه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين: (إنها) أي إن هذه القسمة (لقسمة ما أريد بها وجه الله) أي رضاه والإخلاص له (قال) عبد الله: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته) أي فكلمته سرًّا (فغضب من ذلك) الذي أخبرته (غضبًا شديدًا) حتى ظهر عليه أثره (واحمر وجهه) الشريف. قال الحافظ: فيه أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى عليه السلام فندمت على إخباره ذلك الخبر (حتى تمنيت) ووددت (أني لم أذكره) أي لم أخبر

لَهُ. قَال: ثُمَّ قَال: "لقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك الخبر (له) صلى الله عليه وسلم (قال) عبد الله: (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما غضب وسكت: (لقد أوذي) نبي الله (موسى) - عليه السلام - (بأكثر) أي بأشد (من هذا) الذي أوذيت به كرميه بالأدرة (فصبر) على ذلك الأذى فلي أسوة به وأشار بقوله (قد أوذي موسى) إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ} الآية وقد حكى في صفة أذاهم ثلاث قصص إحداها قولهم: هو آدر وثانيها: في قصة موت هارون وثالثها: في قصته مع قارون حيث أمر البغي أن تزعم أن موسى راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون اهـ من فتح الملهم. قال القرطبي: (قول القائل في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم: هذه قسمة) إلخ قول جاهل بحال النبي صلى الله عليه وسلم غليظ الطبع حريص شره منافق وكان حقه أن يقتل لأنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 6] والعذاب في الدنيا هو القتل لكن لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم للمعنى الذي قاله وهو من حديث جابر: (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) رواه الترمذي ولهذه العلة امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين مع علمه بأعيان كثير منهم وبنفاقهم ولا يلتفت لقول من قال بإبداء علة أخرى لأن حديث جابر وغيره نص في تلك العلة وقد أمنت تلك العلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاق بعدها وإنما هو الزندقة كذلك قال مالك رحمه الله تعالى فمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سبه قتل ولا يستتاب وهذا هو الحق والصواب واختلف في هذا العطاء الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم هل كان من الخمس أوكان من صلب الغنيمة والإجراء على أصول الشريعة أن يكون من الخمس ومنه أكثر عطاياه صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم) رواه مالك في الموطأ وقد وصله النسائي والظاهر من مراجعة الأنصار وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم) أنه كان من صلب الغنيمة وأن ذلك إنما كان لما يعلم من رضا أصحابه ولطيب قلوبهم به أو يكون هذا مخصوصًا بتلك الواقعة وله أن يفعل ما شاء في الأموال والرقاب والأصل التمسك بقواعد الشريعة على ما تقررت والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث: الأول: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به لحديث عمر وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث المسور بن مخرمة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به لحديث سعد بن أبي وقاص وذكر فيه ست متابعات. والسادس: حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين. والسابع: حديث عبد الله بن زيد ذكره للاستشهاد أيضًا. والثامن: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

434 - (52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورا وذكر الخوارج

434 - (52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورًا وذكر الخوارج (2330) (1029) - (179) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: أَتَى رَجُل رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ. مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 434 - (52) باب وجوب الرضا بما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما أعطى وكفر من نسب إليه جورًا وذكر الخوارج (2330) (1029) (179) (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي. (قال) جابر: (أتى رجل) هو ذو الخويصرة التميمي كما في مسند أحمد ووقع في حياة الحيوان للدميري: أن ذا الخويصرة هو مخاصم الزبير في شراج الحرة اهـ من تنبيه المعلم على مبهمات مسلم لأبي ذر (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة) موضع قريب من مكة وهو ميقات من مواقيت العمرة بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء وقد تكسر العين وتشدد الراء كما في النهاية (منصرفه) بفتح الراء ظرف زمان لأتى أي حين انصرافه ورجوعه صلى الله عليه وسلم (من) غزوة (حنين). قال الحافظ: ولكن القصة التي في حديث جابر صرح في حديثه بأنها كانت منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة وكان ذلك في ذي القعدة سنة ثمان وكان الذي قسمه النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ فضة كانت في ثوب بلال وكان يعطي كل من جاء منها والقصة التي في حديث أبي سعيد صرح في رواية أنها كانت بعد بعث علي إلى اليمن وكان ذلك في سنة تسع وكان المقسوم فيها ذهبًا وخص به أربعة أنفس فهما قصتان في وقتين اتفق في كل منهما إنكار القائل وصرح في حديث أبي سعيد أنه ذو

وَفِي ثَوْبِ بِلالٍ فِضَّةٌ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا. يُعْطِي النَّاسَ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! اعْدِلْ. قَال: "وَيلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْت وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخويصرة التميمي ولم يسم القائل في حديث جابر ووهم من سماه ذا الخويصرة ظانًا اتحاد القصتين ووجدت لحديث جابر شاهدًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يوم حنين وهو يقسم شيئًا فقال: يا محمد اعدل ولم يسم الرجل أيضًا وسماه محمد بن إسحاق بسند حسن عن عبد الله بن عمر أخرجه أحمد والطبراني أيضًا ولفظهُ: (أتى ذو الخويصرة التميمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم بحنين فقال: يا محمد) فذكر نحو هذا الحديث المذكور فيمكن أن يكون تكرر ذلك منه في الموضعين عند قسمة غنائم حنين وعند قسمة الذهب الذي بعثه علي اهـ. (وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها) ويأخذها بيده حالة كونه (يعطي الناس) ويقسمها بينهم (فقال) ذلك الرجل: (يا محمد اعدل) أي افعل العدل والإنصاف والحق في قسمك ولا تجر فيه قال الأبي: هذا مثل الأول في إضافته له عدم العدل وهو الجور لأن الأمر إنما يكون بما لك يقع إذ لا يقال للقائم: قم اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك قيل: إن أصل ويل وي وهي كلمة تأوه فلما كثر قولهم: وي لفلان وصلوها باللام وقدروها أنها منها فأعربوها وعن الأصمعي: ويل للتقبيح على المخاطب فعله وقال الراغب: ويل قبوح وقد تستعمل بمعنى التحسر وويح ترحم وويس استصغار وأما ما ورد ويل واد في جهنم فلم يرد أنه معناه في اللغة وإنما أراد من قال الله ذلك فيه فقد استحق مقرًا من النار وأكثر أهل اللغة على أن ويل كلمة عذاب وويح كلمة رحمة وعن اليزيدي: هما بمعنى واحد. (ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) قال النواوي: روي بفتح التاء في خبت وخسرت وبضمها فيهما ومعنى الضم ظاهر وتقدير الفتح خبت أنت أيها التابع إذ كنت لا أعدل لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل والفتح أشهر والله أعلم.

فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَعْنِي. يَا رَسُولَ اللهِ! فَاقْتُلَ فذَا الْمُنَافِقَ. فَقَال: "مَعَاذَ اللهِ! أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة القرطبي هنا: فأما الضم فمعناه واضح وأما الفتح فعلى معنى إني إن جرت فيلزم أن تجور أنت من جهة أنك مأمور باتباعي فتخسر باتباع الجائر هذا معنى ما قاله الأئمة. (قلت): ويظهر لي وجه آخر وهو أنه كأنه قال له: لو كنت جائرًا لكنت أنت أحق الناس بأن يجار عليك وتلحقك بادرة الجور الذي صدر عنك فتعاقب عقوبة معجلة في نفسك ومالك وتخسر كل ذلك بسببها لكن العدل هو الذي منع عن ذلك وتلخيصه لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق بك لأدركك الهلاك والخسار اهـ من المفهم. (فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني) أي اتركني (يا رسول الله فأقتل) بالنصب في جواب الأمر (هذا المنافق) وفي روايات أخر: إن خالد بن الوليد استأذن في قتله. قال الحافظ: وقد ذكرت وجه الجمع بينهما في أواخر المغازي وأن كلًّا منهما سأل ثم رأيت عند مسلم من طريق جرير عن عمارة بن القعقاع بسنده فيه: فقام عمر بن الخطاب فقال لرسول الله: ألا أضرب عنقه قال: لا. ثم أدبر فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال: لا فهذا نص أن كلًّا منهما سأل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (معاذ الله) منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا تقديره: أعوذ بالله عوذًا وأستعيذ به استعاذةً من (أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي) قال الإسماعيلي: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المذكور لأنه لم يكن أظهر ما يستدل به على ما وراءه فلو قتل من ظاهره الصلاح عند الناس قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في القلوب لنفرهم عن الدخول في الإسلام وأما بعده صلى الله عليه وسلم فلا يجوز ترك قتالهم إذا هم أظهروا رأيهم وتركوا الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم وقد ذكر ابن بطال عن المهلب قال: التالف إنما كان في أول الإسلام إذ كانت الحاجة ماسةً لذلك لدفع ضررهم فأما إذ أعلى الله الإسلام فلا يجب التألف إلا أن تنزل بالناس حاجة لذلك فلإمام الوقت ذلك. وقال الأبي ناقلًا عن عياض: ولم يحكم فيهم أي في المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه بنفاقهم لأنه كان قد اشتهر في العرب أنهم من جملة المؤمنين والصحابة

إِنَّ هذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والحكم للظاهر فلو قتلهم بعلمه بما أسروه من النفاق لوجد المنفر عن الدخول في الإسلام ما يقول وارتاب الشارد وأرجف المعاند وارتاع عن الدخول في الإسلام غير واحد ولذا كان يقول صلى الله عليه وسلم (لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) فينفر عن الإسلام وقد قال ابن المواز وابن القصار لو أظهروا النفاق لقتلهم اهـ من فتح الملهم. (إن هذا) القائل (وأصحابه) الذين استنوا بسنته من النفاق (يقروون القرآن) بألسنتهم حالة كون القرآن (لا يجاوز) ولا يتعدى (حناجرهم) أي حلاقيمهم والحناجر كما في قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} جمع حنجرة وهي رأس الغلصمة حيث تراه ناتئًا من خارج الحلق كما في النهاية. وفي رواية: (حلوقهم وتراقيهم) يعني لا يكون لهم إلا القراءة المجردة ولا تصل معانيه إلى قلوبهم. وقال القاضي: فيه تأويلان: أحدهما: معناه لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف والثاني: معناه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل اهـ. (يمرقون منه) أي يخرجون من القرآن وسبيله ويتعدون حدوده ولا يعملون به. قال ابن بطال: المروق الخروج عند أهل اللغة يقال: مرق السهم من الغرض إذا أصابه ثم نفذ منه فهو يمرق منه مرقًا ومروقًا وانمرق منه وأمرقه الرامي إذا فعل ذلك به ومنه قيل: مرق البرق لخروجه بسرعة اهـ. (كما يمرق) ويخرج (السهم من الرمية) أي من الصيد المرمي أي يمرقون منه مروقًا كمروق السهم من الرمية كما هو الرواية الآتية أي كما يخرج السهم من الدابة المرمية خارقًا لها والرمية بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية هي الصيد المرمي وهي فعيلة بمعنى مفعولة فأدخلت فيها الهاء وإن كان فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث للإشارة إلى نقلها من الوصفية إلى الاسمية وقيل: إن شرط استواء المذكر والمؤنث فيه أن يكون الموصوف مذكورًا معه وقيل شرطه سقوط الهاء من المؤنث قبل وقوع الوصف

(2331) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ مَغَانِمَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: خذ ذبيحتك أي الشاة التي تريد ذبحها فإذا ذبحتها قيل لها حينئذ ذبيح والمعنى يخرجون من الإسلام خروج السهم من الرمية إذا دخل من جهة ونفذ من أخرى ولم يتعلق به شيء من المرمي وسيأتي إيضاحه في الروايات الآتية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 353 - 354) والبخاري (3138) مختصرًا وابن ماجه (172). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2331) (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) ابن عبد المجيد (الثقفي) البصري (قال) عبد الوهاب: (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (يقول: أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد. (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عكل بطن من تميم الكوفي الجوال صدوق من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثني قرة بن خالد) السدوسي أبو خالد البصري ثقة من (6) (حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله) الأنصاري. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة قرة بن خالد ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير. (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم مغانم) جمع مغنم وهو كالغنيمة ما أصيب من أموال أهل الحرب من الكفار (وساق) قرة بن خالد (الحديث) بمثل حديث يحيى بن سعيد.

(2332) (1030) - (180) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ بِالْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: (2332) (1030) (180) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي ثقة من (10) (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة من (7) (عن سعيد بن مسروق) الثوري الكوفي والد سفيان ثقة من (6) (عن عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وسكون المهملة اسمه زياد البجلي أبي الحكم الكوفي روى عن أبي سعيد الخدري في الزكاة وأبي هريرة في البيوع والمغيرة بن شعبة ويروي عنه (ع) وسعيد ابن مسروق وعمارة بن القعقاع وفضيل بن غزوان وابنه الحكم وثقه النسائي وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من عباد أهل الكوفة وقال في التقريب: صدوق من الثالثة مات قبل المائة (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أبا سعيد الخدري فإنه مدني. (قال) أبو سعيد: (بعث علي) بن أبي طالب (رضي الله عنه وهو) أي والحال أن عليًّا (باليمن بذهبة) أي بقطعة ذهب ولفظ البخاري: (بذهيبة) على صيغة التصغير أي بقطعة صغيرة من ذهب قال في فتح الملهم: وفي معظم النسخ بفتحتين بغير تصغير وفي بعضها بذهيبة على التصغير قال الحافظ: وكأنه أنثها على معنى الطائفة أو الجملة وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات. (تنبيه): هذه القصة غير القصة المتقدمة في غزوة حنين ووهم من خلطها بها واختلف في هذه الذهيبة فقيل: كانت خمس الخمس وفيه نظر وقيل: من الخمس وكان ذلك من خصائصه أنه يضعه في صنف من الأصناف للمصلحة وقيل: من أصل الغنيمة وهو بعيد كذا في الفتح. وقوله: (في تربتها) صفة لذهبة يعني أنها غير مسبوكة لم تخلص من ترابها ولم تصف منها كما سيأتي. وقوله: (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق ببعث (فقسمها رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ، وَعُيَينَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ الْعَامِرِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كِلابٍ، وَزَيدُ الْخَيرِ الطَّائِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ. قَال: فَغَضِبَتْ قُرَيشٌ. فَقَالُوا: أَيُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَيدَعُنَا؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر) كانوا من المؤلفة وكان كل منهم رئيس قومه وكان مقتضى القاعدة النحوية أن يقال: أربعة أنفار لأن أسماء الآحاد لا تضاف إلا إلى الجمع إلا أن يقال: إنه نظر إلى المعنى. (الأقرع بن حابس) بالجر بدل من أربعة وبالرفع خبر لمحذوف (الحنظلي) ثم أحد بني مجاشع بجيم خفيفة وشين معجمة مكسورة قال الأبي: وتقدم أنه تميمي وليس باختلاف لأن حنظلة بطن من تميم (وعيينة بن بدر الفزاري) نسب إلى جد أبيه وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان رئيس قيس في أول الإسلام وكنيته أبو مالك وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع وارتد مع طليحة ثم عاد إلى الإسلام (وعلقمة بن علاثة العامري) كان رئيس بني كلاب مع عامر بن الطفيل وكانا يتنازعان على الشرف فيهم ويتفاخران ولهما في ذلك أخبار شهيرة كذا في الفتح (ثم أحد بني كلاب) بنو كلاب بطن من بني عامر لأنه كلاب بن ربيعة بن عامر (وزيد الخير الطائي). قال النواوي: كذا في جميع النسخ بالراء وفي الرواية التي بعدها: (زيد الخيل) باللام وكلاهما صحيح وقيل له: زيد الخيل لعنايته بها ويقال: لم يكن في العرب أكثر خيلًا منه وكان شاعرًا خطيبًا شجاعًا جوادًا وكان في الجاهلية يسمى زيد الخيل فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام زيد الخير بالراء بدل اللام لما كان فيه من الخير وقد ظهر أثر ذلك فإنه مات على الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: بل توفي في خلافة عمر. (ثم أحد بني نبهان) قال الأبي: بنو نبهان بطن من طيئ. (قال) أبو سعيد: (فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجد) بمهملة ثم نون جمع صنديد كمساكين ومسكين وهو الرئيس أي ساداتها (ويدعنا) أي يتركنا من العطاء وجمع بين التاء والياء في يعطي ويدعنا في الطبع إشارة إلى اختلاف النسخ بهما في الفعلين. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني إنما فعلت ذلك) أي تخصيص العطاء

لأَتَأَلَّفَهُمْ" فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ. مُشْرِفُ الْوَجْنَتَينِ. غَائِرُ الْعَينَينِ. نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ. فَقَال: اتَّقِ اللهَ. يَا مُحَمَّدُ! قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيتُهُ! أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟ " قَال: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ. فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بهؤلاء الأربعة (لأتألفهم) على الإسلام (فجاء رجل) هو ذو الخويصرة التميمي كما سيأتي من رواية أبي سلمة وغيره وعند أبي داود: اسمه نافع ورجحه السهيلي. (كث اللحية) بفتح الكاف وتشديد المثلثة أي كثيف اللحية كثيرها. قال ابن الأثير: الكثافة في اللحية أن تكون غير دقيقة ولا طويلة وفيها كثافة يقال رجل كث اللحية بالفتح وقوم كث بالضم (مشرف الوجنتين) أي مرتفع الخدين بشين معجمة وفاء أي بارزهما غليظهما والوجنتان العظمان المشرفان على الخدين كذا في الفتح والوجنتان تثنية وجنة والوجنة من الإنسان ما ارتفع من لحم خده كما في المصباح وفي واوها الحركات الثلاث ويقال: أجنة بضم الهمزة اهـ نواوي (غائر العينين) بالعين المعجمة وبالهمزة ويجوز إبدالها ياءًا سم فاعل من الغور والمراد أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة وهو ضد الجحوظ (ناتئ الجبين) بنون ومثناة على وزن فاعل من النتوء وهو الارتفاع أي بارز الجبين ولعل الجبين هنا وقع غلطًا من الجبهة والرواية الصحيحة هي ما بعد هذه من قوله: (ناشز الجبهة) أو (ناتئ الجبهة) فإن الجبين جانب الجبهة ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة وهما لا يوصفان بالنتوء (محلوق الرأس) وحلق الرأس إذ ذاك مخالف لعادة العرب فإنهم كانوا لا يحلقون رؤوسهم وكانوا يفرقون شعورهم وسيأتي في بعض روايات الباب (سيماهم التحالق) وكان السلف يوفرون شعورهم ولا يحلقونها وكانت طريقة الخوارج حلق جميع الرأس (فقال) الرجل المذكور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله) في قسمك (يا محمد قال) أبو سعيد الخدري: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطع الله إن عصيته) فيه إشارة إلى عصمة نفسه صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات: (أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله). (أيامنني) الله سبحانه وتعالى (على أهل الأرض) أي يجعلني الله أمينًا على أهل الأرض (و) أنتم (لا تأمنوني) على تبليغي بل تتهموني بالجور والظلم (قال) أبو سعيد: (ثم أدبر الرجل) القائل أي ذهب وولى دبره إلينا (فاستأذن) أي طلب (رجل من القوم)

فِي قَتْلِهِ. (يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ. وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ. يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلم الإذن له (في قتله) أي قتل ذلك الرجل القائل (يرون) بضم الياء أي يظنون (أنه خالد بن الوليد) سيف الله رضي الله عنه. وفي هذا الحديث أن خالدًا قال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه وفي حديث جابر أن عمر بن الخطاب قال: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. (قلت): لا إشكال فيه إذ الجمع ممكن بأن يكون كل واحد منهما قال ذلك وأجيب كل واحد منهما بغير ما أجيب به الآخر والله أعلم اهـ من المفهم. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده من الصحابة: (إن من ضئضئ هذا) الرجل القائل بضادين معجمتين مكسورتين بينهما تحتانية مهموزة ساكنة وفي آخره تحتانية مهموزة أيضًا وفي بعض النسخ بصادين مهملتين وزعم ابن الأثير أن الذي بالمهملة بمعناه وحكى ابن الأثير أنه روى بالمد بوزن قنديل أي إن من أصل هذا الرجل وجنسه وقومه ومن قال من نسله وعقبه فقد أخطأ فإن الخوارج لم يكونوا من نسله ولا عقبه بل هو كان رئيسهم ولأصل الشيء أسماء كثيرة منها الضئضئ بالمعجمتين والمهملتين والنجار بكسر النون والنحاس والسنخ بكسر السين وإسكان النون وبخاء معجمة والعنصر والعنض والأرومة اهـ نووي. (قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون) أي يتركون (أهل الأوثان) والأصنام. قال الحافظ: وهو مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المغيبات فوقع كما قال وقال الأبي: ومن عجيب أمرهم ما يأتي أنهم حين خرجوا من الكوفة منابذين لعلي رضي الله عنه إذا لقوا في طريقهم مسلمًا وكافرًا قتلوا المسلم وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم في الذمي. (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) والله (لئن أدركتهم) أي لئن أدركت أولئك الأقوام وبقيت إلى زمانهم (لأقتلنهم قتل عاد) أي قتلًا عامًا مستأصلًا

(2333) (0) (0) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمْنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْيَمَنِ، بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بحيث لا يبقى منهم أحد كما قال تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} ولم يرد أنه يقتلهم بالآلة التي قتلت بها عاد بعينها ويحتمل أن يكون من الإضافة ويراد به القتل الشديد القوي إشارة إلى أنهم موصوفون بالشدة والقوة ويؤيده أنه وقع في طريق أخرى قتل ثمود كذا في الفتح. قال القرطبي: وفي الرواية الآتية: (قتل ثمود) وهنا (قتل عاد) فبينهما معارضة ووجه الجمع بينهما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال كليهما فذكر بعض الرواة أحدهما والآخر الآخر ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقتلهم قتلًا عامًا بحيث لا يبقي منهم أحدًا في وقت واحد لا يؤخر قتل بعضهم عن بعض ولا يقيل أحدًا منهم كما فعل بعاد حيث أهلكهم بالريح العقيم وبثمود حيث أهلكهم بالصيحة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 4) والبخاري (4351) وأبو داود (4764) والنسائي (5/ 87 - 88). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2233) (0) (0) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي أبو بشر البصري ثقة من (8) (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة من (6) (عن عبد الرحمن بن أبي نعم) زياد البجلي الكوفي (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول): وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عمارة بن القعقاع لسعيد بن مسروق. (بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبة) أي بقطعة من ذهب مظروف (في أديم) أي جلد (مقروظ) أي مذبوغ بالقرظ والقرظ بفتحتين

لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا. قَال: فَقَسَمَهَا بَينَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عُيَينَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيدِ الْخَيلِ، وَالرَّابعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالظاء المعجمة حب معروف يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه كما في المصباح. (لم تحصل) تلك الذهبة (من ترابها) أي لم تميز ولم تصف من تراب معدنها فكأنها كانت تبرًا وتخليصها بالسَّبك. قاله الحافظ. (قال) أبو سعيد: (فقسمها) أي فقسم تلك الذهبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (بين أربعة نفر) من المؤلفة (عيينة بن حصن) الفزاري (والأقرع بن حابس) الحنظلي (وزيد الخيل) هو زيد بن مهلهل بن زيد الطائي كان يضاف في الجاهلية إلى الخيل لفروسيته ولكرائم الخيل التي كانت عنده وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم عند إسلامه إلى الخير فقال: له ما اسمك قال: أنا زيد الخيل قال: بل أنت زيد الخير وأثنى عليه بقوله ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصفة غيرك كما في الاستيعاب وغيره من كتب تراجم الأصحاب وهذا الحديث قابل به الزمخشري ابن الشجري النحوي في تمثله عند اجتماعه معه ببغداد بقول أبي الطيب: واستكبر الأخيار قبل لقائه ... فلما التقينا صغر الخير الخير اهـ من بعض الهوامش (والرابع إما علقمة بن علاثة) بضم العين المهملة العامري الطائي (وإما عامر بن الطفيل) قال الأبي: هذا الشك وهم وذكر عامر هنا خطأ لأنه هلك قبل هذا بسنتين والصواب أنه علقمة كما في الأول دون شك اهـ. وعبارة النواوي: قال العلماء: ذكر عامر غلط ظاهر لأنه توفي قبل هذا بسنين والصواب الجزم بأنه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به في باقي الروايات والله أعلم اهـ. قال الحافظ: وكان علقمة حليمًا عاقلًا لكن كان عامر أكثر منه عطاء وارتد علقمة مع من ارتد ثم عاد ومات في خلافة عمر بحوران ومات عامر بن الطفيل على شركه في الحياة النبوية اهـ منه.

فَقَال رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا مِنْ هؤُلاءِ. قَال: فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "أَلا تَأْمَنُونِي؟ وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً" قَال: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَينَينِ. مُشْرِفُ الْوَجْنَتَينِ. نَاشِزُ الْجَبْهَةِ. كَثُّ اللِّحْيَةِ. مَحْلُوقُ الرَّأْسِ. مُشَمَّرُ الإِزَارِ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! اتَّقِ اللهَ. فَقَال: "وَيلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ" قَال: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. فَقَال خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَال: "لَا. لَعَلَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال رجل من أصحابه) صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: لم أقف على اسمه: (كنا نحن أحق بهذا) العطاء (من هولاء) الصناديد كأنه يعرض بالعدول عن الأحق إلى غيره ويريد بإضافة عدم العدل إليه صلى الله عليه وسلم أنه إنما وقع على وجه الغلط في الرأي وأمور الدنيا والاجتهاد فيها بمصالح أهلها وأنه من الأمر الذي يجوز له الصفح عنه لا أنه أضاف إليه عدم العدل في القسم على وجه التهمة له كذا قال الأبي. (قلت): يكلم الإنسان بكلمة ويكلم الآخر بمثلها أو بما يقاربها ومع ذلك يختلف مرادهما باختلاف الاعتقاد والنية واللهجة وخصوصيات الأحوال فيخرج كلاهما على محملين متباعدين لما يعلم من تباين أحوالهما من خارج وهذا كما قال أهل البلاغة في قولهم: أنبت الربيع البقل: إنه مجاز إذا صدر من موحد وحقيقة إذا صدر من دهري والله أعلم. (قال) أبو سعيد (فبلغ ذلك) القول (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنوني) في قسمي (وأنا أمين من في السماء) سبحانه وتعالى وكونه تعالى في السماء صفة أثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم له، نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها هذا هو المذهب الأسلم الذي عليه السلف الصالح (يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً) وفعلي كله بأمر من السماء لا من عند نفسي. (قال) أبو سعيد: (فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة) أي مرتفعها (كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار) أي ملففه (فقال: يا رسول الله اتق الله فقال: وبلك أ) تقول ذلك (ولست أحق أهل الأرض) بـ (ـأن يتقي الله) سبحانه وتعالى (قال) أبو سعيد: (ثم ولى الرجل) أي ذهب وأدبر هذا الرجل الثاني (فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تضربه (لعله) أي

أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي". قَال خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيسَ فِي قَلْبِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ. وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ" قَال: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَال: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ فذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ. رَطْبًا لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ لعل هذا الرجل (أن يكون يصلي) فيه استعمال لعل استعمال عسى نبه عليه ابن مالك وقوله: يصلي قيل: فيه دلالة من طريق المفهوم على أن تارك الصلاة يقتل وفيه نظر كذا في الفتح وأوضح وجه النظر فيه العلامة العيني في شرح البخاري فليراجع. (قال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه) من معنى الشهادتين (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أرمر) من جهة ربي (أن أنقب) وأفتش وأكشف وأبحث (عن قلوب الناس) إنما أمرت أن آخذ بظواهر أمورهم والله يتولى السرائر من نقبت الحائط نقبًا من باب نصر إذا فتحت فيه فتحًا ولفظ البخاري (أن أنقب قلوب الناس) والكلمة مضبوطة في النهاية بتشديد القاف وهو المصرح به في المبارق. قال القرطبي: إنما منع قتله وإن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه ولا سيما من صلى قال الحافظ: في الحديث الكف عن قتل من يعتقد الخروج على الإمام ما لم ينصب لذلك حربًا أو يستعد لذلك لقوله: فإذا خرجوا فاقتلوهم اهـ. (ولا أشق بطونهم) لأعرف ما فيها من الصدق والنفاق (قال) أبو سعيد: (ثم نظر) النبي صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى الرجل (وهو مقف) أي مول قد أعطانا قفاه (فقال: أنه) أي إن الشأن والحال (يخرج) ويظهر (من ضئضئ هذا) الرجل وجنسه وقومه (قوم يتلون كتاب الله) أي القرآن (رطبًا) أي طريًا رطبًا به ألسنتهم لمواظبتهم على تلاوته قيل: المراد به الحذق في التلاوة يأتون به على أحسن أحواله وقيل: المراد أنهم يواظبون على تلاوته فلا تزال ألسنتهم رطبة به وقيل: هو كناية عن حسن الصوت به حكاها القرطبي ويرجح الأول ما وقع في رواية أبي الوداك عن أبي سعيد عند مسدد (يقرؤون القرآن كأحسن ما يقرأه الناس) ويؤيد الآخر قوله في رواية مسلم عن ابن أبي بكرة عن أبيه (قوم أشداء أحداء ذلقة ألسنتهم بالقرآن) أخرجه الطبري (لا يجاوز حناجرهم) وحلاقيمهم (يمرقون من الدين) والشرع (كما يمرق السهم من الرمية قال)

أَظُنُّهُ قَال: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ". (2334) (0) (0) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَال: وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيلِ. وَقَال: نَاتِئُ الْجَبْهَةِ. وَلَمْ يَقُلْ: نَاشِز. وَزَادَ: فَقَامَ إِلَيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَال: "لَا". قَال: ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَامَ إِلَيهِ خَالِدٌ، سَيفُ اللهِ، فَقَال: يَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو سعيد الخدري: (أظنه) صلى الله عليه وسلم (قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) قتلًا عامًّا مستأصلًا وفي رواية سعيد بن مسروق المتقدمة (لأقتلنهم قتل عاد) ولم يتردد فيه. قال الحافظ وهو الراجح وقد استشكل قوله (لئن أدركتهم لأقتلنهم) مع أنه نهى خالدًا عن قتل أصلهم وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف ولم يكن ظهور ذلك في زمانه وأول ما ظهر في زمان علي رضي الله عنه كما هو مشهور وفي الحديث أن كون الرجل مصليًا لا يمنع قتله مطلقًا كما يوهمه قوله فيما قبل (لعله أن يكون يصلي) فإن قوله: لأقتلنهم قد ورد في حق قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم قال ابن هبيرة: وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين والحكمة فيه أن في قتالهم حفظ رأس مال الإسلام وفي قتال أهل الشرك طلب الربح وحفظ رأس المال أولى اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2334) (0) (0) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم عن أبي سعيد الخدري غرضه بيان متابعة جرير لعبد الواحد بن زياد (قال) جرير في روايته: (وعلقمة بن علاثة) بلا شك (ولم يذكر) جرير (عامر بن الطفيل وقال) جرير أيضًا: (ناتئ الجبهة) أي مرتفع الجبهة (ولم يقل) جرير: (ناشز وزاد) جرير على عبد الواحد: (فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا) تضرب عنقه (قال) أبو سعيد: (ثم أدبر) أي ذهب الرجل (فقام إليه) صلى الله عليه وسلم (خالد) بن الوليد (سيف الله فقال) خالد: (يا

رَسُولَ اللهِ! أَلا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَال: "لَا". فَقَال: "إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ فذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ لَيِّنًا رَطْبًا". وَقَال: قَال عُمَارَةُ: حَسِبْتُهُ قَال: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ". (2335) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: بَينَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: زَيدُ الْخَيرِ، والأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَينَةَ بْنُ حِصْنٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنُ عُلاثَةَ أَوْ عَامِرُ بْنِ الطُّفَيلِ. وَقَال: نَاشزُ الْجَبْهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله ألا أضرب عنقه قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تضرب (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه سيخرج من ضئضئ) أي من أصل (هذا) الرجل (قوم يتلون كتاب الله) تعالى أي يقرؤون القرآن (لينًا) أي سهلًا (رطبًا) أي جديدًا لحذاقتهم بتلاوته. قال النواوي: هكذا هو في أكثر النسخ لينًا بالنون أي سهلًا وفي كثير من النسخ (ليًا) بحذف النون وأشار القاضي إلى أنه رواية أكثر شيوخهم قال: ومعناه سهلًا لكثرة حفظهم قال: وقيل (ليًا) أي يلوون ألسنتهم به أي يحرفون معانيه وتأويله قال: وقد يكون من اللي في الشهادة وهو الميل قاله ابن قتيبة اهـ. (وقال) جرير (قال) لنا (عمارة حسبته) حسبت عبد الرحمن بن أبي نعم (قال) حين ما روى لنا هذا الحديث: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) كما قال عبد الواحد وما في هذا السند كله بيان لمحل المخالفة بين المتابع والمتابع. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2335) (0) (0) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (عن عمارة بن القعقاع بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري. غرضه بيان متابعة ابن فضيل لعبد الواحد. (و) لكن (قال) ابن فضيل في روايته: (بين أربعة نفر: زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطفيل وقال) ابن فضيل: (ناشز الجبهة

كَرِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ. وَقَال: "إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هذَا قَوْمٌ". وَلَمْ يَذْكُرْ: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأقتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ". (2336) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَأَلاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ؟ هَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كرواية عبد الواحد وقال) ابن فضيل أيضًا في روايته: (إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم ولم يذكر) ابن فضيل: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2336) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال: سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني ثقة من (4) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (3) (وعطاء بن يسار) الهلالي المدني ثقة من (3) (أنهما أتيا أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان غرضه بيان متابعة أبي سلمة وعطاء بن يسار لعبد الرحمن بن أبي نعم في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري. (فسألاه) أي فسأل أبو سلمة وعطاء أبا سعيد (عن) حكم (الحرورية) وسبب تسميتهم بهذا الاسم وهم الخوارج سموا حرورية لأنهم نزلوا حروراء بفتح المهملة وراءين الأولى مضمومة وبالمد وهي قرية بالعراق قريبة بالكوفة وسموا خوارج لخروجهم على الجماعة وقيل: لخروجهم عن طريق الجماعة وقيل لقوله صلى الله عليه وسلم (يخرج من ضئضئ هذا) اهـ نواوي. ويسمون مارقين لقوله صلى الله عليه وسلم (يمرقون) كما في حديث علي رضي الله عنه (أمرت بقتال المارقين) يعني الخوارج وكانوا يسمون أنفسهم شراة تمسكًا بقوله تعالى: {يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} اهـ من بعض الهوامش أي سألاه عنها فقالا له: (هل

سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهَا؟ قَال: لَا أَدْرِي مَنِ الْحَرُورِيَّةُ. وَلكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِي هذِهِ الأُمَّةِ (وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا) قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها) أي يذكر شأن الحرورية وحكمها هل هم من المسلمين أم لا (قال) لهما أبو سعيد: (لا أدري) ولا أعلم (من) هم (الحرورية) ولا سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها وهذا يغاير قوله في الرواية التي تليها (وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه) فإن مقتضى الأول أنه لا يدري هل ورد الحديث الذي ساقه في الحرورية أولًا ومقتضى الثاني أنه ورد فيهم ويمكن الجمع بأن مراده بالنفي هنا أنه لم يحفظ فيهم نصًّا بلفظ الحرورية وإنما سمع قصتهم التي دل وجود علامتهم بالحرورية بأنهم هم (ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في هذه الأمة) المحمدية يعني أمة الإجابة قال أبو سعيد: (ولم يقل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (منها) أي من أمة الإجابة لأن لفظة من تقتضي كونهم من الأمة بخلاف (في). قال النواوي: لكن لا شك أنهم من أمة الإجابة وأنهم لا يكفرون وجاءت رواية (من) أيضًا كما ستأتي. قال الحافظ: ولم تختلف الطرق الصحيحة على أبي سعيد في ذلك وأما ما أخرجه الطبري من وجه آخر عن أبي سعيد بلفظ (من أمتي) فسنده ضعيف لكن وقع عند مسلم من حديث أبي ذر بلفظ: (سيكون بعدي من أمتي قوم) وله من طريق زيد بن وهيب عن علي (يخرج قوم من أمتي) ويجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بأن المراد بالأمة في حديث أبي سعيد أمة الإجابة وفي رواية غيره أمة الدعوة اهـ. قال النواوي: وفيه دلالة على فقه الصحابة وتحريرهم الألفاظ وفيه إشارة من أبي سعيد إلى تكفير الخوارج وأنهم من غير هذه الأمة. قال المازري: هذا من أدل الدلائل على سعة علم الصحابة رضي الله عنهم ودقيق نظرهم وتحريرهم الألفاظ وفرقهم بين مدلولاتها الخفية لأن لفظة من تقتضي كونهم من الأمة لا كفارًا بخلاف في اهـ. أي يخرج في هذه الأمة (قوم تحقرون) بفتح أوله أي تستقلون (صلاتكم مع صلاتهم) قال الحافظ: ووصف عاصم أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار

فَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوزُ حُلُوقَهُمْ (أَوْ حَنَاجِرَهُمْ) يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ. فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ. إِلَى نَصْلِهِ. إِلَى رِصَافِهِ. فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ. هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيءٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقومون الليل ويأخذون الصدقات على السنة أخرجه الطبري (فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم) جمع حلق (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو سعيد لا يجاوز (حناجرهم) جمع حنجرة وهو رأس الحلقوم والشك من الراوي أو ممن دونه (يمرقون) أي يخرجون (من الدين مروق السهم) أي مروقًا كمروق السهم (من الرمية) أي من الصيد المرمي شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ومن شدة خروجه لقوة الرامي لا يعلق به من جسد الصيد شيء فهؤلاء لا ينتفعون بالدين بل يخرجون منه بسرعة ويجرحونه (فينظر الرامي إلى سهمه) العريض هل به شيء من دم الصيد ولحمه فلا يرى فيه شيئًا لسرعة خروجه ثم ينظر (إلى نصله) أي إلى حديدة السهم التي تركب عليه هل علق به شيء من الدم فلا يرى فيه شيئًا منه وهو بدل من قوله إلى سهمه وكذا ما بعده أي ينظر إلى سهمه جملة ثم تفصيلًا والنصل حديدة السهم التي تركب على طرف السهم وهي مسمومة فبها يحصل قتل الصيد وغيره لكونها مسمومة وهي مثل الإبرة الكبيرة ثم ينظر (إلى رصافه) أي إلى رصاف السهم هل علق به شيء من الدم أم لا فلا يرى فيه شيئًا والرصاف بكسر الراء ثم فاءٍ، أي إلى عصبه أي إلى عصب السهم الذي يكون ويلف فوق مدخل النصل من السهم والعصب حبال تسوى من عصب المواشي وهو عروق توصل العظام بعضها إلى بعض واحده رصفة بفتحات (فيتمارى) أي يشك الرائي (في الفوقة هل علق بها من الدم شيء) فينظرها فلا يرى فيها شيئًا من الدم أي لا يرى في نصله ورصافه شيئًا من أثر الدم ثم ينظر إلى الفوقة فيتشكك هل بقي فيها شيء من الدم والتماري هنا تفاعل من المرية بمعنى الشك لا من المراء بمعنى الجدال ومعناه هنا فيشك الرامي في الفوقة والفوقة وكذا الفوق بضم الفاء فيهما هو الحز من السهم الذي يجعل فيه الوتر أي موضع الوتر من السهم وهو أسفله لأن أعلاه يركب فيه النصل وأسفله يجعل على الوتر عند الرمي. قال ابن الأنباري: الفوق يذكر ويؤنث قال الأبي: والتماري في الفوقة فيه معجزة لأنه إشارة إلى ما وقع فيهم من الخلاف بين الأمة في تكفيرهم وعدمه.

(تتمة)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) في بيان سبب تسمية الخوارج بالخوارج وبالحرورية وبيان حالهم وكيف كان بدء أمرهم وخروجهم عن الجماعة وقطع دابرهم. واعلم أن الخوارج جمع خارجة بمعنى طائفة خرجت عن الجماعة وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سيرة بعض أقارب عثمان فطعنوا على عثمان بذلك وكان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المعنى المراد منه ويستبدون برأيهم ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك فلما قتل عثمان قاتلوا مع علي رضي الله عنه واعتقدوا كفر عثمان ومن تابعه واعتقدوا إمامة علي وكفر من قاتله من أهل الجمل الذين كان رئيسهم طلحة والزبير فإنهما خرجا إلى مكة بعد أن بايعا عليًّا فلقيا عائشة وكانت حجت تلك السنة فاتفقوا على طلب قتلة عثمان وخرجوا إلى البصرة يدعون الناس إلى ذلك فبلغ عليًّا فخرج إليهم فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة وانتصر علي وقتل طلحة في المعركة وقتل الزبير بعد أن انصرف من الوقعة فهذه الطائفة هي التي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق ثم قام معاوية بالشام في مثل ذلك وكان أمير الشام إذ ذاك وكان علي أرسل إليه لأن يبايع له أهل الشام فاعتل بأن عثمان قتل مظلومًا وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قتلته وأنه أقوى الناس على الطلب بذلك ويلتمس من علي أن يمكنه منهم ثم يبايع له بعد ذلك وعلي يقول: ادخل فيما دخل فيه الناس وحاكمهم إلي أحكم فيهم بالحق فلما طال الأمر خرج علي في أهل العراق طالبًا قتال أهل الشام فخرج معاوية في أهل الشام قاصدًا إلى قتاله فالتقيا بصفين فدامت الحرب بينهما شهرًا وكاد أهل الشام أن ينكسروا فرفعوا المصاحف على الرماح ونادوا ندعوكم إلى كتاب الله تعالى وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية فترك جمع كثير ممن كان مع علي وخصوصًا القراء القتال بسبب ذلك تدينًا واحتجوا بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَينَهُمْ} الآية فراسلوا أهل الشام في ذلك فقالوا: ابعثوا حكمًا منكم وحكمًا منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق معه أطاعوه فأجاب علي ومن معه إلى ذلك وأنكرت ذلك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك الطائفة التي صاروا خوارج وكتب علي بينه وبين معاوية كتاب الحكومة بين أهل العراق والشام: هذا ما قضى عليه أمير المؤمنين علي معاوية فامتنع أهل الشام من ذلك وقالوا: اكتبوا اسمه واسم أبيه فأجاب علي إلى ذلك فأنكره عليه الخوارج أيضًا ثم انفصل الفريقان على أن يحضر الحكمان ومن معهما بعد مدة عينوها في مكان وسط بين الشام والعراق ويرجع العسكران إلى بلادهم إلى أن يقع الحكم فرجع معاوية إلى الشام ورجع علي إلى الكوفة ففارقه الخوارج وهم ثمانية آلاف وقيل: كانوا أكثر من عشرة آلاف وقيل ستة آلاف ونزلوا مكانًا يقال له حروراء بفتح المهملة وراءين أولاهما مضمومة وبالمد في آخره ومن ثم قيل لهم: الحرورية وكان كبيرهم عبد الله بن الكواء بفتح الكاف وتشديد الواو مع المد اليشكري وشبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة التميمي فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم معه ثم خرج إليهم علي فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة معه رئيساهم المذكوران ثم أشاعوا أن عليًّا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه فبلغ ذلك عليًّا فخطب وأنكر ذلك فتنادوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا لله فقال علي: كلمة حق يراد بها باطل فقال لهم: لكم علينا ثلاثة أن لا نمعنكم من المساجد وأن لا نمنعكم من رزقكم من الفيء ولا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادًا وخرجوا شيئًا بعد شيء إلى أن اجتمعوا بالمدائن فراسلهم علي في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد علي على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب ثم راسلهم أيضًا فأرادوا قتل رسوله ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله وانتقلوا إلى الفعل فاستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت وكان واليًا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سُرية وهي حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد فبلغ ذلك عليًّا فخرج إليهم في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام فأوقع بهم بالنهروان ولم ينج منهم إلا دون العشرة ولا قتل ممن معه إلا نحو العشرة فهذا ملخص أول أمرهم. ثم انضم إلى من بقي منهم من مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة علي رضي الله عنه حتى كان منهم عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل عليًّا بعد أن دخل علي في صلاة الصبح ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم عسكر الشام بمكان يقال: له النجيلة ثم كانوا منقمعين في إمارة زياد وابنه عبيد الله على العراق طول

(2337) (0) (0) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مدة معاوية وولده يزيد وظفر زياد وابنه منهم بجماعة فأبادهم بين قتل وحبس طويل فلما مات يزيد ووقع الافتراق وولي الخلافة عبد الله بن الزبير وأطاعه أهل الأمصار إلا بعض أهل الشام ثار مروان فادعى الخلافة وغلب على جميع أهل الشام إلى مصر فظهر الخوارج حينئذ بالعراق مع نافع بن الأزرق وباليمامة مع نجدة بن عامر وزاد نجدة على معتقد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر ولو اعتمد معتقدهم وعظم البلاء بهم وتوسعوا في معتقدهم الفاسد فأبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال حيضها وكفّروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرًا وإن لم يكن قادرًا فقد ارتكب كبيرة وحكم مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر وكفوا عن أموال أهل الذمة وعن التعرض لهم مطلقًا وفتكوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنهب فمنهم من يفعل ذلك مطلقًا بغير دعوة منهم ومنهم من يدعو أولًا ثم يفتك ولم يزل البلاء يزيد إلى أن أمر المهلب بن أبي صفرة على قتالهم فطاولهم حتى ظفر بهم وتقلل جمعهم ثم لم يزل منهم بقايا في طول الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية ودخلت طائفة منهم المغرب وقال أبو منصور البغدادي في المقالات: عدة فرق الخوارج عشرون فرقة وقال ابن حزم: أقربهم إلى قول الحق الإباضيَّة وقد بقيت منهم بقية بالمغرب اهـ من فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2337) (0) (0) (حدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي

ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْفِهْرِيُّ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمْنِ وَالضَّحَّاكُ الْهَمْدَانِيُّ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَال: بَينَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا. أَتَاهُ ذُو الْخُوَيصِرَةِ. وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لمحمد بن إبراهيم في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن. (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (وأحمد بن عبد الرحمن) بن وهب بن مسلم القرشي (الفهري) أبو عبيد الله المصري صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن والضحاك) بن شراحيل ويقال: ابن شرحبيل (الهمداني) المشرقي بكسر أوله وفتح ثالثه نسبة إلى مشرق بطن من همدان أو موضع باليمن أبو سعيد الكوفي مقرون مع أبي سلمة روى عن أبي سعيد الخدري في الزكاة وغيره ويروي عنه (خ م) والزهري والأعمش ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: صدوق من الرابعة (أن أبا سعيد الخدري قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقسم) غنائم هوازن (قسمًا) بين المسلمين (أتاه) صلى الله عليه وسلم جواب بينما (ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم) وفي حديث عبد الله بن عمرو عند البزار والطبري (رجل من أهل البادية حديث عهد بأمر الله) كذا أورده البخاري في علامات النبوة من طريق شعيب عن الزهري (أتاه ذو الخويصرة) وأورد في قتل الخوارج والملحدين من طريق معمر (جاء عبد الله بن ذي الخويصرة) بزيادة الابن. قال الشيخ بدر الدين العيني: ذو الخويصرة بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون الياء وكسر الصاد المهملة وبالراء مصغرًا الخاصرة وفي تفسير الثعلبي (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم هوازن جاءه ذو الخويصرة التميمي أصل الخوارج فقال: اعدل) قال: هذا غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد. وقال ابن الأثير في كتاب الأذواء: ذو الخويصرة رجل صحابي من بني تميم وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم في قَسْم قسمه: اعدل اهـ. ولما ذكره السهيلي عقَّبه يقوله ويذكر عن الواقدي أته حرقوص بن زهير الكعبي من

فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! اعْدِلْ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَيلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ". فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "دَعْهُ. فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ. وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ. يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوزُ تَرَاقِيَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد تميم وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة مشهورة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر رضي الله عنه ثم صار خارجيًا قال: وليس ذو الخويصرة هذا هو ذا الثدية الذي قتله علي رضي الله عنه بالنهروان قال: اسمه نافع ذكره أبو داود وقيل: المعروف أن ذا الثدية اسمه حرقوص وهو الذي حمل على علي رضي الله عنه ليقتله فقتله علي رضي الله عنه اهـ فتح الملهم. (فقال: يا رسول الله اعدل) في قسمك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك ومن يعدل إن لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه) أي اترك هذا الرجل ولا تقتله (فإن له أصحابًا يحقر أحدكم) ويستقل (صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن) والمعنى لم يجئ وقت الحكم بقتلهم وسيجيء إذا ظهر له أصحاب على الهيئة التي ذكرت ووقع في رواية (أفلح سيخرج أناس يقولون مثل قوله) قال الحافظ: قوله صلى الله عليه وسلم (دعه فإن له أصحابًا) ظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أن له أصحابًا بالصفة المذكورة وهذا لا يقتضي ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه فيحتمل أن يكون لمصلحة التألف كما فهمه البخاري لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة مع إظهار الإسلام فلو أذن في قتلهم لكان ذاك تنفيرًا عن دخول غيرهم في الإسلام اهـ. (لا يجاوز) القرآن ولا يتعدى (تراقيهم) بمثناة وقاف جمع ترقوة بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق والمعنى أن قراءتهم لا يعرفها الله ولا يقبلها وقيل: لا يعلمون بالقرآن فلا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم إلا سرده. وقال النواوي: المراد أنهم ليس لهم فيه حظ إلا مروره على لسانهم لا يصل إلى

يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ. ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ. ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ (وَهُوَ الْقِدْحُ). ثُمَّ يُنْظَرُ إِلى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ حلقومهم فضلًا أن يصل إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب اهـ. (قلت) وهو مثل قوله فيهم أيضًا (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) أي ينطقون بالشهادتين ولا يعرفونها بقلوبهم. (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) قال الحافظ: أي يخرجون من الإسلام بغتة كخروج السهم إذا رماه رام قوي الساعد فأصاب ما رماه فنفد منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمي شيء فإذا التمس الرامي سهمه وجده ولم يجد الذي رماه فينظر في السهم ليعرف هل أصاب أو أخطأ فإذا لم يره علق فيه شيء من الدم ولا غيره ظن أن لم يصبه والفرض أنه أصاب وإلى ذلك أشار بقوله: (سبق الفرث والدم) أي جاوزهما ولم يتعلق فيه شيء منهما بل خرجا بعده وفي حديث أنس عن أبي سعيد عند أحمد وأبي داود والطبري (لا يرجعون إلى الإسلام حتى يرتد السهم إلى فوقه) (ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف على وزن غني وهو عود السهم بلا ملاحظة أن يكون له نصل وريش وفي التوضيح: وحكي فيه كسر النون (فلا يوجد فيه شيء) وفسره بقوله: (وهو) أي النضي (القدح) أي عود السهم قال ابن الأثير: القدح بكسر القاف وسكون الدال السهم الذي كانوا يستقسمون به أو الذي يرمى به عن القوس يقال للسهم أول ما يقطع قطع على وزن قدح ثم ينحت ويبرى فيسمى بريًا على زنة فعيل ثم يقوم فيسمى قدحًا ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهمًا اهـ. (ثم ينظر إلى قذذه) بضم القاف وبمعجمتين أولاهما مفتوحة جمع قذة بضم القاف وتشديد الذال وهو ريش السهم يقال لكل واحدة (قذة) ويقال: هو أشبه به من القذة بالقذة لأنها تجعل على مثال واحد (فلا يوجد فيه شيء) قال المازري: النصل حديدة السهم والقدح عوده والقذذ ريشه والبصيرة طريقة الدم والنضي بالنون وكسر الضاد قد فسره بالقدح والمعنى أن الرامي ينظر إلى هذه الأشياء من سهمه هل علق بها شيء من الدم فيستدل بها على إصابة الرمية اهـ.

سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ. آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ. إِحْدَى عَضُدَيهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ. أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ. يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (سبق) السهم (الفرث والدم) أي قد جاوزهما ولم يعلق فيه شيء منهما والفرث اسم ما في الكرش وهو السرجين ما دام في الكرش وحاصل المعنى أنه مر سريعًا في الرمية وخرج لم يعلق به من الفرث والدم شيء فشبه خروجهم من الدين ولم يتعلقوا منه بشيء بخروج ذلك السهم (آيتهم) أي علامتهم التي تعرفونهم بها (رجل أسود) أي وجود رجل أسود فيهم وهو ذو الثدية اسمه نافع وفي الصحاح اسمه ثرملة ويقال: حرقوص وقيل: بلبول اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم. (إحدى عضديه) أي عضدي ذلك الرجل الأسود (مثل ثدي المرأة) في كونه لحمًا بلا عظم (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل البضعة) والشك من الراوي والبضعة بفتح الباء الموحدة وسكون المعجمة القطعة من اللحم حالة كون تلك العضد (تدردر) بفتح التاء وبدالين مفتوحتين بينهما راء ساكنة أصله تتدردر من باب تفعلل من مزيد الرباعي فحذفت إحدى التاءين يعني تضطرب تجيء وتذهب والدردرة صوت إذا اندفع سمع له اختلاط قال الأبي: يأتي أن عليًّا رضي الله عنه لما وجده ووجد إحدى عضديه كالبضعة كانت تلك البضعة تمد فتمتد إلى أن تحاذى كفه الآخر ثم تترك فترجع إلى منكبه اهـ. (يخرجون) أي يظهرون (على حين فرقة من الناس) أي في وقت افتراق واختلاف واقع بين المسلمين قال النواوي: ضبطوه في الصحيح بوجهين: أحدهما: حين فرقة بحاء مهملة مكسورة ونون وفرقة بضم الفاء أي في وقت افتراق الناس أي في وقت افتراق واختلاف يقع بين المسلمين وهو الافتراق الذي كان بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما والثاني خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة وراء وفرقة بكسر الفاء أي يفتاتون على أفضل الفرقتين اختلفا وهم فرقة علي رضي الله عنه والأول أكثر وأشهر ويؤيده الرواية التي بعد هذه يخرجون في فرقة من الناس فإنه بضم الفاء بلا خلاف ومعناه ظاهر. وقال القاضي: على رواية الخاء المعجمة: المراد خير القرون وهم الصدر الأول قال أو يكون المراد عليًّا رضي الله عنه وأصحابه فعليه كان خروجهم حقيقة لأنه كان الإمام حينئذ وفيه حجة لأهل السنة إن عليًّا رضي الله عنه كان مصيبًا في قتاله والآخرون

قَال أَبُو سَعِيدٍ: وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ. فَأَمَرَ بِذلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ. فَوُجِدَ. فَأُتِيَ بِهِ. حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيهِ، عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بغاة لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم (يقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وعلي وأصحابه الذين قتلوهم وفي هذا الحديث معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر بهذا وجرى كله كفلق الصبح ويتضمن بقاء الأمة بعده صلى الله عليه وسلم وأن لهم شوكة وقوة خلاف ما كان المبطلون يشيعونه وأنهم يفترقون فرقتين وأنه يخرج عليه طائفة مارقة وأنهم يشددون في الدين في غير موضع التشديد ويبالغون في الصلاة والقراءة ولا يقومون بحقوق الإسلام بل يمرقون منه وأنهم يقاتلون أهل الحق وأن أهل الحق يقتلونهم وأن فيهم رجلًا صفة يده كذا وكذا فهذه أنواع من المعجزات جرت كلها ولله الحمد اهـ. (قال أبو سعيد) الخدري بالسند السابق: (وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم) أي قاتل أولئك الأقوام الخوارج (وأنا) أي والحال أني (معه) أي مع علي في ذلك القتال (فأمر) علي رضي الله عنه (بذلك الرجل) أي بالتماس ذلك الرجل وطلبه في القتلى (فالتمس) ذلك الرجل وطلب في قتلاهم (فوجد) ذلك الأسود (فأُتي به) إلى علي رضي الله عنه ونظر علي والناس إليه (حتى) أنا (نظرت إليه) أي إلى ذلك الرجل الأسود حالة كونه مشتملًا (على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ووصفه (الذي نعت) ووصف به ذلك الرجل. قوله: (وأن عليًّا قاتلهم) في رواية أفلح بن عبد الله (وحضرت مع علي يوم قتلهم بالنهروان) ونسبة قتلهم إلى علي رضي الله عنه لكونه كان القائد في ذلك. قوله: (فأمر بذلك الرجل) إلخ أي بالرجل الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه (رجل أسود إحدى عضديه إلخ) وقد علم عند البلغاء أن النكرة إذا أعيدت معرفة تكون عين الأولى وهو ذو الثدية بفتح الثاء المثلثة مكبرًا وبضمها مصغرًا كذا قال العيني رحمه الله. قوله: (فالتمس) على صيغة المجهول أي طلب (فأُتي به) إلخ بذلك الرجل الذي يقال له: ذو الثدية وقال الحافظ رحمه الله في علامات النبوة: فأُتي به أي بذي الخويصرة وذكر في باب قتل الخوارج ما يشعر بخلاف ذلك والله أعلم بالصواب. قوله: (على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت) أي على وصفه الذي

(2338) (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيمَانَ. عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ. يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصفه به والفرق بين الصفة والنعت هو أن النعت يكون بالجِبِلَّة نحو الطويل والقصير والصفة بالأفعال نحو خارج وضارب وقيل: النعت ما كان لشيء خاص كالعرج والعور والعمى لأن ذلك يخص موضعًا من الجسد والصفة ما لا يكون لشيء مخصوص كالعظيم والكريم فلذلك قال أبو سعيد هنا: على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فافهم فإن فيه دقة كذا في عمدة القاري اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة سادسًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2338) (0) (0) (وحدثني محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (عن سليمان) بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري ثقة من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ثقة من (3) (عن أبي سعيد) الخدري. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد غرضه بسوقه بيان متابعة أبي نضرة لمن روى عن أبي سعيد الخدري. (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قومًا) من الخوارج سـ (ـيكونون) أي يوجدون (في أمته) دل على أنهم ليسوا من الأمة (يخرجون) على المسلمين (في فرقة من الناس) بضم الفاء أي في وقت افتراق يقع بين المسلمين قد مر ما فيه من الضبطين آنفًا عن النواوي (سيماهم التحالق) السيما: العلامة وفيها ثلاث لغات: القصر وهو الأفصح وبه جاء القرآن والمد والثالثة السيمياء بزيادة ياء مع المد لا غير والمراد بالتحالق حلق الرأس وفي الرواية الأخرى (التحلق) واستدل به بعض الناس على كراهة حلق الرأس ولا دلالة فيه وإنما هو علامة لهم في ذلك الوقت والعلامة قد تكون بحرام وقد تكون بمباح كما قال صلى الله عليه وسلم (آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة) ومعلوم أن هذا ليس بحرام وقد ثبت في سنن أبي داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صبيًّا قد حلق بعض رأسه فقال (احلق كله أو

قَال: "هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ (أَوْ مِنْ أَشَرِّ الخَلْقِ). يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَينِ إِلَى الْحَقِّ". قَال: فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلًا. أَوْ قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ اتركه) وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلًا قال أصحابنا: حلق الرأس جائز بكل حال لكن إن شق عليه تعهده بالدهن والتسريح استحب حلقه وإن لم يشق استحب تركه وقد ورد في كتاب التوحيد من صحيح البخاري سيماهم التحليق أو قال: التسبيد وهو بالمهملة والموحدة بمعنى التحليق وقيل: أبلغ منه وهو بمعنى الاستئصال قال الكرماني: فيه إشكال وهو أنه يلزم من وجود العلامة وجود ذي العلامة فيستلزم أن كل من كان محلوق الرأس فهو من الخوارج والأمر بخلاف ذلك اتفاقًا ثم أجاب بأن السلف كانوا لا يحلقون رؤوسهم إلا للنسك أو في الحاجة والخوارج اتخذوه ديدنًا فصار شعارًا لهم وعرفوا به يعني بالمبالغة في التحليق اهـ فتح الملهم. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (هم) أي أولئك القوم (شر الخلق أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أشر الخلق) والشك من الراوي أو ممن بعده هكذا هو في كل النسخ (أو من أشر) بالألف وهي لغة قليلة والمشهور: شر بغير ألف وفي هذا اللفظ دلالة لمن قال بتكفيرهم وتأوله الجمهور أي شر المسلمين كذا. قال النواوي: وفي صحيح البخاري (وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين) وفي حديث عبد الله بن خباب يعني عن أبيه عند الطبراني (شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض) وفي حديث أبي ذر الآتي في الباب (شر الخلق والخليقة) قال الحافظ: وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم (يقتلهم) أي يقتل أولئك الخوارج (أدنى الطائفتين) أي أقرب الطائفتين (إلى الحق) كما هو الرواية في آخر الباب والرواية التالية (أولى الطائفتين بالحق) قال النواوي: هذه الروايات صريحة في أن عليًّا رضي الله عنه كان هو المصيب للحق والطائفة الأخرى أصحاب معاوية رضي الله عنه كانوا بغاة متأولين وفيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون وهذا مذهبنا ومذهب موافقينا اهـ. وقال الأبي: كان الشيخ يقول: الصحبة حصنت على معاوية يعني في وجوب التأويل عنه بأنه مجتهد (قال) أبو سعيد: (فضرب) أي جعل وبين (النبي صلى الله عليه وسلم لهم) أي لهؤلاء القوم (مثلًا) أي شبهًا هو الرمية (أو) قال أبو سعيد (قال) النبي

قَوْلًا: "الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ (أَوْ قَال: الْغَرَضَ) فَيَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً. وَيَنْظُرُ فِي النَّضِيِّ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً. وَيَنْظُرُ فِي الْفُوقِ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً". قَال: قَال أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ. يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! (2339) (0) (0) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ (وَهُوَ ابْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ) حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم فيهم (قولًا) من المثل والشك من أبي نضرة وذلك المثل ما بينه بقوله: (الرجل يرمي الرمية) أي الصيد قال أبو سعيد (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يرمي (الغرض) أي الهدف بدل الرمية والغرض بالغين المعجمة الهدف الذي يرمى إليه لتعلم الرمي وهو هنا بمعنى الرمية (فينظر) الرجل الرامي (في النصل) أي في نصل السهم أي حديدته (فلا يرى) فيه (بصيرة) أي حجة يحتج به على إصابته الرمية يعني شيئًا من الدم يستدل به على إصابته الرمية (وينظر في النضي) أي في عود السهم بلا نصل ولا ريش (فلا يرى) فيه (بصيرة) أي دمًا (وينظر في الفوق) أي في الحز الذي يجعل فيه الوتر (فلا يرى) فيه (بصيرة) أي علامة الإصابة التي هي الفرث والدم (قال) أبو نضرة: (قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم) أي قتلتم أولئك القوم (يا أهل العراق) مع علي رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (2339) (0) (0) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأيلي صدوق من (9) (حدثنا القاسم وهو ابن الفضل) بن معدان بن قريط الأزدي (الحداني) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية المشددة نسبة إلى بني حدان ولم يكن من أنفسهم بل كان نازلًا فيهم وهو من بني الحارث بن مالك أبوالمغيرة البصري روى عن أبي نضرة في الزكاة وثمامة بن حزن القشيري في الأشربة ومحمد بن زياد في الفتن وقتادة وابن سيرين ويروي عنه (م عم) وشيبان بن فروخ ويونس المؤدب ووكيع وابن مهدي وثقه القطان وأحمد وابن سعد والنسائي وابن معين والترمذي وقال في التقريب: ثقة من السابعة رمى بالإرجاء مات سنة (167) سبع وستين ومائة (حدثنا أبو نضرة) المنذر بن مالك العبدي البصري ثقة من (3) (عن أبي سعيد الخدري). وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد أبلي غرضه

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطائِفَتَينِ بِالْحَقِّ". (2340) (0) (0) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي فِرْقَتَانِ. فَيَخْرُجُ مِنْ بَينِهِمَا مَارِقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة القاسم بن الفضل لسليمان بن طرخان في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة. (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمرق) أي تخرج وتظهر (مارقة) أي طائفة مارقة أي خارجة عن الدين مروق السهم من الرمية (عند فرقة) أي عند وقوع افتراق واختلاف (من المسلمين يقتلها) أي يقتل تلك المارقة (أولى الطائفتين) أي أجدر الطائفتين (بالحق) أي باتباع الحق وهم علي وأصحابه رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثامنًا في حديث أبي سعيد فقال: (2340) (0) (0) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود (الزهراني) البصري (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (قال قتيبة: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أبي نضرة) العبدي البصري (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد واسطي غرضه بيان متابعة أبي عوانة للقاسم بن الفضل في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة. (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): سـ (ـيكون) أي سيوجد (في أمتي فرقتان) أي طائفتان مفترقتان في الرأي والاجتهاد إشارة إلى فرقة علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما (فيخرج من بينهما) أي من بين الفرقتين طائفة (مارقة) أي خارجة عن الدين (فإن قلت) قوله: فرقتان يقتضي أن تكون المارقة خارجة منهما معًا قلت: هذا كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} قال في الكشاف لما التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يقال يخرجان منهما كما يقال يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه وتقول خرجت من البلدة وإنما خرجت من محلة من محاله من دار

يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلاهُمْ بِالْحَقِّ". (2341) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "تَمْرُقُ مَارِقَةٌ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. فَيَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَينِ بِالْحَقِّ". (2342) (0) (0) حدّثني عُبَيدُ اللهِ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة من دوره وجملة قوله: (يلي قتلهم) أي يتولى قتل تلك المارقة ويباشره (أولاهم) أي أولى أمتي (بالحق) أي بنصره أي يباشر قتلهم من هو أولى الأمة بالحق صفة لمارقة أي أولى أمتي وأقربهم بالصواب وهو إشارة إلى علي رضي الله عنه فإنه هو الذي قتلهم حتى تفرقوا ببلاد حضرموت والبحرين ذكره ابن الملك. ثم ذكر المؤلف المتابعة تاسعًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: (2341) (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الأعلى) ابن عبد الأعلى السامي البصري ثقة من (8) (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري أبو بكر المصري أو البصري ثقة من (5) (عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة داود بن أبي هند لأبي عوانة. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تمرق مارقة في فرقة من الناس) أي في وقت افتراق واختلاف واقع بين المسلمين يعني افتراق علي ومعاوية في الرأي والاجتهاد (فيلي) أي يتولى ويباشر (قتلهم) أي قتل تلك الطائفة المارقة (أولى الطائفتين بالحق) أي أقربهم إلى الصواب. ثم ذكر المؤلف المتابعة عاشرًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: (2342) (0) (0) (حدثني عبيد الله) بن عمر (القواريري) أبو شعيب البصري (حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير) بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري مولاهم أبو أحمد الكوفي ثقة من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة من (7) (عن حبيب بن أبي ثابت) قيس الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي ثقة من (3) (عن الضحاك) بن شراحيل الهمداني (المشرقي) قال النواوي: بكسر الميم وإسكان الشين المعجمة وفتح الراء وكسر القاف وهذا هو الصواب الذي ذكره أصحاب المؤتلف

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ "قَوْمًا يَخْرُجُونَ عَلَى فُرْقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. يَقْتُلُهُمْ أَقْرَبُ الطَّائِفَتَينِ إِلَى الْحَقِّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والمختلف وأصحاب الأسماء والتواريخ ونقل القاضي عياض عن بعضهم أنه ضبطه بفتح الميم وكسر الراء قال: وهو تصحيف كما قال واتفقوا على أنه منسوب إلى مشرق بكسر الميم وفتح الراء بطن من همدان وهو الضحاك الهمداني الكوفي المذكور في الرواية السابقة من رواية حرملة وأحمد بن عبد الرحمن صدوق من (4). (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري غرضه بيان متابعة الضحاك لأبي نضرة في الرواية عن أبي سعيد الخدري. (عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر فيه) النبي صلى الله عليه وسلم (قومًا يخرجون على فرقة مختلفة) قال النواوي: هنا ضبطوه بكسر الفاء وضمها أي يظهرون في وقت افتراق فرق مختلفة في الرأي والاجتهاد أو يظهرون حين خروج فرقة مخالفة لأهل العدل يعني فرقة معاوية لأنهم خالفوا أهل العدل الذين هم علي وأصحابه وجملة قوله: (يقتلهم) صفة ثانية لقومًا (أقرب الطائفتين) من المسلمين (إلى الحق) والصواب وهم علي وأصحابه والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث جابر مع بيان أصل الخوارج وصفاتهم وذكر فيه عشر متابعات والله أعلم. ***

435 - (53) باب التحريض على قتل الخوارج وبيان أنهم شر الخلق والخليقة

435 - (53) باب التحريض على قتل الخوارج وبيان أنهم شر الخلق والخليقة (2343) (1031) - (181) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُّ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. قَال الأَشَجُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيثَمَةَ، عَنْ سُوَيدِ بْنِ غَفَلَةَ. قَال: قَال عَلِيٌّ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَلأَنْ أَخِرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 435 - (53) باب التحريض على قتل الخوارج وبيان أنهم شر الخلق والخليقة (2343) (1031) (181) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (وعبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي أبو سعيد (الأشج) الكوفي (جميعًا عن وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (قال الأشج: حدثنا وكيع) بصيغة السماع (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح أوله وسكون ثانيه الجعفي الكوفي لأبيه ولجده صحبة (عن سويد بن غفلة) بفتحات بن عوسجة بن عامر بن واح بن معاوية بن الحارث بن مالك بن أدد الجعفي بن أمية الكوفي ثقة مخضرم من كبار التابعين قدم المدينة يوم دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم وكان مسلمًا في حياته وكان يقول: أنا لدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت عام الفيل قال أبو نعيم مات سنة (80) وقيل: بعدها بسنة وله مائة وثلاثون سنة (130) روى عن علي بن أبي طالب في الزكاة وأبي بن كعب في الأحكام وعمر بن الخطاب في الحج واللباس ويروي عنه (ع) وخيثمة بن عبد الرحمن والشعبي وإبراهيم بن عبد الأعلى وسلمة بن كهيل وعبدة بن أبي لبابة وثقه ابن معين (قال) سويد: (قال علي) بن أبي طالب رضي الله عنه، قال الدارقطني: لم يصح لسويد بن غفلة عن علي حديث مرفوع إلا هذا اهـ فتح الملهم. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن أبي طالب فإنه مدني وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي. (إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر) بكسر الخاء المعجمة

مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَينِي وَبَينَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فلأن أسقط (من السماء) إلى الأرض زاد أبو معاوية والثوري في روايتهما (إلى الأرض) أخرجه أحمد عنهما. ووقع في رواية يحيى بن عيسى: (أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق) أي فلأن أسقط من السماء على الأرض فأهلك وهو في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء مقرون بلام الابتداء خبره قوله: (أحب إليَّ) والجملة الإسمية جواب إذا تقديره: فلخروري من السماء إلى الأرض أحب إلي (من أن أقول عليه) صلى الله عليه وسلم (ما لم يقل) هو صلى الله عليه وسلم أي من أن أكذب على النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ رحمه الله تعالى: بين لهم أنه إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكني ولا يعرض ولا يوري وإذا لم يحدث عنه فعل ذلك ليخدع بذلك من يحاربه ولذلك استدل بقوله: (الحرب خدعة) (وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم) خطاب للخوارج وجواب إذا محذوف أي فلا حرج أقيم مقامه دليل هو قوله: (فإن الحرب خدعة) قال النواوي: بفتح الخاء وسكون الدال على الأفصح حتى قال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: بضم الخاء وسكون الدال ويقال: بضم الخاء وفتح الدال بوزن هُمَزَة لُمَزَة ثلاث لغات مشهورات وحكى ابن المنذر لغة رابعة بالفتح فيهما وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة كسر أوله مع الإسكان اهـ فتح الملهم. قال القاضي: فيه جواز التورية والتعريض في الحرب اهـ. قال الحافظ: (الحرب خدعة) حديث مرفوع وفي الحديث إشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث وهو كقوله: (الحج عرفة) قال ابن المنير: معنى (الحرب خدعة) أي إن الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. (تكميل): ذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الحرب خدعة) في غزوة الخندق اهـ. (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج في آخر الزمان قوم) قال

أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ: وهذا يخالف حديث أبي سعيد المذكور في الباب السابق فإن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي رضي الله عنه وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة وفيه نظر لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعًا (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا) وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان (قال في القاموس بفتح النون وتثليث الراء ثلاث قرى أعلى وأوسط وأسفل هن بين واسط وبغداد وكانت بها وقعة لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع الخوارج اهـ) في أواخر خلافة علي رضي الله عنه سنة ثمان وعشرين (28) بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدون الثلاثين بنحو سنتين اهـ. (أحداث الأسنان) جمع سن أي صغار الأسنان (سفهاء الأحلام) جمع حلم وهو العقل أي ضعاف العقول قوله: (أحداث الأسنان) الأحداث جمع حدث بفتحتين والحدث هو صغير السن هكذا في أكثر الروايات وفي باب علامات النبوة في الإسلام من صحيح البخاري: (حدثاء الأسنان) بضم الحاء وفتح الدال جمع حديث نظير كرماء وكريم وكبراء وكبير والحديث الجديد من كل شيء ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار وفي باب قتل الخوارج منه (حدَّاث الأسنان) بضم الحاء وتشديد الدال جمع حادث كعاذل وعذَّال معناه شباب الأسنان قال في النهاية: حداثة السن كناية عن الشباب اهـ. والأسنان جمع سن والمراد به العمر والمعنى أنهم شباب (سفهاء الأحلام) جمع حلم بكسر أوله والمراد به العقل والسفهاء جمع سفيه من السفه والسفه في الأصل الخفة والطيش يقال: سفه فلان رأيه إذا كان مضطربًا لا استقامة فيه والمعنى أن عقولهم رديئة. (يقولون من خير قول البرية) هو من المقلوب والمراد: من قول خير البرية يعني يحدثون من خير ما يتكلم به الخلق وهو القرآن وفي المصابيح (يقولون من قول خير البرية وهو الحديث) كذا في المبارق يعني يقولون ذلك في ظاهر الأمر كقولهم: لا حكم إلا لله انتزعوه من القرآن لكنهم حملوه على غير محمله وهو أول كلمة خرجوا بها فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل كما ذكره المبرد في الكامل.

يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. فَإِن فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ، عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (2344) (0) (0) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد القول الحسن في الظاهر وباطنه على خلاف ذلك كقولهم: لا حكم إلا لله في جواب علي رضي الله عنه كما سيأتي وقد وقع في رواية طارق بن زياد عند الطبري قال: خرجنا مع علي رضي الله عنه فذكر الحديث وفيه (يخرج قوم يتكلمون كلمة الحق لا تجاوز حلوقهم) وفي حديث أنس عن أبي سعيد عند أبي داود والطبراني (يحسنون القول ويسيئون الفعل) ونحوه في حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد وفي حديث مسلم عن علي (يقولون الحق لا يجاوز هذا وأشار إلى حلقه) اهـ فتح الملهم (يقروون القرآن لا يجاوز حناجرهم) تقدم شرحه والحناجر بالحاء المهملة والنون ثم الجيم جمع حنجرة بوزن قسورة وهي الحلقوم والبلعوم وكلها يطلق على مجرى النفس وهو طرف المريء مما يلي الفم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا) عظيمًا لسعيهم في الأرض بالفساد (لمن قتلهم عند الله) تعالى (يوم القيامة) قال النواوي: هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة وهو إجماع العلماء قال القاضي: أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام وخالفوا رأي الجماعة وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم والاعتذار إليهم قال الله تعالى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] لكن لا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم ولا يقتل أسيرهم ولا تباح أموالهم وما لم يخرجوا عن الطاعة وينتصبوا للحرب لا يقاتلون بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم وباطلهم وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم فإن كانت بدعتهم مما يكفرون به جرت عليهم أحكام المرتدين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 131) والبخاري (6930) وأبو داود (4767) والنسائي (7/ 119). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2344) (0) (0) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن

يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّميُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيِّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ، بهذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ. (2345) (0) (0) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا "يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرُّمِيَّةِ". (2346) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي ثقة من (8). (ح وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) أبو بكر البصري (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدى) بن حسان الأزدي أبو سعيد البصري ثقة من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة إمام من (7) (كلاهما) أي كل من عيسى وسفيان رويا (عن الأعمش) غرضه بيان متابعتهما لوكيع في رواية هذا الحديث عن الأعمش (بهذا الإسناد) يعني عن خيثمة عن سويد عن علي (مثله) أي مثل ما روى وكيع عن الأعمش ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2345) (0) (0) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي. (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا) أي قال أبو بكر وأبو كريب وزهير: (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (كلاهما) أي كل من جرير وأبي معاوية رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن خيثمة عن سويد عن علي مثل ما روى وكيع عن الأعمش (و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث أبي معاوية وجرير لفظة: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2346) (0) (0) (وحدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) البصري (حدثنا) إسماعيل

ابْنُ عُلَيَّةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُمَا) قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيِّ. قَال: ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَال: فِيهِمْ رَجُلٌ مُخْدَجُ الْيَدِ، أَوْ مُودَنُ الْيَدِ، أَوْ مَثْدُونُ الْيَدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن إبراهيم (بن علية) الأسدي البصري (وحماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري. (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن زيد ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ) الآتي (لهما) أي لأبي بكر وزهير (قالا: حدثنا إسماعيل بن علية) وكذا حماد رويا (عن أيوب) السختياني (عن محمد) بن سيرين (عن عبيدة) بفتح العين بن عمرو السلماني بإسكان اللام ويقال: بفتحها نسبة إلى قبيلة من مراد أبي عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته غرضه بسوقها بيان متابعة عبيدة السلماني لسويد بن غفلة في رواية هذا الحديث عن علي وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة وابحث عن فائدة هذه التحويلات. (قال) عبيدة: (ذكر) علي بن أبي طالب (الخوارج) أي علاماتهم وأجر من قتلهم وقد تقدم لك بيان وجه تسميتهم بهذا الاسم وبيان أصلهم ومبدإ أمرهم في التتمة فراجعها (فقال) علي في بيان علامتهم: (فيهم) أي في الخوارج (رجل) اسمه نافع كما في مبهمات مسلم (مخدج اليد) بصيغة اسم المفعول من الأفعال معناه ناقص اليد (أو) قال علي: (مودن اليد) بزنته وبمعناه ويروى: (مودون اليد) بصيغة اسم المفعول من الثلاثي وهو بمعنى صغير اليد (أو) قال علي: (مثدون اليد) بصيغة اسم المفعول من الثلاثي بمعنى صغير اليد وأو للشك من الراوي قال القاضي عياض: قوله: (مخدج اليد) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال معناه: ناقص اليد (ومودن) هو بضم الميم وسكون الواو يهمز ولا يهمز وفتح الدال معناه: ناقص اليد أيضًا ويقال فيه: ودين اليد أيضًا (ومثدن) بضم الميم وسكون الثاء وفتح الدال معناه: صغير اليد مجتمعها كثندوة الثدي وهو في رواية العذري: (مثدون) على صيغة اسم مفعول الثلاثي أصله مثنود فقدم الدال على النون كما قالوا: جذب وجبذ وعاث وعثى في الأرض وقيل: معنى مثدن كثير اللحم مسترخيه قال ابن دريد: يقال ثدن الرجل ثدنا إذا كثر لحمه وثقل جسمه

لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللهُ الذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: قُلْتُ: آنتَ سَمِعْتَهُ مِنْ مُّحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: إِي. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! إِي. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! إِي. وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! (2347) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا لا يكون في الكلمة قلب وهذا يوافق قوله (كالبضعة تدردر). والأول يوافق ما يأتي من قوله كطبي شاة. (قلت): إنما كان يوافقه لأن الثدن إذا فسر بقصير اليد وافق رواية (كطبي شاة) وإن فسره بكثرة اللحم واسترخائه وافق قوله (كالبضعة تدردر) لأن البضعة فيها كثرة واسترخاء اهـ. (لولا) مخافة (أن تبطروا) من باب فرح أي أن تفرحوا بقتالهم فرحًا شديدًا وتتكلوا عليه من الأعمال الصالحة قال النواوي: البطر هنا التجبر وشدة النشاط والفرح من باب تعب أي لولا مخافة بطركم وفخركم واتكالكم عن الأعمال الصالحة بقتالهم (لحدثتكم) أيها المسلمون (بما وعد الله) سبحانه وتعالى أي بالأجر الذي وعدالله (الذين يقتلونهم) أي يقتلون الخوارج (على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) أي لولا مخافة ذلك لأخبرتكم بالأجر الجزيل الذي وعده الله تعالى لمن قاتلهم على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (قال) عبيدة السلماني: (قلت) لعلي بن أبي طالب: (آنت) بهمزة الاستفهام التقريري أي هل أنت يا علي (سمعته) أي سمعت ذلك الموعود على لسان محمد صلى الله عليه وسلم من الأجر الجزيل لمن قاتلهم (قال) علي: (إي) بكسر الهمزة وسكون الياء من حروف الجواب كنعم أي نعم سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم (ورب الكعبة) أي أقسمت لك برب الكعبة وقوله: (إي ورب الكعبة إي ورب الكعبة) توكيد لفظي للأول لتأكيد سماعه من محمد صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2347) (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني أبي عون البصري الخرَّاز ثقة من (6) روى عنه في (11) بابا (عن محمد) بن سيرين (عن عبيدة)

قَال: لَا أُحَدِّثكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْهُ. فَذَكَرَ عَنْ عَلِيٍّ، نَحْوَ حَدِيثِ أَيوبَ، مَرْفُوعًا. (2348) (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيلٍ. حَدَّثَنِي زَيدُ بْنُ وَهْب الْجُهَنِيُّ؛ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ. فَقَال عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ السلماني غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني (قال) عبيدة: (لا أحدثكم) ولا أخبركم (إلا ما سمعته منه) أي من علي بن أبي طالب (فذكر) ابن عون عن محمد عن عبيدة: (عن علي) بن أبي طالب (نحو حديث أيوب) عن محمد عن عبيدة عن علي حالة كون ذلك النحو الذي رواه ابن عون (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم كحديث أيوب والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2348) (0) (0) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (حدثنا عبد الرزاق بن همام) الصنعاني (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي صدوق من (5) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا سلمة بن كهيل) الحضرمي أبو يحيى الكوفي ثقة من (4) (حدثني زيد بن وهب الجهني) أبو سليمان الكوفي مخضرم هاجر ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق ثقة مخضرم (أنه) أي أن زيد بن وهب (كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين) صفة ثانية للجيش (ساروا) وذهبوا (إلى الخوارج) لقتالهم (فقال علي رضي الله عنه: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد كسي غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة زيد بن وهب لسويد بن غفلة وعبيدة السلماني في رواية هذا الحديث عن علي بن أبي طالب وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة مع الزيادة الكثيرة في هذه الرواية والله أعلم.

"يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ. لَيسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيءٍ. وَلَا صلاتُكُمْ إِلَى صلاتِهِمْ بِشَيءٍ. وَلَا صِيَامُكُمْ إلَى صِيَامِهِمْ بِشَيءٍ. يَقْرَؤُونَ الْقُرآنَ. يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيهِمْ. لَا تُجَاوزُ صَلاتَهُمْ تَرَاقِيَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (يخرج قوم من أمتي) أي أمة الدعوة حالة كونهم (يقرؤون القرآن ليس قراءتكم) أيها المؤمنون بالنسبة (إلى قراءتهم) أي عند الانقياس بها والانضياف إليها (بشيء) معتد محسوب (ولا صلاتكم) بالنسبة (إلى صلاتهم بشيء) معتد به (ولا صيامكم) بالنسبة (إلى صيامهم بشيء) معتد (يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم) أي هم يحسبون أن القرآن حجة لهم في إثبات دعاويهم الباطلة وليس كذلك بل (هو) حجة (عليهم) عند الله تعالى وفيه إشارة إلى أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينًا على دين الإسلام. قال الحافظ ابن تيمية في الصارم المسلول: والغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب فكذلك قد تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه كما لا ينفع من قال الكفر أن لا يقصد أن يكفر اهـ. (لا تجاوز صلاتهم) أي قراءتهم (تراقيهم) أي حناجرهم والمراد بالصلاة هنا القراءة لأنها جزؤها وقد يطلق كل منهما على الآخر مجازًا كما قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} يعني بقراءتك وقال: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يعني صلاة الفجر وفي الحديث القدسي على ما مر ذكره في باب الصلاة: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل) الحديث فالمراد منها قراءة الفاتحة بقرينة قوله (فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي إلخ) ولا يبعد أن تفسر الصلاة هنا بالإيمان فإن الإيمان في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} مفسر بالصلاة في تفسير ابن جرير وابن كثير وغيرهما من أهل التفسير لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل تحويل القبلة فيكون المعنى لا يجاوز إيمانهم حلوقهم ولا يدخل قلوبهم وفي باب قتل الخوارج من صحيح البخاري (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) والتراقي جمع الترقوة كما مر مرارًا (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) قال الشيخ الأنور:

لَوْ يَعْلَمُ الْجَيشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ، مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لاتَّكَلوا عَنِ الْعَمَلِ. وَآيَةُ ذلِكَ أَن فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ. وَلَيسَ لَهُ ذِرَاعٌ. عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ. عَلَيهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاويَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هؤُلاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَفِي أَمْوَالِكُمْ! وَاللهِ، إِنِّي لأرجُو أَنْ يَكونُوا هؤُلاءِ الْقَوْمَ. فَإِنهُمْ قَدْ سَفَكوا الدَّمَ الْحَرَامَ. وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المروق هنا الخروج من حيث لا يدري وهو مؤدَّى هذا اللفظ وحقه اهـ. (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم) أي يصيبون الخوارج ويقاتلونهم (ما قضي لهم) أي ما كتب وبين لهم من الأجر العظيم والثواب الجسيم (على لسان نبيهم) محمد (صلى الله عليه وسلم لاتَّكلوا عن العمل) الصالح أي لاكتفوا عن العمل الصالح بذلك الأجر الموعود في قتلهم أي تركوا عمل الصالحات اتكالًا على المثوبة التي بشروا بها (وآية ذلك) القوم (أن فيهم رجلًا له عضد) والعضد ما بين المنكب والمرفق (وليس له ذراع) والذراع ما بين المرفق وطرف الأصابع (على رأس عضده) أي على طرفه الذي يلي المرفق لو كان (مثل حلمة الثدي) أي مثل رأسه والحلمة بفتح الحاء واللام الأنبوبة التي يخرج منها اللبن وتسمى السعدانة وهي الحبة التي على رأس الثدي (عليه) أي على رأس عضده (شعرات بيض) قال الحافظ: وعند الطبري من طريق طارق بن زياد عن علي (في يده شعرات سود) والأول أقوى. قال علي بن أبي طالب: (فتذهبون) أيها المسلمون وفي رواية أبي داود (أفتذهبون) بزيادة همزة الاستفهام (إلى) قتال (معاوية وأهل الشام وتتركون هولاء) الخوارج حالة كونهم (يخلفونكم في ذراريكم) أي في نسائكم وأطفالكم بإراقة الدماء (وفي أموالكم) بنهبها (والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (إني لأرجو) وأظن (أن يكونوا) أي أن يكون الخوارج الذين بيننا (هولاء القوم) الذين وصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنهم) أي فإن الخوارج (قد سفكوا الدم الحرام) أي أراقوه أي أراقوا دماء المسلمين كعبد الله بن خباب وسريته كما مر (وأغاروا) أي هجموا بالنهب (في سرح الناس) أي في مواشي المسلمين والسرح والسارح والسارحة الماشية وفي مجمع البحار: (أغاروا على سرحه) أي مواشيه السائمة والمراد هنا أموال المسلمين اهـ.

فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللهِ. قَال سَلَمَةُ بْنُ كُهَيلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا. حَتَّى قَال: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ. فَلَمَّا الْتَقَينَا وَعَلَى الْخَوَارجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ. فَقَال لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ. وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فسيروا) أي فانفروا في قتالهم (على اسم الله) ومعونته سبحانه أي استعينوا في قتالهم باسم الله تعالى. قال عبد الملك بن أبي سليمان بالسند السابق: (قال) لنا (سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب) الجهني أي ذكر لي زيد بن وهب مراحلهم في سفرهم لقتال الخوارج وعدَّها (منزلًا) منزلًا أي ذكر لي مواضع نزولهم في سفرهم لقتال الخوارج واحدًا واحدًا قال النواوي: هكذا هو في معظم النسخ (منزلًا) مرة واحدة وفي نادر منها: (منزلًا منزلًا) مرتين وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين وهو وجه الكلام أي ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلًا منزلًا. قال القرطبي: (وقول سلمة: فنزلني زيد منزلًا) أي أخبرني بالمواضع التي نزلها علي مع جيشه منزلًا منزلًا واحدًا واحدًا وصوابه: منزلًا منزلًا مرتين لأن معناه أخبرني بالمنازل مفصلة فهو منصوب على الحال كما تقول العرب علمته الحساب بابا بابا ولا يكتفى في هذا النوع بذكر مرةً واحدة لأنه لا يفيد ذلك المعنى غير أنه وقع هنا منزلًا مرة واحدة لجميع رواة مسلم فيما أعلم وقد جاء كتاب النسائي (منزلًا منزلًا) مرتين وهو الصحيح اهـ من المفهم. (حتى قال) زيد بن وهب في عد المنازل: (مررنا على قنطرة) كان القتال عندها وهي قنطرة الدبرجان كذا جاء مبهمًا في سنن النسائي وهناك خطبهم علي رضي الله عنه وروى لهم هذه الأحاديث والقنطرة بفتح القاف هو الجسر الذي يعبر عليه (فلما التقينا) أي تقابلنا مع الخوارج (و) كان أميرًا (على الخوارج يومئذ) أي يوم إذ تقابلنا معهم (عبد الله بن وهب الراسبي) والجملة معترضة بين لما وجوابها وهو قوله: (فقال لهم: ألقوا الرماح) والفاء زائدة في جواب لما أي فلما التقينا قال للخوارج قائدهم عبد الله بن وهب الراسبي: ألقوا الرماح أي ارموا الرماح من أيديكم. (وسلوا سيوفكم) بضم السين أمر من سل يسل أي أخرجوا سيوفكم (من جفونها) أي من أغمادها جمع جفن بفتح

فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ. فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ. وَسَلُّوا السُّيُوفَ. وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ. قَال: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلا رَجُلانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجيم وهو الغمد قال القرطبي: كان في هذا الرأي فتح للمسلمين وصيانة لدمائهم وتمكين لهم من الخوارج بحيث تمكن منهم بالرماح فطعنوا ولم يكن لهم بما يطعنون أحدًا فقتلوا عن بكرة أبيهم ولم يقتل من المسلمين سوى رجلين فنعوذ بالله من تدبير يقود إلى تدمير اهـ من المفهم. (فإني أخاف أن يناشدوكم) أي أن يطلبوا منكم الصلح بالإيمان ويسألوكم وقف الحرب باسم الله أي أن يسألكم أصحاب علي رضي الله عنه الصلح وترك الحرب باسم الله تعالى (كما ناشدوكم) أي كما سألوكم الصلح باسم الله (يوم) وقعة (حروراء) والمعنى إني أخاف أن يسألوكم الصلح بالإيمان لو قاتلتموهم بالرماح من بعيد فألقوا الرماح وادخلوا فيهم بالسيوف حتى لا يجدوا فرصة للمناشدة فدبروا تدبيرًا قادهم إلى التدمير (فرجعوا) وراءهم (فوحشوا) أي رموا (برماحهم) عن بعد منهم وهو بتشديد الحاء المهملة المفتوحة من التوحيش أي رموا بها عن بعد منهم وتخلوا عنها واعتنق بعضهم بعضًا بالسيوف أي صيروها كالوحش بعيدة عنهم يقال: وحش الرجل إذا رمى بثوبه وبسلاحه مخافة أن يلحق قال الشاعر: فإن انتمُ لم تطلبوا بأخيكمُ ... فذروا السلاح ووحِّشوا بالأبرق اهـ من المفهم (وسلوا السيوف) بفتح السين وفي رواية أبي داود (واستلوا السيوف) من باب افتعل أي أخرجوا السيوف من أغمادها (وشجرهم) أي شجر أولئك الخوارج أي طعنهم (الناس) أي أصحاب علي (برماحهم) ومعنى شجرهم الناس بفتح الشين المعجمة والجيم المخففة أي داخلوهم برماحهم وطاعنوهم وقيل: مدوها إليهم قال ابن دريد: تشاجر القوم بالرماح إذا تطاعنوا بها ومنه التشاجر في الخصومة وسمي الشجر شجرًا لتداخل أغصانه والناس هم أصحاب علي رضي الله عنه (قال) زيد بن وهب الجهني: (وقتل) الخوارج (بعضهم) مطرحون (على بعض وما أصيب) أي قتل (من الناس) أي من أصحاب علي (يومئذ إلا رجلان) أي ما قتل من أصحابه إلا اثنان وأما الخوارج فقتلوا بعضهم على بعض وقد تقدم في التتمة نقلنا من كلام المؤرخين مما ذكره الحافظ في

فَقَال عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ. فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَال: أَخرُوهُمْ. فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الأرضَ. فَكَبَّرَ. ثُمَّ قَال: صَدَقَ اللهُ. وَبَلَّغَ رَسُولُهُ. قَال: فَقَامَ إِلَيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ. فَقَال: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! آللهَ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ! لَسَمِعْتَ هذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: إِي. وَاللهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ! حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلاثًا. وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح أنه لم ينج منهم أي من الخوارج إلا دون العشرة ولا قتل ممن مع علي رضي الله عنه إلا نحو العشرة وما في صحيح مسلم أصح والله تعالى أعلم بالصواب. (فقال علي رضي الله عنه) لمن عنده: (التمسوا) أي اطلبوا (فيهم) أي في قتلى الخوارج (المخدج) أي الناقص الخلق واليد (فالتمسوه) أي فطلب أصحاب علي ذاك المخدج في قتلاهم (فلم يجدوه) أي لم يصيبوه ولم يروه (فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناسًا) من الخوارج (قد قتل بعضهم) مطروحون (على بعض) فـ (ـــقال) علي رضي الله عنه: (أخروهم) أي أخروا أيها الناس هؤلاء القتلى عن مصارعهم (فـ) ـــلما أخروهم عن مصارعهم (وجدوه) أي وجدوا ذلك المخدج (مما يلي الأرض) من مصارعهم (فكبر) علي رضي الله عنه تعجبًا من وجدانه على الوصف الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم به (ثم) بعد التكبير (قال) علي رضي الله عنه: (صدق الله) سبحانه وتعالى فيما أوحى إلى نبيه (وبلغ رسوله) إلينا (قال) زيد بن وهب الجهني: (فقام إليه) أي إلى علي (عبيدة) بن عمرو المرادي (السلماني فقال: يا أمير المؤمنين آلله الذي لا إله إلا هو) بهمزة ممدودة فالهمزة عوض عن باء القسم وهو قسم أقسم عليه لتزيد طمأنينة قلبه لا ليدفع شكًّا عن نفسه اهـ مفهم أي أقسمت بالله الذي لا إله غيره (لسمعت هذا الحديث) الذي حدثتنا في شأن الخوارج والمخدج (من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) علي رضي الله عنه: (إي) أي نعم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله) أي أقسمت لكم بالله (الذي لا إله إلا هو) فسأله عبيدة وناشده (حتى استحلفه) أي حتى استحلف عبيدة عليًّا (ثلاثًا) من المرات أي سأل عبيدة عليًّا ثلاث مرات أن يحلف بالله على سماعه الحديث منه (وهو) أي والحال أن عليًّا (يحلف له) أي لعبيدة بعد كل مرة من الاستحلاف على سماعه ذلك الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم

(2349) (0) (0) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ ويونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَن الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ، وَهُوَ مَعَ عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حاصله أنه استحلف عليًّا ثلاثًا وإنما استحلفه ليسمع الحاضرين ويؤكد ذلك عندهم ويظهر لهم المعجزة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ويظهر لهم أن عليًّا وأصحابه أولى الطائفتين بالحق وأنهم محقون في قتالهم وغير ذلك مما في هذه الأحاديث من الفوائد قاله النواوي. (قلت): وليطمئن قلب المستحلف لإزالة توهم ما أشار إليه علي أن الحرب خدعة فخشي أن يكون لم يسمع في ذلك شيئًا منصوصًا كذا في الفتح اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الرواية أبو داود فقط (4768 - 4770) والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: (2349) (0) (0) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري ثقة من (10) (قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري ثقة من (5) (عن بسر بن سعيد) الحضرمي المدني ثقة من (2) (عن عبيد الله بن أبي رافع) إبراهيم القبطي وقوله: (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) عطف بيان لأبي رافع الهاشمي مولاهم المدني كاتب علي رضي الله عنه ثقة من (3) (أن الحرورية) وهم الخوارج سموا بذلك لأنهم نزلوا حروراء وتعاقدوا فيها على قتال أهل العدل وهي قرية بالعراق قريبة من الكوفة وسموا خوارج لخروجهم عن طريق الجماعة كما مر بسط الكلام في ذلك. (لما خرجت) عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (وهو) أي والحال أن عبيد الله (مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه). وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون غرضه بسوق

قَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلهِ. قَال عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ. إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا. إِنِّي لأعرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هؤُلاءِ. "يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هذَا، مِنْهُمْ. (وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ) مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إِلَيهِ مِنْهُمْ أَسْوَدُ. إِحْدَى يَدَيهِ طُبْيُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ". فَلَمَّا قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: انْظُرُوا. فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيئًا. فَقَال: ارْجِعُوا. فَوَاللهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا السند بيان متابعة عبيد الله بن أبي رافع لمن روى عن علي بن أبي طالب كزيد بن وهب وعبيدة السلماني. (قالوا) جواب لما والجملة الاسمية معترضة (لا حكم إلا لله قال علي) رضي الله عنه هذه الكلمة التي قالوها: (كلمة حق أريد بها باطل) يعني بالكلمة قولهم: لا حكم إلا لله أصلها صدق فإنها مأخوذة من قول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ} لكنهم أرادوا بها الإنكار على علي في قبوله التحكيم بينه وبين أهل الشام بعد انتهاء القتال بصفين (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسًا) يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية و (إني لأعرف صفتهم) أي لأرى صفة الناس الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم (في هؤلاء) الخوارج هؤلاء (يقولون الحق بألسنتهم) كقراءة القرآن (لا يجوز) ذلك الحق الذي قالوه بألسنتهم ولا يتعدى (هذا) الحلقوم (منهم) ولا يصل إلى قلوبهم (وأشار) علي بقوله هذا (إلى حلقه) أي إلى حلقومه هؤلاء الخوارج هم (من أبغض خلق الله) تعالى (إليه) أي عنده تعالى (منهم) أي من هؤلاء الخوارج رجل (أسود إحدى يديه طبي شاة) بضم الطاء المهملة وسكون الباء الموحدة أي مثل ضرع شاة وفيه تشبيه بليغ وأصل الكلمة للكلبة والسباع كما في النواوي ثم استعيرت للشاة (أو) قال علي إحدى يديه (حلمة ثدي) أي مثل رأس ثدي المرأة والشك من الراوي ففيه تشبيه بليغ أيضًا (فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه) بالنهروان (قال) علي لمن عنده: (انظروا) ذلك الأسود والتمسوه في القتلى (فنظروا) أي نظر الناس ذلك الأسود والتمسوه في القتلى (فلم يجدوا شيئًا) من صفاته فرجعوا إلى علي فأخبروه (فقال) لهم علي: (ارجعوا) إلى القتلى فالتمسوه (فوالله ما كَذَبت) بالبناء للفاعل أي ما حدثت الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا كُذِبت) بالبناء للمفعول أي ولا حدثت الكَذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خَرِبَةٍ. فَأتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَينَ يَدَيهِ. قَال عُبَيدُ اللهِ: وَأنا حَاضِرُ ذلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ. وَقَوْلِ عَلِيٍّ فِيهِمْ. زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ: قَال بُكَيرٌ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنِ ابْنِ حُنَينٍ أَنَّهُ قَال: رَأَيتُ ذلِكَ الأسوَدَ. (2350) (1032) - (182) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه الصادق المصدوق وقوله: (مرتين) منصوب بقال أي قال هذا القول مرتين (أو) قال (ثلاثًا) شك من الراوي (ثم) رجعوا إلى القتلى فـ (ـــوجدوه) أي وجدوا ذلك الأسود تحت القتلى (في خربة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء أي في خرق من خروق الأرض وشق من شقوقها والخربة أيضًا موضع الخراب وهو ضد العمران قاله النواوي (فأتوا به) أي فجاءوا بذلك الأسود (حتى وضعوه) أي طرحوا ذلك الأسود (بين يديه) أي بين يدي علي وقدامه (قال عبيد الله) بن أبي رافع بالسند السابق: (وأنا حاضر ذلك) القصص المذكور (من أمرهم) أي من أمر الخوارج وشأنهم في القتال مع علي رضي الله عنه (و) من (قول علي فيهم) أي في الخوارج من قوله: هم من أبغض خلق الله إليه الخ. (زاد يونس) بن عبد الأعلى (في روايته قال: بكير) بن الأشج: (وحدثني رجل) معطوف على محذوف تقديره: قال بكير: حدثني بسر بن سعيد هذا الحديث وحدثني أيضًا رجل آخر (عن) عبد الله (بن حنين) الهاشمي مولاهم المدني ثقة من (3) (أنه) أي أن عبد الله بن حنين (قال رأيت ذلك الأسود) بعيني حين أحضر قدام علي رضي الله عنه. وانفرد المؤلف رحمه الله تعالى بهذه الرواية عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد (1/ 83 و 84). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: (2350) (1032) (182) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) العدوي أبو نصر البصري ثقة من (3) روى عنه في

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ بَعْدِي (أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي) قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ. لَا يُجَاوزُ حَلاقِيمَهُمْ. يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ. هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ". فَقَال ابْنُ الصَّامِتِ: فَلَقِيتُ رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، أَخَا الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ. قُلْتُ: مَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ: كَذَا وَكَذَا؟ فَذَكَرْتُ لَهُ هذَا الْحَدِيثَ. فَقَال: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) أبواب (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني الربذي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد أبلي. (قال) أبو ذر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من بعدي أو) قال أبو ذر (سيكون بعدي من أمتي) والشك من عبد الله بن الصامت (قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم) جمع حلقوم وهو مجرى النفس (يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم) بعد خروجهم من الدين (لا يعودون فيه) أي في الدين (هم شر الخلق والخليقة) الخلق الناس والخليقة البهائم وقيل: هما بمعنى واحد ويريد بهما جميع الخلائق اهـ نهاية. (فقال) عبادة (بن الصامت) بالسند السابق: (فلقيت رافع بن عمرو) الغفاري الصحابي البصري (أخا الحكم) بن عمرو (الغفاري) الصحابي البصري له عندهم حديثان روى عنه عبد الله بن الصامت في الزكاة ويروي عنه (م د ت ق) وابنه عمران وأما حكم بن عمرو ورافع بن عمرو فهما أخوان صحابيان غلب عليهما هذا النسب إلى بني غفار وليسا منهم انظر أسد الغابة فـ (ـــقلت) لرافع بن عمرو (ما حديث سمعته من أبي ذر) لفظه (كذا وكذا) وهذا استفهام من ابن الصامت ابن أخي أبي ذر عن حديث سمعه من عمه سأله للاستثبات بسماعه من غيره من الصحابة قال ابن الصامت: (فذكرت له) أي لرافع (هذا الحديث) الذي سمعته من أبي ذر (فقال) رافع بن عمرو: (وأنا سمعته) أيضًا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) فحصل الاستثبات لابن الصامت.

(2351) (1033) - (183) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ يُسَيرِ بْنِ عَمْرٍو. قَال: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيفٍ: هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْخَوَارِجَ؟ فَقَال: سَمِعْتُهُ (وَأَشَارَ بيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) "قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 3) وابن ماجه (170). ثم استشهد المؤلف لحديث علي بن أبي طالب بحديث سهل بن حنيف رضي الله عنهما فقال: (2351) (1033) (183) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) (عن الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز أبي إسحاق الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (14) بابا (عن يسير بن عمرو) ويقال فيه: أسير ابن عمرو بالتصغير فيهما ويقال: يسير بن جابر وكلاهما صحيح أي يقال: يسير وأسير وهو من بني محارب بن ثعلبة نزل الكوفة ويقال: إن له صحبة أبو الخِيار الكوفي العبدي أو المحاربي أو الكندي وقيل: إنهما اثنان أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: إن له رؤية روى عن سهل بن حنيف وعلي وعمر وسلمان الفارسي وابن مسعود وثقه العجلي وابن حبان وابن سعد وقال في التقريب: له رؤية مات سنة (85) خمس وثمانين (قال) يسير بن عمرو (سألت سهل بن حنيف) مصغرًا ابن واهب الأنصاري الأوسي أبا ثابت المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني. (هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج) أي شأنهم وسيماهم (فقال) سهل: (سمعته) صلى الله عليه وسلم (و) الحال أنه قد (أشار بيده) الشريفة (نحو المشرق): أي جهته وفي رواية البخاري (وأهوى بيده قبل العراق) وهو الصواب كما هو لفظ البخاري ولكن سقط في أكثر نسخ مسلم لفظة يقول سيخرج (قوم يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدو) القرآن أي لا يجاوز (تراقيهم) إلى قلوبهم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

(2352) (0) (0) وحدّثناه أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الشَّيبَانِيُّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "يَخْرُجُ مِنْهُ أَقْوَامٌ". (2353) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإسْحَاقُ. جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ. قَال أَبُو بَكرٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيبَانِيُّ عَنْ أُسَيرِ بْنِ عَمْرٍو، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولم يشاركه أحد ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: (2352) (0) (0) (وحدثناه أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري ثقة من (8) (حدثنا سليمان) بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أبو إسحاق الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن يسير بن عمرو عن سهل بن حنيف. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الواحد لعلي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن الشيباني. (و) لكن (قال) عبد الواحد في روايته: (يخرج منه) أي من المشرق (أقوام) بتصريح لفظ الفعل وبصيغة الجمع في قوم. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2353) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (جميعًا عن يريد) بن هارون (قال أبو بكر: حدثنا يريد بن هارون) بن زادان السلمي أبو خالد الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (عن العوام بن حوشب) ابن يزيد بن رويم مصغرًا الشيباني الربعي أبي عيسى أو أبي يوسف الواسطي روى عن أبي إسحاق الشيباني في الزكاة والنخعي ومجاهد وأبي إسحاق السبيعي ويروي عنه (ع) ويزيد بن هارون وشعبة والثوري وثقه العجلي وأبو زرعة وقال: ثقة وقال في التقريب: ثقة ثبت فاضل من السادسة مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة وليس في مسلم من اسمه عوام إلا هذا. (حدثنا أبو إسحاق) سليمان (الشيباني) الكوفي (عن أسير بن عمرو) الكوفي ويقال

عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "يَتِيهُ قَوْمٌ قِبَلَ الْمَشْرِقِ مُحَلَّقَةٌ رُؤُوسُهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه: يسير بن عمرو كما في الرواية السابقة (عن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة العوام بن حوشب لعلي بن مسهر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (يتيه) أي يتحير ويميل عن الحق والصواب (قوم قبل المشرق) أي في جانبه ومشارق أرض العرب مواضع الفتن كما نطق به الأحاديث الصحيحة كالعراق يقال تاه إذا ذهب ولم يهتد لطريق الحق وتحير في أمره وقوله (محلقة رؤوسهم) يقرأون القرآن نحو ما تقدم صفة لقوم أو حال منه والتحليق سيما الخوارج مخالف للعرب في توفيرهم الشعور وتفريقها. قال القرطبي: (قوله: يتيه قوم قبل المشرق) أي يتحيرون ويذهبون في غير وجه صحيح يقال: تاه الرجل إذا ذهب في الأرض غير مهتد ومنه تيه بني إسرائيل وقيل: المشرق يدل على صحته تأويل من أول قرن الشيطان بأنهم الخوارج والفتن التي طلعت من هناك والله أعلم و (قوله: محلقة رؤوسهم) وفي حديث آخر (سيماهم التحليق) أي جعلوا ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا وشعارًا ليعرفوا به كما يفعل البعض من رهبان النصارى يفحصون عن أوساط رؤوسهم وقد جاء في وصفهم مرفوعًا: (سيماهم التسبيد) أي الحلق رواه أحمد وأبو داود يقال: سبد رأسه إذا حلقه وهذا كله منهم جهل بما يزهد فيه وما لا يزهد فيه وابتداع منهم في دين الله تعالى شيئًا كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون وأتباعهم على خلافه فلم يرو عن واحد منهم أنهم اتسموا بذلك ولا حلقوا رؤسهم في غير إحلال ولا حاجة وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم شعر فتارة فرقه وتارة صيره جمة وأخرى لمة وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كانت له شعرة أو جمة فليكرمها) رواه أبو داود بلفظ: (من كان له شعر فليكرمه) وقد كره مالك الحلاق في غير إحرام ولا حاجة ضرورية اهـ من المفهم. وفي هذا الحديث أن سهل بن حنيف صرح بأن الخوارج الحرورية هم المراد بالقوم المذكورين في أحاديث الباب فيقوى ما تقدم أن أبا سعيد توقف في الاسم والنسبة لا في كونهم المراد وقد عد الحافظ رحمه الله أسماء من روى هذا الحديث في الخوارج ثم قال: فهؤلاء خمسة وعشرون نفسًا من الصحابة والطرق إلى كثرتهم متعددة كعلي وأبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد وعبد الله بن عمر وأبي بكرة وأبي برزة وأبي ذر فيفيد مجموع أخبارهم القطع بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث علي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات. والثاني: حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. والثالث: حديث سهل بن حنيف ذكره للاستشهاد لحديث على وذكر فيه متابعتين وهذا الباب استطرادي في كتاب الزكاة. ***

436 - (54) باب تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وترك استعمال آله صلى الله عليه وسلم على الصدقة

436 - (54) باب تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وترك استعمال آله صلى الله عليه وسلم على الصدقة (2354) (1034) - (184) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: أخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةٌ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ. فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كِخْ كَخْ. ارْمِ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 436 - (54) باب تحريم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وترك استعمال آله صلى الله عليه وسلم على الصدقة (2354) (1034) (184) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن محمد وهو ابن زياد) الجمحي مولاهم أبو الحارث المدني ثم البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة. (أخذ الحسن بن علي تمرة) أي حبة (من تمر الصدقة) أي الزكاة وفي رواية معمر عن محمد بن زياد أنه سمع أبا هريرة قال (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم تمرًا من تمر الصدقة والحسن في حجره) أخرجه أحمد (فجعلها) أي فجعل الحسن التمرة (في فيه) أي في فمه ليأكلها (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: كخ كخ) بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلًا ومخففًا وبكسر الخاء منونة وغير منونة فيحصل من ذلك ست لغات والثانية توكيد الأولى وهي كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر قيل: عربية وهو الأصح وقيل: أعجمية وزعم الداودي أنها معربة أي كلمة أعجمية عربتها العرب وقد أوردها البخاري في باب من تكلم بالفارسية ونازع الكرماني في كونها أعجمية وقال: إنها من أسماء الأصوات فلا يناسب الترجمة فأجاب ابن المنير عنه فقال: وجه مناسبة الترجمة أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل فهو كمخاطية العجمى بما يفهمه من لغته اهـ فتح الملهم وهو بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم للحسن: (ارم بها) أي بالتمرة من فمك وفي رواية حماد بن

أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟ ". (2355) (0) (0) (حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "أنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة عن محمد بن زياد عند أحمد (فنظر إليه فإذا هو يلوك تمرة فحرك خده وقال: ألقها يا بني) ويجمع بين هذا وبين قوله: (كخ كخ) بأنه كلمه أولًا بهذا فلما تمادى قال له: كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك له ويحتمل العكس بأن يكون كلمه أولًا بذلك فلما تمادى نزعها من فيه وفي الحديث تأديب الأطفال بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك (أما علمت أنَّا لا نأكل الصدقة) هذه اللفظة كلمة تقال عند الأمر الواضح وإن لم يكن المخاطب بذلك عالمًا أي كيف خفي عليك هذا مع ظهوره وهو أبلغ من قوله: لا تفعل وفيه مخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز لأن الحسن إذ ذاك كان طفلًا قال النواوي: وفي الحديث أن الصبيان يوقون ما يوقاه الكبار وتمنع من تعاطيه وهذا واجب على الولي اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 409 و 410) والبخاري (1491). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2355) (0) (0) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج (بهذا الإسناد) يعني عن محمد عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة وكيع لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة (و) لكن (قال) وكيع في روايته أما علمت (أنَّا) معاشر آل محمد (لا تحل لنا الصدقة) وفي رواية معمر أن الصدقة لا تحل لآل محمد وهكذا عند أحمد والطحاوي من حديث الحسن بن علي نفسه بإسناد قوي (إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة) ففيه تحريم الزكاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله واختلف ما المراد بالآل هنا؟ فقال الشافعي وجماعة من العلماء: إنهم بنو هاشم وبنو المطلب واستدل الشافعي على ذلك بان النبي صلى الله عليه وسلم أشرك بني المطلب مع بني هاشم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدًا من قبائل قريش غيرهم وتلك العطية عوض عوضوه بدلًا

(2356) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ. كَمَا قَال ابْنُ مُعَاذٍ: "أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ عما حرموه من الصدقة كما أخرج البخاري من حديث جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان ابن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد) وأجيب عن ذلك بأنه إنما أعطاهم ذلك لموالاتهم لا عوضًا عن الصدقة وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية: هم بنو هاشم فقط وأما بنو المطلب فيجوز لهم الأخذ من الزكاة لأنهم دخلوا في عموم قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الآية لكن خرج بنو هاشم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد) فيجب أن يختص المنع بهم ولا يصح قياس بني المطلب علي بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشرف وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2356) (0) (0) حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر وابن أبي عدي رويا (عن شعبة) غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن ابن زياد عن أبي هريرة أي كلاهما رويا عن شعبة (كما قال ابن معاذ) أي مثل ما قال معاذ بن معاذ من قوله: أما علمت (أنَّا لا نأكل الصدقة) قال القرطبي: وفي هذا الحديث ما يدل على أن الصغار يمنعون مما يحرم على الكبار ولا يحلون بالذهب ويخاطب الأولياء بأن يجنبوهم ذلك كما يخاطبون بأن يجنبوهم شرب الخمور وأكل ما لا يحل اهـ مفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

(2357) (1025) - (185) حدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أن أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيرَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنهُ قَال: "إِني لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي. ثُمَّ أَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا. ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً. فَأُلْقِيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2357) (1025) (185) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي أبو جعفر (الأيلي) المصري ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري أبو أمية المصري ثقة من (7) (أن أبا يونس) سليم بن جبير الدوسي المصري (مولى أبي هريرة) ثقة من (3) (حدثه) أي حدَّث لعمرو (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا أبا هريرة (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأنقلب) أي لأنصرف وأرجع (إلى أهلي) ومنزلي (فأجد التمرة ساقطة على فراشي ثم أرفعها) إلى فمي (لآكلها ثم أخشى) وأخاف (أن تكون) تلك التمرة (صدقة فألقيها) أي أرميها قال ابن الملك: في الحديث بيان أن التكبر منتف عن ذاته صلى الله عليه وسلم حيث لم يتعاظم عن رفع شيء محقر للأكل وإرشاد لأمته وبيان حرمة الصدقة عليه سواء كانت تطوعًا أو فرضًا وتنبيه للمؤمن أن يجتنب عما فيه اشتباه لئلا يقع في الحرام اهـ قال الحافظ رحمه الله: وقد روى أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (تسهَّر النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقيل له: ما أسهرك قال: إني وجدت تمرة ساقطة فأكلتها ثم ذكرت تمرًا كان عندنا من تمر الصدقة فما أدري أمن ذلك كانت التمرة أو من تمر أهلي فذلك أسهرني) وهو محمول على التعدد وأنه لما اتفق له أكل التمرة كما في هذا الحديث وأقلقه ذلك صار بعد ذلك إذا وجد مثلها مما يدخل التردد فيه تركه احتياطًا ويحتمل أن يكون في حالة أكله إياها كان في مقام التشريع وفي حال تركه كان في خاصة نفسه وقال المهلب إنما تركه صلى الله عليه وسلم تورعًا وليس بواجب لأن الأصل أن كل شيء في بيت الإنسان على الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم وفيه تحريم قليل الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ويؤخذ منه تحريم كثيرها من باب الأولى اهـ فتح. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولم يشاركه في هذا الحديث أحد والله أعلم.

(2358) (0) (0) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ بْنُ هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ! إِني لأنقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي (أوْ فِي بَيتِي) فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا. ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً (أوْ مِنَ الصَّدَقَةِ). فَأُلْقِيهَا". (2359) (1036) - (186) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (2358) (0) (0) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق بن همام) الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام لأبي يونس في الرواية عن أبي هريرة. (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني لأنقلب) وأرجع (إلى أهلي فاجد التمرة ساقطة على فراشي أو) قال (في بيتي فارفعها) إلى فمي (لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة أو من الصدقة فألقيها) والشك في الموضعين من همام بن منبه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: (2359) (1036) (186) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي ثقة من (5) (عن طلحة بن مصرف) بن عمرو بن كعب اليامي أبي محمد الكوفي ثقة من (5) (عن أنس بن مالك) البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته أربعة منهم كوفيون وواحد بصري وواحد نيسابوري.

أَنَّ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ تَمْرَةً. فَقَال: "لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا". (2360) (0) (0) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِتَمْرَةٍ بِالطَّرِيقِ فَقَال: "لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة) أي حبة من التمر (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لولا) خشية (أن تكون) هذه التمرة (من الصدقة لأكلتها) أي لأخذتها وأكلتها ولفظ البخاري في كتاب اللقطة (لولا أني أخاف أن تكون إلخ) فيه استعمال الورع لأن هذه التمرة لا تحرم بمجرد الاحتمال لكن الورع تركها وفيه أن التمرة ونحوها من محقرات الأموال لا يجب تعريفها بل يباح أكلها والتصرف فيها في الحال لأنه صلى الله عليه وسلم إنما تركها خشية أن تكون من الصدقة لا لكونها لقطة وصاحبها في العادة لا يطلبها ولا يبقى له فيها مطمع اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2365) (0) (0) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي ثقة من (7) (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن طلحة بن مصرف) اليامي الكوفي (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أنس بن مالك غرضه بيان متابعة زائدة لسفيان الثوري في رواية هذا الحديث عن منصور بن المعتمر. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بتمرة) ساقطة (بالطريق فقال: لولا) مخافة (أن تكون من الصدقة لأكلتها) وهذا ظاهر في جواز أكل ما يوجد من المحقرات ملقى في الطرقات لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لم يمتنع من أكلها إلا تورعًا لخشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه لا لكونها مرمية في الطريق فقط وقد أوضح ذلك قوله في أول أحاديث الباب (على فراشي) فإنه ظاهر في أنه ترك أخذها تورعًا لخشية أن تكون صدقة فلو لم يخش ذلك لأكلها ولم يذكر تعريفًا فدل على أن مثل ذلك يمتلك بالأخذ

(2361) (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ تَمْرَةً فَقَال: "لَوْلَا أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلْتُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يحتاج إلى تعريف لكن هل يقال: إنها لقطة رخص في ترك تعريفها أو ليست لقطة لأن اللقطة ما من شأنه أن يمتلك دون ما لا قيمة له وقد استشكل بعضهم تركه صلى الله عليه وسلم التمرة في الطريق مع أن الإمام يأخذ المال الضائع للحفظ وأجيب باحتمال أن يكون أخذها كذلك لأنه ليس في الحديث ما ينفيه أو تركها عمدًا لينتفع بها من يجدها ممن تحل له الصدقة وإنما يجب على الإمام حفظ المال الذي يعلم تطلع صاحبه له لا ما جرت به العادة بالإعراض عنه لحقارته والله أعلم اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: (2361) (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة عن أنس). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة قتادة لطلحة بن مصرف. (أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرةً فقال: لولا) مخافة (أن تكون صدقة لأكلتها). قال القرطبي: قوله صلى الله عليه وسلم: (وقد وجد تمرة في الطريق: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها) هذا منه صلى الله عليه وسلم ورع وتنزه وإلا فالغالب تمر غير الصدقة لأنه الأصل وتمر الصدقة قليل والحكم للغالب في القواعد الشرعية وفيه دليل على أن اللقطة اليسيرة التي لا تتعلق بها نفس فاقدها لا تحتاج إلى تعريف وأنها تستباح من غير ذلك لأن علة امتناعه من أكلها هو خوفه من أن تكون من الصدقة ثم إن دليل خطابه أنها لو سلمت من ذلك المانع لأكلها. وهذه الأحاديث كلها مع قوله: (إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد) تدل على أن الصدقة على رسول الله وعلى آله محرمة وهل يعم التحريم الواجبات وغيرها أو يخص الواجبة فقط وحكى ابن القصار عن بعض أصحابنا أن المحرم صدقة التطوع دون الفريضة لأنها لا منة فيها وقال أبو حنيفة أيضًا: إنها كلها حلال لبني هاشم وغيرهم وإنما كان ذلك محرمًا عليهم إذ كانوا يأخذون سهم ذوي القربى فلما قطع عنهم حلت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم ونحوه عن الأبهري من شيوخنا وروي عن أبي يوسف أنها حرام عليهم من غيرهم حلال لهم صدقة بعضهم على بعض. (قلت): والظاهر من هذه الأحاديث أنها محرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فرضها ونفلها تمسكًا بالعمومات ومن جهة المعنى بأن الصدقة أوساخ الناس وبأن اليد العليا خير من اليد السفلى ولا يد أعلى من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أيدي آله فقد أكرمهم الله تعالى وأعلى مقاديرهم وجعل أيديهم فوق كل يد وسهم ذوي القربى واجب إخراجه وإيصاله إليهم على كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين إلى يوم القيامة فلو منعوا ولم يقدروا على وصولهم إلى حقوقهم وجب سد خلاتهم والقيام بحاجاتهم على أهل القدرة من المسلمين لا على وجه الصدقة بل على جهة القيام بالحقوق الواجبة في الأموال ويكون حكم حقوقهم كحكم الحقوق المرتبة على بيت مال المسلمين فلا يوصل إليها كفكاك الأسارى ونفقة اللقطاء وسد خلَّات الضعفاء والفقراء إذا لم يوصل إلى أخذ ذلك من بيت المال. واختلف في من آل النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك وأكثر أصحابه: هم بنو هاشم خاصةً ومثله عن أبي حنيفة واستثنى آل أبي لهب وقال الشافعي: هم بنو هاشم ويدخل فيهم بنو المطلب أخي هاشم دون سائر بني عبد مناف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنا وبنو المطلب شيء واحد) رواه أبو داود من حديث جبير بن مطعم ولقسم النبي صلى الله عليه وسلم لهم مع بني هاشم سهم ذوي القربى دون غيرهم ونحا إلى هذا بعض شيوخنا المالكية وقال أصبغ: هم عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم الأقربون الذين أمر بإنذارهم آل قصي قال: وقيل: قريش كلها. (قلت): وفي الأم: أن زيد بن أرقم سئل عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من هم فقال: أهل بيته من حرم الصدقة بعده قيل: ومن هم قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قيل: كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم رواه مسلم وهذا يؤيد قول مالك فإن هؤلاء كلهم بنو هاشم واختلف في مواليهم فمالك والشافعي يبيحانها لهم والكوفيون وكثير من أصحاب مالك يحرمونها عليهم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه فقال:

(2362) (1037) - (187) حدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ حَدَّثَهُ؛ أَن عَبْدَ الْمُطلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ قَال: اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطلِب. فَقَالا: وَاللهِ! لَوْ بَعَثْنَا هذَينِ الْغُلامَينِ (قَالا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ) إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَاهُ، فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَأذَّيَا مَا يُؤَذي النَّاسُ، وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ! ـــــــــــــــــــــــــــــ (2362) (1037) (187) (حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (10) (حدثنا جويرية) مصغرًا ابن أسماء بن عبيد الضبعي البصري صدوق من (7) (عن مالك) بن أنس الأصبحي أبي عبد الله المدني الإمام الأعظم (عن الزهري) محمد بن مسلم المدني (أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب) الهاشمي أبا يحيى المدني ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (حدثه) أي حدث للزهري (أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث) بن عبد المطلب الهاشمي الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه له أحاديث انفرد (م) له بحديث يروي عنه (م د س) وابنه عبد الله وعبد الله بن الحارث بن نوفل قال ابن عبد البر: مات سنة (62) اثنتين وستين (حدَّثه) أي حدَّث لعبد الله بن عبد الله. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد شامي. (قال) عبد المطلب بن ربيعة في تحديثه له: (اجتمع) أبي (ربيعة بن الحارث) بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم (والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين) قال عبد المطلب بن ربيعة: (قالا) أي قال ربيعة والعباس أي أرادا بالغلامين (لي وللفضل بن عباس) أي أرادا بالغلامين إياي والفضل بن عباس أي لو بعثناهما (التي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه) أي فكلم الغلامان عبد المطلب والفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الإمارة وطلباها منه (فأمرهما) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جعلهما أميرين واليين (على) جباية (هذه الصدقات) وأخذها من الناس (فأديا) أي أدى الغلامان ودفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يؤدي الناس) العاملون عليها من الزكوات المأخوذة من أربابها (وأصابا) أي حصلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم واستفادا (مما يصيب الناس) ويأخذونه من

قَال: فَبَينَمَا هُمَا في ذلِكَ جَاءَ عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَوَقَفَ عَلَيهِمَا. فَذَكَرَا لَهُ ذلِكَ. فَقَال عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَفْعَلا. فَوَاللهِ مَا هُوَ بِفَاعِلٍ. فَانْتَحَاهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَال: وَاللهِ! مَا تَصْنَعُ هذَا إلَّا نَفَاسَةً مِنْكَ عَلَينَا. فَوَاللهِ! لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجرة العمالة في الزكاة (قال) عبد المطلب بن ربيعة: (فبينما هما) أي العباس وربيعة (في ذلك) التشاور والحوار (جاء علي بن أبي طالب فوقف) علي (عليهما) أي على رؤوسهما (فذكرا) أي فذكر ربيعة والعباس (له) أي لعلي (ذلك) الأمر الذي تشاورا فيه وأخبراه (فقال) لهما (علي بن أبي طالب: لا تفعلا) ذلك البعث للغلامين أي لا تبعثاهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالله ما هو) صلى الله عليه وسلم (بفاعل) ما تريدان منه من تأمير الغلامين على الزكاة. وفي بعض الهوامش: (قوله: اجتمع ربيعة بن الحارث) الخ يعني أبا نفسه فإنه عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث وكان مع أبيه وكان الفضل بن عباس مع أبيه عباس وكلاهما من آله صلى الله عليه وسلم قوله: (فقالا) أي قال أحدهما لصاحبه وكأنهما لتوافق رأيهما قالاه معًا وقوله: (لو بعثنا) أي لكان خيرًا أو هي للتمني فلا حاجة لها إلى جواب قوله: (قالا لي) إلخ هذا قول عبد المطلب بن ربيعة يريد قالا عني وعن الفضل بن عباس قوله (فأمرهما على هذه الصدقات) أي فجعل كلًّا منهما أميرًا وعاملًا عليها قوله: (فوالله ما هو بفاعل) ولعل حلفه بالله تعالى أنه صلى الله عليه وسلم لا يستعملها على الصدقات لعلمه من قضية الحسن بن علي المذكورة في أول الباب ما يكون له دليلًا على ذلك حين قال للحسن: كخ كخ إلخ (فانتحاه) أي انتحى عليًّا وقصده (ربيعة بن الحارث) بالكلام الشديد ونهره وعرضه بالكلام الفاحش (فقال) ربيعة لعلي: (والله ما تصنع هذا) المنع لنا من تكليم الغلامين وسؤالهما له صلى الله عليه وسلم التأمير على الصدقات (إلا نفاسة) واستبدادًا وإيثارًا (منك) نفسك (علينا) برسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما تصنع هذا إلا لأجل إيثار نفسك علينا برسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى ما تصنع هذا إلا لأجل حسدك لنا (فوالله لقد نلت) وفزت (صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لقد نلت منصب المصاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فما نفسناه) بكسر الفاء أي فما غبطناه منصب المصاهرة لنفسنا أي ما تمنينا أن يكون لنا دونك حسدًا (عليك) أي ما حسدناك

قَال عَلِيٌّ: أَرْسِلُوهُمَا. فَانْطَلَقَا. وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ. قَال: فَلَمَّا صَلى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ سَبَقْنَاهُ إِلَى الْحُجْرَةِ. فَقُمْنَا عِنْدَهَا. حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا. ثُمَّ قَال: "أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ" ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيهِ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَال: فَتَوَاكَلْنَا الْكَلامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على ذلك وهذا يمين وقعت من ربيعة على اعتقاده فهي من قبيل لغو الأيمان والنفاسة في الخير ومنه قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (قال علي) بن أبي طالب إذًا (أرسلوهما) أي أرسلوا الغلامين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمير الجمع للعباس وربيعة ومن معهما أو لأن أقل الجمع اثنان فأرسلوهما (فانطلقا) أي فانطلق الغلامان وفيه التفات لأن مقتضى المقام أن يقال فانطلقنا لأن قائل الكلام هو عبد المطلب الذي هو أحد الغلامين (واضطجع علي) بن أبي طالب عند العباس وربيعة انتظارًا لنتيجة إرسالنا (قال) عبد المطلب: (فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر) أي فرغ من صلاتها (سبقناه) أي سبقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب (إلى الحجرة) الشريفة (نقمنا عندها) أي عند الحجرة انتظارًا له (حتى جاء) من المسجد (فـ) ــــلما جاء ورآنا قائمين (أخذ بآذاننا) مداعبةً معنا (ثم قال) لنا: (أخرجا) أي أظهرا لي (ما تصرران) بضم التاء وفتح الصاد وكسر الراء المشددة وبعدها راء أخرى على وزن تكلمان أي ما تجمعانه في صدوركما من الكلام وكل شيء جمعته فقد صررته ومنه: صر الدراهم وهو جمعها في الصرة والمعنى أظهرا لي حاجتكما التي أضمرتما في صدوركما وفي رواية (ما تسرران) بالسين بدل الصاد أي ما تقولانه سرًّا وفي رواية ما تصدران بإسكان الصاد مع ضم التاء بعدها دال مهملة مكسورة أي ما ترفعان وتقدمان إليَّ من حوائجكما وهذه رواية السمرقندي وفي رواية (ما تصوران) بضم التاء وفتح الصاد وكسر الواو المشددة أي ماتزورانه من صورة حديثكما وهي رواية الحميدي والرواية الأولى هي الأصوب التي عليها معظم النسخ اهـ من الشروح بتصرف. (ثم دخل) الحجرة الشريفة (ودخلنا عليه) عقب دخوله (وهو) صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ ذهبنا إليه (عند زينب بنت جحش) أي في نوبتها (قال) عبد المطلب (فتواكلنا) أي تواكل كل واحد منا (الكلام) مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صاحبه وفوضه إليه هيبة منه من التواكل وهو أن يكل كل واحد أمره إلى صاحبه يعني أنه أراد كل

ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ. وَقَدْ بَلَغْنَا النكَاحَ. فَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ هذِهِ الصَّدَقَاتِ. فَنُؤَدِّيَ إِلَيكَ كَمَا يُؤَذي النَّاسُ. وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ. قَال: فَسَكَتَ طَويلَّا حَتَّى أَرَدْنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ. قَال: وَجَعَلَتْ زَينَبُ تُلْمِعُ عَلَينَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ. قَال: ثُمَّ قَال: "إِن الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد منا أن يبتدئ صاحبه بالكلام دونه ومنه قولهم: استعنت القوم فتوالوا في حاجتي أي وكل بعضهم إلى بعض وفي بلاغات الزمخشري: إذا وقعت المحنة تواكلتم ... وإذا وقعت النعمة تآكلتم (ثم تكلم أحدنا) لم أر من عينه (فقال) ذلك الأحد (يا رسول الله أنت أبر الناس) أي أكثر الناس برًا وإحسانًا إلى الغير (وأوصل الناس) أي أكثر الناس صلة للرحم (وقد بلغنا النكاح) أي الحلم كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} أو بلغنا أوان النكاح والزواج وفيه دليل على طلب المساعدة من أهل الخير في مؤنة الزواج (فجئنا) إليك (لتؤمِّرنا) أي لتولينا (على بعض) أعمال (هذه الصدقات) أي الزكوات من جميع أرباب الأموال وأخذها منهم وحسابها وحفظها وجبايتها إليك وتفرقتها على المستحقين (فنؤدي) أي ندفع (إليك) ما أخذنا منها (كما يؤدي الناس) إليك (ونصيب) منها أي نأخذ منها سهم العامل (كما يصيبون) أي كما يأخذ الناس منه. (قال) عبد المطلب: (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم سكوتًا (طويلًا حتى أردنا أن نكلمه) ثانيًا (قال) عبد المطلب: (وجعلت زينب) بنت جحش رضي الله تعالى عنها (تلمع علينا) أي تشير إلينا (من وراء الحجاب) بـ (ـــأن لا تكلماه) صلى الله عليه وسلم تلمع هو بضم التاء وإسكان اللام وكسر الميم ويجوز فتح التاء والميم يقال ألمع ولمع إذا أشار بثوبه أو بيده أي أشارت إلينا بأن لا تكلماه لأنه ربما ينتظر الوحي (قال) عبد المطلب: (ثم) بعد سكوته سكوتا طويلًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن) هذه (الصدقة لا تنبني لآل محمد) ولا تليق بهم قال النواوي: فيه دليل على أنها محرمة عليهم سواء كانت بسبب العمل أو بسبب الفقر أو المسكنة أو غيرهما من الأسباب الثمانية وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وأجازها الطحاوي وغيره للعاملين منهم لأنها أجرة وقال ابن عابدين: فلا تحل للعامل الهاشمي تنزيهًا لقرابة النبي صلى الله عليه

إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ (وَكَانَ عَلَى الْخُمُسِ) وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ". قَال: فَجَاءَاهُ. فَقَال لِمَحْمِيَةَ: "أَنْكِحْ هذَا الْغُلامَ ابْنَتَكَ" (لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ) فَأَنْكَحَهُ. وَقَال لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: "أَنْكِحْ هذَا الْغُلامَ ابْنَتَكَ" (لِي) فَأَنْكَحَنِي. وَقَال لِمَحْمِيَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم من شبهة الوسخ ولأن منع العامل الهاشمي من الأخذ صريح في السنة اهـ فتح ثم ذكر علة المنع بقوله: (إنما هي أوساخ الناس) أي طهرة لأوساخهم أي إنها تطهير لأموالهم من إثم الكنز ونفوسهم من إثم البخل كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي كغسالة الناس أي كماء الغسالة تعاب قال الدهلوي رحمه الله: إنما كانت أوساخ الناس لأنها تكفر الخطايا وتدفع البلاء وتقع فداء عن العبد في ذلك اهـ قال السنوسي. (فإن قلت): فكيف أباحها لبعض أمته ومن كمال إيمان المرء أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ (قلت): ما أباحها لهم عزيمةً بل اضطرارًا وكم أحاديث تراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميتة فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه وفي الإتيان بلا المؤكدة للنفي وتكريرها في قوله (ولا لآل محمد) إشعار باستقلال كل بهذا الحكم اهـ. (ادعوا) بألف التثنية أي ادعوا (لي) أنتما يا غلامان (محمية) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة ثم ميم مكسورة وياء مفتوحة مخففة بن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي بن عبد يغوث الزبيدي بضم أوله كان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة وتأخر عوده منها وأول مشاهده المريسيع واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الأخماس اهـ من أسد الغابة فقول مسلم فيما سيأتي (وهو رجل من بني أسد) ليس كما ينبغي (وكان) محمية عاملًا (على الخمس) أي خمس الفيء وقوله: (ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب) وهو أخو ربيعة بن الحارث معطوف على محمية (قال) عبد المطلب فدعوناهما له صلى الله عليه وسلم: (فجاءاه) أي فجاء محمية ونوفل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم المحمية) بن جزء: (أنكح) أي زوج (هذا الغلام ابنتك) يعني أنكحها (للفضل بن عباس فأنكحه) أي فأنكح محمية ابنته للفضل بن عباس (وقال لنوفل بن الحارث) عمي: (أنكح هذا الغلام ابنتك) قال عبد المطلب أمره أن يزوجها (لي) قال عبد المطلب: (فأنكحني) نوفل ابنته (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم المحمية) عامل

"أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنَ الْخُمُسِ كَذَا وَكَذَا". قَال الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يُسَمِّهِ لِي. (2363) (0) (0) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيِّ؛ أَن عَبْدَ الْمُطلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ أَخْبَرَهُ؛ أَن أَبَاهُ رَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ وَالْعَبَّاسَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخمس: (أصدق) أي أعط الصداق والمهر (عنهما) أي عن الغلامين (من) مال (الخمس كذا وكذا) أي مالًا قدره كذا عن أحدهما ومالًا قدره كذا عن الآخر ولم أر من عين ذلك المقدار لما قال الزهري قريبًا والمعنى أدِّ عن كل منهما صداق زوجته يقال: أصدقتها إذا سميت لها صداقًا أو أعطيتها صداقها وقال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} قال النواوي: يحتمل أن يزيد من سهم ذوي القربى من الخمس لأنهما من ذوي القربى ويحتمل أن يريد من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس اهـ. (قال الزهري) بالسند السابق: (ولم يسمه لي) أي لم يبين لي عبد الله بن عبد الله بن نوفل مقدار الصداق الذي سماه لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود (2985) والنسائي (5/ 105 و 106). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه فقال: (2363) (0) (0) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) المدني (عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي) المدني قال النواوي: سبق في الرواية التي قبل هذه عن جويرية عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل وكلاهما صحيح والأصل هو رواية مالك ونسبه في رواية يونس إلى جده ولا يمتنع ذلك قال النسائي: ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث عن مالك إلا جويرية بن أسماء (أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره) أي أخبر لعبد الله بن عبد الله (أن أباه) أي أن أبا عبد المطلب (ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والعباس بن

عَبْدِ الْمُطلِبِ، قَالا لِعَبْدِ الْمُطلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: ائْتِيَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَسَاقَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَقَال فِيهِ: فَأَلْقَى عَلِيٌّ رِدَاءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيهِ. وَقَال: أنَا أَبُو حَسَنٍ الْقَرْمُ. وَاللهِ! لَا أَرِيمُ مَكَانِي حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيكُمَا ابْنَاكُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس: ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن الزهري (وساق) يونس بن يزيد (الحديث) السابق (نحو حديث مالك و) لكن (قال) يونس بن يزيد (فيه) أي في ذلك النحو الذي ساقه: (فألقى علي) أي طرح علي (رداءه) على الأرض (ثم اضطجع عليه) أي على ردائه (وقال) على: (أنا أبو حسن) بتنوين حسنٍ (القرم) بفتح القاف وسكون الراء مرفوع على أنه صفة لأبي حسن ومعناه السيد الشجاع وأصله فحل الإبل قال الخطابي: معناه المقدم في المعرفة بالأمور والرأي كالفحل هذا أصح الأوجه في ضبطه وهو المعروف في نسخ بلادنا والثاني حكاه القاضي أبو حسن (القوم) بالواو بدل الراء وبإضافة حسن إلى القوم ومعناه عالم القوم وذو رأيهم. قال القرطبي: وكأنه قال: أنا عالم القوم وذو رأيهم وروى عن ابن أبي بحر (أبو حسن) بالتنوين وبعده القرم بالرفع أي أنا من علمتم أيها القوم وهذه الرواية أبعدها لأن حروف النداء لا تحذف في نداء القوم ونحوه اهـ نووي وإنما قال علي أنا أبو حسن القرم لأجل الذي كان عنده من علم ذلك وكان رضي الله عنه يقول هذه الكلمة عند الأخذ في قضية تُشكِلُ على غيره وهو يعرفها ولذلك جرى كلامه هذا مجراه حتى قالوا: قضية ولا أبا حسن أي هذه قضية مشكلة وليس هناك من يبينها كما كان يفعل أبو حسن الذي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتوا بأبي حسن بعد لا النافية للنكرة على إرادة التنكير أي ليس هناك واحد ممن يسمى أبا حسن كما قالوا: أرى الحاجات عند أبي حُبيب ... نكدن ولا أمية في البلاد أي لا واحد ممن يسمى أمية اهـ من المفهم. (والله لا أريم) أي لا أفارق (مكاني) هذا (حتى يرجع إليكما ابناكما) عبد المطلب

بِحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَال في الْحَدِيثِ: ثُم قَال لَنَا: "إِنَّ هذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. وإنَّهَا لَا تَحِل لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ". وَقَال أَيضًا: ثُمَّ قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُوَا لِي مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ" وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الأخمَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفضل (بحور) أي بجواب (ما بعثتما به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال القرطبي: قوله: (لا أريم) بفتح الهمزة وكسر الراء أي لا أزال ولا أبرح من مكاني هذا (حتى يرجع إليكما ابناكما) قال النواوي: هكذا ضبطناه (أبناكما) بالتثنية ووقع في بعض الأصول (أبناؤكما) بالواو على الجمع وحكاه القاضي أيضًا قال: وهو وهم والصواب الأول وقال: وقد يصح الثاني على مذهب من جعل أقل الجمع اثنين (بحور ما بعثتما به) هو بفتح الحاء المهملة أي بجواب ذلك قال الهروي في تفسيره: يقال: كلمته فما رد عليَّ حورًا ولا حويرًا أي جوابًا قال: ويجوز أن يكون بمعنى الخيبة أي حتى يرجعا بالخيبة وأصل الحوار الرجوع إلى النقص قال القاضي: وهذا أشبه بسياق الحديث كذا في الشرح اهـ فتح. (وقال) يونس بن يزيد (في الحديث) وهذا معطوف على قوله: (وقال فيه: فألقى عليٌّ رداءه) قال عبد المطلب: (ثم قال لنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وقال) يونس (أيضًا) قال عبد المطلب: (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي محمية بن جزء) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة ثم ميم أخرى مكسورة ثم ياء مخففة من حماه يحميه وأما جزء فجيم مفتوحة فزاي ساكنة ثم همزة هذا هو الأصح قال القاضي: هكذا تقوله عامة الحفاظ وأهل الإتقان ومعظم الرواة وقال عبد الغني بن سعيد: يقال: جزى بكسر الزاي وبالياء وقال أبو عبيد: جز بالزاي المشددة قوله: (وهو رجل من بني أسد) قال القاضي: كذا وقع في مسلم والمحفوظ أنه من بني زبيد لا من بني أسد كما مر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس) من الفيء وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين يونس ومالك والله سبحانه وتعالى أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث أنس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين. والرابع: حديث عبد المطلب بن ربيعة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم ***

437 (55) باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز لمن كان قد حرمت عليه أن يأكل منها وقبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة ودعاء المصدق لمن جاء بصدقته والوصاة بإرضاء المصدق

437 (55) باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز لمن كان قد حرمت عليه أن يأكل منها وقبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة ودعاء المصدِّق لمن جاء بصدقته والوصاة بإرضاء المصدِّق (2364) (1038) - (188) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيث. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أن عُبَيدَ بْنَ السَّبَّاقِ قَال: إِنَّ جُوَيرِيَةَ، زَوْجَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 437 (55) باب الصدقة إذا بلغت محلها جاز لمن كان قد حرمت عليه أن يأكل منها وقبوله صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة ودعاء المصدِّق لمن جاء بصدقته والوصاة بإرضاء المصدِّق (2364) (1038) (188) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب أن عبيد) مصغرًا (بن السبَّاق) بفتح السين وتشديد الموحدة الثقفي المدني روى عن جويرية رضي الله تعالى عنها في الزكاة وابن عباس في اللباس وزيد بن ثابت وسهل بن حنيف وجماعة ويروي عنه (ع) وابن شهاب وابنه سعيد وجماعة قال العجلي: تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة. (قال: إن جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم) بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث بن مالك بن جذيمة بن سعد بن عمرو الخزاعية المصطلقية المدنية وسعد هو المصطلق سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع وهو موضع من أرض خزاعة أعتقها النبي صلى الله عليه وسلم واستنكحها وجعل صداقها كل سبي من قومها وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية وتزوجها ماتت سنة ست وخمسين (56) في ولاية معاوية وصلى عليها مروان روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروي عنها (ع) وعبيد بن السباق في الزكاة وعبد الله بن عباس في الدعاء ومجاهد وكريب وغيرهم. (أخبرته) أي أخبرتْ جويرية عبيدَ بن السباق. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي.

أنِّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيهَا فَقَال: "هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ " قَالتْ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عِنْدَنَا طَعَامٌ إلا عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ أُعْطِيَتْهُ مَوْلاتِي مِنَ الصِّدَقَةِ. فَقَال: "قَرِّبِيهِ. فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال) لها: (هل) عندكم (من طعام قالت: لا) أي ما عندنا طعام (والله يا رسول الله ما عندنا طعام) يؤكل (إلا عظم من شاة أعطيته) بالبناء للمجهول أي أُعطيت (مولاتي) ذلك العظم أو ما ذكرت من الشاة (من الصدقة) ولم أر من ذكر اسم مولاتها وفيه جواز الصدقة لموالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأما أزواجه صلى الله عليه وسلم فقد نقل ابن بطال أنهن لا يدخلن في ذلك أي في عدم حل الصدقة باتفاق الفقهاء وفيه نظر فقد ذكر ابن قدامة أن الخلال أخرج من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وهذا يدل على تحريمها. (قلت): وإسناده إلى عائشة حسن وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا وهذا لا يقدح فيما نقله ابن بطال كذا في الفتح اهـ. (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية: (قربيه) أي قربي ذلك العظم إليَّ لآكلها (فقد بلغت) الصدقة (محلها) أي إلى موضعها الذي تحل فيه وهو مولاتها فزال عنها حكم الصدقة يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم (هو لها صدقة ولنا هدية) كما يأتي بيانه قال ابن الملك: إنما قال (قربيه) ولم يستأذن مولاتها لعلمه أن قلبها يطيب بأكله اهـ. أو تكون المولاة قد أهدت ذلك لجويرية كما جاء في حديث بريرة الآتي بعد هذا اهـ من المفهم. قال الحافظ في حديث أم عطية من باب الزكاة: أي إنها لما تصرفت فيها بالهدية لصحة ملكها لها انتقلت عن حكم الصدقة فحلت محل الهدية وكانت تحل لرسول الله بخلاف الصدقة وهذا تقرير ابن بطال بعد أن ضبط محلها بفتح الحاء وضبطه بعضهم بكسرها من الحلول أي بلغت مستقرها والأول أولى ثم قال في باب الهبة: محلها بكسر المهملة يقع على الزمان والمكان أي زال عنها حكم الصدقة المحرمة علي وصارت لي حلالًا وفي الحديث أن الصدقة يجوز فيها تصرف الفقير الذي أعطيها بالبيع والهدية وغير ذلك.

(2365) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (2366) (1039) - (189) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى وَابْن بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي قوله (قرِّبيه فقد بلغت محلها) يعني أن المتصدق عليها قد ملكت تلك الصدقة بوجه صحيح جائز فصارت كسائر ما تملكه بغير جهة الصدقة وإذا كان كذلك فمن تناول ذلك الشيء المتصدق به من يد المتصدق عليه بجهة جائزة غير الصدقة جاز له ذلك وخرج ذلك الشيء عن كونه صدقة بالنسبة إلى الآخذ من يد المتصدف عليه وإن كان ممن لا تحل له الصدقة في الأصل ويخرج عليه صحة أحد القولين فيمن تصدق عليه بلحم أضحية فإنه يجوز له أن يبيعه والقول الثاني: لا يجوز فيه ذلك لأن أصل مشروعية الأضحية أن لا يباع منها شيء مطلقًا اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد (6/ 430). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جويرية رضي الله تعالى عنها فقال: (2365) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا عن) سفيان (بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد عن جويرية (نحوه) أي نحو ما حدث الليث عن الزهري غرضه بيان متابعة ابن عيينة لليث بن سعد ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جويرية بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: (2366) (1039) (189) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) الكوفيان (قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) البصري (كلاهما) أي كل من وكيع ومحمد بن جعفر (عن شعبة عن قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان والثاني منهما رجاله كلهم بصريون.

ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ قَال: أَهْدَتْ بَرِيرَةُ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لَحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيهَا. فَقَال: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ. وَلَنَا هَدِيَّةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (واللفظ له حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن قتادة سمع أنس بن مالك) فيه التنبيه على انتفاء تدليس قتادة لأنه عنعن في الرواية الأولى وصرَّح بالسماع في الثانية. وهذا السند من خماسياته أيضًا وفيه تصريح سماع قتادة عن أنس. (قال) أنس: (أهدت بريرة) مولاة عائشة رضي الله تعالى عنها (إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحمًا تصدق به عليها فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو) أي هذا اللحم (لها صدقة ولنا هدية) والمفهوم من المشارق وهو المستفاد مما ذكر في آخر هذا الباب أن المتصدق به عليها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث شاة إليها من الصدقة فبعثت هي إليه صلى الله عليه وسلم لحمًا منها فلما أراد تناوله قيل له: يا رسول الله صدقة وأنت لا تأكل منها فقال صلى الله عليه وسلم (هو لها صدقة ولنا هدية) يعني أن اللحم المذكور لما تصدق به عليها صار ملكًا لها بقبضها والمتصدق عليه يسوغ له التصرف كتصرف سائر الملاك في أملاكهم فلما أهدته زال عنه وصف الصدقة وحكمها فالتحريم ليس لعين اللحم على أن تبدل الملك بمنزلة تبدل العين اهـ منه. قال القاري: وفارقت الصدقة الهدية حيث حرمت عليه تلك وحلت له هذه بأن القصد من الصدقة ثواب الآخرة وذلك ينبئ عن عز المعطي وذل الآخذ في احتياجه إلى الترحم عليه والرفق إليه ومن الهدية التقرب إلى المهدي إليه وإكرامه بعرضها عليه ففيها غاية العزة والرفعة لديه وأيضًا فمن شأن الهدية مكافأتها في الدنيا ولذا كان صلى الله عليه وسلم يأخذ الهدية ويثيب عنها عوضها فلا منة ألبتة فيها بل لمجرد المحبة كما يدل عليه حديث: (تهادوا تحابوا) وأما جزاء الصدقة ففي العقبى ولا يجازيها إلا المولى عز وجل اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الزكاة وأبو داود في الزكاة أيضًا والنسائي في العمرى كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف ثانيا لحديث جويرية بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:

(2367) (1040) - (190) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى وَابْنُ بَشارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. عَنْ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ: وَأُتِيَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقِيلَ: هذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَال: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2367) (1040) (190) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم) بن عيينة مصغرًا الكندي الكوفي ثقة من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة من (5) (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من سباعياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون وواحد مدني ورجال الثاني منهما كذلك بلا فرق والله أعلم. قوله: (وأتي النبي صلى الله عليه وسلم) إلخ قال النواوي: هكذا هو في كثير من الأصول المعتمدة أو أكثرها وأتى بالواو وفي بعضها أتى بغير واو وكلاهما صحيح والواو عاطفة على ماسبق من الحديث لم يذكره هنا اهـ. (بلحم بقر) الخ ذهل الحافظ عن رواية مسلم هذه حيث قال: واللحم المذكور وقع في بعض الشروح أنه كان لحم بقر وفيه نظر بل جاء عن عائشة (تصدق على مولاتي بشاة من الصدقة) فهو أولى أن يؤخذ به والله سبحانه وتعالى أعلم ولم أر من عين هذا الآتي (فقيل) له صلى الله عليه وسلم: (هذا ما تصدق به على بريرة) القائلة هي عائشة رضي الله تعالى عنها كما سيصرح به في الرواية الآتية (هذا) اللحم ما تصدق به على بريرة (فقال) صلى الله عليه وسلم: (هو لها صدقة ولنا هدية) والهدية حلال لنا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5097) والنسائي (6/ 102) قال القرطبي: وفي حديث عائشة ما يدل على جواز الصدقة على موالي قريش لأن عائشة تيمية وتيم من قريش وجويرية مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحكم مولاتها حكمها. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2368) (0) (0) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. قَالتْ: كَانَتْ في بَرِيرَةَ ثَلاثُ قَضِيَّاتٍ. كَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيهَا، وَتُهْدِي لَنَا. فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: "هُوَ عَلَيهَا صَدَقَةٌ وَلَكُمْ هَدِيَّةٌ فَكُلُوهُ". (2369) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (2368) (0) (0) (حدثنا زهير بن حرب) النسائي (وأبو كريب) الكوفي (قالا: حدثنا أبو معاوية) الكوفي (حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني ثقة من (6) (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي المدني أحد الفقهاء السبعة ثقة من (3) (عن عائشة رضي الله) تعالى (عنها). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي غرضه بسوقه بيان متابعة القاسم بن محمد للأسود بن يزيد في رواية هذا الحديث عن عائشة. (قالت) عائشة: (كانت في بريرة ثلاث قضيات) أي ثلاث سنن وأحكام كما هو لفظ البخاري فذكر المؤلف منها هنا قوله صلى الله عليه وسلم (هو عليها صدقة ولنا هدية) ولم يذكر هنا الثانية والثالثة وهما الولاء لمن أعتق وتخييرها في فسخ النكاح حين أعتقت تحت عبد وسيأتي بيان الثلاث مشروحة إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح (كان الناس يتصدقون عليها وتهدي لنا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: هو عليها صدقة ولكم هدية فكلوه). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2369) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة عابد من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي صدوق من

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ الْقَاسِمِ. قَال: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ ذلِكَ. (2370) (0) (0) وحدَّثني أَبُو الطاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. بِمِثْلِ ذلِكَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَهُوَ لَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (4) (عن عبد الرحمن بن القاسم) التيمي المدني (عن أبيه) القاسم بن محمد التيمي الكوفي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون غرضه بيان متابعة سماك لهشام. (ح وحدثنيه محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم قال: سمعت) أبي (القاسم) بن محمد (يحدث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة وسماك لهشام بن عروة وساق سماك وشعبة. (بمثل ذلك) أي بمثل ما حدث هشام عن عبد الرحمن بن القاسم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2370) (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر) الأموي المصري (حدثنا ابن وهب) القرشي المصري (أخبرني مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن ربيعة) بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي مولاهم أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي قال ابن سعد: كانوا يتقونه لموضع الرأي ثقة فقيه مشهور من (5) (عن القاسم) بن محمد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند أيضًا من سداسياته غرضه بيان متابعة ربيعة لعبد الرحمن بن القاسم في رواية هذا الحديث عن القاسم وساق ربيعة (بمثل ذلك) أي بمثل ما حدث عبد الرحمن عن القاسم (غير أنه) أي لكن أن ربيعة (قال) في روايته: (وهو لنا منها هدية) بدل قول عبد الرحمن (ولكم هدية)

(2371) (1041) - (191) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالتْ: بَعَثَ إِليَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ. فَبَعَثْتُ إِلَى عَائِشَةَ مِنْهَا بِشَيءٍ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَائِشَةَ قَال: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ " قَالتْ: لَا. إلا أَن نُسَيبَةَ بَعَثَتْ إِلَينَا مِنَ الشاةِ الَّتِي بَعَثْتُمْ بِهَا إِلَيهَا. قَال: "إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث جويرية بحديث أم عطية رضي الله تعالى عنهما فقال: (2371) (1041) (191) (حدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية البصري (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري ثقة من (5) (عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية التابعية ثقة من (3) (عن أم عطية) نسيبة مصغرًا ومكبرًا بنت كعب الأنصارية الصحابية المدنية لها (40) حديثًا رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نسائي. (قالت) أم عطية: (بعث إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة من الصدقة) أي من الزكاة (فبعثت إلى عائشة) أم المؤمنين (منها) أي من لحمها (بشيء) قليل (فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى) بيت (عائشة قال) لها: (هل عندكم شيء) من طعام (قالت) له عائشة: (لا) أي ليس عندنا شيء من طعام تأكله (إلا أن نسيبة) بضم النون وفتح السين المهملة مصغرًا وبفتح النون وكسر السين مكبرًا كما مر آنفًا أي لكن أن نسيبة بنت كعب الأنصارية (بعثت إلينا من) لحم (الشاة التي بعثتم بها إليها) شيئًا إن كنت تأكله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها) أي إن تلك الشاة (قد بلغت) ووصلت (محلها) بفتح الميم وكسر الحاء أي المحل الذي تحل فيه الصدقة ورجعت إلينا هدية فالهدية حلال لنا فقرَّبيه إليَّ آكله. قال الحافظ: وفيه إشارة إلى أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهن

(2372) (1042) - (192) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامِ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمَّدٍ (وَهُوَ ابْنُ زَيادٍ) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ، سَألَ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصدقة كما حرمت عليه لأن عائشة قبلت هدية بريرة وأم عطية مع علمها بأنها صدقة عليهما وظنت الحكم بذلك عليها ولذلك لم تقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم لعلمها أنه لا تحل له الصدقة وأقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك الفهم ولكنه بين لها أن حكم الصدقة فيها قد تحول فحلت له صلى الله عليه وسلم أيضًا ثم قال: استشكلت قصة عائشة في حديث أم عطية مع حديثها في قصة بريرة لأن شأنهما واحد وقد أعلمها النبي صلى الله عليه وسلم في كل منهما بما حاصله أن الصدقة إذا قبضها من يحل له أخذها ثم تصرف فيها زال عنها حكم الصدقة وجاز لمن حرمت عليه أن يتناول منها إذا أهديت له أو بيعت فلو تقدمت إحدى القصتين على الأخرى لأغنى عن إعادة ذكر الحكم ويبعد أن تقع القصتان دفعةً واحدة اهـ ما قاله في الفتح. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد (6/ 107 - 108) والبخاري (1446). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2372) (1042) (192) (حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري صدوق من (10) (حدثنا الربيع يعني ابن مسلم) الجُمَحِي أبو بكر البصري ثقة من (7) (عن محمد وهو ابن زياد) الجُمَحِي مولاهم أبي الحارث البصري ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة. (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أُتي بطعام) ليأكله زاد أحمد وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد: (من غير أهله) (سأل عنه) أي عن مأخذ ذلك الطعام، فيه استعمال الورع والفحص عن أصل المآكل والمشارب (فإن قيل): هو

هَدِيَّةٌ. أَكَلَ مِنْهَا. وَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ. لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا. (2373) (1043) - (193) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (هدية) لك (أكل منها) أي من تلك الهدية (وإن قيل صدقة لم يأكل منها) قوله: (فإن قيل: هدية أكل منها) الخ لأن الهدية وسيلة الألفة والود كما يدل عليه حديث (تهادوا تحابوا) (وإن قيل له هو صدقة) لم يأكل منها لأنها ليست مثل الهدية لأن المتصدق لا يتوسل بصدقته إلا إلى ثواب الآخرة ولا يعطيه إلا للهِ سبحانه وتعالى فيدعو له المتصدق عليه ففيها عز المعطي وذل الآخذ ولا كذلك الهدية فإن المهدي قد يتوسل بهديته إلى مجرد ازدياد المحبة فمن شأن الهدية مكافأتها بالعوض في الدنيا فكان صلى الله عليه وسلم كما في حديث البخاري (يأخذ الهدية ويثيب عليها) أي يعطي عوضها فلا يكون فيها منة ألبتة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في روايته أحمد فقط (2/ 492) وانفرد به عن أصحاب الأمهات. قال القرطبي: وكونه صلى الله عليه وسلم يسأل عن الطعام هل هو صدقة أو هدية؟ يدل على أن للمتقي أن يسأل عما خفي عليه من أحوال الهدية والمهدي حتى يكون على بصيرة من أمره لكن هذا ما لم يؤذ المهدي والمطعم فإن أدى إلى ذلك فالأولى ترك السؤال إلا عند الريبة وهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يأكل صدقة التطوع كما كان لا يأكل صدقة الواجب وأنها لا تحل له كما قدمنا اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عبد الله ن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: (2373) (1043) (193) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال يحيى: أخبرنا وكيع) الكوفي (عن شعبة) البصري (عن عمرو بن مرة) المرادي الكوفي (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبا إبراهيم الكوفي الصحابي رضي الله عنه شهد بيعة الرضوان وقد عُمِّرَ بعد النبي صلى الله عليه وسلم سكن

ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرو (وَهُوَ ابْنُ مُرَّةَ). حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَال: "اللَّهُمَّ! صَلِّ عَلَيهِمْ" فَأَتَاهُ أَبِي، أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَقَال: "اللَّهُمَّ! صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفة وابتنى بها دارًا في أسلم وهو آخر من مات بها من الصحابة سنة (86) ست وثمانين. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد بصري أو ثلاثة كوفيون وواحد بصري وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو مروزي. (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) البصري (واللفظ له حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (عن شعبة عن عمرو وهو ابن مرة) بن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي تابعي صغير لم يسمع من الصحابة إلا من ابن أبي أوفى قال شعبة: كان لا يدلس (حدثنا عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) دائمًا (إذا أتاه) أي جاءه (قوم) من المسلمين (بصدقتهم) أي بزكاتهم (قال: اللهم صل عليهم) أي اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم في أنفسهم وأموالهم (فأتاه) صلى الله عليه وسلم (أبي) أي والدي (أبو أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي (بصدقته) أي بزكاته (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء له: (اللهم صل على آل أبي أوفى) أي اغفر لهم وارحمهم أو المراد أبو أوفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء كما في حديث أبي موسى (لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود) والمراد نفس داود وقيل: لا يقال هذا إلا في حق الرجل الجليل القدر وقيل: عليه وعلى أتباعه وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأن صلاته سكن لهم قال النواوي: وهذا الدعاء وهو الصلاة امتثال لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيهِمْ} ويكره لنا كراهة تنزيه إفراد الصلاة على غير الأنبياء لأنه صار شعارًا لهم إذا ذكروا ويذكر غيرهم بالرضا والرحمة والغفران والصلاة على غير الأنبياء استقلالًا لم تكن من الأمر المعروف وإنما أحدثت في دولة بني هاشم وقال الشيخ أبو محمد الجويني من الشافعية: أما السلام فحكمه حكم الصلاة فلا يفرد به غير الأنبياء لأن الله تعالى قرن بينهما فلا يفرد به غائب ولا يقال: قال فلان - عليه السلام - وأما المخاطبة لحي أو ميت فسنة فيقال: السلام عليكم أو عليك أو سلام عليك أو عليكم والله أعلم واستدل بهذا الحديث على

(2374) (0) (0) وحدّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "صَلِّ عَلَيهِمْ". (2375) (1044) - (194) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثِ وَأَبُو خَالِدِ الأحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ أَبِي عَدِيِّ وَعَبْدُ الأعلَى. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ استحباب دعاء آخذ الزكاة لمعطيها وأوجبه بعض أهل الظاهر وتعقب بأنه لو كان واجبًا لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم السعاة واستحب الشافعي في صفة الدعاء أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورًا وبارك لك فيما أبقيت والله أعلم اهـ من النواوي بتصرف وزيادة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 353 و 355) والبخاري (1497) وأبو داود (1590) والنسائي (2/ 152). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (2374) (0) (0) (وحدثناه) محمد (بن نمير حدثنا عبد الله بن إدريس) الأودي الكوفي (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن ابن مرة عن ابن أبي أوفى غرضه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لوكيع ومعاذ بن معاذ (غير أنه) أي غير أن عبد الله (قال) في روايته: (صلِّ عليهم) بضمير الجمع. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه فقال: (2375) (1044) (194) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي ثقة من (7) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي (وأبو خالد الأحمر) الأزدي سليمان بن حَيّان الكوفي صدوق من (8) (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (و) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (وعبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري وهما معطوفان على عبد الوهاب أي حدثنا ابن المثنى عن عبد الوهاب وعن ابن أبي عدي وعن عبد الأعلى (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة يعني هشيمًا وأبا خالد الأحمر وعبد

عَنْ دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَتَاكُمُ الْمُصَدِّقُ فَلْيَصْدُرْ عَنْكُمْ وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الوهاب وابن أبي عدي وعبد الأعلى رووا (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري أبي بكر البصري ثقة من (5) (ح وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (واللفظ له) أي لزهير (قال) زهير: (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية البصري (أخبرنا داود) بن أبي هند (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ثقة من (3) (عن جرير بن عبد الله) البجلي الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه وهذه الأسانيد كلها من خماسياته (قال) جرير: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم) أي جاءكم يا أرباب الأموال (المصدِّقُ) بكسر الدال المشددة على صيغة اسم الفاعل أي الساعي وهو الذي يأخذ الصدقات عمن وجبت عليه بنصب الإمام له (فليصدر) بضم الدال أي فليرجع (عنكم وهو) أي والحال أن المصدِّق (عنكم راض) أي راض عنكم لا غضبان عليكم بأداء الواجب الكامل السليم والجملة الاسمية حال من فاعل يصدر قال الطيبي: ذكر المسبب وأراد السبب وفي الحقيقة أمر للمزكي بإرضاء العامل والمعنى تلقوه بالترحيب وأداء زكاة أموالكم ليرجع منكم راضيا وإنما عدل إلى هذه الصيغة مبالغة في استرضاء المصدق وإن ظلم كما في سنن أبي داود قال (أرضوا مصدقيكم وإن ظلمتم) أي وإن اعتقدتم أنكم مظلومون بسبب حبكم أموالكم ولم يرد أنهم وإن كانوا مظلومين حقيقة يجب إرضائهم قال عياض: فيه الحض على طاعة الأمراء وترك مخالفتهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 362) وأبو داود (1589) والنسائي (5/ 31). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول: حديث جويرية ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدةً. والثاني: حديث أنس ذكره للاستشهاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات. والرابع: حديث أم عطية ذكره للاستشهاد. والخامس: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة. والسادس: حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة. والسابع: حديث جرير ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

كتاب الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم (4) - كتاب الصيام ـــــــــــــــــــــــــــــ (4) - كتاب الصيام والصوم والصيام مصدران لصام الأجوف الواوي يقال: صام يصوم صومًا وصيامًا وهو لغة: الإمساك ولو عن نحو الكلام ومنه قوله تعالى حكاية عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي إمساكًا عن الكلام ومنه أيضًا قول الشاعر: - خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما فقوله: صيام أي ممسكة عن الكر والفر وقوله: غير صائمة أي غير ممسكة عن الكر والفر بل تكر وتفر تحت العجاج أي الغبار الذي ينعقد فوق المقاتلين من آثار الحرب وأخرى تعلك اللجما أي مهيأة للقتال عليها عند الاحتياج إليها وشرعًا: إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص بشرطه وهذه القيود تحتاج إلى تفصيل يذكر في كتب الفقه وأما حده على مذهب مالك فهو إمساك جميع أجزاء اليوم عن أمور مخصوصة بنية موقعة قبل الفجر وقدمه على الحج لأنه أفضل منه ولهذا قدم عليه في حديث (بني الإسلام على خمس) وقيل: الحج أفضل منه لأنه وظيفة العمر ولأنه يكفر الكبائر والصغائر وعلى هذا فتقديم الصوم عليه لكثرة أفراد من يجب عليه الصوم بالنسبة لأفراد من يجب عليه الحج وأصل الصوم من الشرائع القديمة وأما بهذه الكيفية فمن خصوصيات هذا الأمة قال في الإيضاح: واعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين وأوثق قوانين الشرع المتين به قهر النفس الأمارة بالسوء وأنه مركب من أعمال القلب ومن المنع من المآكل والمشارب والمناكح عامة يومه وهو أجمل الخصال غير أنه أشق التكاليف على النفوس فاقتضت الحكمة الإلهية أن يبدأ في التكاليف بالأخف وهو الصلاة تمرينًا للمكلف ورياضة له ثم يثني بالوسط وهو الزكاة ويثلث بالأشق وهو الصوم وإليه وقعت الإشارة في مقام المدح والترتيب في قوله تعالى: {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} وفي ذكر مباني الإسلام في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان) فاقتدت أئمة الشريعة في مصنفاتهم بذلك اهـ

438 - (56) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لروية الهلال فإن غم تكمل العدة ثلاثين يوما

438 - (56) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال فإن كم تكمل العدة ثلاثين يومًا (2376) (1045) - (195) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ أَبِي سُهَيل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِذَا جَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفرض في شعبان السنة الثانية من الهجرة فصام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات واحدًا كاملًا وثمانية نواقص ولعل الحكمة في ذلك تطمين نفوس من يصومه ناقصًا من أمته والتنبيه على مساواة الناقص للكامل من حيث الثواب المترتب على أصل صوم رمضان لا من حيث ما زاد به الكامل على الناقص من صوم اليوم الزائد وفطره وسحوره فإن ذلك أمر يفوق به الكامل على الناقص والأصل في وجوبه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ} أي فرض وقوله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس إلى أن قال: وصوم رمضان) وهو معلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده إلا إن كان قريب عهد بالإسلام أو نشا بعيدًا عن العلماء ومن تركه غير جاحد لوجوبه من غير عذر حبس ومنع من الطعام والشراب نهارًا ليحصل له بصورة الصوم وربما حمله ذلك على أن ينويه فيحصل له حينئذ حقيقته والله سبحانه وتعالى أعلم. 438 - (56) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لروية الهلال فإن غم تكمل العدة ثلاثين يومًا (2376) (1045) (195) (حدثنا يحيى بن أبوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي ثقة من (10) (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) عليُّ (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي ثقة من (9) (قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) (عن أبي سهيل) نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني عم مالك بن أنس حليف بني تيم من قريش ثقة من (4) (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي أبي أنس المدني جد مالك الإمام الفقيه ثقة من (2) الثانية (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي وفيه التحديت والعنعنة والمقارنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء)

رَمَضَانُ فُتحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شهر (رمضان) فيه دليل على جواز أن يقال: رمضان من غير ذكر شهر بلا كراهة ونُقِلَ عن أصحاب مالك الكراهة وعن ابن الباقلاني منهم وكثير من الشافعية: إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا يكره والجمهور على الجواز وتمسك المانعون بحديث ضعيف عن أبي هريرة مرفوعًا (لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان) أخرجه ابن عدي في الكامل وضعفه لأنه حديث أبي معشر نجيح وهو ضعيف. قال النواوي: وأسماء الله تعالى توقيفية لا تثبت إلَّا بدليل صحيح ولو ثبت أنَّه اسم لم يلزم منه كراهة اهـ. قال ابن عابدين: وعامة المشايخ على أنَّه لا يكره لمجيئه في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) وقوله: (عمرة في رمضان تعدل حجة) ولم يثبت في المشاهير كونه من أسمائه تعالى ولئن ثبت فهو من الأسماء المشتركة كالحكيم كذا في الدراية اهـ. قال القرطبي: (ورمضان) مأخوذ من رمض الصائم يرمض من باب تعب إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء شدة الحر. قاله: أبو عبيد الهروي. وفي المواهب وشرحه: اعلم أن لفظ رمضان مشتق من الرمض بفتح الميم قال في المصباح: يقال: رمض يومنا يرمض رمضًا من باب تعب وهو شدة الحر لأن العرب لما أرادوا أن يضعوا أسماء الشهور وافق أن هذا المذكور شديد الحر فسموه بذلك لموافقة الوضع الأزمنة فقالوا: رمضان ثم كثر حتَّى استعملوها في الأهلة وإن لم توافق ذلك الزمن كما سمي الربيعان لموافقتهما زمن الربيع وذلك حين أربعت الأرض أو لأنه يرمض بفتح الميم الذنوب أي يحرقها وهو ضعيف لأن التسمية به ثابتة قبل الشرع الَّذي عرف منه أنَّه يرمض الذنوب قال القاري: رمضان إن صح أنَّه من أسماء الله تعالى فغير مشتق أو راجع إلى معنى الغافر أي يمحو الذنوب ويمحقها اهـ فتح. (فتحت أبواب الجنّة وغلقت أبواب النار) ظاهر كلام الشارح التشديد فيهما وقال ابن الملك: روى بالتشديد والتخفيف فيهما لكن التخفيف أكثر رواية والتشديد أبلغ في المعنى وفي تجويزه التخفيف في لفظة (غلقت) نظر فإن أهل اللغة قالوا: ولا أقول لقدر القوم قد غليت ... ولا أقول لباب الدار مغلوق

وَصُفِّدَتِ الشيَاطِينُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاري: (فتحت) بالتخفيف وهو أكثر كما في التنزيل وبالتشديد لتكثير المفعول فتحت أبواب الجنّة أي تقريبًا للرحمة إلى العباد وهذا يدل على أن أبواب الجنّة كانت مغلقة ولا ينافيه قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} إذ ذلك لا يقتضي دوام كونها مفتحة لهم الأبواب اهـ. قوله: (وغلقت أبواب النار) قال القاري: غلِّقت بالتشديد أكثر قال السندي: غلِّقت أي تبعيدًا للعقاب عن العباد وهذا يقتضي أن أبواب النار كانت مفتوحة ولا ينافيه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} لجواز أن هناك غلقًا قبيل ذلك وغلق أبواب النار لا ينافي موت الكفرة في رمضان وتعذيبهم بالنار فيه إذ يكفي في عذابهم فتح باب صغير من القبر إلى النار غير الأبواب المعهودة الكبار اهـ. (وصفِّدت الشياطين) بالمهملة المضمومة بعدها فاء مشددة مكسورة أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهي الآلة التي تعقل بها اليدان والرجلان وهو بمعنى (سلسلت) في الرواية الأخرى. وفي الفتح: قال عياض: يحتمل أن الحديث على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين ويحتمل أن يكون إشارةَ إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين قال: ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن الزهري عند مسلم (فتحت أبواب الرحمة) قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنّة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنّة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآئلة بأصحابها إلى النار وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات قال الزين ابن المنير: والأول أوجه ولا ضرورة إلى صرف اللفظ عن ظاهره اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: قوله: (فتحت أبواب الجنّة) الخ بتخفيف التاء وتشديدها يصح حمل هذا الحديث على الحقيقة ويكون معناه أن الجنّة قد فتحت وزخرفت لمن مات في شهر رمضان لفضيلة هذه العبادة الواقعة فيه وغلقت عنهم أبواب النار فلا يدخلها منهم أحد مات فيه وصفدت الشياطين أي غلت وقيدت والصفد الغل وذلك لئلا تفسد الشياطين

(2377) (0) (0) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَنَسٍ؛ أَن أَبَاهُ حدَّثَهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ على الصائمين فإن قيل: فنرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرًا فلو كانت الشياطين مصفدة لما وقع شر فالجواب من أوجه أحدها: إنما تغل عن الصائمين الصوم الَّذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه أما من لم يحافظ عليه فلا يغل عن فاعله الشيطان والثاني: أنَّا لو سلَّمنا أنها صُفِّدَت عن كل صائم لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين أن لا يقع شر لأن لوقوع الشر أسبابًا أخر غير الشياطين وهي النفوس الخبيثة والعادات الركيكة والشياطين الإنسية والثالث: أن يكون هذا الإخبار عن غالب الشياطين والمردة منهم وأن من ليس من المردة فقد لا يصفد والمقصود تقليل الشرور وهذا موجود في شهر رمضان لأن وقوع الشرور والفواحش فيها قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور وقِيل: إن فتح أبواب الجنّة وإغلاق أبواب النار علامة على دخول هذا الشهر العظيم للملائكة وأهل الجنّة حتَّى يستشعروا عظمة هذا الشهر وجلالته ويحتمل أن يقال: إن هذه الأبواب المفتحة في هذا الشهر هي ما شرع الله فيه من العبادات والأذكار والصلوات والتلاوة إذ هي كلها تؤدي إلى فتح أبواب الجنّة للعاملين فيه وغلق أبواب النار عنهم وتصفيد الشياطين عبارة عن كسر شهوات النفوس التي بسببها تتوصل الشياطين إلى الإغواء والإضلال ويشهد لهذا (الصوم جُنَّة) رواه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من حديث عثمان بن أبي العاص وقوله: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 357) والبخاري (1898). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2377). (0) (0) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن أبي أنس) هو أبو سهيل المذكور في السند الأول نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني شيخ إسماعيل بن جعفر وهو من صغار شيوخ الزهري بحيث أدركه تلامذة الزهري وهو أصغر منهم كإسماعيل بن جعفر وهذا الإسناد يعد من رواية الأقران وقد تأخر أبو سهيل في الوفاة عن الزهري (أن أباه) أي أن أبا ابن أبي أنس وهو مالك بن أبي عامر (حدَّثه).

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". (2378) (0) (0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم وَالْحُلْوَانِي قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي نَافِعُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ؛ أَنْ أَبَاهُ حدَّثَهُ؛ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَان" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة ابن شهاب لإسماعيل بن جعفر في الرواية عن أبي سهيل. (أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة) وفتح أبواب الرحمة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عمومًا كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنّة وفتح أبواب لها وهي بمعنى رواية (فتحت أبواب الجنّة) (وكلِّقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين) أي قيدت بالسلاسل وهو بمعنى صفدت. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2378) (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي صدوق من (10) (و) حسن بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) المكي ثقة من (11) (قالا: حَدَّثَنَا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد الزهري أبو يوسف المدني ثقة من (9) (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني ثقة من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم أبي الحارث المدني ثقة من (4) (عن ابن شهاب حدثني) أبو سهيل (نافع بن) مالك (أبي أنس) بن أبي عامر الأصبحي المدني (أن أباه) أبا أنس مالك بن أبي عامر (حدثه أنَّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان). وهذا السند من ثمانياته غرضه بسوقه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد

بِمِثْلِهِ. (2379) (1046) - (196) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَال: "لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَال. وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب وساق صالح بن كيسان. (بمثله) أي بمثل حديث يونس. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2379) (1046) (196) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (ذكر رمضان) أي ذكر حكم صوم رمضان بداية ونهاية (فقال: لا تصوموا) رمضان (حتَّى تروا الهلال) أي هلال شهر رمضان والهلال هو القمر أول استهلاله (ولا تفطروا) من صوم رمضان (حتَّى تروه) أي حتَّى تروا هلال شوال هذا في أيام الصحو فإن رؤي هلال رمضان يجب الصوم سواء كمل شعبان ثلاثين يومًا أم لا وإن رؤي هلال شوال وجب الفطر سواء كمل رمضان ثلاثين أم لا هذا إذا لم يستتر الهلال بالغيم ونحوه (فإن أغمي عليكم) أي فإن حيل الهلال وستر عنكم أي حال دون رؤيته غيم أو قترة وأُغمي بضم أوله على صيغة المبني للمجهول وفيه ضمير يعود على الهلال سواء كان الهلال هلال رمضان أو شوال أي فإن خفي عليكم الهلال بعد تسعة وعشرين (فاقدروا له) أي قذروا للهلال عدد الشهر حتَّى تكملوه ثلاثين فلا تصوموا ولا تفطروا إلَّا بعد كمال ثلاثين يومًا. قال القرطبي: (قوله: فإن أغمي عليكم) إلخ في أغمي ضمير يعود على الهلال فهو المغمى عليه لا الناظرون وتقديره فإن أغمي الهلال عليكم وأصل الإغماء التغطية والغم ومنه المغمى عليه كأنه غطي عقله عن مصالحه ويقال أغْمِي الهلال وغفي مشدد الميم وكلاهما مبني لما لم يسمَّ فاعله ويقال أيضًا: غم مبنيًّا لما لم يسم فاعله مشددًا وكذلك

(2380) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ جاءت رواية أبي هريرة فعلى هذا يقال أغمى وغمي مخففًا ومشددًا رباعيًّا وثلاثيًّا وغم فهي أربع لغات ويقال: قد غامت السماء تَغِيمُ غيمومة فهي غائمة وغيمة وأغامت وتغيمت وغَيَّمت وأغَمَّتْ وغمت وفي حديث أبي هريرة (فإن غمِّي) أي خفي يقال: غَمِيَ عليَّ الخبر أي خفي وقيل: هو مأخوذ من الغماء وهو السحاب الرقيق وقد وقع للبخاري (غبي) بالباء وفتح الغين أي خفي ومنه الغباوة. وقوله: (فاقدروا له) أي قدروا تمام الشهر بالعدد ثلاثين يومًا يقال: قدرت الشيء أقدره بالضم وأقدره بالكسر من بابي نصر وضرب بمعنى قدرته بالتشديد وهذا مذهب الجمهور في معنى الحديث وقد دل على صحته ما رواه أبو هريرة مكان (فاقدروا له فأكملوا العدة ثلاثين) وهذا الحديث حجة على من حمل (فاقدروا له) على معنى تقدير المنازل القمرية واعتبار حسابها وإليه صار ابن قتيبة من اللغويين ومطرف بن عبد الله بن الشخير من كبراء التابعين ومن الحجة أيضًا على هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) فألْغَى الحساب ولم يجعله طريقأ لذلك لأن الناس لو كلفوا به لضاق عليهم الأمر لأنه لا يعرفه إلَّا أفراد من الناس اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري (1907) فقط. وقوله: (حتَّى تروا الهلال) ليس المراد تعليق الصوم بالرؤية في حق كل أحد بل المراد بذلك رؤية بعضهم وهو من يثبت به ذلك إما واحد على رأي الجمهور أو اثنان على رأي آخرين ووافق الحنفية على الأول إلَّا أنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علة من غيم وغيره وإلا فمتى كان صحو فلا يقبل إلَّا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم لبعد خفائه عما سوى الواحد اهـ فتح. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2380) (0) (0) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ. فَضَرَبَ بِيَدَيهِ فَقَال: "الشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا (ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ في الثَّالِثَةِ) فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ. وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فضرب بيديه) أي حركهما أو وضع كفيه إحداهما على الأخرى كما في روايتي (وصفق بيديه) (وطبَّق بيديه) كما سيأتي (فقال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا) ثلاث مرات (ثم عقد إبهامه) أي قبضها ولم يبسطها مع الأخرى أي قبض إحدى إبهاميه (في) المرة (الثالثة) إشارة إلى أنَّه يكون الشهر تسعًا وعشرين ومعنى (هكذا) يعني مد يديه جميعًا مشيرًا بالعشر أصابع اهـ أبي. وقوله: (الشهر هكذا) الخ أشار النبي صلى الله عليه وسلم بنشر أصابعه الكريمة العشر ثلاث مرات إلى عدد أيام الشهر ثم عقد إحدى إبهاميه في المرة الثالثة إشارة إلى نقصان واحد من أيامه الثلاثين فصارت الجملة تسعة وعشرين أراد أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين لا أن كل شهر يكون كذا والحاصل أن العبرة بالهلال فتارة يكون ثلاثين وتارة تسعة وعشرين وقد لا يرى فيجب إكمال العدد ثلاثين وقد يقع النقص متواليًا في شهرين وثلاثة ولا يقع في أكثر من أربعة أشهر هـ قسطلاني فقوله: (الشهر) مبتدأ خبره ما بعده بالربط بعد العطف أي أشار أولًا بأصابع يديه العشر جميعًا مرتين وقبض الإبهام في المرة الثالثة وهذا هو المعبر عنه بفوله في الرواية الأخرى (تسع وعشرون) وفي هذا الحديث جواز الاعتماد على الإشارة المفهمة في مثل هذا (فصوموا) أي انووا الصيام وبيتوا على ذلك أو صوموا إذا دخل وقت الصيام وهو من فجر الغد (لرؤيته) الضمير للهلال وإن لم يسبق له ذكر لدلالة السياق عليه واللام للتوقيت كهي في قوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي وقت دلوكها وزوالها وقال ابن مالك وابن هشام: بمعنى بعد أي بعد زواله وبعد رؤية الهلال (وأفطروا لروبته) بهمزة قطع (فإن أغمي) وفي رواية البخاري (غبي عليكم) بضم العين المعجمة وتشديد الموحدة المكسورة أي خفي وحيل (عليكم) أي عنكم (فاقدروا له) أي قدروا لشهر شعبان (ثلاثين) أي تمام ثلاثين يومًا. قال القرطبي: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) يقتضي لزوم حكم الصوم والفطر لمن صحت له الرؤية سواء شورك في رؤيته أو انفرد بها وهو مذهب الجمهور وذهب عطاء وإسحاق إلى أنَّه لا يلزمه حكم شيء من ذلك إذا انفرد بالرؤية وهذا الحديث رد عليهما.

(2381) (0) (0) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "فَإِنْ غُمِّ عَلَيكُمْ فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ" نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. (2382) (0) (0) وحدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَقَال: "الشهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. الشهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2381) (0) (0) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي أسامة (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (و) لكن (قال) عبد الله بن نمير في روايته: (فإن غم) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي خفي الهلال (عليكم) بدل (أغمي عليكم) وقال: (فاقدروا) الشهر (ثلاثين) بحذف له وساق عبد الله بن نمير باقي الحديث (نحو حديث أبي أسامة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2382) (0) (0) (وحدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري أبو قدامة النيسابوري ثقة من (10) (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري ثقة من (9) (عن عبيد الله) بن عمر غرضه بيان متابعة يحيى القطان لأبي أسامة. (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (و) لكن (قال) يحيى القطان في روايته: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون) يعني يكون الشهر ناقصًا (الشهر هكذا وهكذا وهكذا) ثلاث مرات يعني يكون الشهر كاملًا يعني أنَّه قال: الشهر يكون هكذا وهكذا وهكذا يعني مثل عدد هذه الأصابع العشر المكررة ثلاث مرات ومعنى (هكذا) يعني مد يديه جميعًا مشيرًا بالعشر أصابع اهـ أبي. قال الأبي: اختلفت الأحاديث في التعبير عن عدد أيام الشهر فترجع كلها إلى أن الشهر يكون من تسعة وعشرين ومن ثلاثين وكونه تسعة وعشرين عبر عنه مرة بلفظ (تسعة وعشرين) ومرة بالإشارة التي ترجع إلى تسعة وعشرين كقوله (وقبض) في الصِّفَة الثالثة إبهامه وكقوله: (وخنس) بالخاء المعجمة والنون أي عطفه ولم يتركه منشورًا وهو أحسن

وَقَال: "فَاقْدُرُوا لَهُ" وَلَمْ يَقُلْ: "ثَلَاثِينَ". (2383) (0) (0) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ. وَلَا تُفْطِرُوا حَتى تَرَوْهُ. فَإنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من رواية (حبس) بالحاء المهملة والباء الموحدة قال القاضي عياض: وكل الروايات مخالف لقول عقبة (أحسبه قال: الشهر ثلاثون وطبَّق كفيه ثلاث مرات). وأصح الروايات وأثبتها رواية سعيد بن عمرو عن ابن عمر وفي الرابعة عشر قبيل الآخر قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين وكثير منها لم يقع فيه هذا البيان وقوله في رواية موسى بن طلحة وهي الحادية عشرة هكذا وهكذا عشرًا وتسعًا كذا لجميعهم وللسمرقندي (عشرًا وعشرًا وتسعًا) وهو الصواب قال النواوي: والمعتبر في عدد أيام الشهر الهلال فَقَدْ يُرَى ليلة تسع وعشرين فيكون ناقصًا وقد لا يرى فيكمل العدد ثلاثين وقد يتوالى النقص في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يكون في أكثر من أربعة اهـ. (و) لكن (قال) يحيى في روايته فإن أغمى عليكم (فاقدروا له) أي للشهر تمام ثلاثين (ولم يقل) يحيى لفظة: (ثلاثين). ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: (2383) (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل) بن علية الأسدي البصري من (8) (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله. (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتَّى تروه) أي حتَّى تروا هلال رمضان أو يكمل شعبان ثلاثين يومًا (ولا تفطروا حتَّى تروه) أي حتَّى تروا هلال شوال أو يكمل رمضان ثلاثين يومًا (فإن غم عليكم) الهلال أي ستر عنكم بالغمام ونحوه (فاقدروا له) أي للشهر تمامه قال القاضي: معناه عند الجمهور فقدروا تمام الشهر بالعدد ثلاثين يومًا وقال بعض العلماء: قدروا له

(2384) (0) (0) وحدَّثني حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِي. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا سَلَمَة (وَهُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الشهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. فَإِذَا رَأَيتُمُ الْهِلَال فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ تمامه بحساب المنجمين والأول أنسب لسهولة الشريعة وعدم التكلف. قوله: (إنما الشهر تسع وعشرون) قال الحافظ: ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنَّه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين والجواب إن المعنى إن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب لقول ابن مسعود: (ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين) أخرجه أبو داود والترمذي ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد ويؤيد الأول قوله في حديث أم سلمة في الباب (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا). وقال ابن العربي: قوله: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا) الخ معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنَّه يكون تسعًا وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطًا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفًا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداءَ وانتهاءًا باستهلاله اهـ فتح. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديثه خامسًا فقال: (2384) (0) (0) (وحدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك (الباهلي) السامي بمهملة أبو علي البصري صدوق من (15) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا سلمة وهو ابن علقمة) التميمي أبو بشر البصري ثقة من (6) روى عنه في (2) (عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة علقمة لمن روى عن نافع. (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهر) أي أغلبه لحديث ابن مسعود السابق أو المعهود (تسع وعشرون) يومًا أي يكون تسعًا وعشرين كما يكون ثلاثين (فإذا رأيتم الهلال) أي هلال رمضان (فصوموا وإذا رأيتموه) أي هلال شوال (فافطروا) من

فَإِنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". (2385) (0) (0) حدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا رَأَيتُمُوهُ فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". (2386) (0) (0) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عبد الله بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوم (فإن غم عليكم) الهلال (فاقدروا له) أي للشهر تمامه ثلاثين يومًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2385) (0) (0) (حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال): وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سالم لنافع في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمر. (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له) تمام ثلاثين. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا فقال: (2386) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن عبد الله بن دينار) العدويِّ مولاهم المدني (أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال). وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع وسالم في الرواية عن عبد الله بن عمر.

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيلَةً. لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ. وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ. إِلا أَنْ يُغَمَّ عَلَيكُمْ. فَإِنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". (2387) (0) (0) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا" وَقَبَضَ إِبْهَامَة في الثَّالِثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهر تسع وعشرون ليلة لا تصوموا حتَّى تروه ولا تفطروا حتَّى تروه إلَّا أن يغم) الهلال (عليكم) أي يستر عنكم بالغمام (فإن كم عليكم) أي ستر عنكم (فاقدروا له) أي قدروا للشهر تمام ثلاثين يومًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: (2387) (0) (0) (حَدَّثَنَا هارون بن عبد الله) بن مروان أبو موسى المعروف بالحمال (حَدَّثَنَا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي أبو محمد البصري ثقة من (9) (حَدَّثَنَا زكرياء بن إسحاق) المكي ثقة من (6) (حَدَّثَنَا عمرو بن دينار) الجمحي مولاهم أبو محمد المكي ثقة من (4) (أنه سمع) عبد الله (بن عمر رضي الله عنهما يقول). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لمن روى عن ابن عمر. (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وقبض إبهامه) من إحدى يديه ولم يبين أنها إبهام اليمنى أو اليسرى وسيأتي أنَّه شاك فيها اهـ من بعض الهوامش. (في) المرة (الثالثة) يعني يكون الشهر تسعًا وعشرين ليلة قال القاضي عياض: وفي أحاديث الإشارة هذه الإرشاد إلى تقريب الأشياء بالتمثيل وهو الَّذي قصد صلى الله عليه وسلم ولم يصنع ذلك لأجل ما وصفهم به من الأمية لا يحسبون ولا يكتبون لأنهم لا

(2388) (0) (0) وحدَّثني حَجَّاجُ بْنُ الشاعِرِ. حَدَّثَنَا حَسَنْ الأشَيَبُ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ يَحْيَى. قَال: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الشهْرُ تِسْعٌ وَعِشرُونَ". (2389) (0) (0) وحدَّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكائِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يجهلون الثلاثين والتسع والعشرين مع أن التعبير عنهما باللفظ أخف من الإشارة المكررة وإنما وصفهم بذلك سدًّا لباب الاعتداد بحساب المنجمين الَّذي تعتمده العجم في صومها وفطرها وفصولها وفي هذه الأحاديث أيضًا اعتبارُ الإشارة في الأحكام وأنها بمنزلة النطق في الطلاق والبيع والوصايا وغير ذلك وفيها صحة طلاق الأبكم وإقراره وشهادته للقذف إذا فهم منه القذف نص على جميع ذلك في المدونة اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف المتابعة تاسعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2388) (0) (0) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف ب (ط بن الشاعر) ثقة من (11) (حَدَّثَنَا حسن) بن موسى البغدادي أبو علي (الأشيب) بمعجمة ثم تحتانية قاضي حمص وطبرستان والموصل ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن يحيى) بن سعيد بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (قال) يحيى بن سعيد أخبرني غير أبي سلمة: (وأخبرني) أيضًا (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (3) (أنَّه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لمن روى عن ابن عمر: (الشهر) أي أغلبه (تسع وعشرون) ليلة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2389) (0) (0) (وحدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري ثقة من (15) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا زياد بن عبد الله) بن الطفيل العامري (البكائي) بفتح الباء الموحدة وتشديد الكاف نسبة إلى البكَّاء وهو ربيعة بن عامر أبو

عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا. عَشْرًا وَعَشْرًا وَتِسْعًا". (2390) (0) (0) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا" وَصَفَّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد الكوفي صدوق من (8) روى عنه في (2) بابين (عن عبد الملك بن عمير) بن سويد اللخمي أبي عامر الكوفي ثقة فقيه تغير حفظه من (3) روى عنه في (15) بابا (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبي عيسى المدني ثم الكوفي ثقة جليل من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة موسى لمن روى عن عبد الله بن عمر. (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا) يعني (عشرًا وعشرًا وتسعًا) فيكون تسعًا وعشرين وهذه رواية السمرقندي وهي الصواب ولغيره: (هكذا وهكذا وهكذا عشرًا وتسعًا) وهو تصحيف من بعض الرواة. ثم ذكر المؤلف المتابعة حادي عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2390) (0) (0) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (عن جبلة) بن سحيم بمهملتين مصغرًا التيمي ويقال: الشيباني من شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن وائل أبي سويرة الكوفي روى عن ابن عمر في الصوم والحج والأطعمة واللباس وغيرها ويروي عنه (ع) وشعبة وأبو إسحاق الشيباني والثوري ومسعر وعدة وثقه ابن معين وقال في التقريب: كوفي ثقة من الثالثة مات سنة (125) خمس وعشرين ومائة. (قال) جبلة: (سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول): وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مكي وواحد كوفي غرضه بيان متابعة جبلة لمن روى عن ابن عمر. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهر كدا وكذا وكدا وصفق) النبي صلى الله

بِيَدَيهِ مَرَّتَينِ بِكُلِّ أَصَابِعِهِمَا. وَنَقَصَ، في الصَّفْقَةِ الثَّالِثَةِ، إِبْهَامَ الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى. (2391) (0) (0) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ (وَهُوَ ابْنُ حُرَيثٍ) قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" وَطَبَّقَ شُعْبَةُ يَدَيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ. وَكَسَرَ الإِبْهَامَ في الثَّالِثَةِ. قَال عُقْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَال: "الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ" وَطَبَّقَ كَفيهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (بيديه) أي طبق وجمع بين كفيه من غير إرادة التصويت (مرتين) مشيرًا (بكل أصابعهما ونقص) أي قبض وعطف (في الصفقة الثالثة) أي في المرة الثالثة من التطبيق (إبهام) اليد (اليمنى أو) اليد (اليسرى) والشك من الراوي أو ممن دونه والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثاني عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2391) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عقبة وهو ابن حريث) التغلبي بمثناة الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مكي وواحد كوفي غرضه بيان متابعة عقبة لمن روى عن ابن عمر. (قال) عقبة: (سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهر تسع وعشرون) قال ابن جعفر: (وطبق شعبة) حكاية لتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم أي جمع شعبة (يديه) أي كفيه (ثلاث مرار) جمع مرة كمرات (وكسر) أي قبض (الإبهام في) المرة (الثالثة) إشارة إلى كون الشهر تسعًا وعشرين قال شعبة (قال عقبة) بن حريث: (وأحسبه) أي وأظن ابن عمر قال: (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر ثلاثون وطبق) أي جمع (كفيه) مشيرًا باصابعه العشر (ثلاث مرار). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثالث عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

(2392) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأسوَدِ بْنِ قَيسِ. قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُحدِّث، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّا أُمَةٌ أُمِّيَّةٌ. لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ. الشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا" وَعَقَدَ الإِبْهَامَ في الثَّالِثَةِ: "وَالشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا " ـــــــــــــــــــــــــــــ (2392) (0) (0) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا غندر) محمد بن جعفر الهذلي (عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن الأسود بن قيس) البجلي أبي قيس الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (4) أبواب (قال) الأسود: (سمعت سعيد بن عمرو بن سعيد) بن العاص الأموي أبا عثمان الكوفي ثقة من صغار الثالثة روى عنه في (2) بابين الوضوء والصوم (أنَّه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مكي أو ثلاثة كوفيون واثنان بصريان وواحد مكي غرضه بيان متابعة سعيد بن عمرو لمن روى عن ابن عمر وقد قدمنا أن أصح الروايات وأثبتها رواية سعيد بن عمرو أنَّه صلى الله عليه وسلم (قال: إنَّا) معاشر العرب (أُمة أمِّيَّة) أي منسوبة إلى الأم لبقائنا على الحالة التي ولدتنا عليها أمهاتنا من عدم معرفة الكتابة والقراءة وحساب النجوم كما فسره بقوله: (لا نكتب) أي لا نعرف الكتابة ولا نقرأها (ولا نحسب) بضم السين أي لا نعرف حساب النجوم وسيرها كالعجم من الفرس والروم والقبط وهذا المعنى هو المراد هنا أو أمة منسوبة إلى أم القرى لكونها وطننا والمعنى على الأول نحن معاشر العرب أمة أميَّة أي جماعة منسوبون إلى الأم باقون على ما ولدتنا عليه الأمهات في عدم معرفة الكتابة والقراءة والحساب فلذلك ما كلفنا الله سبحانه بحساب أهل النجوم بالشهور الشمسية الخفية بل كلفنا بالشهور القمرية الجلية لكنها مختلفة تكون مرة تسعًا وعشرين ومرة ثلالْين كما هو المشاهد وقد بينه صلى الله عليه وسلم بقوله: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام) أي قبضها (في) المرة (الثالثة) إشارة إلى أنَّه يكون تسعًا وعشرين وبقوله: (والشهر هكذا وهكذا وهكذا) مشيرًا

يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بأصابعه كلها (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة الأخيرة يكون الشهر (تمام ثلاثين) أي ثلاثين تامة كما بينه في كثير من الروايات فالعبرة حينئذ بالرؤية لا غير أفاده السندي في حاشيتة على النسائي وعلى الثاني نحن معاشر العرب أمة منسوبة إلى أم القرى وهي مكة أي أمة مكِّيَّة. وليس مرادًا هنا وقيل الأمي منسوب إلى أمة العرب كانوا غالبًا أميين لا يعرفون الكتابة ولا يقرأون من كتاب وعليه حمل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2] والنبي الأمي منسوب إليهم لكونه على عادتهم وفي البيضاوي في تفسير سورة الأعراف: وصفه تعالى به تنبيهًا على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته. وقوله: (لا نكتب ولا نحسب) بيان لقوله أميَّة قال ملَّا علي: وهذا الحكم بالنظر إلى أكثرهم أو المراد لا نحسن الكتابة والحساب فعلمنا يتعلق برؤية الهلال ونراه مرة تسعًا وعشرين ومرة ثلاثين وهذا معنى قوله (الشهر هكذا وهكذا وهكذا إلخ). قال الحافظ: (قوله: لا نكتب ولا نحسب) لأن الكتابة فيهم قليلة نادرة والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلَّا قليلًا أيضًا إلَّا النزر اليسير فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التَّسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا ويوضحه قوله في الحديث الماضي (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) ولم يقل: فسلوا أهل الحساب والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم وقد ذهب قوم إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم قال الباجي: وإجماع السلف الصالح حجة عليهم مع أنَّه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلَّا القليل اهـ. وعبارة القرطبي: قوله: (لا نكتب ولا نحسب) أي لم نكلف في تعرف مواقيت صومنا ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة وإنما ربطت عبادتنا باعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفة ذلك الحسَّاب وغيرهم ثم تمَّم هذا المعنى وكمّله حيث بينه بإشارته بيديه ولم يتلفظ بعبارة عنه نزولًا إلى ما يفهمه الخرس والعجم وحصل من إشارته بيديه ثلاث مرات أن الشهر يكون ثلاثين ومن خنسه إبهامه في الثالثة أن الشهر يكون تسعًا وعشرين كما قد نص عليه في الحديث الآخر وعلى هذا الحديث من نذر أن

(2393) (0) (0) وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ لِلشَّهْرِ الثَّانِي: ثَلَاثِينَ. (2394) (0) (0) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيادٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ. قَال: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَقُول: اللَّيلَةَ لَيلَةُ النِّصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يصوم شهرًا غير معين فله أن يصوم تسعًا وعشرين لأن ذلك يقال عليه شهر كما أن من نذر صلاة أجزأه من ذلك ركعتان لأنه أقل ما يصدق عليه الاسم وكذلك من نذر صومًا فصام يومًا أجزأه وهو خلاف ما ذهب إليه مالك فإنه قال لا يجزئه إذا صامه بالأيام إلَّا ثلاثون يومًا فإن صامه بالهلال فعل ما يكون ذلك الشهر من رؤية هلاله وفيه من الفقه أن يوم الشك محكوم له بأنه من شعبان وأنه لا يجوز صومه عن رمضان لأنه علق صوم رمضان بالرؤية ولم يحيى الهلال اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابع عشرها فقال: (2393) (0) (0) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة إمام من (7) (عن الأسود بن قيس) غرضه بيان متابعة سفيان لشعبة (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن عمرو عن ابن عمر (و) لكن (لم يذكر) سفيان اللشهر الثاني) تمام (ثلاثين) بل اقتصر على قوله: والشهر هكذا وهكذا وهكذا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 43 و 52) وأبو داود (9 231) والنسائي (5/ 139). ثم ذكر المؤلف المتابعة خامس عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2394) (0) (0) (حَدَّثَنَا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حَدَّثَنَا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (حَدَّثَنَا الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي الكوفي ثقة من (6) (عن سعد بن عبيدة) مصغرًا السلمي الكوفي ثقة من (3) (قال: سمع ابن عمر رضي الله عنهما رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (يقول): هذه (الليلة ليلة النصف) أي ليلة النصف من الشهر. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سعد بن عبيدة لمن روى.

فَقَال لَهُ: مَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّيلَةَ النِّصْفُ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا. (وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ مَرَّتَينِ) وَهكَذَا (في الثَّالِثَةِ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ كُلِّهَا وَحَبَسَ أَوْ خَنَسَ إِبْهَامَهُ) ". (2395) (1047) (197) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث عن ابن عمر (فقال) ابن عمر (له) أي للرجل القائل: (ما يدريك) ويعلمك أي أيُّ شيء أدراك وأعلمك (أن) هذه (الليلة النصف) أي ليلة النصف من الشهر وبأي حجة تقول ذلك والمعنى أنك لا تدري أن هذه الليلة النصف أم لا لأن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين وأنت أردت أن هذه الليلة ليلة اليوم الَّذي بتمامه يتم النصف وهذا إنما يصح على تقدير تمامه ولا تدري أنَّه تام أم لا وإنما قلت لك ذلك لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه العشر) إلى عدد أيام الشهر (مرتين) يعني أشار فيهما إلى عشرين يومًا (و) سمعته يقول (هكذا في) المرة (الثالثة) للمرتين (و) قد (أشار بأصابعه) العشر (كلها و) لكن (حبس) أي منع من البسط (أو) قال ابن عمر: (خنس) النبي صلى الله عليه وسلم أي قبض (إبهامه) والشك ممن روى عن ابن عمر فيما قاله من اللفظين قال الأبي: وخنس بالخاء المعجمة والنون أي عطفه ولم يتركه وهو أحسن من رواية (حبه) بالحاء المهملة والباء الموحدة اهـ منه. وقوله: (وأشار بأصابعه كلها) وفي بعض النسخ (وأشار أصابعه كلها) فتكون الإشارة محمولة على معنى الإراءة. وقوله: (حبس أو خنس إبهامه) كذا بالشك ومعنى الحبس المنع أي منع إبهامه من البسط والنشر فاخرها بالقبض والخنس التأخر والتأخير يستعمل لازمًا ومتعديًا وههنا متعد أي أخرها وقبضها كما في المصباح المنير اهـ من بعض الهوامش. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: (2395) (1047) (197) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم الزهري المدني (عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي المدني ثقة من (2) (عن أبي هريرة رضي الله عنه).

قَال: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا رَأَيتُمُ الْهِلَال فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا". (2396) (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِي. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمَّدٍ (وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال) أي هلال رمضان (فصوموا) صوم رمضان وليس المراد الصوم من وقت الرؤية (وإذا رأيتموه) أي رأيتم هلال شوال ففيه استخدام (فأفطروا) من صوم رمضان وليس المراد الإفطار من وقت الرؤية بل المراد الصوم والإفطار على الوجه المشروع فاللازم في كل منهما معرفة ذلك الوقت اهـ من بعض الهوامش. (فإن غم عليكم) أي ستر الهلال عنكم بالغمام (فصوموا ثلاثين يومًا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 454 و 456) والبخاري (1109) والنسائي (4/ 133). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في هذا الحديث فقال: (2396)) (0) (0) (حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن سلام) بتشديد اللام (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري صدوق من (10) (حَدَّثَنَا الربيع يعني ابن مسلم) الجُمَحِي أبو بكر البصري ثقة من (7) (عن محمد وهو ابن زياد) الجُمَحِي أبو الحارث المدني ثم البصري ثقة من (3) (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا هريرة غرضه بيان متابعة محمد بن زياد لسعيد بن المسيب. (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته) أي لرؤية هلال رمضان (وأفطروا لرؤبته) أي لرؤية هلال شوال (فإن غمِّي) بضم المعجمة مع تشديد الميم على صيغة المبني للمجهول أي ستر (عليكم) الهلال من التغمية وهي التغطية والستر أي ستر

فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ". (2397) (0) (0) (وحدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صُومُوا لِرُؤيتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُويتِهِ. فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيكُمُ الشهْرُ فَعَدُّوا ثَلَاثِينَ". (2398) (0) (0) (حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنكم هلال رمضان أو شوال (فكملوا العدد) أي عدد شعبان أو رمضان ثلاثين يومًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: (2397) (0) (0) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (عن محمد بن زياد) الجمحي البصري (قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول): وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا هريرة غرضه بيان متابعة شعبة للربيع بن مسلم في رواية هذا الحديث عن محمد بن زياد. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمِّيَ) أي ستر (عليكم الشهر) أي هلال شعبان أو رمضان (فعدوا) أي فأكملوا عدد أيام الشهر (ثلاثين) يومًا ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2398) (0) (0) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حَدَّثَنَا محمد بن بشر العبدي) الكوفي (حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان غرضه بيان متابعة الأعرج لمحمد بن زياد.

قَال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْهِلَال فَقَال: "إِذَا رَأَيتُمُوهُ فَصُومُوا. وَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيكُمْ. فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو هريرة: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهلال) أي هلال رمضان (فقال: إذا رأيتموه) أي هلال رمضان (فصوموا) أي وإن لم يكمل شعبان ثلاثين يومًا (وإذا رأيتموه) أي هلال شوال (فافطروا) بيان لم يكمل رمضان ثلاثين يومًا (فإن أغمي) أي ستر (عليكم) الهلال في الموضعين من الإغماء وهو الستر (فعدوا) أي فأكملوا عدد الشهر الَّذي قبله (ثلاثين) يومًا. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس عشرة متابعة. والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

439 - (57) باب النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وأن الشهر يكون تسعا وعشرين

439 - (57) باب النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وأن الشهر يكون تسعًا وعشرين (2399) (1048) (198) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِى بْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَدُّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَينِ. إلا رَجُل كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 439 - (57) باب النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وأن الشهر يكون تسعًا وعشرين (2399) (1048) (198) (حَدَّثَنَا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (وأبو غريب) محمد بن العلاء بن غريب الهمداني الكوفي (قال أبو بكر: حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن علي بن مبارك) الهُنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا البصري ثقة من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليامي ثقة من (5) (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد يمامي وواحد بصري. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقدموا) بفتح التاء على حذف إحدى التاءين أي لا تتقدموا (رمضان) ولا تستقبلوه (بصوم يوم ولا) بصوم (يومين) على نية الاحتياط لرمضان (إلا رجل) بالرفع على الإبدال من المستثنى منه وهو واو الجمع المذكر في تقدموا لأن الاستثناء من كلام تام غير موجب لتقدم النهي فيجوز وجهان الرفع على الإبدال والنصب على الاستثناء كما بسطنا الكلام على هذا الحكم في كتبنا النحوية (كان يصوم صومًا) اعتاده نذرًا معينًا أو نفلًا مطلقًا كان اعتاد صوم يوم الاثنين أو الخميس نذرًا أو نفلًا فوافق صومه ما قبل رمضان بيوم أو يومين (فليصمه) بنية ما اعتاده لا بنية الاحتياط لرمضان وفي معاني الآثار (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلَّا أن يكون رجلًا كان يصوم صيامًا فليصمه) قال: وهذ النهي إنَّما هو للإشفاق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه صلى الله عليه وسلم على صوام رمضان اهـ. فيكون تنزيهًا وحمله بعضهم على التحريم بعلة توهم الزيادة على رمضان وقال: الوجه أن يحمل النهي على الدوام أي لا تداوموا على التقدم لما فيه من إيهام لحوق هذا الصوم برمضان إلَّا لمن يعتاد المداومة على صوم آخر الشهر فإن داوم عليه لا يتوهم في صومه اللحوق برمضان اهـ. وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك وفي كنز العمَّال عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين فقلنا يا رسول الله ألا نتقدم قبله بيوم أو يومين فغضب وقال: لا) قال ابن النجار: فظهر منه أن الاقتصار على يوم أو يومين إنما وقع لاقتصار السائلين على ذو هذا العدد والله أعلم. وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من شعبان واستدلوا بحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا). أخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان وغيره وقد جمع الطحاوي بين حديث النهي وحديث العلاء بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان قال في الفتح: وهو جمع حسن وقد اختلف في الحكمة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين فقيل: هي التقوِّي بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط وفيه نظر لأن مقتضى الحديث أنَّه لو تقدمه بصوم ثلاثة أيام أو أربعة أيام جاز وقيل: الحكمة خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر لأنه يجوز لمن له عادة كما تقدم وقيل: لأن الحكم معلق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم قال في الفتح: وهذا هو المعتمد ولا يرد عليه صوم من اعتاد ذلك لأنه قد أذن فيه وليس من الاستقبال في شيء اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: وقوله: (لا تقدموا رمضان) الخ هذا النهي لما يخاف من الزيادة في شهر رمضان وهو من أدلة مالك على قوله بسد الذرائع لا سيما وقد وقع لأهل الكتابين من الزيادة في أيام الصوم حتَّى أنهوا ذلك إلى ستين يومًا كما هو المنقول عنهم وقد وسع

(2400) (0) (0) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ). ح وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدَّثَنَا أَيوبُ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ في المنع في الحديث الَّذي أخرجه الترمذي عن أبي هريرة وصححه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا بقي نصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتَّى يأتي رمضان) ومحمل هذا النهي ما يخاف من الزيادة في رمضان فإن أمت ذلك جاز بدليل قوله (إلَّا رجل كان يصوم صومًا فليصمه) وبدليل ما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله) رواه مسلم والنسائي (كان يصوم شعبان إلَّا قليلًا) رواه البخاري ومسلم وفي هذا الحديث ما يدل على أن صوم يوم الشك جائز وقد اختلف في ذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 234 و 347) والبخاري (1914) وأبو داود (2335) والترمذي (685) والنسائي (4/ 154) وابن ماجة (1650). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2400) (0) (0) (وحدثناه يحيى بن بشر) بن كثير (الحريري) بفتح الحاء أبو زكرياء الكوفي صدوق من (10) روى عنه في (3) أبواب انفرد بالرواية عنه (م) (حَدَّثَنَا معاوية يعني ابن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي بضم المهملة أبو سلَّام الدمشقي ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثنا ابن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا أبو عامر) العقدي عبد الملك بن عمرو القيسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري ثقة من (7) (ح وحدثنا ابن المثنى و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي صدوق من (10) (قالا: حَدَّثَنَا عبد الوهاب بن عبد المجيد) الثقفي أبو محمد البصري ثقة من (8) (حَدَّثَنَا أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي أبو بكر البصري ثقة من (5) (ح وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حَدَّثَنَا حسين بن محمد) بن بهرام التميمي أبو محمد البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية البغدادي ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (كلهم) أي كل

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (2401) (1049) - (199) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا. قَال الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. قَالتْ: لَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيلَةً، أَعُدُّهُنَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من هؤلاء الأربعة يعني معاويةَ وهشامًا وأيوبَ وشيبان رووا (عن يحيى بن أبي كثير) الطائي اليمامي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما روى علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لعلي بن المبارك في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لعلي بن المبارك في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فقال: (2401) (1049) (199) (حَدَّثَنَا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم) أي حلف باسم الله على (أن لا يدخل على أزواجه شهرًا) عن موجدة ذكر سببها أهل التفسير في سورة التحريم وذكره البخاري في غير موضع من صحيحه وسَنُبَيِّنُهُ إن شاء الله تعالى نقلًا عن القرطبي وهذا الحلف غير الإيلاء المذكور في بابه من الفقه كما هو غير خاف على أهله وعبَّر عنه في غير هذه الرواية من الكتاب بالاعتزال قال معمر: (قال الزهري: فأخبرني عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد كسي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي. (قالت) عائشة: (لما مضت) وتمَّت (تسع وعشرون ليلة) من أول اعتزاله عنَّا وقوله: (أعدُّهن) عدًّا أي أعد وأحسب تلك الليالي ليلة ليلة صفة لتسع وعشرون جريا على القاعدة النحوية أن الجمل إذا وقعت بعد النكرات تكون صفة وبعد المعارف تكون

دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. (قَالتْ: بَدَأَ بِي) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَينَا شَهْرًا. وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، أَعُدُّهُن، فَقَال: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حالًا أي لما مضت تسع وعشرون ليلة معدودات لي واحدةً واحدةً وفي مظالم البخاري (أعدُّها عدًّا) تريد بيان اشتياقها إلى لقائه الكريم قال النواوي: وفي رواية (فخرج إلينا في تسعة وعشرين فقلنا له: إنما اليوم تسعة وعشرون) وفي رواية (فخرج إلينا صباح تسع وعشرين فقال: إن الشهر يكون تسعًا وعشرين) وفي رواية (فلما مضى تسع وعشرون يومًا غدا عليهم أو راح) قال القاضي رحمه الله: معناه كله بعد تمام تسعة وعشرين يومًا يدل عليه رواية (مضى تسع وعشرون يومًا) وقوله: (صباح تسع وعشرين) أي صباح الليلة التي بعد تسعة وعشرين يومًا وهي صبيحة ثلاثين اهـ فتح. وقوله: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) جواب لما (قالت) عائشة أي أرادت بقوله: (دخل عليَّ) معنى (بدأ بي) في النوبة وهذا بيان لحظوتها عنده صلى الله عليه وسلم من بين نسائه مباهاةً به (فقلت: يا رسول الله إنك أقسمت) وحلفت على (أن لا تدخل علينا شهرًا) كاملًا (وإنك دخلت) علينا (من) تمام (تسع وعشرين) ليلة (أعدُّهن) عدًّا وأحسبهن واحدة واحدة بعد اعتزالك عنا ولم يكمل لك شهر (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الشهر) المحلوف عليه لي (تسع وعشرون) فقد تم لي شهر من أول الاعتزال عنكن وكان ذلك الشهر كان كذلك كما صُرح به في بعض الروايات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 33 - 34) والبخاري مختصرًا (89) والترمذي (3318) والنسائي (4/ 137 - 138) والله أعلم. قال القرطبي: (وقول عائشة: لما مضت تسع وعشرون ليلة) هذا الحديث هو جزء من حديث طويل يتضمن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كثَّرن عليه وطالبنه بتوسعة النفقة واجتمعن في ذلك وخضن فيه فوجد عليهن فأدبهن بأن أقسم أن لا يدخل عليهن شهرًا فاعتزلهن في غرفة تسعًا وعشرين ليلة فدخل عليه عمر فكلمه في ذلك وتلطف فيه إلى أن زالت موجدته عليهن وأنزل الله آية التخيير فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاثين فبدأ بعائشة فذكرته بمقتضى يمينه وأنه أقسم على شهر ظانَّة أن الشهر لا يكون أقل من ثلاثين فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهر يكون تسعًا وعشرين وظاهره

(2402) (1050) - (200) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنهُ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اعْتَزَلَ نِسَاءَهُ شَهْرًا. فَخَرَجَ إِلَينَا في تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقُلْنَا: إِنَّمَا الْيَوْمُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. فَقَال: "إِنَّمَا الشَهْرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أنَّه اعتزلهن في أول ليلة من ذلك الشهر وأن ذلك الشهر كان تسعًا وعشرين ويشهد له قوله إن الشهر تسع وعشرون أي هذا الشهر لأنه هو المتكلم فيه ويحتمل أن يكون اعتبر أول زمان اعتزاله بالأيام وكمل تسعًا وعشرين بالعدد واكتفى بأقل ما ينطلق عليه اسم الشهر وعليه يخرج الخلاف فيمن نذر صوم شهر غير معين فصامه بالعدد فهل يصوم ثلاثين أو يكفيه تسع وعشرون كما تقدم وإخبار عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد تلك الليالي يفهم منه أنها اعتبرت ذلك الشهر بالعدد واعتناؤها بعدد الأيام استطالة لزمان الهجر وذلك يدل على فرط محبتها وشدة شوقها للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان عندها من ذلك ما لم يكن عند غيرها وبذلك استوجبت أن تكون أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه كما قد صرح به صلى الله عليه وسلم حيث قيل له: من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة رواه الترمذي من حديث عمرو بن العاص (3879) اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: (2402) (1050) (200) (حَدَّثَنَا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (واللفظ له حَدَّثَنَا ليث عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه). وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد مدني وواحد مكي. (أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه) أي ابتعد وانفرد عنهن في غرفة مستقلة (شهرًا) كاملًا قال جابر: (فخرج إلينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفته التي انفرد بها (في) تمام (تسع وعشرين) ليلة قال جابر: (فقلنا) له: (أنما اليوم تسع وعشرون) أي إنما هذا اليوم يوم تسع وعشرين فلم يكمل الشهر الَّذي أقسمت عليه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الشهر) مبتدأ خبره محذوف لدلالة السياق

وَصفَّقَ بِيَدَيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَحَبَسَ إِصْبَعًا وَاحِدَةً في الآخِرَةِ. (2403) (0) (0) حدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزبَيرِ؛ أَنهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: اعْتَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا. فَخَرَجَ إِلَينَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنمَا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن الشهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه أي إنما الشهر الَّذي حلفت عليه هكذا أي تسع وعشرون (وصفَّق بيديه) أي جمع بين كفيه الشريفتين ووضع إحداهما على الأخرى بلا إظهار صوت وأشار باصابعهما جميعًا (ثلاث مرات وحبس) أي قبض (أصبعًا واحدة) من العشر (في) المرة (الآخرة) من المرات الثلاث. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه في روايته أحمد (3/ 329). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: (2403) (0) (0) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (وحجاج) بن يوسف الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر قالا: حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور أبو محمد البغدادي ثم المصيصي ثقة من (9) (قال) حجاج بن محمد: (قال) عبد الملك (بن جريج) المكي الأموي: (أخبرني أبو الزبير) المكي (أنَّه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير وفيه فائدة تصريح سماع أبي الزبير عن جابر. (يقول: اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرأ فخرج إلينا صباح تسع وعشرين) ليلة أي صباح الليلة التي بعد تسعة وعشرين يومًا وهي صبيحة ليلة الثلاثين اهـ نووي. (فقال بعض القوم) أي الرجال استدلالًا منهم بأمارة ما على دخوله على نسائه واختصاص القوم بالرجال صريح في آية الحجرات كما في الكشاف: (يا رسول الله إنما أصبحنا لـ) ــتمام (تسع وعشرين) ليلة (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشهر) الَّذي

يَكونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ" ثُمَّ طَبَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيهِ ثَلَاثًا: مَرَّتَينِ بِأَصَابعِ يَدَيهِ كُلِّهَا. وَالثَّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا. (2404) (1051) - (201) حدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيفِيٍّ؛ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ حلفت عليه (يكون) أي كان (تسعًا وعشرين) ليلة (ثم طبَّق) أي ضم (النبي صلى الله عليه وسلم بيديه) الشريفتين أي بكفيه إحداهما إلى الأخرى وأشار (ثلاثًا) من المرات أشار (مرتين) منها (بأصابع يديه) العشر (كلها و) أشار المرة (الثالثة بتسع منها) أي من أصابعه وقبض واحدة فيكون مجموع ما أشار به تسعًا وعشرين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2404) (1051) (201) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي المصيصي (قال: قال ابن جريج: أخبرني يحيى بن عبد الله) بن محمد بن يحيى (بن صيفي) المكي المخزومي مولاهم ثقة من (6) (أن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة المخزومي أبا عبد الله المدني روى عن أم سلمة في الصوم وعن أبيه ويروي عنه (خ م س ق) ويحيى بن عبد الله بن صيفي وابناه عبد الله ومحمد والزهري وثقه النسائي وقال في التقريب: ثقة مقل من الثالثة مات سنة (103) ثلاث ومائة (أخبره أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية المدنية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (رضي الله تعالى عنها أخبرته). وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان بغداديان. (أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف) أي أقسم على (أن لا يدخل على بعض أهله شهرًا) أي على أزواجه شهرًا ولفظة (بعض) مقحمة في رواية مسلم بدلالة حديث عائشة وجابر أو في الكلام حذف وتقديم وتاخير والتقدير: حلف أن لا يدخل على نسائه شهرًا

فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، غَدَا عَلَيهِمْ (أَوْ رَاحَ). فَقِيلَ لَهُ: حَلَفْتَ، يَا نَبِيَّ اللهِ! أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَينَا شَهْرًا. قَال: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا". (2405) (0) (0) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ موجدة على بعض أهله أي أزواجه (فلما مضى) وتم (تسعة وعشرون يومًا غدا) بالغين المعجمة أي ذهب أول النهار من غرفته داخلًا (عليهم) أي على أهله وتذكير الضمير باعتبار بعض الأهل اهـ من بعض الهوامش. (أو راح) أي ذهب آخره والشك من الراوي اهـ قسط. وفي بعض الهوامش: قوله: (غدا عليهم أو راح) كذا بالترديد وأصل الغدو الخروج بغدوة والرواح الرجوع بعشي ويقال: الغدوة المرة من الذهاب والروحة المرة من المجيء وقد يستعملان في مطلق المشي والذهاب لما في النهاية. والمراد أنَّه أتاهم صباحًا أو مساءً (فقيل له) وفي حديث عائشة: (بدأ بي فقلت: يا رسول الله إنك حلفت) إلخ فظهر من هذا أن القائل هو عائشة أي قالت له عائشة: إنك (حلفت يا نبي الله) على (أن لا تدخل علينا شهرًا) فلم تكمل الشهر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الشهر) الَّذي حلفت عليه فأل للعهد الذهني أو إن جنس الشهر الصادق بالقليل والكثير (يكون تسعةً وعشرين يومًا) أوكان كذلك وهذا محمول عند الفقهاء على أنَّه صلى الله عليه وسلم أقسم على ترك الدخول على أزواجه شهرًا بعينه بالهلال وجاء ذلك الشهر ناقصًا فلو تم ذلك الشهر ولم يحيى الهلال فيه ليلة الثلاثين لمكث ثلاثين يومًا أما لو حلف على ترك الدخول عليهن شهرًا مطلقًا لم يبر إلَّا بشهر تام بالعدد اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الصوم والنِّكَاح والنسائي أخرجه في عشرة النساء وابن ماجة أخرجه في الطلاق كما في القسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: (2405) (0) (0) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري ثقة من (9) (ح وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا الضحاك)

(يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ) جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (2406) (1052) - (202) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَال: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ عَلَى الأُخرَى. فَقَال: "الشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا" ثُمَّ نَقَصَ في الثَّالِثَةِ إِصْبَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني (يعني أبا عاصم) النبيل البصري ثقة من (9) (جميعًا) أي حالة كون كل من روح والضحاك مجتمعين في الرواية (عن ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن يحيى بن عبد الله عن عكرمة عن أم سلمة (مثله) أي مثل ما روى حجاج ابن محمد عن ابن جريج غرضه بيان متابعتهما لحجاج بن محمد الأعور. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال: (2406) (1052) (202) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حَدَّثَنَا إسماعيل بن أبي خالد) سَعْدِ البجلي الأحمسي الكوفي ثقة من (4) (حدثني محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من (3) (عن سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني الصحابي المشهور (رضي الله عنه) أحد العشرة وآخرهم موتًا وأحد ستة الشورى له مناقب لا تحصى. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان. (قال) سعد: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وضع على صورة الضرب الخفيف بحيث لا يظهر صوت (بيده) أي بإحدى يديه الشريفتين (على) اليد (الأخرى فقال: الشهر) يكون (هكذا وهكذا) مشيرًا بأصابعه العشر إلى عشرين (ثم نقص في) الإشارة (الثالثة إصبعًا) واحدًا من العشرة فأشار إلى تسع فيكون جملة ما أشار إليه تسعًا وعشرين ليلة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي وابن ماجة كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:

(2407) (0) (0) وحدَّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: "الشَّهْرُ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا". عَشْرًا وَعَشْرًا وَتِسْعًا مَرَّةً. (2408) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ (يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ (2407) (0) (0) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي ثقة (11) (حَدَّثَنَا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي الكوفي ثقة من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي ثقة من (7) (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن محمد بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة زائدة بن قدامة لمحمد بن بشر. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (الشهر) يكون (هكذا وهكذا وهكذا) يعني (عشرًا وعشرًا) في المرتين الأوليين (و) أراد (تسعًا مرة) أي في المرة الثالثة حين نقص إصبعًا واحدة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: (2408) (0) (0) (وحدثنيه محمد بن عبد الله بن قهزاذ) بضم القاف وسكون الهاء ثم زاي بعدها ألف أبو جابر المروزي ثقة من (11) (حَدَّثَنَا علي بن الحسن بن شقيق) بن دينار القيسي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي روى عن عبد الله بن المبارك في الصوم والحج والجهاد وإبراهيم بن طهمان ويروي عنه (ع) ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ وأحمد وابن معين وأبو بكر بن أبي شيبة قال أحمد: لم يكن به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار العاشرة مات سنة (215) خمس عشرة ومائتين (وسلمة بن سليمان) المروزي أبو سليمان المؤدب قال النسائي: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة حافظ من كبار العاشرة وكان كاتبًا لابن المبارك روى عنه في (3) أبواب (قالا: أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك) بن واضح الحنظلي أبو عبد الرحمن المروزي قال في التقريب: ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد من (8) مات سنة

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، في هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (181) (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد ففي بمعنى الباء وإنما عدل إليها لما مر مرارًا وقوله: (بمعنى حديثهما) متعلق بأخبرنا عبد الله أي أخبرنا عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بمعنى حديث محمد بن بشر وزائدة بن قدامة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثاني: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة. والثالث: حديث جابر ذكره للاستشهاد لحديث عائشة وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. والخامس: حديث سعد ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين. * ** *

440 - (58) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان

440 - (58) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرًا وشهران لا ينقصان (2409) (1053) - (253) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ مُحَمَّدٍ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ) عَنْ كُرَيبٍ؛ أَنَّ أُمّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاويةَ بِالشَّامِ. قَال: فَقَدِمْتُ الشَّامَ. فَقَضَيتُ حَاجَتَهَا. وَاسْتُهِلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 440 - (58) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرًا وشهران لا ينقصان (2409) (1053) (203) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) (عن محمد وهو ابن أبي حرملة) القرشي مولاهم المدني ثقة من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن غريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (أن أم الفضل) لبابة بضم اللام وتخفيف الموحدتين بنت الحارث بن حزن بفتح الحاء وسكون الزاي وبعدها نون الهلالية المدنية زوجة العباس بن عبد المطلب وأخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم لها (30) ثلاثون حديثًا اتفقا على حديث وانفرد كل منهما بحديث أم عبد الله بن عباس ماتت قبل العباس في خلافة عثمان وصلى عليها عثمان روى عنها في بابين (2). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد إما نيسابوري وإما بغدادي وإما بلخي وإما مروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة. (بعثته) أي بعثت كريبًا مولاها أو مولى ابن عباس أي أرسلته (إلى معاوية) بن أبي سفيان لحاجة لها عنده حالة كون معاوية (بالشام قال) غريب: (فقدمت الشام) لقضاء حاجتها (فقضيت حاجتها واستهل) بالبناء للمفعول وأصل استهلَّ من الإهلال الَّذي هو

عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّام. فَرَأَيتُ الْهِلَال لَيلَةَ الْجُمُعَةٍ. ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ في آخِرِ الشَّهْرِ. فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَال فَقَال: مَتَى رَأَيتُمُ الْهِلَال؟ فَقُلْتُ: رأَينَاهُ لَيلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَال: أَنْتَ رَأَيتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. وَرَآهُ النَّاسُ. وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاويةُ. فَقَال: لَكِنَّا رَأَينَاهُ لَيلَةَ السَّبْتِ. فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ. أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَلَا تَكْتَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــ رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم غلب عرف الاستعمال فصار يفهم منه رؤية الهلال ومنه سمي الهلال لما كان يهل عنده اهـ من المفهم. أي طلع (عليَّ رمضان) وظهر هلاله (وأنا بالشام) لحاجتها قال غريب: (فرأيت) وعبارة الترمذي في سننه فرأينا (الهلال) أي هلال رمضان وهو المناسب لسياق الكلام الآتي وهو القمر أول ظهوره رقيقًا على صورة القوس (ليلة الجمعة) أول ليلة من رمضان بالشام وفي قوله: (رمضان) دليل على أن العرب تذكر رمضان بدون التزام شهر في أوله ويدل عليه الحديث المتقدم في أول كتاب الصوم (إذا جاء رمضان إلخ) وتقدم في كتاب الصلاة في باب الترغيب في قيام رمضان (من قام رمضان إلخ) (ومن صام رمضان إلخ) وكذلك سائر أسماء الشهور إلَّا شهري ربيع لأن لفظ ربيع مشرك بين الشهر والفصل فالتزموا لفظ شهر في الشهر وحذفوه في الفصل للتمييز بينهما كما في المصباح (ثم قدمت المدينة في آخر الشهر) أي في آخر شهر رمضان (فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) يعني عن أشياء من أمور الإسلام والمسلمين في الشام (ثم) بعد سؤاله عن أشياء (ذكر الهلال) أي سالني عن هلال رمضان (فقال: متى رأيتم الهلال فقلت: رأيناه) معاشر أهل الشام (ليلة الجمعة فقال) لي ابن عباس: (أنت) يا غريب (رأيته) أي رأيت الهلال بعينك (فقلت نعم) رأيته بعيني (ورآه الناس) من أهل الشام (وصاموا وصام معاوية) بن أبي سفيان (فقال) لي ابن عباس: (لكنا) بالتشديد بإدغام نون لكن في نون الضمير أي لكن نحن معاشر أهل المدينة (رأيناه) أي رأينا هلال رمضان (ليلة السبت) من أول رمضان عندهم (فلا نزال) ولا نبرح (نصوم) صوم رمضان (حتَّى نكمل) من الإكمال أو التكميل أي نكمل رمضان (ثلاثين) يومًا من رؤيتنا (أو) حتَّى (نراه) أي نرى الهلال قبل إكماله (فقلت) له: (أولا تكتفي) الهمزة داخلة على محذوف والواو عاطفة على ذلك المحذوف أي أتستمر في صوم آخر الشهر ولا تكتفي في إفطارك آخر الشهر

بِرُؤْيةِ مُعَاويةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَال: لَا. هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَشَكَّ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى في: نَكْتَفِي، أَوْ تَكْتَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (برؤية معاوية) هلال رمضان في أوله (و) بـ (صيامه) أول الشهر الدال على كمال الشهر ووجوب الفطر منه (فقال) ابن عباس: (لا) أكتفي برؤية معاوية وصيامه بل نصوم على حساب رؤيتنا حتَّى نكمل الشهر لبعد ما بين الحجاز والشام فلا يلزمنا حكم رؤيتهم لبعد ما بين الإقليمين قال القاضي عياض: وعدم اعتداده برؤية معاوية يحتمل أنَّه بناء على مذهبه أن لكل قوم رؤيتهم أو لأنه لم يقبل خبر الواحد أو لأمر كان يعتقده في ذلك أو لاختلاف أفقهم وقيل: لأن السماء كانت بالمدينة مصحية فلما لم يروه ارتابوا في الخبر اهـ والمشار إليه بقوله: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو قوله: (فلا نزال نصوم حتَّى نكمل ثلاثين) والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ: (لا تصوموا حتَّى تروا الهلال ولا تفطروا حتَّى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيدًا بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الَّذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة اهـ من فتح الملهم (وشك يحيى بن يحيى) التميمي (في) لفظ (نكتفي) هل هو بالنون (أو تكتفي) بالتاء وغيره جزم كونه بالتاء. وفي بعض الهوامش: قوله: (فقال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي سنن الترمذي قال أبو عيسى: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم اهـ كل قوم مخاطبون بما عندهم. كما في أوقات الصلاة والمذكور في كتب الفقه لأهل مذهبنا يعني الأحناف أن اختلاف المطالع غير معتبر فيجب العمل بالأسبق رؤية حتَّى لو رؤي في المشرق ليلة الجمعة وفي المغرب ليلة السبت وجب على أهل المغرب العمل بما رآه أهل المشرق فيلزمهم قضاء يوم لصومهم تسعة وعشرين يومًا

(2410) (1054) - (204) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَن حُصَينٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَختَرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق موجب لتعلق الخطاب عامًّا بمطلق الرؤية في حديث (صوموا لرؤيته) بخلاف أوقات الصلاة ولا كلام في نفس اختلاف المطالع فإنه كما قال العيني: مثبت في علم الهيئة والفلك وإنما الخلاف في اعتباره وعدم اعتباره والله أعلم اهـ بل الصواب توحيد الرؤية لإظهار وحدة المسلمين ثم إنه بعد التقدم العلمي الهائل في وقتنا المعاصر أصبح من الممكن إثبات يوم الرؤية بشكل صحيح اعتمادًا على علم الفلك الَّذي حقق سبقًا علميًّا لا يضاهى مقترنًا بتقدَّم أجهزة الحاسوب فصار من الممكن والمحقق إثبات يوم الرؤية إلى ما بعد مئات السنين وكلنا نأمل في أن يتحقق توحيد يوم الرؤية لدى المسلمين كما تحقق توحيد وقوفهم في عرفات اهـ من هامش المفهم. وعلم الهيئة هو علم الفلك ويختص بدراسة أصل الكون وتطوره ويبحث عن أحوال الأجرام السماوية وعلاقة بعضها ببعض وما لها من تأثير في الأرض اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (1832) والترمذي (693) والنسائي (4/ 131). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (2410) (1054) (204) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حَدَّثَنَا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (15) أبواب (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني الأعمى الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي البختري) بفتح الموحدة وإسكان الخاء المعجمة وفتح التاء سعيد بن فيروز الطائي مولاهم الكوفي التابعي روى عن ابن عباس في الصوم والبيوع وعمر وعلي وابن عمر قال ابن معين: ثقة ثبت ولم يسمع من علي شيئًا ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي: تابعي ثقة فيه تشيع قليل ويروي عنه (ع) وعمرو بن مرة وقال في التقريب: ثقة ثبت من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين (83) عام الجماجم كذا في النواوي وأراد بعام

قَال: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ. فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَال: تَرَاءَينَا الْهِلَال. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ. وَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيلَتَينِ. قَال: فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ. فَقُلْنَا: إِنا رَأَينَا الْهِلَال. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ. وَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيلَتَينِ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجماجم عام وقعة دير الجماجم قرب الكوفة وهي كما في القاموس: السادات لكثرة من قتل به من قراء المسلمين وساداتهم اهـ. (قال) أبو البختري: (خرجنا) من الكوفة (للعمرة فلما نزلنا ببطن نخلة) قرية مشهورة شرقية مكة تسمى الآن بالمضيق قال ابن حجر: وقال القرطبي: موضع معروف بذات عرق لذلك قال في رواية أخرى (أهللنا رمضان ونحن بذات عرق) اهـ. (قال) أبو البختري: (تراءينا الهلال) أي اجتمعنا لرؤية الهلال أو أرى بعضنا بعضًا لخفاء نظره أو عدم علمه بمسقط قمره كذا في المرقاة. وقال النووي: معناه تكلفنا النظر إلى جهته لنراه اهـ والأول هنا أقرب والله أعلم. (فقال بعض القوم) الحاضرين معنا: (هو) أي هذا الهلال (ابن ثلاث) من الليالي لكبره أي صاحب ثلاث ليال لعلو درجته في السماء قال السندي: وهذا بعيد إلَّا أن يكون أول الشهر مشتبهًا فافهم أي قالوا حين رأوه كبيرًا: هذا الهلال هلال ثلاث ليال لا هلال ليلة (وقال بعض القوم) أي قال البعض الآخرون من القوم: (هو) أي هذا الهلال (ابن ليلتين) أي هلال ليلتين لا هلال ليلة حين رأوه كبيرًا أيضًا فأجابهم ابن عباس بأنه لا عبرة بكبره وإنما هو ابن ليلة واستدل على ذلك بالحديث الآتي قريبًا (فقال) أبو البختري: (فلقينا ابن عباس) بالنمسب على أنَّه مفعول لقي والضمير فاعله أي رأينا عبد الله بن عباس. قال السندي: يحتمل أن يكون مجازًا عن لقاء رسولهم لأنهم أرسلوا إليه رجلًا كما في الرواية الآتية ويحتمل أنهم لقوه بعد أن أرسلوا إليه الرسول وعلى الوجهين فلا منافاة بين هذه الرواية والرواية الآتية والله أعلم اهـ. (فقلنا) له: (إنا رأينا الهلال) أي هلال رمضان (فقال بعض القوم) منا: (هو) أي هذا الهلال (ابن ثلاث) ليال (وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين فقال) لنا ابن عباس

أَيُّ لَيلَةٍ رَأَيتُمُوهُ؟ قَال: فَقُلْنَا: لَيلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ اللهَ مَدَّهُ لِلرُّؤيةِ. فَهُوَ لِلَيلَةٍ رَأَيتُمُوهُ". (2411) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مستفهمًا عن الليلة التي رأيناه فيها: (أي ليلة) بالرفع مبتدأ خبره جملة (رأيتموه) فيها والرابط محذوف تقديره: أي ليلة راؤون أنتم إياه فيها ولكنه خبر سببي وبالنصب على الظرفية أي هل الليلة التي رأيتموه فيها ليلة الجمعة أو الخميس أو الأربعاء مثلًا (قال) أبو البختري: (فقلنا) له: (ليلة كذا) أي ليلة الأربعاء أو الخميس أو الجمعة ولم يظهر لي وجه التكرار بقوله: (وكذا) إلَّا أن يقال: إن الواو بمعنى أو التفصيلية (فقال) لنا ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) فيما إذ رؤي الهلال كبيرًا: (أن الله) سبحانه وتعالى (مدَّه) أي مد الهلال وكبره (للرؤية) أي ليرى بسرعة بلا تعب لإظهار فضل رمضان (فهو) أي فالهلال (لليلة رأيتموه) فيها أي ابن تلك الليلة لا ابن الليلة التي قبلها كما زعمه من قال منكم ابن ليلتين ولا ابن الليلة التي قبل هذه الثانية كما زعمه من قال منكم ابن ثلاث قال القرطبي: وقع في هذه الرواية (مده) ثلاثيًّا وفي الرواية الآتية (أمده) رباعيًّا قال القاضي عياض: بمعنى واحد أي أطال له مدة الرؤية ومنه قوله تعالى في {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 202] قرئ بالوجهين أي يطيلون لهم المدة في الغي وقال غيره مد من الامتداد وأمد من الإمداد وهو الزيادة ومنه: أمددت الجيش بمدد ويجوز أن يكون أمده من المدة قال صاحب الأفعال: أمددتك مدة أعطيتكها اهـ. قوله (مده للرؤية) أي جعل مدة رمضان زمان رؤية هلاله (فهو) أي رمضان (لليلة رأيتموه) أي هو حاصل لأجل رؤية هلاله في تلك الليلة ولا عبرة بكبره بل ورد أن انتفاخ الأهلة من علامات الساعة اهـ ملخصًا من مرقاة ملا علي. ونقل هو من ابن حجر ضبطه بإضافة ليلة إلى الجملة ثم قال: وفي النسخ المصححة بالتنوين اهـ من بعض الهوامش. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (2411) (0) (0) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا غندر) محمد بن جعفر الهذلي

عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ قَال: أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِذَاتِ عِرْقٍ. فَأَرْسَلْنَا رَجُلًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ. فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَمَدَّهُ. فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (عن شعبة ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة) الهمداني الكوفي (قال) عمرو (سمعت أبا البختري) سعيد بن فيروز الطائي الكوفي. وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لحصين بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن عمرو بن مرة. (قال) أبو البختري: (أهللنا رمضان) أي رأينا وأبصرنا هلال رمضان كما في النهاية وأصل الإهلال رفع الصوت برؤية الهلال كالاستهلال (ونحن بذات عرق) بكسر العين وسكون الراء قال ابن حجر: فوق بطن نخلة بنحو يوم وهي على مرحلتين من مكة وبطن نخلة على مرحلة أي رأينا هلال رمضان ونحن بذات عرق فاختلفنا هل هو ابن ثلاث أو ابن ليلتين (فأرسلنا رجلًا) منَا لم أر من ذكر اسمه (إلى ابن عباس يسأله) هل هو لليلة أو ليلتين أو ثلاث وفي الرواية السابقة فلقينا ابن عباس فبين الروايتين معارضة وقد تقدم هناك بيان كيفية الجمع بينهما فراجعه (فقال ابن عباس رضي الله عنهما) هو لليلة رأيتموه مستدلًا على ما قال بأنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في مثل هذا الهلال: (أن الله) سبحانه (قد أمده) بزيادة الهمزة هنا من الإمداد بمعنى الزيادة أو من المدة وقد مر معناه قال الأبي: الهاء في أمده عائد على الشهر بمعنى أن الله قد حكم بمد الشهر الأول إلى رؤية هلال الشهر الثاني والظاهر عودها على الهلال إشارة إلى كبر جرمه وهو الَّذي يدل عليه سياق جواب ابن عباس أي إن الله يخلقه كبيرًا ليكون أظهر للأبصار ويخلقه صغيرًا فقد يرى وقد لا يرى فتكمل العدة ثلاثين كما تكمل في الغيم اهـ من فتح الملهم. وقال القاضي: معناه أطال مدته إلى الرؤية أي أطال مدة شعبان إلى رؤية هلال رمضان اهـ ملا علي. (فإن أغمي عليكم) أي أخفى عليكم بنحو غيم (فأكملوا العدة) أي عدة شعبان ثلاثين يومًا.

(2412) (1055) - (205) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ. رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: (2312) (1055) (205) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي البصري ثقة من (8) (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي البصري ثقة من (5) (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي البصري ثقة من (2) (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي البصري (رضي الله عنه) له مائة وثلاثون حديثًا اتفقا على ثمانية وانفرد (خ) بخمسة و (م) بآخر روى عنه ابنه عبد الرحمن في الصوم وأبو عثمان النهدي في الإيمان كما مر هناك. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا يحيى بن يحيى. (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شهرا عبد لا ينقصان) أجرًا وإن نقصا عددًا لأن في رمضان الصيام وفي ذي الحجة الحج هما (رمضان) سمي شهر عيد لمجاورته العيد لأن عيده في شوال ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم (المغرب وتر النهار) أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق عليها كونها وتر النهار لقربها منه وفيه إشارة إلى أن وقتها يقع أول ما تغرب الشمس كذا في الفتح (وذو الحجة) لأن اليوم العاشر منه عيد قال القرطبي: (وقوله شهرا عيد لا ينقصان) قيل: فيه أقوال: أحدها: لا ينقصان من الأجر وإن نقصا في العدد وثانيها: لا ينقصان في عام بعينه وثالثها: لا يجتمعان ناقصين في سنة واحدة في غالب الأمر ورابعها: ما قاله الطحاوي لا ينقصان في الأحكام وإن نقصا في العدد لأن في أحدهما الصيام وفي الآخر الحج وخامسها: ما قاله الخطابي لا ينقص أجر ذي الحجة عن أجر رمضان لفضل العمل في العشر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 47 - 48) والبخاري (1912) وأبو داود (2823) والترمذي (692) وابن ماجه (1659). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

(2413) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيدٍ وَخَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ". وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ: "شَهْرَا عِيدٍ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2413) (0) (0) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حَدَّثَنَا معتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري ثقة من (9) (عن إسحاق بن سويد) بن هبيرة العدوي نسبة إلى عدي بن كعب التميمي البصري صدوق من (3) روى عنه في (3) أبواب (وخالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري كلاهما (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) البصري (عن أبي بكرة) البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة معتمر بن سليمان ليزيد بن زريع في رواية هذا الحديث عن خالد الحذاء ولكنه زاد إسحاق بن سويد في سنده. (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: شهرا عيد لا ينقصان) قال النواوي: الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما (و) لكن (في حديث خالد) الحذاء وروايته: (شهرا عيد رمضان وذو الحجة) بزيادة رمضان وذو الحجة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عباس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث أبي بكرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

441 - (59) باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وبيان الفجر الذي يتعلق به الأحكام

441 - (59) باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وبيان الفجر الَّذي يتعلق به الأحكام (2414) (1056) - (206) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَينٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَال: لَمَّا نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] ـــــــــــــــــــــــــــــ 441 - (59) باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر وبيان الفجر الَّذي يتعلق به الأحكام (2314) (1056) (206) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الله بن إدريس) ابن يزيد الأودي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ثقة: من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (19) تسعة عشر بابا (عن عدي بن حاتم رضي الله عنه) بن عبد الله بن سعد بن امرئ القيس بن عدي الطائي الكوفي الصحابي المشهور روى عنه في (7) أبواب. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون. (قال) عدي: (لما نزلت) آية ({حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}) [البقرة: 187] قال الحافظ رحمه الله: ظاهره أن عديًّا كان حاضرًا لما نزلت هذه الآية وهو يقتضي تقدم إسلامه وليس كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدمًا في أوائل الهجرة وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي فإما أن يقال: إن الآية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهو بعيد جدًّا وإما أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله لما نزلت أي لما تليت علي عند إسلامي أو لما بلغني نزول الآية أو في السياق حذف تقديره: لما نزلت الآية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع عمدت وقد روى أحمد حديثه من طريق مجالد بلفظ: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام فقال: صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتَّى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال فأخذت خيطين الحديث) اهـ.

قَال لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وسَادَتِي عِقَالينِ: عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ. أَعْرِفُ اللَّيلَ مِنَ النَّهَارِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ وسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال له) صلى الله عليه وسلم (عدي بن حاتم: يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي) الوسادة المخدة وهي ما يجعل تحت الرأس عند النوم سميت مخدة لوضع الخد عليها عند النوم والوساد أعم فإنه يطلق على كل ما يتوسد به ولو كان من تراب كما في الأساس (عقالين) العقال بكسر العين المهملة الحبل وفي رواية مجالد (فأخذت خيطين من شعر) وقوله: (عقالًا أبيض وعقالًا أسود) بدل من عقالين لـ (ــأعرف) بهما (الليل من النهار) وفي صحيح البخاري (فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي) وفي رواية مجالد (فلا يستبين الأبيض من الأسود) (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن وسادتك لعريض) أي لواسع العرض ولم يقل: عريضة لأن فعيلًا يستوي فيه المذكر والمؤنث قال ابن الملك: وهو كناية عن كون قفاه عريضًا وهو كناية عن كونه أبله اهـ. ومثله في الأساس والنهاية وفي بعض الروايات (فضحك وقال إن كان وسادك إذًا لعريضًا) وفي بعضها زيادة (إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك) وفي بعضها (إنك لعريض القفا). قال الخطابي في المعالم: في قوله (إن وسادك لعريض) قولان: أحدهما: يريد إن نومك لكئير وكنى بالوسادة عن النوم لأن النائم يتوسد أو أراد إن ليلك لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل حتَّى يتبين لك العقال والقول الآخر: أنَّه كنى بالوسادة عن الموضع الَّذي يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام والعرب تقول: فلان عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة وقد روي في هذا الحديث من طريق أخرى (إنك عريض القفا) وجزم الزمخشري بالتأويل الثاني فقال إنما عرَّض النبي صلى الله عليه وسلم قفا عدي لأنه غفل عن البيان وعرض القفا مما يستدل به على قلة الفطنة وأنشدوا في ذلك شعرًا وقد أنكر ذلك كثير منهم القرطبي فقال: حمله بعض الناس على الذم له على ذلك الفهم وكأنهم فهموا أنَّه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه وعضَّدوا ذلك بقوله (إنك عريض القفا) وليس الأمر على ما قالوه لأن من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التي هي الأصل إن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذمًّا ولا ينسب إلى جهل وإنما عنى - والله أعلم - أن وسادك إن كان يغطي الخيطين اللذين أراد الله فهو إذًا عريض

إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واسع ولهذا قال في إثر ذلك (إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار) فكأنه قال: فكيف يدخلان تحت وسادتك وقوله: (لعريض القفا) أي إن الوساد الَّذي يغطي الليل والنهار لا يرقد عليه إلَّا قفا عريض للمناسبة وقال ابن التين: في حديث عدي جواز التوبيخ بالكلام النادر الَّذي يسير فيصير مثلًا بشرط صحة القصد ووجود الشرط عند أمن الغلو في ذلك فإنه مزلة القدم إلَّا لمن عصمه الله تعالى اهـ فتح الملهم. (إنما هو) أي الخيط المذكور في الآية (سواد الليل وبياض النهار) قال الطحاوي: كان هذا الفعل منه قبل نزول قوله: {مِنَ الْفَجْر} [البقرة: 187] وروى أنَّه كان بينهما عام والفجر مأخوذ من تفجر الماء لأنه يتفجر شيئًا فشيئًا فلما نزل علم أن المراد منه بياض النهار وفيه ضعف لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز وإلا لزم التكليف بما ليس في الوسع لأن الأمر لو كان كما قاله لما نسب النبي صلى الله عليه وسلم الراوي إلى البلاهة بل الوجه أن يقال: ذلك الفعل صدر منه لغفلته عن البيان اهـ من المبارق. لكن الطحاوي لم يقله من عنده بل وجد في الروايات ما هو دليل له على قوله كما تراه اهـ. ومعنى الآية حتَّى يظهر بياض النهار من سواد الليل وهذا البيان يحصل بطلوع الفجر الصادق ففيه دلالة على أن ما بعد الفجر من النهار وقال أبو عبيد: المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض الفجر الصادق والخيط اللون وقيل: المراد بالأبيض أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود وبالأسود ما يمتد منه من غبش الليل شبيهًا بالخيط قاله الزمخشري قال: وقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] من الفجر بيان للخيط الأبيض واكتفى عن بيان الخيط الأسود لأن بيان أحدهما بيان للآخر ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وقد أخرجه قوله من الفجر من الاستعارة إلى التشبيه كما أن قولهم: رأيت أسدًا مجاز فإذا زدت فيه من فلان رجع تشبيهًا اهـ فتح الملهم. وقال القرطبي: حديث عدي هذا يقتضي أن قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] نزل متصلًا بقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ} وأن عدي بن حاتم حمل الخيط على حقيقته ومن في قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] على التعليل أي من أجل الفجر ففعل ما فعل بالعقال الأبيض والأسود وهذا بخلاف حديث سهل بن سعد فإن فيه

(2415) (1057) - (207) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ. حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الله لم ينزل مِنَ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] إلَّا منفصلًا عن قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ} ولما وقع لهم الإشكال حينئذ أنزل الله تعالى (من الفجر) رافعًا لذلك الإشكال وكأن الحديثين واقعتان في وقعتين ويصح الجمع بأن يكون حديث عدي متأخرًا عن حديث سهل وأن عديًّا لم يسمع ما جرى في حديث سهل وإنما سمع الآية مجردة ففهمها على ما قررناه فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الخيط الأبيض كناية عن بياض الفجر والخيط الأسود كناية عن سواد الليل وأن معنى ذلك أن يفصل أحدهما عن الآخر وعلى هذا فيكون من الفجر متعلقًا بـ (ـــتبين) وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال متعلقًا بمحذوف وهكذا هو في معنى جوابه في حديث سهل ويحتمل أن يكون الحديثان قضية واحدة وذكر بعض الرواة من الفجر متصلًا بما قبله كما ثبت في القرآن وإن كان نزل متفرقًا كما بينه حديث سهل وقوله: (إني جعلت تحت وسادتي عقالين) إنما جعلهما تحت وسادة لاعتنائه بهما ولينظر إليهما وهو على فراشه من غير كلفة قيام ولا طلب فكان يرفع الوساد إذا أراد أن ينظر إليهما والعقال الخيط سمي بذلك لأنه يعقل به أي يربط ويحبس والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 377) والبخاري (1916) والترمذي (2970). ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث عدي بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما فقال: (3415) (1057) (357) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر القواريري) الجشمي البصري (حَدَّثَنَا فضيل بن سليمان) النميري مصغرًا أبو سليمان البصري روى عن أبي حازم في الصوم والحج وموسى بن عقبة في الأطعمة ويروي عنه (ع) وعبيد الله القواريري وأحمد بن عبدة ومحمد بن أبي بكر المقدمي قال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالقوي وقال ابن معين ليس بثقة وقال أبو زرعة: لين الحديث وقال في التقريب: صدوق له خطأ كثير من الثامنة مات سنة ثلاث وثمانين ومائة (183) وقيل: غير ذلك (حَدَّثَنَا أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني القاص ثقة عابد من (5) (حَدَّثَنَا سهل بن سعد) بن مالك بن

قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] قَال: كَانَ الرَّجُلُ يَأخُذُ خَيطًا أَبْيَضَ وَخَيطًا أَسْوَدَ. فَيَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَبِينَهُمَا. حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]: ـــــــــــــــــــــــــــــ خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبو العباس المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان. (قال) سهل: (لما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: ({وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ} قال كان الرجل) منَّا (يأخذ خيطًا أبيض وخيطًا أسود) وفي البخاري (فكان رجال إذا أرادوا الصوم الحديث). قال الحافظ: ولم أقف على تسمية أحد منهم ولا يحسن أن يفسر بعضهم بعدي بن حاتم لأن قصة عدي متأخرة عن ذلك كما سبق ويأتي اهـ. (فيأكل حتَّى يستبينهما) أي حتَّى يظهر له بيان أحد الخيطين وتميزه عن الآخر بلونه وقوله (حتَّى أنزل الله عزَّ وجلَّ) لفظة: {مِنَ الْفَجْرِ} غاية لقوله (كان الرجل يأخذ خيطًا). قال القرطبي: حديث عدي يقتضي أن قوله {مِنَ الْفَجْرِ} نزل متصلًا بقوله {مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ} بخلاف حديث سهل فإنه ظاهر في أن قوله {مِنَ الْفَجْرِ} نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الإشكال. قال الحافظ رحمه الله: قصة عدي متأخرة لتأخر إسلامه كما قدمته وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أبي أسامة عن مجالد في حديث عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أخبره بما صنع (يا بن حاتم ألم أقل لك من الفجر) وللطبراني من وجه آخر عن مجالد وغيره (فقال عدي يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظته غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود إني بت البارحة معي خيطان أنظر إلى هذا وإلى هذا قال: إنما هو الَّذي في السماء) فتبين أن قصة عدي مغايرة لقصة سهل فأما من ذكر في حديث سهل فحملوا الخيط على ظاهره فلما نزل {مِنَ الْفَجْرِ} علموا المراد فلذلك قال سهل في حديثه (فعلموا أنما يعني الليل والنهار) وأما عدي فكأنه لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح وحمل قوله {مِنَ الْفَجْرِ} على السببية فظن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بضياء الفجر أو نسي قوله {مِنَ الْفَجْرِ} حتَّى ذكره بها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب قال الشاعر:

فَبَيَّنَ ذلِكَ. (2416) (0) (0) (حدَّثْني مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما أضاءت لنا ظلمة ... ولاح من الفجر خيط أنارا وقال الآخر في الخيط الأسود: قد كاد يبدو أوبدت تباشره ... وسدن الخيط البهيم ساتره اهـ فتح الملهم (فبين) سبحانه (ذلك) الخيط بقوله من الفجر قال ابن بزيزة في شرح الأحكام: ليس هذا من باب تأخير المجملات لأن الصحابة (أي بعضهم) عملوا أولًا على ما سبق إلى أفهامهم بمقتضى اللسان فعلى هذا فهو من باب تأخير ماله ظاهر أريد به خلاف ظاهره. قال النواوي تبعًا لعياض: وإنما حمل الخيط الأبيض والأسود على ظاهرهما بعض من لا فقه عنده من الأعراب كالرجال الذين حكى عنهم سهل وبعض من لم يكن في لغته استعمال الخيط في الصبح كعدي اهـ. وادعى الطحاوي والداودي أنَّه من باب النسخ وأن الحكم كان أولًا على ظاهره المفهوم من الخيطين واستدل على ذلك بما نقل عن حذيفة وغيره من جواز الأكل إلى الإسفار قال: ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} قلت: ويؤيد ما قاله ما رواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات (إن بلالًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسخر فقال: الصلاة يا رسول الله قد والله أصبحت فقال: يرحم الله بلالًا لولا بلال لرجونا أن يرخص لنا حتَّى تطلع الشمس). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1917) فقط ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقال: (2416) (0) (0) (حدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البخاري الأصل أبو بكر البغدادي قال أبو العباس السراج: سكن بغداد ومات بها لسبع أو لعشر بقين من شعبان سنة (251) إحدى وخمسين ومائتين روى عن سعيد بن محمد بن أبي مريم في الصوم والجهاد واللباس وغيرها ويحيى بن حسان في البيوع وأبي اليمان في الرؤيا ويروي عنه (م ت س) ومحمد بن جرير وابن صاعد وثقه النسائي وابن عدي وقال

وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ. حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]. قَال: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ الصَّوْمَ، رَبَطَ أَحَدُهُمْ في رِجْلَيهِ الْخَيْطَ الأَسْوَدَ وَالْخَيطَ الأَبْيَضَ. فَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رِئْيُهُمَا. فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدَ ذلِكَ: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]. فَعَلِمُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلمة: كان ثقة صدوقًا وقال في التقريب: ثقة من (11) الحادية عشرة (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي ثقة من (11) روى عنه في (8) (قالا: حَدَّثَنَا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم أبو محمد المصري ثقة ثبت فقيه من كبار (10) (أخبرنا أبو غسان) محمد بن مطرف بن داود بن مطرف التيمي المدني ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار المدني (عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي المدني (رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بغدادي وفيه المقارنة والتحديث والإخبار غرضه بيان متابعة أبي غسان لفضيل بن سليمان. (قال) سهل: (لما نزلت هذه الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] قال) سهل توكيد لفظي: (فكان الرجل) منَّا (إذا أراد الصوم ربط أحدهم) جمع الضمير مع عوده إلى الرجل لأنه أراد به الجنس الصادق بالرجال فكأنه قال: فكان الرجال منا إذا أراد أحدهم الصوم ربط (في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض فلا يزال يأكل ويشرب) طوال الليل (حتَّى يتبين له رئيهما) أي منظرهما ولونهما هذه اللفظة ضبطت على ثلاثة أوجه أحدها: براء مكسورة ثم همزة ساكنة ثم ياء مضمومة ومعناه منظرهما ومنه قوله تعالى: {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا} [مريم: 74] والثاني: زيهما بزاي مكسورة وياء مشددة وبلا همزة ومعناه لونهما والثالث: رئيهما بفتح الراء وقد تكسر بعدها همزة مكسورة ثم تحتانية مشددة قال عياض: ولا وجه له إلَّا بضرب من التأويل وكأنه رئى بمعنى مرئي والمعروف عندهم أن الرئي التابع من الجن فيحتمل أن يكون من هذا الأصل ترائيه لمن معه من الإنس اهـ نواوي. (فأنزل الله) سبحانه وتعالى (بعد ذلك) أي بعد إنزال قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] لفظة {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا) أي فعلم أولئك الرجال الذين

أَنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ. (2417) (1058) - (208) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَئهُ قَال: "إِن بِلالًا يُؤَذنُ بِلَيلٍ. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ ابْنِ أُمِّ مَكتُومٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أشكل عليهم معنى الخيطين (أنما يعني) سبحانه (بذلك) المذكور من الخيطين (الليل والنهار) أي سواد الليل وبياض النهار. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عدي بن حاتم بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: (2417) (1058) (258) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (ومحمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (قالا: أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن) أبيه (عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي. (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: إن بلالًا) ابنَ رباح الحبشي التيمي مولاهم مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرًا رضي الله عنه (يؤذن بليل) أي قبل الفجر الصادق فإنه يؤذن ليضطجع قائمكم ويستحر صائمكم وينتبه نائمكم (فكلوا واشربوا) فيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك واستدل به الشافعي ومالك وأبو يوسف على جواز الأذان للصبح قبل دخوله وخالفهم أبو حنيفة قياسًا على سائر الصلوات والجواب عنهم أن أذان بلال لم يكن للصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يغرنكم أذان بلال الحديث) (حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم) زاد في الموطإ (وكان أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت) أي قاربت الصباح قال الحافظ رحمه الله اسمه عمرو وقيل: كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ولا يمنع أنه كان له اسمان وهو قرشي عامري أسلم

(2418) (0) (0) حدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن بِلالًا يُؤَذِّنُ بِلَيلٍ. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قديمًا والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة وشهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد بها وقيل: رجع إلى المدينة فمات بها وهو الأعمى المذكور في سورة عبس واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام بصره والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين اهـ. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه (مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي) ويقول له: (هل لك من حاجة) كما في الكشاف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 107) والترمذي (253) والنسائي (2/ 10). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2418) (0) (0) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما). وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي غرضه بسوقه بيان متابعة يونس لليث بن سعد. (قال) ابن عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم) وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال "أصبحت أصبحت " كما في صحيح البخاري وهذا الأذان أعني أذان بلال هو أذان الفجر عند الجمهور وحكمته عندهم الهبوب من النوم والتأهب لصلاة الصبح واختصت الصبح بذلك لأن الأفضل فيها إيقاعها في أول وقتها مطلقًا فيلزم من المحافظة على إيقاعها في أول وقتها التأهب لها قبل وقتها وقبلها نوم الليل المستصحب فاقتضى مجموع

(2419) (0) (0) حدَّثنا ابْنُ نُمَير، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَال: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مُؤَذنَانِ: بِلالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعمَى. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن بِلالًا يُؤَذِّنُ بِلَيلٍ. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك أن ينصب لها من يوقظ الناس قبل وقتها فكان ذلك بالأذان وذهب أبو حنيفة والثوري إلى أن هذا الأذان فائدته ما نص عليه في الحديث الآخر (ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) والإعلام بوقت السحور ولا يكتفى به للصبح بل لا بدَّ من أذان آخر إذا طلع الفجر كما كان يؤذن ابن أم مكتوم ومتمسكهما من حديث بلال وابن أم مكتوم واضح غير أن العمل المنقول بالمدينة على تقديم أذان الفجر قبله ثم اختلف الجمهور في الوقت الذي يؤذن فيه للفجر فأكثرهم قال: السدس الأخير من الليل وقيل: النصف وقيل: بعد خروج وقت العشاء الآخرة وهذه الأقاويل الثلاثة في مذهبنا اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2419) (0) (0) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عُبَيد الله) بن عمر بن حفص العدوي المدني (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة نافع لسالم. (قال) ابن عمر (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان) بالنسبة لصلاة الصبح (بلال وابن أم مكتوم الأعمى) وكان له صلى الله عليه وسلم مؤذنان آخران أبو محذورة وسعد القرظي وفيه صحة أذان الأعمى إذا كان معه من يخبره بدخول الوقت. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بلالًا يؤذن بليل) فيه دليل على أن ما بعد الفجر لا يقال له: ليل بل هو أول اليوم المأمور بصومه (فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) وفي صحيح البخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه (وكان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت) وفي بعض الروايات (حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: أذن) قال الحافظ رحمه الله: وأقرب ما يقال فيه: إن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل والشرب وكأنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنًا

قَال: وَلَمْ يَكُنْ بَينَهُمَا إلا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لابتداء طلوع الفجر وهو المراد بالبزوغ وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم: أصبحت أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر وهذا وإن كان مستبعدًا في العادة فليس بمستبعد من مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة وقد روى أبو قرة من وجه آخر عن ابن عمر حديثًا فيه (وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه) اهـ. قال القرطبي: قوله: (حتى يؤذن ابن أم مكتوم) أي حتى يشرع في الأذان وهذا ظاهره ويحتمل حتى يفرغ من الآذان ويؤيد هذا الاحتمال ما ذكره أبو داود من حديث أبي هريرة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضى حاجته منه) وهذا هو أذان ابن أم مكتوم اهـ من المفهم. (قال) ابن عمر: (ولم يكن بينهما) أي بين أذان بلال وبين أذان ابن أم مكتوم أي لم يكن بينهما من الزمان (إلا) قدر زمن (أن ينزل هذا) أي بلال من محل التأذين (ويرقى) فيه (هذا) أي ابن أم مكتوم لكن هذا لا يلائم الحديث فإنه لو كان كذلك لما يبقى للأكل والشرب والرفث زمان أو يلزم منه جواز الأكل والشرب والرفث بعد طلوع الفجر وأجاب عن هذا الإشكال النواوي بقوله: قال العلماء: معناه أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ابن أم مكتوم للطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر اهـ. وقوله: (يرقى) من الرقي ومنه قوله تعالى: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} الآية ومعناه الصعود ومحل التأذين يسمى مئذنة ومنارة وأول من أحدثها بالمساجد سلمة بن خلف الصحابي وكان أميرًا على مصر في زمن معاوية وكان بلال يأتي بسحر لأطول بيت حول المسجد لامرأة من بني نجار يؤذن عليه ثم صار يؤذن على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره كما في المنحة اهـ. قوله: (ولم يكن بينهما) إلخ نبه الحافظ على أن قائله القاسم في حديث عائشة ولم تثبت هذه الزيادة في حديث ابن عمر: قال وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع

(.) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ نُمَير. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. (2420) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أخْبَرَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بِالإِسْنَادَينِ كِلَيهِمَا. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه الأذان قبل الفجر وقت السحور وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي وكلام ابن دقيق العيد يشعر به ثم ذكر المؤلف المتابعة في الشاهد فقال: (.) (0) (0) (وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله حدثنا القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما حدَّث نافع عن ابن عمر غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة القاسم لنافع في رواية هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها متابعة ناقصة لأن القاسم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة عائشة ونافعًا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة ابن عمر رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم فقال: (2420) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي ثقة من صغار (8) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري ثقة من (9) (كلهم) أي كل من أبي أسامة وعبدة بن سليمان وحماد بن مسعدة رووا (عن عبيد الله) بن عمر (بالإسنادين) لعبيد الله أي كل من الثلاثة رووا عن عبيد الله بإسناديه يعني إسناده عن نافع عن ابن عمر وإسناده عن القاسم عن عائشة وقوله: (كليهما) توكيد معنوي للإسنادين أي كلهم رووا عن عبيد الله (نحو حديث) عبد الله (بن نمير) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن نمير في رواية هذين الحديثين عن عبيد الله بن عمر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

(2421) (1059) - (209) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمِ: "لَا يَمْنَعَن أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلالٍ (أوْ قَال: نِدَاءُ بِلالٍ) مِنْ سُحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذنُ (أَوْ قَال: يُنَادِي) بِلَيلٍ. لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ ويوقِظَ نَائِمَكُمْ". وَقَال: "لَيسَ أَنْ يَقُولَ هكَذَا وَهكَذَا (وَصَوَّبَ يَدَهُ وَرَفَعَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــ (2421) (1059) (209) (حدثنا زهبر بن حرب) بن شداد النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية البصري (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي (رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد نسائي وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي. (قال) ابن مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لايمنعن أحدًا منكم) أيها المسلمون (أذان بلال أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن مسعود والشك من الراوي أو ممن دونه: (نداء بلال من سحوره) بفتح السين اسم لما يؤكل في السحر أي من تناول طعامه وشرابه وبضمها اسم للفعل أي من أكل سحوره وطعامه (فإنه) أي فإن بلالًا (يؤذن أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي: (ينادي بليل) قبل الفجر (ليرجع) بفتح الياء وكسر الجيم المخففة أي ليرد الأذان (قائمكم) بالنصب على المفعولية أي مجتهدكم إلى راحته فينام غفوة فيقوم إلى صلاة الصبح نشيطًا (ويوقظ) الأذان (نائمكم) ليتأهب لها بالغسل ونحوه وليوتر إن لم يوتر وليتسحر إن أراد الصوم فيرجع هنا من الرجع المتعدي كما في قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} الآية لا من الترجيع بمعنى الترديد ولا من الإرجاع فإنه غير مناسب هنا (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس) الفجر الذي يتعلق به الأحكام ولفظ البخاري (وليس الفجر أن يقول) وهو الصواب كما هو الظاهر من الرواية التالية (أن يقول) أي أن يظهر الضوء (هكذا) أي مستطيلًا في السماء (وهكذا) أي ثم منخفضًا ومعنى يقول هنا يظهر ففيه إطلاق القول على الفعل لأن القول قد يستعمل في غير النطق مما يناسب المقام كما مر مرارًا قال ابن مسعود: (وصوَّب) أي خفض النبي صلى الله عليه وسلم (يده) الشريفة (ورفعها) حكاية لصفة

حَتى يَقُولَ هَكَذَا" (وَفَرَّجَ بَينَ إِصْبَعَيهِ). (2422) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدِ (يَعْنِي الأحْمَرَ)، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَاد مِثْلَهُ. غَيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفجر الكاذب وقوله: (وصوب يده ورفعها) ولفظ البخاري هنا (ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل) من لفظ الراوي ذكره حكاية بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال اليس الفجر أن يقول هكذا) أشار بيده إلى الخفض والرفع إيضاحًا بأن البياض المستطيل من الأفق الشرقي إلى العلو ليس فجرًا وإنما هو شيء يسمى ذنب السرحان أي الذئب يبدو ثم يغيب فهو فجر كاذب وبعد غيبوبته بزمان يسير يظهر الفجر الصادق أي وليس الفجر أن يظهر مستطيلًا (حتى يقول) أي حتى يظهر الضوء (هكذا) أي معترضًا في أفق السماء وقوله: (وفرَّج) أي فرَّق النبي صلى الله عليه وسلم (بين إصبعيه) السبابتين من لفظ الراوي أيضًا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (حتى يقول هكذا) أشار بتفريج إصبعيه إلى الجانبين إيضاحًا بأن البياض المنتشر في الأفق هو الفجر الذي يتعلق به حكم الصوم والصلاة وغيرهما وهو الفجر الصادق وقوله: (وفرَّج بين إصبعيه) كأنه جمع إصبعيه ثم فرقها ليحكي صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضًا ثم يعم الأفق ذاهبًا يمينًا وشمالًا بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسميه العرب ذنب السرحان فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض اهـ فتح. وهذا الفجر لا يتعلق به حكم من الأحكام لا الصيام ولا الصلاة ولا الاعتكاف ولا غيرهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 392) والبخاري (621) وأبو داود (2347) والنسائي (2/ 11). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: (2422) (0) (0) (وحدثنا) محمد (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو خالد) سليمان بن حيان الأزدي (يعني الأحمر) الكوفي صدوق من (8) (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن ابن مسعود (مثله) أي مثل ما حدث إسماعيل بن إبراهيم غرضه بيان متابعة أبي خالد لإسماعيل بن علية (غير

أَنَّهُ قَال: "إِن الْفَجْرَ لَيسَ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا (وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ نَكَسَهَا إِلَى الأَرْضِ) وَلَكِنِ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا (وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَيهِ) ". (2423) (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا جَرِيرْ وَالْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. كِلاهُمَا عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِي، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَانْتَهَى حَدِيثُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: "يُنَبِّهُ نَائِمَكُمْ وَيَرْجِعُ قَائِمَكُمْ". وَقَال إِسْحَاقُ: قَال جَرِيرٌ فِي حَدِيثهِ: "وَلَيسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه) أي لكن أن أبا خالد (قال) في روايته: (إن الفجر) الصادق الذي يتعلق به الأحكام الشرعية (ليس) هو الضوء (الذي يقول) أي يظهر (هكذا) أي مستطيلًا في السماء قال ابن مسعود: (وجمع) النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله: هكذا (أصابعه) رفعها (ثم نكسها) أي خفضها من النكس وهو الخفض (إلى الأرض) أي إن الفجر ليس الذي يقول مستطيلًا (ولكن) الفجر الصادق هو الضوء (الذي يقول) أي يظهر (هكذا) أي معترضًا في الأفق قال ابن مسعود في تفسير قوله (هكذا): (ووضع المسبحة على المسبحة) أي وضع إحدى المسبحتين على الأخرى (ومد يديه) أي بسطهما إشارة إلى أنه يطلع معترضًا ثم يعم الأفق ذاهبًا فيه عرضًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: (2423) (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) ابن عبد الحميد الضبي الكوفي (والمعتمر بن سليمان كلاهما عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري غرضه بسوق. هذا السند بيان متابعة جرير والمعتمر لإسماعيل بن إبراهيم (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن ابن مسعود. (وانتهى حديث المعتمر عند قوله: ينبه نائمكم وبرجع قاكمكم وقال إسحاق: قال) لنا (جرير في حديثه) أي في روايته: (وليس) الفجر (أن يقول) ويظهر (هكذا) أي

وَلَكِنْ يَقُولُ هَكَذَا" (يَعْنِي الْفَجْرَ) هُوَ الْمُعْتَرِضُ وَلَيسَ بِالْمُسْتَطِيلِ. (2424) (1065) - (210) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيرِيِّ. حَدَّثَنِي وَالِدِي؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلالٍ مِنَ السَّحُورِ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مستطيلًا خافضًا إلى الأفق (ولكن) الفجر الذي يتعلق به الأحكام هو الذي (يقول) ويظهر (هكذا) أي معترضًا في الأفق قال ابن مسعود: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ولكن يقول (الفجر هو المعترض) في الأفق (وليس بالمستطيل) في السماء. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث سمرة رضي الله عنهما فقال: (2424) (1060) (210) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري ثقة من (8) (عن عبد الله بن سوادة) بن حنظلة (القشيري) البصري روى عن أبيه في الصوم وأنس بن مالك ويروي عنه (م عم) وعبد الوارث وابن علية وحماد بن زيد وثقه ابن معين له حديثان وقال في التقريب: ثقة من الرابعة (حدثني والدي) سوادة بن حنظلة القشيري البصري روى عن سمرة بن جندب في الصوم ويروي عنه (م دت س) وابنه عبد الله وشعبة قال أبو حاتم: شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: صدوق من الثالثة (أنه سمع سمرة بن جندب) بن هلال الفزاري أبا سعيد البصري ثم الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا شيبان بن فروخ فإنه أبلي حالة كون سمرة. (يقول: سمعت محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول: لا يغرن) أي لا يخدعن ولا يمنعن (أحدكم نداء بلال من) تناول (السحور) بفتح السين يعني أن أذان بلال لا يمنعكم سحوركم فتصيروا كأنكم انخدعتم بترككم تناول هذا الغداء المبارك (ولا) يمنعنكم أيضًا (هذا البياض) المستطيل عن سحوركم وهذ الضوء المرئي مستطيلًا في الأفق قبيل الفجر (حتى) يظهر الضوء الذي (يستطير) أي ينتشر ويعترض في الأفق وهذه

(2425) (0) (0) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغُزنَّكُمْ أَذَانُ بِلالٍ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ (لِعَمُودِ الصُّبْحِ) حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستطارة تكون بعد غيبوبة ذاك المستطيل والمعنى حتى يذهب ذلك المستطيل ويجيء بعده البياض الذي ينتشر كأنه يطير في الآفاق ولابن أبي شيبة عن ثوبان مرفوعًا (الفجر فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئًا ولا يحرمه ولكن المستطير) أي هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة وهذا هو الموافق للآية الماضية أي قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قال الجصاص: ولا خلاف بين المسلمين أن الفجر الأبيض المعترض في الأفق قبل ظهور الحمرة يحرم الطعام والشراب على الصائم اهـ فتح باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (2346) والترمذي (706) والنسائي (4/ 148). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه فقال: (2425) (0) (0) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا عبد الله بن سوادة عن أبيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن علية لعبد الوارث. (قال) سمرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغرنكم) أي لا يمنعنكم (أذان بلال ولا هذا البياض) المستطيل عن سحوركم قال سمرة: يعني النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البياض (لعمود الصبح) أي لضوء الصبح المستطيل في السماء كعمود البيت لكن المعروف أن عمود الصبح مثل فلق الصبح في الظهور والوضوح يقال: أبين من فلق الصبح ومن عمود الصبح كما في ثمار القلوب للثعالبي وهل يطلق على البياض الكاذب فليحرر ذلك أي لا يمنعنكم الضوء الكاذب (حتى يستطير) وينتشر الضوء (هكذا) أي معترضًا في الأفق. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث سمرة رضي الله عنه فقال:

(2426) (0) (0) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَوَادَةَ الْقُشَيرِيُّ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلالٍ، وَلَا بَيَاضُ الأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هَكَذَا، حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا". وَحَكَاهُ حَمَّادٌ بِيَدَيهِ قَال: يَعْنِي مُعْتَرِضًا. (2427) (0) (0) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَوَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبِ رضي الله عنه وَهُوَ يَخْطُبُ يُحَدِّثُ، عَنِ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "لَا يَغُزَنَّكُمْ نِدَاءُ بِلالٍ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتى يَبْدُوَ الْفَجْرُ (أَوْ قَال: ) حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (2426) (0) (0) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه) غرضه بيان متابعة حماد لعبد الوارث وإسماعيل بن علية (قال) سمرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل) بالرفع صفة لبياض (هكذا) أي عاليًا في السماء (حتى يستطير) الضوء وينتشر (هكذا) أي معترضًا في الأفق (وحكاه) أي حكى (حماد) ذلك المستطير أو وصفه (بيديه) الممدودتين يمينًا وشمالًا و (قال) حماد: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (حتى يستطير) حتى ينتشر (معترضًا) في الأفق. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث سمرة رضي الله عنه فقال: (2427) (0) (0) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن سوادة) بن حنظلة القشيري (قال) سوادة (سمعت سمرة بن جندب رضي الله عنه وهو يخطب بحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن سوادة (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض) المستطيل (حتى يبدو الفجر) المعترض ويظهر (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى ينفجر الفجر) الصادق وينشق والفجر انشقاق الظلمة عن الضياء. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا فقال:

(2428) (0) (0) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنِي سَوَادَةُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْقُشَيرِيُّ. قَال: سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ رضي الله عنه يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (2428) (0) (0) (وحدثناه ابن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن دواد بن الجارود البصري ثقة من (9) (أخبرنا شعبة أخبرني سوادة بن حنظلة القشيري قال: سمعت سمرة بن جندب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو داود (هذا) الحديث الذي حدثه معاذ بن معاذ عن شعبة غرضه بيان متابعة أبي داود لمعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة بن الحجاج والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عدي بن حاتم ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات. والرابع: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

442 - (60) باب الحث على السحور واستحباب تأخيره وتعجيل الإفطار وبيان وقت إفطار الصائم

442 - (60) باب الحث على السحور واستحباب تأخيره وتعجيل الإفطار وبيان وقت إفطار الصائم (2429) (1061) - (211) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. ح وَحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَسَحَّرُوا فَإِن فِي السُّحُورِ بَرَكَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ 442 - (60) باب الحث على السحور واستحباب تأخيره وتعجيل الإفطار وبيان وقت إفطار الصائم (2429) (1061) (211) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري ثقة من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب عن) إسماعيل (بن علية عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) بن مالك (رضي الله عنه ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (وعبد العزيز بن صهيب عن أنس) بن مالك (رضي الله عنه). وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من رباعياته ومدار كلها على عبد العزيز. (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسحروا) أمر ندب كما أجمعوا عليه وفي الفتح: وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور ومعنى تسحروا أي تناولوا شيئًا ما وقت السحر وفي القاموس: السحر هو قبيل الصبح وفي الكشاف هو السدس الأخير وقيل: يدخل وقته بنصف الليل والمعنى أي كلوا عند إرادة الصوم شيئًا في السحر وهو من آخر الليل ما قبل الفجر الصادق ندبًا لا وجوبًا ويدل عليه تعليله صلى الله عليه وسلم بما يعود على نفع الصائمين بقوله: (فإن في السحور بركة) هو بفتح السين وبضمها لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر أو البركة لكونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح

(2435) (1062) - (212) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي قَيسِ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "فَصْلُ مَا بَينَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهْلِ الْكِتَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه حينئذ اسم لما يتسحر به وقيل: البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوي به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام قاله الحافظ في الفتح قال القرطبي: هذا الأمر أمر إرشاد إلى المصلحة وهي حفظ القوة التي يخاف سقوطها مع الصوم من الذي لا يتسحر فيه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 392) والبخاري (621) وأبو داود (2347) والنسائي (2/ 11). ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: (2430) (1062) (212) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن موسى بن علي) بضم العين مصغرا على المشهور وقيل: بفتحها ابن رباح بالموحدة اللخمي المصري صدوق من (7) (عن أبيه) علي بن رباح بن قصير ضد طويل اللخمي المصري ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص) القرشي السهمي عبد الرحمن بن ثابت المصري روى عن عمرو بن العاص في الصوم والأحكام وأم سلمة ويروي عنه (ع) وعلي بن رباح وبسر بن سعيد وابنه عروة وثقه العجلي وقال: مصري تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من (2) وقال ابن لهيعة: مات سنة (54) أربع وخمسين (عن عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم القرشي السهمي المكي ثم المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مصريون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب) أي الأمر الفاصل بين صيامنا أيتها الأمة المحمدية وصيام أهل الكتاب من اليهود

أَكْلَةُ السَّحَرِ". (2431) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. كِلاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنصارى والمميز له عنه (أكلة السحر) أي تناول الطعام وقت السحر ففيه حث على السحور لأنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور فالفصل بالصاد المهملة وأخطأ من قال بالضاد المعجمة بمعنى الفاصل كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} وما التي أضيف إليها زائدة والمعنى الأمر الفاصل بين صيامنا وصيامهم قاله القاري وقال السندي في حواشي النسائي: الفصل بمعنى الفاصل وما موصولة وإضافته من إضافة الموصوف إلى الصفة والمعنى الأمر الفارق الذي يفرق بين صيامنا وصيامهم (أكلة السَّحر) بفتح الهمزة المرة من الأكل وإن كثر المأكول كالغدوة والعشوة وأما الأكلة بضمها فهي اللقمة والصواب الفتح والمعنى إن السحور هو الفارق بين صيامنا وصيامهم لأن الله تعالى أباحه لنا إلى الصبح بعد ما كان حراما علينا أيضًا في بدء الإسلام وحرمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقًا ومخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة اهـ توربتشتي. قال الخطابي: معنى هذا الكلام الحث على السحور وفيه إعلام بأن هذا الدين يسر لا عسر فيه وكان أهل الكتاب إذا ناموا بعد الإفطار لم يحل لهم معاودة الأكل والشرب إلى وقت الفجر وأباحه لنا بقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ} وهذا الحديث يدل على أن السحور من خصائص هذه الأمة ومما خفف به عنهم اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 202) وأبو داود (2343) والترمذي (709) والنسائي (4/ 46). ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: (2431) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة جميعًا عن وكيع ح وحدثنيه أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب كلاهما) أي كل من وكيع وعبد الله بن وهب رويا (عن موسى بن علي بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي قيس عن عمرو بن العاص (مثله) أي مثل ما روى ليث عن موسى بن علي غرضه بيان متابعتهما له.

(2432) (1063) - (213) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ قَال: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَينهُمَا؟ قَال: خَمْسِينَ آيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنهما فقال: (2432) (1063) (213) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبي بكر البصري ثقة من (7) (عن قتادة عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن زيد بن ثابت) بن الضحاك بن زيد الأنصاري النجاري المدني كاتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني وفيه رواية صحابي عن صحابي. (قال) زيد: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن أبي جمرة: في الحديث تأنيس الفاضل بأصحابه بالمؤاكلة وجواز المشي بالليل للحاجة لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه الاجتماع على السحور وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل: نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما يشعر لفظ المعية بالتبعية (ثم قمنا إلى الصلاة) أي صلاة الفجر. (قلت) في بعض الروايات (قلت لزيد) وفي بعضها (قلت لأنس) قال الإسماعيلي: والروايتان صحيحتان بأن يكون أنس سأل زيدًا وقتادة سأل أنسًا والله أعلم. (كم كان قدر ما بينهما) أي قدر ما بين السحور وصلاة الفجر وكم استفهامية في محل النصب خبر مقدم لكان للزومها الصدارة (قال) زيد لأنس أو أنس لقتادة: كان ما بينهما (خمسين آية) أي قدر قراءة خمسين آية وفيه الحث على تأخير السحور إلى قبيل الفجر اهـ نووي. وفي البخاري (قدر خمسين آية) أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة قال الحافظ يعني قدر ثلث خمس ساعة (أي أربع دقائق) ولعلها مقدار ما يتوضأ

(2433) (0) (0) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأشعر ذلك بالتغليس الشديد في رمضان وهو أيسر لعامة المصلين من حيث حضورهم الجماعة وأهون عليهم من الإسفار إذا أخروا السحور جدًّا كما يعلم بالتجربة والله أعلم. قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات باعمال البدن وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة وقدر نحر جزور فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة ولوكانوا يقدرون بغير العمل لقال مثلًا: قدر درجة أو ثلث خمس ساعة. وقال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة بالتلاوة وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود قال ابن أبي جمرة: كان صلى الله عليه وسلم ينظر إلى ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتَّبعوه فيشق على بعضهم ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضًا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر وقال: فيه أيضًا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراويًا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1921) والترمذي (703) والنسائي (4/ 143) وابن ماجه (1694). وقوله: (خمسين آية) قال القرطبي: كذا الرواية بالياء لا بالواو وهو على حذف المضاف وابقاء المضاف إليه مخفوضًا وهو شاذ لكن سوغه دلالة السؤال المتقدم عليه لأنه لما قال: كم قدر ما بينهما؟ فقال: خمسين كأنه قال: قدر خمسين فحذف قدر وبقي ما بعده مخفوضًا على حاله معه وهذا الحديث يدل على أنه كان يفرغ من السحور قبل طلوع الفجر وهو معارض بظاهر حديث حذيفة حيث قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع فيمكن أن يحمل حديث حذيفة على أنه قصد الإخبار بتأخير السحور فأتى بتلك العبارة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: (2433) (0) (0) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) (أخبرنا همام)

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ. بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. (2434) (1064) - (214) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن يحيى بن دينار الأزدي البصري ثقة من (7) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا سالم بن نوح) بن أبي عطاء العطار البصري صدوق من (9) (حدثنا عمر بن عامر) السلمي أبو حفص البصري قاضيها روى عن قتادة في الصوم وغيره ويروي عنه (م س) وسالم بن نوح ويزيد بن زريع وعباد بن العوام وغيرهم قال ابن معين: ثقة وقال مرة: ليس به بأس وقال أبو داود والنسائي: ضعيف وذكره ابن حبان في الثقات وقال مات سنة (135) وهو ساجد قاله أبو زرعة وقال في التقريب: صدوق له أوهام من السادسة (كلاهما) أي كل من همام وعمر بن عامر رويا (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن أنس عن زيد بن ثابت (مثله) أي مثل ما روى هشام عن قتادة غرضه بيان متابعتهما لهشام الدستوائي. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة وهو استحباب تعجيل الفطر بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: (2434) (1064) (214) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني الفقيه صدوق من (8) (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار المخزومي مولاهم الأعرج التمار المدني ثقة من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجى الساعدي المدني (رضي الله عنه). وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال) أمر (الناس) أي أمر هذه الأمة ملتبسًا (بخير) وصلاح منتظما على سنتي وسنة خلفائي (ما عجلوا الفطر) من الصوم وبادروا إليه بعد تحقق الغروب فما مصدرية ظرفية أي لا يزالون ملتبسين بخير وصلاح مدة تعجيلهم الفطر لأنه دأب سيد المرسلين ليحصل الحضور في الصلاة بفراغ قلب هاذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه وهو مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قاله ملا علي.

(2435) (0) (0) وحدّثناه قُتَيبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ. كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي التعجيل إظهار العجز المناسب للعبودية ومبادرة إلى قبول الرخصة من الحضرة الربوبية ويسن تقديمه على الصلاة للخبر الصحيح به (ولو بشربة ماء) وصح أن الصحابة كانوا أعجل الناس إفطارًا وأبطأهم سحورًا وأهل البدعة يؤخرونه إلى اشتباك النجوم ومتابعة الرسول هي الطريق المستقيم من تعوج عنها فقد ارتكب المعوج من الضلال ولو في العبادة اهـ من المرقاة بتصرف في العبارة. وروى ابن حبان والحاكم من حديث سهل أيضًا بلفظ (لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم) وفيه بيان العلة في ذلك قال المهلب: والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح قال ابن دقيق العيد: في هذا الحديث رد على الشيعة في تأخير الفطر إلى ظهور النجوم ولعل هذا هو السبب في وجود الخير بتعجيل الفطر لأن الذي يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة اهـ. والأولى أن يكون السبب ما زاده أبو هريرة في حديثه لأن اليهود والنصارى يؤخرون أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم فإن الشيعة لم يكونوا موجودين عند تحديثه صلى الله عليه وسلم بذلك كذا في الفتح. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 337، 339) والبخاري (1957) والترمذي (699). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل رضي الله عنه فقال: (2435) (0) (0) (وحدثناه قتيبة) بن سعيد (حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القاري المدني ثم الإسكندراني حليف بني زهرة ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة إمام (كلاهما) أي

عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. (2436) (1065) - (215) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَاثِشَةَ. فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل من يعقوب وسفيان رويا (عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه غرضه بيان متابعتهما لعبد العزيز بن أبي حازم. ثم استشهد المؤلف لحديث سهل هذا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2436) (1065) (215) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب محمد بن العلاء قالا: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي عطية) مالك بن عامر الهمداني الوادعي الكوفي ويقال له مالك بن زبيد ويقال: عمرو بن أبي جندب والأول هو الأرجح وثقه ابن معين وابن سعد وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات روى عن عائشة في الصوم ويروي عنه (خ م د ت س) وعمارة بن عمير ثقة من (3). (قال) أبو عطية: (دخلت أنا ومسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي ثقة مخضرم من (2) (على عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد مدني أو أربعة كوفيون وواحد مدني وواحد نيسابوري وفيه المقارنة والعنعنة والتحديث والإخبار وفيه ثلاثة من التابعين الأعمش ومن دونه. (فقلنا) لها: (يا أم المومنين رجلان) مبتدأ أول سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله: (من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) وقوله: (أحدهما) مبتدأ ثان خبره جملة قوله: (يعجل الافطار وبعجل الصلاة) أي صلاة المغرب إلى قوله: (ويؤخر الصلاة) على طريق

وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ ويؤَخِّرُ الصَّلاةَ. قَالتْ: أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ ويعَجِّلُ الصَّلاةَ؛ قَال: قُلْنَا: عَبْدُ اللهِ (يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ). زَادَ أَبُو كُرَيبٍ: وَالآخَرُ أَبُو مُوسَى. (2437) (0) (0) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي عَطِيةَ. قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها. فَقَال لَهَا مَسْرُوق: رَجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كِلاهُمَا لَا يَأْلُو ـــــــــــــــــــــــــــــ العطف والمراد بالتعجيل المبالغة فيه (والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة) والمراد بالتأخير عدم المبالغة في التعجيل قال الطيبي: الأول عمل بالعزيمة والسنة والثاني بالرخصة اهـ. والمراد يختار تأخيرهما والظاهر أن الترتيب الذكري يفيد الترتيب الفعلي في العملين وإلا فالواو لا تمنع تقديم الإفطار على الصلاة على تقدير تأخيرهما أيضًا اهـ مرقاة. والمراد بالصلاة المغرب كما هو المصرح به في الرواية التالية وهو الظاهر المتبادر (قالت) عائشة: (أيهما) أي أي الرجلين (الذي يعجل الأفطار وبعجل الصلاة قال) أبو عطية: (قلنا) لها: هو (عبد الله يعني ابن مسعود زاد أبو كريب) في روايته: (والآخر) الذي يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة هو (أبو موسى) الأشعري رضي الله عنه فيحمل عمل ابن مسعود على السنة وعمل أبي موسى على بيان الجواز كما في المرقاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (2354) والترمذي (702) والنسائي (4/ 143 - 144). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2437) (0) (0) (وحدئنا أبو كريب أخبرنا) يحيى بن زكرياء (ابن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الوادعي مولاهم أبو سعيد الكوفي ثقة من (9) (عن الأعمش عن عمارة) بن عمير (عن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن أبي زائدة لأبي معاوية. (فقال لها مسروق: رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلاهما لا يألو)

عَنِ الْخَيرِ. أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ. وَالآخَز يُؤَخرُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ. فَقَالتْ: مَنْ يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالإِفْطَارَ؟ قَال: عَبْدُ اللهِ. فَقَالتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. (2438) (1066) - (216) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. وَاتفقُوا فِي اللَّفْظِ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ. وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا أَبِي. وَقَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا يقصر (عن) فعل (الخير) والسنة (أحدهما يعجل المغرب والإفطار والآخر يؤخر المغرب والإفطار فقالت) مستفهمة: (من) الذي (يعجل المغرب والإفطار قال) لها مسروق: هو (عبد الله) بن مسعود (فقالت) عائشة: (هكذا) أي مثل هذا الصنيع الذي يفعله عبد الله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) من تعجيل الإفطار والصلاة. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (2438) (1066) (216) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب و) محمد بن عبد الله (ابن نمير واتفقوا في اللفظ قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية وقال ابن نمير: حدثنا أبي) عبد الله (وقال أبو كربب: حدثنا أبو أسامة جميعًا) أي كل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير وأبي أسامة (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عاصم بن عمر) العدوي المدني وكان مولد عاصم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يسمع منه شيئًا (عن عمر) بن الخطاب العدوي المدني (رضي الله عنه). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري (قال) عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقبل الليل) أي من جهة المشرق أي ظلمته حسًّا (وأدبر النهار) أي ذهب ضوءُهُ من جهة المغرب قال الحافظ: وذكر في الحديث ثلاثة أمور لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في

وَغَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ نُمَيرٍ: "فَقَدْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر غير متلازمة فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بقوله (وغربت الشمس) إشارة إلى تحقق الإقبال والإدبار وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر (وغابت) أي غربت (الشمس فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت الإفطار كما يقال: أنجد إذا أقام بنجد وأتهم إذا أقام بتهامة ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطرًا في الحكم بكون الليل ليس ظرفًا للصيام الشرعي. وقد رد ابن خزيمة هذا الاحتمال وأومأ إلى ترجيح الأول فقال: قوله: (فقد أفطر الصائم) لفظ خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم ولو كان المراد فقد صار مفطرًا كان فطر جميع الصوام واحدًا ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنىً اهـ. وقد يجاب بأن المراد فعل الإفطار حسًّا ليوافق الأمر الشرعي ولا شك أن الأول أرجح ويرجح الأول أيضًا رواية شعبة بلفظ فقد حل الإفطار وكذا أخرجه أبو عوانة من طريق الثوري عن الئيباني وسيأتي لذلك مزيد بيان في باب الوصال. و(لم يذكر ابن نمير) كلمة (فقد) في قوله: فقد أفطر الصائم. قال النواوي: معنى (فقد أفطر الصائم) أي انقضى صومه وتم ولا يوصف الآن بأنه صائم فإن بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل والليل ليس محلًا للصوم اهـ. قال القرطبي: هذه الثلاثة الأمور متلازمة إذا حصل الواحد منها حصل سائرها وإنما جمعها في الذكر لأن الناظر قد لا يرى عين غروب الشمس لحائل ويرى ظلمة الليل في المشرق فيحل له إذ ذاك الفطر واقبال الليل إقبال ظلمته وإدبار النهار ومجموعهما إنما يحصل بغروب الشمس اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 28 و 35) والبخاري (1954) وأبو داود (2351) والترمذي (698). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقال:

(2439) (1067) - (217) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ قَال: "يَا فُلانُ! انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِن عَلَيكَ نَهَارًا. قَال: "انْزِلْ فَاجْدَحْ" قَال: فَنَزَلَ فَجَدَحَ. فَأتَاهُ بِهِ. فَشَرِبَ النَّبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2439) (1067) (217) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثقة من (7) (عن أبي (سحاق) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) الكوفي ثقة من (5) (عن عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبي إبراهيم الكوفي الصحابي المشهور (رضي الله عنه) مات سنة (87) وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد واسطي وواحد نيسابوري. (قال) ابن أبي أوفى: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان) وكنَّا صيامًا قال ابن الملك: وفيه دليل على فضل الصوم في السفر فإن قيل: كيف صام النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: (ليس من البر الصيام في السفر) قلنا: هذا محمول على لحوق المشقة فيه أو يكون فعله صلى الله عليه وسلم لتعليم الجواز اهـ وفيه إن الخير في الإمساك بنص القرآن والخيرية فوق الجواز وستأتي المسئلة إن شاء الله تعالى على تفصيل فيها في بابها (فلما غابت الشمس) وغربت بقرصها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا فلان) أي يابلال وقد عين ببلال في رواية في سنن أبي داود ومسند أحمد (انزل) من مركوبك على الأرض (فاجدح) بفتح الدال من باب فتح أو فاخلط (لنا) السويق لنفطر عليه والجدح بجيم ثم دال آخره حاء مهملة خلط الشيء بغيره والمراد هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي والمجدح بوزن منبر عود مجنح الرأس ليساط به الأشربة وقد يكون له ثلاث شعب (قال) بلال: (يا رسول الله إن عليك نهارًا) أي إن آثار النهار وضوءه باق عليك يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية: (انزل فاجدح قال) عبد الله بن أبي أوفى: (فنزل) بلال (فجدح) أي خلط له السويق (فأتاه) أي فجاءه صلى الله عليه وسلم (به) أي بالسويق المجدوح (فشرب النبي

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَال بِيَدِهِ: "إِذَا غَابَتِ الشمْسُ مِنْ هَهُنَا، وَجَاءَ اللَّيلُ مِنْ ههُنَا، أَفْطَرَ الصَّائِمُ". (2440) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِى بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم) ذلك المجدوح الذي أتى به إليه ومعنى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا صيامًا وكان ذلك في شهر رمضان كما صرح به في رواية يحيى بن يحيى (فلما غربت الشمس أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجدح ليفطروا) فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك واحتمل عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها فأراد تذكيره وإعلامه بذلك ويؤيد هذا قوله: (إن عليك نهارًا) لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذي يجب صومه وهو معنى قوله في الرواية الأخرى (لو أمسيت) أي تأخرت حتى يدخل المساء وتكريره المراجعة لغلبة اعتقاده على أن ذلك نهارًا يحرم الأكل فيه مع تجويزه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرًا تامًّا فقصد زيادة الإعلام ببقاء الضوء اهـ فتح. (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيرًا (بيده) الشريفة إلى جانبي الغرب والشرق: (إذا كابت الشمس من ها هنا) أي من جهة الغرب (وجاء الليل) أي ظلامه (من ها هنا) أي من جهة المشرق (أفطر الصائم) أي دخل في وقت الفطر وفي الحديث أن الفطر على التمر ليس بواجب وإنما هو مستحب لو تركه مع وجوده جاز وأن الأفضل بعده الفطر على الماء وقد جاء هذا الترتيب في الحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره في الأمر بالفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء فإنه طهور كذا في الشرح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 381) والبخاري (1956) والنسائي في الكبرى (3311). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: (2440) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي قاضي الموصل (وعباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله الكلابي الواسطي ثقة من

عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه. قَال: كُنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ. فَلَمَّا غَابَتِ الشمْسُ قَال لِرَجُلِ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَمْسَيتَ! قَال: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" قَال: إِن عَلَينَا نَهَارًا. فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ. ثُم قَال: "إِذَا رَأَيتُمُ اللَّيلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ ههُنَا (وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". (2441) (0) (0) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الشيبَانِيُّ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) (عن) أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان (الشيباني) الكوفي (عن) عبد الله (بن أبي أوفى رضي الله عنه). وهذا السند من رباعياته أيضًا غرضه بسوقه بيان متابعة علي بن مسهر وعباد بن العوام لهشيم بن بشير في رواية هذا الحديث عن الشيباني. (قال) ابن أبي أوفى: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما غابت الشمس) وغربت (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لرجل) هو بلال: (انزل فاجدح لنا) أي اخلط اللبن بالماء والجدح خلط الشيء بغيره والمجدح المخوض قالوا: وهو عود في طرفه عودان قاله القرطبي اهـ من المفهم. (فقال) الرجل: (يا رسول الله لو أمسيت) أي لو أخرت إفطارك إلى وقت المساء ظن أن بقية الضوء والحمرة من النهار كما قال (إن علينا نهارًا) فبين صلى الله عليه وسلم أن العبرة بغروب القرص ولا يلتفت إلى الضوء الباقي بعده أفاده الأبي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية: (انزل فاجدح لنا قال) الرجل: (إن علينا نهارًا فنزل) الرجل (فجدح له فشرب ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الليل) أي ظلامه (قد أقبل من ها هنا وأشار بيده) الشريفة (نحو المشرق فقد أفطر الصائم) أي دخل في وقت الإفطار. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: (2441) (0) (0) (وحدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة من (8) (حدثنا سليمان) بن أبي سليمان (الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول) غرضه بيان

سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ. فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَال: "يَا فُلانُ! انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا" مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَعَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ. (2442) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الشيبَانِي، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَعَبَّادٍ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة عبد الواحد لعلي بن مسهر وعباد بن العوام: (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في سفر (وهو صائم فلما غربت الشمس قال: يا فلان انزل فاجدح لنا) وساق عبد الواحد باقي الحديث (مثل حديث ابن مسهر وعباد بن العوام). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: (2442) (0) (0) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي صدوق من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي المكي (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (كلاهما) أي كل من سفيان وجرير رويا (عن) أبي إسحاق (الشيباني عن ابن أبي أوفى) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته غرضه بيان متابعة سفيان وجرير لابن مسهر وعباد وعبد الواحد. (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (قالا): أي قال معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر: (حدثنا شعبة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث ابن مسهر وعباد وعبد الواحد). وهذا السندان من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لابن مسهر وعباد وعبد الواحد.

وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَلَا قَوْلُهُ؛ "وَجَاءَ اللَّيلُ مِنْ ههُنَا" إلا فِي رِوَايَةِ هُشَيمٍ وَحْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) لكن (ليس في حديث أحد منهم) أي ممن روى عن الشيباني قوله: (في شهر رمضان ولا قوله: وجاء الليل من ها هنا إلا في رواية هشيم) عن الشيباني (وحده) دون غيره ممن روى عن الشيباني والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني: حديث عمرو بن العاص ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة. والثالث: حديث زيد بن ثابت ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع: حديث سهل بن سعد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والخامس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث سهل وذكر فيه متابعة واحدة. والسادس: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. والسابع: حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستشهاد لحديث عمر بن الخطاب وذكر فيه ثلاث متابعات فجملة الأصول في هذا الباب من الاستدلال والشواهد سبعة وكذا المتابعات فيه سبع والله سبحانه وتعالى أعلم.

443 - (61) باب النهي عن الوصال في الصوم وما جاء في القبلة للصائم

443 - (61) باب النهي عن الوصال في الصوم وما جاء في القبلة للصائم (2443) (1068) - (218) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَن النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوصَالِ. قَالُوا: إِنكَ تُوَاصِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 443 - (61) باب النهي عن الوصال في الصوم وما جاء في القبلة للصائم (2443) (1068) (218) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما). وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري وهذا السند يسمى عندهم بسلسلة الذهب. (أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن الوصال) قال النواوي: هو صوم يومين فصاعدًا من غير أكل وشرب بينهما اهـ. وقال الطحطاوي: هو أن يصوم ولا يفطر بعد الغروب أصلًا حتى يتصل صوم الغد بصوم الأمس كذا في نور الإيضاح. وقال الحافظ: هو الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد فيخرج من أمسك اتفاقًا ويدخل من أمسك جميع الليل أو بعضه اهـ وقال: ورد في النهي عن الوصال منبها على علة النهي ما أخرجه أحمد والطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في تفسيرهما بإسناد صحيح إلى ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا وقال: يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} فإذا كان الليل فافطروا هذا لفظ ابن أبي حاتم اهـ فتح الملهم. قال النواوي: والنهي للتحريم قال ملا علي: والحكمة في النهي أنه يورث الضعف والسآمة والقصور عن أداء غيره من الطاعات اهـ. (قالوا: إنك تواصل) الصوم يا رسول الله قال ابن حجر في الفتح: وكان القائل

قَال: "إِنِّي لَسْتُ كَهَيئَتِكُمْ. إِني أُطْعَمُ وَأُسْقَى". (2444) (0) (0) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدًا ونسب القول إلى الجميع لرضاهم به ولم أقف على تسمية القائل في شيء من الطرق اهـ. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لست كهيئتكم) أي ليست صفتي كصفتكم يعني إن هيئتكم تحتاج إلى إخلاف ما تحلل وصوم الوصال يضعف قواكم ويعجزكم عن العبادة بخشوعها وليست هيئتي كذلك فإن مزاجي محروس عن التحلل لغاية انجذابه إلى جناب القدس اهـ مبارق. (إني أُطعم وأُسقى) بضم الهمزة فيهما على صيغة المبني للمفعول يعني يجعل الله لي قوة الطاعم والشارب اهـ مبارق. قال القرطبي: قوله: (إني أُطعم واسقى) حمله قوم على ظاهره وهو أن الله يطعمه طعامًا ويسقيه شرابًا حقيقة من غير تأويل وليس بصحيح لأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم: إنك تواصل ولارتفع عنه اسم الوصال لأنه حينئذ يكون مفطرًا ويخرج كلامه عن أن يكون جوابًا لما سئل عنه ولأن في بعض ألفاظ هذا الخير: (إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني) (وظل) إنما تقال فيمن فعل الشيء نهارًا (وبات) فيمن فعله ليلًا وحينئذ يلزم عليه فساد صومه وذلك باطل بالإجماع اهـ من المفهم. وفي كتاب نور الأنوار في شرح المنار عند شرح القول المذكور: روي أنه صلى الله عليه وسلم واصل فواصل أصحابه فانكر عليهم الموافقة في وصال الصوم فقال: أيكم مثلي يطعمني ربي ويسقيني يعني أنتم لا تستطيعون الصيام متواليًا في الليل والنهار ولي قوة روحانية من عند الله تعالى أطعم عنده وأسقى من شراب المحبة كما قال قائل شعرًا: وذكرك للمشتاق خير شراب ... وكل شراب دونه كسراب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: (2444) (0) (0) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ فِي رَمَضَانَ. فَوَاصَلَ النَّاسُ. فَنَهَاهُمْ. قِيلَ لَهُ: أنْتَ تُوَاصِلُ؟ قَال: "إِنًي لَسْتُ مِثْلَكُمْ. إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى". (2445) (0) (0) وحدّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لمالك. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل) أي والى (في) صوم (رمضان) ليلًا ونهارًا بترك تناول المفطرات (فواصل الناس) معه صومهم (فنهاهم) عن الوصال فـ (ـقيل له: أنت تواصل) في صومك فأنهيتنا عن الوصال فنحن نريد موافقتك في الوصال فـ (ـقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لست مثلكم) فلا يضعفني الوصال عن سائر العبادات فـ (ـإني أطعم وأسقى) بالبناء للمفعول فيهما أي أعطى قوة الطاعم والساقي قال الخطابي: يحتمل هذا الكلام لمعنيين: أحدهما: أني أعان على الصيام وأقوى عليه فيكون ذلك لي بمنزلة الطعام والشراب لكم ويحتمل أن يكون قد يؤتى على الحقيقة بطعام وشراب يطعمهما فيكون ذلك خصوصية له وكرامة لا يشركه فيها أحد من أصحابه اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2445) (0) (0) (وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري صدوق من (11) (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري البصري صدوق من (9) (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري ثقة من (8) (عن أيوب) السختياني البصري (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أيوب (بمثله) أي بمثل حديث عبيد الله (و) لكن (لم يقل)

فِي رَمَضَانَ. (2446) (1069) - (219) حدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوصَالِ. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! تُوَاصِلُ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنًي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ أيوب لفظة: (في رمضان) غرضه بسوق. هذا السند بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: (2446) (1069) (219) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (حدثني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (أن أبا هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي. (قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال) في الصوم نهي تحريم أو تنزيه (فقال رجل من المسلمين) لم أر من ذكر اسمه وكان القائل واحد ونسب القول إلى الجميع في حديث ابن عمر حيث قال فيه: (قالوا) لرضاهم به فلا معارضة بينه وبين حديث ابن عمر: (فإنك يا رسول الله تواصل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهم: (وأيكم مثلي) أي على صفتي ومنزلتي وقربي من الله تعالى (إني أبيت) استئناف مبين لنفي المساواة بعد نفيها الإنكاري (يطعمني ربي ويسقيني) خبر أبيت أو حال من فاعله إن كان تامة والمعنى يجعل الله تعالى في قوة الطاعم والشارب اهـ نووي. وأراد بقوله (وأيكم مثلي) الفرق بينه وبين غيره لأنه تعالى يفيض عليه ما يسد مسد طعامه وشرابه من حيث إنه يشغله عن الإحساس بالجوع والعطش ويقويه على الطاعة ويحرسه عن الخلل المفضي إلى ضعف القوى وكلال الأعضاء اهـ من المرقاة بتصرف.

فَلَمَّا أَبَوْا أنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا. ثُمَّ رَأَوُا الْهِلال. فَقَال: "لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلالُ لَزِدْتُكُمْ" كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. (2447) (0) (0) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وَإِسْحَاقُ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالْوصَال" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلما أبوا) أي امتنعوا من (أن ينتهوا) وينزجروا (عن الوصال) أي فلما امتنعوا من قبول النهي عن الوصال قال الراغب: الإباء أشد الامتناع والانتهاء الانزجار عما نهي عنه (واصل بهم) الصوم (يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال) أي هلال شوال (فقال) لهم: (لو تأخر الهلال) أي استهلال الهلال وطلوعه (لزدتكم) في الوصال بعد اليومين إلى أن عجزتم عن الوصال واضطررتم إلى تركه وسألتم التخفيف عنكم بتركه وهذا كما أشار إليهم أن يرجعوا من حصار الطائف فلم يعجبهم فأمرهم بمباكرة القتال من الغد فأصابتهم جراح وشدة وأحبوا الرجوع فأصبح راجعًا فأعجبهم ذلك اهـ فتح وقوله: (كالمنكل لهم) الخ من كلام الراوي من التنكيل وهو المعاقبة أي قال أبو هريرة: قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عقوبةً كالفاعل بهم ما يكون لغيرهم عبرة (حين أبوا) وامتنعوا عن (أن ينتهوا) وينزجروا عن الوصال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 516) والبخاري (1965). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2447) (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال زهير: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة) بن القعقاع الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما نسائي أو مروزي غرضه بسوقه بيان متابعة أبي زرعة لأبي سلمة بن عبد الرحمن. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والوصال) أي باعدوا أنفسكم عن الوصال في الصوم وإياكم منصوب على التحذير بعامل محذوف

قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "إِنكمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي. إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا مِنَ الأعمَالِ مَا تُطِيقُونَ". (2448) (0) (0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوبًا لقيام المعطوف مقامه أي احذروا الوصال قال النواوي في شرح المهذب: الوصال أن يصوم فرضًا أو نفلًا يومين فأكثر ولا يتناول بالليل مطعومًا عمدًا بلا عذر اهـ. وقضيته أن الجماع والاستقاءة وغيرهما من سائر المفطرات لا يخرجه عن الوصال قال الأسنوي في المهمات: وهو ظاهر من جهة المعنى لأن النهي عن الوصال إنما هو لأجل الضعف والجماع ونحوه يزيده أو لا يمنع حصوله اهـ قسط. (قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: إنكم لستم في ذلك) أي في الوصال (مثلي) فـ (ـإني أبيت) أي أكون في الليل حالة كوني (يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا) بهمزة وصل وسكون الكاف وفتح اللام من كلفت بهذا الأمر أكلف به من باب علم يعلم إذا ولعت به وأحببته كما في النهاية أي تكلفوا (من الأعمال) الصالحة (ما تطيقونـ) ـها فحذف العائد أي التي تقدرون الدوام عليها ولا تتكلفوا فوق ما تطيقونه فتعجزوا عنه. قال النواوي في تفسيره: خذوا وتحملوا من الأعمال ما تطيقونها أي تطيقون الداوم عليها. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2448) (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي الحزامي المدني ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة فإنه بلخي غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي زرعة. (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق الأعرج (بمثله) أي بمثل حديث أبي زرعة

غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَاكْلَفُوا مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ". (2449) (0) (0) وحدّثنا ابْنُ نُمَير. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْوصَالِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. (2450) (1070) - (220) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. قَال: كَانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (غير أنه) أي لكن أن الأعرج (قال) في روايته: (فاكلفوا) بفتح اللام من باب علم أي خذوا من العمل (ما لكم به طاقة) أي قدرة على الداوم عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2449) (0) (0) (وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لعمارة بن القعقاع. (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الوصال) وساق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة (بمثل حديث عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة) عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهم فقال: (2450) (1070) (220) (حدثني زهير بن حرب حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان) بن المغيرة القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك البصري (رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد نسائي. (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) صلاة الليل (في) ليالي

رَمَضَانَ. فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ. وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَامَ أَيضًا. حَتَّى كُنَّا رَهْطًا. فَلَمَّا حَسَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّا خَلْفَهُ، جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلاةِ. ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ فَصَلَّى صَلاةً لَا يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا. قَال: قُلْنَا لَهُ، حِينَ أَصْبَحْنَا: أَفَطِنْتَ لَنَا الليلَةَ؟ قَال: فَقَال: "نَعَمْ. ذَاكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الَّذِي صَنَعْتُ". قَال: فَأَخَذَ يُوَاصِلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَذَاكَ فِي آخِرِ الشَهْرِ. فَأَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (رمضان فجئت) أنا (فقمت إلى جنبه) أي إلى جانبه الأيمن (وجاء رجل آخر) لم أر من ذكر اسمه من الشراح (فقام) ذلك الآخر إلى جانبه الآخر (أيضًا) أي كما قمت أنا جانبه ثم جاء آخرون فقاموا خلفه معنا (حتى) اجتمعنا وكنا رهطًا) أي جماعة قال ابن الأثير: الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل: إلى الأربعين ولا تكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهيط جمع الجمع اهـ. (فلما حسَّ) بلا همزة لغة قليلة واللغة الفصحى أحس بالهمزة نظير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ} أي فلما علم (النبي صلى الله عليه وسلم أنَّا) نحن (خلفه) أي كوننا مصلين خلفه (جعل) أي شرع (يتجوَّز) أي يخفف (في الصلاة) مقتصرًا فيها على الواجب المجزئ مع بعض المندوبات والتجوُّزُ هنا للمصلحة (ثم) بعد ما سلم من الصلاة (دخل رحله) أي منزله قال الأزهري: رحل الرجل عند العرب هو منزله سواء كان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر أو غيرهما اهـ نووي (فصلى صلاة) طويلة (لا يصليها عندنا) أي لم يصل مثلها معنا (قال) أنس: (قلنا له حين أصبحنا) أي حين دخلنا في الصباح: (أفطنت) أي هل علمت (لنا الليلة) أي البارحة حين صلينا خلفك والفطنة الفهم مع الحذق وهو أخص من الفهم. (قال) أنس: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أي فطنت صلاتكم ورائي (ذاك) أي صلاتكم ورائي هو (الذي حملني) وبعثني (على الذي صنعت) أي على صلاتي في منزلي وترك الخروج إليكم لئلا تفرض صلاة الليل عليكم فتعجزوا عنها (قال) أنس: (فأخذ يواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخذ وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل الصوم ليلًا ونهارًا لا يفطر وهذا محل الترجمة من الحديث (وذاك) الوصال منه صلى الله عليه وسلم كان (في آخر الشهر) أي في آخر شهر رمضان (فأخذ)

رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُوَاصِلُونَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ! إِنَّكمْ لَسْتُمْ مِثْلِي. أَمَا وَاللهِ! لَوْ تَمَادَّ لِي الشهْرُ لَوَاصَلْتُ وصَالًا. يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ". (2451) (0) (0) حدَّثنا عَاصِمُ بْنُ النضْرِ التَّيمِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ ثَابِتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي شرع (رجال) لم أر من ذكر أسماءهم (من أصحابه) صلى الله عليه وسلم (يواصلون) الصوم (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال رجال) أي ما شأن رجال (يواصلون) الصوم (إنكم) أيها المواصلون للصوم (لستم مثلي) أي على هيئتي وصفتي (أما) حرف استفتاح وتنبيه (والله لو تماد) وزاد (لي الشهر) أي شهر رمضان أي لو كمل ثلاثين لزاد اليوم الآخر إلى اليومين المتقدمين ولو واصل بهم ذلك الشهر لظهر ضعفه عليهم لصدق حجته صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وفي بعض النسخ (تمادى) وكلاهما صحيح وهو بمعنى (مد) في الرواية الأخرى. (لواصلت) الصيام (وصالًا) تامًّا (يدع) أي يترك بسببه (المتعمقون) أي المشددون في الأمور المجاوزون الحدود في قول أو فعل (تعمقهم) أي تشددهم فيها وجملة (يدع) صفة لوصالًا والتعمق المبالغة في تكلف ما لم يكلف به وعمق الوادي قعره. قال القرطبي: و (التعمق) الانتهاء إلى عمق الشيء وغايته مأخوذ من عمق البئر وهو أقصى قعرها وكونه صلى الله عليه وسلم واصل بهم يدل على أن الوصال ليس بحرام ولا مكروه من حيث هو وصال لكن من حيث يذهب بالقوة وكان نهيه صلى الله عليه وسلم عنه رحمة لهم ورفقًا بهم كما نصت عليه عائشة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 124 و 235) والبخاري (7241) والترمذي (778). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: . (2451) (0) (0) (حدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري صدوق من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري ثقة من (8) (حدثنا حميد) بن أبي حميد الطويل البصري (عن ثابت) بن أسلم

عَنْ أَنَس. قَال: وَاصَل رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي أول شَهْرِ رَمَضَانَ. فَوَاصَلَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَبَلَغَهُ ذَلِكَ. فَقَال: "لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وصَالًا، يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ. إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي. (أَوْ قَال: ) إِنِّي لَسْتُ مِثلَكُمْ. إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ البناني (عن أنس) بن مالك البصري. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون وغرضه بسوقه بيان متابعة حميد الطويل لسليمان بن المغيرة. (قال) أنس: (واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان) قال النواوي: كذا هو في كل النسخ التي ببلادنا وكذا نقله القاضي عن أكثر النسح قال: وهو وهم من الراوي وصوابه (آخر شهر رمضان) وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم وهو الموافق للحديث الذي قبله ولباقي الأحاديث اهـ. وقال الزرقاني في شرح المواهب: يمكن تصحيح هذه الرواية بأنه واصل في أوله يومين وثلاثًا وفي آخره كذلك فحكى وصاله في أوله وهو لا يدل على أن ناسًا تبعوه لاحتمال أنهم انتظروا وصاله ثانيًا اهـ فتح. (فواصل ناس من المسلمين فبلغه) صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي وصالهم (فقال: لو مد لنا الشهر) وكمل ولم يكن ناقصًا (لواصلنا) بهم (وصالًا يدع) أي يترك بسببه (المتعمقون) أي المتشددون (تعمقهم) أي تشددهم في الدين (إنكم) أيها المسلمون (لستم مثلي) في القدرة على الوصال (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي والشك من الراوي أو ممن دونه: (إني لست مثلكم إني أظل) بفتح الهمزة والظاء المعجمة مضارع ظللت من باب علم إذا عملت بالنهار وهي محمولة على معنى مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ من الكون في النهار لأن المتحدث عنه هو الإمساك في الليل لا نهارًا وأكثر الروايات إنما هي (أبيت) وكأن بعض الرواة عبر عنها باظل نظرًا إلى اشتراكهما في مطلق الكون يقولون كثيرًا أضحى فلان كذا مثلًا ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضحى ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} فإن المراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل والظاهر هنا كونهما بمعنى صار أو كان وجملة قوله: (يطعمني ربي ويسقيني) خبر ظل ولكنه خبر سببي أي إني أكون مطعمًا إياي

(2452) (1071) - (221) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدَةَ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ربي وساقيًا كل وقت أو ليلا واختلف في معناه فقيل: على حقيقته وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله تعالى كرامة له في ليالي صيامه وتعقبه ابن بطال لو كان كذلك لم يكن مواصلًا وبأن قوله: أظل يدل على وقوع ذلك بالنهار فلو كان الأكل والشرب حقيقة لم يكن صائمًا وأجيب بأن الراجح من الروايات لفظ (أبيت) دون أظل ويكون أظل بمعنى أبيت وبأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجري عليه أحكام المكلفين فيه وبان الذي يفطر شرعًا إنما هو الطعام المعتاد وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى وليس تعاطيه من جني الأعمال وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة في الجنة والكرامة لا تبطل العبادة اهـ من فتح الملهم باختصار. وقوله: (لستم مثلي) قال الحافظ: واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم وعلى أن غيره ممنوع منه إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر ثم اختلف في المنع المذكور فقيل: على سبيل التحريم وقيل على سبيل الكراهة وقيل: يحرم على من شق عليه ويباح لمن لم يشق عليه وقد اختلف السلف في ذلك فنقل التفصيل عن عبد الله بن الزبير وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه أنه كان يواصل خمسة وعشرين يومًا وذهب إليه من الصحابة أيضًا أخت أبي سعيد ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعم وعامر بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبو الجوزاء كما نقله أبو نعيم في ترجمته في الحلية وغيرهم رواه الطبري وغيره ومن حجتهم ما تقدم في الباب من أنه صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه بعد النهي فلو كان النهي للتحريم لما أقرهم على فعله فعلم أنه أراد بالنهي الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به عائشة في حديثها التالي وهذا نظير ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم ولم ينكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشق عليه اهـ باختصار. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: (2452) (1071) (221) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعثمان بن أبي شيبة جميعًا عن محبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي (قال إسحاق: أخبرنا عبدة بن سليمان

عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ قَالتْ: نَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوصَالِ رَحْمَةً لَهُم فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ! قَال: "إِني لَسْتُ كَهَيئَتِكُمْ. إِنِّي يُطعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي". (2453) (1072) - (222) حدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ومروزي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة. (قالت) عائشة: (نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم) أي نهى أصحابه (عن الوصال رحمة لهم) أي رأفة بهم وإبقاء عليهم كما أخرج أبو داود وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه) وإسناده صحيح اهـ فتح. (فقالوا: إنك تواصل قال: إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني) ويحتمل أن يكون المعنى المراد بقوله يطعمني ربي وشمقيني أي يشغلني التفكر في عظمته والتملي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام والشراب وإلى هذا جنح ابن القيم رحمه الله وقال: قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه كما قيل شعر: لها أحاديث في ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور يستضاء به ... ومن حديثك في أعقابها حادي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1964). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2453) (1072) (222) (حدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. ثُمَّ تَضْحَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المروزي ثقة من (9) (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد مروزي. (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك) عائشة روى ابن أبي شيبة عن شريك عن هشام في هذا الحديث (فضحكت فظننا أنها هي). قال الحافظ: ويحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا وقيل: تعجبت من نفسها إذا تحدثت بمثل هذا مما يستحيى من ذكر النساء مثله للرجال ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك وقد يكون الضحك خجلًا لإخبارها عن نفسها بذلك أو تنبيهًا على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بها أو سرور بمكانها وبمنزلتها منه ومحبته وقد روى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التيمي عن عائشة قالت: (أهوى إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليقبِّلني فقلت: إني صائمة فقال: وأنا صائم فقبَّلني) وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشباب والشيخ لأن عائشة كانت شابة نعم لما كان الشاب مظنة هيجان الشهوة فرق من فرق. وقال المازري: ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدَّى إليه وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال: يحرم في حقه ومن رأى أن لا قضاء قال: يكره وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة قال: ومن بديع ما رُوي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: للسائل عنها (أرأيت لو تمضمضت) فأشار إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عمر قال النسائي: منكر وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

(2454) (0) (0) حدَّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرِ السَّعْدِيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهَا؛ أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَسَكَتَ سَاعةً. ثُمَّ قَال: نَعَمْ. (2455) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) روى أبو داود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها وإسناده ضعيف ولو صح فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها والله أعلم كذا في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 400) وابن ماجه (1684). ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: (2454) (0) (0) (حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (قال) سفيان: (قلت لعبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني: (أسمعت) أي هل سمعت (أباك) القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة (يحدث عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه يبان متابعة القاسم لعروة بن الزبير في رواية هذا الحديث عن عائشة. (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم فسكت) عبد الرحمن (ساعة) أي مدة من الزمن عن جواب سؤال سفيان ليتذكر تحديث أبيه عن عمته الصديقة (ثم قال) عبد الرحمن لسفيان: (نعم) سمعت أبي القاسم بن محمد يحدث عن عائشة تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم إياها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2455) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص العدوي المدني (عن القاسم) بن محمد التيمي

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ. وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني (عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان غرضه بيان متابعة عبد الله لعبد الرحمن بن القاسم في رواية هذا الحديث عن القاسم. (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأيكم) أيها الرجال أي وأي منكم (يملك إربه) أي يغلب شهوته ويكفها استفهام إنكار أي لا أحد منكم يكف شهوته كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه) أي يكف شهوته ويمنعها. وقوله: (إربه) بكسر الهمزة وسكون الراء وهو رواية الأكثر على بيان النواوي ويفسر تارة بأنه الحاجة وتارة بأنه العقل وتارة بأنه العضو وأريد ها هنا العضو المخصوص وقد يروى بفتح الهمزة والراء على المشهور وهو الحاجة تريد به الشهوة كذا ذكره في شرح السنة ورده التوربشتي بأن تفسيره بالعضو المخصوص خارج عن سنن الأدب. قال الطيبي: ولعل ذلك مستقيم لأن الصديقة رضي الله تعالى عنها ذكرت أنواع الشهوة مترقية من الأدنى إلى الأعلى فبدأت بمقدمتها التي هي القبلة ثم ثنت بالمباشرة من نحو المداعبة والمعانقة وأرادت أن تعبر عن المجامعة فكنَّت عنها بالإرب وأي عبارة أحسن منها اهـ وفيه أن المستحسن إذًا أن الإرب بمعنى الحاجة كناية عن المجامعة وأما ذكر الذكر فغير ملائم للأنثى كما لا يخفى لا سيما في حضور الرجال ثم المعنى أنه كان أملككم وأغلبكم وأقدركم على منع النفس مما لا ينبغي أن يفعل قال ابن الملك: أرادت بملكه عليه حاجته قمعه الشهوة فلا يخاف الإنزال بخلاف غيره وعلى هذا فيكره لغيره القبلة والملامسة باليد كذا في المرقاة وفي الحواشي السندية على ابن ماجه: قيل: معناه أنه مع ذلك يأمن الإنزال والوقاع فليس لغيره ذلك فهذا إشارة إلى علة عدم إلحاق الغير به في ذلك ومن يجيزها للغير يجعل قولها إشارة إلى أن غيره له ذلك بالأولى فإنه أملك الناس لإربه ويباشر ويقبل فكيف لا يباح لغيره اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2456) (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ) عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها. ح وَحَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ. ولَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2456) (0) (0) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة من (5) (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (وعلقمة) بن قيس النخعي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة ويحيى بن يحيى غرضه بيان متابعة الأسود وعلقمة للقاسم بن محمد. (ح وحدثنا شجاع بن مخلد) البغوي البغدادي أبو الفضائل الفلاس روى عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة في الصوم دماسماعيل بن علية في الفضائل وحسين بن علي الجعفي في الفضائل ويروي عنه (م د ق) والبغوي وثقه ابن معين وأحمد وابن قانع وأبو زرعة وقال في التقريب: صدوق وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف فذكره بسببه العقيلي في الضعفاء من العاشرة مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين (حدثنا يحيى) ابن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي ثقة من (9) (حدثنا الأعمش عن مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني مولاهم أبي الضحى الكوفي ثقة من (4) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مسروق للقاسم بن محمد. (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل) بعض نسائه (وهو) أي والحال أنه (صائم ويباشر) بها أي يستمتع بملاقاة بشرتها بالمعانقة مثلًا (وهو صائم ولكنه) صلى الله عليه وسلم (أملككم) أي أغلبكم وأقدركم (لأربه) أي لكف شهوته ومنعها قال العلماء: معنى كلام عائشة أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة ولا تتوهموا من

(2457) (0) (0) حدّثني عَلِى بْنُ حُجْرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. (2458) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنفسكم أنكم مثل النبي صلى الله عليه وسلم في استبحاتها لأنه يملك نفسه ويأمن الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس أو نحو ذلك وأنتم لا تأمنون ذلك وطريقكم الانكفاف عنها اهـ نواوي. وفي حديثها ذكر القبلة ثم ذكر المباشرة من نحو المداعبة والمعانقة ثم لما أرادت أن تعبر عن المجامعة كَنَتْ عنها بالإرب وهو معنى قولها (ولكنه أملككم) بمعنى أنه ما كان يفعلها مع حومه حول مقدماتها والمعنى كما قال ملا علي: إنه كان أغلبكم وأقدركم على منع النفس مما لا ينبغي اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: (2457) (0) (0) (حدثني علي بن حجر) السعدي المروزي (وزهير بن حرب قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتَّاب بمثلثة الكوفي ثقة من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة منصور للأعمش في الرواية عن إبراهيم عن علقمة. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم وكان أملككم) أي أمنعكم (لإربه) أي لشهوته. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا فقال: (2458) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عائشة رضي الله تعالى عنها).

أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ. (2459) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، قَال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها. فَقُلْنَا لَهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ؟ قَالتْ: نَعَمْ. وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ أَوْ مِنْ أَمْلَكِكُمْ لإِرْبِهِ. شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ. (2460) (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان في الرواية عن منصور (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر) بإحدى نسائه (وهو صائم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2459) (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري ثقة من (9) (قال: سمعت) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتحتين بينهما راء ساكنة المزني مولاهم أبو عون البصري ثقة ثبت من (6) (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (قال (الأسود: (انطلقت) أي ذهبت (أنا ومسروق) بن الأجدع (إلى عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن عون للأعمش في روايته عن إبراهيم عن الأسود قال الأسود: (فقلنا لها: كان) أي هل كان (رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر) أي يستمتع بمباشرة نسائه (وهو) أي والحال أنه (صائم قالت) عائشة: (نعم) يباشرهن وهو صائم (ولكنه) صلى الله عليه وسلم (كان أملككم) أي أغلبكم وأمنعكم (لأربه) أي لشهوته (أو) قال لي ابن عون: كان (من أملككم لأربه) بزيادة من التبعيضية قال المؤلف أو ابن المثنى: (شك أبو عاصم) النبيل في أي اللفظين قال ابن عون. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2460) (0) (0) (وحدثنيه يعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) نسبة

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسوَدِ وَمَسْرُوقٍ؛ أَنَّهُمَا دَخَلا عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ليَسأَلانِهَا. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. (2461) (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَن عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ؛ أَن عُرْوَةَ بْنَ الزبَيرِ أَخْبَرَهُ؛ أَن عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله تَعَالى عنها أَخْبَرَتْهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى دورقة وهي القلنسوة الطويلة لأنه كان يلبسها أبو يوسف البغدادي ثقة من (15) (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية الأسدي البصري ثقة من (8) (عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود ومسروق أنهما دخلا على أم المومنين) عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة إسماعيل بن علية لأبي عاصم أي دخلا عليها حالة كونهما. (ليسألانها) مقرونًا بلام كي مع إثبات نون علامة الرفع وهي لغة شاذة وفي كثير من الأصول (يسألانها) بحذف اللام وهذا هو الأفصح الواضح المشهور في العربية (فذكر) إسماعيل بن علية (نحوه) أي نحو حديث أبي عاصم عن ابن عون. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثامنًا في حديثهما فقال: (2461) (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية البصري ثقة من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليامي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أمير المؤمنين المدني (أخبره) أي أخبر أبا سلمة (أن عروة بن الزببر أخبره) أي أخبر عمر بن عبد العزيز (أن عائشة أم المومنين رضي الله تعالى عنها أخبرته) أي أخبرت لعروة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها) أي يقبِّل عائشة (وهو صائم). وهذا السند من ثمانياته غرضه بيان متابعة عروة بن الزبير لمن روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

(2462) (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (2463) (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأحوَصِ) عَنْ زَيادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة تاسعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2462) (0) (0) (وحدثنا يحيى بن بشر) بن كثير (الحريري) بفتح المهملة أبو زكرياء الكوفي صدوق من (10) (حدثنا معاوية يعني ابن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي بضم المهملة نسبة إلى حي من حمير الدمشقي ثقة من (7) (عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عمر عن عروة عن عائشة غرضه بيان متابعة معاوية لشيبان بن عبد الرحمن وساق معاوية (مثله) أي مثل ما روى شيبان عن يحيى بن أبي كثير. ثم ذكر المؤلف المتابعة عاشرًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2463) (0) (0) (حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو الأحوص) سلَّام بن سليم الحنفي الكوفي (عن زياد بن علاقة) بكسر المهملة وبالقات الثعلبي بالمثلثة الكوفي ثقة من (3) (عن عمرو بن ميمون) الأودي أبي عبد الله الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عمرو بن ميمون لمن روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها. (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل) نساءَه (في شهر الصوم) يعني رمضان في حال صيامه. ثم ذكر المؤلف المتابعة حادي عشرها في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال:

(2464) (0) (0) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهَا، قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُو صَائِمٌ. (2465) (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَينِ. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2464) (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا بهز بن أسد) العمي نسبة إلى بني العم من أولاد مرة بن وائل أبو الأسود البصري ثقة إمام من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أبو بكر) عبد الله بن قطاف (النهشلي) الكوفي صدوق من (7) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي بكر لأبي الأحوص في رواية هذا الحديث عن زياد بن علاقة. (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل في رمضان وهو صائم). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثاني عشرها فقال: (2465) (0) (0) (وحدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري ثقة من (10) (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة إمام من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة من (5) (عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي الحسين زين العابدين المدني ثقة من (3) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد كوفي غرضه بيان متابعة علي بن الحسين لمن روى عن عائشة. (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل) نساءَه في رمضان (وهو صائم).

(2466) (1073) - (223) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ) عَنِ الأعمَشِ، عَنْ مُسْلِم، عَنْ شُتَيرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ حَفْصَةَ رضي الله تَعَالى عنها، قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ. (2467) (0) (0) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ شُتَيرِ بْنِ شَكَلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما فقال: (2466) (1073) (223) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال يحيى أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح الهمداني مولاهم أبي الضحى العطار الكوفي ثقة من (4) (عن شتير) مصغرًا (بن شكل) بفتحتين العبسي بموحدة الكوفي أدرك الجاهلية ثقة من (3) (عن حفصة) بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين (رضي الله تعالى عنها) العدوية المدنية تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خنيس بن حذافة في شعبان سنة ثلاث وماتت سنة خمس وأربعين لها ستون حديثًا اتفقا على ثلاثة وانفرد (م) بستة يروي عنها (ع) وشتير بن شكل في الصوم وأخوها عبد الله بن عمر في الصلاة كما مر وفي الحج. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا حفصة ويحيى بن يحيى. (قالت) حفصة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل) نساءَه (وهو صائم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث حفصة رضي الله تعالى عنها فقال: (2467) (0) (0) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7). (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي من (8) (كلاهما) أي كل من أبي عوانة وجرير رويا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (عن مسلم) بن صبيح الكوفي (عن شتير بن شكل) الكوفي

عَنْ حَفْصَةَ رضي الله تَعَالى عنها، عَنِ النبي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. بِمِثلِهِ. (2468) (1074) - (224) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِي. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ كَعْبِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَنهُ سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وسلَمَ: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "سَلْ هذِهِ" (لأُمِّ سَلَمَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن حفصة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق منصور (بمثله) أي بمثل ما روى الأعمش عن مسلم بن صبيح غرضه بيان متابعة منصور للأعمش في الرواية عن مسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال: (2468) (1074) (224) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) ثم المصري (حدثنا ابن وهب) المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) ابن يعقوب الأنصاري المصري (عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري النجاري المدني ثقة من (5) روى عنه في (4) (عن عبد الله بن كعب الحميري) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء التحتانية نسبة إلى حمير كما في لب اللباب مولى عثمان المدني روى عن عمر بن أبي سلمة في الصوم وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث في الصوم ويروي عنه (م س) وعبد ربه بن سعيد ذكره ابن حبان في الثقات روى له مسلم حديثًا في قبلة الصائم والنسائي حديثًا في الصائم يصبح جنبًا وقال في التقريب: صدوق من الرابعة (عن عمر بن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومي المدني ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي صغير ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما (أنه) أي أن عمر (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل) أي هل يقبل (الصائم) زوجه في حال صيامه ولعله مسألة لغيره إذ ذاك كان من الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل هذه) المرأة عما سألتني عنه تجبك مشيرًا (لأم سلمة) أمه هند بنت أبي أمية وهذا لفظ الراوي يريد أن التي أشار إليها النبي صلى الله

فَأَخْبَرَتْهُ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله! قَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: "أَمَا وَاللهِ! إِني لأَتْقَاكُمْ لله، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم بالسؤال عنها هي أم سلمة من أمهات المؤمنين وكانت حاضرة وكانت والدة للسائل كما ذكر آنفًا فكأنه قال: سل أمك قال ابن العربي: أحاله في السؤال على أمه وكان أهل الجاهلية لا يعرض أحدهم لولد الزوجة ولا لأخيها أنه يقبلها ويخالطها وقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم في التنزيه عن ذلك أرفع ولكن أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين أن تنزيههم في الجاهلية عن ذلك رعونة ليست من الشريعة فأحاله على أمه اهـ فتح. فسألها عن ذلك (فأخبرته) أم سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك) التقبيل في حال صومه (فقال) عمر بن أبي سلمة: (يا رسول الله) أنت (قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فلست مثل الناس إنما قال عمر بن أبي سلمة ذلك لأنه ظن أن جواز التقبيل للصائم من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا حرج عليه فيما يفعل لأنه مغفور له فأنكر صلى الله عليه وسلم عليه ذلك (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما) بتخفيف الميم حرف تنبيه واستفتاح (والله إني لأتقاكم) أي لأشدكم تقوى الله) سبحانه وتعالى (وأخشاكم) أي أكثركم خشية (له) تعالى فكيف تظنون بي أو تجوزون عليَّ ارتكاب منهي عنه يعني ما أنا عليه من التقوى أكثر وأوفر من تقواكم فلا ينبغي لأحد أن يجتنب مما فعلته اتقاءً اهـ ابن الملك. وقوله: (وأخشاكم له) أي لله وعدى الخشية باللام لتضمنه معنى الإطاعة قيل: الخشية هو تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل تارة يكون بكثرة الجناية من العبد وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته وخشية الأنبياء من هذا القبيل اهـ ابن الملك. وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية له تعالى لأنه أعظمهم له معرفة أي أنا أتقاكم لله بامتثال المأمورات وأخشاكم له باجتناب المنهيات قال عياض: جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم غضب لقول السائل ذلك وغضبه لذلك ظاهر لأن السائل جوَّز وقوع المنهي عنه منه ولكن لا حرج لأنه قد غفر له ما تقدم وأنكر ذلك وقال: (أما والله إني لأخشاكم) إلخ وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسند هذا الحديث من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين. والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه ثلاث متابعات. والثالث: حديث أنس ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به أيضًا. والخامس: حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكره فيه اثنتي عشرة متابعة. والسادس: حديث حفصة ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة الثاني وذكر فيه متابعة واحدة. والسابع: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

444 - (62) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب وكفارة من أفطر في رمضان بالجماع متعمدا

444 - (62) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب وكفارة من أفطر في رمضان بالجماع متعمدًا (2469) (1075) - (225) حدّثني محمد بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي محمد بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا عَبد الرَّزاقِ بْنُ هَمَّامٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه يَقُصُّ، يَقُولُ في قَصَصِهِ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 444 - (62) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب وكفارة من أفطر في رمضان بالجماع متعمدًا (2469) (1075) (225) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري ثقة من (9) (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي (ح وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (واللفظ له حدثنا عبد الرزاق بن همام) بن نافع الحميري الصنعاني ثقة من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن) أبيه (أبي بكر) محمَّد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي المخزومي المدني ثقة فقيه عابد من (3) روى عنه في (6) أبواب (قال) أبو بكر: (سمعت أبا هريرة رضي الله عنه) حالة كونه (يقص) القصص ويخبر الأخبار. وهذان السندان من سداسياته: الأول منهما رجاله ثلاثة مدنيون وواحد مكي وواحد بصري وواحد بغدادي والثاني منهما رجاله ثلاثة مدنيون وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري. (يقول) أبو هريرة (في قصصه) بفتح القاف وكسرها قال في مجمع البحار القص البيان والقصص بالفتح الاسم وبالكسر جمع قصة (من أدركه الفجر) الصادق لأنه إذا أطلق انصرف إليه حالة كونه (جنبًا) أي محدثًا حدثًا أكبر (فلا يصم) أي فلا يمسك عن المفطرات بنية الصوم لأنه لا يصح صومه لعدم طهارته أول النهار وفي بعض الروايات أفطر ذلك اليوم قال القرطبي: هذه الفتيا من أبي هريرة هو قوله الأول ثم رجع عنه.

فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ الْحَارِثِ (لأَبِيهِ) فَأنْكَرَ ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. حَتى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله تَعَالى عنهما. فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمنِ عَنْ ذلِكَ. قَال: فَكِلْتَاهُمَا قَالتْ: كَانَ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يُصْبحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلف في ذلك فروي عن الحسن بن صالح مثل قول أبي هريرة وعن الحسن والنخعي لا يجزئه إذا أصبح عالمًا بجنابته وإن لم يعلم أجزأه وروي عن الحسن والنخعي لا يجزئه في الفرض ويجزئه في النفل وروي عن الحسنين يصومه ويقضيه ومذهب الجمهور وهو الصحيح الأخذ بحديث أم سلمة وحديثي عائشة الآتيين ومقتضاها أن صوم الجنب صحيح وهو الذي يفهم من ضرورة قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فإنه لما مد إباحة الجماع إلى طلوع الفجر فبالضرورة يعلم أن الفجر يطلع عليه وهو جنب وإنما يتأتى الغسل بعد الفجر وفي معنى هذه المسألة الحائض تطهر قبل الفجر وتترك التطهر حتى تصبح فجمهورهم على وجوب تمام الصوم عليها وإجزائه سواء تركته عمدًا أو سهوًا وشذ محمَّد بن مسلمة فقال: لا يجزئها وعليه القضاء والكفارة وهذا في المفرطة المتوانية فأما التي رأت الطهر فبادرت فطلع الفجر قبل تمامه فقد قال مالك: هي كمن طلع عليها وهي حائض يومها يوم فطر وقاله عبد الملك وقد ذكر بعضهم قول عبد الملك هذا في المتوانية وهو أبعد من قول ابن مسلمة اهـ من المفهم. قال أبو بكر: (فذكرت ذلك) الكلام الذي سمعته من أبي هريرة وأخبرته (لـ) ـأبي ووالدي (عبد الرحمن بن الحارث) وقوله: (لأبيه) من كلام الراوي فهو بدل من قوله لعبد الرحمن مع إعادة الجار والمعنى ذكر ذلك أبو بكر لأبيه عبد الرحمن بن الحارث (فأنكر) والدي عبد الرحمن (ذلك) الكلام الذي أخبرته عن أبي هريرة (فانطلق) أي ذهب والدي (عبد الرحمن) إلى حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: (وانطلقت) أنا أي ذهبت أنا (معه) أي مع والدي عبد الرحمن إلى حجرهن فوصلنا إليها (حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة) رضي الله تعالى عنهما (فسألهما) والدي (عبد الرحمن عن ذلك) أي عما قال أبو هريرة (قال) أبو بكر: (فكلتاهما) أي فكل من عائشة وأم سلمة (قالت) لوالدي عبد الرحمن (كان النبي - صلى الله عليه وسلم يصبح) أي يدخل

جُنُبًا مِنْ غَيرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ. قَال: فَانْطَلَقنَا حَتى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ. فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ. فَقَال مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيكَ إلا مَا ذَهَبْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصباح حالة كونه (جنبًا) أي ذا جنابة وحدث أكبر من جماع أهله (من غير حلم) أي من غير احتلام هو بضم الحاء وبضم اللام وبإسكانها كما في النواوي يعني أنه يصبح جنبًا من جماع لا من احتلام وهو ما يراه النائم في النوم من صورة المرأة لامتناع الاحتلام في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه تسويل من الشيطان فهم معصومون منه فهو قريب من معنى قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيرِ حَقٍّ} ومعلوم أن قتلهم لا يكون بحق (ثم يصوم) معطوف على يصبح أي ثم يستمر صائمًا ولا يفطر قال الحافظ: وحديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاءا عنهما من طرق كثيرة جدًّا بمعنى واحد حتى قال ابن عبد البر: إنه صح وتواتر. قال القرطبي: وفي هذا الحديث فائدتان إحداهما: أنه كان يجامع في رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر بيانًا للجواز والثاني: أن ذلك كان من جماع لا من احتلام لأنه كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه وقال غيره: في قولها: (من غير احتلام) إشارة إلى جواز الاحتلام عليه وإلا لما كان للاستثناء معنى ورده بأن الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه وأجيب بأن الاحتلام يطلق على الإنزال وقد يقع الإنزال بغير رؤية شيء في المنام وأرادت بالتقييد بالجماع المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا يفطر وإذا كان فاعل ذلك عمدًا لا يفطر فالذي ينسى الاغتسال أو ينام عنه أولى بذلك قال ابن دقيق العيد: لما كان الاحتلام يأتي للمرء على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع فبين في هذا الحديث أن ذلك كان من جماع لإزالة هذا الاحتمال اهـ. (قال) أبو بكر: (فانطلقنا) أي انطلقت أنا وأبو عبد الرحمن من عند عائشة وأم سلمة (حتى دخلنا على مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبي عبد الملك الأموي المدني ولى الخلافة في آخر سنة (64) أربع وستين ومات سنة خمس في رمضان وله ثلاث أو إحدى وستون سنة لا تثبت له صحبة من الثانية قال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم في الحديث اهـ من التقريب ومروان يومئذ أمير على المدينة من جهة معاوية (فذكر ذلك) الكلام الذي قاله أبو هريرة وقالته عائشة وأم سلمة (له) أي لمروان والدي (عبد الرحمن) بن الحارث (فقال مروان) لعبد الرحمن: (عزمت عليك إلا ما ذهبت) أي

إلى أَبِي هُرَيرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيهِ مَا يَقُول. قَال: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيرَةَ. وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَال: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرحْمنِ. فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: أَهُمَا قَالتَاهُ لَكَ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: هُمَا أَعْلَمُ. ثُمّ ردَّ أَبُو هُرَيرَةَ مَا كَانَ يَقُول في ذلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَباسِ. فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقسمت عليك وما أقبل منك إلا ذهابك (إلى أبي هريرة فرددت) وأنكرت (عليه ما يقول) في الجنب الصائم الذي أدركه الفجر من عدم صحة صومه وفي فتح الملهم: قوله: (عزمت عليك) إلخ أي أمرتك أمرًا جازمًا عزيمة متحتمة وأمر ولاة الأمور تجب طاعته في غير معصية وبين أبو حازم عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه سبب تشديد مروان في ذلك فعند النسائي من هذا الوجه قال: كنت عند مروان مع عبد الرحمن فذكروا قول أبي هريرة فقال: اذهب فاسأل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذهبنا إلى عائشة فقالت: يا عبد الرحمن أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فذكرت الحديث ثم أتينا أم سلمة كذلك ثم أتينا مروان فاشتد عليه اختلافهم تخوفًا أن يكون أبو هريرة يحدث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروان لعبد الرحمن: عزمت عليك لما أتيته فحدثته قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد دخول العلماء على الأمراء ومذاكرتهم إياهم بالعلم وفيه فضيلة لمروان بن الحكم لما يدل عليه الحديث من اهتمامه بالعلم ومسائل الدين اهـ. (قال) عبد الرحمن: (فجئنا أبا هريرة) قال عبد الملك: (و) والدي (أبو بكر حاضر ذلك) القصص المذكور (كله) مع والده عبد الرحمن (قال) أبو بكر: (فذكر له) أي لأبي هريرة (عبد الرحمن) ما قالت عائشة وأم سلمة (فقال أبو هريرة) لعبد الرحمن: (أهما) أي هل عائشة وأم سلمة (قالتاه) أي قالتا ذلك الحديث الذي حدثته عنهما (لك) يا عبد الرحمن (قال) عبد الرحمن: (نعم) قالتاه (قال) أبو هريرة: إذًا (هما) أي عائشة وأم سلمة (أعلم) مني وهذا يدل على رجوعه عن قوله الأول وقد صرح بالرجوع في آخر الحديث اهـ من المفهم. (ثم رد) وأحال (أبو هريرة ما كان يقول في ذلك) أي في الجنب الذي أدركه الفجر (إلى الفضل بن العباس فقال أبو هريرة) معطوف على قوله ثم رد عطفًا تفسيريًّا: (سمعت

ذلِكَ مِنَ الْفَضْلِ. وَلَمَ أَسْمَعْهُ مِنَ النبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ. قَال: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ في ذلِكَ. قَال: قُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أَقَالتَا: في رَمَضَانَ؟ قَال: كَذَلِكَ. كَانَ يُصْبحُ جُنُبًا مِنْ غَيرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك) الذي قلته (من الفضل) بن عباس (ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم) وفيه استعمال السلف من الصحابة والتابعين الإرسال عن العدول من غير نكير بينهم لأن أبا هريرة اعترف بأنه لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يمكنه أن يرويه عنه بلا واسطة وإنما بينها لما وقع من الاختلاف قاله الحافظ فتأمل اهـ. (قال) عبد الرحمن: (فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك) أي في الجنب الذي أدركه الفجر. قوله: (فرجع أبو هريرة) إلخ قال العلماء: رجوعه إما لرجحان رواية أمّي المؤمنين في جواز ذلك صريحًا على رواية غيرهما مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال إذ يمكن أن يحمل الأمر على الاستحباب في غير الفرض وكذا النهي عن صوم ذلك اليوم وإما لاعتقاده أن يكون خبر أمّي المؤمنين ناسخًا لخبر غيرهما وقد بقي على ما قاله أبو هريرة بعض التابعين كانقله الترمذي ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به النواوي وأما ابن دقيق العيد فقال: صار ذلك إجماعًا أو كالإجماع وذكر ابن خزيمة أن بعض العلماء توهم أن أبا هريرة غلط في هذا الحديث ثم رد عليه بأنه لم يغلط بل أحال على رواية صادق إلا أن الخبر منسوخ لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصيام كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم فيحتمل أن يكون خبر الفضل كان حينئذ ثم أباح الله تعالى ذلك كله إلى طلوع الفجر فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر فدل على أن حديث عائشة ناسخ لحديث الفضل ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ فاستمر أبو هريرة على الفتيا به ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه اهـ من فتح الملهم. (قال) ابن جريج: (قلت لعبد الملك) بن أبي بكر: (أقالتا) أي هل قالت عائشة وأم سلمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا (في رمضان) ثم يصوم (قال) عبد الملك: (كذلك) أي في رمضان (كان يصبح جنبًا من غير حلم ثم يصوم) وقوله: (ثم رده إلى الفضل) يعني بذلك أنه سمعه من الفضل كما قد نص عليه وفي النسائي أنه سمعه من

(2470) (0) (0). وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ؛ أَن عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَالتْ: قَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ في رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ، مِنْ غَيرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيصُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة بن زيد وهذا محمول على أنه سمعه منهما وحديث الفضل وأسامة كان متقدمًا على حديث عائشة وأم سلمة قال بعض العلماء: كان ذلك في أول الإِسلام في الوقت الذي كان الحكم فيه أن الصائم إذا نام حرم عليه الأكل والشرب والنكاح ثم رخص له في ذلك إلى طلوع الفجر كما جاء في البخاري من حديث البراء بن عازب في قصة قيس بن صرمة وعلى الجملة فذلك الحكم متروك عند الجمهور بظاهر القرآن وبصحيح الأحاديث والخلاف فيه من قبيل الشاذ المتقدم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1925). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في خصوص حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2470) (0) (0) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث المخزومي المدني (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن شهاب لعبد الملك في رواية هذا الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن. (قالت) أي عائشة: (قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان) أي يطلع (وهو جنب فيغتسل ويصوم) أي يستمر صائمًا. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد (6/ 289) والبخاري (1926) والترمذي (779). ثم ذكر المؤلف المتابعة في خصوص حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2471) (0) (0) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِي. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيِّ؛ أَن أَبَا بَكْرٍ حدَّثهُ؛ أَن مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إلى أمِّ سَلَمَةَ رضي الله تَعَالى عنها، يَسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُصْبحُ جُنُبًا. أَيَصُومُ؟ فَقَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يُصْبحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، لَا مِنْ حُلُمٍ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي. (2472) (0) (0) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجَيِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2471) (0) (0) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن عبد ربه) بن سعيد الأنصاري المدني (عن عبد الله بن كعب الحميري) الأموي مولاهم المدني (أن أبا بكر) بن عبد الرحمن (حدثه) أي حدث لعبد الله بن كعب (أن مروان أرسله) أي أرسل أبا بكر (إلى أم سلمة رضي الله تعالى عنها) حالة كون أبي بكر (يسألـ) بها (عن الرجل يصبح جنبًا أيصوم فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من جماع لا من حلم ثم لا يفطر) بقية يومه (ولا يقضي) صوم ذلك اليوم لكونه صومًا صحيحًا لا خلل فيه وفي معنى الجنب الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلًا ثم طلع الفجر قبل اغتسالها قال النواوي في شرح مسلم: مذهب العلماء كافة صحة صومها إلا ما حُكي عن بعض السلف مما لا نعلم أصح عنه أم لا اهـ. وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي غرضه بيان متابعة عبد الله بن كعب لعبد الملك في رواية هذا الحديث عن أبي بكر. ثم ذكر المؤلف المتابعة في مجموع حديثهما فقال: (2472) (0) (0) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك) بن المغيرة المخزومي المدني (عن عبد ربه بن سعيد) المدني (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي المدني (عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنهما.

أنَّهمَا قَالتَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ لَيُصْبحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ، غَيرِ احْتِلامٍ، في رَمَضَانَ، ثُمّ يَصُومُ. (2473) (0) (0) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَال ابْنُ أيوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ (وَهُوَ ابْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ الأنصَارِي أَبُو طُوَالةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى غرضه بيان متابعة عبد ربه لعبد الملك في رواية هذا الحديث عن أبي بكر. (أنهما قالتا: إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها واسمها ضمير الشأن محذوف تقديره: إنه أي إن الشأن والحال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبًا) أي ليكون جنبًا في الصباح جنابة (من جماع) قال المجد: وحيث وجدت إن بعدها لام مفتوحة فاحكم بأن أصلها التشديد اهـ. وقوله: (غير احتلام) صفة لازمة لجماع قصد بها المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا يفطر وإذا كان كذلك فناسي الاغتسال والنائم عنه أولى بذلك اهـ زرقاني في شرحه على الموطإ. وقوله: (في رمضان) متعلق بقوله (ليصبح) أي إن كان ليصبح جنبًا في رمضان (ثم يصوم) أي يستمر صائمًا. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما بحديث آخر لعائشة فقال: (2473) (1076) (226) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن كثير الزرقي المدني ثقة من (8) (أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن وهو) أي عبد الرحمن أتى بهو إشارة إلى أنه مما زاده على شيخه كما هو من اصطلاحاته (ابن معمر بن حزم) بن زيد بن لوذان (الأنصاري) النجاري (أبو طوالة) بضم الطاء وفتح الواو المدني قاضيها روى عن أبي يونس مولى عائشة في الصوم وأنس بن مالك في الجهاد والأطعمة والفضائل وأبي الحباب سعيد بن يسار في الصلاة وابن المسيب وعامر بن سعد ويروي عنه (ع) وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال وعبد العزيز الدراوردي

أَن أَبَا يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها؛ أَن رَجُلا جَاءَ إِلَى النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ، وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَال: يَا رَسُولَ الله! تُدْرِكُنِي الصلاة وَأنَا جُنُبْ. أَفَأصُومُ؟ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصلاة وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَصُومُ" فَقَال: لَسْتَ مِثْلَنَا. يَا رَسُولَ الله! قَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي وغيرهم وثقه أحمد وابن سعد وقال في التقريب: ثقة من الخامسة مات سنة (134) أربع وثلاثين ومائة قال الدقاق: لا يعرف في المحدثين من يكنى أبا طوالة سواه (أن أبا يونس) كنية اسمه (مولى عائشة) التيمي المدني روى عن عائشة ويروي عنه (م دت س) وزيد بن أسلم وأبو طوالة الأنصاري والقعقاع بن حكيم وحمد بن أبي عتيق ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية وذكره ابن حبان في الثقات له في صحيح مسلم وفي السنن حديثان عن عائشة وروى له البخاري في الأدب آخر قلت: وذكره مسلم في الطبقة الأولى من المدينة اهـ من خلاصة القول المفهم. (أخبره) أي أخبر أبو يونس لأبي طوالة (عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي. (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه من الشراح (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يستفتيه) أي يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الصائم الذي أدركه الفجر وهو جنب (وهي) أي والحال أن عائشة (تسمع) استفتاءه (من وراء الحجاب) أي من خلفه (فقال) الرجل في استفتائه: (يا رسول الله) إني (تدركني الصلاة) أي صلاة الصبح أي يدخل علي وقتها (وأنا جنب) أي ذو جنابة (أفأصوم) أي فهل أصوم أم أفطر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم) أي فأستمر صائمًا (فقال) الرجل أنت (لست مثلنا يا رسول الله) فإنك (قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أي ستر وحال بينك وبين الذنب فلا يقع منك ذنب أصلًا لأن الغفر الستر وهو إما بين العبد والذنب وإما بين الذنب وعقوبته فاللائق بالأنبياء الأول وبأممهم الثاني فهو كناية عن العصمة وهذا قول في غاية الحسن اهـ زرقاني.

فَقَال: "وَاللهِ! إِني لأرجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لله، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتقِي". (2474) (1077) - (227) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِي. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي محمد بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ أمِّ سَلَمَةَ رضي الله تعالى عنها: عَنِ الرَّجُلِ يُصْبحُ جُنُبًا. أَيَصُومُ؟ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله إني لأرجو) كذا بلام التأكيد تقوية للقسم وفي الموطإ قال الزرقاني: ورجاؤه صلى الله عليه وسلم محقق باتفاق (أن كون أخشاكم) أي أشدكم خشية من عقوبة (لله وأعلمكم) أي أكثركم علمًا (بما أتقي) به الله سبحانه ويروى: (وأعلمكم بحدوده) أي بأوامره ونواهيه وقوله: بما أتقي بفتح الهمزة وكسر القاف مضارع اتقى بكسر الهمزة وفتح القاف مسند إلى ضمير المتكلم من باب افتعل الخماسي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 67 و 156) وأبو داود (2389). ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة وأم سلمة: رضي الله تعالى عنهما ثانيًا بحديث آخر لأم سلمة فقال: (2474) (1077) (227) (حدثنا أحمد بن عثمان) بن أبي عثمان عبد النور بن عبد الله بن سنان (النوفلي) نسبة إلى نوفل أبو عثمان البصري ثقة من (11) (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري ثقة من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني محمَّد بن يوسف) بن عبد الله بن يزيد بن أخت نمر الكندي المدني الأعرج روى عن سليمان بن يسار في الصوم والسائب بن يزيد في البيوع وابن المسيب ويروي عنه (خ م ت س) وابن جريج ويحيى القطان ومالك وثقه أحمد والنسائي وابن معين وقال في التقريب ثقة ثبت من الخامسة مات في حدود الأربعين ومائة (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني ثقة من (3) روى عنه في (14) بابا (أنه) أي أن سليمان بن يسار (سأل أم سلمة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد مكي. (عن الرجل يصبح) أي يدخل في الصباح جنبًا أو يكون في الصباح (جنبًا أيصوم) أي هل يستمر صائمًا سائر يومه أم يفطر (قالت) أم سلمة: أكان رسول الله صلى الله عليه

وَسلمَ يُصْبِحُ جُنُبًا، مِنْ غَيرِ احْتِلامٍ، ثُمّ يَصُومُ. (2475) (1078) - (228) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وَابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله تعالى عنه قَال: جَاءَ رَجُل إِلَى النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال: هَلَكْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم يصبح جنبًا من غير احتلام ثم يصوم) أي يستمر صائمًا بقية يومه ولا يفطر وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في الكبرى في كتاب الصيام اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2475) (1078) (228) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمَّد (بن نمير كلهم عن ابن عيينة قال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهريّ عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري أو كوفي ونسائي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة وفيه رواية تابعي عن تابعي. (قال) أبو هريرة: (جاء رجل) هو سلمة بن صخر البياضي قاله عبد الغني بن سعيد المصري وساق له شاهدًا ولا أعرف اسم امرأته اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم. (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل: (هلكت) أي وقعت في سبب الهلاك الأخروي أو تعمدت ما يوجب هلاكي الأخروي ويروى (أهلكت) يريد إهلاك زوجته بتحصيله لها ذنبًا يوجب هلاكها أبدًا اهـ من بعض الهوامش. زاد عبد الجبار بن عمر عن الزهريّ: (جاء رجل وهو ينتف شعره) ويدق صدره ويقول (هلك الأبعد) ولمحمد بن أبي حفصة (يلطم وجهه) ولحجاج بن أرطاة (يدعو ويله) وفي مرسل ابن المسيب عند الدارقطني (ويحثي على رأسه التراب) واستدل بهذا على جواز هذا الفعل والقول ممن وقعت له معصية ويفرق بذلك بين مصيبة الدين والدنيا فيجوز في

يَا رَسُولَ الله! قَال: "وَمَا أهْلَكَكَ؟ " قَال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي في رَمَضَانَ. قَال: "هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ معصية الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الإقلاع ويحتمل أن تكون هذه الواقعة قبل النهي عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة واستدل به أيضًا على أنه كان عامدًا لأن الهلاك والاحتراق الذي سيأتي في حديث عائشة مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضي وإذا تقرر ذلك فليس. فيه حجة على وجوب الكفارة على الناس وهو مشهور قول مالك والجمهور وعن أحمد وبعض المالكية: يجب على الناس وتمسكوا بترك استفساره عن جماعه هل كان عن عمد أو نسيان وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر والجواب أنه قد تبين حاله بقوله (هلكت) و (احترقت) فدل على أنه كان عامدًا عالمًا بالتحريم أيضًا فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد واستدل بهذا الحديث على أن من ارتكب معصية لا حد فيها وجاء مستفتيًا أنه لا يعزر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية وقد ترجم لذلك البخاري في الحدود وأشار إلى هذه القصة وتوجيهه أن مجيئه مستفتيًا يقتضي الندم والتوبة والتعزير إنما جعل للاستصلاح ولا استصلاح مع الصلاح وأيضًا فلو عوقب المستفتي لكان سبب لترك الاستفتاء وهي مفسدة فاقتضى ذلك أن لا يعاقب هكذا قرره الشيخ تقي الدين لكن وقع في شرح السنة للبغوي أن من جامع متعمدًا في رمضان فسد صومه وعليه القضاء والكفارة ويعزر على سوء صنيعه وهو محمول على من لم يقع منه ما وقع من صاحب هذه القصة من الندم والتوبة اهـ فتح الملهم. أي وقعت في سبب الهلاك (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أهلكك) وما الأمر الذي أوقعك في الهلاك (قال) الرجل: (وقعت على امرأتي) أي وطئتها (في) نهار (رمضان) ولم أر من ذكر اسم هذه المرأة من الشراح (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تجد ما) أي مالًا (تعتق) به (رقبة) أي نفسًا مملوكة من بني آدم فما نكرة موصوفة والرابط محذوف ورقبة مفعول به ويحتمل كون ما مصدرية وتجد بمعنى تستطيع بدليل ما بعده أي هل تستطيع إعتاق رقبة وهذا أوضح وأوفق قال الحافظ: واستدل بإطلاق رقبة على جواز إعتاق الرقبة الكافرة يقول الحنفية وهو يبتني على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل يقيد المطلق أو لا؟

قَال: لَا. قَال: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ؟ قَال: لَا. قَال: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَال: لَا. قَال: ثُم جَلَسَ. فَأُتِيَ النبي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِعَرَقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهل تقييده بالقياس أو لا؟ والأقرب أنه بالقياس ويؤيده التقييد في مواضع أخرى اهـ قال الأبي: وحمل المطلق على المقيد إذا اختلف الموجب كالظهار مع القتل في الرقبة فالذي ينقله الأصوليون أن مذهب مالك وأكثر أصحابه عدم العمل كمذهب أبي حنيفة والفطر كالظهار اهـ فتح. (قال) الرجل: (لا) أجد ولا أستطيعه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) أي متواليين لا مفرقين ولا مفرقًا أيامهما (قال) الرجل: (لا) أستطيعهما وفي رواية ابن إسحاق زيادة (وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام) قال ابن دقيق العيد: لا إشكال في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام لكن رواية ابن إسحاق هذه اقتضت أن عدم استطاعته لشدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع فنشأ للشافعية نظر هل يكون ذلك (أي شدة الشبق) عذرًا حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا والصحيح عندهم اعتبار ذلك ويلتحق من يجد رقبة لا غنى له عنها فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد وأما ما رواه الدارقطني من طريق شريك عن إبراهيم بن عامر عن سعيد بن المسيب في هذه القصة مرسلًا أنه قال في جواب قوله (هل تستطيع أن تصوم إني لا أدع الطعام ساعة فما أطيق ذلك) ففي إسناده مقال اهـ فتح الملهم. (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (فهل تجد ما تطعم) أي فهل تستطيع إطعام (ستين مسكينًا) فيه أن الواجب إطعام ستين مسكينًا خلافًا لمن روى عن الحسن أنه رأى أن يطعم أربعين مسكينًا عشرين صاعًا حكاه ابن التين عنه وحكوا عن أبي حنيفة أنه قال: يجزئه أن يدفع طعام ستين مسكينًا إلى مسكين واحد قالوا: والحديث حجة عليه (قال) الرجل: (لا) أستطيع (قال) أبو هريرة: (ثم جلس) الرجل (فأتي النبي صلى الله عليه وسلم) بضم الهمزة وكسر الفوقانية مبنيًّا للمفعول (بعرق) بفتح الراء لا غير وسمي بذلك لأنه جمع عرقة وهي الضفيرة من الخوص وهو الزنبيل بكسر الزاي على رواية الطبري وبفتح الزاي لغيره وهما صحيحان وسمي بذلك لأنه يحمل فيه الزبل ذكره ابن دريد.

فِيهِ تَمْرٌ. فَقَال: "تصدَّق بِهذا" قَال: أَفْقَرَ منَّا؟ فَمَا بَينَ لابَتَيهَا أَهْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في النهاية: هو زنبيل منسوج من نسائج الخوص وكل شيء مضفور فهو عرق وهذا العرق تقديره عندهم خمسة عشر صاعًا وهو مفسر في الحديث وقد تقدم أن الصالح أربعة أمداد فيكون مبلغ أمداد العرق ستين مدًّا ولهذا قال الجمهور: إن مقدار ما يدفع لكل مسكين من الستين مد وفيه حجة للجمهور على أبي حنيفة والثوري إذ قالا: يجزئ أقل من نصف صاع لكل مسكين (فيه) أي في ذلك العرق (تمر) من تمر الصدقة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (تصدق بهذا) التمر على المساكين ليكون كفارة لجماعك ولابن إسحاق (فتصدق به عن نفسك) واستدل به على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة إذ لم يؤمر بها إلا هو مع الحاجة إلى البيان ولنقصان صومها بتعرضه للبطلان بعروض الحيض أو نحوه فلم تكمل حرمته حتى تتعلق به الكفارة ولأنها غرم مالي يتعلق بالجماع فيختص بالرجل الواطئ كالمهر فلا يجب على الموطؤة وقال المالكية: إذا وطئ أمته في نهار رمضان وجبت عليه كفارتان إحداهما عن نفسه والأخرى عن الأمة وإن طاوعته لأن مطاوعتها كالإكراه للرق وكذلك يكفر عن الزوجة إن أكرهها على الجماع وتكفيره عنها بطريق النيابة عنهما لا بطريق الأصالة فلذلك لا يكفر عنهما إلا بما يجزؤهما في التكفير فيكفر عن الأمة بالإطعام لا بالعتق إذ لا ولاء لها ولا بالصوم لأن الصوم لا يقبل النيابة ويكفر عن الزوجة الحرة بالعتق أو الإطعام فإن أعسر كفرت الزوجة عن نفسها ورجعت عليه إذا أيسر بالأقل من قيمة الرقبة التي أعتقت أو مكيلة الطعام وأوجبها الحنفية على المرأة المطاوعة لأنها شاركت الرجل في الإفساد فتشاركه في وجوب الكفارة أي سواء كانت زوجة أو أمة وقال الحنابلة: ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر قال المرادي: نص عليه الشافعي وعليه أكثر الأصحاب وعنه: تكفر وترجع بها على الزوج اختاره بعض الأصحاب وهو الصواب اهـ قسطلاني. (قال) الرجل: أتجد (أفقر) وأحوج إليه (منا) يا رسول الله لا تجد بالنصب على إضمار عامل النصب مع همزة الاستفهام التعجبي تقديره: أتجد أفقر منا أو تعطي أفقر منا ويصح رفعه على تقدير: هل أحد أفقر منا؟ (فـ) ـوالله (ما بين لابتيها) أي ما بين حرتي المدينة والضمير للمدينة واللابة الحرة والحرة أرض ذات حجارة سود لا تكاد تنبت والمدينة بين حرتين ويقال: لابة ولوبة ونوبة بالنون ومنه قيل للأسود: لوبي ونوبي (أهل

بَيتٍ أَحْوَجُ إِلَيهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ حَتى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثمّ قَال: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بيت أحوج إليه) أي إلى هذا التمر (منا) برفع أهل اسم ما أو مبتدأ مؤخر وأفقر صفة له وبين لابتيها خبر مقدم لما أو للمبتد! والتقدير: فما أهل بيت أفقر إليه منا موجودًا أو موجود بين لابتيها (فضحك النبي صلى الله عليه وسلم) تعجبًا من حال الرجل في كونه جاء أولًا هالكًا محترقًا خائفًا على نفسه راغبًا في فدائها مهما أمكنه فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه في الكفارة (حتى بدت أنيابه) جمع ناب وهي الأسنان الملاصقة للرباعيات وهي أربعة والضحك غير التبسم وقد ورد أن ضحكه كان تبسمًا أي في غالب أحواله اهـ قسط وفي بعض الروايات (ثناياه) قال الحافظ: لعلها تصحيف من أنيابه فإن الثنايا تبين بالتبسم غالبًا وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم ويحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم أن ضحكه كان تبسمًا على غالب أحواله وورد في بعض الروايات حتى بدت نواجده وهي جمع ناجذة بالنون والجيم والمعجمة وهي الأضراس ولا تكاد تظهر إلا عند المبالغة في الضحك ولا منافاة بينه وبين حديث عائشة (ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا حتى أرى منه لهواته) لأن المثبت مقدم على النافي قاله ابن بطال. وأقوى منه أن الذي نفته غير الذي أثبته أبو هريرة ويحتمل أن يريد بالنواجذ الأنياب مجازًا فعبر بالنواجذ مرةً وبالأنياب أخرى والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم وربما زاد على ذلك ويضحك والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه أو الإفراط فيه لأنه يذهب الوقار. قال ابن بطال: والذي ينبغي أن يقتدى به من فعله ما واظب عليه من ذلك فقد روى البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه من وجهين عن أبي هريرة رفعه (لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب). (ثم قال) له النبي صلى الله عليه وسلم خذه و (اذهب) به إلى عيالك (فأطعمه) أي فأطعم ما في العرق من التمر (أهلك) أي من تلزمك نفقته أو زوجتك أو مطلق أقاربك ولابن عيينة في الكفارات (أطعمه عيالك) ولابن إسحاق (خذها وكلها وأنفقها على عيالك) أي لا عن الكفارة بل هو تمليك مطلق بالنسبة إليه وإلى عياله وأخذهم إياه بصفة

(2476) (0) (0) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ محمد بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَينَةَ. وَقَال: بِعَرَقٍ فِيهِ تَمرٌ، وَهُوَ الزِّنْبِيلُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَضَحِكَ النبي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ حتى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. (2477) (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَاب. عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه؛ أن رَجُلا وَقَعَ بِامْرأَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفقر وذلك لأنه لما عجز عن العتق لإعساره وعن الصوم لضعفه فلما حضر ما يتصدق به ذكر أنه وعياله محتاجون إليه فتصدق به صلى الله عليه وسلم عليه وكان من مال الصدقة وصارت الكفارة في ذمته وليس استقرارها في ذمته مأخوذًا من هذا الحديث وأما حديث علي بلفظ (فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك) فضعيف لا يحتج به اهـ من قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 281) والبخاري (2600) وأبو داود (2891). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (2476) (0) (0) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن محمَّد بن مسلم الزهريّ) المدني (بهذا الإسناد) يعني عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (مثل رواية ابن عيينة) غرضه بيان متابعة منصور لابن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزهريّ (و) لكن (قال) منصور: (بعرق فيه تمر وهو) أي العرق (الزنبيل ولم يذكر) منصور: (فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه). ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: (2477) (0) (0) (حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه) غرضه بيان متابعة ليث لسفيان بن عيينة (أن رجلًا وقع) أي وطئ (بامرأته

في رَمَضَانَ. فَاسْتَفْتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ عَنْ ذلِكَ. فَقال: "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ " قَال: لَا. قَال: "وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَينِ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا". (2479) (0) (0) وحدّثنا محمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ في رَمَضَانَ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في) نهار (رمضان فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) كفارة (ذلك) الوقاع (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تجد رقبة) تعتقها عن كفارة وقاعك (قال) الرجل: (لا) أجدها (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل تستطيع صيام شهرين قال) الرجل: (لا) أستطيع (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (فأطعم ستين مسكينًا) كل مسكين مدا من غالب قوت البلد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2479) (0) (0) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا إسحاق بن عيسى) بن نجيح البغدادي الطباع بفتح الطاء المهملة من يعمل السيوف صدوق من (9) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا مالك) بن أنس (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة مالك لابن عيينة (أن رجلًا أفطر في) نهار (رمضان) بجماع (فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) بـ (ـأن يكفر بعنق رقبة ثم ذكر) مالك (بمثل حديث ابن عيينة) عن الزهريّ قال عياض: تعقب على مسلم فقيل: ليس حديث مالك مثل حديث ابن عيينة لأن حديث مالك بأو على التخيير وذكر الفطر وحديث ابن عيينة على الترتيب بهل وتعيين الجماع ومسلم أشرح صدرًا أن يخفى عليه هذا فإن حديث مالك وإن كان أشهر رواياته بأو على التخيير ولم يختلف رواة الموطإ عنه في ذلك فقد رواه الوليد بن مسلم وإبراهيم بن طهمان وغيرهما عنه بمثل حديث ابن عيينة فلعل إسحاق بن عيسى الذي رواه عنه مسلم رواه كذلك عن مالك فلا تعقب على مسلم اهـ.

(2480) (0) (0) حدّثني محمد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدثني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ؛ أن أَبَا هُرَيرَةَ حدثهُ؛ . أَن النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ في رَمَضَانَ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَينِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. (2481) (0) (0) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2480) (0) (0) (حدثنا محمَّد بن رافع) القشيري (أخبرنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا ابن جريج حدثني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثه) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكبنًا) وأو هنا للتقسيم لا للتخيير تقديره: يعتق أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عنهما. قوله: (أمر رجلًا أفطر في رمضان) قال الحافظ: واستدل به على البخاري الكفارة على من أفسد صيامه مطلقًا بأي شيء كان وهو قول المالكية والحنفية والجمهور حملوا قوله (أفطر) هنا على المقيد في الرواية الأخرى وهو قوله (وقعت على أهلي) وكأنه قال أفطر بجماع وهو أولى من دعوى القرطبي وغيره تعدد القصة واحتج من أوجب الكفارة مطلقًا بقياس الآكل على المجامع بجامع ما بينهما من انتهاك حرمة الصوم قال: وقد وقع في حديث عائشة نظير ما وقع في حديث أبي هريرة فمعظم الروايات فيها (وطئت) ونحو ذلك وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبو عوانة في مستخرجه مَتْنَهَا أنه قال (أفطرت في رمضان) والقصة واحدة ومخرجها متحد فيحمل على أنه أراد أفطرت في رمضان بجماع اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2481) (0) (0) (وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهريّ بهذا الإسناد) يعني عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وساق معمر (نحو

حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ. (2482) (1079) - (229) حدثنا محمد بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا الليثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال: احْتَرَقْتُ. قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: "لِمَ؟ " قَال: وَطِئْتُ امرَأَتِي في ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث ابن عيينة) غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (2482) (1079) (229) (حدثنا محمَّد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (عن محمَّد بن جعفر بن الزبير) القرشي الأسدي المدني (عن عباد بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني ثقة من (3) (عن عائشة) الصديقة (رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ومن لطائفه أن فيه أربعة من التابعين روى بعضهم عن بعض من يحيى بن سعيد إلى آخره وفي فتح الملهم: في هذا الإسناد أربعة من التابعين في نسق كلهم من أهل المدينة يحيى وعبد الرحمن تابعيان صغيران من طبقة واحدة وفوقهما قليلًا محمَّد بن جعفر وأما ابن عمه عباد فمن أوساط التابعين اهـ. (أنها قالت: جاء رجل) هو سلمة بن صخر البياضي كما مر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احترقت) وكأنه لما اعتقد أن مرتكب الذنب يعذب بالنار أطلق على نفسه أنه احترق لذلك وقد أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف فقال (ابن المحترق) إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك وفيه دلالة على أنه كان عامدًا كما سبق قال النواوي: وفيه استعمال المجاز وأنه لا إنكار على مستعمله اهـ فتح. (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم) احترقت باللام الجارة وما الاستفهامية المحذوفة الألف فرقًا بينها وبين الموصولة (قال) الرجل: (وطئت امرأتي في رمضان نهارًا

رَمَضَانَ نَهَارًا. قَال: "تَصَدَّقْ. تصدَّقْ". قَال: مَا عِنْدِي شَيءٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ. فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. (2483) (0) (0) وحدّثنا محمد بْنُ الْمُثَنى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب الثقَفِيُّ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصدق تصدق) كرره للتوكيد اللفظي هذا التصدق مطلق جاء مقيدًا في الروايات السابقة بإطعام ستين مسكينًا والمطلق يحمل على المقيد في اتحاد الحكم والحادثة على ما تقرر في موضعه من أصول الفقه. قال الحافظ: وقد استدل به لمالك حيث جزم في كفارة الجماع في رمضان بالإطعام دون غيره من الصيام والعتق ولا حجة فيه لأن القصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة وقصها على وجهها وأوردتها عائشة مختصرة أشار إلى هذا الجواب الطحاوي والظاهر أن الاختصار من بعض الرواة فقد رواه عبد الرحمن بن القاسم عن محمَّد بن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد مفسرًا ولفظه (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظل فارع) يعني بالفاء والمهملة (فجاء رجل من بني بياضة فقال: احترقت وقعت بامرأتي في رمضان قال: أعتق رقبة قال لا أجدها قال أطعم ستين مسكينًا قال ليس عندي) فذكر الحديث أخرجه أبو داود ولم يسق لفظه وساقه ابن خزيمة في صحيحه والبخاري في تاريخه ومن طريقه البيهقي ولم يقع في هذه الرواية أيضًا ذكر صيام شهرين ومن حفظ حجة على من لم يحفظ اهـ. (قال) الرجل: (ما عندي شيء) أتصدق (فأمره) النبي صلى الله عليه وسلم (أن يجلس فجاءه) صلى الله عليه وسلم (عرقان) أي زنبيلان (فيهما طعام) أي تمر بدليل ما في رواية أبي هريرة من قوله (بعرق فيه تمر) (فأمره) أي فأمر الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به) أي بما في العرقين من الطعام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 276) والبخاري (1935) وأبو داود (2394). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2483) (0) (0) (وحدثنا محمَّد بن المثنى أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (قال) عبد الوهاب: (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري (يقول:

أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ الْقَاسِمِ؛ أَن مُحَمدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ؛ أَن عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ حدثهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رضي الله تَعَالى عنها تَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَلَيسَ في أَوَّلِ الْحَدِيثِ: "تَصَدَّقْ. تصدَّق". وَلَا قَوْلُهُ: نَهَارًا. (2484) (0) (0) حدّثني أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَن عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ الْقَاسِمِ حدثهُ؛ أَن مُحَفَدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيرِ حدثهُ؛ أَن عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ حَدّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ تَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرني عبد الرحمن بن القاسم) التيمي (أن محمَّد بن جعفر بن الزبير أخبره أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لليث بن سعد. (تقول: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) عبد الوهاب الثقفي (الحديث) السابق الذي رواه ليث عن يحيى (و) لكن (ليس في أول الحديث) الذي رواه الثقفي قوله: (تصدق تصدق ولا قوله: نهارًا) هذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: (2484) (0) (0) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (أن عبد الرحمن بن القاسم حدَّثه أن محمَّد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول). وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث ليحيى بن سعيد في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن بن القاسم.

أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ في الْمَسْجِدِ في رَمَضَانَ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله! احْتَرَقْتُ. احْتَرَقْتُ. فَسَأَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "مَا شَأْنُهُ؟ " فَقَال: أَصَبْتُ أَهْلِي. قَال: "تصدق" فَقَال: وَاللهِ! يَا نَبِيَّ الله، مَالِي شَيءٌ. وَمَا أَقْدِرُ عَلَيهِ. قَال: "اجْلِسْ" فَجَلَسَ. فَبَينَا هُوَ عَلَى ذلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا، عَلَيهِ طَعَامٌ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أَينَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا؟ " فَقَامَ الرجُلُ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "تصدق بِهذَا" فَقَال: يَا رَسُولَ الله! أَغَيرَنَا؟ فَوَاللهِ! إِنا لَجِيَاعٌ. مَا لنَا شَيءٌ. قَال: "فَكُلُوهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان فقال: يا رسول الله احترقت احترقت) مرتين أي تعمدت ما يكون ماله إلى تعذيبي بالنار (فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه) أي ما شأن الرجل في قوله (احترقت) وما سبب قوله ذلك ففيه التفات ومقتضى السياق أن يقول: ما شأنك (فقال) الرجل: (أصبت أهلي) أي جامعت امرأتي فـ (ـقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصدق) ما يكون كفارة لذنبك (فقال) الرجل: (والله يا نبي الله ما لي شيء) أي ما عندي شيء أتصدق به (وما أقدر عليه) أي على تحصيله في المستقبل فـ (ـقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجلس) عندنا (فجلس) الرجل عنده صلى الله عليه وسلم (فبينا هو) أي ذلك الرجل (على ذلك) الجلوس (اقبل رجل) آخر (يسوق حمارًا عليه طعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين المحترق آنفًا) أي أين الذي يقول (احترقت احترقت) (فقام الرجل) الأول الذي يقول: احترقت (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا) الطعام على المساكين ليكون كفارة عن اقترافك (فقال) الرجل المحترق: (يا رسول الله أ) تريد (غيرنا) أي غيري وغير أهلي أي أأتصدق على غيرنا ونحن أفقر ناس إليه (فوالله إنَّا) أي إن عيالي (لجياع) أي لجائعون (ما لنا شيء) نأكله حتى اليوم جمع جائع كقيام جمع قائم وصيام جمع صائم فـ (ـقال) له رسول الله: إذًا فخذه واذهب إلى عيالك (فكلوه) صدقة عليكم والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الترجمة خمسة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة. والثالث: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد أيضًا. والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات. والخامس: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثاني وذكر فيه متابعتين والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. وهذا آخر ما يسره الله لي بتوفيقه من المجلد الثاني عشر من هذا الشرح الذي علقته على صحيح الإِمام مسلم رحمه الله تعالى وقد انتهيت منه قبيل صلاة العشاء ليلة الأربعاء من تاريخ 12/ 6 / 1423 هـ. وجملة ما شرحنا في هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة تسعة وعشرون ومائة حديث وجملة ما فيه من الأبواب اثنان وستون بابا وهذا آخر ما أولانا الله تعالى بإتمامه بعد ما وفقنا بابتدائه فله الحمد على هذه المنة والشكر له على كل النعمة ونسأله العفو والعافية والمعافاة الدائمة لنخدم أحاديثه كل الخدمة وسائر العلوم الدينية في تاريخ 12/ 6 / 1423 هـ ألف وأربعمائة وثلاث وعشرين سنة واثْنَي عشر يومًا من الشهر السادس وكان تاريخ بدايته اليوم العاشر من الشهر الحادي عشر من شهور سنة ألف وأربعمائة واثنين وعشرين 10/ 11 / 1422 هـ من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية بعد ما عاقني من موالاته عوائق الدروس والحوادث ولله در من قال: ولا تقل عاقني شغل فليس يرى ... في الترك للعلم من عذر لمعتذر وأي شغل كمثل العلم تطلبه ... ونقل ما قدرووا عن سيد البشر ألهى عن العلم أقوامًا تطلبهم ... لذات دنيا غدوا منها على غرر فكن بصحب رسول الله مقتديا ... فإنهم للهدى كالأنجم الزهر والحمد لله الذي تتم به الصالحات والصلاة والسلام على سيد الخليقات وعلى آله وصحبه السادات القادات وتابعيهم بإحسان إلى يوم القيامات آمين يا رب آمين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تم المجلد السابع من الكوكب الوهاج والروض السَّاج ويليه المجلد الثامن (¬1)، وأوله: (باب جواز الصوم والفطر في السفر والتخيير في ذلك ووجوب الفطر على من أجهده الصوم) ومما قيل في الزهد: أتبني بناء الخالدين وإنما ... مقامك فيها لو عقلت قليل لقد كان في ظل الأراك كفاية ... لمن كان فيها يعتريه رحيل *** ¬

_ (¬1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الثالث عشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية دار طوق النجاة بيروت - لبنان

شرج صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

(شعر) وذِكْرُكَ لِلمُشْتَاقِ خَيرُ شَرابِ ... وكُلُّ شَرابٍ دُوْنَهُ كسَرَابِ لَهُ أَحَادِيثُ في ذِكْرَاكَ تَشْغَلُه ... عَنِ الشَّرابِ وتُلْهِيهِ عَنِ الزَّادِ لَهُ بِوَجْهِك نورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ ... وَمِنْ حَدِيثِكَ في أَعْقَابِهِ حَادِي وأنشد الشعبي وابن مهدي: دِينُ النَّبي مُحمَّدٍ أَخْبَارُ ... نِعْمَ المَطيَّةُ لِلفَتَى الآثَارُ لَا تَرْغَبَنَّ عَنِ الحَدِيثِ وأَهْلِهِ ... فَالرَّأيُ لَيلٌ والحَدِيثُ نَهارُ التاريخ 12/ 6 / 1423 هـ

445 - (1) باب جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم

445 - (1) باب: جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم 2485 - (1080) (1) حدّثني يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما؛ أنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ خَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه، بأحاديث خير أنبيائه، وروح أرواحهم في أحاديث قدسه، ورياض أنسه، وأذاقهم بفضله شراب حبه، ومدام ودِّه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله شهادة مخلصة من بغضه، موصولة بوده، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، صل وسلم أفضل الصلاة وأزكى السلام، على سيدنا ومولانا محمَّد من أرسلته رحمة للأنام، وعلى آله وصحبه السادات الكرام، صلاة أرقى بها مراقي الإخلاص، وأنال بها غاية الإختصاص، صلاتك التي صليت عليه دائمة بدوامك باقية ببقائك، عدد ما أحابابه علمك، وجرى به قلمك، آمين يا رب آمين. [أما بعد] فإني لما استدبرت المجلد السابع من هذا الشرح الجليل استقبلت المجلد الثامن منه بعونه وتوفيقه * مستمدًا منه مدد العمر مع دوام القوى والقوة إلى أن أكمله مع شرحي على ابن ماجه قبل أن يخترمني الحمام * وينزلني تحت التراب فإنه قريب مجيب الدعاء والآن آن آن الحمام والشرب من هذا المدام فقلت وبالله التوفيق: - 445 - (1) باب جواز الصوم والفطر في السفر ووجوب الفطر على من أجهده الصوم 2485 - (1580) (1) (حدثني يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا لبث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني الأعمى (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (أنه) أي أن ابن عباس (أخبره) أي أخبر لعبيد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) من

عَامَ الْفَتْحِ في رَمَضَانَ. فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ. ثُمَّ أَفْطَرَ. قَال: وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة (عام الفتح) أي فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، قال القابسي: هذا الحديث من مرسلات الصحابة لأن ابن عباس كان في هذه السفرة مقيمًا مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة فكأنه سمعها من غيره من الصحابة اهـ فتح (في رمضان) لليلتين خلتا من رمضان (فصام) صلى الله عليه وسلم (حتى بلغ الكدبد) بفتح الكاف وكسر الدال المهملة؛ مكان معروف أو عين جارية بينها وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها وبينها وبين مكة قريب من مرحلتين، وفي القرطبي: بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلًا، ووقع في نفس الحديث تفسيره بأنه بين عسفان وقديد -بضم القاف مصغرًا- وفي بعض الروايات الآتية حتى بلغ عسفان بدل الكديد، وفيه مجاز القرب لأن الكديد أقرب من المدينة من عسفان، وقال البكري: الكديد بين آمج -بفتحتين وجيم- وعسفان؛ وهو ماء عليه نخل كثير، وعسفان قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلًا من مكة، ووقع عند مسلم في حديث جابر فلما بلغ كراع الغميم -بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة مكبرًا- اسم واد أمام عسفان بثمانية أميال، وكراع جبل أسود هناك يضاف إلى الغميم، والكراع لغة هو كل أنف مال من جبل أو غيره، قال عياض: اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه صلى الله عليه وسلم والكل في قصة واحدة وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان، قال القرطبي: وهذه الأحاديث المشتملة على ذكر هذه المواضع الثلاثة كلها ترجع إلى معنى واحد وهي حكاية حاله صلى الله عليه وسلم في سفره عند قدومه إلى فتح مكة، وكان في رمضان في ستة عشر منه كما جاء في حديث أبي سعيد، وهذه المواضع متقاربة، ولذلك عبر كل واحد من الرواة بما حضر له من تلك المواضع لتقاربها اهـ من المفهم (ثم) بعد بلوغه إلى الكديد (أفطر، قال: وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع صاحب، قال ابن الأثير: ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا (يتبعون) أي يتمسكون (الأحدث فالأحدث) أي الآخر فالآخر (من أمره) أي من فعله صلى الله عليه وسلم الذي يستحب متابعته فيه مما سوى فعل الطبع والزلة والمخصوص به، وبيان المحمل على ما ذكر في محله من أصول الفقه اهـ من الهامش. قال النواوي: هذا محمول على ما علموا منه النسخ أو رجحان الثاني مع جوازهما والإ فقد طاف صلى الله عليه وسلم على بعيره وتوضأ مرة مرة ونظائر ذلك من الجائزات

2486 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. قَال يَحْيَى: قَال سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي مِنْ قَوْلِ مَنْ هُوَ؟ يَعْنِي: وَكَانَ يُؤْخَذُ بِالآخِرِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التي عملها مرة أو مرات قليلة لبيان جوازها وحافظ على الأفضل منها. قال القرطبي: (قوله وكان صحابته صلى الله عليه وسلم) الخ هو قول الزهريّ كما فسره في الرواية الأخرى ونسبه إليه ولذلك ذكره مسلم بعده، وظاهر كلام ابن شهاب أن الذي استقر عليه أمره صلى الله عليه وسلم إنما كان الفطر في السفر، وأن الصوم السابق منسوخ، وهذا الظاهر ليس بصحيح بدليل الأحاديث الآتية بعد هذا فإنها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صام بعد ذلك في السفر وأصحابه كذلك وجد فيه ومن أدل ذلك قول أبي سعيد (ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وما أخرجه النسائي عن عائشة (أنها سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرته فقالت: يا رسول الله قصرت وأتممت وأفطرت وصمت، فقال: "أحسنت يا عائشة" وما عابه عليّ) ويمكن أن يحمل قول الزهريّ على أنه أراد أن يخبر بقاعدتهم الكلية الأصولية في الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم فيما تحققت فيه المعارضة لا في هذا الموضع فإنه لم يتحقق فيه المعارضة، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 219] , والبخاري [2954] , والنسائي [4/ 189]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2486 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه المروزي (عن سفيان) بن عيينة الكوفي (عن الزهريّ بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس، وساق سفيان (مثله) أي مثل ما حدّث ليث عن الزهريّ، غرضه بيان متابعة سفيان لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن الزهريّ. قال المؤلف رحمه الله (قال يحيى) بن يحيى (قال سفيان) بن عيينة (لا أدري) ولا أعلم (من قول من هو) أي هذا الكلام (يعني) سفيان بقوله هو قوله (وكان يؤخذ بالآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لا

2487 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأمْرَينِ. وإنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِالآخِرِ فَالآخِرِ. قَال الزُّهْرِيُّ: فَصَبَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ مَكةَ لِثَلاثَ عَشْرَةَ لَيلَةً خَلَتْ، مِنْ رَمَضَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أدري هل هو من قول الزهري أو من قول عبيد الله، قال عياض: قد بين في حديث ابن رافع أنه من قول ابن شهاب فهو تفسير لما أبهم في هذا الطريق، ولذا أتى به مسلم بعد حديث ابن عيينة، وهو دليل إحسانه في صنعة التأليف اهـ. وقوله (بالآخر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) ينبغي أن يحمل القول هنا على معنى الفعل كما في نظائره الكثيرة وإلا فقوله الأخير يكون ناسخًا لقوله الأول حتما لا يشك فيه ويدل على ذلك ما أورده النواوي من الأمثلة الفعلية التي كتبناها عنه آنفًا ويؤيده ما يأتي في الطريق التالي من قول الزهريّ، وكان الفطر آخر الأمرين فإن الفطر فعل لا قول اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2487 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس (مثله) أي مثل ما روى ليث عن الزهريّ، غرضه بيان متابعة معمر لليث بن سعد، قال معمر (قال الزهريّ وكان الفطر آخر الأمرين وإنما يؤخذ) ويتبع (من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر، قال الزهريّ فصيح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة) أي أتاها صباحًا (لثلاث عشرة ليلة خلت) أي مضت (من رمضان) وهذا كما تراه من قول الزهريّ، وقد أدرجه بعض الرواة، قال الحافظ رحمه الله تعالى: وروي بإسناد صحيح من طريق قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد قال (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان) وهذا يعين يوم الخروج، وقول الزهريّ يعين يوم الدخول، ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يومًا، وأما ما قاله الواقدي إنه خرج لعشر خلون من رمضان فليس بقوي لمخالفته ما هو أصح منه، وفي تعيين هذا التاريخ أقوال أخرى منها عند مسلم لست عشرة،

2489 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيثِ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانُوا يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ. وَيرَوْنَهُ النَّاسِخَ الْمُحْكَمَ. 2490 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأحمد لثماني عشرة، وفي أخرى لثنتي عشرة، والجمع بين هاتين يحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي والذي في المغازي دخل لتسع عشرة مضت وهو محمول على الاختلاف في أول الشهر ووقع في أخرى بالشك في تسع عشرة أو سبع عشرة، وروى يعقوب بن سفيان من رواية ابن إسحاق عن جماعة من مشايخه إن الفتح كان في عشر بقين من رمضان فإن ثبت حمل على أن مراده أنه وقع في العشر الأوسط قبل أن يدخل العشر الأخير كذا قال في الفتح، والمذكور في تاريخ أبي الفدا خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان، ودخوله مكة لعشر بقين منه وهو المشهور في كتب المغازي اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2489 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي البصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب) الزهريّ المدني (بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس وساق يونس (مثل حديث الليث) غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد في الرواية عن الزهري، قال يونس بن يزيد (قال ابن شهاب: فكانوا) أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (يتبعون) أي يتمسكون (الأحدث فالأحدث) أي الأخير فالأخير (من أمره) أي فعله صلى الله عليه وسلم (ويرونه) أي ويعتقدون الأحدث هو (الناسخ المحكم) فيما إذا لم يمكن الجمع أو علم كون الأحدث ناسخًا أو راجحًا، ومعنى المحكم الثابت الذي لم يتعلق به نسخ. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2490 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن مجاهد) بن

عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في رَمَضَانَ. فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ. فَشَرِبَهُ نَهَارًا. ليَرَاهُ النَّاسُ. ثُمَّ أَفْطَرَ. حَتَّى دَخَلَ مَكةَ. قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ وَأَفْطَرَ. فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. 2491 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جبر المخزومي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لعبيد الله في رواية هذا الحديث عن ابن عباس (قال) ابن عباس (سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان) إلى مكة لفتح مكة (فصام) هو صلى الله عليه وسلم وصاموا (حتى بلغ عسفان ثم دعا) أي طلب (بإناء فيه شراب فشربه نهارًا ليراه الناس) فيعلموا جواز الفطر ويختاروا متابعته، وفيه إشعار بأن أفضلية الفطر لا تختص بمن أجهده الصوم أو خشي العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة بل يلحق بذلك من يقتدى به ليتابعه مَنْ وقع له شيء من الأمور الثلاثة ويكون الفطر في حقه في تلك الحالة أفضل لفضيلة البيان (ثم أفطر) في سائر الأيام (حتى دخل مكة قال ابن عباس رضي الله عنهما) بالسند السابق (فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم) في سفره (وأفطر) فيه أيضًا (فمن شاء) منكم أن يصوم في سفره (صام) مسارعة إلى براءة الذمة (ومن شاء) أن يفطر (أفطر) تمسكًا بالرخصة، فهم ابن عباس مِن فعله صلى الله عليه وسلم ذلك أنه لبيان الجواز لا للأولوية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2491 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7) (عن عبد الكريم) بن مالك الأموي مولاهم مولى عثمان أو مولى معاوية أبي سعيد الجزري الخضرمي بكسر المعجمة الأولى وسكون الثانية نسبة إلى خضرم قرية من قرية اليمامة أصله منها، روى عن مجاهد في الحج، وطاوس في

عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: لَا تَعِبْ عَلَى مَنْ صَامَ وَلَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ. قَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، في السَّفَرِ، وأَفْطَرَ. 2492 - (1081) (2) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِـ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ) حَدَّثنَا جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلى مَكَّةَ في رَمَضَانَ. فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوم، ونافع في الأيمان، ومحمد بن المنكدر في الفضائل، وابن المسيب وابن أبي ليلى، ويروي عنه (ع) والثوري وزهير بن معاوية وابن عيينة وابن جريج وغيرهم، وثقه العجلي والترمذي والبزار وأبو حاتم، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (127) سبع وعشرين ومائة (عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الكريم لمجاهد في رواية هذا الحديث عن طاوس (قال) ابن عباس (لا تعب) نهي، من عاب يعيب عيبًا إذا عيبه ونسبه إلى النقص والعيب أي لا تَعِبْ (على من صام) صومه (ولا على من أفطر) فطره يعني في السفر لأنه (قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر) لإدراك وقت الفضيلة (وأفطر) في السفر لبيان الجواز. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 2492 - (1081) (2) (حدثني محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عبد المجيد) الثقفي البصري (حدثنا جعفر) الصادق بن محمَّد بن علي بن الحسين الهاشمي المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) محمَّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح) من المدينة (إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع) بضم الكاف (الغميم) بفتح الغين المعجمة واد بالحجاز قريب بعسفان على ثمانية أميال منه يضاف إلى الغميم والغميم جبل أسود متصل به سُمي

فَصَامَ الناسُ. ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ. حَتى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيهِ. ثُمَّ شَرِبَ. فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذلِكَ: إِن بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَال: "أُولئِكَ الْعُصَاةُ. أُولئِكَ الْعُصَاةُ". 2493 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ جَعْفَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك لأنه يشبه كراع الغنم وهو ما دون الركبة من الساق ذكره ابن حجر (فصام الناس) بصيامه (ثم) بعد صلاة العصر كما سيصرح في الرواية الآتية (دعا) أي طلب بماء فأتي (بقدح) أي بإناء (من ماء) والقدح إناء شرب واسع الفم بعيد القعرر (فرفعه) أي فرفع القدح إلى فمه (حتى نظر الناس إليه ثم شرب) ما فيه من الماء (فقيل له) صلى الله عليه وسلم (بعد ذلك) أي بعد ما أفطر (أن بعض الناس قد صام) أي استمر على الصوم ولم يفطر (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك) الصائمون هم (العصاة) جمع عاص كبغاة جمع باغ أي الذين عصوا الله ورسوله فيما أمرا به من رخصة الفطر (أولئك العصاة) هكذا هو بالتكرار مرتين للتأكيد، وهذا محمول على من تضرر بالصوم أو أنهم أمروا بالفطر أمرًا جازمًا لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب، وعلى كلا التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصيًا إذا لم يتضرر به، ويؤيد التأويل الأول قوله في الرواية الثانية (إن الناس قد شق عليهم الصيام) اهـ نواوي، وفي المرقاة: إنهم كاملون في العصيان فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رفع قدح الماء ليراه الناس فيتبعونه في قبول رخصة الله تعالى، فمن صام فقد بالغ في عصيانه وهو محمول على الزجر والتغليظ لأن الظاهر أن هذا وقع منهم بناء على خطإ في اجتهادهم إذ لم يقع أمر صريح بإفطارهم اهـ منه، وقال الطيبي: التعريف في العصاة للجنس أي أولئك الكاملون في العصيان المتجاوزون حده لأنه صلى الله عليه وسلم إنما بالغ في الإفطار حتى رفع قدح الماء بحيث يراه كل الناس لكي يتبعوه ويقبلوا رخصة الله تعالى، فمن أبي فقد بالغ في العصيان كذا قال، ولا ينبغي هذا في حق الصحابة، وقد أمكن غيره كذا في شرح المواهب اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [710] , والنسائي [4/ 177]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2493 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمَّد بن عبيد (يعني الدراوردي) أبو محمَّد الجهني مولاهم المدني، صدوق، من (8) (عن جعفر)

بِهذا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: فَقِيلَ لَهُ: إِن الناسَ قَدْ شَقَّ عَلَيهِمُ الصِّيَامُ. وإنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ. 2494 - (1082) (3) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ومحمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ. فَرَأى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصادق ابن محمَّد الباقر المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن جابر، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لعبد الوهاب (و) لكن (زاد) عبد العزيز في روايته قوله (فقيل له) صلى الله عليه وسلم لم أر من عين هذا القائل (أن الناس قد شق) وصعب (عليهم الصيام) وأضرهم (وإنما ينظرون فيما فعلت) من الصيام والفطر أي ينتظرون ما فعلته في صومك ليتبعوك (فدعا بقدح من ماء بعد) صلاة (العصر) فشربه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر هذا بحديث آخر له فقال: 2494 - (1082) (3) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري (قال أبو بكر حدثنا غندر عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن محمَّد بن عبد الرحمن بن سعد) بن زرارة الأنصاري المدني قاضيها، روى عن محمَّد بن عمرو بن الحسن في الصوم، وعمته عمرة والأعرج، ويروي عنه (ع) وشعبة ويحيى بن كثير وابن عيينة وطائفة، وثقه النسائي، وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (124) أربع وعشرين ومائة (عن محمَّد بن عمرو بن الحسن) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (2) بابين الصلاة والصوم (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون أو بصريان وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) قال الحافظ: تبين من رواية جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر أنها غزوة الفتح (فرأى رجلًا قد اجتمع الناس عليه (قال الحافظ: لم أقف على اسمه ولولا ما قدمته من أن عبد الله بن رواحة استشهد قبل غزوة الفتح لأمكن أن يفسر به لقول أبي الدرداء لم يكن

وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيهِ. فَقَال: "مَا لهُ؟ " قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "لَيسَ من الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا في السفَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من الصحابة في تلك السفرة صائمًا غيره، وزعم مغلطائي أنه أبو إسرائيل وعزى ذلك لمبهمات الخطيب ولم يقل الخطيب ذلك في هذه القصة اهـ (و) الحال أنه (قد ظلل عليه) أي جعل عليه ظل اتقاء له من حر الشمس، وقيل غير كذلك اهـ فتح، وفي بعض الهوامش: قوله (وقد ظلل عليه) أي حجبوه من حر الشمس بشيء من الساتر أو ستروه منها بالقيام على رأسه من جوانبه اهـ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما له) أي أي شيء ثبت له قد ظللتم عليه (قالوا) أي قال الحاضرون عند الرجل هو (رجل صائم) قد أضعفه الصوم وسقط على الأرض (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر) الكامل (أن تصوموا في السفر) أي إذا شق عليكم وخفتم الضرر منه، وسياق الحديث يقتضي هذا التأويل، وهذه الرواية مُبيِّنة للروايات المطلقة أعني رواية (ليس من البر الصيام في السفر) ومعنى الجميع فيمن تضرر بالصوم اهـ نووي، وفي المبارق: استدل به من لا يرى الصوم في السفر، والجمهور على جوازه وحملوا الحديث على من جهده الصوم بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم في السفر وبقرينة الحال فإن قيل اللفظ عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قلنا: فرق بين السياق والسبب فإن السياق والقرائن تدل على مراد المتكلم وتخصيص العام في كلامه ولا كذلك السبب، وقوله ليس من البر من القبيل الأول اهـ. وفي فتح الملهم: السياق يُشعر بأن سبب قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر أن تصوموا في السفر هو ما ذكر من المشقة، ومن روى الحديث مجردًا فقد اختصر القصة وبما ذكرنا من اعتبار شدة المشقة يجمع بين الأحاديث المختلفة في هذا الباب فالحاصل أن الصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر، والفطر لمن شق عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرخصة أفضل من الصوم وإن لم يتحقق المشقة يُخير بين الصوم والفطر اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 319] , والبخاري [1946] , وأبو داود [2407] , والنسائي [4/ 177]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتايعة في هذا الحديث فقال:

2495 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ محمدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ. قَال: سَمِعْتُ مُحَمدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ يحدث؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ رَجُلًا. بِمِثْلِهِ. 2496 - (00) (00) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ: قَال شُعْبَةُ: وَكَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أنَّه كَانَ يَريدُ في هذَا الْحَدِيثِ. وَفي هَذَا الإِسْنَادِ أَنَّهُ قَال: "عَلَيكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 2495 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن محمَّد بن عبد الرحمن قال: سمعت محمَّد بن عمرو بن الحسن يحُدّث أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، وفيه فائدة تصريح السماع في موضعين، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا) وساق معاذ بن معاذ (بمثله) أي بمثل حديث محمَّد بن جعفر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 2496 - (00) (00) (وحدثناه أحمد بن عثمان النوفلي) أبو عثمان البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي البصري، ثقة، عن (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن محمَّد بن عبد الرحمن عن محمَّد بن عمرو عن جابر، غرضه بيان متابعة أبي داود لغندر في رواية هذا الحديث عن شعبة وساق أبو داود (نحوه) أي نحو حديث محمد بن جعفر (و) لكن (زاد) أبو داود قوله (قال شعبة وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه) أي أن يحيى بن أبي كثير (كان يزيد في بها الحديث) على ما رواه لنا محمَّد بن عبد الرحمن (وفي هذا الإسناد) معطوف على الجار والمجرور يعني به عن محمَّد بن عمرو بن الحسن عن جابر أي بلغني أولًا أن يحيى بن أبي كثير يزيد في هذا الحديث بهذا الإسناد قوله (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال عليكم) أي الزموا (برخصة الله) سبحانه (الذي) صفة للجلالة أو صفة للرخصة وذكر الموصول نظرًا إلى كونها

رَخَّصَ لَكُمْ" قَال: فَلَمَّا سَألتُهُ، لَمْ يَحْفَظهُ. 2497 - (1083) (4) حدثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى الفطر من الصوم أي خذوا برخصة الله التي (رخصـ) ـها (لكم) وهو الفطر من رمضان في السفر، قال الأبي: فيه أن الفطر رخصة لا واجب، وفيه أن الفطر أفضل لحضه عليه لقوله عليكم برخصة الله اهـ (قال) شعبة (فلما) رأيت محمَّد بن عبد الرحمن (سألته) أي سألت محمدًا عن هذه الزيادة التي بلغني أنه زادها فقال لي محمَّد (لم يحفظه) أي لم يحفظ ولم يسمع ولم يسمع هذا الزائد عن شيخي محمَّد بن عمرو والله أعلم، وفي بعض الهوامش قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم" كذا في نسختين عندنا وهو المأخوذ في المصابيح والجامع الصغير والباقي من النسخ فيها برخصة الله الذي الخ بالتذكير كما تراه وكذلك في أصل النواوي والأبي وفي السنن البولاقي، والرخصة هنا في الفطر في السفر اهـ، قوله (فلما سألته لم يحفظه) إلخ قال الحافظ: الضمير في سألته يرجع إلى محمَّد بن عبد الرحمن شيح يحيى لأن شعبة لم يلق يحيى فدل على أن شعبة أخبر أنه كان يبلغه عن يحيى عن محمَّد بن عبد الرحمن عن محمَّد بن عمرو عن جابر في هذا الحديث زيادة وأنه لما لقي محمَّد بن عبد الرحمن شيخ يحيى مسألة عنها فلم يحفظها، وحديث يحيى بن أبي كثير قد أخرجه النسائي عن طريق شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى عن محمَّد بن عبد الرحمن حدثني جابر بن عبد الله قال النسائي: هذا خطأ، وشاهد هذه الزيادة التي ذكرها شعبة عن يحيى بن أبي كثير ما في مجمع الزوائد عن عمار بن ياسر قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة، فسرنا في يوم شديد الحر، فنزلنا في بعض الطريق فانطلق رجل منا فدخل تحت شجرة فإذا أصحابه يلوذون به وهو مضطجع كهيئة الوجع، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال صاحبكم"؟ قالوا: صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر أن تصوموا في السفر، عليكم بالرخصة التي أرخص الله لكم فاقبلوها" رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن، ولعل مراده فاقبلوها في مثل تلك الحالة التي عرضت لذلك الرجل الصائم، والله أعلم اهـ من فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس المذكور في أول الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 2497 - (1083) (4) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود القيسي أبو خالد

حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ. فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ. فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ. وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. 2498 - (00) (00) حدْثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ التَّيمِيِّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ. وَقَال ابْنُ الْمُثَنّى: حَدَّثنَا أَبُو عَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، ويقال له هداب بن خالد، ثقة، من (9) (حدثنا همام بن يحيى) بن دينار الأزدي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) المدني سعد بن مالك (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد الخدري (قال) أبو سعيد (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة) ليلة (مضت) أي خلت (من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم) بفتح الياء وكسر العين أي فلم يلُم الصائم (على المفطر) فطره (ولا) يعيب (المفطر على الصائم) صومه، فالحديث قال على جواز الفطر والصوم في السفر. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات، ولكن شاركه أحمد [3/ 45 و 74] ولو قدمه بعد حديث ابن عباس لكان أولى وأوضح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2498 - (00) (00) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم بصيغة اسم المفعول (المقدمي) نسبة إلى الجد المذكور أبو عبد الله الثقفي مولاهم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري، ثقة، من (9) (عن) سليمان بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) (ح وحدثناه محمَّد بن المثنى) البصري (حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (وقال ابن المثنى حدثنا أبو عامر)

حَدَّثَنَا هِشَامٌ. وَقَال ابْنُ الْمُثَنى: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ (يَعْنِي ابْن عَامِرٍ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ. كُلهمْ عَنْ قَتَادَةَ، بِهذا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ هَمَّامٍ. غَيرَ أَن في حَدِيثِ التَّيمِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَامِرٍ وَهِشَامٍ: لِثَمَانَ عَشْرَةَ خَلَتْ. وَفِي حَدِيثِ سَعيدٍ: في ثِنْتَي عَشْرَةَ. وَشُعْبَةَ: لِسَبْعَ عَشْرَةَ أوْ تِسْعَ عَشْرَةَ. 2499 - (00) (00) حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الملك بن عمرو القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (وقال ابن المثنى حدثنا سالم بن نوح) بن أبي عطاء العطار أبو سعيد البصري، صدوق، من (9) (حدثنا عمر يعني ابن عامر) السلمي أبو حفص البصري قاضيها، صدوق، من (6) روى عنه في (2) بابين (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمَّد بن بشر) العبدي الكوفي (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة سليمان بن طرخان وشعبة وهشام الدستوائي وعمر بن عامر وسعيد بن أبي عروبة رووا (عن قتادة) بن دعامة (بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد (نحو حديث همام) بن يحيى، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن قتادة، ثم بين محل المخالفة بينهم بقوله (غير أن) أي لكن أن (في حديث) سليمان (النيمي) وروايته (و) في رواية (عمر بن عامر و) رواية (هشام) الدستوائي (لثمان عشرة) ليلة (خلت) أي مضت من رمضان (وفي حديث سعيد) بن أبي عروبة وروايته غزونا (في ثنتي عشرة) بقيت من رمضان، وهاتان الروايتان بها من أصح الروايات المختلفة هنا، ويجمع بينهما يحمل أولاهما على ما مضى من رمضان، وثانيتهما على ما بقي من رمضان كما قررناه في الحلِّ (و) في حديث (شعبة) وروايته (لسبع عشرة أو) قال (تسع عشرة) ليلة، وهذه ضعيفة للشك فيها وهي غير معتبرة لا تصلح لمعارضة الروايتين السابقتين ذكره في فتح الباري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2499 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي الجهضمي) البصري (حدثنا بشر يعني

ابْنَ مُفَضَّلٍ) عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَال: كُنَا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ في رَمَضَانَ. فَمَا يُعَابُ عَلَى الصائِمِ صَوْمُهُ. وَلَا عَلَى الْمُفْطِرِ إِفْطَارُهُ. 2500 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سعيد الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَال: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في رَمَضَانَ. فَمِنا الصَّائِمُ وَمِنَا الْمُفْطِرُ. فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ. وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذلِكَ حَسَنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (9) (عن أبي مسلمة) سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي القصير البصري، ثقة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة البصري (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي مسلمة لقتادة في رواية هذا الحديث عن أبي نضرة (قال) أبو سعيد (كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فما يعاب) أي لا يلام (على الصائم صومه ولا) يعاب (على المفطر افطاره) فالصوم والإفطار جائزان في السفر وقد مر التفصيل بين الأفضل منهما بحسب حال الشخص فراجعه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2500 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم ابن عليه البصري (عن) سعيد بن إياس (الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي، غرضه بيان متابعة الجريري لقتادة (قال) أبو سعيد الخدري كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم) أي لا يغضب الصائم (على المفطر) ولا يعترض عليه إفطاره، يقال وجدت عليه موجدة إذا غضبت عليه (ولا) يجد (المفطر على الصائم) صومه (يرون) أي يرون الأصحاب ويعتقدون (أن من وجد قوة) أي قدرة على الصيام في السفر (فصام فإن ذلك) أي فإن صومه في السفر (حسن) له أي أفضل لما فيه

وَيرَوْنَ أن مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ. فَإِن ذلِكَ حَسَنٌ. 2501 - (00) (00) حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، وَسَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَحُسَينُ بْنُ حُرَيثٍ. كُلُّهُمْ عَنْ مَرْوَانَ. قَال سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ، عَنْ عَاصِمٍ. قَال: سَمِعْتُ أبا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ من براءة الذمة ولإدراك فضيلة الوقت (وبرون أن من وجد) أي عرف من نفسه (ضعفًا) بالصوم (فأفطر فإن ذلك) الإفطار (حسن) له أي أفضل له من الصوم لما فيه من قبول الرخصة فهذا التفصيل هو المعتمد وهو نص رافع للنزاع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 2501 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (وسهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلدة على الفرات، روى عنه في (7) أبواب (وحسين بن حريث) -بالتصغير فيهما- ابن الحسن بن ثابت بن قطبة أبو عمار الخزاعي المروزي مولى عمران بن حصين، روى عن مروان بن معاوية في الصوم، والنضر بن شميل في الاستئذان، والفضل بن موسى في الاستئذان والفضائل وصفة أهل الجنة والنار، وابن المبارك والوليد بن مسلم وفضيل بن عياض وخلق، ويروي عنه (خ م ت س) و (د) بالإجازة، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات راجعًا من الحج بقصر اللصوص سنة (244) أربع وأربعين ومائتين (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة رووا (عن مروان) بن معاوية بن الحارث الفزاري أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (قال سعيد) بن عمرو (أخبرنا مروان بن معاوية عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي مولاهم أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (قال) عاصم (سمعت أبا نضرة) المنذر بن مالك البصري (يحدّث عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عاصم

قَالا: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. فَيَصُومُ الصَّائِمُ ويفْطِرُ الْمُفْطِرُ. فَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. 2502 - (1084) (5) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ حُمَيدٍ. قَال: سُئِلَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ في السفَرِ؟ فَقَال: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ في رَمَضَانَ. فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصائِمِ. 2503 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحول لمن روى عن أبي نضرة بالنسبة لحديث أبي سعيد الخدري، وأما بالنسبة لحديث جابر فغرضه الاستشهاد لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (قالا) أي قال كل من أبي سعيد وجابر بن عبد الله (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم) منا فلا يلام على صومه (ويفطر المفطر) منا فلا يلام على إفطاره (فلا يعيب) أي فلا يلوم (بعضهم) أي بعض الصحابة (على بعض) آخر صومه أو إفطاره. ثم اسنشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث أنس رضي الله عنهم فقال: 2502 - (1084) (5) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن حميد) بن أبي حميد الطويل البصري (قال سئل أنس) بن مالك (رضي الله عنه). وهذا السند من رباعيانه رجاله اثنان منهم بصريان وواحد كوفي وواحد نيسابوري (عن صوم رمضان في السفر فقال) أنس (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم) منا (على المفطر) إفطاره (ولا المفطر على الصائم) صومه، وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 2503 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) الأزدي سليمان بن حيان الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن حميد)

قَال: خَرَجْتُ فَصُمْتُ. فَقَالُوا لِي: أَعِدْ. قَال: فَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا أَخْبَرَنِي؛ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُسَافِرُونَ. فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. فَلَقِيتُ ابْنَ أَبِي مُلَيكَةَ فَأَخْبَرَنِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها تعالى بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطويل. وهذا السند من رباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن حميد الطويل (قال) حميد (خرجت) سفرًا (فصمت) في سفري صوم رمضان (فقالوا لي) أي فقال الناس الحاضرون معي (أعد) هذا الصوم الذي صمته في السفر إذا كنت في الحضر واقضه لأنه لا يجوز الصوم في السفر (قال) حميد (فقلت) لهم (أن أنسًا) ابنَ مالك (أخبرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون) ويصوم من شاء منهم ويفطر من شاء (فلا يعيب الصائم على المفطر) إفطاره (ولا المفطر على الصالم) صومه، قال حميد (فلقيت ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله التيمي المكي (فأخبرني عن عائشة رضي الله تعالى عنها بمثله) أي بمثل ما حدثني أنس بن مالك. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث جابر الأول وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عباس وذكر فيه أربع متابعات، والخامس حديث أنس ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عباس وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

446 - (2) باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة

446 - (2) باب: أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة 2504 - (1085) (6) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ. فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ. قَال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ. أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ. وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ. قَال: فَسَقَطَ الصُّوامُ. وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ. فَضَرَبُوا الأبْنِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 446 - (2) باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل وكون الفطر عزمة عند لقاء العدو والتخيير بين الصوم والفطر واستحباب الفطر للحاج يوم عرفة 2504 - (1085) (6) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الكوفي (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري (عن مورق) بصيغة اسم فاعل المضعف بن مشمرج بوزن مدحرج بن عبد الله العجلي أبي المعتمر البصري، روى عن أنس في الصوم، وعبد الله بن جعفر في الفضائل، وعمر وسلمان الفارسي وأبي ذر وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر وجماعة، ويروي عنه (ع) وعاصم الأحول وقتادة وحميد الطويل ومجاهد وغيرهم، قال النسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة عابدًا، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من كبار الثالثة، مات بعد المائة (100) (عن أنس) بن مالك البصري (رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان (قال) أنس (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال) أنس (فنزلنا منزلًا) في الطريق (في يوم حار) أي شديد الحرارة (أكثرنا) أي أوسعنا (ظلًا صاحب الكساء) الذي استظل بكسائه والكساء ثوب غليظ عريض من صوف يعني أنه لم يكن لهم فساطيط ولا أخبية اهـ مفهم (ومنا من يتقي الشمس) أي يستتر عنها (بيده قال) أنس (فسقط الصوام) أي صاروا قاعدين على الأرض ساقطين عن الحركة ومباشرة حوائجهم لضعفهم بسبب صومهم (وقام المفطرون فضربوا الأبنية) أي بنوها على الصائمين جمع بناء يعني الخصائص جمع خُص وهو بيت من حشيش أو قصب لأنه ليس لهم أخبية كما مر آنفًا

وَسَقَوُا الرِّكَابَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ذَهَبَ الْمُفْطِرونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ". 2505 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ من المفهم، وقال النواوي (فضربوا الأبنية) أي نصبوا الأخبية وأقاموها على أوتاد مضروبة في الأرض، والأول أولى لدلالة السياق عليه لأنه قال أولًا وأكثرنا ظلًا صاحب الكساء لأنه يدل على أنه ليست لهم أخبية (وسقوا الركاب) أي الرواحل وهي الإبل التي يُسار عليها، قال الفيومي: والركاب بكسر الراء المطي الواحدة راحلة من غير لفظها اهـ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب المفطرون اليوم بالأجر) أي بالثواب الأكمل لأن الإفطار كان في حقهم حينئذ أفضل، وفي ذكر اليوم إشارة إلى عدم إطلاق هذا الحكم، وقال الطيبي: أي إنهم مضوا واستصحبوا الأجر ولم يتركوا لغيرهم شيئًا منه على طريقة المبالغة يقال ذهب به إذا استصحبه ومضى به معه اهـ يعني بالأجر كله أو بكل الأجر مبالغة قاله ملا علي، وقال ابن الملك: اللام فيه يحتمل أن تكون للعهد مشيرًا إلى أجر أفعال المفطرين وأن تكون للجنس ويفيد مبالغة بأن يبلغ أجرهم مبلغًا ينغمر فيه أجر الصوم ويجعل كأن الأجر كله للمفطر كما يقال عمرو الشجاع اهـ، وقال القرطبي: قوله (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) يعني أنهم لما قاموا بوظائف ذلك الوقت وما يحتاج إليه فيه كان أجرهم على ذلك أكثر من أجر من صام ذلك اليوم ولم يقم بتلك الوظائف، وفيه رد على من يقول إن المسافر لا يصح صومه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2890]، والنسائي [4/ 182]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 2505 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا حفص) بن غياث بن طلق النخعي أبو عمر الكوفي (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري (عن مورق) بن مشمرج العجلي البصري (عن أنس) بن مالك (رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة حفص لأبي معاوية (قال) أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في

سَفَرٍ. فَصَامَ بَعْضٌ وَأَفْطَرَ بَعْضٌ. فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا. وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ. قَال: فَقَال فِي ذلِكَ: "ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ". 2506 - (1086) (7) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ. قَال: حَدَّثَنِي قَزَعَةُ. قَال: أَتَيتُ أبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سفر فصام بعض) الأصحاب (وأفطر بعض) آخر منهم (فتحزّم المفطرون) من باب تفعل الخماسي أي تلبسوا وشدوا أوساطهم بالحزام وعملوا للصائمين كما في النهاية، وفي رواية فتخدم من الخدمة أي خدم المفطرون الصائمين بالعمل لهم في حوائجهم، وقال النواوي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا فتحزم بالحاء المهملة والزاي وكذا نقله القاضي عن أكثر رواة صحيح مسلم، قال: ووقع لبعضهم (فتخدم) بالخاء المعجمة والدال المهملة قال: وادّعوا أنه صواب الكلام لأنهم كانوا يخدمون الصائمين، قال القاضي: والأول صحيح أيضًا ولصحته ثلاثة أوجه أحدها معناه شدوا أوساطهم للخدمة، والثاني أنه استعارة للاجتهاد في الخدمة، ومنه حديث (إذا دخل العشر اجتهد وشد المئزر) والثالث أنه الحزم وهو الاحتياط والأخذ بالقوة والاهتمام بالمصلحة اهـ (وعملوا) لأنفسهم وللصائمين ببناء الأبنية ورفع الأخبية (وضعف الصوام عن بعض العمل) حتى لأنفسهم بسبب الصوم (قال) أنس (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في ذلك) أي لأجل ذلك التحزم منهم (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) العظيم والثواب الجسيم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2506 - (1086) (7) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي الحمصي، صدوق، من (7) (عن ربيعة) بن يزيد القصير الإِيادي أبي شعيب الدمشقي، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (قال) ربيعة (حدثني قزعة) بن يحيى البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) قزعة (أتيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان شاميان وواحد مدني وواحد بغدادي (وهو) أي والحال أن أبا سعيد (مكثور عليه) بالناس أي مغلوب

فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، قُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْأَلُكَ عَمَّا يَسْأَلُكَ هَؤُلاءِ عَنْهُ. سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَال: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ. قال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ. وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ". فَكَانَتْ رُخصَةً. فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ. ثَمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ. فَقَال: "إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ. وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَأَفْطِرُوا" وَكَانَتْ عَزْمَةً. فَأَفْطَرْنَا. ثُمَّ قَال: لَقَدْ رَأَيتُنَا نَصُومُ، مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذلِكَ، فِي السَّفَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه بكثرة الناس أي عنده ناس كثيرون (فلما تفرق الناس عنه) وذهبوا من عنده (قلت) لأبي سعيد (إني لا أسألك عما يسألك هولاء) الناس (عنه) من الأسئلة المختلفة غير الضرورية ثم (سألته عن الصوم في السفر) والفطر فيه أيهما أفضل (فقال) أبو سعيد (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة) لغزوة الفتح (ونحن صيام) أي صائمون لمصادفة سفر الفتح لرمضان (قال) أبو سغيد (فنزلنا منزلًا) في الطريق (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم قد دنونم) أي قربتم (من عدوكم) المشركين، يقال دنا منه ودنا إليه يدنو دنوًا إذا قرب إليه كما في المصباح (والفطر أقوى لكم) أي أفيد لكم في القوة والقدرة والغلبة على عدوكم (فكانت) خصلة الفطر (رخصة) لنا والرخصة الانتقال من صعوبة إلى سهولة (فمنا من صام ومنا من أفطر ثم) سرنا من ذلك المنزل حتى قربنا إلى مكة فـ (ــــنزلنا منزلًا آخر) أقرب إلى مكة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم) أيها الأصحاب (مصبحوا عدوكم) أي ملاقوهم صباحًا ومغيرون عليهم، يقال صبحت فلانًا بالتشديد إذا أتيته صباحًا (والفطر أقوى لكم) أي أفيد لكم في القدرة على قتالهم (فأفطروا) بصيغة الأمر أي بيتوا الفطر ولا تبيتوا الصوم (وكانت) خصلة الفطر (عزمة) بسكون الزاي أي متحتمة غير رخصة، والعزمة الانتقال من صعوبة إلى صعوبة، وقال ابن الملك: أي فريضة لأن الجهاد كان فرضًا في ذلك الوقت وكان حاصلًا بالإفطار، والصوم كان جائزًا لهم وترك الفرض لأجل الجائز لم يكن جائزًا لهم اهـ، قال أبو سعيد (فأفطرنا) امتثالًا لأمره بالإفطار (ثم قال) أبو سعيد: والله (لقد رأيتنا) أي رأيت أنفسنا (نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك) اليوم الذي لقينا فيه العدو (في السفر) لكون الفطر رخصة لا عزيمة، وهذا يدل على ثبوت التخيير

2507 - (1087) (8) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم في غير حال الدنو من العدو اهـ ابن الملك، قال القرطبي: وهذا دليل على أن الصوم هو الأصل والأفضل وأن الفطر إنما كان لعلة وسبب ولما زال ذلك رجع إلى الأفضل والله أعلم اهـ من المفهم. قال القرطبي: وقوله (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم) دليل على أن حفظ القوة بالفطر أفضل لمن هو منتظر للقاء العدو (وقوله فكانت رخصة) يعني أنهم لم يفهموا من هذا الكلام الأمر بالفطر ولا الجزم به، وإنما نبه به على أن الفطر أولى لمن خاف الضعف، وسُمي هذا رخصة بناء على أن كل مكلف مخاطب بصوم رمضان كما قد أفهمه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] أو بالنسبة إليهم إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد صام من حين خروجه من المدينة وصام الناس معه إلى أن بلغ الكديد كما تقدم، فلما خاف عليهم الضعف نبههم على جواز الفطر وأنه الأفضل فسُمي ذلك رخصة بالنسبة إلى ترك ما كانوا قد اختاروه من الصوم ولما فهموا أن هذا من باب الرخص كان منهم من هو موفور القوة فصام وكان منهم من خاف على نفسه فأفطر، ثم بعد ذلك قال لهم: "إنكم مصبحون على عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" قال: وكانت عزمة أي إنهم فهموا من أمره بالفطر أنه جزم ولابد منه، وأنه واجب فلم يصم منهم أحد عند ذلك فيما بلغنا، ولو قدر هنالك صائم لاستحقوا أن يقال لهم: أولئك العصاة. وقد حمل بعض علمائنا قوله أولئك العصاة على هذابناء على أن منهم من صام بعد الأمر بالفطر ولم يسمع ذلك في حديث مروي، وإنما هو تقدير من هذا القائل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أبو داود [2406]، والترمذي [712 و 713]، والنسائي [3/ 188 - 189]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2507 - (1087) (8) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) أم

رضي الله عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: سَأَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَال: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنين (رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي (أنها قالت سأل حمزة بن عمرو) بن عويمر بن الحارث (الأسلمي) نسبة إلى أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر أبو صالح المدني رضي الله عنه صحابي، له تسعة (9) أحاديث، انفرد له (م) بحديث وله ذكر عندهما، ويروي عنه (م د س) وابنه محمد وسليمان بن يسار، وقال في التقريب: صحابي جليل، مات سنة (61) إحدى وستين (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر) هل هو جائز أم لا (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) فخيّره بين الصوم والفطر. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه قاله المنذري اهـ من العون، وفي تحفة الأشراف: إنه انفرد به مسلم وهو غير صواب. قال الخطابي: الحديث نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار، وفيه بيان جواز صوم الفرض للمسافر إذا صامه وهو قول عامة أهل العلم إلَّا ما رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إن صام في السفر قضى في الحضر) وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لا يجزئه، وذهب إلى هذا من المتأخرين داود بن علي، ثم اختلف أهل العلم بعد هذا في أفضل الأمرين منهما فقالت طائفة: أفضل الأمرين الفطر، وإليه ذهب سعيد بن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقال أنس بن مالك وعثمان بن أبي العاص: أفضل الأمرين الصوم في السفر وبه قال النخعي وسعيد بن جبير، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، وقالت فرقة ثالثة: أفضل الأمرين أيسرهما على المرء لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} فإن كان الصيام أيسر عليه صام، وإن كان الفطر أيسر فليفطر وإليه ذهب مجاهد وعمر بن عبد العزيز وقتادة اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2508 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ). حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ. أَفأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَال: "صُمْ إِنْ شِئْتَ. وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ". 2509 - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ: إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ. 2510 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 2508 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لليث بن سعد (أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) في سؤاله (يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم) أي أصوم متتابعًا وكان كما في المشكاة كثير الصيام صائم الدهر، قال في الفتح: أي أتابعه، واستدل به على أن لا كراهية في صوم الدهر، ولا دلالة فيه لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر، فإن ثبت النهي عن صوم الدهر لم يعارضه هذا الإذن بالسرد بل الجمع بينهما واضح اهـ (أفأصوم في السفر) قال ابن دقيق العيد: ليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان فلا يكون فيه حجة لمن منع صيام رمضان في السفر، قال الحافظ: هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صم إن شئت) الصوم (وأفطر إن شئت) الفطر، ففيه دلالة على التخيير بين الصوم والفطر كما مر آنفًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2509 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو معاوية عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، وساق أبو معاوية (مثل حديث حماد بن زيد) فقال في سوقه (إني رجل أسرد الصوم) كما ساقه حماد. ثم ذكر فيه المتابعة ثالثًا فقال: 2510 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا)

ابْنُ نُمَيرٍ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ حَمْزَةَ قَال: إِنِّي رَجُلٌ أَصُومُ. أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ . 2511 - (1088) (9) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ (قَال هارُونُ: حَدَّثَنَا. وَقَال أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ أَبِي مُرَاوحٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله (ابن نمير وقال أبو بكر) أيضًا: (حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني أو الطائي أبو علي الأشل المروزي ثم الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (كلاهما) أي كل من ابن نمير وعبد الرحيم رويا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه، عن عائشة، غرضه بيان متابعتهما لحماد بن زيد ولكن قالا في روايتهما (أن حمزة) بن عمرو الأسلمي (قال) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أني رجل أصوم) الدهر ما عدا الأيام المنهي عنها (أفأصوم في السفر). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنهما فقال: 2511 - (1088) (9) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (قال هارون حدثنا وقال أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن أبي الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود القرشي الأموي المدني، يتيم عروة بن الزبير، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني (عن أبي مراوح) بضم الميم وكسر الواو وبالحاء المهملة الغفاري الليثي المدني اسمه سعد، قيل له صحبة وإلا فبصري، ثقة، من الثالثة، روى عن حمزة بن عمرو وأبي ذر، ويروي عنه (خ م س ق) وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وزيد بن أسلم وجماعة له عندهم حديثان، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وهذا يدل على أن لعروة فيه طريقين سمعه عن عائشة كما تقدم وسمعه من أبي مراوح عن حمزة (عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه) المدني. وهذا

أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ. فَهَلْ عَلَي جُنَاحٌ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هِيَ رُخصَةٌ مِنَ اللهِ. فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ لا. قَال هَارُونُ فِي حَدِيثِهِ: "هِيَ رُخْصَةٌ" وَلَمْ يَذْكُرْ: مِنَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (أنه) أي أن حمزة بن عمرو (قال يا رسول الله أجد بي قوة) وقدرة (على الصيام في السفر فهل عليّ جناح) وذنب إن صمته في السفر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي) أي خصلة الإفطار (رخصة) أي سهولة (من الله) تعالى أي تسهيل من الله تعالى تفضل به على عباده، وتأنيث الضمير لتأنيث الخبر كما في المرقاة (فمن أخذ بها) أي بتلك الرخصة (فحسن) أي فأخذها حسن (ومن أحب أن بصوم) فصام في السفر (فلا جناح) ولا حرج ولا ذنب (عليه، قال هارون في حديثه: هي رخصة ولم يذكر من الله). وقوله (هي رخصة) يشعر بأنه سأل عن صوم الفريضة وذلك أن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو، عن أبيه أنه قال: يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينًا علي، فقال: أي ذلك شئت يا حمزة اهـ فتح (قوله فلا جناح عليه) احتج به من جعل الفطر أفضل لقوله فيه فحسن، وقال في الصوم لا جناح ولا حجة فيه، لأن قوله لا جناح إنما هو جواب لقوله هل عليّ جناح ولا يدل على أن الصوم ليس بحسن وقد وصفهما معًا في الآخر بالحسن قلت: وإنما لم يدل على أن الصوم ليس بحسن لأن نفي الجناح أعم من الوجوب والندب والإباحة والكراهة كذا قال الأبي في شرحه، وقوله (ومن أحب أن يصوم) في مغايرة العبارة بين الشرطين إشارة لطيفة إلى أفضلية الصوم، وقوله (فلا جناح عليه) كان ظاهر المقابلة أن يقول فحسن أو فأحسن لقوله تعالى وأن تصوموا خير لكم بل مقتضى كون الأول رخصة، والثاني عزيمة أن يعكس في الجزاء بأن يقال في الأول فلا جناح عليه، وفي الثاني فحسن لكن أراد المبالغة لأن الرخصة إذا كانت حسنًا فالعزيمة أولى بذلك، ولعله صلى الله عليه وسلم علم بنور النبوة أن مراد السائل بقوله فهل عليّ جناح أي في الصوم، ويدل عليه قوله إني أجد بي قوة على الصيام اهـ مرقاة.

2512 - (1089) (10) حدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه؛ قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والنسائي كلاهما أخرجاه في الصوم كالمؤلف اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي الدرداء رضي الله عنهما فقال: 2512 - (1089) (10) (حدثنا داود بن رشيد) بالتصغير الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، عالم الشام، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد بن عبد العزيز) التنوخي أبي محمد الدمشقي الفقيه، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن إسماعيل بن عبيد الله) بن أبي المهاجر اسمه أقرم بالقاف والراء على وزن أحمد القرشي المخزومي مولاهم أبي عبد الحميد الدمشقي، روى عن أم الدرداء الصغرى هجيمة الأوصابية في الصوم، والسائب بن يزيد، ويروي عنه (خ م د س ق) وسعيد بن عبد العزيز وله هذا الحديث الواحد في الصحيح، والأوزاعي وخلق، وثقه الأوزاعي والعجلي والدارقطني وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، وله (70) سبعون سنة (عن أم الدرداء) الصغرى هجيمة بنت يحيى الأوصابية الدمشقية، روت عن زوجها أبي الدرداء في الصوم واللغات والدعاء، وسلمان الفارسي وفضالة بن عبيد وأبي هريرة وغيرهم، ويروي عنها (ع) وإسماعيل بن عبيد الله وزيد بن أسلم وأبو حازم بن دينار ومكحول وغيرهم وكانت فقيهة عالمة زاهدة لبيبة قالت: أفضل العلم المعرفة، وأم الدرداء هذه هي الصغرى، ثقة، من الثالثة، ماتت سنة إحدى وثمانين، تزوجها أبو الدرداء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الكبرى فاسمها خيرة، ماتت قبل أبي الدرداء، ولا رواية لها في هذه الكتب الستة (عن أبي الدرداء) زوجها (رضي الله عنه) عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم شاميون إلَّا داود بن رشيد فإنه بغدادي (قال) أبو الدرداء (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي حَرٍّ شَدِيدٍ. حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. وَمَا فِينَا صَائِمٌ، إِلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ. 2513 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شهر رمضان في حر شديد) وليس هذا السفر في غزوة الفتح لأن عبد الله بن رواحة المذكور في هذا الحديث بأنه كان صائمًا استشهد في غزوة مؤتة قبل غزوة الفتح، وإن كانتا جميعًا في سنة واحدة بلا خلاف، ولا في غزوة بدر لأن أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم (حتى إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي حتى إنه أي حتى إن الشأن والحال (كان أحدنا ليضع يده على رأسه) وقاية لها (من شدة الحر) أي من الحر الشديد (وما فينا صائم) في ذلك اليوم (إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي الشاعر المشهور يُكنى أبا محمد، ويقال كنيته أبو رواحة، وأمه كبشة بنت واقد الخزرجية أيضًا، وليس له عقب، من السابقين الأولين من الأنصار أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدرًا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة رضي الله تعالى عنه وأرضاه اهـ من الإصابة بتصرف. وهذا مما يؤيد أن هذا السفر لم يكن في غزوة الفتح لأن الذين استمروا على الصيام من الصحابة كانوا جماعة، وفي هذا الحديث أنه ابن رواحة فقط، قال القسطلاني: وفي قوله (إلَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) دليل على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوي عليه ولم يصبه منه مشقة شديدة اهـ عون. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري [1944] , وأبو الدرداء [2409]، وابن ماجه [1663]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 2513 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب (القعنبي) الحارثي أبو عبد الرحمن البصري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا هشام بن سعد) المدني القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم، ضعفه ابن معين والنسائي وابن عدي، وقال في التقريب:

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ. قَالتْ: قَال أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَقَدْ رَأَيتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ. حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. وَمَا مِنَّا أَحَدٌ صَائِم. إِلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ. 2514 - (1090) (11) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُمَيرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق له أوهام، من كبار (7) روى عنه في (9) أبواب (عن عثمان بن حيان) بتحتانية قبلها مهملة ابن معبد بن شداد المري -بضم الميم بعدها راء- أبي المغراء -بفتح الميم وسكون المعجمة وراء ممدودة- (الدمشقي) روى عن مولاته أم الدرداء في الصوم، ويروي عنه (م ق) وهشام بن سعد وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة، وكان عمر بن عبد العزيز يصفه بالجور وهو صدوق في الحديث، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة، وذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة (105) خمس ومائة (عن أم الدرداء) هجيمة بنت حُيَيّ الأوصابية (قالت) أم الدرداء (قال أبو الدرداء) وهذا من خماسياته، غرضه بيان متابعة عثمان بن حيان لإسماعيل بن عبيد الله في رواية هذا الحديث عن أم الدرداء، والله (لقد رأيتنا) أي لقد رأيت إيانا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) والعمل في ضميري المتكلم من خواص أفعال القلوب (في بعض أسفاره في يوم شديد الحر حتى أن الرجل) منا (ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما منا أحد صائم إلَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فقال: 2514 - (1090) (11) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم مولى عمر بن عبيد الله المدني، ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (9) وكان يرسل (عن عمير) مصغرًا بن عبد الله الهلالي أبي عبد الله المدني (مولى عبد الله بن عباس) ويقال له مولى أم الفضل، ثقة، من (3) مات سنة (104) أخرجوا له حديثين أحدهما في التَّيمُّم والآخر في الصيام (عن أم الفضل) لبابة

بِنْتِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا، يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ. وَقَال بَعْضهُمْ: لَيسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلْت إِلَيهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بضم اللام وتخفيف الموحدتين (بنت الحارث) بن حزن بوزن سهل الهلالية المدنية، زوجة العباس بن عبد المطلب الصحابية المشهورة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن ناسًا) لم أر من ذكر أسماءهم أي أن ناسًا من الصحابة (تماروا) أي تنازعوا على سبيل الشك وتباحثوا لأن التماري هو الجدال على سبيل الشك أي شكوا واختلفوا بعضهم قال: هو صائم، وقال بعضهم: غير صائم؛ أي اختلفوا (عندها يوم) الوقوف في (عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم) قال الحافظ رحمه الله تعالى: هذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفًا معتادًا لهم في الحضر وكان من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرًا، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلًا عن النفل، قالت أم الفضل (فأرسلت إليه) صلى الله عليه وسلم (بقدح لبن) أي بكأس لبن (وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه) قال القرطبي (قوله أن ناسًا تماروا عندها) أي اختلفوا في صيامه صلى الله عليه وسلم سبب هذا الاختلاف أنه تعارض عندهم ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عرفة وسبب الاشتغال بعبادة الحج فشكوا في حاله فارتفع الشك لما شرب، وفهم منه أن صوم عرفة إنما يكون فيه ذلك الفضل بغير عرفة وأن الأولى ترك صومه بعرفة لمشقة عبادة الحج، وقد روى النسائي في الكبرى (2830) عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة بعرفة. وهذا لما قلناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (قوله فأرسلت إليه) سيأتي في الحديث الذي يليه أعني حديث ميمونة أن ميمونة بنت الحارث هي التي أرسلت فيحتمل التعدد، ويحتمل أنهما معًا أرسلتا فنُسب ذلك إلى كل منهما لأنهما كانتا أختين فتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها في ذلك لكشف الحال في ذلك، ويحتمل العكلس، وستأتي الإشارة إلى تعيين كون ميمونة هي التي باشرت الإرسال ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل، لكن روى النسائي من

2515 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ. وَقَال: عَنْ عُمَيرٍ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك، ويقوي ذلك أنه كان ممن جاء عنه أنه أرسل إما أمه وإما خالته كذا في فتح الباري (قوله بقدح لبن) فيه فطنة أم الفضل لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة اهـ فتح الملهم. قوله (وهو واقف على بعيره) أي راكب عليه اختلف أهل العلم في أيهما أفضل الركوب أو تركه بعرفة فذهب الجمهور إلى أن الأفضل هو الركوب لكونه صلى الله عليه وسلم وقف راكبًا ومن حيث النظر فإن في الركوب عونًا على الاجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب حينئذ كما ذكروا مثله في الفطر، وذهب آخرون إلى أن استحباب الركوب يختص بمن يحتاج الناس إلى التعلم منه، وعن الشافعي قول أنهما سواء، واستدل به على أن الوقوف على ظهر الدواب مباح وأن النهي الوارد في ذلك محمول على ما إذا أجحف بالدابة، قوله (فشربه) في حديث ميمونة (والناس ينظرون) وفيه أن العيان أقطع للحجة وأنه فوق الخبر وأن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة اهـ فتح. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 340]، والبخاري [1988]، وأبو داود [2441]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فقال: 2515 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (عن سفيان) بن عيينة (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية (بهذا الإسناد) يعني عن عمير عن أم الفضل، غرضه بيان متابعة سفيان لمالك (و) لكن (لم يذكر) سفيان لفظة (وهو واقف على بعيره وقال) سفيان (عن عمير مولى أم الفضل) بدل قول مالك مولى عبد الله بن عباس فلا معارضة بينهما لأنه يُسمى مولى كل منهما. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:

2516 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفيَانَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ. بِهذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ، وَقَال: عَنْ عُمَيرٍ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ. 2517 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عُمَيرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ الْفَضْلِ رضي الله عنها تَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 2516 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن سالم) بن أبي أمية (أبي النضر بهذا الإسناد) يعني عن عمير عن أم الفضل، غرضه بيان متابعة الثوري لابن عيينة، وساق الثوري (نحو حديث ابن عيينة وقال) الثوري لفظة (عن عمير مولى أم الفضل) مثل ما قال ابن عيينة، واعلم أنه سبق في الرواية الأولى مولى عبد الله بن عباس وفي التي تأتي بعد هذه مولى ابن عباس فهو مولى أم الفضل حقيقة، ويقال له مولى ابن عباس لملازمته له لأخذه عنه وانتمائه إليه كما قالوا في أبي مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب يقولون أيضًا مولى عقيل بن أبي طالب قالوا للزومه إياه وانتمائه إليه، وقريب منه مقسم مولى ابن عباس ليس هو مولاه حقيقة، وإنما قيل مولى ابن عباس للزومه إياه اهـ نووي، وأم الفضل هي والدة عبد الله بن عباس أضيفت إلى أبكر أولادها وهو الفضل بن عباس واسمها لبابة كما مر آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فقال: 2517 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) المصري (حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث الأنصاري المصري (أن أبا النضر) سالم بن أبي أمية المدني (حدثه) أي حدّث عمرًا (أن عميرًا مولى ابن عباس رضي الله عنهما حدّثه) أي حدث أبا النضر (أنه سمع أم الفضل رضي الله عنها تقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن أبي النضر، وفيه تصريح سماع عمير لأم الفضل، وكرر المتن لما بين الروايتين من

شَكَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَنَحْنُ بِهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَأَرْسَلْتُ إِلَيهِ بِقَعْبٍ فِيهِ لَبَنٌ، وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ. 2518 - (1091) (12) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ مَيمُونَةَ زَوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المخالفة (شك ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم أر من عيّن أسماءهم (في صيامـ) ـــه صلى الله عليه وسلم (يوم عرفة ونحن) أي والحال أنا واقفون (بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قالت أم الفضل (فأرسلت إليه) صلى الله عليه وسلم (بقعب) بفتح القاف وسكون العين إناء من خشب مقعر مدور يشرب فيه يشبه حوافر الخيل اهـ أبي (فيه لبن وهو) صلى الله عليه وسلم واقف (بعرفة فشربه) أي شرب ذلك اللبن، قال النواوي: في هذا الحديث فوائد منها استحباب الفطر للواقف بعرفة، ومنها استحباب الوقوف راكبًا وهو الصحيح في مذهبنا، ولنا قول أن غير الركوب أفضل، وقيل إنهما سواء، ومنها جواز الشرب قائمًا وراكبًا، ومنها إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها إباحة قبول هدية المرأة المزوجة الموثوق بدينها ولا يشترط أن يسأل هل هو من مالها أم من مال زوجها؟ أو أنه أذن فيه أم لا؟ إذا كانت موثوقًا بدينها، ومنها أن تصرف المرأة في مالها جائز، ولا يشترط إذن الزوج سواء تصرفت في الثلث أو أكثر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك لا تتصرف فيما فوق الثلث إلَّا بإذنه، وموضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها؟ ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا ولو اختلف الحكم لسأل اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم الفضل بحديث ميمونة رضي الله عنها فقال: 2518 - (1091) (12) (وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم أبي رشدين المدني، ثقة، من (3) (مولى ابن عباس رضي الله عنهما عن ميمونة) بنت الحارث الهلالية (زوج

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: إِنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَوْمَ عَرَفَةَ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيهِ مَيمُونَةُ بِحِلابِ اللَّبَنِ. وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ. فَشَرِبَ مِنْهُ. وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها (أنها قالت إن الناس شكوا في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة) هل هو صائم لفضيلة يوم عرفة أم غير صائم لدعاء يوم عرفة؟ وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان، قال كريب (فأرسلت إليه) صلى الله عليه وسلم (ميمونة) بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (فأرسلت) بتاء التأنيث الساكنة هو من كلام كريب أو هو من كلام ميمونة فيكون فيه التفات من المتكلم إلى الغيبة (بحلاب اللبن) أي بإناء اللبن، والحلاب بكسر الحاء المهملة هو الإناء الذي يحلب فيه، ويقال له المحلب بكسر الميم، وقيل الحلاب اللبن المحلوب، وقد يطلق على الإناء وإن لم يكن فيه لبن (وهو) صلى الله عليه وسلم (واقف في الموقف) أي في موقفه في عرفة وهو أسفل جبل الرحمة على صخرات مفروشة (فشرب منه) أي من ذلك اللبن (والناس ينظرون إليه) صلى الله عليه وسلم حالة شربه، قال الحافظ رحمه الله تعالى: واستدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة لمن كان بعرفة، وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز، ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، نعم روى أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة والحاكم من طريق عكرمة: أن أبا هريرة حدّثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، وأخذ بظاهره بعض السلف، وقال الطبراني: إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بعرفة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري فقط اهـ تحفة الأشراف. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث حمزة بن عمرو ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة، والخامس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أبي الدرداء ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أم الفضل ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث ميمونة بنت الحارث ذكره للاستشهاد به لحديث أم الفضل والله أعلم. ***

447 - (3) باب حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله

447 - (3) باب: حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله 2519 - (1092) (13) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ قَالتْ: كَانَتْ قُرَيشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 447 - (3) باب حكم صوم يوم عاشوراء وفضله وأي يوم يصام فيه وما المطلوب لمن كل أوله 2519 - (1092) (13) (حدثنا زهير بن حرب) النسائي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي (قالت) عائشة كانت قريش تصوم) يوم (عاشوراء في الجاهلية) أي قبل الإسلام، قال الحافظ في أبواب الصيام: أما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك، ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال: أذنبت قريش ذنبًا في الجاهلية، فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء يُكفِّر ذلك هذا أو معناه، ثم قال الحافظ في باب أيام الجاهلية: تقدم شرح الحديث في كتاب الصيام، وذكرت هناك احتمالًا أنهم أخذوا ذلك عن أهل الكتاب، ثم وجدت في بعض الأخبار أنهم كانوا أصابهم قحط ثم رُفع عنهم فصاموه شكرًا اهـ فتح، وقوله (عاشوراء) بالمد على المشهور، وحكي فيه القصر، قال الزركشي: وزنه فاعولاء والهمزة فيه للتأنيث وهو معدول عن عاشر للمبالغة والتعظيم أي عاشر وأي عاشر كذا في المرقاة، وقال القرطبي رحمه الله تعالى: عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة إلَّا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علمًا على اليوم العاشر اهـ، وقوله (في الجاهلية) يطلق غالبًا على ما قبل البعثة وعلى ما مضى، والمراد ما قبل إسلامهم وضابط آخره غالبًا فتح مكة، ومنه قول مسلم في مقدمة صحيحه: أن أبا عثمان وأبا رافع أدركا الجاهلية، وقول أبي رجاء العطاردي: رأيت في الجاهلية قردة زنت، وقول ابن عباس: سمعت أبي يقول في الجاهلية: اسقنا

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ. فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَال: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كأسًا دهاقًا، وابن عباس إنما وُلد قبل البعثة، وأما قول عمر رضي الله عنه نذرت في الجاهلية فمحتمل، وقد نبّه على ذلك العراقي في الكلام على المخضرمين من علوم الحديث كذا قال الحافظ في الفتح (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه) وفي رواية البخاري (يصومه في الجاهلية) أي قبل أن يهاجر إلى المدينة (فلما هاجر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى المدينة صامه وأمر) الناس (بصيامه فلما فرض شهر رمضان) فوّض الأمر في صومه إلى رأي المتطوع و (قال من شاء صامه ومن شاء تركه) أفادت هذه الرواية تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء وقد كان أول قدومه المدينة ولا شك أن قدومه المدينة كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان في شعبان فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء إلَّا في سنة واحدة ثم فُرِض الأمر في صومه إلى رأي المتطوع فعلى تقدير صحة قول من يدعي أنه قد كان فُرِض فقد نُسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة، ونقل عياض أن بعض السلف كان يرى بفاء فرضية عاشوراء لكن انقرض القائلون بذلك، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب، وكان ابن عمر كره قصده بالصوم، ثم انقرض القول بذلك كذا في الفتح، قال القرطبي: قوله (باب صيام عاشوراء) عاشوراء وزنه فاعولاء والهمزة فيه للتأنيث وهو معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم للعقد الأول واليوم مضاف إليها فإذا قلت يوم عاشوراء كأنك قلت يوم الليلة العاشرة إلَّا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر قاله الخليل وغيره، وقيل هو التاسع كما قاله ابن عباس فيما سيأتي، وسُمي عاشوراء على عادة العرب في الإظماء وذلك أنهم إذا وردوا الماء لتسعة سموه عشرًا وذلك يحسبون في الإظماء يوم الورود، فإذا أقامت الإبل في الرعي يومين ثم وردت في الثالث قالوا وردت أربعًا، وإذا وردت في الرابع قالوا وردت خمسًا لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي وأول اليوم الذي ترد فيه بعده، وهذا فيه بعد إذ لا يمكن أن يعتبر في عدد ليالي العشر وأيامه ما يعتبر في الإظماء فتأمله، وعلى القول الأول سعيد والحسن ومالك وجماعة من السلف، وذهب قوم إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه التاسع وبه قال الشافعي متمسكًا بما ذكر في الإظماء وبحديث ابن عباس الآتي إن شاء الله تعالى وذهب جماعة من السلف إلى الجمع بين صيام التاسع والعاشر وبه قال الشافعي في قوله الآخر وأحمد وإسحاق وهو قول من أشكل عليه التعيين فجمع بين الأمرين احتياطًا اهـ من المفهم. وقول عائشة رضي الله تعالى عنها (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية) يدل على أن صوم هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية والقدر، ولعلهم كانوا يستندون في صومه إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل صلوات الله وسلامه عليهما فإنهم كانوا ينتسبون إليهما ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم له يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم عليه كما وافقهم على أن حج معهم على ما كانوا يحجون أعني حجته الأولى التي حجها قبل هجرته وقبل فرض الحج إذ كل ذلك فعل خير، ويمكن أن يقال أذن الله تعالى له في صيامه فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه فسألهم عن الحامل لهم على صومه فقالوا ما ذكره ابن عباس: أنه يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا فنحن نصومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم" فحينئذ صامه بالمدينة وأمر بصيامه أي أوجب صيامه وأكد أمره حتى كانوا يصوّمون الصغار فالتزمه صلى الله عليه وسلم وألزمه أصحابه إلى أن فرض شهر رمضان، ونُسخ وجوب صوم يوم عاشوراء فقال إذ ذاك: إن الله لم يكتب عليكم صيام هذا اليوم ثم خَيَّرَ في صومه وفطره وأبقى عليه الفضيلة بقوله (وأنا صائم) كما جاء في حديث معاوية، وعلى هذا فلم يصم النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء اقتداءً باليهود فإنه كان يصومه قبل قدومه عليهم وقبل علمه بحالهم لكن الذي حدث له عند ذلك إلزامه والتزامه ائتلافًا لليهود واستدراجًا لهم كما كانت الحكمة في استقباله قبلتهم وكان هذا الوقت هو الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 162]، والبخاري [3831]، والترمذي [753]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2520 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ. وَقَال فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ. فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كَرِوَايَةِ جَرِيرٍ. 2521 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ يُصَامُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ، مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. 2522 - (00) (00) حدَّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 2520 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدَّثنا) عبد الله (ابن نمير عن هشام بهدا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لجرير (و) لكن (لم يذكر) ابن نمير (في أول الحديث: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه وقال) ابن نمير (في آخر الحديث: وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه ولم يجعله) أي ولم يجعل ابن نمير لفظ من شاء صامه ومن شاء تركه (من قول النبي صلى الله عليه وسلم كرواية جرير) أي كما جعله جرير من قول النبي صلى الله عليه وسلم في روايته حين قال (قال من شاء صامه ومن شاء تركه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 2521 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها) غرضه بيان متابعة الزهري لهشام (أن يوم عاشوراء كان يصام في الجاهلية فلما جاء الإسلام) أي وهاجروا إلى المدينة، وفُرض رمضان في شعبان في السنة الثانية من الهجرة خُيّر في صومه وتركه كما تقدم من رواية هشام، ويأتي من طريق الزهري نفسه فـ (من شاء صامه ومن شاء تركه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال: 2522 - (00) (00) (حدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا ابن وهب أخبرني

يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِصِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ. فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. 2523 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعًا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. قَال ابْنُ رُمْحٍ: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ عِرَاكًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ قُرَيشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ أُمِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها). غرضه بيان متابعة يونس لسفيان (قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر) الناس (بصيامه) أي بصيام عاشوراء حين قدم المدينة في أول السنة الثانية (قبل أن يُفرض رمضان) في شعبان من السنة الثانية (فلما فُرض رمضان) أي صيامه في الثانية في شهر شعبان كما مر (كان من شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطر) فعلى هذا لم يقع الأمر بصومه إلَّا في سنة واحدة، وعلى تقدير صحة القول بفرضيته فقد نُسخ، ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم أنه جدد للناس أمرًا بصيامه بعد فرض رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه فإن كان أمره صلى الله عليه وسلم بصيامه قبل فرض صيام رمضان للوجوب فإنه يُبنى على أن الوجوب إذا نُسخ هل ينسخ الاستحباب أم لا؟ فيه اختلاف مشهور، وإن كان أمره للاستحباب فيكون باقيًا على الاستحباب اهـ قسط. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديثها فقال: 2523 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (جميعًا عن الليث بن سعد) المصري (قال ابن رمح أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (أن عراكًا) ابن مالك الغفاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (أخبره) أي أخبر ليزيد بن أبي حبيب (أن عروة) بن الزبير (أخبره) أي أخبر لعراك (أن عائشة أخبرته) أي أخبرت لعروة، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بيان متابعة عراك لهشام وابن شهاب (أن قريشًا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية) أي قبل الإسلام (ثم أمر) ضبطوا أمر هنا بوجهين

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ. حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ". 2524 - (1093) (14) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرِ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَن أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. وَأَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ. قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أظهرهما بفتح الهمزة والميم أي أَمَر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) الناس (بصيامه) والثاني أُمر بضم الهمزة وكسر الميم على صيغة المبني للمجهول، ولم يذكر القاضي عياض غيره، قال الحافظ: والظاهر أن صيامه عاشوراء ما كان إلَّا عن توقيف ولا يضرنا في هذه المسألة اختلافهم هل كان صومه فرضًا أم نفلًا اهـ (حتى) إذا (فرض رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء فليصمه ومن شاء فليفطره) قال النواوي معناه أنه ليس متحتمًا فأبو حنيفة يُقدره ليس بواجب، والشافعية يقدرونه ليس متأكدًا كل التأكيد، وعلى المذهبين فهو سنة مستحبة الآن من حين قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2524 - (1093) (14) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير (ح) وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر قال (أخبرني عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه) بنفسه (والمسلمون) صاموا معه (قبل أن يفترض) أي يفرض، وافتعل هنا بمعنى الثلاثي أتى به للمبالغة في معنى الثلاثي أي قبل أن يفرض صوم شهر (رمضان) في السنة الثانية في

فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ. فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ". 2525 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كِلاهُمَا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. بِمِثْلِهِ. فِي هذَا الإِسْنَادِ. 2526 - (00) (00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيث، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. فَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبان (فلما افترض رمضان) أي صيام شهره (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن عاشوراء) أي إن يومه (يوم من أيام الله) أي مثل سائر أيام السنة لا فضيلة له عليها بوجوب صومه (فمن شاء صامه ومن شاء تركه). شارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [57 و 143]، والبخاري [4501]، وأبو داود [2443]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2525 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى وزهير بن حرب قالا حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان) التميمي البصري، ثقة إمام، من (9) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (كلاهما) أي كل من القطان وأبي أسامة (عن عبيد الله) بن عمر وساقا (بمثله) أي بمثل ما روى عبد الله بن نمير عن عبيد الله (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن نافع عن ابن عمر، والغرض بيان متابعة يحيى القطان وأبي أسامة لعبد الله بن نمير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2526 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا) محمد (بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لعبيد الله بن عمر (أنه) أي أن الشأن والحال (ذُكر) بالبناء للمجهول (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء) أي صيامه (فقال

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ يَوْمًا يَصْومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ. وَمَنْ كَرِهَ فَلْيَدَعْهُ". 2527 - (00) (00) حدَّثنا أبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ) حَدَّثَنِي نَافِعٌ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: "إِنَّ هذَا يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ". وَكَانَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه لَا يَصُومُهُ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ. 2528 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) يوم عاشوراء (يومًا يصومه أهل الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كره) أن يصومه ولم يرد بصيامه (فليدعه) أي فليتركه لأنه ليس بواجب ولا متأكد الندب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2527 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن الوليد يعني ابن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني سكن الكوفة، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثني نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الوليد بن كثير لعبيد الله بن عمر (يقول في يوم عاشوراء إن هذا) اليوم (يوم كان يصومه أهل الجاهلية فمن أحب أن يصومه فليصمه) ندبًا (ومن أحب أن يتركه فليتركه) قال نافع (وكان عبد الله رضي الله عنه) ابن عمر (لا يصومه إلَّا أن يوافق) يوم عاشوراء (صيامه) الذي اعتاده كورد يوم الاثنين والخميس. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2528 - (00) (00) (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) اسمه محمد

حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ عُبَيدُ اللهِ بْنُ الأَخْنَسِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قَال: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، سَوَاءً. 2529 - (00) (00) وحدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدَّثنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدٍ الْعَسْقَلانِيُّ. حَدَّثنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما. قَال: ذُكِرَ عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا أبو مالك عبيد الله بن الأخنس) الخزاز بمعجمات النخعي الكوفي، ولكن حديثه في البصريين، روى عن نافع في الصوم، وأبي الزبير في اللباس وابن أبي مليكة وابن بريدة، ويروي عنه (ع) وروح بن عبادة ويحيى القطان وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ كثيرًا، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة (أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي مالك لليث بن سعد (قال) ابن عمر (ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم صوم يوم عاشوراء فذكر) أبو مالك (مثل حديث الليث بن سعد) حالة كون حديثهما (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2529 - (00) (00) (وحدثنا أحمد بن عثمان) بن عبد النور بن عبد الله بن سنان (النوفلي) أبو عثمان البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (حدثنا عمر بن محمد بن زيد) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثم (العسقلاني) نسبة إلى عسقلان مدينة بساحل الشام اهـ تهذيب، ج (12) ص (498) ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب المدني (حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم بن عبد الله لنافع (قال) ابن عمر (ذُكر عند

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. فَقَال: "ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيةِ. فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ". 2530 - (1094) (15) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ يَزِيدَ. قَال: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيسٍ عَلَى عَبْدِ اللهِ. وَهُوَ يَتَغَدَّى. فَقَال: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ. فَقَال: أَوَ لَيسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَال: وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ قَال: وَمَا هُوَ؟ قَال: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك) اليوم (يوم كان يصومه أهل الجاهلية فمن شاء) منكم (صامه ومن شاء تركه). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيا لحديث عائشة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال: 2530 - (1094) (15) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعًا عن أبي معاوية قال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة) بن عمير التيمي تيم الله الكوفي، ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أبي بكر الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة (قال) عبد الرحمن بن يزيد (دخل الأشعث بن قيس) بن معدي كرب الكندي أبو محمد الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه له تسعة أحاديث، اتفقا على حديث واحد (على عبد الله) بن مسعود (وهو) أي والحال أن عبد الله (يتغدى) أي يأكل الغداء وهو ما يؤكل نصف النهار. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (فقال) عبد الله (يا أبا محمد) كنية الأشعث (ادن) أمر من دنا يدنو كدعا يدعو إذا قرب إلى الشيء أي اقرب (إلى الغداء) لتأكل معي (فقال) الأشعث (1) تتغدى يا أبا عبد الرحمن (وليس اليوم يوم عاشوراء) فإن صيامه سنة (قال) عبد الله (وهل تدري) وتعلم يا أبا محمد (ما يوم عاشوراء) أي ما بداية صومه وما حكم صومه؟ (قال) الأشعث (وما هو) يا أبا عبد الرحمن أي ما بداية صومه وما حكم صومه الآن؟ (قال) عبد الله (إنما هو) أي إنما يوم عاشوراء (يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه

قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ. فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ. وَقَال أَبُو كُرَيبٍ: تَرَكَهُ. 2531 - (00) (00) وحدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ. 2532 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي زُبَيدٌ الْيَامِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل أن ينزل شهر رمضان) أراد بنزوله نزول الأمر بصيامه ولا يبعد أن يراد نزول قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (فلما نزل شهر رمضان ترك) صوم عاشوراء على سبيل الوجوب فمن شاء صامه ومن شاء تركه (وقال أبوكريب) في روايته فلما نزل رمضان (تركه) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ترك صيامه والأمر بصيامه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في الكبرى في كتاب الصوم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 2531 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن عمارة عن عبد الرحمن عن ابن مسعود، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية أو بيان متابعة زهير وعثمان لأبي بكر وأبي كريب ولكنها متابعة ناقصة (و) لكن (قالا) أي قال زهير وعثمان في روايتهما عن جرير (فلما نزل رمضان تركه) أي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء أي على سبيل الوجوب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 2532 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ويحيى بن سعيد القطان عن سفيان) بن سعيد الثوري (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (واللفظ له) أي لمحمد بن حاتم (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (حدثنا سفيان) الثوري (حدثني زبيد) بن الحارث (اليامي) أبو عبد الرحمن الكوفي (عن عمارة بن عمير)

عَنْ قَيسِ بْنِ سَكَنٍ؛ أَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللهِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. وَهُوَ يَأْكُلُ. فَقَال: يَا أبَا مُحَمَّدٍ! ادْنُ فَكُلْ. قَال: إِنِّي صَائِمٌ. قَال: كنَّا نَصْومُهُ، ثُمَّ تُرِكَ. 2533 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَال: دَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيسٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. وَهُوَ يَأْكُلُ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَال: يَا أَبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التيمي الكوفي (عن قيس بن سكن) الأسدي الكوفي، روى عن عبد الله بن مسعود في الصوم، ويروي عنه (م س) وعمارة بن عمير وأبو إسحاق، وثقه ابن حبان، له عندهما حديث واحد وهو هذا، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية، مات قبل السبعين (70) (أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله) بن مسعود (يوم عاشوراء وهو يأكل) الغداء. وهذان السندان من سباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة قيس بن سكن لعبد الرحمن بن يزيد في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود (فقال) عبد الله (يا أبا محمد ادن) أي اقرب إليّ (فكل) معنا (قال) الأشعث (إني صائم قال) عبد الله (كنا نصومه) أي نصوم عاشوراء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (ثم ترك) صومه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 2533 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) السمين البغدادي (حدثنا إسحاق بن منصور) السلولي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي أبو يوسف الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن علقمة) بن قيس النخعي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (قال) علقمة (دخل الأشعث بن قيس على) عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا محمد بن حاتم، غرضه بسوقه بيان متابعة علقمة لعبد الرحمن بن يزيد (وهو) أي والحال أن عبد الله (يأكل) الغداء (يوم عاشوراء فقال) علقمة بن قيس (يا أبا

عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. فَقَال: قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ. فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ، تُرِكَ. فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا، فَاطْعَمْ. 2534 - (1095) (15) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا شَيبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه. قَال: كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَيَحُثُّنَا عَلَيهِ. وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ. فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، لَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا، وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن) كنية ابن مسعود (إن اليوم يوم عاشوراء) فكيف تأكل أوَلَا تصومه (فقال) عبد الله (قد كان يُصام) يوم عاشوراء (قبل أن ينزل رمضان) أي قبل نزول الأمر بصيام رمضان (فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطرًا فاطعم) معنا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال: 2534 - (1095) (15) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (أخبرنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن جعفر بن أبي ثور) عكرمة السوائي نسبة إلى سواءة بن عامر أبي ثور الكوفي، قال في التقريب: مقبول، من (3) (عن جابر بن سمرة رضي الله عنه) السوائي الكوفي. وهذ السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) جابر بن سمرة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا) أمر إيجاب (بصيام يوم عاشوراء ويحثنا) أي يحضنا (عليه) أي على صيامه ويرغبنا فيه (ويتعاهدنا) أي يتحافظنا ويراعي حالنا (عنده) أي عند عاشر المحرم، ويبحث عن حالنا هل صمنا أم لم نصم (فلما فرض رمضان) أي صيام شهره (لم يأمرنا) بصيام عاشوراء أمر إيجاب ولا ندب (ولم ينهنا) عن صيامه نهي تحريم ولا كراهة (ولم يتعاهدنا) أي ولم يراعنا ولم يتفقدنا ولم يبحث عن صيامنا (عنده) أي عند عاشر المحرم، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف.

2535 - (1096) (16) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاويَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، خَطِيبًا بِالْمَدِينَةِ (يَعْنِي فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا) خَطَبَهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَال: أَينَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ! سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (لِهذَا الْيَوْمِ): "هذَا يَوْمُ عَاشُوراءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عائشة بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم فقال: 2535 - (1096) (16) (حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) القرشي الأموي الشامي الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد منهم شامي وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والسماع والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي حالة كون معاوية (خطيبًا) للناس (بالمدينة يعني) أي حميد بن عبد الرحمن وهو من كلام ابن شهاب أي يعني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية حين قام خطيبًا (في قدمة) -بفتح القاف وسكون الدال- لأنه من المصادر التي تدل على المرة أي في مرة من قدماته التي (قدمها) أي قدم المدينة فإنه كانت له قدمات إلى المدينة من الشام، وفي صحيح البخاري (عام حج) فقال ابن حجر: وكأنه تأخر بمكة أو المدينة في حجته إلى يوم عاشوراء، وذكر أبو جعفر الطبري أن أول حجة حجها معاوية بعد أن استخلف كانت في سنة (44) أربع وأربعين، وآخر حجة حجها سنة (57) سبع وخمسين، والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة اهـ (خطبهم يوم عاشوراء فقال) معاوية في خطبته (أين علماؤكم يا أهل المدينة) قال ابن حجر: في سياق هذه القصة إشعار بأن معاوية لم ير لهم اهتمامًا بصيام عاشوراء فلذلك سأل عن علمائهم أو بلغه عمن يكره أو يوجبه اهـ قال عياض: واستدعاؤه للعلماء تنبيه لهم على الحكم واستعانة بما عندهم على ما عنده أو توبيخ لهم اهـ قال القرطبي: إنما خص العلماء بالنداء ليلقنوا عنه وليصدقوه، إذ قد كان علم ذلك عند كثير منهم وذلك لأنهم أعلم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله من غيرهم، فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم) أي في شأن هذا اليوم وصيامه، وقوله (هذا يوم عاشوراء) إلى آخره كله

وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيكُمْ صِيَامَهُ. وَأَنَا صَائِمٌ. فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم هكذا جاء مُبيَّنًا في رواية النسائي اهـ نووي، وقال ابن حجر: هذا كله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه النسائي في روايته، وقد استدل به على أنه لم يكن فرضًا قط ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد (ولم يكتب الله عليكم صيامه) على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام خُص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ثم فسره بأنه شهر رمضان ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخًا (وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب أن يفطر فليفطر) هذا كله من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مر آنفًا، قال ابن الملك: قوله صلى الله عليه وسلم (ولم يكتب الله عليكم صيامه) يعني لم يفرض الله صومه عليكم في هذه السنة وما بعدها قاله حين انتسخ فرضيته بشهر رمضان اهـ، قال ابن حجر: ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني من الهجرة، ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبًا لثبوت الأمر بصومه، ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم لما فُرض رمضان ترك عاشوراء مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه، وأما قول بعضهم المتروك تأكد استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفى ضعفه بل تأكد استحبابه باق ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر" ولترغيبه في صومه وأن يكفر سنته وأي تأكيد أبلغ من هذا انتهى كلام الحافظ ابن حجر. [تنبيه]: - قال علي القاري في شرح المشكاة: هذا كله على تقدير صحة رواية النسائي, قوله (ولم يكتب الله عليكم صيامه) من كلامه صلى الله عليه وسلم وإلا فالحفاظ اتفقوا على أنه من كلام معاوية مدرج اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 95]، والبخاري [2003]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال:

2536 - (00) (00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَني مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 2537 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مِثْلِ هذَا الْيَوْمِ: "إِنِّي صَائِمٌ. فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ" لَمْ يَذْكُرْ بَاقِيَ حَدِيثِ مَالِكٍ ويونُسَ. 2538 - (1017) (17) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ. عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ـــــــــــــــــــــــــــــ 2536 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب في هذا الإسناد) يعني عن حميد بن معاوية وساق مالك (بمثله) أي بمثل ما حدّث يونس عن ابن شهاب, وغرضه بيان متابعة مالك ليونس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معاوية رضي الله عنه فقال: 2537 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري بهفي الإسناد) يعني عن حميد عن معاوية، غرضه بيان متابعة ابن عيينة ليونس أيضًا، وفائدة هاتين المتابعتين تأكيد السند الأول كما هو معلوم من اصطلاحاتهم أي حدثنا سفيان عن الزهري بهذا الإسناد أن معاوية بن أبي سفيان (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول) في حياته (في مثل هذا اليوم) يعني يوم عاشوراء (إني صائم فمن شاء أن يصوم فليصم ولم يذكر) سفيان (باقي حديث مالك ويونس) من قوله (من أحب أن يفطر فليفطر). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 2538 - (1017) (17) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي، ثقة، من (5) (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) الهاشمي الطائفي (رضي الله عنهما). وهذا السند من

قَال: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الْمَدِينَةَ. فَوَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَسُئِلُوا عَنْ ذلِكَ؟ فَقَالُوا: فذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ. فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ". فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قال) ابن عباس (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) مهاجرًا إليها (فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء) قال الحافظ رحمه الله تعالى: واستشكل ظاهر الخبر لاقتضاء أنه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول. فالجواب عن ذلك أن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة لا أنه قبل أن يقدمها علم ذلك، وغايته أن في الكلام حذفًا تقديره قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صيامًا، فالحاصل أن علمه بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية اهـ ما قاله الحافظ (فسُئلوا) أي سئلت اليهود (عن ذلك) أي عن صيامهم يوم عاشوراء أي سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيصرحه في الرواية الآتية عن سبب صيامهم يوم عاشوراء (فقالوا) أي فقالت اليهود (هذا) اليوم هو (اليوم الذي أظهر الله) أي نصر الله سبحانه (فيه) أي في ذلك اليوم (موسى وبني إسرائيل على فرعون) وقومه بغرقهم في بحر القلزم؛ أي جعلهم ظاهرين عليه غالبين، ولأحمد من حديث أبي هريرة: وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرًا فلا معارضة لاحتمال أن يكون كل من استواء السفينة وغرق فرعون في يوم عاشوراء تلك السنة (فنحن نصومه تعظيمًا له) أي لذلك اليوم (فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أولى) أي أحق (بموسى منكم) وأقرب إلى متابعته فإنا موافقون له في أصول الدين ومصدقون لكتابه وأنتم مخالفون لهما في التغيير والتحريف بالأمر المشوب بالتزييف لقوله تعالى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (فأمر) بصيغة المبني للمعلوم أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس (بصومه) أي بصيام يوم عاشوراء وهذا هو الظاهر، ويحتمل بناؤه للمجهول أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أي أمره الله بصومه، ولم يذكر القاضي عياض غيره، قال القرطبي: وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود عن يوم عاشوراء

2539 - (00) وحدّثناه ابْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَقَال: فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذلِكَ. 2540 - (00) (00) وحدّثني ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما كان ليستكشف السبب الحامل لهم على الصوم فلما علم ذلك قال لهم كلمة حق تقتضي تأنيسهم واستجلابهم وهي: نحن أحق وأولى بموسى منكم، ووجه هذه الأولوية أنه علم من حال موسى وعظيم منزلته عند الله وصحة رسالته وشريعة ما لم يعلموه هم ولا أحد منهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 291 و 310]، والبخاري [2004]، وأبو داود [2444]، وابن ماجه [1734]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2539 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (بن بشار) العبدي البصري (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية اليشكري الواسطي (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن ابن عباس، غرضه بيان متابعة شعبة لهشيم بن بشير (و) لكن (قال) شعبة في روايته (فسألهم) النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة المبني للمعلوم (عن ذلك) أي عن سبب صيامهم يوم عاشوراء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2540 - (00) (00) (وحدثني) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة المكي (عن أيوب) السختياني البصري (عن عبد الله بن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي، روى عن أبيه في الصوم، ويروي عنه (خ م ت س) وأيوب، كان ثقة خيارًا، مات شابًّا، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من السادسة (عن أبيه) سعيد بن جبير (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته غرضه

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا هذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ " فَقَالُوا: هذَا يَوْمَ عَظِيمٌ. أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ. وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ. فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا. فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة عبد الله بن سعيد لأبي بشر في رواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صيامًا) أي صائمين (يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه) من الغرق (وغرق) بتشديد الراء من التغريق (فرعون وقومه فصامه موسى شكرًا) لله سبحانه على إنجائهم (فنحن) معشر اليهود (نصومه) اتباعًا لموسى - عليه السلام - (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى) معطوف على أحق عطف رديف (بموسى منكم) أيها اليهود (فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر) أصحابه (بصيامه) والحاصل أنه - عليه السلام - كان يصومه كما تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضًا بوحي أو تواتر أو اجتهاد لا بمجرد إخبار آحادهم كما في النووي، وعُلم من هذا أن المطلوب منه الموافقة لموسى لا الموافقة لليهود فلا يشكل بأنه يحب مخالفة اليهود لا موافقتهم قاله السندي، وقال الحافظ: واستشكل رجوعه إليهم في ذلك، وأجاب المازري: باحتمال أن يكون أوحي إليه بصدقهم أو تواتر عنده الخبر بذلك، زاد عياض أو أخبره به من أسلم منهم كعبد الله بن سلام ثم قال: ليس في الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم وإنما هي صفة حال وجواب سؤال ولم تختلف الروايات عن ابن عباس في ذلك، ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه كما تقدم إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك قال القرطبي: ولعل قريشًا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه

2541 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. إِلَّا أَنَّهُ قَال: عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. لَمْ يُسَمِّهِ. 2542 - (1098) (18) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، قَالا: حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي عُمَيسٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه فعل خير فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه، وأمر بصيامه احتمل أن يكون ذلك استئلافًا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم يُنْهَ عنه اهـ قال القرطبي: أيضًا مع انضمام أن من شرعه تعظيم الأيام التي أظهر الله سبحانه فيها الرسل فاستحسن الصوم فيها اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2541 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله عن أبيه عن ابن عباس، غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (إلا أنه) أي لكن أي معمرًا (قال) في روايته (عن ابن سعيد بن جبير) حالة كونه (لم يسمه) أي لم يذكر اسم أبي سعيد بأنه عبد الله كما صرح سفيان باسمه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 2542 - (1098) (18) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن أبي عميس) صدقة بن أبي عمران الكوفي قاضي الأهواز، روى عن قيس بن مسلم في الصوم، وعون بن أبي جحيفة وإياد بن لقيط، ويروي عنه (م ق) وأبو أسامة والبرساني، قال أبو حاتم: صدوق ليس بذاك المشهور، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة (عن قيس بن مسلم) الجدلي -بفتحتين- أبي عمرو الكوفي، وثقه ابن معين وأبو حاتم

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه. قَال: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ، وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "صُومُوهُ أَنْتُمْ". 2543 - (00) (00) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (6) رُمي بالإرجاء، مات سنة (120) روى عنه في (4) أبواب (عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، صحابي أو ثقة، وثقه ابن معين، مات سنة (83) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية صحابي عن صحابي على قول (قال) أبو موسى (كان يوم عاشوراء يومًا تعظمه اليهود وتتخذه عيدًا) أي يوم فرح وزينة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموه) أي صوموا يوم عاشوراء (أنتم) أيها المسلمون، ظاهره أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يُصام، وحديث ابن عباس يدل على أن الباعث على صيامه موافقتهم على السبب وهو شكر الله تعالى على نجاة موسى لكن لا يلزم من تعظيمهم له واعتقادهم بأنه عيد أنهم كانوا لا يصومونه فلعلهم كان من جملة تعظيمهم في شرعهم أن يصوموه، وقد ورد ذلك صريحًا في حديث أبي موسى هذا فيما أخرجه البخاري في الهجرة بلفظ (إذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه) ولمسلم من وجه آخر عن قيس بن مسلم بإسناده قال (كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء ويتخذونه عيدًا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم) اهـ فتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 2543 - (00) (00) (وحدثناه أحمد بن المنذر) بن الجارود البصري أبو بكر القزاز، روى عن أبي أسامة في الصوم، وزيد بن الحباب في النكاح، وعبد الصمد بن عبد الوارث في البيوع والأدب والرؤيا، ويروي عنه (م) وإبراهيم بن فهد وعبد الله بن أحمد، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا أعرفه، وعرضت عليه حديثه فقال:

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيسِ. أَخْبَرَنِي قَيسٌ. فَذَكَرَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: قَال أَبُو أُسَامَةَ: فَحَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه. قَال: كَانَ أَهْلُ خَيبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا. وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَصُومُوهُ أَنْتُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث صحيح، وقال في التقريب صدوق، من الحادية عشرة، قديم الموت مات سنة (235) خمس وثلاثين ومائتين (حدثنا حماد بن أسامة) الهاشمي أبو أسامة الكوفي (حدثنا أبو العميس) صدقة بن أبي عمران الكوفي (أخبرني قيس) بن مسلم الكوفي (فذكر) أحمد بن المنذر (بهذا الإسناد) يعني عن طارق عن أبي موسى (مثله) أي مثل ما حدّث أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أحمد بن المنذر لأبي بكر بن أبي شيبة، وأفرد ضمير مثله نظرًا إلى أن المقصود في المتابعة المقرون به لا المقرون، وكان مقتضى السياق أن يقول مثلهما بالتثنية يعني بالضمير العائد إلى أبي بكر ومحمد بن نمير (و) لكن (زاد) أحمد بن المنذر على أبي بكر بن أبي شيبة (قال) لنا (أبو أسامة فحدثني صدقة بن أبي عمران عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى رضي الله عنه قال) أبو موسى (كان أهل خيبر) من اليهود (يصومون يوم عاشوراء يتخذونه) أي يجعلون يوم عاشوراء (عيدًا) لهم أي يوم زينة وفرح وسرور، وقوله (ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم) هو ما زاده أحمد بن المنذر على أبي بكر بن أبي شيبة، والحُلي جمع حلي كثدي وثدي وهو كل ما يتزين به من ذهب وفضة وسائر الجواهر كما قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاورَ مِنْ ذَهَبٍ} وقوله أيضًا {وَحُلُّوا أَسَاورَ مِنْ فِضَّةٍ} وقوله (وشارتهم) أي يلبسونهن لباسهم الجميل الحسن، في النهاية: الشورة بالضم الهيئة الحسنة والشارة مثله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للمسلمين (فصوموه أنتم) مخالفة لليهود، فالباعث على الصيام في هذا غير الباعث في حديث ابن عباس السابق إذ هو باعث على موافقته يهود المدينة على السبب وهو شكر الله تعالى على نجاة موسى مع موافقة عادته أو الوحي كما مر تقريره اهـ قسط. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

2544 - (1099) (19) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ. سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَال: مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا، يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ، إِلَّا هذَا الْيَوْمَ. وَلَا شَهْرًا إِلَّا هذَا الشَّهْرَ. يَعْنِي رَمَضَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2544 - (1099) (19) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (جميعًا عن صفيان) بن عيينة (قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد) المكي مولى آل قارظ بن شيبة، روى عن ابن عباس في الصوم والحج والفضائل، ونافع بن جبير في الفضائل، ومجاهد في الدعاء، وابن عمر والحسين بن علي بن أبي طالب، ويروي عنه (ع) وابن عيينة وابن جريج وحماد بن زيد وورقاء بن عمر وعدة، وثقه العجلي والنسائي وأبو زرعة وابن سعد وقال: كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة كثير الحديث، من الرابعة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة، وله ست وثمانون (86) سنة (سمع ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد طائفي (و) الحال أن ابن عباس قد (سُئل عن صيام يوم عاشوراء فقال) ابن عباس (ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومًا) من الأيام حالة كونه (يطلب فضله) أي يريد إظهار فضله (على) سائر (الأيام) وباقيها (إلا هذا اليوم) أي يوم عاشوراء (ولا) صام (شهرًا) من أشهر السنة، والحال أنه يريد إظهار فضله على سائر الأشهر (إلا هذا الشهر يعني) ابن عباس باسم الإشارة شهر (رمضان) قيل لعل هذا على فهم ابن عباس وإلا فيوم عرفة أفضل الأيام، ودُفع بأن الكلام في فضل الصوم في اليوم لا في فضل اليوم مطلقًا كذا في المرقاة، ويُدفع هذا الدفع بما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" قالوا: والحكمة في زيادة صوم يوم عرفة في التكفير على صوم عاشوراء لأنه من شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصوم عاشوراء من شريعة الكليم ولا كلام في أفضلية شرع خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويُعلم مما تقدم في باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة مندوبية صوم يوم عرفة لغير الحاج لأنه ربما يضعفه صومه عن المطلوب له يومه اهـ

2545 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 2546 - (110) (20) وحدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر البخاري [2006] بنحوه، وانظره في الترغيب والترهيب برقم (1506). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 2545 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد في هذا الإسناد) يعني عن ابن عباس (بمثله) أي بمثل ما روى سفيان عن عبيد الله، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان ولكن في هذا السند نزول بدرجة لأنه من خماسياته، وقوله (إلَّا هذا اليوم) الإشارة فيه راجعة إلى نوع اليوم لا إلى شخصه، ومثله قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} فيما ذكره الفخر الرازي في تفسيره، قال الحافظ: وهذا يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصائم بعد رمضان، لكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره، وقد روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعًا أن صوم عاشوراء يكفر سنة وأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين، وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى - عليه السلام -، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل، (وقوله يعني رمضان) وإنما جمع ابن عباس بين عاشوراء ورمضان وإن كان أحدهما واجبًا والآخر مندوبًا لاشتراكهما في حصول الثواب والفضل اهـ فتح الملهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2546 - (1100) (20) (وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح) بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي، ثقة، من (9) (عن حاجب بن عمر) الثقفي أبي خشينة مصغرًا البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الإيمان والصوم (عن الحكم) بن عبد الله بن إسحاق (بن الأعرج) البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (قال)

انْتَهَيتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ. فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَال: إِذَا رَأَيتَ هِلال الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ. وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا. قُلْتُ: هكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم (انتهيت) أي وصلت (إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوسدٌ رداءه في زمزم) أي عندها كما في الرواية التالية؛ وهي البئر المعروفة بمكة في داخل الحرم. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد طائفي، قال الحكم (فقلت له) أي لابن عباس (أخبرني عن صوم عاشوراء) وفي رواية الترمذي من طريق هناد وأبي كريب عن وكيع أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه؟ وهذا ظاهر في أن مقصوده السؤال عن كيفية صوم عاشوراء لا عن تعيين يوم عاشوراء أي يوم هو (فقال) ابن عباس (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد) من عبد من باب شد أي فاحسب أيامه (وأصبح يوم التاسع صائمًا) أي وكن صباح اليوم التاسع من يوم الاستهلال صائمًا، قال الحكم (قلت) لابن عباس (هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه) أي يصوم يوم عاشوراء (قال) ابن عباس (فعم) هكذا يصومه لو بقي إلى العام المقبل لأنه قد أخبر بذلك ولا بد من هذا لأنه صلى الله عليه وسلم مات قبل صوم التاسع. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 239 و 280]، وأبو داود [2446]، والترمذي [754]. وقول ابن عباس (وأصبح يوم التاسع صائمًا) وفي رواية الترمذي: ثم أصبح من يوم التاسع صائمًا، وفيه تنبيه لمن يريد صوم عاشوراء أن يبتدئ من اليوم التاسع فيصومه على وجه التوطئة والتمهيد لصوم عاشوراء ولا ينبغي أن يقتصر على صوم العاشر فقط، وقد رُوي عن ابن عباس ما يدل على هذا المعنى، قال الطحاوي: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا روح، قال: ثنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول: (خالفوا اليهود، وصوموا اليوم التاسع والعاشر) فبهذا ظهر مراد ابن عباس. قال الشوكاني: الأولى أن يقال: إن ابن عباس أرشد السائل له إلى اليوم الذي يُصام فيه وهو التاسع، ولم يجب عليه بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر لأن ذلك مما لا يُسئل عنه ولا يتعلق بالسؤال عنه فائدة فابن عباس لما فهم من السائل أن مقصوده

2547 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ عَمْرٍو. حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ الأَعْرَجِ. قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ عِنْدَ زَمْزَمَ، عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعيين اليوم الذي يُصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع اهـ وهذا كما بينا آنفًا واضح من سياق الترمذي ومتأيد بما رواه الطحاوي عن ابن عباس موقوفًا، وقوله نعم بعد قول السائل أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم بمعنى نعم هكذا كان يصوم لو بقي لأنه قد أخبر بذلك، قال القرطبي: وقول ابن عباس (هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه) يعني أنه لو عاش لصامه كذلك لوعده الذي وعبد به لا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام اليوم التاسع بدل العاشر إذ لم يسمع ذلك عنه ولا رُوي قط اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2547 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد القطان) البصري (عن معاوية بن عمرو) بن خالد بن غلاب -بفتح المعجمة وتخفيف اللام النصري بالنون نسبة إلى بني نصر بن معاوية البصري بالموحدة، روى عن الحكم بن الأعرج في الصوم، وعن أبيه والحسن وجماعة، ويروي عنه (م د س) ويحيى القطان وابنه عمرو وحماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ وعدة، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (حدثني الحكم بن الأعرج) البصري (قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة معاوية بن عمرو لحاجب بن عمر (وهو) أي والحال أنه (متوسدٌ) أي متمخد (رداءه عند زمزم عن صوم عاشوراء) وساق معاوية بن عمرو (بمثل حديث حاجب بن عمر). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس رضي الله عنهما بحديث آخر له فقال:

2548 - (1101) (21) وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ يَوْمٌ تعَظِّمُهُ الْيَهُود وَالنَّصَارى. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ الله، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ". قَال: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2548 - (1101) (21) (وحدثني الحسن بن علي الحلواني) المكي أبو علي الهذلي، ثقة، من (11) (حدثنا) سعيد بن الحكم (بن أبي مريم) الجمحي المصري، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى بن أيوب) الغافقي أبو العباس المصري، صدوق، من (7) (حدثني إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي، ثقة، من (6) (أنه سمع أبا غطفان) بفتحات، سعد (بن طريف المري) المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (يقول سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مصريان وواحد طائفي وواحد مدني، حالة كون ابن عباس (يقول حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا) أي قال الأصحاب (يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى) قال الحافظ: واستشكل بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون يختص بموسى واليهود، وأُجيب باحتمال أن يكون عيسى كان يصومه وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى لأن كثيرًا منها ما نُسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيكُمْ} [آل عمران: 50] ويقال إن أكثر الأحكام الفرعية إنما تتلقاها النصارى من التوراة، وقد أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس زيادة في سبب صيام اليهود له وحاصلها أن السفينة استوت على الجودى فيه فصامه نوح وموسى شكرًا، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك قريبًا، وكان ذكر موسى دون غيره هنا لمشاركته لنوح في النجاة وغرق أعدائهما اهـ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام المقبل إن شاء الله) تعالى (صمنا اليوم التاسع) مع العاشر (قال) ابن عباس (فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ: ثم ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل

2549 - (00) (00) وحدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطًا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم، ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا (صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده) وفي إسناده ابن أبي ليلى وقد تكلم فيه، وقد أخرج البيهقي بمثل اللفظ الذي رواه أحمد ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه، قال الحافظ رحمه الله تعالى: وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يُحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فُتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضًا كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم أولًا وقال نحن أحق بموسى منكم، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافًا لهم، ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر، وقال بعض أهل العلم: قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) يحتمل أمرين أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع، والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين، وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب؛ أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادى عشر اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 225 و 236]، وابن ماجه [1736]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2549 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي العامري أبي الحارث المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن القاسم بن عباس) بن محمد بن معتب - بمثناة - بن أبي لهب الهاشمي أبي العباس المدني، روى عن عبد الله بن عمير في الصوم، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة في دلائل النبوة،

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيرٍ. (لَعَلَّهُ قَال: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ) قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلِ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: قَال: يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ. 2550 - (1102) (22) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أسْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونافع بن جبير، ويروي عنه (م د ت ق) وابن أبي ذئب وبكير بن الأشج، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، قُتل سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة (عن عبد الله بن عمير) مولى ابن عباس، وقيل مولى أم الفضل بنت الحارث الهلالية المدني، روى عن ابن عباس ويروى عنه (م ق) والقاسم بن عباس، قال ابن سعد: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة (117) قال القاسم بن عباس (لعله) أي لعل عبد الله بن عمير (قال عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد طائفي، غرضه بيان متابعة عبد الله بن عمير لأبي غطفان بن طريف في رواية هذا الحديث عن ابن عباس (قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيت إلى) عام (قابل) أي مقبل (لأصومن) اليوم (التاسع) مع العاشر (وفي رواية أبي بكر) بن أبي شيبة زيادة (قال) ابن عباس (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالتاسع (يوم عاشوراء) أي صومه مع يوم عاشوراء، وفي فتح الملهم: لا أدري ممن هذا التفسير. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال: 2550 - (1102) (22) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة) بن عمرو (بن الأكوع) اسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير السلمي أبي مسلم المدني الصحابي المشهور (رضي الله عنه)، وهذا السند من رباعياته ثلاثة منهم مدنيون

يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ: "مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ، فَلْيَصُمْ. وَمَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد بلخي (أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من أسلم) اسمه هند بن أسماء الأسلمي، وفي مسند أحمد من حديث هند بن أسماء الأسلمي (قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم فقال: مُرْ قومك فليصوموا) الحديث اهـ تنبيه المعلم بمبهمات مسلم. وقال الحافظ رحمه الله تعالى: اسم هذا الرجل هند بن أسماء بن حارثة، له ولأبيه ولعمه صحبة، ويظهر من بعض الروايات أن الرجل المبعوث هو أسماء بن حارثة أبو هند فيحتمل أن يكون كل منهما أرسلا بذلك اهـ منه أي بعثه (يوم عاشوراء) إلى قرى الأنصار التي حول المدينة كما سيصرحه في الرواية الآتية (فأمره) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر ذلك الرجل المبعوث (أن يوذن) وينادي (في الناس) من أهل القرى المذكورة (من كان لم يصم) أي لم ينو الصوم من الليل ولم يأكل (فليصم) أي فليمسك بقية يومه من المفطرات لحرمة الوقت لأنه لم يبيت النية لأن صوم عاشوراء كان فرضًا في أول مرة (ومن كان أكل) في النهار (فليتم صيامه) أي إمساكه عن المفطرات (إلى) دخول (الليل) لحرمة الوقت أيضًا، قال النواوي: وفي رواية (من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه) ومعنى الروايتين أن من كان نوى الصوم فليتم صومه، ومن كان لم ينو الصوم ولم يأكل أو أكل فليمسك بقية يومه لحرمة الوقت كما لو أصبح يوم الشك مفطرًا، ثم ثبت أنه من رمضان يجب إمساك بقية يومه لحرمة الوقت، واحتج أبو حنيفة بهذا الحديث لمذهبه أن صوم رمضان وغيره من الفرض يجوز نيته في النهار ولا يشترط تبييتها، قال: لأنهم نووا في النهار وأجزأهم، قال الجمهور: لا يجوز رمضان ولا غيره من الصوم الواجب إلَّا بنية من الليل، وأجابوا على هذا الحديث بأن المراد إمساك بقية النهار لا حقيقة الصوم، والدليل على هذا أنهم أكلوا ثم أمروا بالإتمام، وقد وافق أبو حنيفة وغيره على أن شرط إجزاء النية في النهار في الفرض والنفل أن لا يتقدمها مفسد للصوم من أكل أو غيره، وجواب آخر أن صوم عاشوراء لم يكن واجبًا عند الجمهور كما سبق في أول الباب وإنما كان سنة متأكدة، وجواب ثالث أنه ليس فيه أنه يجزئهم ولا يقضونه بل لعلهم قضوه، وقد جاء في سنن أبي داود في هذا الحديث "فأتموا بقية يوم واقضوه" اهـ من النواوي، قال الخطابي: أمره صلى الله عليه وسلم للاستحباب، وليس بإيجاب وذلك

2551 - (1103) (23) وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِع الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ لاحِقٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ. قَالتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ، الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: "مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ. وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن أوقات الطاعة ذمة ترعى ولا تهمل، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرشدهم إلى ما فيه الفضل والحظ لئلا يغفلوه عند مصادفتهم وقته، وقد صار هذا أصلًا في مذهب العلماء في مواضع مخصوصة اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي أخرجاه في الصوم اهـ تحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سلمة بن الأكوع بحديث الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنهما فقال: 2551 - (1103) (23) (وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري (حدثنا بشر بن المفضل بن لاحق) الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (حدثنا خالد بن ذكوان) المدني ثم البصري أبو الحسن، روى عن الربيع بنت معوذ في الصوم ويروي عنه (ع) وبشر بن مفضل، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق، من الخامسة، وهو تابعي صغير ليس له سماع من الصحابة سوى الربيع بنت معوذ (عن الربيع) بتشديد الياء مصغرًا (بنت معوذ) بكسر الواو المشددة بوزن معلم (بن عفراء) وعفراء هي أم معوذ الأنصارية النجارية المدنية، من صغار الصحابة، شهدت الشجرة، لها أحد وعشرون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد (خ) بحديثين، يروي عنه (ع) وخالد بن ذكوان وسليمان بن يسار. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان (قالت) الربيع (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كداة عاشوراء) أي صباحها (إلى قرى الأنصار التي حول المدينة) مناديًا ينادي (من كان) كان زائدة أي من (أصبح صائمًا فليتم صومه) وجوبًا أي فليستمر عليه إلى تمامه (ومن كان) أي ومن (أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه) أي فليتم الإمساك في بقية يومه استحبابًا لحرمة الوقت، قال القرطبي: وإنما خص هذا الوقت بالإرسال لأنه الوقت الذي أوحي إليه فيه في شأن صوم عاشوراء، وهذا مما يدل على أنه كان واجبًا إذ لا ينتهي الاعتناء بالندب غالبًا إلى

فَكُنَّا، بَعْدَ ذلِكَ، نَصُومُهُ. وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ، إِنْ شَاءَ اللهُ. وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ. فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ. فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أعْطَينَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يفعل فيه هكذا من الإفشاء والأمر به وبيان أحكامه والإبلاغ لمن بعد وشدة التهمم، ولما فهمت الصحابة هذا التزموه وحملوا عليه صغارهم الذين ليسوا بمخاطبين بشيء من التكاليف تدريبًا وتمرينًا ومبالغة في الامتثال والطواعية على أن جمهور من قال من العلماء: إن الصغار يؤمرون بالصلاة وهم أبناء سبع، ويضربون عليها وهم أبناء عشر، ذهبوا إلى أنهم لا يؤمرون بالصوم لمشقته عليهم بخلاف الصلاة، وقد شذ عروة فقال: إن من أطاق الصوم منهم وجب عليه، وهذا مخالف لما عليه جمهور المسلمين، ولقوله صلى الله عليه وسلم (رُفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ) رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولقوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور / 59] اهـ من المفهم (قالت) الرُبَيِّعُ (فكنا) معاشر الصحابة (بعد ذلك) اليوم الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قرى الأنصار، وأمرنا فيه بصيامه (نصومه) أي نصوم عاشوراء معاشر المكلفين (ونصوم) -بتشديد الواو المكسورة- من التصويم أي نأمر (صبياننا) أي أولادنا (الصغار) الذين لم يبلغوا الحلم (منهم) بصيامه (إن شاء الله) تعالى (ونذهب) بهم من البيت (إلى المسجد) لئلا يتذكروا الطعام والشراب في البيت فيطلبوهما (فنجعل لهم) أي نهيِّئ لهم (اللعبة) -بضم اللام وسكون العين- ما يلعب به وهي التي يقال لها لعب البنات المصنوعة (من العهن) -بكسر العين المهملة وسكون الهاء- هو الصوف مطلقًا، وقيل الصوف المصبوغ (فإذا بكى أحدهم) حرصًا (على الطعام) وشوقًا إليه (أعطيناها) أي أعطينا اللعبة (اياه) أي أحدهم ونشغلهم بها حتى يكون (عند الإفطار) ويتم صومه. وشارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 359 - 360] والبخاري [1960]. وفي الحديث مشروعية تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات، وفي حديث رَزِينَة -بفتح الراء وكسر الزاي- عند ابن خزيمة بإسناد لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر برضعائه في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل، وهو يرد على القرطبي حيث قال في حديث

2552 - (00) (00) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا أبُو مَعْشَرٍ الْعَطَّارُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ. قَال: سَأَلْتُ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رُسُلَهُ فِي قُرَى الأنْصَارِ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَنَصْنَعُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ. فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا. فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ، أَعْطَينَاهُمُ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ. حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الربيع: هذا أمر فعله النساء بأولادهن ولم يثبت علمه صلى الله عليه وسلم بذلك وبعيد أن يأمر بتعذيب صغير بعبادة شاقة اهـ ومما يقوي الرد عليه أيضًا أن الصحابي إذا قال: فعلنا كذا في عهده صلى الله عليه وسلم كان حكمه الرفع، لأن الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريرهم عليه مع توفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه إلا بتوقيف اهـ من إرشاد الساري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث الربيع رضي الله تعالى عنها فقال: 2552 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا أبو معشر العطار) البرَّاء، وكان يبري العود ولذلك سُمي البراء، البصري، روى عن خالد بن ذكوان في الصوم، وعبد الله بن الأخنس وأبي حازم بن دينار، ويروي عنه (م) فرد حديث، ووثقه وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من السادسة (عن خالد بن ذكوان قال سألت الربيع بنت معوذ) الأنصارية المدنية (عن صوم عاشوراء) وهذا من رباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعة أبي معشر لبشر بن المفضل في رواية هذا الحديث عن خالد بن ذكوان (قالت) الربيع (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله في قرى الأنصار) التي حول المدينة (فذكر) أبو معشر (بمثل حديث بشر) بن المفضل (غير أنه) أي لكن أن أبا معشر (قال) في روايته (ونصنع لهم اللعبة من العهن) بدل قول بشر فنجعل لهم اللعبة (فنذهب به) أي بأحد الصبيان (معنا) إلى المسجد (فإذا سألونا) أي طلبوا منا (الطعام أعطيناهم اللعبة) حالة كون اللعبة (تلهيهم) بضم التاء، من ألهى الرباعي أي تشغلهم تلك اللعبة عن طلب الطعام (حتى يتموا صومهم) بغروب الشمس. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب اثنا عشر حديثًا، الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث ابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات، والثالث حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد أيضًا، والخامس حديث معاوية ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث ابن عباس أيضًا ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثاني عشر حديث الربيع بنت معوذ ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

448 - (4) باب النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام

448 - (4) باب: النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام 2553 - (1104) (24) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. عَنْ أَبِي عُبَيدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، أَنَّهُ قَال: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. فَجَاءَ فَصَلَّى. ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ. فَقَال: إِنَّ هذَينِ يَوْمَانِ. نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 448 - (4) باب النهي عن صيام العيدين وأيام التشريق وتخصيص يوم الجمعة بصيام وليلتها بقيام 2553 - (1104) (24) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد) مصغرًا سعد بن عبيد الزهري (مولى) عبد الرحمن (بن أزهر) المدني، ثقة، من (2) (أنه) أي أن أبا عبيد (قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (فجاء) عمر (فصلى) العيد بالناس (ثم انصرف) وفرغ من صلاة العيد (فخطب الناس) ووعظهم (فقال) عمر (إن هدين) اليومين المعهودين عندكم يعني يوم الفطر ويوم الأضحى هما (يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما) هما (يوم فطركم من صيامكم) رمضان (والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم) أي من أضاحيكم، وقوله (فخطب الناس) فيه تقديم صلاة العيد على الخطبة، وقد سبق بيانه في محله بما لا مزيد عليه، وقوله (إن هذين) فيه التغليب، وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا، والغائب يشار إليه بذاك فلما أراد جمعهما في لفظ واحد قال إن هذين تغليبًا للحاضر على الغائب، وقوله (يوم فطركم) برفع يوم على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهما، وكذا وقع في بعض الروايات: أما أحدهما فيوم فطركم. قيل وفائدة وصف اليومين للإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهو الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده، والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى، فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل، والمراد بالنسك هنا الذبيحة المتقرب بها قطعًا. وفي

2554 - (1105) (25) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَيَّ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَينِ: يَوْمِ الأَضْحَى وَيوْمِ الْفِطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث تحريم صوم يومي العيد سواء النذر والكفارة والتطوع والقضاء والتمتع وهو بالإجماع، وفيه تعليم الإمام في خطبته ما يتعلق بذلك العيد من أحكام الشرع من مأمور به ومنهي عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [557]، وأبو داود [2416]، والترمذي [771]، وابن ماجه [1722]. قال القرطبي: وقول عمر (يوم فطركم من صيامكم) الخ تنبيه على الحكمة التي لأجلها حُرم صوم هذين اليومين، أما يوم الفطر فيتحقق به انقضاء زمان مشروعية الصوم، ويوم النحر فيه دعوة الله التي دعا عباده إليها من تضييفه وإكرامه لأهل منى وغيرهم بما شُرع لهم من ذبح النسك والأكل منها فمن صام هذا اليوم فإنه رد على الله كرامته والى هذا أشار أبو حنيفة والجمهور على أنه شرع غير معلل اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 2554 - (1105) (25) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) -بفتح المهملة وتشديد الموحدة- ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني أبي عبد الله المدني، ثقة فقيه، من (4) مات سنة (121) روى عنه في (8) أبواب (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدني القارئ، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى التميمي (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر) قال النواوي: قد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما على نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمدًا لعينهما قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما، وقال أبو حنيفة: ينعقد ويلزمه قضاؤهما قال: فإن صامهما أجزأه، وخالف الناس كلهم في ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 511]، والبخاري [1993]. ثم استشهد له ثانيًا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال:

2555 - (1106) (26) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ (وَهُوَ ابْنُ عُمَيرٍ) عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه. قَال: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَعْجَبَنِي. فَقُلْتُ لَه: آنْتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: فَأَقُولُ عَلَيَّ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَينِ: يَوْمِ الأَضْحَى وَبَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ". 2556 - (00) (00) وحدّثنا أبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ. حَدَّثنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيى، ـــــــــــــــــــــــــــــ 2555 - (1106) (26) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عبد الملك وهو ابن عمير) اللخمي أبي عمر الكوفي، ثقة، من (3) الثالثة، روى عنه في (15) بابا (عن قزعة) بن يحيى البصري أبي الغادبة الحرشي، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري المدني (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بلخي (قال) قزعة بن يحيى (سمعت منه) أي من أبي سعيد الخدري (حديثًا فاعجبني) ذلك الحديث وأجسني (فقلت له) أي لأبي سعيد (أنت) أي هل أنت (سمعت هذا) الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أبو سعيد: أ (فأقول) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمعـ) ـــه منه وأكذب عليه مع ورود الوعيد الشديد في الكذب عليه أي لا أقول عليه ما لم أسمعه منه، ثم (قال) أبو سعيد (سمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول لا يصلح الصيام) أي لا يجوز ولا يحل ولا ينعقد (في يومين) في السنة (يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان) وهذا حجة للجمهور على أن الصوم فيهما لا ينعقد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1995]، وأبو داود [2471]، والترمذي [772]، وابن ماجه [2898]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2556 - (00) (00) (وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عمرو بن يحيى) بن عمارة الأنصاري المازني، ثقة، من

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَينِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيوْمِ الَّحْرِ. 2557 - (1106) (27) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ـــــــــــــــــــــــــــــ (6) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي الحسن الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) غرضه بيان متابعة يحيى بن عمارة لقزعة بن يحيى في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن صيام يومين) إنما منع عن صومهما لأن فيه إعراضًا عن ضيافة الله تعالى اهـ من المبارق (يوم الفطر) وهو أول يوم من شهر شوال (وبوم النحر) وهو العاشر من ذي الحجة هو نحر فقط، ويومان بعده نحر وتشريق، ويوم بعدهما تشريق، والمجموع أربعة، والكل صومه حرام وأراد بيوم النحر الجنس، وفيه تغليب على التشريق اهـ منه. ثم استشهد رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عمر بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2557 - (1106) (27) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن) عبد الله (ابن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن زياد بن جبير) بن حية بتحتانية ابن مسعود بن معتب الثقفي البصري، روى عن ابن عمر في الصوم والحج، وأبيه وسعد، ويروي عنه (ع) وابن عون ويونس بن عبيد، وثقه أحمد، وقال في التقريب: ثقة وكان يرسل، من الثالثة (قال) زياد (جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان بصريان وواحد مكي، وقوله (جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه، وقال الحافظ في أبواب الأيمان والنذور: ذكرت في أواخر الصيام الاختلاف في تعيين اليوم الذي نذره الرجل، وهل وافق يوم عيد الفطر والنحر؛ دماني لم أقف على اسمه مع بيان الكثير من طرقه، ثم وجدت في ثقات ابن حبان من طريق كريمة بنت سيرين أنها سألت ابن عمر فقالت: نذرت على نفسي أن أصوم كل أربعاء، واليوم يوم أريعاء وهو يوم النحر؟ فقال: أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم النحر.

فَقَال: إِني نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا. فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَمَرَ اللهُ تَعَالى بِوَفَاءِ النَّذْرِ. وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ هذَا الْيَوْمِ. 2558 - (1107) (28) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواته ثقات، فلولا توارد الرواة بأن السائل رجل لفسرت المبهم بكريمة بنت سيرين اهـ (فقال) الرجل (إني نذرت أن أصوم يومًا فوافق) نذري (يوم أضحى أو) قال يوم (فطر فقال ابن عمر رضي الله عنهما) للرجل السائل (أمر الله تعالى بوفاء النذر) بقوله {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم) يعني يوم العيد، قال الإمام المازري: توقف ابن عمر عن الفتوى تورعًا، وأشار لتعارض الأدلة، وقد اختلف فيها فقهاء الأمصار في ناذر صوم يوم الفطر والأضحى والذي ذهب إليه مالك أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤه ولا صومه، وقال أبو حنيفة: يصوم يومًا آخر عوضًا عنه، وإن صامه في نفسه مع النهي عن صومه أجزأه، ولنا عليه قوله صلى الله عليه وسلم (لا نذر في معصية الله) وصوم هذا اليوم معصية لثبوت النهي عنه واتفاق العلماء على ذلك، وتعويض يوم آخر ليس من مقتضى لفظ نذر فلا مقتضى لإلزامه إياه وإن كان قد وقع عندنا قولان فيمن نذر صوم ذي الحجة هل يقضي يوم النحر وقد يكون من أوجب القضاء من أصحابنا رأى أن النذر منعقد بإجماع فيما سوى يوم النحر وما نُهي عن صومه فأجرى يوم النحر في الانعقاد مجرى ما سواه بحكم التبع له وألزم تعويضه لما امتنع صومه بعينه بخلاف من جرد النذر ليوم النحر خاصة اهـ من إكمال المعلم بفوائد مسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في كتاب الصوم وفي الإيمان والنذور، والنسائي في الكبرى في الصوم اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2558 - (1107) (28) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا سعد بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري المدني، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (أخبرتني عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ صَوْمَينِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأضْحَى. 2559 - (1108) (29) وحدّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ نُبَيشَةَ الْهُذَليِّ. قَال: قَال رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أكلٍ وَشُرْبٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة، ثقة، من (3) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة رضي الله عنها (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومين يوم الفطر وبوم الأضحى) وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل على الجزء الثاني من الترجمة بحديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه فقال: 2559 - (1108) (29) (وحدثنا سريج) مصغرًا (بن يونس) بن إبراهيم البغدادي أبو الحارث، ثقة، من (10) (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (أخبرنا خالد) بن مهران المجاشعي أبوالمنازل الحذاء البصري، ثقة، من (5) (عن أبي المليح) الهذلي البصري عامر بن أسامة بن عمير، ويقال له زيد بن أسامة، ثقة، من (3) روى عنه (4) أبواب (عن نبيشة) مصغرًا بتصغير نبشة، ابن عبد الله بن عمرو بن عتاب (الهذلي) ويقال نبيشة الخير الصحابي المشهور البصري رضي الله عنه، له أحد عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء والصوم، ويروي عنه (م عم) وأبوالمليح الهذلي، له في (م) حديث: "أيام التشريق أيام أكل وشرب" وليس عندهم نبيشة إلا هذا الصحابي. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد بغدادي (قال) نبيشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق) هي ثلاثة بعد يوم النحر سميت بذلك لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تنشر في الشمس، وقيل غير ذلك (أيام أكل وشرب) أي لأن الناس أضياف الله فيها، قال القرطبي: وهذا المساق يدل على أن صومها ليس محرمًا كصوم يومي العيدين إذ لم ينه عنها كما نهى عن صوم يوم العيدين، ولذلك قال بجواز صومها مطلقًا بعض السلف، ومنع أبو حنيفة صومها حتى للمتمتع الذي لا يجد الهدي، وروى عن الشافعي مثل ذلك، وأجاز مالك والشافعي في أشهر قوليه والأوزاعي صومها للمتمتع خاصة وهو

2560 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيةَ) عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ. حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، عَنْ أبِي الْمَلِيحِ، عَنْ نُبيشَةَ. قَال خَالِدٌ: فَلَقِيتُ أَبَا الْمَلِيحِ. فَسَأَلْتُهُ. فَحَدَّثَنِي بِهِ. فَذَكَرَ عَنِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيمٍ. وَزَادَ فِيهِ: "وَذِكرِ للهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيح لما رواه البخاري عن عائشة وابن عمر أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، وفي مذهب مالك خلاف فيمن نذرها أو نذر صومًا هي فيه هل يصومها أم لا؟ فإذا لم يصمها فهل يلزمه قضاؤها أم لا؟ كل ذلك مفصل في كتب مذهبه اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث نبيشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2560 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الكوفي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية عن خالد) بن مهران (الحذاء) البصري (حدثني أبو قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي المليح) عامر بن أسامة الهذلي البصري، ثقة، من (3) (عن نبيشة) بن عبد الله الهذلي البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن نمير، وفيه رواية تابعي عن تابعي، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن علية لهشيم بن بشير (قال خالد فلقيت أبا المليح) بعدما حدثني أبو قلابة عنه (فسألته) أي فسألت أبا المليح عنه (فحدثني به) أبو المليح بمثل ما حدثني به أبو قلابة عنه (فذكر) إسماعيل بن علية بهذا السند (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث هشيم) عن خالد (و) لكن (زاد) إسماعيل على هشيم (فيه) أي في ذلك المثل لفظة (وذكر لله) أي وأيام ذكر لله تعالى، قال النواوي: وفي الحديث استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره اهـ، قال الأشرف: وإنما عقب الأكل والشرب بذكر الله لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه، وينسى في هذه الأيام حق الله تعالى اهـ فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث نبيشة بحديث كعب بن مالك رضي الله عنهما فقال:

2561 - (1109) (30) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أبِي الزُّبَيرِ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيامَ التَّشْرِيقِ. فَنَادَى: "أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ. وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكلٍ وَشُرْبٍ". 2562 - (00) (00) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو ـــــــــــــــــــــــــــــ 2561 - (1109) (30) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن سابق) التميمي أبو جعفر الكوفي نزيل بغداد، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة (213) ثلاث عشرة ومائتين، روى عنه إبراهيم بن طهمان في الصوم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن أبي شيبة وغيرهم (حدثنا إبراهيم بن طهمان) بن شعيب الهروي ثم المكي، ثقة، من (7) (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي، ثقة، من (4) (عن) عبد الله (بن كعب بن مالك) الأنصاري المدني، قال المزي: الابن المبهم في رواية مسلم هذه هو عبد الله اهـ من المعلم على مبهمات مسلم (عن أبيه) كعب بن مالك بن عمرو بن القين الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام- أبي عبد الله المدني الشاعر أحد الثلاثة الذين خلفوا رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان كوفيان (أنه) أي أن كعب بن مالك (حدّثه) أي حدّث لولده عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه) أي بعث كعبًا (وأوس بن الحدثان) -بفتح الحاء والدال المهملتين- بن عوف بن ربيعة بن سعيد بن يربوع بن هوازن النصري -بالنون- قال ابن حبان: يقال: له صحبة، وقال ابن عبد البر: لولا حديث كعب بن مالك في صحيح مسلم لم أثبت له صحبة اهـ من الإصابة بتصرف، ليناديا في الناس (أيام التشريق فنادى) كل منهما بقول (أنه) أي أن الشأن والحال (لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى) وهي أيام النحر والتشريق (أيام أكل وشرب). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: 2562 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) الكسي (حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) القيسي العَقَدي -بفتح المهملة والقاف- البصري، ثقة، من (9)

حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَنَادَيَا. 2563 - (1110) (31) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيتِ: أَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَال: نَعَمْ. وَرَبِّ هذَا الْبَيتِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا إبراهيم بن طهمان بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن ابن كعب بن مالك عن أبيه، غرضه بيان متابعة أبي عامر لمحمد بن سابق (غير أنه) أي لكن أن أبا عامر (قال) في روايته (فناديا) بصيغة الماضي المقرون بألف اثنين العائد إلى كعب وأوس، وإنما أمر صلى الله عليه وسلم أن ينادي في الموسم لا يدخل الجنة إلا مؤمن ليسمع من لم يحضر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وليسمع من كان هنالك من المنافقين حتى يحققوا إيمانهم ويُجدِّدُوا يقينهم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 2563 - (1110) (31) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الحميد بن جبير) بن شيبة بن عثمان بن طلحة العبدري الحجبي المكي، روى عن محمد بن عباد بن جعفر في الصوم، وصفية بنت شيبة في الحج، وسعيد بن المسيب في الحيوان، وجده شيبة وعمته صفية، ويروي عنه (ع) وسفيان بن عيينة وابن جريج وقرة بن خالد، وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن محمد بن عباد بن جعفر) بن رفاعة بن أمية المخزومي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب قال (سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) الأنصاري الخزرجي (وهو) أي والحال أن جابرًا (يطوت بالبيت) الحرام (أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام بوم الجمعة) بخصوصه من بين الأيام (فقال) جابر (نعم) أي نهى عن صيامه (ورب هذا البيت) العتيق أي أقسمت لك به على ما أخبرتك، وفي الحديث جواز الحلف من غير استحلاف لتأكيد الأمر، وإضافة الربوبية إلى المخلوقات المعظمة تنويهًا بتعظيمها اهـ فتح. قال النواوي: والحكمة في النهي عن صوم يوم الجمعة أن يوم الجمعة يوم دعاء

2564 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيرِ بْنِ شَيبَةَ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما. بِمِثْلِهِ. عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقول الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب الفطر فيه فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة فإن قيل لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى فالجواب أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يَجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة، وقيل سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه، وقيل سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف أيضًا منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد وبيوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك فالصواب ما قدمناه والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي وابن ماجه كلهم رووه في الصوم اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2564 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (ابن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة) الحجبي المكي، ثقة، من (5) (أنه أخبره محمد بن عباد بن جعفر) المخزومي المكي، ثقة، من (3) (أنه سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة وساق ابن جريج (بمثله) أي بمثل حديث ابن عيينة (عن النبي صلى الله عليه وسلم).

2565 - (1111) (32) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إلا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ". 2566 - (1112) (33) وحدّثني أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا حُسَينٌ (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 2565 - (1111) (32) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص) بن غياث بن طلق النخعي أبو عمر المكي، ثقة، من (8) (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ له) أي ليحيى (أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان إلا يحيى بن يحيى (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم) يومًا (قبله أو يصوم) يومًا (بعده) بظاهر هذا الحديث قال الشافعي وجماعة، وأما مالك فقال في موطئه: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه، وقيل إنه محمد بن المنكدر، قال الداودي: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه. (قلت) ومقصود هذا الحديث أن لا يخص بصوم يعتقد وجوبه أو لئلا يلتزم الناس من تعظيمه ما التزمه اليهود في سبتهم من تركهم الأعمال كلها يعظمونه بذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 495] والبخاري [1985]، ، والترمذي [743]، وابن ماجه [1723]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر ثانيًا بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 2566 - (1112) (33) (وحدثني أبو كريب حدثنا حسين) بن علي بن الوليد (يعني

الْجُعْفِيَّ) عَنْ زَائِدَةَ. عَنْ هِشَام، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لَا تَخْتَصَّوا لَيلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَينِ اللَّيَالِي. وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَينِ الأَيَّام. إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الجعفي) أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7) (عن هشام) بن عروة الأسدي المدني (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد بصري (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام) أي بصلاة (من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام) قال النواوي: هكذا وقع في جميع الأصول (المتون) لا تختصوا ليلة الجمعة ولا تخصوا يوم الجمعة بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد وبحذفها في الثاني وهما صحيحان، وقوله ليلة الجمعة بقيام الخ فيه دليل على كراهة تخصيص ليلة الجمعة بالعبادة بصلاة وتلاوة غير معتادة إلا ما ورد به النص على ذلك كقراءة سورة الكهف فإنه ورد تخصيص ليلة الجمعة بقراءتها وسور أخرى وردت بها أحاديث فيها مقال، وقد دل هذا بعمومه على عدم مشروعية صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من رجب ولو ثبت حديثها لكان مخصصًا لها من عموم النهي لكن حديثها تكلم العلماء عليه وحكموا بأنه موضوع كذا في شرح بلوغ المرام، وقوله (بصيام من بين الأيام) واستدل بأحاديث الباب على منع إفراد يوم الجمعة بصيام، ونقله أبو الطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية، وقال أبو جعفر الطبري: يفرق بين العبد والجمعة بأن الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد ولو صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة فالإجماع منعقد على جواز صومه لمن صام قبله أو بعده (إلا أن يكون) يوم الجمعة واقعًا (في) زمن (صوم يصومه أحدكم) من نذر أو ورد، قال ملا علي: والظاهر أن الاستثناء من ليلة الجمعة كذلك ولعله ترك ذكره للمقايسة ووجه النهي عن الاختصاص أن اليهود يرون اختصاص البيت بالصوم تعظيمًا والنصارى يرون اختصاص الأحد بالصوم تعظيمًا له وليلتها بالقيام زاعمين أنهما أعز أيام الأسبوع، ولما كان موقع الجمعة من هذه الأمة موقع اليومين من إحدى الطائفتين استحب أن يخالف هدينا هديهم في طريق تعظيم ما هو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعز الأيام وهو يوم الجمعة بليلتها اهـ بزيادة من المبارق، وفي طحطاوي المراقي النهي للتنزيه والمعنى النهي عن الاستعداد لها بخصوصها أما إذا كان اتفاقيًا فلا ومع التعمد لا ينتفى الثواب اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 394]. وقال النواوي: وفي هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي ويومها بصوم كما تقدم، وهذا متفق على كراهيته، واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب -قاتل الله واضعها ومخترعها- فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر. والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث، الأول حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستسْهاد، والثالث حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والسادس حديث نبيشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث كعب بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد، والعاشر حديث أبي هريرة التالي ذكره للاستشهاد والله أعلم. ***

449 - (5) باب نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت

449 - (5) باب: نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت 2567 - (1113) (34) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ) عَنْ عَمْرو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه. قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ـــــــــــــــــــــــــــــ 449 - (5) باب نسخ الفدية وقضاء رمضان في شعبان وقضائه عن الميت 2567 - (1113) (34) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا بكر يعني ابن مضر) بن محمد بن حكيم أبو محمد المصري، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (9) مواضع (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة فقيه، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري، ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد) بن أبي عبيد المدني (مولى سلمة) بن الأكوع أبي خالد الأسلمي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة) بن عمرو (بن الأكوع) سنان بن عبد الله السلمي أبي مسلم المدني الصحابي المشهور (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان مدنيان وواحد بلخي (قال) سلمة بن الأكوع (لما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}) بضم الياء وكسر الطاء وسكون الياء على قراءة الجمهور أي يطيقون الصوم ويقدرون عليه، وعلى هذا تكون الآية منسوخة كما قال سلمة بن الأكوع وابن عمر ومعاذ بن جبل وعلقمة النخعي والحسن والشعبي وابن شهاب ({فِدْيَةٌ}) بالرفع مع التنوين على الابتداء، والخبر محذوف أي فعليهم فدية أو خبر مبتدإِ محذوف أي فحكمهم فدية، ورفع ({طَعَامُ}) على أنه بدل من فدية أي وعلى الذين يقدرون على الصوم فدية هي إطعام ({مِسْكِينٍ}) واحد مُدًّا من طعام غالب قوت البلد إذا أفطروا بدل الصوم، قال القرطبي: واختلفوا في مقدار هذا الطعام حيث يجب، فذهب مالك وجماعة من العلماء إلى أنه مُدّ لكل مسكين بمُد النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في الزكاة، وقال أشهب: مُد وثلث بمد أهل المدينة، وقال قوم: قوت يوم عشاء وسحور، وقال سفيان

كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتى نَزَلَتِ الآيَةُ التِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. 2568 - (00) (00) حدّثني عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثوري وأبو حنيفة: نصف صاع من قمح وصاع من تمر أو زبيب اهـ قال سلمة (كان) في أول الإسلام (من أراد) أن يصوم صام، ومن أراد (أن يفطر) أفطر (وبفتدي) أي يعطي فدية صومه بطعام مسكين أي بطعام يكفي لمسكين واحد يومًا وليلة وهو مد من غالب قوت البلد (حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها) يعني قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} يعني أنهم كانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم والفدية ثم نسخ التخيير بتعيين الصوم بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فمعنى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} أي وعلى المطيقين للصيام إن أفطروا إعطاء فدية وهي طعام مسكين لكل يوم فهو رخصة منه تعالى لهم في الإفطار والفدية في بدء الأمر لعدم تعودهم الصيام أيامًا ثم نَسخ الرخصة وعين العزيمة بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} اهـ نواوي وقول سلمة بن الأكوع: إن التخيير منسوخ بهذه الآية مقبول من قول الصحابي لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال كما إذا قال أمر ونَهَى، ووجه النسخ في هذا واضح وهو أن آية الفدية تقتضي التخيير بين الفدية والصوم مطلقا كما قال سلمة وهذه الآية الأخيرة جاءت جازمة بالصوم لمن شهد الشهر رافعة لذلك التخيير، ومعنى (شهد الشهر) أي حضر فيه مقيمًا في المصر هذا قول جمهور العلماء، وعلى هذا يكون الشهر منصوبًا على الظرف ويكون مفهومه عندهم أن من دخل عليه الشهر وهو مسافر أو طرأ عليه فيه سفر لم يجب عليه صومه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4506]، وأبو داود [2315]، والترمذي [798]، والنسائي [4/ 190]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمة رضي الله عنه فقال: 2568 - (00) (00) (حدثني عمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود (العامري) أبو محمد المصري، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرنا عمرو بن الحارث) المصري (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المصري (عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع) المدني (عن سلمة بن الأكوع) السلمي المدني الصحابي

رضي الله عنه؛ أَنهُ قَال: كُنا فِي رَمضانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مَنْ شَاءَ صَامَ. وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ. حَتى أنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]. 2569 - (1114) (25) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. قَال: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ. فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلا فِي شَعْبَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشهور (رضي الله عنه). وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان، غرضه بيان متابعة عبد الله بن وهب لبكر بن مضر في رواية هذا الحديث عن عمرو بن الحارث (أنه) أي أن سلمة بن الأكوع (قال كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى أُنزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى ({فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}) فنسخت التخيير بين الصوم والفدية. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2569 - (1114) (25) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة، (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (قال سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، حالة كون عائشة (تقول كان) الشأن والحال، فكان شأنية اسمها ضمير الشأن وخبرها جملة قوله (يكون على الصوم) أي قضاؤه (من رمضان) أوكان زائدة أو يكون زائدة كقوله: أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بليل قال العيني: وفائدة اجتماع كان مع يكون بذكر إحداهما بصيغة الماضي والآخر بصيغة المستقبل تحقيق القضية وتعظيمها تقديره كان الشأن يكون كذا، وأما تغيير الأسلوب فلإرادة الاستمرار وتكرر الفعل اهـ (فما أستطيع) ولا أقدر ولا أتمكن (أن

الشُّغُلُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. أَوْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقضيه) أي أن أقضي الصوم الذي فاتني بسبب الحيض (إلا في شعبان) قال العيني: ومما يستفاد من الحديث أن القضاء موسع ويصير في شعبان مضيقًا ويؤخذ من حرصها على القضاء في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان فإن دخل فالقضاء واجب أيضًا فلا يسقط، وأما الإطعام فليس في الحديث له ذكر لا بالنفي ولا بالإثبات وقد وقع فيه الخلاف، قال البخاري: ولم يذكر الله تعالى الإطعام إنما قال {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. قال الحافظ: ولا يلزم من عدم ذكره في الكتاب أن لا يثبت بالسنة، ولم يثبت فيه شيء مرفوع وإنما جاء فيه عن جماعة من الصحابة، ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال: وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفا اهـ. وهو قول الجمهور وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك، وممن قال بالإطعام ابن عمر لكنه بالغ في ذلك فقال: يُطعم ولا يصوم، قال الطحاوي: تفرد بذلك ابن عمر. وقولها: منعني (الشغل) أي التهيؤ للاستمتاع (من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو) قالت الاستمتاع (برسول الله صلى الله عليه وسلم) بالشك من الراوي مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف قالت: يمنعني الشغل أو على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي قال يحيى: الشغل هو المانع لها، والمراد من الشغل أنها كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إذا راود ذلك، وأما في شعبان فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه فتتفرغ عائشة لقضاء صومها، قال الكرماني رحمه الله تعالى: (فإن قلت) شغل عنه بمعنى فرغ عنه وهو عكس المقصود إذ الفرض أن الاشتغال برسول الله صلى الله عليه وسلم هو المانع من القضاء لا الفراغ منه (قلت) المراد الشغل الحاصل من جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من كلام عائشة بل مدرج من كلام يحيى بن سعيد الراوي كما صرح به ابن جريج في روايته الآتية في الباب، وقد أخرج المؤلف من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون هذه الزيادة كما سيأتي في الباب لكن فيه ما يشعر بها وهو قولها: فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بالمعية الزمان أي إن ذلك كان خاصًّا بزمانه، وقولها (الشغل) بسكون الغين وضمها والتلاوة الضم، وقولها (من رسول الله صلى الله

2570 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزهْرَانِيُّ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَذلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 2571 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم) أي من أجله، فمن للتعليل كما أن الباء في رواية (برسول الله صلى الله عليه وسلم) للسببية، والظاهر أن قوله (أو برسول الله صلى الله عليه وسلم) شك من الراوي كما مر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1950]، وأبو داود [2399]، والترمذي [783]، والنسائي [4/ 191]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2570 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا بشر بن عمر) بن الحكم الأزدي (الزهراني) أبو محمد البصري، روى عن سليمان بن بلال في الصوم والفتن، وشعبة في النكاح، ومالك بن أنس في القسامة، وهشام بن سعد في الجهاد، وعكرمة بن عمار وسليمان بن بلال وغيرهم، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن يحيى وإسحاق الكوسج، وثقه ابن سعد، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة سبع، وقبل تسع ومائتين (209) (حدثني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد مروزي، غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لزهير بن معاوية (غير أنه) أي لكن أن سليمان بن بلال (قال) في روايته (وذلك) أي عدم استطاعتي على قضاء ما عليّ من رمضان طول السنة المكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لكونه ووجوده معنا في حياته فلا ندري متى يحتاج إلينا فنستعد له كل وقت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2571 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد

عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: فَظَنَنْتُ أَنَّ ذلِكَ لِمَكَانِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. يَحْيى يَقُولُهُ. 2572 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا فِي الْحَدِيثِ: الشُغُلُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) المكي (حدثني يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة، غرضه بيان متابعة ابن جريج لزهير بن معاوية (و) لكن (قال) ابن جريج، قال يحيى بن سعيد (فظننت أن ذلك) أي أن عدم استطاعتها على قضاء رمضان (لمكانها) أي لمزيتها ومنزلتها وحظوتها (من النبي صلى الله عليه وسلم) أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته إياها فتكون مترصدة له كل وقت، قال ابن جريج (يحيى) بن سعيد مبتدأ خبره جملة (يقوله) أي يقول ما ذُكر من لفظ (فظننت أن ذلك لمكانها) وروى الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الله البهي عن عائشة (ما قضيت شيئًا مما يكون عليّ من رمضان إلا في شعبان حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل مما يدل على ضعف هذه الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لنسائه فيعدل، وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غير جماع فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصوم اللهم إلا أن يقال كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن ياذن لها لاحتمال حاجته إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان فلذلك كانت لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان اهـ فتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها ثالثًا فقال: 2572 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من سفيان وعبد الوهاب رويا (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب وسفيان لزهير بن معاوية (و) لكن (لم يذكرا) أي لم يذكر عبد الوهاب وسفيان (في الحديث) كلمة (الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا مما يدل على

2573 - (1115) (36) وحذثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ؛ إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعف هذه الزيادة كما قررناه آنفًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة هذا بحديث آخر لها فقال: 2573 - (1115) (36) (وحدثني محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد (الدراوردي) الجهني مولاهم أبو محمد المدني، صدوق، من (8) (عن يزيد بن عبد الله) بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5) (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا محمد بن أبي عمر فإنه مكي (أنها) أي أن عائشة (قالت إن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إن الشأن والحال كانت إحدانا) معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (لتفطر) صوم رمضان لعارض الحيض مثلًا ولا تصوم (في زمان) حياة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر) إحدانا ولا تستطيع (على أن تقضيه مع) وجود (رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان) لأن كل واحدة من نسائه صلى الله عليه وسلم كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لاستمتاعه من جميع أوقاته إن أراد ذلك ولا تدري متى يريده ولا تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يكون له حاجة فيها فيفوتها عليه وهذا من عادتهن، وقد اتفق العلماء على أن المرأة يحرم عليها صوم التطوع وبعلها حاضر إلا بإذنه لحديث أبي هريرة الثابت في مسلم: ولا تصوم إلا بإذنه، وقال الباجي: والظاهر أنه ليس للزوج جبرها على تأخير القضاء إلى شعبان بخلاف صوم التطوع، ونقل القرطبي عن بعض أشياخه أن لها أن تقضي بغير إذنه لأنه واجب، ويحمل الحديث على التطوع كذا في عمدة القاري اهـ فتح الملهم.

2574 - (1116) (37) وحدّثني هَارُونُ بن سَعِيدٍ الأَيلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قولها (إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يفيد هذا اللفظ أن التأخير لأجل الشغل لم يكن لها وحدها، بل لها ولغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني أنها كانت تتوقع حاجته إليها على الدوام (فإن قيل) وكيف لا تقدر على الصوم لحقه فيها وقد كان لها تسع نسوة وكان يقسم بينهن فلا تصل النوبة لإحداهن إلا بعد ثمان فكان يمكنها أن تصوم في هذه الأيام التي يكون فيها عند غيرها، فالجواب أن القسم لم يَكن عليه واجبًا لهن وإنما كان يفعله بحكم تطييب قلوبهن ودفعًا لما يتوقع من الشرور وفساد القلوب، ألا ترى قول الله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيكَ} فلما علم نساؤه هذا كن يتهيأن له دائمًا ويتوقعن حاجته إليهن في أكثر الأوقات والله أعلم اهـ. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى بهذا الحديث لم يشاركه فيه أحد اهـ من المفهم. وقولها في الرواية الأولى (الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقولها المكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الرواية الثانية، وفي هذا الحديث (فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) كل هذه الألفاظ محومة على أن مراعاة حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أزواجه كانت الموجبة لتأخير قضاء رمضان إلى شعبان، وتفيد أن تأخير القضاء إلى شعبان مسوغ وأن المبادرة به أولى وأن ذلك التأخير كان عن إذنه صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2574 - (1116) (37) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) ثم المصري (وأحمد بن عيسى) المصري (قالا حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني مولاهم أبي بكر المصري، ثقة، من (5) (عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن) عمه

عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عروة) بن الزبير المدني (عن) خالته (عائشة) أم المؤمنين (رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيام) أي قضاؤه رمضان كان أو نذرًا أو كفارة (صام) نيابة (عنه وليه) أي جاز صومه لا أنه لازم له، وبالحديث عمل أحمد والشافعي في قوله القديم، والباقون منعوه مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه" وأولوا الصيام في الحديث بالإطعام عنه فإن ولي الميت إذا أطعم عنه سقط الصوم من ذمته فصار كان الولي صام عنه إلا أن الإطعام عنه إنما يفيد له إذا أوصاه وإذا لم يوص وتبرع عنه وليه أو أجنبي جاز، ومقدار الطعام مد عن كل يوم، والمعتبر في هذه الرواية مطلق القرابة، وقيل بالعصوبة، وقيل الإرث والوصاية اهـ من المبارق، قال الرافعي: والأشبه اعتبار الإرث، وقال النووي: المختار اعتبار مطلق القرابة وصححه في المجموع، واللزوم على الوارث في صورة الإيصاء إنما هو إذا ساعده الثلث فإن زاد عليه لا يجب فإن أخرج كان متبرعًا وهذا كله في الفوات مع إدراك زمان القضاء كما هو المبين في الفقه اهـ، وفي القسطلاني قوله (صام عنه وليه) ولو بغير إذنه أو أجنبي بالإذن من الميت أو من القريب بأجرة أو دونها وهذا مذهب الشافعي القديم، وصوبه النواوي بل قال: يسن له ذلك ويسقط وجوب الفدية، والجديد وهو مذهب مالك وأبي حنيفة عدم الجواز لأنه عبادة بدنية ولا يسقط وجوب الفدية، قال النواوي: وليس للجديد حجة، والحديث الوارد بالإطعام ضعيف ومع ضعفه فالإطعام لا يمتنع عند القائل بالصوم اهـ منه، وفي فتح الملهم قوله (صام عنه وليه) خبر بمعنى الأمر تقديره فليصم عنه وليه وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك وفيه نظر لأن بعض أهل الظاهر أوجبه فلعله لم يعتد بخلافهم على قاعدته، قال القرطبي: قوله (صام عنه وليه) بظاهر هذا الحديث، قال جماعة منهم إسحاق وأبو ثور وأهل الظاهر وقال به أحمد والليث وأبو عبيد إلا أنهم خصصوه بالنذر، وروي مثله عن الشافعي، وأما قضاء رمضان فإنه يطعم عنه من رأس ماله ولا يصام عنه وهو قول جماعة من العلماء ومالك لا يوجب عليه إطعامًا إلا أن يوصي به فيكون من الثلث كالوصايا، وأجمع المسلمون بغير خلاف على أنه لا يصلي

2575 - (1116) (37) وحدّثنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أَنَّ امْرَاةً ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد عن أحد في حياته ولا بعد مماته، وأجمعوا على أنه لا يصوم أحد عن أحد في حياته، وإنما الخلاف في ذلك بعد موته، وإنما لم يقل مالك بالخبر المذكور لأمور أحدها أنه لم يجد عملهم عليه، وثانيها اختلف واضطرب في إسناده، وثالثها أنه رواه أبو بكر البزار وقال في آخره: لمن شاء، وهذا يرفع الوجوب الذي قالوا به، ورابعها أنه معارض بقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلا عَلَيهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} وخامسها أنه معارض بما أخرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًّا من حنطة" وسادسها أنه معارض بالقياس الجلي وهو أنه عبادة بدنية لا مدخل للمال فيها فلا تفعل عمن وجبت عليه كالصلاة، ولا ينقض هذا بالحج لأن للمال فيه مدخلا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 69]، والبخاري [1952]، وأبو داود [2400]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 2575 - (1116) (37) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (حدثنا الأعمش عن مسلم) بن عمران (البطين) بفتح فكسر أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (6) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله عنهما). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مروزي (أن امرأة) قال ابن طاهر في إيضاح الإشكال: اسمها عايشة بمهملة ثم مثناة تحتانية ثم شين معجمة أو عايشة بمهملة ثم مثناة تحتية فمثلثة، أوردها ابن الأثير في الغين المعجمة فقال عائشة، وقيل غاثية، وفي الإصابة غاثنة بمثلثة بعد الألف وقبل النون اهـ المعلم على مبهمات مسلم، وفي رواية زائدة الآتية عن سليمان الأعمش جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: واتفق من عدا زائدة وعباد بن القاسم على أن السائل امرأة، وزاد أبو حريز في روايته أنها

أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَال: "أَرَأَيتِ لَوْ كَانَ عَلَيهَا دَينٌ، أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ " قَالتْ: نَعَمْ. قَال: "فَدَينُ اللهِ أَحَق بِالْقَضَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خثعمية اهـ فتح الملهم (أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أن أمي ماتت) خالف أبو خالد جميع من رواه فقال: إن أختي، واختلف على أبي بشر عن سعيد بن جبير فقال هشيم عنه ذات قرابة لها، وقال شعبة عنه: إن أختها، أخرجهما أحمد، وقال حماد: ذات قرابة لها إما أختها واما ابنتها وهذا يشعر بأن التردد فيه من سعيد بن جبير كذا في الفتح (وعليها صوم شهر) هكذا في أكثر الروايات، وفي رواية أبي حريز خمسة عشر يومًا، وفي رواية أبي خالد شهرين متتابعين وكذا في حديث بريدة من طريق ابن نمير عند مسلم صوم شهرين، قال الحافظ ورواية أبي خالد تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره فإِنها محتملة إلا رواية زيد بن أبي أنيسة فقال: إن عليها صوم نذر، وهذا واضح في أنه غير رمضان وبين أبو بشر في روايته سبب العذر فروى أحمد من طريق شعبة عن أبي بشر أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرًا فماتت قبل أن تصوم فأتت أختها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ورواه أيضًا عن هشيم عن أبي بشر نحوه، وأخرجه من حديث حماد بن سلمة، وقد ادعى بعضهم أن هذا الحديث اضطرب فيه الرواة على سعيد بن جبير فمنهم من قال: إن السائل امرأة، ومنهم من قال إنه رجل، ومنهم من قال: إن السؤال وقع عن نذر فمنهم من فسره بالصوم، ومنهم من فسّره بالحج لما تقدم في أواخر الحج من صحيح البخاري، والذي يظهر أنهما قضيتان، ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية، والسائلة في نذر الحج جهنية انتهى كلامه. (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرأيت) أخبريني (لو كان عليها) أي على أمك (دين) لآدمي (أكنت تقضينه) عنها أي هل تؤدي ذلك الدين عنها (قالت) المرأة السائلة (نعم) أقضيه عنها (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدين ألله أحق) وأولى (بالقضاء) من دين الآدمي، وفيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه، وفيه أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه، وفيه أن وفاء الدين المالي عن الميت كان

2576 - (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معلومًا عندهم مقدرًا ولهذا حسن الإلحاق به، قال العيني رحمه الله تعالى: وقوله (لو كان على أمك دين أكنت قاضيته) مشعرُّ بأن ذلك على الندب إن طاعت به نفسه لأنه لا يجب على ولي الميت أن يؤدي من ماله عن الميت دينًا بالاتفاق لكن من تبرع به انتفع به الميت وبرئت ذمته، وقال ابن حزم: من مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان أو نذرًا أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه أن يصومه عنه هم أو بعضهم ولا إطعام في ذلك أصلًا أوصى بذلك أو لم يوص به، وقال ابن بطال: التشبيه والتمثيل هو القياس عند العرب، وقد احتج المزني بحديث الباب وغيره على من أنكر القياس قال: وأول من أنكر القياس إبراهيم النظام وتبعه بعض المعتزلة وممن ينسب إلى الفقه داود بن علي وما اتفق عليه الجماعة هو الحجة اهـ فتح الملهم. قوله (فدين الله أحق بالقضاء) قال العيني: فيه قضاء الدين عن الميت، وقد أجمعت الأئمة عليه فإن مات وعليه دين لله ودين لآدمي قدم دين الله لقوله (فدين الله أحق) وفيه ثلاثة أقوال للشافعي الأول أصحها تقديم دين الله تعالى، الثاني تقديم دين الآدمي، الثالث هما سواء فيقسم بينهما اهـ منه، قال القرطبي: ويمكن أن يقال في معنى هذا الحديث إن مقصود الشرع أن ولي الميت إذا عمل العمل بنفسه من صوم أو حج أو غيره فصيّره للميت انتفع به الميت ووصل إليه ثوابه ويعتضد ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم شبه قضاء الصوم عن الميت بقضاء الدين عنه والدين إنما يقضيه الإنسان عن غيره من حصله لنفسه ثم بعد ذلك يقضيه عن غيره أو يهبه له اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2576 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن عمر) بن حفص بن جهم بن واقد الكندي (الوكيعي) نسبة إلى وكيع لصحبته وكيع بن الجراح أبو جعفر الكوفي الضرير، روى عن حسين بن علي في الصوم، ومحمد بن فضيل بن غزوان في الدعاء، وأبي معاوية ووكيع، ويروي عنه (م) وابنه إبراهيم بن أحمد وأبو يعلى، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة مات سنة خمس وثلاثين ومائتين (235) (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد

عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيهَا صَوْمُ شَهْرٍ. أَفَأقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَال: "لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَينٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَدَينُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ الجعفي الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سليمان) بن مهران الأعمش الكوفي، ثقة، من (5) (عن مسلم) بن عمران (البطين) الكوفي (عن سعيد بن جبير) الكوفي (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس، غرضه بيان متابعة زائدة لعيسى بن يونس في الرواية عن الأعمش (قال) ابن عباس (جاء رجل) في الرواية السابقة أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما على أنهما قضيتان، ويحتمل أن يكون هذا الرجل سعد بن عبادة وأمه قد تقدمت اهـ من تنبيه المعلم على مبهمات مسلم، قال العيني: والحق أن القضية واحدة، والحديث مضطرب للاختلاف الشديد في كون السائل رجلًا أو امرأة والمسئول عنه أختًا أو أمًا وكون السؤال عن حج أو صوم، ثم في عدد الصوم مع اتحاد المخرج، والجمع بينهما لا يمكن إلا بتعسف شديد كما يظهر من مراجعة فتح الباري، ولهذا قال ابن عبد الملك: فيه اضطراب عظيم يدل على وهم الرواة وبدون هذا يقبل الحديث، وقال بعضهم ما ملخصه إن الاضطراب لا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث، ورد بأنه كيف لا يقدح والحال أن الاضطراب لا يكون إلا من الوهم كما مر وهو مما يضعف الحديث كذا في عمدة القاري كما مر أي جاء رجل (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أن أمي ماتت) وفي رواية للبخاري (إن أختي ماتت) (وعليها صوم شهر) وفي شروح البخاري: أنها ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرًا فماتت قبل أن تصوم (أفأقضيه) أي هل أقضي ذلك الصوم وأصومه (عنها فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كان على أمك دين) لآدمي (كنت) أي هل كنت (قاضيه) أي قاضي ذلك الدين (عنها) وكان قضاء الدين عن الميت معلومًا عندهم (قال) الرجل (فعم) أقضيه عنها فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق) بـ (أن يقضى) أي بالقضاء من دين الآدمي، فيه قضاء الدين عن الميت، وقد أجمعت الأئمة عليه فإن مات وعليه دين لله ودين لآدمي قُدم دين الله لقوله فدين الله

قَال سُلَيمَانُ: فَقَال الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيلٍ جَمِيعًا. وَنَحْنُ جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهذَا الْحَدِيثِ. فَقَالا: سَمِعْنَا مُجَاهِدا يَذْكُرُ هذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. 2577 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. حَدَّثنَا أبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيبَةَ وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ وَمُجَاهِدِ وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحق، وفيه ثلاثة أقوال للشافعي كما مر آنفًا (قال سليمان) الأعمش بالإسناد السابق (فقال) وفي رواية للبخاري (قال) بغير فاء أقلت، الفاء زائدة (الحكم) بفتحتين ابن عتيبة، مصغرًا الكوفي (وسلمة بن كهيل) مصغرًا الحضرمي الكوفي (جميعًا) أي كلاهما (ونحن) أي والحال أنا يعني هو وهما (جلوس) جملة اسمية وقعت حالًا (حين حدّث مسلم) بن عمران البطين (بهذا الحديث) السابق (فقالا) أي قال الحكم وسلمة فهو توكيد لقال الأول (سمعنا مجاهدًا) ابن جبر المكي (يذكر هذا) أي يروي هذا الحديث السابق (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وحاصل هذا الكلام أن الأعمش سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس في مجلس واحد سمع من مسلم البطين أولًا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ثم من الحكم وسلمة عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2577 - (00) (00) (وحدثنا أبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي (الأشج) الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (حدثنا الأعمش) الكوفي، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لزائدة بن قدامة بالنظر إلى روايته عن مسلم البطين لأنه خالف زائدة في الرواية عن سلمة بن كهيل، وعن الحكم بن عُتَيبَةَ (عن سلمة بن كهيل و) عن (الحكم بن عتيبة و) عن (مسلم البطين) كل من هؤلاء الثلاثة رووا (عن سعيد بن جبير و) عن (مجاهد و) عن (عطاء) بن أبي رباح المكيين كل من هؤلاء الثلاثة أعني سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد (عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) السابق الذي رواه زائدة، قال الحانظ: لم يسق المتن بل أحال على رواية زائدة، وهو

2578 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ عَدِيٍّ. قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ. حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. قَال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ معترض لأنه خالف رواية زائدة كما مر آنفًا، والحاصل أن الأعمش روى عن الشيوخ الثلاثة وكل من الثلاثة الأولى رووا عن الثلاثة الأخيرة، ويحتمل كما قال في الفتح أن يكون من باب اللف والنشر غير المرتب فيكون شيخ الحكم عطاء وشيخ البطين ابن جبير وشيخ سلمة مجاهدًا، ويؤيده أن النسائي أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش مفصلًا هكذا وهو مما يقوي رواية أبي خالد كذا في الفتح اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2578 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة، من (11) (و) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد مولى بني سليم السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (15) (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة، من كبار (10) مات سنة (211) (قال عبد) بن حميد (حدثني زكرياء بن عدي) بصيغة السماع، قال زكرياء (أخبرنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي، ثقة، من (7) (عن زيد بن أبي أنيسة) زيد الغنوي أبي أسامة الجزري، ثقة، من (6) (حدثنا الحكم بن عتيبة) مصغرًا الكندي الكوفي، ثقة، من (5) وهذا يخالف رواية عبد الرحمن بن مغراء من حيث إن شيخ الحكم فيها عطاء وفي هذه شيخه سعيد ويحتمل أن يكون سمعه من كل منهما قاله الحافظ، والإنصاف عندي ما أشار إليه عياض من أن الحديث لا يخلو عن اضطراب في الإسناد والمتن فسقط الاحتجاج به والله أعلم اهـ فتح الملهم (عن سعيد بن جبير) الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان جزريان وواحد طائفي وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو كسي، غرضه بيان متابعة الحكم بن عتيبة لمسلم البطين في رواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عباس (جاءت امرأة إلى

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِن أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيهَا صَوْمُ نَذْرٍ. أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَال: "أَرَأَيتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَينٌ فَقَضَيتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّي ذلِكَ عَنْهَا؟ " قَالتْ: نَعَمْ. قَال: "فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ". 2579 - (1117) (38) وحدَّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أبُو الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه. قَال: بَينَا أَنَا جَالِسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر) وهذا ظاهر في أنه غير رمضان (أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه) كذا بزيادة الياء بعد التاء في أكثر النسخ، وفي بعضها فقضيته بدونها على الأصل (كان يؤدي) ويجزئ (ذلك) أي قضاؤك (عنها قالت) المرأة (نعم) يجزئ ذلك عنها (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا (فصومي عن أمك) قال القسطلاني: وهذا الاختلاف من قوله امرأة ورجل وشهر وشهران وخمسة عشر يومًا يُحمل على اختلاف الوقائع، وفيه جواز الصوم عن الميت اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنهما فقال: 2579 - (1117) (38) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي، ثقة، من (9) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي (أبو الحسن) الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبد الله بن عطاء) الطائفي أو المكي أو المدني أو الواسطي أو الكوفي، روى عن عبد الله بن بريدة في الصوم، وسليمان بن بريدة في الصوم، وأبي الطفيل، ويروي عنه (م عم) وعلي بن مسهر وعبد الله بن نمير والثوري وغيرهم، قال الترمذي: ثقة عند أهل الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق يخطئ ويدلس، من السادسة (عن عبد الله بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي، ثقة، من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المدني ثم البصري الصحابي المشهور (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مروزيان واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) بريدة بن الحصيب (بينا أنا جالس

عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ. فَقَالتْ: إِني تَصَدَّقْتُ عَلَيَّ أُمِّي بِجَارِيةٍ. وَإِنَّهَا مَاتَتْ. قَال: فَقَال: "وَجَبَ أَجْرُكِ. وَرَدَّهَا عَلَيكِ الْمِيرَاثُ" قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيهَا صَوْمُ شَهْرٍ. أَفَأصُومُ عَنْهَا؟ قَال: "صُومِي عَنْهَا" قَالتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ. أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَال: "حُجِّي عَنْهَا". 2580 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية) أي بأمة أي ملكتها إياها هبة أو صدقة، قال في تنبيه المعلم: لم أر من ذكر اسم المرأة ولا اسم أمها ولا اسم الجارية اهـ (وانها) أي وإن أمي (ماتت) والجارية التي تصدقت بها عليها انتقلت إليّ إرثًا فهل لي في تصدقي عليها أجر إذا عادت إليّ (قال) بريدة (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجب) أي ثبت (أجرك) أي أجر تصدقك عليها عند الله تعالى وأجر الصلة وأنت ما عدت في صدقتك عليها وهيئتك لها (وردها عليك الميراث) ردًّا إجباريًّا وليس الرجوع فيها باختيارك ونسبة الرد إلى الميراث في قوله وردها عليك الميراث مجازية أي ردها الله عليك بالميراث وعادت الجارية إليك بالوجه الحلال، قال النواوي: وفيه أن من تصدق بشيء ثم ورثه لم يكره له أخذه والتصرف فيه بخلاف ما إذا أراد شراءه فإنه يكره لحديث فرس عمر رضي الله عنه (قالت) المرأة (يا رسول الله إنه) أي إن الشأن والحال (كان عليها) أي على أمي (صوم شهر أفأصوم عنها قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (صومي عنها قالت) المرأة (إنها لم تحج قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (أفأحج عنها؟ قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (حجي عنها) لأن الحج ليس بعبادة بدنية محضة فيجري فيه النيابة عند العجز الدائم فيحج عن الميت سواء وجب عليه الحج أم لا أوصى به أم لا؟ قال النواوي: فيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي، والجمهور أن النيابة في الحج جائزة عن الميت، وسيأتي تمام البحث فيه في موضعه إن شاء الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3309]، والترمذي [667]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال: 2580 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا

عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه. قَال: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: صَوْمُ شَهْرَينِ. 2581 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أبِيهِ رضي الله عنه. قَال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَقَال: صَوْمُ شَهْرٍ. 2582 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (عن عبد الله بن عطاء) الكوفي (عن عبد الله بن بريدة) المروزي (عن أبيه) بريدة بن الحصيب (رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لعلي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عطاء (قال) بريدة (كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم) وساق عبد الله بن نمير (بمثل حديث ابن مسهر غير) أي لكن (أنه) أي أن عبد الله بن نمير (قال) في روايته عليها (صوم شهرين) بالتثنية بدل شهر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ئانيًا في حديث بريدة رضي الله عنه فقال: 2581 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) سفيان بن سعيد (الثوري) الكوفي (عن عبد الله بن عطاء) الكوفي (عن) عبد الله (بن بريدة) كذا في أكثر النسخ هنا عن ابن بريدة، وفي بعضها عن عبد الله بن بريدة كما في الروايتين المتقدمتين، والرواية التالية عن سليمان بن بريدة في جميع النسخ (عن أبيه) بريدة (رضي الله عنه). وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الثوري لعلي بن مسهر (قال) بريدة (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر) الثوري (بمثله) أي بمثل حديث علي بن مسهر (و) لكن (قال) الثوري في روايته عليها (صوم شهر) بالإفراد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 2582 - (00) (00) (وحدثنيه إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج النيسابوري (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي صاحب المسند (عن سفيان)

بِهذَا الإِسْنَادِ، وَقَال: صَوْمُ شَهْرَينِ. 2583 - (00) (00) وحدّثني ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه. قَال: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَقَال: صَوْمُ شَهْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثوري (بهدا الإسناد) بعني عن عبد الله بن عطاء عن ابن بريدة عن أبيه (و) لكن (قال) عبيد الله في روايته عليها (صوم شهرين) بالتثنية، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبيد الله بن موسى لعبد الرزاق في الرواية عن سفيان الثوري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 2583 - (00) (00) (وحدثني) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد السلمي البغدادي (حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (5) مات سنة (145) (عن عبد الله بن عطاء المكي) ثم الكوفي، صدوق، من (6) (عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن أبي سليمان لعلي بن مسهر وعبد الله بن نمير وسفيان الثوري في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عطاء، ولكنها متابعة ناقصة لأن عبد الملك روى عن بريدة بواسطة سليمان بن بريدة، وغيره رووا عن بريدة بواسطة عبد الله بن بريدة، وقيل غرضه بيان متابعة سليمان بن بريدة لعبد الله بن بريدة في الرواية عن بريدة أبيهما (قال) بريدة (أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وساق عبد الملك بن أبي سليمان (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث علي بن مسهر وعبد الله بن نمير وسفيان الثوري، وعلى القول الثاني جمع الضمير تحريف من النساخ، والصواب (بمثل حديثه) أي ساق سليمان بمثل حديث عبد الله عن بريدة (و) لكن (قال) عبد الملك أو سليمان في روايته عليها (صوم شهر) بالإفراد. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديثها الأول، والرابع حديث عائشة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة الأخير وذكر فيه ثلاث متابعات، والسادس حديث بريدة ذكره للاستشهاد ثانيًا لحديث عائشة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

450 - (6) باب ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله

450 - (6) باب: ما يقول الصائم إذا دعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله 2584 - (1118) (39) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه (قَال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ: رِوَايَةً. وَقَال عَمْرٌو: يَبْلغُ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال زُهَيرٌ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ) قَال: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 450 - (6) باب ما يقول الصائم إذا دُعي إلى طعام والنهي عن الرفث والجهل في الصيام وبيان فضله 2584 - (1118) (39) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال أبو بكر بن أبي شيبة) في روايته عن أبي هريرة (رواية) عن النبي صلى الله عليه وسلم (وقال عمرو) الناقد في روايته عن أبي هريرة (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يصله ويسنده إليه (وقال زهير) في روايته عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا بيان لاختلافهم في كيفية رفع الحديث (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دعي) وطلب (أحدكم إلى) أكل (طعام) أو شرب شراب (وهو) أي والحال أنه (صائم فليقل إني صائم) أي ندبًا كما في المرقاة، اعتذارًا إلى الداعي فإن سمح ولم يطالبه بالحضور فله التخلف وإلا حضر وليس الصوم عذرًا في التخلف كما في النواوي، قال: ولكن إذا حضر لا يلزمه الأكل، ويكون الصوم عذرًا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل اهـ، وإنما أمر المدعو عند الاعتذار في التخلف بإخبار صومه مع أن المستحب إخفاء النوافل لئلا يؤدي ذلك إلى بغض في الداعي كما في المبارق، وعبارة النواوي فإذا اعتذر بذلك فإن سومح في التخلف سقط عنه الحضور، وإن لم يسامح لزمه لأن الصوم لا يمتنع معه الحضور ثم لا يلزمه الأكل لأن الصوم مانع إلا أن يشق على

2585 - (1119) (40) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. رِوَايَةً. قَال: "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ. فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب الطعام عدم أكله فيستحب له الأكل، ويشهد للزوم الحضور حديث مسلم في أبواب الوليمة إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليأكل وإن كان صائمًا فليصل، وفي رواية الطبراني عن ابن مسعود وإن كان صائمًا فليدع بالبركة، كذا في الجامع الصغير للسيوطي. وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم وغيرهما إذا دعت إليه حاجة والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة، وفيه إشارة إلى حسن المعاشرة وإصلاح ذات البين وتأليف القلوب وحسن الاعتذار عند سببه اهـ نواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والترمذي والنسائي. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2585 - (1119) (40) (حدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا سفيان بن عيينة) الكوفي (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي (رواية) أي حالة كون أبي هريرة راويًا لهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها، ويجوز في ماضيه التثليث والمراد بالرفث هنا -وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة- الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته، ويحتمل أن يكون ما هو أعم منها، وقوله يومًا مفعول صائمًا مقدم عليه والمعنى إذا كان أحدكم صائم يوم من الأيام فلا يرفث أي لا يتكلم الكلام الفاحش كسب الناس وشتمهم والغيبة والنميمة ومراودة النساء (ولا يجهل) أي لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل والبطالة كضرب الناس والمقاتلة والصياح والصخب في الأسواق ونحو ذلك، ولسعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه فلا يرفث ولا يجادل، قال القرطبي: لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم (فإن امرؤ) من الناس (شاتمه) أي شتمه شخص

أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ". 2586 - (1120) (41) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلا الصِّيَامَ. هُوَ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــ من أفراد الناس متعرضًا لمشاتمته (أو قاتله) أي أراد أن يقاتله أي أن يفعل به فعلًا يؤدي إلى القتل يعني إن تهيأ أحد لمشاتمته أو مقاتلته (فليقل) لذلك الشاتم أو القاتل أي فليقل له بلسانه (إني صائم) ليسمعه الشاتم فينزجر عن شتمه أو ليحدّث به نفسه ليمنعها من مجازاة الشاتم ولو جمع بين الأمرين لكان حسنًا، وتكرير (إني صائم) للتأكيد اهـ من المبارق، فإن أصر على قتاله دفعه بالأخف كالصائل والمراد من الحديث أنه لا يعامل بمثل عمله بل يقتصر على قوله إني صائم، ونقل الزركشي أن المراد بقوله فليقل إني صائم مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كفه لسانه عن خصمه، وبقوله بلسانه كف خصمه عنه، وتعقب بأن القول حقيقة باللسان، وأجيب بأنه لا يمنع المجاز اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2586 - (1120) (41) (وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي المدني، ثقة، من (2) (أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (قال) أبو هريرة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عزَّ وجلَّ) في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له) فيه حظ كالرياء والسمعة والعجب مما يحبطه (إلا الصيام) اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولًا وفعلًا (هو) أي صومه خالص (لي) لا يعلم ثوابه المترتب عليه غيري، قيل سبب إضافة الصوم إلى الله تعالى مع كون جميع الطاعات له لأنه لم يعبد به أحد غير الله تعالى، وقيل إن سببها أن الصوم بعيد عن الرياء بخلاف

وَأَنا أَجْزِي بِهِ. فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عنْدَ اللهِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره، وقيل هي إضافة تشريف كقوله تعالى ناقة الله (وأنا أجزي به) أي بالصوم، ولم يذكر ماذا يجزى لكثرته، وإنما قال أنا أجزي مع أن كل جزاء العبادات منه تعالى إشارة إلى عظم ذلك الجزاء لأن الكريم إذا تولى بنفسه الجزاء اقتضى ذلك سعة الجزاء، وقيل خص الله تعالى الصوم لنفسه ليسلم من أن يأخذه الخصوم فإنهم إذا استوفوا أعمال المؤمن من عند الحساب ولم يبق له عمل أخرج له ديوان صومه فيجزى به على ذلك اهـ من المبارق (فو) الله؛ أي أقسمت بالإله (الذي نفس محمد) وروحه (بيده) المقدسة (لخلفة فم الصائم) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام، وفي النهاية بكسر الخاء، والمذكور في القاموس خلوف وخلوفة وهو تغير رائحة الفم، وبابه قعد، وفي رواية لخلوف بضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء، قال القاضي عياض: هذه الرواية الصحيحة، وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء، قال الخطابي: وهو خطأ، واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام اهـ فتح (أطيب عند الله) سبحانه وتعالى يوم القيامة كما في الرواية الآتية أو في الدنيا لحديث "فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله" (من ريح المسك) وفيه إشارة إلى أن رتبة الصوم علية على غيره لأن مقام العندية في الحضرة القدسية أعلى المقامات السنية، وإنما كان الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك لأن الصوم من أعمال السر التي بين الله تعالى وبين عبده ولا يطلع على صحته غيره تعالى فجعل الله رائحة صومه تنم عليه في المحشر بين الناس، وفي ذلك إثبات الكرامة والثناء الحسن له، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم في المحرم: "فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" وفي الشهيد: "يبعث وأوداجه تشخب دمًا تشهد له بالقتل في سبيل الله" ويُبعث الإنسان على ما عاش عليه، قال السمرقندي: يُبعث الزامر وتتعلق زمارته في يده فيلقيها فتعود إليه ولا تفارقه، ولما كان الصالْم يتغير فمه بسبب العبادة والنفوس تكره الرائحة الكريهة في الدنيا جعل الله تعالى رائحة فم الصائم عند الملائكة أطيب من ريح المسك في الدنيا وكذا في الدار الآخرة فمن عَبَدَ الله تعالى وطلب رضاه في الدنيا فنشأ من عمله آثار مكروهة في الدنيا فإنها محبوبة له تعالى وطيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته ولذلك كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة كما ورد في حديث مرسل

2587 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثنَا الْمُغِيرَةُ (وَهُوَ الْحِزَامِيُّ) عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ إرشاد الساري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 273]، والبخاري [1904]، والنسائي [4/ 162 - 163]. قال القرطبي: وقد أخذ الشافعي رحمه الله تعالى من هذا الحديث منع الصائم من السواك من بعد الزوال قال لأن ذلك الوقت مبدأ الخلوف، قال: والسواك يذهبه، وقد أجاز كافة العلماء للصائم أن يتسوك بسواك لا طعم له في أي أوقات النهار شاء، وقوله (أطيب عند الله من ريح المسك) لا يتوهم أن الله تعالى يستطيب الروائح ويستلذها كما يقع لنا من اللذة والاستطابة إذ ذاك من صفات افتقارنا واستكمال نقصنا وهو الغني بذاته الكامل بجلاله وتقدسه على أنا نقول: إن الله يدرك المدركات ويبصر المبصرات ويسمع المسموعات على الوجه اللائق بجماله وكماله وتقدسه عن شبه مخلوقاته وإنما معنى هذه الأطيبيّة عند الله تعالى راجعة إلى أن الله تعالى يثيب على خلوف فم الصائم ثوابًا أكثر مما يثيب على استعمال روائح المسك، حيث ندب الشرع إلى استعماله فيها كالجمع والأعياد وغير ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في حق الملائكة فيستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2587 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9) (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قالا حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام (وهو) القرشي الأسدي (الحزامي) ثقة، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام جُنة) أي سترة ووقاية من النار ومانع من الرفث، ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم، قال القرطبي: هذه اللفظة التي هي الجيم والنون كيف دارت صورها بمعنى السترة كالجن والجنة والجنون والمجن؛ فمعناه أن الصوم سترة فيصح أن

2588 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلِّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ. فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون جُنة بحسب مشروعيته أي ينبغي للصائم أن يعريه مما يفسده ومما ينقص ثوابه كمناقضات الصيام ومعاصي اللسان، وإلى هذه الأمور وقعت الإشارة بقوله (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب) الحديث، ويصح أن يسمى جنة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس، وإليه الإشارة بقوله (ويذر شهوته وطعامه من أجلي) ويصح أن يكون جنة بحسب ثوابه، وإليه التصريح بقوله (من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2588 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) المكي (أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبو محمد اليماني المكي (عن أبي صالح) ذكوان (الزيات) المدني (أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة أبي صالح السمان لسعيد بن المسيب حالة كون أبي هريرة (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عزَّ وجلَّ كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإِنه لي وأنا أجزي به) أي بعمله (والصيام جنة) بضم الجيم أي وقاية من الذنوب في الدنيا، ومن النار في الآخرة، زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد (جنة من النار) وللنسائي من حديث عائشة مثله، ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح (الصيام جنة) ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة، قال الحافظ: وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصوم، وقد حكي عن عائشة وبه قال الأوزاعي إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأفرط ابن حزم فقال: مبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت قولًا أو فعلًا لعموم قوله (فلا يرفث ولا يجهل) ولما

فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ. فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ. فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَللصَّائِم فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورد في بعض الأحاديث: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث) أي لا يفحش في الكلام كالغيبة والنميمة والكذب (يومئذ) أي يوم إذْ كان صوم أحدكم (ولا يسخب) أي لا يصح هكذا هو هنا بالسين ويقال بالسين والصاد من السخب وهو الصياح (فإن سابه) أي شتمه (أحد أو قاتله) أي إن تهيأ أحد لمشاتمته أو مقاتلته، والمسابة والمقاتلة مما لا تكون إلا من اثنين غالبًا ولم تقع هنا إلا من أحدهما لكنه لما عرض أحدهما الآخر لذلك صدق اللفظ عليهما (فليقل) له بلسانه إني صائم ليكف خصمه عنه أو بقلبه ليكف هو عن خصمه، قال النواوي في المجموع: كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى، ولو جمعهما لكان حسنًا، واختلف فيما إذا سب الصائم أحدًا أو اغتابه هل يفسد صومه؟ فالجمهور على أن ذلك ليس بمفسد للصوم، وذهب الأوزاعي إلى أن ذلك مفطر مفسد وبه قال الحسن فيما أحسب (إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم) أي لرائحة فمه المتغيرة، واللام ابتدائية مؤكدة (أطيب عند الله) تعالى (يوم القيامة) أي أكثر أجرًا عند الله يوم القيامة (من ريح) أي من رائحة (المسك) الذي تطيب به في الأوقات التي يندب التطيب به فيه كالجمع والأعياد ومجامع الخير كلها، وقيل هو كناية عن تقريب الله تعالى للصائم من رضوانه وعظيم نعمه لأن التقريب من لوازم ذي الرائحة الطيبة اهـ سنوسي، وقوله (يوم القيامة) يقتضي أن طيب رائحة الخلوف هو في الآخرة، وقد وقع خلاف بين ابن الصلاح والعز بن عبد السلام في أن طيب رائحة الخلوف هل هي في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط فذهب ابن الصلاح إلى الأول وابن عبد السلام إلى الثاني (وللصالم فرحتان) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر أي مرتان من الفرح عظيمتان إحداهما في الدنيا والأخرى في الآخرة كذا في مرقاة ملا علي (يفرحهما) أي. يفرح بهما فحذف الجار توسعًا كقوله تعالى {فَلْيَصُمْهُ} أي فيه (إذا أفطر فرح بفطره) لزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا هو الفرح الطبيعي أو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وفرح

وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". 2589 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك (وإذا لقيَ ربه) في الآخرة (فرح بصومه) أي بجزائه وثوابه أو بلقاء ربه وعلى الاحتمالين فهو مسرور بقبوله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2589 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي سعيد (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة الأعمش لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن أبي صالح (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آم يضاعف) بالبناء للمفعول؛ أي يضاعف جزاؤه وثوابه عند الله تعالى والمراد بالعمل هنا الأعمال الصالحة لأن السيئة لا تضاعف، وقوله (الحسنة) أي جزاء الحسنة الواحدة (عشر أمثالها) مبتدأ وخبر، ولفظ المشكاة كما في الموطإ، ولباس البخاري بعشر أمثالها وهذا أقل المضاعفة وإلا فقد يزاد (إلى سبعمائة ضعف) فما فوقها، زاد ابن ماجه بعد قوله إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله، قال العلامة الزبيدي في شرح الإحياء: في الحديث فوائد؛ الأولى ظاهره يقتضي أن أقل التضعيف عشرة أمثال، وغايته سبعمائة ضعف، وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} فقيل المراد يضاعف هذا التضعيف وهو السبعمائة، وقيل المراد يضاعف فوق السبعمائة لمن يشاء، وقد ورد التضعيف بأكثر من السبعمائة في أعمال كثيرة في أخبار كثيرة أكثر ما جاء فيه ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما

قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ. فَّإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعًا: "من حج من مكة ماشيًا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة كل حسنة مثل حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: بكل حسنة مائة ألف حسنة" وقد أخرجه أيضًا الدارقطني في الأفراد والطبراني في الكبير والبيهقي، والجمع بينه وبين حديث أبي هريرة هذا أنه لم يرد بحديث أبي هريرة انتهاء التضعيف بدليل أن في بعض طرقه بعد قوله إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وفي أخرى إلى ما يشاء الله فهذه الزيادة تبين أن هذا التضعيف يزاد على السبعمائة، والزيادة من الثقة مقبولة على الصحيح. الثانية: قال القاضي أبو بكر بن العربي: قوله إلى سبعمائة ضعف يعني بظاهره الجهاد في سبيل الله ففيه ينتهي التضعيف إلى سبعمائة بنص القرآن، وقد جاء في الحديث الصحيح أن العمل الصالح في أيام العشر أحب إلى الله من الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع قال: فهذان عملان، قال العراقي في شرح الترمذي: وعمل ثالث روى أحمد في مسنده: "النفقة في الحج تضاعف كالنفقة في سبيل الله الدرهم سبعمائة ضعف" قال: وعمل رابع وهو كلمة حق عند سلطان جائر ففي الحديث أنه أفضل الجهاد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد، قال: وعمل خامس وهو ذكر الله فإنه قد ورد (إنه أفضل الجهاد) من حديث أبي الدرداء وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو ومعاذ، ثم ذكر هذه الأحاديث مفصلة فليراجع اهـ فتح الملهم (قال الله عزَّ وجلَّ إلا الصوم) قال البيضاوي: معناه إن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره ولا يحصيه إلا الله تعالى ولذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره (فإنه لي وأنا أجزي به، يدع) الصائم ويترك (شهوته) أي جماعه وما اشتهته نفسه من محظورات الصوم، فيكون قوله (وطعامه) تخصيصًا بعد تعميم كما في المرقاة (من أجلي) أي لأجل طلب رضائي (للصائم فرحتان فرحة عند فطره) بزوال جوعه وعطشه (وفرحة) بجزائه وثوابه (عند لقاء ربه) يوم القيامة (ولخلوف فيه) أي ولرائحة فمه المتغيرة (أطيب عند الله) يوم القيامة (من ريح المسك) قال البيضاوي: والسبب في اختصاص

2595 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما. قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِن الصَّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. إِنَّ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَينِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصوم بهذه المزية أمران؛ أحدهما أن سائر العبادات مما يطلع عليه العباد، والصوم سر بين العبد وبين الله تعالى يفعله خالصًا له ويعامله به طالبًا لرضاه وإلى ذلك الإشارة بقوله (فإنه لي) والآخر أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال واستعمال البدن، والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان، وفيه الصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات وإلى ذلك أشار بقوله يدع شهوته من أجلي اهـ، وقوله (يدع شهوته) المراد بها شهوة الجماع، ويحتمل أن تكون أعم، وفي رواية لأحمد (إنما يذر شهوته) إلى آخره، قال الحافظ: وقد يفهم من الإتيان بصيغة الحصر التنبيه على الجهة التي بها يستحق الصائم ذلك وهو الإخلاص الخاص به حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور لكن المدار في هذه الأشياء على الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودًا وعدمًا، ولا شك أن من لم يعرض في خاطره شهوة شيء من الأشياء طول نهاره إلى أن أفطر ليس هو في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2590 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم مولى بني ضبة أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، من (9) (عن أبي سنان) ضرار بن مرة الشيباني الكوفي، ثقة ثبت، من (6) (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري (رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سنان للأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي صالح (قالا) أي قال كل من أبي هريرة وأبي سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عزَّ وجلَّ يقول إن الصوم) خالص (لي) أي لوجهي فلا يكون لغيري (وأنا أجزي به) لا يطلع على جزائه غيري (أن للصائم فرحتين) أي بشارتين (إذا أفطر فرح)

وَإِذَا لَقِيَ اللهَ فَرِحَ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ". 2591 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَليُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ (وَهُوَ أَبُو سِنَانٍ) بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: وَقَال: "إِذَا لَقِيَ اللهَ فَجَزَاهُ، فَرِحَ". 2592 - (1121) (42) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بزوال جوعه وعطشه (وإذا لقي الله) سبحانه وتعالى (فرح) بجزائه وثوابه (والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم) أي لرائحة فمه المتغيرة (أطيب عند الله) تعالى (من ريح المسك). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 2591 - (00) (00) (وحدثنيه إسحاق بن عمر بن سليط) -بفتح السين وكسر اللام بوزن أمير- (الهذلي) أبو يعقوب البصري، روى عن عبد العزيز بن مسلم في الوضوء، وحماد بن سلمة في الفضائل، وسليمان بن المغيرة في عذاب القبر وفي الزهد، ويروي عنه (م) وأبو زرعة وموسى بن هارون، قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال ابن قانع: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، مات سنة (229) تسع وعشرين ومائتين أو بعدها بسنة (حدثنا عبد العزيز يعني ابن مسلم) القسملي -بفتح القات وسكون المهملة وفتح الميم مخففًا- نسبة إلى محلة بالبصرة، وتسمى القساملة، أبو زيد المروزي، ثقة، من (7) (حدثنا ضرار بن مرة وهو ابن سنان) المذكور في السند السابق، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز بن مسلم لمحمد بن فضيل في رواية هذا الحديث عن أبي سنان (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهم (قال) عبد العزيز (وقال) أبو سنان (إذا لقي الله فجزاه فرح) بجزائه بزيادة لفظة فجزاه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما فقال: 2592 - (1121) (42) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي

(وَهُوَ الْقَطَوَانِيُّ) عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الريَّانُ. يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدَ غَيرُهُمْ. يُقَالُ: أَينَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ. فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبو الهيثم الكوفي (وهو القطواني) -بفتح القاف والطاء- نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني (رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قال) سهل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة بابا يقال له الريان) أي يسمى بهذا الاسم -بفتح الراء وتشديد التحتانية- على وزن فعلان من الري اسم علم على باب من أبواب الجنة، ووجه تسميته به إما لأنه بنفسه ريان لكثرة الأنهار الجارية إليه والأزهار والأثمار الطرية لديه أو لأن من وصل إليه يزول عنه عطش يوم القيامة ويدوم له الطراوة والنظافة في دار المقامة، قال الزركشي: الريان فعلان كثير الري نقيض العطش سمي به لأنه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم واكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه، وقيل لأنه أشق من الجوع لا سيما في شدة الحر إذ كثيرًا ما يصبر على الجوع دون العطش، ثم قيل ليس المراد بهم المقتصرين على رمضان بل يلازمون النوافل من الصوم (يدخل منه الصائمون يوم القيامة) قال السندي: المراد بالصائمين من غلب عليهم الصوم من بين العبادات ولعل غير الصائمين لا يوفق للدخول من هذا الباب وإن دعي منه فمن يدعى من جميع الأبواب لا يوفق للدخول من هذا الباب إلا إذا كان من الصائمين فلا ينافي الحديث حديث الدعوة من جميع الأبواب والله تعالى أعلم. قال ابن الملك: قوله (يدخل منه الصائمون) وهم الذين يكثرون الصوم بملازمة نوافله غير مقتصرين على فرضه لتنكسر أنفسهم وتقوى على التقوى وهم لما تحملوا تعب العطش في صيامهم خصوا بباب فيه الري والأمان من العطش قبل تمكنهم من الجنة اهـ. (لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون) تكرمة لهم (فيدخلون منه فإذا

دَخَلَ آخِرُهُمْ. أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ دخل آخرهم) هكذا وقع في بعض الأصول (دخل آخرهم) وفي بعضها (فإذا دخل أولهم) قال القاضي وغيره: وهو وهم، والصواب فإذا دخل اخرهم (أغلق) ذلك الباب (فلم يدخل منه أحد) بعدهم، كرر نفي دخول غيرهم منه تأكيدًا، وفي هذا الحديث فضيلة الصيام، وكرامة الصائمين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1896]، والترمذي [765]، والنسائي [4/ 168]، وابن ماجه [1640]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والرابع حديث سهل بن سعد الساعدي ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة الثالث والله أعلم. ***

451 - (7) باب فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيا

451 - (7) باب: فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه، وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيًا 2593 - (1122) (43) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنِي اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبيِلِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 451 - (7) باب فضل الصيام في سبيل الله وجواز صوم النفل بنية قبل الزوال وجواز الفطر منه وبيان حكم صوم من أكل أو شرب ناسيًا 2593 - (1122) (43) (وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) المصري (أخبرني الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن) يزيد بن عبد الله (بن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5) (عن سهيل بن أبي صالح) السمان المدني، صدوق، من (6) (عن النعمان بن أبي عياش) بتحتانية ومعجمة زيد بن الصامت بن زيد الأنصاري الزرقي أبي سلمة المدني، ثقة، من (4) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري رضي الله عنه). وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله) يحتمل أن المراد به مجرد إخلاص النية أي في طاعة الله مخلصًا له، ويحتمل أن المراد به أنه صام حالة كونه غازيًا، والثاني هو المتبادر اهـ سندي على النسائي وابن ماجه، وفي فوائد أبي الطاهر الذهلي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوما في سبيل الله) الحديث، قال ابن دقيق العيد: العُرف الأكثر استعمال لفظ في سبيل الله في الجهاد فإن حمل عليه كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين، قال: ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت، والأقرب الأول كما يدل عليه حديث أبي هريرة ولا يعارض ذلك أن الفطر أفضل في الجهاد وأولى لأن الصائم يضعف عن اللقاء فإن الفضل المذكور في حديث الباب محمول على من لم يخش ضعفًا، ولا سيما من اعتاد به فصار ذلك من الأمور النسبية فمن لم يضعفه الصوم فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين اهـ فتح الملهم. والمعنى من صام يومًا الخ

إلا بَاعَدَ اللهُ، بِذلِكَ الْيَوْمِ، وَجْهَهُ عَنِ النارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من جمع بين الصوم ومشقة الغزو أو معناه صام يومًا لوجه الله تعالى اهـ مرقاة (إلا باعد الله) أي أبعد الله (بـ) سبب صوم (ذلك اليوم وجهه) أي وجه الصائم أو ذاته (عن النار) الأخروية (سبعين خريفًا) أي عامًا أي إلا بعده عنها مسافة سبعين عامًا يعني أنه نحاه عنها وعافاه منها، قال ابن الملك: عبّر عن تنحيته بطريق التمثيل ليكون أبلغ لأن من كان بعيدًا عن عدوه بهذا المقدار لا يصل إليه البتة، وأراد بالخريف وهو الفصل الثالث من فصول السنة الأربعة المجموعة في قول بعضهم: ربيع صيف من الأزمان ... خريف شتاء فخذ بياني تمام السنة ذكرًا للجزء وارادة للكل اهـ منه. وأوّل النواوي وغيره المباعدة من النار على المعافاة منها دون أن يكون المراد البعد بهذه المسافة المذكورة في الحديث. [قلت]: لا مانع من الحقيقة على ما لا يخفى، ثم هذا يقتضي إبعاد النار عن وجه الصائم، وفي أكثر الطرق إبعاد الصائم نفسه، فإذا كان المراد من الوجه الذات كما في قوله تعالى {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} يكون معناهما واحدًا وإن كان المراد حقيقة الوجه يكون الإبعاد من الوجه فقط وليس فيه أن يبقى الجسد في النار لتناله إلا أن الوجه كان أبعد من النار من سائر جسده وذلك لأن الصيام يحصل منه الظمأ ومحله الفم لأن الري يحصل بالشرب في الفم كذا في عمدة القاري، وقوله (سبعين خريفًا) والخريف زمان معلوم من السنة، والمراد به هنا العام، وتخصيص الخريف بالذكر دون بقية الفصول الربيع والصيف والشتاء لأن الخريف أزكى الفصول لكونه يجنى فيه الثمار، قال القرطبي: ورد ذكر السبعين لإرادة التكثير كثيرًا اهـ، ويؤيده أن النسائي أخرج الحديث المذكور عن عقبة بن عامر، والطبراني عن عمرو بن عَبَسَة، وأبو يعلى عن معاذ بن أنس فقالوا جميعًا في رواياتهم (مائة عام) وفي بعض الروايات عند ابن عدي (خمسمائة عام) وفي حديث أبي أمامة عند الترمذي (جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض) وفي حديث سلامة بن قيصر عند الطبراني في الكبير بعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرمًا، وأصح الروايات فيها رواية سبعين خريفًا فإنها متفق عليها من حديث أبي سعيد، ويحتمل أن يكون ذلك بحسب اختلاف أحوال الصائمين في كمال الصوم ونقصانه والله تعالى أعلم.

2594 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ سُهَيل، بِهذَا الإِسْنَادِ. 2595 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا النُعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قوله (سبعين خريفًا) أي سنة وهو على جهة المبالغة في البعد عن النار، وكثيرًا ما تجيء السبعون عبارة عن التكثير كما قال تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} و (الخريف) فعيل بمعنى مفتعل أي مخترف وهو الزمان الذي تخترف فيه الثمار اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 83] والبخاري [2840] والترمذي [1622] والنسائي [4/ 173]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2594 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد الجهني المدني (يعني الدراوردي عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد، غرضه بيان متابعة عبد العزيز ليزيد بن الهاد في رواية هذا الحديث عن ليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2595 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة، من (11) (وعبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمد النيسابوري، ثقة، من (10) (قالا حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (وسهيل بن أبي صالح) صدوق، من (6) (أنهما سمعا النعمان بن أبي عياش الزرقي) المدني (يحدّث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا". 2596 - (1123) (44) وحدّثنا أبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيدِ اللهِ. حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بنْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ رضي الله عنها. قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلًّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ! هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ مكي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة ابن جريج ليزيد بن الهاد في رواية هذا الحديث عن سهيل (قال) أبو سعيد (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صام يومًا في سبيل الله) تعالى (باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا) أي عامًا، من إطلاق الجزء وإرادة الكل. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2596 - (1123) (44) (وحدثنا أبو كامل فضيل بن حسين) الجحدري البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا طلحة بن يحيى) بن طلحة (بن عبيد الله) التيمي المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدثتني) عمتي (عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية أم عمران المدنية، أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، كانت فائقة الجمال، روت عن خالتها عائشة أم المؤمنين في الصوم والفضائل والقدر، ويروي عنها (ع) وابن أخيها طلحة بن يحيى بن طلحة وفضيل بن عمرو وابنها طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن وغيرهم، قال ابن معين: ثقة حجة، وقال العجلي: مدنية تابعية ثقة، وذكرها ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن عائشة أم المومنين رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان (قالت) عائشة (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي يومًا من الأيام، فلفظ ذات مقحم أو الإضافة للبيان أي ذاتًا هو يوم (يا عائشة هل عندكم شيء) من طعام، وفي رواية صحيحة: هل عندكم من غداء -بفتح المعجمة والدال المهملة- وهو ما يؤكل قبل الزوال كذا في المرقاة

قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عِنْدَنَا شَيءٌ. قَال: "فَإِنًي صَائِمٌ" قَالتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأُهْدِيَتْ لنَا هَدِيَّةٌ (أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالت) عائشة (فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: فإني صائم) وهذا يدل على جواز نية النفل في النهار وبه قال الأكثرون، وقال مالك وداود: يجب التبييت كما في الفرض لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" وتأول البعض حديث الباب على أن سؤاله: هل عندكم شيء، لكونه كان نوى الصوم من الليل ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك، قال النواوي: وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد، قال الخطابي: في الحديث نوعان من الفقه أحدهما جواز تأخير نية الصوم عن أول النهار إذا كان تطوعًا، والآخر جواز إفطار الصائم قبل الليل إذا كان متطوعًا به، ولم يذكر في الحديث إيجاب القضاء، وكان غير واحد من الصحابة يذهب إلى ذلك منهم ابن مسعود وحذيفة وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يصوم تطوعًا حتى يجمع من الليل، وقال جابر بن زيد: لا يجزئه في التطوع حتى يبيت النية، وقال مالك بن أنس في صوم النافلة: لا أحب أن يصوم أحد إلا أن يكون قد نوى الصيام من الليل اهـ من العون (قالت) عائشة (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من عندنا (فأُهديت لنا) أي أُرسلت لنا من بعض الجيران (هدية أو) قالت (جاءنا زور) والشك من الراوي، والزور هو مصدر بمعنى الزائر كعدل بمعنى العادل أو جمعه كركب وراكب كما في النهاية، قال النواوي: معناه جاءنا زائرون ومعهم هدية أو أُهدي لنا بسببهم هدية اهـ. قال الشيخ أبو الحسن السندي: قوله (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره أنه عطف على (قال إني صائم) فيفيد أنه كان نوى الإفطار في ذلك اليوم، ومفاد الرواية الآتية أن الإفطار كان في يوم آخر، قال النواوي: وهاتان الروايتان حديث واحد، والثانية مفسرة للأولى ومبينة أن القصة في الرواية الأولى كانت في يومين لا في يوم واحد كذا قاله القاضي وغيره اهـ، ولم يبين وجه التوفيق ولعل وجهه أن يقال كلمة فاء العطف بمعنى ثم للدلالة على أن الواقعة الثانية كانت بعد الأولى أي ثم بعد أيام خرج يومًا آخر أو هي بمعناها للدلالة على أن الواقعة كانت بعد الواقعة الأولى بقليل؛ أي فبعد ذلك بقليل من الأيام خرج يومًا آخر، ويمكن أن يقال القصة كانت في يوم واحد، ومرادها بقولها ثم أتانا يومًا آخر أي وقتًا آخر حملًا لليوم على الوقت وهو شائع، ووحدة اليوم كانت سببًا لاهتمام عائشة بما

قَالتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ (أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ) وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيئًا. قَال: "مَا هُوَ؟ " قُلْتُ: حَيسٌ. قَال: "هَاتِيهِ" فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ. ثُمَّ قَال: "قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا". قَال طَلْحَةُ: فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا بِهذَا الْحَدِيثِ فَقَال: ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدقَةَ مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وإنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلت حيث خبأت له شيئًا من الحيس والله أعلم اهـ فتح الملهم (قالت) عائشة (فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى البيت (قلت) له (يا رسول الله أُهديت لنا هدية أو) قالت (جاءنا زور) بفتح الزاي الزوار، ويقع الزور على الواحد والجماعة القليلة والكثيرة قاله النواوي؛ أي جاءنا زائرون ومعهم هدية (وقد خبات) أي أبقيت (لك شيئًا) من تلك الهدية كان محفوظًا عندي لتتناوله، قال القاضي عياض: وفيه نظر المرأة في بيتها وفيما يهدى لها وقسمها على ما تراه من أهل البيت بنظرها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما هو) أي ما الشيء الذي خبأته لي قالت عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم هو (حيس) -بفتح الحاء المهملة وسكون الياء- تمر مخلوط بسمن وأقط، وقيل طعام يتخذ من الزبد والتمر والأقط، وقد يبدل الأقط بالدقيق والزبد بالسمن، وقد يبدل السمن بالزيت، قال الشاعر: التمر والسمن جميعًا والأقط ... الحيس إلا أنه لم يختلط قال الهروي: هو ثريدة من أخلاط اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لي (هاتيه) أي هاتي ذلك الحيس وقربيه إليّ لأتناوله، يقال هات يا رجل أي أعط، وللمرأة هاتي، والمهاتاة مفاعلة منه كذا في الصحاح، قالت عائشة (فجئت به) أي بذلك الحيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأكل) منه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد كنت أصبحت صائمًا) ولكن الآن أفطرت لحاجتي إلى الطعام ففيه جواز الفطر من صوم التطوع وهو قول الجمهور، ولم يجعلوا عليه قضاء إلا أنه يستحب له ذلك، وعن مالك الجواز وعدم القضاء بعذر والمنع وإثبات القضاء بغير عذر، وعن أبي حنيفة يلزمه القضاء مطلقًا ذكره الطحاوي وغيره كذا في الفتح (قال طلحة) بن يحيى (فحدثت مجاهدًا) ابن جبر (بهذا الحديث) الذي سمعته من عمتي عائشة بنت طلحة (فقال) مجاهد (ذاك) الصائم المتطوع (بمنزلة الرجل) الذي (يخرج الصدقة من ماله) ويفصلها عنه ولم يقبضها المحتاج (فإن شاء) ذلك الرجل (أمضاها وإن شاء أمسكها) أي إن شاء ذلك

2597 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَال: "هَلْ عِنْدَكمْ شَيءٌ؟ " فَقُلْنَا: لَا. قَال: "فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ" ثُم أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيسٌ. فَقَال: "أَرِينِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المتصدق أمضى تلك الصدقة ونفذها بإقباضها الفقير وإن شاء أمسكها ولا يقبضها الفقير ويرجعها إلى ماله لأنها لم تخرج عن ملكه فله الإمضاء والإمساك وكذلك الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء أتم وإن شاء أفطر وهذا قول مجاهد في هذه الرواية، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس أنه ضرب لذلك مثلًا كمن ذهب بمال ليتصدق به ثم رجع ولم يتصدق به أو تصدق ببعضه وأمسك بعضه، قال القرطبي: وهذا القياس ليس بصحيح فإن الذي يخرج الصدقة من ماله ولم يعطها للفقير ولم يعينها لم يدخل في عمل يجب إتمامه بخلاف الصائم فإنه قد دخل في عمل الصوم وقد تناوله نهي قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وإنما يدخل في عمل الصدقة بدفعها لمستحقها أو بتعيينها وحينئذ تجب للفقير، ويحرم على مخرجها الرجوع فيها وأخذها منه فأما قبل ذلك فغاية ما عنده نية الصدقة لا الدخول فيها فافترق الفرع من الأصل ففسد القياس اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 257]، وأبو داود [2455]، والترمذي [733]، والنسائي [4/ 195]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2597 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشه بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لعبد الواحد بن زياد (قالت) عائشة (دخل عليّ) في حجرتي (النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال) لي (هل عندكم شيء) من الطعام (فقلنا لا) أي ليس عندنا شيء (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فإني إذن) أي إذ ليس عندكم طعام (صائم) أي ناوٍ للصوم (ثم أتانا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يومًا آخر فقلنا يا رسول الله أُهدي لنا حيس) فخبأنا لك شيئًا منه فهل نعطيكه (فقال أرينيه) أمر

فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا" فَأَكَلَ. 2598 - (1124) (45) وحدّثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامِ الْقُرْدُوسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَن نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ للمؤنث من الإراءة، وفي رواية أدنيه وأرنيه كناية عنها لأن ما يكون قريبًا يكون مرئيًا ذكره الطيبي (فـ) والله (لقد أصبحت صائمًا) قال القاري: أي مريدًا للصوم في الصباح، وقال بعضهم: المراد بالصوم اللغوي ومعناه لم آكل بعد شيئًا، وقال ابن الملك: أي كنت نويت الصوم في أول النهار، قال القاري: وهو مخالف للمذهب فيحتاج إلى تأويل وتقدير عذر. وتقدم بيان الخلاف فيه (فأكل) الحيس وأفطر. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [6/ 49]، والترمذي [734]، والنسائي [4/ 194 - 195]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2598 - (1124) (45) (وحدثني عمرو بن محمد) بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية الأسدي البصري (عن هشام) بن حسان الأزدي (القردوسي) البصري، وقد روى هذا الحديث البخاري في الصيام من طريق يزيد بن زريع عن هشام عن ابن سيرين، ولم ينسبه فظن الحافظ رحمه الله تعالى أنه هشام الدستوائي فقال: أي هشام بن أبي عبد الله أبو بكر البصري، والظاهر أنه وهم والله أعلم اهـ فتح الملهم (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نسي) صومه (وهو) أي والحال أنه (صائم) أي ناو للصوم في الليل في الفرض أو في أول النهار في النفل (فأكل أو شرب) وكذا الجماع على قوله (فليتم صومه) قال النواوي: فيه دلالة لمذهب الأكثرين أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيًا لا يفطر، وممن قال بهذا الشافعي وأبو حنيفة وداود وآخرون، وقال ربيعة ومالك: يفسد صومه وعليه القضاء دون الكفارة، وقال

فَإنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عطاء والأوزاعي والليث: يجب القضاء في الجماع دون الأكل، وقال أحمد: يجب في الجماع القضاء والكفارة ولا شيء في الأكل، وقال ابن دقيق العيد: ذهب مالك ومن وافقه إلى إيجاب القضاء على من أكل أو شرب ناسيًا وهو القياس فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات والقاعدة أن النسيان لا يؤثر في المأمورات، قال القرطبي: وأيضًا إن الذي تعرض في الحديث سقوط المؤاخذة عمن أفطر ناسيًا، والأمر بمضيه على صومه وإتمامه فأما القضاء فلا بد له منه إذ المطلوب صيام يوم تام لا يقع فيه خرم ولم يأت به فهو باق عليه هذا عذر أصحابنا عن هذا الحديث الذي جاء بنص صحيح مسلم، وفي كتاب الدارقطني: لهذا الحديث مساق أنص من هذا عن أبي هريرة مرفوعًا قال (إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه) رواه الدارقطني [2/ 178] قال الدارقطني في إسناده: إسناد صحيح وكلهم ثقات، وفي طريق آخر له (من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة) وهو صحيح أيضًا، وهذه النصوص لا تقبل ذلك الاحتمال والشأن في صحتها فإن صحت وجب الأخذ بها وحُكم بسقوط القضاء اهـ من المفهم (فإنما أطعمه الله) تعالى (وسقاه) يعني أنه لما أفطر ناسيًا لم ينسب إليه من ذلك الفطر شيء وتمحضت نسبة الإطعام والسقي إلى الله تعالى إذ هو فعله ولذلك قال في بعض رواياته (فإنما هو رزق ساقه الله إليه) قال الحافظ رحمه الله تعالى: وفي الحديث لطف الله بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهم، وقد روى أحمد لهذا الحديث سببًا فأخرج من طريق أم حكيم بن دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت أنها كانت صائمة فقال لها ذو اليدين: الآن بعد ماشبعت! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتمي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك" وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيره، ومن المستظرفات ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: أن إنسانًا جاء إلى أبي هريرة فقال: أصبحت صائمًا فنسيت فطعمت؟ ! فقال أبو هريرة: لا بأس، قال: ثم دخلت على إنسان فنسيت فطعمت وشربت، قال: لا بأس الله أطعمك وسقاك، ثم قال: دخلت على إنسان آخر فنسيت فطعمت، فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعود الصيام اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6669]، وأبو داود [2398]، والترمذي [721]، وابن ماجه [1673].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله تعالى أعلم. ***

452 - (8) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم

452 - (8) باب: كيف كان صوم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم 2599 - (1125) (46) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريع، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ؟ قَالتْ: وَاللهِ، إِنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ. حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ. وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 452 - (8) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع وكراهية سرد الصوم وبيان أفضل الصوم 2599 - (1125) (46) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) التيمي أبو معاوية البصري (عن سعيد) بن إياس (الجريري) بضم الجيم أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3) (قال) ابن شقيق (قلت لعائشة رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد نيسابوري (هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا معلومًا) أي معينًا كاملًا (سوى رمضان) أي غير رمضان (قالت) عائشة (والله إن صام) أي ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم (شهرًا معلومًا) فإن نافية بمعنى ما أي ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملًا معينًا (سوى رمضان) ويأتي الجواب عما ظاهره أنه صام شعبان كله، قال العلماء: وإنما لم يستكمل صوم غير رمضان لئلا يعتقد وجوبه (حتى مضى لوجهه) وفي الرواية التالية: حتى مضى لسبيله، وكلاهما كناية عن الموت أي إلى أن مات، وفيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم بعث لأداء الرسالة فلما أداها مضى إلى مأواه ومستقره اهـ فتح (ولا أفطره) أي ولا أفطر شهرًا كاملًا (حتى يصيب منه) أي حتى يصوم منه، قال النواوي: فيه استحباب أَنْ لا يَخْلُ شهر عن صوم، قال عياض: وفيه أن صوم النفل غير مختص بوقت، بل السنة كلها وقت له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 189]، والبخاري [1970]، والترمذي [768]، والنسائي [4/ 199]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2600 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: قُلْت لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: أكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالتْ: مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إلا رَمَضَانَ. وَلَا أَفْطَرَهُ كلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ. حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 2601 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ (قَال حَمَّادٌ: وَأَظُنُّ أَيُّوبَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ) قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2600 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا كهمس) بن الحسن البصري (عن عبد الله بن شقيق) البصري (قال) عبد الله (قلت لعائشة رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته، رجاله كلهم بصريون إلا عائشة، غرضه بيان متابعة كهمس لسعيد الجريري (أكان) أي هل كان (رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا كله قالت) عائشة (ما علمته) صلى الله عليه وسلم (صام شهرًا كله إلا رمضان، ولا أفطره) أي ولا أفطر شهرًا (كله حتى يصوم منه) أي من ذلك الشهر الذي أفطر فيه أي بعضه (حتى مضى لسبيله صلى الله عليه وسلم) غاية لعلمته وهو كناية عن الموت كما مر آنفًا، واللام في لسبيله مثلها في قولك لقيته لثلاث بقين من الشهر تريد مستقبلًا لثلاث؛ أي كان حاله ما ذكر إلى أن مات اهـ فتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 2601 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم البصري (عن أيوب) السختياني البصري (وهشام) بن حسان القردوسي البصري كلاهما (عن محمد) بن سيرين البصري (عن عبد الله بن شقيق) البصري (قال حماد) بن زيد في روايته (وأظن أيوب) السختياني (قد سمعه) أي قد سمع هذا الحديث (من عبد الله بن شقيق) بلا واسطة محمد (قال) عبد الله بن شقيق (سألت عائشة رضي الله عنها عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم) تطوعًا أي سألته هل يصوم

فَقَالتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ. قَدْ صَامَ. ويفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ. قَدْ أَفْطَرَ. قَالتْ: وَمَا رَأَيتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ. 2652 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ. قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الإِسْنَادِ هِشَامًا وَلَا مُحَمَّدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهر الكامل أو بعضه وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن سيرين لكهمس بن الحسن في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن شقيق (فقالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم (يصوم) التطوع (حتى نقول) نحن معاشر نسائه وخاصته (قد صام قد صام) صلى الله عليه وسلم أي واظب وداوم على الصيام فلا يفطر (ويفطر حتى نقول قد أفطر قد أفطر) أي واظب على الإفطار فلا يصوم، قال القرطبي: ومعنى هذا الكلام أنه كان يصوم متطوعًا فيكثر ويوالي حتى تتحدث نساؤه وخاصته بصومه ويفطر كذلك، ومثل هذا حديث ابن عباس الآتي (كان يصوم حتى يقول القائل لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل لا يصوم) وبمثل هذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه فقال: "بل أصوم وأفطر وأقوم وأنام فمن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه من حديث أنس (قالت) عائشة (وما رأيته) صلى الله عليه وسلم (صام شهرًا كاملًا منذ قدم المدينة) أي بعد أن قدم المدينة ولا قبله وما كان فرض رمضان إلا بعد الهجرة بسنة فهو قيد لا مفهوم له (إلا أن يكون) الشهر (رمضان). ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة فقال: 2602 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (حدثنا حماد) بن زيد البصري (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتيبة لأبي الربيع الزهراني، وساق قتيبة (بمثله) أي بمثل ما حدّث أبو الربيع (و) لكن (لم يذكر) قتيبة (في الإسناد هشامًا) ابن يحيى (ولا محمدًا) ابن سيرين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال:

2603 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. وَمَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلا رَمَضَانَ. وَمَا رَأَيتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2603 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي المدني مولاهم (مولى عمر بن عبيد الله) التيمي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف المدني (عن عائشة أم المومنبن رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أنها) أي أن عائشة (قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم) النفل متتابعًا في بعض الأحيان أي يوالي بين صوم التطوع (حتى نقول) معاشر نسائه وخواصه (لا يفطر) أبدًا ولا يترك الصوم، قال التوربشتي: الرواية في نقول بالنون، وقد وجد في بعض النسخ بالتاء على الخطاب كأنها تقول أنت أيها السامع لو أبصرته اهـ فتح الملهم (وبفطر) على التوالي في بعض الأحيان (حتى نقول لا يصوم) أي لا يريد أن يصوم ففي هذا وغيره من الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يصم الدهر كله وكأنه ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة وهو بهم رؤوف رحيم، وإن كان قد أعطي من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى فصام وأفطر وقام ونام وطوبى لمن اقتدى به في ذلك اهـ فتح. (وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر) من شهور السنة (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية من عمره (إلا رمضان وما رأيته) صلى الله عليه وسلم (في شهر) من الشهور (أكثر) مفعول ثان لرأيت والضمير في (منه) عائد له صلى الله عليه وسلم (صيامًا) تمييز (في شعبان) متعلق بصيام، والمعنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شعبان، وفي غيره من الشهور سوى رمضان، وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه، وأرادت بقولها في شهر غير شعبان أي ما رأيته كائنًا في غير شعبان أكثر صيامًا منه كائنًا في شعبان اهـ من المرقاة.

2604 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَال: سَألْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ: كَانَ يَصُومُ حَتّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ. ويفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ. وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ. كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلا قَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2604 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن) سفيان (بن عيينة) الكوفي (قال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن) عبد الله (بن أبي لبيد) بفتح اللام مولى الأخنس بن شريق أبي المغيرة المدني العابد، ثقة، من (6) وفي بعض النسخ عن أبي أسد وهو تحريف من النساخ (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن أبي لبيد لأبي النضر في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (فقالت) عائشة (كان) صلى الله عليه وسلم (يصوم) التطوع متتابعًا (حتى نقول) معاشر أهل بيته (قد صام) أي واظب على الصيام ولا يفطر (ويفطر) متواليًا (حتى نقول قد أفطر) أي داوم على الإفطار ولا يصوم (ولم أره) صلى الله عليه وسلم (صائمًا من شهر قط كثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله) أي معظمه، وقوله كان يصوم شعبان إلا قليلًا) جملة مفسرة لما قبلها، قال الحافظ: وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره أنه كان لا يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان يصله برمضان أي كان يصوم معظمه، ونقل الترمذي رحمه الله تعالى عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره، قال الترمذي: كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها، وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال، واستبعده الطيبي قال: لأن الكل تأكيد

2605 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. وَكَانَ يَقُولُ: "خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ. فَإِن اللهَ لَنْ يَمَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لإرادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له، قال الزرقاني في شرح المواهب: لكن الاستبعاد لا يمنع الوقوع لأن الحديث يفسر بعضه بعضا لا سيما والمخرج متحد وهو عائشة وهي من الفصحاء وقد نقله ابن المبارك عن العرب ومن حفظ حجة، وقال الطيبي جمعًا بين الحديثين: فيحتمل أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان، وقيل المراد بقوله كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورًا فلا يخلي شيئًا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض، وقيل غير ذلك والأول هو الصواب اهـ فتح الملهم باختصار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها سادسًا فقال: 2605 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله البصري (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليامي (حدثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (عن عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن أبي لبيد (قالت) عائشة (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صيامًا منه) أي من صيامه (في شعبان وممان يقول خذوا من الأعمال) الصالحة (ما تطيقون) الدوام عليه بلا ضرر مع اجتناب التعمق في جميع أنواع العبادات، وقد تقدم شرح هذه القطعة من الحديث وبيانها واضحًا في باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره من كتاب الصلاة قبيل باب القراءة وأحاديث القرآن فليراجع، قال الحافظ: ومناسبة ذلك للحديث الإشارة إلى أن صيامه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يتأسى به فيه إلا من أطاق ما كان يطيق، إذ من أجهد نفسه في شيء من العبادة خشي عليه أن يمل فيفضي إلى تركه، والمدوامة على العبادة وإن قلَّت أولى من جهد النفس في كثرتها إذا انقطعت فالقليل الدائم أفضل من الكثير المنقطع غالبًا (فإن الله) سبحانه وتعالى (لن يمل) بفتح الميم أي لا يعرض عنكم ولا يقطع الإقبال عليكم بالرحمة أو لا يترك إثابتكم

حَتَّى تَمَلُّوا". وَكَانَ يَقُولُ: "أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى اللهِ مَا دَاوَمَ عَلَيهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ قَلَّ". 2606 - (1126) (47) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزهْرَانيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما. قَال: مَا صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيرَ رَمَضَانَ. وَكَانَ يَصُومُ، إِذَا صَامَ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا، وَاللهِ لَا يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ، إِذَا أَفْطَرَ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا، وَاللهِ! لَا يَصُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ على العمل، وقد تقدم شرحه مبسوطًا في كتاب الصلاة (حتى تملوا) عن العمل وتكسلوا عنه وتتركوه (وكان) صلى الله عليه وسلم (يقول أحب العمل إلى الله) سبحانه وتعالى أي عنده تعالى وأكثره ثوابًا (مما داوم عليه) وواظب (صاحبه) عليه (وإن قل) ذلك العمل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 2606 - (1126) (47) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن أبي بشر) جعفر بن إياس، ويقال فيه جعفر بن أبي وحشية اليشكري البصري ثم الواسطي، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة تابعي، من (3) (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم واسطيان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد بصري، وفيه التحديث والعنعنة (قال) ابن عباس (ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملًا قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية من عمره (غير رمضان وكان يصوم) التطوع أي يوالي الصوم (إذا صام حتى يقول القائل) من المطلعين على صومه (لا والله لا يفطر) أي لا يريد الإفطار، كرر لا لتأكيد النفي (ويفطر) أي يواظب على الإفطار (إذا أفطر) في بعض الأحيان ولا يصوم (حتى يقول القائل) منهم (لا والله لا يصوم) أي لا يعود إلى الصوم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 271]، والبخاري [1971] والنسائي [4/ 199]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

2607 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أبِي بِشْرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: شَهْرًا مُتَتَابِعًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. 2608 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَارِيُّ. قَال: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ؟ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي رَجَبٍ. فَقَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 2607 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصريان (عن غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي بشر) جعفر بن إياس البصري أي روى شعبة عن أبي بشر (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن أبي بشر (و) ولكن (قال) شعبة في روايته (شهرًا متتابعًا) بدل "شهرًا كاملًا" مع زيادة (منذ قدم المدينة) وكذا قبل قدومه المدينة، وهذا قيد لا مفهوم له كما مر لأن رمضان إنما فرض في الثانية من الهجرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2608 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي حدثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف مصغرًا (الأنصاري) الأوسي أبوسهل المدني ثم الكوفي، ثقة، من (5) (قال سألت سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن) فضل (صوم) شهر (رجب) كله (ونحن يومئذ) أي يوم إذ سألته (في) شهر (رجب فقال) سعيد بن جبير (سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس، غرضه بيان متابعة عثمان بن حكيم لأبي بشر في الرواية عن سعيد بن جبير، وقوله (عن صوم رجب) في المواهب اللدنية وشرحه: أما شهر رجب بخصوصه وقد قال بعض الشافعية إنه أفضل من

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سائر الشهور وضعفه النواوي وغيره فلم يعلم أنه صلى الله عليه وسلم صامه بل روى عنه من حديث ابن عباس رضي الله عنه مما صح وقفه على ابن عباس أنه نهى عن صيامه. رواه ابن ماجه بإسناد قال الذهبي: لا يصح، فيه راو ضعيف متروك لكن في سنن أبي داود من حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها فيندب صومه اهـ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم) في بعض الأحيان متواليًا (حتى نقول لا يفطر) أبدًا (ويفطر) على التوالي (حتى نقول لا يصوم) أبدًا، والظاهر أن مراد سعيد بهذا الاستدلال على أنه لا نهي عنه ولا ندب فيه بعينه بل له حكم باقي الشهور إذ لم يثبت في صومه نهي ولا ندب بعينه، وإن كان أصل الصوم مندوبًا إليه، نعم حديث الباهلي قبله قد يقتضي ندب الصوم منه، وفي اللطائف لابن رجب الحنبلي: روى الكناني الدمشقي الإمام المحدّث بإسناده أن عروة بن الزبير قال لعبد الله بن عمر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في رجب؟ قال: نعم، ويشرفه. أي يذكر فيه فضلًا قالها ثلاثًا. أخرجه أبو داود وغيره من طريق حجاج بن منهال به وعن أبي قلابة قال: إن في الجنة قصرًا لصوام رجب، قال البيهقي: أبو قلابة هذا من كبار التابعين لا يقوله إلا عن بلاغ، قال ابن رجب: وهذا أصح ما ورد فيه، وهذا كما قال غيره لا يقتضي صحته لأنهم يعبرون بمثل ذلك في الضعيف كما يقولون أمثل ما في الباب هذا، وإن صح عن أبي قلابة فهو مقطوع إذ المقطوع قول التابعي وفعله، وعند البيهقي عن أنس مرفوعًا (إن في الجنة نهرًا يقال له رجب أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل من صام يومًا من رجب سقاه الله تعالى من ذلك النهر) ضعفه ابن الجوزي وغيره. وصرح الحافظ وغيره بأنه لم يثبت في صومه حديث صحيح، وحكى ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني أنه قال: لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة، والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه أن عمر كان يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول: كلوا، فإنما هو شهر كان تعظمه الجاهلية اهـ من فتح الملهم.

2609 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِهِ. 2610 - (1128) (48) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أبِي خَلَفٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثنَا بَهْزٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2609 - (00) (00) (وحدثنيه علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي، ثقة، من (15) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أخو إسرائيل، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (كلاهما) أي كل من علي بن مسهر وعيسى بن يونس رويا (عن عثمان بن حكيم في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (بمثله) أي بمثل ما روى عبد الله بن نمير عن عثمان بن حكيم، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة علي بن مسهر وعيسى بن يونس لعبد الله بن نمير في رواية هذا الحديث عن عثمان بن حكيم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 2610 - (1128) (48) (وحدثني زهير بن حرب و) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد السلمي البغدادي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار التميمي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب (ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (واللفظ له حدثنا بهز) بن

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ حَتَّى يُقَال: قَدْ صَامَ، قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَال: قَدْ أَفْطَرَ، قَدْ أَفْطَرَ. 2611 - (1129) (49) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ وَهْبٍ، يُحَدِّثُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد) بن سلمة (حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه) وهذا السند أيضًا من خماسياته رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة بهز لروح بن عبادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم) في بعض الأحيان على التوالي (حتى يقال قد صام قد صام) أي واظب على الصوم ولا يفطر (ويفطر) في بعضها على التوالي (حتى يقال قد أفطر قد أفطر) أي واظب على الإفطار ولا يصوم، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: 2611 - (1129) (49) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (قال سمعت عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (يحدّث عن يونس) بن يزيد الأيلي المصري (عن ابن شهاب) المدني (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سعيد بن المسيب) بن حَزْن القرشي المخزومي المدني، ثقة، من (2) (وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (أن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار كذلك والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي، وقوله (أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة) قال النواوي: قد جمع مسلم طرق هذا الحديث فأتقنها وقال

قَال: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللَّيلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ، مَا عِشْتُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "آنْتَ الذِي تَقُولُ ذلِكَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ: رواه جماعة من الكوفيين والبصريين والشاميين عن عبد الله بن عمرو مطولًا ومختصرًا فمنهم من اقتصر على قصة الصلاة، ومنهم من اقتصر على قصة الصيام، ومنهم من ساق القصة كلها ولم أره من رواية أحد من المصريين عنه مع كثرة روايتهم عنه (قال) عبد الله بن عمرو (أُخبر) بالبناء للمجهول و (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مفعول أول نائب عن الفاعل، وجملة أن في قوله (أنه يقول) في تأويل مصدر منصوب على أنه مفعول ثاني لأخبر أي أخبر قول عبد الله والله (لأقومن الليل) كله بالصلاة فلا أنام (ولأصومن النهار) كله فلا أفطر (ما عشت) في الدنيا أي مدة معاشي وحياتي، وفي الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة لنكتة الإبهام، والذي أخبره هو والده عمرو بن العاص رضي الله عنه فقد روى البخاري في فضائل القرآن من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، وكان يتعاهدها، فسألها عن بعلها، فقالت: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "القني" فلقيته بعد، فذكر الحديث. زاد النسائي وابن خزيمة وسعيد بن منصور من طريق أخرى عن مجاهد فوقع على أبي فقال: زوجتك امرأة فعضلتها وفعلت وفعلت، قال: فلم ألتفت إلى ذلك لما كانت لي من القوة، فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "القني به" فأتيته معه، ولأحمد من هذا الوجه: ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني، وسيأتي في الباب من طريق أبي المليح عن عبد الله بن عمرو قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي فدخل عليّ، فألقيت له وسادة، ومن طريق أبي العباس عنه فإما أرسل إليّ وإما لقيته، قال الحافظ: ويجمع بينهما بأن يكون عمرو توجه بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه من غير أن يستوعب ما يريد من ذلك ثم أتاه إلى بيته زيادة في التأكيد اهـ فتح الملهم، فمعنى قوله أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: لأقومن الليل، ولأصومن النهار ما عشت، أي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر قوله ذلك وحلفه بالله تعالى على سرد القيام والصيام مدة حياته، وفي قوله أنه يقول عدول عن التكلم (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فدعاني، فقال لي (آنت) بهمزة الاستفهام التقريري

فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتهُ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ. فَصُمْ وَأَفْطِرْ. وَنَمْ وَقُمْ. وَصُمْ مِنَ الشهْرِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ. فَإِن الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَذلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ" قَال: قُلْتُ: فَإِني أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "صُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي هل أنت (الذي تقول ذلك) الذي أخبرته عنك من سرد القيام وسرد الصيام، قال عبد الله (فقلت له) صلى الله عليه وسلم نعم (قد قلته) أي قد قلت الخبر الذي بلغك مني (يا رسول الله فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك) يا عبد الله (لا تستطيع) ولا تقدر (ذلك) الذي قلته من قيام الليل وصيام النهار ما عشت، يحتمل أن يريد به الحالة الراهنة لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يكلف نفسه بذلك ويدخل به عليها المشقة ويفوت به ما هو أهم من ذلك، ويحتمل أن يريد به ما سيأتي بعد إذا كبر وعجز كما اتفق له سواء وكره أن يوظف على نفسه شيئًا من العبادة ثم يعجز عنه فيتركه لما تقرر من ذم من فعل ذلك، والفاء في قوله (فصم) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا كان الأمر كذلك وأردت بيان ما هو الأصلح لك فأقول لك صم في بعض الأيام (وأفطر) في بعضها، وفي هذا إشارة إلى صوم نبي الله داود - عليه السلام - (ونم) بفتح النون أمر من النوم أي نم في بعض أوقات الليل (وقم) بضم القاف أمر من قام بالليل لأجل العبادة أي قم وصل في بعض ساعات الليل، قال العيني: وفي الحديث تفقد الإمام أمور رعيته كلياتها وجزئياتها وتعليمهم ما يصلحهم، وفيه أن من تكلف الزيادة وتحمل المشقة على ما طُبع عليه يقع له الخلل في الغالب وربما يغلب ويعجز، وفيه الحض على ملازمة العبادة كأنه قال له: اجمع بين المصلحتين فلا تترك حق العبادة، ولا المندوب بالكلية، ولا تضيع حق نفسك وأهلك وزورك (وصم من الشهر ثلاثة أيام) وهذا بيان لما أجمل في قوله صم وأفطر (فإن الحسنة) الواحدة تجزئ (بعشر أمثالها وذلك) أي صيامك من كل شهر ثلاثة أيام (مثل صيام الدهر) والسنة أي حكمًا لا حسًّا، قال الحافظ: وهذا يقتضي أن المثلية لا تستلزم التساوي من كل جهة لأن المراد بها هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل بالفعل ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازًا (قال) عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فإني أطيق أفضل من ذلك) أي أكثر من صيام ثلاثة أيام من كل شهر (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (صم

يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَينِ" قَال: قُلْتُ: فَإِني أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا. وَذلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ) وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَام" قَال: قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ". قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامَ الَّتِي قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي ـــــــــــــــــــــــــــــ يومًا وأفطر يومين) بالإفراد في الأول والتثنية في الآخر، وفي رواية حسين المعلم في الأدب فصم من كل جمعة ثلاثة أيام، وفي رواية أبي المليح الآتية أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام قال: قلت: يا رسول الله! قال: "خمسًا" قلت: يا رسول الله! قال: "سبعًا" قلت: يا رسول الله! قال: "تسعًا" قلت: يا رسول الله! قال: "إحدى عشرة" (قال) عبد الله (قلت فإني أطيق أفضل من ذلك) أي من صيام يوم وإفطار يومين (يا رسول الله قال: صم يومًا وأفطر يومًا وذلك) أي صيام يوم وإفطار يوم (صيام داود عليه السلام وهو أعدل الصيام) وهذا يقتضي ثبوت الأفضلية له مطلقًا، ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة (قال قلت فإني أطيق أفضل من ذلك) أي أكثر من صوم يوم وإفطار يوم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) صوم (أفضل من ذلك) أي من صوم يوم وإفطار يوم فهو أفضل من صوم الدهر كما قاله المتولي وغيره، ويترجح من حيث المعنى بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق وبأن من اعتاده لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل، وتقل رغبته وحاجته إلى الطعام والشراب نهارًا ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يومًا ويفطر يومًا فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر، وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم: أنه أشق الصوم ويأمن مع ذلك من تفويت الحقوق (قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما) بالسند السابق أي بعد ما كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه (لأن كون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ من أهلي ومالي) قال النواوي: معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله لعجزه ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له فتمنى أن لو قبل الرخصة فأخذ بالأخف. [قلت] ومع عجزه وتمنيه الأخذ بالرخصة لم يترك العمل بما التزمه بل

2612 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ الرُّومِيُّ. حَدَّثنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ) حَدَّثَنَا يَحْيَى قَال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ حَتَّى نَأْتِيَ أَبَا سَلَمَةَ. فَأَرْسَلْنَا إِلَيهِ رَسُولًا. فَخَرَجَ عَلَينَا. وَإِذَا عِنْدَ بَابِ دَارِهِ مَسْجِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ صار يتعاطى فيه نوع تخفيف كما في بعض الروايات، وكان عبد الله حين ضعف وكبر يصوم تلك الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعضٍ، ثم يفطر بعدد تلك الأيام فيقوى بذلك، وكان يقول: لأن أكون قبلت الرخصة أحب إليّ مما عدل به لكنني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره كذا في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 198]، والبخاري [1974]، وأبو داود [1389]، والترمذي [770] والنسائي [4/ 209 و 215]، وابن ماجه [1712]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2612 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن محمد الرومي) أي المعروف بابن الرومي أبو محمد اليمامي، نزيل بغداد، قال أحمد بن محمد بن بكر: مات في رجب سنة ست وثلاثين ومائتين (236) روى عن النضر بن محمد في الإيمان والصوم وغيرهما، ويروي عنه (م) وأبو يعلى والسراج، قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، وتقدمت ترجمته في كتاب الإيمان (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي- بالجيم المضمومة والشين المعجمة- الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمهْ وهو ابن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، وثقه ابن معنى والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (5) يغلط وكان مجاب الدعوة، روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (قال) يحيى (انطلقت أنا وعبد الله بن يزيد) مولى الأسود بن سفيان المخزومي الأعور المدني أبو عبد الرحمن المقرئ من شيوخ مالك، ثقة، من (6) أي ذهبنا من بيوتنا (حتى نأتي أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أي حتى أتيناه ووصلنا إلى داره ووقفنا جنبها ولم ندخل عليه (فأرسلنا إليه) وهو في بيته (رسولًا) ليخرج إلينا (فخرج) من بيته (علينا وإذا) فجائية واقعة في جواب بينما المقدر، وقوله (عند باب داره مسجد) جواب بينما والتقدير وبينما نحن واقفون عند داره

قَال: فَكُنَّا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى خَرَجَ إِلَينَا. فَقَال: إِنْ تَشَاؤُوا، أَنْ تَدْخُلُوا، وَإِنْ تَشَاؤُوا، أَنْ تَقْعُدُوا ههُنَا. قَال: فَقُلْنَا: لَا. بَلْ نَقْعُدُ ههُنَا. فَحَدِّثْنَا. قَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما. قَال: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيلَةٍ. قَال: فَإمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأتَيتُهُ. فَقَال لِي: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيلَةٍ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ فاجأنا رؤية مسجد عند باب داره (قال) يحيى فدخلناه (فكنا في المسجد حتى خرج إلينا) أبو سلمة (فقال) أبو سلمة (إن تشاؤوا) أي إن شئتم (أن تدخلوا) معنا البيت فادخلوا (وإن تشاؤوا) أي وإن شئتم (أن تقعدوا ها هنا) أي في المسجد فاقعدوا (قال) يحيى (فقلنا) لأبي سلمة (لا) ندخل البيت (بل نقعد ها هنا) أي في المسجد (فحدثنا) بصيغة الأمر المسند إلى المخاطب أي جئناك لنأخذ منك الحديث فحدّثنا ما عندك من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ (قال) لنا أبو سلمة (حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (قال) عبد الله بن عمرو (كنت أصوم الدهر) كله يعني كل يوم (فإن قلت) ما الفرق بين صيام الدهر وصيام الوصال (قلت) هما حقيقتاه مختلفان فإن من صام يومين أو أكثر ولم يفطر ليلتهما فهو مواصل وليس هذا صوم الدهر ومن صام عمره وأفطر جميع لياليه فهو صائم الدهر وليس بمواصل، والله أعلم بالصواب كذا في عمدة القاري (وأقرأ القرآن) أي أختمه (كل ليلة قال) عبد الله (فإما ذكرت) أنا بالبناء للمجهول أي ذكر بعض الناس حالي وعملي (للنبي صلى الله عليه وسلم) فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي (واما أرسل إليّ) فدعاني (فأتيته) صلى الله عليه وسلم قال السندي: لا يخفى أنه لا تقابل بين الأمرين على ظاهره فيحتمل أن يقدر فيه أي ذكرت له صلى الله عليه وسلم فأتاني أو أرسل إليّ، والأقرب أن بعض التصرفات قد وقع من الرواة سهوًا والله تعالى أعلم اهـ، والأولَى ما يأتي في رواية ابن رافع (فإما أرسل إليّ وإما لقيته) فإن اللقاء لا يستدعي الإرسال، ويأتي في رواية يحيى بن يحيى (ذكر له صومي فدخل) الخ (فقال لي ألم أُخبر) بهمزة الاستفهام التقريري وهو حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده ثبوته واخبر على صيغة المجهول المسند إلى المتكلم وحده والمعنى قد أخبرت (أنك تصوم الدهر) أي كل يوم (وتقرأ القرآن) كله (كل ليلة) قال عبد الله (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (بلى) حرف جواب في النفي فيكون إثباتًا أي

فَقُلْتُ: بَلَى. يَا نَبِيَّ اللهِ! وَلَمْ أُرِدْ بِذلِكَ إلا الْخَيرَ. قَال: "فَإِن بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثةَ أَيَّامٍ" قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيكَ حَقًّا. وَلِزَوْرِكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَقًّا" قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأمر كما أخبرت (يا نبي الله ولم أرد بذلك) العمل (إلا الخير) أي إلا رضا الله تعالى، لا تفويت حق من الحقوق التي عليّ، وفيه جواز تحدث المرء بما عزم عليه من فعل الخير فـ (قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمِّل نفسك ما لا تطيق (فإن بحسبك) الباء زائدة في اسم إن أو خبرها مقدمًا، وجملة (أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام) خبرها أو اسمها مؤخرًا، والمعنى على الأول فإن كافيك عن ذلك صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وعلى الثاني فإن صوم ثلاثة أيام من كل شهر كافيك عن ذلك (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك) أي أكثر من المذكور من صوم ثلاثة أيام من كل شهر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فإن لزوجك) وأهلك (عليك حقًّا) فلا ينبغي لأحد أن يُجهد نفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب، واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته، فقال مالك إن كان بغير ضرورة أُلزم به أو يُفرّق بينهما، ونحوه عن أحمد، والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه، وقيل يجب مرة، وعن بعض السلف في كل أربع ليلة، وعن بعضهم في كل طهر مرة كذا في الفتح (ولزورك عليك حقًّا) بفتح الزاي وسكون الواو أي لضيفك، والزور مصدر وُضع موضع الاسم كصوم في موضع صائم، ونوم في موضع نائم، ويقال للواحد والجمع والذكر والأنثى زور، قال ابن التين: ويحتمل أن يكون زور جمع زائر كركب جمع راكب وتجر جمع تاجر، قال القاضي عياض: وحق الزور وهو الضيف في خدمته وتأنيسه بالحديث أي لضيفك ولأصحابك الزائرين حق عليك وأنت تعجز بسبب توالي الصيام والقيام عن القيام بحسن معاشرتهم (ولجسدك عليك حقًّا) قال العيني: وليس المراد بالحق ها هنا بمعنى الواجب بل المراد مراعاته والرفق به كما يقال له حق الصحبة على فلان يعني مراعاته والتلطف به فالصائم المتطوع ينبغي أن يراعي جسمه بما يقيمه ويشده لئلا يضعف فيعجز عن أداء الفرائض فأما إذا خاف التلف على نفسه أو عضو من أعضائه التي يضرها الجوع فحينئذ يتعين عليه أداء حقه حتى في صوم الفرض أيضًا هـ فتح الملهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم) وفي الكلام اختصار فإنه صلى الله عليه وسلم بلغ إلى صوم داود بعد مراجعات كثيرة كما نبهنا عليه

"فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ". قَال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَال: "كَانَ يَصُومُ يَوْما وَيُفْطِرُ يَوْمًا" قَال: "وَاقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُل شَهْرٍ" قَال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي كُل عِشْرِينَ" قَال: قُلْتُ: يَا نَبِي اللهِ! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشرٍ" قَال: قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي كُل سَبعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في أول الباب (فإنه) - عليه السلام - (كان أعبد الناس) لربه أي أكثرهم عبادة لربه أي في زمانه أو المراد من أعبد الناس والله أعلم (قال) عبد الله بن عمرو (قلت) للنبي صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله وما صوم داود قال) النبي صلى الله عليه وسلم كان) داود (يصوم يومًا ويفطر يومًا قال) النبي صلى الله عليه وسلم (واقرأ القرآن) أي اختمه (في كل شهر) مرة (قال) عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله إني أطيق أفضل) أي أزيد (من ذلك) أي من ختمته في كل شهر (قال) نبي الله صلى الله عليه وسلم (فاقرأه في كل عشرين) ليلة ختمة (قال قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل) أي أزيد (من ذلك قال فاقرأه في كل عشر) مرة (قال قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في كل سبع) مرة أي اختمه في كل سبع ليال مرة (ولا تزد على ذلك) أي لا تقرأْه في أقل من سبع فالزيادة هنا بطريق التدلي، قال ملا علي: أي لا تزد على المذكور من الصوم والختم أولًا تزد على ذلك من السؤال ودعوى زيادة الطاقة والله أعلم. وثبت عن كثير من السلف أنهم قرأوا القرآن في دون ذلك، قال النواوي: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم أر غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة والله تعالى أعلم. واعلم أن النهي عن الزيادة على ذلك ليس للتحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب وعُرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل، وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من

فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيكَ حَقًّا. وَلِزَوْرِكَ عَلَيكَ حَقًّا. وَلِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَقًّا". قَال: فَشَدَّدْتُ. فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قَال: وَقَال لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ". قَال: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَال لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاث لحديث ابن مسعود مرفوعًا: "اقرؤوا القرآن في سبع، ولا تقرءوه في أقل من ثلاث" رواه سعيد بن منصور بسند صحيح، ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سلمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم في أقل من ثلاث، وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وقال النواوي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوة فعلى هذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال اهـ فتح الملهم بتصرف. (فإن لزوجك عليك حقًّا ولزورك عليك حقًّا ولجسدك عليك حقًّا قال) عبد الله (فشددت) أي على نفسي (فشُدد عليّ) بصيغة المجهول (قال) عبد الله (وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم إنك) يا عبد الله (لا تدري) ولا تعلم مآل أمرك حيث تنتمي لقبول هذه الرخصة و (لعلك يطول بك عمر) فتقدم على هذا التشديد إذا عجزت عن القيام بهذه الوظيفة التي التزمتها (قال) عبد الله (فصرت) أي رجعت الآن ووصلت (إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم) من طول العمر (فلما كبرت) بكسر الراء من باب علم هذا في السن، وأما كبر بمعنى عظم فبضمها من باب شرف؛ أي فلما كبر سني وعجزت عن أداء الوظيفة التي التزمتها (وددت) وأحببت وتمنيت (أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم) وتسهيله عليّ معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق عليه فعله ولا يمكنه تركه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال:

2613 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا حُسَين الْمُعَلِّمُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِيهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ: "مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثةَ أَيَّامِ": "فَإِن لَكَ بِكُلً حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا. فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ". وَقَال فِي الْحَدِيثِ: قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ؟ قَال: "نِصْفُ الدَّهْرِ" وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيئًا. وَلَمْ يَقُلْ: "وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيكَ حَقًّا" وَلَكِنْ قَال: "وإنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيكَ حَقًّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 2613 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب) النسائي (حدثنا روح بن عبادة) القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حسين) بن ذكوان (المعلم) المكتب العوذي البصري (عن يحيى بن أبي كثبر) الطائي اليامي، ثقة، من (5) (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة حسين المعلم لعكرمة بن عمار في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير (و) لكن (زاد) حسين (فيه) أي في الحديث (بعد قوله) صلى الله عليه وسلم فإن بحسبك أن تصوم (من كل شهر ثلاثة أيام) أي زاد بعده لفظة (فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فذلك الدهر كله) أي فصيامك من كل شهر ثلاثة أيام كصيام الدهر كله لأن الثلاثة تساوي بثلاثين يومًا (وقال) حسين أيضًا (في) رواية هذا (الحديث) قال عبد الله (قلت) يا نبي الله (وما صوم نبي الله داود) - عليه السلام - (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام داود (نصف الدهر) وفطره نصف الدهر (ولم يذكر) حسين (في) هذا (الحديث من قراءة القرآن شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا (ولم يقل) حسين أيضًا لفظة (وإن لزورك عليك حقًّا ولكن قال) حسين في روايته بدل ذلك (وإن لولدك عليك حقًّا) وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين، ومن حق الأولاد الرفق بهم والإنفاق عليهم وشبه ذلك، قال النواوي: فيه أن على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين، وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية نص عليه الشافعي وأصحابه، قال الشافعي وأصحابه: وعلى الأمهات أيضًا هذا التعليم إذا لم يكن أب لأنه من باب التربية ولهن مدخل في ذلك، وأجرة هذا التعليم في مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته لأنه مما يحتاج إليه والله تعالى أعلم.

2614 - (00) (00) حدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَال: (وَأحْسِبُنِي قَدْ سَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2614 - (00) (00) (حدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (11) (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي الكوفي، ثقة، من (7) (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي اليامي، ثقة، من (5) (عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة) روى عن أبي سلمة وعباد بن أوس، ويروي عنه (م) ويحيى بن أبي كثير، وقال في التقريب: مجهول، من السادسة، وقيل هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي مولاهم المدني، وفي صحيح البخاري مولى بني زهرة وهو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ذكر ابن حبان في الثقات أنه مولى الأخنس بن شريق الثقفي وكان الأخنس ينسب زهريًّا لأنه كان من حلفائهم وجزم جماعة بان ابن ثوبان عامري فلعله كان يُنسب عامريًّا بالأصالة، وزهريًّا بالحلف ونحو ذلك والله أعلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري (قال) يحيى بن أبي كثير (وأحسبني) أي وأظن نفسي أني (قد سمعته) أي قد سمعت (أنا) هذا الحديث (من أبي سلمة) بلا واسطة محمد بن عبد الرحمن (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شيبان لعكرمة بن عمار في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، قوله (قال وأحسبني قد سمعته) الخ قائل ذلك هو يحيى بن أبي كثير، قال الإسماعيلي رحمه الله تعالى: خالف أبان بن يزيد العطار شيبان بن عبد الرحمن في هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير، ثم ساقه من وجهين عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة، وزاد في سياقه بعد قوله: "اقرأه في شهر" قال: إني أجد قوة، قال: "في عشرين " قال: إني أجد قوة، قال: "في عشر" قال: إني أجد قوة، قال: "في سبع، ولا تزد على ذلك" قال الإسماعيلي: ورواه عكرمة بن عمار عن يحيى قال حدثنا أبو سلمة بغير واسطة، وساقه

قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لا اقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُل شَهْرٍ" قَال: قُلْتُ: إِنِّي أجِدُ قُوَّة. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي عِشرِينَ لَيلَةً" قَال: قُلْتُ: إِني أَجِدُ قُوَّةً. قَال: "فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذلِكَ". 2615 - (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريقه. [قلت] كان يحيى بن أبي كثير يتوقف في تحديث أبي سلمة له، ثم تذكر أنه حدّثه به أو بالعكس كان يصرح بتحديثه ثم توقف وتحقق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن، ولا يقدح في ذلك مخالفة أبان لأن شيبان أحفظ من أبان أوكان عند يحيى عنهما، ويؤيده اختلاف سياقهما كذا في الفتح، وقد تقدم في الباب من طريق عكرمة بن عمار عن أبي سلمة مصرحًا بالسماع بغير توقف في قصة الصيام وقصة القرآن والله أعلم اهـ فتح الملهم (قال) عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن) كله أي اختمه (في كل شهر) مرة، المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه ولا يَردُ على هذا أن القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وذلك قبل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الإطلاق وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول ليتني لو قبلت الرخصة ولا شك أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخرًا إلى ما نزل أولًا فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه ووقعت الإشارة إلى أن ما نزل بعد ذلك يوزع بقسطه والله أعلم اهـ منه (قال قلت إني أجد قوة) على أفضل من ذلك (قال: فاقرأه في عشرين ليلة، قال: قلت إني أجد قوة) على أكثر من ذلك (قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك) أي على ختمه في سبع ليال بأن ختمه في خمس أو ثلاث والنهي فيه ليس للتحريم كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2615 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي أبو الحسن النيسابوري المعروف بحمدان، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمرو بن أبي سلمة) الهاشمي مولاهم أبو حفص الدمشقي، روى عن الأوزاعي ومالك، ويروي عنه (ع) وأحمد بن يوسف الأزدي والشافعي أكبر منه ودحيم وأحمد بن

عَنِ الأوْزَاعِيِّ قِرَاءَةً. قَال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صالح وخلق، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الساجي: ضعيف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من كبار العاشرة، مات سنة (214) أربع عشرة ومائتين (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبي عمرو الشامي، عالم الشام وفقيهه، ثقة، من (7) أي روى عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي (قراءة) على الأوزاعي لا سماعًا منه فهو في اصطلاح مسلم بمنزلة أخبرني الأوزاعي (قال) الأوزاعي (حدثني يحيى بن أبي كثير عن) عمر (بن الحكم بن ثوبان) الحارثي أبي حفص المدني، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الصوم، وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأسامة بن زيد، ويروي عنه (م د س ق) ويحيى بن أبي كثير وسعيد المقبري وأسامة الليثي، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة، مات سنة (117) سبع عشرة ومائة (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الأوزاعي لشيبان بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وقوله (حدثني يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم حدثني أبو سلمة) قد تابع عمرو بن أبي سلمة على زيادة ابن الحكم بين يحيى وبين أبي سلمة ابن أبي العشرين ذكره البخاري تعليقًا، وقد أخرج البخاري بإسناده من طريق عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، فليس فيه واسطة. قال الحافظْ ونبه البخاري على أن زيادة عمر بن الحكم من المزيد في متصل الأسانيد لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة ولو كان بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث، قال: وظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يحيى عن أبي سلمة بغير واسطة، وظاهر صنيع مسلم يخالفه لأنه اقتصر على الرواية الزائدة، والراجح عند أبي حاتم والدارقطني وغيرهما صنيع البخاري، وقد تابع كلًّا من الروايتين جماعة من أصحاب الأوزاعي فالاختلاف منه وكأنه كان يحدّث به على الوجهين فيُحمل على أن يحيى حمله عن أبي سلمة بواسطة، ثم لقيه فحدّثه به، فكان يرويه عنه على الوجهين والله أعلم اهـ فتح (قال) عبد الله بن عمرو (قال) لي (رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلانٍ. كَانَ يَقُومُ الليلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ". 2616 - (00) (00) وحدّثنيِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً يَزْعُمُ أن أَبَا الْعَبَّاسِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله تعالى عنهما ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم: يا عبد الله لا تكن بمثل فلان) الباء زائدة، قال الحافظ: لم أقف على تسميته في شيء من الطرق وكان إبهام مثل هذا لقصد الستر عليه، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد شخصًا معينًا وإنما أراد تنفير عبد الله بن عمرو من الصنيع المذكور، قال العيني: والظاهر أن الإبهام من أحد الرواة والله أعلم (كان) فلان (يقوم) أي يصلي بعض (الليل فترك قيام الليل) أي صلاته، وفي البخاري (من الليل) أي بعض الليل، قال الحافظ: وسقط لفظ من من رواية الأكثر وهي مرادة، قال ابن العربي: في هذا الحديث دليل على أن قيام الليل ليس بواجب إذ لو كان واجبًا لم يكتف لتاركه بهذا القدر بل كان يذمه أبلغ الذم، وفيه استحباب الدوام على ما اعتاده المرءُ من الخير من غير تفريط، ويستنبط منه كراهة قطع العبادة وإن لم تكن واجبة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2616 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج قال سمعت عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي (يزعم) أي يقول وقد كثر الزعم بمعنى القول (أن أبا العباس) السائب بن فروخ -بفتح فضم مع تشديد الراء- المكي الشاعر الأعمى، روى عن عبد الله بن عمرو في الصوم وفي البر، وعبيد الله بن عمر في الجهاد، وابن عمر، ويروي عنه (ع) وعطاء بن أبي رباح وحبيب بن أبي ثابت وعمرو بن دينار، وثقه أحمد والنسائي، وقال ابن معين: ثبت، وقال مسلم: كان ثقة عدلًا، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي السائب لأبي سلمة بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن

يَقُولُ: بَلَغَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أصُومُ أَسْرُدُ، وَأُصَلِّي اللَّيلَ. فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ. فَقَال: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي اللَّيلَ؟ فَلا تَفْعَلْ. فَإنَّ لِعَينِكَ حَظًّا. وَلِنَفْسِكَ حَطًّا. وَلأَهْلِكَ حَظًّا. فَصُمْ وَأَفْطِرْ. وَصَلِّ وَنَمْ. وَصُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا. وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ" قَال: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذلِكَ، يَا نَبِيَّ اللهِ! قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عمرو بن العاص أي سمعته حالة كونه (يقول بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أصوم) حالة كوني (أسرد) الصوم أي أوالي الصوم أي أصوم متتابعًا ولا أفطر بالنهار (وأصلي الليل) جميعه، وكان مبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أباه عمرًا كما مر في أوائل الحديث، وهذا إنما فعله عبد الله بعد أن التزمه بقوله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت كما جاء في الرواية الأخرى (فإما أرصل) النبي صلى الله عليه وسلم (إلي) ليسألني (وإما لقيته) أنا بلا إرسال منه، قال الحافظ: شك من بعض رواته؛ أي إما قال عبد الله كذا وإما قال كذا، وغلط من قال إنه شك من عبد الله بن عمرو لما سيأتي من أنه صلى الله عليه وسلم قصده إلى بيته فدل على أن لقاءه إياه كان عن قصد منه إليه والله أعلم اهـ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (ألم أخبر أنك) يا عبد الله (تصوم) جميع النهار (ولا تفطر وتصلي الليل) كله ولا تنام، إن كنت فاعلًا لما أخبرت (فلا تفعل) ذلك، وهذا نهي عن الاستمرار في فعل ما التزمه لأجل ما يؤدي إليه من المفسدة التي نبه عليها بقوله (فإن لعينك) عليك (حظًّا) أي نصيبًا من النوم (ولنفسك) عليك (حظًّا) أي نصيبًا من الاستراحة؛ أي إن عليك لهما حظًّا من الرفق بهما ومراعاة حقهما (ولأهلك) أي لزوجك (حظًّا) من المجامعة، وذلك إذا سرد الصوم ووالى القيام بالليل منعها حقها منه بذلك، وقد يفسر الأهل بالأولاد والقرابة وحقهم هو في الرفق بهم والإنفاق عليهم ومؤاكلتهم وتأنيسهم، وملازمة ما التزم من سرد الصوم وقيام الليل يؤدي إلى امتناع تلك الحقوق كلها ويفيد أن الحقوق إذا تعارضت قدم الأولى، والفاء في قوله (فصم) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا عرفت ما قلته لك من تفويت ما التزمته من الحقوق التي عليك وأردت بيان ما الأصلح لك فاقول لك صم بعض الأيام (وأفطر) بعضها (وصل) بعض الليالي (ونم) بعضها (وصم من كل عشرة أيام يومًا ولك أجر تسعة) أيام التي لم تصمها (قال) عبد الله قلت له صلى الله عليه وسلم (إني أجدني) أي أجد نفسي (أقوى) أي أقدر على أكثر (من ذلك) الذي قلت (يانبي الله قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

"فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ ". قَال: وَكَيفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَال: "كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. وَلَا يَفِرُّ إِذَا لاقى" قَال: مَنْ لِي بِهذِهِ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ (قَال عَطَاءٌ: فَلَا أَدْرِي كَيفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ) فَقَال النبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت ذلك (فصم صيام) نبي الله (داود - عليه السلام - قال) عبد الله قلت له صلى الله عليه وسلم (وكيف كان داود يصوم يا نبي الله قال) النبي صلى الله عليه وسلم (كان) داود - عليه السلام - (يصوم يومًا ويفطر يومًا) وهو أشد الصيام على النفس فإن من صام هذا الصوم لا يعتاد الصوم ولا الإفطار فيصعب عليه كل منهما إذ النفس تصادف مألوفها في يوم وتفارقه في آخر (ولا يفر) داود أي لا يهرب (إذا لاقى) العدو أي عند لقاء العدو الحربي. قيل في ذكر هذا عقب ذكر صومه: إشارة إلى أن الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن ولا يضعفه بحيث يضعفه عن لقاء العدو بل يستعين بفطر يوم على صيام يوم فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق ويجد مشقة الصوم في يوم الصيام لأنه لم يعتده بحيث يصير الصيام له عادة فإن الأمور إذا صارت عادة سهلت مشاقها (قال) عبد الله (من) يتكفل (لي بهذه) الخصلة التي لداود - عليه السلام - لا سيما عدم الفرار، قال النواوي: معناه هذه الخصلة الأخيرة وهي عدم الفرار صعبة عليّ كيف لي تحصيلها (يا نبي الله، قال عطاء) بن أبي رباح بالإسناد السابق (فلا أدري) ولا أعلم (كيف ذكر) بفتحتات أي كيف ذكر عبد الله بن عمرو أو النبي صلى الله عليه وسلم (صيام الأبد) أي صيام الدهر أي لا أحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة، يعني أن عطاء لم يحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة إلا أنه حفظ قول عبد الله بن عمرو (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد) أي الدهر (لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد) هكلذا في بعض النسخ بالتكرار ثلاث مرات، وفي بعضها بالتكرار مرتين، قال القرطبي: وقوله (فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد) هو شك عرض للراوي، ثم قال بعد أن عرض له ذلك الشك (لاصام من صام الأبد) فأتى بصوم الأبد على هذا اللفظ من غير شك ولا تردد بل حقق نقله وحرر لفظه، وأما الذي تقدم في حديث أبي قتادة فإنه شك في أي اللفظين قال: فذكرهما، فقال فيه قال: يا رسول الله كيف من يصوم الدهر؟ قال: لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر. وقد تقدم

2617 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ القول على صوم الدهر، والأبد من أسماء الدهر والمراد به هنا سرد الصوم دائمًا اهـ، قال ابن التين: استدل على كراهة صوم الدهر من هذه القصة من أوجه؛ نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة، وأمره بان يصوم ويفطر، وقوله لا أفضل من ذلك، ودعاؤه على من صام الأبد، وقيل معنى قوله لا صام النفي أي ما صام كقوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} وقوله في حديث أبي قتادة عند مسلم وقد سئل عن صوم الدهر: "لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر" وفي رواية الترمذي: "لم يصم ولم يفطر" وهو شك من أحد رواته، ومقتضاه أنهما بمعنى واحد والمعنى بالنفي أنه لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك، وإلى كراهة صوم الدهر مطلقًا ذهب إسحاق وأهل الظاهر؛ وهي رواية عن أحمد، وشذ ابن حزم فقال: يحرم، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عمرو الشيباني قال: بلغ عمر رضي الله عنه أن رجلًا يصوم الدهر، فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول: كل يا دهري، ومن طريق أبي إسحاق أن عبد الرحمن بن أبي نعيم كان يصوم الدهر فقال عمرو بن ميمون: لو رأى هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لرجموه، واحتجوا أيضًا بحديث أبي موسى رفعه: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم وعقد بيده" أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان، وظاهره أنها تضيق عليه حصرًا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتقاده أن غير سنته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد فيكون حرامًا، وإلى الكراهة مطلقًا ذهب ابن العربي من المالكية فقال قوله: لا صام من صام الأبد، إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم، وإذا لم يصم شرعًا لم يكتب له الثواب لوجوب صدق قوله صلى الله عليه وسلم لأنه نفى عنه الصوم وقد نفى عنه الفضل كما تقدم فكيف يطلب الفضل فيما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2617 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي،

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: إِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ. قَال مُسْلِمٌ: أَبُو الْعَبَّاسِ السَّائِبُ بْنُ فرُّوخَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثِقَة عَدْلٌ. 2618 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ. سمِعَ أَبَا الْعَبَّاسٍ. سمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما. قَال: قَال لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (10) (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة محمد بن بكر لعبد الرزاق (و) لكن (قال) محمد بن بكر (إن أبا العباس الشاعر أخبره) بزيادة كلمة الشاعر أي أخبر لعطاء (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى على سبيل التجريد أو هو من كلام أحد رواته (أبو العباس) اسمه (السائب بن فروخ من أهل مكة) هو (ثقة عدل) وفي البخاري: كان لا يتهم في حديثه، قال الحافظ: فيه إشارة إلى أن الشاعر بصدد أن يتهم في حديثه لما تقتضيه صناعته من سلوك المبالغة في الإطراء وغيره فأخبر الراوي عنه أنه مع كونه شاعرًا كان غير متهم في حديثه، وقوله في حديثه يحتمل مرويه من الحديث النبوي، ويحتمل فيما هو أعم من ذلك، والثاني أليق وإلا لكان مرغوبًا عنه، والواقع أنه حجة عند كل من أخرج الصحيح وأفصح بتوثيقه أحمد وابن معين وآخرون اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2618 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي أبو بسطام البصري (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس بن دينار الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (3) (سمع أبا العباس) السائب بن فروخ الشاعر المكي (سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة حبيب بن أبي ثابت لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن أبي العباس (قال) عبد الله (قال لي رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو! إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيلَ. وَإِنَّكَ، إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ، هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ. وَنَهَكَتْ. لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ" قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ. كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. وَلَا يَفِرُّ إِذَا لاقَى". 2619 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. حَدَّثنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "وَنَفِهَتِ النَّفْسُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم يا عبد الله بن عمرو إنك لتصوم الدهر) كله (وتقوم الليل) كله (وإنك إذا فعلت ذلك) المذكور من صيام الدهر وقيام الليل (هجمت) بفتح الجيم أي غارت ودخلت في موضعها أو ضعفت (له) أي لأجل ذلك المذكور من الصيام والقيام (العين) أي عينك لكثرة سهرها، من الهجوم على القوم وهو الدخول عليهم بغتة (ونهكت) له العين بفتح الهاء أي هزلت وضعفت لكثرة سهرها (لا صام) أي ما صام صومًا شرعيًّا (من صام الأبد) أي الدهر كله (صوم ثلاثة أيام من الشهر) مبتدأ خبره (صوم الشهر كله) أي كصوم الشهر كله لأن الحسنة بعشر أمثالها ففي الكلام تشبيه بليغ، قال عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فإني أطيق) وأقدر (أكثر) أي أزيد (من ذلك) المذكور من صوم ثلاثة أيام من الشهر (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصم صوم داود) عليه السلام (كان) داود (يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفر) أي لا يهرب (إذا لاقى) العدو الحربي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2619 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا حبيب بن أبي ثابت) قيس بن دينار الأسدي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة مسعر بن كدام لشعبة بن الحجاج (و) لكن (قال) مسعر في روايته (ونفهت النفس) بدل قول شعبة ونهكت، ونفهت بكسر الفاء أي تعبت النفس بالصوم والقيام المذكورين وعجزت عن أداء الفرائض وكلت عن القيام بالحقوق الواجبة عليها.

2620 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ " قلْتُ: إِني أَفْعَلُ ذلِكَ. قَال: "فَإنَّكَ، إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ، هَجَمَتْ عَينَاكَ. وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ. لِعَينِكَ حَقٌّ. وَلِنَفْسِكَ حَقٌّ. وَلأَهلِكَ حَقٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2620 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (4) (عن أبي العباس) السائب بن فروخ المكي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص (رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مكيان وواحد مدني، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لحبيب بن أبي ثابت في رواية هذا الحديث عن أبي العباس (قال) عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبر) بهمزة الاستفهام التقريري أي أخبرت (أنك تقوم الليل) كله بالصلاة ولا تنام (وتصوم النهار) أي تستمر صائمًا في جميع الأزمان (قلت) له صلى الله عليه وسلم: نعم (إني أفعل ذلك) - المذكور من القيام والصيام، فيه أن الحكم لا ينبغي إلا بعد التثبت لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكتف بما نُقل له عن عبد الله حتى لقيه واستثبته فيه لاحتمال أن يكون قال ذلك بغير عزم أو علقه بشرط لم يطلع عليه الناقل ونحو ذلك اهـ ابن حجر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (إني أفعل ذلك) الصيام والقيام يا رسول الله (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنك) يا عبد الله (إذا فعلت ذلك) المذكور من الصيام المستمر والقيام الدائم (هجمت) أي غارت (عيناك) ودخلت في موضعها (ونفهت) أي ضعفت (نفسك لعينك) عليك (حق) أي حظ من النوم (ولنفسك) عليك (حق) أي حظ من الاستراحة أي تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله تعالى للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه، ومن حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى لكن يختص ذلك بالتعلقات القلبية (ولأهلك) عليك (حق) أي تنظر لهم فيما لا بد لهم منه من أمور الدنيا والآخرة، والمراد بالأهل الزوجة أو ما هو أعم من ذلك ممن

قُمْ وَنَمْ. وَصُمْ وَأَفْطِرْ". 2621 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ. وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ). كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ. وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تلزمه نفقته (قم) أي صل بعض آناء الليل (ونم) بعضها (وصم) بعض أيام الشهر (وأفطر) بعضها فتكون مؤديًا لكل ذي حق حقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديثه فقال: 2621 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس) بن أبي أوس الثقفي الطائفي، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص (رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن أوس لأبي العباس في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحب الصيام إلى الله) أي عند الله سبحانه وتعالى (صيام داود) دل الحديث على أنه أفضل من صوم الدهر، وذهب بعضهم إلى عكسه لأن العمل كلما كان أكثر كان الأجر أوفر، هذا هو الأصل المستمر في الشرع فإن قيل كيف يكون صوم الدهر أفضل؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد، قلنا هذا محمول على حقيقته بأن يصوم فيه الأيام المنهية أو على من ضعف حاله وتضرر به يؤيده ما روى مسلم أنه صلى الله عليه وسأنهى عبد الله بن عمرو لعلمه أنه سيعجزه ولم ينه حمزة بن عمرو الأسلمي الذي سبق ذكره في باب التخيير في الصوم والفطر في السفر لعلمه بقدرته، أو نقول لا صام دعاء عليه لارتكابه المنهي عنه، أو أنه لا يجد ما يجد غيره من ألم الجوع اهـ ابن الملك. (وأحب الصلاة إلى الله) سبحانه (صلاة داود - عليه السلام -) وإنما صار هذا النوع أحب لأن النفس إذا نامت الثلثين من الليل تكون أخف وأنشط في العبادة اهـ منه (كان) داود - عليه السلام - (ينام نصف الليل) من أوله (ويقوم) بعد ذلك (ثلثه) بضم اللام وسكونه

وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا". 2622 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ. كَانَ يَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ. وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ صَلاةُ دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ). كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو السدس الرابع والخامس (وينام سدسه) بضم الدال ويسكن أي سدسه الأخير، ثم يقوم عند الصبح، قال المهلب: كان داود - عليه السلام - يريح نفسه بنوم أول الليل ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه هل من سائل فأعطيه سؤله، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل وهذا هو النوم عند السحر، وإنما صارت هذه الطريقة أحب من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يُخشى بها السآمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يمل حتى تملوا" والله يحب أن يديم فضله ويوالي إحسانه، وإنما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر وذبول الجسم بخلاف السهر إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال وأنه أقرب إلى عدم الرياء لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى فهو أقرب إلى أن يخفي عمله الماضي على من يراه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد (وكان) داود - عليه السلام - (يصوم يومًا ويفطر يومًا) وشارك المؤلف في الرواية أبو داود والنسائي وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديثه فقال: 2622 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن عمرو بن أوس) الثقفي الطائفي (أخبره) أي أخبر لعمرو بن دينار (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب الصيام) أي أكثرها أجرًا (إلى الله) تعالى (صيام داود كان) داود (يصوم نصف الدهر وأحب الصلاة) أي أكثرها أجرًا (إلى الله) تعالى (عزَّ وجلَّ صلاة داود - عليه السلام - كان

يَرْقُدُ شَطْرَ اللَّيلِ. ثُمَّ يَقُومُ. ثُمَّ يَرْقُدُ آخِرَهُ. يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيلِ بَعْدَ شَطْرِهِ". قَال: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَعَمْرُو بْنُ أَوْسٍ كَانَ يَقُولُ: يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيلِ بَعْدَ شطْرِهِ؟ قَال: نَعَمْ. 2623 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ. قَال: أخْبَرَنِي أبُو الْمَلِيحِ. قَال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. فَحَدَّثَنَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي. فَدَخَلَ عَلَيَّ. فَالْقَيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يرقد) أي ينام (شطر الليل) أي نصفه (ثم يقوم ثم يرقد آخره) أي (يقوم ثلث الليل بعد شطره) الأول وهذا تفسير لقوله ثم يقوم (قال) ابن جريج (قلت لعمرو بن دينار أعمرو بن أوس كان يقول) أي هل كان عمرو بن أوس يقول في آخر الحديث لفظة (يقوم ثلث الليل بعد شطره؟ قال) عمرو بن دينار (نعم) يقول عمرو بن أوس هذه اللفظة تفسيرًا لقوله أولًا ثم يقوم المطلق عن التقييد بالثلث، ظاهره أن هذا الترتيب بين الثلث والشطر من تفسير الراوي، ويحتمل أن يكون عمرو بن أوس ذكره بسنده والله أعلم اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثاني عشرها في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2623 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) الطحان المزني الواسطي، ثقة، من (8) (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري، ثقة، من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عامر الجرمي البصري، ثقة كثير الإرسال، روى عنه في (11) بابا (قال) أبو قلابة (أخبرني أبو المليح) بوزن الفصيح عامر بن أسامة، وقيل زيد بن أسامة بن عمير الهذلي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) أبو المليح لأبي قلابة (دخلت) أنا بضم التاء (مع أبيك) يا أبا قلابة زيد بن عمرو بن عامر بن ناثل -بنون ومثناة فوقية- ابن مالك بن عبيد الجرمي (على عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة المليح لمن روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص (فحدثنا) عبد الله بن عمرو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له) أي لرسول الله أي أخبر له (صومي، فدخل عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام (فألقيت)

لَهُ وسَادَةً مِنْ أدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ. وَصَارَتِ الْوسَادَةُ بَينِي وَبَينهُ. فَقَال لِي: "أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ أَيَّامِ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "خَمْسًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "سَبْعًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "تِسْعًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "أَحَدَ عَشَرَ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي وضعت (له) صلى الله عليه وسلم (وسادة) أي مخدة يقال وسادة ووساد بكسر الواو وتقولها هذيل بالهمز بدل الواو ما يوضع عليه الرأس وقد يتكأ عليه وهو المراد هنا (من أدم) بفتحتين الجلد المدبوغ (حشوها) أي محشوها وهو ما مُلِئَ فيها من (ليف) وهو ما يؤخذ من أصول النخل من بين أغصانه (فـ) أبي أن يجلس عليها و (جلس على الأرض وصارت الوسادة) باقية (بيني وبينه) صلى الله عليه وسلم، قال المهلب: وفيه إكرام الكبير، وجواز زيارة الكبير تلميذه وتعليمه في منزله ما يحتاج إليه في دينه، وإيثار التواضع وحمل النفس عليه، وجواز رد الكرامة حيث لا يتأذى بذلك من ترد عليه، وقوله (فجلس على الأرض) فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع وترك الاستئثار على جليسه، وفي كون الوسادة من أدم حشوها ليف بيان ما كان عليه الصحابة في غالب أحوالهم في عهده صلى الله عليه وسلم من الضيق، إذ لو كان عنده أحسن منها لأكرم بها نبيه صلى الله عليه وسلم (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما يكفيك) بهمزة الاستفهام الداخلة على ما النافية أي أليس يكفيك (من كل شهر ثلاثة أيام) أي صوم ثلاثة أيام فاعل يكفي فيكون لك بكل يوم عشرة أيام فتكون كمن صام الشهر الكامل، قال عبد الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله) ما يكفيني صوم ثلاثة أيام من كل شهر، فجواب النداء محذوف لعلمه من السياق كما قدرناه، وكذلك يقدر في البواقي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا (خمسًا) أي فصم خمسة أيام من كل شهر، وكذلك التقدير في قوله سبعًا وتسعًا وأحد عشر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني صوم خمسة أيام من كل شهر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا فصم (سبعًا) أي سبعة أيام من كل شهر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فصم (تسعًا) أي تسعة أيام من كل شهر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذًا فصم (أحد عشر) يومًا من كل شهر (قلت يا رسول الله) ما يكفيني ذلك (فقال النبي صلى الله عليه وسلم)

"لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ. شَطْرُ الدَّهْرِ. صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ". 2624 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زَيادِ بْنِ فَيَّاضٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، ـــــــــــــــــــــــــــــ إذًا فصم صيام داود (لا صوم فوق صوم داود) - عليه السلام - أي أكثر منه أجرًا أي لا فضل ولا كمال في صوم التطوع فوق صوم داود، هو (شطر الدهر) أي نصفه بالرفع على تقدير المبتدإ، قال ابن حجر: ويجوز نصبه على إضمار فعل، والجر على البدل من صوم داود اهـ وقوله (صيام يوم وإفطار يوم) على الأوجه الثلاثة المذكورة، ولفظ البخاري (صم يومًا وأفطر يومًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2624 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زياد بن فياض) الخزاعي أبي الحسن الكوفي، روى عن أبي عياض في الصوم، وخيثمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير، ويروي عنه (م د س) وشعبة والأعمش والثوري، وثقه أبو حاتم وابن معين والنسائي، وقال يعقوب بن سفيان: كوفي ثقة ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من السادسة، مات سنة (129) تسع وعشرين ومائة له عندهم حديث واحد (قال) زياد (سمعت أبا عياض) عمرو بن الأسود العنسي بالنون أو الهمداني الدمشقي الداراني نسبة إلى داريا قرية من قرى دمشق بالغوطة بها قبر أبي سليمان الداراني من عباد أهل الشام وزهادهم، روى عن عبد الله بن عمرو في الصوم والأشربة، وعمر ومعاذ وأبي الدرداء، ويروي عنه (خ م دس ق) وزياد بن فياض ومجاهد وخالد بن معدان وابنه حكيم، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه كان من العلماء الثقات، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: مخضرم ثقة عابد، من كبار التابعين، مات في خلافة معاوية (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص (رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَهُ: "صُمْ يَوْمًا. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "صُمْ يَوْمَينِ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. قَال: "صُمْ ثَلاثةَ أَيَّامٍ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ قَال: "صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" قَال: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِن ذلِكَ. قَال: "صُمْ أَفْضَلَ الصِّيَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي عياض لمن روى عن عبد الله بن عمرو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له) أي لعبد الله بن عمرو (صم يومًا) يعني من كل عشرة أيام (ولك أجر ما بقي) من العشرة، قال الحافظ: وقد استشكل قوله صم من كل عشرة يومًا ولك أجر ما بقي مع قوله صم من كل عشرة أيام يومين ولك أجر ما بقي الخ لأنه يقتضي الزيادة في العمل والنقص من الأجر وبذلك ترجم له النسائي، وأجيب بأن المراد لك أجر ما بقي بالنسبة إلى التضعيف، قال عياض: قال بعضهم: معنى صم يومًا ولك أجر ما بقي أي من العشرة، وقوله صم يومين ولك أجر ما بقي أي من العشرين، وفي الثلاثة ما بقي من الشهر وحمله على ذلك استبعاد كثرة العمل وقلة الأجر، وتعقبه عياض بأن الأجر إنما اتحد في كل ذلك لأنه كان نيته أن يصوم جميع الشهر فلما منعه صلى الله عليه وسلم من ذلك إبقاء عليه لما ذكر بقي أجر نيته على حاله سواء صام منه قليلًا أو كثيرًا كما تأولوه في حديث: "نية المؤمن خير من عمله" أي أن أجره في نيته أكثر من أجر عمله لامتداد نيته بما لا يقدر على عمله اهـ والحديث المذكور ضعيف وهو في مسند الشهاب والتأويل المذكور لا بأس به، ويحتمل أيضًا إجراء الحديث على ظاهره والسبب فيه أنه كلما ازداد من الصوم ازداد من المشقة الحاصلة بسببه المقتضية لتفويت بعض الأجر الحاصل من العبادات التي قد يفوتها مشقة الصوم فينقص الأجر باعتبار ذلك على أن قوله في نفس الخبر صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي يرد الحمل الأول فإنه يلزم منه على سياق التأويل المذكور أن يكون التقدير ولك أجر أربعين، وقد قيده في نفس الحديث بالشهر والشهر لا يكون أربعين اهـ فتح الملهم (قال) عبد الله (إني أطيق أكثر من ذلك) المذكور من اليوم (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (صم يومين ولك أجر ما بقي) من العشرين (قال إني أطيق كثر من ذلك) المذكور من اليومين (قال صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي) من الشهر (قال إني أطيق أكثر من ذلك) المذكور من الثلاثة (قال صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي) من الأربعين (قال إني أطيق أكثر من ذلك) المذكور من الأربعة (قال صم أفضل الصيام عند الله صوم داود - عليه السلام -

عِنْدَ اللهِ. صَوْمَ دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ) كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا". 2625 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ. حَدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان) داود (يصوم يومًا ويفطر يومًا). قال القرطبي: (قوله صم يومًا ولك أجر ما بقي) الح قال بعضهم: يعني لك أجر ما بقي من العشر كما تقدم من قوله (صم من كل عشرة يومًا ولك أجر تسعة) وكذلك قال في قوله صم يومين ولك أجر ما بقي أي من الشهر. أقلت، وهذا الاعتبار حسن جار على قياس تضعيف الحسنة بعشر أمثالها غير أنه يفرغ تضعيف الشهر عند صوم الثلاثة فيبقى قوله صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي لم يبق له من الشهر شيء فيضاف له عشر من الشهر الآخر فكان قوله ولك أجر ما بقي يعني من أربعين والله سبحانه وتعالى أعلم، وقال بعض المتأخرين: يعني بذلك من الشهر وعلى هذا يكون صوم الرابع لا أجر فيه وهو مخالف لقياس تضعيف الحسنة بعشر أمثالها، وما ذكرناه أولى اهـ من المفهم. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 2625 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد النسائي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، حالة كونها (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية (عن) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (قال زهير حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بصيغة السماع مع التصريح باسمه قال (حدثنا سليم) بفتح السين وكسر اللام (بن حيان) بالمهملة والياء المشددة الهذلي البصري، روى عن سعيد بن ميناء في الجنائز والصوم والحج والبيوع ودلائل النبوة، ومروان الأصفر في الحج، ويروي عنه (ع) ويزيد بن هارون وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الصمد بن عبد الوارث وبهز بن أسد وعبيد الله بن عبد المجيد وعفان بن مسلم، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: ما به باس، وقال في التقريب: ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا سعيد بن ميناء) بالمد والقصر، والقصر أشهر فيرسم مينى بالياء، أبو الوليد المكي مولى

قَال: قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرو: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو! بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النهَارَ وَتَقُومُ اللَّيلَ. فَلَا تَفْعَلْ. فَإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَظًّا. وَلعَينِكَ عَلَيكَ حَظًّا. وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيكَ حَظًّا. صُمْ وأَفْطِرْ. صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. فَذلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بِي قُوَّةَ. قَال: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ) صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا". فَكَانَ يَقُولُ: يَا لَيتَنِي أَخَذْتُ بِالرُّخْصَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البختري بن أبي ذباب بوزن غراب، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) سعيد (قال عبد الله بن عمرو) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن ميناء لمن روى عن عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو بلغني) من بعض الناس وهو أبوه عمرو (أنك تصوم النهار) على الاستمرار (وتقوم الليل) على الدوام إن كنت كذلك (فلا تفعل) ذلك (فإن لجسدك عليك حظًّا) أي نصيبًا من الاستراحة (ولعينك عليك حظًّا) من النوم (وإن لزوجك عليك حظًّا) من المجامعة (صم) بعض الأيام (وأفطر) بعضها (صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك) المذكور من الأيام الثلاثة (صوم الدهر) أي مثل صوم الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها (قلت يا رسول الله إن بي قوة) أي قدرة على أكثر من ذلك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم إذًا (فصم صوم داود - عليه السلام -) وقوله (صم يومًا وأفطر يومًا) تفسير لصوم داود عليه السلام، قال سعيد بن ميناء (فكان) عبد الله بن عمرو (يقول) بعدما كبر وعجز عن القيام بهذه الوظيفة التي التزمها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (يا) قوم (ليتني أخذت بالرخصة) أي قبلت بالرخصة التي عرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبيت عليه التي هي صوم ثلاثة أيام من كل شهر فإني لما شددت على نفسي شدّد عليّ والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والثاني حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ذكره استشهادًا لحديث عائشة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث أنس رضي الله عنه ذكره استشهادًا لحديثها أيضًا، والرابع حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع عشرة متابعة. ***

453 - (9) باب فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس

453 - (9) باب: فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس 2626 - (1130) (50) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ. قَال: حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ الْعَدَويَّةُ؛ أَنَّهَا سَألَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُل شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 453 - (9) باب فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وفضل صوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس 2626 - (1130) (50) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) (عن يزيد الرشك) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة لقب له بالفارسية معناه كث اللحية ابن أبي يزيد الضبعي أبي الأزهر البصري الذرّاع القسّام المعروف بالرشك، وقد تقدم البحث عنه في كتاب الصلاة، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم والترمذي وابن سعد، وقال النسائي: ليس به باس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من السادسة (قال) يزيد (حدثتني معاذة) بنت عبد الله (العدوية) أم الصهباء البصرية امرأة صلة بن أشيم، ثقة، من (3) روى عنها في (4) أبواب (أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد أبلي (أكان) أي هل كان (رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت) عائشة (نعم) يصومها قالت معاذة (فقلت لها) أي لعائشة (من أي أيام الشهر كان يصوم) هذه الثلاثة أيصوم من أوله أو من وسطه أو من آخره أيصومها متصلة أو متفرقة (قالت) عائشة (لم يكن) النبي صلى الله عليه وسلم (يبالي) ويكترث (من أي أيام الشهر يصوم) أي لم يهتم لتعيين بل كان يصومها بحسب ما يقتضيه رأيه الشريف، قال الزرقاني: وبه جمع البيهقي بين أحاديث غير عائشة المعينة المختلفة التعيين فقال كل من رآه فعل نوعًا ذكره، ورأت عائشة جميع ذلك فأطلقت، قال بعضهم: ولعله صلى الله عليه وسلم لم يواظب على ثلاثة معينة لئلا يظن تعيينها، قال:

2627 - (1131) (51) وحدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد جعل الله تعالى صيام هذه الثلاثة الأيام من الشهر بمنزلة صيام الدهر كما سيأتي في الباب، ولأن الثلاثة أقل حد الكثرة اهـ، قال القرطبي: قوله (لم يكن يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم) تعني أنه لم يكن يعين لصوم الثلاثة زمانًا مخصوصًا من الشهر يداوم عليه، وإنما كان يصومها مرة في أوله، ومرة في آخره، ومرة في وسطه، وهذا والله أعلم لئلا يتخيل متخيل وجوبها لو لُوزمت في وقت بعينه أو ليبين فرق ما بين الواجب والتطوع فإن الواجبات في الغالب معينة بأوقات أو ذلك بحسب تمكنه والله تعالى أعلم غير أنه قد جاء في حديث صحيح ذكره النسائي من حديث جرير بن عبد الله تخصيص أيام البيض بالذكر المعين فقال صلى الله عليه وسلم: "صيام ثلاثة من كل شهر صيام الدهر أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" رواه النسائي [4/ 221]. روينا هذا اللفظ عن متقني مشايخنا برفع (أيام) و (صبيحة) على إضمار المبتدإ كأنه قال: هي أيام البيض عائدًا على ثلاثة أيام و (صبيحة) يرتفع على البدل من (أيام) وأما الخفض فيهما فعلى البدل من (أيام) المتقدمة، هذا أولى ما يوجه في إعرابها، وعلى التقديرين فهذا الحديث مقيد لمطلق الثلاثة الأيام التي صومها كصوم الدهر على أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عئن هذه الأيام لأنها وسط الشهر وأعدله كما قال: "خير الأمور أوسطها" وعلى هذا يدل قوله صلى الله عليه وسلم: "هل صمت من سرة هذا الشهر شيئًا" على ما يأتي إن شاء الله تعالى. والحاصل أن ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر حيث صامها وفي أي وقت أوقعها واختلاف الأحاديث في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرتب على زمان بعينه من الشهر كما قالته عائشة رضي الله تعالى عنها، وأن كل ذلك قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 145 - 146]، وأبو داود [2453]، والترمذي [763]، وابن ماجه [1709]. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما فقال: 2627 - (1131) (51) (وحدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم

حَدَّثنَا مَهْدِيٌّ (وَهُوَ ابْنُ مَيمُونٍ) حَدَّثنَا غَيلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَهُ (أَوْ قَال لِرَجُلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ): "يَا فُلانُ أَصُمْتَ مِنْ سُرَّةِ هذَا الشَّهْرِ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (15) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا مهدي وهو ابن ميمون) الأزدي المعولي بكسر المهملة وسكون العين، نسبة إلى معولة بطن من الأزد أبو يحيى البصري، ثقة، من صغار (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا فيلان بن جرير) الأزدي المعولي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي أبي نجيد مصغرًا البصري (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له) أي لعمران (أو قال لرجل) آخر (وهو) أي والحال أن عمران (يسمع) كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا شك من مطرف، ورواه أحمد من طريق سليمان التيمي (قال- لعمران) بغير شك (يا فلان) وفي مطبوع البخاري (يا أبا فلان) بأداة الكنية (أصمت من سرة هذا الشهر) -بضم السين المهملة وتشديد الراء وبعدها هاء- وهي وسطه لأن السرة وسط قامة الإنسان، والشهر المشار إليه في هذا الحديث هو شعبان، قال: وهذا تصريح من مسلم بأن رواية عمران الأولى بالهاء والثانية بالراء، ولهذا فرق بينهما بحديث أبي قتادة وأدخل الأول مع حديث عائشة كالتفسير له فكأنه يقول يستحب أن تكون الأيام الثلاثة من سرة الشهر وهي وسطه وهذا متفق على استحبابه وهو استحباب كون الثلاثة هي الأيام البيض من كل شهر ثلاثة والذي ندب إلى إمساكه بدلًا عنها كما في الحديث اثنان فلا توفيق إلا إذا حمل السرر على معنى آخر الشهر وهو يومان من آخره لاستسرار القمر فيهما اهـ، قال العلامة السندي: الظاهر أن هذا الحديث وحديث سرر هذا الشهر واحد وإنما وقع الاختلاف من بعض الرواة سهوًا أو ظنًّا منه أن السرر معناه السرة كما قال غير واحد فنقل بالمعنى والله أعلم اهـ (قال) عمران أو الرجل (لا) أي ما صمت من سرره فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا أفطرت) أي من رمضان كما هو في الرواية الآتية (فصم يومين) بدلًا عنهما استحبابًا، قال

2628 - (132 1) (52) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَال يَحْيَى: ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي: (قوله صلى الله عليه وسلم للرجل هل صمت من سرر شعبان شيئًا) المعروف عند اللغويين وغيرهم أن سرار الشهر آخره يقال سراره وسرره وسِرُّهُ آخره، وهو حين يستسر الهلال، وقال أبو داود عن الأوزاعي: سره أوله، وقيل: وسطه، قال ابن السكيت: سرار الأرض أكرمها وأوسطها، وسرار كل شيء وسطه وأفضله، قال القاضي عياض: وقد يكون سرر الشهر من هذا أي أفضل أيامه كما جاء في حديث جرير في ذكر الأيام البيض كما تقدم أقلت، فإن حملنا السرار في هذا الحديث على أول الشهر لم يكن فيه إشكال، هان حملناه على آخر الشهر عارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين" رواه السبعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ويرتفع ما يتوهم من المعارضة بأن يحمل النهي على من لم تكن له عادة بصوم شيء من شعبان فيصومه لأجل رمضان، وأما من كانت له عادة أن يصوم فليستمر على عادته، وقد جاء هذا أيضًا في بقية الخبر فإنه قال: "إلا أن يكون أحدكم يصوم صومًا فليصمه" كما تقدم. (قوله فصم يومين مكانه) هذا منه صلى الله عليه وسلم حمل على ملازمة عادة الخير حتى لا تقطع، وحض على أن لا يمضي على المكلف مثل شعبان فلم يصم منه شيئًا فلما فاته صومه أمره أن يصوم من شوال يومين ليحصل له أجر من الجنس الذي فوته على نفسه. [قلت] ويظهر لي أنه إنما أمره بصوم يومين للمزية التي يختص بها شعبان فلا بُعْد في أن يقال إن صوم يوم منه كصوم يومين في غيره، وشهد لهذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم منه أكثر مما كان يصوم من غيره اغتناما لمزية فضيلته والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 443 - 444]، وأبو داود [2328]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي قتادة رضي الله عنهما فقال: 2628 - (1132) (52) (وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (جميعًا عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (قال يحيى

أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ غَيلانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِي، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: رَجُلٌ أَتَى النبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: كَيفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرنا حماد بن زيد عن غيلان) بن جرير الأزدي المعولي البصري، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن معبد الزماني) -بكسر الزاي وتشديد الميم- نسبة إلى زمان بن مالك بطن من ربيعة كما في اللباب البصري، روى عن أبي قتادة في الصوم، وعبد الله بن عتبة في التفسير، وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) وغيلان بن جرير وقتادة وثابت، وثقه النسائي، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي قتادة) الأنصاري السلمي -بفتح السين واللام- الحارث بن ربعي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد إما نيسابوري أو بلخي، قال أبو قتادة (رجل) سائل أو رجل من الأصحاب، وهو مبتدأ خبره جملة قوله (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) وسوغ الابتداء بالنكرة قصد الجنس كقولهم بقرة تكلمت أو وصفه بصفة محذوفة معلومة من السياق كما قدرناه، أو قصد الإبهام قال النواوي: (قوله رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في معظم النسخ رجل بالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره هو أي الشأن والحال رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أصلح في بعض النسخ أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان موجب هذا الإصلاح جهالة انتظام الأول وهو منتظم كما ذكرته فلا يجوز تغييره اهـ، وكلام النواوي هذا سهو منه أو سبق قلم والصواب الموافق للعربية ما قلناه فالكلام صحيح فصيح لا غبار عليه (فـ) سأله عن صومه و (قال) له صلى الله عليه وسلم الرجل (كيف تصوم) أنت يا رسول الله (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ظهر أثر الغضب في وجهه من قول الرجل وسوء سؤاله وكان حق السائل أن يقول كيف أصوم أو كم أصوم فيخص السؤال بنفسه ليجاب بمقتضى حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم اهـ من المرقاة قال النواوي: قال العلماء: سبب غضبه كراهة مسألته لأنه خشي من جوابه مفسدة وهي أنه ربما يعتقد السائل وجوبه أو يستقله أو يقتصر عليه والنبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يبالغ في الصوم لأنه كان مشتغلًا بمصالح المسلمين وحقوق أزواجه وأضيافه ولئلا يقتدي به كل واحد فيتضرر به بعضهم وكان حق السائل أن

فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ رضي الله عنه غَضَبَهُ قَال: رَضِينَا بِاللهِ رَبا، وَبِالإِسْلامِ دِينا، وَبِمُحَمدٍ نَبِيًّا. نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ. فَجَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه يُرَدِّدُ هذَا الْكَلامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ. فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ بِمَنْ يَصُومُ الدهْرَ كُلهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول كيف أصوم أو كم أصوم فيخص السؤال بنفسه ليجاب بمقتضى حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم اهـ وأيضًا كان صومه صلى الله عليه وسلم لم يكن على منوال واحد بل كان يختلف باختلاف الأحوال فتارة يكثر الصوم وتارة يقله، ومثل هذا الحال لا يمكن أن يدخل تحت المقال فيتعذر جواب السؤال، ولذا وقع لجماعة من الصحابة أنهم سألوا عن عبادته لله تعالى فتقالوها، فبلغه، فاشتد غضبه عليهم قال: أنا أتقاكم لله وأخوفكم له، يعني ولا يلزم منه كثرة العبادة بل حسنها ومراعاة شرائعها وحقائقها ودقائقها وتقسيمها في أوقاتها اللائقة بها اهـ فتح الملهم، وقال القاضي عياض: غضبه لأنه كلفه ما يشق الجواب عنه لأنه إن أعلمه بصومه فلعله يقلده فيه فيعتقد وجوبه فيلحق بالفرض ما ليس منه أو يعلمه ما لا يقدر عليه فيتكلف ما يشق أو بأقل مما يقدر عليه فيعتقد أنه لا يسوغ له أن يصوم أكثر من صومه صلى الله عليه وسلم فيقصر عن فضائل كثيرة اهـ إكمال المعلم (فلما رأى عمر رضي الله عنه غضبه) صلى الله عليه وسلم أي أثر غضبه على السائل وخاف من دعائه عليه خاصة ومن السراية على غيره عامة لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} كذا في المرقاة (قال) عمر رضي الله عنه اعتذارًا عنه واسترضاء منه لقوله تعالى: {أَلَيسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} أي حتى يأتي بكلام سديد (رضينا بالله) أي بقضائه (ربًا وبالإسلام) أي وبأحكام الإسلام (دينًا وبـ) متابعة (محمد) صلى الله عليه وسلم (نبيًّا) ورسولًا، والمنصوبات تمييزات، ويحتمل أن تكون حالات مؤكدة، قاله القاري في المرقاة (نعوذ بالله) أي نلتجئ إلى الله ونتعوذ بذاته وعصمته (من غضب الله) تعالى علينا بسبب غضب رسوله علينا (و) من (غضب رسوله) صلى الله عليه وسلم علينا بسبب سوء أدبه (فجعل عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه يردد) أي يكرر (هذا الكلام) الذي قاله (حتى سكن) وهدأ (غضبه) صلى الله عليه وسلم (فقال عمر يا رسول الله) أي فلما سكت غضبه صلى الله عليه وسلم قال عمر كيف بمن يصوم الدهر) والسنة كله) أي جميعه إلا الأيام المنهي عنها صومها أي هل هو

قَال: "لَا صامَ وَلَا أَفْطَرَ" (أَوْ قَال): "لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ" قَال: كَيفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَينِ ويفْطِرُ يَوْمًا؟ قَال: "ويطِيقُ ذلِكَ أَحَدٌ؟ " قَال: كَيفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا ويفْطِرُ يَوْمًا؟ قَال: "ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ) " قَال: كَيفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا ويفْطِرُ يَوْمَينِ؟ قَال: "وَدِدْتُ أَني طُوِّقْتُ ذلِكَ" ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ محمود أو مذموم؟ انظر حسن الأدب حيث بدأه بالتعظيم، ثم سأل السؤال على جه التعميم، ولذا قيل حسن السؤال نصف العلم (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صام) أي لا صام صومًا فيه كمال الفضيلة (ولا أفطر) فطرًا يمنع جوعه وعطشه اهـ مرقاة، وفي شرح السنة معناه الدعاء عليه زجرًا له لكونه مظنة لتفويت الحقوق الواجبة، ويجوز أن يكون إخبارًا اهـ لأنه إذا اعتاد ذلك لم يجد رياضة ولا كلفة يتعلق بها مزيد الثواب وحيث لم ينل راحة المفطرين ولذتهم فكأنه لم يفطر اهـ فتح الملهم (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر والشك من الراوي أو ممن دونه (لم يصم) صيامًا فيه فضيلة (ولم يفطر) فطرًا يمنع الجوع والعطش، ثم (قال) عمر (كيف من يصوم يومين ويفطر يومًا) هل هو محمود أو مذموم؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أ (ويطيق ذلك) الصوم الذي قلته (أحد) من الناس بتقدير همزة الاستفهام أي أتقول ذلك ويطيقه أحد، وفيه إشارة إلى أن العلة في النهي إنما هو الضعف فيكون المعنى إن أطاقه أحد فلا بأس أو فهو أفضل كذا في شرح المشكاة للقارئ، ثم (قال) عمر كيف من يصوم يومًا ويفطر يومًا) هل هو ممدوح أو مذموم؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك) الذي قلته (صوم داود - عليه السلام -) فهو أفضل الصيام يعني وهو في غاية من الاعتدال ومراعاة لجانبي العبادة والعادة بأحسن الأحوال (قال) عمر كيف من يصوم يومًا وبفطر يومين) هل فيه فضل أم لا؟ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (وددت) أي أحببت وتمنيت (أني طوقت ذلك) بالبناء للمجهول؛ أي جعلني الله مطيقًا ذلك الصيام المذكور اهـ مرقاة، قال النواوي: قال القاضي؛ معناه وددت أن أمتي تطوقه لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيقه وأكثر منه، وكان يواصل ويقول: "إني لست كأحدكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني". [قلت] ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية: "ليت أن الله قوانا لذلك" أو يقال إنما قاله لحقوق نسائه وغيرهن من المسلمين المتعلقين والقاصدين إليه اهـ فتح الملهم (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"ثَلاثٌ مِنْ كُل شَهْرٍ. وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ. فَهذَا صِيَامُ الدهْرِ كُلِّهِ. صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ التي قَبْلَه. وَالسَّنةَ الَّتي بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاث) أيام (من كل شهر) أي صيامها من كل شهر، وقوله ثلاث على صيغة المؤنث، ولو قال ثلاثة بالهاء لكان صحيحًا لأن المعدود المميز إذا كان غير مذكور لفظًا جاز تذكير مميزه وتأنيثه، يقال صمنا ستًّا وستة وخمسًا وخمسة، وإنما يلزم إثبات الهاء مع المذكر إذا كان مذكورًا لفظًا وحذفها مع المؤنث إذا كان كذلك، وهذه قاعدة مسلوكة صرح بها أهل اللغة وأئمة النحاة كذا في نيل الأوطار (ورمضان إلى رمضان) ذكره لدفع توهم دخوله في كل شهر (فهذا صيام الدهر كله) قال القاري: أي حكمًا أي كصيامه لقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} كذا قيل، ولا يخفى أن الكلية الحكمية إنما هي في غير رمضان؛ والمعنى أن صيامه كصيامه في الثواب لكنه من غير تضعيف على حد {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، قيل ثلاث مبتدأ خبره قوله فهذا صيام الدهر والفاء زائدة، وقال الطيبي: أدخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط وذلك إن ثلاث مبتدأ ومن كل شهر صفة له أي صيام ثلاثة أيام يصومها الرجل من كل شهر صيام الدهر كله (صيام يوم عرفة) وهو التاسع من المحرم (أحتسب على الله) أي أرجو من الله تعالى (أن يكفر السنة التي قبله) أي أن يكون كفارة لذنوب السنة التي قبله أي لصغائرها (والسنة التي بعده) أي لصغائرها، وفي النهاية: الاحتساب في الأعمال الصالحة هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبًا للثواب المرجوفيها، قال الطيبي: كان الأصل أن يقال أرجو من الله أن يكفر فوضع موضعه أحتسب وعداه بعلى الذي للوجوب على سبيل الوعد مبالغة لحصول الثواب، قوله (أن يكفر) قال إمام الحرمين: والمكفر الصغائر، قال القاضي عياض: وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو رحمة الله. [قلت] ورحمة الله تحتمل أن تكون مكفرة بغيره أي بغير صوم تاسوعاء، وقال النواوي المراد بالذنوب الصغائر وإن لم تكن الصغائر يرجى تخفيف الكبائر وإن لم تكن رفعت الدرجات، قال المظهر: وتكفير السنة الآتية أن يحفظه من الذنوب فيها، وقيل أن يعطيه من الرحمة والثواب قدرا يكون كفارة للسنة الماضية والقابلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب كذا في المرقاة، وسبق بيان مثل هذا في كتاب الطهارة والصلاة، وتقدم بيان حكم

وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السنَةَ الَّتي قَبْلَهُ". 2629 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمّدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيلانَ بْنِ جَرِيرٍ. سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ، عَنْ أبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِي رضي الله عنه؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ قَال: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال عُمَرُ رضي الله عنه: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينا. وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِبَيعَتِنَا بَيعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ صوم عرفة في باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة فليراجع (وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله) تعالى أي أرجو من الله تعالى (أن يكفر السنة التي قبله) أي ذنوبها، تقدم بسط الكلام فيه في باب عاشوراء، وظاهر الحديث أن صيام يوم عرفة أفضل، وقد قيل الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى - عليه السلام - ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2629 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار) البصريان (واللفظ) الآتي الابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن غيلان بن جرير) الأزدي البصري (سمع عبد الله بن معبد الزماني) البصري (عن أبي قتادة الأنصاري) السلمي المدني (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون دمالا أبا قتادة فإنه مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن غيلان بن جرير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل) بالبناء للمجهول أي سأله سائل (عن) كيفية (صومه) صلى الله عليه وسلم (قال) أبو قتادة (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لسؤال الرجل أي ظهر أثر الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم من قول الرجل وسوء سؤاله (فقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد) صلى الله عليه وسلم (رسولًا وببيعتنا) معه صلى الله عليه وسلم على الإسلام (بيعة)

قَال: فَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ؟ فَقَال: "لَا صامَ وَلَا أَفطَرَ (أَوْ مَا صامَ وَمَا أَفْطَرَ)، قَال: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَينِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَال: "وَمَنْ يُطِيقُ ذلِكَ؟ " قَال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وإفْطَارِ يَوْمَينِ؟ قَال: "لَيتَ أَن الله قوَّانَا لِذلِكَ" قَال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفطَارِ يَوْمٍ؟ قَال: "ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ (عَلَيهِ السَّلامُ) " قَال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَينِ؟ قَال: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ. ويوْم بُعِثْتُ (أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) " ـــــــــــــــــــــــــــــ مرضية عند الله تعالى، وهذا من المواضع التي خالفت فيها هذه الرواية الرواية الأولى (قال) أبو قتادة (فسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل هو عمر كما هو المصرح في الرواية السابقة (عن صيام الدهر فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صام) من صام الدهر (ولا أفطر أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر رضي الله عنه، والشك من الراوي أو ممن دونه (ما صام) من صام الدهر صومًا له فضيلة وأجر (وما أفطر) فطرًا يدفع عنه الجوع والعطش، بكلمة ما بدل لا النافية (قال) أبو قتادة (فسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سأله عمر أيضًا (عن صوم يومين وإفطار يوم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومن يطيق ذلك) الصوم (قال) أبو قتادة (وسئل) أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن صوم يوم وإفطار يومين قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليت أن الله) أي أتمنى أن الله سبحانه وتعالى (قوّانا لذلك) وأقدرنا عليه (قال) أبو قتادة (وسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن صوم يوم وإفطار يوم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك) الصوم المذكور (صوم أخي) في النسب لأنهما ابنا عم أو في العقائد (داود - عليه السلام - قال) أبو قتادة (وسئل عن صوم يوم الاثنين) بهمزة الوصل وإنما نبهت على ذلك وإن كان ظاهرًا لأن كثيرًا من أهل الفضل يقرؤونه بقطع الوصل ثم السؤال عن ذلك يحتمل احتمالين أن يكون من كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم فيه، وأن يكون من مطلق الصيام وخصوص فضله من بين الأيام كذا في المرقاة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك) اليوم (يوم ولدت فيه، وبوم بعثت أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم (أنزل على فيه) الوحي فحصلت لي فيه البركة من الله تعالى فأصومه شكرًا لله تعالى على تلك البركة أي أنزل على فيه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله {أَلَمْ يَعْلَمْ}. قال القاري: يعني حصل لي فيه بدء الكمال الصوري وطلوع الصبح المعنوي المقصود الظاهري والباطني، والتفضل الابتدائي والانتهائي فوقت يكون منشأ للنعم الدنيوية

قَال: فَقَال: "صَوْمُ ثَلاثةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، صَوْمُ الدَّهْرِ" قَال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَال: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ" قَال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَال: "يُكَفِّرُ السّنَةَ الْمَاضِيَةَ". وَفِي هذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَال: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَينِ وَالْخَمِيسِ؟ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ لما نَرَاهُ وَهْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والأخروية حقيق بأن يوجد فيه الطاعة الظاهرية والباطنية فيجب شكره تعالى على والقيام بالصيام لدي لما أولى من تمام النعمة إلي، قال الطيبي اختيارًا للاحتمال الثاني: أي فيه وجود نبيكم، وفيه نزول كتابكم وثبوت نبوته، فأي يوم أولى بالصوم منه، فاقتصر على العلة أي سئل عن فضيلته لأنه لا مقال في صيامه فهو من الأسلوب الحكيم اهـ والمتبادر أن السؤال عن فضيلته فالجواب طبق السؤال إذ لا يليق سؤال الصحابي عن جوازه لا سيما إن رأى أو علم أنه صلى الله عليه وسلم صامه، وحاصل التنَزل أنه لا بد من تقدير مضاف وهو إما فضل أو جواز إذ لا معنى للسؤال عن نفس الصوم فدل الجواب على أن التقدير فضل كذا في شرح المواهب (قال) أبو قتادة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوم ثلاثة) أيام (من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر) أي كصوم الدهر لكن لا تضعيف فيه (قال وسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن صوم يوم عرفة) هل له فضل أم لا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم صوم يوم عرفة (يكفر السنة الماضية) أي صغائر السنة الماضية أي السابقة (والباقية) أي صغائر السنة المستقبلة (قال) أبو قتادة (وسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن صوم يوم عاشوراء فقال) أرجو أن (يكفر السنة الماضية) أي السابقة (قال) المؤلف رحمه الله تعالى (وفي هذا الحديث) يعني حديث أبي قتادة (من رواية شعبة قال) أبو قتادة (وسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن صوم يوم الاثنين والخميس) بزيادة الخميس (فسكتنا) في جامعنا هذا (عن ذكر الخميس لما) بفتح اللام وتشديد الميم ظرف زمان بمعنى حين متعلق بسكتنا (نراه) قال النواوي: بفتح النون وضمها وهما صحيحان اهـ، وقوله (وهما) بفتح الواو وسكون الهاء أي سكتنا عن ذكره في جامعنا حين رأيناه وعلمناه وهما أي كونه وهمًا وخطأ من بعض الرواة، قال النواوي: قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: إنما تركه وسكت عنه لقوله (فيه ولدت، وفيه بعثت، أو أنزل عليّ) وهذا إنما هو في يوم الاثنين كما جاء في

2630 - (00) (00) وحدَّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. ح وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ. بِهذا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سائر الروايات يوم الاثنين دون ذكر الخميس فلما كان في رواية شعبة ذكر الخميس تركه مسلم لأنه رآه وهمًا اهـ وقال القاضي: ويحتمل صحة رواية شعبة ويرجع الوصف بالولادة والإنزال إلى يوم الاثنين دون الخميس، وهذا الذي قاله القاضي متعين والله أعلم، قال الحافظ: وقد ورد في صيام يوم الاثنين والخميس عدة أحاديث صحيحة؛ منها حديث عائشة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان من طريق ربيعة الجرشي عنها ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الاثنين والخميس، وحديث أسامة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين والخميس فسألته فقال: "إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم، أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة وقد يشكل على هذه الأحاديث حديث عائشة حين سأل عنها علقمة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص من الأيام شيئًا؟ قالت: لا كان عمله ديمة. والجواب عنه أن يقال: لعل المراد بالأيام المسئول عنها الأيام الثلاثة من كل شهر فكان السائل لما سمع أنه صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام، ورغب في أنها تكون أيام البيض سأل عائشة هل كان يخصها بالبيض؟ فقالت: لا كان عمله ديمة؛ تعني لو جعلها البيض لتعينت وداوم عليها لأنه كان يحب أن يكون عمله دائمًا لكن أراد التوسعة بعدم تعينها فكان لا يبالي من أي الشهر صامها والله تعالى أعلم اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2630 - (00) (00) (وحدثناه عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري المدائني (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني البصري (كلهم) أي كل من معاذ بن معاذ وشبابة بن سوار والنضر بن شميل رووا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن غيلان عن عبد الله عن أبي قتادة، غرضه

2631 - (00) وحدّثني أحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِميُّ. حَدَّثَنَا حَبّانُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ. حَدَّثَنَا غَيلانُ بْنُ جَرِيرٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ. غَيرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الاثْنَينِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَمِيسَ. 2632 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي. حَدَّثَنَا مَهْدِي بْنُ مَيمُونٍ، عَنْ غَيلانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ الزِمَّانِي، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِي رضي الله عنه؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يوم الاثْنَينِ؟ فَقَال: "فِيهِ وُلِدْتُ. وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2631 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) السرخسي، ثقة، من (11) (حدثنا حبان بن هلال) -بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة- الباهلي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا أبان) بن يزيد (العطار) أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) (حدثنا غيلان بن جرير) الأزدي البصري (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن عبد الله الزماني عن أبي قتادة (بمثل حديث شعبة) غرضه بيان متابعة أبان لشعبة (غير أنه) أي لكن أن أبانًا (ذكر فيه) أي في الحديث (الاثنين ولم يذكر) أبان في حديثه (الخميس) كما ذكره شعبة فخالفه في ذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 2632 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي البصري، ثقة، من (6) (عن فيلان) بن جرير البصري (عن عبد الله بن معبد الزماني) البصري (عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه) المدني، غرضه بيان متابعة مهدي بن ميمون لشعبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين) أي عن فضله (فقال) في جواب السائل (فيه) أي في يوم الاثنين (ولدت، وفيه أنزل عليّ) القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي قتادة ذكره للاستدلال به على باقي الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله أعلم. ***

454 - (10) باب صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال

454 - (10) باب: صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال 2633 - (1133) (53) حدثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ (وَلَمْ أَفْهَمْ مُطَرِّفًا مِنْ هَدَّابٍ) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَهُ (أَوْ لآخَرَ): "أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 454 - (10) باب صوم سرر شعبان وفضل صوم المحرم وستة أيام من شوال 2633 - (1133) (53) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري الحرشي أبي عبد الله البصري، ثقة عابد، من (2) قال المؤلف رحمه الله تعالى (ولم أفهم مطرفًا) أي لم أسمع ذكر مطرف في هذا السند (من) شيخي (هداب) بن خالد أي لم يدخله في سلسلة السند، بل قال هداب عن ثابت عن عمران بن حصين، وإنما سمعته من غير هداب (عن عمران بن حصين) البصري الصحابي المشهور (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له) أي لعمران بن حصين (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم إلى) رجل (آخر) غير عمران، والشك من مطرف أو ممن دونه (أصمت) أي هل صمت (من سرر شعبان) بتثليث السين، ورواية أبي داود عن عمران (هل صمت من شهر شعبان شيئًا؟ ) ثم إن المذكور في النهاية والقاموس سر الشهر بالإدغام كواحد الأسرار، واختلف في تفسيره فقيل مستهله، وقيل آخره، وقيل وسطه، وسر كل شيء جوفه، وفي شرح النواوي: ضبطوا سرر بفتح السين وكسرها، وحكى القاضي ضمها، وفي فتح الملهم: والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها جمع سُرَّة، ويقال أيضًا سرار بفتح أوله وكسره، ورجح الفداء الفتح وهو من الاستسرار، قال أبو عبيد والجمهور: المراد بالسرر هنا آخر الشهر سمي بذلك لاستسرار القمر فيه؛ وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع عشرين وثلاثين، ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرر الشهر أوله،

قَال: لَا. قَال: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَينِ". 2634 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور، وقيل السرر وسط الشهر حكاه أبو داود أيضًا ورجحه بعضهم ووجهه بأن السرر جمع سرة وسرة الشيء وسطه ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهي وسط الشهر وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهي خاص وهو آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان ورجحه النواوي بأن مسلمًا أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات، وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض وهي وسط الشهر كما تقدم اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: فإن حملنا السرر في هذا الحديث على أول الشهر فلا إشكال فيه، وإن حملناه على آخر الشهر عارضه قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) متفق عليه، ويرتفع ما يتوهم من المعارضة بأن يحمل النهي على من لم تكن له عادة بصوم شيء من شعبان فيصومه لأجل رمضان، وأما من كانت له عادة أن يصوم فليستمر على عادته وقد جاء هذا أيضًا في بقية الخبر فإنه قال: "إلا أن يكون أحدكم يصوم صومًا فليصمه" كما تقدم اهـ من المفهم (قال) عمران أو الرجل الآخر للنبي صلى الله عليه وسلم (لا) أي ما صمت من سرره (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل (فإذا أفطرت) من رمضان (فصم يومين) بدل ما فاتك من صوم سرره، قال القرطبي: هذا منه صلى الله عليه وسلم حمل على ملازمة عادة الخير حتى لا تقطع، وحض على أن لا يمضي على المكلف مثل شعبان فلم يصم منه شيئًا فلما فاته صومه أمره أن يصوم من شوال يومين ليحصل له أجر من الجنس الذي فوته على نفسه. [قلت] ويظهر لي أنه إنما أمره بصوم يومين للمزية التي يختص بها شعبان فلا بُعد في أن يقال إن صوم يوم منه كصوم يومين في غيره ويشهد لهذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم منه أكثر مما كان يصوم من غيره اغتنامًا لمزية فضيلته والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 444 - 443]، وأبو داود [2328]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2634 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبو شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن

عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ رضي الله عنه؛ أن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لِرَجُلٍ: "هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ هذَا الشهْرِ شَيئًا؟ لا قَال: لَا، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْمَينِ مَكَانَهُ". 2635 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أخِي مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ. قَال: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا ابن مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن) أخيه (مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن عمران بن حصين) البصري (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي العلاء لثابت في رواية هذا الحديث عن مطرف (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل) لم أر من ذكر اسمه وفي هذه الرواية ذكره بلا شك (هل صمت) بفتح التاء للمخاطب (من سرر هذا الشهر) يعني شعبان أي من آخره (شيئًا قال) الرجل (لا) أي ما صمت من سرره شيئًا لا قليلا ولا كثيرًا (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطرت من رمضان) ودخلت في شوال يعني غير يوم العيد (فصم يومين) من شوال (مكانه) أي بدل ما فاتك من صوم شعبان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2635 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن) عبد الله (بن) هانئ بن عبد الله بن الشخير (أخي مطرف) بن عبد الله (بن الشخير) العامري أبي الحسن البصري، روى عن عمه مطرف بن عبد الله بن الشخير، ويروي عنه (م) وشعبة في الصوم، روى له مسلم حديثًا واحدًا وهو هذا الحديث، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (قال) عبد الله بن هانئ (سمعت) عمي (مطرفا) ابن عبد الله بن الشخير (يحدّث عن عمران بن حصين

رضي الله عنه؛ أَن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال لِرَجُلٍ: "هَلْ صُمْتَ مِنْ سُرَرِ هذَا الشهْرِ شَيئًا؟ لا يَعْنِي شَعْبَانَ. قَال: لَا. قَال: فَقَال لَهُ: "إِذَا أَفْطَرْتَ رَمَضَانَ، فَصُمْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَينِ". (شعْبَةُ الَّذِي شَكَّ فِيهِ) قَال: وَأَظنهُ قَال: يَوْمَينِ. 2636 - (00) (00) وحدثني مُحَمدُ بْنُ قُدَامَةَ وَيَحْيَى اللُّولُؤِيُّ. قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَانئٍ ابْنِ أَخِي مُطَرِّفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن أخي مطرف لأبي العلاء في رواية هذا الحديث عن مطرف (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر) أي من آخره (شيئًا يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشهر الذي أبهمه شهر (شعبان قال) الرجل (لا) أي ما صمت من سرره شيئًا (قال) عمران (فقال له) أي للرجل النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أفطرت رمضان) أي من رمضان كما في الرواية السابقة نظير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} أي من قومه فمن مرادة هنا (فصم يومًا أو يومين شعبة) هو (الذي شك فيه قال) شعبة (وأظنه قال يومين) أي وأظن عبد الله بن هانئ قال: لفظة يومين لا يومًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 2636 - (00) (00) (وحدثني محمد بن قدامة) بن إسماعيل السلمي أبو عبد الله البخاري نزيل مرو، روى عن النضر بن شميل في الصوم وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وجرير بن عبد الحميد وعمر بن عبيد ويزيد بن هارون وغيرهم، ويروي عنه (م) وأبو داود في غير السنن، وعبد الله بن صالح البخاري والحسن بن سفيان وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الحادية عشرة (ويحيى) بن محمد بن معاوية المروزي أبو زكرياء (اللولوي) نزيل بخارى، روى عن النضر بن شميل في الصوم، وعبدان بن عثمان، ويروي عنه (م) وعبيد الله بن واصل وإسحاق بن خلف وغيرهم، وقال في التقريب: مقبول، من الحادية عشرة، مات سنة (157) سبع وخمسين ومائة (قالا أخبرنا النضر) بن شميل المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا شعبة) بن الحجاج البصري (حدثنا عبد الله بن هانئ) بن عبد الله بن الشخير البصري، وقوله (ابن أخي مطرف) بن عبد الله بن الشخير بالرقع صقة

فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 2637 - (1134) (54) حدثني قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِي، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَفْضَلُ الصيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لعبد الله (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن مطرف عن عمران بن حصين، وساق النضر بن شميل (بمثله) أي بمثل حديث محمد بن جعفر عن شعبة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة النضر بن شميل لمحمد بن جعفر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2637 - (1134) (54) (حدثني قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية، واسم أبي وحشية إياس اليشكري البصري، ويقال الواسطي أو الكوفي، وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري) البصري الفقيه، روى عن ابن عمر في الإيمان، وأبي هريرة في الصوم، وثلاثة من ولد سعد في الوصايا، وسعيد بن هشام في اللباس، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن بريدة في الإيمان، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية في الصوم، ومحمد بن المنتشر في الصوم، وعمرو بن سعيد ومحمد بن سيرين وعروة بن عبد الرحمن، قال العجلي: ثقة فقيه، من (3) الثالثة (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد بلخي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل) شهور (الصيام بعد) شهر (رمضان) ولا بد من تقدير مضاف إليه في المبتدإ ليصح الإخبار عنه بقوله (شهر الله المحرم) بالرفع صفة للمضاف، وخص بهذه الإضافة مع أن في الشهور أفضل منه لأنه اسم إسلامي دون سائر الشهور، وكان اسمه في الجاهلية صفر الأول والذي بعده صفر الثاني، وقال الطيبي: أراد بصيام شهر الله صيام يوم عاشوراء فيكون من باب ذكر الكل وإرادة الجزء لكن الظاهر أن المراد جميع شهر المحرم قاله ملا علي؛ أي هو أفضل شهر يتطوع بصيامه كاملًا لأنه أول السنة المستأنفة فكان استفتاحها

وَأفْضَلُ الصلاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاةُ الليلِ". 2638 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالصوم الذي هو أفضل الأعمال، وإنما قيل كاملًا لأن التطوع ببعض الشهر قد يكون أفضل كصوم عرفة وعشر ذي الحجة اهـ من شروح الجامع الصغير، فإن قيل إذا كان هذا الشهر أفضل فما وجه ما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان أكثر مما في المحرم، قلنا: لعله صلى الله عليه وسلم علم أفضليته في آخر حياته أو لعله كان يعرض له أعذار فيه من مرض أو سفر أو غيرهما، واعلم أن تفضيل صوم داود - عليه السلام - فيما سبق كان باعتبار الطريقة والكيفية، وهذا التفضيل باعتبار الزمان فتكون طريقة داود عليه السلام في المحرم أيضًا أفضل من طريقة غيره اهـ من المبارق (وأفضل الصلاة) أي أكثرها أجرًا (بعد الفريضة) الخمس ورواتبها المؤكدة (صلاة الليل) وقيل صلاة الليل أفضل من الرواتب من حيثية المشقة والكلفة والبعد من الرياء والسمعة اهـ من مرقاة ملا علي، وقال النواوي: الحديث حجة أبي إسحاق المروزي من أصحابنا، ومن وافقه على أن صلاة الليل أفضل من السنن الرواتب لأنها تشبه الفرائض، وقال أكثر العلماء: الرواتب أفضل من صلاة الليل والأول أقوى وأوفق لنص هذا الحديث، وقال الطيبي: ولعمري إن صلاة التهجد لو لم يكن فيها فضل سوى قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} وقوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} إلى قوله تعالى {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وغيرهما من الآيات لكفاه مزية، وقيل المراد من صلاة الليل الوتر فلا إشكال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 344]، وأبو داود [2429]، والترمذي [438]، والنسائي [3/ 206 - 207]، وابن ماجه [1742]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2638 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عبد الملك بن عمير) بن سويد الفرسي اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن محمد بن المنتشر) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة،

عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه. يَرْفَعُهُ. قَال: سُئِلَ: أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَي الصيَام أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَال: "أَفْضَلُ الصلاةِ، بَعْدَ الصلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصلاة فِي جَوْفِ اللَّيلِ. وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرمِ". 2639 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، فِي ذِكْرِ الصيَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن حميد بن عبد الرحمن) الحميري البصري (عن أبي هريرة رضي الله عنه) حالة كونه (يرفعه) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن المنتشر لأبي بشر في رواية هذا الحديث عن حميد بن عبد الرحمن (قال) أبو هريرة (سئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي الصلاة أفضل) أي أكثر أجرًا (بعد) الصلاة (المكتوبة وأي الصيام أفضل) أي أكثر أجرًا (بعد) صيام (شهر رمضان فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل) أي وسطه لبعده من الرياء والسمعة، ولما فيه من الكلفة والمشقة (وأفضل الصيام بعد) صيام (شهر رمضان صيام شهر الله المحرم) قال القرطبي: هذا إنما كان أفضل والله أعلم من أجل أن المحرم أول السنة المستأنفة التي يجيء رمضانها فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال والذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بأنه ضياء، فإذا استفتح سنته بالضياء مشى فيه بقيتها والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2639 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7) (عن عبد الملك بن عمير) الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (في ذكر الصيام) دون الصلاة

عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ. 2640 - (1135) (55) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزرَجِيِّ، عَنْ أَبِي أَيوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق زائدة بن قدامة (بمثله) أي بمثل ما روى جرير عن عبد الملك بن عمير، غرضه بسوقه بيان متابعة زائدة لجرير. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: 2640 - (1135) (55) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (قال ابن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني سعد بن سعيد بن قيس) بن عمرو الأنصاري المدني أخو يحيى بن سعيد، صدوق، من (4) (عن عمر بن ثابت بن الحارث) بن الخزرج الأنصاري (الخزرجي) المدني، روى عن أبي أيوب الأنصاري في الصوم، وبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن، ويروي عنه (م عم) وسعد بن سعيد والزهري ويحيى بن سعيد، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال النسائي: ثقة، قال ابن منده: يقال إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (عن أبي أيوب الأنصاري) النجاري خالد بن زيد بن كليب المدني (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بلخي وإما بغدادي وإما مروزي، وقوله (عن أبي أيوب الأنصاري) قال الشيخ الجزري: حديث أبي أيوب هذا لا يشك في صحته، ولا يلتفت إلى كون الترمذي جعله حسنًا ولم يصححه، وقوله في سعد بن سعيد راويه فقد جمع الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي طرقه وأسنده عن قريب ثلاثين رجلًا رووه عن سعد بن سعيد أكثرهم ثقات حفاظ، وتابع سعدًا في روايته أخواه عبد ربه ويحيى وصفوان بن سليم وغيرهم، ورواه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة

أَنَّهُ حَدَّثَهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ. ثُم أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ. كَانَ كصِيَامِ الدهْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وجابر وثوبان والبراء بن عازب وابن عباس وعائشة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اهـ فتح (أنه) أي أن أبا أيوب (حدثه) أي حدث لعمر بن ثابت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان ثم أتبعه) بهمزة قطع أي جعل عقبه في الصيام ستة أيام من شوال أي أتبع رمضان وألحقه (ستًّا) أي بستة أيام (من شوال كان) صيامه (كصيام الدهر) أي كصيام الأبد إذا اعتاد ذلك كل عام مدة عمره لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان كما في حديث النسائي بعشرة أشهر، والستة بشهرين، وعدة الشهور عند الله تعالى اثنا عشر شهرًا إلا أن المثلية لا تقتضي التساوي من كل وجه فإن ثواب من صام السنة بالفعل أكثر لأن صوم كل يوم بعشرة، وإنما خص صوم الست بشوال لأنه زمان يشتد الرغبة فيه في الصيام لوقوعه عقب الصيام فيكون الصوم فيه أشق على النفس، والحكمة في مشروعيتها أنها بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة تكمل فائدتها بالنسبة إلى أمزجة لم تتام فائدتها بهم، وإنما خص في بيان فضله التشبه بصوم الدهر لأن من القواعد المقررة أن الحسنة بعشر أمثالها وبهذه الستة يتم الحساب، وقال علي القاري: ثم لا يخفى أن ثواب صوم الدهر يحصل بانضمام ست إلى رمضان ولو لم يكن في شوال فكان وجه التخصيص المبادرة إلى تحصيل هذا الأمر اهـ، وقد كرهه مالك وأبو حنيفة ومن وافقهما وقد قال في الموطإ: ما رأيت أحدًا من أهل العلم يصومها، قالوا: فيكره لئلا يظن وجوبه، قال النواوي: وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب اهـ فتح الملهم بزيادة، وقوله (ثم أتبعه ستًّا من شوال) أداة التراخي مؤذنة بلزوم فصل الإتباع عن اليوم المنهي عنه، وعليه تحمل رواية وأتبعه بالواو وينتفي الاتصال بفصل يوم الفطر، وقوله ستًّا أراد به ستة أيام، وعند عدم المميز يجوز في اسم العدد الوجهان التذكير والتأنيث، وفي الحديث دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة، وقال مالك وأبو حنيفة: يكره صومها لئلا يظن وجوبها كما مر آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 417]، وأبو داود [2433]، والترمذي [759]، وابن ماجه [1716].

2641 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. أخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ. أَخْبَرَنَا أبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثْلِهِ. 2642 - (00) (00) وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ. قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ ثَابِتٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أيوب رضي الله عنه فقال: 2641 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (أخبرنا عمر بن ثابت أخبرنا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وساق عبد الله بن نمير (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل بن جعفر، وغرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لإسماعيل بن جعفر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي أيوب رضي الله عنه فقال: 2642 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن المبارك) الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (عن سعد بن سعيد قال سمعت عمر بن ثابت قال سمعت أبا أيوب) الأنصاري المدني (رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق عبد الله بن المبارك (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل بن جعفر، غرضه بيان متابعة عبد الله بن المبارك لإسماعيل بن جعفر مع تصريح سماع عمر بن ثابت لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث عمران بن حصين ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

455 - (11) باب الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها

455 - (11) باب: الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها 2643 - (136 1) (56) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ رِجَالًا مِنْ اصْحَابِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ 455 - (11) باب الحث على طلب ليلة القدر وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها بفتح القاف وسكون الدال سميت بذلك لعظم قدرها أي ذات القدر العظيم لنزول القرآن فيها ووصفها بأنها خير من ألف شهر أو لما يحصل لمحييها بالعبادة من القدر الجسيم أو لأن الأشياء من الكائنات تقدر فيها وتقضى لقوله تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم بمعنى يظهر تقديرها للملائكة بأن يكتب لهم ما قدره في تلك السنة ويعرفهم إياه وليس المراد منه أنه يحدثه في تلك الليلة لأن الله تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض في الأزل فالقدر بمعنى التقدير وهو جعل الشيء على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة البالغة، قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: نعم قيل له: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "إن الله سبحانه وتعالى قدر في ليلة القدر ويكتب كل ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة وغيرها إلى مثل هذه الليلة من السنة المقبلة فيسلمه إلى مدبرات الأمور من الملائكة فيسلم نسخة الأرزاق والنباتات والأمطار إلى ميكائيل، ونسخة الحروب والرياح والزلازل والصواعق والخسف إلى جبريل، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل، ونسخة المصائب إلى ملك الموت اهـ من حدائق الروح والريحان، وقد بسطنا الكلام فيه فراجعه. 2643 - (1136) (56) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من رباعياته (أن رجالًا) لم أر من ذكر أسماءَهم (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا) بضم الهمزة ماض مجهول مسند إلى الجماعة من الإراءة بمعنى الإخبار أي أخبروا

لَيلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ. فِي السَّبْعِ الأوَاخِرِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَرَى رُؤْياكُمْ قَدْ توَاطَأتْ فِي السبْعِ الأوَاخِرِ. فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَهَا فِي السبْعِ الأَوَاخِرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ليلة القدر في المنام) أنها ليلة كذا وكذا أي أخبروا في المنام بأنها (في) ليال (السبع الأواخر) ولا يستلزم هذا رؤيتهم إياها، وظاهر الحديث أن رؤياهم كانت قبل دخول السبع الأواخر لقوله: "فليتحرها في السبع الأواخر" والظاهر أن المراد به أواخر الشهر، وقيل المراد به السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين وآخرها ليلة الثامن والعشرين فإن الحادية والعشرين آخر السبع الثالث من الشهر، وأول السبع الرابع إنما هو الثانية والعشرون لأن الشهر أربعة أسابيع ويومان، ولكن سياق حديث عقبة بن حريث عن ابن عمر عند المؤلف في الباب بلفظ "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن علي السبع البواقي" يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع الأواخر والله أعلم اهـ فتح الملهم، ثم يحتمل أنهم رأوا ليلة القدر وعظمتها وأنوارها ونزول الملائكة فيها وأن ذلك كان في ليلة من السبع الأواخر، ويحتمل أن قائلًا قال لهم: هي في كذا، وعين ليلة من السبع الأواخر ونسيت، أو قال: إن ليلة القدر في السبع، فهي ثلاث احتمالات اهـ قسط، وقوله (في السبع الأواخر) جمع آخرة بكسر الخاء قال في المصابيح: ولا يجوز في السبع الأخر بضم الهمزة لأنه جصع لأخرى وهي لا دلالة لها على المقصود وهو التأخير في الوجود، وإنما تقتضي المغايرة تقول: مررت بامرأة حسنة، وامرأة أخرى مغايرة لها، ويصح هذا التركيب سواء كان المرور بهذه المرأة المغايرة سابقًا أو لاحقًا وهذا عكس العشر الأول فإنه يصح لأنه جمع أولى ولا يصح الأوائل لأنه جمع أول الذي هو للمذكر، وواحد العشر ليلة وأي مؤنثة فلا توصف بمذكر اهـ قسط (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى) بفتح الهمزة والراء أي أعلم ومفعوله الأول قوله (رؤياكم) بالإفراد والمراد الجمع أي رؤاكم لأنها لم تكن رؤيا واحدة فهو مما عاقب الإفراد فيه الجمع لأمن اللبس اهـ قسط، والثاني قوله (قد تواطأت) بالهمز هو كتوافقت وزنًا ومعنى أي توافقت (في) رؤيتها في ليالي (السبع الأواخر فمن كان متحريها) أي طالبها وقاصدها بالجد والاجتهاد (فليتحرها) أي فليطلبها (في) ليالي (السبع الأواخر) من رمضان من غير تعيين وهي التي تلي آخره أو السبع بعد

2644 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عمَرَ رضي الله تعالى عنهما، عَنِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ، قَال: "تَحَرَّوا لَيلَةَ الْقَدْرِ فِي السبْعِ الأَوَاخِرِ". 2645 - (00) (00) وحدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَال زُهَير: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ العشرين، والحمل على هذا أولى لتناوله إحدى وعشرين وثلاثًا وعشرين بخلاف الحمل على الأول فإنهما لا يدخلان ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين على الثاني وتدخل على الأول اهـ قسط، وفي هذا الحديث دلالة على عظم قدر الرؤيا وجواز الإستناد لها في الاستدلال على الأصول الوجودية بشرط أن لا يخالف القواعد الشرعية، ويستفاد من الحديث أن توافق جماعة على رؤيا واحدة دال على صدقها وصحتها كما تستفاد قوة الخبر من التوارد على الأخبار عن جماعة، وقوله (فليتحرها) وفي بعض الروايات فالتمسوها، والفرق بينهما أن كلًّا منهما طلب وقصد ولكن معنى التحري أبلغ لاشتماله على الطلب بالجد والاجتهاد اهـ فتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 17]، والبخاري [1158]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2644 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (4) (عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحروا) أي اطلبوا اليلة القدر في السبع الأواخر) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2645 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد النسائي (قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) وهذا السند من

قَال: رَأَى رَجُلٌ أَن لَيلَةَ الْقَدْرِ لَيلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرَى رُؤْياكمْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فَاطْلُبُوهَا فِي الْوتْرِ مِنْهَا". 2646 - (00) (500) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أن أبَاهُ رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع في الرواية عن عبد الله بن عمر (قال) عبد الله (رأى رجل) لم أر من ذكر اسمه أي أخبر رجل في المنام (أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) ورأى آخرون أنها في غيرها (فقال) لهم (النبي صلى الله عليه وسلم أوى رؤياكم) توافقت على أنها (في العشر الأواخر فاطلبوها) أي فاطلبوا ليلة القدر (في الوتر منها) أي من العشر الأواخر أي في أوتار الليالي من العشر الأواخر كالليلة الحادية والعشرين، والثالثة والعشرين، وغيرهما لا في أشفاعها، وواو الوتر فيها الفتح والكسر، وقرئ بهما في قوله تعالى {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)} [الفجر: 3] كما في أنوار التنزيل، وقوله (فاطلبوها) هو أمر على جهة الإرشاد إلى وقتها وترغيب في اغتنامها فإنها ليلة عظيمة تغفر فيها الذنوب ويطلع الله تعالى فيها من شاء من ملائكته على ما شاء من مقادير خليقته على ما سبق به علمه ولذلك عظمها سبحانه وتعالى بقوله وما أدراك ما ليلة القدر إلى آخر السورة، وقوله (ليلة سبع وعشرين) إلخ ولعل غيره رأى أنها غيرها من العشر الأواخر لكن لم يذكر هنا بقرينة قوله صلى الله عليه وسلم في الجواب: "أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها" وسياق التصريح اختلاف مرائيهم في الروايات الآتية، وقد ورد في رواية أحمد في حديث الباب: رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين أو كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث، وهذا يدل على كونه شاكا في تعيين سبع وعشرين أو وقوع الترديد في نفس الرؤيا والله أعلم اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2646 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه) عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لابن عيينة في

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ لِلَيلَةِ الْقَدْرِ: "إِن نَاسًا مِنْكُمْ قَدْ أُرُوا أَنَّهَا فِي السبع الأُوَلِ. وَأُرِيَ نَاسٌ مِنْكُمْ أَنهَا فِي السبع الْغَوَابِرِ. فَالتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوابِرِ". 2647 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية هذا الحديث عن الزهري (قال) ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لليلة القدر) أي في شأن ليلة القدر (إن ناسًا منكم) أيها الأصحاب (قد أُروا) بضم الهمزة كما مر أي قد أُخبروا في منامهم (أنها في السبع الأول) بضم الهمز جمع الأول، والجمع باعتبار الليالي أي قد أروا أنها في السبع الأولى من العشرة الأخيرة من رمضان أي في الحادية والعشرين إلى السابعة والعشرين (وأُري ناس) آخرون (منكم أنها في السبع الغوابر) أي في السبع الأخيرة من العشرة الأخيرة من رمضان يعني من الرابع والعشرين إلى الثلاثين؛ أي في السبع البواقي من العشرة الأخيرة، جمع غابر وهو بمعنى الباقي هنا، والمراد بالسبع الغوابر السبع التي تلي آخر الشهر أو التي تلي العشرين بعده يعني من الحادي والعشرين إلى السابع والعشرين، قال الطيبي: وهذا أمثل اهـ مبارق (فالتمسوها في العشر الغوابر) يعني البواقي وهي الأواخر، وفي صحيح البخاري من طريق عقيل عن ابن شهاب أن أناسًا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر وأن أناسًا أروها في العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في السبع الأواخر" قال الحافظ: فلما رأى قوم أنها في العشر، وقوم أنها في السبع كانوا كأنهم توافقوا على السبع فأمرهم بالتماسها في السبع لتوافق الطائفتين عليها ولأنه أيسر عليهم اهـ. [قلت] ولما كان وقوعها في إحدى الليالي العشر أو في السبع الأول مطلقًا لا يستلزم وقوعها في السبع الأواخر، حرضهم على التماسها في العشر الغوابر في حديث الباب فإنها لا تخلو عنها لا محالة على رؤية أحد ممن رآها ثم قال في رواية عقبة بن حريث: "فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن علي السبع البواقي" فهذه درجة متنَزلة من الالتماس في العشر والله أعلم اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 2647 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا

شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ (وَهُوَ ابْنُ حُرَيثٍ) قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَفَمَ: "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ (يَعْنِي لَيلَةَ الْقَدْرِ) فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يغلَبَن عَلَى السبع الْبَوَاقِي". 2648 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنّهُ قَال: "مَنْ كَانَ مُلْتَمِسَهَا فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة عن عقبة وهو ابن حريث) التغلبي بمثناة الكوفي، ثقة، من (4) (قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول) غرضه بيان متابعة عقبة لنافع وسالم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوها في العشر الأواخر) من رمضان (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير التمسوها (ليلة القدر) أي التمسوا ليلة القدر واطلبوها وهو تفسير للضمير مدرج من الراوي، وكلمة العناية غير موجودة فيما رواه البخاري عن ابن عباس، فقال شارحوه: الضمير المنصوب مبهم يفسره قوله ليلة القدر فليلة القدر عندهم من متن الحديث وكذلك هو في مشكاة المصابيح (فإن ضعف أحدكم) عن طلبها في العشر كله (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن (عجز) أحدكم عن طلبها في جميع العشر والشك من الراوي عن ابن عمر (فلا يغلبن) بالبناء للمجهول أي لا يمنعن أحدكم ولا يعارضن (على) طلبها في (السبع البواقي) أي في السبع الأواخر، وفي بعض النسخ (عن السبع) بدل على، وكلاهما صحيح اهـ نواوي. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسا في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2648 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن جبلة) -بفتحات- بن سحيم -مصغرًا- التيمي أبي سويرة -بضم السين- الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جبلة بن سحيم لمن روى عن ابن عمر (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال من كان ملتمسها) أي ملتمس ليلة القدر وطالبها أي من كان مريدا التماسها وطلبها (فليلتمسها) أي فليطلبها (في العشر الأواخر) من رمضان.

2649 - (00) (00) وحدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ جَبَلَةَ وَمُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَحَيَّنُوا لَيلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ" أَوْ قَال: "فِي التِّسْعِ الأَوَاخِرِ". 2650 - (1137) (57) حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2649 - (00) (00) و (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن) أبي إسحاق (الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن جبلة) بن سحيم الكوفي، ثقة، من (3) (ومحارب) بن دثار السدوسي أبي مطرف الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن ابن عمر رضي الله عنهما) غرضه بسوق هذ السند بيان متابعة الشيباني لشعبة في رواية هذا الحديث عن جبلة بن سحيم لكن زاد الشيباني روايته عن محارب (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحينوا ليلة القدر) أي قدروا حينها ووقتها وزمانها أي قدروا كونه منحصرا (في العشر الأواخر) من رمضان لا يخرج منها واطلبوها فيها (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم (في التسع الأواخر) من رمضان لا يخرج وقتها عنها، والشك من الراوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 2650 - (1137) (57) (حدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان

أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُرِيتُ لَيلةَ الْقَدْرِ. ثُم أَيقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي. فَنُسِّيتُهَا. فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ". وَقَال حَرْمَلَةُ: "فَنَسِيتُهَا". 2651 - (1138) (58) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرٌ (وَهُوَ ابْنُ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصريان وواحد أيلي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُريت) بالبناء للمجهول ماض مسند لضمير المتكلم وهو المفعول الأول ناب عن الفاعل، والثاني قوله اليلة القدر) أي أراني ربي في المنام ليلة القدر بعينها وبعلاماتها (ثم أيقظني) أي نبهني من المنام (بعض أهلي) لم أر من ذكر ذلك البعض (فنسيتها) بضم النون وتشديد السين المكسورة؛ أي شُغلت بعارض من العوارض فرُفع عن قلبي معرفتها فنسيت تعيينها بسبب ذلك العارض (فالتمسوها) أي فاطلبوها (في العشر الغوابر) أي الأواخر من الشهر (وقال حرملة) بن يحيى في روايته (فنسيتها) بفتح النون وتخفيف السين، والمراد أنه نسي علم تعيينها في تلك السنة، وسيأتي الكلام على الاختلاف في سبب النسيان في أواخر الباب (فإن قلت) إذا جاز النسيان في هذه المسئلة جاز في غيرها فيفوت منه التبليغ إلى الأمة (قلت) نسيان الأحكام التي يجب عليه التبليغ لها لا يجوز ولو جاز ووقع لذكره الله كذا في عمدة القاري، وقال الحافظ: في الحديث أن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقص عليه في ذلك لا سيما فيما لم يؤذن له في تبليغه وقد يكون في ذلك مصلحة في التشريع كما في السهو في الصلاة أو بالاجتهاد في العبادة كما في هذه القصة لأن ليلة القدر لو عينت في ليلة بعينها حصل الاقتصار عليها ففاتت العبادة في غيرها، وكان هذا هو المراد بقوله (عسى أن يكون خيرًا لكم) كما ورد في حديث عبادة عند البخاري والله أعلم اهـ فتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في الاعتكاف في الكبرى اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد رضي الله عنهم فقال: 2651 - (138 1) (58) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر وهو ابن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة أبو محمد المصري، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (ابن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من

عَنْ مُحَمدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحْمنِ، عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدرِي رضي الله عنه. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يُجَاورُ فِي الْعَشْرِ التِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ. فَإذَا كَانَ مِنْ حِينِ تَمْضِي عِشْرُونَ لَيلَةً، ويسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، يَرْجِعُ إِلَى مَسْكَنِهِ. وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاورُ مَعَهُ. ثمَّ إِنهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ، جَاوَرَ فِيهِ تِلْكَ اللَّيلَةَ الَّتِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا. فَخَطَبَ النَّاسَ. فَأمَرَهُمْ بِمَا شَاءَ اللهُ. ثمَّ قَال: "إِني كُنْتُ أُجَاورُ هَذِهِ الْعَشْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي (قال) أبو سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور) أي يعتكف في المسجد (في العشر التي في وسط الشهر فإذا كان) تامة (من) زائدة (حين) بالرفع الممنوع بحركة حرف جر زائد فاعل كان معرب لإضافته إلى معرب أي فإذا حصل زمن (تمضي) وتتم فيه (عشرون ليلة) من رمضان وهو وقت غروب شمس يومها (ويستقبل) في محل الجر معطوف على تمضي؛ أي وحين يستقبل فيه صلى الله عليه وسلم أي يبتدئ فيه (إحدى وعشرين) ليلة وهو مفعول يستقبل، يقال استقبلت الشيء إذا واجهته فهو مستقبل بالفتح (يرجع) جواب إذا، ولفظ البخاري رجع إلى مسكنه هو المناسب للسياق، والتقدير: فلما مضت ليلة العشرين واستقبل ليلة إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع معه (فيها) أي في تلك الليلة المستقبلة وهي ليلة إحدى وعشرين (إلى مسكنه) وبيته (ورجع من كان يجاور) ويعتكف (معه) صلى الله عليه وسلم في العشر الأوسط إلى مساكنهم (ثم) بعدما تم له عشرون ليلة (إنه) صلى الله عليه وسلم (أتام) وجلس (في شهر جاور) واعتكف (فيه) العشر الأوسط أي أقام وجلس في معتكفه (تلك الليلة التي كان يرجع فيها) إلى مسكنه وهي الليلة الحادية والعشرون (فخطب الناس) في بداية تلك الليلة أي ذكرهم بالترغيب والترهيب (فأمرهم) في تلك الخطبة (بما شاء الله) سبحانه الأمر به من المعروف والاجتهاد بالعبادة في العشر الأخير (ثم) بعدما خطبهم وأمرهم (قال) موضحًا لهم سبب مخالفة عادته (إني كنت) في عادتي (أجاور) وأعتكف (هذه العشر) الأوسط بتأنيث هذه نظرًا إلى معنى العشر، ووصفناه بالأوسط نظرًا إلى لفظه لأن

ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُجَاورَ هَذِهِ الْعَشْرَ الأوَاخِرَ. فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَبِتْ فِي فعْتَكَفِهِ. وَقَدْ رَأَيتُ هذِهِ اللَّيلَةَ فَأنْسِيتُهَا. فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأوَاخِرِ. فِي كُلِّ وتْرٍ. وَقَدْ رَأَيتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ". قَال أبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِي: مُطِرْنَا لَيلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَنَظَرتُ إِلَيهِ وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ. وَوَجْهُهُ مُبْتَلٌّ طِينًا وَمَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظه مذكر (ثم) بعدما فرغت من اعتكاف هذه العشر الأوسط (بدا) أي ظهر (لي) بوحي أو اجتهاد (أن أجاور) وأعتكف معها (هذه العشر الأواخر فمن كان) قد (اعتكف معي) في العشر الأوسط (فليبت) هذه الليلة (في معتكفه) بفتح الكاف أي في مكان اعتكافه في العشر الأوسط فلا يخرج من المسجد، قال النواوي: هكذا هو في أكثر النسخ (فليبت) من المبيت، وفي رواية للبخاري (فليثبت) من الثبوت، وفي أخرى (فليلبث) من اللبث (وقد رأيت) في المنام (هذه الليلة) التي نطلبها أي رأيت تعيينها (فأُنسيتها) بضم الهمز من الإنساء من باب الإفعال، مبنيا للمجهول؛ أي فأنسيت تعيينها لسبب من الأسباب (فالتمسوها) أي فاطلبوها (في) ليالي (العشر الأواخر) من هذا الشهر والجار والمجرور في قوله (في كل وتر) من أوتار ليالي العشر الأواخر بدل من الجار والمجرور قبله بدل بعض من كل (و) إني (قد رأيتني) بضم التاء للمتكلم، اجتمع فيه ضميران للمتكلم أحدهما فاعل والآخر مفعول وهو من خصائص أفعال القلوب، والتقدير أي ومن علاماتها أني رأيت نفسي في المنام كأني (أسجد) سجود الصلاة (في ماء وطين) علامة جعلت لي أستدل بها عليها، زاد في رواية وما نرى في السماء قزعة (قال أبو سعيد الخدري) بالسند السابق فـ (مطرنا) تلك الليلة (ليلة إحدى وعشرين) من رمضان (فوكف المسجد) أي قطر سقفه ماء المطر لأنه كان من جريد النخل، من قولهم وكف الدمع إذا تقاطر، وكذا وكف البيت (في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في موضع صلاته (فنظرت إليه) صلى الله عليه وسلم (و) الحال أنه (قد انصرف) وفرغ (من صلاة الصبح ووجهه) أي والحال أن وجهه صلى الله عليه وسلم (مبتل طينًا وماءً) أي ملطخ بالطين ومصاب ببلل الماء، قال الحافظ: فيه من الفوائد ترك مسح جبهة المصلي والسجود على الحائل وحمله الجمهور على الأثر الخفيف، لكن يعكر عليه قوله في بعض طرقه ووجهه ممتلئ طينًا وماء، وأجاب النواوي: بان الامتلاء المذكور لا يستلزم ستر جميع الجبهة، قال الزين بن المنير: ويحتمل أن يكون ترك مسح الجبهة عامدًا لتصديق رؤياه. وشارك

2652 - (00) (00) وحدثنا ابْن أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُجَاوز، فِي رَمَضَانَ، الْعَشْرَ التي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ. وَسَاقَ الْحدِيثَ بِمِثْلِهِ. غيرَ أنَّه قَال: "فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ" وَقَال: وَجَبِينُهُ مُمْتَلِئًا طِينًا وَمَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2652 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد (يعني الدراوردي) الجهني المدني (عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني (عن محمد بن إبراهيم) التيمي المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد العزيز لبكر بن مضر في رواية هذا الحديث عن يزيد بن الهاد (أنه) أي أن أبا سعيد الخدري (قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور) ويعتكف (في رمضان العشر التي وسط الشهر) مفعول يجاور، قال النواوي: هكذا هو في جميع النسخ، والمراد بالعشر الليالي وكان من حقها أن توصف بلفظ التأنيث لكن وُصفت بالمذكر على إرادة الوقت أو الزمان أو التقدير بالثلث كأنه قال الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر اهـ بتصرف (وساق) عبد العزيز (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل ما حدّث بكر بن مضر (غير أنه) أي لكن أن عبد العزيز (قال) في روايته (فليثبت) من الثبوت (في معتكفه) أي في موضع اعتكافه (وقال) عبد العزيز أيضًا (و) كان (جبينه) صلى الله عليه وسلم أي جانبا جبهته والمراد به هنا ما يقع من الوجه على الأرض حالة السجود، وقوله (ممتلئا) قال النواوي: كذا هو في معظم النسخ بالنصب، وفي بعضها (ممتلئ) بالرفع على الخبرية لقوله (وجبينه) ويقدر للمنصوب فعل محذوف أي وجبينه رأيته ممتلئًا (طينًا وماءً) تمييز محول عن الفاعل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

2653 - (00) (500) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيةَ الانْصَارِيُّ. قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِي رضي الله عنه. قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ. ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ. فِي قُبَّةٍ تُرْكيةٍ على سُدَّتِهَا حَصِيرٌ. قَال: فَأخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ. ثمَّ أطْلَعَ رَأسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ. فَدَنَوْا مِنْهُ. فَقَال: "إِني اعتَكَفْتُ الْعَشْر الأَوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2653 - (00) (00) (وحدثني محمد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) (حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا عمارة بن غزية) بن الحارث بن عمرو (الأنصاري) المازني المدني، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في التقريب: لا بأس به، من (6) (قال سمعت محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي المدني، ثقة، من (4) (يُحدّث عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن المدني (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمارة بن غزية ليزيد بن الهاد في رواية هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم (قال) أبو سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول) ذكره وكان حقه أن يقول العشر الأول بالتانيث إما باعتبار لفظ العشر من غير نظر إلى مفرداته ولفظه مذكر فيصح وصفه بالأول، وإما باعتبار الوقت أو الزمان أي ليالي العشر التي هي الثلث الأول من الشهر اهـ قسط بتصرف (من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط) فيه ما في الأول من البحث أي ليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر (في قبة) أي في خيمة صغيرة من لبود (تركية) أي مصنوعة في الترك (على سدتها) أي على باب تلك القبة والسدة -بضم السين وتشديد الدال المفتوحة- الباب نفسه، وقيل الظلة على الباب لتقي الباب من المطر، وقيل هي الساحة بين يدي الباب كذا في النهاية أي على بابها (حصير) هو منسوج خوص النخل (قال) أبو سعيد (فأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحصير) على الباب (بيده) الشريفة (فنحاها) أي نحى الحصير وجنبها (في ناحية القبة) أي في جانب القبة (ثم أطلع) بفتح الهمزة وسكون الطاء أي أخرج من القبة (رأسه) الشريف (فكلم الناس) المجاورين في المسجد ودعاهم (فدنوا) أي قربوا (منه) صلى الله عليه وسلم (فقال) لهم (أني اعتكفت العشر الأول) من هذا الشهر في المسجد حالة

أَلْتَمِسُ هذِهِ اللَّيلَةَ. ثُمَّ اعتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأوْسَطَ. ثُمَّ أُتِيتُ. فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأوَاخِرِ. فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ" فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ. قَال: "وإني أُرِيتُهَا لَيلَةَ وتْرٍ، وَأَنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ" فَأَصْبَحَ مِنْ لَيلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ قَامَ إِلَى الصبْحِ. فَمَطَرَتِ السمَاءُ. فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ. فَأَبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ. فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ وَالْمَاءُ. وَإِذَا هِيَ لَيلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كوني (ألتمس) وأطلب (هذه الليلة) المقدرة بنزول القرآن فيها إلى السماء الدنيا جملة في محل يقال له بيت العزة أو بنزول الملائكة فيها إلى الأرض أي أطلب مصادفتها (ثم اعتكفت العشر الأوسط) لطلبها أيضًا (ثم) بعد العشر الأوسط (أُتيت) في المنام، بضم الهمزة، وعند البخاري أن جبريل أتاه في المرتين فقال: إن الذي تطلب أمامك -بفتح الهمزة والميم- أي قدامك (فقيل لي) أي أتاني آت من ربي فقال لي (إنها) أي إن الليلة التي تلتمسها (في العشر الأواخر) قال الطيبي: في وصف الأول والأوسط بالمفرد والأخير بالجمع إشارة إلى تصوير ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين اهـ (فمن أحب منكم أن يعتكف) العشر الأواخر معي (فليعتكف) معي أمرهم بذلك لئلا يضيع سعيهم في الاعتكاف والتحري (فاعتكف الناس معه) صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر (قال: واني أريتها) في المنام من الإراءة (ليلة وتر) أي إنها ليلة وتر من أوتار ليالي العشر الأواخر (و) أريت أيضًا من علاماتها (أني أسجد صبيحتها) أي في صلاة صبحها (في طين وماء) قال أبو سعيد (فأصبح) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى) صلاة (الصبح فمطرت السماء) أي أمطرت المطر ونحن في صلاة الصبح (فوكف المسجد) أي قطر سقفه المطر، قال أبو سعيد (فأبصرت الطين والماء) في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصلاه ليرجع إلى معتكفه (حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه) أي جبهته لأنها المراد هنا كما مر (وروثة أنفه) بالثاء المثلثة أي طرف أنفه الذي يقع على الأرض عند السجود، ويقال لها أيضًا أرنبة الأنف كما جاء في الرواية الأخرى أي والحال أن جبينه وطرف أنفه (فيهما الطين والماء) اللذان أصابهما عند السجود، قال أبو سعيد فحسبت ليالي شهر رمضان (وإذا هي) أي الليلة التي أمطرت فيها السماء (ليلة إحدى وعشرين) حالة كونها

مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. 2654 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أبُو عَامِرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. قَال: تَذَاكَرْنَا لَيلَةَ الْقَدْرِ. فَأَتَيتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه وَكَانَ لِي صَدِيقًا. فَقُلْتُ: أَلا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ؛ فَخَرَجَ وَعَلَيهِ خَمِيصَةٌ. فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَ وَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَذْكُرُ لَيلَةَ الْقَدْرِ؛ فَقَال: نَعَمْ. اعْتَكَفْنَا مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من العشر الأواخر) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والواو في قوله (وإذا) عاطفة على محذوف، وإذا فجائية أي فحاسبت ليالي الشهر ففاجأني كونها ليلة إحدى وعشرين من رمضان والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2654 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي اليامي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال) أبو سلمة (تذاكرنا ليلة القدر) أي تحادثنا في شأن ليلة القدر فيما بيننا (فأتيت) بضم التاء للمتكلم (أبا سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمحمد بن إبراهيم في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة، قال أبو سلمة (وكان) أبو سعيد (لي صديقًا) أي صديقًا وصاحبًا لي، والصديق من يفرح لفرحك ويحزن لحزنك (فقلت) له (ألا تخرج بنا) يا أبا سعيد (إلى النخل) أي إلى بستان النخل وحديقته، وألا هنا للعرض وهو الطلب برفق ولين، وفيه تأنيس الطالب للشيخ في طلب الاختلاء به ليتمكن مما يريد من مسألته وإجابة السائل لذلك (فخرج) بنا أبو سعيد إلى النخل (وعليه خميصة) أي والحال أن على أبي سعيد خميصة؛ وهي ثوب خز أو صوف معلم، وقيل لا تُسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت لباس الناس قديمًا، جمعها خمائص (فقلت له) أي لأبي سعيد هل (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر) أي شأنها ووقتها وما يتعلق بها (فقال) أبو سعيد (نعم) سمعته صلى الله عليه وسلم يذكرها وذلك لأنا (اعتكفنا مع

رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الْعَشْرَ الْوُسْطَى مِنْ رَمَضَانَ. فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ. فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: "إِني أُرِيتُ لَيلَةَ الْقَدْرِ. وَإِنِّي نَسِيتُها (أَوْ أُنْسِيتُهَا) فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَواخِرِ مِن كُل وتْرٍ. وَإِني أُرِيتُ أَني أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. فَمَنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الوسطى من رمضان فخرجنا) من المسجد (صبيحة) ليلة (عشرين) وفي رواية البخاري (فخرج) أي النبي صلى الله عليه وسلم (صبيحة عشرين) وفي رواية مالك (حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين) وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال الحافظ: وظاهره يخالف رواية الباب، ومقتضاه أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين وهو مغاير لقوله في آخر الحديث: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين، فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين ووقوع المطر كان في ليلة إحدى وعشرين وهو الموافق لبقية الطرق وعلى هذا فكان قوله في رواية مالك المذكورة وهي اللية التي يخرج من صبيحتها أي من الصبح الذي قبلها ويكون في إضافة الصبح إليها تجوز، قال ابن بطال: هو مثل قوله تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46]) فأضاف الضحى إلى العشية وهو قبلها، وكل شيء متصل بشيء فهو مضاف إليه سواء كان قبله أو بعده، وقد أطال ابن دحية في تقرير أن الليلة تضاف إلى اليوم الذي قبلها ورد على من منع ذلك، ولكن لم يوافق على ذلك، فقال ابن حزم: رواية ابن أبي حازم والدراوردي يعني رواية حديث الباب مستقيمة، ورواية مالك مشكلة، وأشار إلى تأويلها بنحو مما ذكرته ويؤيد ما تقدم في الباب من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بلفظ فإذا كان من حين يمضي عشرون ليلة ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه وهذا في غاية الإيضاح والله أعلم اهـ فتح الملهم (فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) في خطبته (إني أريت) -بضم الهمزة والتاء- أي أريت وأخبرت في المنام (ليلة القدر وإني نسيتها أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو سعيد (أنسيتها) والشك من الراوي أو ممن دونه (فالتمسوها في) ليالي (العشر الأواخر من كل وتر) أي في أوتار لياليها (واني أريت، بضمهما أيضًا (أني أسجد في ماء وطين) أي أريت سجودي في ماء وطين (فمن كان

اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللهِ (صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ) فَلْيَرْجِعْ" قَال: فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السمَاءِ قَزَعَةً. قَال: وَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمُطِرنَا. حَتى سَال سَقْفُ الْمَسْجِدِ. وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النخْلِ. وَأُقِيمَتِ الصلاة. فَرَأيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ. قَال: حَتَّى رَأَيتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ. 2655 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيد. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ الدَّارِميُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثير، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في العشر الأوسط (فليرجع) إلى معتكفه في العشر الأوسط (قال) أبو سعيد (فرجعنا) إلى معتكفنا في الليلة الحادية والعشرين (وما نرى في السماء) أي والحال أنا ما نرى في السماء (قزعة) أي قطعة من السحاب، والقزعة -بفتح القاف والزاي والعين المهملة- هي القطعة الرقيقة من السحاب (قال) أبو سعيد (وجاءت سحابة) صغيرة (فمطرنا) في الليلة الحادية والعشرين (حتى سال) وقطر (سقف المسجد) مطرا (وكان) سقفه (من جريد النخل وأقيمت الصلاة) أي صلاة الصبح (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين) وهو من ذكر المحل وإرادة الحال فهو مجاز مرسل (قال) أبو سعيد (حتى رأيت أثر الطين في جبهته) صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2655 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي، ثقة، من (9) (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي (كلاهما) أي كل من معمر والأوزاعي رويا (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل اليامي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري (نحوه) أي نحو ما حدّث هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر بن راشد والأوزاعي لهشام الدستوائي في رواية هذا

وَفِي حَدِيثِهمَا: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حِينَ انْصَرَفَ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأرْنبَتِهِ أَثَرُ الطينِ. 2656 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه، قَال: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ. يَلْتَمِسُ لَيلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أنْ تُبانَ لَهُ. فَلَما انْقَضَينَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وفائدتها بيان كثرة طرقه (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث معمر والأوزاعي (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف) وفرغ من صلاة الصبح (و) الحال أنه (على جبهته وأرنبته) أي طرف أنفه (أثر الطين) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 2656 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) البصري (وأبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير الباهلي البصري، ثقة، من (10) (قالا حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري، ثقة، من (6) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي نضرة لأبي سلمة في رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري (قال) أبو سعيد (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان) حالة كونه (يلتمس) ويطلب (ليلة القدر قبل أن تبان) أي توضح وتكشف تلك الليلة المباركة (له) صلى الله عليه وسلم بأنها في العشر الأواخر، قال في المصباح: بان يبين فهو بيّن وجاء بائن على الأصل، وأبان إبانة وبيّن وتبيّن واستبان كلها بمعنى الوضوح والانكشاف والاسم البيان وجميعها يستعمل لازمًا ومتعديًا إلا الثلاثي فلا يكون إلا لازمًا (فلما انقضين) أي فلما انقضت وانتهت وتمت تلك العشر الأوسط (أمر) صلى الله عليه وسلم (بالبناء) أي بإزالة

فَقُوِّضَ. ثُم أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ. ثُم خَرَجَ عَلَى الناسِ. فَقَال: "يَا أَيهَا النَّاسُ! إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيلَةُ الْقَدْرِ. وَإنِّي خَرَجْتُ لأخبِرَكُمْ بِهَا. فَجَاءَ رَجُلانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشيطَانُ. فَنُسيتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بنائه وقبته ورفعها عن محلها (فقوض) البناء أي أزيل عن محله ورفع وهو بقاف مضمومة وواو مشددة مكسورة وضاد معجمة معناه أُزيل يقال قاض البناء وانقاض أي انهدم وقوضته أنا (ثم) بعد تقويض البناء ورفعه (أبينت) وكشف بالبناء للمجهول من أبان الرباعي أي بُيِّن (له) بالوحي (أنها) أي أن ليلة القدر (في العشر الأواخر) من رمضان (فأمر) صلى الله عليه وسلم (بـ) إعادة (البناء) والقبة إلى محلها الأول (فأُعيد) البناء بضم الهمزة مبنيًّا للمجهول أي أعيدت القبة إلى محلها الأول فرجع صلى الله عليه وسلم إلى معتكفه الأول (ثم خرج) من معتكفه واطلع (على الناس فقال يا أيها الناس أنها) أي إن القصة أي إن الشأن والحال (كانت) زائدة لتأكيد الكلام (أُبينت) أي أوضحت وكُشفت وعُينت (لي ليلة القدر وأني خرجت) من معتكفي برأسي واطلعت عليكم (لأخبركم بها) أي بتعيينها (فجاء) إليّ (رجلان) أفاد ابن دحية أنهما عبد الله بن أبي حدرد وكعب بن مالك ولم يذكر له مستندًا، وجملة قوله (يحتقان) بتشديد القاف صفة لرجلان أي يدعي كل منهما أنه المحق، وفي حديث عبادة عند البخاري فتلاحى رجلان من التلاحي وهو التنازع والمخاصمة (معهما الشيطان) بوسوسته وتسويله يُحرش أحدهما على الآخر، قال القاضي عياض: فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة وأنها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان، وفيه أن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير، فإن قيل: كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومة؟ (قلت) إنما كانت كذلك لوقوعها في المسجد وهو محل الذكر لا اللغو، ثم في الوقت المخصوص أيضًا بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان، فالذم لما عرض فيها لا لذاتها، ثم إنها مستلزمة لرفع الصوت ورفعه بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم منهي عنه لقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إلى قوله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} قال الباجي: وقد يذنب البعض فيتعدى عقوبته إلى غيره ليجزى به من لا سبب له فيه في الدنيا، وأما الآخرة فلا تزر فيها وازرة وزر أخرى اهـ فتح الملهم (فنُسيتها) بضم النون وتشديد السين المكسورة مبنيًّا للمفعول أي جُعلت ناسيًا عن تعيينها، وفي حديث عبادة عند البخاري: فرفعت أي عن

فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ". قَال: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قلبي فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين، وقيل المعنى فرفعت بركتها في تلك السنة، وقيل التاء في رفعت للملائكة، وقال الطيبي: قال بعضهم: رفعت أي معرفتها، والحامل له على ذلك أن رفعها مسبوق بوقوعها فإذا وقعت لم يكن لرفعها معنى، قال ويمكن أن يقال المراد برفعها أنها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت بعد، فنزل الشروع منزلة الوقوع، قال القاري: وليس معناه أن ذاتها رفعت للأبد كما توهمه بعض الشيعة، إذ ينافيه قوله "فالتمسوها" بل معناه فرفعت معرفتها التي يستند إليها الإخبار، قال الحافظ: اتفقت هذه الأحاديث على سبب النسيان وهي التلاحي والمخاصمة، وقد تقدم في الباب من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة: "ثم أيقظني بعض أهلي فنُسيتها" وهذا سبب آخر فإما أن يحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث أبي هريرة منامًا فيكون سبب النسيان الإيقاظ وأن تكون الرؤية في حديث غيره في اليقظة فيكون سبب النسيان ما ذكر من المخاصمة، أو يحمل على اتحاد القصة ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين، ويحتمل أن يكون المعنى أيقظني بعض أهلي فسمعت تلاحي الرجلين فقمت لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما، وقد روى عبد الرزاق مرسل سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بليلة القدر؟ قالوا: بلى، فسكت ساعة ثم قال: "لقد قلت لكم، وأنا أعلمها، ثم أنسيتها" فلم يذكر سبب النسيان وهو مما يقوي الحمل على التعدد اهـ وقد استنبط السبكي الكبير من هذه القصة؛ استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها، قال: ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يخبر بها والخير كله فيما قدره له فيستحب اتباعه في ذلك اهـ فضح الملهم (فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة) لما بقي وهي ليلة إحدى وعشرين (و) في (السابعة) لما بقي وهي ليلة ثلاث وعشرين (و) في (الخامسة) لما بقي وهي ليلة خمس وعشرين، والمعنى على هذا في تسع بقين أو سبع بقين أو خمس بقين اهـ من المدونة، وهذا فيما إذا كان الشهر ناقصا، ويقال في التاسعة لما مضى والسابعة لما مضى والخامسة لما مضى وعلى هذا يكون الشهر كاملًا (قال) أبو نضرة (قلت يا أبا سعيد إنكم) معاشر الأصحاب (أعلم بالعدد) الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم (منا) معاشر الأتباع في قوله: التمسوها

قَال: أجَلْ. نَحْنُ أَحَقُّ بِذلِكَ مِنْكُمْ. قَال: قُلْتُ: مَا التاسِعَةُ وَالسابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ؛ قَال: إِذَا مَضتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرونَ فَالتِي تَلِيهَا ثِنْتَينِ وَعِشْرِينَ وَهِيَ التاسِعَةُ. فَإِذَا مَضَتْ ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ فَالتِي تَلِيهَا السابِعَةُ. فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ. وَقَال ابْنُ خلَّادٍ (مَكَانَ يَحْتَقَّانِ): يَخْتَصِمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في التاسعة والسابعة والخامسة (قال) أبو سعيد (أجل) أي نعم (نحن أحق بذلك منكم) أي أحق وأولى بعلم ذلك العدد الذي أراده منكم لصحبتنا له ومحاورتنا معه صلى الله عليه وسلم (قال) أبو نضرة (قلت) لأبي سعيد يا أبا سعيد (ما التاسعة والسابعة والخامسة) أي التاسعة أيُّ ليلة من العشر الأواخر، والسابعة أي ليلة منها، والخامسة أي ليلة منها أي هل هي تاسعة ما مضى من العشر الأواخر أو سابعته أو خامسته أو هي تاسعة ما بقي من العشر الأواخر أو سابعته أو خامسته؟ وهذا هو وجه السؤال وهو ظاهر في التاسعة والسابعة وأما الخامسة فهي متعينة لا إشكال فيها، ومحصل ما أجاب به أبو سعيد أن المراد بالعدد تاسع ما بقي من الليالي وسابعه وخامسه، وفي حديث البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى (قال) أبو سعيد في بيانها (إذا مضت واحدة وعشرون) ليلة (فالتي تليها ثنتين وعشرين) هكذا بالياء في الكلمتين في أكثر النسخ وهو تصحيف من النساخ، وفي بعضها (ثنتان وعشرون) بالألف والواو وهو الصواب أي فالليلة التي تلي ليلة إحدى وعشرين هي ليلة ثنتين وعشرين (وهي التاسعة) لما بقي (فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها) هي (السابعة فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها) هي (الخامسة وقال) أبو بكر (بن خلاد) في روايته (مكان يحتقان) أي بدله (يختصمان) وهذا بيان لمحل المخالفة بين شيخيه (قوله وهي التاسعة). واعلم أن في جواب أبي سعيد الخدري تحريفًا من جهة الإعراب، ومن جهة المعنى بالنسبة إلى التاسعة، والصواب (قال) أبو سعيد (إذا مضت عشرون ليلة فالتي تليها الحادية والعشرون وهي التاسعة) لما بقي (فإذا مضت ثلاث وعشرون) ليلة (فالتي تليها) هي (السابعة) لما بقي (فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها) هي (الخامسة) لما بقي، وهذا إذا كان الشهر كاملا، وأما إذا قلنا فهي التاسعة لما مضى من العشر الأواخر أو السابعة له أو الخامسة له فالمعنى صحيح سواء كان الشهر كاملا أو ناقصًا اهـ. قال السندي رحمه الله تعالى: وهذا التفسير يعني تفسير أبي سعيد لا يناسب ما ورد من

2657 - (1139) (59) وحدثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيس الْكِنْدِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ. حَدَّثَنِي الضَحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ (وَقَال ابْنُ خَشْرَمٍ: عَنِ الضحاكِ بْنِ عُثْمَانَ) عَنْ أَبِي النَّضْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التماسها في الأوتار وكذا ما ظهر من أنها كانت في تلك السنة ليلة إحدى وعشرين، وما سيجيء من أنها في سنة كانت ليلة ثلاث وعشرين، وما سيجيء من قول أبي كعب أنها ليلة سبع وعشرين وهذا ظاهر، قال الأبي: التاسعة لما احتملت ها هنا أي في قوله صلى الله عليه وسلم التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة أن تكون تاسعة ما مضى أو تاسعة ما بقي سأله عنها، وقال: أنتم أعلم بهذا العدد، ثم قال الأبي: قال في المدونة: التاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين، والمعنى على هذا تسع بقين أو سبع بقين (قلت) بناء ما في المدونة على اعتبار كون شهر رمضان ناقصا، وبناء ما عن أبي سعيد على اعتبار كونه كاملًا كما لا يخفى، ومنشأ هذا الخلاف ما رواه البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى" قال الزركشي: الأولى ليلة إحدى وعشرين، والثانية ليلة ثلاث وعشرين، والثالثة ليلة خمس وعشرين هكذا قال مالك رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنهم فقال: 2657 - (1139) (59) (وحدثنا سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (وعلي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا حدثنا أبو ضمرة) أنس بن عياض بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (حدثني الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب، وثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد (وقال ابن خشرم عن الضحاك بن عثمان عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية المدني التيمي

مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُرِيتُ لَيلَةَ القَدْرِ ثُم أُنسِيتُهَا. وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ" قَال: فَمُطِرْنَا لَيلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ. فَصلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَانْصَرَفَ وإنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قَال: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنيسٍ يَقُولُ: ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم (مولى عمر بن عبيد الله) بن معمر القرشي التيمي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني الزاهد العابد، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الله بن أنيس) مصغرًا الجهني حليف الأنصار أبي يحيى المدني الصحابي المشهور، شهد العقبة الثانية وكان يُكسر أصنام بني سلمة مع معاذ، له (24) أربعة وعشرون حديثًا، انفرد له (م) بحديث ويروي عنه (م عم) رحل إلى مصر في حديث واحد، ومات بالشام في خلافة معاوية سنة (54) أربع وخمسين. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد إما كوفي أو مروزي، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة والمقارنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أُريت ليلة القدر) في المنام (ثم أُنسيتها) أي أُنسيت تعيينها بسبب من الأسباب (وأراني) أي أرى نفسي (صبحها) أي في صلاة صبح ليلة القدر، وفي بعض النسخ صبيحتها، وجملة قوله (أسجد في ماء وطين) مفعول ثان لأرى أي أرى نفسي ساجدا في ماء وطين في صلاة صبح ليلة القدر (قال) عبد الله بن أنيس (فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين) وهذا يخالف ما تقدم في حديث أبي سعيد من قوله فاصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، ولكن يرجح حديث أبي سعيد لأنه لم ينفرد به مسلم بل شاركه النسائي، وحديث عبد الله بن أنيس انفرد به مسلم (فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح (فانصرف) أي فرغ من صلاة الصبح (وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه قال) بسر بن سعيد (وكان عبد الله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين) بالياء أي يقول ليلة القدر ثلاث وعشرين، قال النواوي: هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها ثلاث وعشرون بالواو وهذا ظاهر، والأول جار على لغة شاذة أنه يجوز حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورًا أي ليلة ثلاث وعشرين اهـ يعني أن عبد الله بن أنيس كان يقول ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين،

2658 - (1140) (60) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَوَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (قَال ابْنُ نُمَيرٍ): "الْتَمِسُوا (وَقَال وَكِيعٌ): تَحَرَّوْا لَيلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ". 2659 - (1141) (61) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولعل لفظة ليلة سقطت من أقلام نساخ مسلم، وإلا فهي موجودة في حديث عبد الله بن أنيس كما يظهر بالمراجعة لمسند الإمام أحمد، ومأخوذة في مشكاة المصابيح، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله كما مر آنفًا، قال أبو عمر: روى ابن جريج هذا الحديث (حديث الباب) وقال في آخره: فكان الجهني يمسي تلك الليلة يعني ليلة ثلاث وعشرين من رمضان في المسجد فلا يخرج منه حتى يصبح ولا يشهد شيئًا من رمضان قبلها ولا بعدها ولا يوم الفطر، وفي الموطأ وأبي داود: أن ابن أنيس قال: يا رسول الله إني أكون في باديتي، وأنا بحمد الله أصلي بها، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها بهذا المسجد أصليها فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان فصلها فيه" اهـ من فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر ثالثًا بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 2658 - (1140) (60) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير ووكيع) كلاهما (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن) خالته (عائشة) أم المؤمنين (رضي الله تعالى عنها). وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن نمير: التمسوا، وقال وكبع: تحروا ليلة القدر) أي اجتهدوا في طلبها (في العشر الأواخر من رمضان) في ليالي أوتارها، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنهم فقال: 2659 - (1141) (61) (وحدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي

وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدَةَ وَعَاصمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ. سَمِعَا زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ يَقُولُ: سَألْتُ أبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه. فَقُلْتُ: إِن أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُود يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيلَةَ الْقَدْرِ. فَقَال: رَحِمَهُ اللهُ، أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (كلاهما) رويا (عن) سفيان (بن عيينة) الكوفي (قال ابن حاتم حدثنا سفيان بن عيينة عن عبدة) بن أبي لبابة الأسدي مولاهم أبي القاسم الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (وعاصم بن أبي النجود) بفتح النون اسمه بهدلة الأسدي مولاهم أبي بكر الكوفي أحد القراء السبعة، ثقة، من (6) مات سنة (128) إمام في القراءة حجة فيها، قال العجلي: كان صاحب سنة وقراءة، وكان ثقة، رأسًا في القراءة وقال أبو زرعة: كان ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، روى عن زر بن حبيش في الصوم، وأبي وائل وأبي صالح السمان وحميد الطويل، قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وزر وحدّث عنهما، ويروي عنه (خ م) مقرونًا (عم) وابن عيينة وشعبة والثوري وزائدة وغيرهم (سمعا) أي سمع عبدة وعاصم (زر) بكسر الزاي المعجمة وتشديد الراء المهملة (بن حبيش) بالتصغير ابن حباشة بضم المهملة بعدها موحدة ثم معجمة الأسدي أبا مريم الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (3) أبواب، حالة كون زر (يقول سألت أبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبا المنذر المدني سيد القراء، كتب الوحي وشهد بدرًا وما بعدها، الصحابي المشهور (رضي الله عنه فقلت) له (أن أخاك) في الدين والصحبة عبد الله (بن مسعود) الهذلي الكوفي. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما بغدادي أو مكي، وفيه التحديث والسماع والعنعنة والمقارنة، وجملة قوله (يقول) خبر إن أي يقول ابن مسعود (من يقم الحول) أي من يقم للطاعة في بعض ساعات كل ليالي السنة (يصب ليلة القدر) أي يدركها يقينًا لأنها مُندَمِجةٌ فيها بلا شك للإبهام في تبيينها وللاختلاف في تعيينها، قال ملا علي: وهذا يؤيد الرواية المشهورة عن إمامنا أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذ قضيته أنها لا تختص برمضان فضلًا عن عشره الأخير فضلًا عن أوتاره فضلًا عن سبع وعشرين اهـ (فقال) أبي بن كعب (رحمه الله) تعالى أي رحم الله أخانا ابن مسعود إنه (أراد) بقوله ذلك (أن لا يتكل الناس) أي أن

أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنهَا فِي رَمَضَانَ. وَأَنهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. وَأَنهَا لَيلَةُ سَبْع وَعِشْرِينَ. ثُم حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي. أَنَّهَا لَيلَةُ سَبْع وَعِشْرِينَ. فَقُلْتُ: بِأيِّ شَيءٍ تَقُول ذلِكَ؟ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! قَال: بِالْعَلامَةِ، أَوْ بِالآيَةِ التِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ، لَا شُعَاعَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يعتمدوا على قول أحد من الناس، وإن كان هو الصحيح الغالب على الظن الذي مبنى الفتوى عليه فلا يقومون إلا تلك الليلة ويتركون قيام سائر الليالي فتفوت حكمة الإبهام الذي نُسي بسببها عليه الصلاة والسلام (أما) حرف تنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك يا زر بن حبيش (إنه) أي إن ابن مسعود (قد علم) حقا، لعله بطريق الظن ويؤيده ما سيأتي في آخر الحديث (أنها) أي أن ليلة القدر (في رمضان وأنها في العشر الأواخر) منه (وأنها ليلة سبع وعشرين) منها (ثم حلف) أبي بن كعب بناء على غلبة الظن حالة كونه (لا يستثني) ولا يعلق في حلفه على مشيئة الله تعالى أي حلف جازمًا في حلفه بلا استثناء ولا تعليق فيه بأن يقول عقب يمينه إن شاء الله تعالى كان يقول الحالف لأفعلن كذا إلا أن يشإ الله أو إن شاء الله فإنه لا ينعقد اليمين وإنه لا يظهر جزم الحالف، وقال الطيبي: هو قول الرجل إن شاء الله يقال حلف فلان يمينًا ليس فيها ثني ولا ثنو ولا تثنية ولا استثناء كلها واحد، وأصلها من الثني وهو الكف والرد، وذلك أن الحالف إذا قال: والله لأفعلن كذلك إلا أن يشاء الله غيره، فقد رد انعقاد ذلك اليمين اهـ؛ أي ثم حلف أُبي جازمًا في حلفه غير مقيد بالمشيئة على (أنها ليلة سبع وعشرين) قال زر بن حبيش (فقلت) لأبي (بأي شيء) وبأي حجة (تقول ذلك) أي إنها ليلة سبع وعشرين (يا أبا المنذر) كنية أبي بن كعب (قال) أبي أقول: ذلك الذي قلته من أنها ليلة سبع وعشرين (بالعلامة) أي بالأمارة (أو) قال أُبي: أقول ذلك (بالآية) وهذا شك من زر بن حبيش في تعيين عبارة أبي فيما أراده من مدلول الأمارة (التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) من (أنها تطلع) الشمس، هكذا في جميع النسخ من غير ذكر الشمس للعلم بها من السياق لاحقِه، مثل قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} ونظائره (يومئذ) أي يوم إذ تكون تلك الليلة ليلة قدر، حالة كونها (لا شعاع لها) والشعاع هو ما يرى من ضوئها عند بروزها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك إذا نظرت إليها اهـ نووي لغلبة نور تلك الليلة ضوء الشمس مع بعد المسافة الزمانية مبالغة

2660 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَةَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيش، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه. قَال: قَال أُبَيٌّ، فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ: وَاللهِ! إِني لأَعْلَمُهَا. قَال شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ عِلْمِي هِيَ الليلَةُ التِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِقِيَامِهَا. هِيَ لَيلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وإنَّمَا شَكَّ شُعْبَةُ فِي هذَا الْحَرْفِ: هِيَ الليلَةُ التِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، قَال: وَحَدَّثَني بِهَا صَاحِبٌ لي عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في إظهار أنوارها الربانية اهـ ملا علي، وفي رواية لأحمد مثل الطست، ولابن خزيمة من حديث ابن عباس: تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة، قال القاري: وهذا دليل أظهر من الشمس على ما قلنا إن علمه ظني لا قطعي حيث بنى اجتهاده على هذا الاستدلال، قال ابن حجر: أي لا شعاع لها، وقد رأيتها صبيحة ليلة سبع وعشرين طلعت كذلك إذ لا يكون ذلك دليلًا إلا بانضمامه إلى كلامه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1378]، والترمذي [793]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 2660 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة قال) شعبة (سمعت عبدة بن أبي لبابة) -بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة- الأسدي الكوفي (يحدّث عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان بن عيينة (قال) زر بن حبين (قال أُبي) بن كعب (في ليلة القدر والله إني لأعلمها) بعينها (قال شعبة وأكبر علمي) أي أغلب ظني أن عبدة بن أبي لبابة قال لي لفظة (هي) أي القصة لأنه ضمير الشأن للمؤنث تفسره الجملة المذكورة بعده فهو مبتدأ (الليلة) مبتدأ ثان (التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها) وإحيائها صفة لليلة (هي) ضمير فصل (ليلة سبع وعشرين) خبر للمبتدأ الثاني يعني أن القصة الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين، قال محمد بن جعفر (وإنما شك شعبة في هذا الحرف) أي في هذه الكلمة يعني بها لفظة (هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا فيما بعدها يعني به هي ليلة سبع وعشرين (قال) شعبة (وحدثني بها) أي بهذه الكلمة التي وقع شكي فيها (صاحب لي عنه) أي عن عبدة بن أبي لبابة.

2661 - (1142) (62) وحدَّثنا مُحَمدُ بن عَبادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (وَهُوَ الْفَزَارِيُّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، قَال: تَذَاكَرْنَا لَيلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال: "أَيُّكُمْ يَذْكُرُ، حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 2661 - (1142) (62) (وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (قالا حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (وهو الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد وهو ابن كيسان) اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولاهم مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) أبو هريرة (تذاكرنا) فيما بيننا (ليلة القدر) أي شأنها وقدرها وفضل القيام فيها وعلاماتها (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيكم) أيها الحاضرون (يذكر) في أوقاتها أنها (حين طلع القمر) أي في الوقت الذي يطلع فيه القمر (وهو) أي والحال أن القمر (مثل شق) -بكسر الشين المعجمة- أي نصف (جفنة) أي قصعة لنقصان قرصه، والجفنة -بفتح الجيم وسكون الفاء- القصعة المعروفة؛ والمعنى أيكم يذكر في أوقاتها أنها في الوقت الذي يطلع القمر فيه حالة كونه مثل شق جفنة، وهو آخر الشهر؛ يعني أنه المصيب منكم لأنها في أواخر الشهر حين نقصان قرص القمر، قال القاضي عياض: فيه إشارة إلى أنها إنما تكون في أواخر الشهر لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في آخر الشهر والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه سبع متابعات، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات، والثالث حديث عبد الله بن أنيس ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستشهاد، والرابع حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أبي بن كعب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

أبواب الاعتكاف

أبواب الاعتكاف 456 - (12) باب: الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان 2662 - (1143) (63) حدثنا مُحَمدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. 2663 - (00) (00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب الاعتكاف 456 - (12) باب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان والاعتكاف لغة: اللبث والإقامة والحبس والاستمرار على الشيء خيرًا كان أو شرًّا، قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وقال تعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} وشرعًا: اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنيته. وترجمت عن أحاديثه بالباب دون الكتاب لأنه كالتابع للصوم من حيث إنه يسن له أن يعتكف صائمًا ولذلك ذكروه عقبه. 2662 - (1143) (63) (حدثنا محمد بن مهران) -بكسر أوله وسكون الهاء- الجمال أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) (حدثنا حاتم بن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد رازي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان) أي كان يحبس نفسه عن التصرفات العادية بمكثه في مسجده الشريف في تلك الأيام والليالي بقصد القربة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2025]، وأبو داود [2465]، وابن ماجه [1773]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2663 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي

أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزيدَ؛ أَن نَافِعًا حَدثَهُ، عَنْ عبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. قَال نَافِعٌ: وَقدْ أَرَانِي عَبْدُ اللهِ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلم، مِنَ الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (أن نافعًا) مولى ابن عمر (حدثه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لموسى بن عقبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر) جمعه باعتبار معنى العشر، ولو نظر إلى لفظه لقال في العشر الأخير لأنه مفرد لفظًا جمع معنى (من رمضان قال نافع) بالسند السابق (وقد أراني عبد الله) بن عمر (المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد) زاد ابن ماجه من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر كان إذا اعتكف طرح له فراشه وراء أُسطوانة التوبة؛ يعني الموضع الذي كان اختصه لنفسه الذي كانت عليه القبة التركية، ومع أنه اختص بموضع من المسجد وهو مكان الإمام في حال اعتكافه فكان يصلي بهم في موضعه المعتاد، ثم يرجع إلى معتكفه بعد انقضاء صلاته، وتحصل منه جواز إمامة المعتكف وقد منعها سحنون في أحد قوليه في الفرض والنفل والجمهور على جواز ذلك. واختلف من هذا الباب في مسائل منها أذان المعتكف منعه مالك مرة وأجازه أخرى وكافة العلماء على جوازه وهذا إذا كان في المنارة الخارجة عن المسجد أما في غيرها فلا خلاف في جوازه فيما أعلم، وأما خروجه لعيادة المرضى أو لصلاة على جنازة فمنع ذلك مالك وكافتهم وأجازه الحسن والنخعي وغيرهما، وأجاز إسحاق والشافعي اشتراط ذلك عند دخوله في التطوع لا في النذر، واختلف فيه قول أحمد ومنع ذلك مالك وغيره. ومنع مالك اشتغاله في المسجد بسماع علم وكتابته أو بالأمور المباحة كالعمل في الخياطة وشبه ذلك إلا فيما خف من هذا كله، وأباح له الشافعي وأبو حنيفة الشغل في المسجد بما يباح من ذلك كله أو يرغب في طلب العلم، وأما خروج المعتكف من المسجد فلا يجوز إلا لقضاء حاجته أو شراء طعام أو شراب مما يحتاج إليه ولم يجد من

2664 - (1144) (64) وحدثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ السَّكُونِي، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ الْقَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكفيه ذلك لقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان تعني بها الحدث ويلحق بها ما كان محتاجًا إليه كشراء الطعام أو الشراب على ما تقدم آنفًا. وإدامته صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان إنما كان لما أبين له أن ليلة القدر فيه وإلا فقد اعتكف في العشر الأول، وفي العشر الأوسط على ما تقدم من حديث أبي سعيد الخدري. ثم من اعتكف في العشر الأواخر من رمضان فهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا إذا خرج لصلاة العيد فيصلي وحينئذ يرجع إلى منزله أو يجوز له أن يخرج عند غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؟ قولان للعلماء الأول: هو قول مالك وأحمد بن حنبل وغيرهما وهو محكي عن السلف، واختلف أصحاب مالك إذا لم يفعل هل يبطل اعتكافه أم لا يبطل؟ قولان. وذهب الشافعي والليث والأوزاعي والزهري في آخرين إلى أنه يجوز خروجه ليلة الفطر ولا يلزمه شيء مما قاله مالك، وظاهر مذهب مالك أن ذلك على وجه الاستحباب لأن بعض السلف فعله ولأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكون أزواجه اعتكفن بعده حجة على من منع اعتكاف النساء في المسجد فإنهن إنما اعتكفن على نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف لأن الراوي عنهن ساق اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكافهن مساقًا واحدًا ولو خالفنه في المسجد لذكره وكان يقول غير أن ذلك في بيوتهن اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 2664 - (1144) (64) (وحدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري، ثقة، من (10) (حدثنا عقبة بن خالد) بن عقبة (السكوني) نسبة إلى سكون بوزن صبور حي من العرب، أبو مسعود الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العدوي المدني، ثقة، من الخامسة (5) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق

عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَواخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. 2665 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدثنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُمَا) قَالًا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التيمي المدني (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي المدني (عن) عمته (عائشة) أم المؤمنين (رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد عسكري (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) على الدوام (يعتكف العشر الأواخر من رمضان) تقدم البحث عن معناه في حديث ابن عمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2026]، وأبو داود [2462]، والترمذي [790]، والنسائي [2/ 44]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2665 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا سهل بن عثمان) الكندي العسكري (أخبرنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (جميعًا) أي كل من أبي معاوية وحفص بن غياث (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ) الآتي (لهما) أي لأبي بكر وأبي كريب وأما يحيى بن يحيى وسهل بن عثمان فرويا معنى الحديث الآتي لا لفظه (قالا حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) وهذا الحديث من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عروة للقاسم بن محمد في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان).

2666 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيل. عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. حَتى تَوَفاهُ اللهُ عَز وَجَل ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2666 - (00) (00) وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) بن خالد المصري (عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل) أي وفَّاه أجله ومات، وفيه دليل على أن الاعتكاف لم ينسخ وأنه من السنن المؤكدة خصوصًا في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر، وروى أبو الشيخ بن حبان من حديث الحسين بن علي مرفوعًا اعتكاف عشر في رمضان بحجتين وعمرتين وهو ضعيف اهـ قسط. قال السندي: يمكن أن يكون ذلك بعد ما أُري ليلة القدر في العشر الأخير وهو لا ينافي اعتكاف العشر الأوسط قبل ذلك فلا ينافي ما سبق من حديث أبي سعيد اهـ. [قلت] ويؤيد هذا التطبيق ما روي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف أول سنة العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم اعتكف العشر الأخير، وقال: "إني رأيت ليلة القدر فيها فأنسيتها" فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيهن حتى توفي صلى الله عليه وسلم قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن قال الحافظ: ويؤخذ منه أي من حديث الباب أنه لم ينسخ وليس من الخصائص الاعتكاف أزواجه صلى الله عليه وسلم بعده، وأما قول ابن نافع عن مالك: فكرت في الاعتكاف وترك الصحابة له مع شدة اتباعهم للأثر فوقع في نفسي أنه كالوصال وأراهم تركوه لشدته، ولم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا عن أبي بكر بن عبد الرحمن اهـ، وكأنه أراد صفة مخصوصة وإلا فقد حكيناه عن غير واحد من الصحابة، ومن كلام مالك أخذ بعض أصحابه أن الاعتكاف جائز وأنكر ذلك عليهم ابن العربي وقال: إنه سنة مؤكدة، وكذا قال ابن بطال في مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تأكده، وقال أبو داود، عن أحمد: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا في أنه مسنون، وقد روى ابن المنذر عن

ثم اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله تعالى (ثم اعتكف أزواجه من بعده) صلى الله عليه وسلم قال الزبيدي: فأشارت إلى استمرار حكم الاعتكاف حتى في حق النساء، فكن أمهات المؤمنين يعتكفن بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير، وإن كان هو في حياته قد أنكر عليهن الاعتكاف بعد إذنه لبعضهن كما في الحديث الصحيح لأن إنكاره عليهن لمعنى آخر فقيل خوف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن التقرب منه صلى الله عليه وسلم لغيرتهن عليه أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهن معه في المعتكف أو لتضييقهن المسجد بابنيتهن، وعند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها والله سبحانه وتعالى أعلم، ثم لا شك أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم كان في مسجده وكذا اعتكاف أزواجه فأخذ منه اختصاص الاعتكاف بالمساجد وأنه لا يجوز في مسجد البيت وهو الموضع المهيأ للصلاة فيه، لا في حق الرجل، ولا في حق المرأة إذ لو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة لما في ملازمة المسجد من المشقة لا سيما في حق النساء اهـ، قال الحافظ: وقد أطلق الشافعي كراهته لهن في المسجد الذي تصلى فيه الجماعة واحتج بحديث الأخبية الآتي في الباب التالي فإنه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة إلا في مسجد بيتها لأنها تتعرض لكثرة من يراها، وقال ابن عبد البر: لولا أن ابن عيينة زاد في الحديث أي حديث الباب أنهن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف لقطعت بأن اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة غير جائز اهـ، وشرط الحنفية لصحة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها، وفي رواية لهم أن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها وبه قال أحمد، قال الزبيدي: والذي في كتب أصحابنا المرأة تعتكف في مسجد بيتها، ولو اعتكفت في مسجد الجماعة جاز فالأول أفضل، ومسجدٌ جَنْبَها أفضلُ لها من المسجد الأعظم، وليس لها أن تعتكف في غير موضع صلاتها من بيتها، وإن لم يكن فيه مسجد لا يجوز لها الاعتكاف فيه اهـ فتح الملهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله أعلم.

457 - (13) باب للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها واعتكاف النساء في المسجد

457 - (13) باب: للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد 2667 - (1145) (65) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ، صَلى الْفَجْرَ. ثم دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ. وإنهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 457 - (13) باب للمعتكف أن يختص بموضع في المسجد فيضرب فيه خيمة ومتى يدخلها واعتكاف النساء في المسجد 2667 - (1145) (65) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الكوفي (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، الفقيهة، سيدة نساء التابعين، ثقة، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين (رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر) أي صلاة الصبح (ثم دخل معتكفه) بفتح الكاف أي موضع اعتكافه من المسجد، قال الحافظ: فيه أن أول الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح وهو قول الأوزاعي والليث والثوري، وقال الأئمة الأربعة وطائفة: يدخل معتكفه قبيل غروب الشمس، وأولوا الحديث على أنه دخل من أول الليل ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح، وهذا الجواب يشكل على من منع الخروج بعد الدخول فيها. وأجاب عن هذا الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل المعتكف ولا شرع في الاعتكاف، وإنما هم به ثم عرض له المانع المذكور فتركه فعلى هذا فاللازم أحد الأمرين إما أن يكون شرع في الاعتكاف فيدل على جواز الخروج، وإما أن لا يكون شرع فيه فيدل على أن أول وقته بعد صلاة الصبح اهـ. [قلت] وأوله بعض علماء العصر بأنه يحتمل أن يكون المراد بالفجر فجر عشرين فكأنه صلى الله عليه وسلم بادر إلى اعتكاف العشر قبل وقته. وقيل إنما كان دخوله لينظر بما يحتاج إليه ويهيئه لاعتكافه وهو غير معتكف ثم يخرج فيصلي المغرب ثم يدخل في الاعتكاف اهـ والله أعلم فتح الملهم (وإنه) صلى الله عليه وسلم

أَمَرَ بِخِبَائهِ فَضُرِبَ. أرادَ الاعْتِكافَ فِي العَشْرِ الأواخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. فَأَمَرَتْ زَينَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ. وَأَمَرَ غَيرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النبيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم الْفَجْرَ، نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر الهمزة معطوف على جملة كان (أمر) من عنده (بـ) ضرب (خبائه) وخيمته أي برفعه على الأعمدة ليدخل فيه ويتخلى عن الناس لعبادة ربه، والخباء بكسر المعجمة ثم بالموحدة وبالمد الخيمة من وبر أو صوف وقد يكون من شعر، والجمع أخبية كبناء وأبنية، ويكون على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت كما في المصباح وضربه بناؤه وإقامته بضرب أوتاده في الأرض، قال النواوي: وفيه دليل على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعًا في المسجد ينفرد فيه مدة اعتكافه ما لم يضيق على الناس وإذا اتخذه يكون في آخر المسجد ورحابه لئلا يضيق على غيره وليكون أخلى له وأكمل في انفراده اهـ (فضُرب) بالبناء للمجهول أي بني له خباؤه، وهذا إنما كان قبل أن يشرع في الاعتكاف بدليل قولها (أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان) ففي كلامها هذا تقديم وتأخير اهـ من المفهم، والأصل وإنه لما أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان أمر بخبائه فضرب ثم إن أزواجه لما رأين عزمه على الاعتكاف وأخذه فيه شرعن فيه رغبة منهن في الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وفي تحصيل الأجر غير أنهن لم يستأذنه فلذلك أنكر عليهن كما يدل عليه قولها (فأمرت زينب) بنت جحش (بخبالها) أي بضربه (فضرب) لها (وأمر غيرها) أيضًا (من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه) ذكر الضمير نظرًا إلى لفظ غير أي بضرب خبائها (فضُرب) لها أيضًا، وفي رواية الأوزاعي فاستأذنته عائشة فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، وفي رواية ابن فضيل فاستأذنت عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة، فسمعت بها حفصة فضربت قبة وهذا يشعر أنها فعلت ذلك بغير إذن، لكن رواية ابن عيينة عند النسائي ثم استأذنته حفصة فأذن لها، وقد ظهر من رواية حماد والأوزاعي أن ذلك كان على لسان عائشة فقد فسرت الأزواج في هذه الروايات بعائشة وحفصة وزينب فقط اهـ فتح (فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر نظر) في نواحي المسجد (فإذا الأخبية) أي مضروبة في أطراف المسجد، وإذا فجائية أي فنظر في نواحي المسجد ففاجأته رؤية الأخبية المضروبة فيها، وفي رواية ابن فضيل أبصر أربع قباب يعني قبة له وثلاثة للثلاثة،

فَقَال: "آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟ " فَأمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ. وَتَرَكَ الاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. حَتى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الأوَّلِ مِنْ شَوالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية ابن عيينة عند النسائي قال: "لمن هذه؟ قالوا: لعائشة وحفصة وزينب (فقال آلبر تردن) أي هل العبادة قصدن هؤلاء النسوة؟ قال النواوي: كذا بالمد على الاستفهام الإنكاري، والبر بالنصب على أنه مفعول تردن مقدمًا، وفي رواية ابن فضيل: "ما حملهن على هذا البر، انزعوها" والبر في هذه الرواية مرفوع، قال القاضي عياض: قال صلى الله عليه وسلم هذا الكلام آلبر تردن إنكارًا لفعلهن، قال القرطبي: ويحتمل أن يكون إنكاره لأوجه منها أن يكون خاف أن يكون الحامل لهن على الاعتكاف غيرتهن عليه وحرصهن على القرب منه والمباهاة به، ومنها أن يكون كره لهن ملازمتهن المسجد مع الرجال أو يكن ضيقن المسجد على الناس بأخبيتهن، أو يؤدي مكثهن في المسجد إلى أن يطلع عليهن المنافقون لكثرة خروجهن لحاجتهن، أو يؤدي ذلك إلى أن تنكشف منهن عورة أو يؤدي ذلك إلى تضييع حقوق النبي صلى الله عليه وسلم وحوائجه في بيوتهن، وكل هذه الاحتمالات مناسبة وبعضها أقرب من بعض ولا يبعد أن يكون مجموعها هو المراعي عنده أو شيء آخر لم يطلع عليه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وأما استئذان المرأة زوجها في الاعتكاف المتطوع به فلا بد منه عند العلماء للذي تقدم في استئذانها إياه في الصوم، وللزوج أن يمنعها منه ما لم يكن نذرًا معينًا، فلو كان مطلقًا فله أن يمنعها من وقت إلى وقت ما لم تخف الفوت وكذلك العبد والأمة اهـ منه (فأمر) صلى الله عليه وسلم (بـ) تقويض (خبائه) وهدمه (فقوض) خباؤه صلى الله عليه وسلم وهدم، وهو بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة بمعنى نقض وهدم (وترك) صلى الله عليه وسلم (الاعتكاف في شهر رمضان) وقال أبو بكر الرازي: وهذا الخبر أي حديث الأخبية يدل على كراهة الاعتكاف للنساء في المسجد بقول (آلبر تردن) يعني أن هذا ليس من البر، ويدل على كراهية ذلك منهن أنه لم يعتكف في ذلك الشهر ونقض بناءَه حتى نقض أبنيتهن ولو ساغ لهن الاعتكاف عنده لما ترك الاعتكاف بعد العزيمة، ولما جُوز لهن تركه وهو قربة إلى الله تعالى وفي هذا دلالة على أنه كره اعتكاف النساء في المساجد (حتى اعتكف في العشر الأول من شوال) قال عياض: فعل ذلك قضاء، قال: يعني بالقضاء الإتيان بمثل الفائت استدراكًا لفضله لا القضاء حقيقة،

2668 - (00) (00) وحدثناه مُحَمدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شبِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية ابن فضيل حتى اعتكف في آخر العشر من شوال، ويجمع بين الروايتين بأن المراد بقوله آخر العشر من شوال انتهاء اعتكافه في آخر العشر الأول منه اهـ فتح الملهم، قال القرطبي: وأمره صلى الله عليه وسلم بتقويض خبائه وتركه الاعتكاف إنما كان ذلك والله أعلم قبل أن يدخل في الاعتكاف وهو الظاهر من مساق الحديث فلا يكون فيه حجة لمن يقول إن من دخل في تطوع جاز له أن يخرج منه، وإنه إنما كان عزم عليه وأراده، لا أنه دخل فيه وتركه صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في ذلك العشر الذي كان قد عزم على اعتكافه إنما كان مواساة لأزواجه وتطييبًا لقلوبهن وتحسينًا لعشرتهن أو لعله توقع من تماديه على الاعتكاف ظن أنه هو المخصوص بالاعتكاف دونهن، وكونه اعتكف في شوال يدل على أن الاعتكاف ليس مخصوصًا برمضان ولا يقال فيه ما يدل على قضاء التطوع لأنا لا نسلم أنه قضاء بل هو ابتداء إذ لم يجب عليه لا بالأصل ولا بالنذر ولا بالدخول فيه إذ لم يكن دخل فيه بعد كيف ومعقوليته إنما تتحقق فيما اشتغلت الذمة به فإذا لم يكن شغل ذمة فأي شيء يقضي غاية ما في الباب أنه ابتداء عبادة هي من نوع ما فاته اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 84]، والبخاري [2033]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2668 - (00) (00) (وحدثناه محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثني عمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود العامري السرحي أبو محمد المصري، ثقة، من (11) مات سنة (245) (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو الأسدي الزبيري مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (ح وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله

حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. كل هؤُلاءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَن النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم. بِمَعْنَى حَدِيثِ أبِي مُعَاويَةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ إِسْحَاقَ ذِكْرُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزينَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ. أَنهُن ضَرَبْنَ الأَخْبِيَةَ لِلاعْتِكَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا أبوالمغيرة) الحمصي عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، ثقة، من (9) (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، ثقة، من (7) (ح وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن) محمد (بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم المدني إمام المغازي، صدوق، من (5) (كل هولاء) المذكورين في الأسانيد السابقة من السفيانين وعمرو بن الحارث والأوزاعي وابن إسحاق رووا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عمرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة) أم المؤمنين (رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث أبي معاوية) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد (و) لكن (في حديث ابن عشة وعمرو بن الحارث وابن إسحاق ذكر عائشة وحفصة وزينب رضي الله عنهن) أي ذكر (أنهن) من الأزواج اللاتي (ضربن الأخبية) في المسجد (للاعتكات) فيها. وهذا بيان لمحل المخالفة بين هؤلاء الثلاثة وبين أبي معاوية في الرواية عن يحيى بن سعيد أي بنين عدة أخبية وأقمنها لأجل أن يعتكفن فيها خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب كما في صحيح البخاري. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

458 - (14) باب الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة

458 - (14) باب: الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة 2669 - (1146) (66) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلي وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أبِي يَعْفُورٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلم، إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيلَ وَأَيقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 458 - (14) باب الجد والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان وصوم عشر ذي الحجة والاجتهاد عطف مرادف على الجد. 2669 - (1146) (66) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي المعروف بابن راهويه (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن) سفيان (بن عيينة قال إسحاق أخبرنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن) عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بكسر النون وسكون السين المهملة الثعلبي العامري (أبي يعفور) التابعي الصغير الكوفي، روى عن الوليد بن العيزار في الإيمان، وأبي الضحى في الصوم، وعن السائب بن يزيد وإبراهيم النخعي، ويروي عنه (ع) وابن عيينة والثوري وابن المبارك وابن فضيل، وثقه ابن معين وأحمد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، وعندهم أبو يعفور آخر العبدي الكوفي التابعي الكبير، مشهور بكنيته اسمه وقدان بسكون القاف، وقيل واقد، روى عن ابن أبي أوفى وابن عمر وأنس وغيرهم، ويروي عنه (ع) وشعبة وزائدة والثوري وابن عيينة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، فليراجع ما كتبناه في كتاب الإيمان نقلًا عن النواوي وليصحح فإنه خطأ (عن مسلم بن صبيح) مصغرًا الهمداني مولاهم الكوفي، ثقة، من (4) (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما مروزي أو مكي (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر) الأواخر من رمضان (أحيا الليل) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها (وأيقظ أهله) أي أزواجه للصلاة في الليل (وجد) أي اجتهد في العبادة بالزيادة

وَشَدَّ الْمِئْزَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على ما اعتاده، وفيه استحباب إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان بالعبادات، واستحباب إيقاظ الأهل للصلاة، وأما كراهة قيام الليل كله فمعناه كراهة المداومة عليه في الليالي كلها ولم يقل أحد بكراهة ليلة أو ليلتين والعشر ولهذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيدين وغير ذلك أفاده النواوي (وشد المئزر) أي شد عقده على حقوه لئلا يفك، والمئزر الإزار كلحاف وملحف، يجمع على مآزر وشده كناية عن اعتزال النساء كما قال الشاعر: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار وفي فتح الملهم: قوله (أحيى الليل) أي سهره فأحياه بالطاعة، وأحيى نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعًا لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيى ليله بحياته وهو نحو قوله: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا" أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور، وفي العيني: قال شيخنا: وفي حديث عائشة في الصحيح أحيا الليل كله، والظاهر والله أعلم معظم الليل بدليل قولها في الحديث الصحيح: ما علمته قام ليلة إلى الصباح اهـ قوله (وأيقظ أهله) وروى الترمذي ومحمد بن نصر من حديث زينب بنت جحش وأم سلمة: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه، قال القرطبي: وفيه حث الأهل على القيام للنوافل وحملهم على تحصيل الخير والثواب، ويفهم منه تأكيد القيام في هذه العشر على غيره (وجد) أي اجتهد في العبادات و (شد المئزر) أي امتنع عن النساء وهذا أولى من قول من قال إنه كناية عن الجد والاجتهاد لأنه قد ذكر فحمل هذا على فائدة مستجدة أولى، وقد ذهب بعض أئمتنا إلى أنه عبارة عن الاعتكاف، وفيه بعد لقولها أيقظ أهله وهذا يدل على أنه كان معهم في البيت وهو كان في حال اعتكافه في المسجد وما كان يخرج منه إلا لحاجة الإنسان على أنه يصح أن يوقظهن من موضعه من باب الخوخة التي كانت له إلى بيته في المسجد والله أعلم. فإن حملناه على الاعتكاف فهم منه أن المعتكف لا يجوز له أن يقرب النساء بمباشرة ولا استمتاع فما فوقهما، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فإن وقع منه الجماع فسد اعتكافه ليلًا كان أو نهارًا بالإجماع، ثم هل عليه كفارة؟ فالجمهور على أن لا، وذهب الحسن والزهري إلى أن عليه ما على المواقع أهله في نهار رمضان، ورأى مجاهد أن يتصدق

2670 - (1147) (67) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. كِلًاهُمَا عَنْ عبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ. قَال: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بدينارين، وأجرى مالك والشافعي في أحد قوليه الجماع فيما دون الفرج وجميع التلذذات من القبلة والمباشرة مجرى الجماع في الإفساد لعموم قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} ورأى أبو حنيفة وأصحابه إفساده بالإنزال كيفما كان اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 40 - 41]، والبخاري [2024]، وأبو داود [1376]، والنسائي [3/ 217 - 218]، وابن ماجه [1768]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 2670 - (1147) (67) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (كلاهما عن عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم أبي بشر البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (قال قتيبة حدثنا عبد الواحد عن الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي أبي عروة الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب، وقال الدارقطني: ليس بقوي اهـ، وقد تفرد بهذا الحديث عن إبراهيم، وتفرد به عبد الواحد بن زياد عن الحسن ولذلك استغربه الترمذي، أما مسلم فصحح حديثه لشواهده على عادته، وقال البخاري في بعض نسخ الصحيح ولم أخرج حديث الحسن بن عبد الله لأن عامة حديثه مضطرب اهـ فتح الملهم (قال) الحسن (سمعت إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (يقول سمعت الأسود بن يزيد) النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (5) (يقول قالت عائشة) أم المؤمنين (رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان أو بصري ونسائي وواحد مدنيًّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد) ويتحرى (في العشر الأواخر) من رمضان بأنواع العبادات (ما لا يجتهد) أي اجتهادًا لا يجتهده (في غيره) أي في غير العشر الأخير من سائر أيام السنة، وفي بعض النسخ في غيرها بالتأنيث، وفي هذا الحديث الحرص على

2671 - (1148) (68) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مداومة القيام في العشر الأخير إشارة إلى الحث على تجديد الخاتمة ختم الله تعالى لنا بخير آمين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي ذكره في الصوم وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي أخرجه في الاعتكاف في الكبرى، وابن ماجه أخرجه في الصوم اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2671 - (1148) (68) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن (براهيم) بن يزيد النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة فإنها مدنية وإلا إسحاق بن إبراهيم ذكره للمقارنة فإنه مروزي (قالت) عائشة (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان متعلق برأيت، قال النواوي: قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه كراهة بل هي مستحبة استحبابًا شديدًا لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة اهـ فقد روى الترمذي وابن ماجه بسند فيه مقال عن أبي هريرة مرفوعًا: "ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" لا سيما اليوم التاسع منها وهو يوم عرفة لما صح أنه يكفر سنتين فقد ثبت في صحيح البخاري في كتاب العيدين عن ابن عباس: "ما العمل في أيام أفضل منه في هذه" ورواه الطيالسي في مسنده والدارمي بلفظ: "ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة لما ورواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما بلفظ: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام يعني أيام العشر" ولفظ

2672 - (00) (00) وحدَّثني أبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الترمذي من هذه الأيام العشر بدون يعني، واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل لشموله له وللصلاة والذكر والصدقة وغير ذلك، واستشكل بتحريم صوم يوم العيد، وأجيب بأنه محمول على الغالب أو الأكثر من أيام العشر، ويحمل قولها يعني عائشة إنها لم تره صائمًا فيه، وقولها لم يصم العشر على أنه لم يصمه حينًا لعارض من مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائمًا فيها، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر لأنها إنما نفت رؤيتها، ويدل عليه حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وحسنه بعض الحفاظ، وقال الزيلعي: حديث ضعيف، والمثبت مقدم على النافي، وقد كان يقسم لتسع نسوة فلم يصمها عند عائشة وصام عند غيرها، ورُد بأنه يبعد كل البعد أن يلازم عدة تسع سنين على عدم صومه في نوبتها دون غيرها، فالجواب الأول أسد، وحديث هنيدة إسناده ضعيف فلا يعارض الصحيح، وقال الحافظ في حديث الباب: إنه لا يعارض أحاديث فضائل العشر لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته كما رواه الشيخان من حديث عائشة أيضًا، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالعمل الذي فيه صلاحية الافتراض وبما ليس كذلك، والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة إمكان اجتماع أمهات العبادة فيه؛ وهي الصلاة والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيرها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في الصوم عن مسدد، والترمذي أخرجه في الصوم عن هناد بن السري، والنسائي أخرجه في الصيام في الكبرى عن عبد الله بن محمد الضعيف اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 2672 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري، صدوق، من (10) (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن الأعمش)

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها؛ أَن النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد الكوفي (عن الأسود) بن يزيد الكوفي (عن عائشة رضي الله عنها) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي معاوية في الرواية عن الأعمش، قالت (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر) أي عشر ذي الحجة أي لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو أنها لم تره صائمًا فيها، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه فيها، فعن بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر والاثنين والخميس كما في سنن أبي داود والنسائي والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث كلها لعائشة، الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني للاستشهاد له، والثالث للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

كتاب الحج والعمرة

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحج والعمرة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الحج والعمرة قال القسطلاني في المواهب اللدنية: اعلم أن الحج حلول بحضرة المعبود، ووقوف بساحة الجود، ومشاهدة لذلك المشهد الروحاني، وإلمام بمعهد العهد الرباني، ولا يخفى أن نفس الكون بتلك الأماكن شرف وعلو، وأن التردد في تلك المواطن فخار وسمو، فإن المحال المحترمة لم تزل تفرغ على الحال فيها من سجال وصفها بفيض غامر، وحسبك في هذا ما يحكى في أبيات عن مجنون بني عامر: رأى المجنون في البيداء كلبا ... فجر عليه للإحسان ذيلا فلاموه على ما كان منه ... وقالوا لم منحت الكلب نيلا فقال دعوا الملام فإن عيني ... رأته مرة في حي ليلى وقال الشيخ الدهلوي: المصالح المرعية في الحج أمور؛ منها تعظيم البيت فإنه من شعائر الله وتعظيمه هو تعظيم الله تعالى، ومنها تحقيق معنى العرضة فإن لكل دولة أو ملة اجتماعًا يتوارد الأقاصي والأداني ليعرف فيه بعضهم بعضا ويستفيدوا أحكام الملة ويعظموا شعائرها، والحج عرضة المسلمين وظهور شوكتهم واجتماع جنودهم وتنويه ملتهم وهو قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} ومنها موافقة ما توارث الناس عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإنهما إماما الملة الحنيفية ومشرعاها للعرب، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث لتظهر به الملة الحنيفية وتعلو كلمتها وهو قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} فمن الواجب المحافظة على ما استفاض عن إماميها كخصال الفطرة ومناسك الحج وهو قوله صلى الله عليه وسلم؟ "قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم، ومنها الاصطلاح على حال يتحقق بها الرفق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لعامتهم وخاصتهم كنزول منى والمبيت بمزدلفة فإنه لو لم يصطلحوا على مثل هذا لشق عليهم، ولو لم يسجل عليه لم تجتمع كلمتهم عليه مع كثرتهم وانتشارهم إلى غير ذلك اهـ فتح الملهم. والحج من الشرائع القديمة خلافًا لمن ادعى أنه لم يجب إلا على هذه الأمة، قال صاحب التعجيزة إن أول من حج آدم - عليه السلام -، وإنه حج أربعين حجة من الهند ماشيًا، وقيل ما من نبي إلا حجه حتى نوح وصالح، خلافًا لمن استثناهما، وروي أنه لما حج آدم قال له جبريل: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة، والمشهور أنه فرض في السنة السادسة من الهجرة، وقيل في الخامسة، وقيل قبل الهجرة، وقيل سنة تسع وهو الصحيح، لأن فتح مكة كان في التاسع عشر من رمضان سنة ثمان من الهجرة، وحج بالناس في تلك السنة عتاب بن أسيد ووقف بالمسلمين ووقف المشركون على ما كانوا يفعلون في الجاهلية فلما كانت سنة تسع فرض الحج، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر فحج بالناس تلك السنة، ثم أتبعه علي بن أبي طالب بسورة براءة فقرأها على الناس في الموسم، ونبذ للناس عهدهم، ونادى في الناس: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ووافقت حجة أبي بكر في تلك السنة أن كانت في شهر ذي القعدة على ما كانوا يديرون الحج في كل شهر من شهور السنة فلما كانت سنة عشر حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته المسماة بحجة الوداع على ما يأتي في حديث جابر وغيره، ووافق النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة أن وقع الحج في ذي الحجة في زمانه ووقته الأصلي الذي فرضه الله تعالى فيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" رواه أحمد والبخاري ومسلم اهـ من المفهم. ولا يجب بأصل الشرع إلا مرة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد فرض الحج إلا مرة واحدة وهي حجة الوداع وهو معلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده إلا إن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، والعمرة فرض في الأظهر، وأما خبر الترمذي عن جابر سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا, وأن تعتمر خير" فقد اتفق الحفاظ على ضعفه، ولا تجب في العمر بأصل الشرع إلا مرة كالحج وقد يجبان أكثر من مرة لعارض نذر أو قضاء عند إفساد التطوع، ووجوبهما على التراخي عند الشافعية، وأما

459 - (15) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

459 - (15) باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب 2673 - (1149) (69) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ عند مالك وأحمد فعلى الفور وليس لأبي حنيفة نص في المسألة، وقد اختلف صاحباه فقال محمد: على التراخي، وقال أبو يوسف: على الفور. ولو تعارض الحج والنكاح فالأفضل لمن لم يخف العنت تقديم الحج، ولخائف العنت تقديم النكاح، بل يجب عليه ذلك إن تحقق أو غلب على ظنه الوقوع في الزنا، ولو مات قبل الحج في هذه الحالة لم يكن عاصيًا. والحج لغة: القصد مطلقًا سواء كان للبيت الحرام للنسك أو لغيره كالأكل والشرب والسفر فالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي كما هو الغالب. وشرعًا: قصد البيت الحرام والمشاعر العظام للنسك مع الإتيان به بالفعل، وفي الحقيقة للحج شرعًا: هو النسك الذي هو النية والطواف والسعي والوقوف بعرفة والحلق وترتيب المعظم فهو نفس هذه الأعمال كما أن الصلاة نفس الأعمال المعروفة، والعمرة لغة: الزيارة مطلقًا. وشرعًا: زيارة البيت الحرام للنسك والفرق بينها وبين الحج أن النسك فيه مشتمل على الوقوف بعرفة بخلافه فيها فلا وقوف فيها ولا مبيت مثلًا. 459 - (15) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب 2673 - (11429) (69) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر المدني (عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد نيسابوري (أن رجلًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال في سؤاله (ما يلبس المحرم) قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا (من الثياب) وعند البيهقي أن ذلك وقع والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب في مقدم مسجد المدينة، وفي حديث ابن عباس عند البخاري في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات فيُحمل على التعدد، ويؤيده أن حديث ابن عمر أجاب به

فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السائل، وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة قاله في الفتح، والمحرم اسم فاعل من أحرم الرباعي، والإحرام لغة: مصدر أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تنتهك ورجل حرام أي محرم كذا في الصحاح، وشرعًا: الدخول في حرمات مخصوصة أي التزامها غير أنه لا يتحقق شرعًا إلا بالنية مع الذكر والخصوصية، والمراد بالذكر التلبية ونحوها، وبالخصوصية ما يقوم مقامها من سوق الهدي وتقليد القلائد فلا بد من التلبية أو ما يقوم مقامها، فلو نوى ولم يلب أو بالعكس لا يصير محرمًا، وهل يصير محرمًا بالنية والتلبية أو بأحدهما بشرط الآخر؟ المعتمد ما ذكره الحسام الشهيد أنه بالنية لكن عند التلبية كما يصير شارعًا في الصلاة بالنية لكن بشرط التكبير لا بالتكبير كما في شرح اللباب كذا في رد المحتار اهـ فتح الملهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب السائل (لا تلبسوا) أيها المحرمون (القمص) بضمتين جمع قميص كسبيل وسبل؛ وهو الدرع، وذكر ابن الهمام أنهما سواء إلا أن القميص يكون مجيبًا من قبل الكتف، والدرع من قبل الصدر، قال العيني: في الحديث تحريم لبس القميص على المحرم ونبه به على كل مخيط من كل معمول على قدر البدن أو العضو منه وذلك مثل الجبة والقفازين اهـ وفي البحر أن ضابطه لُبس كل شيء معمول على قدر البطن أو بعضه بحيث يحيط به بخياطة أو تلزيق بعضه ببعض أو عقد خيوطه بعضها ببعض كالطاقية والشراريب، ويستمسك عليه بنفس لبسه فخصوص الخياطة غير معتبر بل لا فرق بين المخيط والمنسوج كالدروع والمعقود كالشراريب والملزق بعضه ببعض كاللبد قطنًا كان أو صوفًا أو شعرًا أو كتانًا أو جلدًا أو حشيشًا منسوجًا أو غير ذلك. قال النواوي: قال العلماء: وهذا الجواب من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال: لا تلبسوا كذا وكذا، وتلبسون ما سواه إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يُلبس لطال به الكلام بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم، وأيضًا أن المقصود بيان ما يحرم لبسه لا بيان ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه أن يجتنب شيئًا مخصوصًا، وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج لبيانه فالجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فكان الأليق السؤال عما لا يلبس، وقال غيره: هذا يشبه الأسلوب

ولا الْعَمَائِمَ، ولا السَّرَاويلاتِ، ولا الْبَرَانِسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكيم، ويقرب منه قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين الآية، فعدل في الجواب عن جنس المنفِق وهو المسؤول عنه إلى ذكر المنفَق عليه لأنه أهم، قال الدهلوي: والفرق بين المخيط وما في معناه حيث حرم عليه وبين غيره حيث أحل له، أن الأول ارتفاق وتجمل وزينة، والثاني ستر عورة، وترك الأول تواضع لله تعالى، وترك الثاني سوء أدب (ولا العمائم) جمع عمامة؛ وهو ما يكور ويلف على الرأس سواء كانت له عذوبة أم لا، سميت بذلك لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية، قال النواوي: ونبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطًا كان أو غيره حتى العصابة فإنها حرام فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدها ولزمته الفدية، قال الخطابي: ذكر العمامة والبرانس معًا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال: ومن النادر المكتل يحمله على رأسه. [قلت] مراده أن يجعله على رأسه كلبس القبع، ولا يلزم شيء بمجرد وضعه على رأسه كهيئة الحامل لحاجته، ولو انغمس في الماء لا يضره فإنه لا يسمى لابسًا، وكذا لو ستر رأسه بيده اهـ فتح (ولا السراويلات) جمع سراويل وهو لباس يستر النصف الأسفل من الجسم، قال القاري: قوله السراويلات جمع أو جمع الجمع اهـ، وفي القاموس: السراويل فارسية معربة جمعها سراويلات، وهي جمع سروال وسروالة فالسراويلات تكون جمع الجمع حينئذ، والسراويل هي ما يقال له في الهندية شلوار، قال الحافظ: وصح أنه صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل سراويل من سويد بن قيس أخرجه الأربعة وأحمد، وصححه ابن حبان من حديثه، وأخرجه أحمد أيضًا من حديث مالك بن عميرة الأسدي قال: قدمت قبل مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى مني سراويل فأرجح لي، وقال ابن القيم في الهدي: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل والظاهر أنه إنما اشتراه ليلبسه، ثم قال: ورُوي في حديث أنه لبس السراويل وكانوا يلبسونه في زمانه وبإذنه اهـ (ولا البرانس) جمع برنس وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو ممطر وغيره، وقال الجوهري: هي قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام؛ وهو من البِرس بكسر الباء وهو القطن والنون زائدة، وقيل إنه غير عربي كذا في عمدة القاري، قال الحافظ: وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به، قيل: فإنه من لبوس النصارى قال: كان

ولا الْخِفَافَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يلبس ها هنا، وقال عبد الله بن أبي بكر: ما كان أحد من القراء إلا له برنس، وأخرج الطبراني من حديث أبي قرصافة قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم برنسًا فقال: "البسه" وفي سنده من لايعرف، ولعل من كرهه أخذ بعموم حديث علي رفعه: "إياكم ولبوس الرهبان فإنه من تزيا بهم أو تشبه فليس مني" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به (ولا الخفاف) بكسر الخاء المعجمة جمع الخف الملبوس، وخف البعير جمعه أخفاف، قال النواوي: نبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وجمجم وجورب وغيرها، وهذا وما قبله كله حكم الرجال، أما المرأة فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر من مخيط وغيره إلا ستر وجهها فإنه حرام بكل ساتر، وفي ستر يديها بالقفازين خلاف للعلماء وهما قولان للشافعي أصحهما تحريمه، قال الغزالي في الإحياء: وللمرأة أن تلبس كل مخيط بعد أن لا تستر وجهها بما يماسه فإن إحرامها في وجهها، قال الزبيدي في شرحه: أي إن الوجه في حق المرأة كالرأس في حق الرجل، ويعبر عن ذلك بأن إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها والأصل في ذلك ما روى البخاري من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا: "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين" ونقل البيهقي عن الحاكم عن أبي علي الحافظ: أن لا تنتقب المرأة من قول ابن عمر أدرج في الخبر، وقال صاحب الإمام: هذا يحتاج إلى دليل، وقد حكى ابن المنذر أيضًا هل هو من قول ابن عمر أو من حديثه؟ وقد رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وله طرق في البخاري موصولة ومعلقة اهـ فتح الملهم. قال القاضي عياض: وأجمعوا على المنع من لبس ما ذكر، ونبه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمامة والبرانس على ما يغطي الرأس مخيطًا أو غير مخيط، وبالخفاف على ما يستر الرجل، وهذا المنع في حق الرجال، والخطاب لهم، وحكمة المنع ليبعدوا عن الترفه ويتصفوا بصفة الخاشع وليتذكروا بذلك أنهم محرمون فيكثروا الذكر ويبعدوا عن المذام ويتذكروا الموت بلبسهم شبه الكفن والقيام من القبور حفاة، ولهذا المعنى منع الحاج من النساء والطيب لأن المطلوب البعد عن عرض الدنيا لتخلص نيته فيما خرج إليه لعل الله سبحانه يناله برحمته، وأما المرأة فيباح لها ستر جميع بدنها بمخيط أو غير مخيط إلا وجهها وكفيها فيحرم عليها سترهما على ما يأتي اهـ من

إِلَّا أَحَدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَينِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّينِ. وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ. ولا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيابِ شَيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبي (إلا أحد) بالرفع على البدلية من واو الضمير في لا تلبسوا، وفي نسخة إلا أحدًا بالنصب على الاستثناء، وفي القسطلاني والمستثنى منه محذوف ذكره معمر في روايته عن الزهري عن سالم بلفظ: "وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين، إلا أحد لا يجد نعلين" إلخ اهـ، والذي يظهر بالاستقراء أن أحدًا لا يستعمل في الإثبات إلا أن يعقبه النفي وكان الإثبات حينئذ في سياق النفي، وقوله (لا يجد النعلين) في موضع رفع صفة لأحد (فليلبس الخفين وليقطعهما) أي وليقطع فاقد النعلين الخفين (أسفل من الكعبين) أي وليلبسهما بشرط أن يقطعهما ولا فدية عليه لأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا موضع بيانها وأفاد بقوله (لا يجد النعلين) أنه لو وجدهما لا يقطعه لما فيه من إتلاف المال بغير حاجة أفاده في البحر، قال الحافظ: والمراد بعدم الوجدان أن لا يقدر على تحصيله إما لفقده أو ترك بذل المالك له وعجزه عن الثمن إن وجد من يبيعه أو الأجرة ولو بيع بغبن لم يلزمه شراؤه أو وهب له لم يجب قبوله إلا أن أُعير له اهـ قال الأبي: قال ابن حبيب: لا رخصة اليوم في لبسهما مقطوعين لكثرة النعال، ومن فعله افتدى وينزل منزلة عدم النعلين الرفع في ثمنهما الرفع المتفاحش اهـ، وقوله (من الكعبين) الكعب هنا العظم المثلث المبطن على ظهر القدم لا العظمان الناتئان عند مفصل القدم والساق لأن الأحوط فيما كان أكثر كشفًا وهو فيما قلنا قاله محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية، خلافًا للشافعي فإن المراد بالكعبين عنده ما هو المراد بهما في الوضوء اهـ من بعض الهوامش، والمراد قطعهما بحيث يصير الكعبان وما فوقهما من الساق مكشوفًا لا قطع موضع الكعبين فقط كما لا يخفى، وقال الأزهري: الكعبان هما العظمان الناتئان في منتهى الساق مع القدم وهما ناتئان عن يمنة القدم ويسرتها اهـ (ولا تلبسوا) بفتح أوله وثالثه (من الثياب) وهذا الحكم يشترك فيه النساء مع الرجال بخلاف ما سبق فإنه خاص بالرجال، والدليل على هذا العموم ما أخرجه الحاكم عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسأنهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران اهـ فتح (شيئًا مسه الزعفران) بالتعريف، وفي الرواية الآتية زعفران بالتنكير، قال الزركشي: بالتنوين لأنه ليس فيه من موانع الصرف إلا الألف والنون فقط وهما لا يستقلان بمنع الصرف، فلو سميت به امتنع وهو

ولا الْوَرْسُ". 2674 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابنِ عُيَينَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أبِيهِ رضي الله عنه. قَال: سُئِلَ النَّبيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ قَال: "لا يَلبَسِ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، ولا ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم أعجمي، وقد صرفته العرب فقالوا: ثوب مزعفر -أي مصبوغ بالزعفران- وقد زعفر ثوبه يزعفره زعفرة، ويجمع على زعافر؛ وهو اسم شجر يتخذ منه الصبغ الأحمر له رائحة طيبة (ولا) شيئًا مسه (الورس) -بفتح الواو وسكون الراء بعدها سين مهملة- وهو نبت أصفر مثل نبات السمسم طيب الريح يصبغ به بين الصفرة والحمرة، أشهر طيب في بلاد اليمن، لكن قال ابن العربي: الورس وإن لم يكن طيبًا فله رائحة طيبة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبه به وبالزعفران على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم اهـ وفي معناه العصفر- وهو نبت يتخذ من زهرة الصبغ الأصفر له حب يؤكل بعد قليه مع البن، كثير في الحبشة يزرع مع الطيف في الأروميا صوفي، والمانع للإحرام في الورس والزعفران الطيب وهو الرائحة الطيبة لكونه داعيًا إلى الجماع لا اللون وهو موجود فيه وفي الزعفران لا في غيرهما من أنواع الصبغ، وإنما فيه الزينة والمحرم ليس بممنوع منها كما حقق في محله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 2 و 47]، والبخاري [133]، وأبو داود [1737]، والترمذي [831]، والنسائي [5/ 22]، وابن ماجه [2914]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2674 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (كلهم) أي كل من الثلاثة (عن) سفيان (ابن عيينة) الهلالي الكوفي (قال يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع (قال) ابن عمر (سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يلبس) الرجل (المحرم القميص ولا

الْعِمَامَةَ، ولا الْبُرْنُسَ، ولا السَّرَاويلَ، ولا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسْ ولا زَعْفَرَان ولا الْخُفَّينِ. إِلَّا أَنْ لا يَجدَ نَعْلَينِ فَلْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أَسفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ". 2675 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّهُ قَال: نَهَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ. وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران) بالصرف لما مر (ولا) يلبس (الخفين إلا أن لا يجد نعلين) حسًّا أو شرعًا كما مر (فليقطعهما) وجوبًا (حتى يكونا أسفل من الكعبين) وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى في سوق الكلمات. قال القرطبي: قوله (ولا ثوبًا مسه زعفران وورس) هذا مما أجمعت الأمة عليه لأن الزعفران والورس من الطيب واستعمالهما ينافي بذاذة الحاج وشعثه المطلوب منه، وأيضًا فإنهما من مقدمات الوطء ومهيجاته والمحرم ممنوع من الوطء ومقدماته، ويستوى في المنع منهما الرجال والنساء وعلى لابس ذلك الفدية عند مالك وأبي حنيفة ولم يرها الثوري ولا الشافعي وإسحاق وأحمد إذا لبس ذلك ناسيًا، فأما المعصفر فرآه الثوري وأبو حنيفة طيبًا كالمزعفر ولم يره مالك ولا الشافعي طيبًا، وكره مالك المفدم منه أي المشبع بالصبغ، واختلف عنه هل على لابسه فدية أم لا؟ وأجاز مالك سائر الثياب المصبغة بغير هذه المذكورات، وكرهها بعضهم لمن يقتدى به. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2675 - (00) (00) وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (4) (عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع وسالم (أنه) أي أن ابن عمر (قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم) والمحرمة (ثوبًا مصبوغًا بزعفران أو ورس، وقال) رسول الله صلى الله

"مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَينِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّينِ. وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسفَلَ مِنَ الْكَعْبَينِ". 2676 - (1150) (70) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمادُ بْنُ زيد، عَنْ عَمْرو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: "السرَاويلُ، لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ. وَالْخُفَّانِ، لِمَنْ لَم يَجِدِ النَّعْلَينِ" يَعْنِي الْمُحْرِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2676 - (1150) (70) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (جميعًا) أي كلهم (عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن جابر بن زيد) الأزدي أبي الشعثاء البصري صاحب ابن عباس مشهور بكنيته، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من خماسياته أربعة منهم بصريون وواحد طائفي أو ثلاثة بصريون وواحد إما نيسابوري أو بلخي (قال) ابن عباس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول: السراويل) أي لبسه جائز (لمن) أي للرجل المحرم الذي (لم يجد الإزار) حسًّا أو شرعًا (والخفان) أي لبسهما جائز (لمن) أي للرجل المحرم الذي (لم يجد النعلين) حسًّا أو شرعًا، وقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لمن لم يجد في الموضعين الرجل (المحرم) لا المحرمة سواء كان إحرامه حجًّا أو عمرة، كلام مدرج من بعض الرواة تفسيرًا للموصول المبهم في قوله لمن والله أعلم. وظاهره جواز لبس السراويل للمحرم الفاقد الإزار كما هو مذهب الشافعي وأحمد، وأما عند الأحناف ومالك فلا يلبسه وإنما يشقه ويأتزر به عند الضرورة ولو لبسه من غير شق فعليه دم وكذلك الخفاف فلا يلبسهما المحرم إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين، قال القاري: (قوله السراويل لمن لم يجد الإزار) الخ أي وليس عليه فدية وهو

2677 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) ح وَحَدثَنِي أَبُو غَسَّانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. قَالًا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنهُ سَمِعَ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. فَذَكَرَ هذَا الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: ليس له لبس السراويل، فقيل يشقه ويأتزر به ولو لبسه من غير فتق فعليه دم، وقال الرازي: يجوز لبس السراويل من غير فتق عند عدم الإزار ولا يلزم منه عدم لزوم الدم لأنه قد يجوز ارتكاب المحظور للضرورة مع وجوب الفدية كالحلق للأذى ولبس المخيط للعذر، وقد صرح في الآثار بإباحة ذلك مع وجوب الفدية وليس في الحديث أنه يلزمه فتق السراويل حتى يصير غير مخيط كما قال به أبو حنيفة قياسًا على الخفين، وأما اعتراض الشافعية بأن فيه إضاعة مال فمردود بما تقدم، نعم لو فرض أنه بعد الفتق لا يستر العورة يجوز له لبسه من غير فتق بل هو متعين واجب إلا أنه يفدي، وأما قول ابن حجر وعن أبي حنيفة ومالك امتناع لبس السراويل على هيئته مطلقًا فغير صحيح عنهما اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2677 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر ح وحدثني أبو غسان الرازي) محمد بن عمرو التميمي المعروف بزنيج مصغرًا، ثقة، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (قالا جميعًا) أي قال محمد بن جعفر وبهز (حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد) يعني عن جابر بن زيد عن ابن عباس. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد (أنه) أي أنه ابن عباس (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات) بزيادة عرفات هنا (فذكر) شعبة (هذا الحديث) السابق الذي رواه حماد بن زيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

2678 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِي بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدثَنِي عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيوبَ. كُل هؤُلاءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ، غَيرُ شُعْبَةَ وَحْدَه. 2679 - (1151) (71) وحدثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبو الزبَيرِ، عَنْ جَابِرِ رضي الله ـــــــــــــــــــــــــــــ 2678 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي (عن) عبد الملك (ابن جريج) الأموي المكي (ح وحدثني علي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية البصري (عن أيوب) السختياني كل هرلاء) المذكورين من ابن عيينة وهشيم وسفيان الثوري وابن جريج وأيوب السختياني رووا (عن عمرو بن دينار) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة المذكورين لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار (بهدا الإسناد) يعني عن جابر بن زيد عن ابن عباس (ولم يذكر أحد منهم) أي من الخمسة المذكورين لفظة (يخطب بعرفات غير شعبة وحده). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 2679 - (1151) (71) (وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي (حدثنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني (رضي الله) تعالى (عنهـ) ـما. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَينِ فَلْيَلْبَسْ خُفينِ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاويلَ". 2680 - (1152) (72) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ مكي (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين) بشرط أن يقطعهما أسفل من الكعبين حملًا للمطلق هنا على المقيد في حديث ابن عمر (ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل) وقال الحنابلة: ومن لم يجد إزارًا لبس سراويل، ومتى وجد إزارًا خلعه أو نعلين لبس خفين، ويحرم قطعهما، واستدلوا بحديث ابن عباس وجابر: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين" وليس في حديثهما ذكر القطع، وقالوا: قطعهما إضاعة مال، قالوا: وإن حديث ابن عمر المصرح بقطعهما منسوخ، وأجيب: بأنه لا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بأنه أصح الأسانيد، واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعًا إلا من رواية جابر بن زيد عنه، وبأنه يجب حمل حديث ابن عباس وجابر على حديث ابن عمر لأنهما مطلقان وفي حديث ابن عمر زيادة لم يذكراها يجب الأخذ بها، وبأن إضاعة المال إنما تكون في المنهي عنه لا فيما أذن فيه، والأمر في قوله فليلبس الخفين للإباحة لا للوجوب، والسر في تحريم المخيط وغيره مما ذكر مخالفة العادة والخروج عن المألوف لإشعار النفس بأمرين الخروج عن الدنيا والتذكر للبس الأكفان عند نزع المخيط وتنبيهها على التلبس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها وذلك موجب للإقبال عليها والمحافظة على قوانينها وأساسها وأركانها وشرائطها وآدابها اهـ قسطلاني، وحديث جابر هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه وإن دل عليه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ضمنًا لا صريحًا فقال: 2680 - (1152) (72) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عطاء بن أبي

رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. عَلَيهِ جُبَّةٌ وَعَلَيهَا خَلُوقٌ (أَوْ قَال: أَثَرُ صُفْرَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ رباح) اسمه أسلم القرشي مولاهم أبو محمد اليماني المكي، ثقة، من (3) (عن صفوان بن يعلى بن أمية) التميمي المكي، ثقة، من (3) (عن أبيه) يعلى بن أمية بن عبيد بن همام بن الحارث التميمي حليف قريش وهو يعلى ابن منية -بضم الميم وسكون النون بعدها تحتانية مفتوحة- وهي اسم أمه، وقيل اسم جدته، المكي الصحابي المشهور (رضي الله عنه) من مسلمة الفتح. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد بصري وواحد أبلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد (قال) يعلى بن أمية (جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه قاله ابن حجر، لكن ذكر ابن فتحون في الذيل عن تفسير الطرطوشي: أن اسمه عطاء بن منية، قال ابن فتحون: فإن ثبت ذلك فهو أخو يعلى الراوي اهـ قسطلاني (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (بالجعرانة) بكسر الجيم والعين وتشديد الراء، قال البكري: كذا يقول العراقيون، ومنهم من يخفف الراء ويكسر الجيم ويسكن العين، وكذلك الخلاف في الحديبية وهي موضع بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب، وقال ابن الأثير: وهي قريب إلى مكة، وهي في الحل وميقات الإحرام، وقال ياقوت: وهي غير الجعرانة التي بأرض العراق، قال سيف بن عمر: نزل المسلمون فيها لقتال الفرس، فقال يوسف بن ماهان: اعتمر بها ثلاثمائة نبي عليهم الصلاة والسلام يعني الجعرانة التي بقرب مكة كذا في عمدة القاري، وقال القاري: الجعرانة موضع معروف أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة، وهي أفضل من التنعيم عند الشافعية خلافًا لأبي حنيفة بناء على أن الدليل القولي أقوى عنده لأن القول لا يصدر إلا عن قصد، والفعل يحتمل أن يكون اتفاقيًا لا قصدًا، وقد أمر صلى الله عليه وسلم عائشة أن تعتمر من التنعيم وهو أقرب المواضع إلى الحرم اهـ فتح (عليه) أي على ذلك الرجل (جبة) بضم الجيم وتشديد الموحدة المفتوحة قباء طويل محشو يلبس للبرد (وعليها) أي وعلى تلك الجبة (خلوق) بفتح الخاء وضم اللام؛ نوع من الطيب مركب من زعفران وغيره (أو قال) يعلى: عليه (أثر صفرة) أي أثر طيب لون صفرة أي بقيته، والشك من صفوان أو ممن دونه، ثم إن

فَقَال: كَيفَ تَأمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَال: وَأُنْزِلَ عَلَى النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ. فَسُتِرَ بِثَوْبٍ. وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: وَدِدْتُ أَني أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَزَلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ. قَال: فَقَال: أيَسُرُّكَ أنْ تَنْظُرَ إِلَى النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ؟ قَال: فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثَّوْبِ. فَنَظَرْتُ إِلَيهِ لَهُ غَطِيطٌ. (قَال: وَأَحْسَبُهُ قَال) كَغَطِيطِ الْبَكْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلوق كما يظهر من الرواية الآتية كان بجسد هذا الرجل لا بجبته، ولعله لكثرته ظهر أثره على جثته ولهذا أمره صلى الله عليه وسلم بغسل ما على جسده وبنزع جبته وإلا لكان في نزعها كفاية عن الغسل (فقال) الرجل (كيف تأمرني) يا رسول الله بـ (أن أصنع) وأعمل (في عمرتي) في التجرد من محظورات الإحرام، وفي الإتيان بمأموراته (قال) يعلى (وأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي) قال الأبي: والظاهر من سياق الأحاديث أن نزول الوحي سببه هذه القضية، قال النواوي: وقد يحتج به من يقول أنه صلى الله عليه وسلم لا يحكم باجتهاده، وقد يجاب بأنه اجتهد ولم يظهر له حكم ما سئل عنه أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد اهـ (فستر) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الناس (بثوب) قد أظل عليه، والظاهر أن الساتر له عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سيأتي بيانه في الرواية الآتية، قال الأبي: إن الساتر له عمر رضي الله عنه وستره إياه أنه بإذن سابق أو مقارن أو باجتهاده رضي الله عنه (وكان يعلى) بن أمية (يقول) قبل ذلك اليوم لعمر بن الخطاب: والله قد (وددت) وأحببت وتمنيت يا عمر (أني أرى) وأنظر (النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (قد نزل عليه الوحي) من الله تعالى (قال) يعلى (فـ) لما نزل عليه الوحي (قال) لي عمر بن الخطاب (أيسرك) يا يعلى؛ أي هل يبشرك يا يعلى (أن تنظر) وتبصر (إلى النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (قد أنزل عليه الوحي قال) يعلى فقلت لعمر: نعم يسرني ذلك (فـ) لما قلت له: نعم يسرني ذلك (رفع عمر) بن الخطاب (طرف الثوب) الذي أظل عليه وذيله فأدخلت رأسي مع عمر في المظلة (فنظرت إليه) صلى الله عليه وسلم وهو في ثقل الوحي (له غطيط) أي صوت مردد في صدره كصوت النائم الذي يردد صوته في صدره مع نفسه (قال) صفوان (وأحسبه) أي وأحسب يعلى وأظنه (قال) له غطيط (كغطيط البكر) بفتح الباء الموحدة وهو الفتي من الإبل -أي الشاب- والبكرة الفتاة، والقلوص بمنزلة الجارية، والبعير كالإنسان، والناقة

قَال: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال: "أَينَ السائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصفْرَةِ (أَوْ قَال: أَثَرَ الْخَلُوقِ) وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ. وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانعٌ فِي حَجِّكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كالمرأة، والجمل كالرجل اهـ فتح الملهم، فإن قيل إذا كان الحكم الستر له صلى الله عليه وسلم كما تقدم، فلم أقدم عمر على رفع الثوب وقد علمت اختلافهم عند موته صلى الله عليه وسلم هل يغتسل دون ثوب أم لا؟ حتى سمعوا: اغسلوه في ثوبه. [قلت] يحتمل أنه أيضًا بإذن سابق أو باجتهاد وليس رؤية وجهه كتجريده من الثوب للغسل كذا قال الأبي رحمه الله تعالى، وقال النووي: رفع عمر الثوب وإدخال أبي يعلى رأسه كله محمول على أنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم لا يكره الاطلاع عليه في تلك الحال لأن فيها تقوية للإيمان بالاطلاع على الوحي اهـ، وقوله (له غطيط) هو صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى عليه في صدره وسبب ذلك شدة ثقل الوحي كما قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} قال الأبي: قد قدمنا حقيقة الوحي وانقسامه في كتاب الإيمان وما هو الأشد من تلك الأقسام فلعل ذلك الأشد هو الذي يغط له اهـ، وفيه أن الوحي بالقرآن والسنة كان على صفة واحدة أشار إليه ابن المنير رحمه الله تعالى (قال) يعلى (فلما سري) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف وأزيل (عنه) صلى الله عليه وسلم ما يراه من ثقل الوحي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين السائل) لي (عن) حكم (العمرة) من واجباته ومحظوراته؟ فقال الرجل: أنا السائل يا رسول الله، فقال له (اغسل عنك أثر الصفرة) وهذا أعم من أن يكون بثوبه أو بدنه (أو قال) له النبي صلى الله عليه وسلم اغسل عنك (أثر الخلوق) والشك من يعلى أو ممن دونه (واخلع عنك جبتك واصنع) أي وافعل (في) إتمام (عمرتك) وأعمالها (ما) أي أعمالًا (أنت صانعـ) ها (في) أداء (حجك) أي بعضها من الطواف والسعي والحلق لأن الوقوف والمبيت والرمي ليس فيها. قال العيني: اختلف العلماء في استعمال الطيب عند الإحرام واستدامته فكرهه قوم ومنعوه منهم مالك ومحمد بن الحسن، ومنعهما عمر وعثمان وابن عمر وعثمان بن أبي العاص وعطاء والزهري، وخالفهم في ذلك آخرون فأجازوه منهم أبو حنيفة والشافعي تمسكًا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لحرمه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت. قالا: وحديث يعلى إنما أمره بغسل ما عليه لأن ذلك الطيب كان زعفرانًا وقد نهى الرجال عن الزعفران، وجواب آخر بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث وهي في سنة ثمان بلا خلاف وحديث عائشة المذكور كان في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ من أمره صلى الله عليه وسلم بالآخر فالآخر، واستدل بحديث الباب على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلًا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك: إن طال ذلك عليه لزمته، وعن أبي حنيفة وأحمد في أصح الروايتين عنه تجب مطلقًا، وقال ابن بطال: لو لزمته الفدية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم أي في حديث الباب لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وفرق مالك فيمن تطيب وليس ناسيًا بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى، والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية، وقول مالك فيه احتياط، وأما قول الكوفيين والمزني فمخالف لهذا الحديث، وأجاب ابن المنير في الحاشية بان الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي قال: ولا خلاف أن التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفديته عما مضى بخلاف من لبس الًان جاهلًا فإنه جهل حكمًا استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفًا به، وقد تمكن منه اهـ فتح، قوله (واخلع عنك جبتك) أي وانزعها استدل به على أن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافًا للنخعي والشعبي حيث قالا: لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما، وعن علي نحوه، وكذا عن الحسن وأبي قلابة، وقد وقع عند أبي داود بلفظ: اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه كذا في الفتح، قوله (واصنع في عمرتك ما أنت صانع) الخ من اجتناب المحرمات فالحديث دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك، قال ابن العربي: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراها واحد، وقال النواوي: إنه صلى الله عليه وسلم أراد مع ذلك الطواف والسعي والحلق بصفاتها وهيئاتها وإظهار التلبية وغير ذلك مما يشترك فيه الحج والعمرة، ويخص من عمومه ما لا

2681 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ. قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبيهِ. قَال: أتَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ رَجُلٌ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ. وَأَنَا عِنْدَ النَّبِي صَلًّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَعَلَيهِ مُقَطَّعَاتٌ (يَعْني جُبَّةً). وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ. فَقَال: إِنِّي أحْرَمْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يدخل في العمرة من أفعال الحج كالوقوف والرمي والمبيت بمنى ومزدلفة وغير ذلك اهـ، وقال ابن المنير في الحاشية: قوله (واصنع) معناه واترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعلي اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 222]، والبخاري [1536]، وأبو داود [1819]، والترمذي [836]، والنسائي [5/ 130 و 132]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث يعلى رضي الله عنه فقال: 2681 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (ابن أبي عمر) العدني المكي (قال حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح اليماني المكي، من (3) (عن صفوان بن يعلى) التميمي المكي (عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي المكي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح (قال) يعلى (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو) صلى الله عليه وسلم (بالجعرانة وأنا) يريد يعلى نفسه (عند النبي صلى الله عليه وسلم) إظهار في مقام الإضمار لقصد التلذذ (وعليه) أي والحال أنه على ذلك الرجل (مقطعات) أي نوع من الثياب المخيطة بفتح الطاء المشددة من التقطيع بمعنى التفصيل لأن كل جزء منها قطعت وفصلت على قدر كل عضو من أعضاء الجسد كاليد والظهر والصدر والإبط مثلًا، ثم خيطت وركبت فصارت مخيطة وتسميتها مقطعات بالنظر إلى ما قبل الخياطة وأوضحها صفوان أو من دونه (يعني) يعلى بالمقطعات (جبة) أي عليه جبة (وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (متضمخ) بالضاد والخاء المعجمتين أي متلوث (بالخلوق) مكثر منه وهو بفتح الخاء المعجمة أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران اهـ من المفهم، وقوله (فقال) معطوف على أتى أي أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو متضمخ طيبًا، فقال له (إني أحرمت) يا رسول الله

بِالْعُمْرَةِ وَعَلَى هذَا. وَأَنَا مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ. فَقَال لَهُ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ؟ " قَال: أَنْزع عَني هذِهِ الثيَابَ. وَأَغْسِلُ عَني هذَا الْخَلُوقَ. فَقَال لَهُ النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عمْرَتِكَ". 2682 - (00) (00) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيد. أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بالعمرة وعليّ هذا) المخيط يعني الجبة (وأنا متضمخ) أي متلطخ (بالخلوق) فماذا ترى يا رسول الله في شأني هذا (فقال له) أي للرجل (النبي صلى الله عليه وسلم) مستفهمًا له (ما كنت صانعًا في حجك) أي أي شيء كنت تصنع وتجتنب عنه في حجك (قال) الرجل في جواب استفهام النبي صلى الله عليه وسلم (انزع) واخلع (عني) أي عن بدني في حجي (هذه الثياب) المقطعات (واغسل عني) أيضًا في حجي (هذا الخلوق) الذي تضمخت به (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك) وهذا سياق حسن ومعنى واضح، تلخيصه أن الرجل كان يعرف أن المحرم بالحج يجتنب المخيط والطيب وظن أن حكم المحرم بالعمرة ليس كذلك فلبس وتطيب ثم أحرم وهو كذلك، ثم وقع في نفسه من ذلك شيء فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له: "ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك" يعني من اجتناب ما كنت تجتنبه فيه، وهذا معنى واضح ومساق حسن للحديث فليغتبط به، وقد يستدل به للشافعي على قوله: إنه لا فدية على المتضمخ المحرم ولا على اللابس إذ لم يرو في طريق من طرق هذا الحديث أنه أمره بفدية اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال: 2682 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية الأسدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (قالا) أي قال كل من إسماعيل ومحمد بن بكر (أخبرنا ابن

جرَيجٍ. ح وَحَدثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا عِيسى، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ؛ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَه؛ أن يَعْلَى كَانَ يَقُولُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لَيتَنِي أَرَى نَبِي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلم حِينَ يُنْزَلُ عَلَيهِ. فَلَمَّا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ. وَعَلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ عَلَيهِ. مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أصْحَابِهِ. فِيهِمْ عُمَرُ. إِذْ جَاءَهُ رَجُل عَلَيهِ جُبَّةُ صُوفٍ. مُتَضَمِّخ بِطِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جريج ح وحدثنا علي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال الهلالي أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) (واللفظ) الآتي (له) أي لعلي بن خشرم (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن ابن جريج، قال أخبرني عطاء) بن أبي رباح (أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره) أي أخبر عطاء (أن يعلى) بن أمية (كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لهمام بن يحيى في رواية هذا الحديث عن عطاء أي قال يعلى لعمر (ليتني) أن (أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي أتمنى وأحب رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين ينزل عليه) الوحي ليزداد إيماني (فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة) منصرفه من حنين؛ وهي موضع قريب إلى مكة ميقات لإحرام العمرة (وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل) بضم أوله وكسر الظاء المعجمة، ومعنى قد أظل (به) أي بذلك الثوب (عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم أي جعل كالمظلة التي يظلل بها من الشمس، ووقع عند الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة كذا في الفتح. [قلت] ولكن المشهور أن الآية نزلت في سنة ست في الحديبية والنظم يؤيده، وقصة الباب كانت بالجعرانة في منصرفه صلى الله عليه وسلم من حنين وذلك في سنة ثمان كما ذكره ابن حزم وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم (معه) صلى الله عليه وسلم (ناس من أصحابه فيهم عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (إذ جاءه) صلى الله عليه وسلم (رجل عليه جبة صوت متضمخ) أي متلطخ (بطيب) وإذ فجائية رابطة لجواب لما؛ والمعنى فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فاجأه مجيء رجل عليه جبة

فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ تَرَى فِي رَجُل أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إِلَيهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ سَاعَةً. ثُم سَكَتَ. فَجَاءَهُ الْوَحْيُ. فَأشَارَ عُمَرُ بِيَدِهِ إِلَى يَعْلَى بْنِ أمَيةَ: تَعَال. فَجَاءَ يَعْلَى. فَأدْخَلَ رَأسَهُ. فَإذَا النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ. يَغِطُّ سَاعَةً. ثم سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَال: "أَينَ الَّذِي سَألَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟ " فَالْتُمِسَ الرجُلُ، فَجِيءَ بِهِ. فَقَال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم: "أَما الطِّيبُ الذِي بِكَ، فَاغسِلْهُ ثَلاثَ مَرات ـــــــــــــــــــــــــــــ صوف (فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب) وهذا يدل على أن السؤال إنما وقع عن استدامة الطيب بعد الإحرام لا عن استعماله عنده والله أعلم (فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة) أي زمنًا قليلًا (ثم سكت) النبي صلى الله عليه وسلم عن رد جوابه انتظارًا للوحي (فجاءه) صلى الله عليه وسلم (الوحي) أي حامل الوحي (فأشار عمر) رضي الله عنه (بيده إلى يعلى بن أمية) بأن (تعال) أي بأن أقبل إلي (فجاء يعلى فأدخل رأسه) في المظلة كأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم والفاء في قوله (فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه) عاطفة على ما قبلها، وإذا فجائية أي فأدخل رأسه في المظلة ففاجأه كون النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يغط ساعة) بفتح أوله وكسر الغين المعجمة وتشديد المهملة أي ينفخ من الغطيط، قال في المصباح: يقال غط يغط غطيطًا من باب ضرب نظير عز إذا تردد نفسه صاعدًا إلى حلقه حتى سمعه من حوله وسبب ما طرأ عليه صلى الله عليه وسلم من احمرار الوجه والغطيط حالة الوحي ثقله وشدته قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (ثم سري) بالبناء للمجهول أي كشف وأزيل (عنه) صلى الله عليه وسلم ما يجده من ثقل الوحي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين) الرجل (الذي سألني عن) حكم (العمرة) أي عن مأموراته ومحظوراته (آنفًا) أي في الزمن القريب (فالتمس) أي طلب (الرجل) السائل (فجيء به) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فاغسله) عنك (ثلاث مرات) مبالغة في الإنقاء، قال القرطبي: فيه دليل على المبالغة في غسله حتى يذهب ريحه وأثره لا أن ثلاثًا حد في هذا الباب، ويحتمل أن ثلاثًا راجع إلى تكرار قوله (فاغسله) فكأنه قال اغسله اغسله اغسله يدل على صحته ما قد روي من عادته صلى الله

وَأَمَّا الْجُبَّةُ، فَانْزِعْهَا. ثم اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ، مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ". 2683 - (00) (00) وحدثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمي وَمُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) قَالا: حَدَّثنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم في كلامه فإنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات اهـ من المفهم، وفي صحيح البخاري قلت: لعطاء أراد الإبقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم. وفي الفتح: القائل هو ابن جريج وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله ثلاث مرات من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة اغسله مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه نبه عليه عياض رحمه الله تعالى، وفي رواية أبي داود أمره أن ينزعها نزعًا ويغسلها مرتين أو ثلاثًا، قال النواوي رحمه الله تعالى: إنما أمره بالثلاث مبالغة في إزالة لونه وريحه، والواجب الإزالة فإن حصلت بمرة كفت ولم تجب الزيادة ولعل الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيده قوله متضمخ اهـ فتح الملهم (وأما الجبة فانزعها) بكسر الزاي أي اخلعها فورًا وأخرجها، وفي هذا رد على الشعبي والنخعي حيث قالا: إن ذلك الثوب يشق لأنه إذا خلعه من رأسه غطى رأسه والمحرم ممنوع من تغطية رأسه وهذا ليس بشيء لأنا لا نسلم أن هذه التغطية منهي عنها لأنه لا ينفك عن المنهي إلا بها فصار هذا الخلع مأمورًا به فلا يكون هو الذي نهي عنه المحرم، ويجري هذا مجرى من حلف أن لا يلبس ثوبًا هو لابسه ولا يركب دابة هو راكبها، وأيضًا فإن هذه التغطية لا ينتفع بها فلا تكون هي المنهي عنها للمحرم فأنه إنما نهي عن تغطية ينتفع بها على ما يأتي إن شاء الله تعالى (ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك) وهذا يدل على أن المأمور به من الأعمال ما زاد على الغسل والنزع، وقد تقدم بسط الكلام في هذا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث يعلى رضي الله عنه فقال: 2683 - (00) (00) (وحدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم مفعول من أكرم ولا تعبأ بما قاله السنوسي هنا من أنه من التكريم (العمي) البصري، ثقة، من (11) (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ لابن رافع قالا حدثنا وهب بن جرير بن حازم) الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) جرير بن حازم الأزدي البصري،

قَال: سَمِعْتُ قَيسًا يُحَدِّثُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعلَى بْنِ أميةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه؛ أن رَجُلًا أَتَى النبي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهوَ بِالْجِعْرَانَةِ. قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأسَهُ وَعَلَيهِ جُبَّة. فَقَال: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ. وَأَنَا كَمَا تَرَى. فَقَال: "انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ. وَاغسِلْ عَنْكَ الصُّفرَةَ. وَمَا كُنتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ، فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ". 2684 - (00) (00) وحدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (6) (قال) جرير بن حازم (سمعت قيسًا) ابن سعد الحنفي الحبشي أبا عبد الله المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (يحدّث عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن صفوان بن يعلى بن أمية) التميمي المكي (عن أبيه) يعلى بن أمية (رضي الله عنه) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مكيون وثلاثة بصريون أو بصريان ونيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة قيس بن سعد لابن جريج (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة قد أهل) وأحرم (بالعمرة) أصل الإهلال رفع الصوت بالتلبية عند الإحرام ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا (وهو مصفر لحيته ورأسه) أي مزعفرهما أو صابغهما بصفرة وهي نوع من الطيب فيه صفرة، ويسمى خلوقًا وهو بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الفاء المشددة اسم فاعل من التصفير ولحيته بالنصب مفعول به (وعليه جبة فقال) الرجل (يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى) أي على ما تراه من تصفير اللحية والرأس ولبس الجبة (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (انزع) بكسر الزاي من باب ضرب أي اخلع (عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعًا في حجك) من فعل المأمورات واجتناب المحظورات (فاصنعه في عمرتك) لأن أحكامهما واحدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال: 2684 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج النيسابوري أبو يعقوب التميمي، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا أبو علي) البصري (عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب

حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً قَال: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه. قَال: كُنا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأتَاهُ رَجُلٌ عَلَيهِ جُبَّةٌ. بِهَا أَثَرٌ مِنْ خَلُوقٍ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِني أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ. فَكَيفَ أَفْعَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ. فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيهِ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتُرُهُ إِذَا نَزَلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ، يُظِلُّهُ. فَقُلْتُ لِعُمَرَ رضي الله عنه: إِني أحِبُّ، إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ، أَنْ أدْخِلَ رَأسِي مَعَهُ فِي الثَّوْبِ. فَلَمَّا أُنْزِلَ عَلَيهِ، خَمَّرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا رباح بن أبي معروف) بن أبي سارة المكي، روى عن عطاء بن أبي رباح في الحج والبيوع، ومجاهد، ويروي عنه (م ت س) وأبو علي عبيد الله بن عبد المجيد وأبو عامر العقدي والثوري، قال أبو زرعة وأبو حاتم: صالح، وقال ابن حبان: كان ممن الغالب عليه التقشف ولزوم الورع، وكان يهم في الشيء بعد الشيء، وقال ابن عدي: ما أرى برواياته بأسًا ولم أجد له شيئًا منكرًا، وقال أحمد: كان صالحًا، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من السابعة، وليس في مسلم من اسمه رباح إلا هذا (قال) رباح (سمعت عطاء) بن أبي رباح المكي (قال أخبرني صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مكيون وواحد بصري وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة رباح بن أبي معروف لابن جريج في رواية هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح (قال) يعلى (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل عليه جبة بها) أي بتلك الجبة (أثر من خلوق) أي رائحته الفائحة (فقال) الرجل (يا رسول الله إني أحرمت بعمرة فكيف أفعل) فيها أي فعلى أي حال أفعلها في مأموراتها ومحظوراتها (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن رد جوابه (فلم يرجع إليه) شيئًا من الجواب وهو تفسير للسكوت أي سكت عن جوابه انتظارًا للوحي (وكان عمر) بن الخطاب (يستره) صلى الله عليه وسلم عن الناس (إذا نزل عليه الوحي) وقوله (يظله) صلى الله عليه وسلم بضم أوله وكسر ثانيه من أظل الرباعي حال من فاعل يستره أي يستره عمر حالة كونه يظله أي يجعل عليه الثوب كالظلة التي يستظل بها، قال يعلى بن أمية (فقلت لعمر رضي الله عنه) أولًا (إني أحب) وأتمنى (إذا أنزل عليه) صلى الله عليه وسلم (الوحي أن أدخل رأسي معه في الثوب) الذي ستر به عن الناس لأنظر إليه في حالة الوحي (فلما أنزل عليه) الوحي في ذلك اليوم (خمّره) صلى الله

عُمَرُ رضي الله عنه بِالثوْبِ. فَجِئْتُهُ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي مَعَهُ فِي الثوبِ. فَنَظَرْتُ إِلَيهِ. فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال: "أَينَ السائِلُ آنِفًا عَنِ الْعُمْرَةِ؟ " فَقَامَ إِلَيهِ الرجُلُ. فَقَال: "انْزِعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ. وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ الذِي بِكَ. وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ، مَا كُنْتَ فَاعِلًا فِي حَجِّك" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم من التخمير؛ أي غطاه وستره (عمر رضي الله عنه بالثوب) عن الناس، قال الأبي: الظاهر من سياق الأحاديث أن نزول الوحي كان سببه القضية، قال النووي: وقد يحتج به من يقول إنه لا يحكم باجتهاده، وقد يجاب بأنه لم يظهر له بالاجتهاد حكم ذلك أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد اهـ قال يعلى قال لي عمر: تعال (فجئته) أي فجئت عمر (فأدخلت رأسي معه) أي مع عمر (في الثوب) الذي ستره به لأنظر النبي صلى الله عليه وسلم حالة نزول الوحي عليه (فنظرت إليه) صلى الله عليه وسلم وهذا محمول على أن عمر ويعلى علما أنه صلى الله عليه وسلم لا يكره الاطلاع عليه في ذلك الوقت لأن فيه تقوية الإيمان بمشاهدة حال الوحي الكريم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه وهو يغط من شدة ثقل الوحي كما في رواية البخاري (فلما سُرِّي) بضم السين المهملة وكسر الراء المشددة أي فلما كشف وأزيل (عنه) صلى الله عليه وسلم ما تغشاه من ثقل الوحي شيئًا فشيئًا، يقال سروت الثوب وسريته نزعته، والتشديد أكثر لإفادة التدريج (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أين السائل) لي (آنفًا) أي في الزمن القريب (عن) أحكام (العمرة فقام إليه) صلى الله عليه وسلم (الرجل) السائل (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (انزع) أي اخلع (عنك جبنك واغسل أثر الخلوق) أي بقيته (الذي) بقي وعلق (بك وافعل في عمرتك ما كنت فاعلًا) إياه (في حجك) من المأمورات والمحظورات والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع حديث يعلى ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

460 - (16) باب المواقيت في الحج والعمرة

460 - (16) باب: المواقيت في الحج والعمرة 2685 - (1153) (73) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الربِيعِ وَقُتَيبَةُ، جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 460 - (16) باب المواقيت في الحج والعمرة المكانية جمع ميقات مفعال من الوقت المحدد واستعير هنا للمكان اتساعًا، وقد لزم شرعًا تقديم الإحرام للآفاقي على وصوله إلى البيت تعظيمًا للبيت وإجلالًا كما تراه في الشاهد من ترجل الراكب القاصد إلى عظيم من الخلق إذا قرب من ساحته خضوعًا له فلذا لزم القاصد إلى بيت الله تعالى أن يحرم قبل الحلول بحضرته إجلالًا له، وإن الإحرام تشبه بالأموات وفي ضمن جعل نفسه كالميت سلب اختياره وإلقاء قياده متخليًا عن نفسه فارغًا عن اعتبارها شيئًا من الأشياء اهـ إرشاد الساري. قال الشيخ الدهلوي: والحكمة في شرعية المواقيت أنه لما كان الإتيان إلى مكة شعثًا تفلًا تاركًا لغلو نفسه مطلوبًا وكان في تكليف الإنسان أن يحرم من بلده حرج ظاهر فإن منهم من يكون قطره على مسيرة شهر وشهرين فأكثر وجب أن يخص أمكنة معلومة حول مكة يحرمون منها ولا يؤخرون الإحرام بعدها، ولابد أن تكون تلك المواضع ظاهرة مشهورة لا تخفى على أحد وعليها مرور أهل الآفاق، فاستقرأ ذلك وحكم بهذه المواضع واختار لأهل المدينة أبعد المواقيت لأنها من مهبط الوحي ومأرز الإيمان ودار الهجرة وأول قرية آمنت بالله ورسوله فأهلها أحق بأن يبالغوا في إعلاء كلمة الله وأن يخصوا بزيادة طاعة الله تعالى فهي أقرب الأقطار التي آمنت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلصت إيمانها بخلاف جواثى والطائف ويمامة وغيرها فلا حرج عليها اهـ فتح الملهم. ثم اعلم أن الميقات المكاني يختلف باختلاف الناس فإنهم ثلاثة أصناف؛ آفاقي، وحلي أي من كان داخل المواقيت، وحرمي، وذكر الفقهاء أحكام كل واحد من الأصناف الثلاثة مفصلة وسيأتي ذكر بعض منها في هذا الشرح إن شاء الله تعالى. 2685 - (1153) (73) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وخلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) (وأبو الربيع) سليمان بن داود الزهراني البصري (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (جميعًا)

عَنْ حَمَّادٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادِ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُس، عَنِ ابْنِ عَباسِ رضي الله عنهما. قَال: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، ذَا الْحُلَيفَةِ. وَلأَهْلِ الشَّامِ، الْجُحْفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كل من الأربعة رووا (عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عباس (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حدد وعيّن (لأهل المدينة) يثرب أي لسكانها ومن سلك طريقهم فمر على ميقاتهم (ذا الحليفة) بضم الحاء وفتح اللام مصغرًا مصغر الحلفة بالفتح على وزن قصبة اسم نبت ينبت في الماء معروف، يجمع على حلفاء، سميت باسم ذلك النبات، قال الحافظ: وذو الحليفة مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم، وقال غيره: بينهما عشر مراحل، وقال النواوي: بينها وبين المدينة ستة أميال اهـ وقيل سبعة، وقيل أربعة، وفي المهمات: الصواب المعروف بالمشاهدة أنها على ثلاثة أميال أو تزيد قليلًا اهـ، وقال في الفتح: وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال لها بئر علي اهـ وعلي هذا ليس بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال ملا علي: وهو ماء من مياه بني جشم، وقد اشتهر الآن بأبيار علي اهـ أي جعل ذلك الموضع ميقاتًا لإحرامهم (و) وقت (لأهل الشام) وهو من العريش إلى بالس، وقيل إلى الفرات قاله النواوي، ولمن سلك طريقهم (الجحفة) بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة وفتح الفاء وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة وسيأتي في حديث ابن عمر أنها مهيعة بوزن علقمة، وقيل بوزن لطيفة، وسميت بالجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكتون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسر الموحدة وهو أخو عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجتحفهم أي استأصلهم فسميت بالجحفة، قيل إنها قد ذهبت أعلامها ولم يبق إلا رسوم خفية لا يكاد يعرفها إلا سكان بعض البوادي فلذا والله أعلم اختار الناس الإحرام احتياطًا من المكان المسمى برابض، وبعضهم يجعله بالغين لأنه قبل الجحفة بنصف مرحلة أو قريب، وقال القرطبي: ولقد سألت جماعة ممن له خبرة من عربانها عنها فأروني أكمة بعدما دخلنا من رابغ إلى مكة

وَلأهلِ نَجْدٍ، قَرْنَ المَنَازِلِ. وَلأهلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ. قَال: "فَهُنَّ لَهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ على جهة اليمين على مقدار ميل من رابغ تقريبًا اهـ فتح الملهم (ولأهل نجد) أي نجد الحجاز أو اليمن ومن سلك طريقهم في السفر، قال الحافظ: أما نجد فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا الأرض الأريضة التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق، وقال في المختار: ونجد من بلاد العرب وهو خلاف الغور فالغور تهامة وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العرب فهو نجد (قرن المنازل) وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون، وضبط الجوهري بفتح الراء وغلطوه، وبالغ النواوي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك وظنه أن أويسًا القرني منسوب إليه، والحال أنه منسوب إلى بني قرن بطن من مراد كما في القاموس وهو جبل مدور أملس مشرف على عرفات اهـ ملا علي، قالوا: وهو أقرب المواقيت إلى مكة (ولأهل اليمن) أراد به والله أعلم بعض أهل اليمن ممن يسكن تهامة فإن اليمن يشمل نجدًا وتهامة، وقوله فيما تقدم ولأهل نجد عام يشمل نجد الحجاز ونجد اليمن كذا في المواهب اللطيفة أي ولأهل اليمن إذا مروا بطريق تهامة ولمن سلك طريق سفرهم ومر على ميقاتهم (يلملم) بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم موضع على مرحلتين من مكة تقريبًا بينهما ثلاثون ميلًا فإن مر أهل اليمن من طريق الجبال فميقاتهم قرن المنازل، وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، ويقال فيه ألملم بالهمزة، ومعنى قوله (وقت) حدد وعين، وظاهره يدل على أن هذه الحدود لا يتعداها مريد الإحرام حتى يُحرِم عندها، وقد أجمع المسلمون على أن المواقيت مواضع معروفة في الجهات التي يدخل منها إلى مكة فهذه مواقيت الحج والعمرة للآفاقيين لم يختلف في شيء منها إلا في ذات عرق والجمهور على أنه ميقات لأهل العراق، وقد استحب الشافعي لأهل العراق أن يهلوا من العقيق معتمدًا في ذلك على ما رواه ابن عباس قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق) أخرجه أبو داود ولكن في سنده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف عندهم، وروي عن بعض السلف أنه الربذة اهـ من المفهم. ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهن) أي هذه المواقيت المذكورة من ذي الحليفة وما بعدها هي مواقيت (لهن) أي لهذه الأقطار المذكورة من المدينة وما بعدها أي مواقيت لأهلها فالكلام على حذف مضاف، وكان مقتضى الظاهر أن يقول لهم بضمير جماعة الذكور فأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير الإناث لقصد التشاكل وكأنه يقول ناب ضمير عن

وَلِمَنْ أَتَى عَلَيهِنَّ مِنْ غَيرِ أَهْلِهِنَّ. ممنْ أَرَادَ الْحَج وَالْعُمْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمير بالقرينة لطلب التشاكل. وأجاب عنه غيره بأنه على حذف مضاف كما قلنا، في حلنا أي هن لأهلهن أي هذه المواقيت لأهل هذه البلدان بدليل قوله في حديث آخر: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" فصرح بالأهل ثانيًا، وفي رواية للبخاري (هن لهم) وهو واضح (و) هذه المواقيت أيضًا مواقيت (لمن أتى) ومر (عليهن) أي على هذه المواقيت المذكورة من ذي الحليفة وما بعدها حالة كون ذلك المار عليهن (من غير أهلهن) أي من غير أهل هذه البلدان المذكورة من المدينة وما بعدها، ومقتضى الظاهر أن يقال من غيرهم ولكنه على حذف مضاف كما مر آنفًا، فلو مر الشامي أو المصري على ذي الحليفة كما يفعلون الآن لزمه الإحرام منها وليس له مجاوزتها إلى الجحفة التي هي ميقاته فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور خلافًا للمالكية والحنفية وابن المنذر من الشافعية فإنهم قالوا له: مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة إن كان من أهل الشام أو مصر وإن كان الأفضل خلافه، وأما استشكال ابن دقيق العيد قوله ولأهل الشام الجحفة فإنه شامل لمن مر من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) فإنه شامل للشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره فهما عمومان قد تعارضا، فأجاب عنه الولي بن العراقي بأن المراد باهل المدينة من سلك طريق سفرهم ومن مر على ميقاتهم وحينئذ فلا إشكال ولا تعارض اهـ قسطلاني، حالة كون أهل تلك البلدان وغيرهم ممن أتى عليهن (ممن أراد الحج والعمرة) معًا بأن يقرن بينهما أو الواو بمعنى أو، وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام اهـ قسط، قال في فتح الملهم: استدل بمفهومه على أن الإحرام يختص بمن أراد الحج والعمرة فمفهومه أن المتردد إلى مكة بغير قصد الحج والعمرة لا يلزمه الإحرام، وقد اختلف العلماء في هذا فمذهب الزهري والحسن البصري والشافعي في قول ومالك في رواية وابن وهب وداود بن علي وأصحابه الظاهرية أنه لا بأس بدخول الحرم بغير إحرام، ومذهب عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه ومالك في رواية وهي قوله الصحيح والشافعي في المشهور عنه وأحمد وأبي ثور والحسن بن حي لا يصلح لأحد كان منزله من وراء الميقات إلى الأمصار أن يدخل مكة إلا بالإحرام فإن لم يفعل أساء ولا شيء عليه عند الشافعي وأبي ثور، وعند أبي حنيفة: عليه حجة أو عمرة، وقال أبو عمر: لا أعلم خلافًا بين فقهاء الأمصار في الحطابين، ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم

فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ. وَكَذَا فَكَذلِكَ. حَتى أهْلُ مَكةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ والليلة أنهم لا يؤمرون بذلك لما عليهم فيه من المشقة، وزعم أبو عمر ابن عبد البر أن أكثر الصحابة والتابعين على القول بالوجوب، قال علماؤنا رحمهم الله: وحرم تأخير الإحرام عن المواقيت لآفاقي قصد دخول مكة ولو لحاجة غير الحج كمجرد الرؤية والنزهة أو التجارة وألحق بالآفاقي في هذا الحكم الحرمي والحلي إذا خرجا إلى الميقات بخلاف ما إذا بقيا في مكانهما فلا يحرم اهـ منه (فمن كان دونهن) أي دون هذه المواقيت يعني من كان أقرب إلى مكة بأن كان بين الميقات ومكة (فمن أهله) أي فإحرامه من مسكن أهله ولا يلزمه الذهاب إلى الميقات راجعًا إلى ورائه، ولا يجوز له مجاوزة مسكنه بغير إحرام ذاهبًا إلى مكة ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أهل المواقيت نفسها، والجمهور على أن حكمهم حكم من كان دون المواقيت أي بين مكة والميقات خلافًا للطحاوي حيث جعل حكمهم حكم الآفاقي اهـ فتح (وكذا) أي وكهذا الأقرب المذكور من كان أقرب منه إلى مكة يحرم من مسكن أهله، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف (فكذلك) أي فكهذا الأقرب الثاني من كان أقرب منه إلى مكة يحرم من مسكن أهله، وفي بعض رواية البخاري (وكذاك وكذاك) مرتين أي وكذا من كان أقرب من هذا الأقرب اهـ قسط، وفي فتح الملهم: قوله (فكذا فكذلك) أي كذا الأدون فالأدون إلى آخر الحل اهـ (حتى أهل مكة) وغيرهم ممن كان بها (يهلون منها) برفع أهل على أن حتى ابتدائية، فأهل مبتدأ خبره يهلون، ومعناه يحرمون منها فلا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات لإحرام الحج منه بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين مكة والميقات فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات فيحرم منه، وهذا خاص بالحاج، وأما ميقات المكي للعمرة فالحل بالاتفاق لما سيأتي من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أوسلها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فتحرم منه بعمرة، والتنعيم في طرف الحل وهو أقرب نواحيه، قال المحب الطبري: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة اهـ. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 249 و 252]، والبخاري [1526]، وأبو داود [1737]، والترمذي [831]، والنسائي [5/ 122]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

2686 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدمَ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيفَةِ. وَلأَهْلِ الشَّامِ، الْجُحْفَةَ. وَلأهْلِ نَجْدٍ، قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ. وَقَال: "هُنَّ لَهُمْ. وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيهِنَّ مِنْ غيرِهِن. مِمنْ أَرَادَ الْحَج وَالْعُمْرَةَ. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذلِكَ، فَمِنْ حَيثُ أَنْشَأ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2686 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني أبو محمد الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان الحميري اليماني، ثقة، من (3) (عن) عبد الله (ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن طاوس لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن طاوس بن كيسان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت) أي حدد وعين (لـ) إحرام (أهل المدينة) ومن سلك طريقهم حجًّا كان أو عمرة (ذا الحليفة) أي موضعًا يسمى ذا الحليفة وهو على ثلاثة أميال من المدينة كما مر على الصحيح (و) عين (لأهل الشام) ومن سلك طريقهم (الجحفة) أي موضعًا يسمى الجحفة (ولأهل نجد قرن المنازل) بلفظ جمع المنزل، والمركب الإضافي هو اسم المكان ويقال له قرن أيضًا بلا إضافة كما تقدم (ولأهل اليمن يلملم وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هن) أي هذه المواقيت المذكورة (لهم) بضمير جمع الذكور وهو الظاهر أي لأهل المدن المذكورة أي مواقيت لهم (ولكل آت أتى) أي ولكل مار مر (عليهن) أي على هذه المواقيت حالة كون ذلك الآتي (من غيرهن) أي من غير أهلهن حالة كون أهلهن ومن أتى عليهن (ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك) أي دون ذلك المذكور من المواقيت المذكورة أي كان أقرب منها إلى مكة كمن كان بالبحرة أو بالجموم أو بعسفان أو بالشميسي مثلًا وحق العبارة أن يقال (فمن كان دونهن) ليطابق المرجع (فمن حيث أنشأ) السفر إلى مكة وابتدأه أي فميقاته من حيث قصد الذهاب إلى مكة وهو منشأ سفره إليها فمنه ينشئ إحرامه، قال السندي: أو من حيث أنشأ الإحرام قاله الحافظ، ويؤخذ من هذا المعنى

حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ، مِنْ مَكَّةَ". 2687 - (1154) (74) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يُهِلُّ أَهلُ الْمَدِينَةِ، مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَأَهْلُ الشامِ، مِنَ الْجُحْفَةِ. وَأَهْلُ نَجْدٍ، مِنْ قَرْنٍ". قَال عَبْدُ اللهِ: وَبَلَغَنِي أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم قَال: "ويهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله فمن حيث أنشأ أي النسك (حتى أهل مكة) ينشئون الحج ويحرمونه (من مكة) ولا يخرجون للحج إلى ميقات من المواقيت المذكورة فيصح إحرامهم الحج من مكة نفسها ومن أي موضع كان من الحل أو الحرم، وأما عمرتهم فلا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم اهـ مفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 2687 - (1154) (74) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع عن) عبد الله (بن عمر رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من رباعياته، وهو من سلسلة الذهب عندهم من بين الأسانيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل) أي يحرم النسك حجًّا كان أو عمرة (أهل المدينة) ومن سلك طريقهم (من ذي الحليفة و) يهل (أهل الشام) ومصر والمغرب (من الجحفة و) يهل (أهل نجد) الحجاز وكذا اليمن (من قرن، قال عبد الله) بن عمر بالسند السابق (وبلغني) من الناس ممن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن) أي أهل تهامة منهم (من يلملم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 9 - 11]، والبخاري [1522]، والنسائي [5/ 125]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

2688 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أبِي عُمَرَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم قَال: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَيُهِلُّ أَهْلُ الشامِ مِنَ الْجُحْفَةِ. وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". قَال ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: وَذُكِرَ لِي (وَلَمْ أَسْمَعْ) أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "وَيُهِل أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ". 2689 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ رضي الله عنهم، عَن أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2688 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد النسائي (و) محمد (ابن أبي عمر) العدني المكي (قال ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (عن أبيه رضي الله عنه) عبد الله بن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وذُكر لي) أخبر لي (و) الحال أني (لم أسمعـ) ــه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن) أي تهامته دون نجد ومن مر طريقهم (من يلملم) ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصحابي صحيح حجة، نعم خالف في ذلك الأُستاذ أبو إسحاق الإسفرايني فذهب إلى أنه ليس بحجة، وقد ورد ميقات اليمن مرفوعًا من غير إرسال من حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما، ومن حديث جابر في مسلم إلا أنه قال أحسبه رفعه، ومن حديث عائشة عند النسائي، ومن حديث الحارث بن عمرو عند أبي داود والنسائي ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2689 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرني ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم يَقُولُ: "مُهَلُّ أَهلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيفَةِ. وَمُهَلُّ أَهْلِ الشامِ مَهْيَعَةُ، وَهِيَ الْجُحْفَةُ. وَمُهَل أَهْل نَجْد قَرْن". قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: وَزَعَمُوا أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم (وَلَمْ أَسْمَعْ ذلِكَ مِنْهُ) قَال: "وَمُهَل أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ". 2690 - (15) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب (قال) ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مهل أهل المدينة) بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام اسم مكان من الإهلال أي موضع إهلالهم ومكان إحرامهم، وأصل الإهلال رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا، قال ابن الجوزي: ومن لا يعرف العربية يقول بفتح الميم، فقال أبو البقاء العكبري: هو بفتح الميم مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج وهو خطأ فاحش في المقيس والمقيس عليه اهـ (ذو الحليفة ومهل أهل الشام) وكذا مصر والمغرب كما مر (مهيعة) بوزن علقمة وهي مفعلة من الهيع بوزن البيع والمهيع في الأصل هو الطريق الواسع المنبسط كالتهيع بمعنى الانبساط وفسرها بقوله (وهي الجحفة) مدرج من بعض الرواة (ومهل أهل نجد) سواء كان من يمن أو من الحجاز (قرن) قال سالم (قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وزعموا) أي قالوا، والزعم هنا بمعنى القول المحقق قاله النواوي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (ولم أسمع) أنا (ذلك) المقول (منه) صلى الله عليه وسلم جملة معترضة بين اسم إن وخبرها وهو قوله (قال ومهل أهل اليمن) مبتدأ خبره (يلملم) والجملة الاسمية مقول قال، وقوله (ولم أسمع ذلك منه) صريح في نفي السماع فما في بعض روايات البخاري (لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحمل على نفي الفقه أي العلم بطريق السماع والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2690 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من

(قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَأَهْلَ الشَام، مِنَ الْجُحْفَةِ. وَأَهْلَ نَجْدٍ، مِنْ قَرْنٍ وَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: وَأُخبِرْتُ أَنَّهُ قَال: "ويهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) (قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الله بن دينار) العدوي المدني، ثقة، من (4) (أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لسالم (قال) ابن عمر (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة) ومن سلك طريقهم (أن يهلوا) أي أن يحرموا النسك (من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأُخبرت) بالبناء للمجهول أي أخبرني بعض من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال ويهل أهل اليمن من يلملم) وقوله (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة) إلخ ظاهر الأمر الوجوب، وقد تقدم بلفظ يهل أهل المدينة وهو خبر بمعنى الأمر، والأمر لا يرد بلفظ الخبر إلا إذا أُريد تأكيده، وتأكيد الأمر للوجوب وسبق في بعض الطرق بلفظ وقت، وفائدة التوقيت المنع من تأخير الإحرام عنها لأنه يجوز التقديم عليها بالاتفاق، واختلف فيمن جاوز الميقات مريدًا للنسك فلم يحرم؟ فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب، وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب ومقابله قول سعيد بن جبير: لا يصح حجه وبه قال ابن حزم، وقال الجمهور: لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم، وقال أبو حنيفة: بشرط أن يعود ملبيًا، ومالك: بشرط أن لا يبعد، وقال أحمد: لا يسقط بشيء كذا في الفتح. وأما التقديم فإن قدم الإحرام على هذه المواقيت جاز والأفضل التقديم عليها أي على المواقيت بخلاف تقديم الإحرام على أشهر الحج أجمعوا على أنه مكروه كذا في الينابيع وغيره فيجب حمل الأفضلية من دويرة أهله على ما إذا كان من داره إلى مكة دون أشهر الحج كما قيد به قاضي خان، وإنما كان التقديم على المواقيت أفضل لأنه أكثر تعظيمًا وأوفر مشقة والأجر على قدر المشقة ولذا كانوا يستحبون الإحرام بهما من

2691 - (1155) (75) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ؟ فَقَال: سَمِعْتُ (ثُمَّ انْتَهَى فَقَال: أَرَاهُ يَعْنِي) النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأماكن القاصية، ورُوي عن ابن عمر أنه أحرم من بيت المقدس، وعمران بن حصين من البصرة، وعن ابن عباس أنه أحرم من الشام، وابن مسعود من القادسية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أهلَّ من المسجد الأقصى بعمرة أو حجة غفر له ما تقدم من ذنبه" ورواه أحمد وأبو داود بنحوه، ثم هذه الأفضلية مقيدة بما إذا كان يملك نفسه رُوي ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى كذا في فتح القدير اهـ فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 2691 - (1155) (75) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي، حالة كون جابر (يُسأل) بالبناء للمجهول (عن المهل) بضم الميم وفتح الهاء أي عن مكان إهلال الحج أو العمرة (فقال) جابر في جواب السائل (سمعتـ) ـه بالضمير كما في نسخة فتح الملهم أي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم (ثم انتهى) أبو الزبير أي توقف عن رفع الحديث (فقال) أبو الزبير (أراه) بضم الهمزة أي أُرى جابرًا وأظنه (يعني) ويقصد بضمير سمعته (النبي صلى الله عليه وسلم) على نسخة الضمير أو أراد بقوله سمعت على نسخة إسقاط الضمير النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما هو في نسخة النواوي وأكثر المتون، قال النواوي: معنى هذا الكلام أن أبا الزبير قال: سمعت جابرًا يقول: سمعت، ثم انتهى أبو الزبير أي وقف عن رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو الزبير: أُراه أي أُرى جابرًا وأظنه يعني ويقصد بقوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في الرواية الأخرى أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله أحسبه رفع يدل على أن الحديث ليس بمرفوع فلا يحتج به لأنه لم يجزم برفعه اهـ ولكنه لا يقدح في مسلم لأنه ذكره في الشواهد لا

وحدّثني مُحَمَدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ. قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ؟ فَقَال: سَمِعْتُ (أَحْسِبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) فَقَال: "مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَالطَّرِيقُ الآخَرُ الْجُحْفَةُ. وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ. وَمُهَل أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ. وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأصول، قال القسطلاني: وقول النواوي في شرح مسلم: إن هذا الحديث غير ثابت لعدم جزمه برفعه يُجاب عنه بأن قوله أحسبه معناه أظنه، والظن في باب الرواية ينزل منزلة اليقين وليس ذلك قادحًا في رفعه وأيضًا فلو لم يصرح برفعه لا يقينًا ولا ظنًّا فهو منزل منزلة المرفوع لأن هذا لا يقال من قبل الرأي وإنما يؤخذ توقيفًا من الشارع لا سيما وقد ضمه جابر إلى المواقيت المنصوص عليها يقينًا باتفاق اهـ، وقوله (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي المعروف بالسمين (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (10) معطوف على قوله (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) ولو أتى هنا بحاء التحويل لكان أوضح وأوفق لاصطلاحاته رحمه الله تعالى (كلاهما) رويا (عن محمد بن بكر) البرساني البصري، صدوق، من (9) (قال عبد أخبرنا محمد أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يُسأل عن المهل) أي عن موضع إحرام النسك (فقال) جابر (سمعت) قال أبو الزبير (أحسبه) أي أحسب جابرًا وأظنه حين قال سمعت (رفع) الحديث (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يوقفه على نفسه (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (مهل أهل المدينة) بضم الميم وفتح الهاء مصدر ميمي من أهل الرباعي أي إحرام أهل المدينة (من ذي الحليفة) إذا خرجوا من طريقها (والطريق الآخر) وهو طريق الساحل لأهل المدينة أي ومهل الذين خرجوا من الطريق الآخر لهم يعني غير طريق ذي الحليفة وهو طريق الساحل (الجحفة) وتسمى مهيعة بوزن علقمة، والآن ميقاتهم رابغ (ومهل أهل العراق) والمشرق أي إحرامهم (من ذات عرق) سُمي به لأن به عرقًا، والعرق بكسر العين وسكون الراء الجبل الصغير، وقيل العرق من الأرض السبخة تنبت الطرفاء بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلًا اهـ قسط (ومهل أهل نجد) حجازًا كان أو يمنًا أي إحرامهم (من قرن ومهل أهل اليمن) يعني تهامته أي إحرامهم (من يلملم)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وانفرد المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث عن سائر السبعة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا والله أعلم. ***

461 - (17) باب التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها

461 - (17) باب: التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها 2692 - (1156) (76) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَبْيكَ اللَّهُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 461 - (17) باب التلبية وصفتها ووقتها ونهي المشركين عما يزيدون فيها (باب) مشروعية (التلبية وصفتها) أي صيغتها وكيفيتها وهي الألفاظ الواردة في الحديث (ووقتها) وهو من أول الإحرام إلى أن يشرع في الطواف (ونهي المشركين عما يزيدون فيها) وأما أصلها فهي مصدر لبى تلبية كزكى تزكية إذا قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا، وأصل لبى لبب على وزن فعلل لا فعل فقلبت الباء الثالثة ياء استثقالًا لثلاث باءَات ثم قلبت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، واختلف في لفظ لبيك ومعناه أما لفظه فتثنية عند سيبويه يراد بها التكثير في العدد والعود مرة بعد مرة لا أنها لحقيقة التثنية بحيث لا يتناول إلا فردين فهي نظير حوالينا، وقال يونس: هو مفرد والياء فيه كالياء في لديك وعليك وإليك يعني في انقلابها ياء لاتصالها بالضمير، وأما معناه فقيل معناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة، قال ابن الأنباري: ومثله حنانيك أي تحننًا بعد تحنن، وقيل معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة من ألب بالمكان كذا ولب به إذا أقام به ولزمه، وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة إذا كانت محبة لزوجها وعاطفة على ولدها، وقيل غير ذلك، قال الحافظ: والأول منها أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته، ولهذا من دعا فقال: لبيك، فقد استجاب، وأما حكمها فهي سنة فإذا تركها أصلًا أو نقص منها صح إحرامه ولكن ارتكب كراهة التنزيه. 2662 - (1156) (76) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من رباعياته (أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم) أي أجبت لك يا إلهي إجابة بعد إجابة فيما دعوتنا إليه، وروى ابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} قال: رب وما

لَبَّيكَ. لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ. إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلى البلاغ، فصعد إبراهيم جبل الرحمة في عرفة -كما في القرطبي- فنادى: يا أيها الناس كتب الله عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض، ألا ترون الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون، ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية من أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن، فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يومئذ، زاد غيره فمن لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن لبى أكثر حج بقدر تلبيته، وقد وقع في المرفوع تكرير لفظة (لبيك لبيك) ثلاث مرات وكذا في الموقوف إلا أن في المرفوع الفصل بين الأولى والثانية بقوله (اللهم) وقد نقل اتفاق الأدباء على أن التكرير اللفظي لا يزاد على ثلاث مرات (لا شريك لك) في التلبية والإجابة (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة (إن الحمد) رُوي بكسر الهمزة على الاستئناف كأنه لما قال لبيك استأنف كلامًا آخر فقال إن الحمد، وبالفتح على التعليل كأنه قال أجبتك لأن الحمد والنعمة لك، والكسر أجود عند الجمهور وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة وابن قدامة عن أحمد بن حنبل وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة فكأنه قال إن الحمد والنعمة لك على كل حال، والفتح يقتضي التعليل فكأنه قال أجبتك لأن الحمد والنعمة لك (والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة وهي بالنصب على الأشهر عطفًا على الحمد، ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن عليه تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك (والمُلك) لك بضم الميم وبالنصب عطفًا على اسم إن، وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره والملك كذلك، واستحسن الوقف عليه لئلا يتوهم أن ما بعده خبره كذا في شرح اللباب، ونقل بعضهم أنه مستحب عند الأئمة الأربعة (لا شريك لك) في الملك يقف عليه الملبي، قال في اللباب وشرحه: ويستحب أن يرفع صوته بالتلبية ثم يخفضه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء، ومن المأثور: اللهم إني أسألك رضاك والجنة وأعوذ بك من غضبك والنار، وفيه أيضًا: وتكرارها سنة في المجلس الأول وكذا في غيره وعند تغير الحالات مستحب مؤكدًا والإكثار مطلقًا مندوب، ويستحب أن يكررها كما شرع فيها ثلاثًا على الولاء ولا

قَال: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما يَزِيدُ فِيهَا: لبَّيكَ لبَّيكَ. وَسَعْدَيكَ. وَالْخَيرُ بِيَدَيكَ. لبَّيكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيكَ وَالْعَمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقطعها بكلام، قال الدهلوي: وإنما اختار هذه الصيغة في التلبية لأنها تعبير عن قيامه بطاعة مولاه وتذكر له ذلك وكان أهل الجاهلية يعظمون شركاءهم فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم لا شريك لك ردًّا على هؤلاء وتمييزًا للمسلمين منهم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 28 و 41]، والبخاري [1549]، وأبو داود [1812]، والترمذي [825]، والنسائي [5/ 159 - 160]، وابن ماجه [2918]. (قال) نافع بالسند السابق (وكان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يزيد فيها) أي على هذه التلبية لفظة (لبيك لبيك وسعديك) أي أسعدني على طاعتك إسعادًا بعد إسعاد فهو على هذا مصدر مضاف إلى الفاعل، ويحتمل أن يكون مصدرًا مضافًا إلى المفعول والمعنى أُسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد، وقيل المعنى مساعدة على طاعتك بعد مساعدة فيكون من المضاف المنصوب أي أطلب منك مساعدة بعد مساعدة أو أطيعك إطاعة بعد إطاعة، وفي القاموس سبحانه وسعدانه أي أسبحه وأطيعه اهـ، ولا يذكر سعديك إلا بعد لبيك فيكون له توكيدًا لفظيًّا بالمرادف (والخير) كله دينية أو دنيوية ظاهرية أو معنوية (بيديك) المقدستين، ويحتمل أنه من باب الاكتفاء وإلا فالأمر كله لله والخير والشر كله بقدره وقضائه أو من باب حسن الأدب في الإضافة والنسب كما قيل في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} ومن هنا ورد والشر ليس إليك أي لا ينسب إليك أدبًا قاله القاري اهـ فتح الملهم البيك والرغباء إليك) بفتح الراء والمد وبضمها مع القصر كالعلاء والعلا، وبالفتح مع القصر ومعناه الطلب والمسئلة يعني أنه تعالى هو المطلوب المسئول منه فبيده جميع الأمور (والعمل) له سبحانه لأنه المستحق للعبادة وحده، قال النواوي: ومعناه هنا الطلب والمسألة والرغبة إلى من بيده الخير وهو المقصود بالعمل المستحق للعبادة اهـ نواوي، وقال ملا علي: والأظهر أن التقدير والعمل لك أي لوجهك ورضاك أو العمل بك أي بأمرك وتوفيقك أو المعنى أمر العمل راجع إليك في الرد والقبول اهـ، وهذا الأثر انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، ويأتي في رواية سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه وكان عبد الله بن عمر يقول كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات

2693 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيفَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول: "لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل" فعُرف من هذا أن ابن عمر اقتدى في ذلك بأبيه ولم يقله من عند نفسه، واستدل به على استحباب الزيادة على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اهـ من العون. (فإن قلت) اللائق بورعه وكثرة اتباعه أن لا يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان لأقل ما يكفي اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2693 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي ثم البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني كوفي الأصل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سالم بن عبد الله بن عمر) العدوي المدني، ثقة، من (3) (ونافع مولى عبد الله بن عمر) أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (وحمزة بن عبد الله بن عمر) العدوي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (8) كلهم رووا (عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لمالك في رواية هذا الحديث عن نافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوت به) أي رفعته فالياء للتعدية (راحلته) أي ناقته، حالة كونها (قائمة) للسير والذهاب، وقوله (عند مسجد ذي الحليفة) ظرف متعلق باستوت، واختلفت الروايات عنه صلى الله عليه وسلم في حال إهلاله من

أَهَلَّ فَقَال: "لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ. لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ. إِن الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ". قَالُوا: وَكَان عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: هذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه يَزِيدُ مَعَ هذَا: لَبَّيكَ لَبَّيكَ. وَسَعْدَيكَ. وَالْخَيرُ بِيَدَيكَ لَبَّيكَ. وَالرَّغْبَاءُ إِلَيكَ وَالْعَمَلُ. 2694 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قَال: تَلَقَّفْتُ التَّلْبِيةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أين بدأ به وسيأتي وجه الجمع بينها عن قريب إن شاء الله تعالى، وقوله (أهل) جواب إذا أي رفع صوته بالتلبية ونوى أحد النسكين أو بهما (فقال) صلى الله عليه وسلم في إهلاله (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قالوا) أي قال سالم ونافع وحمزة (وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول هذه) التلبية المذكورة التي ذكرتها لكم آنفًا (تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صيغتها عند إحرامه (قال نافع كان عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه يزيد مع هذا) المذكور من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2694 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوي العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لمالك وموسى بن عقبة في رواية هذا الحديث عن نافع (قال) ابن عمر (تلقفت التلبية) أي أخذتها بسرعة (من في رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من فمه صلى الله عليه وسلم، و (تلقفت) بالقاف المشددة ثم الفاء الساكنة بمعنى الأخذ بسرعة، قال القاضي: ورُوي (تلقنت) بالنون بدل الفاء، قال:

فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثهِمْ. 2695 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: فَإِنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهم، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: "لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ. لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ"إِن الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ" لَا يَزِيدُ عَلَى هؤُلاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأول رواية الجمهور، قال: ورُوي تلقيت بالياء التحتانية بدلها أيضًا ومعانيها متقاربة قاله النواوي (فذكر) عبيد الله، وقوله (بمثل حديثهم) بضمير الجمع تحريف من النساخ، والصواب بمثل حديثهما أي بمثل حديث مالك بن أنس وموسى بن عقبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2695 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (قال) الزهري (فإن) الفاء زائدة بعد القول أي قال ابن شهاب: إن (سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني عن أبيه) عبد الله بن عمر (رضي الله عنهم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لموسى بن عقبة في رواية هذا الحديث عن سالم بن عبد الله (قال) عبد الله بن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل) أي يرفع صوته بالتلبية عند الإحرام حالة كونه (ملبدًا) شعره بضم الميم وكسر الموحدة المشددة وفتحها من التلبيد وهو ضفر الشعر ولزقه بالصمغ أو الخطمي أو الحناء أو شبهها مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض ويمنعه التمعط والقمل، فيستحب لكونه أرفق به اهـ نووي، قال ابن الملك: التلبيد هو إلصاق شعر الرأس بالصمغ أو الخطمي أو غير ذلك كيلا يتخلله الغبار ولا يصيبه شيء من الهوام ويقيها من حر الشمس وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى وعندنا يلزمه دم إن لبد بما ليس فيه طيب لأنه كتغطية الرأس ودمان إن كان فيه طيب اهـ، وجملة (يقول) بدل من جملة يهل أي سمعته يقول (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لا يزيد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على هولاء

الْكَلِمَاتِ. وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيفَةِ رَكْعَتَينِ. ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيفَةِ، أَهَلَّ بِهؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُهِلُّ بِإِهْلالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ. وَيَقُولُ: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيكَ. لبَّيكَ وَسَعْدَيكَ. وَالْخَيرُ فِي يَدَيكَ لبَّيكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيكَ وَالْعَمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلمات) المذكورة (و) قال سالم (أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع) أي يصلي (بذي الحليفة ركعتين) أي ركعتي الإحرام، وفي الدر المختار: وصلى ندبًا للإحرام شفعًا يعني ركعتين، وفي الغاية: إنها سنة كذا في النهر وبه جزم في البحر والسراج اهـ فتح الملهم (ثم) بعد فراغه من صلاته ركعتين (إذا استوت) ونهضت (به) صلى الله عليه وسلم (الناقة) أي ناقته العضباء حالة كونها (قائمة) أي بالغة حد القيام، وقوله (عند مسجد ذي الحليفة) ظرت متعلق باستوت (أهل) أي رفع صوته جواب إذا (بهؤلاء الكلمات) المذكورة يعني لبيك اللهم الخ (و) قال سالم أيضًا (كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل) أي يحرم (بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هؤلاء الكلمات) المذكورة يعني لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك الخ (ويقول) عمر أي يزيد بعد هؤلاء الكلمات لفظة (لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل) لك. قال القرطبي: قوله (كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين) هاتان الركعتان للإحرام ولذلك قلنا إن من مشروعية الإحرام أن يكون بعد صلاة فإن كانت للإحرام فهو أفضل، وإن أحرم بعد فريضة جاز، واستحب الحسن أن يحرم بعد فريضة لأنه روي أن هاتين الركعتين كانتا صلاة الصبح والأول أظهر، وإحرامه بعد صلاة الفرض أفضل منه بغير صلاة مطلقًا ولا دم على من أحرم بغير صلاة عند مالك اهـ من المفهم، وقال أيضًا قوله (ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات) إشارة إلى التلبية المتقدمة وهذه الحالة هي التي عبر عنها في الروايات الآخر بانبعاث الراحلة لا أنها أخذت في المشي وبذلك أخذ مالك وأكثر

2696 - (1157) (77) وحدّثني عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَدِ الْيَمَامِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (يَعْنِي ابْنَ عَمَّارٍ) حَدَّثنَا أَبُو زُمَيلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ العلماء أنه يهل إذا استوت به راحلته إن كان راكبًا ويتوجه بعد ذلك، وإن كان راجلًا فحين يأخذ في المشي، وقال الشافعي كذلك في الراكب إلا أنه ينتظرها حتى تنبعث، وقال أبو حنيفة إذا سلم من صلاة الإحرام أهل على ما جاء في حديث ابن عباس أنه أحرم في المسجد بعد أن صلى فيه وأوجبه في مجلسه رواه الترمذي [819]، والنسائي [5/ 162]. ولا شك في أن الأحسن في لفظ التلبية تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجوز الزيادة عليها كما زاد ابن عمر، ولو لبى ملب بغير تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنكر عليه، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي منهم الملبي فلا ينكر عليه ويهل المهل فلا ينكر عليه على ما يأتي في حديث جابر رضي الله عنه اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 2696 - (1157) (77) (وحدثني عباس بن عبد العظيم) بن توبة بن كيسان (العنبري) أبو الفضل البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي أبو محمد (اليمامي) ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمة يعني ابن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو زميل) مصغرًا سماك بن الوليد الحنفي اليمامي، روى عن ابن عباس في الإيمان والحج والطلاق والجهاد والفضائل، ومالك بن مرثد، ويروي عنه (م عم) وعكرمة بن عمار والأوزاعي ومسعر وشعبة، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ليس به بأس، من الثالثة (3) (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم يماميون وواحد طائفي وواحد بصري (قال) ابن عباس (كان المشركون) أهل مكة وغيرهم (يقولون) في طوافهم، قال الأبي: الأصل في الأقوال الباطلة ولا سيما التي هي كفر أن لا تنقل ولا تحكى ولكن نقلت هذه هنا لبيان أن من رأى منكرًا ولم يقدر على تغييره باليد فإنه يغيره بالقول لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "قد قد" إنكار (لبيك لا شريك لك قال) ابن

فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَيلَكُمْ! قَدْ. قدْ" فَيَقُولُونَ: إلا شَرِيكًا هُوَ لَكَ. تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. يَقُولُونَ هذَا وَهُمْ يَطوفُونَ بِالْبَيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس (فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند قولهم لا شريك لك (ويلكم) أي ألزمكم الله الويل والهلاك إن زدتم على قولكم لا شريك لك فإنه (قد قد) لكم أي كاف كاف لكم فاقتصروا عليه ولا تزيدوا عليه ما بعده من الاستثناء، وقد قد بالتكرار للتوكيد بسكون الدال وبكسرها مع التنوين فيهما اسم فعل مضارع بمعنى يكفي يكفي أي لا تزيدوا عليه قولكم (فيقولون إلا شريكًا) الظاهر الرفع فيه على البدلية من الضمير المستكن في خبر لا النافية في قولهم لا شريك موجود هو لك كما في كلمة التوحيد فاختير في الكلمة السفلى اللغة السافلة وهو النصب على الاستثناء كما اختير في الكلمة العليا العالية وهو الرفع على البدلية قاله ملا علي وهو كلام حسن مستظرف، وقوله إلا شريكًا (هو) أي ذلك الشريك مملوك (لك تملكه) أي تملك أنت يا إلهنا ذلك الشريك (وما ملك) أي وما ملكه ذلك الشريك من عباده، وما موصولة في محل النصب معطوفة على الضمير المنصوب في تملكه من تتمة كلام المشركين أي لا تقولوا هذا الاستثناء فإن ما قبله يكفي لكم ومرادهم بذلك الشريك أصنامهم. وفي فتح الملهم: وقوله إلا شريكًا متعلق بمقول الكفرة، وقوله قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قد معترض للتنبيه على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم ذلك بين الاستثناء وما قبله قبل أن يتكلموا بالاستثناء، وقولهم تملكه وما ملك كلمة ما تحتمل أن تكون نافية أو موصولة معطوفة على مفعول تملكه والله تعالى أعلم اهـ. قال الطيبي: كان المشركون يقولون لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك فإذا انتهى كلامهم إلى لا شريك لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد قد" أي اقتصروا عليه ولا تتجاوزوا عنه إلى ما بعده اهـ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (يقولون) أي يقول المشركون (هذا) القول وهو قولهم إلا شريكًا مع ما قبله وما بعده أي يقولون ذلك (وهم) أي والحال أن المشركين (يطوفون بالبيت) العتيق تقربًا إلى الله تعالى بالكلمة الباطلة وهي مردودة عليهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على أول الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على آخر الترجمة.

462 (18) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة

462 - (18) باب: بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة 2697 - (1158) (78) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ رضي الله عنه يَقُولُ: بَيدَاؤُكُمْ هذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيهَا. مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ. يَعْني ذَا الْحُلَيفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 462 (18) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم والإهلال من حيث تنبعث به الراحلة والصلاة في مسجد ذي الحليفة 2697 - (1158) (78) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) (عن سالم بن عبد الله) العدوي المدني (أنه سمع أباه) عبد الة بن عمر (رضي الله عنه يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري (بيداؤكم هذه التي نكذبون) بها (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأنه أحرم (فيها) قال البكري: البيداء هذه فوق علمي ذو الحليفة لمن صعد من الوادي وفي أول البيداء بئر ماء اهـ والبيداء المفازة لا شيء فيها من بناء ولا أثر، وهي هنا اسم موضع بين مكة والمدينة بقرب ذي الحليفة، وسميت بيداء لأنه ليس فيها بناء ولا أثر، قوله (التي تكذبون فيها) أي في شأنها ونسبة الإحرام إليها بأنه كان من عندها، وأنه صلى الله عليه وسلم أحرم منها، والحال أنه لم يحرم منها، وإنما أحرم قبلها من عند مسجد ذي الحليفة ومن عند الشجرة التي كانت هناك وكانت عند المسجد وسماهم ابن عمر كاذبين لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء تعمدوا ذلك أم غلطوا فيه أو سهوًا، والعمدية إنما هو شرط لكونه إثمًا لا لكونه يسمى كذبًا أفاده النواوي (ما) نافية (أهل) أي أحرم (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني) ابن عمر بقوله إلا من عند المسجد (ذا الحليفة) الموضع الذي يسمى بذي الحليفة، ومن كلام سالم، قال النووي: فيه دلالة على أن ميقات أهل المدينة عند مسجد ذي الحليفة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى البيداء وبهذا قال جميع العلماء، وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من

2698 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ دويرة أهله لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الإحرام من مسجده مع كمال شرفه، فإن قيل إنما أحرم من الميقات لبيان الجواز، قلنا هذا غلط لوجهين أحدهما أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة في بيان المواقيت، والثاني أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يحمل على بيان الجواز في شيء يتكرر فعله كثيرًا فيفعله مرة أو مرتين أو مرات على الوجه الجائز لبيان الجواز ويواظب غالبًا على فعله على أكمل وجوهه وذلك كالوضوء مرة أو مرتين أو ثلاثًا كله ثابت، والكثير أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وأما الإحرام بالحج فلم يتكرر منه وإنما جرى منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة فلا يفعله إلا على أكمل وجوهه والله أعلم انتهى. قال القرطبي: قوله (بيداؤكم) البيداء القفر الخالي عن العامر، ويسمى مفازة على جهة التفاؤل وهي مهلكة، وكل مفازة بيداء، والجمع بِيدٌ نظير بيض وبيضاء وهي هنا عبارة عن المفازة التي بين مكة والمدينة أولها شرف مرتفع قريب من مسجد ذي الحليفة، والشجرة هناك وهذه المواضع كلها متقاربة و (تكذبون) هنا تخطئون، والكذب الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه فإن كان مع العمد فهو الكذب المذموم، وإن كان مع السهو والغلط فهو الخطأ، وقصد ابن عمر بإطلاق الكذب على هذا ليتثبت الناقل أو المفتي حتى لا يقول أحد إلا ما تحقق صحته ووجهه، وقد اختلف النقلة في مهل النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل: إنه أهل من المسجد بعد أن صلى ركعتين، وابن عمر يقول من الشجرة، وغيره يقول من البيداء، وقد صار الناس في الأخذ بهذه الأحاديث على طريقتين فمنهم من رجح بعض هذه الروايات، ومنهم من جمع بأن قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أهل في هذه المواضع كلها وأخبر كل منهم بما سمعه على ما يأتي من حديث ابن عباس اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 10]، والبخاري [1541]، والنسائي [5/ 62 1 - 163]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2698 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) الحارثي المدني، ثقة، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش المدني (عن سالم

قَال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما إِذَا قِيلَ لَهُ: الإِحْرَامُ مِنَ الْبَيدَاءِ، قَال: الْبَيدَاءُ التِي تَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ. حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) غرضه بيان متابعة حاتم لمالك (إذا قيل له الإحرام) أي إحرام أهل المدينة يكون (من البيداء قال البيداء) مبتدأ خبره جملة النفي الآتية، والموصول بعده صفة للمبتدإ (التي تكذبون) بالإحرام (فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أهل) منها، خبر المبتدإ أي لم يحرم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) منها بل ما أحرم (إلا من عند الشجرة) التي كانت عند مسجد ذي الحليفة (حين قام) وانبعث (به) صلى الله عليه وسلم (بعيره) أي راحلته، وكان ابن عمر ينكر على رواية ابن عباس الثابتة عنه بلفظ ركب راحلته حتى استوى على البيداء فأهل، قال الحافظ وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس: عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فذكر الحديث، وفيه فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك عنه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه في المرتين الأوليين فنقل كل أحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وايم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا، وأخرجه الحاكم من وجه آخر من طريق عطاء عن ابن عباس نحوه دون القصة فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك، وإنما الخلاف في الأفضل اهـ قال الطحاوي: فبيّن ابن عباس الوجه الذي جاء فيه اختلافهم وأن إهلال النبي صلى الله عليه وسلم الذي ابتدأ به الحج ودخل فيه كان في مصلاه فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، وقال الأوزاعي وعطاء وقتادة: المستحب الإحرام من البيداء، وقال النواوي: وفيها أي في روايات الباب دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة وهو جالس قبل ركوب دابته وقبل قيامه وهو قول ضعيف للشافعي، وفيه حديث من رواية ابن عباس

2699 - (1159) (79) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ جُرَيجٍ؛ أَنَّهُ قَال لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! رَأَيتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَال: مَا هُنَّ يَا ابْنَ جُرَيجٍ! قَال: رَأَيتُكَ لَا تَمسُّ مِنَ الأَرْكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكنه ضعيف ولعله يشير إلى تضعيف خصيف بن عبد الرحمن وهو كما سبق وثقه جماعة فيكفي روايته لثبوت الأفضلية والجمع بين الروايات والله أعلم اهـ فتح الملهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2699 - (1159) (79) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) المدني، ثقة، من (3) (عن عبيد بن جريج) التيمي مولاهم المدني، روى عن ابن عمر فرد حديث وهو هذا المذكور في الحج وعن أبي هريرة وطائفة، ويروي عنه (خ م د س ق) وسعيد المقبري ويزيد بن عبد الله بن قسيط وجماعة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، قال في الفتح: وهو مدني مولى بني تيم وليس بينه وبين ابن جريج الفقيه المكي مولى بني أمية نسب، وقد تقدم في المقدمة أن الفقيه هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك (أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر (رأيتك) أي أبصرتك حالة كونك (تصنع) وتفعل (أربعًا) من الخصال لأن الرؤية هنا بصرية تتعدى لمفعول واحد، وجملة قوله (لم أر) أي لم أبصر (أحدًا من أصحابك) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صفة لأربعًا، وجملة قوله (يصنعها) أي يفعلها صفة ثانية لأحدًا أي لم أر أحدًا يصنعها من أصحابك، والمراد بعضهم، والظاهر من السياق انفراد ابن عمر بما ذكر دون غيره ممن رآهم عبيد، قال المازري: ويحتمل أن يكون مراده لا يصنعهن غيرك مجتمعة، وإن كان يصنع بعضها (قال) ابن عمر لعبيد (ما هن) أي ما تلك الأربع الخصال التي أصنعها أنا ولا يصنعها غيري (يا ابن جريج قال) عبيد بن جريج في جواب سؤال ابن عمر (رأيتك) يا أبا عبد الرحمن (لا تمس) ولا تستلم (من الأركان) أي من أركان الكعبة المشرفة الأربعة، وظاهره أن غير ابن عمر من

إلا الْيَمَانِيَينِ. وَرَأَيتُكَ تَلْبَسُ النِّعَال السِّبْتِيَّةَ. وَرَأَيتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وليس كذلك، لكن في صحيح البخاري: وكان معاوية يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يستلم هذان الركنان يعني الشاميين فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا، وكان ابن الزبير أيضًا يستلمهن كلهن لأنه لما عمّر الكعبة أتمها على قواعد إبراهيم كذا حمله ابن التين فزال مانع عدم استلام الآخرين ولو بني الآن على ما بناه ابن الزبير لاستلمت كلها كما فعل ابن الزبير، أي لا تستلم (إلا اليمانيين) بتخفيف الياء الأولى وهي اللغة الفصيحة المشهورة لأن ألفه بدل من إحدى يائي النسبة، وقد تشدد وهي اللغة القليلة لما فيه من الجمع بين البدل والمبدل منه، والمراد بهما الركنان الجنوبيان اللذان يليان الحجر الأسود أحدهما الركن اليماني الذي إلى جهة اليمن والآخر ركن الحجر الذي يلي الباب، وللبيت المعظم أيضًا ركنان شاميان يليان الحطيم يسميان الشاميين على التغليب لكون أحدهما بجهة الشام والآخر بجهة العراق قالوا في حكمة استلامهما لأنهما باقيان على قواعد إبراهيم - عليه السلام - بخلاف الشاميين فلهذا لم يستلما واستلم اليمانيان، واختص ركن الحجر بمزيد الاحترام من التقبيل والسجود عليه، قال في المرقاة: واستلام الحجر لمسه إما باليد أو بالقبلة أو بهما، وأما استلام اليماني فباليد على الصحيح من مذهبنا اهـ (ورأيتك) يا أبا عبد الرحمن (تلبس النعال السبتية) بكسر المهملة وسكون الباء وهي التي لا شعر فيها مشتقة من السبت وهو الحلق قاله في التهذيب، وقيل السبت جلد البقر المدبوغ بالقرظ، وقيل بالسبت بضم أوله وهو نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى، وقال الهروي: قيل لها سبتية لأنها أنبتت بالدباغ أي لانت به يقال رطبة منبتة أي لينة، قال أبو عبيد: كانوا في الجاهلية لا يلبس النعال المدبوغة إلا أهل السعة والرفاهية، واستشهد لذلك بشعر قاله عنترة: بطل كأن ثيابه في سرحةٍ ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم (ورأيتك تصبغ بالصفرة) بضم الموحدة، وحكي فتحها وكسرها من بابي نفع وقتل، وفي لغة من باب ضرب اهـ مصباح، أي تصبغ ثيابك بالصبغ الأصفر كالورس وهذا المعنى هو الأظهر هنا، قال العيني: ولفظ الحديث يشمل صبغ الثياب وصبغ الشعر، واختلفوا في المراد منهما فقال القاضي عياض: الأظهر أن المراد صبغ الثياب لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ ولم يقل إنه صبغ شعره. [قلت] جاءت آثار عن

وَرَأَيتُكَ، إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ، أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأوُا الْهِلال، وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْويَةِ. فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَمَّا الأَرْكَانُ. فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر بيّن فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران، أخرجه أبو داود وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بهما ثيابه حتى عمامته، وكان أكثر الصحابة والتابعين يخصب بالصفرة منهم أبو هريرة وآخرون، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه اهـ. قال الحافظ رحمه الله تعالى وأخرج الحاكم من حديث عبد الله بن جعفر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران، وفي سنده عبد الله بن مصعب الزبيري، وفيه ضعف، وأخرج الطبراني من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبغ إزاره ورداءه بزعفران، وفيه راوٍ مجهول، ومن المستغرب قول ابن العربي لم يرد في الثوب الأصفر حديث، وقد ورد فيه عدة أحاديث كما ترى، قال المهلب: الصفرة أبهج الألوان إلى النفس، وقد أشار إلى ذلك ابن عباس في قوله تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} اهـ فتح الملهم. (ورأيتك) يا ابا عبد الرحمن (إذا كنت بمكة أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية (إذا رأوا الهلال) ذي الحجة (ولم تهلل) أي ولم تحرم (أنت حتى يكون) أي حتى يدخل (يوم التروية) أي اليوم الثامن من ذي الحجة، ومراده فتهل أنت حينئذ، واختلفوا في سبب التسمية بيوم التروية على قولين حكاهما الماوردي وغيره أحدهما: أن الناس يروون فيه من الماء من زمزم لأنه لم يكن بمنى ولا بعرفة ماء، والثاني: أنه اليوم الذي رأى فيه آدم - عليه السلام - حواء بعد ما أهبطا من الجنة. (فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) في جواب سؤال عبيد (أما الأركان) أي أما اقتصاري في استلام أركان الكعبة على الركنين اليمانيين (فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) أي يستلم من أركان الكعبة (إلا) الركنين (اليمانيين) فلي في ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي عياض: اتفق الفقهاء اليوم على أن الركنين الشاميين وهما مقابلا اليمانيين لا يستلمان وإنما كان الخلاف فيه في العصر الأوّل بين بعض الصحابة وبعض التابعين، ثم ذهب الخلاف وتخصيص الركنين لأنهما

وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيةُ، فَإنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَلْبَسُ النعَال الَّتِي لَيسَ فِيهَا شَعَرٌ. وَيتَوَضَّأُ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كانا على قواعد إبراهيم - عليه السلام - بخلاف الركنين الآخرين لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم - عليه السلام - ولما ردهما عبد الله بن الزبير على قواعد إبراهيم - عليه السلام - استلمهما أيضًا، ولو بُني الآن كذلك استملت كلها اقتداء به صلى الله عليه وسلم صرح به القاضي عياض، وقال ابن عبد البر: روى عن جابر وأنس وابن الزبير والحسن والحسين رضي الله عنهم أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها، وعن عروة مثل ذلك، واختلف عن معاوية وابن عباس في ذلك وقال أحدهما: ليس شيء من البيت مهجورًا، والصحيح عن ابن عباس أنه كان يقول: إلا الركن الأسود واليماني، وهما المعروفان باليمانيين، ولما رأى عبيد بن جريج جماعة يفعلون على خلاف ابن عمر سأله عن ذلك، قال الحافظ: وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورًا؛ بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلًا وتركًا، ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به، ويؤخذ منه حفظ المراتب، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتنزيل كل واحد منزلته. (فائدة) في البيت أربعة أركان الأول له فضيلتان كون الحجر الأسود فيه وكونه على قواعد إبراهيم - عليه السلام - وللثاني الثانية فقط وليس للآخرين شيء منهما فلذلك يقبل الأول ويُستلم ويُستلم الثاني فقط، ولا يُقبل الآخران ولا يُستلمان هذا على رأي الجمهور، واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضًا اهـ وهو قول محمد من أصحابنا قياسًا على الركن الأول كما في شرح المشكاة اهـ فتح الملهم. (وأما النعال) أي وأما تَخَصُّصِي بلبس النعال (السبتية) جمع نعل وهي مؤنثة، قال ابن الأثير: وهي التي تسمى الآن تاسومة، وقال ابن العربي: النعل لباس الأنبياء، وإنما اتخذ الناس غيرها لما في أرضهم من الطين، وقد يطلق على كل ما يقي القدم، قال صاحب المحكم: النعل والنعلة ما وُقيت به القدم (فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) وهي التي تصنع من الجلود المدبوغة تُعمل بالطائف وغيره، وإنما كان يلبسها أهل الرفاهية (ويتوضأ فيها) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل رجليه وهما في النعلين لأن قوله فيها أي في النعال ظرف لقوله يتوضأ

فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ، فَإِنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا. فَأنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا. وَأَمَّا الإِهْلالُ فِإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله العيني، وقال النواوي: معناه يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان اهـ (فأنا أحب أن ألبسها) أي أن ألبس النعال السبتية أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرتي (وأما الصفرة) أي وأما تَخَصُّصِي بصبغ الصفرة (فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ) ثيابه (بها) أي بالصفرة، قال النواوي: الأظهر كون المراد في هذا الحديث صبغ الثياب، قال ابن عبد البر: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه، وأما الخضاب فلم يكن صلى الله عليه وسلم يخضب (فأنا أحب أن أصبغ بها) أي بالصفرة وأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم في هيئاته (وأما الإهلال) أي وأما تأخير الإهلال إلى يوم التروية (فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل) أي يحرم ويُلبي (حتى تنبعث) وتنهض (به) صلى الله عليه وسلم (راحلته) وانبعاثها هو استواؤها قائمة، فهو بمعنى قوله في الحديث السابق إذا استوت به راحلته، وفي الحديث الآتي إذا استوت به الناقة قائمة اهـ نواوي، وفي الحقيقة هو كناية عن ابتداء الشروع في أفعال الحج، والراحلة هي المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى، قال العيني: فيه حكم الإهلال، واختلف فيه فعند البعض الأفضل أن يهل لاستقبال ذي الحجة، وعند الشافعي الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يحرم عقيب الصلاة وهو جالس قبل ركوب دابته وقبل قيامه اهـ قال النواوي: وأما فقه المسئلة فقال المازري: أجاب ابن عمر بضرب من القياس حيث لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسألة بعينها فاستدل بما في معناه ووجه قياسه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عند الشروع في أفعال الحج والذهاب إليه فأخر ابن عمر الإحرام إلى حال شروعه في الحج وتوجهه إليه وهو يوم التروية فإنهم حينئذ يخرجون من مكة إلى منى، ووافق ابن عمر على هذا الشافعي وأصحابه وبعض أصحاب مالك وغيرهم، وقال آخرون: الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة ونقله القاضي عن أكثر الصحابة والعلماء، والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائر بالإجماع والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 17 - 18] والبخاري [166] وأبو داود

2700 - (00) (00) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيطٍ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ جُرَيجٍ. قَال: حَجَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما. بَينَ حَجٍّ وَعُمْرَةِ. ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لَقَدْ رَأَيتُ مِنْكَ أرْبَعَ خِصَالٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِهذَا الْمَعْنَى إلا فِي قِصَّةِ الإِهْلالِ فَإِنَّهُ خَالفَ رِوَايَةَ الْمَقْبُرِيِّ. فَذَكَرَهُ بِمَعْنًى سِوَى ذِكْرِهِ إِيَّاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ [1772] والترمذي في الشمائل [741] والنسائي [1/ 80 - 81] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله تعالى عنهما فقال: 2700 - (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (حدثني أبو صخر) حميد بن زياد الخراط المدني، قال في التقريب: صدوق يهم، من (6) مات سنة (189) روى عنه في (6) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله (بن قسيط) مصغرًا الليثي المدني الأعرج، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن عبيد بن جريج) التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (1) الحج (قال) عبيد (حججت مع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بين حج وعمرة ثنتي عشرة مرة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن قسيط لسعيد المقبري في رواية هذا الحديث عن عبيد بن جريج، قال عبيد بن جريج (فقلت) لابن عمر (يا أبا عبد الرحمن) والله (لقد رأيت منك أربع خصال) أي أربع حالات (وساق) ابن قسيط أي ذكر (الحديث) السابق (بهذا المعنى) أي بمعنى حديث المقبري لا بلفظه (إلا في قصة الإهلال) أي إهلال ابن عمر يوم التروية (فإنه) أي فإن ابن قيسط (خالف) في روايته (رواية) سعيد (المقبري فذكره) أي فذكر ابن قسيط الإهلال (بمعنى سوى ذكره) أي ذكر المقبري (إياه) أي الإهلال أي ذكر ابن قسيط الإهلال بمعنى مخالف للمعنى الذي ذكره المقبري. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر هذا بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال:

2701 - (1160) (80) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً، أَهَل مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. 2702 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيسَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 2701 - (1160) (80) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (قال) ابن عمر (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله) وحط قدمه (في الغرز) بفتح الغين المعجمة ثم راء ساكنة ثم زاي وهو ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب، وقيل هو الكور مطلقًا كالركاب للسرج، قال الزمخشري في المقالة الأولى من نصائحه الصغار بعدما ساق الكلام في أبوة العلم وأمومة التقوى: فأحرز نفسك في حرزهما ... واشدد يديك بغرزهما (وانبعثت) أي نهضت وتحركت (به راحلته) حالة كونها (قائمة) مستقيمة معتدلة وهو معطوف على فعل شرط إذا، وجوابه قوله (أهل) أي أحرم ولبى (من ذي الحليفة) عند مسجدها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 18 و 39]، والبخاري [2865]، وابن ماجه [2916]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2702 - (00) (00) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (قال) الحجاج (قال) لنا عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (16) بابا (أخبرني فيلح بن كيسان) الغفاري أبو محمد المدني، ثقة، من (4) روى عنه

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَهَل حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً. 2703 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ؛ أن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيفَةِ. ثُمَّ يُهِلُّ حِينَ تَسْتَوي بِهِ قَائِمَةً. 2704 - (1161) (81) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسى (قَال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب) أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (5) أبواب (عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن كيسان لعبيد الله بن عمر (أنه) أي أن ابن عمر (كان يُخبر) ويحدّث لنا (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل) وأحرم (حين استوت) ونهضت (به ناقته) حالة كونها (قائمةً) أي مستقيمة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 2703 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته بذي الحليفة) عند مسجدها (ثم يهل) أي ثم أهل أي أحرم ولبى (حين تستوي) وتنبعث (به) ناقته، حالة كونها (قائمة) أي معتدلة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2704 - (1161) (81) (وحدثني حرملة بن يحيى وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) (قال أحمد حدثنا وقال حرملة أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب

أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أنَّهُ قَال: بَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيفَةِ مَبْدَأَهُ. وَصَلَّى فِي مَسْجِدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ العدوي أبا بكر المدني شقيق سالم، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي (أنه قال بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة مبدأه) بفتح الميم والدال بينهما موحدة ساكنة ظرف زمان من بدأ الثلاثي وبضم الميم وفتح الدال ظرف زمان من ابتدأ الخماسي أي بات وقت بدأ سيره إلى مكة في حجة الوداع أو وقت ابتداء سيره إلى مكة (وصلى في مسجدها) ركعتين سنة الإحرام، وهذا المبيت ليس من أعمال الحج ولا من سننه، قال القاضي: لكن من فعله تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم فحسن والله تعالى أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [5/ 126]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن عمر الثالث ذكره للاستشهاد به للحديث الثاني له وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث ابن عمر الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا أحاديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

463 - (19) باب استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه

463 - (19) باب: استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه 2705 - (1162) (19) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ. وَلحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 463 - (19) باب استحباب الطيب للمحرم لحرمه ولحله وأنه لا بأس ببقاء وبيصه وطوافه على نسائه 2705 - (1162) (82) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا صفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد مكي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (قالت) عائشة (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه) بضم الحاء وكسرها، وأنكر ثابت الضم على المحدثين وقال: إنما يقال حرمه بالكسر كما يقال حله بالكسر وكما قرئ {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أي عند إحرامه فهو اسم مصدر لأحرم الرباعي، فاللام للتوقيت كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي عند دلوك الشمس أو التعليل أي لأجل إحرامه (حين أحرم) أي حين أراد أن يحرم أي قبل أن يحرم لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام فإن التطيب بالإحرام ممتنع بلا شك وإنما المراد إرادة الإحرام وقد دل على ذلك رواية النسائي (حين أراد الإحرام) وحقيقة قولها طيبت تطييب بدنه ولا يتناول ذلك تطييب ثيابه، وقد دل على اختصاصه ببدنه الرواية الأخرى التي فيها كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: واستدل به على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور، وعن مالك يحرم ولكن لا فدية، وفي رواية عنه تجب، وقال محمد بن الحسن: يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى عينه بعده (ولحله) بكسر الحاء أي وعند تحلله التحلل الأول بالرمي والحلق (قبل أن يطوف) طواف الإفاضة (بالبيت) والظرف متعلق بحله، وفيه دليل على أن التطيب يحل بالتحلل الأول خلافًا لمن ألحقه بالجماع لاستدعائه الجماع. وشارك

2706 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ. وَلحِلِّهِ حِينَ أحَل. قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بِالْبَيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 39 و 181]، والبخاري [1754]، وأبو داود [1754]، والنسائي [5/ 137]، وابن ماجه [2926]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2706 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أفلح بن حميد) بن نافع الأنصاري المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة القاسم لعروة بن الزبير (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عطرته صلى الله عليه وسلم (بيدي) هذه (لحرمه) أي لأجل إحرامه (حين أحرم) أي حين أراد أن يحرم ولم يحرم (ولحله) أي وعند تحلله (حين أحل) أي حين أوقع التحلل الذي يحل به جميع محظورات الإحرام إلا النساء وهو التحلل الأول المسمى بالأصغر، وظاهر هذا أنه فعل رمي جمرة العقبة والحلق (قبل أن يطوف بالبيت) أي طواف الإفاضة وهو متعلق بحله كما مر آنفًا، وفيه دليل على أن الطيب يحل بالتحلل الأول خلافًا لمن ألحقه بالجماع قاله في المرقاة، وقال في سبل السلام: فيه دليل على استحباب التطيب عند إرادة فعل الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام وأنه لا يضر بقاء لونه وريحه وإنما يحرم ابتداؤه في حال الإحرام وإلى هذا ذهب جماهير الأمة من الصحابة والتابعين وذهب جماعة منهم إلى خلافه وتكلفوا لهذه الرواية ونحوها بما لا يتم به مدعاهم فإنهم قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم تطيب ثم اغتسل بعده فذهب الطيب، ومنهم من زعم أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يتم ثبوت الخصوصية إلا بدليل عليها، بل الدليل قائم على خلافها وهو ما ثبت من حديث عائشة وكنا ننضح وجوهنا بالطيب المسك قبل أن نحرم فنعرق فنغسل

2707 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، أَنَّهَا قَالتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أنْ يُحْرِمَ، وَلحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا رواه أبو داود وأحمد بلفظ: وكنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمخ جباهنا بالمسك الطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا، ولا يقال هذا خاص بالنساء لأن الرجال والنساء في الطيب سواء بالإجماع، والطيب يحرم بعد الإحرام لا قبله وإن دام حاله فإنه كالنكاح لأنه من دواعيه، والنكاح إنما يمنع المحرم من ابتدائه لا من استدامته فكذلك الطيب ولأن الطيب من النظافة من حيث إنه يقصد به دفع الرائحة الكريهة كما يقصد بالنظافة إزالة ما يجمعه الشعر والظفر من الوسخ ولذا استحب أن يأخذ قبل الإحرام من شعره وأظفاره لكونه ممنوعًا منه بعد الإحرام وإن بقي أثره بعده، وأما حديث مسلم في الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم يسأله كيف يصنع في عمرته، وكان الرجل قد أحرم وهو متضمخ بالطيب فقال صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات" الحديث، فقد أجيب عنه بأن هذا السؤال والجواب كانا بالجعرانة في ذي القعدة سنة ثمان، وقد حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر واستدام الطيب وإنما يؤخذ بالآخر من أمره صلى الله عليه وسلم لأنه يكون ناسخًا للأول اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2707 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر التيمي المدني، ثقة، من (4) وقال في التقريب: ثقة فاضل، من السادسة، مات سنة (126) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن لأفلح بن حميد، وفائدتها تقوية السند الأول (أنها قالت كنت أطيب) أي أعطر (رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه) أي لإرادة إحرامه (قبل أن يحرم ولحله) أي وعند تحلله التحلل الأول (قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة.

2708 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لِحِلِّهِ وَلحُرْمِهِ. 2709 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 2708 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص (قال سمعت القاسم) بن محمد (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لعبد الرحمن (قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله) أي عند تحلله التحلل الأول (ولحرمه) أي عند إرادة إحرامه قبل إحرامه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2709 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) وفائدة المقارنة تقوية السند (قال عبد أخبرنا وقال ابن حاتم حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني، أمه أم حكيم بنت عبد الله بن الزبير، روى عن جده عروة والقاسم بن محمد في الحج، ويروي عنه (خ م س) وابن جريج ومحمد بن إسحاق، ذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (أنه) أي أن عمر (سمع) جده (عروة والقاسم) بن محمد بن أبي بكر (يخبران عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمر بن عبد الله للزهري وعبيد الله بن عمر في رواية هذا الحديث عن عروة والقاسم، وفيه التحديث والإخبار إفرادًا وجمعًا والمقارنة والسماع

قَالتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ. فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ. 2710 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها: بِأَيِّ شَيءٍ طَيَّبْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حِرْمِهِ؟ قَالتْ: بِأَطْيَبِ الطِّيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعنعنة (قالت) عائشة (طيبت) أي عطرت (رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي) هذه (بذريرة) قال النووي: هي فتات قصب طيب يجاء به من الهند، وقال الدهلوي: الذريرة بمعجمة وراءَين بوزن عظيمة هي نوع من الطيب مخصوص يعرفه أهل الحجاز وغيرهم (في حجة الوداع للحل) أي بعد تحلله التحلل الأول الذي يحل فيه جميع المحظورات إلا النساء (و) عند إرادته لـ (الإحرام) أي قبله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 2710 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن) سفيان (ابن عيينة قال زهير حدثنا سفيان حدثنا عثمان بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني أخو هشام، وكان أصغر منه، لكن مات قبله، روى عن أبيه في (خ م) فرد حديث في الحج، ويروي عنه (خ م د س ق) وابن عيينة وأخوه هشام، وثقه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: فإن قليل الحديث، وقاله في التقريب: ثقة، من السادسة، مات قبل الأربعين ومائة (140) (عن أبيه) عروة بن الزبير (قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعه عثمان بن عروة لعمر بن عبد الله بن عروة، وفائدتها تقوية السند الأول أي سألتها (بأي شيء) من أنواع الطيب (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند) إرادة (حرمه قالت) عائشة طيبته (بأطيب الطيب) المراد به المسك كما سيأتي في الباب كأني أنظر وبيص المسك، وقد ورد ذلك صريحًا أخرجه مالك من حديث أبي سعيد رفعه قال: المسك أطيب الطيب، وهو عند مسلم أيضًا اهـ فتح الملهم.

2711 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ. قَال: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ مَا أقْدِرُ عَلَيهِ. قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. ثُمَّ يُحْرِمُ. 2712 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَاكُ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ أُمِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها سادسًا رضي الله تعالى عنها فقال: 2711 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن عثمان بن عروة قال سمعت) والدي (عروة) بن الزبير (يحدّث عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام بن عروة لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن عثمان بن عروة (قالت) عائشة (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أقدر) وأستطيع (عليه قبل أن يحرم ثم يحرم) واستفيد من قولها كنت أطيب أن كان لا تقتضي التكرار لأن ذلك لم يقع منها إلا مرة واحدة في حجة الوداع وعورض بأن المدعى تكراره هنا إنما هو التطيب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرر التطيب للإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه اهـ من الإرشاد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديثها فقال: 2712 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان الأسدي الحزامي المدني، صدوق، من (7) (عن أبي الرجال) محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري مشهور بهذه الكنية وهي لقبه وكنيته في الأصل أبو عبد الرحمن، ولقب بأبي الرجال لأنه كان له عشرة أولاد رجال كاملين، وأمه عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أمه) عمرة بنت عبد الرحمن التابعية الأنصارية المدنية،

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، أَنَّهَا قَالتْ: طَيبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللُّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِحِرْمِهِ حِين أَحْرَمَ، وَلحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، بِأَطْيَبِ مَا وَجَدْتُ. 2713 - (1163) (83) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالتْ: كَأَني أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين (رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا محمد بن رافع، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرة لعروة والقاسم (أنها) أي أن عائشة (قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه) أي قبل إحرامه (حين أحرم ولحله) أي وبعد تحلله التحلل الأول (قبل أن يفيض) أي قبل أن يطوف طواف الإفاضة، وقوله (بأطيب ما وجدت) أي بأحسن ما وجدت من أنواع الطيب متعلق بطيبت. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2713 - (1163) (83) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) (وخلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني أو اثنان بصري ونيسابوري أو مكي أو بلخي أو بغدادي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (قالت) عائشة كأني أنظر إلى وبيص الطيب)

فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَلَمْ يَقُلْ خَلَفٌ: وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَلَكِنَّه قَال: وَذَاكَ طِيبُ إِحْرَامِهِ. 2714 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الواو وكسر الموحدة بعدها ياء تحتانية ثم صاد مهملة هو البريق، وقال الإسماعيلي: وبيص الطيب تلألؤه وذلك لعين قائمة لا للريح فقط اهـ وفي المصباح: الوبيص مثل البريق وزنًا ومعنى وهو اللمعان اهـ، وهذا الطيب الذي ذكرته عائشة كان دهنًا له أثر فيه مسك، وبهذا يجتمع اختلاف الروايات في ذلك اهـ من المفهم (في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الميم وكسر الراء ويجوز فتحها؛ وهو مكان انقسام الشعر من الجبين إلى دارة وسط الرأس، وفي المصباح: المفرق وزان مسجد وسط الرأس حيث يفرق فيه الشعر اهـ، قال الحافظ: قولها (كأني أنظر) أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث إنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه اهـ (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (محرم) أي ملتبس بالإحرام؛ وهو من أثر الطيب الذي طيبته قبل الإحرام (ولم يقل خلف) بن هشام في روايته لفظة (وهو محرم ولكنه) أي ولكن خلفًا (قال) في روايته (وذاك) الوبيص (طيب إحرامه) أي أثر طيب طيبته به قبل إحرامه لأن الاستدامة ليست كالبداية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 109 و 191] والبخاري [1754]، وأبو داود [1745]، والنسائي [5/ 140]، وابن ماجه [2927]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2714 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال يحيى أخبرنا وقال الآخوان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر (قالت) عائشة: والله (لكأني أنظر) الآن (إلى وبيص الطيب) ولمعانه

فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَهُوَ يُهِلُّ. 2715 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالتْ: كَأَني أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُلَبِّي. 2716 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في وسط رأسه (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يهل) ويلبي؛ أي يرفع صوته بالتلبية، والمفارق جمع مفرق كمساجد ومسجد، وإنما ذكر بلفظ الجمع تعميمًا لسائر جوانب الرأس التي يفرق فيها كأنهم سموا كل موضع منها مفرقًا والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2715 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأشج) الكندي الكوفي (قالوا حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (حدثنا الأعمش عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح بالضم مصغرًا الهمداني الكوفي العطار، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة مسروق للأسود في رواية هذا الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها (قالت) عائشة (كأني أنظر) الآن (إلى وبيص الطيب) ولمعانه (في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأوساط رأسه (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يلبي) أي يرفع صوته بالتلبية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 2716 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا

الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ. وَعَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالتْ: لَكَأَني أَنْظُرُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. 2717 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ. قَال: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَة رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي (و) روى الأعمش أيضًا (عن مسلم) بن صبيح الهمداني الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع كلاهما أي كل من الأسود ومسروق (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة زهير بن معاوية لوكيع في رواية هذا الحديث عن الأعمش (قالت) عائشة (لكأني أنظر) الآن، وساق زهير بن معاوية عن الأعمش (بمثل حديث وكيع) عن الأعمش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة هذا رضي الله عنها فقال: 2717 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري المعروف ببندار (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري (عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (قال) الحكم (سمعت إبراهيم) بن يزيد النخعي (يحدّث عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الحكم بن عتيبة للأعمش في رواية هذا الحديث عن إبراهيم، ولكن فيه زيادة تصريح سماع الحكم عن إبراهيم وسماع إبراهيم عن الأسود، وفيه ثلاثة من التابعين الحكم عن إبراهيم عن الأسود (أنها) أي أن عائشة (قالت كأنما أنظر) الآن (إلى وبيص الطيب) ولمعانه (في مفارق) رأس (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) أي ملتبس بالإحرام من أثر الطيب الذي طيبته به قبل الإحرام.

2718 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الأَسْوَدِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: إِنْ كُنْتُ لأَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. 2719 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنِي إِسْحَاقُ بن مَنْصُورٍ (وَهُوَ السَّلُولِيُّ) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ (وَهُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في هذا الحديث فقال: 2718 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الواو بوزن منبر البجلي أبو عبد الله الكوفي، ثقة ثبت، من كبار (7) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) الأسود بن يزيد (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن لإبراهيم النخعي في رواية هذا الحديث عن الأسود بن يزيد (قالت) عائشة (إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي أنه (كنت لأنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) أي ملتبس بالإحرام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في هذا الحديث فقال: 2719 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثني إسحاق بن منصور وهو السلولي) مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) (حدثنا إبراهبم بن يوسف وهو) أي أبوه يوسف (ابن إسحاق ابن) الشيخ (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني (السبيعي) بالرفع صفة لإبراهيم الكوفي، روى عن أبيه في الحج وصفة النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهما، ويروي عنه (خ م د ت س) وإسحاق بن منصور السلولي وأبو كريب وجماعة، قال أبو حاتم: يكتب

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. سَمِعَ ابْنَ الأَسْوَدِ يَذْكُرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ. ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي رَأسِهِ وَلحْيَتِهِ، بَعْدَ ذلِكَ. 2720 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ. حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأسْوَدِ. قَال: قَالتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثه وفيه لين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: ليس هو بمنكر الحديث، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة، مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة (عن أبيه) يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، وقد ينسب إلى جده أبي إسحاق، روى عن أبيه إسحاق وعن جده أبي إسحاق في الحج وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (ع) وابنه إبراهيم وابن عمه إسرائيل وابن عيينة وغيرهم، قال ابن عيينة: لم يكن في أولاد إسحاق أحفظ منه، قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ووثقه الدارقطني، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات سنة (157) سبع وخمسين ومائة (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) (سمع) أبو إسحاق عبد الرحمن (بن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي، حالة كون ابن الأسود (يذكر) أي يحدّث (عن أبيه) الأسود بن يزيد (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من ثمانياته رجاله ستة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغدادي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي إسحاق لمالك بن مغول في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن بن الأسود (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم يتطيب) أي يتعطر (بأطيب) أي بأحسن (ما يجد) من أنواع الطيب (ثم) بعد إحرامه (أرى) وأنظر أنا (وبيص الدهن) الطيب ولمعانه (في رأسه ولحيته بعد ذلك) أي بعد ما تطيب وأحرم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في هذا الحديث فقال: 2720 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي أبو بشر البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي أبي عروة الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (قال) الأسود (قالت

عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. 2721 - (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أبُو عَاصِمٍ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْحَسَن بْنِ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 2722 - (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الحسن بن عبيد الله للأعمش والحكم بن عتيبة في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (كأني أنظر إلى وبيص المسك) ولمعانه (في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) وتقدم في رواية أنه ذريرة، ولا تنافي إذ لا مانع أنهم يخلطون الذريرة بالمسك كما يدل عليه قوله في الرواية الآتية (بطيب فيه مسك). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثامنًا فقال: 2721 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا الضحاك بن مخلد) بن الضحاك بن مسلم الشيباني (أبو عاصم) النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن الحسن بن عبيد الله) وقوله (بهدا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة متعلق بحدثنا سفيان، وقوله (مثله) مفعول ثان له، والضمير يعود إلى عبد الواحد؛ والتقدير حدثنا سفيان عن الحسن مثل ما حدّث عبد الواحد عن الحسن، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان لعبد الواحد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الحديث الأول ثامنًا هنا وحق هذا السند أن يذكره بعد المتابعة الثانية في الحديث الأول يعني قوله: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم ولعله تأخير من النساخ فقال: 2722 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن منيع) بن عبد الرحمن البغوي نسبة إلى بغشور على غير قياس، وقيل إلى بَغَ بلد بين مرو وهراة من بلاد خراسان أبو جعفر البغدادي الأصم، صاحب المسند، الثقة الحافظ، روى عن هشيم في الحج، وإسماعيل ابن علية في الحج، وابن المبارك وخلق، ويروي عنه (ع) له في البخاري فرد

ويَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيوْمَ النَّحْرِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيتِ، بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ. 2723 - (1164) (84) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو كَامِلٍ. جَمِيعًا عَنْ أبِي عَوَانَةَ. قَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، ووثقه النسائي وصالح جزرة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الدارقطني: لا بأس به (وبعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) الحافظ البغدادي، ثقة، (10) (قالا) أي قال كل منهما (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (أخبرنا منصور) بن زاذان الواسطي أبو المغيرة الثقفي، ثقة، من (6) (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (4) (عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان واسطيان وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة منصور لمالك بن أنس في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن بن القاسم وحق هذه المتابعة أن تكون في أول الباب في الحديث الأول وكأنه أخرها النساخ (قالت) عائشة كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم) لإحرامه (قبل أن يحرم ويوم النحر) بعد تحلله الأول (قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة، وقوله (بطيب فيه مسك) متعلق بقولها كنت أطيب. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2723 - (1164) (84) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري، ثقة، من (10) (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (قال سعيد حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (2) بابين الصلاة والحج (عن أبيه) محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب

قَال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما عَنِ الرجُلِ يَتَطَيَّبُ ثُمَّ يُصْبحُ مُحْرِمًا؟ فَقَال: مَا أُحِبُّ أنْ أُصْبحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا. لأَنْ أَطَّلِيَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فأَخْبَرْتُهَا؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَال: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا. لأَنْ أَطَّلِيَ بِقَطِرَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) محمد بن المنتشر (سألت عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن الرجل يتطيب) أي يتعطر في الليل (ثم يصبح محرمًا) أي يكون في الصباح محرمًا للنسك وهو يفوح طيبًا (فقال) ابن عمر (ما أحب أن أصبح محرمًا أنضخ) أي أفور وأفوح وأروح (طيبًا) أي رائحة طيب، وكذا قولها ينضخ طيبًا أي يفور منه الطيب، ومنه قوله تعالى: {عَينَانِ نَضَّاخَتَانِ} قال الحافظ: نضخ بفتح أوله وبفتح الضاد المعجمة وبالخاء المعجمة، قال الأصمعي: النضخ بالمعجمة أكثر من النضح بالمهملة وسوى بينهما أبو زيد، وقال ابن كيسان: إنه بالمعجمة لما ثخن وبالمهملة لمِا رقَّ وظاهره أن عَينَ الطيب بقيت بعد الإحرام، قال الإسماعيلي: بحيث إنه صار كأنه يتساقط منه الشيء بعد الشيء اهـ فتح والله أعلم (لأن أطلي) قال السندي: هو بتشديد الطاء مضارع اطليت افتعال من طليته بنورة من باب رمى إذا اطليت لنفسك، وهو مبتدأ مقرون بلام الابتداء خبره أحب أي لأن ألطّخ جسمي (بقطران) شيء منتن تطلى به الإبل الجرب (أحب إليّ) أي أكثر محبوبية عندي (من أن أفعل ذلك) أي من تطيبي ثم كوني محرمًا أنضخ طيبًا، وقال الحافظ: وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإحرام، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك، وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول: لا بأس بأن يمس طيبًا عند الإحرام قال: فدعوت رجلًا وأنا جالس بجنب ابن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أَنْ يسمعه أبي فجاءني رسول فقال: إن عائشة تقول: لا بأس بالطيب عند الإحرام فأصب ما بدا لك، قال فسكت ابن عمر، وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة، قال ابن عيينة: أخبرنا عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال: قالت عائشة فذكر الحديث قال سالم: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بأن تتبع اهـ فتح الملهم. قال محمد بن المنتشر: (فدخلت على عائشة رضي الله عنها فأخبرتها أن ابن عمر قال: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا لأن أطلي بقطران)

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذلِكَ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ. ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ. ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لأن أتلطخ بقطران وهو افتعال من الطلي المتعدي يقال طليته بالطين وغيره من باب رمى، واطليت على وزن افتعلت إذا فعلت ذلك لنفسك ولا يذكر معه المفعول كما في المصباح، فإذا أردت تخفيف الطاء في لأن أطلي لزمك تقدير المفعول أي نفسي، والتشديد أظهر، وهو مبتدأ مبدوء بلام الابتداء، خبره قوله (أحب إليّ من أن أفعل ذلك) التطيب قبل الإحرام (فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرمًا) قال في المواهب اللطيفة: اعترض ابن حزم على هذه الرواية فقال: قول عائشة ثم أصبح محرمًا لفظ منكر، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم إنما أحرم بذي الحليفة بعد صلاة الظهر كما قال جابر في حديثه الطويل عند مسلم قال: ولعل قول عائشة هذا إنما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء أو الحديبية أو الجعرانة اهـ. [قلت] يشكل عليه ما قدمناه من رواية البخاري في حجة الوداع، فالأولى أن يقال إن قولها ثم يصبح بمعنى ثم يضحي، والمراد مجرد الوقت لا تعين الصبح والله أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وسنده من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد واسطي وواحد إما خراساني أو بصري والله أعلم. وعبارة القرطبي هنا وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم تطيب للطواف على نسائه في بيوتهن بالمدينة في ليلة اليوم الذي خرج في بقيته إلى ذي الحليفة فإنه بات بها وأصبح محرمًا من صبيحة ليلتها وأحرم بعد أن صلى الظهر كما ظهر من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الآتي فاغتسل وغسل ما كان عليه من الطيب غير أنه بقي عليه ما تعذر إزالته بعد الغسل من الرائحة، وعن هذا عبرت عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها ثم أصبح ينضخ طيبًا، ومعنى (ينضخ) تشم رائحته وتدرك إدراكًا كثيرًا، وأصله من نضخ العين وهو عبارة عن الكثرة، وقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (لأن أصبح مطليًا بقطران أحب إليَّ من أن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا) موافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمتطيب المحرم: "اغسل عنك الطيب" كما تقدم، والتمسك به أولى من حديث

2724 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ. ثُمَّ يُصْبحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. 2725 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: لأَنْ أُصْبحَ مُطَّلِيًا بِقَطِرَانٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة لأن الأول مقعد للقاعدة، وحديث عائشة قضية عينية محتملة للخصوص فالأول أولى اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2724 - (00) 000) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن إبراهبم بن محمد بن المتشر) الكوفي (قال) إبراهيم (سمعت أبي) محمد بن المنتشر الكوفي (يحدّث عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة في رواية هذا الحديث عن إبراهيم بن المنتشر (أنها) أي أن عائشة (قالت كنت أطبب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرمًا ينضخ طيبًا) تقدم ما فيه من البحث لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 2725 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7) (وسفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام، حجة من (7) كلاهما (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه) محمد بن المنتشر. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة مسعر وسفيان لأبي عوانة وشعبة، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة (قال) محمد بن المنتشر (سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: لأن أصبح مطليًا بقطران أحب إليّ من

أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا. قَال: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. فَأَخْبَرْتُهَا بِقَوْلِهِ: فَقَالتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَطَافَ فِي نِسَائِهِ. ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا قال) محمد بن المنتشر (فدخلت على عائشة رضي الله تعالى عنها فأخبرتها بقوله) أي بقول ابن عمر (فقالت) عائشة (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف في نسائه ثم أصبح محرمًا) لا يقال فيه إن القسم ليس بواجب عليه لاحتمال أن يكنَّ رضين بذلك اهـ نواوي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث وكلها لعائشة رضي الله تعالى عنها الأول منها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات، والثاني منها ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه تسع متابعات، والثالث منها ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيها متابعتين فقط والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

464 - (20) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما

464 - (20) باب: تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما 2726 - (1165) (85) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيثيِّ؛ أَنَّهُ أهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا. وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ (أوْ بِوَدَّانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 464 - (20) باب تحريم الصيد المأكول البري أو ما أصله ذلك على المحرم بحج أو عمرة أو بهما 2726 - (1165) (85) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي الأعمى المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة ثبت، من (3) مات سنة (94) (عن) عبد الله (بن عباس) الهاشمي الطائفي رضي الله تعالى عنهما (عن الصعب) بفتح أوله وسكون المهملة (بن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة بن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان ابن أخت أبي سفيان بن حرب، أمه زينب بنت حرب بن أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عوف بن مالك (الليثي) نسبة إلى الجد المذكور الطائفي الصحابي المشهور رضي الله عنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعداده من أهل الطائف، له أحاديث اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بآخر، ويروي عنه (ع) وابن عباس فقط عندهم في الحج في هدية الصيد للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الجهاد، مات في خلافة أبي بكر، وقيل في خلافة عثمان، وليس في مسلم من اسمه الصعب إلا هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان طائفيان وواحد نيسابوري (أنه) أي أن الصعب بن جثامة (أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا وهو) صلى الله عليه وسلم مار (بالأبواء) والصعب نازل بالأبواء ومر عليه صلى الله عليه وسلم بفتح الهمزة وسكون الموحدة برية أو جبل من عمل الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، قيل سمي بالأبواء لبوائه على القلب، وقيل لأن السيول تتبوءه أي تحله (أو بودان) شك من الراوي

فَرَدَّهُ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَلَمَّا أَنْ رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِي. قَال: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيكَ، إلا أنَّا حُرُمٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أعني ابن عباس، وهو بفتح الواو وتشديد الدال آخره نون موضع بقرب الجحفة بينه وبين الجحفة ثمانية أميال، وبالشك جزم أكثر الرواة، وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمر بالأبواء، والذي يظهر لي أن الشك فيه من ابن عباس لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضًا قاله الحافظ رحمه الله تعالى، وفي أسد الغابة كان الصعب ينزل ودان والأبواء من أرض الحجاز، ومر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له حمارًا وحشيًّا (فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلما رده عليه تغير وجهه حزنًا لرده عليه (قال) الصعب (فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي) من أثر الحزن (قال) تطييبًا لقلبي (أنا لم نرده عليك إلا أنا حرم) أي محرمون فدل على أن الصيد حرام على المحرم، قوله (فلما أن رأى ما في وجهي) أي من الكراهية لرده عليَّ هديتي كما في رواية الترمذي وغيره (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم تطييبًا لخاطري وإزالة لحزني (إنا لم نرده عليك) الخ، قال القاضي عياض: ضبطنا لم نرده بفتح الدال للخفة وهو أفصح من الضم لثقله وإن كان مناسبًا لضم الهاء، ووقع في رواية الكشمهيني لم نردده بفك الإدغام وضم الأول وإسكان الثانية، ولا إشكال فيه كما في الفتح، والهمزة في قوله إنا مكسورة لوقوعها في الابتداء، وفي قوله إلا أنا مفتوحة على حذف لام التعليل منها، وقوله حرم بضمتين أي محرمون، والحرم جمع حرام وهو من أحرم بنسك، وفي رواية سعيد عن ابن عباس لولا أنا محرمون لقبلناه منك. وفي المبارق: يجوز للمحرم أكل ما اصطاده الحلال في الحل سواء اصطاده لنفسه أو للمحرم إن لم يأمره محرم بصيده، ولم يدل عليه، ولا أعانه عليه، ولا أشار إليه لما رُوي أن الحرم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن لحم الصيد فقال: هل أشرتم إليه هل دللتم عليه؟ قالوا: لا، قال: "كلوا" قال الطحاوي: حديث الصعب لا يعمل به للاختلاف في روايته، وقال الشافعي: لا يجوز للمحرم أكل ما صاده حلال إذا صيد له، وحمل رد- النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الصعب على علمه بأن الحمار صيد له اهـ. قال الحافظ رحمه الله تعالى: واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقًا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرمًا فدل على أنه سبب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الامتناع خاصة وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا، ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي رضي الله عنه أنه قال لناس من أشجع: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش، وهو محرم فأبي أن يأكله، قالوا: نعم. لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضًا من حديث طلحة أنه أهدي له لحم طير وهو محرم فوفق من أكله، وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث أبي قتادة المذكور في الباب بعده، وحديث عمير بن سلمة أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيًا وهو محرم فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق، أخرجه مالك وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة وغيره، والبهزي هو زيد بن كعب صحابي، له حديث واحد عند النسائي، وبالجواز مطلقًا قال الكوفيون وطائفة من السلف، وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم، قالوا: والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرمًا، فبين الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفسه وقد بينه في الأحاديث الآخر، ويؤيد هذا الجمع حديث جابر مرفوعًا: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصاد لكم" أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة هكذا الرواية بالرفع في يصاد، وهي جائزة على لغة، ومنه قول الشاعر: ألم يأتيك والأنباء تنمي والجاري على القوانين العربية أو يصد بالجزم لأنه معطوف على المجزوم اهـ سندي، وقد قال الشافعي في الأم: إن كان الصعب أهدى له حمارًا حيًّا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحشي حي وإن كان أهدى له لحمًا فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له، ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه كذا في الفتح، فتركه بالفاء وفي نسخ الترمذي المطبوعة وتركه بالواو، وفي نصب الراية أو تركه بأو والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 37 - 38]، والبخاري [1825]، والنسائي [5/ 183 - 184]، وابن ماجه [3090]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث الصعب رضي الله عنه فقال:

2727 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيبَةُ. جَمِيعًا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَهْدَيتُ لَهُ حِمَارَ وَحْشٍ. كَمَا قَال مَالِكٌ. وَفِي حَدِيثِ اللَّيثِ وَصَالِحٍ؛ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَخْبَرَهُ. 2728 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو ـــــــــــــــــــــــــــــ 2727 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح وقتيبة جميعًا عن الليث بن سعد ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح وحدثنا حسن) بن علي الهذلي أبو علي (الحلواني) المكي، من (11) (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد الزهري المدني، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة، من (8) (عن فيلح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) (كلهم) أي كل من ليث بن سعد ومعمر بن راشد وصالح بن كيسان رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب فالسند الأول من الأسانيد الثلاثة من سداسياته، والثاني منها من سباعياته، والثالث منها من ثمانياته، أنه أي أن الصعب بن جثامة قال (أهديت له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (حمار وحش) بالإضافة ويقال حمارًا وحشيًّا بالوصف كما في كتب الفقه وقالوا (كما قال مالك) بن أنس أي ساق هؤلاء الثلاثة الحديث السابق كما ساق مالك، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك في رواية هذا الحديث عن الزهري (و) لكن (في حديث الليث) بن سعد (و) حديث (صالح) بن كيسان أي في روايتهما (أن الصعب بن جثامة أخبره) أي أخبر لابن عباس يعني جعلاه من مسند الصعب رضي الله عنه وفي الرواية الآتية عن ابن عباس قال: أهدى الصعب الخ فجعله من مسند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه فقال: 2728 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن

النَّاقِدُ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: أَهْدَيتُ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ. 2729 - (1166) (86) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. قَال: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَرَدَّهُ عَلَيهِ. وَقَال: "لَوْلَا أنَّا مُحْرِمُونَ، لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي، ثقة، من (10) (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس (و) لكن قال سفيان في روايته (قال) الصعب بن جثامة (أهديت له) صلى الله عليه وسلم (من لحم حمار وحش) بزيادة لفظة لحم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث الصعب بن جثامة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2729 - (1166) (86) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت) قيس، ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي تابعي، ثقة، من (3) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عباس فهو طائفي، وهذا الحديث في الحقيقة للصعب بن جثامة ولكن جعله من مسند ابن عباس فيكون شاهدًا لحديث جعله من مسند الصعب بن جثامة السابق قريبًا (قال) ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو) صلى الله عليه وسلم (محرم فرده عليه) أي فرد النبي صلى الله عليه وسلم الحمار على الصعب بن جثامة (و) لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما في وجهي من أثر الحزن لأجل رده عليّ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لولا أنا محرمون) أي لولا إحرامنا موجود (لقبلناه منك) أي لقبلنا الحمار منك.

2730 - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَال: سَمِعْتُ مَنْصُورًا يُحَدِّثُ، عَنِ الْحَكَمِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. جَمِيعًا عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ. وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ: عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا. وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شِقُّ حِمَارِ وَحْشٍ فَرَدَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2730 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (قال) المعتمر (سمعت منصورًا) ابن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) حالة كونه (يحدّث عن الحكم) بن عُتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (ح وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (ابن بشار) البصريان (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، من (7) (عن الحكم) بن عتيبة (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة جميعًا) أي كل من الحكم في السندين الأولين وشعبة في السند الأخير رويا (عن حبيب) بن أبي ثابت (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذه الأسانيد الأولان منها من سباعياته، والأخير من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة الحكم وشعبة للأعمش في رواية هذا الحديث عن حبيب بن أبي ثابت لكن (في رواية منصور عن الحكم أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رِجْل حمار وحش، وفي رواية شعبة عن الحكم عَجُز حمار وحش) وعجز كل شيء مؤخره يعني وركه، وجملة قوله (يقطر) أي يسيل ذلك العجز (دمًا) صفة لعجز (وفي رواية شعبة عن حبيب أُهدي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (للنبي صلى الله عليه وسلم شق) أي نصف (حمار وحش فرده) على المُهدي فلم يقبله منه لكونه محرمًا.

2731 - (1167) (87) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. قَال: قَدِمَ زَيدُ بْنُ أَرْقَمَ. فَقَال لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَذْكِرُهُ: كَيفَ أخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيدٍ أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَرَامٌ؟ قَال: قَال: أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيدٍ فَرَدَّهُ. فَقَال: "إنَّا لَا نَأْكُلُهُ، إِنَّا حُرُمٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: في رواية حمار وحشي، وفي رواية من لحم حمار وحشي، وفي رواية عجز حمار وحشي يقطر دمًا، وفي رواية شق حمار وحش، وفي رواية عضدًا من لحم صيد، هذه روايات مسلم كلها صحيحة صريحة في أنه مذبوح ومتفقة على أنه إنما أهدي له بعض لحم صيد لا كله فلا معارضة بينها. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث الصعب بن جثامة بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنهما فقال: 2731 - (1167) (87) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (قال) عبد الملك (أخبرني الحسن بن مسلم) بن يَنَّاق المكي، ثقة، من (5) (عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال) طاوس (قدم) من الكوفة (زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس بن النعمان الأنصاري الخزرجي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد كوفي وواحد طائفي وواحد يماني وواحد بصري وواحد نسائي، وفيه رواية صحابي عن صحابي (فقال له) أي لزيد بن أرقم (عبد الله بن عباس) حالة كون عبد الله (يستذكره) أي يستذكر زيد بن أرقم أي يطلب منه ذكره ليحفظه (كيف أخبرتني عن لحم صيد أُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (حرام) أي محرم هل قبله أم رده؟ (قال) طاوس (قال) زيد بن أرقم (أُهدي له) صلى الله عليه وسلم (عضو من لحم صيد فرده) أي فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اللحم على من أهداه له (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذارًا عن رده (إنا) معاشر المحرمين (لا نأكله) أي لا نأكل لحم صيد فـ (إنا حرم) أي محرمون لعلمه أنه صيد لأجله، والصحيح قول من جمع بين الأحاديث المختلفة فقال: أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم

2732 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيسَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيسَانَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 367 و 374]، وأبو داود [1850]، والنسائي [5/ 184]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث الصعب بن جثامة بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنهما فقال: 2732 - (1168) (87) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان) بن عيينة (عن صالح بن كيسان) الغفاري مولاهم المدني، ثقة، من (4) (ح وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ له حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان قال) صالح (سمعت أبا محمد) الأقرع المدني نافع بن عباس بموحدة ومهملة أو ابن عياش بتحتانية ومعجمة (مولى أبي قتادة) الأنصاري، قيل له ذلك للزومه له، وكان مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (يقول سمعت أبا قتادة) الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن ربعي المدني رضي الله عنه مات بالمدينة سنة أربع وخمسين (54) وهو ابن سبعين (70) سنة. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نسائي أو مكي أي سمعت أبا قتادة حالة كونه (يقول خرجنا) من المدينة عام الحديبية (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حتى إذا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الروحاء وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلًا أُخبر أن عدوًا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غرتهم فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم فلما أمنوا شرهم لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم قال أبو قتادة (حتى إذا كنا) معاشر رفقتي (بالقاحة) بالقاف وبالحاء المهملة المخففة هذا هو الصواب المعروف في جميع الكتب والذي قاله العلماء من كل طائفة، قال القاضي: كذا قيدها الناس كلهم قال: ورواه بعضهم عن البخاري بالفاء وهو وهم، والصواب بالقاف؛ وهو واد على نحو ميل

فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيرُ الْمُحْرِمِ. إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيئًا. فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ. فَأَسْرَجْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي. ثُم رَكِبْتُ. فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي. فَقُلْتُ لأصحَابِي، وَكَانُوا مُحْرِمِينَ: نَاولُونِي السَّوْطَ. فَقَالُوا: وَاللهِ! لَا نُعِينُكَ عَلَيهِ بِشَيءٍ. فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ. ثُمَّ رَكِبْتُ. فَأَدْرَكْتُ الْحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ. فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي فَعَقَرْتُهُ. فَأَتَيتُ بِهِ أَصْحَابِي. فَقَال بَعْضُهُمْ: كُلُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من السقيا وعلى ثلاث مراحل من المدينة كذا في الشرح (فمنا) معاشر رفقتي (المحرم) بالعمرة (ومنا غير المحرم) وسيأتي من طريق عثمان بن عبد الله بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة فأحرموا كلهم إلا أبا قتادة فاستمر حلالًا إما لأنه لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم (إذ بصرت) إذ فجائية رابطة لجواب إذا أي نظرت (بأصحابي) أي برفقتي أي حتى إذا كنا بالقاحة فاجأني النظر بأصحابي فرأيتهم (يتراءون شيئًا) أي يُرى بعضهم بعضًا شيئًا من بعدي أي يتكلفون النظر إلى جهة شيء ويريه بعضهم بعضًا، والترائي تفاعل من الرؤية (فنظرت) إلى جهة ترائيهم (فإذا حمار وحش) موجود أي ففاجأني رؤية حمار وحش (فأسرجت فرسي) أي ألبست فرسي سرجه وشددته عليه (وأخذت رمحي ثم ركبت) فرسي (فسقط مني سوطي فقلت لأصحابي) أي لرفقتي (و) قد (كانوا محرمين) بالعمرة، وقوله (ناولوني السوط) أي خذوه من الأرض وأعطونيه فوق الفرس مقول قال (فقالوا) له (والله لا) نناولك السوط ولا (نعينك عليه) أي على اصطياد هذا الحمار (بشيء) من أسباب المعاونة، زاد في بعض الروايات إنا محرمون، وفيه دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد أو أنه اجتهاد منهم، قال أبو قتادة (فنزلت) من فرسي (فتناولته) أي فأخذت السوط من الأرض (ثم ركبت) فرسي (فأدركت الحمار) أي لحقته (من خلفه) أي من ورائه (وهو) أي والحال أن الحمار مختف عني (وراء أكمة) أي تل، والأكمة بفتحات هي التل من حجر واحد أو ما ارتفع من الأرض (فطعنته برمحي فعقرته) أي فقتلته كما جاء في الرواية التالية فقتله، وأما العقر بمعنى الجرح فلا يطلق في غير القوائم، وفيه أن عقر الصيد ذكاته يقال عقر البعير بالسيف عقرًا إذا ضرب قوائمه به، وربما قيل عقره إذا نحره وبابه ضرب كما في المصباح (فـ) سحبته و (أتيت) أي جئت (به أصحابي) أي رفقتي فقلت لهم كلوه معي (فقال بعضهم كلوه) روي عن عدة أوجه أنهم

وَقَال بَعْضُهُمْ: لَا تَأْكُلُوهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَمَامَنَا. فَحَرَّكْتُ فَرَسِي فَأدْرَكْتُهُ. فَقَال: "هُوَ حَلالٌ. فَكُلُوهُ". 2733 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ. ح وَحَدَّثنَا قُتَيبَةُ، عَنْ مَالِكٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أكلوا، والظاهر أنهم أكلوه أول ما أتاهم به ثم طرأ عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن عبد الله بن موهب فأكلوا من لحمها، قال فقالوا أكلنا لحمًا ونحن محرمون وأصرح من ذلك رواية أبي حازم ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم (وقال بعضهم لا تأكلوه) وفي الفتح فيه جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن العربي: فيه اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته، وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله فلم يعب ذلك علينا وكان الأكل تمسك بأصل الإباحة والممتنع نظر إلى الأمر الطارئ، وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمامنا) بفتح أوله أي قدامنا (فحركت فرسي) أي أجريته وأسرعت به (فأدركته) صلى الله عليه وسلم أي لحقته فأخبرته خبر ما جرى بيننا (فقال) صلى الله عليه وسلم (هو) أي الحمار (حلال) لكم (فكلوه) أي كلوا ما بقي معكم منه إن كان، قال الحافظ صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابًا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال، ولم يذكر في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها، وذكره في روايتي أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما ستراه، ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره، ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه (فقال: كلوا وأطعموني) اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 195 و 301]، والبخاري [1821]، والنسائي [5/ 186]، وابن ماجه [3093]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2733 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك فيما قرئ عليه) وأتى بحاء التحويل لبيان اختلاف كيفية سماع شيخيه عن مالك لأن قول يحيى قرأت على مالك بمعنى أخبرني مالك، وقول قتيبة فيما

عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ. وَهُوَ غَيرُ مُحْرِمٍ. فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًا. فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ. فَسَألَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاولُوهُ سَوْطَهُ. فَأَبَوْا عَلَيهِ. فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ. فَأَبَوْا عَلَيهِ. فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ. فَأكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَاب النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَبَى بَعْضُهُمْ. فَأدْرَكُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلًّمَ. فَسَألُوهُ عَنْ ذلِكَ؟ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قرئ عليه بمعنى أخبرنا (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية القرشي التيمي مولاهم مولى عمر بن عبيد الله المدني، ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (9) (عن نافع) بن عباس الأقرع المدني (مولى أبي قتادة) الأنصاري، قيل له مولاه للزومه له لأخذ العلم عنه وإلا فهو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، ثقة، من (3) (عن أبي فتادة) الأنصاري الحارث بن ربعي المدني (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي النضر لصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن نافع مولى أبي قتادة (أنه) أي أن أبا قتادة كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين خرجوا من المدينة لعمرة الحديبية (حتى (ذا كان) أبو قتادة (ببعض) مواضع (طريق مكة تخلف) أبو قتادة، جواب إذا (مع أصحاب) ورفقة (له محرمين) صفة ثانية لأصحاب أي بالعمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بامر منه تجسسًا لعدو سمعوه بقيقة (وهو) أي والحال أن أبا قتادة (غير محرم فرأى) أبو قتادة (حمارًا وحشيًّا فاستوى) أي ارتفع وعلا أبو قتادة (على) ظهر (فرسه) فسقط عنه سوطه (فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا) أي فأبى أصحابه (عليه) أي على أبي قتادة أن يناولوه سوطه (فسألهم) أي سأل أبو قتادة أصحابه أن يناولوه (رمحه فأبوا عليه) فنزل من فرسه (فأخذه) أي أخذ كلًّا من سوطه ورمحه (ثم شد) أبو قتادة وحمل (على الحمار) الوحشي (فقتله) فأتى به أصحابه فقال لهم: كلوا (فأكل منه) أي من الحمار (بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أي بعض رفقته الذين كانوا معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (وأبى بعضهم) أي امتنعوا من أكله، والأظهر أن الاختلاف وقع بينهم أولًا حين أتاهم به فأكله بعضهم وأمسك بعضهم ثم وقع الآكلون أيضًا في الشك بعد الأكل والله أعلم (فأدركوا) أي لحقوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه) صلى الله عليه وسلم (عن) حكم (ذلك) الأكل هل يجوز أم لا (فقال)

"إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللهُ". 2734 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي قَتَادَةَ رضي الله عنه. فِي حِمَارِ الْوَحْشِي مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيءٌ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما هي) أي إنما تلك الأكلة التي أكلتموها من حمار الوحش (طُعمة) بضم الطاء أي طعام ورزق (أطعمكموها) أي رزقكموها (الله) تعالى بفضله من غير مقابلة، والحديث فيه فوائد منها أنه يحل للمحرم لحم ما يصيده الحلال إذا لم يكن صاده لأجله ولم يقع منه إعانة له، ومنها أن مجرد محبة المحرم أن يقع من الحلال الصيد فأكل منه غير قادحة في إحرامه ولا في حل الأكل منه، ومنها أن عقر الصيد ذكاته، ومنها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبالقرب منه اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2734 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (3) (عن أبي قتادة) الأنصاري (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة زيد بن أسلم لأبي النضر في رواية هذا الحديث عن أبي قتادة ولكنها متابعة ناقصة لأن زيد بن أسلم روى عن أبي قتادة بواسطة عطاء بن يسار وأبا النضر روى عنه بواسطة نافع أي روى زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي قتادة (في) قصة (حمار الوحشي مثل حديث أبي النضر غير أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لأصحاب أبي قتادة (هل معكم من لحمه شيء) فقالوا معنا رجله، قال فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها، قال القرطبي: كل ذلك تطييب لقلوبهم وتسكين لنفرة من نفر منهم وإبانة لحليته بأقصى الممكن اهـ مفهم.

2735 - (00) (00) وحدّثنا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ السُّلَمِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ. قَال: انْطَلَقَ أَبِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيبِيَةِ. فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ. وَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ عَدُوًّا بِغَيقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2735 - (00) (00) (وحدثنا صالح بن مسمار السلمي) أبو الفضل المروزي الكشميهني بالضم والسكون والكسر وتحتية وفتح الهاء ونون نسبة إلى كشميهن قرية بمرو، روى عن معاذ بن هشام في الحج، ومعن بن عيسى في الأشربة، وشعيب بن حرب، وطائفة، ويروي عنه (م ت) ومحمد بن الصباح وأبو حاتم وابن جرير وغيرهم، وقال في التقريب: صدوق، من صغار العاشرة، مات بكشميهن سنة (250) خمسين ومائتين (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري نزيل اليمن، صدوق، من (9) (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبر كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (حدثني عبد الله بن أبي قتادة (الأنصاري أبو إبراهيم المدني، ثقة، من (2) (قال) عبد الله (انطلق) أي ذهب (أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية) أي عام عمرتها سنة ست أو خمس من الهجرة. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد مروزي، وغرضه بيان متابعة عبد الله بن أبي قتادة لنافع مولى أبي قتادة في رواية هذا الحديث عن أبي قتادة (فأحرم أصحابه) أي أصحاب أبي قتادة ورفقته (ولم يحرم) أبو قتادة لاحتمال أنه لم يقصد نسكًا إذ يجوز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًّا أو عمرة كما هو مذهب الشافعي، وأما على مذهب الأئمة الثلاثة القائلين بوجوب الإحرام فاحتجوا بأن أبا قتادة إنما لم يحرم لأنه صلى الله عليه وسلم كان بعثه إلى جهة أخرى ليكشف أمر عدوفي طائفة من الصحابة كما قال (وحُدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم الحاء وكسر الدال المشددة مبنيًّا للمفعول (أن عدوًا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين يريدون غزوه نازلون (بغيقة) أي في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء، قال السكوني: هو ماء لبني غفار بين

فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَبَينَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ. يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنا بِحِمَارِ وَحْشٍ. فَحَمَلْتُ عَلَيهِ. فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ. فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أنْ يُعِينُونِي. فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ. وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ. فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة والمدينة، وقال يعقوب: هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى ويصب هو في البحر (فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمقصده الذي خرج له ولحق أبو قتادة وأصحابه به صلى الله عليه وسلم بعدما تجسَّسوا العدو (قال) أبو قتادة (فبينما أنا مع أصحابه) صلى الله عليه وسلم، وفي رواية البخاري (فبينما أنا مع أصحابي) والمعنى هنا فبينما أنا مع رفقتي من أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم معي حالة كونهم (يضحك بعضهم) ناظرًا (إلى بعض) آخر، وإنما كان ضحكهم تعجبًا من عروض الصيد مع عدم تعرضهم له لا إشارة منهم ولا دلالة لأبي قتادة على الصيد، وإذ في قوله (إذ نظرت) فجائية رابطة لجواب بينما، وجملة نظرت جواب لها؛ والمعنى فبينا أوقات كوني مع أصحابي حالة كون بعضهم يضحك إلى بعض فاجأني النظر إلى جوانبي (فإذا أنا) راء (بحمار وحش) بالإضافة، وفي رواية محمد بن جعفر زيادة (فقمت إلى الفرس فأسرجته فركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت) (فحملت) أي شددت (عليه) أي على الحمار الوحشي (فطعنته) بالرمح (فأثبته) بالمثلثة ثم بالموحدة ثم بالمثناة أي جعلته ثابتًا في مكانه لا حراك به (فاستعنتهم) أي طلبت منهم الإعانة لي في حمله (فأبوا) أي امتنعوا (أن يعينوني) في حمله، وفي رواية أبي النضر فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحملوا، فقالوا: لا نمسه، فحملته حتى جئتهم به (فكلنا من لحمه) وفي رواية فضيل عن أبي حازم فأكلوا فندموا، وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم فوقعوا يأكلون منه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي، وفي رواية مالك عن أبي النضر فأكل منه بعضهم وأبى بعضهم (وخشينا) أي خفنا معاشر رفقتي (أن نقتطع) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي يقطعنا الحدو عن النبي صلى الله عليه وسلم لكونه سبقهم وتأخروا هم للواحة بالقاحة الموضع الذي وقع به صيد الحمار (فانطلقت) أنا أي ذهبت حالة كوني (أطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أقصد إدراكه، حالة كوني

أُرَفِّعُ فَرَسِي شَأوًا وَأَسِيرُ شَأوًا. فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيلِ. فَقُلْتُ: أَينَ لَقِيتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ! قَال: تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ. وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا. فَلَحِقْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ، إِن أصْحَابَكَ يَقْرَؤُونَ عَلَيكَ السَّلامَ وَرَحْمَةَ اللهِ. وَإنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ. انْتَظِرْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أرفع فرسي) بضم الهمزة وفتح الراء وكسر الفاء المشددة، وفي بعض الأصول (أرفع فرسي) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الفاء أي أكلفه السير الشديد (شأوًا) بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة ثم واو أي تارة (وأسير) بسهولة (شاوًا) أي تارة أخرى، والترفيع السير السريع، والشأو الغاية والأمد، والمعنى أركضه وقتًا وأسوقه بسهولة وقتًا، وفيه جواز سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك لقوله وأسير شأوًا (فلقيت رجلًا من بني غفار) بكسر الغين المعجمة ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (في جوف الليل) أي في وسطه (فقلت) له (أين لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في أي مكان رأيته وفارقته (قال) الرجل (تركته) وفارقته (بتعهن) أي في مكان يسمى تعهن بمثنّاة مكسورة فعين مهملة ساكنة فهاء مكسورة ثم نون؛ وهي عين ماء على ثلاثة أميال من السقيا (وهو) صلى الله عليه وسلم (قائل) بهمزة مكسورة بين الألف واللام اسم فاعل من قال يقيل قيلولة إذا استراح نصف النهار أو اسم فاعل من القول، والسقيا مفعول به لفعل مضمر تقديره تركته بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا وهو المراد هنا اهـ فتح الملهم، وهو بالتنوين خبر عن الضمير و (السقيا) بضم السين المهملة وسكون القاف ثم مثناة تحتية مفتوحة مقصورًا؛ وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة، وهي من أعمال الفرع بضم الفاء وسكون الراء آخره عين مهملة؛ ومعنى قائل السقيا أي يقيل في السقيا أي تركته بتعهن وفي عزمه أن يقيل بالسقيا، قال أبو قتادة: فأجريت فرسي أدركته صلى الله عليه وسلم أي (فلحقته) في السقيا (فقلت) له (يا رسول الله أن أصحابك) المرافقين بي (يقروون عليك السلام ورحمة الله) بالنصب فيهما على المفعولية ليقرأون، قال العيني: وفيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب، قالت جماعة: يجب على الرسول تبليغه وعلى المرسل إليه الرد بالفور اهـ (وانهم قد خشوا) بفتح الخاء وضم الشين المعجميتين أي خافوا (أن يقتطعوا) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول أي يقتطعهم العدو (دونك) أي قبل الوصول إليك أي أن يكونوا مقطوعين عنك بالعدو (انتظرهم) بصيغة الأمر من

فَانْتَظَرَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ. فَقَال النبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلْقَوْمِ: "كُلُوا" وَهُمْ مُحْرِمُونَ. 2736 - (00) (00) حدّثني أبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ الانتظار أي انتظر أصحابك يا رسول الله (فانتظرهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إني أصدت) بفتح الصاد المخففة أي أصبت صيدًا، ويقال أصدت بتشديد الصاد، وفي بعض النسخ صدت، وفي بعضها اصطدت وكلها صحيح (ومعي منه) أي من ذلك الصيد، فالضمير في منه يعود على محذوف دل عليه أصدت كما قررنا في حلنا أي وعندي قطعة فضلت منه فهي (فاضلة) بألف بين الفاء والضاد المعجمة أي باقية عندي (فقال النبي صلى الله عليه وسلم للقوم) الحاضرين عنده (كلوا) ها فأكلوها (وهم محرمون) والأمر بالأكل للإباحة، وفيه أن الحلال إذا صاد ولم يعنه في ذلك محرم ولم يشر إليه ولم يدل عليه جاز للمحرم الأكل من صيده سواء كان اصطياده لأجل المحرم أو لنفسه فإن أبا قتادة إنما حمل على الصيد بعدما عوف أنهم أحبوا لو أنه أبصره، كما في بعض الروايات فكان صيده لأجلهم في الواقع، وفي المواهب اللطيفة قال ابن حزم: ولم يشك أحد في أن أبا قتادة لم يصد الحمار إلا لنفسه ولأصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكله اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وسياق عبد الله له هنا يقتضي كونه مرسلًا حيث قال: انطلق أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديببة اهـ من الإرشاد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2736 - (00) (00) (حدثني أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن عثمان بن عبد الله بن موهب) التيمي مولاهم أبي عبد الله الأعرج المدني، ثقة، من (4) (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري المدني (عن أبيه) أبي قتادة الأنصاري الحارث بن ربعي المدني (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عثمان بن عبد الله

قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا. وَخَرجْنَا مَعَهُ. قَال: فَصَرَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ. فَقَال: "خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى تَلْقَوْنِي" قَال: فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ. فَلَمَّا انْصَرَفُوا قِبَلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، أحْرَمُوا كُلُّهُمْ. إِلًا أَبَا قَتَادَةَ. فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ. فَبَينَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأوْا حُمُرَ وَحْشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليحيى بن أبي كثير (قال) أبو قتادة (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة عام الحديبية (حاجًّا) أي قاصدًا النسك يعني العمرة، قال الإسماعيلي: فلعل الراوي أراد خرج محرمًا فعبّر عن الإحرام بالحج غلطًا والصواب خرج معتمرًا اهـ قسط (وخرجنا معه) صلى الله عليه وسلم من المدينة حتى بلغ الروحاء وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلًا فأخبروه أن عدوًا من المشركين بوادي غيقة يُخشى منهم أن يقصدوا غزوه (قال فصرف) صلى الله عليه وسلم أي ميّز وعيّن (من أصحابه) طائفة أي آحادًا وجههم إلى جهة الساحل تجسسًا من العدو، وكان (فيهم) أي في الذين وجههم وصوفهم إلى جهة الساحل (أبو قتادة) الأنصاري، والأصل وكنت أنا فيهم فهو من باب التجريد، ولا يقال إنه من قول عبد الله بن أبي قتادة لأنه حينئذ يكون الحديث مرسلًا (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الطائفة (خذوا ساحل البحر) أي شاطئه أي امشوا طريق ساحل البحر متجسسين من العدو (حتى تلقوني) أي حتى تجتمعوا معي وتروني (قال) أبو قتادة (فأخذوا) أي فأخذ أولئك الذين وجههم وصرفهم (ساحل البحر) أي طريق ساحل البحر وسلكوا فيه لكشف أمر العدو (فلما انصرفوا) ورجعوا من الساحل (قِبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جهته (أحرموا) العمرة (كلهم) من الميقات (إلا أبا قتادة فإنه لم يحرم) قال القرطبي: قيل في سبب عدم إحرامه أقوال أحدها أنه لم تكن المواقيت وقتت وقتئذ وفيه بعد. وثانيها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في أصحابه لكشف عدو لهم بجهة الساحل على ما ذكره مسلم. وثالثها أن أهل المدينة أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه أن بعض العرب عزم على غزو المدينة اهـ من المفهم. ولم يخرج من المدينة قاصدًا الإحرام (فبينما هم) أي أصحاب أبي قتادة (يسيرون) لإدراك النبي صلى الله عليه وسلم (إذ) بسكون الذال فجائية رابطة لجواب بينما (رأوا حُمر وحش) بضم الحاء والميم جمع حمار أي فبينا أوقات سيرهم إلى جهة النبي صلى الله عليه وسلم

فَحَمَلَ عَلَيهَا أَبُو قَتَادَةَ. فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا. فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا. قَال: فَقَالُوا: أَكلْنَا لَحْمًا وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ. قَال: فَحَمَلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْم الأَتَانِ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا. وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ. فَرَأَينَا حُمُرَ وَحْش. فَحَمَلَ عَلَيهَا أَبُو قَتَادَةَ. فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا. فَنَزَلْنَا فَأكلْنَا مِنْ لَحْمِهَا. فَقُلْنَا: نَأْكُلُ لَحْمَ صَيدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ! فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا. فَقَال: "هَلْ مِنْكُمْ أَحَدْ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيهِ بِشَيء؟ " قَال: قَالُوا: لَا. قَال: "فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ فاجأهم رؤية حُمر الوحش (فحمل) أي شد (عليها) أي على تلك الحُمر (أبو قتادة فعقر) أي قتل (منها) أي من تلك الحُمر المرئية (أتانًا) أي أنثى، وجمع الحُمر هنا لا ينافي الرواية الأخرى بالإفراد لجواز أنهم رأوا حُمرًا، وفيها واحد أقرب إليهم من غيره لاصطياده لكن قوله هنا أتانًا ينافي قوله حمارًا في الأخرى، وقد يجاب بأنه أطلق الحمار على الأنثى مجازًا أو أنه يُطلق على الذكر والأنثى (فنزلوا) من مراكبهم (فأكلوا من لحمها) أي من لحم الأتان (قال) أبو قتادة (فقالوا) بعد أن أكلوا من لحمها أي قال بعضهم لبعض (أكلنا لحمًا) من صيد (ونحن محرمون) بالعمرة، الواو للحال (قال) أبو قتادة (فحملوا) معهم (ما بقي من لحم الأتان فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) واجتمعوا معه (قالوا يا رسول الله إنا كنا أحرمنا) بالعمرة (وكان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حُمر وحش) جمع حمار (فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا فنزلنا) عن مركبنا (فأكلنا من لحمها فقلنا) أي قال بعضنا لبعض أ (نأكل لحم صيد) بتقدير همزة الاستفهام التعجبي كما في رواية البخاري (ونحن محرمون) جملة حالية من فاعل نأكل (فحملنا مما بقي) معنا (من لحمها فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل منكم) من المحرمين (أحد أمره) أي أمر أبا قتادة أن يحمل عليها (أو أشار) له (إليه) أي إلى الحمار (بشيء) من يده أو رأسه أو طرفه (قال) أبو قتادة (قالوا لا) أي ليس منا أحد أمره أو أشار له إليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكلوا) إذن (مما بقي) معكم (من لحمها) فلا بأس عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثه خامسًا فقال:

2737 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ شَيبَانَ. جَمِيعًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. فِي رِوَايَةِ شَيبَانَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيهَا؟ ". وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَال: "أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَدْتُمْ؟ ". قَال شُعْبَةُ: لَا أَدْرِي قَال: "أَعَنْتُمْ" أَوْ "أَصَدْتُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 2737 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي، ثقة، من (11) (حدثنا عبيد الله) بن موسى العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبي معاوية البصري، ثقة، من (7) (جميعًا) أي كل من شعبة وشيبان (عن عثمان بن عبد الله بن موهب بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله عن أبي قتادة (مثله) أي مثل حديث أبي عوانة، غرضه بيان متابعة شعبة وشيبان لأبي عوانة لكن (في رواية شيبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها) أي على الأتان (أو أشار) له (إليها) أي إلى الأتان بتأنيث الضمير (وفي رواية شعبة قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم هل (أشرتم) إليها (أو أعنتم) له، وفي المرقاة: والفرق بين الدلالة والإشارة أن الأولى باللسان والثانية باليد، وقيل الأولى في الغائب والثانية في الحاضر، وقيل كلتاهما بمعنى واحد وهي حرام على المحرم في الحل والحرم، وعلى الحلال في الحرم، ثم في وجوب الجزاء عليه شرائط محلها كتب الفقه اهـ (أو أصدتم) قال النواوي: بتشديد الصاد وتخفيفها، ورُوي صدتم، قال القاضي: روينا بالتخفيف في أصدتم ومعناه أمرتم بالصيد أو جعلتم من يصيده وقيل معناه أشرتم الصيد من موضعه، يقال أصدت الصيد مخففًا أي أشرته، قال وهو أولى من رواية من رواه صدتم أو أصدتم بالتشديد لأنه صلى الله علييه وسلم قد علم أنهم لم يصيدوا وإنما سألوه عما صاده غيرهم والله أعلم اهـ (قال شعبة لا أدرى) ولا أعلم هل (قال) شيخي عثمان بن عبد الله (أعنتم أو) قال (أصدتم) بالتخفيف، شك شعبة أي اللفظين قال عثمان: ولم يشك في قوله أشرتم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه سادسًا فقال:

2738 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثنَا مُعَاويَةُ (وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ) أَخْبَرَني يَحْيَى. أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ؛ أن أَبَاهُ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْحُدَيبِيَةِ. قَال؛ فَأهَلُّوا بِعُمْرَةٍ، غَيرِي. قَال: فَاصْطَدْتُ حِمَارَ وَحْشٍ. فَأَطْعَمْتُ أَصْحَابِي وَهُمْ مُحْرِمُونَ. ثُمَّ أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأنْبَأْتُهُ أن عِنْدَنَا مِنْ لَحْمِهِ فَاضِلَةً. فَقَال: "كُلُوهُ" وَهُمْ مُحْرِمُونَ. 2739 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2738 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان البكري البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معاوية وهو ابن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي، ثقة، من (7) (أخبرني يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (أخبرني عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري المدني، ثقة، من (3) (أن أباه) أبا قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري المدني (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لعثمان بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن أبي قتادة (أخبره) أي أخبر لعبد الله (أنه) أي أن أبا قتادة (غزا) وجاهد (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الحديبية) سنة ست أو خمس (قال) أبو قتادة (فأهلوا) أي فأهل أصحابي ورفقتي (بعمرة غيري) أي إلا أنا فإني ما أهللت (قال) أبو قتادة (فاصطدت حمار وحش فأطعمت أصحابي) أي رفقتي من لحمه (وهم محرمون) جملة حالية (ثم) بعد ما أطعمتهم (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أدركته (فأنبأته) صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبر ما جرى بيننا ثم أخبرته (أن عندنا من لحمه) بقية (فاضلة) عنا بعدما أكلنا (فقال) لي هات ما عندك فسلمتها إليه فقال لمن عنده (كلوه) أي كلوا هذا اللحم فأكلوه (وهم محرمون). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة سابعًا رضي الله عنه فقال: 2739 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) نسبة إلى ضبة

حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ سُلَيمَانَ النُّمَيرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه؛ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلٌّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَقَال: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيءٌ؟ " قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ. قَال: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأكَلَهَا. 2740 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو الأَحْوَصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الضاد وتشديد الباء المفتوحة بن أن بن طابخة أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) مات سنة (245) (حدثنا فضيل بن سليمان النميري) بالنون مصغرًا أبو سليمان البصري، قال في التقريب: صدوق له خطأ كثير، من (8) مات سنة (183) (حدثنا أبو حازم) سلمة بن دينار التمار الأعرج المدني مولى الأسود بن سفيان، ثقة عابد، من (5) مات في خلافة المنصور (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم ليحيى بن أبي كثير (أنهم) أي أن الصحابة (خرجوا) من المدينة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم محرمون وأبو قتادة محل) أي غير محرم، ويقال له حلال كما يقال للمحرم حرام (وساق) أي ذكر أبو حازم (الحديث) السابق بمثل حديث يحيى بن أبي كثير (وفيه) أي وفي المثل الذي ساقه أبو حازم ذكر أبو حازم لفظة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل معكم منه) أي من لحم الحمار (شيء) أي بقية (قالوا) أي قال أبو قتادة وأصحابه (معنا رجله) أي رجل الحمار (قال) أبو قتادة (فأخذها) أي فأخذ تلك الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها) أي فأكل تلك الرجل مع من معه أو أمر بأكلها، وفيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق، وقال عياض: وعندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبًا لقلب من أكل منه بيانًا للجواز بالفعل والقول لإزالة الشبهة التي حصلت لهم اهـ فتح الملهم، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 2740 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص)

ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ وَإِسْحَاقُ، عَنْ جَرِيرٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ. قَال: كَانَ أَبُو قَتَادَةَ فِي نَفَرٍ مُحْرِمِينَ. وَأَبُو قَتَادَة مُحِلٌّ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: قَال: "هَلْ أَشَارَ إِلَيهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيءٍ؟ " قَالُوا: لَا. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "فَكُلُوا". 1 274 - (1169) (89) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة متقن، من (7) مات سنة (179) (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من أبي الأحوص وجرير بن عبد الحميد (عن عبد العزيز بن رفيع) مصغرًا الأسدي أبي عبد الله المكي (عن عبد الله بن أبي قتادة قال) عبد الله (كان) والدي (أبو قتادة في نفر) أي مع نفر وجماعة (محرمين) بالعمرة (وأبو قتادة محل) أي غير محرم، جملة حالية من اسم كان. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز بن رفيع ليحيى بن أبي كثير (واقتص) أي ذكر عبد العزيز (الحديث) السابق الذي رواه يحيى بن أبي كثير بمثله (وفيه) أي ولكن في ذلك المثل الذي ساقه عبد العزيز لفظة (قال) رسول الله صلى اللْه عليه وسلم (هل أشار إليه) أي إلى ذلك الحمار بيده أو برأسه مثلًا (إنسان منكم) أي من المحرمين (أو أمره) أي أمر أبا قتادة إنسان منكم (بشيء) من أسباب الاصطياد (قالوا) أي قال أصحاب أبي قتادة (لا) أي ما وقع منا الإشارة إليه ولا أمره (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن (فكلوا) ما بقي منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث الصعب بن جثامة بحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 2741 - (1169) (89) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري، ثقة، من (9) (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) مات سنة (130) روى عنه في (11) بابا (عن معاذ بن عبد

الرَّحْمَن بْنِ عُثْمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ. فَأُهْدِيَ لَهُ طَيرٌ. وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ. فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ. وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ. فَلَمَّا اسْتَيقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ. وَقَال: أكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرحمن بن عثمان) بن عبيد الله (التيمي) المدني من آل طلحة بن عبيد الله، لأبيه صحبة، ثقة، من (3) قيل له صحبة كأبيه (عن أبيه) عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب القرشي التيمي، ابن أخي طلحة بن عبيد الله الصحابي الجليل رضي الله عنه المدني، أسلم يوم الفتح ويعرف بشارب الذهب، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام، وعن عمه طلحة بن عبيد الله في الحج، ويروي عنه (م د س) وابناه معاذ وعثمان، وانفرد له (م) بحديث، قال ابن بكار: قتل مع ابن الزبير (قال) عبد الرحمن بن عثمان (كنا مع) عمي (طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تميم بن مرة التيمي أبي محمد المدني، أحد العشرة والستة الشورى الصحابي المشهور رضي الله عنه له (38) حديثًا. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد بصري وواحد نسائي، وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة ورواية صحابي عن صحابي؛ أي كنا مع طلحة (ونحن حرم) أي محرمون (فأُهدي له) أي لطلحة (طير) مشوي أو مطبوخ كذا في المرقاة، والمراد بطير إما جنس وكان متعددًا وإما طير كبير كفى جماعة اهـ (وطلحة راقد) أي نائم (فمنا من كل) الطير المهدي له اعتمادًا على الصداقة وتجويزًا للمحرم من لحم الصيد (ومنا من تورع) أي امتنع من الأكل ورعًا؛ أي لم يتوقف جازمًا بالمنع ولكنه تردد وتخوف فتورع، والورع والرعة الانكفاف عما يريب اهـ مفهم أو ظنًّا منه أنه لا يجوز للمحرم أكله (فلما استيقظ) وانتبه (طلحة) من نومه (وفق من أكله) أي صوبه وقال: هو موفق مسدد، قال الشوكاني: ويحتمل أن يكون معناه دعا له بالتوفيق، وفي المشكاة وافق من أكله، قال القاري أي بالقول أو بالفعل (وقال) طلحة (أكلناه) أي أكلنا الصيد (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أكلنا نظيره معه صلى الله عليه وسلم ونحن محرمون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 62]، والنسائي [5/ 182]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث، الأول حديث الصعب بن جثامة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث آخر لابن عباس أيضًا ذكره للاستشهاد به، والرابع حديث أبي قتادة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثماني متابعات، والخامس حديث طلحة بن عبيد الله ذكره للاستشهاد أيضًا والله أعلم. ***

465 - (21) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم

465 - (21) باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم 2742 - (1175) (90) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ عُبَيدَ اللهِ بْنَ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَرْبَعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 465 - (21) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم 2742 - (1170) (90) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) مات سنة (253) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري نسبة إلى تستر اسم بلدة بالأهواز، صدوق، من (10) مات سنة (243) (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) مات سنة (197) (أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي أبو المسور المدني، صدوق، من (7) مات سنة (159) (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي أبي عبد الله المدني ثم المصري، ثقة، من (5) مات سنة (120) (قال) بكير (سمعت عبيد الله بن مقسم) القرشي مولاهم مولى ابن أبي نمر المدني، ثقة، من (4) لم أر من أرخ موته (يقول سمعت القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي أبا محمد المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (3) مات سنة (106) (يقول سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان (تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أربع) من الدواب، وسوغ الابتداء بالنكرة، وصفه بصفة محذوفة كما قدرناه، والتقييد بالأربع وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بهذا الحكم لكنه مفهوم عدد وليس بحجة عند الأكثرين وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون ما قاله صلى الله عليه وسلم أولًا ثم بيّن بعد ذلك أن غير الأربع يشترك معها في الحكم فقد ورد في أكثر طرق عائشة رضي الله تعالى عنها بلفظ خمس، وفي بعضها بلفظ ست أخرجها أبو عوانة في المستخرج من

كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ. يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَارَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فأثبت الخمس المذكورة في سائر الطرق وزاد الحية (كلهن) أي كل واحد منهن (فاسق) أي خارج عن حكم سائر الحيوان يحل قتلهن في الحرم والحل والإحرام لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع بها، ومن ثم اختلف أهل الفتوى فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني ألحق بهن ما لا يؤكل إلا ما نهي عن قتله وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد اهـ فتح الملهم باختصار من الفسق بمعنى الخروج عن الاستقامة، سميت به لخبثهن وإفسادهن (يقتلن في الحل) هو ما عدا الحرم (والحرم الحدأة) بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد وجمعها حدأ كعنبة وعنب وهو طائر خبيث هو أخس الطيور يخطف الأفراخ وصغار أولاد الكلب وربما يخطف ما لا يصلح له إن كان أحمر يظنه لحمًا، ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال إنها لا تخطف إلا من جهة اليمين (والغراب) زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند المؤلف الأبقع وهو الذي في رأسه بقعة بياض لأنه يأكل المستقذرات من الجيف وديدان القمامة، وقال النواوي: هو الذي في بطنه وظهره بياض اهـ، وأنواع الغراب على ما في فتح الباري خمسة: العقعق، قال في القاموس: هو طائر أبيض فيه سواد وبياض يشبه صوته العين والقاف، والأبقع الذي في ظهره أو في بطنه بياض، والغداف وهو المعروف عند أهل اللغة بالأبقع ويقال له غراب البين لأنه بان عن نوح عليه الصلاة والسلام واشتغل بجيفة حين أرسله ليأتي بخبر الأرض، والأعصم وهو الذي في رجله أو جناحه أو بطنه بياض أو حمرة، والزاغ ويقال له غراب الزرع وهو الغراب الصغير الذي يأكل الحب، وفي الفتح: قال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا وكذا استثناه ابن قدامة وما أظن فيه خلافًا، قال أبو يوسف: الغراب المذكور في الحديث هو الغراب الذي يأكل الجيف أو يخالط الجيف إذ هذا النوع هو الذي يبتدئ بالأذى والعقعق ليس في معناه لأنه لا يأكل الجيف ولا يبتدئ بالأذى، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون بالغراب فكانوا إذا نعب مرتين قالوا: آذن بشر، وإذا نعب ثلاثًا قالوا: آذن بخير فأبطل الإسلام ذلك، وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك اهـ فتح الملهم (والفارة) حيوان معروف

وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". قَال: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ: أَفَرَأَيتَ الْحَيَّةَ؟ قَال: تُقْتَلُ بِصُغْرٍ لَهَا. 2743 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يُجمع على فيران (والكلب العقور) أي كثير الافتراس والاعتداء على غيره، قال الحافظ: وفي الكلب بهيمية وسبعية كأنه مركب، وفيه منافع للحراسة والصيد، وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره، وقيل إن أول من اتخذه للحراسة نوح - عليه السلام -، واختلف العلماء في المراد به ها هنا وهل لوصفه بكونه عقورًا مفهوم أو لا؟ فالعقور هو الذي يبتدى بالأذى بلا سبب فهو قيد لا بد منه، وقال الحافظ: واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والماوردي وغيرهما، ووقع في الأم للشافعي الجواز اهـ (قال) عبيد الله بن مقسم (فقلت للقاسم) بن محمد (أفرأيت الحية) أي أخبرني عنها هل تقتل أم لا؟ (قال) القاسم (تقتل) الحية (بصغر لها) بضم الصاد وسكون الغين المعجمة أي تقتل قتلًا ملتبسًا بذلها وإهانتها بأن تتبع ويبحث عن مكانها، وقتلها منصوص عليه في رواية سعيد بن المسيب وغيره، وقد أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزل عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب إذ وثبت علينا حية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتلوها .. " الحديث، قال البخاري: إنما أردنا بهذا أن منى من الحرم وأنهم لم يروا بقتل الحية بأسًا اهـ فتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 259]، والبخاري [3314]، والنسائي [5/ 208]، وابن ماجه [3087]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2743 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي (عن شعبة ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة) بن دعامة (يحدّث عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنَّهُ قَال: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ المخزومي المدني، من (2) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان مدنيان أو ثلاثة بصريون وواحد كوفي، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن المسيب للقاسم بن محمد (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال خمس) بتنوين خمس على أنه مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة تخصصه بصفة وهي (فواسق) وهو غير منصرف لصيغة منتهى الجموع ومعناه مؤذيات، وخبر المبتدإ (يقتلن) أي خمس مؤذيات من الدواب يقتلن (في الحل والحرم) وفي حالة الإحرام وغيرها (الحية والغراب الأبقع والفارة والكلب العقور والحديا) تصغير حدأة قلبت الهمزة بعد ياء التصغير وأدغمت ياء التصغير فيها فصارت حدية ثم حذفت هذه التاء وعوض عنها الألف لدلالتها على التأنيث أيضًا، ويقال إنه تصغير حدإ جمع حدأة وتصغيرها حدياة، وتسمية هذه المذكورات فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة كما علم مما مر، وفي المبارق سميت فواسق لكونها مؤذيات أو لتحريم أكلها كما قال تعالى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} بعد ذكر ما حرم أكله اهـ. وفي المرقاة: أراد بفسقهن خبثهن وكثرة الضرر منهن اهـ وهذه الفواسق الخمس لا ملك لأحد فيها ولا اختصاص لأحد بها كذا نقله الرافعي في كتاب ضمان البهائم عن الشافعي رحمهما الله تعالى وأقره، وعلى هذا فلا يجب ردها على غاصبها ذكره الدميري، قوله (والحديا) الخ بصيغة التصغير، وقد أنكر ثابت في الدلائل هذه الصيغة وقال: الصواب الحديأة والحدية أي بهمزة وزيادة هاء أو بالتشديد بغير همز، قال: والصواب أن الحديا ليس من هذا الباب وإنما هو من التحدي يقولون فلان يتحدى فلانًا أي ينازعه ويغالبه، وعن ابن أبي حاتم أهل الحجاز يقولون لهذا الطائر: الحديا، ويجمعونه على الحدادي وكلاهما خطأ، وأما الأزهري فصوّبه كذا قال الحافظ في بدء الخلق من الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2744 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسق فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". 2745 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 2746 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ زُربعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2744 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير المدني الأسدي (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، غرضه بيان متابعة عروة لمن روى هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس فواسق) أي مؤذيات، مبتدأ وصفته، والخبر قوله (يقتلن في الحرم) أي يقتلها الحلال والمحرم في الحرم وكذا في الحل كما في الرواية قبلها (العقرب) ذكرها بدل الحية المذكورة في الرواية السابقة (والفارة) ولفظ الفارة أصله الهمزة ولكن تبدل ألفًا فرقًا بينها وبين فأرة المسك (والحديا والغراب والكلب العقور). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 2745 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا) عبد الله (ابن نمير حدثنا هشام بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لحماد بن ؤيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2746 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي

حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَارَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". 2747 - (00) (00) وحدَّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَالتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيعٍ. 2748 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، من (7) (عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام (قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس فواسق يقتلن في الحرم) أي في الحرم المكي (الفارة والعقرب والغراب والحديا والكلب العقور). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 2747 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرزاق ليزيد بن زريع (قالت) عائشة (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق) بإضافة خمس إلى فواسق إضافة الموصوف إلى صفته (في الحل والحرم) في حالة الإحرام وفي غيرها (ثم ذكر) عبد الرزاق (بمثل حديث يزيد بن زريع) أي بمماثله لفظًا ومعنى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 2748 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها)

قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَوَاسِقُ. تُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ: الْغُرابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يونس لمعمر في رواية هذا الحديث عن الزهري (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب) بتشديد الموحدة جمع دابة وهو ما دب من الحيوان، وقد أخرج بعضهم منها الطير لقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ} الآية وهذا الحديث يرد عليه فإنه ذكر في الدواب الخمس الغراب والحدأة ويدل على دخول الطير أيضًا عموم قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} اهـ فتح الباري (كلها فواسق) أي مؤذيات أو خارجات عن حكم سائر الحيوان بالأمر بقتلهن (تقتل في الحرم) وكذا في الحل من باب الأولى وهي (الغراب والحدأة والكلب العقور والعقرب والفارة) قال القاضي عياض: وجميع ما اشتملت عليه أحاديث مسلم ستة، وفي غيرها والأفعى، ولم يختلف في قتل جميع هذه المذكورات إلا شذوذًا فعن علي ومجاهد لا يقتل الغراب ولكن يُرمى، وجاء في حديث ما يقتل المحرم ولا يقتل الغراب ولكن يرمى ولم يصح ذلك عن علي، وعن طائفة لا يقتل من الغراب إلا الأبقع، وعن النخعي لا تقتل الفارة وهو خلاف النص، وعن مالك لا تقتل صغار هذه المذكورات في الحديث حتى تكبر لأن صغارها لا تؤذي، وقال أيضًا: لا يقتل المحرم الوزغ وإن قتله .. فداه ولا القرد ولا الخنزير ولا ذوات المخلب من الطير، قال: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم خمس فليس لأحد أن يجعلها ستًّا أو سبعًا، وقيل لا يقصر عليها، وإنما ذكرت الخمس للتنبيه بها على ما يشاركها في علة الإذاية فنبه بالكلب العقور على ما يتعدى بالافتراس، وبالحدأة والغراب على ما في معناهما، وإنما خصا بالذكر لقربهما من الناس ولو وجد ذلك من الرخم والنسر كانت مثلها، وبالفأرة على ما ضرره مثلها أو أشد كالوزغ، وبالعقرب على الزنبور، وبالحية والأفعى على ذوات السموم المهلكة وإلى هذا ذهب ابن القصار وفسر به المذهب وهو مذهب الشافعي إلا أنه جعل العلة حرمة الأكل فتقتل عنده السباع وكل ذي مخلب من الطير كالنسر والبازي والرخم لأن هذه لا تؤكل عنده، ولا يقتل الضبع والثعلب والهر لجواز أكلها عنده، وقال المازري: مالك والشافعي يريان أن يلحق بالخمس ما شاركها في العلة إلا أنهما اختلفا في العلة فجعلها مالك الإذاية وجعلها الشافعي حرمة الأكل. [قلت] ما ذكر عن مالك من الإلحاق خلاف ما تقدم للقاضي عنه وموافق لما فسر به ابن القصار المذهب.

2749 - (1171) (91) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالإِحْرَامِ: الْفَارَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ: "فِي الْحُرُمِ وَالإحْرَامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المازري: اختلف في صغير الأجناس المذكورة في الحديث هل تقتل، وعلى المنع هل فيها الفدية إذا قتلت، قال القاضي عياض: واتفقوا على أن ما أذن في قتله أنه يجوز قتله ابتداء وعلى أن ما لا يقتل عند أحدهم أنه يقتل إذا ابتدأ بالإذاية أو خافه المحرم أنه يقتله ولا فدية إلا عند زفر فمن قتل عنده ما لا يباح قتله ابتداء فداه ولو صال عليه، ووقع لبعض أصحابنا في سباع الطير غير الحدأة والغراب الفدية وإن ابتدأت، والمعروف خلافه، قال مالك: لو تركت كثرت وشأن المحرم يسير، ولم يختلف في قتل الحلال الوزغ في الحرم، وقد أخرج مسلم حديث الأمر بقتلها في آخر الكتاب (قلت) وفي هذا الحديث أن ثواب من قتلها بأول ضربة أكثر من ثواب من قتلها بضربتين وثواب من قتلها بضربتين أكثر من ثواب من قتلها بثلاث، وعن مالك في الذئب أنه لا يقتله المحرم ابتداء وكأنه ضعف افتراسه اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2749 - (1171) (91) (وحدثني زهبر بن حرب) النسائي (و) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن ابن عيينة قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (خمس) من الدواب (لا جناح) أي لا ذنب ولا جزاء (على من قتلهن في) أرض (الحرم و) في حالة (الإحرام الفارة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور، وقال ابن أبي عمر في روايته في الحرم) بضمتين (والإحرام) قال النواوي: اختلفوا في ضبط الحرم هنا فضبطه جماعة من المحققين بفتح الحاء والراء أي في الحرم المشهور وهو حرم مكة، والثاني ضم الحاء والراء وهو جمع حرام؛

2750 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَال: قَالتْ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد به المواضع المحرمة والفتح أظهر، هذا كلامه ومراده بالثاني هو الذي في رواية ابن أبي عمر اهـ ولم يذكر القاضي عياض في المشارق غيره قال: وهو جمع حرام كما قال تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} قال: والمراد به المواضع المحرمة أي المعظمة أي في المواضع المعظمة كمنى ومزدلفة وسائر بقاع مكة وفي حالة الإحرام للنسك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1826]، وأبو داود [1846] والنسائي [5/ 187 - 188]، وابن ماجه [3088]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2750 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني سالم بن عبد الله) بن عمر (أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قالت) لي أختي (حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يونس لابن عيينة ولكن في هذا السند روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة، وفي الأول بلا واسطة فيكون من مرسل الصحابي فلا يضر إرساله فيكون في حكم المرفوع كما يدل عليه ما سيأتي من رواية نافع عنه. (تنبيه) قوله حدثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: قالت حفصة الخ وقد تقدم أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قال الحافظ: وظهر بهذا أن لابن وهب عنه عن الزهري فيه إسنادين سالم عن أبيه عن حفصة وعروة عن عائشة، وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة ولكن طريق الزهري عن عروة رواها أيضًا معمر كما سبق قريبًا في الباب، ورواها أيضًا شعيب بن أبي حمزة عند أحمد، وأبان بن صالح عند النسائي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد تابع

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَاسِقٌ. لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". 2751 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ جُبَيرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ؟ فَقَال: أَخْبَرَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهري عن عروة هشام بن عروة عند مسلم كما تقدم اهـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب) جمع دابة وهو ما دب من الحيوان على الأرض من غير فرق بين الطيور وغيرها، ومن أخرج الطير من الدواب فحديث الباب من جملة ما يرد به عليه كلها فاسق) أي مؤذ (لا حرج) أي لا باس ولا إثم، قال ابن الأثير: أصل الحرج الضيق، ويطلق على الإثم والحرام (على من قتلهن) وهي (العقرب) يطلق على الذكر والأنثى (والغراب والحدأة والفارة والكلب العقور) أي العاقر أي كثير الافتراس والعقر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2751 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أيواب (حدثنا زيد بن جبير) بن حرمل بفتح المهملة وسكون الراء الطائي الجشمي من بني جشم ابن معاوية الكوفي، روى عن ابن عمر في الحج وجماعة، ويروي عنه (ع) وزهير بن معاوية وأبو عوانة، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: ثقة ليس بتابعي في عداد الشيوخ، وقال النسائي: ليس به باس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، له ستة أحاديث (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه. قال الحافظ: وقد خالف زيد بن جبير نافعًا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين ابن عمرو وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ووافق سالمًا إلا أن زيدًا أبهمها وسالمًا سماها اهـ (سأل ابن عمر مما يقتل المحرم من الدواب فقال) له ابن عمر (أخبرتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الرواية التالية حدثتني الخ أراد بها شقيقته حفصة رضي الله تعالى عنها كما جاء في الرواية السابقة (أنه) صلى الله

أَمَرَ أَوْ أُمِرَ أَنْ يُقْتَلَ الْفَارَةُ، وَالْعَقْرَبُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ. 2752 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: سَألَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنَ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَال: حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَارَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ. قَال: وَفِي الصَّلاةِ أَيضًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (أمر) بالبناء للمعلوم (أو) قالت حفصة أنه أي أن الشأن والحال والشك من ابن عمر أو ممن دونه (أُمر) بالبناء للمجهول أي أمر من جهة الشارع (أن يقتل) بالتذكير والتأنيث معلومًا ومجهولًا على أن يكون الأول للأول، والثاني للثاني بعكس مقتضى صيغتي أمر وأُمر فإن أمر بصيغة المعلوم يطلب الثاني منهما أعني المؤنث المجهول وأُمر بصيغة المجهول يطلب الأول منهما أعني المذكر المعلوم، وقوله (الفارة والعقرب والحدأة والكلب العقور والغراب) معرب على حسب عامله اهـ من بعض الهوامش. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة زيد بن جبير لسالم في رواية هذا الحديث عن ابن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2752 - (00) (00) (حدثنا شببان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن زيد بن جبير قال سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل) أي أي شيء يجوز للمحرم قتله (من الدواب) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي عوانة لزهير بن معاوية (وهو محرم) أي والحال أنه ملتبس بالإحرام (قال) ابن عمر في جوابه (حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (كان يأمر بقتل الكلب العقور والفارة والعقرب والحديا والغراب والحية قال) ابن عمر (و) أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحية (في) حالة (الصلاة أيضًا) أي كما أمر بقتلها في غير الصلاة فلا يأثم من باشر قتلها فيها لأنه أمر مأذون فيه وإن فسدت صلاته إذا حصل العمل الكثير أو الانحراف عن القبلة على القول المصحَّح في الفقه، ونبه بقوله ولو في الصلاة على قتل

2753 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، لَيسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". 2754 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيج. قَال: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَاذَا سَمِعْتَ ابْنَ عُمَرَ يُحِلُّ لِلْحَرَام قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ؟ فَقَال لِي نَافِعٌ: قَال عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكورات في جميع الأحوال، قال الحافظ: ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديثه فقال: 2753 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة نافع لسالم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس) بالتنوين، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله (من الدواب) وقوله (ليس على المحرم) وعلى الحلال (في قتلهن جناح) أي ذنب ولا فداء، خبر المبتدإ، وقوله (الغراب) بدل من خمس بدل تفصيل من مجمل، وقوله (والحدأة والعقرب والفارة والكلب العقور) معطوفات على الغراب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثه فقال: 2754 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى المعروف بالحفال (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (حدثنا) عبد الملك (بن جريج قال قلت لنافع ماذا سمعت ابن عمر) أي أي شيء سمعت من ابن عمر (يُحل للحرام) أي للمحرم أولمن في الحرم (قتله من الدواب فقال لي نافع قال عبد الله) بن عمر رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمالك (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خمس من الدواب لا

جُنَاحَ، عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ، فِي قَتْلِهِنَّ: الغُرابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". 2755 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحِ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ) جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي أبُو كَامِلٍ. حَدَّثنَا حَمَّادٌ. حَدَّثنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جناح) أي لا ذنب ولا فداء (على من قتلهن في قتلهن) وقوله (الغراب) وما بعده بدل من خمس (والحدأة والعقرب والفارة والكلب العقور). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2755 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة) بن سعيد (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر (عن الليث بن سعدح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير يعني ابن حازم) الأزدي البصري، ثقة، من (6) (جميعًا) أي كل من ليث وجرير (عن نافع) وهذان السندان من رباعياته (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (جميعًا) أي كل من ابن مسهر وابن نمير رويا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي العمري المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثني أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري، ثقة، من (5) (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (كل هولاء) الثلاثة من عبيد الله وأيوب ويحيى بن سعيد رووا (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذه الأسانيد الثلاثة من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك وابن جريج في الرواية عن نافع كما سيصرحه قريبًا بعد كلمتين (عن

النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَابْنِ جُرَيجٍ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إلا ابْنُ جُرَيجٍ وَحْدَهُ. وَقَدْ تَابَعَ ابْنَ جُرَيجٍ، عَلَى ذلِكَ، ابْنُ إِسْحَاقَ. 2756 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ فَضْلُ بْنُ سَهْلٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ وَعُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك وابن جريج ولم يقل أحد منهم) أي من هؤلاء الخمسة الذين رووا (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) أي لم يقل أحد منهم قول ابن عمر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن جريج وحده) وأما ابن جريج فصرح قول ابن عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال فيما تقدم قلت لنافع: ماذا سمعت ابن عمر يحل للحرام الخ فقال في آخره: قال عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم (وقد تابع ابن جريج) بالنصب على المفعولية (على ذلك) أي على تصريح سماع عبد الله (ابن إسحاق) بالرفع على الفاعلية أي تابعه محمد بن إسحاق في تصريحه في السند المذكور بعد هذا، قال الحافظ رحمه الله تعالى: (قوله ولم يقل أحد منهم عن نافع عن ابن عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) فالظاهر أن ابن عمر سمعه من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه أيضًا من النبي صلى الله عليه وسلم يحدّث به حين سئل عنه، والظاهر أن المبهمة في رواية زيد بن جبير هي حفصة، ويحتمل أن تكون عائشة، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأسقط حفصة من الإسناد والصواب إثباتها في رواية سالم والله أعلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2756 - (00) (00) (وحدثنيه فضل بن سهل) بن إبراهيم الأعرج أبو العباس البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب، مات سنة (255) (حدثنا يزيد بن هارون) السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني صاحب المغازي، صدوق، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن نافع وعبيد الله بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، شقيق سالم، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة

قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَمْسٌ لَا جُنَاحَ فِي قَتْلِ مَا قُتِلَ مِنْهُنَّ فِي الْحَرَمِ" فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 2757 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لاخَمْسٌ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ حَرَامٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ فِيهِنَّ: الْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ، وَالحُدَيَّا". (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى) ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن إسحاق لابن جريج ومالك في الرواية عن نافع (قال) ابن عمر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خمس لا جناح في قتل ما قتل منهن في الحرم) وكذا في الحل من باب أولى (فذكر) محمد بن إسحاق (بمثله) أي بمثل حديث ابن جريج المذكور سابقًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2757 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) (قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني (أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن دينار لمن روى عن ابن عمر (خمس) من الدواب (من قتلهن وهو حرام) أي والحال أنه محرم (فلا جناح عليه فيهن) أي في قتلهن (العقرب والفارة والكلب العقور والغراب والحديا واللفظ) المذكور هنا (ليحيى بن يحيى) التميمي، وأما غيره فرووا معنى هذا الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه ست متابعات والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثماني متابعات والله أعلم.

466 - (22) باب جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها

466 - (22) باب: جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى، ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها 2758 - (1172) (92) وحدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زيدٍ) عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِي أبُو الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه. قَال: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيبِيَةِ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ (قَال الْقَوَارِيرِيُّ: قِدْرٍ لِي. وَقَال أَبُو الرَّبِيعِ: بُرْمَةٍ لِي) ـــــــــــــــــــــــــــــ 466 - (22) باب جواز حلق المحرم رأسه إذا كان به أذى ووجوب الفدية عليه وبيان قدرها 2758 - (1172) (92) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) (ح وحدثني أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد (حدثنا أيوب) السختياني (قال) أيوب (سمعت مجاهدًا) ابن جبر المكي المخزومي مولاهم المفسر (يحدّث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي المدني، ثقة، من (2) (عن كعب بن عجرة) بن أمية الأنصاري المدني الصحابي المشهور (رضي الله عنه) من أصحاب الشجرة، له (47) حديثًا، روى عنه المؤلف في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي (قال أتى عليّ) أي مر عليّ (رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا) جالس (أوقد) أي أشعل النار (تحت قال القواريري) في روايته في ذكر المضاف إليه تحت (قدر لي وقال أبو الربيع) تحت (برمة لي) فقوله تحت مضاف إلى قوله قدر حال بينه وبين ما أضيف إليه ما ميزناه بين هلالين في المتن أعني قوله، قال القواريري: وهو مع ما بعده لبيان اختلاف الراويين في تعيين قول كعب بن عجرة هل قال تحت قدر لي، أو قال تحت برمة لي، والقدر آنية يطبخ فيها والبرمة مثلها، قال ابن الأثير: البرمة القدر مطلقًا، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن، وقال بعض الفقهاء في باب السلم: القدر آنية يطبخ فيها مطلقًا سواء كانت من نحاس أو رصاص أو حديد أو طين مشوي، والبرمة

وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي. فَقَال: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ " قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "فَاحْلِقْ. وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيامِ. أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ. أَو انْسُكْ نَسِيكَةً". قَال أَيوبُ: فَلَا أَدْرِي بِأَيِّ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ القدر المنحوتة من الصخر الكبار ضيقة الفم واسعة الجوف حتى يمكنه طبخ الثور الواحد أو الجمل فيها اهـ من الكتب الفقهية فراجعها إن شئت (والقمل) أي والحال أن القمل (يتناثر) أي يتساقط من رأسي متفرقة (على وجهي) وفي بعض الروايات الآتية في الباب (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به) وفي بعضها (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه) وفي بعضها (فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي بعضها (فأتيته) والجمع بين هذا الاختلاف بان يقال مر به أولًا وهو يوقد تحت قدر له فرآه على تلك الصورة رؤية إجمالية عن بعد يسير، وقال: أيؤذيك هوام رأسك هذه لكنه لم يقدر قدر ما بلغ به من الوجع الأليم ثم بلغه ما هو فيه من البلاء وشدة الأذى فأرسل إليه واستدعى به إليه حتى أتاه محمولًا فاستدناه فدنى كما في رواية ابن عون وحك رأسه بإصبعه الكريمة كما في رواية أبي وائل عند الطبري فخاطبه وقال له: ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى ودعا الحلاق فحلق رأسه بحضرته صلى الله عليه وسلم فنقل بعض الرواة ما لم ينقله الآخر، والله أعلم اهـ فتح الملهم (فقال) له صلى الله عليه وسلم (أيوذيك) أي هل يؤذيك ويؤلمك (هوام رأسك) يعني القمل، قال القرطبي: هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم فلما أخبره بالمشقة التي تألمه خفف عنه، والهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبًا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل كذا في أبواب الحج من الفتح، وفي موضع آخر منه الهوام اسم للحشرات لأنها تهم أن تدب، وإذا أضيفت إلى الرأس اختصت بالقمل، وفي المرقاة: الهوام جمع هامة بتشديد الميم كدواب جمع دابة؛ وهي الدابة التي تسير على السكون كالنمل والقمل، والسامة كل ذات سم يقتل كالعقرب والزنبور كما في حديث (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل سامة وهامة) (قال) كعب (قلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) يؤذيني (قال) له صلى الله عليه وسلم: إذن (فاحلق) شعر رأسك (وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين) لئلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع (أو انسك نسيكة) أي اذبح ذبيحة تجزئ في الأضحية (قال أيوب) السختياني بالسند السابق (فلا أدري) ولا أعلم (بأي) شيء من (ذلك)

بَدَأَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور من الأنواع الثلاثة (بدأ) مجاهد حينما حدثني، قال ملا علي: والأمر في قوله (فاحلق) للإباحة والأمر بالفدية للوجوب اهـ ووجه كون الأمر بالحلق للإباحة قيام قرينة دالة على عدم الوجوب وهي أن مشقة ذلك راجعة إلى نفسه وإلا فالأمر المطلق عن القرينة للوجوب، ولو ورد بعد الحظر كما هنا فإن الحلق كان من محظورات الإحرام، وقوله (وصم ثلاثة أيام) قال ابن التين وغيره: جعل الشارع هنا صوم يوم معادلًا بصاع، وفي الفطر من رمضان عدل مد وكذا في الظهار والجماع في رمضان، وفي كفارة اليمين بثلاثة أمداد وثلث، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات اهـ (أو أطعم ستة مساكين) ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع (أو انسك نسيكة) أي اذبح ذبيحة، والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص لكن الصوم يجوز في أي موضع كان، والذبح مختص بالحرم بالاتفاق، وأما الإطعام فغير مختص بمكة عند الأحناف خلافًا للشافعي اهـ ابن الملك. ثم إن الحديث كما في المرقاة تفسير لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وأو للتخيير فيهما اهـ وهي الآية التي قال عنها كعب: في أنزلت، وقال في فتح الملهم: وسياق هذه الرواية موافق للآية قال البخاري: وقد خيّر النبي صلى الله عليه وسلم كعبًا في الفدية، ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ما كان في القرآن من لفظة أو فصاحبه بالخيار، قال الحافظ: وأقرب ما وقفت عليه من طرق حديث الباب إلى التصريح بالتخيير ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم" الحديث وفي رواية مالك في الموطإ عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث أي ذلك فعلت أجزأ اهـ، قال القرطبي: وقد تبين بمجموع روايات هذا الحديث أنه كان محرمًا، وأنه لما أباح له الحلق أعلمه بما يترتب عليه من الفدية، وأنها ثلاثة أنواع مخير بينها وأن الصيام ثلاثة أيام، وأن الإطعام لستة مساكين مدين مدين لكل مسكين، وأن النسك شاة فصار هذا الحديث مفسرًا لما في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} الآية من مجمل وصار هذا الحديث مع الآية أصلًا في أن المحرم إذا استباح شيئًا من ممنوعات الإحرام التي لا تفسده فانتفع بذلك لزمته الفدية، قال أحمد بن صالح: حديث كعب بن

2759 - (00) حدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَيعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عنْ أَيُّوبَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 2760 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه. قَال: فِيَّ أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عجرة معمول به عند الجميع اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 241]، والبخاري [1817]، والترمذي [2974]، والنسائي [5/ 194]، وابن ماجه [3080]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: 2759 - (00) (00) (حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (وزهير بن حرب) النسائي (ويعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي البغدادي (جميعًا) أي كل من الثلاثة (عن) إسماعيل (ابن علية) البصري (عن أيوب) السختياني (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور يعني عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب (بمثله) أي روى ابن علية عن أيوب بمثل ما روى حماد بن زيد عن أيوب، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن علية لحماد بن زيد في الرواية عن أيوب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: 2760 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد (ابن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبي عون البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن مجاهد) بن جبر المخزومي المكي (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني (عن كعب بن عجرة) الأنصاري المدني (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني في رواية هذا الحديث عن مجاهد (قال) كعب (فيّ) أي في نفسي خاصة، وهي لكم عامة كما في بعض الروايات (أنزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى

{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قَال: فَأتَيتُهُ. فَقَال: "ادْنُهْ" فَدَنَوْتُ. فَقَال: "ادْنُهْ" فَدَنَوْتُ. فَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ ". قَال ابْنُ عَوْنٍ: وَأَظُنُّهُ قَال: نَعَمْ. قَال: فَأَمَرَنِي بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامِ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، مَا تَيَسَّرَ. 2761 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سيفٌ. قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ({فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}) فحلق بسبب الأذى ({فـ}) عليه {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ}) ثلاثة أيام ({أَوْ صَدَقَةٍ}) لثلاثة آصع على ستة مساكين ({أَوْ نُسُكٍ}) أي ذبيحة مما يجزئ من الأضحية (قال) كعب (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (فقال) لي (ادنه) أي اقرب إليّ كذا بهاء السكت أمر من الدنو وهو القرب، قال كعب (فدنوت) أي فقربت إليه صلى الله عليه وسلم (فقال) صلى الله عليه وسلم (ادنه) أيضًا، قال كعب (فدنوت) أي فبالغت في القرب إليه (فقال صلى الله عليه وسلم) لي (أيؤذيك) أي هل يؤلمك (هوامك) أي هوام رأسك هذه (قال ابن عون) بالسند السابق (وأظنه) أي وأظن مجاهدًا قال عندما حدثني بهذا الحديث (قال) كعب للنبي صلى الله عليه وسلم (نعم) يؤذيني يا رسول الله (قال) كعب (فأمرني) صلى الله عليه وسلم (بفدية) أي بضمان بدل شعري (من صيام أو صدقة أو نسك) وقوله (ما تيسر) من هذه الثلاثة بدل من فدية أي أمرني بضمان ما تيسر منها، أو عامله محذوف تقديره أمرني بفدية ما ذكر، وأمرني أن أفعل ما تيسر عليّ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: 2761 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي، قال (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سيف) بن سليمان المخزومي مولاهم المكي نزيل البصرة، وثقه القطان والنسائي، وقال في التقريب: ثقة ثبت، رمي بالقدر، من (6) قال ابن معين: مات سنة (151) روى عنه في (5) أبواب، وليس في مسلم من اسمه سيف إلا هذا الثقة (قال) سيف بن سليمان (سمعت مجاهدًا يقول حدثني عبد الرحمن

ابْنُ أَبِي لَيلَى. حَدَّثَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيهِ وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلًا. فَقَال: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ" قَال: فَفِيَّ نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صُمْ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ. أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَينَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ. أَو انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أبي ليلى حدثني كعب بن عجرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سيف بن سليمان لابن عون (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه) أي على كعب (ورأسه) أي والحال أن رأس كعب (يتهافت) أي يتساقط شيئًا فشيئًا على وجهه (قملًا) تمييز محول عن الفاعل، قال الفيومي: وتهافت الفَرَاش في النار من ذلك إذا تطاير إليها، وتهافت الناس على الماء ازدحموا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيؤذيك هوامك قلت نعم قال فاحلق رأسك) أي شعره (قال) كعب (ففي) خاصة ولكم عامة (نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام) فيه أن السنة مبينة بمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة، وفيه تحريم حلق الرأس على المحرم والرخصة في حلقه إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع (أو تصدق) أي اقسم (بفَرَق) بفتح الفاء والراء وقد تسكن قاله ابن فارس، وقال الأزهري: وكلام العرب بالفتح، والمحدثون قد يسكنونه وآخره قاف، وفي القاموس: الفرق مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع، ويُحرّك أو هو أفصح أو يسع ستة عشر رطلًا، وهذا الترديد بأو يدل على أن بين المعنيين فرقًا فلا يستلزم كونه ثلاثة آصع كونه ستة عشر رطلًا حتى يتفرع عليه أن الصاع خمسة أرطال وثلث كما زعمه الحافظ والله أعلم، وتقدم البحث في الصاع والمد مبسوطًا في كتاب الطهارة فليراجع اهـ فتح الملهم (بين ستة مساكين) لكل مسكين نصف صاع (أو انسك) أي اذبح، يقال نسك ينسك بضم السين وكسرها في المضارع والضم أشهر أي اذبح ذبيحة مما يجزئ في الأضحية أي اختر بين الخصال الثلاثة، وافعل (ما تيسر) لك منها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث كعب رضي الله عنه فقال:

2762 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَأَيُّوبَ وَحُمَيدٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ. عَنِ ابْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ بِالْحُدَيبِيَةِ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ. فَقَال: "أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ هذِهِ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ، وَأَطْعِمْ فَرَقًا بَينَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ. (وَالْفَرَقُ ثَلاثةُ آصُعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 2762 - (00) (00) (وحدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة المكي الكوفي (عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار المكي أبي يسار الثقفي مولاهم، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (وأيوب) بن عائذ بن مدلج البحتري بموحدة ومثناة مضمومتين بينهما مهملة ساكنة الكوفي، رُمي بالإرجاء، ثقة، من (6) روى عنه في الصلاة والحج (وحميد) بن قيس الأعرج المكي القرشي مولاهم مولى بني أسد بن عبد العزى أبي صفوان القارئ، روى عن مجاهد في الحج، وسليمان بن عتيق في البيوع، وعكرمة وطائفة، ويروي عنه (ع) وابن عيينة ومعمر ومالك والثوري وخلق، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وكان قارئ أهل مكة، وقال أحمد: ثقة، وقال في التقريب: ليس به باس من السادسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (وعبد الكريم) بن مالك الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان أبي سعيد الجزري، ثقة، من (6) مات سنة (127) روى عنه في (4) أبواب كل من الأربعة رووا (عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لسيف بن سليمان في الرواية عن مجاهد بن جبر (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به) أي مر على كعب (وهو) أي والحال أن كعبًا (بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم وهو يوقد تحت قدر) له (والقمل يتهافت) أي يتساقط من رأسه (على وجهه) شيئًا فشيئًا (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيوذيك) أي هل يؤذيك ويؤلمك (هوامك هذه قال) كعب (نعم) يؤذيني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاحلق رأسك وأطعم) أي اقسم (فرقًا بين ستة مساكين) وقوله (والفرق ثلاثة آصع) مدرج من كلام الراوي، وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم، عن ابن عيينة فقال فيه: قال سفيان: والفرق ثلاثة آصع فأشعر أن تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضى

أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. أَو انْسُكْ نَسِيكَةً". قَال ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: "أَو اذْبَحْ شَاةً". 2763 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الروايات الأخر، وقوله آصع بالمد جمع صاع، وفي الصاع لغتان التذكير والتأنيث؛ وهو مكيال يسع خمسة أرطال وثلثًا بالبغدادي، وهو من باب المقلوب لأن فاء الكلمة في آصع صاد وعينها واو فقلبت الواو همزة ونقلت إلى موضع الفاء ثم قلبت الهمزة ألفًا حين اجتمعت هي وهمزة الجمع فصار آصعًا ووزنه أَعْفُل، وكذلك القول في آدر جمع دار اهـ نواوي (أو صم ثلاثة أيام أو انسك) من باب نصر أي اذبح (نسيكة) أي ذبيحة (قال) عبد الله (بن أبي نجيح) في روايته بدل ما ذكر (أو اذبح شاة) قال القاضي عياض: ومن تبعه تبعًا لأبي عمر كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرًا فإنما ذكروا شاة وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء. (قلت) يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنه أصابه أذى فحلق فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي بقرة، وللطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت، عن نافع، عن ابن عمر قال: حلق كعب بن عجرة رأسه فأمره صلى اللْه عليه وسلم أن يفتدي فافتدى ببقرة، ولعبد بن حميد من طريق أبي معشر عن نافع، عن ابن عمر قال: افتدى كعب بن عجرة عن أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلَّدها وأشعرها، ولسعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع، عن سليمان بن يسار، قيل لابن كعب بن عجرة: ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه؟ قال: ذبح بقرة، فهذه الطرق كلها تدور على نافع، وقد اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب، وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة، وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري عن أبي هريرة أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه، وهذا أصوب من الذي قبله كذا في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: 2763 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة، من (8)

عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيبِيَةِ. فَقَال لَهُ: "آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ " قَال: نَعَمْ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "احْلِقْ رَأْسَكَ. ثُمَّ اذْبَحْ شَاة نُسُكا. أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. أَوْ أَطْعِمْ ثَلاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ، عَلَى سِتَّةِ مَسَاكينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري، ثقة، من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري، ثقة، من (3) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي قلابة لمجاهد في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به) أي بكعب بن عجرة (زمن) عمرة (الحديبية فقال له) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك (آذاك هوام رأسك) كما في رواية البخاري بزيادة لعل (قال) كعب (نعم) يؤذيني (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم احلق رأسك ثم اذبح شاة) حالة كونها (نسكًا) أي فدية، قال القرطبي: وفي هذا دليل على أنها ليست بهدي وإذا كان كذلك فيجوز أن يذبحها حيث شاء وكذلك الإطعام يخرجه حيث شاء وهو قول مالك وغيره، ولم يختلف قول الشافعي في أن الدم والإطعام لا يكون إلا بمكة، واختلف فيه قول أبي حنيفة فقال مرة بقول الشافعي، ومرة قال بذلك أن الدم دون الإطعام، ولم يختلف في الصيام أنه يفعله حيث شاء اهـ من المفهم (أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين) أي لكل مسكين نصف صاع من التمر، قال الحافظ: ولأحمد عن تمر عن شعبة نصف صاع طعام، ولبشر بن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة، ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال: يطعم فرقًا من زبيب بين ستة مساكين، قال ابن حزم: لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد (قلت) المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام، والاختلاف عليه في كونه تمرًا أو حنطة لعله من تصرف الرواة، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة ولم يختلف فيه على أبي قلابة، وكذلك أخرجه الطبري من طريق

2764 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ. قَال: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبٍ رضي الله عنه، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. فَسَألْتُهُ عَنْ هذِهِ الآيَةِ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]؟ فَقَال كَعْبٌ رضي الله عنه: نَزَلَتْ فِيَّ. كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأسِي. فَحُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعبي عن كعب بن عجرة وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني، وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديثه فقال: 2764 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن) عبد الله (الأصبهاني) أصلًا الكوفي وطنًا الجهني، روى عن عبد الله بن معقل في الحج، وأبي صالح السمان فيمن مات له ثلاثة، وأبي حازم سلمان الأشجعي، ويروي عنه (ع) وشعبة وزكرياء بن أبي زائدة وأبو عوانة وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: لا باس به صالح الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات في إمارة خالد بن عبد الله على العراق (عن عبد الله بن معقل) بن مقرن المزني أبي الوليد الكوفي، قال العجلي: تابعي كوفي، ثقة، من خيار التابعين، وقال في التقريب: ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (قال) ابن معقل (قعدت إلى كعب رضي الله عنه) أي جلست عند كعب بن عجرة (وهو في المسجد) يعني مسجد الكوفة، وفيه الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم فيه والاعتناء بسبب النزول لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن اهـ فتح الملهم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن معقل لعبد الرحمن بن أبي ليلى في رواية هذا الحديث عن كعب بن عجرة (فسألته عن هذه الآية) أي عن الفدية المذكورة في هذه الآية يعني قوله تعالى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، فقال كعب رضي الله عنه نزلت) هذه الآية (فيّ) خاصة وذلك أنه (كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد تقدم لك في أوائل الحديث بيان كيفية الجمع بين الروايات المتعارضة فجدد

وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي. فَقَال: "مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى أتجِدُ شَاةً؟ " فَقُلْتُ: لَا. فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. قَال: صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ، طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ. قَال: فَنَزَلَتْ فِي خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً. 2765 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العهد به (والقمل) أي والحال أن القمل (يتناثر) أي يتساقط من رأسي (على وجهي) شيئًا فشيئًا (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما كنت أرى) بضم الهمزة أي أظن (أن الجهد) والمشقة (بلغ منك ما أرى) الآن بفتح الهمزة أي أبصر، قال الحافظ: أُرى الأولى بضم الهمزة أي أظن، وأَرى الثانية بفتح الهمزة من الرؤية، والجهد بالفتح المشقة، قال النووي: والجهد لغة في المشقة أيضًا وكذا حكاه عياض عن ابن دريد، وقال صاحب العين بالضم الطاقة، وبالفتح المشقة فيتعين هنا الفتح بخلاف لفظ الجهد السابق في حديث بدء الوحي حيث قال: حتى بلغ مني الجهد فإنه محتمل للمعنيين اهـ (أتجد شاة) أي هل تجد شاة تذبح (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) أجدها يا رسول الله، قال الدهلوي: ظاهره تقديم النسك، وقد تقدم الكلام فيه قريبًا فليراجع اهـ، قال كعب (فنزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى ({فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}) ثم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم فإذن عليك (صوم ثلاثة أيام أو اطعام) أي تمليك (ستة مساكين) ثلاثة آصع تعطي (نصف صاع طعامًا) تمييز أو حال أي حَبًّا لا دقيقًا أو خبزًا مثلًا (لكل مسكين) منهم (قال) كعب (فنزلت) هذه الآية (فيّ خاصة وهي لكم) أيها المسلمون (عامة) وفيه دليل على أن العام إذا ورد على سبب خاص فهو على عمومه لا يخص السبب اهـ قسطلاني يعني أنه من باب خصوص السبب وعموم اللفظ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فقال: 2765 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (عن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي،

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَصْبَهَانِيِّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَعْقِلٍ. حَدَّثَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا فَقَمِلَ رَأسُهُ وَلحْيَتُهُ. فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِ. فَدَعَا الْحَلَّاقَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ. ثُمَّ قَال لَهُ: "هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ؟ " قَال: مَا أَقْدِرُ عَلَيهِ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينَينِ صَاعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (6) (حدثنا عبد الرحمن بن) عبد الله (الأصبهاني) الأصل الكوفي الجهني (حدثني عبد الله بن معقل) المزني الكوفي (حدثني كعب بن عجرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة زكرياء بن أبي زائدة لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن ابن الأصبهاني (أنه) أي أن كعبًا (خرج) من المدينة (مع النبي صلى الله عليه وسلم) عام الحديبية (محرمًا) للعمرة (فقمل) من باب فرح (رأسه ولحيته) أي كثر قملها، ولأحمد وسعيد بن منصور في رواية أبي قلابة قملت حتى ظننت أن كل شعرة من رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها، زاد سعيد: وكنت حسن الشعر. ولأحمد من وجه آخر: وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليّ فدعاني فلما رآني قال: "لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر ادع إليّ الحجام" فحلقني. ولأبي داود من طريق الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى عن كعب أصابتني هوام حتى تخوفت على بصري، وفي رواية أبي وائل عن كعب عند الطبري فحك رأسي بأصبعه فانتثرت منه القمل (فبلغ ذلك) الأذى الذي أصابه (النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه) النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه (فدعا) النبي صلى الله عليه وسلم (الحلاق فحلق رأسه ثم قال له) النبي صلى الله عليه وسلم (هل عندك نسك) أي ذبيحة (قال) له كعب (ما أقدر عليه) أي على النسك يا رسول الله، وليس المراد بهذا السؤال أن الصوم لا يجزئ إلا لعادم النسك بل هو محمول على أنه سأل عن النسك فإن وجده أخبره بأنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام وإن عدمه فهو مخير بين الصيام والإطعام اهـ نواوي (فأمره) النبي صلى الله ضليه وسلم (أن يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين) ثلاثة آصع (لكل مسكينين) بصيغة التثنية (صاع) وأحد بالتناصف، قال الحافظ: وما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكرياء عن ابن الأصبهاني (أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين) بالإفراد (صاع) فهو تحريف ممن دون مسلم والصواب ما في

فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ خَاصَّةً: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196]. ثُمَّ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ النسخ الصحيحة لكل مسكينين بالتثنية، وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن ابن الأصبهاني على الصواب اهـ (فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيه خاصة {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} قال عياض: ظاهره أن النزول بعد الحكم، وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم قال: فيحتمل أن يكون حكم عليه بالكفارة بوحي لا يُتلى ثم نزل القرآن ببيان ذلك. (قلت) وهو يؤيد الجمع المتقدم اهـ (ثم كانت) الآية (للمسلمين عامة) من باب خصوص السبب وعموم الحكم كما مر قريبًا. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث كعب بن عجرة ذكره للاستدلال وذكر فيه سبع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

467 - (23) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه

467 - (23) باب: جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه 2766 - (1173) (93) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. 2767 - (1174) (94) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 467 - (23) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب وجواز غسل بدنه ورأسه 2766 - (1173) (93) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران) يعني أبا بكر وزهيرًا (حدثنا سفيان بن عيينة) الأعور الهلالي الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (وعطاء) بن أبي رباح المكي كلاهما (عن ابن عباس رضي الله عنهما) الهاشمي الطائفي. وهذا السند من خماسياته، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم) قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء في جواز الحجامة للمحرم حيث كانت من رأس أو جسد للضرورة، وأما لغير الضرورة في جسده حيث لا يحلق شعرًا فجمهورهم على جوازه، ومالك يمنعه، واتفقوا على أنه إذا احتجم برأسه فحلق لها شعرًا أنه يفتدى وجمهورهم على أن حكم شعر الجسد كذلك إلا داود فإنه لا يرى في حلق شعر الجسد لضرورة الحجامة دمًا، والحسن يوجب عليه الدم بالحجامة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 215]، والبخاري [1939]، وأبو داود [2372]، والترمذي [777]، وابن ماجه [1672]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث ابن بحينة رضي الله عنهم فقال: 2767 - (1174) (94) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا المعلى بن

مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَسَطَ رَأْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منصور) الحنفي أبو يعلى البغدادي، ثقة، من (10) مات سنة (211) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي أبو محمد المدني، ثقة، من (8) مات سنة (177) روى عنه في (13) بابا (عن علقمة بن أبي علقمة) بلال التيمي مولاهم مولى عائشة المدني، وهو علقمة ابن أم علقمة، واسمها مرجانة، روى عن الأعرج في الحج، وأنس وابن المسيب، ويروي عنه (ع) وسليمان بن بلال في الحج، ومالك، وثقه ابن معين وأبو داود والنسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة علامة، من الخامسة، وكان أديبًا نحويًّا، قال ابن سعد: مات في أول خلافة المنصور سنة بضع وثلاثين ومائة (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن) عبد الله بن مالك بن جندب الأزدي الأسدي أبي محمد المدني المعروف بـ (ابن بحينة) مصغرًا اسم أمه الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بغدادي وواحد كوفي، وفيه التحديث والعنعنة (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم) قال النواوي: هو محمول على الضرورة (بطريق مكة) وفي رواية البخاري (بلحي جمل) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة بعدها مثناة تحتية، وجمل بفتح الجيم والميم اسم موضع بين مكة والمدينة وإلى المدينة أقرب (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (محرم) جملة حالية أي في حجة الوداع كما جزم به الحازمي وغيره (وسط رأسه) بفتح السين متوسطه وهو فوق اليافوخ منه وما بين القرنين، وقد روي في حديث مرفوع (في حجامة وسط الرأس شفاء من النعاس والصداع والأضرس) رواه الطبراني، وفيه عمر بن رباح العبدى وهو متروك كذا في المجمع، قال الليث: وليس في وسطه لكن في فأس الرأس وهو مؤخره، وأما في وسط الرأس فقد يُعمي البصر اهـ من المفهم واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وبط الجرح والدمل وقطع وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نُهي عنه المحرم من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا

2768 - (1175) (95) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنْ نُبَيهِ بْنِ وَهْبٍ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَلَلٍ، اشْتكَى عُمَرُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ عَينَيهِ. فَلَمَّا كُنَّا بِالرَّوْحَاءِ اشْتَدَّ وَجَعُهُ. فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَسْألُهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِ أَنِ اضْمِدْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث البخاري [1836]، والنسائي [5/ 194]، وابن ماجه [3481]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: 2768 - (1175) (95) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب جميعًا عن ابن عيينة قال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي أبو موسى الكوفي، ثقة، من (7) مات سنة (133) روى عنه في (10) أبواب (عن نبيه) مصغرًا (بن وهب) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي المدني، روى عن أبان بن عثمان في الحج والنكاح، وأبي هريرة ومحمد بن الحنفية، ويروي عنه (م عم) وأيوب بن موسى ونافع وسعيد بن أبي هلال وغيرهم، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من صغار الثالثة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة وليس عندهم نبيه إلا هذا (قال) نبيه (خرجنا) من المدينة حاجين (مع أبان بن عثمان) بن عفان الأموي أبي سعيد المدني، روى عن أبيه عثمان رضي الله عنهم في الحج والنكاح، وزيد بن ثابت، ويروي عنه (م عم) ونبيه بن وهب والزهري وأبو الزناد، وثقه العجلي وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (105) خمس ومائة، قال القطان: فقهاء المدينة عشرة منهم أبان (حتى إذا كنا بملل) بفتح الميم وبلامين موضع على ثمانية وعشرين ميلًا من المدينة، وقيل على اثنين وعشرين حكاهما القاضي عياض في المشارق (اشتكى) أي شكى أي ذكر وأخبر لمن معه (عمر بن عبيد الله) بن معمر التيمي المدني (عينيه) أي وجعهما (فلما كنا بالروحاء) موضع معروف بينهما كما مر (اشتد) وزاد (وجعه) أي وجع عيني عمر (فأرسل) عمر بن عبيد الله (إلى أبان بن عثمان) وكان أبان أمير الحجاج في موسم الحج، حالة كون عمر (يسأله) أي يسأل أبان عن علاج عينيه (فأرسل) أبان (إليه) أي إلى عمر (أن اضمدهما)

بِالصَّبِرِ. فَإِنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَينيهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، ضَمَّدَهُمَا بِالصَّبِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي اضمد العينين والطخهما (بالصبِر) بفتح الصاد وكسر الباء ويجوز إسكانها مع كسر الصاد دواء معروف، وأن هذه مفسرة، وقوله (أن اضمدهما) بكسر الميم على صيغة الأمر، والمعنى ضع عليهما بالصبر وداوهما بالاكتحال به، والصبر دواء مر يعصر من ماء شجر المر في الأرميا هرغيس، وأصل الضمد الشد، ويقال للخرقة التي يشد بها العضو المأوف أي المصاب بالآفة ضماد، وفي القاموس الصبر ككتف ولا يسكن إلا في ضرورة الشعر عصارة شجر مر، يقال ضمد الجرح يضمده من باب ضرب، وضمده بالتشديد إذا شده بالضماد وهي العصابة، وقال الطيبي: أصل الضمد الشد، يقال ضمد رأسه وجرحه إذا شده بالضماد وهو خرقة يشد بها العضو المأوف أي المصاب بالآفة، ثم قيل لوضع الدواء على الجرح وغيره وإن لم يشد (فإن) والدي (عثمان) بن عفان (رضي الله عنه حدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل) وكذا المرأة (إذا اشتكى) ومرض (عينيه وهو محرم ضمدهما) بتشديد الميم أي ضمد العينين واكتحلَهما (بالصبر) وقوله ضمدهما بصيغة الماضي مشددًا كذا في المرقاة، وقال النووي: بتخفيف الميم وتشديدها، وقوله اضمدهما جاء على لغة التخفيف اهـ. قال الخطابي: الصبر ليس بطيب ولذلك رخص له أن يتعالج به، فأما الكحل الذي لا طيب فيه فلا بأس به، قال الشافعي: وأنا له في النساء أشد كراهة مني له في الرجال، ولا أعلم على واحد منهما الفدية، ورخص في الكحل للمحرم سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق، وكره الإثمد للمحرم سفيان وإسحاق اهـ عون. واعلم أنه إذا اكتحل المحرم بكحل فيه طيب فعليه صدقة إلا أن يكون كثيرًا فعليه دم، ولو اكتحل بكحل ليس فيه طيب فلا بأس به ولا شيء عليه، ولو عصب شيئًا من جسده سوى الرأس والوجه فلا شيء عليه ويكره، وأما لو غطى ربع رأسه أو وجهه فصاعدًا فعليه دم، وفي أقل من الربع صدقة، وروى البيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت في الإثمد والكحل الأسود: إنه زينة نحن نكرهه ولا نحرمه، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى إلا عند الحاجة، وأجمعوا على حله حيث لا طيب فيه، وأما الحناء فهو طيب عند الأحناف، وروى البيهقي أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يختضبن

2769 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنِي نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيدِ اللهِ بْنِ مَعْمَرٍ رَمِدَتْ عَينُهُ. فَأَرَادَ أَنْ يَكْحُلَهَا فَنَهَاهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ. وَأَمَرَهُ أَنْ يُضَمِّدَهَا بِالصَّبِرِ. وَحَدَّثَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَانَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحناء وهن محرمات أي مريدات للإحرام كذا قال القاري في شرح المشكاة، وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون. وشارك المؤلف في روايته أحمد [1/ 60]، وأبو داود [1838]، والترمذي [952]، والنسائي [5/ 143]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان رضي الله عنه فقال: 2769 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) (المروزي (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (حدثني أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب بن موسى) الكوفي (حدثني نبيه بن وهب) المدني. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الوارث بن سعيد لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن أيوب بن موسى (أن عمر بن عبيد الله بن معمر) التيمي (رمدت عينه) أي أصابها الرمد وهو مرض خاص بالعين (فأراد) عمر (أن يكحلها) بكحل فيه طيب (فنهاه) أي نهى عمرَ (أبانُ بن عثمان) أن يكحلها بما فيه طيب، قال القرطبي: ونهي أبان بن عثمان للسائل أن يكحل عينه ليس على إطلاقه وكأنه إنما نهاه أن يكحلها بما فيه طيب اهـ من المفهم (وأمره) أي أمر أبان عمر (أن يضمدها) بتشديد الميم أي أن يكحلها (بالصبر) وتضميد العين هو لطخها بالصبر، والصبر ليس بطيب (وحدّث) أبان (عن) والده (عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (فعل ذلك) أي أمر بفعل ذلك الضماد ولا خلاف في جواز مثل هذا مما ليس فيه طيب ولا زينة، فلو اكتحل المحرم أو المحرمة بما فيه طيب افتديا، وكذلك المرأة إذا اكتحلت للزينة وإن لم يكن فيه طيب كالإثمد، فلو اكتحل الرجل للزينة فأباحه قوم وكرهه آخرون وهم أحمد وإسحاق والثوري وعلى القول بالمنع فهل تجب الفدية أم لا؟ قولان: وبالثاني قال الشافعي رجلًا كان أو امرأة اهـ من المفهم.

2770 - (1176) (96) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَهذَا حَدِيثُهُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ. فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. وَقَال الْمِسْوَرُ: لَا يغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَسْأَلُهُ عَنْ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: 2770 - (1176) (96) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب وقتيبة بن سعيد قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم) العدوي المدني، ثقة، من (3) (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد، وهذا) الحديث الآتي (حديثه) أي لفظ حديث قتيبة (عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي مولاهم أبي إسحاق المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) عبد الله بن حنين الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن عباس) الهاشمي الطائفي رضي الله تعالى عنهما (والمسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبي عبد الرحمن المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، له (22) حديثًا، روى عنه في (6) أبواب (أنهما) أي أن ابن عباس والمسور بن مخرمة (اختلفا) في جواز غسل المحرم رأسه وبدنه، والحال أنهما نازلان (بالأبواء) موضع بين الحرمين معروف كما مر وفي رواية ابن عُيينة (بالعرج) وهو بفتح أوله وإسكان ثانيه قرية جامعة قريبة من الأبواء (فقال عبد الله بن عباس يغسل المحرم رأسه، وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه) قال عبد الله بن حنين (فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة (الأنصاري) النجاري المدني نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة رضي الله عنه حالة كوني (أسأله) أي أسأل أبا أيوب (عن ذلك) الحكم أي عن حكم غسل المحرم رأسه هل يجوز أم لا؟ . وهذان السندان من سداسياته الأول منهما رجاله أربعة منهم مدنيون أو ثلاثة منهم

فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَينَ الْقَرْنَينِ. وَهُوَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ. قَال: فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ. فَقَال: مَنْ هذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُنَينٍ. أَرْسَلَنِي إِلَيكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ. أَسْألكَ كَيفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ رضي الله عنه يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ. فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مدنيون وواحد طائفي واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي أو كوفي وبلخي، ورجال الثاني منهما خمسة منهم مدنيون وواحد بلخي أو أربعة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد بلخي كما مر آنفًا بيانه، قال عبد الله بن حنين (فوجدته) أي فذهبت إلى أبي أيوب فوجدته (يغتسل بين القرنين) أي قرني البئر، وكذا هو لبعض رواة الموطأ وكذا في رواية ابن عيينة وهما العمودان المنتصبان لأجل وضع عود البكرة عليهما، وقال النووي: القرنان هما الخشبتان القائمتان على جانبي رأس البئر وشبههما من البناء وتمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به أو لتعلق عليها البكرة اهـ منه، وفي المختار: وبكرة البئر ما يستقى عليها، وجمعها بكر بفتحتين وهو من شواذ الجمع لأن فعلة لا تجمع على فعل إلا أحرفًا مثل حلقة وحلق وحمأة وحمأ وبكرة وبكر وتجمع على بكرات أيضًا اهـ (وهو) أي والحال أن أبا أيوب (يستتر) عن الناس (بثوب قال) عبد الله بن حنين (فسلمت عليه) أي على أبي أيوب (فقال) لي أبو أيوب بعد رد السلام عليّ (من هذا) المُسلّم عليّ (فقلت) له (أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس) حالة كوني (أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم فوضع أبو أيوب رضي الله عنه يده على الثوب) أي على الطرف الأعلى من الثوب الذي استتر به (فطأطأه) أي فطأطأ الثوب وخفضه وكشفه عن رأسه (حتى بدا) وظهر (لي رأسه) أي رأس أبي أيوب، قال ابن عبد البر: الظاهر أن ابن عباس كان عنده في ذلك نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه عن أبي أيوب أو غيره، ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب يسألك كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل رأسه أو لا على حسب ما وقع فيه اختلاف بين المسور وابن عباس. (قلت) ويحتمل أن يكون عبد الله بن حنين تصرف في السؤال لفطنته كأنه لما قال له سله هل يغتسل المحرم أو لا؟ فجاء فوجده يغتسل فهم من ذلك أنه يغتسل، وأحب أن لا يرجع إلا بفائدة فسأله عن كيفية الغسل وكأنه خص الرأس بالسؤال لأنه موضع الإشكال في هذه المسئلة لأنها محل الشعر الذي

ثُمَّ قَال لإِنْسَانٍ يَصُبُّ: اصْبُبْ. فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ. ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيهِ. فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. ثُمَّ قَال: هكَذَا رَأَيتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَفْعَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يُخشى انتتافه بخلاف بقية البدن غالبًا كذا في الفتح اهـ. وقال السندي في حاشيته (قوله كيف كان) لا يخلو عن إشكال لأن الاختلاف بينهما كان في أصل الغسل لا في كيفيته فالظاهر أن إرساله كان للسؤال عن أصله إلا أن بقال أرسله يسأله عن الغسل، والكيفية على تقدير جواز الأصل معًا فلما علم جواز الأصل بمباشرة أبي أيوب سكت عنه وسأل عن الكيفية لكن قد يقال محل الخلاف كان الغسل بلا احتلام فمن أين علم بمجرد فعل أبي أيوب جواز ذلك إلا أن يقال لعله علم ذلك بقرائن وأمارات والله تعالى أعلم. قال المنذري: أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك، وروى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام وقال عياض: دل كلامهما على أنهما اختلفا في تحريك الشعر إذ لا خلاف في غسل المحرم رأسه في غسل الجنابة ولا بد من صب الماء فخاف المسور أن يكون في تحريكه باليد قتل بعض الدواب أو طرحها، وابن عباس كان يعلم أن عند أبي أيوب علمًا لقوله كيف يغسل رأسه. (قلت) فمستند المسور الاجتهاد ومستند ابن عباس النص ولذا رجع إليه المسور قاله الأبي رحمه الله اهـ (ثم قال) أبو أيوب (لإنسان يصب) عليه الماء (اصبب) الماء على رأسي (فصب) الإنسان الماء (على رأسه) فيه جواز الاستعانة بالصاحب والخادم في الطهارة (ثم حرك) أبو أيوب (رأسه) أي شعر رأسه (بيديه فأقبل بهما) أي وضع بهما على قبالة رأسه ومقدمه (وأدبر) بهما أي أذهب بهما إلى دبر رأسه ومؤخرها (ثم قال) أبو أيوب (هكذا) أي مثل ما فعلته (رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل) أي رأيته يفعل مثل ما فعلته في تحريك الشعر باليدين والله أعلم. قال القرطبي: اختلاف ابن عباس والمسور لم يكن في جواز أصل غسل الرأس لأنه من المعلوم عندهما وعند غيرهما أنه يغتسل من الجنابة إن أصابته، ويغتسل لدخول مكة، وللوقوف بعرفة، وإنما كان الاختلاف بينهما في كيفيته فهل يدلكه أو لا يدلكه لأنه يخاف منه قتل الهوام أو إنقاؤها عن رأسه وجسده وإزالة الشعث ولإمكان هذه الأمور منع منه المسور، ولم يلتفت ابن عباس إلى إمكان تلك الأمور لأنه إذا ترفق في ذلك سلم مما يتقى من تلك الأمور، وقد كان ابن عباس علم ذلك من حديث أبي أيوب ولذلك أحال عليه وأرسل إليه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم، وقال القاري في شرح المشكاة: يجوز للمحرم

2771 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ وَعَليُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا ابْن جُرَيجٍ. أَخْبَرَنا زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: فَأَمَرَّ أَبُو أَيُّوبَ بِيَدَيهِ عَلَى رَأْسِهِ جَمِيعًا. عَلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ. فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. فَقَال الْمِسْوَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لَا أُمَارِيكَ أَبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ غسل رأسه بحيث لا ينتف شعرًا بلا خلاف، أما لو غسل رأسه بالخطمي فعليه دم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وبه قال مالك وقالا صدقةٌ ولو غسل بأشنان فيه طيب فإن كان من رآه سماه أشنانًا فعليه الصدقة وإن سماه طيبًا فعليه الدم كذا في قاضيخان، ولو غسل رأسه بالحُرض والصابون والسدر ونحوه لا شيء عليه بالإجماع، وجاء عن ابن عباس بسند ضعيف أنه دخل حمامًا بالجحفة وهو محرم وقال: ما يعبأ الله بأوساخنا يعني فليس فيه من فدية، ففيه رد على مالك أن في إزالة الوسخ صدقة، والتحقيق أنه لا ينبغي للمحرم أن يقصد بغسله إزالة الوسخ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المحرم أشعث أغبر" اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1840]، وأبو داود [1840]، والنسائي [5/ 128]، وابن ماجه [2934]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: 2771 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بزنة جعفر بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي، ثقة، من (10) (قالا أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا ابن جريج أخبرنا زيد بن أسلم) العدوي المدني. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة ومالك بن أنس أي حدثنا ابن جريج عن زيد بن أسلم (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري (و) لكن (قال) ابن جريج في روايته (فأمر أبو أيوب) أي دلك (بيديه على رأسه جميعًا) تأكيد ليديه، وقوله (على جميع رأسه) بدل من قوله على رأسه والمعنى أمر بيديه جميعًا على جميع رأسه، وقوله (فأقبل بهما وأدبر) تفسير للإمرار بهما قال عبد الله بن حنين: فرجعت إلى ابن عباس وإلى المسور فأخبرتهما بما فعل أبو أيوب (فقال المسور لابن عباس) والله (لا أماريك) أي لا أجادلك ولا أخاصمك ولا أنازعك في شيء (أبدًا) أي في زمن من الأزمنة المستقبلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولفظ أبدًا ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان ملازم للنفي كقطُّ لما مضى من الزمان، وفي فتح الملهم (لا أماريك أبدًا) أي لا أجادلك وأصل المراء استخراج ما عند الإنسان يقال مارى فلان فلانًا إذا استخرج ما عنده قاله ابن الأنباري وأطلق ذلك في المجادلة لأن كلًّا من المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة. وفي هذا الحديث من الفوائد مناظرة الصحابة في الأحكام ورجوعهم إلى النصوص وقبولهم لخبر الواحد ولو كان تابعيًّا، وإن قول بعضهم ليس بحجة على بعض، قال ابن عبد البر: لو كان معنى الاقتداء في قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم" يراد به الفتوى لما احتاج ابن عباس إلى إقامة البينة على دعواه بل كان يقول للمسور: أنا نجم وأنت نجم فأينا اقتدى به من بعدنا كفاه، ولكن معناه كما قال المزني وغيره من أهل النظر: أنه في النقل لأن جميعهم عدول وفيه اعتراف للفاضل بفضله وإنصاف الصحابة بعضهم بعضًا، وفيه استتار الغاسل عند الغسل، والاستعانة في الطهر، وجواز الكلام والسلام حالة الطهارة ولكن لا بد من غض البصر عنه، وجواز غسل المحرم وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره. واستدل به على أن تخليل شعر اللحية في الوضوء باق على استحبابه خلافًا لمن قال يكره كالمتولي من الشافعية خشية انتتاف الشعر لأن في الحديث ثم حرك رأسه بيده ولا فرق بين شعر الرأس واللحية إلا أن يقال إن شعر الرأس أصلب، والتحقيق أنه خلاف الأولى في حق بعض دون بعض قاله السبكي الكبير والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ منه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث ابن بحينة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عثمان بن عفان ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

468 - (24) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر

468 - (24) باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات؟ وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر؟ 2772 - (1177) (97) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. خَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ عُنُقُهُ، فَمَاتَ. فَقَال: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَكَفنُوهُ فِي ثَوْبَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 468 - (24) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات وهل يجوز للمحرم اشتراط التحلل في إحرامه بعذر 2772 - (1177) (97) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مكي (عن النبي صلى الله عليه وسلم خر) أي سقط (رجل) من الصحابة لم أو من ذكر اسمه (من بعيره) أي ناقته كما تدل عليه الروايات الآتية يوم عرفة وهو واقف بها، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وكان سقوطه عند الصخرات من عرفة اهـ (فوقص) بضم الواو وعلى صيغة المجهول (عنقه) بالرفع نائب فاعل له أي دقت عنقه (فمات) في الحال، يقال وقصت الناقة براكها وقصًا من باب وعد إذا رمت به فدقت عنقه كما في المصباح (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (اغسلوه بماء وسدر) قال العيني: فيه غسله بالسدر وهذا يدل على أنه خرج من الإحرام، وعكس صاحب التوضيح فقال: غسله بالسدر يدل على أنه جائز للمحرم، وفيه رد على مالك وأبي حنيفة وآخرين حيث منعوه. (قلت) ظاهر الحديث يرد عليه كلامه لأن الأصل عدم جواز غسل المحرم بالسدر فلولا أنه خرج عن الإحرام ما أمر بغسله بالسدر اهـ، قال الحافظ: وحكى المزني عن الشافعي أنه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله: "فاغسلوه بماء وسدر" والله أعلم اهـ (وكفنوه في ثوبيه) وللنسائي (في ثوبيه اللذين أحرم فيهما) وفي الحديث جواز التكفين في ثوبين وهو كفن الكفاية، وكفن الضرورة واحد وإنما لم يزده ثالثًا إكرامًا له كما في الشهيد لم يزد على ثيابه كذا في عمدة القاري، قال ابن عبد الملك: وفي الحديث أن التكفين مقدم على الدين لأن النبي صلى الله عليه

وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ. فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". 2773 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم لم يسأل عن دينه اهـ (ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه عند التكفين من التخمير وهو التغطية وسيأتي في الباب ولا تحنطوه، وفي رواية ولا تمسوه طيبًا، قال بمقتضى ظاهر هذا الحديث الشافعي وأحمد وإسحاق فقالوا إذا مات المحرم لا يحنط ولا يغطى رأسه، وقال مالك والكوفيون والحسن والأوزاعي إنه يفعل به ما يفعل بالحلال وكأنهم رأوا أن هذا الحكم مخصوص بذلك الرجل اهـ من المفهم، وقال العيني: احتج بهذا الحديث الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر في أن المحرم على إحرامه بعد الموت ولهذا يحرم ستر رأسه وتطييبه وهو قول عثمان وعلي وابن عباس وعطاء والثوري، وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي إلى أنه يصنع به ما يصنع بالحلال وهو مروي عن عائشة وابن عمر وطاوس لأنها عبادة شرعت فبطلت بالموت كالصلاة والصيام، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" وإحرامه من عمله وليس من الثلاث فينبغي أن ينقطع بالموت ولأن الإحرام لو بقي لطيف به وكملت مناسكه، وقال بعضهم: وأجيب بأن ذلك ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على مورد النص ولا سيما قد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهداء حيث قال (فإن الله) سبحانه وتعالى (يبعثه) أي يبعث هذا الرجل (يوم القيامة) حال كونه (ملبيًا) أي قائلًا لبيك، والمعنى أنه يحشر يوم القيامة على هيئته التي مات عليها ليكون ذلك علامة على حجه كالشهيد يأتي وأوداجه تشخب دمًا، وفيه أن من شرع في طاعة ثم حال بينه وبين إتمامها الموت يُرجى له أن الله تعالى يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل ويقبله منه إذا صحت النية ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ} الآية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1840]، وأبو داود [1840]، والنسائي [5/ 128]، وابن ماجه [2934]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2773 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري (عن عمرو بن دينار) القرشي الجمحي المكي

وَأَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله تعالى عنهما. قَال: بَينَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ. إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ. قَال أَيُّوبُ: فَأَوْقَصَتْهُ (أَوْ قَال: فَأَقْعَصَتْهُ) وَقَال عَمْرٌو: فَوَقَصَتْهُ. فَذُكِرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَينِ. وَلَا تُحَنِّطُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة حماد بن زيد لسفيان بن عيينة (قال) ابن عباس (بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة) عند الصخرات فيه إطلاق لفظ الواقف على الراكب اهـ فتح (إذ وقع) الرجل وسقط (من راحلنه) أي ناقته (قال أيوب فأوقصته) أي كسرت عنقه وقصته وأوقصته بمعنى من الإيقاص وهو شاذ لأن الأفصح هو الثلاثي أي وقصت كما في رواية عمرو، وفي فصيح ثعلب وقص الرجل إذا سقط من دابته فاندقت عنقه فهو موقوص، وعن الكسائي وقصت عنقه وقصًا ولا يكون وقصت العنق نفسها، وقال الخطابي: معناه أنها صرعته فكسرت عنقه، وقال: أقصعته بتقديم الصاد المهملة على العين المهملة ليس بشيء، والقصع هو كسر العطش، ويحتمل أن يستعار لكسر الرقبة، وأما الإقعاص في قوله (أو قال) لي سعيد (فأقعصته) أي قتلته في الحال بتقديم العين على الصاد فهو إعجال الهلاك أي لم يلبث أن مات، وقال الجوهري: يقال ضربه فأقعصه أي فتكه مكانه يقال قصع القملة أي قتلها وقصع الماء عطشه أي أذهبه وسكنه، والشك من أيوب فيما قاله سعيد (وقال عمرو فوقصته) بلا شك، قال الحافظ: يحتمل أن يكون فاعل وقصته الوقعة أو الراحلة بان تكون إصابته بعد أن وقع والأول أظهر، وقال الكرماني: فوقصته أي راحلته فإن كان الكسر حصل بسبب الوقوع فهو مجاز وإن حصل عن الراحلة بعد الوقوع فحقيقة، والمذكور في النهاية والقاموس أن الوقص كسر العنق والقعص الموت الوَحِي أي السريع، يقال مات قعصًا إذا أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه، ويقال قعصته وأقعصته إذا قتلته قتلًا سريعًا، وأما الإيقاص في معنى الوقص فلم يوجد وإن قال ابن حجر، والمعروف عند أهل اللغة الأول والذي بالهمز شاذ اهـ (فذكر ذلك) الذي وقع بالرجل (للنبي صلى الله عليه وسلم) قال في مبهمات مسلم لم يعرف هذا الذاكر (فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه) بالحاء المهملة أي لا تمسوه حنوطًا،

وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ. (قَال أَيُّوبُ) فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. (وَقَال عَمْرٌو) فَإِنَّ اللَّه يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي". 2774 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ. قَال: نُبِّئْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ رَجُلًا كَانَ وَاقِفًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَ حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ. 2775 - (00) (00) وحدّثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وكأن الحنوط للميت كان مقررًا عندهم، قال النووي: والحنوط بفتح الحاء ويقال الحناط بكسرها وهي أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة لا تستعمل في غيره (ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه (قال أيوب) في روايته (فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا) أي قائلًا لبيك (وقال عمرو) في روايته (فإن الله يبعثه يوم القيامة) وهو (يلبي) أي يقول لبيك لبيك وهذا اختلاف لفظي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2774 - (00) (00) (وحدثنيه عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري (عن أيوب) السختياني العنزي البصري (قال) أيوب (نُبئت) أي أُخبرت بواسطة (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن إبراهيم لحماد بن زيد (أن رجلًا كان واقفًا) على راحلته (مع النبي صلى الله عليه وسلم) بعرفة عند الصخرات (وهو محرم) بالحج في حجة الوداع (فذكر) إسماعيل (نحو ما ذكر حماد عن أيوب). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2775 - (00) (00) (وحدثنا علي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن الهلالي أبو الحسن المروزي (أخبرنا عيسى "يعني ابن يونس") بن أبي إسحاق السبيعي

عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَال: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَرَامًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ. فَوُقِصَ وَقْصًا، فَمَاتَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَأَلْبِسُوهُ ثَوْبَيهِ. وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ. فَإِنهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي". 2776 - (00) (00) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَال: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَرَامٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (عن ابن جريج) المكي (أخبرني عمرو بن دينار) المكي (عن سعيد بن جبير) الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لحماد بن زيد (قال) ابن عباس (أقبل) وجاء إلى عرفة (رجل) حالة كونه (حرامًا) أي محرمًا بالحج، وسوغ مجيء الحال من النكرة قصد الإبهام كما هو من المسوغات في الابتداء بالنكرة، وقال النواوي: هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها حرام كما هو في الرواية التالية وهو الوجه وللأول وجه ويكون حالًا من رجل وقد جاءت الحال من النكرة على قلة اهـ بزيادة (مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر) من الخرور وهو السقوط أي سقط (من بعيره) أي ناقته (فوقص) بالبناء للمجهول أي كسرت عنقه (وقصًا) أي كسرًا (فمات) يقال وقص الرجل فهو موقوص (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين ذُكر له (اغسلوه بماء وسدر وألبسوه) أي كفنوه في (ثوبيه) اللذين مات فيهما من إزار الإحرام وردائه (ولا تخمروا رأسه فإنه يأتي يوم القيامة) على ربه حالة كونه (يلبي) أي يقول لبيك لبيك. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2776 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي (البرساني) البصري (أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن بكر لعيسى بن يونس (قال) ابن عباس (أقبل رجل حرام) أي محرم (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعرفة على راحلته وساق محمد بن بكر (بمثله) أي بمثل

غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". وَزَادَ: لَمْ يُسَمِّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ حَيثُ خَرَّ. 2777 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيهِ. وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث عيسى بن يونس (غير أنه) أي لكن أن محمد بن بكر (قال) في روايته (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا وزاد) محمد بن بكر على عيسى بن يونس لفظة (لم يسم) أي لم يذكر (سعيد بن جبير حيث خر) ذلك الرجل أي مكان خروره، وقال ابن حجر: كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة اهـ وفي القاموس: والصخرات موضع بعرفة اهـ وفي تاج العروس: وهو الصخرات السود موقف النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2777 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جببر عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الثوري لمن روى عن عمرو بن دينار (أن رجلًا) من الصحابة (أوقصته) أي كسرت عنقه (راحلته) أي ناقته (وهو محرم) بالحج واقف بعرفة (فمات) في الحال فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية تجهيزه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا) قال الحافظ ابن حجر: وقد تمسكت الأحنات ومن وافقهم من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله (ولا تخمروا وجهه) فقالوا: لا يجوز للمحرم تغطية وجهه مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث لمن مات محرمًا، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا: إن في ثبوت ذكر الوجه مقالًا وتردد ابن المنذر في صحته، وقال البيهقي: ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته

2778 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث، قال منصور: ولا تغطوا وجهه، وقال أبو الزبير: ولا تكشفوا وجهه، وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه" وأخرجه مسلم أيضًا من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ "ولا يمس طيبًا خارج رأسه" قال شعبة: ثم حدثني به بعد ذلك فقال: خارج رأسه ووجهه انتهى، وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية، وشعبة أحفظ من كل من روى هذا الحديث فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية اهـ. (قلت) وهذا مع ما فيه من التعسف لم أفقه مراده فإن النهي عن التطيب ليس مقصورًا على خارج الرأس والوجه عند أحد فيما أعلمه، ومراد الحديث واضح من ألفاظ الحديث ونصه هكذا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل بماء وسدر وأن يكفن في ثوبين ولا يمس طيبًا خارج رأسه قال: ثم حدثني به بعد ذلك خارج رأسه ووجهه، فقوله خارج رأسه ووجهه متعلق بقوله وأن يكفن في ثوبين أي يكفن فيهما ويبقى الرأس والوجه خارجين عنهما مكشوفين كما هو المصرح في سائر الروايات فلا منافاة بين روايات شعبة وغيره حتى ترجح روايته بالأحفظية والله أعلم، وقيل يتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطي رأسه اهـ. وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء قال: يغطى المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى، وفي رواية ما دون عينيه وكأنه أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس والله أعلم، وتعقبه الأبي بأن هذا التعليل لا يجزئ على أصل الشافعي لأنه لا يقول بسد الذرائع. (قلت) والعجب أنهم لم يراعوا هذا الاحتياط في المحرم الحي مع أنه أحق به من الميت كما هو الظاهر. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2778 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي البزاز صاحب السنن، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا

حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا. فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، فَمَاتَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيهِ. وَلَا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ. وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ. فَإِنَّهُ يُبْعثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا". 2779 - (00) (00) وحدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي، نزيل بغداد، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (أخبرنا أبو بشر) الوليد بن مسلم بن شهاب التميمي العنبري التابعي البصري، وثقه أبو حاتم وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا، قال النواوي: أبو بشر هذا هو العنبري واسمه الوليد بن مسلم بن شهاب البصري وهو تابعي، روى عن جندب بن عبد الله الصحابي رضي الله عنه، وانفرد مسلم بالرواية عن أبي بشر هذا، واتفقوا على توثيقه اهـ (حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما (ح) وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (أخبرنا هشيم) بن بشير (عن أبي بشر) الوليد بن مسلم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي بشر لعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير (أن رجلًا كان) واقفًا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمًا فوقصته) أي دقت عنقه (ناقته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه) من الإمساس أو المس أي لا تلطخوه (بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبدًا) قال العيني: هو من التلبيد وهو أن يجعل المحرم في رأسه شيئًا من الصمغ ليلتصق شعره فلا يشعث في الإحرام، وأنكر عياض رواية التلبيد وقال: ليس له معنى. (قلت) له معنى هو أن الله يبعثه على هيئته التي مات عليها قولًا وفعلًا وصفة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديثه فقال: 2779 - (00) (00) (وحدثني أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري) البصري

حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَلَا يُمَسَّ طِيبًا. وَلَا يُخَمَّرَ رَأْسُهُ. فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا. 2780 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَال ابْنُ نَافِعٍ: أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا بِشْر يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ؛ أن رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَوَقَعَ مِنْ نَاقَتِهِ فَأَقْعَصَتْهُ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن أبي بشر) الوليد بن مسلم البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عوانة لهشيم في رواية هذا الحديث عن أبي بشر (أن رجلًا وقصه) أي كسر عنقه (بعيره) أي ناقته لأن البعير يطلق على الذكر والأنثى كما يدل عليه سابق الكلام ولاحقه (وهو محرم) واقف (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعرفة (فأمر به) أي في تجهيزه (رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسل بماء وسدر ولا يمس) بصيغة المبني للمجهول (طيبًا) أي بطيب (ولا يخمر رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبدًا) على صيغة اسم الفاعل أي متصفًا بصفة التلبيد أي بأثره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديثه فقال: 2780 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، ثقة، من (10) (قال ابن نافع أخبرنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (حدثنا شعبة قال سمعت أبا بشر) الوليد بن مسلم (يحدّث عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لهشيم في رواية هذا الحديث عن أبي بشر (يحدّث) ابن عباس (أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فوقع) أي سقط (من ناقته فأقعصته) أي كسرت عنقه (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل بماء وسدر

وَأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَينِ. وَلَا يُمَسَّ طِيبًا خَارجٌ رَأْسُهُ. قَال شُعْبَةُ: ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ بَعْدَ ذلِكَ: خَارِجٌ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا. 2781 - (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ زُهَيرٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ. قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ يَقُولُ: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: وَقَصَتْ رَجُلًا رَاحِلَتُهُ، وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَأَنْ يَكْشِفُوا وَجْهَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن يكفن في ثوبين ولا يمس) بالبناء للمجهول (طيبًا) أي بطيب وقوله (خارج) مبتدأ لا خبر له، وسوغ الابتداء بالنكرة اعتماده على صاحب الحال (رأسه) فاعل سد مسد الخبر، وجملة الوصف مع فاعله حال من نائب فاعل يكفن، وجملة قوله ولا يمس طيبًا معترضة بين الحال وعاملها والتقدير وأمر أن يكفن في ثوبين حالة كونه خارجًا رأسه من الكفن (قال شعبة) بالسند السابق (ثم حدثني) أبو بشر (به) أي بهذا الحديث (بعد ذلك) أي بعد ما حدثني به بلفظ خارج رأسه بلفظ (خارج رأسه ووجهه) بزيادة لفظة "ووجهه" أي حالة كونه خارجًا رأسه ووجهه كلاهما عن الكفن وكشف الوجه مبالغة في كشف الرأس احتياطًا لا لكون إحرامه في الوجه كما مر بسط الكلام فيه قريبًا (فإنه يبعث يوم القيامة ملبدًا) أي متشكلًا على شكل المتلبد. ثم ذكر المؤلف المتابعة تاسعًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2781 - (00) (00) (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال، ثقة، من (10) (حدثنا الأسود بن عامر) الملقب بشاذان أبو عبد الرحمن الشامي، ثقة، من (9) مات سنة (208) روى عنه في (6) أبواب (عن زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي الزبير) الأسدي محمد بن مسلم المكي (قال سمعت سعيد بن جبير يقول قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الزبير لأبي بشر في رواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير (وقصت) أي دقت (رجلًا) من الصحابة (راحلته) أي ناقته (وهو) واقف بعرفة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم) أي فأمر الحاضرين (رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسلوه بماء وسدر وأن يكشفوا وجهه) عند التكفين مبالغة في

(حَسِبْتُهُ قَال): وَرَأْسَهُ. فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يُهِلُّ. 2782 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما. قَال: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ. فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، فَمَاتَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا. وَلَا تُغطُّوا وَجْهَهُ. فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّي". 2783 - (1178) (98) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ كشف الرأس، قال زهير (حسبته) أي حسبت أبا الزبير وأظنه (قال ورأسه) أي ذكر لفظة رأسه مع وجهه أي أظنه قال: وأن يكشفوا وجهه ورأسه شك زهير في ذكره لفظة ورأسه مع الوجه (فإنه يبعث يوم القيامة وهو يهل) أي يرفع صوته بالتلبية والجملة الاسمية حال من الضمير المستتر في يبعث. ثم ذكر المؤلف المتابعة عاشرًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2782 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة منصور لأبي الزبير، قال القاضي: وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال: إنما سمعه منصور عن الحكم عن سعيد وهو الصواب، وقيل عن منصور عن سلمة بن كهيل ولا يصح والله أعلم اهـ (قال) ابن عباس (كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فوقصته ناقته فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه ولا تقربوه طيبًا ولا تغطوا وجهه) مبالغة في كشف الرأس لا لكون الإحرام فيه (فإنه يبعث) يوم القيامة حالة كونه (يلبي) أي يقول لبيك لبيك. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2783 - (1178) (98) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني) الكوفي

حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيرِ. فَقَال لَهَا: "أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ " قَالتْ: وَاللهِ! مَا أَجِدُني إِلَّا وَجِعَةً. فَقَال لَهَا: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن هشام) بن عروة الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين (رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة المخففة (بنت الزبير) بضم الزاي مصغرًا ابن عبد المطلب بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابية الهاشمية رضي الله تعالى عنها، وأما قول صاحب الوسيط هي ضباعة الأسلمية فغلط فاحش، والصواب الهاشمية: وفي آخر الحديث وكانت تحت المقداد، وفي صحيح البخاري وكانت تحت المقداد بن الأسود وهو المقداد بن عمرو الكندي نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري لكونه تبناه فكان من حلفاء قريش وتزوج ضباعة وهي هاشمية فلولا أن الكفاءة لا تعتبر في النسب لما جاز له أن يتزوجها لأنها فوقه في النسب وللَّذي يعتبر الكفاءة في النسب أن يجيب بأنها رضيت هي وأولياؤه فسقط حقهم من الكفاءة وهو جواب صحيح إن ثبت أصل اعتبار الكفاءة في النسب (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أردت الحج) في هذه السنة، وفي نكاح صحيح البخاري لعلك أردت الحج قال ذلك لها وهي في المدينة لحبه توجهها للحج معه في حجته كما في المرقاة (قالت) ضباعة (والله ما أجدني) أي ما أجد نفسي (إلا وجعة) بفتح الواو وكسر الجيم وهو من الصفات المشبهة أي ما أجد نفسي إلا ذات وجع أي مرض تعني أجد في نفسي ضعفًا من المرض لا أدري هل أقدر على إتمام الحج أم لا؟ واتحاد الفاعل والمفعول مع كونهما ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب، قال ابن حجر: وفي الحديث جواز اليمين في درج الكلام بغير قصد (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حجي) أي أحرمي بالحج (واشترطي) أي واجعلي شرطًا في حجك عند الإحرام وهو اشتراط التحلل متى احتاجت إليه فكأنها قالت لما سألها النبي صلى الله عليه وسلم عن إرادتها الحج إني أريده وإني أحس من نفسي مرضًا يمنعني عن الاستمرار على الإحرام وإيفاء المناسك بالتمام أفأشترط شرطًا يجعلني في حل متى

وَقُولِي: اللَّهُمَّ! مَحِلي حَيثُ حَبَسْتَنِي" وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ. 2784 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ أحتاج إليه فقال صلى الله عليه وسلم لها: "نعم" قالت كما في النسائي: كيف أقول في شرط التحلل؟ كما يؤخذ من قوله لها (وقولي) لدى إحرامك (اللهم محلي) بفتح الميم وكسر الحاء أي موضع تحللي من الإحرام ومحلي خروجي من الحج تعني مكانه أو زمانه (حيث حبستني) أي حيث منعتني يا الله، وقوله محلي مبتدأ خبره حيث منعتني أي موضع تحللي من الإحرام المكان الذي منعتني فيه عن إتمامه وعجزت عن الإتيان بالمناسك بسبب قوة المرض فإن لكِ على ربك ما استثنيت، قال في المبارق: وفائدة هذا الاشتراط أن تصير حلالًا بدون دم الإحصار استدل به الإمام الشافعي وأحمد على أن المحرم إذا اشترط في إحرامه أن يتحلل بعذر فله ذلك، وليس له ذلك عند أبي حنيفة ومالك لأن الحديث رخصة لضباعة خاصة بها اهـ، وقوله (وكانت) ضباعة (تحت) نكاح (المقداد) بن الأسود، هذا الكلام لا وجه لإيراده هنا والبخاري إنما أورده لأنه هو المقصود عنده من الحديث فإنه أخرج هذا الحديث في باب الأكفاء في الدين من كتاب النكاح ووجه ذلك أن المقداد هو ابن عمرو الكندي نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري فاشتهر بالمقداد ابن الأسود لكونه تبناه وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه فصار بهذا السبب من حلفاء قريش وتزوج ضباعة وهي هاشمية إلى آخر ما تقدم قريبًا، ثم إن ظاهر السياق أن الكلام المذكور من قول الصديقة ويحتمل أنه من قول عروة أبي هشام كما في فتح الباري ولا تعلق له بالحج، وكان المقداد من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 360]، والنسائي [5/ 68]، وابن ماجه [2937]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2784 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة

قَالتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَرِيدُ الْحَجَّ. وَأَنَا شَاكِيَةٌ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "حُجِّي، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيثُ حَبَسْتَنِي". 2785 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، مِثْلَهُ. 2786 - (1179) (99) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ وَأَبُو عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهري لهشام بن عروة (قالت) عائشة (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب) بن هاشم فقال لها: هل تريد الحج معي؟ كما هو مصرح في بعض الروايات (فقالت) ضباعة نعم (يا رسول الله إني أريد الحج) معك (و) لكن (أنا شاكية) أي مريضة، والشكاية المرض (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم) لا بأس عليك (حجي) أي أحرمي بالحج (واشترطي) في إحرامك (أن محلي) أي قولي في شرطك: اللهم إن موضع إحلالي من الأرض (حيث حبستني) أي هو المكان الذي منعتني فيه الوصول إلى مكة وعجزت فيه عن الإتيان بالمناسك وانحبست عنها بسبب قوة المرض عليّ، ومحلي بكسر الحاء اسم مكان بمعنى موضع التحلل من الإحرام كما مر آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 2785 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن هشام.، وساق معمر (مثله) أي مثل ما روى أبو أسامة عن هشام ولو قدم هذه المتابعة على المتاجمعة التي قبلها لكان أنسب وأوضح وأوفق لاصطلاحاته والله أعلم ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 2786 - (1179) (99) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) الثقفي البصري، ثقة، من (8) (وأبو عاصم) النبيل الشيباني

وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِب رضي الله تعالى عنها أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ. وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ. فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَال: "أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيثُ تَحْبِسُنِي". قَال: فَأَدْرَكَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم البصري، ثقة ثبت، من (9) (ومحمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) كلهم (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (له) أي لإسحاق (أخبرنا محمد بن بكر) البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (أخبرني أبو الزبير) الأسدي مولاهم محمد بن مسلم بن تدرس المكي (أنه) أي أن أبا الزبير (سمع طاوسًا) ابن كيسان اليماني (وعكرمة) بن عبد الله البربري (مولى ابن عباس عن ابن عباس) رضي الله عنهم. وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم مكيون أو مكيان ويماني وواحد طائفي، ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم مكيون أو مكيان ويماني وواحد طائفي، ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم مكيون أو مكيان ويماني وواحد طائفي وواحد بصري وواحد مروزي، وفيهما التحديث والإخبار جمعًا وإفرادًا والسماع والعنعنة والمقارنة (أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة ثقيلة) أثقلني المرض وأضعفني (وإني أريد الحج) معك (فما تأمرني) أي فأي شيء تأمرني به أأحج في هذه السنة أم أتركه يا رسول الله؟ فلم يجبها عقب سؤالها انتظارًا للوحي، ثم دخل عليها فـ (قال لها أهلي بالحج واشترطي أن محلي) أي أن موضع تحللي (حيث تحبسني) يا رب أي المكان الذي منعتني فيه عن أداء المناسك فبهذا التقدير يحصل الجمع بين حديث عائشة وحديث ابن عباس لما بينهما من التعارض لأن عائشة قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة، وقال ابن عباس إن ضباعة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة ثقيلة (قال) ابن عباس (فأدركت) ضباعة الحج ولم تتحلل حتى فرغت منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في المناسك، وابن ماجه

2787 - (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ. حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ يَزيِدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ سعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ ضُبَاعَةَ أَرَادَتِ الْحَجَّ. فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَشْتَرِطَ. فَفَعَلَتْ ذلِكَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 2788 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو أَيُّوبَ الْغَيلانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه في المناسك أيضًا كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2787 - (00) (00) (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو داود الطيالسي) سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حبيب بن) أبي حبيب اسمه (يزيد) الجرمي البصري الأنماطي نسبة إلى الأنماط وهي البسط، روى عن عمرو بن هرم في الحج، والحسن وجماعة، ويروي عنه (م س ق) وأبو داود الطيالسي وابن مهدي وسليمان بن حرب، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من السابعة، مات سنة (162) اثنتين وستين ومائة (عن عمرو بن هرم) الأزدي البصري، روى عن سعيد بن جبير في الحج، وعكرمة وربعي، ويروي عنه (م ت س ق) وحبيب بن يزيد وسالم المرادي، وثقه أحمد، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات قبل قتادة (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (وعكرمة) بن عبد الله البربري المكي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن هرم لأبي الزبير في رواية هذا الحديث عن عكرمة (أن ضباعة) بنت الزبير (أرادت الحج) مع النبي صلى الله عليه وسلم (فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تشترط) التحلل بعذر المرض (ففعلت ذلك) الذي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم من اشتراط التحلل (عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بأمره صلى الله عليه وسلم، فعن بمعنى الباء. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2788 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وأبو أيوب) المازني (الغيلاني) البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (5) أبواب

وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو) حَدَّثنَا رَبَاحٌ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ) عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لِضُبَاعَةَ رضي الله تعالى عنها: "حُجِّي، وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيثُ تَحْبِسُنِي". وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: أَمَرَ ضُبَاعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأحمد) بن الحسن (بن خراش) بكسر ففتح الخراساني البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال إسحاق: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا أبو عامر وهو عبد الملك بن عمرو) العقدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا رباح) بالموحدة (وهو ابن أبي معروف) بن أبي سارة المكي، صدوق له أوهام، من (7) روى عنه في (2) بابين (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لمن روى عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة رضي الله تعالى عنها) لما شاورته (حجي واشترطي) وقولي في الاشتراط يا رب (أن محلي حيث تحبسني) بعذر المرض (وفي رواية إسحاق) بن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر ضباعة) أن تحج وتشترط وتقول: إن محلي حيث تحبسني. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث ابن عباس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه عشر متابعات، والثاني حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر فيها متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. [فائدة]: قال الأبي: موانع تمام الحج والعمرة بعد الإحرام بأحدهما خمسة: حصر العدو، وفتن الإسلام، وحصر المرض، وحبس السلطان في حق أو ظلم، ومنع السيد عبده ومنع الزوج الزوجة، زاد ابن شاس ومنع الأبوين، فحصر العدو والفتن يبيح التحلل حيث كان فيحلق ويرجع إلى بلده وإن أخّر الحلق إلى بلده فلا هدي عليه، وله أن يبقى على إحرامه إلى قابل وتأتي أحكام الحصر إن شاء الله تعالى، وحصر المرض وفي معناه فوات الوقوف بخطإِ في العدد أو خفاء الهلال أو فوت الرفقة أو الذهاب عن الطريق ونحو ذلك لا يحل صاحبه إلا بالوصول إلى البيت إذا صح ولو أقام سنين فإذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصله تحلل من حجه بأفعال العمرة فيطوف ويسعى ويحلق، وإنما قلنا بأفعال العمرة لأنا لو قلنا بعمرة لزم أن يحرم بها من الحل إذ لا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم وهو في تحلله، إنما بنى على إحرامه السابق والعمرة لا بد لها من إحرام يخصها، وله أن يبقى على إحرامه إلى قابل ويُجزئه ولا دم عليه، والمستحب أن يتحلل، وروى ابن وهب أنه يبقى على إحرامه إلى قابل وإن فعل لم يجزه، وهذا التخيير في التحلل إنما هو إذا صح قبل أشهر الحج فإن صح فيها لم يتحلل لأن استدامة الإحرام في أشهر الحج كإنشائه فيها وممن أنشأ الإحرام في أشهر الحج لم يتحلل منه وإذا كان المحصر بمرض لا يحله إلا الوصول إلى البيت فهل لمن أراد الإحرام بأحد النسكين أن يشترط في إحرامه أنه إن مرض تحلل وينفعه شرطه، قال القاضي عياض: فمالك وأبو حنيفة لا يريانه نافعًا ويحملان الحديث على أنه قضية في عين خاصة بهذه المرأة إذ لعلها كانت مريضة أو كان لها عذر فحللها بذلك، وأجاز له أن يشترط عمر وعلي وابن مسعود وأحمد وجماعة، وللشافعي في ذلك قولان وتأول له آخرون الحديث على أن المراد بالتحلل فيه التحلل بعمرة وكذلك جاء الحديث مفسرًا من رواية ابن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم أمر جماعة أن تشترط؛ اللهم الحج أردت فإن تيسر وإلا فعمرة، ونحوه عن عائشة أنها كانت تقول للحج خرجت فإن منعت منه بشيء فهو عمرة، وقال الأصيلي: لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، وقال النسائي: لا أعلم أحدًا أسنده عن الزهري غير معمر، قال النواوي: وهذا الذي عرض به القاضي ونقله عن الأصيلي من تضعيف الحديث غلط فاحش لأن الحديث مشهور في الصحيحين والمصنفات ونبهت على ذلك لئلا يغتر به، قال القاضي: والحديث حجة على أن المحصر بمرض لا يحله إلا البيت إذ لو لم يكن كذلك لم يكن لشرطه فائدة. (قلت) والحديث حجة للمخالف، فإن (قلت) الحديث يدل على أن المرض ليس بموجب للحصر إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى شرط (قلت) التحلل المشترط غير التحلل الذي عن حصر المرض على ما عرفت مما تقدم اهـ من الأبي. ***

469 - (25) باب صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف

469 - (25) باب: صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف 2789 - (1180) (100) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيسٍ بِمُحمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، بِالشَّجَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 469 - (25) باب صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما له وأنهما يفعلان ما يفعل الحاج من المناسك إلا الطواف 2789 - (1180) (100) (حدثنا هناد بن السري) بفتح السين المهملة وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي، ثقة، من (10) (وزهير بن حرب) النسائي (وعثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (كلهم عن عبدة) بن سليمان الكلابي أبي محمد الكوفي، ثقة، من (8) (قال زهير حدثنا عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5) (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (4) (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين (رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قالت) عائشة (نفست) أي ولدت وهو بكسر الفاء لا غير، وفي النون لغتان المشهور ضمها والثانية فتحها سمي الدم نفاسًا لخروج النفس وهو المولود بعده، قال القاضي: وتجرى اللغتان في الحيض أيضًا يقال نفست أي حاضت بفتح النون وضمها، قال ذكرهما صاحب الأفعال قال: وأنكر جماعة الضم في الحيض (أسماء بنت عميس) مصغرًا زوجة الصديق رضي الله تعالى عنهما بعد موت جعفر بن أبي طالب، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد موت الصديق وولدت له يحيى كذا في المرقاة (بمحمد بن أبي بكر) الصديق، قال ملا علي: وهو من أصغر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم قتله أصحاب معاوية بمصر سنة ثمان وثلاثين، وذكر أهل التاريخ إحراقهم إياه بعد قتله بالنار في جوف جيفة حمار كما ستأتي قصته في باب الإمام العادل إن شاء الله تعالى (بالشجرة) وهي موضع بذي الحليفة، وفي رواية بذي الحليفة، وفي رواية بالبيداء هذه المواضع

فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ، يَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. 2790 - (1181) (101) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحمِيدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما. فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاثة متقاربة فالشجرة بذي الحليفة، وأما البيداء فهي بطرف ذي الحليفة، قال القاضي: يحتمل أنها نزلت بطرف البيداء لتبعد عن الناس وكان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حقيقة وهناك بات وأحرم فسُمي منزل الناس كلهم باسم منزل إمامهم (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) أي أمره أن (يأمرها أن تغتسل وتهل) أي وتحرم، قال الدهلوي: وذلك لتأتي بقدر الميسور من سنة الإحرام، قال النواوي: فيه صحة إحرام النفساء والحائض، واستحباب اغتسالهما للإحرام وهو مجمع على الأمر به لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجب، والحائض والنفساء يصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي" وفيه أن ركعتي الإحرام سنة ليستا بشرط لصحة الحج لأن أسماء لم تصلهما اهـ، وذكر الفقهاء أن هذا الاغتسال للنظافة لا للطهارة ولذلك لا ينوبه التيمم، والنفساء وكذا الحائض تفعل كل ما يفعله الحاج إلا الطواف وركعتيه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1834]، وابن ماجه [2911]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 2790 - (1181) (101) (حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو) التميمي العدوي الطيالسي الرازي المعروف بزنيج مصغرًا، ثقة، من (10) (حدثنا جرير بن عبد الحميد) بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين المعروف بالصادق المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدني، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد رازي (في حديث أسماء بنت

عُمَيْسٍ، حِينَ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيفَةِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عميس) وقصتها (حين نفست) أي ولدت (بذي الحليفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه) أن يأمرها بأن تغتسل وتحرم (فأمرها) أبو بكر (أن تغتسل وتهل). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في الطهارة، وابن ماجه في الحج اهـ تحفة الأشراف. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين، الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد. ***

470 - (26) باب بيان أوجه الإحرام وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه

470 - (26) باب: بيان أوجه الإحرام، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه 2791 - (1182) (102) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 470 - (26) باب بيان أوجه الإحرام وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه 2791 - (1182) (102) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته أربعة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام) وهي السنة العاشرة من الهجرة المطهرة (حجة) بفتح الحاء المرة الواحدة من الحج، وسميت حجته صلى الله عليه وسلم بحجة (الوداع) لوداعه الناس فيها أو الحرم قاله ملا علي، وفي آخر باب الخطبة أيام منى من صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات وقال: هذا يوم الحج الأكبر وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع اهـ مختصرًا، ولم يعش بعد عوده منها إلى طيبة إلا شهرين وشيئًا ولم يحج بعد الهجرة غيرها عليه من صلوات الله أسناها ومن تحياته أزكاها (فأهللنا بعمرة) قال السندي في المواهب اللطيفة: وقد ثبت عنها أنها أحرمت بالعمرة صريحًا وكذلك روي عنها أنها قالت: كنت ممن تمتع ولم يسق الهدي، وكل ذلك إنما روى عنها عروة وبهذا جزم قوم في إحرام عائشة رضي الله تعالى عنها، وروى القاسم عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج، وفي رواية لا نذكر إلا الحج، وفي رواية مهلين بالحج، وروى الأسود وعمرة عنها ولا نُرى إلا أنه الحج، وكل هذه الروايات في الصحيحين. والجمع بين هذه الروايات بأنها رضي الله تعالى عنها مع غيرها من الصحابة كانوا أولًا محرمين بالحج بناء على ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج بقوله: "من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحج

ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فليهل" فعينت إحرامها للعمرة وهذا قولها فكنت ممن أهل بعمرة في رواية عروة عنها، ويحتمل في الحج أيضًا أن يقال أهلت عائشة بالحج مفردًا كما صنع غيرها من الصحابة وهذا معنى قولها لا نذكر إلا الحج، وقولها مهلين بالحج ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة، وعلى هذا ينزل حديث عروة في قولها كنت ممن أهل بعمرة ثم لما دخلت مكة وهي حائض ولم تقدر على الطواف لأجل ما بها أمرها أن تحرم بالحج، وهذان الوجهان أحسن مما ذهب إليه بعض العلماء من ترجيح رواية حديث القاسم والأسود وعمرة على رواية عروة فإنه لا يصار إلى الترجيح إلا عند عدم إمكان الحج، وثانيًا أن جابر بن عبد الله قد جزم في حديثه أن عائشة أهلت بعمرة فصارت رواية عروة مؤيدة بذلك وحديث جابر عند مسلم، قال الحافظ: وكذا رواه طاوس ومجاهد عن عائشة، وعروة أعلم الناس بحديثها، والأقرب عندي هو الوجه الأول والله أعلم اهـ فتح الملهم (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي) قال النواوي: يقال هَدْي بإسكان الدال وتخفيف الياء، وهَدِيّ بكسر الدال وتشديد الياء لغتان مشهورتان الأولى أفصح وأشهر وهو اسم لما يُهدَى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة، وفي الهداية وهذا أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدايا مع نفسه ولأن فيه استعدادًا ومسارعة (فليهل بالحج مع العمرة) قال ابن القيم: ورواه مالك في الموطإ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان معه الهدي فهو أول من بادر إلى ما أمر به، وقد دل عليه سائر الأحاديث التي ذكرناها ونذكرها، وقد ذهب جماعة من السلف والخلف إلى إيجاب القرآن على من ساق الهدي والتمتع بالعمرة المفردة على من لم يسق الهدي منهم عبد الله بن عباس وجماعة فعندهم لا يجوز العدول عما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به أصحابه فإنه قرن وساق الهدي وأمر كل من لا هدي معه بالفسخ إلى عمرة مفردة، والواجب أن يفعل كما فعله أو كما أمر به وهذا القول أصح من قول من حرم فسخ الحج إلى العمرة من وجوه كثيرة سنذكرها إن شاء الله تعالى هذا آخر كلام ابن القيم اهـ. (قلت) والأولى أن يقال إن قوله في رواية مالك من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ورد في المحرمين بالعمرة الذين ساقوا معهم الهدي ففيه

ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا" قَالتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ. لَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ، وَلَا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي. وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ دلالة على كون القرآن أفضل في حق السائقين من التمتع، وأما المفردون بالحج مع سوق الهدي فلم يؤمروا بذلك كما يشهد به قوله في رواية عقيل الآتية، ومن أهل بالحج فليتم حجه حتى من أهل بحج مع سوق الهدي وهؤلاء هم المعنيون بالشق الأول من قول عائشة في رواية الأسود الآتية في الباب، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر، وأما غير السائقين منهم فقد ثبت الأمر بفسخهم حجهم إلى العمرة بأحاديث كثيرة كما سيأتي بيانها وبيان المذاهب فيه إن شاء الله تعالى والله أعلم، والمعنى أن من كان معه هدي وأحرم بالعمرة فقط (فليهل بالحج مع العمرة) أي فليدخل الحج على العمرة فيكون قارنًا (ثم لا يحل) من إحرامه (حتى يحل منهما جميعًا) يوم النحر أي إن إحلاله من النسكين إنما يقع مرة واحدة في يوم النحر بذبح هديه (قالت) عائشة: وكنت ممن اعتمر ولم يسق الهدي (فقدمت مكة وأنا حائض) أي وقع قدومي مكة حالة كوني حائضًا، أما ابتداء حيضها فقد كان بسرف أو بقريب منها قبل دخول مكة كما سيأتي في الطرق الآتية في الباب (لم أطف بالبيت) أي لم أقدر على الطواف بالبيت (ولا) على السعي (بين الصفا والمروة) أي ولم أسع بينهما إذ لا يصح السعي إلا بعد الطواف وإلا فالحيض لا يمنع السعي اهـ مرقاة (فشكوت ذلك) أي أخبرت ذلك الأمر الذي وقع بي من الحيض قبل طواف العمرة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) على سبيل الشكوى (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (انقضي رأسك) أي حلي ضفر شعره بأصابعك أولًا (وامتشطي) أي ثم سرحيه بالمشط، قال السندي في حواشي النسائي: لعل المراد بالامتشاط الاغتسال لإحرام الحج (وأهلي بالحج) أي أحرمي بالحج (ودعي العمرة) أي اتركي إتمام عمل عمرتك فتكون قارنة، قال القرطبي: (قوله ودعي العمرة) فمحمول على ترك عملها لا على رفضها والخروج منها بدليل قوله في الرواية الأخرى وأمسكي مكان ودعي وهو ظاهر في استدامتها حكم العمرة التي أحرمت بها وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك" وهذا نص على أن حكم عمرتها باق عليها اهـ من المفهم، وفي رواية أمرني النبي صلى الله عليه وسلم

قَالتْ: فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا قَضَينَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بالحج وأترك العمرة، قال ابن الملك رحمه الله تعالى: أي أمرني أن أخرج من إحرام العمرة وأستبيح محظورات الإحرام، وأحرم بعد ذلك بالحج فإذا فرغت منه أحرم بالعمرة أي قضاء وهذا ظاهر، قال السندي في شرح مسند الإمام الأعظم: وقد استدل بذلك الكوفيون على أن المرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردة كما صنعت عائشة وأنها يلزمها دم لرفض العمرة كما حققه الشيخ علي القاري في شرح السنن. وقال الجمهور في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم دعي عمرتك أو أمسكي عن عمرتك أو ارفضي عمرتك أن تترك التحلل منها وتدخل عليها الحج فتصير قارنة، وقالوا: لا يلزم من نقض الرأس وامتشاطه إبطال العمرة بناء على أنهما جائزان ما لم يؤديا إلى النتف لكن يكره الامتشاط بغير عذر، وقال بعضهم: إن عائشة كان بها عذر من أذى رأسها فأبيح لها كما أبيح لكعب بن عجرة الحلق للأذى اهـ فتح الملهم (قالت) عائشة (ففعلت) ذلك الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق شقيقها، فيه جواز الخلوة بالمحارم سفرًا وحضرًا وإرداف المحرم محرمة كما سيأتي التصريح به (إلى التنعيم) إنما أرسلها إليه لأن العمرة بالحج في أنها لا بد لها أن يجمع فيها بين الحل والحرم وهو بفتح المثناة الفوقية وسكون النون وكسر المهملة، مكان معروف خارج مكة وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهي، وقال المحب الطبري: التنعيم أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل وليس بطرف الحل بل بينهما نحو من ميل، ومن أطلق عليه أدنى الحل فقد تجوز. (قلت) أو أراد به بالنسبة إلى بقية الجهات، وروى الفاكهي من طريق عبيد بن عمير قال: إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم، والذي على اليسار يقال له منعم، والوادي نعمان كذا في الفتح، وقال على القاري: وقيل بين مسجدها وبين أنصاب الحرم غلوة سهم، وهذا يدل على أن اعتمارها من التنعيم كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصرح منه ما أخرجه أبو داود من طريق حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم" وفي

فَاعْتَمَرْتُ. فَقَال: "هذِهِ مَكانُ عُمْرَتِكِ" فَطَافَ، الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ حَلُّوا. ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية الأسود عن عائشة: "فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم" وفي رواية: "اخرجي إلى التنعيم" وهو صريح بأن ذلك كان عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك يفسر قولي في رواية القاسم عنها بلفظ: "اخرج بأختك من الحرم" اهـ فتح الملهم. وقال ملا علي: التنعيم هو موضع قريب من مكة بينه وبينها فرسخ نقله عن ابن الملك (فاعتمرت) من التنعيم (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه) العمرة مبتدأ خبره (مكان عمرتك) بالرفع على الخبرية أي هذه بدل عمرتك أو بالنصب على كونه ظرفًا متعلقًا بالخبر المحذوف أي هذه العمرة كائنة مكان عمرتك الأولى أي التي أردت أن تأتي بها مفردة، وهذا صريح في كونها قضاء لعمرتها التي كانت أحرمت بها ثم رفضتها لأجل حيضها إنما قال ذلك تطييبًا لقلبها كذا في العيني على البخاري، وقال القسطلاني: برفع مكان خبرًا لقوله هذه أو بالنصب وهو الذي في اليونينية لا غير على الظرفية وعامله المحذوف هو الخبر أي كائنة أو مجعولة مكان عمرتك اهـ (فطاف الذين أهلوا بالعمرة) أي أحرموا بها ولم يسوقوا الهدي (بالبيت) طواف العمرة (و) سعوا (بالصفا) أي بين الصفا (والمروة) سعي العمرة (ثم حلوا) أي فكوا إحرامهم بالحلق أو التقصير (ثم) أهلوا بالحج و (طافوا طوافًا آخر) غير طواف العمرة (بعد أن رجعوا من منى) إلى مكة (لحجهم) يعني طواف الإفاضة وسعوا سعي الحج (وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة) أي قارنوهما لسوقهم الهدي (فإنما طافوا طوافًا واحدًا) للحج والعمرة وسعوا سعيًا واحدًا للحج والعمرة لاندراج عمل العمرة في الحج، قال النواوي: هذا دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد من طواف الركن وأنه يقتصر على أفعال الحج وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج وبهذا قال الشافعي وهو محكي عن ابن عمر وجابر وعائشة ومالك وأحمد وإسحاق وداود، قال أبو حنيفة: يلزمه طوافان وسعيان وهو محكي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود والشعبي والنخعي والله أعلم، ويذكر قول في مذهب أحمد كمذهب أبي حنيفة في تعدد السعي للقارن والمتمتع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري

2792 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ. حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ يُهْدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ [1556]، وأبو داود [1781]، والنسائي [5/ 225 و 226]، وابن ماجه [2974]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2792 - (00) (00) (وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي أبو عبد الله المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة نبيل، من كبار (10) (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، ثقة ثبت إمام فقيه، من (7) (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل بفتح العين الأيلي ثم المصري أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، غرضه بسوقه بيان متابعة عقيل بن خالد لمالك بن أنس (أنها قالت خرجنا) من المدينة إلى مكة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا) معاشر الصحابة (من أهل بعمرة) فقط وهو المسمى بالتمتع (ومنا من أهل بحج) فقط ويُسمى الإفراد، وفي رواية البخاري زيادة (ومنا مَنْ أهل بحج وعمرة) أي جمع بينهما ويسمى القرآن وكانوا أولًا لا يعرفون إلا الحج فبيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام، وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج، والحاصل من مجموع الأحاديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ثلاثة أقسام: قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم الهدي، وقسم بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بالحج، وقسم بحج ولا هدي معهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقلبوه عمرة، وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة، وأما عائشة فكانت أهلت بعمرة ولم تسق هديًا ثم أدخلت عليها الحج كما مر اهـ من القسطلاني، فمشينا (حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأصحابه (من أحرم) منكم (بعمرة) فقط (ولم يهد) بضم

فَلْيَحِلِلْ. وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَأَهْدَى، فَلا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ. وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ" قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: فَحِضْتُ. فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ. فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي، وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ. قَالتْ: فَفَعَلْتُ ذلِكَ. حَتَّى إِذَا قَضَيتُ حَجَّتِي، بَعَثَ مَعِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء من الإهداء أي لم يسق الهدي (فليحلل) بفتح الياء وكسر اللام أي فليخرج من الإحرام بحلق أو تقصير (ومن أحرم بعمرة وأهدى) أي ساق الهدي فليدخل الحج على العمرة فيكون قارنًا (فلا يحل) بالنفي، ويحتمل النهي اهـ ملا علي أي فلا يحل من إحرامه حينئذ (حتى ينحر هديه) بمنى (ومن أهل بحج) فقط (فليتم حجه) سواء ساق الهدي أم لا، قال عروة (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فحضت) أنا في سرف (فلم أزل حائضًا حتى كان) أي جاء (يوم عرفة ولم أهلل) أي لم أحرم أنا أولًا (إلا بعمرة) فقط ولم أسق الهدي فمنعني الحيض من إتمام عمرتي فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنقض) وأفك ضفر شعر (رأسي وأمتشط) أي أسرحه بالمشط وأغتسل غسل إحرام الحج (وأهل) أي أحرم (بحج وأترك) إتمام عمل (العمرة) لعارض الحيض (قالت) عائشة (ففعلت ذلك) الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفت بعرفة ورميت الجمرة وطفت الإفاضة (حتى إذا قضيت) وأتممت (حجتي) شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يرجع الناس غيري بعمرة منفردة عن حجة وبحجة منفردة. عن عمرة، وأرجع أنا بحجة ليس لي عمرة منفردة عن حج. حرصت بذلك على تكثير الأفعال كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية وأحرموا بالحج يوم التروية من مكة فحصل لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران فأرادت عمرة مفردة كما حصل لبقية الناس اهـ قسطلاني فـ (بعث معي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهم، وأمه أم رومان والدة عائشة فهو شقيقها، وكان اسمه عبد الكعبة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وتأخر إسلامه إلى أيام

وَأَمَرَني أَنْ أَعْتَمِرَ مِنَ التَّنْعِيمِ. مَكَانَ عُمْرَتي، الَّتي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا. 2793 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةِ. وَلَمْ أَكُنْ سُقْتُ الْهَدْيَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا" قَالتْ: فَحِضْت. فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيلَةُ عَرَفَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَكَيفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قَال: "انْفضِي رَأْسَكِ. وَامْتَشِطِي. وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ. وَأَهِلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ الهدنة (وأمرني أن أعتمر) أي أن أحرم بالعمرة (من التنعيم) المعروف الآن بمسجد عائشة (مكان عمرتي) أي بدل عمرتي (التي) منعني منها الحيض و (أدركني) عليها (الحج ولم أحلل منها) بإتمام أعمالها أي لم أحلل منها إحلالًا معروفًا مطلوبًا بإتيان أفعال العمرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2793 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لعقيل بن خالد (قالت) عائشة (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت) أنا أي أحرمت (بعمرة) مفردة (ولم أكن سقت الهدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لأصحابه (من كان معه هدي فليهلل) بضم الياء من الإهلال أي فليحرم (بالحج) قارنًا (مع عمرته ثم لا يحل) بالنهي، ويحتمل النفي بفتح الياء وكسر الحاء أي لا يحل من إحرامه (حتى يحل منهما جميعًا) في منى بذبح هديه (قالت) عائشة (فحضت) أي صرت ملازمًا لحيضتي التي حضتها في سرف قبل دخول مكة (فلما دخلت ليلة) يوم (عرفة قلت يا رسول الله إني كنت أهللت بعمرة) منفردة حين خرجنا من المدينة ومنعني الحيض من أعمالها وأدركني الحج وأنا في إحرام العمرة (فكيف أصنع) وأفعل (بحجتي) هذه التي دخل علي وقتها المضيّق؟ فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (انقضي) أي فكي شعر (رأسك وامتشطي وأمسكي عن) عمل (العمرة وأهلي

بِالْحَجِّ" قَالتْ: فَلَمَّا قَضَيتُ حَجَّتِي أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَني، فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ. مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَمْسَكْتُ عَنْهَا. 2794 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، فَلْيُهِلَّ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِل بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ" قَالت عَائِشةُ رضي الله تعالى عنها: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ. وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ. وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحج قالت) عائشة (فلما قضيت حجتي) وفرغت منها شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأني لم تحصل لي عمرة منفردة كما حصلت للناس فـ (أمر عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (فأردفني) أي أركبني على راحلته خلفه (فأعمرني) أي فجعلني معتمرة (من التنعيم مكان عمرتي) أي بدل عمرتي (التي أمسكت) نفسي (عنها) أي عن إتمام أعمالها لعارض الحيض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2794 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمعمر في الرواية عن الزهري (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة) قارنًا بينهما (فليفعل) أي فليحرم بهما (ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل) فيه بيان جواز أوجه الإحرام الثلاثة القرآن والإفراد والتمتع، قال ابن القيم رحمه الله: ثم إنه صلى الله عليه وسلم خيَّرهم عند الإحرام بين الأوجه الثلاثة ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي ثم حتم ذلك عليهم عند المروة اهـ (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج وأهل به) أي بالحج (ناس معه) صلى الله عليه وسلم وهو المسمى بالإفراد (وأهل ناس) آخرون (بالعمرة والحج) جميعًا وهو المسمى بالقران

وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ. وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهلَّ بِالْعُمْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأهل ناس) غيرهم (بعمرة) فقط وهو المسمى بالتمتع، قالت عائشة (وكنت) أنا (فيمن أهل بالعمرة) ولم يسق الهدي، قال النواوي: وفي هذا دليل على جواز الأنواع الثلاثة، وقد أجمع المسلمون على ذلك وإنما اختلفوا في أفضلها، قال الشافعي ومالك وكثيرون: أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وقال أحمد وآخرون أفضلها: التمتع، وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القرآن، وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي، والصحيح تفضيل الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وأما حجة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها هل كان مفردًا أم متمتعًا أم قارنًا؟ وهي ثلاثة أقوال للعلماء بحسب مذاهبهم السابقة وكل طائفة رجحت نوعًا وادعت أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت كذلك، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار قارنًا، وقد اختلفت روايات أصحابه رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هل كان قارنًا أم مفردًا أم متمتعًا؟ وقد ذكر البخاري ومسلم رواياتهم كذلك، وطريق الجمع بينها ما ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا ثم صار قارنًا، فمن روى الإفراد فنظرًا لأول أمره، ومن روى القرآن فنظرًا لآخر أمره، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتفق بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة في الاقتصار على عمل واحد وهو عمل الحج، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها اهـ. واعلم أن الإفراد هو أن يحرم بالحج في أشهره ويفرغ منه ثم يعتمر، والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منه ثم يحج من عامه، والقران أن يحرم بهما جميعًا، وكذا لو أحرم بالعمرة وأحرم بالحج قبل طوافها صح وصار قارنًا، فلو أحرم بالحج ثم أحرم بالعمرة فقولان للشافعي أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح وصار قارنًا بشرط أن يكون قبل الشروع في أسباب التحلل من الحج، وقيل قبل الوقوف بعرفات، وقيل قبل فعل فرض، وقيل قبل طواف القدوم أو غيره اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

2795 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَجِّةِ الْوَدَاعِ. مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ. قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ. فَلَوْلا أَنِّي أَهْدَيتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ" قَالتْ: فَكَانَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَل بِالْحَجِّ. قَالتْ: فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2795 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في) عام (حجة الوداع) في أواخر ذي القعدة حالة كوننا (موافين) أي مقاربين (لـ) طلوع (هلال ذي الحجة) وظهورها، من أوفى على الشيء إذا أشرف عليه، وسيأتي أنها قالت خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة، والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا مكة في الرابع من ذي الحجة، قال القرطبي: (قوله موافين لهلال ذي الحجة) أي مطلين عليه ومشرفين يقال أوفى على ثنية كذا أي شارفها وأطل عليها، ولا يلزم منه أن يكون دخل فيها، وقد دل على صحة هذا قولها في الرواية الأخرى خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة وكذلك كان، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة لأربع أو خمس من ذي الحجة فأقام النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة تسعة أيام أو عشرة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قالت) عائشة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد منكم أن يهل) بضم الياء وكسر الهاء أي أن يحرم (بعمرة فليهل) أي فليحرم بها (فلولا أني أهديت) أي فلولا سوق هديي موجود (لأهللت بعمرة) وفي هذا إشعار بكون التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي فإن هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم قبل الأمر بالفسخ في ابتداء الإحرام كما هو الظاهر اهـ فتح (قالت) عائشة (فكان من القوم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بالحج قالت) عائشة (فكنت أنا ممن أهل بعمرة) قال القرطبي: وهذا يعارضه قولها في الرواية (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج) وفي أخرى (لا نُرى

فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ. فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي. فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "دَعِي عُمْرَتَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا الحج) فاختلف العلماء في تأويل هذه الألفاظ المختلفة المضطربة؛ فمنهم من رجح الروايات التي فيها أنها أهلت بالحج، وغلط من روى أنها أهلت بعمرة وإليه ذهب إسماعيل أظنه ابن علية، ومنهم من ذهب مذهب الجمع بين هذه الروايات وهو الأولى إذ الرواة لتلك الألفاظ المختلفة أئمة ثقات مشاهير ولا سبيل إلى إطلاق لفظ الغلط على بعضهم بالوهم فالجمع أولى من الترجيح إذا أمكن فمما ذكر في ذلك أنها كانت أحرمت بالحج ولم تسق الهدي فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة فسخت فيمن فسخ وجعلته عمرة وأهلت بها وهي التي حاضت فيها ثم إنها لم تحل منها حتى حاضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج وتكون حينئذ مردفة فأحرمت بالحج ووقفت بعرفة وهي حائض ثم إنها طهرت يوم النحر فأفاضت فلما كملت مناسك حجها اعتمرت عمرة أخرى مع أخيها من التنعيم، قال فعن تلك العمرة التي دخلت فيها بعد الفسخ عبر بعض الرواة بأنها أحرمت بعمرة وعلى ذلك يُحمل قولها أهللت بعمرة تعني بعد فسخها الحج فلما كان منها الأمران صدق كل قول من أقوالها وكل راو روى شيئًا من تلك الألفاظ. (قلت) ويعتضد هذا التأويل بقولها في بعض رواياته فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، قالت عائشة: فحل من لم يسق الهدي، ونساؤه لم يسقن الهدي فأحللن، وهذا فيما يبدو تأويل حسن غير أنه يبعده مساق قولها أيضًا في رواية أخرى قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أراد أن يهل بحج وعمرة فليهل، ومن أراد أن يحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل" قالت: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وكنت فيمن أهل بعمرة. وظاهره الإخبار عن مبدأ الإحرام للكل وعلى هذا فيمكن التأويل على وجه آخر وهو أن يبقى هذا الحديث على ظاهره ويتأول قولها لبَّينا بالحج على أن ذلك كان إحرام أكثر الناس لأنه لما أحرم النبي صلى الله عليه وسلم اقتدى به أكثر الناس في ذلك، وأما هي فإنما أحرمت بعمرة كما نصت عليه وناهيك من قولها ولم أهل إلا بعمرة اهـ من المفهم (فخرجنا حتى قدمنا مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دعي) أي اتركي (عمرتك) التي فسخت الحج إليها وأحرمت بها أي

وَانْقُضِي رَأْسَكِ. وَامْتَشِطِي. وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ" قَالتْ: فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيلَةَ الْحَصْبَةِ، وَقَدْ قَضَى اللهُ حَجَّنَا، أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي وَخَرَجَ بِي إِلَى التَّنْعِيم. فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَضَى اللهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا. وَلَمْ يَكُنْ فِي ذلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ اتركي إتمام عملها لعارض الحيض (وانقضي) أي حلي ضفر شعر (رأسك وامتشطي) أي سرحي بالمشط واغتسلي غسل الإحرام (وأهلي بالحج قالت) عائشة (ففعلت) ما أمرني النبي صلى الله عليه وسلم به من هذا المذكور (فلما كانت) وجاءت (ليلة) المبيت بـ (الحصبة) وهي ليلة أربع عشرة ليلة نزول الحجاج بالمحصب حين نفروا من منى بعد أيام التشريق، ويُسمى ذلك النزول تحصيبًا، والمحصب موضع بمكة على طريق منى اهـ نووي، ويُسمى ذلك النزول تحصيبًا، والمحصب بصيغة اسم المفعول موضع خارج مكة على طريق منى، ويُسمى الأبطح، والبطحاء مسيل واسع فيه الحصباء وهي دقاق الحصى، والمحصب أيضًا موضع الجمار بمنى وليس مرادًا هنا اهـ من بعض الهوامش (و) الحال أنه (قد قضى الله حجنا) أي ختمه وأتمه بمنه وكرمه، والجملة حالية ولم تقل هنا حجنا وعمرتنا كما قالت فيما بعد أي بعد عمرة التنعيم ففيه دلالة على أنها صارت مفردة بعد رفض العمرة والله أعلم اهـ فتح. وذكر جواب لما بقوله (أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني) عبد الرحمن أي أركبني خلفه على راحلته (وخرج بي) أي ذهب بي (إلى التنعيم فأهللت بعمرة فقضى الله) سبحانه وتعالى (حجنا وعمرتنا) أي أتمها لنا، قال هشام بالسند السابق (ولم يكن في ذلك) الذي فعلته عائشة (هدي) أي ذبح (ولا صدقة) أي إطعام (ولا صوم) قال النواوي: هذا كلام أدرجه هشام بن عروة في الحديث وليس من كلام الصديقة اهـ كما سيأتي التصريح به في الرواية الآتية، وإن كان الظاهر هنا كونه من كلام الصديقة، وفي فتح الملهم ظاهره أن ذلك من قول عائشة رضي الله تعالى عنها، وكذا أخرجه البخاري من طريق يحيى القطان عن هشام والإسماعيلي من طريق علي بن مسهر وغيره، لكن أخرج البخاري في الحيض من طريق أبي أسامة عن هثسام بن عروة الخ فقال في آخره قال هثسام "ولم يكن في ذلك شيء" الخ فتبين أنه في رواية عبدة وابن نمير ويحيى ومن وافقهم مدرج، وكذا أخرجه من طريق وهيب والحمادين عن هشام، ورواه ابن جريج عن هشام فلم يذكر الزيادة أخرجه أبو عوانة، وكذا أخرجه الشيخان من طريق الزهري وأبي الأسود عن عروة بدون الزيادة،

2796 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ. لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن بطال: فظهر بذلك أن لا دليل فيه لمن قال إن عائشة لم تكن قارنة حيث قال: لو كانت قارنة لوجب عليها الهدي بالقران، قال الحافظ: والجواب عن ذلك أن هذا الكلام مدرج من قول هشام كأنه نفى ذلك بحسب علمه ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2796 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن نمير لعبدة بن سليمان (قالت) عائشة (خرجنا موافين) أي مقاربين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ذي الحجة لا نرى) بفتح النون أي لا نعتقد أنا نحرم (إلا الحج) لأنا كنا نعتقد امتناع العمرة في أشهر الحج، وفي البخاري بالضم أي لا نظن بمعنى لا نعتقد، وقال السندي في حواشي النسائي: قوله (لا نرى) بفتح النون أي لا نعتقد، وقيل بضم النون والمراد لا ننوي إلا الحج لكونه المقصود الأصلي من الخروج أو لأن الغالبين فيهم ما نووا إلا الحج اهـ، وفي صحيح البخاري كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرًا ويقولون: إذا برا الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر اهـ. ومرادهم بانسلاخ صفر انقضاء المحرم فإنهم كانوا يسمونه صفرًا، قال السندي في حاشيته: يمكن أن يقال أرادت بهذا أن المقصود الأصلي من الخروج ما كان إلا الحج وما وقع الخروج إلا لأجله، ومن اعتمر فعمرته كانت تابعة للحج فلا يخالف ما سبق أنها كانت معتمرة وكأنه في الصحابة رجال معتمرون اهـ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب منكم أن يهل بعمرة فليهل بعمرة وساق) عبد الله بن نمير (الحديث) السابق (بمثل حديث عبدة) بن سليمان.

2797 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلالِ ذِي الْحِجَّةِ. مِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ. فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِهمَا، وَقَال فِيهِ: قَال عُرْوَةُ فِي ذلِكَ: إِنَّهُ قَضَى اللهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا. قَال هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِي ذلِكَ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ. 2798 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديثها فقال: 2797 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لعبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين) أي مشرفين (لهلال ذي الحجة؛ منا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بحجة فكنت) أنا (فيمن أهل بعمرة، وساق) وكيع (الحديث بنحو حديثهما) أي بنحو حديث عبدة وابن نمير (و) لكن (قال) وكيع (فيه) أي في الحديث (قال عروة في ذلك) أي ذكر في ذلك الحديث الذي روى عن عائشة لفظة (إنه) أي إن الشأن والحال (قضى الله) سبحانه وتعالى وأتم (حجها وعمرتها) قال الحافظ وغيره: هذا دليل على أن قوله قضى الله حجها وعمرتها مدرج في سائر الروايات ليس هو من الحديث بل من قول عروة، وقال ابن بطال: إنه من قول هشام بن عروة. (قلت) ولكن رواية عبدة بن هشام صريحة في كونه من كلام عائشة حيث قالت: فقضى الله حجنا وعمرتنا. بصيغة المتكلم، ففي هذه الرواية دليل على أن المراد بقوله قال عروة الخ قوله رواية عن عائشة لا قوله من تلقاء نفسه والله أعلم (قال هشام ولم يكن في ذلك) الذي فعلته عائشة (هدي ولا صيام ولا صدقة) دل على إدراج هذه الجملة في الرواية السابقة كما قررنا هناك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديثها فقال: 2798 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت

عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. أَنَّهَا قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ. فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ. وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك) بن أنس (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن الأسود الأسدي المدني يتيم عروة، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الأسود لهشام (أنها) أي أن عائشة (قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل) أي خرج من إحرامه بالحلق أو التقصير بعد إتمام عمرته بالطواف والسعي (وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر) قال ابن القيم رحمه الله تعالى: أما حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة هذا وكذا حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها بنحوه فحديثان قد أنكرهما الحفاظ، وهما أهل أن يُنكرا، ثم نقل عن أحمد تخطئة حديث أبي الأسود، وقال الحافظ أبو محمد بن حزم: هذان حديثان منكران جدا قال: ولأبي الأسود في هذا النحو حديث لا خفاء بنكرته ووهنه وبطلانه، والعجب كيف جاز على من رواه فإن الزهري قد خالف أبا الأسود ويحيى بن عبد الرحمن وهو أحفظ منهما، وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة، ثم قال أبو محمد: وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة يعني اللذين أنكرهما أن يخرج روايتهما على أن المراد بقولها إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا حتى كان يوم النحر حين قضوا مناسك الحج، إنما عنت بذلك من كان معه الهدي وبهذا تنتفي النكرة عن هذين الحديثين وبهذا تأتلف الأحاديث كلها اهـ وهذا ما قدمناه في أوائل الباب من وجه التطبيق بين الأحاديث، وقد ذكرنا هناك أيضًا أن أمره صلى الله عليه وسلم من معه الهدي أن يهل بالحج مع عمرته إنما كان في حق المعتمرين الذين كان معهم الهدي والله أعلم اهـ فتح الملهم.

2799 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي. فَقَال: "أَنفِسْتِ" (يَعْنِي الْحَيضَةَ قَالتْ): قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "إِنَّ هذَا شَيءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديثها فقال: 2799 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (جميعًا عن ابن عيينة قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد التيمي المدني (عن أبيه) محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة القاسم بن محمد لعروة بن الزبير (قالت) عائشة (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى) بفتح النون أي ولا نعتقد (إلا) أننا نحرم (الحج حتى إذا كنا بسرف) بوزن تعب وجهل؛ موضع قريب من التنعيم اهـ مصباح، فهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، قال النواوي: وهو ما بين مكة والمدينة بقرب مكة على أميال منها قيل ستة، وقيل سبعة، وقيل تسعة، وقيل عشرة، وقيل اثنا عشر ميلًا اهـ (أو) قالت عائشة حتى إذا كنا (قريبًا منها) أي من سرف، والشك من الراوي أو ممن دونه (حضت فدخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (أنفست) بفتح النون وضمها لغتان مشهورتان والفتح أفصح والفاء مكسورة فيهما، وأما النفاس الذي هو بمعنى الولادة فيقال فيه نُفست بالضم لا غير أي هل حضت (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أنفست أحضت (الحيضة قالت) عائشة (قلت) له (نعم) حضت (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (أن هذا) الدم (شيء كتبه الله) سبحانه وتعالى أي قضاه وقدره (على بنات آدم) قال القاري: وهذا تسلية لها وتخفيف لهمِّهَا فإن البلية إذا عمت هانت، وقال النواوي: معناه إنك لست مختصة به بل كل بنات آدم يكون منهن هذا، كما يكون منهن ومن الرجال البول والغائط وغيرهما، قال الدهلوي: مهد الكلام بأنه شيء يكثر وقوعه فمثل هذا الشيء يجب في حكمة الشرائع أن يدفع عنه الحرج، وأن يسن له سنة

فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ. غَيرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي". قَالتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهرة فلذلك سقط عنها أي عن الحائض طواف القدوم والوداع، واستدل البخاري في صحيحه في كتاب الحيض بعموم هذا الحديث على أن الحيض كان في جميع بنات آدم، وأنكر به على من قال: إن الحيض أول ما أرسل ووقع في بني إسرائيل، وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعًا فكانت المرأة تتشرف للرجل فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد. وعنده عن عائشة نحوه، قال الداودي: ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أُريد به الخصوص. (قلت) ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده، وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم وامرأته قائمة فضحكت أي حاضت، والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب، وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة، وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها والله سبحانه وتعالى أعلم كذا في الفتح (فاقضي) أي فأدي وافعلي (ما يقضي الحاج) أي ما يفعله الحاج من المناسك من الوقوف والمبيت والرمي، والمراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد (غير أن لا تطوفي بالبيت حتى) تطهري و (تغتسلي) من الحيض أي إلا أنه لا تطوفي حتى تغتسلي وهذا الاستثناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة، وأما السعي فكالطواف إذ لا يصح إلا بعد الطواف، واختلف في علة المنع من الطواف فمن شرط الطهارة في الطواف قال: لأنها غير طاهر، ومن لم يشترطها قال: لأن البيت في المسجد والحائض لا تدخل المسجد اهـ فتح الملهم، قال الأبي: والمعنى أي افعلي ما يفعل الحاج من الوقوف بعرفة وغيره إلا الطواف فإنهم أجمعوا على منعها منه، واختلف في علة المنع كما مر آنفًا اهـ (قالت) عائشة (وضحى) أي أهدى (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر) إذ لا أضحية على الحاج لعدم الإقامة ويستروح منه أن الهدايا كانت تطوعًا أي جعلها مكان الأضحية لغير الحاج اهـ أبي.

2800 - (00) (00) حدّثني سُلَيمَانُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ أبُو أَيُّوبَ الْغَيلانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبِي سَلمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ. حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2800 - (00) (00) (حدثني سليمان بن عبيد الله) بن عمرو المازني (أبو أيوب الغيلاني) البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) القيسي العقدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله (بن أبي سلمة الماجشون) التيمي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب وهو بتثليث الجيم معرَّب ماه كون ومعناه يشبه القمر كما مر (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الماجشون لسفيان بن عيينة في الرواية عن عبد الرحمن (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر) ولا نعتقد، ولا نذكر في تلبيتنا أو في محاورتنا، وقال بعضهم: لا نقصد، كذا في المرقاة (إلا الحج) أي إلا الإحرام به (حتى جئنا سرف فطمثت) أي حضت، قال النواوي: هو بفتح الطاء وكسر الميم من باب تعب، ويقال طمثت المرأة من باب ضرب طمثًا إذا حاضت، وبعضهم يزيد عليه أول ما تحيض ويقال حاضت المرأة وتحيضت وطمثت وعركت بفتح العين والراء ونفست وضحكت وأعصرت وأكبرت كلها بمعنى واحد، والاسم منه الحيض والطمث والعراك والضحك والإكبار والإعصار وهي حائض وحائضة في لغة غريبة حكاها الفراء، وطامث وعارك ومكبر ومعصر، وفي هذه الأحاديث جواز حج الرجل بامرأته وهو مشروع بالإجماع، وأجمعوا على أن الحج يجب على المرأة إذا استطاعته، واختلف السلف هل المحرم لها من شروط الاستطاعة؟ وأجمعوا على أن لزوجها أن يمنعها من حج التطوع، وأما حج الفرض فقال جمهور العلماء: ليس له منعها منه، وللشافعي فيه قولان أحدهما لا يمنعها منه كما قال الجمهور وأصحهما له منعها لأن حقه على الفور والحج على التراخي، قال

فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَأَنَا أَبْكِي. فَقَال: "مَا يُبْكِيكِ؟ " فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ الْعَامَ. قَال: "مَا لكِ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "هذَا شَيءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ. افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيتِ حَتَّى تَطْهُرِي" قَالتْ: فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: "اجْعَلُوهَا عُمْرَةً" فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. قَالتْ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوي الْيَسَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحابنا: ويستحب له أن يحج بزوجته للأحاديث الصحيحة فيه (فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال) لي (ما يبكبك؟ فقلت: والله لوددت) أي لأحببت (أني لم أكن خرجت) هذا (العام) للحج ظنًّا منها أن الحيض يمنعها من الحج (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (مالك) أي أي شيء ثبت لك في بكائك (لعلك نفست) أي حضت، قالت عائشة (قلت) له (نعم) حضت (قال هذا) الدم (شيء كتبه الله) تعالى وقدره (علي بنات آدم) أي على إناث بني آدم فاصبري لأن البلية إذا عمت هانت و (افعلي ما يفعلـ) ـــه (الحاج) من المناسك كالوقوف (غير أن لا تطوفي) أي لكن أنه لا تطوفي (بالبيت) لعارض الحيض (حتى تطهري) من حيضك، فأن مخففة من الثقيلة، ويحتمل كون لا زائدة، وأن مصدرية أي افعلي ما يفعله إلا الطواف بالبيت وهذا أوضح وأولى (قالت) عائشة (فلما قدمت مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها) أي اجعلوا حجتكم المعهودة عندكم المنوية لديكم (عمرة) أي اقلبوها عمرة أمرهم أن يصرفوا إحرامهم بنية الحج إلى العمرة بأن يكتفوا بأفعالها فيكون فسخ الحج إلى العمرة، وقد روى هذا المعنى كثيرون من الصحابة غير عائشة منهم عبد الله بن عباس وابن عمر وأسماء وحفصة وعمران وأبو موسى، وكل هؤلاء عند البخاري، والبراء عند أبي يعلى بإسناد رجاله رجال الصحيح، وسهل بن حنيف عند الطبراني في الكبير بإسناد رجاله موثقون، وسبرة بن معبد الجهني عند أبي داود، وأنس عند البزار بإسناد صحيح، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي من الأئمة الأربعة عدم استمرار جواز الفسخ فلو أحرم بالحج لم يجز عندهم فسخه إلى العمرة وكذا العكس خلافًا للحنابلة والظاهرية وعامة أهل الحديث في قولهم إنه يفسخ الحج إذا طاف للقدوم إلى عمرة اهـ فتح الملهم (فأحل الناس) من إحرام الحج بعمل العمرة (إلا من كان معه الهدي، قالت) عائشة (فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسارة) أي

ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا. قَالتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ. فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْتُ. قَالتْ: فَأُتِينَا بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ فَقَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب السهولة والغنى، وسيأتي من طريق أفلح عن القاسم ومع رجال من أصحابه لهم قوة وهذا مخالف لما في حديث جابر وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة وكان علي رضي الله عنه قدم من اليمن ومعه الهدي، قال الحافظ: يُجمع بينهما بأن كلًّا منهما ذكر من اطلع عليه، وقد روى مسلم أيضًا من طريق مسلم القُرِّي وهو بضم القاف وتشديد الراء عن ابن عباس في هذا الحديث، وكان طلحة ممن ساق الهدي فلم يحل، وهذا شاهد لحديث جابر في ذكر طلحة في ذلك وشاهد لحديث عائشة في أن طلحة لم ينفرد بذلك وداخل في قولها وذوي اليسارة، ولمسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر أن الزبير كان ممن كان معه الهدي (ثم أهلوا) أي أحرموا بالحج (حين راحوا) وذهبوا إلى منى يوم التروية يعني الذين تحللوا بعمرة أحرموا بالحج حين راحوا إلى منى وذلك في يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة فصاروا متمتعين (قالت) عائشة (فلما كان يوم النحر طهرت) وانقطعت حيضتي (فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنزول إلى مكة لطواف الإفاضة (فأفضت) أي فنزلت إلى مكة فطفت طواف الإفاضة (قالت) عائشة (فأتينا) معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء للمجهول أي أتانا آت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلحم بقر فقلت) لمن أتانا به (ما هذا) اللحم؟ ترجم عليه البخاري بذبح الرجل عن نسائه من غير أمرهن، قال الحافظ: وأما قوله من غير أمرهن فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دُخل به عليها، ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن ليس ذلك دافعًا للاحتمال فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عند ذلك اهـ. (قلت) وقد تقدم قريبًا أن هذا الإهداء منه صلى الله عليه وسلم كان عمن اعتمر من نسائه، وعائشة لم تكن فيه حتى يحتاج إلى استئذانها والاستفهام إنما وقع عن عائشة لا عن سائر النساء والله أعلم اهـ فتح الملهم (فقالوا) لي (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ضحى (عن نسائه البقر) كما صرح به في الرواية السابقة، قال القاضي

فَلَمَّا كَانَتْ لَيلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ قَالتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي عَلَى جَمَلِهِ. قَالتْ: فَإِنِّي لأَذْكُرُ، وَأَنَا جَارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، أَنْعُسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عياض: كانت هذه الهدايا تطوعًا، ففيه تطوع الرجل بالهدي عن أهله وعمن يمونه وتطوعه عن الغير بالصدقة والعتق وما يكون من باب الأموال وبالكفارة الواجبة وإن لم يأمره، وقيل إنها كانت عن قرانهن أو تمتعهن (فلما كانت ليلة الحصبة) أي ليلة النزول بالمحصب وهي ليلة النفر، قال النواوي: وهي بعد أيام التشريق، وقال القاضي عياض: والمحصب موضع بين مكة ومنى وهو إلى منى أقرب وإلى منى يضاف، ودليله قول الشاعر وهو الشافعي رحمه الله تعالى: يا راكبًا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاطن خيفها والناهض وأصرح منه قول مجنون بني عامر: وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج لوعات الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرًا كان في صدري (قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة) وهذا صريح في كونها مفردة (قالت) عائشة (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم شقيقي (عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني) أي أركبني خلفه (على جمله، قالت فإني لأذكر) أي لأتذكر الآن (وأنا) أي والحال أني (جارية) أي بنت (حديثة السن) أي قليلة السن والعمر حالة كوني (أنعس) خلفه على جمله بضم العين من النعاس وهو اضطرار الإنسان إلى النوم، والفرق بينه وبين النوم أن النعاس يُسمع معه كلام الحاضرين والنوم ترى فيه الرؤيا (فيصيب وجهي) أي جبهتي (مؤخرة الرحل) أي القتب لجمله لشدة نعاسي، والمؤخرة بضم الميم وسكون الهمزة وفتح الخاء المعجمة الخشبة التي يستند إليها الراكب بظهره، والرحل بفتح الراء وسكون المهملة هو للبعير كالسرج للفرس، وفي رواية فأعمرها من التنعيم وحملها على قتب بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام، وترجم عليه البخاري (الحج على الرحل) وكأنه أشار إلى أن التقشف أفضل من الترفه، قال ابن المنذر: اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل؟ فقال الجمهور: الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من

حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ. فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ. جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا. 2801 - (00) (00) وحدّثني أَبُو أَيُّوبَ الْغَيلانِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: لَبَّينَا بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المنفعة، وقال إسحاق بن راهويه: المشي أفضل لما فيه من التعب، ويحتمل أن يقال يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والله أعلم. وقوله (حتى جئنا إلى التنعيم) غاية للإرداف (فأهللت) أي أحرمت (منها) أي من بقعة التنعيم (بعمرة جزاء) أي عوضًا ومقابلًا (بعمرة الناس التي اعتمروا) وكنت أريد حصولها منفردة غير مندرجة فمنعنيها الحيض، قال القرطبي: وأمره صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن أن يُعمر عائشة من التنعيم دليل على أن العمرة فيها الجمع بين الحل والحرم وهو قول الجمهور، وقال قوم: إنه يتعين الإحرام بالعمرة من التنعيم خاصة وهو ميقات المعتمرين من مكة أخذًا بظاهر هذا الحديث، واختلف الجمهور فيمن أحرم بالعمرة من مكة ولم يخرج إلى الحل، وقال عطاء: لا شيء عليه، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور والشافعي في أحد قوليه: عليه الدم وكأنه جاوز الميقات، وقال مالك والشافعي أيضًا: لا يجزئه إحرامه ويخرج إلى الحل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [6/ 273]، والبخاري [294]، وأبو داود [1782]، وابن ماجه [2963]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2801 - (00) (00) (وحدثني أبو أيوب الغيلاني) سليمان بن عبيد الله بن عمرو البصري، صدوق، من (11) (حدثنا بهز) بن أسد العمِّي بفتح العين المهملة وتشديد الميم نسبة إلى بني عم بن مرة بن وائل البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (عن عبد الرحمن) بن القاسم (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لعبد العزيز الماجشون في الرواية عن عبد الرحمن (قالت) عائشة (لبينا) أي أحرمنا (بالحج) وهذا إخبار منها عن غالب أحوال الناس أو عن أحوال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأما هي فقد قالت: إنها لم تهل

حتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ. فَدَخَلَ عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْمَاجِشُونِ. غَيرَ أَنَّ حَمَّادًا لَيسَ فِي حَدِيثهِ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهلُّوا حِينَ رَاحُوا. وَلَا قَوْلُهَا: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعُسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ. 2802 - (00) (00) حدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيسٍ. حَدَّثَنِي خَالِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا بعمرة اهـ مفهم (حتى إذا كنا بسرف حضت فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي وساق) حماد بن سلمة (الحديث) السابق (بنحو حديث) عبد العزيز (الماجشون غير أن حمادًا ليس في حديثه) قولها (فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وذوي اليسارة ثم أهلوا حين راحوا ولا قولها وأنا جارية حديثة السن أنعس فيصيب وجهي مؤخرة الرحل) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2802 - (00) (00) (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) الأصبحي المدني ابن أخت مالك بن أنس حليف عثمان بن عبيد الله القرشي، واسم أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس كنيته أبو عبد الله، روى عن خاله مالك بن أنس في الحج والجهاد، وسليمان بن بلال في اللعان واللباس والفضائل، وأخيه أبي بكر عبد الحميد في البيوع، وعبد العزيز بن المطلب في الإيمان، حديثه عن مالك رواه مسلم عنه، ويروي عنه (خ م د ت س) وأحمد بن يوسف وزهير بن حرب، قال ابن حجر في هدي الساري: لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح، وقال في التقريب: صدوق أخطأ في أحاديث، من العاشرة، مات سنة (226) ست أو سبع وعشرين ومائتين (حدثني خالي مالك بن أنس) الأصبحي المدني (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال) يحيى (قرأت على مالك) بن أنس وهو بمعنى أخبرني مالك، ولبيان هذا أتى بحاء التحويل (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان

أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أفْرَدَ الْحَجَّ. 2803 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَفِي حُرُمِ الْحَجِّ. وَلَيَالِي الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة مالك لمن روى عن عبد الرحمن بن القاسم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج) أي بالنظر إلى أول أمره، واختلف العلماء في أي أوجه الإحرام أفضل فذهب مالك وأبو ثور إلى أن إفراد الحج أفضل وهو أحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة والثوري: القرآن أفضل، وقال أحمد وإسحاق والشافعي في القول الآخر وأهل الظاهر: إن التمتع أفضل، وسبب اختلافهم الروايات في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم فروت عائشة وجابر بن عبد الله وأبو موسى وابن عمر رضي الله عنهم أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج، وروى أنس وعمران بن حصين والبراء بن عازب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أنه قرن الحج والعمرة، وروى ابن عمر أنه تمتع فلما تعارضت هذه الروايات الصحيحة صار كل فريق إلى ما هو الأرجح عنده. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2803 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا إسحاق بن سليمان) القيسي أبو يحيى الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن أفلح بن حميد) بن نافع الأنصاري المدني أحد الأثبات، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أفلح بن حميد لعبد الرحمن بن القاسم في رواية هذا الحديث عن القاسم (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين) أي محرمين (بالحج) كما قالت في رواية عنها لا نُرى إلا الحج أي خرجنا من المدينة (في أشهر الحج) وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة على الأصح (وفي حرم الحج) أي وفي مواضع إحرامه وميقاته تعني ذا الحليفة (و) في اليالي) أشهر (الحج) وهو مرادف للأشهر، وقيل المعنى أي خرجنا في أزمنته ومواضعه المحرمة

حَتَّى نَزَلْنَا بِسَرِفَ. فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: "مَنْ لَمْ يَكُنْ معَهُ مِنْكُمْ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وحالاته التي هي التجرد من محظوراته، وذكر النواوي -بعد ضبطه حرم الحج بضم الحاء والراء- ضبط بعضهم إياه بضم الحاء وفتح الراء على أن يكون جمع حرمة أي ممنوعات الحج ومحرماته اهـ، قال القرطبي: و (حرم الحج) أزمان مشهورة واليالي الحج) ليالي أيام شهوره وكررت ذلك تفخيمًا وتعظيمًا لها، ولذلك أتت بالظاهر مكان المضمر وصار هذا كقول عدي بن زيد، وقيل لسوادة بن زيد بن عدي: لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا اهـ من المفهم. وعلى هذا فالمراد بالثلاثة أزمنة الحج وأوقاته، والمقصود من كلامها أنه ما كان يخطر ببالنا أن حجتنا هذه تصير بعد ذلك عمرة اهـ فتح الملهم. وقال الحافظ: وأجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل ثلاثة بكمالها وهو قول مالك، ونقل عن الإملاء للشافعي أو شهران وبعض الثالث وهو قول الباقين، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون: عشر ليال من ذي الحجة، وهل يدخل يوم النحر أو لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: نعم، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنده: لا، وقال بعض أتباعه: تسع من ذي الحجة، ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ اهـ. قال القرطبي: وسبب هذا الخلاف هل يعتبر مسمى الأشهر وهي ثلاثة أو يعتبر الزمان الذي يفرغ فيه عمل الحج وهو أيام التشريق أو معظم أركان الحج وهو يوم عرفة أو يوم النحر وهو اليوم الذي يتأتى فيه إيقاع طواف الإفاضة وأبعدها قول من قال التاسع، وفائدة هذا الخلاف تعلق الدم بمن أخر طواف الإفاضة عن الزمان الذي هو عنده آخر الأشهر، وبسط الأحكام في كتب الفروع اهـ من المفهم. أي خرجنا إلى مكة (حتى نزلنا بسرف) موضع قريب إلى التنعيم (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته (إلى أصحابه فقال من لم يكن معه منكم هدي فأحب أن يجعلها) أي أن يفسخ حجته إلى (عمرة فليفعل) ذلك الجعل (ومن كان معه هدي فلا) يجعلها عمرة، وهذا تخيير لهم دون أمر عزيمة، قال ابن القيم: وهذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات فلما كان بمكة أمر أمرًا حتما من لا هدي معه أن يجعلها عمرة ويحل من إحرامه، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه اهـ، وقال النواوي: قال العلماء خيّرهم أولًا بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناسًا بالعمرة في أشهر الحج لأنهم كانوا

فَمِنْهُمُ الآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا. مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي. فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. وَمَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُمْ قُوَّةٌ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي. فَقَال: "مَا يُبْكِيكِ؟ " قُلْتُ: سَمِعْتُ كَلامَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ، فَسَمِعْتُ بِالعُمْرَةِ قَال: "وَمَا لَكِ؟ " قُلْتُ: لَا أُصَلِّي. قَال: "فَلَا يَضُرُّكِ. فَكُونِي فِي حَجِّكِ. فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يرون العمرة الكائنة فيها من أفجر الفجور ثم حتم عليهم بعد ذلك الفسخ وأمرهم به أمر عزيمة وألزمهم إياه وكره ترددهم في قبول ذلك ثم قبلوه وفعلوه إلا من كان معه هدي والله أعلم (فمنهم الآخذ بها) أي بالعمرة ممن ليس معهم هدي (والتارك لها) ممن كان معه هدي، قال النواوي: والضميران للعمرة اهـ وقوله (ممن لم يكن معه هدي) راجع إلى الآخذ بها (فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه الهدي) وكان الهدي أيضًا (ومع رجال من أصحابه لهم قوة) مالية وقدرة على سوق الهدي معهم (فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي نقال) لي (ما يبكيك؟ قلت: سمعت كلامك مع أصحابك فسمعت بالعمرة) قال النواوي: كذا هو في النسخ (فسمعت بالعمرة) قال القاضي: كذا رواه جمهور رواة مسلم، ورواه بعضهم (فمُنعت العمرة) وهو الصواب وهو لفظ البخاري، أي منعت من إتمام عمل العمرة بسبب حيضتي من الطواف والسعي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما لكِ) أي وما شأنك في منعك من الصلاة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا أصلي) كَنَتْ عن الحيض بالحكم الخاص به؛ وهو امتناع الصلاة تأدبًا منها في الكناية لما في التصريح من الإخلال بالأدب ولهذا والله أعلم استمر النساء إلى الآن على الكناية عن الحيض بحرمان الصلاة أي تحريمها فظهر أثر أدبها رضي الله تعالى عنها في بناتها المؤمنات قاله ابن المنير اهـ قسطلاني. وقوله في بناتها المؤمنات نظر فإن الأصح عدم إطلاق ذلك والنساء لا يدخلن في خطاب الرجال يعني قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لامرأة نادتها بيا أماه: أنا أم رجالكم لا أم النساء [راجع العيني في المجلد الأول ص 46] (قال فلا يضرك) ذلك الحيض (فكوني في حجك) أي أحرمي بالحج أي كوني فيما هو المقصود بالخروج من الحج والإحرام له والله أعلم قاله السندي (فعسى الله) أي حقق الله سبحانه (أن يرزقكيها) كذا بياء متولدة من إشباع كَسْرةِ الكاف، وكذلك وقع في مطبوع صحيح البخاري، وفي بعض نسخه على ما ذكره شراحه (يرزقكها) بغير ياء،

وَإِنَّمَا أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ. كَتَبَ اللهُ عَلَيكِ مَا كَتَبَ عَلَيهِنَّ" قَالتْ: فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنَى فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيتِ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمُحَصَّبَ. فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَّنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَال: "اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ لْتَطُفْ بِالْبَيتِ. فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا ههُنَا" قَالتْ: فَخَرَجْنَا فَأَهْلَلْتُ. ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَجِئْنَا رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والضمير للعمرة أي أن يعطيك العمرة أيضًا، وقد أعطاها بعد الحج أي أن يرزقك العمرة التي أردفت عليها الحجة ولم تفرغ من عملها فرجا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرز الله لها أجر عمرتها وإن لم تعمل لها عملًا خاصًّا كما قال لها: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك" (وإنما أنت) امرأة (من بنات آدم) كما هو مصرح في رواية البخاري كتب الله عليك ما كتب عليهن) سلّاها صلى الله عليه وسلم بذلك وخفف همها أي إنك لست مختصة بذلك بل كل بنات آدم يكون منهن هذا (قالت) عائشة (فخرجت في حجتي) إلى عرفة (حتى) وقفنا فيها وأفضنا منها إلى مزدلفة و (نزلنا منى) يوم النحر (فتطهرت) في منى (ثم) نزلنا إلى مكة فـ (طفنا بالبيت) طواف الإفاضة (ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الصاد المهملة المفتوحة وفي آخره باء موحدة وهو مكان متسع بين مكة ومنى سمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل وأنه موضع منهبط وهو الأبطح والبطحاء وحددوه بأنه ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقبرة منه، وفيه لغة أخرى الحصاب بكسر الحاء، قال العيني: وفيه النزول فظاهره أن النزول فيه سنة كما قال أبو حنيفة وهو قول إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وطاوس (فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال) له (اخرج بأختك من الحرم) إلى الحل (فلتهل) أي فلتحرم (بعمرة) من الحل أي مكان العمرة التي كانت تريد حصولها منفردة غير مندرجة فمنعها الحيض، فيه أن من كان بمكة وأراد العمرة فميقاته لها الحل، وإنما وجب الخروج إليه ليجمع في نسكه بين الحل والحرم كما يجمع الحاج بينهما فإن عرفات من الحل (ثم لتطف بالبيت) طوافها ولتسع سعيها ولتحلل ثم أتياني ها هنا (فإني أنتظركما ها هنا) أي في المحصب حتى تأتياني (قالت) عائشة (فخرجنا) أي خرجت أنا وعبد الرحمن إلى التنعيم (فأهللت) أي فأحرمت بالعمرة منه (ثم) نزلنا إلى مكة فـ (طفت بالبيت) طواف العمرة (و) سعيت (بالصفا والمروة) أي بينهما سبعة أشواط سعي العمرة فقصرت شعري وتحللت من العمرة (فجئنا) أي جئت أنا وعبد الرحمن (رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْ جَوْفِ اللَّيلِ. فَقَال: "هَلْ فَرَغْتِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَآذَنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ. فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيتِ فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ. 2804 - (00) (00) حدَّثني يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (في منزله) في المحصب (من جوف الليل) أي في وسطه متعلق بجئنا (فـ) لما سلمنا عليه (قال) لي (هل فرغت) يا عائشة من عمرتك (قلت) له (نعم) فرغت منها بحمد الله سبحانه (فآذن) بالمد، وفي بعض النسخ فأذن بلا مد وبذال مشددة وهو بمعناه أي أعلم، ونادى (في أصحابه بالرحيل) أي بالارتحال إلى المدينة (فخرج) من المحصب ودخل مكة (فمر بالبيت) الشريف (فطاف به) طواف الوداع (قبل صلاة الصبح) وهو واجب عند الجمهور، سنة عند بعضهم (ثم) بعد صلاة الصبح (خرج) من مكة متوجهًا (إلى المدينة) قال القرطبي: ولا خلاف في أن طواف الوداع مستحب مرغب فيه مأمور به غير أن أبا حنيفة يوجبه، ومن سننه أن يكون آخر عمل الحاج ويكون سفره بإثره حتى يكون آخر عهده بالبيت، وهذا قول جمهور العلماء لكن رخص مالك في شراء بعض جهازه وطعامه بعد طوافه، وقاله الشافعي إذا اشترى ذلك في طريقه دماقامة يوم وليلة بعده طول عند مالك، وقيل ليس بطول، وأجاز أبو حنيفة إقامته بعده ما شاء، وغيرهم لا يجيز الإقامة بعده لا قليلًا ولا كثيرًا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [1560]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2804 - (00) (00) (حدثني يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي العتكي (المهلبي) نسبة إلى جده المذكور، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن أم المومنين عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لأفلح بن حميد في رواية هذا الحديث عن القاسم (قالت) عائشة

قَالتْ: مِنَّا مَنْ أَهَل بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. وَمِنَّا مَنْ قَرَنَ. وَمِنَّا مَنْ تَمَتَّعَ. 000 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُميدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَال: جَاءَتْ عَائِشَةُ حَاجَّةً. 2805 - (00) (00) وحدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ عَمْرَةَ. قَالتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها تَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (منا من أهل بالحج مفردًا) بفتح الراء كما في القسطلاني ولا مانع من كسرها من حيث العربية (ومنا من قرن) بين الحج والعمرة (ومنا من تمتع) بعمل العمرة في أشهر الحج ثم أردفه بالحج. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [1562]، وأبو داود [1779]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الأثر الموقوف على القاسم بن محمد خلال المتابعات في حديث عائشة على سبيل الاستطراد فقال: (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج أخبرني عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني (عن القاسم بن محمد قال) القاسم (جاءت عائشة) مكة (حاجة) الصواب معتمرة، وهذا الأثر موقوف على القاسم لم يرفعه إلى عائشة ولكنه ذكره خلال المتابعات استطرادًا أو المعنى صارت عائشة حاجة أي محرمة بالحج لما مُنعت من إتمام عمرتها بالحيض لأن جاء تكون بمعنى صار الناقصة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2805 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية، ثقة، من (3) (قالت سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرة بنت

خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إِذَا طَافَ بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَنْ يَحِلَّ. قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: فَدُخِلَ عَلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن للقاسم بن محمد (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة) فيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو ما دام في النصف الأول يؤرخ بما خلا فإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي، قال الحافظ: وجزم ابن حزم بان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان يوم الخميس، وفيه نظر لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعًا لما ثبت وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة فتعين أن أول الشهر يوم الخميس فلا يصح أن يكون خروجه يوم الخميس بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة، لكن ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه صلينا الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين فدل على أن خروجهم لم يكن يوم الجمعة فما بقي إلا أن يكون خروجهم يوم السبت، ويُحمل قول من قال لخمس بقين أي إن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعًا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضي أربع ليال لا خمس، وبهذا تتفق الأخبار هكذا جمع الحافظ عماد الدين بن كثير بين الروايات وقوى هذا الجمع بقول جابر أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة أو أربع، وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة صبح رابعة كما ثبت في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وذلك يوم الأحد وهذا يؤيد أن خروجه من المدينة كان يوم السبت كما تقدم فيكون مكثه في الطريق ثمان ليال وهي المسافة الوسطى اهـ من فتح الملهم. (ولا نرى) بفتح النون أي لا نعتقد (إلا أنه) أي إلا أن المقصود الذي خرجنا لأجله هو (الحج) قال الزركشي: كان ذلك اعتقادها من قبل أن تهل ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد حكاية فعل غيرها من الصحابة فإنهم لا يعرفون إلا الحج ولم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج اهـ قسطلاني (حتى إذا دنونا) وقربنا (من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت و) سعى (بين الصفا والمروة أن يحل) من إحرامه بالحلق والتقصير وسبق أنه أمرهم به بسرف، فالثاني تكرار للأول وتأكيد له فلا منافاة بينهما اهـ قسط (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فدُخِل علينا) بضم الدال

يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ. فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَال يَحْيَى: فَذَكَرْتُ فذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. فَقَال: أَتَتْكَ، وَاللهِ! بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. 2806 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَألَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكسر الخاء مبنيًّا للمفعول (يوم النحر) بالنصب على الظرفية أي في يوم النحر ولم أر من ذكر الداخل (بلحم البقر فقلت) لمن عندي (ما هذا) اللحم (فقيل) ولم أر من ذكر القائل؛ أي قال لي قائل (ذبحـ) ـها (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) أي هدي سنة أو هديًا واجبًا عن نسائه المتمتعات غير عائشة رضي الله تعالى عنهن جُمع. (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (فذكرت هذا الحديث) الذي سمعته من عمرة اللقاسم بن محمد فقال) لي القاسم (أتتك والله) أي والله حدثتك عمرة (بـ) هذا (الحديث على وجهه) أي على هيئته ولفظه من غير تغيير بزيادة أو نقص، والمعنى أي ساقته لكن سياقًا تامًّا لم تختصر منه شيئًا وكأنه يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة قاله الحافظ في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامس عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2806 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال) عبد الوهاب (سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (يقول أخبرتني عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية (أنها سمعت عائشة رضي الله تعالى عنهاح وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيى) بن سعيد (بهذا الإسناد) يعني عن عمرة عن عائشة أي حدثنا عبد الوهاب وسفيان بن عيينة عن يحيى بهذا الإسناد (مثله) أي مثل ما روى سليمان بن بلال عن يحيى، غرضه بيان متابعتهما لسليمان بن بلال.

2807 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. ح وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَينِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ قَال: "انْتَظِرِي. فَإِذَا طَهَرْتِ فَاخْرُجِي إلَى التَّنْعِيمِ. فَأَهِلِّي مِنْهُ. ثُمَّ ألْقَينَا عِنْدَ كَذَا وَكَذَا (قَال: أَظُنُّهُ قَال غدًا) وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ (قَال): ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المتابعة سادس عشرها فقال: 2807 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم المعروف بـ (ابن علية) الأسدي البصري، ثقة، من (8) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6) (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) مات سنة (75) خمس وسبعين (عن أم المومنين) رضي الله تعالى عنها (خ و) روى إبراهيم أيضًا (عن القاسم) بن محمد (عن أم المؤمنين) عائشة رضي الله تعالى عنها وإسقاط حاء التحويل هنا أولى من إثباتها كما هي ساقطة في بعض النسخ كنسخة فتح الملهم لعدم الفائدة في التحويل هنا لأن المقام مقام العطف للقاسم على الأسود كما بينا في الحل (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله بصدر الناس) غيري من أزواجك وغيرهن أي يرجعون إلى بلادهم (بنسكين) أي بحجة وعمرة منفردة (وأصدر) أي أرجع أنا إلى بلدي (بنسك واحد) وهو الحج ولم تحصل لي عمرة مفردة، وإن حصلت لي في ضمن الحج بسبب القرآن فكيف تأمرني في جبر انكسار قلبي بسبب قلة عملي بسبب الحيض، قال في فتح الملهم: وهذا صريح في كونها مفردة ولم ينكر عليها قولها النبي صلى الله عليه وسلم بل كأنه قرر عليه حيث (قال: انتظري) أي تمهلي إلى انقضاء حجك وإلى مجيء طهرك (فإذا طهرت) من حيضتك (فاخرجي إلى التنعيم فأهلي) بالعمرة (منه) أي من التنعيم (ثم القينا) أمر للمؤنث من لقي يلقى من باب رضي حذفت الألف لالتقاء الساكنين مع ياء المؤنثة المخاطبة، والياء فاعل، ونا مفعول به، أي ثم ائتي إيانا وجيئي إلينا (عند) مكان كذا وكذا قال) إبراهيم (أظنه) أي أظن الأسود (قال) لفظة (غدًا) أي بكرة أي ائتينا غدًا عند مكان كذا وكذا (ولكنها) أي ولكن عمرتك أجرها (على قدر نصبك) بفتح النون والصاد المهملة؛ أي على قدر تعبك قلة وكثرة (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أجرها على

نَفَقَتِكِ". 2808 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ. قَال: لَا أَعْرِفُ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا مِنَ الآخَرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (نفقتك) فيها قلة وكثرة وأو إما للتنويع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإما شك من الراوي، ولكن أخرجه الدارقطني والحاكم: ونفقتك، بواو العطف والله أعلم، والمعنى إن الثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب أو النفقة والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة قاله النواوي، قال الحافظ رحمه الله تعالى: واستدل به على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرًا من الاعتمار من جهة الحل البعيدة وهو ظاهر هذا الحديث، وقال النواوي: ظاهر الحديث أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة وهو كما قال لكن ليس ذاك بمطرد فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلًا وثوابًا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها، وبالنسبة إلى المكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره، وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءَتها ونحو ذلك من صلاة النافلة وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع أشار إلى ذلك ابن عبد السلام في القواعد، قال: وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقًا والله أعلم اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابع عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2808 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6) (عن القاسم) بن محمد (و) عن (إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (قال) ابن عون (لا أعرف حديث أحدهما من الآخر) أي حديث القاسم من حديث إبراهيم لتماثلهما، قال الحافظ: قد أخرج الدارقطني والحاكم من وجه آخر ما يدل على أن السياق الذي هنا للقاسم فإنهما أخرجا من طريق الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: "إنما أجرك في

أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالتْ: يَا رَسًولَ اللهِ! يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَينِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. 2809 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالتْ؛ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إلا أَنَّهُ الْحَجُّ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوَّفْنَا بِالْبَيتِ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ. قَالتْ: فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ. وَنِسَاؤُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرتك على قدر نفقتك" (أن أم المومنين رضي الله عنها قالت: يا رسول الله يصدر الناس بنسكين فذكر) ابن أبي عدي (الحديث) السابق بمثل حديث ابن علية، غرضه بيان متابعة ابن أبي عدي لابن علية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامن عشرها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2809 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال زهير حدثنا وقال إسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة مخضرم (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة منصور لابن عون في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (قالت) عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) عام حجة الوداع (ولا نرى) بفتح النون أي والحال أنا لا نعتقد (إلا أنه) أي إلا أن النسك الذي نخرج له هو (الحج فلما قدمنا مكة تطوفنا) أي طفنا (بالبيت) وسعينا بين الصفا والمروة تعني طاف غيرها لقولها فيما بعد: فلم أطف بالبيت، فإنه تبين به أن قولها تطوفنا من العام الذي أريد به الخاص (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل) من إحرامه بحلق أو تقصير، فإن قلت الفاء فيه تقتضي التعقيب فتدل على أن الأمر كان بعد الطواف مع أنه قد سبق الأمر بهذا (قلت) أجاب الكرماني بأنه قال مرتين قبل القدوم وبعده فالثاني تكرار للأول وتأكيد له (قالت فحل من لم يكن ساق الهدي ونساؤه)

لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ. فَأَحْلَلْنَ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَحِضْتُ. فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيلَةُ الْحَصْبَةِ قَالتْ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ قَال: "أَوَ مَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ " قَالتْ: قُلْتُ: لَا. قَال: "فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ. فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". قَالتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ. قَال: "عَقْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (لم يسقن الهدي فـ) لذلك (أحللن) بالتقصير بعد الطواف والسعي (قالت عائشة فحضت) أنا في سرف ودخلنا مكة وأنا حائض (فلم أطف بالبيت) بسبب الحيض وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحرام الحج، ووقفت عرفة معهم وأنا حائض، ونزلنا منى يوم النحر فانقطع حيضي، فنزلت مكة، وطفت طواف الإفاضة، ورجعت إلى منى للمبيت ليالي التشريق (فلما كانت ليلة الحصبة) أي الليلة التي بعد ليالي التشريق التي ينزل فيها الحجاج في المحصب وهي ليلة أربع عشرة، والمشهور في الحصبة سكون الصاد وجاء فتحها وكسرها وهي أرض ذات حصى (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله يرجع الناس) غيري (بعمرة) منفردة (وحجة) منفردة (وأرجع أنا بحجة) مفردة (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ) تقولين ذلك (وما كنت طفت) طواف العمرة (ليالي قدمنا مكة قالت) عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) أي لم أطف لعارض الحيضة، ثم (قال) لي (فأذهبي مع أخيك) عبد الرحمن (إلى التنعيم فأهلي بعمرة، ثم موعدك) بالرفع على الابتداء خبره الظرف في قوله (مكان كذا وكدا) بالنصب على الظرفية أي وعد لقائك إيانا كائن في مكان كذا وكذا ويصح رفعه على الخبرية أي مكان وعد لقائك مكان كذا وكذا لأن الموعد يصلح أن يكون مصدرًا ووقتًا ومكانًا كما نص عليه أهل اللغة، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها (قالت صفية) بنت حيي رضي الله تعالى عنها لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى المدينة، وقد طافت طواف الإفاضة يوم النحر، ثم حاضت أي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه (ما أراني) أي ما أظن نفسي (إلا حابستكم) أي مانعتكم من الرحيل إلى المدينة لانتظار طهري وطوافي الوداع قالته ظنًّا منها أن طواف الوداع لا يسقط من الحائض، والحال أنه بموضع السقوط عنها واسناد الحبس إليها على سبيل المجاز المرسل فلما سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عقرى) لها

حَلْقَى. أَوَ مَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قَالتْ: بَلَى. قَال: "لَا بَأْسَ. انْفِرِي". قَالتْ عَائِشَةُ: فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيهَا. أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (حلقى) لها بفتح أولهما وسكون ثانيهما وبالقصر فيهما بغير تنوين لألف التأنيث المقصورة في الرواية ويجوز في اللغة وصوبه أبو عبيد لأن معناهما الدعاء بالعقر والحلق كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دعاء ثم معنى عقرى عقرها الله تعالى أي جرحها وطعنها، وقيل جعلها عاقرًا لا تلد، وقيل عقر قومها، ومعنى حلقى حلق الله شعرها وهو زينة المرأة أو أصابها وجع في حلقها أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم، قال القرطبي: وهي كلمة تقولها اليهود للحائض فهذا أصل هاتين الكلمتين ثم اتسع العرب في قولها بغير إرادة حقيقتها ومعناها كما قالوا: قاتلك الله، وتربت يداك ونحو ذلك مما ظاهره الدعاء بالمكروه ولا يقصدونه على ما تقدم في الطهارة، قال القرطبي وغيره: اختلف كلامه صلى الله عليه وسلم في عائشة وصفية باختلاف المقام فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النسك فسلّاها بقوله: "هذا شيء كتبه الله علي بنات آدم" وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله كما ورد في رواية فابدت المانع فناسب كلًّا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة كذا في فتح الباري (أ) تقولين ذلك (وما كنت طفت يوم النحر) طواف الإفاضة الذي هو أحد أركان الحج (قالت) صفية (بلى) طفت يوم النحر (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا بأس) أي لا حرج ولا ضرر عليك في ترك طواف الوداع بسبب الحيض (انفري) بكسر الفاء، وفي رواية اخرجي، وفي رواية فلتنفر، وفي رواية قال اخرجوا، ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة أي اخرجي من منى راجعة إلى المدينة فإن طواف الوداع ساقط عن الحائض لعذر الحيض والله أعلم. (قالت عائشة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (مصعد) أي مبتدئ السير والذهاب (من مكة) بعد طوافه للوداع (وأنا منهبطة عليها) أي هابطة على مكة داخلة فيها لطواف العمرة (أو) قالت عائشة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم و (أنا) أي والحال أني (مصعدة) على مكة أي داخلة فيها لطواف العمرة (وهو) صلى الله عليه وسلم (منهبط منها) أي خارج منها بعد طواف الوداع، والشك من الراوي عنها، قال في مجمع البحار: قوله (وهو مصعد من مكة) الخ وهو

وَقَال إِسْحَاقُ: مُتَهَبِّطَةٌ وَمُتَهَبِّطٌ. 2810 - (00) (00) وحدّثناه سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نُلَبِّي. لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرةً. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حدِيثِ مَنْصُورٍ. 2811 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى صاعد من أصعد بمعنى صعد ولا ينافي هذا حديث (فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله من جوف الليل) كما مر قريبًا لأنه كان قد خرج بعد ذهابها ليطوف للوداع فلقيها وهو صادر بعد الطواف وهي راحلة لطواف عمرتها ثم لقيته بعد وهو بالمحصب، قال النواوي: وأما قولها في الرواية الماضية فأذن في أصحابه فصر بالبيت وطاف فيتأول على أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وأن طوافه صلى الله عليه وسلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها، وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة، وقوله (أو أنا مصعدة) الخ هذا شك من الراوي (وقال إسحاق) بن إبراهيم (متهبطة) بدل منهبطة (ومتهبط) بدل منهبط والمعنى واحد والهبوط ضد الصعود. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسع عشرها في حديثها فقال: 2810 - (00) (00) (وحدثناه سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلدة على الفرات (عن علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها) غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور (قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلبي) أي نذكر التلبية ونقول لبيك لبيك، حال كوننا (لا نذكر حجًّا ولا عمرة) في أول الأمر عند خروجنا من المدينة قبل أن يبين لهم أنواع الإحرام ويأمرهم بها اهـ مفهم، ولا معارضة في ذلك لما تقدم من الاختلاف في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم (وساق الحديث) الأعمش (بمعنى حديث منصور) لا بلفظه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عشريها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2811 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن

بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنِ غُنْدَرٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَينِ، عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا قَالتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَرْبَعٍ مَضَينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ خَمْسٍ. فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ. فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ. قَال: "أَوَ مَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بشار جميعًا عن غندر) محمد بن جعفر الهذلي (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بزين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه، من (3) (عن ذكوان مولى عائشة) أبي عمرو المدني، ثقة، من (3) (عن) مولاته (عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ذكوان لمن روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) مكة (لأربع) ليالي (مضين من ذي الحجة أو) قالت لـ (خمس) ليال مضين من ذي الحجة، شك منها أو من الراوي عنها وقد ثبت في حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قدم صبح رابعة مضت من ذي الحجة (فدخل عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (غضبان) أي ملآن من الغضب حين تأخر بعض أصحابه في فسخ الحج إلى العمرة، قال النواوي: أما غضبه صلى الله عليه وسلم فلانتهاك حرمة الشيء وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فغضب صلى الله عليه وسلم لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص إيمانهم بتوقفهم، وفيه دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (من أكضبك يا رسول الله أدخله الله النار) دعاء كأنها سبق لها أن الذي يغضب النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو منافق فدعت عليه بذلك اهـ مفهم، أو إخبار قاله القاري في المرقاة، وجملة أدخله الله النار ساقطة في المبارق فيكون الكلام لمجرد الاستفهام (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) عجبتِ من ذلك وقلتِهِ (وما شعرت) بفتح العين أي وما علمت (أني أمرت الناس بأمر) لهم فيه مصلحة في دينهم؛ وهو أمره صلى الله عليه وسلم إياهم بأن يحلقوا رؤوسهم

فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ؟ " (قَال الْحَكَمُ: كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ) وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحلوا من إحرامهم (فإذا هم) أي الناس (يترددون) أي يتوقفون في امتثال ذلك الأمر أي فاجأني ترددهم وتوقفهم، وإذا للمفاجأة وما بعدها جملة اسمية، قال ابن الملك: ترددهم في صيرورتهم حلالًا من إحرامهم كان لعدم إحلال النبي صلى الله عليه وسلم اهـ ويدل عليه تتمة الحديث وهو قوله "ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي" (قال الحكم) بالسند السابق (كأنهم يترددون أحسب) أي أحسب وأظن شيخي علي بن الحسين قال (كأنهم يترددون) بدل قوله (فإذا هم يترددون) أي شك الحكم هل سمع من شيخه لفظة فإذا هم يترددون أو لفظة كأنهم يترددون، قال القاضي: قوله (قال الحكم كأنهم يترددون) كذا وقع هذا اللفظ وهو صحيح وإن كان فيه إشكال قال: وزاد إشكاله تغيير فيه؛ وهو قوله قال الحكم كأنهم يترددون وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحكم؛ ومعناه أن الحكم شك في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مع ضبطه لمعناه فشك هل قال يترددون أو نحوه من الكلام، ولهذا قال بعده أحسب أي أظن أن هذا لفظه، ويؤيده قول مسلم بعده في حديث غندر ولم يذكر الشك من الحكم في قوله يترددون والله أعلم اهـ (ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو كنت علمت قبل إحرامي ما علمته بعده من تردد الناس في تحللهم وانتظارهم تحللي لأحرمت بحمرة ولـ (ما سقت الهدي معي حتى أشتريه) بمكة أو ببعض جهاتها (ثم أحل كما حلوا) أي مقارنًا بإحلالهم وعدم تحللي كان لأني سقت الهدي معي والناس لم يكونوا كذلك، وسوق الهدي معي يمنع الحل إلى أن ينحر الهدي، قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وذلك يوم النحر، وقال في العون: معناه لو علمت أولًا ما علمت آخرًا وظهر لي أولًا ما ظهر لي آخرًا ما سقت الهدي اهـ، وقال ابن القيم: معنى هذا الكلام أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي لأن الذي استدبره هو الذي فعله ومضى فصار خلفه والذي استقبله هو الذي لم يغعله بعد بل هو أمامه فمقتضاه أنه لو كان كذلك لأحرم بالعمرة دون هدي اهـ، وقال الزرقاني: في شرحه أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخرًا وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي أي لما جعلت عليّ هديًا وأشعرته وقلدته وسقته بين يديّ، فإن من ساقه لا يحهل حتى ينحره وإنما ينحره يوم النحر فلا يصح له فسخ الحج بعمرة ومن لا هدي معه يجوز

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ له فسخه، وهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعًا اهـ، قال الخطابي: إنما قال هذا استطابة لنفوس الصحابة لئلا يجدوا في أنفسهم أنه أمرهم بخلاف ما يفعله في نفسه اهـ، قال القرطبي: وهذا الكلام يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما أحرم به متحتمًا متعينًا عليه وأنه كان مخيرًا بين أنواع الإحرام فأحرم بأحدها ثم إنه لما قلد الهدي لم يمكنه أن يتحلل حتى ينحره يوم النحر بمحله؛ فمعنى الكلام لو ظهر لي قبل الإحرام ما ظهر لي عند دخول مكة من توقف الناس عن التحلل بالعمرة لأحرمت بعمرة ولما سقت الهدي، وإنما قال ذلك تطييبًا لنفوسهم وتسكينًا لهم اهـ من المفهم، وفي فتح الملهم: قال بعض مشايخنا وهذا التمني لم يقع منه لكون ما تمناه أفضل مما اختاره الله له صلى الله عليه وسلم من القرآن بل لكونه أسهل لحث الصحابة على قبول ما أمر به من فسخ الحج إلى العمرة وأقوى وأبلغ في التأثير في نفوسهم حين تحرجوا وتوقفوا فيه، وفي قصة الحديبية أظهر شاهد على هذا ففي البخاري في الشروط فلما فرغ من الكتاب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم إحلقوا رؤوسكم" فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرإت، فلما لم يقم منهم واحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، وفي رواية ابن إسحاق فقال لها: ألا ترين إلى الناس أني أمرتهم بالأمر فلا يفعلونه" فقالت: يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح، وفي رواية أبي المليح فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال: "هلك المسلمون، أمرتهم أن يحلقوا وينحروا فلم يفعلوا" قال: فجلا الله عنهم يومئذ بأم سلمة فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك! ! اخرج ثم لا تكلم منهم أحدًا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم منهم أحدًا حتى نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا. فانظر كيف بادروا إلى فعل ما أمرهم به بعد ما فعل هو بنفسه صلى الله عليه وسلم إذ لم يسق غاية ينتظرونها، ونظيره ما وقع لهم في غزوة الفتح في رمضان من أمره لهم بالفطر من رمضان فأبوا حتى شرب فشربوا، وهكذا في حجة الوداع لو أمكنه الموافقة لهم على الفسخ والإحلال بفعله لكان الأمر هينًا عليهم وأذهب لما ضاقت به صدورهم، ولكن سوق الهدي قد منعه من الإحلال فلهذا تأسف على ما فاته وتمنى ما تمناه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الأبي: ولا يؤخذ منه أن التمتع أفضل لأنه تمنى أن يكون متمتعًا وإنما يتمنى الأفضل لأن الشيء قد يكون أفضل باعتبار ذاته وقد يكون باعتبار ما يقترن به، ولا يلزم أن يكون أفضل باعتبار ذاتة وهو هنا كذلك لأن هذا التكليف يقترن به أنه قصد موافقة الصحابة في الفسخ بما شق عليهم اهـ. (قلت) ونظير تمنى الانتقال من الأفضل إلى المفضول ما قال ابن عمرو بن العاص في آخر عمره: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في الصيام مع أنه كان يصوم صوم داود وهو أفضل الصيام بنص الحديث، ولكن تمنيه رضي الله عنه إنما كان لمصلحة نفسه، وتمنيه صلى الله عليه وسلم كان لمصالح ترجع إلى أمته حين شق على بعضهم امتثال ما أمر به فكان هو الأصوب إذ ذاك والله أعلم. قال الدهلوي رحمه الله: الذي بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمور منها أن الناس كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم يرون العمرة في أيام الحج من أفجر الفجور فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل تحريفهم ذلك بأتم وجه، ومنها أنهم كانوا يجدون في صدورهم حرجًا من قرب عهدهم بالجماع عند إنشاء الحج حتى قالوا: أنأتي عرفة ومذاكيرنا تقطر منيًّا وهذا من التعمق فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسد هذا الباب، ومنها أن إنشاء الإحرام عند الحج أتم لتعظيم البيت وإنما كان سوق الهدي مانعًا من الإحلال لأن سوق الهدي بمنزلة النذر بأن يتبع على هيئته تلك حتى يذبح الهدي والذي يلتزمه الإنسان إذا كان حديث نفس أو نية غير مضبوطة بالفعل لا عبرة به وإذا اقترن بها فعل وصارت مضبوطة وجبت رعايتها، والضبط مختلف فأدناه باللسان وأقواه أن يكون مع القول فعل ظاهر علانية يختص بالحالة التي أرادها كالسوق به والله أعلم بالصواب اهـ، قال النواوي: وفي الحديث دليل على جواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان فحمول على التاسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال لوفي غير حظوظ الدنيا ونحوها ليُجمع بين الأحاديث بما ذكرناه اهـ من فتح الملهم، وهذه الرواية انفرد بها المؤلف رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشريها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

2812 - (00) (00) وحدَّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ. سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَينِ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها. قَالتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأرْبَعٍ أوْ خَمْسٍ مَضَينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. بِمِثْلِ حَدِيثِ غُنْدَرٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّكَّ مِنَ الْحَكَمِ فِي قَوْلِهِ: يَتَرَدَّدُونَ. 2813 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها؛ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ. فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيتِ حَتَّى حَاضَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2812 - (00) (00) (وحدثناه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (10) (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر التميمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة عن الحكم سمع علي بن الحسين عن ذكوان عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (قالت) عائشة (قدم النبي صلى الله عليه وسلم لأربع) ليال مضين (أو) قالت لي (خمس) ليال (مضين من ذي الحجة) وساق معاذ بن معاذ (بمثل حديث غندر و) لكن (لم يذكر) معاذ في روايته (الشك) الواقع (من الحكم في قوله) كأنهم (يترددون) أي لم يذكر في زيادة كأنهم شكًا، والظاهر أن معاذًا شك في زياداته أيضًا والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشريها في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2813 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمِّي البصري، إمام صدوق ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني المحميري، ثقة فاضل، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان، ثقة، من (3) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لمن روى عن عائشة (أنها أهلت) أي أحرمت (بعمرة) ولم تسق الهدي (فقدمت) مكة (ولم تطف بالبيت) طواف العمرة (حتى حاضت) وقي الكلام تقدير؛ والمعنى أنها أهلت بعمرة ولم تسق الهدي فحاضت في سرف فقدمت مكة وهي حائض ولم تطف بالبيت لعارض الحيض "حتى حاضت" أي فاستمر حيضها إلى يوم التروية

فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا. وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ. فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ النَّفْرِ: "يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" فَأَبَتْ. فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ. فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ. 2814 - (00) (00) وحدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَابِ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ. فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فأحرمت بالحج (فنسكت) أي ففعلت (المناسك) أي مناسك الحج كلها) من الوقوف والرمي والمبيت، وانقطع حيضها يوم النحر فنزلت إلى مكة فطافت للإفاضة (و) الحال أنها (قد أهلت بالحج) يوم التروية فرجعت إلى منى (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر) أي يوم النزول والرجوع من منى إلى المحصب (يسعك) أي يجزئك (طوافك) للإفاضة (لحجك وعمرتك) لأنها أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة (فأبت) أي امتنعت عن الاكتفاء به، لا إباء جحود نعوذ بالله منه، بل إباء عن الفاضل بالميل إلى الأفضل (فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت) منه (بعد الحج). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشريها في حديثها فقال: 2814 - (00) (00) (وحدثني حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (حدثنا زيد بن الحباب) العكلي الخراساني أبو الحسين الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثني إبراهيم بن نافع) المخزومي أبو إسحاق المكي، ثقة، من (7) (حدثني عبد الله بن أبي نجيح) يسار الثقفي مولاهم أبو يسار المكي، ثقة، من (6) (عن مجاهد) بن جبر المخزومي أبي الحجاج المكي، ثقة، من (3) (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مجاهد لمن روى عن عائشة (أنها حاضت بسرف) موضع قريب إلى التنعيم فمُنعت من العمرة فاحرمت بالحج (فتطهرت بعرفة) أي قل دمها بعرفة فنزلت إلى منى وانقطع دمها فيها فطافت الإفاضة (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزئ عنك طوافك) بالبيت وسعيك (بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك).

2815 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيرِ بْنِ شَيبَةَ. حَدَّثَتْنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيبَةَ. قَالتْ: قَالتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيَرْجِعُ النَّاسُ بِأَجْرَينِ وَأَرْجِعُ بِأَجْرٍ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَنْطلِقَ بِهَا إِلَى التَّنْعِيمِ. قَالتْ: فَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ. قَالتْ: فَجَعَلْتُ أَرْفَعُ خِمَارِي أَحْسُرُهُ عَنْ عُنُقِي. فَيَضْرِبُ رِجْلِي بِعِلَّةِ الرَّاحِلَةِ. قُلْتُ لَهُ: وَهَلْ تَرَى مِنْ أحَدٍ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشريها فقال: 2815 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي أبو خالد البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (حدثني عبد الحميد بن جبير بن شيبة) بن عثمان بن طلحة العبدري الحجبي المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (حدثثنا) عمتي (صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنه في (5) أبواب (قالت: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة صفية بنت شيبة لمن روى عن عائشة (يا رسول الله أيرجع) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي هل يرجع (الناس) غيري (بأجرين) أجر العمرة المفردة وأجر الحج (وأرجع) أنا (بأجر) واحد أجر الحج، وإن كان في ضمنها عمرة، فالاستفهام شكاية على صورة الإنكار (فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (أن ينطلق) ويذهب (بها) أي بعائشة (إلى التنعيم) موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة أقرب أطراف الحل إلى البيت، سمي بالتنعيم لأن على يمينه جبل نعيم، وعلى يساره جبل ناعم كما مر (قالت) عائشة (فأردفني) أي أركبني عبد الرحمن (خلفه على جمل له) والجمل ذكر الإبل (قالت) عائشة (فجعلت) أي شرعت في الطريق (أرفع خماري) عن رأسي، والخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها، حالة كوني (أحسره) بكسر السين وضمها لغتان أي أكشف خماري وأزيله (عن عنقي فيضرب) عبد الرحمن (رجلي) التي كانت على ورك الجمل (بعلةِ الراحلة) أي بسبب ضرب الجمل (قلت له) أي فأقول له (وهل ترى من أحد) معنا؟ قال النواوي:

قَالتْ: فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَينَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْحَصْبَةِ. 2816 - (1183) (103) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشهور في النسخ أنه بباء من أسفل وعين مهملة مكسورة ولام مشددة أي فيضرب رجلي بسبب الراحلة أي في صورة من يضرب الراحلة، ويكون قوله بعلة أي بسبب، والمعنى أنه يضرب رجل أخته بعود أو سوط بيده عامدا لها في صورة من يضرب الراحلة حين تكشف خمارها غيرة عليها، فتقول له هي: وهل ترى من أحد معنا؟ أي نحن في خلاء ليس هنا أجنبي أستتر منه، وإنما ذكرت هذا إشعارًا بحفظ القصة والله أعلم (قالت) عائشة (فأهللت) أي فاحرمت (بعمرة ثم أقبلنا) أي توجهنا من التنعيم إلى مكة (حتى) فرغنا من عمرتنا و (انتهينا) أي وصلنا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة) أي بالمحصب وقد مر تفسيره، قال النواوي: اختلفت الروايات في حديث عائشة هذا في هذه الرواية قالت: ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة، وفي بعضها "فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها" وفي أخرى "فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله فقال: هل فرغت؟ فقلت: نعم، فأذن في أصحابه، فخرج فمر بالبيت وطاف" وجهُ الجمعِ بين هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم بعث عائشة مع أخيها بعد نزوله المحصب وواعدها أن تلحقه بعد اعتمارها، ثم خرج هو صلى الله عليه وسلم بعد ذهابها فقصد البيت ليطوف طواف الوداع، ثم رجع بعد فراغه من طواف الوداع، وكل هذا في الليلة التي تلي أيام التشريق فلقيها صلى الله عليه وسلم وهو صادر بعد طواف الوداع وهي داخلة لطواف عمرتها ثم فرغت من عمرتها ولحقته صلى الله عليه وسلم وهو بعد في منزله بالمحصب، وأما قولها فأذن في أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف فيتأول على أن في الكلام تقديما وتأخيرًا أن طوافه صلى الله عليه وسلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم فقال: 2816 - (1183) (103) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن

نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. أَخْبَرَهُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، فَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. 2817 - (1184) (104) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعًا عَن اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ قَال: أَقْبَلْنَا مُهِلَّينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ. وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ. حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نمير قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4) (أخبره عمرو بن أوس) بن أبي أوس الثقفي الطائفي تابعي كبير، ثقة، من (2) مات بعد التسعين من الهجرة، قال في التقريب: وهم من ذكره في الصحابة (أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد طائفي وواحد مكي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره) أي أمر عبد الرحمن (أن يردف عائشة) أي يركبها خلفه على ظهر البعير (فيعمرها من التنعيم) أي فيجعلها تعتمر من التنعيم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الحج، والترمذي في الحج، والنسائي في المناسك في الكبرى اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 2817 - (1184) (104) (حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (جميعًا عن الليث بن سعد) المصري (قال قتيبة: حدثنا ليث) بصيغة السماع (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم (عن جابر رضي الله عنه) وهذا السند من رباعياته (أنه قال أقبلنا) من المدينة (مهلين) أي محرمين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد) عن العمرة (وأقبلت عائشة) محرمة (بعمرة) وليس معها هدي (حتى إذا كنا بسرف) بوزن علم؛ موضع قريب إلى التنعيم كما مر (عركت) بفتح العين والراء المهملتين من باب قعد يقال عركت تعرك عروكا إذا حاضت (حتى إذا قدمنا) مكة (طفنا بالكعبة و) سعينا بين (الصفا

فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ. قَال: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَال: "الْحِل كلُّهُ" فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ. وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ. وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا. وَلَيسَ بَينَنَا وَبَينَ عَرَفَةَ إِلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ. ثمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْويَةِ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها. فَوَجَدَهَا تَبْكِي. فَقَال: "مَا شَأْنُكِ؟ " قَالتْ: "شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ. وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ. وَلَمْ أَحْلِلْ. وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ. وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الآنَ. فَقَال: "إِنَّ هذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمروة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي) من إحرامه بالحلق أو التقصير (قال) جابر رضي الله عنه (فقلنا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (حل) خبر مقدم (ماذا) استفهام مركب في محل الرفع مبتدأ مؤخر أي هذا الحل الذي أمرتنا به أي حل هو أي هل هو حل من جميع المحرمات أم من بعضها، وقوله (قال الحل) خبر لمبتد! محذوف (كله) توكيد له أي هذا الحل الذي أمرتكم به الحل كله لا بعضه أي جميع ما يحرم على المحرم يحل لكم حتى النساء لأنكم فسختم الحج إلى العمرة، وقد فرغتم من جميع أعمالها فحصل لكم الحل كله لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد، قال جابر (فواقعنا) أي جامعنا (النساء وتطيبنا) أي استعملنا (بالطبب ولبسنا ثيابنا) المخيطة (وليس) أي والحال أنه ليس (بيننا وبين) يوم (عرفة) وهو التاسع من ذي الحجة (إلا أربع ليال) فاستمتعنا في تلك الليالي (ثم أهللنا) بالحج أي أحرمناه (يوم التروية) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (ثم) بعدما أحرم الناس بالحج (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي فقال) لها (ما شأنك) وحالك في بكائك، ما استفهامية خبر مقدم للزومها الصدارة، وشأنك مبتدأ مؤخر أي شأنك وسببك في بكائك ما هو أي لأي شيء تبكي (قالت) له صلى الله عليه وسلم (شأني) وسببي في بكائي (أني قد حضت) ومنعت من عمل العمرة (وقد حل النَّاس) غيري ممن لم يكن معه هدي من إحرام الحج بعمل عمرة (ولم أحلل) أنا أي لم أتحلل من عمرتي لعارض الحيض (ولم أطف بالبيت) ولا بين الصفا والمروة (والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال) لها (أن هذا) الدم (أمر) أي شيء كتبه الله) سبحانه وتعالى في سابق علمه وقدره (على بنات آدم) - عليه السلام - اللاتي منهن حواء لأنها خلقت

فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ" فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ. حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ قَال: "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا" فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ، إِني أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيتِ حَتَّى حَجَجْتُ. قَال: "فَاذْهَبْ بِهَا، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! فَأَعْمِرْهَا مِنَ التنْعِيمِ" وَذلِكَ لَيلَةَ الْحَصْبَةِ. 2818 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثنَا. وَقَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من ضلعه الأيسر (فاغتسلي) غسل الإحرام الذي الغرض منه النظافة لا الطهارة (ثم أهلي بالحج) قالت عائشة (ففعلت) ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاغتسال ثم الإحرام بالحج (ووقفت المواقف) مع الناس مواقف الحج كلها من عرفة ومزدلفة (حتى إذا طهرت) عائشة رضي الله تعالى عنها من حيضها أي انقطع منها وحصل لها النقاء نزلت إلى مكة و (طافت بالكعبة) طواف الإفاضة (و) سعت بين (الصفا والمروة ثم قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد حللت) أي تحللت (من حجك) الذي أدخلته على العمرة (وعمرتك) التي أقبلت بها من المدينة لاندراج عملها في عمل الحج أي تحللت منهما (جميعًا) ما بقي عليك شيء من أعمالهما (فقالت) عائشة (يا رسول الله إني أجد في نفسي) أي في قلبي شيئًا من نقصان نسكي (أني) أي لأني الم أطف بالبيت) طواف العمرة لعارض الحيض حين قدمنا مكة (حتى حججت) أي أدخلت عليها الحج (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخي عبد الرحمن بن أبي بكر إذًا (فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك) المذكور من المحاورة التي جرت بيني وبينه صلى الله عليه وسلم وأمره لعبد الرحمن كائن (ليلة الحصبة) أي في ليلة نزولهم في المحصب والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والنسائي كلاهما في المناسك اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2818 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن حاتم حدثنا وقال عبد أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج)

أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ تَبْكِي. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ إِلَى آخِرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ هذَا مِنْ حَدِيثِ اللَّيثِ. 2819 - (00) (00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ) حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيثِ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَال: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا سهْلًا. إِذَا هَويَتِ الشَّيءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد حالة كون جابر (يقول دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وهي تبكي فذكر) ابن جريج (بمثل حديث الليث إلى آخره ولم يذكر) ابن جريج (ما قبل هذا) أي ما قبل قوله (وهي تبكي) (من حديث الليث) السابق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: 2819 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا معاذ يعني ابن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن مطر) بن طهمان الوراق السلمي البصري، صدوق، من (6) (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بيان متابعة مطر لليث بن سعد (أن عائشة رضي الله تعالى عنها في حجة النبي صلى الله عليه وسلم) حجة الوداع (أهلت بعمرة وساق) مطر (الحديث) السابق (بمعنى حديث الليث) بن سعد لا بلفظه (وزاد) مطر (في الحديث) لفظة (قال) جابر (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا سهلًا) أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفًا ميسرًا في الخلق، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (إذا هويت) عائشة (الشيء) من أمور الدين أو الدنيا من هوى يهوى من باب رضي إذا أحب

تَابَعَهَا عَلَيهِ. فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، مِنَ التَّنْعِيمِ. قَال مَطَرٌ: قَال أَبُو الزُّبَيرِ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا حَجَّتْ صَنَعَتْ كَمَا صَنَعَتْ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا من هوى يهوى من باب رمى إذا سقط (تابعها) أي تابع النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ووافقها (عليه) أي على ذلك الشيء المحبوب لها، قال النووي: معناه إذا هويت شيئًا لا نقص فيه في الدين مثل طلبها الاعتمار وغيره أجابها إليه، وفيه حسن معاشرة الأزواج، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} لا سيما فيما كان من باب الطاعة اهـ (فأرسلها) أي فأرسل عائشة (مع عبد الرحمن بن أبي بكر) إلى التنعيم لأنه أقرب الحل إلى مكة (فأهلت) أي أحرمت (بعمرة من التنعيم قال مطر) الوراق بالسند السابق (قال) لنا (أبو الزبير) المكي (فكانت عائشة) دائمًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم) في حياته، لعل المراد أنها كانت تعتمر من التنعيم دائمًا في كل الأعوام. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه أربعًا وعشرين متابعة، والثاني حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

471 - (27) باب يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد

471 - (27) باب: يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد 2820 - (1185) (105) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه. ح وَحَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ. مَعَنَا النِّسَاءُ وَالْولْدَانُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 471 - (27) باب يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد 2820 - (1185) (105) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) ليحيى (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية، وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شيخيه لأن أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير، ويحيى قال: أخبرنا أبو خيثمة (عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه) وهذان السندان من رباعياته الأول منهما رجاله اثنان كوفيان وواحد مدني وواحد كوفي والثاني منهما رجاله واحد مدني وواحد مكي وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قال) جابر (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى مكة (مهلين) أي محرمين (بالحج) من ذي الحليفة (معنا النساء والولدان) أي الأولاد، قال النواوي: ففيه صحة حج الصبي والحج به، ومذهب مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أنه يصح حج الصبي ويثاب عليه ويترتب عليه أحكام حج البالغ إلا أنه لا يجزئه عن فرض الإسلام، وخالف أبو حنيفة الجمهور فقال: لا يصح له إحرام ولا حج ولا ثواب فيه ولا يترتب عليه شيء من أحكام الحج، قال: وإنما يحج به ليتمرن ويتعلم ويتجنب محظوراته للتعلم، قال: وكذلك لا تصح صلاته وإنما يؤمر بها لما ذكرناه وكذلك عنده سائر العبادات، والصواب مذهب الجمهور لحديث ابن عباس رضي الله عنهما إن امرأة رفعت صبيا فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" كما سيأتي اهـ (فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة) أي درنا حول البيت وسعينا بين الصفا والمروة، وقال ملا علي: الطواف يراد به الدور الذي يشمل السعي فصح العطف ولم يحتج إلى تقدير عامل وجعله نظير.

فَقَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ" قَال: قُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَال: "الْحِلُّ كُلُّهُ" قَال: فَأَتَينَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسْنَا الطِّيبَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْويةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. وَكَفَانَا الطَّوَافُ الأوَّلُ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ. كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ علفتها تبنًا وماءًا باردا (فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يكن معه هدي فليحلل، قال) جابر (قلنا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أي الحل) هذا الحل أي هل هو الحل العام لكل ما حرم بالإحرام حتى الجماع أو حل خاص؟ (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو (الحل كله) حتى الجماع (قال) جابر (فأتينا النساء) أي جامعناها (ولبسنا الثياب) المحيطة (ومسسنا الطيب) أي تطيبنا به هو بكسر السين الأولى هذه هي اللغة المشهورة، وفي لغة قليلة بفتحها حكاها أبو عبيد والجوهري، قال الجوهري: يقال مسست الشيء بكسر السين أمسه بفتح الميم مسًّا فهذه اللغة الفصيحة، قال: وحكى أبو عبيدة مسست الشيء بالفتح أمسه بضم الميم، وقال: وربما قالوا مِسْت الشيء يحذفون منه السين الأولى وينقلون كسرتها إلى الميم، قال: ومنهم من لا ينقل ويترك الميم على حالها مفتوحة كذا في الشرح (فلما كان يوم التروية) وجاء وهو اليوم الثامن (أهللنا) أي أحرمنا (بالحج وكفانا الطواف الأول) أي السعي الأول (بين الصفا والمروة) يعني القارن منها وهم الذين ساقوا الهدي، وأما المتمتع الذي أحل بعمل عمرة وهم الذين لم يسوقوا الهدي فلا بد له من السعي بين الصفا والمروة للحج بعد طواف الإفاضة والرجوع من عرفات لأن السعي الأول للعمرة والله أعلم، وقد تقدم الكلام عليه مبسوطًا في شرح حديث عائشة أول الباب (فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) في دم القران (أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا) مبتدأ خبره محذوف تقديره يشترك (في بدنة) واحدة أو في بقرة، وجملة الابتداء مفسرة لجملة الفعل، قال في المصباح: والبدنة هي ناقة أو بقرة، وزاد الأزهري أو بعير ذكر، وقال بعض الأئمة: البدنة هي الإبل خاصة، ويدل عليه قوله تعالى فإذا وجبت جنوبها سميت بذلك لعظم بدنها، وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسنة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "تجزئ البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة" ففرق الحديث بينهما بالعطف، إذ لو كانت البدنة في الوضع تطلق على البقرة لما ساغ عطفها

2821 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَصْحَابُهُ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إلا طَوَافًا وَاحِدًا زَادَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ: طَوَافَهُ الأَوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لاقتضاء العطف المغايرة، وكذلك في حديث غسل الجمعة المذكور في الصحيحين "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة" الحديث، وفي الحديث دلالة على إجزاء كل واحدة من البدنة أو البقرة عن سبعة أنفس وقيامها مقام سبع شياه، وفيه دلالة على جواز الاشتراك في الهدي والإضحية وبه قال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما رحمهم الله تعالى. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2821 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (عن ابن جريج ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا محمد بن بكر) البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة ابن جريج لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير، وهذا السند مؤخر عما قبله في أكثر النسخ، والأولى تقديمه عليه ليتصل المُتَابِع بالمُتَابَع (يقول لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه) ممن ساقوا الهدي معهم (بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا) أي سعيًا واحدًا لأنهم قارنون فليس عليهم إلا سعي واحد، اكتفاء بالسعي الأول الذي سعوا بعد طواف القدوم (زاد) عبد بن حميد (في حديث محمد بن بكر) البرساني لفظة (طوافه الأول) بالنصب بدل من المستثنى لأنه يجوز إبدال المعرفة من النكرة، والضمير عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة إلا طوافه الأول، وكذا أصحابه الذين ساقوا الهدي. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة.

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة المقدمة الجزء الرابع عشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية دار طوق النجاة بيروت - لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

(شعر) وذِكْرُكَ لِلمُشْتَاقِ خَيرُ شَرابِ ... وكُلُّ شَرابٍ دُوْنَهُ كسَرَابِ لَهُ أَحَادِيثُ في ذِكْرَاكَ تَشْغَلُه ... عَنِ الشَّرابِ وتُلْهِيهِ عَنِ الزَّادِ لَهُ بِوَجْهِك نورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ ... وَمِنْ حَدِيثِكَ في أَعْقَابِهِ حَادِي وأنشد الشعبي وابن مهدي: دِينُ النَّبي مُحمَّدٍ أَخْبَارُ ... نِعْمَ المَطيَّةُ لِلفَتَى الآثَارُ لَا تَرْغَبَنَّ عَنِ الحَدِيثِ وأَهْلِهِ ... فَالرَّأيُ لَيلٌ والحَدِيثُ نَهارُ التاريخ 12/ 6 / 1423 هـ

472 - (28) باب إحرام المتمتع يوم التروية إذا توجه إلى منى

472 - (28) باب: إحرام المتمتع يوم التروية إذا توجه إلى منى 2822 - (1186) (106) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما. قَال: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أَحْلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنَى. قَال: فَأَهْلَلْنَا مِنَ الأَبْطَحِ. 2823 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 472 - (28) باب إحرام المتمتع يوم التروية إذا توجه إلى منى 2822 - (1186) (106) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) التميمي القطان البصري (عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم) أي أمر المتمتعين منا الذين لم يسوقوا الهدي (لما أحللنا) من عمرتنا وتمتعنا بعد التحلل (أن نحرم) بالحج يوم التروية (إذا) خرجنا من مكة و (توجهنا) أي أقبلنا (إلى منى قال) جابر (فأهللنا) أي أحرمنا بالحج (من الأبطح) هو بطحاء مكة وهو متصل بالمحصب، وقد يستدل به من يجوز للمكي والمقيم بها الإحرام بالحج من الحرم، وفي المسئلة وجهان لأصحابنا أصحهما لا يجوز أن يحرم بالحج إلا من داخل مكة، وأفضله من باب داره، وقيل من المسجد الحرام، والثاني يجوز من مكة ومن سائر الحرم فمن قال بالثاني احتج بحديث جابر هذا لأنهم أحرموا من الأبطح وهو خارج مكة لكنه من الحرم، ومن قال بالأول وهو الأصح قال: إنما أحرموا من الأبطح لأنهم كانوا نازلين فيه، وكل من كان دون الميقات المحدود فميقاته منزله كما سبق في باب المواقيت كذا قال النواوي في الشرح والله أعلم. وقال في الهداية: فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج من المسجد، والشرط أن يحرم من الحرم، وأما المسجد فليس بلازم اهـ قال ابن الهمام: بل هو أفضل ومكة أفضل من غيرها من الحرم والشرط الحرم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه هذا فقال: 2823 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. قَال: سَمِعْتُ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، فِي نَاسٍ مَعِي. قَال: أَهْلَلْنَا، أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِالْحَجِّ خَالِصًا وَحْدَهُ. قَال عَطَاءٌ: قَال جَابِرٌ: فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ. قَال عَطَاءٌ: قَال: "حِلُّوا وَأَصِيبُوا النِّسَاءَ". قَال عَطَاءٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيهِمْ. وَلكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ. فَقلْنَا: لَمَّا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم أبو محمد المكي، ثقة، من (3) (قال) عطاء (سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) الأنصاري السلمي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لأبي الزبير في الرواية عن جابر، وفائدتها رفع إبهام عنعنة أبي الزبير في السند الأول أي سمعته (في ناس) أي مع ناس كانوا (معي) أي سمعته (قال أهللنا أصحاب) بالنصب على الاختصاص بعامل محذوف تقديره أخص أصحاب (محمد صلى الله عليه وسلم) أي أحرم كثير منهم (بالحج خالصًا) عن شوب نية العمرة، وقوله (وحده) أي مفردًا حال ثانية مؤكدة للأولى أي أحرمنا بالحج ليس معه عمرة وهذا محمول على ما كانوا ابتدأوا به ثم وقع الإذن بإدخال العمرة على الحج وبفسخ الحج إلى العمرة فصاروا على ثلاثة أقسام مثل ما قالت عائشة: منا من أهل بحج، ومنا من أهل بعمرة، ومنا من جمع (قال عطاء قال) لنا (جابر فقدم النبي صلى الله عليه وسلم) مكة (صبح) بضم الصاد وكسرها اهـ نووي، أي قدم مكة صبيحة ليلة (رابعة مضت من ذي الحجة فأمرنا) أي أمر من لم يسق الهدي من (أن نحل) بفتح النون وكسر الحاء من حل الثلاثي أي أن نخرج من إحرامنا (قال عطاء) قال جابر في بيان صيغة أمر النبي صلى الله عليه وسلم (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (حلوا) بكسر الحاء بصيغة أمر الثلاثي؛ أي اجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي (وأصيبوا النساء) أي باشروا حلائلكم وجامعوهن (قال عطاء) قال جابر (ولم يعزم) النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يجزم ولم يؤكد أمر إصابة النساء وجماعهن (عليهم) أي على الذين أمرهم بالتحلل أي لم يأمرهم أمرًا جازمًا في وطء النساء بل أباحه لهم، وأما الإحلال فعزم فيه على من لم يكن معه هدي اهـ نووي فأمر حلوا للوجوب وأصيبوا للإباحة وقد تقدم قالوا أي الحل قال الحل كله (ولكن أحلهن لهم فقلنا) فيما

يَكُنْ بَينَنَا وَبَينَ عَرَفَةَ إلا خَمْسٌ، أَمَرَنَا أَنْ نُفْضِيَ إِلَى نِسَائِنَا. فَنَأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَنِيَّ! قَال: يَقُولُ جَابِرٌ بيَدِهِ (كأَني أَنْظُرُ إِلَى قَوْلِهِ بِيَدِهِ يُحَرِّكُهَا) قَال: فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِينَا. فَقَال: "قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقاكُمْ لِلهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ. وَلَوْلا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ. وَلَو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بيننا أي قال بعضنا لبعض (لما لم يكن بيننا وبين) يوم (عرفة) وهو التاسع من ذي الحجة (إلا خمس) ليال فلما حينية متعلقة بقوله (أمرنا) أي حين لم يبق بيننا وبين يوم عرفة إلا خمس ليال أمرنا (أن نفضي) بضم النون من الإفضاء بمعنى الإيصال أي أمرنا أن نصل ونضم (إلى نسائنا) أي حلائلنا بالجماع والمباشرة (فـ) بعد ذلك (نأتي) ونحضر (عرفة) أراد بها عرفات، قال في المصباح: يقال وقفت بعرفة كما يقال بعرفات، فنأتي بالنصب معطوف على نفضي، والفاء بمعنى ثم كما أشرنا إليه في الحل، وقيل بالرفع نص عليه ملا علي أي فنحن حينئذ نأتي عرفات مع مقاربة النساء بقربها فكرهوا ذلك فضلًا عن كراهيتهم الاعتمار في أشهر الحج، حالة كوننا (تقطر) وتصب (مذاكيرنا) أي ذكرنا (المني) فالجملة حالية وهو كناية عن قرب الجماع، وقول عمر بن الخطاب في هذا المعنى فيما يأتي (تقطر رؤوسهم) أحسن من هذا، قال ملا علي: وكان ذلك عيبًا في الجاهلية حيث يعدونه نقصًا في الحج اهـ، وقطر من باب نصر يتعدى ولا يتعدى، والمذاكير جمع الذكر بمعنى آلة الذكورة على غير قياس، وأما الذكر خلاف الأنثى فيجمع على ذكور وذكران (قال) عطاء (يقول جابر) أي يشير (بيده) إلى صفة تقاطر المذاكير المني حالة كونه يحركها ففيه إطلاق القول على الفعل، ومثله قوله (كأني أنظر) الآن (إلى قوله) أي إلى قول جابر وإشارته (بيده) حالة كونه (يحركها) أي يحرك يده ويميلها، حكاية لصفة المذاكير عند تقطير المني، وجملة (كأني) إلخ من كلام عطاء، قال الكرماني: هذه الإشارة لبيان كيفية القطر، ويحتمل أن تكون إلى محل التقطر اهـ (قال) جابر (فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا) زاد في رواية حماد خطيبًا فقال: ما بلغني أن أقوامًا يقولون كذا وكذا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد علمتم) أيها المسلمون (أني أتقاكم) أي أشدكم خشية وتقوى الله) تعالى (وأصدقكم) أي أكثركم صدقًا في الكلام (وأبركم) أي أكثركم برًّا وإحسانًا إلى الغير (ولولا) سوق (هديي) معي (لحللت) من إحرام الحج (كما تحلون) أي إحلالًا كإحلالكم بفسخ الحج إلى العمرة (ولو استقبلت من أمري) بيان مقدم لقوله (ما

اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ. فَحِلُّوا" فَحَللْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. قَال عَطَاءٌ: قَال جَابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ سِعَايَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ استدبرت) وما موصولة في محل النصب على المفعولية لاستقبلت، والاستقبال خلاف الاستدبار؛ والمعنى لو ظهر لي أولًا ما ظهر لي آخرًا من الإحرام بعمرة (لم أسق الهدي) معي وفعلت معكم ما أمرتكم بفعله من فسخ الحج إلى العمرة، وسائق الهدي لا يجوز له ذلك فإنه لا يحل من إحرامه حتى ينحره ولا ينحره إلا يوم النحر بخلاف من لم يسق الهدي، قال الأبي: وإنما منع الهدي من التحلل من العمرة لأن التحلل منها هو بعد الفراغ منها وآخر عملها الحلق ولو حلق منها لحلق قبل أن يبلغ الهدي محله، والله سبحانه شرط في الحلق أن يكون بعد بلوغ الهدي محله لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} الآية، لا يقال يقصر ويؤخر الحلق حتى يبلغ الهدي محله لأن الشارع جعل التقصير بمنزلة الحلق فإذا امتنع الحلق امتنع التقصير اهـ منه. وقال ابن الأثير: وإنما أراد بهذا القول تطييب قلوب أصحابه لأنه كان يشق عليهم أن يحلوا وهو محرم فقال لهم ذلك لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضل لهم قبول ما دعاهم إليه وأنه لولا الهدي لفعله اهـ، وقال الحافظ: فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من تطييب قلوب أصحابه وتلطفه بهم وحلمه عنهم اهـ (فحلوا) بكسر الحاء أمر من الثلاثي؛ أي اخرجوا من إحرامكم بالطواف والسعي والتقصير، قال جابر (فحللنا) من إحرامنا (و) قلنا له (سمعنا) ما قلت لنا (وأطعنا) ما أمرتنا به (قال عطاء قال جابر فقدم علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (من سعايته) بكسر السين أي من عمله باليمن من الجباية وغيرها، قال القاضي: أي من عمله في السعي في الصدقات، قال: وقال بعض علمائنا: الذي في غير هذا الحديث أنه إنما بعث عليًّا أميرًا لا عاملًا على الصدقات إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الزكاة لقوله صلى الله عليه وسلم للفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة حين سألاه ذلك: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" ولم يستعملهما، قال القاضي: يحتمل أن عليًّا ولي الصدقات وغيرها احتسابًا أو أعطي عمالته عليها من غير الصدقة، قال: وهذا أشبه لقوله من سعايته والسعاية تختص بالصدقة هذا كلام القاضي وهذا الذي قاله حسن إلا قوله إن السعاية تختص بالعمل على الصدقة فليس كذلك لأنها تستعمل في مطلق الولاية وإن كان أكثر استعمالها في الولاية على الصدقة، ومما يدل لما ذكرته حديث حذيفة السابق في كتاب الإيمان من صحيح مسلم قال في حديث رفع الأمانة: "ولقد أتى علي زمان ما أبالي أيكم

فَقَال: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " قَال: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بايعت لئن كان مسلمًا ليردنه علي دينه، ولئن كان نصرانيًّا أو يهوديًّا ليردنه علي ساعيه" يعني الوالي عليه والله أعلم اهـ فتح الملهم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (بم أهللت) أي بأي نسك من النسكين أحرمت يا علي (قال) علي أهللت (بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم) من القرآن أو الإفراد أو التمتع، وهذا يسمى عند الفقهاء إحرامًا تشبيهيا (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهد) بقطع الهمزة أي فاذبح دم القرآن وقت دخول ذبحه وهو يوم النحر (وامكث) بوصلها (حرامًا) أي واجلس الآن محرمًا حتى يبلغ الهدي محله، وفي حديث ابن عمر قال: فأمسك فإن معنا هديًا، قال النواوي: ثم ذكر مسلم بعد هذا بقليل حديث أبي موسى الأشعري قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي: "حججت؟ " فقلت: نعم، فقال: "بم أهللت" قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "قد أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل" وفي الرواية الأخرى عن أبي موسى أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "بم أهللت؟ " قال: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "هل سقت من هدي؟ " قلت: لا، قال: "طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل" هذان الحديثان متفقان على صحة الإحرام معلقًا وهو أن يحرم إحرامًا كإحرام فلان فينعقد إحرامه ويصير محرمًا بما أحرم به فلان، واختلف آخر الحديثين في التحلل فأمر عليًّا بالبقاء على إحرامه وأمر أبا موسى بالتحلل، وإنما اختلف آخرهما لأنهما أحرما كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم هدي فشاركه علي رضي الله عنه في أن معه هديا فلهذا أمره بالبقاء على إحرامه كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم على إحرامه بسبب الهدي وكان قارنًا وصار علي قارنًا، وأما أبو موسى فلم يكن معه هدي فصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن معه هدي، وقد قال صلى الله عليه وسلم إنه لولا الهدي لجعلها عمرة وتحلل، فأمر أبا موسى بذلك فلذلك اختلف أمره صلى الله عليه وسلم فاعتمد ما ذكرته فهو الصواب، وقد تأولها الخطابي والقاضي عياض تأويلين غير مرضيين والله أعلم اهـ منه، ثم قال: وفي هذين الحديثين دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أنه يصح الإحرام معلقا بأن ينوي إحرامًا كإحرام زيد فيصير هذا المعلق كزيد فإن كان زيد محرمًا بالحج كان هذا أيضًا محرمًا بالحج، وإن كان بعمرة فبعمرة وإن

قَال: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا. فَقَال سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هذَا أَمْ لأَبَدِ؟ فَقَال: "لأَبَدِ". 2824 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كان بهما فبهما، وإن كان زيد أحرم مطلقًا كان هذا محرمًا إحرامًا مطلقًا فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة ولا يلزمه موافقة زيد في الصرف (قال) جابر (وأهدى له) صلى الله عليه وسلم أي ساق له صلى الله عليه وسلم (علي) رضي الله عنه (هديًا) من اليمن فإنه كما يأتي قدم من اليمن ومعه هدي (فقال) له صلى الله عليه وسلم (سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين بينهما مهملة ساكنة (يا رسول الله ألعامنا هذا) أي جواز العمرة في أشهر الحج أي هل هو مختص بهذه السنة (أم لأبد) أي أم هو باق في الأمة إلى أبد (فقال) صلى الله عليه وسلم هو باق (لأبد) أي إلى أبدٍ، وأما فسخ الحج إلى العمرة فمختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها عند جمهور الفقهاء، وإنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية أفاده النووي، وفي رواية فشبك أصابعه واحدةً في أخرى وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبدٍ أبدٍ، قال النواوي: معناه عند الجمهور أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إبطالًا لما كان عليه الجاهلية، وقيل معناه: جواز القِران أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج، وقيل معناه: سقط وجوب العمرة وهذا ضعيف لأنه يقتضي النسخ بغير دليل، وقيل معناه: جواز فسخ الحج إلى العمرة قال: وهو ضعيف، وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث والله أعلم كذا في فتح الباري، قال الأبي: التشبيك بين الأصابع يرجح أنه يعني القرآن لأن سؤال سراقة وارد على قوله فمن لم يكن معه هَدي فليحل وعدم الهَدي يتقرر في المفرد والمعتمر والقارن الذي ليس معه هَدي، والمفرد والمعتمر لا مدخل لأحدهما في معنى التشبيك فيتعين القارن اهـ والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه هذا فقال: 2824 - (00) (00) (حدثنا) محمد (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثني أبي) عبد الله بن نمير، ثقة، من (9) (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبو

عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما. قَال: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةٌ. فَكَبُرَ ذلِكَ عَلَينَا. وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا. فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَمَا نَدْرِي أَشَيءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ، أَمْ شَيءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ. فَقَال: "أَيُّهَا النَّاسُ! أَحِلُّوا. فَلَوْلا الْهَدْيُ الَّذِي مَعِي، فَعَلْتُ كلمَا فَعَلْتُمْ" قَال: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ. وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الْحَلالُ. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْويةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك لابن جريج (قال) جابر (أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن نحل) من حجتنا (ونجعلها عمرة) فيه حذف ما علم من الروايات المتقدمة أي فلما قدمنا مكة وفعلنا بها ما يفعله الحاج الآفاقي أمرنا بفسخ ما فعلنا من مناسك الحج إلى العمرة اهـ من بعض الهوامش (فكبر) أي ثقل وشق (ذلك) الفسخ (علينا) أي على قلوبنا وهو صلى الله عليه وسلم على إحرامه (وضاقت) أي حرجت (به) أي بذلك الفسخ (صدورنا) أي قلوبنا (فبلغ ذلك) أي وصل ضيق صدورنا به (النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية (فما ندري) ولا نعلم (أ) ذلك الضيق (شيء بلغه) صلى الله عليه وسلم بالوحي (من السماء أم شيء) بلغه (من قبل) إخبار (الناس) منا له (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس أحلوا) من إحرامكم بالحلق أو التقصير -بفتح الهمزة وكسر الحاء- أمر من الإحلال الرباعي، وهو للوجوب (فلولا الهدي) أي فلولا سوق الهدي (الذي معي) موجود واقع مني (فعلت كما فعلتم) أي أحللت إحلالًا كإحلالكم لأنه الواجب على من لم يسق الهدي (قال) جابر (فأحللنا) كل الحل (حتى وطئنا النساء وفعلنا ما يفعل الحلال) من محظورات الإحرام وصرنا على تلك الحال (حتى إذا كان) ودخل (يوم التروية) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (وجعلنا مكة بظهر) أي بوراء منا وخلف ظهرنا (أهللنا بالحج) معناه عند إرادة الذهاب من منزلنا إلى منى والله أعلم.

2825 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ. قَال: قَدِمْتُ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ. قَبْلَ التَّرْويةِ بَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. فَقَال النَّاسُ: تَصِيرُ حَجَّتُكَ الآنَ مَكِّيَّةً. فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَاسْتَفْتَيتُهُ. فَقَال عَطَاءٌ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ رضي الله عنهما، أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ. وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. فَقَال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ. فَطُوفُوا بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَصِّرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه هذا فقال: 2825 - (00) (00) (وحدثنا ابن نمير حدثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين مشهور بكنيته التميمي مولاهم الكوفي الأحول، ثقة، من (9) (حدثنا موسى بن نافع) الحناط الهذلي الأسدي أبو شهاب الأكبر الكوفي، مشهور بكنيته، روى عن عطاء بن أبي رباح في الحج، وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، ويروي عنه (خ م س) وأبو نعيم والثوري وعيسى بن يونس ووكيع والقطان وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال أحمد: منكر الحديث، له في (خ م) فرد حديث وفي (س) آخر، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة (قال) موسى بن نافع (قدمت مكة متمتعًا بعمرة قبل) يوم (التروية بأربعة أيام فقال) لي (الناس تصير حجتك الآن مكية) يعني قليلة الثواب لقلة مشقتها، وقال ابن بطال: معناه أنك تنشئ حجك من مكة كما ينشئ أهل مكة منها فيفوتك فضل الإحرام من الميقات فيقل ثوابك بقلة مشقتك كأنهم كانوا لا يرون التمتع في الحج شيئًا (فدخلت على عطاء بن أبي رباح فاستفتيته) أي فاستفتيت عطاء بن أبي رباح عن حجتي هذه (فقال) لي (عطاء حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن نافع لعبد الملك (أنه) أي أن جابرًا (حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الهدي معه) يعني عام حجة الوداع (وقد أهلوا) كلهم أولًا أي أحرموا (بالحج مفردًا) عن العمرة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن لم يسق الهدي (أحلوا من إحرامكم) أي اجعلوا إحرامكم عمرة وتحللوا بعملها وهو الطواف والسعي ثم التقصير، وقوله (فطوفوا بالبيت و) اسعوا (بين الصفا والمروة وقصروا) شعوركم تفسير لقوله "أحلوا" وإنما أمرهم بالتقصير لأنهم يهلون بعد قليل بحج فأخر الحلق له لأن بين دخولهم وبين يوم التروية أربعة أيام فقط

وَأَقِيمُوا حَلالًا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْويةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ. وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً". قَالُوا: كَيفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةَ وَقَدْ سَمَّينَا الْحَجِّ؟ قَال: "افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ. فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَلكِنْ لَا يَحِلَّ مِنِّي حَرَامٌ. حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" فَفَعَلُوا. 2826 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيسِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأقيموا حلالًا حتى) يدخل يوم التروية فـ (إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا) الحجة (التي قدمتم بها متعةً) أي تمتعًا أي اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة فتحلوا منها فتصيروا متمتعين فأطلق على العمرة متعة مجازًا والعلاقة بينهما ظاهرة كذا في الفتح (قالوا كيف نجعلها متعةً وقد سمينا) أي ذكرنا (الحج) في إحرامنا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (افعلوا ما آمركم به) من فسخ الحجة إلى العمرة (فإني لولا أني سقت الهدي) أي لولا سوق الهدي معي واقع (لفعلت مثل الذي أمرتكم به) من الفسخ لأنه الأفضل لمن لم يسق الهدي (ولكن لا يحل مني حرام) أي لا يحل لي شيء مما حرم علي بالإحرام (حتى يبلغ الهدي) الذي سقته معي (محله) أي مكان حل ذبحه ووقته وهو يوم النحر في منى (ففعلوا) ما أمرهم به لما رأوا أنه عزم محتم، قال النواوي: وفي هذا دليل ظاهر لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما في ترجيح الإفراد، وأن غالبهم كانوا محرمين بالحج، ويتأول رواية من روى من روى متمتعين أنه أراد في آخر الأمر صاروا متمتعين كما سبق تقريره في أوائل هذا الباب، وفيه دليل للشافعي وموافقيه في أن من كان بمكة وأراد الحج إنما يحرم به من يوم التروية، وقد ذكرنا المسئلة مرات اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 2826 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي) أبو عبد الله البحراني البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي) البصري، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة (200) مائتين، روى عنه في (6) أبواب (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن أبي بشر) الوليد بن مسلم بن شهاب العنبري البصري، ثقة،

عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما. قَال: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً. وَنَحِلَّ. قَال: وَكَانَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيُ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ من (5) (عن عطاء بن أبي رباح) اليماني المكي (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي وواحد واسطي، غرضه بيان متابعة أبي بشر لموسى بن نافع (قال) جابر (قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) مكة (مهلين) أي محرمين أغلبهم (بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها) أي أن نجعل الحجة (عمرة ونحل) بفتح النون وكسر الحاء أي نخرج من الإحرام بالتقصير (قال) جابر (وكان معه صلى الله عليه وسلم الهدي فلم يستطع أن يجعلها عمرة) لما مر. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر رضي الله عنه هذا وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

473 - (29) باب في الاختلاف في المتعة بالحج والعمرة

473 - (29) باب: في الاختلاف في المتعة بالحج والعمرة (2827) - (1187) (107) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدِّثُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ. قَال: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ. وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيرِ يَنْهَى عَنْهَا. قَال: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِجابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ. فَقَال: عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ. تَمَتَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَال: إِنَّ اللهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ. وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزلَ مَنَازِلَهُ. فَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ. كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 473 - (29) باب في الاختلاف في المتعة بالحج والعمرة 2827 - (1187) (107) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى) في روايته (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي المعروف بغندر (حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة) العبدي المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وسكون الطاء، وفي التقريب: بضم القاف وفتح الطاء، ثقة، من (3) (قال) أبو نضرة (كان ابن عباس يأمر بالمتعة) أي يجوزها ويرخص فيها (وكان) عبد الله (ابن الزبير ينهى عنها قال) أبو نضرة (فذكرت ذلك) الاختلاف الواقع بينهما الجابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال القرطبي: هذه المتعة التي اختلف فيها هي فسخ الحج إلى العمرة التي أمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم فكان ابن عباس يرى أن ذلك جائز لغير الصحابة، وكان ابن الزبير يرى أن ذلك خاص بهم (فـ) هي التي (قال) فيها جابر بن عبد الله (على يدي دار الحديث) أي وقع في حضرتي ذلك الحديث أي فعلى الخبير سقطت (تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فسخنا حجنا إلى العمرة وتحللنا منها (فلما قام عمر) بن الخطاب خليفةً عن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم منعها، واستدل على منعها بقول الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله حيث (قال) عمر (إن الله) سبحانه وتعالى (كان يحل لرسوله ما شاء) من الأحكام (بما شاء) من الوحي يشير بذلك إلى أن ذلك خاص بهم (وإن القرآن قد نزل منازله) بالنصب على الظرفية أي في أوقات نزوله وهي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بإتمامها منطوقًا، ونهى عن فسخهما مفهومًا (فأتموا) أيها الناس (الحج والعمرة لله كما أمركم الله) تعالى بإتمامهما في هذه

وَابِتُّوا نِكَاحَ هذِهِ النِّسَاءِ. فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ، إلا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الآية ولا تفسخوا الحج إلى العمرة لأن ذلك خاص بالصحابة، قال القرطبي: أيضًا ولا معنى لقول من قال إن اختلافهما كان في الأفضل بين المتعة التي هي الجمع بين الحج والعمرة في عام واحد وسفر واحد وبين غيرها من الإفراد والقرآن لأنه لو كان اختلافهما في ذلك لكان استدلال عمر ضائعًا إذ كان يكون استدلالًا في غير محله غير أنه لما كان لفظ المتعة يطلق عليهما بالاشتراك خفي على كثير من الناس، وكذلك يصلح هذا اللفظ لمتعة النكاح ولذلك ذكرهما جابر عن عمر في نسق واحد، وكان ابن عباس أيضًا خالف في متعة النكاح ولم يبلغه ناسخها على ما يأتي في النكاح إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم، وقول جابر في الرواية الآتية (فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنهما عمر رضي الله عنه فلم نعد لهما) هذا يدل على أن إجماع الصحابة انعقد على ترك العمل بتينك المتعتين وأن تينك خاصتان بهم ممنوعتان في حق غيرهم كما قال أبو ذر. وقول عمر (إن القرآن قد نزل منازله) أي استقرت أحكامه وثبتت معالمه فلا يقبل النسخ ولا التبديل بعد أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بذلك أن متعة الحج قد رفعت لما أمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة ومتعة النكاح أيضًا كذلك لما ذكر الله شرائط النكاح في كتابه وبيَّن أحكامه فلا يزاد فيها ولا ينقص منها شيء ولا يغير. (و) قال عمر أيضًا (أبتوا نكاح هذه النساء) اللاتي عقد عليهن نكاح المتعة أي اقطعوا نكاحهن وأبدوه ولا تقيدوه بمدة كشهر أو شهرين أمر من الإبتات، يقال بت وأبت بمعنى قطع وهذا منه أمر وتهديد ووعيد شديد لمن استمر على ذلك النكاح بعد هذه التقدمة والإعلان، قال النواوي: ومتعة النكاح هي نكاح المرأة إلى أجل فكان مباحًا، ثم نسخ يوم خيبر، ثم أبيح يوم الفتح، ثم نسخ في أيام الفتح واستمر تحريمه إلى الآن وإلى يوم القيامة، وقد كان فيه خلاف في العصر الأول ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه، ثم قال عمر (فلن أوتى) بالبناء للمفعول (برجل نكح امرأةً) مؤجلًا نكاحها (إلى أجل) معلوم أو مجهول (إلا رجمته بالحجارة) على جهة التغليظ، وظاهره أنه كان يرجمه

(2828) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه قد كان حصل عنده على القطع والبتات نسخ نكاح المتعة، ثم إنه تقدم بهذا البيان الواضح والتغليط الشديد فكأنه لو أتي بمن فعل ذلك بعد تلك الأمور لحكم له بحكم الزاني المحصن ولم يقبل له اعتذارًا بجهل ولا غيره، قال أبو عمر بن عبد البر: لا خلاف بين العلماء في أن التمتع المراد بقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج في عام واحد وسفر واحد من غير المكي، قال غيره: عليه كافة فقهاء الأمصار، وروي عن الحسن إسقاط شرط الحج من عامه، ورأى أن على المعتمر في أشهر الحج هديًا حج أو لم يحج، وروي عنه إسقاط شرط العمرة في أشهر الحج، وقال: إن اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فعليه الهدي، وهذان القولان شاذان لم يقل بهما أحد من العلماء غيره اهـ من المفهم، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. [تتمة] قال المازري: اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج، فقيل هي فسخ الحج إلى العمرة وقيل هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيبًا في الإفراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلانها وتحريمها، وقال القاضي عياض: ظاهر حديث جابر وعمران وأبي موسى أن المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخ الحج إلى العمرة قال ولهذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الناس عليها ولا يضربهم على مجرد التمتع في أشهر الحج وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج إلى العمرة كان خصوصًا في تلك السنة للحكمة التي قدمنا ذكرها من زجرهم عما كانوا عليه في الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وأقبح الذنوب هذا كلام القاضي. (قلت) والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه ومرادهم نهي أولوية للترغيب في الإفراد لكونه أفضل، وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران من غير كراهة، وإنما اختلفوا في الأفضل منها وقد سبقت هذه المسئلة مستوفاةً كذا في شرح النووي. وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2828 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفار البصري، قال العجلي: ثقة ثبت، من كبار العاشرة

حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ. فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ. وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ. (2829) - (00) (00) وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيبَةُ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّاد. قَال خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ. قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما. قَال: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيكَ بِالْحَجِّ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة ثبت ربما وهم، من (7) (حدثنا قتادة) بن دعامة البصري، ثقة، من (4) وهذا السند من سداسياته أيضًا، غرضه بيان متابعة همام بن يحيى لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه (و) لكن (قال) همام (في) رواية هذا (الحديث فافصلوا) أي أفردوا (حجكم من عمرتكم) ثم اعتمروا (فإنه) أي فإن إفراد الحج وفصله عن العمرة (أتم) أي أكثر أجرًا (لحجكم وأتم) أي أكثر أجرًا (لعمرتكم) لما في الإفراد من كثرة الأعمال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله تعالى عنه هذا فقال: 2829 - (00) (00) (وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البزار -بالراء آخره- البغدادي المقرئ، ثقة، من (10) (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (جميعًا عن حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (قال خلف) في روايته عنه (حدثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (قال سمعت مجاهدًا) ابن جبر المكي (يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) هذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مجاهد لأبي نضرة (قال) جابر (قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول) أي أغلبنا يقول (لبيك بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أمر من لم يسق الهدي منا (أن نجعلها) أي نجعل حجتنا (عمرةً) فعملنا أعمال العمرة فتحللنا منها إلى يوم التروية، وظاهره أنهم فسخوا الحج إلى العمرة فاختلف هل هو خاص بهم أم للأبد؟ . ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر رضي الله تعالى عنه هذا وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

474 - (30) باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم

474 - (30) باب: حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (2830) - (1188) (108) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ حَاتِمٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ. فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَينٍ. فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 474 - (30) باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم حديث جابر هذا فيه أحكام كثيرة وأبواب من الفقه غزيرة، وقد استخرجها الأئمة وصنفوها وعددوها حتَّى بلغوا بها إلى نيف ومائة وخمسين حكمًا، وإذا تتبع وجد فيه أكثر من ذلك لكن أكثرها لا يخفى على فطن فلنعمد إلى بيان ما يشكل: - فمن ذلك سؤال جابر عن القوم حين دخلوا عليه إنما كان ذلك لأنه بيان قد عمي، وفعل جابر ذلك الفعل به إنما كان تأنيسًا له ومبالغة في إكرامه على ما يفعل بالصغار وعلى ذلك نبه بقوله وأنا يومئذ غلام شاب اهـ من المفهم. 2830 - (1188) (108) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا عن حاتم قال أبو بكر حَدَّثَنَا حاتم بن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل (المدني) كوفي الأصل، قال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونًا كثير الحديث، وقال في التقريب: صدوق يهم، من (8) مات سنة (187) روى عنه في (12) بابا (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق أبي عبد الله المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي جعفر المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (قال) محمد بن علي (دخلنا) مع من معي (على جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما كوفي أو مروزي (فسأل) جابر (عن القوم) أي عن جماعة الرجال الداخلين عليه أي عن أسمائهم فإنه إذ ذاك كان أعمى، عمي في آخر عمره، قال عياض: فيه اعتناء الرجل بالداخلين عليه والسؤال عنهم لينزل كلًّا منهم منزلته اهـ، فدار سؤاله على القوم (حتَّى انتهى إلي) فقال لي: من أنت (فقلت) له (أنا محمد بن علي بن الحسين فأهوى) أي مد وبسط (بيده إلى رأسي فـ) ـمسح برأسي ثم جعل يده على صدري و (نزع) أي

زِرِّي الأَعْلَى. ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الأَسْفَلَ. ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَينَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ. فَقَال: مَرْحَبًا بِكَ. يَا ابْنَ أَخِي! سَلْ عَمَّا شِئْتَ. فَسَأَلْتُهُ. وَهُوَ أَعْمَى. وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ. فَقَامَ في نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا. كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيهِ مِنْ صِغَرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ خلع وأخرج (زري) أي زر قميصي (الأعلى) أي الَّذي تحت الذقن أي أخرجه من عروته لينكشف القميص عن صدري (ثم نزع) وأخرج (زري الأسفل) من عروته، قال القاضي عياض: فيه إكرام الرجل بنزع ردائه عنه اهـ، وفيه ملاطفة الزائر بما يليق به وتأنيسه وهذا سبب حل جابر زرَّي محمد بن علي ووضع يده بين ثدييه، قال النواوي: وفيه إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل جابر بمحمد بن علي (ثم وضع (جابر كفه) على صدري (بين ثديي وأنا يومئذ) أي يوم إذ وضع كفه على صدري (غلام شاب) قال عياض: فيه تنبيه على أن موجب فعل جابر به ذلك تانيس له لصغره وشفقةٌ عليه إذ لا يفعل هذا بالرجال الكبار من إدخال اليد في جيوبهم إكبارًا لهم، وفيه أن لمس الغلمان الأجانب على وجه الشفقة ولغير التلذذ جائز بخلاف شباب الجواري وحكم لمسهم كالنظر إليهم، وإنما يحرم من لمس الغلمان والنظر إليهم ما كان من ذلك على وجه التلذذ والشهوة اهـ منه (فقال) لي جابر (مرحبًا بك) أي أتيت مكانًا رحبًا واسعًا لك أو رحبنا لك رحبًا ووسعنا لك وهي كلمة إكرام وترحيب، وفيه استحباب قول الرجل للزائر والضيف ونحوهما مرحبًا (با ابن أخي) نداء شفقة أراد به أخوة الدين لا النسب (سل عما شئت) جواب النداء مما أشكل عليك من أمور الدين، قال محمد بن علي (فسألته) أي سألت جابرًا عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أن جابرًا (أعمى) أي مكفوف العين (و) قد (حضر وقت الصلاة فقام) جابر للصلاة (في نساجة) بكسر النون وتخفيف السين المهملة وبالجيم، قال النواوي: هذا هو المشهور في نسخ بلادنا وروايتنا لصحيح مسلم وفي سنن أبي داود، ووقع في بعض النسخ في ساجة بحذف النون، وكلاهما صحيح، قال في النهاية: هي ضرب من الملاحف منسوجة كأنها سميت بالمصدر، يقال نسجت أنسج نسجًا ونساجةً، أي فقام إلى الصلاة لابسًا نساجة (ملتحفًا بها) أي متلففًا بها كهيئة الصبيان (كلما وضعها) أي وضع طرفيها (على منكبه رجع طرفاها إليه) أي سقطا عن منكبيه (من صغرها) أي من

وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ، عَلَى الْمِشْجَبِ. فَصَلَّى بِنَا. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال بِيَدِهِ. فَعَقَدَ تِسْعًا. فَقَال: إِنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ. ثُمَّ أَذَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صغر تلك النساجة (و) الحال أن (رداوه إلى جنبه على المشجب) أي موضوع على المشجب حالة كون المشجب موضوعًا إلى جانبه أو المعنى والحال أن رداءه كائن إلى جانبه حال كونه موضوعًا على المشجب، والمشجب -بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وجيم مفتوحة ثم باء موحدة- هو اسم لأعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت، قال النواوي: فيه جواز الصلاة في ثوب واحد مع التمكن من الزيادة عليه (فصلى بنا) جابر ولم أر من عين تلك الصلاة، وفيه جواز إمامة الأعمى للبصراء، وأن صاحب البيت أحق بالإمامة من غيره (فقلت) له بعد فراغه من الصلاة وهو تفسير لقوله فسألته ومعطوف عليه (أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) والمراد حجة الوداع، والوداع بفتح الواو اسم مصدر لوح توديعًا كسلم سلامًا وكلم كلامًا، وقيل بكسر الواو مصدر قياسي لِوَادَعَ وداعًا وموادعة من باب فاعل سمي بذلك إما لوداعه صلى الله عليه وسلم الناس أو الحرم في تلك الحجة وهي بفتح الحاء وكسرها، قال الشمني: لم يسمع في حاء ذي الحجة إلَّا الكسر، وقال صاحب الصحاح: الحجة بكسر الحاء المرة الواحدة وهي من الشواذ لأن القياس الفتح كذا في المرقاة، قال الأبي: وحديث جابر هذا عظيم القدر قد اشتمل على فوائد كثيرة من الدين بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من الدنيا وانتقاله إلى ما أعبد الله سبحانه له من الكرامة ولم يبق صلى الله عليه وسلم بعد حجته هذه إلَّا قليلًا بعد أن أشرقت الأرض بنوره وعلت كلمة الإيمان اهـ (فقال) جابر أي أشار (بيده) أي بأصابعه إلى تسع سنوات مدة مكثه صلى الله عليه وسلم في المدينة (فعقد) بلسانه أي عد بلسانه (تسعًا) من السنوات (فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث) أي جلس في المدينة (تسع سنين) حالة كونه (لم يحج) يعني في المدينة، وأما في مكة فحج واحدةً باتفاق، واختلف في ثانية هل حجها أم لا؟ اهـ من المفهم، وقوله (مكث) بضم الكاف وفتحها أي لبث بالمدينة بعد الهجرة تسعًا (ثم) بعد تسع سنين (أذن) النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الهمزة وتشديد الذال مبنيًّا للفاعل، والفاعل هو النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار أنَّه الآمر بالتأذين

فِي النَّاسِ في الْعَاشِرَةِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ. فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ. كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ. فَخَرَجْنَا مَعَهُ. حَتَّى أَتَينَا ذَا الْحُلَيفَةِ. فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ. فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ كَيفَ أَصْنَعُ؟ قَال: "اغْتَسِلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعناه أعلم وأشاع (في الناس في) السنة (العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج) أي مريد الحج وقاصده في هذه السنة ليتأهبوا للحج معه ويتعلموا المناسك والأحكام ويشهدوا أقواله وأفعاله ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإسلام وتبلغ الرسالة القريب والبعيد، وفيه أنَّه يستحب للإمام إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها لا سيما في هذه الفريضة الكثيرة الأحكام المفروضة ابتداء (فقدم المدينة) من أرجائها ونواحيها البعيدة والقريبة (بشر كثير) وجم غفير (كللهم يلتمس) ويقصد ويطلب (أن يأتم) ويقتدي (برسول الله صلى الله عليه وسلم) في أقواله وأفعاله (وبعمل مثل عمله) في فريضة الحج وغيرها، قال القاري: وقد بلغ جملة من معه صلى الله عليه وسلم من أصحابه في تلك الحجة تسعين ألفًا، وقيل مائة وثلاثين ألفًا. (فخرجنا معه) صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة كما رواه النسائي بين الظهر والعصر، وروى الترمذي وابن ماجة عن أنس، والطبراني عن ابن عباس أن حجه صلى الله عليه وسلم كان على رحل رثٍّ يساوي أربعة دراهم (حتَّى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس) بمهملتين مصغرًا الصحابية الفاضلة زوجة الصديق رضي الله عنهما بعد موت جعفر، وتزوجها علي بعد موت الصديق وولدت له يحيى (محمد بن أبي بكر) الصديق، وهو من أصغر الصحابة، قتله أصحاب معاوية بمصر سنة ثمان وثلاثين (فأرسلت) أسماء (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) تسأله (كيف أصنع) في إحرامي وأنا نفساء، قال الزرقاني: والظاهر أنها أرسلت زوجها الصديق، ويدل له رواية الموطأ أن أسماء ولدت محمد بن أبي بكر فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالها بواسطة الرسول (اغتسلي) عند الدم دل على أن اغتسال النفساء للإحرام سنة كذا ذكره الطيبي، وهو للنظافة لا للطهارة، ولهذا لا ينوبه التيمم وكذا في الحائض، وقد سبق بيانه في باب

وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي". فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الْمَسْجِدِ. ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ. حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيدَاءِ. نَظَرْت إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَينَ يَدَيهِ. مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ. وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقل، قال الزرقاني: فيه صحة إحرام النفساء والحائض وهو مجمع عليه، وصحة اغتسالهما للإحرام وإن كان الدم جاريًا حال الاغتسال، وإنما أمرها بذلك وإن كان اغتسالها لا يصح للتشبه بالطاهرات كما أمر من أكل يوم عاشوراء بإمساك بقية النهار، وقال غيره: للتنبيه على أن الغسل من سنن الإحرام (واستثفري) بمثلثة بعد الفوقية (بثوب) أي اجعلي لنفسك ثفرةً كثفرة الدابة لتمنع سيلان الدم أمر من الاستثفار وهو أن تشد في وسطها شيئًا كالتكة وتأخذ خرقةً عريضة تجعلها على محل الدم، وتشد طرفيها من أمامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة بفتح الفاء الَّذي يجعل تحت ذنبها؛ والمعنى اجعلي هناك ما يمنع سيلان الدم تنَزُّهًا أن تظهر النجاسة على صاحب هذه العبادة إذ لا يقدر على أكثر من ذلك، قال النواوي: فيه أمر الحائض والنفساء والمستحاضة بالاستثفار (وأحرمي) أي بالنية والتلبية (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ركعتين سنة الإحرام (في المسجد) أي في مسجد ذي الحليفة، قال ابن العجمي في منسكه: ينبغي إن كان في الميقات مسجد أن يصليهما فيه ولو صلاهما في غير المسجد فلا بأس، ولو أحرم بغير صلاة جاز ولا يصلي في الأقات المكروهة، وتجزئ المكتوبة عنهما كتحية المسجد، وقيل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وقد قال ابن القيم: ولم ينقل أنَّه صلى الله عليه وسلم صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر كذا في المرقاة، وقد سبق الكلام في استحباب ركعتي الإحرام مبسوطًا اهـ فتح الملهم (ثم ركب) رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته (القصواء) بفتح القاف وسكون الصاد وبالمد، قال أبو عبيدة: القصواء المقطوعة الأذن عرضًا، وقال محمد بن إبراهيم التيمي التابعي وغيره: إن العضباء والقصواء والجدعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم (حتَّى إذا استوت) أي علت وارتفعت (به) صلى الله عليه وسلم (ناقته) المذكورة وظهرت (على البيداء) بالمد أي على المكان العالي المرتفع قدام ذي الحليفة بقربها إلى جهة مكة سميت بيداء لأنها لا بناء ولا أثر (نظرت إلى مد بصري) أي إلى منتهى بصري (بين يديه) أي قدامه فرأيت خلقًا كثيرًا لا يحصون (من راكب وماش و) رأيت (عن يمينه مثل ذلك) أي مثل ما رأيته بين يديه

وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذلِكَ. وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلِكَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَظْهُرِنَا. وَعَلَيهِ يَنْزِلُ الْقُرآنُ. وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْويلَهُ. وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيءٍ عَمِلْنَا بِهِ. فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ "لَبَّيكَ اللهُمَّ! لَبَّيكَ. لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) رأيت (عن يساره مثل ذلك و) رأيت (من خلفه مثل ذلك) بنصب مثل في المواضع الثلاث على أنَّه مفعول لمحذوف كما قدرناه أو لنظرت أي نظرت عن يمينه قدر مد بصري، ويجوز الرفع على الاستئناف؛ والمراد أنَّه حضر معه خلق كثير، وقد قيل إنهم أربعون ألفًا كذا في شرح المواهب، وقد تقدم ما نقله القاري في عدد الحاضرين معه صلى الله عليه وسلم والله أعلم. قال الزرقاني: وفي قوله (من راكب وماش) جواز الحج كذلك وهو إجماع، وإنما الخلاف في الأفضل، وقال الجمهور: الركوب للاقتداء به صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون على القيام بالمناسك ولأنه أكثر نفقة ولتعظيم شعائر الحج بأبهة الركوب، وبه قال مالك في المشهور، وهو الأصح عند الشافعية، ورجح طائفة من المذهبين المشي اهـ فتح الملهم، فقالوا إن المشي أفضل من الركوب لما فيه من المشقة على النفس، ولا خلاف في أن الركوب في الوقوف بعرفة أفضل، واختلفوا في الطواف والسعي والركوب عند مالك في المناسك كلها أفضل للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم (ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا) أي في وسطنا (وعليه ينزل القرآن) بضم أوله كما في شرح المواهب ويجوز فتحه (وهو) صلى الله عليه وسلم (يعرف تأويله) أي تفسيره على الحقيقة ومعناه الحث على التمسك بما يخبرهم به من فعله في تلك الحجة، وعبارة القرطبي يعني أنَّه إنما كان يفعل من أفعال الحج بحسب ما ينزل عليه به الوحي فيفهمه هو وبيّنه للناس بفعله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم" رواه مسلم وأبو داود والنسائي فكانوا كما قال جابر: إذا عمل شيئًا اقتدوا به فيه وعملوه على نحو ما عمل اهـ من المفهم (وما عمل به) في الحج (من شيء) من مناسكه (عملنا به) اقتداءً به صلى الله عليه وسلم فيه زيادة في الحث على التمسك بما يخبرهم به (فأهل) أي رفع صلى الله عليه وسلم صوته (بالتوحيد) يعني قوله لا شريك لك في قوله (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك) وفيه إشارة على مخالفة ما كانت الجاهلية تقوله في تلبيتها من لفظ الشرك من قولهم إلَّا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، وقد سبق ذكر

إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ. لَا شَرِيكَ لَكَ". وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ. فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِمْ شَيئًا مِنْهُ. وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ. قَال جَابِرْ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوي إلا الْحَجَّ. لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تلبيتهم في باب التلبية (أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس) الذين معه أي رفعوا (بهذا) اللفظ (الَّذي يهلون به) أي يرفعون أصواتهم الآن يعني التلبية المشهورة بينهم يعني أنهم لم يلتزموا هذه التلبية الخاصة التي لبى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فهموا أنها ليست متعينة فإنه قد ترك صلى الله عليه وسلم كل أحد على ما تيسر له من ألفاظها، ومع هذا فلا بد أن يأتي الملبي بما يسمى تلبية لسانًا ولا يجزئ منها التحميد والتكبير ولا غيره عند مالك اهـ من المفهم. وقال عياض: قوله (بهذا الَّذي يهلون به) يعني به من زيادتهم في الثناء على الله تعالى، وذلك كزيادة عمر رضي الله عنه: لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوبًا منك ومرغوبًا إليك. وكزيادة ابنه: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل. وعن أنس رضي الله عنه: لبيك حقًّا تعبدًا ورقًا. والمستحب عند العلماء منهم الشافعي ومالك أن يأتي بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ليقتصر عليها إلَّا أن يزيد ألفاظًا رويت عنه صلى الله عليه وسلم كقوله لبيك إله الحق ونحوها اهـ (فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لم ينكر (عليهم شيئًا منه) أي مما أهلوا به من التلبية التي أتوا بها من عندهم ولم ينههم عنه (ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) المذكورة في جمع أحواله وأوقاته إلى أن يشرع في الطواف أي استمر عليها (قال جابر رضي الله عنه لسنا) معاشر الصحابة إننوي إلَّا الحج) أي ليست نيتنا إلَّا الحج (لسنا نعرف العمرة) في أشهر الحج ونعتقد صحتها فيها وهو تأكيد وتقرير لمعنى الحصر في قوله لسنا ننوي إلَّا الحج أي لسنا ننوي شيئًا من النيات إلَّا نية الحج وكان محتملًا فأكده اهـ سنوسي، قال القرطبي: هذا الكلام يحتمل أن يخبر به عن حالهم الأول قبل الإحرام فإنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور كما تقدم، فلما كان عند الإحرام بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أراد أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج وعمرة فليفعل" فارتفع ذلك الوهم الواقع لهم كما سيأتي هذا إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم.

حَتَّى إِذَا أَتَينَا الْبَيتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا. ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حتَّى إذا أتينا البيت) أي الكعبة المشرفة (معه) صلى الله عليه وسلم في أربع أو خمس خلون من ذي الحجة (استلم) النبي صلى الله عليه وسلم (الركن) أي لمس الحج الأسود بفيه، وسمي الحجر ركنًا لأنه في الركن اهـ من المفهم، والاستلام افتعال من السلام بمعنى التحية، وأهل اليمن يسمون الركن بالمحيا لأن الناس يحيونه بالسلام، وقيل من السلام -بكسر السين- وهي الحجارة، يقال استلم الحجر إذا لثمه وتناوله، والمعنى وضع يديه عليه وقبَّله مع التكبير والتهليل إن أمكنه ذلك بلا إيذاء أحد ولا يستلم بالإشارة من بعيد، وقيل وضع الجبة عليه أيضًا، وفي المواهب وشرحه للزرقاني: واعلم أن للبيت أربعة أركان الأول له فضيلتان كون الحجر الأسود فيه وكونه على قواعد إبراهيم - عليه السلام - أي أساس بنائه والثاني وهو الركن اليماني الثانية فقط وليس للآخرين شيء منهما، ولذلك يقبل الأول كما في الصحيحين عن ابن عمر أنَّه صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود، وفي البخاري عن ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ويستلم الثاني فقط لما في الصحيح عن ابن عمر أنَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلَّا الحجر والركن اليماني ولا يقبل الآخران ولا يستلمان اتباعًا للفعل النبوي لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم هذا مذهب الجمهور كما مر بسط الكلام فيه (فرمل) أي مشى بسرعة مع تقارب الخطا وهز كتفيه ليري المشركين جلد الصحابة وقوتهم لأنهم قالوا أضعفتهم حمى يثرب (ثلاثًا) أي في الأشواط الثلاثة الأول (ومشى) على عادته (أربعًا) أي في الأربعة الأخيرة، والرمل إنما يستحب في طواف يعقبه سعي وإلا فلا كالاضطباع كما في البدائع، وقال النووي: والاضطباع سنة في الطواف وقد صح فيه الحديث في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما وهو أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن ويجعل طرفيه على عاتقه الأيسر ويكون منكبه الأيمن مكشوفًا قالوا: وإنما يسن الاضطباع في طواف يسن فيه الرمل على ما سبق تفصيله والله أعلم. وفي هذا أن المحرم إذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات يسن له طواف القدوم وهو مجمع عليه، وفيه أن الطواف سبعة أشواط، وفيه أن السنة الرمل في الثلاثة الأول والمشي على عادته في الأربعة الأخيرة (ثم) بعد فراغه من الطواف (نفد) بالنون والفاء والذال المعجمة (إلى مقام إبراهيم - عليه السلام -) أي بلغه ووصل إليه ماضيًا في زحام أي

عَلَيهِ السَّلَامُ. فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَينَهُ وَبَينَ الْبَيتِ. فَكَانَ أَبِي يَقُولُ (وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ): كَانَ يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَينِ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ توجه إلى مقام إبراهيم، وفي بعض النسخ (تقدم إلى مقام إبراهيم) أي إلى الحجر الَّذي قام عليه إبراهيم عند بناء البيت (فـ) ـلما وصل إليه (قرأ) النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ({وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل) النبي صلى الله عليه وسلم (المقام) أي الحجر (بينه وبين البيت) مستقبلًا إليه، قال جعفر بن محمد (فكان أبي) محمد الباقر (يقول) عندما روى لي هذا الحديث (ولا أعلمه) أي ولا أعلم جابرًا (كره) أي ذكر ما ذكر من القراءة (إلَّا) عن جابر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) معنى هذا الكلام أن جعفر بن محمد روى هذا الحديث عن أبيه عن جابر، ثم قال: كان أبي يعني محمدًا يقول إنه قرأ هاتين السورتين، قال جعفر: ولا أعلم أبي ذكر تلك القراءة عن قراءة جابر في صلاة جابر بل عن جابر عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة هاتين الركعتين كذا في الشرح، وليس هذا هو شكًّا في ذلك لأن العلم ينافي الشك بل جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر البيهقي حديثًا على شرط مسلم عن جعفر عن أبيه عن جابر أنَّه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بقل يا أيها الكافرون وكان من الظاهر أن يقدم في رواية مسلم سورة الكافرون على سورة الإخلاص كما هو في ترتيب المصحف لأن البراءة من الشرك مقدمة على إثبات التوحيد لكن قدم الإثبات على النفي للاهتمام بشان الإثبات حينئذ لاضمحلال الكفر واندراس آثاره يوم الفتح اهـ سنوسي. (كان) النبي صلى الله عليه وسلم (يقرأ في الركعتين {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}) قال القاري: الواو لمطلق الجمع، وقال النووي: معناه قرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون، وفي الثَّانية بعد الفاتحة قل هو الله أحد (ثم) بعد صلاة الركعتين (رجع) النبي صلى الله عليه وسلم (إلى الركن) الَّذي في الحجر الأسود (فاستلمه) ثانيًا، قال النواوي: فيه دلالة كما قاله الشافعي وغيره من العلماء على أنَّه يستحب للطائف طواف القدوم إذا فرغ من الطواف وصلاته خلف المقام أن يعود إلى

ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا. فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] "أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجر الأسود فيستلمه ثم يخرج من باب الصفا ليسعى، واتفقوا على أن هذا الاستلام ليس بواجب وإنما هو سنة لو تركه لم يلزمه دم، وفي الدر المختار وعاد إن أراد السعي واستلم الحجر، قال ابن عابدين: أفاد أن العود إلى الحجر إنما يستحب لمن أراد السعي بعده وإلا فلا كما في البحر وغيره (ثم) بعد استلامه الحجر (خرج) من المسجد (من الباب) الَّذي يخرج (إلى الصفا) أي من باب بني مخزوم، وهو الَّذي يسمى باب الصفا وخروجه صلى الله عليه وسلم منه لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا لا أنَّه سنة، فيخرج الحاج من أي باب شاء ذكره الطحطاوي في حاشية مراقي الفلاح (فلما دنا) وقرب صلى الله عليه وسلم في حالة خروجه من المسجد (من الصفا) أي قرب إلى الصفا (قرأ) قوله تعالى ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ) والصفا جمع صفاة كما قال الشاعر: لها كفل كصفاة المسيل أو مفرد جمعه صفي كما قال الآخر: كأن متنيه من النقي ... مواقع الطير من الصفي وهو الحجر الأملس، والمروة من الحجارة مالان وصغر كما قال امرؤ القيس: كأن صليل المرو ... حين تشده صليل زيوف ينتقدن بعبقرا وقال آخر: ويوالي الأرض خفًا ذابلًا ... فإذا ما صادف المرو رضخ وهما هنا اسمان لصفحين معلومين، وقيل سميا بذلك لجلوس الصفي وامرأته عليهما اهـ من المفهم ({مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) أي من أعلام دينه، جمع شعيرة وهي العلامة التي جعلت للطاعات المأمور بها في الحج عندها كالوقوف والمبيت والرمي والطواف والسعي، سميت شعيرة لما تستشعر به تلك المواضع من أعمال الحج أي تعلم أرلما يستشعر هناك من تعظيم الله تعالى والقيام بوظائفه، والسعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة عند جمهور العلماء ما خلا أبا حنيفة فإنه لم يره فيهما واجبًا (أبدأ) بصيغة المتكلم؛ أي وقال أبدأ (بما بدأ الله به) في كتابه يعني أبتدئ بالصفا لأن الله تعالى بدأ بذكره في كتابه فالترتيب الذكري له اعتبار في الأمور الشرعية إما وجوبًا أو

فَبَدَأَ بِالصَّفَا. فَرَقِيَ عَلَيهِ. حَتَّى رَأَى الْبَيتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. فَوَحَّدَ اللهَ، وَكَبَّرَهُ. وَقَال: "لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ استحبابًا، وإن كانت الواو لمطلق الجمع في الآية، قال النواوي في هذا اللفظ أنواع من المناسك منها أن السعي يشترط فيه أن يبدأ من الصفا وبه قال الشافعي ومالك والجمهور، وقد ثبت في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ابدؤوا بما بدأ الله به" هكذا بصيغة الجمع، ومنها أنَّه ينبغي أن يرقى على الصفا والمروة وفي هذا الرقي خلاف قال جمهور أصحابنا: هو سنة ليس بشرط ولا واجب فلو تركه صح سعيه لكن فاتته الفضيلة، وقال أبو حفص بن الوكيل من أصحابنا: لا يصح سعيه حتَّى يصعد على شيء من الصفا، والصواب الأول. قال أصحابنا: لكن يشترط أن لا يترك شيئًا من المسافة بين الصفا والمروة فيلصق عقبيه بدرج الصفا، وإذا وصل إلى المروة ألصق أصابع رجليه بدرجها وهكذا في المرات السبع، يشترط في كل مرة أن يلصق عقبيه بما يبدأ منه وأصابعه بما ينتهي إليه (فبدأ بالصفا فرقي) من باب رضي أي صعد (عليه) أي على الصفا (حتَّى رأى البيت) أي الكعبة من باب الصفا (واعلم) أن كثيرًا من درجات الصفا دفنت تحت الأرض بارتفاعها حتَّى أن من وقف على أول درجة من درجاتها الموجودة أمكنه أن يرى البيت فلا يحتاج إلى الصعود وما يفعله بعض أهل البدعة والجهلة من الصعود حتَّى يلتصقوا بالجدار فخلاف طريقة أهل السنة والجماعة، واعلم أيضًا أن الصعود كان في الزمان الأول أما الآن فمن وقف على الدرجة الأولى بل على أرضها يصدق أنَّه طلع عليها اهـ من شرح اللباب (فاستقبل) هو صلى الله عليه وسلم (القبلة) أي الكعبة، فيه وضع الظاهر موضع المضمر تنصيصًا على أن البيت قبلة وتنبيهًا على أن المقصود بالذات هو التوجه إلى القبلة لا خصوص رؤية البيت وهو الآن يرى بلا رقي في قدر يسير، وقيل قدر القامة، وهذا بالنسبة إلى الماشي دون الراكب كذا في المرقاة، وهذا حكم الرجال، وأما النساء فيقفن أسفلها للبعد عن الرجال إلَّا أن يخلوا المسعى من الرجال فيكنَّ كالرجال اهـ من الأبي. (فوحد الله) سبحانه وتعالى أي أقر بتوحيده (وكبره) أي أقر بكبريائه (وقال) في توحيده وتكبيره (لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له) قال الطيبي: يحتمل أنَّه قول آخر غير التوحيد والتكبير، ويحتمل أن يكون كالتفسير له والبيان والتكبير وإن لم يكن ملفوظًا به

لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ. لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ. أَنْجَزَ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الأحزَابَ وَحْدَهُ" ثُمَّ دَعَا بَينَ ذلِكَ. قَال مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ. حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الْوَادِي سَعَى. حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى. حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن معناه مستفاد من هذا القول أي لأن معنى التكبير التعظيم، ووحده حال مؤكدة أو مفعول مطلق ومثله لا شريك له اهـ السنوسي (له الملك وله الحمد) زاد في رواية أبي داود (يحيي ويميت) (وهو على كل شيء قدير لا إله إلَّا الله وحده أنجز وعده) أي وفي بما وعد لإعلاء كلمته (ونصر عبده) أي عبده الخاص محمدًا صلى الله عليه وسلم على أعدائه نصرًا عزيزًا (وهزم الأحزاب وحده) أي دون قتال آدمي، قال الطيبي: الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وكانت سنة ست وقيل سنة خمس، فهزمهم الله تعالى بغير قتال اهـ، ويمكن أن يراد بهم أنواع الكفار الذين غلبوا بالهزيمة والفرار كذا في المرقاة، قال بعضهمْ وإنما خص من الأذكار ما فيه توحيد وبيان لإنجاز الوعد ونصره على أعدائه تذكرًا لنعمته وإظهارًا لبعض معجزاته وقطعًا لدابر الشرك وبيانًا أن كل ذلك موضوع تحت قدميه وإعلانًا لكلمة الله ودينه في مثل ذلك الموضع اهـ (ثم دعا) صلى الله عليه وسلم (بين) مرات (ذلك) الذكر المذكور المكرر ثلاثًا كما صرحه بقوله (قال) أي كرر (مثل هذا) الذكر المذكور (ثلاث مرات) قال بعضهم: ثم تقتضي التراخي وأن يكون الدعاء بعد الذكر وبين تقتضي العدد والتوسط بين الذكر بأن يدعو بعد قوله على كل شيء قدير، ويحتمل أن المعنى لما فرغ من قوله وهزم الأحزاب دعا بما شاء ثم قال مرة أخرى هذا الذكر ثم دعا حتَّى فعل ثلاث مرات هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال بعضهم: يكرر ثلاثًا، والدعاء مرتين والصواب الأول اهـ سنوسي (ثم نزل) من الصفا ومشى (إلى المروة) على عادته (حتَّى إذا انصبت) بتشديد الموحدة من الانصباب وهو مجاز من قولهم صب الماء فانصب أي حتَّى إذا انحدرت (قدماه) وانهبطت (في بطن الوادي) وهو ما بين الميلين الأخضرين (سعى) أي رمل وعدا عدوًا وأسرع في مشيه، قيل اقتداءً بهاجر في سعيها تطلب الماء لولدها اهـ من الأبي (حتَّى إذا صعدتا) أي صعدت وارتفعت قدماه من بطن الوادي إلى جهة مروة (مشى) على عادته (حتَّى أتى المروة) قال النواوي: هكذا هو في النسخ وكذا نقله

فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا. حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضي عياض من جميع النسخ، وقال: فيه إسقاط لفظة لا بد منها وهي حتَّى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي ولا بد منها، وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين، وفي الموطإ حتَّى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتَّى خرج منه وهو بمعنى رمل هذا كلام القاضي، وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم (حتَّى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى) كما وقع في الموطأ وغيره، وعلى هذه النسخة فلا إسقاط ولا إشكال كما هو ثابت في نسختنا هذه والله أعلم. وفي هذا الحديث استحباب السعي الشديد في بطن الوادي حتَّى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع، والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده، ولو مشى في الجميع أو سعى في الجميع أجزأه وفاتته الفضيلة هذا مذهب الشافعي وموافقيه، وعن مالك فيمن ترك السعي الشديد في موضعه روايتان إحداهما كما ذكر، والثانية تجب عليه إعادته اهـ، وفي الدر المختار ناقلًا عن اللباب ويستحب أن يكون السعي بين ميلين فوق الرمل دون العدو وهو في كل شوط أي بخلاف الرمل في الطواف فإنه مختص بالثلاثة الأول خلافًا لمن جعله مثله فلو تركه أو هرول في جميع السعي فقد أساء ولا شيء عليه، وإن عجز عنه صبر حتَّى يجد فرجة وإلا تشبه بالساعي في حركته وإن كان على دابة حركها من غير أن يؤذي أحدًا اهـ (ففعل على المروة كما فعل على الصفا) من الأذكار والدعاء، فيه أنَّه يسن عليها من الذكر والدعاء والرقي مثل ما يسن على الصفا وهذا متفق عليه (حتَّى إذا كان آخر طوافه) وتمام سعيه (على المروة) رقى عليها وذكر الله ودعا عليها، قال النواوي: وفي هذا دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن الذهاب من الصفا إلى المروة يحسب مرة والرجوع إلى الصفا ثانية والرجوع إلى المروة ثالثة وهكذا فيكون ابتداء السبع من الصفا وآخرها بالمروة، وقال ابن بنت الشافعي وأبو بكر الصيرفي من أصحابنا يحسب الذهاب إلى المروة والرجوع إلى الصفا مرة واحدة فيقع آخر السبع في الصفا وهذا الحديث الصحيح يرد عليهما وكذلك عمل المسلمين على تعاقب الأزمان والله أعلم اهـ. وقال الطحاوي: عن الذهاب والعود شوط واحد كالطواف فإنه من الحجر إلى الحجر شوط وتمام كلامه في الفتح وغيره وقال القاضي عياض: كره الشافعي أن تسمى

فَقَال: "لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ. وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ. وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً". فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلِعَامِنَا هذَا أَمْ لأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً في الأُخْرَى. وَقَال: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأطواف أشواطًا أو أدوارًا إنما يقال أطواف كما هنا اهـ إكمال المعلم (فـ) ـــلما فرغ من أذكاره ودعائه (قال) وفي بعض الرواية إسقاط الفاء قوله فقال وهي واضحة لا يحتاج إلى تقدير ما قدرناه (لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو كنت علمت قبل إحرامي ما علمته بعده من تردد الناس في تحللهم وانتظارهم تحللي (لم أسق الهدي (معي) (وجعلتها) أي جعلت حجتي وفسختها (عمرة) وأتحلل منها بالحلق أو التقصير يعني لتمتعت من أول الأمر من غير سوق الهدي، وفي شرح المواهب أي لو عن لي هذا الرأي الَّذي رأيته آخرًا وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي أي لما جعلت علي هديًا وأشعرته وقلدته وسقته بين يدي، وسوق الهدي منعني من التحلل معكم لأن من ساقه لا يحل حتَّى ينحره وإنما ينحره يوم النحر فلا يحل له فسخ الحج إلى العمرة ومن لا هدي معه يجوز له فسخه وهذا صريح في أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعًا (فمن كان منكم) أيها الناس (ليس معه هدي فليحل) من إحرامه بالتقصير (وليجعلها) أي وليجعل حجته (عمرة فقام سراقة) بضم السين وراء مخففة وقاف (بن مالك بن جعشم) بضم الجيم وسكون المهملة وضم المعجمة وفتحها لغة حكاها الجوهري وغيره، الكناني المدلجي الَّذي ساخت فرسه في قصة الهجرة وأسلم يوم الفتح (فقال) سراقة (يا رسول الله (لعامنا هذا) أي أهذا الفسخ أو التمتع خاص لعامنا الَّذي نحن فيه (أم) هو باق في المسلمين (لأبد) أي إلى أبد (فشبك) أي أدخل (رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه) أي أصابع يديه، وقوله (واحدةً في الأخرى) بدل من أصابعه أي أدخل أصابع يد واحدة في أصابع اليد الأخرى أو حال مؤكدة أي حال كونه جاعلًا واحدة منها في الأخرى (وقال دخلت العمرة) أتي أعمالها (في الحج) أي أعماله، وقوله (مرتين) منصوب على المفعولية أي قال دخدت العمرة في الحج قولًا مرتين، ويحتمل أنَّه معمول لشبك أيضًا أي شبك أصابعه تشبيكًا مرتين وقال هذا القول مرتين، قال الزرقاني: وإدخال الأصابع بعضها في بعض وتكريرها مرتين إما بالقول أو بالفعل يستدعي إدخال

فِي الْحَجِّ" مَرَّتَينِ "لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ". وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ. وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا. وَاكْتَحَلَتْ. فَأَنْكَرَ ذلِكَ عَلَيهَا. فَقَالت: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهذَا. قَال: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ، بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ. لِلَّذِي صَنَعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد النسكين في الآخر، ويؤيده حديث ابن عباس (فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة) وقال (لا) أي ليس لعامنا هذا فقط (بل) هو باق (لأبد أبد) أي إلى الأبد كرره للتأكيد أي إلى آخر الدهر، والأبد الدهر، وفي رواية بل لأبد الأبد وهذا معنى فسخ الحج إلى العمرة عند أحمد والظاهرية، وقال الجمهور: معنى الحديث جواز فعل العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة، وأن القصد إبطال زعم الجاهلية منع ذلك (وقدم علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعثه إليها، والبدن -بضم الباء وسكون الدال- جمع بدنة وأصله الضم كخشب جمع خشبة، وقد قرئ به كما في تفسير البيضاوي قوله تعالى والبدن جعلناها لكم من شعائر الله والبدنة هي ما يتقرب بذبحه من الإبل، قال الزرقاني: وظاهر هذه الرواية أن البدن للمصطفى، وفي النسائي قدم علي رضي الله عنه من اليمن بهدي وساق صلى الله عليه وسلم من المدينة هديًا فظاهره أن الهدي كان لعلي رضي الله عنه فيحتمل أن عليًّا قدم من اليمن بهدي لنفسه وهدي للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر كل راو واحدًا منهما اهـ وسيأتي الكلام على عدد هذه البدن وتعيين ذابحها قريبًا إن شاء الله (فوجد فاطمة رضي الله عنها) زوجه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (ممن حل) بعمل عمرة أي وجدها متحللة من إحرامها (و) الحال أنها (لبست ثيابًا صبيغًا) أي مصبوغًا بصبغ الزينة أي مصبوغة غير بيض فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث (واكتحلت) أي استعملت الكحل في عينها (فأنكر) علي رضي الله عنه (ذلك) الإحلال (عليها) أي على فاطمة لظنه أنها تابعة للنبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه ورأى أنَّه صلى الله عليه وسلم باق على إحرامه، زاد في رواية أبي داود وقال: (من أمرك بهذا) (فقالت إن أبي أمرني بهذا) الإحلال الَّذي نشأ عنه اللبس والاكتحال لا بهما إذ هما من المباح وهو غير مأمور به أو أريد بالأمر الإباحة (قال) جابر (فكان علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (يقول) ويحدث لنا (بالعراق) أي زمن نزوله بالعراق بالكوفة

مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ. فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذلِكَ عَلَيهَا. فَقَال: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ " قَال: قُلْتُ؛ اللهُمَّ! إِنِّي أُهِلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فذهبت) أنا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين أنكرت على فاطمة إحلالها حالة كوني (محرشًا) بصيغة اسم الفاعل من التحريش بمعنى الإغراء أي مغريًا له صلى الله عليه وسلم (على فاطمة للذي) أي لأجل الإحلال الَّذي (صنعتـ) ــه والتحريش الإغراء وهو تهييج بعض البهائم على بعض كما يفعل بين الجمال والأثوار والكباش والديكة وغيرها، قال ابن الأثير: أراد بالتحريش هنا ذكر ما يوجب عتابه لها اهـ وحالة كوني (مستفتيًا) أي مريدًا الاستفتاء والسؤال (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت) وأخبرت فاطمة (عنه) من أنَّه أمرني بالإحلال، قال الزرقاني: ولم يقنع علي بقولها: أبي أمرني وخبر الواحد مقبول لجواز أنَّه فهم أنَّه أمرها بالإحلال ولا يلزم منه لبس الصبغ والاكتحال لقرب زمن الإحرام الماضي والذي تنشئه أو جوز أمره لعموم الصحابة وأن لها أمرًا يخصها لأنها بضعة منه فلا تفعل إلَّا ما يفعله أو فهم أنها ليست ممن يسق الهدي لأن أباها وزوجها ساقاه فهي في حكم من ساقه، وفيه جواز قول الشخص أبي ولو كان معظمًا وأنه ليس تنقيصًا له فيؤخذ منه جواز قول الشريف جدي يريد النبي صلى الله عليه وسلم قاله الولي العراقي ملخصًا اهـ. قال علي (فأخبرته) صلى الله عليه وسلم (أني أنكرت ذلك) الإحلال (عليها فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (صدقت) فاطمة فيما أخبرته لك من أمري لها بالإحلال، وقوله ثانيًا (صدقت) توكيد لفظي لما قبله ثم قال لعلي (ماذا قلت) في إحرامك (حين فرضت الحج) أي حين ألزمته وأوجبته على نفسك بالنية والتلبية، قال القرطبي: وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بما أهل به يدل على أنَّه لم يكن عند علي خبر بما به يحرم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتقدم له فيه عهد منه وأن عليًّا رضي الله عنه هو الَّذي ابتدأ إحرامه محالًا به على إحرام النبي صلى الله عليه وسلم من غير تعيين حج ولا عمرة وأنه صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك فكان ذلك حجة على جواز الحوالة على إحرام الغير مطلقًا إذا تحقق أنَّه أحرم ولا بد وبه قال الشافعي، وأخذ منه جواز الإحرام من غير تعيين ثم بعد ذلك يعين اهـ مفهم (قال) علي (قلت) في إحرامي (اللهم إني أهل)

بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَال: "فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ" قَال: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِائَةً. قَال: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا. إلا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْويةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى. فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأحرم (بما أهل) وأحرم (به رسولك) من النسكين إفرادًا أو قرانًا أو تمتعًا، فيه جواز الإحرام بما أحرم به غيره ويسمى عند الفقهاء الإحرام التشبيهي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي (فإن معي الهدي) فلا أقدر أن أخرج من الإحرام بعمل العمرة (فلا تحل) أنت أيضًا من إحرامك بعمل العمرة، نهي أو نفي؛ أي لا تحل أنت بالخروج من الإحرام كما لا أحل أنا حتَّى تفرغ من العمرة والحج جميعًا وذلك بذبح الهدي يوم النحر (قال) جابر (فكان جماعة الهدي) أي جملته (الَّذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم) من المدينة (مائة) بدنة (قال) جابر (فحل الناس كلهم) أي معظمهم وأكثرهم فهو عام أريد به الخصوص لأن عائشة لم تحل ولم تكن ممن ساق الهدي (وقصروا) شعورهم، قال الطيبي: وإنما قصروا مع أن الحلق أفضل لكي يبقى لهم بقية من الشعر حتَّى يحلق في الحج اهـ، وليكون شعرهم في ميزان حجتهم أيضًا سببًا لزيادة أجرهم وليكونوا داخلين في المقصرين والمحلقين جامعين بين العمل بالرخصة والعزيمة كذا في المرقاة (إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي به لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه استعدادًا للوقوف يوم عرفة إذ لم يكن في عرفات ماء جار كزماننا اهـ شرح اللباب، وقيل لأن قريشًا كانت تحمل الماء من مكة إلى منى للحاج تسقيهم فيروون منه اهـ من المفهم، وقال النواوي في مناسكه: يوم التروية هو الثامن، واليرم التاسع عرفة، والعاشر النحر، والحادي عشر القر بفتح القاف وتشديد الراء لأنهم يقرون فيه بفنى، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر النفر الثاني اهـ منه. (توجهوا إلى منى) أي قصدوا وأخذوا في الأهبة إلى منى لا أنهم توجهوا بمشيهم إلى منى فأحرموا منها فإن ذلك باطل بإجماع العلماء على أنهم أحرموا من مكة (فأهلوا) أي فأحرموا (بالحج) من مكة بعد استعدادهم للخروج إلى منى، والمستحب عند أكثر العلماء فيمن أحرم من مكة بالحج أن يكون إحرامه من مكة متصلًا بسيره إلى منى يوم

وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ. ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التروية أخذًا بظاهر هذا الحديث، واستحب بعضهم أن يكون ذلك أول هلال ذي الحجة ليلحقهم من الشعث إلى وقت الحج ما لحق غيرهم والقولان عن مالك اهـ من المفهم (وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى منى (فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر) يعني أنه صلى كل صلاة في وقتها غير مجموعة كما قد توهمه بعضهم ممن لا يعرف، وإنما ذكر عدد الصلوات الخمس هنا ليعلم الوقت الَّذي وصل فيه إلى منى والوقت الَّذي: خرج فيه منها إلى عرفة، ولذلك قال مالك باستحباب دخوله إلى منى وخروجه منها في ذينك الوقتين المذكورين، وقد استحب جميع العلماء الخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها". والغدو إلى عرفة، ولا حرج في ترك ذلك والخروج من مكة إلى عرفة ولا دم اهـ من المفهم، قال النواوي: وفيه ندب التوجه إلى منى يوم التروية، وكره مالك التقدم إليها قبله، وقال الشافعي: إنه خلاف السنة، وفيه أنَّه يبيت في هذه الليلة بمنى وهي ليلة التاسع من ذي الحجة وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب، فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع اهـ، وقال بعضهم: والسر في نزول منى أنها كانت سوقًا عظيمًا من أسواق الجاهلية مثل عكاظ والمحنة وذي المجاز وغيرها وإنما اصطلحوا عليه لأن الحج يجمع أقوامًا كثيرةً من أقطار متباعدة ولا أحسن للتجارة ولا أوفق بها من أن يكون موسمها عند هذا الاجتماع ولأن مكة تضيق عن تلك الجنود المجندة فلو لم يصطلح حاضرهم وباديهم وخاملهم، ونبههم على النزول في فضاء مثل منى لحرجوا وإن اختص بعضهم بالنزول لوجدوا في أنفسهم ولما جرت العادة بنزولها اقتضى ديدن العرب، وحميتهم أن يجتهد كل حي في التفاخر والتكاثر وذكر مآثر الآباء وإراءة جلدهم وكثرة أعوانهم ليرى ذلك الأقاصي والأداني ويسد به الذكر في الأقطار، وكان للإسلام حاجة إلى اجتماع مثله يظهر به شوكة المسلمين وعدَّتهم وعُدَّتهم ليظهر دين الله ويبعد صيته ويغلب على كل قطر من الأقطار فأبقاه النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه وندب إليه ونسخ التفاخر وذكر الآباء وأبدله بذكر الله بمنزلة ما أبقى من ضيافاتهم وولائمهم وليمة النِّكَاح وعقيقة المولود لما رأى فيها من فوائد جليلة في تدبير المنازل اهـ فتح الملهم. (ثم مكث) أي جلس وتأخر زمنًا (قليلًا) في منى (حتَّى طلعت الشمس) على ثبير،

وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ. فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيشٌ إلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه أن السنة أن لا يخرجوا من منى حتَّى تطلع وهذا متفق عليه (وأمر) صلى الله عليه وسلم (بـ) قلع (قبة) وخيمة له في منى (من شعر) وهدمها لي (تضرب) وتبنى (له بنمرة) قبل قدومه، والمعنى أمر بضرب قبة بنمرة قبل قدومه إليها، قال الأبي: لما أراد أن يظهر مخالفة الجاهلية أراد أن يظهر ذلك ابتداءً ليتأهبوا لذلك، قال النواوي: في هذا الحديث جواز الاستظلال للمحرم بقبة وغيرها ولا خلاف في جوازه للنازل، واختلفوا في جوازه للراكب فمذهبنا جوازه وبه قال كثيرون، وكرهه مالك وأحمد وأهل المدينة، وستأتي المسئلة مبسوطةً في موضعها إن شاء الله تعالى، وفيه أيضًا جواز اتخاذ القباب وجوازها من شعر اهـ (ونمرة) بفتح النون وكسر الميم هذا أصلها ويجوز فيها ما يجوز في نظيرها وهو إسكان الميم مع فتح النون وكسرها وهي موضع بجنب عرفات وليست من عرفات، وقال القرطبي: وهو الجبل الَّذي عليه أنصاب الحرم على يمين الخارج من مأزمي منى إلى الموقف اهـ، قال النواوي: فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى لأن السنة أن لا يدخلوا عرفات إلَّا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جمعًا، والسنة أن ينزلوا بنمرة فمن كان له قبة ضربها ويغتسلون للوقوف قبل الزوال فإذا زالت الشمس سار بهم الإمام إلى مسجد إبراهيم - عليه السلام - وخطب لهم خطبتين خفيفتين ويخفف الثانية جدًّا فإذا فرغ كل منها صلى بهم الظهر والعصر جامعًا بينهما فإذا فرغ من الصلاة سار إلى الموقف اهـ (فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهب من منى إلى عرفة (و) الحال أنَّه (لا تشك قريش) في مخالفته صلى الله عليه وسلم إياهم في المناسك (إلا أنَّه) صلى الله عليه وسلم (واقف عند المشعر الحرام) أي إلَّا في وقوفه عند المشعر الحرام فإنهم تيقنوا مراقبته إياهم في الوقوف عند المشعر الحرام؛ أي أنهم لا يشكون في أنَّه صلى الله عليه وسلم سيقف عند المشعر الحرام على ما كانت عادتهم من وقوفهم به ويقف سائر الناس بعرفة، قال الأبي: والأظهر أن إلَّا زائدة، وجملة أن في موضع نصب على إسقاط الخافض والمعنى ولا تشك قريش في أنَّه واقف عند المشعر الحرام لكونه منهم، وقال الطيبي: أي ولم يشكوا في أنَّه يخالفهم في المناسك بل تيقنوا بها إلَّا في الوقوف فإنهم جزموا بأنه يوافقهم فيه فإن أهل الحرم كانوا يقفون عند المشعر الحرام هو جبل صغير في وسط مزدلفة يقال له قزح بوزن زفر وعليه جمهور المفسرين

كَمَا كَانَتْ قُرَيشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ. فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ. فَنَزَلَ بِهَا. حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ. فَرُحِلَتْ لَهُ. فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي ـــــــــــــــــــــــــــــ والمحدثين، وقيل إنه كل المزدلفة وهو بفتح العين، وقيل بكسرها ذكره النواوي رحمه الله تعالى، وقال السنوسي: ويحتمل أن يكون الاستثناء من محذوف تقديره ولا تشك قريش في أنَّه صلى الله عليه وسلم يخالفهم في جميع المناسك إلَّا الوقوف عند المشعر الحرام فإنهم تحققوا أنَّه لا يخالفهم فيه وما قاله موافق لما قلناه في حلنا ولما قاله الطيبي ولكن ما قاله الأبي أظهر وأوضح أي ولا تشك قريش أنَّه واقف عند المشعر الحرام (كما كانت قريش) أي موافقًا لما كانت قريش (تصنعـ) ـــه (في الجاهلية) فإنهم يقفون عند المشعر الحرام بدل وقوف الناس بعرفة ويقولون نحن أهل الحرم لا نخرج منه إلى الحل وكان هذا من جملة ما ابتدعت وغيرت من شريعة إبراهيم - عليه السلام - وسنته في الحج اهـ من المفهم، وقد يتوهم أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يوافقهم قبل البعثة وليس كذلك لما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنَّه كان يقف مع عامة الناس قبل النبوة أيضًا اهـ فتح الملهم. (فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاوز المزدلفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات على خلاف ظنهم فإنهم ظنوا وقوفه صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة مثلهم لكونه قرشيًّا (حتَّى أتى عرفة) أي حتَّى قارب عرفات بقرينة حكاية نزوله صلى الله عليه وسلم في قبة ضربت له بنمرة حيث قال (فوجد القبة قد ضربت) وبنيت (له بنمرة فنزل بها) أي بنمرة، وقد سبق أن نمرة ليست من عرفات، وقد قدمنا أن دخول عرفات قبل صلاتي الظهر والعصر جميعًا خلاف السنة (حتَّى إذا زاغت الشمس) أي زالت عن كبد السماء من جانب المشرق إلى جانب المغرب ففاء الفيء اهـ قاموس (أمر بالفصواء) أي أمر بشد الرحل عليها (فرحلت) القصواء (له) أي وضع عليها الرحل، والقصواء ناقته، وقد تقدم ذكرها وهو بضم الراء على بنائه للمجهول مخففًا أي شد الرحل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فركبها (فأتى بطن الوادي) أي بطن وادي عرفة -بضم العين وفتح الراء المهملتين بعدها نون- قال القاري: موضع متسع جامع بعرفات يسمى عرنة وليست من عرفات عند الشافعي والعلماء كافةً إلا مالكًا فإنه قال هي من عرفات، ومنها بعض

فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَال: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُمْ. كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا فِي شَهْرِكُمْ هذَا. في بَلَدِكُمْ هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مسجد إبراهيم الموجود الآن، واختلف في محدثه، والصحيح أنَّه منسوب لإبراهيم الخليل باعتبار أنَّه أول من اتخذه مصلى اهـ، وقيل غير ذلك (فخطب الناس) ووعظهم في عرفة قبل الصلاة، قال الزرقاني: فيه أنَّه يستحب للإمام أن يخطب يوم عرفة في هذا الموضع وبه قال الجمهور والمدنيون والمغاربة من المالكية وهو المشهور، قال النواوي: ومذهب الشافعي أن في الحج أربع خطب مسنونة إحداها يوم السابع من ذي الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية هذه التي ببطن عرفة يوم عرفات، والثالثة يوم النحر، والرابعة يوم النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، قال أصحابنا: وكل هذه الخطب أفراد وبعد صلاة الظهر إلَّا التي يوم عرفات فإنها خطبتان وقبل صلاة، قال أصحابنا: ويعلمهم في كل خطبة من هذه الخطب ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى والله أعلم انتهى كلام النووي وعند الحنفية في الحج ثلاث خطب أولها وثانيها ما ذكره النووي وثالثها بمنى في اليوم الحادي عشر فيفصل بين كل خطبتين بيوم وكلها سنة (وقال) صلى الله عليه وسلم في خطبته (أن دماءكلم وأموالكم) زاد في بعض الطرق (وأعراضكم) والعرض -بكسر العين وسكون الراء- موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه، قال الحافظ: وهذا الكلام على حذف مضاف تقديره إن سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم، وقال الزرقاني: معناه إن دماء بعضكم على بعض حرام وأموال بعضكم على بعض حرام بيان كان ظاهر اللفظ أن دم كل واحد حرام عليه نفسه ومال كل واحد حرام عليه نفسه فليس بمراد لأن الخطاب للمجموع والمعنى فيه مفهوم ولا تبعد إرادة المعنى الثاني، أما الدم فواضح، وأما المال فمعنى تحريمه عليه تحريم تصرفه فيه على غير الوجه المأذون فيه شرعًا قاله الولي العراقي، وقال بعضهم: إنما خطب يومئذ بالأحكام التي يحتاج الناس إليها ولا يسعهم جهلها لأن اليوم يوم اجتماع وإنما تنتهز مثل هذه الفرصة لمثل هذه الأحكام التي يراد تبليغها إلى جمهور الناس (حرام عليكم كحرمة يومكم هذا) يعني يوم عرفة (في شهركم هذا) يعني ذا الحجة (في بلدكم هذا) يعني مكة معناه متأكدة التحريم شديدته، قال الزرقاني: وفي تقديم اليوم على الشهر وهو على البلد الشرقي فالشهر أقوى من اليوم وهو ظاهر في الشهر لاشتماله على اليوم فاحترامه أقوى من احترام جزئه، وأما زيادة

أَلَّا كُلُّ شَيءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ. وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ. وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرمة البلد فلأنه محرم في جميع الشهور لا في هذا الشهر وحده فحرمته لا تختص به فهو أقوى منه، قال الحافظ: وفيه مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع، وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد لأن المخاطبين بذلك كانوا يرون تلك الأشياء ولا يرون هتك حرمتها ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، وقال في موضع آخر ومناط التشبيه في قوله كحرمة يومكم وما بعده ظهوره عند السامعين لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه لأن الخطاب بها وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع اهـ فتح الملهم (ألا) بالفتح والتخفيف للتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (كل شيء من أمر الجاهلية) يعني به الأمور التي أحدثوها والشرائع التي كانوا شرعوها في الحج وغيره (تحت قدمي) بتشديد الياء مثنى قدم أي تحت قدمي هاتين (موضوع) أي مردود وباطل حتَّى صار كالشيء الموضوع تحت القدمين أي لا حكم له قد أبطلته (ودماء الجاهلية موضوعة) أي متروكة لا قصاص ولا دية ولا كفارة فيها، قال القاري: أعادها مع دخولها فيما قبلها للاهتمام بها أو ليبني عليه ما بعده من الكلام، وقال الولي العراقي: يمكن أنَّه من عطف الخاص على العام لاندراج دمائها في أمرها ويمكن أنَّه لا يندرج لحمل أمورها على ما ابتدعوه وشرعوه وإيجاب القصاص على القاتل ليس مما ابتدعوه وإنما أريد قطع النزاع بإبطال ذلك لأن منها ما هو حق ومنها ما هو باطل وما يثبت وما لا يثبت اهـ (وإن أول دم أضه) ء وأهدره (من دمائنا) يا أهل الإسلام أي أبدأ في وضع الدماء التي يستحق المسلمون ولايتها بأهل بيتي، قال النووي: فيه أن الإمام وغيره ممن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهله فهو أقرب إلى قبول قوله والى طيب نفس من قرب عهده بالإسلام (دم ابن ربيعة بن الحارث) بن عبد المطلب، واسم هذا الابن إياس قاله الجمهور والمحققون، وقيل حارثة، وقيل تمام، وقيل آدم قال الدارقطني: وهو تصحيف ولبعض رواة مسلم وأبي داود دم ربيعة وهو وهم لأن ربيعة عاش حتَّى توفي زمن عمر سنة ثلاث وعشرين، وتأوله

كَانَ مُسْتَرْضِعًا في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيلٌ. وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ. وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا. رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فإِنَّهُ مَوْضوعٌ كُلُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عبيد بأنه نسبه إليه لأنه ولي دم ابنه (كان) ذلك الابن (مسترضعًا) بالفتح بصيغة اسم المفعول، ويجوز الكسر على صيغة اسم الفاعل، وفي القاموس الاسترضاع طلب المرضعة ومنه قوله تعالى أن تسترضعوا أولادكم أي تطلبوا مراضع لأولادكم اهـ، فقول ابن الملك: بفتح الضاد سهو منه، وربيعة بن الحارث هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الحارث بن عبد المطلب فأهدر صلى الله عليه وسلم دم ابن ابن عمه وأبطل الطلب به في الإسلام ولم يجعل لربيعة في تلك تبعةً اهـ من بعض الهوامش، أي كان لهذا الابن ظئر ترضعه (في) نساء (بني سعد فقتلته هذيل) مصغرًا، قال الولي العراقي: ظاهره أنها تعمدت قتله، وذكر الزبير بن بكار أنَّه كان صغيرًا يحبو بين البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبين ليث بن بكر كذا ذكره عياض والنووي وغيرهما ساكتين عليه، وهو مناف لقوله فقتلته هذيل لأنهم غير بني ليث إذ هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، وليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة كما بيَّنه أبو عبيد القاسم بن سلام في أنسابه اهـ كذا في شرح المواهب والله أعلم (وربا الجاهلية) أي الزائد على رأس المال (موضوع) أي متروك لا يؤخذ بعد اليوم دون رأس المال كما قال تعالى وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم وهذا إيضاح إذ المقصود مفهوم من لفظ ربا فإن وضع الربا معناه وضع الزيادة قاله النووي، قال الولي العراقي: ولا شك أن عطف هذا على أمر الجاهلية من عطف الخاص على العام لأنه من إحداثاتهم الفاسدة اهـ. (وأول ربا أضعـ) ـــــــه وأبطله (ربانا) أهل البيت خبر المبتدأ، وقوله (ربا عباس بن عبد المطلب) بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف أي هو ربا العباس (فإنه) أي فإن ربا العباس أو ربانا أهل البيت (موضوع) أي متروك مهدر، يحتمل عود ضمير إنه إلى ربا العباس تأكيدًا لوضعه، ويحتمل عوده لجميع الربا أي ربا العباس موضوع لأن الربا موضوع (كله) قال الولي: وإنما بدأ في وضع ربا الجاهلية ورباها من أهل الإسلام بأهل بيته ليكون أمكن في قلوب السامعين وأسد لأبواب الطمع في الترخيص، وفي بعض الهوامش قوله (وأول ربا) مبتدأ موصوف، وصفته جملة أضع ومعناه أضعه تحت قدمي وأبطله، والخبر قوله ربانا وإضافة الدماء والربا إلى ضمير جماعة المتكلمين لجامع الإسلام أو

فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ. فَإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانٍ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لجامع القرابة والبدء بوضع ما لأهل القرابة أمكن في النفوس، وقوله ربا عباس بن عبد المطلب بدل مما قبله، ولفظ المشكاة من ربانا ربا عباس وهو الأظهر الموافق لما قبله فيكون ربا عباس خبرًا اهـ، قال القرطبي: والربا لغةً الزيادة والكثرة، ثم إنهم كانت لهم بيوعات يسمونها بيع الربا؛ منها أنهم كانوا إذا حل أجل الدين يقول الغريم لرب الدين: أنظرني وأزيدك فينظره إلى وقت آخر على زيادة مقررة فإذا حل ذلك الوقت الآخر قال له أيضًا كذلك ربما يؤدي ذلك إلى استئصال مال الغريم في نزر يسير كان آخذه أول مرة فأبطل الله سبحانه ذلك وحرمه وتوعد عليه بقوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنًا وسنةً ووعظ الناس وذكرهم بذلك في ذلك الموطن مبالغةً في التبليغ وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بربا العباس لخصوصيته بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتدي الناس به قولًا وفعلًا فيضعون عن غرمائهم ما كان من ذلك اهـ من المفهم (فاتقوا الله) تعالى أي خافوا عقوبة الله تعالى (في) ترك القيام بحقوق (النساء) والأزواج ومصالحهن الدينية والدنيوية، قال الطيبي: هو عطف من حيث المعنى على دمائكم وأموالكم أي فاتقوا الله في استباحة الدماء ونهب الأموال، وفي النساء وهو من عطف الإنشاء على الخبر بالتأويل كما عطف وامتازوا اليوم أيها المجرمون على قوله - تعالى إن أصحاب الجنّة وقال العراقي: يحتمل أن الفاء زائدة لأنه في رواية بدونها أو أنها للسببية لأنه لما قرر إبطال أمر الجاهلية وكان من جملتها منع النساء من حقوقهن وترك إنصافهن أمرهم بمتابعة الشرع في إنصافهن فكأنه قيل فبسبب إبطال أمر الجاهلية اتقوا الله في النساء وأنصفوهن، قال النووي: وفيه الحث على مراعاة حقوق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف وقد جاءت أحاديث كثيرةٌ صحيحة في الوصية بهن وبيان حقوقهن والتحذير من التقصير في ذلك وقد جمعتها أو معظمها في رياض الصالحين اهـ (فإنكم) أيها الرجال (أخذتموهن) أي أمسكتموهن في عصمتكم (بأمان الله) أي بعهد الله وهو ما عهد إليهم من الرفق بهن اهـ أبي، وفي بعض النسخ بأمانة الله، قال الزرقاني: أي بأن الله ائتمنكم عليهن فيجب حفظ الأمانة وصيانتها بمراعاة حقوقها والقيام بمصالحها الدينية والدنيوية، وفي كثير من أصول مسلم بأمان الله بلا هاء كما قال النووي، وهو يقوي أن في قوله أخذتموهن دلالةً على أنها كالأسيرة المحبوسة تحت زوجها وله

وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ. وَلَكُمْ عَلَيهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التصرف فيها والسلطنة عليها ويوافقه قوله في رواية أخرى (فإنهن عوان عندكم) جمع عانية وهي الأسيرة لكنها ليست أسيرةً خائفةً كغيرها بل هي أسيرة آمنة (واستحللتم فروجهن) والاستمتاع بهن (بكلمة الله) تعالى التي أنزلها في كتابه بقوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء أي بكلمة الله المشتملة على الإيجاب والقبول؛ أي استحللتم بالصيغة التي ينعقد بها النِّكَاح من إيجاب وقبول، وقيل كلمة الله عبارة عن حكمه تعالى بحلية النِّكَاح وجوازه وبيان شروطه فإن حكم الله كلامه المتوجه للمحكوم عليه على جهة الاقتضاء أو التخيير والأول هو الصحيح، قال الأبي: والمعنى أن استحلالكم فروجهن وكونهن تحت أيديكم إنما كان بعهد الله وحكمه فإن نقضتم عهد الله وأبطلتم حكمه انتقم منكم اهـ. (ولكم عليهن) لما ذكر صلى الله عليه وسلم استحلال الزوج بكلمة الله وعلم منه تأكيد الصحبة بين الزوجين انتقل إلى بيان ما على كل واحد منهما من الحقوق وبدأ بحق الأزواج لأنهم المخاطبون فقال: ولكم أيها الأزواج من الحقوق عليهن أي على زوجاتكم (أن لا يوطئن فرشكم) أي أن لا يجلسن على فرشكم (أحدًا تكرهونه) أي أن لا يدخلن أحدًا تكرهون دخوله في بيتكم سواء كرهتم ذاته أم لا، وعبر بفرشكم لأن الداخل يطأ المنزل الَّذي يدخل فيه أي أنَّه ليس للزوجة أن تمكن أحدًا ولو امرأةً أو محرمًا لها من دخول بيت زوجها إلَّا إذا علمت عدم كراهية زوجها لذلك هكذا حمله القرطبي والنووي على العموم، وعبارة القرطبي هنا معنى هذا الكلام لا يدخلن منازلكم أحدًا ممن تكرهونه، ويدخل في ذلك الرجال والنساء الأقرباء والأجانب اهـ من المفهم، وقال ابن الملك: يعني أن لا يأذن ممن تكرهون دخوله عليهن وليس وطء الفراش كنايةً عن الزنا لأنه حرام مع كل أحد تكرهونه أو لا، ولأنه لو كان المراد ذلك لكان عقوبتهن الرجم دون الضرب مع أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "فإن فعلن ذلك فاضربوهن .. "إلخ، وقال المازري: قيل المراد النهي عن الخلوة بالرجال لا عن الزنا لأن الزنا يوجب الحد وهو حرأم مع من يحب ومع من يكره، قال القاضي عياض: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء وليس عندهم في ذلك عيب ولا ريبة حتَّى نزلت آية الحجاب فنهوا عن ذلك، قال النووي: والمختار أن معناه أنَّه لا يحل للزوجة

فَإنْ فَعَلْنَ ذلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيرَ مُبَرِّحٍ. وَلَهُنَّ عَلَيكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ. كِتَابَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تأذن لأحد بدخول دار الرجل ولا لامرأة ذات محرم منها إلَّا أن تظن أن الزوج لا يكره ذلك منها فإن شكت في أنَّه يكرهه لم تأذن لأن الأصل المنع حتَّى تظن اهـ (فإن فعلن ذلك) الإيطاء المذكور بدون رضاكم بلفظ صريح أو بقرائن (فاضربوهن ضربًا غير مبرح) -بضم الميم وفتح الموحدة وكسر الراء المشددة آخره حاء مهملة- من البرح -بفتح الباء وسكون الراء- وهو المشقة الشديدة؛ أي غير شديد ولا شاق أو غير جارح ولا كاسر عظم، والأول أحسن لأنه ليس بالحد وإنما هو تأديب، وفيه إباحة تأديب الرجل زوجته فإن ضربها الضرب الماذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله اهـ نووي (ولهن عليكم رزقهن) أي قوتهن من المأكول والمشروب وما يتبعه، وفي معناه سكناهن (وكسوتهن بالمعروف) أي على قدر كفايتهن دون سرف ولا تقدير أو باعتبار حالكم فقرًا ويسرًا، وعبارة القرطبي: أي بما يعرف من حاله وحالها وهو حجة لمالك حيث قال: إن النفقات على الزوجات غير مقدرات وإنما ذلك بالنظر إلى أحوالهم وأحوالهن اهـ من المفهم. (و) لـ (قد تركت فيكم) أيتها الأمة (ما) أي أصلًا وحجة (لن تضلوا بعده) أي بعد التمسك به (أن اعتصمتم) وتمسكتم (به) أي بذلك الأصل وعملتم به أو المعنى لن تضلوا بعد تركي إياه فيكم، وفي هذا التركيب إبهام وتوضيح بعده وذلك لبيان أن هذا الشيء الَّذي تركه فيهم شيء جليل عظيم فيه جميع المنافع الدينية والدنيوية ثم لما حصل من هذا التشوق التام للسامع وتوجه إلى استماع ما يرد به بعده واشتاقت نفسه إلى معرفته بينه بقوله (كتاب الله) العزيز يعني القرآن الكريم بالنصب بدل من مفعول تركت، جزم به العراقي وإن كان الرواية وإلا فيجوز رفعه على أنَّه خبر لمحذوف أي وهو كتاب الله تعالى، ولم يذكر السنة مع أن بعض الأحكام يستفاد منها لاندراجها تحته فإن الكتاب هو المبين للكل بعضها بلا واسطة وبعضها بواسطة قال تعالى ({وَنَزَّلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ} [النحل: 89]) وقال تعالى: ({لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ} [النحل: 44]) كذا في شرح المواهب، قال القاري: وإنما اقتصر على الكتاب لأنه مشتمل على العمل بالسنة لقوله تعالى: ({وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92]) وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]) فيلزم من العمل بالكتاب العمل بالسنة، وفيه

وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي. فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ " قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيتَ وَنَصَحْتَ. فَقَال بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وينْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ "اللهُمَّ! اشْهَدْ. اللهُمَّ! اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إيماء إلى أن الأصل الأصيل هو الكتاب (وأنتم تسألون عني) يوم القيامة بصيغة المجهول، قال الطيبي: عطف على مقدر أي قد بلغت ما أرسلت به إليكم جميعًا غير تارك لشيء مما بعثت به وأنتم تسألون عني يوم القيامة هل بلغكم بأي شيء تجيبون؟ ودل على هذا المحذوف الفاء في قوله (فما أنتم قائلون) أي إذا كان الأمر على هذا فبأي شيء تجيبونه (قالوا نشهد أنك قد بلغت) أي بلغت الرسالة (وأديت) الأمانة (ونصحت) الأمة، وقال العراقي: تسئلون عني في القيامة أو في البرزخ فما أنتم قائلون حين سؤلكم على الأظهر أو الآن في جوابي ويترتب عليهما قولهم نشهد أي في القيامة أو الآن، قال: وحذف المعمول في الثلاثة يدل على تبليغ جميع ما أمر به ونصحه لجميع الناس الموجودين والذين سيوجدون (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم أي أشار (بأصابعه السبابة) وهي التي تلي الإبهام وتسمى بالمسبحة، إلى السماء وإلى الناس حالة كونه (يرفعها إلى السماء) أي رافعًا إياها إلى السماء فالحال من فاعل قال أو حالة كونها مرفوعة إلى السماء فالحال من السبابة، قال القرطبي: والإشارة إلى السماء إما لأنها قبلة الدعاء وإما لأن الله تعالى فوق العرش الَّذي هو فوق المخلوقات (وبنكتها إلى الناس) أي حالة كونه يرفعها إلى السماء أولًا ثم ينكتها أي يقلبها ويوجهها إلى الناس إشارة إلى إشهاد الله على شهادتهم له بالتبليغ (وقوله ينكتها إلى الناس) بفتح التحتية وسكون النون وضم الكاف بعدها فوقية، قال عياض: كذا في رواية مسلم وهو بعيد المعنى لأنه من نكت الأرض بعود إذا ضربها به، قيل صوابه ينكجي بموحدة في آخره بدل التاء من نكب كنانته إذا قلبها ومعناه يقلبها ويرددها ويوجهها إلى الناس مشيرًا إليهم اهـ ع، قائلًا بلسانه (اللهم اشهد) أي على عبادك بأنهم قد أقروا بأني قد بلغت إليهم؛ والمعنى اللهم اشهد أنت إذ كفى بك شهيدًا، وقوله (اللهم اشهد) ثانيًا تأكيد للأول لأنه كرره (ثلاث مرات) وفي شرح المواهب للزرقاني (فإن قيل) ليس في هذه الخطبة شيء من المناسك فيرد ذلك على قول الفقهاء يعلمهم الخطيب ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى، أجيب بأنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بفعله للمناسك عن بيانه بالقول لأنه أوضح، واعتنى بما أهمه

ثُمَّ أَذَّنَ. ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ. ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ. وَلَمْ يُصَلِّ بَينَهُمَا شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ في الخطبة التي قالها، والخطباء بعد ليست أفعالهم قدوةً ولا الناس يعتنون بمشاهدتها ونقلها فاستحب لهم البيان بالقول، وفيه حجة للمالكية وغيرهم أن خطبة عرفة فردة إذ ليس فيه أنَّه خطب خطبتين، وما روي في بعض الطرق أنه خطب خطبتين فضعيف كما قاله البيهقي وغيره اهـ، وقد تكلم عليه الشوكاني في شرح المنتقى فراجعه. (ثم) بعد فراغه من الخطبة (أذن) بلال رضي الله عنه كما هو المصرح في بعض الروايات (ثم أقام) بلال للصلاة (فصلى) بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الظهر ثم أقام فصلّى العصر ولم يصل بينهما) أي بين الظهر والعصر (شيئًا) من النوافل ولا غيرها أي جمع بينهما في وقت الظهر، وهذا الجمع كجمع مزدلفة جمع نسك عند الأحناف ومالك والأوزاعي، وجمع سفر عند الشافعي خلافًا لبعض أصحابه. قال النواوي: في الحديث أنَّه يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك في ذلك اليوم، وقد أجمعت الأمة عليه، واختلفوا في سببه فقيل بسبب النسك وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال أكثر أصحاب الشافعي هو بسبب السفر فمن كان حاضرًا أو مسافرًا دون مرحلتين كاهل مكة لم يجز له الجمع كما لا يجوز له القصر، وفيه أن الجامع بين الصلاتين يصلي الأولى أولًا وأنه يؤذن للأولى، وأنه يقيم لكل واحدة منهما، وأنه لا يفرق بينهما، وهذا كله متفق عليه عندنا اهـ منه، وفي الدر المختار: وبعد الخطبة صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، قال ابن عابدين: قوله بأذان أي واحد لأنه للإعلام بدخول الوقت وهو واحد، وقوله (وإقامتين) أي يقيم للظهر ثم يصليها ثم يقيم للعصر فيصليها لأن الإقامة لبيان الشروع في الصلاة بخلاف الجمع في مزدلفة لأن الصلاة الثانية هناك تؤدى في وقتها فتستغني عن تجديد الإعلام أما الثانية هنا ففي غير وقتها فتقع الحاجة إلى إقامة أخرى للإعلام بالشروع فيها، وإنما جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة لأن للناس يومئذ اجتماعًا لم يعهد في غير هذا الموطن، والجماعة الواحدة مطلوبة ولا بد من إقامتها في مثل هذا الجمع ليراه من هنالك ولا يتيسر اجتماعهم في وقتين، وأيضًا فلأن للناس اشتغالًا بالذكر والدعاء وهما وظيفة هذا اليوم ورعاية الأوقات وظيفة جميع السنة، وإنما يرجح في مثل هذا الشيء

ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ. فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ. وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَينَ يَدَيهِ. وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ البديع النادر (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ناقته القصواء (حتَّى أتى الموقف) أي أرض عرفات واللام للعهد والمراد موقفه الخاص، قال بعضهم: والحكمة في الوقوف بعرفة أن اجتماع المسلمين في زمان واحد ومكان واحد راغبين في رحمة الله تعالى داعين له متضرعين إليه له تأثير عظيم في نزول البركات وانتشار الروحانية، ولذلك كان الشيطان يومئذ أدحر وأحقر ما يكون، وأيضًا فاجتماعهم ذلك تحقيق لمعنى العرضة، وخصوص هذا اليوم وهذا المكان متوارث عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على ما يذكر في الأخبار عن آدم فمن بعده، والأخذ بما جرت به سنة السلف الصالح أصل أصيل في باب التوقيت اهـ فتح الملهم، وقيل إن إبراهيم - عليه السلام - حين أمر بالتأذين بالحج وقف على جبل الرحمة فنادى عليه فلذلك اجتمعوا هناك تلبيةً لندائه والله أعلم (فجعل بطن ناقته القصواء) موجهًا (إلى الصحرات) الكبار المفروشة تحت جبل الرحمة محاذيًا لها؛ وهو الجبل الَّذي في وسط أرض عرفات، والصحرات بفتحتين الأحجار الكبار أي المفترشات في أسفل جبل الرحمة وقدر الطيبي منتهيًا وتعقبه الأبي فقال: إن كان الوقوف على الصحرات صح تقديره والأظهر أنَّه تجوز بالبطن عن الوجه والتقدير وجعل وجه ناقته وهذا إن كانت الصحرات في قبلته لأنه إنما وقف مستقبل القبلة، وقال القرطبي: يعني أنَّه علا على الصحرات ناحية منها حتَّى كانت الصحوات تحاذي بطن ناقته، قال العراقي: لا حاجة إلى هذا لأن من وقف بحذاء صحرة على ناقته صار بطنها بحذائها أي إلى جانبها، وليس يشترط في محاذاة بطن الناقة لها أن يكون عاليًا عليها (وجعل حبل المشاة) أي طريق المشاة ومجتمعهم مصطفهم (بين يديه) أي قدامه فالمعنى أنَّه جعل الطريقة التي يسلكها المشاة بين يديه اهـ أبي والحبل -بفتح الحاء وسكون الموحدة وبلام في آخره- هو في اللغة ما طال من الرمل، وقيل الضخم منه، والمشاة جمع ماش ففيه تشبيههم بالرمل المجتمع والمراد جعل صف المشاة ومجتمعهم بين يديه (واستقبل القبلة) فيستحب استقبالها في الوقوف بعرفة للاتباع (فلم يزل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يبرح (واقفًا حتَّى غربت الشمس) قال

وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ. وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ. وَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ. حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ. وَيَقُولُ بيَدِهِ الْيُمْنَى: "أَيُّهَا النَّاسُ! السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ" كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القاري: أي حتَّى غرب أكثرها أو كادت أن تغرب، وقوله (وذهبت الصفرة قليلًا) أي ذهابًا قليلًا معطوف على غربت وقوله (حتَّى غاب القرص) أي قرص الشمس وخبزها وجرمها كلها بدل من قوله حتَّى غربت الشمس أي لم يزل واقفًا حتَّى غاب القرص كله وذهب بعض الصفرة، هذا ما ظهر للفهم السقيم، ويؤيده قول القاري (حتَّى غاب القرص) أي جميعه، وقول النواوي: وهذ! بيان لقوله (غربت الشمس وذهبت الصفرة) فإن هذه تطلق مجازًا على مغيب معظم القرص فازال ذلك الاحتمال بقوله (حتَّى كتاب القره) كله والله أعلم (وأردفَ أسامةَ) أي أركب (خلفه) على ناقته أسامة بن زيد بن حارثة مولاه (ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهب من عرفة إلى مزدلفة (و) الحال أنَّه (قد شنق) بفتح الشين المعجمة والنون الخفيفة فقاف، يقال شنقت البعير شنقًا من باب قتل إذا كففته ورفعت رأسه بزمامه وأنت راكبه كما يفعل الفارس بفرسه اهـ مصباح؛ أي ضم وضيق (للقصواء الزمام) أي الحبل الَّذي يجعل في رأسها أي ضَمَّه وضيقه عليها وكفها لئلا تسرع لوجود الزحام والزمام والخطام ما يشد به رؤوس الإبل من حبل أو سير أو نحوه لتقاد وتساق به، قال عياض في المشارق: وقد فسره بقوله (حتَّى إن رأسها) أي ضيق عليها الزمام حتَّى إن رأسها (ليصيب مورك رحله) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الراء فكاف؛ قطعة من أديم محشوة شبه مخدة تجعل في مقدم الرحل يضع الراكب رجليه عليها متوركًا ليستريح من وضعهما في الركاب، والمراد بذلك أنَّه بالغ في جذب رأسها إليه ليكفها عن الإسراع، ورحله بفتح الراء وحاء مهملة، قال القسطلاني: وفي نسخة من مسلم رجله بكسر الراء بعدها جيم، قال النواوي: وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة (ويقول بيده اليمنى) أي يشير بها إلى الناس بالتمهل وعدم العجلة في السير قائلًا بلسانه (أيها الناس) الزموا (السكينة السكينة) مرتين يعني الرفق والوقار والطمأنينة وعدم الزحمة بالنصب على الإغراء بعامل محذوف وجوبًا كما قدرناه. (كلما أتى) وجاء (حبلًا من الحبال) أي رملًا من الرمال المجتمعة، والحبال بحاء

أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا. حَتَّى تَصْعَدَ. حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ. فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وإِقَامَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مهملة مكسورة؛ جمع حبل وهو التل اللطيف من الرمل الضخم، وفي النهاية الحبال في الرمل كالجبال في غير الرمل (أرخى لها) أي أرسل الزمام للقصواء إرخاءً (قليلًا) أو زمانًا قليلًا (حتَّى تصعد) روي بضم الفوقية رباعيًّا وفتحها ثلاثيًّا من باب فرح كما قال عياض والنووي؛ أي أرخى لها الزمام إلى صعودها رملًا من الرمال، وفي أمره بالسكينة الرفق بالناس وبالدواب والأمن من الإذاية بخلاف العجلة كما أن في إرخائه للقصواء الرفق بالدواب لئلا يجتمع عليها مشقة الصعود ومشقة الشنق صلوات الله وسلامه عليه ما أرأفه وأرحمه، وقوله (حتَّى أتى المزدلفة) غاية لقوله (ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من عرفات، وفي شرح المواهب موضع بين عرفة ومنى وكلها من الحرم وهي المسماة بجمع بفتح الجيم وسكون الميم وعين مهملة، وسميت جمعًا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء فأزلف إليها أي دنا وقرب منها، وعن قتادة إنما سميت جمعًا لأنه يجمع فيه بين صلاتين المغرب والعشاء، وقيل لأن الناس يجتمعون فيها فسميت جمعًا ويزدلفون فيها إلى الله تعالى أي يتقربون إليه بالوقوف بها فسميت مزدلفة إلى غير ذلك، قال بعضهم: والسر في المبيت بمزدلفة أنَّه كان سنة قديمةً فيهم، ولعلهم اصطلحوا عليها لما رأوا من أن للناس اجتماعًا لم يعهد مثله في غير هذا الموطن ومثل هذا مظنة أن يزاحم بعضهم بعضًا ويحطم بعضهم بعضًا، وإنما تزاحمهم بعد المغرب وكانوا طول النهار في تعب يأتون من كل فج عميق فلو تجشموا أن يأتوا منى والحال هذه لتعبوا اهـ (فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) أي جمع بينهما في وقت العشاء، قال المحب الطبري: وهذا الجمع سنة بإجماع من العلماء، وإن اختلفوا فيما لو صلى كل صلاة في وقتها فعند أكثر العلماء يجوز، وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن صلى المغرب دون المزدلفة فعليه الإعادة، وجوزوا في الظهر والعصر أن يصلي كل واحدة في وقتها مع كراهية اهـ (بأذان واحد وإقامتين) وهو قول أحمد وأصح قولي الشافعي وغيرهما، وبه قال زفر والطحاوي من الأحناف، ورجحه ابن الهمام، واستدلوا بحديث جابر هذا وبحديث أسامة في الصحيحين وفيه (فلما جاء مزدلفة نزل فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما شيئًا) وقال أبو حنيفة: بأذان واحد وإقامة واحدة لما أخرجه أبو داود

وَلَمْ يُسَبِّحْ بَينَهُمَا شَيئًا. ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ. وَصَلَّى الْفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الضبْحُ، بِأَذَانِ وَإِقَامَةٍ. ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ. حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه قال: أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة فأذن وأقام وأمر إنسانًا فأذن وأقام فصلى بنا المغرب ثلاث ركعات ثم التفت إلينا فقال: الصلاة، فصلى بنا العشاء ركعتين، ثم دعا بعشائه، فقيل له في ذلك فقال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا. ففي هذا الحديث معارضة لحديث جابر وحديث أسامة فيرجحان بأن الأصل تعدد الإقامة بتعدد الصلاة اهـ من فتح الملهم بتصرف. (ولم يسبح) أي لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم (بينهما) أي بين المغرب والعشاء (شيئًا) من النوافل، والنافلة تسمى سبحة لاشتمالها على التسبيح ففيه الموالاة بين الصلاتين المجموعتين (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم) للنوم تقوية للبدن ورحمةً للأمة ولأن في نهاره عبادات كثيرة يحتاج إلى النشاط فيها (حتَّى طلع الفجر) الصادق، وفي المواهب وشرحه: وترك صلى الله عليه وسلم قيام الليل ونام حتَّى أصبح لما تقدم له من الأعمال بعرفة من الوقوف من الزوال إلى ما بعد الغروب، واجتهاده صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وسيره بعد الغروب إلى المزدلفة، واقتصر فيها على صلاة المغرب والعشاء قصرًا لها وجمعًا لهما جمع تأخير ورقد بقية ليلته مع كونه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتَّى تورمت قدماه ولكنه أراح نفسه الشريفة لما تقدم له في عرفة من التعب وقد قال: "إن لجسدك عليك حقًّا" (وصلى الفجر) أي صلى الصبح (حين تبين له الصبح) أي حين ظهر له الفجر (بأذان واقامة) قال النواوي: فيه أنَّه يبالغ بتقديم صلاة الصبح في هذا الموضع ويتاكد التبكير بها في هذا اليوم أكثر من تأكده في سائر السنة للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن وظائف هذا اليوم كثيرة فسن المبالغة بالتبكير للصبح ليتسع الوقت للوظائف، قال القرطبي: فيه سنة المبيت بمزدلفة وصلاة الصبح بغلس، وسيأتي أنَّه أرخص لبعض نسائه في النفر منها إلى منى قبل طلوع الفجر، وفيه الأذان في السفر خلافًا لمن قال يقتصر المسافر على الإقامة اهـ من المفهم (ثم ركب) ناقته (القصواء حتَّى أتى المشعر الحرام) بفتح الميم والعين كما في القرآن، وقيل بكسر الميم، سمي المشعر لأنه مَعلَم للعبادة، والحرام لأنه من الحرم

فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ. فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا. فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ. وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا. فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو لحرمته، وأخرج البخاري ومسلم من حديث جابر أنَّه صلى الله عليه وسلم وقف بالمزدلفة وقال: "وقفت هنا ومزدلفة كلها موقف" وأخرج أبو داود والترمذي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصبح بجمع أتى قزح فوقف عليه وقال: "هذا قزح" وهوالموقف وجمع كلها موقف قال الترمذي: حسن صحيح (فاستقبل القبلة فدعاه) سبحانه وتعالى (وكبره وهلله) أي قال لا إله إلَّا الله (ووحده) أي قال وحده لا شريك له (فلم يزل واقفًا) على المشعر الحرام (حتَّى أسفر) الفجر أي أضاء (جدًّا) أي إسفارًا بليغًا أي إضاءة تامة، قال المحب الطبري: وهذا كمال السنة في المبيت بالمزدلفة، وعليه اعتمد من أوجب ذلك، وقال أبو حنيفة: إذا لم يكن بها بعد طلوع الفجر لزمه دم إلَّا لعذر من ضعف أو غيره، فإن كان بها أجزأه وإن لم يكن قبله وهو ظاهر ما نقله البغوي عن مالك وأحمد (فدفع) صلى الله عليه وسلم أي ذهب من مزدلفة إلى منى (قبل أن تطلع الشمس) أي شمس يوم النحر، وهذا صريح في أنَّه دفع قبل طلوع الشمس وبه أخذ الجمهور، قال النووي: قال ابن مسعود وابن عمر وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء لا يزال واقفًا فيه يدعو ويذكر حتَّى يسفر الصبح جدًّا كما في هذا الحديث، وقال مالك: يدفع قبل الإسفار والله أعلم، ونقل الطبري عن طاوس قال: كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن مزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير فأخر الله هذه وقدم هذه، قال الشافعي: يعني قدم المزدلفة قبل أن تطلع الشمس وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس اهـ فتح الملهم (وأردف) أي أركب خلفه على ناقته (الفضل بن عباس) بن عبد المطلب رضي الله عنهما، قال جابر (وكان) الفضل (رجلًا حسن الشعر أبيض وسيمًا) بفتح الواو كسر المهملة أي حسنًا وضيئًا فوصفه بوصف من يفتتن به (فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهب إلى منى (مرت به) صلى الله عليه وسلم (ظعن) أي نساء راكبات الإبل (يجرين) الإبل أي يسرعن الإبل في سيره، والظعن بضم الظاء والعمين، ويجوز إسكان العين، جمع ظعينة كسفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الَّذي عليه المرأة ثم سميت به المرأة الراكبة

فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيهِنَّ. فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ. فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ. فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ. يَصْرِفُ وَجْههُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظرُ. حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ له مجازًا لملامستها البعير كما أن الرواية في أصلها الجمل الَّذي يحمل الماء، ثم سميت به القربة لما ذكرنا، وقوله (يجرين) قال القسطلاني: بفتح الياء وسكون الجيم؛ أي نساء راكبات يمشين بالإبل، وبضمها مع سكونها من أجرى الرباعي أي يسرعن الإبل في سيره (فطفق) أي شرع (الفضل ينظر إليهن) أي إلى الظعينات (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) ليمنعه من النظر إليهن وخوفًا عليه وعليهن من الفتنة قاله الرزقاني، قال النووي: فيه الحث على غض البصر عن الأجنبيات وغضهن عن الرجال الأجانب، وهذا معنى قوله وكان أبيض وسيمًا حسن الشعر يعني أنَّه بصفة من تفتتن النساء به لحسنه، وفي رواية الترمذي وغيره في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك! قال: "رأيت شابًّا وشابةً فلم آمن الشيطان عليهما" فهذا يدل على أن وضعه صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل كان لدفع الفتنة عنه وعنهن، وفيه أن من رأى منكرًا وأمكنه إزالته بيده لزمه إزالته فإن قال بلسانه ولم ينكف المقول له وأمكنه بيده أثم ما دام مقتصرًا على اللسان والله أعلم اهـ منه (فحول الفضل وجهه) أي صوف وجهه (إلى الشق الآخر) أي إلى الجانب الآخر حالة كونه (ينظر) إليهن من غلبة الطبع (فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من) الشق الأول إلى (الشق الآخر) واضعًا يده (على وجه الفضل) حالة كونه (يصرف) أي يحول (وجهه) أي وجه الفضل (من الشق الآخر) الَّذي (ينظر) فيه إلى الشق الأول، وقوله (حتَّى أتى) غاية لدفع أي دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مزدلفة إلى منى حتَّى أتى (بطن) وادي فيلٍ (محسر) صاحبهُ من المضيِّ إلى مكة لهدمِ الكعبة، ومحسر بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين، أو واد محسر أصحاب الفيل عن المرور فيه، قيل هو واد بين مزدلفة ومنى، وقيل ما حسب منه في مزدلفة فهو منها وما حسب منه في منى منها وصوبه بعضهم، وقد جاء مزدلفة كلها موقف إلَّا بطن محسر فيكون على هذا قد أطلق بطن محسر؛ والمراد منه ما خرج من مزدلفة، وإطلاق اسم

فَحَرَّكَ قَلِيلًا. ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى. حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ. فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مثل حَصَى الْخَذْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكل على البعض جائزًا شائعًا، وسمي الوادي بذلك لأنه حسر فيل أصحاب الفيل فيه أي أعيا، وقيل لأنه يحسر سالكيه ويتعبهم يقال حسرت الناقة أتعبتها، وقال أبو جعفر الطحاوي: ليس وادي محسر من منى؛ لا من مزدلفة فالاستثناء في قوله إلَّا وادي محسر منقطع (فحرك) صلى الله عليه وسلم حبت أتاه ناقته تحريكًا (قليلًا) أي حرك ناقته وأسرع السير قليلًا وفي الدر المختار: فإذا بلغ بطن محسر أسرع قدر رمية حجر، وقال الشافعي في الأم: تحريكه صلى الله عليه وسلم الراحلة فيه يجوز أن يكون ذلك لسعة الموضع، ويجوز أن يكون فعله لأنه مأوى الشياطين، وقيل لأنه كان موقفًا للنصارى فاستحب الإسراع فيه، وأهل مكة يسمون هذا الوادي وادي النار، يقال إن رجلًا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته، وقال الأسنوي: وظهر لي معنىً آخر في حكمة الإسراع وهو أنَّه مكان نزل به العذاب على أصحاب الفيل القاصدين هدم البيت فاستحب فيه الإسراع لما ثبت في الصحيح أمره المار على ديار ثمود ونحوهم بذلك، وقال غيره وهذا كانت عادته صلى الله عليه وسلم في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه والله أعلم اهـ فتح الملهم (ثم سلك الطريق الوسطى) قال النواوي: فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة وهو غير الطريق الَّذي ذهب فيه إلى عرفات، وهذا معنى قول أصحابنا يذهب إلى عرفات في طريق ضب ويرجع في طريق المازمين ليخالف الطريق تفاؤلًا بتغير الحال كما فعل صلى الله عليه وسلم في دخول مكة حين دخلها من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى، وخرج إلى العيد في طريق ورجع منه في طريق آخر وحول رداءه في الاستسقاء (التي تخرج على الجمرة الكبرى) أي توقفه على الجمرة الكبرى، والجمرة الكبرى هي جمرة العقبة وهي التي عند الشجرة، وقوله (حتَّى أتى الجمرة التي عند الشجرة) غاية لقوله سلك، وهذا يدل على أنَّه كان هناك أولًا شجرة كما في الفتح، وفي هذا الحديث رمى جمرة العقبة راكبًا، وفي اللباب الأفضل أن يرمي جمرة العقبة راكبًا وغيرها ماشيًا في جميع أيام الرمي، وفي الكنز: وكل رمي بعده رمي فارمه ماشيًا (فرماها) أي رمى جمرة العقبة عقب وصولها (بسبع حصيات) حالة كونه (يكبر مع كل حصاة منها) أي من تلك السبع حالة كون كل منها (مثل حصى الخذف) أي قدر حصى الخذف أي حصى

رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يخذف ويرمى به بين السبابتين، وقال الطيبي: بالجر بدل من الحصيات وهي بقدر حبة الباقلاء، وفي نسخة صحيحة مثل حصى الخذف، قال النووي: أما قوله (بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الحذف) فهكذا هو في النسخ التي بأيدينا وكذا نقله القاضي عن معظم النسح قال: وصوابه مثل حصى الحذف قال: وكذلك رواه بعض رواة مسلم هذا كلام القاضي قلت والذي في النسخ من غير لفظة مثل هو الصواب بل لا يتجه غيره ولا يتم الكلام إلَّا كذلك ويكون قوله حصى الخذف متعلقًا بحصيات أي رماها بسبع حصيات حصى الخذف يكبر مع كل حصاة فحصى الخذف متصل بحصيات واعترض بينهما يكبر مع كل حصاة فهذا هو الصواب اهـ كلام النواوي، وعندى أن اتصال حصى الخذف بقوله مع كل حصاة أقرب لفظًا وأنسب معنى ومع هذا لا اعتراض ولا تخطئة على إحدى النسختين فإن تعلقه بحصاة أو حصيات لا ينافي وجود مثلٍ لفظًا أو تقديرًا غايته أنَّه إذا كان موجودًا فهو واضح معنىً وإلا فيكون من باب التشبيه البليغ وهو ما حذف فيه أداة التشبيه أي كحصى الخذف بل لا يظهر للتعلق غير هذا المعنى فالروايتان صحيحتان والله أعلم، وقوله مثل صفة بعد صفة لحصاة فهو قاعد في محله ليس بزائد كما ظنه النواوي، والخذف في الأصل مصدر خذف يخذف من باب ضرب فهو مصدر سمي به وهو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها كما في النهاية، قال بعضهم: وإنما شرع مثل حصى الخذف لأن ما دونها غير محسوس وفوقها ربما يؤذي في مثل هذا الموضع اهـ (رمى من بطن الوادي) أي من أسفل الوادي كما يأتي من حديث ابن مسعود وهو المستحب، فلو رمى من أي مكان صح رميه إذا وقع في موضع الرمي اهـ من المفهم، قال النواوي: وفيه أن السنة أن يقف للرمي في بطن الوادي بحيث تكون منى وعرفات ومزدلفة عن يمينه ومكة عن يساره وهذا هو الصحيح الَّذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، وقيل يقف مستقبل القبلة، وكيف رمى أجزأه اهـ، وفي الدر المختار: ورمى جمرة العقبة من بطن الوادي ويكره تنزيهًا من فوق اهـ، وهذا في الزمان الأول والآن يكون الرمي من كل الجهات (ثم) بعدما رمى جمرة العقبة (انصرف) أي ذهب (إلى المنحر) أي إلى موضع النحر والذبح، قال الزرقاني: هو موضع معروف بمنى وكلها منحر كما في الحديث، قال ابن التين: منحر النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد فللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله (هذا

فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ. ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا. فَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا غَبَرَ. وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ. فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ. فَطُبِخَتْ. فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المنحر وكل منى منحر) قال مالك: إلَّا ما خلف العقبة وقديد، والنحر بمنى عند مالك له ثلاثة شروط أحدها أن يوقف بالهدي بعرفة، والثاني أن يكون النحر في أيام منى، والثالث أن يكون النحر في الحج لا في عمرة، فإذا اجتمعت هذه الشروط فلا يجوز النحر إلَّا بمنى لا بغيرها اهـ من المفهم، وقال القاضي إسماعيل: إنه يجوز أن ينحر بمكة أيام منى وقد حكى أنَّه مذهب مالك، فأما العمرة فالنحر بها بمكة في بيوتها وطرقها وفجاجها، ويجزئ عند مالك النحر في العمرة بمنى فإن نحر بغير منى ومكة في الحج والعمرة لم يجز عنده وجاز عند أبي حنيفة والشافعي بأي موضع كان من الحرم قالا: والمقصود مساكين الحرم لا الموضع منه، وأجمعوا أنَّه لا يجوز فيما عدا الحرم ولا يجوز في البيت والمسجد نحر ولا ذبح (فنحر ثلاثًا وستين بيده) الشريفة، هكذا رواية الجماعة وعند ابن ماهان (بدنة) مكان بيده، وكل صواب، والأول أصوب، وفيه دلالة على أن الأولى للمهدي والمضحي أن يتولى ذلك بيده (ثم أعطى) السكين (عليًّا) ابن أبي طالب (فنحر علي ما كبر) أي ما بقي من الهدي وهو سبع وثلاثون، وكانت جملة الهدي مائة بدنة (وأشركه) أي أشرك عليًّا (في هديه) أي في نفس الهدي، ويحتمل أنَّه أشركه في نحره، وإعطاؤه ما بقي لعلي رضي الله عنه لينحرها دليل على صحة النيابة في ذلك غير أنَّه روي في غير كتاب مسلم أنَّه إنما أعطاه إياه ليهديها عن نفسه، ويدل عليه قوله وأشركه في هديه وعلى هذا فلا يكون فيه حجة على الاستنابة، وقيل إنما نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين بدنة لأنها هي التي أتى بها من المدينة كما ذكره الترمذي، وقيل إنما خص النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العدد لأنها منتهى عمره على ما هو الأصح في ذلك فكأنه أهدى عن كل سنة من عمره بدنة اهـ من المفهم. (ثم أمر) النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ (من كل بدنة) من المائة (ببضعة) بفتح الموحدة الثانية أي بقطعة من لحمها (فجعلت) تلك البضعات (في قدر) اسم لآلة الطبخ (فطبخت) تلك البضعات (فأكلا) أي أكل النبي صلى الله عليه وسلم وعلي (من لحمها) أي من لحم القدر (وشربا من مرقها) أي من مرق القدر، قال المطرزي: الضمير المؤنث يعود إلى القدر لأنها مؤنث سماعي، وقال الطيبي: يحتمل عوده إلى الهدايا،

ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيتِ. فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: قالوا لما كان الأكل من كل واحدة سنةً، وفي الأكل من جميعها كلفة ومشقة جعلت في قدر ليكون تناوله من المرق كالأكل من جميعها واتفقوا على أن الأكل من الهدي والضحية ليس بواجب اهـ، وفي المرقاة: والصحيح أنَّه مستحب، وقيل واجب لقوله تعالى فكلوا منها قال القرطبي: إنما فعل هذا ليمتثل قوله تعالى {فَكُلُوأ مِنْهَا} [الحج: 28] وهما وإن لم يأكلا من كل بضعة فقد شربا من مرق كل ذلك وخصوصية علي، بالمواكلة دليل على أنَّه أشركه في الهدي، وفيه دليل على أن من حلف أن لا يأكل لحمًا فشرب مرقه أنَّه يحنث، وفيه دليل على استحباب أكل الأقل من الهدايا والضحايا والتصدق بالأكثر، وفيه دليل على جواز أكل المهدي من هدي القرآن، وقد قدمنا أنَّه كان قارنًا اهـ من المفهم (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ناقته القصواء (فأفاض إلى البيت) أي رجع أو أسرع إلى بيت الله لطواف الفرض، ويسمى طواف الإفاضة والركن، وأكثر العلماء ومنهم أبو حنيفة أنَّه لا يجوز طواف الإفاضة بنية غيره خلافًا للشافعي حيث قال: لو نوى غيره كنذر أو وداع وقع عن الإفاضة كذا في المرقاة، قال في الدر المختار: وطواف الزيارة أول وقته بعد طلوع الفجر يوم النحر وهو في يوم الأول أفضل ويمتد وقته إلى آخر العمر فإن آخره عن أيام النحر كره تحريمًا ووجب دم لترك الواجب وهذا عند الإمكان اهـ (فصلى بمكة الظهر) أي ظهر يوم النحر، وفي المواهب وشرحه: واختلف أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يومئذ أي يوم النحر ففي رواية جابر عن مسلم أنَّه صلى الله عليه وسلم صحى بمكة ولفظه: فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر وكذا قالت عائشة عند أبي داود وغيره، وفي حديث ابن عمر في الصحيحين أنَّه صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى فهذا يعارض حديث جابر وعائشة فرجح ابن حزم في كتاب حجة الوداع له قول عائشة وجابر وتبعه على ذلك جماعة بأربعة أوجه لأنهما اثنان وهما أولى من الواحد، وثانيهما لأن عائشة أخص الناس به صلى الله عليه وسلم ولها من القرب والاختصاص ما ليس لغيرها، وثالثها لأن سياق جابر رضي، الله عنه من أولها إلى آخرها أتم سياق وهو أحفظ للقصة وضبطها حتَّى ضبط جزئياتها حتَّى أقر منها ما لا يتعلق بالمناسك وهو نزوله في الطريق فبال عند الشعب وتوضأ وضوءًا خفيفًا فمن ضبط هذا الندر فهو بضبط صلاته الظهر يوم النحر أولى، ورابعها أيضًا فإن حجة الوداع كانت في (آذار) بهمزتين فذال

فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ. فَقَال: "انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ" فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ معجمة فألف فراء، قال في القاموس: هو الشهر السادس من الشهور الرومية قد دفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى منى وخطب بها الناس ونحر بها بُدْنهُ المائة وقسمها وطبخ له من لحمها وأكل منه ورمى الجمرة وحلق رأسه وتطيب ثم أفاض وشرب من ماء زمزم ووقف عليهم وهم يسقون وهذه أعمال يظهر منها أنها لا تنقضي في مقدار يمكن معه الرجوع إلى منى بحيث يدرك الظهر في فصل آذار اهـ فتح الملهم. وفي الأبي: يجمع بين حديثهما وحديث ابن عمر بأنه صلى الله عليه وسلم طاف الإفاضة قبل الزوال وصلى الظهر بمكة أول وقتها ثم رجع إلى منى وصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سالوه ذلك فيكون متنفلًا للظهر الثانية اهـ منه (فأتى بني عبد المطلب) حالة كونهم (يسقون) الناس من ماء زمزم، وقوله (على زمزم) متعلق بأتى، ويحتمل أن تكون على بمعنى من متعلقًا بيسقون أي يغترفون منها بالدلاء ويصبونه في الحياض ويسقونه الناس، قال النواوي: وأما زمزم فهو البئر المشهورة في المسجد الحرام بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثون ذراعًا، قيل سميت زمزم لكثرة مائها، يقال ماء زمزوم وزمزم وزمازم إذا كان كثيرًا، وقيل لضم هاجر لمائها حين انفجرت وزمها إياه، وقيل لزمزمة جبريل - عليه السلام - وكلامه عند فجره إياها، وقيل إنها غير مشتقة ولها أسماء أخر ذكرتها في تهذيب اللغات اهـ (فقال) صلى الله عليه وسلم لهم (انزعوا) بكسر الزاي، بقال نزع بالفتح تنْزع بالكسر، والقياس في فعل الَّذي عينه أو لامه حرف حلق فتح مضارعه ولم يأت الكسر إلَّا في نزع ينزع، والنزع الاستقاء أي استقوا الماء للناس يا (بني عبد المطلب فلولا) خوفي (أن يغلبكم الناس) ويزدحموا (على سقايتكم) أي على استقائكم بسبب نزعي معكم (لنزعت) أي لنزحت (معكم) لاستقاء الناس معكم والمعنى فلولا خوفي أن يغلبكم الناس بأن يزدحموا على النزع بحيث يغلبونكم ويدفعونكم لاعتقادهم أن النزع، والاستقاء من مناسك الحج لنزعت معكم لكثرة فضيلة ذلك، وقيل قال ذلك شفقةُ على أمته من الحرج والمشقة، والأول أظهر، وفيه بقاء هذه التكرمة لبني العباس كبقاء الحجابة لبني شيبة إذ لو استعمله الناس معهم لخرج عن اختصاصه بهم (فناولوه) صلى الله عليه وسلم أي أعطوه (دلوًا) من مائها (فشرب منه) أي من مائها والله أعلم، فيستحب الشرب منها والإكثار منه، وقد صح مرفوعًا: "ماء زمزم لما شرب له" وشربه جماعة من العلماء

(2831) - (00) (00) وحدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَال: أَتَيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ بِنَحْو حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ عَلَى حِمَارٍ عُرْيٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمآرب فوجدوها، قال ابن العربي: شربناه للعلم فليتنا شربناه للورع، وأوَّلُ ما يشرب له لتحقيق التوحيد والموت عليه والعزة بطاعة الله والله أعلم، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 217] والبخاري [1557] والنسائي [5/ 202]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2831 - (00) (00) (وحدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (10) مات سنة (222) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا جعفر بن محمد) بن علي المعروف بالصادق، صدوق، من (6) (حدثني أبي) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (4) (قال) أبي (أتيت جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لحاتم بن إسماعيل (فسألته عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق) حفص بن غياث أي ذكر (بنحو حديث حاتم بن إسماعيل وزاد) حفص (في الحديث) على حاتم بن إسماعيل، جملة (وكانت العرب) في الجاهلية إلى آخره (يدفع بهم) أي يجيز ويذهب بهم من مزدلفة إلى منى (أبو سيارة) بسين مهملة ثم ياء مثناة تحت المشددة، وفي شرح القاموس للعلامة الزبيدي: وأبو سيارة عميلة بن خالد العدواني كان له حمار أسود يحمل الناس من المزدلفة إلى من (على حمار) له أسود (عري) أي عار خال عن السرج والقتب والإكاف والبرذعة، أربعين سنة، وكان يقول: أشرق ثبير، كيما نغير؛ أي كي نسرع إلى النحر فقيل: أصح من عير أبي سيارة، يعني ضرب به المثل، وفي تاج العروس قال الراجز: خلوا الطريق من أبي سياره ... وعن مواليه بني فزاره حتى يجيز سالكًا حماره

فَلَمَّا أَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الحَرَامِ. لَمْ تَشُكَّ قُرَيشٌ أَنهُ سَيَقْتَصِرُ عَلَيهِ. ويكُونُ مَنْزِلُهُ ثَمَّ. فَأَجَازَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ. حَتَّى أَتَى عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ. (2832) - (00) (00) حدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلما أجاز) أي جاوز ومر (رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة بالمشعر الحرام) أي مر على المشعر الحرام الَّذي كان بالمزدلفة ووصل إليه (لم تشك قريش أنَّه) صلى الله عليه وسلم (سيقتصر) ويكتفي بالوقوف (عليه) أي على المشعر الحرام كعادة قريش لكونه منهم (ويكون منزله) صلى الله عليه وسلم أي نزوله (ثم) أي في المشعر الحرام ولا يجاوزه إلى عرفات (فـ) ـــلما وصل صلى الله عليه وسلم المشعر الحرام (أجاز) أي مر عليه (ولم يعرض له) بفتح الياء وكسر الراء؛ أي لم يلتفت إليه للنزول والوقوف عليه ومضى (حتَّى أتى عرفات) أي جاءها (فنزل) فيه مخالفًا لعادة قريش أي جاوز المشعر الحرام ودخل أرض عرفات حتَّى وصل الصخرات فوقف هناك، ومعنى الحديث أن قريشًا كانت قبل الإسلام تقف بالمزدلفة وهي من الحرم ولا يقفون بعرفات، وكان سائر العرب يقفون بعرفات وكانت قريش تقول: نحن أهل الحرم فلا نخرج منه، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم ووصل المزدلفة اعتقدوا أنَّه يقف بالمزدلفة على عادة قريش فجاوز إلى عرفات لقول الله عزَّ وجلَّ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس أي جمهور الناس فإن من سوى قريش كانوا يقفون بعرفات ويفيضون منها (قوله حتَّى أتى عرفات) قال النووي: فيه مجاز بالحذف تقديره فأجازه متوجهًا على عرفات حتَّى قاربها فضربت له القبة بنمرة قريب من عرفات فنزل هناك حتَّى زالت الشمس، ثم خطب وصلى الظهر والعصر، ثم دخل أرض عرفات حتَّى وصل الصحراء فوقف هناك، وقد سبق هذا واضحًا في الرواية الأولى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2832 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عمر بن حفص بن غياث حَدَّثَنَا أبي) حفص بن غياث (عن جعفر) الصادق (حدثني أبي) محمد الباقر (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه.

في حَدِيثِهِ ذلِكَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "نَحَرْتُ ههُنَا. وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ. فَانْحَرُوا في رِحَالِكُمْ. وَوَقَفْتُ ههُنَا. وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ. وَوَقَفْتُ ههُنَا. وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ". (2833) - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند نفس السند الَّذي قبله ولكن المتن فيهما مختلف، وغرضه كسابقه بيان متابعة حفص بن غياث لحاتم بن إسماعيل في رواية هذا الحديث (في حديثه) أي في حديث جابر (ذلك) الطويل المذكور آنفًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحرت) هديي (ها هنا) أي في هذا المنحر الَّذي عند الجمرة الأولى، وقد بني عليه بناءَان كل منهما يسمى مسجد النحر أحدهما على الطريق، والآخر منحرف عنها، قيل وهو الأقرب إلى الوصف الَّذي ذكروه في محل نحره صلى الله عليه وسلم (ومنى كلها) أي كل بقاعها (منحر) أي موضع نحر الهدي فيجوز النحر في أي بقعة منها فلا يختص النحر بمنحره صلى الله عليه وسلم وهو قريب من مسجد الخيف (فانحروا) أيها المؤمنون هداياكم (في رحالكم) أي في منازلكم التي نزلتم فيها من بقاع منى، قال أهل اللغة: رحل الرجل منزله سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر، ومعنى الحديث منى كلها منحر يجوز النحر فيها فلا تتكلفوا النحر في موضع نحري بل يجوز لكم النحر في منازلكم من منى (ووقفت ها هنا) أي قرب الصحرات (وعرفة كلها) أي بقاعها (موقف) أي إلَّا بطن عرنة (ووقفت ها هنا) أي عند المشعر الحرام بمزدلفة وهو الموجود بها الآن كذا في المرقاة (وجمع) بفتح الجيم وسكون الميم (كلها) أي كل بقاعها أنث الضمير لأن جمعًا علم لمزدلفة، قال الفيومي: ويقال لمزدلفة جمع إما لأن الناس يجتمعون بها، وإما لأن آدم اجتمع هناك بحواء اهـ (موقف) أي يصلح الوقوف في بقعة منها، قال النواوي: في هذه الألفاظ بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقته عليهم في تنبيههم على مصالح دينهم ودنياهم فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الأكمل والجائز فالأكمل موضع نحره ووقوفه والجائز كل جزء من أجزاء المنحر وجزء من أجزاء عرفات وجزء من أجزاء مزدلفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر، ضي الله عنه فقال: 2033 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا يحيى

ابْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ. ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ. فَرَمَلَ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن آدم) بن سليمان الأموي المكي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن جعفر بن محمد عن أبيه) محمد الباقر (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) الأنصاري. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان وواحد مروزي، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لحفص بن غياث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة) في حجة الوداع (أتى الحجر) الأسود (فاستلمه) أي استلم الحجر ولمسه بيده اليمنى (ثم مشى على) جهة (يمينه) مارًا على الباب (فرمل) أي أسرع في مشيه مقاربًا خطاه هازًا كتفيه (ثلاثًا) أي في ثلاث طوفات الأول (ومشى) على عادته (أربعًا) أي في أربع طوفات الأخيرة، وفي هذا الحديث أن السنة للحاج إذ يبدأ أول قدومه بطواف القدوم ويقدمه على كل شيء وأن يستلم الحجر الأسود في أول طوافه وأن يرمل في ثلاث طوفات من السبع ويمشي في الأربع الأخيرة، وسيأتي هذا كله واضحًا مبسوطًا حيث ذكر مسلم أحاديثه والله أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلَّا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

475 - (31) باب الوقوف بعرفات ونزول قوله تعالى ({ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس})

475 - (31) باب: الوقوف بعرفات ونزول قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] (2834) - (1189) (109) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها. قَالتْ: كَانَ قُرَيشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بالْمُزْدَلِفَةِ. وَكَانُوا يُسَمُّوْنَ الْحُمْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 475 - (31) باب الوقوف بعرفات ونزول قوله تعالى ({ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}) 2734 - (1189) (109) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين (رضي الله عنها) وهذا السند من خماسياته ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قالت) عائشة (كان قريش ومن دان) أي تمسك (دينها) أي اتخذه لنفسه دينًا وتبعهم في ذلك الدين ووافقهم عليه (يقفون) في الحج (بالمزدلفة) ولا يخرجون إلى عرفة مع الناس، قال سفيان بن عيينة: وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم، فكانوا لا يخرجون منه، رواه الحميدي في مسنده (وكانوا) أي وكان قوم قريش (يسمون) عند الناس (الحمس) بضم الحاء المهملة وسكون الميم وسين مهملة، روى إبراهيم الحربي عن مجاهد قال: الحمس قريش ومن كان يأخذ مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف وغزوان وبني عامر وبني صعصعة وبني كنانة إلَّا بني بكر، والحمس جمع أحمس كحمر وأحمر، والأحمس في كلام العرب الشديد سموا بذلك لما شددوا على أنفسهم وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحمًا ولا يضربون وبرًا ولا شعرًا، وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم، وروى إبراهيم أيضًا من طريق عبد العزيز بن عمران المدني قال: سموا حمسًا بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد اهـ والأول أشهر وأكثر، وقيل مأخوذ من الحماسة بمعنى الشجاعة، وذكر الحربي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم فدخل في الحمس من غير قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة

وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ. فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يأتِيَ عَرَفَاتِ فَيَقِفَ بِهَا. ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا. فَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني وغيرهم، وعرف بهذا أن المراد بهذه القبائل من كانت له من أمهاته قرشية. لا جميع القبائل المذكورة كذا في الفتح (وكان سائر العرب) وباقي الناس (يقفون بعرفة فلما جاء الإسلام أمر الله عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات فيقف بها) مع الناس (ثم) بعد وقوفه (يفيض) أي يذهب (منها) أي من عرفات إلى مزدلفة، وقوله (يفيض) بضم أوله من الإفاضة وهو هنا الدفع والذهاب بكثرة تشبيهًا بفيض الماء، قال ابن الأثير: وأصل الإفاضة الصب فاستعيرت للدفع في السير، وأصله أفاض نفسه أو راحلته فرفضوا ذكر المفعول حتَّى أشبه غير المتعدي قاله ابن الأثير ومثله الدفع في هذا المعنى فيقال دفع من عرفات أي أفاض منها كأنه دفع نفسه منها ونحاها أو دفع ناقته وحملها على السير اهـ من بعض الهوامش، قالت عائشة (فذلك) أي فمصداق ذلك الَّذي ذكرته وشاهده (قوله عزَّ وجلَّ {ثُمَّ}) بعد وقوفكم بعرفة وذكركم عند المشعر الحرام ({أَفِيضُوا}) أي ارجعوا يا قريش ({مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}) غيركم من سائر العرب وعامة الناس أي ارجعوا من المزدلفة إلى منى قبل طلوع الشمس للرمي والنحر إن قلنا إنه خطاب لقريش وأمر لهم بالإفاضة من حيث أفاض غيرهم، فعلى هذا القول المراد بالناس جميع العرب سوى الحمس، والقول الثاني إنه خطاب لسائر المسلمين، والمراد بالناس إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما والمعنى على هذا القول ثم بعد ذكركم أيها المسلمون عند المشعر الحرام ارجعوا من المزدلفة إلى منى حيث أفاض الناس أي ارجعوا إلى منى للرمي والنحر في الوقت الَّذي أفاض ورجع فيه الناس أي إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما أي ارجعوا قبل طلوع الشمس كما رجع منها إبراهيم وإسماعيل في ذلك الوقت إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان العرب الذين وقفوا بالمزدلفة يرجعون إلى منى بعد طلوع الشمس وهذا القول اختاره الضحاك لكن القول الأول هو الأصح الَّذي عليه جمهور المفسرين اهـ من حدائق الروح والريحان، قال الخطابي: تضمن قوله تعالى ({ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]) الأمر بالوقوف بعرفة لأن الإفاضة إنما تكون عند اجتماعٍ قبلَهُ وكذا قال ابن بطال وزاد: وبين

(2835) - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كَانَتِ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيتِ عُرَاةً. إلا الْحُمْسَ. وَالْحُمْسُ قُرَيشٌ وَمَا وَلَدَتْ. كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً. إلا أَنْ تُعْطِيَهُمُ الْحُمْسُ ثِيَابًا. فَيُعْطِي الرِّجَالُ الرِّجَال وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ. وَكَانَتِ الْحُمْسُ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ. وَكَانَ النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشارع مبتدأَ الوقوف بعرفة ومنتهاه، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4520] وأبو داود [1910] والترمذي [884] والنسائي [5/ 255] وابن ماجة [3018]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر عائشة رضي الله عنها فقال: (2835) - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (حَدَّثَنَا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير عن عائشة. وهذا السند من خماسياته أيضًا غرضه بيان متابعة أبي أسامة لأبي معاوية (قال) عروة قالت لنا عائشة (كانت العرب تطوف بالبيت عراةً) أي عارين من الثياب رجالهم وعاريات منها نساؤهم، وإن طاف أحد بثوبه ألقاه على الأرض ولم يعد له ولا يأخذه أحد لا هو ولا غيره ولا ينتفع به وكانت تسمى تلك الثياب اللقي لإلقائها بالأرض اهـ من المفهم، قال الأبي: هذا من فواحشهم التي كانوا عليها في الجاهلية وفيها نزل قوله تعالى {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيهَا آبَاءَنَا} ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجه بعام أن لا يطوف بالبيت عريان، وكانت الحمس ومن أعطته الحمس يطوفون بثيابهم (إلا الحمس) أي إلَّا قريشًا (والحمس قريش وما ولدت) أي وما ولدت بناتهم من غيرهم، وقد مر قريبًا أنَّه إذا خطب منهم الغريب شرطوا عليه أن يكون ولدها لهم (كانوا) أي كان الناس غير الحمس (يطوفون) بالبيت (عراةً) أي عارين من ثيابهم لكن طوافهم بالبيت عراة لا لفقدهم الثياب بل لزعمهم التحنث بذلك فكانوا يقولون نحن لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها كما في تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيهَا آبَاءَنَا} الآية للجلالين (إلا أن تعطيهم الحمس ثيابًا) إعارة أو إجارة أو تبرعًا (فيعطي الرجال) من قريش (الرجال) أي لرجال الناس غيرهم (والنساء) أي نساء قريش (النساء) أي لنسائهم (وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة) إلى عرفات في الوقوف لزعمهم نحن من أهل الحرم لا نخرج من الحرم (وكان الناس) غير الحمس

كُلُّهُمْ يَبْلُغُونَ عَرَفَاتٍ. قَال هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتِ: الْحُمْسُ هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِم: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. قَالتْ: كَانَ النَّاسُ يُفِيضُونَ مِن عَرَفَاتِ. وَكَانَ الْحُمْسُ يُفِيضُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ. يَقُولُونَ: لَا نُفِيضُ إلا مِنَ الْحَرَمِ. فَلَمَّا نَزَلَت: {أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلهم) عربًا وعجمًا (يبلغون) أي يصلون في خروجهم (عرفات) أي يقفون في عرفات (قال هشام) بن عروة (فحدثني أبي) عروة (عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمس هم الذين أنزل الله عزَّ وجلَّ فيهم) أي في شانهم قوله تعالى ({ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قالت) عائشة في تفسير هذه الآية (كان الناس) أي جمهورهم (يفيضون) أي يرجعون (من عرفات) بعد الوقوف فيها إلى مزدلفة ثم إلى منى (وكان الحمس) أي قريش (يفيضون) أي يرجعون (من المزدلفة) إلى منى ولا يخرجون إلى عرفات لأنهم (يقولون) نحن أهل الحرم لا نخرج إلى الحل للوقوف يعنون إلى عرفات بل (لا نفيض) إلى منى (إلا من الحرم) الَّذي هو مزدلفة (فلما نزلت) آية ثم ({أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} رجعوا إلى) منى بعد أن وقفوا (عرفات) ثم وقفوا مزدلفة، والمعنى أنهم أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها، ثم يفيضون منها إلى مزدلفة، ثم إلى منى كسائر الناس. قال الحافظ رحمه الله تعالى: (قوله فلما نزلت ثم أفيضوا) الآية، عرف برواية عائشة أن المخاطب بقوله تعالى ثم أفيضوا النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به من كان لا يقف بعرفة من قريش وغيرهم، وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس هنا إبراهيم الخليل - عليه السلام - وعنه المراد به الإمام وعن غيره آدم، وقرئ في الشواذ الناسي بكسر السين بوزن القاضي، والأول أصح، نعم الوقوف بعرفة موروث عن إبراهيم كما روى الترمذي وغيره من طريق يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفًا بعرفة، فأتانا ابن مربع فقال: إنِّي رسول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم: كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم .. الحديث، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو المراد خاصةً من قوله من حيث أفاض الناس بل هؤلاء من ذلك، والسبب فيه ما حكته عائشة رضي الله عنها.

(2836) - (1190) (110) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو. سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحدَّثُ، عَنْ أَبِيهِ، جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَال: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي. فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ. فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ. فَقُلْتُ وَاللهِ! إِنَّ هذَا لَمِنَ الْحُمْسِ. فَمَا شَأنُهُ فهُنَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة رضي الله عنها بحديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه فقال: 2836 - (1190) (110) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن سابور (الناقد) البغدادي (جميعًا) أي كلاهما (عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكوفي (قال عمرو حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (سمع) عمرو (محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل المدني، ثقة، من (3) (يحدث عن أبيه جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي وواحد مكي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) جبير بن مطعم (أضللت بعيرًا لي) يقال ضل البعير إذا غاب وخفي موضعه وأضللته أي فقدته اهـ من المصباح، وفي بعض الروايات حمارًا لي فيحتمل التعدد قاله الزرقاني، قال جبير (فذهبت) في بقاع عرفات، حالة كوني (أطلبه) أي أطلب ذلك البعير (يوم عرفة) وكان مجيء جبير إلى عرفة ليطلب بعيره لا ليقف بها (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا مع الناس بعرفة) قال القاضي عياض: كان هذا في حجِّهِ قبل الهجرة، وكان جبير حينئذ كافرًا وأسلم يوم الفتح، وقيل يوم خيبر فتعجب من وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات والله أعلم اهـ قال الزرقاني لا كما ظنه السهيلي أن رؤية جبير لذلك كان في حجة الوداع فاستشكله، وأخرج إسحاق بن راهويه عن جبير بن مطعم قال: ضللت حمارًا لي في الجاهلية فوجدته بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا بعرفات مع الناس فلما أسلمت علمت أن الله وفقه لذلك، والمراد بقوله في الجاهلية قبل إسلامه كما قال الزرقاني رحمه الله تعالى (فقلت) في نفسي (والله إن هذا) الرجل (لمن الحمس) أي من قريش (فما شأنه) وحاله واقفًا (ها هنا) أي في عرفات لأن قريش لا تخرج من

وَكَانَتْ قُرَيشٌ تُعَدُّ مِنَ الْحُمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرم، وقوله (وكانت قريش تعد من الحمس) أي من المتشددين في دينهم، قال الحافظ: هذه الزيادة توهم أنها من أصل الحديث، وليس كذلك بل هي من قول سفيان بينه الحميدي في مسنده عنه قال الأبي: انظر كيف يكون هذا حديثًا فإنه ليس في حجة الوداع وإنما كان وهو بمكة ثم إن كان بعد الرسالة فكونه حديثًا واضح لأنه مستند لفعله صلى الله عليه وسلم وإن كان قبل الرسالة ففي كونه حديثًا نظر لأن الشريعة لم تكن حينئذ ثبتت، وقال القاضي عياض: كان هذا في حجه صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وجبير حينئذ لم يسلم، وإنما أسلم يوم الفتح، وقيل يوم خيبر اهـ قال الأبي أيضًا: إذا كان قبل الهجرة ففي كونه حديثًا ما تقدم ومسلم ذكر في الخطبة أنَّه لا يذكر في كتابه إلَّا ما هو حديث، والحديث ما أُسند لفعله صلى الله عليه وسلم أو قوله أو إقراره اهـ إكمال المعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الحج عن علي بن عبد الله، والنسائي أخرجه في الحج عن قتيبة بن سعيد اهـ تحفة الأشراف. وذكر المؤلف في هذا الباب حديثين الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جبير بن مطعم ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

476 - (32) باب جواز تعليق الإحرام وهو أن يحرم كإحرام فلان فيصير محرما مثل إحرام فلان

476 - (32) باب: جواز تعليق الإحرام وهو أن يحرم كإحرام فلان فيصير محرمًا مثل إحرام فلان (2837) - (1191) (111) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ. عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَال لِي: "أَحَجَجْتَ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقال: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ! بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 476 - (32) باب جواز تعليق الإحرام وهو أن يحرم كإحرام فلان فيصير محرمًا مثل إحرام فلان 2837 - (1191) (111) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار، قال ابن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم أبي عمرو الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس البجلي الأحمسي الكوفي، قال أبو داود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع صحابي أو ثقة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو موسى (قدمت) من اليمن (على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ) أي مضجع ناقته (بالبطحاء) أي ببطحاء مكة وهي المسماة بالأبطح والمحصب اهـ مفهم، والمعنى أي نازل بالبطحاء بإناخة ناقته فيها وذلك في ابتداء قدومه (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحججت) يا أبا موسى أي هل أحرمت بالحج؟ وفي الرواية الآتية (بم أهللت) قال أبو موسى (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أحرمت (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بم أهللت) أي كيف أهللت، وما هنا بمعنى كيف لأن السؤال عن حقيقة ما أحرم ذكر أولًا بقوله أحججت إلَّا أن يقال إن معناه هل أحرمت كما في الرواية الآتية (قال) أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم (قلت) يا رسول الله في إحرامي البيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) أي أجبت لك يا إلهي بإحرام كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، قال الأبي: تقدم الكلام على إحرامه هذا أو إحرام عليّ وعلى ما يتعلق بذلك من

قَال: "فَقَدْ أَحْسَنْتَ. طُفْ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَأَحِلَّ" قَال: فَطُفْتُ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَتَيتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَيسٍ. فَفَلَت رَأْسِي. ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام، قال النواوي: وفيه صحة الإحرام المعلق وهو أن يقول: أحرمت بإحرامٍ كإحرام زيد، ويلزمه ما أحرم به زيد من حج أو عمرة أو قران وإن كان زيد أحرم مطلقًا لزمه إحرام مطلق، وله أن يخالف ما صرف زيد إحرامه إليه فإن صرف زيد إحرامه إلى الحج فله هو أن يصرفه إلى عمرة، وقال الأبي أيضًا: تقدم أن الشافعي أخذ من الحديثين صحة الإحرام بالنية المبهمة وليس فيهما ما يدل عليها لأن الإحرام بالنية المبهمة هو أن ينوي الدخول في النسك فقط، ثم له أن يصرفه لما شاء من حج أو عمرة وليس فيهما ما يدل على هذا، وإنما فيهما الإحرام المعلق على ما أحرم به فلان، والفرق بين الإحرامين أن الإحرام بالنية المبهمة له أن يصرفه كما تقدم، والإحرام المعلق ليس له أن يصرفه عما أحرم به فلان كما تقدم (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقد أحسنت) في إحرامك، وهل سقت هديًا؟ كما هو المصرح في الرواية الآتية، قلت: لا، قال: إذًا (طف بالبيت و) اسْعَ (بالصفا والمروة) أي بينهما (وأحل) من إحرامك بالتقصير، قال النواوي: وفي قوله أحسنت، استحباب الثناء على من فعل جميلًا، قال النواوي: أمره بفسخ حجه إلى العمرة ولم يذكر الحلق لأنه عندهم معلوم أو اكتفى عنه بقوله وأحل (قال) أبو موسى (فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم) بعد تحللي بعمل عمرة (أتيت) أي جئت عندما قرب يوم التروية (امرأة من بني قيس) وفي بعض الروايات امرأةَ من قيس، قال الحافظ: والمتبادر إلى الذهن من هذا الإطلاق أنها من قيس عيلان وليس بينهم وبين الأشعريين نسبة لكن في رواية أيوب بن عائذ امرأة من نساء بني قيس، وظهر لي من ذلك أن المراد بقيس قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري، وأن المرأة زوج بعض إخوته، وكان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة، قيل ومحمد اهـ، وقال النواوي: وهذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرمًا له والله أعلم (ففلت رأسي) بفاء التعقيب بعدها فاء ثم لام خفيفة مفتوحة ثم مثناة أي سرحت شعر رأسي وتتبعت القمل وأخرجته منه بيدها يقال فَلَى يفلي فليًا من باب رمى يرمي كما في المصباح (ثم أهللت) أي أحرمت (بالحج) يوم التروية، قال النواوي: يعني أنه تحلل بالعمرة وأقام بمكة حلالًا إلى يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، ثم أحرم بالحج يوم التروية كما جاء مبينًا في غير هذه الرواية، فإن قيل قد علق علي بن أبي طالب وأبو موسى رضي الله

قَال: فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ. حَتى كَانَ فِي خِلافةِ عُمَرَ رضي الله عنه. فَقَال لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُوسَى! أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيسٍ! رُوَيدَكَ بَعْضَ فُتْيَاكَ. فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدَكَ. فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ كُنَّا أَفْتَينَاهُ فُتْيَا فَلْيَتَّئِدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى عنهما إحرامهما بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم فأمر عليًّا بالدوام على إحرامه قارنًا وأمر أبا موسى بفسخه إلى عمرة، فالجواب أن عليًّا رضي الله عنه كان معه الهدي كما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم الهدي فبقي على إحرامه كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم وكل من معه هدي، وأبو موسى لم يكن معه فتحلل بعمرة كمن لم يكن معه هدي، ولولا الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم لجعلها عمرة اهـ، وقد سبق الكلام على هذا في بعض الأبواب السابقة فراجعه. (قال) أبو موسى (فكنت أفتي) وأخبر (به) أي بفسخ الحج إلى العمرة والتحلل منه بها ثم إحرام الحج يوم التروية كالمكيين ويكون متمتعًا (الناس) أي لمن سألني من الناس أي أخبرهم بجواز الفسخ ومستنده في فتياه اعتقاده عموم مشروعية الفسخ وعدم قصره على الصحابة رضي الله عنهم كما اعتقده ذلك غيره قاله الأبي، وقال عياض: قوله (أفتي به) أي بالتمتع بالعمرة إلى الحج كما جاء مفسرًا بعد اهـ، وعبارة القرطبي: يعني أفتي الناس بالتحلل لمن أحرم بالحج بعمل العمرة، وكان أبا موسى رضي الله عنه اعتقد عموم مشروعية ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التحلل وتعديه لغير الصحابة، ولم ير أن ذلك خاص بالصحابة رضي الله عنهم كما اعتقده غيره منهم اهـ مفهم، أي أفتى به الناس في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر (حتى كان) فتواه (في خلافة عمر رضي الله عنه فقال له) أي لأبي موسى (رجل) لم أر من ذكر اسمه (يا أبا موسى أو) قال له الرجل (يا عبد الله بن قيس) والشك من طارق بن شهاب أو ممن دونه (رويدك) يا أبا موسى أي تمهل (بعض فتياك) قليلًا وأمسك عنه واتركه، قال النواوي: أي ارفق قليلًا وأمسك عن فتياك، ويقال فتيا وفتوى لغتان، وقال القرطبي: أي ارفُقْ رفقك أو كف بعض فتياك فيصح أن يكون مصدرًا ومفعولًا (فإنك) يا أبا موسى (لا تدري) ولا تعلم (ما أحدث) وأظهر (أمير المومنين في) حكم (النسك بعدك) أي بعد فتواك (فقال) أبو موسى أي نادى في الناس (يا أيها الناس من كنا أفتيناه) أي أجبناه عن سؤاله في حكم من أحكام النسك (فتيا) بضم الفاء وسكون التاء أي جوابًا (فليتئد) أي فليتمهل

فَإِن أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيكُمْ. فَبِهِ فَائْتمُّوا. قَال: فَقَدِمَ عُمَرُ رضي الله عنه فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ. فَقَال: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِن كِتَابَ اللهِ يَأْمُرُ بِالتَّمَامِ. وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَإِن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليتأن عن العمل بها ولا يعجل، وهو افتعال من التؤدة وزان رطبة، أي فليتربص وليصغ إلى قول أمير المؤمنين وليأتم به إن ظهر له رجحان قوله والله أعلم. وقال الأبي: (فإن قلت) كيف رجع عن اجتهاده والمجتهد لا يحل له أن يرجع إلى اجتهاد غيره؟ (قلت) يحتمل إنه قال ذلك تقية من أمير المؤمنين فليس برجوع حقيقة، والمجتهد له أن يفعل ذلك، فإذا زالت التقية رجع إلى قول نفسه، وبالجملة فهو رجوع في الظاهر لا في الباطن ويحتمل أنه رجوع حقيقةً لأجل أنه ظهر له دليل الغير لا أنه تقليد له لأن المجتهد لا يقلد غيره (فإن أمير المومنين قادم) أي قريب قدومه من المدينة (عليكم فبه) أي فبأمير المؤمنين لا بغيره (فائتموا) أي فاقتدوا به خاصة دون غيره لأن الاقتداء به واجب عليكم فيما ليس بمعصية (قال) أبو موسى (فقدم عمر رضي الله عنه) من المدينة (فذكرت ذلك) الذي أفتيته للناس أولًا ثم نهيهم عن العمل بتلك الفتيا (له) أي لعمر (فقال) عمر (أن نأخذ بكتاب الله) تعالى وتمسكنا به (فإن كتاب الله) تعالى (يأمر) نا (بالثمام) أي بإتمام الحج والعمرة يعني قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله (وإن نأخد بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل) من إحرامه (حتى بلغ الهدي محله) بفتح الميم وكسر الحاء؛ أي موضع حل ذبحه ووقته وهو منى يوم النحر، قال المازري: الأظهر أنه إنكار للفسخ لاحتجاجه بالآية والحديث وقيل في احتجاجه بالحديث أنه إنكار للتمتع والقرآن لكن على سبيل الأولى لا على سبيل المنع جملةً، ويدل عليه قوله في الآخر بعده فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ويكون هذا مثل استحبابه لأهل مكة أن يهلوا بالحج إذا رأوا هلال ذي الحجة ليبعد ما بين إحرامهم وعمل الحج ليظهر عليهم أثر الشعث، وقيل نهيه إن كان عن الفسخ فهو نهي لزوم، وإن كان عن التمتع فهو نهي ندب وإرشاد للفضل الذي هو الإفراد اهـ من المعلم بفوائد مسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1559] والنسائي [5/ 153].

(2838) - (00) (00) وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. فِي هذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (2839) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه. قَال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ. فَقَال: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 2838 - (00) (00) (وحدثناه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد السابق يعني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب (نحوه) أي نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة، وفائدتها تقوية السند الأول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 2839 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن قيس) بن مسلم الجدلي الكوفي (عن طارق بن شهاب) البجلي الكوفي صحابي أو ثقة (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي (رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن قيس بن مسلم (قال) أبو موسى (قدمت) من اليمن (على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (منيخ) أي نازل بإناخة ناقته (بالبطحاء) أي ببطحاء مكة يعني المحصب أول قدومه مكة (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بم أهللت) أي كيف أحرمت (قال) أبو موسى (قلت) له صلى الله عليه وسلم (أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) أي أحرمت كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي:

قَال: "هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ " قُلْتُ: لَا. قَال: "فَطُفْ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ حِلَّ" فَطُفْتُ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَتَيتُ امْرَأَةَ مِنْ قَوْمِي فَمَشَطتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي. فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِمَارَةِ عُمَرَ. فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَال: إِنكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأنِ النُّسُكِ. فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ كُنَّا أَفْتَينَاهُ بِشَيءٍ فَلْيَتَّئِدْ. فَهذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا كما تقدم من إهلال علي رضي الله عنه وظاهره أنه يجوز أن يهل من غير تعيين حج ولا عمرة ويحيل في التعيين على إحرام فلان إذا تحقق أنه أحرم باحدهما، وقد اختلف في هذا فقال بمنعه مالك، وأجازه الشافعي كما تقدم (قلت) ولا تتم حجة الشافعي بهذا الحديث ولا بحديث علي رضي الله عنه حتى يتبين أنهما حيث ابتدا الإحرام لم يعلما عين ما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم إذ يجوز أن يكون كل واحد منهما نقل إليه عين ما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم ولفظهما محتمل والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم (هل سقت) معك (من هدي قلت لا قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم إذن (فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل) من إحرامك بالتقصير، وهو بكسر الحاء، أمر من حل يحل من باب حن بمعنى تحلل، قال أبو موسى (فطفت) كما أمرني النبي صلى الله عليه وسلم (بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت) أي جئت (امرأةً من قومي) أي من أقاربي كما قال في الرواية الأولى امرأةً من بني قيس أي من بنات بني قيس بن سليم كانها بنت بعض إخوته فيكون عمًا لها لأن قيسًا هذا والد أبي موسى (فمشطتني) أي سرحت شعر رأسي وأصلحته (وغسلت رأسي فكنت أفتي) وأخبر (الناس بذلك) أي بالاعتمار في أشهر الحج متمتعًا على سبيل الفتوى (في إمارة أبي بكر) الصديق (و) صدرًا من (إمارة عمر) رضي الله عنهما (فإني لقائم بالموسم) والأنسب بهذا المقام بينا، ولفظة إذ في قوله (إذ جاءني رجل) للمفاجأة، وأراد بالموسم موسم الحجاج وهو مجمعهم فحق الكلام أن يقال فبينا أنا قائم بالموسم إذ جاءني رجل أي فاجأني مجيء رجل (فقال) الرجل (إنك) يا أبا موسى (لا تدري) ولا تعلم (ما أحدث) وأفتى (أمير المومنين) عمر بن الخطاب رضي الله عنه (في شأن النسك) وحكم الحج والعمرة (فقلت) بلا مهلة يا (أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء) من أحكام المناسك (فليتئد) أي فليتأن عن العمل به وليتأخر ولا يستعجل (فهذا) الخليفة القريب قدومه (أمير المؤمنين

قَادِمٌ عَلَيكُمْ. فَبِهِ فَائْتَمُّوا. فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا هذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَال: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإنْ نَأْخُذْ بِسُنةِ نَبِيِّنَا عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَإن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ. (2840) - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قادم عليكم فبه فائتموا) أي فخصوه بالاقتداء فخذوا قوله واتركوا قولي إن خالفه (فلما قدم) عمر بن الخطاب (قلت) له (يا أمير المومنين ما هذا الذي أحدثت) وأفتيت للناس (في شأن النسك) من منعهم عن فسخ الحج إلى العمرة والتحلل منه بعملها (قال) عمر استدلالًا على نهيه عن الفسخ (إن نأخذ) أي إن أخذنا (بكتاب الله) سبحانه وتعالى وتمسكنا به (فإن الله عزَّ وجلَّ قال) في كتابه العزيز ({وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}) أي فيلزم إتمام كل منهما على حدة ولا يجعل أحدهما تابعًا للآخر، وقد يقال إن الآية إنما دلت على وجوب إتمام الحج والعمرة المشروع فيهما وذلك صادق بانواع الإحرام الثلاثة، وسيأتي بيان وجه كراهية ذلك من عنده رضي الله عنه (وإن نأخذ بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل) من إحرامه بالحج (حتى نحر الهدي) يوم النحر بمنى، ورمى جمرة العقبة، ولم يحل بعمرة كما فعل أصحابه، ففهم من الآية أن من تلبس بشيء منهما وجب عليه إتمامه ثم أظهر له أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قضية معينة مخصوصة فقضى بخصوصية ذلك لأولئك فنهى عن فسخ الحج إلى العمرة والتحلل منه بعملها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 2840 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة ثبت، من (11) روى عنه في (17) بابا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قالا أخبرنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا أبو عميس)

عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي إِلَى الْيَمَنِ. قَال: فَوَافَقْتُهُ فِي الْعَامِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا مُوسَى! كَيفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: لَبَّيكَ إِهْلالًا كَإِهْلالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "هَلْ سُقْتَ هَدْيًا؟ " لا فَقُلْتُ: لَا. قَال: "فَانْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَحِلَّ" ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ. (2841) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الهذلي المسعودي عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن قيس بن مسلم) الجدلي الكوفي (عن طارق بن شهاب) البجلي الكوفي (عن أبي موسى رضي الله عنه) الأشعري الكوفي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي عميس لشعبة وسفيان في رواية هذا الحديث عن قيس بن مسلم، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) أبو موسى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى اليمن) لعمالة (قال) أبو موسى فرجعت من تلك العمالة (فوافقته في العام الذي حج فيه) صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أي فأتيت الحجاز موافقًا له صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فجئته بالبطحاء (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا موسى كيف قلت حين أحرمت قال) أبو موسى (قلت) له صلى الله عليه وسلم يا رسول الله قلت في إهلالي (لبيك) وأهللت (إهلالًا كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة (فقال) لي (هل سقت هديًا فقلت) له (لا) أي ما سقت هديًا (قال) لي إذن (فانطلق) أي فاذهب إلى الحرم (فطف بالبيت و) اسع (بين الصفا والمروة ثم أحل) من إحرامك بالتقصير أمر من الإحلال (ثم ساق) أي ذكر أبو عميس (الحديث) السابق (بمثل حديث شعبة وسفيان). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 2841 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار) البصريان (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري

عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ. فَقَال لَهُ رَجُلٌ: رُوَيدَكَ بِبَعْضِ فُتْيَاكَ. فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدُ. حَتى لَقِيَهُ بَعْدُ. فَسَأَلَهُ. فَقَال عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَعَلَهُ، وَأَصْحَابُهُ. وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي، ثقة، من (4) (عن إبراهيم بن أبي موسى) الأشعري الكوفي، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة وسماه إبراهيم ودعا له بالبركة ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا عداده في الكوفيين، روى عن أبيه في الحج والمغيرة بن شعبة، ويروي عنه (م س ق) وعمارة بن عمير، وله في الصحيح هذا الحديث الواحد، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال في التقريب: له رؤية لم يثبت له سماع إلا من بعض الصحابة، وذكره ابن حبان في الثقات، مات في حدود (70) السبعين، له في مسلم فرد حديث (عن أبي موسى) الأشعري. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وأربعة كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم بن أبي موسى لطارق بن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي موسى (أنه) أي أن أبا موسى (كان يفتي بالمتعة) أي بجوازها أي بجواز فسخ الحج إلى العمرة والتحلل عنه بعملها (فقال له) أي لأبي موسى (رجل) لم أر من ذكر اسمه (رويدك ببعض فتياك) أي أخَّره وتمهل فيه فلعله يخالف ما أحدثه أمير المؤمنين (فإنك لا تدري ما أحدث) ـه وأفتاه (أمير المومنين) عمر بن الخطاب (في) شأن (النسك بعد) أي الآن أي بعد ما أفتيت به فيحتمل أنه يغضب عليك لمجيئك على خلاف رأيه، قوله (حتى لقيه بعد) غاية لمحذوف تقديره فترك أبو موسى فتواه بعد قول الرجل له رويدك، فلقي عمر (فسأله) أي فسأل أبو موسى عمر بن الخطاب عن سبب نهيه عن المتعة (فقال عمر) إعتذارًا عن نهيه عنها (قد علمت) أنا (أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله) هو (وأصحابه) قال الأبي: إن كان المراد به الفسخ فنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من حيث إنه أمر به لأنه لم يفعله واعتذاره عن النهي عنها بقوله (ولكن كرهت أن يظلوا معرسين) معناه أن يحلوا من حجهم بالفسخ فيطئوا النساء قبل تمام حجهم الذي كانوا أحرموا به ولا يظن بمثل عمر رضي الله عنه الذي جعل الله الحق

بِهِنَّ فِي الأرَاكِ. ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُؤُوسُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ على لسانه وقلبه أنه منع ما جوزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرأي والمصلحة فإن ذلك ظن من لا يعرف عمر ولا فهم استدلاله المذكور في الحديث، وإنما تمسك بقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وظن أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم إنما كان لعلة، وقد ارتفعت، ثم إنه أطلق الكراهة وأراد التحريم وقد فعل ذلك كثير يطلقون الكراهة وهم يريدون التحريم حذرًا من قوله تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] لأنه مما أداه إليه اجتهاده وهذا طريقة كبراء الأئمة كمالك والشافعي اهـ من المفهم بتصرف، وقوله أن يظلوا معرسين -بضم الميم وسكون العين وكسر الراء- جمع معرس وهو الذي يخلو بعرسه أي بزوجته، ولا يصح أن يكون من التعريس لأن الرواية -بسكون العين وتخفيف الراء- ولأن التعريس إنما هو النزول من آخر الليل ويناقضه يظلون ويروحون فإنهما إنما يقالان على عمل النهار والله تعالى أعلم، يقال أعرس الرجل إذا صار ذا عروس ودخل بامرأته عند بنائها والمراد هنا الوطء، والضمير في (بهن) للنساء وإن لم يذكرن لعلمه من المقام؛ أي كرهت أن يكونوا أول النهار واطئين بالنساء (في الأراك) أي في موضع يسمى بالأراك بقرب نمرة لتحللهم من الحج بالفسخ (ثم يروحون) أي يكونون في الرواح أي في آخر النهار (في) أعمال (الحج) حالة كونهم (تقطر) وتمطر (رووسهم) من مياه الاغتسال المسببة من الوقاع بعهد قريب، فبين عمر رضي الله عنه العلة التي لأجلها كره التمتع، وكان من رأيه كما قال الزرقاني: ينبغي عدم الترفه للحاج بكل طريق فكره قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر البلل إلى ذلك الحين بخلاف من بعد عهده بهن ومن تفطم ينفطم اهـ، والأراك بوزن سحاب القطعة من الأرض فيها أراك وهو شجر معروف يستاك بأغصانه والمراد به هنا موضع بعرنة كثير الأراك كذا في القاموس وشرحه والمعنى أني أكره التمتع لأن التحلل الذي فيه يفضي إلى مواقعة النساء إلى حين الخروج إلى عرفات. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي موسى وذكر فيه أربع متابعات. ***

477 - (33) باب الاختلاف في أي أنواع الأحرام أفضل

477 - (33) باب: الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل (2842) - (1192) (112) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: قَال عبْدُ اللهِ بْنُ شَقِيقٍ: كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ. وَكَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا. فَقَال عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ كَلِمَةً. ثُمَّ قَال عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: أَجَلْ. وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 477 - (33) باب الاختلاف في أي أنواع الأحرام أفضل 2842 - (1192) (112) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (قال) قتادة (قال عبد الله بن شقيق) العقيلي -بضم العين- أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (3) مات سنة (108) روى عنه في (8) أبواب. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا علي بن أبي طالب فإنه مدني (كان عثمان) بن عفان رضي الله عنه (ينهى عن المتعة) والمراد بالمتعة هنا كما في شروح البخاري الاعتمار في أشهر الحج سواء كانت في ضمن الحج أو متقدمةً عليه منفردةً، وسبب تسميتها متعة ما فيها من التخفيف الذي هو تمتع، أي كان عثمان ينهى عن الاعتمار في أشهر الحج ثم بعده أو القرآن (وكان علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (يأمر بها) أي بالمتعة أي بالاعتمار في أشهر الحج أي يقول بجوازها (فقال عثمان لعلي كلمةً) يعني قوله كما في الرواية الآتية (دعنا منك) أي خلنا وشأننا، قال القرطبي: قوله (كلمة) يعني كلمة أغلظ له فيها علي ولعلها التي قال في الرواية الأخرى دعنا منك فإن فيها غلظًا وجفاء بالنسبة إلى أمثالهما والله أعلم اهـ من المفهم (ثم قال علي) والله (لقد علمت) يا عثمان (أنا قد تمتعنا) واعتمرنا في أشهر الحج (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فكيف تنهى عنه (فقال) عثمان (أجل) أي نعم تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكنا كنا خائفين) من أن يكون الإفراد أعظم من أجر التمتع والقران فيفوتنا ولما خاف علي أن يُقتدَى بعثمان في ذلك ويترك التمتع والقران أهل بهما ليدل على جواز كل منهما اهـ أبي، والأظهر أن الخلاف بينهما في الأفضل فعثمان كان يعتقد أن إفراد الحج أفضل، وعلي كان يعتقد أن التمتع أفضل إذ الأمة مجمعة على أن كل واحد منهما جائز، وعليه فقوله ولكنا كنا

(2843) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. (2844) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. قَال: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما بِعُسْفَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خائفين أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع منهم فالخوف من التمتع ولما ظن علي أن ذلك يتلقى من عثمان ويقتدى به فيؤدي ذلك إلى ترك التمتع والقران أهل بالقران ليبين أن كل واحد منهما جائز أو لأنهما عنده أفضل من الإفراد من حيث إن كل واحد منهما في عملين والمفرد في عمل واحد وهذا الذي ظهر لعثمان هو الذي كان ظهر لعمر رضي الله عنهما من قبله، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [5/ 152]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 2843 - (00) (00) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (أخبرنا ضعبة) بن الحجاج البصري وساق خالد بن الحارث عن شعبة (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن علي (مثله) أي مثل ما روى محمد بن جعفر عن شعبة، غرضه بيان متابعة خالد لمحمد بن جعفر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 2844 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق المرادي الجمليِّ الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني الأعور، ثقة، من (2) عن علي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن مرة لعبد الله بن شقيق (قال) سعيد بن المسيب (اجتمع علي) بن أبي طالب (وعثمان) بن عفان (رضي الله عنهما بعسفان) واد بين مكة والمدينة قريب إلى

فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، أَو الْعُمْرَةِ. فَقَال عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَنْهَى عَنْهُ؟ فَقَال عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْكَ. فَقَال: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أدَعَكَ. فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ، أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ التنعيم، وفي القسطلاني قرية جامعة بينها وبين مكة ستة وثلاثون ميلًا، وفي زيادة على الرواية الأولى بتعيين موضع الاجنماع (فكان عثمان ينهى عن المتعة) أي عن الاعتمار في أشهر الحج لأن المراد بالمتعة كما في شروح البخاري العمرة في أشهر الحج سواء كانت متقدمة على الحج منفردةً أو كانت في ضمن الحج بسبب القرآن، وسبب تسميتها متعةً ما فيها من التخفيف الذي هو تمتع (أو) قال سعيد بن المسيب كان عثمان ينهى عن (العمرة) أي عن الاعتمار في أشهر الحج بدل عن المتعة، والشك من عمرو بن مرة (فقال) له (علي: ما تريد) وتقصد يا عثمان (إلى) النهي عن (أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونك (تنهى عنه) أي ما غرضك بالنهي عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظ البخاري (ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم) وجملة فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة لأمر (فقال عثمان) لعلي (دعنا) أي اتركنا وشأننا (منك) أي من منازعتك واعتراضك علينا أي خل بيننا وبين شأننا فلا تعترضه علينا (فقال) علي لعثمان (إني لا أستطيع) ولا أقدر (أن أدعك) أي أن أتركك على شأنك ونهيك عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا أقدر أن أخليك وشأنك كيلا يشيع بين المسلمين نهي من أميرهم عن أمر فعله نبيهم صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: ففيه إشاعة العلم وإظهاره ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه ووجوب مناصحة المسلم في ذلك، وهذا معنى قوله لا أستطيع أن أدعك (فلما أن رأى علي ذلك) أي النهي الواقع من عثمان عن المتعة والقران (أهل بهما جميعًا) أي أحرم علي بالحج والعمرة جميعًا، وفي صحيح البخاري زيادة لفظة لبيك بعمرة وحجة وهذا كله كلام ابن المسيب، قال النواوي وأما إهلال علي بهما فقد يحتج به من يرجح القرآن، وأجاب عنه من رجح الإفراد بأنه إنما أهل بهما ليبين جوازهما لئلا يظن الناس أو بعضهم أنه لا يجوز القرآن ولا التمتع وأنه يتعين الإفراد والله أعلم، قال الحافظ: وفي إحرام علي بهما البيان بالفعل مع القول اهـ، وقال أيضًا: وفي الحديث جواز الاستنباط من النص لأن عثمان لم يخف عليه أن التمتع والقران جائزان، وإنما نهى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما ليعمل الناس بالأفضل كما وقع لعمر لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك وكل منهما مجتهد مأجور، وفيه أن المجتهد لا يلزم مجتهدًا آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي ذلك مع كون عثمان الإمام إذ ذاك والله أعلم اهـ .. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث علي رضي الله عنه وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

478 - (34) باب من قال المتعتان خاصة بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم

478 - (34) باب: من قال المتعتان خاصة بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (2845) - (1193) (113) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الحَجِّ لأصحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 478 - (34) باب من قال المتعتان خاصة بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم 2845 - (1193) (113) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالوا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي، روى عنه في (6) أبواب، ثقة مخضرم، من (2) (عن أبي ذر رضي الله عنه) الغفاري جندب بن جنادة الربذي الصحابي المشهور. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا ذر المدني وسعيد بن منصور المكي (قال) أبو ذر (كانت المتعة في الحج) وكذا في النكاح رخصة (لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) حالة كونها (خاصةً) أي مخصوصة بهم، قال النواوي: معنى هذه الرواية والتي بعدها أن فسخ الحج إلى العمرة كان للصحابة في تلك السنة وهي سنة حجة الوداع ولا يجوز بعد ذلك، وليس مراد أبي ذر إبطال التمتع مطلقًا بل مراده فسخ الحج كما ذكرناه، وحكمته إبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع العمرة في أشهر الحج ومعنى فسخ الحج إلى العمرة قلبه عمرةً بأن يحرم به ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعًا وجوزه أحمد وطائفة من أهل الظاهر، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: إنه خاص بالصحابة وبتلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور اهـ قسطلاني، قال الأبي: انظر من أين كان هذا حديثًا ولعله من حيث إنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف اهـ، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف.

(2846) - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً. يَعْنِي الْمُتْعَةَ فِي الْحَجِّ. (2847) - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ فُضَيلٍ، عَنْ زُبَيدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه: لَا تَصْلُحُ الْمُتْعَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 2846 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن عياش) بن عمرو التميمي (العامري) الكوفي، روى عن إبراهيم التيمي وابن أبي أوفى، ويروي عنه (م س) والثوري وشعبة وسفيان، وثقه جماعة، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي ذر رضي الله عنه) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عياش العامري للأعمش في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (قال) أبو ذر (كانت) أي المتعة بمعنى فسخ الحج إلى العمرة (لنا) معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (رخصة) أي جائزة على سبيل التسهيل (يعني) أبو ذر بالضمير في كانت (المتعة في الحج) وكذا المتعة في النكاح كما سيصرحه في الرواية الآتية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 2847 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، ثقة، من (7) (عن زبيد) مصغرًا ابن الحارث اليامي الكوفي، ثقة، من (6) (عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبيه) يزيد بن شريك التيمي الكوفي، ثقة، من (2) (قال) يزيد (قال أبو ذر رضي الله عنه) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة زبيد للأعمش وعياش العامري في رواية هذا الحديث عن إبراهيم التيمي (لا تصلح المتعتان)

إلا لَنَا خَاصَّةً. يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَمُتْعَةَ الْحَجِّ. (2848) - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. قَال: أَتَيتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ وَإِبْرَاهِيمَ التَّيمِيَّ. فَقُلْتُ: إِنِّي أَهُمُّ أَنْ أَجْمَعَ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ العَامَ، فَقَال إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَكنْ أَبُوكَ لَمْ يَكُنْ لِيَهُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا تحل المتعتان لأحد من الأمة (إلا لنا) أي ما أحلت لأحد من الأمم إلا لنا (خاصةً) في الوقت الذي فعلناهما فيه ثم صارتا حرامًا بعد ذلك إلى يوم القيامة (يعني) أبو ذر بالمتعتين (متعة النساء) وهي النكاح إلى مدة (ومتعة الحج) قال القاضي عياض: يعني بمتعة الحج فسخ الحج وقلبه إلى العمرة والتحلل منه بعملها، وأنه كان خاصًّا بهم في حجة الوداع للعلة التي تقدمت من مخالفة الجاهلية، قال النواوي: ولا يعني أبو ذر إبطال التمتع، وإن قلت هذا من قول الصحابي وليس بحديث فكيف أدخله مسلم في جامعه مع أنه التزم في مقدمة كتابه أنه لا يذكر في جامعه إلا الأحاديث المرفوعة؛ قلت: أدخله في جامعه نظرًا إلى أنه حديث وإن لم يكن مرفوعًا من حيث إنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف اهـ من الأبي بتصرف وزيادة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 2848 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن بيان) ابن بشر الأحمسي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الرحمن بن أبي الشعثاء) بفتح المعجمة والمثلثة بينهما مهملة ممدودًا، سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، روى عن إبراهيم النخعي قوله في الحج وإبراهيم التيمي، ويروي عنه (م س) وبيان بن بشر فقط فرد حديث، له في مسلم حديث واحد في متعة الحج، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (قال) عبد الرحمن (أتيت إبراهيم) بن يزيد (النخعي) الكوفي، ثقة، من (5) (وإبراهيم) بن يزيد (التيمي (الكوفي، ثقة، من (5) (فقلت) لهما (إني أهم) وأقصد، من هم يهم من باب شد أي أريد (أن أجمع العمرة والحج العام) أي في هذا العام أي أريد في هذه السنة أن أحرم بعمرة وحج، والظاهر من إطلاق الجمع هو القران، لكن المفهوم من جواب أبي ذر كون المراد الجمع بطريق الفسخ (فقال) له (إبراهيم النخعي لكن أبوك) أبو الشعثاء (لم يكن ليهم) ويقصد واللام فيه لام الجحود

بِذَلِكَ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه بِالرَّبَذَةِ. فَذَكَرَ لَهُ ذلِكَ. فَقَال: إِنَّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصَّةً دُونَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ لوقوعها بعد يكن المنفية بلم كما قال بعضهم: وكل لام قبله ما كانا ... أو لم يكن فبالجحود بانا أي لم يكن هامًّا وقاصدًا (بذلك) أي بالجمع بين العمرة والحج في سنة واحدة بطريق الفسخ لأن ذلك خاص بالصحابة في تلك السنة أي سنة حجة الوداع. وهذا السند من سباعياته أيضًا غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن أبي الشعثاء لمن روى عن إبراهيم التيمي لكنه بالنسبة إلى النخعي موقوف على أبي الشعثاء ومرفوع إلى أبي ذر بالنسبة إلى التيمي و (قال قتيبة) بن سعيد أيضًا (حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن بيان) بن بشر (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق (أنه) أي أن أباه يزيد بن شريك (مر بأبي ذر) الغفاري (رضي الله عنه بالربذة) هي قرية قرب المدينة المنورة بها قبر أبي ذر رضي الله عنه (فذكر) يزيد بن شريك (له) أي لأبي ذر (ذلك) أي الجمع بين العمرة والحج على طريق الفسخ (فقال) أبو ذر ليزيد بن شريك (إنما كانت) المتعة بمعنى فسخ الحج إلى العمرة (لنا خاصةً) أي مخصوصة بنا في تلك السنة يعني سنة حجة الوداع (دونكم) أيتها الأمة المحمدية غير الصحابة في تلك السنة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا أثر أبي ذر رضي الله عنه وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

479 - (35) باب الاعتمار في أشهر الحج

479 - (35) باب: الاعتمار في أشهر الحج (2849) - (1194) (114) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ الْفَزَارِيِّ. قَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ، عَنْ غُنَيمِ بْنِ قَيسٍ. قَال: سَألْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنِ الْمُتْعَةِ؟ فَقَال: فَعَلْنَاهَا. وَهذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 479 - (35) باب الاعتمار في أشهر الحج 2849 - (1194) (114) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخرساني الأصل ثم المكي، ثقة، من (10) (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (جميعًا عن) مروان بن معاوية بن الحارث (الفزاري) الكوفي، ثقة، حافظ، من (8) (قال سعيد حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا سليمان) بن طرخان (التيمي) نزل في التيم نسب إليهم أبو المعتمر البصري أحد سادة التابعين علمًا وعملًا، ثقة، من (4) (عن غنيم) بضم الغين مصغرًا (ابن قيس) المازني أبي العنبر البصري، روى عن سعد بن أبي وقاص في الحج وأبي موسى، ويروي عنه (م عم) وسليمان التيمي والجريري وجماعة، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية، مات سنة تسعين (90) وليس في مسلم من اسمه غنيم إلا هذا الثقة (قال) غنيم (سألت سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني (رضي الله عنه) الصحابي المشهور، شهد بدرًا والمشاهد كلها أحد العشرة المبشرة بالجنة. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد كوفي وواحد مكي (عن) حكم (المتعة) أي عن متعة الحج كما في الرواية الآتية هل هي جائزة أم لا؟ أي عن الاعتمار في أشهر الحج (فقال) سعد (فعلناها) أي فعلنا المتعة أي العمرة في أشهر الحج معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بالمتعة هنا العمرة التي كانت سنة سبع من الهجرة، وهي عمرة القضاء، والإشارة في قوله (وهذا) إلى معاوية بن أبي سفيان أي والحال أن هذا الرجل الذي ينهى عنها (يومئذ) أي يوم إذ فعلنا المتعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (كافر) على دين الجاهلية مقيم (بالعرش يعني (سعد بالعرش (بيوت مكة) لأنها مظللة بسعف النخل، والعرش بضمتين جمع عريش كقليب وقلب وغدير وغدر وطريق وطرق، وأراد بها بيوت مكة كما فسره والمعنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما في النواوي أنا تمتعنا بعمرة القضاء وهو يومئذ على دين الجاهلية مقيم بمكة، وإنما أسلم بعد ذلك عام الفتح سنة ثمان، وقيل إنه أسلم بعد عمرة القضاء سنة سبع، والصحيح الأول، وأما غير هذه العمرة من عمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن معاوية فيها كافرًا ولا مقيمًا بمكة، وفي هذا الحديث جواز المتعة في الحج، ولعل معاوية أيضًا أراد بالمنع منها ما أراده عثمان وعمر رضي الله عنهم أجمعين. قال القاضي عياض: (قوله فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش) يعني بفعلناها العمرة في أشهر الحج، والإشارة بذلك إلى عمرة القضاء، وكانت سنة سبع في ذي القعدة لأنها التي يصدق معها أن معاوية كافر بالعرش لأن كافرًا بالعرش لو فسِّر بالإقامة بمكة فهو سنة سبع مقيم بها، وإن فسر بالكفر المعروف وهو الأظهر فهو سنة سبع كافر لأن الصحيح في إسلامه أنه كان يوم الفتح ولا يصح أن تكون الإشارة إلى عمرة الجعرانة وإن كانت في ذي القعدة أيضًا لأن معاوية كان حينئذ في جملة من أسلم من أهل مكة في مسيره صلى الله عليه وسلم إلى هوازن فليس بمقيم بمكة ولا بكافر، ولا يصح أيضًا أن تكون الإشارة إلى حجة الوداع لأنه لم يتخلف معاوية ولا غيره عن الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أن يعني بفعلناها الفسخ الذي صنعه من قدم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن معاوية لا يصدق عليه حينئذ أنه مقيم بمكة، كيف وقد استكتبه صلى الله عليه وسلم وكان معه بالمدينة فلم يكن حينئذ مقيمًا بمكة اهـ قال الأبي: وما ذكره عياض من أن الأظهر أنه يعني الكفر المعروف يقدح فيه أنه لا يجوز إطلاق كافر لكفر سبق لا سيما في صحابي (فإن قلت) تسمية الشيء بما كان عليه أحد أنواع المجاز فيكون إطلاق كافر هنا منه (قلت) إطلاق كافر لكفر سبق مما استثنوه من هذا النوع ولا يضر عدم اطراد المجاز بل هو خاصته عكس الحقيقة فإنها مطردة اهـ، قال المازري: عرش مكة بيوتها، يقال اكتفر الرجل إذا لزم الكفور وهي القرى، وفي حديث أبي هريرة لتخرجنكم الروم منها كفرًا كفرًا أي قريةً قريةً، وفي حديث عمر أهل الكفور هم أهل القبور يعني القرى البعيدة عن الأمصار ومجتمع أهل العلم، وفي حديث ابن عمر كان إذا نظر إلى عرش مكة قطع التلبية، قال أبو عبيدة: سميت بيوت مكة عرشًا لأنها عيدان تنصب ويظلل عليها، ويقال لها عروش بزيادة الواو، والواحد منه بفتح العين وسكون الراء كفلس وفلوس، وواحد العرش بضم الراء عريش كقليب وقلب كما

(2850) - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي رِوَايَتِهِ: يَعْنِي مُعَاويَةَ. (2851) - (00) (00) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيرِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. جَمِيعًا عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِهِمَا. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ مر، والعرش في غير هذا الموضع عرق في أصل العنق ومنه قول أبي جهل لابن مسعود يوم بدر خذ سيفي واحتز به رأسي عن عرشي اهـ من الأبي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 2850 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (بهذا الإسناد) السابق يعني عن غنيم عن سعد مثله، وغرضه بيان متابعة يحيى لمروان (و) لكن (قال) يحيى (في روايته يعني) سعد بقوله (وهذا يومئذ) (معاوية) بن أبي سفيان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد رضي الله عنه فقال: 2851 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي (الزبيري) مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أيواب (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، من (7) (ح وحدثني محمد) بن أحمد (بن أبي خلف) السلمي البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة، من (7) (جميعًا) أي كل من سفيان وروح بن عبادة رويا (عن سليمان) بن طرخان (التيمي بهذا الإسناد) السابق يعني عن غنيم بن قيس عن سعد بن أبي وقاص (مثل حديثهما) أي مثل حديث مروان ويحيى بن سعيد غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سفيان وشعبة لمروان ويحيى (و) لكن (في حديث سفيان) الثوري وروايته سألت سعد بن أبي وقاص

الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ. (2852) - (1195) (115) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَال: قَال لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ: إِنِّي لأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ، الْيَوْمَ، يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِن أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ. فَلمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذلِكَ. وَلَمْ يَنْهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن (المتعة في الحج) بجر المتعة بزيادة لفظة في الحج. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 2852 - (1195) (115) (وحدثني زهبر بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (حدثنا) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبو مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير بكسر المعجمة وتشديد المعجمة العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري أبي عبد الله البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (قال) مطرف (قال لي عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي أبو نجيد البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي، أي قال عمران لمطرف (إني لأحدثك) يا مطرف (بالحديث) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليوم) أي في هذا اليوم الحاضر (ينفعك الله) سبحانه وتعالى (به) أي بذلك الحديث (بعد اليوم) في حياتك بالعمل به وبتعليمه للناس، ثم قال عمران (واعلم) يا مطرف (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر طائفةً من أهله) أي من أهل بيته، قال القرطبي: أي أباح لهم أن يحرموا بالعمرة حين أحرموا من ذي الحليفة أي أمرهم بالاعتمار (في العشر) الأخير من ذي القعدة فإنهم أحرموا لست بقين منه، ويحتمل أن يريد به عشر ذي الحجة فإنهم حلوا بفراغهم من عمل العمرة في الخامس منه على ما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها والله أعلم اهـ من المفهم، قال عمران (فلم تنْزل) من السماء (آية تنسخ ذلك) الاعتمار (ولم ينه) النبي صلى الله عليه وسلم

عَنْهُ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ. ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ، بَعْدُ، مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ. (2853) - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. كِلاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، فِي هذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عنه) أي عن الاعتمار في أشهر الحج (حتى مضى) النبي صلى الله عليه وسلم (لوجهه) أي إلى أن مات، وقد جاء حتى مات، قال النواوي: وهذه الروايات عن عمران كلها تدل على أن مراد عمران أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز وكذلك القرآن، وفيه التصريح بإنكاره على عمر بن الخطاب منع التمتع، وقد سبق تاويله فعل عمر أنه لم يرد إبطال التمتع، وقد تقدم الكلام على بيان مراده صلى الله عليه وسلم فلما مات صلى الله عليه وسلم (ارتأى كل امرئ) هو افتعال من الرأي أي قال كل امرئ منا (بعد) أي بعد وفاته برأيه (ما شاء أن يرتئي) أي أن يقول برأيه قائل هذا الكلام هو عمران بن حصين، ووهم من زعم أنه مطرف الراوي عنه لثبوت ذلك في رواية أبي رجاء عن عمران قاله الحافظ (يعني) عمران بن حصين بذلك الرجل (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وهو أول من نهى عنه وكأن من بعده كان تابعًا في ذلك كما في الفتح، وفيه وقوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة وانكار بعض المجتهدين على بعض بالنص، وأما تعبيره بقوله رجل فلسقوط هذا القول في زعمه لا لتوهين القائل لأنه أشار إلى أن مثل هذا القول المخالف للنص لا يليق بشان المجتهد الخبير وصدوره عنه بل ينبغي أن ينسب إلى رجل من آحاد الرجال، وهذا هو محمل ما أكثر البخاري في صحيحه من قوله بعض الناس في حق بعض الأئمة الكبار رحمهم الله تعالى وإيانا وهو خير الراحمين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4518] والنسائي [5/ 149 و 155] وابن ماجه [2978]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتايعة في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2853 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (كلاهما عن وكيع) بن الجراح الكوفي، قال (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن الجريري) سعيد بن إياس البصري (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور يعني عن أبي العلاء عن مطرف عن عمران بن حصين، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان لإسماعيل بن إبراهيم في الرواية عن

وَقَال ابْنُ حَاتِمٍ فِي رِوَايَتِهِ: ارْتَأَى رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. يَعْنِي عُمَرَ. (2854) - (00) (00) وحدَّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ. قَال: قَال لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَينَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ. وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْانٌ يُحَرِّمُهُ. وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجريري (و) لكن (قال ابن حاتم في روايته: ارتأى رجل) أي قال رجل (برأيه) واجتهاده (ما شاء) من الرأي (يعني) عمران بذلك الرجل (عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2854 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري، ثقة، من (3) (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير البصري (قال) مطرف (قال لي عمران بن حصين) الصحابي البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة حميد بن هلال لأبي العلاء في رواية هذا الحديث عن مطرف، قال عمران (أحدثك) يا مطرف (حديثًا) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (عسى الله) سبحانه وتعالى أي حقق الله تعالى (أن ينفعك به) أي بذلك الحديث في حياتك بالعمل به أو بتعليم الغير، وكلمة عسى إذا نسبت إلى الله فهي بمعنى التحقيق، وإذا نسبت إلى العباد كانت بمعنى الرجاء هكذا قالوا، ثم بين ذلك الحديث بقوله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة) أي أمر بالجمع بينهما، وهذا يعكر على عياض وغيره في جزمهم أن المتعة التي نهى عنها عمر وعثمان هي فسخ الحج إلى العمرة لا العمرة التي يحج بعدها كذا في الفتح (ثم لم ينه) النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن الجمع بينهما (حتى مات ولم ينزل فيه) أي في الجمع بينهما (قرآن يحرمه) أي يحرم الجمع بينهما (وقد كان) الشأن (يسلم) بضم الياء وتشديد اللام المفتوحة على البناء للمجهول أي كانت ملائكة الله جمليهم السلام تسلم (علي) بتشديد

حَتَّى اكْتَوَيتُ، فَتُرِكْتُ. ثُمَّ تَرَكْتُ الْكيَّ فَعَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء (حتى اكتويت) أي حرقت جسمي بالميسم لعلاج مرض الباسور الذي كان بي (فتركت) بالبناء للمجهول؛ أي تركت الملائكة السلام علي لعدم صبري وتركي التوكل على الله تعالى (ثم تركت) بفتح التاء الأولى وضم التاء الثانية على صيغة المعلوم المسند إلى المتكلم؛ أي ثم تركت (الكي فعاد) أي رجع السلام علي من الملائكة، قال النواوي: معنى هذا الحديث أن عمران بن حصين كانت به بواسير فكان يصبر على ألمها وكانت الملائكة تسلم عليه فاكتوى فانقطع سلامهم عليه، ثم ترك الكي، فعاد سلامهم عليه اهـ، وعبارة القرطبي: يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه إكرامًا له واحترامًا إلى أن اكتوى فتركت السلام عليه، ففيه إثبات كرامات الأولياء وأن الكي ليس بمحرم ولكن تركه أولى اهـ من المفهم، قال ابن حجر: وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن عمران نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا اهـ ففيه استدلال على كراهية الكي، وهو كما في تيسير المناوي منهي عنه مكروه لشدة ألمه وخطره فإن اعتقد أنه علة للشفاء لا سبب له فهو حرام، وفي أحاديث كتاب الطب من صحيح البخاري (وأنهى أمتي عن الكي وما أحب أن أكتوي)، ذكرهما عليه الصلاة والسلام عقب عده الكي في عداد الأشفية فهو كما في فتح الباري لا يترك مطلقًا ولا يستعمل مطلقًا بل يستعمل عند تعينه طريقأ إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى وبه يتبين محل النهي، ومن أمثال العرب قولهم: آخر الدواء الكي اهـ من بعض الهوامش. قال الأبي: كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يصح، وكان الشيخ ابن عبد السلام يحكي عن بعض الغلاة من شيوخ زمنه أن من قال اليوم كلمتني الملائكة يستتاب، والحديث يرد عليه، والصواب أن ذلك يختلف بحسب حال من زعمه فإن كان متصفًا بالصلاح تجوز عنه وإلا زجر عن قول ذلك بحسب ما يراه الحاكم، ومن هذا المعنى ما يتفق لبعضهم أن يقول قيل لي وخوطبت، وكان الشيخ يشدد القول فيه، وفي إنكاره على من زعمه اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال:

(2855) - (00) (00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ. قَال: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا قَال: قَال لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ. (2856) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَال: بَعَثَ إِلَيَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. فَقَال: إِنِّي كنْتُ مُحَدِّثَكَ بِأَحَادِيثَ. لَعَل اللهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهَا بَعْدِي. فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنِّي. وَإِنْ مُتُّ فَحدِّثْ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 2855 - (00) (00) (حدثناه محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن حميد بن هلال قال سمعت مطرفًا قال قال لي عمران بن حصين) وساق محمد بن جعفر (بمثل حديث معاذ) ابن معاذ العنبري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2856 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (وابن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة) بن دعامة البصري (عن مطرف قال) مطرف (بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الدي توفي فيه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لأبي العلاء في رواية هذا الحديث عن مطرف (فقال) لي عمران (إني كنت محدثك) أي أريد أن أحدثك (بأحاديث) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظاهر هذا الكلام أن الأحاديث ثلاثة فصاعدًا ولم يذكر منها إلا حديثًا واحدًا وهو الجمع بين الحج والعمرة، وأما إخباره بالسلام فليس حديثًا فيكون باقي الأحاديث محذوفًا من الرواية كذا في الشرح (لعل الله أن ينفعك بها) أي بتلك الأحاديث أي بالعمل بها وبتعليمها الغير قاله النواوي (بعدي) أي بعد وفاتي (فإن عشت) أي شفيت من هذا المرض وكنت حيًّا بينكم (فاكتم عني) أي فاترك الإخبار عني بتسليم الملائكة علي، أمره بكتمه لأنه كره أن يشاع عنه ذلك في حياته لما فيه من التعرض للفتنة بخلاف ما بعد الموت كذا في الشرح (وإن مت) بهذا المرض (فحدث بها) أي بتلك

إِنْ شِئْتَ: إِنَّهُ قَدْ سُلِّمَ عَلَيَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ بَينَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ. ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابُ اللهِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال رَجُل فِيهَا بِرأْيِهِ مَا شَاءَ. (2857) - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينِ رضي الله عنه. قَال: اعْلَمْ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَينَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ. ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابٌ. وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث (إن شئت) تحديثها (إنه قد سلم) بالبناء للمجهول أي إن الشأن والحال قد سلمت الملائكة (علي) احترامًا وإكرامًا لي (واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة) أي قد أمر بالجمع بينهما في أشهر الحج (ثم) بعد أمره صلى الله عليه وسلم (لم ينزل فيها) أي في المتعة التي هي الجمع بين الحج والعمرة (كتاب الله) تعالى أي آية ناسخة لها في كتاب الله تعالى (ولم ينه عنها) أي عن المتعة المذكورة (نبي الله صلى الله عليه وسلم) ثم (قال رجل) من المسلمين (فيها) أي في المتعة (برأيه) أي باجتهاده (ما شاء) في النهي عنها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2857 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عمران بن حصين رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة (قال) عمران (اعلم) يا مطرف (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع) أي أمر بالجمع (بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها) أي في المتعة (كتاب) أي آية ناسخة (ولم ينهنا عنهما) أي عن الجمع بين الحج والعمرة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال هنا (عنهما) وفيما قبله (عنها) وهو الموافق لقوله

قَال فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. (2858) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ رضي الله عنه. قَال: تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْقُرْآنُ. قَال رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. (2859) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (لم ينزل فيها) اهـ من الهوامش، ثم (قال فيها) أي في المتعة (رجل) منا (برأيه) واجتهاده (ما شاء) فيها من النهي عنها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2858 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة همام لشعبة وسعيد بن أبي عروبة (قال) عمران (تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل فيه) أي في النهي عن التمتع (القرآن) ثم (قال) فيه (رجل) من المسلمين (برأيه) واجتهاده (ما شاء) من النهي عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه سابعًا فقال: 2859 - (00) (00) (وحدثنيه حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي أبو علي البصري، صدوق، من (9) (حدثنا إسماعيل بن مسلم) العبدي أبو محمد البصري، ثقة، من (6) (حدثني محمد بن واسع) بن جابر بن الأخنس الأزدي، أبو بكر البصري، وكان من العباد المتقشفة والزهاد المتجردة للعبادة أحد الأئمة الأعلام، روى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير في الحج، وأنس والحسن وأبي صالح السمان وطائفة، ويروي عنه

عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ رضي الله عنه، بِهذَا الْحَدِيثِ. قَال: تَمَتَّعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ. (2860) - (00) (00) حدَّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ. قَال: قَال عِمْرَانُ بْنُ حُصَينٍ: نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (م د ت س) وإسماعيل بن مسلم والحمادان وهمام وخلق، له نحو خمسة عشر حديثًا، وفي (م) له فرد حديث، وثقه العجلي والدارقطني، وقال في التقريب: ثقة عابد كثير المناقب، من الخامسة، مات سنة (123) ثلاث وعشرين ومائة (عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عمران بن حصين رضي الله عنه بهذا الحديث) المذكور. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن واسع لقتادة بن دعامة ولكن قال محمد بن واسع في روايته (قال) عمران بن حصين (تمتع نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي أمر بالتمتع (وتمتعنا معه) صلى الله عليه وسلم في حياته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 2860 - (00) (00) (حدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عمر (البكراوي) بسكون الكاف، نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) وليس في مسلم من اسمه حامد إلا هذا الثقة (ومحمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) نسبة إلى جده، مقدم بوزن محمد، ثقة، من (10) (قالا حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا عمران بن مسلم) المنقري -بكسر الميم وسكون النون- أبو بكر البصري القصير، صدوق، من (6) (عن أبي رجاء) العطاردي عمران بن ملحان -بكسر الميم وسكون اللام- ابن تيم مشهور بكنيته البصري، ثقة، مخضرم، أسلم بعد فتح مكة (قال) أبو رجاء (قال عمران بن حصين) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي رجاء عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال عمران (نزلت آية المتعة في كتاب الله) تعالى، وتلك الآية قوله تعالى في سورة البقرة فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى

(يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ). وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ. وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ. قَال رَجُل بِرَأْيِهِ، بَعْدُ، مَا شَاءَ. (2861) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ. حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: وَأَمَرَنَا بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحج فما استيسر من الهدي الآية، والفاء في قوله فمن تمتع واقعة في جواب إذا، والفاء في فما استيسر واقعة في جواب من؛ أي فإذا أمنتم الإحصار من عدو أو مرض بأن زال أو لم يكن فمن تمتع منكم بالعمرة إلى وقت الحج أي بالتحلل منها إلى وقت إحرام الحج فعليه ما تيسر من الهدي شكرا لنعمة الجمع بين النسكين يذبح يوم النحر، قال أبو رجاء (يعني) عمران بن حصين بالمتعة في قوله نزلت آية المتعة (متعة الحج) لا متعة النكاح (وأمرنا) أي أمر من لم يسق الهدي (بها) أي بالمتعة (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم) بعدما أمرنا بها الم تنْزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات) ثم بعدما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال رجل) من أمراء المسلمين (برأيه) واجتهاده بلا مستند (بعد) أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (ما شاء) من الرأي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 2861 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (عن عمران) بن مسلم (القصير) المنقري البصري (حدثنا أبو رجاء) العطاردي البصري (عن عمران بن حصين) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن سعيد لبشر بن المفضل، وساق يحيى بن سعيد القطان (بمثله) أي بمثل حديث بشر بن المفضل (غير أنه) أي لكن أن يحيى بن سعيد (قال) في روايته قال عمران (وفعلناها) أي وفعلنا المتعة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل) يحيى بن سعيد في روايته (وأمرنا بها) رسول الله صلى الله عليه وسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للإستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عمران بن حصين ذكره للإستشهاد وذكر فيه تسع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

480 - (36) باب وجوب الدم أو بدله على المتمتع والقارن

480 - (36) باب: وجوب الدم أو بدله على المتمتع والقارن (2862) - (1196) (116) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: تَمَتعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 480 - (36) باب وجوب الدم أو بدله على المتمتع والقارن 2862 - (1196) (116) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7) (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل الأموي المصري، ثقة، من (6) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن سالم بن عبد الله) العدوي المدني (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان وواحد مكي (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع) قال القاضي عياض: وهذا محمول على التمتع اللغوي وهو القرآن آخرًا، ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولًا بالحج مفردًا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنًا في آخر أمره، والقارن هو متمتع من حيث اللغة، ومن حيث المعنى لأنه ترفه باتحاد الميقات والإحرام والفعل، ويتعين هذا التأويل هنا لما قدمناه في الأبواب السابقة من الجمع بين الأحاديث المتعارضة في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم، وممن روى إفراد النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر الراوي هنا، وسيذكره مسلم بعد هذا اهـ، قال القرطبي: قول ابن عمر (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع) أي قارن وضم (بالعمرة إلى الحج) الحديث هذا الذي روي هنا عن ابن عمر من أنه صلى الله عليه وسلم تمتع مخالف لما جاء عنه في الرواية الأخرى من أنه أفرد الحج، واضطراب قوليه يدل على أنه لم يكن عنده من تحقق الأمر ما كان عند من جزم بالأمر كما فعل أنس رضي الله عنه حيث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لبيك بحجة وعمرة" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ثم اعلم أن كل الرواة الذين رووا إحرام النبي صلى الله عليه وسلم ليس منهم من قال إنه صلى الله عليه

وَأَهْدَى. فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ. وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم حل من إحرامه ذلك حتى فرغ عن عمل الحج، وإن كان قد أطلق عليه لفظ التمتع بل قد قال ابن عمر في هذا الحديث إنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة ثم أهل بالحج، ولم يقل إنه حل من عمرته بل قال في آخر الحديث بعد أن فرغ من طواف القدوم إنه صلى الله عليه وسلم لم يحلل من شيء حرم عليه حتى قضى حجه، وهذا نص في أنه لم يكن متمتعًا فتعين تأويل قوله تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون معناه قرن لأن القارن يترفه بإسقاط أحد العملين وهو الذي يدل عليه قوله بعد هذا فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، ويحتمل أن يكون معناه أنه صلى الله عليه وسلم لما أذن في التمتع أضافه إليه، وفيه بعدٌ اهـ من المفهم (وأهدى) أي اشترى الهدي من الميقات وهو ذو الحليفة (فساق معه الهدي من ذي الحليفة) إلى مكة، وفيه الندب إلى سوق الهدي من المواقيت ومن الأماكن البعيدة، وهي من السنن التي أغفلها كثير من الناس كذا في الفتح (وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) في إحرامه بالعمرة أي أراد البداية بها (فأهل) أي أحرم أولًا (بالعمرة ثم أهل) أي أحرم ثانيًا (بالحج) قال القرطبي: ظاهره أنه أردف، وظاهر حديث أنس رضي الله عنه أنه قرنهما معًا فإنه قال: (سمعته يقول لبيك عمرةً وحجًّا) وقد استحب مالك للقارن أن يقدم العمرة في لفظه اقتداء بهذه الأخبار اهـ من المفهم، وقال النواوي: هو محمول على التلبية في أثناء الإحرام، وليس المراد أنه أحرم في أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج اهـ، وفي فتح الملهم: استشكله القائلون بأنه صلى الله عليه وسلم كان مفردًا في أول الأمر ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارنًا، قال الحافظ: وإنما المشكل هنا قوله بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج لأن الجمع بين الأحاديث الكثيرة في هذا الباب استقر كما تقدم على أنه بدأ أولًا بالحج ثم أدخل عليه العمرة وهذا بالعكس، وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما فقال لبيك بعمرةٍ وحجةٍ معًا، وهذا مطابق لحديث أنس المتقدم لكن قد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما ذلك على أنس رضي الله عنه فيحتصل أن يحمل إنكار ابن عمر عليه كونه أطلق أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما أي في ابتداء الأمر، ويعين هذا التأويل قوله في نفس الحديث وتمتع الناس فإن الذين تمتعوا إنما بدءوا بالحج لكن فسخوا حجهم إلى العمرة حتى حلوا بعد ذلك بمكة ثم حجوا عامهم اهـ منه.

وَتَمَتَعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ. فَلَمَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَكةَ قَال لِلنَّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ. ثُمَّ لْيُهِل بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وتمتع الناس) أي أكثرهم (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا التمتع هو اللغوي بالجمع بين العبادتين أي ضموا (بالعمرة إلى الحج) أي قارنوا بينهما ممن ساقوا الهدي أهـ من المرقاة بتصرف (فكان من الناس من أهدى) أي اشترى الهدي من الميقات (فساق الهدي) معه إلى مكة (ومنهم من لم يهد) أي من لم يسق الهدي (فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس) أي المعتمرين اهـ المرقاة (من كان منكم أهدى) أي ساق الهدي (فإنه لا يحل) أي لا يستحل (من شيء حرم منه) أي عليه، ولفظ البخاري لشيء، وجملة حرم صفة له يعني شيئًا من أفعاله، وفيه حجة على الشافعي ومن وافقه في أن سوق الهدي لا يمنع التحلل عنده كما هو الظاهر (حتى يقضي) أي يؤدي (حجه) بالوقوف بعرفات ورمي الجمرة والذبح والحلق (ومن لم يكن منكم أهدى) أي ساق الهدي (فليطف بالبيت) طواف العمرة (و) ليسع (بالصفا والمروة) أي بينهما سعي العمرة (وليقصر) أي وليقص شعر رأسه بالمقص ونحوه (وليحلل) أي وليستحل ما حرم عليه من محظورات الإحرام إلى أن يحرم بالحج يوم التروية كالمكي، قال النواوي: قوله (وليقصر) معناه أنه يفعل الطواف والسعي والتقصير ويصير حلالًا، وهذا دليل على أن الحلق أو التقصير نسك وهو الصحيح، وقيل استباحة محظور، قال: وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل منه ليبقى له شعر يحلقه في الحج اهـ، وقوله (وليحلل) هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالًا فله فعل كل ما كان محظورًا عليه في الإحرام، ويحتمل أن يكون أمرًا على الإباحة لفعل ما كان عليه حرامًا قبل الإحلال (ثم) بعد إحلاله فـ (ليهل) أي فليحرم (بالحج) وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتى بثم الدالة على التراخي فلم يرد أنه يهل بالحج عقب إحلاله من العمرة (وليهد) بضم الياء وسكون الهاء؛ أي وليذبح الهدي يوم النحر بعد الرمي قبل الحلق، وهدي التمتع واجب بشروطه المذكورة في الفقه، قال بعضهم: والسر في الهدي التشبه بفعل سيدنا إبراهيم عليه

فَمَنْ لَمْ يَجدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ" وَطَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِم مَكةَ. فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيءٍ. ثُمَّ خَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام فيما قصد من ذبح ولده في ذلك طاعةً لربه وتوجهًا إليه والتذكر لنعمة الله به وبأبيهم إسماعيل - عليه السلام - وفعلُ مثلِ هذا العملِ في هذا الوقتِ والزمانِ تنبِّهُ النفسَ أيَّ تنبُّه، وإنما وجب على المتمتع والقارن شكرًا لنعمة الله حيث وضع عنهم إصر الجاهلية في تلك المسئلة اهـ فتح الملهم. (فمن لم يجد هديًا) أي حسًّا أو شرعًا أي لم يجد الهدي بذلك المكان ويتحقق ذلك بأن فقد الهدي أو فقد ثمنه حينئذ أو وجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهم من ذلك أو وجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يمتنع من بيعه إلا بأكثر من ثمن مثله فينتقل إلى الصوم كما هو نص القرآن كذا في الفتح (فليصم) عشرة أيام (ثلاثة أيام) منها (في الحج) أي في أشهره قبل يوم النحر، والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة كذا في المرقاة، قال الحافظ: فإن فاته الصوم قضاه، وقيل يسقط ويستقر الهدي في ذمته وهو قول الحنفية، وفي صوم أيام التشريق لهذا الصوم قولان للشافعية أظهرهما لا يجوز قال: وأصحهما من حيث الدليل الجواز، وعند الحنفية لا تجزئه (و) يصوم (سبعة) أيام (إذا رجع إلى أهله) أي وطنه سواء كان له أهل أم لا، قال النووي: أما صوم السبعة فيجب إذا رجع، وفي المراد بالرجوع خلاف، والصحيح في مذهبنا أنه إذا رجع إلى أهله وهذا هو الصواب لهذا الحديث الصحيح الصريح، والثاني إذا فرغ من الحج ورجع إلى مكة من منى وهذان القولان للشافعي ومالك، وبالثاني قال أبو حنيفة والرجوع إلى الأهل كناية عنده عن الفراغ من أفعال الحج، وقال القاري: قوله إذا رجع إلى أهله أي توسعةَ ولو صام بعد أيام التشريق بمكة جاز عندنا اهـ (وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة) فيه إثبات طواف القدوم واستحباب الرمل فيه، وأن الرمل هو الخبب، وأنه يصلي ركعتي الطواف وأنهما يستحبان خلف المقام، وقد سبق بيان هذا كله وسنذكره أيضًا حيث يذكره مسلم بعد هذا إن شاء الله تعالى، قال الحافظ: واستدل به على أن الحلق ليس بركن وليس بواضح لأنه لا يلزم من ترك ذكره في هذا الحديث أن لا يكون وقع بل هو داخل في عموم قوله حتى قضى حجه (فاستلم الركن) أي الحجر الأسود (أول شيء) أي من أفعال الطواف بعد النية (ثم خب) أي أسرع رعدا ررمل في مشيه

ثلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ. ثُمَّ رَكَعَ، حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيتِ عِنْدَ الْمَقَامِ، رَكْعَتَينِ. ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ. فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ. ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ. فَطَافَ بِالْبَيتِ ثُمَّ حَل مِنْ كُل شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ. وَفَعَلَ، مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثلاثة أطواف) أي في الثلاثة الأشواط الأولى (من) الأشواط (السبع) والخبب ضرب من العدو والمراد هنا الرمل أي فرمل في الثلاثة الأشواط الأولى إظهارًا للجلادة، قال ملا علي: هذا كان فعله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء ثم استمرت السنة بعد زوال العلة اهـ، وإطلاق الطواف على الشوط توسع بالنظر إلى اصطلاح الشرع (ومشى) بسكينة وهينة (أربعة أطواف) أي في الأشواط الأربعة الأخيرة من السبعة (ثم ركع) أي صلى ركعتي الطواف (حين قضى) وأتم (طوافه بالبيت) سبعة أشواط أي صلى (عند المقام ركعتين) سنة الطواف (ثم سلم) من الركعتين (فانصرت) أي ذهب على جهة الصفا بعد استلامه الحجر مرةً ثانيةً (فأتى الصفا فطاف بالصفا) أي سعى بين الصفا (والمروة سبعة أطواف) أي سبعة أشواط (ثم لم يحلل من شيء حرم منه) أي حرم عليه استدل به على أن التحلل لا يقع بمجرد طواف القدوم خلافًا لابن عباس وهو واضح (حتى قضى حجه) أي أتم أفعال حجه من الوقوف والرمي (ونحر هديه يوم النحر) أي ثم حلق وهذا هو التحلل الأول فيما عدا الوقاع (وأفاض) أي نزل من منى إلى مكة (فطاف بالبيت) طواف الزيارة ويسمى طواف الإفاضة (ثم حل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي استحل (من كل شيء حرم منه) أي حرم عليه وهو التحلل الثاني المحل للوقاع (وفعل) فعل ماض (مثل) مفعول مقدم (ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى) فاعل مؤخر أي من اشترى الهدي من الميقات (وساق) معه (الهدي) إلى مكة (من الناس) بيان لمن الموصولة التي وقعت فاعلًا وفي هذا إشارة إلى عدم خصوصيته بذلك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1691] وأبو داود [1805] والنسائي [5/ 151 و 152]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد وهي نادرة كما مر في أوائل هذا الشرح والمقصود من سوق هذا الحديث بيان موافقة عائشة لابن عمر في رواية هذا

(2863) - (1197) (117) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبٍ. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الرُّبَيرِ؛ أَن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ. وَتَمَتُّعِ النَّاسِ مَعَهُ. بِمِثْلِ الَّذِي أَخبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: 2863 - (1197) (117) (وحدثنيه) أي حدثني المذكور يعني حديث ابن عمر (عبد الملك بن شعيب حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل) بن خالد (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه) أي في قرانه وضمه (بالحج إلى العمرة وتمتع الناس) بالجر معطوف على تمتعه أي في وقت تمتع الناس (معه) صلى الله عليه وسلم وساق عروة عن عائشة (بمثل) الحديث (الذي أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقائل هذا الكلام ابن شهاب، غرضه بسوقه بيان متابعة عروة لسالم ولكنها ناقصة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في الحج بإسناد الحديث الذي قبله اهـ تحفة الأشراف. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد. ***

481 - (37) باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد

481 - (37) باب: بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاجّ المفرد (2864) - (1198) (118) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ: عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ حَفْصَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَال: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي. وَقَلَّدْتُ هَدْييِ. فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 481 - (37) باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد 2864 - (1198) (118) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت) قلت (يا رسول الله) فلا بد من تقدير قلت ليوافق ما بعده فيكون السند من خماسياته كالذي بعده (مما شأن الناس) وحالهم فإنهم (حلوا) من إحرامهم بعمل عمرة (ولم تحلل أنت من عمرتك) بكسر اللام الأولى؛ أي لم تحل منها واظهار التضعيف وفكه لغة معروفة، وقوله (من عمرتك) قال النووي: وهذا دليل للمذهب الصحيح المختار الذي قدمناه واضحًا بدلائله في الأبواب السابقة مرات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا في حجة الوداع فقولها من عمرتك إشارة إلى العمرة المضموم إليها الحج، وفيه أن القارن لا يتحلل بالطواف والسعي ولا بد له في تحلله من الوقوف بعرفات والرمي والحلق والطواف كما في الحاج المفرد، وقد تأوله من يقول بالإفراد تأويلات ضعيفة اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالها (إني لبدت رأسي) بتشديد الموحدة أي ألصقت شعر رأسي بعضه على بعض بنحو صمغ، والتلبيد أن يجعل فيه شيء ليلتصق به، وفي العون: والتلبيد أن يجعل المحرم في رأسه صمغًا أو غيره ليتلبد شعره أي يلتصق بعضه ببعض فلا يتخلله الغبار ولا يصيبه الشعث ولا القمل وإنما يفعله من يطول مكثه في الإحرام اهـ منه (وقلدت هديي) أي علقت في عنقه شيئًا يعرف به أنه هدي، والتقليد هو تعليق شيء في عنق الهدي ليعلم أنه هدي (فلا أحل) من إحرامي (حنى أنحر) الهدي أي فسوق الهدي مانع من التحلل على كل حال مع قطع اللحظ عن كونه قارنًا، قال الأبي: كون التقليد مانعا بين، وأما التلبيد فلا فمجوعهما

(2865) - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهم قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَكَ لَمْ تَحِلَّ؟ بِنَحْوهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هو العلة، قال القاضي: وفيه استحباب التقليد والتلبيد وهما سنتان، قال الحافظ: واستدل به على أن من ساق الهدي لا يتحلل من عمل العمرة حتى يحل من الحج ويفرغ منه لأنه جعل العلة في بقائه على إحرامه كونه أهدى وكذا وقع في حديث جابر وأخبر أنه لا يحل حتى ينحر الهدي وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومن وافقهما ويؤيده قوله في حديث عائشة فأمر من لم يكن ساق الهدي أن يحل والأحاديث بذلك متظافرة، وأجاب بعض المالكية والشافعية عن ذلك بأن السبب في عدم تحلله من العمرة كونه أدخلها على الحج وهو مشكل عليه لأنه يقول إن حجه كان مفردًا وقال بعض العلماء: ليس لمن قال كان مفردًا عن هذا الحديث انفصال لأنه إن قال به استشكل عليه كونه علل عدم التحلل بسوق الهدي لأن عدم التحلل لا يمتنع على من كان قارنًا عنده اهـ، قال ابن الملك: وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردًا ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارنًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 283 و 285] والبخاري [1566] وأبوداود [1806] والنسائي [5/ 136] وابن ماجه [3046]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حفصة رضي الله عنها فقال: 2865 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من (10) (عن مالك عن نافع) العدوي مولاهم (عن) عبد الله (بن عمر أن حفصة رضي الله عنهم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة خالد بن مخلد ليحيى بن يحيى (قالت) حفصة (قلت يا رسول الله مالك) بفتح اللام والكاف؛ أي أي شيء ثبت لك، والحال أنك (لم تحل) من إحرامك، وساق خالد بن مخلد أو محمد بن نمير (بنحوه) أي بنحو حديث يحيى بن يحيى. فقال: ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حفصة رضي الله عنها

(2866) - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَالى: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهم قَالتْ: قلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَال: "إِنِّي قَلَّدْتُ هَدْييِ، وَلَبَّدْتُ رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 2866 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني (قال) عبيد الله (أخبرني نافع عن ابن عمر عن حفصة رضي الله عنهم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لمالك (قالت) حفصة (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس) وحالهم، والحال أنهم قد (حلوا) بفسخ الحج إلى العمرة (و) أنت (لم تحل من عمرتك) المضموم إليها الحج، قال القاضي عياض: احتج بتسميتها إياها عمرةً من قال كان قارنًا، وقيل بل ظننت أنه ممن فسخ كغيره وهم الأكثر، وقيل المعنى أنها سألته لم لم تحل كما حل الناس وجعلوه عمرة؟ وسمت الجميع بمآل حال الأكثر، وقيل معنى من عمرتك بعمرتك ومنه يحفظونه من أمر الله أي بأمر الله، وقيل معنى من عمرتك من حجتك، ومحمد بن أبي صفرة يقول: من عمرتك وغيره يقوله من حجتك، قال القرطبي: أقربها الثالث، ومنه أيضًا قوله تعالى من كل أمر أي بكل أمر، وكأنها قالت: ما يمنعك أن تحل بعمرة تصنعها، قال النواوي: هذه تأويلات ضعيفة بل الحديث حجة للمذهب المختار أنه كان قارنًا والمعنى من عمرتك المضموم إليها الحج اهـ من الأبي، فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابها (إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل) من إحرامي (حتى أحل من الحج) بالفراغ من أعماله أو من معظمها، لا تنافي هذه الرواية الرواية السابقة لأن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر فلا حجة فيه لمن تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا لأن قول حفصة ولم تحل من عمرتك وقوله هو حتى أحل من الحج ظاهر في أنه كان قارنًا، وأجاب من قال كان مفردًا عن قولها ولم تحل من عمرتك بأجوبة متعسفة كما مر آنفًا كذا في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث حفصة رضي الله عنها فقال:

(2867) - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن حَفْصَةَ رضي الله عنها قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ: "فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". (2868) - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيمَانَ الْمَخْزُومِيُّ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ رضي الله عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ 2867 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن حفصة رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس (قالت يا رسول الله) وساق عبيد الله (بمثل حديث مالك) فقال (فلا أحل حتى أنحر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث حفصة رضي الله عنها فقال: 2868 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا هشام بن سليمان) بن عكرمة بن خالد بن العاص (المخزومي) المكي، روى عن ابن جريج في الحج والبيوع والأشربة، وهشام بن عروة والثوري ويونس بن يزيد وجماعة، ويروي عنه (م ق) ومحمد بن أبي عمر وإبراهيم بن المنذر، قال أبو حاتم: محله الصدق مضطرب الحديث ما أرى به باسًا، وقال في التقريب: مقبول، من الثامنة (وعبد المجيد) بن عبد العزيز بن أبي رواد -بفتح الراء وتشديد الواو- واسمه ميمون الأزدي، أبو عبد الحميد المكي، روى عن ابن جريج في الحج فأكثر، وعن أبيه وأيمن بن نابل، ويروي عنه (م عم) وابن أبي عمر والحميدي والشافعي والزبير بن بكار وخلق، قال ابن معين: ثقة ليس به باس، وقال النسائي: ثقة، وقال مرةً: ليس به بأس، وقال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ، وكان مرجئًا، من التاسعة، مات سنة (206) ست ومائتين، كلاهما (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (ابن جريج) الأموي المكي (عن نافع عن ابن عمر قال حدثتني) أختي (حفصة) بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم (رضي الله عنها) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة

أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. قَالتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلَّ؟ قَال: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتى أَنْحَرَ هَدْيِيِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن جريج لمالك وعبيد الله بن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه) الطاهرات (أن يحللن عام حجة الوداع) إنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم ليسوي بينهن وبين من لم يسق الهدي من الناس الذين أهلوا بالحج لأن أزواجه لم يسقن الهدي اهـ من المفهم (قالت حفصة فقلت) له صلى الله عليه وسلم (ما يمنعك) يا رسول الله أي أي شيء يمنعك من (أن تحل) كذا في رواية ابن جريج عن نافع عن ابن عمر ولم يذكر فيها (من عمرتك) وذكره مالك وغيره عن نافع، ويظهر من قولها هذا أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة وحدها كما سيأتي في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في جوابها (إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر هديي) قال القرطبي: وظاهر هذه الروايات حجة لمن قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا، وقد بينا صحيح ما أحرم به، وقد تأول من قال إنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا هذه الروايات بأن حفصة وابن عباس عبرا بالإحرام بالعمرة عن القرآن لانَّها السابقة في إحرام القارن قولًا ونيةً أو نيةً ولا سيما على ما ظهر من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان مردفًا وهذا واضح اهـ من المفهم. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث حفصة رضي الله تعالى عنها وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

482 - (38) باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران واقتصار القارن على طواف واحد وسعي واحد

482 - (38) باب: بيان جواز التحلل بالإِحصار وجواز القران واقتصار القارن على طواف واحد وسعي واحد (2869) - (1199) (119) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا. وَقَال: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 482 - (38) باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران واقتصار القارن على طواف واحد وسعي واحد 2869 - (1199) (119) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع أن عبد اللهِ بن عمر رضي الله عنهما) وهذا السند من رباعياته (خرج) أي أراد أن يخرج من المدينة إلى مكة للحج كما سيظهر مما يأتي، وأما قوله (في) زمن (الفتنة معتمرًا) فمعناه كما في العسقلاني أنه خرج أولًا يريد الحج فلما ذكروا أمر الفتنة أحرم بالعمرة، والفتنة التي ذكروها له هي فتنة نزول حجاج بن يوسف الثقفي لقتال ابن الزبير، وفي شرح الموطإ للرزرقاني أنه لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يستخلف بقي الناس بلا خليفة شهرين وأيامًا فأجمع أهل الحل والعقد من أهل مكة فبايعوا عبد الله بن الزبير وتم له ملك الحجاز والعراق وبايع أهل الشام ومصر مروان بن الحكم فلم يزل الأمر كذلك حتى مات مروان وولي ابنه عبد الملك فمنع الناس الحج خوفًا أن يبايعوا ابن الزبير ثم بعث جيشًا أمر عليهم حجاجًا الثقفي ققاتل أهل مكة وحاصرهم حتى غلبهم وقتل ابن الزبير وصلبه وذلك سنة ثلاث وسبعين (73) (وقال) ابن عمر (إن صددت) ومنعت (عن) الوصول إلى (البيت) هذا الكلام قاله جوابًا لقول من قال له إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما أوضحته الرواية التي بعد هذه، وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجي السلامة، قاله ابن عبد البر (صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النواوي: معناه إن صددت وحصرت تحللت كما تحللنا عام الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله (صنعنا) بضمير الجمع يعني نفسه ومن معه من أولاده، وقوله (كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين صده المشركون عن البيت في الحديبية من التحلل من العمرة فإنه صلى الله عليه وسلم

فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ. فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تحلل من عمرته فيها ونحر هديه وحلق رأسه كما في صحيح البخاري، قال ابن عمر ذلك جوابًا لولديه عبد الله وسالم حين أشارا عليه بالتأخير ذلك العام كما يفهم مما يأتي، قال الحافظ: وفيه أن من أحصره العدو بأن منعه عن المضي في نسكه حجًّا كان أو عمرةً جاز له التحلل بأن ينوي ذلك وينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه اهـ (فخرج) ابن عمر من المدينة إلى مكة (فـ) لما وصل ذا الحليفة (أهل بعمرة) أي رفع صوته بالإهلال بها والتلبية (وسار) أي مشى وذهب من ذي الحليفة (حتى إذا ظهر) وارتفع وعلا (على البيداء) وهو موضع بين مكة والمدينة قدام ذي الحليفة، وهو في الأصل الأرض الملساء والمفازة (التفت إلى أصحابه) ورفقته (فقال ما أمرهما) أي ما شأن الحج والعمرة في جواز التحلل بالإحصار (إلا واحد) فضمير التثنية عائد إلى الحج والعمرة بمعونة المقام، وفي رواية الليث فيما يأتي ما شأن الحج والعمرة إلا واحد في حكم الإحصار وهو جواز التحلل منهما بسببه وقد ثبت تحلله صلى الله عليه وسلم من أجل الإحصار عام الحديبية من إحرامه بالعمرة وحدها، قال الزرقاني: فإذا جاز التحلل في العمرة مع أنها غير محدودة بوقت فهو في الحج أجوز، وفيه العمل بالقياس، قال النواوي: وفيه صحة القياس والعمل به وإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يستعملونه فلهذا قاس الحج على العمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تحلل من الإحصار عام الحديبية من إحرامه بالعمرة وحدها اهـ، لكن لما كان الإحرام بالحج مساويًا للإحرام بالعمرة في الحكم حمله عليه (أشهدكم) أيها الحاضرون عندي على (أني قد أوجبت) وألزمت نفسي (الحج مع العمرة) التي أحرمتها يعني أنه أردف الحج على عمرته المتقدمة فصار قارنًا، وفيه حجة على جواز الإرداف وهو مذهب الجمهور اهـ المفهم، قال شراح البخاري: الظاهر أنه أراد تعليم غيره وإلا فليس التلفظ شرطًا فضلًا عن الإشهاد، وفيه جواز إدخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور لكن شرطه عند الأكثر أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة، وقيل إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية، وقيل قبل تمام الطواف وهو قول المالكية، ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسًا على منع إدخال العمرة على الحج (فخرج) من البيداء ذاهبًا إلى مكة، ولفظ الموطإ ثم نفذ (حتى إذا جاء

الْبَيتَ طَافَ بِهِ سَبْعًا. وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، سَبْعًا. لَمْ يَزِدْ عَلَيهِ. وَرَأَى أَنَّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ. وَأَهْدَى. (2870) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. حَدَّثَنِي نَافِعٌ؛ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البيت) يعني أنه مضى ولم يصد عن البيت (طاف به سبعًا) طواف القدوم (و) سعى (بين الصفا والمروة سبعًا) سعي القارن، حالة كونه (لم يزد عليه) أي على السعي الواحد (ورأى) ابن عمر أي علم وتيقن (أنه) أي أن السعي الواحد (مجزئ) أي كاف (عنه) أي عن سعي حجه وعمرته كما تدل عليه الرواية الآتية (وأهدى) لأجل قرانه أي ذبحه بمنى يوم النحر لأنه وقته، وفي فتح الملهم قوله (حتى إذا جاء البيت طاف به سبعًا) الخ، هذه الرواية والروايات الآتية في الباب ظاهرة في أن الطواف المذكور إنما وقع في أول دخول مكة فهو عندنا محمول على طواف العمرة وقد تداخل فيه طواف القدوم للحج، وفي عمدة القاري ناقلًا عن الطحاوي: ولكن وجه ذلك عندنا والله تعالى أعلم أنه لم يطف لحجته طوافًا مستقلًا قبل يوم النحر لأن الطواف قبل يوم النحر في الحجة إنما يفعل للقدوم لا لأنه من صلب الحجة وركنها فاكتفى ابن عمر بالطواف الذي كان فعله بعد القدوم في عمرته عن إعادته في حجته اهـ، قوله (ورأى أنه مجزئ عنه) أي رأى أن ما فعله من طواف واحد مجزئ عن طواف القدوم المشروع في الحج وعن طواف العمرة وأن ما فعله من سعي واحد مجزئ عن إعادته السعي بعد طواف الإفاضة لأن السعي لا يتكرر هذا عند غير الأحناف، وأما عندهم فإن القارن يحتاج إلى طوافين وسعيين، وقوله (وأهدى) وفي رواية آتية زيادة هديًا اشتراه من قديد وهذا الهدي لا بد منه لمن جمع نسكين قرانًا أو تمتعًا، وشذ ابن حزم فقال: لا هدي على القارن، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1813] والنسائي [5/ 158]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2870 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر (حدثني نافع أن عبد الله بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب، وفي بعض روايات البخاري عبيد الله بن عبد الله بالتصغير، وعبيد الله المذكور شقيق سالم على ما ذكر في الخلاصة، قال البيهقي: عبد الله مكبرًا (وسالم بن عبد الله) أخاه

كَلَّمَا عَبْدَ اللهِ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيرِ. قَالا: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ. فَإِنا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَينَ النَّاسِ قِتَالٌ يُحَالُ بَينَكَ وَبَينَ الْبَيتِ. قَال: فَإِنْ حِيلَ بَينِي وَبَينَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأنَا مَعَهُ. حِينَ حَالتْ كُفَّارُ قُرَيشٍ بَينَهُ وَبَينَ الْبَيتِ. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى ذَا الْحُلَيفَةِ فَلَبَّى بِالْعُمْرَةِ. ثُمَّ قَال: إِنْ خُلِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلما) أباهما (عبد الله) بن عمر حين أراد الحج (حين نزل) مكة (الحجاج) بن يوسف الثقفي الجائر القتال) عبد الله (بن الزبير) فـ (قالا) له (لا يضرك) يا أبانا ولا يهمك (أن لا تحج) هذا (العام فإنا نخشى) ونخاف (أن يكون بين الناس) أي بين الحجاج وبين ابن الزبير (قتال) فـ (يحال بينك وبين البيت) أي يحجزونك عن الوصول إلى البيت، فيحال مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير المصدر؛ أي تقع الحيلولة بينك وبينه فتمنع من الوصول إليه (قال) ابن عمر في جوابهما (فإن حيل) وحجز (بيني وبينه) أي بيني وبين البيت، أي وقعت الحيلولة بيني وبينه (فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه) وقوله (حين حالت كفار قريش بينه وبين البيت) الظرف متعلق بفعل الرسول (أشهدكم) يا أولادي على (أني قد أوجبت) وألزمت نفسي (عمرةً) أي قال ذلك في بيته (فانطلق) أي ذهب من بيته (حتى أتى ذا الحليفة فلبى بالعمرة) وفي بعض روايات أيوب عن نافع فأهل بالعمرة من الدار، قال الحافظ: والمراد بالدار المنزل الذي نزل بذي الحليفة، ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة داخل بيته ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة اهـ، ثم قال بعد أسطر إن قوله في رواية جويرية فأهل بالعمرة من ذي الحليفة ثم سار ساعةً ثم قال إنما شأنهما واحد يؤيد الاحتمال الأول في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، ووقع في رواية الليث أشهدكم أني قد أوجبت عمرةً ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة اهـ. (قلت) وهذا عجيب منه فإنه لما أراد بقوله أهل بالعمرة من ذي الحليفة على الاحتمال الثاني الإظهار والإعلان فيراد بقوله ثم سار ساعة أيضًا السير بعد ذلك الإعلان والإظهار وهذا واضح. (ثم) بعدما لبى بالعمرة (قال) ابن عمر (إن خلي) بالبناء للمجهول مع تشديد اللام

سَبِيلِي قَضَيتُ عُمْرَتِي. وَإِنْ حِيلَ بَينِي وَبَينَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ. ثُمَّ تَلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ الْبَيدَاءِ قَال: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ. إِنْ حِيلَ بَينِي وَبَينَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَينِي وَبَينَ الْحَجِّ. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى ابْتَاعَ بِقُدَيدٍ هَدْيًا. ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سبيلي) نائب فاعل؛ أي إن كان طريقي إلى مكة خاليًا من الموانع (قضيت) أي أديت (عمرتي) التي أحرمتها (وإن حبل) أي حجز (ببني وبينه) أي وبين سبيلي أي إن حجزني مانع من سلوكي في طريق مكة (فعلت) في عمرتي كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) في عمرته (وأنا معه) حين صده المشركون من الوصول إلى مكة عام الحديبية (ثم تلا) أي قرأ ابن عمر قوله تعالى ({لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ}) صلى الله عليه وسلم {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] أي قدوة حسنة (ثم) بعد تلاوته (سار) أي ذهب من ذي الحليفة (حتى إذا كان بظهر البيداء) أي وسط البيداء (قال ما أمرهما) أي ما شأن الحج والعمرة في حكم الإحصار (إلا واحد) أي متحد (إن حبل) أي إن حصلت الحيلولة (بيني وبين العمرة) فقد (حيل بيني وبين الحج أشهدكم) أيها الأولاد، خطاب لسالم وعبيد الله ومن معهما على (أني قد أوجبت) وأحرمت (حجةً مع عمرة) فأدخل الحج على العمرة فصار قارنًا (فانطلق) أي ذهب من البيداء (حتى) إذا وصل قديدًا (ابتاع) أي اشترى (بقديد هديًا) أتى دمًا لقرانه وساق معه إلى مكة، وقديد -بضم القاف وفتح الدال مصغرًا- اسم موضع بين مكة والمدينة، وهو في الأصل اسم ماء هناك اهـ وقوله (ما أمرهما إلا واحد) أي في حكم الصد يعني أنه من صد عن البيت بعدو فله أن يحل من إحرامه سواء كان محرمًا بحج أو عمرة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما صد عن عمرة لكن لما كان الإحرام بالحج مساويًا للإحرام بالعمرة في الحكم حمله عليه وقوله (أشهدكم أني قد أوجبت حجة) يعني أنه أردف الحج على عمرته المتقدمة فصار قارنًا، وفيه حجة على جواز الإرداف وهو مذهب الجمهور، وقوله (ابتاع بقديد هديًا) أي اشتراه هناك وقلده وأشعره يعني الهدي الذي وجب عليه لأجل قرانه اهـ من المفهم (ثم) بعد وصوله إلى مكة (طاف لهما) أي للحج والعمرة (طوافًا واحدًا) يعني طواف القدوم لاندراج العمرة تحت الحج (بالبيت و) سعى (بين الصفا والمروة) سعيًا واحدًا ولم

ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ، يَوْمَ النَّحْرِ. (2871) - (00) (00) وحدَّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيرِ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ هذِهِ الْقِصَّةِ. وَقَال فِي آخِرِ الْحَدِيثِ؛ وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ جَمَعَ بَينَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ. وَلَمْ يَحِل حَتَّى يَحِل مِنْهُمَا جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ يحصل له ما توهمه من الصد، وفيه دليل على جواز إحرام من توقع الصد وتوهمه بخلاف من تحققه فإنه لا يكون له حكم المصدود اهـ من المفهم (ثم) بعد طوافه وسعيه (لم يحل منهما حتى حل منهما بحجة) أي بفراغه من أعمال الحج (يوم النحر) من الرمي والحلق والذبح وطواف الإفاضة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2871 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر العدوي (عن نافع قال أراد ابن عمر الحج حين) أي عام (نزل الحجاج) الجائر مكة (بـ) سبب قتال (ابن الزبير) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لمالك بن أنس ويحيى القطان (واقتص) عبد الله بن نمير (الحديث) السابق (بمثل هذه القصة) المذكورة في حديث يحيى القطان (وقال) عبد الله بن نمير (في آخر الحديث وكان) ابن عمر (يقول من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد) أي سعي واحد الذي سعاه بعد طواف القدوم لأن السعي لا يتكرر، وقال القرطبي: يعني الطواف بين الصفا والمروة وأما الطواف بالبيت فلا يصح أن يقال فيه إنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة لأنه هو الركن الذي لا بد منه للمفرد والقارن ولا قالْل بان طواف القدوم يجزئ عن طواف الإفاضة بوجه اهـ من المفهم (ولم يحل) القارن من إحرامه (حتى يحل منهما) أي من الحج والعمرة (جميعًا) أي كليهما يوم النحر باعمال الحج كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

(2872) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَن ابْنَ عُمَرَ أرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيرِ. فَقِيلَ لَهُ: إِن النَّاسَ كَانَ بَينَهُمْ قِتَالٌ. وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصدُّوكَ. فَقَال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إِنًي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. ثمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيدَاءِ قَال: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلا وَاحِدٌ. اشْهَدُوا (قَال ابْنُ رُمْحٍ: أُشْهِدُكُمْ) أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي. وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيدٍ. ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا. حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. فَطَافَ بالْبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2872 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (واللفظ) الآتي (له) أي لقتيبة لا لمحمد بن رمح (حدثنا ليث عن نافع أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج) بن يوسف التابعي الجائر مكة (بابن الزبير) أي لقتاله. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لمن روى عن نافع من مالك ومَنْ بعده (فقيل له) أي قال له أولاده (أن الناس) يعني فريق ابن الزبير وفريق الحجاج (كان بينهم قتال) في هذه السنة (وإنا) نحن (نخاف) ونخشى (أن يصدوك) أي أن يمنعوك عن الوصول إلى مكة، فلو جلست في هذه السنة (فقال) ابن عمر في جواب طلباتهم ({لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}) إن صدوني (أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين صده المشركون عام الحديبية (غني أشهدكم) على (أني قد أوجبت) وأحرمت (عمرةً ثم خرج) من ذي الحليفة ومشى (حتى إذا كان بظاهر البيداء) أي بأعلاها ومرتفعها (قال ما شأن الحج والعمرة) أي ما حكمهما في الإحصار عنهما (إلا واحد) وهو التحلل في موضع الإحصار بذبح وحلق (أشهدوا) يا أولادي (قال ابن رمح) في روايته (أشهدكم) على (أني قد أوجبت) أي أحرمت وأردفت (حجًّا مع عمرتي) إنما أخبرهم بذلك ليقتدوا به في ذلك (وأهدى) قلد وأشعر (هديًا اشتراه بقديد) والجملة الفعلية صفة لهديًا (3) بعد ما قلد هديه (انطلق) أي ذهب إلى مكة، حالة كونه (يهل) أي يلبي (بهما) أي بالحج والعمرة (جميعًا) وقوله (حتى قدم مكة) غاية الإهلال (فـ) لما قدم مكة (طاف بالبيت) طواف القدوم (و) سعى (بالصفا والمروة) أي بينهما سعي الحج

وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذلِكَ. وَلَمْ يَنْحَرْ. وَلَمْ يَحْلِقْ. وَلَمْ يُقَصِّرْ. وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ. حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَال ابْنُ عُمَرَ: كَذلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. (2873) - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهذِهِ الْقِصَّةِ. وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعمرة لاندراج العمرة تحت الحج (ولم يزد) في عمله (على ذلك) الطواف والسعي أي لم ينحر هديه ولم يحلق رأسه بعدهما للتحلل كما بينه بقوله (ولم ينحر) ابن عمر هديه (ولم يحلق) رأسه (ولم يقصر) هـ (ولم يحلل) أي لم يصر حلالًا (من شيء حرم) أي منع (منه) من محظورات الإحرام (حتى كان) وجاء (يوم النحر فنحر) هديه (وحلق) رأسه (ورأى) أي أيقن (أن قد قضى) وأدى (طواف الحج والعمرة) أي سعيهما (بطوافه الأول) أي بسعيه الذي سعى بعد طواف القدوم (وقال ابن عمر كذلك) أي مثل ما فعلت في التحلل (فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بالطواف بين الصفا والمروة حين طاف للقدوم ولم يعد السعي، وفيه حجة على أبي حنيفة إذ قال: إن القارن لا يكتفي بعمل واحد بل لا بد من عمل واحد من الحج والعمرة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2873 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثني إسماعيل) ابن علية الأسدي البصري، ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل (عن أيوب) ابن أبي تميمة السختياني البصري (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لليث بن سعد أي روى أيوب عن نافع (بهذه القصة) التي ذكرها الليث (ولم يذكر) أيوب في روايته (النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب على

إلا فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ. حِينَ قِيلَ لَهُ: يَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيتِ. قَال: إِذَنْ أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: هكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كَمَا ذَكَرَهُ اللَّيثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المفعولية (إلا في أول الحديث حين قيل له) أي لابن عمر (يصدوك) أي يصدك الناس ويمنعونك (عن (الوصول إلى (البيت) الشريف، وقوله (يصدوك) كذا بإسقاط النون اختصارًا مما سبق في قول القائل وإنا نخاف أن يصدوك، وفي بعض النسخ يصدونك بإثباتها اهـ من بعض الهوامش (قال) ابن عمر في جواب أولاده (إذن أفعل) بالنصب بإذن لأنها حرف جواب وجزاء أي إن صدوني أفعل وأصنع (كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين صده المشركون (ولم يذكر) أيوب في روايته (في آخر الحديث) لفظة (هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكره الليث) في روايته، وهذا بيان لمحل المخالفة بين رواية الليث وأيوب. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

483 - (39) باب الاختلاف فيما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم

483 - (39) باب: الاختلاف فيما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم (2874) - (1200) (120) حدَّثنا يَحيَى بْنُ أَيُّوبَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلاليُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّاسٍ الْمُهَلَّبِيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (فِي رِوَايَةِ يَحْيَى) قَال: أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. (وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ): أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا. (2875) - (1201) (121) وحدّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 483 - (39) باب الاختلاف فيما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم 2874 - (1200) (120) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10) (وعبد الله بن عون) بن أمير مصر (الهلالي) أبو محمد البغدادي الخراز -بفتح المعجمة والراء المشدودة آخره زاي- روى عن عباد بن عباد في الحج، وإبراهيم بن سعد في الأحكام، وأبي إسحاق الفزاري في الجهاد، وأبي سفيان محمد بن حميد المعمري في صفة النار، ويروي عنه (م س) وأبو يعلى والبغوي وطائفة، وثقه صالح بن محمد، وقال في التقريب: ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (232) (قالا) أي قال كل من يحيى وابن عون (حدثنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي (المهلبي) البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد بصري وواحد بغدادي (في رواية يحيى) بن أيوب (قال) ابن عمر (أهللنا) أي أحرمنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) حالة كونه (مفردًا) عن العمرة (وفي رواية ابن عون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردًا) بفتح الراء على صيغة اسم المفعول. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بينهما بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 2875 - (1201) (121) (وحدثنا سريج) مصغرًا (بن يونس) بن إبراهيم المروزي

حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا. قَال بَكْرٌ: فَحَدَّثْتُ بِذلِكَ ابْنَ عُمَرَ. فَقَال: لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ. فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَال أَنَسٌ: مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا! سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ يَقُولُ: "لَبَّيكَ عُمْرَةَ وَحَجًّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي البغدادي، ثقة، من (7) (حدثنا حميد) الطويل بن أبي حميد مولى طلحة الطلحات أبو عبيدة البصري، ثقة، من (5) (عن بكر) بن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني البصري، ثقة، من (3) (عن أنس) بن مالك (رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان بغداديان (قال) أنس (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعًا) أي يقول لبيك بالحج والعمرة (قال بكر) بن عبد الله المزني (فحدثت بذلك) الحديث الذي سمعته من أنس (ابن عمر فقال) ابن عمر (لبى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالحج وحده) قال بكر بن عبد الله (فلقيت أنسًا فحدثته) أي فحدثت أنسًا (يقول ابن عمر فقال أنس: ما تعدوننا) أي ما تحسبوننا (إلا صبيانًا) لا يعقلون شيئًا مع أن عمره إذ ذلك كان عشرين سنة، أي كأنكم ما تأخذون بقولنا لعدكم إيانا صبيانًا حينئذ، ثم قال أنس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرةً وحجًّا). قال النواوي: إن الصحيح المختار في حجة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في أول إحرامه مفردًا ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارنًا فحديث ابن عمر هنا محمول على أول إحرامه صلى الله عليه وسلم وحديث أنس محمول على أواخره وأثنائه وكأنه لم يسمعه أولًا ولا بد من هذا التأويل أو نحوه فتكون رواية أنس موافقة لرواية الأكثرين اهـ باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 282] وأبو داود [1795] والترمذي [821] والنسائي [5/ 150] وابن ماجه [2968]. قال القرطبي: قد قدمنا ذكر الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا ما يرد عليه والمختار الصحيح في ذلك حديث أنس هذا في أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم قارنًا ولا يلتفت لقول من قال إن أنسًا لعله لم يضبط القضية لصغره

(2876) - (00) (00) وحدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعِ) حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَينَهُمَا. بَينَ الْحجِّ وَالْعُمْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حينئذ لأنه قد أنكر ذلك بقوله ما تعدوننا إلا صبيانًا، ولأنه وإن كان صغيرًا حال التحمل فقد حدث به وأداه كبيرًا متثبتًا ناقلًا للفظ النبي صلى الله عليه وسلم نقل الجازم المحقق المنكر على من يظن به شيئًا من ذلك فلا يحل أن يقال شيء من ذلك، ولأنه قد وافقه البراء بن عازب على نقل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الدال على قرانه إذ قال لعلي رضي الله عنه إني سقت الهدي وقرنت رواه النسائي، وهو صحيح ووافقهما حديث عمر بن الخطاب الذي قال فيه (إن الملك أتاه فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة) رواه أحمد والبخاري ومسلم، وفي معنى ذلك حديث ابن عمر المتقدم الذي قال فيه إنه صلى الله عليه وسلم أهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وقد قدمنا أن معنى قول ابن عباس إنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة أنه أردف كما قال ابن عمر وبدليل الإجماع من القلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه ذلك حتى قضى حجه، ويمكن أن تحمل رواية من روى أنه صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج على أن الراوي سمع إردافه بالحج على العمرة المتقدمة فسمعه يقول لبيك بحجة، ولم يكن عنده علم من إحرامه المتقدم بالعمرة، وقد استدل من قال بتفضيل الإفراد بأن أبا بكر وعمر وعثمان رأوا ذلك وأحرموا به مدة ولايتهم، والجواب بأن ذلك رأيهم لا روايتهم، ومن نص وحكى حجة على من ظن ورأى، وقد تقدم ذكر من قال بتفضيل القرآن على الإفراد وعمل به من الصحابة رضي الله عنهم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 2876 - (00) (00) (وحدثني أمية بن بسطام العيشي) البصري، صدوق، من (10) (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) مصغرًا التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا حبيب بن الشهيد) الأزدي البصري، ثقة، من (5) (عن بكر بن عبد الله) المزني البصري (حدثنا أنس رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن الشهيد لحميد الطويل (أنه) أي أن أنسًا (رأى النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما) أي (بين الحج والعمرة) والظرف بدل من الظرف

قَال: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: فَقَال: أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. فَرَجَعْتُ إِلَى أَنسٍ فأَخْبَرْتُهُ مَا قَال ابْنُ عُمَرَ. فَقَال: كَأَنَّمَا كُنَّا صِبْيانًا! ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي قبله (قال) بكر (فسألت ابن عمر) عن حجه صلى الله عليه وسلم (فقال) ابن عمر (أهللنا بالحج) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال بكر (فرجعت إلى أنس فأخبرته ما قال ابن عمر فقال) أنس (كأنما كنا) عندكم (صبيانًا) لا يؤخذ بقولهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الإفراد، والثاني حديث أنس ذكره للاستدلال على القرآن وذكر فيه متابعةً واحدةً. ***

484 - (40) باب استحباب طواف القدوم للحاج والسعي بعده

484 - (40) باب: استحباب طواف القدوم للحاج والسعي بعده (2877) - (1202) (122) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ وَبَرَةَ. قَال: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ. فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: أَيصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْموْقِفَ. فَقَال: نَعَم. فَقَال: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسِ يَقُولُ: لَا تَطُفْ بِالْبَيتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيتِ قَبْلَ أَنْ يَأتِيَ الْمَوْقِفَ. فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَأخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 484 - (40) باب استحباب طواف القدوم للحاج والسعي بعده 2877 - (1202) (122) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي الكوفي، قال أبو داود: ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من (8) (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الكوفي، ثقة، من (4) (عن وبرة) بالموحدة المفتوحة، بن عبد الرحمن المسلي -بضم أوله وسكون المهملة بعدها لام آخره مشددة- أبي خزيمة الكوفي، روى عن ابن عمر في الحج، وابن عباس وسعيد بن جبير وأبي الطفيل والشعبي وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س) وإسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وأبو إسحاق السبيعي والأعمش وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (116) مائة وست عشرة، وليس في مسلم من اسمه وبرة إلا هذا (قال) وبرة (كنت جالسًا عند ابن عمر فجاءه رجل) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مكي وواحد نيسابوري، ولم أر من ذكر اسم الرجل (فقال) ذلك الرجل لابن عمر (أيصلح لي) أي أيجوز لي (أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف) أي موقف عرفة (فقال) ابن عمر (نعم) يجوز لك الطواف قبل الوقوف بعرفة (فقال) الرجل (فإن ابن عباس يقول) لي (لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف) أي موقف عرفة (فقال ابن عمر) للرجل (فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف) هو صلى الله عليه وسلم للقدوم (بالبيت قبل أن يآتي الموقف فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفعله (أحق أن تأخذ) وتتبع أيها الرجل (أو يقول ابن عباس إن كنت صادقًا) أي في إسلامك واتباعك للنبي صلى الله عليه وسلم فلا تعدل عن فعله وطريقته إلى قول ابن عباس وغيره، قال القرطبي: وقال ذلك ورعًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى لا يذكر ابن عباس بشيء اهـ نووي، وقال الأبي: ويحتمل أن يكون المعنى إن كنت صادقًا فيما أخبرت عنه أو يعني إن كنت صادقًا فيما تريد أن تأخذ به وتعمل، وقال ذلك مع أن ابن عباس مجتهد، والمجتهد لا بد له من مستند لكنه اجتهاد عارضه النص. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قال القرطبي: سؤال السائل لابن عمر إنما كان عن طواف القدوم، هل يؤخر على أن يقف عرفة؟ فأجابه بمنع ذلك وهو الصحيح الذي لا يعلم من مذاهب العلماء غيره، وما حكاه هذا الرجل عن ابن عباس لا يعرف من مذهبه وكيف وهو أحد الرواة أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف عند قدومه مكة رواه البخاري، وقد جعل بعض متأخري العلماء هذا السؤال على أنه فيمن أحرم بالحج من مكة هل يطوف طواف القدوم قبل أن يخرج إلى عرفات؟ قال: فمذهب أبي حنيفة والشافعي أنه يطوف حين يحرم كما قال ابن عمر، قال: والمشهور من مذهب أحمد أنه لا يطوف حتى يخرج إلى منى وعرفات ثم يرجع ويطوف كما قال ابن عباس، وعن أحمد رواية كمذهب ابن عمر اهـ من المفهم، ويمكن أن يحمل إطلاق فتيا ابن عباس على المراهق وهو الذي ضاق عليه الوقت بالتأخير حتى يخاف فوت الوقوف بعرفة اهـ من النهاية، فإنه لا يخاطب بطواف القدوم أو يكون ابن عباس سئل عن طواف الإفاضة فأجاب بأنه لا يفعل إلا بعد الوقوف وهو الحق والله أعلم، وقد تقدم ذكر حكم طواف القدوم وغيره اهـ من المفهم أيضًا. قوله (فطاف) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالبيت قبل أن يأتي الموقف) فيسمى هذا الطواف طواف القدوم وطواف التحية وطواف اللقاء وطواف أول عهد البيت وطواف إحداث العهد بالبيت وطواف الوارد وطواف الورود، قال في شرح اللباب: ويقع هذا الطواف للقدوم من المفرد بالحج وإن لم ينو كونه للقدوم أو نوى غيره لأنه وقع في محله، قال في اللباب: ثم إن كان المحرم مفردًا بالحج وقع طوافه هذا للقدوم، وإن كان مفردًا بالعمرة أو متمتعًا أو قارنًا وقع عن طواف العمرة نواه له أو لغيره، وعلى القارن أن يطوف طوافًا آخر للقدوم اهـ أي استحبابًا بعد فراغه عن سعي العمرة اهـ، قال القاري: وفي اللباب وأول وقته حين دخوله مكة وآخره من وقوفه بعرفة فإذا وقف فقد فات وقته وإن لم يقف فإلى طلوع فجر النحر كذا في رد المحتار، ويسن هذا الطواف للآفاقي لأنه القادم، وفي الدر المختار: ثم ابتدأ بالطواف لأنه تحية البيت ما لم يخف

(2878) - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ. قَال: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَطُوفُ بِالْبَيتِ وَقَدْ أَحْرمْتُ بِالْحَجِّ؟ فَقَال: وَمَا يَمْنَعُكَ؟ قَال: إِنًي رَأَيتُ ابْنَ فُلانٍ يَكْرَهُهُ وَأَنْتَ أحَبُّ إِلَينَا مِنْهُ. رَأَينَاهُ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فوت المكتوبة أو جماعتها أو الوتر أو سنة راتبة اهـ، قال الدهلوي: وطواف القدوم بمنزلة تحية المسجد إنما شرع تعظيمًا للبيت ولأن الإبطاء بالطواف في مكانه وزمانه عند تهيء أسبابه سوء أدب، قال النووي: وهذا الذي قاله ابن عمر هو إثبات طواف القدوم للحاج وهو مشروع قبل الوقوف بعرفات وبهذا الذي قاله ابن عمر قال العلماء كافةً سوى ابن عباس وكلهم يقولون إنه سنة ليس بواجب إلا بعض أصحابنا ومن وافقه قالوا واجب يجبر تركه بالدم، والمشهور أنه سنة ليس بواجب ولا دم في تركه اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2878 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن بيان) بن بشر البجلي الأحمسي أبي بشر الكوفي المعلم، روى عن قيس بن أبي حازم في الصلاة والزكاة، وعبد الرحمن بن أبي الشعثاء في الحج، وإبراهيم التيمي في الحج، ووبرة بن عبد الرحمن في الحج، والشعبي في الصيد وخلق، ويروي عنه (ع) وجرير بن عبد الحميد وأبو الأحوص ومحمد بن فضيل وخالد بن عبد الله والسفيانان وزائدة وجماعة، وثقه الدارقطني ويعقوب بن سفيان والعجلي وابن معين والنسائي ويعقوب بن شيبة، وقال أحمد: ثقة من الثقات، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من (5) الخامسة (عن وبرة) بن عبد الرحمن المسلي الكوفي. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة بيان بن بشر لإسماعيل بن أبي خالد (قال) وبرة (سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما) هل (أطوف بالبيت) بعد قدومي مكة (وقد أحرمت بالحج فقال) له ابن عمر (وما يمنعك) أيها الرجل أي وما المانع لك من طواف القدوم (قال) الرجل لابن عمر (إني رأيت ابن فلان) رجلًا هو ابن عباس (يكرهه) أي يكره الطواف للقادم قبل الوقوف بعرفة (وأنت) يا ابن عمر (أحب إلينا) أي أكثر محبوبية عندنا (منه) أي من ذلك الرجل الذي يكره الطواف للقادم، لأن ذلك الرجل (رأيناه قد فتنته الدنيا) لأنه تولى البصرة والولايات محل الخطر والفتنة.

فَقَال: وَأَيُّنَا (أَوْ أَيُّكُمْ) لَمْ تَفْتِنْهُ الدُّنْيَا؟ ثُمَّ قَال: رَأَينَا رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أحْرَمَ بِالْحَجِّ. وَطَافَ بِالْبَيتِ. وَسَعَى بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَسُنَّةُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبعَ، مِنْ سُنَّةِ فُلانٍ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النواوي: هكذا في كثير من النسخ وفي كثير منها أو أكثرها افتتنتهُ وفتن وافتتن لغتان صحيحتان، والأول أصح وأشهر وبها جاء القرآن، وإنما قال الرجل ذلك لأن ابن عباس تولى البصرة من قبل ابن عمه علي بن أبي طالب لأن الولايات محل الخطر والفتنة، وأما ابن عمر فلم يتول شيئًا من الولايات ولم يقصد بفتنة الدنيا سعة المال لأن ابن عمر أكثر منه مالًا كما قيل، ولكن طهر الله قلبه من حب الرياسة وكان مكرمًا حيثما حل اهـ (فقال) ابن عمر للرجل (وأينا) أي أي منا (أو) قال ابن عمر للرجل و (أيكم) أيها الرجل خطاب للرجل ومن معه (لم تفتنه الدنيا) قال النووي: هذا من زهده وتواضعه وإنصافه، وقوله (أو أيكم) لم يوجد في بعض النسخ، وفي بعضها وأينا أو قال وأيكم لم تفتنه الدنيا اهـ، وأي -هنا للاستفهام الإنكاري (ثم قال) ابن عمر (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وطاف بالبيت) حين قدم مكة للقدوم (وسعى بين الصفا والمروة) سعي القارن (فسنة الله) تعالى (وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع) بتاءَين ثانيتهما مشددة (من سنة فلان) يعني ابن عباس (إن كنت صادقًا) فيما أخبرت عنه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر وذكر فيه متابعة واحدة. ***

485 - (41) باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي وأن المحرم بحج لا يتحلل بطواف القدوم وكذلك القارن

485 - (41) باب: بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي وأن المحرم بحج لا يتحلل بطواف القدوم وكذلك القارن (2879) - (1203) (123) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَن عَمرِو بْنِ دِينَارٍ. قَال: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلِ قَدِمَ بِعُمرَةٍ. فَطَافَ بِالْبَيتِ وَلَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. أَيَأتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَال: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيتِ سَبْعًا. وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَينِ. وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، سَبْعًا. وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 485 - (41) باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي وأن المحرم بحج لا يتحلل بطواف القدوم وكذلك القارن 2879 - (1203) (123) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (قال) عمرو (سألنا ابن عمر) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد كوفي وواحد نسائي (عن رجل قدم) مكة (بعمرة فطاف بالبيت) طواف العمرة (ولم يطف) أي لم يسع (بين الصفا والمروة) فأطلق الطواف على السعي إما لأن السعي نوع من الطواف وإما للمشاكلة ولوقوعه في مصاحبة طواف البيت اهـ فتح الملهم (أيأتي) أي هل يطأ (امرأته) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستفسار أي أيجوز له الجماع يعني أحصل له التحلل من الإحرام أي قبل السعي بين الصفا والمروة أم لا، وإنما خص إتيان المرأة بالذكر وإن كان الحكم سواء في جميع المحرمات، لأن إتيان المرأة من أعظم المحرمات اهـ فتح الملهم (فقال) ابن عمر (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) مكة (فطاف) طواف القدوم (بالبيت سبعًا) من الأشواط (وصلى خلف المقام) أي مقام إبراهيم (ركعتين) سنة الطواف، قال العيني: فيه صلاة ركعتين خلف المقام فقيل إنها سنة، وقيل واجبة، وقيل تابعة للطواف، إن كان الطواف سنة فالصلاة سنة، وإن كان واجبًا فالصلاة واجبة، ونقل ابن المنذر الاتفاق على جوازهما في أي موضع شاء الطائف، إلا أن مالكًا كرههما في الحجر، ونقل بعض أصحابنا عن الثوري أنه كان يعينهما خلف المقام اهـ منه (و) سعى (بين الصفا والمروة سبعًا) من الأشواط (وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقدوة طيبة، قوله (أسوة حسنة) بضم الهمزة وكسرها؛

(2880) - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يحيى وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَنْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخبَرَنَا ابنُ جُرَيجٍ. جَمِيعًا عَنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ. (2881) - (1204) (124) حدّثني هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قدوة، زاد البخاري بعد قوله أسوة حسنة وسألنا جابر بن عبد الله فقال: لا يقربنها حتى يطوف بين الصفا والمروة، فأجاب ابن عمر بالإشارة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في أمر المناسك لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم" والنبي صلى الله عليه وسلم ما تحلل قبل السعي فيجب التأسي به، وأجاب جابر بصريح النهي عنه اهـ فتح الملهم، قال النواوي: معناه لا يحل لك ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من عمرته حتى طاف وسعى فتجب متابعته والاقتداء به اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2880 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (جميعًا) أي كل من حماد بن زيد وابن جريج رويا (عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما) وهذان السندان الأول منهما رباعي، والثاني خماسي، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد وابن جريج لسفيان بن عيينة (عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عيينة) منصوب بعامل محذوف تقديره روى حماد بن زيد وابن جريج نحو حديث ابن عيينة. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 2881 - (1204) (124) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري، ثقة، من (9)

أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُو ابنُ الْحَارِثِ) عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَال لَهُ: سَل لِي عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ عن رَجُل يُهِلُّ بالْحَجِّ. فَإِذَا طَافَ بِالْبَيتِ أَيَحِلُّ أَمْ لا؟ فَإنْ قَال لَكَ: لَا يَحِلُّ. فَقُل لَهُ: إِن رَجُلًا يَقُولُ ذلِكَ. قَال فَسَألْتُهُ فَقَال: لَا يَحِلُّ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إلا بِالْحَجِّ. قلت: فَإِنَّ رَجُلًا كَانَ يَقُولُ ذلِكَ. قَال: بِئْسَ مَا قَال. فَتَصَدَّانِي الرَّجُلُ فَسَأَلَنِي فَحَدَّثتُهُ. فَقَال: فَقُل لَهُ: فَإنَّ رَجُلًا كَانَ يُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (عن محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل بن الأسود الأسدي أبي الأسود المدني يتيم عروة، ثقة، من (6) (أن رجلًا من أهل العراق) لم أر من ذكر اسمه (قال له) أي لمحمد بن عبد الرحمن (سل لي) يا محمد (عروة بن الزبير عن رجل يهل) أي يحرم (بالحج) ويقدم مكة (فإذا طاف بالبيت) طواف القدوم (أيحل) أي هل يتحلل من إحرامه بمجرد الطواف (أم لا) يتحلل، قال الأبي: سؤال الرجل إنما هو عن فسخ الحج إلى العمرة على ما يأتي للقاضي اهـ. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، قال الرجل (فإن قال لك) عروة (لا يحل) من إحرامه بمجرد الطواف (فقل) يا محمد (له) أي لعروة (إن رجلًا) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (يقول ذلك) أي تحلله بمجرد الطواف (قال) محمد بن عبد الرحمن (فسألته) أي فسألت عروة عما أمرني به الرجل (فقال) عروة (لا يحل) من إحرامه (من أهل بالحج إلا بالحج) أي إلا بالفراغ من جميع أعمال الحج، قال محمد (قلت) لعروة (فإن رجلًا) من المسلمين (كان يقول ذلك) أي بتحلله بمجرد الطواف (قال) عروة (بئس) وقبح (ما قال) ذلك الرجل من تحلله بمجرد الطواف، قال محمد (فتصداني) أي استقبلني وتعرض لي ذلك (الرجل) الذي أمرني بسؤال عروة، قال النواوي: هكذا هو في جميع النسخ تصداني بالنون، والأشهر في اللغة تصدى لي اهـ أي تهيأ لسؤالي (فسألني) عما قال عروة، قال محمد (فحدثته) أي فحدثت الرجل ما قاله عروة (فقال) الرجل لمحمد (فقل) يا محمد (له) أي لعروة (فإن رجلًا) من الصحابة يعني به ابن عباس فإنه كان يذهب إلى أن من لم يسق الهدي وأهل بالحج إذا طاف يحل من حجه، وأن من أراد أن يستمر على حجه لا يقرب البيت حتى يرجع من عرفات، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي من أصحابه أن يجعلوها عمرة اهـ فتح الملهم (كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قَدْ فَعَلَ ذلِكَ. وَمَا شَأْنُ أَسْمَاءَ وَالزُّبَيرِ قَدْ فَعَلا ذلِكَ. قَال: فَجِئْتُهُ فَذَكَرْتُ لَهُ ذلِكَ. فَقَال: مَنْ هذَا؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَال: فَمَا بَالُهُ لَا يأْتِينِي بِنَفْسِهِ يَسأَلُنِي؟ أَظُنُّهُ عِرَاقيًّا. قُلْتُ: لَا أَدْرِي. قَال: فَإِنَّهُ قَدْ كَذَبَ. قَدْ حَجٍّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها؛ أَنَّ أوَّلَ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ. ثُمَّ طَافَ بِالْبَيتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قد فعل ذلك) معناه أي أمر به، وعرف أن هذا مذهب لابن عباس، خالفه فيه الجمهور، ووافقه فيه ناس قليل منهم إسحاق بن راهويه، وعرف أن مأخذه فيه ما ذكر، وجواب الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرةً، ثم اختلفوا فذهب الأكثر إلى أن ذلك كان خاصًّا بهم، وذهب طائفة على أن ذلك جائز لمن بعدهم، واتفقوا كلهم على أن من أهل بالحج مفردًا لا يضره الطواف بالبيت، وبذلك احتج عروة في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف ولم يحل من حجه ولا صار عمرة وكذا أبو بكر وعمر اهـ فتح الملهم (وما شأن أسماء والزبير) والحال أنهما (قد فعلا ذلك) أي التحلل بمجرد الطواف وهما زوجان، وأسماء هي ذات النطاقين بنت أبي بكر الصديق أخت الصديقة لأب أسن منها، وهي التي استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلة أمها وهي مشركة، والزبير بن العوام أحد العشرة (قال) محمد بن عبد الرحمن (فجئته) أي فجئت عروة (فذكرت له) أي لعروة (ذلك) الكلام الذي قاله ذلك الرجل (فقال) عروة (من هذا) السائل الذي أرسلك إلي ولا يأتيني بنفسه؟ قال محمد (فقلت) لعروة (لا أدري) ولا أعلم من هو (قال) عروة (فما باله) أي فما بال ذلك الرجل وشأنه (لا يأتيني بنفسه) فـ (يسألني أظنه) أي أظن ذلك الرجل (عراقيًّا) يعني وهم يتعنتون في المسائل قاله الحافظ، قيل وقول عروة هذا مشعر بعدم رضاه عن العراقيين لوقوع قتل أخيه مصعب فيهم، وقد أغرب الأبي ومتابعه السنوسي في قولهما يحتمل قوله ذلك لأن أهل العراق غلب عليهم القياس وعدم التمسك بالآثار اهـ، قال محمد بن عبد الرحمن (قلت) لعروة (لا أدري) ولا أعلم هل هو عراقي أم لا؟ (قال) عروة (فإنه) أي فإن ذلك الرجل السائل (قد كذب) فيما أخبره عن رجل من الصحابة فإنه (قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة رضي الله عنها أن أول شيء بدأ به). رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت) طواف

ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلَ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيتِ. ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيرُهُ. ثُمَّ عُمَرُ، مِثْلُ ذلِكَ. ثُم حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأيتُهُ أَوَّلُ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيتِ. ثُمَّ لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ القدوم، قال في المرقاة: أي جدد الوضوء لما تقدم أنه كان يغتسل، أو المراد معناه اللغوي وعلى كل فلا دلالة فيه على كون الطهارة شرطًا لصحة الطواف لأن مشروعيتها مجمع عليها، وإنما الخلاف في صحة الطواف بدونها فعندنا أنها واجبة والجمهور على أنها شرط، وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه النطق فمدفوع لأن الحديث ضعيف مع أن المشبه بالشيء لا يستدعي المشاركة معه في كل شيء ألا ترى إلى جواز الأكل والشرب في الطواف بالإجماع مع عدم جوازهما في الصلاة من غير نزاع اهـ منه (ثم حج أبو بكر) الصديق (فكان أول شيء بدأ به) أبو بكر بنصب أول على أنه خبر كان مقدم، واسمها (الطوات بالبيت ثم لم يكن) أي لم يوجد من أبي بكر (غيره) أي غير الحج الذي أحرم به أي لم يغيره ولم يفسخه إلى العمرة وكان السائل لعروة إنما سأله عن فسخ الحج إلى العمرة أفاده النواوي، وذكر أن القاضي عياضًا قال بتصحيف العبارة، وصوابها ثم لم تكن عمرة كما هو لفظ البخاري وليس فيها تصحيف بل هي واضحة لا غبار عليها، قال القرطبي: وتكون رواية من رواه لم تكن عمرة مفسرةً لرواية لم يكن غيره اهـ، قال الأبي: وإكثار عروة من الاحتجاجات يشبه أن يكون احتجاجًا بعمل أو إجماع اهـ (ثم) حج (عمر) وكان أول ما بدأ به (مثل ذلك) أي مثل ما بدأ به أبو بكر من الطواف بالبيت، والظاهر في إعراب مثل هذا الرفع، وقال ملا علي: بالنصب أي فعل مثل ذلك، وفي نسخة بالرفع أي ثم عمر فحل ذلك اهـ (ثم حج عثمان) قال الداودي: ما ذكر من حج عثمان هو من كلام عروة وما قبله من كلام عائشة، وقال أبو عبد الملك: منتهى حديث عائشة عند قوله ثم لم تكن عمرة ومن قوله ثم حج أبو بكر الخ من كلام عروة اهـ فعلى هذا يكون بعض هذا منقطعًا لأن عروة لم يدرك أبا بكر وعمر، نعم أدرك عثمان، وعلى قول الداودي يكون الجميع متصلًا وهو الأظهر كذا في الفتح (فرأيته) أي فرأيت عثمان، فرأى هنا بصرية تتعدى لمفعول واحد، وجملة قوله (أول شيء بدأ به الطواف بالبيت) جملة اسمية على أن الخبر مقدم على المبتدإ حالا من مفعولا رأيت؛ أي رأيته حال كون الطواف أول شيء بدأ به (ثم لم يكن)

غَيرُهُ. ثُمَّ مُعَاويةُ وَعَندُ اللهِ بن عُمَرَ. ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي، الزُّبَيرِ بْنِ الْعَوَّامِ. فَكَانَ أَوَّلَ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيتِ. ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيرُهُ. ثُمَّ رَأَيتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذلِكَ. ثُمَّ لَم يَكُنْ غَيرُهُ. ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيتُ فَعَلَ ذلِكَ ابْنُ عُمَرَ. ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا بِعُمْرةٍ. وَهذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ أَفَلا يَسْأَلُونَهُ؟ وَلَا أَحدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَؤُونَ بِشَيءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنَ الطَّوافِ بِالْبَيتِ. ثُمَّ لَا يَحلُّونَ. وَقَدْ رَأَيتُ أُمِّي وَخَالتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْتَدآنِ بِشَيءٍ أوَّلَ مِنَ الْبَيتِ تَطُوفَانِ بِهِ. ثُمَّ لَا تَحِلَّانِ. وَقَدْ أَخبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقْبَلَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من عثمان (غيره) أي غير الحج (ثم) حج (معاوية) بن أبي سفيان (وعبد الله بن عمر ثم حججت مع أبي) أي مع والدي (الزبير بن العوام) بالكسر بدل من أبي أو عطف بيان له؛ أي مع والدي الزبير بن العوام رضي الله عنه (فكان أول شيء بدأ به) والدي (الطواف بالبيت) بالرفع على أنه اسم كان مؤخرًا كما مر، قال النواوي: فيه أن المحرم بالحج إذا قدم مكة ينبغي له أن يبدأ بطواف القدوم، ولا يفعل شيئًا قبله، ولا يصلي تحية المسجد، بل أول شيء يصنعه الطواف، وهذ كله متفق عليه عندنا (ثم لم يكن غيره) أي غير الحج (ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون) أي يصنعون (ذلك) أي البداية بطواف القدوم (ثم لم يكن غيره) أي غير الحج (ثم آخر من رأيت فعل ذلك) أي البداية بالطواف عبد الله (ابن عمر ثم لم ينقضها) ابن عمر أي ثم بعد طواف القدوم لم يفسخ عبد الله بن عمر حجته (بعمرة) بل استمر على إحرامه إلى فراغه منها (وهذا) الصحابي الحاضر بيننا (ابن عمر) موجود (عندهم أ) يسكتون (فلا يسألونه) عن أمور دينهم إن كانوا صادقين في اتباع السنة (ولا أحد ممن مضى) وسبق من الصحابة (ما كانوا يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم) في المسجد الحرام يعني حين وصلوا إليه (أول) بالجر بالفتحة صفة لشيء أو بشيء أول (من الطواف بالبيت ثم) بعد طوافهم (لا يحلون) من إحرامهم بمجرد الطواف، وفيه التصريح بأنه لا يجوز التحلل بمجرد طواف القدوم كما سبق (و) لـ (قد رأيت أمي) أسماء بنت أبي بكر (وخالتي) عائشة الصديقة (حين تقدمان) مكة (لا تبتدآن بشيء أول من) الطواف بـ (البيت تطوفان به ثم لا تحلان) من إحرامهما بمجرد الطواف، قال عروة أيضًا (وقد أخبرتني أمي) أسماء (أنها أقبلت) أي قدمت (هي وأختها) الصديقة مكة واستشكل من حيث إن عائشة في تلك الحجة لم تطف لأجل حيضها، وأجيب

وَالزُّبَيرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ بِعُمْرةٍ قَطُّ. فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا. وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحمل على أنه أراد حجة أخرى غير حجة الوداع فقد كانت عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم تحج كثيرًا كذا قال الحافظ في طواف القدوم، ثم قال في أبواب العمرة: وفيه أي في الحديث إشكال وهو ذكره لعائشة فيمن طاف والواقع أنها كانت حينئذ حائضًا وكنت أولته هناك على أن المراد أن تلك العمرة كانت في وقت آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكن سياق رواية هذا الباب يأباه فإنه ظاهر في أن المقصود العمرة التي وقعت لهم في حجة الوداع، وقد قال عياض في الكلام عليه: ليس هو على عمومه فإن المراد من عدا عائشة لأن الطرق الصحيحة فيه أنها حاضت ولم تطف بالبيت ولا تحللت من عمرتها، قال وقيل لعل عائشة أشارت على عمرتها التي فعلتها من التنعيم، ثم حكى التأويل السابق وأنها أرادت عمرةَ أخرى غير التي في حجة الوداع وخطأه (والزبير) بن العوام (وفلان وفلان بعمرة قط) أي فيما مضى من الزمان، قال القسطلاني: والمراد بفلان وفلان عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ذكره في باب الطواف على وضوء، ثم ذكر في باب متى يحل المعتمر قول الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينهما وكأنها سمت ما عرفته ممن لم يسق الهدي، وقوله (قط) هذا من جملة المواضع التي جاء فيها قط بعد المثبت (فلما مسحوا الركن) أي استلموا الحجر الأسود (حلوا) أي صاروا حلالًا، والمراد بالماسحين من سوى عائشة، وإلا فعائشة رضي الله عنها لم تمسح الركن قبل الوقوف بعرفات في حجة الوداع بل كانت قارنةً، ومنعها الحيض من الطواف قبل يوم النحر، والمراد بالركن هو الحجر الأسود، والمراد بمسحه الطواف لأن من تمام الطواف استلامه، وفي الفتح قال النواوي: لا بد من تأويل قوله مسحوا الركن أن المراد به الحجر الأسود ومسحه يكون في أول الطواف، ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بالإجماع فتقديره فلما مسحوا الركن وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا حلوا، وحذفت هذه المقدرات للعلم بها لظهورها، وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل تمام الطواف (وقد كذب) ذلك القائل (فيما ذكر من ذلك) التحلل بمجرد الطواف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1614]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أسماء رضي الله عنهما فقال:

(2882) - (1205) (125) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحدَّثَنِي زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكرِ رضي الله عنهما. قَالتْ: خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَقُمْ عَلَى إِخرَامِهِ. وَمَنْ لَم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَحْلِلْ" فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ. وَكَانَ مَعَ الزُّبَيرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2882 - (1205) (125) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (ح وحدثني زهير بن حرب واللفظ) الآتي (له) أي لزهير (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج حدثني منصور بن عبد الرحمن) بن طلحة الحجبي المكي، ثقة، من (5) (عن أمه صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية لها رؤية (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديقة (رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد بصري وواحد إما مروزي أو نسائي (قالت) أسماء (خرجنا) من المدينة (محرمين فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليقم) أي فليستمر (على إحرامه) وليثبت عليه، وفي نسخة مضبوطة فليقم من الإقامة أي فليبق في حاله فلا ينتقل عنها ثابتًا على إحرامه وضبطه ابن الملك أيضًا بضم الياء، وقال أي ليقم نفسه على إحرامه ولا يحل له شيء مما حرم فيه اهـ من بعض الهوامش (ومن لم يكن معه هدي فليحلل) من إحرامه بعمل العمرة ثم ليهل بالحج قالت أسماء (فلم يكن معي هدي فحللت) بعمل عمرة (وكان مع الزبير هدي فلم يحلل) الزبير من إحرامه، وهذا معارض لذكر الزبير مع من أحل في رواية عروة الماضية، ورواية عبد الله مولى أسماء الآتية فإن قضية رواية صفية عن أسماء أن الزبير لم يحل لكونه ممن ساق الهدي فإن جمع بينهما بأن القصة المذكورة وقعت لها مع الزبير في غير حجة الوداع كما أشار إليه النووي فذاك على بعده وإلا فقد رجح عند البخاري رواية عبد الله مولى أسماء، واقتصر على إخراجها دون رواية صفية بنت شيبة، وأخرجهما مسلم مع ما فيهما من الاختلاف ويقوي صنيع البخاري ما تقدم من رواية

قَالتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَلَسْتُ إِلَى الزُّبَيرِ. فَقَال: قُومِي عَنِّي. فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيكَ؟ . (2883) - (00) (00) وحدّثني عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِي. حَدَّثَنَا أبُو هِشَام الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبْ. حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عن أَسْمَاء بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما. قَالتْ: قَدِمْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن عبد الرحمن أو يقال إن الزبير مستثنى في رواية مولى أسماء ومحمد بن عبد الرحمن كما استثنيت عائشة رضي الله عنها والله أعلم (قالت) أسماء (فلبست ثيابي) لعلها أرادت بها ثياب زينتها وإلا فالنساء ليس لهن المنع من المخيط في إحرامهن حتى يحتجن عند الإحلال إلى لبس الثياب المعتادة وأيد ما قلته ما رأيته بعد في سنن النسائي من زيادة قولها وتطيبت من طيبي فحمدت الله تعالى (ثم خرجت) من خيمتي (فجلست إلى الزبير) زوجي أي جلست مجلسًا منتهيًا إليه أو إلى بمعنى عند (فقال) لي الزبير (قومي عني) أي من عندي حتى لا يقع مني ما يحرك شهوتي، وهذا احتياط منه رضي الله عنه لنفسه بمباعدتها من حيث إنها زوجة متحللة تطمع فيها النفس، قال النووي: إنما أمرها بالقيام مخافةً من عارض قد يندر منه كلمس بشهوة أو نحوه، فإن اللمس بشهوة حرام في الإحرام فاحتاط لنفسه بمباعدتها عنه، قالت أسماء (فقلت) له في جواب أمره (أتخشى) وتخاف مني (أن أثب) وأهجم (عليك) مضارع مسند للمتكلم من الوثب؛ وهو الظفر والهجوم، والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري؛ أي هل تخاف أن أساورك وأهجم وأقع عليك، وهذا كناية عن إيقاعها الملامسة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله عنها فقال: 2883 - (00) (00) (وحدثني عباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة (العنبري) أبو الفضل البصري، ثقة حافظ، من (11) (حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي) البصري، ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا منصور بن عبد الرحمن) الحجبي المكي (عن أمه) صفية بنت شيبة العبدرية المدنية (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق التيمية المدنية (رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة وهيب بن خالد لابن جريج (قالت) أسماء (قدمنا

مَعَ رِسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيجٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال: اسْتَرْخِي عَنِّي. اسْتَرْخِي عَنِّي. فَقُلْتُ: أَتَخْشَى أَنْ أَثِبَ عَلَيكَ؟ . (2884) - (1206) (126) وحدّثني هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي عَمْرٌو، عن أَبِي الأَسْوَدِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرِ رضي الله عنهما حَدَّثَهُ؛ أَنهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ، كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ تَقُولُ: صَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَسلَّمَ. لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين) أي محرمين (بالحج ثم ذكر) وهيب (بمثل حديث ابن جريج) وقوله (غير أنه) استثناء من المماثلة أي لكن أن وهيبًا (قال) في روايته (فقال) الزبير لأسماء (استرخي عني استرخي عني) مرتين أي تأخري عني وتباعدي ولا تقربيني (فقلت) له (أتخشى أن أثب) وأصول (عليك). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ئانيًا لحديث عائشة بحديث آخر لأسماء رضي الله تعالى عنهما فقال: 2884 - (1206) (126) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثم المصري، ثقة، من (10) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري، صدوق، من (10) كلاهما (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (عن أبي الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي المدني، ثقة، من (6) (أن عبد الله) بن كيسان (مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما) التيمي مولاهم أبا عمر المدني، ثقة، من (3) روى عن أسماء في الحج، وعبد الله بن عمر في اللباس، ويروي عنه (ع) وأبو الأسود وابن جريج وعبد الملك بن أبي سليمان (حدثه) أي حدث لأبي الأسود (أنه) أي أن عبد الله (كان يسمع أسماء) بنت أبي بكر الصديق. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون حالة كونها (كلما مرت) وجاوزت (بالحجون) بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة؛ جبل معروف بمكة مشرف على مسجد الحرس عند المحصب وعنده المقبرة المعروفة بالمعلى على يمين الداخل إلى مكة ويسار الخارج منها إلى منى، وفي المصباح الحجون بوزن رسول جبل مشرف بمكة اهـ (تقول صلى الله على رسوله وسلم) والله (لقد نزلنا معه) صلى الله عليه

ههُنَا. وَنَحْنُ، يَومَئِذٍ، خِفَافُ الْحَقَائِبِ. قَلِيلٌ ظَهْرُنَا. قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا. فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيرُ وَفُلانٌ وَفُلانٌ. فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيتَ أَحْلَلْنَا. ثُمَّ أهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ. قَال هارُونُ فِي رِوَايَتِهِ: أَنَّ مَولَى أَسْمَاءَ. وَلَم يُسَمِّ: عَبْدَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (ها هنا) أي في المحصب (ونحن يومئذ) أي يوم إذ نزلنا معه ها هنا (خفاف الحقائب) أي خفيفة حقائبنا جمع حقيبة وهو كل ما حمل في مؤخر الرحل والقتب من الحوائج، ومنه احتقب فلان كذا إذا حفظه في الحقيبة، قال الأبي: وظاهر الاستعمال أنه ما علق للحفظ فيه اهـ، وخفتها كناية عن قلة ما فيها كما يدل عليه قوله قليلة أزوادنا (قليل ظهرنا) أي مركبنا (قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان) أي عبد الرحمن بن عوف (وفلان) أي عثمان بن عفان كما مر عن القسطلاني (فلما مسحنا البيت) أي طفنا به، قال النواوي: المراد بالمسح الطواف، وعبر عن الطواف ببعض ما يفعل فيه، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: فلما قضينا من منى كل حاجة ... ومسح بالأركان من هو ماسح لأن الطائف يمسح الركن أي الحجر الأسود أي فلما طفنا بالبيت وسعينا وحلقنا أو قصرنا (أحللنا) من إحرامنا (ثم) بعد تحللنا (أهللنا من العشي) أي من عشية يوم التروية ومسائه (بالحج قال هارون) بن سعيد الأيلي (في روايته أن مولى أسماء ولم يسم عبد الله) أي لم يذكر اسم عبد الله، وأما عائشة والزبير فمستثنيان من التحلل لأن عائشة لم تطف لعارض الحيض، وأما الزبير فلم يتحلل لأنه ممن ساق معه الهدي كما مر، قال الأبي: قوله (ثم أهللنا) يعني في حجة الوداع وحينئذ يشكل مع ما في الحديث الذي قبله أن الزبير ممن كان معه الهدي فلم يحل وكذلك عائشة لم تحل أيضًا لأنها كانت حائضًا، وعند التعارض وعدم إمكان الجمع لم يبق إلا الفزع إلى الترجيح بموجباته، ولهذا والله أعلم ذكره مسلم رحمه الله تعالى في الأتباع والشواهد اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري فقط اهـ تحفة الأشراف. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة، الأول لعائشة ذكره للاستدلال، والثاني حديث أسماء الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أسماء الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا والله أعلم. ***

486 - (42) باب في متعة الحج وجواز العمرة في أشهر الحج

486 - (42) باب: في متعة الحج وجواز العمرة في أشهر الحج (2885) - (1207) (127) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ. قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ؟ فَرَخَّصَ فِيها. وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيرِ يَنْهَى عَنْها. فَقَال: هذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيرِ تُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِيها. فَادْخُلوا عَلَيها فَاسْأَلُوهَا. قَال: فَدَخَلْنَا عَلَيها. فَإِذَا امْرَأَة ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 486 - (42) باب في متعة الحج وجواز العمرة في أشهر الحج 2885 - (1207) (127) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن مسلم) بن مخراق العبدي (القري) بضم القاف وكسر المهملة المشددة مولى بني قرة بطن من عبد القيس أبي الأسود المازني البصري القطان، ويقال مولى بني ضبة بن قرة، روى عن عبد الله بن عباس في الحج، وأسماء بنت أبي بكر في الحج، وعن أبي بكرة الثقفي وابن الزبير وغيرهم، ويروي عنه (م د س) وشعبة وابن عون وابنه سوادة وجماعة، وثقة النسائي، وقال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (4) الرابعة (قال) القري (سألت ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد بغدادي (عن متعة الحج) أي عن فسخه إلى العمرة والتحلل بعملها (فرخص) ابن عباس أي جوز (فيها) أي في متعة الحج أي فسخه إلى العمرة (وكان) عبد الله (بن الزبير ينهى عنها) أي عن متعة الحج (فقال) ابن عباس لمسلم القري ومن معه (هذه) أسماء بنت أبي بكر (أم) عبد الله (بن الزبير) بدل من اسم الإشارة الواقع مبتدأ خبره (تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها) أي في متعة الحج (فادخلوا عليها) أي على أم ابن الزبير (فاسألوها) أي فاسألوا أم ابن الزبير عن متعة الحج (قال) القري (فدخلنا عليها) أي على أم ابن الزبير في منزلها (فإذا) هي أم ابن الزبير (امرأة ضخمة) أي جسيمة عظيمة الجسم (عمياء) أي مكفوفة البصر، وكان عماها في آخر عمرها، ماتت بعد قَتْل ابنها عبد الله بأيام (50) خمسين يومًا، ولها مائة سنة، وكلامها مع ابنها لما استشارها في قبول الأمان لما حصره الحجاج يدل على عقل

فَقَالت: قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيها. (2886) - (00) (00) وحدّثناه ابنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) جَمِيعًا عن شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. فَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَفِي حَدِيثِهِ الْمُتْعَةُ. وَلَمْ يَقُلْ: مُتْعَةُ الْحَجِّ. وَأَمَّا ابْنُ جَعْفَرٍ فَقَال: قَال شُعْبَةُ: قَال مُسْلِمٌ: لَا أَدْرِي مُتْعَةُ الْحَجِّ أَوْ مُتْعَةُ النِّسَاءِ. 2887) - (1208) (128) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْقُرِّيُّ. سَمِعَ ابْنَ عَبِّاسِ رضي الله عنهما يَقُولُ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كبير ودين متين وقلب صبور ذكره ابن الأثير في كامل التواريخ، فسألناها عن حكمها (فقالت قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي في متعة الحج، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2886 - (00) (00) (وحدثناه ابن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثناه) محمد (بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري (جميعًا) أي كل من عبد الرحمن ومحمد بن جعفر رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن مسلم عن ابن عباس (فأما عبد الرحمن ففي حديثه المتعة) بلا إضافة (ولم يقل) عبد الرحمن (متعة الحج) بالإضافة (وأما ابن جعفر فقال قال شعبة قال مسلم) القري (لا أدري) ولا أعلم ما قال ابن عباس هل قال (متعة الحج أو) قال (متعة النساء) وهو النكاح إلى مدة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بحديث آخر له فقال: 2887 - (1208) (128) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا شعبة حدثنا مسلم) بن مخراق (القري) البصري (سمع ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، حالة كونه (يقول أهل) أي أحرم (النبي صلى الله عليه وسلم) عام حجة الوداع في أول

بِعُمْرَةٍ. وَأهَلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ. فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ. فَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلَّ. (2888) - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غيرَ أَنَّهُ قَال: وَكَانَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ. وَرَجُلٌ آخَرُ. فَأَحَلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ أمره (بعمرة) ثم أدخل عليه الحج (وأهل أصحابه) أي معظمهم (بحج فلم يحل النبي على الله عليه وسلم) من إحرامه إلى يوم النحر لأنه كان قارنًا (ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم) وهم الذين لم يسوقوا الهدي بعمل عمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بفسخ حجهم إلى العمرة وهذا الفسخ هو الذي يسمى بمتعة الحج (فكان طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي، أبو محمد المدني، أحد العشرة، والستة الشورى، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام رضي الله عنه (فيمن ساق الهدي فلم يحل) من إحرامه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2888 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن مسلم عن ابن عباس مثله. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ في الرواية عن شعبة، وبين محل المخالفة بين الروايتين بقوله (غير أنه) أي لكن أن محمد بن جعفر خالف معاذ بن معاذ في روايته و (قال) أي محمد بن جعفر (وكان ممن لم يكن معه الهدي) خبر مقدم لكان واسمها (طلحة بن عبيد الله) وقوله (ورجل آخر) معطوف على طلحة، ولم أر من ذكر اسمه، وقوله (فأحلا) بألف التثنية معطوف على كان؛ أي وكان طلحة ورجل آخر ممن لم يكن معه هدي فأحلا من إحرامهما بفسخ الحج إلى العمرة، وبين هذه الرواية والرواية التي قبلها معارضة وكلاهما صحيحة فلا يمكن الجمع بينهما لأن الأولى نفت تحلل طلحة والأخيرة أثبتته فيرجع إلى ترجيح إحداهما، فنقول رواية معاذ بن معاذ مرجحة

(2889) - (1209) (129) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عن أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: كَانُوا يَرَوْنَ أَن الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ. ويجْعَلُونَ الْمُحرَّمَ صَفَرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ مقدمة على رواية محمد بن جعفر لأنه أثبت من محمد بن جعفر، قال في التقريب: محمد بن جعفر ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلةً، من التاسعة، وقال في معاذ بن معاذ قال القطان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ، وقال في التقريب أيضًا: معاذ بن معاذ ثقة متقن، من كبار التاسعة اهـ من الفهم السقيم، ولذلك اقتصر أبو داود على رواية معاذ بن معاذ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2889 - (1209) (129) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثني بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان الحميري أبو محمد اليماني، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان الحميري أبي عبد الرحمن اليماني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان وواحد طائفي وواحد بغدادي (قال) ابن عباس (كانوا) أي كان أهل الجاهلية (يرون) بفتح أوله؛ أي يعتقدون، ولابن حبان من طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون، فذكره نحوه فعرف بهذا تعيين القائلين فكانوا يزعمون أن أشهر الحج لا ينسك فيها إلا بالحج وأن غيرها من الأشهر للعمرة اهـ فتح الملهم (أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور) أي من أفحش الفواحش وأعظم الذنوب وهذا من تحكماتهم الباطلة المأخوذة من غير أصل ولا مستند، والفجور الانبعاث في المعاصي أي من أفجر الفجور الذي يفعل (في الأرض) وهذا قيد لا مفهوم له (ويجعلون) أي يجعل أهل الجاهلية (المحرم صفرًا) هكذا هو في جميع النسخ بالألف

ويقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدبَر. وَعَفَا الأَثر. وَانْسَلَخَ صَفر. حَلَّتِ العمرة لِمَنِ اعتَمَر ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد الراء، وهو منصوب مصروف بلا خلاف، وكان ينبغي أن يكتب بالألف وسواء كتب بالألف أم بحذفها لا بد من قراءَته هنا منصوبًا لأنه مصروف أي يجعلون الصفر من الأشهر الحرم، ولا يجعلون المحرم منها اهـ عيني، قال النووي: قال العلماء المراد به الإخبار عن النسيء الذي كانوا يفعلونه وكانوا يسمون المحرم صفرًا ويحلونه وينسئون المحرم أي يؤخرون تحريمه إلى صفر لئلا يتوالى عليه ثلاثة أشهر محرمة فتضيق عليهم أمورهم التي اعتادوها من المقاتلة والغارة بعضهم على بعض فضللهم الله تعالى في ذلك بقوله: ({إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37]) قال القرطبي: وحاصله أنهم كانوا يحلون من الأشهر الحرم ما احتاجوا إليه، ويحرمون مكان ذلك غيره وكان الذين يفعلون ذلك يسمون النساءة وكانوا أشرافهم، وفي ذلك قال عمير بن قيس الطعان: ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما فرد الله تعالى ذلك عليهم بقوله إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا قال: وأما تسمية الشهر صفرًا فقال رؤبة أصلها أنهم كانوا يغيرون فيها بعضهم على بعض فيتركون منازلهم صفرًا أي خالية من المتاع، وقيل لإصفار أماكنهم من أهلها اهـ (ويقولون) في جعلهم المحرم صفرًا (إذا برأ) كذا بهمزة، وفي بعض نسخ البخاري على ما أخبر به شارحه القسطلاني (إذا برأ) به. بدالها ألفًا أي إذا برأ وشفي (الدبر) أي جراحة ظهر البعير، والدبر بفتحتين ما كان يحصل بظهور الإبل من الجراحة ونحوها بسبب الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحج (وعفا) أي انمحى واندرس وانعدم (الأثر) أي أثر أخفاف الإبل وأقدام الناس في سيرها لطرل مرور الأيام عليها، وذكر العيني عن الكرماني روايةً (وعفا الوبر) وهو كذلك في سنن أبي داود، وعفا بمعنى أكثر فإنه من الأضداد، والوبر صوف الإبل، أي أكثر وبر الإبل الذي حلقته رحال الحاج (وانسلخ صفر) أي انتهى شهره، والمراد بانسلاخ صفر خروج المحرم فإنهم كانوا يسمون المحرم صفرًا بسبب النسيء كما بيانه (حلت العمرة لمن اعتمر) أي لمن أراد الاعتمار، قال النووي: وهذه الألفاظ يقرأ كلها ساكنة الراء ويوقف عليها لأن مرادهم السجع اهـ ووجه تعلق جواز الاعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الجج وكذلك المحرم أنهم لما جعلوا المحرم صفرًا ولا يستقرون ببلادهم في الغالب ولا

فَقَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَأصحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ. مُهِلِّينَ بِالْحَج فَأمَرَهُم أن يَجْعَلُوها عُمرَةً. فَتَعَاظَمَ ذلِكَ عِنْدَهُم. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَي الحِل؟ قَال: "الْحِل كُلهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يبرأ دبر إبلهم إلا عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر الحج اهـ فتح الملهم (فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) مكة (صبيحة) ليلة (رابعة) مضت من ذي الحجة، حالة كونهم (مهلين) أي محرمين (بالحج) أي أكثرهم، واحتج به من قال كان حج النبي صلى الله عليه وسلم مفردًا، وأجاب من قال كان قارنًا بأنه لا يلزم من إهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة قاله الحافظ، وسبقت المسألة بدلائلها في باب بيان أوجه الإحرام (فامرهم) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أي من لم يسق الهدي منهم (أن يجعلوها) أي أن يجعلوا حجتهم (عمرة) ويفسخوا إليها (فتعاظم) أي تثاقل (ذلك) أي جعل حجتهم عمرة (عندهم) أي عند الصحابة أي لما كانوا يعتقدونه أولًا كذا في الفتح (فقالوا) لتعاظمه عليهم (يا رسول الله أي الحل) هو أي الحل الذي أمرتنا به أيُّ حلّ أي حلٌّ من جميع المحرمات أو من بعضها فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحل الذي أمرتكم به (الحل كله) أي الحل من جميع المحرمات ظاهر سؤالهم كأنهم يعرفون أن للحج تحللين فأرادوا بيان ذلك فبين لهم أنهم يتحللون الحل كله لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد ووقع في رواية الطحاوي (أي الحل تحل قال الحل كله) اهـ. (قوله فتعاظم ذلك عندهم) وقال الشيخ الأنور رحمه الله تعالى: وجه التعاظم عندي هو استثقالهم الحل في الوسط كما قالوا نروح إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيًّا فأحبوا أن يتمادوا في العبادة أي في الإحرام، وزعموا أن أمره صلى الله عليه وسلم بالتحلل إنما هو إبقاء علينا وزعم الزاعمون كافةً أن وجه إنكار الصحابة من الحل في الوسط كان زعم الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ولم أر أحدًا عدل عن هذا الوجه، ولكني أقول إن هذا الوجه لا يلصق لأن الصحابة كانوا يعتمرون قبل هذه الحجة ثلاث عمرات في أشهر الحج أي في ذي القعدة وما أنكر أحدهم على تلك العمرات فليس باعث استنكاف الصحابة من الإحلال إلا أنهم أحبوا التمادي في حال الإحرام ولم

(2890) - (00) (00) حدثنا نَصرُ بن عَلِي الجَهضَمِي. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ أَيوبَ، عن أَبِي العَالِيَةِ البراءِ؛ أَنهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاس رضي الله عنهما يَقُولُ: أَهل رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ بِالحجِّ. فَقَدِمَ لأربع مَضَينَ مِنْ ذِي الحجة. فَصَلَّى الصبحَ. وَقَال، لَما صَلى الصبحَ: "مَن شَاءَ أَن يَجعَلَها عمرَة، فَليَجعَلها عُمرَةً". (2891) (00) (00) وحدثناه إِبرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدَّثَنَا رَوح. ح وَحدثَنَا أَبُو دَاوُدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يرضوا بالحل في الوسط، وقالوا: نذهب إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيًّا كذا نقله عنه جامع تقاريره والله تعالى أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 252] والبخاري [1564]، وأبو داود [1987]، والنسائي [5/ 180]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2890 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة محلة من البصرة (حدثنا أبي) علي بن نصر البصري (حدثنا شعبة عن أيوب) السختياني البصري (عن أبي العالية) زياد بن فيروز مولى قريش (البراء) لقب به لأنه كان يبري النبل البصري، وهو غير أبي العالية الرياحي، وقد اشتركا في الرواية عن ابن عباس، ثقة، من (4) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي العالية لطاوس بن كيسان (أنه) أي أن أبا العالية (سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول أهل رسول الله على الله عليه وسلم بالحج فقدم) مكة (لأربع) ليال (مضين) أي خلون (من ذي الحجة فصلى الصبح وقال) لأصحابه (لما صلى الصبح) أي بعدما صلى الصبح (من شاء أن يجعلها) أي أن يجعل حجته (عمرة فليجعلها عمرة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثه رضي الله عنه فقال: 2891 - (00) (00) (وحدثناه إبراهيم بن دينار) البغدادي التمار، ثقة، من (10) ورى عنه في (7) أبواب (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا أبو داود) سليمان بن محمد، ويقال سليمان بن داود بن محمد الواسطي

الْمُبَارَكِي. حَدَّثَنَا أبُو شِهابٍ. ح وَحَدثَنَا مُحَمدُ بن المُثَنى. حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ كَثِيرٍ. كُلهُم عَنْ شُعبَةَ، فِي هذَا الإِسنَادِ. أَمَّا رَوحٌ ويحيَى بْنُ كَثِيرٍ فَقَالا كَمَا قَال نصر: أَهل رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ بِالحج. وَأما أبُو شِهابٍ فَفِي رِوَايَتِهِ: خَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نُهِلُّ بِالْحَجِّ. وَفِي حَدِيثِهِم جَمِيعًا: فَصَلَّى الصُّبْحَ بِالبَطْحَاءِ. خَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ (المباركي) بفتح الراء نسبة إلى المبارك وهي بليدة بقرب واسط بينها وبين بغداد وهي على طرف دجلة كذا في الشرح، وقال الحافظ: وقع في كلام بعضهم ثنا سليمان أبو داود المباركي فصحفها آخر سليمان بن داود، وإنما هو سليمان بن محمد، فقد جزم بذلك الحاكم أبو عبد الله ورجحه أبو إسحاق الحبال وغيره، وقال ابن قانع: أبو داود المباركي صالح، وقال أبو عوانة في صحيحه ثنا محمد بن علي بن داود، ثنا سليمان أبو داود المباركي، وكان من أصحاب الحديث اهـ فتح الملهم، روى عن عبد ربه أبي شهاب ويحيى بن أبي زائدة وإسماعيل بن عياش، ويروي عنه (م س) وأحمد بن علي المرزوي، وله في (م) فرد حديث، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال أبو زرعة: شيخ ثقة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة (حدثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الكناني الحناط بمهملة ونون، صاحب طعام، الكوفي نزيل المدائن، روى عن شعبة في الحج، والأعمش وليث بن أبي سليم، ويروي عنه (خ م دس في) وأبو داود المباركي ويحيى بن آدم ومسدد، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في التقريب: صدوق يهم، من الثامنة، مات سنة (171) (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن كثير) بن درهم العنبري مولاهم أبو حسان البصري ثقة من (9) أخرج له الجماعة (كلهم) أي كل من روح وأبي شهاب ويحيى بن كثير (عن شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعلي بن نصر بن صهبان (أما روح ويحيى بن كثير فقالا) في روايتهما (كما قال نصر) وهذا تحريف من النساخ، والصواب كما قال علي (أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وأما أبو شهاب فـ (قال (في روايته خرجنا مع رسول الله على الله عليه وسم نهل بالحج وفي حديثهم) أي وفي حديث كل من الثلاثة (جميعًا فصلى الصبح بالبطحاء) واد معروف بقرب مكة، وهو المسمى بذي طوى في الرواية الآتية (خلا) عليًّا

الْجَهْضَمِيَّ فَإِنهُ لَمْ يَقُلْهُ. (2892) - (00) (00) وحدّثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْفَضْلِ السدُوسِي. حَدَّثَنَا وُهيبٌ. أَخْبَرَنَا أَيوبُ، عن أَبِي العَالِيَةِ البَراءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: قَدِمَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ وَأصحَابُهُ لأَربَعٍ خَلَونَ مِنَ العَشْرِ. وَهُمْ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الجهضمي) بالنصب على الاستثناء بخلا لأنها كلمة يستثنى بها، وتنصب ما بعدها إن كان فعلًا، وتجره إن كان حرف جر هذا إذا تجردت عن ما، وأما إذا اقترنت بها فلا يجوز فيما بعدها إلا النصب كما هو مبسوط في محله (فإنه) أي فإن عليًّا الجهضمي (لم يقله) أي لم يقل قوله فصلى الصبح بالبطحاء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2892 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال (حدثنا محمد بن الفضل السدوسي) أبو النعمان البصري الحافظ الملقب بعارم، روى عن وهيب في الحج والنكاح، ومهدي بن ميمون في البيوع وذكر الموت، وحماد بن زيد في الجهاد واللباس، وعبد الواحد بن زياد في الضحايا، وثابت بن يزيد الأحول في الأطعمة، والمعتمر بن سليمان في الفضائل، ويروي عنه (ع) وهارون بن عبد الله وأحمد بن سعيد الدارمي وعبد بن حميد وحجاج بن الشاعر وسليمان بن معبد، قال أبو حاتم: ثقة، وقال: اختلط بآخره وزال عقله فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، وكتبت عنه قبل الاختلاط، وقال في التقريب: ثقة ثبت، تغير في آخر عمره، من صغار التاسعة، مات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) (أخبرنا أيوب) السختياني (عن أبو العالية البراء عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة وهيب لشعبة في الرواية عن أيوب (قال) ابن عباس (قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) مكة؛ أي فقدم فأسقط فاء العطف في هذه الرواية فهي ثابتة في رواية شعبة عن أيوب (لأربع) ليالٍ أي عند أربع ليال (خلون) أي مضين (من العشر) أي من عشر ذي الحجة يوم الأحد فبقيت من العشرة ست (وهم) أي والحال أنهم (يلبون بالحج) أي ملبون به ولا يلزم من

فَأَمَرَهم أَنْ يَجْعَلُوها عُمرَةً. (2893) - (00) (00) وحدّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنْ أيوب، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ رضي الله عنهما. قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الصُّبحَ بِذِي طَوَى. وَقَدِمَ لأَربَعٍ مَضَينَ مِنْ ذِي الْحجَّةِ. وَأَمَرَ أصحَابَهُ أَنْ يُحَوِّلُوا إِحرَامَهُم بِعُمرَةٍ. إلا من كَانَ مَعَهُ الهديُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إهلاله بالحج أن لا يكون قارنًا فلا حجة فيه لمن قال إنه صلى الله عليه وسلم كان مفردًا (فأمرهم) صلى الله عليه وسلم (أن يجعلوها) أي أن يقلبوا الحجة (عمرةً) فيتحللوا بعملها فيصيروا متمتعين، وهذا الفسخ خاص بذلك الزمن خلافًا لأحمد كما مر غير مرة اهـ قسط. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 2893 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لشعبة ووهيب (قال) ابن عباس (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (الصبح) أول ما دخل مكة (بذكره طوى) قال النووي: هو بفتح الطاء وضمها وكسرها ثلاث لغات حكاهن القاضي وغيره، الأصح الأشهر الفتح وهو مقصور منون، وهو واد معروف بقرب مكة في أسفلها وهو غير الوادي المقدس طوى المذكور في القرآن الكريم فإنه طوى بالضم ولا إضافة فيه وهو موضع بالشام عند الطور (وقدم) مكة (لأربع مضين من ذي الحجة وأمر أصحابه أن يحولوا) أي أن يقلبوا (إحرامهم) بالحج (بعمرة) أي إلى عمرة (إلا من كان معه الهدي) وفي هذا الحديث دليل لمن قال يستحب للمحرم دخول مكة نهارًا لا ليلًا وهو أصح الوجهين لأصحابنا، وبه قال ابن عمر وعطاء والنخعي وإسحاق بن راهويه وابن المنذر، والثاني دخولها ليلًا ونهارًا سواء لا فضيلة لأحدهما على الآخر وهو قول القاضي أبي الطيب والماوردي وابن الصباغ والعبدري من أصحابنا، وبه قال طاوس والثوري، وقالت عائشة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز يستحب دخولها ليلًا وهو أفضل من النهار والله أعلم. (قلت) وفي رد المحتار المستحب دخولها نهارًا كما في الخانية والله أعلم اهـ فتح الملهم.

(2894) - (1210) (140) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا. فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ. فَإِن الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث آخر له رضي الله عنهما فقال: 2894 - (1210) (140) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة (ح) وحدثنا عببد الله بن معاذ واللفظ) الآتي (له) لا لابن المثنى وابن بشار (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذان السندان من سداسياته رجالهما ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مكي وواحد كوفي (قال) ابن عباس (قال رسول الله على الله عليه وسلم هذه) الحجة المفسوخة (عمرة استمتعنا) أي استمتعتم (بها) قال القاري: الاستمتاع هنا تقديم العمرة والفراغ منها فهو محمول على معناه اللغوي أي الانتفاع، قال الأبي: لا يقال فيه إنه أحرم متمتعًا لأن الإشارة بهذه إلى عمرة الفسخ، ومعنى استمتعنا استمتعتم أو يكون أدخل نفسه معهم فيها، ولكن قام المانع وهو كون الهدي معه اهـ وهذا قوي في تأييد جواز الفسخ اهـ منه (فمن لم يكن عنده الهدي فليحل) من إحرامه (الحل كله) أي الحل الذي يحل فيه كل ما يحرم على المحرم حتى غشيان النساء لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد (فإن العمرة قد دخلت في الحج) أي في أشهره، قال ابن الملك: يعني أن دخولها في أشهره لا يختص بهذه السنة بل يجوز في جميع السنين (إلى يوم القيامة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في المناسك عن عثمان عن غندر، والنسائي أخرجه في المناسك عن بندار اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس الأول بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنه فقال:

(2895) - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ الضُّبَعِيَّ. قَال: تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ عَنْ ذلِكَ. فَأَتَيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا. قَال: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْبَيتِ فَنِمْتُ. فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَال: عُمْرَة مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ. قَال: فأَتَيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبرْتُهُ بِالَّذِي رَأَيتُ. فَقَال: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2895 - (1211) (141) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال) شعبة (سمعت أبا جمرة) بفتح الجيم وسكون الميم، نصر بن عمران بن عصام (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها مهملة، البصري، ثقة، من (3) (قال) أبو جمرة (تمتعت) أي أحرمت بالعمرة فيها؛ أي في أشهر الحج، قال الأبي: والأظهر أنه يعني بالمتعة المتعة في أشهر الحج (فنهاني ناس) من الصحابة (عن ذلك) أي عن الاعتمار في أشهر الحج، قال الأبي: والناهون له هم الذين كرهوها في أشهر الحج وهو منقول عن ابن عمر وغيره، ويبعد أن يريد بها الفسخ، قال الحافظ: لم أقف على أسمائهم وكان ذلك في زمن ابن الزبير، وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم من حديث ابن الزبير عنه وعن جابر، ونقل ابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه كان لا يرى التمتع إلا للمحصر ووافقه علقمة وإبراهيم، وقال الجمهور: لا اختصاص بذلك للمحصر اهـ (فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك) أي عن الاعتمار في أشهر الحج (فأمرني) ابن عباس (بها) أي بأن أستمر عليها (قال) أبو جمرة (ثم انطلقت) أي ذهبت من عند ابن عباس (إلى البيت) أي إلى بيتي ومنزلي (فنمت) في منزلي (فأتاني آت في منامي فقال) لي عمرتك هذه (عمرة متقبلة) أي مقبولة عند الله سبحانه وتعالى (و) حجك بعدها (حج مبرور) أي مقبول، كان إنسانًا أتاه في المنام فناداه وقال له ذلك اهـ أبي (قال) أبو جمرة (فأتيت) أي جئت (ابن عباس فأخبرته بـ) المنام (الذي رأيتـ) ـه (فقال) ابن عباس تعجبًا من موافقة هذا المنام لما أفتاني (الله أكبر الله أكبر) أي عجبًا لله الذي أراك هذا المنام، يدل على أنه تأيد بالرؤيا واستبشر بها ففيه التكبير عند المسرة، وفيه استئناس بالرؤيا فيما يقوم عليه الدليل الشرعي لما دل عليه الشرع من عظم قدرها وأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وهذا الاستئناس والترجيح لا ينافي الأصول، وقوله (سنة أبي القاسم

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم) خبر مبتدإ محذوف؛ أي عمرتك هذه سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أي موافقة لها، ويجوز فيه النصب بفعل محذوف أي عمرتك هذه وافقت سنة أبي القاسم أو على الاختصاص، وفي رواية للبخاري زيادة بعد هذا ونصها فقال لي: أقم عندي فأجعل لك سهمًا من مالي، قال شعبة: فقلت: لم؟ فقال: للرؤيا التي رأيت اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الحج عن آدم وإسحاق بن منصور اهـ تحفة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث خمسة الأول حديث ابن عباس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد للأول وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثالث حديث ابن عباس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والرابع حديث ابن عباس الرابع ذكره للاستشهاد به للثالث، والخامس حديث ابن عباس الخامس ذكره أيضًا للاستشهاد به للثالث والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

487 - (43) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

487 - (43) باب: تقليد الهدي وإشعاره عند الإِحرام (2896) - (1212) (142) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ. قَال ابْنُ المُثَنَّى: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيفَةِ. ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيمَنِ. وَسَلَتَ الدَّمَ. وَقَلَّدَهَا نَعْلَينِ. ثمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ. فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيدَاءِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 487 - (43) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام وتقليد الهدي تعليق فعل أو نحوها في عنقه وإشعاره أن يفعل به علامة يعلم بها أنه هدي فإن ضل رده واجده وإن اختلط بغيره تميز. 2896 - (1212) (142) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (قال ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي) بصيغة السماع (عن شعبة عن قتادة عن أبي حسان) مسلم بن عبد الله الأعرج الأجرد البصري، صدوق، من (4) قتل سنة (130) ثلاثين ومائة (عن ابن عباس رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن عباس (قال) ابن عباس (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة) مبدأ خروجه لحجة الوداع، قال الأبي رحمه الله تعالى: صلاته الظهر بذي الحليفة لا ينافي أن يكون إحرامه إثر نافلة (ثم دعا) أي طلب (بناقته) التي جعلها هديًا قيل لعلها كانت من جملة رواحله فأضافها إليه، وقال الطيبي: أي بناقته التي أراد أن يجعلها هديًا فاختصر الكلام يعني فالإضافة جنسية فأحضرت له (فأشعرها) أي أعلم تلك الناقة بالشق (في صفحة) أي في جانب (سنامها الأيمن) وصفحة السنام جانبه، والصفحة مؤنثة لفظًا والأيمن بلفظ المذكر صفة للصفحة نظرًا إلى معناها؛ وهو الجانب أي فالأيمن صفة لمعنى الصفحة لا للفظها وهو الجانب أي شق وطعن في الجانب الأيمن من سنامها (وسلت الدم) أي مسح الدم وأزاله عنها (وقلدها نعلين) أي علق في عنقها نعلين (ثم ركب راحلته) القصواء أي غير التي أشعرها (فلما استوت) وارتفعت (به على البيداء أهل) أي لبى (بالحج) وقد تقدم نقل الخلاف في كيفية إحرامه صلى الله عليه وسلم وبيان طريق الجمع بين المختلف فيه وترجيح بعضه على بعض فليراجع، وقال الحافظ: اتفق من قال بالإشعار بإلحاق البقر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك بالإبل إلا سعيد بن جبير، واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها ولكون صوفها وشعرها يستر موضع الإشعار، وأما على ما نقل عن مالك كما سيأتي فلكونها ليست ذات أسنمة والله تعالى أعلم اهـ. (قوله فأشعرها) إشعار البدنة هو أن يشق أحد جانبي سنامها حتى يسيل دمها ويجعل ذلك علامةً لها تعرف بها أنها هدي اهـ نهاية، أي فلا يتعرض لها وإذا ضلت ردت وإن اختلطت بغيرها تميزت، والصفحة الجانب، والسنام بفتح السين أعلى ظهر البعير، قال ملا علي في شرح مشكاة المصابيح: وكان الإشعار عادةً في الجاهلية فقرره الشارع بناءً على صحة الأغراض المتعلقة به، وقيل الإشعار بدعة لأنه مثلة ويرده الأحاديث الصحيحة بل هو بمنزلة الفصد والحجامة، وقد كره أبو حنيفة رحمه الله تعالى الإشعار وأولوه بأنه إنما كره إشعار أهل زمانه فإنهم كانوا يبالغون فيه حتى يخاف السراية منه اهـ باختصار، وفي شرح الأبي: الأظهر أنه صلى الله عليه وسلم ولي ذلك بيده الشريفة كما نحر ثلاثًا وستين بدنة بيده المباركة، وإنما كان ذلك الأظهر لأن الأصل في الكلمة الحقيقة، ومعنى أمر غيره به مجاز اهـ منه، قال الحافظ رحمه الله تعالى: فيه مشروعية الإشعار، وفائدته الإعلام بأنها صارت هديًا يتبعها من يحتاج إلى ذلك حتى لو اختلطت بغيرها تميزت أو ضلت عرفت أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه، وأبعد من منع الإشعار واعتل باحتمال أنه كان مشروعًا قبل النهي عن المثلة فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان، ثم قال: والإشعار هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديًا، وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف، وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء كراهته عن أبي حنيفة وذهب غيره إلى استحبابه للاتباع حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: هو حسن، وقال مالك: يختص الإشعار بماله سنام، قال الطحاوي: ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه فدل على أنه ليس بنسك لكنه غير مكروه لثبوت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ باختصار، قوله (وقلدها نعلين) والتقليد أن يعلق في عنق الهدي شيء يعرف به أنه هدي والأفضل النعلان، وأجاز مالك النعل الواحدة، وأجاز الثوري فم القربة وشبهها، والأفضل عنده النعل، وفي الفتح ثم قيل: الحكمة في تقليد النعل أن فيه

(2897) - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيفَةِ. وَلَمْ يَقُلْ؛ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إشارةً إلى السفر والجد فيه فعلى هذا يتعين والله أعلم، وقال ابن المنير في الحاشية: الحكمة فيه أن العرب تعتد النعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق، وقد كنى بعض الشعراء عنها بالناقة فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانًا وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه، ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 216] وأبو داود [1752] والترمذي [906] والنسائي [5/ 170]، وابن ماجه [3097]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2897 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لشعبة في الرواية عن قتادة وساق هشام (بمعنى حديث شعبة) وروايته لا بلفظه (غير أنه) أي غير أن هشامًا الدستوائي (قال) في روايته (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة ولم يقل) هشام في روايته (صلى بها الظهر) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عباس رضي الله عنهما وذكر فيه متابعةً واحدةً والله أعلم. ***

488 - (44) باب حديث من طاف بالبيت حل

488 - (44) باب: حديث من طاف بالبيت حل (2898) - (1213) (143) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانَ الأَعْرَجَ قَال: قَال رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْهُجَيمِ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا هذَه الْفُتْيَا الَّتِي تَشَغَّفَتْ أَوْ تَشَغَّبَتْ بِالنَّاسِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 488 - (44) باب حديث من طاف بالبيت حل وبهذا الترجمة ترجم الأبي والسنوسي اهـ. 2898 - (1213) (143) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أبا حسان الأعرج) الأحرد مسلم بن عبد الله البصري (قال) أبو حسان (قال رجل من بني الهجيم) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (لابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (ما هذه الفتيا) التي أفتيته للناس، وما للاستفهام الإنكاري في محل الرفع خبر مقدم، واسم الإشارة مبتدأ مؤخر، والفتيا صفة لاسم الإشارة أو بدل منه أو عطف بيان منه أي هذه الفتيا التي وقعت منك ما هي أي فائدتها ونتيجتها وما مستندها أي ليس فيها فائدة إلا تفريق مذاهب الناس. (قلت) هكذا في بعض النسخ (ما هذه الفتيا) بالتأنيث في الصفة والموصوف وهو أجود وأفصح، وفي معظمها (ما هذا الفتيا) بتذكير الموصوف وتأنيث الوصف ووجه هذا النسخة حمل الفتيا على معنى الإفتاء؛ أي ما هذا الإفتاء، يقال أفتى يفتي إفتاءً وفتوى وفتيا أفاده النووي (التي تشغفت) بفتح التاء والشين المعجمة والغين المعجمة المشددة والفاء أخت القاف وتاء التأنيث أي علقت بقلوب الناس وشغفوا بحبها أي جذبوا لموافقتها هواهم بالتخفيف عليهم ومنه قوله تعالى قد شغفها حبًّا (أو) قال الرجل (تشغبت) أي فرقت (بالناس) وجعلتهم مذاهب وهي بفتح التاء والشين المعجمة والغين المعجمة المشددة والباء الموحدة بدل الفاء في الأولى وتاء التأنيث أي فرقت مذاهب الناس وأوقعت الخلاف بينهم و (أو) للشك من قتادة فيما قاله الرجل، وروي على ما ذكره النواوي (تشعبت) بالعين المهملة بدل المعجمة، ومعناه تفرقت والرواية التي يعد هذه (قد تفشغ) بتقديم الفاء على الشين وتأخير الغين المعجمة؛ ومعناه كثر وانتشر وفشا على ما يفهم من

أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيتِ فَقَدْ حَلَّ؟ فَقَال: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَإِنْ رَغِمْتُمْ. (2899) - (00) (00) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ، قَال: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ القاموس، وكأن النووي أراد إرجاع الكل إلى معنى الفشو، فقال: أما الرواية الأولى فمعناها علقت بالقلوب وشغبوا بها، والرواية الثانية معناها خلطت عليهم أمرهم، والثالثة معناها فرقت مذاهب الناس وأوقعت الخلاف بينهم، ومعنى الرابعة انتشرت وفشت بين الناس اهـ بتصرف، وهي (أن من طاف بالبيت) وسعى بين الصفا والمروة وحلق رأسه أو قصر يعني أن من فسخ حجه إلى العمرة وعمل أعمالها (فقد حل) من إحرامه، وهذا التفسير هو الأظهر المتعين لأن الذي أمرهم به إنما هو الفسخ، وإذا فسرت فتياه بالفسخ لم يشكل قوله سنة نبيكم لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به في حجة الوداع وما أمر به سنة فترجع فتواه إلى مسئلة الفسخ، وفي جوازه خلاف كما مرارًا (فقال) ابن عباس للرجل الهجيمي هذه الفتيا (سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم) أي طريقته التي أمر بها في حجة الوداع (وإن رغمتم) أي إن رغمت أنوفكم أي لصقت بالتراب واتبعتموها على كره وذل، ورغم الأنف كناية عن قبولها كرهًا لا طوعًا وهو كما في القاموس من بابي علم ومنع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الكبرى في باب المناسك أخرجه عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد عن شعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2899 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله الحضرمي أبو إسحاق البصري، ثقة، من (9) (حدثنا همام بن يحيى) بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن أبي حسان) مسلم بن عبد الله البصري، صدوق، من (4) (قال) أبو حسان (قيل لابن عباس) والقائل هو الرجل الهجيمي كما في الرواية السابقة. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد نيسابوري،

إِنَّ هذَا الأَمْرَ قَدْ تَفَشَّغَ بِالنَّاسِ، مَنْ طَافَ بِالْبَيتِ فَقَدْ حَلَّ. الطَّوَافُ عُمْرَةٌ. فَقَال: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَإنْ رَغِمْتُمْ. (2900) - (1214) (144) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. قَال: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا يَطُوفُ بِالْبَيتِ حَاجٌّ وَلَا غَيرُ حَاجٍّ إلَّا حَلَّ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بسوقه بيان متابعة همام بن يحيى لشعبة في رواية هذا الحديث عن قتادة (إن هذا الأمر) أي إن هذا الإفتاء الذي أفتيته للناس (قد تفشغ) بتقديم الفاء على الشين المعجمة المشددة ثم الغين العجمة؛ أي قد شتت (بالناس) وفرقهم على مذاهب وفشا وانتشر فيهم وذلك الإفتاء أن (من طاف بالبيت) وسعى وحلق أو قصر (فقد حل) من إحرامه بالحج لأنه فسخ الحج إلى العمرة (الطواف عمرة) أي الطواف مع ما معه من السعي والحلق عمرة تامة فقد فسخ حجه إلى العمرة وفرغ من أعمالها فحصل له التحلل من إحرام الحج (فقال) أي ثم قال ابن عباس هذه الفتيا التي أفتيتها لكم (سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم) فيجب عليكم اتباعها (وإن رغمتم) أي وإن كرهتموها وثقلت عليكم، وفي فتح الملهم (قوله الطواف عمرة) يحتمل أن يكون هذا القول من مقول السائل على وجه الاستبعاد والإنكار أَهَلْ الطَّوفُ بخصوصِهِ عمرةٌ لا والأوضح عندي أن يقال إنه جزء مما قاله ابن عباس أي يصير هذا الطواف طواف عمرة وإن كان أحرم بالحج وطاف بنيته والله تعالى أعلم بالصواب اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بحديث آخر له فقال: 2900 - (1214) (144) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (قال) عطاء (كان ابن عباس يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد مروزي (لا يطوف بالبيت حاج) مفرد (ولا غير حاج) أي قارن لعله في حق من لم يسق الهدي أي لا يطوف حاج ولا قارن بالبيت ولا يسعى بين الصفا والمروة (إلا حل) من إحرامه إذا نوى فسخ إحرامه إلى العمرة، قال ابن جريج (قلت لعطاء من أين)

يَقُولُ ذلِكَ؟ قَال: مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] قَال: قُلْتُ: فَإنَّ ذلِكَ بَعْدَ الْمُعرَّفِ. فَقَال: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأخُذُ ذلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من أي دليل وحجة (يقول) ابن عباس (ذلك) التحلل بمجرد الطواف (قال) عطاء يقول ابن عباس ويأخذ ذلك التحلل الذي قاله (من قول الله تعالى {ثُمَّ مَحِلُّهَا} أي محل حل ذبح الهدي ({إِلَى الْبَيتِ الْعَتِيقِ}) أي في الحرم يعني إن كان دم حج ففي منى وإن كان دم عمرة ففي مروة وكلاهما من الحرم، قال النواوي: ولا حجة له فيه لأن معناه لا تنحر إلا في الحرم وليس فيه تعرض للتحلل من الإحرام لأنه لو كان المراد به التحلل من الإحرام لكان ينبغي أن يتحلل بمجرد وصول الهدي إلى الحرم قبل أن يطوف ولا قائل به (قال) ابن جريج (قلت) لعطاء (فإن ذلك) التحلل المذكور في الآية يكون (بعد المعرف) أي بعد الوقوف بعرفة، وأصل المعرف موضع التعريف قاله ابن الأثير، والتعريف يطلق على نفس الوقوف وعلى التشبه بالواقفين بعرفات (فقال) عطاء لابن جريج (كان ابن عباس يقول هو) أي التحلل بالطواف يكون (بعد المعرف) أي بعد الوقوف بعرفة كما إذا طاف للإفاضة (وقبله) أي قبل الوقوف كما إذا فسخ الحج وطاف للعمرة (وكان) ابن عباس (يأخذ ذلك) التحلل بالطواف (من أمر النبي صلى إله عليه وسلم) من لم يسق الهدي بالتحلل (حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في كتاب المغازي اهـ تحفة الأشراف. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين كلاهما لابن عباس الأول منهما ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني ذكره الاستشهاد والله أعلم. ***

489 - (45) باب جواز تقصير المعتمر من شعره وأنه لا يجب حلقه وأنه يستحب كون حلقه أو تقصيره عند المروة

489 - (45) باب: جواز تقصير المعتمر من شعره وأنه لا يجب حلقه وأنه يستحب كون حلقه أو تقصيره عند المروة (2901) - (1215) (145) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيرٍ، عَنْ طَاوُسٍ. قَال: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: قَال لِي مُعَاويةُ: أَعَلِمْتَ أَنِّي قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَعْلَمُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 489 - (45) باب جواز تقصير المعتمر من شعره وأنه لا يجب حلقه وأنه يستحب كون حلقه أو تقصيره عند المروة 2901 - (1215) (145) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي (عن هشام بن حجير) بمهملة ثم جيم مصغرًا المكي، روى عن طاوس في الحج ومالك والحسن البصري، ويروي عنه (خ م س) وسفيان بن عيينة وابن جريج وخلق، قال العجلي: ثقة صاحب سنة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: ليس بالقوي، قرنه (م) بآخر، وله حديثان، وله في (خ) فرد حديث، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من السادسة (عن طاوس) بن كيسان الحميري الحماني، ثقة، من (3) (قال) طاوس (قال ابن عباس قال لي معاوية) بن أبي سفيان. وهذا السند من سداسياته رجاله واحد منهم شامي وواحد طائفي وواحد يماني وواحد مكي وواحد كوفي وواحد بغدادي (أعلمت) يا ابن عباس بهمزة الاستفهام التقريري؛ أي هل علمت (أني قصرت من) شعر (رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص) أي بمقص، وهذا هو الأشبه في هذا المحل لأن المشقص -بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف- نصل السهم الطويل عريضًا أو غير عريض له حدة وهو في الغالب لا يقصر ولا يقص به الشعر، وقوله (أني قصرت) فيه جواز الاقتصار على التقصير وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج ليقع الحلق في أكمل العبادتين، وقد سبقت الأحاديث في هذا، وقوله (عند المروة) فيه أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة لأنها موضع تحلله كما يستحب للحاج أن يكون حلقه أو تقصيره في منى لأنها موضع تحلله وحيث حلقا أو قصرا من الحرم كله جاز، قال ابن عباس (فقلت له) أي لمعاوية (لا أعلم ذلك) أي

إِلَّا حُجَّةً عَلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقصيرك رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة (إلا) أني أعلم كون قولك هذا أي دعواك تقصير رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم (حجةً) وردًا (عليك) فيما نهيت عنه من فسخ الحج إلى العمرة لأن التقصير عند المروة كان لمن فسخ الحج إلى العمرة في عام حجة الوداع وأنت نهيت الناس عن الفسخ وأثبت جوازه بقولك قصرت رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة فيكون قولك هذا حجة عليك في جواز الفسخ وردًا عليك نهيك عنه ولكن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ممن فسخ الحج في ذلك العام بل كان قارنًا (وقوله عند المروة) وكذا قوله فيما بعد (وهو على المروة) هذا التقييد غير موجود في صحيح البخاري زيد في رواية مسلم ورواية أبي داود والنسائي وهو يعين أن هذا التقصير كان في عمرة فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقصر في حجته بل حلق وكان حلقه بمنى لا بالمروة كما يأتي بيانه في باب تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير من هذا الكتاب ويذكر بعد هذا بباب أن عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة؛ عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة جعرانة حيث قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته، ولم يدرك معاوية إلا اثنتين منها وهما الأخيرتان فإنه من مسلمة الفتح، وفي الأخيرة منها لم يتحلل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نحر هديه بمنى كما مر فإن كان ذلك التقصير فلا جرم أنه كان في عمرة جعرانة نص عليه الشارح النووي، وأما ما جاء في بعض الروايات من قوله وذلك في حجته فمحمول على سهوه وكان قد جاوز الثمانين مع كثرة شواغله وكذا ما روي من زيادة قوله وذلك في أيام العشر فإن عمراته صلى الله عليه وسلم كانت كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته كما هو المصرح به في بابه من الصحيحين وكان قارنًا فيه، وقوله (بمشقص) تقدم أن المشقص سهم فيه نصل عريض، قال ملا علي: وقيل المراد به المقص وهو الأشبه في هذا المحل اهـ قوله (لا أعلم هذا إلا حجة عليك) يوضحه ما في رواية النسائي بدل هذا القول ونصه يقول ابن عباس وهذه حجة على معاوية أن ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نهيه وقوله هذا تناقض اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود النسائي اهـ من تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال:

(2902) - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ مُعَاويَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ قَال: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ. وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ. أَوْ رَأَيتُهُ يُقَصَّرُ عَنْهُ بِمِشْقَصٍ. وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2902 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان التميمي البصري (عن ابن جريج حدثني الحسن بن مسلم) بن يناق -بفتح التحتانية وتشديد النون آخره قاف- المكي، ثقة، من (5) (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره) أي أخبر لابن عباس رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد يماني وواحد بصري وواحد بغدادي وواحد شامي، غرضه بيان متابعة الحسن بن مسلم لهشام بن حجير في الرواية عن طاوس (قال) معاوية (قصرت عن) شعر رأس (رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص) أي بمقص (وهو) صلى الله عليه وسلم واقف (على المروة) بعد انتهاء سعيه (أو) قال معاوية، والشك من ابن عباس فيما قاله معاوية من اللفظين أو قال معاوية (رأيته) صلى الله عليه وسلم (يقصر) بالبناء للمجهول (عنه) صلى الله عليه وسلم رأسه (بمشقص وهو) صلى الله عليه وسلم جالس (على المروة). قال أبو عبيد: المشقص نصل السهم إن كان طويلًا غير عريض فهو مشقص وجمعه مشاقص وإن كان عريضًا فهو معبل وجمعه معابل اهـ مازري، قال القاضي عياض: وقال أبو حنيفة الدينوري: المشقص منصل عريض يرمى به الوحش، وقال الداودي: هي السكين ولا يصح قوله وإنما أخذه على المعنى، قال الأبي: وقيل هنا هو الجلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث معاوية وذكر فيه متابعةً واحدةً. ***

490 - (46) باب الصراخ بالحج أي رفع الصوت بتلبيته

490 - (46) باب: الصراخ بالحج أي رفع الصوت بتلبيته (2903) - (1216) (146) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 490 - (46) باب الصراخ بالحج أي رفع الصوت بتلبيته 2903 - (1216) (146) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب البصري (القواريري) ثقة، من (10) (حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي بالمهملة، أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري البصري ثقة، من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد الخدري (قال) أبو سعيد (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى مكة حالة كوننا (نصرخ بالحج) أي نرفع أصواتنا بتلبية الحج (صراخًا) أي رفعًا مقتصدًا بضم الصاد منصوب على المفعولية المطلقة مؤكد لعامله، ولعل الاقتصار على ذكر الحج لأنه الأصل والمقصود الأعظم لخروجهم أو لأنه المبدوء به ثم أدخل عليه العمرة، وقد يقال هذا حال الراوي ومن وافقه، وأما حاله صلى الله عليه وسلم فمسكوت عنه يعرف من محل آخر فلا ينافي ما سيأتي قاله ملا علي في المرقاة، قال النووي: فيه استحباب رفع الصوت بالتلبية وهو متفق عليه بشرط أن يكون رفعًا مقتصدًا بحيث لا يؤذي نفسه، والمرأة لا ترفع بل تسمع نفسها لأن صوتها محل فتنة، ورفع الرجل مندوب عند العلماء كافةً، وقال أهل الظاهر: هو واجب، ويرفع الرجل صوته بها في غير المساجد وفي مسجد مكة ومنى وعرفات، وأما سائر المساجد ففي رفعه فيها خلاف للعلماء وهو قولان للشافعي ومالك أصحهما استحباب الرفع كالمساجد الثلاثة، والثاني لا يرفع لئلا يهوش على الناس بخلاف المساجد الثلاثة لأنه محل للمناسك اهـ، وقال بعض العلماء: وجه عدم الرفع خوف أن يشهر نفسه في سائر المساجد، أما في المساجد الثلاثة فلا يخاف ذلك لأن كل من بها بتلك الصفة (فلما قدمنا مكة أمرنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر من لم يسق

أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً. إلا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْويةِ، وَرُحْنَا إِلَى مِنًى، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ. (2904) - (1217) (147) وحدّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا وُهَيبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما. قَالا: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الهدي (أن نجعلها) أي أن نجعل الحجة (عمرةً إلا من ساق الهدي) أي فجعلها من جعلها عمرةً ممن لم يسق الهدي بموجب أمره صلى الله عليه وسلم فتحللوا بتقصير رؤوسهم بعد طوافهم وسعيهم (فلما كان يوم التروية) وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (ورحنا إلى منى) أي أردنا الرواح والذهاب إلى منى فإن الإهلال قبل الرواح (أهللنا) أي أحرمنا (بالحج) وصاروا متمتعين. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد بحديث جابر مع ذكر المتابعة بالنظر إلى روايته عن أبي سعيد رضي الله عنهما فقال: 2904 - (1217) (147) (وحدثنا حجاج) بن يوسف الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي، ثقة، من (11) (حدثنا معلي بن أسد) العمي أبو الهيثم البصري، ثقة، من (10) (حدثنا وهيب بن خالد) بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (عن داود) بن أبي هند (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي، غرضه بالنسبة لرواية أبي سعيد بيان متابعة وهيب بن خالد لعبد الأعلى (قالا) أي قال جابر وأبو سعيد (قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) مكة (ونحن نصرخ) أي نرفع أصواتنا (بالحج) أي بتلبية الحج (صراخًا) أي رفعًا مقتصدًا، وحديث جابر هذا انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث أبي سعيد ذكره للاستدلال، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

491 - (47) باب الاختلاف في المتعتين

491 - (47) باب: الاختلاف في المتعتين (2905) - (1218) (148) حدّثني حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَة قَال: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. فَأَتَاهُ آتٍ فَقَال: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَينِ. فَقَال جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ. فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 491 - (47) باب الاختلاف في المتعتين 2905 - (1218) (148) (حدثني حامد بن عمر) بن حفص الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الثقفي الصحابي رضي الله عنه البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري، ثقة، من (8) (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري، ثقة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة البصري (قال) أبو نضرة (كنت عند جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله (فأتاه) أي فأتى جابرًا (آت) لم أر من ذكر اسمه (فقال) ذلك الآتي لجابر (إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في) جواز (المتعتين) قال الأبي: يعني متعة النساء ومتعة فسخ الحج إلى العمرة، وأما المتعة بالعمرة إلى الحج فقد عمل الصحابة بها كثيرًا، وتقدم الكلام عليه مبسوطًا، وأما متعة النساء فسيأتي البحث فيها في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى اهـ (فقال جابر فعلناهما) أي المتعتين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما) أي فما فعلناهما بعده أبدًا، قال العلامة السندي رحمه الله تعالى: هذا على حسب ما زعم جابر، وإلا فمتعة النساء مما يقتضي القرآن حرمته، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عنها أيضًا كيف وقد قال تعالى: {إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ} [المعارج: 30] فما أحل إلا الزوجة والمملوكة والموطوءَة بالمتعة ليست شيئًا منهما بالاتفاق فلا تحل لهذا النص، وأما متعة الحج فكان نهي عمر عنها اجتهادًا منه بناءً على زعمه أن الإتمام المأمور به في النص وهو قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله لا يحصل فيها لزعمه أن الإتمام يقتضي إتيانهما في سفرين لا بسفر واحد، وقد علم بالدلائل أن الحق خلافه والله تعالى أعلم اهـ. وهذا الحديث عما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر رضي الله عنه

492 - (48) باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم

492 - (48) باب: إهلال النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (2906) - (1219) (149) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ابنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنِي سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ (الأَصْغَرِ)، عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ " فَقَال: أهْلَلْتُ بِإِهْلالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. قَال: "لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ، لأحْلَلْتُ". (2907) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَنْدُ الصَّمَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 492 - (48) باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم 2906 - (1219) (149) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثني سليم) بفتح السين وكسر اللام مكبرًا (بن حيان) بمهملة وتحتانية الهذلي البصري، ثقة، (7) وليس في الصحيحين من اسمه سليم مكبرًا إلا هذا الثقة (عن مروان الأصفر) بالفاء، ويقال (الأصغر) بالغين المعجمة، ويقال هو مروان بن خاقان أبي خلف البصري، روى عن أنس في الحج، وأبي هريرة وابن عمر ومسروق بن الأجدع، ويروي عنه (خ م د ت) وسليم بن حيان وخالد الحذاء وشعبة وعوف الأعرابي وغيرهم، وثقه أبو داود، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن أنس رضي الله عنه) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا محمد بن حاتم (أن عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه (قدم من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت) يا علي (فقال) علي (أهللت بإهلال) كإهلال (النبي صلى الله عليه وسلم) أي أحرمت كإحرامه صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لولا أن معي الهدي لأحللت) من إحرامي وفسخت حجي إلى العمرة كما أمرت الناس به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الحج عن الحسن بن علي الخلال، والترمذي في الحج عن عبد الوارث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 2907 - (00) (00) (وحدثنيه حجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري،

ح وَحدَّثَنِي عَنْدُ اللهِ بْنُ هاشِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ قَالا: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. غَيرَ أَنَّ فِي رِوَايَة بَهْزٍ: "لَحَللْت". (2908) - (1220) (150) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنا هُشَيمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَنْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيب وَحُمَيدٍ؛ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسًا رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا "لَبَّيكَ عُمْرَةً وَحَجًّا. لَبَّيكَ عُمْرَةً وَحَجًّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (9) (ح وحدثني عبد الله بن هاشم) بن حيان العبدي النيسابوري، ثقة، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (قالا) أي قال كل من عبد الصمد وبهز بن أسد (حدثنا سليم بن حيان) البصري (بهذا الإسناد) يعني عن مروان عن أنس، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد الصمد وبهز لعبد الرحمن بن مهدي وساقا (مثله) أي مثل ما حدث عبد الرحمن عن سليم (غير أن في رواية بهز) بن أسد (لحللت) من حل الثلاثي بدل قوله في الرواية الأولى لأحللت من أحل الرباعي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 2908 - (1220) (150) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (وعبد العزيز بن صهيب) البناني مولاهم البصري، ثقة، من (4) (وحميد) بن أبي حميد الطويل البصري، ثقة، من (5) (أنهم) أي أن كلًّا من الثلاثة (سمعوا أنسًا) ابن مالك (رضي الله عنه) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أنس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما) أي بالحج والعمرة (جميعًا) قائلًا (لبيك عمرةً وحجًّا) النصب بفعل محذوف تقديره أريد أو نويت، وقال ابن الملك في آخر المبارق: منصوب بمقدر أي مريدًا عمرةً، أو بنزع الخافض أي بعمرة، ويؤيد الثاني الحديث الآتي اهـ من بعض الهوامش، وقوله (لبيك عمرةً وحجًّا) بالتكرار مرتين للتأكيد وهذا من أدلة كونه صلى الله عليه وسلم قارنًا، وقد أشبعنا الكلام عليه في باب بيان وجوه الإحرام بما يغني عن إعادته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في المناسك

(2909) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بن حُجْرٍ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَحُمَيدٍ الطَّويلِ. قَال يَحْيَى: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَبَّيكَ عُمْرَةً وَحَجًّا". وَقَال حُمَيدٌ: قَال أَنَسٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُول "لَبَّيكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أحمد بن حنبل، والنسائي أخرجه في المناسك عن مجاهد بن موسى اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 2909 - (00) (00) (وحدثنيه علي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي مولاهم البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي البصري، صدوق، من (5) (وحميد الطويل) من (5) (قال يحيى) بن أبي إسحاق (سمعت أنسًا يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرةً وحجًّا، وقال حميد قال أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بعمرة وحج) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل لهشيم بن بشير. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين كلاهما لأنس بن مالك الأول منهما للاستدلال، والثاني للاستشهاد وذكر في كل منهما متابعةً واحدةً ـــــــــــــــــــــــــــــ

493 - (49) باب إهلال عيسى ابن مريم - عليه السلام -

493 - (49) باب: إهلال عيسى ابن مريم - عليه السلام - (2910) - (1221) و (151) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنِي الزُّهْريُّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأَسْلَمِيِّ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 493 - (49) باب إهلال عيسى ابن مريم - عليه السلام - 2910 - (1221) (151) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان المكي، ثقة، من (10) (وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) ابن شداد الحرشي النسائي (جميعًا عن ابن عيينة قال سعيد حدثنا سفيان بن عيينة حدثني) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن حنظلة) بن علي بن الأسقع (الأسلمي) المدني، وثقة النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (قال) حنظلة (سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد إما مكي أو بغدادي أو نسائي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده) المقدسة (ليهلن) بفتح اللام الموطئة للقسم وضم الياء وكسر الهاء وتشديد نون التوكيد الثقيلة، من أهلَّ الرباعي أي أقسمت بالإله الذي نفسي بيده ليلبين عيسى (ابن مريم) - عليه السلام - (بفج الروحاء) أي في طريق الروحاء بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان، قال الأبي: والحديث نص في حياته - عليه السلام -، وفج الروحاء -بفتح الفاء وتشديد الجيم- قال عياض: موضع بين مكة والمدينة وهو مكان طريقه صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى مكة عام الفتح وفي حجة الوداع (قلت) قيل بعده من المدينة ستة أميال كبعد ذي الحليفة وليس بميقات كذا في شرح الأبي، حالة كونه (حاجًّا) أي مفردًا بالحج (أو معتمرًا) أي مفردًا بالعمرة (أو ليثنينهما) بفتح الياء وتشديد النون أي يقرن بينهما أي بين الحج والعمرة، قال الأبي: العطف بأو إن كان من الراوي فهو شك منه هل سمع معتمرًا أو مفردًا أو قارنًا؟ وإن كان من النبي صلى الله عليه وسلم فهو إبهام، وفائدة الحديث الإخبار بالمغيبات اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف.

(2911) - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. قَال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! ". (2912) - (00) (00) وحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الأَسْلَمِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! "، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2911 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني حنظلة عن أبي هريرة، وساق ليث (مثله) أي مثل حديث سفيان بن عيينة، غرضه بيان متابعة ليث لسفيان، ولكن (قال) ليث في روايته (والذي نفس محمد بيده). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2912 - (00) (00) (وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن حنظلة بن علي) بن الأسقع (الأسلمي) المدني (أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة وليث بن سعد (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده) وساق يونس (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث سفيان وليث بن سعد. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين، وفائدتهما بيان كثرة طرقه والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

494 - (50) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج مع بيان زمانهن وكم غزا

494 - (50) باب: كم اعتمر النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وكم حج مع بيان زمانهنّ وكم غزا (2913) - (1222) (152) حدَّثنا هَدَّابُ بن خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه أَخبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 494 - (50) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج مع بيان زمانهن وكم غزا 2913 - (1222) (152) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ويقال له هدبة، ثقة، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا قتادة أن أنسًا رضي الله عنه) وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أخبره) أي أخبر لقتادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر) بضم ففتح جمع عمرة كغرف في جمع غرفة، والعمرة بضم العين مع ضم الميم وإسكانها وبفتح العين وإسكان الميم في اللغة الزيارة، وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام، وقيل هي لغةً القصد إلى مكان عامر، ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر أنها واجبة كالحج مرة في العمر لقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله قال ابن عباس: إنها لقرينتها في كتاب الله أي الفريضة، وكان الأصل قرينته أي الحج. وأجيب بأن دلالة الاقتران ضعيفة وبأن المراد الإتمام بعد الشروع ولا نزاع فيه، وبأن الشعبي قرأ (والعمرة) بالرفع ففصل عطف العمرة على الحج بارتفع الإشكال، وأما حديث زيد بن ثابت مرفوعًا: "الحج والعمرة فريضتان" رواه الدارقطني والحاكم وقال: الصحيح عن زيد بن ثابت من قوله فضعيف، فيه إسماعيل ضعفوه، والمشهور عن المالكية أنها تطوع أو سنة مؤكدة وهو قول الحنفية لحديث الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا، وأن تعتمر فهو أفضل" أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، وانتقد بأن الحجاج ضعيف، وأجاب الكمال بن همام بأنه لا ينزل عن درجة الحسن وهو حجة اتفاقًا، وإن قال الدارقطني لا يحتج بالحجاج فقد اتفقت الروايات عن الترمذي على تحسين حديثه هذا، ولم ينفرد به فقد رواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر وله طريق

كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيبِيَةِ، أَوْ زَمَنَ الْحُدَيبيَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر عن جابر عند الطبراني في الصغير والدارقطني وضعفه يحيى بن أيوب، وله شاهد عن أبي هريرة مرفوعًا: "الحج جهاد والعمرة أطوع" أخرجه ابن قانع، قال ابن مسعود: الحج فريضة والعمرة تطوع. أخرجه ابن أبي شيبة اهـ ملخصًا كذا في المواهب وشرحه، وفي الدر المختار: والعمرة في العمر مرة سنة مؤكدة على المذهب، وصحح في الجوهرة وجوبها اهـ. قال في البحر: واختاره في البدائع وقال إنه مذهب أصحابنا، ومنهم من أطلق اسم السنة وهذا لا ينافي الوجوب اهـ، والظاهر من الرواية السنية فإن محمدًا نص على أن العمرة تطوع ومال إلى ذلك في الفتح، وقال بعد سوق الأدلة تعارض مقتضيات الوجوب والنفل فلا تثبت ويبقى مجرد فعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وذلك يوجب السنية فقلنا بها كذا في رد المحتار اهـ فتح الملهم (كلهن في ذي القعدة) لا خلاف في أربعية عمرته صلى الله عليه وسلم والخلاف المروي عن ابن عمر إنما هو في كون إحداهن في رجب، وأنكر ذلك عليه كما يأتي بيانه في الكتاب قريبًا، قال العلماء: وإنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العمر في ذي القعدة لفضيلة هذا الشهر ولمخالفة الجاهلية في ذلك فإنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور كما سبق، ففعله صلى الله عليه وسلم مرات في هذه الأشهر ليكون أبلغ في بيان جوازه فيه وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه- اهـ نووي (إلا التي مع حجته) أي انتهاءً وإلا فهي بالنظر إلى الابتداء كانت في ذي القعدة أي فإن أعمالها كانت في ذي الحجة وإن كان إحرامها قبل ذي الحجة، واستشكل قوله إلا التي مع حجته بأن الصواب حذفه لأنه عد التي مع حجته فكيف يستثنيها. وأجاب عياض بأن الرواية الصواب وكأنه قال في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرة في حجته أو المعنى كلهن في ذي العقدة إلا التي في حجته كانت في ذي الحجة، وقوله (عمرةً من الحدببية) بالنصب بدل من اسم العدد بدل تفصيل من مجمل فهو شروع في عد تلك الأربع، ويصح الرفع أي أولاهن هن عمرة الحديبية، وقوله (أو زمن الحديبية) شك بعض الرواة في هذا اللفظ الذي قاله وإن اتحد المعنى أي عمرة في زمن صدهم من الحديبية (في ذي القعدة) سنة ست من الهجرة، قال النووي: وصدوا فيها وتحللوا وحسبت لهم عمرة اهـ، قال علي القاري رحمه الله تعالى: ثم قول أنس من الحديبية، وقد ثبت كما في البخاري أنه أحرم بها من ذي

وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ حَيثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَينٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. (2914) - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. قَال: سَأَلْتُ أَنَسًا: كَمْ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحليفة محمول على أنه هم بالدخول محرمًا بها إلا أنه صلى الله عليه وسلم صد عنه وأحصر منه، ففي الجملة إطلاق العمرة عليها مع عدم أفعالها باعتبار النية المترتب عليها المثوبة، ثم الحديبية بئر بين حدة بالحاء المهملة ومكة تسمى الآن بئر شميس بالتصغير بينها وبين مكة ستة فراسخ كذا ذكره ابن حجر، والمعتمد ما قدمناه من أنه ثلاث فراسخ (وعمرة من العام المقبل) وهي العمرة التي سيأتي ذكرها أي من السنة التي تليها يعني (في ذي القعدة) لسنة سبع وهي العمرة المعروفة بعمرة القضية سميت بذلك لأنه اعتمرها في السنة الثانية على ما كان قاضاهم عليه أي صالحهم وذلك أنهم كانوا اشترطوا عليه أن لا يدخل عليهم في سنتهم تلك بل في السنة الثانية ولا يدخلها عليهم بشيء من السلاح إلا بالسيف وقرابة وأنه لا يمكث فيها أكثر من ثلاثة أيام على غير ذلك من الشروط المذكورة في كتب السير اهـ مفهم، وهذه ثانيتهن (وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة) وهي الثالثة، سنة ثمان وهي عام الفتح، والجعرانة -بكسر الجيم وسكون المهملة وخفة الراء وبكسر العين وشد الراء- قال القاري: وهي على ستة أميال من مكة أو تسعة أميال وهو الأصح (وعمرة مع حجته) وهي الرابعة أي مقرونة مع حجته وهي أيضًا باعتبار إحرامها كانت في ذي القعدة، وإن كان أعمالها في ذي الحجة في ضمن الحج قاله النواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1778] وأبو داود [1994] والترمذي [815]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 2914 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار البصري (حدثنا قتادة قال سألت أنسًا) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة ابن المثنى لهداب في رواية هذا الحديث عن همام ولكنها ناقصة بالنسبة إلى ابن المثنى (كم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعد الهجرة وأما قبلها فحج مرات كما مر بيانه في أوائل كتاب

حَجَّةً وَاحِدَةً. وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هَدَّابٍ. (2915) - (1223) (153) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا زُهَيرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَأَلْتُ زَيدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: سَبْعَ عَشْرَةَ. قَال: وَحَدَّثَنِي زَيدُ بْنُ أَرْقَمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ. وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الحج (قال) أنس حج (حجةً واحدةً) حجة الوداع (واعتمر أربع عمر، ثم ذكر) ابن المثنى (بمثل حديث هداب) لفظًا ومعنىً. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بالنسبة إلى الحج بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وذكر الغزوات فيه لتمام الحديث أو للاستطراد فقال: 2915 - (1223) (153) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي الأشيب، ثقة، من (9) (أخبرنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) (قال) أبو إسحاق (سألت زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي المدني ثم الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد بغدادي وواحد نسائي كم غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) زيد غزوت معه صلى الله عليه وسلم (سبع عشرة) غزوة يعني التي حضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبو إسحاق (وحدثني زيد بن أرقم) أيضًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة) غزوةً، قال الحافظ في الفتح: كذا قال ومراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه قاتل أو لم يقاتل، لكن روى أبو يعلى من طريق أبي الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون وإسناده صحيح، وأصله في مسلم فعلى هذا فقد فات زيد بن أرقم ذكر اثنتين منها ولعلهما الأبواء وبواط وكأن ذلك خفي عليه لصغره ويؤيد ما قلته ما وقع في مسلم بلفظ، قلت: ما أول غزوة غزاها؟ قال ذات العشير أو العشيرة اهـ، والعشيرة كما تقدم هي الثالثة (و) حدثني أيضًا (أنه) صلى الله عليه وسلم (حج بعد ما هاجر حجةً واحدةً

حَجَّةَ الْوَدَاعِ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ حجة الوداع قال أبو إسحاق و) حج والحال أنه (بمكة) حجة (أخرى) قال الحافظ: وغرض أبي إسحاق أن لقوله بعدما هاجر مفهومًا وأنه قبل أن يهاجر كان قد حج لكن اقتصاره على قوله أخرى قد يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة وليس كذلك بل حج قبل أن يهاجر مرارًا بل الذي لا أرتاب فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط اهـ، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1778] وأبو داود [1991 و 1992] والترمذي [936]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث زيد بن أرقم ذكره للاستشهاد وللاستطراد. ***

495 - (51) باب اعتماره صلى الله عليه وسلم في رجب

495 - (51) باب: اعتماره صلى اللَّه عليه وسلم في رجب (2916) - (1224) (154) وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ قَال: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ مُسْتَنِدَينِ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ. وَإِنَّا لَنَسْمَعُ ضَرْبَهَا بِالسِّوَاكِ تَسْتَنُّ. قَال: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ؟ قَال: نَعَمْ. فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَيْ أُمَّتَاهُ! ـــــــــــــــــــــــــــــ 495 - (51) باب اعتماره صلى الله عليه وسلم في رجب 2916 - (1224) (154) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي (البرساني) أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي (يخبر) نا (قال) عطاء (أخبرني عروة بن الزبير قال) قال عروة (كنت أنا وابن عمر مستندين) من داخل المسجد أي معتمدين بظهرنا (إلى) جدار (حجرة عائشة) رضي الله عنها (وإنا) أي والحال إنا (لنسمع ضربها) أي صوت إمرارها (بالسواك) على أسنانها حالة كونها (تستن) أي تستاك (قال) عروة (فقلت) لابن عمر (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر (أعتمر) بهمزة الاستفهام الاستخباري وحذف همزة الوصل نظير قوله تعالى أصطفى البنات على البنين أي هل اعتمر (النبي صلى الله عليه وسلم في) شهر (رجب قال) ابن عمر (نعم) أي اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب، قال عروة (فقلت لعائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان وواحد بصري وواحد بغددي (أي) بفتح الهمزة وسكون الياء حرف نداء لنداء القريب (أمتاه) بضم الهمزة وشد الميم المفتوحة فألف فهاء مضمومة؛ أي يا أمي وهذا لفظ مسلم، وفي البخاري: يا أماه، قال الحافظ: للأكثر بسكون الهاء، ولأبي ذر: يا أمه بسكون الهاء أيضًا بغير ألف، وهذا بالمعنى الأخص لأنها خالته والخالة بمنزلة الأم، وفي الرواية التالية يا أم المؤمنين، بالمعنى الأعم لأنها أم المؤمنين، وإعرابه أي حرف نداء لنداء القريب مبني على السكون (أمتاه) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفًا قبلها تاء مزيدة للتفخيم منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة المناسبة بالتاء لاستدعائها فتح ما قبلها، وتاء التأنيث حرف زائد للتفخيم مبني على الفتح

أَلا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَجَبٍ. فَقَالتْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. لَعَمْرِي! مَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ. وَمَا اعْتَمَرَ مِنْ عُمْرَةٍ إِلَّا وَإِنَّهُ لَمَعَهُ. قَال: وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ. فَمَا قَال: لَا, وَلَا نَعَمْ. سَكَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحركوها بالفتح لمناسبة الألف لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، أم مضاف وياء المتكلم المنقلبة ألفًا للتخفيف في محل الجر مضاف إليه مبني على السكون لشبهها بالحرف شبهًا وضعيًا، والهاء حرف زائد للسكت مبني على السكون المقدر وحركت هنا بالضم في رواية مسلم تشبيهًا لها بهاء الضمير اهـ من كتابنا هدية أولي الإنصاف في إعراب المنادى المضاف (ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن قالت) عائشة (وما يقول) أي وأي شيء يقول أبو عبد الرحمن، قال عروة (قلت) لها (يقول) أبو عبد الرحمن (اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب فقالت) عائشة (يغفر الله) سبحانه (لأبي عبد الرحمن) هفوته وزلَله، ذكرته بكنيته تعظيمًا له ودعت له إشارة إلى أنه نسي (لعمري) أي حياتي مذكور لي، قال النووي: هذا دليل على جواز قول الإنسان لعمري، وكرهه مالك لأنه من تعظيم غير الله تعالى ومضاهاته بالحلف بغيره تعالى اهـ، وتقدم الكلام عليه في أوائل كتاب الإيمان عند قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه إن صدق" وذكره لتأكيد الكلام (ما اعتمر في رجب وما اعتمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما فعل (من عمرة إلا وإنه) أي وإن ابن عمر (لمعه) أي لكائن معه صلى الله عليه وسلم أي ما اعتمر في حال من الأحوال إلا والحال أن ابن عمر معه أي إلا وإن ابن عمر حاضر معه وهو شاهده قالت ذلك مبالغةً في نسبته إلى النسيان اهـ، وهذا تعجب منها من عدم تذكره ذلك مع حضوره في كل عمراته صلى الله عليه وسلم (قال) عروة (وابن عمر يسمع) قول عائشة (فما قال) ابن عمر لعائشة في جوابها (لا) منكرًا لها (ولا نعم) أي مقرًا بما قالت بل (سكت) عن إنكار ما قالت والإقرار به وهذا تصريح بما علم مما قبله، وسكوته يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك، وبهذا أجيب عما استشكل من تقديم قول عائشة النافي على قول ابن عمر المثبت وهو خلاف القاعدة المقررة، قال الحافظ رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير

(2917) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. قَال: دَخَلْتُ, أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ, الْمَسْجِدَ. فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ. وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ. فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاتِهِمْ؟ فَقَال: بِدْعَةٌ. فَقَال لَهُ عُرْوَةُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال: أَرْبَعَ عُمَرٍ. إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ معصوم، وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المتابعة فيه فقال: 2917 - (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (عن مجاهد) بن جبر المكي. وهذا السند من سداسياته أيضًا، غرضه بيان متابعة مجاهد لعطاء (قال) مجاهد (دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد) النبوي (فإذا عبد الله بن عمر جالس) في المسجد مستندًا ظهره (إلى) جدار (حجرة عائشة) وبيتها (والناس يصلون) صلاة (الضحى في المسجد) النبوي مجتمعين لها (فسألناه) أي فسألنا ابن عمر (عن صلاتهم) الضحى مجتمعين لها هل فعلهم هذا سنة أم لا؟ (فقال) ابن عمر هذه الهيئة (بدعة) أي محدثة، حمله القاضي عياض وغيره على أن مراده أن إظهارها في المسجد والاجتماع لها هو البدعة لا أن أصل صلاة الضحى بدعة (فقال له عروة) أي لابن عمر (يا أبا عبد الرحمن كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) ابن عمر اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أربع عمر) بالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف (إحداهن) أي إحدى تلك الأربع كائنة (في) شهر (رجب) قال الحافظ: كذا وقع في رواية منصور عن مجاهد، وخالفه أبو إسحاق فرواه عن مجاهد عن ابن عمر قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فبلغ ذلك عائشة فقالت: اعتمر أربع عمر. أخرجه أحمد وأبو داود فاختلفا، جعل منصور الاختلاف في شهر العمرة وأبو إسحاق الاختلاف في عدد الاعتمار، ويمكن تعدد السؤال بأن يكون ابن عمر سئل أولًا عن العدد فأجاب فردت عليه عائشة فرجع إليها فسئل مرة ثانيةً فأجاب بموافقتها ثم سئل عن الشهر فأجاب

فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ وَنَرُدَّ عَلَيهِ. وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ فِي الْحُجْرَةِ. فَقَال عُرْوَةُ: أَلا تَسْمَعِينَ, يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! إِلَى مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالتْ: وَمَا يَقُولُ؟ قَال: يَقُولُ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. فَقَالتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ مَعَهُ. وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بما في ظنه، وقد أخرج أحمد من طريق الأعمش عن مجاهد قال سأل عروة بن الزبير بن عمر في أي شهر اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: في رجب اهـ فتح الملهم، قال عروة (فكرهنا أن نكذبه ونرد عليه) قال الزرقاني: وهذا يدل على أن عندهم علمًا فسؤالهم امتحان، ففيه جواز الامتحان لكنه مذهب صحابي وفي الاحتجاج به خلاف، وكان مالك إذا عرف أنه سؤال امتحان لا يجيب ولا يحتج له بحديث "أخبروني بشجرة لا يسقط ورقها" لأن ذلك من الشارع تعليم لما اشتمل عليه من الأحكام، وترجم عليه أبو نعيم باب إلقاء العالم المسألة على طلبته ليختبر أذهانهم قاله أبو عبد الله الأبي لكن في قوله مذهب صحابي نظر إذ هو كما رأيته إنما فعله عروة ومجاهد وهما تابعيان اتفاقًا فلا حجة فيه بلا خلاف. (وسمعنا استنان عائشة) أي صوت استياكها (في الحجرة فقال عروة ألا تسمعين يا أم المؤمنين إلى ما يقول أبو عبد الرحمن فقالت) عائشة (وما يقول) أبو عبد الرحمن (قال) عروة (يقول) أبو عبد الرحمن (اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أوبع عمر إحداهن في رجب، فقالت) عائشة (يرحم الله أبا عبد الرحمن) بالمسامحة له عن زلته وخطئه والله (ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قط في حال من الأحوال (إلا وهو معه) أي إلا في حال حضور ابن عمر معه (وما اعتمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) شهر (رجب قط) أي في مدة عمره، وما أسرع إليه النسيان حيث قال إحداهن في رجب فلم تنكر عليه إلا قوله إحداهن في رجب، قال القرطبي: عدم إنكار ابن عمر على عائشة يدل على أنه كان على وهم وأنه رجع لقولها، وقد تعسف من قال إن ابن عمر أراد بقوله اعتمر في رجب عمرةً قبل هجرته لأنه وإن كان محتملًا لكن قول عائشة ما اعتمر في رجب يلزم منه عدم مطابقة ردها عليه لكلامه ولا سيما وقد بينت الأربع وأنها لو كانت قبل الهجرة فما الذي كان يمنعه أن يفصح بمراده فيرجع الإشكال، وأيضأ فإن قول هذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القائل لأن قريشًا كانوا يعتمرون في رجب يحتاج إلى نقل، وعلى تقديره فمن أين له أنه صلى الله عليه وسلم وافقهم وهب أنه وافقهم فكيف اقتصر على مرة كذا في الفتح. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

496 - (52) باب فضل العمرة في رمضان

496 - (52) باب: فضل العمرة في رمضان (2918) - (1225) (155) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُنَا. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ (سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا): "مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ " قَالتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ. فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 496 - (52) باب فضل العمرة في رمضان 2918 - (1225) (155) (وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (عن ابن جريج) الأموي المكي (قال) ابن جريج (أخبرني عطاء) بن أبي رباح المكي (قال سمعت ابن عباس يحدثنا) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد بغدادي (قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار) قال عطاء (سماها) أي ذكر اسمها (ابن عباس فنسيت اسمها) قال الحافظ: القائل نسيت اسمها ابن جريج بخلاف ما يتبادر إلى الذهن من أن القائل عطاء، وإنما قلت ذلك لأن المؤلف أخرج الحديث بعد ذلك من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها بأم سنان، ويحتمل أن عطاء كان ناسيًا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكرًا له لما حدث به حبيبًا، وقد خالفه يعقوب بن عطاء فرواه عن أبيه عن ابن عباس قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: حج أبو طلحة وابنه وتركاني، فقال: "يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجةً معي" أخرجه ابن حبان وتابعه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وتابعهما معقل الجزري لكن خالف في الإسناد، قال عن عطاء عن أم سليم فذكر الحديث دون القصة فهؤلاء ثلاثة يبعد أن يتفقوا على الخطإ فلعل حبيبًا لم يحفظ اسمها كما ينبغي، ثم قال الحافظ بعد كلام: ولا معدل عن تفسير المبهمة في حديث ابن عباس بأنها أم سنان أو أم سليم اهـ ما قاله الحافظ أي قال للمرأة (ما منعك) وعاقك (أن تحجي معنا) في هذا العام يعني حجة الوداع (قالت) المرأة مجيبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم (لم يكن لنا) معاشِرَ بيتِنا (إلا ناضحان) أي بعيران نستقي بهما (فحج أبو ولدها) تعني زوجها كما في الطريق التالية ففيه العدول عن

وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ. وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيهِ. قَال: "فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي. فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ التكلم إلى الغيبة وإضافة الولد والابن إلى ضمير المرأة مشعرة بأنه ولدها الصدري، والمفهوم من الطريق التالي أنه ربيبها فلينظر (وابنها) قال الحافظ: إن كانت هي أم سنان فيحتمل أن يكون اسم ابنها سنانًا وإن كانت هي أم سليم فلم يكن له يومئذ ابن يمكن أن يحج سوى أنس وعلى هذا نسبته إلى أبي طلحة بكونه ابنه مجازًا (على ناضح) بضاد معجمة ثم مهملة؛ أي على بعير، قال ابن بطال: الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه لكن المراد به هنا البعير لتصريحه في رواية بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في رواية أبي داود بكونه جملًا أي ذهبا للحج راكبين على بعير واحد (وترك لنا) أبو ولدي (ناضحًا ننضح) بكسر الضاد أي نستقي (عليه) الماء فلم يمكن لي الحج معك يا رسول الله بعلة ذلك فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا جاء رمضان) أي دخل (فاعتمري) فيه (فإن عمرةً) كائنةً (فيه) أي في رمضان (تعدل) أي تساوي (حجةً) أي في الأجر والثواب لا في النيابة عن الفرض قاله القاضي، وقال ملا علي: أي تعادل وتماثل في الثواب، وفي بعض الروايات (حجةً معي) وهو مبالغة في إلحاق الناقص بالكامل ترغيبًا، وفيه دلالة على أن فضيلة العبادة تزيد بفضيلة الوقت فيشمل يومه وليله، أو بزيادة المشقة فيختص بنهاره اهـ من بعض الهوامش، قال الحافظ رحمه الله تعالى: والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض، ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء إن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقال ابن العربي في حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها، وقال ابن الجزري: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد، وقال غيره: يحتمل أن يكون مراد عمرة فريضة في رمضان كحجة فريضة وعمرة نافلة في رمضان كحجة نافلة، وقال ابن التين: قوله كحجة يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بهذه المرأة، والظاهر حمله على العموم.

(2919) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ) حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ, عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ, يُقَالُ لَهَا أُمُّ سِنَانٍ: "مَا مَنَعَكِ أَنْ تَكُونِي حَجَجْتِ مَعَنَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ [تنبيه]: لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم، وقد ثبت فضل العمرة في رمضان بحديث الباب فأيهما أفضل؟ الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل، وأما في حقه فما صنعه هو أفضل لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه فأراد الرد عليهم بالقول والفعل وهو لو كان مكروهًا لغيره لكان في حقه أفضل والله أعلم، وقال صاحب الهدي: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة وخشي من المشقة على أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة في الجمع بين العمرة والصوم، وقد يترك العمل وهو يحب أن يعمله. خشية أن يفرض على أمته وخوفًا من المشقة عليهم كذا في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 229] والبخاري [1782] وأبو داود [1990] والنسائي [4/ 130 - 131] وابن ماجه [2993]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2919 - (00) (00) (وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) مصغرًا التميمي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا حبيب المعلم) بن أبي قريبة -بفتح القاف- أبو محمد البصري، واختلف في اسم أبيه فقيل زائدة، وقيل زيد صدوق، من (6) (عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حبيب المعلم لابن جريج (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان ما منعك) يا أم سنان (أن تكوني حججت معنا) قاله لها صلى الله عليه وسلم كما في أسد الغابة لما لقيها حين رجع من حجة الوداع، قال القرطبي: كان هذا منه بعد رجوعه من حجته وكان هذا السؤال منه لينبه على المانع إذ كان قد أذن في الناس بالحج أذانًا يعم الرجال والنساء، وأيضأ فإنه قد كان حج بأزواجه فأخبرته بما اقتضى تعذر ذلك

قَالتْ: نَاضِحَانِ كَانَا لأَبِي فُلانٍ (زَوْجِهَا) حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَكَانَ الآخَرُ يَسْقِي عَلَيهِ غُلامُنَا. قَال: "فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً. أَوْ حَجَّةً مَعِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ من أنها لم تكن لها راحلة فلما تحقق عذرها وعلم أنها متحسرة لما فاتها من ثواب الحج معه حضها على العمرة في رمضان وأخبرها أنها تعدل لها حجة معه ووجه ذلك أنها لما صحت نيتها في الحج معه جعل ثواب ذلك في العمرة في رمضان جبرًا لما فيها ومجازاة بنيتها، فإن قيل فيلزم من هذا أن يكون ذلك الثواب خاصًّا بتلك المرأة، قلنا: لا يلزم ذلك لأن من يساويها في تلك النية والحال ويعتمر في رمضان كان له مثل ذلك الثواب والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (قالت) تلك الأنصارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله (ناضحان) مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بجملة قوله (كانا لأبي فلان) وقوله (زوجها) بالجر عطف بيان لأبي فلان أدرجه الراوي وما بعده كلامها، وجملة قوله (حج هو وابنه على أحدهما) أي على أحد الناضحين خبر المبتدإ؛ أي فلم يبق لي محل الرديف حتى أصبح معه (وكان الأخر) أي ثاني الناضحين (يسقي عليه غلامنا) وفيه حذف المفعول وهو ما جاء في بعض الروايات نخلًا لنا تعني أن غلامنا يسقي على الناضح الثاني نخلنا وليس لنا ثالث حتى أحج عليه، وقال القاضي عياض: والذي يسمى من الإبل ناضحًا هو ما كان يسقى عليه الماء لأنه ينضحه أي يصبه اهـ، قال القرطبي: قوله (يسقي عليه غلامنا) كذا رواه ابن ماهان وغيره وسقط للعذري والفارسي لفظة (عليه) قال القاضي أبو الفضل: وأرى هذا كله تغييرًا، وإن صوابه (نسقي عليه نخلًا لنا) فتصحف منه غلامنا، وكذا جاء في البخاري (نسقي عليه نخلًا) اهـ مفهم (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فعمرة في رمضان) أي فاعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان (تقضي) أي تعدل وتساوي في الأجر (حجةً أو) قال الراوي (حجةً معي) وهذا شك من بعض الرواة، ولهذه الزيادة التي رواها على الشك أعني قوله (معي) شاهد عند الطبراني والبزار من حديث أبي طليق في قصة له ولامرأته، وفيه قلت: فما يعدل الحج معك؟ قال: "عمرة في رمضان " قال الهيثمي: رجال البزار رجال الصحيح وأيضًا قد تقدم فيما نقلناه من كلام الحافظ قريبًا ذكر حديث ابن عباس في قصة أم سليم، وفيه: "يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة معي" أخرجه ابن حبان، قال القرطبي: وإنما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عظم أجر العمرة في رمضان لحرمة الشهر ولشدة النصب والمشقة اللاحقة من عمل العمرة في الصوم، وقد أشار إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة، وقد أمرها بالعمرة (إنها على قدر نصبك أو قال نفقتك) أخرجه مسلم [1211/ 126]. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث ابن عباس رضي الله عنهما وذكر فيه متابعةً واحدةً. ***

497 - (53) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة ومن أين خرج منهما

497 - (53) باب: من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة ومن أين خرج منهما (2920) - (1226) (156) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ, وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ. وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ, دَخَلَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا, ـــــــــــــــــــــــــــــ 497 - (53) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة ومن أين خرج منهما 2920 - (1226) (156) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج) من المدينة إلى مكة (من طريق الشجرة) التي عند مسجد ذي الحليفة قاله القسطلاني، قال المنذري: هي على ستة أميال من المدينة، وعند البكري: هي من البقيع، وقال عياض: هي موضع معروف على طريق من أراد الذهاب من المدينة إلى مكة، كان صلى الله عليه وسلم يخرج منها إلى ذي الحليفة فيبيت بها وإذا رجع بات بها أيضًا اهـ فتح الملهم (ويدخل) المدينة إذا رجع (من طريق المعرس) -بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين- قال النواوي: بعد الضبط الذي تراه موضع معروف بقرب المدينة على ستة أميال منها اهـ، وقال العيني: وهو أسفل من مسجد ذي الحليفة، وقال الحافظ: وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة، لكن المعرس أقرب والله أعلم اهـ مأخوذ من التعريس وهو النزول آخر الليل اهـ أبي (وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا) بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف، وكل عقبة في جبل أو طريق عال فيه تسمى ثنية، والثنية العليا هنا هي التي ينزل منها إلى المعلاة وهي مقبرة مكة المكرمة، وهذه الثنية كانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي ثم سهل منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة اهـ من

وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. (2921) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ القسطلاني (و) إذا خرج من مكة (يخرج) منها (من) طريق (الثنية السفلى) وهي التي بأسفل مكة عند باب الشبيكة، وكان بناء هذا الباب عليه في القرن السابع اهـ قسطلاني، قيل إنما فعل صلى الله عليه وسلم هذه المخالفة في الطريق داخلًا وخارجًا للفأل بتغيير الحال إلى أكمل منه كما فعل في العيد وليشهد له الطريقان وليتبرك به أهلهما اهـ ملا علي، وقيل الحكمة في الدخول من العليا والخروج من السفلى أن نداء أبينا إبراهيم عليه السلام كان من جهة العلو، وأيضًا فالعلو يناسب المكان العالي الذي قصده، والسفلى تناسب المكان الذي يذهب إليه، وقيل إن من جاء من هذه الجهة كان مستقبلًا للبيت، وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم لما خرج من العليا أراد أن يدخلها ظاهرًا، وقيل ليتبرك به كل من في الطريقين ويدعو لهم، وقيل ليغيظ المنافقين بظهور الدين وعز الإسلام، وقيل ليرى السعة في ذلك، وقيل فعله تفاؤلًا بتغير الحال إلى أكمل منه كما فعل في العيد وليشهد له الطريقان كذا في عمدة القاري، وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل من العليا كذا في الفتح، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك والسبب في ذلك قول أبي سفيان بن حرب للعباس: لا أسلم حتى أرى الخيل تطلع من كداء، فقلت: ما هذا؟ قال: شيء طلع بقلبي والله لا يطلع الخيل هناك أبدًا، قال العباس: فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل. وللبيهقي من حديث ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "كيف" قال حسان؟ فأنشده: عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع مطلعها كداء فتبسم وقال: "أدخلوها من حيث قال حسان" اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1575] وأبو داود [1866] والنسائي [5/ 200] وابن ماجه [2940]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2921 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى) بن

(وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ: الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ. (2922) - (1227) (157) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ, دَخَلَهَا مِنْ أَعْلاهَا, وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا. (2923) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر العمري (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى لعبد الله بن نمير (و) لكن (قال) ابن عمر (في رواية زهير) بن حرب دخل من الثنية (العليا التي بالبطحاء) بزيادة وصف العليا بالموصول، قال النووي: هي بالمد ويقال لها البطحاء، والأبطح وهي بجنب المحصب، وهذه الثنية ينحدر منها إلى مقابر مكة اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 2922 - (1227) (157) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن) سفيان (بن عيينة) الكوفي (قال ابن المثنى حدثنا سفيان) بن عيينة بصيغة السماع (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد إما بصري أو مكي (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة) عام الفتح سنة ثمان (دخلها من أعلاها) تعني من الثنية العليا (و) لما خرج (خرج من أسفلها) أي من أسفل مكة تعني من الثنية السفلى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1578] وأبو داود [1868] والترمذي [358]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 2923 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا

أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ. قَال هِشَامٌ: فَكَانَ أَبِي يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيهِمَا. وَكَانَ أَبِي أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لسفيان بن عيينة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل) مكة المكرمة (عام الفتح) سنة ثمان (من كداء) بفتح الكاف وبالمد، وقوله (من أعلى مكة) بدل من كداء بإعادة الجار، قال النواوي: هكذا ضبطناه بفتح الكاف والمد وهكذا هو في نسخ بلادنا، وكذا نقله القاضي عياض من رواية الجمهور قال: وضبطه السمرقندي بفتح الكاف والقصر اهـ، قال الحافظ: قال عياض والقرطبي وغيرهما: اختلف في ضبط كداء وكدى فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد والسفلى بالضم والقصر، وقيل بالعكس، قال النواوي: وهو غلط. (قال هشام) بن عروة (فكان أبي) عروة بن الزبير (يدخل منهما كليهما) يعني من كداء وهي الثنية التي بأعلى مكة وهي بفتح الكاف والمد والتنوين كذا في شروح البخاري وقال الفيومي: إنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث اهـ، لكن التأنيث ليس بلازم له لكونه اسم موضع، ومن كدى بضم الكاف والقصر وهي التي بأسفل مكة أفاده النواوي فمرجع الضمير الثنيتان العليا والسفلى بمعونة المقام وعبارة البخاري واضحة وهي من كليهما من كداء وكدى (وكان أبي) عروة (أكثر ما يدخل من كداء) بالفتح والمد أي وكان أكثر دخول أبي من الثنية العالية، وفي صحيح البخاري زيادة وكانت أقربهما إلى منزله فهو اعتذار من هشام لأبيه عروة في إكثار دخوله منها لكونه روى الحديث وخالفه لأنه رأى أن ذلك ليس بحتم لازم وكان ربما فعله وكثيرًا ما يفعل غيره بقصد التيسير اهـ، قال النووي: وأما كدي بضم الكاف وتشديد الياء فهو في طريق الخارج إلى اليمن وليس من هذين الطريقين في شيء هذا قول الجمهور والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعةً واحدةً، والله سبحانه وتعالى أعلم.

498 - (54) باب استحباب المبيت بذي طوى والاغتسال فيه قبل دخول مكة ودخولها نهارا وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك

498 - (54) باب: استحباب المبيت بذي طوى والاغتسال فيه قبل دخول مكة ودخولها نهارًا وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك (2924) - (1228) (158) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُبَيدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَاتَ بِذِي طَوًى حَتَّى أَصْبَحَ. ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 498 - (54) باب استحباب المبيت بذي طوى والاغتسال فيه قبل دخول مكة ودخولها نهارًا وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك 2924 - (1228) (158) (حدثني زهير بن حرب وعببد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة مأمون سني، من (10) (قالا حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان) ثقة إمام، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد بصري وواحد إما نسائي أو نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات) عام حجة الوداع قبل دخوله مكة (بذي طوى) أي بموضع فيه بئر مطوية، واستمر فيه (حتى أصبح) أي حتى يصلي الصبح كما هو مذكور في بعض الروايات، و (طوى) بفتح الطاء وضمها وكسرها والفتح أفصح وأشهر ثم الضم أكثر وعليه جمهور القراء ويصرف ولا يصرف موضع بمكة داخل الحرم، وقيل اسم بئر عند مكة في طريق أهل المدينة كذا في المرقاة، قال الحافظ: ويعرف اليوم ببئر الزاهر اهـ (ثم) بعد صلاته الصبح (دخل مكة) نهارًا، قال ابن الملك: الأفضل أن يدخلها نهارًا ليرى البيت من بعد اهـ، وقيل ليسلم عن الحراسية بمكة والأظهر أنه كان ينزل للاستراحة والاغتسال والنظافة كذا في المرقاة، وقال الدهلوي: وذلك ليكون دخول مكة في حال اطمئنان القلب دون التعب ليتمكن من استشعار جلال الله وعظمته، وأيضًا ليكون طوافه بالبيت على أعين الناس فإنه أنوه بطاعة الله، وأيضًا فكان صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلمهم سنة المناسك فأمهلهم حتى يجتمعوا له جامين متهيئين اهـ قال الحافظ: وأما الدخول ليلًا فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلًا فقضى عمل العمرة ثم رجع

قَال: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعِيدٍ: حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ. قَال يَحْيَى: أَوْ قَال: حَتَّى أَصْبَحَ. (2925) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طَوًى. حَتَّى يُصْبِحَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليلًا فأصبح بالجعرانة كبائت بها كما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث محرش الكعبي فترجم له النسائي بباب دخول مكة ليلًا، وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهارًا ويخرجوا منها ليلًا، وأخرج عن عطاء: إن شئتم فادخلوا ليلًا إنكم لستم كرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إمامًا فأحب أن يدخلها نهارًا ليراه الناس اهـ وقضية هذا أن من كان إمامًا يقتدى به يستحب له أن يدخلها نهارًا اهـ فتح الملهم، قال القرطبي: ولا خلاف في أن المبيت بذي طوى ودخول مكة نهارًا ليس من المناسك لكن إن فعل ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وتتبعًا لمواضعه كان له في ذلك ثواب كثير وخير جزيل، وقد تقدم الكلام على أفعال الحج وأحكامها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 87] والبخاري [484]. (قال) نافع (وكان عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما (يفعل ذلك) المذكور من المبيت بذي طوى وصلاة الصبح فيه ودخول مكة نهارًا اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس في شيء من المناسك كما مر عن القرطبي آنفًا (وفي رواية) عبيد الله (بن سعيد) بات بذي طوى (حتى صلى الصبح) فيه وفي روايته أيضًا (قال يحيى) القطان (أو قال) عبيد الله بن عمر (حتى أصبح) بذي طوى والشك في رواية ابن سعيد لا في رواية زهير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2925 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود (الزهراني) البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (عن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر (كان لا يقدم) أي لا يدخل (مكة) المكرمة زادها الله شرفًا (إلا بات بذي طوى حتى يصبح) هناك أي يدخل في الصباح

وَيَغْتَسِلَ. ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا. وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَهُ. (2926) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنِي أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عمر حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طَوًى. وَيَبِيتُ بِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ. حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ. وَمُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. لَيسَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ. وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويغتسل) لدخول مكة (ثم) بعد إصباحه واغتساله (يدخل مكة نهارًا وبدكر) عبد الله بن عمر أي يروي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم كان قد (فعله) أي قد فعل ذلك المذكور من المبيت بذي طوى، والاغتسال فيه، ودخول مكة نهارًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2926 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي (المسيبي) نسبة إلى جده المسيب بن السائب أبو عبد الله المدني، ثقة، من (10) (حدثني أنس يعني ابن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (عن نافع أن عبد الله بن عمر حدثه) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا ابن عمر فإنه مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى) أي بالزاهر قبل دخول مكة (ويبيت به) أي بذي طوى ويستمر فيه (حتى يصلي الصبح) والظرف في قوله (حين يقدم مكة) متعلق بكان أي حين أراد قدوم مكة ودخولها ينزل بذي طوى (ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) أي مكان صلاته صلى الله عليه وسلم بذي طوى كائن (على أكمة) أي على تل (غليظة) أي ضخمة غير رقيقة، والأكمة بفتحات تل أو ما دون الجبل أو موضع أشد ارتفاعًا مما حوله، وقال القرطبي: والأكمة الكوم الغليظ الضخم اهـ (ليس) مصلى النبي صلى الله عليه وسلم (في المسجد الذي بني ثم) أي هناك وهو بفتح الثاء المثلثة إشارة إلى موضع مخصوص معروف، وهو مبني على الفتح يوقف عليه بالهاء فيقال ثمه (ولكن) مصلى النبي صلى الله عليه وسلم كائن (أسفل من ذلك)

عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. (2927) - (1229) (159) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنِي أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ, عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَي الْجَبَلِ الَّذِي بَينَهُ وَبَينَ الْجَبَلِ الطَّويلِ, نَحْوَ الْكَعْبَةِ. يَجْعَلُ الْمَسْجِدَ, الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ, يَسَارَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِطَرَفِ الأَكَمَةِ. وَمُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ. يَدَعُ مِنَ الأَكَمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد الذي بني ثم كائن (على أكمة غليظة) أي ضخمة كبيرة. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [491] فقط. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2927 - (1229) (159) (حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي) المدني (حدثني أنس يعني ابن عياض) الليثي المدني (عن موسى بن عقبة) الأسدي المدني (عن نافع أن عبد الله) بن عمر (أخبره) وهذا السند نفس السند الذي قبله فلا غبار عليه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين صلى بذي طوى (استقبل فرضتي الجبل) أي ثنيتي الجبل (الذي) كان (بينه) صلى الله عليه وسلم (وبين الجبل الطويل) الذي كان (نحو الكعبة) أي قرب الكعبة وناحيتها، قال القرطبي: (وفرضتا الجبل) موضعان منخفضان منه وكأنهما نقبان أو طريقان، وفي النهاية فرضة الجبل ما انحدر من وسطه وجانبه اهـ، وفي الفتح: والفرضتان تثنية فرضة، والفرضة بضم الفاء وسكون الراء بعدها ضاد معجمة مدخل الطريق إلى الجبل، وقيل الشق المرتفع كالشرافة، ويقال أيضًا لمدخل النهر اهـ، وفي القرطبي: والفرضة الحز الذي يدخل فيه الوتر، وأصل الفرض القطع اهـ (يجعل) صلى الله عليه وسلم في صلاته (المسجد الذي بني ثم) أي هناك (يسار) مفعول ثان ليجعل أي يجعل المسجد الذي بني هناك على يسار (المسجد الذي) بني (بطرف الأكمة ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان (أسفل منه) أي من المسجد الذي بني ثم كان مصلاه (على الأكمة السوداء يدع) أي يترك صلى الله عليه وسلم (من الأكمة)

عَشْرَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا. ثُمَّ يُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَينِ مِنَ الْجَبَلِ الطَّويلِ. الَّذِي بَينَكَ وَبَينَ الْكَعْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السوداء (عشرة أذرع) أي قدرها (أو نحوها) أي أو يدع قدرًا قريبًا من عشرة أذرع، قال النواوي: هكذا هو في أكثر النسخ (عشرة) بالتاء، وفي بعضها (عشر) بحذف الهاء وهما لغتان في الذراع التذكير والتأنيث وهو الأفصح الأشهر اهـ (ثم) بعد ما ودع القدر المذكور من الأكمة (يصلي مستقبل الفرضتين) أي الطريقين (من الجبل الطويل الذي) كان (بينك) أيها المخاطب (وبين الكعبة) قال القرطبي: وهذا التحديد والتحقيق الذي صدر من ابن عمر في تعيين مواضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يدل على شدة اعتنائه واهتمامه باتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة على الصلاة فيها لما في ذلك من الخير العظيم والأجر الجزيل اهـ من المفهم، وقد شرحنا هذا الحديث بالتصاوير المرقمة والخطوط المنظمة في شرحنا النهر الجاري على صحيح البخاري نقلًا عن أفواه مشايخنا بما لا مزيد عليه فراجعه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 87] والبخاري [492]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان كلاهما لابن عمر الأول للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

499 - (55) باب استحباب الرمل في طواف العمرة وفي الطواف الذي يعقبه سعي في الحج

499 - (55) باب: استحباب الرمل في طواف العمرة وفي الطواف الذي يعقبه سعي في الحج (2928) - (1230) (160) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ, خَبَّ ثَلاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا. وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 499 - (55) باب استحباب الرمل في طواف العمرة وفي الطواف الذي يعقبه سعي في الحج 2928 - (1230) (160) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف) أي إذا أراد الطواف (بالبيت الطواف الأول) أي الطواف الذي يقع أول ما قدم سواء كان للعمرة أو للقدوم في الحج لكن بشرط أن يسعى بعده فإن أراد تأخير السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة أخر الرمل إلى طواف الإفاضة، وفي شرح الأبي: ولا يخاطب بالرمل النساء، قال القرطبي: لمشقته عليهن ولأنه يظهر منهن ما يجب ستره من الأرداف والنهود اهـ (خب) أي أسرع في مشيه، والخب -بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة- الرمل وهما بمعنى واحد؛ وهو إسراع المشي مع تقارب الخطا ولا يثب وثوبًا اهـ نواوي (ثلاثًا) من الأشواط السبعة أي مشى بسرعة مع تقارب الخطا وهز كتفيه في الثلاث الأول فقط من الحجر إلى الحجر (ومشى) على عادته (أربعًا) أي في الأربعة الأخيرة من الأشواط السبعة (وكان يسعى) ويعدو (ببطن المسيل) أي في المكان الذي يجتمع فيه السيل المعلم بالأميال الخضر (إذا طاف) وسعى (بين الصفا والمروة وكان ابن عمر يفعل ذلك) العمل الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم في طوافه وسعيه اقتداء به صلى الله عليه وسلم، وقوله (خب) الخ أي رمل في الثلاث الأول، وهذا عندنا في كل طواف بعده سعي وإلا فلا كالاضطباع كما في البدائع ولو تركه أو نسيه ولو في الثلاثة لم يرمل

(2929) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ, عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ في الباقي لأن ترك الرمل في الأربعة سنة فلو رمل فيها كان تاركًا للسنتين وترك إحداهما أسهل، ولو رمل في الكل لا يلزمه شيء، وينبغي أن يكره تنزيهًا لمخالفة السنة كما في البحر، ولو زحمه الناس فإن كانت الزحمة قبل الشروع وقف وإن حصلت في الأثناء فلا يقف لئلا تفوت الموالاة بل يمشي حتى يجد فرجةً فيرمل، قال النواوي: ولو لم يمكنه الرمل بقرب الكعبة وأمكنه إذا تباعد عنها فالأولى أن يتباعد ويرمل لأن الرمل هيئة للعبادة في نفسها، والقرب من البيت هيئة في موضع العبادة لا في نفسها فكان تقديم ما تعلق بنفسها أولى والله أعلم، واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا والمروة، ولو ترك الرجل الرمل حيث شرع له فهو تارك سنة ولا شيء عليه هذا مذهبنا، واختلف أصحاب مالك فقال بعضهم يلزمه دم، وقال بعضهم لا دم كمذهبنا، وقد تقدمت الحكمة في مشروعية الرمل والاضطباع في شرح حديث جابر الطويل فليراجع اهـ. وقوله (يسعى ببطن المسيل) أي في المكان الذي يجتمع فيه السيل، قال القاري: هو اسم موضع بين الصفا والمروة وجعلت علامته الأميال الخضر، قال النواوي: وهذا مجمع على استحبابه وهو أنه إذا سعى بين الصفا والمروة استحب أن يكون سعيه شديدًا في بطن المسيل وهو قدر معروف هناك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 30] والبخاري [1603] وأبو داود [1893] والنسائي [5/ 229 - 230] وابن ماجه [2950]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2929 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبيد الله بن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج والعمرة

أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ, فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيتِ. ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعَةً. ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَينِ. ثُمَّ يَطُوفُ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. (2930) - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ, إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ, أَوَّلَ مَا يَطُوفُ حِينَ يَقْدَمُ, يَخُبُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أول ما يقدم) مكة أي أول قدومه مكة (فإنه) صلى الله عليه وسلم الفاء رابطة لجواب إذا، وجملة إذا خبر كان (يسعى) ويعدو (ثلاثة أطواف بالبيت) قال النووي: مراده يرمل وسماه سعيًا مجازًا لكونه يشارك السعي في أصل الإسراع وإن اختلفت صفاتهما اهـ (ثم يمشي) على عادته (أربعةً) أخيرة من الأشواط السبع إبقاء لقوته ونشاطه عليه (ثم يصلي سجدتين) أي ركعتين سنة الطواف عند الجماهير، وعند الأحناف واجبة (ثم يطوف) أي يسعى (بين الصفا والمروة) قال النواوي: فيه دليل على وجوب الترتيب بين الطواف والسعي، وأنه يشترط تقدم الطواف على السعي، فلو قدم السعي لم يصح السعي وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه خلاف ضعيف لبعض السلف والله أعلم اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2930 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قال حرملة أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله) بن عمر (أخبره أن عبد الله بن عمر قال) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم بن عبد الله لنافع (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود) من الاستلام وهو المسح باليد عليه، وهو مأخوذ من السلام بكسر السين وهي الحجارة، وقيل من السلام بفتح السين الذي هو التحية أي إذا استلم الركن الذي فيه الحجر الأسود، وهو كناية عن استلام الحجر الأسود وتقبيله والسجود عليه، وفيه استحباب هذا الاستلام في ابتداء الطواف، وقد تقدم معناه في شرح حديث جابر الطويل، وقوله (أول ما يطوف) ظرف متعلق باستلم، وقوله (حين يقدم) من باب فرح ظرف متعلق بيطوف، وقوله (يخب) من باب شد جواب

ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. (2931) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْجُعْفِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. قَال: رَمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاثًا. وَمَشَى أَرْبَعًا. (2932) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمُ بْنُ أَخْضَرَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ. وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا أي يسرع ويرمل (ثلاثة أطواف) أي الأشواط الثلاثة الأولى (من) الأشواط (السبع). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2931 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عمر) بن محمد (بن أبان) بن صالح (الجعفي) أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (أخبرنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) غرضه بيان متابعة ابن المبارك لعبد الله بن نمير في الرواية عن عبيد الله بن عمر بن حفص (قال) ابن عمر (رمل) أي أسرع في طوافه (رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر) الأسود (إلى) أن يعود إلى (الحجر) يعني رمل في جميع المطاف (ثلاثًا) أي في الأشواط الثلاث الأول (ومشى) على عادته (أربعًا) أي في الأشواط الأربع الأخيرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2932 - (00) (00) (وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا سليم) مصغرًا (بن أخضر) البصري، ثقة ضابط، من (8) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص (عن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليم بن أخضر لعبد الله بن المبارك (رمل من الحجر إلى الحجر) يعني في جميع المطاف (وذكر) ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله) أي الرمل في جميع المطاف في الثلاث الأول.

(2933) - (1231) (161) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، - وَاللَّفْظُ لَهُ- قَال قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَال رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيهِ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ. (2934) - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَابْنُ جُرَيجٍ, عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 2933 - (1231) (161) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن المدني ثم البصري، ثقة، من (9) (حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني، ثقة إمام، من (7) (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (قال) يحيى (قرأت على مالك عن جعفر) الصادق (بن محمد) الباقر الهاشمي المدني صدوق، من (6) (عن أبيه) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أنه) أي أن جابر بن عبد الله (قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل) أي أسرع في طوافه (من الحجر الأسود حتى انتهى) ورجع (إليه) أي إلى الحجر (ثلاثة أطواف) أي في الأطواف الثلاثة الأول. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي أخرجه في كتاب الحج، والنسائي وابن ماجه أخرجاه أيضًا في كتاب الحج اهـ من تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2934 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني مالك) بن أنس (و) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي (عن جعفر بن محمد عن أبيه) محمد الباقر (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ الثَّلاثَةَ أَطْوَافٍ, مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ. (2935) - (1232) (162) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيلِ. قَال: قُلْتُ لا بْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيتِ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ, وَمَشْى أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ. أَسُنَّةٌ هُوَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن وهب لعبد الله بن مسلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر) قال النواوي: هكذا هو (الثلاثة أطواف) في معظم النسخ المعتمدة، وفي نادر منها (الثلاثة الأطواف) وفي أندر منها (ثلاثة أطواف) فأما الثلاثة أطواف فلا شك في جوازه وفصاحته، وأما الثلاثة الأطواف بالألف واللام فيهما ففيه خلاف مشهور بين النحويين منعه البصريون وجوزه الكوفيون، وأما الثلاثة أطواف بتعريف الأول وتنكير الثاني كما وقع في معظم النسخ فمنعه جمهور النحويين، وهذا الحديث يدل لمن جوزه، وقد سبق نظيره في رواية سهل بن سعد في صفة منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال فعمل هذه الثلاث درجات اهـ منه. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 2935 - (1232) (162) (حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري) البصري (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا نسبةً إلى أحد أجداده أبو مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن أبي الطفيل) مصغرًا عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي المكي الصحابي المشهور رضي الله عنه ولد عام أحد، وأثبت مسلم وابن عدي صحبته ورؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم روى عنه في (10) أبواب (قال) أبو الطفيل (قلت لابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مكي، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أرأيت) أي أخبرني (هذا الرمل) والإسراع في الطواف (بالبيت ثلاثة أطواف) أي في ثلاثة أشواط الأول (ومشي أربعة أطواف) أي والمشي على الهينة في الأشواط الأربعة الأخيرة (أسنة هو) أي هل هذا

فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَال: فَقَال: صَدَقُوا. وَكَذَبُوا. قَال: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ. فَقَال الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيتِ مِنَ الْهُزْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرمل سنة مقصودة مطلوبة في الطواف أم لا؟ (فإن قومك) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (يزعمون) أي يقولون (أنه) أي أن الرمل (سنة) مطلوبة مقصودة (قال) أبو الطفيل (فقال) ابن عباس (صدقوا) أي صدق قومي في بعض ما قالوا (وكذبوا) في بعضه (قال) أبو الطفيل (قلت) لابن عباس (ما قولك) أي ما معنى قولك يا ابن عباس (صدقوا وكذبوا قال) ابن عباس (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة) لعمرة القضية (فقال المشركون) بعضهم لبعض (إن محمدًا وأصحابه) وهنتهم حمى يثرب فـ (لا يستطيعون) أي لا يقدرون (أن يطوفوا بالبيت) أي بالكعبة (من) أجل (الهزل) والجوع بسبب الحمى فاجتمعوا في الحرم لننظرهم كيف يطوفون هل هم قادرون عليه أم لا؟ قوله من الهزل بفتح الهاء وسكون الزاي هكذا هو في أكثر النسخ، وهكذا حكاه القاضي في المشارق وصاحب المطالع عن رواية بعضهم قالا وهو وهم أي خطأ لأن الهزل ضد الجد فلا يناسب المقام، والصواب (من الهزال) بضم الهاء وزيادة الألف بعد الزاي المفتوحة وهو ضد السمن، يقال هزل هزالًا وهو هزيل ضد سمن (قلت) وللأول معنىً وهو أن يكون بفتح الهاء والزاي لأن الهزل بالفتح مصدر هزلت هزلًا كضربته ضربًا بمعنى كلمته كلامًا غير جد أي لا معنى له بمعنى لا يستطيعون يطوفون لأن الله تعالى هزلهم أي أخبرهم بكلام لا معنى له أي لعب بهم كذا في الشرح، قال العلامة السندي: قوله (صدقوا وكذبوا) يريد أن قولهم سنة يتضمن شيئين أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الرمل وهم في ذلك صادقون، والثاني أنه فعله تشريعًا للناس وقصدًا لاقتدائهم به فيه وهم في ذلك كاذبون وذلك لأنه ما فعله إلا ضرورةً ودفعًا لطعن المشركين وما هذا سبيله لا يكون سنة والله أعلم اهـ، قال النووي: معنى هذا الكلام صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكذبوا في قولهم إنه سنة مقصودة لأنه لم يجعله سنةً مطلوبةً على تكرر السنين وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة للكفار وقد زال ذلك المعنى فليس الآن بسنة وهذا معنى كلام ابن عباس وهو مذهبه وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين

وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ. قَال: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاثًا. وَيَمْشُوا أَرْبَعًا. قَال: قُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الطَّوَافِ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا. أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَال: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قَال: قُلْتُ: وَمَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَثُرَ عَلَيهِ النَّاسُ. يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ. هَذَا مُحَمَّدٌ. حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ. قَال: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَينَ يَدَيهِ. فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيهِ رَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأتباعهم ومن بعدهم، وكان عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال: ما لنا وللرمل إنا كنا رائين المشركين وقد أهلكهم الله تعالى، ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه ثم رمل اهـ من النووي بزيادة من الزرقاني (و) قالوا ذلك لأنهم (كانوا يحسدونه) أي يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم ويعيبون أصحابه (قال) ابن عباس (فأمرهم) أي فأمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أصحابه (أن يرملوا) أي أن يسرعوا (ثلاثًا) من الأشواط السبعة (ويمشوا) على عادتهم (أربعًا) منها (قال) أبو الطفيل (قلت له) أي لابن عباس (أخبرني عن) حكم (الطواف) والسعي (بين الصفا والمروة) حالة كونه صلى الله عليه وسلم (راكبًا) ناقته (أسنة هو) أي هل الركوب في السعي سنة أو لا (فإن قومك يزعمون أنه) أي أن الركوب في السعي (سنة) شرعية (قال) ابن عباس (صدقوا) في بعض ما قالوا (وكذبوا) في بعضه، قال النواوي: يعني صدقوا في أنه طاف راكبًا وكذبوا في أن الركوب أفضل بل المشي أفضل وإنما ركب النبي صلى الله عليه وسلم للعذر الذي ذكره، وهذا الذي قاله ابن عباس هنا مجمع عليه أجمعوا على أن الركوب في السعي بين الصفا والمروة جائز وأن المشي أفضل منه إلا لعذر والله أعلم (قال) أبو الطفيل (قلت) لابن عباس (وما قولك) أي وما معنى قولك (صدقوا وكذبوا قال) ابن عباس (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس) لينظروه، حالة كونهم (يقولون هذا محمد هذا محمد) فانظروه (حتى خرج العواتق من البيوت) لينظرن إليه صلى الله عليه وسلم، جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، وقيل هي التي لم تتزوج سميت بذلك لأنها عتقت عن استخدام أبويها وابتذالها في الخروج والتصرف الذي تفعله الطفلة الصغيرة (قال) ابن عباس (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُضرب الناس بين يدبه) ليذبوا عنه (فلما كثر عليه)

كِبَ. وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ. (2936) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ. أَخْبَرَنَا الْجُرَيرِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ قَوْمَ حَسَدٍ. وَلَمْ يَقُلْ: يَحْسُدُونَهُ. (2937) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَينٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس (ركب) لعذر الازدحام عليه (و) لكن (المشي) في موضع المشي من المسعى (والسعي) أي العدو في موضع العدو منه (أفضل) من الركوب عند عدم العذر، والمعنى يعني صدقوا في أنه طاف راكبًا، وكذبوا في قولهم إن الركوب سنة بل السنة المتبعة المشي وإنما ركب النبي صلى الله عليه وسلم للعذر، قال النواوي: وهذا الذي ذكره ابن عباس مجمع عليه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1885] وابن ماجه [2953]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 2936 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يزيد) بن زريع التميمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (أخبرنا) سعيد بن إياس (الجريري) البصري (بهدا الإسناد) يعني عن أبي الطفيل عن ابن عباس (نحوه) أي نحو ما روى عبد الواحد بن زياد عن الجريري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يزيد بن زريع لعبد الواحد بن زياد في رواية هذا الحديث عن الجريري (غير أنه) أي لكن أن يزيد بن زريع (قال) في روايته (وكان أهل مكة قوم حسد) وبغض له صلى الله عليه وسلم (ولم يقل) يزيد بن زريع في روايته لفظة (يحسدونه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2937 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) ابن عيينة الكوفي (عن) عبد الله بن عبد الرحمن (بن أبي حسين) بن الحارث بن عامر بن نوفل المكي النوفلي، روى عن أبي الطفيل في الحج، وعطاء بن أبي رباح في

عَنْ أَبِي الطُّفَيلِ. قَال: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ بِالْبَيتِ. وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَهْي سُنَّةٌ. قَال: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. (2938) - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الأَبْجَرِ, عَنْ أَبِي الطُّفَيلِ. قَال: قُلْتُ لا بْنِ عَبَّاسٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهاد، ونافع بن جبير في الرؤيا، ويروي عنه (ع) وابن عيينة وعبد الله بن حبيب بن أبي ثابت وشعيب بن أبي حمزة والثوري والليث وابن جريج وغيرهم، وثقه أحمد والنسائي وأبو زرعة، وقال العجلي: ثقة، وقال ابن عبد البر: ثقة عند الجميع فقيه عالم بالمناسك، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة الليثي المكي الصحابي المشهور (قال) أبو الطفيل (قلت لابن عباس) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن أبي حسين للجريري في الرواية عن أبي الطفيل (إن قومك يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل) أي أسرع في الطواف (بالبيت و) في السعي (بين الصفا والمروة وهي) أي خصلة الرمل هل هي (سنة) شرعية في الطواف أم لا (قال) ابن عباس (صدقوا) في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله (وكذبوا) في أنها سنة مقصودة بل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لإراءة المشركين قوتهم فهي خاصة بتلك السنة، وخالف ابن عباس في ذلك الجمهور فهو شاذ لا يتابع عليه كما مر البسط فيه قريبًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2938 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي (عن عبد الملك بن سعيد) بن حيان بتحتانية مشددة (بن الأبجر) الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) (عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن أبجر للجريري في رواية هذا الحديث عن أبي الطفيل.

أُرَانِي قَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَال: فَصِفْهُ لِي. قَال: قُلْتُ: رَأَيتُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ عَلَى نَاقَةٍ. وَقَدْ كَثُرَ النَّاسُ عَلَيهِ. قَال: فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُدَعُّونَ عَنْهُ وَلَا يُكْرَهُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ [تتمة] وأبو الطفيل كما مر ولد عام أحد أدرك من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، ثم نزل الكوفة، وشهد مع علي مشاهده كلها، فلما استشهد علي عاد إلى مكة فأقام بها إلى أن مات سنة مائة أو سنة عشر ومائة، وهو آخر من مات من الصحابة على الإطلاق، وكان يقول: ما على وجه الأرض اليوم أحد رأى النبي صلى الله عليه وسلم غيري، وكان ممن روى عنه أبو حنيفة، وكان شاعرًا فاضلًا ومن شعره: وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... علي ولكن شيبتني الوقائع (أراني) أي أرى نفسي وأظنها أني (قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أظن نفسي أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عباس لي إن كنت كذلك (فصفه لي) أي فصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لي (قال) أبو الطفيل (قلت) لابن عباس (رأينه) صلى الله عليه وسلم (عند المروة) راكبًا (على ناقة وقد كثر الناس) وازدحموا (عليه قال) أبو الطفيل (فقال) لي (ابن عباس) صدقت فيما قلت (ذاك) الراكب هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم) إن الناس أي وإنما ازدحموا عليه لأنهم (كانوا لا يُدعّون) -بضم الياء وفتح الدال وضم العين المشددة -أي لا يدفعون ولا يذبون (عنه) صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13] وقوله تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 2] (ولا يكرهون) أي لا يزجرون ولا يمنعون عنه صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الأصول من صحيح مسلم يكرهون من الإكراه، وفي بعضها يكهرون بتقديم الهاء على الراء كما هنا من الكهر وهو الانتهار والزجر، قال القاضي: وهذا أصوب، وقال: وهو رواية الفارسي والأول رواية ابن ماهان والعذري. قال الراغب: الدعّ الدفع الشديد، والكهر الانتهار، يقال كهره يكهره كقهره يقهره إذا زبره واستقبله بوجه عبوس، والمعنى إن الناس لا يُطردون عن قربه لا بالفعل ولا بالقول فيزاحمونه لكمال حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

(2939) - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ. وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. قَال الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى. وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً. فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ. وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2939 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد كوفي، غرضه بيان متابعة سعيد بن جبير لأبي الطفيل (قال) ابن عباس (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة) عام عمرة القضية (وقد وهنتهم) أي أضعفتهم بتخفيف الهاء من باب وعد من الوهن بمعنى الضعف وبتشديدها من التوهين بمعنى الإضعاف يتعدى ولا يتعدى وهو هنا متعد أي ضعفتهم، وفي القرآن الكريم لازم تعدى بالهمزة، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139] {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 18] و (حُمى يثرب) كانت مشهورةً والمدينة أوبًا أرض الله تعالى ثم تحولت حماها إلى الجحفة ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم كما في دعوات البخاري، ويثرب اسم للمدينة النبوية في الجاهلية سميت باسم أول من سكنها، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بذلك، وسماها طابة وطيبة والمدينة، وإنما ذكر ابن عباس ذلك حكاية لكلام المشركين، وفي رواية الإسماعيلي فأطلعه الله تعالى على ما قالوه كذا في الفتح (قال المشركون) بعضهم لبعض (إنه) أي إن الشأن والحال (يقدم) أي يأتي (عليكم) يا أهل مكة (غدًا قوم قد وهنتهم) أي أضعفتهم (الحمى) أي حمى يثرب، وقوله (ولقوا منها) أي من حمى يثرب (شدةً) أي تعبًا وضعفًا معطوف على وهنتهم على أنه صفة قوم (فجلسوا) جلس المشركون لينظروا إلى المسلمين عند طوافهم أي جلسوا خارج المسجد (مما يلي الحجر) أي من الجانب الذي يلي حجر إسماعيل وهو جبل قعيقعان، والحجر هو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة من جهة الميزاب (وأمرهم) أي أمر المؤمنين (النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا) أي أن يسرعوا في مشيهم (ثلاثة أشواط) أي في

وَيَمْشُوا مَا بَينَ الرُّكْنَينِ. لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ. فَقَال الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ. هَؤُلاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا, إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشواط الثلاثة الأولى، والأشواط بفتح الهمزة بعدها معجمة جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرةً إلى الغاية، والمراد به هنا الطوافة حول الكعبة، قال الحافظ: وفي الحديث جواز تسمية الطوفة شوطًا، ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته (و) أن (يمشوا) على عادتهم (ما بين الركنين) اليمانيين إبقاءً لقوتهم أي حيث لا تقع عليهم أعين المشركين فإنهم ما كانوا في تلك الجهة، وكان هذا الأمر في عمرة القضاء سنة سبع، وقد رمل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من الحجر إلى الحجر كما مر فيؤخذ بالآخر فالآخر من أمره صلى الله عليه وسلم، وحينئذ لا يعارض هذا ما تقدم من الأحاديث الدالة على أن الرمل يستغرق كل واحد من الأشواط الثلاثة أي أمرهم بالرمل (ليرى المشركون جلدهم) بفتح الجيم واللام؛ أي قوتهم لهذا الفعل لأنه أقطع في تكذيبهم وأبلغ في نكايتهم، قال الحافظ: ويؤخذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار إرهابًا لهم ولا يعد ذلك من الرياء المذموم، وفيه جواز المعاريض بالفعل كما يجوز بالقول وربما كانت بالفعل أولى اهـ (فقال المشركون هولاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هولاء أجلد) وأقوى (من كذا وكذا) أي من قدم كذا وكذا أو من فلان وفلان (قال ابن عباس ولم يمنعه) صلى الله عليه وسلم (أن يأمرهم) أي أن يأمر المسلمين (أن يرملوا) بضم الميم؛ وهو في موضع المفعول ليأمرهم تقول أمرته بكذا وأمرته كذا (الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة وسكون الموحدة بعدها القاف والمد أي الرفق بهم والإشفاق عليهم والمعنى لم يمنعه صلى الله عليه وسلم من أمرهم بالرمل في جميع الطوفات إلا الرفق بهم والشفقة عليهم، قال القرطبي: روينا قوله إلا الإبقاء عليهم بالرفع على أنه فاعل يمنعه، وبالنصب على أن يكون مفعولًا لأجله ويكون يمنعه ضمير عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فاعله كذا في الفتح، وضمير المفعول في يمنعه فسره بالإبدال عنه جملة قوله أن يأمرهم أي لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالرمل إلا لأجل الإبقاء والشفقة عليهم، وحاصل معنى كلام ابن عباس أي فما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يستغرقوا جميع جهات

(2940) - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ عَبْدَةَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَمَلَ بِالْبَيتِ, لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكعبة بالرمل في الأشواط الثلاثة بل أمرهم أن يرملوا ويتجلدوا في الجهة التي تقع عليهم فيها أعين المشركين رفقًا بالمسلمين، وأما ما تقدم من الأحاديث المشعرة بالاستغراق كقول ابن عمر من الحجر إلى الحجر فكان في حجة الوداع والمسلمون يومئذ أقوياء قادرون فهذا الحديث كما في النواوي منسوخ بالحديث المتقدم الذكر. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث البخاري [4256] وأبو داود [1886 و 1889] والترمذي [863] والنسائي [5/ 230]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 2940 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10) (جميعًا) أي كل منهم رووا (عن) سفيان (بن عيينة قال ابن عبدة حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4) (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي الفهري مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لسعيد بن جبير (قال) ابن عباس (إنما سعى) وعدا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في السعي بين الصفا والمروة، والمراد بالسعي هنا العدو وشدة المشي (ورمل) أي وأسرع في الطواف (بالبيت ليري المشركين قوته) وجلده. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

500 - (56) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

500 - (56) باب: استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود (2941) - (1233) (163) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَال: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مِنَ الْبَيتِ, إِلَّا الرُّكْنَينِ الْيَمَانِيَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 500 - (56) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود 2941 - (1233) (163) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد (عن) محمد (ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد مصري وواحد نيسابوري أو بلخي (أنه) أي أن ابن عمر (قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح) أي يستلم (من) أجزاء (البيت إلا الركنين اليمانيين) فيه تغليب، والمراد الركن الأسود واليماني أي دون الركنين الشاميين واليماني بتخفيف الياء على الأشهر لأن الألف عوض عن ياء النسب فلو شددت لكان جمعًا بين العوض والمعوض، وجوز سيبويه التشديد وقال: إن الألف زائدة، والركنان اليمانيان أحدهما الركن الأسود والثاني الذي يليه من نحو دور بني جمح وكلاهما من جهة اليمن ولذلك نسبا إليه وقيل إنما قيل لهما اليمانيان للتغليب كما في الأبوين والقمرين والعمرين وأمثالها، قال النواوي: وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الركنان الآخران وهما الشامي والعراقي، وكان معاوية وكذا ابن الزبير يستلم الأركان كلها، قال الحافظ في الفتح: وقد تقدم قول ابن عمر إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم وعلى هذا المعنى حمل ابن التين تبعًا لابن القصار استلام ابن الزبير لهما لأنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم - عليه السلام - فقد أخرج الأزرقي في كتاب مكة فقال: إن ابن الزبير لما فرغ من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة كلها فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان كلها حتى قتل ابن الزبير، وقال القاضي أبو

(2942) - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَال أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم, يَسْتَلِمُ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيتِ إِلَّا الرُّكْنَ الأَسْوَدَ وَالَّذِي يَلِيهِ, مِنْ نَحْو دُورِ الْجُمَحِيِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيب: أجمعت أئمة الأمصار والفقهاء على أن الشاميين لا يستلمان قال: وإنما فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا على أنهما لا يستلمان والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 121] والبخاري [1609] وأبو داود [1874] والنسائي [5/ 232] وابن ماجه [2946]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2942 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى (قال أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لليث بن سعد (قال) ابن عمر (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود) وهو المسمى بالحجر الأسود وهو في ركن الكعبة الذي يلي الباب من جهة المشرق، قال النووي: يحتج به الجمهور في أنه يقتصر بالاستلام في الحجر الأسود عليه دون الركن الذي هو فيه خلافًا للقاضي أبي الطيب من الشافعية اهـ (والذي يليه) أي يلي ركن الحجر وهو الركن اليماني الذي يلي الركن الأسود (من نحو دور الجمحيين) أي من ناحية ديارهم. [فائدة] واستلام الركن هو أن يتناول الركن بفيه أو بيده أو بعصا ويأتي تفصيل ذلك، ولكن استلام الركنين يختلف فاستلام الركن الذي فيه الحجر بتقبيل الحجر لمن قدر عليه فإن لم يقدر وضع عليه يده ثم يقبلها فإن لم يقدر قام بإزائه وكبر فإن لم يقدر فلا شيء عليه، وأما اليماني الآخر فاستلامه أن يلمسه بيده واختلف هل يقبلها واستحب بعض السلف أن يكون لمس الركنين في وتر طوافه لا في شفعه ومال إليه الشافعي وهذا كله في أول شوط ولا يلزم في بقيتها إلا أن يشاء ولا يلزم النساء شيء من ذلك، واختص هذان الركنان بالاستلام دون الباقيين لأنهما على أساس إبراهيم - عليه السلام -

(2943) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ. (2944) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف الباقيين لأنهما ليسا بركنين حقيقة لأن الحجر بكسر الحاء من ورائهما (قلت) لما بنت قريش البيت على ما يأتي وعجزتهم النفقة أسقطوا من البيت من جهة هذين الركنين وجعلت الحجر من ورائهما فهما من البيت لكن ليسا على أساس إبراهيم - عليه السلام - ولما زاد الركن الذي فيه الحجر بفتح الحاء بفضيلة أن فيه الحجر اختص بالتقبيل اهـ من شرح الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2943 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (عن عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن عبد الله) بن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة نافع لسالم (ذكر) عبد الله بن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني) وبه احتج به الجمهور على أن غيرهما لا يستلم كما مر آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2944 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وزهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) (جميعًا) أي كلهم (عن يحيى) بن سعيد (القطان) التميمي البصري (قال ابن المثنى حدثنا يحيى) بن سعيد بصيغة السماع (عن عبيد الله) بن عمر (حدثني نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لخالد بن الحارث

قَال: مَا تَرَكْتُ اسْتِلامَ هَذَينِ الرُّكْنَينِ, الْيَمَانِيَ وَالْحَجَرَ, مُذْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا, فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ. (2945) - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي خَالِدٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: رَأَيتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الرواية عن عبيد الله بن عمر (قال) ابن عمر (ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر مذ رأيت) أي من بعدما رأيت، رأيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما) وقوله (في شدة) أي في زحمة (ولا رخاء) أي ولا في سعة وهو ضد الزحمة ظرف لقوله ما تركت أي في زحام ولا في خلاء، قال الحافظ والظاهر أن ابن عمر لم ير الزحام عذرًا في ترك الاستلام، وقد روى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال: رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمي، ومن طريق أخرى أنه قيل له في ذلك فقال: هوت الأفئدة إليه فأريد أن يكون فؤادي معهم، وروى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال: لا يؤذي ولا يؤذى، وفي الدر المختار: واستلمه بكفيه وقبله بلا صوت بلا إيذاء لأنه سنة وترك الإيذاء واجب اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2945 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير جميعًا عن أبي خالد) سليمان بن حيان الأزدي أبي خالد الأحمر الكوفي، صدوق، من (8) (قال أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبيد الله) بن عمر (عن نافع قال رأيت ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر ليحيى القطان أي رأيت ابن عمر حالة كونه (يستلم الحجر) الأسود (بيده) إما بوضع يده عليه أو بالإشارة بها من بعيد إليه (ثم) بعد استلامه بيده (قبل يده) التي استلمه بها لعدم تمكنه من تقبيل الحجر، ولعل هذا كان في وقت الزحام المانع من استيفاء حق الاستلام، ففي شرح النووي: هذا الحديث محمول على من عجز عن تقبيل الحجر وإلا فالقادر يقبل الحجر ولا يقتصر في اليد على الاستلام بها، وذكر ملا علي عن فتاوى قاضيخان مسح الوجه باليد مكان تقبيل اليد، قال في الهداية: وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئًا في يده أو يمسه

وَقَال: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. (2946) - (1234) (164) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا الطُّفَيلِ الْبَكْرِيَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ غَيرَ الرُّكْنَينِ الْيَمَانِيَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيده ويقبل ما مس به فعل اهـ (وقال) ابن عمر (ما تركته) أي ما تركت استلام الحجر وتقبيله (منذ رأيت) أي بعدما رأيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله) أي الاستلام المطلق أو المخصوص إذ ثبت الاستلام والتقبيل عنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، وروى البيهقي في مسنده أن ابن عباس رضي الله عنهما قبله وسجد عليه ثم قال: رأيت عمر رضي الله عنه قبله وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هكذا ففعلت. وروى الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر حين قبله بجبهته. وشذ مالك كما اعترف به عياض وغيره في إنكار ندب تقبيل اليد وقوله إن السجود عليه بدعة اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 2946 - (1234) (164) (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (أن قتادة بن دعامة) السدوسي البصري، ثقة، من (4) (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن أبا الطفيل) عامر بن واثلة (البكري) الليثي المكي الصحابي المشهور رضي الله عنه (حدثه) أي حدث لقتادة (أنه) أي أن أبا الطفيل (سمع ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون وواحد طائفي وواحد مكي، وفيه رواية صحابي عن صحابي كما مر حالة كون ابن عباس (يقول لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يستلم) من أجزاء البيت (غير الركنين اليمانيين) والظاهر منه أن حكم الركنين سواء في الاستلام وبه قال محمد بن الحسن من أصحابنا، وقال الزبيدي في شرح الإحياء: والأحاديث دالة على ما ذهب إليه محمد حتى قال بعضهم إن الفتوى عليه، قال النووي: وأما الركن اليماني فيستلمه ولا يقبله بل يقبل اليد بعده، وعن مالك رواية أنه يقبله،

(2947) - (1235) (165) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَعَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ. قَال: قَبَّلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَجَرَ. ثُمَّ قَال: أَمَ وَاللَّهِ! لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ. وَلَوْلا أَنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن أحمد رواية أنه يقبله والله أعلم اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: 2947 - (1235) (165) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (وعمرو) بن الحارث الأنصاري المصري (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي حدثني) عبد الله (بن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث الأنصاري (عن ابن شهاب عن سالم أن أباه) عبد الله بن عمر (حدثه) أي حدث سالمًا (قال) عبد الله بن عمر (قبل عمر بن الخطاب الحجر) الأسود (ثم قال) عمر مخاطبًا للحجر (أم) حرف تنبيه واستفتاح حذف الألف منه للتخفيف (والله) أي انتبه واستمع أقسمت لك بالله (لقد علمت) أنا (أنك حجر) لا تنفع ولا تضر (ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ظاهره أنه خاطب الحجر بذلك ليسمع الحاضرين فينتبهوا على أنه حجر لا ينفع ولا يضر بذاته وأن امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب فمعناه أنه لا قدرة لك على جلب نفع ولا على دفع ضر إنك حجر مخلوق كباقي المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع، وأشاع عمر هذا في الموسم لينتشر في البلدان ويحفظه أهل الموسم المختلفوا الأوطان، وأراد عمر بقوله (ولو أني رأيت) الخ بيان الحث على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه كما في المرقاة إشارة منه رضي الله عنه إلى أن هذا أمر تعبدي فنفعل وعن علته لا نسأل اهـ. [فائدة] قد ورد في فضل الحجر حديث عن ابن عباس مرفوعًا: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم" أخرجه الترمذي

زَادَ هَارُونُ فِي رِوَايَتِهِ؛ قَال عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بِمِثْلِهَا زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ, عَنْ أَبِيهِ أَسْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصححه وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق، لكنه اختلط، وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه لكن له طريق أخرى في صحيح بن خزيمة فيقوى بها، وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرًا ولفظه "الحجر الأسود من الجنة" وحماد ممن سمع عن عطاء قبل الاختلاط، وفي صحيح ابن خزيمة أيضًا عن ابن عباس مرفوعًا: "إن لهذا الحجر لسانًا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق" وصححه أيضًا ابن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضًا كذا في الفتح، قال الحافظ: واعترض بعض الملحدين على الحديث السابق فقال: كيف سودته خطايا بني آدم ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد؟ وأجيب بما قال ابن قتيبة: لو شاء الله تعالى لكان ذلك، وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس من البياض، وقال المحب الطبري: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد، قال: وروي عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة فإن ثبت فهذا هو الجواب. قال القاضي عياض: قوله (ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلخ فيه الاقتداء وترك الاعتراض على السنن بالعقل، وفيه أن تقبيل الحجر ليس عبادة له بل لله تعالى وامتثالًا لأمر كأمر الملائكة عليهم السلام بالسجود لآدم - عليه السلام - وشرع التكبير مع ذلك إشعارًا بأن القصد به لله تعالى لا لغيره والتحسين والتقبيح عندنا شرعيان لا عقليان والعبادة منها ما عقل معناه ومصلحته ومنها مالا فوضع الحجر لمجرد التعبد به وامتثال الأمر به واطراح استعمال العقل وأكثر أفعال الحج من هذا الباب، ولهذا جاء في بعض التلبية لبيك بحجة حقًّا تعبدًا ورقًا اهـ من إكمال المعلم (زاد هارون) بن سعيد (في روايته) على حرملة بن يحيى لفظة (قال عمرو) بن الحارث (وحدثني بمثلها) أي بمثل رواية ابن شهاب (زيد بن أسلم عن أبيه أسلم) أما زيد فهو زيد بن أسلم العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (12) بابا وأما أبوه فهو أسلم مولى عمر من سبي عين التمر، وقيل حبشي، وقيل من سبى اليمن يكنى أبا خالد، روى عن عمر رضي الله عنه في الفرائض والرحمة، وعبد الله بن عمر في الجهاد، وأبي بكر ومعاذ ويروي عنه (ع) وابنه زيد ونافع، قال أبو زرعة: ثقة مخضرم، مات سنة (80) ثمانين وهو ابن أربع عشرة ومائة، وصلى عليه مروان بن الحكم، وليس من رجال

(2948) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ. وَقَال: إِنِّي لأُقَبِّلُكَ وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ. وَلَكِنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ. (2949) - (00) (00) حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَالْمُقَدَّمِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ. قَال خَلَفٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم من اسمه أسلم إلا هذا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه [2943]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 2948 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم بصيغة اسم المفعول (المقدمي) نسبة إلى الجد المذكور أبو عبد الله الثقفي مولاهم البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر أن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة نافع لسالم (قبل الحجر) الأسود (وقال) عمر (إني لأقبلك) يا حجر (وإني لأعلم أنك حجر) جماد لا تنفع ولا تضر (ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك) فقبلتك اقتداءً به صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المتابعة فيه ثانيًا فقال: 2949 - (00) (00) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البزار -بالراء آخره- أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) (و) محمد بن أبي بكر (المقدمي) الثقفي البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (وقتيبة بن سعيد) البلخي الثقفي (كلهم عن حماد) بن زيد البصري (قال خلف حدثنا حماد بن زيد عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري، ثقة، من (4) (عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم، المزني البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه (قال) عبد الله بن

رَأَيتُ الأَصْلَعَ (يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: وَاللَّهِ! إِنِّي لأُقَبِّلُكَ, وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ, وَأَنَّكَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سرجس (رأيت الأصلع يعني عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا عمر بن الخطاب وخلف بن هشام وقتيبة بن سعيد، غرضه بيان متابعة عبد الله بن سرجس لعبد الله بن عمر، والأصلع هو الذي انحسر شعر مقدم رأسه لطبيعة وكان سيدنا عمر رضي الله عنه بهذه الصفة ولأنه نعته في الكتب القديمة يقال إنهم كانوا يقولون أعني نصارى الشام إن الذي يفتح بيت المقدس الأصلع والله أعلم اهـ من المفهم. ولا يكره ذلك في الرجال بل العرب تمدح به، وبالنزع وهو بفتحتين انحسار شعر الرأس من جانبي الجبهة لأنه آية الذكاء والسخاء، وتذم بالغمم وهو أيضًا بفتحتين سيلان شعر الرأس حتى تضيق منه الجبهة أو القفا لأنه علامة الغباوة والبخل قال الشاعر: ولا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغم القفا والوجه ليس بأنزعا وفي قوله (رأيت الأصلع) أنه لا بأس بلقبه ووصفه الذي لا يكرهه، وإن كان قد يكره غيره مثله (يقبل الحجر) الأسود (ويقول والله إني لأقبلك وإني أعلم أنك حجر) من الأحجار (وأنك لا تضر) من لا يقبلك (ولا تنفع) من قبلك بذاتك، وإن كان امتثال ما شرع فيك ينفع بالجزاء والثواب، والمعنى أنك لا قدرة لك على جلب نفع ولا دفع ضر وأنك حجر مخلوق كسائر المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع. وإنما قال ذلك لئلا يغتر به بعض قريبي العهد بالإسلام ممن ألفوا عبادة الأحجار فيعتقدون نفعه وضره بالذات فبين عمر رضي الله عنه أنه لا يضر ولا ينفع لذاته، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع باعتبار الجزاء وليشيع في الموسم فيشتهر ذلك في البلدان المختلفة أفاده النواوي، ونقله ملا علي عن الطيبي شارح المشكاة ثم تعقبه بقوله فيه إنه لا يظن بأرباب العقول ولو كانوا كفارًا أن يعتقدوا أن الحجر ينفع ويضر بالذات وإنما هم يعبدون الأحجار معللين بأن هؤلاء شفعاؤنا عند الله، والفرق بيننا وبينهم أنهم كانوا يفعلون الأشياء من تلقاء أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان بخلاف المسلمين فإنهم يصلون إلى الكعبة بناءً على ما أمر الله تعالى ويقبلون الحجر بناءً على متابعة رسول الله وإلا فلا فرق في حذ الذات ولا في نظر العارف بالموجودات بين بيت وبيت ولا بين

وَلَوْلا أَنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ. وَفِي رِوَايَةِ الْمُقَدَّمِيِّ وَأَبِي كَامِلٍ: رَأَيتُ الأُصَيلِعَ. (2950) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ. قَال: رَأَيتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنِّي لأُقَبِّلُكَ. وَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ. وَلَوْلا أَنِّي رَأَيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر وحجر فسبحان من عظم ما شاء من مخلوقاته من الأفراد الإنسانية كرسل الله، والحيوانية كناقة الله، والجمادية كبيت الله، والمكانية كحرم الله، والزمانية كليلة القدر وساعة الإجابة في يوم الجمعة اهـ ببعض اختصار (ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك وفي رواية) محمد (المقدمي وأبي كامل) الجحدري (رأيت الأصيلع) بالتصغير بدل قوله رأيت الأصلع بالتكبير، وليس في هذا التصغير معنىً يناسب التوقير والتعظيم، وقد قال الجوهري في صحاحه: والأصلع من الحيات الدقيق العنق كأن رأسه بندقة، وزاد عليه المجد معنى وهو أسوأ منه، وقال القرطبي: وتصغيره في هذا الموضع للتهويل والتوقير كما قالوا للجبل العظيم جبيل وكقول لبيد الشاعر: وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل اهـ مفهم ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 2950 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا أبو معاوية) بصريح السماع (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن عابس بن ربيعة) النخعي الكوفي، روى عن عمر في الحج، وعائشة في الزهد وعلي، ويروي عنه (ع) وإبراهيم النخعي وابنه عبد الرحمن، وثقه النسائي وابن سعد، وقال: له أحاديث يسيرة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من الثانية، وليس في مسلم من اسمه عابس إلا هذا الثقة (قال) عابس (رأيت عمر بن الخطاب يقبل الحجر) الأسود (ويقول إني لأقبلك وأعلم أنك حجر ولولا أني رأيت

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ لَمْ أُقَبِّلْكَ. (2951) - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سُوَيدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَال: رَأَيتُ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ. وَقَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيًّا. (2952) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لم أقبلك) تقدم بسط الكلام في متن الحديث. وأما هذا السند فمن سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عباس بن ربيعة لعبد الله بن سرجس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 2951 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن وكيع) بن الجراح (قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن إبراهيم بن عبد الأعلى) الجعفي مولاهم الكوفي، روى عن سويد بن غفلة في الحج، وصدقة بن يسار وجدته، ويروي عنه (م د س ق) والثوري ويونس بن أبي إسحاق، وثقه أحمد والنسائي، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سويد بن غفلة) بفتحات الجعفي أبي أمية الكوفي، ثقة مخضرم، من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سويد بن غفلة لمن روى عن عمر (قال) سويد بن غفلة (رأيت عمر) بن الخطاب (قبل الحجر) الأسود (والتزمه) أي ضم صدره إليه وتعلق به كأنه اعتنقه، وفي القرطبي (التزمه) يعني عانقه، قال النواوي: وفيه إشارة إلى استحباب السجود عليه (وقال) عمر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك) أي بتقبيلك (حفيًا) أي معتنيًا مهتمًا به لا يتركه، يجمع على أحفياء، قال القرطبي: والحفي بالشيء المعتني به والبار، ومنه قوله إنه كان بي حفيًا [مريم / 47]. وشارك المؤلف في هذه الرواية النسائي [5/ 227]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في هذا الحديث فقال: 2952 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن

عَنْ سُفْيَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَال: وَلَكِنِّي رَأَيتُ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيًّا. وَلَمْ يَقُلْ: وَالْتَزَمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن سويد عن عمر، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن لوكيع في الرواية عن سفيان (قال) عبد الرحمن في روايته قال عمر بن الخطاب (ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفيًا) أي معتنيًا (ولم يقل) عبد الرحمن في روايته لفظة (والتزمه) عمر. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر، والثالث حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

501 - (57) باب جواز الطواف على الراحلة لعذر واستلام الركن بالمحجن

501 - (57) باب: جواز الطواف على الراحلة لعذر واستلام الركن بالمحجن (2953) - (1236) (166) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 501 - (57) باب جواز الطواف على الراحلة لعذر واستلام الركن بالمحجن 2953 - (1236) (166) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد طائفي وواحد أيلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع) قال النواوي: فيه صحة أن يقال حجة الوداع وكرهه بعضهم اهـ (على بعير) والبعير يطلق على الذكر والأنثى، والذكر منه يسمى جملًا، والأنثى تسمى ناقة، وهذا أي طوافه على بعير كان في طواف الإفاضة لعذر به لما جاء في بعض الروايات من ذكر مرضه صلى الله عليه وسلم فإن المشي في الطواف وكذا في السعي واجب عندنا يعني عند الأحناف على من لا عذر له وليس ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم لما سيأتي من أمره لأم سلمة بالطواف حالة الركوب بسبب مرضها، نعم فيه خصوصية زحام الناس وسؤالهم عن الأحكام وكون ناقته محفوظةً من الروث والبول اهـ من المرقاة، وقال الحافظ: إن البخاري حمل سبب طوافه صلى الله عليه وسلم على أنه كان من شكوى وأشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس أيضًا بلفظ قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته، ووقع في حديث جابر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبًا ليراه الناس وليسألوه فيحتمل أن يكون فعل ذلك للأمرين وحينئذ لا دلالة فيه على جواز الطواف راكبًا لغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيهًا، وأما

يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. (2954) - (1237) (167) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: طَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيتِ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، عَلَى رَاحِلَتِهِ. يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ. لأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، وَليُشْرِفَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبًا فلحاجة أخذ المناسك عنه؛ أي: فلحاجة أخذ الناس عنه المناسك، ولذلك عده بعض من جمع خصائصه فيها، واحتمل أيضًا أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له فلا يقاس غيره عليه وأبعد من استدل به على طهارة بول البعير وبعره اهـ وسيأتي المزيد لذلك في شرح حديث أم سلمة، حالة كونه (يستلم الركن) أي الحجر كما سيأتي التصريح به في الرواية الآتية (بمحجن) والمحجن بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون هو عصا معوجة الرأس يتناول بها الراكب ما سقط منه ويحول بطرفها بعيره ويحركه للمشي، والحجن الاعوجاج وبذلك سمي الحجون، والمعنى أنه يومئ بعصاه إلى الركن حتى يصيبه، قال ابن التين: وهذا يدل على قربه من البيت لكن من طاف راكبًا يستحب له أن يبعد إن خاف أن يؤذي أحدًا فيحمل فعله صلى الله عليه وسلم على الأمن من ذلك انتهى، ويحتمل أن يكون في حال استلامه قريبًا حيث أمن من ذلك وأن يكون في حال إشارته بعيدًا حيث خاف ذلك كذا في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 214]، والبخاري [1607]، وأبو داود [1877]، والنسائي [5/ 233]، وابن ماجه [2948]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث جابر عبد الله رضي الله عنهم فقال: 2954 - (1237) (167) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد مروزي وواحد كوفي (قال) جابر (طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت) طواف الإفاضة (في حجة الوداع على راحلته) أي ناقته حالة كونه (يستلم الحجر) الأسود (بمحجنه) أي بعصاه المعوجة الرأس أي طاف على راحلته (لأن يراه الناس) فيأخذوا عنه المناسك (وليشرف) ويعلو على

وَلِيَسْأَلُوهُ. فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس ويكون مرفوعًا من أن يناله أحد بأذى، وفي العون أي ليطلعه عليه (وليسألوه) عما يحتاجون إليه من أحكام الحج (فإن الناس غشوه) بتخفيف الشين وضمها أي ازدحموا عليه وكثروا وهو من غشيه من باب تعب إذا أتاه، وقال القرطبي: الرواية الصحيحة بضم الشين وهو الصحيح لأن أصله غشيوه استثقلوا الضمة على الياء فنقلوها إلى الشين فسكنت الياء فلما اجتمعت مع الواو الساكنة حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وفيه تعليل آخر وما ذكرناه أولى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 317]، وأبو داود [1880]، والنسائي [5/ 241]. [تتمة] واعلم أنه لا كراهة في الطواف راكبًا من غير عذر على المشهور عند الشافعية، قال النواوي: لكنه خلاف الأولى، وقال الإمام بعد حكايته عدم الكراهة وفي النفس من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء فإن أمكن الاستيثاق فذاك وإلا فإدخالها مكروه اهـ وعند الحنفية أن من واجبات الطواف المشي إلا من عذر حتى لو طاف راكبًا من غير عذر لزمه الإعادة ما دام يمكنه وإن عاد إلى بلده لزمه الدم، ومذهب المالكية أنه لا يجوز إلا لعذر فإن طاف راكبًا لغير عذر أعاد إلا أن يرجع إلى بلده فيبعث بهدي، ولو طاف زحفًا مع قدرته على المشي فطوافه صحيح لكنه يكره عند الشافعية، وعند الحنابلة لا شيء عليه عند العجز فإن كان قادرًا فعليه الإعادة إن كان بمكة والدم إن رجع إلى أهله، قال العز بن جماعة: ورواية من روى أنه طاف راكبًا لمرض ضعيفة، قال الشافعي: ولا أعلمه في تلك الحجة اشتكى والذي يظهر أن هذا الطواف الذي ركب فيه صلى الله عليه وسلم هو طواف الإفاضة كما ذكره الشافعي في الأم لأنه صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع ثلاثة أسابيع طوافه أول القدوم، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم رمل فيه ومشى أربعًا وطواف الإفاضة وطواف الوداع، والمناسب أن يكون المركوب فيه منهما طواف الإفاضة ليراه الناس ويسألوه عن المناسك لا طواف الوداع فإنه صلى الله عليه وسلم طافه في السحر بعد أن أخذ الناس المناسك. فإن (قلت) في صحيح مسلم من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع بالبيت وبالصفا والمروة لأن يراه الناس ويسألوه وسعيه في حجة الوداع كان مرة واحدة وكان عقب طوافه الأول. (أجيب) بأن الواو لا تقتضي الترتيب فيكون طاف

(2955) - (00) (00) وحدّثنا عَلِيُّ بْنُ خَشرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ بَكْرٍ) قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، بِالْبَيتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْالُوهُ. فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابنُ خَشْرَمٍ: وَلِيَسْأَلُوهُ. فَقَطْ. (2956) - (1228) (168) حدّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى الْقَنْطَرِيُّ. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أول قدومه ماشيًا ثم سعى راكبًا ثم طاف يوم النحر راكبًا اهـ من إرشاد الساري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2955 - (00) (00) (وحدثنا علي بن خشرم) بمعجمتين الثانية ساكنة والأولى مفتوحة بزنة جعفر بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن ابن جريج ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا محمد يعني ابن بكر) الأزدي البرساني، صدوق، من (9) (قال أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس ومحمد بن بكر لعلي بن مسهر (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف) على الناس (وليسألوه فإن الناس غشوه ولم يذكر ابن خشرم) لفظة (وليسألوه فقط) دون غيرها من الكلمات المذكورة في الحديث. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 2956 - (1238) (168) (حدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير أبو صالح البغدادي (القنطري) نسبة إلى القنطرة محلة ببغداد، صدوق، من (10) (حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي، ثقة، من (9) (عن

هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائشَةَ قَالتْ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، حَوْلَ الْكَعْبَةِ، عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ. كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ. (2957) - (1239) (169) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ. حَدَّثَنَا مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ هشام بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد دمشقي وواحد بغدادي (قالت) عائشة (طاف النبي صلى الله عليه وسلم) طواف الإفاضة (في حجة الوداع حول الكعبة) هذا بيان للمعلوم لأن الطواف لا يكون إلا حولها راكبًا (على بعيره) أي ناقته حالة كونه (يستلم الركن) أي الحجر الأسود بمحجنه، وقوله (كراهية) مفعول لأجله أي طاف على بعيره لأجل كراهية (أن يضرب) ويصرف (عنه الناس) توسعة له لو مشى في طوافه، وقوله كراهية أن يضرب الخ هو هكذا في أكثر النسخ يضرب بالباء الموحدة، وفي بعضها يصرف بالصاد المهملة وبالفاء وكلاهما صحيح كذا في الشرح، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لو كان ماشيًا لَطَرقَ الناسُ بين يديه ولَصُرِفوا عنه وكان يكره ذلك على أن قولها كراهية أن يصرف عنه الناس يحتمل أن يكون الضمير في (عنه) راجعًا إلى الركن فتأمله اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [5/ 224]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عباس بحديث أبي الطفيل رضي الله عنهم فقال: 2957 - (1239) (169) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا سليمان بن داود) بن الجارود أبو داود الطيالسي البصري، ثقة حافظ، من (9) (حدثنا معروف بن خربوذ) بخاء مفتوحة أو مضمومة والفتح أشهر، وممن حكاهما القاضي عياض في المشارق، والقائل بالضم هو أبو الوليد الباجي، وقال الجمهور: بالفتح وبعد الخاء راء مفتوحة مشددة ثم باء موحدة ثم واو ثم ذال معجمة، ولكن في طبع القاموس لم تظهر نقطة الذال في الآخر، الأموي مولاهم مولى عثمان المكي، روى عن أبي الطفيل في الحج ومحمد الباقر، ويروي عنه (خ م د ق) وأبو داود الطيالسي، وثقه ابن حبان، وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، وكان أخباريًا علامة، من الخامسة (قال) معروف

سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيلِ يَقُولُ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ. (2958) - (1240) (170) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زيَنْبَ بنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنهَا قَالتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي. فَقَال: "طُوفِي مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت أبا الطفيل) عامر بن واثلة الليثي المكي وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان بصريان (بقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن) أي الحجر الأسود (بمحجن) أي بعصا معوجة كانت (معه وبقبل المحجن) قال الجمهور: إن السنة أن يستلم الركن بيده ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك، وعن مالك في رواية لا يقبل يده وكذلك القاسم بن محمد، وفي رواية عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه [2949]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عباس بحديث أم سلمة رضي الله عنهم فقال: 2958 - (1240) (170) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن الأسود الأسدي المدني، يتيم عروة، ثقة، من (6) (عن عروة) بن الزبير (عن زينب بنت أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسود بن هلال بن مخزوم الصحابية المخزومية المدنية رضي الله تعالى عنها (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها المخزومية المدنية. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، وفيه رواية صحابية عن صحابية (أنها) أي أن أم سلمة (قالت شكوت) أي أخبرت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) على سبيل الشكوى في حجة الوداع (أني أشتكي) أي أنا ضعيفة لا أقدر على الطواف ماشية، من الشكاية وهي المرض أي شكوت إليه أني مريضة اهـ من العون (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (طوفي) يا أم سلمة (من

وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكبَةٌ" قَالتْ: فَطُفْتُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيتِ. وَهُوَ يَقْرَأُ "بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وراء الناس) إنما أمرها أن تطوف وراء الناس ليكون أستر لها ولا تقطع صفوفهم ولا يتأذون بدابتها، ففي الحديث جواز الطواف للراكب إذا كان لعذر ويلتحق بالراكب المحمول (وأنت راكبة) أي على بعيرك كما في بعض الروايات، قال ملا علي: فيه دلالة على أن الطواف راكبًا ليس من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وقال ابن بطال: في هذا الحديث جواز إدخال الدواب التي يؤكل لحمها المسجد إذا احتيج إلى ذلك لأن بولها لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب، وتعقب بأنه ليس في الحديث دلالة على الجواز مع الحاجة بل ذلك دائر على التلويث وعدمه فحيث يخشى التلويث يمتنع الإدخال، وقد قيل إن ناقته صلى الله عليه وسلم كانت منوقة أي مدربة معلمة فيؤمن منها التلويث وهي سائرة فيحتمل أن يكون بعير أم سلمة كان كذلك والله أعلم كذا في الفتح، وقال النواوي: وهذا الحديث لا دلالة فيه لأنه ليس من ضرورته أن يبول أو يروث في حال الطواف وإنما هو محتمل وعلى تقدير حصوله ينظف المسجد منه كما أنه صلى الله عليه وسلم أقر إدخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم بل قد وجد ذلك ولأنه لو كان ذلك محققًا لنُزِّه المسجد منه سواء كان نجسًا أو طاهرًا لأنه مستقذر (قالت فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي) بالناس صلاة الصبح (إلى جنب البيت) أي منتهيًا إلى جدار الكعبة (وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور) أي هذه السورة، وفي بعض الروايات فطوفي على بعيرك والناس يصلون، وإنما طافت في حال صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أستر لها لخلاء المطاف حينئذ من الناس، وكانت هذه الصلاة صلاة الصبح قاله النواوي بزيادة من شرح الأبي. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 290]، والبخاري [464]، وأبو داود [1882]، والنسائي [5/ 223]، وابن ماجه [2961]. وفي العون: قوله (إلى جنب البيت) أي متصلًا إلى جوار الكعبة، وفيه تنبيه على أن أصحابه كانوا متحلقين حولها اهـ، وقوله (وهو يقرأ بالطور) أي بهذه السورة في ركعة واحدة كما هي عادته صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه قرأها في ركعتين وكان الأولى للراوي أن يقول يقرأ الطور أو يكتفي بالطور ولم يقل وكتاب مسطور كذا في المرقاة اهـ من العون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عباس رضي الله عنهما ذكره للاستدلال، والثاني حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع حديث أبي الطفيل رضي الله عنه ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أم سلمة رضي الله عنها ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

502 - (58) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر

502 - (58) باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر (2959) - (1241) (171) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَال: قُلْتُ لَهَا: إِنِّي لأَظُنُّ رَجُلًا، لَوْ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، مَا ضَرَّهُ. قَالتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ اللهَ تَعَالى يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. إِلَى آخِرِ الآيَةِ. فَقَالتْ: مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 502 - (58) باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به وأن السعي لا يكرر 2959 - (1241) (171) (حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قال) عروة (قلت لها) أي لعائشة (إني لأظن) أي لأحسب (رجلًا) يعني حاجًّا أو معتمرًا وكذا المرأة (لو لم يطف) ويسع (بين الصفا والمروة) هما جبلا السعي اللذان يسعى من أحدهما إلى الآخر والصفا في الأصل جمع صفاة وهي الصخرة والحجر الأملس والمروة في الأصل حجر أبيض براق (ما ضره) ذلك في حجه أو عمرته أي ترك السعي بينهما فيصح حجه أو عمرته بلا سعي بينهما (قالت) لي عائشة (لم) قلت ذلك يا ابن أختي؟ وهو بكسر اللام وفتح الميم للاستفهام بحذف ألفها، قال عروة (قلت) بضم التاء أي قلت لها للاستدلال على ظني إنما ظننت ذلك (لأن الله تعالى يقول) في كتابه ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} إلى آخر الآية) [البقرة: 118] ومفهوم هذه الآية أن السعي ليس بواجب إذ مدلول رفع الجناح ليس إلا الإباحة فاحتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح فلو كان واجبًا لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح ويزداد المستحب بإثبات الأجر ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك (فـ) ردت عليه عائشة رضي الله تعالى عنها حيث (قالت ما أتم الله) سبحانه (حج امرئ) ولا امرأة (ولا عمرته لم يطف) ذلك المرءُ ولم يسع (بين الصفا والمروة) والجملة الفعلية صفة لامرئ (ولو كان) المقصود والمراد بالنص (كما تقوله) وتزعم من عدم الوجوب (لكان) النظم الكريم

فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وَهَلْ تَدْرِي فِيمَا كَان ذَاكَ؟ إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ أَنَّ الأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَينِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ. يُقَالُ لَهُمَا: إِسَافٌ وَنَائِلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتركيب العزيز (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة لا النافية في قوله أن يطوف أي لا جناح في ترك الطواف بهما وكانت الآية تدل على رفع الإثم عن التارك فتكون نصًّا في سقوط الوجوب، أما بدون لا فهي ساكتة عن الوجوب وعدمه مصرحة بعدم الإثم عن الفاعل ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفى الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم يفعلون ذلك في الجاهلية أن لا يستمر ذلك في الإسلام فجاء الجواب مطابقًا لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر كمواظبته صلى الله عليه وسلم عليه في كل نسك مع قوله: "خذوا عني مناسككم" أفاده العسقلاني، قال الأبي: احتج عروة على عدم الوجوب بالآية لأنها دلت على رفع الحرج عن الفاعل، ورأى أن رفع الحرج عنه يحمل على عدم الوجوب فعارضته عائشة بأن رفع الحرج أعم من الوجوب والندب والإباحة والكراهة، والأعم لا يدل على الأخص على التعيين وإنما يتم الاستدلال بالآية لو كانت التلاوة أن لا يطوف بهما لأنه يكون معنى الآية حينئذ رفع الحرج عن الترك وهي خاصةٌ عدمَ الوجوب اهـ ثم قالت عائشة (وهل تدري) وتعلم يا عروة (فيما كان ذاك) أي في أي سبب كان ذاك أي نزول هذه الآية، وإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها لحملها على ما الموصولة، ونظيره ما مر من حديث بما أهللت على ما ورد في بعض الروايات (إنما كان ذاك) أي نزول هذه الآية (أن الأنصار كانوا يهلون) أي يحجون (في الجاهلية لصنمين على شط البحر) أي على طرفيه (يقال لهما إساف ونائلة) قال القاضي عياض: هذا وهم وغلط فإنهما ما كانا قط على شط البحر، وإنما كانا على الصفا والمروة، إنما كانت مناة مما يلي جهة البحر اهـ وروى النسائي بإسناد قوي عن زيد بن حارثة قال "كان على الصفا والمروة صنمان من نحاس يقال لهما إساف ونائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما" الحديث، وروى الطبراني وابن أبي حاتم في التفسير بإسناد حسن من حديث ابن عباس قال: قالت الأنصار: إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، وروى الفاكهي وإسماعيل القاضي في الأحكام بإسناد

ثُمَّ يَجِيئُونَ فَيَطُوفُونَ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ يَحْلِقُونَ. فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَينَهُمَا. لِلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. إِلَى آخِرِهَا. قَالتْ: فَطَافُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح عن الشعبي قال: كان صنم بالصفا يدعى إساف، ووثن بالمروة يدعى نائلة فكان أهل الجاهلية يسعون بينهما فلما جاء الإسلام رُمي بهما وقالوا: إنما كان ذلك يصنعه أهل الجاهلية من أجل أوثانهم فأمسكوا عن السعي بينهما قال: أنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، وذكر الواحدي في أسبابه عن ابن عباس نحو هذا، وزاد فيه يزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمُسخا حجرين فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما فلما طالت المدة عُبدا، والباقي نحوه، وروى الفاكهي بإسناد صحيح إلى أبي مجلز نحوه، وفي كتاب مكة لعمر بن شَبَّة بإسناد قوي عن مجاهد في هذه الآية قال: قالت الأنصار: إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية فنزلت، ومن طريق الكلبي قال: كان الناس أول ما أسلموا كرهوا الطواف بينهما لأنه كان على كل واحد منهما صنم فنزلت فهذا كله يوضح قوة رواية أبي معاوية هذه اهـ فتح الملهم. وقال ابن الكلبي: مناة صخرة لهذيل، وأما إساف ونائلة فلم يكونا بجهة البحر وإنما هما فيما يقال رجل اسمه إساف بن عمرو وامرأة اسمها نائلة بنت وهب زنيا في الكعبة فمُسخا حجرين فنُصبا عند الكعبة، وقيل على الصفا والمروة ليتعظ الناس بهما ثم حوّلهما قصي بن كلاب فجعل أحدهما ملاصقًا للكعبة والآخر بزمزم، وقيل جعلهما معًا بزمزم ونحر عندهما وأمر بعبادتهما فلما فُتحت مكة كسرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ أبي، وفي القاموس وإساف ككتاب وسحاب صنم وضعه عمرو بن لحي على الصفا ونائلة على المروة وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة أو هما إساف بن عمرو ونائلة بنت سهل فجرا في الكعبة فمُسخا حجرين فنُصبا ليتعظ الناس، وكان إساف على صورة الرجل، ونائلة على صورة المرأة ثم عبدتهما قريش فلما فتحت مكة كسرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من بعض الهوامش (ثم يجيئون) أي تحضر الأنصار مكة (فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون) رؤوسهم (فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية) أي تحرزًا من موافقة نسكهم للعمل الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية (قالت فأنزل الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} إلى آخرها قالت) عائشة (فـ) لما نزلت هذه الآية (طافوا) بينهما، قوله (للذي كانوا يصنعون

(2960) - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي أبِي. قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى عَلَيَّ جُنَاحًا أَنْ لَا أَتَطَوَّفَ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ [البقرة: 158]. فَقَالتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَان: ـــــــــــــــــــــــــــــ في الجاهلية) هذه الرواية تقتضي أن تحرجهم إنما كان لئلا يفعلوا شيئًا كانوا يفعلونه في الجاهلية لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع فخشوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع وهذا بخلاف ما تقتضيه رواية أبي أسامة الآتية بعدها وكذا سائر أحاديث الباب من طريق الزهري فإنها كلها متفقة على أن التحرج عن الطواف بين الصفا والمروة إنما وقع لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية ويقتصرون على الطواف بمناة فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك، قال الحافظ؟ فيحتمل أن يكون الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين منهم من كان يطوف بينهما على ما اقتضته رواية أبي معاوية ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهري واشتراك الفريقين في الإسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعًا من أفعال الجاهلية فيُجمع بين الروايتين بهذا، وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 144]، والبخاري [1643]، والترمذي [2965]، والنسائي [5/ 238]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2960 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي قال قلت لعائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة لأبي معاوية (ما أرى) بفتح الهمزة أي ما أظن أن (عليّ جناحًا) أي ذنبًا في (أن لا أتطوف) ولا أسعى في حجي (بين الصفا والمروة) هما علمان للجبلين بمكة (قالت) عائشة (لِمَ) قلت هذا الكلام؟ قال عروة (قلت) أنا لها (لأن الله عزَّ وجلَّ يقول) في كتابه العزيز ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) أي من أعلام مناسكه ومتعبداته أتم (الآية فقالت) عائشة (لو كان) معنى هذه الآية (كما تقول) وتزعم يا عروة من نفي الجناح في ترك الطواف بينهما (لكان) النظم القرآني

فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. إِنَّمَا أُنْزِلَ هذَا فِي أُناسٍ مِنَ الأَنْصَارِ. كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا، أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلْحَجِّ، ذَكَرُوا ذلِكَ لَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى هذِهِ الآيَةَ. فَلَعَمْرِي! مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. (2961) - (00) (00) - حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة لا النافية (إنما أنزل هذا) القرآن (في أناس) جاهليين (من الأنصار كانوا إذا أهلوا) أي إذا أرادوا إهلال الحج (أهلوا) أي أحرموا ولبوا (لمناة في الجاهلية فـ) من أحرم لها فـ (لا يحل لهم) في اعتقادهم في جاهليتهم (أن يطوفوا بين الصفا والمروة) تعظيمًا لصنمهم حيث لم يكن في المسعى، وكان فيه صنمان لغيرهم وهما إساف ونائلة المذكوران من قبل وسيأتي رواية قولهما، وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة، ومناة بفتح الميم وتخفيف النون وبعد الألف تاء مثناة من فوف هي صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي: كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي بجهة البحر كانوا يعبدونها، وقيل هي صخرة لهذيل بقديد، وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى بها أي تراق، وقال الحازمي: هي على سبعة أميال من المدينة وإليها نسبوا زيد مناة اهـ فتح الملهم (فلما قدموا) أي الأنصار (مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك) الذي يفعلونه في الجاهلية من عدم طوافهم بين الصفا والمروة (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (فأنزل الله تعالى) في شأنهم (هذه الآية) المذكورة إبطالًا لما عليهم في الجاهلية، ثم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها تأكيدًا لكلامها (فلعمري) أي فلحياتي قسمي (ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة) ولا عمرته لأن السعي ركن من أركانها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2961 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن ابن عيينة قال ابن أبي عمر

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَى عَلَى أحَدٍ، لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، شَيئًا. وَمَا أُبَالِي أَنْ لَا أَطُوفَ بَينَهُمَا. قَالتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، يَا ابْنَ أُخْتِي! طَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ. فَكَانَتْ سُنَّةً. وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ، الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ، لَا يَطُوفُونَ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ سَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا سفيان قال) سفيان (سمعت الزهري يحدّث عن عروة بن الزبير قال قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) ورضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة (ما أرى) أي ما أظن (على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئًا) من الجناح أو الدم (وما أبالي) أي ما أكترث أنا في حق نفسي (أن لا أطوف) أي عدم طوافي (بينهما) أي بين الصفا والمروة (قالت) عائشة لعروة (بئس) وقبح (ما قلت يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر الصديق من نفي الحرج في ترك الطواف بينهما ومن عدم مبالاتك في تركه لأنه (طاف) وسعى (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بينهما (وطاف المسلمون) بينهما (فكانت) فريضة السعي بينهما (سنة) شرعية شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فكيف تقول ذلك الكلام (وإنما كان) الشأن في الجاهلية (من أهل) بالحج أو بالعمرة من الأنصار (لمناة الطاغية) صفة إسلامية لمناة وصفت بها باعتبار طغيان عبدتها، والطغيان مجاوزة الحد في العصيان، ويجوز إضافة مناة إلى الطاغية فيجر بالكسرة الظاهرة للإضافة ويكون الطاغية وصفًا للفرقة وهي الكفار أفاده في عمدة القاري (التي) صفة ثانية لمناة (بالمشلل) بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام الأولى المفتوحة اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر، ويقال هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر، وقال البكري: هي ثنية مشرفة على قديد، وقال السفاقُسيّ: هي عند الجحفة والله أعلم، ومن الموصولة في قوله من أهل لمناة مبتدأ أو اسم كان، وجملة قوله (لا يطوفون بين الصفا والمروة) خبر المبتدإ أو خبر كان (فلما كان) أي جاء (الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسليم عن ذلك) الذي يفعلونه في الجاهلية (فأنزل الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو

اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية [البقرة: 158] وَلَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَتْ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. قَال الزُّهْرِيُّ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. فَأَعْجَبَهُ ذلِكَ. وَقَال: إِنَّ هذَا الْعِلْمُ. وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ لَا يَطُوفُ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: إِنَّ طَوَافَنَا بَينَ هذَينِ الْحَجَرَينِ مِن أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَال آخَرُونَ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالطَّوَافِ بِالْبَيتِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. قَال أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ: فَأُرَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية ولو كانت) هذه الآية أي معناها (كما تقول) وتزعم من نفي الجناح في ترك الطواف بينهما (لكانت) هذه الآية أي نظمها وتركيبها المفيد لما زعمت (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة لا النافية (قال الزهري) بالسند السابق (فذكرت ذلك) الذي سمعته من عروة (لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المدني كان أحد الفقهاء السبعة في المدينة قيل اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، ثقة فقيه عابد، من (3) مات سنة (94) روى عنه في (6) أبواب (فأعجبه) أي أعجب أبا بكر وأحبه (ذلك) الحديث (وقال) أبو بكر (إن هذا) الذي ذكرته عن عروة هو (العلم) المتقن المحقق، قال القاضي: وروي (إن هذا لعلم) بفتح اللام التي هي للتأكيد وتنكير للعلم كما وقع في صحيح البخاري قال: وكلاهما صحيح؛ ومعناه لعلم حق صواب والقصد استحسان قول عائشة رضي الله تعالى عنها وبلاغتها في تفسير الآية الكريمة اهـ، ثم قال أبو بكر بن عبد الرحمن (و) الله (لقد سمعت رجالًا من أهل العلم) والحديث (يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب) وهم غسان كما سيأتي التصريح به (يقولون) خبر كان (إن طوافنا بين هذين الحجرين) أي الصنمين إساف ونائلة اللذين كانا على الصفا والمروة (من أمر الجاهلية) وشغلهم (وقال) قوم (آخرون من الأنصار إنما أمرنا) أي أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز (بالطواف بالبيت) حيث قال {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيتِ الْعَتِيقِ} (ولم نؤمر به) أي بالطواف (بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}) الآية (قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها) بضم

قَدْ نَزَلَتْ فِي هؤُلاءِ وَهؤُلاءِ. (2962) - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ. قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ. وَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمزة وفتحها والضم أحسن وأشهر اهـ نووي أي فأظن هذه الآية (قد نزلت في هؤلاء) الأولين من العرب (وهؤلاء) الآخرين من الأنصار، وحاصله أن سبب نزول الآية على هذا الأسلوب كان للرد على الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونهما لم يذكرا، قال القرطبي: وقد اختلف قول عائشة في سبب نزولها، واختلفت الرواة عنها في ذلك ففي بعض الروايات عنها أن أهل المدينة كان من أهل منهم لمناة لم يطف بينهما وكأن هؤلاء بقوا بعد الإسلام على ذلك الامتناع حتى أُنزلت هذه الآية، وفي بعضها أن من أهل لإساف ونائلة بالإسلام خافوا أن لا يكون مشروعًا لمن لم يهل لهما فرفع الله سبحانه تلك التوهمات كلها بقوله {فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ} وقد ذكر أبو بكر بن عبد الرحمن عند سماعه قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما يدل على سببين آخرين نص عليهما في معنى الحديث، ويرتفع الإشكال ويصح الجمع بين هذه الروايات المختلفة بالطريق الذي سلكه أبو بكر بن عبد الرحمن قال: فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء فنقول: نزلت الآية جوابًا لجميع هؤلاء الذين ذكرت أسبابهم ورافعة للحرج عنهم والله تعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2962 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حجين بن المثنى) اليمامي أبو عمرو البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد الأموي المصري (عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة بن الزبير قال سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عقيل بن خالد لسفيان بن عيينة (وساق) عقيل أي ذكر (الحديث) السابق (بنحوه) أي بنحو ما حدّث سفيان عن ابن شهاب (و) لكن (قال) عقيل

فِي الْحَدِيثِ: فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ فَقَالُوا: يَا رَسُول اللهِ! إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَأَنْزَل اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} الآية [البقرة: 158]. قَالتْ عَائِشَةُ: قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَينَهُمَا. فَلَيسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَينَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (في الحديث فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن طوافهم بين الصفا والمروة، والفاء في قوله (فقالوا) زائدة في جواب لما أي لما سألوه عن ذلك قالوا في سؤالهم (يا رسول الله إنا كنا نتحرج) أي نعد الحرج والذنب (أن نطوف) أي طوافنا (بالصفا والمروة) كراهية لذينك الصنمين وحبهم صنمهم الذي بالمشلل أو المعنى نحترز الحرج ونخاف الإثم في طوافنا بين الصفا والمروة (فأنزل الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها بالسند السابق (قد سن رسول الله) أي فرض وأوجب رسول الله (صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما) على من حج واعتمر (فليس لأحد) حج أو اعتمر (أن يترك الطواف بينهما) أي السعي بينهما، وفي بعض الهوامش قوله (كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة) أي نك أنفسنا من حرج هذا الطواف أي إثمه ونجانبه، قال في المصباح بعدما فسر الحرج بالإثم ما نصه: وتحرج الإنسان تحرجًا هذا مما ورد لفظه مخالفًا لمعناه، والمراد فعل فعلًا جانب به الحرج كما يقال تحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث، قال ابن الأعرابي: للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها قالوا تحرج وتحنث وتأثم وتهجد إذا ترك الهجود اهـ ومنها تحوب إذا ألقى الحوب وهو الإثم عن نفسه وتلوم إذا تربص بالأمر يريد إلقاء الملامة عن نفسه، قال المرقش: يا صاحبي تلوَّما لا تعجلا ... إن النجاح رهين أن لا تعجلا اهـ وقولها (قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما) قال القرطبي: سن بمعنى شرع وبين وهو ركن واجب من أركان الحج والعمرة عند جمهور السلف وفقهاء الخلف ولا ينجبر بالدم ومن تركه أو شوطًا منه عاد إليه ما لم يصب النساء فإن أصاب أعاد قابلًا حجة أو عمرة، واستدل للجمهور بأن الله تعالى قد جعله من الشعائر وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال "خذوا عني مناسككم" وبحديث أم حبيبة بنت أبي تجراة

(2963) - (00) (00) وحدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَن عَائِشَةَ أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ الأنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، هُمْ وَغَسَّانُ، يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ. فَتَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَكَانَ ذلِكَ سُنَّةَ فِي آبَائِهِمْ. مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَإِنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ حِينَ أَسْلَمُوا. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذلِكَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158] ـــــــــــــــــــــــــــــ -بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم ألف ثم هاء- الشيبية وهي إحدى نساء بني عبد الدار قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة وهو يقول: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" رواه أحمد [6/ 422]، غير أن هذا الحديث تفرد به عبد الله بن المؤمل وهو سييء الحفظ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 2963 - (00) (00) (وحدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي أخبرت لعروة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (أن الأنصار) الأوس والخزرج (كانوا قبل أن يسلموا) أي قبل أن يدخلوا في دين الإسلام، وقوله (هم) أي الأنصار تأكيد لاسم كان ليعطف عليه قوله (وغسان) أي كانت الأنصار وغسان قبل إسلامهم، وغسان قبيلة مشهورة من العرب (يهلون) أي يحجون (لمناة) التي بالمشلل (فتحرجوا) أي تأثموا (أن يطوفوا بين الصفا والمروة) كراهية لذينك الصنمين وحبهم لصنمهم (وكان ذلك) أي ترك الطواف بين الصفا والمروة (سنة) أي عادة (في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة) تعظيمًا لصنمهم (وإنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن الطواف بهما (حين أسلموا فأنزل الله عزَّ وجلَّ في ذلك) أي في جواب سؤالهم عن ذلك الطواف {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}) فقد تبين أن

(2964) - (1242) (172) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَتِ الأَنْصَارُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. حَتَّى نَزَلتْ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية [البقرة: 158]. (2965) - (1243) (173) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكمة في التعبير بذلك في الآية مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه يستمر في الإسلام فخرج الجواب مطابقًا لسؤالهم، وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر كما مر وقد يكون الفعل واجبًا ويعتقد المعتقد أنه منع من إيقاعه على صفة مخصوصة كمن عليه صلاة ظهر مثلًا فظن أنه لا يجوز فعلها عند الغروب فسأل فقيل في جوابه لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت فالجواب صحيح ولا يستلزم ذلك الوجوب ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفى الإثم عن التارك اهـ إرشاد الساري. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 2964 - (1242) (172) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان (قال) أنس كانت الأنصار يكرهون أن يطوفوا) أي أن يسعوا (بين الصفا والمروة) لذينك الصنمين وحبًا لصنمهم (حتى نزلت) الآية ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الآية). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والترمذي والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه: 2965 - (1243) (173) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (عن ابن جريج) المكي (أخبرني أبو الزبير)

أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ، بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا. (2966) - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا. طَوَافَهُ الأَوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي (لم يطف) أي لم يسع (النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه) أي الذين وافقوه في القرآن أو مطلقًا والصحابة كانوا ما بين قارن ومتمتع (بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا) يعني سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة يحسب الذهاب من الصفا مرة والإياب من المروة مرة ثانية. قال النووي: ففي الحديث دليل على أن السعي في الحج أو العمرة لا يكرر بل يقتصر فيه على مرة واحدة، ويكره تكراره لأنه بدعة، وفيه دليل لما قدمناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا وأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد، وقد سبق خلاف أبي حنيفة وغيره في المسئلة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 2966 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن بكر ليحيى القطان (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن سعيد عن ابن جريج (وقال) محمد بن بكر في روايته (إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول) بزيادة طوافه الأول وهو بدل مما قبله بدل الكل من الكل أي إلا سعيه بعد طوافه الأول الذي هو طواف القدوم فلا يعاد بعد طواف الإفاضة لعدم وروده. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

503 - (59) باب متى يقطع الحاج التلبية يوم النحر وبيان ما يقال يوم عرفة في الغدو من منى إلى عرفات

503 - (59) باب: متى يقطع الحاج التلبية يوم النحر وبيان ما يقال يوم عرفة في الغدو من منى إلى عرفات (2967) - (1244) (174) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. قَال: رَدِفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الشِّعْبَ الأيسَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 503 - (59) باب متى يقطع الحاج التلبية يوم النحر وبيان ما يقال يوم عرفة في الغدو من منى إلى عرفات 2967 - (1244) (174) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى بن يحيى (قال) يحيى (أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم (مولى ابن عباس) المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي المدني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وابن حبه وابن حاضنته صلى الله عليه وسلم أم أيمن له ولأبيه ولجده صحبة رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي وإما بلخي وإما مروزي (قال) أسامة بن زيد (ردفت) بكسر الدال أي ركبت خلف (رسول الله صلى الله عليه وسلم) على راحلته، وفيه الركوب حال الدفع من عرفة والارتداف على الدابة ومحله إذا كانت مطيقة وارتداف أهل الفضل، ويعد ذلك من إكرامهم للرديف لا من سوء أدبه، قال ابن المنير: والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قصد بإردافه أسامة ثم الفضل ليحدّث كل واحد منهما بما يتفق له في تلك الحالة من التشريع (من عرفات فلما بلغ) أي وصل (رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الأيسر) بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل، واللام فيه للعهد

الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ، أَنَاخَ فَبَال. ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيهِ الْوَضُوءَ. فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا. ثُمَّ قُلْتُ: الصَّلاةَ. يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال: "الصَّلاةُ أَمَامَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد الشعب الخاص الذي يأتي ذكره، وقوله (الذي دون المزدلفة) أي الذي بقربها قبل الوصول إليها صفة ثانية للشعب (أناخ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته وأضجعها هناك (فبال) أي قضى حاجة البول (ثم جاء) من موضع قضاء الحاجة (فصببت عليه) صلى الله عليه وسلم (الوضوء) بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به، قال الحافظ: ويؤخذ منه الاستعانة في الوضوء وللفقهاء فيها تفصيل لأنها إما أن تكون في إحضار الماء مثلًا أو في صبه على المتوضئ أو مباشرة غسل أعضائه فالأول جائز لكن الأفضل خلافه، والثالث مكروه إلا إن كان لعذر، واختلف في الثاني والأصح أنه لا يكره بل هو خلاف الأول فأما وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فإما لبيان الجواز وهو حينئذ أفضل في حقه أو للضرورة اهـ (فتوضأ وضوءًا) بضم الواو هنا لأنه بمعنى استعمال الماء في الأعضاء (خفيفًا) يعني توضأ وضوء الصلاة وخففه بأن توضأ مرة مرة أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته صلى الله عليه وسلم اهـ نووي، وفي وضوء البخاري كما هو الرواية فيما يأتي من الكتاب ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء أي لإعجاله الدفع إلى مزدلفة، قال أسامة (ثم قلت) له صلى الله عليه وسلم أتريد (الصلاة) هنا (يا رسول الله) بالنصب بفعل محذوف، ويؤيده قوله في بعض الروايات: أتصلي يا رسول الله، ويجوز الرفع والتقدير حانت الصلاة، وقال القاضي: هو بالنصب على الإغراء تذكيرًا له بصلاة المغرب، وفيه تذكير التابع بما تركه المتبوع ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين له وجه صوابه، وكأن أسامة ظن أنه صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب، ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنها في تلك الليلة يشرع تأخيرها لتجمع مع العشاء بالمزدلفة ولم يكن أسامة يعرف تلك السنة قبل ذلك كذا في الفتح (فقال) لي (الصلاة) بالرفع على الابتداء (أمامك) بفتح الهمزة، وبالنصب على الظرفية خبر المبتدإ أي إن الصلاة في هذه الليلة مشروعة فيما بين يديك وهو المزدلفة ففيه تأخير المغرب إلى العشاء والجمع بينهما بالمزدلفة اهـ نووي، أو الصلاة ستصلى بين يديك أو أطلق الصلاة على مكانها أي المصلي بين يديك، ومعنى أمامك لا تفوتك وستدركها، وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بذلك الوضوء شيئًا وإنما توضأ ليستديم الطهارة ولا سيما

فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ. فَصَلَّى. ثُمَّ رَدِفَ الْفَضْلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ قَال كُرَيبٌ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في تلك الحالة لكثرة الاحتياج إلى ذكر الله حينئذ وخفف الوضوء لقلة الماء حينئذ قاله الحافظ، وقال الخطابي: وتجوز في الوضوء لأنه لم يرد أن يصلي به فلما نزل وأرادها أسبغه اهـ (فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى مزدلفة فصلى) المغرب والعشاء جمعًا بعد تجديد الوضوء مع إسباغه كما ثبت في بعض الروايات (ثم ردف الفضل) بن العباس بن عبد المطلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ركب خلف رسول الله (غداة) ليلة (جمع) بفتح الجيم وإسكان الميم وهي المزدلفة أي صباح ليلة النحر وهي كعشية عرفة وقت الدفع والرحيل (حتى بلغ) وصل (الجمرة) الكبرى المسماة بجمرة العقبة ورماها، قال الحافظ: وفي هذا الحديث أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر وبعدها يشرع الحاج في التحلل وهي الجمرة الكبرى فعندها يقطع التلبية بأول حصاة ترمى فهي كما ذكر في كتب الفقه الغاية لها، وروى ابن المنذر عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يقول التلبية شعار الحج فإن كنت حاجًّا فلب حتى بدء حلك، وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة، وروى سعيد بن منصور من طريق ابن عباس قال: حججت مع عمر إحدى عشرة حجة، وكان يلبي حتى يرمي الجمرة، وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم، وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن كان يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة، وقالت طائفة: يقطعها إذا راح إلى الموقف رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص وعلي، وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث وعن الحسن البصري مثله لكن قال: إذا صلى الغداة يوم عرفة وهو بمعنى الأول، وأشار الطحاوي إلى أن كل من روى عنه ترك التلبية من يوم عرفة أنه تركها للاشتغال بغيرها من الذكر لا على أنها لا تشرع، وجمع في ذلك بين ما اختلف من الآثار والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 200]، والبخاري [1669]، وأبو داود [1925]، والنسائي [1/ 292]، وابن ماجه [3019]. (قال كريب) بالسند السابق (فأخبرني عبد الله بن عباس عن الفضل أن رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ. (2968) - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيٌّ بْنُ خَشْرَمٍ. كِلاهُمَا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. قَال ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ جَمْعِ. قَال: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ الْفَضْلَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي) في أوقات حجته (حتى بلغ الجمرة) الكبرى وهي جمرة العقبة ورماها فعندها قطع التلبية بأول حصاة رماها، وهذا موضع الترجمة من الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1686] وأبو داود [1815] والترمذي [918] والنسائي [5/ 268]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث الفضل رضي الله عنه فقال: 2968 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن الهلالي المروزي (كلاهما عن عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (قال ابن خشرم أخبرنا عيسى) بن يونس (عن ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) قال (أخبرني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أودف الفضل) بن عباس (من) منزلهم في (جمع) أي في مزدلفة إلى الجمرة (قال) عطاء (فأخبرني ابن عباس أن الفضل أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل) أي لم يبرح (بلبي) في أوقات حجته (حنى رمى جمرة العقبة) فقطعها عند أول حصاة رماها لأن الرمي من أسباب التحلل والتلبية من أسباب الإحرام فهما ضدان لا يجتمعان كالتكبير والسلام في الصلاة، وأما الفضل فهو ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي المدني ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو محمد الصحابي المشهور رضي الله عنه وكان أكبر أولاد العباس، وكان وسيمًا جميلًا، له (24) أربعة وعشرون حديثًا اتفقا على حديثين، روى عنه أبو هريرة في الصوم، وابن عباس في الحج، استشهد يوم اليرموك في خلافة عمر سنة (15) خمس عشرة وهو ابن (22) اثنتين وعشرين سنة. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد مدني وواحد كوفي وواحد مروزي، غرضه بيان متابعة

(2969) - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنِي اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال، فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ، لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا: "عَلَيكُمْ بِالسَّكِينَةِ" وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ. حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عطاء بن أبي رباح لكريب في رواية هذا الحديث عن ابن عباس عن الفضل بن العباس رضي الله عنهم، ومن لطائفه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 2969 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا) محمد (ابن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرني الليث عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن أبي معبد) نافذ بفاء ومعجمة، وقيل ناقد بقاف ومهملة (مولى ابن عباس) المكي، ثقة، من (4) مات سنة (104) روى عنه في (3) أبواب (عن ابن عباس عن الفضل بن عباس وكان) الفضل (رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد مدني واثنان مصريان أو مصري وبلخي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي معبد لعطاء في رواية هذا الحديث عن ابن عباس عن الفضل (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال في عشية عرفة) أي في آخر يوم عرفة وهو اليوم التاسع عند الدفع إلى مزدلفة (وغداة جمع) أي في صباح ليلة جمع وهو يوم النحر عند الدفع إلى منى، وقوله (للناس) متعلق بقال وكذا الظرف في قوله (حين دفعوا) وذهبوا إلى مزدلفة أو إلى منى متعلق بقال، وقوله (عليكم بالسكينة) مقول قال وهو اسم فعل أمر بمعنى الزموا بالسكينة، والسكينة هو التأني في المشي وترك العجلة فيه، وهذا إرشاد إلى الأدب والسنة في السير تلك الليلة ويلحق بها سائر مواضع الزحام (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (كاف) أي مانع (ناقته) عن الإسراع، وكاف بتشديد الفاء اسم فاعل من الكف وهو المنع أي يمنعها الإسراع في المشي، وسبق هذا مفصلًا في حديث جابر الطويل في باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ وقد شنق للقصواء الزمام أي مَانِعٌ لها من الإسراع (حتى دخل محسرًا) أي وادي محسر

(وَهُوَ مِنْ مِنًى) قَال: "عَلَيكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ". وَقَال: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. (2970) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ. بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ: وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. وَزَادَ فِي حَدِيثِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فأسرع ناقته فيه (وهو) أي المحسر واد (من منى) وسبق ضبطه وبيانه في شرح حديث جابر الطويل يعني أن المحسر موضع من منى، والمذكور في كتب الفقه أن المحسر واد بين منى ومزدلفة وهو إلى المزدلفة أقرب منه إلى منى حتى قال الفقهاء: المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر، ثم (قال عليكم) أي الزموا (بـ) أخذ (حصى الخذف) أي بقدر حصى يخذف بها، والخذف رمي الحصا بين أصبعين وهو قدر حبة الباقلاء، وقد مر بيانه وبيان كيفية الرمي في شرح حديث جابر الطويل، قال القرطبي: وهذا يدل على أن حصى الرمي يجاء بها إلى موضع الرمي من غير موضع الرمي لئلا يرمى بما قد رمي به وذلك لا يجوز، واستحب مالك لقطها على كسرها وقال غيره: يستحب كسرها وكل جائز اهـ مفهم، أي خذوا قدر حصى الخذف في التقاط الحصى (الذي يرمى به الجمرة) أي جمرة العقبة التي ترمى يوم النحر وكذا حصى سائر الجمار في أيام التشريق أن تكون قدر حصى الخذف ولكنها تلتقط من أي موضع شاء غير المرمى سواء كان من مزدلفة أو منى أو من مكة ولو من خارج الحرم، ولكن المستحب أن تكون من مزدلفة أو من الطريق قاله العلماء (وقال) الفضل بن عباس (لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة) أي جمرة العقبة يوم النحر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث الفضل رضي الله عنه فقال: 2970 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير بهذا الإسناد) يعني عن أبي معبد عن ابن عباس عن الفضل بن عباس رضي الله عنهم. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد (غير أنه) أي لكن أن ابن جريج (لم يذكر في الحديث) جملة قوله (ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة وزاد) ابن جريج (في حديثه)

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الإِنْسَانُ. (2971) - (1245) (175) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ، عَنْ حُصَينٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: قَال عَبْدُ اللهِ، وَنَحْنُ بِجَمْعٍ: سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هذَا الْمَقَامِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي في روايته على ليث بن سعد لفظة (والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان) أي قال عليكم بحصى الخذف، والحال أنه يشير إلى قدرها بيدها خاذفًا بها خذفًا كخذف الإنسان الحصى بأصبعيه، قال النووي رحمه الله تعالى: المراد به الإيضاح وزيادة البيان لحصى الخذف وليس المراد أن رمي الجمرة يكون على هيئة الخذف وإن كان بعض أصحابنا قد قال باستحباب ذلك لكنه غلط، والصواب أنه لا يستحب كون الرمي على هيئة الخذف فقد ثبت حديث عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخذف وإنما معنى هذه الإشارة ما قدمناه والله أعلم اهـ منه. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [1/ 220]، والنسائي [5/ 269]، وابن ماجه [3029]. ثم استشهد لحديث الفضل بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 2971 - (1245) (175) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي، ثقة، من (5) (عن كثير بن مدرك) الأشجعي أبي مدرك الكوفي، روى عن عبد الرحمن بن يزيد في الحج، والأسود بن يزيد في الحج، ويروي عنه (م د) وأبو مالك الأشجعي وحصين بن عبد الرحمن، قال العجلي: كوفي ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (6) (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أبي بكر الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عبد الرحمن بن يزيد (قال عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (ونحن بجمع) هو من كلام عبد الرحمن بن يزيد أي قال عبد الرحمن قال لنا عبد الله بن مسعود، والحال نحن معه في مزدلفة (سمعت) النبي (الذي أنزلت عليه سورة البقرة) صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر من بين السور لأن معظم المناسك فيها حالة كونه (يقول في هذا المقام) يعني في مزدلفة

"لَبَّيكَ اللهُ مَّ لَبَّيكَ". (2972) - (00) (00) وحدّثنا سُرَيجُ بن يُونُسَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا حُصَينٌ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ؛ أَن عَبْدَ اللهِ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ. فَقِيلَ: أَعْرَابِيٌّ هذَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لبيك اللهم لبيك) فكأنه قال هذا مقام من أنزلت عليه المناسك وأخذ عنه الشرع وبين الأحكام فاعتمدوه وأراد بذلك الرد على من يقول بقطع التلبية من الوقوف بعرفات وهذا يعني قوله في الرواية الثانية أن عبد الله بن حصين أفاض من جمع فقيل أعرابي هذا فقال ابن مسعود ما قال إنكارًا على المعترض وردًا عليه اهـ نواوي، قال النواوي: ففي هذا الحديث دليل على جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وشبه ذلك وكره ذلك بعض الأوائل وقال إنما يقال السورة التي تذكر فيها البقرة والسورة التي تذكر فيها النساء وشبه ذلك، والصواب جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وسورة المائدة وغيرها وبهذا قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم كحديث من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [5/ 265]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 2972 - (00) (00) (وحدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل أبو الحارث البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثقة، من (7) (أخبرنا حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن كثير بن مدرك الأشجعي) الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) الكوفي (أن عبد الله) بن مسعود الكوفي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هشيم لأبي الأحوص أي أن ابن مسعود (لبى) أي قال لبيك اللهم لبيك (حين أفاض) وذهب (من جمع) أي من مزدلفة إلى منى (فقيل) أي قال بعض من سمع تلبيته (أعرابي هذا) أي هل هذا الملبي بدوي لا يعرف الشريعة، يريد القائل عبد الله بن مسعود، والكلام على تقدير همزة الاستفهام

فَقَال عَبْدُ اللهِ: أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا؟ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ، فِي هذَا الْمَكَانِ "لَبَّيكَ اللهُمَّ لَبَّيكَ". (2973) - (00) (00) وحدّثناه حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَينٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. (2974) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ. حَدَّثَنَا زِيادٌ (يَعْنِي الْبَكَّائِيَّ) عَنْ حُصَينِ، عَن كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ. قَالا: سَمِعْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال عبد الله أنسي الناس) أي هل نسي الناس سنة محمد صلى الله عليه وسلم (أم ضلوا) أي أم أخطأوا سنته قاله إنكارًا على ذلك المعترض وردًا عليه، وأراد الرد على من يقول بقطع التلبية من الوفوف بعرفات أفاده النواوي كما مر، والله (سمعت) أنا النبي (الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان) أي في مزدلفة (لبيك اللهم لبيك). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 2973 - (00) (00) (وحدثناه حسن) بن علي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم المكي، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن حصين) بن عبد الرحمن (بهذا الإسناد) يعني عن كثير بن مدرك الخ، غرضه بيان متابعة سفيان لهشيم بن بشير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 2974 - (00) (00) (وحدثنيه يوسف بن حماد المعني) بفتح الميم وسكون العين المهملة ثم نون وتشديد الياء نسبة إلى معن أحد أجداده أبو يعقوب المصري، ثقة، من (10) (حدثنا زياد) بن عبد الله بن الطفيل العامري أبو محمد (يعني البكائي) نسبة إلى البكاء وهو ربيعة بن عامر، صدوق، من (8) روى عنه في (3) أبواب (عن حصين) بن عبد الرحمن (عن كثير بن مدرك الأشجعي عن عبد الرحمن بن بريد والأسود بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم فقيه، من (2) (قالا سمعنا عبد الله بن

مَسْعُودٍ يَقُولُ بجَمْعٍ: سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، فهُنَا يَقُولُ: "لَبَّيكَ اللهُمَّ لَبَّيكَ" ثُمَّ لَبَّى وَلَبَّينَا مَعَهُ. (2975) - (1246) (176) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَويُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود يقول بجمع) أي بمزدلفة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زياد البكائي لهشيم بن بشير (سمعت) النبي (الذي أنزلت عليه سورة البقرة هاهنا) أي في مزدلفة (يقول لبيك اللهم لبيك ثم) بعدما أخبر عن تلبية النبي (لبى) عبد الله بن مسعود (ولبينا) نحن يعني عبد الرحمن بن يزيد والأسود بن يزيد (معه) أي مع عبد الله بن مسعود في مزدلفة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2975 - (1246) (176) (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال بن أسد الشيباني المروزي الأصل، قيل خرج من مرو حملًا ثم ولد ببغداد أبو عبد الله الإمام الفقيه المحدث الحجة رحمه الله تعالى، ثقة حجة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى قالا حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا سعيد بن يحيى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثني أبي) يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد الأموي أبو أيوب الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (8) أبواب (قالا) أي قال عبد الله بن نمير ويحيى بن سعيد الأموي (جميعًا حدثنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني القاضي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون -بفتح الجيم وضم الشين- كما في المغني، وقال: معرب ماه كون أي شبه القمر، وقيل شبه الورد سمي به لحمرة وجنتيه، وحكي فيه تثليث الجيم، التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب، واسم أبي سلمة ميمون (عن عبد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي أبي عبد الرحمن المدني، كان وصي أبيه، ثقة، من (3) روى عنه في

عَنْ أَبِيهِ. قَال: غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِنَى إِلَى عَرَفَاتٍ. مِنَّا الْمُلَبِّي، وَمِنَّا الْمُكَبِّرُ. (2976) - (00) (00) وحدّثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَيَعْقُوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (2) بابين، وفي فتح الملهم هكذا هو في جميع نسخ الصحيح التي عندنا من الهندية والمصرية عبد الله بن عبد الله المكبر، ولكن الذي في الفتح هو عبيد الله بن عبد الله المصغر والله أعلم (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهم. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد كوفي وواحد بغدادي أو بصري (قال) ابن عمر (غدونا) أي بكرنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم عرفة (من منى إلى عرفات) فـ (منا الملبي) أي القائل لبيك لبيك (ومنا المكبر) أي القائل الله أكبر الله أكبر، وفي الرواية الأخرى يهلل المهلل فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه، وفيه دليل على استحبابهما في الذهاب من منى إلى عرفات يوم عرفة، والتلبية أفضل، وفيه رد على من قال يقطع التلبية بعد صبح يوم عرفة اهـ نووي، وفي المرقاة قال الطيبي: وهذا رخصة ولا حرج في التكبير كسائر الأذكار ولكن ليس التكبير في يوم عرفة سنة الحجاج بل السنة لهم التلبية إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر اهـ. قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث بل وأحاديث هذا الباب جواز التلبية والتكبير والتهليل في الغدو إلى عرفات والإفاضة وبذلك قال مالك وغيره: ولا نعلم خلافًا في جواز ذلك مع أن التلبية أفضل في الحج والعمرة إلى وقت قطعها، وقد ذكرنا متى يقطعها الحاج فأما المعتمرون فعند مالك إن أحرم من التنعيم فيقطعها إذا رأى الحرم، وعنه أنه إن أحرم من الجعرانة قطع إذا دخل مكة، وعند أبي حنيفة والشافعي يقطعها المعتمر إذا ابتدأ الطواف ولم يفرقا بين القرب والبعد اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1816]، والنسائي [5/ 250]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 2976 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال بالمهملة (ويعقوب) بن

الدَّوْرَقِيُّ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَينٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةِ عَرَفَةَ. فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ. فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ. قَال: قُلْتُ: وَاللهِ! لَعَجَبًا مِنْكُمْ. كَيفَ لَمْ تَقُولُوا لَهُ: مَاذَا رَأَيتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي (قالوا أخبرنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا عبد العزيز) بن عبد الله (بن أبي سلمة) الماجشون التيمي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن عمر بن حسين) بن عبد الله الجمحي مولاهم مولى عائشة بنت قدامة بن مظعون أبي قدامة المدني قاضيها، روى عن عبد الله بن أبي سلمة في الحج، ومولاته عائشة بنت قدامة ونافع، ويروي عنه (م د) وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ومالك وابن إسحاق، وثقه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن عبد الله بن أبي سلمة) التيمي المدني (عن عبد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهم. وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عمر بن حسين ليحيى بن سعيد في الرواية عن عبد الله بن أبي سلمة (قال) عبد الله بن عمر (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في) الذهاب إلى عرفة (غداة عرفة فمنا المكبر ومنا المهلل) والأنسب أن يقال ومنها المهل كما في حديث أنس الآتي لأن المراد هنا الإهلال لا التهليل، قال عبد الله بن عمر (فأما نحن) أي فأما أنا ومن معي (فنكبر، قال) عبد الله بن أبي سلمة (قلت) لعبد الله بن عبد الله بن عمر (والله لعجبًا منكم) أي أقسمت لك بالله لا تعجب عجبًا منكم أيها الحاضرون عند ابن عمر عندما حدّث هذا الحديث أي لا تعجب من سكوتكم عن سؤاله (كيف لم تقولوا له) أي لابن عمر (ماذا رأيت) يا ابن عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنع) أي ما الذكر الذي علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله من هذه الأذكار هل هو التكبير أو التلبية أو التهليل فيخبركم عنه أي كيف لم تسألوه؟ والقائل هو عبد الله بن أبي سلمة، والمقول له هو عبد الله بن عبد الله بن عمر، وأراد عبد الله بن أبي سلمة بذلك الوقوف على الأفضل والعلم به لأن الحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية من تقريره صلى الله عليه وسلم لهم على

(2977) - (1247) (177) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ؛ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ: كَيفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هذِا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا، فَلَا يُنْكَرُ عَلَيهِ. ويكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا، فَلَا يُنْكَرُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك فأراد أن يعرف ما كان هو يصنع ليعرف الأفضل من الأمرين، وقد بينه ما عند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي من طريق مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير اهـ من فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أنس رضي الله عنهم فقال: 2977 - (1247) (177) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن محمد بن أبي بكر) بن عوف (الثقفي) الحجازي المدني، روى عن أنس بن مالك في الحج في الإهلال والتكبير في الغدو ومن منى إلى عرفات، ويروي عنه (خ م س ق) ومالك وموسى بن عقبة وشعبة، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: تابعي مدني ثقة، له في (خ م) فرد حديث، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (أنه سأل أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد نيسابوري (وهما) أي والحال أن أنسًا ومحمدًا (غاديان) أي ذاهبان (من منى إلى عرفة) غدوة وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس كما في المصباح فقال له في سؤاله (كيف كنتم تصنعون) يا أبا حمزة بالنسبة إلى الذكر (في هذا اليوم) يعني يوم عرفة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) أنس في جواب سؤاله (كان) الشأن (يهل المهل) أي يلبي الملبي (منا فلا ينكر عليه) إهلاله بالبناء للمجهول (ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه) تكبيره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1659]، والنسائي [5/ 250]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

(2978) - (00) (00) وحدّثني سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. قَال: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، غَدَاةَ عَرَفَةَ: مَا تَقُولُ فِي التَّلْبِيَةِ هذَا الْيَوْمَ؟ قَال: سِرْتُ هذَا الْمَسِيرَ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ. وَلَا يَعِيبُ أَحَدُنَا عَلَى صَاحِبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2978 - (00) (00) (وحدثني سريج) بالتصغير (بن يونس) بن إبراهيم البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الله بن رجاء) أبو عمران البصري نزيل مكة، روى عن موسى بن عقبة في الحج، ويونس بن يزيد في الجهاد، ويروي عنه (م د س ق) وسريج بن يونس وعمرو الناقد وأحمد وإسحاق وابن معين وخلق، قال ابن معين: ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة تغير حفظه قليلًا، من صغار الثامنة، مات سنة (170) سبعين ومائة (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (حدثني محمد بن أبي بكر) بن عوف الثقفي المدني (قال قلت لأنس بن مالك غداة) يوم (عرفة) أي غدوته. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان مدنيان وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة موسى بن عقبة لمالك بن أنس أي قلت لأنس (ما تقول في) حكم (التلبية) في (هذا اليوم) يعني يوم عرفة (قال) أنس في جوابه (سرت هذا المسير) في مثل هذا اليوم يعني السير من منى إلى عرفة (مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فمنا المكبر ومنها المهلل) كذا في جميع النسخ بثلاث لامات، والأنسب للمقام ما سبق في الطريق الذي قبله بلام واحدة مشددة لأن المراد هنا الإهلال أي رفع الصوت بالتلبية لا التهليل الذي أخذ منه المهلل لأن التهليل قول لا إله إلا الله (ولا يعيب) من عاب يعيب من باب باع أي لا يعيب (أحدنا على صاحبه) ما أتى به من الذكر أي لا يعيب الملبي على المكبر ولا المكبر على الملبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة، الأول حديث الفضل بن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد به للأول وذكر فيه ثلاث متابعات أيضًا، والثالث حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أنس ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه أيضًا متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

504 - (60) باب الإفاضة من عرفة بعد الغروب وجمع صلاتي المغرب والعشاء بمزدلفة والسير على هينته والإسراع إذا وجد فجوة

504 - (60) باب: الإفاضة من عرفة بعد الغروب وجمع صلاتي المغرب والعشاء بمزدلفة والسير على هينته والإسراع إذا وجد فجوة (2979) - (1248) (178) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبِ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَال. ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبغِ الْوُضُوءَ. فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاةَ. قَال: "الصَّلاةُ أَمَامَكَ" فَرَكِبَ. فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 504 - (60) باب الإفاضة من عرفة بعد الغروب وجمع صلاتي المغرب والعشاء بمزدلفة والسير على هينته والإسراع إذا وجد فجوة 2979 - (1248) (178) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن موسى بن عقبة) الأسدي المدني (عن كريب) بن أبي مسلم أبي رشدين (مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أنه) أي أن كريبًا (سمعه) أي سمع أسامة بن زيد (يقول دفع) أي ذهب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم عرفة بعد الغروب (من عرفة) إلى مزدلفة (حتى إذا كان) صلى الله عليه وسلم (بالشعب) الأيسر للذاهب إلى مزدلفة قبيل المزدلفة وهي الطريق المعهودة هناك للحجاج ومعناه الأصلي ما انفرج بين جبلين أو الطريق في الجبل (نزل) عن راحلته (فبال) أي قضى حاجة البول (ثم توضأ) أي غسل أعضاء وضوئه (ولم يسبغ الوضوء) أي لم يكمله، قال القرطبي: اختلف الشراح في قوله (ولم يسبغ الوضوء) هل المراد به اقتصر به على بعض الأعضاء فيكون وضوءًا لغويًّا أو اقتصر على بعض العدد وهي الواحدة مع استيفاء الأعضاء فيكون وضوءًا شرعيًّا، قال: وكلاهما محتمل لكن عضد من قال بالشرعي قوله بقول الراوي في الرواية الأخرى وضوءًا خفيفًا فإنه لا يقال في الناقص من الأصل خفيف، وإنما يطلق خفيف على ناقص الكيفية، ولا خلاف في أن قوله فأسبغ الوضوء أنه شرعي اهـ من المفهم، قال أسامة (فقلت له) صلى الله عليه وسلم أتريد (الصلاة) هنا يا رسول الله (قال) صلى الله عليه وسلم (الصلاة) بالرفع مبتدأ خبره متعلق الظرف في قوله (أمامك) أي مفعوله قدامك أي في المزدلفة (فركب) ناقته بعد ما توضأ (فلما جاء المزدلفة نزل)

فَتَوَضَّأَ. فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ. ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ. ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ. ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا. وَلَمْ يُصَلِّ بَينهُمَا شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عن راحلته (فتوضأ) للصلاة (فأسبغ) أي أكمل (الوضوء) بأركانه وهيئاته وآدابه، فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة قاله الخطابي، وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث. [فائدة] الماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب اهـ فتح الملهم. (ثم أقيمت الصلاة) أي أقام لها بلال (فصلى) بهم (المغرب ثم) بعدما انصرف من صلاة المغرب (أناخ) أي أضجع (كل إنسان) منهم ممن له راحلة (بعيره) أي راحلته (في منزله) أي في مكان نزوله وكأنهم صنعوا ذلك رفقًا بالدواب أو للأمن من تشويشهم بها وفيه إشعار بأنه خفف القراءة في الصلاتين، وفيه أنه لا بأس بالعمل اليسير بين الصلاتين المجموعتين ولا يبطل ذلك الجمع (ثم أقيمت العشاء فصلاها) ركعتين كما سيأتي التصريح به (ولم يصل بينهما) أي بين المغرب والعشاء (شيئًا) من النوافل أي لم يتنفل بينهما، وفي قوله (ثم أقيمت الصلاة) الخ دليل على جواز الاقتصار على الإقامة في الجمع من غير أذان، وقد تقدم الخلاف في ذلك في حديث جابر وأنه ذكر فيه الأذان للأول، ويحتمل قوله أقيمت ها هنا شرع فيها ففعلت بأحكامها كما يقال أقيمت السوق إذا حرك فيها ما يليق بها من البيع والشراء ولم يقصد الإخبار عن الإقامة بل عن الشروع اهـ من المفهم، وقال القرطبي أيضًا: قوله (ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله) يعني أنهم بادروا بالمغرب عند وصولهم إلى المزدلفة فصلوها قبل أن ينوخوا إبلهم ثم لما فرغوا من صلاة المغرب نوخوها ولم يحلوا رحالهم من عليها كما قال في الرواية الأخرى وكأنها شوشت عليهم بقيامها فأزالوا ما شوش عليهم، ويستدل به على جواز العمل اليسير بين الصلاتين المجموعتين، وقوله (ولم يصل بينهما شيئًا) حجة على من أجاز التنفل بين الصلاتين المجموعتين وهو قول ابن حبيب من أصحابنا وخالفه بقية أصحابنا فمنعوه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث كما مر في الباب السابق أحمد [5/ 200]، والبخاري [1669]، وأبو داود [1925]، والنسائي [1/ 292]، وابن ماجه [3019].

(2980) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقبَةَ مَوْلَى الزُّبَيرِ، عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. قَال: انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ، لِحَاجَتِهِ. فَصَبَبْتُ عَلَيهِ مِنَ الْمَاءِ. فَقُلْتُ: أَتُصَلِّي؟ فَقَال: "الْمُصَلَّى أَمَامَكَ". (2981) - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُريبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 2980 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن موسى بن عقبة) الأسدي مولاهم (مولى الزبير) بن العوام المدني (عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لمالك بن أنس (قال) أسامة (انصرف) أي ذهب (رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الدفعة) والخروج (من عرفات إلى بعض تلك الشعاب) والطرق الجبلية التي كانت هناك أي قرب مزدلفة (لـ) قضاء (حاجته) حاجة الإنسان (وقوله بعد الدفعة) أي بعد الإفاضة من عرفات وسمي الرجوع من عرفات ومزدلفة دفعًا لأن الناس في مسيرهم ذلك كأنهم مدفوعون؛ أي فقضى حاجته فجاء (فصببت عليه) صلى الله عليه وسلم (من) الإداوة (الماء) ليتوضأ (فقلت) له (أ) تريد أن (تصلي) هنا (فقال) لي (المصلى) أي مكان صلاة المغرب مع العشاء كائن (أمامك) أي قدامك في المزدلفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 2981 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي كريب (حدثنا ابن المبارك عن إبراهيم بن عقبة) بن

عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ يَقُولُ: أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الشِّعْبِ نَزَلَ فَبَال. (وَلَمْ يَقُلْ أُسَامَةُ: أَرَاقَ الْمَاءَ) قَال: فَدَعَا بِمَاءِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا ليسَ بِالْبَالِغِ. قَال: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! الصَّلاةَ. قَال: "الصَّلاةُ أَمَامَكَ" قَال: ثُمَّ سَارَ حَتَّى بَلَغَ جَمْعًا. فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي عياش الأسدي مولاهم مولى الزبير بن العوام أخي موسى بن عقبة صاحب المغازي المدني، روى عن كريب في الحج واللباس، وعروة وابن المسيب، ويروي عنه (م د س ق) وابن المبارك ومالك والسفيانان، وثقه أحمد وابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (169) تسع وستين ومائة في خلافة هارون (عن كريب مولى ابن عباس قال) كريب (سمعت أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مروزي وواحد كوفي، وغرضه بيان متابعة إبراهيم بن عقبة لموسى بن عقبة، ومن فوائده تصريح سماع كريب من أسامة حالة كون أسامة (يقول أفاض) أي دفع (رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات) اليوم التاسع بعد الغروب (فلما انتهى) أي وصل صلى الله عليه وسلم (إلى الشعب) الأيسر المعهودة بقرب مزدلفة (نزل) على راحلته (فبال) أي أخرج حدث البول، قال كريب (ولم يقل أسامة) بن زيد عندما حدثني هذا الحديث (أراق) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الماء) أي ماء البول فرارًا من بشاعة لفظة بال بل قال لي (فبال) فأديته كما سمعته منه محافظة على اللفظ الذي سمعته منه وإن كان فيه بشاعة يعني أنه لم يكن عن البول بإراقة الماء بل صرح بلفظ البول إشعارًا بإيراده إياه كما سمعه من لفظ محدثه وأنه لم ينقله بالمعنى، قال الإمام النواوي: فيه أداء الرواية بحروفها، وفيه استعمال صرائح الألفاظ التي تستبشع ولا يكنى عنها إذا مست الحاجة إلى التصريح بأن خيف لبس المعنى أو اشتباه الألفاظ أو غير ذلك اهـ (قال) أسامة (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب (بماء) يتوضأ به فأتيته به (فتوضأ وضوءًا) خفيفًا (ليس بالبالغ) أي الكامل بأن اقتصر على مرة مرة أو مرتين مرتين (قال) أسامة (فقلت) له (يا رسول الله) أتريد (الصلاة قال) لي (الصلاة) مفعولة (أمامك قال) أسامة (ثم) بعد فراغه من الوضوء (سار) أي مشى راكبًا (حتى بلغ) أي وصل (جمعًا) أي مزدلفة (فصلى المغرب والعشاء) مجموعتين جمع تأخير ولم يذكر

(2982) - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ أَبُو خَيثَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ. أَخْبَرَنِي كُرَيبٌ؛ أَنَّهُ سَأَلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ: كَيفَ صَنَعْتُمْ حِينَ رَدِفْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ؟ فَقَال: جِئْنَا الشِّعْبَ الَّذِي يُنِيخُ النَّاسُ فِيهِ لِلْمَغْرِبِ. فَأَنَاخَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ وَبَال (وَمَا قَال: أَهَرَاقَ الْمَاءَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الوضوء الثاني بعد الوصول إلى مزدلفة إلا في الرواية الأولى اختصارًا من الراوي وإلا إلخ فغيرها محمولة عليها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 2982 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي (أبو خيثمة) الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا إبراهيم بن عقبة) الأسدي المدني (أخبرني كريب أنه سأل أسامة بن زيد) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي خيثمة لعبد الله بن المبارك أي سألته (كيف صنعتم) مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (حين ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حين ركبت خلفه على ناقته (عشية عرفة) أي عشية الإفاضة من عرفة (فقال) أسامة (جئنا) أي أتينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشعب الذي ينيخ الناس) أي ينوخ الناس الآن دوابهم (فيه) أي في ذلك الشعب (للمغرب) أي لصلاة المغرب (فأناخ) أي نوخ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه (ناقته وبال) أي قضى حدث البول، قال كريب (وما قال) أسامة لنا عندما حدّث لنا هذا الحديث (أهراق) أي أراق النبي صلى الله عليه وسلم (الماء) أي ماء البول استبشاعًا للفظة بال بل قال (وبال) فحدثت عنه كما قال بلفظ بال، قال عياض: فيه إشعار بإيراده إياه كما سمعه من لفظ محدثه وأنه لم ينقله بالمعنى اهـ، وقوله (ينيخ فيه الناس للمغرب) أي لأداء صلاة المغرب في وقتها على خلاف السنة وهم الذين جاؤوا من بعدهم من الأمراء النابذين السنة وراء ظهورهم وستعلمهم، وقوله (أهراق الماء) بفتح الهاء معناه أراق الماء اهـ نواوي، لكن قال في المصباح: راق الماء والدم وغيرهما ريقًا من باب باع انصب ويتعدى بالهمزة، ويقال أراقه صاحبه وتبدل الهمزة هاء فيقال هراقه، والأصل

ثُمَّ دَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوضَّأَ وُضُوءًا لَيسَ بِالْبَالِغِ. فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ! الصَّلاةَ. فَقَال: "الصَّلاةُ أَمَامَكَ" فَرَكِبَ حَتَّى جِئْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ. ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ. وَلمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ. فَصَلَّى. ثُمَّ حَلُّوا. فَفلْتُ: فَكَيفَ فَعَلْتُمْ حِينَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَال: رَدِفَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ. وَانْطَلَقْتُ أَنَا فِي سُبَّاقِ قُرَيشٍ عَلَى رِجْلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ هريقه وزان دحرجه ولهذا تفتح الهاء من المضارع فيقال يهريقه كما تفتح الدال من يدحرجه، وتفتح من الفاعل والمفعول أيضًا والأمر هرق والأصل هريق وزان دحرج وقد يجمع بين الهاء والهمزة فيقال أهراقه يهريقه ساكن الهاء تشبيهًا له باسطاع يسطيع كذا أفاده ابن الأثير في النهاية فقول النواوي بفتح الهاء مخالف للعربية اهـ من بعض الهوامش (ثم دعا) أي طلب النبي صلى الله عليه وسلم (بالوضوء) بفتح الواو أي بالماء الذي يتوضأ به فأتيته بالوضوء (فتوضأ وضوءًا) بضمها أي استعمل بالماء استعمالًا (ليس بالبالغ) أي بالكامل (فقلت يا رسول الله) أتريد (الصلاة) ها هنا (فقال الصلاة) أي مصلى الصلاة (أمامك) أي كائن أمامك (فركب) عقب وضوئه ناقته فسرنا (حتى جئنا المزدلفة فأقام المغرب) أي صلى المغرب عقب مجيئه بعدما أقام بلال لها (ثم) بعد فراغه من المغرب (أناخ الناس) أي نوخوا أبعرتهم (في منازلهم) لئلا تشوشهم أو رفقًا بها (ولم يحلوا) أي لم يفكوا ما على الجمال من الأمتعة من الحل بمعنى الفك أو ما نزلوا تمام النزول الذي يريده المسافر البالغ منزله إن قلنا إنه من الحلول بمعنى النزول، قال القرطبي: يحلوا بضم الحاء يعني أنهم لم يحلوا رحالهم ولا سبيل إلى كسر الحاء كما توهمه من جهل (حتى أقام) النبي صلى الله عليه وسلم (العشاء الآخرة) أي أمر بالإقامة لها (فصلًا) ها بالناس (ثم) بعد العشاء (حلوا) رحالهم، قال كريب (فقلت) لأسامة (فكيف فعلتم) مع النبي صلى الله عليه وسلم (حبن أصبحتم قال) أسامة (ردفه) صلى الله عليه وسلم أي ركب خلفه (الفضل بن عباس وانطلقت) أي ذهبت (أنا في سباق قريش) أي فيمن سبق منهم إلى منى (على رجلي) بتشديد الياء لأنه مثنى أي راجلًا ليس لي من الدواب ما يحملني ولو بالارتداف أو بالعقاب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال:

(2983) - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ؛ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى النَّقْبَ الَّذِي يَنْزلُهُ الأُمَرَاءُ نَزَلَ فَبَال. (وَلَمْ يَقُل: أَهَرَاقَ) ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! الصَّلاةَ. فَقَال: "الصَّلاةُ أَمَامَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 2983 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن محمد بن عقبة) بن أبي عياش أخي موسى بن عقبة الأسدي مولاهم مولى الزبير بن العوام المدني، روى عن كريب في الحج، ومحمد بن أبي بكر الثقفي، ويروي عنه (م س ق) والسفيانان وجماعة، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن كريب عن أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن عقبة لموسى بن عقبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى النقب) بفتح النون وسكون القاف وهو الطريق في الجبل، وقيل الفرجة بين جبلين اهـ نووي فهو في معنى الشعب المار الذكر والآتية ولفظ النسائي (نزل الشعب الذي ينزله الأمراء). (الذي ينزله الأمراء) أي لصلاة المغرب، والرواية التي قبل هذه الشعب الذي ينيخ الناس فيه للمغرب، قال الزرقاني: وعن عطاء: الشعب الذي يصلي فيه الخلفاء الآن المغرب والمراد بالخلفاء والأمراء بنو أمية كانوا يصلون فيه المغرب قبل دخول وقت العشاء وهو خلاف السنة، وقد أنكره عكرمة عليهم فقال: اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالًا واتخذتموه مصلى، وفي الحديث (لا صلاة إلا بجمع) وعند الأحناف عدم جواز المغرب في طريق المزدلفة وعلى من صلاها فيه إعادتها ما لم يطلع الفجر وكذا قال مالك وهو شاذ ضعيف، وأما عند الشافعية فالجمع على الاستحباب فلو صلاهما في وقت المغرب أو في الطريق أو كل واحدة في وقتها جاز وفاتته الفضيلة أفاده النووي (نزل) النبي صلى الله عليه وسلم عن ناقته (فبال) أي قضى حاجة البول (ولم يقل) أسامة (أهراق ثم دعا بوضوء فتوضأ وضوءًا خفيفًا فقلت يا رسول الله الصلاة فقال الصلاة أمامك) أي قدامك في مزدلفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال:

(2984) - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ مَوْلَى سِبَاعٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ. فَلَمَّا جَاءَ الشِّعْبَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ. فَلَمَّا رَجَعَ صَبَبْتُ عَلَيهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ. ثُمَّ رَكِبَ. ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ. فَجَمَعَ بِهَا بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2984 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري عن عطاء) بن يعقوب المدني (مولى سباع) بكسر الموحدة وتخفيف الباء الموحدة، وفي بعض النسخ مولى أم سباع وكلاهما خلاف المعروف فيه وإنما المشهور عطاء مولى بني سباع هكذا ذكره البخاري في تاريخه، وابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، وخلف الواسطي في الأطراف، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، والسمعاني في الأنساب وغيرهم، وهو عطاء بن يعقوب، وقيل عطاء بن نافع، وممن ذكر الوجهين في اسم أبيه البخاري وخلف والحميدي، واقتصر ابن أبي حاتم والسمعاني وغيرهما على أنه عطاء بن يعقوب قالوا كلهم وهو عطاء الكيخاراني بفتح الكاف وإسكان التحتانية وبالخاء المعجمة ويقال فيه أيضًا الكوخاراني واتفقوا على أنه نسبة إلى موضع باليمن هكذا قاله الجمهور، قال أبو سعد السمعاني هي قرية باليمن يقال لها كيخران قال يحيى بن معين: عطاء هذا ثقة والله أعلم اهـ من النواوي، روى عن أسامة بن زيد في الحج، ويروي عنه (م) والزهري، قال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وقيل إن له رؤية (عن أسامة بن زيد) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عطاء مولى بني سباع لكريب في رواية هذا الحديث عن أسامة بن زيد (أنه) أي أن أسامة (كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض) النبي صلى الله عليه وسلم (من عرفة) إلى مزدلفة (فلما جاء) النبي صلى الله عليه وسلم ووصل (الشعب) المعهود الذي بقرب مزدلفة (أناخ راحلته) أي ناقته (ثم ذهب إلى الغائط) أي إلى الموضع المنخفض من الأرض ليستتر عن الناس فقضى حاجته (فلما رجع) من الخلاء (صببت عليه) ماء (من الإداوة فتوضأ ثم ركب) ناقته (ثم أتى المزدلفة فجمع بها) أي فيها (بين) صلاتي (المغرب والعشاء) جمع تأخير.

(2985) - (1249) (179) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ. وَأُسَامَةُ رِدْفُهُ. قَال أُسَامَةُ: فَمَا زَال يَسِيرُ عَلَى هَيئَتِهِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا. (2986) - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأسامة رضي الله عنه فقال: 2985 - (1249) (179) (حدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) (عن عطاء) بن أبي رباح اسمه أسلم القرشي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض) أي دفع وذهب (من عرفة) إلى مزدلفة (وأسامة) أي والحال أن أسامة بن زيد (ردفه) أي رديفه، من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل أي راكب خلفه على ناقته، قال ابن عباس (قال) لي (أسامة) بن زيد (فما زال) أي فما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم (يسير على هيئته) بهاء مفتوحة وياء ساكنة بعدها همزة مفتوحة أي على حالته بلا إسراع، وفي بعض النسخ على هيئته بكسر الهاء وبالنون أي على عادته (حتى أتى جمعًا) أي مزدلفة هذا إذا لم يجد فجوة وإلا أسرع بقدر ما أمكن لناقته، وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد مدني وواحد مكي وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد نسائي، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وغرضه الاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. وشارك المؤلف في روايته البخاري [1666]، وأبو داود [1923]، والنسائي [5/ 259]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة هذا رضي الله عنه فقال: 2986 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (جميعًا عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري

قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سُئِلَ أُسَامَةُ، وَأَنَا شَاهِدٌ، أَوْ قَال: سَأَلْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ مِنْ عَرَفَاتٍ. قُلْتُ: كَيفَ كَانَ يَسِيرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ؟ قَال: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ. فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةَ نَصَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال أبو الربيع حدثنا حماد) بصيغة السماع (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (قال) عروة (سئل أسامة وأنا شاهد) أي حاضر معه (أو قال) عروة (سألت أسامة بن زيد) والشك من هشام أي سألته عن كيفية مسيره صلى الله عليه وسلم إلى مزدلفة. وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عروة لابن عباس (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه) أي أركبه وراءَه (من عرفات) إلى مزدلفة، قال عروة (قلت) لأسامة (كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة) إلى مزدلفة (قال) أسامة (كان) صلى الله عليه وسلم (يسير) السير (العنق) أي السريع الوسط (فإذا وجد فجوة) أي متسعًا (نص) أي أسرع إسراعًا بليغًا، وقوله (يسير العنق) بفتح المهملة والنون وهو السير الذي بين الإبطاء والإسراع، وقال في المشارق: هو سير بمهل في سرعة، وقال القزاز: العنق سير سريع، وقيل هو المشي الذي يتحرك فيه عنق الدابة، وفي الفائق العنق الخطو الفسيح، وانتصب على المصدر المؤكد من لفظ الفعل أي يسير سيرًا سريعًا مع رفق فيه كذا في المبح، وقوله (فإذا وجد فجوة) أي ساحة واسعة، وبها فسر قوله تعالى: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} والفجوة بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع، وفي بعض الروايات (فرجة) بضم الفاء وسكون الراء وهو بمعنى الفجوة، وقوله (نص) أي زاد سرعة، قال أبو عبيد: النص تحريك الدابة حتى يستخرج به أقصى ما عندها، وأصل النص غاية المشي ومنه نصصت الشيء رفعته ثم استعمل في ضرب سريع من السير، قال ابن خزيمة: في هذا الحديث دليل على أن الحديث الذي رواه ابن عباس عن أسامة أنه قال: فما رأيت ناقته رافعة يديها حتى أتى جمعًا أنه محمول على حال الزحام دون غيره اهـ وقال ابن عبد البر: في هذا الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام، وفيه أن السلف كانوا يحرصون على السؤال عن كيفية أحواله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته وسكناته ليقتدوا به في ذلك اهـ فتح الملهم.

(2987) - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، وَحُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ حُمَيدٍ: قَال هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ العَنَقِ. (2988) - (1250) (180) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْخَطمِيَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه لله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 2987 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) (وعبد الله بن نمير وحميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسي بضم الراء وفتح الهمزة، أبو علي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أسامة بن زيد. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لحماد بن زيد (و) لكن (زاد) أبو بكر بن أبي شيببة (في حديث حميد) وروايته لفظة (قال هشام والنص) الإسراع (فوق العنق) والعنق الإسراع المتوسط بين الإبطاء والسرعة يعني أن النص أرفع وأبلغ سرعة من العنق. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة الأول بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 2988 - (1250) (180) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري أبي سعيد المدني، ثقة، من (5) (أخبرني عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) (أن عبد الله بن يزيد) بن زيد بن الحصين الأنصاري الأوسي (الخطمي) أبا موسى الصحابي المشهور المدني (حدّثه) أي حدّث لعدي بن ثابت (أن أبا أيوب) خالد بن زيد بن كليب الأنصاري النجاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه (أخبره) أي أخبر لعبد الله بن يزيد. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري، وفيه رواية صحابي عن

صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، الْمَغرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِالْمُزْدَلِفَةِ. (2989) - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحِ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ. وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحابي (أنه) أي أن أبا أيوب (صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء) جمع تأخير (بالمزدلفة). [تتمة]: قوله (أن عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة بطن من الأوس صحابي صغير كذا في شرح الموطإ للزرقاني، ولا يعد صغيرًا من شهد الحديبية فقد ذكر في أسد الغابة أنه شهدها وهو ابن سبع عشرة سنة، وشهد ما بعدها واستعمله عبد الله بن الزبير على الكوفة، وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان، روى عنه ابنه موسى وعدي بن ثابت الأنصاري وهو ابن ابنته وأبو بردة بن أبي موسى والشعبي، وكان من أفاضل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وهو أنصاري أوسي كوفي اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: 2989 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة) بن سعيد (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (عن الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لسليمان بن بلال (قال ابن رمح في روايته) بدل قوله أن عبد الله بن يزيد بالأننة لفظة (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) بالعنعنة (و) زاد ابن رمح أيضًا لفظة و (كان) عبد الله بن يزيد (أميرًا) لعبد الله بن الزبير (على الكوفة على عهد ابن الزبير) رضي الله عنهما.

(2990) - (1251) (181) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، جَمِيعًا. (2991) - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَال: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ. لَيسَ بَينهُمَا سَجْدَةٌ. وَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ. وَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أسامة الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2990 - (1251) (181) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن) أبيه عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد نيسابوري، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة) حالة كونهما (جميعًا) أي مجموعتين جمع تأخير في وقت العشاء وذلك في حجة الوداع كما مر في الرواية السابقة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1668]، وأبو داود [1926]، والنسائي [5/ 264]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2991 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي أبا بكر المدني شقيق سالم، ثقة، من (3) (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن أباه) عبد الله بن عمر. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لسالم أي أن عبد الله (قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع (بين المغرب والعشاء) جمع تأخير (بجمع) أي بمزدلفة (ليس بينهما) أي بين الصلاتين المجموعتين (سجدة) أي صلاة تطوع (وصلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (المغرب ثلاث ركعات) أي تامة (وصلى العشاء ركعتين)

فَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي بِجَمْعٍ كَذلِكَ. حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ تَعَالى ـــــــــــــــــــــــــــــ أي مقصورة، قال عبيد الله (فكان) والدي (عبد الله) بن عمر (يصلي) المغرب والعشاء (بجمع) أي بمزدلفة حالة كونهما كائنتين (كذلك) أي مجموعتين تامة ومقصورة (حتى لحق بالله تعالى) وهذا كناية عن الموت، قوله (وليس بينهما سجدة) أي لم يصل بينهما نافلة، وقد جاءت السجدة بمعنى النافلة وبمعنى الصلاة وهذا حكم الجمع بين الصلاتين أعني أن لا يتنفل بينهما اهـ إكمال المعلم، وقوله (وصلى المغرب ثلاث ركعات) فيه دليل على أن المغرب لا تقصر بل يصلي ثلاثًا أبدًا وكذلك أجمع عليه المسلمون، وقوله (وصلى العشاء ركعتين) فيه أن القصر في العشاء وغيرها من الرباعيات أفضل والله أعلم اهـ نووي. [نفيسة] وقال القاضي عياض: ذهب مالك والأوزاعي إلى أن الحاج المكي يقصر ولا يقصر العرفي بعرفة ولا المِنوي بمنى إلا إن كان إمامًا فإنه يقصر، وذهب بعض السلف إلى أن الجميع يقصر ولم يفرق بين إمام وغيره، وذهب الأكثر إلى أن الجميع يتمون إذ ليسوا على مسافة القصر اهـ. قال الأبي: تقدم في الصلاة أن مسافة القصر لا تلفق من الذهاب والإياب فتقصير المكي مخالف لهذا الأصل لأن عرفة ليست من مكة على مسافة القصر فالتقصير فيها إنما هو بضم الذهاب إلى الرجوع، وعلل الباجي هذا الضم بأن رجوع المكي من عرفة إلى مكة ليس رجوعًا لوطنه وإنما هو رجوع لمحل إتمام الحج وعمل الحج لا ينقضي إلا في أكثر من يوم وليلة مع ما يلزم فيه من الانتقال من محل إلى محل والمحرم من مكة لا تصح نيته إلا بأن ينوي الرجوع إلى مكة للإفاضة فصار ذلك كالمشي الدائم وكمن خرج بدور في القرى وفي دورانه أربعة برد ولذا لا يقصر العرفي إذا رجع بعد فراغه لأن رجوعه إنما هو لوطنه، ولما رأى ابن رشد تقصير المكي على خلاف الأصل علله بأنه اتباع للسنة، وزعم بعضهم أن عرفة من مكة ستة وثلاثون ميلًا وليس بصحيح، وعلى تسليمه فلم ينقل مالكي أنه يقصر في ستة وثلاثين ميلًا ابتداء وإنما الخلاف فيه إذا وقع فقيل لا يعيد، وقال يحيى بن عمر: يعيد أبدًا، وقال ابن عبد الحكم: يعيد في الوقت وفيما دون ذلك أبدًا اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

(2992) - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ؛ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ، وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ. ثُمَّ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ صَلَّى مِثْلَ ذلِكَ. وَحَدَّثَ ابْنُ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ ذلِكَ. (2993) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: صَلَّاهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2992 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة إمام، من (7) (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (وسلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي، ثقة، من (4) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3) (أنه) أي أن سعيدًا (صلى المغرب بجمع) أي بمزدلفة (والعشاء) مجموعتين (بإقامة) واحدة كما هو المصرح في الرواية الآتية (ثم حدث) سعيد (عن ابن عمر أنه) أي أن ابن عمر (صلى مثل ذلك) أي مثل ما صلى سعيد من الجمع بين الصلاتين بإقامة (وحدث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع) أي فعل (مثل ذلك) أي مثل ما فعله ابن عمر. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مكي، غرضه بيان متابعة سعيد بن جبير لعبيد الله بن عبد الله بن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2993 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، غرضه بيان متابعة وكيع لعبد الرحمن بن مهدي (و) لكن (قال) وكيع في روايته لفظة (صلاهما بإقامة واحدة) بعد أذان، وهذا أصرح من رواية ابن مهدي في كون الإقامة الواحدة بعد أذان كافية لصلاتين أي فالإقامة الواحدة كافية في جمع التأخير لعدم الحاجة إلى التنبيه على دخول الوقتين بخلاف الجمع بين الظهر والعصر في عرفات لأنه لكونه جمع تقديم يحتاج لإقامتين بعد

(2994) - (. . .) (. . .) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَينَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ. صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلاثًا. وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَينِ. بَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. (2995) - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أذان لينتبه للجمع كما هو المبين في الفقه، قال القرطبي: قوله (بإقامة واحدة) ظاهره للصلاتين وهو خلاف ما تقدم، ويحتمل أن يريد به إقامة واحدة لكل صلاة ويتحرز بذلك من الأذان، وقد تقدم أن جمعًا والمزدلفة والمشعر الحرام وقزح أسماء لموضع واحد اهـ من المفهم. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 2994 - (. . .) (. . .) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا) سفيان بن سعيد (الثوري) الكوفي (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عمر) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الثوري لشعبة في رواية هذا الحديث عن سلمة بن كهيل (قال) ابن عمر (جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المغرب والعشاء) جمع تأخير (بجمع) أي في مزدلفة سميت بجمع لاجتماع آدم وحواء فيها بعد هبوطهما من الجنة وجماعه إياها في ليلة النحر، أو لاجتماع الناس فيها ليلة النحر (صلى) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها (المغرب ثلاثًا) أي تامة (و) صلى (العشاء ركعتين) أي مقصورة (بإقامة واحدة) قد مر ما فيه. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 2995 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (4)

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ: أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ حَتَّى أَتَينَا جَمْعًا. فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ. فَقَال: هكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي هذَا الْمَكَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، ثقة، من (3) (قال) أبو إسحاق (قال سعيد بن جبير أفضنا) أي دفعنا وذهبنا (مع ابن عمر) من عرفة بعد الغروب. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا ابن عمر، غرضه بيان متابعة أبي إسحاق لسلمة بن كهيل في رواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير، قوله (حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق) قال القاضي عياض: قال الدارقطني: وهم إسماعيل في هذا السند لأنَّ شعبة والثوري وإسرائيل رووه عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم الجيشاني المصري، ثقة، من (2) الثانية، هاجر زمن عمر من اليمن، قال: قال سعيد بن جبير وإسماعيل: وإن كان ثقة فهؤلاء أقوم بحديث أبي إسحاق، وهذا الحديث أحد المائتي حديث التي استدركها الدارقطني على الصحيحين، قال النووي: لا تعقب في ذلك لأنه يجوز أن يكون أبو إسحاق سمعه بالطريقين فرواه بالوجهين فالحديث صحيح فلا مقدح فيه اهـ من الأبي أي دفعنا من عرفة مع ابن عمر (حتى أتينا جمعًا) أي مزدلفة (فصلى بنا) ابن عمر (المغرب والعشاء بإقامة واحدة) قال القاضي عياض: يحتج به من قال بذلك، وتقدم الكلام عليه، ويحتمل أن يعني بإقامة واحدة لكل صلاة دون أذان ويحتج به أيضًا من يقول بذلك، ويحتمل أن يريد مع الأذان ولكن لم يتعرض لذكره كما ثبت في حديث جابر وهو حج واحد فتتفق الروايتان، ويبقى الإشكال في إثبات جابر إقامتين ونص ابن عمر على إقامة واحدة فلعله يعني بواحدة في العشاء الآخرة دون أذان فتبقى الأولى بأذان وإقامة اهـ من إكمال المعلم (ثمَّ انصرف) وفرغ ابن عمر من الصلاتين أو التفت إلينا (فقال هكذا) أي بالجمع بإقامة واحدة (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المكان) أي في مزدلفة في هذا الوقت. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول حديث أسامة بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستشهاد به لحديث أسامة المذكور أول الباب وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به لحديث أسامة أيضًا وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

505 - (61) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها وتقديم الظعن والضعفة إلى منى

505 - (61) باب: التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها وتقديم الظعن والضعفة إلى منى (2996) - (1252) (182) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَأَبُو كُريبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا. إِلَّا صَلاتَينِ: صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ. وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 505 - (61) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها وتقديم الظعن والضعفة إلى منى 2996 - (1252) (182) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعًا عن أبي معاوية قال يحيى أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة) بن عمير التيمي الكوفي، ثقة، من (4) (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي أخي الأسود بن يزيد بن قيس وابن أخي علقمة بن قيس، ثقة، من كبار (3) (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى (قال) عبد الله بن مسعود (ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة) من الصلوات (إلا لميقاتها) أي إلا في وقتها المعتاد لها كل يوم (إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء) أي إحداهما صلاة المغرب صلاها في وقت العشاء مجموعة جمع تأخير مع العشاء (بجمع) أي في مزدلفة (و) ثانيتهما صلاة الصبح فإنَّه (صلى الفجر) أي فرض الصبح (يومئذ) أي يوم إذ جمع في ليلته المغرب مع العشاء (قبل ميقاتها) المعتاد أي قبل وقت صلاة الصبح المعتاد لها في كل يوم مبالغة في التبكير ليتسع الوقت لفعل ما يستقبل من المناسك لأنه كان يؤخرها في غير هذا اليوم حتى يأتيه بلال وليس المراد أنَّه صلاها قبل طلوع الفجر فإنَّه لا يجوز بالإجماع ويدل على ذلك رواية البخاري عقب هذه عن ابن مسعود نفسه ثمَّ صلى الفجر حين طلع الفجر، وله وللنسائي (حين بزغ الفجر) فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى إن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه وهو بين في رواية إسرائيل عند البخاري حيث قال: ثمَّ صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع، قال الزرقاني: وكذا قوله إلا بجمع

(2997) - (. . .) (. . .) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: قَبْلَ وَقْتِهَا بِغَلَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد الوقت المعتاد فإنَّه لما أخر المغرب فصلاها مع العشاء كان وقت العشاء وقتًا لها فلم يصلها إلا بوقتها إلا أنَّه غير الوقت المعتاد اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: (قوله صلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) لا يفهم من ذلك أنَّه يعني بذلك أنَّه أوقع صلاة الصبح قبل طلوع الفجر فإن ذلك باطل بالأدلة القاطعة وإنما يعني بذلك أنَّه - صلى الله عليه وسلم -أوقع صلاة الصبح يومئذ قبل الوقت الذي كان يوقعها فيه في غير ذلك اليوم وذلك أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه المؤذن يخبره بالفجر صلى ركعتي الفجر في بيته وربما تأخر قليلًا ليجتمعوا ثمَّ يخرج فيصلي ومع ذلك فكان يصليها بغلس كما قال ابن عباس وعائشة وغيرهما، وأما في هذا اليوم فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبأول طلوع الفجر ركع ركعتي الفجر وشرع في صلاة الصبح ولم يتربص لاجتماع الناس وليتفرغوا للدعاء فصار فعل هذه الصلاة في هذا اليوم قبل وقتها المعتاد اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 434]، والبخاري [1682]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 2997 - (. . .) (. . .) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن عمارة عن عبد الرحمن عن ابن مسعود (و) لكن (قال) جرير (قبل وقتها بغلس) غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية، وقوله (بغلس) بفتحتين ظلام آخر الليل اهـ مصباح؛ أي يصليها في غلس قبل الوقت الذي كان يصليها في سائر الأيام ليتسع الوقت لأعمال ذلك اليوم، قال السندي: أي إنه غلس الصبح تغليسًا شديدًا يخالف التغليس المعتاد لا أنَّه صلى قبل أن يطلع الفجر فقد جاء في حديث ابن مسعود، وفي حديث غيره أنَّه صلى بعد طلوع الفجر اهـ منه. ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقال:

(2998) - (1253) (183) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا أَفْلَحُ (يَعْنِي ابْنَ حُمَيدٍ)، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رَسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لَيلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ. تَدْفَعُ قَبْلَهُ. وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ. وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً. (يَقُولُ الْقَاسِمُ: وَالثَّبِطَةُ الثَّقِيلَةُ) قَال: فَأَذِنَ لَهَا. فَخَرَجَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ. وَحَبَسَنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا فَدَفَعْنَا بِدَفْعِهِ. وَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2998 - (1253) (183) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن المدني ثمَّ البصري، ثقة، من (9) (حدثنا أفلح يعني ابن حميد) بن نافع الأنصاري المدني، ثقة، من (7) (عن القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون (أنها) أي أن عائشة (قالت استأذنت سودة) بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي طلبت الإذن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ليلة) المبيت بـ (المزدلفة) في أن (تدفع) وتذهب وتتقدم إلى مني (قبله) - صلى الله عليه وسلم - أي قبل ذهابه إلى مني (وقبل حطمة الناس) أي قبل أن يزدحموا ويحطم بعضهم بعضًا، والحطمة بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين الزحمة سميت حطمة لأنَّ الناس بعضهم يحطم بعضًا لشدة الزحام، وفعله من بابي ضرب وتعب، وأصل الحطم كسر الحطام وهو اليابس من الزرع وغيره (وكانت) سودة (امرأة ثبطة) بفتح الثاء المثلثة وكسر الموحدة وروي إسكانها أي بطيئة الحركة كأنها تثبط بالأرض أي تشبث بها، قال أفلح بن حميد (يقول) لنا (القاسم) بن محمَّد في تفسير الثبطة (والثبطة الثقيلة) الجسم لعظمه (قال) القاسم: قالت عائشة (فأذن لها) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدفع إلى منى قبل الناس (فخرجت) سودة من مزدلفة إلى منى (قبل دفعه) وذهابه - صلى الله عليه وسلم - إلى منى (وحبسنا) نحن سائر أزواجه أي منعنا في مزدلفة من الذهاب إلى منى (حتى أصبحنا) في مزدلفة (فدفعنا) أي فذهبنا إلى منى (بدفعه) أي مع دفعه وذهابه - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة حينما حدث هذا الحديث (ولأن أكون) في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء واللام بفتحها للابتداء (استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في المتقدم إلى منى (كما استأذنته) - صلى الله

سَوْدَةُ، فَأَكُونَ أَدْفَعُ بِإِذْنِهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم - (سودة) في الدفع إلى مني أي استئذانًا كاستئذان سودة، فما مصدرية، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف كما قدرنا (فأكون) بالنصب معطوف على أكون الأول، وقوله (أدفع) وأذهب إلى منى (بإذنه) - صلى الله عليه وسلم - خبر للكون الثاني وخبر المبتدإ قوله (أحب إليّ) أي عندي (من) كل شيء (مفروح به) عادة وأسر إليّ منه وهذا كقوله في الحديث الآخر: أحب إليّ من حمر النعم. ومعنى كلامها ولكوني مستأذنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدفع إلى منى استئذانًا كاستئذان سودة إياه فكوني دافعة إلى منى بإذنه أحب إليّ وأسر من كل شيء يفرح به عادة كحمر النعم عند العرب، والمفروح به هو كل شيء معجب له بال بحيث يفرح به كما قد جاء في غير موضع هو أحب إليّ من حمر النعم اهـ مفهم. [فائدة] قال القاضي عياض: لم يختلف في أن المبيت بمزدلفة من المناسك إلا شيء روي عن عطاء والأوزاعي أنها كغيرها من منازل السفر فمن شاء نزل بها ومن شاء لم ينزل، وعلى أنها من المناسك الأكثر، ثمَّ اختلفوا فقال الأكثر هو سنة لأنَّ إذنه لها يدلّ على أنَّه غير واجب، وقال الشافعي والنخعي وغيرهما هو واجب من فاته فاته الحج، واختلف القائلون بأنه سنة هل في تركه دم فأوجبه مالك والكوفيون والمحدثون، قال النووي: والصحيح من مذهب الشافعي أنَّه واجب في تركه دم والحج تام بدونه وبه قال الكوفيون والمحدثون، وللشافعي قول آخر إنه سنة ولا دم في تركه وقالت به جماعة، وقال النخعي وطائفة وابن بنت الشافعي وابن خزيمة من أكابر أصحابنا أنَّه لا حج لمن تركه، قال القاضي عياض: واختلف في القدر الواجب من المبيت فعن مالك الليل كله، وعنه معظم الليل، وعنه أقل زمان، قال النوويّ: وعن الشافعي أيضًا في ذلك ثلاثة أقوال والصحيح عنده أنَّه ساعة من النصف الثاني من الليل، وله قول إنه ساعة من الليل كله قبل الفجر، وله قول إنه معظم الليل اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1680]، والنسائيُّ [5/ 292]، وابن ماجه [3027]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(2999) - (. . .) (. . .) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةَ ثَبِطَةً. فاسْتأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيلٍ. فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَلَيتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إِلَّا مَعَ الإِمَامِ. (3000) - (. . .) (. . .) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 2999 - (. . .) (. . .) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى جميعًا عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (قال ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بصيغة السماع (حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمَّد التيمي المدني (عن) أبيه (القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق (عن) عمته (عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن القاسم لأفلح بن حميد (قالت) عائشة (كانت سودة) بنت زمعة (امرأة ضخمة) ثقيلة الجسم (ثبطة) أي بطيئة (فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفيض) من الإفاضة أي أن تذهب (من جمع) أي من مزدلفة إلى منى (بليل) قبل زحمة الناس (فأذن لها) أي لسودة في الإفاضة إلى منى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقالت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فليتني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته سودة) أي أتمنى الآن كوني مستأذنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدفع إلى منى قبل حطمة الناس كاستئذان سودة إياه - صلى الله عليه وسلم - فأستريح من تعب الزحام، وقولها في الرواية السابقة ولأن أكون استأذنت أحب إليّ من مفروح به، وهنا فليتني، وفيما سيأتي وددت مشعر بعدم رضاها تأخر دفعها من المزدلفة المسبب عنه الزحمة اهـ من بعض الهوامش (وكانت عائشة) دائمًا (لا تفيض) أي لا تذهب من المزدلفة إلى منى (إلا مع الإمام) كما كانت تدفع مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3000 - (. . .) (. . .) (وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن

عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ. فَأُصَلِّي الصُّبْحَ بِمِنىً. فَأَرْمِي الْجَمْرَةَ. قَبْلَ أَنْ يأْتِيَ النَّاسُ. فَقِيلَ لِعَائِشَةَ: فَكَانَتْ سَوْدَةُ اسْتأْذَنَتْهُ؟ قَالتْ: نَعَمْ. إِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً ثَقِيلَةً ثَبِطَةً. فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَأَذِنَ لَهَا. (3001) - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . عمر) بن حفص بن عاصم العدوي المدني (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمَّد (عن القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لأيوب السختياني في الرواية عن عبد الرحمن بن القاسم (قالت) عائشة (وددت) أي أحببت وتمنيت (أني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي تمنيت الآن كوني مستأذنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كما استأذنته) - صلى الله عليه وسلم - (سودة) بنت زمعة رضي الله تعالى عنها، وقوله (فأصلي) بالرفع على تقدير فأنا أصلي، والجملة معطوفة على جملة استأذنت وبالنصب بالفاء لوقوعها في جواب التمني أي وددت كوني مستأذنة فمصلية أي استئذاني وصلاتي (الصبح بمنى فأرمي الجمرة) بعد صلاة الصبح (قبل أن يأتي الناس) من مزدلفة فيزدحموا عليّ (فقيل لعائشة) رضي الله تعالى عنها، لم أر من ذكر اسم السائل (فـ) هل (كانت سودة استأذنته) - صلى الله عليه وسلم - (قالت) عائشة (نعم) استأذنته (إنها) أي لأنها (كانت امرأة ثقيلة) الجسم (ثبطة) أي بطيئة المشي (فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن لها) في الإفاضة إلى منى قبل الفجر. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3001 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من وكيع وعبد الرحمن بن مهدي رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن

بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. (3002) - (1254) (184) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ قَال: قَالتْ لِي أَسْمَاءُ، وَهِيَ عِنْدَ دَارِ الْمُزْدَلِفَةِ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قلْتُ: لَا. فَصَلَّتْ سَاعَةً. ثُمَّ قَالتْ: يَا بُنَيَّ! هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالتِ: ارْحَلْ بِي. فَارْتَحَلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ محمَّد (بهذا الإسناد) يعني عن القاسم عن عائشة (نحوه) أي نحو ما حدّث عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لعبيد الله بن عمر في الرواية عن عبد الرحمن بن القاسم. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم فقال: 3002 - (1254) (184) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) نسبة إلى مقدم بوزن محمَّد نسبة إلى الجد المذكور الثقفي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان) ثقة، من (9) (عن ابن جريج) من (6) (حدثني عبد الله) بن كيسان القرشي التميمي مولاهم (مولى أسماء) بنت أبي بكر الصديق، ثقة، من (3) (قال) عبد الله (قالت لي أسماء) بنت أبي بكر الصديق زوج الزبير بن العوام رضي الله عنها (وهي عند دار المزدلفة) أي والحال أنها نازلة عند الدار المبنية في مزدلفة وهي مشهورة في ذلك الزمن في مزدلفة (هل غاب القمر) أي غريب (قلت) لها (لا) أي ما غاب (فصلت ساعة ثمَّ قالت يا بني هل غاب القمر قلت) لها (نعم) غاب القمر الآن، قال الحافظ: ومغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير، ومن ثمَّ قيده الشافعي ومن تبعه بالنصف الثاني، قال صاحب المغني: لا نعلم خلافًا في جواز تقديم الضعفة بليل من جمع إلى منى اهـ فتح الملهم، والأظهر في سبب سؤالها عن المغيب أنَّه لطلب الستر لأنه وإن كان الناس لم يدفعوا فقد يحضر الموسم من ليس بحاج، ويحتمل أنَّه لتعلم ما بقي من الليل فتدفع في آخره اهـ أبي، وأصل السؤال نشأ من عماها الذي عرض لها في آخر عمرها كما مر في باب متعة الحج فـ (قالت) لي (ارحل بي) يا بني أي امش بي إلى منى لنرمي الجمرة (فارتحلنا) إلى

حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ. ثُمَّ صَلَّتْ فِي مَنْزِلِهَا. فَقُلْتُ لَهَا: أَي هَنْتَاهُ! لَقَدْ غَلَّسْنَا. قَالتْ: كَلَّا. أَي بُنَيَّ! إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِلظُّعُنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منى (حتى رمت الجمرة) أي جمرة العقبة (ثمَّ) بعد رميها (صلت) صلاة الصبح (في منزلها) بمنى (فقلت لها أي هنتاه) أي يا هذه، وهو بفتح الهاء وبعدها نون ساكنة أو مفتوحة وإسكانها أشهر ثمَّ تاء مثناة من فوق، قال ابن الأثير: وتسكن الهاء التي في آخرها وتضم، ويقال في التثنية يا هنتان في المؤنث، وفي جمعه يا هنتان وهنوات، وفي المذكر يا هن ويا هنان ويا هنون، وأصله من الهن، ويكنى به عن نكرة كل شيء فقولك للمذكر يا هن كقولك يا رجل وقولك للأنثى يا هنة كقولك يا امرأة، قال القاضي: فإذا وصلت به الهاء قلت في الواحدة يا هنتاه، وفي المثنى والجمع من المؤنث والمذكر ما تقدم اهـ أبي، وإعراب قوله (أي هنتاه) أي حرف نداء لنداء القريب مبني على السكون، هنتاه منادى نكرة مقصودة في محل النصب مبني على ضم مقدر على التاء منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة لمناسبة الألف، والألف حرف زائد عن إشباع حركة التاء والهاء الأخيرة حرف زائد للسكت مبني على السكون وقد تضم تشبيهًا لها بهاء الضمير (لقد غلسنا) بتشديد اللام من التغليس أي لقد قدمنا دفعنا من مزدلفة على الوقت المشروع وجئنا في الغلس، والغلس ظلمة آخر الليل، وفي الموطإ "لقد جئنا مني بغلس" (قالت) أسماء (كلا) حرف ردع وزجر أي ارتدع وانزجر عما تقول (أي بني) أي يا بني، وفي الطريق التالي "لا أي بني" وكلا آكد من لا أي امتنع عما تقول من تعجيلنا قبل الوقت المشروع في الدفع إلى منى فـ (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن) أي للنساء والضعفة في التغليس في الدفع من مزدلفة إلى منى ليرمين قبل زحمة الناس (والظعن) بضم الظاء والعين وبإسكان العين أيضًا وهن النساء الواحدة ظعينة كسفينة وسفن وأصل الظعينة الهودج الذي تكون فيه المرأة على البعير فسميت المرأة به مجازًا، واشتهر هذا المجاز حتى غلب وخفيت الحقيقة وظعينة الرجل امرأته اهـ نووي. وقوله (فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثمَّ صلت في منزلها) يعني صلاة الصبح وظاهره أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الفجر وهو متمسك الشافعي على قوله بجواز رمي الجمرة من نصف الليل، وذهب الثوري والنخعي إلى أنها لا ترمي إلا بعد طلوع الشمس متمسكين بما في كتاب النسائي من حديث ابن عباس أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة

(3003) - (. . .) (. . .) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي رِوَايَتِهِ: قَالتْ: لَا. أَي بُنَيَّ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِظُعُنِهِ. (3004) - (1255) (185) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَىى. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ؛ أَنَّ ابْنَ شَوَّالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أهله وأمرهم أن لا يرموا حتى تطلع الشمس وهو صحيح، ومذهب مالك أن الرمي يحل بطلوع الفجر متمسكًا بقول عائشة فأصلي الصبح بمنى وأرمي الجمرة وبحديث ابن عمر وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1679]، وأبو داود [1943]، والنسائيُّ [5/ 266]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: 3003 - (. . .) (. . .) (وحدثنيه علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله عن أسماء، غرضه بيان متابعة عيسى ليحيى القطان (و) لكن (في روايته) أي في رواية عيسى (قالت) أسماء (لا أي بني) بدل قوله كلا أي بني، وتقدم أن كلا أوكد من لا لتضمنه الزجر، وفيها أيضًا (إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لظعنه) أي لنسائه بدل قوله للظعن، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين لفظًا. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أم حبيبة - رضي الله عنهما - فقال: 3004 - (1255) (185) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (ح وحدثني علي بن خشرم) المروزي (أخبرنا عيسى) بن يونس السبيعي الكوفي (جميعًا) أي كل من يحيى وعيسى رويا (عن ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي المكي، ثقة، من (3) (أن) سالم (بن شوال) بن نعيم المكي روى عن مولاته أم حبيبة بنت أبي سفيان إحدى

أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيلٍ. (3005) - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ شَوَّالٍ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ. قَالتْ: كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. نُغَلِّسُ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنىً ـــــــــــــــــــــــــــــ أمهات المؤمنين في الحج، ويروي عنه (م س) وعطاء وعمرو بن دينار، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (أخبره) أي أخبر لعطاء (أنه) أي أن ابن شوال (دخل على أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها مشهورة بكنيتها لها (65) حديثًا، اتفقا على (2) وانفرد (م) بـ (2) وقد تقدم البسط في ترجمتها (فأخبرته) أم حبيبة. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد إما بصري أو كوفي وواحد إما بغدادي أو مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بها) أي أرسل بأم حبيبة (من جمع) أي من مزدلفة إلى منى (بليل) أي في آخر ليلة النحر في غلس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [5/ 262]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3005 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عمرو بن دينار) الجمحي المكي (ح وحدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار عن سالم بن شوال) المكي (عن) مولاته (أم حبيبة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن دينار لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن ابن شوال (قالت) أم حبيبة (كنا نفعله) أي نفعل تعجيل الدفع من مزدلفة (على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي في زمن حياته، والضمير عائد على معلوم من السياق، وفسر هذه الجملة بجملة قوله (نغلس) بضم النون وتشديد اللام المكسورة من التغليس أي كنا نسير (من جمع) أي من مزدلفة (إلى منى) في غلس وهو ظلام آخر الليل كما مر عن المصباح

وَفِي رِوَايَةِ النَّاقِدِ: نُغَلِّسُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ. (3006) - (1256) (186) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّقَلِ (أَوْ قَال: فِي الضَّعَفَةِ) مِنْ جَمْعٍ بِلَيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وفي رواية) عمرو (الناقد) كنا (نغلس من مزدلفة) بدل قوله من جمع. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث ابن عباس - رضي الله عنهم - فقال: 3006 - (1256) (186) (حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد جميعًا عن حماد) ابن زيد الأزدي البصري (قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد) المكي مولى آل قارظ بن شيبة، ثقة، من (4) (قال سمعت ابن عباس يقول) وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد طائفي وواحد مكي أو بصري ونيسابوري أو بصري وبلخي (بعثني) أي أرسلني (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثقل) أي مع الثقل، والثقل بفتح المثلثة والقاف ويجوز إسكانها الأمتعة، قال في المصباح: الثقل المتاع، والجمع أثقال مثل سبب وأسباب اهـ قال تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالكُمْ إِلَى بَلَدٍ} [النحل: 7] أي أحمالكم الثقيلة (أو قال) ابن عباس بعثني (في الضعفة) بفتح العين جمع ضعيف، وقال ابن حزم: الضعفة هم الصبيان والنساء فقط. [قلت] يدخل فيه المشايخ العاجزون لأنه روي عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة بني هاشم وصبيانهم بليل رواه ابن حبَّان في الثقات، وقوله ضعفة بني هاشم أعم من النساء والصبيان والمشايخ العاجزين وأصحاب الأمراض لأنَّ العلة خوف الزحام عليهم كذا في عمدة القاري. وقوله الضعفة جمع ضعيف قيل جمع ضعيف على ضعفة غريب ومثله خبيث وخبثة، قال الفيومي: ولا يكاد يوجد لهما ثالث اهـ قدمني مع ضعفة أهله (من جمع) أي من مزدلفة إلى منى (بليل) أي في آخر ليل قبل الفجر لنرمي الجمرة قبل ازدحام الناس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6677]، وأبو داود [1939]، والترمذي [892]، والنسائيُّ [5/ 261]، وابن ماجه [3026].

(3007) - (. . .) (. . .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. (3008) - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا عَمْروٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. (3009) - (. . .) (. . .) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3007 - (. . .) (. . .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد أنَّه سمع ابن عباس يقول أنا ممن قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من مزدلفة إلى منى ليلة النحر (في ضعفة) أي مع ضعفة (أهله) - صلى الله عليه وسلم -. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان لحماد بن زيد. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث ثانيًا فقال: 3008 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عمرو) بن دينار (عن عطاء) بن أبي رباح (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لعبيد الله بن أبي يزيد (قال) ابن عباس (كنت فيمن قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى منى (في ضعفة أهله) أي مع ضعفة أهله. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3009 - (. . .) (. . .) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي البصري، من (11) (أخبرنا محمَّد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح (أن ابن عباس قال) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان

بَعَثَ بِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِسَحَرٍ مِنْ جَمْعٍ فِي ثَقَلِ نَبِيِّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. قُلْتُ: أَبَلَغَكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَال: بَعَثَ بِي بِلَيلٍ طَويلٍ؟ قَال: لَا. إِلَّا كَذلِكَ، بِسَحَر. قُلْتُ لَهُ: فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: رَمَينَا الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَينَ صَلَّى الْفَجْرَ؟ قَال: لَا. إِلَّا كَذلِكَ. (3010) - (1257) (187) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة ابن جريج لعمرو بن دينار في روايته عن عطاء، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة؛ أي قال ابن عباس (بعث بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسحر) أي بغير تنوين لأنَّ سحر معين أي في آخر ليل (من جمع) أي من مزدلفة إلى منى (في ثقل نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) أي في ضعفة أهله، قال هنا (بعث بي) وفي الرواية المتقدمة (بعثني) قال الفيومي في مصباحه المنير: كل شيء ينبعث بنفسه فإن الفعل يتعدى إليه بنفسه فيقال بعثه وكل شيء لا ينبعث بنفسه كالكتاب والهدية فإن الفعل يتعدى إليه بالباء فيقال بعث به اهـ فلينظر اهـ من بعض الهوامش، قال ابن جريج (قلت) لعطاء (أبلغك أن ابن عباس قال بعث بي) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مزدلفة (بليل طويل) أي في ليل طويل يعني في نصف الليل (قال) عطاء (لا) أي ما بلغني أنَّه بعثه في ليل طويل (إلا) أنَّه بلغني أنَّه بعثه (كذلك) يعني أنَّه بعثه (بسحر) قال ابن جريج (قلت له) أي لعطاء (فـ) هل بلغك أنَّه (قال ابن عباس رمينا الجمرة) أي جمرة العقبة ليلة النحر (قبل) طلوع (الفجر) الصادق (و) هل أخبرك ابن عباس (أين صلى الفجر) أي الصبح في تلك الليلة أصلى في مزدلفة أم في منى (قال) عطاء (لا) أي ما بلغني ذلك الذي سألتنيه من الرمي قبل الفجر (إلا) أنَّه أخبرني أنَّه - صلى الله عليه وسلم - بعثه (كذلك) أي بسحر قبل الفجر. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 3010 - (1257) (187) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ. فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِاللَّيلِ. فَيَذْكُرُونَ اللهَ مَا بَدَا لَهُمْ. ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ. وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقدَمُ مِنىً لِصَلاةِ الْفَجْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذلِكَ. فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (أن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطّاب (أخبره) أي أخبر للزهري (أن عبد الله بن عمر) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مكي وواحد أيلي، أي (كان) عبد الله بن عمر (يقدم ضعفة أهله) أي نسائه وصبيانه إلى المشعر الحرام (فيقفون عند المشعر الحرام) الذي كان (بالمزدلفة بالليل) أي في الليل قبل الفجر؛ وهو جبل صغير في وسط مزدلفة يسمى قزح بالقاف والزاي بوزن عمر (فيذكرون الله) تعالى بالتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير (ما بدا) وظهر (لهم) أي ما أمكن لهم (ثمَّ يدفعون) أي يذهبون إلى منى في الليل، وقوله (قبل أن يقف الإمام) ومن معه متعلق بيقفون أي يقفون عند المشعر الحرام قبل أن يقف الإمام عليه (و) قوله (قبل أن يدفع) الإمام متعلق بيدفعون أي يدفعون إلى منى قبل أن يدفع الإمام إلى منى (فمنهم) أي فمن ضعفة أهله (من يقدم منى) أي يصل إليها (لصلاة الفجر) أي عند صلاة الفجر (ومنهم من يقدم) منى (بعد ذلك) أي بعد ذلك الفجر (فإذا قدموا) أي قدم ضعفة أهله منى (رموا الجمرة) أي جمرة العقبة قبل أن يرمي الإمام ومن معه من الرجال الأقوياء، وفيه دلالة على جواز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر، وتقدم بيان الخلاف فيه (وكان ابن عمر) - رضي الله عنهما - (يقول أرخص) أي جوز (في) الرمي قبل الفجر لـ (أولئك) الضعفة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من النساء والصبيان، وقوله (أرخص في أولئك) كذا وقع للبخاري أيضًا فقال العسقلاني: وفي بعض الروايات رخص بالتشديد، وهو أظهر وأصح من حيث المعنى لأنه من الترخيص ضد العزيمة لا من الرخص ضد الغلاء اهـ بإيضاح من العيني، لكن قال في المصباح بعد تفسير الرخص بضد الغلاء في السعر: والرخصة التسهيل والتيسير في الأمر يقال رخص الشرع في كذا ترخيصًا وأرخص إرخاصًا إذا يسره وسهله اهـ واحتج ابن المنذر بهذا الحديث لقول من أوجب المبيت بمزدلفة على غير الضعفة لأنَّ حكم من لم يرخص له ليس كحكم من رخص له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ومن زعم أنهما سواء لزمه أن يجيز المبيت في منى لسائر الناس لكونه - صلى الله عليه وسلم - أرخص لأصحاب السقاية والرعاء أن لا يبيتوا بمنى فإن قال لا تعدو الرخص مواضعها فليستعمل ذلك هنا ولا يأذن لأحد أن يتقدم من جمع إلا من رخص له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ من فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1676]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث أسماء ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أم حبيبة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والسادس حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا، والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

506 - (62) باب بيان كيفية رمي جمرة العقبة والتكبير عنده وجواز الركوب فيه وكون حصاه بقدر حصى الخذف وبيان وقت الرمي وكونها سبعا

506 - (62) باب: بيان كيفية رمي جمرة العقبة والتكبير عنده وجواز الركوب فيه وكون حصاه بقدر حصى الخذف، وبيان وقت الرمي وكونها سبعًا (3011) - (1258) (188) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: رَمَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. قَال: فَقِيلَ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 506 - (62) باب بيان كيفية رمي جمرة العقبة والتكبير عنده وجواز الركوب فيه وكون حصاه بقدر حصى الخذف وبيان وقت الرمي وكونها سبعًا 3011 - (1258) (188) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (3) (قال رمى عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون وأنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين، أي رمى (جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات) حالة كونه (يكبر مع كل حصاة) منها (قال) عبد الرحمن بن يزيد (فقيل له) أي لابن مسعود، وقوله (رمى عبد الله) اختلف في حكم رمي الجمار فالجمهور على أنَّه واجب يجبر تركه بدم، وعند المالكية سنة مؤكدة فيجبر، وعندهم رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه ومقابله قول بعضهم أنها إنما تشرع حفظًا للتكبير فإن تركه وكبر أجزأه حكاه ابن جرير عن عائشة وغيرها اهـ فتح الملهم، قوله (جمرة العقبة) قال الحافظ: وتمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء اختصاصها بيوم النحر وأن لا يوقف عندها وترمى ضحى ومن أسفلها استحبابًا، وجمرة العقبة هي الجمرة الكبرى، وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار عندها على الهجرة إليهم، والجمرة اسم لمجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارًا فسميت تسمية الشيء بلازمه، وقيل كان آدم أو إبراهيم عليهما السلام لما عرض له إبليس فحصبه جمر بين يديه أي أسرع فسميت بذلك اهـ، قوله (من بطن الوادي) هذا هو

إِنَّ أُنَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا. فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هذَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ! مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المستحب عند الكافة ومن حيث ما رمى من أعلى العقبة أو وسطها أو أسفلها جاز، وأما سائر الجمرات فمن فوقها اهـ إكمال المعلم، وهذا في الزمان الأول، وأما الآن فترمى كل الجمرات من كل الجهات حيث وصلت الحصى إلى موضع الرمي والله أعلم، قوله (بسبع حصيات) روي عن ابن عمر أنَّه قال من رمى بست فلا شيء عليه، وفي رواية عنه يتصدق بشيء، وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم، وعن الشافعية في ترك حصاة مد، وفي ترك حصاتين مدان، وفي ترك ثلاثة فأكثر دم، وعن الحنفية إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم، قوله (يكبر مع كل حصاة) برفع صوت، فيه استحباب التكبير مع كل حصاة وأجمعوا على أنَّه لو ترك التكبير لا شيء عليه، وفي بعض روايات ابن مسعود أنَّه لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا كذا في الفتح، وفي الدر المنثور للسيوطي أخرج البيهقي في سننه عن سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أنَّه رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وعملًا مشكورًا، وقال: حدثني أبي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كلما رمى بحصاة يقول مثل ما قلت. (إن أناسًا يرمونها) أي يرمون جمرة العقبة (من فوقها) أي لا من أسفلها (فقال عبد الله بن مسعود هذا) المكان الذي أنا قمت فيه من بطن الوادي، وجملة قوله (والذي لا إله غيره) جملة قسمية معترضة بين المبتدإ والخبر جيء بها لتأكيد الكلام هو (مقام) النبي (الذي أنزلت عليه سورة البقرة) - صلى الله عليه وسلم - خصها بالذكر لأنَّ كثيرًا من أفعال الحج مذكور فيها فكأنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك، منبهًا بذلك على أن أفعال الحج توقيفية، وقيل خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام اهـ فتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 415]، والبخاري [1748]، وأبو داود [1974]، والترمذي [901]، والنسائيُّ [5/ 273]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال:

(3012) - (. . .) (. . .) وحدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. قَال: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ، وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلِّفُوا الْقُرْآنَ كَمَا أَلَّفَهُ جِبْرِيلُ. السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ. وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ. وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ. قَال: فَلَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3012 - (. . .) (. . .) (وحدثنا منجاب) بكسر أوله وسكون ثانيه ثمَّ جيم ثمَّ موحدة (ابن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) أبو محمَّد الكوفي، ثقة، من (10) (أخبرنا) علي (ابن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش قال) الأعمش (سمعت الحجاج بن يوسف) الثقفي الأمير المشهور لم يقصد الأعمش بهذا الكلام الرواية عنه لأنه لم يكن أهلًا لذلك وإنما أراد أن يحكي القصة ويوضح خطأ الحجاج فيها بما ثبت عمن يرجع إليه في ذلك بخلاف الحجاج، وكان أي الحجاج لا يرى إضافة السورة إلى الاسم فرد عليه إبراهيم النخعي بما رواه عن ابن مسعود من الجواز أي سمعت الحجاج (يقول وهو) أي والحال أنَّه (يخطب على المنبر) في مسجد الكوفة أي سمعته يقول في خطبته (ألفوا) أمر من التأليف أي رتبوا (القرآن) أي آي القرآن (كما ألفه) أي كما رتبه (جبريل) الأمين - عليه السلام - فإن ترتيب الآي توقيفي ولا تقولوا في تسمية سورة سورة البقرة وسورة آل عمران مثلًا بل قولوا في أسماء سورة منها (السورة التي يذكر فيها البقرة و) منها (السورة التي يذكر فيها النساء والسورة التي يذكر فيها آل عمران) مثلًا، قال القاضي عياض: إن كان الحجاج أراد بقوله كما ألفه جبريل تأليف الآي في كل سورة ونظمها على ما هي عليه الآن في المصحف فهو إجماع المسلمين، وأجمعوا على أن ذلك تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان يريد تأليف السور بعضها إثر بعض وترتيبها فهو قول بعض الفقهاء والقراء، وخالفهم المحققون وقالوا بل هو اجتهاد من الأئمة وليس بتوقيف، قال وتقديمه هنا النساء على آل عمران دليل على أنَّه لم يرد إلا نظم الآي وتركيبها لأنَّ الحجاج إنما كان يتبع مصحف عثمان - رضي الله عنه - ولا يخالفه، والظاهر أنَّه أراد ترتيب الآي لا ترتيب السور اهـ إكمال المعلم. وهذا السند أيضًا من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن مسهر لأبي معاوية في الرواية عن الأعمش (قال) الأعمش (فلقيت) أي رأيت (إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (فأخبرته) أي فأخبرت إبراهيم (بقوله) أي بقول الحجاج المذكور آنفًا يعني قوله السورة التي يذكر

فَسَبَّهُ وَقَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَأَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ. فَاسْتَعْرَضَهَا. فَرَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. قَال: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ النَّاسَ يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا. فَقَال: هذَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ! مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. (3013) - (. . .) (. . .) وحدّثني يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها البقرة إلخ (فسبه) أي فسب إبراهيم الحجاج وشتمه، والسب الشتم الوجيع، والمراد هنا ذكره بعدم كونه أهلًا لذلك القول، قال الأبي: يحتمل أنَّه إنما سبه حينئذ لأنه تذكر بالقضية أفعاله الخبيثة، وقوله (وقال) إبراهيم النخعي معطوف على فسبه (حدثني عبد الرحمن بن يزيد) النخعي الكوفي (أنَّه كان مع عبد الله بن مسعود فأتى) عبد الله (جمرة العقبة فاستبطن الوادي) أي دخل بطن الوادي (فاستعرضها) أي فأتى الجمرة من جانبها عرضًا بحيث تكون مكة على يساره ومنى على يمينيه (فرماها من بطن الوادي) هذا هو المستحب، وقد اتفقوا على أنَّه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها وإنما الخلاف في الأفضل اهـ من الإرشاد (بسبع حصيات) وفي بعض الرواية إسقاط حرف الجر، حالة كونه (يكبر مع كل حصاة) من السبع وكيفية التكبير أن يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد نقله الماوردي عن الشافعي (قال) عبد الرحمن بن يزيد (فقلت) لابن مسعود (يا أبا عبد الرحمن إن الناس يرمونها من فوقها فقال) ابن مسعود (هذا) المكان من بطن الوادي (والذي لا إله إلا غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة) بفتح ميم مقام اسم مكان من قام يقوم أي هذا موضع قيام النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: 3013 - (. . .) (. . .) (وحدثني يعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا) محمَّد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا

سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. قَال: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: لَا تَقُولُوا: سُورَةُ الْبَقَرَةِ. وَاقْتَصَّا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. (3014) - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ؛ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ عَبْدِ اللهِ. قَال: فَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. وَجَعَلَ الْبَيتَ عَنْ يَسَارِهِ. وَمِنىً عَنْ يَمِينِهِ. وَقَال: هذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. (3015) - (. . .) (. . .) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من يحيى وسفيان رويا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي زائدة وسفيان لعلي بن مسهر (قال) الأعمش (سمعت الحجاج) بن يوسف الثقفي الكوفي (يقول لا تقولوا سورة البقرة) بإضافة السورة إلى البقرة (واقتصا) أي واقتص سفيان وابن أبي زائدة (الحديث بمثل حديث ابن مسهر). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله - رضي الله عنه - فقال: 3014 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمَّد بن جعفر (عن شعبة ح وحدثنا محمَّد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، من (5) (عن إبراهيم) النحعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (أنَّه حج مع عبد الله) بن مسعود. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الحكم للأعمش في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (قال) عبد الرحمن بن يزيد (فرمى) عبد الله (الجمرة) أي جمرة العقبة وهي التي أسفل الجبل على يمين الذاهب إلى مكة (بسبع حصيات وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه وقال) عبد الله (هذا) المقام (مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله - رضي الله عنه - فقال: 3015 - (. . .) (. . .) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي)

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَلَمَّا أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. (3016) - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْمُحَيَّاةِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظ لَهُ) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى أَبُو الْمُحَيَّاةِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: قِيلَ لِعبْدِ اللهِ: إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَ الْجَمْرَةَ مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ. قَال: فَرَمَاهَا عَبْدُ اللهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. ثُمَّ قَال: مِنْ ههُنَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ! رَمَاهَا الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) أي حدثنا معاذ بن معاذ (بهذا الإسناد) يعني عن الحكم عن إبراهيم عن عبد الرحمن عن عبد الله، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (غير أنَّه) أي لكن أن معاذ بن معاذ (قال) في روايته (فلما أتى) عبد الله بن مسعود (جمرة العقبة) رماها بسبع حصياتٍ بدل قول محمَّد بن جعفر "فرمى الجمرة بسبع حصيات". ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عبد الله - رضي الله عنه - فقال: 3016 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا) يحيى بن يعلى بن حرملة التيمي (أبو المحياة) الكوفي -بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة تحت، آخره هاء- روى عن سلمة بن كهيل في الحج، ويروي عنه (م ت س ق) ويحيى بن يحيى وابن أبي شيبة، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (8) (ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ) الآتي (له) (أخبرنا يحيى بن يعلى) بن حرملة (أبوالمحياة عن سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي، ثقة، من (4) (عن عبد الرحمن بن يزيد قال) عبد الرحمن (قيل لعبد الله) بن مسعود، والقائل له عبد الرحمن بن يزيد كما في الرواية السابقة (إن ناسًا يرمون الجمرة من فوق العقبة) أي من فوق عقبة الجبل (قال) عبد الرحمن (فرماها عبد الله) بن مسعود (من بطن الوادي ثمَّ قال) عبد الله (من ها هنا) أي من هذا المكان (والذي لا إله غيره رماها) أي رمى الجمرة النبي (الذي أنزلت عليه سورة البقرة) - صلى الله عليه وسلم -. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة منها إثبات رمي جمرة العقبة يوم النحر وهو مجمع

(3017) - (1259) (189) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. قَال ابْنُ خَشْرَمٍ: أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: رَأَيتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ. وَيَقُولُ: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وهو واجب وهو أحد أسباب التحلل وهي ثلاثة؛ رمي جمرة العقبة يوم النحر فطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى والثالث الحلق عند من يقول إنه نسك وهو الصحيح، فلو ترك جمرة العقبة حتى فاتت أيام التشريق فحجه صحيح وعليه دم هذا قول الشافعي والجمهور، وقال بعض أصحاب مالك الرمي ركن لا يصح الحج إلا به، والصحيح الأول. ومنها كون الرمي بسبع حصيات وهو مجمع عليه. ومنها استحباب التكبير مع كل حصاة وهو مذهبنا ومذهب مالك والعلماء كافة. ومنها استحباب كون الرمي من بطن الوادي على الكيفية السابقة، وأما رمي باقي الجمرات في أيام التشريق فيستحب من فوقها اهـ نووي. ثمَّ استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو جواز الركوب فيه بحديث جابر - رضي الله عنه - فقال: 3017 - (1259) (189) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي (جميعًا عن عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (قال ابن خشرم أخبرنا عيسى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي محمَّد بن مسلم الأسدي (أنَّه سمع جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد كوفي وواحد مروزي، حالة كون جابر (يقول رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي) جمرة العقبة حالة كونه راكبًا (على راحلته) أي ناقته (يوم النحر) قال الشافعي: يستحب لمن وصل منى راكبًا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، ومن وصلها ماشيًا أن يرميها ماشيًا وفي اليومين الأولين من التشريق يرمي الجمرات ماشيًا وفي اليوم الثالث يرمي راكبًا وينفر، وقال أحمد وإسحاق: يستحب يوم النحر أن يرمي ماشيًا ذكره الطيبي رحمه الله تعالى، وكونه - صلى الله عليه وسلم - رمى راكبًا ليظهر للناس فعله على ما قررناه في طوافه وسعيه في حديث جابر - رضي الله عنه - (و) الحال أنَّه (يقول لتأخذوا) عني (مناسككم) أي أحكامها،

فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هذِهِ". (3018) - (1260) (190) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ واللام في لتأخذوا بكسرها هي لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم بلا لام تقديره هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها وعلموها الناس، وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال السندي: معناه لتأخذوا مناسككم أي تعلموا وتحفظوا وهذا أمر بأخذ المناسك وتعلمها وحفظها، ولا دلالة فيه على وجوب المناسك أصلًا بل على وجوب تعلمها وحفظها في تلك السنة فاستدلال كثير من الفقهاء بهذا الحديث على الوجوب غير ظاهر إذ وجوب تعلم الشيء لا يدل على وجوب ذلك الشيء إذ جميع المندوبات والسنن يجب أخذها وتعلمها ولو على وجه الكفاية وهي غير واجبة عملًا فافهم والله تعالى أعلم اهـ منه (فإني لا أدري) ولا أعلم متى يحل أجلي (لعلي) قال الزرقاني: أي أظن، ويحتمل كون لعل للتحقيق كما يقع في كلامه - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا أي وأظن أن (لا أحج بعد حجتي هذه) قال النووي: فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته - صلى الله عليه وسلم - وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين ولهذا سميت حجة الوداع اهـ قال القرطبي: وفي الحديث أمر للاقتداء به وحوالة على فعله الذي وقع به البيان لمجملات الحج في كتاب الله وهذا كقوله لما صلى "صلوا كما رأيتموني أصلي" متفق عليه، ويلزم من هذين الأمرين أن يكون الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلا ما خرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر، وحكي عن الشافعي اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1970]، والنسائيُّ [5/ 270]. ثمَّ استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث أم الحصين رضي الله تعالى عنهما فقال: 3018 - (1260) (190) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي المكي، ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) نسب إلى جده لشهرته به مولى بني مروان الحراني، صدوق، من (9) (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري الحراني أبو عبيد الله

عَنْ زَيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَينٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَينِ. قَال: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ. فَرَأَيتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَمَعَهُ بِلالٌ وَأُسَامَةُ. أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ. وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّمْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العبسي مولاهم، صدوق، من (8) (عن زيد بن) زيد (أبي أنيسة) بالتصغير الغنوي أبي أسامة الجزري، ثقة، من (6) (عن يحيى بن حصين) البجلي الأحمسي المدني، روى عن جدته أم الحصين في الحج والجهاد، وعن طارق بن شهاب، ويروي عنه (م د س ق) وزيد بن أبي أنيسة وشعبة وأبو إسحاق، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائيُّ، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن جدته أم الحصين) بمهملتين مصغرًا لم يعرف اسمها، بنت إسحاق الأحمسية الصحابية المدنية شهدت خطبة حجة الوداع، لها أحاديث انفرد (م) بحديثين منها، ويروي عنها (م عم) وابن ابنها يحيى بن الحصين والعيزار بن حريث. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان حرانيان وواحد جزري وواحد مكي (قال) يحيى بن حصين (سمعتها) أي سمعت جدتي أم حصين (تقول حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيته) - صلى الله عليه وسلم - (حين رمى جمرة العقبة وانصرف) معطوف على رمى أي رجع من الرمي إلى منزله (وهو) أي والحال أنَّه - صلى الله عليه وسلم - راكب (على راحلته ومعه بلال وأسامة) بن زيد حبه - صلى الله عليه وسلم - (أحدهما) أي أحد الرجلين (يقود به) - صلى الله عليه وسلم - (راحلته) ماسكًا زمامها (والآخر) من الرجلين (رافع ثوبه) أي ثوبًا في يده (على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقاية له (من الشمس) أي من حرارتها يعني يظله بثوب مرتفع عن رأسه بحيث لا يصل الثوب إلى رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال النواوي: فيه تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره وهو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء سواء كان راكبًا أو نازلًا، وقال مالك وأحمد: لا يجوز وإن فعل لزمته الفدية، وعن أحمد رواية أنَّه لا فدية، وأجمعوا على أنَّه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز، ووافقونا على أنَّه إذا كان الزمان يسيرًا في المحمل لا فدية وكذا لو استظل بيده وقد يحتجون بحديث عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال: صحبت عمر بن

قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا كَثِيرًا. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ أُمِّرَ عَلَيكُمْ عَبْدٌ مُجدَّعٌ (حَسِبْتُهَا قَالتْ) أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالى، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطاب - رضي الله عنه - فما رأيته مضربًا فسطاطًا حتى رجع رواه الشافعي والبيهقيُّ بإسناد حسن، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه أبصر رجلًا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال اضح "ابرز إلى حر الضحى" لمن أحرمت له رواه البيهقي بإسناد صحيح، وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت ذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه" رواه البيهقي وضعفه، واحتج الجمهور بحديث أم الحصين وهذا المذكور في مسلم ولأنه لا يسمى لبسًا، وأما حديث جابر فضعيف كما ذكرنا مع أنَّه ليس فيه نهي وكذا فعل عمر وقول ابن عمر ليس فيه نهي ولو كان فحديث أم الحصين مقدم عليه والله أعلم ويؤيده الاستظلال بالقبة المضروبة في عرفة اهـ (قالت) أم الحصين (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولًا كثيرًا) من الأوامر والنواهي (ثمَّ سمعته) - صلى الله عليه وسلم - (يقول إن أُمِّر) بالبناء للمجهول أي جعل (عليكم) أميرًا (عبد مجدع) بضم الميم وفتح الجيم والدال المهملة المشددة أي مقطع الأطراف من الجدع وهو القطع من أصل العضو والتشديد للتكثير وإلا فالجدع قطع الأنف والأذن والشفة والذي قطع منه أجدع والأنثى جدعاء، ومقصوده التنبيه على نهاية خسته فإن العبد خسيس في العادة، ثمَّ سواده نقص آخر، وجدعه نقص آخر، وفي الحديث الآخر كأن رأسه زبيبة ومن هذه الصفات مجموعة فيه فهو في نهاية الخسة، والعادة أن يكون ممتهنًا في أرذل الأعمال فأمر - صلى الله عليه وسلم - بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى. قال العلماء: معناه ما داموا متمسكين بالإِسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأخلاقهم ولا يشق عليهم العصا بل إذا ظهرت منهم المنكرات وعظوا وذكروا. فإن قيل كيف يؤمر بالسمع والطاعة للعبد مع أن شرط الخليفة كونه قرشيًا؟ فالجواب من وجهين أحدهما أن المراد بعض الولاة الذين يوليهم الخليفة ونوابه لا أن الخليفة يكون عبدًا، والثاني أن المراد لو قهر عبد مسلم واستولى بالقهر نفذت أحكامه ووجبت طاعته ولم يجز شق العصا عليه والله أعلم اهـ نواوي، قال يحيى بن حصين: (حسبتها) أي حسبت أم حصين وأظنها (قالت) لفظة (أسود) صفة ثانية لعبد (يقودكم) أي يأمركم (بكتاب الله تعالى) وحكمه

فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". (3019) - (. . .) (. . .) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَبِي أُنيسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَينِ، عَنْ أُمِّ الْحُصَينِ جَدَّتِهِ. قَالتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ. فَرَأَيتُ أُسَامَةَ وَبِلالًا. وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فاسمعوا له) فيما يقول (وأطيعوه) فيما يأمر، ويفهم منه وجوب الطاعة لمن ولي شيئًا من أمور المسلمين إذا عدل فيهم ولا تنزع يد من طاعته ولا ينظر إلى نسبه ومنصبه فيما عد الإمامة الكبرى اهـ من المفهم. وضارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 402]، والترمذي [1706]، والنسائيُّ [7/ 154]، وابن ماجه [1861]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم حصين رضي الله تعالى عنهما فقال: 3019 - (. . .) (. . .) (وحدثني أحمد) بن محمَّد (بن حنبل) الشيباني المروزي (حدثنا محمَّد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي مولاهم أبو عبد الله الحراني، روى عن خاله أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد في الحج، ويروي عنه (م عم) وأحمد بن حنبل وأبو جعفر النفيلي، كان ثقة فاضلًا عالمًا، له فضل ورواية وفتوى، وثقه النسائي وابن سعد، وقال أبو عروبة: أدركنا الناس لا يختلفون في فضله وحفظه، وقال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة (191) إحدى وتسعين ومائة، له في (م) فرد حديث في الحج (عن) خاله (أبي عبد الرحيم) خالد بن أبي يزيد الجمحي مولاهم المصري الإسكندراني، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي عبد الرحيم لمعقل بن عبيد الله في رواية هذا الحديث عن زيد بن أبي أنيسة (قالت) أم الحصين (حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالًا) معه - صلى الله عليه وسلم - (وأحدهما) أي والحال أن أحدهما (آخذ بخطام) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الطاء المهملة، أي بمقود (ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر) منهما (رافع ثوبه) أي ثوب نفسه على رأس رسول الله

يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ. حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ. قَال مُسْلِمٌ: وَاسْمُ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ. وَهُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ. رَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وَحَجَّاجٌ الأَعْوَرُ. (3020) - (1261) (191) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَأَيتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجَمْرَةَ، بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - حالة كونه (يستره) - صلى الله عليه وسلم - (من الحر) أي من حرارة الشمس، وقوله (حتى رمى الجمرة) أي جمرة العقبة متعلق برأيت أي رأيتهما مصاحبين معه ملازمين له حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رمي جمرة العقبة. (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى (واسم أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد وهو خال محمَّد بن سلمة روى عنه وكيع) بن الجراح (وحجاج) بن محمَّد (الأعور) البغدادي ثمَّ المصيصي. ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 3020 - (1261) (191) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن حاتم حدثنا محمَّد بن بكر) البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد إما بغدادي أو كسي (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمرة) أي جمرة العقبة (بمثل حصى الخذف) أي بقدر حصى يخذف بها أي يرمى بها بين السبابتين؛ وهي بقدر الباقلاء، وفي الحديث دليل على استحباب كون الحصى في هذا القدر وهو كقدر حبة الباقلاء أو النواة أو الأنملة فيكره أصغر من ذلك وأكبر منه، وقد سبقت المسئلة في شرح حديث جابر الطويل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [897]، والنسائيُّ [5/ 278].

(3021) - (1262) (192) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: رَمَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحَى. وَأَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا زَالتِ الشَّمْسُ. (3022) - (. . .) (. . .) وحدّثناه عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو بيان وقتها بحديث آخر لجابر - رضي الله عنه - فقال: 3021 - (1262) (192) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (و) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (عن ابن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (عن أبي الزبير) محمَّد بن مسلم الأسدي المكي، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) جابر (رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة) أي جمرة العقبة (يوم النحر) لأنه لا يشرع فيه غيرها بالإجماع (ضحى) أي وقت الضحوة وهو من بعد طلوع الشمس إلى ما قبل الزوال (وأما) رميه (بعد) أي فيما بعد يوم النحر وهو أيام التشريق (فـ) كان (إذا زالت الشمس) أي وقت زوال الشمس، قال الحافظ: وفيه ما يدل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا يجوز قبل الزوال مطلقًا ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال، وقال إسحاق: إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه، وهذا الحديث حجة عليهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه تعليقًا [3/ 579]، وأبو داود [1971]، والترمذي [894]، والنسائيُّ [5/ 270]، وابن ماجه [3053]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا - رضي الله عنه - فقال: 3022 - (. . .) (. . .) (وحدثناه علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8)

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. بِمِثْلِهِ. (3023) - (1263) (193) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ (وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ اللهِ الْجَزَرِيُّ) عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "الاسْتِجْمَارُ تَوٌّ. وَرَمْيُ الْجِمَارِ تَوٌّ. وَالسَّعْيُ بَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَوٌّ. وَالطَّوَافُ تَوٌّ. وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لأبي خالد وابن إدريس، وفيه فائدة تصريح سماع أبي الزبير لجابر لأنه مدلس (يقول) جابر (كان النبي - صلى الله عليه وسلم -) وساق عيسى بن يونس (بمثله) الصواب (بمثلهما) أي بمثل حديث أبي خالد وابن إدريس والله أعلم بالصواب. ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة وهو كون حصى الجمار سبعًا بحديث آخر لجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 3023 - (1263) (193) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي المكي، ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) الحراني، صدوق، من (9) (حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله الجزري) صدوق، من (8) (عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله. وهذا السند من خماسياته، وهو مر لك قريبًا من هذا الباب (قال) جابر (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستجمار) أي مسح المخرجين الدبر والقبل من الخارج (تو) أي وتر أي ثلاث مسحات إن حصل الإنقاء بها وإلا زيد وترًا أي خمسًا أو سبعًا أو تسعًا إلى أن حصل الإنقاء، والتو بفتح التاء المثناة فوق وتشديد الواو الوتر (ورمي الجمار) أي رمي الحصيات في الجمرات (تو) أي وتر أي الحصى التي ترمى إلى الجمار يوم النحر وأيام التشريق سبع حصيات وكلها واجبة لا تنقص (والسعي بين الصفا والمروة تو) أي سبعة أشواط لا ينقص (والطواف) بالبيت (تو) أي سبعة أشواط لا ينقص (وإذا استجمر أحدكم) أي إذا استنجى أحدكم بالأحجار (فليستجمر) أي فليتنج (بتو) أي بوتر أي بأحجار ثلاث أو خمس مثلًا، قال القاري: الظاهر أن المراد بالاستجمار هنا التبخر فإنَّه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون بوضع العود على جمرة النار فيكون ثلاث مرات فيرتفع التكرار وهو أولى من قول القاضي عياض، وتبعه الطيبي: المراد بالمذكور في أول الحديث الفعل أي المسح وبالمذكور في آخر الحديث عدد الأحجار اهـ، قال السندي: ويحتمل عندي في وجوه التكرار أن يحمل الاستجمار في هذا الحديث في أحد الموضعين على الاستنجاء وفي الموضع الآخر على التبخر كتبخر أكفان الميت ونحوه والله تعالى أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات. والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة. والثالث حديث أم الحصين ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة. والرابع حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة. والخامس حديث جابر الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. والسادس حديث جابر الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. وسيدخل وقت رمي جمرة العقبة بنصف ليلة النحر لما روى أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر ثمَّ أفاضت. ويبقى وقت الرمي المختار إلى آخر يوم النحر، ووقت الجواز إلى نصف الليل الأول من ليالي التشريق. وأما الجمار الثلاث التي بعد يوم النحر في الأيام الثلاثة فوقت أداء كل يوم منها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من زوال شمسه إلى غروبها يعني يمتد وقته المختار إلى الغروب، ووقت الجواز إلى نصف الليل. ويندب تقديمه على صلاة الظهر كما في المجموع عن الأصحاب، ولا يجوز تقديمه على الزوال. ويشترط أن يبدأ بالجمرة الأولى ثمَّ بالوسطى ثمَّ بالجمرة الكبرى التي تلي مكة للاتباع رواه البخاري. والأولى منها هي التي تلي مسجد الخيف أقرب إليه ومن بابه الكبير إليها ألف ذراع ومائتا ذراع وأربعة وخمسون ذراعًا وسدس ذراع، ومنها إلى الجمرة الوسطى مائتا ذراع وخمسة وسبعون ذراعًا، ومن الوسطى إلى جمرة العقبة مائتا ذراع وثمانية أذرع كل ذلك بذراع الحديد. وحصى الرمي جميعه سبعون حصاة، لرمي يوم النحر سبع، ولكل يوم من أيام الشريق إحدى وعشرون حصاة لكل جمرة سبع. فإن نفر في اليوم الثاني قبل الغروب سقط عنه رمي اليوم الثالث وهو إحدى وعشرون حصاة ولا دم عليه ولا إثم فيطرحها، وما يفعله الناس من دفنها لا أصل له. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وعليه أصحاب أحمد. لكن روي عنه أنها ستون فيرمي كل جمرة ستة. وعنه أيضًا خمسون فيرمي كل جمرة بخمسة وإذا ترك رمي يوم أو يومين عمدًا أو سهوًا تداركه في باقي الأيام فيتدارك الأول في الثاني أو الثالث والثاني أو الأولين في الثالث ويكون ذلك أداء، وفي قول قضاء لمجاوزته للوقت المضروب له، وعلى الأداء يكون الوقت المضروب وقت اختيار كوقت الاختيار للصلاة، وجملة الأيام في حكم الوقت الواحد. ويجوز تقديم رمي التدارك على الزوال ويجب الترتيب بينه وبين رمي يوم التدارك بعد الزوال، وعلى القضاء لا يجب الترتيب بينهما. ويجوز التدارك بالليل لأنَّ القضاء لا يتأقت، وقيل لا يجوز لأنَّ الرمي عبادة النهار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كالصوم ذكره كله الرافعي في الشرح وتبعه في الروضة والمجموع. وحكى في الشرح الصغير عن القاضي وجهين في التدارك قبل الزوال أصحهما المنع لأنَّ ما قبل الزوال لم يشرع فيه رمي قضاء ولا أداء، قال: ويجري الوجهان في التدارك ليلًا وإن جعلناه أداء ففيما قبل الزوال والليل الخلاف. قال الإمام: والوجه القطع بالمنع فإن تعيين الوقت بالأداء أليق ولا دم مع التدارك. وفي قول يجب وإن لم يتدارك المتروك فعليه دم في ترك يوم وكذا في اليومين والثلاثة لأنَّ الرمي فيها كالشيء الواحد. ولو ترك رمي ثلاث حصيات لزمه دم كما يجب في حلق ثلاث شعرات لمسمى الجمع. وفي الحصاة مد طعام والحصاتين مدان لعسر تبعيض الدم اهـ من إرشاد الساري. ***

507 - (63) باب في الحلاق والتقصير وأن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالأيمن

507 - (63) باب: في الحلاق والتقصير وأن السنة يوم النحر أن يرمي ثمَّ ينحر ثمَّ يحلق والابتداء في الحلق بالأيمن (3024) - (1264) (194) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَال: حَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. قَال عَبْدُ اللهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ" مَرَّةً أَوْ مَرَّتَينِ ثُمَّ قَال: "وَالْمُقَصِّرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 507 - (63) باب في الحلاق والتقصير وأن السنة يوم النحر أن يرمي ثمَّ ينحر ثمَّ يحلق والابتداء في الحلق بالأيمن 3024 - (1264) (194) (وحدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا ليث عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) بن عمر - رضي الله عنهم -. وهذا السند من رباعياته (قال حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي أمر الحلاق بحلق شعره يوم الحديبية (وحلق طائفة) أي جماعة (من أصحابه) - صلى الله عليه وسلم - أي أمروا الحلاق بحلق رؤوسهم، وقال ملا علي: بتشديد اللام في حلق وتخفيفها أي أمر بحلقه، ولفظ المطبوع في البخاري التخفيف، ويؤيد الأول نظم الآية ولفظ دعائه - صلى الله عليه وسلم - (وقصر بعضهم) أي بعض أصحابه (قال عبد الله) ابن مسعود (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) يوم الحديبية كما سيأتي في الشرح (رحم الله المحلقين مرة أو مرتين) والشك فيه من الليث، وإلا فأكثرهم موافق لما رواه مالك كما سيأتي (ثمَّ قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد مرة أو مرتين اللهم ارحم المحلقين (والمقصرين) بالعطف على محذوف معلوم من السياق. قال القرطبي: وأحاديث هذا الباب تدل على أن الحلاق نسك يثاب فاعله وهو مذهب الجمهور، وذهب الشافعي في أحد قوليه وأبو ثور وأبو يوسف وعطاء إلى أنَّه ليس بنسك بل هو مباح، قال الشافعي: لأنه ورد بعد الحظر فحمل على الإباحة كاللباس والطيب، وهذه الأحاديث ترد عليهم من وجهين أحدهما أنهما تضمنت أن كل واحد من الحلاق والتقصير فيه ثواب ولو كان مباحًا لاستوى فعله وتركه. وثانيهما تفضيل الحلاق

(3025) - (. . .) (. . .) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ: عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ على التقصير ولوكانا مباحين لما كان لأحدهما مزية على الآخر في نظر الشرع، واختلف القائلون بكونهما نسكين في الموجب لأفضلية الحلاق على التقصير فقيل لما ذكر عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية، وقصر آخرون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم ارحم المحلقين" ثلاثًا قيل: يا رسول الله لم ظاهرت لهم بالترحم؟ قال: "لأنهم لم يشكوا" رواه ابن ماجه [3045] وحاصله أنَّه أمرهم يوم الحديبية بالحلاق فما قام منهم أحد لما وقع في أنفسهم من أمر الصلح، فلما حلق النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا للمحلقين أو استغفر لهم ثلاثًا وللمقصرين واحدة فبادروا إلى ذلك، قال أبو عمر بن عبد البر: وكون ذلك يوم الحديبية هو المحفوظ، وقيل بل كان ذلك في حجة الوداع كما روته أم الحصين من طريق قتادة، وهو إمام ثقة، وإنما كان الحلاق أفضل لأنه أبلغ في العبادة وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى لأنَّ المقصر مبق على نفسه بعض الزينة التي ينبغي للحاج أن يكون مجانبًا لها والله أعلم، والمحصر في الحلاق والتقصير كغيره في كون ذلك نسكًا له، وقال أبو حنيفة وصاحباه: ليس على المحصر شيء من ذلك، ويرد حلاقه - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، ولا خلاف في أن حكم النساء التقصير وأن الحلاق غير لازم لهن عندنا وعند كثير من العلماء على أن الحلاق لهن غير جائز لأنه مثلة فيهن، ويدل على أنَّه ليس بمشروع لهن بما رواه أبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير" وجمهورهم على أن من لبد أو عقص أو ضفر لزمه أن يحلق ولا يقصر للسنة الواردة بذلك ولأن التقصير لا يعم الشعر، ومن سنته عموم التقصير، وخالف في هذا أصحاب الثوري وقالوا: إن الملبد والمضفر كغيرهما يجزئهما التقصير اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 119 و 141]، والبخاري [1727]، وأبو داود [1979]، والترمذي [913]، وابن ماجه [3044]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 3025 - (. . .) (. . .) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) - رضي الله عنهما -. وهذا السند أيضًا من رباعياته

أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "اللهُمَّ! ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "اللهُمَّ! ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "وَالْمُقَصِّرِينَ". (3026) - (. . .) (. . .) أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَن مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله) أي زد في دعائك قولك والمقصرين فيكون معطوفًا على المحلقين، قال الحافظ: لم أقف في شيء من الطرق على الذي تولى السؤال في ذلك بعد البحث الشديد، والواو في قوله: والمقصرين عاطفة على شيء محذوف تقديره: قل وارحم المقصرين، وهو يسمى العطف التلقيني كقوله تعالى قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي (قال اللهم ارحم المحلقين) مرة ثانية (قالوا والمقصرين يا رسول الله قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (و) ارحم (المقصرين) في المرة الثانية، فيه إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه ولو تخلل بينهما السكوت بلا عذر. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3026 - (. . .) (. . .) قال أبو أحمد محمَّد بن عيسى الجلودي (أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن سفيان) الزاهد النيسابوري (عن مسلم بن الحجاج) القشيري النيسابوري مؤلف هذا الجامع الصحيح، وهذا الكلام من قول أبي أحمد الجلودي بضم الجيم الذي هو صاحب أبي إسحاق، روى عنه هذا الجامع، وشيخه أبو إسحاق المذكور هو صاحب الإمام مسلم، روى عنه صحيحه هذا قال: فرغ لنا مسلم من قراءة هذا الجامع علينا في شهر رمضان سنة سبع وخمسين ومائتين (257) ومات هو في رجب سنة ثمان وثلاثمائة (308) وأكثر النسخ خالية عن هذا القول ووجوده أولى من عدمه، قال النووي في مقدمة شرحه عن الشيخ ابن الصلاح: إن أبا إسحاق فاته من سماع هذا الجامع من مؤلفه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثلاثة مواضع أولها هذا الموضع من كتاب الحج فقال فيه أخبرنا أبو إسحاق عن مسلم ولا يقال فيه أخبرنا مسلم لعدم سماعه منه كما يقال في باقي الكتاب (قال) مسلم (حدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي)

حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "وَالْمُقَصِّرِينَ". (3027) - (. . .) (. . .) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، بِهذَا الإِسْنادِ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ، قَال: "وَالْمُقَصِّرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم (عن نافع عن ابن عمر) - رضي الله عنهم -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لمالك بن أنس (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رحم الله المحلقين) والجملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى فكأنه قال: اللهم ارحم المحلقين حيث عملوا بالأفضل لأنَّ العمل بما بدأ الله تعالى به في قوله محلقين رؤوسكم ومقصرين أكمل وقضاء التفث المأمور به في قوله عَزَّ وَجَلَّ ثمَّ ليقضوا تفثهم يكون به أجمل وبكونه في ميزان العمل أثقل اهـ ملا علي قالوا: والتفضيل يكون دليلًا لكونه نسكًا إذ المباحات لا تتفاضل والدعاء لفاعله دليل له أيضًا لأنَّ الدعاء ثواب والثواب إنما يكون على العبادات اهـ من بعض الهوامش (قالوا و) زد (المقصرين) في دعائك (يا رسول الله قال: رحم الله المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: رحم الله المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال) في الرابعة رحم الله المحلقين (والمقصرين) وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 3027 - (. . .) (. . .) (وحدثناه ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (حدثنا عبيد الله بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب لعبد الله بن نمير (و) لكن (قال) عبد الوهاب (في) رواية هذا (الحديث فلما كانت) أي حصلت المرة (الرابعة) من الدعاء للمحلقين (قال) أي زاد النبي - صلى الله عليه وسلم - (والمقصرين) أي قال رحم الله المحلقين والمقصرين، ثمَّ بيان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كونها في الرابعة أن قوله والمقصرين معطوف على مقدر تقديره رحم الله المحلقين، وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين ثلاث مرات صريحًا ويكون دعاؤه للمقصرين في الرابعة، وقد رواه أبو عوانة في مستخرجه من طريق الثوري عن عبيد الله بلفظ قال في الثالثة والمقصرين، والجمع بينهما واضح بأن من قال في الرابعة فعلى ما شرحناه ومن قال في الثالثة أراد أن قوله والمقصرين معطوف على الدعوة الثالثة وأراد بالثالثة مسئلة السائلين في ذلك، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يراجع بعد ثلاث كما ثبت ولو لم يدع لهم بعد ثالث مسئلة ما سألوه في ذلك، وأخرجه أحمد من طريق أيوب عن نافع بلفظ: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: والمقصرين، حتى قالها ثلاثًا أو أربعًا ثمَّ قال: "والمقصرين" ورواية من جزم مقدمة على رواية من شك كذا في الفتح، ويؤيده ما في حديث أبي هريرة الآتي بعده، قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة حكاه ابن المنذر بصيغة التمريض وقد ثبت عن الحسن خلافه قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن في الذي لم يحج قط فإن شاء حلق وإن شاء قصر، نعم روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال إذا حج الرجل أول حجة حلق، فإن حج أخرى فإن شاء حلق وإن شاء قصر، ثمَّ روى عنه أنَّه قال: كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة اهـ وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب لا للزوم هذا إذا أمكن كل منهما فإن تعذر أحدهما تعين الممكن منهما أو تعذرا أمرَّ الموسى على رأسه مثال تعذر الحلق مع إمكان التقصير أن يفقد آلة الحلق أو من يحلقه أو يضره الحلق لنحو صداع أو قروح برأسه، ومثال تعذر التقصير دون الحلق كأن لبد شعره بنحو صمغ فيتعين الحلق، مثال تعذرهما جميعًا كأن كان رأسه أقرع أو أصلع أو ذا قروح وشعره قصير، ثمَّ قال الحافظ: وفي الحديث أن الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنَّه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة وأدل على صدق النية، والذي يقصر يبقي على نفسه شيئًا مما يتزين به بخلاف الحلق فإنَّه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى، وفيه إشارة إلى التجرد ومن ثمَّ استحب الصالحون إنقاء الشعر عند التوبة والله أعلم اهـ.

(3028) - (1265) (195) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ فُضَيلٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ. حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "اللهُمَّ اغفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَال: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَال: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَال: "وَلِلْمُقَصِّرِينَ". (3029) - (. . .) (. . .) وحدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - فقال: 3028 - (1265) (195) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمَّد (ابن نمير وأبو كريب جميعًا عن) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (قال زهير حدثنا محمَّد بن فضيل حدثنا عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي، ثقة، من (6) (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال: "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله وللمقصرين، قال) في الرابعة (وللمقصرين) معهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [1728]، وابن ماجه [3043]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 3029 - (. . .) (. . .) (وحدثني أمية بن بسطام) العيشي، صدوق، من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري البصري، ثقة، من (6) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته، غرضه

بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. (3030) - (1266) (196) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَينِ، عَنْ جَدَّتِهِ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلاثًا. وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً. وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لأبي زرعة، وساق عبد الرحمن بن يعقوب (بمعنى حديث أبي زرعة عن أبي هريرة) لا بلفظه. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أم الحصين - رضي الله عنهم - فقال: 3030 - (1266) (196) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأبو داود الطيالسي) سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) كلاهما (عن شعبة عن يحيى بن الحصين) البجلي الأحمسي المدني، ثقة، من (4) (عن جدته) أم الحصين بنت إسحاق الأحمسية المدنية الصحابية رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان واثنان كوفيان (أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثًا) من المرات (و) دعا (للمقصرين مرة) واحدة في الرابعة (ولم يقل وكيع) في روايته لفظة (في حجة الوداع) بل قالها أبو داود وليس فيما سوى هذا الطريق من أحاديث الباب تعيين هل قاله - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية كما قاله ابن عبد البر أو في حجة الوداع قالوا: ولم يقع في شيء من طرق حديث أبي هريرة الماضي التصريح بالموضع ولا التصريح بسماعه ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو رفع لقطعنا بأنه كان في حجة الوداع لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية، وقد وقع تعيين الحديبية من حديث جابر عند أبي قرة في كتاب السنن له، ومن طريق الطبراني في الأوسط من حديث المسور بن مخرمة عند محمَّد بن إسحاق في المغازي، ومن حديث أبي سعيد عند أحمد وابن أبي شيبة والطيالسي والطحاوي وابن عبد البر بلفظ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لأهل الحديبية للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة، والجمع بين هذه الأحاديث المتعارضة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله في الموضعين كما قاله النواوي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

(3031) - (1267) (197) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ) ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ). كِلاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (3032) - (1268) (198) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مِنىً. فَأَتَى الْجَمْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث آخر له - رضي الله عنهما - فقال: 3031 - (1267) (197) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن) بن محمَّد بن عبد الله (القاري) - بتشديد الياء نسبة إلى قارة بتخفيف الراء المفتوحة اسم قبيلة - المدني (ح وحدثنا قتيبة حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) (كلاهما) أي كل من يعقوب وحاتم رويا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلق رأسه في حجة الوداع). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود كما في تحفة الأشراف. ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة وهو الرمي ثمَّ النحر ثمَّ الحلق وأن الأفضل الابتداء في الحلق باليمين بحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: 3032 - (1268) (198) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي أبي عبد الله البصري، ثقة، من (6) (عن محمَّد بن سيرين) الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك أبي بكر البصري، ثقة، من (3) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى) غداة يوم النحر (فأتى الجمرة) أي الجمرة

فَرَمَاهَا. ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنىً وَنَحَرَ. ثُمَّ قَال لَلْحَلَّاقِ: "خُذْ" وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيمَنِ. ثُمَّ الأَيسَرِ. ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ. (3033) - (. . .) (. . .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَقَال فِي رِوَايَتِهِ، لِلْحَلَّاقِ "هَا" وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبِ الأَيمَنِ هكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الكبرى وهي جمرة العقبة (فرماها) من بطن الوادي، فيه أنَّه يستحب إذا قدم منى أن لا يعرج على شيء قبل الرمي بل يأتي الجمرة راكبًا أو ماشيًا كما هوفيرميها ثمَّ يذهب فينزل حيث شاء من منى كما ذكره بقوله (ثمَّ أتى) - صلى الله عليه وسلم - (منزله بمنى ونحر) بدنه ونسكه كما هو الرواية في الآتي (ثمَّ قال) - صلى الله عليه وسلم - (للحلاق) صيغة نسبة كتمار وحناط وخياط، قال النواوي: اختلفوا في اسم الحالق فالصحيح أنَّه معمر بن عبد الله العدوي كما ذكره البخاري، وقيل هو خراش بن أمية بن ربيعة الكليبي بضم الكاف والمذكور في أسد الغابة والإصابة، والصحيح أن خراشًا كان الحالق بالحديبية والله أعلم كذا في الفتح (خذ) هذا الجانب من الرأس (وأشار إلى جانبه الأيمن ثمَّ الأيسر ثمَّ) بعد حلقه (جعل) - صلى الله عليه وسلم - (يعطيه) أي الشعر (الناس) الحاضرين عنده ويوزعه عليهم وهذا على عادته - صلى الله عليه وسلم - في الابتداء باليمين في أفعاله فإنَّه كان يحب التيمن في شأنه كله وتوزيعه شعره على الناس حرصًا منه على تشريكهم في التبرك به وفي ثوابه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 111]، وأبو داود [1982]، والترمذي [912]، والنسائيُّ في الكبرى [4116]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 3033 - (. . .) (. . .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير وأبو كريب قالوا أخبرنا حفص بن غياث) بن طلق الكوفي (عن هشام) بن حسان القردوسي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن محمَّد عن أنس. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة هؤلاء المذكورين ليحيى بن يحيى في الرواية عن حفص (أما أبو بكر) بن أبي شيبة (فقال في روايته) ثمَّ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (للحلاق ها) أي خذ الجانب الأيمن واحلقه (و) الحال أنَّه قد (أشار) للحالق (بيده) الشريفة (إلى الجانب الأيمن) من رأسه باسطًا يده (هكذا) إلى الأيمن، وقوله (ها) اسم فعل أمر

فَقَسَمَ شَعَرَهُ بَينَ مَنْ يَلِيهِ. قَال: ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلَّاقِ وَإِلَى الْجَانِبِ الأَيسَرِ. فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى خذ أي خذ الأيمن من رأسي فاحلقه، قيل الصواب مدها وفتحها كما في حديث إلا هاء وهاء في الربا لأنَّ أصلها هاك أي خذ فحذفت الكاف وعوضت منها المد والهمزة، وأجاز بعضهم فيها السكون على حذف العوض فتنزل منزلة ها التي للتنبيه انظر النهاية اهـ من بعض الهوامش (فقسم) - صلى الله عليه وسلم - (شعره) الذي حلق من الجانب الأيمن (بين من يليه) - صلى الله عليه وسلم - من الجانب الأيمن أي أمر أبا طلحة بقسمه بين من على يمينه (قال ثمَّ أشار إلى الحلاق) بأن تحول إلى الجانب الأيسر (و) أشار له أيضًا (إلى الجانب الأيسر) منه - صلى الله عليه وسلم - (فحلقه) أي فحلق الحلاق شعر الجانب الأيسر (فأعطاه) أي فأعطى - صلى الله عليه وسلم - الشعر المحلوق من الجانب الأيسر (أم سليم) وهي أم أنس زوجة أبي طلحة -رضي الله عنهم-، وفي رواية البخاري وكان أبو طلحة أول من أخذه، وقد أخرج أبو عوانة في صحيحه هذا الحديث من طريق سعيد بن سليمان أبين مما ساقه محمَّد بن عبد الرحيم عند البخاري ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الحلاق فحلق رأسه ودفع إلى أبي طلحة الشق الأيمن ثمَّ حلق الشق الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس، ورواه مسلم من طريق ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين بلفظ فلما رمى الجمرة ونحر نسكه ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثمَّ دعا أبا طلحة فأعطاه إياه ثمَّ ناوله الشق الأيسر فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال اقسمه بين الناس، وله من رواية حفص بن غياث عن هشام أنَّه قسم الأيمن فيمن يليه، وفي لفظ فوزعه بين الناس الشعرة والشعرتين، وأعطى الأيسر أم سليم، وفي لفظ أبا طلحة. ولا تنازع في هذه الروايات بل طريق الجمع بينهما أنَّه ناول أبا طلحة كلًّا من الشقين فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره، وأما الأيسر فأعطاه أم سليم زوجته بأمره - صلى الله عليه وسلم - أيضًا زاد أحمد في رواية له لتجعله في طيبها، قال الحافظ: وفي الحديث طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور وهو الصحيح عندنا، وفيه التبرك بشعره - صلى الله عليه وسلم - وجواز اقتنائه، وفيه المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية، أقول: وفيه أن المواساة لا تستلزم المساواة، وفيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره. قال الزرقاني: وإنما قسم شعره في أصحابه ليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم، وكأنه أشار

وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ قَال: فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الأَيمَنِ. فَوَزَّعَهُ الشَّعَرَةَ وَالشَّعَرَتَينِ بَينَ النَّاسِ ثُمَّ قَال بِالأَيسَرِ فَصَنَعَ بِهِ مِثْلَ ذلِكَ. ثُمَّ قَال: "ههُنَا أَبُو طَلْحَةَ"؟ فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ. (3034) - (. . .) (. . .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك إلى اقتراب الأجل، وخص أبا طلحة بالقسمة التفاتًا إلى هذا المعنى لأنه هو الذي حفر قبره ولحد له وبنى فيه اللبن اهـ فتح الملهم. (وأما في رواية أبي كريب قال) أنس (فبدأ) النبي - صلى الله عليه وسلم - في حلقه (بالشق الأيمن) من رأسه أي أمر الحالق بالبدء به (فوزعه) النبي - صلى الله عليه وسلم - أي أمر أبا طلحة بتوزيع الشعر المحلوق، وقوله (الشعرة) لواحد (والشعرتين) لآخر بدل من ضمير المفعول، قال الأبي: ذكر الشعرة والشعرتين يدل على كثرة الحاضرين، وفيه التبرك بآثار الصالحين اهـ، وقوله (بين الناس) الذي على يمينه متعلق بوزع (ثمَّ قال) أي أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحالق (بالأيسر) أي بحلق الجانب الأيسر (فصنع) الحالق (به) أي بشعر الجانب الأيسر (مثل ذلك) أي مثل ما فعل بشعر الجانب الأيمن (ثمَّ) بعد فراغ الحالق من حلقه (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (ها هنا) إشارة إلى المكان القريب أي هل (أبو طلحة) موجود هنا فجاء أبو طلحة (فدفعه) أي فدفع النبي - صلى الله عليه وسلم - الشعر المحلوق من الجانب الأيسر (إلى أبي طلحة) ليدفعه إلى أم سليم فدفعه إليها. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 3034 - (. . .) (. . .) (وحدثنا محمَّد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا هشام) بن يحيى بن حسان القردوسي البصري (عن محمَّد) بن سيرين البصري (عن أنس بن مالك) البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الأعلى لحفص بن غياث (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى جمرة العقبة) يوم النحر (ثمَّ انصرف) أي رجع وذهب (إلى)

الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا. وَالْحَجَّامُ جَالِسٌ. وَقَال بِيَدِهِ عَنْ رَأْسِهِ. فَحَلَقَ شِقَّهُ الأَيمَنَ فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ. ثُمَّ قَال: "احْلِقِ الشِّقَّ الآخَرَ" فَقَال: "أَينَ أَبُو طَلْحَةَ؟ " فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. (3035) - (. . .) (. . .) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ يُخْبِرُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ. وَنَحَرَ نُسُكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مبارك (البدن) والهدايا، والبدن بضم فسكون جمع بدنة (فنحرها) أي فنحر بعضها بيده وأمر عليًّا بنحو الباقي (والحجام) أي الحالق (جالس) حاضر عنده (وقال) النبي - صلى الله عليه وسلم -أي أشار إلى الحالق (بيده) الشريفة إلى إزالة الشعر (عن رأسه فحلق) الحالق (شقه الأيمن) أي الجانب الأيمن من رأسه (فقسمه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - أي أمر أبا طلحة بقسم الشعر المحلوق وتوزيعه (فيمن يليه) أي يلي جانبه الأيمن (ثمَّ قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - للحالق (احلق الشق الآخر) من رأسه يعني الجانب الأيسر (فقال) لمن عنده (أين أبو طلحة فأعطاه) أي فأعطى أبا طلحة (إياه) أي الشعر المحلوق من الجانب الأيسر فدفعه أبو طلحة إلى أم سليم، وأبو طلحة هو عم أنس وزوج أمه أم سليم، وكان له - صلى الله عليه وسلم - بأبي طلحة وأهله مزيد خصوصية ومحبة ليست لغيرهم من الأنصار وكثير من المهاجرين الأبرار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وهو الذي حفر قبره الشريف ولحد له وبنى فيه اللبن، وخصه بدفنه لبنته أم كلثوم وزوجها عثمان حاضر اهـ ملا علي. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 3035 - (. . .) (. . .) (وحدثنا) محمَّد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (سمعت هشام بن حسان) القردوسي (يخبر عن) محمَّد (بن سيرين عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمن روى عن هشام (قال) أنس (لما رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يوم النحر (الجمرة ونحر نسكه) بضم النون وسكون السين وقد تضم جمع نسيكة وهي الذبيحة؛ والمراد بدنه - صلى الله عليه وسلم - وقد نحر بيده ثلاثًا وستين (63) وأمر عليًّا أن ينحر بقية المائة اهـ ملا علي، وقد مر بيان ذلك في حديث جابر في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -

وَحَلَقَ. نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الأَيمَنَ فَحَلَقَهُ. ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيسَرَ. فَقَال: "احْلِقْ" فَحَلَقَهُ. فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَال: "اقْسِمْهُ بَينَ النَّاسِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وحلق) أي أراد حلق شعره (ناول الحالق شقه الأيمن) أي مكن له من حلق جانبه الأيمن من رأسه، وفيه دلالة على استحباب التيامن في الحلق (فحلقه) أي حلق الحالق شقه الأيمن (ثمَّ دعا) - صلى الله عليه وسلم - (أبا طلحة الأنصاري) زوج أم سليم (فأعطاه) أي فأعطى أبا طلحة (إياه) أي الشعر المحلوق من الجانب الأيمن ليقسمه بين الناس ليتبركوا به وتذكرة لهم (ثمَّ ناوله) أي ناول الحالق (الشق الأيسر) أي مكن له من حلقه (فقال) للحالق (احلق) الجانب الأيسر أيضًا (فحلقه) أي فحلق الحالق شعر الشق الأيسر (فأعطاه) أي فأعطى شعر شقه الأيمن (أبا طلحة فقال) لأبي طلحة (اقسمه بين الناس) بالشعرة أو الشعرتين وهو راجع إلى الشق الأيمن المذكور أولًا، وأما الأيسر فأمره بدفعه إلى أم سليم زوجته، ولا تعارض بين هذه الروايات المختلفة بل طريق الجمع بينهما أنَّه ناول أبا طلحة كلًّا من الشقين فأما الأيمن فوزعه بين الناس بأمره، وأما الأيسر فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره - صلى الله عليه وسلم - أيضًا قاله العسقلاني وذكره العيني والقسطلاني. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أم الحصين ذكره للاستشهاد، والرابع حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا، والخامس حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

508 - (64) باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي واستحباب طواف الإفاضة يوم النحر

508 - (64) باب: من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي واستحباب طواف الإفاضة يوم النحر (3036) - (1269) (199) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ. قَال: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، بِمِنىً، لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ. فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. فَقَال: "اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ" ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 508 - (64) باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي واستحباب طواف الإفاضة يوم النحر 3036 - (1269) (199) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) التيمي المدني، ثقة، من (3) مات سنة (100) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل هاشم السهمي المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله مدنيون إلا يحيى بن يحيى (قال) عبد الله بن عمرو (وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الخ، قال الحافظ: حديث عبد الله بن عمرو هذا من مخرج واحد لا يعرف له طريق إلا طريق الزهري هذه، عن عيسى عنه، والاختلاف فيه من أصحاب الزهري، وغايته أن بعضهم ذكر ما لم يذكره الآخر، واجتمع من مرويهم ورواية ابن عباس أن ذلك كان يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة اهـ (في حجة الوداع بمنى) متعلق بوقف، وقوله (للناس) أي لأجلهم، وقوله (يسألونه) حال أو استئناف لبيان علة الوقوف، قال ملا علي: ويؤيد الثاني رواية وقف على راحلته فطفق ناس يسألونه اهـ (فجاء رجل) قال الحافظ: لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد ولا على اسم أحد ممن سأل في هذه القصة، وسأبين أنهم كانوا جماعة، لكن في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه وكأن هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم اهـ (فقال يا رسول الله لم أشعر) أي لم أفطن ولم أعرف أن النحر قبل الحلق (فحلقت قبل أن أنحر) الهدي (فقال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (اذبح) الآن (ولا حرج) أي لا ذنب عليك في التقديم والتأخير (ثمَّ جاءه رجل آخر فقال يا رسول الله

لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَال: "ارْمِ وَلَا حَرَجَ". قَال: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ، إِلَّا قَال: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ". (3037) - (. . .) (. . .) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لم أشعر) أن الرمي قبل النحر (فنحرت قبل أن أرمي فقال ارم) الآن (ولا حرج) عليك في تقديم النحر قبل الرمي (قال) عبد الله (فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يومئذ (عن شيء قدم) أي وحقه التأخير (ولا أخر) وحقه التقديم (إلا قال افعل) الباقي عليك (ولا حرج) عليك فيما فعلت، واعلم أن أعمال يوم النحر في الحج أربعة: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، والطواف، وترتيبها على ما ذكر سنة فلو حلق أو قصر قبل الثلاثة الأخر فلا فدية عليه، وإنما لم يجب ترتيبها لحديث عبد الله بن عمرو هذا المذكور في الصحيحين، وبهذا قال جماعة من السلف وهو مذهبنا، وللشافعي قول ضعيف إنه إذا قدم الحلق على الرمي والطواف لزمه الدم بناء على قوله الضعيف: أن الحلق ليس بنسك وبهذا القول هنا قال أبو حنيفة ومالك واتفقوا على أنَّه لا فرق بين العامد والساهي في ذلك في وجوب الفدية وعدمها، وإنما يختلفان في الإثم في التقديم والله أعلم كذا في النواوي. وقوله (لم أشعر) أي لم أفطن يقال شعرت بالشيء شعورًا إذا فطنت له، وقيل الشعور العلم ولم يفصح في هذه الرواية بمتعلق الشعور وقد بينه يونس في الرواية التالية بقوله لم أشعر أن الرمي قيل النحر فنحرت قبل أن أرمي الخ، قوله (ارم ولا حرج) قال القاضي عياض: ليس أمرًا بالإعادة، وإنما هو إباحة وإجازة لما فعل لأنه سأل عن ماض فرغ منه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 192]، والبخاري [83 و 1736]، وأبو داود [2014]، والترمذي [916]، وابن ماجه [3051]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - فقال: 3037 - (. . .) (. . .) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا)

ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. حَدثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ التيمي؛ أَنهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ. فَيَقُولُ الْقَائِلُ مِنْهُم: يَا رَسُولَ اللهِ! إِني لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أن الرميَ قَبْلَ النحرِ، فَنَحَرتُ قَبْلَ الرمي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَارمِ وَلَا حَرَجَ". قَال: وَطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ: إِني لَمْ أَشْعر أن النحرَ قَبْلَ الْحَلْقِ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. فَيَقُولُ: "انْحَرْ وَلَا حَرَجَ". قَال: فَمَا سَمعتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمرٍ، مِما يَنْسَى الْمَرءُ ويجْهلُ، مِنْ تَقْدِيمِ بعضِ الأمُورِ قَبْلَ بعضٍ، وَأَشْبَاهِها، إلَّا قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "افْعَلُوا ذلِكَ وَلَا حَرَجَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني عيسى بن طلحة التيمي أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لمالك بن أنس (وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمنى (على راحلته) يوم النحر (فطفق) أي شرع (ناس) من الأعراب (يسألونه) عن أعمال يوم النحر (فيقول القائل منهم يا رسول الله إني لم أكن أشعر) من باب نصر أي أعلم (أن الرمي قبل النحر) أي قبل ذبح الهدي (فنحرت قبل الرمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارم) الجمرة الآن (ولا حرج) أي لا ذنب ولا فدية عليك في تقديم النحر على الرمي (قال) عبد الله بن عمرو (وطفق) أي شرع رجل (آخر يقول إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق فحلقت قبل أن أنحر) الهدي (فيقول) له أي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (انحر) الهدي الآن (ولا حرج) عليك في تقديم الحلق على النحر (قال) عبد الله (فما سمعته) صلى الله عليه وسلم (يسأل يومئذ) أي يوم إذ سألوه عن أعمال يوم النحر (عن أمر مما ينسى المرء) من باب رضي أي ينسى المرء ويذهل عنه أ (ويجهل) من باب فرح (من تقديم بعض) هذه (الأمور قبل بعض) آخر (وأشباهها) كتقديم طواف الإفاضة عليها (إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افعلوا ذلك) الباقي عليكم (ولا حرج) عليكم في تقديم ما قدمتوه، قوله (ما ينسى المرء ويجهل) الخ، قال الحافظ: احتج به وبقوله في رواية مالك لم أشعر بأن الرخصة تختص بمن نسي أو جهل لا بمن تعمد، قال صاحب المغني: قال الأثرم عن أحمد؛ إن كان ناسيًا أو جاهلًا فلا شيء عليه , إن كان عالمًا فلا لقوله في الحديث لم أشعر، وأجاب بعض الشافعية: بأن

(3038) - (00) (00) حدثنا حَسَن الْحُلْوَانيُّ. حَدَّثَنَا يعقُوبُ. حَدَّثَنَا أَبِي، عن صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابِ. بِمِثلِ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَى آخِرِهِ. (3039) - (00) (00) وحدّثنا عَلِي بْنُ خَشْرَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الترتيب لو كان واجبًا لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي، وقال ابن دقيق العيد: ما قاله أحمد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج بقوله: "خذوا عني مناسككم" وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت يقول السائل لم أشعر فيختص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العبد على أصل وجوب الاتباع في الحج، وأيضًا فالحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرًا لم يجز اطراحه ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه، وأما التمسك يقول الراوي فما سئل عن شيء الخ فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقًا غير مراع، فجوابه: أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا حجة في حال العبد والله أعلم اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 3038 - (00) (00) (حدثنا حسن) بن علي بن محمد (الحلواني) الخلال أبو علي المكي (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد الزهريّ المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهريّ المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (4) (عن ابن شهاب) ثقة، من (4) وساق صالح (بمثل حديث يونس عن الزهريّ إلى آخره) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس، وفائدتها تقوية السند الأول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 3039 - (00) (00) (وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة،

أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ شِهابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عِيسَى بن طَلْحَةَ. حَدَّثَنِي عَندُ اللهِ بن عَمرِو بنِ الْعَاصِ؛ أَن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، بينا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النحرِ، فَقَامَ إِلَيهِ رَجُل فَقَال: مَا كُنْتُ أَحسِبُ، يَا رَسُولَ اللهِ! أن كَذَا وَكَذَا، قَبلَ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! كُنتُ أَحسِبُ أن كَذَا، قَبْلَ كَذَا وَكَذَا. لهؤُلاءِ الثلاثِ. قَال: "افْعَل وَلَا حَرَجَ". (3040) - (00) (00) وحدثناه عبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن بَكرٍ. ح وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحيَى الأُمَوي ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن ابن جريج قال سمعت ابن شهاب يقول حدثني عيسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني (حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمالك ويونس (أن النبي على الله عليه وسلم بينا) المعروف في بينا وبينما تعقيب الجملة التي تليها بكلمة إذا الفجائية، ولكن قامت هنا مقامها الفاء الرابطة للجواب (هو يخطب) في منى (يوم النحر) وقوله (فقام إليه رجل) جواب بينا أي بينا أوقات خطبته فاجأه قيام رجل إليه (فقال) الرجل القائم (ما كنت أحسب) وأظن (يا رسول الله أن كذا وكذا) أي أن الرمي والنحر (قبل كذا وكذا) أي قبل الحلق والطواف (ثم جاء) رجل (آخر فقال يا رسول الله كنت أحسب) وأظن (أن كذا) أي أن الحلق (قبل كذا وكذا) أي قبل الرمي والنحر، يذكر (لهؤلاء الثلاث) أي الحلق والرمي والنحر، والظاهر أن الإشارة المذكورة من ابن جريج، وقد أخرج الشيخان من رواية مالك عن ابن شهاب شيخ مالك فيه مفسرًا كما تقدم كذا في الفتح (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (افعل) ما بقي عليك (ولا حرج) أي لا ذنب ولا فدية عليك فيما قدمت، زاد البيهقي في حديث ابن عباس من طريقه: ولم يأمر بشيء من الكفارة، ثم قال: إسناده صحيح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمرو رضي الله عنهما فقال: 3040 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) الكسي (حدثنا محمد بن بكر) البرساني (ح وحدثني سعيد بن يحيى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي)

حَدَّثَنِي أَبِي. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ بَكْرٍ فَكَرِوَايَةِ عِيسَى. إلا قَوْلَهُ: لِهؤُلاءِ الثلاثِ. فَإِنهُ لَمْ يَذْكُر ذلِكَ. وَأَمَّا يَحيَى الأموي فَفِي رِوَايَتِهِ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. نَحَرتُ قَبْلَ أَنْ أرمِيَ. وَأَشْبَاه ذلِكَ. (3041) - (00) (00) وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهيرُ بْنُ حَربٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِي، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرٍو. قَال: أَتَى النبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ رَجُلٌ فَقَال: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَال: "فَاذْبَح وَلَا حَرَجَ" قَال: ذَبَحتُ قَبْلَ أَنْ أَرمِيَ. قَال: "ارمِ وَلَا حَرَجَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثني أبي) يحيى بن سعيد الأموي أبو أيوب الكوفي، صدوق، من (9) (جميعًا) أي كل من محمد بن بكر ويحيى بن سعيد (عن ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة محمد بن بكر ويحيى بن سعيد لعيسى بن يونس في الرواية عن ابن جريج (أما رواية) محمد (بن بكر فكرواية عيسى) بن يونس (إلا قوله لهولاء الثلاث فإنه) أي فإن محمد بن بكر (لم يذكر ذلك) أي قوله لهؤلاء الثلاث (وأما يحيى) بن سعيد (الأموي ففي روايته حلقت قبل أن أنحر، نحرت قبل أن أرمي وأشباه ذلك) كقوله نحرت قبل أن أحلق، ورميت قبل أن أنحر، وهذا بيان قال المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمرو رضي الله عنهما فقال: 3041 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قال أبو بكر حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لابن جريج في الرواية عن الزهريّ (قال) عبد الله بن عمرو (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال حلقت قبل أن أذبح قال فاذبح ولا حرج) عليك في تقديم الحلق قبل الذبح، ثم (قال) رجل آخر (ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج) عليك في تقديم الذبح قبل الرمي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديثه رضي الله عنه فقال:

(3042) - (00) (00) وحدثنا ابن أبي عمر وعبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن الزهري، بهذا الإسناد: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقة بمنى فجاءه رجل بمعنى حديث ابن عيينة. (3042) - (00) (00) وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ. حدثنا علي بن الحسن، عن عبد الله بن المبارك. أخبرنا محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن عيسى بن طلحة. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم -، وأتاه رجل يوم النحر، وهو واقف عند الجمرة فقال: يا رسول الله! إني حلقت قبل أن أرمي فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 3042 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عيسى عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة، قال الله بن عمرو (رايت رسول - صلى الله عليه وسلم - على ناقة بمنى فجاءة رجل) وساق معمر (بمعنى حديث ابن عيينة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - فقال: 3043 - (00) (00) (وحدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ) المروزي، ثقة، من (11) (حدثنا علي بن الحسن) بن شقيق العبدي المرزي، ثقة، من كبار (10) (عن عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المرزي، ثقة، من (8) (اخبرنا محمد بن أبي حفصة) ميسرة أبو سملة البصري، صدوق، من (7) (عن الزهري عن عيسى بن صلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص) وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدليون وثلاثة منهم مروزيون وواحد بصري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن أبي حفصة لمن روى عن الزهري (قال) عبد الله بن عمرو (سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم -) يقول ما سيأتي (و) الحال أنه قد (أتاه) - صلى الله عليه وسلم - (رجل يوم النحر وهو) أي والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - (واقف عند الجمرة) ليسأله الناس عن أحكام حجهم (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي فقال) له رسول - صلى الله عليه وسلم -

"ارمِ وَلَا حَرَجَ" وَأتَاهُ آخَرُ فَقَال: إِني ذَبَحتُ قَبلَ أَن أَرمِيَ. قَال: "ارمِ وَلَا حَرَجَ" وَأَتَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَقَال: إِني أفَضْتُ إِلَى البَيتِ قَبلَ أَن أرمِيَ. قَال: "ارمِ وَلَا حَرَجَ". قَال: فَمَا رَأَيتُهُ سُئِلَ يَؤمَئِذٍ عن شَيءٍ، إِلَّا قَال: "افعَلُوا وَلَا حَرَجَ". (3044) - (1270) (200) حدّثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهزٌ. حَدَّثَنَا وُهيبَ. حَدَّثَنَا عَندُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عن أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (ارم) الآن (ولا حرج) عليك في تقديم الحلق (وأتاه آخر فقال إني ذبحت قبل أن أرمي) فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ارم) الآن (ولا حرج) في تقديم الذبح (وأتاه وجل آخر فقال إني أفضت) أي نزلت (إلى البيت) وطفت طواف الإفاضة (قبل أن أرمي) الجمرة (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اوم) الآن (ولا حرج) عليك في تقديم الطواف (قال) عبد الله بن عمرو (فما رأيته سئل) صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ دفعوا إلى منى (عن شيء) قدم أو أخر (إلا قال) لهم (افعلوا) ما بقي عليكم (ولا حرج) عليكم في تقديم ما قدمتم (وقوله إني أفضت إلى البيت) أي قدمت طواف الزيارة على رمي جمرة العقبة فطفت طواف الإفاضة قبله، قال ملا علي: اعلم أن الترتيب بين الرمي والذبح والحلق للقارن والمتمتع واجب عند أبي حنيفة سنة عندهما، وكذا تخصيص الذبح بأيام النحر، وأما تخصيص الذبح بالحرم فإنه شرط بالاتفاق فلو ذبح في غير الحرم لا يسقط ما لم يذبح في الحرم، والترتيب بين الحلق والطواف ليس بواجب، وكذا بين الرمي والطواف، فما قيل من أن الترتيب بين الرمي والحلق والطواف واجب فليس بصحيح اهـ من بعض الهوامش. وانفرد الإمام مسلم بهذه الرواية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن عمرو بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3044 - (1270) (200) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) اليماني الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه (طاوس بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان وواحد طائفي

أَن النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قِيلَ لَهُ: فِي الذبحِ، وَالْحلْقِ، وَالرميِ، وَالتقْدِيمِ، وَالتأخِيرِ، فَقَال: "لَا حَرَجَ". (3045) - (1271) (201) حدّثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَفَاضَ يَوْمَ النحرِ. ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظهْرَ بِمِنًى ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد بغدادي (أن النبي على الله عليه وسلم قيل له في الذبح) أي سئل عن حكم ذبح الهدي (والحلق والرمي) لجمرة العقبة (والتقديم والتأخير) أي وعن حكم تقديم بعضها على بعض، وتأخير بعضها عن بعض (فقال) صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: افعل ما بقي عليك و (لا حرج) عليك في تقديم ما قدمت عليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 216]، والبخاري [1712]، والنسائي [5/ 272]، وابن ماجه [3050]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3045 - (1271) (201) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العدوي المدني (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد صنعاني وواحد نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر) أي طاف طواف الإفاضة (ثم رجع) إلى منى (فصلى الظهر بمنى) وحديث ابن عمر هذا معارض لما في حديث جابر الطويل من قوله (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر) ولا بد من صلاته الظهر في أحد المكانين فصلاته في مكة بالمسجد الحرام لثبوت مضاعفة الفرائض فيه أولى فحديث جابر مقدم على حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال ابن الهمام في فتح القدير: ولو تجشمنا الجمع بينهما حملنا فعله بمنى على الإعادة بسبب اطلع عليه يوجب نقصان المؤدى أولًا، وفيه نظر، قال القرطبي: وحديث جابر هو الأصح، ويعضده حديث أنس الآتي قال فيه: أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر يوم النحر بالأبطح، وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بمنى يوم التروية كما قال

قَال نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النحرِ. ثُمَّ يرجِعُ فَيُصلِّي الطهْرَ بِمِنًى. ويذْكُرُ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ. (3046) - (1272) (02 2) حدّثني زُهيرُ بْنُ حرب. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأزرَقُ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ. قَال: سَالْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. قُلْتُ: أَخْبِرنِي عَنْ شَيء عَقَلْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس، وما في حديث ابن عمر وهم من بعض الرواة والله أعلم اهـ من المفهم (قال نافع) بالسند السابق (فكان ابن عمر يفيض) أي يطوف طواف الإفاضة (يوم النحر ثم يرجع) إلى منى (فيصلي الظهر بمنى وبذكر) ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله) أي فعل ما فعله ابن عمر من صلاة الظهر بمنى، وهذا وهم من بعض الرواة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 34]، وأبو داود [1998]. قال النواوي: وفي هذا الحديث إثبات طواف الإفاضة، وأنه يستحب فعله يوم النحر وأول النهار، وقد أجمع العلماء على أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق فإن آخره عنه وفعله أيام التشريق أجزأه ولا دم عليه بالإجماع فإن آخره إلى ما بعد أيام التشريق وأتى به بعدها أجزأه ولا شيء عليه عندنا وبه قال جمهور العلماء، وقال مالك وأبو حنيفة: إذا تطاول لزمه معه دم والله أعلم اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أنس رضي الله عنهم فقال: 3046 - (1272) (202) (حدثني زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي أبو محمد (الأزرق) الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة حجة إمام، من (7) (عن عبد العزيز بن رفيع) مصغرًا الأسدي أبي عبد الله المكي، ثقة، من (4) وليس لعبد العزيز بن رفيع عن أنس في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد (قال) عبد العزيز (سألت أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم بصري وواحد مكي وواحد كوفي وواحد واسطي وواحد نسائي فـ (قلت) في سؤاله (أخبرني) يا أنس (عن شيء عقلته) وعرفته

عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. أَينَ صَلى الظهْرَ يَوْمَ الترويةِ؟ قَال: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَينَ صلّى الْعَصرَ يَوْمَ النفْرِ؟ قَال: بِالأبطَحِ. ثمّ قَال: افْعَلْ مَا يَفْعَلُ أُمَراؤُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحفظته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حجه حجة الوداع (أين صلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الظهر يوم التروية) أي في اليوم الثامن من ذي الحجة، وسمي التروية -بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف الياء التحتانية- لأنهم كانوا يروون فيها إبلهم ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون، وأما الآن فقد كثرت فيها المياه جدا استغنوا عن حمل الماء، وقد روى الفاكهي في كتاب مكة من طريق مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: يا مجاهد إذا رأيت الماء بطريق مكة ورأيت البناء يعلو أخاشبها فخذ حذرك، وفي رواية فاعلم أن الأمر قد أظلك، وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة كذا قال الحافظ في الفتح (قال) أنس في جواب عبد العزيز صلى (بمنى، قلت) له (فأين صلى العصر يوم النفر) والرجوع من منى -بفتح النون وسكون الفاء- أي يوم الانصراف من منى، قال القاري: أي النفر الثاني وهو اليوم الثالث من أيام التشريق (قال) أنس صلى (بالأبطح) أي في البطحاء التي بين مكة ومنى؛ وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس، وحدُّها ما بين الجبلين إلى المقبرة قاله الحافظ (ثم قال) أنس (افعل) أنت يا عبد العزيز (ما يفعل أمراؤك) في الصلاة، قال الحافظ: خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة، أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له: صل مع الأمراء حيث يصلون، ففيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين، فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز، وإن كان الاتباع أفضل، وقال القاري: أي لا تخالفهم فإن نزلوا به؛ أي "بالأبطح" فأنزل به وإن تركوه فاتركه حذرًا مما يتولد على المخالفة من المفاسد، فيفيد أن تركه لعذر لا بأس به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1763]، وأبو داود [1912]، والترمذي [964]، ، والنسائي [5/ 249]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه سبع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعات، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والرابع حديث أنس ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

509 - (65) باب النزول بالمحصب يوم النفر والترخيص في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية وفضل القيام بها

509 - (65) باب: النزول بالمحصب يوم النفر والترخيص في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية وفضل القيام بها (3047) - (1273) (203) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهرَانَ الرازِي. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ، عن مَعمَرٍ، عن أيوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ؛ أَن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ وَأَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَنزِلُونَ الأَبطَحَ. (3048) - (00) (00) حدّثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمِ بنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا رَوحُ بن عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا صَخرُ بن جُوَيرِيَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 509 - (65) باب النزول بالمحصب يوم النفر والترخيص في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية وفضل القيام بها 3047 - (1273) (203) (حدثنا محمد بن مهران) -بكسر أوله وسكون الهاء- الجمَّال أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهم. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر) رضي الله تعالى عنهما (كانوا ينزلون الأبطح) يوم النفر الثاني أي البطحاء التي بين مكة ومنى، والأبطح والبطحاء والمحصب والحصبة اسم لشيء واحد، وكذا خيف بني كنانة الآتي ذكره كما في النواوي، وقد أجمعوا على أن النزول فيه مستحب ليس من المناسك التي تلزم وإنما فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فقول عائشة ليس نزول الأبطح سنة، وقول ابن عباس ليس التحصيب بشيء إنما يعنيان أنه ليس من المناسك التي يلزم بتركها دم ولا غيره اهـ من المفهم ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3048 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) البغدادي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا صخر بن جويرية) مصغرًا التميمي مولاهم أبو نافع البصري، روى عن نافع في الحج والجهاد واللباس والرؤيا وآخر الكتاب، ويروي عنه روح بن عبادة وعفان بن مسلم وبشر بن المفضل

عَنْ نَافِعٍ؛ أَن ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحصِيبَ سُنَّةً. وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النفْرِ بِالْحصبَةِ قَال نَافِعٌ: قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، وَالْخُلَفَاءُ بَعدَهُ. (3049) - (1274) (204) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: نُزُولُ الأَبْطَحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلي بن نصر الجهضمي و (خ م دت س) قال أحمد: ثقة ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة (عن نافع أن ابن عمر كان يرى التحصيب) أي النزول في المحصب يوم النفر الثاني (سنة) أي مستحبًا اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم (وكان) ابن عمر (يصلي الظهر يوم النفر) الثاني (بالحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد، أي بالمحصب، وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة صخر بن جويرية لأيوب السختياني (قال نافع) عن ابن عمر (قد حصب) أي نزل المحصب يوم النفر الثاني (رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده) كأبي بكر وعمر (قوله كان يرى التحصيب سنة (قال الطيبي رحمه الله تعالى: التحصيب هو أنه إذا نفر من منى إلى مكة للتوديع ينزل بالشعب الذي يخرج به إلى الأبطح ويرقد فيه ساعة من الليل ثم يدخل مكة، وكان ابن عمر يراه سنة وهو الأصح، قال ابن الهمام: يحترز به عن قول من قال لم يكن قصدًا فلا يكون سنة لما أخرج البخاري عن ابن عباس قال: ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج مسلم عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى، ولكن جئت وضربت قبته فجاء فنزل ووجه، المختار ما أخرجه الجماعة عن أسامة بن زيد قال قلت: يا رسول الله أين تنزل غدًا في حجتك؟ فقال: "هل ترك لنا عقيل منزلًا" ثم قال: "نحن نازلون بخيف بنى كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر" يعني بالمحصب الحديث اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 3049 - (1274) (204) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (نزول الأبطح) أي المحصب

لَيسَ بِسُنَّةٍ. إِنمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، لأنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَج. (3050) - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الزهْرَانِي. حَدَّثَنَا حَماد (يَعنِي ابْنَ زَيدٍ) ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ليس بسنة) مقصودة أو من سنن الحج تعني أنه ليس من أمر المناسك الذي يلزم فعله قاله ابن المنذر، وقد نقل الاختلاف في استحبابه مع الاتفاق على أنه ليس من المناسك (إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه) أي لأن نزوله في الأبطح (كان أسمح) أي أسهل (لخروجه إذا خرج) أي أراد الخروج راجعًا إلى المدينة وتوجهه إليها ليستوي في ذلك البطيء والمعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة، وقال الطيبي: لأنه كان يترك فيه ثقله ومتاعه أي كان نزوله بالأبطح ليترك ثقله ومتاعه هناك ويدخل مكة فيكون خروجه منها إلى المدينة أسهل، قال القاري: وفيه أنه لا ينافيه قصد النزول به للمعنى الذي نواه من تذكر نعمه سبحانه عليه عند مقايسة نزوله به الآن إلى حاله قبل ذلك أعنى حال انحصاره من الكفار في ذات الله تعالى، وهذا أمر يرجع إلى معنى العبادة ثم هذه النعمة التي شملته صلى الله عليه وسلم من النصر والاقتداء على إقامة التوحيد وتقرير قواعد الوضع الإلهي الذي دعا الله تعالى إليه عباده لينتفعوا به في دنياهم ومعادهم لا شك في أنها النعمة العظمى على أمته لأنهم مظاهر المقصود من ذلك المؤيد وكل واحد منهم جدير بتفكرها والشكر عليها فكان سنة في حقهم، ومن هذا حصَّب الخلفاء الراشدون كذا في شرح المشكاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [17645]، وأبو داود [2008]، والترمذي [932]، وابن ماجه [3067]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3050 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنيه أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثناه أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري البصري (حدثنا يزيد بن زريع)

حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ. كلهم عن هِشَام، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. (3051) - (00) (00) حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَندُ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ الزهْرِيِّ، عن سَالِمٍ؛ أَن أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَابنَ عُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الأبْطَحَ. قَال الزهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُروَةُ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنها لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذلِكَ. وَقَالتْ: إِنمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. لأَنهُ كَانَ مَنزِلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا حبيب) بن أبي قريبة بفتح القاف (المعلم) أبو محمد البصري مولى معقل بن يسار، اختلف في اسم أبيه فقيل زائدة، وقيل زيد، صدوق، من (6) (كلهم) أي كل من حفص بن غياث وحماد وحبيب رووا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى عبد الله بن نمير عن هشام، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن نمير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم فقال: 3051 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهريّ عن سالم أن أبا بكر وعمر وابن عمر كانوا ينزلون الأبطح) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سالم لنافع في الرواية عن ابن عمر. (قال الزهريّ) بالسند السابق (وأخبرني عروة) وهذا معطوف على قوله عن سالم أي قال الزهريّ أخبرني سالم عن ابن عمر وأخبرني أيضًا عروة (عن عائشة أنها) أي أن عائشة (لم تكن تفعل ذلك) أي النزول في المحصب في النفر الثاني من منى فيما إذا حجت (وقالت إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان منزلًا أسمح) أي أسهل (لخروجه) من مكة إلى المدينة، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام في الرواية عن عروة عن عائشة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة رضي الله عنها بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

(3052) - (1275) (205) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَأحمَدُ بْنُ عَبْدَةَ (وَاللفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمرٍو، عن عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عباس، قَال: لَيسَ التحصِيبُ بِشَيءٍ. إِنمَا هُوَ مَنْزِل نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3052 - (1275) (205) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (و) محمد (بن أبي عمر) العدني (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10) (واللفظ لأبي بكر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن ابن عباس) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان وواحد طائفي (قال) ابن عباس (ليس التحصيب) أي النزول بالمحصب يوم النفر الثاني (بشيء) من أمر المناسك الذي يلزم فعله، وخالفه ابن عمر في ذلك فكان يراه سنة، ويستدل بأنه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون به (إنما هو) أي المحصب (منزل نزله رسول الله على الله عليه وسلم) لكونه أسمح له في الخروج من مكة، وقالت الأحناف: التحصيب سنة، ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويهجع هجعة، ثم يدخل مكة للوداع، وهو مفاد ما رواه البخاري عن أنس، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم على ما يأتي ذكره: "ننزل غدًا" وفي حديث آخر: "نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة" وكان نزوله صلى الله عليه وسلم قصدًا، وقال ابن عمر: النزول به سنة، فقيل له إن رجلًا يقول ليس بسنة فقال: كذب، أناخ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، رواه البخاري ومسلم، وأي سنة أقوى من هذا فإن فعله صلى الله عليه وسلم قصدًا وفعل الخلفاء من بعده قد ثبت فيه، وكان قول عائشة وابن عباس ظنًّا منهما فلا يعارض المرفوع، والمثبت يقدم أيضًا على النافي، وهذا الخلاف في الآفاقي، وأما المكي فلا يسن له بل يعود إلى منزله في مكة مواطنًا كان أو مقيمًا والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1766]، والترمذي [922]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي رافع رضي الله عنهم فقال:

(3053) - (1276) (206) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزهيرُ بْنُ حربٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهير: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ. قَال: قَال أَبُو رَافِعٍ: لَمْ يَأْمُرنِي رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أنْ أَنْزِلَ الأبطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى. وَلَكِنِّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّتَهُ. فَجَاءَ فَنَزَلَ. قَال أَبُو بَكْرٍ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: قَال: سَمِعْتُ سُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ. وَفِي رِوَايَةِ قُتَيبَةَ، قَال: عَنْ أَبِي رَافِعٍ. وَكَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3053 - (1276) (206) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن ابن عيينة قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن صالح بن كيسان) المدني الغفاري مولاهم، ثقة، من (4) (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة، ثقة، من (3) (قال) سليمان (قال أبو رافع) القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم، وقيل اسمه أسلم في أشهر الأقوال العشرة المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبلخي أو كوفي ونسائي (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح) أي المحصب (حين خرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من منى) وأراد الرجوع إلى المدينة (ولكني جئت) المحصب مع ثقله صلى الله عليه وسلم (فضربت) أي أركزت (فيه) أي في المحصب (قبته) صلى الله عليه وسلم أي خيمته (فجاء) رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائنا (فنزل) في تلك القبة (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (في روايتـ) ـه عن (صالح) بواسطة سفيان (قال) صالح (سمعت سليمان بن يسار، وفي رواية قتيبة) بن سعيد (قال) سليمان (عن أبي رافع) قال النواوي (قوله قال أبو بكر في رواية صالح) كذا هو في معظم النسخ؛ ومعناه أن الرواية الأولى هي رواية قتيبة وزهير قال فيها عن ابن عيينة عن صالح عن سليمان، وأما رواية أبي بكر ففيها عن ابن عيينة عن صالح قال سمعت سليمان، وهذه الرواية أكمل من رواية عن لأن السماع يحتج به بالإجماع، وفي العنعنة خلاف ضعيف، وإن كان قائلها غير مدلس، وقد سبقت المسئلة في أوائل الكتاب، ووقع في بعض النسح قال أبو بكر: في رواية صالح، وفي بعضها قال أبو بكر: في رواية عن صالح قال سمعت سليمان، والصواب الرواية الأولى، وكذا نقلها القاضي عن رواية الجمهور وقال: هي الصواب (وكان) أبو رافع محافظًا ومراقبًا (على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) بفتح الثاء المثلثة والقاف وهو متاع المسافر وما يحمله على دابته، ومنه قوله

(3054) - (1227) (207) حدّثني حَرمَلَةُ بْنُ يحيى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنهُ قَال: "نَنْزِلُ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، بِخَيفِ بَنِي كِنَانَةَ. حَيثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالكُمْ} الآية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2009]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 3054 - (1227) (207) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهريّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال) في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة (ننزل غدًا) وهو اسم لليوم الذي بعد يومك (إن شاء الله) تعالى أي بالمشيئة للتبرك بها ولامتثال قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ} الآية، وقوله (بخيف بني كلنانة) متعلق بنزل، والخيف بفتح الخاء هو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء وهو المحصب كما مر يعني بني كنانة قريشًا، وقوله (حيث تقاسموا) ظرف مكان بدل من الخيف أي ننزل في المحل الذي تقاسمت وتحالفت فيه قريش (على) الاستمرار على (الكفر) والشرك، وعلى أن لا يبايعوا بني هاشم وبني المطلب ولا يناكحوهم ولا يؤوهم وحصروهم في الشعب كما سيأتي تفصيله، قيل إنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه أولًا فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم، وتمكنه من دخول مكة ظاهرًا على رغم أنف من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا ومقابلتهم بالمن والإحسان، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1590]، ، وأبو داود [2010 و 2011]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

(3055) - (00) (00) حدّثني زُهيرُ بْنُ حرب. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلم، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِي. حَدثَنِي الزهرِي. حَدثَنِي أَبُو سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ قَال: قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَنَحنُ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ غدًا بِخَيفِ بَنِي كِنَانَةَ. حَيثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3055 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي، ثقة، من (8) (حدثني) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) أبو عمرو الشامي، ثقة، من (7) (حدثني الزهريّ حدثني أبو سلمة) بن عبد الرحمن (حدثنا أبو هريرة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأوزاعي ليونس بن يزيد (قال) أبو هريرة (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن) أي والحال أنا نحن نازلون (بمنى) وهذا ظاهر في أنه قاله في حجة الوداع فيحمل قوله في بعض روايات الأوزاعي حين أراد قدوم مكة أي صادرًا من منى إليها لطواف الوداع، وورد في بعض الروايات أنه قال ذلك زمن الفتح، وفي بعضها حين أراد حنينًا أي بعد غزوة الفتح لأن غزوة حنين عقب غزوة الفتح، ويحتمل التعدد أي وقوعه مرة في حنين عقب غزوة الفتح وأخرى في حجة الوداع والله أعلم اهـ فتح الملهم، أي قال لنا (نحن نمازلون غدًا) ويعلم من بعض الروايات أنه قال ذلك غداة يوم النحر، والمراد بالغد هنا ثالث عشر ذي الحجة لأنه يوم النزول بالمحصب فهو مجاز في إطلاقه عليه كما يطلق أمس على الماضي مطلقًا، وإلا فثاني العيد هو الغد حقيقة وليس مرادًا قاله الكرماني كذا في شرح المواهب (بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر) أي تحالفوا وتعاهدوا عليه وهو تحالفهم على إخراج النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى هذا الشعب وهو خيف بني كنانة وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة، وكتبوا فيها أنواعًا من الضلال وعلقوها في الكعبة، فأرسل الله تعالى عليها الأرضة فأكلت كل ما فيها من كفر وقطيعة رحم وباطل، وتركت ما فيها من ذكر الله تعالى فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب فجاء إليهم أبو طالب فأخبرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فوجدوه كما أخبر، والقصة مشهورة كما سيأتي بيانها، قال بعض العلماء: وكان نزوله صلى الله عليه وسلم هناك شكرًا لله تعالى على الظهور بعد الاختفاء، وعلى إظهار دين الله تعالى اهـ نووي، وقوله (وذلك إن قريشًا) الخ تفسير من

وَذلِكَ إِن قُرَيشًا وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالفَتْ عَلَى بَنِي هاشم وَبَنِي الْمُطلِبِ، أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُم. وَلَا يُبَايِعُوهُم. حَتَّى يسلِمُوا إِلَيهِم رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. يَعنِي، بِذلِكَ، المُحَصبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهريّ للتقاسم على الكفر أدرجه في الخبر، ومعنى التحالف هو التعاضد والتعاقد أي (وذلك) التقاسم (إن قريشًا وبني كنانة تحالفت) وتعاهدت (علي بني هاشم وبني المطلب) على (أن لا يناكحوهم) أي على أن لا يزوجوهم بناتهم ولا يتزوجوا منهم بناتهم (ولا يبايعوهم) أموالهم ولا يشتروا منهم (حتى يسلموا) من الإسلام أو التسليم (إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليقتلوه (يعني) الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الراوي (بذلك) أي بخيف بني كنانة (المحصب) أي الوادي المشهور السابق، قوله (وبني كنانة) قال الحافظ: فيه إشعار بأن في كنانة من ليس قرشيًا، إذ العطف يقتضي المغايرة فيترجح القول بأن قريشًا من ولد فهر بن مالك على القول بأنهم ولد كنانة، نعم لم يعقب النضر غير مالك، ولا مالك غير فهر، فقريش ولد النضر بن كنانة، وأما كنانة فأعقب من غير النضر فلهذا وقعت المغايرة، فعطف بني كنانة على قريش من عطف العام على الخاص اهـ، وقوله (علي بني هاشم وبني المطلب) ووقع في صحيح البخاري (وبني عبد المطلب أو بني المطلب بالشك) ثم قال البخاري (بني المطلب أشبه) أي بالصواب لأن عبد المطلب هو ابن هاشم فلفظ هاشم مغن عنه، وأما المطلب فهو أخو هاشم وهما ابنان لعبد مناف فالمراد أنهم تحالفوا علي بني عبد مناف اهـ قسطلاني، قوله (ولا يبايعوهم) في رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي عند أحمد أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم، وفي رواية داود بن رشيد عن الوليد عند الإسماعيلي وأن لا يكون بينهم وبينهم شيء وهي أعم وهذا هو المراد بقوله في الحديث على الكفر، قوله (حتى يسلموا إليهم) الخ -بضم أوله دبهاسكان المهملة وكسر اللام- من أسلمت الشيء إلى فلان إذا أخرجته إليه، قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي: لما رأت قريش أن الصحابة قد نزلوا أرضًا أصابوا بها أمانًا (أرض الحبشة) وأن عمر أسلم، وأن الإسلام فشا في القبائل، أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فأدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله فأجابوه إلى ذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة

(3056) - (00) (00) وحدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدثنا شَبَابَةُ. حَدَّثني وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهلية فلما رأت قريش ذلك أجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتابًا أن لا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ذلك وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلَّت أصابعه، ويقال إن الذي كتبها النضر بن الحارث، وقيل طلحة بن أبي طلحة العبدري، قال ابن إسحاق: فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب فكانوا معه كلهم إلا أبا لهب فكان مع قريش، قيل وكان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث، قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثًا، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا ولم يكن يأتيهم شيء من الأقوات إلا خفية حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئًا من الصلات إلى أن قام في نقض الصحيفة نفر من أشدهم في ذلك صنيعًا هشام بن عمرو بن الحارث العامري، وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل أن يتزوجها جده فكان يصلهم وهم في الشعب، ثم مشى إلى زهير بن أبي أمية، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فكلمه في ذلك فوافقه ومشيا جميعًا إلى المطعم بن عدي وإلى زمعة بن الأسود فاجتمعوا على ذلك فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك وأنكروه وتواطئوا عليه، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة فمزقوها وأبطلوا حكمها، وذكر ابن هشام أنهم وجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله تعالى، وأما ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك أي أن الأرضة لم تدع اسمًا لله تعالى إلا أكلته وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة والله أعلم كذا في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3056 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري الكوفي، صدوق، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان

عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "مَنْزِلُنَا، إِنْ شَاءَ اللهُ، إِذَا فَتَحَ اللهُ، الْخَيفُ. حَيثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". (3057) - (1228) (208) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير وَأَبُو أُسَامَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْن عُمَرَ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. حَدَّثَنِي نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن الْعباسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطلِبِ اسْتَأذَنَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، أَنْ يَبِيتَ بِمَكةَ لَيَالِيَ مِنًى، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموي المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني القاري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال منزلنا) أي محل نزولنا (إن شاء الله تعالى إذا فتح الله) علينا مكة، وقوله منزلنا مبتدأ خبره (الخيف) أي منزلنا الخيف إذا فتح الله علينا مكة (حيث تقاسموا) أي تقاسمت قريش وتحالفت وتعاهدت (على الكفر) أي على جميع خصال الكفر التي أعظمها وأفحشها قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله (إذا فتح الله) يعني مكة فإن هذا الحديث ذكره البخاري في ثلاثة مواضع من صحيحه في الحج، وهجرة الحبشة، والمغازي، ولم يوجد (إذا فتح الله) إلا فيما ذكره في غزوة الفتح، فليت المؤلف لم يذكره هنا اهـ من بعض الهوامش. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3057 - (1228) (208) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (قال حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوي المدني (عن نافع عن ابن عمرح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير واللفظ) الآتي (له) أي لابن نمير لا لأبي بكر (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر (حدثني نافع عن ابن عمر) وهذان السندان من خماسياته رجالهما اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد مكي (أن العباس بن عبد المطلب) رضي الله عنه (استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلب الإذن منه في (أن يبيت بمكة ليالي منى) وهي ليلة الحادي

مِنْ أجلِ سِقَايَتِهِ. فَأَذِنَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عشر والليلتان بعدها، فيه استئذان الأمراء والكبراء فيما يطرأ من المصالح والأحكام وبدار من استؤمر إلى الإذن عند ظهور المصلحة (من أجل سقايته) التي بالمسجد الحرام المملوءة من ماء زمزم، والمندوب الشرب منها عقب طواف الإفاضة وغيره إذا لم يتيسر الشرب من البئر لكثرة الزحام (فأذن له) رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في هذا الحديث أحمد [2/ 22]، والبخاري [1634]، وأبو داود [1959]. (وقوله من أجل سقايته) وهي الآن بركة، وكانت حياضًا في يد قصي، ثم منه لابنه عبد مناف، ثم منه لابنه هاشم، ثم منه لابنه عبد المطلب، ثم منه لابنه العباس، ثم منه لابنه عبد الله، ثم منه لابنه على، وهكذا إلى الآن لكن لهن نواب يقومون بها قالوا وهي لآل عباس أبدًا، وقال الأزرقي: كان عبد مناف يحمل الماء في الروايا والقرب إلى مكة وسكبه في حياض من أدم بفناء الكعبة للحجاج، ثم فعله بعده ابنه هاشم، ثم منه عبد المطلب، فلما حفر زمزم كان يشتري الزبيب فينبذه في ماء زمزم يسقي الناس اهـ (قوله فأذن له) قال القاري: قال بعض علمائنا: يجوز لمن هو مشغول بالاستقاء من سقاية العباس لأجل الناس أن يترك المبيت بمنى ليالي منى ويبيت بمكة ولمن له عذر شديد أيضًا اهـ، فأشار إلى أنه لا يجوز ترك السنة إلا بعذر، ومع العذر ترتفع عنه الإساءة، وأما عند الشافعي فيجب المبيت في أكثر الليل، ومن الأعذار الخوف على نفس أو مال أو ضياع مريض أو حصول مرض له يشق معه المبيت مشقة لا تحتمل اهـ، قال الحافظ: وجزم الجمهور بإلحاق رعاء الإبل خاصة باصحاب السقاية في الترخيص، قال الزرقاني: لكنهم لم يجزموا بذلك بالإلحاق إنما هو بالنص الذي رواه مالك وأصحاب السنن الأربع، وقال الترمذي: حسن صحيح، عن عاصم بن عدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوخص لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر، وفي لفظ لأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا وهو قول أحمد واختيار ابن المنذر اهـ، والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني، قالوا: ومن ترك المبيت بغير عذر وجب عليه دم عن كل ليلة، وقال الشافعي: عن كل ليلة إطعام مسكين، وقيل: عنه التصدق بدرهم، وعن الثلاث دم، وهي رواية عن أحمد، والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه اهـ فتح الملهم.

(3058) - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمدُ بْنُ حَاتِم وَعَبْدُ بن حُمَيدٍ. جَمِيعًا عن مُحَمدِ بْنِ بَكرٍ، أَخْبَرَنَا ابنُ جُرَيجٍ. كِلاهُمَا عن عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، بهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (3059) - (1229) (209) وحدّثني مُحَمدُ بْنُ الْمِنهالِ الضرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع. حَدَّثَنَا حُمَيدٌ الطويلُ، عن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِي. قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عباس عِنْدَ الْكعبَةِ. فأَتَاهُ أعرَابِيٌّ فَقَال: مَا لِي أَرَى بَنِي عَمكُم يَسقُونَ العَسَلَ وَاللبَنَ وَأَنْتم تَسْقُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3058 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا عن محمد بن بكر) البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج كلاهما) أي كل من عيسى وابن جريج رويا (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (مثله) أي مثل ما روى ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله، غرضه بيان متابعة عيسى وابن جريج لعبد الله بن نمير وأبي أسامة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3059 - (1229) (209) (وحدثني محمد بن المنهال الضرير) التميمي أبو عبد الله البصري ثقة، من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا حميد الطويل) بن أبي حميد تير أبو عبيدة البصري، ثقة، من (5) (عن بكر بن عبد الله) بن عمرو بن هلال (المزني) أبي عبد الله البصري، ثقة، من (3) (قال) بكر بن عبد الله (كنت جالسًا مع ابن عباس عند الكعبة) وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن عباس (فأتاه أعرابي) أي بدوي لم أر من ذكر اسمه (فقال) الأعرابي (ما لي أرى بني عمكم يسقون) الناس والحجاج (العسل واللبن) المخلوطين كأنه يريد أولاد بني عبد المطلب (وأنتم) يا أولاد العباس (تسقون) الحجاج

النَّبِيذَ؟ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُم أَم مِنْ بُخْلٍ؟ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَمدُ للهِ! مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلَا بُخْلٍ. قَدِمَ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ. فَاسْتَسْقَى فَأَتَينَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ. وَسَقى فَضْلَهُ أسَامَةَ. وَقَال: "أَحسَنْتم وَأَجْمَلْتُم. كَذَا فَاصنَعُوا" فَلَا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والناس (النبيذ) وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل وغير ذلك يقال نبذت التمر والزبيب إذا تركت عليه الماء حتى يشتد، قال النواوي: بحيث يطيب طعمه ولا يكون مسكرًا، فأما إذا طال زمنه وصار مسكرًا فهو حرام اهـ. ثم الأظهر في ماء هذا النبيذ إنه من زمزم قاله الأبي، وتقدم الكلام على حكم هذا الشرب من ماء زمزم وأنه لما شرب له في شرح حديث جابر (أ) كان سقايتكم الناس النبيذ (من حاجة) وفقر (بكم أم) كان (من بخل) وشح بكم (فقال ابن عباس) للأعرابي (الحمد لله) على ما أولانا من الفضل والكرم (ما بنا من حاجة ولا بخل) أي ليس بنا فقر ولا بخل، ولكن (قدم النبي صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع راكبًا (على راحلته و) أردف (خلفه أسامة) بن زيد (فاستسقى) أي طلب السقاية منا، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس عند البخاري (جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها فقال: "اسقني" قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: "اسقني" فشرب منه) الحديث، وفي رواية يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عند الطبراني فالتهذيبه فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره، قال: وتقطيبه إنما كان لحموضة وكسره بالماء ليهون عليه شربه كذا في الفتح (فأتيناه) صلى الله عليه وسلم (بإناء من) ماء زمزم مخلوط بـ (نبيذ فشرب) منه (وسقى فضله) أي أعطى ما فضل منه (أسامة) بن زيد فشربه (وقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحسنتم) إلى الناس يا آل العباس (وأجملتم) عملكم أي فعلتم الفعل الحسن الجميل ففيه الثناء على فعل الخير، قال عياض: وفيه فضل السقاية لا سيما للحجاج وابن السبيل (كذا) أي مثل هذا السقي (فاصنعوا) قال القرطبي: يعني السقاية بالنبيذ قصد بذلك التيسير عليهم وعدم الكلفة لأن النبيذ متيسر لكثرة التمر وليس ككلفة العسل (فلا يزيد تغيير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأقره، قال الأبي: إن كان سؤال الأعرابي عن سقيا قومه بعد الإسلام فجواب ابن عباس واضح وإن كان عما قبل الإسلام ففي مطابقة الجواب نظر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإن قلت) لم يكن ابن عباس قبل الإسلام موجودًا (قلت) قد يكون السؤال عما كانوا يفعلونه اهـ منه. قوله (بإناء من نبيذ) قال الأبي: تقدم في حديث جابر أنه وجد بني عبد المطلب يسقون على زمزم فناولوه دلوًا فشرب، فظاهره أنه ليس بنبيذ، ولكن كان ذلك في حجة الوداع فلعل هذا النبيذ كان في قضية أخرى. (قلت) والأظهر أن يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم شرب النبيذ من السقاية أولًا ثم ذهب إلى بئر زمزم فناولوه دلوًا فشرب منه، وقد ورد في رواية عكرمة عن ابن عباس عند البخاري بعد ذكر الشرب من السقاية: ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال: "اعملوا فيها فإنكم على عمل صالح" ثم قال: "لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه" يعني عاتقه، وأشار إلى عاتقه. وفي المرقاة ناقلًا عن مسند أحمد ومعجم الطبراني عن ابن عباس قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فنزعنا له دلوًا فشرب، ثم مج فيها، ثم أفرغناها فيه، ثم قال: لولا أن تغلبوا عليها لنزعت يدي". قوله (فشرب) الخ، قال الأبي: فيه جواز صدقة الآل بعضهم لبعض، ويجيب المانع بأن المنع إنما هو في الصدقة الواجبة وهذه ليست بصدقة وإنما هي من الضيافة، وفيه أن ما وضع من الماء في المساجد والطرق يشرب منه الغني لأنه وضع للكافة لا للفقراء، قال مالك: ولم يزل ذلك من أمر الناس اهـ. قال القرطبي: وفي هذا الحديث من الفقه ما يدل على أن سقاية الحاج ولاية ثابتة لولد العباس لا ينازعون فيها، وقال بعض أهل العلم: وفيه إشارة إلى أن الخلافة تكون في ولد العباس، وأنه لا ينبغي أن ينازعوا فيها وأن ذلك يدوم لهم، وفيه أبواب من الفقه لا تخفى على متأمل، ومشروعية هذه السقاية من باب إكرام الضيف واصطناع المعروف، وقوله (كذا فاصنعوا) إشارة إلى السقاية بالنبيذ وكأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد التيسير عليهم وتقليل الكلف فإن الانتباذ يسير قليل المؤنة لكثرة التمر عندهم وليس كذلك العسل فإن في إحضاره كلفة وفي ثمنه كثرة والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3691]، وأبو داود [2021]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأولى حديث ابن عمر ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة، والرابع حديث أبي رافع ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة، والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

510 - (66) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وجلالها والاشتراك فيها وذبح الرجل عن نسائه ونحر الإبل قائمة

510 - (66) باب: التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وجلالها والاشتراك فيها وذبح الرجل عن نسائه ونحر الإبل قائمة (3060) - (1230) (210) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أَخبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عن عَبْدِ الرحمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عن عَلِى. قَال: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ. وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحمها وَجُلُودِها ـــــــــــــــــــــــــــــ 510 - (66) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وجلالها والاشتراك فيها وذبح الرجل عن نسائه ونحر الإبل قائمة 3060 - (1230) (210) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن عبد الكريم) ابن مالك الأموي مولاهم أبي سعيد الجزري، ثقة، من (6) (عن مجاهد) بن جبر المكي، ثقة، من (3) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري الكوفي، من كبار التابعين، ثقة، من (2) (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مكي وواحد جزري وواحد نيسابوري (قال) علي (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه) بضم الباء وسكون الدال، جمع بدنة، سميت بذلك لعظم بدنها، والمراد بدنه التي أهداها إلى مكة في حجة الوداع ومجموعها مائة كما تقدم، وفي الفتح أن أقوم على البدن أي عند نحرها للاحتفاظ بها، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي أن أقوم عليها في مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك (وأن أتصدق بلحمها) أي أن أقسمها كلها على المساكين إلا ما أمر من كل بدنة ببضعة فطبخت كما في حديث جابر الطويل (و) أن أتصدق بـ (جلودها) على المساكين، قال الحافظ: واستدل به على منع بيع الجلد، قال القرطبي: فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفها على اللحم وإعطائها حكمه، وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال، وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا: ويصرف ثمنه مصرف الأضحية، واستدل أبو ثور على جواز بيعه بانهم اتفقوا على جواز الانتفاع به وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه، وعورض باتفاقهم على جواز الأكل من لم هدي التطوع، ولا يلزم من جواز أكله جواز بيعه، وأقوى من ذلك في رد قوله ما أخرجه أحمد في

وَأَجِلَّتها. وَأَنْ لَا أعطِيَ الْجزَّارَ مِنْها. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث قتادة بن النعمان مرفوعًا: "لا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصرفوا وكلوا واستمتعوا بجلودها، ولا تبيعوا، وإن أطعمتم من لحومها فكلوا إن شئتم" والانتفاع بجلدها كجعله غربالًا وقربة وسفرة وبساطًا ودلوًا وحبلا إلى غير ذلك (و) أن أتصدق بـ (أجلتها) بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد اللام جمع جلال بكسر الجيم وتخفيف اللام وهي جمع جل بضم الجيم وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أنه كان يتصدق بجلالها، قال المهلب: ليس التصدق بجلال البدن فرضًا، وإنما صنع ذلك ابن عمر لأنه أراد أن لا يرجع في شيء أهل به لله ولا في شيء أضيف إليه اهـ، وفي بعض الهوامش قوله (وأجلتها) المذكور في الترجمة، وفي الرواية الآتية وجلالها وهو الموافق لما في كتب اللغة ففي القاموس: الجل بالضم وبالفتح ما تلبسه الدابة لتصان به، جمعه جلال وأجلال. ومثله في المصباح فلعل الأجلة هنا جمع الجلال الذي هو جمع الجل كما مر آنفًا (و) أمرني (أن لا أعطي الجزار) أجرته (منها) أي من البدن أي من لحمها أو جلدها يقال جزرت الجزور وهي الناقة وغيرها من باب قتل نحرتها والفاعل جازر وجزار وجزير كسكيت، والحرفة الجزارة بالكسر كالخياطة كما في القاموس والمصباح، وأما الجزارة بالضم فهو ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته كالعمالة للعامل، وأصل الجزارة أطراف البعير؛ اليدان والرجلان والرأس، سميت بذلك لأن الجزار كان ياخذها عن أجرته كما في الصحاح والنهاية، وذكره المجد أيضًا فهي بالضم اسم للسواقط وهي في عرفنا تشمل الرئة والطحال والكبد أيضًا، ونعبر عن أجر الجازر بأجرة القصاب اهـ من بعض الهوامش. والمراد منع إعطاء الجزار من الهدي عوضًا عن أجرته كما تبينه رواية ابن جريج الآتية في الباب بلفظ ولا يعطى في جزارتها منها شيئًا، قال البغوي: وأما إذا أعطى أجرته كاملة ثم تصدق عليه إذا كان فقيرًا كما يتصدق على الفقراء فلا بأس بذلك، وقال غيره: إعطاء الجزار على سبيل الأجرة ممنوع لكونه معاوضة، وأما إعطاؤه صدقة أو هدية أو زيادة على حقه فالقياس الجواز، ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه فيرجع إلى المعاوضة، قال القرطبي: ولم يرخص في إعطاء الجزار منها في أجرته إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير اهـ فتح الملهم (قال) علي وضي الله عنه أو النبي صلى الله عليه وسلم وهو

"نَحْنُ نُعطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا". (3061) - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمرو الناقِدُ وَزُهيرُ بْنُ حَربٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِي، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. (3062) - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأظهر قاله القاري في المرقاة (نحن نعطيه) أي الجزار أجرته (من عندنا) أي من خالص مالنا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 132]، والبخاري [1716]، وأبو داود [1769]، وابن ماجه [3099]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3061 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد وزهير بن حرب قالوا حدثنا ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري بهذا الإسناد) يعني عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن علي (مثله) أي مثل ما حدّث أبو خيثمة، غرضه بيان متابعة ابن عيينة لأبي خيثمة، قال القرطبي: وفي الحديث دليل على تجليل البدن وهو ما مضى عليه عمل السلف ورآه أئمة العلماء مالك والشافعي وغيرهما وذلك بعد إشعار الهدي لئلا تتلطخ الجلال بالدم وهي على قدر سعة المهدي لأنها تطوع غير لازم ولا محدود، قال ابن حبيب: منهم من كان يجلل الوشي ومنهم من يجلل الحبر والقباطي والملاحف والأزر، وتجليلها ترفيه لها وصيانة وتعظيم لحرمات الله ومباهاة على الأعداء من المخالفين والمنافقين، قال مالك: وتشق على الأسنمة إن كانت قليلة الثمن لئلا تسقط وما علمت من ترك ذلك إلا ابن عمر استقاء للثياب لأنه كان يجلل من الجلال المرتفعة من الأنماط والبرود والحبر، قال مالك: أما الحلل فتنزع لئلا يخرقها الشوك، قال وأحب إليّ إن كانت الجلال مرتفعة أن يترك شقها ولا يجللها حتى تغدو من عرفات، وإن كانت بالثمن اليسير فتشق من حيث يحرم، وهذا في الإبل والبقر دون الغنم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3062 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبواهيم) الحنظلي (أخبرنا سفيان) بن

وَقَال إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أخْبَرَنَا مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ. قَال: أَخبَرَنِي أَبِي. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ أَبِي لَيلَى، عن عَلِيٍّ، عَنِ النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا أجْرُ الْجَازِرِ. (3063) - (00) (00) وحدّثني مُحَمدُ بن حَاتِمِ بنِ مَيمُونٍ، وَمُحَمدُ بن مَرزُوقٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْد: أَخبَرَنَا وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن بَكْرٍ) أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخبَرَنِي الحَسَنُ بْنُ مسلِمٍ؛ أَن مُجَاهِدًا أَخبَرَهُ؛ أن عَبْدَ الرحمَنِ بْنَ أَبِي لَيلَى أَخْبَرَهُ؛ أَن عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ أخْبَرَهُ؛ أَن نَبِي اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عيينة (وقال إسحاق بن إبراهيم) أيضًا (أخبرنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري، صدوق، من (9) (قال) معا ذ (أخبرني أبي) هشام الدستوائي البصري، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من سفيان وهشام رويا (عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار المكي الثقفي مولاهم، ثقة، من (6) (عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته أو سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي نجيح لعبد الكريم الجزري (و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث سفيان وهشام (أجر الجازر) أي ذكر أجره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3063 - (00) (0000) (وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي (ومحمد) بن محمد (بن مرزوق) بن بكير بن بهلول الباهلي أبو عبد الله البصري، سبط مهدي بن ميمون، روى عن محمد بن بكر في الحج، وروح بن عبادة في الأدب والرحمة، وبشر بن عمر في الفتن، ويروي عنه (م ت ق) وابن خزيمة وابن بجير، وثقه الخطيب، قال أبو حاتم: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من الحادية عشرة (11) مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد أخبرنا وقال الآخران حدثنا محمد بن بكر) البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم) بن يناق المكي، ثقة، من (5) (أن مجاهدًا أخبره أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبره أن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه (أخبره أن نبي الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند

أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدنِهِ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلها. لُحُومَها وَجُلُودَها وَجِلالها. فِي الْمَسَاكِينِ. وَلَا يُعطِي فِي جِزَارَتِها مِنْها شَيئًا. (3064) - (00) (00) وحدّثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ بَكرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِي؛ أن مُجَاهِدًا أخْبَرَهُ؛ أن عَبْدَ الرحمَنِ بْنَ أبِي لَيلَى أَخْبَرَهُ؛ أَن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب أخْبَرَهُ؛ أَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ أَمَرَهُ. بِمِثْلِهِ. (3065) - (1231) (211) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا مَالِك. ح وَحَدّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من سباعياته، غرضه بيان متابعة الحسن بن مسلم لعبد الكريم الجزري (أمره أن يقوم على بدنه) بالحفظ والرعاية وبالنحر (وأمره أن يقسم) أي أن يوزع (بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها في المساكين و) أن (لا يعطي في) أجرة (جزارتها) ونحرها (منها) أي من تلك البدن (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا، قال الحافظ: وفي حديث علي من الفوائد؛ سوق الهدي، والوكالة في نحر الهدي، والاستئجار عليه، والقيام عليه، وتفرقته، وأن من وجب عليه شيء لله فله تخليصه ونظيره الزرع، ولا يحسب شيئًا من نفقته على المساكين اهـ وفيه تجليل البدن اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3064 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا محمد بن بكر) البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (أخبرني عبد الكريم بن مالك الجزري أن مجاهدًا أخبره أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبره أن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه (أخبره أن النبي على الله عليه وسلم أمره) أي أمر عليًّا، وهذا السند من سباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الكريم لحسن بن مسلم في الرواية عن مجاهد وساق عبد الكريم (بمثله) أي بمثل حديث الحسن بن مسلم والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 3065 - (1231) (211) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مالك) بن أنس (ح وحدثنا

يَحيَى بْنُ يحيى (وَاللفْظُ لَهُ) قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: نَحرنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ عَامَ الْحُدَيبِيَةِ. الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. (3066) - (1232) (212) وحدّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مُهِلينَ بِالْحَجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى بن يحيى) التميمي (واللفظ له قال قرأت على مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية) سنة ست من الهجرة حين صدهم المشركون عن مكة (البدنة عن سبعة) أنفار (والبقرة عن سبعة) ظاهره أن البقرة لا تسمى البدنة وهو كذلك بالنسبة لغالب استعمالها، ففي القاموس البدنة محركة من الإبل والبقر كالأضحية تهدى إلى مكة شرفها الله تعالى للذكر والأنثى، وفي النهاية: البدنة واحدة الإبل سميت بها لعظمها وسمنها وتقع على الجمل والناقة، وقد تطلق على البقرة كذا في المرقاة اهـ فتح الملهم، وفي أحاديث الباب دليل لمذهبنا كأكثر أهل العلم أنه يجوز اشتراك السبعة في البدنة أو البقرة إذا كان كلهم متقربين سواء كانت القربة جنسًا واحدًا كالأضحية والهدي أو مختلفة كأن أراد بعضهم الهدي وبعضهم الأضحية، وعند الشافعي لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم القربة جاز، وعند مالك لا يجوز الاشتراك في الواجب مطلقًا، وأما الاشتراك في الغنم فلا يجوز إجماعًا اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 304]، وأبو داود [2807 و 2808]، والنسائي [7/ 222]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 3066 - (1232) (212) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن أبي الزبير عن جابر ح وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية (حدثنا أبو الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة عام حجة الوداع (مهلين بالحج)

فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَفمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ. كُل سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ. (3067) - (00) (00) وحدّثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا وَكِيع. حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقدمنا مكة (فأمرنا رسول الله على الله عليه وسلم) بإحلال الفسخ وبـ (أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا) يشتركون (في بدنة) واحدة أو بقرة واحدة في هدي التمتع، قال القاضي عياض: يحتج به لوجوب هدي التمتع لأن بإحلالهم في أشهر الحج وانتظارهم الحج صاروا متمتعين، ويحتج به أيضًا من يجيز الاشتراك في الهدي الواجب، وفيه حجة لمن يجيز نحر هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج وهي إحدى الروايات عندنا والأخرى أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج لأن بذلك يصير متمتعًا، والقول الأول جار على تقديم الكفارة على الحنث وعلى تقديم الزكاة على الحول، وقد يفرق بين هذه الأصول، والأول ظاهر الأحاديث لقوله في بعض الروايات إذا أحللنا أن نهدي، قال المازري: مذهبنا أن هدي التمتع إنما يجب بالاٍ حرام بالعمرة، وفي وقت جواز نحره ثلاثة أوجه فالصحيح والذي عليه الجمهور أنه يجوز نحره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج والثاني أنه لا يجوز حتى يحرم بالحج والثالث يجوز بعد الإحرام بالعمرة اهـ من الأبي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3067 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم حدثنا وكيع حدثنا عزرة) بفتح أوله وسكون الزاي وفتح الراء ثم هاء (بن ثابت) بن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري البصري، روى عن أبي الزبير في الحج، وثمامة بن عبد الله بن أنس في الأطعمة، ويحيى بن عقيل في القدر، وعلباء بن أحمر في الفتن، ويروي عنه (خ م ت س ق) ووكيع وعثمان بن عمر وأبو عاصم النبيل، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال فيه النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة (عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عزرة بن ثابت لأبي خيثمة في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير (قال) جابر (حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) عام

فَنَحَرنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبعةٍ. (3068) - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بن عَبْدِ اللهِ قَال: اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْحج وَالْعُمرَةِ. كُل سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ. فَقَال رَجُل لِجَابِرٍ: أَيُشْتَرَكُ فِي الْبَدَنَةِ مَا يُشْتَرَكُ فِي الْجَزُور؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ حجة الوداع فأمرنا بالتحلل بالفسخ (فنحرنا) عن تمتعنا (البعير عن سبعة) أنفار (والبقرة عن سبعة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر هذا الحديث رضي الله عنه فقال: 3068 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) والظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل اشتركنا أي حالة كوننا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح أن يكون متعلقًا باشتركنا لأنه يلزم عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا من سبعة يشتركون في بدنة وأنهم شاركوه في هديه، والنقل الصحيح بخلاف ذلك كما تقدم في حديث جابر وغيره، وإنما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتمع السبعة في الهدية من بدنهم وأحاديث جابر مصرحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك في الحديبية وفي حجة الوداع، وبهذه الأحاديث تمسك الجمهور من السلف وغيرهم على جواز الاشتراك في الهدي اهـ من المفهم. أي اشتركنا حالة كوننا مصاحبين ومرافقين له صلى الله عليه وسلم (في) سفر (الحج) كحجة الوداع (و) في سفر (العمرة) كسفر الحديبية، وقوله (كل سبعة) منا بدل من فاعل اشتركنا أي اشترك كل سبعة منا (في بدنة) وكذا في بقرة (فقال رجل) لم أر من ذكر اسمه أي قال رجل من الحاضرين عند جابر (لجابر أيشترك) بالبناء للمجهول مع همزة الاستفهام الاستخباري (في البدنة) والمراد بها هنا ما ابتدئ هديه عند الإحرام وساقها معه من أول الإحرام كـ (ما يشترك في الجزور) وما مصدرية، والكاف مقدرة أي أيشتركون في البدنة اشتراكًا كاشتراكهم في الجزور، والمراد بالجزور ما اشتري بعد

قَال: مَا هِيَ إلا مِنَ البدنِ. وَحَضَرَ جَابِر الحُدَيبِيَةَ. قَال: نَحَرنَا يَومَئذٍ سَبعِينَ بَدَنَةً. اشْتَرَكْنَا كُل سَبعةٍ فِي بَدَنَةٍ. (3069) - (00) (00) وحدثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن بَكرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنَا أبُو الزبَيرِ؛ أَنهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: فَأمَرَنَا إِذَا أَحلَلنَا أن نُهدِيَ. ويجتَمِعَ النفَرُ مِنا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الإحرام للجزور والنحر في مكانه فكأنه ظهر للسائل أن شأن الجزور أخف وأسهل في الاشتراك مما أهدي من البدن في أول الإحرام فـ (قال) جابر في جوابه (ما هي) أي ما الجزور (إلا من البدن) أي إلا كالبدن فكأنه قال له إن الجزور لما اشتريت للنسك صار حكمها كحكم البدن في جواز الاشتراك فيها فظهر مما ذكر الفرق بين البدن والجزور، وقال القرطبي: البدنة مأخوذة من البدانة وهي عظم الجسم، والجزور من الجزر وهو القطع، وقال القاضي عياض: والجزور بالفتح لا يكون إلا من الإبل والجزرة من الغنم، والهدي ما يهدى إلى مكة من البدن، وفرق هنا بين البدنة والجزور فالبدنة ما ابتدئ هديه عند الإحرام، والجزور ما اشتري بعد ذلك لينحر في مكانه، وظن السائل أن الاشتراك في الجزور أخف من الاشتراك في البدنة؛ فأجابه بأنه إذا اشتري لنسك صار حكمه حكم البدنة اهـ، وقال القرطبي: وسمعت بعض شيوخنا يقول في هذا الحديث: الجزور من البقر والبدنة من الإبل وكان السائل سأل هل يشترك في البقرة كما يشترك في البدنة؟ اهـ من الأبي، قال أبو الزبير (وحضر جابر الحديبية) أي عمرة الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) جابر (نحرنا يومئذ) أي يوم إذ صدنا المشركون بالحديبية (سبعين بدنة اشتركنا) فيها، يشترك (كل سبعة) منا (في بدنة) واحدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3069 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة محمد بن بكر ليحيى بن سعيد، حالة كون جابر (يحدّث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال) جابر (فأمرنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتحلل من حجتنا بعمل عمرة فأمرنا (إذا أحللنا) أي تحللنا (أن نهدي) أي أن نذبح هدي التمتع (و) أن (يجتمع) أي يشترك (النفر) أي السبعة (منا في

الهدِيةِ. وَذلِكَ حِينَ أَمَرَهم أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجهم. فِي هذَا الْحَدِيثِ. (3070) - (00) (00) حدثنا يَحيَى بْنُ يحيى. أَخْبَرَنَا هُشَيم، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: كُنّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِالْعُمرَةِ. فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. نَشْتَرِكُ فِيها ـــــــــــــــــــــــــــــ الهدية) الواحدة أي في البدنة الواحدة أو البقرة، قال أبو الزبير (وذلك) أي أمرهم بالاجتماع في الهدية الواحدة (حين أمرهم أن يحلوا من حجهم) بعمل عمرة أي بفسخه إلى العمرة (في هذا الحديث) أي في حديث حجة الوداع لأنهم به. حلالهم في أشهر الحج وانتظارهم الحج صاروا متمتعين. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3070 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن عبد الملك) بن عمير اللخمي الفرسي الكوفي، ثقة، من (3) (عن عطاء) بن أبي رباح المكي، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لأبي الزبير (قال) جابر (كنا) معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (نتمتع) أي نعتمر في أشهر الحج ونحن (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نتمتع بمحظورات الإحرام (بـ) التحلل من (العمرة) بأمره صلى الله عليه وسلم يعني في حجة الوداع (فنذبح البقرة) في هدي التمتع (عن سبعة) حالة كوننا (نشترك فيها) أي في تلك البقرة الواحدة وشارك المؤلف في هذه الرواية أبو داود [2807]، والترمذي [904]، والنسائي [7/ 222]. قال النواوي: وفي هذا الحديث دليل للمذهب الصحيح عند الأصوليين أن لفظ كان لا يقتضي التكرار لأن إحرامهم بالتمتع بالعمرة إلى الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم إنما وجد مرة واحدة وهي حجة الوداع والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لجابر أيضًا رضي الله عنه فقال:

(3071) - (1233) (213) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ زَكَرياءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ عَنْ عَائِشَةَ بَقَرَةَ يَوْمَ النحرِ. (3072) - (00) (00) وحدّثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. ح وَحَدثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحيَى الأموي. حَدثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي أبُو الزبَيرِ؛ أَنهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ نِسَائِهِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَكر: عَنْ عَائِشَةَ، بَقَرَة فِي حَجَّتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3071 - (1233) (213) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) جابر (ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة) رضي الله تعالى عنها في حجة الوداع (بقرة يوم النحر) لأنها كانت قارنة بإدخال الحج على العمرة التي منعت منها، وهذا هو الأظهر، وقال القرطبي: لأنها أردفت أي اعتمرت بعد الفراغ من الحج من التنعيم (وفيه نظر لأن الإرداف لا يوجب الدم لأنه ليس تمتعًا) ويحتمل أن يكون تطوع بها عنها، وقوله هنا ذبح وفي الرواية الآتية نحر عن نسائه بقرة بقرة دليل على جواز كل واحد منهما في البقرة اهـ من المفهم. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى بهذا الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3072 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا محمد بن بكر) البرساني (أخبرنا ابن جريج ح وحدثني سعيد بن يحيى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثني أبي) يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي، صدوق، من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة محمد بن بكر ويحيى بن سعيد ليحيى بن زكرياء بن أبي زائدة (نحر رسول الله صلى الله صليه وسلم عن نسائه، وفي حديث اين بكر) وروايته نحر (عن عائشة بقرة في حجته) أي نحر عن أزواجه بقرة بقرة عن كل واحدة بدليل الرواية المتقدمة عن عائشة

(3073) - (1234) (214) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أَخبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبدِ اللهِ، عن يُونُسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهن متمتعات، قال الزرقاني (قوله نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة) أي جنس بقرة لا بعير ولا غنم فلا يخالف ما رواه النسائي عن عائشة قالت: ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجنا بقرة بقرة، وقالت عائشة نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة رواه أبو داود من طريق يونس عن الزهريّ عن عمرة عن عائشة، وأعلها إسماعيل القاضي بأن يونس تفرد بقوله واحدة وخالفه غيره، وتعقبه الحافظ بأن يونس ثقة حافظ، وتابعه معمر عند النسائي بلفظ ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة، وما روى النسائي عن عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ذبح عنا صلى الله عليه وسلم يوم حجنا بقرة بقرة فشاذ مخالف لما تقدم اهـ، ولا شذوذ فيه فإن عمارًا الدهني -بضم المهملة وسكون الهاء ونون- ثقة من رجال مسلم والأربعة فزيادته مقبولة فإنه قد حفظ ما لم يحفظ غيره، وزيادته ليست مخالفة لغيره فإن رواية ما ذبح إلا بقرة أريد بها الجنس أي لا بعيرًا ولا غنمًا حتى لا تخالف الرواية الصريحة أنه ذبح عن كل واحدة بقرة فمن شرط الشذوذ أن يتعذر الجمع وقد أمكن فلا تأييد فيها لرواية يونس التي حكم القاضي بشذوذها لأنه انفرد بقوله واحدة وإسماعيل من الحفاظ لا يجهل أن يونس ثقة حافظ كان حكم بشذوذ روايته ومخالفة غيره له على القاعدة أن الشاذ ما خالف الثقة فيه الملا بل اكتفى الحاكم بالتفرد وإن لم يخالف كما في متن الألفية اهـ (قلت) ولكن لم يجب عفا ذكره مما رواه النسائي أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن. صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية يونس والله أعلم، وقد تقدم الكلام مبسوطًا على ذبحه صلى الله عليه وسلم عن نسائه وعن عائشة في موضعين من شرح حديث عائشة من باب بيان وجوه الإحرام فليراجع من أراد اهـ فتح الملهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3073 - (1234) (214) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا خالد بن عبد الله) الطحان المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي، ثقة، من (8) (عن يونس) بن

عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيرٍ؛ أن ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً. فَقَال: ابْعَثْها قِيَامًا مُقيَّدَة، سُنَّةَ نَبِيِّكم صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة، من (5) (عن زياد بن جبير) مصغرًا ابن حية -بتحتانية- ابن مسعود الثقفي البصري، تابعي ثقة، من (3) (أن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مكي وواحد واسطي وواحد نيسابوري (أتى) أي (على رجل) لم أر من ذكر اسمه؛ أي على رجل في منى (وهو) أي والحال أن الرجل يريد أن (ينحر بدنته) أي نحر بدنته حالة كونها (باركة) أي مناخة من البروك يقال برك البعير أي استناخ، وحقيقته وقع على بركه أي صدره (فقال) ابن عمر للرجل (ابعثها) أي ابعث البدنة أي أثرها من الأرض وأقمها، يقال بعث الناقة إذا آثرها أي حل عقالها فأرسلها أو كانت باركة فهاجها وهذا الثاني هو المراد هنا أي هِجْها وانحرها حالة كونها (قيامًا) أي قائمة، قال الحافظ: وقيامًا مصدر وقع حالًا بمعنى قائمة وهي حال مقدرة أو قوله ابعثها أي أقِمها قيامًا أي إقامة فيكون مصدرًا معنويًا والعامل محذوف تقديره انحرها، وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي انحرها قائمة، وقوله (مقيدة) بصيغة اسم المفعول حال ثانية أي معقولة أي مشدودة بالعقال وتكون معقولة اليد اليسرى كما جاء في سنن أبي داود من حديث جابر ويشعر بالقيام قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيهَا صَوَافَّ} الآية، قال في الجلالين: أي قائمات على ثلاث معقولة اليد اليسرى اهـ قال الطيبي: السنة أن ينحرها قائمة معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم تذبح مضطجعة على الجانب الأيسر مرسلة الرجل فمقيدة حال ثانية أو صفة لقائمة اهـ. وقوله (سنة نبيكم) محمد (صلى الله عليه وسلم) منصوب على المفعولية أي فاعلًا بها سنة محمد أو متبعًا سنة محمد، ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدإ محذوف تقديره أي نحرها قائمة مقيدة سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وإنما سن النبي صلى الله عليه وسلم النحر قيامًا عملًا بظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} والوجوب السقوط وتحققه في حال القيام أظهر، أقول والاستدلال بقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيهَا صَوَافَّ} أظهر والحاصل أن القيام أفضل فإن لم يستهل فالقعود أفضل من الاضطجاع، نعم ذبح نحو الإبل خلف الأولى وإن جاز ذبحها مضطجعة على جنبها كالبقر والغنم اهـ فتح الملهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بتصرف، قال الحافظ: وفي الحديث تعليم الجاهل وعدم السكوت على مخالفة السنة وإن كان مباحًا، وفيه أن قول الصحابي من السنة، كذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث في صحيحيهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1713]، وأبو داود [1768]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث علي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به لحديثه الأول وذكر فيه أربع متابعات، والرابع حديث جابر الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

511 - (67) باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم وتقليده وفتل قلائده وأنه لا يلزم الباعث اجتناب ما يجتنبه المحرم

511 - (67) باب: استحباب بعث الهدي إلى الحرم وتقليده وفتل قلائده وأنه لا يلزم الباعث اجتناب ما يجتنبه المحرم (3074) - (1235) (215) وحدّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى وَمُحَمدُ بْنُ رُمح. قَالا: أَخْبَرَنَا الليثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهاب، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبَيرِ وَعَمرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرحمَنِ؛ أَن عَائِشَةَ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُهْدِي مِنَ الْمَدِينَةِ. فَأَفْتِلُ قَلائِدَ هديِهِ. ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيئًا مما يَجْتَنِبُ الْمحرِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 511 - (67) باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم وتقليده وفتل قلائده وأنه لا يلزم الباعث اجتناب ما يجتنبه المحرم 3074 - (1235) (215) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح) المصري (قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان (قالت كان رسول الله على الله عليه وسلم يهدي) أي يبعث بهديه (من المدينة) إلى الكعبة وذلك حين بعثها مع أبي بكر الصديق عام تسع من الهجرة حين حج أبو بكر بالناس، فلفظ كان غير مقتض للتكرار كما ذكره النووي من قبل في حديث جابر كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذبح البقرة عن سبعة ولم يوجد ذلك منهم إلا مرة واحدة وهي حجة الوداع، وفيه دليل على استحباب الهدي إلى الحرم وأن من لم يذهب إليه يستحب له بعثه مع غيره (فأفتل) أي ألوي بنفسي (قلائد هديه) صلى الله عليه وسلم من فتلت الحبل وغيره إذا لويته، والقلائد جمع قلادة والمراد بها ما يعلق بعنق الهدي من الخيوط المفتولة علامة له فيكف الناس عنه، والهدي هو ما يهدى إلى الحرم من النعم ففيه استحباب تقليد الهدي وفتل قلائده (ثم) بعد بعثه الهدي إلى الحرم (لا يجتنب) ولا يعتزل ولا يبعد (شيئًا مما يجتنب) منه (المحرم) من محظورات الإحرام، فيه أن من بعث هديًا إلى الحرم لا يصير محرمًا ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم ولا يجب عليه شيء. وقد روي عن ابن عباس وغيره كما سيجيء أنه يجتنب محظورات الإحرام، وهكذا حكى الخطابي عن أصحاب الرأي، قال الحافظ: وهو خطأ عليهم فالطحاوي أعلم بهم

(3075) - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ حرمَلَةُ بْنُ يحيى. أَخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، بهذَا الإِسنَادِ، مِثلَهُ. (3076) - (00) (00) وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَزُهيرُ بْنُ حربٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزهْري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه، واستدل الداودي بقولها هديه على أن الحديث الذي روته ميمونة مرفوعًا: إذا دخل عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره، يكون منسوخًا بحديث عائشة أو ناسخًا، قال ابن التين: ولا يحتاج إلى ذلك لأن عائشة إنما أنكرت أن يصير من يبعث هديه محرمًا بمجرد بعثه ولم تتعرض على ما يستحب في العشر خاصة من اجتناب إزالة الشعر والظفر ثم قال: لكن عموم الحديث يدل على ما قال الداودي، وقد استدل به الشافعي على إباحة ذلك في عشر ذي الحجة قال: والحديث المذكور أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي قلت: هو من حديث أم سلمة لا من حديث ميمونة توهم الداودي في النقل وفي الاحتجاج أيضًا فإنه لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يجتنبه المحرم على المضحي أنه لا يستحب فعل ما ورد به الخبر المذكور لغير المحرم والله أعلم، كذا حققه الحافظ في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 78 و 85]، والبخاري [1696]، وأبو داود [1757]، والترمذي [908]، والنسائي [5/ 171]، وابن ماجه [3098]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3075 - (00) (00) (وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عروة وعمرة عن عائشة. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يونس لليث بن سعد، وساق يونس (مثله) أي مثل ما حدّث ليث عن ابن شهاب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 3076 - (00) (00) (وحدثناه سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني المكي، ثقة، من (10) (وزهير بن حرب قال حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهريّ عن عروة عن

عَائِشَةَ. عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. (3077) - (00) (00) ح وَحَدثَنَا سَعِيدُ بْنُ منصُورٍ وَخَلَفُ بن هِشَامٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: أَخبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ. قَالت: كَأنِّي أَنظُرُ إليَّ، أَقتِلُ قَلائِدَ هديِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، بِنَحوه، (3078) - (00) (00) وحدّثنا سَعِيدُ بن منصُورٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن عَبْدِ الرحمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة) رضي الله عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان لليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3077 - (00) (00) (ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حدثنا سعيد بن منصور) وفي بعض النسخ إسقاط حاء التحويل كنسخة الأبي والسنوسي فإسقاطها أولى لأن المحل محل متابعة لا محل تحويل (وخلف بن هشام) بن ثعلب -بالمثلثة- البزار -بالراء آخره- أبو محمد البغدادي (وقتيبة بن سعيد قالوا أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم البصري (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوفه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة (كأني أنظر) الآن (إليّ) أي إلى نفسي حالة كوني (أفتل) أي ألوي من باب ضرب (قلائد هدي رسول الله على الله عليه وسلم) التي بعثها مع أبي بكر سنة تسع، وساق هشام (بنحوه) أي بنحو حديث الزهريّ عن عروة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3078 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (عن أبيه) القاسم بن محمد (قال) القاسم (سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها)

تَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ هديِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِيَدَي هاتَينِ. ثُمَّ لَا يَعتَزِلُ. شَيئًا وَلَا يَتْرُكُهُ. (3079) - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعنَبٍ. حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: فَتَلْتُ قَلائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ بِيَدَي. ثُمَّ أَشْعَرَها وَقَلَّدَها. ثُمَّ بَعَثَ بِها إِلَى الْبَيتِ. وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ. فَمَا حَرُمَ عَلَيهِ شَيءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لعروة بن الزبير، حالة كون عائشة (تقول كنت أفتل) وألوي (قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي) تثنية يد (هاتين ثم) بعد بعثه الهدي (لا يعتزل) ولا يبتعد (شيئًا) مما يعتزله المحرم من لبس المخيط واستعمال الطيب وملامسة النساء مثلًا (ولا يتركه) عطف تفسيري للاعتزال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3079 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) القعنبي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا أفلح) بن حميد بن نافع الأنصاري المدني، ثقة، من (7) (عن القاسم) بن محمد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أفلح بن حميد لعبد الرحمن بن القاسم (قالت) عائشة (فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خيوطًا تعلق في عنق هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيدي) هاتين، والبدن -بضم الباء وسكون الدال جمع بدنة؛ وهي ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها (ثم) بعد ما فتلت قلائدها (أشعرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أعلمَها بطعنها جنبَ سنامها ومسح الدم عليها (وقلدها) أي علق في عنقها الخيوط التي فتلتها، ففيه استحباب الإشعار والتقليد في الإبل والبقر، قال النواوي: وفيه أنه إذا أرسل هديه أشعره وقلده من بلده، ولو أخذه معه أخر الإشعار والتقليد إلى حين يحرم من الميقات أو من غيره اهـ (ثم بعث بها إلى البيت) أي إلى الكعبة (وأقام) بنفسه (بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حلًا) مما يتجنبه المحرم من استعمال الطيب والمخيط ومباشرة النساء.

(3080) - (00) (00) وحدّثنا عَلِي بْنُ حُجْرٍ السعدِي ويعقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي. قَال ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ وَأَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَبْعَثُ بِالْهديِ. أَفْتِلُ قَلائِدَها بِيَدَي. ثُمَّ لَا يُمسِكُ عَنْ شَيءٍ، لَا يمسِكُ عَنْهُ الْحَلالُ. (3081) - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ الْحَسَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3080 - (00) (00) (وحدثنا علي بن حجر) -بضم المهملة وسكون الجيم- ابن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي، ثقة، من (9) (ويعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (قال ابن حجر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (وأبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري كلاهما (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لأفلح بن حميد (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي) من المدينة إلى مكة وكنت أنا (أفتل قلائدها بيدي) هاتين (ثم) بعد بعثه (لا يمسك) أي لا يجتنب (عن شيء) من محظورات الإحرام، وجملة قوله (لا يمسك عنه الحلال) أي لا يجتنب عنه الحلال صفة لشيء أي لا يجتنب عن شيء لا يجتنب عنه غير المحرم من الطيب والدهن ومباشرة النساء لأنه لا يصير محرمًا بمجرد بعث الهدي إلى مكة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال: 3081 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا حسين بن الحسن) بن يسار -بتحتانية مفتوحة ومهملة مخففة- ويقال ابن الحسن بن مالك بن يسار النصري بالنون، مولاهم مولى بني نصر بن معاوية أبو عبد الله البصري، روى عن ابن عون في الحج والبيوع والفتن وغيره، ويروي عنه (خ م س) وابن المثنى وأحمد وابن

حَدَّثَنَا ابنُ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ. قَالت: أَنَا فَتَلْتُ تلكَ القَلائِدَ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدَنَا. فَأصْبَحَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَلالًا. يَأْتِي مَا يَأتِي الْحَلالُ مِنْ أَهْلِهِ. أَوْ يَأتِي مَا يَأتِي الرجُلُ مِنْ أَهلِهِ. (3082) - (00) (00) وحدّثنا زُهيرُ بْنُ حربٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معين ووثقاه، وقال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثامنة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، له في (خ) فرد حديث (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن القاسم) بن محمد (عن أم المؤمنين) عائشة رضي الله تعالى عنها كما في بعض الروايات. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني (قالت أنا فتلت) أي ضفرت (تلك القلائد) التي يقلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه (من عهن) بكسر المهملة وسكون الهاء أي الصوف، وقيل هو المصبوغ منه، وقيل هو الأحمر خاصة، قال الحافظ: وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار، واختار أن تكون من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك، وقال ابن التين: لعله أراد أنه الأول مع القول بجواز كونها من الصوف والله أعلم اهـ وفسره الزمخشري في الكشاف بالصوف المصبوغ ألوانًا اهـ، وجملة قوله (كان عندنا) صفة لعهن (فأصبح) مقيمًا (فينا) في المدينة (رسول الله على الله عليه وسلم) حالة كونه (حلالًا) أي غير محرم (يأتي) أي يفعل ويستمتع (ما يأتي الحلال من أهله) أي ما يفعل الحلال من قضاء شهوته من أهله (أو) قالت عائشة (يأتي) أي يقضي (ما يأتي) ويقضي (الرجل من أهله) أي من زوجته من الشهوات الفرجية والجسمية، والشك من الراوي عنها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3082 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

قَالتْ: لَقَد رَأيتُنِي أَفْتِلُ الْقَلائِدَ لِهديِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الغَنَمِ. فَيَبْعَثُ بِهِ. ثُمَّ يُقيمُ فِينَا حَلالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأسود للقاسم بن محمد (قالت) عائشة والله (لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (أفتل) وألوي (القلائد لهدي رسول الله على الله عليه وسلم من الغنم فيبعث به) أي بهديه إلى مكة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة تع (ثم يقيم فينا) في المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم (حلالًا) أي فاعلًا ما يفعله الحلال من محظورات الإحرام من المباشرة بأزواجه واستعمال الطيب ولبس المخيط مثلًا (قولها من الغنم) تفرد الأسود عن عائشة بتقليد الغنم دون بقية الرواة عنها من أهل بيتها وغيرهم، قال الحافظ: قال ابن المنذر: أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليد الغنم، زاد غيره وكأنهم لم يبلغهم الحديث ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم إنها تضعف عن التقليد، وهي حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة، وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها، والحنفية في الأصل يقولون ليست الغنم من الهدي فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى، قال الشيخ بدر الدين العيني: وهذا افتراء على الحنفية ففي أي موضع قالت الحنفية إن الغنم ليست من الهدي بل كتبهم مشحونة بأن الهدي اسم لما يهدى من النعم إلى الحرم ليتقرب به قالوا: وأدناه شاة لقول ابن عباس رضي الله عنه: ما استيسر من الهدي شاة، ومن هذا قالوا: الهدي إبل وبقر وغنم ذكورها وإناثها حتى قالوا هذا بالإجماع، وإنما مذهبهم أن التقليد في البدنة، والغنم ليست من البدنة فلا تقلد لعدم التعارف بتقليدها إذ لو كان تقليدها سنة لما تركوها، وقالوا في الحديث المذكور تفرد به الأسود ولم يذكره غيره على ما ذكرنا، وادعى صاحب المبسوط إنه أثر شاذ. (فإن قلت) كيف تركوها وقد ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه أن ابن عباس قال: لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلدة؟ (قلت) ليس في ذلك كله أن التقليد كان في الغنم التي سيقت في الإحرام وأن أصحابها كانوا محرمين على أنا نقول إنهم ما منعوا الجواز، وإنما قالوا إن التقليد في الغنم ليس بسنة اهـ فتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

(3083) - (00) (00) وحدّثنا يحيى بْنُ يحيى وَأَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحيَى: أخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ) عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: رُبمَا فَتَلْتُ الْقَلائِدَ لِهديِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَيُقلِّدُ هديَهُ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِ. ثُمَّ يُقِيمُ. لَا يَجْتَنِبُ شَيئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحرِمُ. (3084) - (00) (00) وحدّثنا يحيى بْنُ يَحيى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبًا. قَال يحيى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: أَهْدَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ، مَرةً إِلَى الْبَيتِ غَنَمًا، فَقلَّدَها ـــــــــــــــــــــــــــــ 3083 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الأعمش لمنصور (قالت) عائشة (ربما فتلت) أي قليلا لويت (القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هديه) بتلك القلائد (ثم يبعث به) أي بهديه إلى مكة مع أبي بكر الصديق (ثم يقيم) بالمدينة في أهله، حالة كونه (لا يجتنب شيئًا مما يجننب المحرم) عنه من الملابس والطيب والنساء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3084 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال يحيى أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند أيضًا من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور وهو نفس السند الذي قبله حرفًا بحرف ولكن كرره لبيان مخالفة متن حديثه لمتن حديث السند الذي قبله (قالت) عائشة (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرة) واحدة مع أبي بكر الصديق (إلى البيت غنمًا فقلدها) رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3085) - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدّثَنِي مُحَمدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنِ الْحكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: كُنَّا نُقَلِّدُ الشَّاءَ فَنُرسِلُ بِها. وَرَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَلال، لَمْ يَحرُم عَلَيهِ مِنْهُ شَيءٌ. (3086) - (00) (00) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرحمَنِ؛ أَنَّها أَخْبَرَتْهُ؛ أن ابْنَ زِيَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة حادي عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3085 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام المعروف بالكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم أبو سهل البصري، صدوق، من (9) (حدثني أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) (حدثني محمد بن جحادة) بضم الجيم وتخفيف المهملة الأودي الكوفي، ثقة، من (5) مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد (عن الأسود عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة الحكم للأعمش (قالت) عائشة (كنا) معاشر أهل البيت (نقلد الشاء) جمع شاة (فنرسل بها) إلى الكعبة (ورسول الله صلى الله عليه وسلم حلال لم يحرم عليه منه) أي مما يحرم على المحرم (شيء) من محظورات الإحرام، وقوله منه بيان مقدم لشيء، وضميره يعود على غيره مذكور معلوم من السياق والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثاني عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3086 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر) اسمه كنيته ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أبي محمد المدني، ثقة، من (5) (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة، سيدة نساء التابعين، ثقة، من (3) (أنها أخبرته أن) عبيد الله (بن زياد) بن أبي سفيان بن حرب القرشي الأموي، وعبيد الله هذا هو الذي قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، قال

كَتَبَ إِلَى عَائِشةَ؛ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَباسٍ قَال: مَنْ أَهْدَى هدْيًا حَرُمَ عَلَيهِ مَا يحرُمُ عَلَى الْحَاجِّ. حَتى يُنْحَرَ الْهديُ. وَقد بَعَثتُ بِهديِي. فَاكْتُبِي إِليَّ بِأمرِكِ. قَالتْ عَمرَةُ: قَالتْ عَائِشَةُ: لَيسَ كَمَا قَال ابْنُ عبَّاسٍ: أنا فَتَلْتُ قَلائِدَ هديِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَ. ثُمَّ قلَّدها رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِيَدِهِ. ثُمَّ بَعَثَ بِها مَعَ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ: هو هو نبه عليه أبو علي الغساني ومن تبعه، قال النووي: قوله (أن ابن زياد) هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم، قال أبو علي الغساني والمازري والقاضي وجميع المتكلمين على صحيح مسلم: هذا غلط لأن ابن زياد لم يدرك السيدة الصديقة رضي الله تعالى عنها، وصوابه أن زياد بن أبي سفيان (كتب إلى عائشة) رضي الله تعالى عنها وهو الموجود في رواية البخاري وعند جميع رواة الموطإ، وبهذا الاسم يسمى في زمن بني أمية، وأما بعدهم فما يقال له إلا زياد ابن أبيه، وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد، وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادًا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادًا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج ابنه ابنته وأمر زيادًا على العراقيين البصرة والكوفة جمعهما له، ومات في خلافة معاوية سنة (53) ثلاث وخمسين، وقد بسطنا الكلام في سبب استلحاق معاوية له في كتاب الإيمان فراجعه إن شئت والله أعلم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرة لمن روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها أي كتب إلى عائشة (أن عبد الله بن عباس قال من أهدى هديًا) أي بعث هديًا إلى الكعبة (حرم عليه ما يحرم على الحاج) من محظورات الإحرام (حتى ينحر الهدي) أي هديه (وقد بعثت بهديي) إلى مكة (فاكتبي إلي بأمرك) أي بما تأمريني به (قالت عمرة قالت عائشة ليس) الأمر والحكم (كما قال ابن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي) هاتين (ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها مع أبي) ووالدي أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما فهو بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة تريد بذلك أباها، واستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس، قال ابن التين: أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة، ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في

فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيءٌ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ. حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ ـــــــــــــــــــــــــــــ العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام، ثم نسخ فأرادت إزالة هذا اللبس اهـ. (فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله) تعالى (له) مما حرمه الله على الحاج (حتى نحر الهدي) غاية لقوله فلم يحرم لا لبيان أنه حرم عليه شيء بعد النحر بل لبيان أنه لم يحرم عليه شيء أصلًا لا قبل النحر ولا بعده، أما بعده فظاهر لا يقول أحد بخلافه، وأما قبله فما حرم عليه شيء أصلًا إذ لو كان شيء حرامًا لكان إلى هذا الحد فإذا لم يكن إلى هذا الحد فلا حرمة أصلًا وهو المطلوب، فالغاية في مثل هذا لإفادة الدوام اهـ فتح الملهم. وقوله (ليس الأمر كما قال ابن عباس) رضي الله عنهما قال عبد الله بن الزبير حين بلغه صنيع ابن عباس في ذلك: بدعة ورب الكعبة، قال الطحاوي: لا يجوز عندنا أن يكون حلف ابن الزبير على ذلك إلا أنه قد علم أن السنة على خلافه، وقال سعيد بن منصور: حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة وقيل لها: إن زيادًا إذا بعث الهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه، فقالت عائشة: أو له كعبة يطوف بها في المدينة، قال ابن التين: خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء، واحتجت عائشة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه ولعل ابن عباس رجع عنه اهـ وفيه قصور شديد فإن ابن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة، قال ابن المنذر: قال عمر وعلي وقيس بن سعد وابن عباس وابن عمر والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون: من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم، وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون: لا يصير بذلك محرمًا وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار، وقد ذهب سعيد بن المسيب إلى أنه لا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم إلا الجماع ليلة جمع رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح، نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه وأخرجه البيهقي من طريقه قال: أول من كشف العمى عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة فذكر الحديث عن عمرة، وعمرة عنها قال: فلما

(3087) - (00) (00) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَال: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ تُصَفِّقُ وَتَقُولُ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ. ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا. وَمَا يُمْسِكُ عَنْ شَيءٍ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ. حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بلغ الناس قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس والله أعلم كذا في الفتح، وحاصل اعتراض عائشة على ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسًا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له، فبينت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة، وفي الحديث من الفوائد تناول الكبير الشيء بنفسه وإن كان له من يكفيه إذا كان مما يهتم به لا سيما ما كان من إقامة الشرائع وأمور الديانة، وفيه تعقب بعض العلماء على بعض ورد الاجتهاد، وأن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم التأسي به حتى تثبت الخصوصية اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3087 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني المكي، ثقة، من (10) (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الكوفي، ثقة، من (4) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ثقة، من (3) (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال سمعت عائشة وهي من وراء الحجاب) حالة كونها (تصفق) أي تضرب بإحدى يديها على الأخرى وأرادت بتصفيقها استنصاتهم (وتقول كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي) هاتين (ثم يبعث بها) إلى مكة (و) الحال أنه (ما يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم) من محظورات الإحرام (حتى ينحر هديه) في منى يوم النحر، وسند هذا الحديث من سداسياته، غرضه بيان متابعة مسروق لمن روى عن عائشة، قوله (تصفق) وفي البخاري عن مسروق أتى عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين إن رجلًا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرمًا حتى يحل الناس، قال: فسمعت تصفيقها من وراء

(3088) - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ. كِلاهُمَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بِمِثْلِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجاب .. الحديث؛ أي ضربت إحدى يديها على الأخرى تعجبًا أو تأسفًا على وقوع ذلك اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى رابع عشرها في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3088 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري البصري، ثقة، من (5) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الوادعي الكوفي، ثقة، من (6) (كلاهما) أي كل من داود بن أبي هند وزكرياء بن أبي زائدة رويا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق عن عائشة) وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة داود بن أبي هند وزكرياء بن أبي زائدة لإسماعيل بن أبي خالد، وقوله (بمثله) مقدم على قوله (عن النبي صلى الله عليه وسلم) والصواب (عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي وساقا بمثله أي بمثل حديث إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر فيه أربع عشرة متابعة. * * *

512 - (68) باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليه وبيان ما يفعل بالهدي إذا عجز في الطريق

512 - (68) باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليه وبيان ما يفعل بالهدي إذا عجز في الطريق (3089) - (1236) (216) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ البَدَنَةَ. فَقَال: "ارْكبهَا" قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فَقَال: "اركَبْهَا. وَيلَكَ" فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 512 - (68) باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليه وبيان ما يفعل بالهدي إذا عجز في الطريق 3089 - (1236) (216) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (يسوق البدنة) أهداها إلى الحرم، وفي حديث أنس عند النسائي (وقد جهده المشي) (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اركبها) يا رجل فـ (قال) الرجل (يا رسول الله إنها بدنة) أي هدي ظانًا أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقًا، قال الحافظ رحمه الله تعالى: الظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وسلم كونها هديًا فلذلك قال له إنها بدنة، والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة (فـ) لهذا (قال) له لما زاد في مراجعته (اركبها ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك كلمة جرت على ألسنة العرب من غير قصد لمعناها تقوية للكلام كقولهم تربت يداه، قاتله الله مثلًا (في) المرة (الثانية أو في) المرة (الثالثة) بالشك من الراوي أي في إحدى المرتين متعلق بقال. واستدل بهذا الحديث على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبًا أو تطوعًا لكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحب الهدي من ذلك فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك، وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد من حديث علي أنه سئل هل يركب هديه؟ فقال: لا بأس قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم يركبون هديه أي هدي النبي صلى الله عليه وسلم إسناده صالح وبالجواز مطلقًا، قال عروة بن

(3090) - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: بَينَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الزبير ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق وبه قال أهل الظاهر وهو الذي جزم به النووي في الروضة تبعًا لأصله في الضحايا ونقله في شرح المهذب عن القفال والماوردي (قوله ويلك) قال السندي: الظاهر أن المراد به مجرد الزجر لا الدعاء عليه، وقال القرطبي: قالها له تأديبًا له لأجل مراجعته له على عدم خفاء الحال عليه صلى الله عليه وسلم وبهذا جزم ابن عبد البر وابن العربي وبالغ حتى قال: الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا، قال: ولو أنه صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه ما اشترط لهلك ذلك الرجل لا محالة، قال القرطبي: ويحتمل أن يكون فهم عنه أنه يترك ركوبها على عادة الجاهلية في البحيرة والسائبة والوصيلة فزجره عن ذلك فَعَلى الحالتين هي إنثاء ورجحه عياض وغيره قالوا والأمر هنا، وإن قلنا إنه للإرشاد لكنه استحق الذم بتوقفه عن امتثال الأمر والذي يظهر أنه ما ترك الامتثال عنادًا، ويحتمل أن يكون ظن أنه يلزمه غرم بركوبها أو إثم وأن الإذن الصادر له بركوبها إنما هو للشفقة عليه فتوقف فلما أغلظ له بادر إلى الامتثال، وقيل لأنه كان أشرف على هلكة من الجهد (وويل) كلمة تقال لمن وقع في هلكة فالمعنى أشرفت على الهلاك فاركب فعلى هذا هي إخبار، وقيل هي كلمة تدعم بها العرب كلامها، ولا تقصد معناها كقولهم لا أم لك، ويقويه ما تقدم في بعض الروايات بلفظ ويحك بدل ويلك، قال الهروي: ويل يقال لمن وقع في هلكة يستحقها وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها كذا في الفتح، واستنبط البخاري من هذا الحديث جواز انتفاع الواقف بوقفه وهو موافق للجمهور في الأوقاف العامة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [21/ 487]، والبخاري [1689]، وأبو داود [1760]، والنسائي [51/ 176]، وابن ماجه [3103]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3090 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن حزام (الحزامي) بكسر الحاء المدني، ثقة، من (7) (عن أبي الزناد عن الأعرج بهذا الإسناد) يعني عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة المغيرة لمالك بن أنس (و) لكن (قال) المغيرة (بينما رجل يسوق بدنة مقلدة) وثبت أنها كانت مقلدة نعلًا.

(3091) - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال: بَينَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً، قَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَيلَكَ، ارْكَبْهَا" فَقَال: بَدَنَةٌ. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "وَيلَكَ! ارْكَبْهَا. وَيلَكَ! ارْكَبْهَا". (3092) - (1237) (217) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا حُمَيدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3091 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أحدثه لكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) عن أبي هريرة (منها) أي من تلك الأحاديث، قال أبو هريرة: كذا وكذا (وقال) أبو هريرة أيضًا (بينما رجل يسوق بدنة مقلدة) بنعل كما مر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة همام للأعرج (قال له) أي لذلك الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك) أي ألزمك الله الهلاك (اركبها فقال) الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي (بدنة) أي هدي (يا رسول الله قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويلك اركبها ويلك اركبها) مرتين على التوالي فتكون ثلاث مرات مع المرة الأولى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 3092 - (1237) (217) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وسريج بن يونس) بن إبراهيم البغدادي، هما ثقتان، من (10) (قالا) أي قال كل منهما (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي نزيل بغداد، ثقة، من (7) (أخبرنا حميد)

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: وَأَظُنُّنِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً. فَقَال: "ارْكَبْهَا" فَقَال: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَال: "ارْكَبْهَا" مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. (3093) - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِبَدَنَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطويل بن أبي حميد تير البصري، ثقة، من (5) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) (عن أنس قال) حميد (وأظنني) بنونين أولاهما مشددة مضمومة كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها (وأظني) بنون واحدة مشددة مكسورة وهي لغة كذا في الشرح أي وأظن نفسي (قد سمعته) أي قد سمعت هذا الحديث (من أنس) بلا واسطة ثابت. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان بغداديان (ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (أخبرنا هشيم) بن بشير (عن حميد عن ثابت البناني عن أنس قال) أنس (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يسوق بدنة) أي هديًا إلى الحرم، وقد أجهده المشي (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اركبها فقال) الرجل (إنها بدنة) أي هدي يا رسول الله (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اركبها مرتين) مع الأولى (أو) قال له (ثلاثًا) من المرات مع الأولى بالشك من الراوي. وشارك المؤلف في هذا الحديث النسائي فقط أخرجه في المناسك عن محمد بن المثنى اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3093 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن مسعر عن بكير بن الأخنس) السدوسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة بكير بن الأخنس لثابت البناني (قال) بكير (سمعته) أي سمعت أنسًا (يقول مر) بالبناء للمجهول (على النبي صلى الله عليه وسلم ببدنة) تساق إلى الحرم (أو) قال أنس مر عليه بـ (هدية) هي واحدة الهدي وزان غني؛ بمعنى الهدي وزان فلس، ويجمع على هدايا كضحايا جمع ضحية يقال ما جاز في

فَقَال: "ارْكَبْهَا" قَال: إِنَّهَا بَدَنَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ. فَقَال: "وَإِنْ". (3094) - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. حَدَّثَنِي بُكَيرُ بْنُ الأَخْنَسِ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِبَدَنَةٍ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. (3095) - (1238) (218) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؟ فَقَال: * * * الضحايا جاز في الهدايا اهـ من بعض الهوامش (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للمار (اركبها قال) المار بها (إنها بدنة) أي هدي (أو) قال المار إنها (هدية فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للمار اركبها (وإن) كانت الناقة بدنة أي هديًا، وإن غائية لا جواب لها، ومدخولها محذوف كما قدرنا أو شرطية جوابها معلوم مما قبلها والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3094 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثني بكير بن الأخنس قال سمعت أنسًا) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن بشر لوكيع بن الجراح (يقول مر على النبي صلى الله عليه وسلم ببدنة فذكر) ابن بشر (مثله) أي مثل ما روى وكيع عن مسعر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 3095 - (1238) (218) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي البصري (عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد بغدادي، والحال أنه (سئل) أي سأله سائل، ولم أر من ذكر اسمه (عن) حكم (ركوب الهدي) الذي يساق إلى الحرم هل يجوز ركوبه أم لا؟ (فقال) جابر للسائل: نعم يجوز ركوبه إذا اضطر إليه لأني

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيهَا. حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا". (3096) - (00) (00) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ. قَال: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ؟ فَقَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ، حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول) لمن يسوق الهدي في طريق مكة (اركبها) أي اركب هذه البدنة ركوبًا ملتبسًا (بالمعروف) عند الناس أي بوجه لا يلحقها ضرر، قال القرطبي: قوله بالمعروف يعني بالرفق في الركوب والسير على الوجه المعروف من غير عنف ولا إفحاش اهـ من المفهم (إذا ألجئت) أي إذا احتجت (إليها) أي إلى ركوبها حاجة ضرورية مضطرًا إليه (حتى تجد ظهرًا) أي مركبًا غيرها، يفهم من القيد المذكور أن من استغنى عنها لا يركبها لأنه جعلها خالصة لله تعالى فلا يصرف شيئًا من عينها ومنافعها إلى نفسه اهـ ابن الملك، وقال الشافعي وأبو حنيفة: ثم إذا ركبها عند الحاجة فاستراح نزل، قال إسماعيل القاضي: وهو الذي يدل عليه مذهب مالك وهو خلاف ما ذكره ابن القاسم أنه لا يلزمه النزول، وحجته إباحة النبي صلى الله عليه وسلم له الركوب فجاز له استصحابه، وقال أبو حنيفة والشافعي: إذا نقصها الركوب المباح فعليه قيمة ذلك ويتصدق به اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 317]، وأبو داود [1761]، والنسائي [5/ 177]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3096 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) الحراني مولى بني مروان، صدوق، من (9) (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله العبسي بالموحدة مولاهم الحراني، صدوق، من (8) (عن أبي الزبير) المكي (قال سألت جابرًا) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معقل بن عبيد الله لابن جريج أي سألته (عن) حكم (ركوب الهدي) في سوقها إلى مكة (فقال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول) لسائقها وقد أجهده المشي (اركبها بالمعروف حتى تجد ظهرًا) أي مركوبًا غيرها والله أعلم.

(3097) - (1239) (219) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِيُّ. قَال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ مُعْتَمِرَينِ. قَال: وَانْطَلَقَ سِنَانٌ مَعَهُ بِبَدَنَةٍ يَسُوقُهَا. فَأَزْحَفَتْ عَلَيهِ بِالطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3097 - (1239) (219) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8) (عن أبي التياح) بمثناة فوقية ثم تحتانية مشددة وبحاء مهملة، يزيد بن حميد البصري (الضبعي) بضاد معجمة مضمومة وباء موحدة مفتوحة نسبة إلى بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، قال السمعاني: نزل أكثر هذه القبيلة البصرة وكانت بها محلة تنسب إليهم، ثقة، من (5) (حدثني موسى بن سلمة) بن المحبق بوزن محمد (الهذلي) البصري، ثقة، من (4) (قال) موسى بن سلمة (انطلقت أنا و) أخي (سنان بن سلمة) بن المحبق الصحابي الهذلي أبو عبد الرحمن البصري، ولد يوم حنين فله رؤية رضي الله عنه سماه النبي صلى الله عليه وسلم سنانًا، مات في آخر ولاية الحجاج بن يوسف الجائر سنة (50) خمسين وكان شجاعًا فارسًا بطلًا، ولى غزو الهند، روى عن ابن عباس في الحج وعمر، ويروي عنه (م د س ق) وقتادة، له فرد حديث في (م) معلول، وحبيب بن عبد الله الأزدي وخالد الأشج أي ذهبت أنا وأخي سنان بن سلمة من البصرة إلى مكة (معتمرين) أي محرمين بالعمرة (قال) موسى بن سلمة (وانطلق) أخي (سنان معه ببدنة يسوقها) إلى مكة تقربًا إلى الله تعالى (فأزحفت) تلك البدنة أي وقفت (عليه) من الكلال والإعياء (بالطريق) قبل الوصول إلى مكة، قال النواوي: قوله (فأزحفت) بفتح الهمزة وإسكان الزاي وفتح الحاء المهملة، من أزحف الرباعي أي وقفت عليه في الطريق وعجزت عن المشي معه، هذا رواية المحدثين لا خلاف بينهم فيه، قال الخطابي: كذا يقول المحدثون قال: وصوابه والأجود فأزحفت بضم الهمزة من زحف الثلاثي، يقال زحف البعير إذا قام في الطريق وعجز عن المشي وأزحفه السير أي أعجزه، قال الهروي: كلاهما واحد يقال زحف البعير وأزحفه السير لغتان وأزحف الرجل وقف بعيره، والحاصل أن زحف الثلاثي لا يكون إلا قاصرًا،

فَعَيِيَ بِشَأْنِهَا. إِنْ هِيَ أُبْدِعَتْ كَيفَ يَأْتِي بِهَا. فَقَال: لَئِنْ قَدِمْتُ الْبَلدَ لأَسْتَحْفِيَنَّ عَنْ ذلِكَ. قَال: فَأَضْحَيتُ. فَلَمَّا نَزَلْنَا الْبَطْحَاءَ قَال: انْطلِقْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ نَتَحَدَّثُ إِلَيهِ. قَال: فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ بَدَنَتِهِ. فَقَال: عَلَى الْخبِيرِ سَقَطْتَ. بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِسِتّ عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ وَأَمَّرَهُ فِيهَا. قَال: فَمَضَى ثُمَّ رَجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأزحف بالهمزة يستعمل قاصرًا ومتعديًا (فعيي بشأنها) أي عجز عن معرفة حكمها (إن هي أبدعت) بضم الهمزة وكسر الدال وفتح العين وإسكان التاء وإن بمعنى إذ أي حين أعيت وكلت ووقفت في الطريق (كيف يأتي بها) أي كيف يفعل بها (فقال) أخي سنان: والله (لئن قدمت البلد) ودخلت مجمع الناس (لأستحفين) أي لأسألن الناس سؤالًا بليغًا (عن ذلك) الحكم الذي أشكل على يعني حكم بدنته (قال) موسى بن سلمة (فأضحيت) أي دخلت في وقت الضحى (فلما نزلنا البطحاء) أي المحصب (قال) لي سنان (انطلق) بنا (إلى ابن عباس نتحدث إليه) أي نخبر إليه خبر بدنتي (قال فذكر) سنان (له) أي لابن عباس (شأن بدنته) من إبداعها في الطريق. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد نيسابوري (فقال) ابن عباس لسنان بن سلمة (على الخبير) أي على العليم بحكم بدنتك (سقطت) أي وقفت وبالمجيب لك صادفت يعني نفسه، وفيه دليل لجواز ذكر الإنسان بعض ممادحته للحاجة، وإنما ذكر ابن عباس ذلك ترغيبًا للسامع في الاعتناء بخبره وحثًا له على الاستماع له وأنه علم محقق وهذا من أمثال العرب يضرب لمن كان عالمًا بالأمر، قال القاضي أبو الفضل: الخبير العالم والخبر العلم، وسقطت أي عثرت عبر عن العثور بالسقوط لأن عادة العاثر أن يسقط على ما يعثر عليه، يقال إن المثل لمالك بن جبير العامري، وكان من حكماء العرب، وتمثل به الفرزدق لحسين بن علي رضي الله عنهما حين أقبل يريد العراق فلقيه وهو يريد الحجاز، فقال له الحسين رضي الله عنه: ما وراءك، قال: على الخبير سقطت، قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والأمر ينزل من السماء، فقال الحسين رضي الله عنه: صدقتني اهـ. وأذكر لك يا سنان دليلًا على ما سألتني عنه من حكم بدنتك وذلك أنه (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة) إلى مكة (مع رجل) أي مع ناجية بن جندب الأسلمي (وأمره) بتشديد الميم أي أمر ذلك الرجل وجعله أميرًا (فيها) ووكيلًا عليها لينحرها بمكة (قال) ابن عباس (فمضى) الرجل أي ذهب قليلًا (ثم رجع)

فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ أَصْنَعُ بِمَا أُبْدِعَ عَلَيَّ مِنْهَا؟ قَال: "انْحَرْهَا. ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيهَا فِي دَمِهَا. ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا. وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال يا رسول الله كيف أصنع) وأفعل (بما أبدع) بالبناء للمجهول أي بما حبس (عليّ) من الكلال وانقطع عن السير (منها) أي من تلك البدن، ولم يقل بما أُبدع بي لأنه لم يكن هو راكبًا لها لأنها بدنة يسوقها بل قال أبدع عليّ لتضمين معنى الحبس كما ذكرنا (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (انحرها) أي انحر ما أبدع عليك منها (ثم اصبغ) بتثليث حركات الباء كما في القاموس (نعليها) أي اللتين قلدتهما في عنقها، والمراد بنعليها ما علق بعنقها من الأمدسة علامة لكونها هديًا، والنعل اسم لما وقيت به القدم من الأرض ليس بخاص بما وقي به حافر البدنة أي اغمسهما (في دمها ثم اجعله) أي اجعل كل واحدة من النعلين (على صفحتها) وفي المشكاة (ثم اجعلها) فإن النعل مؤنثة أي اجعل كل واحدة من النعلين على صفحة من صفحتي سنامها أي على جانب من جانبي سنامها لئلا يأكل منها الأغنياء أي ليعلم من مر بها أنها هدي فيأكلها من يستحقها من الفقراء ويتركها من لا يستحقها من الأغنياء (ولا تأكل منها أنت) يا ناجية (ولا أحد من أهل رفقتك) بضم الراء وسكون الفاء، وفي القاموس الرفقة مثلثة أي أحد من رفقائك، فأهل زائد أو الإضافة بيانية، قال الطيبي: سواء كان فقيرًا أو غنيًّا وإنما منعوا ذلك قطعًا لأطماعهم لئلا ينحرها أحد ويتعلل بالعطب، قال المازري: نهاه عن ذلك حماية أن يتساهل فينحره قبل أوانه بذلك، وقال القرطبي: قوله (ثم اجعلها على صفحتها) يعني النعل الذي قلدها به يجعله على صفحة عنقها، وإنما أمره بذلك ليكون ذلك علامة على أنه هدي فيمتنع منه كل من لا يحل له أكله، قوله (أنت ولا أحد من رفقتك) يعني برفقته المرافقين له في سوق الهدي ومن يتعلق به، وإنما منعه النبي صلى الله عليه وسلم ورفقته من أكلها سدًا للذريعة لأنه لو لم يمنعهم من ذلك لأمكن أن يبادروا إلى نحرها أو يتسببوا إلى ذلك ليأكلوها فلما منعهم من المحذور المتوقع انسد ذلك الباب، وهذا وأشباهه من المواضع الواقعة في الشريعة حمل مالكًا على القول بسد الذريعة وهو أصل عظيم لم يظفر به إلا مالك بدقة نظره وجودة قريحته، وبظاهر هذا النهي قال ابن عباس واختاره ابن المنذر فقالا: لا يأكل منها سائقها ولا أحد من أهل رفقته، وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور

(3098) - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصحاب الرأي ومن تبعهم: لا يأكل منها سائقها شيئًا ويخلي بينها وبين الناس يأكلونها، وروي عن ابن عمر أنه كان يرى الأكل منها، وعلى قول المانعين فإن أكل منها ضمنها عند مالك وغيره، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يلزم صاحب الهدي المعطوب بدلًا دليل للجمهور على أن لا بدل عليه في هدي التطوع إذ لو كان لبينه له لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فأما الواجب منه فعليه بدله لأنه متعلق بذمته وله الأكل منه والإطعام للأغنياء وغيرهم عند جمهور العلماء غير مالك، واختلفوا هل له بيعه فمنعه مالك وأجازه الآخرون، وأما إذا بلغ الهدي محله فاختلف العلماء فيما يأكل منه صاحبه فمشهور مذهب مالك أنه لا يأكل من ثلاثة؛ من جزاء الصيد، ونذر المساكين، وفدية الأذى، ويأكل مما سوى ذلك إذا بلغ محله واجبًا أو تطوعًا، ووافقه على ذلك جماعة من السلف وفقهاء الأمصار ثم إذا أكل مما منع فهل يغرم قدر ما أكل منه أو يغرم هديًا كاملًا قولان في مذهبنا، وقال الشافعي وأبو ثور: ما كان أصله واجبًا فلا يأكل منه وما كان تطوعًا ونسكًا أكل منه وأهدى وادخر وتصدق والمتعة والقران عنده نسك ونحوه مذهب الأوزاعي، وقال أبو حنيفة وأصحاب الرأي: يأكل من هدي المتعة والتطوع ولا يأكل مما سوى ذلك، وحكي عن مالك أنه لا يأكل من دم الفساد وعلى قياس هذا لا يأكل من دم الجبران كقول الشافعي والأوزاعي اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 217]، وأبو داود [1763]، والنسائي في الكبرى [4136]، وابن ماجه [3105]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3098 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر) السعدي (قال يحيى أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي (عن موسى بن سلمة عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن علية لعبد الوارث بن

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِثَمَان عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ. (3099) - (1240) (220) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ذُؤَيبًا أَبَا قَبِيصَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بثمان عشرة بدنة مع رجل) من بني أسلم تقدم أنه ناجية بن جندب، وقد تقدمت الرواية بست عشرة بدنة، قال النواوي: يجوز أنهما قضيتان، ويجوز أن تكون قضية واحدة، والمراد أنها ثماني عشرة، وليس في قوله ست عشرة نفي الزيادة لأنه مفهوم عدد ولا عمل عليه والله أعلم، ونقل الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم استعمل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي، وأمره أن يتقدمه بها وقال كان سبعين بدنة فهذا مخالف لرواية مسلم اللهم إلا أن يقال العدد المذكور في رواية مسلم مختص بخدمة ناجية له والباقي لغيره من رفقائه كما يدل عليه قوله وأمره فيها والله أعلم اهـ فتح الملهم (ثم ذكر) إسماعيل بن علية (بمثل حديث عبد الوارث ولم يذكر) إسماعيل (أول الحديث) أي أول حديث عبد الوارث السابق. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي قبيصة رضي الله عنهم فقال: 3099 - (1240) (220) (حدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن سنان بن سلمة) بن المحبق كمعظم الهذلي البصري الصحابي رضي الله عنه (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أن ذؤيبًا) ابن حلحلة الخزاعي المدني (أبا قبيصة) بن ذؤيب، شهد الفتح، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم معه بهديه، له أربعة أحاديث، انفرد له (م) بحديث، ويروي عنه (م ت ق) وابنه قبيصة وابن عباس وغيرهم، وقال في التقريب: صحابي، مات في خلافة معاوية، ويقال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وليس في مسلم من اسمه ذؤيب إلا هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته

حَدَّثَهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: "إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيهِ مَوْتًا، فَانْحَرْهَا. ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا. ثُمَّ اضرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا. وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رجاله خمسة منهم بصريون وواحد طائفي وواحد مدني، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من الصحابة روى بعضهم عن بعض. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه أخرجه في المناسك، قال عباس الدوري عن يحيى بن معين: لم يسمع قتادة من سنان بن سلمة أحاديثه عنه مرسلة وسمع من موسى بن سلمة، وقال أبو بكر بن خيثمة عن يحيى بن معين: لم يدرك قتادة سنان بن سلمة ولا سمع منه اهـ تحفة الأشراف. أي أن ذؤيبًا (حدثه) أي حدث ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه) أي مع ذؤيب إلى مكة (بالبدن) أي ببدنه وهداياه (ثم يقول) رسول الله صلى الله عليه وسلم لذؤيب (إن عطب) من باب فرح وتعب أي إن قارب الهلاك (منها) أي من تلك البدن (شيء) والعطب بوزن التعب الهلاك، والمراد إن قارب الهلاك والموت شيء منها بقرينة، قوله (فخشيت عليه موتًا فانحرها) أي فانحر تلك البدنة التي خشيت عليها الموت (ثم اغمس نعلها) أي النعل التي كانت معلقة بعنقها أي ألق نعلها (في دمها) الذي يسيل منها كيلا ينتفع بشيء منها حتى لا تحبس نعلها ليقلد بها غيرها (ثم اضرب به) أي بنعلها (صفحتها) أي اجعله على صفحة عنقها وجانبه ليحترز عن أكلها الغني ويعرف أنها هدي (ولا تطعمها) أي ولا تأكل لحمها (أنت) يا ذؤيب (ولا أحد من أهل رفقتك) وهذا محمول كما في النواوي على سد الذرائع حتى لا يتساهل فينحر قبل أوانه، قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: ويحتمل أنهم كانوا أغنياء، والرفقة جماعة ترافقهم في سفرك سموا بذلك لأنهم يرتفق بعضهم ببعض والأهل مقحم اهـ من بعض الهوامش. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ذؤيب بن حلحلة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم والله سبحانه وتعالى أعلم.

513 - (69) باب وجوب طواف الوداع على الآفاقي غير الحائض واستحباب دخول الكعبة والصلاة فيها لكل أحد محرما كان أو حلالا آفاقيا أو غيره

513 - (69) باب: وجوب طواف الوداع على الآفاقي غير الحائض واستحباب دخول الكعبة والصلاة فيها لكل أحد محرمًا كان أو حلالًا آفاقيًا أو غيره (3100) - (1241) (221) (حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنصُور) وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا ينْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 513 - (69) باب وجوب طواف الوداع على الآفاقي غير الحائض واستحباب دخول الكعبة والصلاة فيها لكل أحد محرمًا كان أو حلالًا آفاقيًا أو غيره 3100 - (1241) (221) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة المكي، ثقة، من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا سفيان) بن عيينة، ثقة، من (8) (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) المكي خال عبد الله بن أبي نجيح، ثقة، من (5) (عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد يماني وواحد كوفي (قال) ابن عباس (كان الناس) إذا فرغوا من حجهم أو عمرتهم (ينصرفون) أي يذهبون من مكة ويتفرقون (في كل وجه) أي من كل طريق طائفًا وغير طائف رجوعًا إلى أوطانهم من غير أن يودعوا البيت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نهاهم عن ذلك الانصراف قبل أن يودعوا البيت بقوله (لا ينفرن) أي لا يذهبن (أحد) منكم النفر الأول ولا الثاني أو لا يخرجن أحدكم من مكة، والمراد به الآفاقي، والمراد بالنفر هنا الإسراع للعود إلى بلادهم (حتى يكون آخر عهده) أي لقائه (بالبيت) أي الطواف بالبيت كما في رواية أبي داود، فظاهر هذا الحديث وجوب طواف الوداع على كل حاج أو معتمر غير مكي وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه فإذا تركه وجب عليه الدم كذا في المبارق، ووجوبه على غير المكي كما هو المبين في الفقه وعلى غير الحائض من الآفاقي فإنه خفف عنها كما في الرواية التالية، وفي الموطإ أن عمر بن الخطاب رد رجلًا من مر الظهران لم يكن ودع البيت

قَال زُهَيرٌ: يَنْصَرِفُونَ كُلَّ وَجْهٍ. وَلَمْ يَقُلْ: فِي. (3101) - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى ودع اهـ (قال زهير) بن حرب في روايته (ينصرفون) أي يرجعون إلى أوطانهم (كل وجه) أي في كل جهة ومن كل طريق (ولم يقل) زهير لفظة (في) في قوله كل جهة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 222]، وأبو داود [2002]، والنسائي أيضًا. قال النووي: في هذا الحديث دلالة لمن قال بوجوب طواف الوداع وأنه إذا تركه لزمه دم وهو الصحيح في مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء منهم الحسن البصري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه وعن مجاهد روايتان كالمذهبين اهـ، قال الحافظ: والذي رأيته في الأوسط لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء. قال الشيخ الدهلوي: والسر في إيجاب طواف الوداع تعظيم البيت بأن يكون هو الأول وهو الآخر تصويرًا لكونه هو المقصود من السفر وموافقة لعادتهم في توديع الوفد ملوكها عند السفر والله أعلم. وليس طواف الوداع على من في مكة وعلى من كان داخل الميقات وهو من كان دون مسافة القصر من مكة لأنهم حاضرو الحرم، وكذا من اتخذ مكة دارًا ثم بدا له الخروج ليس عليهم طواف الوداع، وكذا فائت الحج لأن العود مستحق عليه ولأنه صار كالمعتمر وليس على المعتمر طواف الوداع، ذكره في التحفة، وفي إثباته على المعتمر حديث ضعيف رواه الترمذي، وفي البدائع قال أبو يوسف: أحب إلي أن يطوف المكي طواف الوداع لأنه وضع لختم أفعال الحج وهذا المعنى يوجد في أهل مكة اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال. 3101 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لسعيد قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن) عبد الله (بن طاوس عن أبيه) طاوس (عن ابن

عَبَّاسٍ. قَال: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيتِ. إلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ. (3102) - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسِلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ. قَال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. إِذْ قَال زَيدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيتِ؟ فَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن طاوس لسليمان الأحول (قال) ابن عباس (أمر الناس) أي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم (أن يكون آخر عهدهم) الطواف (بالبيت إلا أنه) أي لكن أن طواف الوداع (خفف) بالبناء للمفعول أي أسقط (عن المرأة الحائض) وفي معناه النفساء، وعلى هذا الاستثناء اتفاق عامة أهل العلم، وفي هذه الرواية زيادة الاستثناء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3102 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم) بن ينَّاق -بفتح التحتانية وتشديد النون- المكي، ثقة، من (5) (عن طاوس قال كنت مع ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الحسن بن مسلم لابن طاوس (إذ) ظرف لما مضى متعلق بكنت (قال زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري النجاري المدني كاتب الوحي رضي الله عنه أي كنت مع ابن عباس وقت قول زيد بن ثابت لابن عباس هل (تفتي) يا ابن عباس للناس (أن تصدر الحائض) وترجع إلى بلدها (قبل أن يكون آخر عهدها) الطواف (بالبيت) ولعل هذه المحاورة جرت بينهما بعدما بلغه فتوى ابن عباس وما جرى بينه وبين أهل المدينة من المراجعة، ففي صحيح البخاري عن عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن امرأة طافت ثم حاضت قال لهم: تنفر، قالوا: لا نأخذ بقولك وندع قول زيد، قال: إذا قدمتم المدينة فاسألوا، فقدموا المدينة فسألوا فكان فيمن سألوا أم سليم فذكرت حديث صفية، وفي رواية الثقفي، فقالوا: لا نبالي أفتيتنا أو لم تُفْتِنا، زيد بن ثابت يقول: لا تنفر، وفي رواية أبي داود الطيالسي من طريق قتادة عن عكرمة فقالت الأنصار: لا نتابعك يا ابن

لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِمَّا لَا. فَسَلْ فُلانَةَ الأَنْصَارِيَّةَ. هَلْ أَمَرَهَا بِذلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: فَرَجَعَ زَيدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَضْحَكُ. وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَرَاكَ إلا قَدْ صَدَقْتَ. (3103) - (1242) (222) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس، وأنت تخالف زيدًا فقال: سلوا صاحبتكم أم سليم (فقال له) أي لزيد (ابن عباس إما لا) أي إن لم تصدقني فيما أخبرتك (فسل فلانة) أي أم سليم (الأنصارية) أم أنس رضي الله عنهم، والمستفاد في هذا التركيب مما في النهاية وشرح النووي أن إما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة فأدغمت نون إن الشرطية في ميم ما الزائدة ولا حكم لما معنى ولا لفظًا إلا التوكيد، وفي لا إمالة خفيفة، وقوله فسل جواب إن الشرطية والمعنى إن كنت لا تعرف ذلك فسل فلانة الأنصارية (هل أمرها) أي أمر فلانة (بذلك) أي بالنفر والخروج من مكة بلا طواف وداع (رسول الله صلى الله طيه وسلم) أم لم يأمرها؟ وفي رواية الطيالسي فسأل زيد أم سليم فقالت: حضت بعدما طفت بالبيت "تعني طواف الإفاضة" فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر، ثم ذكرت قصة صفية رضي الله تعالى عنها (قال) طاوس (فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس) حالة كونه (يضحك وهو يقول) لابن عباس (ما أراك إلا قد صدقت) فيما أخبرتني، وفي رواية البيهقي من طريق خالد عن عكرمة ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس إني وجدت قلت كما قلت فلعله أرسله إليه أولًا ثم لقيه بعد كما يدل عليه قوله في حديث الباب يضحك والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 3103 - (1242) (222) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري، وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف شيخيه في لفظ ليث لأن الليث مع أل أعرف لاحتمال ليث بلا ألف لليث بن أبي سليم هكذا قالوا (عن ابن شهاب عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (وعروة) بن الزبير (أن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة

قَالتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَذَكَرْتُ حِيضَتَهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَحَابِسَتُنا هِيَ؟ " قَالتْ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ! إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بالْبَيتِ. ثُمَّ حَاضَتْ بعْدَ الإِفَاضَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي (قالت: حاضت صفية بنت حيي) بضم الحاء وكسرها والضم أشهر، زوج النبي صلى الله عليه وسلم (بعدما أفاضت) أي طافت طواف الإفاضة (قالت عائشة: فذكرت) أنا بضم التاء (حيضتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحابستنا) أي هل (هي) مانعتنا من الخروج من مكة والرجوع إلى المدينة بسبب حيضها لأن الحائض لا تطوف والحج لا يكمل إلا بطواف الإفاضة وظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، وفي فتح الملهم معنى هذا الكلام أي أهي مانعتنا من التوجه من مكة إلى المدينة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ظنًّا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف الإفاضة، وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني اهـ. (قالت) عائشة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إنها) أي إن صفية (قد كانت أفاضت) أي ذهبت إلى مكة (وطافت بالبيت) طواف الإفاضة (ثم حاضت بعد) طواف (الإفاضة) قال الأبي: وقول عائشة إنها قد أفاضت من فقهها وعلمها أن من أفاض لا توديع عليه فلذلك ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. وسيأتي في الباب من بعض الطرق فقالوا: يا رسول الله إنها قد زارت، وفي بعضها إن صفية هي قالت نعم في جواب قوله صلى الله عليه وسلم أكنت أفضت يوم النحر، وجاء في بعض الطرق حججنا فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت: يا رسول الله إنها حائض الحديث، وهذا لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة كيف يقول أحابستنا هي، وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني، ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيًا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللْهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَلْتَنْفِرْ". (3104) - (00) (00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةَ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى (قَال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، قَالتْ: طَمِثَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. بَعْدَمَا أَفَاضَتْ طَاهِرًا. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة، فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن، فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم كذا في الفتح. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذن (فلتنفر) معنا، فيه دليل على سقوط طواف الوداع عن الحائض، وأن طواف الإفاضة ركن لا بد منه، وأنه لا يسقط عن الحائض ولا عن غيرها، وأن الحائض تقيم له حتى تطهر فإن ذهبت إلى وطنها قبل طواف الإفاضة بقيت محرمة اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 122 و 192]، والبخاري [328]، والنسائي [1/ 194]، وابن ماجه [3073]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3104 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو (وحرملة بن يحيى وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري (قال أحمد: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وعروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد (قالت) عائشة (طمثت) أي حاضت، قال الفيومي: وبابه ضرب، ومن باب تعب لغة وعليها ضبط الشراح (صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعدما أفاضت) أي طافت طواف الإفاضة حالة كونها (طاهرًا) من الحيض، يقال امرأة طاهرة من الأدناس وطاهر من الحيض بغير هاء، وساق يونس (بمثل حديث الليث) السابق لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال:

(3105) - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ صَفِيَّةَ قَدْ حَاضَتْ. بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. (3106) - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كُنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ. قَالتْ: فَجَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "أَحَابِسَتُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3105 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة يعني ابن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني (كلهم) أي كل من الليث وسفيان وأيوب رووا (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن صفية قد حاضت) وساق عبد الرحمن (بمعنى حديث الزهري) عن أبي سلمة وعروة عن عائشة لا بلفظه، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة عبد الرحمن بن القاسم للزهري ولكنها متابعة ناقصة لأن عبد الرحمن روى عن عائشة بواسطة أبيه القاسم بن محمد، والزهري روى عن عائشة بواسطة أبي سلمة وعروة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال: 3106 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي، ثقة، من (9) (حدثنا أفلح) بن حميد بن نافع الأنصاري المدني، ثقة، من (7) (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أفلح بن حميد لعبد الرحمن بن القاسم (قالت) عائشة (كنا نتخوف) من باب تفعل الخماسي من التخوف وهو ظهور الخوف على الإنسان، أي نخاف بمقتضى عادتها (أن تحيض صفية) بنت حيي (قبل أن تفيض) أي قبل أن تطوف طواف الإفاضة (قالت) عائشة (فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحابستنا)

صَفِيَّةُ" قُلْنَا: قَدْ أَفَاضَتْ. قَال: "فَلَا. إِذًا". (3107) - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أمانعتنا (صفية) من السفر بسبب حيضها (قلنا) له صلى الله عليه وسلم (قد أفاضت) أي قد طافت طواف الإفاضة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا) حبس علينا (إذًا) بالتنوين أي إذا أفاضت لأنها فعلت ما وجب عليها من أركان الحج، فهذا نص في أنه ليس على الحائض طواف وداع، وما في أبي داود والنسائي مرفوعًا أنه عليها أجاب عنه الطحاوي بأنه منسوخ بحديث عائشة هذا وهو في الصحيحين وغيرهما بطرق عديدة وبحديث أم سليم في الصحيحين أيضًا. ومعنى قوله (فلا إذن) أي فلا منع علينا حينئذ لأنها قد فعلت الذي وجب عليها، وطواف الوداع بموضع السقوط عنها، وكلمة إذن مكتوبة في أكثر النسخ بالألف منونة تشبيهًا لنونها بتنوين المنصوب وكذلك هي في آخر كتاب النفقات من صحيح البخاري، والحال أن نونها أصلية وكتابتها بالألف رسم المصحف وخطه لا ينقاس، وعن المبرد كما في حواشي المغني: أشتهى أن تكوى يد من يكتب إذن بالألف لأنها مثل إن ولن ولا يدخل التنوين على الحروف فالنون من أصل الكلمة فأي داع إلى تشبيهها بالنون الزائدة علي بنية الكلمة اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3107 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك) ابن أنس (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي النجاري المدني القاضي، ثقة، من (5) (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى فإنه نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرة لمن روى عن عائشة (أنها) أي أن عائشة (قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن

صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا. أَلَمْ تَكُنْ قَدْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيتِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَال: "فَاخْرُجْنَ". (3108) - (00) (00) حدّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ (لَعَلَّهُ قَال) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ مِنْ صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صفية بنت حيي قد حاضت) اليوم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها) أي لعل صفية (تحبسنا) أي حابستنا ومانعتنا من السفر إلى المدينة إن لم تكن طافت طواف الإفاضة (ألم تكن) صفية (قد طافت معكن، بالبيت) يوم النحر طواف الإفاضة (قالوا) أي قالت عائشة ومن معها من الرجال والإناث، يحتمل أن يكون معهن ذكر وغلب على الإناث قاله الأبي (بلى) طافت معنا يوم النحر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن (فاخرجن) أنتن وهي معنا إلى المدينة لأن طواف الوداع ساقط عن الحائض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3108 - (00) (00) (حدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10) (حدثني يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي، ثقة، من (8) (عن) عمرو بن عبد الرحمن (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة، من (7) قال يحيى بن حمزة (لعله) أي لعل الأوزاعي (قال) عندما روى لي هذا الحديث (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) قال القاضي: وأظن أن الاسم كله سقط من كتب بعضهم أو شك فيه فألحقه على المحفوظ الصواب ونبه على إلحاقه بقوله لعله اهـ (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد (التيمي) المدني، ثقة، من (4) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان دمشقيان وواحد يمامي وواحد بغدادي، غرضه بيان متابعة محمد بن عبد الرحمن لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد من صفية) بنت حيي (بعض ما يريد الرجل من أهله)

فقَالُوا: إِنهَا حَائِضٌ. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النَّحْرِ. قَال: "فَلْتنْفرْ مَعَكُمْ". (3109) - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفِرَ، إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من زوجته من الجماع ومقدماته، وفيه حسن أدب عائشة رضي الله تعالى عنها في العبارة (فقالوا) أي قال أهله يعني أزواجه صلى الله عليه وسلم (إنها) أي إن صفية (حائض) لا تصلح للاستمتاع (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإنها لحابستنا) من السفر إن لم تطف طواف الإفاضة (فقالوا يا رسول الله إنها قد زارت) أي طافت طواف الزيارة وهو طواف الإفاضة (يوم النحر) فـ (قال) إذن (فلتنفر) أي فلتخرج (معكم) من مكة إلى المدينة لسقوط طواف الوداع عن الحائض، وفي قوله معكم تغليب للرجال على الإناث، وفي قوله (قد زارت يوم النحر) دليل لمذهب الشافعي وأبي حنيفة وأهل العراق أنه لا يكره أن يقال لطواف الإفاضة طواف الزيارة، وقال مالك: يكره، وليس للكراهة حجة تعتمد اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3109 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ واللفظ له حدثنا أبي حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأسود لمن روى عن عائشة (قالث) عائشة (لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر) أي أن يخرج من مكة ويسافر منها إلى المدينة (إذا صفية) قائمة (على باب خبائها) أي على باب خيمتها، وإذا فجائية، والخباء واحد الأخبية، حالة كونها (كئيبة) أي منكسرة القلب من الكأب وهو الغم وسوء الحال

حَزِينَةً. فَقَال: "عَقْرَى! حَلْقَى! إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا" ثُمَّ قَال لَهَا: "أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قَالتْ: نَعَمْ. قَال: "فَانْفِرِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ والانكسار من حزن، وبابه كما في القاموس تعب، وله ثلاثة مصادر الكأب كسبب، والكأبة كثمرة، والكآبة بمد الهمزة، وحالة كونها (حزينة) أي ذات حزن وأسف لحيضها، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يرتحل فاجأه قيام صفية على باب خبائها حزينة منكسرة القلب لحيضها، قال الحافظ: وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى، واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقًا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعًا من الإرادة المذكورة اهـ. (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (عقرى) أي عقرك الله عقرًا وجرحك جرحًا (حلقى) أي أصابك الله بداء الحلق أو حلق الله شعرك (إنك لحابستنا) أي مانعتنا من النفر والسفر إن لم تطف طواف الإفاضة (ثم قال لها أكنت) أي هل كنت (أفضت) أي طفت طواف الإفاضة (يوم النحر قالت) صفية (نعم) طفت طواف الإفاضة يوم النحر (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن (فانفري) بكسر الفاء أي فارتحلي واخرجي معنا إلى المدينة لأن طواف الوداع ساقط عنك بسبب الحيض، قوله (عقرى حلقى) قال الطيبي رحمه الله تعالى: هكذا روي على وزن فَعْلى بلا تنوين، والظاهر عقرًا وحلقًا بالتنوين أي عقرها الله عقرًا وحلقها الله حلقًا يعني قتلها وجرحها أو أصاب حلقها وجع وهذا دعاء لا يراد وقوعه بل عادة العرب التكلم بمثله على سبيل التلطف، وقيل هما صفتان للمرأة يعني أنها تحلق قومها وتعقرهم أي تستأصلهم من شؤمها اهـ، وقيل إنهما مصدران، والعقر الجرح والقتل وقطع العصب، والحلق إصابة وجع في الحلق أو الضرب على الحلق أو الحلق في شعر الرأس لأنهن يفعلن ذلك عند شدة المصيبة، وحقهما أن ينونا لكن أبدل التنوين بالألف إجراء للوصل مجرى الوقف اهـ، وفيه أنه لا يساعده رسمهما بالياء، وقيل إنهما تأنيث فعلان أي جعلها عقرى أي عاقرًا أي عقيمًا، وحلقى أي جعلها صاحبة وجع الحلق، وهذا وأمثال ذلك مثل تربت يداه وثكلته أمه مما يقع في كلامهم للدلالة على تهويل الخبر وأن ما سمعه لا يوافقه لا للقصد إلى وقوع مدلوله الأصلي والدلالة على التماسه اهـ من فتح الملهم.

(3110) - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ. جَمِيعًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِ الْحَكَمِ. غَيرَ أَنَّهُمَا لا يَذْكُرَانِ: كَئِيبَةً حَزِينَةً. (3111) - (1243) (223) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديثها فقال: 3110 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب عن أبي معاوية عن الأعمش ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر (جميعًا) أي كل من الأعمش ومنصور رويا (عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث الحكم غير أنهما) أي أن الأعمش ومنصورًا (لا يذكران) لفظة (كئيبة حزينة). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3111 - (1243) (223) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل) عام الفتح كما وقع مبينًا في الروايات الصحيحة التي يأتي بعضها في الباب (الكعبة) المشرفة شرفها الله تعالى بكثرة زوارها (هو) تأكيد لفاعل دخل ليعطف عليه، قوله (وأسامة) بن زيد بن حارثة (وبلال) بن رباح المؤذن (وعثمان بن طلحة) بن أبي طلحة بن عبد العزى من عبد الدار بن قصي بن كلاب (الحجبي) بفتح الحاء المهملة والجيم منسوب إلى حجابة الكعبة وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها ولآل بيته الحجبة لحجبهم الكعبة، ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده، وله أيضًا صحبة ورواية، وفيه استحباب دخول الكعبة، وقد روى ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعًا: "من دخل البيت دخل في حسنة وخرج مغفورًا

فَأَغْلَقَهَا عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ له". قال البيهقي: تفرد به عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف، ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدًا بدخوله، قال بعض العلماء: وليجتنب داخله الزحمة والمزاحمة ما أمكن فإن أكثر داخليها في هذا الزمان ربحهم أقل من خسرانهم وطاعتهم أقل من عصيانهم، قال: قال ابن العربي: الحمد لله الذي أغنانا عن منة الشيبة بإخراج الحجر من الكعبة المشرفة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين سألت دخول الكعبة: "صل فيه فإنه منها" قال الحافظ: وروى ابن أبي شيبة من قول ابن عباس: إن دخول البيت ليس من الحج في شيء، وحكى القرطبي عن بعض العلماء: إن دخول البيت من مناسك الحج، ورده بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخله عام الفتح ولم يكن حينئذ محرمًا اهـ فتح الملهم (فأغلقها) أي فأغلق الكعبة من داخلها كما في رواية ابن ماجه عثمان بن طلحة (عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يزدحم الناس عليه، وفي الموطإ (فأغلقاها عليه) والضمير لعثمان وبلال، وفي رواية آتية (فأجافوا عليهم الباب) قال الحافظ: والجمع بينها أن عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته، ولعل بلالًا ساعده في ذلك، ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والراضي به، وأما الحكمة في إغلاق الباب فقال بعض العلماء: يحتمل أن يكون ذلك لئلا يزدحموا عليه لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه أو ليكون ذلك أسكن بقلبه وأجمع لخشوعه، وإنما أدخل معه عثمان لئلا يظن أنه عزل من ولاية الكعبة وبلال وأسامة لملازمتهما خدمته، وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك، قال القرطبي: (قوله فأغلقها عليه) فيه دليل على اختصاص السابق للمنفعة المشتركة بها ومنعها ممن يخاف تشويشها عليه، وقال الشافعي: فائدة أمره صلى الله عليه وسلم بإغلاقها وجوب الصلاة إلى جدار من جدرها وأنه لو صلى إلى الباب وهو مفتوح لم يجزه لأنه لم يستقبل منها بشيء وألزم من مذهبه إبطال هذا لأنه يجيز الصلاة في أرضها لو تهدمت من الجدر لاستقباله أرضها، وقيل إنما أغلقها دونهم لئلا يتأذى بزحامهم، وقيل لئلا يصلى بصلاته فتتخذ الصلاة فيها سنة، ولا يلتفت لقول من قال إنما فعل ذلك لئلا يستدبر شيئًا من البيت كما وقع في زيادة البخاري عن بعض الرواة لأن الباب إذا أغلق صار كأنه جدار البيت اهـ من المفهم.

ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا. قَال ابْنُ عُمَرَ: فَسأَلْتُ بِلالًا، حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: جَعَلَ عَمُودَينِ عَنْ يَسَارِهِ. وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ. وَثَلاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ. وَكَانَ الْبَيتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ. ثُمَّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم مكث) النبي صلى الله عليه وسلم مع من معه (فيها) أي في جوف الكعبة (قال ابن عمر فسألت بلالًا حين خرج) من البيت (ما صنع) أي أي شيء صنع وفعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين مكث في البيت، وقوله (فسألت بلالًا) الخ هذا هو المحفوظ، ووقع عند أبي عوانة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه سأل بلالًا وأسامة بن زيد حين خرجا أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ فقالا: على جهته. وكذا أخرجه البزار ونحوه لأحمد والطبراني من طريق أبي الشعثاء عن ابن عمر قال: أخبرني أسامة أنه صلى فيه ها هنا. ولمسلم والطبراني من وجه آخر فقلت: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: فإن كان محفوظًا حمل على أنه ابتدأ بلالًا بالسؤال ثم أراد زيادة الاستثبات في مكان الصلاة فسأل عثمان أيضًا وأسامة، ويؤيد ذلك قوله في رواية ابن عون عند مسلم: ونسيت أن أسألهم كم صلى؟ بصيغة الجمع، وهذا أولى من جزم عياض بوهم الرواية التي أشرنا إليها من عند مسلم وكأنه لم يقف على بقية الروايات، ولا يعارض قصته مع قصة أسامة ما أخرجه مسلم أيضًا من حديث ابن عباس أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه ولكنه كبر في نواحيه، فإنه يمكن الجمع بينهما بأن أسامة حيث أثبتها اعتمد في ذلك على غيره وحيث نفاها أراد ما في علمه لكونه لم يره صلى الله عليه وسلم حين صلى وسيأتي مزيد بسط فيه في أواخر هذا الباب إن شاء الله تعالى (قال) بلال (جعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمودين عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ) أي يوم إذ دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم (على ستة أعمدة) ثلاثة سطر والثلاثة الأخرى سطر، وقوله (ثم صلى) معطوف على جعل وكانت صلاته بين أعمدة السطر الأول (قوله عمودين عن يساره وعمودًا عن يمينه) كذا في هذه الرواية التي رواها يحيى بن يحيى عن مالك، وفي رواية إسماعيل عن مالك عكس هذا فإنه قال: عمودين عن يمينه، ووافقه عليه ابن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وأبو حذافة، وكذا الشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما، وقد جزم البيهقي بترجيح رواية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل ومن وافقه، وفي رواية عثمان بن عمر عن مالك جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره، قال الدارقطني: لم يتابع عثمان بن عمر على ذلك وسيأتي في روأية أبي أسامة وعبيد الله عن نافع بين العمودين المقدمين، وفي رواية عبد الله بن يوسف عن مالك جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وليس بين هاتين الروايتين مخالفة، ولكن قوله في رواية مالك وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة مشكل لأنه يشعر بكون ما عن يمينه أو يساره كان اثنين، ولهذا عقبه البخاري برواية إسماعيل التي قال فيها عمودين عن يمينه، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه حيث ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك، ويرشد إلى ذلك قوله وكان البيت يومئذ لأن فيه إشعارًا بأنه تغير عن هيئته الأولى اهـ فتح الملهم، قال القرطبي: وظاهر هذا الاختلاف اضطراب ويمكن أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم تكررت صلاته في تلك المواضع وإن كانت قضية واحدة فإنه صلى الله عليه وسلم مكث في الكعبة طويلًا اهـ من المفهم. وفي الحديث من الفوائد سؤال المفضول مع وجود الأفضل والاكتفاء به، والحجة بخبر الواحد ولا يقال هو أيضًا خبر واحد فكيف يحتج للشيء نفسه لأنا نقول هو فرد ينضم إلى نظائر مثله يوجب العلم بذلك، وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه، وفضيلة ابن عمر بشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها، قال الحافظ: ويستفاد من قوله (ثم صلى) أن قول العلماء تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكونه صلى الله عليه وسلم جاء فأناخ عند البيت فدخله فصلى فيه ركعتين فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل وهو تحية المسجد العام، قال: وفيه استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النفل ويلتحق به الفرض إذ لا فرض بينهما في مسئلة الاستقبال للمقيم وهو قول الجمهور، وعن ابن عباس لا تصح الصلاة داخلها مطلقًا وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها، وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها، وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري، وقال المازري: المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة، وعن ابن عبد الحكم الإجزاء، وصححه ابن عبد البر وابن العربي، وعن ابن حبيب يعيد أبدًا وعن أصبغ إن كان متعمدًا وأطلق الترمذي، وعن مالك جواز النوافل، وقيده بعض أصحابه بغير

(3112) - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. قَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ. فَنَزَلَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ. وَأَرْسَلَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ. فَجَاءَ بِالْمِفْتَحِ. فَفَتَحَ الْبَابَ. قَال: ثُمَّ دَخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواتب وما تشرع فيه الجماعة، وفي شرح العمدة لابن دقيق العيد: كره مالك الفرض أو منعه فكأنه أشار إلى اختلاف النقل عنه في ذلك ومن المشكل ما نقله النواوي في زوائد الروضة عن الأصحاب: إن صلاة الفرض داخل الكعبة إن لم يرج جماعة أفضل من خارجها، ووجه الإشكال أن الصلاة خارجها متفق على صحتها بين العلماء بخلافها داخلها فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق عليه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 33 و 55]، والبخاري [505]، وأبو داود [2023 و 2025]، والنسائي [2/ 63]. ثم ذكر المؤلف رحمه لله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3112 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (كلهم عن حماد بن زيد) بن درهم البصري (قال أبو كامل حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لمالك (قال) ابن عمر (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) مكة (يوم الفتح فنزل بفناء الكعبة) -بكسر الفاء- أي بجانبها وحريمها وساحتها (وأرسل إلى عثمان بن طلحة) الحجبي هو بفتح الحاء والجيم منسوب إلى حجابة الكعبة وسدانتها وهي ولايتها وفتحها وإغلاقها وخدمتها، ويقال له ولأقاربه الحجبيون وهو عثمان بن طلحة العبدري كما مر، أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية، وشهد فتح مكة، ودفع النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال: "خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم" أقام عثمان بالمدينة إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى مكة فأقام بها إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين (42) اهـ نووي (فجاء) عثمان (بالمفتح) -بكسر الميم- وفي الرواية الأخرى بالمفتاح وهما لغتان بمعنى واحد وهو اسم لآلة فتح الباب أي جاء بمفتاح الكعبة (ففتح) عثمان (الباب

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ وَبِلالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ. وَأَمَرَ بِالْبَابِ فَأُغْلِقَ. فَلَبَثُوا فِيهِ مَلِيًّا. ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: فَبَادَرْتُ النَّاسَ. فَتَلَقَّيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا. وَبِلالٌ عَلَى إِثْرِهِ. فَقُلْتُ لِبِلالٍ: هَل صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ. قُلْتُ: أَينَ؟ قَال: بَينَ الْعَمُودَينِ. تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. قَال: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ قال) ابن عمر (ثم) بعد فتحه (دخل النبي صلى الله عليه وسلم) الكعبة هو (وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة) صاحب المفتاح (وأمر) النبي صلى الله عليه وسلم عثمان (بـ) إغلاق (الباب) من داخله (فأغلق) الباب بالبناء للمجهول (فلبثوا) أي مكث كل من الأربعة (فيه) أي في جوف الكعبة (مليًا) أي زمانًا طويلًا (ثم فتح) عثمان بن طلحة (الباب) أي باب الكعبة عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم (فقال عبد الله) بن عمر (فبادرت الناس) أي سابقت الناس إلى باب الكعبة لدخولها، وفي رواية أيوب (وكنت رجلًا شابًّا قويًّا فبادر الناس فبدرتهم) أي سابقتهم فسبقتهم (فتلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي استقبلته حالة كونه (خارجًا) من الكعبة (وبلال على إثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي على عقبه، قال ابن عمر (فقلت لبلال هل صلى فيه) أي في البيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) بلال (نعم) صلى فيه (قلت) لبلال (أين) صلى أي في أي ناحية من نواحي البيت صلى؟ (قال) بلال صلى (بين العمودين) المقدمين الكائنين (تلقاء وجهه) أي مقابل وجهه حين دخل (قال) عبد الله بن عمر (ونسيت أن أسأله) أي أن أسأل بلالًا (كم) من الركعات (صلى) أي هل صلى ركعتين أم أكثر؟ لكن ورد في رواية يحيى بن سعيد عند البخاري قال (أي بلال) نعم ركعتين، وقد استشكل الإسماعيلي وغيره هذا مع أن المشهور عن ابن عمر من طريق نافع وغيره عنه أنه قال: ونسيت أن أسأله كم صلى؟ قال: فدل على أنه أخبره بالكيفية وهي تعيين الموقف في الكعبة، ولم يخبره بالكمية ونسي هو أن يسأله عنها، والجواب عن ذلك أن يقال يحتمل أن ابن عمر اعتمد في قوله في هذه الرواية ركعتين على القدر المتحقق له وذلك أن بلالًا أثبت له أنه صلى ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل في النهار بأقل من ركعتين فكانت الركعتان متحققًا وقوعهما لما عرف بالاستقراء من عادته فعلى هذا فقوله ركعتين من كلام ابن عمر لا من كلام بلال، وقد وجدت ما يؤيد هذا ويستفاد منه جمعًا آخر بين

(3113) - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَامَ الْفَتْحِ، عَلَى نَاقَةٍ لأُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ. ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَقَال: "ائْتِنِي بِالْمِفْتَاحِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديثين وهو ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث فاستقبلني بلال فقلت: ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ها هنا؟ فأشار بيده أي صلى ركعتين بالسبابة والوسطى فعلى هذا فيحتمل قوله نسيت أن أسأله كم صلى على أنه لم يسأله لفظًا ولم يجبه لفظًا وإنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه، وأما قوله في الرواية الأخرى ونسيت أن أسأله كم صلى فيحمل على أن مراده أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أو لا؟ وأما ما نقله عياض أن قوله ركعتين غلط من يحيى بن سعيد القطان لأن ابن عمر قد قال: نسيت أن أسأله كم صلى؟ قال: وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد فهو كلام مردود والمغلط هو الغالط فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع كذا قال الحافظ في الفتح، ثم ذكر لرواية يحيى متابعات وشواهد ثم قال: فالعجب من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين فقال بغير علم ولو سكت لسلم والله الموفق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3113 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لحماد (قال) ابن عمر (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى المسجد الحرام (عام الفتح على ناقة لأسامة بن زيد حتى أناخ) أي نوخ وأضجع تلك الناقة (بفناء الكعبة) وحريمها (ثم دعا عثمان بن طلحة) بن أبي طلحة الحجبي ليأخذ منه المفتاح فجاءه عثمان (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ائتني بالمفتاح) روى عبد الرزاق والطبراني من جهته من مرسل الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يوم الفتح: "ائتني بمفتاح الكعبة" فأبطأ عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم

فَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ. فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ. فَقَال: وَاللهِ! لَتُعْطِينِيهِ أَوْ لَيَخْرُجنَّ هَذَا السَّيفُ مِنْ صُلْبِي. قَال: فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ. فَجَاءَ بِهِ. إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَهُ إِلَيهِ. فَفَتَحَ الْبَابَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتظره حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، ويقول: "ما يحبسه" فسعى إليه رجل وجعلت المرأة التي عندها المفتاح وهي أم عثمان، واسمها سلافة بنت سعيد من بني عمرو بن عوف، ولا ذكر لها في الصحابيات فالظاهر عدم إسلامها كما في أسد الغابة تقول: إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدًا فلم يزل بها حتى أعطت المفتاح، فجاء به ففتح، ثم دخل البيت، ثم خرج، فجلس عند السقاية فقال علي رضي الله عنه: إنا أعطينا النبوة والسقاية والحجابة ما قوم بأعظم نصيبًا منا، فكره النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه، وروى ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال: "خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ولا ينزعها منكم إلا ظالم" ومن طريق ابن خزيمة إن عليًّا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فدعا عثمان فقال: "خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم" ومن طريق علي بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني شيبة كلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف" كذا في الفتح (فذهب) عثمان (إلى أمه فأبت) أي امتنعت أمه (أن تعطيه) أي أن تعطي المفتاح إلى عثمان (فقال) لها عثمان (والله لتعطينيه) أي لتعطي إياي المفتاح (أو ليخرجن هذا السيف من صلبي) وظهري بعد أن أدخلت في صدري، قال السندي: هذا كناية عن قتله نفسه، ولعل مراده بذلك تخويفها لتعطيه، والمعنى اختاري بين أن تعطيني إياه أو أن أقتل نفسي إن لم تعطيني، ولعلها ما أسلمت فلذلك منعت (قال) ابن عمر (فأعطته) أي فأعطت أم عثمان لعثمان (إياه) أي المفتاح (فجاء) عثمان (به) أي بالمفتاح (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه) أي فدفع النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح (إليه) أي إلى عثمان (ففتح) عثمان (الباب) بأمره صلى الله عليه وسلم (ثم ذكر) سفيان (بمثل حديث حماد بن زيد). وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

(3114) - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْبَيتَ، وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ. فَأَجَافُوا عَلَيهِمُ الْبَابَ طَويلًا. ثُمَّ فُتِحَ. فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ. فَلَقِيتُ بِلالًا. فَقُلْتُ: أَينَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: بَينَ الْعَمُودَينِ الْمُقَدَّمَينِ، فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3114 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثني يحيى) بن سعيد (وهو القطان ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير واللفظ) الآتي (له) أي لابن نمير (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي العامري الكوفي، ثقة ثبت، من صغار الثامنة، كل من يحيى القطان وأبي أسامة وعبدة بن سليمان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوي (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذه الأسانيد الثلاثة من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس وأيوب السختياني (قال) ابن عمر (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت) أي الكعبة المشرفة (ومعه) صلى الله عليه وسلم (أسامة وبلال وعثمان بن طلحة) الحجبي (فأجافوا) أي ردوا (عليهم الباب) وأغلقوه، يقال أجاف الباب إذا رده عليه أي رده عليهم عثمان بن طلحة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يزدحم عليهم الناس ومكثوا زمنًا (طويلًا ثم فتح) الباب بالبناء للمفعول أي فتح عنهم عثمان الباب بأمره صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر (فكنت) أنا (أول من دخل) البيت بعد ما فتح (فلقيت بلالًا فقلت) له رضي الله عنه (أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في أي ناحية من نواحي البيت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (فقال) بلال صلى (بين العمودين المقدمين) في صدر البيت، قال عبد الله بن عمر (فنسيت أن أسأله) أي أن أسأل بلالًا (كم) من الركعات (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في البيت.

(3115) - (00) (00) وحدّثني حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنهُ انْتَهَى إِلَى الْكَعْبَةِ. وَقَدْ دَخَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبِلالٌ وَأُسَامَةُ. وَأَجَافَ عَلَيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْبَابَ. قَال: فَمَكَثُوا فِيهِ مَلِيًّا. ثُمَّ فُتِحَ الْبَابُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَرَقِيتُ الدَّرَجَةَ. فَدَخَلْتُ الْبَيتَ. فَقُلْتُ: أَينَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: ههُنَا. قَال: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُمْ: كَمْ صَلَّى؟ . (3116) - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3115 - (00) (00) (وحدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك الباهلي السامي، صدوق، من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (حدثنا عبد الله بن عون) بن أرْطبان المزني مولاهم أبو عون البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن نافع عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لمن روى عن نافع (أنه) أي أن ابن عمر (انتهى) أي وصل (إلى الكعبة وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة وأجاف) أي رد (عليهم) أي على الداخلين (عثمان بن طلحة الباب قال) ابن عمر (فمكثوا فيه) أي في البيت (مليًّا) أي زمانًا طويلًا (ثم فتح) عثمان عنهم (الباب فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ورقيت) أنا -بكسر القاف- أي صعدت وعلوت (الدرجة) أي درجة الباب وهو السلم (فدخلت البيت فقلت) لمن فيه (أين صلى) أي في أي مكان صلى (النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالوا ها هنا) صلى؛ أي في هذا المكان صلى النبي صلى الله عليه وسلم مشيرين لي إلى ناحية من نواحي البيت (قال) ابن عمر (ونسيت) أنا (أن أسألهم كم صلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم من الركعات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3116 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا) محمد (بن

رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ قَال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْبَيتَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيهِمْ. فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ فِي أَوَّلِ مَنْ وَلَجَ. فَلَقِيتُ بِلالًا فَسَألْتُهُ: هَل صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ. صَلَّى بَينَ الْعَمُودَينِ الْيَمَانِيَينِ. (3117) - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ وَبِلالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ. وَلَمْ يَدْخُلْهَا مَعَهُمْ أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع (أنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم) أي أغلق بعضهم عليهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو عثمان بن طلحة (فلما فتحوا) الباب، فيه ما في أغلقوا من التأويل (كنت) أنا (في أول من ولج) ودخل البيت، ولفظة في زائدة كما يعلم مما سبق (فلقيت بلالًا فسألته هل صلى فيه) أي في البيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أم لا؟ (قال) بلال (نعم صلى بين العمودين) المقدمين (اليمانيين) من السطر الأول من الأعمدة، فلا ينافي ما تقدم في رواية نافع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3117 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد (قال) ابن عمر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة ولم يدخلها) أي ولم يدخل الكعبة (معهم) أي مع هؤلاء الأربعة (أحد) من الناس، قال الأبي: والأظهر في اختصاص بلال وأسامة بالدخول معه أنه لاختصاصهما بخدمته

ثُمَّ أُغْلِقَتْ عَلَيهِمْ. قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرَنِي بِلالٌ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، بَينَ العَمُودَينِ الْيَمَانِيَينِ. (3118) - (1244) (224) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ بَكْرٍ. قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَسَمِعْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِدُخُولِهِ. قَال: لَمْ يَكُنْ يَنْهَى عَنْ دُخُولِهِ. وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيتَ دَعَا مِنْ نَوَاحِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم لا لفضلهما على غيرهما، وأما عثمان بن طلحة فلأنه صاحب المفتاح اهـ منه (ثم أغلقت) الكعبة (عليهم) أي على هؤلاء الأربعة أي أغلقها عليهم عثمان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. قال سالم بالسند السابق (قال عبد الله بن عمر فأخبرني بلال أو) قال عبد الله فأخبرني (عثمان بن طلحة) بالشك من سالم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة) أي في داخلها (بين العمودين اليمانيين) المقدمين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس س رضي الله عنهم فقال: 3118 - (1244) (224) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا) أي كلاهما (عن) محمد (بن بكر) البرساني البصري (قال عبد) ابن حميد (أخبرنا محمد بن بكر) البرساني (أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء) بن أبي رباح المكي (أسمعت) أي هل سمعت (ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (يقول) للناس (إنما أمرتم) أيها الناس في الكتاب والسنة (بالطواف) بالبيت (ولم تؤمروا بدخوله) أي بدخول البيت. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد طائفي وواحد بصري وواحد إما مروزي أو كسي، وفيه التحديث والإخبار والسماع والعنعنة والمقارنة ورواية صحابي عن صحابي (قال) عطاء في جواب سؤال ابن جريج (لم يكن) ابن عباس (ينهى) الناس (عن دخوله) أي عن دخول البيت إذا دخله لعدم ورود النهي عنه قال عطاء (ولكني) أي ولكن أنا (سمعته) أي سمعت ابن عباس (يقول أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا من نواحيه) أي في

كُلِّهَا. وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. حَتَّى خَرَجَ. فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْبَيتِ رَكْعَتَينِ. وَقَال: "هذِهِ الْقِبْلَةُ" قُلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ جوانبه (كلها و) لكن (لم يصل) النبي صلى الله عليه وسلم (فيه) أي في جوف البيت (حتى خرج) من البيت، أجمع أهل الحديث في هذا الباب على الأخذ برواية بلال أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها بين العمودين لأنه مثبت فمعه زيادة علم فوجب ترجيحه، أما أسامة فلبعده عن مقام بلال واشتغاله بالدعاء لم ير ما رآه بلال ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه بعض الأعمدة فنفاها عملًا بظنه، والمراد بالصلاة: الصلاة المعهودة ذات ركوع وسجود ولهذا قال ابن عمر: ونسيت أن أسأله كم صلى؟ اهـ من النووي بزيادة من الزرقاني، ورواية بلال أيضًا مرجحة على رواية ابن عباس لأنه لم يكن يومئذ مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في بعض شروح البخاري، وقال بعض العلماء: يقدم إثبات بلال على نفي غيره كابن عباس لأمرين أحدهما أن ابن عباس لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وإنما أسند نفيه تارة لأسامة وتارة لأخيه الفضل مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة، وقد روى أحمد من طريق ابن عباس عن أخيه الفضل نفي الصلاة فيها فيحتمل أن يكون تلقاه عن أسامة فإنه كان معه كما تقدم، وقد وقع إثبات صلاته فيها عن أسامة من رواية ابن عمر عن أسامة عند أحمد وغيره فتعارضت الروايتان في ذلك عنه فترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف ومن جهة أنه لم يختلف عليه في الإثبات، واختلف على من نفى اهـ فتح الملهم (فلما خرج) صلى الله عليه وسلم من البيت (ركع) أي صلى من إطلاق الجزء وإرادة الكل اهـ (في قُبل البيت) بضم القاف والباء ويجوز إسكان الباء أي في أوله أو ما استقبلك منه كما في النهاية، قال النووي: وفي رواية الصحيح "فصلى (ركعتين) في وجه الكعبة" وهذا هو المراد بقبلها، ومعناه عند بابها (وقال) صلى الله عليه وسلم (هذه) الكعبة هي (القبلة) في صلاتكم معناه أن أمر القبلة قد استقر على استقبال هذا البيت فلا ينسخ بعد اليوم فصلوا إليه أبدًا ما دامت الصلاة، يحتمل أنه علمهم سنة موقف الإمام وأنه يقف في وجهها دون أركانها وجوانبها وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزئة هذا كلام الخطابي، ويحتمل معنى ثالثًا وهو أن معناه هذه الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله لا كل الحرم ولا مكة ولا كل المسجد الذي حول الكعبة بل هي الكعبة نفسها فقط والله أعلم، قال ابن جريج أو عطاء أو ابن عباس (قلت

لَهُ: مَا نَوَاحِيهَا؟ أَفِي زَوَايَاهَا؟ قَال: بَلْ فِي كُلِّ قِبْلَةٍ مِنَ الْبَيتِ. (3119) - (1245) (225) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَفِيهَا سِتُّ سَوَارٍ. فَقَامَ عِنْدَ سَارِيةٍ فَدعَا، وَلَمْ يُصَلِّ. (3120) - (1246) (226) وحدّثني سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنِي هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. قَال: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ له) أي لعطاء أو لابن عباس أو لأسامة (ما) معنى (نواحيها) أي نواحي الكعبة في قوله دعا في نواحيه (أ) دعا (في زواياها) وأركانها أم في جهاتها (قال) عطاء أو ابن عباس أو أسامة (بل) معناه دعا (في كل قبلة) أي في كل جهة (من) جهات (البيت). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [398]، والنسائي [5/ 220 - 221]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر ثانيًا بحديث آخر لابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3119 - (1245) (225) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عطاء) بن أبي رباح (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وفيها ست سوار) جمع سارية وهي الأسطوانة (فقام) صلى الله عليه وسلم (عند سارية) من سواريها (فدعا) الله سبحانه وتعالى (ولم يصل) فيها الصلاة المعهودة. وانفرد المؤلف برواية هذا الحديث عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر ثالثًا بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم فقال: 3120 - (1246) (226) (وحدثني سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل أبو الحارث البغدادي، ثقة، من (10) (حدثني هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد) سعد الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (قال) إسماعيل (قلت لعبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبي إبراهيم الكوفي

صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْبَيتَ فِي عُمْرَتِهِ؟ قَال: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد واسطي وواحد بغدادي (صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ملازمه (أ) للاستفهام الاستخباري أي هل (دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت) أي الكعبة المشرفة (في عمرته) عمرة القضاء سنة سبع عام القضية (قال) ابن أبي أوفى (لا) أي ما دخل البيت في عمرته عمرة القضية، قال النووي: قال العلماء: وسبب عدم دخوله صلى الله عليه وسلم ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه لتغييرها، فلما فتح الله تعالى عليه مكة دخل البيت وصلى فيه وأزال الصور قبل دخوله حتى إنه أبي أن يدخل البيت يوم الفتح إلى أن أخرجت الصور منه كما في صحيح البخاري والله أعلم اهـ، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع في الشرط فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة زيادة على الثلاث فلم يقصد دخوله لئلا يمنعوه، وفي السيرة عن علي رضي الله عنه أنه دخلها قبل الهجرة فأزال شيئًا من الأصنام، وفي الطبقات عن عثمان بن طلحة نحو ذلك فإن ثبت ذلك لم يشكل على الوجه الأول لأن ذلك الدخول كان لإزالة شيء من المنكرات لا لقصد العبادة والإزالة في الهدنة كانت غير ممكنة بخلاف يوم الفتح اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1791]، وأبو داود [1902 و 1903]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول حديث ابن عباس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عباس رضي الله عنهما وذكر فيه سبع متابعات، والثالث حديث ابن عمر رضي الله عنهما ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والرابع حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر، والخامس حديث ابن عباس الثالث ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث ابن عمر، والسادس حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر رضي الله عنهما والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

514 - (70) باب نقض الكعبة وبنائها والجدر وبابها والحج عن المعضوب والصبي

514 - (70) بالب: نقض الكعبة وبنائها والجدر وبابها والحج عن المعضوب والصبي (3121) - (1247) (227) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيشًا، حِينَ بَنَتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 514 - (70) باب نقض الكعبة وبنائها والجدر وبابها والحج عن المعضوب والصبي 3121 - (1247) (227) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد نيسابوري (قالت) عائشة (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حداثة عهد قومك) يعني قريشًا، والحداثة بفتح الحاء، وفي رواية أخرى لولا حدثان قومك بكسر المهملة وسكون الدال بعدها مثلثة بمعنى الحدوث أي لولا قرب عهدهم وزمنهم (بالكفر) موجود، ولولا حرف امتناع لوجود فإذا قلت لولا زيد لهلكت فالمعنى أنه امتنع هلاكنا لوجود زيد فالمعنى في الحديث أنه امتنع النقض لوجود قرب عهدهم بالكفر وكان ذلك مانعًا لأن قرب عهدهم مظنة إنكار تغيير البيت لما يعتقدون من تعظيمه اهـ أبي، ايعني أن قريشًا كانت تعظم أمر الكعبة جدًّا فخشي أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالكفر أنه غيّر بناءَها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمر الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولًا ما لم يكن محرمًا كذا في الفتح اهـ، والمعنى لولا قرب عهدهم بالكفر والخروج منه والدخول في الإسلام وأنه لم يتمكن الدين في قلوبهم فلو هدمت الكعبة وغيرتها ربما نفروا من ذلك وللإشعار بهذا المعنى أورده البخاري في كتاب العلم أيضًا في باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه اهـ من بعض الهوامش (لنقضت) وفدمت (الكعبة) المشرفة (ولجعلتها) أي ولجعلت بناءَها (على أساس إبراهيم) الخليل عليه السلام أي لهدمتها وأعدتها على قواعد بناء إبراهيم - عليه السلام - (فإن قريشًا حين بنت

الْبَيتَ، اسْتَقْصَرَتْ. وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا". (3122) - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. (3123) - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البيت) أي الكعبة كان بين ذلك البناء وبين المبعث النبوي خمس سنين، وقال مجاهد: كان ذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة والأول أشهر وبه جزم ابن إسحاق، قال النووي: قال العلماء: بُني البيت خمس مرات بنته الملائكة أولًا ثم إبراهيم - عليه السلام - ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وفيه سقط على الأرض حين وقع إزاره ثم بناه ابن الزبير ثم الحجاج بن يوسف واستمر إلى الآن على بناء الحجاج اهـ (استقصرت) أي اقتصرت على هذا القدر من إتمام بناء إبراهيم لقصور النفقة بهم عن تمام بنائه كما يفهم من الروايات الآتية لأن بعضها تفسر بعضًا (ولجعلت) أنا بضم التاء للمتكلم معطوف على جعلتها لا بصيغة التأنيث الغائب عطفًا على استقصرت كما توهمه القابسي (لها خلفًا) بفتح المعجمة وسكون اللام بعدها فاء أي بابا خلفًا أي ولجعلت لها بابا آخرًا خلفها يقابل الباب المقدم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 176]، والبخاري [584]، والترمذي [875]، والنسائي [5/ 215]، وابن ماجه [2955]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3122 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا) عبد الله (ابن نمير عن هشام بهدا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي معاوية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3123 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن

شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَلَمْ تَرَي أَنَّ قَوْمَكِ، حِينَ بَنَوُا الْكعْبَةَ، اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام -؟ " قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ! فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ". فَقال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَت هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق) التيمي المدني أخا القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، روى عن عمته عائشة في الحج، ويروي عنه (خ م س) وسالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، قال مصعب: قتل بالحرة شابًّا، سنة (63) ثلاث وستين (أخبن عبد الله بن عمر) بنصب عبد الله على المفعولية، وظاهره أن سالمًا كان حاضرًا لذلك فيكون من روايته عن عبد الله بن محمد (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، غرضه بيان متابعة عبد الله بن محمد لعروة بن الزبير وفيه ثلاث من الأتباع يروي بعضهم عن بعض (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لها (ألم تري) بحذف النون للجازم ولولا الجازم لكان ترين، ومعناه ألم تعرفي يا عائشة (أن قومك) قريشًا (حين بنوا الكعبة اقتصروا عن) بنائها على (قواعد إبراهيم - عليه السلام -) أي اقتصروا على هذا القدر منها إذ لم يجدوا نفقة (قالت) عائشة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أ) تتركها على هذا القدر (فلا تردها) أي لا تعيدها (على قواعد إبراهيم) وأساسه (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حدثان قومك) قريش أي قرب عهدهم (بالكفر لفعلت) إعادتها على قواعد إبراهيم - عليه السلام -، قال ابن الأثير: حدثان الشيء بكسر أوله مصدر حدث يحدث حدوثًا وحدثانًا والحديث ضد القديم اهـ وهو كما في الرواية الأولى مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا أي لولا قرب عهدهم بالكفر موجود (فقال عبد الله بن عمر) والله (لئن كانت عائشة سمعت هذا) الكلام (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليس هذا اللفظ من ابن عمر على سبيل التضعيف. لروايتها والتشكيك في صدقها

مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلامَ الرُّكْنَينِ اللَّذَينِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إلا أَنَّ الْبَيتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. (3124) - (00) (00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بن أَبِي قُحَافَةَ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحفظها فقد كانت من الحفظ والإتقان بحيث لا يستراب في حفظها ولا فيما تنقله، ولكن كثيرًا ما يقع في كلام العرب صورة التشكيك، والمراد التقرير واليقين كقوله تعالى وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين وقوله عزَّ وجلَّ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت الآية اهـ عياض (ما أرى) ولا أظن (رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين) افتعال من السلام، والمراد هنا لمس الركن بالقبلة أو اليد (اللذين يليان) أي يقربان (الحجر) -بكسر المهملة وسكون الجيم- وهو حائط معروف على صنعة نصف الدائرة إلى جانب الكعبة الغربي، وقدرها تسع وثلاثون ذراعًا، والقدر الذي أخرج من الكعبة سيأتي قريبًا (إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم) - عليه السلام -. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى بهذه الرواية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال: 3124 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (عن مخرمة) بن بكير بن عبد الله المصري (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا) عبد الله (بن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المصري ثقة، من (5) (قال) بكير بن عبد الله (سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول سمعت عبد الله) بن محمد (بن أبي بكر) الصديق عبد الله (بن أبي قحافة) عثمان والد الصديق التيمي المدني (يحدّث عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة نافع لسالم بن عبد الله في الرواية عن عبد الله بن

أَنَّهَا قَالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ (أَوْ قَال: بِكُفْرٍ) لأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالأَرْضِ، وَلأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد (أنها) أي أن عائشة (قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لولا أن قومك) قريشًا (حديثو عهد) أي قريبو زمن (بجاهلية) وهي الحالة التي كانوا عليها قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله وبدينه (أو قال) الرسول أو الراوي (بكفر) بدل بجاهلية، والشك من عائشة أو ممن دونها (لأنفقت كنز الكعبة) أي لصرفت المال المكنوز أي المجموع لها (في سبيل الله) تعالى أي في سبيل الخير أو في الجهاد، وفيه إشعار بأنه كان فيها مال مكنوز، قال الحافظ: لم أر هذه الزيادة إلا من هذا الوجه، ومن طريق أخرى أخرجها أبو عوانة من طريق القاسم بن محمد عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قال النواوي: وفيه دليل على جواز إنفاق كنز الكعبة ونذورها الفاضلة عن مصالحها في سبيل الله لكن جاء في رواية لأنفقت كنز الكعبة في بنائها وبناؤها من سبيل الله فلعله المراد بقوله في الرواية الأولى (في سبيل الله) والله أعلم، قال القرطبي: وكنز الكعبة المال المجتمع مما يهدى إليها، قال عياض: وكانوا في الجاهلية ينفقون منه فيما يحتاج إليه البيت ويقرون الفاضل ولا يتعرضون إليه تعظيمًا لها فأقره صلى الله عليه وسلم على ما كان عليه ولم يتعرض له للعلة التي ذكرها وهو خوف أن تقول قريش وتنكره كما تنكر بناء البيت على عادتهم في تعظيم تغيير ذلك فأقره صلى الله عليه وسلم ولم يغيره استئلافًا لهم وأقره أبو بكر، ثم إن عمر هم بقسمه فخالفه بعض أصحابه، واحتج بأن صاحبيه لم يفعلاه، وقال له أبي: إن الله قد بين موضع كل مال ولما في إبقاء مالها وحليتها من الترهيب للعدو، قال القرطبي: وليس من كنز الكعبة ما تحلى به من الذهب والفضة كما ظنه بعضهم فإن ذلك ليس بصحيح لأن حليها حبس عليها كحصرها وقناديلها وإنما كنزها فضلة ما يهدى إليها بعد نفقة ما تحتاج إليه كما مر اهـ (ولجعلت بابها) ملاصقًا (بالأرض) بحيث يكون على وجهها غير مرتفع عنها وكان مرتفعًا عنها بحيث لا يصعد إليه إلا بسلم وكان الآن كذلك (ولأدخلت فيها) أي في الكعبة ما أخرج منها (من الحجر) عند بناء قريش لقلة النفقة عليهم، بينه ما في الآخر من قوله وزدت فيها ستة أذرع من الحجر.

(3125) - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ سَعِيدٍ (يَعْنِي ابْنَ مِينَاءَ) قَال: سَمِعْتُ عَندَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي خَالتِي (يَعْنِي عَائِشَةَ) قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ! لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ. فَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ. وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَينِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا. وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها رابعًا فقال: 3125 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثني) عبد الرحمن (ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليم) مكبرًا (ابن حيان) بالمهملة المفتوحة والتحتانية المشددة، الهذلي البصري، ثقة، من (7) وليس في الصحيحين من اسمه سليم إلا هذا الثقة (عن سعيد يعني ابن ميناء) بكسر الميم ومد النون مولى البختري بن أبي ذباب بوزن غراب أبي الوليد المكي أو المدني، ثقة، من (3) (قال سمعت عبد الله بن الزبير) بن العوام رضي الله عنهما (يقول حدثتني خالتي يعني عائشة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن الزبير لمن روى عن عائشة (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا أن قومك) قريشًا (حديثو عهد) أي قريبو زمن (بشرك) أي لولا حدثان قومك موجود (لهدمت الكعبة) المشرفة (فألزقتها) أي ألصقت بابها (بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيًا) يدخلون منه (وبابًا غربيًا) يخرجون منه، وتأتي رواية بابا يدخل الناس منه وبابًا يخرجون منه، والباب الشرقي هو الباب الذي له الآن وهو الباب القديم، والباب الغربي هو الباب الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم إحداثه كما ذكره ابن حجر ويكون من خلفه يقابل الباب المقدم (وزدت فيها) أي في الكعبة (ستة أذرع من الحجر) تحديده لما يدخل بستة أذرع، وفي الآخر بخمسة أذرع تحديد لمقدار ما في الحجر من البيت اهـ أبي. (قلت) اختلفت الروايات في تحديد قدر ما كان من البيت من الحجر ففي رواية ستة أذرع، وفي أخرى سبعة أذرع، وفي أخرى ستة أذرع وشبر، وفي أخرى خمس أذرع، ويجمع بينها بأن رواية خمس شاذة ويجمع بين الباقي بأن رواية ستة وشبر، ورواية ستة أسقطت الكسر، ورواية سبعة كملت الكسر والله أعلم هكذا ظهر للفهم السقيم، أي أدخلت في البيت حين بنيتها وجددتها قدر ستة أذرع من الحجر لأنه

فَإِنَّ قُرَيشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ". (3126) - (00) (00) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ. قَال: لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاويَةَ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ منها أخرجته قريش منها حين بنتها لقلة النفقة عليهم، قوله (ستة أذرع) كذا في جميع النسخ بتأنيث اسم العدد وكذا في صحيح البخاري، والقياس أن يقال ست أذرع بتذكير اسم العدد لأن ذراع المساحة مؤنث في أكثر اللغات ولكن نظر هنا إلى لفظه كما علله بقوله (فإن قريشًا اقتصرتها) أي اقتصرت في بناء الكعبة على القدر الذي يطيقون نفقته (حيث بنت الكعبة) وتركوا بعض ما هو من الكعبة في خارجها من جهة الحجر، ومعنى (حيث بنت الكعبة) أي حين بنتها ذكر ابن هشام في المغني أن كلمة حيث قد ترد للزمان كما هنا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة خامسًا رضي الله تعالى عنها فقال: 3126 - (00) (00) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا) يحيى بن زكريا (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (أخبرني) عبد الملك (بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري العرزمي أبو محمد بن ميسرة الكوفي، صدوق، من (5) (عن عطاء) بن أبي رباح المكي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لسعيد بن ميناء في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن الزبير (قال) عطاء (لما احترق البيت) المعظم (زمن يزيد بن معاوية) بن أبي سفيان الأموي الشامي، أحد أمراء بني أمية (حين غزاها) أي غزا البيت (أهل الشام) قال الأبي رحمه الله تعالى: لا بد من تقديم ما يتضح به معنى الحديث، قال البياسي وغيره من المؤرخين: إن معاوية كان عهد لابنه يزيد بالخلافة وأخذ الناس بذلك وتأخر عن الدخول فيه الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فلما توفي معاوية وبويع ليزيد لم يكن عليه أهم من مبايعة الثلاثة فكتب إلى عامله بالمدينة؛ أما بعد: فخذ حسينًا وابن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليس فيه رخصة والسلام، فأرسل إلى الحسين وابن الزبير فوعداه أن يأتياه من الغد ثم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خرج ابن الزبير تحت ليل إلى مكة فأرسل في طلبه فلم يوجد لأنه أخذ غير الطريق الأعظم، واشتغل العامل في طلبه إلى المساء، فأرسل إلى الحسين فوعده أن يأتيه من الغد فخرج أيضًا تحت ليل في بنيه وأهل بيته إلى مكة فلما استقر بها أرسل إليه أهل الكوفة أن ائتنا نبايعك فخرج إليها فخذلوه فقتله عبيد الله بن زياد من قبل يزيد قبل وصوله إليهم وبعث برأسه وأهل بيته إلى يزيد، فلما قتل خلى الحجاز لابن الزبير فقام في أهل مكة فعظم قتل الحسين، وذم أهل العراق فقال: هم غدر وفجر وأشر أهل العراق أهل الكوفة أرسلوا إلى الحسين ليولوه عليهم فخذلوه وخلع أهل المدينة بيعة يزيد وأخرجوا عامله ومن معه من بني أمية فكتبوا إلى يزيد يعرفونه فاستحضر عمرو بن سعيد بن العاص فعرفه الخبر وأمره أن يسير في الناس إليهم فقال: يا أمير المؤمنين كنت ضبطت لك البلاد وأحكمت الأمور فأما الآن إذ صارت إنما هي دماء قريش تراق فولها من هو أبعد رحمًا مني، فقال: يا غلام ادع لي الضحاك بن قيس الفهري فأتى فقال: فيم الشورى يا أمير المؤمنين! فعرفه الخبر، فقال الراوي: فرأيته يتصبب عرقًا فرجوت فيه الخير، فقال له يزيد: الرأي، فقال: يا أمير المؤمنين عشيرتك وقومك وبلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمه أرى أن تعفو عنهم، فقال: اخرج، ثم قال: يا غلام ادع لي مسلم بن عقبة المري فجاء رجل أعور ثائر الرأس كأنما يقلع رجليه من وحل إذا مشى فسلم ثم قال: فيم الشورى يا أمير المؤمنين! فعرفه الخبر، فقال: إني قدمت إليك وإلى أبيك فيهم فخالفتموني، فقال: دع العتاب وهات الرأي، فقال: أرى أن تبعث إليهم جيشًا كثيفًا، غليظة قلوبهم، بعيدة أرحامهم، فقال يزيد: أنت لها لولا أنك ضعيف، فقال: إن أمرتني بمصارعتهم فأنا أضعف منهم، وإن كنت تريد الرأي والتدبير فأنا قوي، قال: فتجهز فخرج منادي يزيد ينادي في الناس أن يسيروا إلى الحجاز على أعطياتهم وزيادة مائة دينار معونة فانتدب إلى ذلك اثنا عشر ألفًا ليس فيهم أكبر من ابن خمسين سنة، فلما فرغ مسلم من جهازه دخل على يزيد فودعه وقال له: سر على بركة الله، وإن حدث بك حادث فاستخلف على الناس حصين بن نمير السكوني، وإذا نزلت بالمدينة فأنذر أهلها ثلاثًا فإن أجابوا ودخلوا فيما خرجوا عنه فانصرف عنهم إلى ابن الزبير، وإن أبوا فناجزهم القتال، وإن ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثًا فيما فيها من الطعام والسلاح والمال، فلما أشرف على المدينة بأهل الشام خرجوا إليه في جموع كثيرة وهيئة قتال لم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ير أحسن منها، فلما رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم فأرسل إليهم مسلم يدعوهم إلى الطاعة وبيعة يزيد وقال: يا أهل المدينة إني أكره إراقة دمائكم وانتهاك حرمكم وإني أؤجلكم ثلاثًا فمن ارعوى وراجع الحق قبلت منه وانصرفت عنكم إلى هذا الملحد الذي بمكة وجمع عليه المراق والفساق، وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم فقالوا: يا أعداء الله إنا لا نثق بعهودكم ولو أردتم أن تجوزوا إليه ما تركناكم حتى نقاتلكم، ولا تكون طريقكم علينا لغزو بيت الله تعالى لتخيفوا وتلحدوا فيه أبدًا، فلما فرغ الأجل، ناداهم مسلم: يا أهل المدينة قد انقضى الأجل ما تصنعون أتسالمون أم تحاربون؟ قالوا: بل نحارب فوقع القتال بالحرة، وكانت الهزيمة على أهل المدينة وهي وقعة الحرة المشهورة، وأباح مسلم المدينة ثلاثًا، ثم أخذ البيعة عليهم ليزيد على أنهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق وإن شاء قتل، وكان سبب الهزيمة أن بني حارثة من أهل المدينة أدخلوا عليهم القوم من جهتهم فكانت الهزيمة، وصرخ الناس والصبيان وركب الناس بعضهم بعضًا في الطرقات، وبلغت القتلى من وجوه الناس سبعمائة من قريش والأنصار، ووجوه الموالي ومن غيرهم من النساء والصبيان والعبيد والموالي عشرة آلاف، وقيل إن الذي مات من القراء سبعمائة ثم رحل مسلم إلى مكة، فلما بلغ قديدًا حضرته الوفاة، فاستخلف على أهل الشام حصين بن نمير السكوني لعهد يزيد إليه بذلك حسبما تقدم، فنزل حصين مكة فحاصر أهلها ورمى البيت بالمنجنيق وحرقها فبعد انقضاء أربعة وستين يومًا من الحصار، بلغ ابن الزبير أن يزيد مات، ولم يبلغ حصينًا وأهل الشام موته فناداهم ابن الزبير أن طاغيتكم هلك فعلام تقاتلون، فلم يصدقوه، ثم لما استيقنوه رحلوا مولين إلى الشام، وبايع أهل الشام بعد يزيد ابنه معاوية بن يزيد وهو ابن نيف وعشرين سنة وذلك سنة أربع وستين من الهجرة، ثم توفي معاوية بن يزيد بعد أربعين يومًا من ولايته، وبايع أهل الشام بعد مروان بن الحكم، وتوفي يزيد وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وكانت خلافته ثلاثة أعوام وثمانية أشهر، ثم توفي مروان بعد عشرة أشهر من خلافته، وبويع لابنه عبد الملك بن مروان، وبويع لابن الزبير عند موت معاوية بن يزيد بالحجاز ومكة، وتسمى بالخليفة وأذعن له سائر الأرض إلا الأردن بعد أن أقام الناس شهرين بلا خليفة، وبعث عماله إلى الحجاز والمشرق وبقي خليفة إلى أن قتله الحجاج بمكة بعد أن حوصر بها مدة، وذكر أبو عمر في التقصي أن مالكًا رحمه الله تعالى كان يقول: ابن

فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزبَيرِ. حَتى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ. يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ (أَوْ يُحَرِّبَهُمْ) عَلَى أَهْلِ الشَّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزُّبير أحق بالخلافة من مروان وابنه، قوله (قال) عطاء (لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية) تقدم في القصة عن البياسي أن حصين بن نمير السكوني الموجه من قبل يزيد رمى البيت بالمنجنيق وحرقه، وقيل في تحريقه أن رجلًا من أصحاب ابن الزُّبير رفع قبسًا على رمحه فطارت شرارة فأحرقت الستارة فاحترق البيت، قال السهيلي: وقيل إن شرارة طارت من جبل أبي قبيس، وقيل من يد امرأة والذي احترق من البيت فيما ذكر عروة بن أذينة قال: قدمت مكة يوم احترق البيت فرأيت الكعبة مجردة من الحرير، ورأيت الركن قد اسود وانصدع من ثلاثة أمكنة، فقلت: ما أصاب الكعبة؟ فأشاروا إلى رجل من أصحاب ابن الزُّبير قالوا: بسبب هذا احترقت، رفع قبسًا على رمحه. (حين غزاها) أي حين غزا مكة (أهل الشَّام) بعد وقعة الحرة بالمدينة الكائنة في آخر ثلاث وستين سنة من الهجرة المقدسة بأمر يزيد بن معاوية رموا البيت بالمنجنيق ورموا مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات فاحترقت ثياب الكعبة وأخشاب البيت (فكان من أمره) أي من أمر البيت وشأنه (ما كان) من الاحتراق، وقوله فكان من أمره معطوف على فعل الشرط للما وجوابها، قوله (تركه) أي ترك البيت (ابن الزُّبير) على حاله محروقًا من غير إصلاح ما تهدم منه (حتَّى قدم النَّاس الموسم) أي موسم الحج، وكان احتراقه لثلاثٍ خلون من شهر ربيع الأول، والموسم هي أيام الحج، والتأخير إنما هو فيما بين الزمانين؛ يعني أن ابن الزُّبير ترك الكعبة ليراها النَّاس محترقة يحرضهم على أهل الشَّام، وهو معنى قوله (يريد) بتركها على حاله (أن يجرئهم) أي أن يجرئ أهل الآفاق ويشجعهم وهو -بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الراء المكسورة بعدها همزة- من الجراءة وهي الشجاعة أي أن يشجعهم على قتالهم بإظهار قبيح أفعالهم هذا هو المشهور في ضبطه (أو) قال عطاء: يريد أن (يحربهم) -بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة- أي يغضبهم (على أهل الشَّام) بما فعلوه بالبيت من التحريب، يقال حربت الأسد إذا أغضبته، وحربت الرَّجل إذا حملته على الغضب وعرفته بما يغضب منه، قال القاضي: وقد يكون معناه يحملهم على حرب أهل الشَّام ويحرضهم عليها ويؤكد عزائمهم لذلك، ورواه العذري يجربهم -بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة -أي يختبرهم وينظر ما

فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَال: يَا أَيها النَّاسُ! أَشِيرُوا عَلَيَّ في الْكَعْبَةِ. أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا. أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهى مِنْهَا؟ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِني قَدْ فُرِقَ لِي رَأْيٌ فِيهَا. أَرَى أن تُصْلِحَ مَا وَهى مِنْهَا. وَتَدَعَ بَيتًا. أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيهِ. وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيهَا وَبُعِثَ عَلَيهَا النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال ابْنُ الزبَيرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيتُهُ، مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ. فَكَيفَ بَيتُ رَبِّكُمْ؟ إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثلَاثًا. ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عندهم في ذلك من حمية وغضب لله ولبيته، ورواه آخرون (يحزبهم) بالحاء والزاي والباء أي يشد قوتهم ويميلهم إليه ويجعلهم حزبًا له وناصرين له على مخالفيه، وحزب الرَّجل من مال إليه، وتحازب القوم تمالوا. (فلما صدر النَّاس) أي انصرفوا ورجعوا عن الموسم إلى مكة (قال) لأهل مكة أو المعنى فلما انصرف رعاع النَّاس وعوامهم ورجعوا إلى بلادهم وبقي خواص أهل الموسم قال ابن الزُّبير (يَا أيها النَّاس أشيروا عليّ في) شأن (الكعبة) أي أظهروا لي رأيكم فيها (أنقضها) بتقدير همزة الاستفهام أي هل أَنقضها وأهدمها (ثم أبني بناءها) الجديد (أو أصلح ما وهي) وتهدم (منها) قال النواوي: وفيه استشارة الإِمام ذوي العقل من رعيته، وأن عظائم الأمور لا يستبد بها (قال ابن عباس) في جواب مشاورة ابن الزُّبير (فإنِّي قد فرق) بالبناء للمجهول أي قد كشف وبين (لي رأي فيها) أي في شأن الكعبة فإنِّي (أرى) فيها (أن تصلح ما وهي) وانهدم (منها) وتعيده (و) أن (تدع) أي وأن تترك (بيتًا أسلم النَّاس عليه) على حاله من غير تغيير (وأحجارًا أسلم النَّاس عليها) يعني أحجار الكعبة من غير تبديل (و) تترك أحجارًا (بعث عليها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال ابن الزُّبير) في رد رأي ابن عباس رضي الله عنهما (لو كان أحدكم احترق) عنه (بيته ما رضي) أن يتركه على حاله محترقًا (حتَّى يجده) -بضم الياء وكسر الجيم بعدها الدال المشددة- أي حتَّى يجعله جديدًا، قال النووي: وفي كثير من النسخ حتَّى يجدده بدالين أولاهما مشددة وهو بمعنى الأول (فكيف) يترك (بيت ربكم) محترقًا على حاله، ثم قال (إنِّي مستخير ربي ثلاثًا) من الليالي أي طالب من ربي أن يريني في المنام ما هو خير من هدمها وتركها ثلاث ليال (ثم) بعد الثلاث (عازم) أي جازم نيتي (على أمري) أي على ما

فَلَمَّا مَضَى الثَّلَاثُ أَجْمَعَ رَأيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا. فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَتزِلَ، بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ، أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ. حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً. فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيءٌ تَتَابَعُوا. فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الأَرْضَ. فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيرِ أَعْمِدَةً. فَسَتَّرَ عَلَيهَا السُّتُورَ. حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ظهر لي في أمر البيت ومجمع عليه (فلما مضى) وتم (الثلاث) من الليالي (أجمع) ابن الزُّبير أي عزم (رأيه) وجزم نيته (على أن ينقضها) أي على أن يهدم الكعبة (فتحاماه) أي فتحامى نقض البيت (النَّاس) واجتنبوه وابتعدوا عنه وتحرزوا منه مخافة (أن ينزل بأول النَّاس يصعد فيه) أي يطلع عليه لنقضه (أمر) أي آفة وعذاب (من السماء) كما نزل بابرهة الذي أراد هدمه، وقوله (حتَّى صعده) غاية للتحامي أي تحاموا نقضه حتَّى صعد البيت (رجل) من النَّاس، وسيأتي قريبًا أن ذلك الرَّجل هو ابن الزُّبير نفسه (فألقى منه) أي قلع ورمى من البيت (حجارة) من أحجاره (فلما لم يره النَّاس) أي فلما لم ير النَّاس ذلك الرَّجل (أصابه شيء) أي عذاب من السماء (تتابعوا) أي تعاقبوا وتلاحقوا في هدمه (فنقضوه حتَّى بلغوا) ووصلوا (به) أي بنقضه (الأرض) أي أساسه من الأرض، وقال ابن عيينة في جامعه عن داود بن سابور عن مجاهد قال: خرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثًا ننتظر العذاب، وارتقى ابن الزُّبير على جدار الكعبة هو بنفسه فهدم، وفي رواية أبي أُوَيس المذكورة، ثم عزل ما كان يصلح أن يعاد في البيت فبنوا به فنظروا إلى ما كان لا يصلح منها أن يبنى به فأمر به أن يحفر له في جوف الكعبة فيدفن واتبعوا قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل فانفضوا له أن حركوا تلك القواعد بالعتل فنفضت قواعد البيت ورأوه بنيانًا مربوطًا بعضه ببعض فحمد الله وكبره، ثم أحضر النَّاس فأحضر بوجوهم وأشرافهم فنزلوا حتَّى شاهدوا ما شاهده ورأوابنيانًا مُتّصِلًا فأشهدهم على ذلك اهـ فتح الملهم (فجعل ابن الزُّبير أعمدة فستر عليها) أي فجعل على تلك الأعمدة (الستور حتَّى ارتفع بناؤه) أي بناء البيت وظهر للنَّاس، قال النووي: المقصود بهذه الأعمدة والستور أن يستقبلها المصلون في تلك الأيام ويعرفوا موضع الكعبة ولم تزل تلك الستور حتَّى ارتفع البناء وصار مشاهدًا للنَّاس فأزالها لحصول المقصود بالبناء المرتفع من الكعبة، واستدل القاضي عياض بهذا لمذهب مالك في أن المقصود بالاستقبال البناء والبقعة، قال: وقد كان ابن عباس أشار إلى ابن الزُّبير بنحو هذا، وقال

وَقَال ابْنُ الزُّبَيرِ: إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثْ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، وَلَيسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّي عَلَى بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابًا يدخلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ له: إن كنت هادمها فلا تدع النَّاس بلا قبلة، فقال له جابر: صلوا إلى موضعها فهي القبلة، ومذهب الشَّافعيّ جواز الصلاة إلى أرض الكعبة ويجزئه ذلك بلا خلاف عنده سواء كان بقي منها شاخص أو لا والله أعلم. قوله (وقال ابن الزُّبير) معطوف على قوله في أول الكلام "قال: أيها النَّاس أشيروا عليّ" على كونه جواب لما، قال الأبي: كان المناسب أن يكون هذا حين الاستشارة وحين قال ابن عباس، ولكن العطف بالواو، والأظهر أن ابن عباس لا يخفى عليه ذلك، ولكن رأى أنَّه فرق بين بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وبناء غيره، وأنه لو بناها صلى الله عليه وسلم لكان بناؤه أوقع في النفوس من بناء أسلم عليه النَّاس، ورأى ابن الزُّبير عكس العلة وهو قوله فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف النَّاس اهـ منه، ولكن يرد عليه أي على قوله أجد ما أنفق ولا أخاف النَّاس ما ذكر ابن عباس من قوله فإنِّي قد فرق لي رأي فيها إلخ وما ذكره مالك لهارون الرشيد حين أراد أن يرده على ما بناه ابن الزُّبير فقال له مالك: نشدتك الله يَا أمير المُؤْمنين لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء أحد إلَّا نقض البيت وبناه فتذهب هيبته من صدور النَّاس فترك ما هم به، واستحسن النَّاس هذا من مالك، وعملوا عليه فصار هذا كالإجماع على أنَّه لا يجوز التعرض له بهدم أو تغيير اهـ من المفهم، أي قال ابن الزُّبير استدلالًا على رأيه (إني سمعت عائشة تقول إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن النَّاس) يعني قريشًا (حديث) بتنوين حديث ورفع (عهدهم) على إعمال الصفة المشبهة أي لولا أن النَّاس قريب زمنهم (بكفر و) الحال أنَّه (ليس عندي من النفقة ما يقوي) أي ما يساعدني (على بنائه) وجملة ليس جملة حالية معترضة لاعتراضها بين لولا وجوابها؛ يعني أن كلا من الأمرين مانع ذلك، وفي نسخة ما يقويني (لـ) هدمت الكعبة وبنيتها و (كنت أدخلت فيه) أي في البيت (من الحجر خمس أذرع ولجعلت لها) أي الكعبة بابين (بابا يدخل النَّاس منه) وهو الباب الشرقي (وبابًا يخرجون منه) وهو الباب الغربي، وفي بعض النسخ

قَال: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ. وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَال: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ. حَتَّى أَبْدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيهِ. فَبَنَى عَلَيهِ الْبِنَاءَ. وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا. فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ. فَزَادَ في طُولِهِ عَشَرَ أَذْرُعٍ. وَجَعَلَ لَهُ بَابَينِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ. فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيرِ كَتَبَ إلى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولجعلت له) فالضمير للبيت باعتبار التذكير، وللكعبة باعتبار التأنيث، فالحديث الذي سمعه ابن الزُّبير من خالته السيدة الصديقة هو الذي حمله على هدم الكعبة وبنائها كما في صحيح البُخَارِيّ، ففي حديثها تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة، وأشار ابن الزُّبير إلى أن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب المصلحة حيث (قال) أي ابن الزُّبير (فـ) أما (أنا اليوم) فـ (أجد ما أنفق) علي بنائه (ولست أخاف النَّاس) أي عتابهم كما خاف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (قال) عطاء (فزاد) ابن الزُّبير (فيه) أي في البيت (خمس أذرع من الحجر) أي فأراد ابن الزُّبير أن يدخل في البيت قدر خمس أذرع من الحجر فحفر من أرض الحجر ذلك المقدار (حتَّى أبدى) وأظهر (أُسًا) أي أساس البيت الذي أسس عليه إبراهيم - عليه السلام - حتَّى (نظر النَّاس إليه) أي حتَّى أرى النَّاس أساسه ونظروا إليه (فبنى عليه البناء) أي فوضع بناء البيت عليه أي على ذلك الأساس الذي أظهره (وكان طول الكعبة) قبل ابن الزُّبير أي ارتفاعها في السماء (ثماني عشرة ذراعًا فلما زاد) ابن الزُّبير (فيه) أي في البيت من جهة الحجر (استقصره) أي استقصر ابن الزُّبير المقدار المذكور الذي كان للبيت قبله وهو ثماني عشرة ذراعًا أي عده قصيرًا (فزاد في طوله) على ما ذكر (عشر أذرع) فكانت جملة طوله ثمانية وعشرين ذراعًا، وقوله (ثماني عشرة ذراعًا) وروي من وجه آخر أنَّه كان طوله أولًا عشرين ذراعًا فلعل راويه جبر الكسر، وجزم الأزرقي بأن الزيادة تسعة أذرع فلعل عطاء جبر الكسر أَيضًا، قال السهيلي: كان طول البيت من عهد إسماعيل - عليه السلام - تسعة أذرع لم يكن له سقف فلما بنته قريش قبل الإِسلام بخمس سنين زادوا في طوله تسعة أذرع فلما بناه ابن الزُّبير زاد في طوله تسعة أذرع أَيضًا، فكانت سبعة وعشرين ذراعًا، وعلى ذلك هو الآن اهـ فتح الملهم (وجعل) ابن الزُّبير (له) أي للبيت (بابين أحدهما يدخل منه) بالبناء للمجهول، وكذا قوله (والآخر يخرج منه فلما قُتل ابن الزُّبير) أي فلما قتله الحجاج (كتب إلى عبد الملك بن مروان) بن

يُخْبِرُهُ بذلِكَ. ويخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيهِ العُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَكَتَبَ إِلَيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيرِ في شَيءٍ. أمَّا مَا زَادَ في طُولِهِ فَأَقِرَّهُ. وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إلى بِنَائِهِ. وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إلى بِنَائِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم الأُموي، حالة كونه (يخبره) أي يخبر الحجاج لعبد الملك (بذلك) أي بقتلهم ابن الزُّبير (وبخبره) أيضًا بـ (أن ابن الزُّبير قد وضع البناء) أي بناء البيت حين بناه (على أس) أي على أساس إبراهيم الذي أظهره حين حفر الحجر و (نظر إليه) أي إلى ذلك الأساس (العدول) والأعيان والأشراف (من أهل مكة) فهل نترك البيت علي بنائه أم نهدمه فنجدده (فكتب إليه) أي إلى الحجاج (عبد الملك) بن مروان (إنا) معاشر بني أمية (لسنا من تلطيخ ابن الزُّبير) من إضافة المصدر إلى فاعله، وهو بيان مقدم لقوله في شيء) من المؤاخذة أي إنَّا لسنا في شيء من المؤاخذة بما تلطخه واقترفه واجترمه ابن الزُّبير من هدم الكعبة؛ يعني إنَّا برءاء مما تلطخه من جريمة هدم البيت (أما) الآن فـ (ما زاد) هـ (في طوله) أي في طول البيت وارتفاعه إلى السماء (فأقره) أي فاتركه على حاله ولا تنقص عنه (وأما ما زاد فيه) أي في البيت (من الحجر) وأدخله فيه (فـ) لا تتركه بل (رده) أي رد البيت (إلى بنائه) الأول، وأخرج منه ما أدخل فيه من الحجر (وسد) أي سك (الباب) الثاني (الذي فتحه) وزاده في البيت (فنقضه) أي فنقض الحجاج بناء البيت وهدمه (وأعاده إلى بنائه) الأول، وللفاكهي من طريق أبي أويس عن هشام بن عروة فبادر يعني الحجاج فهدمها وبنى شقها الذي يلي الحجر ورفع بابها وسد الباب الغربي، قال أبو أويس: فأخبرني غير واحد من أهل العلم أن عبد الملك ندم على إذنه للحجاج في هدمها ولعن الحجاج، قوله (وأما ما زاد فيه من الحجر) الخ هذا من خطإ عبد الملك إذ لا فرق بين ما زاده في طوله وما زاده من الحجر بل الأولى والأهم العكس لأن الطواف إنما هو من وراء الحجر، وكثيرًا ما يغلط الطائفون فيطوفون في الحجر فالاحتياط عما يؤدي إلى الوقوع في ذلك آكد، ويحتمل أن يكون الجواب إنما فرق بأن التغيير بإضافة الحجر أبين، وعبد الملك لا يريد أن يبقى لابن الزُّبير أثر ولا ذكر فعل بحال اهـ من شرح الأبي، قال الحافظ: جميع الروايات التي جمعتها في هذه القصة متفقة على أن ابن الزُّبير جعل الباب بالأرض، ومقتضاه أن يكون الباب الذي زاده على سمته، وقد ذكر

(3127) - (00) (00) حَدَّثني مُحَمَّد بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ بَكْرٍ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعتُ عَبدَ اللهِ بْنَ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ يُحَدِّثَانِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ أبي رَبِيعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأزرقي أن جملة ما غيره الحجاج الجدار الذي من جهة الحجر والباب المسدود الذي في الجانب الغربي عن يمين الركن اليماني وما تحت عتبة الباب الأصلي وهو أربعة أذرع وشبر وهذا موافق لما في الروايات المذكورة، لكن المشاهد الآن في ظهر الكعبة باب مسدود يقابل الباب الأصلي وهو في الارتفاع مثله، ومقتضاه أن يكون الباب الذي كان على عهد ابن الزُّبير لم يكن لاصقًا بالأرض، فيحتمل أن يكون لاصقًا كما صرحت به الروايات لكن الحجاج لما غيره رفعه ورفع الباب الذي يقابله أَيضًا ثم بدا له فسدد الباب المجدد ولكن لم أر النقل بذلك صريحًا، وذكر الفاكهي في أخبار مكة أنَّه شاهد هذا الباب المسدود من داخل الكعبة في سنة (263) ثلاث وستين ومائتين فإذا هو مقابل باب الكعبة، وهو بقدره في الطول والعرض، وإذا في أعلاه كلاليب ثلاثة كما في الباب الموجود سواء والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3127 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا محمَّد بن بكر) البرساني (أخبرنا ابن جريج قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير) مصغرًا بلا إضافة بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع الليثيّ أَبا هاشم المكيّ، روى عن الحارث بن عبد الله في الحج، وابن عمر وعائشة وعدة، ويروي عنه (م ع) وابن جريج، ثِقَة، من الثالثة (والوليد بن عطاء) بن خباب الحجازي روى عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة في الحج، ويروي عنه (م) وقرنه بعبد الله بن عبيد وابن جريج، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي الحجازي، روى عن عائشة في الحج، وحفصة في الفتن، ويروي عنه (م س) وعبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء وعبد الرَّحْمَن بن سابط، قال ابن سعد: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال في التقريب:

قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيدٍ: وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الله َعَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ في خِلَافتِهِ. فَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَظُن أَبَا خُبَيبٍ (يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيرِ) سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا. قَال الْحَارِثُ: بَلَى! أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا. قَال: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَال: قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيتِ. وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من الثَّانية (قال عبد الله بن عبيد: وقد) أي حضر (الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته) أي في زمن خلافة عبد الملك (فقال عبد الملك) للحارث بن عبد الله (ما أظن أَبا خبيب يعني) عبد الملك بأبي خبيب (ابن الزُّبير) وأبو خبيب -بضم المعجمة- كنية عبد الله بن الزُّبير، وكانت له كنيتان أبو بكر وأبو خبيب، والمشهورة منهما هي الأولى، وكانوا إذا أرادوا ذمه كنوه بأبي خبيب كما هو معلوم لمن اشتغل بكتب السير، وهذا الكلام من عبد الملك تكذيب لابن الزُّبير فيما نقل عن عائشة كما صرح بتكذيبه فيما بعد، وعبد الله بن الزُّبير من أكابر الصَّحَابَة، ففي تكذيبه وسبه ما في تكذيب غيره من الصَّحَابَة، وأنت تعلم حكم من سب أحدًا منهم، وقد صرح بعضهم بفسق عبد الملك قال: وناهيك برجل الحجاج بعض سيئاته (سمع من عائشة ما كان يزعم أنَّه سمعه منها) من حديث نقض الكعبة (قال الحارث) بن عبد الله لعبد الملك (بلى) أي ليس الأمر عدم سماعه منها بل سمعه منها حتَّى (أنا سمعته) أي سمعت هذا الحديث (منها) أي من عائشة، زاد عبد الرَّزّاق عن ابن جريج فيه: وكان الحارث مصدقًا لا يكذب، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الحارث بن عبد الله لمن سمع عن عائشة (قال) عبد الملك، وقوله (سمعتها) بفتح التاء للمخاطب (تقول ماذا) اسم استفهام مركب في محل الرفع على الابتداء، وجملة سمعتها خبره أي أي شيء سمعتها تقول، أو ما اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، وذا اسم موصول في محل الرفع خبره، وجملة سمعتها صلة الموصول أي ما الذي سمعتها تقول (قال) الحارث بن عبد الله (قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قومك) يَا عائشة يعني قريشًا (استقصروا) أي قصروا وعجزوا لقلة النفقة (من بنيان البيت) أي من بنائه على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأساسه من الاستقصار وهو القصور والقصور العجز عن أداء المراد (ولولا حداثة) بفتح الحاء المهملة أي ولولا قرب (عهدهم) وزمنهم (بالشرك) موجود لنقضت

أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ. فَإنْ بَدَا لِقَوْمِكِ، مِنْ بَعْدِي، أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ". فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. هذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيدٍ. وَزَادَ عَلَيهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءِ: قَال النَّبِيّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَينِ مَوْضُوعَينِ في الأَرْضِ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا. وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الكعبة وبنيتها و (أعدت) أي أدخلت فيها (ما تركوا منه) أي من البيت أي ما أخرجوا منه من جهة الحجر (فإن بدا) وظهر (لقومك) قريش (من بعدي) أي من بعد وفاتي رأي واتفاق على (أن يبنوه) أي على بناء البيت أي ظهر لهم بناؤه فلترينهم حدوده فإن لم تعلمي حدوده (فهلمي) أي تعالى إليّ (لأريك) حدوده (ما تركوا منه) قال الحارث بن عبد الله (فأراها) أي أرى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عائشة وأبصرها مقدارًا (قريبًا من سبعة أذرع) من الحجر، قوله (فإن بدا لقومك) أي ظهر لهم ما لم يظهر أولًا، والاسم البداء مثل سلام، يقال بدا له في الأمر بداءً بالمد أي حدث له فيه رأي لم يكن أولًا، ويقال هو ذو بدوات أي يتغير رأيه، والبداء محال على الله تعالى بخلاف النسخ كذا في الشرح، وقوله (فهلمي لأريك) قال النووي: هذا جار على إحدى اللغتين في هلم، قال الجوهري: تقول: هلم يَا رجل بفتح الميم بمعنى تعال، قال الخليل أصله: لم من قولهم لم الله شعثه أي جمعه كأنه أراد لم نفسك إلينا أي أقرب، وها للتنبيه، وحذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعل اسمًا واحدًا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث فيقال في الجماعة هلم هذه لغة أهل الحجاز، قال الله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا} [الأحزاب: 18]) وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين هلما وللجمع هلموا وللمرأة هلمي وللنساء هلممن، والأول أفصح هذا كلام الجوهري، قال الأبي: والحديث قوي فيما فعل ابن الزُّبير فالأصل كان أن يعاد لولا الذي أشار إليه مالك في قوله للرشيد كما مر اهـ. قوله (فأراها قريبًا من سبعة أذرع) وهذا ليس مخالفًا لما سبق من خمس أذرع لأن هذا تقدير وتقريب وذكر الخمس تحقيق وتحديد اهـ من المفهم، قال ابن جريج (هذا) المذكور (حديث عبد الله بن عبيد) بن عمير (وزاد عليه) أي على عبد الله بن عبيد (الوليد بن عطاء) في روايته قالت عائشة (قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولجعلت لها) أي الكعبة (بابين موضوعين في الأرض) أي ملصقين على الأرض (شرقيًا وغربيًا) بدل من بابين (وهل تدرين) أي هل تعلمين يَا عائشة (لم كان قومك رفعوا بابها) أي باب

قَالتْ: قُلْتُ: لا. قَال: "تَعَزُّزًا أَنْ لا يَدْخُلَهَا إلا مَنْ أَرَادُوا. فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي. حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ". قَال عَبْدُ الْمَلِكِ لِلْحَارِثِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ هذَا؟ قَال: نَعَمْ. قال: فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ ثُمَّ قَال: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمَّلَ. (3128) - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّد بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكعبة من الأرض (قالت) عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) أدري لم رفعوه من الأرض (قال) لها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رفعوه من الأرض (تعززًا) بزايين أي تكبرًا وامتناعًا، وقوله (أن لا يدخلها إلَّا من أرادوا) دخوله، فلا فيه زائدة، وحرف الجر مقدر قبل أن المصدرية أي تكبرًا وامتناعًا من دخول أحد فيها إلَّا من أرادوا دخوله البيت، وفي بعض الهوامش أي تكبرًا وتشددًا على النَّاس في دخولها فلا يدخلها أحد إلَّا من أرادوا، وفي بعض نسخ مسلم (تعزرًا) براء بعد زاي من التعزير والتوقير، فإما أن يراد توقير البيت وتعظيمه أو تعظيم أنفسهم وتكبرهم على النَّاس كذا في النهاية (فكان الرَّجل) من غيرهم (إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه) أي يتركونه (يرتقي) أي مرتقيًا على السلم (حتَّى إذا كاد) وقرب الرَّجل (أن يدخل) البيت (دفعوه) أي رموه من فوق (فسقط) على استه فيضحكون به، قوله (إذا كاد أن يدخل) الح قال النووي: هكذا هو في النسخ كلها كاد أن يدخل، وفيه حجة لجواز دخول أن بعد كاد، وقد كثر ذلك وهي لغة فصيحة ولكن الأشهر عدمه. (قال عبد الملك) بن مروان (للحارث) بن عبد الله أ (أَنْتَ) أي هل أَنْتَ (سمعتها) أي سمعت عائشة (تقول هذا) الحديث (قال) الحارث (نعم) سمعتها تقول (قال) الحارث (فنكت) عبد الملك (ساعة) في الأرض (بعصاه) أي بعود في يده أي بحث بطرفها في الأرض وهذه عادة من تفكر في أمر مهم (ثم قال) عبد الملك (وددت) أي أحببت وتمنيت الآن (أني تركته) أي تركت ابن الزُّبير (وما تحمل) أي وما تولى من ذلك أي من بناء البيت كما في بعض الروايات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3128 - (00) (00) (وحدثناه محمَّد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة) العتكي

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَكْرٍ. (3129) - (00) (00) وحدثني مُحَمَّد بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ البَصْرِيّ، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا أبو عاصم) النَّبِيل البَصْرِيّ الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشَّيبانِيّ، ثِقَة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثِقَة، من (11) (أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ، ثِقَة، من (9) (كلاهما) أي كل من أبي عاصم وعبد الرَّزّاق رويا (عن ابن جريج) غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن بكر البرساني (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن عبيد والوليد بن عطاء عن الحارث بن عبد الله عن عائشة رضي الله تعالى عنها (مثل حديث) محمَّد (بن بكر) البرساني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3129 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا عبد الله بن بكر) بن حبيب الباهليّ (السهمي) سهم باهلة، أبو وهب البَصْرِيّ، روى عن حاتم بن أبي صغيرة في الحج، وابن عون وحميد الطَّويل وهشام بن حسان، ويروي عنه (ع) ومحمَّد بن حاتم وأَحمد وإسحاق الكوسج وأبو خيثمة، وثقه أَحْمد وابن معين والعجلي، وقال ابن سعد: كان ثِقَة صدوقًا، وقال الدارقطني: ثِقَة مأمون، وقال في التقريب: ثِقَة حافظ، من التاسعة، مات في المحرم سنة (208) ثمان ومائتين (حَدَّثَنَا حاتم بن أبي صغيرة) -بمهملة ومعجمة مكسورة- مسلم بن يونس القشيري الباهليّ، ويقال أبو صغيرة زوج أمه وهو حاتم بن مسلم، وقال ابن أبي حاتم: أبو صغيرة أبو أمه أبو يونس البَصْرِيّ، روى عن أبي قزعة سويد بن حجير في الحج، وسماك بن حرب في الديات والتوبة، ومسلم بن يناق في اللباس، وابن أبي مليكة في صفة الحشر وعذاب القبر، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن بكر السهمي ومعاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد القطَّان وأبو خالد الأحمر، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنَّسائيّ، وقال ابن سعد: ثِقَة إن شاء الله، وقال في التقريب: ثِقَة، من السادسة (عن أبي قزعة) سويد بن حجير بتقديم المهملة على

أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، بَينَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيتِ إِذْ قَال: قَاتَلَ اللهُ ابْنَ الزُّبَيرِ! حَيثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمّ الْمُؤْمِنِينَ. يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ! لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ. فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا في الْبِنَاءِ" فَقَال الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: لا تَقُلْ هذَا. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فأنا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هذَا. قَال: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ، لَتَرَكْتُهُ عَلَى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجيم مصغرين الباهليّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل) أي لعن (الله ابن الزُّبير حيث يكذب على أم المومنين يقول) ابن الزُّبير (سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي قزعة لعبد الله بن عبيد والوليد بن عطاء في رواية هذا الحديث عن الحارث بن عبد الله (يَا عائشة لولا حدثان) بكسر المهملة وسكون الدال أي قرب زمن (فومك بالكفر لنقضت) أي لهدمت (البيت حتَّى أزيد فيه) أي أدخل في البيت ما هو منه (من الحجر) بكسر المهملة وسكون الجيم وهو قدر سبع أذرع أو خمس (فإن قومك) يَا عائشة (قصروا) بتشديد الصاد المهملة من التقصير أي قصرت بهم النفقة (في البناء) أي في بناء البيت أي لم يتسعوا لإتمامه لقلة ذات يدهم (فقال الحارث بن عبد الله) بن عياش (بن أبي ربيعة) التابعي المشهور أخو عمر بن أبي ربيعة، أي قال لعبد الملك بن مروان (لا تقل هذا) الكلام لعبد الله بن الزُّبير (يَا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين) عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها (تحدّث) وتخبر للنَّاس (هذا) الحديث الذي حدّث عنها ابن الزُّبير، فإن ابن الزُّبير صادق فيما حدّث عنها، وفي هذا الانتصار للمظلوم ورد الغيبة وتصديق الصادق إذا كذبه إنسان (قال) عبد الملك (لو كنت سمعته) أي سمعت هذا الحديث (قبل أن أهدمه) أي قبل أن أهدم هذا البيت بأمر الحجاج بن يوسف (لتركته على ما بنى) عليه عبد الله (بن الزُّبير) ولم أهدمه، وفي كلامه هذا تصريح منه بجهله بالسنة الواردة في ذلك وهو غير معذور في ذلك فإنَّه كان متمكنًا من التثبت في ذلك والسؤال والبحث عنه فلم يفعل واستعجل وقصر فالله حسيبه ومجازيه على ذلك. وشارك المؤلف في هذه الرواية أَحْمد [6/ 239] , والبخاري [1586] , والنَّسائيّ [5/ 216].

(3130) - (1248) (228) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ. حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيتِ هُوَ؟ قَال: "نَعَمْ" قُلْتُ: فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ في الْبَيتِ؟ قَال: "إِنَّ قَوْمَكِ قصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3130 - (1248) (228) (حَدَّثَنَا سعيد بن منصور) بن شعبة الخُرَاسَانِيّ الأصل أبو عثمان المكيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (15) بابا (حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي ألكوفي، ثِقَة، من (7) (حَدَّثَنَا أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن الأسود المحاربِيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (6) (عن الأسود بن يزيد) بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكّيّ، غرضه بسوق هذا الحديث الاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة (قالت) عائشة (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر) -بفتح الجيم وسكون الدال- والمراد به هنا أصل الجدار الذي أخرجته قريش عن بناء الجدار الذي بنوه وهو المعبر عنه بالشاذروان، وقد يكون الجدر أَيضًا ما يرفع من جوانب الشرفات في أصول النخل وهي كالحيطان لها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "اسق يَا زبير حتَّى يبلغ الماء الجدر" أخرجه السبعة (أمن البيت هو) أي الجدر، بتقديم همزة الاستفهام التقريري لأنه مما يلزم الصدارة؛ أي هل الجدر والشاذروان من البيت فلا يجوز الطواف فوقه أم لا؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) هو من البيت فلا يجوز الطواف فوقه، ولا يجوز جعل اليد مثلًا فوقه عند الطواف (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فلم لم) أي فلأجل ما لم (يدخلوه) أي لم يدخل قريش بناء الشاذروان (في) جدار (البيت) بل تركوه خارجًا عنه كالدكة والمزلة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن قومك) قريشًا (قصرت) بتشديد الصاد أي ضاقت (بهم النفقة) أي نفقة بناء البيت وقلت مؤنته في أيديهم ورجعوا الجدار عن مقابل الأساس إلى جهة الداخل أي لم يتسعوا لإتمامه لقلة ذات يدهم، فهو كما في شروح البُخَارِيّ بتشديد الصاد المفتوحة، وروي قصرت بتخفيفها مضمومة أي قصرت وضاقت بهم النفقة الطيبة

قلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَال: "فَعَلَ ذلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا. وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، لَنَظَرْتُ أَن أُدْخِلَ الْجَدْرَ في الْبَيتِ، وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بالأَرْضِ". (3131) - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التي أخرجوها لبناء البيت لأنهم قالوا: لا تدخلوا فيه من كسبكم إلَّا طيبًا، لا مهر بغي، ولا بيع ربا, ولا مظلمة أحد من النَّاس. فقصرت النفقة من ذلك اهـ من بعض الهوامش بزيادة (قالت) عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم أَيضًا (فما شأن بابه) أي باب البيت حاله كونه (مرتفعًا) عن الأرض لا لاصقًا بها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فعل ذلك) الارتفاع (قومك) قريش (ليدخلوا) البيت (من شاؤوا) إدخاله (ويمنعوا من شاؤوا) من دخوله (ولولا أن قومك حديث) بالتنوين، وهو صفة مشبهة تعمل عمل الفعل اللازم، وقوله (عهدهم) بالرفع فاعل، وقوله (في الجاهلية) هكذا هو في جميع النسخ، وفي بمعنى الباء أي لولا حداثة عهد قومك بالجاهلية أي قرب زمنهم بالجاهلية موجود (فأخاف أن تنكر قلوبهم) عليّ، قال الحافظ رحمه الله تعالى: رواية شيبان عن أشعث تنفر بالفاء بدل الكاف، ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم (لنظرت) ورأيت (أن أدخل الجدر في البيت) -بفتح الجيم وسكون الدال- كما مر وهو بقايا حائط البيت الذي لم يتم عليه البناء وهو المسمى بالشاذروان كما مر (وأن أُلزق بابه بالأرض) أي ألصق بالأرض، وقوله (لنظرت) جواب لولا، وقوله (أن أدخل الجدر) تنازع فيه أخاف ونظرت، وفي صحيح البُخَارِيّ بحذف جواب لولا وهو قوله لنظرت، فيكون أن أدخل مفعولًا به لتنكر بلا تنازع، قال الزرقاني: وروي تنفر بدل تنكر، وفيه ترك ما هو صواب خوف وقوع مفسدة أشد واستئلاف النَّاس إلى الإيمان واجتناب ولي الأمر ما يتسارع النَّاس إلى إنكاره، وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة وأنهما إذا تعارضا بُدئ بدفع المفسدة، وفيه سد الذرائع اهـ من بعض الهوامش. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى فيه المتابعة فقال: 3131 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال) أبو بكر (حَدَّثَنَا

عُبَيدُ اللهِ (يعْنِي ابْنَ مُوسَى) حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ أَشعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِجْرِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ. وَقَال فِيهِ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا لا يُصْعَدُ إِلَيهِ إلا بِسُلَّمٍ؟ وَقَال: "مَخَافَةَ أن تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ". (3132) - (1249) (229) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ َعَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الله يعني ابن موسى) العبسي الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا شيبان) بن عبد الرَّحْمَن التَّمِيمِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن جبير المحاربِيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (6) (عن الأسود بن يزيد عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شيبان لأبي الأحوص (قالت) عائشة (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر) -بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم- وهو الحائط الصغير بين الركنين الشاميين، ورواية أبي الأحوص (الجدر) بالجيم والدال مُرجحة على رواية شيبان لأن أَبا الأحوص ثِقَة متقن، وشيبان وإن كان ثِقَة فليس بمتقن، فأبو الأحوص أقوى منه (وساق) شيبان أي ذكر (الحديث بمعنى حديث أبي الأحوص وقال) شيبان (فيه) أي في ذلك المعنى الذي حدثه قالت عائشة (فقلت فما شأن بابه مرتفعًا) بزيادة قوله (لا يصعد إليه إلَّا بسلم وقال) شيبان أَيضًا في روايته (مخافة أن تنفر قلوبهم) بدل قول أبي الأحوص (فأخاف أن تنكر قلوبهم) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3132 - (1249) (229) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار) الهلالي المدنِيُّ مولى ميمونة، ثِقَة، من (3) (عن عبد الله بن عباس أنَّه قال كان الفضل بن عباس) وهو أخو عبد الله، وكان أكبر أولاد العباس، وبه كان يكنى (رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي راكبًا خلفه على ناقته. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد

فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ. فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيهَا وَتَنْظُرُ إِلَيهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نيسابوري، تقدم في حديث جابر الطَّويل في باب حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن أسامة كان ردف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، وكان الفضل بن عباس رجلًا حسن الشعر أبيض وسيمًا، وتقدم أَيضًا ارتداف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الفضل في باب استحباب إدامة الحاج التلبية في حديث ابن عباس (فجاءته) صلى الله عليه وسلم (امرأة من خثعم) -بفتح المعجمة وسكون المثلثة- قبيلة مشهورة من اليمن، حالة كونها (تستفتيه) صلى الله عليه وسلم عن حكم من أحكام الحج وتسأله (فجعل) أي شرع (الفضل) بن عباس (ينظر إليها) أي إلى المرأة (وتنظر) المرأة (إليه) وفي رواية شعيب: وكان الفضل رجلًا وضيئًا أي جميلًا، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها (فجعل) أي شرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل) أي يحوله (إلى الشق) أي إلى الجانب (الآخر) الذي ليست فيه المرأة، والذي تقدم في حديث جابر الطَّويل: مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن، وفي رواية شعيب: فالتفت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فدفع وجهه عن النظر إليها، وهذا هو المراد بقوله في حديث علي فلوى عنق الفضل، ووقع في رواية الطبري في حديث علي وكان الفضل غلامًا جميلًا فإذا جاءت الجارية من هذا الشق صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل إلى الشق الآخر، فإذا جاءت إلى الشق الآخر صرف وجهه عنه، وقال في آخره: رأيت غلامًا حدثًا وجارية حدثة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان، قال ابن بطال: وفي الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنَّه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع، وقال: يؤيده أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يحول وجه الفضل حتَّى أدمن النظر إليها لإعجابه بها فخشي الفتنة عليه، قال: وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن، وفيه دليل على أن نساء المُؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل، قال: وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضًا، قال الحافظ: وفي

قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ في الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيخًا كَبِيرًا. لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ. أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة والله أعلم اهـ فتح (قالت: يَا رسول الله إن فريضة الله على عبادة في الحج) أي من الحج (أدركت) تلك الفريضة (أبي) مفعول أدركت أي لزمته حالة كون أبي (شيخًا) وقوله (كبيرًا) صفة أولى لشيخًا أي كبير السن, وقوله (لا يستطيع أن يثبت على الراحلة) صفة ثانية له، ويحتمل أن يكون حالًا أَيضًا ويكون من الأحوال المتداخلة؛ والمعنى أنَّه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة، وقوله (لا يستطيع أن يثبت على الراحلة) أي لا يقدر على الاستمساك على الراحلة، وزاد في رواية يحيى بن أبي إسحاق وإن شددته خشيت أن يموت. اتفقت الروايات كلها عن ابن شهاب على أن السائلة كانت امرأة، وأنها سألت عن أبيها، وخالفه يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان فاتفق الرواة عنه على أن السائل رجل، ثم اختلفوا عليه في إسناده ومتنه، وكذا وقع الاختلاف في سياق غيره، ففي بعض الروايات إن أبي مات، وفي بعضها إن أمي عجوز كبيرة، وفي بعضها إن امرأة سألت عن أمها، وفي بعضها إن أبي أدركه الحج مع تسمية السائل بحصين بن عوف الخثعمي، وفي أخرى تسميته بأبي الغوث بن حصين الخثعمي، قال الحافظ: بعد تفصيل الاختلاف الواقع بين الروايات والذي يظهر لي من مجموع هذه الطرق أن السائل رجل وكانت ابنته معه فسألت أَيضًا، والمسئول عنه أبوالرَّجل وأمه جميعًا، ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد قوي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال: كنت ردف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأعرابي معه بنت له حسناء فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها، وجعلت ألتفت إليها، ويأخذ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم برأسي فيلويه فكان يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة. فعلى هذا فقول الشابة إن أبي لعلها أرادت به جدها لأن أباها كان معها، وكأنه أمرها أن تسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيسمع كلامها ويراها رجاء أن يتزوجها فلما لم يرضها سأل أبوها عن أَبيه، ولا مانع أن يسأل أَيضًا عن أمه، وتحصل من هذه الروايات أن اسم الرَّجل حصين بن عوف الخثعمي، وأما ما وقع في الرواية الأخرى أنَّه أبو الغوث بن حصين فإن إسنادها ضعيف اهـ من فتح الملهم. والهمزة في قوله (أفأحج عنه) للاستفهام

قَال: "نَعَمْ" وَذلِكَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (3133) - (00) (00) حدّثني عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضلِ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبِي شَيخٌ كَبِيرٌ. عَلَيهِ فَرِيضَةُ اللهِ في الْحَجِّ. وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَويَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَحُجِّي عَنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستخباري داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير أيجزئ النيابة في الحج فأحج عنه؟ أو أيجوز لي أن أنوب عنه فأحج عنه؟ كما هو مذهب الزمخشري خلافًا للجمهور كما بسطنا الكلام على أمثال هذا في تفسيرنا حدائق الروح والريحان في مواضع كثيرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) حجي عنه (وذلك) السؤال والجواب (في حجة الوداع) قال العيني: فيه جواز الحج عن غيره إذا كان معضوبًا وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال مالك والليث والحسن بن صالح: لا يحج أحد عن أحد إلَّا عن ميت لم يحج حجة الإِسلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 346] , والبخاري [1513] , وأبو داود [1809] , والنَّسائيّ [5/ 118] , وابن ماجه [2909]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3133 - (00) (00) (حدثني علي بن خَشْرم) بن عبد الرَّحْمَن المروزي (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (عن ابن جريج عن ابن شهاب حَدَّثَنَا سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل) بن عباس. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد مكّيّ وواحد كُوفِيّ وواحد مروزي، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وتابعي عن تابعي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لمالك (أن امرأة من خثعم قالت: يَا رسول الله إن أبي شيخ كبير) السنن (عليه فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع) أي لا يقدر (أن يستوي) أي أن يثبت (على ظهر بعيره فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) لها (فحجي عنه) أي عن أبيك. قوله (عن ابن عباس عن الفضل) قال الحافظ: كذا قال ابن جريج، وتابعه معمر،

(3134) - (1250) (230) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أبي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وخالفهما مالك، وأكثر الرواة عن الزُّهْرِيّ لم يقولوا فيه عن الفضل، وروى ابن ماجه من طريق محمَّد بن كُريب عن أَبيه عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف الخثعمي قال: قلت: يَا رسول الله إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج .. الحديث، قال التِّرْمِذِيّ: سألت محمدًا يعني البُخَارِيّ عن هذا فقال: أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل. قال: فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره، ثم رواه بغير واسطة اهـ، وإنما رجح البُخَارِيّ الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة فكأن الفضل حدّث أخاه بما شاهده في تلك الحالة، ويحتمل أن يكون سؤال الخثعمية وقع بعد رمي جمرة العقبة فحضره ابن عباس فنقله تارة عن أخيه لكونه صاحب القصة وتارة عما شاهده، ويؤيد ذلك ما وقع عند التِّرْمِذِيّ وأَحمد وابنه عبد الله والطبري من حديث علي مما يدل على أن السؤال المذكور وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي، وأن العباس كان شاهدًا فلا مانع أن يكون ابنه عبد الله أَيضًا كان معه اهـ. وقوله (لا يستطيع أن يثبت على الراحلة) هذا هو المسمى بالمعضوب من العضب بمعنى القطع، وبه سمي السيف عضبًا وكأن من انتهى إلى هذه الحالة قطعت أعضاؤه إذ لا يقدر على شيء، فمجموع الروايتين دلت على أنَّه لا يقدر على الاستواء على الراحلة، ولو استوى لم يثبت عليها. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3134 - (1250) (230) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (جميعًا عن ابن عيينة قال أبو بكر حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن إبراهيم بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدنِيُّ، ثِقَة، من (6) (عن كُريب) مصغرًا ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم (مولى ابن عباس) أبي رشدين

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ. فَقَال: "مَنِ الْقَوْمُ؟ " قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَال: "رَسُولُ اللهِ" فَرَفَعَتْ إِلَيهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالتْ: أَلِهذَا حَجٌّ؟ قَال: "نَعَمْ. وَلَكِ أَجْرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) (عن ابن عباس عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان أو كُوفِيّ ونسائي أو كُوفِيّ ومكيّ وواحد طائفي، قال ابن عباس (لقي) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (ركبًا) أي أصحاب الإبل راكبين عليها، وهو بفتح الراء وسكون الكاف، جمع راكب أو اسم جمع له كصحب وصاحب، وهو العشرة فما فوقها من أصحاب الإبل في السفر دون سائر الدواب، ثم اتسع لكل جماعة؛ أي لقيهم في سفر حجة الوداع (بالروحاء) -بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة الممدودة- موضع معروف بين الحرمين من عمل الفرع بينه وبين المدينة نحو أربعين ميلًا، وفي كتاب مسلم ستة وثلاثون ميلًا، وفي كتاب ابن أبي شيبة ثلاثون ميلًا، زاد في رواية أبي داود فسلم عليهم (فقال) لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستفهام من القوم (من القوم) أي من أنتم؟ أي فسألهم سؤال من لم يعلم من كانوا إما لأنهم كانوا في ليل، وإما لأن هؤلاء الركب كانوا فيمن أسلم ولم يهاجروا (قالوا: المسلمون) أي نحن مسلمون (فقالوا) له صلى الله عليه وسلم (من أَنْتَ) قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا اللقاء كان ليلًا فلم يعرفوه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل كونه نهارًا لكنهم لم يروه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك لعدم هجرتهم فأسلموا في بلدانهم ولم يهاجروا قبل ذلك (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لهم أنا (رسول الله) صلى الله عليه وسلم (فرفعت إليه) صلى الله عليه وسلم (امرأة) منهم (صبيًّا) لها، في بعض الروايات (من محفة) بكسر الميم كما جزم به النووي وغيره، وحكى القاضي في المشارق بالكسر والفتح بلا ترجيح؛ شبه الهودج إلَّا أنَّه لا قبة عليها (فقالت) المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم (أ) يصح (لهذا) الصبي (حج) إن حججت به (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) له حج النفل، وقال عمر وكثيرون: فتكتب حسناته دون السيئات، نقله الزرقاني في شرح المواهب (ولك أجر) وثواب يعني بسبب ما تكلفته من أمره بالحج وتعليمها إياه وتجنيبها إياه محظورات الإحرام، زاد قوله (ولك أجر) على جواب سؤالها ترغيبًا لها، قال القاري: أجر السببية وهو تعليمه إن كان مميزًا، أو أجر

(3135) - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّد بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ النيابة في الإحرام والرمي والإيقاف والحمل في الطواف والسعي إن لم يكن مميزًا اهـ، قال النواوي: وفي الحديث حجة للشافعي ومالك وأَحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإِسلام بل يقع تطوعًا وهذا الحديث صريح فيه، وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه، قال أصحابه: وإنما فعلوه تمرينًا له ليعتاده فيفعله إذا بلغ، وهذا الحديث يرد عليهم، قال القاضي: ولا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان، وإنما منعه طائفة من أهل البدع ولا يلتفت إلى قولهم بل هو مردود بفعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة، وإنما خلاف أبي حنيفة في أنَّه هل ينعقد حجه وتجري عليه أحكام الحج وتجب فيه الفدية ودم الجبران وسائر أحكام البالغ؟ فأبو حنيفة يمنع ذلك كله ويقول: إنما يجب ذلك تمرينًا على التعليم، والجمهور يقولون: تجري عليه أحكام الحج في ذلك، ويقولون: حجه منعقد يقع نفلًا لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جعل له حجًّا، قال القاضي: وأجمعوا على أنَّه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإِسلام إلَّا فرقة شذت، فقالت: يجزئه، ولم تلتفت العلماء إلى قولها. قال القرطبي: ورفع الصبي يدل على صغره وأنه لم يكن (جفرًا) قال في اللسان: الجفر الصبي إذا انتفخ لحمه وأكل وصارت له كرش اهـ، ولا مراهقًا إذ لا ترفعه غالبًا إلَّا وهو صغير، وفي الموطإ: فأخذت بضبعي صبي لها وهو في محفتها. والضبعان العضدان فأخرجته من محفتها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 219] , وأبو داود [1736] , والنَّسائيّ [5/ 120 - 121]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3135 - (00) (00) (حدثنا أبو كُريب محمَّد بن العلاء) بن كُريب الهمداني الكُوفيّ (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكُوفيّ (عن سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ (عن محمَّد بن عقبة) بن أبي عياش -بتحتانية ومعجمة بينهما أَلْف- الأسدي المدنِيُّ، ثِقَة، من (6) (عن كُريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن عقبة لإبراهيم بن

قَال: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًا لَهَا. فَقَالت: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلِهَذا حَجٌّ؟ قَال: "نَعَمْ. وَلَكِ أجْرٌ". (3136) - (00) (00) وحدثني محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًا فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلِهذَا حَجٌّ؟ قَال: "نَعَمْ. وَلَكِ أَجْرٌ". (3137) - (00) (00) وحدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّد بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عقبة في رواية هذا الحديث عن كُريب (قال) ابن عباس (رفعت امرأة صبيًّا لها) من محفتها (فقالت) المرأة (يَا رسول الله أ) يصح (لهذا) الصبي (حج؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) يصح له حج (ولك أجر) بما حججت عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3136 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن) بن مهدي بن حسان الأَزدِيّ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا سفيان) الثَّوريّ (عن إبراهيم بن عقبة) بن أبي عياش المدنِيُّ (عن كُريب) عن ابن عباس. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثَّوريّ لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن إبراهيم (أن امرأة رفعت صبيًّا) لها من محفتها (فقالت: يَا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3137 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنَّى حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن) بن مهدي (حَدَّثَنَا سفيان) الثَّوريّ (عن محمَّد بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدنِيُّ (عن كُريب عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن عقبة لإبراهيم بن عقبة في رواية هذا الحديث عن كُريب في طريق محمَّد بن المثنَّى، وأما المتابعة السابقة بين ابني عقبة ففي طريق السفيانين فلا تكرار في متابعة ابن عقبة كما توهمه بعضهم، تأمَّل وساق محمَّد بن عقبة (بمثله) أي بمثل ما روى إبراهيم بن عقبة عن كُريب في السند قبل هذا. والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والثاني حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن عباس الأول ذكره للاستدلال على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه الرجعى والمآب، ومنه نرتجي المتاب من كل المحاب، وهذا آخر ما يسره الله لي بتوفيقه من المجلد الثامن من الكوكب الوهاج على صحيح مسلم بن الحجاج، وقد فرغت منه قبيل الغروب يوم الاثنين المبارك من تاريخ 25/ 3 / 1424 من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وكان تاريخ الشروع في هذا المجلد 12/ 6 / 1423 هـ. وجملة ما شرحت فيه من الأحاديث الغير المكررة (230) مائتان وثلاثون حديثًا، وجملة ما فيه من الأبواب سبعون بابا. والحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد الخلق والخليقات، سيدنا محمَّد أفضل الكائنات، وعلى آله وصحبه السادات القادات، وتابعيهم بإحسان إلى يوم المحاسبات، آمين آمين يَا سامع الأصوات، ويا مجيب الدعوات. *** تم المجلد الثامن من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج، ويليه المجلد التاسع (1)، عشر وأوله باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم مع المرأة في سفرها للحج وغيره ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الخامس عشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطّبعَة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة- السعودية دار طوق النجاة بيروت- لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

تفرج بالروض البهاج ... واستضئ بالكوكب الوهاج فإنَّه غنية المحتاج ... إلى صحيح مسلم بن الحجاج غفر الله له ولوالديه ولمولوديه ما علوا وسفلوا ولمشايخه وأساتيذه وأصدقائه وأحبائه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات آمين آمين يَا رب العالمين ولقد أجاد من قال: كرر علي حديثهم يَا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر علي حديثهم فلربما ... لأن الحديد بضربة الحداد آخر حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالكل أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبغضًا إنه لدميم التاريخ 26/ 3 / 1424 هـ الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه، بمعارف أحاديث خير أنبيائه، ووفقهم لخدمتها بما عندهم من النقول الواصلة، والفيوض الهاطلة، وأشهد أن لا إله إلَّا الله الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المرسل بصحيح القول وحسنه، إلى كافة خلقه من إنسه وجنه، رحمة لأهل أرضه وسمائه، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم جمعه على طريق شرعه. (أما بعد): فإنِّي لما فرغت من تسطير المجلد الثامن بما عندي من النقول الواصلة والفيوض الهاطلة، تفرغت لبداية المجلد التاسع من هذا الشرح البليل، ليس بالبسيط ولا بالطويل؛ لأن الحمولة بقدر قوة حاملها مستمدًا من الله التوفيق والهداية لأقوم الطريق في حله وفكه لمبانيه ومعانيه بما عندي من علمي المعقول والمنقول فقلت وقولي هذا:

515 - (1) باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم في جواز سفر المرأة لحج أو غيره

بسم اللهِ الرّحمِن الرحيمِ 515 - (1) باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم في جواز سفر المرأة لحج أو غيره 3138 - (1251) (1) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَنرَةَ. قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: "أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ الله عَلَيكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا" فَقَال رَجُلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 515 - (1) باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم في جواز سفر المرأة لحج أو غيره 3138 - (1251) (1) (وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطيّ، ثِقَة، من (9) (أخبرنا الرَّبيع بن مسلم القُرشيّ) الجمحي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (عن محمَّد بن زياد) الجمحي المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد نسائي وواحد واسطيّ (قال) أبو هريرة: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الأبي: يمتنع أن تكون هذه الخطبة في الحج لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حج في العاشرة، وفرض الحج كان سابقًا، قيل سنة خمس، وقيل تسع إلَّا أن يكون قاله أَيضًا في حجة الوداع اهـ (فقال) في خطبته: يَا (أيها النَّاس قد فرض الله عليكم) أي على من استطاع منكم (الحج فحجوا) بيت الله تعالى قاله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ} فحج بالنَّاس سنة ثمان وهي عام الفتح عتاب بن أسيد، وحج بهم أبو بكر سنة تسع، وكان حجته صلى الله عليه وسلم سنة عشر آخره إلى أن انمحت آثار الشِّرك وتقررت أحكام الشرع لكنه صلى الله عليه وسلم كان يعتمر لأن أمر العمرة أيسر وليس له وقت معين، ووجوب الحج كان بالآية المذكورة، وهي نزلت عام الفتح، وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فإنما هو أمر بإتمام ما شرع فيه وليس فيه دلالة على الإيجاب من غير شروع نص عليه العيني في شرح الكنز (فقال رجل) من الحاضرين: هو الأقرع بن حابس كما في سنن ابن ماجه

أَكُلَّ عَامٍ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! فَسَكَتَ. حَتَّى قَالهَا ثَلَاثًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ. لَوَجَبَتْ. وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ". ثُمَّ قَال: "ذَرُونِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (أ) فرض علينا أن نحج (كل عام يَا رسول الله) فالظرف متعلق بفعل محذوف بعد الهمزة؛ أي أتأمرنا أن نحج في كل عام أو أفرض علينا أن نحج كل عام، قاله قياسًا على ما تكرر من العبادات كالصوم والزكاة، فإن الأول عبادة بدنية، والثاني طاعة مالية؛ والحج مركب منهما، قال النووي: واختلف الأصوليون في أن الأمر هل يقتضي التكرار؟ والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني يقتضيه، والثالث يتوقف فيما زاد على مرة على البيان فلا يحكم باقتضائه ولا بمنعه، وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف لأنه سأل فقال: أكل عام؟ ولو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يسأل، ولقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى السؤال بل مطلقه محمول على كذا اهـ قال في المرقاة: والأظهر أن مبنى السؤال قياسه على سائر الأعمال من الصلاة والصوم وزكاة الأموال، ولم يدر أن تكراره كل عام بالنسبة إلى جميع المكلفين من جملة المحال كما لا يخفى على أهل الكمال ا. هـ. (فسكت) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن جوابه زجرًا له عن السؤال الذي كان السكوت عنه أولى لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يسكت عما تحتاج الأمة إلى كشفه، فالسؤال عن مثله تقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نهوا عنه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} والإقدام عليه ضرب من الجهل (حتَّى قالها) أي حتَّى قال السائل تلك الكلمة. التي تكلمها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت) في جواب السؤال فرضًا وتقديرًا، ولا يبعد أن يكون سكوته صلى الله عليه وسلم انتظارًا للوحي أو للإلهام (نعم، لوجبت) الحجة كل سنة، والضمير في وجبت للحج وتأنيثه باعتبار كونه عبادة أو حجة، قال ابن الملك: احتج به من قال: الحكم مفوض إلى رأيه صلى الله عليه وسلم ولا يشترط فيه أن يكون بوحي نازل اهـ قال الحافظ: واستدل به على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام لقوله: "لو قلت نعم لوجبت" وأجاب من منع باحتمال أن يكون أُوحي إليه ذلك في الحال اهـ (ولما استطعتم) بإعادة اللام الجوابية؛ أي ولما أطقتم وقدرتم كلكم إتيان الحج في كل عام، ولا يكلف الله نفسًا إلَّا وسعها (ثم قال) صلى الله عليه وسلم: (ذروني) أي

مَا تَرَكتُكُمْ. فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. فَإذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ اتركوني عن السؤال (ما تركتكم) عن الأمر، وفيه أن الأصل عدم الوجوب وأنه لا حكم قبل الشرع، قال الحافظ: والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه وعن كثرة السؤال لما فيه غالبًا من التعنت وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة اهـ، وقال القرطبي: معنى ذروني أي احملوا اللفظ على مدلوله الظاهر لغة وإن صلح لغيره فلا تكثروا في الاستقصاء خوف أن يكثر الجواب، فالمعنى في الحديث حجوا المرة الواحدة لأنها مدلول اللفظ وإن صلح للتكرار فيتعين التغافل عنه، ولا يكثر السؤال فيه خوف أن يكثر الجواب كما اتفق لبني إسرائيل في البقرة إذ قيل لهم: اذبحوا بقرة فلو بادروا وذبحوا أي بقرة صدق اللفظ وعدوا ممتثلين، ولكن لما أكثروا السؤال كثر الجواب وشددوا فشدد عليهم وذموا على ذلك فخاف صلى الله عليه وسلم على أمته مثل ذلك ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنما هلك من كان قبلكم) من اليهود والنصارى (بكثرة سؤالهم) لأنبيائهم كسؤال الرؤية والكلام مع الله سبحانه وقضية البقرة قاله في المرقاة، قال الأبي: وفيه مرجوحِيّة كثرة السؤال، ومنه ما اتفق لأسد بن الفرات مع مالك حين أكثر السؤال بقوله: فإن كان كذا فقال له مالك: هذه سلسلة بنت أخرى إن أردت هذا فعليك بأهل العراق إلَّا أن يقال لا يلزم من المنع هنا المنع في غيره لما أشار إليه صلى الله عليه وسلم من أنَّه في مقام التشريع فخالف الافتراض فيما يشق ولا يقدر عليه اهـ (و) بـ (اختلافهم على أنبيائهم) قال الأبي: فهو زيادة على ما وقع فإن الذي وقع إنما هو إلحاح في السؤال لا اختلاف، وقال: واختلافهم عطف على الكثرة لا على السؤال لأن نفس الاختلاف موجب للهلاك من غير الكثرة يعني إذا أمرهم الأنبياء بعد السؤال أو قبله، واختلفوا عليهم فهلكوا واستحقوا الإهلاك (فهإذا أمرتكم بشيء) مطلق من أوامر الشرع كما إذا قال: صم أو صل أو تصدق (فأتوا منه) أي من ذلك الشيء الذي أمرتكم به أي فافعلوا منه (ما استطعتم) أي ما قدرتم عليه فيكفي من ذلك المذكور آنفًا أقل ما ينطلق عليه الاسم فيصوم يومًا ويصلي ركعتين ويتصدق بشيء يتصدق بمثله لأن ما لا يدرك كله لا يُترك جُله فإن قيد شيئًا من ذلك بقيود ووصفه بأوصاف لم يكن بد من امتثال أمره على ما فصل وقيد، وإن كان فيه أشد المشقات وأشق التكاليف وهذا مما لا يختلف فيه إن

وَإِذَا نَهَيتُكُمْ عَنْ شَيءٍ فَدَعُوهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله تعالى أنَّه هو المراد من الحديث اهـ من المفهم (وإذا نهيتكم) أي زجرتكم (عن شيء) من نواهي الشرع (فدعوه) أي فاتركوه ولا تقربوا إلى شيء منه يعني أن النهي على نقيض الأمر وذلك أنَّه لا يكون ممتثلًا بمقتضى النهي حتَّى لا يفعل واحدًا من آحاد ما يتناوله النهي، ومن فعل واحدًا فقد خالف وعصى فليس في النهي إلَّا ترك ما نُهي عنه مطلقًا دائمًا وحينئذ يكون ممتثلًا لترك ما أُمر بتركه بخلاف الأمر على ما تقدم، وهذا الأصل إذا فهم هو ومسألة مطلق الأمر هل يحمل على الفور أو التراخي أو على المرة الواحدة أو على التكرار؟ وفي هذا الحديث أبواب من القصة لا تخفى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ [5/ 110 - 111]. وقوله: (فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه) إلخ قال الحافظ: فيه إشارة إلى الاشتغال بالأهم المحتاج إليه عاجلًا عما لا يحتاج إليه في الحال فكأنه قال: عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم بها عوضًا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله، ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به، ثم يتشاغل بالعمل به فإن كان من العلميات يتشاغل بتصديقه واعتقاد حقيته، وإن كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلًا وتركًا، فإن وجد وقتًا زائدًا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع فأما إن كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع فإن هذا مما يدخل في النهي، فالتفقه في الدين إنما يُحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال اهـ. قوله: (ما استطعتم) قال الطيبي: هذا من أَجل قواعد الإِسلام ومن جوامع الكلم ويندرج فيه ما لا يُحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها فإنَّه إذا عجز عن بعض أركانها أو شروطها يأتي بالباقي منها، قال النووي: وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. قوله: (فدعوه) قال الحافظ: ثم إن هذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله كشرب الخمر وهذا على رأي الجمهور، وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا: الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها، والصحيح عدم المؤاخذة إذا وُجدت صورة الإكراه المعتبرة اهـ.

3139 - (1252) (2) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ القَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا تُسَافِر الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا، إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ". 3140 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3139 - (1252) (2) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب ومحمَّد بن المثنَّى قالا: حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد بن فروخ التَّمِيمِيّ البَصْرِيّ (وهو القطَّان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر المرأة ثلاثًا) أي مسيرة ثلاث ليال (إلا ومعها ذو محرم) أي صاحب قرابة لها، وهذا يعم ذوي المحارم سواء كان بالصهر أو بالقرابة وهو قول الجمهور غير أن مالكًا قد كره سفر المرأة مع ابن زوجها وذلك لفساد النَّاس بعد اهـ من المفهم. وقوله: (لا تسافر المرأة ثلاثًا) الح قال الحنفية: فيباح لها الخروج بغير محرم فيما دونها يعني إذا كان لحاجة، قال ابن الهمام: ويُشكل عليه ما في الصحيحين عن قزعة عن أبي سعيد الخُدرِيّ مرفوعًا: "لا تسافر المرأة يومًا إلَّا ومعها زوجها أو ذو محرم منها" وأخرجا عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلَّا مع ذي محرم عليها" وفي لفظ لمسلم "مسيرة ليلة" وفي لفظ "يوم" وفي لفظ لأبي داود "بريدًا" وهو عند ابن حبان في صحيحه, والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وللطبراني في معجمه ثلاثة أميال فقيل له: إن النَّاس يقولون: ثلاثة أيام فقال: وهموا، قال المنذري: وليس في هذه الروايات تعارض فإنَّه يحتمل أنَّه صلى الله عليه وسلم قالها في مواطن مختلفة بحسب الأسئلة، ويحتمل أن يكون ذلك كله تمثيلًا لأقل الأعداد، واليوم الواحد أول العدد وأقله، والاثنان أول الكثير وأقله، والثلاث أول الجمع فكأنه أشار إلى مثل هذا في قلة الزمن لا يحل لها السفر مع غير محرم فكيف بما زاد اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3140 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير

وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. بِهذَا الإِسْنَادِ. في رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: فَوْقَ ثَلَاثٍ. وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ في رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ: "ثَلَاثَةً إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ". 3141 - (00) (00) وحدثنا مُحَمَّد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ قَال: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ، تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو أسامة ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي جميعًا) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة (عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بيان متابعة ابن نمير وأبي أسامة ليحيى القطَّان، لكن (في رواية أبي بكر) لا تسافر المرأة (فوق ثلاث) ليال (وقال) محمَّد: (بن نمير في روايته عن أَبيه) عبد الله لا تسافر المرأة (ثلاثة) أيام (إلا ومعها ذو محرم) وهذا بيان لمحل المخالفة بين شيخيه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3141 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) (حَدَّثَنَا) محمَّد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي المدنِيُّ، صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان الحزاميّ المدنِيُّ، صدوق، من (7) (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الضحاك بن عثمان لعبيد الله بن عمر (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) أن (تسافر مسيرة) أي مسافة (ثلاث ليال) مع أيامها (إلا ومعها ذو محرم) لها أي فيحل سفرها معه وهو كل من حرم نكاحها عليه على التأبيد بقرابة أو رضاع أو مصاهرة كما في التحفة، وقال أبو السعود: لا تسافر مع أخيها رضاعًا في زماننا اهـ أي لغلبة الفساد. (قلت): ويؤيده كراهة الخلوة بها كالصهرة الشابة فينبغي استثناء الصهرة الشابة هنا أَيضًا لأن السفر كالخلوة اهـ فتح. ولم يصرح بذكر الزوج وسيأتي في حديث أبي سعيد قال في الدر المختار: ومع

3142 - (1253) (3) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ (وَهُوَ ابْنُ عُمَيرٍ) عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ زوج أو محرم بالغ عاقل، والمراهق كبالغ غير مجوسي، ولا فاسق مع وجوب النفقة لمحرمها عليها لأنه محبوس عليها، وقولنا: غير مجوسي لأنه يخشى عليها لاعتقاده حل نكاح محرمه، والفاسق الذي الذي لا مروءة له كذلك اهـ فتح الملهم. قوله: (لا يحل لامرأة) هو على العموم لأن امرأة نكرة في سياق النفي فتدخل فيه الشابة والمسنة الكبيرة وهو قول الكافة، وقال بعض أصحابنا: تخرج منه المسنة إذ حالها كحال الرَّجل في كثير من أمورها، وفيه بُعد لأن الخلوة بها تحرم وما لا يطلع عليه من جسدها غالبًا عورة فالمظنة موجودة فيها والعموم صالح لها فينبغي أن لا تخرج منه والله أعلم اهـ من المفهم. وقوله: (تؤمن بالله) إلخ مفهومه أن النفي المذكور يختص بالمؤمنات فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية وقد قال به بعض أهل العلم، وأُجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له فلذلك قيد به أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج ما سواه والله أعلم اهـ فتح. وقال القرطبي: (قوله: مسيرة ثلاث أو يومين أو يوم وليلة) لا يتوهم منه أنَّه اضطراب أو تناقض فإن الرواة لهذه الألفاظ من الصَّحَابَة مختلفون، روى بعض ما لم يرو بعض آخر وكل ذلك قاله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة بحسب ما سئل عليه وأيضًا فإن كل ما دون الثلاث داخل في الثلاث فيصح أن يعين بعضها ويحكم عليها بحكم جميعها فينص تارة على الثلاث وتارة على أقل منها لأنه داخل فيه وقد تقدم الخلاف في أقل مدة السفر في القصر اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنهم فقال: 3142 - (1253) (3) (حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة جميعًا عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (قال قتيبة: حَدَّثَنَا جرير عن عبد الملك وهو ابن عمير) اللخمي الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) (عن قزعة) بن يحيى البَصْرِيّ مولى زياد بن أبي سفيان، ثِقَة، من (3) (عن أبي سعيد) الخُدرِيّ رضي الله عنه. وهذا

قَال: سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَعْجَبَنِي. فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ؟ قَال: فَأَقُولُ َعَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللَّهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "لا تَشُدُّوا الرِّحَال إلا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري أو اثنان كوفيان وواحد نسائي (قال) قزعة بن يحيى: (سمعت منه) أي من أبي سعيد (حديثًا فأعجبني) ذلك الحديث (فقلت له): أي لأبي سعيد أ (أَنْتَ سمعت هذا) الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أبو سعيد: أ (فأقول) وأكذب (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع) منه صلى الله عليه وسلم (قال) قزعة ثم (سمعته) أي سمعت أَبا سعيد الخُدرِيّ (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): قال الأبي: قول الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو مسند سواء سمعته منه أو من غيره لأن الصَّحَابَة عدول فقوله: أَنْتَ سمعت تحقيق للأمر لا لغيره اهـ (لا تشدوا) -بفتح التاء وضم الشين والدال المهملة المشددة- بصيغة النهي في مسلم، وفي البُخَارِيّ لا تشد الرحال بصيغة المجهول بلفظ النفي (الرحال) -بكسر الراء المهملة- جمع رحل بفتحها وهو للبعير كالسرج للفرس، وكني بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه ومعنى شدها ربطها على ظهر الدواب للركوب عند إرادة السفر وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي بالمعنى المذكور، ويدل عليه قوله في بعض طرقه إنما يسافر أخرجه مسلم من طريق عمران بن أبي أويس عن سلمان الأغر عن أبي هريرة، فشد الرحال كناية عن السفر ولهذا قال ابن عابدين: وما نُسب إلى الحافظ ابن تيمية الحنبلي من أنَّه يقول بالنهي عن زيارة قبره الشريف فقد قال بعض العلماء: إنه لا أصل له، وإنما يقول بالنهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة أما نفس الزيارة فلا يخالف فيها كزيارة سائر القبور، ومع هذا فقد رد كلامه كثير من العلماء وللإمام السبكي فيه تأليف منيف اهـ فتح الملهم. والاستثناء في قوله: (إلَّا إلى ثلاثة مساجد) مفرغ، والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد كما سيأتي اهـ ابن حجر، فالمراد لا يسافر

مَسْجدِي هذَا، وَالْمَسْجدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجدِ الأقْصَى". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَينِ مِنَ الدَّهْرِ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، أَوْ زَوْجُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ لمسجد للصلاة فيه إلَّا لهذه الثلاثة لا أنَّه لا يسافر أصلًا إلَّا لها (مسجدي هذا) يعني المسجد النبوي بالجر على البدلية، ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب (والمسجد الحرام) والمراد به جميع الحرم، وقيل: يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم (والمسجد الأقصى) أي بيت المقدس، وسمي بالأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد عن مكة والبيت المقدس أبعد منه، وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ولأن الأول أُسس على التقوى، والثاني قبلة النَّاس وإليه حجهم، والثالث: كان قبلة الأمم السالفة وقبلة المسلمين في الأوائل، قال قزعة بن يحيى: (وسمعته) أي سمعت أَبا سعيد (يقول): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة يومين) أي مسيرة يومين (من الدهر إلَّا ومعها ذو محرم) وقرابة (منها أو) ومعها (زوجها). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2726] , والتِّرمذيّ [1169] , وابن ماجه [2898]. قال القرطبي: ومعنى قوله: (لا تشدوا الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد) أي لا تسافروا لمسجد لفعل قربة فيه إلَّا إلى هذه المساجد الثلاثة لأفضليتها ومزيتها على غيرها من المساجد، ولا خلاف في أن هذه المساجد الثلاثة أفضل من سائر المساجد كلها، ومقتضى هذا النهي أن من نذر المشي أو المضي إلى مسجد من سائر المساجد للصلاة فيه ما عدا هذه الثلاثة وكان منه على مسافة يحتاج فيها إلى إعمال المطي وشد رحالها لم يلزمه ذلك إلَّا أن يكون نذر مسجدًا من هذه المساجد الثلاثة، وقد ألحق محمَّد بن مسلمة مسجد قباء بهذه المساجد الثلاثة فصار شد الرحال في هذا الحديث عبارة عن السفر البعيد فأما لو كان المسجد قريبًا منه لزمه المضي إليه إذا نذر الصلاة فيه إذ لم يتناوله هذا النهي اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال:

3143 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ. قَال: سَمِعْتُ قَزَعَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَال: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ أَرْبَعًا. فَأَعْجَبْنَنِي وَآنقْنَنِي. نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَة يَوْمَينِ إلا وَمَعَهَا زَوْجُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3143 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ المعروف بغندر (حَدَّثَنَا شعبة عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكُوفيّ (قال: سمعت قزعة) بن يحيى البَصْرِيّ (قال: سمعت أَبا سعيد الخُدرِيّ) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو سعيد: (سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أوبعًا) من الخصال، وتلك الأربع هي التي ذكرت في رواية غير مسلم، قال قزعة: سمعت أَبا سعيد يحدّث بأربع عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأعجبْنَني وآنقنني (الأولى): لا تسافر امرأة ثلاثًا إلَّا ومعها زوجها أو ذو محرم (خ م)، (والثانية): ولا صوم في يومين يوم الفطر ويوم الأضحى (خ م س ق). (والثالثة): ولا صلاة بعد الصبح حتَّى تطلع الشَّمس ولا بعد العصر حتَّى تغرب (خ ق). (والرابعة): ولا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي (خ م ت ف) اهـ من تحفة الأشراف. (فأعجبنني) أي أعجبني تلك الأربع لحسنها وغرابتها (وآنقنني) بالمد ثم نون مفتوحة ثم قاف ساكنة بعدها نونان يقال: آنقه كذا إذا أعجبه وعشقه، وشيء مونق أي معجب، قال المازري: معنى آنقنني أعجبنني، وصح تكرار المعنى لاختلاف اللفظ، والعرب تفعل ذلك لقصد البيان والتأكيد، ومنه قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} والصلاة من الله تعالى هي الرحمة، ومنه أَيضًا {حَلَالًا طَيِّبًا} والطيب هو الحلال اهـ. قال الأبي: ما في الحديث هو من عطف الشيء على نفسه ولا يجوز إلَّا مع اختلاف اللفظ كما في الحديث، ومنه قوله: فألْفَى قولها كذبًا ومينَا والمين: هو الكذب، وحلالًا طيبًا هو من التأكيد اللفظي، والتأكيد اللفظي هو تكرار اللفظ بعينه أو بمرادفه ويكون في الاسم والفعل والحرف كما هو مبين في فن النحو اهـ (نهى) عن (أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلَّا ومعها زوجها) ذكر الزوج ورد في هذه الرواية والتي قبلها وفي حديث أبي سعيد الآتي، فلا بد من إلحاقِهِ بالمحرم في

أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. وَاقْتَصَّ بَاقِي الْحَدِيثِ. 3144 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا، إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". 3145 - (00) (00) وحدثني أَبُو غَسَّان الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز السفر معه كما في المبارق فالروايات التي لم يذكر فيها الزوج محمولة على التي ذكر فيها (أو ذو محرم) والمراد بالمحرم من حرم عليه نكاحها بسبب قرابة أو رضاع أو مصاهرة بشرط أن يكون الرَّجل مكلفًا ليس بمجوسي ولا غير مأمون، ويشترط في المرأة أَيضًا أن لا تكون معتدة كما في المرقاة (واقتص) شعبة أي ذكر (باقي الحديث) الذي رواه جرير يعني قوله: لا تشدوا الرحال الخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 3144 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد (عن مغيرة) بن مقسم الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (6) (عن إبراهيم) بن يزيد النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن سهم بن منجاب) -بكسر الميم وسكون النُّون- ابن راشد الضبي الكُوفيّ، روى عن قزعة بن يحيى في الحج، ويروي عنه (م د س ق) وإبراهيم النَّخَعيّ وضرار بن مرة، قال النَّسائيّ: ثِقَة، وقال العجلي: تابعي كُوفِيّ ثِقَة، وقال في التقريب: ثِقَة، من (3) الثالثة (عن قزعة) بن يحيى البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي سعيد الخُدرِيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سهم بن منجاب لعبد الملك بن عمير في رواية هذا الحديث عن قزعة (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة ثلاثًا) من الليالي مع أيامها أي مسيرتها (إلا مع ذي محرم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 3145 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) نسبة إلى أحد أجداده البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (ومحمَّد بن بشار) العبدي البَصْرِيّ (جميعًا عن

مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ. قَال أبُو غَسَّان: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ. حَدَّثَني أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أن نَبِيَّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "لا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". 3146 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذا الإِسْنَادِ. وَقَال: "أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". 3147 - (1254) (4) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ أَبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ بن هشام) الدستوائي البَصْرِيّ (قال أبو غسان: حَدَّثَنَا معاذ) بن هشام بصيغة السماع (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البَصْرِيّ (عن قتادة) بن دعامة البَصْرِيّ (عن قزعة) بن يحيى البَصْرِيّ (عن أبي سعيد الخُدرِيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لسهم بن منجاب وعبد الملك بن عمير، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أَبا سعيد الخُدرِيّ (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال) مع أيامها (إلَّا مع ذي محرم) لها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 3146 - (00) (00) (وحدثناه) أي حَدَّثَنَا الحديث المذكور يعني حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه (ابن المثنَّى حَدَّثَنَا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة البَصْرِيّ. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهشام الدستوائي (بهذا الإسناد) يعني عن قزعة عن أبي سعيد الخُدرِيّ (و) لكن (قال) سعيد: (أكثر من ثلاث) ليال (إلَّا مع ذي محرم). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 3147 - (1254) (4) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري كيسان المدنِيُّ (عن أَبيه) أبي سعيد المقبري المدنِيُّ (أن أَبا

هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيلَةٍ، إلا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا". 3148 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ. قَال: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَومٍ، إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة قال) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة مسلمة) أن (تسافر مسيرة ليلة) مع يومها (إلا ومعها رجل ذو حرمة) وقرابة (منها) وهو من لا يحل له نكاحها لحرمتها على التأبيد، وقولنا لحرمتها احتراز عن الملاعنة فإن تحريمها ليس لحرمتها بل للتغليظ، وقولنا على التأبيد احتراز عن أخت الزوجة اهـ من المبارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [1088] , وأبو داود [1724] , والتِّرمذيّ [1170] , وابن ماجه [2899]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3148 - (00) (00) (حَدَّثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطَّان البَصْرِيّ (عن) محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القُرشيّ العامري أبي الحارث المدنِيُّ، ثِقَة، من (7) (حَدَّثَنَا سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أَبيه) أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي ذئب لليث بن سعد (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن باللهِ واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم) مع ليلتها (إلا مع ذي محرم) وفي أبواب التقصير من صحيح البُخَارِيّ (أن تسافر) كما في الرواية الآتية، فما وقع في طريق أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة من رفع المضارع بإسقاط أن المصدرية فعلى حد قولهم تسمع بالمعيدي اهـ من بعض الهوامش. قال القرطبي: قوله: (مسيرة يوم) في هذه الطريقة و (مسيرة ليلة) في الطريقة التي قبلها يقال فيه لما كان ذكر أحدهما يدل على الآخر ويستلزمه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر، وقد جمعهما في الرواية الآتية حيث قال مسيرة يوم وليلة، والروايات يُفسر بعضها بعضًا، وقد وقع في بعض الروايات لا تسافر

3149 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ َعَلَى مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ، إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَّا مع ذي محرم، ولم يذكر مدة فيقتضي بحكم إطلاقه منع السفر قصيره وطويله اهـ من المفهم، واختلفت الروايات في مدة المسير ففي بعضها مسيرة يوم، وفي بعضها مسيرة ليلة، وفي بعضها مسيرة يوم وليلة، وفي بعضها مسيرة يومين، وفي بعضها مسيرة ثلاث، قال النووي: الروايات كلها صحيحة لكن لم يرد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تحديد المدة بل المراد حرمة السفر للمرأة بغير محرم، والاختلاف وقع لاختلاف السائلين، ويؤيده إطلاق رواية ابن عباس لا تسافر امرأة إلَّا مع ذي رحم محرم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3149 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدنِيُّ (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري المدنِيُّ (عن أَبيه) أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مالك لابن أبي ذئب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلَّا مع ذي محرم) أي قرابة (عليها) أي لها، قال النواوي: هكذا وقع هذا الحديث في نسخ بلادنا عن سعيد عن أَبيه، قال القاضي عياض: وكذا وقع في النسخ عن الجلودي وأبي العلاء والكسائي وكذا رواه مسلم في الإسناد السابق قبل هذا عن قتيبة عن الليث عن سعيد عن أَبيه وكذا رواه البُخَارِيّ ومسلم من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد عن أَبيه، قال: واستدرك الدارقطني عليهما إخراجهما هذا عن ابن أبي ذئب وعلى مسلم إخراجه إياه عن الليث عن سعيد عن أَبيه، وقال: الصواب عن سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أَبيه، واحتج بأن مالكًا ويحيى بن أبي كثير وسهيلًا قالوا: عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ولم يذكروا عن أَبيه قال: والصحيح عن مسلم في حديثه هذا عن يحيى بن يحيى عن مالك عن سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أَبيه، وكذا ذكره أبو مسعود الدِّمشقيّ، وكذا رواه معظم رواة الموطإ عن مالك، قال الدارقطني: ورواه

3150 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ) حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "لا يَحِلُّ لا مْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا، إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا". 3151 - (1255) (5) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهراني والفرْوي عن مالك فقالا: عن سعيد عن أَبيه. هذا كلام القاضي (قلت): وذكر خلف الواسطيّ في الأطراف أن مسلمًا رواه عن يحيى بن يحيى عن مالك عن سعيد عن أَبيه عن أبي هريرة، وكذا رواه أبو داود في كتاب الحج من سننه، والتِّرمذيّ في النكاح عن الحسن بن عليّ عن بشر بن عُمَر عن مالك عن سعيد عن أَبيه عن أبي هريرة، قال التِّرْمِذِيّ: حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود في الحج أَيضًا عن القعنبي والعلاء عن مالك عن يوسف بن موسى عن جرير كلاهما عن سهيل عن سعيد عن أبي هريرة فحصل اختلاف ظاهر بين الحُفاظ في ذكر أَبيه، فلعله سمعه عن أَبيه عن أبي هريرة، ثم سمعه عن أبي هريرة نفسه فرواه تارة كذا وتارة كذا، وسماعه عن أبي هريرة صحيح معروف، والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من النواوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3150 - (00) (00) (حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرَّقاشيّ مولاهم البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (حَدَّثَنَا سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان أبو يزيد المدنِيُّ صدوق، من (6) (عن أَبيه) أبي صالح ذكوان السمان القيسي مولاهم المدنِيُّ ثِقَة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح السمان لأبي سعيد المقبري (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثًا) من الليالي مع أيامها (إلا ومعها ذو محرم منها). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر ثالثًا بحديث آخر لأبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 3151 - (1255) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُريب جميعًا عن

أَبِي مُعَاويَةَ. قَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، إلا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَو ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا". 3152 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وكيعٌ. حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي معاوية قال أبو كُريب: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأَعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخُدرِيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون) مقدار مسافته (ثلاثة أيام) أي مسيرة ثلاثة أيام (فصاعدًا) أي فما فوقها، وقوله: (فصاعدًا) من الحال التي بيِّن بها ازدياد في مقدار شيئًا فشيئًا فحذف عاملها وجوبًا لقيام الحال مقامه، ويشترط لنصب هذه الحال كونها مصحوبة بالفاء أو بثم دون الواو لفوات معنى التدريج معها نظير قولهم: بعته بدرهم فصاعدًا، والفاء عاطفة للعامل المحذوف على ما قبلها، والتقدير هنا: سفرًا يكون مقداره ثلاثة أيام فزاد مقداره أو ذهب مقداره صاعدًا إلى فوق كما هو مبين في محله (إلَّا ومعها أبوها) والاستثناء من أعم الأحوال أي لا يحل لها أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فأكثر في حال من الأحوال إلَّا والحال أن معها أباها (أو ابنها) الكبير أو المميز لا الصغير الذي لا يُستحيى منه كابن سنتين أو ثلاث أو أربع مثلًا (أو زوجها) الكبير أو المميز (أو أخوها) كذلك (أو ذو محرم) وقرابة (منها) كعمها وخالها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والتِّرمذيّ وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد هذا رضي الله عنه فقال: 3152 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأَشَج) الكندي الكُوفيّ (قالا: حَدَّثَنَا وكيع حَدَّثَنَا الأَعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي سعيد، وساق وكيع (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأَعمش، غرضه بيان متابعة وكيع لأبي معاوية.

3153 - (1256) (6) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَال أَبُو بَكرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أبي مَعْبَدٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: "لَا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3153 - (1256) (6) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان) بن عيينة (قال أبو بكر: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (حَدَّثَنَا عمرو بن دينار) الجمحي المكيّ (عن أبي معبد) نافذ -بفاء ومعجمة- مولى ابن عباس المكيّ ثِقَة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (قال: سمعت ابن عباس يقول): وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان أو كُوفِيّ ونسائي وواحد طائفي (سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخطب) النَّاس ويعظهم، وجملة قوله: (يقول) بدل من جملة يخطب أي سمعته يقول في خطبته: (لا يخلون رجل بامرأة) أي لا ينفرد رجل منكم بامرأة أجنبية شابة أو عجوزة أكد النهي بنون التوكيد الثقيلة مبالغة في النهي قاله ملا علي: (إلَّا ومعها ذو محرم) قال النووي: هذا استثناء منقطع لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة، فتقدير الحديث لا يقعدن رجل مع امرأة إلَّا ومعها محرم ولو كان معها زوجها كان كالمحرم وأولى بالجواز اهـ، قال النووي: يحتمل أن يريد محرمًا لها فقط، ويحتمل أن يريد محرمًا لها أو له وهذا الاحتمال الثاني هو الجاري على قواعد الفقهاء فإنَّه لا فرق بين أن يكون معها محرم لها كابنها وأخيها واأمها وأختها أو يكون محرم له كأخته وبنته وعمته وخالته فيجوز القعود معها في هذه الأحوال، ثم إن الحديث مخصوص أَيضًا بالزوج فإنَّه لو كان معها زوجها كان كالمحرم وأولى بالجواز كما مر آنفًا، وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحيى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم، وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجنبيات فإن الصحيح جوازه ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق أو نحو ذلك فيباح له استصحابها بل يلزمه ذلك أَيضًا إذا خاف عليها

وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ! إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً. وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَال: "انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لو تركها وهذا لا اختلاف فيه كما يدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك والله أعلم. (ولا تسافر المرأة) بصيغة النهي أي سفر كان طويلًا أو قصيرًا (إلا مع ذي محرم) يستحيى منه (فقام رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (فقال: يَا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة) أي أرادت الخروج للسفر قاصدة للحج وليس معها أحد من المحارم، وفي رواية وامرأتي تريد الحج (وإني اكتتبت) بالبناء للمجهول المسند إلى المتكلم من باب الافتعال أي كتب اسمي في أسماء من عُين (في غزوة كذا وكذا) أي أثبت اسمي فيمن يخرج فيها، قال القرطبي: أي ألزمت وأثبت اسمي في ديوان ذلك البعث اهـ مفهم، ولم أر من عين تلك الغزوة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انطلق) أي اذهب (فحج مع امرأتك) فيه تقديم الأهم إذ في الجهاد يقوم غيره مقامه بخلاف الحج معها اهـ نووي، قال الحافظ: أخذ بظاهره بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أَحْمد وهو وجه للشافعية، والمشهور أنَّه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلَّا بأجرة لزمتها لأنها من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة، واستدل به على أنَّه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض وبه قال أَحْمد وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي، وأما ما رواه الدارقطني من طريق إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج فليس لها أن تنطلق إلَّا بإذن زوجها، فأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع عملًا بالحديثين، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما كان واجبًا اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: (قوله: انطلق فحج مع امرأتك) هو فسخ لما كان التزم من المضي للجهاد ويدل على تأكد أمر صيانة النساء في الأسفار وعلى أن الزوج أحق بالسفر مع زوجته من ذوي رحمها ألا ترى أنَّه لم يسأله هل لها محرم أم لا, ولأن الزوج يطلع من الزوجة على ما لا يطلع منها ذو المحرم فكان أولى فإذًا قوله صلى الله عليه وسلم في

3154 - (00) (00) وحدّثناه أبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3155 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ) الْمَخْزُومِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث إلَّا ومعها ذو محرم إنما خرج خطابًا لمن لا زوج لها والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 222] , والبخاري [3006]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3154 - (00) (00) (وحدثناه أبو الرَّبيع الزهراني) سليمان بن داود البَصْرِيّ (حدثنا حماد) بن زيد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن عمرو) بن دينار (بهذا الإسناد) يعني عن أبي معبد عن ابن عباس (نحوه) أي نحو ما حدّث سفيان عن عمرو والغرض بيان متابعة حماد لسفيان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3155 - (00) (00) (وحدثنا) محمَّد (بن أبي عمر) العدني المكيّ (حَدَّثَنَا هشام يعني ابن سليمان) بن عكرمة بن خالد (المخزومي) المكيّ، مقبول، من (8) (عن ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس (نحوه) أي نحو ما حدّث سفيان عن عمرو، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان (و) لكن (لم يذكر) ابن جريج قوله: (لا يخلون رجل بامرأة إلَّا ومعها ذو محرم) وهذا بيان لمحل المخالفة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أبي سعيد الخُدرِيّ ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه أربع متابعات، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه ثلاث متابعات،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والخامس: حديث أبي سعيد الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

516 - (2) باب ما يقول المحرم إذا سافر للحج وإذا قفل منه والتعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من حج أو عمرة

516 - (2) باب ما يقول المحرم إذا سافر للحج وإذا قفل منه والتعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من حج أو عمرة 3156 - (1257) (7) حدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَلِيًّا الأزدِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 516 - (2) باب ما يقول المحرم إذا سافر للحج وإذا قفل منه والتعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من حج أو عمرة 3156 - (1257) (7) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان أبو موسى البغدادي (حدثنا حجاج بن محمَّد) المصيصي الأعور البغدادي، ثِقَة، من (9) (قال) حجاج: (قال) عبد الملك (بن جريج) الأُموي المكيّ، ثِقَة، من (6) (أخبرني أبو الزُّبير) المكيّ (أن عليًّا) ابنَ عبد الله (الأَزدِيّ) البارقي نسبة إلى بارق جبل كان ينزله الأزد فنُسب إليه أبو عبد الله البَصْرِيّ، روى عن ابن عمر في الحج وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) وأبو الزُّبير وقتادة، وثقه العجلي وابن حبان، وقال ابن عدي: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من الثالثة (أخبره) أي أخبر أَبا الزُّبير (أن ابن عمر علمهم) أي علم علي بن عبد الله ومن معه، قال الأبي: هو أخص من أعلمهم لإشعار التعليم بالتكرار تأكيدًا اهـ. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان بغداديان وواحد بصري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى) أي جلس وتمكن (على) ظهر (بعيره) حاله كونه (خارجًا) من المدينة (إلى سفر) قال الأبي: ولفظ كان يُشعر بتكرره منه وإذاعته (كبر) أي قال الله أكبر (ثلاثًا) من المرات، والجملة الفعلية جواب إذا الشرطية، وجملة (إذا) خبر كان (ثم) بعد ما كبر ثلاثًا (قال {سُبْحَانَ}) الله أي تنزيهًا له عن سمات النقص والحدوث وعن الأغراض والعلل ({الَّذِي سَخَّرَ}) أي ذلل ومكن ({لَنَا}) معاشر النَّاس ({هَذَا}) المركوب ({وَمَا كُنَّا}) أي والحال أنا ما كنا ({لَهُ}) أي لهذا المركوب متعلق بقوله: ({مُقْرِنِينَ}) أي مطيقين له قاله ابن عباس؛ أي قادرين على ركوبه، قال الشَّاعر: لقد علم القبائل ما عقيل ... لنا في النائبات بمقرنينا

وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزخرف: 13 - 14] اللَّهُمَّ! إِنا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى. وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى. اللَّهُمَّ! هَوِّنْ عَلَينَا سَفَرَنَا هذَا. وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ! أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بمطيقين. وقال الأخفش: ضابطين، وقال قتادة: مماثلين من القرن في القتال وهو المثل، ويحتمل أن يكون من المقارنة أي الملازمة، والمعنى هنا أي ما كُنَّا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا ({وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}) أي لراجعون للمحاسبة والمجازاة، وهذا تنبيه على المطالبة بالشكر على هذا التسخير قاله الأبي، وقال الشيخ عبد القادر الدهلوي رحمه الله تعالى في موضح القرآن إن فيه تذكير سفر الآخرة بسفر الدنيا وانتقالًا منه إليه اهـ، قال الأبي: وكذا يقوله من ركب سفينة بل هو أحرى، وكذا يقوله الراجل إلا أنه لا يقول ما يختص بالراكب كقوله: سبحان الذي سخر لنا هذا اهـ. وفي روح البيان: قال العلماء: إذا ركب في السفينة أو الباخرة أو الطائرة أو السيارة قال: "بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم" ويقال عند النزول منها: "اللهم أنزلنا منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين" كما يدل عليه قصة ركوب نوح - عليه السلام - السفينة ونزوله عنها، قال القرطبي في تفسيره: علمنا الله سبحانه وتعالى ما نقول إذا ركبنا الدواب في هذه الآية وعرّفنا في آية أخرى على لسان نوح - عليه السلام - ما نقول إذا ركبنا السفن وغيرها من كل مركوب صناعي بحري أو بري أو جوي فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت "أي ألقته على وجهه" أو طاح عن ظهرها فهلك، وكم من راكب سفينة انكسرت به فغرق اهـ من تفسير حدائق الروح والريحان فمن أراد بسط الكلام في هذه الآية فليراجعه. (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا) الذي نحن في بدايته (البر) أي العمل الصالح والخلق الحسن (والتقوى) أي الخوف الحامل على التحرز من المكروه (و) نسألك (من العمل ما ترضاه) وتقبله منا (اللهم هوّن) أي سهل (علينا سفرنا هذا) الذي نحن في بدايته (واطوِ عنا) أي لف لنا (بُعده) أي مسافته البعيدة، وفي دعوات المشكاة والمشارق (واطو لنا) وهو أمر من الطي، قال ابن الملك: وهذا عبارة عن تيسر السير له بمنح القوة اهـ (اللهم أنت الصاحب) أي صاحبنا وحافظنا (في السفر) يقال: صحبك الله؛ أي حفظك؛

وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ. اللَّهُمَّ! إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ". وَإِذَا رَجَعَ قَالهُنَّ. وَزَادَ فِيهِنَّ: "آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي صاحبنا في سفرنا بحفظك ورعايتك (و) أنت (الخليفة) الذي يخلفنا (في الأهل) أي في أهلينا بإصلاح أحوالهم بعد مغيبنا وانقطاع نظرنا عنهم أي أنت المعتمد عليه برعايتهم اهـ من المبارق، قال القرطبي: الصاحب الذي يصحبك بحفظك، والخليفة الذي يخلفك في أهلك بصلاح أحوالهم بعد انقطاع نظرك عنهم، ولا يسمى الله تعالى بالصاحب ولا بالخليفة لعدم الإذن وعدم تكرارهما في الشريعة، قلت: يريد وإنما يقال في مثل هذا كذا في شرح الأبي: (اللهم اني أعوذ) أي أستجير (بك من وعثاء السفر) -بفتح الواو وإسكان العين المهملة وبالثاء المثلثة- وبالمد أي من مشقته وشدته وتعبه، وأصله من الوعث وهو الوحل والطريق الشاق المسلك كما في المصباح (و) أعوذ بك من كآبة المنظر) أي حزن المرأى وما يسوء منه، والكآبة -بفتح الكاف وبالمد- وهي تغير النفس من حزن ونحوه؛ أي أعوذ بك من نظر في الأهل والمال يعقب حزنا بتلف بعضهم (و) من (سوء المنقلب) أي الانقلاب أي ما يسوء منه وهو بفتح اللام مصدر ميمي بمعنى الانقلاب أي من المرجع السيئ (في المال والأهل) بان يصيبهم خسران أو مرض اهـ من المبارق. (وإذا رجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره (قالهن) أي قال هذه الأدعية (وزاد فيهن) أي عليهن قوله نحن (آيبون) أي راجعون من سفرنا بالسلامة، قال ملا علي: والظاهر أن التقدير نحن آيبون الخ على وجه الإخبار تحدثًا بنعمة الله وقصدًا للثبات على طاعة الله، وهو جمع آيب اسم فاعل من آب يؤوب أوبًا ومآبًا إذا رجع، وأصل الأوبة الرجوع عما هو مذموم إلى ما هو محمود (تائبون) من ذنوبنا، جمع تائب من الذنب قاله تعليما للأمة وإلا فلا ذنب له، وقيل: المراد بذنب الأنبياء ما هو خلاف الأولى (عابدون لربنا) أي خاضعون متذللون له (حامدون) أي مثنون عليه بصفات كماله وجلاله وشاكرون عوارف أفضَاله. وشارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 144]، وأبو داود [2599]، والترمذي [3447]، والنسائي في اليوم والليلة [548]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنهم فقال:

3157 - (1258) (8) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا سَافَرَ، يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأهلِ وَالْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3157 - (1258) (8) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، الأسدي البصري (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري، ثقة، من (4) (عن عبد الله بن سرجس) -بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة- المزني البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه له (17) حديثًا. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد نسائي (قال) عبد الله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر) أي شرع في السفر (يتعوذ) أي يعتصم ويلوذ بالله (من وعثاء السفر) أي من مشقة السفر وتعبه (وكآبة المنقلب) أي حزن المنقلب والمرجع في الأهل والأولاد (و) يتعوذ من (الحور) أي النقصان (بعد الكور) بالراء أي بعد الزيادة وقيل من الخروج من الجماعة بعد أن كان فيها، وقيل من التفرق بعد الاجتماع، وأصل الحور نقض العمامة بعد لفها على الرأس، وأصل الكور من كار العمامة على رأسه يكورها كورًا أي لفها وكل دور كور أي من أن ينقلب حالنا من السراء إلى الضراء ومن الصحة إلى المرض، ويمكن أن يقال أي من التنزل بعد الترقي أو من الرجوع إلى المعصية بعد التوبة أو إلى الغفلة بعد الذكر أو إلى الغيبة بعد الحضور، ورُوي والحور بعد الكون بالنون بدل الراء أي الرجوع من الحالة المستحسنة بعد أن كان عليها، والكون الحصول على هيئة جميلة من قولهم: حار بعدما كان أي إنه كان على حالة جميلة فرجع عنها اهـ من المرقاة، قال أبو إسحاق الحربي: يقال: إن عاصمًا وَهِمَ فيه، وصوابه الكور بالراء والله أعلم اهـ مفهم (و) يتعوذ من (دعوة المظلوم) وإنما استعاذ منها لأنها مستجابة كما جاء في الصحيح ولما تضمنته من كفاية الظلم ورفعه، قال النووي: أي أعوذ بك من الظلم فإنه يترتب عليه دعاء المظلوم ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ففيه التحذير من الظلم ومن التعرض لأسبابه اهـ، قال الأبي: فالمصدر على هذا مضاف للفاعل وقد يصح أن يكون مضافًا للمفعول كما قال في حديث: "أعوذ بك أن أظلم أو أُظلم" اهـ (وسوء المنظر في الأهل والمال).

3158 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَزُهَيرُ بنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنِي حَامِد بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَندُ الْوَاحِدِ. كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ: فِي المَالِ وَالأهْلِ. وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ خَازِمٍ قَال: يَبْدَأُ بِالأَهْلِ إِذَا رَجَعَ. وَفِي رِوَايَتِهِمَا جَمِيعًا: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 82 - 83]، والترمذي [3435]، والنسائي [8/ 272]، وابن ماجه [3888]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه فقال: 3158 - (00) (00) (وحدثنا بحبى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وزهير بن حرب جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم (ح وحدثني حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي البكراوي أبي عبد الرحمن البصري قاضي كرمان، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) إلا أن في حديثه عن الأعمش وحده مقال (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعبد الواحد رويا (عن عاصم) بن سليمان الأحول (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن سرجس (مثله) أي مثل ما روى إسماعيل بن علية عن عاصم، وهذان الإسنادان من رباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعتهما لابن علية (غير أن في حديث عبد الواحد) وروايته وسوء المنظر (في المال والأهل) بتقديم المال على الأهل (وفي رواية) أبي معاوية (محمد بن خازم قال) عبد الله بن سرجس: (يبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالأهل) أي بالسلام على أهله (إذا رجع) من سفره (وفي روايتهما) أي في رواية عبد الواحد ومحمد بن خازم (جميعًا اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر) بالمضارع المسند إلى المتكلم بدل قول غيره يتعوذ من وعثاء السفر، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الرواة، وفي بعض الهوامش قوله: وفي رواية محمد بن خازم بالخاء المعجمة، وكانت النسخ كلها خطها وطبعها بالمهملة وفقني الله تعالى لتصحيحه بمنه وكرمه، ومحمد بن خازم كما يظهر من الخلاصة هو أبو معاوية المذكور سماه المؤلف بعد ما كناه، وأوقع قارئ كتابه في اشتباه ولبس أهـ منه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا فقال:

3159 - (1259) (9) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ) حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَفَلَ مِنَ الْجُيُوشِ أَو السَّرَايَا أَو الْحَجِّ أَو الْعُمْرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 3159 - (1259) (9) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) مات سنة (241) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لعبيد الله بن سعيد لا لأبي بكر بن أبي شيبة (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند أيضًا من خماسياته (قال) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل) بتقديم القاف على الفاء كرجع وزنًا ومعنى أي إذا رجع (من) الغزو سواء كان مع (الجيوش) جمع جيش وهو العسكر العظيم (أو) مع (السرايا) جمع سرية كضحايا جمع ضحية وهي دون الجيش سميت بذلك لأنها تسري بالليل، وفي الحديث: "خير الجيوش أربعة آلاف، وخير السرايا أربعمائة، ولن يغلب اثنا عشر ألفًا عن قلة" والحاصل أن المراد بالقفول من الجيوش والسرايا الرجوع من الغزو كما قررناه في حلنا (أو) قفل من (الحج أو) من (العمرة) قال الحافظ: ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث، وليس الحكم كذلك عند الجمهور، بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة رحم وطلب علم لما يشمل الجميع من اسم الطاعة، وقيل: يتعدى أيضًا إلى المباح كسفر تجارة لأن المسافر لا ثواب له فيه فلا يمتخ عليه فعل ما يحصل له الثواب، وقيل: يشرع في سفر المعصية أيضًا كسفر ناشزة وآبق وقاطع طريق لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وهذا التعليل متعقب لأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا في معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان

إِذَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ، كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَال: "لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شَيءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ. لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعقب الصلاة، وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها اهـ. (قلت): ولعل سفر الهجرة يندرج عنده في إحداها (إذا أوفى) أي ارتفع وعلا (على ثنية) -بمثلثة ثم نون ثم تحتانية مشددة- هي العقبة وقال القرطبي: الثنية الهضبة وهي الكوم دون الجبل (أو) على (فدفد) -بفاءين مفتوحتين بينهما دال ساكنة- وهو ما غلظ من الأرض وارتفع، وقيل: هو الفلاة التي لا شيء فيها من شجر وغيره، وقيل: غليظ الأرض ذات الحصى، وجمعه فدافد (كبر ثلاثًا) من المرات وتكبيره صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع المرتفعة إشعار بأن أكبرية كل كبير إنما هي منه وأنها محتقرة بالنسبة إلى أكبريته تعالى وعظمته (ثم قال) صلى الله عليه وسلم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وتوحيد الله تعالى هناك إشعار بانفراده بإيجاد جميع الموجودات وبأنه المألوه أي المعبود في كل الأماكن من الأرضين والسموات كما قال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف / 84] قال الحافظ: يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع، ويحتمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعًا أكمل الذكر المذكور فيه وإلا فإذا هبط سبح كما يدل عليه حديث جابر، ويحتمل أن يكمل الذكر مطلقًا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط، قال القرطبي: وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن اهـ (له) لا لغيره (الملك) أي ملك السماوات والأرض وغيرهما، والملك -بضم الميم وكسرها- أصله الشد والربط، والمُلك بالضم يتضمن الملك بالكسر ولا ينعكس (وله الحمد وهو على كل شيء قدير) نحن (آيبون) أي راجعون إلى الله تعالى أي إلى طاعته (تائبون) من ذنوبنا (عابدون) له تعالى بجميع أنواع العبادات (ساجدون لربنا حامدون) له تعالى (صدق الله وعده) لمحمد صلى الله عليه وسلم بإظهار دينه (ونصر عبده) محمدأ صلى الله عليه وسلم يوم بدر (وهزم الأحزاب وحده) من غير قتال والمراد أحزاب يوم الخندق فارسل عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها، وفي حديث جابر كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا تصوبنا سبحنا، قال المهلب: تكبيره صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله تعالى وعندما يقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شيء وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونس - عليه السلام - فإن بتسبيحه في بطن الحوت نجاه الله من الظلمات فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه الله تعالى منها، وقيل: مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه فناسب تنزيه الله تعالى عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة. قوله: (آيبون) جمع آئب كراجع وزنًا ومعنى كما مر وهو خبر لمبتدإ محذوف تقديره نحن آيبون، وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة كذا في الفتح، وقال العيني: (آئبون) أي راجعون إلى الله، وفيه إيهام معنى الرجوع إلى الوطن اهـ، قوله: (تائبون) قال الحافظ: فيه إشارة إلى التقصير في العبادة، وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليمًا لأمته أو المراد أمته كما تقدم، وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يكون منهم ذنب، قوله: (صدق الله وعده) أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} قال عياض: فهو تكذيب لقول المنافقين: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلا غُرُورًا} وقوله: (ونصر عبده) يريد نفسه، قوله: (وهزم الأحزاب وحده) أي من غير فعل أحد من الآدميين، واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل: هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب، وقيل: المراد ما هو أعم من ذلك، وقال النووي: المشهور الأول. وفي الحديث من الفقه استعمال حمد الله تعالى والإقرار بنعمه والخضوع له والثناء عليه عند القدوم من الحج والجهاد على ما وهب من تمام المناسك وما رزق من النصر على العدو والرجوع إلى الوطن سالمين، وكذلك إحداث حمد الله تعالى والشكر له على ما يحدث لعباده من نعمه فقد رضي عن عباده الإقرار له بالوحدانية والخضوع له بالربوبية

3160 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بنُ حَرْب. حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيةَ) عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. إِلَّا حَدِيثَ أَيوبَ. فَإِن فِيهِ التكْبِيرَ مَرَّتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والحمد والشكر عوضًا عما وهبهم من نعمه تفضلًا عليهم ورحمة لهم، وفيه بيان أن نهيه عن السجع في الدعاء على غير التحريم لوجود السجع في دعائه ودعاء أصحابه، ويحتمل أن يكون نهيه عن السجع مختصًا بوقت الدعاء خشية أن يشتغل الداير بطلب الألفاظ المناسبة للسجع ورعاية الفواصل عن إخلاص النية وإفراغ القلب في الدعاء والاجتهاد فيه اهـ من فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6385]، وأبو داود [2775]، والترمذي [0 95]، ومالك في الموطأ [1/ 421]، والنسائي في اليوم والليلة [540]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3160 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني ابن علية عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى القزاز المدني، ثقة ثبت، من كبار (10) روى عنه في (10) أبواب (عن مالك) بن أنس المدني (ح وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري مولاهم النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني، صدوق يهم، من (7) كلهم) أي كل من أيوب ومالك والضحاك رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقوا (بمثله) أي بمثل حديث عبيد الله عن نافع، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبيد الله بن عمر وكل هذه الأسانيد من خماسياته (إلا حديث أيوب فإن فيه التكبير مرتين) لا ثلاثًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهم فقال:

3161 - (1260) (10) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ، وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَى نَاقَتِهِ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَال: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ" فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. 3162 - (00) (00) وحدّثنا حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3161 - (1260) (10) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (قال) يحيى (قال أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي (أقبلنا) أي قدمنا من السفر (مع النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبو طلحة) الأنصاري زوج أم سليم أم أنس، اسمه زيد بن سَهْل (وصفية) بنت حيي أم المؤمنين؛ أي والحال أن صفية بنت حيي (رديفته) صلى الله عليه وسلم أي راكبة خلفه صلى الله عليه وسلم (على ناقته) صلى الله عليه وسلم (حتى إذا كنا بظهر المدينة) وأعلاها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن (آيبون) أي راجعون من سفرنا بالسلامة (تائبون) من ذنبنا (عابدون لربنا حامدون) له تعالى على نعمه (فلم يزل) النبي صلى الله عليه وسلم (يقول ذلك) الذكر المذكور (حتى قدمنا المدينة) ودخلناها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 187]، والبخاري [3085]، والنسائي في اليوم والليلة [551]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3162 - (00) (00) (وحدثنا حميد بن مسعدة) بن المبارك الباهلي أبو علي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي البصري (عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق بشر بن المفضل (بمثله) أي بمثل حديث ابن علية، غرضه بيان متابعة بشر لابن علية.

3163 - (1261) (11) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيفَةِ. فَصَلَّى بِهَا. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3163 - (1261) (11) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ) -بالنون والخاء المعجمة- أي أبرك بعيره ونزل (بالبطحاء) أي بالحصباء (التي بذي الحليفة) وهي المسماة بمعرَّس ذي الحليفة بصيغة اسم المفعول، عرس به النبي صلى الله عليه وسلم أي نزل فيه واستراح في آخر الليل (فصلى بها) أي في تلك البطحاء الصبح ثم ارتحل ودخل المدينة، قيل: يحتمل أن تكون الصلاة للإحرام ويحتمل أن تكون للفريضة يعني الصبح، ثم إن هذا النزول يحتمل أن يكون في الذهاب وهو الظاهر من تصرف البخاري، ويحتمل أن يكون في الرجوع ويؤيده حديث ابن عمر الذي يأتي في الباب من طريق موسى بن عقبة ويمكن الجمع بأنه كان يفعل الأمرين ذهابًا وإيابًا والله أعلم. قال النووي: والنزول بالبطحاء بذي الحليفة في رجوع الحاج ليس من مناسك الحج وإنما فعله من فعله من أهل المدينة تبركًا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها بطحاء مباركة، قال: واستحب مالك النزول والصلاة فيه وأن لا يجاوز حتى يصلي فيه وإن كان في غير وقت صلاة مكث حتى يدخل وقت الصلاة فيصلي، قال: وقيل إنما نزل به النبي صلى الله عليه وسلم في رجوعه حتى يصبح لئلا يفجأ الناس أهاليهم ليلًا كما نهى عنه صريحًا في الأحاديث المشهورة والله أعلم اهـ، ومعنى ذلك أن الرجل إذا فجأ أهله ليلًا من سفره ربما وجدها على حالة يستقذرها من الشعث والتفل ورثاثة الهيئة فيكون ذلك سببًا لفقد الألفة وعدم الصحبة، وهذا منه صلى الله عليه وسلم إرشاد إلى أمر مصلحي ينبغي للأزواج أن يراعوه، قال نافع: (وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) المذكور من النزول بالبطحاء والصلاة فيها ثم دخول المدينة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 28]، والبخاري [1576]، ومالك في الموطإ [1/ 405]، وأبو داود [2044]، والنسائي [5/ 126 - 127].

3164 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ المُهَاجِرِ الْمصْرِيُّ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُنِيخُ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيفَةِ. التِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا. ويُصَلِّي بِهَا. 3165 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنِي أَنَسٌ (يَعْنِي أَبَا ضَمْرَةَ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ، إِذَا صَدَرَ مِنَ الْحَجِّ أَو الْعُمْرَةِ، أَنَاخَ بِالبَطحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيفَةِ. التِي كَانَ يُنِيخُ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3164 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي (المصري أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (واللفظ) الآتي (له) أي لقتيبة لا لمحمد بن رمح (قال) قتيبة (حدثنا ليث عن نافع قال: كان ابن عمر ينيخ) أي يبرك بعيره (بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينيخ بها) ناقته (وبصلي بها) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان شديد الاتباع للسنة. وهذان السندان من رباعياته غرضه بيان متابعة ليث لمالك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3165 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي (المسيبي) نسبة إلى جده المسيب بن السائب أبو عبد الله المدني نزيل بغداد، ثقة، من (10) (حدثني أنس) بن عياض بن ضمرة -بفتح الضاد وسكون الميم- الليثي (يعني أبا ضمرة) المدني، ثقة، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (عن نافع أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لليث بن سعد (كان) ابن عمر (إذا صدر) أي رجع (من الحج أو العمرة أناخ) أي أبرك بعيره (بالبطحاء التي) كانت (بدي الحليفة التي) بدل من التي الأولى أو صفة ثانية للبطحاء أي بالبطحاء التي (كان ينيخ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ناقته حين صدر من الحج، وقوله: (صدر) أي رجع،

3166 - (1262) (12) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُوسَى (وَهُوَ ابْنُ عُقْبَةَ)، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ فِي مُعَرَّسِهِ بِذِي الْحُلَيفَةِ. فَقِيلَ لَهُ: "إِنَّكَ بِبَطحَاءَ مُبَارَكَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصدر الموضع الذي يصدر منه، وبه سُمي المصدر النحوي و (الإناخة) تنويخ الإبل يقال: أنخت الجمل فبرك ولا يقال: فناخ اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال: 3166 - (1262) (12) (وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني كوفي الأصل، صدوق، من (8) (عن موسى وهو ابن عقبة) بن أبي عياش المدني، ثقة، من (5) (عن سالم) بن عبد الله بن عمر المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر المكي العدوي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مكيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي) -بضم الهمزة وعلى صيغة المبني للمجهول- أي أتاه آت من الملإ الأعلى (في معرسه) -بضم الميم وفتح الراء المشددة- أي في موضع تعرسه واستراحته الكائن (بدي الحليفة) قال الخطابي: والتعريس نزول استراحة لغير إقامة وأكثر ما يكون في آخر الليل خصه بذلك الأصمعي والخليل وغيرهما، وقال أبو زيد: عرس القوم في المنزل نزلوا به أي وقت كان من ليل أو نهار، والأول أقرب، وقال الحافظ: والمعرس مكان معروف على ستة أميال من المدينة ووادي العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال اهـ (فقيل له) أي قال له ذلك الآتي من ربه (إنك) يا محمد (ببطحاء مباركلة) والرواية التالية في معرسه من ذي الحليفة أي وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي فقيل: إنك ببطحاء مباركة، والمفهوم من شروح البخاري أن المراد بالوادي وادي العقيق الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم كما في (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العقيق واد مبارك) من صحيحه أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك. وفي (باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة) منه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس، وأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى

3167 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكارِ بْنِ الرَّيَّانِ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ (وَاللَّفْظُ لِسُرَيجٍ) قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ، وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي. فَقِيلَ: "إِنكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ". قَال مُوسَى: وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللهِ يُنِيخُ بِهِ. يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة يصلي في مسجد الشجرة وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح وكل من الشجرة والمعرس موضع على طريق من أراد الذهاب من المدينة إلى مكة على ستة أميال من المدينة، لكن المعرس أقرب كمافي فتح الباري، ووادي العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال كما مر آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 87]، والبخاري [1575]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3167 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بكار بن الريان) -بتشديد التحتانية- الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (وسريج) مصغرًا (بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي العابد، ثقة، من (10) روى عنه في أحد عشر بابا (11) (واللفظ) الآتي (لسريج قالا: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (8) (أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش المدني، ثقة، من (5) (عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه) عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن جعفر لحاتم بن إسماعيل (أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي) بالبناء للمجهول أي أتاه آت من ربه (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (في معرسه من ذي الحليفة) حالة كون ذلك المعرس (في بطن الوادي) أي وادي العقيق (فقيل) له صلى الله عليه وسلم: أي قال له قائل من ربه (أنك ببطحاء مباركة، قال موسى) بن عقبة بالسند السابق (وقد أناخ بنا سالم) بعيره (بالمناخ) الذي (من المسجد) أي عند المسجد، وقوله: (الذي كان عبد الله) بن عمر (ينيخ به) أي يبرك فيه بعيره صفة ثانية للمناخ، وقوله: (يتحرى) ويقصد عبد الله (معرس

رَسُولِ اللهِ صَلَّى النهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي. بَينَهُ وَبَينَ الْقِبْلَةِ. وَسَطًا مِنْ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي موضع نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستراحة حال من عبد الله (وهو) مبتدأ أي معرس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذلك المناخ (أسفل) بالرفع خبر المبتدإ، ويجوز نصبه على الظرفية أي كائن في مكان أسفل (من المسجد) أي من المصلى (الذي) اتخذ (ببطن الوادي) والمراد بالمسجد المصلى الذي كان هناك في ذلك الزمان اهـ ابن حجر، ومعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم كائن (بينه) أي بين ذلك المسجد (وبين القبلة) حالة كون ذلك المعرس (وسطًا من ذلك) أي متوسطا بين ذلك أي بين الجانبين أي بين القبلة والمسجد، وفي فتح الملهم: أن الضمير في قوله: بينه للمسجد يعني أن معرسه صلى الله عليه وسلم كان بين المسجد وبين القبلة والله أعلم اهـ. وأتى بقوله: وسطا بعد قوله بين وإن كان معلومًا منه ليبين أنه في حال الوسط من غير قرب لأحد الجانبين ذكره العيني عن الكرماني وانتحله القسطلاني. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث، الأول: حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث عبد الله بن سرجس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عبد الله بن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث ابن عمر الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث ابن عمر الأخير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

517 - (3) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف به عريان وفضل يوم عرفة وثواب الحج والعمرة

517 - (3) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف به عريان وفضل يوم عرفة وثواب الحج والعمرة 3168 - (1263) (13) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيَبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونس؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: بَعَثَنِي أبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْحَجَّةِ التِي أَمَّرَهُ عَلَيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 517 - (3) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف به عريان وفضل يوم عرفة وثواب الحج والعمرة 3168 - (1263) (13) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (ح وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (أن ابن شهاب أخبره عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من سداسياته (قال) أبو هريرة: (بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره) أي أمَّر أبا بكر (عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جعله أميرًا على الحجاج فيها في السنة التاسعة، قال الطحاوي في مشكل الآثار: هذا مشكل لأن الأخبار في هذه القصة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث أبا بكر بذلك ثم أتبعه عليًّا فأمره أن يؤذن فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى علي، ثم أجاب بما حاصله أن أبا بكر كان الأمير على الناس في تلك الحجة بلا خلاف وكان علي هو المأمور بالتأذين بذلك وكان عليًّا لم يطق التأذين بذلك وحده واحتاج إلى من يعينه على ذلك فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه على ذلك، ثم ساق من طريق المحرَّر بن أبي هريرة عن أبيه قال: كنت مع علي رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة فكنت أنادي معه بذلك حتى يصحل صوتي وكان هو ينادي قبلي حتى يعيى، وأخرجه

قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فِي رَهْطٍ، يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: "لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيتِ عُرْيَانٌ". قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَ حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد أيضًا وغيره من طريق مُحرَّر بن أبي هريرة فالحاصل أن مباشرة أبي هريرة لذلك كانت بأمر أبي بكر وكان يُنادي بما يُلقيه إليه علي مما أمر بتبليغه اهـ (قبل حجة الوداع) قال ابن القيم في الهدي: ويستنبط منه أنها كانت سنة تسع لأن حجة الوداع كانت سنة عشر اتفاقًا، وذكر ابن إسحاق أن خروج أبي بكر كان في ذي القعدة، وذكر الواقدي أنه خرج في تلك الحجة مع أبي بكر ثلاثمائة من الصحابة وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة، قال الحافظ رحمه الله: وقد وقفت ممن سمي ممن كان مع أبي بكر في تلك الحجة على أسماء منهم سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله والله أعلم اهـ فتح الملهم. وقوله: (في رهط) أي مع جماعة متعلق ببعثني مع جماعة (يؤذنون) أي ينادون (في الناس يوم النحر) والمراد بالتاذين الإعلام وهو اقتباس من قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إعلام؛ أي ينادون بقولهم: (لا يحج بعد العام) أي بعد الزمان الذي وقع فيه الإعلام بذلك (مشرك) قال الحافظ: هو منتزع من قوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام ولو لم يقصدوا الحج ولكن لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه فيكون ما وراءه أولى بالمنع، والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله (ولا يطوف بالبيت عريان) قال النووي: هذا إبطال لما كانت عليه الجاهلية من الطواف بالبيت عراة اهـ وقال أيضًا: ولا يُمَكَّنُ مشرك من دخول الحرم بحال حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكن من الدخول بل يخرج إليه من يقضي الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات نبش وأُخرج من الحرم اهـ، وقال العيني: وكذلك لا يمكن أهل الذمة من الإقامة بعد ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، قاله في مرض موته صلى الله عليه وسلم. قوله: (ولا يطوف بالبيت عريان) ذكر ابن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشًا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانًا، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام فهدم ذلك كله اهـ. (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فكان حميد بن عبد الرحمن يقول يوم النحر)

يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ. مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ. 3169 - (1264) (14) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يُوسُفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي وقع فيه الأذان هو (يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة) هذا يعني الذي ذكر في سورة التوبة وصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر كما في الكشاف وغيره، وأما تسمية الحج الموافق يوم عرفة فيه ليوم الجمعة بالأكبر فلم يذكروها وإن كان ثواب ذلك الحج أكثر كما في حديث في ذلك اهـ من بعض الهوامش، وهذا قول حميد استنبطه من قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} ومن مناداة أبي هريرة بذلك بامر أبي بكر يوم النحر فدل على أن المراد بيوم الحج الأكبر هو يوم النحر لأن أعماله يتم فيه، قال الحافظ في حديث ابن عمر عند أبي داود: وأصله في هذا الصحيح رفعه: أي يوم هذا؟ قالوا: هذا يوم النحر، قال: "هذا يوم الحج الأكبر" واختلف في المراد بالحج الأصغر فالجمهور على أنه العمرة وصل ذلك عبد الرزاق من طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين، ووصله الطبري عن جماعة منهم عطاء والشعبي اهـ، وعن ابن مسعود قال: (أمرتم بإقامة أربع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت والحج الحج الأكبر والعمرة الحج الأصغر) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 299]، والبخاري [369]، وأبو داود [1946]، والنسائي [234]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3169 - (1264) (14) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري (قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني، صدوق، من (7) (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري (قال) بكير بن عبد الله (سمعت يونس بن يوسف) بن حماس -بكسر المهملة وتخفيف الميم آخره مهملة- المدني، روى عن سعيد بن المسيب في الحج، وسليمان بن يسار في الجهاد، ويروي عنه (م س ق) وبكير بن الأشج وابن

يَقُولُ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ. قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ. فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هؤُلاءِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ جريج ومالك والدراوردي وغيرهم، وثقه النسائي وابن حبان، وقال البزار: صالح الحديث، وقال أبو حاتم: محله الصدق لا بأس به وكان من عباد أهل المدينة، لمح يوما امرأة فدعا الله تعالى فاذهب عينه ثم دعا فرد عليه بصره، وقال في التقريب: ثقة عابد، من السادسة (يقول) أي يحذث (عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن بوزن سهل القرشي المخزومي أبي محمد المدني الأعور سيد التابعين وأحد العلماء والفقهاء السبعة بالمدينة، ثقة ثبت، من كبار (2) الثانية (قال) ابن المسيب: (فالت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وأيلي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما) حجازية (من) زائدة (يوم) اسم ما (أكثر) خبرها (من) زائدة في تمييز اسم التفضيل (أن يعتق الله) سبحانه وتعالى (فيه) أي في ذلك اليوم (عبدًا من النار) متعلق بالإعتاق (من يوم عرفة) متعلق باكثر، والتقدير ما يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة، وفي المباردتى من الأولى والثانية زائدتان ومن يوم عرفة متعلق باكثر اهـ وتبيينه أن ما بمعنى ليس، ويوم اسمها فهو في محل الرفع، وإن كان لفظه مجرورًا بمن الزائدة الاستغراقية، وخبرها أكثر فهو منصوب على لغة الحجاز ومرفوع على لغة تميم، ومن الثانية أيضًا زائدة، وأن يعتق الله مؤول بالمصدر في موضع التمييز، ومن الثالثة متعلقة بيعتق، ومن الرابعة متعلقة بأكثر؛ والمعنى ليس يوم أكثر إعتاقًا فيه من النار من يوم عرفة، وفي المشكاة فما من يوم أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة، قال في المرقاة: أي بعرفات. (وإنه) سبحانه وتعالى (ليدنو) بأهل الموقف دنوًا يليق به نثبته ونعتقده لا نكفيه ولا نمثله أي يقرب إليهم (ثم يباهي) الله سبحانه وتعالى أي يفاخر (بهم) أي بأهل الموقف (الملائكة) الكرام مباهاة تليق به نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها (فيقول) الله سبحانه وتعالى للملائكة: (ما أراد هولاء) أي أي شيء أراد هؤلاء الواقفون بعرفة وهذا هو مذهب السلف الأسلم الأعلم الذي نلقى عليه الرب جل جلاله، وقال النووي: قوله: (وإنه ليدنو) أي تدنو رحمته وكرامته لا دنو مسافة ومماسة اهـ قوله: (ثم يباهي بهم

3170 - (1265) (15) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَي مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالِحِ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفارَة لِمَا بَينَهُمَا. وَالْحَجُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الملائكة) المراد بمباهاته بالحجاج رضاوْه عنهم وثناؤه عليهم كما في حديث المشكاة (انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق أشهدكم أني غفرت لهم) قوله: (يقول ما أراد هؤلاء) إشارة إلى الواقفين بعرفات أي أي شيء أراد هؤلاء حيث تركوا أهلهم وأوطانهم وصرفوا أموالهم وأتعبوا أبدانهم أي ما أرادوا إلا المغفرة والرضا والقرب واللقاء، ومن جاء هذا الباب لا يخشى الرد أو التقدير ما أراد هؤلاء فهو حاصل لهم ودرجاتهم على قدر مراداتهم ونياتهم أو أي شيء أراد هؤلاء أي شيئًا يسيرًا سهلًا عندنا إذ مغفرة كف من التراب لا يتعاظم عند رب الأرباب كذا في المرقاة، قال الأبي: لما كان الاستفهام محالا على الله تعالى تأولوه بذلك، ويحتمل أنه استنطاق اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [5/ 251]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3170 - (1265) (15) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن سمي) مصغرًا (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمرة) المنضمة (إلى العمرة) الأخرى كفارة لما بينهما) أي لما وقع بين العمرتين من الصغائر، وهذا ظاهر في فضيلة العمرة وأنها مكفرة للخطايا الواقعة بين العمرتين، وقال ابن التين: قوله: العمرة إلى العمرة يحتمل أن تكون إلى بمعنى مع فيكون التقدير والعمرة مع العمرة مكفرة لما بينهما، وأشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر، قال: وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك ثم بالغ في الإنكار عليه، واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة؟ والجواب أن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية اهـ.

الْمَبْرُورُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافًا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال مرة في الشهر من غيرهم واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب وتعقب بان المندوب لم ينحصر في أفعاله فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته وقد ندب إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد، واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسًا بأعمال الحج إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرم عن أحمد إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة: وهذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام اهـ. (والحج المبرور) أي المقبول المقابل بالبر وهو الثواب يقال كما في المصباح: بر الله تعالى حجه أي قبله وبابه علم أو الذي لم يخالطه ذنب أو لا رياء فيه ولا سمعة ولا شهرة ولا تسمية باسم الحاج فيه، قال ابن خالويه: المبرور المقبول، وقال غيره: هو الذي لم يخالطه شيء من الذنب ورجحه النووي، وقال القرطبي: الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه هو الحج الذي توفرت أحكامه ووقع موقعًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل والله أعلم، وقيل إنه يظهر بآخره فإن رجع خيرًا مما كان عُرف أنه مبرور، ولأحمد والحاكم من حديث جابر قالوا: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: "إطعام الطعام، وإفشاء السلام" وفي إسناده ضعف، فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره كذا في الفتح. (قلت): وفي مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قيل: وما بره؟ قال: "إطعام الطعام، وطيب الكلام" رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن اهـ وقال ابن العربي: وقيل هو "أي الحج المبرور" الذي لا معصية بعده، قال الأبي: وهو الظاهر لقوله في الآخر: "فمن حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق " إذ المعنى حج ثم لم يفعل شيئًا من ذلك ولهذا عطفها بالفاء المشعرة بالتعقيب، وإذا فُسر بذلك كان الحديثان بمعنى واحد وتفسير الحديث بالحديث أولى اهـ. (فإن قلت): المرتب على المبرور غير المرتب على عدم الرفث والفسق لأن

لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ". 3171 - (00) (00) وحدّثناه سَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأمويُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ سُهَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المرتب على المبرور هو دخول الجنة وهو أخص من الرجوع بلا ذنب لأن المراد بدخولها الدخول الأول والدخول الأول لا يكون إلا مع مغفرة كل الذنوب السابقة واللاحقة والرجوع بلا ذنب إنما هو تكفير السابقة (قلت): وإذا فسر المبرور بذلك فُسر الرجوع بلا ذنب بأنه كناية عن دخول الجنة الدخول الأول المذكور، قال ابن بزيزة: قال العلماء: شرط الحج المبرور حلية النفقة فيه، وقيل لمالك: رجل سرق مالًا فتزوج به أيضًارع الزنا؛ قال: إي والذي لا إله إلا هو وسئل عمن حج بمال حرام؟ فقال: حجه مجزئ وهو آثم بسبب جنايته. وبالحقيقة لا يرقى إلى العالم المطهر إلا المطهر (قلت): القبول أخص من الإجزاء لأن القبول عبارة عن ترتب الثواب على الفعل والإجزاء عبارة عن سقوط القضاء فلذلك قال: يجزئ وهو آثم (ليس له جزاء إلا الجنة) قال النووي: معناه أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة والله أعلم؛ أي دخولًا أوليًا اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 462]. والبخاري [1773]، والنسائي [5/ 115]، وابن ماجه [2888]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3171 - (00) (00) (وحدثناه سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني الأصل نزيل مكة، ثقة، من (10) (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد وزهير بن حرب قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثني محمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عبد الرحمن (الأموي) الأبلي أبو عبد الله البصري، صدوق، من كبار (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني، صدوق، من (6) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (ح وحدثنا أبو كريب)

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. كُل هؤُلاءِ عَن سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 3172 - (1266) (16) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا وَقَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "مَنْ أَتَى هذَا الْبَيتَ فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن العلاء (حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (جميعًا) أي كل من وكيع وعبد الرحمن رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (كل هؤلاء) المذكورين من سفيان بن عيينة وسهيل وعبيد الله وسفيان الثوري، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك في رواية هذا الحديث (عن سمي) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن (عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقوا (بمثل حديث مالك) عن سمي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له فقال: 3172 - (1266) (16) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وزهير بن حرب قال يحيى: أخبرنا وقال زهير: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما نسائي أو نيسابوري (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى هذا البيت) المكرم يعني الكعبة؛ والمراد بإتيانه الحج منه، وفي رواية للبخاري من حج هذا البيت (فلم يرفث) أي لم يجامع في حجه (ولم يفسق) أي ولم يذنب فيه (رجع) من ذنوبه (كما ولدته أمه) أي مشابهًا حاله بحاله وقت ولادة أمه إياه أي نقيًا من الذنوب، قوله: فلم يرفث بتثليث الفاء في المضارع والماضي لكن الأفصح الضم في المضارع والفتح في الماضي،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرفث الجماع أو الفحش في القول أو خطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع، وقال الأزهري: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة (قوله: ولم يفسق) بضم السين من باب نصر أي لم يات بمعصية ولا سيئة اهـ قسط، وقال ملا علي: أي لم يفعل فيه كبيرة، ولا أصر على صغيرة، ومن الكبائر ترك التوبة عن المعاصي، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} اهـ وفسر ابن الملك الفسق بالخروج عن حد الاستقامة اهـ وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال فِي الْحَجِّ} الرفث إتيان النساء، والفسوق السباب، والجدال المراء مع الرفقاء والمكارين، ولم يذكر في الحديث الجدال في الحج اعتمادًا على الآية، ويحتمل أن يكون ترك الجدال قصدًا لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج لما يظهر من الأدلة أو المجادلة بطريق التعميم فلا تؤثر أيضًا لأن الفاحش منها دخل في عموم الرفث والحسن منها ظاهر في عدم التأثير والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضًا قاله في فتح الباري، والفاء في قوله: فلم يرفث عاطفة على الشرط، وجوابه قوله: (رجع كيوم ولدته أمه) بجر يوم على الإعراب وبفتحه على البناء وهو المختار في مثله لأن صدر الجملة المضاف إليها مبني أي رجع مشابهًا لنفسه يوم ولادته في أنه يخرج بلا ذنب كما خرج بالولادة نقيًا وهو يشمل الصغائر والكبائر والتبعات، قال الطبري: إنه محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها، وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله خاصة دون العباد ولا تسقط الحقوق أنفسها فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه لأنها حقوق لا ذنوب إنما الذنوب تأخيرها فنفس التأخير يسقط بالحج لا هي أنفسها فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر فالحج المبرور يُسقط إثم المخالفة لا الحقوق اهـ إرشاد الساري. (فائدة): قال القرطبي: المجادلة في الآية المخاصمة فيما لا يليق اهـ وقيل: هي المماراة مع الرفقاء والخدم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 484]، والبخاري [1820]، والترمذي [811]، والنسائي [5/ 114]، وابن ماجه [2889]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:

3173 - (00) (00) وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبِي الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَبر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُل هؤُلاءِ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ". 3174 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3173 - (00) (00) (وحدثناه سعيد بن منصور) بن شعبة المكي (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (وأبي الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن مسعر) بن كدام الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) (وسفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة كل هولاء) الخمسة المذكورين من أبي عوانة وأبي الأحوص ومسعر وسفيان وشعبة رووا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن منصور، وقوله: (بهذا الإسناد) يعني عن أبي حازم عن أبي هريرة متعلق بما عمل في المتابع (و) لكن (في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الخمسة (جميعًا: من حج فلم يرفث ولم يفسق) بدل رواية جرير (من أتى هذا البيت) الخ. ثم ذكر رحمه الله المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3174 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) المكي (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن سيار) بن وردان أبي الحكم العنزي الواسطي ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق سيار (مثله) أي مثل حديث منصور عن أبي حازم، غرضه بيان متابعة سيار لمنصور في الرواية عن أبي حازم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول منها: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الأخير ذكره للاستشهاد للحديث الذي قبله وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

518 - (4) باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها وجواز إقامة المهاجر بمكة ثلاثة أيام بعد فراغه من الحج أو العمرة

518 - (4) باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها وجواز إقامة المهاجر بمكة ثلاثة أيام بعد فراغه من الحج أو العمرة 3175 - (1267) (17) حدثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَلِى بْنَ حُسَينِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفانَ أَخْبَرَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ، أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَال: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 518 - (4) باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها وجواز إقامة المهاجر بمكة ثلاثة أيام بعد فراغه من الحج أو العمرة 3175 - (1267) (17) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري (أن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبا الحسين زين العابدين المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن عمرو بن عثمان بن عفان) بن أبي العاص الأموي المدني، روى عن أسامة بن زيد في الحج والفرض، وعن أبيه، ويروي عنه (ع) وعلي بن الحسين وأبو الزناد وهو راوي حديث: "لا يرث المسلم الكافر" وثقه ابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (أخبره عن أسامة بن زيد بن حارثة) حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (أنه) أي أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما (قال) في حجة الوداع أو في فتح مكة، وفي فتح الملهم اختلف الروايات في وقوع هذا السؤال، والجواب هل كان في فتح مكة أو في حجة الوداع، وتقدم بسط البحث فيه في باب استحباب نزول المحصب فليراجع (يا رسول الله أتنزل) غدًا (في دارك بمكة) أخرج الفاكهي هذا الحديث من طريق محمد بن أبي حفصة وقال في آخره: ويقال: إن الدار التي أشار إليها كانت دار هاشم بن عبد منات، ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين وُلْده حين عمّر فمن ثم صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله، وفيها وُلِد النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور) وهذا الاستفهام إنكاري معناه النفي أي ما ترك لنا عقيل شيئًا من ذلك، واختلف الرواة هل كان هذا القول في فتح مكة أو في حجة الوداع كما مر آنفًا فروي عن

وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ. وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ شَيئًا. لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَينِ. وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهري كل ذلك، ويحتمل أن يكون تكرر هذا السؤال والجواب في الحالتين وفيه بُعد اهـ من المفهم. قوله: (أتنزل في دارك بمكة) أي التي هي حقك من أبيك عبد الله المنتقل إليه من أبيه عبد المطلب بتقسيمه بين أولاده ما ورثه من أبيه هاشم ولذلك أضافها صلى الله عليه وسلم إلى نفسه في قوله: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور، وقيل: إن أصلها كان لأبي طالب الذي كفله ولأنه أكبر ولد عبد المطلب فاحتوى على أملاك عبد المطلب وحازها وحده لسنة على عادة الجاهلية فتكون الاضافة على هذا مجازية لسكناه صلى الله عليه وسلم إياها، قوله: (وهل ترك لنا عقيل) -بفتح العين المهملة- ابن أبي طالب (من رباع) بكسر الراء جمع ربع بفتخ الراء وسكون الموحدة كسهم وسهام، والربع كما في المصباح محلة القوم ومنزلهم، وقيل: هو المنزل المشتمل على أبيات، وقيل هو الدار فعلى هذا فقوله أو دور عطف مرادف (أو دور) جمع الدار أي وهل ترك لنا عقيل شيئًا منازل أو ديار، وكلمة أو إما ترديد من النبي صلى الله عليه وسلم أو شك من الراوي؛ والمراد بعقيل عقيل بن أبي طالب أخو سيدنا علي رضي الله عنه وكان قد استولى هو وأخوه طالب على الديار كلها إرثًا من أبيهما بجامع الكفر وعداء على حقه صلى الله عليه وسلم وحق من هاجر من بني عبد المطلب لتركهم حقوقهم بالهجرة كما فعل أبو سفيان وغيره بدور من هاجر من المؤمنين، وفقد أخوه طالب ببدر فانفرد عقيل بحيازة الديار كلها فباعها، قال ابن الملك: وفي الحديث دلالة على أن الكافر إذا استولى على أموال المسلمين وأحرزها إلى دار الحرب ملكها، وعلى أن بيع دور مكة جائز وإليه ذهبت الأحناف، وفي رواية عن أبي حنيفة يكره بيع الأرض فيها (وكان عقيل ورث أبا طالب هو و) أخوه (طالب ولم يرثه جعفر ولا علي شيئًا لأنهما كانا مسلمين) ولوكانا وارثين لنزل - عليه السلام - في دورهما وكانت كانها ملكه بإيثارهما إياه على أنفسهما اهـ إرشاد (وكان عقيل وطالب كافرين) أما عقيل فاسلم أخيرا، قال في الإصابة: تأخر إسلامه إلى عام الفتح، وقيل: أسلم بعد الحديبية، وكان أُسر يوم بدر ففداه عمه العباس، مات بالمدينة قبل وقعة الحرة، وأما طالب فقد ذُكر أنه فقد يوم بدر كما مر آنفا اهـ من بعض

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش، قال الحافظ: ومحصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدور كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما، وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدر، فباع عقيل الدور كلها اهـ. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل من دار" فيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه أن مكة فتحت صلحًا وأن دورها مملوكة لأهلها لها حكم سائر البلدان في ذلك فتُورث عنهم ويجوز لهم بيعها ورهنها وإجارتها وهبتها والوصية بها وسائر التصرفات، وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وآخرون: فتحت عنوة فلا يجوز شيء من هذه التصرفات، وفيه أن المسلم لا يرث الكافر وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن إسحاق بن راهويه وبعض السلف أن المسلم يرث الكافر، وأجمعوا على أن الكافر لا يرث المسلم وستأتي المسألة مبسوطة في موضعها إن شاء الله تعالى والله أعلم. واختلف في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلًا على ما يخصه هو فقيل: ترك له ذاك تفضلًا عليه، وقيل: استمالة له وتأليفًا، وقيل: تصحيحًا لتصرفات الجاهلية كما تصحح أنكحتها، وفي قوله: (وهل ترك لنا عقيل من دار) إشارة إلى أنه لو تركها بغير بيع لنزل فيها، وفيه تعقب على الخطابي حيث قال: إنما لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم فيه لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة فلم ير أن يرجع في شيء تركه لله تعالى، وفي كلامه نظر لا يخفى والأظهر ما قدمته وأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها لا مجرد نزوله في دار يملكها إن أقام المدة الماذون له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده والله أعلم، قوله: (ولم يرثه جعفر) وهو المشهور بالطيار ذي الجناحين، وطالب أسن من عقيل وهو من جعفر، وهو من علي، والتفاوت بين كل واحد والآخر عشر سنين وهو من النوادر. وقوله: (لأنهما كانا مسلمين) قال الحافظ: وهذا يدل على تقدم هذا الحكم في أوائل الإسلام لأن أبا طالب مات قبل الهجرة، ويحتمل أن تكون الهجرة لما وقعت استولى عقيل وطالب على ما خلفه أبو طالب وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان شقيقه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب فلما مات أبو طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخر إسلام عقيل استوليا على ما خلف أبو طالب، ومات طالب قبل بدر وتأخر عقيل فلما تقرر حكم الإسلام بترك

3176 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَال ابْنُ مِهْرَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَينَ تَنْزِلُ غَدًا؟ وَذلِكَ فِي حَجَّتِهِ، حِينَ دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ. فَقَال: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وتوريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد عقيل فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 201]، والبخاري [3558]، وأبو داود [2900]، وابن ماجه [3942]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 3176 - (00) (00) (حدثنا محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون الهاء الجمّال بالجيم أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، ثقة، من (10) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي الحافظ، ثقة، من (11) (جميعًا عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (قال ابن مهران حدثنا عبد الرزاق) بصيغة السماع (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب (عن عمرو بن عثمان) بن عفان (عن أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة معمر بن راشد ليونس بن يزيد، قال أسامة: (فلت: يا رسول الله أين تنزل كدًا) أي قلت له صباح يوم النحر وقت نزولنا لطواف الإفاضة أي أين تنزل غدًا؛ والمراد بالغد هنا ثالث عشر ذي الحجة لأنه يوم النزول بالمحصب فهو مجاز في إطلاقه كما يطلق أمس على الماضي مطلقًا وإلا فثاني العيد هو الغد حقيقة وليس مرادًا اهـ قسطلاني (وذلك) السؤال (في حجته) صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقوله: (حين دنونا) وقربنا (من مكة) متعلق بقلت أي قلت له بعد الرجوع من منى أين ننزل غدًا؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل ترك لنا عقيل منزلًا) ننزل فيه أي ما ترك لنا شيئًا بل باع دورنا كلها فلا منزل لنا في مكة فالاستفهام إنكاري، وحكى الفاكهي أن الدار لم

3177 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَزَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَينَ تَنْزِلُ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ؟ وَذلِكَ زَمَنَ الْفَتْحِ قَال: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تزل بيد عقيل أولًا إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بمائة ألف دينار، وقال الداودي وغيره: كان كل من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره فأمضى النبي صلى الله عليه وسلم تصرفات الجاهلية تأليفًا لقلوب من أسلم منهم اهـ قسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 3177 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا محمد بن أبي حفصة) ميسرة أبو سلمة البصري، صدوق، من (7) (وزمعة) بسكون الميم (بن صالح) الجندي اليماني الأصل نزيل مكة، روى عن الزهري في الحج، وعمرو بن دينار وابن طاوس وغيرهم، ويروي عنه (م س ق) وروح بن عبادة وابن وهب وعبد الرزاق وغيرهم، ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود وأبو زرعة، وقال النسائي: ليس بالقوي كثير الغلط عن الزهري. قرنه (م) بآخر له عنده فرد حديث في الحج، وقال في التقريب: ضعيف وحديثه عند مسلم مقرون، من السادسة، وليس في مسلم من اسمه زمعة إلا هذا الضعيف (قالا: حدثنا ابن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعة محمد بن أبي حفصة وزمعة بن صالح ليونس بن يزيد (أنه) أي أن أسامة بن زيد (قال: يا رسول الله أين تنزل غدًا إن شاء الله وذلك) السؤال (زمن الفتح) لمكة سنة ثمان (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل ترك لنا عقيل من منزل) ننزل فيه أي ما ترك لنا منزلًا لأنه باع كل دورنا ترجم البخاري لهذا الحديث (باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها) قال الحافظ: أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف حديث علقمة بن نضلة، قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن. أخرجه ابن ماجه، وفي إسناده انقطاع وإرسال، وقال بظاهره ابن عمر ومجاهد وعطاء، قال عبد الرزاق عن

3178 - (1268) (18) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: هَلْ سَمِعْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن جريج: كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم، فأخبرني أن عمر نهى أن تبوب دور مكة لأنها ينزل الحجاج في عرصاتها فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو، واعتذر عن ذلك إلى عمر، وروى الطحاوي من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أنه قال: مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها، وروى عبد الرزاق من طريق إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد عن ابن عمر لا يحل بيع دور مكة ولا إجارتها، وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وخالفه صاحبُهُ أبو يوسف، واختلف عن محمد، وبالجواز قال الجمهور واختاره الطحاوي اهـ فتح الملهم. وقد تقدم الجمع بين الروايتين المختلفتين بأن السؤال وقع في اليومين يوم الفتح وفي حجة الوداع نقلا عن القرطبي. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فقال: 3178 - (1268) (18) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي البصري ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، روى عن السائب بن يزيد في الحج، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن في النكاح، وسعيد بن المسيب في الضحايا، وإبراهيم بن محمد بن طلحة في الفضائل، ويروي عنه (ع) وسليمان بن بلال وسفيان بن عيينة وصالح بن كيسان وأبو ضمرة أنس بن عياض وحاتم بن إسماعيل، وثقه أبو حاتم وأبو داود والنسائي، وقال العجلي: مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (137) سبع وثلاثين ومائة بالعراف بداية خلافة أبي جعفر (أنه) أي أن عبد الرحمن بن حميد (سمع عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبا حفص المدني أمير المؤمنين، ثقة، من (4) حالة كون عمر (يسأل السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة الكندي الحجازي الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، وقوله: (يقول) بدل من يسأل أي حالة كون عمر يقول في سؤاله: (هل سمعت) رسول الله صلى الله عليه وسلم

فِي الإِقَامَةِ بِمَكَّةَ شَيئًا؟ فَقَال السَّائِبُ: سَمِعْتُ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لِلمُهَاجِرِ إقَامَةُ ثَلاثٍ، بَعْدَ الصَّدَرِ، بِمَكَّةَ" كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا يَزِيدُ عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يا سائب يذكر (في) شان (الإقامة) والمكث (بمكة شيئًا) أي يذكر في شأن إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه شيئًا من الأحكام تحليلًا أو تحريمًا (فقال السائب) بن يزيد لعمر بن عبد العزيز: (سمعت العلاء بن الحضرمي) عبد الله بن عمار حليف بني أمية الصحابي الجليل رضي الله عنه كان مجاب الدعوة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر صاحب البحرين فحال بينهما البحر فدعا بكلمات فركبوا على البحر فجاوزوه، له أحاديث اتفقا على حديث، وانفرد (م) بخمسة، ويروي عنه السائب بن يزيد وأبو هريرة، عَامَلَ على البحرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، ومات بها سنة (21) إحدى وعشرين وهو على البحرين، وقيل قبل ذلك، وهذا الحديث من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بحراني وواحد حجازي وواحد بصري، وفيه رواية صحابي عن صحابي، حالة كون العلاء (بقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): يجوز اللمهاجر) من مكة إلى المدينة قبل الفتح (إقامة ثلاث) ليال (بعد الصدر) بفتح المهملتين أي بعد طواف الصدر وهو طواف الوداع قاله العيني، وقال الحافظ: أي بعد الرجوع من منى، وقوله: (بمكة) متعلق بإقامة (كانه) صلى الله عليه وسلم (يقول) أي يريد بذلك إلا يزيد) في الإقامة بمكة بعد الصدر (عليها) على ثلاث ليال. وفقه هذا الحديث أن الإقامة بمكة كانت حرامًا على من هاجر منها قبل الفتح لكن أُبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها، قال النواوي: معنى الحديث إن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عليهم استيطان مكة والإقامة بها ثم أبيح لهم إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا بعد فراغهم ثلاثة أيام ولا يزيدوا على الثلاثة اهـ ولذلك قال الراوي: (كأنه) صلى الله عليه وسلم (يقول لا يزيد عليها). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 339]، والبخاري [3933]، وأبو داود [2022]، والترمذي [949]، والنسائي [3/ 122]، وابن ماجه [1073]. قال القرطبي: قوله: (للمهاجر إقامة ثلاث) والمراد بالمهاجر هنا من هاجر من

3179 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: مَا سَمِعْتُمْ فِي سُكْنَى مَكَّةَ؟ فَقَال السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: سَمِعْتُ الْعَلاءَ أَوْ قَال: (الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ) قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يُقِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة إلى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وليس المراد من هاجر من غيرها لأن هذا الحديث خرج جوابًا عن سؤالهم حين تحرجوا من المقام بمكة إذ كانوا تركوها لله تعالى فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ورأى أن إقامة الثلاث ليست بإقامة وقد تقدم احتجاج مالك بهذا على تحديد المدة الفاصلة بين الإقامة والسفر وبهذا الحديث قال الجمهور فحكموا بمنع المهاجر من أهل مكة من المقام بها بعد الفتح وأجاز ذلك لهم جماعة بعد الفتح. (قلت): وهذا الخلاف وإن كان فيمن مضى حكمهم وانقرض عصرهم وهجرتهم الخاصة بهم لكن يبنى عليه خلاف فيمن فر بدينه عن موضع ما يخاف فتنته وترك فيه رباعًا ثم ارتفعت تلك الفتنة فهو يرجع فهل يرجع لتلك البقاع أم لا؟ فنقول: إن كان ترك رباعه لوجه الله تعالى كما فعله المهاجرون فلا يرجع لشيء من ذلك وإن كان إنما فر بدينه ليسلم به ولم يخرج عن شيء من أملاكه فإنه يرجع إلى ذلك كله إذ لم يزل شيء من ذلك عن ملكه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث العلاء رضي الله عنه فقال: 3179 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان بن عيينة لسليمان بن بلال (قال) عبد الرحمن بن حميد: (سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لجلسائه) من الصحابة (ما سمعتم) أي أي شيء سمعتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) حكم (سكنى مكة) أي في حكم إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه هل يجوز أم لا؟ (فقال السائب بن يزيد) رضي الله عنهما: (سمعت العلاء) بن الحضرمي (أو) قال السائب بدل سمعت العلاء والشك من عبد الرحمن بن حميد قيما قاله السائب بن يزيد (قال العلاء بن الحضرمي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقيم

الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ، بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ، ثَلاثًا". 3180 - (00) (00) وحدّثنا حَسَنْ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ. فَقَال السَّائِبُ: سَمِعْتُ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ثَلاثُ لَيَالي يَمْكُثُهُنَّ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ، بَعْدَ الصَّدَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المهاجر بمكة) إذا دخلها بحج أو عمرة (بعد قضاء نسكه) حجًّا أو عمرة (ثلاثًا) من الليالي فلا يزيد عليها، قال الحافظ: استدلى به على أن طواف الوداع عبادة مستقلة ليست من مناسك الحج وهو أصح الوجهين في مذهب الشافعي لقوله في هذا الحديث بعد قضاء نسكه لأن طواف الوداع لا إقامة بعده ومتى أقام بعده خرج عن كونه طواف الوداع، وقد سماه قبله قاضيًا لمناسكه فخرج طواف الوداع عن أن يكون من مناسك الحج والله أعلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فقال: 3180 - (00) (00) (وحدثنا حسن) بن علي الهذلي (الحلواني) المكي الخلالى، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (جميعًا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري أبي محمد المدني، ثقة، من (4) (عن عبد الرحمن بن حميد) الزهري المدني، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة صالح بن كيسان لسفيان بن عيينة وسليمان بن بلالى (أنه) أي أن عبد الرحمن (سمع عمر بن عبد العزيز) الأموي المدني (يسأل السائب بن يزيد) عن قدر ما يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه (فقال السائب) بن يزيد لعمر بن عبد العزيز: (سمعت) أنا (العلاء بن الحضرمي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث ليال) بالرفع على الابتداء وسوغ الابتداء بالنكرة مطلق الإضافة خبره جملة قوله: (يمكثهن) أي يمكث تلك الثلاثة ويجلسها (المهاجر بمكة) إذا دخلها لنسك أو غيره (بعد الصدر) أي بعد الرجوع من منى إلى مكة، قال في المصباح: مكث مكثا

3181 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. وَأَمْلاهُ عَلَينَا إِمْلاءَ. أَخْبَرَنِي إِشمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ حُمَيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ننِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضرَمِيِّ أَخْبَرَهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَكثُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ، بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ، ثَلاثًا". 3182 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من باب قتل، وتلبث فهو ماكث، ومَكُثَ مكثًا من باب قرب فهو مكيث مثل قرب قربًا فهو قريب اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فقال: 3181 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) المكي، وقوله: (وأملاه علينا إملاء) معطوف على أخبرنا أي قرأنا هذا الحديث على ابن جريج وأملاه؛ أي أملى هذا الحديث ابن جريج علينا لنكتبه منه إملاء، والإملاء حكاية القول لمن يكتبه، قال ابن جريج: (أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبو محمد المدني، ثقة، من (4) (أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (أخبره أن السائب بن بزيد أخبره أن العلاء بن الحضرمي أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة إسماعيل بن محمد لعبد الرحمن بن حميد في رواية هذا الحديث عن السائب ولكنها متابعة ناقصة لأن إسماعيل بن محمد روى عن السائب بن يزيد بواسطة حميد بن عبد الرحمن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مكث المهاجر) مبتدأ (بمكة) متعلق بمكث وكذا قوله: (بعد قضاء نسكه) متعلق به، وقوله: (ثلاثًا) منصوب على المفعولية بمكث، وخبر المبتدأ محذوف تقديره مكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاث ليال جائز، وفي بعض النسخ (ثلاثٌ) بالرفع على الخبرية وهو ظاهر واضح لا يحتاج إلى تقدير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 3182 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي

بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاك بْنُ مَخْلَدٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا الضحاك بن مخلد) بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) (أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن إسماعيل بن محمد عن حميد بن عبد الرحمن عن السائب عن العلاء وساق الضحاك (مثله) أي مثل ما روى عبد الرزاق عن ابن جريج، غرضه بيان متابعة الضحاك لعبد الرزاق والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول: حديث أسامة بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث العلاء بن الحضرمي ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات. ***

519 - (5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام

519 - (5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام 3183 - (1269) (19) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ. وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 519 - (5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام 3183 - (1269) (19) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتّاب الكوفي، ثقة، من (5) (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم المكي الإمام المفسر، ثقة، من (3) (عن طاوس) بن كيسان اليماني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد طائفي وواحد يماني وواحد مكي وواحد مروزي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح): ظرف لقال، وقوله: (فتح مكة) بدل من الفتح أو بيان له ومقول القول قوله: (لا هجرة) بعد الفتح الخ أي قال يوم فتح مكة كما أفصح به البخاري "لا هجرة بعد الفتح" قال ابن الملك: المنفي فرضية الهجرة وفضيلتها التي كانت قبله لا وجودها اهـ يعني أن وجوب الهجرة من مكة إلى المدينة انقطع بفتحها إذ صارت دار الإسلام، وأما الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام فباقية لا تنقطع ما قوتل الكفار (ولكن جهاد ونية) أي ولكن لكم جهاد في سبيل الله ونية صالحة أي فوجود الجهاد باق على حاله لإعلاء كلمة الله تعالى عند الاحتياج إليه، قال الحافظ: قوله: (لا هجرة) أي بعد الفتح كما صرح به في بعض الروايات أو المراد ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين أحد ثلاثة، الأول: قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه بها ولا أداء واجباته فالهجرة منه واجبة، الثاني: قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم، الثالث:

وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". وَقَال يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْح مَكَّةَ: "إِن هذَا الْبَلَدَ حَرَّمهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عاجز بعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر، قالوا: وفي الحديث بشارة بأن مكة تبقى دار إسلام أبدًا اهـ قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به ونزل به عدوه اهـ وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت آية {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ} الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها اهـ فتح الملهم (وإذا استنفرتم) أي طلب منكم النفير أي الخروج إلى الغزو (فانفروا) أي فاخرجوا إليه وجوبًا معناه إذا طلب منكم الإمام النفير والخروج إلى الغزو فاخرجوا إليه حينئذٍ يتعين الغزو على من استنفر بلا خلاف أي إذا دعيتم إلى الغزو فأجيبوا، قال النووي: يعني أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه اهـ، وفيه وجوب تعين الخروج إلى الغزو على من عينه الإمام وأن الأعمال تعتبر بالنيات. (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (يوم الفتح فتح مكة أن هذا البلد) المعهود الذي نحن فيه الآن (حرمه الله) تعالى أي حرم على الناس هتكه وأوجب عليهم تعظيمه (يوم خلق السماوات والأرض) فتحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة وحكمه تعالى قديم لا يتقيد بزمان فهو تمثيل في تحريمه بأقرب متصور لعموم البشر إذ ليس كلهم يفهم معنى تحريمه في الأزل وليس تحريمه مما أحدثه الناس والخليل - عليه السلام - إنما أظهره مبلغًا عن الله، وقيل: إنه كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض إن الخليل - عليه السلام - سيحرم مكة بامر الله تعالى والتحقيق إن إبراهيم أظهر حرمتها وجدد بقعتها ورفع كعبتها بعدما اندرست بسبب الطوفان الذي هدم بناء آدم وبيّن حدود الحرم (فهو) أي هذا البلد (حرام) أي محرم معظم (بحرمة) أي بسبب تحريم (الله) تعالى إياه حرمة مؤبدة (إلى يوم القيامة) أي إلى يوم النفخة الأولى، والفاء في قوله: (فهو)

وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأحَدٍ قَبْلِي. وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَارٍ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامةِ. لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ. وَلَا يُنَفَّرُ صَيدُهُ. وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا. وَلَا يُخْتَلَى خَلاهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ واقعة في جواب شرط مقدر تقديره إذا كان الله كتب في اللوح المحفوظ تحريمه ثم أمر خليله بتبليغه وإنهائه فأنا أيضًا أبلغ ذلك وأنهيه إليكم فأقول فهو حرام بحرمة الله عزَّ وجلَّ اهـ من الإرشاد (وإنه) أي وإن الشأن والحال (لم يحل القتال فيه) أي في هذا البلد، وفي رواية القتل (لأحد قبلي) قال القرطبي: وظاهر هذا أن حكم الله تعالى كان في مكة أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران / 97] (ولم يحل) القتال الي) فيه (إلا ساعة من نهار) أي قطعة منه، فالضمير في يحل يعود إلى القتال قطعًا كما قررناه كما يدل عليه مساقه فيلزم منه تحريم القتال فيه مطلقًا سواء كان ساكنه مستحقًا للقتال أو لم يكن وهو الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يحل لأحد بعدي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار" أي أُحل لي ساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر، وهذا يدل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرًا (فهو) أي هذا البلد (حرام) أي: هتك حرمته على كل أحد بعد تلك الساعة (بحرمة الله) سبحانه وتعالى المؤبدة (إلى يوم القيامة) أي إلى النفخة الأولى (لا يُعضد) أي لا يقطع (شوكه) أي ولا شجرُهُ بطريق الأولى نعم لا بأس بقطع المؤذي من الشوك كالعوسج والسعدان قياسًا على الحيوان المؤذي؛ والمراد بالشجر هنا النابت بنفسه لا المستنبت كما هو مقرر في الفروع (ولا يُنفر صيده) أي لا يستعرض له بالاصطياد والإيحاش والإزعاج اهـ مرقاة، فإن نفره عصى سواء تلف أم لا (ولا يلتقط) أي لا يأخذ لقطته أي لقطة الحرم أحد (إلا من عرّفها) على الدوام ليردها إلى صاحبها، فالضمير في عرّفها عائد إلى اللقطة الساقطة في هذه الرواية الثابتة في الرواية التالية يعني لا يتملكها بعد التعريف كما يتملكها في غيره من البلاد وهذا مذهب الشافعية وهو رأي متأخري المالكية فيما ذكره صاحب تحصيل المرام من المالكية، والصحيح من مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد أن لا خصوصية للقطتها والوجه هو الأول لأن الكلام ورد مورد الفضائل المختصة بها كتحريم صيدها وقطع شجرها وإذا سوينا بين لقطة الحرم ولقطة غيره من البلاد بقي ذكر اللقطة في هذا الحديث خاليًا عن الفائدة اهـ من الإرشاد (ولا يختلى خلاها) أي ولا يقطع نباتها الرطب، وأما القلع فمن باب أولى، وأما النبات

فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إلَّا الإِذْخِرَ. فَإِنَّهُ لِقَينِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. فَقَال: "إِلَّا الإِذخِرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ اليابس فيسمى حشيشًا، والاختلاء الجز، والجز في النبت مثل الحصد في الزرع والخلى بالقصر كما في المصباح الرطب من النبات الواحدة خلاة مثل حصى وحصاة، قال الزمخشري في الفائق: وحق خلاها أن يكتب بالياء وتثنيته خليان اهـ أي لأنه من خليت بالياء (فقال العباس) بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إلا الاذخر) بالنصب على الاستثناء التلقيني أي قل يا رسول الله لا يختلى خلاها إلا الإذخر، ويجوز الرفع على البدلية من خلاها لأن الاستثناء من الكلام التام المنفي، والإذخر بالهمزة والخاء المعجمة المكسورتين بينهما ذال معجمة ساكنة نبت معروف طيب الرائحة وهو حلفاء مكة اهـ قسطلاني، وقال العيني: نبت عريض الأوراق طيب الرائحة اهـ، وفي فتح الملهم الإذخر نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل متدفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن، وبالمغرب صنف منه فيما قاله ابن البيطار قال: والذي بمكة أجوده وأهل مكة يُسقفون به البيوت بين الخشب ويسدّون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلًا من الحلفاء في الوقود ولهذا قال العباس: فإنه لقينهم، ووقع في مرسل مجاهد عن عمر بن شبة فقال العباس: يا رسول الله إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر لقينهم وبيوتهم. وهذا يدل على أن الاستثناء في حديث الباب لم يرد به أن يستثني هو وإنما أراد به أن يُلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء اهـ منه، وقال العلايلي في معجمه: الإذخر نبات عشبي من فصيلة النجيليات له رائحة ليمونية عطرة أزهاره تستعمل منقوعًا كالشاي، ويقال له أيضًا طيب العرب، والإذخر المكي من الفصيلة نفسها جذورها من الأفاويه ينبت في السهول وفي المواضع الجافة الحارة، ويقال له أيضًا حلفاء مكة اهـ (فإنه) أي فإن الإذخر نافع ومحتاج إليه (لقينهم) بفتح القاف وسكون التحتية وبالنون أي حدادهم أي محتاج إليه لحداد أهل مكة وكذا الصواغ فإنه يحرقونه بدل الحطب والفحم، قال الطبري: والقين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه (و) محتاج إليه إلى) سُقف (بيوتهم) وكذا لسقف قبورهم أي ولبيوتهم حال حياتهم ومماتهم اهـ مرقاة؛ والمعنى يحتاج إليه القين في وقود النار، ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات، ويحتاج إليه في سقوف البيوت يُجعل فوق الخشب اهـ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا الاذخر) وهذا استثناء بعض من كل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لدخول الإذخر في عموم ما يختلى، واختلفوا: هل كان قوله صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر باجتهاد أو بوحي؟ . وقيل: كان الله سبحانه فوّض له الحكم في هذه المسألة مطلقًا، وقيل: أُوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله، قال ابن المنير: والحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة وترخيص النبي صلى الله عليه وسلم كان تبليغًا عن الله تعالى إما بطريق الإلهام أو بطريق الوحي، ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم، قال الحافظ: وفي الحديث جواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد، وعظيم منزلة العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بأمر مكة لكونه كان بها أصله ومنشؤه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 226]، والبخاري [1834]، وأبو داود [2480]، والترمذي [1590]، والنسائي [7/ 146]. قوله: (ولا يختلى خلاها) بصيغة المجهول مقصورًا أي لا يقطع نباتها وحشيشها، قال بعض العلماء: الخلا مقصورًا الرطب من النبات كما أن الحشيش هو اليابس منها، ولا فرق بين الرطب واليابس في حرمة القطع وعليه الأكثرون وهذا خلاف المشهور من المذهب، قال الشمني: بعد قوله: وكذا إن ذبح الحلال صيد الحرم أي لزمه قيمته ويُهدي بها أو يُطعم ولا يُجزئه الصوم أو قطع حشيشه أو شجره إلا مملوكًا أي للقاطع أو منبتًا أو جافًا أي يابسًا كذا في المرقاة، قال الحافظ: وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية لأن النبت اليابس كالصيد الميت، قال ابن قدامة: لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش، ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة "ولا يحتش حشيشها" قال: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه اهـ وقال ابن عابدين: واعلم أن النابت في الحرم إما جاف أو منكسر أو إذخر أو غيرها، والثلاثة الأول: مستثناة من الضمان وغيرها إما أن يكون أنبته الناس أو لا؛ والأول لا شيء فيه سواء كان من جنس ما ينبته الناس كالزرع أو لا كأم غيلان، والثاني: إن كان من جنس ما ينبتونه فكذلك وإلا ففيه الجزاء فما فيه الجزاء هو النابت بنفسه وليس مما يستنبت ولا منكسرا ولا جافا ولا إذخرًا كما قرره في البحر اهـ من فتح الملهم.

3184 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" وَقَال، بَدَلَ الْقِتَالِ "الْقَتْلَ" وَقَال: "لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا". 3185 - (1270) (20) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْعَدَويِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3184 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا مفضل) بن مهلهل السعدي الكوفي، ثقة ثبت نبيل عابد، من (7) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس (بمثله) أي بمثل ما حدّث جرير بن عبد الحميد، غرضه بيان متابعة مفضل لجرير بن عبد الحميد (و) لكن الم يذكر) مفضل لفظة (يوم خلق السماوات والأرض وقال) مفضل: (بدل) لفظ (القتال) في رواية جرير لفظة (القتل وقال) مفضل أيضًا (لا يلتقط لقطته) أي لقطة الحرم بإظهار المفعول به (إلا من عزفها) أي من أراد تعريفها على الدوام لمعرفة صاحبها لا لتملكها، واللقطة اسم للشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، والالتقاط هو أخذه، وأصل اللقط الأخذ من حيث لا يحس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي شريح رضي الله تعالى عنهما فقال: 3185 - (1270) (20) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني، ثقة، من (3) (عن) خويلد بن عمرو، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل عبد الرحمن بن عمرو، وقيل غير ذلك والمشهور الأول (أبي شريح) الخزاعي (العدوي) المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه أسلم يوم الفتح وكان يحمل أحد ألوية بني كعب، روى عنه نافع بن جبير في الإيمان، وسعيد بن أبي سعيد في الحج، له عشرون حديثًا، اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بحديث و (م) بحديث، قاله ابن سعد: مات بالمدينة سنة (68) ثمان وستين. (قوله عن أبي شريح العدوي) قاله الحافظ: في كتاب الحج كذا وقع هنا في كتاب الحج، وفيه

أَنَّهُ قَال لِعَمْرِو بنِ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَبعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي. أَيُّهَا الأَمِيرُ! أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نظر لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة بن لحي بطن من خزاعة ولهذا يقال له الكعبي أيضًا وليس هو من بني عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر فلعله كان حليفًا لبني عدي بن كعب من قريش، وقيل في خزاعة بَطْن يقال لهم بنو عدي اهـ (أنه) أي أن أبا شريح (قال لعمرو بن سعيد) بن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبي أمية المعروف بالأشدق، وليست له صحبة، ولا كان من التابعين بإحسان قاله الحافظ أحد الأشراف، قيل له رؤية، وقال في التقريب: تابعي (مهمل) من الثالثة، وليست له في (م) رواية إلا في حديث واحد وهو الحديث الذي رواه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه سبق ذكره في باب الوضوء، ومعنى الأشدق هنا المعوج الشدق من داء أصابه يُسمى لقوة لا بمعنى الواسع الشدق الذي يوصف به الخطيب البليغ، فإن القسطلاني ذكر في وجه تلقيبه بالأشدق أنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي بن أبي طالب فاصابته لِقْوَةٌ، وكان يزيد بن معاوية ولاه المدينة (وهو) أي والحال أن عمرًا (يبعث البعوث) أي يرسل الجيوش من المدينة (إلى مكة) لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم، وكان عمرو والي يزيد على المدينة، والقصة مشهورة، والبعوث جمع بعث بمعنى مبحوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر، والمراد به الجيش المجهز للقتال، والجملة الاسمية حال من عمرو أي والحال أن عمرو بن سعيد يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وذلك أن يزيد بن معاوية لما قام مقام أبيه طلب من عبد الله بن الزبير البيعة فامتنع ابن الزبير من بيعته وخرج إلى مكة عائذًا بحرم الله تعالى فغضب يزيد فكتب إلى عمرو بن سعيد أن يوجه جيشًا إلى ابن الزبير فجهز إليه جيشًا وأمر عليهم عمرو بن الزبير أخا عبد الله، وإن شديد العداوة لأخيه. وقوله: (ائذن لي) مقول لأبي شريح الصحابي يخاطب عمرًا الأشدق يا (أيها الأمير) بحذف حرف النداء للتخفيف، والأصل فيه يا أيها الأمير، ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة الأمراء ليكون أدعى لقبولهم النصيحة، وأن السلطان لا يُخاطب إلا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه فترك ذلك والغِلْظة له قد يكون سببًا لإثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه (أحدثك) بالجزم لأنه جواب الطلب السابق أي إن أذنت (أحدثك) أي أخبرك (قولًا) أي حديثًا، وجملة قوله: (قام به رسول الله صلى الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتحِ. سَمِعَتهُ أُذُنَايَ. وَوَعَاهُ قَلْبِي. وَأَنصَرَتهُ عَينَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ. أَنَّهُ حَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "إِن مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَم يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم) صفة للقول أي قولًا حدّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا، والمقول هو حمد الله تعالى وثناؤه عليه الخ، وقوله: (الغد) بالنصب على الظرفية (من يوم الفتح) والمراد به اليوم الثاني من فتح مكة أي خطب به في اليوم الثاني من فتح مكة، وقوله: (سمعته أذناي) صفة ثانية لقولًا، وفي رواية البخاري فسمعته أذناي بالفاء العاطفة على قام أي سمعت ذلك القول أذنان لي، وفيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله: سمعته أي حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله: (ووعاه) أي حفظه (قلبي) أي عقلي إشارة إلى تحققه وتثبته فيه، وفيه إشارة إلى أن العقل محله القلب، وقوله: (وأبصرته) صلى الله عليه وسلم (عيناي حين تكلم به) أي بذلك القول زيادة في مبالغة التأكيد لتحققه وإشارة إلى أن سماعه منه لم يكن مقتصرًا على مجرد سماع الصوت بل كان مع المشاهدة والتحقيق لما قاله، قال النواوي: أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه، وقوله: (أنه) صلى الله عليه وسلم (حمد الله) سبحانه وتعالى أي وصفه بالكمالات (وأثنى عليه) تعالى أي ذكره بتنزهه عن النقائص بفتح الهمزة بدل من قوله قولًا أي أحدثك أنه حمد الله تعالى الخ وبكسرها في رواية للبخاري على أنه بيان لتكلم فالجملة مستانفة استئنافًا بيانيًا، ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة اهـ فتح الملهم (ثم) بعد حمد الله تعالى وثنائه عليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مكة) المكرمة (حرمها الله) تعالى أي حكم بتحريمها وقضى به، وهل المراد مطلق التحريم فيتناول كل محرماتها أو خصوص ما ذكره بعد من سفك الدم وقطع الشجر يعني أنه حرمها ابتداء من غير سبب يُعزى إلى أحد ولا مقدمة ولا لأحد فيه مدخل لا نبي ولا عالم ولا مجتهد، وأكد ذلك المعنى بقوله: (ولم يحرمها الناس) وهذا نفي لما كان يعتقده الجاهلية وغيرهم من أنهم حرموا أو حللوا من قبل أنفسهم ولا منافاة بين هذا وبين حديث جابر المروي في مسلم "إن إبراهيم حرم مكة وأنا حرمت المدينة" لأن إسناد التحريم إلى إبراهيم من حيث إنه مبلغه فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء

فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً. فَإِنْ أَحَد تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يبلغونها ثم إنها كما تضاف إلى الله تعالى من حيث إنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتظهر على ألسنتهم فلعله لما رُفع البيت المعمور إلى السماء وقت الطوفان اندرست حرمتها وصارت شريعة متروكة منسية إلى أن أحياها إبراهيم عليه السلام فرفع قواعد البيت ودعا الناس إلى حَجِّهِ وحد الحرم وبين حرمته، وكذلك نسبته إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قد يُنسب الحكم للقاضي لأنه منفذه والحكم لله العلي الكبير بحكم الأصالة والحقيقة، والحاصل أن تحريمها كان بوحي من الله تعالى لا من اصطلاح الناس ثم بيّن الله سبحانه وتعالى التحريم بقوله: (فلا يحل لامرئ) وكذا المرأة (يؤمن بالله واليوم الآخر) الخ فيه تنبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أُمر به واجتناب ما نهي عنه خوف الحساب عليه وقد تعلق به من قال: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفي ذلك عن غيره، وقال ابن دقيق العيد: الذي أراه أنه من خطاب التهييج المعلوم عند علماء البيان نحو قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فالمعنى أن استحلال هذا النهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه فهذا هو المقتضِي لذكر هذا الوصف، ولوقيل: لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل منه هذا الغرض وإن أفاد التحريم كذا في الفتح (أن يسفك) أي أن يريق (بها) أي بمكة بكسر الفاء وحكي ضمها وهو صب الدم والمراد به القئل، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة أي أن يصب بمكة (دمًا) بالقتل الحرام وقيس بها سائر الحرم (ولا يعضد) بضم الضاد المعجمة كما قاله ابن الخشاب، وقيل: بكسر الضاد المعجمة وفتح الدال أي ولا يقطع (بها) أي في مكة (شجرة) وكلمة لا هنا زائدة لتأكيد النفي المستفاد من لا الأولى، ويؤخذ منه حرمة قطع شجر الحرم الرطب غير المؤذي، وإذا حرم القطع فالقلع من باب أولى (فإن أحد ترخص) بوزن تفعل من الرخصة وهو حكم ثبت لعذر مع قيام المحرم، وأحد مرفوع بفعل مضمر وجوبًا يفسره ما بعده وهو من باب الاشتغال الذي يجب فيه الرفع على الفاعلية؛ أي فإن ترخص أحد القتال رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بقوله: ترخص أي لأجل قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فإن

فِيهَا فَقُولوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُها الْيَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأمْسِ. وليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". فَقِيلَ لأبَي شُرَيحٍ: مَا قَال لَكَ عَمْرٌو؟ قَال: أَنَا أَعْلَمُ بِذلِكَ مِنْكَ. يَا أَبَا شُرَيحٍ! إِن الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ استدل أحد منكم على جواز القتال فيها مستدلًا بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيها فقولوا له) ردًّا عليه زعمه (أن الله) عزَّ وجلَّ (أذن لرسوله) صلى الله عليه وسلم خصوصية له (ولم يأذن لكم) أيها المترخصون بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإنما أذن) الله سبحانه (لي) بالقتال (فيها ساعة من نهار) أي قطعة زمن من نهار يوم الفتح وهو ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر فكانت مكة في حقه صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة بمنزلة الحل (وقد عادت) أي رجعت (حرمتها) أي الحكم الذي في مقابلة إباحة القتال فيها المستفادة من لفظ الإذن (اليوم) أي في هذا اليوم؛ وهو اليوم الذي بعد يوم الفتح المعبر عنه سابقًا بلفظ الغد، والمراد به الزمن الحاضر (كحرمتها بالأمس) أي في الأمس من يوم الفتح، قال السندي رحمه الله تعالى: الظاهر أن المراد وقد عادت حرمتها بعد تلك الساعة كحرمتها قبل تلك الساعة والله أعلم، وقال القسطلاني: أي عاد تحريمها كما كانت بالأمس قبل يوم الفتح حرامًا (وليبلغ الشاهد) بالرفع على الفاعلية أي الحاضر عندي (الغائب) عني بالنصب على المفعولية، قال ابن جرير: فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه التبليغ وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا وهو لازم له فرض العمل بما بلغه كالذي لزم السامع سواء وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة اهـ (فقيل لأبي شريح) العدوي رضي الله عنه لم أر من ذكر اسم القائل (ما قال لك) يا أبا شريح (عمرو) بن سعيد الأموي في جواب نصيحتك له هل قبلها أم لا؟ قال أبو شريح: (قال) لي عمرو: (أنا أعلم بذلك) المذكور وهو أن مكة حرمها الله الخ (منك يا أبا شريح) يعني أنك قد صح سماعك ولكنك لم تفهم المراد منه فـ (أن الحرم لا يعيذ) بالذال المعجمة أي لا يُجير ولا يعصم ولا يُؤَمِّن (عاصيًا) بالخروج عن طاعة الإمام يشير إلى عبد الله بن الزبير لأن عمرو بن سعيد كان يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد لأنه كان يرى وجوب طاعته لكنها دعوى من عمرو بغير دليل لأن ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارًا منه حتى

وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ. 3186 - (1271) (21) حدّثني زُهَيرُ بنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بن سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يصح جواب عمرو (ولا فارًّا) بالفاء من الفرار أي ولا هاربًا (بدم) والمراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرًا بالحرم وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل في تخصيصه العموم بلا مستند (ولا فارًا بخربة) أي بسرقة بفتح المعجمة وسكون الراء ثم موحدة يعني السرقة، قال ابن بطال: الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة، قال في الفتح: وقد تصرف عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق ولكن أراد به الباطل، قال ابن حزم: ولا كرامة للطيم الشيطان أن يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره: قال أبو شريح: فقلت لعمرو: وقد كنتُ شاهدًا وكنت غائبا، وقد أمرنا أن يُبلغ شاهدنا غائبنا، وقد بلغتك. فهذا يشعر بأنه لم يوافقه وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة اهـ فتح الملهم. ثم قوله: (ولا فارًّا لدم) أي ولا يعيذ الحرم هاربا التجاء إليه بسبب من الأسباب الموجبة للقتل. وقوله: (ولا فارًّا بخربة) قال النووي: وتطلق على كل خيانة، والخارب: اللص المفسد في الأرض اهـ، ثم إن قوله: (إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا بدم) مذكور في كتب الأصول على أنه خبر واحد ظني لا يكون صالحًا لتخصيص العام وهو العام الغير المخصوص أعني قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} فمباح الدم في الخارج إذا التجأ إلى الحرم لا يُقتل فيه ولا يُؤذى ليخرج ولكن لا يطعم ولا يسقى حتى يضطر إلى الخروج فيقتل خارج الحرم فمعنى ولا فارًّا بدم على تقدير ثبوته لا تسقط عنه العقوبة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 31]، والبخاري [1832]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 3186 - (1271) (21) (حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى

جَمِيعًا عَنِ الْوَلِيدِ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ (هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ). حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ قَال: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَز وَجَل عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ. قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن الوليد) بن مسلم القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (قال زهير) بن حرب: (حدثنا الوليد بن مسلم) بصيغة السماع (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابًا (حدثني أبو سلمة هو) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (حدثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان شاميان وواحد يمامي وواحد إما نسائي أو نيسابوري، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة والمقارنة (قال) أبو هريرة: (لما فتح الله عزَّ وجلَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة) المكرمة، وفي زاد المعاد إن مكة فتحت عنوة كما ذهب إليه جمهور أهل العلم ولا يعرف في ذلك خلاف إلا عن الشافعي وأحمد في أحد قوليه اهـ (قام) صلى الله عليه وسلم خطيبًا (في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أن الله) سبحانه وتعالى (حبس عن مكة الفيل) أي منعه عنها، والفيل بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانية اسم الحيوان المشهور، واسم ذلك الفيل محمود كما في تنبيه المعلم، والمراد بحبس الفيل حبس أهله، وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل فمنعها الله عنهم وسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارًا فحرمة أهلها بعد الإسلام آكد لكن غزو النبي صلى الله عليه وسلم إياها مخصوص به على ظاهر هذا الحديث وغيره، وقد ذكرنا قصة أصحاب الفيل مبسوطة مفصلة في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فمن أراد الاطلاع عليها فليراجعه، قال القرطبي: يعني بالفيل فيل أبرهة الأشرم الحبشي الذي قصد خراب الكعبة فلما وصل إلى ذي المجاز سوق للعرب قريب من مكة عبأ فيله وجهزه إلى مكة فلما استقبل الفيل مكة رزم أي أقام وثبت فاحتالوا عليه بكل حيلة فلم

وَسَلَّطَ عَلَيهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ كَانَ قَبْلِي. وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لأحَدٍ بَعْدِي. فَلَا يُنَفَّرُ صَيدُهَا. وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا. وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقدروا عليه واستقبلوا به جهة مكة فامتنع فلم يزالوا به هكذا حتى رماهم الله بالحجارة التي أرسل الطير بها على ما هو مذكور في السير وفي كتب التفسير اهـ مفهم (وسلط عليها رسوله) صلى الله عليه وسلم (و) سلط عليها (المومنين وإنها) أي وإن مكة الن تحل لأحد كان قبلي) الصواب كما في رواية القرطبي لم تحل لأحد قبلي لأن لن لنفي المستقبل فليس المقام لها بل المقام مقام لم الموضوعة لنفي الماضي كما هو مقرر في علم النحو (وإنها) أي وإن مكة (أُحلت لي ساعة من نهار) قال في المرقاة: دل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرًا كما هو عند الأحناف؛ أي أحل لي ساعة أي زمانًا قليلًا إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر اهـ (وإنها لن تحل لأحد بعدي) قال ابن بطال: المراد به الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره اهـ ومحصله أنه خبر بمعنى النهي بخلاف قوله لم تحل لأحد كان قبلي فإنه خبر محض أو معنى قوله ولا تحل لأحد بعدي أي لا يحلها الله بعدي لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وعليهم (فلا ينفر صيدها) أي لا يتعرض له بالاصطياد والإيحاش والإيهاج (ولا يختلى) أي لا يقطع (شوكها) وذكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولى (ولا تحل ساقطتها) أي لا يحل التقاط لقطتها (إلا لمنشد) أي معرف على الدوام، والمراد بالساقطة اللقطة كما هو الرواية فيما سبق ومعنى الساقطة ما سقط فيها بغفلة مالكه، والهاء فيها للاسمية كما في فاطمة بخلافها في قولهم (لكل ساقطة لاقطة) فإن المراد بالساقطة فيه الكلمة يضرب في التحفظ عند النطق، وأراد بالمنشد المعرِّف، قال العيني: يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، والناشد الطالب، وأنشدتها إذا عرفتها، وأصل الإنشاد رفع الصوت، ومنها إنشاد الشعر اهـ والمعنى أي لا يلتقطها أحد إلا من عرفها ليردها على صاحبها ولم يأخذها لنفسه وانتفاعها، قيل: أي ليس في لقطة الحرم إلا التعريف فلا يتملكها أحد ولا يتصدق بها وعليه الشافعي، وقيل حكمها كحكم غيرها والمقصود حينئذٍ من ذكرها أن لا يتوهم تخصيص تعريفها بأيام الموسم وعليه أبو حنيفة ومن تبعه اهـ من العون.

وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ. إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ" فَقَال الْعَبَّاسُ: إِلَّا الإِذْخِرَ. يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا. فَقَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِلَّا الإِذْخِرَ" فَقَامَ أَبُو شَاهٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَال: اكْتُبُوا لِي. يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومن قُتل له قتيل) أي من قتل له قريب كان حيا فصار قتيلًا بذلك القتل (فهو) أي فولي الدم يختار (بخير النظرين) أي يختار بخير الأمرين له وأفضلهما عنده، وقوله: (إما) حرف تفصيل للنظرين، وجملة قوله: (أن يُفدى) بالبناء للمجهول في تأويل مصدر مجرور على البدلية من خير الأمرين بدل تفصيل من مجمل أي إما يختار الفدية وهو الدية سُميت بذلك لأنها فداء عن نفس القاتل أي إما بأن يُعطى الدية (وإما) بـ (أن يُقتل) قاتل قتيله يعني يقتص منه، قال النووي: يعني أن ولي الدم مخير بين أخذ الفدية وهي الدية وبين إجراء القود وهو مذهب الإمام الشافعي خلافًا للأحناف، قال القرطبي: الحديث حجة للشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ورُوي عن ابن المسيب وابن سيرين على قولهم إن ولي دم العمد بالخيار بين القصاص والدية، ويُجبر القاتل عليها إذا اختارها الولي وهو رواية أشهب عن مالك، وذهب مالك في رواية ابن القاسم وغيره إلى أن الذي للولي إنما هو القتل فقط أو العفو وليس أن يجبر القاتل على الدية تمسكًا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله القصاص" وفي المسألة أبحاث تنظر في مسائل الخلاف اهـ من المفهم (فقال العباس) بن عبد المطلب: (إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر. فقام أبو شاه) بهاء منونة وتكون هاء في الوقف والوصل، ولا يقال بالتاء، وحكى السلفي أن بعضهم نطق بهاء وبتاء وغلطه وقال: هو فارسي من فرسان الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن هو (رجل من أهل اليمن) كلام مدرج من الراوي قالوا: ولا يُعرف اسم أبي شاه هذا، وإنما يعرف بكنيته (فقال) أبو شاه: معطوف على قام (اكتبوا لي يا رسول الله) هذه الخطبة أي وأمر من معك بكتابتها لي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): لمن عنده (اكتبو) ها (لأبي شاه) قال النووي: هذا تصريح بجواز كتابة العلم غير القرآن ومثله حديث علي رضي الله عنه: ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة. ومثله حديث أبي هريرة:

قَال الْوَلِيدُ: فَقُلْتُ لِلأَوزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ الله؟ قَال: هذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. 3187 - (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُوسَى، عن شَيبَانَ، عَنْ يَحْيَى. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: إِنَّ خُزَاعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان عبد الله بن عمرو يكتب ولا أكتب. وجاءت أحاديث بالنهي عن كتابة غير القرآن فمن السلف من منع كتابة العلم، وقال جمهور السلف بجوازه، ثم أجمعت الأمة بعدهم على استحبابه، وأجابوا عن أحاديث النهي بجوابين أحدهما: أنها منسوخة وكأن النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد فنهي عن كتابة غيره خوفًا من اختلاطه واشتباهه فلما اشتهر وأمنت تلك المفسدة أُذن فيه، والثاني: أن النهي نهي تنزيه لمن وثق بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة والإذن لمن لم يُوثق بحفظه اهـ. (قال الوليد) بن مسلم القرشي الدمشقي بالسند السابق: (فقلت لـ) شيخي عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي ما قوله اكتبوا لي) أي ما المسؤول بكتابته في قول أبي شاة اكتبوا لي (يا رسول الله، قال) الأوزاعي: معناه اكتبوا لي (هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 238]، والبخاري [112]، وأبو داود [2017]. قال المنذري: والترمذي والنسائي أيضًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3187 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبي معاوية الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي (أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه حالة كونه (يقول) الحديث الآتي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شيبان بن عبد الرحمن للأوزاعي في رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير (إن خزاعة) بضم الخاء المعجمة وبالزاي وهي قبيلة كانوا غلبوا على مكة وحكموا فيها ثم

قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيثٍ. عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ. بِقَتِيلٍ مِنْهُم قَتَلُوهُ. فَأُخْبِرَ بِذلِكَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَال: "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفيلَ. وَسلَّطَ عَلَيها رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ. أَلا وَإنَّها لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلَنْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعدِي. أَلا وَإنَّها أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهارِ. أَلا وَإنَّها، سَاعَتي هذِهِ، حَرَامٌ. لَا يُخْبَطُ شَوْكُها. وَلَا يُعضَدُ شَجَرُها. وَلَا يَلْتَقِطُ ـــــــــــــــــــــــــــــ خرجوا منها فصاروا في ظاهرها وكانت بينهم وبين بني بكر عداوة ظاهرة في الجاهلية، وكانت خزاعة حلفاء بني هاشم بن عبد مناف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بنو بكر حلفاء قريش (قتلوا رجلًا من بني ليث) يُنسبون إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، والقصة مبسوطة في الفتح وغيره، وقوله: (عام فتح مكة) ظرف متعلق بقتلوا، وكذا قوله: (بقتيل) متعلق بقتلوا أيضًا أي قتلوا (بقتيل) أي بمقابلة مقتول (منهم) أي من خزاعة (قتلوه) أي قتل ذلك القتيل قاتل من بني ليث، واسم هذا القاتل خراش بن أمية الخزاعي، والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أحمر والمقتول في الإسلام من بني ليث لم يسم قاله الحافظ في الفتح (فأخبر) بصيغة المبني للمجهول أي أخبر (بذلك) القتل الذي فعلته خزاعة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) نائب فاعل لأخبر (فركب) رسول الله صلى الله عليه وسلم (راحلته) أي ناقته فذهب إلى بني خزاعة (فخطبـ) ـهم (فقال: أن الله عزَّ وجلَّ حبس) أي منع (عن) دخول (مكة الفيل) حين جاء صاحبه بقصد تخريب الكعبة وهدمها، وكان اسم الفيل محمودًا، واسم صاحبه أبرهة الحبشي كما (وسلط) الله سبحانه وتعالى (عليها) أي على مكة (رسوله والمؤمنين) أي أذن لهم في قتالها ففتحوها (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإنها) أي إن مكة (لم تحل لأحد قبلي) جاءت هذه الرواية على الصواب بلفظ لم النافية للمضي أي لم يحل القتال فيها لأحد من قبلي (ولن تحل لأحد بعدي) أي لم يحل القتال فيها لأحد من بعدي كان وقع ظلمًا كما وَقَعَ للحجاج بن يوسف الثقفي الجائر حين قاتل فيها ابن الزبير (ألا وإنها أُحلت في ساعة من النهار ألا وإنها) في (ساعتي هذه) التي أخاطبكم فيها (حرام) أي محرم فيها القتال (لا يُخبط) أي لا يقطع (شوكها) أي الشجر ذو الشوك إن لم يؤذ، وأصل الخبط إسقاط الورق عن الشجر (ولا يُعضد) أي لا يقطع (شجرها) غير ذي الشوك من باب أولى، وهذا تصريح بما عُلم بالمفهوم الأولى مما قبله (ولا يلتقط)

سَاقِطَتَها إِلَّا مُنْشِدٌ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ. إِمَّا أَنْ يُعْطَى (يَعْنِي الدِّيَةَ)، وَإِمَّا أَنْ يُقادَ (أَهْلُ الْقَتِيلِ) "قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ. فَقَال: اكْتُبْ لِي. يَا رَسُولَ الله! فَقَال: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ". فَقَال رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ: إلَّا الإِذْخِرَ. فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إلا الإِذْخِرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بصيغة المعلوم (ساقطتها) أي لقطتها (إلا منشد) أي معرف لها على الدوام (ومن قتل له قتيل) يعني في الإسلام (فهو بخير النظرين) أي غير بين خصلتين (إما أن يُعطى) ولي الدم الدية ويأخذها، وفي ديات البخاري إما أن يودى من الودي وهو إعطاء الدية، فقوله: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم (الدية) تفسير من الراوي ولذلك ميزناه بالهلالين (وإما أن يقاد) أي يمكن ولي الدم ومستحقه من القود وهو بفتحتين قتل القاتل بدل القتيل، وفي فتح الباري: وأصله أنهم يدفعون القاتل لولي المقتول فيقوده بحبل اهـ، وقوله: (أهل القتيل) زيادة من الراوي من غير حاجة إليها ولذلك جعلناه بين هلالين، والمحتاج إليه تعيين الضبط في يقاد بأنه من الإقادة لا من ثلاثيها حتى لا يذهب الذهن إلى ما يوجب اختلال المعنى وأبين الروايات ما في سنن أبي داود وهو "إما أن يأخذوا العقل وإما أن يقتلوا" بصيغة المعلوم يعني أولياء القتيل، والمعنى هنا وإما يقاد أي يمكّن أهل القتيل من القود وهو القصاص (قال) أبو هريرة: (فجاء رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه) بالصرف اسمه كنيته (فقال) الرجل: (اكتب لي يا رسول الله) هذه الخطبة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لأبي شاه) هذه الخطبة (فقال رجل من قريش) وهو العباس بن عبد المطلب حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا يُختلى خلاها" قل يا رسول الله مستثنيًا من خلاها ولا يُختلى خلاها (إلا الإذخر فإنا نجعله في) سُقف (بيوتنا) فوق الخشب ليمنع التراب (و) بين لبنات سد لحد (قبورنا) ليمنع سيلان التراب إلى الميت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) بوحي أو باجتهاد منه ولا يختلى خلاها (إلا الإذخر) بزيادة الاستثناء. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال:

3188 - (1272) (22) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لأَحَدِكُم أَنْ يَحمِلَ بِمَكَّةَ السِّلاحَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3188 - (1272) (22) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا) الحسن بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان الحراني، وقد ينسب إلى جده كما هنا، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري الحراني أبو عبد الله العبسي، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم (أبي الزبير) المكي، ثقة مدلس، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم حرانيان وواحد مدني وواحد مكي وواحد نيسابوري (قال) جابر: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لأحدكم) أيها المسلمون (أن يحمل) معه (بمكة) أي في بلدة مكة (السلاح) أي آلة القتل كالسيف والرماح والسهام والبنادق والمسدسات لأنها حرم آمن لا خوف فيها، قال ابن الملك: والمراد من الحمل ما يكون للقتال، وسيأتي التصريح به في متن الحديث، قال القاري: لا يحل حمل السلاح بمكة أي بلا ضرورة عند الجمهور، ومطلقًا عند الحسن البصري، وحجة الجمهور دخوله صلى الله عليه وسلم مكة عام عمرة القضاء بما شرطه من السلاح في القراب ودخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح متهيأ للقتال كذا ذكره عياض وتبعه الطيبي وابن حجر، وفيه بحث ظاهر إذ المراد بحمل السلاح حمله ظاهرًا بحيث يكون سببًا لرُعب مسلم أر أذى أحد كما هو مشاهد اليوم، ويؤيده أنه كان ابن عمر يمنع ذلك في أيام الحج، وأما عام الفتح فهو مستثنى من هذا الحكم فإنه كان أُبيح له ما لم يُبح لغيره من نحو حمل السلاح، قال النووي: وشذ عكرمة عن الجماعة فقال: إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية، ولعله أراد إذا كان محرمًا ولبس المغفر والدروع ونحوهما فلا يكون مخالفًا للجماعة والله أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

3189 - (1273) (23) حدَّثنا عَبدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعنَبِيُّ وَيَحيَى بْنُ يَحيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (أَمَّا الْقَعنَبِيُّ فَقَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَس. وَأَمَّا قُتَيبَةُ فَقَال: حَدَّثَنَا مَالِكٌ) وَقَال يَحيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ): قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَحَدَّثَكَ ابْنُ شِهابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3189 - (1273) (23) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) ثقة، من (9) (ويحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (أما القعنبي فقال) في روايته: (قرأت على مالك بن أنس) الأصبحي المدني (وأما قتيبة فقال: حدثنا مالك) فهو مخالف لقرأت لأنه بمعنى أخبرني (وقال يحيى واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (قلت لمالك: أحدثك ابن شهاب) بهمزة الاستفهام الاستخباري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، قيل: إن مالكًا تفرد به عن الزهريّ، وممن جزم بذلك ابن الصلاح في الكلام على الشاذ، وادعى ابن العربي في قصة له أنه قد رُوي من ثلاثة عشر طريقًا غير طريق مالك، قال الحافظ: وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد، قال: ولكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك ثم قال: فيُحمل قول من قال: انفرد به مالك أي بشرط الصحة، وقول من قال: توبع أي في الجملة، وعبارة الترمذي سالمة من الاعتراض فإنه قال بعد تخريجه: حسن صحيح غريب لا يُعرف كثير أحد رواه غير مالك عن الزهريّ فقوله: (كثير) يشير إلى أنه توبع في الجملة اهـ فتح الملهم. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد إما بصري أو نيسابوري أو بلخي (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه) صلى الله عليه وسلم (مغفر) بكسر الميم وفتح الفاء شبه قلنسوة من الدروع، قال القرطبي: وهو ما يُلبس على الرأس من دروع الحديد، وأصله من الغفر وهو الستر، وهو دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عنوة وهو الصحيح من الأحاديث والمعلوم من السير لكنه عندما دخلها أمن أهلها كما سيأتي، وإنما اغتر من قال بأنها فتحت صلحًا لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلآلم يُعرِّض لأهلها بقتل ولا سبي فظن وقدر هنالك صلحًا في الخفاء مع أبي سفيان أو غبره وهذا كله وهم والصحيح الأول اهـ من المفهم،

فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الطيبي: وفي الحديث دلالة على جواز الدخول بغير إحرام لمن لا يريد النسك وهذا أصح قولي الشافعي، وقال الشمني: ولنا ما روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجاوزوا الميقات بغير إحرام" وأيضًا الإحرام لتعظيم البقعة فيستوي فيه الحاج والمعتمر وغيرهما ودخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بغير إحرام حكم مخصوص بذلك الوقت ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت في ساعة من نهار ثم عادت حرامًا كذا في المرقاة. قال الحافظ: وفي الحديث مشروعية لبس المغفر وغيره من آلاف السلاح حال الخوف من العدو وأنه لا ينافي التوكل، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل مكة طاف وطفنا معه ومعه من يستره من أهل مكة أن يرميه أحد .. الحديث، وإنما احتاج إلى ذلك لأنه كان حينئذٍ محرمًا فخشي الصحابة أن يرميه بعض سفهاء المشركين بشيء يؤذيه فكانوا حوله يسترون رأسه ويحفظونه من ذلك اهـ فتح (فلما نزعه) أي فلما نزع النبي صلى الله عليه وسلم المغفر عن رأسه وخلعه ليستريح بعد استقراره في مكة (جاءه) أي جاء النبي صلى الله عليه وسلم (رجل) من المسلمين، قال الطيبي: هو أبو برزة الأسلمي، وفيه جواز رفع أخبار أهل الفساد إلى ولاة الأمور ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة ولا النميمة (فقال: ابن خطل) بفتحتين (متعلق بأستار الكعبة) مستجيرًا بها، قال الأبي: تعلقه بأستار الكعبة فعله عياذة بالبيت، واختلف في اسمه قيل: هو هلال بن خطل، وقيل: عبد العزى بن خطل هذا قول ابن إسحاق وجماعة، قال الزبير بن بكار: ابن خطل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح هو هلال بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كثير بن تيم بن غالب بن فهر، قال: وعبد الله هو الذي يقال له خطل ولأخيه عبد العزى بن عبد مناف أيضًا خطل هما جميعًا الخطلان قاله ابن عمر، قال الحافظ: والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه أنه كان يسمى عبد العزى فلما أسلم سُمي عبد الله، وأما من قال هلال فالتبس عليه بأخ له اسمه هلال بيّن ذلك الكلبي في النسب، وقيل: هو عبد الله بن هلال بن خطل، وقيل: غالب بن عبد الله بن خطل، واسم خطل عبد مناف من بني تيم بن فهر بن غالب، وكان ابن خطل هذا قد أسلم وهاجر فاستكتبه النبي صلى الله عليه

فَقَال: "اقْتُلُوهُ"؛ فَقَال مَالِكٌ: نَعَم. 3190 - (1274) (24) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى التَّمِيمِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ. (قَال يَحيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ بْنُ عَمَّارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم ثم ارتد عن الإسلام، فقتل رجلًا مسلمًا كان يخدمه وفَرَّ إلى مكة، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويسبه والمسلمين وأحكام الإسلام وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين اهـ نووي (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتلوه) أي اقتلوا ابن خطل ولو كان متعلقًا بأستار الكعبة قصاصًا، ويُعلم منه صحة مذهب الجمهور من أن الحرم لا يمنع من إقامة الحدود على من جنى خارجه والتجأ إليه، قال الطيبي: الظاهر أنه إنما قتله لارتداده انفرادًا أو مع انضمام قتل النفس ولو سُلم أنه قتله قصاصًا يُحمل على أنه أجاز ذلك له في تلك الساعة، ومما يدل على أن قتله لم يكن للقصاص عدم وجود شروطه من المطالبة والدعوى والشهادة اهـ (فقال مالك) في جواب استفهام يحيى بن يحيى (نعم) حدثني به ابن شهاب عن أنس بن مالك، قال النووي: فقد جاء في الصحيحين في مواضع كثيرة مثل هذه العبارة ولا يقول في آخره قال نعم، واختلف العلماء في اشتراط قوله نعم في مثل هذه الصورة وهي إذا قرأ على الشيخ قائلًا أأخبرك فلان أو نحوه والشيخ مصغ له فاهِمٌ لما يقرأ غير منكر، فقال بعض الشافعية وبعض أهل الظاهر: لا يصح السماع إلا بها فإن لم ينطق بها لم يصح السماع، وقال جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول يستحب قوله نعم ولا يشترط نطقه بشيء بل يصح السماع مع سكوته، والحالة هذه اكتفاء بظاهر الحال فإنه لا يجوز لمكلف أن يقر على الخطإ في مثل هذه الحالة، قال القاضي: هذا مذهب العلماء كافة، ومن قال من السلف نعم إنما قاله توكيدًا أو احتياطًا لا اشتراطًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 109]، والبخاري [1846]، وأبو داود [2685]، والترمذي [1693]، والنسائي [5/ 200]، وابن ماجه [2805]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 3190 - (1274) (24) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وقتيبة بن سعيد الثقفي قال يحيى: أخبرنا وقال قتيبة: حدثنا معاوية بن عمار) بن أبي معاوية

الدُّهْنِيُّ) عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ (وَقَال قُتَيبَةُ: دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ) وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيرِ إحْرَامٍ. وَفِي رِوَايَةِ قُتَيبَةَ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي البجلي (الدهني) -بضم المهملة وسكون الهاء ثم نون- منسوب إلى دهن، وهو بطن من بجيلة وهذا الذي ذكرناه من كونه بإسكان الهاء هو المشهور، ويقال بفتحها وممن حكى الفتح أبو سَعْد السمعاني في الأنساب والحافظ عبد الغني، روى عن أبي الزبير في الحج وأبيه وجعفر بن محمد، ويروي عنه (م ت س) ويحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد ويوسف بن عدي وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الثامنة، له عندهم فرد حديث (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله واحد منهم مدني وواحد مكي وواحد كوفي وواحد إما بلخي أو نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وقال قتيبة: دخل يوم فتح مكة وعليه) صلى الله عليه وسلم (عمامة سوداء) أي ذات سواد (بغير إحرام) متعلق بدخل (وفي رواية قتيبة قال) معاوية بن عمار: (حدثنا أبو الزبير عن جابر) بصيغة السماع، قال القرطبي: قوله: (وعليه عمامة سوداء) ليس مناقضًا لقوله: (إنه دخل ذلك اليوم وعليه المغفر) لإمكان أن تكون العمامة تحت المغفر وقاية من صدإ الحديد وشعثه، أو يكون نزع المغفر عند انقياد أهل مكة ولبس العمامة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قال الحافظ: زعم الحاكم في الإكليل أن بين حديث أنس في المغفر وبين حديث جابر في العمامة السوداء معارضة وتعقبوه باحتمال أن يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل منهما ما راه، ويؤيده أن في حديث عمرو بن حريث: أنه خطب الناس وعليه عمامة سوداء. أخرجه مسلم أيضًا. وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول وهذا الجمع لعياض، وقال غيره: يُجمع بأن العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر وقاية لرأسه عن صدإ الحديد فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيأ للحرب، وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم وبهذا يندفع إشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير إحرام لاحتمال أن يكون صلى الله عليه

3191 - (00) (00) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمِ الأَوْدِيُّ. أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عن أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم كان محرمًا ولكنه غطى رأسه لعذر فقد اندفع ذلك بتصريح جابر بأنه لم يكن محرمًا اهـ. قوله: (عمامة سوداء) قال النووي: فيه جواز لبس الثياب السود، وفي الرواية الأخرى خطب وعليه عمامة سوداء فيه جواز لبس الأسود في الخطبة، وأَنَّ الأبيض أفضل منه كما ثبت في الحديث الصحيح: "خير ثيابكم البياض" وأما لباس الخطباء السواد في حال الخطبة فجائز، ولكن الأفضل البياض كما ذكرنا، وإنما لبس العمامة السوداء في هذا الحديث بيانًا للجواز والله أعلم كذا في الشرح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 363]، وأبو داود [4076]، والترمذي [1735]، والنسائي [5/ 201]، وابن ماجه [2822]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال: 3191 - (00) (00) (حدثنا علي بن حكيم) بن ذبيان بمعجمة بعدها موحدة ساكنة ثم تحتانية (الأودي) أبو الحسن الكوفي، روى عن شريك بن عبد الله بن سنان في الحج وابن عيينة وعبثر بن القاسم، ويروي عنه (م س) وعبد الله بن أحمد ومطين، قال ابن معين: ثقة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين (أخبرنا شريك) بن عبد الله بن سنان، ويقال شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن عمار) بن معاوية، ويقال ابن أبي معاوية، ويقال ابن خباب، ويقال ابن صالح البجلي (الدهني) بضم أوله وسكون ثانيه نسبة إلى دهن بطن من بجيلة كما آنفًا، أبي معاوية الكوفي، روى عن أبي الزبير في الحج وأبي الطفيل وأبي سلمة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وشريك بن عبد الله وابنه معاوية وشعبة وعدة (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمار الدهني لابنه معاوية بن عمار الدهني في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير المكي (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة) بمكة المكرمة (وعليه عمامة سوداء) بغير ذكر قوله: (بغير إحرام).

3192 - (1275) (25) حدَّثنا يَحيَى بن يَحيَى وَإسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. قَالا: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عن مُسَاورٍ الْوَرَّاقِ، عن جَعْفَرِ بْنِ عَمرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. 3193 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُسَاورٍ الْوَرَّاقِ. قَال: حَدَّثَنِي (وَفِي رِوَايَةِ الْحُلْوَانِيِّ قَال): سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ عَمرِو بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنهما فقال: 3192 - (1275) (25) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال: أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن مساور) بن سواربن عبد الحميد (الوراق) أي الكاتب الشاعر الكوفي، روى عن جعفر بن عمرو بن حريث وأبي حصين الأسدي وشعيب بن يسار مولى ابن عباس، ويروي عنه (م عم) ووكيع وابن عيينة وأبو أسامة وغيرهم، قال أحمد: كان يقول الشعر ما أرى بحديثه بأسًا، وقال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة (عن جعفر بن عمرو بن حريث) المخزومي الكوفي، مقبول، من (3) روى عنه في (2) بابين الصلاة والحج (عن أبيه) عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبي سعيد الكوفي، صحابي صغير رضي الله عنه، مرت ترجمته في كتاب الصلاة. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد إما نيسابوري أو مروزي، وحكم هذا السند الحسن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس) في بعض خطبه (وعليه عمامة سوداء). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3193 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة والحسن) بن علي (الحلواني) الخلال الهذلي أبو علي المكي، ثقة، من (11) (قال: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن مساور) بن سوار بن عبد الحميد (الوراق) الكوفي (قال) مساور: (حدثني) جعفر بن عمرو بن حريث (وفي رواية الحلواني قال) مساور: (سمعت جعفر بن عمرو بن

حُرَيثٍ) عَنْ أَبِيهِ، قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْمِنْبَرِ. وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. قَدْ أَرْخَى طَرَفَيها بَينَ كَتِفَيهِ. وَلَم يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى الْمِنْبَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حريث) المخزومي الكوفي (عن أبيه) عمرو بن حريث المخزومي الكوفي. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لوكيع (قال) عمرو بن حريث: (كأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه قائمًا (على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى) وأسدل (طرفيها) أي طرفي العمامة (بين كتفيه، ولم يقل أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته لفظة (على المنبر) بل قالها الحسن فقط قوله: (قد أرخى طرفيها) قال النواوي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها طرفيها بالتثنية وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وذكر القاضي عياض أن الصواب المعروف طرفها بالإفراد وأن بعضهم رواه (طرفيها) بالتثنية والله أعلم، وفيه استحباب إرخاء الذؤابة وسيأتي الكلام عليه مبسوطًا في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب سبعة أحاديث، الأول: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي شريح العدوي ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث عمرو بن حريث ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

520 - (6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها

520 - (6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها 3194 - (1276) (26) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَنْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَردِيَّ) عَنْ عَمرِو بْنِ يَحيَى الْمَازِنيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 520 - (6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها [والمدينة] علم بالغلبة على البلدة المعروفة التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم ودُفن بها قال الله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَغنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} فإذا أطلقت تبادر إلى الفهم أنها المراد وإذا أريد غيرها بلفظ المدينة فلا بد من قيد الإضافة مثلًا فهي كالنجم على الثريا وابن عمر وابن عباس على عبد الله فيهما وكان اسمها قبل ذلك يثرب قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالتْ طَائِفَةٌ مِنْهُم يَاأَهْلَ يَثْرِبَ} ويثرب اسم لموضع منها سميت كلها به، وقيل: سميت بيثرب بن قانية من ولد إرم بن سام بن نوح عليه السلام لأنه أول من نزلها حكاه أبو عبيد البكري، وقيل غير ذلك ثم سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة وكان سكانها العماليق ثم نزلها طائفة من بني إسرائيل قيل: أرسلهم موسى - عليه السلام - كما أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة بسند ضعيف ثم نزلها الأوس والخزرج حين تفرق أهل سبَإ بسبب سيل العرم، ولم تزل المدينة عزيزة في الجاهلية وأعزها الله سبحانه وتعالى بمهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، قال العيني: احتج بهذا الحديث وبالأحاديث التي بعده محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وقالوا: المدينة لها حرم فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها، ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم خلافًا لابن أبي ذئب فإنه قال: يجب الجزاء وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي وقال في القديم: من اصطاد في المدينة صيدًا أُخذ سلبه، ويروي فيه أثرًا عن سعد، وقال في الجديد بخلافه اهـ من فتح الملهم. 3194 - (1276) (26) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد (الدراوردي) المدني الجهني مولاهم نسبة إلى دراورد قرية بخراسان لأن جده كان منها (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن (المازني) المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن عباد بن تميم) بن غزية الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3)

عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الله بْنِ زَيدِ بْنِ عَاصِمٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكةَ وَدَعَا لأَهْلِها. وَإنِّي حَرَّفتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. وَإنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِها وَمُدِّها ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (6) أبواب (عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم) الأنصاري المازني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهو أخو أبي عباد بن تميم لأمه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم) الخليل - عليه السلام - (حرّم مكة) المكرمة أي بلّغ حكم تحريمها أي حكم تعظيم الله إياها أي بلّغ إلى الناس بتعظيم الله إياها من بين بقاع الأرض بتحريم اصطياد صيدها وقطع شجرها وحرمة القتال فيها فلا يعارض ما تقدم من قوله: "إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس" ويحتمل أن يكون وكل إليه تحريمها فصحت بذلك نسبة التحريم مرة إلى الله تعالى ومرة إلى إبراهيم - عليه السلام - اهـ من الأبي. وعلى ذلك يُحمل قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "وإني أحرم ما بين لابتي المدينة" وقد دل على صحة هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس" اهـ من المفهم (ودعا) إبراهيم - عليه السلام - (لأهلها) أي لأهل مكة بقوله: {وَاززُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (وإني حرمت المدينة) أي بلغت تحريم الله تعالى وتعظيمه إياها، قال المازري: وهذا حجة لمالك في تحريم صيدها وقطع شجرها، وأنكر تحريمها الحنفية على أصلهم في رد خبر الواحد فيما تعم به البلوى ولحديث: "ما فعل النغير يا أبا عمير" والجواب عن الأول بأن الحديث قد اشتهر واتفق على صحته وقد يكون بيانه بيانًا شافيًا ولكن اكتفى الناس بنقل بعض الأخبار عن بعض، والجواب عن الثاني بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل التحريم أو يكون النغير إنما صيد من الحل لا من حرم المدينة، والمشهور عندنا أنه لا جزاء فيما صيد في حرم المدينة لعدم النص وثبوت التحريم لا يُوجب الجزاء والأصل براءة الذمة والله أعلم اهـ من الأبي (كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها) أي في صالح المدينة (ومدها) في ذي صاعها وذي مدها أي فيما يكال بالصاع والمد أي دعوت البركة في المكيل بهما فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال لأن الدعاء إنما هو بالبركة في الطعام المكيل بهما لا في المكيال اهـ من المفهم، قال الأبي: الأظهر في البركة في المكيل بهما ليُستعمل في الاقتيات في الحال فلا يتناول غير الطعام ولا الطعام

بِمِثْلي مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأَهْلِ مَكَّةَ". 3195 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ الْمُختَارِ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقتنى وكذلك يتناول الإدام المأكول في الحال والموزون لأن الحديث خرج مخرج الغالب في المعيار وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الكيل كيل أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة" (بمثلي) أي بضعفي (ما دعا به إبراهيم لأهل مكة) قال القرطبي: يفسره حديث أنس: "اللهم اجعل بالمدينة ضعف ما بمكة من البركة" اهـ. قال الأبي: ومعنى ضعف ما بمكة أن المراد ما أشبع بغير مكة رجلًا أشبع بمكة رجلين وبالمدينة ثلاثًا، وحكى الشيخ ابن عرفة عن أبيه وكان من المجاورين أنه قال: كان يقوتني بالمدينة نصف ما يقوتني بمكة وهذا هو الأظهر من الحديث أعني أن البركة إنما هي في الاقتيات، وذكر ابن العربي أنها باعتبار الثواب اهـ أبي، قال القرطبي: ووجه البركة تكثير ذلك وتضعيفه في الوجود أو في الشبع وقد جعل الله تعالى كل ذلك بالمدينة فانجلب الناس إليها من كل أرض وبلد وصارت مستقر ملوك وجُلبت إليها الأرزاق وكثرت فيها مع قلة أكل أهلها وترك نهمهم وإنما هي وجبة واحدة يأكلون فيها العلقة -العلقة ما يتبلغ به من الطعام- من الطعام والكف من التمر ويكتفي به ثم لا يلزم أن يكون فيها ذلك دائمًا ولا في كل شخص بل تتحقق إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد ذلك في أزمان أو غالب أشخاص والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 40]، والبخاري [2129]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال: 3195 - (00) (00) (وحدثنيه أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار) الأنصاري مولاهم مولى حفصة بنت سيرين أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من

ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهيبٌ. كُلُهُم عَنْ عَمرِو بْنِ يَحيَى (هُوَ الْمَازِنِيُّ) بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا حَدِيثُ وُهيبِ فَكَرِوَايَةِ الدَّرَاوَردِيِّ "بِمِثْلَي مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ". وَأَمَّا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، فَفِي رِوَايَتِهِمَا: "مِثْلَ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ". 3196 - (1277) (27) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بْنِ عُثْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) روى عنه في (13) بابًا (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) عبد الله بن الحارث بن عبد الملك (المخزومي) أبو محمد المكي، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة أعني عبد العزيز بن المختار وسليمان بن بلال ووهيب بن خالد رووا (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة (هو المازني بهذا الإسناد) يعني عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد العزيز الدراوردي (أما حديث وهيب) بن خالد أي روايته (فكرواية الدراوردي) في قوله: (بمثلي ما دعا به إبراهيم) بصيغة التثنية (وأما سليمان بن بلال وعبد العزيز بن المختار ففي روايتهما مثل ما دعا به إبراهيم) بصيغة الإفراد وإسقاط حرف الجر، قال الكرماني: مثل منصوب بنزع الخافض أي بمثل ما دعا به وليست لفظة به زائدة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث عبد الله بن زيد بحديث رافع بن خديج رضي الله عنهما فقال: 3196 - (1277) (27) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر يعني ابن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة أبو محمد المصري، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي بكر بن محمد) بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن عمرو بن عثمان) القرشي الأموي المصري الملقب بالمطرف -بضم الميم وسكون الطاء المهملة وفتح الراء- لُقب به لحسنه وجماله الفائق، روى عن راقع بن خديج في الحج،

عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ. وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ لابَتَيها" (يُرِيدُ الْمَدِينَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الرحمن بن أبي عمرة في الأحكام، وأبيه وابن عباس، ويروي عنه (م د ت س) وأبو بكر بن محمد بن حزم وابنه محمد والزهري، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة شريف نبيل، من الثالثة، مات بمصر سنة (96) ست وتسعين (عن رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور المدني، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد بلخي و (قال) رافع بن خديج: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم) - عليه السلام - (حرم مكة) أي بلّغ وأظهر حرمتها وعظمتها إلى الناس (وإني أحرم) أي أُبلغ وأظهر حرمة إما بين لابتيها) أي ما بين لابتي المدينة وحرّتيها وطرفيها الشرقي والغربي، قال الراوي: (يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير لابتيها (المدينة) المنورة بنور رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللابتان تثنية اللابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة والمدينة المنورة بين حرتين وغربية تكتنفانها، والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود كأنها أحرقت بالنار ومعنى ذلك اللابتان وما بينهما؛ والمراد تحريم المدينة ولابتيها، وفي المرقاة: قوله: (إني أحرم ما بين لابتيها) أي أعظم ما بين جانبيها أو أحرم تخريب ما بينهما وتضييع ما فيهما من زينة البلد وليس المراد مثل تحريم مكة بالإجماع اهـ قال الحافظ: وقد تكرر ذكر اللابة في الحديث، ووقع في حديث عند أحمد: "أنا أحرم المدينة ما بين حرتيها" فادعى بعض الحنفية أن الحديث مضطرب لأنه وقع في رواية ما بين جبليها، وفي رواية ما بين لابتيها، وفي رواية ما بين مأزميها، وتعقب بأن الجمع بينها واضح وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح ولا شك أن رواية ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر، وأما رواية مأزميها فهي في بعض طرق حديث أبي سعيد، والمأزم بكسر الزاي المضيق بين الجبلين، وقد يطلق على الجبل نفسه كذا قال الحافظ في الفتح، وقال النووي: للمدينة لابتان شرقية وغربية اهـ فهذا يخالف ما جوزه الحافظ من كونهما جنوبًا وشمالًا والله أعلم اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ من تحفة الأشراف.

3197 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عن عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ؛ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خَطَبَ النَّاسَ. فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلَها وَحُرمَتَها. وَلَم يَذكُرِ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَها وَحُرمَتَها. فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ. فَقَال: مَا لِي أَسْمَعُكَ ذَكَرتَ مَكَّةَ وَأَهْلَها وَحُرمَتَها، وَلَم تَذْكُرِ المَدِينَةَ وأَهْلَها وَحُرمَتَها وَقَد حَرَّمَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا بَينَ لابَتَيها. وَذلِكَ عِنْدَنَا فِي أَدِيمٍ خَوْلانيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 3197 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي المدني (عن عتبة بن مسلم) المدني وهو عتبة بن أبي عتبة التيمي مولاهم، روى عن نافع بن جبير في الحج، وحمزة بن عبد الله بن عمر في الطب، وعُبَيد بن حنين وأبي سلمة، ويروي عنه (خ م د ق) وسليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبي محمد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (أن مروان بن الحكم) بن أبي العاص الأموي أمير المدينة (خطب الناس) يومًا (فذكر) في خطبته (مكة) أي فضلها (وأهلها وحرمتها) أي عظمتها (ولم يذكر) مروان (المدينة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج) الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة نافع بن جبير لعبد الله بن عمرو بن عثمان في رواية هذا الحديث عن رافع بن خديج (فقال) رافع لمروان: (ما لي) أي أي شيء ثبت في (أسمعك) يا مروان (ذكرت مكة وأهلها وحرمتها) في خطبتك (ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها) أي ما بين لابتي المدينة وحرتيها (وذلك) أي تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة محفوظ (عندنا) بالكتابة (في أديم خولاني) وهذا من كلام رافع بن خديج أي في جلد مدبوغ منسوب إلى خولان وهي كما في معجم البلدان كورة من كور اليمن أي قرية من قرى اليمن، وأيضًا قرية كانت بقرب دمشق خربت بها قبر أبي مسلم الخولاني وإليها ينسب أيضًا أبو إدريس الخولاني وهما تابعيان جليلان

إنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ. قَال: فَسَكَتَ مَروَانُ ثُمَّ قَال: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذلِكَ. 3198 - (1278) (28) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمرٌو النَّاقِدُ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أحمَدَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الأَسْدِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ. وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمدِينَةَ مَا بَينَ لابتَيها. لَا يُقْطَعُ عِضَاهُها ـــــــــــــــــــــــــــــ معاصران كما ذكرناهما في أوائل الكتاب وفي القاموس أن خولان اسم قبيلة باليمين، ولعل أديم تلك النواحي في ذلك الزمان كان من أنعم الجلود التي يكتبون فيها اهـ من بعض الهوامش، ثم قال رافع بن خديج لمروان بن الحكم (إن شئت) يا مروان أن تقرأه (أقرأتكه) أي جئتك به لتقرأه (قال) نافع بن جبير (فسكت مروان) فما رد على رافع جوابًا (ثم قال) مروان لرافع: (قد سمعت بعض ذلك) الذي ذكرته. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن زيد بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم فقال: 3198 - (1278) (28) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (كلاهما عن أبي أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال أبو بكر: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي) بصيغة السماع (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها) ومعناه اللابتان وما بينهما، والمراد تحريم المدينة ولابتيها قاله النووي كما، واللابتان تثنية لابة، واللابة: الأرض ذات الحجارة وهي الحرة وجمعها في القلة لابات، وفي الكثرة لاب ولوب كقارة وقور وساحة وسوح وباحة وبوح قاله ابن الأنباري، واللابتان: الحرتان الشرقية والغربية، وللمدينة لابتان في القبلة والجرف وترجع إليهما الشرقية والغربية، قال الهروي: يقال ما بين لابتيها أجهل من فلان أي ما بين طرفيها يعني المدينة اهـ من المفهم (لا يقطع عضاهها) والعضاة بوزن كتاب كل شجر عظيم ذي شوك هو من أشجار البوادي كالعوسج والسمرة والسدر وأم غيلان واحدها عضاهة وعضهة كعنبة كما في

وَلَا يُصَادُ صَيدُها". 3199 - (1279) (29) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ. حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ. أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُها. أَوْ يُقْتَلَ صَيدُها" ـــــــــــــــــــــــــــــ المصباح (ولا يصاد صيدها) وهاتان الجملتان خبريتان معناهما النهي كأنه قال: لا تقطعوا عضاهها ولا تصيدوا صيدها، قال القاري: حمل أصحابنا هذا النهي على التنزيه اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في المناسك اهـ من التحفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 3199 - (1279) (29) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف مصغرًا الأنصاري الأوسي أبو سهل الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (حدثني عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهريّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف الزهريّ المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) سعد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحرم ما بين لابتي المدينة) أي ما بين حرتيها، وجملة قوله: (أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها) في تأويل مصدر منصوب على أنه بدل اشتمال من ما الموصولة أي أحرم قطع عضاهها أو قتل صيدها، وكلمة أو بمعنى الواو العاطفة، وظاهر هذا الحديث مشعر بأن للمدينة حرمًا وهو مذهب الشافعي ومالك، وذهب أبو حنيفة إلى نفيه لأنه روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: كان قال محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة وحوش يمسكونها. ولأن جمهور الصحابة على جواز الاصطياد في المدينة فتحريمها يكون عبارة عن تعظيم قدرها يؤيد هذا المعنى قوله: "أو يقتل صيدها" بكلمة أو لأن التحريم لو كان على ظاهره لحرم القطع والقتل كلاهما كما في حرم مكة لا أحدهما، ولهذا لم ينقل عن

وَقَال: "الْمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. لَا يَدَعُها أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْها إِلَّا أَبْدَلَ اللهُ فِيها مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنْهُ. وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِها وَجَهْدِها إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا، أَوْ شَهِيدًا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد إيجاب الجزاء بقطع شجرها اهـ ابن الملك (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المدينة خير لهم) أي للمرتحلين عنها إلى غيرها من بلاد الريف كالشام (لو كانوا يعلمون) بما فيها من الفضائل كالصلاة في مسجدها وثواب الإقامة فيها وغير ذلك، قال الأبي رحمه الله تعالى: لو هذه إن كانت امتناعية ويعلمون قاصرًا فجوابها محذوف أي لو كان من أهل العلم لعلموا خيريتها لهم ولم يفارقوها، كان كانت متعدية فالتقدير لو كانوا يعلمون ذلك لما فارقوها، كان كانت للتمني أي غائية لم تفتقر إلى جواب، وعلى التقديرين هو تجميل لمن فعل ذلك لتفويته عن نفسه أجرًا عظيمًا، ولذلك قال إلا أبدل الله فيها خيرًا منهم كما قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيرَكُف} الآية أي يخلق خلقًا سواكم على خلف صفتكم من الرغبة في الإيمان وفي الاكتفاء به اهـ منه (لا يدعها) أي لا يدع المدينة ولا يتركها (أحد) منكم ولا يفارقها (رغبة) وإعراضًا (عنها) وهذا القيد احتراز عمن تركها ضرورة كخوف على نفسه أو ماله اهـ من المبارق، وقال القرطبي: (رغبة عنها) أي كراهة لها من رغبت عن الشيء إذا كرهته، وقال المازري: قيل ذلك خاص بزمان حياته صلى الله عليه وسلم وقيل دائمًا ويدل عليه قوله في حديث: "يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" وهذا فيمن يخرج عنها ممن كان مستوطنًا بها لا مقيمًا اهـ. (إلا أبدل الله فيها من هو خير منه) يعني أنه لا يضر المدينة عدمه بل ينفعها ويذهب شره إلى غيرها اهـ مبارق (ولا يثبت) أي ولا يستوطن بها (أحد) ولا يقيم فيها بالصبر (على لأوائها) أي شدتها وجوعها (وجهدها) بفتح الجيم وفي لغة قليلة بضمها أي وعلى مشقتها كشدة حرارتها وبرودتها ووبائها، وأما الجهد بضم الجيم الطاقة وحُكي فتحها (إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة) أي إلا كنت شفيعًا وشهيدًا معًا فأو بمعنى الواو أو للتقسيم أي شفيعًا لقوم من العصاة وشهيدًا لآخرين بجهدهم وهم المطيعون وليست للشك، قال القاضي عياض: إن هذا الحديث رواه جابر وسعد وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد رضي الله عنهم عن

3200 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَروَانُ بْنُ مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأنْصَارِيُّ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة، بل الأظهر أنه قاله صلى الله عليه وسلم هكذا اهـ نواوي، قال المازري: اللأواء الجوع وشدة الكسب فيها والمشقات، وضمير جهدها يحتمل أن يعود على اللأواء لأنها مؤنثة، ويحتمل أن يعود على المدينة والأول أقرب اهـ قال الأبي: والحديث خرج مخرج الحث على سكناها فمن لزم سكناها ولم يلحقه لأواء دخل في ذلك لأن التعليل بالغالب والمظنة لا يضر فيه التخلف في بعض الصور كتعليل القصر بمشقة السفر فإن الملك يقصر ولو لم تلحقه مشقة لوجود السفر اهـ. قوله: (إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا) قال القرطبي: زعم قوم أن أو هنا للشك من بعض الرواة وليس بصحيح فإنه قد رواه جماعة من الصحابة ومن الرواة كذلك على لفظ واحد ولو كان شكًّا لاستحال أن يتفق الكل عليه، وإنما أو هنا للتقسيم والتنويع كما قال الشاعر: فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما ... صدور رماح أُشرعت أو سلاسل ويكون المعنى إن الصابر على شدة المدينة صنفان من يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم من العصاة ومن يشهد له بما قال فيها من الشدة ليوفى أجره، وشفاعته كان كانت عامة للعصاة من أمته إلا أن العصاة من أهل المدينة لهم زيادة خصوص منها وذلك والله تعالى أعلم بأن يشفع لهم قبل أن يعذبوا بخلاف غيرهم أو يشفع في ترفيع درجاتهم أو في السبق إلى الجنة أو فيما شاء الله من ذلك. وانفرد المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث عن أصحاب الأمهات إلا أنه شاركه أحمد [1/ 169]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 3200 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء الفزاري الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابًا (حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري) الأوسي الكوفي (أخبرني عامر بن سعد بن

أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: "وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ الله فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي وقاص عن أبيه) سعد بن أبي وقاص. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مروان بن معاوية لعبد الله بن نمير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم ذكر) مروان بن معاوية (مثل حديث) عبد الله (بن نمير وزاد) مروان (ق الحديث) على ابن نمير (ولا يريد) أي لا يقصد (أحد) من الظلمة (أهل المدينة بسوء) أي بضر وفتنة، قال الأبي: والمراد بالإرادة هنا العزم حتى لا يعارض حديث "إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها" ويكون حجة للقاضي أن العزم مؤاخذ به، وتقدم الكلام على ذلك في كتاب الإيمان اهـ (إلا أذابه الله) تعالى أي أهلكه (ق النار) الأخروية (ذوب الرصاص) أي ذوبًا كذوب الرصاص في النار الدنيوية (أو ذوب الملح) أي ذوبًا كذوب الملح (ق الماء) الدنيوي وأو لتنويع المشبه به لا للشك، وقال ابن الملك: قوله في النار متعلق بالمصدر أي ذوب الرصاص في النار فتكون العقوبة في الدنيا اهـ من بعض الهوامش، قال عياض: هذه الزيادة يعني قوله: (ق النار) تدفع إشكال الأحاديث وتوضح أن هذا حكمه في الآخرة، ويحتمل أن يكون المراد من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بسوء اضمحل أمره كما يضمحل الرصاص في النار فيكون في اللفظ تقديم وتأخير ويؤيده قوله: "أو ذوب الملح في الماء" ويحتمل أن يكون المراد لمن أرادها في الدنيا بسوء أنه لا يمهل بل يذهب سلطانه عن قرب كما وقع لمسلم بن عقبة وغيره فإنه عُوجِلَ عن قرب وكذلك الذي أرسله، قال: ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالًا وطلبًا لغرتها في غفلة فلا يتم له أمر بخلاف من أتى ذلك جهارًا كما استباحها مسلم بن عقبة وغيره، وروى النسائي من حديث السائب بن خلاد رفعه "من أخاف أهل المدينة ظالمًا لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله" الحديث ولابن حبان نحوه من حديث جابر اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: ظاهر هذه الزيادة أن الله تعالى يعاقبه بذلك في النار، ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن إهلاكه في الدنيا أو عن توهين أمره وطمس كلمته كما قد فعل ذلك بمن غزاها وقاتل أهلها فيمن تقدم كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله منصرفه عنها وكإهلاك يزيد بن معاوية إثر إغزائه أهل المدينة إلى غير ذلك.

3201 - (1280) (30) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنِ الْعَقَدِيِّ. قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمرٍو. حدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ. عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ. فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ. فَسَلَبَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ. جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلامِهِمْ، أَوْ عَلَيهِم، مَا أَخَذَ مِنْ غُلامِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال: 3201 - (1280) (30) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (جميعًا عن) أبي عامر القيسي (العقدي) عبد الملك بن عمرو البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (قال عبد) بن حميد: (أخبرنا عبد الملك بن عمرو) بصيغة السماع وبتصريح اسمه (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة القرشي الزهري المخزومي أبو محمد المدني، قال أحمد: ثقة، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس به بأس، وقال ابن معين: ليس به بأس صدوق وليس بثبت، وقال الترمذي: مدني ثقة، وقال في التقريب: ليس به بأس، من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن إسماعيل بن محمد) بن سعد بن أبي وقاص الزهريّ أبي محمد المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن) عمه (عامر بن سعد) بن أبي وقاص (أن سعدًا) ابنَ أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد إما مروزي أو كسي (ركب) أي سافر راكبًا (إلى قصره بالعقيق) وهو اسم موضع قريب من المدينة بينه وبينها عشرة أميال، وبه مات سعد وحُمل إلى المدينة فصُلي عليه ودُفن بها اهـ مفهم (فوجد) سعد في طريقه (عبدًا يقطع شجرًا) أي أغصانه لعلف المواشي، وكلمة أو في قوله: (أو يخبطه) أي يسقط ورق الشجر للتنويع لا للشك أي يقطع أغصانه تارة ويسقط ورقه أخرى، أو بمعنى الواو، والخبط جاء هنا عديلًا للقطع فيراد به معناه الأصلي وهو إسقاط الورق وهو من باب ضرب (فسلبه) أي فسلب سعد عيدًا أي أخذ ما عليه من الثياب ما عدا ساتر العورة زجرًا له عن العودة لمثله والسلب بفتحتين الشيء المسلوب أي المأخوذ وبإسكان اللام المصدر (فلما رجع سعد) إلى المدينة (جاءه) أي جاء سعدًا (أهل العبد) وأسياده (فكلموه) أي كلموا سعدًا وسألوه (أن يرد على غلامهم) نفسه (أو عليهم) وأو هنا للإباحة (ما أخذ من غلامهم) مفعول الرد

فَقَال: مَعَاذَ الله، أَنْ أَرُدَّ شَيئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيهِم ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) سعد (معاذ الله) أي عياذًا بالله وهو مصدر ناب عن فعله فحذف عامله وجوبًا أي أعوذ بالله من (أن أرد) عليكم (شيئًا نفلنيه رسول الله على الله عليه وسلم) أي أباح في رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه زيادة على ما أعطانيه في حياته من نصيبي من الغنيمة (وأبي) سعد أي امتنع (أن يرد عليهم) ما أخذه من العبد، وقوله: (شيئًا نفلنيه) بتشديد الفاء أي جعلنيه أو أعطانيه نفلًا أي غنيمة بإذنه لكل من رأى في المدينة صائدًا أو قاطع شجر أن يأخذ سلبه اهـ فتح الملهم، قال القاري: وفي رواية فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه، وفي أخرى إنه كان يخرج فيجد الحاطب معه شجر رطب فيسأله فيكلمه فيه فيقول: لا أدع غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني من أكثر الناس مالًا، وأصل النفل بفتحتين زيادة يعطيها الإمام لمن رأى فيه نفعًا للمسلمين زيادة على سهمه، قال القرطبي: وإنما فعل سعد هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حق من صاد في حرم المدينة كما رواه أبو داود من حديث سعد أيضًا وذكر نحو حديث مسلم في الشجر ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أحدًا بصيد في حرم المدينة فليسلبه" رواه أبو داود [2037] وكأن سعدًا قاس قطع شجرها على صيدها بجامع كونهما محرمين بحرمة الموضع، وهذا كله مبالغة في الردع والزجر لا أنها حدود ثابتة في كل أحد وفي كل وقت، وامتناعه من رد السلب لأنه رأى أن ذلك أدخل في باب الإنكار والتشديد، ولتنتشر القضية في الناس فيكفوا عن الصيد وقطع الشجر اهـ من المفهم. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى برواية هذا الحديث عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [1/ 168]. قال النواوي رحمه الله تعالى: هذا الحديث صريح في الدلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجماهير في تحريم صيد المدينة وشجرها كما سبق، وخالف فيه أبو حنيفة كما قدمناه عنه، وقد ذكر هنا مسلم في صحيحه تحريمها مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وجابر بن عيد الله وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن زيد ورافع بن خديج وسهل بن حنيف، وذكر غيره من رواية غيرهم أيضًا فلا يلتفت إلى من خالف هذه الأحاديث

3202 - (1281) (31) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحة المستفيضة، وفي هذا الحديث دلالة لقول الشافعي القديم أن من صاد في حرم المدينة أو قطع شجرها أخذ سلبه وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة، قال القاضي: ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم، وخالفه أئمة الأمصار (قلت): ولا تضر مخالفتهم إذا كانت السنة معه وهذا القول القديم هو المختار لثبوت الحديث فيه وعمل الصحابة على وفقه ولم يثبت له رافع، قال أصحابنا: فإذا قلنا بالقديم ففي كيفية الضمان وجهان: أحدهما: يضمن الصيد والشجر والكلأ كضمان حرم مكة وأصحهما وبه قطع جمهور المفرعين على هذا القديم أنه يسلب الصائد وقاطع الشجر والكلأ وعلى هذا ففي المراد بالسلب وجهان: أحدهما: أنه ثيابه فقط وأصحهما وبه قطع الجمهور أنه كسلب القتيل من الكفار فيدخل فيه فرسه وسلاحه ونفقته وغير ذلك مما يدخل في سلب القتيل، وفي مصرف السلب ثلاثة أوجه أصحهما أنه للسالب وهو الموافق لحديث سعد، والثاني: أنه لمساكين المدينة، والثالث: لبيت المال وإذا سُلب أُخذ جميع ما عليه إلا ساتر العورة، وقيل: يؤخذ ساتر العورة أيضًا، قال أصحابنا: ويُسلب بمجرد الاصطياد سواء أتلف الصيد أم لا والله أعلم اهـ نواوي. قال الأبي: ومذهب مالك والجمهور والشافعي في الجديد أنه لا ضمان في صيد المدينة وقطع شجرها وإنما هو حرام دون ضمان، وقال بعض العلماء: فيه الجزاء كحرم مكة، وللشافعي في القديم ما تقدم، وقد تقدم الكلام على حرم المدينة وحديث السلب قريبًا في أوائل هذا الباب فليراجع اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 3202 - (1281) (31) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بصيغة السماع (أخبرني عمرو بن أبي عمرو) ميسرة

مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ الله بنِ حَنْطَبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأبَي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ لِي غُلامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي" فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ. فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كلَّمَا نَزَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب) أبو عثمان المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل زوج أم سليم أم أنس رضي الله عنهم، كما قال الشاعر: أنا أبو طلحة واسمي زيد ... وفي جرابي كل يوم صيد أي قال له وقت خروجه إلى غزوة خيبر كما سيأتي في زيادة البخاري (التمس لي) أي اطلب (غلامًا من غلمانكم) يعني الأنصار فإن أبا طلحة كان أنصاريًا خزرجيًا، وقوله: (يخدمني) صفة ثانية لغلامًا أي يخدمني في سفري هذا فاختار أبو طلحة لخدمته صلى الله عليه وسلم ربيبه أنس بن مالك، قال أنس: (فخرج بي أبو طلحة) إلى خيبر حالة كونه (يردفني) أي يركبني (وراءه) أي خلفه على راحلته فجاءني به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمني إليه (فكنت أخدم) من باب نصر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في سفره (كلما نزل) من راحلته وفي الحضر أيضًا، وقوله: (يخدمني) زاد في البخاري حتى أخرج إلى خيبر، قال الحافظ: وقد استشكل من حيث إن ظاهره أن ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم من أول ما قدم المدينة لأنه صح عنه أنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وفي رواية عشر سنين، وخيبر كانت سنة سبع فيلزم أن يكون إنما خدمه أربع سنين قاله الداودي وغيره، وأُجيب بأن معنى قوله لأبي طلحة: التمس في غلامًا من غلمانكم تعيين من يخرج معه في تلك السفرة فعيّن له أبو طلحة أنسًا فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة فإنها كانت متقدمة فيجمع بين الحديثين بذلك، وفي الحديث جواز استخدام اليتيم بغير أجرة لأن ذلك لم يقع ذكره في هذا الحديث، وحمل الصبيان في الغزو كذا قاله بعض الشراح وتبعوه وفيه نظر لأن أنسًا حينئذٍ كان قد زاد على خمسة عشر لأن خيبر كانت سنة سبع

وَقَال فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَال: "هذَا جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبُّهُ" فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَال: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ جَبَلَيهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. اللَّهُمَّ! بَارِكْ لَهُم فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من الهجرة وكان عمره عند الهجرة ثمان سنين ولا يلزم من عدم ذكر الأجرة عدم وقوعها والله أعلم اهـ. (وقال) أنس (في الحديث) أي بعد قصة ذكرها (ثم) بعد مسافرته صلى الله عليه وسلم إلى خيبر (أقبل) أي رجع من سفره إلى المدينة ودنا منها (حتى إذا بدا) وظهر (له) صلى الله عليه وسلم (أُحُد) بضمتين أي جبل أحد وتراءى له وهو جبل بقرب المدينة من جهة الشام وكانت به الوقعة (قال) صلى الله عليه وسلم: (هذا) الجبل (جبل يحبنا) قيل حقيقة بأن خلق الله فيه حياة ومحبة حقيقية، وقيل مجاز عن أهله وهم الأنصار أي يحبنا أهله، وقيل: مجاز عن موافقة هوائه ومائه لهم، واختار النواوي معنى الحقيقة (ونحبه) حقيقة لكونه في أرض طيبة (فلما أشرف) صلى الله عليه وسلم واطلع (على المدينة قال: اللهم إني أحرم) وأعظم (ما بين جبليها) أي ما بين جبلي المدينة، وسيأتي في حديث علي أنه صلى الله عليه وسلم حرّم ما بين عير إلى ثور وهما جبلان على طرفي المدينة جنوبها وشمالها، قوله: (مثل) منصوب بنزع الخافض أي بمثل (ما حرّم به إبراهيم مكة) من حرمة صيدها وقطع شجرها، ثم قال: (اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم) قوله: (يحبنا ونحبه) قال الحافظ: قال القرطبي: ذهب بعض الناس إلى أن هذا الحديث محمول على حقيقته وأن الجبل خلق فيه حياة ومحبة حقيقية وقال: هو من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصدر عن محقق إذ ليس في اللفظ ما يدل على ما ذكروا، والأصل بقاء الأمور على مستمر عاداتها حتى يدل قاطع على انحرافها لنبي أو ولي على ما تقرر في علم الكلام. والذي يصح أن يحمل عليه الحديث أن يقال إن ذلك من باب المجاز المستعمل فإما من باب الحذف فكأنه قال: يحبنا أهله وهم الأنصار لأنهم جيرانه كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وهذا المعنى موجود في كلام العرب وفي أشعارهم كثيرًا كقوله: أمرُّ على الديار ديار ليلى ... أُقَبِّلُ ذا الجدار وذا الجدارَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما تلك الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا وإما من باب الاستعارة أي لو كان ممن يعقل لأحبنا أو على جهة مطابقة اللفظِ اللفظَ المسمى بالمشاكلة ولأنه استشهد به من أحبه النبي صلى الله عليه وسلم كحمزة وغيره من الشهداء الذين استشهدوا به يوم أحد رضي الله عنهم اهـ من المفهم، وقال السهيلي: كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية، قال: ومع كونه مشتقًا من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يُشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم به لفظًا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك اهـ من فتح الملهم. قوله: (اللهم إني أحرم ما بين جبليها) وفي لفظ آخر مأزميها -بكسر الزاي وفتح الميم الثانية- بمعنى جبليها على ما قاله ابن شعبان، قال ابن دريد: المأزم المتضايق، ومنه مأزمي منى وهذا يقرب من تفسير ابن شعبان لأن المتضايق منقطع الجبال بعضها من بعض، وهما المعبر عنهما باللابتين، ومقدار حرم المدينة ما قاله أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم جعل اثني عشر ميلًا حول المدينة. قوله: (اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم) قال ابن المنير: يحتمل أن تختص هذه الدعوة بالمد الذي كان حينئذٍ حتى لا يدخل المد الحادث بعده، ويحتمل أن تعم كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد، قال: والظاهر الثاني كذا قال، وكلام مالك يجنح إلى الأول وهو المعتمد، وقد تغيرت المكاييل في المدينة بعد عصر مالك وإلى هذا الزمان وقد وُجد مصداق الدعوة بأن بورك في مدهم وصاعهم بحيث قدّرهما أكثر فقهاء الأمصار ومقلدوهم إلى اليوم في غالب الكفارات، قال ابن بطال عن المهلب: دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة في صاعهم ومدهم خصهم من البركة ما اضطر أهل الآفاق إلى قصدهم في ذلك المعيار المدعو له بالبركة ليجعلوه طريقة متبعة في معاشهم وأداء ما فرض الله عليهم كذا في الفتح، وقال العيني: البركة النماء والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم، وقيل: يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات فتكون بمعنى الثبات والبقاء بها لبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي مثله من غيره في غير المدينة، أو يرجع البركة في التصرف بها في التجارة وأرباحها أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها، أو

3203 - (00) (00) وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ) عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ لابَتَيهَا". 3204 - (1282) (32) وحدّثناه حَامِدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه بما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هاشميًا مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفًا، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها، هذا كله كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 159]، والبخاري [5425]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3203 - (00) (00) (وحدثناه سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني المكي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قال: حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) نسبة إلى قارة اسم قبيلة، المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عمرو ابن أبي عمرو) ميسرة المدني (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق يعقوب بن عبد الرحمن (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل بن جعفر، غرضه بيان متابعة يعقوب بن عبد الرحمن لإسماعيل بن جعفر (غير أنه) أي لكن أن يعقوب (قال) في روايته: (إني أحرم ما بين لابتيها) بدل قول إسماعيل جبليها. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لأنس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3204 - (1282) (32) (وحدثناه حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي البكراوي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب، وليس في مسلم من اسمه حامد إلا هذا الثقة (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر

حَدَّثَنَا عَاصِمٌ. قَال: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ؟ قَال: نَعَم. مَا بَينَ كَذَا إِلَى كَذَا. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا. قَال: ثُمَّ قَال لِي: هذِهِ شَدِيدَةٌ: "مَنْ أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عاصم) بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (قال) عاصم: (قلت لأنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أحرّم) بتشديد الراء المفتوحة من التحريم بمعنى التعظيم؛ أي هل جعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ ) حرمًا لا يصاد صيدها ولا يقطع شجرها (قال) أنس: (نعم) حرم (ما بين كذا إلى كذا) أي من عير إلى ثور كما سيأتي في حديث علي رضي الله عنه مفسرًا، وفي القسطلاني: كذا وكذا بفتح الكاف والذال المعجمة كناية عن اسمي مكانين (فمن أحدث) وأظهر (فيها) أي في المدينة (حدثًا) أي منكرًا لا يعرفه الشرع أو بدعة وهي ما خالف الكتاب والسنة كذا في المرقاة، وزاد شعبة فيه عن عاصم عند أبي عوانة (أو آوى محدثًا) قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة صحيحة إلا أن عاصمًا لم يسمعها من أنس اهـ إرشاد (قال) عاصم (ثم قال لي) أنس (هذه) العقوبة الواردة فيمن أحدث حدثًا في المدينة عقوبة (شديدة) أي عظيمة لكونها لعنة من كل لاعن وهذا إعظام من أنس ما ورد فيه من الوعيد، قال الأبي: فاعل قال الثانية أنس فعلى رواية إسقاط أو آوى محدثًا فالشدة تكون في الوعيد المذكور على الذنب، ويأتي بيان وجه الشدة في ذلك، وعلى رواية إثباتها فيحتمل الشدة أنها راجعة إلى ترتب العقوبة عليها وحدها، ويحتمل أنها على الكلمتين معًا ثم قال: وجه الشدة فيه إما أن تكون لعنة الله وما بعدها كناية عن عقوبة خاصة ليس كعقوبة فاعل ذلك في غير المدينة أو يكون كناية عن نفوذ الوعيد فيه بخلاف المذنب بذلك في غيرها فإنه في المشيئة اهـ. (من أحدث فيها حدثًا) والحدث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعروف في الشرع كما في النهاية أي من أظهره فيها (فعليه لعنة الله والملائكة والناس) قال عياض: لعنة الله سبحانه طرده الملعون عن رحمته تعالى، ولعنة الملائكة والناس دعاؤهم عليه بالإبعاد من رحمة الله تعالى، وقد تكون لعنة الملائكة عليهم السلام ترك الدعاء له والاستغفار وإبعاده عن جملة المؤمنين في الاستغفار لهم، لكن المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه لا كلعن الكافر المبعد عن رحمة الله كل الإبعاد اهـ من الإرشاد،

أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صرْفًا وَلَا عَدْلًا".قَال: فَقَال ابْنُ أَنَسٍ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وهؤلاء هم اللاعنون في قوله تعالى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]. وقوله: (أجمعين) توكيد للملائكة والناس اهـ. قال القرطبي: يعني من أحدث ما يخالف الشرع من بدعة أو معصية أو ظلم كما قال: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه أحمد والبخاري ومسلم اهـ مفهم، قال الحافظ: فيه جواز لعن أهل المعاصي والفساد لكن لا دلالة فيه على لعن الفاسق المعين، وقال عياض: واستدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر، وقال ابن بطال: ودل الحديث على أن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا في غير المدينة أنه غير متوعد بمثل ما توعد به من فعل ذلك بالمدينة وإن كان قد علم أن من آوى أهل المعاصي أنه يشاركهم في الإثم فإن من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم ولكن خصت المدينة بالذكر لشرفها لكونها مهبط الوحي وموطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض فكان لها بذلك مزيد فضل على غيرها، وقال غيره: السر في تخصيص المدينة بالذكر أنها كانت إذ ذاك موطن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت موضع الخلفاء الراشدين (لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا) أي فريضة (ولا عدلًا) أي نافلة، والمعنى لا يقبل الله منه يوم القيامة كل خير عمله في الدنيا، قال عياض: معناه لا يقبل قبول رضا وإن قبل قبول إجزاء، وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما وقد يكون معنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدى يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري اهـ (قال) عاصم: (فقال) موسى (بن أنس) تذكيرًا لأبيه ما نسي قل يا والدي من أحدث فيها حدثًا (أو آوى محدثًا) مع هذه الزيادة، وذكر النووي عن القاضي أن قوله: (فقال ابن أنس) تذكير من ابن أنس أباه هذه الزيادة فلا وجه لحذف ابن من أول أنس كما وقع في بعض النسخ لأن سياق هذا الحديث من أوله إلى آخره من كلام أنس فلا يتجه استدراك أنس بنفسه اهـ، ومعنى هذه الزيادة (أو آوى محدثًا) أي ضمه إليه ومنعه ممن له عليه حق ونصره، ويقال آوى بالقصر ثلاثيًّا وبالمد رباعيًّا من الإيواء متعديًا ولازمًا، والقصر في اللازم أكثر وأفصح كقوله تعالى: {أَرَأَيتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصَّخْرَةِ} والمد في المتعدي أكثر وأفصح كقوله تعالى: {وَآوَينَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} وقيل الصرف التوبة والعدل الفدية قاله

3205 - (00) (00) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا، أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هِيَ حَرَامٌ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصمعي، وقيل الصرف الفريضة والعدل التطوع، وعكس ذلك الحسن، وقيل الصرف الحيلة والكسب والعدل المثل كما قال تعالى: {أو عدل ذلك صياما} [المائدة/ 95]، ويقال في العدل بمعنى المثل عَدل بالفتح وعِدل بالكسر كسَلم وسِلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري كما في التحفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 3255 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابًا (أخبرنا عاصم) بن سليمان (الأحول) البصري (قال) عاصم: (سألت أنساً) ابنَ مالك. وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن هارون لعبد الواحد بن زياد (أحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ قال) لي أنس: (نعم) حرّمها (هي) أي المدينة (حرام) أي محرمة معظمة (لا يختلى) أي لا يقطع (خلاها) أي حشيشها (فمن فعل ذلك) أي اختلاء حشيشها (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فيه ترتيب الوعيد الشديد على المختلي ولم أجده في غير هذه الطريق فإن صح فهو مخالف لما قدمناه في أوائل هذا الباب من مذهب الحنفية أنهم يحملون النهي عن الاختلاء ونحوه على الكراهة مع إثبات الإباحة، ويختلج في قلبي أن الرواية وقع فيها اختصار وحذف بعض الرواة ذكر الأحداث وإيواء المحدث وكان الوعيد مرتبًا على ذلك المحذوف كما هو المصرح في سائر الروايات عن أنس، وأيضًا فليس في هذه الرواية التصريح برفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على المتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب اهـ فتح الملهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال:

3206 - (1283) (33) حدَّثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عن أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ قَال: "اللهم! بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيالِهِمْ. وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ. وَبَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ". 3207 - (1284) (34) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وإِبرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعْتُ يُونُسَ يُحَدِّثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، . عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَي ـــــــــــــــــــــــــــــ 3206 - (1283) (33) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) في الدعاء لأهل المدينة (اللهم بارك لهم في مكيالهم) بكسر الميم اسمه لآلة الكيل كالمفتاح آلة للفتح، ويستحب أن يتخذ ذلك المكيال رجاء لبركة دعائه صلى الله عليه وسلم والاستنان بأهل البلد الذين دعا لهم قاله العيني في عمدة القاري، وسبق بيان البركة فيه وفي صاعهم ومدهم قريبًا، وقوله: (وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم) تفسير لما أجمله أولًا مع إعادة العامل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثامنًا بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 3207 - (1284) (34) (وحدثني زهير بن حرب وإبراهيم بن محمد) بن عرعرة بمهملات (السامي) بمهملة نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب أبو إسحاق البصري، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبي) جرير بن حازم بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) (قال) جرير: (سمعت يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (يحدث عن الزهري عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون أو ثلاثة بصريون وواحد نسائي وواحد مدني وواحد أيلي (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الدعاء لأهل المدينة: (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي)

مَا بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ". 3208 - (1285) (35) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. قَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيميِّ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي مثلي (ما) جعلته (بمكة من البركة) بسبب دعوة إبراهيم - عليه السلام - أي من بركة الدنيا بقرينة قوله في الحديث "اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا" ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك لكن يستثنى من ذلك ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة من المدينة، واستدل به على تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الحجة لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق، وأما من ناقض ذلك بأنه يلزم أن يكون الشام واليمن أفضل من مكة لقوله في الحديث الآخر "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا" وأعادها ثلاثًا، فقد تعقب بأن التأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب، وقال ابن حزم: لا حجة لهم في حديث الباب لأن تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة، ورده عياض بأن البركة أعم من أن تكون في أمور الدين أو الدنيا لأنها بمعنى النماء والزيادة، فأما في الأمور الدينية فلما يتعلق بها من حق الله تعالى من الزكاة والكفارات ولا سيما في وقوع البركة في الصاع والمد، وقال النووي: الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وهذا أمر محسوس عند من سكنها، قال القرطبي: إذا وُجدت البركة فيها حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف تاسعًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال: 3208 - (1285) (35) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية) بصيغة السماع (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب أبي أسماء الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (6) أبواب

قَال: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَال: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيئًا نَقْرَأُهُ إِلَّا كِتَابَ الله وَهذِهِ الصَّحِيفَةَ (قَال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيفِهِ) فَقَدْ كَذَبَ. فِيها أَسْنَانُ الإِبِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) يزيد بن شريك: (خطبنا) أي وعظنا (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن أبي طالب فإنه مدني وزهير بن حرب فإنه نسائي (فقال) علي بن أبي طالب في خطبته: (من زعم) وقال والزعم القول بلا دليل (أن عندنا) أهل البيت (شيئًا نقرأه) أي من الوحي كما يظهر من بعض الروايات (إلا كتاب الله) عزَّ وجلَّ (وهذه الصحيفة) أي الورقة المكتوبة (قال) الراوي يعني يزيد بن شريك وعنده أي عند علي (وصحيفة) أي ورقة مكتوبة (معلقة) أي موضوعة (في قراب سيفه) والقراب بكسر القاف هو الغلاف الذي يجعل فيه السيف بغمده أي مع غمده والغلاف الغشاء، والصوان يُدخل فيه الشيء كغلاف الكتاب والسيف يُجمع على غلف بضم فسكون وعلى غلف بضمتين والغمد بكسر أوله وسكون ثانيه أجفان السيف يُجمع على غُمود وأغماد (فقد كذب) أي قال كذبًا لا أصل له، وهذا خبر المبتدإ المتضمن معنى الشرط ولا يخفى ما في نسبة زاعم ذلك إلى الكذب من إنصافه وتقاه اهـ أبي. وسبب قول علي رضي الله عنه ذلك يظهر بما رويناه في مسند أحمد من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج أن عليًّا كان يأمر بالأمر فقال له: قد فعلناه فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشتر: هذا الذي تقول شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما عهد إليّ شيئًا خاصًّا دون الناس إلا شيئًا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور الخ اهـ من الإرشاد، قال النواوي: هذا تصريح من علي رضي الله عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن عليًّا رضي الله عنه أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة، وأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها، ويكفي في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا اهـ. وفيه دليل على جواز كتابة العلم وأن عليًّا ممن يكتب العلم ويجيز كتابته اهـ أبي. (فيها) أي في تلك الصحيفة (أسنان الإبل) أي بيان سن الإبل التي تعطى في الدية

وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ. وَفِيهَا قَال النَّبِيُّ صَلَّى الله تَعَالى عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَينَ عَيرٍ إِلَى ثَوْرٍ. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا. أَوْ آوَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وتجزئ كبنت مخاض وبنت لبون وجذعة وخلفة (وأشياء) أي وفيها بيان أشياء (من) الأروش التي تجب في بعض (الجراحات) كأرش الموضحة والهاشمة والمأمومة مثلًا، وقد تنوعت الروايات في ذكر ما في الصحيفة، ففي بعضها العقل وفكاك الأسير، وفي بعضها فرائض الصدقة وغير ذلك من الأحكام، قال الحافظ: والجمع بين هذه الروايات أن الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه والله تعالى أعلم. (وفيها) أي وفي تلك الصحيفة أيضًا (قال النبي صلى الله عليه وسلم: المدينة حرم ما بين عير) بفتح العين المهملة وسكون التحتانية، وفي رواية ما بين عائر على وزن فاعل (إلى ثور) وهما جبلان على طرفي المدينة المنورة كما مر في حديث أنس عير في جنوبها، وثور خلف أُحد من جهة شمالها كما في القاموس مع تاج العروس، فحديث الجبلين مع حديث اللابتين بيان لحدود حرم المدينة من جهاتها الأربع، فإن اللابتين كما شرقية وغربية، وهذان الجبلان جنوبي وشمالي، وأنكر ابن الأثير في النهاية وجود جبل يسمى بثور بالمدينة، وإنما هو بمكة وفيه الغار المذكور في التنزيل في قوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} والظن أنه مسبوق في هذا الإنكار وأنكره أبو عبيد أيضًا فقال: أما أهل المدينة فلا يعرفون جبلًا عندهم يقال له ثور وإنما ثور بمكة، وقال المحب الطبري في الأحكام بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أُحد عن يساره جانحًا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، قال: وهذه فائدة جليلة اهـ فتح الملهم، وعُلم مما ذكرنا أن عيرًا وثورًا اسما جبلين من جبال المدينة أولهما عظيم شامخ يقع بجنوب المدينة على مسافة ساعتين منها تقريبًا وثانيهما أحمر صغير يقع شمال أُحد ويحدان حرم المدينة جنوبًا وشمالًا (فمن أحدث) وأظهر (فيها) أي في المدينة (حدثًا) بفتحتين أي أمرًا مخالفًا للشرع مما لم يرد في الكتاب والسنة (أو آوى) بالقصر ثلاثيًّا لازمًا كقوله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} وبالمد فيكون رباعيًّا

مُحْدِثًا. فَعَلَيهِ لعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ متعديًا كما هنا نظير قوله: {وَآوَينَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} أي ضم إلى نفسه (محدثًا) أي فاعل الحدث والبدعة ونصره، والمراد بالحدث والمحدث الظلم والظالم على ما قيل أو ما هو أعم من ذلك (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) مر ما فيه من الكلام (لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا) بفتح أوله وسكون ثانيه أي فرضًا أي لا يقبل قبول رضًا عنه، لا قبول إجزاء (ولا عدلًا) بفتح أوله وسكون ثانيه أيضًا أي نفلًا، واختلف في تفسيرهما فعند الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة، ورواه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري وعن الحسن بالعكس، وعن الأصمعي الصرف التوبة والعدل الفدية، وعن يونس مثله لكن قال الصرف الاكتساب، وعن أبي عبيدة مثله لكن قال العدل الحيلة، وقيل المثل، وقيل الصرف الدية والعدل الزيادة، وقيل بالعكس، وحكى صاحب المحكم الصرف الوزن والعدل الكيل، وقيل الصرف القيمة والعدل والاستقامة، وقيل الصرف الدية والعدل البديل، وقيل الصرف الشفاعة والعدل الفدية لأنها تعادل الدية وبهذا الأخير جزم البيضاوي، وقيل الصرف الرشوة والعدل الكفيل قاله أبان بن تغلب وأنشد: لا نقبل الصرف وهاتوا عدلا فحصلنا على أكثر من عشرة أقوال، قال الأبي: وقد قدمنا في الكلام على حديث جبريل - عليه السلام - أن الإحباط إنما هو عبارة عن بطلان العمل في نفسه وأن القبول أخص من الصحة لأن الصحة عبارة عن سقوط القضاء والقبول عبارة عن حصول ثبوت الثواب على الفعل وأنه لا يلزم من نفي القبول نفي الصحة وهذا كالصلاة في الدار المغصوبة أو في الثوب المغصوب فإنها صحيحة أي مجزئة غير مقبولة أي لا ثواب عليها في القول الصحيح فلا يلزم من نفي القبول نفي الصحة حتى يكون ذلك إحباطًا والله أعلم اهـ (وذمة المسلمين) أي عهدهم وأمانهم الذي عفدوه للكفار (واحدة) أي متحدة، والذمة ما يذم الرجل على إضاعته ونقضه من عهد للمعاهد وأمان للمستأمن أي عهدهم وأمانهم كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف مراتب الناس، ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها أو وضاعته وكأن الذي ينقض ذمة أخيه كالذي ينقض ذمة نفسه كأنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كله كما في المرقاة (يسعى بها أدناهم) أي يتولاها

يَسْعَى بِها أَدنَاهُم. وَمَنِ ادَّعَى إلى غَيرِ أَبِيهِ، أَو انْتَمَى إلى غَيرِ مَوَالِيهِ. فَعَلَيهِ لعنةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويلي أمرها أدنى المسلمين درجة فإذا أمن أحد المسلمين كافرًا لم يحل لأحد نقضه وإن كان المؤمن وضيعًا اهـ من المرقاة قال الحافظ: فدخل في أدناهم المرأة والعبد والصبي والمجنون، فأما المرأة فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئًا ذكره عبد الملك يعني ابن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال: إن أمر الأمان إلى الإمام وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة، قال ابن المنذر: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم يسعى بذمتهم أدناهم دلالة على إغفال هذا القائل اهـ، وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال: هو إلى الإمام إن أجازه جاز وإن رده رد، وأما العبد فأجاز الجمهور أمانه قاتل أم لم يقاتل، وقال أبو حنيفة: إن قاتل جاز أمانه وإلا فلا، وقال سحنون: إن أذن له سيده في القتال صح أمانه وإلا فلا، وأما الصبي فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز. (قلت): وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذلك المميز الذي يعقل، والخلاف عن المالكية والحنابلة، وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر لكن قال الأوزاعي: إن غزا الذمي مع المسلمين فأمَّن أحدًا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فليرده إلى مأمنه، وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال: لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير اهـ فتح الملهم. (ومن ادعى) أي انتسب (إلى غير أبيه) المعروف (أو انتمى) وانتسب (إلى غير مواليه) أي أسياده بأن قال معتق لغير معتقه: أنت مولاي اهـ مرقاة، والادعاء والانتماء في الحديث كلاهما بمعنى الانتساب ففي الكلام تفنن، قال النووي: وهذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق، قال الأبي: ومن الانتماء إلى غير الأب انتماء ولد الزنا إلى من يعرف أنه خُلق من مائه الفاسد (فإن قلت): فقول الغلام في حديث جريج أبي فلان الراعي يدل على أنه أب حقيقي. قيل ذلك شرع من قبلنا أو أنه أب لغة والمقصود في ذلك الحديث إنما هو بيان من ماء من هو اهـ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا. وانتهى حديث أبي بكر) بن أبي شيبة (و) حديث (زهير) بن حرب (عند

صَرفًا وَلَا عدلًا". وَانْتهى حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَزُهيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: "يَسْعَى بِها أدنَاهُم" وَلَم يَذْكُرَا مَا بَعدهُ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: مُعلَّقَة فِي قِرَابِ سَيفِهِ. 3209 - (00) (00) وحدّثني عَلِي بْنُ حُجْرٍ السعدِيُّ. أَخْبَرَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيع. جَمِيعًا عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيب عَنْ أَبِي مُعَاوَيةَ إِلَى آخِرِهِ. وَزَادَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله): أي قول النبي صلى الله عليه وسلم (يسعى بها أدناهم) منزلة (ولم يذكرا) أي ولم يذكر أبو بكر وزهير (ما بعده) أي ما بعد قوله يسعى لها أدناهم من قوله: "ومن ادعى إلى غير أبيه" .. الخ (وليس في حدبثهما) أيضًا قوله: (معلقة في قراب سيفه) وهذا بيان لموضع المخالفة بين مشايخه رحمهم الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 126]، والبخاري [1870]، وأبو داود [2034]، والترمذي [2128]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3209 - (00) (00) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (حدثنا وكيع) بن الجراح الأموي المكي، ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من علي بن مسهر ووكيع رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن أبيه عن علي بن أبي طالب (نحو حديث أبي كريب عن أبي معاوية) عن الأعمش (إلى آخره) أي إلى آخر حديث أبي معاوية، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة علي بن مسهر ووكيع لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، هذا الذي ذكرناه هو الصواب، وفي أكثر النسخ نحو حديث أبي كريب عن أبي معاوية وهو تحريف من النساخ فلا معنى له لأن المتابع هو أبو معاوية لأنه هو الذي روى عن الأعمش والله أعلم. (و) لكن (زادا) بألف التثنية على الصواب أي زاد علي بن مسهر ووكيع على أبي معاوية قوله: (فمن أخفر) الخ أي فمن أخفر (مسلمًا) أي خذله وأهانه أي نقض عهده

"فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله وَالْمَلائكَةِ وَالناسِ أَجْمَعِينَ. لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرفٌ وَلَا عَدلٌ" وَلَيسَ فِي حَدِيثِهمَا "مَنِ ادَعَى إِلَى غَيرِ أَبِيهِ" وَلَيسَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ، ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. 3210 - (00) (00) وحدّثني عُبَيدُ الله بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَمُحَمدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدمِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمَنِ بْنُ مَهْدِي. حَدَثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعمَشِ. بِهذَا الإِسْنَادِ، نحوَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَوَكِيعٍ. إلا قَوْلَهُ: "مَنْ تَوَلَّى غَيرَ مَوَالِيهِ" وَذِكْرَ اللعنَةِ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمانه للكافر بأن قتل ذلك الكافر أو أخذ ماله اهـ مرقاة، قال أهل اللغة: يقال أخفرت الرجل إخفارًا إذا غدرته ونقضت عهده وخفرته خفارة إذا أجرته وأمنته اهـ مفهم (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل. وليس في حديثهما) أي في حديث علي بن مسهر ووكيع قوله: (من ادعى إلى غير أبيه. وليس في رواية وكيع) فقط (ذكر) لفظ (يوم القيامة) وهذا بيان قال المخالفة بين مشايخه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3210 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (ومحمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) أبو عبد الله الثقفي البصري، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن الأعمش) غرضه بيان متابعة سفيان لأبي مسهر ووكيع في الرواية عن الأعمش (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن أبيه عن علي بن أبي طالب، وقوله: (نحو حديث ابن مسهر ووكيع) بنصب نحو على أنه مفعول ثان لحدثنا سفيان (إلا قوله) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم (من تولى غير مواليه) لم يسبق ذكر هذا اللفظ، وإنما الذي سبق أو انتمى إلى غير مواليه، والمعنى واحد، والمراد ولاء العتاقة (و) إلا (ذكر اللعنة له) أي لمن تولى غير مواليه ولم يذكرهما سفيان، وهذا بيان قال مخالفته لهما، وقوله: ذكر بالنصب معطوف على المستثنى كما أشرنا إليه في الحل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث أبي

3211 - (1286) (36) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عن سُلَيمَانَ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. قَال: "المَدِينَةُ حَرَمٌ. فَمَنْ أَحدَثَ فِيها حَدَثا أَوْ آوَى مُحدِثا فَعَلَيهِ لعنَةُ الله وَالمَلائكَةِ وَالناسِ أَجمَعِينَ. لَا يُقبَلُ مِتهُ يَومَ القِيَامَةِ عَدلٌ وَلَا صَرفٌ". 3212 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النضْرِ بْنِ أَبِي النضرِ. حَدثَنِي أَبُو النضْرِ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ الله الأَشجَعِي، عن سُفْيَانَ، عَنِ الأَعمَشِ، بِهذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 3211 - (1286) (36) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد (الجعفي) الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مدنيان (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم) أي حرام اصطياد صيدها وقطع أشجارها (فمن أحدث) وأظهر وفعل (فيها حدثًا) أي أمرًا مخالفًا للشرع (أو آوى محدثًا) أي أجر وعصم صاحب حدث وبدعة ورضي بعمله (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل) أي نفل (ولا صرف) أي فرض. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3212 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) اسمه كنيته وقيل اسمه محمد وقيل أحمد (بن النضر بن أبي النضر) الليثي البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (حدثني) جدي (أبو النضر) هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي مشهور بكنيته، ولقبه قيصر كما في ترجمته في المقدمة، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثني عبيد الله) بن عُبيد الرحمن ويقال ابن عبد الرحمن مكبرًا (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي ثم البغدادي، ثقة مأمون أثبت الناس كتابًا في الثوري، من كبار (9) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى زائدة عن

الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَم يَقُلْ: "يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَزَادَ: "وَذِمةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَة. يَسْعَى بِها أَدنَاهُم. فَمَنْ أَخْفَرَ مُسلِمًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله وَالْمَلائكَةِ وَالناسِ أَجْمَعِينَ. لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عدل وَلَا صرف". 3213 - (1287) (37) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالك، عَنِ ابْنِ شِهاب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَنهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيتُ الظبَاءَ ترتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعرتُها. قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَما بَينَ لابَتَيها حَرَامٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمش. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم بغداديون واثنان مدنيان واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لزائدة بن قدامة في الرواية عن الأعمش (و) لكن (لم يقل) سفيان لفظة (يوم القيامة وزاد) سفيان على زائدة (وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف) تقدم البسط في معنى هذا كله فلا عود ولا إعادة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى حادي عشرها لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3213 - (1287) (37) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهريّ المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أنه كان يقول: لو رأيت الظباء) جمع ظبي وظبية مثل سهم وسهام وكلبة وكلاب فهو جمع يعم الذكور والإناث، بخلاف الظبي وزان فلوس فإنه يختص بالذكور، وبخلاف الظبيات فإنه يختص بالإناث أفاده الفيومي، والظبي الغزال يطلق على الذكر والأنثى، ومن طبيعته أنه لا يمرض إلا مرض الموت اهـ منجد (ترتع) وترعى، وقيل: تسعى وتنبسط (بالمدينة ما ذعرتها) أي ما أفزعتها، وقيل ما نفرتها لقوله في الحديث السابق "ولا ينفر صيدها" وهو كناية عن عدم اصطياده لها، وذلك لأنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين لابتيها) أي ما بين حرتي المدينة (حرام) أي حرم لا يصطاد صيده ولا يقطع شجره ولا يختلى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1873]، والترمذي [3917].

3214 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: حَرَّمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ مَا بَينَ لابَتَي الْمَدِينَةِ. قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ مَا بَينَ لابَتَيهَا مَا ذَعرْتُهَا. وَجَعَلَ اثْنَي عَشَرَ مِيلًا، حَوْلَ الْمَدِينَةِ، حِمًى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3214 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال إسحاق: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لمالك في الرواية عن الزهري (قال) أبو هريرة: (حرّم) بتشديد الراء أي جعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة) حرمًا لا يصطاد صيده ولا يعضد شجره، ثم (قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباء) ورأيتها ترعى (ما بين لابتيها) أي فيما بين طرفيها (ما ذعرتها) أي ما أزعجتها ولا نفرتها كناية عن عدم اصطياده لها (وجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اثني عشر ميلًا) مما (حول المدينة حمى) أي كلأ ممنوعًا لرعي نعم الزكاة والميل بكسر الميم يجمع على أميال وأميل وميول؛ عود يجعل به الكحل في العين، ومسافة من الأرض قدرها أربعة آلاف ذراع، والميل الهاشمي ألف باع اهـ من المنجد، وروى أبو داود من حديث عدي بن زيد قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا بريدًا لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل، والبريد مسافة نصف يوم وهو أربعة فراسخ اهـ وقوله: حمى ثاني مفعولي جعل منصوب منون بفتحة مقدرة لأنه اسم مقصور نظير فتى، والحمى محظور لا يقرب ولا يجترأ عليه حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة ونعم الجزية والمقصود منع الكلإِ من العامة كما في شرح السنة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1873]، والترمذي [3917]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن زيد ثاني عشرها بحديث

3215 - (1288) (38) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (فِيمَا قُرئَ عَلَيهِ) عَنْ سُهيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ قَال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَليلُكَ وَنَبِيُّكَ. وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3215 - (1288) (38) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أنه) أي أن أبا هريرة (قال: كان الناس) أي أهل المدينة (إذا رأوا أول الثمر) أي إذا قطفوا وجذوا أول ثمر يبدو ويبتكر في أول السنة (جاؤوا به) أي بذلك الثمر ويسمى بالباكورة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) قال العلماء: كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه صلى الله عليه وسلم في الثمر وللمدينة والصاع والمد وإعلامًا له صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها وتوجيه الخارصين، وقال الأبي: وقيل: إنما كانوا يؤثرونه به على أنفسهم حبًّا له ويرونه أولى الناس بما يسبق إليهم من خير ربهم اهـ فتح الملهم (فإذا أخذه) أي أخذ الثمر منهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا) يعني أكثر خيرنا في المدينة من القيام بأوامر الله تعالى اهـ مبارق، وقال في المرقاة: قوله: (وبارك لنا في مدينتنا) أي في ذاتها من جهة سعتها وسعة أهلها وقد استجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم بأن وسع نفس المسجد وما حوله من المدينة وكثر الخلق فيها حتى عد من الفرس المعد للقتال المهيَّإ بها في زمن عمر أربعون ألف فرس، والحاصل أن المراد بالبركة هنا ما يشمل الدنيوية والأخروية والحسية اهـ (وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك) قيل: إنما لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه خليل كما دل عليه قوله في مناقب أبي بكر "وقد اتخذ الله صاحبكم خليلًا" رعاية للأدب في تركه المساواة بينه وبين آبائه وأجداده الكرام، وقال الطيبي: عدم التصريح بذلك مع رعايته

وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ. وَإِنِّي أدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ. بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ". قَال: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذلِكَ الثَّمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأدب أفخم، قال الزمخشري في قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إلى قوله: {دَرَجَاتٍ} الظاهر أنه أراد نفسه، وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله ما لا يخفى، وقد سئل الحطيئة عن أشعر الناس فقال: زهير والنابغة، ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه، ولو صرح به لم يفخم أمره اهـ (وإنه) أي وإن إبراهيم (دعاك لمكة) أن تبارك فيها، قال الأبي: دعاء إبراهيم - عليه السلام - هو قوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ} الآية يعني ما رزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم لعلهم يشكرونه على أن رزقوا أنواع الثمار حاضرة في واد ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء، وقد أجاب الله سبحانه دعوته فجعله حرمًا آمنًا تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه، وقد أجاب الله سبحانه دعاء محمد صلى الله عليه وسلم وضاعف خير المدينة على خير مكة في زمن الخلفاء بأن جلب إليها من مشارق الأرض ومغاربها كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى كثرة، وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقصى الأرض وشاسع البلاد اهـ (وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك) إبراهيم (لمكة و) بـ (مثله) أي وأدعوك بمثل ذلك المثل (معه) أي مع ذلك المثل ومثله بالجر معطوف على المثل؛ والمعنى أدعوك بضعف ما دعاك إبراهيم عليه السلام لمكة في أمر الرزق والدنيا فإن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال في دعائه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (قال) أبو هريرة: (ثم يدعو) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصغر وليد له) أي أصغر أولاد له يعني من أهل البيت (فيعطيه ذلك الثمر) قال القاضي عياض: فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الرفق بالصغير والكبير وتخصيصه الصغار بالدفع إليهم إذ هم أولى لشدة حرصهم على ذلك، وقيل: يحتمل أنه طلبه الأجر بدفعها لمن لا ذنب عليه، وتخصيصه أصغر وليد يحضره إذ ليس فيه ما يقسم على الولدان، وأما من كبر فإنه يتخلق بأخلاق الرجال في الصبر ويلوح في أنه تفاؤل بنماء الثمار وزيادتها بدفعها لمن هو في سن النماء والزيادة كما قيل في قلب الرداء في الاستسقاء (قلت): وقيل: إنما خصهم بذلك للمناسبة الواقعة بين الولدان وبين الباكورة لقربهما من الإبداع اهـ. وعبارة القرطبي: وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الثمر أصغر وليد يراه

3216 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَدَنيُّ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ الثَّمَرِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ! بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي ثِمَارِنَا وَفِي مَدِّنَا وَفِي صَاعِنا. بَرَكَة مَعَ بَرَكَةٍ". ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْولْدَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه أقل صبرًا ممن هو أكبر منه وأكثر جزعًا وأشد فرحًا وهذا من حسن سياسته صلى الله عليه وسلم ومعاملته للكبار والصغار، وقيل إن ذلك من باب التفاؤل بنمو الصغير وزيادته كنمو الثمرة وزيادتها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [3454]، والنسائي في اليوم والليلة [302]، وابن ماجه [3329]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3216 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم (المدني) صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن سهيل بن أبي صالح) المدني (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لمالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى) بالبناء للمجهول أي يأتيه الناس من أهل الثمار (بأول الثمر) الذي يبتكر في السنة (فيقول) في دعائه: (اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمارنا وفي مدنا وفي صاعنا) وقوله: (بركة مع بركة) مفعول مطلق لبارك أي بارك لنا في هذه المذكورات بركة مصحوبة ببركة أخرى يعني بركة تكون ضعفي ما في مكة من البركة الحاصلة بدعوة إبراهيم - عليه السلام - (ثم يعطيه) أي يعطي ذلك الثمر (أصغر من يحضره) أي من كان في حضرته ومجلسه (من الولدان) أي من الصبيان والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا، الأول: حديث عبد الله بن زيد ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث جابر ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث سعد بن أبي وقاص الثاني ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أنس بن مالك الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد، والعاشر: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث عشر: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، فجملة ما في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا كلها للاستشهاد إلا حديث عبد الله بن زيد، وجملة ما فيه من المتابعات عشرة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

521 - (7) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها

521 - (7) "باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها" 3217 - (1289) (39) حدَّثنا حَمَّادُ بن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ وُهَيبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلى الْمَهْرِيِّ؛ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ بِالْمَدِينَةِ جَهْدٌ وَشِدَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 521 - (7) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها 3217 - (1289) (39) (حدثنا حماد بن إسماعيل بن علية) القرشي الأسدي مولاهم البصري نزيل بغداد، روى عن أبيه في الحج، ويروي عنه (م س) له في مسلم فرد حديث في الحج والسرّاج، قال النسائي: بغدادي ثقة، وقال في التقريب: ثقة من الحادية عشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين ببغداد (حدثنا أبي) إسماعيل بن إبراهيم ابن علية الأسدي البصري، ثقة، من (8) (عن وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبي بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) (عن يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (أنه حدّث عن أبي سعيد مولى المهري) معروف بكنيته ليس له اسم، المدني، روى عن أبي سعيد الخدري في الحج والجهاد، وأبي ذر، ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي إسحاق ويحيى بن أبي كثير وسعيد المقبري وابنه يزيد بن أبي سعيد، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة، وقوله: (المهري) بفتح الميم وسكون الهاء اسمه رشدين -بكسر الراء وسكون المعجمة- ابن سعد مولى مفلح أبو الحجاج المصري، ضعيف، رجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة، وقال ابن يونس: كان صالحًا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلَّط في الحديث من السابعة اهـ تقريب. (أنه) أي أن الشأن والحال (أصابهم) أي أصاب أبا سعيد مولى المهري وعياله (بالمدينة) المنورة (جهد) أي جوع وقلة مؤنة (وشدة) أي مشقة من حرارتها وبرودتها وفقد الكسب فيها وقلة الطعام فيها وتعذر تحصيله، قال الأبي: لا يعارض دعاءه صلى الله عليه وسلم لها بالبركة ولا منافاة بين ثبوت الشدة وثبوت البركة فيها وتخلفها عن بعض لا يضر، بهذا كان شيخنا يجيب والأظهر على ما قدمنا أن الشدة هي في تحصيل

وَأَنَّهُ أَتَى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ. فَقَال لَهُ: إِنِّي كَثِيرُ الْعِيَالِ. وَقَدْ أَصَابتْنَا شِدَّةٌ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْقُلَ عِيَالِي إِلَى بَعْضِ الرِّيفِ. فَقَال أَبُو سَعِيدٍ: لَا تَفْعَل. الْزَمِ الْمَدِينَةَ. فَإِنَّا خَرَجْنَا مَعَ نَبِيِّ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ (أَظُنُّ أَنَّهُ قَال): حَتَّى قَدِمْنَا عُسْفَانَ. فَأَقَامَ بِها لَيَالِيَ. فَقَال النَّاسُ: وَاللهِ! مَا نَحْنُ ههُنَا فِي شَيءٍ. وَإِنَّ عِيَالنَا لَخُلُوفٌ مَا نَأمَنُ عَلَيهِمْ. فَبَلَغَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ القوت وأن المد بها يشبع ما يشبع ثلاثة أمثاله بغيرها فتكون الشدة في تحصيل المد والبركة في تضعيف القوت بها اهـ (وأنه) أي وأن أبا سعيد مولى المهري (أتى) وجاء (أبا سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان مدنيان (فقال) أبو سعيد مولى المهري (له) أي لأبي سعيد الخدري (إني كثير العيال) والأهل والأولاد (وقد أصابتنا شدة) أي مشقة من قلة الطعام والمؤنة (فأردت) أي فقصدت (أن أنقل) وأحول (عيالي إلى بعض) بلاد (الريف) والخصب كالشام والعراق ومصر، قال أهل اللغة: الريف بكسر الراء هو الأرض التي فيها زرع وخصب، وجمعه أرياف، ويقال أريفنا أي صرنا إلى الريف وأرافت الأرض أي أخصبت فهي ريفة اهـ نووي (فقال) له (أبو سعيد) الخدري: (لا تفعل) ذلك النقل من المدينة والتحول منها إلى غيرها فـ (ــالزم المدينة) واصبر على لأوائها فإنها خير لكم، والفاء في قوله: (فإنا خرجنا) تعليلية والجملة علة لمحذوف تقديره وإنما أمرتك بلزوم المدينة لأنا معاشر الأصحاب خرجنا من المدينة (مع نبي الله صلى الله عليه وسلم) قال أبو سعيد مولى المهري (أظن أنه) أي أن أبا سعيد الخدري (قال): خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة (حتى قدمنا عسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين اسم واد بين مكة والمدينة قريب من التنعيم (فأقام) نبي الله صلى الله عليه وسلم (بها) بقرية عسفان ونزل فيها (ليالي) قليلة (فقال الناس) أي الأصحاب بعضهم لبعض: (والله ما نحن ها هنا) أي لسنا نحن في هذا الوادي (في شيء) من الشغل لا في الجهاد ولا في الكسب (وإن عيالنا) أي أهالينا وأولادنا (لخلوف) بضم الخاء المعجمة أي لضياع لا حامي لهم ولا حافظ ولا رجال معهم ونحن (ما نأمن عليهم) من هجوم العدو ولا من غوائل الفسقة، قال القرطبي: لخلوف بضم الخاء المعجمة أي لا حافظ لهم ولا حامي يقال حيٌّ خلوف أي غاب عنهم رجالهم (فبلغ) أي وصل (ذلك) الكلام الذي قالوه فيما

النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "مَا هذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ (مَا أَدْرِي كَيفَ قَال) وَالَّذِي أَخْلِفُ بِهِ، أَوْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ إِنْ شِئْتُمْ (لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَال) لآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرْحَلُ ثُمَّ لَا أَحُلُّ لَهَا عُقْدَةً حَتَّى أَقْدمَ الْمَدِينَةَ". وَقَال: "اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا. وَإِني حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَينَ مَأزِمَيهَا. أَنْ لَا يُهَرَاقَ فِيهَا دَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بينهم (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ما هذا) الكلام (الذي بلغني من حديثكم) فيما بينكم قال أبو سعيد الخدري: (ما أدري) ولا أعلم (كيف قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه: هل قال (والذي أحلف به أو) قال: (والذي نفسي بيده) وهذا شك من أبي سعيد الخدري، وقوله: (لقد هممت) وقصدت جواب القسم أي والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بناقتي أن ترحل (أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي أحلف به (إن شئتم) الرجوع إلى المدينة لآمرن بناقتي أن ترحل، قال أبو سعيد الخدري: (لا أدري) ولا أعلم (أيتهما) أي لا أدري أي الكلمتين من قوله: لقد هممت أن آمر بناقتي أو من قوله: إن شئتم لآمرن بناقتي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشك من أبي سعيد الخدري أي إن شئتم الرجوع إلى المدينة (لآمرن بناقتي) القصواء أن (ترحل) أي أن يشد عليها رحلها للارتحال من ذلك المكان في الحال (ثم) أواصل السير بها ليلًا ونهارًا في الرجوع إلى المدينة و (لا أحل لها عقدة) أي ولا أفك عقدة أي ربطة من عقد حملها ورحلها (حتى أقدم) بفتح الدال من باب فرح أي حتى أصل (المدينة) لمبالغتي في الإسراع إليها والاستعجال بدخولها (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إن إبراهيم) الخليل - عليه السلام - (حرم مكة) أي بلغ تحريمها (فجعلها حرمًا) أي فبيّن جهة تحريمها من كونها لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها مثلًا فإن تحريم مكة سماوي من الخلقة فإسناد التحريم إلى إبراهيم من حيث التبليغ والإظهار كما مر، وعبارة المشكاة (فجعلها حرامًا) (وإني حرمت المدينة حراما) منصوب على المصدرية لغير موافقة أي تحريمًا كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)} أي إنباتًا و (ما بين مأزميها) بدل من المدينة أي حرمت ما بين مأزميها أي لابتيها ولا في قوله: (أن لا يهراق فيها دم) زائدة نظير قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أي لكي يعلم، والجملة بدل ثان من المدينة أي وإني حرمت أن يهراق فيها دم، والمراد من

وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا تُخْبطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفِ. اللهم بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. اللهم بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا. اللهم بَارِك لَنَا فِي مُدنَا. اللهم بَارِكْ لَنَا في صاعِنَا. اللهُم بَارِكْ لَنَا فِي مُدنَا. اللهُم بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. اللهُم اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَينِ وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنَ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلَا نَقْبٌ إِلا عَلَيهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حَتَّى تَقْدَمُوا إِلَيهَا". (ثُم قَال لِلناسِ) "ارْتَحِلُوا" فَارتَحَلْنَا. فَأَقْبَلْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. فَوَالذِي نَحْلِفُ بِهِ أَوْ يُحْلَفُ بِهِ! (الشك ـــــــــــــــــــــــــــــ نهي إراقة الدم عن القتل الحرام فيها المفضي إلى إراقة الدم وإراقة الدم الحرام ممنوع في كل مكان، ولكن إراقته في مكة والمدينة أشد تحريمًا، وكذا لا زائدة في الموضعين بعده؛ وهما قوله: (ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تخبط) بالتاء والياء ولا تقطع (فيها شجرة إلا لعلف) أي وحرمت فيها حمل سلاح لقتال وخبط شجرة إلا لعلف البهائم، وقوله: (ولا تخبط) بتأنيث الفعل وتذكيره قاله ملا علي، والخبط: إسقاط الورق بالضرب بالعصا أو برمي الحجر، ويطلق على القطع كما مر، والعلْف بإسكان اللام مصدر لعلفت علفًا وأما العلف بفتح اللام فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها، وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف وهو المراد هنا بخلاف خبط الأغصان وقطعها فإنه حرام اهـ نووي، وقال أيضًا: (اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة) المسؤولة لنا (بركتين) أي مثلين لها فتكون ثلاث بركات (والذي نفسي بيده ما من المدينة شعب) بكسر الشين هو الفرجة النافذة بين الجبلين، وقال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل (ولا نقْب) بفتح النون، وحكي ضمها هو مثل الشعب، وقيل هو الطريق في الجبل، وقال الأخقش: أنقاب المدينة طرقها وفجاجها أي ما في المدينة شعب ولا نقب (إلا عليه) وفي بعض النسخ إلا وعليه أي على ذلك الشعب أو النقب (ملكان يحرسانها) أي يحرسان المدينة ويحفظانها (حتى تقدموا) أي ترجعوا (إليها) قال النواوي: فيه بيان فضيلة المدينة وحراستها في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكثرة الحراس واستيعابهم الشعاب زيادة في الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (للناس: ارتحلوا) بنا أي ارجعوابنا إلى المدينة وسافروا إليها، قال أبو سعيد: (فارتحلنا) من عسفان (فأقبلنا إلى المدينة فوالذي) أي فأقسمت لكم بالإله الذي (نحلف به أو) قال أبي إسماعيل فوالذي (يحلف به، الشك

مِنْ حَمَّادٍ) مَا وَضَعْنَا رِحَالنَا حِينَ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ حَتَّى أَغَارَ عَلَينَا بَنُو عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطفَانَ. وَمَا يَهِيجُهُمْ قَبْلَ ذلِكَ شَيء. 3218 - (00) (00) وحدثنا زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عُلَيةَ، عَن عَلِي بْنِ الْمُبَارَكِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِي، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من حماد) فيما قاله أبوه من الكلمتين (ما وضعنا) أي ما حططنا وفككنا (رحالنا) أي ركابنا وأقتابنا عن رواحلنا ومراكبنا (حين دخلنا المدينة حتى أغار) وهجم (علينا بنو عبد الله بن غطفان) كانوا يسمون في الجاهلية بني عبد العزى سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد الله فسمتهم العرب بني محولة لتحويل اسمهم، وفي هذا ما يدل على أن حراسة الملائكة للمدينة إنما كان إذ ذاك في مدة غيبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنها نيابة عنهم اهـ مفهم (وما يهيجهم) أي وما حركهم وبعثهم على الإغارة على المدينة (قبل ذلك) أي قبل رجوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (شيء) من الأسباب أي ما منعهم من الإغارة عليها شيء من الأسباب الظاهرة إلا حراسة الله تعالى وملائكته، قال أهل اللغة: يقال: هاج الشر وهاجت الحرب وهاجها الناس أي تحركت وحركوها، وهجت زيدًا حركته للأمر، كله ثلاثي، قال النووي: معناه أن المدينة في حال غيبتهم كانت محمية محروسة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن بني عبد الله بن غطفان أغاروا عليها حين قدمنا ولم يكن قبل ذلك يمنعهم من الإغارة عليها مانع ظاهر ولا كان لهم عدو يهيجهم ويشتغلون به بل سبب منعهم قبل قدومنا حراسة الملائكة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله: بنو عبد الله فهو هكذا مكبر في بعض النسخ وهو الصواب، ووقع في أكثرها بنو عبيد الله مصغرًا فهو خطأ كذا قال القاضي عياض والنووي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى، ولكن شاركه أحمد [3/ 34 و 47]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3218 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية عن علي بن المبارك) الهنائي -بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا- البصري، ثقة، من (7) (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (حدثنا أبو سعيد مولى المهري عن

أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "اللهُم بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدنَا. وَاجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَينِ". 3219 - (00) (00) وحدْثناه أبُو بَكْرِ بن أَبِي شيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا شَيبَانُ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَندُ الصمَدِ. حَدَّثَنَا حَرْبٌ (يَعْنِي ابنَ شَدادٍ) كِلاهُمَا عَن يَحيَى بنِ أبِي كَثِيرٍ، بِهذَا الإِسنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير ليحيى بن أبي إسحاق (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا واجعل مع البركة) المسؤولة (بركتين) أخريين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3219 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي صاحب المسند، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا حرب يعني ابن شداد) اليشكري القطان أبو الخطاب البصري، روى عن يحيى بن أبي كثير في الحج والأدب والفضائل، ويروي عنه (خ م د ت س) وعبد الصمد بن عبد الوارث وابن مهدي وأبو داود الطيالسي، وثقه أحمد، وقال ابن معين وأبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات سنة (261) إحدى وستين ومائتين (كلاهما) أي كل من شيبان وحرب بن شداد رويا (عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي سعيد مولى المهري عن أبي سعيد الخدري (مثله) أي مثل ما روى ابن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، غرضه بيان متابعتهما لابن المبارك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3220 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيد. حَدَّثَنَا لَيث، عَن سَعِيدِ بنِ أبِي سَعِيد، عَن أبِي سَعِيد مَولَى المهرِي؛ أَنهُ جَاءَ أبَا سَعِيد الخدرِي، لَيَالِيَ الحرةِ، فَاستَشَارَهُ فِي الجلاءِ مِنَ المدِينَةِ. وَشَكَا إِلَيهِ أَشعَارَهَا وَكَثرَةَ عِيَالِهِ. وَأخبَرَهُ أَن لَا صَبرَ لَهُ عَلَى جَهدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3220 - (00) (00) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري المدني (عن أبي سعيد مولى المهري) المدني (أنه جاء أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي سعيد المقبري ليحيى بن أبي إسحاق (ليالي الحرة) يعني الفتنة المشهورة التي نهبت فيها المدينة سنة ثلاث وستين، قال القرطبي: يعني حرة المدينة كان بها مقتلة عظيمة في أهل المدينة كان سببها أن ابن الزبير وأكثر أهل الحجاز كرهوا بيعة يزيد بن معاوية، فلما توفي معاوية وجه يزيدُ مسلمَ بن عقبة المري المدني في جيش عظيم من أهل الشام فنزل بالمدينة فقاتل أهلها فهزمهم، وقتل بحرة المدينة قتلًا ذريعًا، واستباح المدينة ثلاثة أيام فسميت وقعة الحرة، ثم إنه توجه بذلك الجيش يريد مكة فمات مسلم بقديد وولي الجيش الحصين بن نمير، وسار إلى مكة، وحاصر ابن الزبير، واحترقت الكعبة، وانهدم جدارها، وسقط سقفها، فبينما هم كذلك بلغهم موت يزيد وتفرقوا وبقي ابن الزبير بمكة إلى زمن الحجاج وقتله لابن الزبير رحمه الله تعالى، وقد تقدم الكلام في إغزاء يزيد المدينة في وقعة الحرة ومبايعة أهل الحجاز ابن الزبير بأشبع من هذا في أحاديث بناء ابن الزبير الكعبة حين احترقت اهـ من المفهم بزيادة (فاستشاره) أي شاور أبو سعيد مولى المهري أبا سعيد الخدري والمشاورة إظهار سرك لغيرك ليظهر لك ما هو خير لك فيه ولا يكون إلا صديقًا ناصحًا؛ أي شاوره (في) شأن (الجلاء) والخروج والانتقال (من المدينة) إلى بلاد الريف، قال القرطبي: الجلاء بفتح الجيم والمد الانتقال من موضع إلى غيره، وبكسرها والمد جلاء السيف والعروس، وبفتح الجيم والقصر جلا الجبهة وهو استحسار الشعر عنها يقال منه رجل أجلى وأجلح اهـ من المفهم (وشكا) أي أخبر مولى المهري (إليه) أي إلى أبي سعيد الخدري على سبيل الشكوى (أسعارها) أي غلاء أسعارها أي زيادة قيم الأشياء فيها (و) شكا إليه (كثرة عياله) أي كثرة من يعولهم وينفق عليهم (وأخبره) أي أخبر مولى المهري أبا سعيد الخدري (أن) مخففة أي أنه (لا صبر له على جهد

الْمَدِينَةِ وَلأْوَائِهَا. فَقَال لَهُ: ويحَكَ! لَا آمُرُكَ بِذلِكَ. إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا فَيَمُوتَ، إِلا كنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهيدا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا كَانَ مُسْلِما". 3221 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيب. جَمِيعًا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ (وَاللفْظُ لأَبِي بَكرِ وَابْنِ نُمَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة) وجوعها (و) على (لأوائها) أي على لأواء المدينة المعيشة فيها (فقال) أبو سعيد الخدري (له) أي لمولى المهري (وبحك) أي ألزمك الله الويح والرحمة وهي كلمة تقال لمن وقع في هلكة ليغاث له أي أغاثك الله بالرحمة والتوفيق إني (لا آمرك بذلك) أي بالخروج من المدينة والجلاء عنها أي لا أقول لك اخرج منها إلى بلاد الريف ولأ أشير عليك بالخروج منها ولذلك (إني) أي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصبر أحد على لأوائها) أي على لأواء المدينة وضيق المعيشة فيها (فيموت) فيها وهو صابر محتسب (إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة إذا كان مسلمًا) قال ابن الملك وأو فيه للتقسيم معناه كنت شفيعًا لمن مات بها بعدي وشهيدًا لمن مات بها في زماني، وإن جعلت أو بمعنى الواو كما ورد في بعض الرواية بالواو فلا يحتاج إلى هذا التوجيه فيكون إشارة إلى اختصاص أهل المدينة بالفضيلتين الشهادة على رسوخ إيمانهم وحسن إيقانهم، والشفاعة ليتجاوز عن عصيانهم اهـ قال القرطبي: وهذا يقيد ما تقدم من مطلقات هذه الألفاظ على القاعدة المقررة من أن الكافر لا تناله شفاعة شافع كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)} [الشعراء: 100 - 101] اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 3221 - (00) (00) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب جميعًا عن أبي أسامة واللفظ) الآتي الأبي بكر وابن نمير قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي، ثقة، من (9) (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي

حَدثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِي؛ أَن عَبْدَ الرحْمَن حَدثهُ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدِ؛ أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِني حَرمْتُ مَا بَينَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ. كَمَا حَرمَ إِبْرَاهِيمُ مَكةَ". قَال: ثُم كَانَ أَبو سَعِيدٍ يَأْخُذُ (وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَجِدُ) أَحَدَنَا فِي يَدِهِ الطيرُ، فَيفُكُهُ مِنْ يَدِهِ، ثُم يُرْسِلُهُ. 3222 - (1290) (40) وحدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بن مُسْهِرٍ، عَنِ الشيبَانِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبي محمد المدني سكن الكوفة، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري) المدني، روى عن أبيه في الحج، ويروي عنه (م) والوليد بن كثير فرد حديث عنده، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السابعة (أن) أباه (عبد الرحمن) بن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي أبا محمد المدني، ثقة، من (3) مات سنة (113) (حدّثه) أي حدّث لسعيد (عن أبيه) أي عن أبي عبد الرحمن (أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه بدل من أبيه وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري لأبي سعيد مولى المهري (أنه) أي أن أبا سعيد الخدري (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني حرمت) أي جعلت (ما بين لابتي المدينة) وحرتيها حرمًا (كما حرم إبراهيم مكة، قال) عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري (ثم) بَعدما روى هذا الحديث (كان) والدي (أبو سعيد) الخدري (يأخذ وقال أبو بكر) بن أبي شيبة في روايته (يجد أحدنا) أي يرى أحدنا، والحال أنه (في يده الطير) أي الطير الذي صاده، والجملة الاسمية حال من مفعول يجد (فيفكه) معطوف على يجد أي فيفك ذلك الطير ويخلصه (من يده) أي من يد أحدنا ويخرجه منها (ثم يرسله) أي يرسل ذلك الطير ويطلقه فيطير إلى حيث شاء. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد بحديث سهل بن حنيف رضي الله عنهم فقال: 3222 - (1390) (0 4) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيياني)

عَن يُسَيرِ بنِ عَمرٍو، عَن سَهلِ بنِ حُنَيفٍ، قَال: أَهوَى رَسُول الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ بِيَدِهِ إِلَى المدِينَةِ فَقَال: "إِنهَا حَرَم آمِن". 3223 - (1291) (41) وحدثنا أبُو بَكرِ بن أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبدَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) (عن يسير) مصغرًا ويقال: أسير بالهمز (بن عمرو) ويقال ابن جابر العبدي أو المحاربي أو الكندي أبي الخباز الكوفي، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إن له رؤية روى عن سهل بن حنيف في الحج، وعمر في الفضائل، وعلي وابن مسعود في الفتن، ويروي عنه (خ م س) والشيباني وابنه قيس وحميد بن هلال وغيرهم، قال ابن سعد وابن حبان: ثقة، وذكره العجلي في الثقات، وقال في التقريب: له رؤية (عن سهل بن حنيف) مصغرًا ابن واهب الأنصاري الأوسي أبي ثابت المدني البدري، مات بالكوفة سنة (38) وصلى عليه علي وكبر عليه سنًّا رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) سهل (أهوى) أي أومأ وأشار (رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (إلى المدينة) المنورة (فقال إنها) أي إن المدينة (حرم آمن) يأمن ما فيه من الصيد والأشجار والخلإ من التعرض له، قال القرطبي: قوله: آمن يُروى بمدة بعد الهمزة وكسر الميم على أنه نعت لحرم آي آمن من أن تغزوه قريش كما قال يوم الأحزاب: "لن تغزوكم قريش بعد اليوم" رواه البيهقي في دلائل النبوة [3/ 458] أو من الدجال أو الطاعون أو آمن من صيدها وشجرها ويروى بغير مد وإسكان الميم وهو مصدر أي ذات أمن كما يقال امرأة عدل اهـ من المفهم. وفيه دلالة لمذهب الجمهور في تحريم صيدها وشجرها، وقد سبقت المسألة وذكر الخلاف فيها وفي هذا الحديث عن الطبراني في الكبير "إنها حرام آمن، إنها حرام آمن" قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اهـ فتح الملهم، وهذا الحديث نظير قوله تعالى في مكة {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} وأصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف عنها اهـ من بعض الهوامش. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [3/ 486]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال 3223 - (1291) (41) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان

عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: قَدِمنَا المدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَة. فَاشتَكَي أَبُو بَكْرٍ وَاشتَكى بِلال. فَلَما رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ شَكوَى أَصْحَابِهِ قَال: "اللهُم! حَبِّبْ إِلَينَا المدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكةَ أَو أَشَد. وَصَححهَا. وَبَارِك لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدهَا. وَحَوِّل حُماهَا إِلَى الْجُحفَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة: (قدمنا المدينة) مهاجرين إلى الله ورسوله (وهي) أي والحال أن المدينة (وبيئة) بهمزة ممدودة أي ذات وباء، والوبا بهمز وبدونها المرض العام، وقد أطلَقَه بعضهم على الطاعون لأنه من أفراده لكن ليس كل وباء طاعونًا، وقال القرطبي: والوباء هنا شدة المرض والحمى، وكانوا لما قدموا المدينة لم توافقهم في صحتهم فأصابتهم أمراض عظيمة ولقوا من حُماها شدة حتى دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم وللمدينة فكشف الله ذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم كما ذكر في هذا الحديث وغيره (فاشتكى) أي وعك (أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (واشتكى) أي وعك أيضًا (بلال) بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا غيرهما كما في الفتح (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه) من وبائها وحماها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم حبب إلينا) معاشر المهاجرين (المدينة كما حببت مكة) إلينا (أو) حبًّا (أشد) من حب مكة أي بل أكثر وأعظم من حبنا لمكة، ويؤيده أنه في رواية وأشد، قال القاري في شرح المشكاة: ثم لا ينافي هذا ما سبق أنه صلى الله عليه وسلم قال لمكة: "إنك أحب البلاد إلي وإنك أحب أرض الله إلى الله" وفي رواية: "لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله" فإن المراد به المبالغة أو لأنه لما أوجب الله على المهاجرين مجاورة المدينة وترك التوطن، والسكون بمكة السكينة، طلب من الله أن يزيد محبة المدينة في قلوب أصحابه لئلا يميلوا بأدنى الميل؛ إذ المراد بالمحبة الزائدة الملائمة لملاذ النفس ونفي مشاقها لا المحبة المرتبة على كثرة المثوبة فالحيثية مختلفة ويؤيد ما قررنا قولُهُ فيما بعد (وصححها) أي صحح المدينة واجعل هواءها وماءها صحيحًا (وبارك لنا في صاعها ومدها وحول) أي وانقل عنها (حماها) أي حمى المدينة ووباءها وأمراضها (إلى الجحفة) وتسمى في الأصل مهيعة،

3224 - (00) (00) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3225 - (1292) (42) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي المسماة الآن برابغ كما مر في باب المواقيت وكان سكانها في ذلك الوقت يهود، قال القرطبي: وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا رحمة لأهل المدينة ولأصحابه ونقمة من أهل الجحفة فإنهم كانوا إذ ذاك كفارًا، قال الخطابي: كانوا يهود وقيل: إنه لم يبق من أهل الجحفة في ذلك الوقت إلا أخذته الحمى، وفيه الدعاء للمسلم وعلى الكافر وهذا وما في معناه من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم التي تفوق الحصر حجة على بعض المعتزلة القائلين لا فائدة في الدعاء مع سابق القدر، وعلى غلاة الصوفية القائلين إن الدعاء قادح في التوكل وهذه كلها جهالات لا ينتحلها إلا جاهل غبي لظهور فسادها وقبح ما يلزم عليها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 56]، والبخاري [1889]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3224 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو أسامة و) عبد الله (ابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (نحوه) أي نحو ما حدّث عبدة بن سليمان عن هشام، غرضه بيان متابعة أبي أسامة وعبد الله بن نمير لعبدة بن سليمان. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3225 - (1292) (42) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا عيسى بن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي أبو زياد المدني، ثقة، من (6) (حدثنا نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكى وواحد بصري وواحد نسائي (قال) ابن عمر: (سمعت

رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "مَنْ صَبَرَ عَلَى لأْوَائِهَا، كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 3226 - (1293) (43) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَي مَالِكٍ، عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُوَيمِرِ بْنِ الأجدَعِ، عَنْ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيرِ. أَخْبَرَهُ؛ أَنهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْفِتْنَةِ. فَأَتَتْهُ مَوْلاة لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيهِ. فَقَالتْ: إِني أَرَدْتُ الْخُرُوجَ، يَا أَبَا عَبْدِ الرحْمنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صبر على لأوائها) أي لأواء المدينة وضيق معيشتها (كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3226 - (1293) (43) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع) الليثي أبي الحسن المدني، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به باس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من السادسة، روى عن يحنس مولى الزبير في الحج، وعبيد بن عمير وعمه، ويروي عنه (م س) ومالك والضحاك بن عثمان وعبيد الله بن عمر (عن يُحَنَّس) بضم أوله وفتح المهملة وتشديد النون المفتوحة ثم سين مهملة، وفي الخلاصة آخره معجمة ابن عبد الله (مولى) مصعب بن (الزبير) القرشي الأسدي مولاهم أبي موسى المدني، روى عن عبد الله بن عمر في الحج، وأبي سعيد الخدري في الشعر، ويروي عنه (م د س) وقطن بن وهب ويزيد بن الهاد ووهب بن كيسان وغيرهم، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة مقرئ من الثالثة، وليس عندهم يحنس إلا هذا الثقة (أخبره) أي أخبر يحنس لقطن (أنه) أي أن يحنس (كان جالسًا عند عبد الله بن عمر) بن الخطاب (في) زمن (الفتنة) يعني فتنة وقعة الحرة التي وقعت في زمن يزيد بن معاوية (فأتته) أي فاتت ابن عمر أي جاءته (مولاة) أي عتيقة (له) أي لابن عمر حالة كونها (تسلم عليه) أي على ابن عمر (فقالت) المولاة لابن عمر: (إني أردت) أي قصدت (الخروج) من المدينة والانتقال إلى بلاد الريف (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن

اشتَدَّ عَلَينَا الزمَانُ. فَقَال لَهَا عَبْدُ الله: اقعُدِي. لَكَاعِ! فَإِني سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لَا يَصبِرُ عَلَى لأوَائِهَا وَشِدتِهَا أَحَد، إِلا كُنتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر (اشتد علينا) في المدينة (الزمان) أي حوادث الزمان (فقال لها) أي للمولاة (عبد الله) بن عمر (اقعدي) أي امكثي واطمئني في المدينة ولا تخرجي منها يا (لكاع) أي يا غَبِيَّة أو يا لئيمة أو يا حمقاء خاطبها به إنكارًا لما أرادته من الخروج وتثبيطًا لها، يقال للرجل: لكع كصرد، وللمرأة لكاع كقطام، ولا يستعملان إلا في النداء إلا ما شذ من الشعر كقول أبي الغريب النصري: أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع أي لئيمة ولكاع بفتح اللام، وأما العين فمبنية على الكسر، قال أهل اللغة: يقال امرأة لكاع بفتح اللام، ورجل لكع بضم اللام وفتح الكاف، ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير وهو من الأسماء المبنية على الكسر كحذام وقطام لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا لتضمنه معنى حرف التأنيث وهو التاء، وإنما حُرِّك فرارًا من التقاء الساكنين وكانت الحركة كسرة لأنها الأصل في حركة التخلص وضم بناء المنادى مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي كما بيناه في نزهة الألباب، وإنما أمرتك بالقعود (فإني) أي لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يصبر على لأوالها) أي على لأواء المدينة وجوعها (وشدتها) أي شدة وبائها وضيق معيشتها (أحد) من المسلمين (إلا كنت له شهيدًا) إن كان من أهل زماني (أو شفيعًا) إن كان من غيرهم (يوم القيامة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 113 و 119 و 133]، والنسائي كما في تحفة الأشراف، ومالك في الموطإ [2/ 885]. قال النواوي: وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب مع ما سبق وما بعدها دلالات ظاهرة على فضل سكنى المدينة والصبر على شدائدها وضيق العيش فيها وأن هذا الفضل مستمر إلى يوم القيامة، وقد اختلف العلماء في المجاورة بمكة والمدينة قال أبو حنيفة وطائفة: تكره المجاورة بمكة، وقال أحمد بن حنبل وطائفة: لا تكره المجاورة

3227 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي فُدَيكِ. أَخبَرَنَا الضحاكُ، عَنْ قَطَنِ الخزَاعي، عَن يُحَنسَ مَولَي مُصعَبٍ، عَن عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ قَال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "مَن صَبَرَ عَلَى لأوَائِهَا وَشِدتِهَا، كنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَومَ الْقِيَامَةِ (يَعني المدِينَةَ) " ـــــــــــــــــــــــــــــ بمكة بل تستحب، وإنما كرهها من كرهها لأمور منها خوف الملل وقلة الحرمة للأنس وخوف ملابسة الذنوب فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها، واحتج من استحبها بما يحصل فيها من الطاعات التي لا تحصل بغيرها وتضعيف الصلوات والحسنات فيها وغير ذلك، والمختار أن المجاورة بهما جميعًا مستحبة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة وغير ذلك، وقد جاورتهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة وخلفها ممن يقتدى به وينبغي للمجاور فيهما الاحتراز من المحذورات وأسبابها والله أعلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3227 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بالفاء مصغرًا يسار الديلي مولاهم المدني، صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان بن عبد الله الأسدي المدني، صدوق، من (7) (عن قطن) بن وهب (الخزاعي) المدني، صدوق، من (6) (عن يحنس) بن عبد الله (مولى مصعب) بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من (3)، في الرواية السابقة مولى الزبير فيُجمع بينهما بأنه مولى لأحدهما حقيقة وللآخر مجازًا (عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الضحاك لمالك (قال) ابن عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة -يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير لأوائها (المدينة-) تفسير مدرج من بعض الرواة والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:

3228 - (1294) (44) وحدثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدتِهَا أَحَد مِنْ أُمتِي، إِلا كنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا". 3229 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ موسَى بْنِ أَبِي عِيسَى؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الله الْقَرَّاظَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3228 - (1294) (44) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (جميعًا عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (8) (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني مولاهم المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصبر على لأواء المدينة) وجوعها (وشدتها) أي شدة معيشتها وضيقها (أحد من أمتي إلا كنت له شفيعًا يوم القيامة أو شهيدًا). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3229 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى) ميسرة الحناط بمهملة ونون، الغفاري المدني مشهور بكنيته، روى عن أبي عبد الله القراظ في الحج، وعبد الله بن بخت وموسى بن أنس بن مالك ونافع مولى ابن عمر، ويروي عنه (م د ق) وابن عيينة والليث ويحيى القطان وغيرهم، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (أنه سمع أبا عبد الله القراظ) بفتحتين مع تشديد الراء لأنه كان يبيع القرظ دينارًا الخزاعي مولاهم المدني، روى عن أبي هريرة في الحج، وسعد بن أبي وقاص في الحج، ويروي عنه (م س) وأبو هارون موسى بن أبي عيسى وعبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس وعمرو بن يحيى بن عمارة ومحمد بن عمرو بن علقمة وعمير بن

يَقُولُ: سمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ. 3230 - (00) (00) وحدثنا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أبِي صَالِح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا يَصْبِرُ أحَدٌ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ" بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نبيه الكعبي وأسامة بن زيد وزيد بن أسلم، قال في التقريب: ثقة يرسل، وذكره ابن حبان في الثقات، وليس في مسلم من اسمه دينار إلا هذا، حالة كون أبي عبد الله (يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وساق أبو عبد الله القراظ (بمثله) أي بمثل ما روى عبد الرحمن بن يعقوب الجهني عن أبي هريرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3230 - (00) (00) وحدثنا يوسف بن عيسى) بن دينار الزهري أبو يعقوب المروزي، روى عن الفضل بن موسى في الحج، وحفص بن غياث وأبي معاوية وابن عيينة وابن نمير وعدة ويروي عنه (خ م ت س) وأحمد بن سيار المروزي، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من العاشرة، مات سنة (249) تسع وأربعين ومائتين (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي أبو عبد الله المروزي، ثقة ثبت، من (9) (أخبرنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن صالح بن أبي صالح) ذكوان السمان أبي عبد الرحمن المدني أخي سهيل بن أبي صالح، روى عن أبيه في الحج، وأنس بن مالك، ويروي عنه (م ت) وهشام بن عروة وابن أبي ذئب، وثقه ابن معين وأبو بكر البزار، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن أبيه) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة صالح بن أبي صالح لعبد الرحمن بن يعقوب (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصبر أحد على لأواء المدينة) وجوعها، وساق صالح بن أبي صالح (بمثله) أي بمثل ما حدّث عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3231 - (1296) (46) حدثنا يَحيَى بن يَحيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِك، عَن نُعَيمِ بْنِ عَبْدِ الله، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "عَلَى أَنقَابِ المدِينَةِ مَلائكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطاعُونُ وَلَا الدجالُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3231 - (1296) (46) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن نعيم) مصغرًا (بن عبد الله) المعروف بالمجمر لأنه كان يُجمر أي يبخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمجمر صفة لعبد الله ويطلق على ابنه مجازًا، القرشي العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني، وثقه أبو حاتم وابن معين وابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على) كل (أنقاب المدينة) وشعابها وطرقها وفجاجها (ملائكة) حرسة يحرسونها (لا يدخلها الطاعون ولا الدجال) بسبب حراسة الملائكة إياها، والأنقاب جمع نقب بفتح النون والقاف بعدها موحدة، وفي بعض الروايات على نقابها جمع نقب بالسكون وهما بمعنى، قال ابن وهب: المراد المداخل، وقيل الأبواب، وأصل النقب الطريق بين الجبلين، وقيل الأنقاب الطرق التي يسلكها الناس، ومنه قوله تعالى: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} قال الحافظ: واستشكل عدم دخول الطاعون المدينة مع كون الطاعون شهادة وكيف قُرن بالدجال، ومُدحت المدينة بعدم دخولهما، والجواب أن كون الطاعون شهادة ليس المراد بوصفه بذلك ذاته وإنما المراد أن ذلك يترتب عليه وينشأ عنه لكونه سببه فإذا استحضر ما تقدم من أنه طعن الجن حسن مدح المدينة بعدم دخوله إياها فإن فيه إشارة إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة، ومن اتفق منهم دخوله إليها لا يتمكن من طعن أحد منهم اهـ (ولا الدجال) والدجال وإن لم يدخلها لكن يأتي سبختها من دبر أحد فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيُخرج الله منها كل كافر ومنافق كما سيأتي في آخر الكتاب في حديث الدجال من كتاب الفتن، ثم يهم بدخول المدينة فتصرف الملائكة وجهه إلى الشام، وهناك يقتله عيسى - عليه السلام - بباب لُد على ما يأتي، وسيأتي أيضًا أن مكة لا يدخلها الدجال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 237 و 375]، والبخاري [1880]، والنسائي في الكبرى [7526].

3232 - (1297) (47) وحدثنا يَحيَى بن أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابنُ حُجرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ جَعفَرٍ. أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَأتِي المسيحُ مِن قِبَلِ الْمَشرِقِ. هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ. حَتى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ. ثُم تَصْرِفُ الملائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشامِ. وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ". 3233 - (1298) (48) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَندُ العَزِيزِ (يَعْنِي الدرَاوَرْدِي) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 3232 - (1297) (47) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (جميعًا عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي المسيح) أي الدجال (من قِبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (المشرق همته) أي والحال أن همة الدجال وقصده (المدينة) أي دخول المدينة (حتى ينزل) غاية لياتي أي يأتي من قبل المشرق حتى ينزل (دُبر) بضمتين والنصب على الظرفية للنزول أي وراء (أحد) أكبر جبال المدينة (ثم تصرف) أي تحول (الملائكة) الذين هم حرسة المدينة (وجهه) أي وجه الدجال (قِبل الشام) أي إلى جهة الشام فيأتي الشام (وهنالك) أي في الشام (يهلك) أي يُقتل، يقتله عيسى عليه السلام عند باب لُد كما سيأتي في كتاب الفتن آخر الكتاب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 397]، والترمذي [2243]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3233 - (1298) (48) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) ابن محمد بن عبيد الجهني مولاهم أبو محمد المدني (يعني الدراوردي) صدوق، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَأتِي عَلَى الناسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! وَالْمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنهَا إِلا أَخْلَفَ الله فِيهَا خَيرا مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه) قائلًا لهم (هلم) أي أقبل يا ابن عمي (إلى الرخاء) أي إلى العيش الواسع (هلم) أي أقبل يا قريبي (إلى الرخاء) وبسط العيش يعني يدعوه إلى الخروج من المدينة لضيق المعيشة فيها إلى بلاد الريف بقوله: هلم إلى الرخاء أي ائت إلى سعة المعيشة وأقبل إلى بلاد الريف، والتكرار فيه للتأكيد، قال القرطبي: هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن أمر غيب وقع على نحو ما ذكر وكان ذلك من أدلة نبوته، وعنى بذلك أن الأمصار تفتح على المسلمين فتكثر الخيرات وتَتَرَادف عليهم الفتوحات كما اتفق عند فتح الشام والعراق والديار المصرية وغير ذلك، فركن كثير ممن خرج من الحجاز وبلاد العرب إلى ما وجدوا من الخصب والدعة بتلك البلاد المفتوحة فاتخذوها دارًا ودعوا إليهم من كان بالمدينة لشدة العيش بها وضيق الحال فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) وهي خير من حيث تعذر الترفه فيها وعدم الإقبال على الدنيا بها وملازمة ذلك المحل الشريف ومجاورة النبي الكريم ففي حياته صلى الله عليه وسلم صحبته ورؤية وجهه الكريم وبعد وفاته مجاورة جدثه الشريف ومشاهدة آثاره المعظمة، فطوبى لمن ظفر بشيء من ذلك وأحسن الله عزاء من لم ينل شيئًا مما هنالك اهـ من المفهم (والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد ركبة) وإعراضًا وزهادة (عنها) أي عن المقام فيها (إلا أخلف الله) سبحانه (فيها) أي في المدينة عنه من كان (خيرًا منه) أي من ذلك الراغب عنها، قال القرطبي: يعني أن الذي يخرج من المدينة راغبًا عنها أي زاهدًا فيها إنما هو إما جاهل بفضلها وفضل المقام فيها أو كافر بذلك، وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين فيها خير منه وأفضل على كل حال، وقد قضى الله تعالى بأن مكة والمدينة لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهم الخلف ممن خرج رغبة عنها اهـ من المفهم.

أَلا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ، تُخْرِجُ الْخَبِيثَ. لَا تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا. كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إن المدينة) المنورة (كالكير) هو منفخ الحداد الذي ينفخ به النار أو الموضع المشتمل عليها الأول يكون من الزق ويكون من الجلد الغليظ، والثاني أعني موضع نار الحداد يكون مبنيًا من الطين أو هو يسمى كورًا راجع اللغة؛ أي إن المدينة شبيهة بالكير فـ (ـتخرج) من داخلها (الخبيث) من الناس يعني المنافق والكافر فوالله الذي لا إله إلا غيرِه (لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى تنفي) وتخرج (المدينة شرارها) وخبائثها أي أخبث من كان فيها كما ينفي الكير خبث الحديد) أي وسخه ورديئه، قوله: (حتى تنفي المدينة) أي تخرج، قال عياض: وكان هذا مختص بزمنه صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه، وقال النووي: ليس هذا بظاهر لأن عند مسلم "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد" وهذا والله أعلم زمن الدجال اهـ ويحتمل أن يكون المراد كلًّا من الزمنين وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم كذلك للسبب المذكور، ويؤيده قصة الأعرابي الآتية فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللًا به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة عن البيعة، ثم يكون ذلك أيضًا في آخر الزمان عندما ينزل الدجال بها فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه كما سيأتي، وأما ما بين ذلك فلا. كذا في الفتح، قال الأبي: فإن قيل قد استقر بها المنافقون أجيب بأنهم انتفوا بالموت والموت أشد النفي، قوله: (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون التحتانية وفيه لغة أخرى كور بضم الكاف والمشهور بين الناس أنه الزق الذي ينفخ فيه لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد والصائغ، قوله: (خبث الحديد) بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي وسخه الذي تخرجه النار، والمراد أن المدينة لا تترك فيها من في قلبه دغل بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده، ونسبة التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي يقع بها التمييز، واستدل بهذا على أن المدينة أفضل البلاد، قال المهلب: لأن المدينة هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الإسلام فصار الجميع في صحائف أهلها، ولأنها تنفي الخبث. وأُجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وعن الثاني بأن ذلك

3234 - (1299) (49) وحدثنا قُتَيبَةُ بن سَعيدٍ، عَن مَالِكِ بْنِ أنس (فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ) عَن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ. قَال: سَمِعتُ أبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بنَ يَسَار يَقُولُ: سَمِعتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرتُ بِقَرْيَة تَأكلُ الْقُرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: قوله: (كالكير) هذا تشبيه واقع لأن الكير لشدة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرماد حتى لا يبقى إلا خالص الجمر والنار، هذا إن أراد بالكير النفخ الذي تنفخ به النار وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند أهل اللغة فيكون معناه أن ذلك الموضع لشدة حرارته ينزع خبث الحديد والذهب والفضة ويخرج خلاصة ذلك والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفس من شهواتها وشرهها وميلها إلى اللذات والمستحسنات فيتزكى النفس في أدرانها وتبقى خلاصتها فيظهر سر جوهرها وتعم بركاتها، ولذلك قال في الرواية الأخرى: (تنفي خبثها وينصع طيبها). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [2/ 429]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له فقال: 3234 - (1299) (49)) وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما ترئ عليه عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (يقول: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يفول): وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُمرت بـ) الهجرة والاستيطان بـ (قرية تأكل القرى) أي سائر قرى الأرض أي تغلبها، وكنى بالأكل عن الغلبة لأن الآكل غالب

يَقُوُلونَ يَثْرِبَ. وَهِيَ الْمَدِينَةُ. تنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على المأكول؛ أي أمرني ربي بالهجرة إليها والاستيطان بها، ووقع في موطإ ابن وهب قلت لمالك: ما (تأكل القرى)؟ قال: تفْتح القرى، وبسطه ابن بطال فقال: معناه يفتح أهلها القرى فيأكلون أموالهم ويسبون ذراريهم قال: وهذا من فصيح الكلام، تقول العرب: أكلنا بلد كذا إذا ظهروا عليها، وسبقه الخطابي إلى معنى ذلك أيضًا، وقال النووي: ذكروا في معناه وجهين: أحدهما هذا والآخر أكلها وميرتها من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها، وقال ابن المنير في الحاشية: يحتمل أن يكون المراد بأكلها القرى غلبة فضلها على فضل غيرها، ومعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكاد تكون عدمًا. (قلت): والذي ذكره احتمالًا ذكره القاضي عبد الوهاب فقال: لا معنى لقوله تأكل القرى إلا رجوع فضلها عليها وزيادتها على غيرها كذا قال، ودعوى الحصر مردود لما مضى. ثم قال ابن المنير: وقد سميت مكة أم القرى قال: والمذكور للمدينة أبلغ منه لأن الأمومة لا تنمحي إذا وجدت ما هي له أم لكن يكون حق الأم أظهر وفضلها أكثر كذا في الفتح، قال القرطبي: معنى قوله: أمرت بقرية أي أمرني ربي بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة أو بسكناها إن قاله بالمدينة وأكلها القرى هو أن منها افتتحت جميع القرى واليها جبي فيء البلاد وخراجها في تلك المدد وهو أيضًا من علاماته نبوته صلى الله عليه وسلم اهـ مفهم. (يقولون) أي يقول بعض الناس من المنافقين يسمونها (يثرب) كأنه صلى الله عليه وسلم كره تسميتها يثرب لأن معنى ثرب عليه يثرب عتب ولام كما في المصباح، ومنه قوله تعالى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيَوْمَ} وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح (وهي) أي والحال أن اسمها الإسلامي (المدينة) أو الجملة مستانفة (تنفي) أي تخرج من جوفها (الناس) الخبائث كما ينفي الكير خبث الحديد) أي رديئه، وفي بعض الهوامش: معنى قوله: (تأكل القرى) أي تغلب البلاد وتظهر عليها يعني أن أهلها تغلب أهل سائر البلاد لأنها كانت مركز جيوش الإسلام في أول الأمر فمنها فتحت البلاد والأمصار وانتشر منها الإسلام كل الانتشار والغالب المستولي على الشيء كالمفني له إفناء الآكل المأكول اهـ قوله: (يقولون: يثرب وهي المدينة) أي

3235 - (00) (00) وحدثنا عَمْرو الناقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهابِ. جَمِيعا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسميها بعض المنافقين يثرب، والذي ينبغي أن تسمى به المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك الاسم على عادته في كراهته الأسماء غير المستحسنة وتبديلها بالمستحسن منها وذلك أن يثرب لفظ مأخوذ من الثرب وهو الفساد، والتثريب وهو المؤاخذة بالذنب وكل ذلك من قبيل ما يكره، وروى أحمد من حديث البراء بن عازب رفعه: "من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة" وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى أن يقال للمدينة يثرب ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة قال: وسبب هذه الكراهية لأن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد، وكلاهما مستقبح فكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح، وذكر أبو إسحاق الزجاج في مختصره وأبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: أنها سميت يثرب باسم يثرب بن قانية بن مهلايل بن عَبِيل بن عيص بن إرم بن سام بن نوح - عليه السلام - لأنه أول من سكنها بعد العرب، ونزل أخوه خيبور خيبر فسميت به، وسقط بعض الأسماء من كلام البكري اهـ فتح، وأما المدينة فاشتقاقها من مدن بالمكان إذا أقام به اهـ أبي، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة من الطيب وذلك أنها طيبة التربة والرائحة وهي تربة النبي صلى الله عليه وسلم وتطيب من سكنها ويستطيبها المؤمنون اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 237]، والبخاري [187]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3235 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (جميعًا) أي كل من سفيان وعبد الوهاب رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الحباب عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعتهما لمالك بن

وَقالا: كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ. لَمْ يَذْكُرَا الْحَدِيدَ. 3236 - (1300) (50) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَن أَعْرَابِيًا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَصَابَ الأعرَابِي وَعَكٌ بِالْمَدِينَةِ. فَأَتَى النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: يَا مُحَمدُ! أَقِلْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس (و) لكن (قالا) أي قال سفيان وعبد الوهاب في روايتهما (كما ينفي الكير الخبث) بلا إضافة حالة كونهما (لم يذكرا الحديد). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 3236 - (1300) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن هدير مصغرًا القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد نيسابوري (أن أعرابيًّا) أي شخصًا من سكان البوادي، قال الحافظ: لم أقف على اسمه إلا أن الزمخشري ذكر في ربيع الأبرار أنه قيس بن أبي حازم وهو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فإن كان محفوظًا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه، وفي الذيل لأبي موسى في الصحابة قيس بن حازم المنقري فيحتمل أن يكون هو هذا اهـ (بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عاهده على الإسلام والسمع والطاعة، وفي البخاري فبايعه على الإسلام وهو ظاهر في أن طلبه الإقالة كان فيما يتعلق بنفس الإسلام، ويحتمل أن يكون في شيء من عوارضه كالهجرة وكانت في ذلك الوقت واجبة ووقع الوعيد على من رجع أعرابيًّا بعد هجرته ولو كان استقاله من الإسلام لكان قتله على الردة (فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة) الوعك -بفتح الواو وسكون العين المهملة وقد تفتح بعده كاف- الحمى، وقيل ألمها، وقيل إرعادها، وقال الأصمعي: أصله شدة الحر فأطلق على حر الحمى وشدتها، وعبارة المرقاة هنا (أن أعرابيًّا) أي أن رجلًا من أهل البادية وكان ممن هاجروا (بايع رسول الله) أي على المقام عنده (فأصاب الأعرابي بالمدينة وعلى) أي حمى شديدة (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أقلني

بَيعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُم جَاءَهُ فَقَال: أَقِلنِي بَيعَتِي. فَأَبَى. ثُم جَاءَهُ فَقَال: أَقِلْنِي بَيعَتِي. فَأبَى. فَخَرَجَ الأَعرَابِي. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنمَا الْمَدِينَةُ كَالكِيرِ. تَنْفِي خَبَثَهَا وَينْصَعُ طَيبُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بيعتي) أي رد علي بيعتي التي عاقدتها معك وارفعها عني ظنًّا منه أن الإقالة في البيعة جائزة قياسًا على الإقالة في البيع لأن الإقالة في البيع من مكارم الأخلاق مندوب إليها، والإقالة في البيع هو رفع العقد وإبطاله بلفظ الإقالة فهذا استعارة منه، وإقالة النادم في البيع مندوبة لحديث: "من أَقَال نَادِما أقال الله له عثرته يوم القيامة" أي من وافقه على نقض البيع وإبطاله رفعه من سقوطه وعفا عنه بخلافها في البيعة فإن استقالتها من كواذب الأخلاق لا ينبغي الموافقة عليها فلهذا أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: (فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي امتنع عن قبول إقالته، قال ابن التين: إنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من إقالته لأنه لا يعين على معصية لأن البيعة في أول الأمر كانت على أن لا يخرج من المدينة إلا بإذن فخروجه عصيان، قال: وكانت الهجرة إلى المدينة فرضًا قبل فتح مكة على كل من أسلم ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فلما فتحت مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" ففي هذا إشعار بأن مبايعة الأعرابي المذكور كانت قبل الفتح، واختار النووي كونها على الهجرة وهي كانت فريضة في ذلك الوقت، وقال في عمدة القاري: فإن (قلت): قال الأعرابي: أقلني، لِمَ لَمْ يُقِلْهُ؟ (قلت): لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه، وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على المقام عنده (ثم جاءه) صلى الله عليه وسلم الأعرابي مرة ثانية (فقال: أقلني بيعتي، فأبى) أي امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقالة بيعته (ثم جاءه) مرة ثالثة (فقال: أقلني بيعتي، فأبى) رسول الله صلى الله عليه وسلم من موافقته على الإقالة (فخرج الأعرابي) من المدينة إلى وطنه وبدوه من غير إذنه صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما المدينة كالكير تنفي) أي تخرج (خبثها) أي خبث من فيها من المنافقين (وبنصع) بفتح الياء والصاد أي يصفو ويخلص ويتميز (طيبها) أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مؤمنوها، قال أهل اللغة: يقال نصع الشيء ينصع بفتح الصاد فيهما نصوعًا إذا خلص ووضح، والناصع الخالص من كل شيء، ومعنى الحديث أنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه ويبقى فيها من خلُص إيمانه اهـ من النووي. وطيبها مرفوع على الفاعلية وهو بتشديد الياء جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنها من الجهد والبلاء كمثل الكير وما يُوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أزكى ما كان وأخلص، كما في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والإحسان، وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في بيان الحق والباطل من جهة التمثيل حيث قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال}. قال ابن المنير: وظاهر الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد وكذا من بعدهم من الفضلاء. والجواب: أن المذموم من خرج منها كراهة لها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور فأما المشار إليهم فإنهم خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهو مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها اهـ، وقال ابن بطال: والدليل على أن هذا الأعرابي لم يُرد الارتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولو كان خروجه من المدينة خروجًا عن الإسلام لقتله إذ ذاك ولكنه خرج عاصيًا ورأى أنه معذور لما نزل به من الحمى ولعله لم يعلم أن الهجرة فرض عليه وكان من الذين قال الله فيهم: {وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فإن (قلت): إن المنافقين قد سكنوا المدينة وماتوا فيها ولم تَنْفِهِمْ (قلت): كانت المدينة دارهم ولم يسكنوها بالإسلام ولا حبًّا له وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم، ولم يرد صلى الله عليه وسلم بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبًا فيه ثم خبث قلبه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 356]، والبخاري [2211]، والترمذي [3920]، والنسائي [7/ 151]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة ثانيًا بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنهما فقال:

3237 - (1301) (51) وحدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَهُوَ الْعَنْبرِي) حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِي (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ يَزِيدَ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "إِنهَا طَيبَةُ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) وَإنهَا تَنْفِي الخبَثَ كَمَا تَنْفِي النارُ خَبَثَ الْفِضةِ". 3238 - (1302) (52) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهَنادُ بْنُ السرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 3237 - (1301) (51) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر (وهو العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري، من (7) (عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) (سمع عبد الله بن يزيد) المعافري الحبلي المصري، ثقة، من (3) (عن زيد بن ثابت) بن الضحاك بن زيد الأنصاري النجاري المدني رضي الله عنه، روى عنه المؤلف في (6) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مصري وواحد كوفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها طيبة) بوزن شيبة غير منصرف للعلمية والتأنيث اللفظي وهي مؤنث الطيب بفتح الطاء وسكون الياء بوزن الشيب لغة في الطيب بتشديد الياء ويقال لها طابة أيضًا كما سيأتي في الحديث التالي، قال في الفتح: والطاب والطيب لغتان بمعنى واشتقاقها من الشيء الطيب، وقيل لطهارة تربتها، وقيل لطيبها لساكنها، وقيل من طيب العيش بها، وقال بعض أهل العلم: وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة التسمية لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها، وللمدينة أسماء غير ما ذكر حتى قال بعض أهل العلم بلغني أن لها أربعين اسمًا اهـ. قال الراوي: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير إنها (المدينة) وهو تفسير مدرج من الراوي (وإنها تنفي الخبث) أي تخرج الخبيث من الناس (كما تنفي النار) وتزيل (خبث الفضة) أي رديئها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 184]، والبخاري [4589]، والترمذي [3028]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال: 3238 - (1302) (52) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (وهناد بن السري)

وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الأحوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِن اللهَ تَعَالى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ -بفتح السين وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة- ابن مصعب التميمي الكوفي، روى عنه في (6) أبواب، ثقة، من (10) (وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي -بضم المهملة والمد- الكوفي الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما المشهور، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم كوفيون إلا قتيبة بن سعيد (قال) جابر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: إن الله) سبحانه و (تعالى سمى المدينة) أي أمرني بتسمية المدينة (طابة) فيه استحباب تسميتها طابة وليس فيه أنها لا تُسَمى بغيره، فقد سماها الله تعالى المدينة في مواضع من القرآن، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة في الحديث قبل هذا اهـ نووي، وكثرة الأسماء تدل على عظمة مسماها، والمعنى أن الله تعالى سماها في اللوح المحفوظ أو أمر نبيه أن يسميها بها ردًّا على المنافقين في تسميتها بيثرب اهـ مرقاة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه الإمام أحمد [5/ 89] والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا، الأول: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث سهل بن حنيف ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره كذلك وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث ابن عمر ذكره كذلك، والخامس: حديث ابن عمر الثاني ذكره كذلك وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره كذلك وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثامن: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد لما قبله، والتاسع: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والعاشر: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد لما قبله وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر: حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثاني عشر: حديث زيد بن ثابت ذكره كذلك، والثالث عشر: حديث جابر بن سمرة ذكره كذلك والله أعلم.

522 - (8) باب عقوبة من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار وبيان حين يتركها أهلها

522 - (8) باب عقوبة من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار وبيان حين يتركها أهلها 3239 - (1303) (53) حدثني مُحَمدُ بن حَاتِم وإبْرَاهِيمُ بن دِينَارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجاجُ بْنُ مُحَمدِ. ح وَحَدثَنِي مُحَمدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ كِلاهُمَا، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ يُحَنسَ، عَن أَبِي عَبْدِ الله الْقَرَّاظِ؛ أَنهُ قَال: أشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيرَةَ أَنهُ قَال: قَال أبُو القَاسِمِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَن أَرَادَ أَهْلَ هذِهِ الْبَلدَةِ بِسُوءٍ (يَعْنِي المدِينَةَ) أَذَابَهُ الله كَمَا يَدُوبُ الْمِلْحُ فِي الماءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 522 - (8) باب عقوبة من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار وبيان حين يتركها أهلها 3239 - (1303) (53) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (وإبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور أبو محمد البغدادي، ثقة، من (9) (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من حجاج بن محمد وعبد الرزاق رويا (عن) عبد الملك (ابن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس) بوزن يعلم الأسدي مولاهم المدني، روى عن أبي عبد الله القراظ في الحج، ويروي عنه (م د) وابن جريج والدراوردي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (عن أبي عبد الله) دينار بن عبد الله (القراظ) الخزاعي مولاهم المدني، ثقة ولكنه يرسل (أنه) أي أن أبا عبد الله (قال: أشهد على أبي هريرة أنه قال): وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي واثنان بغداديان وواحد نيسابوريّ وواحد صنعاني (قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من أراد أهل هذه البلدة بسوء) أي بشر، قيل: يحتمل أن المراد من أرادها غازيًا مغيرًا عليها، ويحتمل غير ذلك، وقد سبق بيان هذا الحديث قريبًا في الأبواب السابقة، قال الراوي: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالبلدة (المدينة) المنورة (أذابه الله) تعالى أي أهلكه الله تعالى ويعدمه كما يدوب) أي كما ينماع وينعدم (الملح في الماء) أي يعدمه

3240 - (00) (00) وحدثني مُحَمدُ بن حَاتِمٍ وَإبراهِيمُ بن دِينَارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجاجٌ. ح وَحَدثَنِيهِ مُحَمدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. جَمِيعا عَنِ ابْنِ جُرَيج. قَال: أخبَرَنِي عَمرُو بْنُ يَحيَى بنِ عُمَارَةَ؛ أَنهُ سَمِعَ القَرَّاظَ (وَكَانَ مِن أَصحَابِ أبِي هُرَيرَةَ) يَزعُمُ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ إعدامًا كانعدام الملح في الماء أي أهلكه الله بكليته عبر عنه بالذوب تهويلًا في إيلامه لأن ألم الهلاك بالتدريج أشد مما يكون بغتة اهـ من المبارق، قال الطيبي: (قوله كما يذوب الملح) فيه معنى قوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ} شبه أهل المدينة لوفور علمهم وصفاء قريحتهم بالماء، وشبه من يريد الكيد بهم بالملح لأن نكاية كيدهم لما كانت راجعة إليهم شبهوا بالملح الذي يريد إفساد الماء فيذهب بنفسه. فإن (قلت): يلزم على هذا كدورة بسبب فنائهم (قلت): المراد في التشبيه مجرد الإفناء ولا يلزم في وجه الشبه أن يكون شاملًا جميع أوصاف المشبه به، ونحوه قولهم: النحو في الكلام كالملح في الطعام اهـ من السنوسي، وفي شرح النووي عن القاضي: قال قوم وهو مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: هو عام وهذا أصح ألا ترى أن مسلم بن عقبة لما حارب المدينة هلك في منصرفه عنها، ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله على إثر ذلك وغيرهما ممن صنع صنعهما اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [2/ 279]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3240 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (وإبراهيم بن دينار) البغدادي (قالا: حدثنا حجاج) بن محمد الأعور المصيصي البغدادي (ح وحدثناه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (جميعًا) أي كل من حجاج وعبد الرزاق رويا (عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن يحيى بن عمارة) بن أبي حسن المازني المدني، ثقة، من (6) (أنه سمع) أبا عبد الله دينار بن عبد الله (القراظ) نسبة إلى القرظ الذي يدبغ به، قال ابن أبي حاتم: لأنه كان يبيعه، الخزاعي المدني، ثقة، من (3) ولكنه يرسل (وكان) القراظ (من أصحاب أبي هريرة) أي ممن يلازمه، كلام مدرج من عمرو بن يحيى أي سمع القراظ حالة كون القراظ (يزعم) أي يقول: (أنه سمع أبا هريرة يقول): والزعم بمعنى القول الصحيح لا القول الفاسد.

قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ (يُرِيدُ الْمَدِينَةَ) أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ". قَال ابْنُ حَاتِمٍ، فِي حَدِيثِ ابْنِ يُحَنَّسَ، بَدَلَ قَوْلِهِ بِسُوءٍ: شَرًّا. 3241 - (00) (00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن أَبِي هَارُونَ مُوسَى بْنِ أَبِي عِيسَى. ح وَحَدثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا الدرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ عَمْرٍو، جَمِيعًا سَمِعَا أَبَا عَبْدِ اللهِ الْقَرَّاظَ. سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن يحيى لعبد الله بن عبد الرحمن في الرواية عن القراظ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أهلها بسوء يريد المدينة أذابه الله) تعالى (كما يذوب الملح في الماء، قال) محمد (بن حاتم في حديث) أي في رواية عبد الله بن عبد الرحمن (بن يحنس بدل قوله) أي بدل قول ابن حاتم هنا (بسوء) قال هناك (شرًّا) أي بشر، والذي قال هناك بسوء هو ابن دينار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3241 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي هارون موسى بن أبي عيسى) ميسرة الحناط الغفاري المدني، ثقة، من (6) (ح وحدثنا ابن أبي عمر) أيضًا (حدثنا) عبد العزيز بن محمد بن عبيد (الدراوردي) الجهني مولاهم المدني (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي أبي عبد الله المدني، صدوق له أوهام، من (6) روى عنه في (5) أبواب (جميعًا) أي كل من أبي هارون ومحمد بن عمرو (سمعا أبا عبد الله) دينار بن عبد الله (القراظ) الخزاعي المدني (سمع أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقا (بمثله) أي بمثل ما روى عمرو بن يحيى بن عمارة عن القراظ، غرضه بيان متابعة أبي هارون ومحمد بن عمرو لعمرو بن يحيى بن عمارة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة يحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال:

3242 - (1304) (54) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِم (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ عُمَرَ بْنِ نُبَيهٍ. أَخْبَرَنِي دِينَارٌ الْقَرَّاظُ. قَال: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقاص يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ الله كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ". 3243 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ عُمَرَ بْنِ نُبَيهٍ الْكَعْبِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الْقَراظِ؛ أَنهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنهُ قَال: "بِدَهْمٍ أَوْ بِسُوءٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3242 - (1304) (54) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن عمر بن نبيه) مصغرًا الخزاعي الكعبي المدني، روى عن دينار القراظ أبي عبد الله في الحج، ويروي عنه (م س) وحاتم بن إسماعيل وإسماعيل بن جعفر، له عندهما حديث واحد، قال ابن المديني: شيخ ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مقل، وقال في التقريب: لا بأس به، من السادسة (أخبرني دينار) بن عبد الله أبو عبد الله (القراظ) الخزاعي المدني (قال: سمعت سعد بن أبي وقاص) مالك بن أُهَيب سنان الزهري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أهل المدبنة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء). وهذا الحديث انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [1/ 169]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3243 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل يعني ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن عمر بن نبيه) الخزاعي (الكعبي) المدني (عن أبي عبد الله) دينار بن عبد الله (القراظ) المدني (أنه سمع سعد بن) أبي وقاص (مالك) بن أُهَيب الزهري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن جعفر لحاتم بن إسماعيل (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وساق إسماعيل بن جعفر (بمثله) أي بمثل ما حدث حاتم بن إسماعيل (غير أنه) أي لكن أن إسماعيل بن جعفر (قال) في روايته إذا به الله (بدهم) أي بمصيبة عظيمة (أو) قال الراوي: أذابه الله (بسوء) أي

3244 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بن مُوسَى، حَدَّثَنَا أسَامَةُ بن زَيدٍ، عَن أَبِي عَبْدِ الله القَراظِ. قَال: سَمِعتُهُ يَقُولُ: سَمِعتُ أَبَا هُرَيرَةَ وَسَعْدًا يَقُولانِ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "اللهم بَارِكْ لأَهلِ المدِينَةِ فِي مُدِّهِم" وَسَاقَ الحدِيثَ. وَفِيهِ: "مَن أَرَادَ أَهلَهَا بِسُوءٍ أَذَابَهُ الله كَمَا يَذُوبُ الملحُ فِي الماءِ". 3245 - (1305) (55) حدثنا أبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُروَةَ، عَن أَبِيهِ، عَن عَبدِ الله بنِ الزبَيرِ، عَن سُفيَانَ بْنِ أَبِي زُهَير ـــــــــــــــــــــــــــــ بشر، والشك من عمر ابن نبيه فيما قاله سعد، والدهم بفتح الدال وإسكان الهاء أي بغائلة وأمر عظيم اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة وسعد رضي الله عنهما فقال: 3244 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أسامة بن زيد) الليثي مولاهم المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي عبد الله القراظ) الخزاعي المدني (قال) أسامة: (سمعته) أي سمعت أبا عبد الله القراظ (يقول: سمعت أبا هريرة وسعدًا) ابن أبي وقاص (يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أسامة بن زيد لعبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس وعمر بن نبيه في رواية هذا الحديث عن أبي عبد الله القراظ عن سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة (اللهم بارك لأهل المدينة في مدهم وساق) أسامة بن زيد (الحديث) السابق عن ابن يحنس وعمر بن نبيه (وفيه) أي وفي ذلك الحديث الذي ساقه أسامة (ومن أراد أهلها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه فقال: 3245 - (1305) (55) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير) الشنائي

قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "يُفْتَحُ الشامُ. فَيَخرُجُ مِنَ المدِينَةِ قَوْم بِأهْلِيهِمْ. يَبُسُّونَ وَالمدِينَةُ خَير لَهُم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعجمة ثم نون من أزد شنوءة بفتح المعجمة وبضم النون وبعد الواو همزة، الصحابي المشهور المدني رضي الله عنه، روى عنه عبد الله بن الزبير في الحج، والسائب بن يزيد في البيوع، له خمسة أحاديث اتفقا على حديثين، ويروي عنه (خ م س ق) وابن الزبير والسائب بن يزيد وعروة بن الزبير. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان وفيه رواية صحابي عن صحابي. وقوله: (عن سفيان بن أبي زهير) كذا للأكثر ورواه حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه كذلك، وقال في آخره: ثم لقيت سفيان بن أبي زهير عند موته فأخبرني بهذا الحديث، واسم أبي زهير القَرِد بفتح القاف وكسر الراء بعدها مهملة، وقيل: نمير وهو الشنوئي من أزد شنوءة بفتح المعجمة وضم النون وبعد الواو همزة مفتوحة، وفي النسب كذلك، وقيل بفتح النون بعدها همزة مكسورة بلا واو، وشنوءة هو عبد الله بن كعب بن مالك بن نضر بن الأزد، وسُمي شنوءة لشنآن كان بينه وبين قومه اهـ فتح الملهم (قال) سفيان بن أبي زهير: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُفتح الشام) للمسلمين بالتذكير والتأنيث أي يغلبونها ويأخذونها من أهلها (فيخرج من المدينة قوم) من المسلمين (باهليهم) أي مع أهليهم بقصد التحول إلى الشام، حال كونهم (يبسون) أي يسيرون إلى الشام سيرًا شديدًا ويسرعون إليها إسراعًا بليغًا ليستوطنوها، والجملة صفة لقوم، وأصل البَس سوق الإبل كما في النهاية، وذكر النووي في ضبطه ثلاثة أوجه ضم الباء وكسرها مع فتح الياء على أنه ثلاثي من بابي قتل وضرب، وضم الياء مع كسر الباء على أنه من مزيد الثلاثي من باب أعلم، قال أبو عبيد: والبس سوق الإبل تقول بس بسًا عند السوق وإرادة السرعة؛ ومعناه يسوقون دوابهم، وقال الداودي: معناه يزجرون دوابهم فيبسون ما يطؤونه من الأرض من شدة السير فيصير غبارًا، قال تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)} أي سالت سيلًا (والمدينة) أي والحال أن المدينة (خير لهم) من الشام أي والحال أن الإقامة بالمدينة خير لهم من الإقامة في البلاد التي ينتقلون إليها لأن المدينة حرم الرسول صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي ومنزل البركات الدنيوية والأخروية اهـ مبارق مع زيادة من المرقاة (لو كانوا يعلمون) أي ما في الإقامة فيها من الفوائد؛ من فضل الصلاة في المسجد النبوي وثواب

ثُمَّ يُفْتَحُ الْيَمَنُ. فيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْمٌ بِأهْلِيهِمْ. يَبُسُّونَ. وَالْمَدِينَةُ خَير لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ثُمَّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْم بِأهْلِيهِمْ. يَبُسُّونَ. وَالْمَدِينَةُ خَير لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإقامة فيها وغير ذلك، جوابه محذوف تقديره لما ارتحلوا منها اهـ ابن الملك، ويحتمل أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أي ليتهم يعلمون خيريتها، وعلى كلا الوجهين ففيه تجهيل لمن فارقها وآثر غيرها قالوا: والمراد الخارجون من المدينة رغبة عنها كارهين لها، وأما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث، قال الطيبي: والذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل (يعلمون) منزلة اللازم لينتفي عنهم المعرفة بالكلية، ولو ذهب مع ذلك إلى التمني لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظًا وتشديدًا (ثم يفتح اليمن) بالتذكير والتأنيث (فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) وقال البيضاوي: المعنى أنه يفتح اليمن فيُعجب قومًا بلادها وعيش أهلها فيحملهم ذلك على المهاجرة إليها بأنفسهم وأهليهم حتى يخرجوا من المدينة، والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم لأنها حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية بالعوائد الأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها، قال الطيبي: تنكيرُ قوم ووصفهم بكونهم يبسون ثم توكيده بقوله لو كانوا يعلمون لأنه يشعر بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيميّة والحطام الفاني وأعرضوا عن الإقامة في جوار الرسول ولذلك كرر قومًا ووصفه في كل قرينه بقوله يبسون استحضارًا لتلك الهيئة القبيحة والله أعلم (ثم يفتح العراق) بالتذكير فقط (فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) قوله: (يفتح الشام) إلخ هكذا هو في رواية وكيع هذه البداية بذكر الشام، وفي رواية ابن جريج الآتية بعدها بدأ باليمن ثم ذكر الشام ثم العراق ووافقه على هذا الترتيب مالك عند البخاري ولكن لا بلفظة ثم بل بالواو وهذا هو الأرجح، قال ابن عبد البر وغيره: افتتحت اليمن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وفي أيام أبي بكر وافتتحت الشام بعدها والعراق بعدها، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد وقع على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم على ترتيبه ووقع تفرق

3246 (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاق. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُروَهٌ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزبَيرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيرِ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأتِي قَوْمْ يَبُسُّونَ. فَيَتَحَملُونَ بِأهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ. وَالْمَدِينَةُ خَير لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ثم يُفْتَحُ الشامُ فَيَأتِي قَوْه يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَلُونَ بِأهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ. وَالْمَدِينَةُ خَيرْ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. ثم يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأتِي قَوْم يَبُسونَ. فَيَتَحَملُونَ بِأهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ. وَالْمَدِينَةُ خَير لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء لو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرًا لهم، وفي هذا الحديث فضل المدينة على البلاد المذكورة وهو أمر مجمع عليه، وفيه دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض ولم يختلف العلماء في أن للمدينة فضلًا على غيرها وإنما اختلفوا في الأفضلية بينها وبين مكة اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 220]، والبخاري [1875]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه فقال: 3246 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير) نمير أو قَرِد رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لوكيع (قال) سفيان (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون) من اليمن إلى المدينة (فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم) أي ومن وافقهم في السفر معهم من غير أهليهم، وفي الحديث السابق يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء (والمدينة) أي والحال أن المدينة (خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) والله أعلم.

3247 - (1306) (56) حدثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَن يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ. ح وَحَدثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى (وَاللفظُ لَهُ) أَخبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَن سَعِيدِ بْنِ المسَيبِ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، لِلمَدِينَةِ: "لَيَتْرُكَنهَا أَهلُهَا عَلَى خَيرِ مَا كَانَتْ مُذلَّلَةَ لِلْعَوَافِي" يَعْنِي السبَاعَ وَالطيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3247 - (1306) (56) (حدثني زهير بن حرب حدثنا أبو صفوان) عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان أبو صفوان القرشي الأموي الدمشقي، روى عن يونس بن يزيد في الحج والبيوع وغيرهما وأبيه وثور بن يزيد وابن جريج، ويروي عنه (خ م س ق) وزهير ومحمد بن عباد وأحمد، وثقه ابن معين وابن المديني، وقال أبو زرعة: لا بأس به صدوق، وقال الدارقطني: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات على رأس المائتين (200) (عن يونس بن يزيد) الأيلي (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ له) أي لحرملة (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم البصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (أنه سمع أبا هريرة) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد أيلي واثنان مصريان أو أحدهما دمشقي والآخر نسائي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة) أي في شأن المدينة: والله (ليتركنها) أي ليتركن المدينة (أهلها) أي سكّانها (على خير ما) أي على أحسن حال كانت) عليها حالة كونها (مذللة) أي مستقرًا ومأوى (للعوافي) غير محمية عنها ولا محفوظة منها من تذليل القطف وهو تسهيل اجتنائه وإدناؤه من قاطفه (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالعوافي (السباع والطير) فتكون المدينة وحوشًا أي ذات وحش، والعوافي جمع العافية تأنيث العافي وهو كما في القاموس كل طالب فضل أو رزق يعني من إنسان أو بهيمة أو طائر، وفسر العوافي في الحديث بالسباع والطير، وهو كلام مدرج من الراوي؛ والمعنى أن أهل المدينة يتركونها مخلاة بحال أحسنيتها للوحوش والطير اهـ من بعض الهوامش، قوله: (على خير ما

قَال مُسلِمٌ: أَبُو صَفوَانَ هذَا هُوَ عَبْدُ الله بن عَبدِ المَلِكِ يَتِيمُ ابْنِ جُرَيج عَشرَ سِنِينَ. كَانَ فِي حجرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت عليه) أي على أحسن حال كانت عليه فيما قبل من كثرة ثمارها وتشييد عمائرها وسعة قراها، قال القرطبي تبعًا لعياض: وقد وجد ذلك حيث صارت معدن الخلافة ومقصد الناس وملجأهم وحملت إليها خيرات الأرض وصارت من أعمر البلاد فلما انتقلت الخلافة إلى الشام ثم إلى العراق وتغلبت عليها الأعراب تعاورتها الفتن وخلت من أهلها فقصدتها عوافي الطير والسباع، وقال النووي: والمختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ويؤيده قصة الراعيين، فقد وقع عند مسلم بلفظ: ثم يحشر راعيان، وفي البخاري: إنهما آخر من يحشر، ورجحه الحافظ في الفتح، وقال بعد نقل الروايات وهذا لم يقع قطعًا، وقال المهلب: في هذا الحديث أن المدينة تسكن إلى يوم القيامة وإن خلت في بعض الأوقات لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة، قوله: (العوافي) جمع عافية وهي التي تطلب أقواتها ويقال للذكر عاف، قال ابن الجوزي: اجتمع في العوافي شيئان أحدهما أنها طالبة لأقواتها من قولك عفوت فلانًا أعفوه فأنا عاف والجمع عفاة أي أتيته أطلب معروفه، والثاني من العفاء وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به فإن الطير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه اهـ. (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى وهو من كلام بعض رواته أو من كلامه على سبيل التجريد البياني (أبو صفوان هذا) الذي ذكرناه في السند (هو عبد الله بن عبد الملك يتيم ابن جريج) أي ربيبه (عشر سنين كان في حجره) أي في حجر ابن جريج وتربيته وتعهده وحفظه، وعشر سنين ظرف متعلق بكان، وفي تهذيب التهذيب أبو صفوان هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي الدمشقي أبو صفوان، ذهبت به أمه أم جميل بنت عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية إلى مكة حين قُتل أبوه مع مروان بن محمد، روى عن أبيه وابن جريج ويونس بن يزيد الأيلي وأسامة بن زيد الليثي ومالك وابن أبي ذئب ومجالد وثور بن يزيد وغيرهم، قال ابن معين وعلي بن المديني وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس المستملي: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال علي بن المديني: قال لي أبو صفوان: كان مؤدبي يحيى بن يحيى الغساني، قال علي: وكان أفقه قرشي رأيته، وقال الدارقطني: من

3248 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ الليثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب؛ أَنهُ قَال: أَخبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ، أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيرِ مَا كَانَتْ. لَا يَغْشَاهَا إلَّا الْعَوَافِي (يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطيرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقات. (قلت): حكى بعضهم أنه توفي في حدود المائتين اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3248 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم المصري، ثقة، من (11) (حدلني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (15) (عن جدي) ليث بن سعد الفهمي أبي عبد الرحمن المصري ثقة، من (7) (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم مولى عثمان أبو خالد المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة قال): وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، غرضه بسوقه بيان متابعة عقيل بن خالد ليونس بن يزيد، وفائدتها تقوية السند الأول (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يتركون المدينة) بالمثناة التحتية، وفي بعض روايات البخاري (تتركون) بالفوقية على الخطاب، قال الحافظ ابن حجر: الأكثر على الخطاب؛ والمراد بذلك غير المخاطبين لكنهم من أهل البلد أو من نسل المخاطبين أو من نوعهم أي يتركها سكانها حالة كونها (على خير) أي على أحسن (ما كانت) عليه فيما قبل من العمارة وكثرة الأثمار وحسنها (لا يغشاها) أي لا يسكنها (إلا العوافي) بفتح العين المهملة والواو جمع عافية التي تطلب أقواتها (يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بالعوافي (عوافي السباع والطير) بنصب ياء عوافي، وهو مدرج من كلام الراوي، قال القاضي عياض: هذا جرى في العصر الأول وانقضى وقد تركت المدينة على أحسن ما كانت حين انتقلت الخلافة منها إلى الشام، وقال النووي: المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ويوضحه قصة الراعيين، وقال الأبي: وهذا لم يقع ولو وقع لتواتر بل الظاهر أنه لم يقع بعد ودليل المعجزة يوجب القطع بوقوعه في المستقبل إن صح الحديث، وأن الظاهر أنه بين يدي

ثمَّ يَخْرج رَاعِيَان مِنْ مزَينَةَ. يُرِيدَان الْمَدِينَةَ. يَنْعِقَان بِغَنَمِهِمَا. فَيَجدَانِهَا وَحْشًا. حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنيَّةَ الْوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وجوهِهِمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ نفخة الصعق كما يدل عليه موت الراعيين المذكورين في قوله: (ثم يخرج راعيان مش مزينة) بضم الميم مصغرا قبيلة من مضر؛ أي ثم بعد ترك المدينة سكانها يخرج راعيان من بلدهما حالة كونهما (يريدان) أي يقصدان (المدينة) أي النزول فيها حالة كونهمما (ينعقان) بكسر العين المهملة وبعدها قاف ماضي نعق بفتحها أي يصيحان ويحدوان (بغنمهما) ليسوقاها وذلك عند قرب الساعة وصعقة الموت (فيجدانها) أي يجدان المدينة (وحشًا) أي ذات وحش خالية ليس بها أحد، والوحش من الأرض الخلاء من الأنيس وما لا يستأنس من دواب البر، وجمعه وحوش، وقد يعبر بواحده عن جمعه ويزاد في آخر واحده ياء النسبة كما يعلم بمراجعة كتب اللغة، وفي رواية البخاري (وحوشًا) بالجمع (حتى إذا بلغا) أي الراعيان (ثنبة الوداع) التي كان يشيع إليها ويودع عندها وهي من جهة الشام (خرَّا) بفتح المعجمة وتشديد الراء أي سقطا (على وجوههما) ميتين لإدراك قيام الساعة لهما وذلك قبل دخولهما المدينة بلا شك، وقد روى ابن حبان من طريق عروة عن أبي هريرة رفعه "آخر قرية في الإسلام خرابًا المدينة". وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث سفيان بن أبي زهير ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

523 - (9) باب فضل ما بين القبر والمنبر وفضل جبل أحد وفضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

523 - (9) باب فضل ما بين القبر والمنبر وفضل جبل أحد وفضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة 3249 - (1307) (57) حدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيد، عَن مَالِكِ بنِ أَنَس، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَن عَبْدِ الله بنِ أَبِي بَكر، عَن عَبّادِ بنِ تَمِيم، عَن عَبْدِ الله بنِ زَيدٍ المازِني؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَا بَينَ بَيتِي وَمِنبَرِي رَوضَة مِن رِيَاضِ الجنة ـــــــــــــــــــــــــــــ 523 - (9) باب فضل ما بين القبر والمنبر وفضل جبل أحد وفضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة 3249 - (1307) (57) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أبي محمد المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عباد بن تميم) بن غزية بتشديد الياء الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الله بن زيد) بن عاصم الأنصاري (المازني) أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) ووقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه فعلى هذا المراد بالبيت في قوله بيتي أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره، قوله: (روضة) أي كروضة (من رياض الجنة) في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل فيها من ملازمة حلق الذكر لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم فيكون تشبيها بغير أداة؛ والمعنى إن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا، وهذا فيه نظر إذ لا اختصاص لذلك لتلك البقعة والخبر مسوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها، قال الزرقاني: وجوابه أنها سبب قوي يوصل إليها على وجه أتم من بقية الأسباب أو هي سبب لروضة خاصة أجل من مطلق الدخول والتنعيم فإن أهل الجنة يتفاوتون في منازلها بقدر أعمالهم أو هو على ظاهره وأن المراد أنه روضة حقيقية بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث والله تعالى أعلم بالصواب.

3250 - (00) (00) وحدثنا يَحيَى بن يَحيى. أَخبَرَنَا عَبدُ العَزِيزِ بن مُحَمَّد المدَنيُّ، عَن يَزِيدَ بْنِ الهَادِ، عَن أَبِي بَكرِ، عَن عَبَّادِ بنِ تَمِيم، عَن عَبْدِ الله بنِ زَيدٍ الأَنْصَارِي؛ أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا بَينَ مِنْبَرِي وَبَيتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجنةِ". 3251 - (1308) (58) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بن المُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 40]، والبخاري [1195]، والنسائي [2/ 35]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال: 3250 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي (المدني عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) (عن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي المدني، اسمه وكنيته واحد، ثقة، من (5) (عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد الأنصاري) وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، غرضه بيان متابعة أبي بكر لعبد الله بن أبي بكر (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما بين منبري) بتقديم المنبر في هذه الرواية (وبيتي روضة من رياض الجنة) قال النووي: ذكروا في معناه قولين: أحدهما: أن ذلك الموضع بعينه يُنقل إلى الجنة، والثاني: أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة، قال الطبري: في المراد ببيتي هنا قولان: أحدهما: القبر قاله زيد بن أسلم كما روي مفسرًا بين قبري ومنبري، والثاني: المراد بيت سكناه على ظاهره وروي ما بين حجرتي ومنبري، قال الطبري: والقولان متفقان لأن قبره في حجرته وهي بيته اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن زيد بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3251 - (1308) (58) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا

يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ الله. ح وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا بَينَ بَيتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَة مِنْ رِيَاضِ الْجَنةِ. وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان التميمي أبو سعيد البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن خبيب بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف بفتح التحتانية وتخفيف المهملة الأنصاري أبي الحارث المدني، ثقة، من (4) (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو بصريان أو بصري ونسائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي) أي يُنقل يوم القيامة فينصب على الحوض، وقال الأكثر: المراد منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه، وقيل: المراد المنبر الذي يوضع له يوم القيامة، والأول أظهر، وقيل معناه إن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه الحوض ويقتضي شربه منه والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 376]، والبخاري [1196]. قال القاضي عياض: أجمع المسلمون على أن موضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض كلها اهـ، قال القرطبي: حمل هذا الحديث أكثر العلماء على ظاهره فقال: يكون منبره ذلك بعينه على حوضه، وقيل: إن له على حوضه منبرًا غير ذلك أعظم وأشرف منه، وقيل: معناه إن ملازمة منبر النبي صلى الله عليه وسلم لسماع الذكر والوعظ والتعلم يُفضي بصاحبه إلى الورود على الحوض والأولى: التمسك بالظاهر فقد جاء في الصحيح أن هناك أعني في أرض المحشر أقوامًا على منابر تشريفًا لهم وتعظيمًا كما قال إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة، وإذا كان ذلك في أئمة العدل فأحرى الأنبياء وإن كان ذلك للأنبياء فأحرى وأولى بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيكون منبره بعينه على حوضه ويزاد فيه ويعظم ويرفع وينور على قدر منزلته

3252 - (1309) (59) حدثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِي. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلال، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَباسِ بْنِ سَهْلٍ الساعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيد. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون لأحد في ذلك اليوم منبر أرفع منه إذ ليس في القيامة أفضل منه صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه فقال: 3252 - (1309) (59) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب التميمي الحارثي (القعنبي) أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (6) (عن عباس بن سهل) بن سعد الأنصاري (الساعدي) المدني، روى عن أبي حميد الساعدي في الحج ودلائل النبوة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في البيوع، ويروي عنه (خ م دت ق) وعمرو بن يحيى والعلاء بن عبد الرحمن، وثقه ابن معين والنسائي وابن سعد وقال: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (4) مات سنة بضع عشرة ومائة (119) وقد نيف على السبعين (70) (عن أبي حميد) الأنصاري الساعدي المدني عبد الرحمن بن سعد بن المنذر الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون (قال) أبو حميد: (خرجنا) أي سافرنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك) قال عباس بن سهل: (وساق) أي ذكر أبو حميد (الحديث) في قصة سفرهم (وفيه) أي وفي ذلك الحديث (ثم أقبلنا) أي رجعنا من سفرنا (حتى قدمنا) أي وصلنا (وادي القرى) وهي مدينة قديمة بين المدينة والشام اهـ فتح الملهم، وقيل: هو واد بين المدينة والشام، وقيل: هو بين تيماء وخيبر من أعمال المدينة، سُمي وادي القرى لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة لكنها الآن كلها خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد، فتحها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من خيبر سنة سبع اهـ من معجم البلدان (فقال رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلمَ: "إنِّي مُسْرِعٌ. فَمَن شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِع مَعِي. وَمَنْ شَاءَ فَليَمْكُثْ". فَخَرَجْنَا حَتى أَشْرَقنَا عَلَى المدِينَةِ. فَقَال: "هذِهِ طَابَةُ. وَهذَا أُحُدٌ. وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبنَا وَنُحِبهُ". 3253 - (1310) (60) حدثنا عُبَيدُ الله بن مُعَاذ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا قُرةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِك ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: إني مسرع) وفي لفظ البخاري متعجل أي إلى المدينة (فمن شاء منكم) أن يسرع معي (فليسرع معي) إلى دخول المدينة (ومن شاء) منكم أن يمكث ويتأخر (فليمكث) أي فليتأخر ويتأن، وفيه دلالة على أن الإمام إذا أراد أن يسرع في السير يستحب له أن يخير أتباعه بين المكث والإسراع (فخرجنا) من وادي القرى ومشينا (حتى أشرفنا) واطلعنا (على المدينة، فقال: هذه) المدينة هي (طابة) أي تسمى طابة لطيبها بطيب من فيها (وهذا) الجبل (أحد) أي اسمه أحد لتوحده عن غيره من الجبال بالكبر (وهو جبل) أي هذا الجبل (يحبنا ونحبه) قال المناوي: أي نحن نأنس به وترتاح نفوسنا لرؤيته وهو سد بيننا وبين ما يؤذينا، أو المراد أهله الذين هم أهل المدينة اهـ ويقابله جبل في قبليّ المدينة يسمى عيرًا بفتح العين وهو غير محبوب وقد ورد في حقه البُغض في بعض الأحاديث ففي الجامع الصغير: "أحد هذا جبل يحبنا ونحبه وهو على باب من أبواب الجنة، وهذا عير يبغضنا ونبغضه وإنه على باب من أبواب النار" وفي سنن ابن ماجه "إن أحدًا جبل يحبنا ونحبه وهو على ترعة من ترع الجنة وعير على ترعة من ترع النار" والترعة هي الباب وتطلق على أفواه الجداول، قال السندي: ومعنى الحديث سر ينبغي تفويضه إلى الله تعالى والمقصود بالإفادة أن أحدًا جبل ممدوح وعير بخلافه اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 424]، والبخاري [4422]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي حميد بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 3253 - (1310) (0 6) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا قرة بن خالد) السدوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون

قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبْنَا وَنُحِبهُ". 3254 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ عُبَيدُ الله بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِي. حَدثَنِي حَرَميُّ بْنُ عُمَارَةَ. حَدَّثَنَا قُرةُ، عَن قَتَادَةَ، عَن أَنس، قَال: نَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ إِلَى أُحُدٍ فَقَال: "إِن أُحُدا جَبَلٌ يُحِينَا وَنُحِبْهُ". 3255 - (1311) (61) حدثني عَمرٌو الناقِدُ وَزُهَيرُ بن حَرْبٍ (وَاللفْظُ لِعَمرٍو) قَالا: حَدَّثَنَا سُفيَانُ بن عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِي. عَن سَعِيدِ بنِ الْمُسَيبِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدًا جبل يحبنا) أهله وهم الأنصار (ونحبه) نحن أي نحب نحن معاشر المهاجرين أهله لإيوائهم إيانا وإيثارهم إيانا على أنفسهم، والأكثر أنه على ظاهره فلا يؤول. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي عن نصر بن علي اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3254 - (00) (00) (وحدثنيه عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري (حدثني حرمي بن عمارة) بن أبي حفصة العتكي البصري، صدوق، من (9) (حدثنا قرة) بن خالد (عن قنادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون كسابقه، غرضه بيان متابعة حرمي بن عمارة لمعاذ بن معاذ (قال) أنس: (نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فقال: إن أحدًا جبل يحبنا ونحبه). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3255 - (1311) (61) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور أبو عثمان (الناقد) البغدادي، ثقة، من (10) (وزهير بن حرب) بن شداد (واللفظ) الآتي (لعمرو قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي إما نسائي أو

يَبْلُغُ بِهِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هذَا، أَفْضَلُ مِنْ أَلْف صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بغدادي حالة كون أبي هريرة (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفع بهذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة) واحدة ولو نفلًا (في مسجدي هذا) الذي أُسس على التقوى (أفضل) أي أكثر أجرًا (من ألف صلاة فيما سواه) أي فيما سوى مسجدي من سائر المساجد (إلا المسجد الحرام) قوله: (صلاة) التنكير فيه للوحدة أي صلاة واحدة، قال ابن الملك: وهذا عام للفرض والنفل اهـ وقولهم: إن النكرة في سياق الإثبات لا تعم قاعدة أغلبية، وحديث "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" مخصوص بغير المساجد الثلاثة لأن المساجد الثلاثة إذا كان لها فضل على سائر المساجد فأفضليتها على سائر المواضع من باب أولى، قال القاضي عياض: اختلف في قوله: (صلاة) فقال الطحاوي: هو خاص بصلاة الفرض، قال النووي: وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة والله أعلم، وقال مطرف: هو عام في الفرض والنفل، وقال الأبي: صلاة نكرة في سياق الإثبات فلا تعم، وكان الشيخ ابن عبد السلام يقول: العموم فيها مستفاد من المعنى والسياق اهـ أبي، وقد قدمنا في باب صلاة الشكل أن هذا الخلاف فيما إذا لم يكن له عذر كان يريد الطواف ثم الصلاة أو كان متشوشًا في البيت أو خاف من الغفلة وإلا فلا خلاف في عموم النكرة هنا، قوله: (في مسجدي هذا) أي المسجد النبوي لا مسجد قباء وغيره، قال النووي: ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعده لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده بقوله هذا ووافقه السبكي وغيره على الاختصاص بذلك الموضع، بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة بل صحح النووي أنه يعم جميع الحرم واعترضه ابن تيمية وأطال فيه والمحب الطبري وأوردا آثارًا استدلالًا بها وبأنه سُلم في مسجد مكة أن المضاعفة لا تختص بما كان موجودًا في زمنه صلى الله عليه وسلم وبأن الإشارة في الحديث إنما هي لإخراج غيره من المساجد المنسوبة إليه صلى الله عليه وسلم وبأن الإمام مالكًا سئل عن ذلك فأجاب بعدم الخصوصية وقال: لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده وزُويت له الأرض فعلم بما يحدث بعده ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون أن يستزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر ذلك عليهم، وبما في تاريخ المدينة عن عمر رضي الله عنه أنه

3256 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزهْرِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُول الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "صَلاة في مَسْجِدِي هذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لما فرغ من الزيادة قال: لو انتهى إلى الجبانة وفي رواية إلى ذي الحليفة لكان الكل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو زيد في هذا المسجد ما زيد كان الكل مسجدي" وفي رواية: "لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي" هذا خلاصة ما ذكره ابن حجر في الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم والله أعلم، وقال العيني: ما حاصله أنه إذا اجتمع الاسم والإشارة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: مسجدي هذا هل تُغلّب الإشارة أو الاسم؟ فيه خلاف فمال النووي إلى تغليب الإشارة، وأما مذهبنا فالذي يظهر من قولهم أن الاسم يغلب الإشارة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. قوله: (أفضل من ألف صلاة فيما سواه) أي صلاة واحدة في مسجدي هذا أزيد أجرًا من ألف صلاة في غيره والله أعلم بقدر تلك الزيادة قيل: هذا مع اتحاد المصلي في الموضعين فلا يقال مثلًا إن صلاة زيد الظهر به أفضل من صلاة علي بن أبي طالب الظهر بمسجد الكوفة، قوله: (إلا المسجد الحرام) أي فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة فيما سواه على الإطلاق لأنه قبله المساجد، وفي الإحياء ذكر مضاعفة سائر الأعمال فيه أيضًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2562]، والبخاري [1190]، والترمذي [325]، والنسائي [2/ 35]، وابن ماجه [1404]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3256 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد: أخبرنا، وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر بن راشد لسفيان بن عيينة (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة) واحدة نفلًا أو فرضًا (في مسجدي هذا) الذي أنا بنيته على الخلاف

خَيرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِي غيرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا الْمَسْجدَ الْحَرَامَ". 3257 - (00) (00) حدثني إِسحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عِيسَى بن المنذِرِ الحمصِي. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا الزبَيدِي، عَنِ الزهْرِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحْمَنِ، وَأَبِي عَبْدِ الله الأَغَر مَولَى الْجُهَنِيينَ (وَكَانَ مِن ـــــــــــــــــــــــــــــ السابق (خير) أي أكثر أجرًا (من ألف صلاة) صليت (في غيره من) سائر (المساجد إلا المسجد الحرام) قال ابن بطال: يجوز في هذا الاستثناء أن يكون المراد أنه مساو لمسجد المدينة أو فاضل أو مفضول، والأول أرجح لأنه لو كان فاضلًا أو مفضولًا لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل بخلاف المساواة اهـ، وكأنه لم يقف على دليل الثاني وقد أخرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في مسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا" وفي رواية ابن حبان: "وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة" قال ابن عبد البر: اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3257 - (00) (00) حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11) (حدثنا عيسى بن المنذر) السلمي أبو موسى (الحمصي) روى عن محمد بن حرب في الحج، وبقية بن الوليد في النكاح، وإسماعيل بن عياش، ويروي عنه (م) وإسحاق الكوسج وابنه موسى، وثقه ابن حبان وقال: يغرب، وقال في التقريب: مقبول، من العاشرة (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني الأبرش أبو عبد الله الحمصي، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الزبيدي) مصغرًا محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وأبي عبد الله) سلمان (الأغر مولى الجهنيين) أصله من أصبهان المدني، ثقة، من (3) (وكان) سلمان الأغر (من

أَصْحَابِ أَبِي هُرَيرَةَ) أنهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: صَلاة فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أَفضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلا الْمَسْجِدَ الحرَامَ. فَإِن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ. وإن مَسْجِدَهُ آخِرُ الْمَسَاجِدِ. قَال أَبُو سَلَمةَ وَأَبُو عَبْدِ الله: لَم نَشُك أَن أَبَا هُرَيرَةَ كَانَ يَقُولُ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَمَنَعَنَا ذلِكَ أَنْ نَسْتَثبِتَ أَبَا هُرَيرَةَ عَن ذلِكَ الْحَدِيثِ. حَتَّى إِذَا تُوُفيَ أَبُو هُرَيرَةَ. تَذَاكَرْنَا ذلِكَ. وَتَلاوَمْنَا أَنْ لَا نَكُونَ كَلمْنَا أَبَا هُرَيرَةَ فِي ذلِكَ حَتى يُسْنِدَهُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. إِنْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْهُ. فَبَينَا نَحْنُ عَلَى ذلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب أبي هريرة) أي ممن يلازمه (أنهما سمعا أبا هريرة يقول): وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة شاميون وواحد مروزي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سلمة وأبي عبد الله لسعيد بن المسيب (صلاة) واحدة لأن التنكير فيه للوحدة (في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل) أي أكثر أجرًا (من ألف صلاة فيما سواه من) سائر (المساجد إلا المسجد الحرام) ثم علل فضله على سائر المساجد بقوله: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء) وخاتمهم (وإن مسجده) صلى الله عليه وسلم (آخر المساجد) المنسوبة إلى الأنبياء عليهم السلام، قال القاضي عياض: وهذا ظاهر في تفضيل مسجده صلى إله عليه وسلم لهذه العلة، قال القرطبي: لأن ربط الكلام بهذا التعليل يشير بأن مسجده صلى الله عليه وسلم إنما فُضل على المساجد كلها لأنه متأخر عنها ومنسوب إلى نبي متأخر عن الأنبياء كلهم فتدبره فإنه واضح (قال أبو سلمة وأبو عبد الله: لم نشك) في (أن أبا هريرة كان يقول) ذلك راويًا (عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعنا ذلك) أي عدم الشك في ذلك (أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث) أي عن أن نطلب من أبي هريرة إثبات الرفع في ذلك الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا توفي) ومات (أبو هريرة تذاكرنا ذلك) التقصير (ونلاومنا) أي لام بعضنا بعضًا على (أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك) أي في رفع ذلك الحديث (حتى يسنده) ويرفعه (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان) أبو هريرة (سمعه) أي سمع ذلك الحديث (منه) صلى الله عليه وسلم (فبينا نحن على ذلك) التلاوم

جَالسَنَا عَبْدُ الله بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ. فَذَكَرْنَا ذلِكَ الْحَدِيثَ. وَالذِي فَرَّطْنَا فِيهِ مِنْ نَص أَبِي هُرَيرَةَ عَنْهُ. فَقَال لَنَا عَبْدُ الله بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَشْهَدُ أَني سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "فَإِني آخِرُ الآَنبِيَاءِ، وَإِن مَسْجِدِي آخِرُ الْمَسَاجِدِ". 3258 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جاءنا و (جالسنا) أي جلس معنا (عبد الله بن إبراهيم بن قارظ) فصرنا معه جلساء، قال في الخلاصة الخزرجية: والصواب إبراهيم بن عبد الله بن قارظ اهـ (فذكرنا ذلك الحديث) لعبد الله بن قارظ (و) الشأن (الذي فرطنا) وقصرنا (فيه من) طلب (نص) وتصريح (أبي هريرة) في رواية هذا الحديث (عنه) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى ذكرنا له تقصيرنا في استثبات أبي هريرة لإسناد ما حدثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال لنا عبد الله بن إبراهيم: أشهد) على (أني سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي) هذا (آخر المساجد) المنسوبة إلى الأنبياء كمسجد الحرام المنسوب إلى إبراهيم وإسماعيل، والمسجد الأقصى المنسوب إلى يعقوب وبنيه لأنه أْول من بناه بعد بناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة بأربعين سنة، ثم جدده وزخرفه سليمان بن داود عليهم وعلى نبينا أفضل الصلوات وأزكى التحيات كما في كتب التواريخ، وفي بعض الهوامش قوله: (فإني آخر الأنبياء) الخ ذكره الصغاني في ثاني فصول الباب الثاني من مشارقه برمز مسلم ولا فاء في أوله؛ والمراد بالمساجد التي أخبر صلى الله عليه وسلم بأن مسجده الشريف آخرها هي مساجد الأنبياء المفضلة على غيرها؛ وهي المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجده صلى الله عليه وسلم كما في المبارق، أو أنه يبقى آخر المساجد ويتأخر عن المساجد الأخر في الفناء أي فكما أنه تعالى شرف آخر الأنبياء بما شرف كذلك شرف مسجده الذي هو آخر المساجد بأن جعل الصلاة فيه كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام زاده السندي في حواشيه على سنن النسائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3258 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن أبي عمر جميعًا عن)

الثَّقَفِي. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهابِ قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيد يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا صَالِح: هَلْ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيرَةَ يَذْكُرُ فَضْلَ الصلاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُول الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؟ فَقَال: لَا. وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الله بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يُحَدِّثُ؛ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "صَلاة فِي مَسْجِدِي هذَا خَيرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاة (أَوْ كَألْفِ صَلاة) فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ". 3259 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ الله بْنُ سَعِيد وَمُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (قال ابن المثنى: حدثنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (يقول: سألت أبا صالح) السمان ذكوان الزيات (هل سمعت أبا هريرة يذكر فضل الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأجرها (فقال) أبو صالح (لا) ما سمعت بنفسي (ولكن أخبرني عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه سمع أبا هريرة يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة أو) قال أبو هريرة: (كألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا أن يكون) ذلك السوى (المسجد الحرام) فإن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي، وسند هذا الحديث من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح لمن روى عن أبي هريرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال: 3259 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم النيسابوري، ثقة، من (10) (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (قالوا: حدثنا يحيى) بن سعيد (القطان عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة مثله، غرضه بسوقه بيان متابعة القطان لعبد الوهاب الثقفي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

3260 - (1312) (62) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هذا، أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ". 3261 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 3262 - (00) (00) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 3260 - (1312) (62) (وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (قال: أخبرني نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان أو بصري ونسائي وواحد مكي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه) من المساجد (إلا المسجد الحرام) تقدم بسط ما فيه من الكلام. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3261 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ح وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (كلهم) أي كل من ابن نمير وأبي أسامة وعبد الوهاب رووا (عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر مثله، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليحيى القطان. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3262 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي، ثقة،

أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُوسَى الجُهَنِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. بِمِثلِهِ. 3263 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثلِهِ. 3264 - (1313) (63) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعًا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا لَيثٌ عَنْ نَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (عن موسى) بن عبد الله أو ابن عبد الرحمن (الجهني) أبي سلمة الكوفي، روى عن نافع في الحج، ومصعب بن سعد في الدعاء، وزيد بن وهب والشعبي وأبي بردة بن أبي موسى وعدة، ويروي عنه (م ت س ق) ويحيى بن أبي زائدة وعلي بن مسهر وعبد الله بن نمير ومروان بن معاوية وغيرهم، وثقه ابن معين وأحمد والنسائي والقطان والعجلي، وقال أبو زرعة: صالح، وقال في التقريب: ثقة عابد، من السادسة (6) مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة (عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): الحديث السابق وساق موسى الجهني (بمثله) أي بمثل ما روى عبيد الله عن نافع، غرضه بيان متابعة الجهني لعبيد الله بن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3263 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى عبيد الله عن نافع، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة ثانيًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3264 - (1313) (63) (وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (جميعًا عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (قال قتيبة: حدثنا ليث عن نافع

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى. فَقَالتْ: إِنْ شَفَانِي اللهُ لأخرُجَنَّ فَلأُصَلِّيَنَّ فِي بَيتِ الْمَقْدِسِ. فَبَرَأَتْ. ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ. فَجَاءَتْ مَيمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، تُسَلِّمُ عَلَيهَا. فَأَخْبَرَتْهَا ذلِكَ. فَقَالتْ: اجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ. وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "صَلاةٌ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد) بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني، صدوق، من (3) (عن ابن عباس) والصواب إسقاط ابن عباس لأنه حفظ إبراهيم عن ميمونة، والمتن صحيح بلا خلاف ولعل الروايتين أيضًا صحيحتان اهـ سنوسي، وهذا الحديث مما أُنكِر على مسلم بسبب إسناده، قال الحافظ: ذكر ابن عباس فيه وَهْمٌ صوابه عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها هكذا هو المحفوظ من رواية الليث وابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله عن ميمونة من غير ذكر ابن عباس وكذلك رواه البخاري في صحيحه، قال النووي: ومع هذا فالمتن صحيح بلا خلاف والله أعلم. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون إذا جرينا على الصواب أن الراوي ميمونة واثنان مصريان أو مصري وبلخي (أنه) أي أن ابن عباس والصواب أي أن ميمونة (قال: إن امرأة اشتكت شكوى) أي مرضت مرضًا، ولم أر من ذكر اسم هذه المرأة المريضة (فقالت: إن شفاني الله) وعافاني من هذا المرض (لأخرجن) إلى الشام (فلأصلين في بيت المقدس) صلاة الشكر على شفائي من مرضي (فبرأت) المرأة من ذلك المرض أي شفيت منه (ثم تجهزت) أي تأهبت واستعدت وتزودت للسفر، حالة كونها (تريد الخروج) إلى بيت المقدس للصلاة فيه (فجاءت) تلك المرأة (ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونها (تسلم عليها) أي على ميمونة (فأخبرتها) أي فأخبرت تلك المرأة لميمونة (ذلك) النذر الذي وقع منها وإرادتها الخروج إلى بيت المقدس لوفائه (فقالت) لها ميمونة: (اجلسي) في بيتك ولا تسافري (فكلي ما صنعت) وتزودت جهازًا لسفرك فإن جهاز السفر كما ذُكر في كتب اللغة أهبته وما يحتاج إليه في قطع المسافة (وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلاة فيه) أي في مسجد الرسول صلى الله عليه

أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا مَسْجدَ الْكَعْبَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (أفضل) أي أكثر أجرًا (من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة). قال المازري: ذهب بعض شيوخنا إلى ما ذهبت إليه ميمونة أن المكي والمدني إذا نذر أحدهما الصلاة في مسجد بيت المقدس لا يخرج إليه لأن مسجده أفضل، وأن المقدسي إذا نذر الصلاة في مسجد أحد الحرمين يأتيه لأنهما أفضل من مسجده، وقياس قول مالك على هذه الطريقة أن المدني إذا نذر مسجد مكة لا يأتيه لأن المدينة عنده أفضل، وإن نذر المكي مسجد المدينة أتاه. وقال بعض شيوخنا: الأولى للمدني والمكي أن يأتي كل واحد منهما مسجد الآخر ليخرج من الخلاف الواقع في تفضيل أحدهما على الآخر (قلت): ليس في الحديث نص في قضية المرأة التي اشتكت وإنما أخذت ذلك ميمونة من أنه لا تخرج من الأفضل إلى المفضول وهو مستند اجتهادها، ولكن يعارض اجتهادها حديث "لا تشد المطي إلا لثلاثة مساجد" فظاهره أنها تشد لها ولو من بعضها إلى بعض إلا إن تخصص ذلك بما إذا كان المنتقل إليه أفضل كذا في إكمال المعلم للأبي (قلت): ويؤيد ما ذهبت إليه ميمونة ما في حديث جابر أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: "صل ها هنا" قال الحافظ: واستدل بحديث شد الرحال على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد الثلاثة لزمه ذلك وبه قال مالك والشافعي وأحمد والبويطي واختاره أبو إسحاق المروزي، وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقًا، وقال الشافعي في الأم: يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به بخلاف المسجدين الأخيرين، وهذا هو المنصور لأصحاب الشافعي، وقال ابن المنذر: يجب إلى الحرمين، وأما الأقصى فلا، واستأنس بحديث جابر اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: إنما أمرت ميمونة المرأة بالصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها لو مشت إلى مسجد بيت المقدس فصلت فيه حصل لها أقل مما يحصل لها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وضيعت على نفسها ألف صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مع ما يلحقها من مشقات الأسفار وكثرة النفقات فرفعت عنها الحرج وكثرت لها في الأجر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 333]، والنسائي [2/ 33]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث، الأول: حديث عبد الله بن زيد المازني ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أبي حميد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والسادس: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

524 - (10) باب فضل المساجد الثلاثة وبيان المسجد الذي أسس على التقوى وفضل مسجد قباء

524 - (10) باب فضل المساجد الثلاثة وبيان المسجد الذي أُسس على التقوى وفضل مسجد قباء 3265 - (1314) (64) حدّثني عَمْرو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ 524 - (10) باب فضل المساجد الثلاثة وبيان المسجد الذي أُسس على التقوى وفضل مسجد قباء 3265 - (1314) (64) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (جميعًا عن ابن عيينة قال عمرو: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد) بن المسيب المخزومي المدني (عن أبي هريرة) حالة كونه (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفعه إليه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد إما بغدادي أو نسائي، أنه قال: (لا تشد) بالبناء للمفعول (الرحال) نائب فاعل أي لا ترحل الرواحل والمراكب إلى أيِّ مسجد (إلا إلى) واحد من (ثلاثة مساجد) فإنها ترحل إليها لفضلها على غيرها، قال القاضي عياض: شد الرحال كناية عن السفر البعيد، وقد فسر هذا المعنى بقوله في الحديث الآخر إنما يسافر لثلاثة مساجد فالمعنى لا يسافر لمسجد بعيد للصلاة فيه إلا لأحد الثلاثة، واختصت الثلاثة بذلك لفضلها على غيرها، وجملة الشد خبرية اللفظ إنشائية المعنى فهي في معنى النهي وهو أبلغ في ثبوت الحكم من صريح النهي لأنه يعطي أن الحكم ثبت وتقرر حتى صار يخبر عنه اهـ من الأبي، ولا يقال: إن النهي عن شد الرحال عام مخصوص لجواز شده لطلب العلم والجهاد ولزيارة الصالحين على قول من يقول بجواز شدها لزيارتهم لأن هذه المذكورات لا يتناولها اللفظ حتى يخصص اهـ أبي. والمعنى لا تشدوا إلى غيرها لأن ما سوى الثلاثة متساو في الرتبة غير متفاوت في الفضيلة وكان الترحل إليه ضائعًا وعبثًا اهـ من المرقاة (مسجدي هذا) بدل من الثلاثة بدل تفصيل من مجمل (ومسجد الحرام ومسجد الأقصى) قال الأبي: ليس هذا من باب إضافة الشيء إلى نفسه المتفق على منعها، وإنما هي من إضافة الموصوف إلى صفته المختلف في جوازها

3266 - (00) (00) وحدّثناه أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى ثَلاثَّةِ مَسَاجِدَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجيزها الكوفيون ويمنعها البصريون ويتأولون ما جاء منها على حذف موصوف، فالتقدير مسجد المكان الحرام ومسجد المكان الأقصى كما يقال مسجد المكان الجامع، ومنه قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} أي المكان الغربي ونظائره كثير في كلامهم، قال النووي: وسُمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام. قال القرطبي: ولا شك في أن هذه المساجد الثلاثة إنما خصت بهذا لفضلها على سائر المساجد فمن قال: لله على صلاة في أحدها وهو في غيرها، فعليه إتيانها بعد أو قرب، فإن قال: ماشيًا فلا يلزمه المشي على المشهور إلا في مسجد مكة خاصة، وأما المسجدان الآخران فالمشهور أنه لا يلزم المشي إليهما من نذره ويأتيهما راكبًا، وقال ابن وهب: يأتيهما ماشيًا كما سمَّى وهو القياس لأن المشي إلى مكة إنما يلزم من حيث إنه كان قربة موصلة إلى عبادة تفعل في مسجد له حرمة عظيمة فكذلك يلزم كل مشي قربة بتلك الصفة ولا يلزمه المشي إلى سائر المساجد لأن البعيد منها قد نُهي عن السفر إليها والقريبة منها متساوية الفضيلة فيصلي حيث شاء منها، وقد قال بعض أصحابنا: إن كانت قريبة على أميال يسيرة فيأتيها وإن نذر أن يأتيها ماشيًا أتى ماشيًا لأن المشي إلى الصلاة طاعة ترفع به الدرجات وتحط به الخطايا، وقد ذهب القاضي إسماعيل إلى أن من قال: عليّ المشي إلى المسجد أُصلي فيه فإنه يأتي راكبًا إن شاء ويدخل مكة محرمًا وأحل المساجد الثلاثة محلًا واحدًا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في النذر إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [234]، والبخاري [1189]، وأبو داود [2032]، والنسائي [2/ 37]، وابن ماجه [1409]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3266 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة معمر لسفيان (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته: (تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد) بلا ذكر لا النافية وإلا الاستثنائية.

3267 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ؛ أَن عِمْرَانَ بْنَ أَبِي أَنَسٍ حَدَّثهُ؛ أَن سَلْمَانَ الأَغَرَّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يُخْبِرُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلاثةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءِ". 3268 - (1315) (65) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3267 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (حدثني عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري أبو الفضل المدني، صدوق، من (6) (أن عمران بن أبي أنس) القرشي المصري نزيل الإسكندرية، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (حدّثه أن سلمان الأغر) الجهني مولاهم أصله من أصبهان أبا عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (حدّثه) أي حدّث لعمران (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سلمان الأغر لسعيد بن المسيب (إنما يسافَر إلى ثلاثة مساجد) وكلمة إنما أداة حصر بمعنى ما النافية وإلا المثبتة، والتقدير لا يسافر إلى أي مسجد كان إلا إلى ثلاثة مساجد (مسجد الكعبة) والإضافة فيه للمجاورة وهو بدل بعض من ثلاثة (ومسجدي هذا) يعني المسجد النبوي (ومسجد إيلياء) وهو بيت المقدس، وفي لفظ إيلياء ثلاث لغات أقصحها وأشهرها هذه الواقعة هنا إيلياء بكسر الهمزة واللام بالمد، والثانية كذلك إلا أنه مقصور، والثالثة إلياء بحذف الياء الأولى وبالمد، وفي هذا الحديث فضيلة المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال إليها لأن معناه عند جمهور العلماء لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها، وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: يحرم شد الرحال إلى غيرها وهو غلط اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3268 - (1315) (65) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدٍ الْخَرَّاطِ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: مَرَّ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: قُلْتُ لَهُ: كَيفَ سَمِعْتَ أبَاكَ يَذْكُرُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَال: قَال أَبِي: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَيتِ بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْمَسْجِدَينِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَال: فَأخَذَ كفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ. ثُمَّ قَال: "هُوَ مَسجِدُكُمْ هذَا" (لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان (عن حميد) بن زياد (الخراط) أي صخر المدني، صدوق، من (6) (قال) حميد: (سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (قال) أبو سلمة: (مر بي) أي مر عليّ (عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي أبو محمد المدني، ثقة، من (3) (قال) أبو سلمة: (قلت له): أي لعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري (كيف سمعت أباك) أبا سعيد الخدري، حالة كونه (يذكر) ويحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث الذي ورد (في) بيان فضل (المسجد الذي أُسس) أي وُضع وبُني (على التقوى) من الله والإخلاص له (قال) عبد الرحمن: (قال أبي) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد بغدادي، وفيه التحديث والسماع والقول، ورواية تابعي عن تابعي (دخلت) يومًا (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو (في بيت بعض نسائه) أي أزواجه لم أر من ذكر اسم ذلك البعض (فقلت) له: (يا رسول الله أي المسجدين) أي أي مسجد من المسجدين مسجد المدينه ومسجد قباء هو (الذي أُسس)، وبُني (على التقوى) والإخلاص المذكور في القرآن (قال) أبو سعيد الخدري: (فأخذ) النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة (كفًّا) أي قبضة (من حصباء فضرب به) أي بذلك المأخوذ من الحصى (الأرض، ثم قال: هو) أي المسجد الذي أُسس على التقوى (مسجدكم هذا) القريب منا، قال أبو سعيد يشير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا (لمسجد المدينة) المسجد النبوي، قال عياض: هذا نص في أنه مسجد المدينة، وفيه رد لما يقوله بعض المفسرين إنه مسجد قباء، وضربه الأرض بالحصباء مبالغة في البيان، والحصباء الحصى الصغار، قال الأبي: ولا يقال فيه تأخير البيان لأنه لم يبينه إلا الآن لجواز تقدم البيان،

قَال: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ هكَذَا يَذكُرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما تأخر بالنسبة إلى هذا السائل الخاص وليس التأسيس على التقوى خاصًّا بمسجد المدينة، وإنما سئل عنه من حيث ما المراد به في الآية اهـ لكن الرد على من قال من المفسرين أنه مسجد قباء ليس هينًا لأن في سياق الآية الكريمة مؤيد ذلك فإن المفسرين لم يختلفوا في أن قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} نزل في أهل قباء كما يظهر بالمراجعة لكتبهم، وقال بعضهم: كل من المسجدين مراد في الآية لأن كلًّا منهما أسس على التقوى من أول يوم تأسيسه، والسر في التخصيص الواقع في جواب النبي صلى الله عليه وسلم دفع ما توهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء والتويه بمزية هذا على ذاك اهـ، قال حميد بن زياد الخراط: (قال) أبو سلمة بن عبد الرحمن: (فقلت) لعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري (أشهد أني سمعت أباك) أبا سعيد الخدري (هكذا) أي مثل هذا الذي ذكرته لي (يذكره) للناس ويحدّثه. قال القرطبي: قوله: (هو مسجدكم هذا لمسجد المدينة) يرد قول ابن عباس إذ قال إنه مسجد قباء قال: لأنه أول مسجد بني في الإسلام، وهذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين مسجدين معينين لهما مزية على غيرهما من المساجد بحيث يصلح أن يقال على كل واحد منهما أُسِّسَ على التقوى، وذلك أنه رأى مسجد قباء أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وذلك أنه لما هاجر صلى الله عليه وسلم نزل علي بني عمرو بن عوف في قباء يوم الاثنين فأقام فيهم أيامًا وأسس فيها مسجد قباء ثم إنه ارتحل عنهم يوم الجمعة إلى بني سالم بن عوف فصلى عندهم الجمعة، وهي أول جمعة جُمعت في الإسلام، ثم إنه دخل المدينة فنزل علي بني مالك بن النجار على أبي أيوب فأسس مسجده بالمربد الذي كان للغلامين اليتيمين فاشتراه من الناظر لهم على ما تقدم في كتاب الصلاة، فلما تساوى المسجدان المذكوران في بناء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهما صار كل واحد من المسجدين مؤسسًا على التقوى، فلما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108] أشكل التعيين فسئل عن ذلك فأجاب بأنه مسجد المدينة فإن قيل إذا كان كل واحد منهما أُسس على التقوى فما المزية التي أوجبت تعيين مسجد المدينة (قلت): يمكن أن يقال إن بناء مسجد قباء لم يكن بأمر جزم من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بل ندب إليه أوكان رأيًا رآه بخلاف مسجد المدينة فإنه أمر بذلك وجُزم عليه فأشبه امتثال الواجب فكان

3269 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشعَثِيُّ (قَال سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك الاسم أحق أو حصل له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم من الأحوال القلبية عند بنائه ما لم يحصل لهم عند غيره فكان أحق بذلك والله أعلم اهـ مفهم. ويلزم من تعيين النبي صلى الله عليه وسلم مسجده لأن يكون المراد بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} أن يكون الضمير في {فِيهِ رِجَالٌ} عائدًا على المسجد الذي أُسس على التقوى لأنه لم يتقدمه ظاهر غيره يعود إليه الضمير وليس الأمر كذلك بدليل ما رواه أبو داود من طريق صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت هذه الآية: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] في أهل قباء لأنهم كانوا يستنجون بالماء فعلى هذا يكون الضمير في {فِيهِ رِجَالٌ} غير عائد على المسجد المذكور قبله بل على مسجد قباء الذي دلت عليه الحال والمشاهدة عندهم، وأما عندنا فلولا هذا الحديث لحملناه على الأول وعلى هذا يتعين على القارئ أن يقف على {فِيهِ} من قوله: {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} ويبتدئ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} ليحصل به التنبيه على ما ذكرناه والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 8]، والترمذي [3099]، والنسائي [2/ 36] اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3269 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) (قال سعيد: أخبرنا، وقال أبو بكر: حدثنا حاتم بن إسماعيل) العبدري مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوف، من (8) (عن حميد) الطويل أبي عبيدة البصري، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حميد الطويل لحميد الخراط وساق حميد الطويل (بمثله) أي بمثل ما حدّث حميد الخراط (و) لكن (لم يذكر) حميد الطويل

عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ فِي الإِسْنَادِ. 3270 - (1316) (66) حدَّثنا أَبُو جَعْفَرِ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُبَاءَ، رَاكِبًا وَمَاشِيًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عبد الرحمن بن أبي سعيد) الخدري (في الإسناد) أي في إسناده بل روى عن أبي سلمة عن أبي سعيد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3270 - (1316) (66) (حدثنا أبو جعفر أحمد بن منيع) بن عبد الرحمن الأصم البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مكي وواحد مدني وواحد بغدادي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) دائمًا (يزور قباء) أي يأتي مسجده (راكبًا) في بعض الأحيان (وماشيًا) في أخرى، وقباء بضم القاف يمد ويقصر ويذكر ويؤنث ويصرف ويمنع، موضع قرب المدينة من عواليها، وهو محل بني عمرو بن عوف من الأنصار، نزل به صلى الله عليه وسلم أول ما هاجر وصلى فيه ثلاث ليال بمحل المسجد، ثم وضع أساسه بيده الشريفة، وأتم بناءه بنو عمرو بن عوف، وللطبراني برجال ثقات عن الشموس بنت النعمان قالت: نظرت إليه صلى الله عليه وسلم حين قدم ونزل وأسس مسجد قباء فرأيته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى يهصره أي يميله، وأنظر إلى التراب على بطنه وسرته فيأتي الرجل فيقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أكفيك؟ ! فيقول: "لا، خذ مثله" حتى أسسه اهـ فتح الملهم، وقوله: (يزور قباء) والمراد زيارة مسجده والصلاة فيه كما في الرواية التالية، وقباء موضع بقرب المدينة المنورة من جهة الجنوب على نحو ميلين اهـ من بعض الهوامش، وقوله: (راكبًا وماشيًا) أي تارة راكبًا وتارة ماشيًا بحسب ما تيسر له، والواو بمعنى أو. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 58]، والبخاري [7236]، والنسائي [2/ 37]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3271 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. فَيُصَلِّي فِيهِ رَكعَتَينِ. قَال أَبُو بَكرٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَال ابْنُ نُمَيرٍ: فَيُصَلِّي فِيهِ رَكعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3271 - ) (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لأيوب (قال) ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين، قال أبو بكر في روايته: قال ابن نمير): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا (فيصلي فيه ركعتين) بزيادة الصلاة، وأما أبو أسامة فلم يذكر الصلاة كرواية أحمد بن منيع، وعبارة فتح الملهم: قوله: (قال ابن نمير) الخ أي، وقال أبو بكر بن أبي شيبة في سنده: حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله فذكره بالزيادة أي بزيادة الصلاة، ثم قال: قال ابن نمير: فيصلي فيه ركعتين إشارة إلى أنه لم يسمع هذه الزيادة من أبي أسامة، وادعى الطحاوي أنها (أي أن زيادة الصلاة) مدرجة، وأن أحد الرواة قاله من عنده لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن لا يجلس حتى يصلي اهـ، قال ابن عبد البر: اختلف في سبب إتيانه قباء، فقيل لؤيارة الأنصار، وقيل للتفرج في بساتينه، وقيل للصلاة في مسجده وهو الأشبه، قال: ولا يعارضه حديث "لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد" لأن معناه عند العلماء النذر فإذا نذر أحد الثلاثة لزمه، أما إتيان مسجد قباء أو غيره تطوعًا بلا نذر فيجوز، وقال الباجي: ليس إتيان مسجد قباء من المدينة من إعمال المطي لأنه من صفات الأسفار البعيدة ولا يقال لمن خرج من داره إلى المسجد راكبًا إنه أعمل المطي ولا خلاف في جواز ركوبه إلى مسجد قريب منه في جمعة أو غيرها، ولو أتى أحد إلى قباء من بلد بعيد لارتكب النهي اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3272 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأتِي قُباءٌ، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. 3273 - (00) (00) وحدّثني أَبُو مَعْني الرَّقَاشِيُّ زَيدُ بْنُ يَزِيدَ الثَّقَفِيُّ (بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ). حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى الْقَطَّانِ. 3274 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3272 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان البصري (حدثنا عبيد الله) بن عمر العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبًا وماشيًا) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لعبد الله بن نمير وأبي أسامة، قال الأبي: قال الشيخ: الأفضل في مثل هذا المشي، وركوبه صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه لتعذر المشي عليه اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3273 - (00) (00) (وحدثني أبو معن الرقاشي زيد بن يزيد الثقفي بصري ثقة) من (11) قال: (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (عن) محمد (بن عجلان) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني، صدوق، من (5) (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق خالد بن الحارث (بمثل حديث يحيى القطان) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث ليحيى القطان في رواية هذا الحديث عن نافع ولكنها متابعة ناقصة لمخالفة شيخيهما. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال: 3274 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت

عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. 3275 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأتِي قُبَاءَ، رَاكِبًا وَمَاشِيًا. 3276 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارِ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ. وَكَانَ يَقُولُ: رَأَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك) بن أنس (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني، ثقة، من (4) (عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء) الفصيح المشهور فيه المد والتذكير والصرف؛ وهو قريب من المدينة من حواليها كما مر أي يأتي مسجده (راكبًا وماشيًا) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3275 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (أخبرني عبد الله بن دينار) العدوي (أنه سمع عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبًا وماشيًا) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن جعفر لمالك بن أنس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3276 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يأتي قباء كل سبت) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمن روى عن عبد الله بن دينار (وكان يقول): إذا سئل عن سبب إتيانه (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت) فأنا أحب اتباعه صلى الله عليه وسلم خصه

3277 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي قُبَاءً، يَعْنِي كُلَّ سَبْتٍ، كَانَ يَأتِيهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا. قال ابْنُ دِينَارٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأجل مواصلته لأهل قباء وتفقده لحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه صلى الله عليه وسلم في مسجده بالمدينة قاله الحافظ وغيره، وقال الزين العراقي: ومن حكمته أنه كان يوم السبت يتفرغ لنفسه ويشتغل بقية الجمعة أي الأسبوع من أول الأحد بمصالح الأمة، ومن حكمته أيضًا إرغام اليهود وإظهار مخالفتهم في ملازمة بيوتهم، قال الحافظ: وفي حديث الباب فضل قباء ومسجدها، وفضل الصلاة فيه لكن لم يثبت في ذلك مضاعفة الصلاة بخلاف المساجد الثلاثة، وروى عمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص قال: لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إليّ من أن آتي بيت المقدس مرتين لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل. وعند الترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري يرفعه "صلاة في مسجد قباء كعمرة" أي في الفضل، قال الترمذي: حسن غريب، وقال العراقي: رواته كلهم ثقات، وقال المنذري: لا نعرف لأسيد حديثًا صحيحًا غير هذا، وبذلك جزم الترمذي، ورواه أحمد وابن ماجه من حديث سهل بن حنيف مرفوعًا بلفظ "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة" وصححه الحاكم. قال العبد الفقير: ولعل فيه إيماء إلى أن تفاوت ما بين حضور المسجد النبوي وحضور مسجد قباء كالتفاوت بين الحج والعمرة في الأجر اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه سابعًا فقال: 3277 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي عمر لزهير بن حرب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء يعني) ابن عمر بقوله كان يأتي قباء أنه يأتيه (كل سبت كان) النبي صلى الله عليه وسلم (يأتيه راكبًا) يومًا (وماشيًا) في آخر (قال ابن دبنار) بالسند السابق (وكان ابن عمر يفعله) أي يفعل الإتيان بقباء كل سبت اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

3278 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذكُرْ كُلَّ سَبْتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثامنًا فقال: 3278 - (00) (00) (وحدثنيه عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا وكيع) بن الجراح الأموي المكي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن) عبد الله (بن دينار بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (و) لكن (لم يذكر) سفيان الثوري لفظة (كل سبت) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة. (تتمة): قال القرطبي: وفي إتيانه صلى الله عليه وسلم قباء كل سبت دليل على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك، وأصل مذهب مالك كراهة تخصيص شيء من الأوقات بشيء من القرب إلا ما ورد فيه نص، وقباء بينها وبين المدينة نحو الثلاثة أميال فليست مما تشد الرحال إليها فلا يتناولها الحديث المتقدم، وكونه صلى الله عليه وسلم يأتيها راكبًا وماشيًا إنما كان ذلك بحسب ما اتفق له، وكان تعاهده لقباء لفضيلة مسجدها ولتفقد أهلها اعتناء بهم وتشريفًا لهم، وليس في تعاهده صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ما يدل على إلحاق مسجدها بالمساجد الثلاثة كما ذهب إليه محمد بن مسلمة كما قدمنا. و (قباء) ملحق ببعاث لأنه من قبوت أو قبيت فليست همزته للتأنيث بل للإلحاق فلذلك صرف والله تعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، ومنه المرتجى في إكمال الآراب في تأليف الكتاب، إلى هنا تم كتاب الحج والعمرة ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطإ والزلة في شرح السنة وحديث نبي الرحمة، وسيد الأمة نبينا وحبيبنا ومنبعنا ومشربنا وحياتنا ونورنا وشفيعنا في عرصات القيامة. اللهم يا حي يا قيوم صل وسلم أفضل الصلاة وأزكى السلام على سيدنا ومولانا محمد من أرسلته رحمة للأنام وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته السادات الكرام صلاة تحل به العقد وتفك به الكرب وتبلغ بها العبد غاية ما طلب، صلاة أرقى بها مراقي الإخلاص وأنال بها غاية الاختصاص، صلاتك التي صليت عليه دائمة بدوامك باقية ببقائك عدد ما أحاط به علمك وجرى به قلمك. في تاريخ 23/ 5 / 1424 من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية آمين آمين وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين * * *

كتاب النكاح

بِسم اللهِ الرَّحمِن الرّحِيمِ 16 - كتاب النكاح ـــــــــــــــــــــــــــــ 16 - كتاب النكاح والنكاح لغة: يطلق على الضم يقال تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض لما فيه من انضمام أحد الزوجين إلى الآخر في الاستمتاع، وعلى العقد كما في قولهم: فلان نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا عقد عليها، وعلى الوطء كما في قولهم: نكح امرأته أو جاريته أرادوا وطئها. وشرعًا: عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمته. وأركانه خمسة زوج، وزوجة، وولي، وشاهدان، وصيغة. والنكاح من الشرائع القديمة المستمرة فإنه شرع من لدن أبينا آدم - عليه السلام - واستمر حتى في الجنة فإنه يجوز للإنسان النكاح في الجنة وهو من خاصية الإنسان وفائدته في الدنيا حفظ النسل وتفريغ ما يضر حبسه من المني واستيفاء اللذة والتمتع وهذه هي التي تبقى في الجنة اهـ بيجوري. ونقل الثعالبي عن بعضهم أنه قال: النكاح فرح شهر، وغم دهر، وغرم مهر، ودق ظهر. وفائدته حفظ النسل وتفريغ ما يضر حبسه واستيفاء اللذة والتمتع وهذه هي التي في الجنة اهـ شرح م ر. (فائدة): ذكر ابن عبد السلام أنه كان في شريعة موسى - عليه السلام - جواز النساء من غير حصر تغليبًا لمصلحة الرجال، وفي شريعة عيسى - عليه السلام - أنه لا يجوز غير واحدة تغليبًا لمصلحة النساء وراعت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مصلحة النوعين، والحكمة في أن موسى - عليه السلام - غلب مصلحة الرجال أن فرعون كان يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم فناسب أن يغلب في شريعته مصلحة الرجال لقلتهم وكثرة النساء، والحكمة في أن عيسى - عليه السلام - غلب مصلحة النساء أنه خُلق من أمه بلا أب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فناسب أن يغلب في شريعته مصلحة النساء لكونها نوع أصله الذي هو أمه، والحكمة في تخصيص الأربع في هذه الشريعة المحمدية أن الشخص له طبائع أربع وأن المقصود من النكاح الألفة والمؤانسة وذلك يفوت بالزيادة على الأربع دون الاقتصار على الأربع لأنه إذا دار عليهن بالقسم فإنه يغيب عن كل واحدة منهن ثلاث ليال وهي مدة قريبة مغتفرة شرعًا في كثير من الأبواب اهـ من البيجوري على الغزي. * * *

525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة 3279 - (1317) (67) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ (وَاللًّفْظُ لِيَحْيَى). أَخبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبرَّاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ بِمِنًى. فَلَقِيَهُ عُثمَانُ. فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ. فَقَال لَهُ عُثمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة 3279 - (1317) (67) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة و) أبو كريب (محمد بن العلاء الهمداني) الكوفي (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (واللفظ) الآتي (ليحيى أخبرنا أبو معاوية) وفي بعض النسخ: (واللفظ ليحيى قال): أي يحيى أخبرنا أبو معاوية (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي وهو من أصحاب ابن مسعود، قال الحافظ: وهذا الإسناد مما ذكر أنه أصح الأسانيد، وهو رواية الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود (قال) علقمة: (كنت أمشي مع عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (بمنى) في أيام الموسم، قال الحافظ: كذا وتع لفظ (بمنى) في أكثر الروايات، وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش عند ابن حبان (بالمدينة) وهي شاذة، والصواب ما هنا بلفظ بمنى. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى (فلقيه) أي لقي ورأى (عثمان) بن عفان عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما (فقام) عثمان بن عفان (معه) أي مع عبد الله بن مسعود حال كون عثمان (يحدّثه) أي يحدّث مع عبد الله (فقال له): أي لعبد الله (عثمان) في تحدّثه معه (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن مسعود (ألا) بالتخفيف حرف عرض؛ وهو الطلب برفق ولين، أو حرف تحضيض بمعنى هلا بالتشديد وهو الطلب بحث وإزعاج كما هو مقرر في علم النحو أي هلا (نزوجك) لعل عثمان رأى به قشفًا ورثاثة هيئة فحمل ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه قاله الحافظ: (جارية) أي بنتًا (شابة) يؤخذ منه أن

لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ. قَال: فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشبَابِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ معاشرة الزوجة الشابة تزيد في القوة والنشاط بخلاف عكسها فبالعكس كذا في الفتح، قال النووي: فيه استحباب نكاح الشابة لأنها المحصلة لمقاصد النكاح فإنها ألذ استمتاعًا وأطيب نكهة وأرغب في الاستمتاع الذي هو مقصود النكاح وأحسن عشرة وأفكه محادثة وأجمل منظرًا وألين ملمسًا وأقرب إلى أن يعوِّدها زوجها الأخلاق التي يرتضيها اهـ (لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك) قال النووي: أي تذكر بها ما مضى من قوة شبابك فإن ذلك ينعش البدن، ويحتمل كون لعل على بابها ومعناها الأصلي من الترجي، ويحتمل كونها للتعليل، وأُخبرت عن بعض شيوخنا أنه قال: كنت أظن أني عجزت عن النساء فلما تزوجت الصغيرة وجدت في نفسي من النشاط ما كنت أعهده في الصغر، قال القرطبي: إنما قال له ذلك لأنه كان قد قلّت رغبته في النساء إما لاشتغاله بالعبادة أو للسن أو لهما (قلت): فعلى أنه للسن ففيه جواز نكاح ذي السن البكر، ويأتي الكلام على ذلك في حديث جابر إن شاء الله تعالى كذا في شرح الأبي رحمه الله تعالى (قال) علقمة بن قيس: (فقال عبد الله) بن مسعود لعثمان رضي الله تعالى عنهما (لئن قلت ذاك) أي تزويجكم إياي (لقد) حضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حين (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب) اجتمع في الكلام القسم والشرط فيكون الجواب للمقدم منهما وهو القسم هنا، ويقدر الجواب للشرط واللام الثانية مؤكدة للأولى، والتقدير والله لئن حضضتني على ذلك التزوج فقد حضنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "يا معشر الشباب .. " الخ إن قلت ذلك فقد طابق كلامك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحينئذٍ فجوابه مطابق لما أرشد إليه عثمان، وكان الشيخ ابن عرفة يقول: إنما هو رد عليه، والمعنى أنه يحض على ذلك من هو في سن الشبيبة لا مَنْ في سِنِّ الشيخوخة، وقال الحافظ أجابه بالحديث فاحتمل أن يكون لا أرب له فيه فلا يوافقه واحتَمل أن يكون وافقه وإن لم ينقل ذلك اهـ. المعشر هم الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر، والشباب جمع شاب ولم يُجمع فاعل على فعال غيره ويجمع أيضًا على شيبة وشبان بضم أوله وتشديد الموحدة كفارس وفرسان وأصله الحركة والنشاط، وقال النووي: والشاب عند أصحابنا هو من بلغ ولم يجاوز الثلاثين سنة، وقال القرطبي: يقال له: حدث إلى ست عشرة ثم شاب إلى اثنين

مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. فإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلاثين ثم كهل وكذا ذكره الزمخشري، وقال ابن شاس المالكي في الجواهر: إلى أربعين، وإنما خص الشباب بالخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ وإن كان المعنى معتبرًا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا (من استطاع منكم الباءة) أي من قدر منكم الباءة أي مؤن النكاح أي من وجد منكم ما يتزوج به من مهر ونفقة يوم وليلة، وكذا كسوة إذ الخطاب للقادرين على الفعل وإلا لم يستقم قوله: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، وفي الباءة أربع لغات الفصيحة المشهورة منها (الباءة) بالمد والهاء، والثانية (الباة) بلا مد، والثالثة (الباء) بالمد بلا هاء، والرابعة (الباهة) بهاءين بلا مد، قال الخطابي: المراد بالباءة النكاح، وأصله الموضع الذي يتبوؤه ويأوي إليه، وقال المازري: اشتق العقد على المرأة من أصل الباءة لأن من شأن من يتزوج المرأة أن يبوأها منزلًا، وقال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، تقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح (فليتزوج) ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها غالبًا، والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها تقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته (فإنه) أي فإن التزوج (أغض للبصر) أي أشد غضًا لها أي أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية من غض طرفه إذا خفضه وكفه (وأحصن للفرج) أي أشد إحصانًا له ومنعًا من الوقوع في الفاحشة أي أحفظ لوقوع الفرج في الحرام، وما ألطف ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث ابن مسعود هذا بيسير حديث جابر رفعه "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما وقع في نفسه" فإن فيه إشارة إلى المراد من حديث الباب، وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون أفعل على بابها فإن التقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج، وفي معارضتها الشهوية الداعية وبعد حصول التزوج يضعف هذا العارض فيكون أغض وأحصن مما لم يكن لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي، ويحتمل أن يكون أفعل فيه لغير المبالغة بل إخبار عن الواقع فقط، وفيه الحث على كض البصر وتحصين الفرج بكل

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ. فَإنَّهُ لَهُ وجَاءٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ممكن وعدم التكليف بغير المستطاع، ويؤخذ منه أن حظوظ النفس والشهوات لا تتقدم على أحكام الشرع بل هي دائرة معها كذا في الفتح (ومن لم يستطع) الباءة أي ومن لم يجد ما يتزوج به من مؤن النكاح (فعليه بالصوم) أي فليلزم الصوم، قال عياض: ليس فيه إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله من استطاع منكم فالهاء في قوله فعليه ليست لغائب وإنما هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه ونظير هذا قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ} ومثله لو قلت للاثنين من قام منكما فله درهم، فالهاء للمبهم من المخاطبين لا لغائب اهـ ملخصًا، وقد استحسنه القرطبي، قال الدهلوي: واعلم أن المني إذا كثر تولده في البدن صعد بخاره إلى الدماغ فحبب إليه النظر إلى المرأة الجميلة وشغف قلبه حبها ونزل قسط منه إلى الفرج فحصل الشبق واشتدت الغلمة وأكثر ما يكون ذلك في وقت الشباب وهذا يعني التزوج حجاب عظيم من حجب الطبيعة يمنعه من الإمعان في الاستحسان الذي يهيجه إلى الزنا ويفسد عليه الأخلاق ويوقعه في مهالك عظيمة من فساد ذات البين فوجب عليه إرخاء هذا الحجاب، فمن استطاع الجماع وقدر عليه بان تيسرت له مثلًا امرأة على ما تأمر به الحكمة وقدر على نفقتها فلا أحسن له من أن يتزوج فإن التزوج أغض للبصر وأحصن للفرج من حيث إنه سبب لكثرة إفراغ المني ومن لم يستطع ذلك فعليه بالصوم فإن سرد الصوم له خاصية في كسر سورة الطبيعة وكبحها عن غلائها لما فيه من تقليل مادتها فيتغير به كل خلق فاسد نشأ من كثرة الأخلاط اهـ (فإنه) أي فإن الصوم (له) أي للعاجز عن الباءة (وجاء) بوزن كتاب أي خصاء لما فيه من الجوع وتقليل الأكل مما يزيد في الشهوة وطغيان الماء أي كالوجاء له ففي الكلام تشبيه بليغ، والوجاء مصدر وجا يوجأ من باب نفع؛ وهو رض عروق البيضتين حتى تنفضخا من غير إخراج، ويقال كبش موجوء إذا رضت عروق البيضتين كما في المصباح، قال أبو عبيد: الوجاء بكسر الواو رض الأُنثيين؛ والمعنى أن الصوم يقطع شهوة النكاح كما يقطعها الوجاء يقال وجئ الفحل وجاء إذا رضت خصيتاه، وقال غيره: الوجاء أن توجا العروق والخصيتان قائمتان على حالهما، والخصاء شق الخصيتين واستئصالهما أي إلقاؤهما، والجب أن تحمي الشفرة ثم يستأصل بها الخصيتان، قال الخطابي: وفي الحديث جواز معالجة الشهوة بالأدوية، ودليل على أن مقصود النكاح الوطء، قال ابن بزيزة: فيما قاله نظر فإن

3280 - (00) (00) حدَّثنا عُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبرَاهِيمَ، عَنْ عَلقَمَةَ، قَال: إِنِّي لأَمشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ بِمِنًى. إِذْ لَقِيَهُ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ. فَقَال: هَلُمَّ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَال: فَاستَخْلاهُ. فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللهِ أَنْ لَيسَت لَهُ حَاجَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ لقائل أن يقول: قطعه بالصوم فيه قطع عبادة بعبادة بخلاف قطعه بالعلاجات الطبية اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في روابة هذا الحديث أحمد [1/ 432]، والبخاري [5066]، وأبو داود [2046]، والترمذي [1081]، والنسائي [41/ 169]، وابن ماجه [1845]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 3280 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال) علقمة: (إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى إذ لقيه عثمان بن عفان) وإذ فجائية واقعة في جواب بينما المقدرة تقديره بينما أوقات مشيي مع عبد الله بن مسعود في منى فاجأه لقاء عثمان بن عفان. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لأبي معاوية، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون واجتماع ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض (فقال) عثمان بن عفان لعبد الله بن مسعود: (هلم) أي أقبل إليّ (يا أبا عبد الرحمن قال) علقمة: (فاستخلاه) عثمان أي فخلا عثمان بعبد الله، فيه دليل على استحباب الإسرار بمثل هذا فإنه مما يستحيى من ذكره بين الناس قاله النووي، وفي صحيح البخاري فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخليا، وفي رواية الأصيلي: فخَلَوَا، قال ابن التين: وهو الصواب لأنه ناقص واوي يعني من الخلوة مثل دعوا قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ} قال علقمة: (فلما رأى) وعرف (عبد الله) بن مسعود (أن) مخففة من الثقيلة؛ أي أنه (ليست له) أي لعثمان إليه (حاجة) إلا هذا الترغيب في النكاح زاد في البخاري (إلى هذا) قال العيني: فلما رأى عبد الله برفع عبد الله أن ليس له أي لعثمان حاجة إلا هذا أي الترغيب، ويروى بنصب عبد الله أي فلما رأى عثمان عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أي الزواج، ومن هنا جاءت كلمة إلا

قَال: قَال لِي: تَعَال يَا عَلقَمَةُ. قَال: فَجِئْتُ. فَقَال لَهُ عُثمَانُ: أَلا نُزَوِّجُكَ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! جَارِيَةً بِكرًا. لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَيكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ التي هي أداة الاستثناء وكلمة إلى التي هي حرف جر فالمعنى على الوجه الأول على كلمة إلا وفي الوجه الثاني على كلمة إلى (قلت) وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عند ابن حبان ما يشرح هذا الكلام حيث قال: (فلقي عثمان فأخذ بيده فقاما وتنحيت عنهما، فلما رأى عبد الله أنه ليست له حاجة يسرها قال: ادن علقمة، فانتهيت إليه، وهو يقول: ألا نزوجك) فالظاهر أن عبد الله فاعل رأى، والضمير في ليست له عائد على عثمان يعني لما رأى عبد الله بن مسعود أن ليست لعثمان حاجة إلا الترغيب في النكاح وهو ليس مما يحتاج إلى الإسرار والتخلية قال: ادن يا علقمة فكان هذا القول وقع في مقابلة قول عثمان حين استخلاه: إن لي إليك حاجة والله أعلم اهـ من فتح الملهم (قال) علقمة: (قال لي) عبد الله: (تعال) هلم إليّ (يا علقمة قال) علقمة: (فجئت) إلى عبد الله (فقال له) أي لعبد الله (عثمان ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن جارية) أي بنتًا (بكرًا) هكذا هو في رواية زيد المذكورة آنفًا أن مراجعة عثمان لابن مسعود في أمر التزويج كانت بعد استدعائه لعلقمة، ووقع في رواية البخاري: فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك، لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب .. " الحديث، وهذا يشعر بأن مراجعة عثمان كانت قبل استدعائه لعلقمة، قال الحافظ: ويحتمل في الجمع بين الروايتين أن يكون عثمان أعاد على ابن مسعود ما كان قال له بعد أن استدعى علقمة لكونه فهم منه إرادة إعلام علقمة بما كانا فيه اهـ (قلت): ظاهر سياق البخاري لا يساعد هذا الجمع إلا بالتكلف والله أعلم اهـ فتح الملهم، قوله: (بكرًا) بدل من جارية في الرواية الأولى، والبكر الذي لم يتزوج من الرجال والنساء يقال رجل بكر، وامرأة بكر بكسر الباء، والبكر بالكسر أيضًا أول الأول كما قال الشاعر: يا بِكْرَ بِكْرَينِ ويا خِلْبَ الكَبِد ... أصبَحْتَ مِنِّي كَذِرَاعٍ مِنْ عَضُد وفي مقابلة البكر الأيم، والجارية هنا المعصر وما قارب ذلك، والمعصر هي التي بلغت عصر شبابها وأدركت كما في اللسان اهـ مفهم (لعله) أي لعل الشأن والحال (يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد) وفي رواية لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك أي تعرفه من نفسك من النشاط والرغبة في النساء، وكان عبد الله قد قلَّت رغبته في

فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قلْتَ ذَاكَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. 3281 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ. فَإِنَّهُ لَهُ وجَاءٌ". 3282 - (00) (00) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعمَشِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النساء إما للاشتغال بالعبادة، واما لكبر السن، وإما لمجموعهما فحركه عثمان بذلك (فقال عبد الله: لئن قلت ذاك فذكر) جرير (بمثل حديث أبي معاوية) السابق آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 3281 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب (قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من كبار (3) (عن عبد الله) بن مسعود. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من الأتباع، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يزيد لعمه علقمة بن قيس (قال) عبد الله: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم) أي من وجد منكم (الباءة) أي مؤن النكاح (فليتزوج) حمل الجمهور الأمر فيه على الندب لأن التزوج أمر مندوب إليه مرغب فيه، وحمله داود ومن وافقه على الوجوب لأنه الظاهر من الأمر والواجب عندهم العقد لا الدخول فإنه إنما يجب عندهم مرة في العمر (فإنه) أي فإن التزوج (أغض للبصر) أي أخفض وأدفع لعين المتزوج عن الأجنبية (وأحصن للفرج) أي أحفظ له من الوقوع في الحرام (ومن لم يستطع) أي مؤن الباءة (فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي خصاء أي كالوجاء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 3282 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن

عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي عَلْقَمَةُ وَالأسوَدُ، عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودِ. قَال: وَأَنَا شَابٌّ يَؤمَئِذٍ. فَذَكَرَ حَدِيثا رُئيتُ أَنهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. وَزَادَ. قَال: فَلَمْ أَلْبَثْ حَتَّى تَزَوَّجْتُ. 3283 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمش عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس (قال) عبد الرحمن: (دخلت أنا وعمي علقمة) بن في (و) أخي (الأسود) بن يزيد بن قيس، قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ وهو الصواب، قال القاضي: ووقع في بعض الروايات: (أنا وعماي علقمة والأسود) وهو غلط ظاهر لأن الأسود أخو عبد الرحمن بن يزيد لا عمه وعلقمة بن في عمهما جميعًا لأنه أخو يزيد بن قيس والدهما؛ أي دخلنا (على عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من التابعين أيضًا، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية (قال) عبد الرحمن بن يزيد (وأنا شاب يومئذٍ) أي يوم إذ دخلنا على عبد الله بن مسعود (فذكر) لنا عبد الله بن مسعود معطوف على جملة دخلت، وما قبله جملة معترضة أي حدّث لنا عبد الله بن مسعود (حديثًا رُئيت) على صيغة المجهول، والمعنى على صيغة المعلوم، قال النووي: هكذا هو في كثير من النسخ، وفي بعضها رأيت وهما صحيحان الأول من الظن والثاني من العلم اهـ أي فذكر حديثًا ظننت (أنه حدَّث به) أي بذلك الحديث (من أجلي) أي لأجلي أي لأجل حثي على التزوج (قال) عبد الله بن مسعود، وجملة القول تفسير لجملة ذكر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): الحديث السابق وساق جرير (بمثل حديث أبي معاوية و) لكن (زاد) جرير (قال) عبد الرحمن بن يزيد: (فلم ألبث) أي لم أمكث بعد ذلك اليوم زمنًا طويلًا (حتى تزوجت) أي فتزوجت على الفور. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال: 3283 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي (الأشج) أبو سعيد الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته،

قَال: دَخَلنَا عَلَيهِ وَأَنَا أَحْدَثُ الْقَوْمِ. بِمِثلِ حَدِيثِهِمْ. وَلَم يَذْكُرْ: فَلَم أَلبَثْ حَتَّى تَزَوَّجْتُ. 3284 - (1318) (68) وحدّثني أَبُو بَكرِ بْنُ نَافِع الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بيان متابعة وكيع لجرير وأبي معاوية في الرواية عن الأعمش (قال) عبد الرحمن: (دخلنا) نحن معاشر الثلاثة يعني نفسه وعمه وأخاه (عليه) أي على ابن مسعود (وأنا) أي والحال أني (أحدث القوم) أي أصغرهم سنًّا لأنه كان شابًا كما في الرواية السابقة وساق وكيع (بمثل حديثهم). الصواب (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث جرير وأبي معاوية عن الأعمش (و) لكن (لم يذكر) وكيع لفظة (فلم ألبث حتى تزوجت) أي فما أبطأت حتى تزوجت أي لم يتأخر تزويجي عن ذلك بكثير. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 3284 - (1318) (68) (وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري ثقة، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي نسبة إلى بني عم بن مرة بن وائل أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم أبي محمد البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن نفرًا) أي جماعة (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) كذا في رواية ثابت، وفي رواية حميد الطويل عند البخاري جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: ولا منافاة بينهما فالرهط من ثلاثة إلى عشرة، والنفر من ثلاثة إلى تسعة وكل منهما اسم جمع لا واحد له من لفظه، ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق أن الثلاثة المذكورين هم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون، وعند ابن مردويه من طريق الحسن العدني كان علي في أناس ممن أرادوا أن يحرِّموا الشهوات فنزلت الآية التي في المائدة، ووقع في أسباب الواحدي بغير إسناد أن

سَالُوا أَزواجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَمَلِهِ في السرِّ؟ فَقَال بَعْضُهُم: لَا أتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. وَقَال بعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ. وَقَال بَعْضُهُمْ: لَا أنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ فَقَال: "مَا بَال أَقْوَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكّر الناس وخوّفهم فاجتمع عشرة من الصحابة؛ وهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومعقل بن مقرن في بيت عثمان بن مظعون، فاتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبُّوا مذاكيرهم فإن كان هذا محفوظًا احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال فنُسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة وتارة للجميع لاشتراكهم في طلبه ويؤيد أنهم كانوا أكثر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم من طريق سعد بن هشام: أنه قدم المدينة فأراد أن يبيع عقاره فيجعله في سبيل الله ويجاهد للروم حتى يموت، فلقي ناسًا بالمدينة فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطًا ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم فلما حدّثوه ذلك راجع امرأته وكان قد طلقها يعني بسبب ذلك، لكن في عدِّ عبد الله بن عمرو معهم نظر لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب اهـ فتح الملهم. (سالوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله) أي عن عبادته صلى الله عليه وسلم (في السر) أي في البيت، والمراد معرفة قدر عادة وظائفه في كل يوم وليلة حتى يفعلوا ذلك كذا في المرقاة، فلما سمعوا منهن عمله صلى الله عليه وسلم استقلوا أعمالهم (فقال بعضهم): هو عثمان بن مظعون اهـ من مبهمات مسلم (لا أتزوج النساء) لأنه شاغل عن كمال الجد في العبادة أي ولا واحدة منهن فإنه لفظ عام بخلاف قول الرجل: لا أتزوج نساء، فإنه جمع منكر، وحكمه كما بُيّن في محله أن يتناول الثلاثة وأكثر فلا تدخل فيه الواحدة ولا الثنتان، قال الأبي: يحتمل أن ذلك زهد منه عن الدنيا (وقال بعضهم): هو عبد الله بن عمرو بن العاص كما في مبهمات مسلم (لا آكل اللحم) لأنه يقوي البدن فلا يأمن الإنسان أن يزداد ميلًا إلى الشهوات وكسلًا عن الطاعات، قال الأبي: يحتمل أنه كناية عن الزهد عمومًا أو في المستلذات فقط (وقال بعضهم): هو أبو هريرة (لا أنام على فراش) يريد ترك النوم على وجه النعومة، لا تركه بالكلية فإنه لم يقل لا أنام (فـ) ـــلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم هذا (حمد الله) سبحانه وتعالى (وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام) أي ما

قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ. وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ. وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي" ـــــــــــــــــــــــــــــ حال رجال (قالوا: كذا وكذا) كره رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم ولم يعيّن قائلهم لئلا يحصل توبيخ في الملإ، وفي رواية البخاري فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا" قال الحافظ: ويُجمع بأنه منع من ذلك عمومًا جهرًا مع عدم تعيينهم كما في رواية مسلم ثم خصوصًا فيما بينه وبينهم رفقًا بهم وسترًا لهم كما في رواية البخاري و (لكني أصلي) بعض الليل (وأنام) بعضه، وفي رواية البخاري: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكن أصوم وأفطر" قال الحافظ: فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة، بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه لا يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك لأن المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما دام عليه صاحبه، قال: وفيه إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرًا من مجرد العبادة البدنية والله أعلم اهـ، قال القاري: قوله: (لكني) الخ استدراك على محذوف تقديره: أما أنا فاخشاكم لله وأتقاكم له، فينبغي على زعمكم أو في الحقيقة أن أقوم في الرياضة إلى أقصى مداه لكن أقتصد وأتوسط فيها فأصلي بعض الليل وأنام في بعضه (وأصوم) في وقت (وأفطر) في آخر، قال الأبي: رحمه الله تعالى في جواب من قال: لا آكل اللحم، وبيان مطابقته أنه جعل قوله: لا آكل اللحم كناية عن إدامة الصوم فقال في الرد عليه: لكني أصوم وأفطر، والمطابقة في غيره واضحة (وأتزوج النساء) ولا أزهد فيهن، وكمال الرجل أن يقوم بحقهن مع القيام بحقوق الله تعالى والتوكل عليه والتفويض إليه وهذا كله لتقتدي بي الأمة (فمن رغب) وأعرض (عن سنتي) وطريقتي يعني من تركها إعراضًا عنها غير معتقد لها على ما هي عليه (فليس مني) أي من أهل هديي، قال الحافظ: المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم هي الحنفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل، وقوله: (فليس مني) إن كانت الرغبة بضرب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من التأويل يعذر صاحبه فمعنى فليس مني أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج من الملة، وإن كان إعراضًا وتنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى فليس مني أي على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، قال القرطبي: وما دلت عليه الأحاديث من راجحية النكاح هو أحد القولين وهذا حين كان في النساء المعونة على الدين والدنيا وقلة التكلف والشفقة على الأولاد، وأما في هذه الأزمنة فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن النسوان فوالله الذي لا إله إلا هو لقد حلت العُزبة والغزلة، بل ويتعين الفرار منهن ولا حول ولا قوة إلا بالله اهـ. (قلت): وهذا الذي قاله القرطبي بالنظر إلى ما يناسب مع ظروفه وزمانه وإلا ففي كل زمان نساء مؤمنات صالحات طيبات مساعدات على الدين والدنيا والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 241]. والبخاري [5063]، والنسائي [60/ 6]. تتمة: قال القرطبي: وقد ذكر البخاري حديث أنس هذا على سياق أحسن من سياق مسلم وأتم فقال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فلما أُخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم القائلون كذا، أما إني والله لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". (قلت): فهؤلاء القوم حصل عندهم أن الانقطاع عن ملاذ الدنيا من النساء والطيب من الطعام والنوم والتفرغ لاستغراق الأزمان بالعبادات أولى فلما سألوا عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبادته ولم يدركوا من عبادته ما وقع لهم أبدوا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مغفور له، ثم أخبر كل واحد منهم بما عزم على فعله فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم بأن ألغى الفارق بقوله: (إني أخشاكم لله) وتقرير ذلك إني وإن كنت مغفورًا لي فخشية الله وخوفه يحملني على الاجتهاد وملازمة العبادة لكن طريق العبادة ما أنا عليه فمن رغب وتركه فليس على طريقي في العبادة. (قلت): ويوضح هذا المعنى ويبينه أن عبادة الله إنما هي امتثال أوامره الواجبة

3285 - (1319) (69) وحدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن المُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بن العَلاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمندوبة واجتناب نواهبه المحظورة والمكروهة وما من زمان من الأزمان وإلا وتتوجه على المكلف فيه أوامر أو نواهٍ فمن قام بوظيفة كل وقت فقد أدى العبادة وقام بها فإذا قام الليل مصليًا فقد قام بوظيفة ذلك الوقت، فإذا احتاج إلى النوم لدفع ألم السهر ولتقوية النفس على العبادة ولإزالة تشويش مدافعة النوم المشوشة للقراءة أو لإعطاء الزوجة حقها من المضاجعة كان نومه ذلك عبادة لصلاته، وقد بين هذا المعنى سلمان الفارسي لأبي الدرداء بقوله: (لكني أقوم وأنام وأحتسب في نومتي ما أحتسبه في قومتي) وكذلك القول في الصيام، وأما التزوج فيجري فيه مثل ذلك وزيادة نية تحصين الفرج والعين وسلامة الدين وتكثير نسل المسلمين وبهذه القصود الصحيحة تتحقق فيه العبادات العظيمة، ولذلك اختلف العلماء في أي الأمرين أفضل التزويج أم التفرغ منه للعبادة كما هو معروف في مسائل الخلاف؟ وبالجملة فما من شيء من المباحات المستلذات وغيرها إلا ويمكن لمن شرح الله صدره أن يصرفه إلى باب العبادات والطاعات بإخطار معانيها بباله وقصد نية التقرب بها كما قد نص عليه المشايخ في كتبهم كالحارث المحاسبي وغيره، ومن فهم هذا المعنى وحصله تحقق أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حل من العبادات أعلاها لانشراح صدره وحضور قصده ولعلمه بحدود الله وما يقرب منه ولما لم ينكشف هذا المعنى للنفر السائلين عن عبادته استقلوها بناء منهم على أن العبادة إنما هي استفراغ الوسع في الصلاة والصوم والانقطاع عن الملاذ، وهيهات بينهما، ما بين الثريا والثرى وسهيل والسها (بضم السين وبالقصر؛ كويكب صغير خفي في بنات نعش الصغرى والناس يمتحنون به أبصارهم) اهـ اللسان، وعند الوقوف على ما أوضحناه من هذا الحديث يتحقق أن فيه ردًّا على غلاة المتزهدين وعلى أهل البطالة من المتصوفين إذ كل فريق منهم قد عدل عن طريقه وحاد عن تحقيقه والله أعلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 3285 - (1319) (69) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء)

(وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَن مَعمَرٍ، عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَال: رَدَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظعُونٍ التَّبَتُّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمداني (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي كريب (أخبرنا ابن المبارك عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد مروزي وواحد كوفي (قال) سعد بن أبي وقاص: (رد) أي أنكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لم يأذن له في التبتل بل نهاه عنه (على عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي رضي الله عنه، قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى في جماعة فلما بلغهم أن قريشًا أسلموا رجعوا فدخل عثمان في جوار الوليد بن المغيرة، وفي الصحيحين عن أم العلاء قالت: لما توفي عثمان بن مظعون، قلت: شهادتي عليك أبا السائب أكرمك الله، توفي بعد شهوده بدرًا في ذي الحجة في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دُفن بالبقيع منهم، وروى الترمذي من طريق القاسم عن عائشة قالت: قبّل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي وعيناه تذرفان، ولما توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون" وقالت امرأة ترثيه: يا عين جودي بدمع غير ممنون ... على رزية عثمان بن مظعون اهـ من الإصابة (التبتل) قال العلماء: التبتل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعًا إلى عبادة الله تعالى وتفرغًا لها وهو شريعة النصارى، وأصل التبتل الانقطاع مطلقًا ومنه مريم البتول وفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما دينًا وفضلًا ورغبة في الآخرة، ومنه صدقة بتلة أي منقطعة عن تصرف مالكها، قال الطيبي: التبتل هو ترك لذات الدنيا وشهواتها والانقطاع إلى الله تعالى بالتفرغ لعبادته، ومعنى قوله رد عليه التبتل نهاه عنه، قال تقي الدين: نهى عن التبتل هنا وأمر به في قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلًا} فبينهما معارضة، ووجه الجمع أن المنهي عنه غير المأمور به فلا تعارض فالمنهي عنه ترك

وَلَوْ أَذِنَ لَهُ، لاخْتَصينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ النساء وما انضم إليه من الغلو في الدين مما هو داخل في جنب التنطع، والمأمور به هو ملازمة العبادة والإكثار من قيام الليل وترتيل القرآن ولم يقصد به ترك النساء فقد كان النكاح موجودًا مع ذلك اهـ من فتح الملهم، قال الراوي أعني سعدًا (ولو أذن) النبي صلى الله عليه وسلم (له) أي لعثمان في ذلك (لاختصينا) أي لجعل كل منا نفسه خصيًا كيلا يحتاج إلى النساء، من الخصاء وهو الشق على الأنثيين وانتزاعهما، قال النووي: قالوا ذلك ظنًّا منهم جواز الاختصاء ولم يكن هذا الظن موافقًا للصواب فإن الاختصاء في الآدمي حرام صغيرًا أو كبيرًا، وكذلك يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل كالبغل والحمار، وأما المأكول كالتيس والثور فيجوز خصاؤه في صغره لغرض تطييب اللحم ويحرم في كبره اهـ مرقاة، قال السندي في حواشي النسائي وابن ماجه: الأحسن حمل ظنهم على أحسن الظنون فمرادهم بالاختصاء قطع الشهوة بمعالجة أو التبتل والانقطاع إلى الله تعالى بترك النساء؛ والمعنى أي لفعلنا فعل المختصي في ترك النكاح والانقطاع عنه اشتغالًا بالعبادة، قال الطيبي: قوله: ولو أذن له لاختصينا كان الظاهر أن يقال ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله: لاختصينا لإرادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء، ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه حرام، وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما، وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة، ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب، وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل فهو كقطع الإصبع الآكلة إذا وقعت في اليد صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققًا بل هو نادر ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها، وعلى هذا فالحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أُذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه وتكثر الكفار فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية كذا في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 175]، والبخاري [5073]، والترمذي [1083]، والنسائي [6/ 58]، وابن ماجه [1848].

3286 - (00) (00) وحدّثني أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ. قَال: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: رُدَّ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلُ. وَلَوْ أُذِنَ لَهُ لاخْتَصَينَا. 3287 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا لَيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أنَّهُ قَال: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقاصٍ يَقُولُ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ. فَنَهَاهُ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -. وَلَوْ أَجَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 3286 - (00) (00) (وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد) الخراساني البغدادي الوركاني نسبة إلى محلة تسمى وركان، ثقة، من (10) (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب الزهري) المدني (عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (قال) سعيد: (سمعت سعد) بن أبي وقاص (يقول: رُدَّ) وأنكر (على عثمان بن مظعون التبتل ولو أُذن له لاختصينا) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لمعمر بن راشد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 3287 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا حُجين) مصغرًا (بن المثنى) اليمامي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد المصري (عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عقيل بن خالد لمعمر بن راشد (يقول: أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل) أي أن ينقطع عن النساء والمستلذات فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في التبتل (فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم) عنه (ولو أجاز) النبي صلى الله

لَهُ ذلِكَ، لاخْتَصَينَا. 3288 - (1320) (70) حدَّثنا عَمْرُو بن عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعلَى. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَأَى امرَأَةً فَأتَى امْرَأتَهُ زَينَبَ، وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا. فَقَضَى حَاجَتَهُ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: "إنَّ الْمَرأَةَ تُقْبِلُ في صُورَةِ شَيطَانٍ، وَتُدْبِرُ في صُورَةِ شَيطَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (له) أي لعثمان أي رخص له (ذلك) أي التبتل (لاختصينا) أي لجعل كل منا نفسه خصيًا تبتلًا وانقطاعًا إلى عبادة الله تعالى وطاعاته. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 3288 - (1320) (70) (حدثنا عمرو بن علي) بن بحر بن كُنيز -بنون وزاي مصغرًا- أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشام بن أبي عبد الله) سنبر الدستوائي البصري، ثقة، من (7) (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة) لم أر من ذكر اسمها أي وقع بصره عليها فجاة، وكان لا تحتجب النساء منه، وكان إذا أعجبته امرأة فرغب فيها حرم على زوجها إمساكها هكذا ذكره أبو المعالي وغيره اهـ من المفهم (فأتى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (امرأته) أي زوجته (زينب وهي) أي والحال أن زينب (تمعس) من باب منع من المعس وهو الدلك أي تدبغ (منيئة لها) بوزن صغيرة أي جلدًا لها، قال أبو عبيد: الجلد أول ما يدبغ يسمى منيئة على وزن فعيلة، ثم هو أفيق بوزن فعيل وجمعه أُفُق كقفيز وقفز، ثم يكون أديمًا اهـ من المفهم (فقضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حاجته) أي شهوته في النساء من زينب رضي الله تعالى عنها (ثم خرج) صلى الله عليه وسلم من عندها (إلي أصحابه فقال: أن المرأة) التي مرت علينا (تُقْبِل) أي تواجه الناس بوجهها (في صورة الشيطان وتدبر) أي تواجههم بدبرها (في صورة شيطان) أي في صفته من الوسوسة والتحريك للشهوة لما يبدو منها من المحاسن المثيرة للشهوة النفسية والميل

فَإذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأتِ أَهْلَهُ. فَإنَّ ذلِكَ يَرُدُّ مَا في نَفْسِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبيعي وذلك يدعو إلى الفتنة التي هي أعظم من فتنة الشيطان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت في أمتي فتنة أعظم على الرجال من النساء" رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، فلما خاف صلى الله عليه وسلم هذه المفسدة على أمته أرشدهم إلى طريق بها تزول وتنحسم فقال: (فإذا أبصر أحدكم امرأة) أي وقع بصره على امرأة أجنبية فأعجبته فوقع في نفسه شيء من الشهوة والميل الطبيعي (فليات أهله) أي فليواقع أهله وزوجته ويجامعها، ثم أخبر بفائدة ذلك الوقاع بقوله: (فإن ذلك) الوقاع على أهله (يرد ما) وقع (في نفسه) من الميل الطبيعي. وللرد وجهان: أحدهما: أن المني إذا خرج انكسرت الشهوة وانطفأت فزال تعلق النفس بالصورة المرئية، وثانيهما: أن محل الوطء والإصابة متساو من النساء كلهن والتفاوت إنما هو من خارج ذلك فليكتف بمحل الوطء الذي هو المقصود ويغفل عما سواه، وقد دل على هذا ما جاء في هذا الحديث في غير مسلم بعد قوله: فليأت أهله "فإنه معها مثل الذي معها" رواه ابن حبان [5572]. (تحذير): لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك ميل نفس أو غلبة شهوة حاشاه عن ذلك، وإنما فعل ذلك ليَسُنّ وليُقتدى به وليحسم عن نفسه ما يتوقع وقوعه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 330] وأبو داود [2151]، والترمذي [1158]. (تتمة): قوله: (فقضى حاجته) قال النووي: قال العلماء إنما فعل هذا بيانًا لهم وإرشادًا إلى ما ينبغي لهم أن يفعلوه فعلّمهم بفعله وقوله، وفيه أنه لا بأس بطلب الرجل امرأته إلى الوقاع في النهار وغيره وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه لأنه ربما غلبت على الرجل شهوة يتضرر بالتأخير في بدنه أو في قلبه وبصره والله تعالى أعلم. قوله: (ثم خرج إلى أصحابه فقال): الخ قال القاضي أبو بكر بن العربي: الحديث غريب المعنى فإن الذي جرى منه شيء لا يعلمه إلا الله تعالى وإنما أذاعه للتعليم وما وقع في نفسه من إعجاب المرأة غير مؤاخذ به ولا ينقص من منزلته وهو من مقتضى الجبلة والشهوة الآدمية وغلبها بالعصمة فأتى أهله ليقضي حق الإعجاب والشهوة الآدمية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والاعتصام والعفة اهـ. (قلت): وانظر هل ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بأنه أعجبته وأنه أتى أهله ولا يكون هذا من إفشاء سر المرأة المنهي عنه فيما يأتي لأن لذلك تفسيرًا يأتي ولا سيما مع ما ترتب على هذا الإخبار من المصلحة كذا في شرح الأبي رحمه الله تعالى، وقد روى أحمد في حديث أبي كبشة الأنماري حين مرت به صلى الله عليه وسلم امرأة فوقع في قلبه شهوة النساء فدخل فأتى بعض أزواجه وقال: "فكذلك فافعلوا فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال" قال العراقي: وإسناده جيد، وهذا يشرح ما في حديث الباب، ويدل على أن الذي وقع في قلبه برؤيتها إنما هو الميل إلى جنس النساء لا إلى شخصها بعينها ولهذا عالجه بمباشرة بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ فتح الملهم، قوله: (تقبل في صورة شيطان) الح قال الزبيدي: أي في صفته، شبه المرأة الجميلة به في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير وتقيم الهمة فنسبها للشيطان لكون الشهوة من جنده وأسبابه، والعقل من جند الملائكة، قال الطيبي: جعل صورة الشيطان ظرفًا لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد فإن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر، وكذا في حالة إدبارها مع رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لكن خصهما بالذكر لأن الإخلال فيهما أكثر، وقدم الإقبال لكونه أشد فسادًا لحصول المواجهة به اهـ قال النووي: ويستنبط منه أنه ينبغي لها أن لا تخرج إلا لضرورة ولا تلبس ثيابًا فاخرة، وينبغي للرجل أن لا ينظر إليها ولا إلى ثيابها اهـ، قوله: (فليأت أهله) أي فليجامع حليلته، قوله: (فإن ذلك يرد ما في نفسه) قال الزبيدي: هكذا روي بمثناة تحتية من رد أي يعكسه ويغلبه ويقهره، وروى صاحب النهاية (فإن ذلك برد ما في نفسه) بالموحدة من البرد، أرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكينًا لها وجمعًا لقلبه ودفعًا لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي اهـ، وفي شرح الأبي: قال عياض: أرشد صلى الله عليه وسلم إلى مداواة ذلك الداء المحرك للشهوة والماء بما يسكن النفس ويذهب بالشهوة ولا يظن بفعله صلى الله عليه وسلم ذلك مع زينب أنه وقع في نفسه ميل لما رأى لتنزهه صلى الله عليه وسلم عن ذلك (قلت): من تمام الحديث في الترمذي: "فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها" قال ابن العربي: آخر النظر المثير للشهوة الوطء فإذا وجده المرء فقد أنهى الأمر إلى نهايته، ولا فرق بين أن تقع الإصابة في التي رأى أو في مثلها لأن

3289 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ أَبِي الْعَالِيَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى امْرَأَةَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَأَتَى امْرَأَتَهُ زينَبَ وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً. وَلَمْ يَذْكُرْ: تُدْبِرُ في صُورَةِ شَيطَانٍ. 3290 - (00) (00) وحدّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ القصد إذا حصل لم يُسأل عن السبب، وما نبه عليه صلى الله عليه وسلم من المثال صواب صحيح، وفي هذا رد على المتصوفة الذين يرون إماتة الهمة حتى تصير المرأة كأنها جدار يُضرب فيه ولا رهبانية في هذا الدين. (قلت): ويلحق بالرؤية في ذلك من توصف له المرأة فتقع في نفسه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3289 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري (حدثنا حرب بن أبي العالية) مهران -بكسر فسكون- أبو معاذ البصري، روى عن أبي الزبير في النكاح، والحسن، ويروي عنه (م س) وعبد الصمد بن عبد الوارث، قال ابن معين: شيخ ضعيف، وقال مرة: ثقة، وقال القواريري: هو شيخ لنا ثقة، وقال العقيلي: ضعفه أحمد، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة (حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد مدني وواحد مكي وواحد نسائي، غرضه بيان متابعة حرب بن أبي العالية لهشام الدستوائي (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فذكر) حرب بن أبي العالية (بمثله) أي بمثل حديث هشام الدستوائي (غير أنه) أي أن حربًا (قال) في روايته (فأتى امرأته زينب وهي تمعس) أي تدبغ (منيئة) أي جلدًا لها (ولم يذكر) حرب (تدبر في صورة شيطان). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3290 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني، صدوق،

حَدَّثَنَا مَعقِلٌ، عَنْ أبِي الزُّبَيرِ. قَال: قَال جَابِرٌ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا أَحَدَكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَوَقَعَت في قَلبِهِ، فَليَعمِدْ إِلَى امرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعهَا. فَإنَّ ذلِكَ يَرُدُّ مَا في نَفْسِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من (9) (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري الحراني أبو عبد الله العبسي مولاهم، صدوق، من (8) (عن أبي الزبير قال: قال جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معقل لهشام الدستوائي (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أحدكم أعجبته المرأة) الأجنبية أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه، والمختار في إعراب إذا أحدكم النصب مع جواز الرفع لأن أدوات الشرط لا يليها إلا الفعل كما هو مقرر في علم النحو (فوقعت في قلبه فليعمد) بكسر الميم أي فليقصد (إلى امرأته) أي حليلته (فليواقعها) أي فليجامعها (فإن ذلك) الجماع (يرد ما) وقع (في نفسه) أي قلبه من استحسان المرأة المرئية له؛ أي يغلبه ويعدمه والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أنس ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين. ***

526 - (12) باب الترخيص في نكاح المتعة في أول الإسلام ثم نسخه وتحريمه التي يوم القيامة

526 - (12) باب الترخيص في نكاح المتعة في أول الإسلام ثم نسخه وتحريمه إلى يوم القيامة 3291 - (1321) (71) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن عَبدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ الهَمدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ وَابنُ بِشرٍ، عَن إِسمَاعِيلَ، عَن قَيسٍ، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا نَغزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى - صلى الله عليه وسلم -. لَيسَ لَنَا نِسَاءٌ. فَقُلنَا: أَلا نَستَخصِي؟ فَنَهَانَا عَن ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 526 - (12) باب الترخيص في نكاح المتعة في أول الإسلام ثم نسخه وتحريمه التي يوم القيامة 3291 - (1321) (71) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني) الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ووكيع) بن الجراح (و) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي من عبد القيس أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (9) (عن إسماعيل) بن أبي خالد سَعْد، وقيل هرمز الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) قيس: (سمعت عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي (يقول: كنا نغزو) ونجاهد (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء) أي حليلات أي ونحن نشتهيهن، وهذا يدل على كمال شجاعتهم ورجوليتهم وقوة قلوبهم وتوكلهم على ربهم (فقلنا): أي قال بعضنا لبعض على سبيل المشاورة أو قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستئذان (ألا نستخصي) أي ألا نستدعي ونطلب من يفعل بنا الخصاء أو ألا نفعل بأنفسنا ما يفعل بالفحول من الخصاء؛ وهو شق الجلد عن الأنثيين ونزع بيضتهما كما مر حتى نتخلص من شهوة النفس ووسوسة الشيطان (فنهانا) رسول الله صلى الله عليه وسأنهي تحريم (عن ذلك) أي عن الخصاء بلا خلاف في تحريمه في بني آدم لما فيه من الضرر وقطع النسل وابطال معنى الرجولية، وهو في غير بني آدم ممنوع أيضًا إلا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر ذلك الحيوان كما سبق اهـ من المفهم، قال الحافظ: وفيه أيضًا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك وفيه إبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلًا

ثُم رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ. ثمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] ـــــــــــــــــــــــــــــ من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال اهـ. (ثم) بعد ما نهانا عن الخصاء (رخص) أي جوز (لنا أن ننكح) ونتزوج (المرأة) ونستمتع بها (بالثوب) وغيره من المال مما نتراضى به وتوافقنا عليه ولو مد طعام أي ننكحها نكاحًا مؤقتًا (إلى أجل) معلوم بيننا قل أو أكثر كشهر وسنة، وسيأتي ذكر استمتاعهم بها بالقبضة من التمر أو الدقيق، وقال ملا علي: قوله أن ننكح الظاهر منه أنه أراد أن نتمتع لأن الفقهاء فرقوا بين المتعة والنكاح المؤقت فالأول اتفقوا على بطلانه وكذا الثاني عند الجمهور، وقال زفر من أصحابنا: إن النكاح صحيح والشرط باطل اهـ (ثم قرأ عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} أي لا تتجاوزوا الحد بتحريمها (أن الله لا يحب المعتدين) أي المتجاوزين الحدود الشرعية أي يعاقبهم وفي قراءته الآية إشارة إلى أن ابن مسعود كان يعتقد إباحة المتعة، ولعله رجع بعد ذلك أو استمر لعدم بلوغ النص إليه أو يقول كما قال ابن عباس بأنها رخصة عند الاضطرار كما يدل عليه حديثه أفاده في المرقاة. (واعلم): أن المتعة كما بُيّن في كتب الفقه النكاح إلى أجل فإذا انقضى حصل الفراق كان يقول الرجل للمرأة: أتمتع بك كذا مدة كذا من المال سمي بذلك لأن الغرض منها مجرد الاستمتاع أي الانتفاع بها دون التوالد وغيره من أغراض النكاح، وهي حرام بالكتاب والسنة، أما السنة فلما في الصحيحين من نهيه صلى الله عليه وسلم عنها وتحريمها مؤبدًا، وأما الكتاب فقوله تعالى: {إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ} والمتمتع بها ليست واحدة منهما، أما إنها ليست بمملوكة فظاهر، وأما إنها ليست بزوجة فلأن الزواج له أحكام كالإرث وغيره وهي منعدمة فيها باتفاق منا، ومن المبتدعة المخالفين لنا لا ميراث فيها ولا نسب ولا طلاق، والفراق فيها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4615] فقط. قال القرطبي: هذا الحديث وأكثر أحاديث الباب تدل على أن نكاح المتعة إنما

3292 - (00) (00) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أُبيح في السفر لحال الضرورة في مدة قصيرة كما قال ابن أبي عمرة أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير، وقد اختلفت الروايات واضطربت في وقت إباحتها وتحريمها اضطرابًا شديدًا بحيث يتعذر فيها التلفيق ولا يحصل معه تحقيق، فعن ابن أبي عمرة أنها كانت في أول الإسلام كما تقدم آنفًا، وفي رواية له ورواية سلمة أنها كانت عام أوطاس، وفي رواية لسبرة إباحتها يوم الفتح وهما متقاربان ثم تحريمهما حينئذٍ في حديثهما، وفي رواية علي تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح، وفي غير صحيح مسلم عن علي نهيه صلى الله عليه وسلم عنها في غزوة تبوك، وقد روى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة النهي عنها في حجة الوداع وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، وروى أبو داود أيضًا عن الحسن البصري أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء، وروى هذا أيضًا عن سبرة (قلت): ولما اختلفت هذه الروايات اختلف العلماء في ذلك على وجهين: أحدهما: ترجيح بعض هذه الروايات على بعض، وثانيهما: أن إباحة ذلك وتحريمه تكرر في مواطن كثيرة (قلت): وبالجملة فالروايات كلها متفقة على وقوع إباحة المتعة وأن ذلك لم يطل، وأنه نُسخ وحُرّم تحريمًا مؤبدًا، وأجمع السلف والخلف على تحريمها إلا ما رُوي عن ابن عباس ورُوي عنه أنه رجع عنه وإلا الرافضة ولا يلتفت إلى خلافهم إذ ليسوا على طريقة المسلمين. وأجمعوا على أن نكاح المتعة متى وقع فُسخ قبل الدخول وبعده إلا ما حُكي عن زفر فإنه يلغي الأجل ويصحح العقد، وكأنه رأى أنه متى فسد أُلغي الشرط وحُكم بالصحة وهو خلاف شاذ، واختلف أصحابنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد ولا يلحق به الولد أو يُدفع الحد بالشبهة ويلحق الولد؟ على قولين، ولكن يعزر ويعاقب، وإذا تقررت هذه المقدمة فلنبحث عن ألفاظ الأحاديث الواقعة في هذا الباب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود. رضي الله عنه فقال: 3292 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن إسماعيل بن أبي خالد بهذا الإسناد) يعني عن قيس عن عبد الله، وقوله: (مثله) الصواب مثلهم؛ أي حدثنا جرير، عن إسماعيل مثل ما حدَّث عبد الله بن نمير ووكيع وابن بشر،

وَقَال: ثُم قَرَأَ عَلَينَا هذِهِ الآيَةَ. وَلَم يَقُل: قَرَأَ عَبْدُ اللهِ. 3293 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَن إِسْمَاعِيلَ، بِهذَا الإِسنَادِ. قَال: كُنَّا، وَنَحْنُ شَبَابٌ. فَقُلنَا: يَا رَسُولَ الله! أَلا نَستخصِي؟ وَلَم يَقُل: نَغْزُو ـــــــــــــــــــــــــــــ عن إسماعيل، غرضه بيان متابعة جرير لهؤلاء الثلاثة، ويحتمل أن تكون المتابعة بين عثمان بن أبي شيبة وبين محمد بن نمير وحينئذٍ كلام المصنف صحيح واضح فلا اعتراض فيه (و) لكن (قال) جرير (ثم قرأ علينا هذه الآية، ولم يقل) جرير (قرأ عبد الله) بصريح اسمه كما صرحوه. (فائدة): قال ابن القيم في الهدي: قراءة عبد الله هذه الآية عقب هذا الحديث تحتمل أمرين: أحدهما: الرد على من يحرمها وإنها لو لم تكن من الطيبات لما أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: أن يكون أراد آخر هذه الآية وهو الرد على من أباحها مطلقًا وأنه معتد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رخص فيها للضرورة وعند الحاجة في الغزو وعند عدم النساء وشدة الحاجة إلى المرأة فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح المعتاد فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين، وقال الحافظ رحمه الله تعالى: ظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى بجواز المتعة، فقال القرطبي: لعله لم يكن حينئذٍ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع بعد. (قلت): يؤيده ما ذكره الإسماعيلي أنه وقع في رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد ففعله ثم ترك ذلك، قال: وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل ثم جاء تحريمها بعد، وفي رواية معمر عن إسماعيل ثم نُسخ كذا في الفتح اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3293 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسماعيل بهدا الإسناد) يعني عن قيس عن عبد الله، غرضه بيان متابعة أبي بكر بن أبي شيبة لمحمد بن نمير (قال) ابن مسعود: (كنا ونحن شباب) ليس لنا نساء (فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي ولم يقل) أبو بكر بن أبي شيبة لفظة (نغزو). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث جابر وسلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال:

3294 - (1322) (72) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ عَمرِو بنِ دِينَارٍ. قَال: سَمِعتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ وَسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، قَالا: خَرَجَ عَلَينَا مُنَادِي رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال: إِن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَد أَذِنَ لَكُم أَن تَسْتَمتِعُوا. يَعْنِي مُتعَةَ النِّسَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3294 - (1322) (72) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (قال: سمعت الحسن بن محمد) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبا محمد بن ابن الحنفية الفقيه المدني، روى عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع في النكاح، وأبيه محمد بن علي في النكاح والذبائح، وعُبَيد الله بن أبي رافع في الفضائل، ويروي عنه (ع) وعمرو بن دينار والزهري وموسى بن عبيدة، وثقه محمد بن إسماعيل والزهري، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة (100) مائة أو قبلها بسنة (يحدّث عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (وسلمة بن) عمرو بن (الأكوع) اسمه سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي أبي مسلم المدني الصحابيين الجليلين رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابيين، قال الحافظ: وقد أدركهما الحسن بن محمد جميعًا لكن روايته عن جابر أشهر اهـ (قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) يُشبه أن يكون بلالًا قاله الحافظ، ووقع هذا في بعض الغزوات كما في رواية سفيان عند البخاري (قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الأبي: كان هذا عام الفتح وليست هي الإباحة الأولى التي كانت في يوم خيبر، على ما تقدم من ابن العربي وإنما هي الإباحة الثانية التي عقبها التحريم المؤبد وهي التي كانت يوم فتح مكة ثم جاء التحريم المؤبد بعدها بعد ثلاثة أيام، وإنما الأولى ما تقدم لابن العربي اهـ (فقال) المنادي: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا) وتنتفعوا بالنساء إلى مدة أي أن تنكحوها إلى مدة، قال الراوي: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمتاع الذي أذن فيه (متعة النساء) أي نكاح النساء للتمتع بها إلى مدة لا للتناسل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5117].

3295 - (00) (00) وحدَّثني أُمَيَّةُ بن بِسْطَامَ الْعَيشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). حَدَّثَنَا رَوْحٌ (يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَانَا، فَأَذِنَ لَنَا في الْمُتْعَةِ. 3296 - (1323) (73) وحدّثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: قَال عَطَاءٌ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مُعْتَمِرًا. فَجِئْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3295 - (00) (00) (وحدثني أمية بن بسطام) بكسر الموحدة، وقد تفتح (العيشي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) العيشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في اثني عشر بابا (حدثنا روح بعني ابن القاسم) التميمي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي، ثقة، من (4) (عن الحسن بن محمد) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (3) (عن سلمة بن اكوع وجابر بن عبد الله) الأنصاريين رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سدسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد مكي، غرضه بيان متابعة روح بن القاسم لشعبة بن الحجاج كلاهما رويا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا) أي مر علينا، قال النووي: يحتمل أتانا رسوله ومناديه كما صرح به في الرواية الأولى، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم مر عليهم بعدما أرسل المنادي فقال له ذلك بلسانه (فأذن لنا في المتعة) أي في نكاحها للضرورة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لجابر رضي الله عنهما فقال: 3296 - (1323) (73) (حدثنا الحسن) بن علي بن محمد بن علي (الحلواني) المكي الهذلي، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (أخبرنا ابن جريج) المكي (قال) ابن جريج (قال عطاء) بن أبي رباح اليماني المكي، ثقة، من (3) (قدم جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما مكة حالة كونه (معتمرًا) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد مدني وواحد صنعاني، قال عطاء: (فجئناه)

في مَنْزِلِهِ. فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ. ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ. فَقَال: نَعَم. اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. 3297 - (00) (00) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ، بِالْقُبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ، الأيَّامَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، في شَأنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فجئنا جابرًا (في منزله) الذي نزل فيه (فسأله) أي فسأل جابرًا (القوم) الزائرون له (عن أشياء) من الأمور الدينية (ثم ذكروا) أي ذكر الحاضرون عنده (المتعة) أي شأن متعة النكاح هل فعلتها الصحابة أم لا؟ (فقال) جابر: (نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (و) في عهد (أبي بكر) الصديق (و) في عهد (عمر) بن الخطاب حتى منعها عمر آخر خلافته رضي الله تعالى عنهما، قال النووي: يحتمل أن الذي استمتع في عهدهما لم يبلغه الناسخ اهـ وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3297 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لعطاء بن أبي رباح (كنا) معاشر الصحابة (نستمتع) أي نتمتع بالنساء بأنواع الاستمتاعات (بالقبضة) بضم القاف وفتحها والضم أفصح، قال الجوهري: القبضة بالضم ما قبضت عليه من الشيء، يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر، قال: وربما فتح أي قبضة بكف أو كفين وتسمى حفنة وهي المد أي نستمتع بها بعوض هي قبضة (من التمر والدقيق) والواو بمعنى أو (الأيام) القلائل كثلاثة أيام فأكثر (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و) على عهد (أبي بكر) وفي الرواية الأولى زيادة وعمر (حتى نهى عنه) أي عن نكاح المتعة (عمر) بن الخطاب في آخر خلافته (في شأن) أي بسبب شأن (عمرو بن حريث) بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبي سعيد الكوفي، صحابي صغير رضي الله عنه، وكان شأنه أنه تزوج امرأة نكاح المتعة وأنه

3298 - (1324) (74) حدَّثنا حَامِدُ بن عُمرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ) عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَال: كُنْتُ عِندَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. فَأتَاهُ آتٍ فَقَال: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزبَيرِ اخْتَلَفَا في المُتعَتَينِ. فَقَال جَابِرٌ: فَعَلنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ استمر عليها إلى زمان خلافة عمر لأنه لم يسمع الناسخ فحملت منه فأنهى أمره إلى عمر فنهى اهـ من المفهم، قال الأبي: قيل: نهيه عن ذلك في آخر خلافته، وقيل في أثنائها وقال: لا نؤتى برجل تمتع وهو محصن إلا رجمته ولا برجل تمتع وهو غير محصن إلا جلدته، وقضية عمرو أنه تمتع بامرأة على عهده صلى الله عليه وسلم ودام على ذلك إلى خلافة عمر رضي الله عنه فبلغه ذلك فدعاها فسألها فقالت: نعم، قال: من شهد، قال عطاء فأُراها قالت: أمها وأخاها قال: فهلا شهد غيرهما فنهى عن ذلك اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبد الله بن مسعود بحديث آخر لجابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3298 - (1324) (74) (حدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (قال: كنت عند جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (فأتاه) أي فجاءه (آت) أي جاء (فقال) ذلك الآتي (ابن عباس) مبتدأ (وابن الزبير) معطوف عليه، والخبر جملة قوله: (اختلفا) أي تنازعا (في) حكم (المتعتين) متعة الحج ومتعة النكاح هل يجوزان أم لا؟ وسيأتي بيان ما جرى بينهما رضي الله تعالى عنهما فرخص ابن عباس في متعة الحج وكان ابن الزبير ينهى عنها كما مر في بابها، وأما في متعة النساء فالخلاف بينهما بالعكس كما يُفهم مما سيأتي (فقال جابر: فعلناهما) أي فعلنا المتعنين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته، وهذا لا يقتضي تعميم جميع الصحابة كما زعمه ابن حزم، بل يصدق على فعل

ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ. فَلَم نَعُدْ لَهُمَا. 3299 - (1325) (75) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بن مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الوَاحِدِ بن زِيَادٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيسٍ، عَن إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عَن أَبِيهِ، قَال: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَامَ أوْطَاسَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه وحده أو فعله وفعل آخر معه، قال الحافظ: فإن كان قوله: فعلنا يعم جميع الصحابة، فقوله: فلم نعد لهما يعم جميع الصحابة أيضًا فيكون إجماعًا ومستنده الأحاديث الصحيحة التي في الباب (ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما) أي فلم نفعلهما مرة أخرى بعد نهيه إيانا عنهما، فيه رد على ابن حزم حيث عدَّ جابرًا فيمن ثبت على تحليلها، وقال السندي: وقد أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بسند فيه صدقة بن عبد الله، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفيه إنما سميت ثنية الوداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة عندها فودعتنا النساء عند ذلك، قال: ولعل جابرًا لم يتذكر النهي إلا عند نهي عمر عنها وإلا فجابر من جملة من روى في تحريمها وحديثه حسن يحتج به، وعلى هذا يمشي قوله في الرواية الأخرى حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن مسعود بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال: 3299 - (1325) (75) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أبو عميس) الهذلي المسعودي عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن إياس بن سلمة) بن عمرو بن الأكوع الأسلمي أبي سلمة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي المدني ويقال الخزاعي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد بصري وواحد بغدادي (قال) سلمة بن الأكوع: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس) هذا تصريح بأنها أُبيحت يوم فتح

في الْمُتْعَةِ ثَلَاثًا. ثُمَّ نَهَى عَنْهَا. 3300 - (1326) (76) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيث، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ سَبْرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتْعَةِ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ. كَأَنهَا بَكْرَةٌ عَيطَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة وهو ويوم أوطاس شيء واحد، وأوطاس واد بالطائف يُصْرف ولا يُصْرف فمن صرفه أراد الوادي والمكان ومن لم يصرفه أراد به البقعة وأكثر استعمالهم منع صرفه (في المتعة) أي في التمتع بالنساء (ثلاثًا) أي ثلاث ليال أي رخص في هذا الغزوفي التمتع بهن ثلاث ليال (ثم) بعد ثلاث ليال (نهى عنها) رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيًا مؤبدًا ليس بعده ترخيص؛ أي ثم بعد الإذن فيها ثلاث ليال نهى عنها ولم نجد بعد النهي عنه الإذن فيه، وهذا يدل على قصر مدة الترخيص وأنه لم يكن إلَّا ثلاث ليال لا غير. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن مسعود بحديث سبرة الجهني رضي الله تعالى عنهما فقال: 3300 - (1326) (76) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد (عن الربيع) بفتح الراء مكبرًا (بن سبرة) بفتح السين وسكون الموحدة بن معبد (الجهني) المدني، روى عن أبيه في النِّكَاح، ويروي عنه (م عم) والليث بن سعد وعمارة بن غزية وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وعبد العزيز بن الربيع بن سبرة والزهري وغيرهم، وثقه النسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبيه سبرة) بن معبد الجهني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، له أحاديث، انفرد له (م) بحديث المتعة، ويروي عنه (م عم) وابنه الربيع حديثًا عند مسلم في المتعة، وكان ينزل مرو، ومات بها في خلافة معاوية. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مصري وواحد نسائي (أنه) أي أن سبرة بن معبد (قال: أذن لنا) أي رخص لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة) أي بالتمتع بالنساء إلى مدة (فانطلقت) أي ذهبت (أنا ورجل) من زملائي، لم أر من ذكر اسمه، وسيأتي أنَّه من بني سليم (إلى امرأة من بنى عامر) لم أر من ذكر اسمها (كأنها بكرة) البكرة بفتح الموحدة وسكون الكاف الفتية من الإبل أي الشابة القوية (عيطاء) -بفتح العين المهملة وسكون التحتانية وبطاء

فَعَرَضْنَا عَلَيهَا أَنْفُسَنَا. فَقَالتْ: مَا تُعْطِي؟ فَقُلْتُ: رِدَائِي. وَقَال صَاحِبِي: رِدَائِي. وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي. وَكُنْتُ أَشَبُّ مِنْهُ. فَإِذَا نَظَرَتْ إِلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا. وَإِذَا نَظَرَتْ إِلَيَّ أَعْجَبْتُهَا. ثُمَّ قَالتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤُكَ يَكْفِينِي. فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلَاثًا. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيءٌ مِنْ هذِهِ النَّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَعُ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا". 3301 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ). حَدَّثَنَا عُمَارةُ بْنُ غَزِيَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهملة وبالمد - مؤنث أعيط؛ وهي الطويلة العنق في اعتدال وحسن قوام من العيط بفتحتين وهو طول العنق يعني أنها شابة بادنة طويلة العنق (فعرضنا عليها أنفسنا) لنستمتع بها (فقالت) المرأة لي: (ما تُعطي) أي أي شيء تعطيني في مقابلة الاستمتاع بي (فقلت) لها أعطيك (ردائي) وليس عندي غير الرداء (وقال) لها (صاحبي) أيضًا أنا أعطيك (ردائي وكان رداء صاحبي أجود) وأحسن (من ردائي وكنت) أنا (أشب منه) أي أقل سنًّا من صاحبي أي كان شبابي أزيد من شبابه فإنه كان أسن مني (فإذا نظرت) المرأة (إلى رداء صاحبي أعجبها) رداؤه وأحبها (وإذا نظرت إليّ أعجبتها) بتاء المتكلم أي أعشقتها لشبابي (ثم قالت) المرأة (أنت) مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير أنت مختاري (ورداوك) أي والحال أن رداءك (يكفيني) لا بأس به (فمكثت) أي جلست (معها) واستمتعت بها (ثلاثًا) من الليالي (ثم) بعد ثلاث ليال (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيء) أي واحدة (من هذه النساء التي يتمتع) بها بالبناء للفاعل أي يباشر بها (فليخل سبيلها) أي فليتركها فلا يحبسها عنده وهو كناية عن فراقها. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 404]، وابن ماجة [1962]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سبرة رضي الله عنه فقال: 3301 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري) البصري (حَدَّثَنَا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا عمارة بن غزية) ابن الحارث بن عمرو الأنصاري المازني المدني، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال في

عَنِ الرَّبِيعِ بنِ سَبْرَةَ؛ أَن أَبَاهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَتحَ مَكةَ. قَال: فَأَقَمنَا بِهَا خَمْسَ عَشرَةَ. (ثَلَاثِينَ بَينَ لَيلَةٍ وَيوْمٍ) فَأذِنَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في مُتعَةِ النِّسَاءِ. فَخَرَجْتُ أَنَّا وَرَجُلٌ مِن قَوْمِي. وَلِي عَلَيهِ فَضلٌ في الْجَمَالِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمَامَةِ. مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدٌ. وَبُردِي خَلَقٌ. وَأَمَّا بُرْدُ ابْنِ عَمِّي فَبُرْدٌ جَدِيدٌ. غَضٌّ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، أَو بِأَعْلَاهَا. فَتَلَقَّتنَا فَتَاةٌ مِثلُ البَكرَةِ الْعنَطنَطَةِ. فَقُلنَا: هَل لَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: لا بأس به، من (6) (عن الربيع بن سبرة) بن معبد الجهني المدني (أن أباه) سبرة بن معبد الجهني المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، غرضه بيان متابعة عمارة بن غزية لليث بن سعد (غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال) سبرة: (فأقمنا) أي جلسنا (بها) أي بمكة (خمس عشرة) ليلة أي أقمنا (ثلاثين بين ليلة ويوم) وهذا تفسير مدرج من بعض الرواة (فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء) أي في التمتع بها إلى مدة (فخرجت أنا ورجل من قومي) أي من رهطي من منازلنا في زقاق مكة لطلب النساء (ولي عليه) أي على ذلك الرجل (فضل) أي فوقان (في الجمال) والحسن (وهو) أي ذلك الرجل (قريب من الدمامة) وهي بفتح الدال المهملة قبح الصورة والمنظر من دم يدم دمامة، من بابي ضرب وتعب، ومن باب قرب لغة فهو دميم، والجمع دمام والمرأة دميمة وجمعها دمائم اهـ مصباح؛ يعني أنا جميل الصورة وكبير الجثة بالنسبة إليه وهو بالعكس بالنسبة إليَّ (مع كل واحد منا برد) بضم الباء وسكون الراء كساء له خطوط من لباس الأعراب (فبردي خلق) بفتح اللام أي غير جديد قريب من البالي (وأما بُرْد ابن عمي) يعني صاحبه (فبُرد جديد فض) أي طري لين من غض يغض من باب ضرب اهـ مصباح، وقوله: (حتَّى إذا كنا) غاية لقوله خرجت أنا ورجل من قومي أي خرجنا من منازلنا حتَّى إذا كنا (بأسفل مكة أو) قال حتَّى إذا كنا (بأعلاها) أي بأعلى مكة، شك من الراوي (فتلقتنا) الفاء فيه زائدة في جواب إذا أي حتَّى إذا كنا بأسفل مكة تلقتنا أي استقبلتنا (فتاة) أي امرأة شابة (مثل البكرة) أي مثل الشابة من الإبل (العنطنطة) بعين مهملة مفتوحة وبنونين مفتوحتين وبطاءين مهملتين الأولى ساكنة أي الطويلة العنق مع حسن قوام وقَدَّ، فهي بمعنى العيطاء (فقلنا هل لك) رغبة يا فتاة

أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْكِ أَحَدُنا؟ قَالتْ: وَمَاذَا تَبْذُلَانِ؟ فَنَشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَهُ. فَجَعَلَت تَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلَينِ. وَيرَاهَا صَاحِبِي تَنظُرُ إِلَى عِطفِهَا. فَقَال: إِنَّ بُرْدَ هذَا خَلَقٌ وَبُرْدِي جَدِيدٌ غَضٌّ. فَتَقُولُ: بُرْدُ هذَا لَا بَأسَ بِهِ. ثَلَاثَ مِرَارٍ أَوْ مَرَّتَينِ. ثُمَّ اسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا. فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 3302 - (00) (00) وحدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بنِ صَخرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أبُو النُّعْمَانِ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بن غَزِيَّةَ. حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن يستمتع منك أحدنا، قالت) المرأة: (وماذا تبذلان) أي وما العوض الَّذي تبذلانه لي في مقابلة الاستمتاع بي (فنشر) أي بسط (كل واحد منا بُرْده) أي كساءه ورداءه لتنظر إليه (فجعلت) المرأة أي شرعت المرأة (تنظر إلى الرجلين) منا (وبراها صاحبي) أي يرى صاحبي المرأة (تنظر إلى عطفها) بكسر العين المهملة وسكون الطاء المهملة أي إلى جانبها، وقيل من رأسها إلى وركها، وفي بعض النسخ ينظر بالياء التحتانية وكأنها تتبختر وتزهي بنفسها (فقال) صاحبي لها: (أن بُرْد هذا) أي رداء هذا أي رداء صاحبي (خلق) بفتح اللام أي بالٍ (وبُرْدي جديد غض) أي طري (فتقول) هي له في جوابه: (بُرْد هذا) تعني بُرْدي الخلق مبتدأ خبره (لا بأس به) أي لا مانع به عندي، فأنا رضيته واخترته على بُرْدك وإن كان خلقًا أي تقول لصاحبي هذا القول (ثلاث مرار) أي ثلاث مرات (أو مرتين) بالشك من الراوي (ثم) أخذت بُرْدي فـ (استمتعت منها) أي استمتعت بها ثلاث ليال (فلم أخرج) من عندها (حتَّى حرمها) أي حرم المتعة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعدما أذن لنا فيها ثلاث ليال فكان هذا التحريم مؤبدًا لم يأذن فيها بعده. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سبرة رضي الله تعالى عنه فقال: 3302 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) أبو جعفر النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي أبو الفضل البصري، له كنيتان الملقب بعارم، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا عمارة بن غزية) بن الحارث الأنصاري المدني (حدثني الربيع بن سبرة الجهني) المدني (عن أبيه) سبرة بن معبد الجهني المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان

قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ. فَذكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ. وَزَادَ: قَالتْ: وَهَلْ يَصْلُحُ ذَاكَ؟ وَفِيهِ: قَال: إِن بُرْدَ هذَا خَلَقٌ مَحٌّ. 3303 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرةَ الْجُهَنِيُّ؛ أَنَّ أَبَاهُ حدَّثَهُ؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة وهيب بن خالد لبشر بن مفضل (قال) سبرة بن معبد: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة (عام الفتح) أي فتح مكة سنة ثمان، وهذا تصريح في أن تحريم المتعة قد وقع في عام الفتح وسيأتي بسط الكلام عليه فانتظره (إلى مكة فذكر) وهيب بن خالد (بمثل حديث بشر) بن مفضل (و) لكن (زاد) وهيب على بشر لفظة (قالت) تلك المرأة في جواب طلبنا منها الاستمتاع بها (وهل يصلح ذاك) أي وهل يحل ويجوز ذاك الاستمتاع بالمرأة إلى مدة؟ (وفيه) أي وفي ذاك المثل الَّذي رواه وهيب لفظة (قال) صاحبي لها: (أن بُرْد هذا) الرجل الَّذي صاحبني (خلق) بفتحتين وبالخاء المعجمة أي قديم ليس بجديد (مَحٌّ) بميم مفتوحة وحاء مهملة مشددة وهو البالي، ومنه مخ الكتاب إذا بلي ودرس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 3303 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن عمر) بن عبد العزيز بن مروان القرشي الأموي أبو محمد المدني، روى عن الربيع بن سبرة في النِّكَاح، ومجاهد ومكحول، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن نمير وعبدة بن سليمان وشعبة ومسعر وعدة، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال النسائي وابن عياض: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من السابعة، مات سنة (147) سبع وأربعين ومائة (حدثني الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدّثه أنَّه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في غزوة الفتح. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد العزيز لعمارة بن غزية (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة أيام من يوم الإذن في التمتع (يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء) أي في

وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَمَنْ كَانَ عِنْدَة مِنْهنَّ شَيءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ. وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيتُمُوهنَّ شَيئًا". 3304 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التمتع بالنساء إلى مدة (وإن الله) سبحانه وتعالى (قد حرم ذلك) الاستمتاع إلى مدة (إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء) للاستمتاع بها (فليخل) أي فليترك (سبيله) أي سبيل ذلك الشيء الَّذي عنده من النساء ولا يحبسها عنده لأنها لا تحل له، وذكر الضمير نظرًا إلى لفظ شيء (ولا تأخذوا) منهن (مما آتيتموهن) أي أعطيتموهن في مقابل الاستمتاع بها (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا، قال النووي: وفي هذا أن المهر الَّذي كان أعطاها يستقر لها ولا يحل أخذ شيء منه وإن فارقها قبل الأجل المسمى كما أنَّه يستقر في النِّكَاح المعروف المهر المسمى بالوطء لا يسقط منه شيء بالفُرقة بعده اهـ. قال القرطبي: وإنما قال: (لا تأخذوا منهن شيئًا) الخ لأنهن استحققن ذلك بالدخول عليهن اهـ مفهم. وفي هذا الحديث التصريح بالمنسوخ والناسخ في حديث واحد من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" وفيه التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، وأنه يتعين تأويل قوله في الحديث إنهم كانوا يستمتعون إلى عهد أبي بكر وعمر على أنهم لم يبلغهم الناسخ كما سبق، وقد اختلف السلف في نكاح المتعة، قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها لا أعلم اليوم أحدًا يجيزها إلَّا بعض الرافضة ولا معنى لقول يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ منه بزيادة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه فقال: 3304 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبد العزيز بن عمر) بن عبد العزيز الأموي المدني (بهذا الإسناد) يعني عن الربيع عن سبرة بن معبد، غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان لعبد الله بن نمير (قال) سبرة بن معبد: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه

قَائِمًا بَينَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَهُوَ يَقُولُ. بِمِثلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. 3305 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا يَحْيَى بن آدَمَ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَن أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَال: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِالْمُتْعَةِ، عَامَ الْفَتْحِ، حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ. ثُمَّ لَمْ نَخرُجْ مِنْهَا حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قائمًا بين الركن) أي بين الحجر الأسود (والباب) أي باب الكعبة (وهو) أي والحال أنَّه صلى الله عليه وسلم (يقول): يا أيها الناس إلخ، وساق عبدة بن سليمان (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث سبرة رضي الله عنه فقال: 3305 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني) المدني، روى عن أبيه في النِّكَاح، ويروي عنه (م د ت س) وإبراهيم بن سعد وزيد بن الحباب، وثقه العجلي، وحكى ابن الجوزي عن ابن معين أنَّه قال: عبد الملك ضعيف، وقال أبو الحسن بن القطان: لم تثبت عدالته وإن كان مسلم أخرج له فغير محتج به، وقال في التقريب: ضعيف، من السابعة (عن أبيه) الربيع بن سبرة الجهني المدني (عن جده) سبرة بن معبد الجهني المدني. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد مروزي، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن الربيع لعبد العزيز بن عمر، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) سبرة بن معبد: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أمر إباحة لا وجوب ولا ندب (بالمتعة) أي بالتمتع بالنساء إلى مدة (عام) غزوة (الفتح) أي فتح مكة سنة ثمان (حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها) أي من مكة (حتَّى نهانا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنها) أي عن متعة النساء أي حرمها تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث سبرة رضي الله عنه فقال:

3306 - (00) (00) وحدَّثنا يَحيَى بن يَحيَى. أَخبَرَنَا عَبدُ الْعَزِيزِ بن الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي، رَبِيعَ بنَ سَبرَةَ يُحدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ سَبرَةَ بنِ مَعْبَدٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَامَ فَتحِ مَكةَ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّمَتُّعِ مِنَ النِّسَاءِ. قَال: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي مِن بَنِي سُلَيمٍ. حَتَّى وَجَدْنَا جَارِيةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ. كَأَنَّهَا بَكرَةٌ عَيْطَاءُ. فَخَطَبْنَاهَا إِلَى نَفْسِهَا. وَعَرَضْنَا عَلَيهَا بُرْدَينَا. فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ فَتَرَانِي أَجْمَلَ مِنْ صَاحِبِي. وَتَرَى بُرْدَ صَاحِبِي أَحْسَنَ مِن بُرْدِي. فَأَمَرَتْ نَفْسَهَا سَاعَةً. ثُمَّ اختَارتْنِي عَلَى صَاحِبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 3306 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد) الجهني المدني، روى عن أبيه في النِّكَاح، ويروي عنه (م د) ويحيى بن يحيى وابن وهب وابناه حرملة وسبرة، وثقه ابن حبان وقال: يخطئ، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة، ربما غلط (قال) عبد العزيز: (سمعت أبي ربيع بن سبرة يحدّث عن أبيه سَبْرة بن معبد) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى، غرضه بيان متابعة عبد العزيز بن الربيع لعبد الملك بن الربيع (أن نبي الله صلى الله عليه وسم عام فتح مكة أمر أصحابه) رضوان الله عليهم أمر إباحة (بالتمتع من النساء) أي بالاستمتاع بها إلى مدة (قال) سبرة: (فخرجت أنا وصاحب لي من بني سليم) من منزلنا إلى زقاق مكة وتجولنا في زقاقها (حتَّى وجدنا جارية) أي بنتًا شابة (من بني عامر) بني لؤي (كأنها) في قوامها وحسن قدِّها وجمالها وسمنها (بكرة) أي شابة قوية من الإبل (عيطاء) أي طويلة العنق (فخطبناها إلى نفسها) أي طلبنا زواجها من نفسها إلى مدة (وعرضنا) أي أظهرنا (عليها بُرْدينا) أي بُرْدين لنا في مقابلة الاستمتاع بها، تثنية بُرْد (فجعلت تنظر) إلينا (فتراني) أي رأتني وحبتني (أجمل من صاحبي، وترى بُرْد صاحبي أحسن من بُرْدي فأمرت) أي شاورت (نفسها ساعة) وفكرت في شأنها، وقوله: (فأمرت) بهمزة ممدودة أي شا ورت نفسها وفكرت في ذلك ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} (ثم اختارتني على صاحبي) أي فضلتني عليه وأجابت إلى استمتاعي بها دونه، وفيه دلالة على أن نكاح المتعة لا يفتقر إلى بينة، ذكر في المصباح في نكاح المتعة عن العباب كان الرجل يشارط المرأة شرطًا على شيء إلى أجل ويعطيها ذلك فيستحل بذلك فرجها ثم يخلي سبيلها من

فَكُنَّ مَعَنَا ثَلَاثًا. ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِفِراقِهِن. 3307 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. 3308 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى، يَوْمَ الْفَتْحِ، عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ غير تزويج ولا طلاق (فكن) النساء (معنا ثلاثًا) يريد صاحبته مع صواحب أصحابه إشعارًا بعموم الرخصة في المتعة (ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن) أي بفراق النسوة اللاتي تمتعنا بهن يعني ثم نهانا جميعًا عنها، واختلاف الرواة في وقت النهي لتفاوتهم في بلوغ الخبر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سبرة بن معبد سابعًا رضي الله عنه فقال: 3307 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه) سبرة بن معبد رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لمن روى عن الربيع بن سبرة (أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن نكاح المتعة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث سبرة رضي الله عنه فقال: 3308 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا) إسماعيل بن إبراهيم (بن علية) الأسدي البصري، ثقة، من (8) (عن معمر) بن راشد البصري (عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه) سبرة بن معبد رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى يوم الفتح عن متعة النساء).

3309 - (00) (00) وَحدَّثَنِيهِ حَسَن الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَن أَبِيهِ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، زَمَانَ الْفَتْحِ، مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ تَمَتَّعَ بِبُرْدَينِ أَحْمَرَينِ. 3310 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث سبرة رضي الله عنه فقال: 3309 - (00) (00) (وحدثنيه حسن) بن علي الذهلي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) أنَّه قال: (أخبرنا ابن شهاب عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه) سبرة بن معبد رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان لسفيان بن عيينة ومعمر بن راشد (أنه) أي أن أباه سبرة بن معبد (أخبره) أي أخبر الربيع بن سبرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن المتعة زمان الفتح) أي أيام فتح مكة بعد أن أذن لهم فيها أولًا، وقوله: (متعة النساء) بالجر بدل من المتعة احترز به عن متعة الحج (وأن أباه) أي أبا الربيع يعني سبرة بن معبد (كان تمتع) يومئذٍ أي استمتع بالمرأة (ببُرْدين أحمرين) قال السندي: معناه أي عرض هو ومن معه عليها المتعة ببردين أحمرين على البدلية والسيرة لا على الاجتماع فلا ينافي ما سبق والله أعلم، قال القرطبي: ولا تناقض بين ما هنا من كون النهي يوم الفتح وبين ما رُوي من تحريم نكاح المتعة يوم حنين وفي حجة الوداع وفي غزوة تبوك لأن ذلك محمول على أنَّه تكرر تحريمها في هذه المواطن كلها توكيدًا لها وزيادة في الإبلاغ اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه فقال: 3310 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله

ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخبَرَنِي عُرُوَةُ بن الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ قَامَ بِمَكَّةَ فَقَال: إِنَّ نَاسًا، أَعْمَى اللهُ قُلُوبَهُمْ. كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ. يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ. يُعرِّضُ بِرَجُلٍ. فَنَادَاهُ فَقَال: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي، قال: (قال) لنا (ابن شهاب) الزهري المدني: (أخبرني عروة بن الزبير) الأسدي المدني، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يونس لمن روى عن ابن شهاب (أن عبد الله بن الزبير قام) خطيبًا (بمكة) في زمن خلافته (فقال: إن ناسًا أعمى الله قلوبهم) عن معرفة الحق، والصواب يعني لا يهتدون إلى الحق أراد به التعريض بابن عباس لتجويزه المتعة يدل على كون مراده بالناس ابن عباس قوله: (كما أعمى الله أبصارهم) الظاهرة عن إدراك المبصرات فإنه قد عمي في آخر عمره، لكنه رضي الله عنه وإن صار ضريرًا في ظاهره قد كان بصيرًا في باطنه كما قال هو: إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور وجملة قوله: (يفتون) أي يجيبون للناس في استفتائهم (بالمتعة) أي بجواز المتعة مع أنها حرام بنص قاطع، بدل من جملة قوله: أعمى الله قلوبهم على كونها خبر إن (يُعرِّض) عبد الله بن الزبير بقوله: إن ناسًا الخ (برجل) من الصحابة أي يريد ذكره تعريضًا لا صريحًا، وقد عرفت أنَّه ابن عباس، وصرح به النووي، قال ابن الهمام: لا تردد في أن ابن عباس هو الرجل المعرض به، وكان رضي الله عنه قد كف بصره فلذا قال ابن الزبير كما أعمى أبصارهم وهذا إنما كان في خلافة ابن الزبير وذلك بعد وفاة علي رضي الله عنه فقد ثبت أنَّه مستمر القول على جواز المتعة ولم يرجع إلى قول علي، فالأولى أن يحكم أنَّه رجع بعد ذلك اهـ أي إن صح الرجوع عنه، قال الأبي: وفيه إنكار أحد الخصمين إذا كان ذا إمرة على مناظره بمثل هذا الكلام لأن هذا كان في خلافة ابن الزبير اهـ (فناداه) أي فنادى ذلك الرجل المعرِّض به لابن الزبير ردًّا عليه كلامه (فقال) في ندائه وقد عرفت أنَّه ابن عباس (أنك) يا ابن الزبير أي فنادى ابن عباس لابن الزبير فقال له: إنك يا ابن الزبير (لجلف جاف) الجلف بكسر الجيم هو الجافي، وإنما جمع بينهما مع ترادفهما تأكيدًا ومبالغة في إفادة المراد، والجافي هو الغليظ الطبع القليل

فَلَعَمْرِي! لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إِمَامِ المُتَّقِينَ (يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) فَقَال لَهُ ابْنُ الزُّبَيرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِكَ. فَوَاللهِ! لَئِنْ فَعَلْتَهَا لأرجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفهم والعلم والأدب لبعده عن أهل ذلك كأجلاف الأعراب، وأصل الجلف الشاة المسلوخة بغير رأس ولا قوائم اهـ مفهم، قاله ابن عباس لابن الزبير مناديًا له جهارًا في خلافته (فلعمري) أي فلحياتي قسمي أي أقسمت لك بحياتي فوالله (لقد كانت المتعة تفعل على عهد) أي في زمان (إمام المتقين) ومأخذ العارفين، وفي قوله: إمام المتقين تنبيه منه على أنَّه لو كانت المتعة مما يتقى لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بتقاة ذلك فإنه أتقى لله وأخوف من كل متق (يريد) ابن عباس بإمام المتقين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) أي لابن عباس (ابن الزبير فجرِّب بنفسك) أي إن كانت المتعة حلالًا عندك فافعلها أنت بنفسك وجرِّب ما يُقام عليك بسببها من الحد فضلًا عن غيرك مع تميزك بمزية العلم وشرف النسب (فوالله) أي فأقسمت لك بالإله الَّذي لا إله غيره (لئن فعلتها) أي فعلت المتعة أنت بنفسك (لأرجمنك) أي لأقتلنك (بأحجارك) التي أنت تستحق الرّجمَ بها لأنك إذا فعلتها تكون زانيًا محصنًا، وحد المحصن الرجم بالحجارة، ولعل في قوله هذا مبالغة في الوعيد لمنع المتعة، قال النووي: وهذا يدل على أنَّه بلغه الناسخ وأنه لم يشك في تحريمها، فقال: إن فعلت بعد ذلك كنت زانيًا ورجمتك بالأحجار التي تُرجم بها الزناة، قال القرطبي: ويحتج به من يوجب حد ناكح المتعة، ويحتمل أنَّه مبالغة في الزجر كذا في شرح الأبي، وقد ذكر عمر أيضًا الرجم وفي بعض الروايات، فقال: لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلَّا رجمته، قال الجصاص: فذكر عمر الرجم في المتعة، وجائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها اهـ فتح الملهم، قال الحافظ: واختلفوا هل يُحدّ ناكح المتعة أو يعزر؟ على قولين مأخذهما أن الاتفاق بعد الخلاف هل يرفع الخلاف المتقدم أم لَا؟ اهـ قال القرطبي: وكنايتهم عن ابن عباس في هذه المسألة بـ (رجل) ستر منهم له لأجل هذه الفتيا التي صدرت منه فإنها ما كانت تليق بعلمه ولا بمنصبه في الفضل والدين، وإنكار علي وابن الزبير وغيرهما وإغلاظهم عليه ولا منكر عليهم يدل على أن تحريم ذلك كان عندهم معلومًا اهـ من المفهم (قال ابن شهاب) بالسند السابق أخبرني: عروة ما تقدم (فأخبرني) أيضًا (خالد بن

الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيفِ اللهِ؛ أَنَّهُ بَينَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِي الْمُتْعَةِ. فَأَمَرَهُ بِهَا. فَقَال لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا. قَال: مَا هِيَ؟ وَاللهِ! لَقَدْ فُعِلَتْ في عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ. قَال ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إِنَّهَا كَانَتْ رُخْصة في أَوَّلِ الإِسْلَامِ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيهَا. كَالْمَيتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المهاجر بن سيف الله) فهو معطوف على أخبرني عروة بن الزبير - بفاء التعقيب؛ أي أخبرني خالد بن المهاجر بصيغة اسم الفاعل - ابن سيف الله خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي، روى عن ابن أبي عمرة، قوله في نكاح المتعة وابن عمر وابن عباس، ويروي عنه (م) والزهري وثور بن يزيد، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صالح الحديث، من الثالثة، وأرسل عن عمر ولم يدركه، وسيف الله هو لقب خالد بن الوليد بن المغيرة سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعلم صحابته بوحي من الله تعالى وهو في المدينة بقتل زيد وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم في غزوة مؤتة، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله سله الله على الكفار خالد بن الوليد ففتح الله عليه فكان يُعرف بعد ذلك بسيف الله (أنه) أي أن خالد بن المهاجر (بينا هو) أي خالد (جالس عند رجل) من الصحابة الظاهر مما مضى أن خالدًا أراد بهذا الرجل ابن عباس (جاءه) أي جاء لهذا الرجل الَّذي أنا جالس جنبه (رجل) آخر من التابعين (فاستفتاه) أي فاستفتى وسال الرجل الأخير الَّذي هو التابعي الرجل الأول الَّذي هو الصحابي وهو ابن عباس (في) حكم (المتعة) هل فعلها حلال أم حرام؟ (فأمره) أي فأمر الرجل الأول الَّذي هو الصحابي الرجل الثاني الَّذي هو التابعي (بها) أي بفعل المتعة أي إن شئت تمتع بالنساء فهو حلال، قال ابن المهاجر: (فقال له) أي لذلك الرجل المفتي وهو ابن عباس كما صرح به البيهقي في رواية عبد الرحمن (ابن أبي عمرة الأنصاري) النجاري المدني (مهلًا) يا ابن عباس أي تمهل وتان واتئد في فتياك بجواز المتعة ولا تعجل فيها (قال) ابن عباس: (ما هي) إلَّا حلال أي ما المتعة إلَّا حلال ولا شك فيها (والله لقد فعلت) المتعة (في عهد إمام المتقين) صلى الله عليه وسلم (قال ابن أبي عمرة) ردًّا على ابن عباس (أنها) أي إن المتعة (كانت رخصة) أي جائزة (في أول الإسلام) وصدره (لمن اضطر إليها) أي لمن احتاج إليها حاجة اضطرارية لا بد ولا غنى عنها كالسفر عن الأوطان والأهالي وشدة العزوبة فيها (كالميتة والدم ولحم الخنزير) أي فهي

ثمّ أَحْكَمَ اللهُ الدِّينَ وَنَهَى عَنْهَا. قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ؛ أَن أَبَاهُ قَال: قَدْ كُنْتُ اسْتَمْتَعْتُ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، بِبُرْدَينِ أَحْمَرَينِ. ثمّ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُتْعَةِ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْتُ رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ ذلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جائزة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كما أن أكل الميتة والدم ولحم الخنزير جائز للمضطر إليها فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أباحها لهم وهم في بيوتهم وأوطانهم، وإنما أباحها لهم في أوقات بحسب الضرورات حتَّى حرمها عليهم في آخر الأمر تحريم تأبيد كما قال (ثم) بعدما كانت رخصة في أول الإسلام (أحكم الله) سبحانه وتعالى (الدين) الإسلامي أي أتقن أحكامه وأثبته بلا ترخيص فيها (ونهى عنها) أي عن المتعة نهيًا مؤبدًا لا ترخيص فيه، وقول ابن أبي عمرة هو الحق الصريح كما شهدت له الأحاديث الصحيحة المتقدمة، وأما ما روي أنهم كانوا يستمتعون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حتَّى نهى عنها عمر فمحمول على أن الَّذي استمتع لم يكن بلغه النسخ ونهي عمر كان لإظهار ذاك لشيوعها في عهده ممن لم يبلغه النهي. وشارك المؤلف في رواية هذه القصة أعني قصة ابن أبي عمرة عن ابن عباس أبو داود [3072]، والنسائي [6/ 126]. (قال ابن شهاب) بالسند السابق فاخبرني ابن أبي عمرة ما تقدم (وأخبرني) أيضًا (ربيع بن سبرة الجهني) فهو معطوف على قوله: فأخبرني ابن أبي عمرة، وهذا هو المقصود بالمتابعة في هذا السند وما قبله توطئة له (أن أباه) سبرة بن معبد الجهني المدني رضي الله عنه (قال: قد كنت استمتعت) أي تمتعت أنا وصاحب لي إلى مدة (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (امرأة من بني عامر ببُرْدين أحمرين) أي طلبنا منها الاستمتاع بعوض هو بُردان أحمران أحدهما لي والآخر لصاحبي أي طلبنا منها الاستمتاع على سبيل التعاقب والتناوب لا على سبيل الاجتماع ببُردين نعطيها إياهما في مقابلة الاستمتاع (ثم) بعد ما استمتعنا بها ثلاث ليال (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة) أي عن نكاح المتعة (قال ابن شهاب) بالسند السابق: (وسمعت ربيع بن سبرة يحدّث ذلك) الحديث أمير المؤمنين (عمر بن عبد العزيز) بن مروان

وَأَنَا جَالِسٌ. 3311 - (00) (00) حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَال: حَدَّثَنَا الرّبِيعُ بْنُ سَبرَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ. وَقَال: "أَلَا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيئًا فَلَا يَأخُذْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموي المدني (وأنا) أي والحال أني (جالس) عنده. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه فقال: 3311 - (00) (00) (حَدَّثَنَا سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي مولاهم مولى بني مروان أبو علي الحراني، صدوق، من (9) (حَدَّثَنَا معقل) بن عبيد الله العبسي بالموحدة مولاهم أبو عبد الله الحراني، صدوق، من (8) (عن) إبراهيم (بن أبي عبلة) بفتح العين وسكون الموحدة اسمه شمر بن يقظان بن عامر بن عبد الله بن المرتحل بصيغة اسم الفاعل العقيلي مصغرًا الشامي، روى عن عمر بن عبد العزيز في النِّكَاح، وأبي أمامة وأنس وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س ق) ومعقل بن عبيد الله والأوزاعي ومالك والليث وابن المبارك وعدة، وله في الصحيح هذا الحديث الواحد، وثقه ابن معين والنسائي وابن المديني ويعقوب بن سفيان وأبو حاتم والخطيب وابن عبد البر والدارقطني، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة بفلسطين، وله في مسلم حديث واحد (عن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبي حفص المدني، ثقة، من (4) (قال) عمر بن عبد العزيز (حَدَّثَنَا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه) سبرة بن معبد رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان حرانيان وواحد شامي وواحد نيسابوري، غرضه بيان متابعة عمر بن عبد العزيز لمن روى عن ربيع بن سبرة (أن رسول الله. صلى الله عليه وسأنهى عن المتعة) أي عن نكاحها (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا) أي انتبهوا واستمعوا (أنها) أي إن المتعة (حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئًا) من المال للمرأة التي تمتع بها (فلا يأخذه) منها لأنه يستقر لها بالدخول كالنِّكَاح المعتاد والله أعلم.

3312 - (1327) (77) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ وَالحَسَنِ ابْنَي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَن أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّساءِ، يَوْمَ خَيبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث ابن مسعود بحديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما فقال: 3312 - (1327) (77) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبد الله) بن محمد بن علي بن أبي طالب بن ابن الحنفية الهاشمي أبي هاشم المدني، روى عن أبيه محمد بن علي ابن الحنفية في النِّكَاح والذبائح، ويروي عنه (ع) والزهري وسالم بن أبي الجعد، قال ابن سعد: كان صاحب علم ورواية وكان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: ثقة، وقال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، قرنه الزهري بأخيه الحسن فقال: حَدَّثَنَا عبد الله والحسن ابنا محمد بن علي، وكان الحسن أرضاهما، مات سنة (99) تسع وتسعين بالشام (والحسن) بن محمد بن علي بن أبي طالب بن ابن الحنفية الهاشمي أبي محمد المدني ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب، وقوله: (ابني محمد بن علي) بالتثنية صفة لعبد الله والحسن (عن أبيهما) محمد بن علي بن الحنفية الهاشمي أبي القاسم المدني نُسب إلى أمه خولة بنت جعفر الحنفية المنسوبة إلى بني حنيفة، ثقة عالم، من (2) الثانية، مات سنة (80) ثمانين، روى عنه في (2) بابين الوضوء والنِّكَاح (عن) أبيه أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن متعة النساء يوم خيبر) قال الحافظ: لجميع الرواة عن ابن شهاب الزهري (خيبر) بالمعجمة أوله وبالراء آخره إلَّا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث فإنه قال: حنين - بمهملة أوله ونونين - أخرجه النسائي والدارقطني ونبها على أنَّه وهم تفرد به عبد الوهاب، وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد فقال: خيبر على الصواب، وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ (نهى في غزوة تبوك عن نكاح المتعة) وهو خطا أيضًا اهـ وقال السندي: وأما ما أخرجه الطبراني عن محمد ابن الحنفية قال:

وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. 3313 - (00) (00) وحدَّثناه عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب ـــــــــــــــــــــــــــــ تكلم علي وابن عباس في متعة النساء فقال له علي: إنك امرؤ تائه إن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن متعة النساء في حجة الوداع وإن كان رجاله رجال الصحيح لكن لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن علي عند الشيخين أنَّه نهى عنها يوم خيبر وكون رجال الحديث رجال الصحيح لا يقتضي صحة الحديث من كل وجه فإن صحة الحديث متوقفة على نفي الشذوذ والعلة، والثذوذ موجود في حديث الطبراني كما لا يخفى فتعين القول بصحة ما أخرجه الشيخان وعدم الالتفات إلى ما أخرجه الطبراني والله أعلم اهـ منه (و) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا يوم خيبر (عن أكل لحوم الحمر الإنسية) أي الأهلية، قيد به لإخراج الوحشية فإنها حلال بالأحاديث الصحيحة، قال النووي: قوله: الإنسية ضبطوه بوجهين: أحدهما كسر الهمزة وإسكان النون، والثاني فتحهما جميعًا، وصرح القاضي بترجيح الفتح وأنه رواية الأكثرين وقال والإنس بفتح الهمزة الناس وكذلك بكسرها اهـ، لكن قال في النهاية: والمشهور فيها كسر الهمزة وإسكان النون منسوبة إلى الإنس وهم بنو آدم: الواحد إنسي اهـ، قال النووي: وفي هذا الحديث تحريم لحوم الحمر الإنسية وهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلَّا طائفة يسيرة من السلف فقد رُوي عن ابن عباس وعائشة وبعض السلف إباحته، ورُوي عنهم تحريمه، ورُوي عن مالك كراهته وتحريمه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 79]، والبخاري [5115]، والترمذي [1121]، والنسائي [7/ 252]، وابن ماجة [1961]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3313 - (00) (00) (وحدثناه عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى بني ضبيعة أبو عبد الرحمن البصري (حَدَّثَنَا جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، صدوق، من (7) (عن مالك) بن أنس (بهذا الإسناد) يعني عن ابن شهاب عن ابني محمد عن أبيهما عن علي، غرضه بيان متابعة عبد الله بن محمد ليحيى بن يحيى في الرواية عن مالك ولكنها متابعة ناقصة (و) لكن (قال) عبد الله بن محمد في روايته: (سمع) محمد بن علي أباه (علي بن أبي طالب) بصيغة السماع لا

يَقُولُ لِفُلَانٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ تَائِهٌ. نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ. 3314 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهَيز: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعنعنة، حالة كون علي (يقول لفلان) كناية عن ابن عباس أي يقول لابن عباس: (إنك) يا ابن عباس (رجل تائه) أي حائر ذاهب مائل عن الاستقامة، اسم فاعل من تاه الإنسان في المفازة يتيه تيهًا أي ضل عن الطريق، وفي المفهم: التائه الحائد عن مقصوده الحائر يعني إنك في زعمك الحل في متعة النساء لست على هدًى فإن رسول الله صلى الله عليه وسأنهانا عنها، قال الحافظ: التائه بمثناة فوقانية وهاء آخر الحروف بوزن فاعل من التيه وهو الحيرة وإنما وصفه بذلك إشارة إلى أنَّه تمسك بالمنسوخ وغفل عن الناسخ فإنه (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن متعة النساء، وساق عبد الله بن محمد (بمثل حديث يحيى بن يحيى عن مالك) وحُكي عن ابن عباس أنَّه رجع عن القول بحلها حين قال له علي هذا القول، لكن سبق من المؤلف ما يدل على عدم رجوعه عن ذلك بعد قول علي له ذلك فإن ما جرى بين ابن عباس وبين ابن الزبير من المكالمات العنيفة المتقدمة إنما كان في خلافة عبد الله بن الزبير وذلك بعد وفاة علي رضي الله عنهم فالظاهر كما في المرقاة أن ابن عباس رجع عن الجواز المطلق وقيد جوازها بحال الضرورة نحو ما مر في قول ابن عمر من تخصيص إباحتها للمضطرين حال اضطرارهم، وفي شرح القاضي: أحاديث إباحة المتعة وردت في أسفارهم في الغزو وعند ضروراتهم وعدم النساء مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل والعجب من الشيعة أنهم تركوا مذهب علي وأخذوا بقول غيره اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3314 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وزهير بن حرب جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن ابن عيينة قال زهير: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي) بن أبي طالب (عن أبيهما) محمد بن علي بن الحنفية (عن) جدهما (علي) بن أبي طالب. وهذا السند من

أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، يَوْمَ خَيبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 3315 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الحَسَنِ وَعَبدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَن أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسِ يُلَيِّنُ في مُتْعَةِ النِّسَاءِ. فَقَال: مَهْلًا. يَا ابْنَ عَبَّاسِ! فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية) هي بمعنى الإنسية في الرواية السابقة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3315 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن ابن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي) بن أبي طالب (عن أبيهما) محمد بن علي ابن الحنفية (عن) جدهما (علي) بن أبي طالب (أنَّه سمع ابن عباس يلين) أي يسهل (في متعة النساء) أي يسهل القول فيها ولا يشدده لكونه مائلًا إلى جوازها (فقال) له علي: (مهلًا يا ابن عباس) أي تمهل عن إفتائك في جواز المتعة في النساء ولا تستعجل (فإن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عنها يوم خيبر و) نهى فيه أيضًا (عن) أكل الحوم الحمر الأنسية) ذكر النووي وغيره أن التحريم والإباحة كانا مرتين وكانت حلالًا قبل خيبر ثم حُرِّمت يوم خيبر ثم أُبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما ثم حُرِّمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم وأجمعوا على أنَّه متى وقع نكاح المتعة الآن حُكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول أو بعده ولم يخالف في تحريمها إلَّا المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد عُلم أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها وتعلقوا بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ونظم الآية الكريمة آب عن ذلك فإن معنى قوله فما استمتعتم فما نكحتم على الشريطة التي في قوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ} أي عاقدين النِّكَاح قالوا: وقرأ ابن مسعود فما

3316 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِمَا؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِب يَقُولُ لابْنِ عَبَّاسٍ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَن مُتْعَةِ النِّسَاءِ، يَوْمَ خَيبَرَ، وَعَنْ أَكلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ استمتعتم به منهن إلى أجل، وقراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآنًا ولا خبرًا ولا يلزم العمل بها وإن تعلقوا باختلاف الرواية في أحاديث النهي لأنه في حديث أنَّه نهى عنها يوم خيبر وفي آخر أنَّه يوم الفتح وذلك تناقض قادح فيها فالجواب إنه ليس تناقضًا لأنه يصح أن ينهى عن الشيء في زمن ثم يكرر النهي عنه في زمان آخر تأكيدًا أو ليشتهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولًا، فسمع بعض الرواة النهي في زمن وسمعه آخرون في زمن آخر فنقل كل منهم ماسمعه وأضافه إلى زمان سماعه اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3316 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأمويّ المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أنَّه سمع علي بن أبي طالب) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة يونس لعبيد الله بن عمر، حالة كون علي (يقول لابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث، الأول: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث جابر الثالث ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث سبرة بن معبد ذكره للاستشهاد وذكر فيه إحدى عشرة متابعة، والسابع: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

527 - (13) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وما جاء في نكاح المحرم وخطبته

527 - (13) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وما جاء في نكاح المُحْرِم وخِطْبته 3317 - (1328) (78) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُجْمَعُ بَينَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَينَ الْمَرْأَةِ وَخَالتِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 527 - (13) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وما جاء في نكاح المُحْرِم وخِطْبته 3317 - (1328) (78) (حَدَّثَنَا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب التميمي الحارثي (القعنبي) المدني، البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا مالك) بن أنس المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يُجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) فقوله: لا يُجمع وكذا قوله في الرواية الآتية (لا تُنكح) كله في الروايات بالرفع على الخبر عن المشروعية وهو يتضمن النهي عن ذلك قاله القرطبي، قال النووي: وهو أبلغ في النهي لأن خبر الشارع لا يتصور وقوع خلافه والنهي قد تقع مخالفته فكان المعنى عاملوا هذا النهي معاملة الخبر المتحتم، وفي بعض الروايات عند ابن حبان: "نهى أن تزوج المرأة على العمة أو الخالة" وقال: "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال الشافعي: تحريم الجمع بين من ذُكر هو قول من لقيته من المفتين لا اختلاف بينهم في ذلك، وقال الترمذي بعد تخريجه: العمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافًا إنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة أوعمتها أو خالتها ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، وقال ابن المنذر: لست أعلم في منع ذلك اختلافًا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج، وإذا ثبت الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه، وكذا نقل الإجماع ابن عبد البر وابن حزم، واستثنى النواوي طائفة من الخوارج والشيعة، واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه: وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذُكر فيه بالنِّكَاح وكذلك أجمع المسلمون على تحريم الجمع بين الأختين بالنِّكَاح لقوله

3318 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أَنْ يُجْمَعَ بَينَهُن: الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَخَالتِهَا. 3319 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (قَال ابْنُ مَسْلَمَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَينَ الْأُخْتَينِ} [النساء / 23] وأما بملك اليمين فرُوي عن بعض السلف جوازه وهو خلاف وإذ استقر الإجماع بعده على خلافه، وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا عن الدين وخرجوا منه ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 462]، والبخاري [5109]، والنسائي [6/ 96]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3318 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري، ثقة فقيه، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عراك بن مالك للأعرج (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أربع نسوة أن يُجمع) بالبناء للمفعول، والظرف في قوله: (بينهن) نائب فاعل له، والجملة في تأويل مصدر مجرور على كونه بدل اشتمال عن أربع، والتقدير نهى عن أربع نسوة نهى عن الجمع بينهن (المرأة وعمتها) بالجر بدل ثان من أربع أو من ضمير بينهن ولكنه بدل بعض من كل، وقوله: (والمرأة وخالتها) بالجر معطوف على ما قبله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3319 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن عبد العزيز) بن عثمان بن حنيف أبو محمد الأنصاري المدني (قال) عبد الله (بن مسلمة:

مَدَنِيٌّ مِنَ الأَنْصَارِ مِن وَلَدِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الأَخِ، وَلَا ابْنَةُ الأُخْتِ عَلَى الْخَالةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مدني من الأنصار من ولد أبي أمامة بن سهل بن حنيف) وكان قد ذهب بصره، روى عن الزهري في النِّكَاح والعتق، ويروي عنه (م) والقعنبي وسعيد بن أبي مريم، قال يعقوب بن شيبة: ثقة، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث وكان عالمًا بالسيرة وغيرها، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأزدي: ليس بالقوي عندهم، وقال أبو حاتم: شيخ مضطرب الحديث، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من الثامنة، مات سنة (162) اثنتين وستين ومائة، له عند مسلم فرد حديث (عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤبب) مصغرًا ابن حلحلة الخزاعي أبي إسحاق الشامي، سكن الشام ومات بها من أولاد الصحابة، له رؤية، وثقه ابن حبان، مات سنة (86) روى عنه في (2) بابين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا قبيصة فإنه شامي (قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُنكح العمة علي بنت الأخ ولا ابنة الأخت على الخالة) ظاهره تخصيص المنع بما إذا تزوج إحداهما على الأخرى ويؤخذ منه منع تزوجهما معًا فإن جمع بينهما بعقد بطلا أو مرتبًا بطل الثاني. قال النووي: وهذا الحديث دليل لمذاهب العلماء كافة أنَّه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها سواء كانت عمة وخالة حقيقية وهي أخت الأب وأخت الأم أو مجازية وهي أخت أبي الأب وأبي الجد وإن علا وأخت أم الأم وأم الجدة من جهتي الأم والأب وإن علت فكلهن بإجماع العلماء يحرم الجمع بينهما، وعبارة المبارق: أي لا يجوز الجمع في النِّكَاح وإن علت العمة أو الخالة وإن سفلت الابنة لأن ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم، وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين، قيل هذا الحديث مشهور يجوز تخصيص عموم الكتاب به وهو قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} كذا في المبارق. وقال الدهلوي: الأصل في هذا التحريم الاحتراز عن قطع الرحم بين الأقارب فإن الضرتين تتحاسدان وينجر البغض إلى أقرب الناس منها والحسد بين الأقارب أخنع وأشنع، وقد كره جماعة من السلف ابنتي عم لذلك فما ظنك بامرأتين أيهما فرض ذكرًا

3320 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُويبٍ الْكَعْبِيُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أتى يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَينَ الْمَرْأةِ وَعَمَّتِهَا، وَبَينَ الْمَرْأةِ وَخَالتِهَا. قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَى خَالةَ أَبِيهَا وَعَمَّةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ. 3321 - (00) (00) وحدَّثني أبُو مَعْنٍ الرِّقَاشِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرمت عليه الأخرى كالأختين والمرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأصل في تحريم الجمع بين بنت النبي صلى الله عليه وسلم وبنت غيره فإن الحسد من الضرة واستيثارها من الزوج كثيرًا ينجران إلى بغضها وبغض أهلها وبغض النبي صلى الله عليه وسلم ولو بحسب الأمور المعاشية يفضي إلى الكفر اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3320 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني قبيصة بن ذؤيب الكعبي) الخزاعي نسبة إلى خزاعة، وهي ولد حارثة بن كعب أبو إسحاق الشامي (أنه سمع أبا هريرة يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها) في الوطء بنكاح وكذا بملك اليمين (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فنُرى) بضم النون أي نظن وبفتحها أي نعتقد (خالة أبيها وعمة أبيها) أن تكون (بتلك المنزلة) أي بمنزلة خالتها الحقيقية وبمنزلة عمتها الحقيقية في تحريم الجمع بينهما وبين المرأة كما ذكرناه بقولنا سابقًا سواء كانت حقيقية أو مجازية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3321 - (00) (00) (وحدثني أبو معن الرقاشي) زيد بن يزيد البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو

حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى؛ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالتِهَا". 3322 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنْ يَحْيَى. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 3323 - (1329) (79) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري، ثقة، من (7) (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (أنَّه) أي أن يحيى (كتب إليه) أي إلى هشام (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لمن روى عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) حقيقيتين كانتا أو مجازيتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3322 - (00) (00) (وحثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي، ثقة، من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري، ثقة، من (7) (عن يحيى) بن أبي كثير اليمامي (حدثني أبو سلمة) بن عبد الرحمن (أنه سمع أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شيبان لهشام في الرواية عن يحيى بن أبي كثير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وساق شيبان (بمثله) أي بمثل حديث هشام الدستوائي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له فقال: 3323 - (1329) (79) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) الداسوائي (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم البصري (عن أبي

هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالتِهَا وَلَا تَسْأَلُ الْمَرْأَة طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ صَحْفَتَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) الخطبة بكسر الخاء وسكون الطاء طلب المرأة للتزوج، والممنوع من ذاك هو أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقا على صداق معلوم ويتراضيا ولم يبق إلَّا العقد، فأما إذا لم يتفقا ولم يتراضيا ولم يركن أحدهما إلى الآخر فلا يمنع من خطبتها وهو خارج عن النهي، وقوله: (ولا يسوم) الرجل (على سوم أخيه) المسلم وكذا الذمي، قال النواوي: هكذا هو في جميع النسخ، ولا يسوم بالواو والرفع، وهكذا يخطب بالرفع وكلاهما لفظه لفظ الخبر والمراد به النهي وهو أبلغ في النهي لأن خبر الشارع لا يتصور وقوع خلافه والنهي قد تقع مخالفته فكان المعنى عاملوا هذا النهي معاملة الخبر المتحتم اهـ. ومعنى سومه على سوم أخيه هو أن يتساوم المتبايعان في السلعة ويتقارب الانعقاد فيجيء رجل آخر يريد أن يشتري تلك السلعة ويخرجها من يد المشتري الأول بزيادة على ما استقر الأمر عليه بين المتساومين ورضيا به قبل الانعقاد فذاك ممنوع عند المقاربة لما فيه من الإفساد ومباح في أول العرض والمساومة. (ولا تُنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا تسأل المرأة) الأجنبية زوج امرأة أخرى (طلاق أختها) في الدين أو في النسب أو الرضاع في العصمة التي تحته (لـ) تتزوجه و (تكتفئ) أي تفرغ في إنائها (صحفتها) أي ما في صحفة تلك الأخت ويكون للسائلة ما كان للمطلقة أولًا من النفقات والحظوظ الزوجية أو المعنى لا تسأل المرأة المُزوَّجة التي لها ضرة زوجها (طلاق أختها) أي طلاق ضرتها (لتكتفئ) أي لتفرغ في إنائها (صحفتها) أي ما في صحفة المطلقة وتختص بالزوج وماله، ويجوز (في تسأل) الرفع على الخبر الَّذي يراد به النهي وهو المناسب لما قبله من قوله: لا يخطب ولا يسوم، والجزم بالسكون الممنوع بحركة التخلص على النهي الحقيقي، ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل زوج المرأة طلاق زوجته وأن ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة

وَلْتَنْكِحْ. فَإنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا". 3324 - (00) (00) وحدَّثني مُحْرزُ بن عَوْنِ بنِ أَبِي عَوْنٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عَن دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مجازًا، والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين أو في البشرية فتدخل الكافرة، ومعنى السؤال الطلب، والصحفة إناء كالقصعة، وقال الزمخشري: الصحفة قصعة مستطيلة، وقوله لتكتفئ افتعال من الكفء بفتح الكاف يقال كفأت القدر أو القصعة من باب منع وأكفاتها واكتفاتها إذا كببتها وقلبتها أو أملتها لتفرغ ما فيها، قال ابن الأثير: وهذا تمثيل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها، قال الأبي: ومن الباب أن يقول الولي لا أزوجك ابنتي حتَّى تطلّق من في عصمتك، وليس من الباب أن يشترط على الزوج في العقد طلاق من يتزوج على موليته لأن عصمة الداخلة عليها لم يثبت بعد اهـ (ولتنكح) بإسكان اللام والجزم على أن اللام لام الأمر أي ولتتزوج هذه المرأة الطالبة طلاق أختها من خطبها (فإنما لها) أي لهذه المرأة أن تسأل طلاق أختها (ما كتب الله لها) أي ما قدَّر الله لها في الأزل وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلَّا ما قدره الله من ذلك، ويحتمل كسر اللام وفتح الحاء على أنها لام التعليل عطفًا على لتكتفئ فيكون تعليلًا لسؤاك طلاقها أي لا تسأل طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفة الأخت وتتزوج زوجها، قال القرطبي: يعني أنها تنكح ولا تشترط طلاق الضرة فإن الله تعالى إن كان قد قدر أن تنفرد بذلك الزوج وصلت إلى ذلك، وإن لم يقدره لم ينفعها الشرط فقد يطلق الضرة ثم يردها فلا يحصل للمشترطة مقصودها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2140]، وأبو داود [2080]، والترمذي [1134]، والنسائي [7/ 258]، وابن ماجة [1272]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 3324 - (00) (00) (وحدثني محرز بن عون بن أبي عون) الهلالي أبو الفضل البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه (م) في (2) بابين، ولم يرو عنه غيره من أصحاب الأمهات (حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن داود بن أبي هند) دينار القشيري مولاهم أبي بكر البصري

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَفَتِهَا أَوْ خَالتِهَا. أَوْ أَن تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكتَفِئَ مَا في صَحْفَتِهَا. فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَازِقُهَا. 3325 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ وَأَبُو بَكرِ بن نَافِعٍ. (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى وَابْنِ نَافِعٍ) قَالُوا: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَن أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْمَعَ بَينَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَبَينَ الْمَرْأَةِ وَخَالتِهَا. 3326 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بن حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن) محمد (ابن سيرين عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي هند لهشام الدستوائي (قال) أبو هريرة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها أو) بمعنى الواو العاطفة أي و (أن تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ) أي لتفرغ لنفسها (ما في صحفتها فإن الله عزَّ وجلَّ رازقها) وقال الأبي: والمراد بالأخت ما هو أعم من كونها معها في العصمة كالضرة أو لا في العصمة كالأجنبية، وقوله: (فإن الله رازقها) هو بيان لإلغاء ما اعتبرته السائلة اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 3325 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (واللفظ) الآتي (لابن المثنى وابن نافع قالوا: أخبرنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لمحمد بن سيرين (قال) أبو هريرة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 3326 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا

شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِفذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3327 - (1330) (80) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِع، عَنْ نُبَيهِ بن وَهْبٍ، أَن عُمَرَ بْنَ عُبَيدِ اللهِ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ، بِنْتَ شَيبَةَ بْنِ جُبَيرِ. فَأرْسَلَ إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذلِكَ. وَهُوَ أَمِيرُ الْحَج. فَقَال أَبَان: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفانَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي، صدوق، من (7) (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى شعبة عن عمرو، غرضه بيان متابعة ورقاء لشعبة. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: 3327 - (1330) (80) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع) بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبي سهيل التيمي المدني حليف بني تيم من قريش، ثقة، من (4) (عن نبيه بن وهب) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الجمحي المدني، ثقة، من (3) (أن عمر بن عبيد الله) بن معمر الحجبي (أراد) في الحج (أن يزوِّج) ابنه (طلحة بن عمر) بن عبيد الله بن معمر (بنت شيبة بن جبير) بن عثمان الحجبي، وذكر الزبير بن بكار أن هذه البنت تسمى أمة الحميد، قال نبيه بن وهب: (فارسد) ضي عمر بن عبيد الله (إلى أبان بن عثمان) بن عفان لي (يحضر) أبان بن عثمان (ذلك) الزواج، قال الأبي: فيه استحباب الاستئذان لحضور العقد (وهو) أي والحال أن أبانًا (أمير) الحجاج في (الحج فقال أبان) زجرًا عن ذلك الزواج (سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (لا يَنكح المُحْرم) بفتح الياء وكسر الكاف على صيغة المعلوم من نكح الثلاثي أي لا يتزوج المحرم امرأة أي لا يقبل نكاحها (ولا يُنكح) بضم الياء وكسر الكاف من أنكح الرباعي أي لا يُزوج الرجل المحرم امرأة إما بالولاية أو بالوكالة (ولا يخطب) بضم الطاء من الخطبة بكسهر الخاء أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يطلب امرأة لنكاح أي زواج، ورُويت الكلمات الثلاث بالنفي والنهي، وذكر الخطابي أنها على صيغة النهي أصح على أن النفي بمعنى النهي أيضًا بل أبلغ، والأولان للتحريم والثالث للتنزيه عند الشافعي فلا يصح نكاح المحرم ولا إنكاحه عنده والكل للتنزيه عند أبي حنيفة. قال القرطبي: قوله: (ولا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب) لا خلاف في منع المحرم من الوطء، والجمهور على منعه من العقد لنفسه ولغيره ومن الخطبة كما هو ظاهر هذا الحديث، وكما دل عليه قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197] على أحد التأويلات المتقدمة في كتاب الحج، وذهب بعضهم إلى أنَّه يجوز للمحرم ذلك تمسكًا بحديث ابن عباس التالي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. وهذا لا حجة فيه لأوجه: (1) أحدها إن هذا الحديث مما انفرد به ابن عباس دون غيره من كبراء الصحابة ومعظم الرواة. (2) وثانيها إنكار ميمونة لهذا وإخبارها بأنه صلى الله عليه وسلم تزوج بها وهو حلال وهي أعلم بقصتها منه. (3) وثالثها أن بعض أهل النقل والسير ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مولاه أبا رافع من المدينة فعقد نكاحها بمكة بوكالة النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك، ثم وافى النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا فبنى بها بسرف حلالًا وأشهر تزوجها بمكة عند وصوله إليها. (4) ورابعها أن قول ابن عباس (وهو محرم) يحتمل أن يكون دخل في الحرم فإنه يقال أحرم إذا دخل في الحرم، واسم الفاعل منه محرم كما يقال: أنجد وأتهم وهو منجد ومتهم إذا دخل ذلك. (5) وخامسها تسليم ذلك كله وادعاء الخصوصية بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد ظهرت تخصيصاته في باب النِّكَاح بأمور كثيرة كما خُص بالموهوبة وبنكاح تسع وبالنِّكَاح من غير ولي ولا إذن الزوجة كما فعل مع زينب إلى غير ذلك. (6) وسادسها أن هذه حكاية حال واقعة معينة تحتمل أنواعًا من الاحتمالات المتقدمة، والحديث المقتضي للمنع ابتداء تقعيد قاعدة وتقريرها فهو أولى على كل حال والله الموفق اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1841]، والترمذي [840]، والنسائي [5/ 192]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان رضي الله عنه فقال:

3328 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكرٍ المُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ نَافِعٍ. حَدَّثَنِي نُبَيهُ بْنُ وَهْبٍ. قَال: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ بْنِ مَعْمَرٍ. وَكَانَ يَخْطُبُ بِنْتَ شَيبَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِهِ. فَأَرْسَلَنِي إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ. فَقَال: أَلَا أُرَاهُ أَعْرَابِيًّا: "إِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ". أَخْبَرَنَا بِذلِكَ عُثْمَانُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3328 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) بتشديد الدال المفتوحة أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (عن نافع) بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني (حدثني نبيه بن وهب) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي المدني (قال) نبيه بن وهب: (بعثني عمر بن عبيد الله بن معمر) الحجبي (وكان) عمر بن عبيد الله يريد أن (يخطب بنت شيبة) بن جبير (بن عثمان) الحجبي، فإن قلت: في الرواية الأولى قال: بنت شيبة بن جبير، وقال في هذه: بنت شيبة بن عثمان فبين الروايتين معارضة فأيهما الصواب؟ (قلت): الروايتان صحيحتان الأولى حقيقية لأنها نسبت شيبة إلى أبيه الحقيقي وهو جبير، والثانية مجازية لأنها نسبت شيبة إلى جده عثمان فلذلك قدرنا لفظ جبير في حلنا والله أعلم؛ أي أراد أن يخطب بنت شيبة (على ابنه) أي لابنه طلحة بن عمر بن عبيد الله (فأرسلني) عمر بن عبيد الله (إلى أبان بن عثمان وهو) أي أبان بن عثمان أمير (على الموسم) أي على موسم الحجاج ومجمعهم (فقال) أبان بن عثمان: (ألا) انتبه واستمع ما أقول لك (أراه) بضم الهمزة أي أظن عمر بن عبيد الله (أعرابيًّا) أي شخصًا بدويًا لا يعرف السنة حين أراد أن يُزوِّج ابنه في إحرام الحج فـ (إن المحرم لا ينكح) أي لا يتزوج ولا يقبل النِّكَاح لنفسه (ولا يُنكح) بالبناء للمعلوم أي لا يزوج موليته في حالة إحرامه أو بالبناء للمجهول أي لا تُزؤج المرأة المحرمة ولا الصبي المحرم في حالة إحرامهما (أخبرنا بذلك) المذكور؛ أي بأن المحرم لا يَنكح ولا يُنكح، والدي (عثمان) بن عفان رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله: (أعرابيًّا) هذا هو الصواب، والأعرابي هو ساكن البادية الَّذي لا يعرف السنة، وفي بعض الروايات (عراقيًا) وهو خطأ إلَّا أن يكون قد عرف من مذهب أهل الكوفة حينئذٍ جواز نكاح المحرم فيصح

3329 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الْخَطابِ زِيادُ بن يَحْيَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَوَاءٍ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَن مَطَرٍ وَيَعْلَى بنِ حَكِيمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عراقيًا أي آخذًا بمذهبهم في هذا جاهلًا بالسنة اهـ نووي بتصرف. واعلم أن سند هذا الحديث من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة منهم بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة أيوب لمالك في الرواية عن نافع، ومن لطائفه أن فيه أربعة من التابعين روى بعضهم عن بعض وهم أيوب ونافع ونبيه وأبان بن عثمان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: 3329 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثني أبو الخطاب زياد بن يحيى) بن زياد بن حسان النُكري بضم النون وسكون الكاف نسبة إلى نكرة بطن من بطون العرب الحساني العدني، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا محمد بن سواء) بتخفيف الواو والمد، السدوسي العنبري بنون وموحدة الضرير أبو الخطاب البصري، روى عن سعيد بن أبي عروبة في النِّكَاح، وابن عون وحسين المعلم وهشام بن حسان وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س ق) وزياد بن يحيى الحساني وإسحاق وعمرو بن علي وخلق، ذكره ابن حبان في الثقات، وذكره ابن شاهين في الثقات، وقال في التقريب: صدوق رُمي بالقدر، من التاسعة، مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة (قالا): أي قال عبد الأعلى ومحمد بن سواء (جميعًا) أي كلاهما (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن مطر) بفتحتين بن طهمان الوراق أبي رجاء السلمي البصري، صدوق، من (6) (ويعلي بن حكيم) الثقفي مولاهم البصري كان صديقًا لأيوب السختياني فلما جاء نعيه اختلف أيوب إلى بابه ثلاثة أيام يُعزى ويجتمع الناس إليه، روى عن نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي في النِّكَاح، وسعيد بن جبير في الطلاق والأشربة، وسليمان بن يسار في البيوع، ويروي عنه (خ م د س ق) وسعيد بن أبي عروبة ويحيى بن أبي كثير وجرير بن حازم، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، كلاهما رويا

عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ". 3330 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَيوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نُبَيهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ. يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن نافع) بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، ثقة، من (4) (عن نبيه بن وهب) بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي، ثقة، من (3) (عن أبان بن عثمان) بن عفان الأموي المدني، ثقة، من (3) (عن) أبيه (عثمان بن عفان) الأموي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم مدنيون وأربعة بصريون إلَّا زياد بن يحيى فإنه عدني، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة، وفيه ثلاثة من التابعين نافع ونبيه وأبان، غرضه بسوقه بيان متابعة مطر ويعلى لأيوب السختياني في الرواية عن نافع بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب) تقدم بسط الكلام فيه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: 3330 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) النسائي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن) سفيان (بن عيينة قال زهير: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي الكوفي، ثقة، من (7) (عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان) حالة كون عثمان (يبلغ) أي يرفع (به) أي بهذا الحديث (النبي صلى الله عليه وسلم) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون أو كوفيان وبغدادي أو كوفيان ونسائي، غرضه بيان متابعة أيوب بن موسى لنافع بن مالك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (المحرم لا ينكح ولا يخطب) تقدم ما فيه من الكلام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال:

3331 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حدَّثَني خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُبَيهِ بْنِ وَهْبٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ طَلْحَةَ بِنْتَ شَيبَةَ بْنِ جُبَيرٍ. فِي الْحَجِّ. وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ. فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانٍ: إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ. فَأُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ ذلِكَ. فَقَال لَهُ أَبَانٌ: أَلَا أُرَاكَ عِرَاقِيٍّا جَافِيًا، إِنِّي سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفانَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3331 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي المصري (حدثني أبي) شعيب بن الليث (عن جدِّي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) (حدثني خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبو عبد الرحيم المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (حدثني سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبو العلاء المصري، صدوق، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن نبيه بن وهب) الحجبي المدني (أن عمر بن عبيد الله بن معمر) الحجبي (أراد أن يُنكح) أي يزوّج (ابنه طلحة) بن عمر (بنت شيبة بن جبير) ابن عثمان الحجبي اسمها أمة الحميد (في) موسم (الحج وأبان بن عثمان) بن عفان (يومئذٍ) أي في عامئذٍ أي في العام الَّذي أراد فيه عمر بن عبيد الله أن يزوّج ابنه طلحة (أمير الحاج) أي أمير الحجاج (فأرسلـ) ـني عمر بن عبيد الله (إلى أبان) بن عثمان (إني قد أردت) أي بأني قد قصدت (أن أنكح) أي أزوّج ابني (طلحة بن عمر) بن عبيد الله (فأحب) أي فإني أحب وأرجو وأتمنى (أن تحضر ذلك) الزواج لنتشرف بحضورك (فقال له): أي لرسوله نبيه بن وهب (أبان) بن عثمان قل له (ألا أراك) يا عمر أي أظنك شخصًا (عراقيًا) أي منسوبًا إلى العراق أي آخذًا بمذهبهم في جواز نكاح المحرم جاهلًا بالسنة (جافيًا) أي غليظ القلب جافيه بعيدًا عن السنة، قال القاضي عياض: هكذا وقع في بعض الروايات عراقيًا، وفي بعضها أعرابيًّا وهو الصواب أي جاهلًا بالسنة فـ (إني سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينكح المحرم) ولا يتزوج. وهذا السند أيضًا من ثمانياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي هلال لأيوب بن موسى في الرواية عن نبيه بن وهب.

3332 - (1331) (81) وحدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَليُّ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَينَةَ، عَن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَن أَبِي الشَّعْثَاءِ؛ أَن ابْنَ عَبَّاسِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عثمان بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3332 - (1331) (81) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وإسحاق) بن إبراهيم بن راهويه (الحنظلي) المروزي (جميعًا عن ابن عيينة قال ابن نمير: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء) جابر بن زيد الأزدي البصري صاحب ابن عباس، ثقة فقيه، من (3) (أن ابن عباس أخبره) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان أو كوفي ومروزي وواحد طائفي وواحد مكي وواحد بصري أي أخبر ابن عباس لجابر بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين في عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة (وهو) أي والحال أنَّه صلى الله عليه وسلم (محرم) أي داخل في الحرم بعد تحلله من عمرة القضاء، ثم طلبت منه قريش الخروج بعد ثلاثة أيام مدة الصلح فخرج منها إلى سرف فدخل بها، قال المازري: احتج به أبو حنيفة والكوفيون على صحة نكاح المحرم، ومنعه الأكثر للأحاديث السابقة، والمنع أرجح لأن دليله قول ودليلهم فعل وإذا تعارض الفعل والقول قُدم القول لأنه يتعدى إلى الغير والفعل لا يتعدى بل يكون مقصورًا، وقد خص صلى الله عليه وسلم في النِّكَاح بأشياء، وأيضًا فإنه ورد أنَّه تزوجها وهو حلال فصار الفعل مختلفًا في ثبوته والقول متفق عليه، والمتفق عليه أولى وقد يجمع بين الروايتين بأن يكون معنى قوله وهو محرم أي حال بالحرم ومن حل بالحرم يقال له محرم وهي لغة شائعة، قال القاضي عياض: القول بأنه تزوجها وهو حلال هو رواية أكثر الصحابة ولم يرو أنَّه تزوجها وهو محرم إلَّا من حديث ابن عباس وبه أخذ الكوفيون وخالفهم في ذلك سائر الفرق والمذاهب، قال الأبي: ولا شك في ترجيح قول الأكثر، قال السنوسي: ويحتمل أن يكون معنى قوله وهو محرم أي عازم على الإحرام مجمع عليه لتوهم أن نكاح من عزم على الإحرام محرّم خوف إفساد الإحرام

زَادَ ابْنُ نُمَيرٍ: فَحدَّثْتُ بِهِ الزُّهْرِيَّ فَقَال: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ؛ أَنَّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَالٌ. 3333 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيدٍ، أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَيمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. 3334 - (1332) (82) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بتزوج امرأة جديدة (زاد) محمد (بن نمير) على غيره في روايته (فحدَّثت به) أي بهذا الحديث (الزهري فقال) الزهري: (أخبرني يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية أبو عوف البكائي الكوفي، أمه برزة أخت ميمونة أم المؤمنين، يقال: له رؤية أي أخبرني يزيد بن الأصم عن خالته ميمونة أم المؤمنين (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (نكحها وهو) صلى الله عليه وسلم (حلال) أي غير محرم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4258]، وأبو داود [1844]، والترمذي [842]، والنسائي [5/ 191]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3333 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا داود بن عبد الرحمن) العطار أبو سليمان المكي، ثقة، من (8) (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي، ثقة، من (4) (عن جابر بن زيد) الأزدي (أبي الشعثاء) البصري، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة داود بن عبد الرحمن لسفيان بن عيينة (أنه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة) بنت الحارث (وهو) صلى الله عليه وسلم (محرم) أي حال في الحرم بعد تحلله من عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة، وأخرجته قريش بعد ثلاثة أيام قبل الدخول بها وبنى بها في سرف مرجعه إلى المدينة. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عباس بحديث يزيد بن الأصم رضي الله عنهم فقال: 3334 - (1332) (82) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا يحيى بن آدم) بن

حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا أَبُو فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، حدَّثَتْنِي مَيمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ. قَال: وَكَانَتْ خَالتِي وَخَالةَ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان الأموي مولاهم أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا جرير بن حازم) بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (6) (حَدَّثَنَا أبو فزارة) الكوفي راشد بن كيسان العبسي -بموحدة- روى عن يزيد بن الأصم في النِّكَاح، ويروي عنه (م د ت ق) وجرير بن حازم، وثقه ابن معين والدارقطني، وقال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن يزيد بن) عمرو (الأصم) بن عبيد بن معاوية أبي عوف البكائي الكوفي وأمه برزة بنت الحارث أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم كما أن ابن عباس ابن أختها لبابة بنت الحارث، ثقة، من (3) قال: (حدثتني) خالتي (ميمونة بنت الحارث) الهلالية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال) أي غير محرم (قال) يزيد بن الأصم (وكانت) ميمونة أم المؤمنين (خالتي وخالة ابن عباس) فإن أميهما كانتا أختين لها كما ذكر قريبًا وكانت هي أيضًا خالة خالد بن الوليد فإنه كانت لها أخوات. وسند هذا الحديث من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بصري. وشارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 333]، وأبو داود [1843]، والترمذي [845]، وابن ماجة [1964]. والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه تسع متابعات، والثاني: حديث عثمان بن عفان ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث يزيد بن الأصم ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

528 - (14) باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

528 - (14) باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النِّكَاح 3335 - (1333) (83) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيعِ بَعْضٍ. وَلَا يَخْطُبْ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 528 - (14) باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النِّكَاح 3335 - (333 1) (83) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حَدَّثَنَا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض) آخر وصورة البيع على بيع بعض هو أن يقول لمن اشترى شيئًا بالخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه، وكذا الشراء على شراء بعض حرام كان يقول للبائع: افسخ لأشتري منك بازيد وكل منهما مجمع على تحريمه، وذكر في المبارق والمرقاة أن النهي مخصوص بما إذا لم يكن فيه غبن فإن كان فله أن يدعوه إلى الفسخ ليبيع منه بأرخص دفعًا للضرر عنه (ولا يخطب بعضكم) أي لا يطلب بعضكم الزواج من امرأة (على خطبة بعض) أي من امرأة خطبها بعض آخر إلَّا أن يتركها الخاطب الأول أو يأذن له أو لم يجب، قال القرطبي: الخطبة بكسر الخاء هي استدعاء التزويج من المرأة يقال منه خطبت المرأة خِطبة بالكسر إذا طلب منها الزواج، والخطبة بالضم هي كلام الخطباء كخطبة الجمعة والعيدين والحج وغير ذلك، وبين يدي عقد النِّكَاح ومن كلام علمائنا تستحب الخطبة بالضم عند الخطبة بالكسر. اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 153]، والبخاري [2139]، وأبو داود [2080]، والترمذي [1292]، والنسائي [6/ 72 - 73]، وابن ماجة [2171]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3336 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. جَمِيعًا عَن يَحْيَى الْقَطَّانِ. قال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: "لَا يَبْعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إلا أَنْ يَأذَنَ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3336 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى جميعًا) أي كلاهما (عن يحيى) بن سعيد (القطان) التميمي البصري (قال زهير: حَدَّثَنَا يحيى) بصيغة السماع (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبع الرجل) بالجزم على النهي هنا في الأفعال وفيما مر (على بيع أخيه) المسلم ظاهر التقييد بأخيه أن يختص ذلك بالمسلم وبه قال الأوزاعي وأبو عبيد بن حَرْبويه من الشافعية، وأصرح من ذلك رواية مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة (لا يسوم المسلم على سوم المسلم) وقال الجمهور: لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي وذكر الأخ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له اهـ فتح الملهم. (ولا يخطب على خطبة أخيه) بكسر الخاء أي بعد التوافق على الصداق كما في المرقاة (إلا أن ياذن له) الخاطب أو يُعرض عنها أو لم يجب كما مر، قال الحافظ: قال الجمهور: هذا النهي للتحريم، وقال الخطابي: هذا النهي للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء كذا قال: ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد بل حكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالإجماع، ولكن اختلفوا في شروطه فقال الشافعية والحنابلة: محل التحريم ما إذا صرحت المخطوبة أو وليها الَّذي أذنت له حيث يكون إذنها معتبرًا بالإجابة فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم فلو لم يعلم الثاني بالحال فيجوز الهجوم على الخطبة لأن الأصل الإباحة، وعند الحنابلة في ذلك روايتان وإن وقعت الإجابة بالتعريض كقولها لا رغبة عنك فقولان عند الشافعية الأصح وهو قول المالكية والحنفية لا يحرم أيضًا، وإذا لم ترد ولم تقبل فيجوز، والحجة فيه قول فاطمة بنت قيس خطبني معاوية وأبو جهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة، وأشار النووي وغيره إلى أنَّه لا حجة فيه لاحتمال أن يكون خطبا معًا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى

3337 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عَن عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 3338 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَن نَافِع، بِهذَا الإِسْنَادِ. 3339 - (1334) (84) وحدَّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب وَابْنُ أَبي عُمَرَ. قَال زُهَيرْ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَينَةَ، عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَن أبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم أشار بأسامة ولم يخطب وعلى تقدير أن يكون خطب فكأنه لما ذكر لها ما في معاوية وأبي جهم ظهر منها الرغبة عنهما فخطبها لأسامة اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3337 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر مثله، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر ليحيى القطان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3338 - (00) (00) (وحدثنيه أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حَدَّثَنَا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (حَدَّثَنَا أيوب) السختياني (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله وليث بن سعد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 3339 - (1334) (84) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قال زهير: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد) بن المسيب بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. أَوْ يَتَنَاجَشُوا. أَوْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. وَيَبِيعَ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ. وَلَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا. أَوْ مَا في صَحْفَتِهَا. زَادَ عَمْرٌو في ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد إما بغدادي أو نسائي أو عدني (أن النبي صلى الله عليه وسأنهى أن يبيع حاضر) أي بلدي (لباد) أي لقروي، كما إذا جاء القروي بطعام إلى بلد ليبيعه بسعر يومه ويرجع فيتوكل البلدي عنه ليبيعه بالسعر الغالي على التدريج، وهو حرام عند الشافعي ومكروه عند أبي حنيفة، وإنما نهى عنه لأن فيه سد باب المرافق على ذوي البياعات اهـ مرقاة، والحاضر من كان من أهل الحضر خلاف البدو فالبادي من كان من أهل البادية أي البرية، ويقال حضري وبدوي نسبة إلى الحضر والبدو، وهذا الحكم في حالة قحط وعوز بتحريك الواو أي الحاجة وإلا فلا لانعدام الضرر، وقيل الحاضر المالك والبادي المشتري مشى عليه في الهداية حيث قال: وهو أن يبيع من أهل البدو طمعًا في الثمن الغالي لما فيه من الإضرار بهم أي بأهل البلد (أو يتناجشوا) أي وأن يفعلوا النجش وأو هنا وفيما بعده بمعنى الواو، والنجش -بفتح النون والجيم وقيل بسكونها بعدها معجمة- هو الزيادة في ثمن السلعة المعروضة للبيع من غير رغبة فيها لتخديع المشتري وترغيبه ونفع صاحبها، والتناجش مأخوذ من النجش بفتح الجيم وسكونها وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد يقال: نجشت الصيد أنجشه بالضم من باب نصر نجشًا، وفي الشرع: الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها سُمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة، ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم ويقع ذلك بغير علم البائع، ويختص بالناجش، وفي الدر المختار: وكره النجش وهو أن يزيد ولا يريد الشراء أو يمدحه بما ليس فيه ليروجه، ويجري في النِّكَاح وغيره اهـ فتح الملهم (أو يخطب) أي ونهى أن يخطب (الرجل على خطبة أخيه و) أي ونهى أن (يبيع) الرجل (على بيع أخيه و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسأل المرأة) بصيغة النهي (طلاق أختها لتكتفئ) أي لتفرغ في إنائها (ما في إنائها) أي مافي إناء الأخت (أو) قال صلى الله عليه وسلم: (ما في صحفتها) أي ما في صحفة الأخت وإنائها، والشك من الراوي، والمعنى واحد تقدم بيان هذا كله فراجعه (زاد عمرو) الناقد (في

رِوَايَتِهِ: وَلَا يَسُمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. 3340 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ روايته) على غيره، قوله: (ولا يسم الرجل على سوم أخيه) أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسم الرجل على سوم أخيه" فهو معطوف على قوله: "ولا تسأل المرأة" يقال سام السلعة إذا طلبتها للشراء، قال الحافظ: وذكر المسلم لكونه أقرب إلى اجتناب النهي من غيره، وفي ذكره إيذان بأنه لا يليق به أن يستأثر على مسلم مثله، والسوم على سوم الأخ صورته أن يأخذ شيئًا ليشتريه فيقول له: رده لأبيعك خيرًا منه بثمنه أو مثله بأرخص، أو يقول للمالك: استرده لأشتريه منك بأكثر، ومحله بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك صريحًا فلا خلاف في التحريم، وإن كان ظاهرًا ففيه وجهان للشافعية، ونقل ابن حزم اشتراط الركون عن مالك، وقال: إن لفظ الحديث لا يدل عليه، وتعقب بأنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقًا كما نقله ابن عبد البر فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك، وقد استثنى بعض الشافعية من تحريم البيع والسوم على الآخر ما إذا لم يكن المشتري مغبونًا غبنًا فاحشًا وبه قال ابن حزم واحتج بحديث: "الدين النصيحة" لكن لم تنحصر النصيحة في البيع والسوم فله أن يعرفه أن قيمتها كذا وإنك إن بعتها بكذا مغبون من غير أن يزيد فيها فيجمع بذلك بين المصلحتين، وذهب الجمهور إلى صحة البيع المذكور مع تأثيم فاعله، وعند المالكية والحنابلة في فساده روايتان، وبه جزم أهل الظاهر والله أعلم كذا في الفتح. قال في الدر المختار: والسوم على سوم غيره ولو ذميًّا أو مستأمنًا حرام، وذكر الأخ في الحديث ليس قيدًا بل لزيادة التنفير وهذا بعد الاتفاق على مبلغ الثمن وإلا فلا يكره لأنه بيع من يزيد، قال ابن عابدين: قوله لزيادة التنفير لأن السوم على السوم يوجب إيحاشًا وإضرارًا وهو في حق الآخر أشد منعًا، قال في النهر: كقوله في الغيبة: (ذكرك أخاك بما يكره) إذ لا خفاء في منع الغيبة الذمي اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3340 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله

ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَن ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُريرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَنَاجشُوا. وَلَا يَبعِ الْمَرْءُ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ. وَلَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَلا يَخْطُبِ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. وَلَا تَسْأْلِ الْمَرْأَةُ طَلاقَ الأُخْرَى لِتَكْتَفِئَ مَا في إِنَائِهَا". 3341 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تناجشوا) بحذف إحدى التاءين أي لا تتناجشوا، وقد عرفت معنى النجش، وذكره بصيغة التفاعل لأن التاجر إذا فعل لصاحبه ذلك كان بصدد أن يفعل له مثله، قال الأبي: وليس من النجش ما يتفق أن يأتي الدلال بالسلعة لمن يعرف قيمتها فيستفتح له بما ينادى به وهو لا يريد شراءها لأنه وإن كان لا يشتريها فهو لا يفعله ليغُرّ غيره اهـ (ولا يبع المرء على بيع أخيه) ولفظ المشكاة على بيع أخيه المسلم، ذكر ملا علي أن الحافظ ابن حجر قال: وكذا الذمي والمعاهد والمستامن فذكر الأخ المسلم للرقة لا للتقييد خلافًا لمن زعمه كالأوزاعي، وقد أشار ابن عبد البر إلى نقل الإجماع فيه كما مر (ولا يبع حاضر لباد، ولا يخطب المرء على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق الأخرى لتكتفئ ما في إنائها) وقد تقدم البسط في شرح هذه الجمل فراجعها إن أردت الخوض فيها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3341 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (جميعًا) أي كل من عبد الأعلى وعبد الرزاق رويا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهدا الإسناد) يعني عن سعيد بن

مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّ في حَدِيثِ مَعَمَر: "وَلَا يَزِدِ الرَّجُلُ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ". 3342 - (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَومِ أخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَتِهِ". 3343 - (00) (00) وحدَّثني أَحْمَدُ بن إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسيب عن أبي هريرة (مثله) وساق معمر مثل ما روى يونس عن الزهري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس (غير أن في حديث معمر) وروايته لفظة (ولا يزد الرجل) في ثمن السلعة (على بيع أخيه) أي على الثمن الَّذي اشترى به أخوه أي على الثمن الَّذي اتفقا عليه ليغره بتلك الزيادة أي هذا اللفظ هو الَّذي في رواية معمر بدل رواية يونس (ولا يبع المرء على بيع أخيه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3342 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (قال ابن أيوب: حَدَّثَنَا إسماعيل) بصيغة السماع (أخبرني العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لسعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يسم المسلم على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه) سيعيد المؤلف هذا الحديث بهذا الطريق في كتاب البيوع قالوا: وذكر المسلم لكونه أقرب إلى امتئال الأمر من غيره والا فالذمي والمستأمن والمعاهد مثله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3343 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي

الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلَاءِ وَسُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحدَّثنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إلا أَنهُمْ قَالُوا: "عَلَى صَوْمِ أَخِيهِ، وَخِطْبَةِ أَخِيهِ". 3344 - (1335) (85) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيثِ وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الدورقي) في الأصل، نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس (حَدَّثَنَا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني (وسهيل) بن أبي صالح السمان المدني (عن أبيهما) عبد الرحمن بن يعقوب وأبي صالح السمان، قال النووي: قوله: (عن أبيهما) هكذا صورته في جميع النسخ، وأبو العلاء غير أبي سهيل فلا يجوز أن يقال عن أبيهما بكسر الباء قالوا: وصوابه عن أبويهما، قال القاضي وغيره: ويصح أن يقال عن أبيهما بفتحها على لغة من يقول في تثنية الأب أبان كما يقال في تثنية اليد يدان، فتكون الرواية صحيحة لكن الباء مفتوحة، والأصل عن أبين لهما حذفت النون للإضافة واللام للتخفيف فصار أبيهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب وأبي صالح السمان لسعيد بن المسيب (عن النبي صلى الله عليه وسلم (ح) وحدثناه محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عبد الصمد حَدَّثَنَا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح) السمان ذكوان الزيات، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا أنهم) أي لكن أن العلاء بن عبد الرحمن وسهيل بن أبي صالح وسليمان الأعمش (قالوا) في روايتهم: لا يسم المسلم (على سوم أخيه و) لا يخطب على (خطبة أخيه) بزيادة كلمة الأخ بدل رواية إسماعيل بن جعفر (ولا يخطب على خطبته) بحذف لفظ الأخ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3344 - (1335) (85) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (عن الليث) بن سعد المصري (و) عن

غَيرِهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ. فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ. وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى بَذَرَ". 3345 - (1336) (86) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (غيره) أي غير الليث كيونس بن يزيد، وقال صاحب مبهمات مسلم: ولم أر من ذكر اسمه، كلاهما (عن بزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري، عالمها ثقة، من (5) (عن عبد الرحمن بن شماسة) بوزن ثمامة كما في القاموس، المهري بفتح الميم وسكون الهاء أبو عمرو المصري، وثقه العجلي وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (أنه سمع عقبة بن عامر) بن عبس الجهني الصحابي المشهور رضي الله عنه أبا عامر المصري، له (55) حديثًا. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه إن رجاله كلهم مصريون (يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: المؤمن أخو المؤمن) في الدين كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فينبغي أن يعاشروا معاشرتهم في التحاب والتصافي والاجتناب عن التجافي اهـ مبارق، ومن حديث الصحيحين "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وفيه الحث على التعاضد في غير الإثم (فلا يحل للمؤمن أن يبتاع) أي أن يشتري (على بيع أخيه) أي على شرائه بالمعنى المذكور في صورة السوم على السوم فإن البيع هنا بمعنى الأضداد مثل الشراء والابتياع ليس إلَّا الاشتراء (ولا يخطب على خطبة أخيه، حتَّى يذر) أي يترك المشتري مَسُومَهُ والخاطب مخطوبته، وهو من الأفعال التي لم يستعمل منها إلَّا لفظ المضارع والأمر فلا يقال: وذر، ولا وذرًا، ولا واذر، اكتفوا عن ذلك بترك. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3345 - (1336) (86) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنتَهُ. وَلَيسَ بَينَهُمَا صَدَاقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن الشغار) بكسر الشين المعجمة أي عن نكاح الشغار، قال العلماءة الشغار: أصله في اللغة الرفع يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول كأنه قال: لا ترفع رجل بنتي حتَّى أرفع رجل بنتك، وقيل هو من شغر البلد إذا خلا لخلوه عن الصط اق، ويقال شغرت المرأة إذا رفعت رجلها عند الجماع كذا في النووي، وفي بعض الهوامش: والشغار مأخوذ من شغر البلد شغورًا من باب قعد إذا خلا عن حافظ يمنعه لخلوه عن المهر أو من شغر الكلب شغرًا من باب نفع إذا رفع إحدى رجليه ليبول لرفعهم المهر عنه اهـ، وعبارة القرطبي: الشغار مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة وهو مفاعلة مما لا يكون إلَّا بين اثنين، قال بعض علمائنا: إن الشغار من أنكحة الجاهلية يقول: شاغرني وليتي بوليتك أي عاوضني جماعًا بجماع، وقال أبو زيد: شغرت المرأة رفعت رجليها عند الجماع، قال ابن قتيبة: كل واحد منهما يشغر إذا نكح أي جامع، وأصله الكلب إذا رفع رجله ليبول، وقيل إنه مأخوذ من شغر البلد إذا بعُد، وقيل من شغر البلد بمعنى إذا خلا (قلت): وتصح ملاحظة هذه المعاني في الحديث وحمله عليها لكن منها ما يبعد عن صناعة الاشتقاق ومنها ما يقرب وأقربها القول الأول اهـ من المفهم، وفسره بعض الرواة وهو نافع كما يعلم من الرواية التالية تفسيرًا شرعيًّا، فقال: (والشغار أن يزوج الرجل) أي ينكح (ابنته) لرجل آخر (على) شرط (أن يزوجه) الآخر (ابنته وليس بينهما) أي بين الرجلين أي عليهما (صداق) للبنتين، وذكر البنت في تفسير الشغار مثال، وسيأتي في رواية أخرى ذكر الأخت، قال النووي: أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك والله أعلم اهـ، قال القرطبي: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعًا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضًا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5112]، وأبو داود [2074]، ومالك [1134]، والنسائي [6/ 112]، وابن ماجة [1883]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

3346 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بن حَرْب وَمُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَن عُبَيدِ اللهِ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِهِ. غَيرَ أَنَّ في حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ قَال: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ 3347 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3346 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) (قالوا: حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس وساق عبيد الله (بمثله) أي بمثل حديث مالك (غير أن) أي لكن أن (في حديث عبيد الله) وروايته (قال) عبيد الله: (قلت لنافع: ما الشغار) أي ما معناه، فقال نافع: والشغار أن يزوج إلخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3347 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن عبد الرحمن) بن عبد الله (السراج) البصري، روى عن نافع في النِّكَاح والأطعمة واللباس، وعطاء، ويروي عنه (م س) وحماد بن زيد وجرير بن حازم وأيوب ومعمر، وثقه أحمد والنسائي وابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثامنة (عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن عبد الله لمالك وعبيد الله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:

3348 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا شِغَارَ فِي الإِسْلَامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3348 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا شغار في الإسلام) وهو من أنكحة الجاهلية، غرضه بيان متابعة أيوب لمن روى عن نافع، ومعنى (لا شغار في الإسلام) أي لا صحة لعقد الشغار في الإسلام وهو حجة لمن قال بفساده على كل حال وهو ظاهر هذه الصيغة كقوله: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام" رواه النسائي، و"لا عمل إلَّا بنية" رواه البيهقي، و"لا رجل في الدار" فإن الظاهر من هذه الصيغة نفي الأصل والصحة، ونفي الكمال محتمل فلا يصار إليه إلَّا بدليل. وقد جاء تفسير الشغار في حديث ابن عمر من قول نافع، وجاء في حديث أبي هريرة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مساقه وظاهره الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون من تفسير أبي هريرة وكيفما كان فهو تفسير صحيح موافق لما حكاه أهل اللسان فإن كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المقصود، وإن كان من قول صحابي فمقبول لأنهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال اهـ من المفهم. قال النواوي: أجمع العلماء على أنَّه منهي عنه لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النِّكَاح أم لا؟ فعند الشافعي يقتضي إبطاله، وحكاه الخطابي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد، وقال مالك: يفسخ قبل الدخول وبعده، وفي رواية عنه قبله لا بعده، وقال جماعة: يصح بمهر المثل وهو مذهب أبي حنيفة، وحُكي عن عطاء والزهري والليث، وهو رواية عن أحمد وإسحاق وبه قال أبو ثور وابن جرير، وأجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ والعمات وبنات الأعمام والإماء كالبنات في هذا اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

3349 - (1337) (87) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ. زَادَ ابْنُ نُمَيرٍ: وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوَّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي. أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُك أُخْتِي. 3350 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ (وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ) بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ ابْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3349 - (1337) (87) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير وأبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، قال المؤلف رحمه الله تعالى (زاد) عبد الله (بن نمير) في روايته على أبي أسامة تفسير الشغار بقوله: (والشغار أن يقول الرجل للرجل) الآخر: (زوجني) أي أنكحني (ابنتك وأزوجك ابنتي) بلا ذكر صداق لهما (أو) يقول له: (زوجني أختك وأزوجك أختي). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [6/ 112]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3350 - (00) (00) (وحدثناه أبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبيد الله وهو ابن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان لعبد الله بن نمير وأبي أسامة (ولم يذكر) عبدة بن سليمان (زيادة) زادها (ابن نمير) في الرواية السابقة كما لم يذكره أبو أسامة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال:

3351 - (1338) (88) وحدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ. 3352 - (1339) (89) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 3351 - (1338) (88) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال بالمهملة (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور المصيصي أبو محمد البغدادي، ثقة، من (9) (قال) حجاج بن محمد: (قال ابن جريج ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري كلاهما (عن عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما حالة كونه (يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار) وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما اثنان منهم مكيان واثنان بغداديان وواحد مدني، ورجال الثاني اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد إما مروزي أو نيسابوري. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الثالث من الترجمة بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 3352 - (1339) (89) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي ثم البغدادي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يحيى) بن سعيد التميمي البصري (وهو القطان) كلهم رووا أي كل من هشيم ووكيع وأبي خالد ويحيى القطان رووا (عن عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن

عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ "إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم الأنصاري أبي الفضل المدني، صدوق، من (6) (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري، ثقة، من (5) (عن مرثد بن عبد الله) الحميري (اليزني) بفتحتين نسبة إلى ذي يزن بطن من حمير أبي الخير المصري، ثقة فقيه، من (3) (عن عقبة بن عامر) الجهني المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذه الأسانيد الأربعة كلها من سداسياته، الأول منها رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان بغداديان وواحد مدني، والثاني منها رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، والثالث منها رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان كوفيان وواحد مدني، والرابع منها رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد مدني (قال) عقبة بن عامر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحق الشرط) وأولاه وأليقه من غيره (أن يوفى به) أي بالوفاء به، فهو مفعول أحق على تأويل المصدر، وفيه حذف الجار من أن قياسًا مطردًا، وسها ملا علي في جعله بدلًا من الشرط، وقوله: (ما استحللتم به الفروج) خبر إن والمراد بما يستحل به الفروج المهر لأنه المشروط في مقابلة البضع قال ابن الملك في المبارق: مثل أن يتزوج امرأة على ألف إن أقام بها في بلدها وعلى ألفين إن أخرجها، وما قاله بعض الشراح من أنه يدخل فيه كل ما دعا المرأة إلى الرغبة في الزوجية مثل أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى فهو ضعيف لأن ما تحرم به الفروج وتستحل بسببه هو المهر فما يتعلق به من الشرط يكون أليق بالوفاء دون غيره، وفي قوله: (أحق الشرط) إشارة إلى أن كل مشروط في حق النكاح لا يجب الوفاء به اهـ والمعنى إن الشروط التي يشترطها الناس في معاملاتهم أحقها بالوفاء شروط النكاح لأن أمره أحوط وبابه أضيق، قال القاضي: المراد بالشروط ها هنا المهر لأنه المشروط في مقابلة البضع، وقيل جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة والكسوة وحسن المعاشرة فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت فيه، وقيل: كل ما شرط الزوج ترغيبا للمرأة في النكاح ما لم يكن محظورًا، قال الحافظ: وأما يشترطه العاقد لنفسه خارجًا عن الصداق، وبعضهم يسميه الحلوان فقيل هو للمرأة مطلقًا وهو قول عطاء وجماعة من التابعين وبه قال الثوري وأبو عبيد، وقيل هو

هذَا لَفْظ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ الْمُثَنَّى. غَير َأنَّ ابْنَ الْمُثَنَّى قَال: "الشُّرُوطِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لمن شرطه قاله مسروق وعلي بن الحسين، وقيل يختص ذلك بالأب دون غيره من الأولياء، وقال الشافعي: إن وقع في نفس العقد وجب للمرأة مهر مثلها، وإن وقع خارجًا عنه لم يجب، وقال مالك: إن وقع في حال العقد فهو من جملة المهر أو خارجًا فهو لمن وهب له وجاء ذلك في حديث مرفوع أخرجه النسائي من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها فما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم به الرجل ابنته أو أخته اهـ. وفي شرح النواوي: إن هذا محمول على شرط ينافي مقتضى النكاح ويكون من مقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها، ومن جانب المرأة أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعًا بغير إذنه ولا تأذن لغيره في بيته إلا بإذنه ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك، وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها ولا يسافر بها ونحو ذلك فلا يجب الوفاء به اهـ، فعلى هذا الخطاب في قوله: (ما استحللتم) للتغليب فيدخل فيه الرجال والنساء ويدل عليه الرواية الأخرى ما استحلت به الفروج كما في المرقاة عن الطيبي اهـ. (وهذا لفظ حديث أبي بكر وابن المثنى) وأما غيرهما فرويا معناه (غير أن ابن المثنى قال الشروط) أي قال: إن أحق الشروط بلفظ الجمع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2721]، وأبو داود [2139]، والترمذي [1127]، والنسائي [6/ 92 - 93]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث، الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والثالث: حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث جابر ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عقبة بن عامر الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.

529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال

529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال 3353 - (1340) (90) حدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيسَرَةَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ. حدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأمَرَ. وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأذَنَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ إِذْنُهَا؟ قَال: "أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال 3353 - (1340) (90) (حدثني عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري) الجشمي مولاهم أبو شعيب البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (حدثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (حدثنا أبو هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُنكح الأيم) أي الثيب (حتى تُستأمر) أي تستشار، والأيم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة؛ المرأة التي لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة، بكرًا كانت أو ثيبًا لكن المراد منها هنا الثيب بدليل وقوعها في مقابلة البكر اهـ ابن الملك، وقيد ملا علي كلًّا من الأيم والبكر بالبالغة والمسألة مبسوطة في الفقه على خلاف فيها، وقوله: (حتى تستأمر) أي تستشار ففيه إشارة إلى أن الكلام شرط في إذن الأيم قاله ابن الملك. وفي العون قوله: (لا تنكح) بالبناء للمجهول نفيًا للمبالغة أو نهيًا (الأيم) أي الثيب وهي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق (حتى تستأمر) أي يطلب الأمر منها بتزويجها، وأصل الاستئمار طلب الأمر فالمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها ويؤخذ من قوله: تستأمر أنه لا يعقد عليها إلا بعد أن تامر بذلك وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في حقها بل فيه إشعار باشتراطه قاله الحافظ، (ولا تنكح البكر حتى تستاذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذنها (أن

تَسْكُتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تسكت) لاستحيائها من نطق لفظ النكاح، قال الحافظ: عبّر في الثيب بالاستئمار وفي البكر بالاستئذان فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج إلى صريح إذنها في العقد فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك والإذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول، وإنما جعل السكوت إذنًا في حق البكر لأنها قد تستحيي أن تفصح اهـ، قال الخطابي في المعالم: ظاهر الحديث يدل على أن البكر إذا أُنكحت قبل أن تستأذن فتصمت أن النكاح باطل كما يبطل إنكاح الثيب قبل أن تستأمر فتأذن بالقول وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق إنكاح الأب البكر البالغ جائز وإن لم تستأذن ومعنى استئذانها إنما هو عندهم على استطابة النفس دون الوجوب كما جاء في الحديث الأمر باستئمار أمهاتهن وليس ذلك بشرط في صحة العقد اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5136]، ، وأبو داود [2092]، والترمذي [1107]، والنسائي [6/ 85]. (تتمة): قال القرطبي: اتفق أهل اللغة على أن الأيم في الأصل هي المرأة التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا، ومنه قوله تعالى: (وَأَنكِحُوأ الْأَيَمَى مِنكُمْ) [النور / 32]، تقول العرب: تأيمت المرأة إذا أقامت لا تتزوج، ويقال أيم بينة الأيمة وقد آمت هي وإمت أنا، قال الشاعر: لقد إمت حتى لامني كل صاحب ... رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت قال أبو عبيد: يقال رجل أيم وامرأة أيم وأكثر ما يكون في النساء وهي كالمستعار في الرجال (قلت): والأيم في هذا الحديث هي الثيب بدليل الرواية المفسرة التي جعل فيها الثيب مكان الأيم، وبدليل أنها قوبل بها البكر وفصل بينهما فأُعطيت كل واحدة منهما حكمهما وهذا واضح جدًّا وعليه فلا مبالاة فيما يقوله الكوفيون وزفر والشعبي في هذا الحديث من أن المراد بالأيم التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا مستدلين به على أن الولي ليس بشرط في النكاح بل للمرأة أن تنكح نفسها بغير ولي بكرًا كانت أو ثيبًا إذا بلغت وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم: "أحق" على "العقد" أي أحق من وليها بالعقد عليها وهذا لا يصح لما ذكرناه ولأن مقصود الحديث بيان حكم الثيب والأبكار بالنسبة

3354 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ. ح وَحَدَّثنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ. ح وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى سماع الإذن فالثيب تُعرب عن نفسها أي تنطق بنفسها عن مرادها ولا يكتفى منها بالسكوت، والبكر يكتفى منها بالسكوت فقوله: (أحق بنفسها) أي تنطق بنفسها ولا ينطق الولي عنها، ثم نقول: بل هذا الحديث حجة للجمهور في اشتراط الولي بدليل صحة ما وقعت فيه المفاضلة، وبيان ذلك أن أفعل من كذا لا بد فيها من اشتراك في شيء مما وقع فيه التفاضل فإنك إن قلت فلان أعلم من فلان اقتضى ذلك اشتراكهما في أصل العلم وانفراد أحدهما بمزية فيه، وكذلك قوله: أحق لا بد فيه أن يشاركها الولي في حقيةٍ ما، فإذًا له مدخل، ثم وجدنا في الشريعة مواضع كثيرة تدل على أن ذلك المدخل هو شرط في صحة النكاح فمنها قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) ومنها قوله تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَينَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ومنها حديث أبي هريرة مرفوعًا "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" رواه الدارقطني وصححه اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3354 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية (حدثنا الحجاج بن أبي عثمان) ميسرة أو سالم أبو الصلت الكندي البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق الرازي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي عالمها، ثقة، من (7) (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا حسين بن محمد) بن بهرام التميمي المروذي -بفتح الميم وتشديد الراء المضمومة وبذال معجمة- نسبة إلى مرو روذ مدينة من خراسان ثم البغدادي (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري، ثقة، من (7) (ح وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (قالا): أي قال عمرو ومحمد: (حدثنا عبد الرزاق) بن همام

عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ هِشَامٍ وإِسْنَادِهِ. وَاتَّفَقَ لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامٍ وَشَيبَانَ وَمُعَاويَةَ بْنِ سَلَّامٍ. فِي هذَا الْحَدِيثِ. 3355 - (1341) (91) حدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) نسبة إلى قبيلة، أبو محمد السمرقندي، ثقة، من (11) (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان- بتحتانية- البكري أبو بكر البصري، ثقة، من (9) (حدثنا معاوية) بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي، ثقة، من (7) (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة المذكورين أعني الحجاج والأوزاعي وشيبان ومعمرًا ومعاوية بن سلام رووا (عن يحيى بن أبي كثير بمثل معنى حديث هشام) الدستوائي (و) بـ (إسناده) أي وبإسناد هشام الدستوائي يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة المذكورين لهشام الدستوائي في الرواية عن يحيى بن أبي كثير (واتفق لفظ حديث هشام) الذي هو المتابع بالفتح (و) لفظ حديث (شيبان ومعاوية بن سلام) المتابعين له بالكسر (في هذا الحديث) السابق بخلاف الحجاج والأوزاعي ومعمر فإنهم رووا معنى حديث هشام لا لفظه فهذه الجملة كالاستثناء من قوله: بمثل معنى حديث هشام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 3355 - (1341) (91) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة فقيه، من (8) (عن ابن جريج (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه (ومحمد بن رافع) القشيري (جميعًا) أي كل من إسحاق ومحمد رويا (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (واللقظ) الآتي (لابن رافع) قال ابن رافع: (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال) ابن جريج الأموي المكي (سمعت)

ابْنَ أَبِي مُلَيكَةَ يَقُولُ: قَال ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا. أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا؟ فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ. تُسْتَأمَرُ" فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّهَا تَسْتَحْيِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِيَ سَكَتَتْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) (يقول: قال ذكوان مولى عائشة) أبو عمرو المدني، ثقة، من (3) (سمعت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (تقول): وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان إما كوفيان أو مروزي ونيسابوري (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية) أي عن البكر (ينكحها) بضم الياء من أنكح الرباعي أي يزوّجها (أهلها) أي أولياؤها وأقاربها أي يريد وليها أن ينكحها (أتستأمر) أي أتستأذن في إنكاحها (أم لا) تستأمر؟ (فقال لها) أي لعائشة (رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم تستأمر) أي تستأذن (فقالت عائشة فقلت له) صلى الله عليه وسلم (فإنها) أي فإن الجارية (تستحيي) أي تخاف من أن تفصح وتنطق الإذن في النكاح (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذلك) الاستحياء والسكوت عن إفصاح الإذن هو (إذنها) في تزويجها (إذا هي سكتت) بعد الاستئذان. قوله: (عن الجارية) وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق الليث مختصرًا، وفيه أنها قالت: يا رسول الله إن البكر تستحيي، قال الحافظ: ودلت رواية البخاري على أن المراد بالجارية في رواية مسلم البكر دون الثيب اهـ فتح الملهم، والجارية هي من النساء من لم يبلغ الحلم سميت بذلك لجريها في بيت أهلها على مقتضى ميلها، وتطلق على فتية النساء، والجارية تطلق أيضًا على السفينة لجريها في البحر قال تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) والجارية أيضًا الأمة لجريها مستسخرة في أشغال مواليها ويقال لها ابنة اقعدي وقومي، والأصل فيها الشابة لخفتها ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت مسنة تسمية بما كانت عليه والجمع في الكل الجواري، وتسمى الشمس أيضًا بالجارية لكونها تجري لمستقر لها، وعلى العين الجارية من الماء، فلفظها من قبيل المشترك اللفظي اهـ من بعض الهوامش، والمراد بها هنا البكر، وقوله: (نعم تستأمر) أي

3356 - (1342) (92) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: قُلُتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ عَبدُ اللهِ بْنُ الفَضلِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَليِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تستأذن والمؤامرة المشاورة، وقد مر الفرق بين الاستئذان والاستئمار، قوله: (إذا هي سكتت) في الدر المختار: فإن استأذنها فسكتت عن رده مختارة أو ضحكت غير مستهزئة أو تبسمت أو بكت بلا صوت فهو إذن أو بصوت لم يكن إذنًا ولا ردًّا حتى لو رضيت بعده انعقد، وقال ابن الهمام في الفتح بعد حكاية الروايات: والمعول اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك فإن تعارضت أو أشكل احتيط اهـ. قال الحافظ: واستدل بحديث الباب على أن البكر إذا أعلنت بالمنع لم يجز النكاح، وإن أعلنت الرضا فيجوز بطريق الأولى، وشذ بعض أهل الظاهر فقال: لا يجوز أيضًا وقوفًا عند ظاهر قوله وإذنها أن تسكت اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3356 - (1342) (92) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني ثم المكي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (قالا: حدثنا مالك) بن أنس (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (قال) يحيى: (قلت لمالك: حدثك) بتقدير همزة الاستفهام أي أحدثك (عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني، ثقة، من (4) (عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبي محمد المدني، ثقة، من (2) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد إما مكي أو بلخي أو نيسابوري (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأيم) أي الثيب (أحق بنفسها) أي بأمر نفسها (من وليها) يحتمل أنها أحق من وليها في كل شيء من العقد وغيره كما قال أبو حنيفة وداود، ويحتمل أنها أحق بالرضا حتى لا تزوّج إلا أن تأذن بالنطق بخلاف البكر، ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا

وَالْبِكْرُ تُسْتَأذَنُ فِي نَفْسِهَا. وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا؟ " قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بولي" مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعيَّن الاحتمال الثاني فإنه إذا تقرر هذا فمعنى أحق وهو يقتضي المشاركة أن لها في نفسها في النكاح حقًّا ولوليها حقًّا وحقها آكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها بكفؤ وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوج كفؤًا وامتنع الولي أُجبر الولي على تزويجها، ولو أصر زوجها القاضي فدل على تأكيد حقها ورجحانه كذا قال النووي: (والبكر تستأذن) أي يطلب منها الإذن (في نفسها) أي في نكاحها (وإذنها صُماتها) بضم الصاد أي سكوتها يقال: صمت صمتًا من باب قتل وصموتًا وصماتًا، وفي الكلام قلب، والأصل وصماتها كإذنها الصريح لأنه لا يُخبر عن شيء إلا بما يصح أن يكون وصفًا له حقيقة أو مجازًا، فيصح أن يقال الفرس يطير، ولا يصح أن يقال الحجر يطير لأنه لا يوصف بذلك حقيقة ولا مجازًا، وصماتها كإذنها صحيح، ولا يصح أن يكون إذنها مبتدأ لأن الإذن لا يصح أن يوصف بالسكوت لأنه يكون نفيًا له فيبقى المعنى إذنها مثل سكوتها وقبل الشرع كأن سكوتها غير كاف فكذلك إذنها فينعكس المعنى قاله الفيومي؛ يعني أنها لا تحتاج إلى إذن صريح منها بل يكتفي بسكوتها لكثرة حيائها. قال النووي: ظاهره العموم في كل بكر وفي كل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقًا وهذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: إن كان الولي أبًا أو جدًّا فاستئذانه مستحب، ويكفي فيه سكوتها، وإن كان غيرهما فلا بد من نطقها لأنها تستحيي من الأب والجد أكثر من غيرهما، والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث ولوجود الحياء، وأما الثيب فلا بد من النطق بلا خلاف سواء كان الولي أبًا أو غيره لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال وسواء زالت بكارتها بنكاح صحيح أو فاسد أو بوطء شبهة أو بزنا، ولو زالت بكارتها بوثبة أو بإصبع أو بطول المكث أو وطئت في دبرها فلها حكم الثيب على الأصح، وقيل حكم البكر والله أعلم اهـ منه. وقوله: (قال) مالك ليحيى بن يحيى (نعم) حدثني عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير جواب الاستفهام المقدر في قوله: أحدثك عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير. وسْارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2098]، والترمذي [1108]، والنسائي [6/ 84]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

3357 - (00) (00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ. سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ يُخْبِرُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيَّهَا. وَالْبِكْرُ تُسْتأمَرُ. وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3357 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (عن زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني أبي عبد الرحمن المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة، من (6) (عن عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة الهاشمي المدني، ثقة، من (4) أنه (سمع نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي المدني، ثقة، من (2) (يُخبر عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد طائفي وواحد مكي وواحد كوفي وواحد بلخي، غرضه بيان متابعة زياد بن سعد لمالك بن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الثيب أحق) وأولى (بنفسها) أي بأمر نفسها من العقد والمهر والنفقة (من وليها، والبكر تستأمر) أي تستاذن (وإذنها سكوتها) أي وسكوتها مثل إذنها، قال القرطبي: هكذا وقع في حديث ابن عباس (والبكر تستأمر) وفي حديث أبي هريرة (الأيم تستأمر، والبكر تستأذن) وهو أتقن مساقًا من حديث ابن عباس لأن تستأمر معناه يُستدعى أمرها وهذا يظهر منه أن يصدر منها بالقول ما يسمى أمرًا وهذا ممكن من الثيب لأنها لا يلحقها من الخجل والخوف والانقباض ما يلحق بالبكر فلا يكتفى منها إلا بنطق يدل على مرادها صريحًا وأما تستأذن فإنه يقتضي أن يظهر منها ما يدل على رضاها وإذنها بأي وجه كان من سكوت أو غيره ولا تكلف النطق، وهذا منه صلى الله عليه وسلم مراعاة لتمام صيانتها ولإبقاء حالة الاستحياء والانقباض عليها بأن ينظر لها في ذلك المحل ما هو أصون لها وأليق بها فإنها لو تكلمت تصريحًا لظن أن ذلك رغبة منها في الرجال، وهذا غير لائق بالبكر بل هو منقص لها ومزهد فيها بخلاف الثيب، وقد استحب بعض علمائنا أن تُعرف البكر أن سكوتها محمول منها على الإذن وليكون ذلك زيادة في تعريفها وتنبيهًا لها على ما يخاف أن تجهله، وقد كان بعض من لقيناه من الفقهاء يقول لها بعد عرض الزواج والمهر عليها: إن كنت راضية فاصمتي، وإن كنت كارهة فتكلمي وهو تنبيه حسن اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:

3358 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "الثَّيّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا. وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِها. وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" وَرُبَّمَا قَال: "وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا". 3359 - (1343) (93) حدَّثنا أَبُو كُرَيبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَّدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةً، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3358 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (بهذا الإسناد) المذكور قبل هذا يعني عن زياد بن سعد الخ، غرضه بيان متابعة ابن عمر لقتيبة بن سعيد (وقال) ابن أبي عمر في روايته (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في) نكاح (نفسها وإذنها صماتها، وربما قال) ابن أبي عمر (وصمتها إقرارها) أي سكوتها مثل إقرارها ونطقها في الاكتفاء به، قوله: (يستاذنها أبوها) قال البيهقي: زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة، قال الشافعي: زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن، قال البيهقي: والمحفوظ في حديث ابن عباس البكر تستأمر، ورواه صالح بن كيسان بلفظ واليتيمة تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على أن المراد بالبكر اليتيمة (قلت): وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب، ولو قال قائل: بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع، وتستأمر -بضم أوله- يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقى النظر في أن الاستئمار هل هوشرط في صحة العقد أو هو مستحب على معنى استطابة النفس كما قال الشافعي كل من الأمرين محتمل كذا في فتح الباري. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3359 - (1343) (93) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من ص (9) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال) أبو بكر بن أبي شيبة: (وجدت) أي رأيت (في كتابي) وثبتي حديثًا رويته (عن أبي أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله

قَالتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِسِتِّ سِنِينَ. وَبَنَى بِي وَأَنَا بِتْتُ تِسْعِ سِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى عنها، قال النووي: معناه أنه وجده في كتابه ولم يذكر أنه سمعه، ومثل هذا تجوز روايته على الصحيح وقول الجمهور ومع هذا فلم يقتصر مسلم عليه بل ذكره متابعة لغيره اهـ. قال الأبي: لم يذكره في الأتباع بل صدَّر به اهـ. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة: (تزوجني) أي نكحني (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعقد عليّ بعد موت خديجة ونكاح سودة وهو بمكة (لست سنين) تعني من عمرها أي إنها في وقت نكاحها صغيرة بنت ست سنوات (وبنى بي) أي دخل عليّ بعد الهجرة بسبعة أشهر (وأنا بنت تسع سنين) من عمري أي زففت إليه وحملت إلى بيته، يقال بنى عليها وبنى بها والأول أفصح، وأصله أن الرجل كان إذا تزوج بنى للعرس خباء جديدًا أو عمره بما يحتاج إليه، ثم كثر حتى كُني به عن الدخول أفاده الفيومي، وأخرج الإسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه أنه كتب إلى الوليد أنك سألتني متى توفيت خديجة؟ وأنها توفيت قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك، ونكح النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بعد وفاة خديجة وعائشة بنت ست سنين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها بعد ما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين، قال الحافظ بعد الكلام الكثير وإذا ثبت أنه بنى بها في شوال من السنة الأولى من الهجرة قوّى من قال إنه دخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر، وقد وهاه النووي في تهذيبه، وليس بواه إذا عددناه من ربيع الأول وجزمه بأن دخوله يها كان في السنة الثانية يخالف ما ثبت أنه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين، وقال الدمياطي في السيرة له: ماتت خديجة في رمضان، وعقد على سودة في شوال، ثم على عائشة، ودخل بسودة قبل عائشة، هـ. قال النووي: هذا الحديث صريح في جواز تزويج الأب الصغيرة بغير إذنها لأنه لا إذن لها والجد كالأب عندنا اهـ، قال المهلب: أجمعوا على أنه يجوز للأب تزويج ابنه الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ، وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقًا أن الأب لا يزوّج بنته البكر الصغيرة حتى تبغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه، قال صاحب التلويح: وهذا لم يقل به أحد غيره ولا يلتفت إليه

قَالتْ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكتُ شَهْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ لشذوذه ومخالفته دليل الكتاب والسنة ومقابله تجويز الحسن والنخعي للأب إجبار بنته كبيرة أو صغيرة بكرًا كانت أو ثيبًا، قال ابن الهمام: ويجوز تزويج الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي لقوله تعالى: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فأثبت العدة للصغيرة وهي فرع تصور نكاحها شرعًا فبطل به منع ابن شبرمة وأبو بكر الأصم معه وتزويج أبي بكر عائشة وهي بنت ست نص قريب من المتواتر، وتزوُّج قدامة بن مظعون بنت الزبير يوم وُلدت مع علم الصحابة نص في فهم الصحابة عدم الخصوصية في نكاح عائشة رضي الله تعالى عنها، قال النووي: أجمع المسلمون على جواز تزويج الأب بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث، وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي والحجازيين، وقال أهل العراق: لها الخيار إذا بلغت، وأما غير الأب والجد من سائر الأولياء فلا يجوز لهم أن يزوّجوها عند الشافعي ومالك والثوري وغيرهم، وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وآخرون: يجوز لجميع الأولياء، ولها الخيار إذا بلغت إلا أبا يوسف فقال: لا خيار لها. كذا في المرقاة اهـ من فتح الملهم. قوله: (وأنا بنت تسع سنين) واختلف العلماء في الوقت الذي تدخل فيه المرأة على زوجها إذا اختلف الزوج وأهل المرأة، فقالت طائفة منهم أحمد وأبو عبيد: يدخل وهي بنت تسع اتباعًا لحديث عائشة، وعن أبي حنيفة نأخذ بالتسع غير أنا نقول إن بلغت التسع ولم تقدر على الجماع كان لأهلها منعها، وإن لم تبلغ التسع وقويت على الرجال لم يكن لهم منعها من زوجها، وكان مالك يقول: لا نفقة لصغيرة حتى تدرك وتطيق الرجال، وقال الشافعي: إذا قاربت البلوغ وكانت جسيمة تحتمل الجماع فلزوجها أن يدخل بها وإلا منعها أهلها حتى تحتمله أي الجماع كذا في عمدة القاري. (قالت) عائشة (فقدمنا) مع أقاربي من مكة (المدينة فوعكت) بالبناء للمجهول أي حُمّيت عن الوعك وهو الحمى أي أخذني ألم الحمى وحرارتها (شهرًا) أي مرضت بالحمى وكان ذلك في أول قدومهم المدينة في الوقت الذي وعك فيه أبو بكر رضي الله عنه وقبل أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة بأن يصححها وينقل حماها إلى الجحفة، ولما دعا فعل الله تعالى ذلك اهـ من المفهم، وفي الكلام حذف على روأية مسلم تقديره فتساقط شعري بسبب الحمى فلما شفيت تربى شعري ونبت فكثر، وهو

فَوَفَى شَعْرِي جُمَيمَةً. فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ، وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبِي. فَصَرخَتْ بِي فَأَتَيتُهَا. وَمَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي. فَأَخَذَتْ بِيَدِي. فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ. فَقُلْتُ: هَهْ هَهْ. حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى قولها: (فوفى شعري) أي كثر حتى صار (جميمة) تصغير جمة بضم الجيم، والجمة في شعر الرأس ما نزل إلى المنكبين، وإذا نزل إلى شحمة الأذنين يسمى وفرة أي صار إلى هذا الحد بعد أن كان قد ذهب بالمرض، وفي رواية البخاري بعد قوله: فوعكت فتمزق شعري بالزاي أي تقطع، وفي رواية فتمرق بالراء أي انتتف (فأتتني أم رومان) هي كنية أم عائشة واسمها زينب بنت عامر بن عويمر الكنانية، وهي زوج أبي بكر الصديق وأم ولديه عبد الرحمن وعائشة أسلمت وهاجرت، وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله الذهبي، وقال أبو عمر: أن رومان يقال بفتح الراء وضمها بنت عامر ولم يذكر لها اسمًا ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم قبرها واستغفر لها وقال: "اللهم لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك وفي رسولك" (وأنا) أي والحال أني (على أرجوحة) أي جالسة عليها (ومعي) أي والحال أن معي على الأرجوحة (صواحبي) من البنات اللائي يلعبن معي على الأرجوحة، والأرجوحة بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة هي خشبة يلعب عليها الصبيان والجواري الصغار يكون وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها فيرتفع جانب منها وينزل جانب اخر قاله النووي، وقيل: الأرجوحة حبل يعلق فيركبه الصبيان يلعبون عليه اهـ مفهم (فصرخت بي) أي صاحت بي صياحًا مزعجًا ونادتني (فأتيتها) أي فجئتها من عند صواحبي (و) الحال أني (ما أدري) ولا أعلم (ما تريد) وتقصد (بي) وتطلبني لأجله (فأخذت) أي أمسكت (بيدي) ومشت بي إلى البيت (فأوقفتني على الباب فقلت هه هه) هي حكاية عن صوت المنبهر المنزعج الذي ضاق نفسه وذلك أنها كانت تترجح ثم إنها صيح بها صياحًا مزعجهًا فأتت مسرعة فضاق نفسها لذلك، ولذلك قالت: (حتى ذهب نفسي) بفتح الفاء وقد أخطأ من سكنها أي حتى زال عني ذلك النفس العالي الحاصل من الإعياء اهـ من المفهم. وفي فتح الملهم قوله: - (هه هه) بفتح الفاء الأول وإسكان الثانية فهي هاء السكت وهذه كلمة يقولها المبهور أي منقطع النفس أي قلت هه هه لأجل الترجع على

فَأَدْخَلَتْنِي بَيتًا. فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيرِ وَالْبَرَكَةِ. وَعَلَى خَيرِ طَائِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرجوحة حتى يتراجع إلى حال سكونه، وفي رواية البخاري أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج أي لأتنفس تنفسًا عاليًا، وقوله: (حتى ذهب نفسي) بفتح الفاء أي ذهب عني غلبة النفس من الإعياء (فأدخلتني) أي أمي أم رومان (بيتًا) لنا (فإذا) فيه (نسوة) بضم النون وكسرها (من الأنصار) حاضرات في البيت، وإذا فجائية أي فاجأني رؤية نسوة من الأنصار سمى منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية فيما أخرجه المستغفري، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إليهن تمرًا ولبنًا (فقلن) لي تلك النسوة دخلت (على الخير والبركة و) وقفت (على خير طائر) وأفضل حظ ونصيب، وطائر الإنسان نصيبه، والجار والمجرور في الموضعين متعلق بمحذوف كما قدرناه، وفي الحديث استحباب الدعاء للمتزوج والمزوجة وهذا نحو ما رُوي من حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار شهد إملاكه فقال: "على الألفة والخير والطائر الميمون" وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عوف: "بارك الله لك" ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بارك الله لكم وعليكم". (قلت): وهذه أدعية والدعاء كله حسن غير أن الدعاء بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم أولى، ولذلك كره بعضهم قول العرب بالرفاء والبنين، وقولهن: على خير طائر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وعلى الطائر الميمون" على جهة التفاؤل والكلام الطيب، وليس هذا من قبيل الطيرة المنهي عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة" وخيرها الفأل، وقد ذكرنا أصل هذه الكلمة وحكمها في كتاب الإيمان اهـ مفهم، وفي فتح الملهم قوله: (على الخير والبركة) هذا الدعاء يشمل المرأة وزوجها، وفي بعض طرق حديث عائشة إن أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهم. وقوله: (على خير طائر) كناية عن الفأل، وطائر الإنسان عمله الذي قلده، وقال ابن الأثير: وطائر الإنسان ما حصل له في علم الله عزَّ وجلَّ مما قُدر له، وقيل الطائر الحظ، ويطلق على الحظ من الخير أو الشر، والمراد هنا أيمن حظ وأفضله، وفيه استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل واحد من الزوجين، ومثله في حديث عيد الرحمن بن عوف: "بارك الله لك" قال عياض: وفي حديث معاذ أنه صلى الله عليه وسلم شهد إملاك أنصاوي فقال له: "على الألفة والخير والطائر الميمون والسعة في

فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيهِنَّ. فَغَسَلْنَ رَأسِي وَأَصْلَحْنَنِي. فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ ضُحًى. فَأسْلَمْنَنِي إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرزق بارك الله لكم" اهـ (فأسلمتني) أمي أم رومان (إليهن) أي إلى تلك النسوة (فغسلن) أي تلك النسوة (رأسي) أي شعر رأسي (وأصلحنني) أي أصلحن لي شعري ولباسي وهيئتي، قال القاضي: فيه جواز تزيين المرأة لزوجها واجتماع النساء لذلك، لما فيه من شهرة النكاح وهو مما يجب إشهاره وحضور النساء لذلك، وقد يحتاج إليهن في نوازل الأحكام اهـ أبي. قال النووي: فيه استحباب تنظيف العروس وتزيينها لزوجها، واستحباب اجتماع النساء لذلك ولأنه يتضمن إعلان النكاح ولأنهن يؤانسنها ويؤدبنها ويعلمنها آدابها حال الزفاف وحال لقائها الزوج اهـ (فلم يرعني) بضم الراء وسكون العين من الروع، والروع الفزع، ويستعمل في كل أمر طارئ من خير أو شر فيرتاع لفجاءته أي لم يفزعني شيء (إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إلا حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخوله عليّ وكَنَّتْ بذلك عن المفاجاة بالدخول على غير عالم بذلك فإنه يفزع غالبًا، والواو في قوله: ورسول الله صلى الله عليه وسلم مزيدة في مسلم من النساخ، وفي البخاري إسقاطها وهو الصواب، وقوله: (ضحى) بضم الضاد والقصر أي وقت الضحى وهو ظرف لفعل الروع؛ وهو أول النهار من ارتفاع الشمس إلى قبيل الاستواء، قال السندي: والمعنى أي فما راعني شيء وما خطر ببالي خطرة في حال من الأحوال إلا في حال حضوره صلى الله عليه وسلم وقت الضحى أي كنت غافلة إلى هذه الحال والله أعلم، والحاصل أن فاعل يرعني ضمير فيه عائد إلى اسم الفاعل من الروع، ولما كان ذلك مما دل عليه الفعل صح عود الضمير إليه، وإسناد الفعل إلى اسم الفاعل منه شائع، ومنه قوله تعالى: (قَال قَائِلٌ مِنْهُمْ) وحديث "لا يزني الزاني" ونحوه، وقولها: (إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى) مستثنى من أعم الأحوال كما يفهم من التقرير الذي ذكرناه، قال النواوي: وفيه جواز الزفاف والدخول بالعروس نهارًا وهو جائز ليلًا ونهارًا واحتج به البخاري في الدخول نهارًا وترجم عليه: باب الابتناء ثهارًا وبغير مركب ولا نيران، وقوله: (فأسلمنني) أي فأسلمتني تلك النسوة الأنصاريات (إليه) أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني، معطوف على قوله وأصلحنني، وجملة الروع معترضة أي فأسلمنني إليه فأخذني نهارًا بغير مركب ولا نيران، قال بعضهم: ما اشتهر بمركب ولا نيران يعني بالنيران الولائم كما قال في الآخر أو يُرى دخان وكثرة

3360 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدَةُ (هُوَ ابْنُ سُلَيمَانَ) عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ. وَبَنَى بِي وَأنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. 3361 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَزَوْجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سُرُج اهـ الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3896]، وأبو داود [4933]، وابن عاجه [1876]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3360 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة (ح) وحدثنا) محمد (بن نمير واللفظ له حدثنا عبدة هو ابن سليمان) الكلابي الكوفي (عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي معاوية وعبدة بن سليمان لأبي أسامة (قالت) عائشة: (تزوجني) أي نكحني (النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين وبنى بي) أي دخل بي (وأنا بنت تسع سنين). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3361 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين) قال النووي: كذا في رواية، وفي أكثر الروايات بنت ست، فالجمع بينهما أنه كان لها عند الزواج ست وكسر فرواية سبع كملت الكسر ورواية ست أسقطت الكسر، وقال القرطبي: يمكن أن يكون ذلك منها على سبيل التقدير لا التحقيق فيمكن أن يقال إنه تزوجها في مبدأ السنة السابعة ويكون قولها لست

وَزُفَّتْ إِلَيهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. وَلُعَبُهَا مَعَهَا. وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ. 3362 - (00) (00) وحدَّثئا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى وإسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لست انقضت، وقولها بنت سبع أي لسبع ابتدأت، وقال العيني: لست سنين هو الصواب، وقيل: الصواب سبع سنين وهو ضعيف اهـ (قلت): وما ذكره النواوي في الجمع بين الروايتين هو أصح الأقوال في الجمع وأوضحها (وزُفت إليه) بالبناء للمجهول من الزفاف أي أرسلت إلى بيته (وهي بنت تسع سنين ولُعبها) أي والحال أن لعبها المسماة بلعب البنات (معها) أي مصحوبة بها، والغرض بهذه الجملة التنبيه على صغر سنها (ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة) سنة، وقد ماتت هي رضي الله تعالى عنها بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة. وانفرد بهذه الرواية الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وقوله: (ولعبها معها) بضم اللام وفتح العين جمع لعبة بضم فسكون وهي ما يلعب به، قال التوربشتي: اللعب جمع لعبة كركب وركبة أرادت ما كانت تلعب به، وكل ملعوب به فهو لعبة، وإذا فتح اللام فهو المرة الواحدة من اللعب، . وإذا كسرت فهي الهيئة، والحالة التي كان عليها اللاعب، وقال النووي: المراد بها هذه اللعب المسماة بالبنات التي تلعب بها الجواري الصغار، والغرض من ذكرها التنبيه على صغر سنها كما مر آنفًا، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وفيه جواز اتخاذ اللعب، وإباحة لعب الجواري بهن، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم رآهن يلعبن بها فأقرهن على ذلك لتطييب قلوبهن، وليتدربن علي تربية أولادهن وإصلاح شأنهن وبيوتهن، ويحتمل أن يكون مخصوصإً من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور لما ذكر من المصلحة، ويحتمل أن تكون قضية عائشة رضي الله تعالى عنها هذه في أول الهجرة قبل تحريم الصور اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها. فقال. 3362 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قال يحيى وإسحاق أخبرنا، وقال

الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ. وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ. وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ. 3363 - (1344) (94) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ. عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ. وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ. فَأَيُّ نِسَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخران: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، خال إبراهيم بن يزيد بن قيس، ثقة مخضرم (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأسود لعروة بن الزبير (قالت) عائشة: (تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست) سنين (وبنى بها وهي بنت تسع) سنين (ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة) سنة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3363 - (1344) (94) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6) (عن عبد الله بن عروة) بن الزبير الأسدي أبي بكر المدني، ثقة، من (3) (عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون وواحد مكي (قالت) عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال) مرادها بهذا الكلام رد ما كانت عليه الجاهلية وما يخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع اهـ نووي. وقولها: (فأي نساء

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ قَال: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى) أي أكثر حظوة وأرفع منزلة (عنده) صلى الله عليه وسلم (مني) تشير به إلى حظوتها برسول الله صلى الله عليه وسلم وهي رفعة منزلتها عنده صلى الله عليه وسلم، يقال حظي فلان عند الناص يحظى من باب رضي وتعب، حظة وزان عدة، وحظوة -بضم الحاء وكسرها- إذا أحبوه ورفعوا منزلته (قال) عروة: (وكانت عائشة تستحب) أي تحب (أن تُدخل) بضم التاء من أدخل الرباعي (نساءها) أي نساء أقربائها اللائي نكحن على أزواجهن (في شوال) للاتباع لا لاعتقاد سعود فيه. قال القرطبي: قولها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال) الحديث إنما قالت عائشة هذا الكلام لترد به قول من كان يكره عقد النكاح في شوال ويتشاءم به من جهة أن شوالًا من الشول وهو الرفع، ومنه شالت الناقة بذنبها، وقد جعلوه كناية عن الهلاك إذ قالوا: شالت نعامتهم أي هلكوا، فشوال معناه كثير الشول فإنه للمبالغة فكانهم يتوهمون أن كل من تزوج في شوال منهن شال الشنآن بينها وبين الزوج، أو شالت نفرته فلم تحصل لها حظوة عنده، ولذلك قالت عائشة رادة الوهم (فأي نسائه كان أحظى عنده مني) أي لم يضرني ذلك ولا نقص من حظوتي، ثم إنها تبركت بشهر شوال فكانت تحب أن تدخل نساؤها على أزواجهن في شوال الذي حصل لها فيه من الخير برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الحظوة عنده ولمخالفة ما يقول الجهال من ذلك ومن هذا النوع كراهة الجهال عندنا اليوم عقد النكاح في شهر المحرم، بل ينبغي أن يتيمن بالعقد والدخول فيه تمسكًا بما عظم الله ورسوله من حرمته وردعًا للجهال عن جهالاتهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [1093]، ، والنسائي [61/ 103]، وابن ماجه [1990]. وفي فتح الملهم: قولها: (كان أحظى عنده مني) أي أقرب إليه وأسعد به أو أكثر نصيبًا مني، وفي شرح النقاية لأبي المكارم: كره بعض الروافض النكاح بين العيدين، وقال السيوطي في حاشيته على مسلم: روى ابن سعد في طبقاته عن أبي حاتم قال: إنما كره الناس أن يتزوجوا في شوال لطاعون وقع فيه في الزمن الأول اهـ. قوله: (وكانت عائشة تستحب) الح قال النووي: فيه استحباب التزوج والتزويج

3364 - (00) (00) وحدَّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلَ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه واستدلوا بهذا الحديث، وقال الشوكاني: والحديث إنما يدل على استحباب ذلك في شوال إذا تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد ذلك لخصوصة له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك اتفاقًا منه صلى الله عليه وسلم على طريق الاتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الاستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل، وقد تزوج صلى الله عليه وسلم نساءه في أوقات مختلفة على حسب الاتفاق ولم يتحر وقتًا مخصوصًا، ولو كان مجرد الوقوع يفيد الاستحباب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي صلى الله عليه وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلم اهـ والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3364 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سفيان) الثوري (بهذا الإسناد) يعني عن إسماعيل عن عبد الله عن عروة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى وكيع عن سفيان (و) لكن الم يذكر) عبد الله بن نمير (فعل عائشة) يعني إدخال نساء أقربائها على أزواجهن في شوال. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكره فيه ثلاث متابعات والخامس: حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

530 - (16) باب النظر إلى المخطوبة واشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع وأقل قليل والأمر بالوليمة

530 - (16) باب النظر إلى المخطوبة واشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع وأقل قليل والأمر بالوليمة 3365 - (1345) (95) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: كُنْتُ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أنَظَرْتَ إِلَيهَا؟ " قَال: لَا. قَال: "فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيهَا. فَإنَّ فِي أَعْيُنِ الأنَصَارِ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 530 - (16) باب النظر إلى المخطوبة واشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع وأقل قليل والأمر بالوليمة 3365 - (1345) (95) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن يزيد بن كيسان) اليشكري أبي إسماعيل الكوفي، صدوق، من (6) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد عدنيّ (قال) أبو هريرة: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل) لم أر من ذكر اسمه (فاخبره) أي فأخبر الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه تزوج امرأة من الأنصار) لم أر من ذكر اسمها أيضًا؛ أي أراد تزوجها بخطبتها، قال السندي: كان المراد أنه خطبها أو أراد تزوجها ونحو ذلك إذ لا يظهر فائدة في النظر بعد تمام العقد إلا أن يطلق قبل الدخول وذلك بعيد والله تعالى أعلم اهـ. ثم الظاهر أن هذه الرواية والرواية الآتية محمولتان على الواقعتين لرجلين والله أعلم اهـ فتح الملهم (فقال له) أي لذلك الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت) أي هل نظرت (إليها) أي إلى المرأة التي تريد خطبتها؛ أي هل نظرت إلى وجهها لتعرف جمالها، وإلى كفيها لتعرف خصب بدنها كما يعلم مما سيأتي (قال) الرجل: إلا) أي لم أنظر إليها (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (فاذهب) إليها الآن (فانظر إليها) أي إلى وجهها وكفيها (فإن في أعين الأنصار شيئًا) مما لا يستحسنه الطبع، قيل المراد بذلك الشيء صغرها، وقيل المراد زرقتها، قوله: (فانظر إليها) قال القرطبي: هذا أمر إرشاد أي مصلحة لا أمر وجوب لأنه إذا نظر إليها أعني المخطوبة فلعله يرى منها ما يرغبه في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نكاحها، وقال الشوكاني: الأمر هنا للإباحة بقرينة قوله في حديث أبي حميد عند أحمد (فلا جناح عليه أن ينظر منها) وفي حديث محمد بن مسلمة عند أحمد وابن ماجه (فلا بأس أن ينظر إليها) وقيل: إنه أمر ندب للأحاديث الامرة به، وقيد ذلك بما إذا رجا الإجابة، وأما إذا لم يرجها فلا، وأما نفي البأس والجناح فإنما هو لرد ما عسى أن يتوهم متوهم فيه البأس والجناح لكونها امرأة أجنبية فلا ينافي الاستحباب. فإذا لم يمكنه النظر إليها استحب أن يبعث امرأة تصفها له، وإنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فحسب لأنهما ليسا بعورة في حقه اهـ ملا علي، والعادة جارية فينا ببعث النساء إليها، قوله: (فإن في أعين الأنصار) أي في أعين بعضهم (شيئًا) مما ينفر عنه الطبع ولا يستحسنه لأنه رآه في الرجال فقاس النساء عليهم لأنهن شقائق الرجال ولذلك أطلق الأنصار أو لإخبار الناس به أو علم بالوحي، قوله.: (شيئًا) قيل هو عمش، وقيل صغر، وقيل زرقة، قال الحافظ: الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد، قال عياض: فهو المعتمد، قال عياض: وليس هذا من الغيبة لأنه على الجملة من غير تعيين وأيضًا هو من باب النصيحة المأمور بها اهـ. قال القرطبي: ولا قائل فيما أعلمه يحمل الأمر هنا أعني في النظر للخطبة على الوجوب، وقد دل على أنه ليس كذلك، قوله: (فإن استطاع فليفعل) ولا يقال مثل هذا في الواجب وقاعدة النكاح وإن كان فيها معاوضة مفارقة لقاعدة البيوع من حيث إنها مبنية على المكارمة والمواصلة وإظهار الرغبات والعمل على مكارم الأخلاق بحيث يجوز فيها النكاح من غير ذكر صداق، ويجوز فيها ضروب من الجهالات والأحكام لا يجوز شيء منها في البيوع والمعاملات المبنية على المشاحة والمغابنة، ومن هنا جاز عقد النكاح على امرأة لا يُعرف حالها من جمال وشباب وحسن خلق وتمام خَلق، وهذه وإن كانت مجهولة حالة العقد لم يضر الجهل بها إذ لم يلتفت الشرع إليه في هذا الباب فالأمر بالنظر إلى المخطوبة أحرى بأن لا يكون واجبًا فلم يبق إلا أن يُحمل ذلك الأمر على ما تقدم وبهذا قال جمهور الفقهاء مالك والشافعي والكوفيون وغيرهم وأهل الظاهر، وقد كره قوم ذلك لا مبالاة بقولهم للأحاديث الصحيحة في هذا الباب اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 299]، والنسائي [6/ 69]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3366 - (00) (00) وحدَّثني يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوَيةَ الْفَزَارِيٌّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ نَظَرْتَ إِلَيهَا؟ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأَنْصَارِ شَيئًا" قَال: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيهَا. قَال: "عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟ قَال: عَلَى أَرْبَعٍ أَوَاقٍ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هذَا الْجَبَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3366 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن معين) بن عون الغطفاني البغدادي إمام الجرح والتعديل، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث (الفزاري) الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا يزيد بن كيسان) الكوفي (عن أبي حازم) الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة مروان بن معاوية لسفيان بن عيينة (قال) أبو هريرة: (جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) ذلك الرجل: (إني تزوجت) أي نكحت (امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها) فقال الرجل: لا، فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم: فاذهب إليها فانظرها (فإن في عيون الأنصار شيئًا) من النقص وهو صغرها على الأصح السابق، فذهب الرجل إليها فنظرها ونكحها، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فـ (قال: قد نظرت إليها) وتزوجتها (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (على كم) من الصداق (تزوجتها؟ قال) الرجل: (على أربع أواق) من الفضة تزوجتها، جمع أوقية بضم الهمزة وتخفيف الياء المفتوحة، والأوقية أربعون درهمًا، والجملة مائة وستون درهمًا، وبهذه التقارير التي ذكرناها تتحد واقعة هذه الرواية مع واقعة الرواية الأولى، وبعضهم جعلهما واقعتين لاختلاف مساقهما كما قد عرفت آنفًا (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أ (على أربع أواق) تزوجت؟ بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري الاستبعادي (كأنما تنحتون) بكسر الحاء من باب ضرب أي كأنكم أيها الصعاليك تنحتون أي تنجرون وتقطعون (الفضة) وتصبغونها من النحت وهو النجر والقطع، ومنه قوله: تعالى: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا) [الشعراء / 149 وقوله تعالى: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) [الصافات / 95] والنحات النجار (من عُرْض هذا الجبل) كأنه يشير إلى جبل أحد، والعُرض

مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ. وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ" قَال: فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ. بَعَثَ ذلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ. 3367 - (1346) (96) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ -بضم العين وسكون الراء- جانبه وسفحه، وأما العرض -بفتحها وسكون الراء- خلاف الطول وعرض البحر والنهر والمال الوسط من ذلك قاله الحربي، وهذا الإنكار على هذا الرجل المتزوج على أربعة أواق ليس إنكارًا لأجل المغالاة والإكثار في المهر فإنه صلى الله عليه وسلم قد أصدق نساءه خمسمائة درهم وأربعة أواق مائة وستون درهمًا، وإنما أنكر بالنسبة إلى حال الرجل فإنه كان فقيرًا في تلك الحال فأدخل نفسه في مشقة تعرض للسؤال بسببها ولذلك قال له: (ما عندنا ما نعطيك) ونساعدك، ما الأولى نافية، والثانية موصولة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بكرم أخلاقه ورأفته ورحمته جبر منكسر قلبه بقوله: (ولكن عسى أن نبعثك) أي نرجو أن نبعثك ونرسلك (في بعث) أي مع جيش مبعوث للغزو يعني به سرية تبعث في الغزو فـ (تصيب منه) أي فتفوز من ذلك البعث مالًا يساعدك على هذا المهر أي تصل بسببه إلى المال، ومن تجيء بمعنى الباء (قال) أبو هريرة: (فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعثًا) أي سرية تغزو (إلى بني عبس) قبيلة مشهورة و (بعث ذلك الرجل فيهم) أي معهم فأصاب حاجته ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وعبارة المشارق: (وبعث ذلك فيهم) بالواو العاطفة. (تتمة): قوله: (أربع أواق) جمع أوقية كأثاف في جمع أثفية، والأصل فيهما التشديد لأنهما في تقدير أفعولة كأعجوبة وأضحوكة فحق الجمع فيهما أواقي وأثافي بإعراب ظاهر على الياء المشددة وتخفيف الياء للتخفيف فيقدر الإعراب فيهما في حالتي الرفع والجر، ويظهر في حالة النصب كالمنقوص، ويقال في مفرده وقية بضم الواو والفتح لغة فيجمع على وقايا كعطايا في جمع عطية، والأوقية تساوي في زماننا (125) غ، والدرهم يعادل في زماننا (12) و (1/ 3) غ اهـ من بعض الهوامش. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما فقال: 3367 - (1346) (96) (حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي) البلخي (حدثنا يعقوب يعني

ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. قَال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالت: يَا رَسُولَ اللهِ! جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي. فَنَظَرَ إِلَيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى قارة اسم قبيلة، المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بلخي (ح وحدثناه قتيبة) بن سعيد (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار التمار المخزومي مولاهم المدني، صدوق، من (8) (عن أبيه) أبي حازم (عن سهل بن سعد الساعدي) وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بهذا التحويل بيان متابعة عبد العزيز ليعقوب (قال) سهل بن سعد: (جاءت امرأة) لم أقف على اسمها (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) له: (يا رسول الله جئت) إليك حالة كوني (أهب لك نفسي) أي أمر نفسي، قال الحافظ: فيه حذف مضاف تقديره أمر نفسي أو نحوه وإلا فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحر لا تُملك فكأنها قالت: أتزوجك من غير صداق، قال: وفيه أن الهبة في النكاح خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لقول الرجل زوجنيها ولم يقل هبها لي ولقولها هي وهبت نفسي لك وسكت النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فدل على جوازه له خاصة مع قوله تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) وفيه جواز انعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة دون غيره من الأمة على أحد الوجهين للشافعية، والآخر: لا بد من لفظ النكاح أو التزويج، وسيأتي البحث فيه عند قوله: فقد ملكتها بما معك من القرآن، وقال السندي رحمه الله تعالى: هبة الحرة نفسها لا تصح فتحمل على تزويج نفسها منه بلا مهر مجازًا أو تفويض الأمر إليه، والثاني أظهر وأنسب بتزويجه صلى الله عليه وسلم إياها من غيره اهـ (فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعّد) بتشديد العين المهملة من صعد أي رفع (النظر فيها) أي نظر إلى أعلاها (وصوّبه) بتشديد الواو أي خفض النظر فيها والمراد

ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ. فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيئًا، جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه نظر أعلاها وأسفلها والتشديد في الفعلين إما للمبالغة في التأمل، وإما للتكرير، وفيه جواز تأمل محاسن النساء لإرادة تزويجها وإن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها لأنه صلى الله عليه وسلم صعد النظر فيها وصوبه، وفي الصيغة ما يدل على المبالغة في ذلك ولم يتقدم منه رغبة فيها ولا خطبة، ثم قال: لا حاجة لي في النساء، ولو لم يقصد أنه إذا رأى منها ما يعجبه أن يقبلها ما كان للمبالغة في تأملها فائدة، ويمكن الانفصال عن ذلك بدعوى الخصوصية له لمحل العصمة والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كانا لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره، وسلك ابن العربي في الجواب عن ذلك مسلكًا آخر فقال: يحتمل أن ذلك قبل الحجاب أو بعده لكنها كانت متلففة وسياق الحديث يبعد ما قال كذا في الفتح (ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه) أي خفض وأطرق رأسه عنها، قال القرطبي: هذا دليل على جواز نظر الخاطب إلى المخطوبة وتأمله ما لاح من محاسنها لكن وعليها ثيابها كما قال مالك، وقوله: (ثم طأطأ رأسه) هو بمعنى قوله: (فصمت) في رواية معمر والثوري، وقال في رواية فضيل بن سليمان (فلم يردها) وفي بعض الروايات (فلم يجبها شيئًا) ووقع في رواية سفيان عند البخاري (إنها أعادت الطلب ثلاثًا) ووقع في رواية حماد بن زيد أنها وهبت نفسها لله ولرسوله فقال: "ما لي حاجة في النساء" قال الحافظ: ويجمع بينها وبين ما تقدم بأنه قال ذلك في اخر الحال فكأنه صمت أولًا لتفهم أنه لم يردها فلما أعادت الطلب أفصح لها بالواقع (فلما رأت المرأة) وعرفت (أنه) صلى الله عليه وسلم (لم يقض فيها شيئًا) من قبول أو رد صريح (جلست) فيؤخذ منه وفور أدب المرأة مع شدة رغبتها لأنها لم تبالغ في الإلحاح في الطلب وفهمت من السكوت عدم الرغبة لكنها لما لم تيأس من الرد جلست تنتظر الفرج، وسكوته صلى الله عليه وسلم إما حياةً من مواجهتها بالرد وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء جدًّا كما ورد في صفته إنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، وإما انتظارًا للوحي، وإما تفكرًا في جواب يناسب المقام (فقام رجل من أصحابه) الجالسين عنده، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وكان من الأنصار كما في رواية الطبراني (فقال يا رسول الله أن لم يكن لك بها حاجة) ولا

فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَال: "فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيءٍ؟ " فَقَال: لَا. واللَّهِ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعارض هذا قوله في حديث حماد بن زيد لا حاجة لي لجواز أن تتجدد الرغبة فيها بعد أن لم تكن، وفيه أن الصحابي لو فهم أن للنبي صلى الله عليه وسلم فيها رغبة لم يطلبها فكذلك من فهم أن له رغبة في تزويج امرأة لا يصلح لغيره أن يزاحمه فيها حتى يظهر عدم رغبته فيها إما بالتصريح أو ما في حكمه (فزوجنيها) فيه أن الفقير يجوز له نكاح من علمت بحاله ورضيت به إذا كان واجدًا للمهر وكان عاجزًا عن غيره من الحقوق لأن المراجعة وقعت في وجدان المهر وفقده لا في قدر زائد قاله الباجي، وتعقب باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع من حال الرجل على أنه يقدر على اكتساب قوته وقوت امرأته ولا سيما مع ما كان عليه أهل ذلك العصر من قلة المال والقناعة باليسير (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهل عندك من شيء) تمهرها، زاد في رواية مالك تصدقها، وفي حديث ابن مسعود: ألك مال؟ قال الحافظ: وفيه أن النكاح لا بد فيه من الصداق لقوله: هل عندك من شيء تصدقها؟ وقد أجمعوا على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجًا وهب له دون الرقبة بغير صداق، وفيه أن الأولى أن يذكر الصداق في العقد لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة فلو عقد بغير ذكر صداق صح، ووجب لها مهر المثل بالدخول على الصحيح، وقيل بالعقد ووجه كونه أنفع لها أنه يثبت لها نصف المسمى أن لو طلقت قبل الدخول، وفيه استحباب تعجيل تسليم المهر اهـ. (فقال) الرجل: (لا) زاد في رواية هشام بن سعد قال: لا بد لها من شيء، وفي رواية الثوري عند الإسماعيلي: عندك شيء؟ قال: لا، قال: إنه لا يصلح. ووقع في حديث أبي هريرة عند النسائي بعد قوله لا حاجة لي ولكن تملكيني أمرك؟ قالت: نعم، فنظر في وجوه القوم فدعا رجلًا فقال: إني أريد أن أزوجك هذا إن رضيت! فقالت: ما رضيت لي فقد رضيت، وهذا إن كانت القصة متحدة يحتمل أن يكون وقع نظره في وجوه القوم بعد أن سأله الرجل أن يزوجها له فاسترضاها أولًا ثم تكلم معه في الصداق، وإن كانت القصة متعددة فلا إشكال. أي فقال الرجل: ما عندي شيء (والله يا رسول الله) وفي هذا جواز الحلف بغير الاستحلاف للتأكيد لكنه يكره بغير ضرورة قاله الحافظ (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهب إلى أهلك) أي إلى أزواجك، ووقع في حديث أبي هريرة قال: قم إلى النساء، فقام إليهن فلم يجد عندهن شيئًا؛ والمراد

فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيئًا؟ " فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ. فَقَال: لَا. وَاللهِ، مَا وَجَدْتُ شَيئًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتمٌ مِنْ حَدِيدٍ" فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ. فَقَال: لَا. وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا خَاتمٌ مِنْ حَدِيدٍ. وَلَكِنْ هذَا إِزَارِي. (قَال سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ) فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَصْنَعُ بِإزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيهَا مِنْهُ شَيءٌ. وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيكَ مِنْهُ شَيءٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنساء أهل الرجل كما دلت عليه رواية الباب (فانظر هل تجد) عندهم (شيئًا فذهب إلى أهله ثم رجع) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) للنبي صلى الله عليه وسلم (لا والله ما وجدت شيئًا) من المال عند أهلي، ولفظ ما تأكيد للنفي المفهوم من لا (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر) أي اطلب شيئًا من المال (ولو) حصل لك (خاتم من حديد) قال الحافظ: لو فيه تقليلية، وقال النووي: قوله ولو خاتم بالرفع هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها ولو خاتمًا بالنصب وهذا واضح لأنه خبر لكان المحذوفة، ولو كان الذي تلتمسه خاتمًا من حديد والأول صحيح أيضًا لأنه فاعل فعل محذوف تقديره ولو حصل لك خاتم من حديد، ثم قال النووي: وفي هذا الحديث جواز اتخاذ خاتم الحديد، وفيه خلاف للسلف حكاه القاضي ولأصحابنا في كراهيته وجهان أصحهما لا يكره اهـ (فذهب) الرجل مرة ثانية (ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله) أي والله يا رسول الله ما حصل لي شيء من المال (ولا خاتم من حديد) بالرفع معطوف على ما قدرناه (ولكن) استدراك على النفي السابق فتفيد إثباتًا أي ولكن (هذا إزاري) موجودًا فأصدقها إياه (قال سهل) بن سعد الراوي وهو من كلام أبي حازم (ماله رداء) أي هذا إزاري (فلها نصفه) صداقًا لها، وفي فتح الملهم الذي قال (فلها نصفه) هو الرجل صاحب القصة، وكلام سهل إنما هو قوله ما له رداء فقط وهي جملة معترضة وتقدير الكلام ولكن هذا إزاري فلها نصفه، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية أبي غسان محمد بن مطرف، ولفظه ولكن هذا إزاري ولها نصفه، قال سهل وما له رداء (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع) وتستفيد (بإزارك) أيها الرجل (إن لبسته) أنت (لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته) هي (لم يكن عليك منه شيء) وقوله: (لم يكن عليها منه شيء) قال الحافظ: أي إن لبسته كاملًا وإلا فمن المعلوم من ضيق حالهم وقلة الثياب عندهم أنها لو لبسته بعد أن تشقه لم يسترها، ويحتمل أن يكون المراد بالنفي نفي الكمال لأن

فَجَلَسَ الرَّجُلُ. حَتَّى إِذَا طَال مَجْلِسُهُ قَامَ. فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا. فَأمَرَ بِهِ فَدُعِيَ. فَلَمَّا جَاءَ قَال: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " قَال: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا. (عَدَّدَهَا) فَقَال: "تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ"؟ قَال: نَعَمْ. قَال: "اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَها ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب قد تنفي جملة الشيء إذا انتفى كماله؛ والمعنى لو شققته بينكما نصفين لم يحصل كمال سترك بالنصف إذا لبسته ولا هي، وفي رواية معمر عند الطبراني والله ما وجدت شيئًا غير ثوبي هذا أشققه بيني وبينها، قال: ما في ثوبك فضل عنك، وفيه نظر الإمام في مصالح رعيته وإرشاده إلى ما يصلحهم اهـ. (فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه) أي جلوسه (قام) ليذهب (فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (موليًا) أي مدبرًا ظهره إليهم (فأمر به) رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بدعائه (فدُعي) الرجل (فلما) رجع و (جاء) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا) أي ما الذي (معك) أو أي شيء معك (من القرآن) يحتمل أن يكون هذا بعد قوله كما في رواية مالك: "هل معك من القرآن شيء؟ " فاستفهمه حينئذٍ عن كميته ووقع الأمران في رواية معمر قال: "فهل تقرأ من القرآن شيئًا؟ " قال: نعم، قال: "ماذا؟ " قال: سورة كذا. وعُرف بهذا المراد بالمعية وأن معناها الحفظ عن ظهر قلبه كما سيأتي التصريح به إن شاء الله تعالى (قال) الرجل (معي سورة كذا وسورة كذا) حالة كونه (عدّدها) أي ذكر عدد السور التي عنده، وهو مدرج من كلام الراوي، وفي فتح الملهم: السورتان البقرة والمفصل، وقيل: إنا أعطيناك الكوثر، وفي حديث أبي أمامة زوّج النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من أصحابه امرأة على سورة المفصل جعلها مهرها وأدخلها عليه، وقال: "علّمها". وفي حديث أبي هريرة: "فعلّمها عشرين آية" وهي امرأتك (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (تقرؤهن) بتقدير همزة الاستفهام أي هل تقرأ السور التي عدّدتها (عن ظهر قلبك؟ قال) الرجل: (نعم) أقرؤهن عن ظهر قلبي فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أذهب) بها (فقد مُلّكتها) بضم الميم وكسر اللام المشددة على صيغة المبني للمجهول، والفاعل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النواوي: هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها: (ملكتكها) بكافين وتاء المتكلم وكذا رواه البخاري، وفي رواية أخرى زوجتكها اهـ، قال الحافظ: واستدل به على

بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". هذَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ. وَحَدِيثُ يَعْقُوبَ يُقَارِبُهُ فِي اللَّفْظِ. 3368 - (00) (00) وحدَّثناه خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز ثبوت العقد بدون لفظ النكاح والتزويج، وخالف في ذلك الشافعي، ومن المالكية ابن دينار وغيره، والمشهور عن المالكية جوازه بكل لفظ دل على معناه إذا قُرن بذكر الصداق أو قصد النكاح كالتمليك والهبة والصدقة والبيع ولا يصح عندهم بلفظ الإجارة ولا العارية ولا الوصية، واختلف عندهم في الإحلال والإباحة، وأجازه الحنفية بكل لفظ يقتضي التأبيد مع القصد وموضع الدليل من هذا الحديث ورود قوله صلى الله عليه وسلم: ملكتكها لكن ورد أيضًا بلفظ زوجتكها، قال ابن دقيق العيد: هذه لفظة واحدة في قصة واحدة، واختلف فيها مع اتحاد مخرج الحديث فالظاهر أن الواقع من النبي صلى الله عليه وسلم أحد الألفاظ المذكورة فالصواب في مثل هذا النظر إلى الترجيح، وقد نقل الدارقطني: أن الصواب رواية من روى زوجتكها وأنهم أكثر وأحفظ، قال: وقال بعض المتأخرين: يحتمل صحة اللفظين ويكون أنه قال: لفظ التزويج أولًا ثم قال: اذهب فقد ملكتها بالتزويج السابق، قال ابن دقيق العيد: وهذا بعيد. أي اذهب فقد ملكتها (بـ) تعليم (ما معك من القرآن) قال العيني: احتج به الشافعي وأحمد في رواية والظاهرية على أن التزويج على سورة من القرآن مسماة جائز وعليه أن يعلّمها، وقال الترمذي عقب الحديث المذكور: قد ذهب الشافعي إلى هذا الحديث فقال: إن لم يكن شيء يصدقها وتزوّجها على سورة من القرآن فالنكاح جائز ويعلّمها السورة من القرآن، وقال بعض أهل العلم: النكاح جائز ويجعل لها صداق مثلها وهو قول أهل الكوفة وأحمد وإسحاق اهـ (هذا) الحديث المذكور (حديث ابن أبي حازم) أي لفظ حديثه (وحديث يعقوب) بن عبد الرحمن القاري (يقاربه) أي يقارب حديث ابن أبي حازم (في اللفظ) أي في لفظه وكذا في معناه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5087]، وأبو داود [2111]، والترمذي [1114]، والنسائي [113/ 6]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 3368 - (00) (00) (وحدثناه خلف بن هشام) بن ثعلب البزار البغدادي، ثقة، من

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بِهذَا الْحَدِيثِ. يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ زَائِدَةَ قَال: "انْطَلِق فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا. فَعَلَّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ". 3369 - (1347) (97) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا عَندُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَني يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَة بْنِ الهَادِ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) (حدثنا حماد بن زيد) الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (عن) عبد العزيز بن محمد بن عبيد (الدراوردي) الجهني المدني، صدوق، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (كلهم) أي كل هؤلاء المذكورين من حماد بن زيد وسفيان والدراوردي وزائدة رووا (عن أبي حازم عن سهل بن سعد) الساعدي (بهذا الحديث) غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليعقوب القاري وعبد العزيز بن أبي حازم حال كونهم (يزيد بعضهم على بعض) بعض الكلمات (غير أن) أي لكن أن (في حديث زائدة) بن قدامة وروايته (قال انطلق) أي اذهب أيها الرجل بها (فقد زوجتكها) بما معك من القرآن (فعلّمها من القرآن) قال القرطبي: يعني به السور التي عدّدها له وأخبره بحفظها وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى بما معك من القرآن والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف لحديث سهل بن سعد بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 3369 - (1347) (97) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي المدني (حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثني محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن يحيى (حدثنا عبد العزيز) الدراوردي (عن

يَزِيدَ، عَن مُحَمَّدِ بنِ إِبرَاهِيمَ، عَن أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ؟ أَنَّهُ قَال: سَألتُ عَائِشَةَ زَوجَ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: كَم كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَالت: كَانَ صَدَاقُهُ لأَزوَاجِهِ ثِنْتَي عَشرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا. قَالت: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَال: قُلْتُ: لَا. قَالت: نِصفُ أُوقِية. فَتِلكَ خَمسُمِائةِ دِرهَمٍ. فَهذَا صَدَاقُ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَزواجِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد) بن عبد الله بن الهاد الليثي المدني (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أنه قال: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من سداسياته رجالهما كلهم مدنيون إلا إسحاق بن إبراهيم في السند الأول فإنه مروزي وإلا محمد بن أبي عمر في السند الثاني فإنه مكي، أي سألتها بقولي: (كم كان صداق) أزواج (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو بفتح الصاد لغة اسم للشديد الصلب بفتح الصاد أي الشديد القوي سمي الصداق الشرعي بذلك لأنه أشد الأعواض لزومًا من جهة عدم سقوطه بالتراضي، وشرعًا اسم لمال واجب للمرأة على الرجل بنكاح أو وطء شبهة أو موت كما في موت كل من الزوجين أو أحدهما في التفويض. وله أسماء كثيرة تبلغ أحد عشر اسما نظمها بعضهم في بيتين: صداق ومهر نحلة وفريضة ... حباء وأجر ثم عقر علائق وطول نكاح ثم خرس تمامها ... ففرد وعشر عد ذاك موافق وزيد على ذلك عطية فله اثنا عشر اسما، ويقال له صدقة أيضًا، وتُجمع على صدقات سُمي بالصداق لدلالته على صدق باذله في الرغبة في النكاح (قالت) عائشة: (كان صداقه) صلى الله عليه وسلم (لأزواجه ثنتي عشرة أوقية) بضم الهمزة وتشديد الياء، والمراد بها أوقية الحجاز وهي أربعون درهمًا (ونشًّا) بنون مفتوحة ثم شين مشددة، قال أبو سلمة: (قالت) لي عائشة: (أتدري) أي هل تعلم (ما النشُّ؟ قال) أبو سلمة: (قلت) لها: (لا) أدري (قالت) هو (نصف أوقية) عشرون درهمًا (فتلك) الأواقي المذكورة مع النش (خمسمائة درهم فهذا) العدد المذكور (صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي أصْدقه (لـ) أغلب (أزواجه) قال القرطبي: وهذا القول من عائشة إنما هو إخبار عن غالب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأن صفية من جملة أزواجه وأصدقها نفسها أي

3370 - (1348) (98) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل عتقها صداقها، وزينب بنت جحش لم يُذكر لها صداق، وأم حبيبة بنت أبي سفيان أصْدقها النجاشي أربعة آلاف درهم، فقد خرج هؤلاء من عموم قول عائشة فدل على أن المراد بقولها ما ذكرناه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2105]، والنسائي [116/ 6 و 117]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 3370 - (1348) (98) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو الرّبيع) الزهراني (سليمان بن داود العتكي) البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس بن مالك) البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد. (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني أحد العشرة المبشرة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (أثر صفرة) أي أثر وبقية طيب ذي صفرة أي صاحب لون أصفر يعني أنه تعلق به أثر من الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده ولا تعمد التزعفر؛ أي رأى عليه شيئًا قليلًا علق به من الطيب استعمله عند الزفاف، وفي رواية البخاري (وعليه وضر من صفرة) بفتح الواو والضاد المعجمة هو التلطخ بخلوق أو طيب له لون، وقد صرح به في بعض الروايات بأنه أثر زعفران (فإن قلت): جاء النهي عن التزعفر فما الجمع بينهما (قلت): كان يسيرًا فلم ينكره، وقيل إن ذلك علق به من ثوب المرأة من غير قصد، وقيل كان في أول الإسلام أن من تزوج لبس ثوبًا مصبوغًا لسروره وزواجه، وقيل كانت المرأة تكسوه إياه، وقيل إنه كان فعل ذلك ليُعان على الوليمة، وقال ابن عباس: أحسن الألوان الصفرة، قال تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ

فَقَال: "مَا هذَا؟ " قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَال: "فَبَارَكَ اللهُ لَكَ. أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} قال: فقرن السرور بالصفرة، ولما سئل عبد الله بن عمر عن الصبغ بها قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أصبغ بها وأحبها.، وقال أبو عبيد: كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه، وقيل: يحتمل أن ذلك كان في ثوبه لا في بدنه، ومذهب مالك جوازه وحكاه عن علماء بلده، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز ذلك للرجال كذا في عمدة القاري (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا) الأثر الذي أراه عليك؟ وفي هذا سؤال الإمام والكبير أصحابه. وأتباعه عن أحوالهم ولا سيما إذا رأى منهم ما لم يعهد، وفيه جواز خروج العروس وعليه أثر العرس من خلوقٍ وغيره (قال) عبد الرحمن: (يا رسول الله إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب) أي على ذهب يزن نواة تمر، وفي المرقاة قال القاضي: النواة اسم لخمسة دراهم كما أن النش اسم لعشرين درهمًا، والأوقية اسم لأربعين درهمًا، وقيل معناه على ذهب قيمته تساوي خمسة دراهم وهذا لا يساعده اللفظ، وقيل المراد بالنواة نواة التمر ولبه وهذا الأخير هو الظاهر المتبادر أي مقدارها من الذهب وهو سدس مثقال تقريبًا، وقد يوجد بعض النوى يزن ربع مثقال أو أقل وقيمته تساوي عشرة دراهم، ويمكن أن يحمل على المعنى الأول فمعناه على مقدار خمسة دراهم وزنًا من الذهب يعني ثلاثة مثاقيل ونصفًا ذهبًا وهذا بعيد كما في الفتح. قال الحافظ: واستدل به على استحباب تقليل الصداق لأن عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على إصداقه وزن نواة من ذهب، وتعقب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة وإنما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهرت منه من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (فبارك الله لك) الفاء زائدة لتزيين الخط أو للإفصاح تقديره إذا كان شأنك ذلك فأقول لك بارك الله لك في زواجك (أو لم) أمر من الوليمة وهي ضيافة تتخذ للعروس (ولو) كانت وليمتك وضيافتك (بشاة) مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان قاله الأزهري وغيره، قال ابن الأنباري: أصلها تمام الشيء واجتماعه، والفعل منها أو لم، وقد ذهب بعضهم إلى وجوبها لظاهر الأمر، والأكثرون على أنها مستحبة اهـ ابن الملك، والمستفاد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من هذا الحديث ومما يأتي من الأحاديث أن وقت الوليمة بعد الدخول. قوله: (فبارك الله لك) فيه استحباب الدعاء للمتزوج بالبركة وهو المشروع ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره، وفي بعض الروايات قال عبد الرحمن: فلقد رأيتني ولو رفعت حجرًا لرجوت أن أصيب ذهبًا أو فضة فكأنه قال ذلك إشارة إلى إجابة الدعوة النبوية بأن يبارك الله له، وفي رواية معمر عن ثابت قال أنس: فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف، قلت: مات عن أربع نسوة فيكون جميع تركته ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف. قال النووي: قال أصحابنا وغيرهم: الضيافات ثمانية أنواع الوليمة للعرس، والخرس -بضم الخاء المعجمة- ويقال أيضًا الخرص بالصاد المهملة للولادة، والإعذار -بكسر الهمزة وبالعين المهملة والذال المعجمة- للختان، والوكيرة للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر مأخوذة من النقع وهو الغبار، ثم قيل إن المسافر يصنع الطعام، وقيل يصنعه غيره له، والعقيقة يوم سابع الولادة، والوضيمة -بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة- الطعام عند المصيبة، والمأدبة -بضم الدال وفتحها- الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب والله أعلم. قال الحافظ: وقد فاتهم ذكر الحذاق -بكسر المهملة وتخفيف الذال المعجمة اخره قاف- الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل، وقال ابن الرفعة: هو الذي يصنع عند ختم القرآن كذا قيده، ويحتمل ختم قدر مقصود منه، ويحتمل أن يطرّد ذلك في حذقه لكل صناعة، قال: وفي حديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد في وليمة الختان لم يكن يدعى لها اهـ وقد جمعها بعضهم في بيتين فقال: وليمة عرس ثم خرس ولادة ... عقيقة مولود وكيرة ذي بنا وضيمة موت ثم إعذار خاتن ... نقيعة سفر والمؤدب للثنا وقد ورد في حديث أبي هريرة مرفوعًا عند الطبراني في الأوسط: الوليمة حق وسنة فمن دُعي فلم يجب فقد عصى. قال ابن بطال: قوله الوليمة حق أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة، وليس المراد بالحق الوجوب، ثم قال: ولا أعلم أحدًا أوجبها كذا قال، والإجابة إليها واجبه إلا لعذر كما هو مبسوط في كتب الفروع، وقال

3371 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الغُبَريُّ. حَدَّثنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَة، عَنْ أنَسٍ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الزركشي بعد كلام طويل: ولا تجب الإجابة في زماننا لأن المحافل لا تخلو عن منكر ما. وإذا كان زمانهم كذلك فكيف زماننا الذي جُعل فيه الحرام حلالًا والعياذ بالله تعالى. قوله: (ولو بشاة) لو تقليلية واستدل به على أن الشاة أقل ما يجزئ عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أو لم على بعض نسائه بأقل من شاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة، ومع ذلك فلا بد من تقييده بالقادر عليها ويستفاد من السياق طلب تكثير الوليمة لمن يقدر اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5073]، وأبو داود [2054]، والترمذي [1115]، والنسائي [6/ 114]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3371 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبيد) بن حساب -بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة- (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة، نسبة إلى بني غبر اسم قبيلة، البصري ثقة من (10) (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت بن أسلم (أن عبد الرحمن بن عوف تزوج) امرأة من الأنصار (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وزن نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) وقوله: (أولم ولو بشاة) قال القرطبي: ظاهره الوجوب، وبه تمسك داود في وجوب الوليمة وهو أحد قولي الشافعي ومالك ومشهور مذهب مالك، والجمهور أنها مندوب إليها وقوله: (ولو بشاة) دليل على أن التوسعة في الوليمة أولى وأفضل لمن قدر عليه، وإن أقل ما يوسع به من أراد الاقتصار شاة، قال القاضي عياض: ولا خلاف في أنه لا حد لها ولا توقيت، واختلف السلف في تكرارها زيادة

3372 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَهُ: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". 3373 - (00) (00) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ على يومين فأجازه قوم ومنعه آخرون، وقال بعض من أجاز ذلك إذا دعى كل يوم من لم يدع قبله جاز وكل كره المباهاة والسمعة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه "فقال: 3372 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا وكيع) ابن الجراح (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (وحميد) الطويل (عن أنس) ابن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي: عوانة (أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة) من الأنصار. كما في بعض الروايات (على وزن نواة من ذهب وأن النبيِ صلى الله عليه وسلم) معطوف على أن الأولى (قال له: أو لم ولو بشاة) قال عياض: وأجمعوا على أن لا حد لأكثرها، وأما أقلها فكذلك ومهما تيسر أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج وقد تيسر على الموسر الشاة فما فوقها اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 3373 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا أحمد بن) الحسن بن (خراش) بكسر الخاء المعجمة الخراساني البغدادي، صدوق، من (11) (حدثنا شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل من أبي داود ووهب بن جرير وشبابة بن سوار

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُمَيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أن فِي حَدِيثِ وَهْبٍ قَال: قَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً. 3374 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ومُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ. قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيبٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ بَشَاشَةُ الْعُرْسِ. فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رووا (عن شعبة عن حميد) الطويل. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لوكيع بن الجراح (بهذا الإسناد) يعني عن أنس بن مالك (غير أن) أي لكن أن (في حديث وهب) بن جرير وروايته (قال) أنس (قال عبد الرحمن: تزوجت امرأة) فيكون السند على هذا الطريق من سداسياته .. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3374 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (ومحمد بن قدامة) بن إسماعيل السلمي المروزي، مقبول، من (11) ووثقه ابن حبان كلاهما (قالا: أخبرنا النضر بن شميل) مصغرًا المازني أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (حدثنا عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري، ثقة، من (4) (قال: سمعت أنسًا) ابن مالك رضي الله عنه (يقول: قال عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز بن صهيب لثابت وقتادة وحميد في الرواية عن أنس (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّ بشاشة العرس) أي طلاقه الوجه الحاصلة أيام العرس وهو الزفاف، والعرس يطلق على طعام الوليمة أيضًا، ومنه ما في النهاية كان إذا دُعي إلى طعام قال: أفي عرس أم خرس أي لطعام الوليمة أو إطعام الولادة، ويجوز في راء عرس الضم كما في نظائره ويكون عُرُس بضمتين جمع عروس أيضًا كرسل في جمع رسول، والعروس وصف يستوي فيه المذكر والمؤنث، والفرق بينهما يكون في الجمع فجمع المذكر عرس وجمع المؤنث عرائس اهـ من بعض الهوامش. وقال الحافظ: بشاشة العرس اثره وحسنه أو فرحه وسروره، ويقال: بش فلان أي أقبل عليه فرحًا به لطفًا به اهـ فسألني عن بشاشتي (فقلت) له (تزوجت امرأة من الأنصار) هذه المرأة جزم الزبير بن بكار في كتاب النسب أنها بنت

فَقَال: "كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ " فَقُلْتُ: نواةً. وَفِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ: مِنْ ذَهَبٍ. 3375 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا أبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ (قَال شُعْبَةُ: وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ) عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَزَوَّجَ امْرأَةً عَلَى وَزْنِ نوَاةٍ مِنْ ذهَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي الحيسر أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وفي ترجمة عبد الرحمن بن عوف من طبقات ابن سعد أنها بنت أبي الحشاش وساق نسبه وأظنهما اثنتين فإن في رواية الزبير قال: ولدت لعبد الرحمن القاسم وعبد الله، وفي رواية ابن سعد ولدت له إسماعيل وعبد الله، وذكر ابن القَدَّاح في نسب الأوس أنها أم إياس بن أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتانية ساكنة واخره راء واسمه أنس بن رافع الأوسي اهـ تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم أصدقتها) أي كم أعطيتها صداقها، واستدل به على أن النكاح لا بد فيه من صداق لاستفهامه عن الكمية ولم يقل هل أصدقتها أو لا؟ اهـ فتح الملهم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: أصدقتها (نواة) أي وزن نواة من ذهب (وفي حديث إسحاق) بن إبراهيم، وروايته زيادة لفظة (من ذهب) بعد نواة تمييزًا له مجرورًا بمن الزائدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3375 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي - (حدثنا شعبة عن أبي حمزة قال شعبة واسمه عبد الرحمن بن أبي عبد الله) كيسان ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري المازني البصري جار شعبة، روى عن أنس بن مالك في النكاح، وابن عمر وصفوان بن محرز، ويروي عنه (م) وشعبة في النكاح ويونس الإسكاف، ذكره بن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من (4) (عن أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي حمزة لمن روى عن أنس (أن عبد الرحمن) بن عوف (تزوج امرأة على وزن نواة من ذهب). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال:

3376 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. أَخْبَرَنَا وَهْبٌ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: مِنْ ذَهَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3376 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري (أخبرنا وهب) بن جرير بن حازم البصري (أخبرنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن أبي حمزة عن أنس، غرضه بيان متابعة وهب لأبي داود (غير أنه) أي لكن أن وهبًا (قال) قال أنس بن مالك: (فقال رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف) تزوج على وزن نواة (من ذهب) ولم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا الولد، وفي مبهمات مسلم أن أولاد عبد الرحمن بن عوف سالم الأكبر مات قبل الإسلام ومحمد وإبراهيم وحميد وإسماعيل ومعن وعمر وزيد وعروة الأكبر وسالم الأصغر وأبو بكر وعبد الله وأبو سلمة وعبد الرحمن وسهل وعثمان وعروة ويحيى وبلال قاله ابن الجوزي اهـ منه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث سهل بن سعد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أنس ذكره للاستشهاد وللاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ست متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

531 - (17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا وذكر الوليمة

531 - (17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقًا وذكر الوليمة 3377 - (1349) (99) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيبَرَ. قَال: فَصَلَّينَا عِنْدَهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ. فَرَكِبَ نَبِّيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 531 - (17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقًا وذكر الوليمة 3377 - (1349) (99) (حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم مولاة لبني أسد (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري الأعمى، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر) يعني غزا بلدة تسمى خيبر، وخيبر بلغة اليهود حصن، وقيل: هو اسم أول من سكن فيها، وهو رجل من بني إسرائيل يسمى خيبر فسُميت به وهي بلد عترته في جهة الشمال والشرق من المدينة النبوية على ستة مراحل منها، وكان لها نخيل كثير وكان في صدر الإسلام دارًا لبني قريظة والنضير كذا في عمدة القاري (قال) أنس: (فصلينا عندها) أي قربها خارجًا منها (صلاة الغداة) أي صلاة الصبح (بغلس) أي مع غلس بفتح الغين المعجمة واللام وهو ظلمة آخر الليل في أول وقتها، وتقدم الكلام على استحباب التغليس أو الإسفار بالفجر في كتاب الصلاة مبسوطًا وفي حديث الباب إشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو، قال النووي: فيه جواز تسمية الصبح بالغداة، وكرهه بعض أصحابنا، والصواب الأول (فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي مركوبه، وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة والنضير على حمار ويوم خيبر على حمار مخطوم برسن ليف وتحته إكاف من ليف رواه البيهقي والترمذي، وقال ابن كثير: والذي في الصحيح عند البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه، فالظاهر أنه كان يومئذٍ على فرس لا على حمار، ولعل هذا الحديث إن كان صحيحًا فهو محمول على أنه ركبه في بعض الأيام وهو

أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ. فَأَجْرَى نَبِي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيبَرَ. وَإن رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محاصرها (وركب أبو طلحة) زوج أم سليم، وكان أنس ربيبه مركوبه (وأنا رديف أبي طلحة) أي راكب خلفه على مركوبه، قال النووي: فيه جواز الإرداف إن أطاقته الدابة (فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم) مركوبه أي أسرعه، وأجراه من الإجراء أي حمل مطيته على الجري وهو العدو والإسراع، وفي الكلام حذف تقديره أي وأجرينا يدل عليه قوله وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله يعني للزحام الحاصل عند الجري، قال النووي: فيه دليل لجواز الإجراء وأنه لا يسقط المروءة ولا يخل بمروءات أهل الفضل لا سيما عند الحاجة إلى القتال أو رياضة الدابة أو تدريب النفس ومعاناة أسباب الشجاعة (في زقاق خيبر) بضم الزاي وبقافين وهو السكة يذكر ويؤنث، والجمع أزقة وزقان -بضم الزاي وتشديد القاف وبالنون- (و) الحال (إن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه قد (انحسر) وانكشف (الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) بلا قصد منه لأجل شدة الزحام أو من قوة الجري لأن الفخذ عورة لما في حديث جرهد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غط فخذك فإنها من العورة" قال القرطبي: قد ذكرنا في الفخذ هل هو عورة أم لا؟ وهذا الحديث مما يستدل به من قال: إنه ليس بعورة، وكذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الذي ذكرت فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مضطجعًا في بيتها كاشفًا عن فخذيه فدخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهو كذلك، وسيأتي الحديث في مناقب عثمان رضي الله عنه، وقد عارض هذه الأحاديث ما رواه الترمذي وصححه غيره من حديث جرهد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف فخذه فقال: "غط فخذك فإنه من العورة" رواه الترمذي [2795] قال البخاري: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط كي يخرج من اختلافهم (قلت): وقد يترجح الأخذ بحديث جرهد من وجه آخر وهو أن تلك الأحاديث قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق لحديث جرهد فإنه إعطاء حكم كلي وتقعيد للقاعدة فكان أولى بالأخذ بيان ذلك أن تلك الوقائع تحتمل خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك

فَإنِّي لأرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَال: "اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيبَرُ. إنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ. فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قَالهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ. قَال: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو البقاء على البراءة الأصلية إذ كان لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء ثم بعد ذلك حكم عليه أان الفخذ عورة، ويحتمل حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشعر بانكشافه لهمه بشأن فتح خيبر إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا يتوجه بشيء منها على حديث جرهد فكان أولى بالأخذ والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (فإني لأرى) الفاء بمعنى الواو الحالية كما في بعض الروايات أي انحسر الإزار عن فخذه صلى الله عليه وسلم والحال إني لأرى (بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل) صلى الله عليه وسلم (القرية) أي قرية خيبر، وهذا مشعر بأن ذلك الزقاق كان خارج القرية (قال) صلى الله عليه وسلم (الله كبر) قال الحافظ: أما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول وعند كل حادث سرور شكرًا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى، وقال النووي: فيه دليل لاستحباب الذكر والتكبير عند الحرب وهو موافق لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) ولهذا قالها ثلاث مرات، ويؤخذ منه أن الثلاث كثير، وقال القرطبي: وتكبيره صلى الله عليه وسلم تعظيم لله وتحقير لهم وتشجيع عليهم (خربت خيبر) أي صارت خرابًا منهم، وهل ذلك على حقيقة الخبرية فيكون ذلك من باب الإخبار عن الغيب أو على جهة الدعاء عليهم أو على جهة التفاؤل لما رآهم خرجوا بمساحيهم وبمكاتلهم ومرورهم وذلك من آلات الحرث والهدم، ويجوز أن يكون أخذ من اسمها، وقيل: إن الله أعلمه بذلك كل محتمل والأول أولى لقوله: "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) (والساحة) الناحية والجهة، قال الجوهري: ساحة الدار باحتها، وأصل الساحة الفضاء بين المنازل، ويطلق على الباحة والجهة والبناء كذا في عمدة القاري، و (ساء) أي صار سيئًا من السوء و (المنذرين) جمع منذر بصيغة اسم المفعول وهو من أُنذِرَ أبلغ الإنذار وهو التخويف بالإخبار عن المكروه والبشارة الإخبار بالمحبوب (قالها) صلى الله عليه وسلم أي قال هذه الكلمات من التكبير وما بعده (ثلاث مرات) أي كررها ثلاث كرات (قال) أنس: قالها ثلاثًا (و) الحال أنه (قد خرج القوم)

إِلَى أَعْمَالِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَاللهِ. قَال عَبدُ الْعَزِيزِ: وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مُحَمَّدٌ، وَالخَمِيسُ. قَال: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قوم اليهود (إلى) مواضع (أعمالهم) من المزارع والحوائط (فـ) لما رأوا المسلمين (قالوا): جاء (محمد والله) قال الكرماني: أي إلى مواضع أعمالهم (قلت): بل معناه خرج القوم لأعمالهم التي كانوا يعملونها، وكلمة إلى تأتي بمعنى اللام كذا في عمدة القاري، وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده صلى الله عليه وسلم لهم فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدًا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم يتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم وبساتينهم فوجدوا المسلمين في ساحتهم فقالوا: محمد والخميس؛ أي جاء محمد، وارتفاعه على أنه فاعل لفعل محذوف، ويجوز أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف أي هذا محمد (قال عبد العزيز) بن صهيب أحد رواة هذا الحديث عن أنس قال: أنا سمعت لفظة (محمد والله) (وقال بعض أصحابنا: محمد والخميس) بزيادة لفظة الخميس أشار بهذا إلى أنه لم يسمع هذه اللفظة يعني لفظة الخميس عن أنس وإنما سمعه من بعض أصحابه عنه وهذه رواية عن المجهول إذ لم يعين هذا البعض من هو، والحاصل أن عبد العزيز قال: سمعت من أنس قالوا: جاء محمد فقط، وقال بعض أصحابه: قالوا محمد والخميس ثم فسر عبد العزيز في بعض الروايات الخميس بقوله يعني الجيش، ويجوز أن يكون التفسير ممن دونه وعلى كل حال هو مدرج كذا في عمدة القاري (والخميس) بفتح الخاء الجيش سُمي بذلك لأنه يقسم خمسة أخماس القلب والميمنة والميسرة والمقدمة والساقة، وقال ابن سيده: لأنه يُخمس ما وجده من الغنائم وليس بشيء لأن هذا أمر مستجد من الشرع، وكان الخميس اسمًا للجيش معروفًا في الجاهلية قبل الشرع ثم ارتفاع الخميس على أنه معطوف على محمد، ويجوز أن تكون الواوفيه بمعنى مع فهو منصوب على معنى جاء محمد مع الجيش (والمكاتل) القُفف والزنابيل (والمرور) الحبال لأنها تمر أي تفتل، واحدها مر كانوا يصعدون بها النخل، وقيل هي المساحي اهـ من المفهم مع زيادة (قال) أنس بن مالك: (وأصبناها) أي أصبنا معاشر المسلمين خيبر وأخذنا من أهلها اليهود (عنوة) أي قهرًا لا صلحًا، والعنوة بفتح العين

وَجُمِعَ السَّبْيُ. فَجَاءَهُ دَحْيَةُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي جَارِيةً مِنَ السَّبْيِ. فَقَال: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً" فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون النون وفتح الواو؛ هو القهر والغلبة يقال: أخذته عنوة أي قهرًا، وقيل: أخذته عنوة أي عن غير طاعة، وقال ثعلب: أخذت الشيء عنوة أي قهرًا في عنف، وأخذته عنوة أي صلحًا في رفق، وقال القرطبي: (أصبناها عنوة) أي أصبنا أول حصونهم عنوة، وسيأتي بيان ما افتتح منها عنوة وما افتتح صلحًاا هـ، وقال ابن التين: ويجوز أن يكون عن تسليم من أهلها وطاعة بلا قتال ونقله عن القزاز في جامعه (قلت): فحينئذٍ يكون هذا اللفظ من الأضداد، وقال أبو عمر: الصحيح في أرض خيبر كلها أخذت عنوة، وقال المنذري: اختلفوا في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحًا أو جلاء أهلها عنها بغير قتال أو بعضها صلحًا وبعضها عنوة وبعضها جلاء أهلها عنها؟ قال: وهذا هو الصحيح وبهذا يندفع أيضًا التضاد بين الآثار اهـ فتح الملهم (وجمع السبي) أي ما سُبي منها من النساء والذراري (فجاءه) صلى الله عليه وسلم (دحية) -بفتح الدال وكسرها- ابن خليفة بن فروة الكلبي، وكان أجمل الناس وجهًا، وكان جبريل - عليه السلام - يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته (فقال) دحية: (يا رسول الله أعطني جارية) أي أمة (من) هذا (السبي) المجموع (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهب) إلى مجمع السبي (فخذ) منه (جارية) قال الكرماني: فإن (قلت): كيف جاز للرسول صلى الله عليه وسلم إعطاؤها لدحية قبل القسمة (قلت): صفي المغنم (أي خياره) لرسول الله صلى الله عليه وسلم فله أن يعطيه لمن شاء (قلت): هذا غير مقنع لأنه صلى الله عليه وسلم قال له ذلك قبل أن يعيّن الصفيّ، وقال الحافظ: يحتمل أن يكون إذنه له في أخذ الجارية على سبيل التنفيل له إما من أصل الغنيمة أو من خُمس الخمس بعد أن ميّز أو قبله على أن تُحسب منه إذا مُيز أو أذن له في أخذها لتقوّم عليه بعد ذلك وتُحسب من سهمه اهـ (فأخذ صفية) بفتح الصاد المهملة (بنت حيي) -بضم الحاء المهملة وكسرها وفتح الياء الأولى المخففة وتشديد الثانية- ابن أخطب بن سعيه -بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة وفتح الياء اخر الحروف- ابن ثعلبة وهي من نسل هارون بن عمران - عليه السلام - وكانت تحت ابن أبي الحقيق -بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى- قُتل يوم خيبر وسبب قتله ما أخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئًا من أموالهم فإن فعلوا

فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَعْطَيتَ دِحْيَةَ، صَفِيةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، سَيِّدِ قُرَيظَةَ وَالنَّضيرِ؟ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ. قَال: "ادْعُوهُ بِهَا" قَال: فَجَاءَ بِهَا. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيرَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا ذمة لهم ولا عهد، قال: فغيّبوا مسكًا فيه مال وحُلّ ليحيى بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر فسألهم عنه فقالوا: أذهبته النفقات، فقال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك، قال: فوجد بعد ذلك في خربة فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية اهـ من فتح الملهم. (فجاء رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله) أ (أعطيت) بتقدير همزة الاستفهام (دحية) بن خليفة مفعول أول لأنه الآخذ (صفية) مفعول ثان لأنها المأخوذة (بنت حيي) قال السندي: كأنه صلى الله عليه وسلم فهم من كلامه أن الناس ما يعجبهم اختصاص دحية بتلك الجارية فلعل ذلك يؤدي إلى التباغض والتعادي بينهم فأراد دفع ذلك بما فعل والله تعالى أعلم (سيد قريظة) بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء وبالظاء المعجمة (والنضير) -بفتح النون وكسر الضاد المعجمة- هما قبيلتان عظيمتان من يهود خيبر وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون - عليه السلام - (ما تصلح إلا لك) أي ما تليق إلا بك، قال الأبي: هو من باب النصيحة للثلاثة لدحية لأنها لما كانت من بيت النبوة والرياسة فقد تانف عن دحية فلا تُحسن العشرة معه وإنما تصلح لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ليس وراء وراء، ونظره صلى الله عليه وسلم لم يكن بمقتضى الشهوة، وأما وجه النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصفية فهو بين لا يخفى اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوه) أي ادعوا دحية (بها) أي حالة كونه ملتبسًا بها (قال) أنس: (فجاء) دحية (بها) أي بصفية (فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال) لدحية: (خذ جارية من السبي غيرها) أي غير صفية، وقال الكرماني: إذا وهبها لدحية فكيف رجع عنها؟ (قلت): إما لأنه لم يتم عقد الهبة بعد وإما لأنه أبو المؤمنين وللوالد أن يرجع عن هبة الولد، وإما لأنه اشتراها منه (قلت): أجاب بثلاثة أجوبة: الأول: فيه نظر لأنه لم يجر عقد هبته حتى يقال له إنه رجع عنها وإنما كان إعطاؤها إياه بوجه من الوجوه التي ذكرناها قريبًا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: فيه نظر أيضًا لأنه لا يمشي ما ذكره في مذهب غيره، الثالث: ذكر أنه اشتراها منه أي من دحية ولم يجر بينهما عقد بيع أولًا فكيف اشتراها منه بعد ذلك (فإن قلت): وقع في رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس (قلت): إطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز لأنه لما أخذها منه على الوجه الذي نذكره الآن وعوضه عنها بسبعة أرؤس على سبيل التكرم والفضل، أطلق الراوي الشراء عليه لوجود المبادلة فيه، وأما وجه الأخذ فهو إنه لما قيل له إنها لا تصلح له من حيث إنها من بيت النبوة فإنها من ولد هارون أخي موسى عليهما السلام ومن بيت الرياسة فإنها من بيت سيد قريظة والنضير مع ما كانت عليه من الجمال الباعث على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل وإلى جمال الولد لا للشهوة النفسانية فإنه صلى الله عليه وسلم معصوم منها، وعن المازري يُحمل ما جرى مع دحية على وجهين أحدهما: أن يكون رد الجارية برضاه وأذن له في غيرها، الثاني: أنه إنما أذن له في جارية من حشو السبي لا في أخذ أفضلهن، ولما رأى أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسبًا وشرفًا وجمالًا استرجعها لئلا يتميز دحية بها على باقي الجيش مع أن فيهم من هو أفضل منه فقطع هذه المفاسد وعوضه عنها، وفي سير الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان كنانة زوج صفية فكأنه صلى الله عليه وسلم طيب خاطره لما استرجع منه صفية بأن أعطاه أخت زوجها، وليس في قوله سبعة أرؤس ما ينافي قوله هنا خذ جارية إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: قد ظن بعض المتكلمين على هذا الحديث أن هذه العطية هبة من النبي صلى الله عليه وسلم لدحية فأشكل عليه استرجاعه إياها فأخذ يعتذر عن هذا بأعذار وهذا كله ليس بصحيح ولا يحتاج إليه وقد أزال إشكال هذه الرواية الروايات الآتية بعد التي ذُكر فيها أن صفية إنما صارت لدحية في مقسمه وأن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراها منه بسبعة أرؤس وهذه الروايات المتفقة لا إشكال فيها بل هي رافعة لما يتوهم من إشكال غيرها ويبقى إشكال بين قوله خذ جارية من السبي وبين قوله: وإنها صارت إليه في مقسمه يزيله تقدير إنه إنما أراد خذ بطريق القسمة وفهم ذلك دحية بقرائن أو تصريح لم ينقله الراوي فلم يأخذ دحية شيئًا إلا بالقسمة ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حصل عنده أنها لا تصلح إلا له من حيث إنها بيت النبوة فإنها من ولد هارون ومن بيت

قَال: وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. فَقَال لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا؟ قَال: نَفْسَهَا. أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الرئاسة فإنها بنت سيد قريظة والنضير مع ما كانت عليه من الجمال المراد لكمال اللذة الباعثة على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل وإلى جمال الولد وهذا من فعله كما قد نبه عليه بقوله: "تخيروا لنطفكم" رواه ابن ماجه والبيهقي وأيضًا فمثل هذه تصلح أمًا للمؤمنين. وحذار من أن يظن جاهل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي حمله على ذلك غلبة الشهوة النفسانية وإيثار اللذة الجسمانية فإن ذلك اعتقاد يجره جهل حال النبي صلى الله عليه وسلم وبأنه معصوم من مثل ذلك إذ قد أعانه الله تعالى على شيطانه فأسلم فلا يأمره إلا بخير وقد نزع الله من قلبه حظ الشيطان حيث شق قلبه فأخرجه منه وطهره وملأه حكمة وإيمانًا كما تقدم في الإسراء، وإنما الباعث له على اختيار ما اختاره من أزواجه ما ذكرت لك وما في معناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قال) أنس بن مالك: (وأعتقها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتزوجها) فصارت من أمهات المؤمنين (فقال له) أي لأنس (ثابت) بن أسلم البناني (يا أبا حمزة) كنية أنس (ما أصدقها) أي أي شيء جعل صداقًا لها وهذا سؤال عن مقدار صداقها (قال) أنس في جواب سؤال ثابت (نفسها) فهو مفعول لفعل مقدر دل عليه السؤال أي أصدقها نفسها يعني جعل نفسها صداقها، ولفظ ابن ماجه: ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، وقوله: (وأعتقها وتزوجها) استئناف مبين لكيفية إصداقها نفسها أي جعل نفس العتق صداقًا لها وهذا محمول على التشبيه فكأنه شبه نكاحه صلى الله عليه وسلم بعد الإحسان إليها بالإعتاق بالنكاح على الصداق العظيم فإن هذا العتق كان عندها أشرف وأفضل من المال الكثير والله أعلم، ورُوي عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أتى بصفية يوم خيبر، وأنه قتل أباها وأخاها وأن بلالًا مر بها بين المقتولين، وأنه صلى الله عليه وسلم خيّرها بين أن يعتقها فترجع إلى من بقي من أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت: أختار الله ورسوله. أخرجه في الصفوة، وأخرج تمام في فوائده من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: هل لك في؟ قالت يا رسول الله لقد كنت أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذا أمكنني الله في الإسلام. وأخرج أبو حاتم من طريق ابن عمر رأى رسول الله صلى الله عليه

حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيمٍ. فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم بعين صفية خضرة فقال: ما هذه الخضرة؟ فقالت كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة فرأيت قمرًا وقع في حجري فأخبرته بذلك فلطمني، وقال: تمنين ملك يثرب. قال الزرقاني: وأوّله بخصوصه وهو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الظاهر عند ظهور القمر الباهر، وإن جحدوه في الظاهر ظلمًا وعلوًا لأنهم مستيقنون نبوته والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ فتح الملهم. قوله: (صفية بنت حيي) قال النووي: الصحيح أن صفية كان اسمها قبل السبي، وقيل كان اسمها زينب فسميت بعد السبي والاصطفاء صفية اهـ وفي المصباح: الصفي والصفية ما يصطفيه الرئيس لنفسه من المغنم قبل القسمة أي يختاره، والجمع صفايا، قال الشاعر: لك المرباع منها والصفايا ... وحُكمك والنشيطة والفضول والمرباع ربع الغنيمة، والفضول بقايا تبقى من الغنيمة فلا تستقيم قسمته على الجيش لقلته وكثرة الجيش، والنشيطة ما يغنمه القوم في طريقهم التي يمرون بها وذلك غير ما يقصدونه بالغزو وكان رئيس القوم في الجاهلية إذا غزا بهم فغنم أخذ المرباع من الغنيمة قبل القسمة على أصحابه فصار هذا الربع خُمسًا في الإسلام على تلك الحال، وقد اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف منبه بن الحجاج يوم بدر وهو ذو الفقار، واصطفى صفية بنت حيي يوم خيبر اهـ مختصرًا، وذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرًا فصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى علي كما في القاموس اهـ من بعض الهوامش. وقوله: (حتَّى إذا كان بالطريق) قبله محذوف تقديره وكانت في السبايا حتَّى أسلمت واستبرئت وصلح حالها، ثم سلمها لأم سليم لتجهزها له حتَّى إذا كان بالطريق أي في طريق رجوعه من خيبر إلى المدينة كما جاء في الرواية الأخرى مفسرًا هكذا (جهزتها) أي زيّنتْ صفية وجمّلتها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من وشم ووصل وغير ذلك من المنهي عنه (له) صلى الله عليه وسلم (أم سليم) بضم السين وهي أم أنس رضي الله تعالى عنهما واسمها سهلة بنت ملحان الأنصارية (فأهدتها له) أي أهدت أم سليم صفية وزفتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من الليل) أي في بعض

فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا. فَقَال: "مَنْ كانَ عِنْدَهُ شَيءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ" قَال: وَبَسَطَ نِطَعًا. قَال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالأقِطِ. وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ. وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ. فَحَاسُوا حَيسًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ساعات الليل (فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم) أي صار النبي صلى الله عليه وسلم في صباح تلك الليلة (عروسًا) على وزن فعول، يستوي فيه المذكر والمؤنث ما داما في إعراسهما، وكان بين سبائها وبين دخول النبي صلى الله عليه وسلم بها زمان أسلمت فيه واستبرئت وأصلح حالها فيه ثم دخل بها بعد ولذلك قال أنس في الرواية الأخرى: ثم دفعها لأمي تصنَّعها وتهيئها وتعتد في بيتها يعني في بيت أم أنس (فـ) لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: من كان عنده شيء) من بقايا الأزواد (فليجيء به) أي بما عنده أي فليأتنا بما عنده، فيه إدلال الكبير لأصحابه وطلب طعامهم في نحو هذا ويستحب لأصحاب الزوج وجيرانه مساعدته في الوليمة بطعام من عندهم، قال القرطبي: فيه دليل على مشروعية الوليمة وأنها بعد الدخول، وعلى أن العروس إذا لم يكن له ما يولم به طلب ممن ينبسط معه من أصحابه ويختص به منهم بما لا يثقل عليهم مما يخف ويسهل إذا علم حال أصحابه وسخاوة أنفسهم بذلك وطيب قلوبهم اهـ من المفهم (قال) أنس: (وبسط) النبي صلى الله عليه وسلم (نطعًا) أي سُفرة من جلد مدبوغ أي أمر ببسطها، والنطع فيه أربع لغات مشهورات فتح النون وكسرها مع فتح الطاء وإسكانها، أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء، وجمعه نطوع وأنطاع وهي بساط متخذ من أديم أي من جلد مدبوغ (قال) أنس: (فجعل) أي شرع (الرجل) منا (يجيء بالأقط) ممن كان عنده أقط والأقط لبن مجفف قبل نزع زبده يابس متحجر يطبخ به كما مر في زكاة الفطر (وجعل الرجل) الآخر (يجيء) أي يأتي (بالتمر وجعل الرجل) الآخر أيضًا (يجيء بالسمن) وهو الزبد المصفى بالنار من بقايا اللبن (فحاسوا حيسًا) والحيس هو الأقط والتمر والسمن يخلط ويعجن، ومعناه جعلوا هذا المجموع حيسًا أي طعامًا مخلوطًا فأكلوه وقد يجعل مع هذه الثلاثة غيرها كالسويق، وفي بعض الهوامش والحيس تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتَّى يبقى كالثريد، وربما جعل معه سويق، وهو مصدر في الأصل ويقال: حاس الرجل حيسًا من باب باع إذا اتخذ اهـ مصباح، قال الشاعر:

فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 3378 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِي. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحدَّثَنَاهُ قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ وَشْعَيبِ بْنِ حَبْحَابٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا تكون كريهة أُدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يُدعى جندب (فكانت) تلك الأشياء الثلاثة المخلوطة (وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم) على صفية، وفيه أن الوليمة تحصل بأي طعام كان ولا تتوقف على شاة، والسنة تقوم بغير لحم، قال العيني: وفيه دلالة على مطلوبية الوليمة للعرس وإنها بعد الدخول، وقال الثوري: ويجوز قبله وبعده، والمشهور عندنا أنها سنة، وقيل واجبة وعندنا إجابة الدعوة سنة سواء كانت وليمة عرس أو غيرها وبه قال أحمد ومالك في رواية، وقال الشافعي: إجابة الدعوة في وليمة العرس واجبة، وغيرها مستحبة وبه قال مالك في رواية اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 186]، والبخاري [947]، والنسائي [1/ 371]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3378 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن ثابت) بن أسلم البصري (وعبد العزيز بن صهيب) البناني البصري (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لإسماعيل بن علية (ح) وحدثناه قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد عن ثابت) بن أسلم البناني (وشعبب بن حبحاب) الأزدي مولاهم أبي صالح البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلَّا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن قتادة) بن دعامة (وعبد العزيز عن أنس) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت وعبد العزيز (ح وحدثنا محمد بن

عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَن أَنَسِ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَن شُعَيبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَن أَنسٍ. ح وَحدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدَمَ وَعُمَرُ بن سَعْدٍ وَعَبدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيدٍ. عَنْ شُعَيبِ بنِ الْحَبحَابِ، عَن أَنَسٍ. كُلُّهُم عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتقَهَا صَدَاقَهَا. وَفِي حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد) بن حساب (الغبري) البصري، ثقة، من (15) (حَدَّثَنَا أبو عوانة عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره (عن أنس) وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي عثمان لمن روى عن أنس (ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر (عن شعيب بن الحبحاب) بمهملتين مفتوحتين بينهما باء ساكنة البصري (عن أنس) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لحماد بن زيد (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (وعمر بن سعد) بن عبيد أبو داود الحفري بفتح الفاء والمهملة نسبة إلى حفرة موضع بالكوفة الكوفي، روى عن سفيان الثوري في النِّكَاح والوصايا والأطعمة، وذكر عيسى في الفضائل، ومسعر وصالح بن حسان ومالك بن مغول، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن رافع وإسحاق بن منصور وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال ابن المديني: ما رأيت بالكوفة أعلم منه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من التاسعة، مات سنة (203) (وعبد الرزاق) بن همام الصنعاني (جميعًا) أي كل من يحيى وعمر وعبد الرزاق رووا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن يونس بن عبيد) بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة، من (5) (عن شعيب بن الحبحاب) البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (كلهم) أي كل من حماد بن زيد وأبي عوانة وهشام الدستوائي ويونس بن عبيد رووا (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بأسانيدهم المذكورة سابقًا، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لإسماعيل ابن علية في رواية هذا الحديث بأسانيدهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنَّه) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم (أعتق صفية وجعل عتقها صداقها و). لكن (في حديث

مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ: تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ وَأَصْدَقَهَا عِتْقَهَا. 3379 - (1300) (100) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، في الَّذِي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا: "لَهُ أَجْرَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ عن أبيه) هشام الدستوائي أنَّه صلى الله عليه وسلم (تزوج صفية وأصدقها عتقها). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 3379 - (1350) (100) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني الطحان أبو الهيثم الواسطي، ثقة، من (8) (عن مطرف) بن طريف الحارثي أبي بكر الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري عبد الله بن في الأشعري الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الَّذي يُعتق جاريته) أي أمته (ثم يتزوجها له أجران) أجر الإعتاق وأجر التزوج، وهذا الحديث سبق بيانه وشرحه واضحًا في كتاب الإيمان حيث ذكره مسلم، وإنما أعاده هنا تنبيهًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في صفية لهذه الفضيلة الظاهرة، قال القرطبي: والحديث دليل على صحته وفضيلته خلافًا لمن كره ذلك من أهل العراق وشبهه بركوب بدنته وهو قياس في مقابلة النص المذكور فهو فاسد الوضع والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وفي رواية عند أبي داود الطيالسي إذا أعتق الرجل أمته ثم أمهرها مهرًا جديدًا كان له أجران، واستدل به على أن عتق الأمة لا يكون نفس الصداق ولا دلالة فيه بل هو شرط لما يترتب عليه الأجران المذكوران وليس قيدًا في الجواز اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث قطعة من الحديث الَّذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ولفظه "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها، وعبد يؤدي حق الله وحق مواليه، ومؤمن أهل الكتاب" وهذا لفظ النسائي وهو مذكور في الصحيحين

3380 - (1351) (101) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيبَرَ. وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَأَتَينَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ. وَقَدْ أَخْرَجُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسنن الترمذي وابن ماجة أيضًا ببعض تفاوت في الألفاظ وهذا أخصرها اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 415]، والترمذي [2384]، والنسائي، وابن ماجة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول ثانيًا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 3380 - (1351) (101) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفّار البصري، ثقة، من (15) (حَدَّثَنَا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا ثابت) بن أسلم (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا ابن أبي شيبة (قال) أنس: (كنت ردت أبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل أي راكبًا خلفه على فرسه (يوم) غزوة (خيبر) وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وأجرى مركوبه في زقاق خيبر (و) الحال إن (قدمي) لي (تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال) أنس: (فأتيناهم) أي فأتينا أهل خيبر وفاجأناهم (حين بزغت) وطلعت (الشمس) أي ظهر حاجبها الأعلى، وقوله: بزغت بفتح الباء والزاي من باب نصر معناه عند ابتداء طلوعها اهـ نووي، ووقع في رواية عند البخاري (فلما أصبح خرجت يهود خيبر) ويُجمع بينهما بأنهم وصلوا أول البلد عند الصبح فنزلوا فصلوا فتوجهوا وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرسه حينئذ في زقاق خيبر كما في الرواية الأخرى فوصل في آخر الزقاق إلى أول الحصون حين بزغت الشمس، وفي رواية البخاري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلًا أي قرب منها، وذكر ابن إسحاق أنَّه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفائهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسًّا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر اهـ فتح الملهم (و) إنهم (قد أخرجوا مواشيهم) وأنعامهم إلى المرعى (وخرجوا) من

مَوَاشِيَهُمَ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ. قَال: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَرِبَتْ خَيبَرُ! إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قَال: وَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَوَقَعَتْ في سَهْمِ دحْيَةَ جَاريَةٌ جَمِيلَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ حصونهم (بفووسهم) أي ملتبسين بها، جمع فأس وهو الَّذي يُشق به الحطب (ومكاتلهم) جمع مكتل وهو بكسر الميم الزنبيل الكبير الَّذي يحؤل فيه التراب وغيره كالسماد (ومرورهم) جمع مر بفتح الميم وهو مجرفة الحديد، ويسمى مسحاة ويجمع على المساحي، وفي فتح الملهم: جمع مر وهو معروف نحو المجرفة وأكبر منها، يقال لها المساحي هذا هو الصحيح في معناه، وحكى القاضي عياض في معناه قولين أحدهما: هذا، والثاني: المراد بالمرور هنا الحبال التي كانوا يصعدون بها إلى النخيل، قال واحدها مر بفتح الميم وكسرها لأنه يمر حين يفتل، وفي مغازي البخاري (فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم) وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة (حتَّى إذا كانت السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم) (فقالوا) أي قال أهل خيبر لما رأوا المسلمين: جاء (محمد والخميس) أي الجيش الكبير (قال) أنس: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) تفاؤلًا بخرابهم وإخبارًا عما كُشف له من الغيب (خربت خيبر) أي صارت خرابًا خاليًا عن السكان (إنا إذا نزلنا بساحة) أي بفناء (قوم) كفار (فساء) أي قبح (صباح المنذرين) أي المخوّفين بعذاب الله على كفرهم وامتنعوا من قبول الإنذار (قال) أنس: (وهزمهم الله عزَّ وجلَّ) أي أوقع بهم الهزيمة والغلبة وقتل المسلمون رجالهم وسبوا ذراريهم ونساءهم (ووقعت في سهم دحية) بن خليفة الكلبي أي فيما أخذه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الغنيمة لم تُقسم الآن (جارية جميلة) أي ذات جمال وحسن صورة يعني بالجارية صفية كما سيأتي التصريح بها، والجارية هنا بالمعنى المصطلح عليه فإنها وإن كانت من حرائر قومها صارت يومئذٍ مملوكة بأيدي المسلمين. وقد سبق في شرح رواية عبد العزيز بن صهيب بأن أخذ دحية كان بإذنه صلى الله عليه وسلم قبل القسم فالأولى في طريق الجمع بين الروايات أن يقال إن المراد بسهمه هنا نصيبه الَّذي اختاره لنفسه وذلك أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية

فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ. ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا. (قَال: وَأَحْسِبُهُ قَال) وَتَعْتَدُّ في بَيتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فأذن له أن يأخذ جارية من السبي فأخذ صفية فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم. فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء، وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز ولعله عوّضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك، وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم (صارت صفية لدحية فجعلوا يمدحونها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي) اهـ فتح الملهم (فاشتراها) أي فاشترى تلك الجارية (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من دحية (بسبعة أرؤس) أي بسبعة أنفس من الجواري أي أعطى دحية بدل تلك الجارية سبعة أنفس وأخذها منه نظرًا لتلك المصلحة العامة التي ذكرناها آنفًا (ثم دفعها) أي سلم تلك الجارية (إلى أم سليم) أم أنس سهلة بنت ملحان (تصنعها) بتشديد النون من التصنيع أي لتزيّنها وتجملها (له) صلى الله عليه وسلم (وتهيئها) أي تجهزها وتزفِّفُها له، وهو عطف تفسير على ما قبله، وعبّر عن هذا في الرواية السابقة بالتجهيز (قال) ثابت: (وأحسبه) أي وأظن أنسًا (قال وتعتد) تلك الجارية (في بيتها) أي في بيت أم سليم، وهو عطف نسق أيضًا، زاده ثابت بظن من عنده زيادة ذلك في قول أنس رضي الله عنه وأراد بالاعتداد الاستبراء لأنها مسبية، وضمير بيتها لأم سليم، والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب وإلا فتصنيع الجارية يكون بعد استبرائها ولم يذكر في الطريق المتقدم أنَّه استبرأها، وفي رواية أخرى حتَّى إذا بلغنا سد الروحاء حلّت فبنى بها، قال الحافظ: المراد بقوله: حلّت أي طَهُرت من حيضها، وقد روى البيهقي بإسناد لين أنَّه صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة، وأما ما رواه مسلم من طريق ثابت عن أنس أنَّه صلى الله عليه وسلم ترك صفية عند أم سليم حتَّى انقضت عدَّتها فقد شك حماد راويه عن ثابت في رفعه، وفي ظاهره نظر لأنه صلى الله عليه وسلم دخل بها منصرفه من خيبر بعد قتل زوجها بيسير فلم يمض

وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ. قَال: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأقِطَ وَالسَّمْنَ. فُحِصَتِ الأَرْضُ أفَاحِيصَ. وَجِيءَ بِالأَنْطَاعِ. فَوُضِعَتْ فِيهَا. وَجِيءَ بِالأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبعَ النَّاسُ. قَال: وَقَال النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ زمن يسع انقضاء العدة ولا نقلوا أنها كانت حاملًا حتَّى تضع ولا غير ذات حمل حتَّى تحيض حيضة قاله في سبايا أوطاس أخرجه أبو داود وغيره وليس على شرط الصحيح فإطلاق العدة عليه في حديث الباب مجاز عن الاستبراء والله أعلم اهـ فتح الملهم. (وهي) أي تلك الجارية (صفية بنت حيي قال) أنس: (وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها) أي وليمة صفية (التمر والأقط والسمن) أي الحيس المخلوط من هذه الثلاثة ثم بيّن كيفية خلطها فقال: (فُحِصَت الأرض) أي حفرت الأرض (أفاحيص) أي حفرًا بعدد الأنطاع، وقوله: فحصت هو بضم الفاء وكسر الحاء المهملة المخففة على صيغة المبني للمجهول أي كشف التراب وأُزيل من أعلاها وحفرت شيئًا يسيرًا ليُجعل الأنطاع في المحفور ويصب فيها السمن فيثبت ولا يخرج من جوانبها، وأصل الفحص الكشف وفُحص عن الأمر وفحص الطائر لبيضه، والأفاحيص جمع أفحوص اهـ نووي، وقال القرطبي: وفحصت الأرض أي كشفت عما يمنع القعود عليها من حجارة وعثب وغير ذلك وسويت حتَّى خلص إلى التراب ومنه مفحص القطاة وهو الموضع الَّذي تتخذه لتلد فيه (وجيء بالأنطاع فوضعت فيها) أي في تلك الأفاحيص، وتقدم أن الأنطاع جمع نطع، والأفحوص على وزن أسلوب؛ الموضع الحاصل من الفحص كالمفحص، وأصله من فحص القطاة وهو حفرها في الأرض موضعًا تبيض فيه، واسم ذلك الموضع مفحص وأفحوص، وذكر المجد أن نقرة الذقن تسمى فحصة، والقطاة واحد القطا طائر يؤكل مثل الحمام، ومن أمثالهم لو ترك القطا ليلًا لنام (وجيء بالأقط والسمن) وخُلطا بالتمر في الأنطاع فأكلوا (فشبع الناس) من الحيس (قال) أنس: (وقال الناس) الدِّين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم لبعض: والله (لا ندري) ولا نعلم (أتزوّجها) أي هل اتخذها زوجة (أم اتخذها أم ولد) أي أمة تلد له، قال الأبي: وهذا يدل على أن الوليمة ليست عندهم خاصة بالنِّكَاح بل تفعل في التسري، ولو كانت خاصة بالنِّكَاح لاكتفوا في معرفة أنها زوجة بفعل الوليمة عليها، قال عياض: واحتج به

قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا. فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا. فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَدَفعْنَا. قَال: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ. وَنَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ. فَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم على أنها بغير صداق كالموهوبة، ولو نكحها على أن عقها صداقها كما يقوله المخالف وظنه أنس لم يخف عليهم أنها زوجته حتَّى يقولوا ذلك، قال القرطبي: وهذا أيضًا يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم لم ييين لهم أمرها ولا أشهدهم على نكاحها فيكون حجة لمالك وجماعة من الصحابة والتابعين على صحة انعقاد النِّكَاح بغير شهود إذا أُعلن، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: لا يصح إلَّا لشاهدين إلَّا أن أبا حنيفة لا يشترط العدالة اهـ، فهم يحملون القصة على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم ولكن روى الطبراني بإسناد جيد عن حسن بن حرب أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "ما تقولون في هذه الجارية؟ " قالوا: نقول إنك أولى الناس بها وأحقهم. قال: "فإني أعتقتُها واستنكحها وجعلت عتقها مهرها" وحينئذٍ قولهم لا ندري أتزوَّجها إلخ لعله صدر من البعض وهم الذين لم يقفوا على جلية الحال والله أعلم اهـ ثم (قالوا: إن حجبها) عن الناس (فهي امرأته) أي زوجته (وإن لم يحجبها فهي أم ولد) له أي سرية، وفي رواية فهي ما ملكت يمينه لأن ضرب الحجاب إنما هو على سائر الحرائر لا على الإماء (فلما أراد) صلى الله عليه وسلم (أن يركب) ويُركبها (حجبها) أي سترها عن الناس (فقعدت على عجز البعير) أي على عجز بعيره صلى الله عليه وسلم أي أردفها خلفه، وعجز كل شيء بضم الجيم وزان رجل مؤخره (فـ) لما رأوا ذلك منها (عرفوا أنَّه قد تزوجها) أي عرف العام والخاص أنها زوجته (فلما دنوا) وقربوا (من المدينة دفع) أي أسرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمطيته (ودفعنا) أي أسرعنا معه صلى الله عليه وسلم بمطايانا لندخل المدينة (قال) أنس: (فعثرت) أي كبت وتعست (الناقة العضباء) التي كانت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صفية، والعضباء الناقة المشقوقة الأذن، ولقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن عضباء كذا في القاموس (وندر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي سقط عن ناقته (وندرت) هي أي سقطت أيضًا صفية، وأصل الندور الخروج والانفراد، ومنه كلمة نادرة أي فردة عن النظائر (فقام) رسول الله

فَسَتَرَهَا. وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ. فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ. قَال: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! أَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: إِي وَاللهِ، لَقَدْ وَقَعَ. قَال أَنَسٌ: وَشَهِدْتُ وَلِيمَةَ زَينَبَ. فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا. وَكَانَ يَبْعَثُني فَأَدْعُو النَّاسَ. فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ وَتَبِعْتُهُ. فَتَخَلَّفَ رَجُلَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم من مسقطه بسرعة (فسترها) أي فستر صفية عن الناس (و) الحال أنَّه (قد أشرفت) واطلعت (النساء) اللاتي كن مع المسلمين من أزواجه صلى الله عليه وسلم وممن يتعصب لهن على سقوطها (فقلن أبعبد الله اليهودية) عن رحمته أي لا سلمها الله من سقوطها بل أهلكها به، وفي بعض الرواية زيادة (قال: فدخلنا المدينة فخرج جواري) أي صغار (نسائه صلى الله عليه وسلم يترائينها ويشمتن بصرعتها) أي كأنهن سررن بذلك وفرحن، وهذا فعل يتضمنه طباع الضرائر ومن يتعصب لهن اهـ مفهم، قال الأبي: وسقوطه صلى الله عليه وسلم هو كسائر الأمراض البشرية التي هو فيها كغيره فلا وجه لقول ثابت أندر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا أن يكون تحزنًا لتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما ذكره بقوله: (قال) ثابت: (قلت) لأنس: (يا أبا حمزة) كنية أنس (أوقع) بهمزة الاستفهام التقريري أي هل وقع وسقط (رسول الله صلى الله عليه وسلم) على الأرض وتألم (قال) أنس: (إي) نعم (والله لقد وقع) وسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس مما يقدح في منزلته بل يرفعها. وهذه الرواية مما انفرد به الإمام مسلم ولكن شاركه أحمد [3/ 195]. (قال أنس) رضي الله عنه بالسند السابق كأنه يريد بهذا التعليق الاستشهاد بوليمته صلى الله عليه وسلم على زينب على وليمته على صفية رضي الله تعالى عنهما (وشهدت) أي حضرت أيضًا (وليمة) رسول الله صلى الله عليه وسلم على (زينب) كما شهدت وليمته على صفية (فأشبع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس) في وليمته على زينب (خبزًا ولحمًا) وقوله: (وكان) صلى الله عليه وسلم (يبعثني) أي يرسلني إلى الناس لدعوتهم إلى طعام الوليمة (فأدعو الناس) إلى طعامها تأكيد لشهوده تلك الوليمة (فلما فرغ) رسول الله صلى الله عليه وسلم من إطعامهم (قام) من مجلسه ليقوم الناس فخرج (وتبعته) في الخروج ولحقته (فتخلف) أي تأخر في البيت (رجلان) ولم يخرجا لم أر من ذكر اسمهما

اسْتأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ. لَمْ يَخْرُجَا. فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ. فيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ: "سَلَامٌ عَلَيكُمْ. كَيفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيتِ؟ " فَيَقُولُونَ: بِخَيرٍ. يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: "بِخَيرٍ" فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ إِذَا هُوَ بِالرَّجُلَينِ قَدِ اسْتَأْنَسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة قوله: (استأنس بهما الحديث) صفة سببية لرجلان لأنها وقعت بعد النكرة؛ أي أنس كل واحد منهما بحديث صاحبه واستلذه وخاضا في الكلام بحيث صار الكلام مستأنسًا بهما، يقال: استأنس به أي أنس به فالسين والتاء زائدتان للمبالغة لا للطلب؛ ومعناه ألفه وسكن قلبه به واطمأن ولم ينفر منه، وقوله: (لم يخرجا) صفة ثانية لهما ولكنها حقيقية أو حال من ضمير بهما (فجعل) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمر) أي يدور (على) حجر (نسائه فيسلم على كل واحدة منهن) فيقول لها: (سلام عليكم) بصيغة الجمع نظرًا للملائكة الذين معها، قال النووي رحمه الله تعالى: في هذه القطعة فوائد منها أنَّه يستحب للإنسان إذا أتى منزله أن يسلم على امرأته وأهله، وهذا مما يتكبر عنه كثير من الجاهلين المترفعين، ومنها أنَّه إذا سلم على واحد قال: سلام عليكم أو السلام عليكم بصيغة الجمع ليتناوله وملكيه، ومنها سؤال الرجل أهله عن حالهم فربما كانت في نفس المرأة حاجة فتستحي أن تبتدئ بها فإذا سألها انبسطت لذكر حاجتها، ومنها أنَّه يستحب أن يقال للرجل عقب دخوله كيف حالك ونحو هذا اهـ كيف أنتم) أي كيف حالكم وصحتكم هل هو طيب أم لا؟ لأن كيف يسأل بها عن الحال (يا أهل البيت) أي يا أهل بيتي وهو كناية عن زوجته سواء كان معها غيرها أم لا (فيقولون) أي فيقول أهل بيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله نحن (بخير) أي ملتبسون بخير (يا رسول الله كيف وجدت) أنت (أهلك) الجديد أي على أي حال وجدتها هل هي طيبة أم لا؟ (فيقول) صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم وجدتهم (بخير) أي ملتبسين بخير وحال طيب (فلما فرغ) رسول الله صلى الله عليه وسلم من دورانه على حجر أزواجه وانتهى (رجع) إلى حجرة زينب (ورجعت) أنا (معه فلما بلغ الباب) أي باب حجرة زينب ووصل إليه (إذا هو) صلى الله عليه وسلم راء (بالرجلين) اللذين تقدم ذكرهما لأن النكرة إذا أُعيدت معرفة تكون عين الأولى، وإذا فجائية رابطة لجواب لما أي فلما وصل الباب فأجاه رؤية الرجلين، والحال أنَّه (قد استأنس) أي أنس

بِهِمَا الْحَدِيثُ. فَلَمَّا رَأَيَاهُ قَدْ رَجَعَ قَامَا فَخَرَجَا. فَوَاللهِ! مَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أُمْ أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ بِأَنَّهُمَا قَدْ خَرَجَا. فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ في أُسْكُفَّةِ الْبَابِ أَرْخَى الْحِجَابَ بَينِي وَبَينَهُ. وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى هذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} [الأحزاب: 53] الآية. 3381 - (1352) (102) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بهما الحديث) وأخَّرهما الحديث عن الخروج فرجع (فلما رأياه) صلى الله عليه وسلم أي فلما رأى الرجلان النبي صلى الله عليه وسلم (قد رجع) عن دخول البيت عرفًا كراهيته جلوسهما في البيت و (قاما فخرجا) قال أنس: (فوالله) الَّذي لا إله غيره (ما أدري) ولا أعلم الآن (أنا أخبرته) بخروجهما (أم أنزل عليه الوحي) والإعلام من الله تعالى (بأنهما قد خرجا فرجع) إلى البيت (ورجعت معه فلما وضع) صلى الله عليه وسلم (رجله) أي قدمه (في أسكفة الباب) أي على أسكفة الباب أي على عتبته السفلى، والأسكفة بضم همزة القطع وسكون السين وضم الكاف وتشديد الفاء العتبة التي يوطأ عليها، وأصلها العتبة العليا وقد تستعمل في السفلى كما هنا (أرخى) أي سدل (الحجاب) أي الستر (بيني وبينه) ودخل على أهله فرجعت (وأنزل الله تعالى) في ذلك الوقت (هذه الآية) التي في سورة الأحزاب يعني قوله تعالى: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} [الأحزاب: 53] الآية، كذا اتفق عليه الرواة، وخالفهم عمرو بن علي الفلاس عن معتمر فقال: فأُنزلت {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أخرجه الإسماعيلي وأشار إلى شذوذه فقال: جاء بآية غير الآية الَّذي ذكرها الجماعة اهـ فتح الملهم. وشارك الصؤلف في رواية هذا التعليق أحمد [3/ 195]، والنسائي [6/ 79]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 3381 - (1352) (102) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا سليمان) بن المغيرة القيسي أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك

ح وَحدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيانَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ. حَدَّثَنَا أَنَسٌ. قَال: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدَحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ. وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: وَيَقُولُونَ: مَا رَأَينَا في السَّبْيِ مِثلَهَا. قَال: فَبَعَثَ إِلَى دَحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ. ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَال: "أَصْلِحِيهَا" قَال: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيبَرَ. حَتَّى إِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه (ح وحدثني به) أي بالحديث الآتي (عبد الله بن هاشم بن حيان) بتحتانية العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في تسعة أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لعبد الله بن هاشم لا لأبي بكر (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا سليمان بن المغيرة عن ثابت حَدَّثَنَا أنس) وهذان السندان من خماسياته، وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شبابة وبهز في رواية ثابت عن أنس لأن شبابة قال عن أنس، وبهز قال: حدثنا أنس (قال) أنس: (صارت صفية) بنت حيي (لدحية) بن خليفة (في مقسمه) أي في نصيبه الَّذي أخذه بسبب أخذه إياها من أصل الغنيمة بإذنه صلى الله عليه وسلم له في أخذه من أصل الغنيمة حين سأله أخذ جارية من الغنيمة فأذن له لأن القسمة لم تحصل بعد، وقوله: (في مقسمه) هو مفعل من قسم الثلاثي من باب ضرب فقياس مصدره الفتح وظرفه الكسر كما بسطنا الكلام عليه في شرحنا مناهل الرجال على لامية الأفعال لابن مالك وهو هنا مصدر بمعنى النصيب (وجعلوا) أي جعل الناس (يمدحونها) بحسبها ونسبها وجمالها (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أنس: (و) كانوا (يقولون) في مدحها (ما رأينا في السبي) أي في النساء المسبيات (مثلها) أي شبهها (قال) أنس: (فبعث) أي أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى دحية) بأن ائت بها فأتى بها فاستردها منه (فأعطاه) أي فأعطى دحية (بها) أي بدلها أي بدل صفية (ما أراد) دحية من السبي (ثم) بعد استردادها منه (دفعها) أي دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية (إلى أمي) أم سليم زوجة أبي طلحة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سليم: (أصلحيها) بعد انقضاء استبرائها أي أصلحي صفية وزينيها وجمّليها لتزفّيها لي (قال) أنس: (ثم) بعد دفعها إلى أم سليم (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر) راجعًا إلى المدينة واستمر في سيره (حتى إذا

جَعَلَهَا في ظَهْرِهِ نَزَلَ. ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيهَا الْقُبَّةَ. فَلَمَّا أَصبَحَ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأتِنَا بِهِ لا قَال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّويقِ. حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذلِكَ سَوَادًا حَيسًا. فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذلِكَ الْحَيسِ. ويشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ. قَال: فَقَال أَنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَليمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهَا. قَال: فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى إِذَا رَأَينَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشِشْنَا إِلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلها) أي جعل خيبر (في ظهره) أي وراء ظهره حتَّى لا يراها (نزل) منزلًا في الطريق (ثم) بعد نزوله (ضرب) أي بنى ورفع (عليها) أي على صفية (القبة) أي الخيمة (فلما أصبح) عروسًا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأصحابه أي نادى فيهم قائلًا: (من كان عنده فضل زاد) أي زاد فاضل عن حاجته (فليأتنا به) أي بذلك الفاضل (قال) أنس: (فجعل) أي شرع (الرجل) منهم (يجيء) أي يأتي (بفضل التمر و) آخر بـ (فضل السويق) وهو دقيق الشعير المقلي فأتى كل واحد منهم بما عنده (حتَّى جعلوا من ذلك) المجموع (سوادًا) أي كومًا شاخصًا مرتفعًا عن الأرض فخلطوه وجعلوه (حيسًا) أي طعامًا مخلوطًا اهـ نووي، قال عياض: والسواد بفتح السين وتخفيف الواو كل شخص ظاهر، وسواد الشيء شخصه يعني أنهم جعلوا من ذلك المجموع شيئًا ظاهرًا في ذاته، ومنه سواد العراق للعامر من أرضه اهـ ومنه في حديث الإسراء "رأى آدم عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة" أي أشخاصًا اهـ فتح (فجعلوا) أي فجعل الأصحاب وشرعوا أو فكانوا (يأكلون من ذلك الحبس) أي من ذلك الطعام المخلوط (ويشربون) عليه (من حياض) أي من ماء مجتمع في مستنقع هناك (إلى جنبهم) كائنة تلك الحياض (من ماء السماء) أي من ماء المطر أي كائن ماؤها من ماء المطر لا من ماء الآبار أو العيون مثلًا (قال) ثابت: (فقال أنس) بن مالك رضي الله عنه (فكانت تلك) الأطعمة المجموعة (وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها) أي على صفية رضي الله تعالى عنها (قال) أنس: (فانطلقنا) أي ذهبنا وارتحلنا من منزلنا ذاك (حتَّى إذا رأينا) وأبصرنا (جُدُر) بضمتين جمع جدار أي حتَّى إذا أبصرنا جدران (المدينة) المنورة (هششنا) أي نشطنا وفرحنا وانبعثت نفوسنا (إليها) أي إلى المدينة أي اهتززنا فرحًا وسرورًا وهذه فرحة القادم السالم الغانم إذا وصل إلى وطنه وأهله اهـ من المفهم، من هش الرجل هشاشة من باب تعب إذا ارتاح

فَرَفعْنَا مَطِيِّنَا. وَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَطِيَّتَهُ. قَال: وَصَفِيَّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَصُرعَ وَصُرِعَتْ. قَال: فَلَيسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيهِ وَلَا إِلَيهَا. حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَهَا. قَال: فَأَتَينَاهُ فَقَال: "لَمْ نُضَرَّ" قَال: فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. فَخَرَجَ جَوَارِى نِسَائِهِ يَتَراءَينَهَا وَيَشْمَتْنَ بِصَرْعَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وانبسطت نفسه ونشط وفرح وتبسم وانجدب بمحبوبه (فرفعنا) أي أجرينا وركضنا (مطينا) أي مركوبنا وأسرعنا به ورفعنا السير إلى غايته، يقال: رفع بعيره في سيره إذا أسرع به ورفعته إذا أسرعت به يتعدى ولا يتعدى اهـ مصباح (ورفع) أي أجرى وأسرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته) أي مركوبه وناقته شوقًا إلى المدينة (قال) أنس (وصفية) بنت حيي زوجته راكبة (خلفه قد أردفها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قد أركبها على ناقته رديفة خلفه (قال) أنس: (فعثرت) أي زلقت وصدمت بشيء في الطريق من نحو حجر (مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ناقته (فصُرع) بالبناء للمجهول أي أُسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها (وصُرعت) بالبناء للمفعول أيضًا أي وأسقطت صفية أيضًا عنها (قال) أنس: (فليس أحد من الناس) الحاضرين عندهما (بنظر إليه) صلى الله عليه وسلم في حالة سقوطه (ولا إليها) أي إلى صفية في حال سقوطها إجلالًا واحترامًا له أو فزعًا وتأسفًا من تألمهما بالسقوط، وسقوطه ذلك لا يقدح في منزلته بل يرفعها لأنه من العوارض البشرية التي لا تستحيل عليه أي فلم يكن أحد ينظر إليهما (حتَّى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) من مسقطه (فسترها) أي فستر صفية عن الناس (قال) أنس: (فأتيناه) صلى الله عليه وسلم عقب قيامه وستره إياها فسألنا عما أصابهما من الضرر في حالة السقوط (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم نضر) بالبناء للمجهول أي لم يصبنا ضرر في سقوطنا إزالة لما غشيهم من التخوف عليه وتسكينًا لنفرتهم وتطييبًا لقلوبهم اهـ مفهم (قال) أنس: (فدخلنا المدينة) المنورة (فخرج) إلينا (جواري نسائه) صلى الله عليه وسلم أي صغيرات الأسنان من أزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي لا ثبات لهن ولا شفقة عندهن، حالة كونهن (يتراءينها) أي يتراءين صفية أي ينظرن ويتشوفن إليها (ويشمثن) بفتح الياء والميم أي يفرحن ويظهرن السرور (بصرعتها) أي بوقعتها وسقطتها كأنهن سُررن بذلك، وهذا فعل يتضمنه طباع الضرائر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن يتعصب لهن من خدمها وأقاربها اهـ مفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد للأول، والرابع: حديث أنس الأخير ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النكاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة

532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النِّكَاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة 3382 - (353 1) (103) حدَّثنا مُحَمًدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. ح وَحدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَهذَا حَدِيثُ بَهْزٍ قَال: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَينَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النِّكَاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة 3382 - (1353) (103) (حَدَّثَنَا محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا أبو النضر هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي، ثقة، من (9) (قالا): أي قال كل من بهز وهاشم حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية عن سليمان وهو تأكيد لألف قالا: (حَدَّثَنَا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) (عن ثابت عن أنس) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما كلهم بصريون إلَّا محمد بن حاتم فإنه بغدادي، ورجال الثاني ثلاثة منهم بصريون وواحد بغدادي وواحد نيسابوري (وهذا) الآتي (حديث بهز) أي لفظ حديثه (قال) أنس (لما انقضت) وكملت (عدة زينب) بنت جحش بن رئاب بن يعمر الأسدية، وأمها أميمة بالتصغير بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجها حبه ومولاه زيد بن حارثة، وقد روى الطبراني بسند صحيح عن قتادة وابن جرير عن ابن عباس قالا: خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب وهو يريدها لزيد بن حارثة فظنت أنَّه يريدها لنفسه فلما علمت أنَّه يريدها لزيد أبت واستنكفت وقالت: أنا خير منه حسبًا فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} الآية كلها، فرضيت وسلمت فمكثت عنده مدة وألقى الله في قلبه كراهتها فجاء يشكوها إليه صلى الله عليه

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِزَيدِ: "فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ" قَال: فَانْطَلَقَ زَيدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا. قَال: فَلَمَّا رَأَيتُهَا عَظُمَت في صَدْرِي. حَتَّى مَا أَسْتَطيعُ أَنْ أَنْظرَ إِلَيهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا. فَوَلَّيتُها ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبي ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم فقال له: أمسك عليك زوجك واتق الله فنزلت {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} أي علمك بالوحي أنَّه سيطلقها وأنك تتزوجها، كما قاله علي بن الحسين والزهري وغيرهما وعليه أهل التحقيق ثم طلقها زيد لكراهته لها لتعاظمها عليه بشرفها لا لرغبة المصطفى في نكاحها كما زعمه من وهم، فلما انقضت عدتها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد ما هو مذكور في حديث الباب وهو قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد) بن حارثة إظهارًا لمزيد حبه له وقوة إيمانه حيث اطمأنت نفسه إلى خطبة من فارقها له صلى الله عليه وسلم قال البيضاوي وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بيّن على قوة إيمانه، قال القرطبي: وهذا امتحان لزيد وابتلاء له حتَّى يظهر صبره وانقياده وطوعه اهـ مفهم (فأذكرها عليّ) أي فاخطبها لي من نفسها، فيه دليل على أنَّه لا بأس أن يبعث الرجل لخطبة المرأة له من كان زوجها أولًا إذا علم أنَّه لا يكره ذلك كما كان حال زيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُروى أنَّه قال له: ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطب زينب عليّ (قال) أنس: (فانطلق زيد) أي ذهب إليها (حتَّى أتاها) وجاءها (وهي) أي والحال أن زينب (تخمر عجينها) أي تجعل الخمير في عجينها، والخمير شيء يُخلط به ليعجل صلاحه للخبز، قال المجد: وتخمير العجين تركه ليجود اهـ (قال) زيد: (فلما رأيتها عظمت في صدري) أي صارت عظيمة مهابة في قلبي، قال النووي: معناه أنَّه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها فعاملها معاملة من تزوجها صلى الله عليه وسلم في الإعظام والإجلال والمهابة (حتَّى ما أستطيع) ولا أقدر (أن انظر إليها) لأجل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرها) أي ذكر خطبتها وتزوّجها، وأنّ بفتح الهمزة لوقوعها في موضع التعليل كما قدرناه في الحل، قال عياض: يعني أنها عظمت في عينه من أجل إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم زواجها فعاملها معاملة من تزوجها (فوليتها ظهري) أي جعلت ظهري إلى جهتها (ونكصت) أي رجعت (على عقبي) أي ورائي وكان جاء إليها ليخطبها وهو ينظر إليها على ما كان من

فَقُلْتُ: يَا زينَبُ! أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَذكُرُكِ. قَالتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي. فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا. وَنَزَلَ الْقُرْآنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عادتهم وهذا كان قبل نزول الحجاب فلما غلب عليه الإجلال تأخر عنها وخطبها وظهره إليه لئلا يسبقه النظر إليها، وقال القرطبي: توليته إياه ظهره مع أن الحجاب لم يكن نزل صيانة لقلبه من التعلق بها اهـ فهذا من مزيد ورعه رضي الله عنه. (فقلت) لها: (يا زينب أرسلـ) ـــني (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إليك، حالة كونه (يذكرك) أي يخطبك لنفسه ويريد زواجك (قالت) زينب: (ما أنا بصانعة شيئًا) بفاعلة شيئًا من الإجابة والرد (حتَّى أُوامر ربي) أي حتَّى أستخيره تعالى أي حتَّى أصلي صلاة الاستخارة وأطلب من ربي أن يُريني في منامي ما هو خير لي من الإجابة والرد، وهو بضم الهمزة وفتح الواو أو بهمزتين مضارع أمر الرباعي. قال القرطبي: قوله: (ونكصت على عقبي) أي رجعت خلفي وقهقرت إليها حتَّى سمعت حديثها، فلما أخبرها، قالت: (حتَّى أوامر ربي) أي حتَّى أستخيره وأنظر أمره على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وكلت أمرها إلى الله وصح تفويضها إليه تعالى تولى الله تعالى إنكاحها منه صلى الله عليه وسلم ولم يحوجها إلى ولي يتولى عقد نكاحها فلذلك قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} ولما أعلمه الله تعالى بذلك دخل عليها بغير ولي ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق ولا شيء مما يكون شرطًا في حقوقنا ومشروعًا لنا وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم اللاتي لا يشاركه فيها أحد بإجماع المسلمين اهـ من المفهم. (فقامت) زينب (إلى مسجدها) أي إلى موضع صلاتها من بيتها، وفيه استحباب صلاة الاستخارة لمن همَّ بأمر سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا، وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخاري قال: بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة" إلى آخره ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم (ونزل القرآن) يعني قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} أي جعلناها لك زوجة بلا واسطة عقد على الصواب الَّذي لا يجوز غيره فإنها كانت تفخر بأن الله هو الَّذي زوَّجها، وقول ابن إسحاق: زوَّجها أخوها أبو أحمد يمكن تأويله بأنه لما رآه أتى

وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيهَا بِغَيرِ إِذْنٍ. قَال: فَقَال: وَلَقَدْ رَأَيتُنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حِينَ امْتَدَّ النَّهَارُ. فَخَرَجَ النَّاسُ وَبَقِيَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ في الْبَيتِ بَعْدَ الطَّعَامِ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منزلها رضي به وفرح إذ لا كلام له ولا لغيره مع الله تعالى اهـ فتح الملهم. (وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) فجأة (فدخل عليها) أي على زينب في بيتها (بغير إذن) أي بغير استئذان منها لأن الله تعالى زوَّجه إياها بالآية المذكورة وأي كلمة من كلمات الله تعالى التي يستحيل بها النساء كما في خطبة حجة الوداع أعلى وأقوى وأوثق من كلمة خاطَب الله تعالى بها أشرف أنبيائه في أعظم كتبه وهو قوله: {زَوَّجْنَاكَهَا} وعند ابن سعد بسند مرسل (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عند عائشة إذ أخذته غشية فسُرّي عنه وهو يبتسم ويقول: من يذهب إلى زينب فيبشرها وتلا {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ} الآية، قالت عائشة: فأخذني ما قرُب وما بعُد لما يبلغنا من جمالها وأخرى هي أعظم وأشرف ما صنع الله لها زوَّجها الله من السماء وعنده بسند ضعيف عن ابن عباس لما أُخبرت زينب بتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم لها سجدت، وقال المنافقون: حرّم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه لأنه كان تبناه فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية، قال ابن عطية: أذهب الله سبحانه بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم من تزوجه زوجة دعيه فنفى تلك البنوة اهـ فتح الملهم باختصار. (قال) ثابت: (فقال) أنس: (و) الله (لقد رأيتنا) أي رأيت أنفسنا (أن) بفتح همزة أن على أنها في تأويل مصدر بدل من مفعول رأيت لأن الرؤية هنا بصرية؛ أي ولقد رأيت أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار) ظرف متعلق بأطعمنا، وحين بفتح النون مبني لإضافتها إلى فعل مبني وهو بالنون، هكذا في النسخ أي أطعمنا حين ارتفع النهار أي شمسه واشتد ضحاؤه وهذه الوليمة هي التي أو لم فيها بالشاة كما جاء في الرواية الأخرى (فخرج الناس) أي معظمهم بعد أكل الطعام (وبقي رجال يتحدثون) والجملة الفعلية صفة لرجال لوقوعها بعد نكرة أي بقي (في البيت) رجال متحدثون (بعد) أكل (الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من

وَاتَّبَعْتُهُ. فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلِّمُ عَلَيهِنَّ. وَيَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ قَال: فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا أَوْ أَخْبَرَنِي. قَال: فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيتَ. فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ مَعَهُ فَأَلْقَى السِّتْرَ بَينِي وَبَينَهُ. وَنَزَلَ الْحِجَابُ. قَال: وَوُعِظَ الْقَوْمُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البيت ليخرجوا (واتبعته) صلى الله عليه وسلم في الخروج أي لحقته ومشيت معه (فجعل) صلى الله عليه وسلم أي شرع (يتتبع حجر نسائه) أي يتجول وبتطوف على بيوت أزواجه رضي الله تعالى عنهن، حالة كونه (يسلّم عليهن ويقلن) له (يا رسول الله كيف وجدت أهلك) سبق شرحه في الباب قبله، وفي رواية حميد: ثم خرج إلى أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلّم عليهن ويُسلّمن عليه ويدعو لهن ويدعون له، وفي رواية عبد العزيز إنهن قلن له كيف وجدت أهلك بارك الله لك (قال) أنس: (فما أدري) الآن ولا أعلم (أنا) بنفسي (أخبرته) صلى الله عليه وسلم (أن القوم) أي أن الرجال الباقين في البيت (قد خرجوا أو أخبرني) هو صلى الله عليه وسلم بأنهم خرجوا يعني أو أخبر هو صلى الله عليه وسلم إياي بإخبار الله سبحانه وتعالى إياه، وفي رواية عبد العزيز (فما أدري أخبرته أو أُخبر) بالبناء للمجهول أي أُخبر بالوحي هكذا وقع في هذه الروايات بالشك، وسيأتي في الروايات الآتية في الباب الجزم بأنه الَّذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم قال الحافظ: وهذا الشك قريب من شك أنس في تسمية الرجل الَّذي سأل الدعاء بالاستسقاء فإن بعض أصحاب أنس جزم عنه بأنّه الرجل الأول، وبعضهم ذكر أنَّه سأله عن ذلك فقال: لا أدري كما سبق في محله وهو محمول على أنَّه كان يذكره ثم عرض له الشك فكان يشك فيه ثم تذكر فجزم اهـ (قال) أنس: (فانطلق) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذهب إلى بيت زينب أي فرجع منطلقًا إلى بيته (حتَّى دخل البيت فذهبت) أي قصدت أن (أدخل معه فألقى الستر) أي أرخى الحجاب (بيني وبينه ونزل الحجاب) أي آية الحجاب بسبب ذلك الجلوس الَّذي جلسه الرجال المتحدثون بعد خروج الناس يعني أنَّه نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} الآية (قال) أنس: (ووعظ القوم) المتحدثون في البيت أي ذكروا وتفطنوا (بما وُعظوا به) يعني بتردد النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ورجوعه وهم في البيت أي انتبهوا بذلك وعرفوا كراهية النبي صلى الله عليه وسلم

زَادَ ابْنُ رَافِع في حَدِيثِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] ـــــــــــــــــــــــــــــ جلوسهم فخرجوا أو وعظوا بنزول آية الحجاب يعني هذه الآية المذكورة (زاد) محمد (بن رافع) القشيري (في حديثه) وروايته يعني على غيره يعني أنس بنزول الحجاب نزول قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي غير منتظرين نضجه (إِلَى قَوْلِهِ) تعالى: ({وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}) أي لا يمتنع من بيان الحق وإظهاره، قال القرطبي: وفي خروجه صلى الله عليه وسلم من البيت وترك المتحدثين على حالهم ولم يواجههم بالأمر بالخروج ما يدل على كرم أخلاقه وحسن معاملته وكثرة حيائه، وإن تحمل فيه مشقة ومخالفة مقصده ودورانه على حجر نسائه تفقد لأحوالهنّ وجبر لقلوبهن واستدعاء لما عندهن من أحوال قلوبهن لأجل تزوَّجه ولذلك استلطفنه بقولهن: كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ وصدور مثل هذا الكلام عنهن في حال ابتداء اختصاص الضرة الداخلة به يدل على قوة عقولهن وصبرهن وحسن معاشرتهن وإلا فهذا موضع الطيش والخفة للضرائر لكنهن طيبات لطيب. وقد صرح أنس في هذا الحديث بأن الحجاب إنما نزل بسبب ما جرى، وقد جاء في الصحيح أن عمر رضي الله عنه كان قد ألح على النبي صلى الله عليه وسلم في أن يحجُب نساءه، وكان يقول له: احجب نساءك فإنهن يراهن البر والفاجر، وكان يقول لسودة إذا خرجت: قد عرفناك يا سودة، حرصًا على الحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب ولا بُعد في نزول الآية عند اجتماع هذه الأسباب كلها والله أعلم اهـ من المفهم. قال الحافظ: يمكن الجمع بأن ذلك وقع قبيل قصة زينب فلقربه منها أطلق نزول آية الحجاب بهذا السبب ولا مانع مني تعدد الأسباب أو المراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وأما ما وقع من الإشكال في قصة خروج سودة أم المؤمنين لحاجتها وقول عمر لها قد عرفناك يا سودة كما في البخاري فراجع لحله الفتح من باب خروج النساء إلى البراز ومن تفسير سورة الأحزاب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 195]، والنسائي [6/ 79]. وقوله في هذا الحديث (فما أدري) وقبله في تفسير البخاري ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد

3383 - (00) (00) حدَّثنا أبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كَامِلِ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ: سَمِعْتُ أَنَسًا) قَال: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى امْرَأَةٍ (وَقَال أَبُو كَامِلٍ: عَلَى شَيءٍ) مِن نِسَائِهِ، مَا أَوْلَمَ عَلَى زَينَبَ. فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الحياء فخرج منطلقًا نحو حجرة عائشة فما أدري أخبرته أو أُخبر بصيغة المجهول ولشدة حيائه لم يواجههم بالأمر بالخروج بل تشاغل بالسلام على أمهات المؤمنين ليفطنوا لمراده كما في القسطلاني، وقوله: (غير ناظرين إناه) أي غير منتظرين لإدراكه، والإنى كإلى مصدر أنى يأني من باب رمى إذا أدرك ونضج، ويقال بلغ هذا إناه أي غايته، ومنه حميم آن، وعين آنية، ويقال أنى يأنى إذا دنا وقرب، ومنه {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ} اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3383 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري (فضيل بن حسين) البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قالوا: حَدَّثَنَا حماد وهو ابن زيد) الأزدي البصري (عن ثابت عن أنس وفي رواية أبي كامل سمعت أنسًا) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا قتيبة بن سعيد غرضه بسوقه بيان متابعة حماد بن زيد لسليمان بن المغيرة (قال) أنس: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على امرأة - وقال أبو كامل على شيء - من نسائه ما أولم على زينب) أي ما رأيته أو لم على أحد من نسائه مثل إيلامه على زينب، وفي الرواية الآتية أكثر مما أو لم على زينب، والإيلام صنع الوليمة ويكون إفعالًا من الألم لكن لا يراد هنا (فإنه) صلى الله عليه وسلم (ذبح) في وليمتها (شاة) أي شكرًا لله حيث زوّجه إياها بالوحي كما قال الكرماني، أو وقع إشفاقًا لا قصدًا كما قال ابن بطال، أو لبيان الجواز كما قال غيرهما، استكثر أنس شاة في هذه الوليمة واستقلّها النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به لابن عوف فقال: "أولم ولو بشاة" فإنها لقليلة لأهل غنى مثله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:

3384 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي روَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيب. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَينَبَ. فَقال ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: بِمَا أَوْلَمَ؟ قَال: أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ. 3385 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي، وَعَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. كُلُّهُمْ عَنْ مُعْتَمِرٍ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ حَبِيبٍ). حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ قَال: سَمِعْتُ أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 3384 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد) الباهلي البصري، صدوق، من (11) (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (قالا: حَدَّثَنَا محمد وهو ابن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب) البصري (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لثابت بن أسلم البناني (يقول: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه) بشيء (أكثر أو) قال أنس بشيء (أفضل مما أولم) به (على زينب) بنت جحش رضي الله تعالى عنها (فقال ثابت البناني) في بعض رواياته: (بما أولم؟ قال) أنس: (أطعمهم) أي أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس (خبزًا ولحمًا حتَّى) شبعوا و (تركوه) أي تركوا الطعام لشبعهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3385 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) (وعاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري، صدوق، من (15) (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) (كلهم عن معتمر واللفظ) الآتي (لابن حبيب حَدَّثَنَا معتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري، ثقة، من (4) (حَدَّثَنَا أبو مجلز) بكسر الميم وإسكان الجيم

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ. دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا. ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحدَّثُونَ. قَال: فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَامَ. فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ الْقَوْمِ. زَادَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى في حَدِيثِهِمَا قَال: فَقَعَدَ ثَلَاثَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفتح اللام بعدها زاي، وحُكي بفتح الميم، والمشهور الأول لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري مشهور بكنيته ثقة، من (3) وليس عندهم لاحق إلَّا هذا الثقة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة أبي مجلز لمن روى عن أنس (قال) أنس: (لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم) لوليمتها فأجابوا الدعوة بالحضور (فطعموا) من طعام الوليمة (ثم جلسوا) أي ثم بعد فراغهم من الأكل خرج معظمهم وجلس بعضهم، حالة كونهم (يتحدثون) فيما بينهم (قال) أنس (فأخذ) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأنه يتهيأ) أي يستعد (للقيام) ليتفطنوا لمراده فيقوموا لقيامه (فلم يقوموا فلما رأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي عدم قيامهم لتهيُّئه للقيام (قام) رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج، قال الأبي: ناقلًا عن عياض: وفي خروجه صلى الله عليه وسلم ودورانه على نسائه حتَّى يقوم الجالس حسن الأدب واحتمال الأذى وما كان عليه من حسن الخُلق لأنه كره جلوسهم فلم يأمرهم بالقيام بل تلطف فأوهم بالخروج فتلطف أولًا بالتهيؤ للقيام ليقوموا، فلما رآهم لم ينتهوا تلطف بالخروج، وفيه كراهية تطويل الجلوس عند العروس وعند من يعلم له شغلًا (فلما قدم) صلى الله عليه وسلم (قام من قام من القوم) قال ابن بطال: في هذا الحديث لا ينبغي لأحد أن يدخل بيت غيره إلَّا بإذنه، وأن المأذون له لا يطيل الجلوس بعد تمام ما أذن له فيه لئلا يؤذي أصحاب المنزل ويمنعهم من التصرف في حوائجهم، وفيه أن من فعل ذلك حتَّى تضرر به صاحب المنزل أن لصاحب المنزل أن يُظهر التثاقل به وأن يقوم بغير إذن حتَّى يفطن له، وأن صاحب المنزل إذا خرج من منزله لم يكن للمأذون له في الدخول أن يجلس إلَّا بإذن جديد (زاد عاصم وابن عبد الأعلى في حديثهما قال) أنس (فقعد ثلاثة) من الرجال، تقدم في رواية حماد بن سلمة إذا هو بالرجلين قد استأنس بهما الحديث، قال الحافظ: ويُجمع بين الروايتين بأنهم أول ما قام وخرج من البيت كانوا ثلاثة، وفي آخر ما رجع

وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ. ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا. قَال: فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا. قَال: فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ. فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَينِي وَبَينَهُ. قَال: وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}؛ إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]. 3386 - (00) (00) وحدَّثني عَمْرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ توجه واحد منهم في أثناء ذلك فصاروا اثنين، وهذا أولى من جزم ابن التين بأن إحدى الروايتين وهم، وجوز الكرماني أن يكون التحديث وقع من اثنين منهم فقط والثالث كان ساكتًا فمن ذكر الثلاثة لحط الأشخاص ومن ذكر الاثنين لحظ سبب القعود، ولم أقف على تسمية أحد منهم اهـ (وإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليدخل) بيت زينب (فإذا القوم جلوس) إذا فجائية وما بعدها جملة اسمية، ومثلها إذا فيما يأتي من قوله فإذا هم جلوس، وقوله: فإذا هم قد قاموا، والجلوس جمع جالس كشهود في جمع شاهد، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد رجوعه (إنهم) أي إن القوم الجالسين (قاموا فـ) ــخرجوا و (انطلقوا) أي ذهبوا (قال) أنس: (فجئت) النبي صلى الله عليه وسلم (فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم) أي أن القوم (قد انطلقوا) أي ذهبوا (قال) أنس: (فجاء) النبي صلى الله عليه وسلم (حتَّى دخل) بيت زينب (فذهبت) أنا أي قصدت أن (أدخل) معه (فألقى) أي أرخى (الحجاب) والستر (بيني وبينه قال) أنس (وأنزل الله عزَّ وجلَّ) قوله: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}) بكسر الهمزة وفتحها أي غير منتظرين نضجه وإدراكه (إلى قوله ({إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3386 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان

قَال ابْنُ شِهَابٍ: إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بالْحِجَابِ. لَقَدَّ كَانَ أُبَيُّ بن كَعْب يَسْأَلُنِي عَنْهُ. قَال أَنَسٌ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. قَال: وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ. فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ الْقَوْمُ. حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَمَشَى فَمَشَيتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ. ثُمَّ ظَنَّ أَنهُمْ قَدْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغفاري المدني، قال (قال ابن شهاب) الزهري المدني (أن أنس بن مالك قال): وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد بغدادي، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لأبي مجلز لاحق بن حميد، قال أنس: (أنا أعلم الناس) أي أكثرهم علمًا (بالحجاب) أي سبب نزوله وإطلاق مثل ذلك جائز للإعلام لا للإعجاب و (لـ) كوني أكثرهم علمًا بالحجاب (قد كان أُبي بن كعب يسألني عنه) أي عن سبب نزول الحجاب، فيه إشارة إلى اختصاصه بمعرفته لأن أُبي بن كعب أكبر منه علمًا وسنًا وقدرًا وهو أقرأ الأصحاب بنص من أنزل عليه الكتاب (قال أنس) في بيان سببه (أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صار (عروسًا) في الصباح، وسبق أنَّه لفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث ويفترقان في الجمع (بزينب بنت جحش قال) أنس: (وكان) صلى الله عليه وسلم (تزوَّجها بالمدينة) سنة خمس من الهجرة، وكانت قبله عند زيد بن حارثة فطلقها فلما انقضت عدتها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجني الله من رسوله وزوَّجكن أقاربكن، وهي أول نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاة بعده ماتت في خلافة عمر سنة (20) عشرين (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس للطعام) أي لطعام الوليمة عليها (بعد ارتفاع) شمس (النهار) وشدة ضحائه أي حره (فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس معه) صلى الله عليه وسلم (رجال) استانس بهم الحديث (بعدما) أكلوا و (قام القوم) غيرهم وخرجوا. وقوله: (حتَّى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) غاية لجلس أي جلس أولئك الرجال حتَّى قام صلى الله عليه وسلم (فمشى فمشيت معه) صلى الله عليه وسلم (حتَّى بلغ) ووصل (باب حجرة عائشة ثم ظن) صلى الله عليه وسلم (أنهم) أي أن أولئك الرجال (قد خرجوا فرجع) إلى بيت زينب (ورجعت معه) صلى الله عليه

فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ. فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ الثَّانِيَةَ. حَتَّى بَلَغَ حُجْرَةَ عَائِشَةَ. فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ قَامُوا. فَضَرَبَ بَينِي وَبَينَهُ بِالسِّتْرِ. وَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ. 3387 - (1354) (104) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ) عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلُّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ. قَال: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيمٍ حَيسًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (فإذا هم) أي أولئك الرجال (جلوس) أي جالسون (مكانهم) الَّذي تركناهم فيه، وتقدم قريبًا أن إذا فجائية أي فلما رجعنا إلى بيت زينب فاجأنا جلوسهم مكانهم (فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت زينب (فرجعت) معه المرة (الثانية حتَّى بلغ حجرة عائشة فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت زينب المرة الثالثَّة (فرجعت) معه (فإذا هم) أي أولئك الرجال (قد قاموا) وخرجوا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أدخل معه (فضرب) أي أرخى (بيني وبينه بالستر) أي بالحجاب (وأنزل الله) تعالى (آية الحجاب) يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني الإهداء للعروس بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 3387 - (1354) (104) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا جعفر يعني ابن سليمان) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة نزل فيهم أبو سليمان البصري، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الجعد) بن دينار اليشكري (أبي عثمان) الصيرفي البصري، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد بلخي (قال) أنس: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم) زينب بنت جحش كما نبه عليه البخاري وغيره (فدخل) صلى الله عليه وسلم أي بنى (بأهله) يعني زينب (قال) أنس: (فصنعت) أي صلحت (أمي أم سليم حيسًا) أي طعامًا مخلوطًا من التمر والأقط والسمن، وقد استشكل عياض ما وقع في هذا الحديث من أن الوليمة بزينب بنت جحش كانت من الحيس الَّذي أهدته أم سليم مع أن المشهور من الروايات أنَّه صلى الله عليه وسلم أولم عليها بالخبز واللحم، ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام بالمعجزة وإنما فيه أشبع

فَجَعَلَتْهُ في تَوْرٍ. فَقَالتْ: يَا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهذَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيكَ أُمِّي. وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ. وَتَقُولُ: إِن هذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ، يَا رَسُولَ الله! ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين خبزًا ولحمًا، وذكر في حديث البخاري أن أنسًا قال: فقال لي: ادع رجالًا سماهم وادع من لقيت وأنه أدخلهم ووضع صلى الله عليه وسلم يده على تلك الحيسة، وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة حتَّى تصدعوا كلهم عنها يعني تفرقوا، قال عياض: هذا وهم من راويه وتركيب قصة على أخرى. وتعقبه القرطبي بأنه لا مانع من الجمع بين الروايتين والأولى أن يقال لا وهم في ذلك فلعل الدِّين دُعوا إلى الخبز واللحم فأكلوا حتَّى شبعوا وذهبوا لم يرجعوا، ولما بقي النفر الدِّين كانوا يتحدثون جاء أنس بالحيسة فأُمر بأن يدعو ناسًا آخرين ومن لقي فدخلوا فأكلوا أيضًا حتَّى شبعوا واستمر أولئك النفر يتحدثون وهم جمع لا بأس به، وأولى منه أن يقال: إن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم فأكلوا كلهم من ذلك، وعجبت من إنكار عياض وقوم تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم مع أن أنسًا يقول: إنه أولم عليها بشاة، ويقول: إنه أشبع المسلمين خبزًا ولحمًا، وما الَّذي يكون قدر الشاة حتَّى يشبع المسلمين جميعًا وهم يومئذٍ نحو الألف لولا البركة التي حصلت من جملة آياته صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام اهـ فتح الملهم (فجعلته) أي فجعلت الحيس (في تور) بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو ساكنة إناء مثل القدح، قال في النهاية: هو إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه اهـ (فقالت) لي أمي: (يا أنس اذهب بهذا) الحيس (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل) له (بعثت بهذا) الحيس (إليك أمي) أم سليم (وهي) أي والحال أنها (تقرئك السلام) أي تقرأ عليك السلام، كذا تقرئك بضم التاء من أقرأ الرباعي متعد إلى اثنين بنفسه وأما من الثلاثة فيقال وهي تقرأ عليك السلام لأنه بمعنى تتلو عليك كما في المصباح، وقال ابن حجر في مقدمة فتح الباري؛ يقال: أقرئ فلانًا السلام، واقرأ - عليه السلام - كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده اهـ. (وتقول إن هذا) الحيس هدية (لك منا) ولكنه (قليل) بالنسبة إلى قدرك (يا رسول الله) قال النووي: فيه أنَّه يستحب لأصدقاء المتزوج أن يبعثوا إليه بطعام يساعدونه به على وليمته، وقد سبق هذا في الباب قبله وسبق هناك بيان الحيس، وفيه الاعتذار إلى

قَال: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي تُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال: "ضَعْهُ" ثُمَّ قَال: "اذهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. وَمَنْ لَقِيتَ" وَسَمَّى رِجَالًا. قَال: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ. قَال: قُلْتُ لأَنسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَال: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المبعوث إليه، وقول الإنسان نحو قول أم سليم هذا لك منا قليل، وفيه استحباب بعث السلام إلى الصاحب وإن كان أفضل من الباعث لكن هذا يحسن إذا كان بعيدًا من موضعه أو له عذر في عدم الحضور بنفسه للسلام اهـ (قال) أنس: (فذهبت بها) أي بتلك الهدية يعني الحيس (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) له: (أن أمي تقرئك السلام وتقول إن هذا) الحيس (لك منا قليل يا رسول الله فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضعه) أي حُطه على الأرض أمر من وضع يضع وضعًا إذا جعله على الأرض مثلًا (ثم قال) لي: (اذهب فادع إلي فلانًا وفلانًا وفلانًا) كناية عما سماه له باسمه (و) ادع لي أيضًا (من لقيت) ورأيت من المسلمين وهذا كناية عمن لم يسمه، وقوله: (وسمى رجالًا) أي ذكر أسماء رجال راجع إلى قوله ادع لي فلانًا وفلانًا (قال) أنس: (فدعوت) له صلى الله عليه وسلم (من سمى) أي من ذكر أسماءهم (ومن لقيت) ممن لم يذكر أسماءهم، قال القاضي عياض: فيه الاستنابة في الدعوة إلى الوليمة وتخصيص الدعوة ببعض لقوله فلانًا وفلانًا، وجواز التعريض للرسول لقوله ومن لقيت لكن لا يلزم المدعو الإجابة، وفي حديث قتيبة أو من لقيت. والصواب الأول كما في سائر الأحاديث، وفيه استحباب إهداء الطعام إلى العروس لشغلهم بالعرس كما استحب في الجنائز اهـ (قال) الجعد بن دينار: (قلت لأنس عددَ كم) بالنصب على أنَّه خبر لكان وجوبًا، وكم استفهامية قُدِّم عليها تمييزها فجعل خبر كان، وأصل التركيب كم عدد (كانوا) أي من جهة العدد (قال) لنا أنس: كانوا (زهاء) بضم الزاي وبالمد بمعنى مقدار أي كان الآكلون من تلك الوليمة مقدار (ثلاثمائة) رجل، ويقال: زهاء ولُهاء ونُهاء بضم أولها وبفتح الهاء وبالمد بمعنى واحد؛ أي بمعنى مقدار اهـ مازري. يقال: هم زهاء مائة وزهاء ألف أي مقدار مائة أو مقدار ألف، قال النووي: كانت في وليمة زينب وليمتان وليمة إطعام الخبز واللحم، والثانية: إطعام الحيس الَّذي أهدته أم سليم، وفيها ظهرت

وَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَنَسُ! هَاتِ التَّوْرَ" قَال: فَدَخَلُوا حتَّى امْتَلأَتِ الصُفَّةُ وَالْحُجْرَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلْيَأْكلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ لا قَال: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. قَال: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ. فَقَال لِي: ـــــــــــــــــــــــــــــ معجزة تكثير الطعام القليل، وفيها نزل الحجاب على ما أشبه بسياق الأحاديث. قال أنس: (وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس هات) بكسر التاء، فعل أمر على الأصح مبني على حذف حرف العلة وهي الياء نظير ارم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت في قولك: هات يا زيد درهمًا إلَّا إذا اتصل به ألف اثنين أو واو الجماعة أو ياء المؤنثة المخاطبة فحينئذٍ يكون مبنيًّا على حذف النون كقوله تعالى: (هَاتُوْ بُرْهَانَكُمْ} وقيل: اسم فعل أمر بمعنى ناولني مبني على الكسر لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًا، وإنما حرك فرارًا من التقاء الساكنين، والمعنى هنا ناولني يا أنس (التور) أي أعطني الإناء المشتمل على الحيس وادع لي فلانًا وفلانًا ومن لقيت من المسلمين ليأكلوه (قال) أنس: فدعوتهم (فدخلوا) بيت زينب رضي الله تعالى عنها (حتَّى امتلأت الصُفّة والحجرة) من بيتها، والصُفّة السقيفة أمام الدار أي المظلة، ومنه صفة المسجد النبوي، والحجرة الدار التي كانت سكناها، وسميت حجرة لأنها محجورة أي محاط بها، وقيل الصُفة ما ارتفع من الدار، والحجرة بمعنى الصحن وهو ما انخفض منها كما قال بعضهم: والصفة ما ارتفع من الدار ... والصحن ما انخفض عن الأحرار (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليتحلق عشرة عشرة) أي ليكن كل عشرة منهم حلقة واحدة؛ أي ليجلسوا حلقًا حلقًا، والحلق بفتحتين ويقرأ بكسر الحاء وفتح اللام جمع حلقة وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب، والتحلُّق تفعّل منها وهو أن يتعمدوا ذلك، فيه من آداب الأكل أن أكثر ما يدور على القصعة عشرة والأكل مما يليه إذا كان الطعام نوعًا واحدًا كما ذكره بقوله: (وليأكلل كل إنسان مما يليه) وفي تفسير ابن كثير وليسموا وليأكل كل إنسان مما يليه فجعلوا يسمون ويأكلون اهـ (قال) أنس: (فأكلوا حتَّى شبعوا قال) أنس: (فخرجت طائفة) أكلت (ودخلت طائفة) لم تأكل أي فتخرج طائفة أكلت وتدخل طائفة لم تأكل (حتَّى أكلوا كلهم فقال لي) رسول الله

"يَا أَنَسُ! ارْفَعْ" قَال: فَرَفَعْتُ. فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ. قَال: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحدَّثُونَ في بَيتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ. فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ. ثُمَّ رَجَعَ. فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَعَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيهِ. قَال: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم بعدما فرغوا من الأكل (يا أنس ارفع) القصعة (قال) أنس: (فرفعت) القصعة (فما أدري) ولا أعلم هل (حين وضعت) القصعة بينهم (كان) الطعام فيها (أكثر أم حين رفعت؟ ) من بينهم كان أكثر (قال) أنس: (وجلس طوائف منهم) في البيت بعد أكلهم، حال كونهم (يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس) معهم (وزوجته) زينب رضي الله تعالى عنها هكذا في جميع النسخ وزوجته بالتاء وهي لغة قليلة تكررت في الحديث والشعر، والمشهور حذفها إلَّا في الفرائض أي وزوجته جالسة في ناحية البيت (مولية) بضم الميم وكسر اللام المشددة وفتح الياء المخففة على صيغة اسم فاعل المؤنث أي موجهة (وجهها إلى الحائط) مستدبرة لهم لأن آية الحجاب لم تنزل بعد (فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم القاف من باب شرف، أي فكان جلوس أولئك المتحدثين ثقيلًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تفسير ابن كثير: فأطالوا الحديث فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليخرجوا (فـ) دار على حجراته و (سلم على نسائه) أي أزواجه (ثم رجع) إلى بيت زينب (فلما رأوا) أولئك المتحدثون (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحال أنَّه (قد رجع) إليهم وهم جالسون (ظنوا) أي أيقنوا كما في قوله تعالى: {وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ (28)} وجُل ظن في القرآن فهو بمعنى أيقن لا كله، انظر مفردات الراغب وكليات أبي البقاء أي أيقنوا (أنهم هد ثقلوا) بضم القاف المخففة أي أيقنوا أنهم كانوا ثقلاء (عليه، قال) أنس: (فابتدروا الباب) أي سارعوا إليه للخروج أي خرجوا مسرعين، قال الحافظ: ومحصّل القصة أن الذين حضروا الوليمة جلسوا يتحدثون واستحيى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده فيقوموا بقيامه فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام

فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ. وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ وَدَخَلَ. وَأَنَا جَالِسٌ في الْحُجْرَةِ. فَلَمْ يَلْبَثْ إلا يَسِيرًا حَتى خَرَجَ عَلَيَّ. وَأُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَاتُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَهُن عَلَى النَّاسِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إلى إلى آخر الآيات [الأحزاب: 53] ـــــــــــــــــــــــــــــ وخرج فخرجوا بخروجه إلَّا الثلاثة الذين لم يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث، وفي غضون ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقوموا من غير مواجهتهم بالأمر بالخروج لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه وهم في شغل بالهم وكان أحدهم في أثناء ذلك أفاق من غفلته فخرج وبقي الاثنان، فلما طال ذلك ووصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله فرًاهما فرجع فرأياه لما رجع فحينئذٍ فطنا فخرجا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأُنزلت الآية فارخى الستر بينه وبين خادمه ولم يكن له عهد بذلك اهـ كما ذكره بقوله فابتدروا الباب (فخرجوا كلهم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أرخى) أي فأرخى (الستر) وسدله، وحتى بمعنى الفاء العاطفة (ودخل) عند أهله (وأنا جالس في) صُفة (الحجرة فلم يلبث) أي لم يمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل الحجاب (إلا) زمنًا (يسيرًا) أي قليلًا (حتَّى خرج) وحتى بمعنى الفاء أيضًا، أي فخرج (عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في الصُفّة (و) قد (أُنزلت) عليه (هذه الآيات) بلفظ الجمع كما في نسخة الأبي ويدل عليه مابعده، وقوله: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) تأكيد لما قبله وتوطئة لما بعده أي فخرج من الحجاب (وقرأهن على الناس) أي قرأ تلك الآيات التي أُنزلت وقتئذٍ في الحجاب على الناس الحاضرين، والآيات هي قوله تعالى: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}) أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث من بعضكم لبعض اهـ جلالين، نُهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدّثه به ({إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ}) وقوله: (إلى آخر الآيات) متعلق بقرأهن، وقوله:

قَال الْجَعْدُ: قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِهذِهِ الآيَاتِ. وَحُجِبْنَ نِساءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 3388 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال الجعد) بن دينار: (قال) لنا (أنس بن مالك: أنا أحدث الناس) أي أسبقهم (عهدًا) أي صحبة (بهذه الآيات) وأقدمهم معرفة بسبب نزولها كما قال في الحديث السابق (أنا أعلم الناس بالحجاب لقد كان أُبي بن كعب يسألني عنه) جملة معترضة بين قوله قرأهن على الناس وقوله هنا: (وحُجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم) أي أُمرن بالحجاب عن الرجال لأنه معطوف على قرأهن على الناس، وقوله: (وحُجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم) جار على لغة أكلوني البراغيث وهي ذائعة في روايات الأحاديث، وفي هذا مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين، قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه واليدين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا في غيرها ولا إظهار شخوصهن وإن كنا مستترات إلَّا ما دعت إليه ضرورة، ثم استدل بما في الموطأ: أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يُرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جُعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها اهـ وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة من بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة أقبل الحجاب أو بعده؟ قال قوله: (قد أدركت ذلك بعد الحجاب) كذا في فتح الباري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [6/ 136]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3388 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أبي عثمان) الجعد بن دينار اليشكري البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة معمر لجعفر بن سليمان (قال) أنس: (لما

تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زينَبَ أَهْدَتْ لَهُ أُمّ سُلَيم حَيسًا في تَوْرٍ مِن حِجَارَةٍ. فَقَال أَنَسٌ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَب فَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" فَدَعَوْتُ لَهُ مَنْ لَقِيتُ. فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيهِ فَيَأْكُلُونَ وَيَخرُجُونَ. وَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ فَدَعَا فِيهِ. وَقَال فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. وَلَمْ أَدَعُ أَحَدًا لَقِيتُهُ إلا دَعَوْتُهُ. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. وَخَرَجُوا. وَبَقِيَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَطَالُوا عَلَيهِ الْحَدِيثَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ شَيئًا. فَخَرَجَ وَتَرَكَهُمْ في الْبَيتِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب) بنت جحش (أهدت له) صلى الله عليه وسلم (أُم سليم) سهلة بنت ملحان (حيسًا) أي طعامًا مخلوطًا من تمر وأقط وسمن (في تور) أي في إناء (من حجارة) مع ولدها أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما (فقال أنس فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب) يا أنس واخرج إلى مجامع الناس (فادع لي من لقيت من المسلمين) لأكل هذا الطعام (فدعوت له) صلى الله عليه وسلم (من لقيت) منهم (فجعلوا) أي فجعل الناس المدعوون وشرعوا (يدخلون عليه) صلى الله عليه وسلم لأكل الطعام (فيأكلون) منه (ويخرجون) من عنده صلى الله عليه وسلم بعد أكلهم (و) قد (وضع النبي صلى الله عليه وسلم) أولًا (يده) المباركة (على الطعام فدعا فيه) أي في ذلك الطعام بالبركة (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيه) أي في ذلك الطعام وقرأ عليه (ما شاء الله) تعالى (أن يقول) من الدعاء (ولم أدع) أي ولم أترك أنا عند دعوة الناس (أحدًّا لقيته) من المسلمين (إلا دعوته فأكلوا) كلهم أجمعون (حتَّى شبعوا وخرجوا) من عنده صلى الله عليه وسلم فوجًا فوجًا (وبقي طائفة) أي جماعة (منهم) أي من الآكلين في البيت بعد أكلهم (فأطالوا عليه) صلى الله عليه وسلم الجلوس و (الحديث) فيما بينهم (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستحيي منهم) وجملة قوله: (أن يقول لهم شيئًا) من الأمر بالخروج، في تأويل مصدر بدل من ضمير منهم أي يستحيي من القول لهم شيئًا من الكلام المزعج والأمر بالخروج لأنه صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءًا من العذراء (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت (و) قد (تركهم في البيت) متحدثين (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) بسببهم قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا

تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} قَال قَتَادَةُ: غَيرَ مُتَحَيِّنِينَ طَعَامًا وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا حَتَّى بَلَغَ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]. 3389 - (1355) (105) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}) قال قتادة) بن دعامة السدوسي البصري المفسر الأكمه في تفسير قوله غير ناظرين إناه أي (غير متحيِّنين طعامًا) أي فإذا أذن لكم في الدخول فأدخلوها حالة كونكم غير منتظرين حين نضجه وزمان إدراكه، وقوله: (ولكن إذا دعيتم فادخلوا) تفسير للاستثناء في قوله إلَّا أن يؤذن لكم إشارة إلى أن الاستثناء منقطع، وقوله: (حتَّى بلغ) قوله: ({ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}) غاية لقوله فأنزل الله عزَّ وجلَّ، قال الزمخشري في الكشاف: وهؤلاء قوم كانوا يتحيَّنون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، فالنهي مخصوص بمن دخل بغير دعوة وجلس منتظرًا للطعام من غير حاجة فلا يفيد النهي عن الدخول بإذن لغير طعام ولا الجلوس لمُهمٍّ آخر ولذا قيل إنها آية الثقلاء اهـ بزيادة من حاشية الخفاجي على البيضاوي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3389 - (1355) (105) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة) أي إلى طعام، متخذ لجمع (فليأتها) وجوبًا إن لم يكن له عذر أي فليأت مكانها والتقدير إذا دُعي إلى مكان وليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: قد تقدم القول في معنى الوليمة وفي أقسامها وفي الأمر بها في قصة عبد الرحمن بن عوف، والكلام هنا في حكم إجابتها، وفي الفتح قال الشافعي وأصحابه: تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من

3390 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيُجِبْ". قَال خَالِدٌ: فَإِذَا عُبَيدُ الله يُنْرلُهُ على العُرْسِ. 3391 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ نكاح أو ختان أو غيرهما لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتُقيد في غيره فيقال وليمة الختان ونحو ذلك، وقال الأزهري: الوليمة مأخوذة من الولم وهو الجمع وزنًا ومعنى لأن الزوجين يجتمعان، وقال ابن الأعرابي: أصلها من تتميم الشيء واجتماعه، وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس إلَّا بقرينة، وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة، وقد نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس وفيه نظر، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك، وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة، وذكر اللخمي من المالكية أنَّه المذهب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5179]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3390 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دُعي أحدكم) أيها المسلمون (إلى الوليمة) أي إلى مكانها (فليجب) بالحضور إلى مكانها (قال خالد) بن الحارث (فإذا) حدّث لنا (عبيد الله) بن عمر هذا الحديث (ينزله) أي يُنزل وجوب الإجابة ويحمله (على) وليمة (العرس) أي مترتبًا على العرس وهو الزفاف وطعامه، وهو من كلام ابن المثنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3391 - (00) (00) (حَدَّثَنَا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي

حَدَّثَنَا أَبي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَن نَافِعٍ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَليمَةِ عُرْسٍ فلْيُجبْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لخالد بن الحارث (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دُعي) وطُلب (أحدكم إلى) مكان (وليمة عرس فليجب) تلك الدعوة بالحضور إلى مكانها إن لم يكن له عذر، قال النووي: قد يحتج به من يخص وجوب الإجابة بوليمة العرس ويتعلق الآخرون بالروايات المطلقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذه إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو نحوه، ويحملون هذا الحديث على الغالب أو نحوه من التأويل اهـ. (قلت): ويمكن حمل الرواية المقيدة على زيادة تأكد الإجابة فيها والله أعلم اهـ فتح. والعرس بإسكان الراء وضمها لغتان مشهورتان وهي مؤنثة وفيها لغة بالتذكير اهـ نووي، قال النووي: والأعذار التي يسقط بها وجوب الإجابة أو ندبها أمور منها أن يكون في الطعام شبهة، أو يُخصَّ بها الأغنياء، أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه، أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه لخوف شره، أو تطمع في جاهه، أو يعاونه على باطل. وأن لا يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فرش حرير أو صور حيوان غير مفروشة أو آنية من ذهب أو فضة. ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح. ولو كانت الدعوة ثلاثة أيام فالأول تجب فيه، والثاني: تستحب، والثالث: تكره اهـ وكره مالك لأهل الفضل الإجابة لكل طعام يدعون إليه، وتأوَّله بعضهم من غير الوليمة، وتاؤله غيره على غير طعام أسباب السرور المتقدم اهـ أبي. (تنبيه): واعلم أن الوليمة التي تفعل في زماننا هذا لا تسمى وليمة عرس بل هي وليمة إملاك على المرأة فلا تجب فيها الإجابة بل تُسن كما في سائر الولائم لأن العرس هو الزفاف والدخول بالمرأة ولم يحصل الزفاف وقت الوليمة بل بعدها بعد استلام المرأة، والوليمة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في زينب وفي صفية بنت حيي إنما كانت بعد بنائه بهما وكذا أمر عبد الرحمن بن عوف بالوليمة بعد بنائه حين رأى عليه أثر صفرة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

3392 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ". 3393 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَن ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ. عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3392 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حَدَّثَنَا حماد) بن زيد الأزدي البصري (حَدَّثَنَا أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حَدَّثَنَا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوا) أي أجيبوا (الدعوة) أي دعوة وليمة العرس (إذا دُعيتم) أي طلبتم إلى حضورها، والدعوة بفتح الدال في الطعام وغيره، والدعوة بالكسر في النسب ومن العرب من عكس اهـ مفهم، قال المناوي: قوله: (ائتوا الدعوة) بالفتح وتضم، والمراد وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم حالة الإطلاق اهـ قال الدهلوي: والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولًا، وقد تقدم أن الوليمة إذا أطلقت حُملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد، ويحتمل أن تكون اللام للجنس وهو الَّذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره كما سيأتي اهـ فتح الملهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3393 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أيوب) السختاني (عن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لحماد بن زيد (كان يقول) ويروي (عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم أخاه) المسلم (فليجب) دعوته بالحضور (عرسًا كان) ما يدعو إليه (أو نحوه) كالعقيقة والختان، والظاهر أن قوله: (عرسًا كان أو نحوه) مدرج من كلام الراوي قاله ملا علي.

3394 - (00) (00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بن مَنْصُورٍ. حَدَّثَنِي عِيسَى بن الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ. حَدَّثَنَا الزُّبَيدِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أوْ نَحْوهِ فَلْيُجِبْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 3394 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي، ثقة، من (11) (حدثني عيسى بن المنذر) السلمي أبو موسى الحمصي، مقبول، من (10) روى عنه في (2) بابين الحج والنِّكَاح (حَدَّثَنَا بقية) بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي بفتح الكاف واللام المخففة نسبة إلى كلاع قبيلة كبيرة نزلت حمص من الشام أبو يُحمِد بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه أو أبو محمد التميمي الحمصي، روى عن الزبيدي في النِّكَاح، ومحمد بن زياد وبَحِير وأمم، ويروي عنه (م عم) وعيسى بن المنذر وابن جريج وشعبة وهما من شيوخه وخلق، له في (م) فرد حديث متابعة وهو هذا الحديث، وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال (س) إذا قال: حَدَّثَنَا وأخبرنا فهو ثقة، وقال في التقريب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة (197) سبع وتسعين ومائة وله سبع وثمانون سنة (87) وليس من رجال مسلم من اسمه بقية إلَّا هذا (حَدَّثَنَا الزبيدي) بضم أوله مصغرًا محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزبيدي لأيوب (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دُعي إلى عرس أو نحوه فليجب) الدعوة، هذا يؤيد أن الأمر بالإجابة لا يختص بطعام العرس، وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب بالإجابة إلى الدعوة مطلقًا عرسًا كان أو غيره بشرطه ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، وزعم ابن حزم أنَّه قول جمهور الصحابة والتابعين، وينكر عليه ما نقلناه عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنَّه قال في وليمة الختان لم يكن يُدعى لها لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دُعوا، وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النِّكَاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع، ولفظ الشافعي إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تُعرف وليمة العرس وكل دعوة دعي إليها رجل وليمة فلا أُرخص لأحد في

3395 - (00) (00) حدَّثني حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ". 3396 - (00) (00) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تركها ولو تركها لم يتبين لي أنَّه عاص في تركها كما يتبين لي في وليمة العرس كذا في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3395 - (00) (00) (حدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك (الباهلي) السامي بمهملة أبو علي البصري، صدوق، من (15) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أمية لأيوب (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوا الدعوة) وأجيبوها (إذا دُعيتم) أي طُلبتم إلى حضور الوليمة، وقد سبق قريبًا ما فيه من الشرح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3396 - (00) (00) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمّال بالمهملة، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي، ثقة، من (9) (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم، ثقة فقيه، من (5) (عن نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من

يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَجِيبُوا هذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتمْ لَهَا". قَال: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ في الْعُرْسِ وَغَيرِ الْعُرْسِ. وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صائِمٌ. 3397 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى كُرَاعٍ فَأَجِيبُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لمن روى عن نافع (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوا هذه الدعوة إذا دُعيتم لها) يعني دعوة الوليمة وهي طعام العرس اهـ مبارق، لكن راوي الحديث وهو نافع مولى ابن عمر فهم منه العموم حيث (قال: وكان عبد الله بن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس) فإن فاعل قال في كلا الموضعين هو نافع، وتقدم حديثه في التعميم قريبًا، وقال نافع أيضًا (و) كان ابن عمر (يأتيها) أي يأتي الدعوة (وهو) أي والحال أن ابن عمر (صائم) كما يأتيها وهو مفطر، قال النووي: فيه أن الصوم ليس بعذر في الإجابة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3397 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثم العسقلاني، ثقة، من (6) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن محمد لمن روى عن نافع (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دُعيتم) أيها المسلمون (إلى كراع فأجيبوا) دعوة داعيكم، والكراع بضم الكاف وتخفيف الراء آخره عين مهملة بوزن غراب هو مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير وهو مستدق الساق منهما، قال النووي: والمراد به عند جماهير العلماء كراع الشاة وغلطوا من حمله على كراع الغميم وهو موضع بين مكة والمدينة على مراحل من المدينة، قال الحافظ: وأغرب الغزالي في الإحياء فذكر الحديث بلفظ ولو دُعيت إلى كراع الغميم ولا أصل لهذه الزيادة، وقد أخرج الترمذي من حديث أنس وصححه

3398 - (1356) (106) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ. فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعًا (لو أُهدي إلَيَّ كراع لقبلت ولو دُعيت لمثله لأجبت) والمقصود المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء، وفيه دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو علم أن الَّذي يدعو إليه شيء قليل، قال المهلب: لا يبعث على الدعوة إلى الطعام إلَّا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمؤاكلة وتوكيد الزمام معه بها فلذلك حض صلى الله عليه وسلم على الإجابة ولو نزر المدعو إليه، وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف اهـ فتح الملهم، والمعنى أجيبوا الدعوة ولو دُعيتم إلى كراع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 3398 - (1356) (106) (وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (قالا): أي قال ابن مهدي وعبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته رجال الأول منهما اثنان منهم بصريان وواحد كوفي وواحد مدني وواحد مكي، ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دُعي أحدكم إلى طعام) ليتناوله عرسًا كان أو غيره (فليجب) الدعوة أي فليحضر، قيل الأمر للوجوب فيمن ليس له عذر، والجمهور على أنَّه للندب اهـ من المرقاة. هذا في الحضور وأما الأكل فندب كالإجابة إلى غير وليمة العرس، وأما الإجابة إلى دعوة الوليمة فواجبة كما مر لكن للوجوب شروط (فإن شاء) الأكل (طعم) أي أكل من طعامها (وإن شاء) تركه (ترك) الأكل سواء كان صائمًا أو مفطرًا، قال النووي: وفي الرواية الأخرى فليجب فإن

وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الْمُثَنَّى: "إِلَى طَعَامٍ". 3399 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان صائمًا فليصل وإن كان مفطرًا فليطعم فالمفطر في الرواية الثانية أمره بالأكل وفي الأولى مخيّر، واختلف العلماء في ذلك والأصح في مذهب أصحابنا أنَّه لا يجب الأكل في وليمة العرس ولا في غيرها فمن أوجبه اعتمد الرواية الثانية وتأوّل الأولى على من كان صائمًا ومن لم يوجبه اعتمد التصريح بالتخيير في الرواية الأولى وحمل الأمر في الثانية على الندب، وإذا قيل بوجوب الأكل فأقله لقمة ولا تلزمه الزيادة لأنه يُسمى أكلًا، ولهذا لو حلف لا يأكل حنث بلقمة ولأنه قد يتخيل صاحب الطعام أن امتناعه لشبهة يعتقدها في الطعام فإذا أكل لقمة زال ذلك التخيل هكذا صرح باللقمة جماعة من أصحابنا، وأما الصائم فلا خلاف أنَّه لا يجب عليه الأكل لكن إن كان صومه فرضًا لم يجز له الأكل لأن الفرض لا يجوز الخروج منه وإن كان نفلًا جاز الفطر وتركه فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر وإلا فإتمام الصوم والله أعلم اهـ. وقد أخرج الطيالسي والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد قال: دعا رجل إلى طعام، فقال رجل: إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعاكم أخوكم وتكلَّف لكم، أفطر وصم يومًا مكانه إن شئت" في إسناده راو ضعيف لكنه توبع والله أعلم (ولم يذكر ابن المثنى) لفظة (إلى طعام) بل ذكره ابن نمير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3740]، وابن ماجة [1751]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3399 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير، حَدَّثَنَا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني النبيل البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن أبي الزبير) المكي (بهذا الإسناد) يعني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان الثوري، وساق ابن جريج (بمثله) أي بمثل حديث الثوري. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

3400 - (1357) (107) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ. فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3400 - (1357) (107) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دُعي أحدكم) إلى طعام سواء كان لعرس أو غيره (فليجب) الدعوة بالحضور وجوبًا في العرس وندبًا في غيره (فإن كان صائمًا فليصل) لأهل الطعام بالمغفرة والبركة ونحو ذلك، وأصل الصلاة في اللغة الدعاء ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلِيهِمْ} كذا قال الجمهور، وقيل المراد بالصلاة الصلاة الشرعية بالركوع والسجود قاله بعض الشراح أي يشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها وثوابها ولأهل المنزل والحاضرين بركتها، وفيه نظر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بحضرة طعام" لكن يمكن تخصيصه بغير الصائم، قال النووي: إن كان صومه نفلًا وشق على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر اهـ مبارق، وقد تقدم في باب حق إجابة الوليمة أن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا، وعند أبي عوانة من طريق عمر بن محمد عن نافع كان ابن عمر إذا دُعي أجاب فإن كان مفطرًا أكل، وإن كان صائمًا دعا لهم وبرّك ثم انصرف، وفي الحضور فوائد أخرى كالتبرك بالمدعو والتجمل به والانتفاع بإشارته والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر، وفي الإخلال بالإجابة تفويت ذلك ولا يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش وعُرف من قوله فليدع حصول المقصود من الإجابة بذلك وأن المدعو لا يجب عليه الأكل، قال القاري: وروى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة بلفظ إذا دُعي أحدكم وهو صائم فليقل إني صائم، والجمع بين الحديئين أنَّه يعتذر أولًا فإن أبي فليحضر وليدع له بالبركة اهـ. وفي الفتح: نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك كان ذلك عذرًا له في التأخر اهـ (وإن كان مفطرًا فليطعم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3742]، والترمذي [781].

3401 - (1358) (108) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيهِ الأَغْنِيَاءُ ويتْرَكُ الْمَسَاكِينُ. فَمَنْ لَمْ يَأتِ الدَّعْوَةَ، فَقَدَّ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3401 - (1358) (108) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجال كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أنَّه) أي أن أبا هريرة (كان يقول بئس) أي قبح وخبث (الطعام طعام الوليمة يُدعى إليه الأغنياء ويُترك المساكين) أي بئس طعام الوليمة التي من شأنها هذا حتَّى لا تكون الدعوة الموجبة للإجابة سببًا لأكل المدعو الطعام المذموم، فاللفظ وإن أطلق فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر باتخاذ الوليمة وإجابة الداعي إليها ورتب العصيان على تركها كما في شرح القاضي، قال النووي: ومعنى هذا الحديث الإخبار بما يقع من الناس بعده صلى الله عليه وسلم من مراعاة الأغنياء في الولائم وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم بطيب الطعام ورفع مجالسهم وتقديمهم وغير ذلك مما هو الغالب في الولائم اهـ. قوله: (فمن لم يأت الدعوة) ولفظ ابن ماجة (ومن لم يجب) قال السندي: فيه إشارة إلى أن إجابة الدعوة للوليمة واجبة مان كانت هي شر الطعام من تلك الجهة. قوله (فقد عصى الله ورسوله) وإنما عصى الله لأن من خالف أمر رسول الله فقد خالف أمر الله تعالى اهـ ملا علي. قال النووي: ذكر مسلم هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة ومرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق أن الحديث إذا رُوي موقوفًا ومرفوعًا حُكم برفعه على المذهب الصحيح لأنه زيادة ثقة اهـ. وقوله: (يُدعى إليه الأغنياء) والجملة في موضع الحال من طعام الوليمة أو إنها تكون شر الطعام إذا كانت بهذه الصفة، ولهذا قال ابن مسعود: إذا خص الغني وترك الفقير أُمرنا أن لا نجيب، قال ابن بطال: وإذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء وأطعم كلًّا على حدة لم يكن فيه بأس وهذا فعله ابن عمر، قال البيضاوي: قوله شر الطعام طعام الوليمة من فيه مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم،

3402 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ؟ كَيفَ هذَا الْحَدِيثُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ؟ فَضَحِكَ فقَال: لَيسَ هُوَ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الأَغْنِيَاءِ. قَال سُفْيَانُ: وَكَانَ أَبِي غَنِيًّا. فَأَفْزَعَنِي فذَا الْحَدِيثُ حِينَ سَمِعْتُ بِهِ. فَسَأَلْتُ عَنْهُ الزُّهْرِيِّ، فَقَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما سماه شرًّا لما ذُكر عقبه فكأنه قال: شر الطعام الَّذي شأنه كذا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5177]، وأبو داود [3742]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3402 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (قال) سفيان: (قلت للزهري: يا أبا بكر) كنية الزهري (كيف) اسم استفهام يُسْأل به عن الحال في محل الرفع خبر مقدم وجوبًا للزومه الصدارة (هذا الحديث) مبتدأ مؤخر وجوبًا، والمعنى يا أبا بكر هذا الحديث كيف حاله هل هو صحيح أم لا؟ يعني به قوله: (شر الطعام طعام الأغنياء، فضحك) الزهري تعجبًا من غلطه في الحديث (فقال) أي الزهري (ليس هو) أي ليس الحديث الصحيح قولهم: (شر الطعام طعام الأغنياء، قال سفيان) في بيان سبب سؤاله (وكان أبي غنيًّا فأفزعني) أي أزعجني وأهمني (هذا الحديث) أي معناه حيث انطبق على أبي (حين سمعت به) والظرف متعلق بأفزع (فسألت عنه) أي عن لفظ هذا الحديث (الزهري فقال): الزهري: (حدثني عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) المدني (أنَّه سمع أبا هريرة يقول: شر الطعام طعام الوليمة) لا كما قلت (ثم ذكر) سفيان (بمثل حديث مالك) السابق. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس، قال القرطبي: أكثر الرواة والأئمة على رواية هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة، وقد انفرد برفعه زياد بن سعد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شر الطعام" وذكره وهو ثقة إمام، وأيضًا فمن وقفه ذكر فيه ما يدل على أنَّه مرفوع وذلك أنَّه قال فيه: ومن يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. وظاهر هذا الرفع لأن الراوي لا يقول مثل هذا من قبل نفسه، وقد تبين في سياق الحديث أن الجهة التي يكون فيها طعام الوليمة شر الطعام

3403 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيُّ، عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. وَعَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما هي ترك الأولى وذلك أن الفقير هو المحتاج للطعام الَّذي إذا دُعي سارع وبادر ومع ذلك فهو لا يدعى فكان العكس أولى وهو أن يُدعى الفقير وُبترك الغني ولا يفهم من هذا القول أعني الحديث تحريم ذلك الفعل لأنه لا يقول أحد بتحريم إجابة الدعاء للوليمة فيما علمته وإنما هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "شر صفوف الرجال آخرها وخيرها أولها، وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها" رواه مسلم وأبو داود والنسائي، فإنه لم يقل أحد إن صلاة الرجل في آخر الصفوف حرام ولا صلاة النساء في أول صف حرام وإنما ذلك من باب ترك الأولى كما قد يقال عليه مكروه وإن لم يكن مطلوب الترك على ما يُعرف في الأصول فإذًا الشر المذكور هنا قلة الثواب والأجر، والخير كثرة الثواب والأجر ولذلك كره العلماء اختصاص الأغنياء بالدعوة، ثم اختلفوا فيمن فعل ذلك هل تجاب دعوته أم لا؟ فقال ابن مسعود: لا تُجاب، ونحوه يحيى بن حبيب من أصحابنا، قال ابن مسعود: (نُهينا أن نجيب ثلاثًا من دعا الأغنياء وترك الفقراء، ومن يتخذ طعامه رياء وسمعة، ومن يتخذ بيته كما تُتخذ الكعبة) وظاهر كلام أبي هريرة وجوب الإجابة، ودعا ابن عمر في وليمته الأغنياء والفقراء فاجلس الفقراء على حدة وقال: ها هنا لا تُفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون، ومقصود هذا الحديث الحض على دعوة الفقراء والضعفاء ولا تقصر الدعوة على الأغنياء كما يفعل من لا مبالاة عنده بالفقراء من أهل الدنيا والله تعالى أعلم اهـ. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثه فقال: 3403 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني، ثقة، من (2) (وعن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لمالك بن أنس (قال) أبو هريرة: (شر الطعام طعام الوليمة) وساق معمر (نحو حديث مالك) بن أنس.

3404 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. نَحْوَ ذلِكَ. 3405 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ قَال: سَمِعْتُ ثَابِتًا الأَعْرَجَ يُحدَّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ. يُمْنَعُهَا مَنْ يَأتِيهَا وَيُدْعى إِلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3404 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) المكي (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) الأموي مولاهم عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، من (5) عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الزناد للزهري في رواية هذا الحديث عن الأعرج، وساق أبو الزناد (نحو ذلك) أي نحو ما حدث الزهري عن الأعرج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3405 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني أبا عبد الرحمن المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (قال) زياد: (سمعت ثابتًا) ابن عياض بن الأحنف (الأعرج) العدوي مولاهم مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (يحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت الأعرج لعبد الرحمن الأعرج (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر الطعام) أي أقله أجرًا وثوابًا (طعام الوليمة) قال الطيبي: واللام في الوليمة للعهد الخارجي إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء. وقوله: (يمنعها) بصيغة المجهول من حضور تلك الوليمة، تقول منعته الأمر ومن الأمر (من) اسم موصول في محل الرفع نائب ليمنع؛ أي يمنع من حضورها من (يأتيها) أي من يريد إتيانها وحضورها، والمراد به الفقراء لأن حاجتهم إلى الأكل تدعوهم إلى الإتيان (ويدعى) بالبناء للمفعول ونائب فاعله من الموصولة أي يطلب (إليها) أي إلى حضور

مَنْ يَأْبَاهَا. وَمَنْ لَمْ يُجبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك الوليمة (من يأباها) أي من يمتنع من حضورها، والمراد به الأغنياء نزل استغناءهم عنها بمنزلة إبائهم إياها وبما ياتون ولا يأكلون استئناف وبيان لكونها شر الطعام (ومن لم يجب الدعوة) أي دعوة الوليمة (فقد عصى الله) سبحانه وتعالى (ورسوله) صلى الله عليه وسلم بتخصيصه الدعوة بالأغنياء، وذكر ابن بطال أن ابن حبيب روى عن أبي هريرة أنه كان يقول: أنتم العاصون في الدعوة تدَعون من لا يأتي وتدَعون من يأتي. يعني بالأول الأغنياء، بالثاني بالفقراء والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث، الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والسادس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

533 - (19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها

533 - (19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثًا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها 3406 - (1359) (109) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَن عَائِشَةَ. قَالتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالت: كُتتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ. فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي. فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 533 - (19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثًا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها 3406 - (1359) (09 1) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (واللفظ) الآتي العمرو قا لا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيون أو كوفي وبغدادي (قالت) عائشة: (جماءت امرأة رفاعة) بكسر الراء بن سموءل -بفتح المهملة والميم وسكون الواو بعدها همزة- القرظي نسبة إلى قريظة قبيلة من يهود خيبر، سماها مالك من حديث عبد الرحمن بن الزبير نفسه: تميمة بنت وهب بن أبي عبيد القرظية وهي مثناة واختلف هل هي بفتحها أو بالتصغير والثاني أرجح (إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففالت): يا رسول الله كنت) أولًا (عند رفاعة) القرظي (فطلقني فبت طلاير) أي قطع طلاقي وخلص ماله عليّ من الطلقات، قال الحافظ: هذا ظاهر في أنه قال لها أنت طالق البتة، ويحتمل أن يكون المراد أنه طلقها طلاقًا حصل به قطع عصمتها منه وهو أعم من أن يكون طلقها ثلاثًا مجموعة أو مفرقة، ويؤيد الثاني ما في البخاري من كتاب الأدب أنها قالت: طلقني آخر ثلاث تطليقات، فمعنى بت طلاقي أي قطعه بجعله ثلاثة وهو كما قال ملا علي: يحتمل الجمع والتفريق اهـ (فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير) -بفتح الزاي وكسر الباء بوزن الأمير- بلا خلاف، وهو الزبير بن باطا وقيل: باطيا، وكان عبد الرحمن صحابيأ والزبير قُتل يهوديًّا في غزوة بني قريظة يوم خيبر، وهذا الذي ذكرنا من أن عبد الرحمن بن الزبير بن باطا القرظي هو الذي تزوج امرأة رفاعة القرظي هو الذي ذكره أبو عمر بن عبد البر والمحققون كذا في الشرح ولما عزفه ابن قتيبة وأبو نعيم رفعا نسبه إلى مالك بن الأوس

وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثوْبِ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا. حَتَّى تَذُوقِي عُسَيلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيلَتَكِ". قَالتْ: وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ. وَخَالِدٌ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فجعلاه من الأنصار والصواب الأول والله أعلم (وإن ما معه) من آلة الرجال (مثل هدبة الثوب) -بضم الهاء وسكون المهملة بعدها موحدة مفتوحة- هو طرف الثوب الذي لم يُنسج من سداه مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن، وأرادت أن ذكره رخو يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار، وقال الداودي: يحتمل تشبيهها بالهدبة في انكساره وأنه لا يتحرك وأن شهوته لا تشتد، ويحتمل أنها كنت بذلك عن نحافته أو وصفته بذلك بالنسبة للأول، قال: ولهذا يستحب نكاح البكر لأنها تظن الرجال سواء بخلاف الثيب اهـ. (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كشف شفته العليا عن مقدم أسنانه بلا إظهار صوت، قال الحافظ: وتبسمه صلى الله عليه وسلم كان تعجبًا منها إما لتصريحها بما تستحيي النساء من التصريح به غالبًا وإما لضعف عقل النساء لكون الحامل لها على ذلك شدة بغضها في الزوج الثاني ومحبتها في الرجوع إلى الزوج الأول ويُستفاد منه جواز وقوع ذلك اهـ، قال القرطبي: وفيه دليل على أن مثل هذا إذا صدر من مدعيته لا يُنكر عليها ولا توبخ بسببه فإنه في معرض المطالبة بالحقوق ويدل على صحته أن أبا بكر رضي الله عنه لم ينكره وإن كان خالد قد حركه للإنكار وحضه عليه اهـ من المفهم. (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتريدين) بهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي أتحبين أيتها المرأة (أن ترجعي إلى رفاعة) القرظي زوجك الأول، والله (لا) ترجعين إليه (حتى تذوقي عسيلته) أي عسيلة عبد الرحمن بن الزبير ولذة استمتاعه (ويذوق) عبد الرحمن (عسيلتك) أي لذة استمتاعك، والعسيلة بضم العين وفتح السين المهملتين تصغير عسلة، وفي العسل لغتان التأنيث والتذكير، فانث العسيلة لذلك لأن المؤنث يرد إليه الهاء عند التصغير كقولهم شُميسة ويُدية في تصغير شمس ويد، وقيل: إنما أنثه لأنه أراد النطفة، وضعفه النووي لأن الإنزال لا يشترط في التحليل وإنما هي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته. (قالت) عائشة (وأبو بكر) الصديق رضحي الله عنه جالس (عنده) صلى الله عليه وسلم (وخالد) واقف (بالباب) أي عند الباب حالة كونه (ينتظر أن يؤذن له) في الدخول،

فَنَادَى: يَا أَبَا بَكْرٍ! ألَا تَسْمَعُ هذِهِ مَا تَجْهَرُ به عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ! ـــــــــــــــــــــــــــــ أرادت به خالد بن سعيد بن العاص كما يأتي التصريح به في الرواية التالية كأنه من قدماء المسلمين ومن عمال سيد المرسلين (فنادى) خالد من عند الباب إلى أبي بكر فقال: (يا أبا بكر ألا تسمع هذه) المرأة، والموصول في قوله: (ما تجهر) وترفع (به) الصوت (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل من اسم الإشارة أي ألا تسمع ما تجهر هذه عند رسول الله، كره رضي الله عنه الجهر بما هو خليق بالإخفاء خصوصًا ممن المنتظر منهن الحياء لا سيما بحضرة سيد المرسلين، وهذا الحديث لو آخره المؤلف إلى باب الطلاق لكان أحسن كما فعله القرطبي في تلخيصه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 193] والبخاري [5261]. وقوله: (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) قال القرطبي: مذهب الجمهور أن هذا كناية عن الجماع، وقال بعضهم: في تصغير عسيلة دليل على أن الوطأة الواحدة كافية في إباحتها لمطلقها، وشذ الحسن فقال: العسيلة هنا كناية عن المني فلا تحل له عنده إلا بإنزاله. (قلت): ولا شك أن أول الإيلاج مبدأ اللذة وتمامه الإنزال والاسم يصدق على أقل ما ينطلق عليه فالأولى ما ذهب إليه الجمهور والله تعالى أعلم. وهذا الحديث نص في الرد على ما شذ فيه سعيد بن المسيب عن جماعة العلماء في قوله: إن عقد النكاح بمجرده يحلّها لمطلّقها، وقال بعض علمائنا: ما أظن سعيدًا بلغه هذا الحديث فاخذ بظاهر القرآن وشذ في ذلك ولم يقل أحد بقوله. (قلت): قد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير وجماعة من السلف على مما حكاه القاضي عبد الوهاب في شرح رسالة ابن أبي زيد، ويُفهم من قوله حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك استواؤهما في إدراك لذة الجماع وهو حجة لأحد القولين عندنا في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل لمطلّقها لأنها لم تذق العسيلة إذ لم تدركها. وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم إما من تغطية مرادها في الرجوع إلى زوجها الأول أو تعجبًا من تصريحها بشكواها بما عادة النساء الاستحياء منه. وقوله: (وتجهر) أي ترفع صوتها وفي غير كتاب مسلم (تهجر) بتقديم الهاء على

3407 - (00) (00) حدثني أبُو الطاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) (قَال أَبُو الطاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ رِفَاعةَ الْقُرَظِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجيم من الهجر وهو الفحش من القول، وقوله: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) تمسك به داود وابن علية والحكم وقالوا: لا تطلق المرأة بسبب عنة زوجها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُطلق عليه ولا ضرب له أجلًا، وجمهور العلماء من السلف وغيرهم على خلافهم وأنه يضرب له أجل فإن دخل بها وإلا فُرِّق بينهما، وقد حكى بعض أئمتنا الإجماع على ذلك وكأنه يريد إجماع السلف والله تعالى أعلم. ولا حجة لداود ولا لمن قال بقوله في الحديث الذي تمسكوا به لأن الزوج لم يُصدِّقها على ذلك بدليل ما رواه البخاري في هذا الحديث أنها لما قالت إن ما معه ليس بأغنى عني من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال: كذبت والله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزة تريد أن ترجع إلى رفاعة، وإنما يضرب الأجل إذا صدقها على عدم المسيس أو عُرضت عليه اليمين فنكل على ما يقوله بعضهم، واختلف الجمهور في الأجل فمعظمهم على أنه سنة لأنه إن كان مرضًا دارت عليه فصول السنة ولا بد أن يوافقه فصل منها غالبًا فيرتجى برؤه فيها فإذا انقضت السنة ولم يبرأ دل ذلك على أنه زمانة لازمة فيُفرِّق بينهما رفعًا للضرر عنها، وقال بعض السلف: عشرة أشهر والأمر قريب فإنه نظر في تحقيق مناط وكل ذلك فيمن يرتجى زوال ما به وأما المجبوب والخصي فيُطلق عليه من غير أجل اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3407 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي البصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ لحرملة قال أبو الطاهر حدثنا، وقال حرملة أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها (أخبرته أن رفاعة) بن سموءل (القرظي) ويقال إنه

طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلاقَهَا. فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزّبِيرِ. فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ. فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ. فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزّبِيرِ. وَإِنهُ. وَاللهِ، مَا مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ. وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رفاعة بن رفاعة وهو أحد العشرة الذين نزلت فيهم: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} الآية لما رواه الطبراني في معجمه وابن مردويه في تفسيره من حديث رفاعة بإسناد صحيح اهـ فتح الملهم (طلق امرأته) تميمة بنت وهب القرظية (فبت) أي قطع وخلص (طلاقها) أي عدد تطليقاتها التي يملك عليها وهي ثلاث تطليقات (فتزوجت بعده) أي بعد رفاعة (عبد الرحمن بن الزبير) القرظي (فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنها كانت) أولًا (تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده) أي بعد رفاعة (عبد الرحمن بن الزبير) في الكلام أولًا التفات من التكلم إلى الغيبة في قولها: إنها كانت تحت رفاعة، وكان مقتضى الظاهر أن تقول إني كنت تحت رفاعة فطلقني آخر ثلاث تطليقات، ثم التفات ثانيًا من الغيبة إلى التكلم حيث قالت: فتزوجت بعده الخ (وإنه) أي وإن عبد الرحمن (والله ما معه) أي ليس مع عبد الرحمن من الآلة (إلا مثل) هذه (الهدبة وأخذت) أي والحال أنها أخذت وأمسكت بيدها (بهدبة من جلبابها) والجلباب واحد الجلابيب وهو كساء تستتر به المرأة إذا خرجت من بيتها، قال الحافظ: استدل به على أن المرأة لا حق لها في الجماع لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يُغني عنها ولم يفسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها بذلك، ومن ثم قال إسماعيل بن إبراهيم بن علية وداود بن علي لا يُفسخ بالعنة ولا يُضرب للعنين أجل، وقال ابن المنذر: اختلفوا في المرأة تُطالب الرجل بالجماع فقال الأكثر: إن وطئها بعد أن دخل بها مرة واحدة لم يؤجل أجل العنين وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وإسحاق، وقال أبو ثور إن ترك جماعها لعلة أجل له سنة وإن كان لغير علة فلا تأجيل، وقال عياض: اتفق كافة العلماء على أن للمرأة حقًّا في الجماع فيثبت الخيار لها إذا تزوجت المجبوب والممسوح جاهلة بهما، ويُضرب للعنين أجل سنة لاحتمال زوال ما به. وأما استدلال داود ومن يقول بقوله بقصة رفاعة فلا حجة فيها لأن في بعض طرقه أن الزوج الثاني كان أيضًا طلقها كما

قَال: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا. فَقَال: "لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ. لَا. حَتَّى يَذُوقَ عُسَيلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيلَتَهُ". وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. قَال: فَطَلَّقَ خَالِدْ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ: أَلا تَزْجُرُ هذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ . 3408 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع عند مسلم صريحًا من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها في أواخر هذا الباب (قال) الراوي يعني عائشة أو عروة ففيه إرسال (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكًا) أي منتهيًا إلى الضحك، قال أهل اللغة: التبسم مبادي الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ، والمعنى فتبسم صلى الله عليه وسلم حالة كونه ضاحكًا أي زائدًا مبالغًا في تبسمه فإن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسمًا ولا ضحك له (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري، فقال لها: (لا) ترجعين إليه (حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته، وأبو بكر الصديق جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة) أي عند بابها حالة كونه (لم يؤذن له) في الدخول (قال) أي عائشة أو عروة ففيه إرسال كما مر آنفًا (فطفق خالد) بن سعيد (ينادي أبا بكر) فيقول له: (ألا تزجر) وتنهى يا أبا بكر (هذه) المرأة (عما تجهر) وترفع (به) صوتها (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الكلام القبيح، قال ابن العربي: طلب المرأة حقها عند الحاكم ليس بمناف للمروءة ولا للحياء المحمود لأن المقصود من النكاح الوطء فإذا طلبته علم الجميع أنها تعنيه فإذا تعذر جاز طلبها له دينًا وحسن مروءة اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 3408 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن

الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ. فَجَاءَت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ! إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. 3409 - (50) (50) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ، فَيُطَلِّقُهَا، فَتَتَزَوَّجُ رَجُلًا، فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا. أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ؟ قَال: "لَا. حَتَّى يَذوقَ عُسَيلتَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس (أن رفاعة القرظي طلق امرأته) أميمة بنت وهب القرظية (فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير) القرظي (فجاءت) المرأة (النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقها) فيه التفات، وكان مقتضى السياق طلقني (آخر ثلاث تطليقات) وساق معمر (بمثل حديث يونس) وروايته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3409 - (00) (00) (حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب (الهمداني) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة يتزوجها الرجل) أولًا (فيطلقها) ثلاث تطليقات إما مجموعة أو متفرقة (فتتزوج) تلك المرأة (رجلًا) آخر (فيطلقها) الرجل الثاني (قبل أن يدخل) ويطأ (بها أتحل) هذه المرأة (لزوجها الأول؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تحل للأول (حتى يذوق) الزوج الثاني الذي تزوجها بعد زوجها البائت طلاقها (عسيلتها) بنكاح جديد، والذوق إدراك طعم الشيء، وفي المصباح ذاق الرجل عسيلة المرأة وذاقت عسيلته إذا حصل لهما حلاوة الخلاء ولذة المباشرة بالإيلاج، وهذه استعارة لطيفة شُبهت لذة المجامعة بحلاوة العسل، أو سُمي الجماع عسلًا لأن العرب تسمي كل ما تستحليه عسلًا، وفي التصغير إشارة إلى تقليل القدر الذي يحصل به الحل وهو تغييب الحشفة ومن المستعار العسيلتان في الحديث

3410 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُريبٍ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 3411 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا. فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أن يَدْخُلَ بِهَا. فَأَرَادَ زَوْجُهَا الأوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للعضوين لكونهما مظنتي الالتذاذ، والتأنيث فيه لتأنيث مكبره في الأكثر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3410 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي (جميعًا) أي كل من ابن فضيل وأبي معاوية (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة ابن فضيل وأبي معاوية لأبي أسامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حدثها فقال: 3411 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5) (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، من كبار (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لعروة بن الزبير (قالت) عائشة: (طلق رجل) من المسلمين (امرأته) أي زوجته (ثلاثًا) هذا الحديث إن كان مختصرأ من قصة رفاعة فقد ذكرت توجيه المراد بقوله: ثلاثًا أنها كانت مفرقة، وإن كان في قصة أخرى فهو ظاهر في كونها مجموعة، وقد ثبت في الأحاديث أن غير رفاعة وقع له مع امرأته ما وقع لرفاعة فليس التعدد في ذلك ببعيد اهـ فتح الملهم (فتزوجها رجل) آخر بعد طلاق الأول ثلاثًا (ثم طلقها) الرجل الثاني (قبل أن يدخل) ويطأ (بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها) ثانيًا (فسئل رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ. فَقَال: "لَا. حَتَّى يَذُوقَ الآخِرُ مِنْ عُسَيلَتِهَا، مَا ذَاقَ الأَوَّلُ". 3412 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ). جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَفِي حَدِيثِ يَحْيى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ. 3413 - (1360) (110) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم عن ذلك) أي عن تزوج الزوج الأول لها قبل أن يذوق الثاني عسيلتها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) يتزوجها الأول (حتى يذوق الأخر) أي الزوج الثاني (من عسيلتها ما ذاق) الزوج (الأول) منها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3412 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) بن فروخ القطان البصري (جميعًا) أي كل من عبد الله بن نمير ويحيى القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري (بهذا الإسناد) يعني عن القاسم عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى علي بن مسهر عن عبيد الله، غرضه بيان متابعة ابن نمير ويحيى القطان لعلي بن مسهر (و) لكن (في حديث يحيى) القطان وروايته (عن عبيد الله) بن عمر لفظ (حدثنا القاسم عن عائشة) بصيغة السماع لا بالعنعنة كما في رواية علي بن مسهر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3413 - (1360) (110) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قالا): أي قال كل من يحيى وإسحاق (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن سالم) بن أبي الجعد

عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَال: بِاسْمِ اللهِ. اللهم جَنِّبْنَا الشَّيطَانَ. وَجَنِّبِ الشيطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَينَهُمَا وَلَدٌ فِي ذلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس أبي رشدين المدني، ثقة، من (3) (عن ابن عباص) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مدني وواحد إما نيسابوري أو مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم) أي أحد المسلمين (إذا أراد أن يأتي) ويجامع (أهله) أي امرأته أو جاريته أي جماعًا مباحًا كما هو ظاهر قاله القاري في المرقاة، وهذه الرواية مفسرة لغيرها من الروايات التي فيها (حين يأتي أهله) دالة على أن القول قبل الشروع، قال القاري: وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود موقوفا أنه إذا أنزل قال: "اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبًا" ولعله يقولها في قلبه أو عند انفصاله لكراهة ذكر الله باللسان في حال الجماع بالإجماع اهـ فتح الملهم. وإذا ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بقوله: (قال باسم الله) وجملة قال خبر أن والتقدير لو أن أحدهم قال باسم الله الخ وقت إتيان أهله، ولو إما للتمني وجملة أن في محل النصب مفعول للتمني المدلول عليه بلو والتقدير أتمنى قول أحدهم بسم الله وقت إرادة إتيان أهله، وجملة قوله: (فإنه إن يقدر) تعليل للتمني المحذوف، وإما شرطية وفعل الشرط محذوف وكذا جوابه، وجملة أن فاعل للشرط المحذوف والتقدير لو ثبت قول أحدهم باسم الله وقت إرادة إتيان أهله لكان خيرًا له أو لكان ذلك القول حسنا، وجملة قوله فإنه إن يقدر تعليل أيضًا لجواب الشرط المحذوف والمعنى أي أُجامع بسم الله (اللهم جنبنا الشيطان) أي بعدنا وسوسة الشيطان وعمله (وجنب) أي بعد (الشيطان ما رزقتنا) أي عما رزقتنا وأعطيتنا من الولد وهو مفعول ثان لجنب، أفاد الكرماني أنه رأى في نسخه من صحيح البخاري قرئت على الفربري قيل لأبي عبد الله يعني البخاري: من لا يُحسن العربية يقولها بالفارسية؟ قال: نعم اهـ فتح الملهم (فإنه) أي فإن الشأن والحال (أن يقدر) المراد إن كان قدر لأن التقدير أزلي لكن عئر بصيغة المضارع بالنسبة للتعلق قاله الحافظ في الفتح (بينهما) أي بين المتجامعين (ولد في ذلك) الجماع (لم يضره) أي لم

شَيطَانٌ أَبدًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ يضر ذلك الولد (شيطان أبدًا) قاله القاري، فيه إيماء إلى حسن خاتمة الولد ببركة ذكر الله تعالى في ابتداء وقوع نطفته في الرحم فالضر مختص بالكفر اهـ. قال القاضي عياض: قيل معنى لم يضره لن يتخبطه، وقيل معناه لن يطعن في خاصرته عند الولادة الطعنة التي يستهل بها صارخًا، ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة. قال القرطبي: القول بقصره على التخبط والصرع ليس بشيء لأنه تحكم بغير دليل والقول بقصره على الطعن في الخاصرة فاسد لحديث "كل مولود يطعن الشيطان خاصرته إلا ابن مريم - عليه السلام - فإنه جاء يريد أن يطعنه فطعن في الحجاب" رواه ابن عدي في الكامل، فإنه يدل على أنه لا ينجو منه إلا عيسى بن مريم - عليه السلام - لقول أمها {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} وليس طعنه بمضر لأنه طعن كثيرًا من الأولياء ولم يضرهم ذلك، وإنما مقصود الحديث أن الولد المقول فيه ذلك لم يضره الشيطان في قلبه ودينه لصلاح أبويه وبركة اسم الله تعالى والتعوذ به واللجَاء إليه، ويقرب هذا من قول أم مريم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} ولا يُفهم من الحديث نفي الوسوسة والصرع فقد يكون ذلك كله ولا يضره في عقله ودينه وعاقبة أمره فلا يكون للشيطان عليه سلطان لأنه يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ} وذلك ببركة نية الأبوين الصالحين وبركة اسم الله تعالى والتعوذ به والالتجاء إليه والله أعلم اهـ من المفهم. وفي الحديث من الفوائد استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الملاذ كالوقاع، وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسواء، وفيه الاستشعار بأنه المُحافظة لذلك العمل والمُعين عليه، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه إلا إذا ذكر الله تعالى قاله الحافظ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 276]، والبخاري [411 و 3283]، وأبو داود [2161]، والترمذي [1092]، والنسائي في عمل اليوم والليلة [266]، وابن ماجه [1919]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

3414 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنِ الثَّوْرِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ. بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيرَ أَنَّ شُعْبَةَ لَيسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ "بِاسْمِ اللهِ". وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ "بِاسْمِ اللهِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيرٍ: قَال مَنْصُورٌ: أُرَاهُ قَال: "بِاسْمِ اللهِ". 3415 - (1361) (111) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَعَمْرٌو الناقِدُ. (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3414 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق جميعًا) أي كل من ابن نمير وعبد الرزاق رويا (عن) سفيان بن سعيد (الثوري كلاهما) أي كل من شعبة والثوري رويا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (بمعنى حديث جرير) بن عبد الحميد، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة والثوري لجرير بن عبد الحميد (غير أن شعبة ليس في حديثه ذكر) لفظة (باسم الله، وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري باسم الله، وفي رواية ابن نمير) عن الثوري، قال الثوري (قال) لنا (منصور أُراه) بضم الهمزة أي أظن سالم بن أبي الجعد (قال) لفظة (باسم الله) والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 3415 - (1361) (111) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (واللفظ لأبي بكر قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) (سمع جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان أو كوفي وبلخي أو كوفي وبغدادي (يقول كانت اليهود تقول: إذا

أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، مِنْ دُبُرِهَا، فِي قُبُلِهَا، كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. 3416 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أتى رجل) أي وطئ (امرأته) أي زوجته أو أمته (من دبرها) أي من جهة دبرها وظهرها (في قُبُلِها) أي في فرجها، قال ابن الملك: كان يقف خلفها ويولج في قُبُلِها، فإن الوطء في الدبر محرم في جميع الأديان (كان الولد أحول) قال القاري: أي لتحول الواطئ عن حال الجماع المتعارف وهو الإقبال من القدام إلى القبل، وبهذا سُمي قُبلًا إلى حال خلاف ذلك من الدبر، فكأنه راعى الجانبين ورأى الجهتين فأنتج أن جاء الولد أحول اهـ، والأحول من إذا أراد أن ينظر إلى اليمين نظر إلى اليسار وبالعكس، ومن إذا أراد أن ينظر إلى القدام نظر إلى الخلف (فنزلت) آية (نساؤكم) أي أزواجكم يعني أقبالهن (حرث لكم) أي مزرعة لكم (فأتوا حرثكم) أي فازرعوا مزرعتكم (أنى شئتم) أي كيف شئتم أي على أي كيفية شئتموها من إقبال وإدبار واستلقاء واضطجاع. والحرث إلقاء البذر في الأرض وهو غير الزرع لأنه إنباته، يرشدك إلى ذلك قوله تعالى: {أَفَرَأَيتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} وقال الجوهري: الحرث الزرع والحارث الزارع، قال القاري: {حَرْثٌ لَكُمْ} أي مواضع زراعة أولادكم يعني هن لكم بمنزلة الأرض المعدة للزراعة ومحله القُبل فإن الدبر موضع الفرث لا محل الحرث (أنى شئتم) قال قتادة: من أين شئتم، وقال مجاهد: كيف شئتم، وقال الضحاك: متى شئتم، ومجيء أنى بمعنى أين وكيف ومتى مما أثبته الجم الغفير وتلزمها على الأول من ظاهرة أو مقدرة وهي شرطية حذف جوابها لدلالة الجملة السابقة عليه، واختار بعض المحققين كونها هنا بمعنى من أين؛ أي من أيّ جهة فيكون المستفاد منه تعميم الجهات من القدام والخلف والفوق والتحت واليمين والشمال، لا تعميم مواضع الإتيان فلا دليل في الآية لمن جوز إتيان المرأة في دبرها كابن عمر رضي الله تعالى عنهما كذا في روح المعاني باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4528]، وأبو داود [2163]، والترمذي [2982]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3416 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا

اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أُتِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا، فِي قُبُلِهَا، ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ. قَال: فَأُنْزِلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. 3417 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن) يزيد بن عبد الله (بن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5) (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) (عن محمد بن المنكدر) القرشي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان، غرضه بيان متابعة أبي حازم لسفيان بن عيينة (أن يهود) المدينة، بمنع الصرف للعلمية والتانيث المعنوي لأنه بمعنى القبيلة (كانت تقول: إذا أُتيت المرأة) بالبناء للمجهول أي وطئت المرأة (من دُبرها) أي من خلفها وورائها (في قُبلها) وهذا صريح في أن المراد الإتيان في الفرج لا في الدبر، وهذا كله يؤيد تأويل ابن عباس الذي رُدّ به على ابن عمر كما في سنن أبي داود وقد أكذب الله اليهود في زعمهم وأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيف شاؤوا، وإذا تعارض المجمل والمفسر قُدم المفسر وحديث جابر مفسر فهو أولى أن يُعمل به من حديث ابن عمر والله أعلم (ثم حملت) المرأة من ذلك الجماع ولدًا (كان ولدها أحول) العين (قال) جابر رضي الله عنه: (فأُنزلت) آية (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3417 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (11) (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث، صدوق، من (9) (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) عن ابن المنكدر عن جابر

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ الْمُخْتَارِ) عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صالِحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة، من (7) عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7) عن ابن المنكدر عن جابر. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثني عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (وأبو معن الرقاشي) زيد بن يزيد الثقفي البصري، ثقة، من (11) (قالوا: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي) جرير بن حازم (قال: سمعت النعمان بن راشد) الأموي مولاهم أبا إسحاق الجزري الرقي، روى عن الزهري في النكاح والفضائل، وميمون بن مهران وعبد الملك بن أبي محذورة، ويروي عنه (م عم) وجرير بن حازم وحماد بن زيد وابن جريج ووهيب بن خالد وغيرهم، قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال البخاري وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير، وقال النسائي: صدوق فيه ضعف، وذكره ابن حبان في الثقات، واحتج به (م) وقال في التقريب: صدوق سيئ الحفظ، من السادسة (يُحدِّث عن الزهري) عن محمد بن المنكدر عن جابر. وهذا السند من سباعياته (ح وحدثني سليمان بن معبد) بن كوسجان بجيم بعد المهملة المروزي الرّحال أبو داود السنجي بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معلى بن أسد) العمي، أبو الهيثم البصري أخو بهز، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أيواب (حدثنا عبد العزيز وهو ابن المختار) الأنصاري مولاهم مولى حفصة بنت سيرين، ثقه، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن سهيل بن أبي صالح) السمان المدني،

كُل هؤُلاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ، عَنِ الزهْرِيِّ: إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةَ. وَإِنْ شَاءَ غَيرَ مُجَبِّيَةٍ. غَيرَ أَنَّ ذلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (6) عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (كل هولاء) الستة المذكورين من أبي عوانة وأيوب وشعبة وسفيان والزهري وسهيل بن أبي صالح رووا (عن محمد بن المنكدر عن جابر بهذا الحديث) الذي رواه أبو حازم عن محمد بن المنكدر، غرضه بسوق هذه الأسانيد الستة بيان متابعة هؤلاء الستة المذكورين لأبي حازم سلمة بن دينار في رواية هذا الحديث عن محمد بن المنكدر (و) لكن (زاد) جرير بن حازم على غيره (في حديث النعمان) بن راشد (عن الزهري) قال الحافظ: وهذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب محمد بن المنكدر مع كثرتهم اهـ أي زاد (أن شاء) الرجل أتاها أي وطئها حالة كونها (مجبية) بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم باء موحدة مشددة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة مخففة أي مكبوبة على وجهها مضجعة على بطنها، وقد يطلق مجبية على ما إذا وضعت يديها على ركبتيها وهي قائمة كهيئة الراكع حكاهما أبو عبيد اهـ من المفهم (وإن شاء) أتاها حالة كونها (غير مجبية) أي غير مكبوبة على وجهها بأن كانت مستلقية على ظهرها أو مضطجعة على جنبها (غير أن ذلك) الإتيان أي لكن يكون إتيانها في كل حال من الأحوال المذكورة (في صمام واحد) بكسر الصاد المهملة مع تخفيف الميم أي في ثقب واحد أي في منفذ واحد، والمراد به القُبل لأنه محل الحرث لا الدبر لأنه محل الفرث وأصل الصمام ما تُسد به القارورة، قال ابن الأثير: (قوله: إن شاء مجبية) أصل التجبية أن يقوم الإنسان قيام الراكع، قوله: (إن شاء غير مجبية) هذا يشمل الاستلقاء والاضطجاع على الجنب والتججية وهي كونها كالساجدة، قوله: (في صمام واحد) أي في منفذ وثقب واحد والمراد به القُبل اهـ نووي، لكن المذكور في اللغة أن الصمام ما يُجعل في فم نحو القارورة سدادًا ولذا قال ابن الأثير: الصمام ما تُسد به الفرجة فسُمي الفرج به ويجوز أن يكون المعنى في موضع صمام على حذف مضاف، ويروى بالسين أي فأتوا حرثكم أنى شئتم صمامًا واحدًا أي مأتى واحدًا وهو من صمام الإبرة وهو ثقبها وانتصب على الظرف أي في صمام واحد لكنه ظرف محدود أُجري مجرى المبهم اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال العلماء: قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي موضع الزرع من المرأة وهو قُبلها الذي يُزرع فيه المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قُبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة، وأما الدبر فليس هو بحرث ولا موضع زرع، ومعنى قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ} كيف شئتم، واتفق العلماء على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضًا كانت أو طاهرًا اهـ نووي. قال القرطبي: حديث جابر هذا نص على أن هذه الآية نزلت بسبب قول اليهود المذكور فيه، وفي كتاب أبي داود عن ابن عباس أنها نزلت بسبب أن رجلًا من المهاجرين تزوج أنصارية فأراد أن يطأها شرحًا (يقال شرح فلان زوجته إذا وطئها مستلقية على قفاها) على عادتهم في وطء نسائهم فأبت إلا على جنب على عادتهن فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد (قلت): هذان سببان مختلفان لا بُعد في نزول الآية جوابًا للفريقين في وقت واحد وتكرر نزول الآية في وقتين مختلفين كما قد رُوي عن غير واحد من النقلة في الفاتحة أنها تكرر نزولها بمكة والمدينة وقد تمسك طائفة بعموم لفظ (أنى شئتم) ورأوا أنها متناولة لقُبل المرأة ودبرها وأجازوا وطء المرأة في دبرها وممن نُسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وابن الماجشون من أصحابنا، وحُكي عن مالك في كتاب السر ونُسب الكتاب إلى مالك وحذاق أصحابه ومشايخهم ينكرونه، وقد حكى العتبي إباحة ذلك عن مالك وأظنه من ذلك الكتاب المنكر نُقل، وقد تواردت روايات أصحاب مالك عنه بإنكار ذلك القول وتكذيبه لمن نقل عنه ذلك، وقد حكينا نص ما نقل عن مالك من ذلك في جزء كتبناه في هذه المسألة سميناه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار، وذكرنا فيه غاية أدلة الفريقين ومتمسكاتهم من الكتاب والسنة على طريقة التحقيق والتحرير والنقل والتحبير ومن وقف على ذلك قضى منه العجب العجاب، وعلم أنه لم يكتب مثله في هذا الباب، وجمهور السلف والعلماء وأئمة الفتوى على تحريم ذلك ثم نقول لا مستمسك للمبيحين في الآية لأوجه متعددة أقربها ثلاثة أمور أحدها أنها نزلت جوابًا لما ذكر فيُقتصر على نوع ما نزلت جوابًا له فإنهم سألوا عن جواز الوطء في الفرج من جهات متعددة فأُجيبوا بجوازه، و (أنى) على عمومها في جهات المسلك الواحد لا في المسالك، وثانيها أن قوله تعالى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} تعيين للقُبل فإنه موضع الحرث فإن الحرث إنما يكون في موضع البذر، وكذلك قال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبره أن أناسًا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا علي كذبوا علي كذبوا على ثم قال: ألستم قوما عربًا ألم يقل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت، وثالثها: أنه لو سلم أن {أَنَّى} شاملة للمسالك بحكم عمومها فهي مخصصة بأحاديث صحيحة ومشهورة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيًا بمتون مختلفة كلها متواردة على تحريم وطء النساء في الأدبار ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي، وقد جمعها أبو الفرج ابن الجوزي بطرقها في جزء سماه (تحريم المحل المكروه) ومن أراد في هذه المسألة زيادة على ما ذكرناه فليطالع الجزء المذكور الذي ألفناه اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة، الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء السادس عشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعَة الأولى 1430 هـ-2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية دار طوق النجاة بيروت- لبنان

شرح صحيح مسلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفرج بالروض البهاج ... واستضئ بالكوكب الوهاج فإنه غنية المحتاج ... إلى صحيح مسلم بن الحجاج غفر الله له ولوالديه ولمولوديه ما علوا وسفلوا ولمشايخه وأساتيذه وأصدقائه وأحبائه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات آمين آمين يا رب العالمين ولقد أجاد من قال: كرر علي حديثهم يا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر علي حديثهم فلربما ... لان الحديد بضربة الحداد آخر حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالكل أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبغضًا إنه لدميم

الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه، بمعارف أحاديث خير أنبيائه، ووفقهم لخدمتها بما عندهم من النقول الواصلة، والفيوض الهاطلة، وأشهد أن لا إله إلا الله الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المرسل بصحيح القول وحسنه، إلى كافة خلقه من إنسه وجنه، رحمة لأهل أرضه وسمائه، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم جمعه على طريق شرعه. (أما بعد): فإني لما فرغت من تسطير المجلد الثامن بما عندي من النقول الواصلة والفيوض الهاطلة، تفرغت لبداية المجلد التاسع من هذا الشرح البليل، ليس بالبسيط ولا بالطويل، لأن الحمولة بقدر قوة حاملها مستمدًا من الله التوفيق والهداية لأقوم الطريق في حله وفكه لمبانيه ومعانيه بما عندي من علمي المعقول والمنقول فقلت وقولي هذا:

534 - (20) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها ونشر أحدهما سر الآخر وبيان حكم العزل

534 - (20) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها ونَشْرِ أحدِهما سِرَّ الآخر وبيان حكم العزل 3418 - (1362) (112) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى وَابْنُ بَشارٍ (وَاللَّفْظُ لابنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: لا إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلائكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 534 - (20) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها ونشر أحدهما سر الآخر وبيان حكم العزل 3418 - (1362) (112) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (واللفظ) الآتي (لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يُحدّث عن زرارة) بضم أوله (ابن أوفى) العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة نسبة إلى الحريش بن كعب بن ربيعة، أبي حاجب البصري، ثقة عابد، من (3) مات فجأة في الصلاة سنة (93) روى عنه في (6) أبواب، وليس في مسلم من اسمه زرارة إلا هذا التابعي الثقة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وفيه التحديث والقول والعنعنة والسماع والمقارنة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا باتت المرأة) أي استمرت في الليل (هاجرة) أي مفارقة (فراش زوجها) أي اتصفت بهجران وفراق فراش زوجها طول الليل ممتنعة من استمتاعه، وفي البخاري مهاجرة قال الحافظ: هو على ظاهره في لفظ المفاعلة بل المراد أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه عليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجر فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تستنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأت هو بهجرها ظالمًا لها فلا. (لعنتها الملائكة) أي دعت عليها بالطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، قال المهلب: هذا الحديث يوجب أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال مما يوجب سخط الله إلا أن يتغمدها الله تعالى بعفوه، وفيه جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا بواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهداية

حَتَّى تُصْبحَ". 3419 - (00) (00) وحَدَّثَنِيهِ يَحْيى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت): ليس هذا التقييد مستفادًا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى، وفي الحديث أن الملائكة تدعو على أهل المعصية ما داموا فيها وذلك يدل على أنهم يدعون لأهل الطاعة ما داموا فيها كذا قال المهلب: وفيه نظر، قال ابن أبي جمرة: وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الأمرين (قلت): يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلًا بذلك ويرشد إلى التعميم قوله في رواية مسلم الذي في السماء إن كان المراد به سكانها كذا في الفتح أي يستمرون على لعنتها (حتى تصبح) أي تدخل في الصباح بطلوع الفجر أو ترجع إلى فراشه، وفي الرواية التي تليها (حتى ترجع) وهي أكثر فائدة والأولى محمولة على الغالب، قال النووي: هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي وليس الحيض بعذر في الامتناع لأن له حقًّا في الاستمتاع بها فوق الإزار، ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش اهـ، قال ابن أبي جمرة: وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلًا لقوله حتى تصبح وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك اهـ. وفيه دليل على أن سخط الزوج يوجب سخط الرب وإذا كان كذلك في قضاء الشهوة فكيف إذا كان في أمر الدين وإنما غيّا اللعنة بالصباح لأن الزوج يستغني عنها عنده لحدوث المانع عن الاستمتاع فيه غالبًا اهـ ابن الملك، قال النووي: لا خلاف في حرمة امتناعها وهي في ذلك بخلاف الزوج لو دعته لم يجب عليه إجابتها إلا أن يقصد مضارتها، والفرق هو أن الرجل هو الذي ابتغى بماله فهو المالك للبُضع وللدرجة التي له عليها وأيضًا فإنه قد لا ينشط في الوقت الذي دعته إليها اهـ، فلا ينتشر ولا يتهيا له ذلك بخلاف المرأة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [15193]، وأبو داود [2141]، والنسائي [184] في عِشرة النساء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3419 - (00) (00) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي مصغرًا نسبة إلى هجيم بن عمرو أبو

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "حَتَّى تَرْجعَ". 3420 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ (يَعْنِي ابْنَ كَيسَانَ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيهِ، إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قبيلة أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لمحمد بن جعفر (و) لكن (قال) خالد بن الحارث في روايته لفظة (حتى ترجع) إلى فراشه بدل قوله في الرواية الأولى حتى تصبح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3420 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث الفزاري الكوفي، ثقة، من (8) (عن يزيد يعني ابن كيسان) اليشكري أبي إسماعيل الكوفي، صدوق، من (6) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم لزرارة بن أوفى (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده) أي أقسم بالإله الذي نفسي وروحي بيده المقدسة، قال القرطبي: وهذا قسم بالله تعالى أي والذي هو مالك نفسي أو قادر عليها ففيه دليل على أن الحلف بالألفاظ المبهمة المراد بها اسم الله تعالى يمين جائزة حكمها حكم الأسماء الصريحة اهـ من المفهم (ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها) قال السندي: أي إلى موضع اضطجاعها معه أو إلى ما هو موضع اضطجاعها من فراشه فسمى ذاك فراشها. وقال ابن أبي جمرة: الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله: الولد للفراش أي لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة اهـ فتح الملهم (فتأبى عليه) أي تمتنع عنه، عداه بعلى لتضمنه معنى السخط اهـ ابن الملك، وفي الرواية التي بعدها فلم تأته فبات غضبان عليها، قال الحافظ: وبهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن لأنها حينئذٍ يتحقق ثبوت معصيتها بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنه يكون إما لأنه عذرها وإما لأنه ترك حقه من ذلك اهـ (إلا

كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيهَا، حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا". 3421 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجِّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظ لَهُ) حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كان) الإله (الذي في السماء ساخطًا) أي غضبان (عليها حتى يرضى) الزوج (عنها) أي عن امرأته وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً" (قلت): والكون في السماء صفة ثابتة لله نثبته ونعتقده ولا نؤوله ولا نكيفه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهذا مذهب السلف الأسلم الأعلم، قال السندي: وهذا كناية عن الملائكة كما هو مقتضى الروايات الأخر والإفراد والتذكير بإرادة النوع أي إلا كان النوع الذي في السماء من المخلوقات ساخطًا، ويحتمل أنه كناية عن الله تعالى فالمراد أي الذي في العلو والجلال والرفعة والكمال أو الذي في السماء ملكه وسلطانه وهذا كما سأل جارية فقال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء والله تعالى أعلم اهـ، ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه: "ثلاثة لا تُقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة؛ العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى". قال ابن أبي جمرة: فيه الإرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته، وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة قال: وفيه أن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حض الشارع على مساعدة الرجال في ذلك أو السبب فيه الحض على التناسل ويرشد إليه الأحاديث الواردة في الترغيب في ذلك كما تقدم في أوائل النكاح كذا في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3421 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية ح وحدثني أبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثني زهير بن حرب واللفظ) الآتي (له حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (كلهم) أي كل من أبي معاوية ووكيع وجرير رووا (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (عن أبي حازم) سلمان

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلَمْ تَأْتِهِ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ". 3422 - (1363) (123) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوَيةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ الْعُمَرِيِّ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشجعي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذه الأسانيد من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة الأعمش ليزيد بن كيسان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذا دعا الرجل امرأته) أي زوجته أي طلبها (إلى فراشه فلم تأته) أي فلم تجبه (فبات) الرجل (غضبان) أي ساخطًا (عليها) وفي بعض النسخ غضبانًا بالتنوين وهو تحريف من النساخ لأنه ممنوع من الصرف للوصفية وزيادة الألف والنون (لعنتها الملائكة حتى تصبح) بطلوع الفجر أو تتوب من إبائها بالطاعة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3422 - (1363) (123) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا مروان بن معاوية) الفزاري الكوفي (عن عمر بن حمزة) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (العمري) المدني، روى عن عبد الرحمن بن سعد في النكاح، وسالم بن عبد الله بن عمر في البيوع والفضائل وغيرها، وأبي غطفان المري في الأطعمة، ويروي عنه (م دت ق) ومروان بن معاوية وأبو أسامة، قال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه، وذكره ابن حبان وقال: كان ممن يُخطئ، وقال النسائي: ضعيف، وقال في التقريب: ضعيف، من السادسة، وفي التهذيب: وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان ممن يخطئ وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه (قلت): وأخرج الحاكم حديثه في المستدرك وقال: أحاديثه كلها مستقيمة اهـ منه (حدثنا عبد الرحمن بن سعد) القرشي مولاهم مولى أبي سفيان المدني، روى عن أبي سعيد الخدري في النكاح، وأبي هريرة، ويروي عنه (م دق) وعمر بن حمزة العمري وهشام بن عروة وابن أبي ذئب، وثقه النسائي، وقال العجلي: تابعي مدني، ثقة، له في الكتب الثلاثة ثلاثة أحاديث. وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ كوفيان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أشر الناس) أي من أخسِّ الناس (عند الله منزلة) أي درجة (يوم القيامة) قال القاضي: هكذا وقعت الرواية أشر بالألف وأهل النحو يقولون: لا يجوز أشر وأخير، وإنما يقال: هو شر منه وخير منه بدون ألف وهو مشهور كلام العرب قال تعالى: {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} وقد وردت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعًا، وهي حجة في جوازهما جميعًا، وأنهما لغتان، وقال الجوهري: شر فيه معنى التفضيل لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، ولا يقال أشر إلا في لغة رديئة وكذا خير اهـ، وذكر الفيومي أنها لغة بني عامر وقُرئ في الشاذ {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} بفتح الشين المعجمة اهـ، وقال القاضي: الرواية وقعت بالألف وهي تدل على عدم رداءتها اهـ (الرجل) بالنصب على أنه اسم إن مؤخرًا، وجملة (يُفضي إلى امرأته) أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة قال تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} صفة للرجل، قال السندي: الظاهر أن تعريف الرجل للجنس، ولم يقصد به معين فهو في حكم النكرة فلذلك وصف بالجملة المصدرة بالمضارع، ومثله قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}، وقول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني والله تعالى أعلم أي من أخس الناس الرجل يفضى إلى امرأته ويجامعها (وتفضي) أي وتصل هي (إليه) بالتمكين له، قال في لسان العرب: والإفضاء في الحقيقة الانتهاء (ثم ينشر) ويفشي (سرها) بأن يتكلم للناس ما جرى بينه وبينها قولًا وفعلًا أو يُفشي عيبًا من عيوبها أو يذكر من محاسنها ما يجب شرعًا أو عرفًا سترها اهـ من المرقاة. قال النووي: وهذا في الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحو ذلك، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليها إعراضه عنها أو تدعي

3423 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُقضِي إِلَى امْرَأَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأفعله أنا وهذه" وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: "أعرستم الليلة" وقال لجابر: "الكيس الكيس" والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4870]. ومقصود هذا الحديث هو أن الرجل له مع أهله خلوة وحالة يقبح ذكرها والتحدث بها وتحمل الغيرة على سترها ويلزم من كشفها عار عند أهل المروءة والحياء فإن تكلم بشيء من ذلك وأبداه كان قد كشف عورة نفسه وزوجته إذ لا فرق بين كشفها للعيان وكشفها للأسماع والآذان إذ كل واحد منهما يحصل به الاطلاع على العورة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا تعمد المرأة فتصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها" فإن دعت الحاجة إلى ذكر شيء من ذلك فليذكره مبهمًا غير معين بحسب الحاجة والضرورة كما قال صلى الله عليه وسلم: "فعلته أنا وهذه" رواه البخاري ومسلم وكقوله: "هل أعرستم الليلة" رواه البخاري ومسلم أيضًا، وكقول بعض أزواجه صلى الله عليه وسلم: "كيف وجدت أهلك" والتصريح بذلك وتفصيله ليس من مكارم الأخلاق ولا من خصال أهل الدين اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 3423 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن عمر بن حمزة) العمري (عن عبد الرحمن بن سعد) القرشي مولاهم المدني (قال: سمعت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي أسامة لمروان بن معاوية (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أعظم الأمانة) الكلام على حذف مضاف تقديره إن من أعظم خيانة الأمانة ونقضها وهتكها (عند الله يوم القيامة الرجل) هو على حذف مضاف أيضًا أي خيانة الرجل وهتكه سر الزوجة (يفضي) ويصل (إلى امرأته)

وَتُفْضِي إِلَيهِ، ثُمَّ يَنْشُر سِرَّهَا". وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: "إِنَّ أَعْظَمَ". 3424 - (1364) (124) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيرِيزٍ؛ أَنَّهُ قَال: دَخَلْتُ أَنَا وأَبُو صِرْمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجامعها (وتفضي) هي (إليه) أي تصل إليه بالتمكين له (ثم ينشر) ويفشي (سرها) بين الناس، قال القاضي عياض: والمراد بالسر وصف ما يجري بين الزوجين من أمور الاستمتاع وما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الجماع، جاءت في النهي عنه أحاديث كثيرة ووعيد شديد لأنه من كشف العورة إذ لا فرق بين كشفها بالنظر أو الوصف اهـ (وقال ابن نمير) في روايته: (إن أعظم) الأمانة بحذف من الجارة، قال القرطبي: والصواب إثباتها فإنها تفيد أن هذه الأمانة من جنس الأمانات العظيمة وهو صحيح، وإسقاطها يُشعر بأن هذه الأمانة أعظم الأمانات كلها وليس بصحيح فإن الأمانة على صحيح الإيمان أعظم وكذلك على الطهارة وغيرها مما يؤتمن عليه الإنسان من خفي الأعمال اهـ من المفهم. ومعنى (إن أعظم الأمانة) أي أوكد وأكبر في مقصود الشرع؛ والمراد بالأمانة الجنس أي الأمانات، وقد تقدم أن الأمانة ما يوكل إلى حفظ الإنسان وقيامه به اهـ منه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3424 - (1364) (124) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (أخبرني ربيعة) بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي المدني المعروف بربيعة الرأي، ثقة، من (5) (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة، بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (4) (عن) عبد الله (بن محيريز) -بمهملة وراء آخره زاي مصغرًا- ابن جنادة بن وهب الجمحي المكي، ثقة، من (3) (أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة) بكسر المهملة وسكون الراء، مالك بن قيس، وقيل: قيس بن مالك بن أبي

عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ فَقَال: يَا أَبَا سَعِيدٍ! هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْعَزْلَ؟ فَقَال: نَعَمْ. غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ بَلْمُصْطَلِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس الأنصاري المازني المدني الصحابي المشهور شهد بدرًا وما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي أيوب الأنصاري في التوبة، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن محيريز ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، قال الحافظ في النكاح: صحابي مشهور، ثم قال في القدر: مختلف في صحبته (على أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (فسأله أبو صرمة فقال) له في سؤاله: (يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل) أي حكمه هل هو جائز أم حرام؟ وهو نزع الذكر من الفرج قبيل وقت الإنزال لينزل خارج الفرج خوفًا من حصول الولد (فقال) أبو سعيد الخدري: (نعم) سمعته صلى الله عليه وسلم وذلك إنا نحن (فزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بلمصطلق) أي غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، وهذا نظير قولهم في بني العنبر بلعنبر، قال أهل الحديث: هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه كان في غزوة أوطاس، والمصطلق -بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف- وبنو المصطلق بطن شهير من خزاعة، قال أبو عمر: وغزوة المريسيع كانت سنة ست من الهجرة، قال أبو عمر: بنو المصطلق قوم من خزاعة كانت الوقعة بهم في موضع يقال له المريسيع من نحو قديد في سنة ست من الهجرة، وتُعرف هذه الغزوة بـ (غزوة المصطلق) وبـ (غزوة المريسيع) قال: وقد روى هذا الحديث موسى بن عقبة عن ابن محيريز عن أبي سعيد قال: أصبنا سبيًا من سبي أوطاس، قال: وهو سبي هوازن، وكان ذلك يوم حنين في سنة ثمان من الهجرة، قال: فوهم ابن عقبة في ذلك والله تعالى أعلم، وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال: لما أصبنا سبي حنين سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال: "ليس من كل الماء يكون الولد" الحديث (قلت): الذي ذكره مسلم في كتابه عن علي بن أبي طلحة عن أبي الوداك عن أبي سعيد في هذا الحديث سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال: "ليس من كل الماء يكون الولد" ولم يذكر فيه سبي حنين ولا غيره وكذلك ما ذكره أبو عمر من

فَسَبَينَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ. فطَالتْ عَلَينَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ. فَأْرَدْنَا أَنْ نَسْتَمتِعَ وَنَعْزِلَ. فَقُلْنَا: نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَظهُرِنَا لَا نَسْأَلُهُ! فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "لَا عَلَيكُم أَنْ لَا تَفْعَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية ابن عقبة عن ابن محيريز ذكره مسلم أيضًا ولم يذكر فيه من سبي أوطاس ولا غيره وإنما ذكر مسلم يوم أوطاس في حديث أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد في قضية تحرج أصحابه من وطء المسبيات من أجل أزواجهن على ما يأتي وهي قصة أخوى في زمان آخر غير زمان بني المصطلق، والصحيح في الحديث الأول رواية من رواه بني المصطلق والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (فسبينا) أي غنمنا (كرائم العرب) أي النفيسات من نساء العرب (فطالت علينا العُزبة) بضم العين أي قلة الجماع أي تعذر علينا النكاح لتعذر أسبابه، وليس المراد أنه طالت الغزبة لطول إقامتهم في تلك الغزوة فإن غيبتهم فيها عن المدينة لم تكن طويلة (ورغبنا في الفداء) أي في أخذ المال عوضًا عنهن يقال: (فدى أسيره) إذا دفع فيه مالًا وأخذه و (فاداه) إذا دفع فيه رجلًا، والفداء يكون بالمال والمفاداة تكون بالرجال على ما حكاه أبو عمر (فأردنا أن نستمتع) بالمسبيات (ونعزل) عنهن منينا، والمعنى احتجنا إلى وطئهن لطول العُزبة وخفنا من حبلهن فتصير أم ولد لنا يمتنع علينا بيعها وأخذ الثمن فيها، ويستنبط منه منع بيع أم الولد وإن هذا كان مشهورًا عندهم اهـ نووي (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض: أ (نفعل) العزل (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أي والحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم موجود (بين أظهرنا) أي موجود فينا، فلفظ أظهر مقحم، والحال أننا (لا نسأله) عن حكم العزل (فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن حكم العزل هل يجوز أم لا؟ قال المازري: سألوه لأنه وقع في نفوسهم أن ذلك -أي العزل- من جنس (الموءودة) كما في الأم، بعد هذا أنه سُئل عن العزل فقال: ذلك الوأد الخفي لأنه كالفرار من القدر اهـ وقد علمت أن العزل هو أن يُنحي الرجل ماءه عند الجماع عن الرحم فيلقيه خارجه، والذي حركهم للسؤال عنه أنهم خافوا أن يكون محرما لأنه قطع للنسل ولذلك أطلق عليه الوأد الخفي اهـ من المفهم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالنا: (لا) ضرر (عليكم) في (أن لا تفعلوا) العزل، أي ما عليكم ضرر في ترك العزل لأن كل نفس قدر الله خلقها لا بد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا؟ ! وما لم يقدّر خلقها لا يقع سواء عزلتم أم لا؟ ! فلا فائدة في

مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إلَّا سَتَكُونُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عزلكم فإنه إن كان الله قدر خلقها سبقكم الماء إلى الرحم فلا ينفع حرصكم أي عزلكم في منع الخلق اهـ نووي، وفيه دلالة على أن العزل لا يمنع الإيلاد فلو استفرش أمة وعزل عنها فاتت بولد لحقه إلا أن يدعي عدم الاستبراء اهـ ملا علي، وعلى هذا المعنى فلا نافية أي لا جناح في ترك العزل ولا في فعله فكلاهما سواء، وهذا التأويل أولى بدليل قوله: (ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة (لا ستكون) وقوله: "لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر" وقوله: "إذا أراد الله خلق الشيء لم يمنعه شيء" وهذه الألفاظ كلها مصرحة بأن العزل لا يرد القدر ولا يضره فكأنه قال: لا بأس يالعزل، وبهذا تمسك من رأى إباحة العزل مطلقًا عن الزوجة والسرية وبه قال كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء، وقيل (لا) هنا ناهية فيكون المعنى النهي والزجر عن العزل فكأنه قال: لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا تأكيدًا لذلك النهي وبهذا تمسك من رأى كراهة العزل من الصحابة وغيرهم كما حُكي عن الحسن ومحمد بن المثنى متمسكين بقوله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي" رواه أحمد ومسلم وابن ماجه، والحاصل أن في العزل قولين الإباحة مطلقًا أي في الحرة وفي الأمة، والحرمة أو الكراهة مطلقًا، والثالث التفصيل وهو الحرمة في الحرة، والإباحة في الأمة وهو ما ذهب إليه مالك والشافعي من أن العزل عن الحرة لا يجوز إلا بإذنها وكأنهم رأوا أن الإنزال من تمام لذتها ومن حقها في الولد، ولم يريا ذلك في الموطوءة بالملك فله أن يعزل عنها بغير إذنها إذ لا حق لها في شيء مما ذكر. (قلت): ويمكن على هذا المذهب الثالث أن يُجمع بين الأحاديث المتعارضة في ذلك فتصير الأحاديث التي يفهم منها المنع إلى الزوجة الحرة إذا لم تأذن والتي يُفهم منها الإباحة إلى الأمة والزوجة إذا أذنت فيصح الجميع ويرتفع التعارض والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله: (ما كتب الله خلق نسمة) أي في الأزل، والنسمة بفتحات هي النفس أي ما من نفس (هي كائنة) تقديرًا (إلى يوم القيامة) أي قدر الله كونها (إلا) وهي (ستكون) أي وجودًا سواء عزلتهم أو لا؟ أي ما قدر الله وكتب وجوده إلى يوم القيامة لا يمنعه العزل اهـ فتح الملهم بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 68]، والبخاري [2542]، وأبو داود [2172]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3425 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، فِي مَعْنَى حَدِيثِ رَبِيعَةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَإِن اللهَ كتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3425 - (00) (00) (حدثني محمد بن الفرج) بن عبد الوارث الهاشمي (مولى بني هاشم) أبو جعفر البغدادي جار أحمد بن حنبل، روى عن خاله محمد بن الزبرقان في النكاح، وزيد بن الحباب في الفضائل وابن عيينة وهشيم، ويروي عنه (م د) دمابراهيم الحربي وعبد الله بن أحمد وأبو زرعة الرازي وغيرهم، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال السّراج: بغدادي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، مات سنة (206) ست ومائتين (حدثنا محمد بن الزبرقان) -بكسر الزاي وسكون الموحدة وكسر الراء وبقاف- أبو همام الأهوازي بالزاي نسبة إلى الأهواز بلدة مشهورة، روى عن موسى بن عقبة في النكاح، وسليمان التيمي وابن عون، ويروي عنه (خ م دس ق) ومحمد بن الفرج وابن بشار وابن المديني وغيرهم، وثقه ابن المديني والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، من الثامنة (حدثنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الإسناد) يعني عن ابن محيريز عن أبي سعيد، ولفظة (في) في قوله: (في معنى) بمعنى الباء متعلقة بحدثنا موسى، والتقدير حدثنا موسى بن عقبة عن محمد بن يحيى بمعنى (حدثنا ربيعة) لا لفظه (كير أنه) أي لكن أن موسى بن عقبة (قال) في روايته: (فإن الله) سبحانه وتعالى (كتب) وقدّر أزلًا (من هو) سبحانه (خالقه) (إلى يوم القيامة) أي الذي يخلقه إلى يوم القيامة، فلا فائدة في عزلكم فإنه تعالى إن كان قد خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم حرصكم في منع الخلق. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لربيعة بن أبي عبد الرحمن في الرواية عن محمد بن يحيى بن حبان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3426 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابنِ مُحَيرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَال: أَصَبْنَا سَبَايَا فَكُنَّا نَغزِلُ. ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ؟ فَقَال لَنَا: "وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3426 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة -نسبة إلى ضبيعة اسم قبيلة- أبو عبد الرحمن البصري (حدثنا جويرية) مصغرًا بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، صدوق، من (7) وكان يشارك مالكًا في الرواية عن نافع وتفرد عنه بهذا الحديث وبغيره، وهو من الثقات الأثبات اهـ من فتح الملهم (عن مالك) بن أنس الإمام المدني (عن الزهري عن) عبد الله (بن محيريز عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة الزهري لمحمد بن يحيى بن حبان في الرواية عن ابن محيريز (أنه) أي أن أبا سعيد (أخبره) أي أخبر لابن محيريز (قال) أبو سعيد فهو بدل من أخبره (أصبنا) أي وطئنا (سبايا) أي نساء مسبيات (فكنا نعزل) أي ننحي ونبعد عنها المني فننزله خارج الفرج خوفًا من العلوق فتصير أمّ ولد لنا فيفوتنا بيعها والانتفاع بثمنها (ثم سالنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) العزل هل يجوز أم لا؟ (فقال لنا: وإنكم) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي أو إنكم (لتفعلون) ذلك كما هو لفظ البخاري (وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون) قالها ثلاث مرات، قال الحافظ في الفتح: هذا الاستفهام يُشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان اطلع على فعلهم ذلك، قال الأبي: وظاهر هذا الاستفهام الإنكاري (ما من نسمة) أي نفس (كائنة) تقديرًا (إلى يوم القيامة إلا هي كائنة) أي وجودًا أي كل نفس كائنة تقديرًا كائنة وجودًا فلا إشكال اهـ فتح الملهم. قال القرطبي: قوله: (إنكم لتفعلون) ثلاثًا ظاهره الإنكار والزجر غير أنه يضعفه، قوله ما من نسمة كائنة إلا هي كائنة فإذا معناه الاستبعاد لفعلهم له بدليل ما جاء في الرواية الأخرى (ولم يفعل ذلك أحدكم) قال الراوي: ولم يقل فلا يفعل ذلك أحدكم ففهم أنه ليس بنهي وهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال اهـ من المفهم. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

3427 - (00) (00) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ أنسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ؟ قَال: نَعَمْ. عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا عَلَيكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا. فَإِنمَا هُوَ الْقَدَرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3427 - (00) (00) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) ثقة ثبت، من (10) (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي، ثقة، من (8) (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة إمام، من (7) (عن أنس بن سيرين) الأنصاري البصري، ثقة، من (3) (عن معبد بن سيرين (الأنصاري مولاهم البصري مولى أنس كان أكبر الإخوة الثلاثة محمد وأنس ومعبد وأقدمهم موتًا، روى عن أبي سعيد الخدري في النكاح والطب، وعمر بن الخطاب، ويروي عنه (خ م دس) وأخواه أنس ومحمد، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة وقد روى أحاديث، وقال ابن معين: يُعرف ويُنْكر، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (3) مات على رأس المائة (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد الخدري فإنه مدني، غرضه بسوقه بيان متابعة معبد بن سيرين لعبد الله بن محيريز (قال) أنس بن سيرين: (قلت له) أي لمعبد بن سيرين أ (سمعته) بتقدير همزة الاستفهام التقريري أي أسمعت هذا الحديث (من أبي سعيد) الخدري (قال) معبد: (نعم) سمعته من أبي سعيد حالة كونه راويًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) صلى الله عليه وسلم: (لا) جناح (عليكم) في (أن لا تفعلوا) العزل أي في ترككم العزل كما لا حرج عليكم في فعله فهو جائز مباح مطلقًا كما مر أنه القول الصحيح أي ما عليكم ضرر في الترك فأشار إلى أن ترك العزل أحسن (فإنما هو) أي المؤثر في وجود الولد وعدمه (القدر) أي تقدير الله تعالى أزلًا لا العزل فأي حاجة إليه اهـ سندي على النسائي، قال الأبي: معناه عند المجيز لا ضرر عليكم في ترك العزل لأنه ليس من كل الماء يكون الولد، فكم من رجل لا يعزل ولا يكون له ولد وإنما ذلك القدر فما أراد الله سبحانه كونه فلا بد منه وإن

3428 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَبَهْزٌ. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنس بْنِ سِيرِينَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال فِي العَزْلِ: قالا عَلَيكُمْ أَنْ لَا تَفعَلُوا ذَاكُمْ. فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ". وَفِي رِوَايَةِ بَهْزٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ عزلتم لأن الماء قد ينفلت أو يُسلب الواطئ إرادة العزل فيكون الولد، وما لا يريد كونه لا يكون وإن لم تعزلوا، فالحاصل اعزلوا أو لا تعزلوا فليس إلا القدر وبعبارة أخرى لا ضرر عليكم في ترك العزل لأنكم إنما تعزلون خوف الولد، والولد إنما الأمر فيه للقدر فاعزلوا أو لا تعزلوا، وقد مر تقريره على قول من فهم منه الكراهة التحريمية والله أعلم اهـ منه، وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3428 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي المعروف بغندر (ح وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي أبو سعيد البصري (وبهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (قالوا: جميعًا) أي قال: كل من محمد بن جعفر وخالد بن الحارث وعبد الرحمن بن مهدي وبهز حالة كونهم جميعا (حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين بهذا الإسناد) يعني عن معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري، وساق كل من هؤلاء الأربعة (مثله) أي مثل حديث بشر بن المفضل، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لبشر بن المفضل (غير أن في حديثهم) أي لكن أن في حديث هؤلاء الأربعة لفظة عن أبي سعيد (عن النبي صلى الله عليه وسلم تال في العزل لا) ضرر (عليكم) في (أن لا تفعلوا ذاكم) العزل (فإنما هو) أي فإنما المؤثر في خلق الولد وعدمه (القدر) أي قدر الله تعالى وقضاؤه الأزلي (وفي رواية بهز) بن أسد

قَال شُعْبَةُ: قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ؟ قَال: نَعَنم. 3429 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ). قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ). حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ مُحمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَدَّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَال: "لَا عَلَيكُمْ أَنَّ لَا تَفعَلُوا ذَاكُمْ. فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ". قَال مُحَمَّدٌ: وَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال شعبة قلت له): أي لأنس بن سيرين أ (سمعته) أي هل سمعت هذا الحديث (من أبي سعيد) الخدري (قال) أنس: (نعم) سمعته من أبي سعيد الخدري، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين ولا تعارض بين الروايتين لأن أنسًا يمكن سماعه من أبي سعيد كما سمعه من معبد بن سيرين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3429 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (واللفظ) الآتي الأبي كامل قالا: حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري (عن محمد) بن سيرين (عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود) الأنصاري المدني الأزرق، روى عن أبي سعيد الخدري في النكاح، وأبي هريرة وأبي مسعود البدري، ويروي عنه (م د س) ومحمد بن سيرين في النكاح، وإبراهيم النخعي، قال ابن سعد: كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب مقبول، من الثالثة (رده) أي رد عبد الرحمن بن بشر الحديث أي رفعه (إلى أبي سعيد الخدري) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن بشر لمعبد بن سيرين (قال) أبو سعيد: (سئل) بالبناء للمجهول، والسائل هو أبو سعيد الخدري كما في المبهمات، (النبي صلى الله عليه وسلم عن) حكم (العزل فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا) ضرر (عليكم) في (أن لا تفعلوا ذاكم) العزل (فإنما هو) أي المؤثر (القدر) أي قدر الله الأزلي إن سبق بخلقه خُلق وإلا لم يُخلق (قال محمد) بن سيرين: (وقوله) صلى الله عليه وسلم:

"لَا عَلَيكُمْ" أَقْرَبُ إِلَى النَّهْيِ. 3430 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ الأَنْصَارِيِّ. قَال: فَرَدَّ الْحَدِيثَ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "وَمَا ذَاكُمْ؟ " قَالُوا: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ فَيُصِيبُ مِتهَا. وًيكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ. وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا. ويكْرَهُ أنْ تَحْمِلَ مِنْهُ. قَال: "فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا عليكم أقرب إلى النهي) والزجر من قربه إلى الإباحة وهذا الكلام أعني قوله لا عليكم أقرب إلى النهي مقول لقال محمد فكأنه فهم من لا النهي عما سألوه عنه فكان بعد لا حذفًا تقديره لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا، ويكون قوله عليكم تأكيدًا للنهي اهـ من فتح الباري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3430 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن معاذ) التميمي العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) (حدثنا) عبد الله (بن عون) المزني البصري، ثقة، من (6) (عن محمد) بن سيرين (عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاري) المدني (قال) محمد بن سيرين: (فرد) عبد الرحمن بن بشر (الحديث) أي رفعه، وقوله: (حتى رده) تفسير لما قبله وحتى بمعنى الفاء أي فرد عبد الرحمن الحديث ورفعه (إلى أبي سعيد الخدري) أي لم يجعله موقوفًا على نفسه، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني (قال) أبو سعيد الخدري: (ذُكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاكم) الذي ذكرتموه (قالوا) الذي ذكرناه هو (الرجل تكون له المرأة) أي هو الرجل الذي كانت امرأته (تُرضع) الولد (فيصيب منها) أي فيطؤها (وبكره أن تحمل) أي يخاف أن تحبل (منه) أي من وطئه فيضر به الرضيع فيعزل عنها منيه (والرجل تكون له الأمة فيصيب منها) أي فيطؤها (ويكره) أي يخاف (أن تحمل منه) ولدا فتصير أم ولد له فيفوته بيعها والانتفاع بثمنها فيعزل عنها، فهل يجوز ذلك العزل في الموضعين أم لا؛ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا)

عَلَيكُمْ أَنْ لَا تَفعَلُوا ذَاكُمْ. فَإنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ". قَال ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثتُ بِهِ الحَسَنَ فَقَال: وَاللهِ! لَكَان هذَا زَجْرٌ. 3431 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَال: حَدَّثتُ مُحَمَّدًا، عَنْ إِبرَاهِيمَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرر (عليكم) في (أن لا تفعلوا ذاكم) العزل (فإنما هو) أي، المؤثر في خلق الولد وعدمه (القدر) أي قدر الله الأزلي وقضاؤه، فيه إشارة إلى أن سبب العزل شيئان أحدهما: كراهة مجيء الولد من الأمة وهو إما أنفة من ذلك وإما لئلا يتعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد وإما لغير ذلك كما ذكرناه قبل، والثاني: كراهة أن تحمل الموطوءة وهي ترضع فيضر ذلك بالولد المرضع اهـ فتح الملهم. وقال القرطبي: فيه دليل على أن قوله: (فلا عليكم أن لا تفعلوا) إنما خرج جوابًا عن سؤالين العزل عن الحرة وعن الأمة فلا بُعد أن يذكر الراوي في وقت أحد السؤالين ويسكت عن الآخر ويذكرهما جميعا في وقت آخر كما قد جاء في هذه الروايات ولا يعد مثل هذا اضطرابًا في الحديث فيضعفه اهـ من المفهم. (قال ابن عون: فحدثت به) أي بهذا الحديث (الحسن) البصري (فقال) الحسن: (والله لكأن هذا) أي قوله صلى الله عليه وسلم: فلا عليكم أن لا تفعلوا (زجر) ونهي عن العزل، فقد فهم من الحديث ما فهمه ابن سيرين من معنى النهي كما سبق من فتح الباري. والمعنى عليه (فلا) تعزلوا (عليكم أن لا تفعلوا) العزل. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى [131]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال: 3431 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي أبو محمد المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي أبو أيوب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) الأزدي البصري (عن) عبد الله (بن عون) المزني البصري (قال) ابن عون: (حدثت محمدًا) ابن سيرين (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (بحديث عبد الرحمن بن بشر

(يَعْنِي حَدِيثَ الْعَزلِ) فَقَال: إِيَّايَ حَدَّثَهُ عَندُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشرٍ. 3432 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِييرينَ. قَال: قُلْنَا لأَبِي سَعِيدٍ: هَل سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ فِي الْعَزلِ شَيئًا؟ قَال: نَعَمْ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ. إِلَى قَوْلِهِ: "الْقَدَرُ". 3433 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبدَةَ (قَال ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُبَيدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني) ابن عون بحديث عبد الرحمن (حديث العزل) المذكور (فقال) محمد بن سيرين (إياي) نفسي بلا واسطة (حدّثه) أي حدّث حديث العزل (عبد الرحمن بن بشر) بنفسه. وهذا السند أيضًا من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لمعاذ بن معاذ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا فقال: 3432 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا هشام) بن حسان الأزدي القردوسي نسبة إلى بطن من الأزد أبو عبد الله البصري، ثقة، من (6) (عن محمد) بن سيرين (عن معبد بن سيرين قال) معبد: (قلنا لأبي سعيد) الخدري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة هشام لابن عون (هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في) حكم (العزل شيئًا؟ ) من الإباحة أو الحرمة (قال) أبو سعيد: (نعم) سمعته صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئًا من الحكم (وساق) هشام أي ذكر (الحديث) أي حديث العزل (بمعنى حديث) عبد الله (بن عون إلى قوله): فإنما هو (القدر) لا بلفظه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا فقال: 3433 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10) (قال ابن عبدة: أخبرنا وقال عبيد الله: حدثنا سفيان بن عيينة عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار المكي أبي يسار الثقفي مولاهم، ثقة، من (6) (عن

مُجَاهِدٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "وَلِمَ يَفْعَلُ ذلِكَ أَحَدُكُمْ؟ (وَلَمْ يَقُلْ: فَلَا يَفْعَلْ ذلِكَ أَحَدُكُمْ) فإِنهُ لَيسَتْ نَفْسْ مَخْلُوقَةٌ إلَّا اللهُ خَالِقُهَا". 3434 - (00) (00) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي المقرئ المفسر، ثقة، من (3) (عن قزعة) -بفتحات- ابن يحيى البصري مولى زياد بن أبي سفيان، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قزعة لمن روى عن أبي سعيد الخدري (قال) أبو سعيد: (ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولِمَ يفعل ذلك) العزل (أحدكم) بكسر اللام في لِمَ وفتح الميم لأن اللام حرف جر ومَ اسم استفهام أصله ما حُذفت منه الألف فرقًا بينها وبين ما الموصولة إذا دخل عليها الجار، والجار والمجرور متعلق بما بعده، والمعنى ولأي شيء فعل أحدكم ذلك العزل أفرارًا من خلق الولد منه أم لا؟ قال أبو سعيد: (ولم يقل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا يفعل ذلك) العزل (أحدكم) بصيغة النهي أي لم يصرح لهم بالنهي وإنما أشار إلى أن الأولى ترك ذلك، ثم علل الاستفهام المذكور بقوله: (فإنه) أي فإن الشأن والحال (ليست نفس مخلوقة) أي مقدرة الخلق أو معلومة الخلق عند الله تعالى أزلًا (إلا الله خالقها) أي إلا أن الله مبرزها في عالم الوجود أي لا بد من إبرازها إلى الوجود، قال ابن بطال: الخالق في هذا الباب يراد به المبدع المنشئ لأعيان المخلوقين وهو معنى لا يشارك الله سبحانه فيه أحد، قال: ولم يزل مسميًا نفسه خالقا على معنى أنه يخلق لاستحالة قدم الخلق اهـ فتح الملهم، والمعنى ما من نفس مقدرة الخلق في الأزل إلا الله خالقها أي مبرزها من العدم إلى الوجود، وكلمة ليس قد تحمل على ما النافية في الإهمال عند انتقاض النفي بإلا كما تُحمل ما على ليس في الإعمال عند استيفاء الشروط اهـ من بعض الهوامش. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3434 - (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) السعدي

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي مُعَاويةُ (يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. سَمِعَهُ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَال: "مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ. وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَيءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيءٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم نزيل مصر، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني معاوية يعني ابن صالح) بن حدير مصغرًا بالمهملة الحضرمي الحمصي، صدوق، من (7) (عن علي بن أبي طلحة) سالم الهاشمي مولاهم أبي الحسن الحمصي، روى عن أبي الوذاك في النكاح، وابن عباس مرسلًا ومجاهد والقاسم، ويروي عنه (م د س ق) ومعاوية بن صالح والثوري وغيرهم، قال أحمد: له أشياء منكرات، وقال الفسوي: ضعيف، وقال النسائي: لا بأس به، له في (م) حديث واحد، وفي (دس ق) حديث آخر، وقال في التقريب: صدوق قد يخطئ، من السادسة، مات سنة (143) ثلاث وأربعين ومائة (عن أبي الوداك) بفتح الواو وتشديد الدال آخره كاف، جبر بن نوف بفتح النون اخره فاء، الهمداني بسكون الميم، البكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف، نسبة إلى بني بكال من حمير الكوفي، روى عن أبي سعيد في النكاح والفتن، وشريح، ويروي عنه (م عم) وعلي بن أبي طلحة وقيس بن وهب ويونس بن أبي إسحاق ومجالد، وثقه ابن معين، وقال النسائي: صالح، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من الرابعة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الوداك لمن روى (عن أبي سعيد الخدري سمعه) أي سمع أبو الوداك أبا سعيد حالة كونه (يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل) أي عن حكمه هل هو حرام أم جائز؟ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من كل الماء يكون) أي يحصل (الولد) فكم من صب لا يحصل منه الولد ومن عزل محدث له، فقدم خبر كان ليدل على الاختصاص، وهذا معنى قوله: (وإذا أراد الله) سبحانه وتعالى (خلق شيء) أي تكوينه وإيجاده (لم يمنعه) أي لم يمنع خلقه وإيجاده (شيء) من الأسباب يعني أن تكوين الولد بمشيئة الله تعالى لا بالماء وكذا عدمه بها لا بالعزل اهـ من المرقاة قال القرطبي: يعني أن الولد ينعقد في الرحم من جزء من الماء لا يشعر العازل بخروجه فيظن أنه قد عزل كل الماء وهو إنما عزل بعضه فيخلق الله الولد من ذلك الجزء اللطيف الذي بادر بالخروج اهـ من المفهم.

3435 - (00) (00) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْبَصْرِيُّ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الحُبَابٍ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ. أَخبَرَنِي عَلِي بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْهَاشِمِيُّ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 3436 - (1365) (125) حدَّثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّ لِي جَارِيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3435 - (00) (00) (حدثني أحمد بن المنذر) بن الجارود (البصري) أبو بكر القزاز روى عن زيد بن الحباب، ويروي عنه (م) وإبراهيم بن فهد والدورقي، صدوق، من (11) قديم الموت، روى عنه في (5) أبواب (حدثنا زيد بن الحباب) بضم أوله وبموحدتين، العكلي -بضم المهملة وسكون الكاف- نسبة إلى عكل بطن من تميم، أبو الحسين الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا معاوية) بن صالح الحضرمي الحمصي (أخبرني علي بن طلحة) سالم (الهاشمي) الحمصي (عن أبي الوداك) جبر بن نوف الهمداني الكوفي (عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق زيد بن حباب (بمثله) أي بمثل ما روى ابن وهب عن معاوية بن صالح، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة زيد بن حباب لعبد الله بن وهب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 3436 - (1365) (125) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي أبو خيثمة الكوفي ثقة، من (7) (أخبرنا أبو الزبير) الأسدي محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مكي (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاءه (فقال: أن لي) يا رسول الله (جارية

هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا. وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيهَا وَأَنَا أَكْرهُ أَنَّ تَحْمِلَ. فَقَال: "اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ. فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا" فَلَبِثَ الرَّجُلُ. ثُمَّ أَتَاهُ فَقَال: إِنَّ الْجَارِيةَ قَدْ حَبِلَتْ. فَقَال: "قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ هي خادمنا) الخادم يستوي فيه المذكر والمؤنث، والخادمة بالهاء في المؤنث قليل، وقولهم: فلانة خادمة غدًا ليس بوصف حقيقي، والمعنى ستصير كذلك كما يقال حائضة غدًا اهـ فيومي (وسانيتنا) أي ناضحتنا التي تسقي لنا الماء شبهها بالبعير في ذلك اهـ نووي (وأنا أطوف عليها) أي أجامعها (وأنا أكره أن تحمل) مني بولد فتكون أم ولد فيمتنع بيعها عليّ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعزل) أي أبعد (عنها) منيك (إن شئت) العزل، قال في المبارق: وهذا محمول على الغضب بدليل قوله بعده (فإنه سيأتيها ما قُدّر لها) وفيه مؤكدات أن وضمير الشأن وسين الاستقبال اهـ ملا علي، قال ابن الملك: فيه جواز العزل وأنه في الأمة بمشيئة الواطئ اهـ، قال الحافظ: ولكن السياق يُشعر أنه خلاف الأولى. وتقدم تفصيل المذاهب فيه. قال الطيبي: قوله: إن شئت أي أن لا تحبل وذلك لا ينفعك كما يظهر من التعليل بقوله: (فإنه سيأتيها ما قُدِّر لها) أي من الحمل وغيره سواء عزلت أو لا وفيه مؤكدات كما مر آنفًا (فلبث الرجل) أي مكث زمانًا (ثم أتاه) صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (فقال): يا رسول الله (أن الجارية) التي أخبرتك عنها أولًا (قد حبلت) وحملت ولدًا، وحبل من باب فرح كما في القاموس وغيره (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أخبرتك) أولًا (أنه سيأتيها ما قُدِّر لها) في المرقاة: قال النووي: فيه دلالة على إلحاق النسب مع العزل اهـ لأن الماء قد يسبق، قال ابن الهمام: ثم إذا عزل بإذن أو بغير إذن وظهر بها حبل هل يحل نفيه؟ قالوا: إن لم يعد إليها أو عاد ولكن بال قبل العود حل نفيه، وإن لم يبل لا يحل كذا رُوي عن علي رضي الله عنه لأن بقية المني في ذكره يسقط فيها وكذا قال أبو حنيفة فيما إذا اغتسل من الجنابة قبل البول ثم بال فخرج المني وجب إعادة الغسل اهـ فتح الملهم، قال القرطبي: قوله: (قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها) دليل على إلحاق الولد بمن اعترف بالوطء وادعى العزل في الحرائر والإماء وسببه انفلات الماء ولا يشعر به العازل، ولم يُختلف عندنا في ذلك إذا كان الوطء في الفرج فإن كان في غير الفرج مما يقاربه أو كان العزل البين الذي لا شك فيه لم يلحق، وفيه حجة على كون الأمة فراشًا

3437 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشعَثِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ حَسَّان، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَال: سأَلَ رَجُلٌ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّ عِنْدِي جَارِيَةً لِي. وَأَنا أَعْزِلُ عَنْهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ ذلِكَ لَنْ يَمْنَعَ شَيئًا أَرَادَهُ اللهُ" قَال: فَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِن الْجَارِيَةَ التِي كُنْتُ ذَكَرْتُهَا لَكَ حَمَلَت. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كان الوطء اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2173]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3437 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) انفرد مسلم بالرواية عنه (حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن حسان) المخزومي المكي القاص، روى عن عروة بن عياض في النكاح، ومجاهد وسالم بن عبد الله وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) وسفيان بن عيينة وأبو أحمد الزبيري والثوري، وثقه ابن معين وأبو داود والنسائي، وقال في التقريب: صدوق له أوهام من السادسة (عن عروة بن عياض) بن عمرو بن عدي بن الخيار القرشي المكي، كان واليها لعمر بن عبد العزيز، روى عن جابر بن عبد الله في النكاح، وعائثة وأبي سعيد الخدري، ويروي عنه (م س) وسعيد بن حسان وعمرو بن دينار وابن جريج وغيرهم، وثقه أبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، ويقال فيه: عياض بن عروة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مكيان وواحد مدني، غرضه بسوته بيان متابعة عروة بن عياض لأبي الزبير المكي (قال) جابر: (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي جارية) مملوكة (لي وأنا أعزل) أي أنحي المني (عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ذلك) العزل (لم يمنع شيئًا أراده الله) تعالى من علوق الولد (قال) جابر: (فجاء) ذلك (الرجل) مرة ثانية (فقال: يا رسول الله إن الجارية التي كنت ذكرتها لك حملت) ولدًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند ذلك (أنا عبد الله ورسوله) وما أقول لكم حق فاعتمدوه واستيقنوه فإنه يأتي

3438 - (00) (00) وحدّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشاعِرِ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيرِيُّ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ، قَاصُّ أَهْلِ مَكَّةَ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ عَدِيٍّ بْنِ الْخِيَارِ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ. 3439 - (1366) (126) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَقَال أَبُو بَكْر: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) عَنْ عَمْرٍو، ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل فلق الصبح اهـ نووي، قال القرطبي: وهذا تنبيه منه على صدقه وصحة رسالته كما قال عند تكثير الطعام "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" رواه مسلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3438 - (00) (00) (وحدثنا حجاج) بن يوسف بن الحجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم (أبو أحمد الزبيري) مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سعيد بن حسان) المخزومي المكي (قاص أهل مكة) أي واعظهم الذي يعظ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا (أخبرني عروة بن عياض بن عدي بن الخيار) القرشي (النوفلي) ثقة، من (4) قال المازري: كذا هو عروة بن عياض فذكر عروة، وقال البخاري: أخشى أن لا يكون عروة محفوظًا لأن عروة هو ابن عياض بن عبد القاري، ورواه أبو نعيم عن سعيد بن حسان عن ابن عياض ولم يسمه اهـ فتح الملهم (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الزبيري لسفيان بن عيينة (قال) جابر: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وساق الزبيري (بمعنى حديث سفيان) بن عيينة لا بلفظه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث آخر لجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم فقال: 3439 - (1366) (126) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه (قال إسحاق: أخبرنا وقال أبو بكر: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار

عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِر. قَال: كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. زَادَ ْإسْحَاقُ: قَال سُفْيَانُ: لَوْ كَان شَيئًا يُنْهَى عَنْهُ. لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمحي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان كوفيان أو كوفي ومروزي وواحد مدني (قال) جابر: كنا) معاشر الصحابة (نعزل) أي ننزل المني في الوقاع خارج الفرج خوف الولد (والقرآن) جملة حالية أي والحال أن القرآن (ينزل) بتفاصيل الأحكام ولم يمنعنا والله تعالى أعلم بأحوالنا وأفعالنا فيكون كالتقرير لأفعالنا (زاد إسحاق) بن إبراهيم على أبي بكر لفظة (قال سفيان) بن عيينة استنباطًا أو قال سفيان بسنده قال جابر: (لو كان) العزل (شيئًا يُنهى عنه) شرعًا (لنهانا عنه) أي عن العزل (القرآن) لكن ليس كل المناهي ينهى القرآن فما في الطريق التالي أقوى من هذا، قال الحافظ: هذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطًا وأوهم كلام صاحب العمدة ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس الحديث فأدرجها في الحديث وليس الأمر كذلك فإني تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة، وشرحه ابن دقيق العيد على ما وقع في العمدة فقال: استدلال جابر بالتقرير من الله غريب ويمكن أن يكون استدل بتقرير الرسول لكنه مشروط بعلمه بذلك اهـ، ويكفي في علمه به قول الصحابي إنه فعله في عهده، والمسألة مشهورة في الأصول وفي علم الحديث وهي أن الصحابي إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع عند الأكثر لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام وإذا لم يضفه فله حكم الرفع عند قوم وهذا أولى من الأول، فإن جابرًا صرح بوقوعه في عهده صلى الله عليه وسلم وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك، والذي يظهر لي أن الذي استنبط ذلك سواء كان هو جابرًا أو سفيان أراد بنزول القرآن ما يُقرأ أعم من المتعبد بتلاوته أو غيره مما يوحى إليه صلى الله عليه وسلم فكأنه يقول: فعلناه في زمن التشريع، ولو كان حرامًا لم نقر عليه، وإلى ذلك يشير قول ابن عمر كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شيء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا أخرجه البخاري في طرق الباب السابقة واللاحقة ما أغنى عن الاستنباط فإن في بعضها التصريح باطلاعه صلى الله

3440 - (00) (00) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ عَطَاءٍ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: لَقَدْ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 3441 - (00) (00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ). حَدَّثَنِي أَبي عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَبَلَغَ ذلِكَ نَبِي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يَنْهَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم وفي أخرى إذنه في ذلك وإن كان مرجوحًا والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 377]، والبخاري [5207]، والترمذي ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال: 3440 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) الحراني، صدوق، من (9) (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي مولاهم الحراني، صدوق، من (8) (عن عطاء قال: سمعت جابرًا يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معقل لعمرو بن دينار (لقد كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال: 3441 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) نسبة إلى أحد أجداده البصري (حدثنا معاذ يعني ابن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري نزيل اليمن، صدوق، من (9) (حدثني أبي) هشام الدستوائي البصري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لعطاء بن أبي رباح (قال) جابر: (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك) العزل أي وصل خبره (نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا) عنه، ولو كان حرامًا لنهانا عنه، وفي بعض النسخ (فلم ينهنا عنه) بزيادة الجار والمجرور

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لم يُصرِّح لنا بتحريمه، قال القرطبي: وهذا حجة واضحة على إباحة العزل مطلقًا ولكن محمله على ما إذا لم يعارضه حق الزوجة كما ذكرنا والله تعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث خمسة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي سعيد الخدري الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه إحدى عشرة متابعة، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث أبي سعيد الخدري وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

535 - (21) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع وذكر الغيلة وهو وطء المرضع وكراهة العزل

535 - (21) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع وذكر الغيلة وهو وطء المرضع وكراهة العزل 3442 - (1367) (127) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيرٍ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ. فَقَال: "لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 535 - (21) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع وذكر الغيلة وهو وطء المرضع وكراهة العزل 3442 - (1367) (127) (وحدثني محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير) - بمعجمة مصغرًا - ابن يزيد الهمداني الزبادي -بفتح الزاي والموحدة- أبي عمرو الحمصي، صدوق، من (5) روى عنه المؤلف في (3) أبواب (قال: سمعت عبد الرحمن بن جبير) مصغرًا ابن نفير بنون وفاء مصغرًا الحضرمي أبا حميد الشامي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (يحدّث عن أبيه) جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم شامبون وثلاثة بصريون (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى) قال الأبي: ضبطناه بفتح الهمزة على صيغة المعلوم أي مر (بامرأة) في بعض أسفاره، وقوله: (مجح) بضم الميم وكسر الجيم بعدها حاء مهملة مشددة، صفة لامرأة وهي القريبة الولادة، وترك التاء فيه لأنه من الصفات المخصوصة بالنساء كحائض وطاهر وحامل ونحوها كحائل ويقال على أصل التأنيث مجحة كما في النهاية، وقوله: (على باب فسطاط) أي واقفة على باب خيمة صفة ثانية لامرأة، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم مر في بعض أسفاره على امرأة حامل قريب ولادها واقفة على باب خيمة وخباء، والفسطاط الخباء وهو البيت من الشعر، وفيه ست لغات فسطاط بطاءين وبإبدال الأولى تاء وبحذفها جملة لكن مع شد السين بضم الفاء وكسرها في الثلاث (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعله) أي لعل صاحبها (يريد) ويقصد (أن يلم) بضم أوله وكسر ثانيه وتشديد الميم أي أن يطأ (بها) أي بتلك

فَقالُوا: نَعَمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ. كَيفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيفَ يَسْتَخدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الحامل المسبية، وفي الكلام حذف تقديره فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا: أمة فلان أي مسبيته فقال: لعله يريد أن يلم بها أي أن يطأها وكانت الحامل المسبية لا يحل جماعها حتى تضع، وقد وقع في حديث أبي سعيد مرفوعًا عند أبي داود قال في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" ولفظ المشكاة أيلم بها بهمزة الاستفهام قالوا: نعم، قال ملا علي: والإلمام من كنايات الوطء، وأصل معناه النزول كما قال الحطيئة: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجدْ حطبا جزْلًا ونارًا تأجّجَا أي متى تنزل معنا في ديارنا اهـ من المفهم (فقالوا) أي قال الحاضرون: (نعم) يريد أن يطأها يا رسول الله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): والله (لقد هممت) وقصدت (أن ألعنه لعنًا) شديدًا (يدخل معه قبره) أي يوصله إلى جهنم والعياذ بالله تعالى منها، وإنما لم يوقع ما هم به لأنه لم يكن تقدم منه نهي في ذلك، وأما بعد هذا فالفاعل متعرض للعن مدخل معه قبره حتى يوصله إلى جهنم، وقوله: كيف يورثه) -بضم الياء وتشديد الراء المكسورة مبني للفاعل- من التوريث أي كيف يورّث ذلك الواطئ الولد عن نفسه مع ورثته فيما إذا أقر الوطء واستلحقه (وهو) أي والحال أن استلحاقه وتوريثه من نفسه (لا يحل له) أي لذلك الواطئ (كيف يستخدمه) أي كيف يستخدم ذلك الواطئ الولد استخدام العبيد (وهو) أي والحال أن ذلك الاستخدام (لا يحل له) أي لذلك الواطئ لكونه ولده، تعليل لاستحقاق ذلك الرجل اللعن، والاستفهام فيه معنى التعجب المتضمن للذم يعني إذا وطئها ثم جاءت بولد لستة أشهر من وطئه يحتمل أن يكون الولد من زوجها الأول فإن أقر هذا الواطئ بالنسب واستلحقه بأن يقول هذا ولدي ولد على فراشي يكون مورثًا لنفسه ولد الغير وهو لا يحل له لكونه ليس منه ولا يحل توارثه ومزاحمته لباقي الورثة وإن لم يقر هذا الواطئ بالنسب ولم يستلحقه، والحال أن الولد يحتمل أن يكون من هذا السابي بأن يكون الحمل الظاهر أولًا نفخًا، يبقى الولد غلامًا يستخدمه استخدام العبيد ويجعله عبدًا يتملكه مع أنه لا يحل له ذلك فيجب عليه الامتناع من وطئها حذرًا من هذين المحظورين، هذا ما يستفاد من شرح النووي مع

3443 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. فِي هذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المبارق والمرقاة، قال القرطبي: قوله: (لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبره) هذا وعيد شديد على وطء الحُبالى حتى يضعن حملهن وهو دليل على تحريم ذلك مطلقًا سواء كان الحمل من وطء صحيح أو فاسد أو زنى فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن سبب الحمل ولا ذكر أنه يختلف حكمه وهذا موضع لا يصح فيه تأخير البيان، وإلى الأخذ بظاهر هذا ذهب جماهير العلماء غير أن القاضي عياضًا قال في المرأة تزني فتحمل ويتبين حملها أن أشهب أجاز لزوجها وطأها، قال: وكرهه مالك وغيره من أصحابه قال: فاتفقوا على كراهته ومنعه من وطئها في ماء الزنا ما لم يتبين الحمل، وهذا الذي حكاه أشهب يرده هذا الحديث وكراهة مالك لذلك بمعنى التحريم والله تعالى أعلم. وقوله: كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يستخدمه وهو لا يحل له، وهذا تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على أن واطئ الحامل له مشاركة في الولد، وبيانه أن ماء الوطء يُنمي الولد ويزيد في أجزائه وينعمه فتحصل مشاركة هذا الواطئ للأب، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره" رواه أحمد وأبو داود والدارمي، فإذا وطئ الأمة الحامل لم يصح أن يحكم لولدها بأنه ابن لهذا الواطئ لأنه من ماء غيره نشأ، وعلى هذا لا يحل له أن يرثه ولا يصح أيضًا أن يحكم لذلك الولد بأنه عبد للواطئ لما حصل في الولد من أجزاء مائه فلا يحل له أن يستخدمه استخدام العبيد إذ ليس له بعبد لما خالطه من أجزاء الحر، وفيه من الفقه ما يتبين به استحالة اجتماع أحكام الحرية والرق في شخص واحد، وفيه أن السباء يهدم النكاح وهو مشهور مذهبنا سواء سبيا مجتمعين أو متفرقين اهـ من المفهم. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى بهذا الحديث لكنه شاركه أحمد [6/ 446]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3443 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (جميعًا) أي كل من يزيد وأبي داود رويا (عن شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد

3444 - (00) (00) وحدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الأَسَدِيَّةِ؛ أَنَّهَا سَمِعَت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني عن يزيد بن خمير عن ابن جبير عن أبيه عن أبي الدرداء مثله أي مثل ما روى محمد بن جعفر عن شعبة، غرضه بيان متابعتهما له. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جدامة بنت وهب الأسدية رضي الله تعالى عنها فقال: 3444 - (1368) (128) (وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البغدادي (حدثنا مالك بن أنس) الأصبحي المدني (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (واللفظ له قال قرأت على مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن الأسود الأسدي المدني يتيم عروة، ثقة، من (6) (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة عن جدامة) -بضم الجيم وفتح الدال المهملة- هذا هو الصحيح، وقال الدارقطني: جذامة بالذال المعجمة تصحيف (بنت وهب الأسدية) المدنية، أخت عكاشة بن محصن الأسدي المشهور وتكون أخته من أمه، وفي عكاشة لغتان سبقتا في كتاب الإيمان، تشديد الكاف وتخفيفها، والتشديد أفصح وأشهر كذا في الشرح روت عنها عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو نيسابوري، وفيه رواية صحابية عن صحابية (أنها) أي أن جدامة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): والله (لقد هممت) وقصدت (أن أنهى) وأزجر الناس (عن الغيلة) بكسر الغين اسم للهيئة، وبفتحها اسم للمرة الواحدة، وهي كما في الترجمة أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضع، وسبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها خوف إصابة الضرر للولد لما اشتهر عند العرب أنه يضر الولد وأن ذلك اللبن داء، إذا شربه الولد يضره. قال أهل اللغة: الغيلة هنا بكسر الغين ويقال لها الغيل بفتح الغين مع حذف الهاء، والغيال بكسر الغين كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة، وقال جماعة من أهل اللغة: الغيلة بالفتح المرة الواحدة، وأما بالكسر فهي الاسم من الغيل، وقيل إن أريد بها وطء

حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذلِكَ فَلَا يضُرُّ أَوْلادَهُمْ". قَال مُسْلِمٌ: وَأَمَّا خَلَفٌ فَقَال: عَنْ جُذَامَةَ الأَسَدِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ مَا قَالهُ يَحْيَى: بِالدَّالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المرضع جاز الغيلة، والغيلة بالكسر والفتح، واختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث وهي الغيل، فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة: أن يجامع امرأته وهي مرضع يقال منه أغال الرجل وأغيل إذا فعل ذلك، وقال ابن السكيت: هي أن ترضع المرأة وهي حامل يقال منه غالت وأغيلت، وعلى الأول فوجه كراهته خوف مضرته لأن الماء يكثر اللبن وقد يغيره، والأطباء يقولون في ذلك اللبن: إنه داء، والعرب تكرهه وتتقيه ولأنه قد يكون منه حمل ولا يُفطن له أولًا فيرجع إلى إرضاع الحامل المتفق على مضرته، قال ابن حبيب: سواء أنزل الرجل أو لم ينزل لأنه إن لم ينزل فقد تنزل المرأة فيضر ذلك باللبن (حتى ذكرت) أي تذكرت (أن الروم وفارس يصنعون ذلك) أي جماع المرضع (فلا يضر) ذلك الجماع (أولادهم) وعبارة الجامع الصغير: حتى تذكرت، والرواية التالية فنظرت، وهذا بيان لتركه النهي ورجوعه عنه بتحقق عدم الضرر في أناسي كثير كفارس والروم (قال) المؤلف: (مسلم) بن الحجاج رحمه الله تعالى (وأما) شيخي (خلف) بن هشام (فقال) في روايته: (عن جذامة الأسدية) بالذال المعجمة (والصحيح) المشهور عند الجمهور (ما قاله يحيى) بن يحيى في روايته جدامة بنت وهب (بالدال) المهملة، قال القرطبي: جدامة الأسدية رويناه بالدال المهملة وهكذا قاله مالك وهو الصواب، قال أبو حاتم: الجدامة هو الذي لم يندق من السنبل، وقال غيره: الجدامة هو ما يبقى في الغربال بعد تصفية الدقيق به من نصبة أي بقية من النخالة، وقال غير مالك: بالذال المنقوطة وهو من الجذم الذي هو القطع، وهي جدامة بنت وهب بن محصن الأسدية تُكنى أم قيس وهي ابنة أخي عكاشة بن محصن أسلمت عام الفتح اهـ من المفهم، قال النووي: وفي الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وبيّن سبب ترك النهي، وفيه جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم، قال الأبي: ووجه الاجتهاد فيه أنه لما علم برأي أو استفاضة أنه لا يضر فارس والروم قاس العرب عليهم للاشتراك في الحقيقة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3882]، والترمذي [2078]، والنسائي [106 - 107].

3445 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ. حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، أُخْتِ عُكَّاشَةَ. قَالتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ. فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ. فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلادَهُمْ، فَلَا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ ذلِكَ شَيئًا". ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ذلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المتابعة في هذا الحديث فقال رحمه الله تعالى: 3445 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) (ومحمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (قالا: حدثنا المقرئ) عبد الله بن يزيد القصير مولى آل عمر أبو عبد الرحمن المصري نزيل مكة، ثقة فاضل، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم أبو يحيى المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (حدثني أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود الأسدي المدني، يتيم عروة بن الزبير، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين (عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة) والصواب أنها جدامة بنت وهب بن محصن الأسدية فهي بنت أخي عكاشة بن محصن الأسدي لأنها بنت وهب بن محصن الأسدي. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي أيوب لمالك بن أنس في الرواية عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود (قالت) جدامة بنت وهب: (حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس) أي حضرت مجلسه مع أناس من جماعتنا فسمعته (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول): والله (لقد هممت) وقصدت (أن أنهى) وأزجر الناس (عن الغيلة) أي عن جماع المرضع (فنظرت في) أحوال غير العرب الذي يصنعون الغيلة من (الروم وفارس فإذا هم) أي الروم وفارس (يغيلون أولادهم) بضم أوله من أغال الرباعي يغيل على وزن [قال: ] أي يجامعون مرضعات أولادهم (فلا يضر أولادهم) الرضعاء (ذلك) الجماع (شيئًا) من الضرر فتركت النهي عن الغيلة (ثم سألوه) صلى الله عليه وسلم (عن العزل) أي عن إنزال المني خارج الفرج (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك) العزل (الوأد الخفي) أي كالوأد أي

زَادَ عُبَيدُ اللهِ فِي حَدِيثِهِ عنِ الْمُقْرِئِ وَهِيَ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ}. 3446 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كوأد البنات ودفنهن حيات، جعل العزل بمنزلة الوأد لأن من يعزل عن امرأته إنما يعزل هربًا من الولد إلا أنه خفي يعني أن العزل يشبه الوأد وهو دفن البنت وهي حية، وكان بعض العرب يفعله خشية الإملاق أو خوف العار ووجه الشبه تفويت الحياة، والموءودة المذكورة في الآية هي البنت المدفونة حية اهـ، وفي المرقاة شبه صلى الله عليه وسلم إضاعة النطفة التي أعدها الله تعالى ليكون الولد منها بالوأد لأنه يسعى في إبطال ذلك الاستعداد بعزل الماء عن محله اهـ، قال الحافظ: واستند ابن حزم في تحريم العزل إلى حديث الباب أي حديث جدامة بنت وهب وهذا معارض بحديثين عند النسائي وغيره ففي حديث جابر قال: كانت لنا جواري وكنا نعزل، فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم تستطع رده" وجمع بينه وبين حديث جدامة بحمل حديث جدامة على التنزيه، ومنهم من ادعى أنه منسوخ اهـ فتح الملهم باختصار، قال بعضهم: وهذا التشبيه كقوله: "الرياء الشرك الخفي ". (زاد عبيد الله) بن سعيد (في حديثه) أي في روايته (عن) عبد الله بن يزيد (المقرئ) المصري أي زاد على ابن أبي عمر لفظة (وهي) أي الفعلة القبيحة المسماة بالعزل مندرجة في وعيد قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)} وفي فتح الملهم: معناه أن العزل يشبه الوأد المذكور في هذه الآية اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جدامة رضي الله عنها فقال: 3446 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن إسحاق) البجلي أبو زكرياء السَّيلحيني -بفتح المهملة واللام بينهما تحتية ساكنة ثم مهملة مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم نون مكسورة- نسبة إلى سيلحين موضع في سواد العراق، وقيل السالحيني نسبة إلى سالحين وهو لغة في الأول، البغدادي أي نزيلها، مات بها في شعبان سنة (220) عشرين ومائتين، روى عن يحيى بن أيوب في النكاح، وفليح بن

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبِ الأَسَدِيَّةِ؛ أَنَّهَا قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أبِي أَيُّوبَ، فِي الْعَزْلِ وَالْغِيلَةِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "الْغِيَالِ". 3447 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بنُ حَرْبِ (وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ. حَدَّثَنَا حَيوَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان والليث والحمادين وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل والحسن بن علي الخلال وأحمد بن منيع وعلي ابن المديني وخلق، وثقه ابن سعد وقال: كان حافظًا لحديثه، وقال ابن معين: صدوق مسكين، وقال في التقريب: صدوق، من كبار العاشرة (حدثنا يحيى بن أيوب) الغافقي أبو العباس المصري، صدوق، من (7) (عن) أبي الأسود (محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي) المدني (عن عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب الأسدية) المدنية (أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) يحيى بن أيوب (بمثل حديث سعيد بن أبي أيوب في العزل والغيلة غير أنه) أي لكن أن يحيى بن أيوب (قال) في روايته: (الغيال) بدل الغيلة وهو بمعناها كما قررناه في أوائل الحديث، قوله: الغيال بكسر الغين ولم يذكره اللغويون وإنما المذكور في كتبهم الغيل بالفتح والغيلة بالكسر والإغالة على الإفعال والإغيال بتصحيح الياء اهـ من بعض الهوامش. وهذا السند من سباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعة يحيى بن أيوب لسعيد بن أبي أيوب في الرواية عن النوفلي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جدامة بنت وهب بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهم فقال: 3447 - (00) (00) (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب واللفظ لابن نمير قالا: حدثنا عبد الله بن يزيد) القصير العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المصري (المقرئ) بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء آخره همزة، وما في أكثر النسخ الموجودة في زماننا من قوله: (المقبري) غلط أو تحريف من النساخ، والصواب ما كتبناه كما في نسخة الأبي، نزيل مكة، ثقة، من (9) (حدثنا حيوة) بن شريح بن

حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ؛ أَن أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ أَخبَرَ وَالِدَهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ؛ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِمَ تَفْعَلُ ذلِكَ؟ " فَقَال الرَّجُلُ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ صفوان التجيبي أبو زرعة المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من (7) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عياش) بالتحتانية المشددة والشين المعجمة (بن عباس) بالباء الموحدة المشددة والسين المهملة، القتباني بكسر القاف وسكون المثناة الفوقية، نسبة إلى قتبان بطن من رُعين الحميري أبو عبد الرحيم المصري، روى عن أبي النضر سالم في النكاح، وأبي عبد الرحمن الحُبُليّ في الجهاد، وأبي سلمة وأبي الخير اليزني مرثد، ويروي عنه (م عم) وحيوة بن شريح وسعيد بن أبي أيوب والمفضل بن فضالة، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة (133) (أن أبا النضر) سالم بن أبي أمية القرشي التيمي مولاهم المدني، ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثه عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (أن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي المدني حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه الصحابي المشهور رضي الله عنه (أخبره والده) أي والد عامر (سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني، الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرة رضي الله عنهم. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون وواحد كوفي أو نسائي (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (جاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل: (إني أعزل) وأُبعد مائي (عن امرأتي) عند الجماع فهل عليّ جناح؟ أراد العزل المعهود أو عزل نفسه عن مجامعتها (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِمَ) بكسر اللام الجارة وفتح الميم الاستفهامية المحذوفة ألفها للفرق أي لأي غرض (تفعل ذلك) العزل (فقال الرجل: أُشفق) بضم الهمزة وكسر الفاء من الإشفاق وهو الخوف على مكروه أي أخاف (على ولدها) أي أخاف عليه الهزال والاعتلال وكان سؤاله عن عزله في مجامعته مدة إرضاع امرأته كما هو الظاهر من جوابه صلى الله عليه وسلم اهـ من بعض الهوامش، وقال القاري: إني أخاف على ولدها الذي في البطن لئلا يصير توأمين فيضعف كل منهما أو على ولدها الذي ترضعه لما سبق أن الجماع يضره اهـ

أَوْ عَلَى أَوْلادِهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَ ذلِكَ ضَارًّا، ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ". وَقَال زُهَيرٌ فِي رِوَايَتِهِ: "إِنْ كَانَ لِذلِكَ فَلَا. مَا ضَارَ ذلِكَ فَارِسَ وَلَا الرُّومَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الثاني هو الراجح وقيل: أخاف إن لم أعزل عنها أن تحمل وحينئذٍ يضر الولد الإرضاع في حال الحمل اهـ فتح الملهم (أو) قال الراوي: إني أشفق (على أولادها) بلفظ الجمع، والشك من عامر أو ممن دونه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان ذلك) أي مجامعة المرضع (ضارًا) للولد (ضر) ذلك الجماع (فارس والروم) أي أولادهما لأنهم كانوا يجامعون المرضع، والواقع ليس كذلك (وقال زهير) بن حرب (في روايته إن كان) عزلك (لذلك) أي للإشفاق على ولدها (فلا) تفعل العزل لأنه (ما ضار ذلك) أي ما ضر ذلك أي جماع المرضع (فارس ولا الروم) أي أولادهما فلا ضرورة إلى العزل في مجامعتك، وقوله ما ضار ذلك يقال ضاره يضيره ضيرًا من باب باع ويقال ضره يضره ضرًّا وضرًا من باب شد كلاهما بمعنى واحد. وقوله: (لو كان ذلك ضارًا ضر فارس والروم) دليل على أن الأصل في نوع الإنسان المساواة في الجبلات والخلق وإن جاز اختلاف العادات والمناشئ، وفيه حجة عدى إباحة العزل كما تقدم والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول: حديث أبي الدرداء ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث جدامة بنت وهب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني والثالث: وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أسامة بن زيد ذكره للاستشهاد به لحديث جدامة بنت وهب والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

أبواب الرضاع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 17 - أبواب الرضاع ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب الرضاع هو بفتح الراء وكسرها وكذا الرضاعة بالتاء بفتح الراء وكسرها يقال: رضع الصبي أمه بكسر الضاد في الماضي يرضَعها بفتحها في المضارع رضاعًا من باب سمع وهذا لغة أهل تهامة، قال الجوهري: ويقول أهل نجد رضَع يرضِع بفتح الضاد في الماضي وكسرها في المضارع رضعًا من باب ضرب ضربًا، يقال رضع الصبي إذا امتص ثدي المرأة فهو راضع ورضيع، ويطلق الراضع على اللئيم أيضًا لأنه للؤمه يرضع إبله أو غنمه ولا يحلبه لئلا يُسمع صوت حلبه فيُطلب منه اللبن ويُجمع على رُضّع ومنه قول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أنا سلمة بن الأكوع ... واليوم يوم الرُّضع أي اليوم يوم هلاك اللئام، وهو لغة اسم لمص الثدي وشرب لبنه. وشرعًا وصول لبن آدمية مخصوصة لجوف آدمي مخصوص على وجه مخصوص، وأركانه ثلاثة مرضع ورضيع ولبن، وسبب تحريمه أن لبن المرضعة يشبه منيها في النسب، وقد صار جزءًا من الرضع ولقصوره عنه لم يثبت له من أحكامه سوى المحرمية دون نحو إرث وعتق وسقوط قود ورد شهادة فإذا ملك أباه أو ابنه من الرضاع لا يعتق عليه، وإذا قتل ابنه من الرضاع يُقتل به وإذا شهد لابنه أو أبيه من الرضاع تُقبل شهادته ولما كان حصول اللبن بسبب الولد المنعقد من منيها ومني الفحل سرى التحريم إلى الفحل وأصوله وحواشيه اهـ من التجريد لنفع العبيد. ووجه مناسبة هذا الباب بالنكاح أن المقصود من النكاح الولد وهو لا يعيش غالبًا في ابتداء نشأته إلا بالرضاع قاله ابن الهمام في الفتح، وقال بعضهم في وجه مناسبته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنكاح: إن أعظم أحكام الرضاع هو حرمة الزواج فكان هذا الباب في الحقيقة جزءًا من باب محرمات النكاح كما أدرجه فيه كثير من المؤلفين لكن لما كان هذا النوع من المحرمات فيه تفاصيل كثيرة أفردوه بباب مستقل وجعلوه في آخر النكاح. ***

536 - (22) باب تحرم الرضاعة ما تحرمه الولادة وتحريمها من قبل الفحل وتحريم بنت الأخ من الرضاعة

536 - (22) باب تحرم الرضاعة ما تحرمه الولادة وتحريمها من قبل الفحل وتحريم بنت الأخ من الرضاعة 3448 - (1370) (130) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا. وَإِنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيتِ حَفْصَةَ. قَالت عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيتِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُرَاهُ فُلانًا" (لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ) فَقَالتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ كَانَ فُلانٌ حَيًّا (لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 536 - (22) باب تحرم الرضاعة ما تحرمه الولادة وتحريمها من قبل الفحل وتحريم بنت الأخ من الرضاعة 3448 - (1370) (130) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أبي محمد المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، ثقة، من (3) روى عنها في (6) أبواب (أن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها) يوم نوبتها (وإنها) أي وإن عائشة (سمعت صوت رجل) قال الحافظ: لم أقف على اسم هذا الرجل (يستأذن) أي يطلب الإذن في الدخول (في بيت حفصة) بنت عمر رضي الله تعالى عنها، فإن بيتهما كانا متلاصقين (قالت عائشة فقلت: يا رسول الله هذا) المتكلم (رجل يستأذن في) دخول (بيتك) بيت حفصة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أراه) بضم الهمزة أي أرى هذا المتكلم وأظنه (فلانًا) واللام في (لعم) بمعنى عن أبي قال أُراه فلانًا، حال كونه كانيًا بلفظ فلان عن عم (حفصة من الرضاعة) ولم أر من ذكر اسم عم حفصة هذا، وفيه حجة للجمهور في تحريم لبن الفحل، وستأتي المسألة بتفاصيلها في الحديث الآتي (فقالت عائشة) فيه التفات، وكان مقتضى السياق أن يقول: فقلت (يا رسول الله لو كان فلان حيًّا لعمها) واللام فيه بمعنى عن؛ أي حالة كونها كانية بلفظ فلان عن عمها (من الرضاعة) قال الحافظ أيضًا: لم أقف

دَخَلَ عَلَيَّ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ. إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْولادَةُ". 3449 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على اسمه لـ (دخل عليّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم) يدخل عليك (إن الرضاعة) أي لأن الرضاعة (تحرم ما تحرم الولادة) من التناكح، والجمع بين القريبتين وتفصيل مسائل الرضاع مع مستثنياتها موضعها كتب الفقه، وقد أجمعت الأمة لهذا الحديث أن ما يحرم من قرابات النسب يحرم أمثالها في الرضاع فيحرم من الرضاع الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات والأعمام والأخوال وجميع الأصول والفروع، وقد استثنى منه الفقهاء بعض الصور مثل أم أخته من الرضاع وأخت ابنه من الرضاع وغيرهما، وقد أوصل بها ابن نجيم في البحر إلى إحدى وثمانين صورة اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2646 و 5099]، وأبو داود [2055]، والترمذي [1147]، والنسائي [9916]، وابن ماجه [1937]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 3449 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ح وحدثني أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم) بن معمر (الهذلي) البغدادي القطيعي بفتح فكسر نسبة إلى قطيعة الدقيق محلة ببغداد، روى عن علي بن هاشم بن البريد في النكاح، وسفيان بن عيينة في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل، وإبراهيم بن سعد وابن المبارك وهشيم وعدة، ويروي عنه (خ م د) ومحمد بن يحيى وأبو يعلى وأمم، وقال ابن سعد: ثقة ثبت صاحب سنة وفضل وخير، وقال ابن معين: ثقة مأمون، من العاشرة، مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين (حدثنا علي بن هاشم بن البريد) بفتح الموحدة وبعد الراء تحتانية ساكنة العابدي بموحدة، مولاهم أبو الحسن الكوفي الخزاز بمعجمات أحد علماء الشيعة روى عن هشام بن عروة في النكاح، وطلحة بن يحيى في الاستئذان، ويروي عنه (م عم) وأبو معمر إسماعيل بن إبراهيم وعبد الله بن عمر بن أبان وأحمد وابن معين وأحمد بن منيع وخلق، وثقه ابن

جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْولادَةِ". 3450 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكرٍ. بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معين، وقال في التقريب: صدوق يتشيع، من صغار الثامنة، مات سنة (180) ثمانين ومائة (جميعًا) أي كل من أبي أسامة وعلي بن هاشم رويا (عن هشام بن عروة عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هشام بن عروة لمالك بن أنس (قالت) عائشة: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤالي: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3450 - (00) (00) (وحدثنيه إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عبد الله بن أبي بكر) المدني (بهذا الإسناد) يعني عن عمرة عن عائشة، وساق ابن جريج (مثل حديث هشام بن عروة) غرضه بيان متابعة ابن جريج لهشام بن عروة، قال القرطبي: قول عائشة في هذا الحديث (لو كان فلان حيًّا لعمها من الرضاعة دخل عليّ) نص في أن هذا السؤال إنما كان بعد موت عمها، وهو يخالف قولها في الحديث الآتي (إن عمها من الرضاعة يُسمى أفلح استأذن عليها) وهذا نص في أن سؤالها كان وهو حي فاختلف المتأولون لذلك هل هو عمان أو عم واحد؟ فقال أبو الحسن القابسي: هما عمان أحدهما أخو أبيها أبي بكر رضي الله عنه من الرضاعة أرضعتهما امرأة واحدة، والثاني أخو أبيها أبي القعيس من الرضاعة، وقال ابن أبي حازم: هما عم واحد في الحديثين، قال القاضي أبو الفضل: والأشبه قول أبي الحسن القابسي (قلت): وتتميم ما قاله أنهما عمان وأن سؤالها للنبي صلى الله عليه وسلم كان مرتين في زمانين وتكرر منها ذلك إما لأنها نسيت القضية الأولى فاستجدت سؤالًا آخر وإما لأنها جوزت

3451 - (1371) (131) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ أَفْلَحَ، أَخَا أَبِي الْقُعَيسِ، جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيهَا. وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تبدل الحكم فسألت مرة أخرى والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقولها في الرواية الأولى: (إن الرضاعة تحرِّم ما تحرِّم الولادة) وفي الرواية الأخيرة: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) دليل على جواز نقلهم الحديث بالمعنى إن كانت القضية واحدة، ويحتمل أن يكون تكرر ذلك المعنى منه باللفظين المختلفين، وقد صرّح الرواة عن عائشة برفع هذه الألفاظ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهي مسندة مرفوعة ولا يضرها وقف من وقفها على عائشة كما جاء في الرواية الأخرى. ويفيد هذا الحديث أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها صاحب اللبن أو سيدها فإذا أرضعت المرأة صبيًّا حرمت هي عليه لأنها أمه وأمها لأنها جدته وأختها لأنها خالته وبنتها لأنها أخته وكذلك بنت صاحب اللبن لأنها أخته وأمه ولأنها جدته وأخته لأنها عمته وهكذا غير أن التحريم لا يتعدى الرضيع إلى أحد من قرابته فليس أخته من الرضاعة أختًا لأخيه ولا بنتًا لأبيه إذ لا رضاع بينهم، وحكمة ما ذكرناه أن الشرع اعتبر في التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وهو اللبن ويتصل بالرضيع فيتغذى به فتصير أجزاؤها أجزاءه فينتشر التحريم بينهما واعتبر في حق صاحب اللبن أن وجود اللبن بسبب مائه وغذائه فأما قرابات اللبن فليس بينهم ولا بين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب فتدبره اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3451 - (1371) (131) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن عروة بن الزبير عن عائشة) وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أنها) أي أن عائشة (أخبرته) أي أخبرت عروة (أن أفلح أخا أبي القعيس جاء) إلى بيت عائشة حالة كونه (يستأذن) أي يطلب الإذن منها في الدخول (عليها وهو) أي أفلح المذكور (عمها) أي عم عائشة (من الرضاعة) وفي هذا التفات، وكان مقتضى السياق أن

بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ. قَالت: فَأبَيتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ. فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال وهو عمي، وقوله: (بعد أن أنزل الحجاب) أي بعد نزول احتجاب النساء من الرجال، وذكر النووي: أن لها عمين من الرضاعة أحدهما كان ميتًا وهو المذكور في الحديث الأول والآخر حي وهو المذكور في الحديث الثاني وهو أفلح أخو أبي قعيس يقال إنه من الأشعريين قاله ابن عبد البر، وقال ابن منده: عداده في بني سليم، ويقال أفلح يكنى أبا الجعد وأبو قعيس أبوها من الرضاعة وأخوه أفلح عمها منها، وقيل اسم أبي القعيس وائل بن أفلح، قال ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب في أسماء الأصحاب أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال: حدثنا حمزة بن محمد أخبرنا خالد بن النضر قال ثنا عمرو بن علي قال أبو قعيس: وائل بن أفلح، وذكر الدارقطني: قال: نا جعفر بن محمد الواسطي، قال: نا إبراهيم بن محمد الصيرفي، قال: حدثنا أبو موسى قال أبو قعيس: وائل بن أفلح اهـ من الاستيعاب (قالت) عائشة: (فأبيت) أي امتنعت من (أن آذن له) في الدخول عليّ (فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت) بأفلح من إبائي عن الإذن (فأمرني) رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (أن آذن له) في الدخول (عليّ) فيما يستقبل، قال القرطبي: قولها: (أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها) هكذا هو الصحيح، و (أفلح) هو الذي كُني عنه في رواية أخرى بأبي الجعيد وهو عم عائشة من الرضاعة لأنه أخو أبي القعيس نسبًا، وأبو القعيس أبو عائشة رضاعة وما سوى ما ذكرناه من الروايات وهم، فقد وقع في الأم (جاء أفلح بن أبي قعيس) و (أن أبا القعيس استأذن عليها) وكل ذلك وهم من بعض الرواة اهـ من المفهم. وهذا الحديث حجة لمن يرى أن لبن الفحل يُحرِّم وهم الجمهور من الصحابة وغيرهم، قال القاضي أبو الفضل: لم يقل أحد من أئمة الفقهاء وأهل الفتيا بإسقاط حرمة لبن الفحل إلا أهل الظاهر وابن علية، قال أبو محمد عبد الوهاب: ويتصور مع افتراق الأمين كرجل له امرأتاه تُرضع إحداهما صبيًّا والأخرى صبية فيحرم أحدهما على الآخر لأنهما أخوان لأبٍ. (قلت): ووجه الاستدلال من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فهذا على أن لبن الفحل يُحرّم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت لأفلح عمومة عائشة وإنما ارتضعت

3452 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: أَتَانِي عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَفْلَحُ بْنُ أَبِي قُعَيسٍ. فَذَكَرَ بِمَعْنى حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ: قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ. قَال: "تَرِبَتْ يَدَاكِ، أَوْ يَمِينُكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة لبن امرأة أبي القعيس لأن أبا القعيس قد صار لها أبًا فينتشر التحريم كما تقدم، وعلى هذا فلو تزوجت المرأة أزواجًا وأصابوها على الوجه المسوغ واللبن الأول باق انتشرت الحرمة بين الرضعاء وبين الأزواج لأنهم أصحاب ذلك اللبن ما دام متصلًا فإن انقطع اللبن فلكل زوج حكم نفسه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 33]، والبخاري [6156]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3452 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس (قالت) عائشة: (أتاني عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس) بدل من عمي أو عطف بيان له، ذكر النووي أن الصواب ما في الرواية الأولى (أن أفلح أخا أبي القعيس) وهي التي كررها مسلم في أحاديث الباب وهي المعروفة في كتب الحديث اهـ (فذكر) سفيان (بمعنى حديث مالك) السابق لا بلفظه (و) لكن (زاد) سفيان على مالك، قالت عائشة: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف آذن له (أنما أرضعتني المرأة) أي زوجة أبي القعيس (ولم يرضعني الرجل) أي أبو القعيس فكيف يكون أفلح عمي؟ أي حصلت لي الرضاعة من جهة المرأة لا من جهة الرجل فكأنها ظنت أن الرضاعة تثبت بين الرضيع والمرضع لا تسري إلى الرجال فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذني له فإنه عمك (تربت يداك أو يمينك) بكسر الكاف خطابًا للمؤنث، شك الراوي هل قال: تربت يداك أو قال: تربت يمينك، ومعناه ما أصبت في جدالك فإنه معلوم أن المرأة هي المرضعة لا الرجل فكأنه صلى الله عليه وسلم كره كلامها ذلك، والجملة المذكورة في الأصل بمعنى صار في يدك التراب ولا أصبت خيرًا، وهذه من الكلمات الجارية على ألسنتهم لا يراد بها حقائقها كما سبق ذكرها في كتاب الطهارة.

3453 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعيسِ يَسْتأْذنُ عليهَا. بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ. وَكَانَ أَبُو الْقُعَيسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَا آذَنُ لأَفْلَحَ. حتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّ أَبَا الْقُعَيسِ لَيسَ هُوَ أَرْضَعَنِي. وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَاتُهُ. قَالت عَائِشَةُ: فَلمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيسِ جَاءَنِي يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ. فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ. قَالتْ: فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ائْذَنِي لَهُ". قَال عُرْوَةُ: فَبِذلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 3453 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي أخبرت لعروة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لمالك (أنه) أي أن الشأن والحال (جاء أفلح أخو أبي القعيس) إلى بيتها، حالة كونه (يستأذن) في الدخول (عليها بعدما نزل الحجاب) أي بعد الأمر باحتجاب النساء عن الرجال (وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة، قالت عائشة: فقلت: والله لا آذن لأفلح) أخي أبي القعيس في الدخول على (حتى أستأذن) وأستأمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الإذن له (فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني) بنفسه لأنه ليس له لبن (ولكن أرضعتني امرأته) أي زوجته (قالت عائشة فلما دخل) عليّ (رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت) له: (يا رسول الله أن أفلح أخا أبي القعيس جاءني) إلى بيتي، حالة كونه (يستأذن) أي يطلب الإذن مني في الدخول (عليّ فكرهت) أي أبيت (أن آذن له حتى أستأذنك قالت) عائشة: (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم ائذني له) أي لأفلح في الدخول عليك فإنه عمك من الرضاعة (قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (فبذلك) أي: فبسبب هذا الحديث المذكور كانت عائشة تقول: حرّموا من

الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ. 3454 - (00) (00) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي القُعَيسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيهَا. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. وَفِيهِ: "فَإِنَّهُ عمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ". وَكَانَ أَبُو الْقُعَيسِ زَوْجَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرضاعة ما تحرّمون) به (من النسب) من الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ والأخت إلى غير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. وفي هذا الحديث فوائد منها الدلالة على أن من لم يعلم حكم المسألة أو يشك فيه يتوقف عن العمل فيها حتى يسأل أهل الذكر كما توقفت عائشة رضي الله تعالى عنها عن الإذن في الدخول حتى استأمرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها الدلالة على وجوب احتجاب المرأة من الأجانب وأنها لا تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه، ومنها أن الاستئذان مشروع للمحارم، ومنها أن المستفتي إذا بادر بالتعليل قبل سماع الفتوى أنكر عليه المفتي لأن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت وهي مستفتية: أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (تربت يداك) ومعنى هذه الكلمة (تربت يداك) كما مر أي افتقرتا وصارتا على التراب وهي دعاء في الأصل إلا أن العرب تستعملها للإنكار والزجر والتعجب والتعظيم والحث على الشيء كما سبق في باب وجوب غسل المرأة بخروج المني منها، وقال الحافظ ابن حجر: إن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرط ذلك على ربه وراجع لتحقيقه إلى فتح الباري من باب الأكفاء في الدين [9/ 116]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال: 3454 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة معمر لمالك وسفيان ويونس (جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن) في الدخول (عليها) أي على عائشة وساق معمر (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث هؤلاء الثلاثة (وفيه) أي وفي ذلك النحو ائذني له (فإنه عمك تربت يمينك، وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة)

3455 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ يَستَأْذِنُ عَلَيَّ. فَأَبَيتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: إِنَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَلْيَلِجْ عَلَيكِ عَمُّكِ" قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ. قَال: "إِنَّهُ عَمُّكِ. فَلْيَلِجْ عَلَيكِ". 3456 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله تعالى عنها، ولم أر من ذكر اسم هذه المرأة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا فقال: 3455 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا) عبد الله (ابن نمير عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة: (جاء عمي) أفلح (من الرضاعة) حالة كونه (يستأذن) في الدخول (عليّ فأبيت) وامتنعت (أن آذن له) في الدخول (حتى أستأمر) وأستأذن (رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت) له: (إن عمي من الرضاعة استأذن) في الدخول (عليّ فأبيت أن آذن له) في الدخول عليّ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): ائذني له (فليلج) أي فليدخل (عليك عمك قلت) له صلى الله عليه وسلم: (إنما أرضعتني المرأة) أي زوجة أبي القعيس (ولم يرضعني الرجل) تعني أبا القعيس (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه) أي إن أفلح (عمك) من الرضاع (فليلج) أي فليدخل (عليك) يا عائشة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في هذا الحديث فقال: 3456 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا هشام) بن عروة (بهذا

الإِسْنَادِ؛ أَنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيهَا. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 3457 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: اسْتَأْذَنَ عَلَيهَا أَبُو الْقُعَيسِ. 3458 - (00) (00) وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائشَةَ أَخْبَرتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لعبد الله بن نمير (أن) أفلح (أخا أبي القعيس) وائل بن أفلح (استأذن) في الدخول (عليها فذكر) حماد بن زيد (نحوه) أي نحو حديث عبد الله بن نمير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة هذا رضي الله عنها فقال: 3457 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن هشام) غرضه بيان متابعة أبي معاوية لعبد الله بن نمير (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، وساق أبو معاوية (نحوه) أي نحو حديث عبد الله بن نمير (غير أنه) أي لكن أن أبا معاوية (قال) في روايته (استأذن) في الدخول (عليها أبو القعيس) وهذا غلط من أبي معاوية، والصواب أن يقال: استأذن في الدخول عليها أخو أبي القعيس يعني أفلح كما في الروايات السابقة وهي الصحيحة دون هذه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 3458 - (00) (00) (وحدثني الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم اليماني المكي، ثقة، من (3) (أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته) أي

قَالتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَبُو الْجَعْدِ. فَرَدَدْتُهُ (قَال لِي هِشَامٌ: إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقُعَيسِ) فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ بِذلِكَ. قَال: "فَهَلَّا أَذِنْتِ لَهُ؟ تَرِبَتْ يَمِينُكِ أَوْ يَدُكِ". 3459 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ يُسَمَّى أَفْلَحَ. اسْتَأْذَنَ عَلَيهَا فَحَجبَتْهُ. فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرت لعروة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لهشام (قالت) عائشة: (استأذن) في الدخول (عليّ عمي من الرضاعة أبو الجعد) وهو كنية أفلح (فرددته) أي رددت استئذانه وأبيت من الإذن له، قال ابن جريج (قال لي هشام) بن عروة (إنما هو) أي عمها من الرضاعة (أبو القعيس) لا أبو الجعد، وهذا خطأ من هشام بل أبو القعيس أبوها من الرضاع وعمها أبو الجعد اسمه أفلح كما في الرواية السابقة (فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم) إلى بيتي (أخبرته) صلى الله عليه وسلم (بذلك) أي بما جرى بيني وبين عمي من الرضاعة من استئذانه وردي إياه فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهلا أذنت له) في الدخول عليك لأنه عمك، وكلمة هلا في أصلها للتحضيض وهنا للتوبيخ لها على عدم إذنها له (تربت) أي لصقت (يمينك) بالتراب لفقرها (أو) قال تربت (يدك) والشك من الراوي في أي الكلمتين قال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها ثامنًا فقال: 3459 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي المصري عالمها، ثقة، من (5) (عن عراك) بن مالك الغفاري المدني، ثقة، من (3) (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عراك لعطاء بن أبي رباح (أنها) أي أن عائشة (أخبرته) أي أخبرت عروة (أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح) المكنى بأبي الجعد أخا أبي القعيس نسبًا (استأذن) في الدخول (عليها فحجبته) أي منعته من الدخول عليها (فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم) باحتجابها منه (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه

"لا تَحْتَجِبِي مِنْهُ. فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ". 3460 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ. عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتِ: اسْتَأذَنَ عَلَيّ أَفْلَحُ بْنُ القُعَيسٍ. فَأَبَيتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَأَرْسَلَ: أَنِّي عَمُّكِ. أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي. فَأَبَيتُ أَنْ آذَنَ لَهُ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "لِيَدْخُلْ عَلَيكِ. فَإِنَّهُ عَمُّكِ". 3461 - (1372) (132) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم: (لا تحتجبي منه) يا عائشة (فإنه) أي فإن الشأن والحال (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) فهو مثل عمك من النسب، فلا يحرم دخوله عليك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعا فقال: 3460 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني، من (3) (عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الحكم ليزيد بن أبي حبيب (قالت) عائشة: (استأذن) في الدخول (عليّ أفلح بن القعيس) هذا وهم من بعض الرواة، والصواب (استأذن عليّ أفلح أخو أبي القعيس) (فأبيت) أي امتنعت من (أن آن له) في الدخول عليّ (فـ) لما أبيت (أرسل) إليّ بعض من على الباب بـ (أني عمك) من الرضاعة (أرضعتك امرأة أخي) أبي القعيس (فأبيت) ثانيًا من (أن آذن له فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) الذي جرى بيني وبينه من الاستئذان والإباء (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء (ليدخل عليك) يا عائشة (فإنه عمك) من الرضاع، وعم الرضاع كعم النسب. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 3461 - (1372) (132) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ومحمد بن

الْعَلاءِ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِي. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَكَ تَنَوَّقُ في قُرَيشٍ وَتَدَعُنَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلاء) بن كريب أبو كريب الهمداني (واللفظ) الآتي (لأبي بكر قالوا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن الأعمش عن سعد بن عبيدة) بالتاء مصغرًا السلمي أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي عبد الرحمن) السلمي عبد الله بن حبيب بن ربيعة -بضم الراء المهملة وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة- المقرئ الكوفي مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، روى عن علي بن أبي طالب في النكاح والحدود والجهاد والفضائل والقدر، وأبي موسى الأشعري في ذكر الكفار، ويروي عنه (ع) وسعد بن عبيدة وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعلقمة بن مرثد وغيرهم، قال أبو إسحاق: أقرأ القرآن (40) أربعين سنة، وثقه النسائي، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، قال ابن عبد البر: هو عند جميعهم ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من الثانية (2) مات سنة (74) أربع وسبعين، وقيل سنة (72) اثنتين وسبعين (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه ثلاثة من التابعين، روى بعضهم عن بعض الأعمش ومن بعده (قال) علي بن أبي طالب: (قلت يا رسول الله مالك) أي أي شيء ثبت لك (تنوق) أي تتنوق، بحذف إحدى التاءين لأنه من باب تفعل الخماسي، أي تختار وتصفي وتنقي (في) نساء (قريش) وتبالغ في الاختيار منها للزواج (وتدعنا) أي وتترك الزواج من نساء بني هاشم ونساؤنا أقرب نسبًا منك. قوله: (تنوق في قريش) من التنوق وهو المبالغة في اختيار الشيء يريد على أنك تبالغ في اختيار الزواج من قريش غيرنا وتدعنا معاشر بني هاشم اهـ من بعض الهوامش، وقال القرطبي: هذا الحرف عند أكثر الرواة بفتح النون والواو وتشديدها وهو فعل مضارع محذوف منه إحدى التاءين وماضيه تنوق على وزن تفعل ومصدره تنوقًا أي بالغ في اختيار الشيء وانتقائه، وعند العذري والهوزني وابن الحذاء: تتوق بوزن تقول بضم التاء الثانية من تاق يتوق توقًا وتوقانًا إذا اشتاق اهـ من المفهم، يعني تميل إلى نساء قريش وتشتهي الزواج منهم (وتدعنا) أي وتترك بنات بني هاشم ولا تنكح منها.

فَقَال: "وَعِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ " قَال قُلْتُ: نَعَمْ. بِنْت حَمْزَةَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي. إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه أ (وعندكم شيء) بتقدير همزة الاستفهام وهل عندكم معاشر الهاشميين شيء من البنات تليق بي (قال) علي (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (نعم) عندنا (بنت) عمك (حمزة) بن عبد المطلب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لا تحل لي إنها بنت أخي من الرضاعة) وعرض علي رضي الله عنه بنت حمزة على النبي صلى الله عليه وسلم ليتزوجها كأنه لم يعلم بأخوة حمزة له من الرضاعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب حكاه ابن الأثير، وبعيد أن يقال إنه لم يعلم بتحريم ذلك اهـ من المفهم. قوله: (بنت حمزة) اختلفوا في اسمها على سبعة أقوال أمامة وعمارة وسلمى وعائشة وفاطمة وأمة الله ويعلى، وحكى المزي في أسمائها أم الفضل لكن صرح ابن بشكوال بأنها كنية كذا في الفتح، وذكر الحافظ في باب عمرة القضاء من مغازي الفتح [7/ 388]: والمشهور أن اسمها عمارة، وكانت مع أمها بمكة فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم عند العودة من عمرة القضاء فاختصم في حضانتها علي وزيد وجعفر كما في صحيح البخاري من حديث البراء رضي الله عنه، قوله: (إنها ابنة أخي من الرضاعة) وزاد الشافعي من طريق سعيد بن المسيب عن علي (وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب) كما في ترتيب مسند الشافعي للسندي [2 - 21 رقم 61] وكأن عليًّا لم يعلم بأن حمزة رضيع النبي صلى الله عليه وسلم أو جوز الخصوصية أو كان ذلك قبل تقرير الحكم، وكانت ثويبة أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أرضعت حمزة، وكان حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بأربع وثويبة كانت مولاة لأبي لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها حيث بلغته خبر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم واختلف في إسلامها وذكرها ابن منده في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين اهـ من عمدة القاري [9/ 384]، وفي الحديث دلالة على أن لمن هو أدنى رتبة أن يشير على من هو أعلى منه على النكاح وعلى أنه لا بأس للرجل أن يعوض بنتًا من بنات أسرته أو قبيلته على أهل الدين وعلى أنه لا بأس بذكر جمال المرأة في مشورة

3462 - (00) (00) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عنْ سُفْيَانَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. 3463 - (1373) (133) وحدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ النكاح وعلى أن للجمال دخلًا في الرغبة في التزوج بامرأة اهـ تكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 82]، والنسائي [6/ 99]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 3462 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي أسن من أبي بكر بسنتين (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله ابن نمير (ح وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) الثوري (كلهم) أي كل من جرير وعبد الله بن نمير وسفيان رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن سعد عن أبي عبد الرحمن عن علي (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث على بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3463 - (1373) (133) (وحدثنا هداب بن خالد) ويقال هدبة بن خالد بن الأسود بن هدبة القيسي أبو خالد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن جابر بن زيد) الأزدي أبي الشعثاء الجوفي -بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء- البصري، الفقيه ثقة، من (3) (عن ابن عباس) الهاشمي الطائفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن عباس فإنه طائفي (أن النبي

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ. فَقَال: "إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي. إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ". 3464 - (00) (00) وحدّثناه زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي عَرُوبَةَ. كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم أُريد) وطُلب (على) عمارة (ابنة حمزة) بن عبد المطلب أي أرادوا له تزوّجه إياها (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها) أي إن ابنة حمزة (لا تحل لي إنها) أي لأنها (ابنة أخي من الرضاعة) لأنه أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب (ويحرم من الرضاعة) أي بسبب الرضاعة (ما يحرم من الرحم) أي بسبب القرابة النسبية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5100]، والنسائي [6/ 100]. وابن ماجه [1938]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3464 - (00) (00) (وحدثناه زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يحيى) بن سعيد التميمي (وهو القطان) البصري (ح وحدثنا محمد بن يحيى بن) أبي حزم -بفتح المهملة وسكون الزاي- كنية جده واسمه (مهران) مشهور بكنيته (القطعي) -بضم القاف وفتح الطاء نسبة إلى قطيعة مصغرًا- قبيلة معروفة وهو قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بالعين المهملة اهـ نووي. روى عن بشر بن عمر في النكاح، وعبد الأعلى الساميّ وعمر بن علي بن مقدم، ويروي عنه (م د ت س) وابن خزيمة وابن صاعد، قال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين (253) (حدثنا بشر بن عمر) بن الحكم الأزدي الزهراني -بفتح الزاي نسبة إلى زهران بن كعب بطن من الأزد- أبو محمد البصري، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (جميعًا) أي كل من يحيى القطان وبشر بن عمر رويا (عن شعبة ح وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (كلاهما) أي كل من شعبة وسعيد بن

عَنْ قَتَادَةَ. بِإِسْنَادِ هَمَّامٍ. سَوَاءً. غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ شُعْبَةَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: "ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: "وَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ". وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زيدٍ. 3465 - (1374) (134) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ حُمَيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي عروبة رويا (عن قتادة بإسناد همام) بن يحيى يعني عن قتادة عن جابر عن ابن عباس أي رويا عن قتادة مثله (سواء) أي حالة كون حديثهما مع حديثه متساويين لفظًا ومعنى إلا فيما استثني أو حالة كون إسنادهما مع إسناده متساويين، غرضه بيان متابعتهما لهمام بن يحيى (غير أن) أي لكن أن (حديث شعبة انتهى) وتم (عند قوله) صلى الله عليه وسلم إنها (ابنة أخي من الرضاعة وفي حديث سعيد) بن أبي عروبة وروايته لفظة (وإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وفي رواية بشر بن عمر سمعت جابر بن زيد) إنما صرح بهذا لأن قتادة من المدلسين، وقد وقع في رواية غير بشر: قتادة عن جابر وقد عُلم أن المدلس لا يحتج بعنعنته فنبه المصنف على ثبوت سماعه في هذا الحديث ولكن هذه القاعدة إنما تعتبر في غير الصحيحين والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث علي رضي الله عنه بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 3465 - (1374) (134) (وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) -بفتح الهمزة وسكون التحتانية- المصري، ثقة، من (10) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري صدوق، من (10) (قالا: حدثنا ابن وهب) المصري (أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبوالمسور المدني، صدوق، من (7) (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني، ثقة، من (5) (قال: سمعت عبد الله بن مسلم) بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة الزهري المدني أبا محمد أخا الزهري الإمام ثقة، من (3) (يقول: سمعت) أخي (محمد بن مسلم) بن شهاب الزهري المدني الإمام الشهير بجلالته (يقول: سمعت حميد بن عبد الرحمن) بن

يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَينَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ عَنِ ابْنَةِ حَمْزَةَ؟ أَوْ قِيلَ: أَلا تَخْطُبُ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَال: "إِنَّ حَمْزَةَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عوف الزهري المدني (يقول: سمعت أم سلمة) هند بنت أبي أمية رضي الله عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول): وهذا السند من ثمانياته رجاله ستة منهم مدنيون واثنان مصريان، وفي هذا السند ثلاث لطائف إحداها: أن رجاله أربعة منهم من التابعين يروي بعضهم عن بعض أولهم والد مخرمة وهو بكير بن عبد الله بن الأشج، والثاني: عبد الله بن مسلم الزهري وهو الأخ الأكبر للزهري المشهور، والثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المشهور، والرابع: حميد بن عبد الرحمن بن عوف، واللطيفة أن الكبير يروي فيه عن الصغير لأن عبد الله أكبر من أخيه محمد بن مسلم والثالثة أن فيه رواية الأخ عن أخيه كذا في شرح النووي (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم) والقائل له هو علي بن أبي طالب كما هو مصرح في حديث علي (أين أنت يا رسول الله) معرضًا (عن) زواج (ابنة حمزة) بن عبد المطلب فإنها جميلة وذكية (أوقيل) له صلى الله عليه وسلم بالشك من الراوي (ألا تخطب) يا رسول الله وتتزوج (بنت) عمك (حمزة بن عبد المطلب) فإنها جميلة جدًّا فـ (قال: إن حمزة) بن عبد المطلب (أخي من الرضاعة) فلا تحل لي بنته كبنت أخ النسب، وألا هنا للعرض وهو الطلب برفق ولين، وفي المشكاة عن علي أنه قال: يا رسول الله هل لك في بنت عمك حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث، الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه تسع متابعات، والثالث: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد به أيضًا. ***

537 - (23) باب تحريم أخت المرأة والربيبة ولا تحرم المصة والمصتان ونسخ عشر رضعات بخمس

537 - (23) باب تحريم أخت المرأة والربيبة ولا تحرم المصة والمصتان ونسخ عشر رضعات بخمس 3466 - (1375) (134) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ. أَخبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَينَبَ بنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ. قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَقَال: "أَفْعَلُ مَاذَا؟ " قُلْتُ: تَنْكِحُهَا. قَال: "أَوَ تُحِبِّينَ ذلِكِ؟ " قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 537 - (23) باب تحريم أخت المرأة والربيبة ولا تحرم المصة والمصتان ونسخ عشر رضعات بخمس 3466 - (1375) (134) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة أخبرنا هشام) بن عروة (أخبرني أبي) عروة بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) المخزومية الصحابية رضي الله تعالى عنها، لها في (م) حديث واحد، وفي (خ) حديثان (عن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) بن حرب الأموية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان، وفيه رواية صحابية عن صحابية وتابعي عن تابعي (قالت) أم حبيبة: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: هل لك) رغبة (في أختي) عزة (بنت أبي سفيان) قال الجوهري: وإذا قيل هل لك في كذا وكذا قلت لي فيه أو إن لي فيه أو ما لي فيه، والتأويل هل لك فيه حاجة فحذفت الحاجة لما عرف المعنى وحذف المراد ذكر الحاجة كما حذفها السائل اهـ ويقال في جوابه عند إظهار الرغبة أشد الهل اهـ من بعض الهوامش (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفعل ماذا) أي ماذا أفعل بها؟ قال الحافظ في الفتح: فيه شاهد على جواز تقديم الفعل على ما الاستفهامية خلافًا لمن أنكره من النحاة أي أي شيء أفعل بها، قالت أم حبيبة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (تنكحها) أي تتزوجها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تقولين تنكحها (وتحبين ذلك) أي تزوُّجي إياها ولا تغارين لها، والهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والاستفهام للتعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طُبع عليه النساء من الغيرة، قالت أم حبيبة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (لست لك بمخلية) أي لست مخلية بك، اسم

وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الْخَيرِ أُخْتِي. قَال: "فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي" قُلْتُ: فَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاعل مؤنث من الإخلاء، ويستعمل لازمًا ومتعديًا فالمعنى على الأول إني لست بمنفردة معك ولا خالية من ضرة، وعلى الثاني إني أستطيع أن أجعلك خاليًا عن غيري من النساء، وقال ابن الأثير في النهاية: هو من أخلى الرجل إذا وجده خاليًا، فالمراد أني لم أجدك خاليًا من الزوجات وليس هو من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الأزواج (وأحب من شركني) بكسر الراء من باب سمع أي شاركني في صحبتك والتمتع ببركاتك، وكذلك وقع (شاركني) في طريق الزهري عند البخاري، أي وأحب من شركني أي شاركني (في الخير) وهو زواجه والانتفاع الدنيوي والأخروي به صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ خبره قولها (أختي) عزة كما سيأتي التصريح، وهذا قبل علمها بحرمة الجمع بين الأختين أو ظنت أن جوازه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لأن أكثر أحكام نكاحه يخالف أحكام أنكحة الأمة كذا في عمدة القاري (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنها) أي فإن أختك (لا تحل لي) لأن نكاحها جمع بين الأختين، وهو لا يحل لي ولا لغيري، قالت أم حبيبة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (فإني أُخبرت) قال الحافظ: لم أقف على اسم من أخبر ذلك ولعله كان من المنافقين فإنه قد ظهر أن الخبر لا أصل له (أنك) يا رسول الله (تخطب) وتنكح (درة بنت أبي سلمة) بضم الدال وتشديد الراء هذا هو الصحيح المحفوظ، وأما ما حكاه عياض عن بعض رواة مسلم أنه ضبطه ذرة بفتح الذال المعجمة فتصحيف لا شك فيه قاله النووي. (قلت) لعله مأخوذ مما رواه النفيلي عن زهير عند أبي داود فقال: درة أو ذرة شك زهير، وظاهر أن الشك من زهير لا يعارض ما جزم به سائر الرواة ووقع تسميتها حمنة بنت أبي سلمة عند أبي موسى في الذيل وهو خطأ أيضًا كما صرح به الحافظ في الفتح. ودرة هذه هي زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اسمها برة فسماها صلى الله عليه وسلم زينب وُلدت بأرض الحبشة وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمها أم سلمة وهي ترضعها، وقد حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروت عنه وتزوجها عبد الله بن زمعة بن الأسود وكانت تعد من الفقيهات، قال أبو رافع الصائغ: كنت إذا ذكرت امرأة فقيهة بالمدينة ذكرت زينب بنت أبي سلمة، وسماها أبو رافع في رواية أخرى أفقه امرأة في المدينة، وروينا في القطعيات

قَال: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حجرِي، مَا حَلَّتْ لِي. إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. أَرْضَعَتْنِي وَأَباهَا ثُوَيبَةُ. فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريق عطاف بن خالد عن أمه عن زينب بنت أبي سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يغتسل تقول أمي: ادخلي عليه فإذا دخلت نضخ في وجهي من الماء ويقول: ارجعي، قالت: فرأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء اهـ من الإصابة وعمدة القاري (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأخطب (بنت أم سلمة) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري، قال النووي: هذا سؤال استثبات ونفي احتمال إرادة غيرها اهـ، قالت أم حبيبة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (نعم) تخطبها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنها لم تكن ربيبتي) أي لو ثبت عدم كونها ربيبتي (في حجري) أي في تربيتي ورعايتي (ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها) أبا سلمة (ثويبة) مولاة أبي لهب (فلا تعرضن) بسكون الضاد لاتصاله بنون الإناث (عليّ بناتكن ولا أخواتكن) للزواج فإنهن لا يحللن لي، قوله: (لو أنها لم تكن ربيبتي) أراد به ذكر الحرمة الواردة في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} ولا مفهوم لهذه الصفة عند الجمهور لأن الحديث إنما خرج مخرج الغالب وإلا فلا يشترط في التحريم أن تكون الربيبة في حجر الرجل، وفائدة القيد تقوية علة الحرمة والتشنيع على ذلك الفعل كما في قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} وقوله: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} والمعنى أنها حرام علي بسببين كونها ربيبة وكونها بنت أخي فلو فقد أحد السببين حُرمت بالآخر، والربيبة بنت الزوجة مشتق من الرب وهو الإصلاح لأنه يقوم بأمرها، وأخطأ من جعلها من التربية لأن الكلمة مضاعفة لا معتلة، وكان القياس أن لا تلحقها تاء التأنيث لأن الفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ولكن ألحقت بالأسماء الجامدة فجاز لحوق التاء لها وهذا معنى قولهم إن التاء للنقل إلى الاسمية كذا قال الألوسي في روح المعاني [4/ 257]، والحجور جمع حجر بفتح الحاء وكسرها وهو التربية والحماية، وبهذا القيد تمسك داود فقال: لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر المتزوج بأمها، وجمهور العلماء من السلف والخلف على أن ذلك ليس بشرط في التحريم، وإنما خرج ذلك القيد على تعريفهن بغالب أحوالهن، قال ابن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المنذر: قد أجمع كل من ذكرناه وكل من لم نذكره من علماء الأمصار على خلاف قول داود، وقد احتج بعضهم على عدم اشتراط الحجر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن" ولم يقل اللاتي في حجري على العموم اهـ من المفهم، قوله: (إنها ابنة أخي من الرضاعة) هذا حجة على أن لبن الفحل يحرم كما تقدم، وفيه تنبيه على جواز تعليل الحكم بعلتين فإنه علل تحريمها بأنها ربيبة وابنة أخ، وقد اختلف الأصوليون في ذلك، والصحيح جوازه لهذا الحديث وغيره اهـ منه، قوله: (أرضعتني وأباها ثويبة) بضم الثاء المثلثة وفتح الواو وبياء التصغير لأنها تصغير ثوبة وهي المرة الواحدة من ثاب إذا رجع يقال: ثاب يثوب ثوبًا وثوبة، وثويبة هذه جارية لأبي لهب كانت أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سلمة ولأجل رضاعها للنبي صلى الله عليه وسلم سُقي أبو لهب نطفة من ماء في جهنم وذلك أنه جاء في الصحيح أنه رُئي في المنام فقيل له: ما فعل بك؟ فقال: سُقيت في مثل هذه، وأشار إلى ظُفر إبهامه. رواه البخاري [5101]، وأخرج ابن سعد أن أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له: مَسْروح أيامًا قبل أن تقدم حليمة وأرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة كذا في بذل المجهود [3 - 7] واختلف في إسلامها كذا في أسد الغابة، وذكر ملا علي عن السيوطي قول بعضهم لم ترضعه صلى الله عليه وسلم امرأة إلا أسلمت اهـ من بعض الهوامش. قوله: (فلا تعرضن) هو بفتح التاء وسكون العين وكسر الضاد وفتح نون الإناث، وضبطه بعضهم بضم الضاد وتشديد النون وهو خطأ كما لا يخفى، وقال القرطبي: جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة لاثنتين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعًا وزجرًا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل ذلك، وكانت لكلتيهما أخوات وبنات، فصّل الحافظ أسماءهن في الفتح [9/ 123] ولذلك يحسن من المنكر على المرأة مثلًا المكلمة لرجل واحد أن يقول: أتكلمين الرجال يالكعاء اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5101]، وأبو داود [2056]، والنسائي [6/ 96]، وابن ماجه [1939]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال:

3467 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُء حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. أَخْبَرَنَا زُهَيرٌ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، سَوَاءً. 3468 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ شِهَابٍ كَتَبَ يَذْكُرُ؛ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثهُ؛ أَنَّ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهَا؛ أَنَّهَا قَالتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ! انْكِحْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3467 - (00) (00) (وحدثنيه سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) (حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا الأسود بن عامر) الشامي، ثقة، من (9) (أخبرنا زهير) ابن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من يحيى بن زكريا وزهير بن معاوية رويا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن زينب عن أم حبيبة (مثله) أي مثل حديث أبي أسامة، حالة كون حديث أبي أسامة وحديث يحيى وزهير (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى، غرضه بيان متابعتهما لأبي أسامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 3468 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري، ثقة، من (5) (أن محمد) بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني كتب) إليه رسالة (يدكر) فيها (أن عروة) بن الزبير (حدّثه) أي حدّث لمحمد بن شهاب (أن زينب بنت أبي سلمة) المخزومية المدنية (حدثته) أي حدثت لعروة (أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثتها) أي حدثت لزينب بنت أبي سلمة (أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة (يا رسول الله انكح) أي تزوّج

أُخْتِي عَزَّةَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَتُحِبِّينَ ذلِكِ؟ " فَقَالت: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ! لَسْتُ لَكَ بِمُخلِيَةٍ. وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيرٍ أُخْتِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنَّ ذلِكَ لَا يَحِلُّ لِي". قَالت: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَال: "بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ " قَالتْ: نَعَمْ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي. إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. أَرْضَعَتْنِي وَأَبا سَلَمَةَ ثُوَيبَةُ. فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَى بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أختي عزة) بنت أبي سفيان بفتح العين وتشديد الزاي هكذا وقعت تسميتها في رواية يزيد بن أبي حبيب عن الزهري عند النسائي وابن ماجه أيضًا، ووقعت تسميتها حمنة بنت أبي سفيان في رواية هشام بن عروة عن أبيه عند الطبراني وبه جزم المنذري، ووقع اسمها درة بنت أبي سفيان في رواية الحميدي في مسنده وعند أبي موسى في الذيل وأخرجه البخاري أيضًا ولكن حذف هذا الاسم، وقال عياض: لا نعلم لعزة ذكرًا في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب، وقال أبو موسى: الأشهر فيها عزة. هذا ملخص ما في فتح الباري [9/ 121 و 122] (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبين ذلك) أي نكاحي أختك (فقالت) أم حبيبة: (نعم) أحبه (يا رسول الله) لأني (لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء وكسر اللام اسم فاعل من أخلى يخلي، أي لست بمنفردة بك ولا خالية من ضرة (وأحب من شركني في خير أختي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن ذلك) الذي قلته من زواج أختك (لا يحل لي) لحرمة جمع الأختين (قالت) أم حبيبة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله فإنا نتحدث) فيما بيننا (أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة) بضم الدال وتشديد الراء (قال) صلى الله عليه وسلم: أنكح (بنت أبي سلمة؟ قالت) أم حبيبة: (نعم) تريد نكاحها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها) أي لأنها (ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني و) أباها (أبا سلمة ثويبة) جارية أبي لهب (فلا تعرضن عليّ) يا أزواجي (بناتكن ولا أخواتكن) فإنهن لا يحلِلْن لي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها فقال:

3469 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْهُ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ، عَزَّةَ، غَيرُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ. 3470 - (1376) (136) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3469 - (00) (00) (وحدثنيه عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد المصري (حدثني أبي) شعيب (عن جدي) ليث بن سعد (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم أبو خالد المصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرني يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (الزهري) المدني (حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم) الزهري المدني (كلاهما) أي كل من عقيل بن خالد ومحمد بن مسلم رويا (عن الزهري بإسناد) يزيد (بن أبي حبيب عنه) أي عن الزهري (نحو حديثه) أي نحو حديث يزيد بن أبي حبيب، وهذان السندان الأول منهما من ثمانياته، والثاني من سباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عقيل بن خالد ومحمد بن عبد الله ليزيد بن أبي حبيب في الرواية عن الزهري (ولم يسم أحد منهم) أي أحد ممن روى عن الزهري من يزيد بن أبي حبيب وعقيل ومحمد بن عبد الله أو عن هشام كأبي أسامة وابن أبي زائدة وزهير بن معاوية (في حديثه عزة غير يزيد بن أبي حبيب). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3470 - (1376) (136) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية البصري (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم (ح وحدثنا سويد بن سعيد) الهروي الحدثاني (حدثنا معتمر بن

سُلَيمَانَ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (وَقَال سُوَيدٌ وَزُهَيرٌ: إِنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال): "لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان) التيمي البصري، ثقة، من (9) (كلاهما) أي روى كل من إسماعيل ومعتمر بن سليمان (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري، ثقة، من (5) (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن الزبير) بن العوام المكي (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذه الأسانيد من سداسياته رجال الأول منهما اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد نسائي، ورجال الثاني منها اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد كوفي، ورجال الثالث منها اثنان منهم مكيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد حدثاني (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): هذه رواية ابن نمير (وقال سويد وزهير: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تُحرّم) بتشديد الراء، أي لا تفيد حرمة الرضاع (المصة) الواحدة (و) لا (المصتان) والمصة المرة الواحدة من المص وهو أخذ اليسير من الشيء كما في الضياء، وفي القاموس: مصصْته بالكسر أمصه بالفتح من باب تعب، ومَصَصْته بالفتح أمُصُّه بالضم من باب قتل كخصصته أخصه شربته شربًا رقيقًا، وفي رواية بدله "الرضعة والرضعتان"، وفي أخرى "الإملاجة والإملاجتان" والحديث يدل على أن المصة والمصتين لا يثبت بها حكم الرضاع الموجب للتحريم ويدل بمفهومه على أن الثلاث من المصات تقتضي التحريم، قال النووي: واختلف العلماء في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع، فقالت عائشة والشافعي وأصحابه: لا يثبت بأقل من خمس رضعات، وقال جمهور العلماء: يثبت برضعة واحدة حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وغيرهم كمالك، وقال أبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر وداود: يثبت بثلاث رضعات ولا يثبت بأقل، فأما الشافعي وموافقوه فأخذوا بحديث عائشة خمس رضعات معلومات وأخذ مالك بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ولم يذكر عددًا، وأخذ داود بمفهوم حديث: "لا تحرم المصة والمصتان" وقال: هو مبين للقرآن. هذا ملخص ما ذكره النووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 95]، وأبو داود [2063]، والترمذي [1150]، والنسائي [6/ 101]، وابن ماجه [1941].

3471 - (1377) (137) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كُلْهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى). أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْخَليلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ. قَالتْ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيتِي. فَقَال: يَا نَبِى اللهِ! إِنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أم الفضل رضي الله عنهما فقال: 3471 - (1377) (137) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن المعتمر) بن سليمان التيمي البصري (واللفظ) الآتي (ليحيى) ابن يحيى، قال يحيى: (أخبرنا المعتمر بن سليمان عن أيوب) السختياني حالة كونه (يحدّث عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم الضبعي -بضم المعجمة وفتح الموحدة- نسبة إلى ضبيعة بن قيس من بكر بن وائل نزلوا البصرة البصري، روى عن عبد الله بن الحارث بن نوفل في النكاح والبيوع، وأبي علقمة الهاشمي في النكاح، وعن أبي سعيد مرسلًا وذلك في (م)، ومجاهد في الأمثال والبيوع، وثقه أبو داود وابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (6) (عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي أبي محمد المدني، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن المديني، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على توثيقه، وقال العجلي: تابعي مدني ثقة، مات بعمان سنة (84) أربع وثمانين (عن أم الفضل) لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية المدنية زوجة العباس بن عبد المطلب وأخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما، وهي أول امرأة آمنت بعد خديجة، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد إما نيسابوري أو بغدادي أو مروزي (قالت) أم الفضل: (دخل أعرابي) أي شخص من سكان البادية، وفي تنبيه المعلم: لا أعرفه ولا أعرف امرأتيه غير أن في (م) بعد هذا ما يرشد إلى أنه من بني عامر بن صعصعة اهـ (على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (في بيتي فقال) الأعرابي: (يا نبي الله إني كانت لي امرأة) أي زوجة

فِتَزَوَّجْتُ عَلَيهَا أُخْرَى. فَزَعَمَتِ امْرَأَتِي الأولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَينِ. فَقَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُحَرِّمُ الإِمْلاجَة وَالإِمْلاجَتَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فتزوجت عليها) أي على الأولى امرأة (أخرى) أي زوجة ثانية (فزعمت) أي قالت (امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحُدثى) بضم الحاء المهملة وسكون الدال وفتح المثلثة وهو مؤنث الأحدث تفضيل حديث ضد قديم كالفضلى والأفضل؛ يريد الزوجة الثانية أي رضعتها (رضعة أو رضعتين) والفرق بين المصة والرضعة أن الأولى مرة من المص وهو الرشف فقط فلو شرب الصبي قطرة يطلق عليه المصة، وأما الرضعة فهي التي كانت مشبعة وربما تشتمل على مصات كثيرة فكل رضعة مصة ولا عكس، وهذا الفرق مفهوم من فتح القدير [303] ولأجل هذه اللفظة يشترط عند الشافعي وأحمد أن تكون الرضعات الخمس في أوقات متفرقة كل واحدة منها مشبعة، قال الشيرازي في المهذب: ولا يثبت إلا بخمس رضعات متفرقات لأن الشرع ورد بها مطلقًا فحمل على العرف، والعرف في الرضعات أن يرتضع ثم يقطعه باختياره من غير عارض ثم يعود إليه بعد زمان ثم يرتضع ثم يقطعه وعلى هذا إلى أن يستوفي العدد كما أن العادة في الأكلات أن تكون متفرقة في أوقات فأما إذا قطع الرضاع لضيق نفس أو لشيء يلهيه ثم رجع إليه أو انتقل من ثدي إلى ثدي كان الجميع رضعة كما أن الأكل إذا قطعه لضيق نفس أو شرب ماء أو لانتقال من لون إلى لون كان الجميع أكلة، راجع المجموع شرح المهذب [17 - 55] ومثله في المغني لابن قدامة [7 - 537] (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرم الإملاجة والإملاجتان) الإملاجة مرة من الإملاج كالإكرامة مرة من الإكرام، والإملاج أن تلقم المرأة ثديها في فم الصبي، ويقال: ملج من باب سمع التقم، والمرة منه ملجة فالإملاج فعل المرضعة، والمَلجة والمَصة والرَّضعة فعل الرضيع اهـ تكملة. وفي بعض الهوامش قوله: (رضعة أو رضعتين) الرضعة المرة الواحدة من رضع الصبي رضعًا وبابه تعب وضرب ومنع، وقوله: (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان) المص والرضع والملج فعل الصبي، والإرضاع والإملاج فعل المرضع، والإرضاعة والإملاجة المرة منهما والتاء للوحدة، وفي المصباح ملج الصبي أمه ملجًا من باب قتل، وملج يملج من باب تعب لغة رضعها ويتعدى بالهمزة فيقال: أملجته أمه، والمرة من الثلاثي مَلجة، ومن

قَال عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ. 3472 - (00) (00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَال: يَا نَبِيَّ اللهِ! هَل تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحدَةُ؟ قَال: "لا". 3473 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الخَلِيل، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرباعي إملاجة مثل الإكرامة والإخراجة اهـ (قال عمرو) بن محمد الناقد (في روايته عن عبد الله بن الحارث بن نوفل) يعني أنه زاد في سلسلة الرواية اسم جد عبد الله بن الحارث وهو نوفل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 340]، والترمذي [1153]، والنسائي [6/ 100 و 101]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3472 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري (حدثنا معاذ) بن هشام الدستوائي البصري (ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن صالح بن أبي مريم أبي الخليل) البصري (عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل المدني (عن أم الفضل) الهلالية المدنية، غرضه بيان متابعة قتادة لأيوب (أن رجلًا من بني عامر بن صعصعة قال: يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تحرم الرضعة الواحدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فقال: 3473 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (عن قتادة عن أبي الخليل

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَو الرَّضْعَتَانِ، أَو الْمَصَّةُ أَو الْمَصَّتَانِ". 3474 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبي عَرُوبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا إِسْحَاقُ فَقَال، كَرِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ "أَو الرَّضْعَتَانِ أَو الْمَصَّتَانِ". وَأَمَّا ابْنُ أَبِي شَيبَةَ فَقَال: "وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّتَانِ". 3475 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل (أن أم الفضل حدّثـ) ــه (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهشام الدستوائي (لا تحرم الرضعة أو الرضعتان أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي لا تحرم (المصة أو المصتان) وأو في قوله: أو المصة للشك من الراوي أو ممن دونه في لفظة الرضعة أو المصة، وأو في قوله أو الرضعتان أو المصتان بمعنى الواو. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فقال: 3474 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا عن عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي اسمه عبد الرحمن، ثقة، من (8) (عن) سعيد (بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل، غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان لمحمد بن بشر (أما إسحاق) بن إبراهيم (فقال) في روايته (كرواية) أي مثل رواية محمد (بن بشر) في قوله: (أو الرضعتان أو المصتان) بأو العاطفة فهي بمعنى الواو كما قررناه آنفًا (وأما) أبو بكر (ابن أبي شيبة فقال: والرضعتان والمصتان) على الأصل. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أم الفضل رضي الله تعالى عنها فقال. 3475 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا بشر بن السري) الأفوه أبو عمرو البصري ثم المكي، ثقة، من (9) روى عنه في (5)

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تُحَرِّمُ الإِمْلاجَةُ وَالإِمْلاجَتَانِ". 3476 - (00) (00) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَتُحَرِّمُ الْمَصَّةُ؟ فَقَال: "لَا". 3477 - (1378) (138) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لسعيد بن أبي عروبة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم الإملاجة) أي المرة من الإرضاع (والإملاجتان) أي المرتان من الإرضاع قد تقدم أن الإملاج من فعل المرضع. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 3476 - (00) (00) (حدثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبان) -بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أم الفضل) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة همام لحماد بن سلمة (سأل رجل) من الأعراب (النبي صلى الله عليه وسلم: أتحرم) أي هل تحرم (المصة) الواحدة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تحرم المصة، وتقدم أن المصة من فعل الرضيع. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3477 - (1378) (138) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت

عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالت: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ. ثُمَّ نُسِخْنَ: بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن) لفظة (عشر رضعات) مبتدأ لتخصصه بالإضافة (معلومات) صفة لرضعات، والخبر جملة قوله: (يحرّمن) أي يفدن حرمة الرضاع (ثم نسخن) هذه العشرة تلاوة وحكمًا (بخمس) رضعات (معلومات) نسخت تلاوتها وبقي حكمها (فتُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن) أي تلك الخمس (فيما يقرأ من القرآن) لتأخر نزولها جدًّا وعدم اشتهار نسخها تلاوة، فالعشر منسوخة تلاوة وحكمًا، والخمس منسوخة تلاوة محكمة حكمًا معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًّا حتى إنه صلى الله عليه وسلم تُوفي، وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنًا متلوًا لكونه لم يبلغه النسخ تلاوة لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يُتلى، والنسخ ثلاثة أنواع: أحدها نسخ الحكم والتلاوة كعشر رضعات، والثاني نسخ التلاوة دون الحكم كخمس رضعات وكقوله: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) والثالث نسخ الحكم دون التلاوة وهذا القسم هو الأكثر في القرآن، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} الآية قاله النووي كما بسطنا الكلام على هذا في تفسيرنا الحدائق، قوله: (بخمس معلومات) قال القرطبي: وصفها بذلك تحرزًا عما شك في وصوله إلى الحلق كذا في أوجز المسالك، وفسرها علي القاري بقوله أي مشبعات في خمسة أوقات متفاصلة عرفًا، وعلى التفسير الأول قال الشافعي: إن شكت المرضعة هل أرضعته أم لا؟ أو هل أرضعته خمس رضعات أو أربع رضعات؟ لم يثبت التحريم كما في المهذب وشرحه [17 - 59 و 60]. وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يقتضي التحريم من الرضاع إلا خمس رضعات وهو مذهب عائشة وابن مسعود وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والليث بن سعد والشافعي وأصحابه وقال به ابن حزم: وهي رواية

3478 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ عَمْرةَ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: (وَهِيَ تَذْكُرُ الَّذِي يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ) قَالتْ عَمْرَةُ: فَقَالتْ عَائِشَةُ: نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ. ثُمَّ نَزَلَ أَيضًا: خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أحمد، وذهب أحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وداود وأتباعه إلى أن الذي يُحرّم ثلاث رضعات، وقال مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والليث: إن القليل والكثير من الرضاع سواء في التحريم وهو المشهور عند أحمد وتمسكوا بعموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وبالعموم الوارد في الأخبار، قال الحافظ: قُوِّي مذهب الجمهور بأن الأخبار اختلفت في العدد وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها فيما يعتبر من ذلك فوجب الرجوع إلى أقل ما ينطلق عليه الاسم، وأيضًا فقول عشر رضعات معلومات ثم نُسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الأصوليين لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنًا ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه والله أعلم اهـ، وقد بسط الكلام في هذه المسألة الشوكاني في النيل فليراجع إليه، قال المنذري: وهذا الحديث حجة للشافعي في اعتبار عدد الخمس في التحريم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2062]، والترمذي [1150]، والنسائي [6/ 100]، وابن ماجه [1942]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3478 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب التميمي الحارثي (القعنبي) المدني البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري أبو سعيد المدني، ثقة، من (5) (عن عمرة) بنت عبد الرحمن (أنها سمعت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لعبد الله بن أبي بكر أي سمعتها حالة كونها (تقول وهي) أي والحال أن عائشة (تذكر) للناس وتخبرهم القدر (الذي يُحرّم من الرضاعة، قالت عمرة: فقالت عائشة: نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضًا خمس معلومات) أي فنسخ

3479 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَال: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما نزل أولًا كما في الرواية التي قبل هذه، ووجه استدلالهم لإثبات الخمس بالحديث ما أشار إليه القاآني في شرح المغني من كتب الأصول من الجمع بين روايتي المصتين والإملاجتين، وأما المصة والإملاجة فداخلتان في مثليهما كقوله لا أكلمه يومًا ولا يومين فإن اليمين تنتهي باليومين فكأنه قال: لا يحرم المصتان ولا الإملاجتان، فانتفت الحرمة عن أربع رضعات بهذا الحديث والخمس محرم إجماعًا، ولكنا نقول قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} أثبت الحرمة بفعل الإرضاع مطلقًا فاشتراط العدد فيه يكون تقييدًا لإطلاق الإرضاع وتخصيصًا لعموم الأمهات وذلك لا يجوز بخبر الواحد لأن العام قبل الخصوص قطعي لا يعارضه الظن اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 3479 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، ثقة، من (8) (قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرتني عمرة أنها سمعت عائشة تقول): وساق عبد الوهاب (بمثله) أي بمثل حديث سليمان بن بلال, غرضه بيان متابعة عبد الوهاب لسليمان بن بلال. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول منها حديث أم حبيبة رضي الله عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أم الفضل رضي الله عنها ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة وذكر فيه خمس متابعات، والرابع: حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة"

538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة" 3480 - (1379) (139) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالت: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 538 - (24) باب رضاعة الكبير، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة" 3480 - (1379) (139) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (عن أبيه) القاسم بن محمد التيمي (عن) عمته (عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد إما بغدادي أو مكي (قالت) عائشة: (جاءت سهلة بنت سهيل) بن عمرو القرشية العامرية زوجة أبي حذيفة رضي الله عنهما أسلمت مع زوجها وهاجرت معه إلى الحبشة وهي التي ذكرتها عائشة في حديثها عند أبي داود أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي صلى الله عليه وسلم الخ (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة) قيل: اسمه مهشم، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: قيس مشهور بكنيته أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، كان من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، قال ابن إسحاق: أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانًا وكان ممن شهد بدرًا وكان طوالًا حسن الوجه، استشهد يوم اليمامة وهو ابن ست وخمسين سنة (56) اهـ من الإصابة، أي أرى في وجه أبي حذيفة كراهية أي أثرها وهي العبوسة (من دخول سالم) بن معقل علينا، وكان مولى لامرأة من الأنصار، يقال لها فاطمة بنت يعار أعتقته سائبة فوالى أبا حذيفة ولازمه كما في الإصابة وتبناه وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة كما في أبي داود وهو أحد السابقين الأولين، وكان سالم يؤم الأنصار والمهاجرين في مسجد قباء، وكان من أكثر الصحابة قرآنًا وقوله

(وَهُوَ حَلِيفُهُ). فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْضِعِيهِ" قَالت: وَكَيفَ أُرْضِعُهُ؟ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَال: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ". زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ: فَضحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهو) أي سالم (حليفه) أي حليف أبي حذيفة كلام مدرج من بعض الراوة في كلام سهلة ليس من كلامها، والمراد بالحليف مولى الموالاة لا مولى العتق، ولوقيل وهو دعيه لكان أوفق وأوضح. أي قالت سهلة: إني أرى في وجه أبي حذيفة شيئًا من الكراهة من دخول سالم علينا أي من أجل دخوله عليّ، وكان سالم وهو كما في أسد الغابة سالم بن عبيد بن ربيعة خلافًا لما مر آنفًا، قد تبناه أبو حذيفة على عادة العرب كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ونشأ في حجر أبي حذيفة وزوجته نشأة الابن، وكان أبو حذيفة يرى أنه ابنه فلما أنزل الله تعالى قوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} بطل حكم التبني وبقي سالم على دخوله على سهلة بحكم الصغر، فلما بلغ مبلغ الرجال وجد أبو حذيفة وزوجته في نفوسهما كراهية دخوله وشق عليهما أن يمنعاه الدخول لسابق الألفة، وكان معروفًا بين الأصحاب بسالم مولى أبي حذيفة فسألت سهلة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه) ليكون لك ابن الرضاع، قال القاضي: لعلها حلبته ثم شرب من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما وهذا الذي قاله القاضي كلام حسن، ويحتمل أنه عُفي عن مسه للحاجة كما خُص بالرضاعة مع الكبر والله أعلم كذا في شرح النووي، وقال ابن الهمام: ثم كيف جاز أن يباشر عورتها بشفتيه، فلعل المراد أن تحلب له شيئًا من مقداره خمس رضعات فيشربه وإلا فهو مشكل (قالت) سهلة: (وكيف أرضعه) يا رسول الله (وهو رجل كبير، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد علمت) بضم التاء (أنه رجل كبير، زاد عمرو) الناقد (في حديثه) أي في روايته (وكان) سالم (قد شهد بدرًا) وهذا تتميم لبيان كبره، وسيأتي رواية أنه ذو لحية (وفي رواية ابن أبي عمر فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) من قولها بدل قول عمرو فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صرح بالتأويل المذكور آنفًا في رواية أخرجها ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر (يعني

3481 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيتِهِمْ. فَأَتَتْ (تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيلٍ) النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقدي) حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال: كان يحلب في مسعط أو إناء قدر رضعة فيشربه سالم كل يوم خمسة أيام، وكان بعد يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل كذا في الطبقات الكبرى لابن سعد [8 - 271] فهذه الرواية بأنها حلبت له ولم ترضعه من ثديها (والمِسعَط) بكسر الميم وفتح العين (والمُسعُط) -بضم الميم والعين- ما يُجعل فيه المائع ويُصب منه في الأنف كما في القاموس، قوله: (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعله تبسم على زعمها أنها أمرت بإرضاع سالم من ثديها مع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن تحلب له فيشرب منه وإنها فهمت ذلك من تبسمه أو بتصريحه - عليه السلام - بعد ذلك ولم يذكره الرواة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 38 و 39] والنسائي [6/ 104 و 105]، وابن ماجه [1943]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 3481 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (ومحمد بن أبي عمر) المكي (جميعًا عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي، قال ابن أبي عمر) في روايته (حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب) السختياني (عن) عبد الله بن عبيد الله (ابن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي مليكة لعبد الرحمن بن القاسم (أن سالمًا) ابن معقل أو ابن عبيد بن ربيعة (مولى أبي حذيفة) يعني مولى المناصرة لا مولى العتق لأنه كان عتيقًا لامرأة من الأنصار يقال لها فاطمة بنت يعار أعتقته سائبة (كان مع أبي حذيفة وأهله) أي زوجته ونشأ (في بيتهم) نشأة الابن (فأتت) امرأته (تعني) عائشة بها سهلة (ابنة سهيل النبي صلى الله عليه وسلم) وفي بعض النسخ يعني بنت سهيل، وفي بعضها تعني

فَقَالت: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَينَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْ ذلِكَ شَيئًا. فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ" فَرَجَعَتْ فَقَالتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ. 3482 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. (وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ) قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ؛ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيلِ بْنِ عَمْرٍو ـــــــــــــــــــــــــــــ سهلة بنت سهيل وكأن القاسم نسي ما سمت به عائشة سهلة بنت سهيل فلم ينسب إليها الاسم، وإنما قال: تعني وهذا احتياط منه رحمه الله تعالى (فقالت) له صلى الله عليه وسلم: (إن سالمًا) ابن عبيد (قد بلغ ما يبلغ الرجال) من الكبر والبلوغ (وعقل) أي عرف (ما عقلوا) أي ما عرفوا من عورات المرأة (وإنه يدخل علينا) وأنا مبتذلة (وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك) أي من دخوله علينا (شيئًا) من الكراهية فدلني إلى ما يحل هذه المشكلة (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه) أي تصيري حرامًا عليه بذلك اللبن (ويذهب) بسببه (الذي في نفس أبي حذيفة) من الغيرة يعني أنه إذا علم أبو حذيفة أنه قد حكم بحكم ذوي المحارم لم يبق له كراهة ولا نفرة تغير وجهه وكذلك كان اهـ من المفهم (فرجعت) ثانيًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت) له: (إني قد أرضعته فدهب الدي في نفس أبي حذيفة) من الغيرة، قال القاضي عياض: والمعتبر في الرضاع وصول اللبن إلى الجوف ولو بصبه في الحلق، ولعل رضاع سالم كان هكذا إذ لا تجوز رؤية الثدي ولا مسه ببعض الأعضاء اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 3482 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن رافع) القشيري (واللفظ لابن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرنا ابن أبي مليكة أن القاسم بن محمد بن أبي بكر) الصديق (أخبره) أي أخبر لابن أبي مليكة (أن عائشة أخبرته) أي أخبرت للقاسم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لأيوب السختياني (أن سهلة بنت سهيل بن عمرو) القرشية

جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ سَالِمًا (لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيفَةَ) مَعَنَا فِي بَيتِنَا. وَقَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَلِمَ مَا يَعْلَمُ الرِّجَالُ. قَال: "أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيهِ". قَال: فَمَكَثْتُ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ وَهِبْتُهُ. ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا مَا حَدَّثْتُهُ بَعْدُ. قَال: فَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ. قَال: فَحَدِّثْهُ عَنِّي؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العامرية (جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن سالمًا) تريد (لسالم) بن عبيد بن ربيعة (مولى أبي حذيفة) كان (معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال) من الكبر والبلوغ (وعلم ما يعلم الرجال) من عورات النساء (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه تحرمي عليه) أي تصيري حرامًا بسبب كونك أم رضاع له، قال ابن جريج: (قال) لنا ابن أبي مليكة: (فمكثت) أي جلست (سنة) كاملة (أو) زمنًا (قريبًا منها) أي من السنة حالة كوني (لا أحدّث به) أي بهذا الحديث للناس (وهبته) -بكسر الهاء وسكون الموحدة وضم التاء معطوف على مكثت -أي خفت من تحديثه للناس من الهيبة وهي الإجلال، والواو عاطفة، وفي بعض النسخ: رهبته من الرهب وهو الخوف، وبابه تعب فالهاء مكسورة أيضًا، والمعنى أني لم أحدّث به مدة مخافة أن يغتر به الجهال، وذكر الشارح ضبط القاضي عياض إياه بإسكان الهاء على أنه مصدر منصوب بإسقاط الجار فيكون التقدير لا أُحدّث به أحدًا للرهبة لمخالفته قاعدة الرضاع فإن الله تعالى قد قال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فهذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعًا فما زاد عليه بمدة مؤثرة غير محتاج إليه عادة فلا يُعتبر شرعًا لأنه نادر، والنادر لا يحكم له بحكم المعتاد اهـ من المفهم. قال ابن أبي مليكة: (ثم) بعد مضي سنة كاملة أو قريب منها (لقيت القاسم) بن محمد، معطوف على قوله: فمكثت فهو من مقول ابن أبي مليكة أيضًا (فقلت له) أي للقاسم، معطوف على لقيت (لقد حدثتني) يا قاسم (حديثًا ما حدّثته) لأحد من الناس (بعد) أي الآن (قال) القاسم: (فما هو) أي فما ذلك الحديث، قال ابن أبي مليكة: (فأخبرته) أي فأخبرت ذلك الحديث للقاسم بن محمد فـ (قال) لي القاسم: (فحدّثه) أي فحدّث ذلك الحديث (عنِّي أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرتنيه) أي أخبرتني هذا

3483 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ: قَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيكِ الْغُلامُ الأَيفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ. قَال: فَقَالتْ عَائِشَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 3483 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن حميد بن نافع) الأنصاري أبي أفلح المدني، روى عن زينب بنت أم سلمة في النكاح والطلاق، وعن أبي أيوب الأنصاري وابن عمر، ويروي عنه (ع) وشعبة وبكير بن الأشج وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب بن موسى، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ويقال له حميد صَفِيرا، وهو ثقة، من الثالثة (عن زينب بنت أم سلمة) المخزومية المدنية الصحابية رضي الله عنها (قالت) زينب: (قالت) والدتي (أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها (لعائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (إنه) أي إن الشأن والحال (يدخل عليك) يا عائشة (الغلام الأيفع) أي الولد الذي قارب البلوغ ولم يبلغ، وجمعه أيفاع اهـ نووي، يقال: أيفع الغلام ويفع كمنع إذا شارف الاحتلام فهو يافع وهو من نوادر الأبنية كما في التهذيب ومجمع البحار واختاره النووي وفسره في القاموس بمن راهق العشرين، وعلى التفسير الأول دل الحديث على أن الغلام المراهق مثل البالغ في أحكام الحجاب اهـ وهذا الذي ذكره النووي هو معنى اليافع أو اليفع بفتحتين ولعل ما هنا محرفة يقال: غلام يافع ويفع، ويقال أيضًا غلام يفعة، ومن قال يافع أو يفع ثنَّى وجمع فقال: غلمان يفعة وأيفاع، ومن قال يفعة لم يئن ولم يجمع فقال غلام يفعة وغلمان يفعة فهو بلفظ واحد يكون للمفرد والمثنى والجمع كما يظهر بالمراجعة إلى الأبي وغيره، والأيفع لا يجمع على أيفاع أيضًا اهـ من بعض الهوامش. وقوله: (الذي ما أُحب) أي لا أحب أنا (أن يدخل عليّ) ذلك الغلام، صفة ثانية للغلام (قال) حميد بن نافع أو قال الراوي الذي هو زينب (فقالت) لها (عائشة) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زينب بنت أم سلمة للقاسم بن

أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ قَالت: إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيفَةَ قَالت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ. وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْهُ شَيءٌ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد (أما لك) يا أم سلمة (في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة) أي قدوة حسنة، والأسوة بضم الهمزة وكسرها بمعنى القدوة بتثليث القاف، ثم (قالت) عائشة: (إن امرأة أبي حذيفة) سهلة بنت سهيل (قالت: يا رسول الله إن سالمًا) ابن عبيد كان (يدخل عليّ وهو) أي والحال أن سالمًا (رجل) أي ذكر بالغ (وفي نفس أبي حذيفة منه) أي من دخوله عليّ (شيء) من الكراهية (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى) يصير لك ابن الرضاع فـ (يدخل عليك) واستدلت بهذا الحديث عائشة رضي الله عنها كما هو المعروف عنها على أن الإرضاع محرّم ولو كان الرجل رضع من امرأة في كبره وهو مذهب ابن حزم فإنه قال في المحلى: (رضاع الكبير محرم ولو أنه شيخ كما يحرم رضاع الصغير ولا فرق بينهما) ونسبه النووي وغيره إلى داود الظاهري، ولكن رده الحافظ في الفتح وروى عبد الرزاق هذا المذهب عن عطاء ونقله الطبري عن حفصة وعبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة وحكاه ابن عبد البر عن الليث بن سعد كما في فتح الباري [9/ 128]. قال القرطبي: وهذا مذهب عائشة ومن وافقها رضي الله عنها، وأما مذهب سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خلا عائشة أن ذلك خاص بسالم وأن ذلك لا يتعداه لما اقترن بذلك من القرائن التي ذكرناها ولما يعارضه مما يأتي ذكره، وإلى مذهبهن في ذلك صار جمهور السلف والخلف من الفقهاء وغيرهم وحملوا الحديث على الخصوص ورأوا أن رضاعة الكبير للأجنبية لا تجوز وإن وقعت لم يلزم بها حكم لا في النكاح ولا في الحجاب ما خلا داود فإنه قال: يرفع تحريم الحجاب لا غير تمسكًا بحديث سالم، وقد استدل للجمهور على الخصوصية بأن ذلك مخالف للقواعد منها قاعدة الرضاع فإن الله تعالى قد قال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فهذه أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعًا فما زاد عليه بمدة مؤثرة غير محتاج إليه عادة فلا يعتبر شرعًا لأنه نادر والنادر لا يُحكم له بحكم المعتاد، ومنها قاعدة تحريم الاطلاع على العورة فإنه لا يُختلف في أن ثدي

3484 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ حُمَيدَ بْنَ نَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تقُولُ لِعَائِشَةَ: وَاللهِ! مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ يَرَانِي الْغُلامُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنِ الرَّضَاعَةِ. فَقَالتْ: لِمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرة عورة وأنه لا يجوز الاطلاع عليه لا يقال: يمكن أن يرضع ولا يطلع لأنا نقول نفس التقام حلمة الثدي بالفم اطلاع فلا يجوز، ومنها أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الرضاعة من المجاعة" كما سيأتي قريبًا وهذا منه صلى الله عليه وسلم تقعيد قاعدة كلية تصرح بأن الرضاعة المعتبرة في التحريم إنما هي في الزمان الذي تغني فيه عن الطعام وذلك إنما يكون في الحولين وما قاربهما وهو الأيام اليسيرة بعد الحولين عند مالك، وقد اضطرب أصحابه في تحديدها فالمكثر يقول شهر وكأن مالكًا يشير إلى أنه لا يفطم الصبي في دفعة واحدة في يوم واحد بل في أيام وعلى تدريج فتلك الأيام يحاول فيها فطامه حكمها حكم الحولين لقضاء العادة بمعاودة الرضاع فيها، وقد أطلق بعض الأئمة على حديث سالم أنه منسوخ وأنه سمى التخصيص نسخًا والا فحقيقة النسخ لم تحصل هنا على ما يعرف في الأصول اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3484 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عَمْرو بن سرح الأموي المصري (وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) المصري (واللفظ لهارون قالا: حدثنا) عبد الله (بن وهب أخبرني مخرمة بن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبو عبد الله المدني ثم المصري (عن أبيه) بكير بن عبد الله المخزومي المصري، ثقة، من (5) (قال) بكير بن عبد الله (سمعت حميد بن نافع) الأنصاري المدني، ثقة، من (3) حالة كونه (يقول: سمعت زينب بنت أبي سلمة) المخزومية (تقول: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (والله ما تطيب نفسي) أي ما تحب نفسي (أن يراني الغلام) الذي (قد استغنى عن الرضاعة) هذه الجملة صلة لموصول محذوف كان صفة للغلام كما قدرناه (فقالت) عائشة لأم سلمة: (لِمَ) بكسر اللام الجارة وفتح الميم الاستفهامية التي حذف ألفها فرقًا بينها وبين الموصولة أي

قَدْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيلٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لأَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ. قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْضِعِيهِ" فَقَالتْ: إِنَّهُ ذو لِحْيَةٍ. فَقَال: "أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ مَا فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ". فَقَالتْ: وَاللهِ! مَا عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيفَةَ. 3485 - (1380) (140) حدّثني عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ لِمَ تقول ذلك تعني قولها: والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام إلخ. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة بكير بن عبد الله لشعبة بن الحجاج أي لِمَ تقول ذلك فإنه لا بأس فيه إذا أرضعتيه لأنه (قد جاءت سهلة بنت سهيل) زوجة أبي حذيفة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني لأرى) وأبصر (في وجه أبي حذيفة) شيئًا من الكراهة والغضب (من دخول سالم) بن عبيد عليّ على عادته في الصغر بعدما بلغ مبلغ الرجال (قالت) عائشة: (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه) ليصير ابنًا لك من الرضاع (فقالت) له صلى الله عليه وسلم سهلة: كيف أرضعه يا رسول الله (إنه) أي إن سالمًا رجل كبير (ذو لحية) قال الحافظ في الفتح: وهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم فلا يصح قول من أجاب عَنْ حديث الباب بأن رضاع الكبير كان محرمًا حينئذٍ ثم نسخ هذا الحكم اهـ لكن ليس في هذا اللفظ ما يرد القول بالنسخ لأن قولها إنه ذو لحية يمكن أن يكون منشؤه الحياء والاستعجاب من فعل الرضاع لا إنكار كونه محرمًا والله أعلم (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حديفة) من أثر الكراهة فأرضعته فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت) أي سهلة (والله ما عرفته) أي ما عرفت أثر الكراهة (في وجه أبي حذيفة) بعدما أرضعته. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أم سلمة رضي الله عنهما فقال: 3485 - (1380) (140) (حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري، ثقة، من

عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَخبَرَنِي أَبُو عُبَيدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ؛ أن أُمَّهُ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: أَبَى سَائِرُ أَزوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ. وَقلْنَ لِعَائِشَةَ: مَا نَرَى هذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً. فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَينَا أَحَدٌ بِهذِهِ الرَّضَاعَةِ. وَلَا رَائِينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، ثقة، من (7) (حدثني عقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل مكبرًا، الأموي مولاهم أبو خالد الشامي ثم المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني أبو عبيدة) اسمه كنيته، قال أبو زرعة: لا أعرف أحدًا سماه (بن عبد الله بن زمعة) بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي المدني، روى عن أمه زينب بنت أبي سلمة في النكاح، وأبيه عبد الله بن زمعة وجدته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، ويروي عنه (م د س ق) والزهري في النكاح، وموسى بن يعقوب وغيرهم. له عند مسلم حديث عن أمه زينب عن أمها أم سلمة في الرضاعة، مقبول، من الثالثة، وأبوه عبد الله صحابي (أن أمه زينب بنت أبي سلمة) المخزومية تزوجها عبد الله بن زمعة فولدته له (أخبرته أن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول): وهذا السند من ثمانياته أربعة منهم مدنيون وأربعة مصريون (أبى) وامتنع (سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) أي جميعهن (أن يدخلن عليهن أحدًا) من الرجال الأجانب (بتلك الرضاعة) التي وقعت في حالة الكبر (وقلن) كلهن (لعائشة ما نرى هذا) الرضاع الواقع في حالة الكبر (إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة) يعني أنهن كلهن خالفن الصدّيقة في هذه المسألة، وقلن (فما هو) أي الشأن والحال (بداخل علينا أحد) من الرجال بالرفع فاعل لداخل سد مسد خبره وهو وصف وقع مبتدأ، وجملته خبر لضمير الشأن والتقدير فما الشأن داخل علينا أحد (بهذه الرضاعة) التي وقعت بعد الكبر، قال القاضي عياض: أحد مرفوع على البدل من هو على مذهب البصريين، ويصح أن يكون فاعلًا بداخل على مذهب الكوفيين وهو ضمير أمر وشأن اهـ، وقوله: (ولا رائينا) معطوف على قوله بداخل وهو اسم فاعل من رأى البصرية أي

3486 - (1381) (141) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ. فَاشْتَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وما أحد بناظر إلينا بهذه الرضاعة يعني أنهن كلهن خالفن الصدّيقة في هذه المسألة وأبين أن يدخل عليهن أحد بمثل رضاعة سالم مولى أبي حذيفة اهـ من بعض الهوامش. واستنبط الحافظ من قصة سالم جواز الإرشاد إلى الحيل وهو استنباط جيد، وقال ابن الرفعة: يؤخذ منه جواز تعاطي ما يحصل الحِلّ في المستقبل وإن كان ليس حلالًا في الحال كما ذكره في الفتح [9/ 129] قبيل باب لبن الفحل، لكن في هذا الاستدلال نظر أما أولًا فلأنه لم يثبت أن سهلة أرضعت سالمًا من ثديها بل ثبت خلافه كما قدمنا أنها حلبت له في مسعط فشرب منه فكيف يصح أن يقال إنها لم تحتجب منه عند الإرضاع، وأما ثانيًا فلأنه لو ثبت عدم احتجابها منه كان ذلك خصوصية لسالم أيضًا وإلا فلا يحل للمرأة أن تسفر أمام والد زوجها إلا إذا حدث بينهما نكاح أما قبل النكاح فلا اهـ من التكملة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3486 - (1381) (141) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أشعث بن أبي الشعئاء) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، ثقة، من (6) (عن أبيه) سليم بن الأسود بن حنظلة المحاربي الكوفي، ثقة، من (3) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) مسروق: (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة رضي الله تعالى عنها (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) في بيتي (وعندي رجل قاعد) أي جالس جنبي، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، وأظنه ابنًا لأبي القعيس، وغلط من قال عبد الله بن يزيد رضيع عائشة لأن عبد الله هذا تابعي باتفاق الأئمة، وكأن أمه التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فولدته فلهذا قيل له رضيع عائشة كذا في فتح الباري [9/ 167] في باب لا رضاع بعد الحولين اهـ (فاشتد) أي شق

ذلِكَ عَلَيهِ. وَرَأَيتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ. قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالتْ: فَقَال: "انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ذلك) أي قعود الرجل الأجنبي عندها (عليه) صلى الله عليه وسلم (و) غضب حتى (رأيت الغضب) أي أثره من تغير اللون (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إنه) أي إن هذا الرجل القاعد عندي (أخي من الرضاعة قالت) عائشة: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظرن) أي فكرن وتأملن أيها الأزواج (إخوتكن) أي سبب ما حصلت به الأخوة بينكن وبينهم (من الرضاعة) هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في مدة الرضاعة أم لا؟ وقال المهلب: انظرن ما سبب هذه الأخوة هل هو صحيح أم لا؟ (فإنما الرضاعة) المؤثرة في التحريم هي التي وقعت في زمن الصغر حتى تسد (من) الرضيع وتدفع عنه (المجاعة) والصواب عن المجاعة كما في بعض النسخ ليصح كلامه في المتابعة، والفاء في قوله فإنما لتعليل الأمر بالنظر والتأمل، والمجاعة مفعلة من الجوع يعني أن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي التي وقعت حيث كان الرضيع طفلًا يسد اللبن جوعته ولا يحتاج إلى طعام آخر والكبير لا يسد جوعته إلا الخبز فليس كل مرتضع لبن امرأة أخًا لولدها بل شرطه أن يكون من المجاعة بأن يكون الرضيع طفلًا يسد اللبن جوعته لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت لحمه بذلك فيصير كجزء من المرضعة فيكون كسائر أولادها. هذا ملخص كلام العيني في الشهادات وفي الرضاع. واستدل بهذا الحديث الجمهور على أن الرضاع المعتبر في حرمة النكاح لا بد أن يكون في الصغر، والمعنى أن الرضاعة المحرمة ما كان سببها الجوع، ومعلوم أن الكبير لا يرتضع لبن المرأة بسبب الجوع لأنه ليس مما يسد جوع الكبير ولا مما يشتهي إليه الرجل لسده، ولئن شربه في حالة الاضطرار شربه بالأنفة والكراهية بخلاف الطفل فإنه يرتضع لبن المرأة بسبب الجوع، ويشتهي إليه كلما جاع ولا يسد جوعته غيره، ولئن كان كل رضاع محرمًا سواء كان في الصغر أو الكبر فلماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله تعالى عنها بالنظر والتأمل في أمر الرضاع وإن أمره هذا يدل على أن من الرضاع ما هو غير محرم وهو ما ليس سببه المجاعة. وفي غضبه صلى الله عليه وسلم تأديب لعائشة وقد كان صلى الله عليه وسلم أخذ

3487 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا حُسَينٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. بِإِسْنَادِ أَبِي الأَحْوَصِ. كَمَعْنَى حَدِيثِهِ. غَيرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: "مِنَ الْمَجَاعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على النساء أن لا يوطئن فرشهن أحدًا يكرهه الزوج ولذلك بادرت بالعذر فقالت: إنه أخي من الرضاعة. وقوله: (انظرن) الخ يعني تحققن صحة الرضاعة ووقتها فإنها إنما تنشر الحرمة إذا وقعت على شرطها وفي وقتها كما ذكرناه آنفًا. وقوله: (فإنما الرضاعة) الخ إنما للحصر فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5102]، وأبو داود [2058]، والنسائي [6/ 102]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3487 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (قالا) أي قال محمد بن جعفر ومعاذ بن معاذ: (جميعًا حدثنا شعبة (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع (ح) وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي جميعًا) أي كل من وكيع وعبد الرحمن بن مهدي رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي البصري (حدثنا حسين) بن علي بن الوليد (الجعفي) مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7) (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة المذكورين من شعبة وسفيان وزائدة بن قدامة رووا (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن أسود المحاربي الكوفي (بإسناد أبي الأحوص) يعني عن أبيه عن مسروق عن عائشة (كمعنى حديثه) أي مثل معنى حديث أبي الأحوص (غير أنهم) أي لكن أن شعبة وسفيان وزائدة (قالوا من المجاعة) بدل قوله في الطريق الأول (عن المجاعة) كما في بعض النسخ، قال بعض الشراح: ولم يظهر وجه الاستثناء لعدم ظهور الفرق بين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضعين (قلت): الفرق يظهر على ما في بعض النسخ وهو أن المصنف أورد هذا الحديث بطريقين ووقع في الطريق الأول في بعض النسخ إنما الرضاعة عن المجاعة بلفظ عن فنبه في الطريق الثاني أنهم قالوا من المجاعة بدل عن المجاعة والله أعلم اهـ تكملة، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة وسفيان وزائدة لأبي الأحوص في الرواية عن أشعث بن أبي الشعثاء. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

539 - (25) باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وأن الولد للفراش وقبول قول القافة في الولد

539 - (25) باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وأن الولد للفراش وقبول قول القافة في الولد 3488 - (1382) (142) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيسَرَةَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ، أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ حُنَينٍ، بَعَثَ جَيشًا إِلَى أَوْطَاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 539 - (25) باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وأن الولد للفراش وقبول قول القافة في الولد 3488 - (1382) (142) (حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) التميمي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن صالح) ابن أبي مريم الضبعي (أبي الخليل) البصري، ثقة، من (6) (عن أبي علقمة الهاشمي) مولاهم، ويقال مولى ابن عباس، ويقال الأنصاري المصري، قال أبو حاتم: أحاديثه صحاح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: مصري تابعي ثقة، روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مصري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (حنين) بعد فتح مكة بأيام، وذلك أن مكة فتحت لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة وكانت وقعة هوازن يوم حنين في أول شوال من تلك السنة، وحنين موضع معروف سُمي باسم رجل لازمه وهو معروف كما جاء في القرآن وأنشد في الصحاح: نصروا نبيهم وشدوا أزره ... بحنين يوم تواكل الأبطال والأغلب فيه الصرف اهـ من المفهم، وعبارة العون وحنين بالتصغير واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا وهو مصروف كما جاء في القرآن (بعث جيشًا إلى أوطاس) وهو واد في ديار هوازن على ثلاث مراحل من مكة كذا في بذل المجهود، وهو مصروف في القاموس بالنظر إلى أنه بمعنى موضع لكن، قال النووي: وأكثر استعمالهم فيه منع الصرف بالنظر إلى معنى البقعة أي بعثهم إلى أوطاس

فَلَقُوا عَدُوًا. فَقَاتَلُوهُمْ. فَظَهَرُوا عَلَيهِمْ. وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا. فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِنْ غِشيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذلِكَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} [النساء: 24] أَي فَهُنَّ لَكُمْ حَلالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لحرب هوازن (فلقوا عدوًا) من الكفار، وفي رواية أبي داود من هذا الطريق فلقوا عدوهم وهم بنو هوازن (فقاتلوهم فظهروا) أي ظهر الجيش المبعوث أي غلبوا (عليهم) أي على عدوهم وهم بنو هوازن (وأصابوا) أي أصاب الجيش المبعوث وأخذوا (لهم) أي منهم من عدوهم (سبايا) أي نساء مسبيات أي فغلبوا عليهم وأصابوا نساء مسبيات كانت لبني هوازن (فكأن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا) أي خافوا الحرج والإثم (من غشيانهن) أي من وطئهن (من أجل أزواجهن من المشركين) أي من أجل أنهن زوجات للمشركين، والزوجة لا تحل لغير زوجها أي تنزهوا عن وطئهن واعتقدوا فيه حرجًا وإثمًا، والغشيان كالإتيان كناية عن الجماع (فأنزل الله عزَّ وجلَّ في ذلك) أي في إباحتهن لهم قوله: (والمحصنات) أي وحرمت عليكم المتزوجات (من النساء إلا ما ملكتـ) ـهن (أيمانكم) أي أيديكم من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن بعد الاستبراء بوضع الحمل إن كانت حاملًا أو بحيضة إن كانت حائلًا وإن كان لهن أزواج في دار الحرب (أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن) أي استبراؤهن بوضع الحمل إن كان وبحيضة أو شهر إن لم يكن، قال ملا علي: وهذا تفسير من أحد رواة الحديث، والمراد بالمحصنات هنا المزوجات لا الحرائر؛ والمعنى والمزوجات حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها، وأجمعت الأمة لهذا الحديث على أن الحربية إذا سُبيت دون زوجها ينفسخ نكاحها منه ويحل لمن سباها أن يطأها بعد الاستبراء ولكن حلية الوطء مشروطة عند الجمهور بأن تكون المسبية كتابية أو تكون قد أسلمت بعد السبي أما إذا كانت وثنية أو مجوسية فلا يحل وطئها عند الأئمة الأربعة وجماهير العلماء من السلف والخلف وخالفهم عطاء وعمرو بن دينار فقالا: يجوز وطء الوثنية أيضًا واحتجا بحديث الباب وبما مر في باب العزل من قصة سبايا بني المصطلق فإنهن كن مشركات وثنيات، وأجاب عنه الجمهور بأن الصحابة إنما أتوهن بعدما أسلمن، وأما قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ

3489 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ؛ أَنَّ أَبَا عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيَّ حَدَّثَ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَ حُنَينٍ سَرِيَّةً. بِمَعْنَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيعٍ غَيرَ أَنَّهُ قَال: {إلا مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} [النساء: 24] فَحَلالٌ لَكُمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ: إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ النِّسَاءِ إلا مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} فقد خصت عمومه آية أخرى وهي قوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} إذا أُريد بالنكاح الوطء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2155]، والترمذي [1132]، والنسائي [6/ 110]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3489 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا: حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري (عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم البصري (أن أبا علقمة الهاشمي) المصري (حدّث أن أبا سعيد الخدري حدّثهم) أي حدّث لأبي علقمة ومن معه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الأعلى ليزيد بن زريع (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية) أي جيشًا إلى أوطاس، وساق عبد الأعلى (بمعنى حديث يزيد بن زريع) السابق (غير أنه) أي لكن أن عبد الأعلى (قال) في روايته: (إلا ما ملكت أيمانكم) منهن بالسبي (فـ ـهي (حلال لكم) لانفساخ نكاح زوجها الكافر (ولم يذكر) عبد الأعلى لفظة (إذا انقضت عدتهن) أي استبراؤهن من ماء الزوج الكافر وهي بوضع الحمل عن الحامل وبحيضة أو شهر عن الحائل كما مر. قال الخطابي في المعالم: في الحديث بيان أن الزوجين إذا سبيا معًا فقد وقعت الفُرقة بينهما كما لو سبي أحدهما دون الآخر وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج وغيرها ولا عمن كانت سُبيت منهن مع الزوج أو وحدها فدل على أن الحكم في ذلك واحد لا يختلف، وقال أبو حنيفة: إذا سُبيا جميعًا فهما على نكاحهما، وقال الأوزاعي ما كان في المقاسم فهما على نكاحهما فإن اشتراها رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما واتخذها لنفسه بعد أن

3490 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3491 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيب ٍالْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يستبرئها بحيضة، وقد تأول ابن عباس الآية في الأمة التي يشتريها ولها زوج فقال: بيعها طلاقها، وللمشتري اتخاذها لنفسه وهو خلاف أقاويل عامة العلماء وحديث بريرة يدل على خلافه انتهى ملخصًا اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3490 - (00) (00) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن قتادة بهدا الإسناد) يعني عن أبي الخليل عن أبي علقمة عن أبي سعيد، وساق شعبة (نحوه) أي نحو حديث سعيد بن أبي عروبة، غرضه بيان متابعة شعبة لسعيد بن أبي عروبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 3491 - (00) (00) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حدثنا خالد بن الحارث) الهجيمي البصري (حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم البصري (عن أبي سعيد) الخدري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الخليل لأبي علقمة الهاشمي في الرواية عن أبي سعيد الخدري؛ والمقصود بيان أن لأبي الخليل سندين سندًا عاليًا كهذا وسندًا نازلًا كالسند الذي قبل هذا، قال الأبي: قوله: (عن أبي الخليل عن أبي سعيد) بدون ذكر أبي علقمة، قال المازري: قال الجياني: كذا هو في نسخة الجلودي وابن ماهان وكذا أخرجه الدمشقي، وفي نسخة أبي الحذاء ذكر أبي علقمة كما في حديث ابن أبي عروبة قبله، وقال غيره إثباته هو الصواب اهـ من الأبي. قال النووي: ويحتمل كون إثباته وحذفه صوابًا ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين

قَال: أَصَابُوا سَبْيًا يَوْمَ أَوْطَاسٍ. لَهُنَّ أَزْوَاجٌ. فَتَخَوَّفُوا. فَأُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} [النساء: 24]. 3492 - (00) (00) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرواه تارة كذا وتارة كذا. (قلت): ويشهد لما قاله النووي أن الترمذي أخرجه من طريق هشيم عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد، وروى همام هذا الحديث عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث الثوري الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أحمد من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخ اهـ تكملة بتصرف. (قال) أبو سعيد الخدري: (أصابوا) أي أصاب المسلمون وغنموا (سبيًا) أي نساء مسبيات (يوم) غزوة (أوطاس لهن أزواج) هربوا عنهن (فتخوفوا) أي خاف المسلمون الحرج والذنب من الاستمتاع بهن لأنهن ذوات أزواج (فأُنزلت هذه الآية) بسببهن يعني قوله تعالى: (والمحصنات) أي وحُرّمت عليكم ذوات الأزواج (من النساء إلا ما ملكت) أي إلا المسبيات اللاتي مَلَكَتْ (أيمانكم) أي أيديكم فهي حلال لكم لانفساخ نكاح أزواجهن بالسبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 3492 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي (حدثنا خالد يعني ابن الحارث حدثنا سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري (نحوه) أي نحو ما روى شعبة عن قتادة، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة في الرواية عن قتادة، قال الجصاص: روى حماد قال: أخبرنا الحجاج عن سالم المكي عن محمد بن علي: قال لما كان يوم أوطاس لحقت الرجال بالجبال وأخذت النساء، فقال المسلمون: كيف نصنع ولهن أزواج؟ فأنزل الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} ثم قال: فأخبر أن الرجال لحقوا بالجبال وأن السبايا كن منفردات عن الأزواج، والآية فيهن نزلت وأيضًا لم يأسر النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين من الرجال أحدًا فيما نقل أهل المغازي وإنما كانوا من بين قتيل أو مهزوم وسبي النساء ثم جاءه الرجال بعدما وضعت الحرب أوزارها

3493 - (1383) (143) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلامٍ. فَقَال سَعْدٌ: هذَا. يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ أَخِي، عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فسألوه أن يَمُنَّ عليهم بإطلاق سباياهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" وقال للناس: "من رد عليهم فذاك ومن تمسك بشيء منهن فله خمس فرائض في كل رأس" وأطلق الناس سباياهم، فثبت بذلك أنه لم يكن مع السبايا أزواجهن كذا في أحكام القرآن للجصاص [1/ 167]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3493 - (1383) (143) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان (أنها) أي أن عائشة (قالت اختصم) أي تخاصم (سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب الزهري المدني أحد العشرة المبشرة وآخرهم موتًا رضي الله عنه (وعبد بن زمعة) بسكون الميم وقيل بفتحها والراجح الأول، وهو عبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشي أخو سودة أم المؤمنين رضي الله عنها، ووهم من جعله عبد الله بن زمعة بن الأسود فإنه غيره، وكان زمعة بن قيس والد سودة مات قبل فتح مكة وأسلم ابنه عبد هذا يوم الفتح وكان من سادات الصحابة كما في الإصابة، أي تخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (في غلام) أي في ولد اسمه عبد الرحمن بن زمعة، وذكره ابن عبد البر في الصحابة، وذكر عن الزبير بن بكار أن له عقبًا بالمدينة كذا في الاستيعاب (فقال سعد) بن أبي وقاص: (هذا) الغلام (يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص) بضم العين وسكون المثناة فوق، وهو الذي شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فكسر رباعيته، وروى معمر عن عثمان الجزري عن مقسم أن عتبة لما كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال: "اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرًا" فما حال عليه الحول حتى مات كافرًا كذا في عمدة

عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ. وَقَال عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هذَا أَخِي، يَا رَسُولَ اللهِ! وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي. مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيٍّنًا بِعُتبَةَ. فَقَال: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ. الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القاري [5/ 400]، وأخطأ من عده من الصحابة كما حققه الحافظان الشهاب والبدر (عهد) عتبة أي أوحى (إليّ) أن استلحقه لـ (أنه ابنه) أولده من وليدة زمعة بن قيس (انظر) يا رسول الله (إلى شبهه) بعتبة بن أبي وقاص أخي، وفي رواية مالك عن الزهري عند البخاري في أوائل البيوع "كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه" وفي رواية سفيان عن الزهري عند أبي داود وأحمد والشافعي واللفظ لأحمد وقال سعد: أوصاني أخي إذا قدمت مكة فانظر ابن أمة زمعة فاقبضه مني. وفي رواية معمر عنه عند أحمد عن عائشة أن عتبة بن أبي وقاص قال لأخيه سعد: أتعلم أن ابن جارية زمعة ابني، قالت عائشة: فلما كان يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه واحتضنه إليه وقال: ابن أخي ورب الكعبة، ومثله في مصنف عبد الرزاق (وقال عبد بن زمعة هذا) الغلام (أخي يا رسول الله وُلد على فراش أبي من وليدته) أي من أمته، قال الجوهري: الوليدة الصبية، وقال ابن الأثير: تُطلق الوليدة على الجارية والأمة وإن كانت كبيرة كذا في عمدة القاري، قال الحافظ: لم أقف على اسمها لكن ذكر مصعب الزبيري وابن أخيه الزبير في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية زانية، وقد عد ابن جرير أسماء بغايا الجاهلية التي تُسمى صواحب رايات فذكر في جملتها (سريفة جارية زمعة) فيمكن أن تكون هي هي اهـ تفسير ابن جرير [18 - 51] تحت قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً} (فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه) أي إلى شكله وصورته وقده ليعرف من يشبهه من المتداعيين (فرأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الولد (شبهًا بينًا بعتبة) أي رأى شبهه بعتبة شبهًا واضحًا لا خفاء فيه، وفي رواية معمر عند أحمد قالت عائشة: فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهًا لم ير الناس شبهًا أبين منه بعتبة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة (هو) أي الولد (لك) أي لأبيك (يا عبد) بن زمعة، ووقع في رواية النسائي (هو لك عبد بن زمعة) بحذف حرف النداء لأنه هنا اسم مفرد علم يجوز حذف حرف النداء معه وإثباتها كقوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (الولد) أي لأن الولد (لـ) صاحب (الفراش) أي لمن استفرش

الْحَجَرُ. وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الموطوءة، قال العيني: إنما قال هذا عقيب حكمه لعبد ابن زمعة إشارة بأن حكمه لم يكن بمجرد الاستلحاق بل بالفراش اهـ وقال القرطبي: وقوله: (الولد للفراش) يدل على أن الشبه لا يعمل به في الإلحاق عند وجود ما هو أقوى فإنه ألغاه هنا وحكم بالإلحاق لأجل الفراش كما حكاه في حديث اللعان لأجل اللعان، وأما في حديث القافة فليس له هناك معارض هو أقوى منه فأعمل، والفراش هنا كناية عن الموطوءة لأن الواطئ يستفرشها أي يصيرها كالفراش ويعني به أن الولد لاحق بالواطئ، قال الإمام: وأصحاب أبي حنيفة يحملونه على أن المراد به صاحب الفراش ولذلك لم يشترطوا إمكان الوطء في الحرة اهـ من المفهم. قال النووي: معنى قوله: (الولد للفراش) أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشًا له فأتت بولد مدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولدًا يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة سواء كان موافقًا في الشبه أم مخالفًا، ومدة إمكان كونه منه ستة أشهر من حين إمكان اجتماعهما وأما ما تصير به المرأة فراشًا فإن كانت زوجة صارت فراشًا بمجرد عقد النكاح، ونقلوا في هذا الإجماع وشرطوا إمكان الوطء بعد ثبوت الفراش فإن لم يكن بأن نكح المغربي مشرقية ولم يفارق واحد منهما وطنه ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحقه لعدم إمكان كونه منه هذا قول مالك والشافعي والعلماء كافة إلا أبا حنيفة فلم يشترط الإمكان بل اكتفى بمجرد العقد (وللعاهر) أي للزاني (الحجر) بمهملة ثم جيم مفتوحتين، أي الخيبة والحرمان من الولد الذي يدعيه، والعاهر الزاني وهو اسم فاعل من عهر الرجل المرأة يعهرها من باب فتح إذا أتاها للفجور، وقد عهرت هي من باب تعب، وتعيهرت إذا زنت، والعهر الزنا والمعنى أي وللزاني الخيبة ولا حق له في الولد، وعادة العرب جرت بأن تقول لمن خاب "له الحجر، و "بفيه الحجر" وبأن تقول: "له الحجر وبفيه الأثلب" وهو التراب ونحو ذلك كقولهم: "امتلأت يده ترابًا" أي خيبة، قال القرطبي: وكأن هذا المعنى هو الأشبه بمساق الحديث وبسببه، وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم بالحجارة وهذا ضعيف لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يُرجم المحصن خاصة ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه، والحديث إنما ورد في نفي الوند عنه (واحتجبي منه) أي من ابن زمعة بن قيس، اسم الابن عبد الرحمن بن زمعة، واسم الأمة سريفة وكانت من بغايا قريش، أي تستري منه (يا سودة بنت زمعة) هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، أي

قَالتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَوْلَهُ: "يَا عَبْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ احتجبي منه احتياطًا لأنه ليس بأخيك شبهًا وإن كان أخاك شرعًا (قالت) عائشة بالسند السابق: (فلم ير) ذلك الولد (سودة) بنت زمعة (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي وهي هنا بمعنى أبدًا (ولم يذكر محمد بن رمح) في روايته (قوله) صلى الله عليه وسلم (يا عبد) أي لم يذكر لفظة يا عبد بل قال في روايته (هو لك الولد للفراش) قال النووي: أمرها بالاحتجاب عنه ندبًا واحتياطًا لأنه في ظاهر الشرع أخوها لأنه ألحق بأبيها لكنه لما رأى الشبه البين بعتبة بن أبي وقاص خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبيًّا منها فأمرها بالاحتجاب منه احتياطًا، قال ابن القيم: وأمره صلى الله عليه وسلم سودة وهي أخته بالاحتجاب يدل على أصل وهو تبعيض أحكام النسب فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها لمعارضة الشبه للفراش فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها، وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة وهذا باب من دقيق العلم وسره لا يلحظه إلا الأئمة المطلعون على أغواره المعنيون بالنظر في مأخذ الشرع وأسراره ومن نبا فهمه عن هذا وغلظ عنه طبعه فلينظر إلى الولد من الرضاعة كيف هو ابن في التحريم لا في الميراث ولا في النفقة ولا في الولاية وهذا ينفع في مسألة البنت المخلوقة من ماء الزاني فإنها بنته في تحريم النكاح عليه عند الجمهور وليست بنته في الميراث ولا في النفقة ولا في المحرمية، وبالجملة فهذا من أسرار الفقه ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام وترتيب مقتضى كل وصف عليه ومن تأمل الشريعة أطلعته من ذلك على أسرار وحكم تبهر الناظر فيها اهـ من شرحه على أبي داود. وحاصل قصة اختصامهما أن العرب كانت لهم في الجاهلية إماء يكتسبن لساداتهن بالفجور وكانت السادة تأتيهن في خلال ذلك فإذا أتت إحداهن بولد فربما يدعيه سيدها وربما يدعيه الزاني فإن مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكره فادعاه ورثته لحق به غير أنه لا يشارك مستلحقه في ميراثه إلا أن يستلحقه قبل القسمة، وإن كان السيد أنكره لم يلحق به، وكان زمعة بن قيس والد أم المؤمنين سودة رضي الله عنها وكانت له أمة على ما وُصف وكان يطؤها وكان يأتيها عتبة بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص أيضًا فظهر بها حبل كان يظن أنه من عتبة بن أبي وقاص وهلك عتبة كافرًا فعهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قبل موته أن يستلحق منه الحمل الذي بأمة زمعة فلما ذهب

3494 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّ مَعْمَرًا وَابْنَ عُيَينَةَ، فِي حَدِيثِهِمَا "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ" وَلَمْ يَذْكُرَا "وَللْعَاهِرِ الْحَجَرُ". 3495 - (1384) (144) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد إلى مكة عام الفتح رأى ذلك الولد فعرفه بشبهه بأخيه عتبة واحتضنه وادعاه لأخيه فلما استلحقه سعد خاصمه عبد بن زمعة بأن الولد إنما وُلد على فراش أبيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة إبطالًا لحكم الجاهلية اهـ من عمدة القاري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 37]، والبخاري [2218]، وأبو داود [2273]، والنسائي [6/ 180]، وابن ماجه [2004]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3494 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة حافظ، من (10) (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة (ح) وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من سفيان ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (نحوه) أي نحو ما حدّث ليث عن الزهري، غرضه بيان متابعة سفيان ومعمر لليث بن سعد في الرواية عن الزهري (غير) أي لكن (أن معمرًا وابن عيينة في حديثهما الولد للفراش ولم يذكرا) أي ولم يذكر سفيان ومعمر لفظة (وللعاهر الحجر) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3495 - (1384) (144) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) كلاهما من (11) (قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن)

ابْنِ المُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَللْعَاهِرِ الْحَجَرُ". 3496 - (00) (00) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ؛ وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَمَّا ابْنُ مَنْصُورٍ فَقَال: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. وَأَمَّا عَبْدُ الأَعْلَى فَقَال: عَن أَبِي سَلَمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. وَقَال زُهَيرٌ: عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. وَقَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ مَرَّةً عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ. وَمَرَّةَ عَنْ سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَلَمَةَ. وَمَرَّةَ عَنْ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد (بن المسبب) بن حزن القرشي المخزومي المدني (وأبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، كلاهما من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش) أي حق لصاحب الفراش (وللعاهر) أي للزاني (الحجر) أي الخيبة والحرمان من الولد وإن حصل الشبه له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3496 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني المكي (وزهير بن حرب وعبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري المعروف بالنرسي -بفتح النون وسكون الراء وبالمهملة- نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى، ثقة، من (10) (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري أما) سعيد (بن منصور فقال) في روايته (عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (وأما عبد الأعلى) بن حماد (فقال) في روايته (عن أبي سلمة أو) قال سفيان (عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة وقال زهير) بن حرب في روايته: حدثنا سفيان (عن سعيد) بن المسيب (أو) حدثنا (عن أبي سلمة) حدّثه (أحدهما أو كلاهما عن أبي هريرة وقال عمرو) الناقد: (حدثنا سفيان مرة عن الزهري عن سعيد) بن المسيب (وأبي سلمة) كليهما عن أبي هريرة بلا شك (و) حدثنا سفيان (مرة عن سعيد) بن المسيب (أو أبي سلمة) بالشك (و) حدثنا سفيان (مرة عن سعيد) بن

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. 3497 - (1385) (145) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ. فَقَال: "أَلَمْ تَرَي أَنَّ مُجَزِّزًا ـــــــــــــــــــــــــــــ المسيب فقط (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق سفيان في جميع روايته (بمثل حديث معمر) لفظًا ومعنى عن الزهري، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة سفيان لمعمر بن راشد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3497 - (1385) (145) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح) المصري (قالا: أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري ونيسابوري أو مصري وبلخي (أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليّ) يومًا في حجرتي، حالة كونِهِ (مسرورًا) أي فرحان، وحالة كونه (تبرق) أي تضيء وتلمع من السرور والفرح (أسارير) أي خطوط جبهة (وجهه) الشريف، والأسارير هي الطرائق الدقيقة والتكسر اليسير الذي يكون في الجبهة والوجه، والغضون أكثر من ذلك، وواحد الأسارير أسرار وواحدها سر وسرر فأسارير جمع الجمع ويُجمع في القلة أيضًا على أسرة وهذا عبارة عن انطلاق وظهور وجهه وظهور السرور عليه ويُعتر عن خلاف ذلك بالمُقطّب أي المجمع فكأن الحزن والغضب جمعه وقبضه اهـ من المفهم. (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم تري) أي ألم تعلمي (أن مجززًا) -بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولين وتشديدها- وهو المعروف عند الحفاظ، وكان ابن جريج يقول: مجززًا بفتح الزاي الأولى، وقيل عنه أيضًا محرز -بحاء مهملة ساكنة وراء مكسورة ثم زاي آخره- والصواب الأول فإنه رُوي أنه إنما سُمي مجززًا لأنه

نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. فَقَال: إِنَّ بَعْضَ هذِهِ الأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كان إذا أخذ أسيرًا جز ناصيته، وقيل حلق لحيته وأطلقه قاله الزبيري، قال الحافظ: فعلى هذا كان له اسم غير مجزز لكن لم أر من ذكره اهـ، وكان من بني مدلج وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد وكانت العرب تعترف لهم بذلك اهـ من المفهم، قال الأبي: وكان يقال في علوم العرب ثلاثة السيافة والعيافة والقيافة؛ فالسيافة شم تراب الأرض فيعلم بها الاستقامة على الطريق أو الخروج عنها، والعيافة زجر الطير والطيرة والتفاؤل ونحو ذلك، والقيافة اعتبار الشبه في إلحاق النسب اهـ، والقائف من يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه، والجمع قافة يقال فلان يقوف الأثر ويقتافه قيافة مثل قفى الأثر واقتفاه كذا في عمدة القاري، وقال الحافظ: سُمي بذلك لأنه يقفو الأثر أي يتبعها فكأنه مقلوب من القافي اهـ أي ألم تَري أن مجززًا المدلجي (نظر آنفًا) أي في الزمن القريب (إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد) وعليهما قطيفة قد غطيا بها رؤوسهما وبدت أقدامهما (فقال) مجزز: (إن بعض هذه الأقدام لمن بعض) فسُرّ بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استنارت أسارير جبهته، وحاصل القصة أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة رضي الله عنه لأنه كان أسود شديد السواد وكان أبوه زيد أبيض من القطن، فلما أخبر مجزز القائف بأن بينهما شبهًا سُرّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لأن الجاهلية كانت تعتمد قول القائف فكان قوله زاجرًا لهم عن الطعن في النسب. قال الحافظ: وقد أخرج عبد الرزاق من طريق ابن سيرين أن أم أسامة وهي أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سوداء فلهذا جاء أسامة أسود، قال عياض: لو صح أن أم أيمن كانت سوداء لم ينكروا سواد ابنها أسامة لأن السوداء قد تلد من الأبيض أسود. (قلت): يحتمل أنها كانت صافية فجاء أسامة شديد السواد فوقع الإنكار لذلك كذا في فتح الباري، وزيد بن حارثة عربي صريح من كلب أصابه سباء فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فتبنَّاه فكان يُدعى زيد بن محمد حتى نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب / 5] فقيل زيد بن حارثة وابن زيد أسامة وأمه أم أيمن بركة وكانت تُدعى أم الظباء مولاة عبد الله بن

3498 - (00) (00) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا. فَقَال: "يَا عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَي أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ. فَرأَى أُسَامَةَ وَزَيدًا وَعَلَيهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا. وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا. فَقَال: "إِنَّ هذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد المطلب وداية أي: حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر لأحد أنها كانت سوداء إلا ما رُوي عن ابن سيرين في تاريخ أحمد بن سعيد فإن كان هذا فلهذا خرج أسامة أسود لكن لو كان هذا صحيحًا لم يُنكر الناس لونه إذ لا ينكر أن يلد الإنسان أسود من سوداء، وقد نسبها الناس فقالوا: أم أيمن بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وقد ذكر مسلم في الجهاد عن ابن شهاب أن أم أيمن كانت من الحبش وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب أبي النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل ابن شهاب نسبها إلى الحبشة لأنها من مهاجرة الحبشة وتزوجها عبيد بن زيد من بني الحارث فولدت له أيمن وتزوجها بعده زيد بن حارثة بعد النبوة فولدت له أسامة، شهدت أُحدًا وكانت تداوي الجرحى وشهدت خيبر وتوفيت في أول خلافة عثمان بعشرين يومًا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 82]، والبخاري [6770]، وأبو داود [2268]، والترمذي [2129]، والنسائي [6/ 181 - 184]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3498 - (00) (00) (وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لعمرو قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورًا فقال) لي: (يا عائشة ألم تري أن مجززًا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدًا وعليهما قطيفة قد غطيا) أي سترا بها (رؤوسهما وبدت) أي ظهرت (أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض) وقوله: (المدلجي) ضبطه النووي بضم الميم وسكون الدال وكسر اللام، وهو منسوب إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك حتى قال بعضهم: لا قيافة إلا في بني مدلج وبني أسد، ولكن الصحيح أنها ليست

3499 - (00) (00) وحدّثناه مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ قَائِفٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ. وَأُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ وَزَيدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ. فَقَال: إِنَّ هذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. فَسُرَّ بِذلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَعْجَبَهُ. وَأَخبَرَ بِهِ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مختصة بهم فقد كان عمر رضي الله عنه قائفًا وهو قرشي ليس مدلجيًا ولا أسديًا كما حققه الحافظ في الفتح، وقوله: (وعليهما قطيفة) وهي كساء غليظ، وقوله: (إن هذه الأقدام بعضها من بعض) يعني أن بعضها يُشبه بعضًا، وكان قول مجزز هذا تصريحًا بأن بينهما نسبًا من حيث القيافة ومن أجل ذلك سُرّ النبي صلى الله عليه وسلم لكون قوله قاطعًا لما يتوهمه أهل الجاهلية في نسب أسامة رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 3499 - (00) (00) (وحدثناه منصور بن أبي مُزَاحِمٍ) بشير مكبرًا التركي بضم المثناة أبو نصر البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لسفيان (قالت) عائشة: (دخل قائف) على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (و) الحال أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد) أي حاضر في بعض بيوت أزواجه (وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان) تحت قطيفة (فقال) القائف: (إن هذه الأقدام) التي خرجت من تحت القطيفة (بعضها) مخلوقة (من بعض فسُرّ بذلك) أي فرح بقول ذلك القائف (النبي صلى الله عليه وسلم وأعجبه) أي أعجب وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول ذلك القائف (وأخبر به) أي بقوله: (عائشة) رضي الله عنها. وفي الكلام التفات، وحق العبارة وأخبرني به أو هو من كلام عروة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

3500 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيجٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَكَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3550 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر) بن راشد (وابن جريج كلهم) أي كل من يونس ومعمر وابن جريج رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث الليث وسفيان وإبراهيم بن سعد، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأولئك الثلاثة المذكورين في الأسانيد السابقة في الرواية عن الزهري (و) لكن (زاد) ابن وهب (في حديث يونس) وروايته لفظة (وكان مجزز قائفًا) أي عارفًا بالقيافة. قال القرطبي: وقد استدل جمهور العلماء على الرجوع إلى قول القافة عند التنازع في الولد بسرور النبي صلى الله عليه وسلم بقول هذا القائف، وما كان صلى الله عليه وسلم بالذي يُسرُّ بالباطل ولا يعجبه ولم يأخذ بذلك أبو حنيفة والثوري وإسحاق وأصحابهم متمسكين بإلغاء النبي صلى الله عليه وسلم الشبه في حديث اللعان على ما يأتي هناك، وفي حديث سودة كما تقدم، وقد انفصل عن هذا بما تقدم آنفًا من أن إلغاء الشبه في تلك المواضع التي ذكروها إنما كانت لمعارض أقوى منه وهو معدوم هنا فانفصلا والله تعالى أعلم. ثم اختلف الآخذون بقول القافة هل يؤخذ بذلك في أولاد الحرائر والإماء أو يختص بأولاد الإماء؟ على قولين: فالأول: قول الشافعي ومالك في رواية ابن وهب عنه ومشهور مذهبه قصره على ولد الأمة وفرّق بينهما بأن الواطئ في الاستبراء يستند وطؤه لعقد صحيح فله شبهة الملك فيصح إلحاق الولد به إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر من وطئه وليس كذلك الوطء في العدة إذ لا عقد، إذ لا يصح وعلى هذا فيلزم من نكح في العدة أن يحد ولا يلحق به الولد إذ لا شبهة له وليس مشهور مذهبه على هذا فالأولى ما رواه ابن وهب عنه وقاله الشافعي، ثم العجب أن هذا الحديث الذي هو الأصل في هذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب إنما وقع في الحرائر فإن أسامة وأباه ابنا حرتين فكيف يلغى النسب الذي خرج عليه دليل الحكم وهو الباعث عليه هذا ما لا يجوز عند الأصوليين اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة رضي الله عنها وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عائشة رضي الله عنها الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها

540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها 3501 - (1386) (146) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ أُمُّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 540 - (26) باب قدر المقام عند البكر أو الثيب والقسم بين الزوجات وجواز هبة المرأة نوبتها لضرتها 3501 - (1386) (146) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وبعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي الدورقي أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (واللفظ) الآتي (لأبي بكر) بن أبي شيبة (قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7) (عن محمد بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري النجاري الحزمي -بإسكان الزاي- أبي عبد الله المدني قاضيها، روى عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث في النكاح، وأبيه وعمرة بنت عبد الرحمن وجماعة، ويروي عنه (ع) والسفيانان وشعبة ووهيب وغيرهم، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة (عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) المخزومي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني أحد الفقهاء السبعة، والصحيح أن اسمه كنيته، وقيل اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبغدادي وواحد بصري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثًا) من الليالي، يُفهم مما يأتي أن من السنة أن الرجل إذا تزوج بكرًا

وَقَال: "إِنَّهُ لَيسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ. إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ. وَإِنْ سَبْعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ جديدة أقام عندها سبعًا ثم قسم، فإذا تزوج ثيبًا جديدة أقام عندها ثلاثًا ثم قسم، وكانت أم سلمة ثيبًا، وقوله: (وقال): فيه حذف يظهر تقديره من الروايات الآتية تقديره: ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يخرج من عندها بعد ثلاث أخذت بثوبه صلى الله عليه وسلم وأرادت زيادة مقامه عندها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمهيدًا للعذر في الاقتصار على الثلاث (إنه) أي إن الشأن والحال (ليس بك) يا أم سلمة، الجار والمجرور متعلق بهوان الآتي، وقوله: (على أهلك) وزوجك خبر ليس وعلى بمعنى عند، وقوله: (هوان) أي احتقار، اسم ليس مؤخر والتقدير إنه ليس هوان واحتقار بك عند أهلك وزوجك، قال القاضي: وأراد بالأهل نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم وكل واحد من الزوجين أهل لصاحبه، والمعنى ليس اقتصاري على الثلاث معك لهوانك عليّ وقلة الرغبة فيك بل لأن الشرع كذلك ثم بيّن حقها وخيّرها بين ثلاث بلا قضاء وبين سبع مع قضاء حقوق باقي النساء، وفي كل منهما مزية لها فإن في السبع مزية التوالي، وفي الثلاث مزية قرب العود لعدم القضاء وهذا معنى قوله: (إن شئت) الخ؛ أي إن شئت الزيادة لك على الثلاث الخالصة لك (سبعت لك) أي أقمت عندك سبع ليال (وإن سبعت لك) أي وإن أقمت عندك سبع ليال متوالية (سبعت لنسائي) وأزواجي أي أقمت بعدك عند كل واحدة من نسائي سبعًا سبعًا، وفي الرواية الآتية (قالت ثلِّث) أي اقتصر على هذه الثلاثة ولا تزد عليها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2122]، والنسائي وابن ماجه. قال القرطبي: وقد يقال إذا كان الحكم أن للثيب ثلاثًا وللبكر سبعًا فكيف خيّرها بين التسبيع والتثليث ثم إن اختارت التسبيع سبّع لنسائه وسقط حقها من الثلاث، ويُجاب عن ذلك بأن ظاهر قوله للثيب ثلاث وللبكر سبع أن ذلك حق للزوجة وهو أحد القولين عند مالك في هذا فإذا رضيت بإسقاطه سقط فكأنه عرض عليها أنها إن اختارت السبع سقط حقها من الثلاث. وقد اختلف هل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يُسبّع للثيب أم لا؟ فذهب مالك فيما ذكر عنه ابن الموّاز إلى أنه ليس له أن يُسبّع وكأنه رأى أن ذلك كان من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم إذ قد ظهرت خصوصياته في هذا الباب كثيرًا، وقال ابن

3502 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ القصار: إذا سبّع للثيب سبّع لسائر نسائه آخذًا بظاهر هذا الحديث ولا يدل عنده على سقوط الثلاثة لها وكأنه تمسك بالرواية التي قال لها فيها إن شئت زدتك وحاسبتك. وكل هذا منه صلى الله عليه وسلم عمل بالعدل بين أزواجه ومراعاة له وهل كان ذلك منه أعني القسم على جهة الوجوب كما هو على غيره بالاتفاق أو هو مندوب إلى ذلك لكنه أخذ نفسه بذلك رغبة في تحصيل الثواب وتطييبًا لقلوبهن وتحسينًا للعشرة معهن على مقتضى خلقه الكريم وليُقتدى به في ذلك؟ قولان لأهل العلم مستند القول بالوجوب التمسك بعموم القاعدة الكلية في وجوب العدل بينهن وبقوله: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، يعني الحب والبغض ومستند نفيه قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيكَ} [الأحزاب / 51] ولم يُختلف في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم ممن له زوجات أن العدل عليه واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل أو ساقط" ولقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَينَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال: 3502 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني أخي محمد بن أبي بكر المذكور في السند السابق، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، ثقة، من (5) وهذا السند رباعي مرسل، غرضه بيان متابعة عبد الله بن أبي بكر لمحمد بن أبي بكر. وهذا السند من طريق مالك ليس فيه عن أبيه عن أم سلمة فيكون مرسلًا، ومن ثم استدركه الدارقطني على مسلم ظنًّا منه بأنه على خلاف ما اشترطه في المقدمة من الصحة، وهذا الاستدراك منه فاسد لأن مسلمًا رحمه الله تعالى إنما بيّن اختلاف الرواة في وصله وإرساله وقد أخرج من قبل رواية سفيان وهي متصلة ومذهبه ومذهب محققي

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأَصْبَحَت عِنْدَهُ قَال لَهَا: "لَيسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ. إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ. وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ" قَالتْ: ثَلِّثْ. 3503 - (00) (00) وحدّثنا عَبدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ. عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ المحدثين أن الحديث إذا رُوي متصلًا ومرسلًا حكم بالاتصال ووجب العمل به لأنها زيادة ثقة. هذا ملخص ما قاله النووي رحمه الله تعالى. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة) رضي الله عنها سنة اثنتين من الهجرة بعد بدر وبنى بها في شوال (وأصبحت عنده) عروسًا وأراد أن يخرج من عندها وأخذت بثوبه (قال لها ليس بك على أهلك هوان) أي ليس احتقار واستخفاف بك عند أهلك وزوجك يعني ليس اقتصاري على الثلاثة لهوانك عليّ ولا لعدم رغبتي فيك، وقيل المراد بالأهل قبيلتها، والباء سببية يعني لا يلحق أهلك بسببك هوان (إن شئت سبعت عندك) أي أقصت عندك سبع ليال مع قضائها لنسائي (وإن شئت ثلثت) أي أقمت عندك ثلاث ليال خالصة لك (ثم درت) أي طفت على نسائي أي ابتدأت الدوران على نسائي ولا أحتسب الثلاث عليك (قالت) أم سلمة: (ثلّث) أي اقتصر على هذه الثلاثة وابدأ الدوران على أزواجك يعني أنها اختارت الثلاث لكونها لا تقضى في سائر الأزواج فيقرُب عوده صلى الله عليه وسلم إليها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال: 3503 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) نسبة إلى جده المذكور، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الملك بن أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، ثقة، من (5) (عن) أبيه (أبي بكر بن عبد الرحمن) المخزومي المدني، ثقة، من (3) وهذا السند أيضًا خماسي مرسل، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمُّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيهَا، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ. لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلاثٌ". 3504 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أبُو ضَمْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3505 - (00) (00) حدّثني أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ حميد لعبد الله بن أبي بكر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة فدخل عليها فأراد أن يخرج) من عندها (أخدت) أي أمسكت (بثوبه) صلى الله عليه وسلم وتعلقت به ليقيم عندها (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت) الزيادة على الثلاثة (زدتك) عليها (وحاسبتك) أي حاسبت عليك (به) أي بجميع ما أقمت عندك بسبب تلك الزيادة، وقوله: (للبكر سبع) ليال (وللثيب ثلاث) ليال تقعيد للقاعدة الشرعية وبيان لحكمها وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: لا يختص بذلك واحدة منهن بل يقضي لسائر نسائه بمثل ذلك تمسكًا منه بمطلق الأمر بالعدل بينهن ولا يتم له ذلك لأنه مخصص بهذا الحديث وشبهه اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3504 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو ضمرة) أنس بن عياض بن ضمرة الليثي المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الملك عن أبي بكر (مثله) أي مثل ما روى سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن حميد، غرضه بيان متابعة أبي ضمرة لسليمان بن بلال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها رابعًا فقال: 3505 - (00) (00) (حدثني أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق النخعي الكوني قاضيها، ثقة، من (8) روى عنه في

عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيمَنَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ. ذَكَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، هذَا فِيهِ. قَال: "إِنْ شِئْتِ أَنْ أُسَبِّعَ لَكِ وَأُسَبِّعَ لِنِسَائِي. وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ (14) بابا (عن عبد الواحد بن أيمن) المخزومي مولاهم أبي القاسم المكي، روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في النكاح، وابن أبي مليكة في الفضائل، ويروي عنه (خ م س) وحفص بن غياث وأبو نعيم ووكيع، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: لا بأس به، من الخامسة (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة) رضي الله عنها، غرضه بيان متابعة عبد الواحد لعبد الملك بن أبي بكر. (ذكر) عبد الواحد في روايته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وذكر) عبد الواحد أيضًا (أشياء) كثيرة في قصة أم سلمة وذكر (هذا) الآتي (فيه) أي في حديث أم سلمة يعني بالآتي قوله: (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت أن أُسبّع لك) أي أن أكمل لك سبع ليال (وأسبّع) أي وأن أقضي (لـ) سائر (نسائي) سبع ليال فعلت ذلك، وقوله: (وإن سبّعت لك) أي وإن أقمت عندك سبع ليال باختيارك ومشيئتك (سبّعت لنسائي) أي كملت لنسائي سبع ليال معلوم مما قبله أتى به تأكيدًا له؛ ومعناه إن أقمت عندك سبعًا أقمت بعدك عند سائر نسائي سبعًا سبعًا، وأفاد ابن الملك أن الثلاث لو كان حقًّا للثيب لكان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يدور على زوجاته أربعًا لا سبعًا على تقدير اختيار أم سلمة سبعًا لكون الثلاث حقًّا لها، أجاب بعضهم عن هذا بأن طلبها ما هو أكثر من حقها أسقط اختصاصها بما هو حقها اهـ، قوله: (سبّعت) قال الأبي: اشْتَقُّوا فَعَّلَ من الواحد إلى العشرة، فمعنى سبّع أقام سبعًا وثلّث أقام ثلاثًا، وسبّع الإناء إذا غسله سبعًا اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم سلمة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

3506 - (1387) (147) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا. وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثًا. قَال خَالِدٌ: وَلَوْ قُلْتُ: إِنَّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتُ. وَلَكِنَّهُ قَال: السُّنَّةُ كَذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3506 - (1387) (147) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هثيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبي المنازل الحذّاء البصري، ثقة، من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البصري، ثقة، من (3) (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أنس: (إذا تزوج) الرجل (البكر) الجديدة (على الثيب) القديمة (أقام عندها) أي بات عندها (سبعًا) من الليالي لأجل الزفاف (وإذا تزوج الثيب) الجديدة على البكر القديمة (أقام) أي بات (عندها) أي عند الثيب الجديدة (ثلاثًا) من الليالي لأجل زفافها، قال ابن العربي: والحكمة في ذلك أنه نظر إلى تحصيل الألفة والمؤانسة وأن يستوفي الزوج لذته من الثانية فإن لكل جديدة لذة ولما كانت البكر حديثة عهد بالرجل وحديثة بالاستصعاب والنفار لا تلين إلا بجهد شرعت لها الزيادة على الثيب لأنه ينفي نفارها ويُسكِّن روعها وهي في ذلك بخلاف الثيب لأنها مارست الرجال وهذه حكمة والدليل إنما هو قول الشارع وفعله اهـ من الأبي. قال المازري: واختلف عندنا فقيل الثلاث والسبع حق للزوج على بقية نسائه لحاجته إلى اللذة بهذه الجديدة فجعل له الشارع ذلك زيادة في الاستمتاع، وقيل حق للمرأة لقوله صلى الله عليه وسلم للبكر وللثيب بلام التمليك اهـ (قال خالد) بن مهران الحذاء: (ولو قلت إنه) أي إن أنسًا رضي الله عنه (رفعه) أي رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (لصدقت) فيما قلت أي لكنت صادقًا في قول ذلك لا كاذبًا يعني أن قوله من السنة كذا صريح في رفعه (ولكنه) أي ولكن أنسًا (قال السنة كدلك) أي أن يقيم عند البكر سبعًا وعند الثيب ثلاثًا، قال القاضي: قول الصحابي من السنة كذا هو عند العلماء من قبيل المسند لا يعني بالسنة إلا سنته صلى الله عليه وسلم وقد رفعه غير واحد عن أنس، قال النووي: كونه من قبيل المسند وهو قولنا وقول المحدثين وجماهير

3507 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَال: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا. قَال خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلف والخلف، وجعله بعضهم موقوفًا وليس بشيء. قال الأبي: قال تقي الدين: واحتمال أن يكون الصحابي قاله عن اجتهاد الأظهر خلافه وأنه إنما ينصرف لسنته صلى الله عليه وسلم اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3507 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أيوب) السختياني البصري (وخالد) بن مهران (الحذّاء) البصري (عن أبي قلابة) الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لهشيم بن بشير (قال) أنس: (من السنة) أي من الطريقة الشرعية (أن يقيم عند البكر سبعًا) من الليالي، ظاهر قول أنس هذا الرفع عند جمهور الأصوليين لأنه إنما يعني به سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد دل على الرفع قول خالد هنا كما ذكره المؤلف بقوله: (قال خالد) الحذاء: (ولو شئت) نسبة الرفع إلى أنس لي (قلت رفعه) أنس (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وكنت صادقًا في ذلك، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم للبكر سبع وللثيب ثلاث، والرفع فيه منصوص عليه، وقد اختلف في هذا الحكم هل هو للكل بكر وثيب وإن لم يكن للزوج غيرها أو إنما يكون ذلك إذا كان له غيرها على قولين عندنا، قال أبو عمر: أكثر العلماء على أن ذلك واجب لها كان عند الرجل زوجة أم لا؟ لعموم الحديث، وقال غيره: معنى الحديث فيمن له زوجة غير هذه الجديدة لأن من لا زوجة له مقيم مع هذه الجديدة. (قلت): وهذا هو الصحيح لوجهين: أحدهما: أنه هو السبب الذي خرج عليه اللفظ، والثاني: النظر إلى المعنى وذلك أن من له زوجات يحتاج إلى استئناف القسم بعد أن يوفي لهذه المستجدة حقها من تأنيسها والانبساط إليها وإزالة نفرتها وتطييب عيشها وأيضًا فيستوفي لنفسه ما يجده من التشوق إليها والاستلذاذ بها فإن الجديد له

3508 - (1388) (148) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ. فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَينَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الأُولَى إلا فِي تِسْعٍ. فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيلَةٍ فِي بَيتِ الَّتِي يَأْتِيهَا. فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ استلذاذ جديد وذلك مفقود فيمن ليس له زوجة غير التي تزوج بها اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 3508 - (1388) (148) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار) الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد مدائني (قال) أنس: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة) يعني اللاتي اجتمعن في زمان واحد وتوفي عنهن وإلا فكان له صلى الله عليه وسلم غير التسع، وتلك التسع سودة وعائشة وحفصة وأم سلمة وزينب وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة رضي الله عنهن وهذا ترتيب تزويجه إياهن، واختلف في مارية هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت قبله أو لا؟ كذا في الفتح (فكان) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قسم بينهن) المبيت (لا ينتهي) أي لا يصل ولا يرجع (إلى المرأة الأولى) أي التي بات عندها أولًا في القسم (إلا في تسع) أي إلا بعد تسع ليال مع نوبتها، وفي بمعنى بعد أي إلا بعد انقضاء تسع ليال، وفي حديث ابن عباس الآتي: "كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وكان يقسم منهن لثمان ولا يقسم لواحدة وذلك بعد إسقاط حقها برضاها" ولا معارضة بين الحديثين لأن ذلك بعد إسقاط حقها وهذا قبل الإسقاط (فكن) كلهن (يجتمعن كل ليلة في ليت التي يأتيها) أي يبيت عندها، فيه أنه يستحب أن يأتي كل امرأة في بيتها ولا يدعوهن إلى بيته لكن لو دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته كان له ذلك وهو خلاف الأفضل، قال الأبي: فيه أنه لا يأتي غير صاحبة النوبة في بيتها لغير ضرورة وأما اجتماعهن في بيتها فجائز برضاها وإلا فلها المنع اهـ (فكان) صلى الله عليه وسلم ذات

فِي بَيتِ عَائِشَةَ. فَجَاءَتْ زَينَبُ. فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيهَا. فَقَالتْ: هذِهِ زَينَبُ. فَكَفَّ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ. فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ليلة (في بيت عائشة فجاءت زينب) إلى بيت عائشة على عادتهن من اجتماعهن في بيت صاحبة النوبة (فمد) صلى الله عليه وسلم أي بسط (يده) الشريفة (إليها) أي إلى زينب يظن أنها عائشة صاحبة النوبة لأنه كان في الليل وليس في البيوت مصابيح كذا قال النووي. وقوله: (فمد يده إليها) يحتمل معنين: الأول أن يكون ضمير المؤنث راجعًا إلى عائشة فالمعنى حينئذٍ أنه صلى الله عليه وسلم لم يشعر بقدوم زينب فمد يده إليها ظنًّا منه بأنه معها في خلوة فلما أخبرته عائشة بقدوم زينب كف يده عنها وعلى هذا يستنبط منه أن الرجل لا ينبغي له الاستمتاع بزوجته بمحضر من ضرتها، والاحتمال الثاني أن يكون الضمير لزينب والمعنى حينئذٍ أنه صلى الله عليه وسلم لم يعرف زينب لظلام البيت وظنها عائشة فمد يده إليها فلما أخبرته عائشة بأنها زينب كف يده عنها لأن الليلة كانت لعائشة والبيوت يومئذٍ لم تكن فيها مصابيح، وعلى هذا يُؤخذ منه أن الزوج لا يستمتع بالمرأة في غير نوبتها اهـ تكملة، قال في البحر الرائق: ولا يجامع المرأة في غير يومها ولا يدخل بالليل على التي لا قسم لها ولا بأس بأن يدخل عليها بالنهار لحاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها فإن ثقل مرضها فلا بأس بأن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت اهـ منه (فقالت) عائشة له صلى الله عليه وسلم: (هذه) التي مددت يدك إليها هي (زينب فكف النبي صلى الله عليه وسلم) أي قبض (يده) عنها (فتقاولتا) أي تقاولت زينب وعائشة أي تراجعتا القول من أجل الغيرة (حتى استخبتا) أي رفعتا أصواتهما، قال الفيومي في صَخَبَ: وإبدال الصاد سينًا لغة اهـ هو افتعال من السخب وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها، ووقع في بعض النسخ استحثتا من الاستحثاء ومعناه أن كل واحدة حثت في وجه الأخرى التراب وهو تصحيف، وفي أخرى استخبثتا أي قالت الكلام الرديء، وفي أخرى استحيتا من الاستحياء، ولم يذكر في هذا الحديث تفصيل التقاول ولعله ما أخرجه ابن ماجه في باب حسن معاشرة الأزواج [1/ 142] عن عائشة قالت: ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي غضبى، ثم قالت: يا رسول الله أحسبك إذا قلبت لك بُنية أبي بكر دريعتها. الجواب محذوف تقديره فلا تلتفت إلى النساء الأُخر، والبُنية تصغير بنت أرادت به تحقير عائشة، وكذلك الدريعة تصغير درعة وهي

وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ. فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذلِكَ. فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا. فَقَال: اخْرُجْ، يَا رَسُولَ اللهِ! إِلَى الصَّلاةِ. وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: الآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعلُ بِي وَيَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قميص النساء، وقال في النهاية: أرادت به ساعديها، وغرضها أن تحويل ساعدي عائشة يكفيك لشدة حبك لها فلا تلتفت إلى غيرها كذا في إنجاح الحاجة، وتمام الحديث "ثم أقبلت عليّ فأعرضت عنها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ما ترد عليّ شيئًا فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه" فيمكن أن تكون قصة هذا الحديث وقصة حديث الباب واحدة والله أعلم اهـ تكملة بتصرف. وسبب هذا الواقع الغيرة وفيه ما يدل على جميل عشرة النبي صلى الله عليه وسلم ومداراته (وأقيمت الصلاة) قال الأبي والسنوسي: وهذا يدل على أن تلك المقاولة حصلت لهما قبل صلاة الصبح ودامت إلى إقامة الصلاة (قلت): ويمكن أن تكون بين المغرب والعشاء لما قال أنس في هذا الحديث فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، وظاهر أن هذا الاجتماع لا يكون في آخر الليل وإنما يكون في أوله بعد صلاة المغرب، وليس في مد يده إلى زينب دليل على أن اللمس لا ينقض الوضوء كما قد زعمه بعضهم وهم الأحناف إذ لم ينقل أنه كان منه لمس على غير حائل ولا أنه كان توضأ قبل ذلك فلعله بعد ذلك توضأ اهـ مفهم (فمر أبو بكر) الصديق (على) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في (ذلك) التقاول (فسمع) أبو بكر (أصواتهما) أي أصوات عائشة وزينب وهي مرتفعة (فقال) أبو بكر: (اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحث) أمر من حثا يحثو من باب دعا أي وارم (في أفواههن التراب) مبالغة في زجرهن وقطع خصامهن، لم يرد في ذلك حقيقته وإنما هو مبالغة في التسكيت والزجر لهن عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج النبي قال الله عليه وسلم) إلى الصلاة (فقالت عائشة) لمن عندها (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر (يقضي النبي صلى الله عليه وسلم) أي يتم (صلاته فيجيء أبو بكر) أي يرجع إليّ (فيفعل بي) أي ما يفعل الوالد بابنته من المعاملات الزجرية والمقالات التأديبية (ويفعل) تأكيد للأولى (فلما قضى

النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ. فَقَال لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا، وَقَال: أَتَصْنَعِينَ هذَا؟ 3509 - (1389) (149) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالث: مَا رَأَيتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاحِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أتاها) أي أتى عائشة وجاءها (أبو بكر فقال لها قولًا شديدًا) أي بليغًا في الزجر عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك احترامه (وقال) لها: (أتصنعين) بهمزة الاستفهام الإنكاري، أي هل تفعلين (هذا) الخصام والتقاول ورفع الأصوات على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن الخلق وملاطفة الجميع، وفيه فضيلة لأبي بكر وبيان شفقته ونظره في المصالح، وفيه إشارة المفضول على صاحبه الفاضل بمصلحته والله أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3509 - (1389) (149) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (ما رأيت امرأة أحب إليّ) أي أكثر محبوبية عندي (أن أكون في مسلاخها) أي كوني في مسلاخها وجلدها في مثل هديها وطريقها والمسلاخ الجلد والمراد من كونها في مسلاخها أن تكون هي هي بعينها، قال السنوسي: تمنت أن تكون على مثل حالها في الأوصاف التي استحسنت منها لأنها كانت حديدة القلب حازمة الرأي مع عقل ودين، وجملة أن المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لأحب أي ما رأيت امرأة أحب إليّ كوني في أخلاقها، وقوله: (من سودة بنت زمعة) بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية، كان تزوجها السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو فهاجرا جميعًا إلى الحبشة فلما قدم بها إلى مكة توفي رضي الله عنه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سنة عشر من البعثة خطبها بوساطة

مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ. قَالتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ. قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَينِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خولة بنت حكيم، وماتت في آخر زمان عمر بن الخطاب، وقيل ماتت سنة (54) أربع وخمسين ورجحه الواقدي، وقوله: (من امرأة) بدل من الجار والمجرور قبله أعني من سودة، وقال القاضي: من هنا للبيان واستفتاح الكلام اهـ، ويحتمل أن تكون زائدة وأمرأة حال من سودة نظرًا إلى وصفها بقوله: (فيها حدة) أي حالة كونها امرأة حديدة القلب حازمة الرأي، قال النووي: ولم ترد عائشة بذلك تعييب سودة بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة، ولكن يرده ما أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من طريق هشام عن أبيه عن عائشة قالت "ما من الناس أحد أحب إليّ أن أكون في مسلاخه من سودة بنت زمعة إلا أن بها حدة" وصححه الحافظ في الإصابة أيضًا فإن هذا اللفظ صريح في أنها أرادت به النقد على سودة رضي الله تعالى عنها (قالت) عائشة: (فلما كبرت) سودة أي دخلت في سن الكبر (جعلت يومها) أي يوم نوبتها (من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة) فيه التفات فـ (قالت) سودة: (يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها وبوم سودة) رضي الله تعالى عنهما. قوله: (ما رأيت امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها من سودة) أي في جلدها، والمسلاخ في الأصل الجلد الذي خرجت منه الحية، ومعنى ذلك أنها تمنت أن تكون هي لأن أحدًا لا يتمنى أن يكون في جلد غيره، وهذا اللفظ قد جرى مجرى المثل ومقصودها أنها أحبت أن تكون على مثل حالها في الأخلاق التي استحسنت منها، وقوله: (من امرأة فيها حدة) من هنا للبيان والخروج من وصف إلى ما يخالفه ولم ترد تنقيصها بذلك وإنما أرادت أنها كانت شهمة النفس حديدة القلب حازمة مع عقل رصين وفضل متين ولذلك جعلت يومها لعائشة، وفيه دليل على أن القسم حق للزوجة ذات الضرائر، وأنه يجوز بذله لغيرها بعوض وبغير عوض إذا رضي بذلك الزوج ويشهد لهذا كله قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَينَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيرٌ} [النساء / 128] وفي هذه القصة نزلت هذه الآية على ما قيل لكن عند مالك لها الرجوع في محل هذا إن شاءت لأنها حقوق متجددة آنًا فآنًا فلكل متجدد

3510 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو النَّاقِدُ. حَدُّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَرِيكٌ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حكمه بخلاف الحقوق الثابتة وتلك لا يرجع في شيء منها من أسقطها مثل ما يترتب في الذمم أو في الأبدان وهذا أحد قولي مالك، وقيل يلزم ذلك دائمًا اهـ مفهم. قوله: (فلما كبرت) من باب فرح، أي زاد سنها (جعلت يومها) أي نوبتها (لعائشة) وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة لأن الأسماء الظاهرة من قبيل الغيبة، وكذا يقال فيما بعده إن لم يكن من كلام عروة، وقوله: (وكان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة) معناه أنه كان يكون عند عائشة في يومها على ترتيبه ويكون عندها أيضًا في يوم سودة على ترتيبه لا أنه يوالي لها يومين، والأصح أنه لا يجوز الموالاة للموهوب لها إلا برضا الباقيات، وجوزه بعضهم بغير رضاهن وهو ضعيف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5212]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3510 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عقبة بن خالد) بن عقبة السكوني -نسبة إلى سكون بوزن صبور حي من العرب- أبو مسعود الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا الأسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن الملقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا مجاهد بن موسى) بن فروخ الخوارزمي أبو علي الختلي سكن بغداد، روى عن يونس بن محمد في النكاح، وهاشم بن القاسم في المناقب، ويروي عنه (م عم) وأبو يعلى والبغوي، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، وله (86) سنة (حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك سنان بن أنس النخعي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (كلهم) أي كل من عقبة بن خالد وزهير بن معاوية وشريك بن عبد الله رووا (عن هشام) بن عروة

بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ: قَالتْ: وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةِ تَزَوَّجَهَا بَعْدِي. 3511 - (1390) (150) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لجرير بن عبد الحميد (أن سودة لما كبرت) وساقوا (بمعنى حديث جرير) لا بلفظه (وزاد) يونس بن محمد (في حديث شريك) وروايته لفظة (قالت) عائشة (وكانت) سودة بنت زمعة (أول امرأة تزوّجها) أي نكحها (بعدي) أي بعد نكاحي، ولكن دخل بسودة قبل الدخول بعائشة. وهذه رواية يونس عن شريك وهكذا قال يونس أيضًا عن ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن عقيل، وأشار بعضهم إلى الجمع بين القولين فقال أول من عقد عليها بعد خديجة عائشة وأول من دخل عليها بعد خديجة سودة فإنه دخل عليها بمكة قبل الهجرة ودخل على عائشة بالمدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة، وروى عقيل بن خالد عن ابن شهاب خلافه، وأنه صلى الله عليه وسلم تزوج سودة قبل عائشة قال أبو عمرو: هذا قول قتادة وأبي عبيدة اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها فقال: 3511 - (1390) (150) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة: (كنت أغار) أي أُعيّب (على) النسوة (اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أُعيّر عليهن هبتهن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه من غار إذا عاب ويدل عليه قولها في الآخر: أما تستحي أن تهب المرأة نفسها للرجل، وهو ها هنا تقبيح وتنفير لئلا يهب النساء أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيكثر النساء عنده، وأوجب هذا القول منها الغيرة وإلا فقد علمت أن الله سبحانه أباح له هذا، خاصة وأن النساء معذورات

وَأَقُولُ: وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: 51] ـــــــــــــــــــــــــــــ ومشكورات في ذلك لعظيم بركته صلى الله عليه وسلم اهـ من شرح الأبي، وقد تنافس الصحابة والسلف في تقريب ما لمسه من ثوب ونحوه وكادوا يقتتلون على وضوئه والتبرك بكل أثر من آثاره وأين ذلك كله من هذا القرب العظيم الذي لم يتمكن منه أحد سوى زوجاته. وقوله: (اللاتي وهبن) ظاهر في أن الواهبات أكثر من واحدة وهن خولة بنت حكيم وفاطمة بنت شريح وليلى بنت الحطيم، وقد فصّل الحافظ أسماءهن في التفسير من فتح الباري، وأخرج الطبري بإسناد حسن عن ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. ذكره الحافظ وقال: والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان مباحًا لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} اهـ (وأقول و) هل (تهب المرأة نفسها) للرجل وهذا عيب (فلما أنزل الله عزَّ وجلَّ) قوله: ({تُرْجِي}) وتؤخر ({مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}) تأخيرها عن المضاجعة معها ({وَتُؤْوي}) أي تضم ({إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ}) ضمها إليك بالمضاجعة معها ({وَمَنِ ابْتَغَيتَ}) وطلبت الرجوع إليها بالمضاجعة ({مِمَّنْ عَزَلْتَ}) أي عطلتها من المضاجعة معها (فلا جناح عليك) في ابتغائها، اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أقوال: الأول أنه إباحة له صلى الله عليه وسلم في ترك القسم ومعنى الإرجاء والإيواء أن يؤخر من شاء منهن ويبيت مع من شاء وهذا قول الجمهور، والثاني أنه إباحة له صلى الله عليه وسلم في طلاق بعض أزواجه وإمساك بعض وأنه كان همّ بطلاق بعضهن فقلن له لا تُطلِّقنا واقسم لنا ما شئت فكان يقسم لبعض قسمًا مستويًا وهن اللاتي آواهن ومنهن عائشة وحفصة وأم سلمة ويقسم للباقي ما شاء وهن اللاتي أرجاهن وهن سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء وتوفي صلى الله عليه وسلم وقد آوى جميعهن إلا صفية، وهذا يدل على أن القسم ليس واجبًا عليه وهو أحد القولين، والثالث أن الآية في الواهبات وهو تخيير له صلى الله عليه وسلم أن يقبل من شاء منهن ويرد من شاء، وحديث عائشة في الباب يؤيد هذا القول الأخير والذي قبله واللفظ محتمل للأقوال الثلاثة، هذا ملخص ما في فتح الباري، واتفقت أقوال أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم لم يعمل بهذه الرخصة في ترك القسم وإنما يقسم لهن جميعًا أي فلما أنزل

قَالتْ: قُلْتُ: وَاللهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إلا يُسَارعُ لَكَ فِي هَوَاكَ. 3512 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: أَمَا تَسْتَحْيِي امْرَأَةٌ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله هذه الآية (قالت قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في) إنزال (هواك) ومرضاتك أي يُخفف عنك ويوسِّع عليك في الأمور ولهذا خيّرك تعني ما أرى الله إلا موجدًا لك ما تريد وترضى بلا تأخير مُنْزِلًا لما تحب وترضى، قال الأبي: وهذا إكرام أبرزته الغيرة والإدلال وإلا فإضافة الهوى إليه صلى الله عليه وسلم مباعد لما يجب على الخلق من تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتوقيره، ولو أبدلت هواك بمرضاتك كان أولى اهـ. (قلت): إن البساطة فيما بين الزوجين لا حاجة فيها إلى هذه الدقة والتكلف في الكلام وإنما هو إدلال من الزوجة على زوجها صلى الله عليه وسلم وليس من سوء الأدب في شيء لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليكرهه بل ربما يستحسن أمثاله منها اهـ تكملة، لكن أبعد هذا في حقها من نوع الذنوب أن كل ما يفعل المحبوب محبوب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5113]، وأبو داود [2136]، والنسائي [5416]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3512 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) غرضه بيان متابعة عبيدة لأبي أسامة (أنها) أي أن عائشة كانت تقول: أما تستحيي امرأة) وقوله: (تهب نفسها لرجل) صفة لامرأة، وهذا تقبيح منها على من فعلت ذلك وتنفير أوجبه غيرتها وإلا فقد علمت أن الله تعالى أباح هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وأن النساء كلهن لو ملّكن رِقّهن ورقابهن للنبي صلى الله عليه وسلم لَكُنَّ معذورات في ذلك ومشكورات عليه لعظيم بركته ولشرف منزلة القُرب منه، وعلى الجملة فإذا حُقق النظر في أحوال أزواجه صلى الله عليه وسلم عُلم أنه لم يحصل أحد في العالم على مثل ما حصلت عليه ويكفيك من ذلك مخالطة اللحوم والدماء ومشابكة الأعضاء

حتى أَنْزَلَ اللهُ عَز وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] فَقُلْتُ: إِنَّ رَبَّكَ لَيُسَارعُ لَكَ فِي هَوَاكَ. 3513 - (1391) (151) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَال مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. قَال: حَضَرْنَا، مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، جَنَازَةَ مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأجزاء وناهيك بها مراتب فاخرة لا جرم هن أزواجه المخصوصات به في الدنيا والآخرة اهـ من المفهم، وقوله: (حتى أنزل أدته عزَّ وجلَّ) غاية للقول المذكور ({تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ} فـ) لما أنزلت هذه الآية (قلت: إن ربك ليُسارع لك في هواك) أي في مرضاتك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3513 - (1391) (151) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (قال محمد بن حاتم: حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبو محمد الجندي اليماني نزيل مكة، ثقة، من (3) (قال: حضرنا مع ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد طائفي وواحد بصري وواحد إما مروزي أو بغدادي؛ أي قال عطاء حضرنا مع ابن عباس (جنازة ميمونة) بنت الحارث الهلالية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم بسرف) وسرف على وزن تعب وجهل، موضع قريب من التنعيم على ستة أميال من مكة وقيل سبعة وقيل تسعة وقيل اثني عَشَرَ ميلًا وبه تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة الهلالية وبه توفيت وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتًا، وهذا من عجائب التواريح وقع الهناء والعزاء في مكان واحد من الطريق، يقال إنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن خطبته صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله ورسوله، وقيل الواهبة نفسها غيرها أقول أي ابتداء فلا منافاة اهـ مرقاة، قيل إنها ماتت سنة ثلاث وستين وقيل ست وستين وعلى هذا تكون

فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: هذِهِ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوا. وَلَا تُزَلْزِلُوا. وَارْفُقُوا. فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ. فَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. قَال عَطَاءٌ: الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ميمونة آخرهن موتًا، وقيل سنة إحدى وخمسين قبيل عائشة لأن عائشة توفيت سنة سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين وعلى هذا فتكون عائشة آخرهن موتًا، وأما صفية فتوفيت سنة خمسين، وقول عطاء: (كانت آخرهن موتًا ماتت بالمدينة) قول مشكل يلزم عليه وهم وذلك أنه إن كان أراد ميمونة فقد وهم في قوله: إنها بالمدينة وقد بينا أنها ماتت بسرف إلا أن يريد بالمدينة هنا مكة وفيه بُعْد، وإن أراد بها صفية فقد وهم أيضًا لأنها لم تكن آخرهن موتًا على ما قدمناه، وقد وهم أيضًا في قوله إن التي لا يقسم لها النبي صلى الله عليه وسلم هي صفية فإن المشهور أن التي لا يقسم لها هي سودة وهبت يومها لعائشة كما تقدم اهـ من المفهم. (فقال ابن عباس) لحاملي نعشها (هذه) الميتة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) ولفظ الزوج يطلق على رجل المرأة وعلى مرأة الرجل في اللغة العالية وبها جاء القرآن نحو {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} والجمع فيهما أزواج (فإذا رفعتم نعشها) أي سريرها من الأرض (فلا تزعزعوا) أي لا تقلقلوا من الزعزعة وهو تحريك الشيء الذي يُرفع (ولا تزلزلوا) أي لا تحركوها بالاستعجال في المشي بها من الزلزلة وهو الاضطراب قاله الحافظ، والنعش سرير الميت ولا يُسمى نعشًا إلا وعليه الميت فإن لم يكن فهو سرير، وميت منعوش محمول على النعش اهـ مصباح (وارفقوا) أي واقصدوا في رفعها من الأرض وفي المشي بها، من رفق من باب نصر والرفق السهولة والقصد (فإنه) أي فإن الشأن والحال (كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع) نسوة (فكان يقسم) المبيت (لثمان) منهن فهي من الأزواج الثماني اللاتي كان صلى الله عليه وسلم يهتم بشأنهن فيقسم بينهن بالتسوية، فهذا تعليل منه لنهيه عن ترك استعمال الرفق بنعشها (ولا يقسم لواحدة) من التسع وهي سودة. وقوله: (قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب) قال العلماء: هو

3514 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَال عَطَاءٌ: كَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا. مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهم من ابن جريج الراوي عن عطاء وإنما الصواب هي سودة لأنها وهبت يومها لعائشة كما مر آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 231]، والبخاري [5067]، والنسائي [6/ 53]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3514 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا) أي كلاهما (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن ابن جريج) المكي (بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن ابن عباس، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لمحمد بن بكر في الرواية عن ابن جريج (و) لكن (زاد) عبد الرزاق على أبي بكر قال ابن جريج: (قال عطاء: كانت) ميمونة رضي الله تعالى عنها (آخرهن) أي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (موتًا) هذا وهم من عطاء كما مر آنفًا، وقوله: (ماتت بالمدينة) وهم ثانٍ جدًّا كما مر بسط الكلام فيه قريبًا، وقول ابن عباس (فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا) الخ كل ذلك تنبيه على ما يجب من احترام أزواجه صلى الله عليه وسلم لعظيم رتبتهن وشرف منزلتهن. (تتمة): قال الخطابي: إن الله اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم من الأمور أفضلها وأكملها وجمع له من الفضائل التي تزداد بها نفوس العرب جلالة وفخامة، وكانت العرب تتفاخر بقوة النكاح، وكان صلى الله عليه وسلم من قوة البنية واعتدال المزاج وكمال الخلقة على نهايتها على ما شهدت به الأخبار، ومن كان بهذه الصفة كانت دواعي هذا الباب أغلب عليه وكان من عداها منسوبًا إلى نقص الجبلة وضعف النحيزة (الطبيعة) فأُبيح له الزيادة على أربع لاحتياجه إلى ذلك وأيضًا فلقوته على العدل بينهن فلما لم يكن غيره كذلك قُصِر على أربع والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أنس الثاني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والخامس: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

541 - (27) باب الحث على نكاح ذات الدين ونكاح البكر

541 - (27) باب الحث على نكاح ذات الدين ونكاح البكر 3515 - (1392) (152) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَربٍ وَمُحَمدُ بْنُ المُثَنى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيد، عَن عُبَيدِ اللهِ. أَخبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أبِي سَعِيدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "تُنْكَحُ المَرأَةُ لأَربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا. فَاظفَر بِذَاتِ الدينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 541 - (27) باب الحث على نكاح ذات الدين ونكاح البكر 3515 - (1392) (152) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري (قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني (عن أبيه) أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان أو بصري ونسائي أو بصري ونيسابوري (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تُنكح المرأة) بضم التاء وفتح الكاف مبنيًّا للمفعول، والمرأة مرفوع على النيابة عن المفعول، أي يرغب في تزوج المرأة إلى) إحدى (أربع) خصال إما المالها) بأن كانت موسرة بالنسبة إلى أمثالها (و) إما (لحسبها) أي لشرفها، والحسب بفتح المهملتين في الأصل الشرف بالآباء والأقارب، مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فمن زاد عدده على غيره سبق الاخرين في المفاخرة، وقيل المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة، وقيل المال وهو مردود بذكره قبله في عمدة القاري، ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات (ولجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير المدينة والغير الجميلة المدينة، نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق (ولدينها) أي ولكونها دئنة ذات دين علمًا وعملًا (فاظفر بذات الدين) أي فُز بنكاحها والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية، والمراد أن الناس يتزوجون المرأة لإحدى هذه الخصال الأربع في العادة فاختر

تَرِبَتْ يَدَاكَ". 3516 - (1393) (153) وحدثنا مُحَمدُ بن عَبدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بن أبِي سُلَيمَانَ، عَن عَطَاءِ. أَخبَرَنِي جَابِرُ بن عَبدِ اللهِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنت أيها المؤمن المرأة الديّنة الصالحة ولا تطمح لشيء آخر، وأخرج ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوّجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل" وأخرج أحمد وأبو يعلى والبزار عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا "تُنكح المرأة على إحدى الخصال لجمالها ومالها وخلقها ودينها فعليك بذات الدين والخُلق". (تربت يداك) أي افتقرت يداك ولصقت بالتراب إن لم تحصلها وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به؛ والمراد بها الحث والتحريض على الجد والتشمير في طلب المأمور به وليس معنى هذه الأحاديث أن لا يلتفت الرجل إلى الحسب والجمال أصلًا وإنما المعنى أن يُقدم الدين على كل شيء ولا يرغب في امرأة لمحض جمالها إن كانت غير متدينة وإلا فقد ثبت في عدة أحاديث أن الجمال من موجبات الرغبة في النكاح لأن العفة وغض البصر والتحصين لا يحصل إلا بأن يطمثن الرجل بزوجته، وظاهر هذا الحديث إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال الأربع أو الواحدة منها لكن قصد الدين أولى وأهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 428]، والبخاري [5090]، وأبو داود [2047]، والنسائي [6/ 68]، وابن ماجه [1858]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 3516 - (1393) (153) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) (عن عطاء) بن أبي رباح المكي (أخبرني جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال)

تَزَوَّجتُ امْرَأَةً فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَلَقِيتُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "يَا جَابِرُ! تَزَوَّجْتَ؟ " قُلتُ: نَعَمْ. قَال: "بِكْرٌ أَمْ ثَيبٌ؟ " قُلتُ: ثَيبٌ. قَال: "فَهَلَّا بِكرًا تُلاعِبُهَا؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِن لِي أخَوَاتٍ. فَخَشِيتُ أَن تَدْخُلَ بَينِي وَبَينَهُنَّ. قَال: "فَذَاكَ إِذَنْ. إِن الْمَرأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا. فَعَلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جابر: (تزوجت امرأة) اسمها سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية اهـ من فتح الباري (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم) أي رأيته، وكان ذلك اللقاء عند القفول من غزوة تبوك أو غزوة ذات الرقاع (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا جابر تزوجت) أي هل تزوجت؟ بتقدير الاستفهام كما هو مصرح به في الرواية الآتية (قلت) له: (نعم) تزوجت يا رسول الله (قال) لي (بكر أم ثيب) بالرفع فيهما مع حذف همزة الاستفهام، أي أهي بكر أم ثيب؟ وفي بعض الرواية بالنصب فيهما والتقدير أي أتزوجت بكرًا أم ثيبًا؟ (قلت ثيب) بالرفع أي قلت هي ثيب، وبالنصب أي تزوجت ثيبًا (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهلا) تزوجت (بكرًا) توبيخ له على تزوجه ثيبًا، وقوله: (تلاعبها) وتلاعبك، تعليل لتزوج البكر أي لأنك تلاعبها وتلاعبك لما فيها من الألفة التامة فإن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول فلم تكن محبتها كاملة بخلاف البكر، قال النووي: وفيه فضيلة تزوج الأبكار وثوابهن أفضل، وفيه ملاعبة الرجل امرأته وملاطفته لها ومضاحكتها وحسن العشرة، وفيه سؤال الإمام والكبير أصحابه عن أمورهم وتفقد أحوالهم وإرشادهم إلى مصالحهم اهـ. وفي العون: وفي الحديث دليل على استحباب نكاح الأبكار إلا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له ذلك هلك أبي وترك سبع بنات إلخ، كما ذكره بقوله: (فلت) له صلى الله عليه وسلم اعتذارًا عن تزوج الثيب (يا رسول الله أن لي أخوات) سبعًا أو تسعًا (فخشيت) أي خفت (أن تدخل) بكر خرقاء لا تعرف القيام بمصالحهن (بيني وبينهن) أي وبين أخواتي فتفرّق بيننا (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذاك) أي فتزوجك الثيب حسن (إذن) أي إذا كانت الحال على ما أخبرت من النظر لمصالح أخواتك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن المرأة تنكح على دينها) أي لأجل دينها (و) لأجل (مالها و) لأجل (جمالها) والفاء في قوله: (فعليك) للإفصاح، أي إذا عرفت ما

بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ". 3517 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَن مُحَارِب، عَن جَابِرِ بن عَبدِ اللهِ. قَال: تَزَوجتُ امرأة. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "هَل تَزَوَّجتَ؟ " قُلْتُ: نَعَم. قَال: "أَبِكرا أَم ثَيبًا؟ " قُلْتُ: ثَيبًا. قَال: "فَأينَ أَنتَ مِنَ العَذَارَى وَلِعَابِهَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ قلته لك وأردت بيان الأهم لك منها فأقول لك: الزم (بذات الدين) واظفر بها لأنها خير متاع الدنيا إن لم تظفر بها (تربت) أي افتقرت (يداك) والتصقت بالتراب، وهذا الحديث يدل على فضل عقل جابر فإنه راعى مصلحة أخواته وآثرها على حق نفسه ونيل لذته ولذلك استحسنه منه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "فبارك الله لك" وفيه ما يدل على جواز قصد الرجل من الزوجة القيام له بأمور وبمصالح ليست لازمة لها في الأصل ولا يُعاب من قصد شيئًا من ذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2097]، والنسائي [6/ 65]، وابن ماجه [1860]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3517 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن محارب) بن دثار السدوسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد كوفي، غرضه بيان متابعة محارب لعطاء بن أبي رباح. (قال) جابر: (تزوجت امرأة) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في تنبيه المعلم: والذي في حفظي أنها سهيمة بنت مسعود مصغرًا، ووقع في الفتح وغيره أنها سهيلة كما مر آنفًا وهو خطأ تتابع عليه النساخ والطباع من قديم الزمان إلى الآن، والصواب سهيمة بالميم، فجزاه الله خيرًا على هذا التنبيه (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تزوجت) يا جابر فـ (قلت) له: (نعم) تزوجت (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) تزوجت (بكرًا أم) تزوجت (ثيبًا؟ قلت) له: تزوجت (ثيبًا، قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين أنت) يا جابر، (من) تزوج (العذارى) بوزن الأسارى؛ أي فما المانع لك من تزوج العذارى والأبكار (و) التمتع بـ (لعابها) أي

قَال شُعبَةُ: فَذَكَرتُهُ لِعَمرِو بنِ دِينَار. فَقَال: قَد سَمِعتُهُ مِن جَابِر. وإنمَا قَال: "فَهَلَّا جَارِيةَ تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ ". 3518 - (00) (00) حدثنا يَحيَى بن يَحيَى وَأَبُو الربِيعِ الزهرَانِي. قَال يَحيَى: أَخبَرَنَا حَمَّادُ بن زَيد، عَن عَمرِو بنِ دِينَارٍ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ؛ أَن عَبدَ اللهِ هَلَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ملاعبتها معك، والعذارى بفتح العين وبالقصر جمع عذراء ذات عذرة، وعُذرة الجارية بالضم بكارتها، قال الأبي: وليست العذراء بمرادفة للبكر لأن العذراء هي التي لها ما يفتض، والبكر هي التي لم تر الرجل سواء كانت عذرتها باقية أم لا، بأن قفزت وسقطت على الأرض، أو سقطت من سلم فزالت بكارتها، فالعذراء على هذا أخص من البكر فكل عذراء بكر دون عكس، وقوله: (ولعابها) بكسر اللام أي ملاعبتها فهو مصدر للاعب يلاعب لعابًا وملاعبة من باب فاعل كقاتل قتالًا ومقاتلة، ورُوي لعابها بالضم يعني ريقها عند التقبيل وفيه بُعد، والصواب الأول اهـ مفهم. قال معاذ بن معاذ: (قال) لنا (شعبة: نذكرته) أي فذكرت هذا الحديث الذي سمعته من محارب (لعمرو بن دينار) الجمحي (فقال) عمرو بن دينار: (قد سمعته) أي قد سمعت هذا الحديث (من جابر) ولم يقل جابر هذا اللفظ الذي قلته (وإنما قال) جابر لفظة (فهلا جارية) أي شابة بكرًا (تلاعبها وتلاعبك). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3518 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لعطاء بن أبي رباح (أن) والدي (عبد الله) بن عمرو بن حرام (هلك) أي قتل يوم أحد -كما صرح به في رواية سفيان عند البخاري في المغازي أنه قتل يوم أحد وبهذه المناسبة أخرجه البخاري في المغازي- واستشهد، فيه اختلف عليه أسياف المسلمين وهم يظنونه من الكفار فكان جابر يقول أبي أبي فلم يسمعوه حتى استشهد فتصدق ابنه بدمه على المسلمين كذا قاله القرطبي في المفهم.

وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ (أَوْ قَال: سَبْعَ) فَتَزَوَّجتُ امرَأَةَ ثَيِّبًا. فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَا جَابِرُ! تَزَوَّجْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: نَعَم. قَال: "فَبِكْرٌ أَم ثَيبٌ؟ " قَال: قُلْتُ: بَلْ ثَيبٌ. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "فَهَلَّا جَارِيةَ تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ" (أَوْ قَال: تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ) قَال: قلْتُ لَهُ: إِن عَبْدَ اللهِ هَلَكَ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتِ (أَوْ سَبْعَ) وَإِنِّي كَرِهتُ أَن آتِيَهُن أَوْ أَجِيئَهُن بِمِثْلِهِن. فَأحببتُ أَنْ أجِيءَ بِامْرَأَةٍ تَقُومُ عَلَيهِن وَتُصْلِحُهُن ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا وهم في أن عبد الله والد جابر قتله المسلمون وأن جابرًا حضر أُحدًا ولم يحضرها محققًا إنما كان ذلك اليمان بن حسيل أبا حذيفة بن اليمان، والقائل أبي أبي حذيفة وهو المتصدق بدم أبيه على المسلمين رضي الله عنهم أجمعين اهـ من هامش المفهم. (وترك) والدي عبد الله (تسع بنات أو قال) جابر ترك (سبع) بنات، والشك من عمرو أو ممن دونه، ووقع في رواية الشعبي عند البخاري في المغازي (ست بنات) وجمع بينهما الحافظ في الفتح أن ثلاثا منهن كن متزوجات أو بالعكس (فتزوجت امرأة ثيبًا) والثيب المرأة التي دخل بها الزوج وكأنها ثابت إلى غالب أحوال كبار النساء اهـ مفهم (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر) هل (تزوجت؟ قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (نعم) تزوجت (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (فبكر) هي (أم ثيب؟ قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (بل) هي (ثيب يا رسول الله، قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهلا) تزوجت (جارية) أي شابة بكرًا (تلاعبها) أنت (وتلاعبك) هي (أو قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جابر أو من دونه فهلا تزوجت جارية (تضاحكها) أنت (وتضاحكك) هي (قال) جابر: (قلت له) صلى الله عليه وسلم: (أن عبد الله) بن عمرو بن حرام والدي (هلك) أي مات (وترك تسع بنات أو) قال جابر: (سبع) بنات (وإني كرهت أن آتيهن) أي أن أضم إليهن (أو) قال جابر: (أجيئهن) أي أن أضم إليهن (بمثلهن) أي بخرقاء مثلهن (فأحببت أن أجيء) وأضم إليهن (بامرأة) عاقلة (تقوم) بالرعاية والمراقبة (عليهن وتصلحهن) أي تصلح أمورهن بغسل ثيابهن وتسريح شعورهن وخياطة دروعهن، وفي رواية سفيان عن

قَال: "فَبَارَكَ اللهُ لَكَ" أو قَال لِي خَيرًا. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الرَّبيعِ: "تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ". 3519 - (00) (00) وحدثناه قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا سُفيَانُ، عَنْ عَمرٍو، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو في مغازي البخاري: فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن. وفي رواية نُبيح العنزي عند أحمد: فكرهت أن أضم إليهن جارية كإحداهن، فتزوجت ثيبًا تقصع قملة إحداهن وتخيط درع إحداهن إذا تخرق. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فبارك الله لك) الفاء للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إن صدقت فيما أخبرت فقد أصبت في زواجك وبارك الله لك فيه (أو قال لي) النبي صلى الله عليه وسلم إن صدقت فيما أخبرت جعل الله لك في زواجك (خيرًا) أي بركة، والشك من جابر فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، قال الأبي: وفي تصويبه اعتذاره ترجيح مصالح النفس والأولاد على لذات الدنيا وشهواتها، وفيه ما يلزم المرأة من القيام بمصالح زوجها وما تندب إليه من بر أهله اهـ منه (وفي رواية أبي الربيع) الزهراني (تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك) بلا ذكر أو الدالة على الشك. (فائدة مهمة): وفي هذا الحديث دلالة على أن الاهتمام البليغ في الدعوة إلى مجلس النكاح كما يفعل في زماننا ليس بمطلوب شرعا فانظر إلى جابر رضي الله عنه تزوج امرأة ولم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجلس زواجه مع ماله من علاقة وصحبة قوية برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انظر إليه صلى الله عليه وسلم كيف دعا له بخير ولم ينكر عليه أنه لم يدعه عند عقد النكاح، ولو كان الاهتمام مطلوبًا في الشرع لم يكن جابر ليذهل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى عقد النكاح، ولو قيل: إن الحفل الحادث في هذا الزمان حرام لم يبعد لما فيه من إسراف الأطعمة والأشربة، وفي أقمشة المرأة المزوجة مما لا فائدة فيه وفي إجارة المحافل بأجرة غالية، وفيه اجتماع الفسقة وتشغيل الملاهي وتضييع وقت صلاة الصبح والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3519 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن

عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "هَل نَكحْتَ يَا جَابِرُ؟ " وَسَاقَ الحَدِيثَ. إِلَى قَوْلِهِ: امرَأَةَ تَقُومُ عَلَيهِن وَتَمشُطُهُن. قَال: "أَصَبْتَ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 3520 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَن سَيارٍ، عَنِ الشعْبِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي غَزَاه ـــــــــــــــــــــــــــــ دينار الجمحي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لحماد بن زيد (قال) جابر: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نكحت) أي تزوجت (يا جابر، وساق) سفيان أي ذكر (الحديث) السابق يعني حديث حماد بن زيد (إلى قوله) أي إلى قول جابر فأحببت أن أجيء بـ (امرأة تقوم عليهن وتمشطهن) بضم الشين المعجمة من باب نصر بدل قول حماد "وتصلحهن" أي تُسرح شعورهن (قال) لي النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبت) أي وافقت الصواب في زواجك (ولم يذكر) سفيان في روايته (ما بعده) أي ما بعد قول حماد وتصلحهن من الدعاء وبيان رواية أبي الربيع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3520 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن سيار) بن وردان العزي الواسطي، ثقة، من (6) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابًا (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الشعبي لمن روى عن جابر (قال) جابر (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة) اختلفت الروايات في تعيين هذه الغزوة فعلق البخاري في باب الشروط عن جابر اشتراه بطريق تبوك، وبمثله أخرج في رواية أبي المتوكل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجابر في غزوة تبوك، ولكن أخرج أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن جابر قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، وكذا أخرجه الواقدي من طريق عطية بن عبد الله عن جابر ورجحه الحافظ ابن حجر بوجوه؛

فَلَما أقبَلنَا تَعَجَّلتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ. فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ خَلْفِي. فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةِ كَانَتْ مَعهُ. فَانطَلَقَ بَعِيرِي كَأجوَدِ مَا أَنتَ رَاءٍ مِنَ الإِبلِ. فَالتَفَت فَإذَا أنا بِرَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال: "مَا يُعجِلُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منها أنه مرويّ من طريق محمد بن إسحاق والواقدي وإن أهل المغازي أضبط لذلك من غيرهم، ومنها أنه وقع في رواية الطحاوي أن ذلك كان في رجوعهم من طريق مكة إلى المدينة، وليست طريق تبوك ملاقية لطريق مكة بخلاف غزوة ذات الرقاع، ومنها أن جابرًا في كثير من طرق هذا الحديث اعتذر لتزوج الثيب بأن أباه استشهد يوم أحد فأشعر بأن ذلك كان بالقرب من وفاة أبيه فيكون وقوع القصة في ذات الرقاع أظهر من وقوعها في تبوك لأن ذات الرقاع كانت بعد أحد بسنة واحدة على الصحيح وتبوك كانت بعدها بسبع سنين ولا جرم جزم البيهقي في الدلائل بما قال ابن إسحاق كذا في فتح الباري [5/ 235] في كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة (فلما أقبلنا) ورجعنا من تلك الغزوة (تعجلت) أي أسرعت السير (على بعير لي قطوف) بفتح القاف أي بطيء في السير، يقال: قطف البعير يقطف بكسر الطاء وضمها من بابي ضرب ونصر إذا أبطأ في السير مع تقارب الخطو، والقطاف تقارب الخطو في سرعة كذا في مجمع البحار، ووقع عند البزار من طريق أبي المتوكل أن الجمل كان أحمر كذا في الفتح (فلحقني راكب) يسير (خلفي) أي من ورائي (فنخس بعيري) أي طعنه (بعنزة كانت معه) هي عصا نحو نصف الرمح في أسفلها زج أي حديدة (فانطلق بعيري) أي أسرع في سيره (كأجود ما أنت راءٍ من الإبل) أي كأسرع بعير أنت تراه من الإبل، أي أسرع إسراعًا كإسراع أجود بعير أنت تراه من الإبل، وهذا من بركات دعائه صلى الله عليه وسلم ومن معجزاته. قال القرطبي: والقطوف هو البعير البطيء المشي المتقارب الخطو قاله الخليل وغيره، قال الثعالبي: إذا كان الفرس يمشي وثبًا وثبًا فهو قطوف، فإن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه فهو شبوب، فإن كان يلتوي برأسه حتى يكاد يسقط عنه راكبه فهو قموص، فإذا كان مانعًا ظهره فهو شموس. و (العنزة) عصا مثل نصف الرمح أو أكثر وفيها زج قاله أبو عيد، قال الثعالبي: فإن طالت شيئًا فهي النيزك ومطرد فإذا زاد طولها وفيها سنان عريض نهي ألَّةٌ وحربة اهـ من المفهم. قال جابر: (فالتفت) إلى ورائي التفاتة (فإذا أنا) راءٍ (برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يُعجلك)

يَا جَابِرُ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِني حَدِيثُ عَهْدِ بِعُرْسٍ. فَقَال: "أَبِكرًا تَزَوَّجْتهَا أَمْ ثيِّبًا؟ " قَال: قُلْتُ: بَلْ ثيِّبًا. قَال: "هَلَّا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ ". قَال: فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِندْخُلَ. فَقَال: "أَمْهِلُوا حَتى نَدْخُلَ لَيلًا (أَي عِشَاءً) كَي تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِد الْمُغِيبَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بضم الياء وكسر الجيم من أعجل الرباعي، أي أي شيء أعجلك (يا جابر) أي جعلك مستعجلًا إلى المدينة (قلت) له: (يا رسول الله إني حديث عهد) أي قريب زمن (بعرس) أي بزواج (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبكرًا تزوجتها أم) تزوجت (ثيبًا؟ قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (بل) تزوجت (ثيبًا، قال) لي (هلا) تزوجت (جارية) أي فتاة بكرًا (تلاعبها وتلاعبك) وهلا هنا للتوبيخ على تزوجه ثيبًا قبل اعتذاره (قال) جابر: (فلما قدمنا المدينة) أي قاربنا القدوم والدخول فيها (ذهبنا) أي شرعنا وتهيأنا (لندخل) فيها (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمهلوا) أي أنظروا الدخول وأخروه (حتى ندخل ليلًا أي عشاء) تفسير مدرج من جابر أو ممن دونه، وقوله: كي تمتشط) وتُسرِّح (الشعثة) شعرها بيان لوجه تأخير الدخول، والشعثة بفتح المعجمة وكسر المهملة؛ هي المرأة المتغير حالها وهيئتها المتفرق شعر رأسها لعدم تعهده أي لتتزين لزوجها (وتستحد المغيبة) أي ولتزيل المرأة التي غاب زوجها عانتها بالحديد والموسى، من الاستحداد وهو استعمال الحديدة في شعر العانة وهو إزالته بالموسى، والمراد إزالته كيفما أمكن حلقًا أو نتفًا أو حرقًا، والمغيبة هي التي غاب عنها زوجها منذ أيام يقال: أغابت فهي مغيبة بالهاء وأشهدت إذا حضر زوجها فهي مشهد بغيرها، قال في المرقاة: فالسنة أن لا يدخل المسافر على أهله حتى يبلغهم خبر قدومه، وخبر (نُهي أن يطرق الرجل أهله ليلًا) فمحمول على أنه من غير إعلام اهـ، وفي هذا من التنبيه على رعاية المصالح الجزئية في الأهل والإرشاد إلى مكارم الأخلاق وتحسين المعاشرة ما لا يخفى، وذلك أن المرأة تكون في حالة غيبة زوجها على حالة بذاذة وقلة مبالاة بنفسها وشعث، فلو قدم الزوج عليها وهي في تلك الحال ربما نفر وزهد فيها وهانت عليه، فنبه على ما يزيل ذلك. ولا يعارض قوله: (حتى ندخل ليلًا) نهيه في الحديث الآخر عن أن يطرق الرجل أهله لأن ذلك إذا لم يتقدم إليهم خبره لئلا يستغفلهم ويرى منهم ما يكرهه، وقد ذُكر هذا مبينًا في الجهاد إذ قال: (كان لا يطرق أهله ليلًا وكان يأتيهم غدوًا وعشيًا)

قَال: وَقَال: لا إِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيسَ! الْكَيسَ! ". 3521 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهابِـ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثقَفِي). حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي غَزَاةٍ. فَأبْطَأَ بِي جَمَلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه أحمد والبخاري، وقد جاء في حديث النهي عن الطروق التنبيه على علة أخرى وهو أنه لا يطرقهم يتخونهم ويطلب عثراتهم وهو معنى آخر غير الأول وينبغي أيضًا أن يجتنب الطروق لأجل ذلك اهـ من المفهم. (قال) جابر: (وقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قدمت) المدينة، وقوله: (فالكيس) منصوب على الإغراء أي فالزم الكيس أي الجماع (الكيس) أي العقل والحذق بأن تقصد به رزق الولد لا مجرد الشهوة، والاحتياط لدينك بأن لا تجامعها في حالة الحيض، قال ابن الأعرابي: الكيس الأول الجماع والكيس الثاني العقل؛ والمراد حثه على ابتغاء الولد فكأنه جعل ابتغاء الولد عقلًا، ومنه الحديث "أي المؤمنين أكيس! أي أعقل رواه ابن ماجه [4259]، وقال الكسائي: يقال كاس الرجل إذا وُلد له ولد كيس أي صاحب عقل وقيل معنى قوله: (فالكيس الكيس) أي فباشر الكيس واستعمل العقل حتى لا تقع في ممنوع كالتقرب في المحيض لطول العزوبة بامتداد الغربة اهـ من المفهم مع زيادة من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [3/ 375]، والبخاري [2097]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3521 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) البصري (حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عبد المجيد الثقفي) البصري (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني (عن وهب بن كيسان) القرشي الأسدي مولاهم أبي نعيم المدني المعفم المكي، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، غرضه بيان متابعة وهب بن كيسان لمن روى عن جابر (قال) جابر: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة) تقدم بيان الخلاف فيها، والراجح أنها غزوة ذات الرقاع (فأبطأ بي جملي) أي صار على بطيئًا غير مسرع

فَأتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال لِي: "يَا جَابرُ! " قُلْتُ: نَعَم. قَال: "مَا شأنكَ؟ " قُلتُ: أَبطَأ بِي جَمَلِي وَأَعيا فتَخَلقتُ. فَنَزَلَ فَحَجنَهُ بِمِحجَنِهِ. ثُم قَال: "اركب فَرَكبتُ. فَلَقَدْ رَأَيتُنِي أَكُفُّهُ عَن رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال: "أتزَوَّجتَ؟ " فَقُلتُ: نَعَمْ. فَقَال: "أَبِكرا أَم ثَيبًا؟ " فَقُلتُ: بَل ثَيبٌ. قَال: "فَهَلا جَارِيَة تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ؟ " قُلتُ: إِن لِي أَخَوَات. فَأحبَبتُ أَن أتزَوجَ امرَأَة تَجمَعُهُن وَتَمشُطُهُن وَتَقُومُ عَلَيهِن. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ في السير، والباء للتعدية أي أخرني من الإياب إلى المدينة (فأتى على) أي وقف على (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي): هل أنت هنا (يا جابر! تلت: نعم، قال: ما شأنك) أي ما حالك وشأنك مستأخرًا عن المدينة (قلت) له: (أبطأ) أي تأخر (بي جملي وأعيا) أي عجز عن السير (فتخلفت) عن الناس (فنزل) رسول - صلى الله عليه وسلم - من ناقته (فحجنه) أي نخسه وجره (بمحجنه) والمحجن عصا معوَج الرأس يلتقط بها الراكب الشيء من الأرض ويلوي بها عنق الشاة وتحبس إذا نَدَّتْ اهـ من الأبي (ثم قال) لي: (اركب فركبتـ) ـه (فلقد رأيتني) أي فوالله لقد رأيت نفسي (أكفه) أي أمنعه أي أمنع جملي (عن) ناقة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حتى لا يتقدم عليها بالسبق في السير، وفي شروط البخاري (فسار سيرًا ليس يسير مثله) وهذا أثر بركته صلى الله عليه وسلم ففي باب بيع البعير واستثناء ركوبه من بيوع مسلم (كيف ترى بعيرك؟ قال: قلت: بخير قد أصابته بركتك) يعني أنه أسرع في السير حتى كنت أكفه لئلا أبعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل على هذا المعنى ما سيأتي عند المؤلف وما أخرجه (فكان بعد ذلك يكون في أول الركاب إلا ما كففته) وما أخرج ابن سعد (فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه) ذكره الحافظ في الشروط (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتزوجت) أي هل تزوجت يا جابر (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (نعم) تزوجت يا رسول الله (فقال) لي (أ) تزوجت (بكرًا أم ثيبًا نقلت) له صلى الله عليه وسلم: (بل) هي (ثيب) فـ (قال) لي: (فهلا) تزوجت (جارية) أي شابة بكرًا (تلاعبها) أي تلاعب معها (وتلاعبك) أي تلاعب معك فـ (قلت) له: (إن لي أخوات) سبعًا أو تسعًا تحتاج إلى من يصلحهن ويمشط لهن (فأحببت) أي وددت (أن أتزوج امرأة) كبيرة (تجمعهن) أي تصلح جميع أمورهن (وتمشطهن) أي تسرِّحُ شعورهن بالمشط (وتقوم عليهن) بالخدمة فـ (قال) رسول الله صلى

"أَمَا إنكَ قَادِمٌ. فَإِذَا قَدِمْت فَالكَيسَ! الكَيس! "، . ثُم قَال: "أتبِيعُ جمَلَكَ؟ " قلتُ: نَعَم. فَاشتَرَاهُ مِني بِأوقِيةٍ. ثُم قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَقَدِمْتُ بِالغَدَاةِ. فَجِئتُ المسجِدَ فَوَجَدتُهُ عَلَى بَابِ المسجِدِ. فَقَال: "الآنَ حِينَ قَدِمتَ؟ " قُلْتُ: نَعَم. قَال: "فَدع جَمَلَكَ وَادخُل فَصَل رَكعَتَينِ" قَال: فَدَخَلتُ فَصَليتُ ثُم رَجَعتُ. فَأمَرَ بِلالًا أَن يَزِنَ لِي أُوقِية. فَوزَن لِي بِلالٌ. فَأرْجَحَ فِي المِيزَانِ. قَال: فَانطَلَقتُ. فَلَما ولَّيت قَال: "ادع لِي جَابِرًا" فَدُعِيتُ. فَقُلتُ: الآنَ يَرُد عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم: (أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك (إنك قادم) على أهلك في المدينة (فإذا قدمت) عليهم (فـ) افعل (الكيس) والجماع، والزم (الكيس) والاحتياط لدينك ولا تقربها إذا كانت حائضًا (ثم قال) لي: (أتبيع جملك) هذا (قلت) له: (نعم) أبيعه (فاشتراه) أي فاشترى ذلك الجمل (مني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بأوقية) أي بأربعين درهمًا، وفي رواية البخاري في الجهاد قال: (أتبيعنيه -فاستحييت- ولم يكن لنا ناضح غيره فقلت: نعم) وللنسائي وكانت لي إليه حاجة شديدة (ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) المدينة قبلي (وقدمتـ) ـها أنا (بالغداة) أي في غداة أي في صباح الليلة التي جاءوا فيها (فجئت المسجد) النبوي (فوجدته) صلى الله عليه وسلم (على باب المسجد فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الآن) أي هذا الزمن الحاضر، وهو مبتدأ، والظرف في قوله: (حين قدمت) في محل الرفع خبر المبتدإ، والتقدير أي هذا الزمن الحاضر وقت قدومك من السفر (قلت) له: (نعم) الآن قدمت (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فدع) أي فاترك (جملك) خارج المسجد (وادخل) أنت المسجد (فصل ركعتين) صنة القدوم من السفر، وفي رواية نبيح المذكورة عند أحمد (فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاومًا رجلًا يكلمه، قال: قلت: دونك يا نبي الله جملك، قال: فأخذ بخطامه ثم نادى بلالًا) الخ (قال) جابر: (فدخلت) المسجد (فصليت) ركعتين (ثم رجعت) إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج المسجد (فأمر بلالًا) بـ (أن يزن لي أوقية فوزن لي بلال فأرجح) أي زاد (في الميزان) على الأوقية (قال) جابر: (فانطلقت) أي ذهبت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما وليت) وأدبرت أي ذهبت من عنده موليًا ظهري إليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده (ادع لي جابرًا فدُعيت) إليه بالبناء للمجهول (فقلت) في نفسي (الآن يرد على)

الْجَمَلَ. وَلَمْ يَكُنْ شَيء أَبْغَضَ إِلي مِنهُ. فَقَال: "خذ جَمَلَكَ. وَلَكَ ثَمنُهُ". 3522 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعلَى. حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجمل، ولم يكن شيء) من كل مبغوض لي (أبغض إلي) أي أكثر مبغوضية عندي (منه) أي من ذلك الجمل يعني بعدما بعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أكره أن أكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم البعير والثمن كليهما، وإلا فقد رُوي أنه كان من أحب النواضح إلى جابر (فـ) لما جئته (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذ جملك) أي الذي بعته لي (ولك) باقي (ثمنه) الذي قضيته لك. وفي رواية نبيح المذكورة عند أحمد قال: فبينما هو كذلك، إذ ذهبت إلى بيتي ولا أشعر، قال فنادى: أين جابر؟ قالوا: ذهب إلى أهله، قال: أدرك ائتني به، قال: فأتاني رسوله يسعى، قال: يا جابر يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتيته، فقال: "فخذ جملك" قلت: ما هو جملي، وإنما هو جملك يا رسول الله، قال: "خذ جملك" قلت: ما هو جملي، إنما هو جملك يا رسول الله، قال: "خذ جملك" فأخذته قال فقال: "لعمري ما نفعناك لننزلك عنه" قال: فجئت إلى عمتي بالناضح معي وبالأوقية قال فقلت لها: ما ترين رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني أوقية ورد على جملي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد على الأوقية قيراطًا وبقي هذا القيراط عند جابر إلى يوم الحرة فقد أخرج أحمد من طريق سالم بن أبي الجعد قال: فقال: يا بلال زن له وقية وزده قيراطًا، قال: قلت: هذا قيراط زادنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارقني أبدًا حتى أموت قال: فجعلناه في كيس فلم يزل عندي حتى جاء أهل الشام يوم الحرة فأخذوه فيما أخذوا، وفي رواية وهب بن كيسان عند أحمد: وزاد بي شيئًا يسيرًا قال: فوالله ما زال ينمي عندنا ونرى مكانه من بيتنا حتى أُصيب فيما أصاب الناس يعني يوم الحرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3522 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي البصري، ثقة، من (9) (قال: سمعت أبي)

حَدَّثَنَا أَبُو نَضرَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ. قَال: كُنا فِي مَسِيرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَأَنا عَلَى نَاضِحٍ. إِنمَا هُوَ فِي أُخرَيَاتِ الناسِ. قَال: فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أوْ قَال نخَسهُ. (أُرَاهُ قَال) بِشَيء كَانَ مَعَهُ. قَال: فَجَعَلَ بَعْدَ ذلِكَ يَتَقَدمُ الناسَ. يُنَازعُني حتى إِني لأكُفَّهُ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أتبِيعُنيهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ واللهُ يَغْفِرُ لَكَ" قَال: قُلتُ: هُوَ لَكَ. يَا نَبِي اللهِ! قَال: "أَتَبِيعُنِيهِ بِكَذَا وَكَذَا؟ وَاللهُ يَغْفِرُ لَكَ" قَال: قُلْتُ: هُوَ لَكَ. يَا نَبِيَّ اللهِ! قَال: وَقَال لِي: "أَتَزَوَّجْتَ بَعدَ أَبِيكَ؟ " قُلتُ: نَعَمْ. قَال: "ثَيِّبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (4) (حدثنا أبو نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي نضرة لوهب بن كيسان (قال) جابر: (كنا في مسير) أي في سفر، والراجح أنه سفر غزوة ذات الرقاع (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا) أي والحال أني (على ناضح) وهو البعير الذي يستقى عليه (إنما هو) أي ذلك الناضح (في أخريات الناس) أي في أواخرهم يعني لبطئه وعدم إسراعه (قال) جابر: (فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمحجن في يده (أو قال) جابر: (نخسه) بمحجنه، والنخس الطعن كما مر قريبًا، والشك من أبي نضرة، قال أبو نضرة: (أراه) أي أظن جابرًا (قال) ضربه (بشيء كان معه) صلى الله عليه وسلم أي في يده (قال) جابر: (فجعل) أي شرع البعير (بعد ذلك) أي بعد أن ضربه النبي صلى الله عليه وسلم (يتقدم الناس) أي أن يتقدم على أبعرة الناس حالة كونه (ينازعني) أي يعارضني ويجاذبني لإسراعه (حتى إني لأكفه) أي لأمنعه من الإسراع لئلا يبعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) جابر: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتبيعنيه) أي هل تبيعني هذا البعير (بكذا وكدا) درهمًا (والله يغفر لك) يا جابر (قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (هو) أي هذا البعير الك) بلا عوض (يا نبي الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية: (أَتبيعُنِيه) يا جابر (بكذا وكذا والله يغفر لك، قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (هو لك) بلا عوض (يا نبي الله، قال) جابر: (وقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتزوجت) أي هل تزوجت يا جابر (بعد) وفاة (أبيك؟ قلت) له: (نعم) تزوجت يا رسول الله (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تزوجت (ثيبًا

أَم بِكرًا؟ " قَال: قُلْتُ: ثَيِّبًا. قَال: (فَهَلا تَزَوَّجتَ بكرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا، وَتُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا؟ ". قَال أَبُو نَضرَةَ: فَكَانَتْ كَلِمَةً يَقُولُهَا المسلِمُونَ. افعَل كَذَا وَكَذَا. وَاللهُ يَغفِرُ لَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أم بكرًا؟ قال) جابر: (قلت) له: تزوجت (ثيبًا، قال) لي: (فهلا تزوجت بكرًا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها) وهذا كما مر يدل على تفضيل نكاح الأبكار كما قال في الحديث الآخر: (فإنهن أطيب أفواهًا وأنتق أرحامًا) وتلاعبها من اللعب بدليل قوله: وتضاحكها اهـ مفهم (قال أبو نضرة) بالسند السابق (فكانت كلمة) بالنصب خبر كان مقدم على اسمها، وجملة (يقولها المسلمون) صفة لكلمة، وقوله: (افعل كذا وكذا والله يغفر لك) اسم كان مؤخر محكي، والتقدير فكانت لفظة افعل كذا وكذا والله يغفر بعد ذلك اليوم كلمة جارية على ألسنة الناس يقولها المسلمون بعضهم لبعض في محاوراتهم والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال، والثاني: حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ست متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

542 - (28) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ومداراة النساء وخيانتهن الأزواج

542 - (28) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ومداراة النساء وخيانتهن الأزواج 3523 - (1394) (154) حدثني مُحَمَّدُ بن عَبدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ الهَمدَانِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا حَيْوَةُ. أَخبَرَنِي شُرَحبِيلُ بن شَرِيكٍ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرحْمَنِ الحُبُلِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "الدنيَا مَتَاعٌ. وَخَيرُ مَتَاعِ الدنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 542 - (28) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ومداراة النساء وخيانتهن الأزواج 3523 - (1394) (54 1) (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني) الكوفي (حدثنا عبد الله بن يزيد) القصير المصري المكي، ثقة، من (9) (حدثنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي المصري، ثقة، من (7) (أخبرني شرحبيل بن شريك) المعافري المصري، صدوق، من (6) (أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي) المعافري عبد الله بن يزيد المصري، ثقة، من (3) حالة كونه (يحدث عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرشي السهمي أبي عبد الرحمن المصري رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم مصريون وواحد كوفي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدنيا) أي دارها ونعيمها (متاع) أي شيء يُتمتع به حينًا ما كما قال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء: 77] (وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) وهي الصالحة في دينها ونفسها، والمُصْلحة لحال زوجها، وهذا كما قال في الحديث الآخر (ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء! قالوا: بلى، قال: (المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرَّتْه وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته") رواه أبو داود [1664]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [6/ 69]. قال الأبي: المتاع ما يُستمتع به من متاع الدنيا قليلًا أو كثيرًا ولا يبعد أنه إشارة إلى أن متنعمات الدنيا حقيرة لا يؤبه بها، ولذلك لما ذكر الله تعالى أصناف متمتعاتها في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ} الآية، قال بعد ذلك: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14] وخص هنا منها المرأة وقيدها بالصلاح ليؤذن بأنها شر متاعها إذا لم تكن بتلك الصفة، وفي حديث أسامة (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وكونها في هذا الحديث أضر يتناول الزوجة مع زوجها فإنها إذا لم يمنعها

فائدة في الصفات المطلوبة في الزوجة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاح كانت عين المفسدة فلا تأمر زوجها ولا تحثه إلا على شر وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا حتى يتهالك فيها، وأي شر أضر من ذلك، فحديث الباب من معنى ما تقدم من حديث (فاظفر بذات الدين تربت يداك). فائدة في الصفات المطلوبة في الزوجة وجملة ما استفيد من الأحاديث من الصفات المطلوبة في الزوجة عشرة: الأول منها: أن تكون صالحة ذات دين كما في حديث الباب وكما مر في حديث أبي هريرة قبل هذا الباب، وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعًا (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله). والثاني منها: أن تكون ذات حسبٍ ونسب لما مر في حديث أبي هريرة ولما رُوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده" أخرجه البخاري في باب إلى من ينكح. الثالث: أن تكون بكرًا لما أخرجه ابن ماجه عن عتبة بن عويم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير" أخرجه الطبراني عن ابن مسعود بسند ضعيف كما في مجمع [4/ 259]. الرابع: أن تكون ولودًا ودودًا لما روى النسائي وغيره عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد أفاتزوجها، فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم". والخامس: أن تكون حسنة القيام بأمور البيت لما ورد في حديث ابن عمر (المرأة راعية على بيت زوجها وولده" أخرجه البخاري في النكاح والأحكام. والسادس: أن تكون مطيعة لزوجها لما أخرجه النسائي عن أبي هريرة قال: قيل يا

3524 - (1395) (155) وحدَّثني حَرمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدثَنِي ابْنُ الْمُسَيبِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن الْمَرْأَةَ كَالضلعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره". والسابع: أن تكون عفيفة لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ} [النور: 3]. والثامن: أن تكون ذات جمال يستحسنه الرجل لما مر في باب استحباب نكاح ذات الدين. والتاسع: أن لا تكون غيرتها شديدة لما روى أنس رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: "إن فيهم لغيرة شديدة" أخرجه النسائي. والعاشر منها: أن تكون خفيفة المؤنة لا يحتاج نكاحها إلى مؤونة شديدة وذلك لما أخرجه أحمد والحاكم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يُمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها" صححه الحاكم وأقره الذهبي، وقال العراقي: سنده جيد. والمراد من تيسير الرحم أن تكون سريعة الحمل كثيرة النسل، راجع الفتح الرباني. وأخرج البزار عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة" راجع كشف الأستار عن زوائد البزار والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ من التكمِلة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3524 - (1395) (155) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني) سعيد (بن المسيب) بن حزن (عن أبي هريرة) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المرأة كالضلع) بكسر الضاد وفتح اللام واحد الأضلاع؛ وهي عظام الجنبين، ووجه الشبه الاعوجاج، قال أهل اللغة: الضلع مؤنث، والمشهور في لامها الفتح وقد

إِذَا ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا. وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفيهَا عَوَجٌ". 3525 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بن حَربٍ وَعَبدُ بن حُمَيد. كِلاهُمَا عَن يَعقُوبَ بنِ إِبراهِيمَ بنِ سَعدٍ، عَنِ ابْن أَخِي الزهرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ تُسكن (إذا ذهبت) وقصدت أن (تقيمها كسرتها) أي إذا أردت أيها الرجل تسوية عوجها وتقويمه كسرتها، ويأتي أن كسرها طلاقها (وإن تركتها) على حالها (استمتعت بها) أي تمتعت بها (وفيها عوج) أي اعوجاج، ضبطه بعضهم هنا بفتح العين وبعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر، وضبطه ابن عساكر بالكسر وهو الأرجح على ما سننقله من أهل اللغة إن شاء الله تعالى قريبًا، قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين، ويقال فلان في دينه عوج بالكسر هذا كلام أهل اللغة، قال صاحب المطالع: قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل شخص مرئي، وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام اهـ. وفي الحديث دليل لما يقوله المفسرون أن حواء خُلقت من ضلع آدم، قال القرطبي: أي أخرجت منه كما تخرج النخلة من النواة، واختلف متى خُلقت من ضلع آدم قيل قبل دخوله الجنة، وقيل في الجنة اهـ نواوي، قال الثعالبي: لما أسكن. الله آدم الجنة كان يمشي فيها وحشًا لم يكن من يؤانسه فألقى الله عليه النوم فنام فأخذ القصيراء من أضلاعه دون أن يجد آدم ألمًا لذلك، وفيه إشارة إلى تنويم أهل العصر الحديث المريض بالبنج عندما يعملون العملية، فخلق منها حواء ثم ألبسها وزينها بأنواع الزينة وأجلسها عند رأسه، وفيه إشارة إلى تزيين العروس الآن، فلما انتبه وجدها عند رأسه فسألته الملائكة عنها ليمتحنوا علمه فعرفهم باسمها وبما خُلقت له اهـ من الأبي: قال النواوي: وفي هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5184]، والترمذي [1188]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3525 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب وعبد بن حميد كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (عن) محمد (بن أخي الزهري) عبد الله بن مسلم بن شهاب الزهري المدني، صدوق،

عَن عَمِّهِ، بِهذَا الإِسنَادِ، مِثلَهُ سَوَاء. 3526 - (00) (00) حدثنا عَمرٌو الناقِدُ وَابنُ أَبِي عُمَرَ. (وَاللفظُ لابنِ أَبِي عُمَرَ) قَالا: حَدَّثَنَا سُفيَانُ، عَن أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إنَّ المَرأَةَ خُلِقَت مِن ضِلعٍ. لَن تَستقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ. فَإنِ استَمتعتَ بِهَا استمتَعتَ بِهَا وَبِهَا عَوَجٌ. وَإِن ذَهَبتَ تُقِيمُهَا كسَرتَهَا وكَسرُهَا طَلاقهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري (بهذا الإسناد) يعني عن ابن المسيب عن أبي هريرة وساق ابن أخي الزهري (مثله) أي مثل ما روى يونس عن ابن شهاب، غرضه بيان متابعة ابن أخي الزهري ليونس بن يزيد في الرواية عن ابن شهاب. وقوله: (سواء) حال من مثله وهو تأكيد لمعنى المماثلة، والتقدير حالة كون ذلك المثل مساويًا للحديث السابق لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3526 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد (ابن) يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لابن المسيب (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المرأة) أي إن أصلها وأمها وهي حواء (خُلقت) أي أخرجت (من ضلع) آدم الأعوج؛ أي أخرجت منها كما تخرج النخلة من النواة، ويحتمل أنه تمثيل أي مثل ضلع في الاعوجاج أي فهي كالضلع الأعوج، ويشهد له قوله: (لن تستقيم) أي لن تثبت (لك على طريقة) مستقيمة عادلة (فإن استمتعت بها) أي أردت الاستمتاع بها (استمتعت بها) أي تمتعت بها (وبها عوج) أي والحال أن بها ميلًا عن حالة الاعتدال (وإن ذهبت) أي قصدت أن (تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها) يعني إن كان لا بد من الكسر فكسرها طلاقها، والطلاق بلا سبب شرعي مكروه، وقال تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سَبِيلًا} وفي حديث

3527 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بن عَلِيّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِم، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أَمرًا فَليَتَكَلمْ بِخَير ـــــــــــــــــــــــــــــ الجامع الصغير: "إن المرأة خُلقت من ضلع، وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها فدار لها تعش معها". وهذا الحديث من أبلغ الكلام وأحسن التشبيه والمراد أنه لا ينبغي للرجل أن يطمع في استقامة المرأة كل الاستقامة فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها ومن تركها على ما هي عليه انتفع بها، وفيه إشارة إلى أن بعض الاعوجاج في أخلاق المرأة ليس بعيب فيها كما أنه ليس بعيب في الضلع فلا ينبغي للرجل أن يطلب فيها أخلاق الرجال فإن الله تعالى قد خلق كلًّا من الصنفين بخصائص لا توجد في الآخر، والمراد بتشبيه المرأة بالضلع أن استواءَهَا والانتفاع بها مع اعوجاجها قال الشاعر: هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفًا واقتدارًا على الفتى ... أليس عجيبًا ضعفها واقتدارها ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3527 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7) (عن مبسرة) بن عمار، وقيل ابن تمام الأشجعي الكوفي، روى عن أبي حازم في النكاح، وأبي عثمان النهدي وسعيد بن المسيب وعكرمة، ويروي عنه (خ م س) وزائدة بن قدامة والثوري وزهير بن معاوية وغيرهم، وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: من السادسة، وليس في مسلم من اسمه ميسرة إلا هذا الثقة (عن أبي حازم) الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يومن بالله واليوم الآخر فإذا شهد) الفاء زائدة في جواب الشرط أي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إذا رأى من زوجته (أمرًا) لا ينبغي كنشوز واستطالة عليه (فليتكلم بخير) أي بكلام حسن طيب، كأن يعظها ويقول لها:

أَوْ لِيَسْكُتْ. وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ. فَإنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ. وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ. إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ. وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ. اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ اعلمي أن النشوز مسقط للنفقة ويوجب لك اللعنة من الله (أو ليسكت) عن الكلام مطلقًا أو عن الكلام السيئ كسبها والطعن في عرضها ونسبها وحسبها (واستوصوا بالنساء) أي اقبلوا وصيتي فيهن وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن اهـ مناوي، لأن فيه رمزًا إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه فيؤخذ منه أن لا يتركهن على الاعوجاج إذا تعدت إلى تعاطي المعصية، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة اهـ عسقلاني، وفي التيسير: من الوصية بهن تأديبهن إن تعين، سمع أبو حنيفة امرأة تصيح لضرب زوجها لها فقال: صدقة مقبولة وحسنة مكتوبة، فقيل له: كيف؟ قال لحديث: "ضرب الجاهل صدقة" وأنا أعرفها جاهلة اهـ من بعض الهوامش. قال الأبي: الاستيصاء قبول الوصية، فالمعنى أوصيكم بهن خيرًا فاقبلوا وصيتي فيهن (فإن المرأة خُلقت من ضلع) أي من أصل معوج، فإن أول النساء وهي حواء كما جاء في الحديث أخرجت من ضلع آدم (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) الذي يلي الإبط وهو أقصره مرة (إن ذهبت) وقصدت (تقيمه) أي أن تقيم ذلك الضلع الأعوج وتعدله، وأعاد الضمير عليه مذكرًا على تأويله بالعضو وإلا فالضلع مؤنث كما مر (كسرته) أي كسرت ذلك الضلع (وإن تركته) بلا تعديل (لم يزل أعوج) واستعمال أعوج من عوج شاذ لأنه من العيوب يعني أنها خُلقت من أعوج أجزاء الضلع فلا يتهيأ الانتفاع بها إلا بالصبر والمداراة معها على تعوجها، ذكر ذلك مبالغة في إثبات هذه الصفة لها (استوصوا بالنساء خيرًا) ختم بما بدأ به ذهابًا إلى شدة المبالغة في الوصية بهن، ويحتمل أنه يكون من الخطاب العام أي ليوص بعضكم بعضًا بهن، ويحتمل أن تكون السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن اهـ أبي. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قوله: (إن المرأة خُلقت من ضلع) ويحتمل أن يكون هذا تشبيهًا ويؤيده ما مر في الرواية السابقة من التصريح بحرف التشبيه، ويحتمل أن يكون بيان أن المرأة قد خُلقت من ضلع آدم - عليه السلام -، قال النووي: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء وغيرهم أن حواء خُلقت من ضلع آدم كان النووي يشير إلى قول الشافعي رحمه الله تعالى: إن الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى لما خلق آدم خُلقت حواء من ضلعه القصير فصار بول الغلام من الماء والطين وبول الجارية من اللحم والدم أخرجه ابن ماجه في باب بول الصبي الذي لم يطعم، ولكنه ليس قولًا للفقهاء فقط، وإنما هو مروي من عدة آثار فقد أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس أن حواء خُلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم، وكذا أخرجه ابن أبي حازم وغيره من حديث مجاهد ذكرهما الحافظ في الفتح، ويؤيده قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}. قوله: (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها. قوله: (استوصوا بالنساء خيرًا) فيه إشارة إلى أن تشبيه المرأة بالضلع لا ينافي إيصاءهن بالخير وأمرهن بالمعروف فالمراد أن المرأة إنما تقوم برفق بحيث لا يبالغ فيه فتكسر ولا يتركه فتستمر على عوج، وإلى هذا المعنى أشار البخاري حيث أتبع هذا الحديث بباب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} فيؤخذ منه أنه لا يتركها على العوج إذا تعدت بما طُبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية أو ترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة وفيما لا يضر عوجها فيه ضررًا بينًا وإلا لما أمر الله تعالى بقوله: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} ولَمَا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها في تعليق القرام. فالحاصل أن حديث الباب لا ينهى عن تقويم المرأة وتأديبها مطلقًا، وإنما ينهى عن المبالغة والتشدد في ذلك ويندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتأليف القلوب إلى سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على ما جُبلت عليه من العوج وإلى ترك المسارعة في أمر الطلاق والله أعلم. (فائدة مستطردة): قال الغزالي في الإحياء: وكانت نساء العرب يُعلمن بناتهن اختبار الأزواج، كانت المرأة تقول لابنتها: اختبري زوجك قبل الإقدام والجرأة عليه، انزعي زج رمحه فإن سكت على ذلك فقطعي اللحم على ترسه، فإن سكت على ذلك فكسري العظام بسيفه فإن صبر فاجعلي الإكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمارك اهـ إتحاف السادة المتقين للزبيدي اهـ تكملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

3528 - (1396) (156) وحدَّثني إِبرَاهِيمُ بن مُوسَى الرَّازِي. حَدَّثَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابنَ يُونُسَ). حَدَّثَنَا عَبدُ الحَمِيدِ بن جَعفَرٍ، عَن عِمرَانَ بنِ أَبِي أنسٍ. عَن عُمَر بْنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا يَفرَك مُؤمِنٌ مُؤمِنَةً. إِن كَرهَ مِنهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنهَا آخرَ" أو قَال: "غيرَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3528 - (1396) (156) (وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق (الرازي) ثقة، من (10) (حدثنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله الأنصاري أبو الفضل المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن عمران بن أبي أنس) القرضي العامري المدني أو المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عمر بن الحكم) بن رافع الأنصاري أبي حفص المدني، حليف الأوس، روى عن أبي هريرة في النكاح والفتن، وعبد الله بن عمرو في العلم، وجابر وكعب بن مالك، ويروي عنه (م دت س) وعمران بن أبي أنس وابن أخيه جعفر بن عبد الله بن الحكم وعبد الحميد بن جعفر، وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في المات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد رازي (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك) من بابي سمع ونصر، يقال فركه يفركه إذا أبغضه، والفرك البغض، أي لا يبغض (مؤمن) يعني زوجًا (مؤمنة) يعني زوجة، أي لا يبغضها بغضا يؤدي إلى تركها وإعراضه عنها، قال الأبي: الفِرك بكسر الفاء هو بغض أحد الزوجين الآخر، قيل فهو نفي في معنى النهي أي لا ينبغي للرجل أن يبغضها بغضا تاما إذا رأى منها ما يكره لأنه (أن كره منها خُلقًا) لا يوافقه (رضي منها) خُلقا (آخر) يوافقه فيُقابل هذا بذاك (أو قال) أبو هريرة: رضي منها (غيره) أي غير الخُلق الذي كره، والشك من عمر بن الحكم أو ممن دونه، ويحتمل أن يكون من أبي هريرة، قال القرطبي: أي لا يبغضها بغضا كليًّا يحمله على فراقها أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيئها لحسنها ويتغاضى عما يكره لما يحب، وأصل الفرك إنما يقال في النساء يقال: فركت المرأة زوجها تفركه وأبغض الرجل امرأته، وقد استعمل الفرك في الرجل قليلًا وتجوزًا، ومنه ما في هذا الحديث اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

3529 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا عِمرَانُ بن أَبِي أَنس، عَن عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِمِثلِهِ. 3530 - (1397) (157) حدثنا هَارُونُ بن مَعرُوف. حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بن وَهبٍ. أَخبَرَنِي عَمرُو بن الْحَارِثِ؛ أَن أَبَا يُونُسَ، مَولَى أَبِي هُرَيرَةَ، حَدَثهُ عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَولا حَواءُ، لَمْ تَخُن أُنثَى زَوجَهَا الدهرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3529 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) الأنصاري المدني (حدثنا عمران بن أبي أنس) القرشي المدني (عن عمر بن الحكم) الأنصاري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي عاصم لعيسى بن يونس (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أبو عاصم (بمثله) أي بمثل حديث عيسى بن يونس، وفائدتها بيان كثرة طرقه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3530 - (1397) (57 1) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أيوب المصري، ثقة، من (7) (أن أبا يونس) سليم بن جبير (مولى أبي هريرة) الدوسي المدني، ثقة، من (3) (حدثه) أي حدّث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد مروزي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا حواء) أي لولا خيانة حواء لآدم وغشها له بتزيين أكل الشجرة له، أي لولا خيانتها لآدم موجودة (لم تخن أنثى زوجها الدهر) أي أبدًا، أي لولا أن حواء خانت آدم في إغرائه وتحريضه على مخالفة النهي بتناول الشجرة وسنت هذه السنة لما سلكتها أنثى مع زوجها اهـ قاضي، وذلك خيانة منها له فنزع العرق في بناتها، وليس

3531 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بن رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّه. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ. مِنهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ المراد بالخيانة هنا الزنا اهـ مناوي، إذ خيانة الفجور لم تقع من امرأة نبي قط ذكره الزمخشري في تفسير سورة التحريم عند قوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا}. وانتصاب الدهر على الظرفية أي أبدًا، وقال القرطبي: يعني أنها أمهن فأشبهنها بالولادة ونزع العرق لما جرى في قصة الشجرة مع إبليس فإنه أغواها من قبل آدم حتى أكلت من الشجرة، ثم إنها أتت آدم فزينت له ذلك حتى حملته على أن أكل منها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3330]. وقوله: (لولا حواء) بالمد، قال ابن عباس: سُميت حواء لأنها أم كل حي، أو لأنها خُلقت من ضلع آدم القصرى اليسرى وهو حي قبل دخوله الجنة، وقيل فيها، قاله العيني، وقيل إنها ولدت لادم أربعين ولدًا في عشرين بطنًا في كل بطن ذكر وأنثى، وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور، وينبغي لهن أن لا يتمسكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن كذا في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3531 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أحدثه لكم من هذه الصحيفة (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا إشارة إلى أن هذا الحديث مأخوذ من الصحيفة الصادقة التي أملاها أبو هريرة على تلميذه همام بن منبه، وهذا الحديث هو الحديث السابع والخمسون من تلك الصحيفة [ص 99] بهذا اللفظ بعينه، وهذه الصحيفة موجودة أيضًا في مسند أحمد [2/ 312 - 318]. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لأبي يونس (فذكر) همام (أحاديث منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لَولا بَنُو إِسرَائِيلَ، لَم يخبُثِ الطعَامُ، وَلَم يَخنَزِ اللحمُ. وَلَولا حَوَّاءُ، لَم تَخُن أُنثَى زَوجَهَا الدهرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لولا بنو إسرائيل) أي لولا ادخار بني إسرائيل الطعام واللحم في زمن موسى - عليه السلام - أي لولا ادخارهم موجود (لم يخبث الطعام) بضم الموحدة من باب فعل المضموم أي لم يفسد الطعام ولم تتغير رائحته بطول الزمان (ولم يخنَزِ) بفتح النون وكسرها، من باب ضرب وفتح ومصدره الختز والخنوز أي لم ينتن (اللحم) ولم يتغير، أي لولا ادخارهم اللحم الذي نهوا عن ادخاره موجود لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم إذا ادخرا، قال العلماء: معناه أن بني إسرائيل أنزل الله عليهم المن والسلوى ونُهوا عن ادخارهما، فادخروا ففسد وأنتن عقوبة لهم على ادخارهم واستمر ذلك من ذلك الوقت، قال الفيومي: إن أهل الحجاز إذا أطلقوا الطعام عنوا به البُر خاصة، وفي العرف الطعام اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يُشرب اهـ. قال القاضي عياض: لما أنزل الله سبحانه المن والسلوى على بني إسرائيل فكان يسقط عليهم في مجالسهم كالثلج من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فيؤخذ منه كل يوم ما يُغني ذلك اليوم إلا يوم الجمعة فإنهم يأخذون له وللسبت إلى أن قصدوا إلى أكثر من ذلك وادخروه ففسد فكان ادخارهم فسادًا عليهم وعلى غيرهم أبدًا. (فائدة مستطردة): أخرج الإمام أبو نعيم الأصبهاني عن وهب بن منبه قرأت في بعض الكتب: لولا أني كتبت النتن على الميت لحبسه الناس في بيوتهم، ولولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء، ولولا أني أذهبت الهم والغم لم تعمر الدنيا ولم أعبد" راجع له ترجمة وهب بن منبه من حلية الأولياء [4/ 37 و 38]. (ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر) مر الكلام فيه قريبًا. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم 18 - كتاب الطلاق ـــــــــــــــــــــــــــــ 18 - كتاب الطلاق والطلاق لفظ جاهلي جاء الشرع بتقريره، وهو لغة: حل القيد؛ أي فكه سواء كان ذلك القيد حسيًا كقيد البهيمة أو معنويًا كعصمة النكاح فلذلك كان المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي لأن القيد فيه معنوي فقط كما هو القاعدة الغالبة، ومن المعنى اللغوي قولهم ناقة طالقة أي محلول قيدها إذا كانت مرصلة بلا قيد، ومنه ما في قول الإمام مالك رحمه الله تعالى: العلم صيد والكتابة قيده ... قيد صيودك بالحبال الواثقه فمن الحماقة أن تصيد غزالة ... وتفكها بين الخلائق طالقه وشرعًا: حل قيد النكاح المنعقد بين الأزواج بألفاظ مخصوصة كطلاق ونحوه، فخرج بقولنا بألفاظ مخصوصة الفسخ وهو إزالة ما يتوهم انعقاده لموجب يمنع العقد كعيب من عيوب النكاح فلا يسمى طلاقًا، وقد يطلق الفسخ ويراد به الطلاق اهـ من المفهم. وأركانه خمسة: صيغة وهي قسمان صريح وكناية، فالصريح كل لفظ لا يحتمل غير الطلاق وهي ثلاثة ألفاظ: الطلاق، والفراق، والسراح، أي ما اشتق منها كطلقتك، وأنت طالق وفارقتك، وأنت مفارقة، وسرحتك، وأنت مسرحة، ومن الصريح الخلع إن ذكر المال معه ولا يفتقر صريح إلى النية، والكناية كل لفظ احتمل الطلاق وغيره ولا يقع به الطلاق إلا بالنية كالحقي بأهلك، وأنت برية. ومحل وهو الزوجة، وولاية عليه، وقصد، ومطلق اهـ من البيجوري على متن أبي شجاع.

543 - (29) باب في طلاق السنة

543 - (29) باب في طلاق السنة 3532 - (1398) (158) حدثنا يَحْيَى بن يَحيَى التَّمِيمِي قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنّهُ طَلقَ امرَأَتَه وَهِيَ حَائِض. فِي عَهدِ رَسُولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَسَأَلَ عُمَرُ بن الْخَطابِ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ ذلِكَ؟ فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مُرهُ فَليُرَاجِعْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 543 - (29) باب في طلاق السنة وهو الطلاق الجائز وهو أن يوقع الزوج الطلاق في طهر غير مجامع فيه فخرج به طلاق البدعة وهو الطلاق الحرام وهو أن يوقع الزوج الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه كما هو مبسوط في كتب الفروع. 3532 - (1398) (158) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) النيسابوري (قال: قرأت على مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن نافع) العدوي مولاهم (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أنه) أي أن ابن عمر (طلق امرأته) أي زوجته. ذكر النووي في تهذيب الأسماء: أن اسمها امنة بنت غفار -بكسر الغين وتخفيف الفاء- وقيل آمنة بنت عمار، ووقع في مسند أحمد بسند على شرط الشيخين أن عبد الله طلق امرأته النوّار، ويمكن الجمع بينهما بان يكون اسمها آمنة ولقبها النوّار هذا ملخص ما في فتح الباري وتلخيص الحبير (وهي) أي والحال أنها (حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته، متعلق بطلق (فسأل) والده (عمر بن الخطاب) رضي الله عنهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن طلاقه في حالة الحيض هل هو جائز أم لا؟ وهل هو واقع أم لا؟ أي سأله عن حكمه، أي طلق امرأته تطليقة كما صرح به في بعض الرواية فذكر ذلك لوالده عمر فذكر عمر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال له) أي لعمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ) أي مُرْ ولدك عبد الله برجعتها إلى نكاحه (فليراجعها) إلى نكاحه، وفي الرواية الأخرى (أن أباه عمر لما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم تغيظ ثم أمره بمراجعتها) فيه دليل على أن الطلاق في الحيض يحرم فإنه أنكره بتغيظه عليه مع أن ابن عمر لم يكن عرف تحريم ذلك عليه فتغيظ بسبب ذلك وأمره بالمراجعة وهو مذهب الجمهور اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فسأل عمر بن الخطاب) قال ابن العربي: سؤال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك يحتمل وجوها منها أنهم لم يروا قبل هذه النازلة مثلها فأراد السؤال ليعلموا الجواب، ويحتمل أن يكون ذلك معلومًا عنده بالقرآن وهو قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وقد عدم أن هذا ليس بقرء فافتقر إلى معرفة كيفية الحكم فيه، ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك، كذا في عارضة الأحوذي [5/ 126]. قال القرطبي: واختلف في منع الطلاق في الحيض فقيل هو تعبدي غير معقول المعنى، وقيل هو معلل بتطويل العدة وهذا على أصلنا في أن الأقراء هي الأطهار وينبني على هذا الخلاف الخلاف في المطلقة قبل الدخول والحامل في حال الحيض فإذا قلنا هو تعبدي لم يجز أن يطلقا وهما حائضان، وإذا قلنا هو للتطويل جاز ذلك لأن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها، ولأن عدة الحامل وضع حملها، وقيل إن علة ذلك خوف الإسراع إلى الطلاق والتساهل فيه بسبب أنه لا يتلذذ الزوج بوطئها لأجل الحيض بل تنفر نفسه منها ويهون عليه أمرها غالبًا فقد تحمله تلك الحالة على الإسراع إلى الطلاق والتساهل فيه، و (الطلاق أبغض الحلال إلى الله) كما قاله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وابن ماجه، لأنه نقيض الألفة المطلوبة شرعا، وإنما شُرع الطلاق تخلصًا من الضرر اللاحق بالزوج، ولذلك كره الطلاق من غير سبب، وإلى هذا الإشارة بقوله: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) وبقوله: (والمرأة خُلقت من ضلع أعوج) الحديثين المتقدمين اهـ من المفهم. وقوله: (مُرْه) أصله أأمره بهمزتين أولاهما للوصل مضمومة تبعًا للعين مثل اقتل والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفا من جنس حركة سابقتها فتقول أومر فإذا وصل الفعل بما قبله زالت همزة الوصل وسُكنت الهمزة الأصلية كما في قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} لكن استعملها العرب بلا همزة فقالوا: مُرْ لكرة الدوران على الألسنة ولأنهم حذفوا أولًا الهمزة الثانية تخفيفًا ثم حذفوا همزة الوصل استغناء عنها لتحرك ما بعدها وكذا حُكم أأخذ وأ أكل كما بسطنا الكلام على ذلك في شرحنا مناهل الرجال على لامية الأفعال فراجعه إن شئت. (فليراجعها) ظاهره وجوب الرجعة على من طلق امرأته وهي حائض طلاقًا رجعيًّا وهو قول مالك وداود الظاهري وإحدى الروايتين عن أحمد

ثُمَّ لْيتركْهَا حَتَّى تطْهُرَ. ثُمَّ تَحِيضَ. ثُمَّ تَطْهُرَ. ثُمَّ، إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ. فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو المختار عند الحنفية، وقال الشافعي: لا تجب الرجعة، وإنما هي مستحبة وهو المختار عند الحنابلة كما في المغني. واحتج القائلون بالوجوب بصيغة الأمر، وبأن الطلاق في حالة الحيض معصية فوجب التخلص عنها بالقدر الممكن وتعذر ارتفاع المعصية لا يصلح صارفًا للصيغة عن الوجوب لجواز إيجاب رفع أثرها وهو العدة وتطويلها إذ بقاء الشيء بقاء ما هو أثره من وجه فلا تترك الحقيقة واحتج القائلون بالاستحباب بأن ابتداء النكاح غير واجب فاستدامته كذلك، وأما صيغة الأمر في حديث الباب فمحمولة عندهم على الاستحباب اهـ تكملة. وفيه دليل على أن الطلاق في الحيض يقع ويلزم وهو مذهب الجمهور خلافًا لمن شذ وقال إنه لا يقع لأنه غير مأذون فيه وهُمْ بعض الظاهرية، ثم إذا حكمنا بوقوعه اعتد له بها من عدد الطلاق الثلاث كما قال نافع وابن عمر في هذا الحديث على ما يأتي (ثم ليتركها) أي ليمسكها كما هو رواية أبي داود (حتى تطهر) من الحيضة التي طلقها فيها (ثم تحيض) حيضة أخرى (ثم تطهر) أي من الحيضة الثانية (ثم) بعدما طهرت من الحيضة الثانية (أن شاء) إمساكها في نكاحه (أمسكـ) ـها في نكاحه (بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن المضاف إليه ونية معناه أي بعد الطهر من الحيضة الثانية (وإن شاء) تطليقها (طلقـ) ـــها في الطهر الثاني (قبل أن يمسـ) ــها أي يجامعها (فإن قلت): الأمر بالرجعة كان لدفع المعصية فما فائدة الأمر بتأخير الطلاق إلى طهر بعد الطهر الذي يلي الحيض؟ قلنا فائدته لئلا تكون الرجعة لأجل الطلاق في الطهر لأنها حينئذٍ مكروهة كما يكره النكاح للطلاق اهـ مبارق، وفي التأخير المذكور فائدة أخرى وهي امتداد مقامه معها فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها فبقاء الزواج أحب من وقوع الفراق على أنها ما كانت راضية بالطلاق اهـ منه، والإشارة في قوله: (فتلك) راجعة إلى الحالة التي عينها بقوله المتقدم لجواز إيقاع الطلاق وهي أن تكون في طهر لم تمس فيه، وهو مبتدأ خبره (العدة) أي فتلك الحالة التي هي الطهر الثاني زمن الشروع في العدة (التي أمر الله عزَّ وجلَّ أن يُطلّق لها) أي فيها (النساء) بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ

3533 - (00) (00) حدثنا يَحيَى بن يَحْيَى وَقُتَيبَةُ وَابْنُ رُمحٍ (وَاللفظُ لِيَحْيَى). (قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا لَيثٌ. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا الليثُ بن سَعْدٍ) عَن نَافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنهُ طَلقَ امرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. تَطلِيقَةً وَاحِدَةً. فَأمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 6]، والبخاري [5332]، وأبو داود [2179]، والنسائي [6/ 138]، وابن ماجه [2019]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3533 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر المصري (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قال قتيبة: حدثنا ليث، وقال الآخران؛ أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لمالك بن أنس (أنه) أي أن ابن عمر (طلق امرأة) أي زوجة (له) آمنة بنت غفار، وقوله: (وهي حائض) جملة حالية من امرأة لتخصصها بالجار والمجرور أي طلقها حالة كونها حائضًا، وقوله: (تطليقة واحدة) مفعول مطلق لطلق مبين لعدد عامله فظهر من هذه الرواية أن ابن عمر إنما طلقها طلقة واحدة، ولو طلقها ثلاثًا لكان طلاقه بائنًا، فما وقع في بعض الروايات أنه كان طلقها ثلاثًا وهم بلا شبهة وسيأتي تأكيد ذلك عند المصنف في رواية محمد بن سيرين أنه مكث عشرين سنة يزعم أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثًا ثم أخبره يونس بن جبير بخلاف ذلك، وقال الدارقطني بعد نقل رواية التطليقات الثلاث: هؤلاء كلهم من الشيعة، والمحفوظ أن ابن عمر طلق امرأته واحدة في الحيض كذا في سنن الدارقطني [4/ 7]، وقد تظاهرت روايات مسلم بأنها طلقة واحدة (فأمره) أي فأمر ابن عمر بواسطة والده عمر بن الخطاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها) أي أن يراجع امرأته المطلقة إلى نكاحه بلفظ الرجعة استدامة لنكاحه، والأمر بالندب عند الشافعية والحنابلة والحنفية، وقال المالكية وصححه صاحب الهداية من الحنفية للوجوب ويجبر على مراجعتها ما بقي من العدة شيء. قال ابن القاسم وأشهب وابن المواز: يُجبر عندنا بالضرب والسجن والتهديد اهـ

ثُم يُمسِكَهَا حَتى تَطهُرَ. ثم تَحِيضَ عِندَهُ حَيضَة أخرَى. ثُم يُمهِلَهَا حَتى تَطهُرَ مِن حَيضَتِهَا. فَإِن أرَادَ أَن يُطَلقَهَا فَليُطَلقهَا حِينَ تَطهُرُ مِن قَبلِ أن يُجَامِعَهَا. فَتِلكَ العِدةُ التِي أَمَرَ اللهُ أَن يُطَلقَ لَهَا النسَاءُ. وَزَادَ ابنُ رُمح فِي رِوَايَتِهِ: وَكَانَ عَبدُ اللهِ إِذَا سُئِلَ عَن ذلِكَ، قَال لأَحَدِهِم: أَما أنْتَ طَلَّقتَ امرَأتَكَ مَرَّةَ أَو مَرتَينِ. فَإن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولنا قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وغيره من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها فجُمع بين الآيات والحديث بحمل الأمر على الندب ولأن المراجعة لاستدراك النكاح وهو غير واجب في الابتداء، قال الإمام: ومع استحباب الرجعة لا نقول إن تركها مكروه، لكن قال في الروضة: فيه نظر وينبغي كراهته لصحة الخبر فيه ولدفع الإيذاء، ويسقط الاستحباب بدخول الطهر الثاني اهـ من الإرشاد (ثم يمسكها) في نكاحه، والمراد الأمر باستمرار الإمساك لها وإلا فالرجعة إمساك، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية (ثم ليدعها) (حتى تطهر) من الحيضة التي طلقت فيها (ثم تحيض عنده) مرة ثانية (حيضة أخرى) أي غير الأولى (ثم) بعد أن تحيض حيضة أخرى (يمهلها) أي ينتظرها (حتى تطهر من حيضتها) الأخيرة ثم بعد طهرها من الحيضة الثانية (فـ) ـليختر بين طلاقها وإمساكها (أن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر) من الحيضة الثانية (من قبل أن يجامعها) في الطهر الثاني (فتلك) الحالة يعني حالة الطهر من الحيضة الثانية (العدة) أي زمن الشروع في عدة الطلاق الثاني إن طلقها (التي أمر الله) تعالى؛ أي أذن (أن يطلق لها) أي فيها (النساء) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}. (وزاد) محمد (بن رمح في روايته) على غيره لفظة (وكان عبد الله) بن عمر (إذا سئل عن ذلك) أي عن طلاق المرأة في الحيض (قال لأحدهم) أي لأحد السائلين له (أما أنت) قال القاضي عياض: هذا اللفظ مشكل فقيل تقديره إن كنت (طلقت امرأتك مرة أو مرتين) أي طلقة أو طلقتين، وجواب إن الشرطية محذوف تقديره فراجعها فحذفت (كنت) وعوضت عنها ما الزائدة وفتحت همزة إن الشرطية للتخفيف وأدغمت نونها في ما الزائدة فأتي بأنت بدل تاء المخاطب في (كنت)، ويدل على هذا قوله بعده: (وإن كنت طلقتها ثلاثًا) والفاء في قوله: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم) معللة للجواب

أَمَرَنِي بِهذَا. وإن كُنْتَ طَلقْتَهَا ثَلاثًا فَقَد حَرُمَت عَلَيكَ حَتى تَنكِحَ زَوْجا غَيرَكَ. وَعَصيتَ اللهَ فِيمَا أَمَرَكَ مِن طَلاقِ امرَأَتِكَ. قَال مُسلِمٌ: جَودَ الليثُ فِي قَولِهِ: تَطلِيقَةً وَاحِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ المحذوف، والتقدير إن كنت طلقت امرأتك طلقة أو طلقتين فراجعها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرني بهذا) أي بالرجعة (وإن كنت طلقتها ثلاثًا فقد) بانت منك فلا رجعة لك عليها و (حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك) وجامعها وطلقها ثلاثًا فتعتد من طلاقه فيكون محللًا لك (وعصيت الله) تعالى أي خالفته (فيما أمرك) به (من طلاق امرأتك) في حالة الطهر حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أي في زمن استقبال عدتهن وهو حالة الطهر فأنت طلقتها في حالة الحيض فليس طلاقك طلاق السنة بل هو طلاق البدعة الذي كان حرامًا (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى: (جود الليث) بن سعد (في) رواية الحديث و (قوله) أي زيادته على غيره لفظة (تطليقة واحدة) يعني أنه حفظ وأتقن قدر الطلاق الذي طلق به ابن عمر امرأته وعدده الذي لم يتقنه ولم يحفظه غيره أي لم يهمله كما أهمله غيره ولا غلط فيه وجعله ثلاثًا كما غلط فيه غيره، وقد تظاهرت رواية مسلم بأنها تطليقة واحدة اهـ من بعض الهوامش. قال القرطبي: قوله: (إما أنت طلقت امرأتك) هو بكسر الهمزة كقوله: أبا خراشة إما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع أي إن كنت فحذفوا الفعل الذي يلي (إن) الشرطية وجعلوا (ما) الزائدة عوضًا منه وأدغموا (إن) في (ما) ووضعوا (أنت) مكان (التاء) في (كنت) هذا قول النحويين فقد ظهر مما ذكره القاضي والقرطبي أن (أما) فيه روايتان فتح الهمزة كما ذكره القاضي وكسرها كما ذكره القرطبي. وقوله: (وعصيت ربك) يعني بالطلاق ثلاثًا في كلمة واحدة وظاهره أنه حرام وهو قول ابن عباس المشهور عنه وعمر بن الخطاب وعمران بن حصين وإليه ذهب مالك، وقال الكوفيون: إنه غير جائز وإنه للبدعة، وقال الشافعي: له أن يطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثًا كل ذلك سنة، ومثله قال أحمد بن حنبل إلا أنه قال أحب إليّ أن يوقع واحدة وهو الاختيار، والأول أولى لما يأتي إن شاء الله تعالى. وقوله: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا) إشارة إلى أمره صلى الله

3534 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بن عَبدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ. قَال: طَلقتُ امرَأَتِي عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: "مُرهُ فَلْيُرَاجِعهَا. ثُم ليَدَعها حَتى تَطهُرَ. ثُم تَحِيضَ حَيضَةً أُخْرَى. فَإذَا طَهُرَت فَليُطَلقهَا قَبلَ أَن يُجَامِعَهَا. أَو يُمسِكهَا. فَإنهَا العِدةُ التِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلقَ لَهَا النسَاءُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم بالمراجعة فكأنه قال للسائل إن طلقت تطليقة أو تطليقتين فأنت مأمور بالمراجعة لأجل الحيض وإن طلقت ثلاثا لم يكن لك مراجعة لأنها لا تحل لك إلا بعد زوج آخر، وكذا جاء مفسرًا في رواية أخرى في الأم. وقوله: (وإن كنت طلقت ثلاثًا فقد حرمت عليك) الخ، دليل على أن الطلاق من كلمة واحدة محرم لازم وهو مذهب الجمهور اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3534 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوي المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك وليث بن سعد (قال) ابن عمر: (طلقت امرأتي) أي زوجتي آمنة بنت غفار (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (وهي) أي والحال أنها (حائض) أي ذات حيض فذكرت ذلك لوالدي عمر بن الخطاب (فذكر ذلك) أي طلاقي في الحيض (عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (مُرْه) أصله أأمره كما مر أي مُرْ ابنك يا عمر بمراجعة زوجته (فليراجعها) إلى نكاحه (ثم ليدعها) أي يتركها بلا قربان لها (حتى تطهر) من الحيضة التي طلقت فيها (ثم تحيض) ثانيًا (حيضة أخرى فإذا طهرت) من الحيضة الثانية (فليطلقها) إن شاء (قبل أن يجامعها أو يمسكها) في نكاحه إن لم يشأ طلاقها (فإنها) أي فإن تلك الحالة يعني حالة الطهر من الحيضة الثانية (العدة) أي زمن استقبال العدة إن طلقها (التي أمر الله) أي أذن الله (أن يُطلّق لها) أي فيها (النساء) بقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.

قَال عُبَيْدُ اللهِ: قُلتُ لِنَافِعٍ: مَا صَنَعَتِ التطلِيقَةُ؟ قَال: وَاحِدَةٌ اعتَدَّ بِهَا. 3535 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَابنُ المُثَنى قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن إِدرِيس، عَن عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسنَادِ، نَحوَهُ. وَلَم يَذكُر قَولَ عُبَيدِ اللهِ لِنَافِع. قَال ابنُ المُثَنى فِي رِوَايَتِهِ: فَليَرجِعهَا. وَقَال أَبُو بَكرٍ: فَليُرَاجِعهَا. 3536 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بن حَربٍ. حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، عَن أَيوبَ، عَن نَافِع؛ أَن ابنَ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال عبيد الله) بن عمر بالسند السابق (قلت لنافع: ما صنعت التطليقة) التي أوقعها ابن عمر في الحيض وأُمر بالمراجعة بعدها، ما حكمها هل هي واقعة محسوبة من الطلاق الثلاث أم لا؟ (قال) نافع في جواب سؤال عبيد الله: نعم هي (واحدة) أي هي تطليقة واحدة (اعتد بها) أي أدخل بها ابن عمر في العد والحساب فهي معتد بها محسوبة غير ساقطة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 3535 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن المثنى قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (18) بابا (عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (نحوه) أي نحو ما حدّث عبد الله بن نمير، غرضه بيان متابعة ابن إدريس لابن نمير (و) لكن (لم يدكر) عبد الله بن إدريس (قول عبيد الله لنافع) ما صنعت التطليقة الخ و (قال ابن المثنى في روايته) عن عبد الله بن إدريس (فليرجعها) من رجع الثلاثي (وقال أبو بكر) في روايته عن ابن إدريس (فليراجعها) من راجع الرباعي والمعنى واحد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3536 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (عن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لمن

طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. فَسَأل عُمَرُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَأمَرَهُ أنْ يَرجِعَهَا ثم يُمهِلَهَا حَتى تَحِيضَ حَيضَةً أُخْرَى. ثُم يُمهِلَهَا حَتى تَطْهُرَ. ثُم يُطَلقَهَا قَبْلَ أنْ يَمَسَّهَا. فَتِلْكَ الْعِدةُ التِي أَمَرَ اللهُ أَن يُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءُ. قَال: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الرجُلِ يُطَلِّقُ امرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَقُولُ: أما أَنْتَ طَلقتَهَا وَاحِدَة أَو اثْنَتَينِ. إِن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا. ثُم يُمْهِلَهَا حَتى تَحِيضَ حَيضَةً أُخْرَى. ثُم يُمهِلَهَا حَتى تَطهُرَ. ثُم يُطَلقَهَا قَبلَ أنْ يَمَسهَا. وَأما أَنْتَ طَلقْتَهَا ثَلاثًا. فَقَد عَصَيتَ رَبكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلاقِ امرَأَتِكَ. وَبَانَتْ مِنْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن نافع (طلق امرأته) آمنة بنت عمار (وهي حائض) فأخبر ذلك لوالده عمر بن الخطاب (فسأل عمر) بن الخطاب (النبي صلى الله عليه وسلم) عن ذلك الطلاق (فأمره) أي فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بواسطة عمر بن الخطاب بـ (أن يرجعها) إلى نكاحه (ثم يمهلها) أي ينتظرها ويؤخرها (حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر) طهرًا ثانيًا (ثم يطلقها قبل أن يمسها) ويطأها (فتلك) الحالة يعني حالة الطهر هي (العدة) أي زمن العدة (التي أمر الله) تعالى وأذن (أن يُطلق لها) أي فيها (النساء) بقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} واستدل به على أن القُرء المذكور في قوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} المراد به الطهر كما ذهب إليه مالك والشافعي (قال فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول أما أنت) مر بسط الكلام فيه أي إن كنت (طلقتها) تطليقة (واحدة أو) طلقتها (اثنتين) والجواب محذوف تقديره فراجعها إلى نكاحك، وإنما أجاب ابن عمر السائل بهذا الجواب (أن رسول الله) أي لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم أمره) أي أمر ابن عمر (أن يرجعها) أي أن يراجع مطلقته إلى نكاحه، والمراجعة لا تصح إلا بعد الطلاق فالأمر بالمراجعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل كاف على أنه عدَّ ذلك طلاقًا وهو مذهب الجمهور بخلاف ابن حزم ومن وافقه القائلين بأن الطلاق في الحيض لا يقع ويقولون: إن المراد بالرجعة ها هنا هو معناها اللغوي وهذا تأويل بارد لا يَنْهض حجة (ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها) ويجامعها إن أراد طلاقها (وأما أنت) أي وإن كنت (طلقتها ثلاثًا فقد عصيت ربك) وخالفته (فيما أمرك به من طلاق امرأتك) في طهرها (وبانت) أي فارقت (منك) بالطلاق الثلاث وانفصلت فلا رجعة لك عليها.

3537 - (00) (00) حدثني عَبدُ بن حُمَيدٍ. أَخبَرَنِي يَعقُوبُ بن إِبرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا مُحَمدَ (وَهُوَ ابنُ أَخِي الزهرِي) عَن عَمِّهِ. أَخبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبدِ اللهِ؛ أَن عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قَال: طَلَّقتُ امرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ. فَذَكَرَ ذلِكَ عُمَرُ للنبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُم قَال: "مُرهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3537 - (00) (00) (حدثني عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (أخبرني يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا محمد) بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني، صدوق، من (6) كما ذكره بقوله: (وهو) أي محمد المذكور (ابن أخي) الإمام (الزهري) المعروف بجلالته وذلك الأخ عبد الله بن مسلم المذكور (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري المدني، ثقة، من (4) (أخبرنا سالم بن عبد الله) بن عمر، ثقة، من (3) (أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم بن عبد الله لنافع (قال) عبد الله: (طلقت امرأتي) آمنة (وهي حائض ردكر ذلك) أي طلاقي لها في الحيض (عمر) بن الخطاب اللنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ) أي غضب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لذلك أي لطلاقي في الحيض، وفيه دليل على حرمة الطلاق في الحيض لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغضب بغير حرام اهـ ملا علي، قال الحافظ ابن حجر: لم أر هذه الزيادة في رواية غير سالم وهو أجل من روى الحديث عن ابن عمر، وفيه إشعار بأن الطلاق في الحيض كان تقدم النهي عنه وإلا لم يقع التغيظ على أمر لم يسبق النهي عنه ولا يعكر على ذلك مبادرة عمر بالسؤال عن ذلك لاحتمال أن يكون عرف حكم الطلاق في الحيض وأنه منهي عنه ولم يعرف ماذا يصنع من وقع له ذلك، وقال ابن دقيق العيد: وتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرًا فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إذا عزم عليه كذا في فتح الباري [9/ 302]، وعلى ما قال ابن دقيق العيد يستنبط من الحديث أن الرجل ينبغي له مشاورة أستاذه أو مفتيه قبل الوقوع في الحادثة الجديدة اهـ تكملة. (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (مُره) أي مر ابنك عبد الله

فَلْيُرَاجِعْهَا. حَتَّى تَحِيضَ حَيضَةً أُخْرَى مُسْتقْبَلَة، سِوَى حَيضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا. فَإنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيضَتِهَا. فَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا. فَذلِكَ الطَّلاقُ لِلْعِدَّةِ كمَا أَمَرَ اللَّهُ". وَكَانَ عَبْدُ اللهِ طَلَّقَهَا تَطلِيقَةً وَاحِدَةً. فَحُسِبَتْ مِن طَلاقِهَا. وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. 3538 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ إِسحَاقُ بْنُ مَنصُورٍ. أَخبَرَنَا يَزِيدُ بن عَبدِ رَبهِ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن حَرب. حَدثَنِي الزبَيدِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمراجعة (فليراجعها) إلى نكاحه (حتى تحيض حيضة أخرى) أي غير الحيض الذي طُلقت فيه، وقوله: (مستقبلة) منها بصيغة اسم المفعول أي آتية لها صفة ثانية لحيضة وكذا قوله: (سوى حيضتها التي طلّقها فيها) صفة ثالثة (فإن بدا) وظهر (له أن يطلقها) بعد الحيضة الثانية (فليطلقها) حالة كونها (طاهرًا من حيضتها) الثانية (قبل أن يمسها) ويجامعها في ذلك الطهر (فذلك) الطلاق في الطهر قبل أن يمسها فيه، وهو مبتدأ خبره (الطلاق) أي هو الطلاق (للعدة) أي في زمن الشروع في العدة (كما أمر الله) تعالى بقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قال سالم بالسند السابق (وكان عبد الله بن عمر طلقها) أي طلق امرأته (تطليقة واحدة فحسبت) بالبناء للمجهول أي حسبت تلك الطلقة التي أوقعها في الحيض (من طلاقها) أي صارت محسوبة من الطلاق الثلاث الذي يملكها عليها، والظاهر أن الذي حسبها منه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم (وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 3538 - (00) (00) (وحدثنيه إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا يزيد بن عبد ربه) الزبيدي بضم الزاي، أبو الفضل الحمصي المؤذن، ثقة، من (10) روى عنه في (2) بابين الصلاة والطلاق (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني الحمصي، ثقة، من (9) مات ممنة (194) روى عنه في (4) أبواب (حدثني الزبيدي) بالزاي والباء مصغرًا، محمد بن الوليد بن

عَنِ الزهْرِيِّ، بِهذَا الإِسنَادِ. غَيرَ أَنهُ قَال: قَال ابنُ عُمَرَ: فَرَاجَعتُهَا. وَحَسَبتُ لَهَا التَّطْلِيقَةَ التِي طَلَّقْتُهَا. 3539 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بن حَرب وَابنُ نُمَيرٍ. (وَاللفظُ لأَبِي بَكرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَن سُفيَانَ، عَن مُحَمدِ بْنِ عَبدِ الرحمَنِ (مَولَى آلِ طَلحَةَ) عَن سَالِم، عَنِ ابنِ عُمَرَ؛ أَنّهُ طَلقَ امرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِض. فَذَكَرَ ذلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال: "مُرهُ فَليُرَاجِعهَا. ثُم ليُطَلِّقهَا طَاهِرًا أَو حَامِلًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري) محمد بن مسلم المدني. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الزبيدي لابن أخي الزهري في الرواية عن الزهري (بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن عبد الله (غير أنه) أي لكن أن الزبيدي (قال) في روايته (قال ابن عمر فراجعتها وحسبت) بتاء المتكلم في الفعلين (لها التطليقة التي طلقتها) من الثلاث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3539 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمد (بن نمير واللفظ) الآتي (لأبي بكر قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد التيمي مولاهم (مولى آل طلحة) بن عبيد الله، الكوفي، روى عن سالم بن عبد الله في الطلاق، وكريب مولى ابن عباس في الأدب والدعاء، وأبي سلمة بن عبد الرحمن في الرؤيا، والسائب بن يزيد، ويروي عنه (م عم) والسفيانان ومسعر وشعبة، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات (عن سالم عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن عبد الرحمن للزهري (أنه طلق امرأته وهي حائض فدكر ذلك) أي طلاقه (عمر) والده (للنبي صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (مُره فليراجعها ثم ليطلقها) إن شاء طلاقها (طاهرًا) كانت (أو حاملًا) لا حائضًا، دل الحديث على أن الحامل كالحائل الطاهر في جواز تطليقها وهي في مدة الحمل طاهرة لا تحيض فإن عادة الله سبحانه جرت بانسداد

3540 - (00) (00) وحدثني أَحمَدُ بن عُثمَانَ بنِ حَكِيم الأَوْدِي. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدثَنِي سُلَيمَانُ (وَهُوَ ابنُ بِلالٍ). حَدثَنِي عَبدُ اللهِ بن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنهُ طَلَّقَ امرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. فَسَأل عُمَرُ عَن ذلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: "مُرْهُ فَليُرَاجِعهَا حَتى تَطهُرَ. ثُم تَحِيض حَيضَةً أُخرَى. ثُم تَطهُرَ. ثُم يطَلقُ بَعْدُ، أَوْ يُمْسِكُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الرحم فيها إلى أن تضع وما رأته من الدم على تقدير وقوعه فهو استحاضة اهـ من بعض الهوامش. قال الحافظ: تمسك بهذه الزيادة من استثنى من تحريم الطلاق في طهر جامع فيه ما إذا ظهر الحمل فإنه لا يحرم، والحكمة فيه أنه إذا ظهر الحمل قد أقدم على ذلك على بصيرة فلا يندم على الطلاق فإنه يدل على رغبته عنها كذا في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 3540 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن عثمان بن حكيم) بن دينار (الأودي) أبو عبد الله الكوفي، روى عن خالد بن مخلد في الزكاة والطلاق وفضائل الصحابة وغيرها، ويروي عنه (خ م س ق) والمحاملي وخلق، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (11) مات سنة (261) (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من كبار (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبو عبد الرحمن المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لسالم بن عبد الله (أنه) أي أن ابن عمر (طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر) بن الخطاب (عن) حكم (ذلك) أي عن حكم طلاقه في الحيض (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (مُرْه) أي أأمر ابنك برجعتها (فليراجعها) ثم ليمسكها (حتى تطهر) من تلك الحيضة (ثم تحيض حيضة أخرى ثم تطهر ثم يُطلق بعد) أي بعد الطهر الثاني إن شاء طلاقها (أو يمسكـ) ــها بلا طلاق إن شاء أمر كما مر بإمساكها في الطهر الأول، وجووز تطليقها في الطهر الثاني للتنبيه على أن المراجع ينبغي أن لا يكون قصده بالمراجعة تطليقها كما مر.

3541 - (00) (00) وحدثني عَلِيُّ بن حُجْرٍ السعدِي. حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ. قَال: مَكَثْتُ عِشْرينَ سَنةً يُحدِّثُنِي مَن لَا أَتَّهِمُ؛ أَن ابنَ عُمَرَ طَلَّقَ امرَأتَهُ ثَلاثًا وَهِيَ حَائِض. فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعَهَا. فَجَعَلتُ لا أتهِمُهُم، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في هذا الحديث فقال: 3541 - (00) (00) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي، ثقة، من (9) (حدثنما إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (3) (قال) ابن سيرين: (مكثت) أي لبثت (عشربن سنة) حالة كوني (يحدثني من لا أتهم) ولا أشك في حديثه أي من هو معتمدي لا أتهمه بشيء يشككني في حديثه وهذا منه توطئة لما سيحدثه من تطليق ابن عمر امرأته في حيضها ثلاثًا ثم كونه مأمورًا بمراجعتها، والحال أن الطلاق إذا تم ثلاثًا لا يبقى للزوج حق الرجعة، قال القاضي: احتج به من يقول إن المطلق ثلاثًا في كلمة واحدة إنما تلزمه واحدة، والصحيح من الرواية أن تطليق ابن عمر كان طلقة واحدة كما ذكره فيما تداركه، وقوله: (أن ابن عمر) مفعول ثان ليحدثني أي يحدثني أن ابن عمر (طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي غلاب لمن روى عن ابن عمر، واعلم أن رواية الثلاث قد أخرجها الدارقطني من طريق محمد بن أحمد بن يوسف الكوفي وأحمد بن أبي دارم، نا أحمد بن موسى بن إسحاق، نا أحمد بن صبيح الأسدي، نا طريف بن ناصح، عن معاوية، عن عمار الدهني، عن أبي الزبير قال: سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض؟ فقال: أتعرف ابن عمر؟ قلت: نعم، قال طلقت امرأتي ثلاثًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة. ثم قال الدارقطني بعد إخراجه: هؤلاء كلهم من الشيعة، والمحفوظ أن ابن عمر طلق امرأته واحدة في الحيض راجع سنن الدارقطني [4/ 7] حديث رقم [14] من كتاب الطلاق اهـ تكملة (فأُمر) ابن عمر بالبناء للمجهول أي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يراجعها) قال ابن سيرين (فجعلت) أي كنت (لا أتهمهم) أي لا أتهم بالكذب من روى لي أنه طلق امرأته

وَلَا أَعرِفُ الحَدِيثَ، حَتى لَقِيتُ أَبَا غلابٍ، يُونُسَ بنَ جُبَير البَاهِلِي. وَكَانَ ذَا ثَبَتٍ. فَحَدثَنِي؛ أَنهُ سَأَلَ ابنَ عُمَرَ. فَحَدَّثَهُ؛ أَنهُ طَلقَ امرَأَتَه تَطلِيقَةً وَهِيَ حَائِضٌ. فَأُمِرَ أَن يَرجِعَهَا. قَال: قُلتُ: أَفَحُسِبَت عَلَيهِ؟ قَال: فَمه. أَوَ إِن عَجَزَ وَاستَحمَقَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثًا (ولا أعرف الحديث) أي حقيقة الحديث من طلاقه طلقة واحدة يعني لا أعرف وجهه، وأنه كيف أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمراجعة بعدما تلفظ بالثلاث، ويحتمل أن يكون معناه لا أعرف الحديث الصحيح والله أعلم. (حتى لقيت) ورأيت (أبا غلاب) بالمعجمة المفتوحة واللام المشددة وبموحدة (يونس بن جبير الباهلي) البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (وكان) يونس (ذا ثبت) بفتحتين أي صاحب ثبات في الحديث أي مثبتًا فيه كذا في مجمع البحار، والثبت بفتحتين بمعنى الثبات في الأمر يقال رجل به ثبت عند الحملة أي ثبات وتقول لا أحكم بكذا إلا بثبت أي بحجة كذا في مختار الصحاح (قال) محمد بن سيرين (فحدثني) يونس بن جبير (أنه سأل ابن عمر فحدّثه أنه طلق امرأته تطليقة) واحدة (وهي حائض فأمر) بالبناء للمجهول أي أمره النبي صلى الله عليه وسلم (أن يرجعها) أي يراجعها إلى نكاحه (قال) أبو غلاب: فـ (قلت) لابن عمر: (أفحسبت) بالبناء للمجهول أو للمعلوم أي أفحسبت تلك التطليقة (عليه) أي على ابن عمر ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة أو أفحسبت أنت تلك التطليقة عليك أي من الثلاث التي تملك عليها (قال) لي ابن عمر (فمه) أصله فما وهو استفهام، فيه تقرير أي فماذا يكون إن لم تحتسب، والهاء على هذا للوقف، ويحتمل أن تكون الهاء أصلية وهي كلمة تقال للزجر أي كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك، قال ابن عبد البر: قول ابن عمر فمه معناه فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها، إنكارًا لقول السائل أيعتد بها فكأنه قال: هل من ذلك بد لا بد من وقوعه كذا في فتح الباري [9/ 307] والهمزة في قوله: (أو أن عجز واستحمق) للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف تقديره أتقول لا يقع الطلاق وإن عجز ابن عمر عن إيقاع الطلاق على وجهه يعني في حالة الطهر وفعل فعل الأحمق بتطليقه في حالة الحيض أي لا يعذر بعجزه عن إيقاع الطلاق في الطهر وباستحماقه بإيقاعه في الحيض فلا بد من وقوع الطلاق عليه هكذا فسره أكثر الشراح، وقال الحافظ: أي إن عجز عن فرض فلم يقمه وهو الطلاق في الطهر أو استحمق فلم يأت به أيكون ذلك عذرًا له اهـ، وقال الخطابي: في الكلام

3542 - (00) (00) وحدثناه أَبُو الربِيعِ وَقُتَيبَةُ قَالا: حَدَّثَنَا حَماد، عَن أَيوبَ، بِهذَا الإِسنَادِ، نَحوَهُ. غَيرَ أَنهُ قَال: فَسَأل عُمَرُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَأمَرَهُ. 3543 - (00) (00) وحدثنا عَبدُ الوَارِثِ بن عَبدِ الصمَدِ. حَدثنِي أَبِي، عَن جَدِّي، عَن أيُّوبَ، بِهذَا الإِسنَادِ. وَقَال فِي الحَدِيثِ: فَسَألَ عُمَرُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَن ذلِكَ؟ فَأمَرَهُ أَن يُرَاجِعَهَا حَتى يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِن غَيرِ جِمَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حذف أي أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه وحُذف الجواب لدلالة الكلام عليه اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3542 - (00) (00) (وحدثناه أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (قالا: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن ابن سيرين عن أبي غلاب عن ابن عمر (نحوه) أي نحو ما حدث إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب (غير أنه) أي لكن أن حمادًا (قال) في روايته لفظة (فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره) بدل قول إسماعيل (فسأل عمر عن ذلك) الخ. ثم ذكر المؤلف المتابعة حادي عشرها في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: 3543 - (00) (00) (وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (11) (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن ابن سيرين عن أبي غلاب عن عبد الله، غرضه بيان متابعة عبد الوارث بن سعيد لإسماعيل بن إبراهيم (و) لكن (قال) عبد الوارث (في الحديث فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يراجعها حتى يطلقها طاهرًا من غير جماع) في ذلك الطهر

وَقَال: "يُطَلقُهَا فِي قُبُلِ عِدتهَا". 3544 - (00) (00) وحدثني يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ الدورَقِي، عَنِ ابنِ عُلَيةَ، عَنْ يُونُسَ، عَن مُحَمدِ بنِ سِيرِينَ، عَن يُونُسَ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: قُلْتُ لابنِ عُمَرَ: رَجُل طَلَّقَ امْرَأَتهُ وَهِيَ حَائِض. فَقَال: أَتعرِفُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ؛ فَإِنَّهُ طَلقَ امرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأتَى عُمَرُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَسَأَلَهُ؟ فَأمَرَهُ أَن يَرجِعَهَا. ثُم تَستَقْبِلَ عِدتَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي طلق فيه ليحسب من العدة (وقال) عبد الوارث أيضًا (يطلقها في قبل) بضمتين أي في زمن استقبال (عدتها) أي في وقت تستقبل وتستانف فيه العدة وتشرع فيها وهو وقت طهرها يعني في بداية عدتها وهذا اللفظ يؤيد أن العدة عدتان عدة الطلاق الأول وعدة الطلاق الثاني إن أراد تطليقها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشرها في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 3544 - (00) (00) (وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (15) (عن) إسماعيل بن إبراهيم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه الأسدي البصري (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (3) (عن يونس بن جبير) الباهلي أبي غلاب البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (قال) يونس: (قلت لابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن عبيد لأيوب السختياني، وقوله: (رجل) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بما بعده أي رجل (طلق امرأته وهي حائض) والخبر محذوف تقديره ما حكم طلاقه هل يقع أم لا؟ قال يونس بن عبيد: (فقال) لي ابن عمر: (أتعرف عبد الله بن عمر) ما وقع له في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي هل تعرف ذلك أم لا؟ (فإنه) أي فإن ابن عمر (طلق امرأته) امنة بنت غفار (وهي حائض فأتى) والده (عمر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) صلى الله عليه وسلم عمر ما حكم طلاقه وماذا يفعل الآن؟ (فأمره) أي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بأن يأمر ولده بـ (أن يرجعها) إلى نكاحه (ثم) انقطاع حيضها الذي طُلقت فيه (تستقبل) أي تستأنف (عدتها)

قَال: فَقُلتُ لَهُ: إِذَا طَلَّقَ الرجُلُ امرَأَتهُ وَهِيَ حَائِضٌ، أَتعْتَد بِتِلكَ التطْلِيقَةِ؟ فَقَال: فَمَهْ. أَوَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟ . 3545 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ المُثَنى وَابْنُ بَشارٍ. قَال ابنُ المُثَنى: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَن قَتَادَةَ. قَال: سَمِعتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيرٍ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: طَلقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ. فَأتَى عُمَرُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ. فَقَال النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لِيُرَاجِعهَا. فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من هذه الطلقة من الطهر الذي بعد هذا الحيض ثم تحيض ثانيًا ثم تطهر ثانيًا ففي الطهر الثاني إن شاء طلقها أو أمسكها (قال) يونس بن جبير: (فقلت له) أي لابن عمر: (إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض أتعتد) أي هل تجب عليها العدة (بتلك التطليقة) الواقعة في الحيض؟ وفي بعض الهوامش: قوله: (أتعتد بتلك التطليقة) أي أتعدها أنت يا ابن عمر تلك التطليقة واحدة من أعداد الطلقات المملوكة لك عليها وتجعلها محسوبة منها أم لا؟ وجه السؤال عدم مصادفتها وقتها، والشيء يبطل قبل أوانه لا سيما وقد لحقتها الرجعة اهـ (فقال) ابن عمر (فمه) أي فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها إنكارًا لقول السائل أيعتد بها فكأنه قال هل من ذلك بد؟ (أو إن عجز واستحمق) أي أو لا يقع الطلاق لمجرد أن ابن عمر عجز عن إيقاع الطلاق على وجهه وفعل فعل الأحمق في التطليق في حالة الحيض كما مر تفسيره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3545 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار) البصريان (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر ربيب شعبة (حدثنا شعبة عن قتادة قال) قتادة: (سمعت) أبا غلاب الباهلي (يونس بن جبير) البصري (قال: سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا ابن عمر، غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لمحمد بن سيرين في الرواية عن يونس بن جبير حالة كون ابن عمر (يقول: طلقت امرأتي) امنة (وهي حائض فأتى) والدي (عمر) بن الخطاب (النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك) أي تطليقي لها في الحيض وأخبره (له) صلى الله عليه وسلم (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليراجعها فإذا

طَهَرَتْ، فَإنْ شَاءَ فَلْيُطَلِّقْهَا". قَال: فَقُلتُ لابنِ عُمَرَ: أَفَاحتَسَبتَ بِهَا؟ قَال: مَا يَمْنَعُهُ. أَرَأَيتَ إِن عَجَزَ وَاستَحْمَقَ؟ 3546 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بن يَحيَى. أَخبَرَنَا خَالِدُ بن عَبدِ اللهِ، عَن عَبدِ الْمَلِكِ، عَنْ أنسِ بنِ سِيرِينَ. قَال: سَألتُ ابنَ عُمَرَ عَنِ امرَأَتِهِ التِي طَلقَ؟ فَقَال: طَلَّقتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ. فَذُكِرَ ذلِكَ لِعُمَرَ. فَذَكَرَهُ لِلنبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "مُرْهُ فَليُرَاجِعهَا. فَإذَا طَهَرَت فَليُطَلِّقهَا لِطُهرِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ طهرت) من حيضتها (فإن شاء) تطليقها (فليطلقها) استدل بهذا أحمد على أن الطلاق يجوز في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق. وأجيب عنه بأن هنا اختصارًا من أحد الرواة والحفاظ إنما رووه بزيادة (حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلق بعد أو يمسك) (قال) يونس بن جبير: (فقلت لابن عمر: أفاحتسبت بها) أي بتلك التطليقة الواقعة في الحيض من الطلقات الثلاث (قال) ابن عمر: (ما يمنعه) أي أي شيء يمنع حسبانها من الثلاث (أرأيت) أي أخبرني (إن عجز) ابن عمر عن إيقاع الطلاق في الطهر (واستحمق) أي فعل فعل الأحمق الذي لا فكر له بإيقاعه في الحيض أيكون ذلك عذرًا مانعًا من وقوع الطلقة لا يكون ذلك عذرًا لا جرم في وقوعها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3546 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة، من (8) (عن عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) (عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك أبي عبد الله البصري، ثقة، من (3) (قال) أنس: (سألت ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أنس بن سيرين ليونس بن جبير أي سألته (عن امرأته التي طلقـ) ــها أي عن حالها وما وقع لها (فقال) ابن عمر: (طلقتها وهي حائض فدكر) عبد الله (ذلك) أي طلاقها في الحيض (لعمر فذكره) أي فذكر عمر طلاقه في الحيض اللنبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (مُرْه) أي مر عبد الله (فليراجعها فإذا طهرت) من حيضها الذي طُلِّقت فيه ثم حاضت ثم طهرت ثانيًا (فليطلقها لطهرها) أي

قَال: فَرَاجَعتُهَا ثُم طَلَّقتُهَا لِطُهْرِهَا. قُلْتُ: فَاعتَددتَ بِتِلكَ التَّطلِيقَةِ التِي طَلّقتَ وَهِيَ حَائضٌ؛ قَال: مَا لِيَ لَا أَعْتَدُّ بِهَا؟ وَإِن كُنْتُ عَجَزتُ وَاسْتَحمَقْتُ؟ 3547 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بن المُثَنى وَابْنُ بَشارٍ. قَال ابنُ المُثَنى: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَن أنسِ بنِ سِيرِينَ؛ أنهُ سَمِعَ ابنَ عُمَرَ قَال: طَلّقتُ امرَأتِي وَهِيَ حَائِض. فَأتَى عُمَرُ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَأخبَرَهُ. فَقَال: "مُرهُ فَلْيُرَاجِعهَا. ثُمً إِذَا طَهَرَت فَليُطَلقهَا". قُلتُ لابنِ عُمَرَ: أفَاحتَسَبتَ بِتِلكَ التطلِيقَةِ؟ قَال: فَمَه ـــــــــــــــــــــــــــــ في طهرها الثاني (قال) ابن عمر: (فراجعتها ثم طلقتها لطهرها) الثاني، وفي هذه الرواية اختصار أيضًا كالرواية التي قبلها، قال ابن سيرين: (قلت) لعبد الله بن عمر: (فاعتددت) أي أفحسبت (بتلك التطليقة التي طلقـ) ــها (وهي حائض) من الطلقات الثلاث (قال) ابن عمر: (ما لي) أي أي شيء ثبت لي (لا أعتد بها) ولا أحسبها من الطلقات الثلاث (وإن كنت عجزت) عن إيقاعها في الطهر (واستحمقت) أي فعلت فعل الحمقى بإيقاعها في الحيض فلا بد من حسبانها من الطلقات الثلاث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامس عشرها فقال: 3547 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين أنه سمع ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الملك بن أبي سليمان (قال) ابن عمر: (طلقت امرأتي وهي حائض) فأخبرته لوالدي عمر بن الخطاب (فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره) بطلاقي في الحيض (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (مُره فليراجعها ثم إذا طهرت) من حيضتها (فليطلقها) إن شاء، قال أنس: (قلت لابن عمر: أفاحتسبت) أي أفحسبت (بتلك التطليقة) التي وقعت في الحيض من الثلاث (قال) ابن عمر (فمه) أي فلأي شيء لا أحسبها من الثلاث لا جرم أنها محسوبة منها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادس عشرها في هذا الحديث فقال:

3548 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ بِشرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثهِمَا "لِيَرْجِعْهَا". وَفِي حَدِيثهِمَا: قَال: قُلْتُ لَهُ: أَتَحْتَسِبُ بِهَا؟ قَال: فَمهْ. 3549 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَال: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَإِنهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا. فَذَهَبَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3548 - (00) (00) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري (ح وحدثنيه عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب العبدي النيسابوري، ثقة، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (قالا) أي قال كل من خالد وبهز (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن أنس عن ابن عمر (غير أن في حديثهما) أي في حديث خالد وبهز لفظة (ليرجعها) من رجع الثلاثي بدل قول محمد بن جعفر (فليراجعها) (وفي حديثهما) أيضًا لفظة (قال: قلت له) أي لابن عمر (أتحتسب بها قال: فمه) بدل قول محمد بن جعفر (قلت لابن عمر: أفحسبت بتلك التطليقة قال فمه) غرضه بيان متابعة خالد وبهز لمحمد بن جعفر مع بيان محل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابع عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3549 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) المكي (أخبرني) عبد الله (بن طاوس) اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني (أنه) أي أن طاوسًا (سمع ابن عمر يسأل عن رجل طلق امرأته حائضًا) ولعل هذا السائل عبد الرحمن بن أيمن كما هو مصرح به في الرواية الآتية. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لأنس بن سيرين (فقال) ابن عمر للسائل: (أتعرف) أي هل تعرف (عبد الله بن عمر؟ قال) السائل: (نعم) أعرف عبد الله بن عمر فـ (ـقال) ابن عمر للسائل (فإنه) أي فإن ابن عمر نفسه (طلق امرأته حائضًا فذهب) والده (عمر) بن الخطاب (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي أخبر عمر

الْخَبَرَ. فَأمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا. قَال: لَمْ أسْمعْهُ يَزِيدُ عَلَى ذلِكَ (لأَبِيهِ). 3550 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيج: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيمَنَ (مَولَى عَزَّةَ) يَسْألُ ابْنَ عُمَرَ، وَأبُو الزُّبَيرِ يَسْمَعُ ذلِكَ. كَيفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم (الخبر) أي خبر ابن عمر من طلاق زوجته في الحيض (فأمره) أي فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بواسطة عمر (أن يراجعها) أي أن يراجع امرأته إلى نكاحه، قال ابن جريج (قال) ابن طاوس: (لم أسمعه) أي لم أسمع أبي طاوسًا (يزيد على ذلك) القدر المذكور من الحديث، قال ابن جريج: يعني ابن طاوس بضمير لم أسمعه (لأبيه) يعني لم أسمع أباه طاوسًا يزيد على ذلك القدر من الحديث واللام زائدة في المفعول. قال النووي: قوله: (لأبيه) معناه أن ابن طاوس قال: لم أسمعه أي لم أسمع أبي طاوسًا يزيد على هذا القدر من الحديث، والقائل لأبيه هو ابن جريج، وأراد تفسير الضمير في قول ابن طاوس لم أسمعه واللام زائدة ولو قال ابن جريج يعني أباه لكان أوضح اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامن عشرها في هذا الحديث فقال: 3550 - (00) (00) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزاز، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي الترمذي الأصل، ثقة، من (9) (قال) الحجاج (قال ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن) المخزومي المكي (مولى عزة) ويقال مولى عروة، وعزة هو الأصح كما سيأتي، قال في التقريب: لا بأس به، من الثالثة، له ذكر بلا رواية عنه (يسأل ابن عمر) عما سيأتي (وأبو الزبير يسمع ذلك) السؤال وقوله: (كيف ترى) يا ابن عمر بيان لذلك السؤال أي كيف ترى وتحكم يا ابن عمر (في رجل طلق امرأته حائضًا؟ فقال) ابن عمر في جواب السائل

طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: إِن عَبدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. فَقَال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِيُرَاجِعْهَا" فَرَدَّهَا. وَقَال: "إِذَا طَهَرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ". قَال ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (طلق ابن عمر امرأته وهي حائض) ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة أو تجريد بياني (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأخبر طلاقه لوالده عمر بن الخطاب (فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن حكم الطلاق في الحيض (فقال) عمر في سؤاله (إن) ولدي (عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فقال له) أي لعمر (النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعها) أي ليراجع ابنك زوجته إلى نكاحه، وقوله: (فردها) أي رد ابن عمر زوجته إلى نكاحه، من كلام ابن عمر فاصل بين كلام النبي صلى الله عليه وسلم للإخبار عما وقع منه (وقال) له النبي صلى الله عليه وسلم، فهو معطوف على قال الأول على سبيل التأكيد اللفظي (إذا طهرت) امرأته من الحيضة الثانية (فليطلق) في طهرها الثاني إن شاء طلاقها (أو ليمسكـ) ـها في نكاحه إن لم يرد طلاقها، قال أبو الزبير (قال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم) استدلالًا على قوله: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل) بضمتين أي زمن استقبال وبداية (عدتهن) وشروعهن فيها وهو زمان الطهر من الحيض، قال النووي: هذه قراءة ابن عباس وابن عمر وهي شاذة لا تثبت قرآنًا بالإجماع، قال الأبي: وفي قراءة ابن مسعود (لقبل طهرهن) أي في بداية طهرهن، قال القشيري وغيره: وهي قراءة تفسير وكان بعض الصحابة يزيدون في ألفاظ القرآن شيئًا لتفسيرها لما يضاح معناها ولما كان القرآن محفوظًا في الزبر والصدور لم يكن يُخاف من ذلك أي تحريف في القرآن فمثل هذه الزيادة يقال لها قراءة تفسير، والصحيح أنها ليست من القرآن ولا من قراءتها وإنما هي تفسير من الصحابي للقرآن وإطلاق لفظ القراءة عليها تجوّز، راجع لتحقيقه (كتاب النشر في القراآت العشر لابن الجوزي، وشرح الموطإ للزرقاني، والإتقان للسيوطي).

3551 - (00) (00) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. نَحْوَ هذِهِ الْقِصَّةِ. 3552 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَندُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيمَنَ (مَوْلى عُرْوَةَ) يَسْألُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبُو الزُّبَيرِ يَسْمَعُ. بِمِثلِ حَدِيثِ حَجَّاجِ. وَفِيهِ بَعْضُ الزِّيَادَةِ. قَال مُسْلِمٌ: أَخْطَأ حَيثُ قَال: عُرْوَةَ. إِنَّمَا هُوَ مَوْلَى عَزَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسع عشرها في هذا الحديث فقال: 3551 - (00) (00) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد البصري، ثقة ثبت، من (9) (عن ابن جريج عن أبي الزبير عن ابن عمر) رضي الله عنهما. غرضه بيان متابعة أبي عاصم لحجاج بن محمد وساق أبو عاصم (نحو هذه القصة) التي ذكرها حجاج بن محمد عن ابن جريج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عشريها في هذا الحديث فقال: 3552 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة) وتقدم لك أن الصواب مولى عزَّة بفتح المهملة والزاي المشددة حالة كون عبد الرحمن (يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع) سؤاله وجواب ابن عمر وساق عبد الرزاق (بمثل حديث حجاج) بن محمد، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لحجاج بن محمد (وفيه) أي وفي المثل الذي رواه عبد الرزاق (بعض الزيادة) على حديث حجاج بن محمد وتلك الزيادة هي التي أخرجها أبو داود بقوله: (قال عبد الله: فردها على ولم يرها شيئًا) وأشار الحافظ ابن حجر في الفتح [9/ 308]: إلى أن مسلمًا طوى هذه الزيادة عمدًا لأنها مخالفة لما رواه أكثر الحفاظ فلم يذكرها في صحيحه لكونها شاذة أو منكرة وصنيع مسلم دليل للجمهور على أن الطلاق في الحيض واقع والله أعلم. (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى: (أخطأ) عبد الرزاق (حيث قال) في روايته مولى (عروة إنما هو) أي عبد الرحمن بن أيمن (مولى عزة) لا مولى عروة يريد مسلم أن عبد الرحمن بن أيمن إنما هو مولى لعزة، وقد أخطأ الراوي في هذا الطريق حيث جعله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مولى لعروة وإن هذا الخطأ إنما نشأ من عبد الرزاق لأنه هو الذي أخرجه في مصنفه [6/ 309] رقم [10960] هكذا، وأما ابن جريج فقد مر أنه قد روى عنه الحجاج بن محمد (مولى عزة) دون عروة فضمير الفاعل في قول مسلم أخطأ عائد على عبد الرزاق اهـ تكملة. ولم يذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب إلا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وذكر فيه عشرين متابعة (20) والله أعلم. ***

544 - (30) باب إمضاء الطلاق الثلاث ووجوب الكفارة في تحريم ما أحل الله له من امرأة وغيرها ولم يقصد طلاقها

544 - (30) باب إمضاء الطلاق الثلاث ووجوب الكفارة في تحريم ما أحل الله له من امرأة وغيرها ولم يقصد طلاقها 3553 - (1399) (159) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَ الطَّلاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكرٍ وَسَنَتينِ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ، طَلاقُ الثَّلاثِ وَاحِدَةً. فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَت لَهُمْ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 544 - (30) باب إمضاء الطلاق الثلاث ووجوب الكفارة في تحريم ما أحل الله له من امرأة وغيرها ولم يقصد طلاقها 3553 - (1399) (159) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري (واللفظ) الآتي (لابن رافع قال إسحاق: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم يمانيون وواحد طائفي وواحد إما مروزي أو نيسابوري، وفيه التحديث والأخبار والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عباس: (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر) رضي الله عنهما، وقوله الطلاق اسم كان، وقوله: (طلاق الثلاث) بدل من اسم كان أو عطف بيان منه، وقوله: (واحدة) خبر كان، والتأنيث لملاحظة معنى التطليقة أي كان الطلاق المكرر ثلاث مرات في مجلس واحد بان قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق. ثلاث مرات متوالية يُحسب تطليقة واحدة حملًا للمرتين الأخيرتين على التأكيد لأنه باب مشهور في محاوراتهم لأنهم يظنون أن الطلقة الواحدة لا تحصل إلا بالتكرار ثلاث مرات كما أنهم يظنون أن النكاح لا ينعقد إلا بتكرار الإيجاب والقبول ثلاث مرات، قال في التكملة: يعني كانت الطلقات الثلاث تعد واحدة في تلك العصور المباركة إذا نطق بها الرجل في مجلس واحد بنية التأكيد اهـ (فقال عمر بن الخطاب) بعد سنتين من خلافته (إن الناس قد استعجلوا) أي قد أرادوا العجلة والمبادرة (في) إيقاع (أمر) وهو الطلاق الثلاث (قد كانت لهم فيه) أي في ذلك الأمر

أَنَاةٌ. فَلَوْ أَمْضَينَاهُ عَلَيهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أناة) بفتح الهمزة وبتاء آخره أي مهلة وتأن وتدريج أي كان لهم فيه إيقاعه شيئًا فشيئًا أي طلقة طلقة فيتمكنوا من الرجعة إن أرادوها فزجرناهم عن ذلك فأبوا إلا التكرار ثلاث مرات وهم لا يعرفون التأكيد من التأسيس (فلو أمضيناه) أي فلو أنفذنا (عليهم) ما استعجلوا فيه وقضينا عليهم وقوع الثلاث حملًا لكل مرة وقولة على التأسيس لكان ذلك الإمضاء عليهم حسنًا جزاء لهم على عدم قبولهم نهينا لهم عن ذلك التكرار لأنا لا نعرف من أراد منهم التأسيس ممن أراد التأكيد، فجواب لو محذوف دل عليه السياق والتقدير: فلو أمضينا عليهم لما فعلوا ذلك الاستعجال، ويحتمل كون لو ها هنا للتمني فلا تحتاج إلى جواب، والمعنى عليه أي فليتنا أنفذنا عليهم ما استعجلوا فيه فهذا كان منه تمنيًا ثم أمضى وقضى عليهم ما تمناه من إيقاع الطلاق بكل قولة من المقالات الثلاث كما ذكره بقوله: (فأمضاه عليهم) أي فأمضى ونفذ عليهم عمر الثلاث حملًا للمقالات الثلاث على التأسيس يعني اعتبر الطلقات الثلاث في القضاء محرمة عليهم إلا بمحلل على سبيل التغليظ ولو نطق بها الرجل في مجلس واحد بنية التأكيد. وحديث ابن عباس هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقد أجاب عنه الجمهور بأجوبة مختلفة بسطها الحافظ في الفتح [9/ 316 - 319] أحسنها عندي جوابان: الأول: أن هذا الحديث قد ورد في صورة خاصة وهي أن يكرر الرجل لفظ الطلاق بنية التأكيد لا بنية التأسيس كان يقول: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وكانوا أولًا على سلامة صدورهم يُقبل منهم أنهم أرادوا التأكيد فلما كثر الناس في زمن عمر وكثر فيهم الخداع ونحوه مما يمنع قبول من ادعى التأكيد حمل عمر اللفظ على ظاهر التكرار فأمضاه عليهم قضاء، وهذا الجواب ارتضاه القرطبي وقواه بقول عمر (إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة) وكذا قال النواوي: إن هذا أصح الأجوبة، والثاني: أن قوله ثلاثًا محمول على أن المراد بها لفظ ألبتة كما سيأتي في حديث ركانة وهو من رواية ابن عباس أيضًا وهو قوي، ويؤيده إدخال البخاري في هذا الباب الآثار التي فيها ألبتة والأحاديث التي فيها التصريح بالثلاث كأنه يشير إلى عدم الفرق بينهما، وأن ألبتة إذا أطلقت حُمل على الثلاث إلا أن يريد المطلق واحدة فيُقبل فكان بعض رواة الحديث حمل لفظ ألبتة على الثلاث لاشتهار التسوية بينهما فتح فرواها بلفظ الثلاث، وإنما المراد لفظ ألبتة وكانوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في العصر الأول يقبلون ممن قال: أردت بالبتة الواحدة فلما كان عهد عمر أمضى الثلاث في ظاهر الحكم كذا في فتح الباري. قال القرطبي: أما حديث ابن عباس فلا يصح الاحتجاج به لأوجه منها: (1) أنه ليس حديثًا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ظاهره الإخبار عن أهل عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصر أبي بكر باتفاقهم على ذلك وإجماعهم عليه وليس ذلك بصحيح فاول من خالف ذلك بفتياه ابن عباس فروى أبو داود من رواية مجاهد عنه قال: كلنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم يركب الحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] وإنك لم تتق الله فما أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك، رواه أبو داود [2197]، وفي الموطإ عنه أن رجلًا قال لابن عباس: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة، فقال له ابن عباس: طلُقت منك بثلاث، وسبعة وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا. رواه مالك في الموطإ [2/ 550]. وقال أبو داود: قول ابن عباس هو: (إن طلاق الثلاث يبين من الزوجة فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره مدخولًا بها كانت أو غير مدخول بها). ونحوه عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر، وفي الموطإ أن رجلًا جاء إلى ابن مسعود فقال: إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات، قال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي: إنها بانت منك، قال ابن مسعود: صدقوا هو كما يقولون. فهذا يدل على وجود الخلاف فيها في عصر الصحابة وأن المشهور عندهم المعمول به خلاف مقتضى حديث ابن عباس فبطل التمسك به. (2) ومنها: أنه لو سلمنا أنه حديث مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما كان فيه حجة لأن ابن عباس راوي الحديث وقد خالفه بعمله وفتياه، وهذا يدل على ناسخ ثبت عنده أو مانع شرعي منعه من العمل به ولا يصح أن يظن به أنه ترك العمل بما رواه مجانًا (أي بلا بدل من ناسخ أو مانع شرعي) أو غالطًا لما عُلم من جلالته وورعه وحفظه وتثبته، قال أبو عمر بن عبد البر بعد أن ذكر عن ابن عباس فتياه من طرق متعددة بلزوم الطلاق ثلاثًا من كلمة واحدة: ما كان ابن عباس ليُخالف رسول الله صلى الله عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم والخليفتين إلى رأي نفسه، ورواية طاوس وهم وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب، وقيل إن أبا الصهباء لا يُعرف في موالي ابن عباس. (3) ومنها: أنه لو سلمنا كل ما تقدم لما كان فيه حجة للاضطراب والاختلاف الذي في سنده ومتنه وذلك أن أبا الصهباء رواه عن ابن عباس بتلك الألفاظ المختلفة التي وقعت في كتاب مسلم كما ستذكر، وقد روى أبو داود من حديث أيوب عن غير واحد عن طاوس أن رجلًا يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، فلما رأى الناس تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم، رواه أبو داود [2199]. فقد اضطرب فيه أبو الصهباء عن ابن عباس في لفظه كما ترى، وقد اضطرب فيه طاوس فمرة رواه عن أبي الصهباء ومرة عن ابن عباس نفسه ومهما كثر الاختلاف والتناقض ارتفعت الشقة لا سيما عند المعارضة على ما يأتي. ثم العجب أن معمرًا روى عن ابن طاوس عن أبيه أن ابن عباس سُئل عن رجل طلق امرأته ثلاثًا فقال له: لو اتقيت الله لجعل لك مخرجًا، انظر سنن أبي داود [2/ 649]. وظاهر هذا أنه لا مخرج له من ذلك وأنها ثلاث وهذه كرواية الجماعة الكثيرة عن ابن عباس كسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار ومحمد بن إلياس بن البكير والنعمان بن أبي عياش كلهم رووا عنه أنه ثلاث وأنها لا تحل له إلا من بعد زوج. (4) ومنها: لو سلمنا سلامته من الاضطراب لما صح أن يحتج به لأنه يلزم منه ما يدل على أن أهل ذلك العصر الشريف كانوا يكثُر فيهم إيقاع المحرمات والتساهل فيها وترك الإنكار على من يرتكبها وبيان اللزوم أن ظاهره أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقع الطلاق الثلاث كثيرًا منهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر أبي بكر وسنتين من خلافة عمر أو ثلاث وششفتون علماءهم ويفتونهم بأنها واحدة ولا ينكرون عليهم مع أن الطلاق ثلاثًا في كلمة واحدة محرم بدليل قول ابن عمر وابن عباس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للمطلق ثلاثًا بانت منك وعصيت ربك، وبدليل ما رواه ابن عباس عن محمود بن لبيد قال البخاري: له صحبة، قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" رواه النسائي في [6/ 142] هذا يدل على أنه محرم ومنكر فكيف يكثر فيهم العمل بمثل هذا ولا ينكرونه وهذا محال على قوم وصفهم الله تعالى بقوله: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] إلى غير ذلك مما وصفهم الله تعالى به لا يقال هذا يبطل بما وقع عندهم من الزنا والسرقة وغير ذلك من الأسباب التي ترتبت عليها الأحكام لأنا نقول هذه لما وقعت أنكروا تلك الأمور وأقاموا الحدود فيها ولم يفعلوا ذلك فيما ذكرناه فافترقا وصح ما أبديناه، فإن قيل لعل تحريم ذلك لم يكن معلومًا عندهم! قلنا: هذا باطل فإنهم أعرف بالأحاديث ممن بعدهم، وقد ذكرنا ما رُوي في ذلك عن ابن عباس وابن عمر، والله تعالى أعلم. (5) ومنها: أن ظاهر ذلك الحديث خبر عن جميعهم أو عن معظمهم، والعادة تقتضي فيما كان هذا سبيله أن يفشو وينتشر ويتواتر نقله وتحيل أن ينفرد به الواحد ولم ينقله منهم إلا ابن عباس ولا عنه إلا أبوالصهباء، وما رواه طاوس عن ابن عباس في الأصل قد رواه أبو داود عن طاوس عن أبي الصهباء عن ابن عباس ولو رواه عنه لم يخرج بروايته عنه عن كونه خبر واحد غير مشهور، وهذا الوجه يقتضي القطع ببطلان هذا الخبر فإن لم يقتض ذلك فلا أقل من أن يفيدنا الريبة فيه والتوقف، والله أعلم. (6) ومنها: تطرق التأويل إليه ولعلمائنا فيه تأويلات أحدهما ما قاله بعض البغداديين: إن معناه الإنكار على من يخرج عن سنة الطلاق بإيقاع الثلاث والإخبار عن تساهل الناس في مخالفة السنة في الزمان المتأخر عن العصرين السابقين فكأنه قال: كان الطلاق الموقع الآن ثلاثًا في ذينك العصرين واحدة كما يقال: كان الشجاع الآن جبانًا في عصر الصحابة، وكان الكريم الآن بخيلًا في ذلك العصر، فيفيد تغير الحال بالناس، وثانيهما قال غير البغداديين: المراد بذلك الحديث من تكرر الطلاق منه فقال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنها كانت عندهم محمولة في القدم على التأكيد فكانت واحدة وصار الناس بعد ذلك يحملونها على التأسيس والتجديد فالزموا ذلك لما ظهر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قصدهم إليه ويشهد بصحة هذا التأويل قول عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، وقد تاوله غير علمائنا على أن ذلك كان في المطلقة قبل الدخول كما دل عليه حديث أبي داود الذي تقدم ذكره وأبدى بين المدخول بها وغيرها فرقًا فقال: إنما جعلوه في غير المدخول بها واحدة، وكان هؤلاء أشاروا إلى أن قوله لغير المدخول بها أنت طالق قد أبانها وبقي قوله ثلاثًا لم يصادف محلًا فأجروا المتصل مجرى المنفصل وهذا ليس بشيء فإن قوله أنت طالق ثلاثًا كلام واحد متصل غير منفصل، ومن المحال البين إعطاء الشيء حكم نقيضه وإلقاء بعض الكلام الواحد، وأشبه هذه التأويلات الثاني على ما قررناه، والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الكلام في حديث ابن عباس وأما حديث ابن عمر أنه طلق امرأته ثلاثًا فغير صحيح كما قد ذكره مسلم عن ابن سيرين كما قدمناه وأيضًا فإن الدارقطني روى عن أحمد بن صبيح عن طريف بن ناصح عن معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير قال: سالت ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثًا وهي حائض فقال لي: أتعرف ابن عمر؟ قلت: نعم، طلقت امرأتي ثلاثًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة. قال الدارقطني: كلهم شيعة رواه الدارقطني [4/ 7] وقال غيره: ما فيهم من يحتج به. وأما حديث أبي ركانة فحديث مضطرب منقطع لا يُسند من وجه يحتج به رواه أبو داود من حديث ابن جريج عن بعض بني أبي رافع وليس فيهم من يحتج به عن عكرمة عن ابن عباس وقال فيه: إن عبد يزيد بن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرجعها" رواه أبو داود [2196] وقد رواه أيضًا من طريق نافع بن عجير أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ألبتة، فاستحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد بها فحلف ما أراد بها إلا واحدة فردها إليه، رواه أبو داود [2206] فهذا اضطراب في الاسم والفعل ولا يحتج بشيء من مثل هذا فقد ظهر وتبين أنهم لا حجة لهم في شيء مما تمسكوا به، فأما حجة الجمهور فالتمسك بالقاعدة المقررة أن المطلقة ثلاثًا لا تحل لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين مفرّقها ومجموعها إذ معناهما واحد لغة وشرعًا وما يتخيل من الفرق بينهما فصوري ألغاه الشرع قطعًا في النكاح والعتق والإقرار فلو قال الولي للخاطب في كلمة واحدة: أنكحتك هؤلاء الثلاث، فقال: قبلت، لزم النكاح كما إذا قال: أنكحتك هذه وهذه وهذه، وكذلك في العتق والإقرار

3554 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. أخبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن أَبَا الصَّهْبَاءِ قَال لابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَعْلَمُ أَنَّما كَانَتِ الثَّلاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكرٍ، وَثَلاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ؟ فقال ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فكذلك الطلاق، وقد ذكر الدارقطني جملة من الأحاديث المرفوعة عن علي وعبادة بن الصامت وحفص بن المغيرة وابن عمر كلها تقتضي البينونة وأنها لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره ولم يُفرْق فيها بين المدخول بها وغيرها، فرأينا أن لا نطول الكلام بذكرها ولا بذكر أسانيدها وفيما ذكرناه كفاية والله تعالى الموفق للهداية، وإنما أطنبنا في الكلام على حديث ابن عباس لأن كثيرًا من الجُهّال اغتروا به فأحلوا ما حرم الله فافتروا على الله وعلى كتابه ورسوله ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا وعدل عن سبيله اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3554 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا روح بن عبادة) القيسي البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا ابن جريج ح وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري (واللفظ) الآتي (له) أي لابن رافع (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني) عبد الله (بن طاوس عن أبيه) طاوس بن كيسان (أن أبا الصهباء) الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس المدني، اسمه صهيب، روى عن مولاه ابن عباس في الطلاق وعلي وابن مسعود، ويروي عنه (م ت س) وطاوس وسعيد بن جبير، قال أبو زرعة: ثقة، وقال النسائي ضعيف، وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة (قال) أبوالصهباء (لابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمعمر بن راشد (أتعلم) يا ابن عباس (إنما كانت) الطلقات (الثلاث تجعل) وتحسب طلقة (واحدة) فيملك مطلقها أي مطلق الثلاث الرجعة (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثًا) من السنين (من إمارة عمر) وخلافته أي هل تعلم ذلك أم لا؟ (فقال) له (ابن عباس: نعم) أعلم ذلك.

3555 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَال لابنِ عَبَّاسٍ: هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ. أَلَمْ يَكُنِ الطَّلاقُ الثَّلاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكرٍ وَاحِدَةً؟ فَقَال: قَدْ كَانَ ذلِكَ. فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَايَعَ النَّاسُ فِي الطلاقِ. فَأَجَازَهُ عَلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3555 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي نسبة إلى واشح بطن من الأزد أبو أيوب البصري، قاضي مكة، ثقة، من (9) (عن حماد بن زيد) بن درهم البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي البصري، ثقة، من (5) (عن إبراهيم بن ميسرة) الطائفي المكي، ثقة، من (5) (عن طاوس) بن كيسان اليماني (أن أبا الصهباء) صهيبًا الهاشمي مولاهم المدني (قال لابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن ميسرة لعبد الله بن طاوس (هات) أي أعط لنا وأخبر (من هناتك) أي من فتاويك المستغربة هي جمع هنة، وأصلها أنها كناية عن نكرة غير أن مقصوده هنا هات لنا فتيا من فتاويك المستغربة أو خبرًا من أخبارك المستكرهة وهو إشعار باستشناع تلك المقالة عندهم اهـ من المفهم. ثم قال أبو الصهباء -والهمزة في قوله- (ألم يكن) للاستفهام التقريري أي ألم يكن (الطلاق) أي الطلقات (الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر) رضي الله عنه تحسب (واحدة) أي طلقة واحدة بعدها الرجعة (فقال) ابن عباس في جوابه: (قد كان) وحصل (ذلك) الذي قلت في عهدهما (فلما كان) الزمن (في عهد عمر) بن الخطاب أي في خلافته (تتايع) بالمثناة التحتية قبل العين في رواية الجمهور، وضبطه بعضهم بالموحدة بدل المثناة وهما بمعنى واحد لكن تتايع بالمثناة إنما يستعمل في الشر، وتتابع بالموحدة في الخير والشر فالمثناة أي تتابع هنا أجود وأليق بالمقام أي تسارع (الناس) وتساقطوا (في الطلاق) الثلاث وأكثروا منه (فأجازه) أي أجاز الطلاق الثلاث (عليهم) عمر تغليظًا عليهم وزجرًا لهم عنه.

3556 - (1400) (160) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرب. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ (يَعْنِي الدَّسْتَوَائِيَّ) قَال: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيد بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ، فِي الْحَرَامِ: يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ: وبالجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء أعني قول جابر إنها كانت تفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، قال: ثم نهانا عمر عنها فانتهينا فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك، ولا يحفظ أن أحدًا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ هان كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر، فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق والله أعلم اهـ كلامه. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3556 - (1400) (160) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر (يعني) به (الدستوائي) أبي بكر البصري (قال) هشام: (كتب إليَّ) رسالة (يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائفي اليمامي، ثقة، من (5) بأنه كان (يحدّث عن يعلى بن حكيم) الثقفي مولاهم المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله اثنان منهم بصريان وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد مكي وواحد يمامي وواحد نسائي، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر (أنه) أي أن ابن عباس (كان يقول في الحرام) أي في تحريم الرجل امرأته على نفسه بأن قال لها: أنت عليّ حرام، فهو عند ابن عباس (يمين يكفِّرها) أي يجب التكفير عنها بكفارة يمين وليس بطلاق، واستدل عليه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث حرّم عليه بعض نسائه كما سيأتي (وقال ابن عباس) في

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستدلال (لقد كان لكم في رسول الله) أسوة حسنة أي قدوة حسنة [الأحزاب / 21]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5266]، والنسائي [6/ 151]. وفي رواية عن ابن عباس قال: إذا حرّم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها، وذكر مسلم حديث عائشة في سبب نزول قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}. قال النواوي: وقد اختلف العلماء فيما إذا قال لزوجته: أنت عليّ حرام، فمذهب الشافعي أنه إن نوى طلاقها كان طلاقًا، وإن نوى الظهار كان ظهارًا، وإن نوى تحريم عينها بغير طلاق ولا ظهار لزمه بنفس اللفظ كفارة يمين ولا يكون ذلك يمينًا، وإن لم ينو شيئًا ففيه قولان للشافعي أصحهما يلزمه كفارة، والثاني أنه لغو لا شيء فيه، ولا يترتب عليه شيء من الأحكام هذا مذهبنا، وحكى القاضي في المسألة أربعة عشر مذهبًا: أحدها المشهور من مذهب مالك أنه يقع به ثلاث طلقات سواء كانت مدخولًا بها أم لا، لكن لو نوى أقل من الثلاث قُبِل في غير المدخول بها خاصة وبهذا المذهب قال أيضًا علي بن أبي طالب وزيد والحسن والحكم. والثاني أنه يقع به ثلاث طلقات ولا تُقبل نيته في المدخول بها ولا في غيرها قاله ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون المالكي. والثالث أنه يقع به على المدخول بها ثلاث طلقات وعلى غيرها واحدة قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم المالكيان والرابع أنه يقع به طلقة واحدة بائنة سواء المدخول بها وغيرها وهو رواية عن مالك. والخامس أنها طلقة رجعية قاله عبد العزيز بن أبي سلمة المالكي. والسادس أنه يقع ما نوى ولا يكون أقل من طلقة واحدة قاله الزهري. والسابع أنه إن نوى واحدة أو عددًا أو يمينًا فهو ما نوى وإلا فلغو قاله سفيان الثوري. والثامن مثل السابع إلا أنه إذا لم ينو شيئًا لزمه كفارة يمين قاله الأوزاعي وأبو ثور. والتاسع مذهب الشافعي وسبق إيضاحه وبه قال أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. والعاشر إن نوى الطلاق وقعت طلقة بائنة وإن نوى ثلاثًا وقع الثلاث وإن نوى اثنتين وقعت واحدة وإن لم ينو شيئًا فيمين وإن نوى الكذب فلغو قاله أبو حنيفة وأصحابه. والحادي عشر مثل العاشر إلا أنه إذا نوى اثنتين وقعتا قاله زفر. والثاني عشر أنه تجب كفارة الظهار قاله إسحاق بن راهويه. والثالث عشر هي يمين فيها كفارة اليمين قاله ابن عباس وبعض التابعين. والرابع عشر أنه كتحريم الماء

3557 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ بِشرٍ الْحَرِيرِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامِ) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرِ؛ أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيم أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ أَخبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسِ قَال: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيهِ امْرَأتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَقَال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ـــــــــــــــــــــــــــــ والطعام فلا يجب فيه شيء أصلًا ولا يقع به شيء بل هو لغو قاله مسروق والشعبي وأبو سلمة وأصبغ المالكي. هذا كله إذا قال لزوجته الحرة أما إذا قاله لأمة فمذهب الشافعي إنه إن نوى عتقها عتقت وإن نوى تحريم عينها لزمه كفارة يمين ولا يكون يمينًا وإن لم ينو شيئًا وجبت كفارة يمين على الصحيح من المذهب. وقال مالك هذا في الأمة لغو لا يترتب عليه شيء، قال القاضي: وقال عامة العلماء: عليه كفارة يمين بنفس التحريم، وقال أبو حنيفة: يحرم عليه ما حزمه من ماء وطعام وغيره ولا شيء عليه حتى يتناوله فيلزمه حينئذٍ كفارة يمين. ومذهب مالك والشافعي والجمهور أنه إن قال: هذا الطعام حرام عليّ أو هذا الماء أو هذا الثوب أو دخول البيت أو كلام زيد أو سائر ما يحرمه غير الزوجة والأمة يكون لغوًا لا شيء فيه ولا يحرم عليه ذلك الشيء، فإذا تناوله فلا شيء عليه، وأم الولد كالأمة فيما ذكرناه والله تعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3557 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن بشر) بن كثير (الحريري) بفتح المهملة أبو زكرياء الكوفي، صدوق، من (10) (حدثنا معاوية يعني ابن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثبر أن يعلى بن حكيم أخبره أن سعيد بن جبير أخبره أنه سمع ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة معاوية بن سلام (قال) ابن عباس: (إذا حزم الرجل عليه) أي على نفسه (امرأته) أي عينها (فهي) أي ذلك التحريم، أنث الضمير نظرًا إلى كون الخبر مؤنثًا وهو قوله: (يمين) أي قَسَمٌ على عدم قربانها وليس بطلاق لأن الأعيان لا توصف بذلك (يكفرّها) أي يكفر تلك اليمين أي يخرج كفارة اليمين ويأتيها (وقال) ابن عباس مستدلًا على ما ذهب (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فيما حزم وأحل وفعل وترك، أشار بذلك إلى قصة مارية ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

3558 - (1401) (161) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي عَطَاءٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيدَ بْنَ عُمَيرٍ يُخبِرُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تُخبِرُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا. قَالت: فَتَوَاطَيتُ أَنَا وَحَفْصَةُ؛ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالت ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3558 - (1401) (161) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي ثم المصيصي، ثقة، من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح القرشي المكي، ثقة، من (3) (أنه سمع عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي أبا عاصم المكي القاص، ثقة مخضرم، من (2) (يخبر أنه سمع عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان بغداديان وواحد مدني (تُخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث) ويتأخر (عند زينب بنت جحش) عندما يدور علينا عشية كل يوم للسلام علينا (فيشرب عندها عسلًا قالت) عائشة: (فتواطيت) هكذا هو في النسخ، وأصله تواطأت بالهمز كما هو في أكثر النسخ، وعبارة البخاري فتواصيت- بالصاد المهملة من التواصي- والمعنى واحد أي توافقت (أنا وحفصة) بنت عمر رضي الله عنهما على (أن أيتنا) بفتح الهمزة وتشديد التحتانية وتخفيف النون، وفي بعض روايات البخاري إسقاط أن ورفع آية، وما في قوله: (ما دخل عليها) زائدة أي اتفقنا على أن إحدانا إن دخل عليها (النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل) له: (إني أجد) وأشم (منك) يا رسول الله (ريح مغافير) فهل (أكلت مغافير) بتقدير أداة الاستفهام، والمغافير- بالغين المعجمة والفاء بعدها تحتية ساكنة- جمع مغفور بضم أوله على وزن عصفور هو صمغ حلو له رائحة كريهة، وذكر البخاري أنه شبيه بالصمغ يكون في الرمث -بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة- من الشجر التي ترعاها الإبل، والصمغ مادة تسيل من بعض الأشجار، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحب الرائحة الكريهة فلذلك ثقل عليه ما قالتا وعزم على عدم العودة (فدخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على إحداهما) فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، قال ابن حجر: لم أقف على تعيينها وأظنها حفصة (فقالت) التي دخل عليها أولًا (ذلك) القول

لَهُ. فَقَال: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ" فَنَزَلَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوبَا} [التحريم: 1 - 4] (لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ) {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3] لِقَوْلِهِ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا) ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي توافقتا عليه أكلت مغافير (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائلة: ما شربت مغافير (بل ضربت عسلًا عند زينب بنت جحش ولن أعود) وأرجع (له) أي لشربه؛ أي لا أشربه أبدًا فقد حرم العسل على نفسه، وزاد في رواية هشام بن يوسف عند البخاري في تفسير سورة التحريم "وقد حلفتُ لا تخبري بذلك أحدًا" وبهذه الزيادة تظهر مناسبة قوله فنزل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم / 1] قال عياض: حذفت هذه الزيادة من رواية حجاج بن محمد فصار النظم مشكلًا فزال الإشكال برواية هشام بن يوسف كذا في فتح الباري (فنزل) قوله تعالى: ({لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}) من العسل، وقوله: (إلى قوله) تعالى: ({إِنْ تَتُوبَا}) غاية لنزل أي نزلت هذه السورة من أولها إلى قوله إن تتوبا إلى الله حالة كونه تعالى يُعزض بألف التثنية في تتوبا (لعائشة وحفصة) ويكني عنهما أي يعني أن المراد باللتين تواطأتا، وحكى في الآية تظاهرهما على النبي صلى الله عليه وسلم هما الصدِّيقة وحفصة رضي الله تعالى عنهما، وأراد سبحانه وتعالى بالسر المذكور في قوله: ({وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله) أي أراد به قوله صلى الله عليه وسلم ما أكلت مغافير (بل شربت عسلًا) يريد أن المراد بالسر المحكي في الكتاب العزيز هو تحريمه صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه كما هو أحد الأقوال التفسيرية في معنى الحديث الذي أسرّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض أزواجه وهي حفصة، وقيل المراد به تحريم سُرِّيته مارية على نفسه لما واقعها في بيت حفصة، وكانت غائبة فجاءت وشق عليها كون ذلك في بيتها وعلى فراشها فقال: "هي حرام عليّ" وقيل إمامة الشيخين يعني أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفيما ذكره مسلم اختصار وتمامه كما في تفسير صحيح البخاري (فلن أعود له، وقد حلفت أن لا تخبري بذلك أحدًا) اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 221]، والبخاري [6691]، وأبو داود [3714]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3559 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُريب مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالعَسَلَ. فَكَانَ، إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ، دَارَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْهُنَّ. فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ. فَسَألْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: ـــــــــــــــــــــــــــــ 3559 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لعبيد بن عمير في الرواية عن عائشة (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل) والحلواء بالمد ويجوز قصره، قال القسطلاني في فقه اللغة للثعالبي: إن حلوى النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم وهو تمر يعجن باللبن فإن صح هذا وإلا فلفظ الحلوى يعم كل ما فيه حلو كذا قال القسطلاني، قال النووي: المراد بالحلواء في هذا الحديث كل شيء حلو، وذكر العسل بعدها للتنبيه على شرفه ومزيته وهو من عطف الخاص على العام، وفي القسطلاني: وليس هذا من عطف الخاص على العام، لأن العام هو الذي يدخل فيه الخاص وليس كذلك هنا (فكان) صلى الله عليه وسلم (إذا صلى) صلاة (العصر) وفرغ منها (دار) أي طاف (على نسائه) وأزواجه في حجرهن (فيدنو منهن) أي يقرب من إحداهن بأن يقبلها ويباشرها من غير جماع كما في رواية أخرى، وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام عند عبد بن حميد أن ذلك إذا انصرف من صلاة الفجر لكنها كما في الفتح رواية شاذة، وعلى تسليمها فيحتمل أن الذي كان يفعله أول النهار سلام ودعاء محض والذي في آخره معه جلوس ومحادثة (فدخل على حفصة) بنت عمر (فاحتبس) أي فمكث (عندها) احتباسًا (كثر مما كان يحتبس) عند غيرها أي مكث عندها مكثًا كان أطول من مكثه عند غيرها، قالت عائشة: (فسألت) بعض الناس (عن ذلك) أي عن مكثه عند حفصة مكثًا طويلًا، وفي حديث ابن عباس أن عائشة قالت لجويرية حبشية كانت عندها يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا يصنع، فأخبرتها الجارية بشأن العسل (فقيل لي) أي قال لي بعض من

أَهْدَت لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ مِنْ عَسَلٍ. فَسَقَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ، لَنَحْتَالنَّ لَهُ. فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِسَوْدَةَ. وَقُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيكِ، فَإِنَّهُ سيَدْنُو مِنْكِ. فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لَا. فَقُولِي لَهُ: مَا هذِهِ الرِّيحُ؟ (وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَشتَدُّ عَلَيهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ) فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتْني حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سألته (أهدت لها) أي لحفصة (امرأة من قومها) أي من قوم حفصة وأقاربها، ولم أر من ذكر اسم المرأة (عكة من عسل) وسقط الجار من بعض روايات البخاري، وزاد ابن عباس من الطائف، قال الجوهري: العكة إناء السمن وفسرها ابن حجر في مقدمة الفتح بالقربة الصغيرة (فسقت) حفصة (رسول الله صلى الله عليه وسلم منه) أي من ذلك العسل (شربة) قالت عائشة: (فقلت أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (والله لنحتالن له) أي لأجله أي لنطلبن له الحيلة في حرمانه عن ذلك العسل، وهي كما في المصباح: الحذق في تدبير الأمور وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود، وفي القسطلاني في كتاب الحيل من صحيح البخاري: الحيلة كل ما يتوصل به إلى المقصود بطريق خفي اهـ، قال الكرماني: كيف جاز على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحتيال؟ فأجاب بأنه من مقتضيات الغيرة الطبيعية للنساء وهو صغيرة معفو عنها مكفرة كذا في عمدة القاري (فذكرت ذلك) الاحتيال (لسودة) بنت زمعة (وقلت) عطف تفسير لذكرت أي قلت لها "ذا دخل عليك) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنه) صلى الله عليه وسلم (سيدنو) أي سيقرب (منك) للقبلة والمعانقة (فقولي له) وقتئذٍ (يا رسول الله أكلت) أي هل أكلت (مغافير؟ ) فإنه يُشم منك رائحته (فإنه سيقول لك لا) أي ما أكلت المغافير (فقولي له) عندئذٍ (ما هذه الريح؟ ) التي تشم منك (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد) ويشق (عليه أن يوجد) ويشم (منه الريح) الكريهة (فإنه) صلى الله عليه وسلم (سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل) وفي الرواية السابقة من هذا الباب إن شُرب العسل كان عند زينب بنت جحش وفي هذه عند حفصة، وقد قدمنا أن رواية ابن عباس عند ابن مردويه إنه كان عند سودة وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا كما في رواية عبيد بن عمير المروية أول هذا الباب وإن اختلفتا في صاحبة العسل فيمكن حمله على التعدد إذ لا يمتنع تعدد السبب للشيء الواحد، أو رواية عبيد أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين

فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. وَسأَقُولُ ذلِكَ لَهُ. وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ. قَالتْ: تقُولُ سَوْدَةُ: وَالَّذِي لَا إِلهَ إلا هُوَ، لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِئَهُ بِالَّذِي قُلْتِ لِي. وَإنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حفصة وعائشة على ما تقدم في التفسير فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تُقرن في المظاهرة بعائشة لكن يمكن تعدد القصة التي في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها الشرب عند حفصة كانت سابقة، والراجح أيضًا أن صاحبة العسل زينب لا سودة لأن طريق عبيد أثبت من طريق ابن أبي مليكة، ويؤيده أن في الهبة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن حزبين عائشة وسودة وحفصة وصفية في حزب وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب، ولذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها، وممن ذهب إلى الترجيح عياض فقال: رواية عبيد بن عمير أولى لموافقتها ظاهر القرآن لأن فيه {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيهِ} فهما ثنتان لا أكثر، قال: فكان الأسماء انقلبت على راوي الرواية الأخرى، لكن اعترضه الكرماني فقال: متى جوزنا هذا ارتفع الوثوق بأكثر الروايات، وفي تفسير السُّدِّي: إن شرب العسل كان عند أم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لإرساله وشذوذه اهـ ملخصًا من الفتح اهـ من الإرشاد. (فقولي له) صلى الله عليه وسلم يا سودة: (جرست) بفتح الجيم والراء والسين المهملة أي رعت (نحله) أي نحل هذا العسل الذي شربته (العرفط) بضم العين المهملة والفاء بينهما راء ساكنة آخره طاء مهملة؛ هو الشجر الذي صمغه المغافير (وسأقول) أنا (ذلك) القول الذي أمرتك به (له) صلى الله عليه وسلم حين دخل ودنا إليّ (وقوليه) أي وقولي له صلى الله عليه وسلم (أنت يا صفية) إذا دخل ودنا إليك، وفي رواية البخاري زيادة (ذاك) بكسر الكاف بلا لام، وفي رواية له لأبي ذر (ذلك) أي قولي له يا صفية بنت حيي الكلام الذي علمته لسودة، زاد يزيد بن رومان عن ابن عباس: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليه أن توجد منه ريح كريهة لأنه يأتيه الملك" (فلما دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على سودة) بنت زمعة (قالت) عائشة: (تقول) لي (سودة: و) الله (الذي لا إله إلا هو لقد كدت) وقربت (أن أبادئه) بالموحدة من المبادأة، وفي رواية البخاري عند ابن عساكر (أناديه) بالنون بدل الموحدة أي أن أناديه (بـ) الكلام (الذي قلت لي) وأمرتني به من أن أقول له أكلت مغافير (و) الحال (أنه) صلى الله عليه

لَعلَى الْبَابِ، فَرَقًا مِنْكِ. فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَال: "لَا" قَالت: فمَا هذِهِ الرِّيحُ؟ قَال: "سَقَتْنِي حَفْصةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ" قَالتْ: جَرَسَتْ نَخلُهُ الْعُرْفُطَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لهُ مِثْلَ ذلِكَ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالتْ بِمِثْلِ ذلِكَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ألَا أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَال: "لَا حَاجَةَ لِي بِهِ". قَالت تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَاللهِ، لَقَدْ حَرَمْنَاهُ. قَالتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (لـ) واقف (على الباب) قبل دخوله علي (فرقًا) بفتح الفاء والراء أي خوفًا (منك) أي من لومك، وهو مفعول له لفعل المقاربة؛ والمعنى والله لقد كدت خوفًا من لومك أن أبدأه وأناديه وهو لدى الباب لم يدنو مني بعد بالكلام الذي علمتنيه، قالت عائشة: (فلما) دخل و (دنا) وقرب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى سودة (قالت) له سودة: (يا رسول الله) هل (أكلت مغافير؟ قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي ما أكلت مغافير (قالت) له سودة: (فما هذه الريح؟ ) الكريهة التي تُشَمّ منك (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سقتني حفصة شربة عسل. قالت) له سودة لعله (جرست) أي رعت (نحله العرفط) أي شجر المغافير، قالت عائشة: (فلما دخل عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت له مثل ذلك) أي مثل القول الذي قلت لسودة أن تقوله له، والظاهر أنها تخاطب عروة فالكاف مفتوحة فيه في الموضعين (ثم دخل على صفية) بنت حيي (فقالت) له (بمثل ذلك) أي بمثل ما قلت أنا وصودة له من قول أكلت مغافير (فلما دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على حفصة) بنت عمر صاحبة العسل في اليوم الثاني (قالت) له حفصة: (يا رسول الله ألا) بالتخفيف أداة عرض وهو الطلب برفق ولين نظير قولهم ألا تنزل عندنا (أسقيك منه) أي من العسل (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حاجة لي) اليوم (به) أي بالعسل، لما وقع من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت له من شربه ريح كريهة فتركه حسمًا للمادة (قالت) عائشة: (تقول سودة) فيما بيننا (سبحان الله، والله لقد حرمناه) بتخفيف الراء، أي لقد منعناه صلى الله عليه وسلم من العسل (قالت) عائشة (قلت لها) أي لسودة: (اسكتي) يا سودة عن هذا الكلام الذي احتلنا له به لئلا يفشو ذلك بين الناس فيظهر ما دبّرته لحفصة صاحبة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العسل، وهذا منها على مقتضى طبيعة النساء في الغيرة، وليس بكبيرة بل صغيرة معفو عنها مكفرة بنحو الصلاة والطهارة كما مر اهـ من الإرشاد. قوله: (كدت أن أبادئه) وفي بعض الروايات (أبادره) وفي بعضها (أناديه) والمعنى أني كنت أهاب عائشة وأخاف أن تغضب علي إذا أنا أبطأت في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عما علمتني عائشة فكدت أن أبادره بالسؤال عن ذلك وهو بالباب قبل أن يدخل البيت. وإنما كانت سودة تهاب عائشة لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم إياها فخشيت إذا خالفتها أن تغضبها وإذا أغضبتها لا تأمن عليها خاطر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحتمل ذلك فهذا معنى خوفها منها قاله الحافظ. قوله: (سبحان الله، والله لقد حرمناه) قالت ذلك تندمًا على ما فعلت، وفيه إشارة إلى ورعها لأنها وافقت أولًا على دفع ترفع حفصة عليهن بمزيد الجلوس عندها بسبب العسل ورأت أن التوصل إلى بلوغ المراد من ذلك لحسم مادة شرب العسل، ولكن أنكرت بعد ذلك أنه يترتب عليه منع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر كان يشتهيه وهو شرب العسل فأخذت سودة تتعجب مما وقع منهن في ذلك ولم تجسر على التصريح بالإنكار ولا راجعت عائشة بعدما قالت لها: اسكتي بل أطاعتها وسكتت لما تقدم من اعتذارها في أنها كانت تهابها كذا في فتح الباري. قولها: (اسكتي) كانها خشيت أن يفشو ذلك فيظهر ما دبزته من احتيالها لحفصة، وفيه ما يشهد بعلو مرتبة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت ضرتها تهابها وتطيعها في كل شيء تأمرها به حتى في مثل هذا الأمر مع الزوج الذي هو أرفع قدرًا. ثم في هذا الحديث فوائد منها أن الغيرة مجبولة في النساء طبعًا فالغيراء تُعذر في ما يقع منها من احتيال فيما يدفع عنها ترفع ضرتها عليها بأي وجه كان قاله الحافظ، ومنها أن عماد القسم الليل وأن النهار يجوز فيه الاجتماع بالجميع بشرط ترك المجامعة إلا مع صاحبة النوبة، ومنها أن الأدب استعمال الكنايات فيما يستحيى من ذكره كما في قوله في الحديث (فيدنو منهن) والمراد التقبيل والتحضين لا مجرد الدنو، ومنها أن فيه

3560 - (00) (00) قَال أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشرِ بْنِ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، بِهذَا، سَوَاءً. وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فضيلة الحلواء والعسل لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم إياهما، ومنها أن فيه بيان صبر النبي صلى الله عليه وسلم غاية ما يكون ونهاية حلمه وكرمه الواسع كذا في عمدة القاري [9/ 1551]. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [5268]، وأبو داود [3715]، والنسائي [6/ 151]، وابن ماجه [3323]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3560 - (00) (00) (قال أبو إسحاق إبراهيم) بن سفيان صاحب مسلم راوي هذا الجامع عنه (حدثنا الحسن بن بشر بن القاسم) السلمي قاضي نيسابور، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، لم يصح أن مسلمًا روى عنه، وإنما روى عنه أبو إسحاق بن سفيان الراوي عن مسلم في مواضع علا فيها إسناده في الطلاق والوصايا والإمارة وغيرها (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (بهذا) الإسناد، يعني عن هشام عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها مثله (سواء) أي حالة كون حديث أبي كريب وحديث الحسن بن بثر متساويين. غرضه بيان متابعة الحسن بن بشر لأبي كريب وهارون بن عبد الله، قال أبو إسحاق أيضًا (وحدثنيه) أي وحدثني الحديث المذكور (سويد بن سيد) بن سهل الهروي، صدوق، من (10) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي المروزي، ثقة، من (8) (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (نحوه) أي نحو ما روى أبو أسامة عن هشام. غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لأبي أسامة، قال النووي: معنى هذا الكلام أن إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم يساوي مسلمًا في إسناد هذا الحديث فرواه أولًا عن واحد عن أبي أسامة كما رواه مسلم عن واحد عن أبي أسامة فعلا برجل، ورواه ثانيًا عن اثنين عن هشام كما رواه مسلم عن اثنين عن هشام فعلا برجلين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

545 - (31) باب بيان أن تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقا لا بالنية

545 - (31) باب بيان أن تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية 3561 - (1402) (162) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِتَخيِيرِ أَزوَاجِهِ بَدَأَ بِي. فَقَال: (إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا. فَلَا عَلَيكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأمِرِي أَبَوَيكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 545 - (31) باب بيان أن تخيير الرجل امرأته لا يكون طلاقًا لا بالنية 3561 - (1402) (162) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (ح وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (واللفظ) الآتي (له) أي لحرملة (أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (أن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (قالت) عائشة (لما أُمر) بالبناء للمفعول (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لما أمره ربه (بتخيير أزواجه) بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله تعالى الثواب الجزيل والأجر العظيم، أي أمره بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} الآية (بدأ بي) رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخيير قبل أزواجه، وإنما بدأ بها لعقلها ولفضيلتها على غيرها (فقال) لي (إني ذاكر لك أمرًا) أي سأذكر لك أمرًا مهمًا وهو التخيير (فلا) بأس ولا ضرر (عليك) في (أن لا تعجلي) أي في عدم العجلة والتأني في الجواب (حتى تستأمري) وتشاوري (أبويك) أبا بكر وأم رومان أي حتى تطلبي منهما أن يبينا لك رأيهما في ذلك الأمر، والمعنى أي إلى أن تشاوريهما، قاله لها لعلمه أن أبويها لا يوافقانها في اختيارها نفسها إن حصل ذلك منها بسبب حداثتها، وزاد محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة (إني عارض عليك أمرًا فلا تفتني فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان) أخرجه أحمد والطبري. ويستفاد منه أن أم رومان كانت

قَالتْ: قَدْ عَلِمَ أَن أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأمُرَانِي بِفِرَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يومئذٍ موجودة فيرد به على من زعم أنها ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع، كذا في فتح الباري [8/ 451]. واعلم أنه قد اختلفت الروايات في سبب هذا التخيير فورد في بعضها أن سببه قصة المتظاهرتين وهي قصة العسل كما عند البخاري في باب موعظة الرجل ابنته في النكاح، وفي بعضها أن سببه سؤال النفقة كما سيأتي عند المؤلف في حديث جابر رضي الله عنه وفي بعضها غير ذلك، ولما كانت هذه القصص متقاربة ربما اختلطت على من لا يعرف حقيقة الأمر أوردناها لك مرتبة. واعلم أن غضبه صلى الله عليه وسلم من أزواجه واعتزاله عنهن وتخييرهن كان لأسباب متعددة متوالية فوقعت أولًا قصة العسل، ثم قصة مارية رضي الله تعالى عنها إن صحت فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه من أجل ذلك فنزلت آية التحريم، ثم اجتمعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عليه يسألنه زيادة النفقة وكلما سيأتي في حديث جابر، وحدثت أمور أخرى ستأتي هناك فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه واعتزلهن شهرًا كما سيأتي في حديث عمر وابن عباس حتى إذا فرغ من إيلائه نزلت آية التخيير التي خيّر من أجلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بين المكث معه وبين الفراق، هذا ما لُخِّص من فتح الباري [8/ 400]، في تفسير سورة الأحزاب و [9/ 253 و 254]، باب موعظة الرجل ابنته من النكاح والله أعلم. قال النووي: قوله: (فلا عليك أن لا تعجلي) إلخ معناه لا يضرك أن لا تعجلي إنما قال ذلك لها شفقة عليها وعلى أهلها لأنه خاف أن يستغرَّها الصغر فتختار نفسها فيجب فراقها فتتاذى بذلك فيتأذى أهلها ويتأذى بقية النسوة في الاقتداء بها، قال القاضي: وقال ذلك لكراهية فراقها وخوف أن تبادر بذلك إذ جعل ذلك إليها لما في ظاهره من الزهد فيها بتخييرها وأنفة النساء من مثل هذا مع صغر سنها اهـ من الأبي. (قالت) عائشة: وإنما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك أن لا تعجلي لأنه (قد علم أن أبويّ لم يكونا ليأمراني بفراقه) صلى الله عليه وسلم وهذه اللام أعني لام ليأمراني لام الجحود الواقعة بعد الكون المنفي بما أو بما نظير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيبِ} ووقع في رواية عمرة عن عائشة في هذه القصة (وخشي رسول الله

قَالتْ: ثُمَّ قَال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الأحزاب: 28 ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم حداثتي) والمراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرها باستشارة أبويها خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الشق الآخر، وفيه منقبة عظيمة لعائشة رضي الله تعالى عنها من وجوه: الأول أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها قبل سائر الأزواج وما ذلك إلا لفضيلتها عنده صلى الله عليه وسلم. والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحب فراقها حتى عند التخيير ولذلك أمرها باستشارة أبويها حبًّا لها ونصحًا لأمرها. والثالث أنها لم تتوقف في اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على كمال عقلها وجودة رأيها مع حداثة سنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. (قالت) عائشة: (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عزَّ وجلَّ قال) لي في تخييركن ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}) أي السعة في الدنيا وزهرتها ({فَتَعَالينَ}) أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن ({أُمَتِّعْكُنَّ}) أي أعطكن متعة الطلاق ({وَأُسَرِّحْكُنَّ}) أي أطلقكن ({سَرَاحًا جَمِيلًا}) لا ضرر فيه {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وهذا أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يخيّر نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل فاخترن رضا الله ورسوله والدار الآخرة فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة. والحاصل أن سبب نزول هذه الآية مطالبتهن إياه صلى الله عليه وسلم من زينة الدنيا ما ليس عنده، ففي تفسير البيضاوي رُوي أنهن سألنه صلى الله عليه وسلم ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت فبدأ بعائشة فخيرها فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر الله لهن ذلك فنزل {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي تقدم ذكرهن في باب القسم بين الزوجات، وجاء في بعض الروايات أنه خير نساءه فاخترنه جميعًا غير العامرية فاختارت قومها فكانت بعد

- 29] قَالتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هذا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالتْ: ثُمَّ فَعلَ أَزْواجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. 3562 - (1403) (163) حدَّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَويَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: أنا الشقية، ويقال: إنها كانت ذاهبة العقل حتى ماتت. (قالت) عائشة: (فقلت في أي هذا) المذكور من الأمرين من الفراق والمقام معك (أستامر) وأستشير (أبوي) لا حاجة لي إلى استئمارهما (فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) تعني أن الأمر واضح لا حاجة فيه إلى مشاورة الأبوين، وفي رواية محمد بن عمرو (فقلت فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولا أُوامر أبويّ أبا بكر وأم رومان فضحك) وفي رواية عمر بن أبي سلمة عند الطبري (ففرح) (قالت) عائشة: (ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت) أنا من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في باب الغرفة والعلية المشرفة من كتاب المظالم وفي تفسير سورة الأحزاب، وأخرجه الترمذي [1179]، والنسائي [6/ 56]، وابن ماجه [2052]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3562 - (1403) (163) (حدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب العتكي أبو معاوية البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن معاذة) بنت عبد الله (العدوية) البصرية، امرأة صلة بن أشيم، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي (قالت) عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

يَسْتَأذِنُنَا. إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا. بَعْدَمَا نزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إِلَيكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] فَقَالتْ لَهَا مُعَاذَةُ: فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتأذَنَكِ؟ قَالتْ: كُنْتُ أَقُولُ: إِنْ كَانَ ذَلكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي. 3563 - (00) (00) وحدّثناه الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى. أخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يستأذننا) معاشر أزواجه، قال القاضي: هذا على أن القسم غير واجب عليه إنما يفعله تطييبًا لقلوبهن على ما تقدم في باب القسم بين الزوجات (إذا كان في يوم المرأة منا) تعني أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان في نوبة إحدانا وأراد التوجه والذهاب إلى الأخرى استأذن صاحبة النوبة التي كان عندها في الذهاب إلى الأخرى. وقوله: (في يوم المرأة) بإضافة اليوم إلى المرأة، ويروى في اليوم المرأة بنصب المرأة، والمراد اليوم الذي تكون فيه نوبتها (بعدما نزلت) آية (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) تقدم تفسيره (فقالت لها) أي لعائشة (معاذة) العدوية (فما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنك) للتحول إلى الزوجة الأخرى (قالت) عائشة: (كنت أقول) له صلى الله عليه وسلم: (إن كان ذلك) أي ما ذكرته من الإرجاء والإيواء مفوضًا (إليّ) فإني (لم أرثر) بك (أحدًا) من ضرائري ولم أفضلها (على نفسي) قال النووي: هذه المنافسة فيه صلى الله عليه وسلم ليست لمجرد الاستمتاع ولمطلق العشرة وشهوات النفوس وحظوظها التي تكون من بعض الناس بل هي منافسة في أمور الآخرة والقرب من سيد الأولين والآخرين والرغبة فيه وفي خدمته ومعاشرته والاستفادة منه وفي قضاء حقوقه وحوائجه وتوقع نزول الرحمة والوحي عليه عندها ونحو ذلك، ومثل هذا حديث ابن عباس وقوله في القدح إلا أوثر بنصيبي منك أحدًا) ونظائر ذلك كثير اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في تفسير الأحزاب، وأبو داود في النكاح، والنسائي في عشرة النساء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3563 - (00) (00) (وحدثناه الحسن بن عيسى) بن ماسرجس الحنظلي النيسابوري مولى ابن المبارك، أسلم على يديه، ثقة، من (10) (أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (أخبرنا عاصم) بن سليمان الأحول

بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3564 - (1404) (164) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَال: قَالث عائِشَةُ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَلَم نَعُدَّهُ طَلاقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (بهذا الإسناد) يعني عن معاذة عن عائشة (نحوه) أي نحو ما روى عباد بن عباد عن عاصم. غرضه بيان متابعة عبد الله بن المبارك لعباد بن عباد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3564 - (1404) (164) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي بالضم أبو زبيد بالضم الكوفي، ثقة، من (8) (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعْد الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال: قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد نيسا بوري (قد خيّرنا) معاشر أزواجه (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين الدنيا والآخرة فإن اخترن الدنيا طلّقهن طلاق السنة اهـ من الإرشاد (فـ) اخترنا المقام معه و (لم نعُدّه) أي ولم نعُدّ ذلك التخيير ولم نحسبه (طلاقًا) أي شيئًا من الطلاق رجعيًّا ولا بائنًا، وهذا موضع الترجمة، وفيه المطابقة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 202]، والبخاري [5263]، والترمذي [1179]، والنسائي [6/ 56]، وابن ماجه [2052]. قال القرطبي: وفي قول عائشة هذا دليل على أن المخيّرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الخيار يكون طلاقًا من غير احتياج إلى النطق بلفظ يدل على الطلاق سوى الخيار ويُقتبس ذلك من مفهوم لفظها فتأمله اهـ من المفهم. وبهذا الحديث أخذ الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وأئمة الفتوى فقالوا: إذا خيّر الرجل امرأته فاختارته لا يقع بذلك طلاق لا واحدة ولا أكثر، وحُكي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما روايتان إحداهما كما قال جماعة السلف وأئمة الفتوى إنه لا يقع بذلك شيء، والرواية الثانية أن نفس الخيار طلقة واحدة بائنة وإن اختارت زوجها، ويؤيد قول

3565 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشعْبِيِّ، عَنْ مَسرُوقٍ. قَال: مَا أُبَالِي خَيَّرْتُ امْرأَتِي وَاحِدَةً أَوْ مِائَةَ أَوْ أَلْفًا. بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي. وَلَقَدْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقَالتْ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَفَكَانَ طَلاقًا؟ 3566 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها زوجها طلاقًا لاتّحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة كذا في فتح الباري، هذا إذا اختارت المخيرة زوجها، وأما إذا اختارت نفسها فهي ثلاث عند مالك والليث وهو المروي عن زيد بن ثابت، وقال أبو حنيفة: هي واحدة بائنة، وهو المروي عن عمر وابن مسعود وعلي رضي الله عنهم، وقال الشافعي وأحمد: هي طلقة رجعية وهو مذهب إسحاق والثوري وابن أبي ليلى وهو المروي عن ابن عباس هذا ملخص ما في فتح الباري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3565 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا علي بن مسهر) القرشي، ثقة، من (8) (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي (عن الشعبي عن مسروق) عن عائشة. وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لعبثر بن القاسم (قال) مسروق: (ما أبالي) ولا أكترث أن (خيّرت امرأتي) مرة (واحدة أو مائة) مرة (أو ألفًا) من المرات (بعد أن تختارني) يعني لا يقع بذلك شيء ما دامت زوجتي تختارني، وقد روي مثل قول مسروق عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وعائشة وعطاء وسليمان بن يسار وربيعة والزهري كما في عمدة القاري. قال مسروق: (ولقد سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها عن تخيير الرجل امرأته هل يعد طلاقًا أم لا؟ (فقالت) عائشة لا يعد طلاقًا لأنه (قد خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) فاخترناه (أفكان) ذلك التخيير (طلاقًا) أي لم يكن طلاقًا، فالهمزة للاستفهام الإنكاري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3566 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن

جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ. فَلَمْ يَكُنْ طَلاقًا. 3567 - (00) (00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ الأحوَلِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة. قَالتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَاخْتَرْنَاهُ. فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلاقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عاصم الأحول لإسماعيل بن أبي خالد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيّر نساءه) أي أزواجه الطاهرات رضي الله تعالى عنهن فاخترنه (فلم يكن) ذلك التخيير (طلاقًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3567 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7) (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) البصري، ثقة، من (4) (وإسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفي، ثقة، من (7) (عن الشعبي عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة بن الحجاج (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه) أي اخترنا المقام معه والدار الآخرة (فلم يعُدَّه) أي فلم يعد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التخيير (طلاقًا) علينا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3568 - (00) (00) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ) عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاختَزنَاهُ. فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَينَا شَيئًا. 3569 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زكرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا الأعَمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3568 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني مولاهم أبي الضحى الكوفي، ثقة، من (4) (عن مسروق) بن الأجدع، ثقة مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مسلم بن صبيح للشعبي. (قالت) عائشة: (خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعددها) أي فلم يعدّ خصلة التخيير (علينا شيئًا) أي طلاقًا، وتأنيث الضمير في قوله: (فلم يعددها) نظرًا لمعنى الخيرة الكائنة في التخيير، وقوله: (شيئًا) أي طلاقًا، قال السندي: في حواشي سنن ابن ماجه، وفيه أن النزاع فيما إذا قال اختاري نفسك مثلًا لا فيما إذا خيّرها بين الدنيا وبين الدار الآخرة مثلًا، كيف لو اختارت في هذه الصورة الدنيا لما كان طلاقًا كما يفيده القرآن الكريم، ولهذا قال بعض أهل التحقيق: إن هذا الاختيار خارج عن محل النزاع فلا يتم به الاستدلال على مسائل الاختيار فليتأمل، وفي المسألة أقاويل بسطها أبو السعود فعليك بإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3569 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الأسدي الكوفي المعروف بالخلقاني، صدوق، من (8) (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى

وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشةَ، بِمِثْلِهِ. 3570 - (1405) (165) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: دَخَلَ أَبُو بَكرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لمْ يُؤذنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ. قَال: فَأُذِنَ لأَبِي بَكْرٍ. فَدَخَلَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأذَنَ فَأُذِنَ لَهُ. فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا، حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ. وَاجِمًا سَاكِتًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها (و) حدثنا إسماعيل بن زكرياء أيضًا (عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح (عن مسروق) بن الأجدع (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن زكرياء لأبي معاوية، وساق إسماعيل بن زكرياء (بمثله) أي بمثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 3570 - (1405) (165) (وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا زكريا بن إسحاق) المكي ثقة، من (6) (حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم الأسدي المكي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نسائي (قال) جابر بن عبد الله: (دخل أبو بكر) أي جاء أبو بكر حالة كونه (يستأذن) في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد) أبو بكر (الناس جلوسًا) أي جالسين (ببابه) أي عند بابه صلى الله عليه وسلم. وجملة قوله: (لم يؤذن لأحد منهم) في الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة لجلوسا أي وجدهم جالسين غير مأذون لأحد منهم في الدخول عليه صلى الله عليه وسلم (قال) جابر: (فأذن لأبي بكر) في الدخول (فدخل) أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم أقبل) أي جاء (عمر فاستأذن) في الدخول (فأذن له) في الدخول فدخل (فوجد) عمر (النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه) محدقات به صلى الله عليه وسلم (واجمًا) أي حزينًا مطرقًا رأسه إطراق المغضب (ساكتًا) عن الكلام معهن، قال علي القاري: لعل هذا الدخول قبل نزول الحجاب ولكن يرده ما حققه الحافظ في الفتح من أن التخيير كان سنة تسع بعد نزول الحجاب، وأما دخول أبي بكر وعمر على أمهات

قَال: فَقَال: لأَقُولَنَّ شَيئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ رَأَيتَ بِنْتَ خَارِجَةَ! سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيهَا فَوَجَأتُ عُنُقَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنين فلا يلزم منه رفع الحجاب، ويحتمل أن تكون مرتديات ولعل مسارعتهن إلى الحجاب كان هو السبب في تأخير الإذن بدخولهما والله سبحانه وتعالى أعلم. وقوله: (واجمًا) يقال: وجم الرجل يجم من باب وعد وجومًا إذا أسكته الهم وعلته الكآبة فهو واجم أي مهموم اهـ مجمع البحار. (قال) جابر: (فقال) أبو بكر في نفسه، ووهم الشيخ علي القاري فجعل قائل هذه المقالة عمر، وسيأتي الرد عليه قريبًا، والله (لأقولن شيئًا) من المقالة (أُضحك) بها (النبي صلى الله عليه وسلم) بضم الهمزة وكسر المهملة مضارع مسند إلى المتكلم من أضحك الرباعي، وفي بعض النسخ (يُضحك النبي صلى الله عليه وسلم) قال النووي: فيه استحباب مثل هذا وأن الإنسان إذا رأى صاحبه مهمومًا حزينًا يستحب له أن يحدثه بما يُضحكه أو يشغله ويطيب نفسه اهـ، وعن علي رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسرّ الرجل من أصحابه إذا رآه مغمومًا بالمداعبة كذا في المرقاة لعلي القاري (فقال) أبو بكر: (يا رسول الله لو رأيت) زوجتي (بنت خارجة) وفي رواية أحمد [3/ 328] (بنت زيد) وهي امرأة أبي بكر رضي الله عنه اسمها حبيبة بنت خارجة بن زيد أو بنت زيد بن خارجة كما في الإصابة [4/ 261]. فنُسبت في بعض الروايات إلى أبيها، وفي بعضها إلى جدها ومن هنا يتبين أن قائل هذا القول هو أبو بكر رضي الله عنه لا عمر، ووقع في رواية عبد الملك وأبي عامر وابن لهيعة عند أحمد [3/ 328 و 342]، التصريح بأن قائله عمر، وصرح علي القاري في المرقاة أيضًا بنسبة هذا القول إلى عمر، والظاهر أن كل ذلك وهم لأني لم أجد في أزواج عمر رضي الله عنه من تُسمى بنت خارجة أو بنت زيد، وإنما أزواجه زينب بنت مظعون ومليكة بنت جرول وجميلة بنت عاصم وأم كلثوم بنت علي كما في المعارف لابن قتيبة وتهذيب الأسماء للنووي، وبنت خارجة أو بنت زيد إنما كانت زوجة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ويدل على أن قائله أبو بكر أنه بادر إلى القيام إلى عائشة لِوَجْئِ عنقها وضربه قبل أن يقوم عمر كما هو مصرح في الحديث، ويظهر من كلام النووي أنه جعل هذا القول لأبي بكر دون عمر لأنه قال: وفيه فضيلة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، أي لو رأيت يا رسول الله زوجتي بنت خارجة حين (سألتني النفقة) الكثيرة (فقمت إليها فوجأت) أي ضربت بيدي (عنقها)

فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَال: "هُن حَوْلِي كمَا تَرَى. يَسْألْنَنِي النَّفَقَةَ. فَقَامَ أَبو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا لَيسَ عِنْدَهُ. فَقُلْنَ: وَاللهِ! لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيئًا أَبدًا لَيسَ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعنق الرقبة وهو مذكر والحجاز تؤنث والنون مضمومة للإتباع في لغة الحجاز وساكنة في لغة تميم قاله الفيومي اهـ. فلو شرطية جوابها محذوف تقديره لرأيت أمرًا عجيبًا، ويحتمل كونها للتمني يقال: وجأ العنق يجأه من باب فتح إذا طعنه كذا في مجمع البحار، وفي المغرب الوجأ الضرب باليد، وقال الطيبي: الوجأ الضرب، والعرب تحترز عن لفظ الضرب فلذلك عدل إلى الوجإ (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تبسم، وفي رواية لأحمد فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هن) مجتمعات (حولي كما ترى يسألنني النفقة) يعني زيادة النفقة على المقدار المعتاد وإلا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة كما أخرجه الشيخان وغيرهما، قال العيني: إنهن اجتمعن عنده يومًا فقلن: نريد ما تريد النساء من الحُليّ، حتى قال بعضهن: لو كنا عند غير النبي صلى الله عليه وسلم لكان لنا شأن وثياب وحليّ، وقيل إن كل واحدة منهن طلبت شيئًا فطلبت أم سلمة معلمًا، وميمونة حلة يمانية، وزينب ثوبًا مخططًا، وأم حبيبة ثوبًا سحوليًا، وحفصة ثوبًا من ثياب مصر، وجويرية مِعْجَزًا، وسودة قطيفة خيبرية إلا عائشة رضي الله تعالى عنها فلم تطلب شيئًا كذا في تفسير الأحزاب من عمدة القاري. (فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها) أي يضربها بيده، وفي رواية عبد الملك وغيره عند أحمد فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة اهـ (فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما) أي كل من العمرين (يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده) صلى الله عليه وسلم من زخارف الدنيا (فقلن) جميعًا (والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد اليوم (شيئًا) من متاع الدنيا (أبدًا) أي مدة حياتنا مما (ليس عنده) صلى الله عليه وسلم، وزاد أحمد قبله (فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني نهى أبا بكر وعمر عن ضربهما وهو اللائق بمكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وهذا الفعل من أبي بكر وعمر بابنتيهما مبالغة في تأديبهما وكذلك غضب

ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيهِ هذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}، حَتَّى بَلَغَ، {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29]. قَال: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ. فَقَال: "يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفرِضَ عَلَيكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَستَشِيرِي أَبوَيكِ" قَالت: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَتَلا عَلَيهَا الآيَةَ. قالتْ: أَفِيكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! اسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَختَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. وَأَسْألُكَ أَنْ لَا تُخبِرَ امْرَأَةَ مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن وهجرانه لهن إنما كان مبالغة في تأديبهن فإنهن كن كثرن عليه وتبسطن عليه تبسطًا أي تسلطن عليه تسلطًا تعدين فيه ما يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من احترامه وإعظامه، وكان ذلك منهن بسبب حسن معاشرته ولين خلقه، وربما امتدت أعين بعضهن إلى شيء من متاع الدنيا كما مر آنفًا، ولذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يخترهن بين إرادة الدنيا وارادة الله تعالى وما عنده فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولم يكن فيهن من توقف في شيء من ذلك ولا تردد فيه لأنهن مختارات لمختار وطيبات لطيب سلام الله تعالى عليهن جمع كتع بتع بصع اهـ من المفهم. (ثم اعتزلهن) رسول الله صلى الله عليه وسلم تأديبًا لهن أي انفرد عنهن في عليته (شهرًا) كاملًا (أو تسعًا وعشرين) ظاهره شك من الراوي، وسيأتي حديث ابن عباس أنه إنما اعتزلهن تسعًا وعشرين وهو الصحيح اهـ من المفهم (ثم نزلت عليه) صلى الله عليه وسلم (هذه الآية) الكريمة يعني قوله: (يا أبها النبي قل لأزواجك، حتى بلغ) أي إلى أنْ بلغ نزولها قوله: (للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا، قال) جابر: (فبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخيير بعد نزول الآية (بعائشة) الصدّيقة رضي الله تعالى عنها (فقال) لها: (يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا) هو التخيير فـ (أحب أن لا تعجلي فيه) أي في ذلك الأمر (حتى تستشيري) وتستأمري (أبويك قالت) عائشة: (وما هو) أي وما ذلك الأمر الذي تعرضه عليّ (يا رسول الله فتلا) أي فقرأ (عليها الآية) المذكورة آنفا (قالت) عائشة: (أفيك) أي أفي اختيارك واختيار الله والدار الآخرة (يا رسول الله أستشير) وأستأمر (أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة و) لكن (أسألك أن لا تخبر) يا رسول الله (امرأة) واحدة (من نسائك) وأزواجك (بـ) الأمر (الذي قلت) من اختيارك

قَال؛ "لَا تَسْألُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخبَرْتُها. أَنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا. وَلَكِنْ بَعثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ واختيار الله والدار الآخرة، كأنها أرادت أن تختار بعض نسائه الفراق، قال القرطبي: هو قول أخرجته غيرتها وحرصها على انفرادها بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان عائشة رضي الله تعالى عنها توقعت أنه إذا لم يُخبر أحدًا من زوجاته يكون فيهن من يختار الدنيا فيفارقها النبي صلى الله عليه وسلم وأنهن إذا سمعن باختيارها هي له صلى الله عليه وسلم اقتدين بها فيخترنه وكذلك فعلن اهـ من المفهم، قال الحافظ: فيه أن الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرأي والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها ولكنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن الحامل لها على ذلك ما طُبع عليه النساء من الغيرة ومحبة الاستبداد دون ضرائرها لم يسعفها بما طلبت من ذلك كذا قال في الفتح في تفسير سورة الأحزاب. قال القرطبي: ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم أنه إن سألته واحدة منهن عن فعل عائشة فلم يخبرها كان ذلك نوعًا من العنت وادخال الضرر عليهن بسبب إخفاء ما يُسأل عنها فـ (قال) مجيبًا لها (لا تسألني امرأة منهن) عما قلت (إلا أخبرتها) به لي (أن الله) سبحانه (لم يبعثني) إلى الخلق، حالة كوني (معنتًا) بضم الميم وفتح العين وتشديد النون المكسورة؛ أي مشددًا على الناس أُمورهم وملزمًا إياهم ما يصعب عليهم (ولا) حالة كوني (متعنتًا) بضم الميم وفتح التاء الفوقية والعين المهملة وتشديد النون المكسورة؛ أي طالبًا زلاتهم وباحثًا عن هفواتهم (ولكن بعثني معلمًا) لهم أحكام دينهم (ميسرًا) عليهم أمورهم في دينهم ودنياهم، والمعنت هو الذي يوقع العنت بغيره، والعنت المشقة، والمتعنت هو الذي يحمل غيره على العمل بها، ويحتمل أن يقال المعنت هو المجبول على ذلك، والمتعنت هو الذي يتعاطى ذلك وإن لم يكن في جبلته اهـ من المفهم، وفي رواية عند أحمد (معنفًا)، والمعاني متقاربة لأن المعنت من عنته إذا شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه، والمتعنت من التعنيت وهو الذي يطلب زلة غيره كما في القاموس، والمعنف مأخوذ من التعنيف؛ وهو التشديد والتوبيخ، والمراد أنني لا أريد أن أشق على نسائي أو أطلب زلاتهن فلا أمسك على إخبارهن باختيارك. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ولكن أخرجه النسائي في السنن الكبرى في عشرة النساء كما في تحفة الأشراف للمزي [2/ 297] وأخرجه أحمد أيضًا في مسند جابر 3 [/ 328 و 342].

تتمة ذكر من اختارت نفسها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتمة ذكر من اختارت نفسها وقد مر في حديث عائثشة رضي الله تعالى عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كلهن قد اخترنه وهو الصحيح المحفوظ، وذكر ابن العربي عن ابن شهاب أن امرأة واحدة منهن اختارت نفسها فذهبت وكانت بدوية اسمها عمرة بنت يزيد الكلابية اختارت فذهبت فابتلاها الله تعالى بالجنون، ويقال إن أباها تركها ترعى غنمًا له فسارت في طلب إحداها فلم يعلم ما كان من أمرها إلى اليوم، وذكر ابن سيد الناس عن أبي عمر أن اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي وذكر أنها كانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول: أنا الشقية، اخترت الدنيا. ولكن هذه الروايات قد رد عليها ابن العربي في أحكام القرآن [1/ 162]، وابن سيد الناس في عيون الأثر [2/ 310]، وراجع لتحقيق هذه الروايات الإصابة للحافظ ابن حجر [4/ 371] والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به للأول وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد به للأول وذكر فيه خمس متابعات، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد به والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

546 - (32) باب إيلاء الرجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

546 - (32) باب إيلاء الرجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة 3571 - (1406) (166) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيل. حَدَّثَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَال: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ قَال: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ. فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالحَصَى وَيَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. وَذلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤمَرْنَ بِالْحِجَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 546 - (32) باب إيلاء الرجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة 3571 - (06 14) (166) (حدثني زهير بن حرب حدثني عمر بن يونس) بن القاسم (الحنفي) أبو حفص اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن سماك) بن الوليد الحنفي (أبي زميل) اليمامي، ليس به بأس، من (3) روى عنه في (5) أبواب (حدثني عبد الله بن عباس) قال: (حدثني عمر بن الخطاب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم يمانيون وواحد مدني وواحد طائفي وواحد نسائي (قال) عمر بن الخطاب: (لما اعتزل) وابتعد وانفصل وفارق (نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه) في السكن (قال) عمر: (دخلت المسجد) النبوي (فإذا الناس) كلهم (ينكتون) أي يضربون (بالحصى) الأرض كفعل المهموم المفكر في أمر مشكل، وفيه اهتمام المسلمين لما أهمَّ نبيهم صلى الله عليه وسلم واجتماعهم لذلك، قال الحافظ: لم أقف على أسمائهم، وإذا في قوله: (فإذا الناس) فجائية، والفاء عاطفة؛ أي دخلت المسجد ففاجأني نكت الناس الأرض بالحصى (و) الحال أنهم (يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه) أي أزواجه (وذلك) أي اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وقول الناس طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم (قبل أن يؤمرن) النساء (بالحجاب) أي بالاحتجاب من الرجال، استدل به ابن العربي في أحكام القرآن وغيره على أن واقعة التخيير كانت قبل نزول الحجاب، ولكن رد عليه الحافظ في الفتح فقال: هو غلط بيّن فإن نزول الحجاب كان في أول زواج زينب بنت جحش سنة أربع أو خمس، وهذه القصة كانت سبب نزول آية التخيير سنة تسع وكانت زينب بنت جحش فيمن خُيّر فبهذا يظهر أن نكاح زينب قبل التخيير، وقد ثبت أن الحجاب إنما نزل في

فَقَال عُمَرُ: فَقُلْتُ: لأَعْلَمَنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ. قَال: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ. فَقُلْتُ: يَا بِنْتَ أَبِي بَكرٍ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالتْ: مَا لِي وَمَا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ عَلَيكَ بِعَيبَتِكَ. قَال: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصةَ بِنْتِ عُمَرَ. فَقُلْتُ لَهَا: يَا حَفْصَةُ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ وَاللهِ، لَقَدْ عَلِمْتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِبُّكِ. وَلَوْلا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وليمة زينب فدل على أن التخيير كان بعد نزول الحجاب، وأما حديث الباب فقال فيه الحافظ: وأحسن محامله عندي أن يكون الراوي لما رأى قول عمر أنه دخل على عائشة ظن أن ذلك قبل الحجاب فجزم به ولكن جوابه أنه لا يلزم من الدخول رفع الحجاب فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب كما لا يلزم من وهم الراوي في لفظة من الحديث أن يطرح حديثه كله اهـ (فقال عمر فقلت) في نفسي والله (لأعلمن ذلك) الذي قالوا من طلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أي لأبحثن عنه (اليوم) أي في هذا اليوم الحاضر وأعرفن حقيقته هل هو كذب انتشر أو صدق استقر؟ (قال) عمر: (فدخلت على عائشة فقلت) لها: (يا بنت أبي بكر أقد بلغ) ووصل (من شأنك) وترفعك على ضرائرك (أن توذي رسول الله صلى الله عليه وسلم) حتى اعتزل عنكن (فقالت) لي عائشة: (ما لي) أي أي عُلقة لي بك (وما لك) أي وأي علقة لك بي أي وأي علقة بيني وبينك (يا ابن الخطاب عليك بعيبتك) أي عليك بخاصتك وموضع سرك، والعيبة وعاء يجعل فيه الإنسان أفضل ثيابه ونفيس متاعه فشبهت بها عائشة حفصة ابنة عمر، والمعنى عليك بوعظ ابنتك حفصة لا بوعظي (قال) عمر: (فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها: يا حفصة أقد بلغ من شأنك) وسوء أدبك (أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك) أي لا يحب صحبتك (ولولا أنا) موجود ولولا استحياؤه مني موجود (لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكأن هذا إشارة إلى ما رواه موسى بن علي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر فبلغ ذلك عمر فحثى التراب على رأسه وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريل من الغد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر. وفي رواية أبي صالح عند أبي

فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ. فَقُلْتُ لَهَا: أَينَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَالت: هُوَ فِي خِزَانَتِهِ فِي الْمَشرُبَةِ. فَدَخَلْتُ فَإذَا أنَا بِرَبَاحٍ غُلامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشرُبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعلى دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلقك إنه كان قد طلقك مرة ثم راجعك من أجلي فإن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدًا. ذكرهما الحافظ في ترجمة حفصة من الإصابة [4/ 265]، وأخرج ابن سعد عن قيس بن زيد مرسلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر فأتاها خالاها عثمان وقدامة ابنا مظعون فبكت وقالت: والله ما طلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شبع فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فتجلببت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل - عليه السلام - أتاني فقال لي أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة " اهـ طبقات ابن سعد [8/ 84] (فـ) ـلما قلت لها ذلك (بكت) حفصة (أشد البكاء) قال عمر: (فقلت لها) أي لحفصة: (أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت) حفصة: (هو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في خزانته) ومستودعه، والخزانة بكسر الخاء مكان الخزن كالمخزن وما يُحزن فيه يسمى خزينة، وقوله: (في المشربة) بفتح الميم والراء وبضمها بدل من خزانته بدل كل من كل، قال في المصباح: المشربة هي الخزانة التي يكون فيها طعامه وشرابه، قيل لها مشربة فيما أرى لأنهم كانوا يخزنون فيها شرابهم، وقيل بمعنى الغرفة العلية، وقال ابن قتيبة: هي كالصفة بين يدي الغرفة، وقال الداودي: هي الغرفة الصغيرة كذا في عمدة القاري وذكر في مجمع البحار: أن المشربة بمعنى الخزانة مفتوحة الراء فقط، وأما بمعنى الغرفة فتفتح راؤها وتضم اهـ والمراد أن الخزانة هي المستوح الذي يُخزن فيه الطعام والشراب والمتاع لا يدخله إلا صاحبه وخواصه، والمشربة الصفة أمامه يدخل فيها الزائرون ويستريحون فيها ويأكلون ويتحدثون فيها مع صاحب الخزانة والمعنى هو في خزانته التي هي في داخل المشربة، قال عمر: (فدخلت) المشربة (فإذا أنا) راءٍ (برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عبده، وهو بفتح الراء من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأذن في الدخول عليه، حالة كون رباح (قاعدًا على أسكفة المشربة) أي على عتبتها، والأسكفة بضم الهمزة والكاف وتشديد الفاء المفتوحة عتبة الباب السفلى، وفيه

مُدَلٍّ رِجْلَيهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ. وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ. فَنَادَيتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيئًا. ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ، استأذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَنَظَرَ رَبَاحٌ إِلَى الْغُرْفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مجاز بالحذف أي قاعد على أسكفة خزانة المشربة لان عمر دخل المشربة ولم يدخل الخزانة التي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله: (مدلٍّ رجليه) من دلى يدلي تدلية نظير زكى يزكي تزكية فهو مزكٍّ أي مرسل الرجلين ومادهما إلى الأسفل كالدلوفي البئر (على نقير من خشب) والنقير هو الجذع المنقور أي مدل رجليه على شيء من خشب منقور نقر وسطه وقور حتى يكون كالدرجة، قال النووي: هذا هو الصحيح الموجود في جميع النسخ، وذكر القاضي أنه بالفاء بدل النون وهو فقير بمعنى مفقور مأخوذ من فقار الظهر وهو جذع فيه درج اهـ نووي، وفقار الظهر خَرَزات عظامه التي بطوله (وهو) أي النقير (جذع) أي أصل نخل قوّر وسطه (يرقى) من رقي من باب رضي أي يصعد (عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا صعد إلى الخزانة (وينحدر) أي ينزل منه إذا خرج من الخزانة. وفي بعض هوامش المتن قوله: (على نقير) أي شيء من خشب نقر وسطه حتى يكون كالدرجة يدل على ذلك قوله: (وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر) أي يصعد عليه إلى الغرفة وينزل عليه منها، وسيأتي في أواخر هذا الحديثه (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة يرتقى إليها بعجلة أي بدرجة والجذع أصل النخلة) اهـ. قال عمر: (فناديت) الغلام فقلت: (يا رباح استأذن لي) في الصعود (عندك) لأدخل (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة) التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأذن لي (ثم نظر إليّ فلم يقل) لي (شيئًا) من الإذن لي وعدمه، وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابًا يمنع من يدخل إليه بغير إذنه، وأما ما رواه أنس عند البخاري وغيره في المرأة التي وعظها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تعرفه ثم جاءت إليه فمحمول على الأوقات التي يجلس فيها للناس قاله الحافظ في الفتح (ثم قلت يا رباح استأذن لي) في الصعود (عندك) لأدخل (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى) داخل (الغرفة) التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم استئذانًا لي من

ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ. فَلَمْ يَقُلْ شَيئًا. ثُمَّ رَفَعْتُ صوْتِي فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأذِنْ لِي عِنْدَكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ. وَاللهِ، لَئِنْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ عُنُقِهَا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا. وَرَفَعْتُ صَوْتِي. فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ ارْقَةْ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ. فَجَلَسْتُ. فَأَدْنَى عَلَيهِ إِزَارَهُ. وَلَيسَ عَلَيهِ غَيرُهُ. وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم (ثم نظر إليّ فلم يقل) لي (شيئًا) من الكلام، وفي الحديث دلالة على أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصته عند الأمر يطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخرج إلى الناس وهو منبسط إليهم، وعلى الرفق بالأصهار والحياء منهم إذا وقع للرجل من أهله ما يقتضي معاتبتهم، وعلى أن السكوت قد يكون أبلغ من الكلام لأنه صلى الله عليه وسلم لو أمر غلامه برد عمر لم يجز لعمر العود إلى الاستئذان مرة بعد أخرى فلما سكت فهم عمر من ذلك أنه لم يؤثر رده مطلقًا، وعلى أن الحاجب إذا علم منع الإذن بسكوت المحجوب لم يأذن، وعلى أن الاستئذان مشروع ولو كان الرجل وحده لاحتمال أن يكون على حالة يكره الاطلاع عليها كذا قال في الفتح، قال عمر: (ثم رفعت صوتي) في المرة الثالثة كأنه أراد أن يبلغ صوته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز تكرار الاستئذان إذا رجا صاحبه الإذن (فقلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل) الاستشفاع لي (حفصة، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ورفعت صوتي) أيضًا بهذا الكلام (فأومأ) أي أشار (إلي) رباح بـ (أن ارقه) أي بالصعود إلى المشربة بواسطة ذلك الجذع المنقور كالسلم فـ (أن) تفسيرية و (ارقه) أمر من الرقي بمعنى الصعود والهاء في آخره إما للسكت أي للوقف أو ضمير عائد إلى الجذع، وفي الكلام حذف تقديره فرقيت (فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الغرفة (وهو) صلى الله عليه وسلم (مضطجع على حصير) أي على نسيج خوص النخل (فجلست) عنده (فأدنى عليه إزاره) أي تغطى به زيادة على تغطيه في خلوته صلى الله عليه وسلم، وفي نسخة (فإذا عليه إزاره) (و) الحال أنه (ليس عليه) صلى الله عليه وسلم (غيره) أي غير إزاره (وإذا الحصير قد أثر) أي أظهر

فِي جَنْبِهِ. فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْو الصَّاعِ. وَمِثلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ. وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ. قَال: فَابْتَدَرَت عَينَايَ. قَال: "مَا يُبكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! وَمَا لِي لَا أَبْكِي؟ وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ. وَهذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إلا مَا أَرَى. وَذَاكَ قَيصَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ خيوطه (في جنبه فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا) راءٍ (بقبضة) بضم القاف وفتحها والضم أفصح، قال الجوهري: القبضة بالضم ماقبضت عليه من شيء يقال أعطاه قبضة من سويق أو تمر أو شعير أي حفنات (من شعير نحو الصاع) أي قدر الصاع (و) رأيت (مثلها) أي مثل قبضة شعير (قرظًا) تمييز لمثلها أي ورأيت قرظًا مثلها (في ناحية الغرفة) وجانبها، والقَرَظ بفتحتين ورق السلم يدبغ به، قال أبو حنيفة: القرظ أجود ما يدبغ به الأهب (يعني الجلود) في أرض العرب وهي تدبغ بورقه وثمره، وقال مرة: القرظ شجر عظام لها سوق غلاظ أمثال شجر الجوز، ورقه أصغر من التفاح وله حب يرضع في الموازين وهو ينبت في القيعان، واحدته قرظة وبها سمي الرجل قرظة أو قريظة (وإذا أفيق) بفتح الهمزة وكسر الفاء هو الجلد الذي لم يتم دباغه، وفيه بقية رائحة ويجمع على أفق بفتحتين نظير أدم وأديم وزنًا وهو مبتدأ خبره (معلق) أي بالجدار، وقيل: الأفيق الأديم المدبوغ قبل أن يخرز أو قبل أن يشق، وقيل هو ما دُبغ بغير القرظ والأرطى وغيرهما من أدبغة أهل نجد، وقيل هو حين يخرج من الدباغ مفروغًا منه وفيه رائحته، وقيل أول ما يكون من الجلد في الدباغ فهو منيئة ثم أفيق ثم يكون أديمًا، وجمعه أفق بفتح الهمزة والفاء كأديم وأدم اهـ من تاج العروس (قال) عمر: (فابتدرت) أي أسرعت (عيناي) إلى البكاء، أي لم أتمالك أن بكيت حتى سالت دموعي فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك يا ابن الخطاب) فـ (قلت يا نبي الله ومالي) أي وأي شيء ثبت لي، حالة كوني (لا أبكي) أي وأي شيء مانع يمنعني من البكاء (وهذا الحصير) أي والحال أن هذا الحصير (قد أثر) أي قد ظهر أثر خيوطه (في) لحم (جنبك وهده) الغرفة الفارغة (خزانتك) أي مخزن مالك ومتاعك، والحال أني إلا أرى) ولا أبصر (فيها) أي في خزانتك (إلا ما أرى) وأنظر من محقرات الأموال أي وأي مانع منعني من البكاء والحال أن الفقر بلغك هذا الحد (وذاك) العدو مبتدأ (قيصر) بدل

وَكِسرَى فِي الثِّمَارِ وَالأنْهَارِ. وَأَنتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَفوَتُهُ. وَهذِهِ خِزَانَتُكَ. فَقال: "يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَال: وَدَخَلْتُ عَلَيهِ حِينَ دَخَلْتُ وَأَنا أَرَى فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَشُقُّ عَلَيكَ مِنْ شَأنِ النِّسَاءِ؛ فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مَعَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من اسم الإشارة وهو كل من ملك الروم (وكسرى) معطوف عليه وهو كل من ملك الفرس، وقوله: (في الثمار والأنهار) خبر المبتدإ أي وأي مانع منعني من البكاء، والحال أن أولئك الأعداء قيصر وكسرى متبسطون ومترفهون في الثمار اليانعة والأنهار النابعة (وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته) أي مصطفاه ومختاره من خلقه (وهذه) الغرفة الفارغة (خزانتك) أي مستودع نفائس أموالك، فوجب بكائي تعجبًا من هذه الحكمة الباهرة والقسمة العادلة، قوله: (صفوته) وصفوة الشيء بتثليث الصاد خالصُهُ وما صفا منه كما في القاموس والصحاح، والمراد ها هنا صفوة خلق الله تعالى، قوله: (وهذه خزانتك) قال الحافظ: وفيه جواز نظر الإنسان إلى نواحي بيت صاحبه وما فيه إذا علم أنه لا يكره، وبهذا يجمع بين ما وقع لعمر وبين ما ورد من النهي عن فضول النظر أشار إلى ذلك النووي، ويحتمل أن يكون نظره في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقع أولًا اتفاقًا فرأى الشعير والقرظ مثلًا فاستقله فرفع رأسه لينظر هل هناك شيء أنفس منه فلم ير إلا الأهب فقال ما قال، ويكون النهي الوارد محمولًا على من تعمد النظر في ذلك والتفتيش ابتداءً. كذا في فتح الباري [9/ 257]. (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا) معاشر المؤمنين (الآخرة) ونعيمها (و) تكون (لهم) أي الكفار (الدنيا) وزخارفها (قلت: بلى) رضيت ذلك يا رسول الله (قال) عمر: (ودخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (حين دخلت) عليه أولًا، وجملة قوله: (وأنا أرى في وجهه الغضب) حال من ضمير المتكلم في دخلت الأول أي ودخلت عليه أول دخولي، والحال أني أرى الغضب في وجهه أي أثره من تغير اللون (فقلت) له: (يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء) أي لا يشق عليك شيء من شؤونهن فلا تهتم بهن، فما نافية ويحتمل كونها شرطية أو استفهامية (فإن كنت طلقتهن) وفارقتهن (فإن الله) سبحانه وتعالى (معك) بتعويضك خيرًا

وَمَلائِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَأَنَا وَأَبُو بَكرٍ وَالْمُؤمِنُوَنَ مَعَكَ. وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ، وَأَحْمَدُ اللهَ، بِكَلامٍ إلا رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ. وَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ. آيَةُ التخيِيرِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] وَكَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكرٍ وَحَفْصَةُ تَظَاهَرَانِ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَطَلَّقتَهُنَّ؟ قَال: "لَا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منهن (و) إن (ملائكته وجبريل وميكائيل) كلهم معك بالتأييد (وأنا وأبو بكر والمومنون معك) أيضًا بالمناصرة على أعدائك فلا تهتم بهن، قال عمر: (وقلما تكلمت) وقلما من الأفعال الأربعة المكفوفة بما عن الفاعل وهي قلما وكثرما وطالما وقصرما وزاد عليها بعضهم فليطلب في محله، وقوله: (وأحمد الله) جملة معترضة، وقوله: (بكلام) متعلق بتكلمت أي وقل تكلمي بكلام يتعلق بأمر الله ودينه (إلا رجوت أن يكون الله يصدّق قولي الذي أقول) في دينه بوحي نزل من السماء وأحمد الله سبحانه على قبول رجائي وتصديق قولي (و) في قبول رجائي وتصديق قولي المذكور (نزلت هذه الآية آية التخيير) بدل مما قبله يعني قوله: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن) وقوله: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) والظهير المعين، ويطلق كما في المصباح على الواحد والجمع، وقوله: (وإن تظاهرا عليه) خطاب لعائشة وحفصة والمعنى فإن تتعاونا عليه صلى الله عليه وسلم بما يسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره فإن الله تعالى مولاه وناصره عليكما لأن الآية نزلت في تظاهرهما في قصة العسل أو في قصة تحريم مارية كما مر تفصيله (وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة) بنتي (تظاهران) أي تتظاهران وتتعاونان (على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم) أي على غيرهما من أمهات المؤمنين، وقوله: (فقلت: يا رسول الله أطلقتهن) الخ معطوف على قوله سابقًا (فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء) أي قلت له: هل طلقتهن (قال) لي: (لا) أي ما طلقتهن لأنه صلى الله عليه وسلم إنما آلى من نسائه شهرًا ولم يطلقهن، وسيأتي ذكر الإيلاء في الحديث الآتي إن شاء الله (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إني دخلت المسجد) آنفًا (والمسلمون ينكتون) أي يضربون الأرض

بِالحَصَى. يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ نِسَاءَهُ. أَفَأَنْزِلُ فَأُخبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَال: "نَعَمْ. إِنْ شِئْتَ" قَال فَلَمْ أَزَلْ أُحَدَّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ. وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ. وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا. ثُمَّ نَزَلَ نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلْتُ. فَنَزَلْتُ أَتَشَبَّثُ بِالْجِذع وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَأنَّمَا يَمْشِي عَلَى الأرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسعَةً وَعِشْرِينَ. قَال: "إِن الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (بالحصى) تأسفًا على طلاقك، حالة كونهم (يقولون: طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أ) أُبشرهم ببيان الحال والشأن (فأنزل) إليهم (فأخبرهم أنك لم تطلّقهن) أم أتركهم على حالهم، وفيه بيان ما كانت عليه الصحابة من محبة الاطلاع على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم جلت أو قلت وتأسفهم بما يتأسف له رضي الله عنهم (قال) لي: (نعم) أخبرهم حقيقة الأمر (إن شئت) الإخبار لهم (قال) عمر: (فلم أزل أحدّثه) أي أتحدث معه وأكلمه (حتى تحسر) أي زال وانكشف (الغضب) أي أثره من الاحمرار بعد البياض (عن وجهه) الشريف (وحتى كشر) أي أظهر مقدم أسنانه بالتبسم (فضحك) أي بالغ في التبسم، والكشر بدو الأسنان يقال كشر الرجل عن أسنانه من باب ضرب إذا أبداها في الضحك (وكان) صلى الله عليه وسلم (من أحسن الناس ثغرًا) أي فمًا، والثغر بفتح الثاء وسكون الغين مقدّم الأسنان كما في القاموس، وقال الفيومي: الثغر المبسم يعني الفم ثم أطلق على الثنايا يعني مقدّم الأسنان (ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم) من مشربته راجعًا إلى نسائه (ونزلت) معه صلى الله عليه وسلم (فنزلت) أنا (أتشبث) أي أتعلق وأتمسك (بـ) يدي (الجذع) الذي كان كالسلم للغرفة خوفًا من السقوط (ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض) السهلة التي ليس فيها عقبة ولا درجة (ما يمسه) أي ما يمس الجذع (بيده) الشريفة لعدم مخافته من السقوط إما لزيادة تمكنه صلى الله عليه وسلم وإما لاعتياده ذلك (فقلت) له: (يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين) يومًا ولم يكمل لك الشهر، وفيه تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه ما ظاهره نسيانها لأن عمر رضي الله عنه خشي أن يكون صلى الله عليه وسلم نسي مقدار ما حلف عليه وهو شهر فذكّره صلى الله عليه وسلم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إن) هذا (الشهر) الذي آليت فيه (يكون) أي كان (تسعًا وعشرين) ليلة أو إن جنس الشهر يكون تسعًا وعشرين ليلة

فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ. فَنَادَيتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّق رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. وَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الشهر من ذلك، قال الحافظ: وفيه تقوية لقول من قال إن يمينه صلى الله عليه وسلم اتفق أنها كانت في أول الشهر، ولهذا اقتصر على تسعة وعشرين وإلا فلو اتفق ذلك في أثناء الشهر فالجمهور على أنه لا يقع البر إلا بثلاثين يومًا، قال عمر: (فـ) لما نزلت أنا من الغرفة ووصلت إلى المسجد (قمت على باب المسجد) النبوي (فناديت بأعلى صوتي) وأرفعه وقلت إنه (لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه) رضي الله تعالى عنهن، قال عمر رضي الله عنه: (ونزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: (وإذا جاءهم) أي جاء المنافقين أو ضعفاء المسلمين (أمر) وشأن من أمور المسلمين الغزاة (من الأمن) والسلامة والغلبة (أو الخوف) والقتل والهزيمة والخلل (أذاعوا به) أي بذلك الأمر أي أخبروه للناس وأشاعوه بينهم فتضعف قلوب المؤمنين بذلك ويتأذى به النبي صلى الله عليه وسلم (ولو ردوه) أي ولو ردوا شأن ذلك الأمر من الإخبار أو عدمه (إلى الرسول) صلى الله عليه وسلم (وإلى أُولي الأمر) والرأي والعقل (منهم) أي من المؤمنين وفوّضوا إذاعة ذاك الأمر إليهم (لعلمه) أي لعلم ما في إذاعة ذلك الأمر من المصلحة والمفسدة (الذين يستنبطونه) أي يستخرجون نتائج ذلك الأمر من مصلحة الإذاعة ومفسدتها (منهم) أي من أولي الأمر. والمشهور من هذه الآية أنها نزلت في الأخبار التي كان المنافقون وغيرهم يشيعونها في المدينة في أمر الحروب، قال ابن عباس: وإذا غزت سرية من سرايا المسلمين أخبر الناس عنها فقالوا: أصاب المسلمين من عدوهم كذا وكذا وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا فأفشوه بينهم من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم به، ولو ردوه إلى الرسول حتى يكون هو الذي يخبرهم به وإلى أولي الأمر منهم أي إلى أولي الفقه والدين والرأي كذا في الدر المنثور وتفسير ابن جرير. وهذه الآية من آيات سورة النساء، ورواية مسلم هذه ليس لها ذكر في التفاسير المتداولة ولا في تفسير ابن جرير وليس في سياق الآية وسياقها مناسبة فإن الذين في

فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطتُ ذلِكَ الأَمْرَ. وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ. 3572 - (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ). أَخبَرَنِي يَحْيَى. أَخبَرَنِي عُبَيدُ بْنُ حُنَينٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد ما أذاعوا شيئًا بل تكلموا فيما بينهم مهمومين ومناداة عمر رضي الله عنه إياهم بهذا الخبر كانت بعد أخذه الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فلينظر فيه. (قلت): لا تعارض بين ما ذكره المفسرون في سبب نزول الآية وما ذكره مسلم في سبب نزولها لما تقرر عندهم أنه لا تزاحم في أسباب النزول فيمكن أن يكون لهذه الآية شبان فإن الله تعالى ذكر في الآية أمرين أمرًا من الأمن وأمرًا من الخوف فلعل الأول ما ذكره عمر في حديث الباب فإن خبر الطلاق في حالة الأمن، والثاني سببه ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما فليتأمل. قال عمر: (فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر) أي بحثت عن ذلك الأمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت باطنه وأظهرت نتيجته للناس حين ناديتهم في المسجد (وأنزل الله عزَّ وجلَّ) بعد ذلك (آية التخيير) بين نسائه، قال الخفاجي في تفسيره: والاستنباط أصله استخراج الشيء من مأخذه كالماء من البئر والجوهر من المعدن والمستخرج نبط بالتحريك فتجوّز به عن كل أخذ وتلق اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5191]، والترمذي [3315]، والنسائي [4/ 137]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3573 - (00) (00) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) أبو جعفر التميمي نزيل مصر (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، من (9) (أخبرني سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (أخبرني يحيى) بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني (أخبرني عبيد بن حنين) مصغرًا بنونين مولى آل العباس، ويقال العدوي مولى زيد بن الخطاب أبو عبد الله المدني، روى عن عبد الله بن عباس في الطلاق، وأبي سعيد الخدري في الفضائل، ويروي عنه (ع) ويحيى بن سعيد الأنصاري وسالم أبو النضر، وثقه ابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، قليل الحديث، من الثالثة، مات سنة (105) خمس ومائة (أنه سمع عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (يحدّث قال)

مَكَثتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ. فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيبَةً لَهُ. حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ، فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيق، عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ. فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ. ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ، مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزوَاجِهِ؟ فَقَال: تِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عباس (مكثت) أي جلست (سنة) كاملة (وأنا) أي والحال أني (أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن) معنى (آية) من آي القرآن. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد طائفي، غرضه بيان متابعة عبيد بن حنين لسماك بن الوليد في رواية هذا الحديث عن ابن عباس، قال ابن عباس (فما أستطيع) أي أقدر (أن أسأله) أي أن أسأل عمر (هيبة له) أي خوفًا منه لأنه رجل مهاب، قال المهلب: فيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره وترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سُئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل، ويؤخذ منه مراعاة المروءة كذا في الفتح [9/ 255] ثم قال الحافظ: وفيه حسن تلطف ابن عباس وشدة حرصه على الاطلاع على فنون التفسير، وفيه طلب علو الإسناد لأن ابن عباس أقام مدة طويلة ينتظر خلوة عمر ليأخذ عنه وكان يمكنه الأخذ بواسطة عنه ممن لا يهابه، وفيه حرص الصحابة على طلب العلم وضبط أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم اهـ منه (حتى خرج) عمر من المدينة، حالة كونه (حاجًّا) أي قاصدًا مكة لنسك الحج (فخرجت معه فلما رجع) عمر من حجه (فكنا ببعض الطريق عدل) عمر (إلى) محل (الأراك) أي إلى محل كثير الأراك ليستتر به (لـ) قضاء (حاجة له) حاجة الإنسان (فوقفت له) أي لانتظاره (حتى فرغ) من قضاء حاجته يعني عدل عن الطريق المسلوكة إلى طريق لا يسلك غالبًا لقضاء حاجته، وكان ذلك بمر الظهران، والأراك شجر معروف ترعاه الإبل، وجاء في المعجم للعلايلي: الأراك في وصف القدماء شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والأغصان خوارة العود يستاك بفروعها أي تنظف بها الأسنان وهو طيب النكهة له حمل كحمل عناقيد العنب، ويعدّ اليوم من فصيلة الزيتونيات اهـ من بعض الهوامش (ثم سرت معه) أي مع عمر (فقلت) له: (يا أمير المؤمنين) قال الحافظ: وفيه البحث عن العلم في الطريق والخلوات وفي حال القعود والمشي (من) المرأتان (اللتان تظاهرتا) أي تعاونتا وتشاورتا (على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه) في منعه من شربه العسل أو تحريم مارية (فقال) عمر (تلك)

حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: وَاللهِ، إِنْ كُنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيبَةً لَكَ. قَال: فَلَا تَفْعَل. مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَسَلْنِي عَنْهُ. فَإِن كُنْتُ أَعْلَمُهُ أَخبَرْتُكَ. قَال: وَقَال عُمَرُ: وَاللهِ، إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا. حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالى فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ. وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ. قَال: فَبَينَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المرأتان هما (حفصة وعائشة قال) ابن عباس: (فقلت له) أي لعمر: (والله إن) وإن مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي والله إنه أي إن الشأن والحال (كنت) من زمان (لأريد أن أسألك عن هذا) السؤال (منذ سنة) أي من سنة (فما أستطيع) أن أسألك (هيبة لك) أي خوفًا منك، قال القاضي عياض: هيبته له عن سؤاله من تفسير تلك الآية تلك المدة هولما كانت إحدى المتظاهرتين ابنته حفصة، ولذلك قال له: واهًا لك يا ابن عباس، وهي كلمة وُضعت للتعجب كما قال في الآخر واعجبًا لك اهـ (قال) له عمر: (فلا تفعل) ذلك أي ترك سؤالي عما أشكلك هيبة مني، قال المهلب: وفي الحديث سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ، وفيه مهابة الطالب للعالم وتواضع العالم له كذا في الفتح، و (ما ظننت أن عندي من علم) به (فسلني عنه فإن كنت) أنا (أعلمه أخبرتك) عنه (قال) ابن عباس: (وقال عمر) أيضًا معطوف على قوله قال فلا تفعل، قال الحافظ: وفيه سياق القصة على وجهها وإن لم يسأل السائل عن ذلك إن كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وببان وخصوصًا إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك (والله إن) أي إن الشأن والحال (كنا) نحن معاشر قريش (في الجاهلية) أي قبل الإسلام (ما نعدّ) أي ما نظن ولا نعتقد أن (للنساء قدرًا) أي منزلة وأمرًا للرجال يعني كنا نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الأنصار فكانوا بالعكس من ذلك، وفي رواية يزيد بن رومان كنا ونحن بمكة لا يكلم أحد امرأته إلَّا إذا كانت له حاجة قضى منها حاجته، وفي رواية الطيالسي (كنا لا نعتد بالنساء ولا ندخلهن في أمورنا) كذا في الفتح (حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل) يعني حتى أمرنا بأداء حقوقهن كما في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وفي رواية البخاري في اللباس: فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك حقًّا علينا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا (وقسم لهن ما قسم) من الحقوق والميراث (قال) عمر: (فبينما) هو ظرف زِيد فيه (ما) وكذا (بينا) ملازم للإضافة إلى الجملة، وللجواب

أَنَا فِي أَمْرٍ أَأْتمِرُهُ. إِذْ قَالتْ لِي امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا! فَقُلْتُ لَهَا: وَمَا لكِ أَنْتِ وَلمَا ههُنَا؟ وَمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فَقَالتْ لِي: عَجبًا لَكَ، يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضبَانَ. قَال عُمَرُ: فَآخُذُ رِدَائِي ثُمَّ أَخرُجُ مَكَانِي. حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى حَفْصَةَ. فَقُلْتُ لَهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ المقرون بإذا الفجائية كما تقدم البحث عنه في أوائل شرحنا هذا في مواضع أي فبينما (أنا في) تدبير (أمر) من أموري (أأتمره) أي أشاور فيه نفسي، والقياس في اجتماع الهمزتين تسهيل الثانية فيكون رسم الخط آتمره بمدة فوق الأولى كما في آمر وآخذ وآكل ومثلها قول الصدّيقة: وكان يأمرني إذا حضت أن أتزر. وذكر جواب بينما بقوله: (إذ قالت لي امرأتي) زينب بنت مظعون (لو صنعت كذا وكذا) والمعنى فبينما أوقات ائتمار نفسي في أمر من أموري ومشاورتي إياها فاجأني قول امرأتي: لو فعلت كذا وكذا في أمرك هذا لكان أصلح لك وأحسن، فلو شرطية جوابها محذوف أو للتمني أي أتمنى صنعتك كذا وكذا يعني أشارت عليّ بشيء وأغلظت لي فيه كما هو مصرح في رواية البخاري في اللباس وفي رواية يزيد بن رومان (فقمت إليها بقضيب فضربتها به، فقالت: يا عجبًا يا ابن الخطاب) قال عمر: (فقلت لها) أي لامرأتي زينب بنت مظعون (ومالك) أي وأي شيء ثبت لك (أنت) تأكيد للضمير المجرور ليعطف عليه قوله: (ولما ها هنا) أي وأي شيء ثبت لك ولهذا الأمر الذي أريد أنا ائتمار نفسي فيه ومشاورتي إياها وأي علقة بينك وبينه فتقولي لي لو صنعت كذا وكذا (وما تكلفك) أي وما تكليف نفسك بالدخول (في أمر أريده) أي أريد استئمار نفسي فيه؛ أي وأي علقة بينك وبينه لأنك من النساء اللاتي لا أمر ولا شأن لهن (فقالت لي) امرأتي: (عجبًا لك يا ابن الخطاب) أي عجبت لك عجبًا يا ابن الخطاب (ما تريد أن تراجع) وتراد (أنت) في كلامك وتعارض فيه، والمراجعة هي المعارضة في الكلام والمناظرة فيه (وإن ابنتك) أي والحال أن ابنتك حفصة (لتراجع) وتعارض (رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان) أي حتى يكون طول نهاره غضبان عليها لمراجعتها الكلام عليه (قال عمر: فآخذ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخل على حفصة) أي فلما سمعت من امرأتي ذلك أخذت ردائي ثم خرجت من مكاني الذي سمعت فيه خبرها بلا تأخر حتى دخلت على حفصة (فقلت لها:

يَا بُنَيَّةُ! إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضبَانَ. فَقَالت حَفْصَةُ: وَاللهِ! إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ. يَا بُنَيَّةُ! لَا تَغُرَّنَّكِ هذِهِ الَّتِي قَدْ أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا. وَحُبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا. ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ. لِقَرَابَتِي مِنْهَا. فَكَلَّمْتُهَا. فَقَالتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ: عَجبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّاب! قَدْ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيءٍ حتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَينَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ! قَال: فَأَخَذَتْنِي أَخْذًا كَسَرَتنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يا بنية) تصغير ابنة تصغير شفقة (إنك لتراجعين) أي لتعارضين (رسول الله صلى الله عليه وسلم) كلامه (حتى يظل يومه غضبان) عليك (فقالت حفصة: والله إنا) معاشر أزواجه (لنراجعه) أي لنرد كلامه عليه، قال عمر: (فقلت) لها: (تعلمين) أي اعلمي مني ما أقول لك نصيحة (أني أحذرك) وأخوّفك (عقوبة الله) أي حلول عقوبة الله عليك (وغضب رسوله) صلى الله عليه وسلم من عطف السبب على المسبب (يا بنية لا تغرنك هذه) يعني عائشة أي لا يغرنك مراجعة هذه (التي أعجبها حسنها) وجمالها (وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها) يعني بها عائشة رضي الله تعالى عنها، وقد صرح به الراوي في رواية عبد العزيز بن عبد الله عند البخاري في تفسير سورة التحريم، والمعنى أنك لا تقيسي نفسك على عائشة ولا تسيري سيرها في كل شيء لأنها أحب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فربما يصدر من دلالها برسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يليق بك، قال عمر: (ثم خرجت) من عند حفصة وذهبت (حتى أدخل على أم سلمة) هند بنت أبي أمية المخزومية (لقرابتي منها فكلمتها) أي كلمت أم سلمة في مراجعتهن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت لي أم سلمة: عجبًا لك) أي عجبت لك عجبًا (يا ابن الخطاب قد دخلت في كل شيء حتى تبتغي) وتريد (أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم و) بين (أزواجه) صلى الله عليه وسلم (قال) عمر: (فأخذتني) أم سلمة أي فمنعتني بحدة لسانها (أخذًا) أي منعًا (كسرتني) أي دفعتني به (عن) قول (بعض ما كنت أجد) في قلبي وأريد أن أقوله بلساني أي أخذتني بلسانها أخذًا دفعتني ومنعتني به عن مقصدي وكلامي، وفي رواية لابن سعد فقالت أم سلمة: إي والله إنا لنكلمه فإن تحمل ذلك فهو أولى به وإن نهانا عنه كان أطوع عندنا منك، قال عمر: فندمت على كلامي

فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا. وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ. إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ. وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُريدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لهن (فخرجت من عندها) أي من عند أم سلمة، وفي رواية يزيد بن رومان (ما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم) وكان الحامل لعمر على ما وقع منه شدة شفقته وعظم نصيحته فكان يبسط على النبي صلى الله عيه وسلم فيقول له: افعل كذا، ولا تفعل كذا كقوله: احجب نساءك، وقوله: لا تصل على عبد الله ابن أُبي وغير ذلك، وكان النبي صلى الله عيه وسلم يحتمل ذلك لعلمه بصحة نصيحته وقوته في الإسلام قاله الحافظ في الفتح. قال عمر: (وكان لي صاحب) وجار (من الأنصار) يسكن معي في العوالي اسمه أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الأنصاري على الصحيح اهـ تنبيه المعلم (إذا غبت) أنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لم أتزل إلى المديتة (أتاني) أي جاءني ذلك الصاحب في الليل (بالخبر) أي يخبر ما جرى عند رسول الله صلى الله عيه وسلم في ذلك اليوم (وإذا غاب) ذلك الصاحب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لم ينزل إلى المدينة (كنت أنا آتيه) أي آتي ذلك الصاحب في الليل (بالخبر) أي بخبر ما جرى في ذلك اليوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النووي: فيه استحباب حضور مجالس العلم، واستحباب التناوب في حضور العلم إذا لم يتيسر لكل وأحد الحضور بنفسه اهـ (قلت): وبهذه المناسبة أورد البخاري هذا الحديث في باب التناوب في العلم، وقال الحافظ في الفتح: وفيه قبول خبر الواحد ولو كان الآخذ فاضلًا والمأخوذ عنه مفضولًا، وفيه رواية الكبير عن الصغير، وفيه أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذاك كذا في الفتح في [1/ 168]. (ونحن) معاشر المسلمين (حينئذٍ) أي حين إذ تناوب مع الأنصاري في النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتخوف ملكًا) أي نخاف هجوم ملك (من ملوك غسان) الأشهر منع صرفه، قبيلة مشهورة من قبائل العرب اسم ذلك الملك الحارث بن أبي شمر (ذكر لنا أنه) أي أن ذلك الملك (بريد) ويقصد (أن يسير) ويذهب (إلينا) للغزو ويهجم

فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ. فَأَتَى صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ. وَقَال: افتَحِ. افْتَحْ. فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ فَقَال: أَشَدُّ مِنْ ذلِكَ. اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ علينا في المدينة (فقد امتلأت صدورنا) خوفًا أو غيظًا (منه) أي من ذلك الملك (فأتى) أي فجاء (صاحبي الأنصاري) إلى منزلي يوم نوبته، حالة كونه (يدق) ويقرع (الباب) أي باب منزلي دقًا بليغًا لأخرج إليه بسرعة (وقال) لي (افتح) الباب يا عمر (افتح) بالتكرار مرتين للتأكيد (فقلت) له: هل (جاء الغساني) وقد سماه في رواية ابن سعد: الحارث بن أبي شمر (فقال) الأنصاري وقع أمر (أشد من ذلك) لأنه (اعتزل) وانفرد وابتعد وفارق (رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه) وطلقهن فلا يدخل عليهن، قال عمر: (فقلت رغم) ولصق (أنف حفصة وعائشة) بالتراب خصهما بالذكر لكونهما متظاهرتين على سائر أزواجه صلى الله عليه وسلم. وقوله: (أشد من ذلك) فيه ما كان عليه الصحابة من الاهتمام بما يهتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه جعل اعتزال نسائه أشد من طروق ملك الشام الغساني بجيوشه إلى المدينة وذلك لأنه كان يتحقق أن عدوهم ولو طرقهم مغلوب ومهزوم واحتمال خلاف ذلك ضعيف بخلاف الذي توهمه من تطليق رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فإن وقوع الغم بذلك متيقن. وقوله: (اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه) وفي رواية سفيان الآتية طلّق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولعل الراوي في روايتنا هذه رواها بالمعنى لأن أكثر الروايات على الطلاق، وأخرج ابن مردويه من طريق سلمة بن كهيل عن ابن عباس أن عمر قال: لقيني عبد الله بن عمر ببعض طرق المدينة فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وهذا إن كان محفوظًا محمول على أن ابن عمر لاقى أباه وهو يجيء من منزله من العوالي فأخبره بمثل ما أخبره به الأنصاري، ولعل الجزم بالطلاق وقع من إشاعة بعض أهل النفاق فتناقله الناس، وأصله ما وقع من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ولم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلّقهن قاله في الفتح. وقوله: (رغم أنف حفصة وعائشة) هو بفتح الغين وكسرها أي لصق بالرغام وهو التراب هذا هو الأصل ثم استعمل في كل من عجز من الانتصاف ووقع في الذل والانقياد كرهًا أفاده النووي.

ثُمَّ آخُذُ ثَوْبِي فَأَخْرُجُ. حَتَّى جِئْتُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يُرْتَقَى إِلَيهَا بِعَجَلَةٍ. وَغُلامٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ. فَقُلْتُ: هذَا عُمَرُ. فَأُذِنَ لِي. قَال عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هذَا الْحَدِيثَ. فَلَمَّا بَلَغتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَينَهُ وَبَينَهُ شَيءٌ. وَتَحْتَ رَأْسِهِ وسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيهِ قَرَظًا مَضبُورًا. وَعِنْدَ رأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم آخذ ثوبي فأخرج) فالمضارع هنا بمعنى الماضي أي ثم بعدما سمعت كلام الأنصاري أخذت ثوبي فخرجت من منزلي (حتى جئت) ونزلت المدينة، قال النووي: فيه استحباب التجمل بالثوب والعمامة ونحوهما عند لقاء الأئمة والكبار احترامًا لهم (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) معتزل عن نسائه (في مشربة) وغرفة (له يرتقى) ويصعد (إليها بعجلة) أي بدرجة من جذع النخل، ويروى بعجلتها بالإضافة إلى ضمير المشربة وبعجلها بحذف التاء وبالإضافة وكله صحيح وأجوده ما كان بالتاء من غير إضافة (وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عبد (أسود) حارس واقف (على رأس الدرجة) أي على أعلاها (فقلت) له؛ أي لذلك الغلام قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا) الحاضر (عمر) ليأذن لي في الدخول عليه فأخبره (فأذن لي) بالبناء للمجهول أي فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول عليه (قال عمر): فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم (فقصصت) أي أخبرت (على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث) الذي جرى بيني وبين الأنصاري وبين أزواجه (فلما بلغت حديث أم سلمة) وقصتها (تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه) أي والحال إنه صلى الله عليه وسلم (لـ) مضطجع (على حصير ما بينه) صلى الله عليه وسلم (وبينه) أي وبين ذلك الحصير (شيء) من البساط (وتحت رأسه وسادة) أي مخدة (من أدم) أي من جلد مدبوغ وهو على ما قاله المجد اسم جمع للأديم (حشوها) أي حشو تلك الوسادة (ليف) أي لحيُ النخل (وإن عند رجليه قرظًا مضبورًا) بالضاد المعجمة أي مجموعًا منضدًا من ضبر الكتب من باب ضرب إذا جعلها في حزمة، قال النووي: وقع في بعض الأصول مضبورًا بالضاد المعجمة، وفي بعضها بالمهملة وكلاهما صحيح أي مجموعًا (وعند رأسه أُهبًا معلقة)

فَرَأَيتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَبَكَيتُ. فَقَال: "مَا يُبْكِيكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ. وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَكَ الآخِرَةُ؟ ". 3573 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ حُنَينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قال: أَقْبَلْتُ مَعَ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الهمزة والهاء وبضمهما لعان مشهورتان جمع إهاب وهو الجلد قبل الدباغ وقيل الجلد مطلقًا اهـ نووي، والضبط الثاني قياس مثل كتاب وكتب بخلاف الأول، بل قال بعضهم كما في المصباح ليس في كلام العرب فعال يُجمع على فعل بفتحتين إلَّا إهاب وأهب وعماد وعمد اهـ من بعض الهوامش، قال عمر: (فرأيت أثر الحصير) أي أثر خيوطه (في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت) لذلك (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك؟ ) يا عمر (فقلت) له: (يا رسول الله إن كسرى) ملك فارس (وقيصر) ملك الروم (فيما هما فيه) من زخارف الدنيا مع كفرهما (وأنت رسول الله) وصفيّه على هذا الحصير (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الآخرة) هكذا هو في الأصول (ولك في الآخرة) وفي بعضها لهم في الدنيا وفي أكثرها لهما بالتثنية وأكثر الروايات في غير هذا الموضع لهم الدنيا ولنا الآخرة وكله صحيح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 3573 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري الحصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، عن (8) (أخبرني يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (عن عبيد بن حنين) المدني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند عن سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن بلال (قال) ابن عباس: (أقبلت) أي رجعت (مع عمر) من مكة إلى المدينة بعد فراغنا من

حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِطولِهِ. كَنَحْو حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: قُلْتُ: شَأنُ الْمَرْأَتَينِ؟ قَال: حَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ. وَزَادَ فِيهِ: وَأَتَيتُ الْحُجَرَ فَإِذَا فِي كُلِّ بَيتٍ بُكَاءٌ. وَزَادَ أَيضًا: وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا. فَلَمَّا كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نَزَلَ إِلَيهِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحج (حتى إذا كنا بمر الظهران) وفي القاموس: هو واد قريب إلى مكة (وساق) أي ذكر حماد بن سلمة (الحديث) السابق (بطوله كنحو حديث سليمان بن بلال) الكاف بمعنى مثل، ونحو مقحم بدليل الاستثناء بعده؛ أي وساق حماد الحديث المذكور حالة كونه مثل حديث سليمان بن بلال لفظًا ومعنى (غير أنه) هذا استثناء من المماثلة أي لكن أن حماد بن سلمة (قال) في روايته قال ابن عباس: (قلت) لعمر بن الخطاب: (شأن المرأتين) اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من هما، ولفظ شأن مقحم أيضًا بدليل الجواب المذكور بعده، يعني ما شأن المرأتين، وقد صرح في بعض النسخ بما الاستفهامية كما في حاشية الشيخ محمد دهني على صحيح مسلم [1/ 679] اهـ من التكملة (قال) عمر: هما (حفصة وأم سلمة) والراجح ما في الرواية السابقة من أنهما حفصة وعائشة لأنه رواية الأكثر اهـ من الأبي (وزاد) حماد بن سلمة (فيه) أي في الحديث أي زاد على سليمان بن بلال قول عمر (وأتيت الحجر) أي بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا في كل بيت) من بيوتهن (بكاء) لظنهن أن النبي صلى الله عليه وسلم طلّقهن، والحجر بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة، والحجرة في اللغة الغرفة وحظيرة الإبل وتُجمع على حجرات أيضًا كما في القاموس يعني بها بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (في كل بيت بكاء) لما كانت الأزواج فيه من الحزن الشديد بسبب اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم إياهن اهـ تكملة (وزاد) حماد أيضًا أي كما زاد ما مر أي زاد على سليمان بن بلال لفظة (وكان) النبي صلى الله عليه وسلم (آلى منهن شهرًا) أي حلف أن لا يدخل عليهن شهرًا، وليس هو من الإيلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء وليس له حكلمه لأن الإيلاء عندهم هو الحلف على الامتناع من وطء زوجته مطلقًا أو مدة تزيد على أربعة أشهر، وأحكامه مبسوطة في كتبهم، وإيلاء النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه هو الحلف على أن لا يدخل عليهن شهرًا لا على الوطء لأن الإيلاء لغة مطلق الحلف (فلما كان) اعتزاله كمل (تسعًا وعشرين) ليلة (نزل) من مشربته ورجع (إليهن)

3574 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. سَمِعَ عُبَيدَ بْنَ حُنَينٍ (وَهُوَ مَوْلَى الْعَبَّاسِ) قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَينِ اللَّتَينِ تَظَاهَرَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَبِثْتُ سَنَةً مَا أَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا. حَتَّى صَحِبْتُهُ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ذَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مبتدئًا بعائشة رضوان الله تعالى عليهن جُمع. يعني حلف على عدم قربانهن ولم يكن ذلك إيلاء بحسب اصطلاح الفقهاء فإنه لا يكون لأقل من أربعة أشهر وإنما كان ذلك يمينًا كسائر الأيمان وإطلاق لفظ الإيلاء عليه في الحديث إطلاق لغوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 3574 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (سمع عبيد بن حنين) المدني العدوي مولاهم، وقوله: (وهو مولى العباس) بن عبد المطلب، قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ مولى العباس قالوا: وهذا قول سفيان بن عيينة، قال البخاري: لا يصح قول ابن عيينة هذا، وقال مالك: هو مولى آل زيد بن الخطاب، وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير: هو مولى بني زريق، قال القاضي وغيره: الصحيح عند الحفاظ وغيرهم في هذا قول مالك اهـ (قال) عبيد بن حنين (سمعت ابن عباس يقول: كنت أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لسليمان بن بلال، وقوله: (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا هو في جميع النسخ، إنما قال ابن عباس: تظاهرتا على عهده ولم يقل تظاهرتا عليه تأدبًا منه مع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرًا لهما، والمراد تظاهرتا عليه في عهده كما قال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا} وقد صرّح في سائر الروايات بأنهما تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاده النووي نقلًا عن القاضي، قال ابن عباس: (فلبثت سنة) كاملة، حالة كوني (ما أجد) أي لا أجد (له موضعًا) أخلو به فيه لسؤالي له في الخلوة (حتى صحبته) في سفري معه (إلى مكة) للحج (فلما كان) عمر (بمر الظهران) قافلًا من حجه (ذهب) عمر أي عدل عن

يَقْضِي حَاجَتَهُ. فَقَال: أَدْرِكنِي بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَتَيتُهُ بِهَا. فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَرَجَعَ ذَهَبتُ أَصُبُّ عَلَيهِ. وَذَكَرْتُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ فَمَا قَضَيتُ كَلامِي حَتَّى قَال: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. 3575 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ) (قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: لَمْ أَزَل حَرِيصًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الطريق لـ (يقضي حاجته) حاجة الإنسان (فقال) عمر: (أدركني) يا ابن عباس (بإداوة) أي بمطهرة (من ماء) لأتوضأ بها، ليس المراد أن يأتي ابن عباس بالماء ليستنجي به عمر رضي الله عنهم، وإنما ذهب عمر رضي الله عنه لقضاء حاجته وبعث ابن عباس ليأتي بالماء لوضوئه في أثناء ذلك واستنجى عمر بالحجارة وهو المراد بقول ابن عباس في الرواية الآتية (عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرّز ثم أتاني فسكبت) الخ ومن ثم قال الحافظ [9/ 255]: وفيه إيثار الاستجمار في الأسفار وإبقاء الماء للوضوء (فأتيته) أي أتيت عمر (بها) أي بالإداوة (فلما قضى حاجته ورجع) إليّ (ذهبت) أي شرعت (أصب عليه) الماء ليتوضأ (وذكرت) له سؤالي الذي لم أتمكن منه سنة كاملة (فقلت له) في سؤالي (يا أمير المؤمنين من المرأتان؟ ) اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فما قضيت كلامي) ولا أتممت سؤالي (حتى قال) لي: هما (عائشة وحفصة) رضي الله تعالى عنهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 3575 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (ومحمد) بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني المكي (وتقاربا في لفظ الحديث قال ابن أبي عمر: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور) القرشي النوفلي التابعي المدني، الثقة، روى عن ابن عباس في الطلاق، وليس له عن ابن عباس غير هذا الحديث، وصفية بنت شيبة، ويروي عنه (ع) والزهري، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن ابن عباس قال: لم أزل حريصًا) أي شديد الرغبة في

أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأتينِ مِنْ أَزْوَاج النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اللَّتَينِ قَال اللهُ تَعَالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]. حَتَّى حَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيق عَدَلَ عُمَرُ وَعَدَلْتُ مَعَة بِالإِدَاوَةِ. فَتَبَرَّزَ. ثُمَّ أَتَانِي فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيهِ. فَتَوَضَّأَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَال اللهُ عَزَّ وَجَل لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]؟ قَال عُمَرُ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ (قَال الزُّهْرِيُّ: كَرِهَ، وَاللهِ! مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمُهُ) قَال: هِيَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن أسأل عمر) بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور لعبيد بن حنين (عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى) فيهما: ({إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}) [التحريم: 4] وقوله: (حتى حج عمر) غاية لمحذوف تقديره أي كنت حريصًا على سؤال عمر عنهما فلم أتمكن من سؤاله حتى حج عمر (وحججت معه فلما كنا) ععمر (ببعض الطريق) يعني بمر الظهران كما هو مصرح في الرواية السابقة (عدل عمر) عن الطريق المسلوك لقضاء حاجته (وعدلت معه) ملتبسًا (بالإداوة) أي بالمطهرة ليتوضأ بها (فتبرّز) عمر أي قضى حاجته، يقال تبرّز إذا أتى اليراز يفتح الباء وهو كما في المصباح الصحراء البارزة، ثم كُني به عن النجو كما كُني عن الغائط فقيل تبرز كما قيل تغوّط (ثم أتاني فسكبت) أي صببت (على يديه) الماء (فتوضأ فقلت) له (يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عزَّ وجلَّ لهما {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فـ (قال) لي (عمر واعجبًا) بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب كقوله (واهًا) ويجوز تركه لأن الأصل فيه: واعجبي فأُبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفًا كقوله يا أسفا، ويا حسرتا، وفي رواية لمعمر واعجبي (لك يا ابن عباس) أي كيف خفي عليك هذا القدر مع حرصك على طلب العلم اهـ من الإرشاد (قال الزهري) بالسند السابق، وإنما قال: واعجًا لك لأنه (كره والله ما سأله عنه) ابن عباس (و) لكن (لم يكتمه) أي لم يكتم عمر عن ابن عباس ما سأله عنه فأجابه فـ (قال) عمر في جواب سؤاله (هي) أي القصة هما (حفصة وعائشة) رضي الله تعالى عنهما، أراد الزهري أن يبين منشأ قول عمر واعجبًا لك يا ابن عباس فقال: إنه كره هذا السؤال لما كان يتضمن جوابه نوع شين على ابنته حفصة

ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ. قَال: كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيشٍ، قَوْمًا نَغلِبُ النِّسَاءَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ. فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ. قَال: وَكَانَ مَنْزِلِي فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيدٍ، بِالْعَوَالِي. فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي. فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي. فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكنه لم يكتم جوابه ديانة منه رضي الله عنه، ولكن القرطبي استبعد قول الزهري لأن عمر أوصاه في نفس الحديث بأن يسأله عما يشاء ولا يمنعه من ذلك الحياء والمهابة فكيف يكره عمر هذا السؤال، والأصح أنه رضي الله عنه إنما تعجب من ابن عباس كيف خفي عليه هذا القدر مع شهرته في علم التفسير وعظيم موقعه في نفس عمر ومع كونه حريصًا على العلم. وعبارة القرطبي: هنا (قولا عمر واعجبًا لك يا ابن عباس) فهم الزهري من هذا التعجب إنكار عمر لما سأله عنه، وفيه بعد، ويمكن أن يقال إن تعجبه إنما كان لأنه استبعد أن يخفى مثل هذا على مثل ابن عباس مع مداخلته لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وشهرة هذه القصة وشدة حرصه هو على سماع الأحاديث وكثرة حفظه وغزارة علمه، ولما كان في نفس عمر من ابن عباس فإنه كان يعظمه ويقدمه على كثير من مشايخ الصحابة كما اتفق له معه إذ سأله عن قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} والقصة مشهورة اهـ من المفهم (ثم) بعد جوابه (أخذ) أي شرع عمر (يسوق) أي يذكر (الحديث) أي تمامه إلى آخر القصة التي كانت سبب نزول الآية المسؤول عنها، فـ (قال) عمر: (كنا) أخص (معشر قريش) وجملة الاختصاص معترضة أي كنا ونحن بمكة قومًا نغلب النساء أي قومًا يغلبون النساء أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا، ففيه التفات (فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم) ويحكمن عليهم يعني الأنصار (فطفق نساؤنا) أي شرعن (يتعلمن من نسائهم) عادتهن وسيرتهن يعني غلبة الرجال وولاية أمرهم فجعلن يكلمننا ويراجعننا (قال) عمر: (وكان منزلي) وداري في منازل (بني أمية بن زيد) أي وسطها، حالة كونها (بالعوالي) موضع قريب بالمدينة أي في مواضعهم بالعوالي فسميت البقعة باسم من نزلها كذا في عمدة القاري وبنو أمية فرع من أوس كذا يؤخذ من الفتح، وفي الإرشاد: والعوالي قرية من قرى المدينة مما يلي الشرق وكانت منازل الأوس (فتغضبت) أي غضبت (يومًا) من الأيام (على امرأتي) زينب بنت مظعون لأمر غضبت منه (فإذا هي تراجعني) أي تراددني في الكلام (فأنكرت) عليها (أن تراجعني) في

فَقَالتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ، إِنَّ أزوَاجَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ. وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيلِ. فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ. فَقُلْتُ: أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالت: نَعَمْ. فَقُلْتُ: أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيلِ؟ قَالت: نَعَمْ. قُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فعَلَ ذلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ. أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ عَلَيهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ. لَا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَسْأَلِيهِ شَيئًا. وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ. وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَت جَارَتُكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القول (فقالت) لي: (ما تنكر) أي أي شيء تنكر من (أن أُراجعك) في الكلام أي أي شيء من مراجعتي إياك تراه منكرًا، ورواية البخاري (ولم تنكر) على (أن أراجعك) (فوالله أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه) بكسر الجيم وسكون العين وفتح النون (وتهجره) صلى الله عليه وسلم في الكلام (إحداهن اليوم) أي طوال اليوم (إلى الليل) وفي رواية عبيد بن حنين (وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان) كما مرت، قال عمر: (فانطلقت) أي ذهبت ونزلت من العوالي إلى المدينة (فدخلت على حفصة فقلت) لها: (أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الكلام، والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري (فقالت) حفصة: (نعم) أراجعه في الكلام وأغاضبه (فقلت: أتهجره) صلى الله عليه وسلم (إحداكن اليوم) بالنصب على الظرفية (إلى الليل) وتقعد مفارقة له في بيتها بلا عذر (قالت) حفصة: (نعم) تهجره، قال عمر: فـ (قلت) لها: (قد خاب) في الدنيا (من فعل ذلك) الهجران (منكن) برسول الله صلى الله عليه وسلم (وخسر) الآخرة (أ) تفعلن ذلك الهجران (فتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي) أي إحداكن (قد هلكت) في الدنيا والآخرة، يا بنية (لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الكلام (ولا تسأليه شيئًا) من المال لا كثيرًا ولا قليلًا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دنانير ولا دراهم (وسليني ما بدا) وعرض (لك) من حاجة (ولا يغرنك) بتشديد الراء والنون أي لا يخدعنك يا بنية (أن كانت جارتك) أي ضرتك أو على حقيقته لأنها كانت مجاورة لاصقة لها، والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيًا، وقال القرطبي: اختار عمر تسميتها جارة تأدبًا من أن يضاف

هِيَ أَوْسَمُ وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ (يُرِيدُ عَائِشَةَ). قَال: وَكَانَ لِي جَارٌ مِنَ الأَنْصَارِ. فَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا. فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيرِهِ. وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذلِكَ. وَكُنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظ الضرر إلى أحد من أمهات المؤمنين كذا في الفتح (هي أوسم) أي لا تغِرْن بأن كان جارتك أوسم أي أجمل وأحسن منك (وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك) أي وأكثر محبوبية منك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوسم اسم تفضيل من الوسامة وهي العلامة والمراد أجمل كأن الجمال وسمها أي أعلمها بعلامة، ولفظ البخاري (أوضأ) بدل أوسم من الوضاءة وهو الحسن والبهجة، والمعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فإنها تُدِلُّ بجمالها وحبِّ النبي صلى الله عليه وسلم إياها فلا تغتري بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة كذا في فتح الباري، وقوله: (يريد) عمر بالجارة (عائشة) رضي الله تعالى عنها، كلام مدرج من الراوي يعني أن مراد عمر بالجارة التي وصفها بالوسامة والأحبية إليه صلى الله عليه وسلم عائشة الصدّيقة، وفي إعراب أوسم وأحب كما في شروح البخاري وجهان النصب والرفع وحاصل المعنى لا تغتري يا حفصة بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فإن لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحظوة والمنزلة ما ليس لك فلا يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعلت ما نهيتك عنه فإنها تدل بجمالها ومحبته صلى الله عليه وسلم إياها اهـ من الإرشاد بزيادة (قال) عمر (وكان لي) بالعوالي (جار من الأنصار) سماه ابن القسطلاني عتبان بن مالك، والصحيح أنه أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الأوسي حكاه الحافظ عن ابن سعد [9/ 244] (فكنا) أي كنت أنا وذلك الجار (نتناوب النزول) أي نتعاقب النزول من العوالي (إلى) المدينة عند (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والتناوب أن تفعل الشيء مرة ويفعل الآخر مرة أخرى وفسر التناوب بقوله أي (فينزل) ذلك الجار إلى المدينة (يومًا وأنزل) أنا يومًا آخر لئلا يفوتنا خبر ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم من الوحي وغيره كما بينه بقوله (فيأتيني) ذلك الجار (بخبر) ما حدث في ذلك اليوم من (الوحي وغيره) كوفود الوفد وهجوم العدو وبعث البعوث وتدوم السرية (وآتيه) أي وآتي أنا ذلك الجار (بمثل ذلك) أي بمثل ما يأتيني به في يومه من الوحي وغيره (وكنا) معاشر

نَتَحَدَّثُ؛ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الخَيلَ لِتَغزُوَنَا. فَنَزَلَ صَاحِبِي. ثُمَّ أَتَانِي عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي. ثُمَّ نَادَانِي. فَخَرَجْتُ إِلَيهِ. فَقَال: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَاذَا؟ أَجَاءَت غَسَّانُ؟ قَال: لَا. بَل أَعْظَمُ مِنْ ذلِكَ وَأَطْوَلُ. طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَت حَفْصَةُ وَخَسِرَت. قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هذَا كَائِنًا. حَتَّى إِذَا صَلَّيتُ الصُّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي. ثُمَّ نَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَهِيَ تَبْكِي ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين (نتحدث) فيما بيننا (أن غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة أي أن قبيلة غسان وملكهم الحارث بن أبي شمر (تنعل الخيل) بضم الفوقية وكسر العين المهملة، أي يجعلون لخيولهم نعالًا (لتغزونا) والمراد التهيؤ للقتال، وفي كتاب اللباس من البخاري (وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقام له فلم يبق إلَّا ملك غسان بالشام وكنا نتخوف أن يأتينا) (فنزل صاحبي) الأنصاري في يومه من العوالي إلى المدينة (ثم أتاني) أي جاءني من المدينة إلى العوالي (عشاء) أي أوائل الليل (فضرب) أي طرق (بابي) طرقًا شديدًا ليخبرني بما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي وغيره على العادة (ثم ناداني) بأرفع الصوت لما أبطأت عن إجايته فقال: أثم هو؟ أي في البيت عمر وكأنه ظن أنه خرج من البيت (فخرجت إليه) فقلت له ما الخبر؟ (فقال) لي: (حدث) اليوم (أمر عظيم) فـ (قلت) له: (ماذا) أي ما الذي حدث؟ (أجاءت غسان؟ قال لا) أي ما جاءت غسان (بل) حدث أمر (أعظم من ذلك) أي من مجيء غسان (وأطول) منه أي أشد من ذلك، وفي رواية البخاري في النكاح (وأهول) أي أفزع منه لأنه (طلّق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه) أي وحفصة منهن، فهو أهول بالنسبة إلى عمر لأجل ابنته يعني اعتزلهن، قال عمر: (فقلت: قد خابت حفصة وخسرت) إنما خصها بالذكر لمكانتها منه (قد كنت) أولًا (أظن هذا) الطلاق (كائنًا) أي حاصلًا لأن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة، ففزعت من ذلك وأخذني الهم وجلست في بيتي (حتى إذا) طلع الفجر (صليت الصبح) في بيتي منفردًا في أول وقتها ثم بعد فراغي من الصلاة (شددت علي ثيابي) وفي رواية البخاري (فجمعت علي ثيابي) أي ليستها جميعًا (ثم نزلت) إلى المدينة (فدخلت على حفصة وهي تبكي) لِما اجتمع عندها من الحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها عليها، وقد قال لها فيما أخرجه ابن مردويه (والله إن كان طلقك لا أكلمك أبدًا) كما في فتح الباري.

فَقُلْتُ: أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالتْ: لَا أَدْرِي. هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي هذِهِ المَشرُبَةِ، فَأَتَيتُ غُلامًا لَهُ أَسْوَدَ. فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ. فَقَال: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى انْتَهَيتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ. فَإِذَا عِنْدَهُ رَهْطٌ جُلُوسٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ. فَجَلَسْتُ قَلِيلًا. ثُمَّ غَلَبنِي مَا أَجِدُ. ثُمَّ أَتَيتُ الْغُلامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ. فَقَال: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت): والظاهر من رواية مسلم صلاته الفجر في بيته بالانفراد في غير لباسه المعتاد ثم نزوله إلى المدينة والمذكور في صحيح البخاري نزوله متلبسًا وصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم فبين الروايتين معارضة. (قلت): يُجمع بينهما بأنه صلى في بيته أولًا في أول وقتها ثم نزل إلى المدينة فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فصلى معه ثم دخل على حفصة رضي الله تعالى عنهما اهـ ما ظهر للفهم السَّقيم. (فقلت) لها: (أطلّقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا أدري؟ ) ولا أعلم أطلّقنا أم لا؟ ولكن (ها) أي انتبه واستمع ما أقول لك: (هو) صلى الله عليه وسلم هـ (إذا) الحاضر (معتزل) عنا (في هذه المشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها أي في هذه الغرفة، قال عمر: (فأتيت غلامًا له) صلى الله عليه وسلم (أسود) يسمى رباحًا كان بوابًا له (فقلت) للغلام: (استأذن)، النبي صلى الله عليه وسلم (لعمر) في الدخول عليه (فدخل) الغلام على النبي صلى الله عليه وسلم (ثم خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له) صلى الله عليه وسلم (فصمت) أي سكت عني فلم يرد عليّ جوابًا، قال عمر: (فانطلقت) أي ذهبت من عند الغلام ودخلت المسجد النبوي ومشيت في نواحيه (حتى انتهيت) ووصلت (إلى المنبر فجلست) عنده (فإذا عنده) أي عند المنبر (رهط) وقوم (جلوس يبكي بعضهم) لأجل اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، لم يقف الحافظ ابن حجر على أسمائهم (فجلست) معهم كما في رواية البخاري أي مع الرهط جلوسًا (قليلًا ثم غلبني ما أجد) وأرى من اعتزاله صلى الله عليه وسلم نساءه ومنهن حفصة، وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف قاله الحافظ (ثم أتيت الغلام) ورجعت إليه (فقلت) له: (استأذن لعمر فدخل) الغلام على النبي صلى الله عليه وسلم (ثم خرج إليّ فقال) الغلام (قد ذكرتك له) صلى الله عليه

فَصَمَتَ. فَوَلَّيتُ مُدْبِرًا. فَإِذَا الْغُلامُ يَدْعُونِي. فَقَال: ادْخُل. فَقَدْ أَذِنَ لَكَ. فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلْى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ. قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ. فَقُلْتُ: أَطَلَّقْتَ، يَا رَسُولَ اللهِ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَقَال: "لَا" فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ، لَوْ رَأَيتَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيشِ، قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءِ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ. فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (فصمت) عني، قال عمر: (فوليت) أي ذهبت من عند الغلام، حالة كوني (مدبرًا) أي جاعلًا دبري وظهري إليه (فإذا الغلام يدعوني) أي يناديني أي ففاجأني نداء الغلام (فقال) الغلام: (ادخل) على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) إنه (قد أذن لك) في الدخول عليه، قال عمر: (فدخلت) المشربة (فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (متكئ) أي مضطجع كما هو رواية البخاري (على رمل حصير) أي على سرير حصير بفتح الراء وسكون الميم، وفي رواية البخاري (على رمال حصير) بكسر الراء وتضم أي على سرير مرمول أي منسوج بما يُرمل به أي ينسج به الحصير من الخيوط المتداخلة فيه ورمال الحصير ضلوعه المتداخلة فيه كالخيوط في الثوب اهـ من الإرشاد، و (قد أثر) الرمال كما هو رواية البخاري أي ظهر أثرها (في جنبه) الشريف، قال عمر: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: وأنا قائم كما هو رواية البخاري (أطلّقت) أي هل طلقت (يا رسول الله نساءك فرفع رأسه إليّ) وكان متكئًا على وسادة من أدم حشوها ليف كما في البخاري (وقال) لي: (لا) أي ما طلقتهن (فقلت: الله أكبر) تعجبًا مما أخبرني به الأنصاري من التطليق جازمًا به أو قاله حامدًا لله تعالى على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق، وفي حديث أم سلمة عند ابن سعد (فكبر عمر تكبيرة سمعناها ونحن في بيوتنا، فعلمنا أن عمر سأله: أطلقت نساءَك؟ فقال: لا، فكبر حتى جاءنا الخبر بعد) كذا في الفتح، ثم قال عمر: (لو رأيتنا يا رسول الله) ونحن بمكة (و) قد (كنا) أخص (معشر قريش قومًا) خبر كان (نغلب النساء) صفة قومًا، وجواب لو محذوف تقديره لرأيت أمرًا عجيبًا أو هي للتمني لا جواب لها (فلما قدمنا) من مكة (المدينة وجدنا قومًا) من الأنصار (تغلبهم نساؤهم) ويحكمن عليهم (فطفق نساؤنا) نساء قريش بفتح الطاء المهملة وكسر الفاء وتفتح أي جعل أو أخذ أي شرع نساؤنا (يتعلمن

مِنْ نِسَائِهِمْ. فَتَغَضَّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا. فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي. فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي. فَقَالت: مَا تُنْكِرُ أنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ، إِنَّ أَزْواجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ. وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيلِ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ. أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاهُنَّ أَنْ يَغضَبَ اللهُ عَلَيهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَت؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ. فَتَبَسَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من) دأب (نسائهم) وسيرتهن فجعلن يكلمننا ويراجعننا (فتغضبت على امرأتي) زينب بنت مظعون أي غضبت عليها لأمر يوجب الغضب عليها (يومًا) من الأيام (فإذا هي تراجعني) أي تراددني في القول (فأنكرت) عليها (أن تراجعني) في الكلام (فقالت) لي (ما تنكر أن أراجعك) يا ابن الخطاب؛ أي أي شيء أنكرت من مراجعتي إياك فهل استغربتها (نوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه) في الكلام فضلًا عني وعنك (وتهجره) صلى الله عليه وسلم (إحداهن اليوم) كله (إلى) دخول (الليل). قال عمر: (فقلت) لزوجتي: (قد خاب) وحُرم مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم (من فعل ذلك) الهجر (منهن وخسر) عند الله تعالى بغضبه عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ) أتفعلنَ ذلك (فتأمن إحداهن أن يغضب الله) تعالى (عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي) أي تلك الإحدى (قد هلكت) بعقوبة الله تعالى اللازمة لغضبه (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ضحك من غير صوت، فيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه قريش قاله المهلب كما حكى عنه الحافظ. قال عمر: (فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت) لها: (لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم) وأجمل (منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك) بالرفع فيهما على أنهما خبران لضمير المؤنث، والجملة الاسمية خبر كان وبالنصب على أنهما خبر كان ولفظة هي ضمير فصل لتوفر الشروط فيه، قال النووي: في فعل عمر هذا وملاطفته ما يقتدى به في مثله من التلطف في الكلام المباح الحسن اهـ (فتبسم)

أُخرَى فَقُلْتُ: أَسْتَأنِسُ. يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: "نَعَمْ" فَجَلَسْتُ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي البيتِ. فَوَاللهِ! مَا رَأَيتُ فِيهِ شَيئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ، إِلَّا أُهَبًا ثَلاثَةً. فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ. فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ. وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللهَ. فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَال: "أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابنْ الْخَطَّابِ؟ أُولئِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة (أخرى ققلت) له: أ (أستأنس) بتقدير همزة الاستفهام أي أأطلب منك (يا رسول الله) الإذن لي في المحادثة معك والمؤانسة بك فهل تأذن لي في ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أذنت لك في المؤانسة والمحادثة معي. والظاهر من كلمة إجابته صلى الله عليه وسلم بقوله: (نعم) أن الاستئناس هنا هو الاستئذان في الإنس والمحادثة، ويدل عليه قوله: (فجلست) عنده ولا يبعد فيه تقدير الاستفهام كما قررناه، ودل الحديث على أن الإنسان إذا رأى مهمومًا وأراد إزالة همه ومؤانسته بما يشرح صدره ويكشف همه ينبغي له أن يستأذنه في ذلك لئلا يأتي بما لا يوافقه فيزيده همًا وغمًا، وهذا الاستئذان من الأدب بين يدي الأكابر والعلماء اهـ من إكمال المعلم (فـ) لما أذن لي (جلست) عنده صلى الله عليه وسلم مؤانسًا له بالمحادثة الموافقة له في إزالة غضبه (فـ) لما جلست (رفعت رأسي) لأنظر ببصري إلى ما (في البيت) والغرفة من المواعين والأمتعة، وفي رواية البخاري (فرفعت بصري في بيته) أي نظرت فيه (فوالله ما رأيت فيه) أي في البيت (شيئًا يرد البصر) أي يحمله على تكرار النظر (إلا أُهبًا) يضم الهمزة وفتح الهاء جمع أهبة أي إلَّا جلودًا (ثلاثة) لم تدبغ أو مطلقًا دُبغت أو لم تدبغ (فقلت: ادع الله) عزَّ وجلَّ (يا رسول الله أن يوسّع) ويبسط الرزق (على أمتك) أمة الإجابة (فقد وسّع) الله عزَّ وجلَّ وبسط الرزق (على فارس والروم وهم) أي والحال أنهم (لا يعبدون الله) تعالى ولا يستحقون التوسعة (فـ) لما قلت ذلك (استوى) واعتدل عن اتكائه (جالسًا) حال مؤكدة لعاملها، وكان متكئًا كما في رواية البخاري معناه لم يكن استواؤه قائمًا بل جلس مستويًا غير متكئ (ثم قال) لي (أفي شك أنت يا ابن الخطاب) أي هل أنت في شك أن التوصع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا، وفي رواية البخاري (أوَفي هذا أنت يا ابن الخطاب) بهمزة الاستفهام الإنكاري وواو العطف على مقدر بعدها، قال الكرماني: أي هل أنت في مقام استعظام التجملات الدنيوية واستعجالها يا بن الخطاب (أولئك) الفُرس والروم

قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". فَقُلْتُ: اسْتَغفِرْ لِي. يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخلَ عَلَيهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيهِنَّ. حَتَّى عَاتَبَه اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. 3576 - (1407) (167) قَال الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشةَ. قَالت: لَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيلَةً، دَخَلَ عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بَدَأَ بِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوم) قد (عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت) له: (استغفر لي يا رسول الله) عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها أو عن جرأتي بهذا القول بحضرتك أو عن إرادتي ما فيه مشابهة الكفار في ملابسهم ومعايشهم، وفيه كراهة سخط النعمة واحتقاره ما أنعم الله به عليه ولو قليلًا والاستغفار من وقوع ذلك وطلب الاستغفار من أهل الفضل. كذا في فتح الباري، قال القاضي: يحتج به لتفضيل الفقر لأنه يدل أنه بمقدار ما عجل من طيبات الدنيا يفوت الآخرة، وتأوله آخرون بأنه في قوم كفار ليس لهم حظ إلَّا ما نالوه في الدنيا، قال عمر: (وكان) صلى الله عليه وسلم (أقسم) أي حلف على (أن لا يدخل عليهن) أي على أزواجه (شهُرًا) كاملًا (من شدة موجدته) أي غضبه، يقال: وجدت عليه موجدة إذا غضبت عليه (عليهن) أي على أزواجه (حتى عاتبه الله عزَّ وجلَّ) بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} أي لامه على ذلك التحريم يعني تحريم مارية أو تحريم العسل على ما سبق من الخلاف، والعتاب: لوم الحبيب حبيبه على ما لا يليق. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث عائشة رضي الله عتهما فقال: 3576 - (1407) (167) (قال الزهري) بالسند السابق يعني عن إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر فقوله: (فأخبرني عروة عن عائشة) معطوف على قوله السابق عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر (قالت) عائشة: (لما مضى تسع وعشرون ليلة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه قد (بدأ بي) في القَسْم لكونه اتفق أنه كان يوم نوبتها بعد التي خرج عنها قبل اليميني أو لفضيلتها وأثرتها عنده، ويحتمل أنه ابتداء قَسْم، ويحتمل أنه ابتدأ بها ويدخل على جميعهن فيسوّي بينهن قاله القاضي عياض، وقال الأبي: ويحتمل أنه لم يحضر عند نزول الآية إلَّا هي اهـ

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَينَا شَهْرًا. وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعِ وَعِشْرِينَ. أَعُدُّهُنَّ. فَقَال: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشرُونَ" ثُمَّ قَال: "يَا عَائِشَةٌ! إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأمِرِي أَبَوَيكِ". ثُمَّ قَرَأَ عَلَى الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}. حَتَّى بَلَغَ: {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29]. قَالت عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ، وَاللهِ، أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. قَالت: فَقُلْتُ: أَوَ فِي هذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَال مَعْمَرٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقلت) له: (يا رسول الله إنك أقسمت) في مبدأ اعتزالك على (أن لا تدخل علينا شهرًا وإنك) اليوم (دخلت) علينا (من) تمام (تسع وعشرين) ليلة، وجملة قوله: (أعدّهن) ليلة ليلة صفة لتسع وعشرين (فقال) صلى الله عليه وسلم لها: (إن) هذا (الشهر) الذي أقسمت عليه (تسع وعشرون) فهي ناقصة عن ثلاثين، وقوله: (أن لا تدخل علينا شهرًا) تقدم رواية سماك أن عمر رضي الله عنه ذكّره صلى الله عليه وسلم بذلك ولا منافاة بينهما لأن في سياق حديث عمر أنه ذكره بذلك عند نزوله من الغرفة وعائشة ذكرته بذلك حين دخل عليها فكأنهما تواردا على ذلك اهـ من التكملة، قال القرطبي: قوله: (إن الشهر تسع وعشرون) ظاهره أنه دخل في أول ذلك الشهر وأنه كان تسعًا وعشرين لكن قول عائشة (أعدّهن) يدل على أنه أراد به العدد وقد تقدم استيفاء هذا المعنى في الصيام اهـ من المفهم، قال في الفتح: ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر مع أن مشروعية الهجر ثلاثة أيام أن عدتهن كانت تسعة فإذا ضُربت في ثلاثة كانت سبعة وعشرين واليومان لمارية لكونها كانت أمة فنقصت عن الحرائر اهـ (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة إني ذاكر لك أمرًا) من أموركن و (لا) في قوله (فلا عليك) زائدة أي فعليك (أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري) أي تشاوري (أبويك) أبا بكر وأم رومان (ثم قرأ عليّ) هذه (الآية) أعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}، حتى بلغ) قوله: ({أَجْرًا عَظِيمًا}. قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها إنما قال لي ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم (قد علم) وأيقن (والله أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت) عائشة (فقلت) له: (أ) تأمرني بذلك (وفي هذا) التخيير (أستأمر أبوي) والهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف كما قررناه (فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قال معمر) بن راشد بالسند

فائدتان

فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: لَا تُخبِرْ نِسَاءَكَ أَنِّي اخْتَرْتُكَ. فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الله أَرْسَلَنِي مُبَلِّغًا وَلَمْ يُرسِلْنِي مُتَعَنِّتًا". قَال قَتَادَةُ: صَغَتْ قُلُوبُكُمَا. مَالتْ قُلُوبُكُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ السابق (فأخبرني أيوب) السختياني كما أخبرني الزهري (أن عائشة قالت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خيرها فاختارته (لا تخبر نساءك أني اخترتك) فيخترنك مثلي (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إن الله أرسلني مُبلغًا) للشريعة يعني بما سمعت (ولم يرسلني متعنتًا) أي طالبًا زلتهم يعني لكتمان ما سمعت، وأصل العنت المشقة كما سبق (قال قتادة) بن دعامة في تفسير قوله تعالى: (صغت قلوبكما) أي (مالت قلوبكما) عن العدل بسبب الغيرة، والخطاب لعائشة وحفصة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5191]، والترمذي [3315]، والنسائي [4/ 137]. فائدتان الأولى: قال الحافظ في الفتح: ثم في حديث عمر إشكال قوي وهو أنه قد مر في بعض رواياته (نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلت فنزلت أتشَبَّثُ بالجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده فقلت: يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعًا وعشرين) ظاهره يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عقب ما خاطبه عمر فيلزم منه أن يكون عمر تأخر كلامه معه تسعًا وعشرين يومًا، وسياق أول الحديث يدل على أنه تكلم معه في نفس اليوم الذي أُخبر فيه باعتزال النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وكيف يمهل عمر تسعًا وعشرين يومًا لا يتكلم في ذلك وهو مصرح بأنه لم يصبر ساعة في المسجد حتى قام ورجع إلى الغرفة واستأذن، وكذلك يستبعد جدًّا أن لا يطلع عمر على اعتزاله صلى الله عليه وسلم تسعة وعشرين يومًا ثم يطلع عليه في آخر يوم، وأجاب عنه الحافظ بأن قوله فنزل أي بعد أن مضت المدة ويستفاد منه أنه كان يتردد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المدة التي حلف عليها فاتفق أنه كان عنده صلى الله عليه وسلم عند إرادته النزول فنزل معه ثم خشي أن يكون نسي فذكَّره كما ذكَّرته عائشة كذا في فتح الباري [9/ 249 و 250]. وقيل هنا احتمال آخر وهو أن يكون عمر مطلعًا على اعتزاله صلى الله عليه وسلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نساءه قبل مجيء جاره الأنصاري إليه وكان يتردد إليه في هذه المدة حتى إذا تمت ثمانية وعشرون يومًا شاع الخبر بأنه صلى الله عليه وسلم طلّق نساءه فأتاه جاره الأنصاري بهذا الخبر الجديد ففزع عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التاسع والعشرين وكلّمه في ذلك ثم نزل معه وقال ما قال والله أعلم اهـ من التكملة. والثانية: قال النووي: وفي أحاديث الباب فوائد منها جواز احتجاب الإمام والقاضي ونحوهما في بعض الأوقات لحاجاتهم المهمة، ومنها أن الحاجب إذا علم منع الإذن بسكوت المحجوب لم يأذن والغالب من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يتخذ حاجبًا واتخذه في هذا اليوم للحاجة، ومنها وجوب الاستئذان على الإنسان في منزله وإن علم أنه وحده لأنه قد يكون على حالة يكره الاطلاع عليه فيها، ومنها تكرار الاستئذان إذا لم يؤذن، ومنها أنه لا فرق بين الرجل الجليل وغيره في أنه يحتاج إلى الاستئذان، ومنها تأديب الرجل ولده صغيرًا كان أو كبيرًا أو بنتًا مزوجة لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أدبا ينتيهما ووجأ كل واحد منهما بنته، ومنها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا والزهادة فيها، ومنها جواز سكن الغرفة ذات الدرج واتخاذ الخزانة لأثاث البيت، ومنها ما كانوا عليه من حرصهم على طلب العلم وتناوبهم فيه، ومنها جواز قبول خبر الواحد لأن عمر رضي الله عنه كان يأخذ عن صاحبه الأنصاري ويأخذ الأنصاري عنه، ومنها أخذ العلم عمن كان عنده وإن كان الآخذ أفضل من المأخوذ منه كما أخذ عمر عن هذا الأنصاري، ومنها أن الإنسان إذا رأى صاحبه مهمومًا وأراد إزالة همه ومؤانسته بما يشرح صدره ويكشف همه ينبغي له أن يستأذنه في ذلك كما قال عمر رضي الله عنه أستأنس يا رسول الله لأنه قد يأتي من الكلام بما لا يوافق صاحبه فيزيده همًا وربما أحرجه وربما تكلم بما لا يرتضيه وهذا من الآداب المهمة، ومنها توقير الكبار وخدمتهم وهيبتهم كما فعل ابن عباس مع عمر، ومنها الخطاب بالألفاظ الجميلة كقوله أن كانت جارتك ولم يقل ضرتك، والعرب تستعمل هذا لما في لفظ الضرة من الكراهة، ومنها جواز قرع باب غيره للاستئذان وشدة الفزع للأمور المهمة، ومنها جواز نظر الإنسان إلى نواحي بيت صاحبه وما فيه إذا علم عدم كراهة صاحبه لذلك وقد كره السلف فضول النظر وهو محمول على ما إذا علم كراهته لذلك أو شك فيها، ومنها أن للزوج هجران زوجته واعتزاله في بيت آخر إذا جرى منها سبب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضيه، ومنها جواز قوله لغيره رغم أنفه إذا أساء كقول عمر رغم أنف حفصة وبه قال عمر بن عبد العزيز وآخرون وكرهه مالك، ومنها فضيلة عائشة للابتداء بها في التخيير وفي الدخول بعد انقضاء الشهر، ومنها غير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول: حديث عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد. ***

547 - (33) باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكنى

547 - (33) باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها ولا سكنى 3577 - (1408) (168) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ؛ أَنَّ أبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا ألْبَتَّةَ. وَهُوَ غَائِبٌ. فَأَرْسَلَ إِلَيهَا وَكِيلهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 547 - (33) باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها ولا سكنى 3577 - (1408) (168) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان) المدني المخزومي أبي عبد الرحمن المقرئ، ثقة، من (6) (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن فاطمة بنت قيس) بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر الفهرية المدنية أخت الضحاك بن قيس، ولي العراق ليزيد بن معاوية يقال إنها كانت أكبر منه بعشر سنين، الصحابية المشهورة من المهاجرات الأول لها أربعة وثلاثون (34) حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (م) بثلاث، يروي عنها (ع) وأبو سلمة بن عبد الرحمن في الطلاق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة في الطلاق، والشعبي في الطلاق والفتن، وأبو بكر بن أبي الجهم في الطلاق، والبهي في الطلاق، وعروة بن الزبير في الطلاق، وكانت فاطمة هذه ذات جمال وعقل وكمال، وفي بيتها اجتمع أصحاب الثوري عند قتل عمر بن الخطاب وخطبوا خطبتهم المأثورة، وقال الزبير: وكانت امرأة نجودًا يعني نبيلة. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن) زوجها (أبا عمرو) عبد الحميد (بن حفص) القرشي المخزومي وهو ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقة ثالثة بقيت لها ومات هناك، وقيل: بقي إلى خلافة عمر رضي الله عنه ورجح الحافظ الأول في فتح الباري [9/ 421] (طلّقها ألبتة) أي طلاقًا بانت بها عنه وصارت مبتوتة أي مقطوعة من النكاح من البت وهو القطع، والذي يتخلص من مجموع الروايات أنه كان طلّقها قبل هذه المرة طلقتين ثم طلّقها هذه المرة الطلقة الثالثة فبانت بها منه (وهو) أي والحال أن زوجها (غائب) عنها في اليمن فيه أن حضور المرأة ليس بشرط لوقوع الطلاق (فأرسل إليها) أي إلى فاطمة (وكيله) أي وكيل أبي عمرو وهو الحارث بن هشام وعياش بن أبي

بِشَعِيرٍ. فَسَخِطَتْهُ. فَقَال: وَاللهِ، مَا لَكِ عَلَينَا مِنْ شَيءٍ. فَجَاءَت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَت ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "لَيسَ لَكِ عَلَيهِ نَفَقَةٌ". فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيتِ أُمِّ شَرِيكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ربيعة كما سيأتي عند المؤلف من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال القرطبي: قوله: (وكيله) الصواب أن يقول: (وكيلاه) بالتثنية لأنهما الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة كما جاء مفسرًا في الرواية الأخرى، وفيه دليل على العمل بالوكالة وشهرتها عندهم وكأن إرساله بهذا الشعير كان منه متعة فحسبته هي نفقة واجبة عليه ولذلك سخطته ورأت أنها تستحق عليه أكثر من ذلك وأطيب فحين تحقق الوكيلان منها ذلك أخبراها بالحكم فلم تقبل منهما حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: "لا نفقة لك" على ما رواه مالك وأكثر الرواة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة، وعلى ما رواه الزهري عن عبيد الله بن عتبة ولم يذكروا فيها قوله: (ولا سكنى) على أنها رواية مرسلة على ما قاله أبو مسعود اهـ من المفهم (بشعير) متعة لها وفصلته في طريق أبي بكر بن أبي الجهم بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير كما سيأتي وقد وقع في طريق ابن أبي الجهم عند النسائي عشرة أقفزة خمسة شعير وخمسة تمر، وعند الترمذي عشرة أقفزة خمسة شعيرًا وخمسة برًا، قال الأبي: وكان إرسال هذا الشعير متعة فحسبته هي النفقة الواجبة عليه اهـ من التكملة (فسخطته) أي فسخطت وكرهت فاطمة ما أرسله الوكيل أي ما رضيت به لكونه شعيرًا أو لكونه قليلًا أي لم ترض بهذا القدر وتقالته كما سيأتي (فقال) الوكيل: (والله ما لك) يا فاطمة (علينا) أي على موكلنا (من شيء) من النفقة (فجاءت) فاطمة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك) الذي جرى بينهما وبين زوجها وبينها وبين وكيله (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس لك) يا فاطمة (عليه) أي على زوجك (نفقة) لأنه طلقك طلاقًا بائنًا باتًا، والمراد نفي النفقة التي تريدها منه كما في المبارق لا المتعة (فأمرها) أي فأمر فاطمة بنت قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تعتد) أي أن تستوفي عدتها (في بيت أم شريك) الأنصارية قيل هي بنت أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد، وقيل بنت خالد بن حبيش الخزرجية، وقيل هي بنت أبي العكر بن سمي، وذكرها ابن أبي خيثمة من طريق قتادة قال: وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم شريك الأنصارية النجارية،

ثُمَّ قَال: "تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي. اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى. تَضَعِينَ ثِيَابَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل اسمها غزية، وقيل غزيلة بنت دودان بن عمرو بن عامر، ويقال: إنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "إني أحب أن أتزوج من الأنصار" ثم قال: "إني أكره غيرة الأنصار" فلم يدخل بها، وقد أخرج مسلم في قصة الجساسة في آخر الكتاب أنها كانت امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله عزَّ وجلَّ ينزل عليها الضيفان اهـ من الإصابة، وأما أمره صلى الله عليه وسلم لها بالاعتداد في غير بيت زوجها فلما يُفهم من صحيح البخاري وسنن النسائي أن مسكن زوجها كان في مكان وحش خيف عليها أن يُقتحم من دخول سارق ونحوه، وقيل إنها كانت امرأة لسنة تستطيل على أهل مطلقها فلا يصلح السكنى لها معهم، وعلى كل لا يتم الاستدلال بالحديث على نفي السكن للمبتوتة، وقد قال عمر رضي الله عنه كما ذُكر في كتب الأصول والفروع: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت. وعبارة الكشاف لقول امرأة نسيت أو شُبّه لها سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها السكنى والنفقة ومراده بكتاب ربنا قوله تعالى في سورة الطلاق: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيثُ سَكَنْتُمْ} الآية، وقال في أول السورة: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنّ} وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه كما أن الحوامل منصوص عليهن فيها اهـ من بعض الهوامش. (ثم) بعد ما أمرها بالاعتداد في بيت أم شريك (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك) المرأة التي أمرتك بالاعتداد في بيتها الخطاب لفاطمة بنت قيس فالكاف مكسورة والمشار إليها أم شريك وهو مبتدأ خبره (امرأة يغشاها) أي يأتي إليها (أصحابي) كثيرًا ويدخل عليها أقاربها وأولادها فلا يصلح لك بيتها فـ (اعتدي) أي كملي عدتك (عند ابن أم مكتوم) وكان ابن عم لها، وفي رواية (عند ابن عمك عمرو بن أم مكتوم) واختلفوا في اسم ابن أم مكتوم فقيل عمرو كما ذكر، وقيل عبد الله، وكذا ذكره في الموطإ، وفي آخر الكتاب والخلاف في ذلك كثير قاله القاضي عياض (فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك) عنده فلا يراك، أمرها بالانتقال للعدة إلى بيته وهو كما يأتي ابن عمهما لتكون آمنة من نظر الأجانب لأن صاحب البيت أعمى ولا يبصر ولا يتردد إلى بيته أحد غيره فتكون المرأة فيه آمنة كالقاعدة في بيتها، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي" قَالتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ؛ أَنَّ مُعَاوَيةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ "تضعين ثيابك"، وفيه دليل على أن المرأة يجوز لها أن تطلع من الرجل على ما لا يجوز للرجل أن يطلع عليه من المرأة كالرأس ومعلق القرط ونحو ذلك فأما العورة فلا ولكن هذا يعارضه ما ذكره الترمذي من قول النبي صلى الله عليه وسلم لميمونة وأم سلمة وقد دخل عليهما ابن أم مكتوم فقال: "احتجبا منه" فقالتا: إنه أعمى، فقال: "أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه" والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث لا يصح عند أهل النقل لأن راويه عن أم سلمة نبهان مولاها وهو ممن لا يحتج بحديثه، وثانيهما على تقدير صحته فذلك منه صلى الله عليه وسلم تغليظ على أزواجه لحرمتهن كما غلظ عليهن أمر الحجاب، وإلى هذا أشار أبو داود وغيره من الأئمة اهـ من المفهم. ثم قال الحافظ: ويُقوّي الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولا يؤمر الرجال بالانتقاب لئلا يراهم النساء فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي على الجواز فقال: لسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وإن لم تكن فتنة فلا اهـ فتح الباري [9/ 277]. (فإذا حللت) أي انقضت عدتك (فآذنيني) أي فأعلميني وأخبريني بانقضاء عدتك، وفي لفظ آخر (فلا تبدئيني بنفسك) وكل ذلك بمعنى واحد أي لا تزوجي نفسك حتى تعرفيني وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يخطبها من يومئذٍ لأسامة بن زيد فدل الحديث على جواز التعريض بالخطبة أثناء العدة. (قالت) فاطمة: (فلما حللت) بانقضاء عدتي (ذكرت له) صلى الله عليه وسلم (أن معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب الأموي (وأبا جهم) بالتكبير، ابن حذيفة القرشي العدوي صاحب الأنبجانية المذكور في الصحيحين من طريق عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي" أخرجه البخاري في باب الأكسية والخمائص، قال الزبير بن بكار: كان من مشيخة قريش: وهو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم النسب قال: وقال عمي كان من المعمرين حضر بناء الكعبة مرتين حين بنتها قريش وحين بناها ابن الزبير وهو أحد

خَطَبَانِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَأَمَّا مُعَاويَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَال لَهُ. انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيد" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأربعة الذين تولوا دفن عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين (خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فـ) إن سألتني عن حاله فإنه (لا يضع عصاه عن عاتقه) أي عن منكبه وهو كناية عن كثرة ضربه للنساء كما وقع التصريح بذلك فيما سيأتي من رواية ابن أبي الجهم عند المصنف ولفظه (وأما أبو جهم فرجل ضرّاب للنساء) وبهذا يتبين خطأ من قال إنه كناية عن كثرة الأسفار، والعاتق هو ما بين العنق والمنكب، قال القرطبي: وفيه ما يدل على جواز تأديب النساء بالضرب لكن غير المبرح ولا خلاف في جواز ذلك على النشوز وهو الامتناع من الزوج، واختلف في ضربهن على خدمة بيوتهن وهذا إنما يتمشى على قول من أوجب ذلك عليهن ولا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد أحدكم زوجته جلد العبد ثم يضاجعها" رواه البخاري ومسلم والترمذي لأن هذا النهي إنما يقتضي المنع من الضرب المبرح الذي لا يجوز وهو الشديد المفرط ولا خلاف في منع مثله اهـ من المفهم (وأما معاوية) بن أبي سفيان (فصعلوك) بضم الصاد واللام بينهما مهملة ساكنة أي فقير (لا مال له) ولا اعتماد ولا احتمال كما في مجمع البحار أطلقه على معاوية مجازًا ومبالغة في قلة ماله ويؤخذ منه جواز المبالغة، والمعنى فقير في غاية الفقر، وقوله لا مال له صفة كاشفة وأبوه أبو سفيان وإن كان متمولًا كان شحيحًا على امرأته وولده كما مر في الزكاة، وفي رواية النسائي "ترب لا مال له" وفي أخرى له: "رجل أملق من المال" وفي أخرى له: "غلام من غلمان قريش لا شيء له" وفي الحديث ما يدل على أن ذكر مساوي الخاطب أو من يعامل أو من يحتاج إلى قبول قوله أو فتياه جائز ولا يعد ذلك غيبة ولا بهتانًا إذ لا يذكر ذلك على جهة التنقيص وإضافة الغيب إليه لكن على جهة التعريف وأداء النصيحة وأداء الأمانة كما فعله أهل الحديث وغيرهم اهـ من المفهم، ودل أيضًا على أن المرأة لا بأس لها أن تنظر في مال خاطبها هل يقدر على تكلفها أم لا؟ فإن كان قليل المال بما يتعسر عليه أن يعول امرأة أعرضت عنه، وفيه أيضًا فضيلة ظاهرة لمعاوية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في وجه الإعراض عنه إلَّا قلة المال، ثم قال لي: (انكحي أسامة بن زيد) بن حارثة، فيه ما يدل على جواز نكاح المولى للقرشية فإن أسامة مولى وفاطمة قرشية كما تقدم وإن الكفاءة المعتبرة هي كفاءة الدين لا النسب كما هو مذهب مالك، وقد روى

مسألة النفقة والسكنى للمبتوتة

فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَال: "انْكِحِي أُسَامَةَ" فَنَكَحْتُهُ. فَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيرًا، وَاغْتَبَطْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدارقطني عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت: رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال رواه الدارقطني اهـ من المفهم. استدل به الترمذي على أن خطبة الرجل على خطبة أخيه إنما يحرم إذا عُلم من المرأة ركونها إلى الخاطب الأول فأما إذا لم يعلم ذلك فلا بأس وإلا لما خطبها صلى الله عليه وسلم لأسامة بعد ما علم بخطبة أبي جهم ومعاوية رضي الله عنهم، ولكن سيأتي أن أسامة كان قد خطبها مع معاوية وأبي جهم وأنها قد ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة هؤلاء الثلاثة جميعًا فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لها أسامة بن زيد، وعليه فلا ينهض الاستدلال بهذا الحديث للترمذي قالت: (فكرهته) لعلها كرهته لعدم كفاءته لها في النسب لأنها قرشية وهو من الموالي أو لكون أسامة دميمًا أسود، وبهذا تبين أن النكاح لغير الكفؤ لا بأس به إذا كان لأجل الدين والعلم والخُلق اهـ تكملة. (ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انكحي أسامة فنكحته) كان ذلك منها بعد أن صدر منها توقف وما يدل على كراهتها لذلك كما جاء في رواية في الأم: فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طاعة الله وطاعة رسوله خير لك" قالت: (فنكحته) أي نكحت أسامة وتزوجته (فجعل الله) سبحانه لي (فيه) أي في أسامة (خيرًا) كثيرًا ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم (واغتبطت) بالبناء للفاعل أي فرحت بزواجه ونلت المسرة، وفي بعض النسخ (واغتبطت به) بالبناء للمجهول أي صرت مغبوطة لها تغبط النساء لي لحظ كان لي من أسامة رضي الله عنهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 412]، وأبو داود [2285 - 2289]، والترمذي [1180]، والنسائي [6 /. برقم (3244)]. مسألة النفقة والسكنى للمبتوتة واعلم أن العلماء قد اتفقوا على وجوب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية واختلفوا في المبتوتة على ثلاثة أقوال مشهورة: (1) قال أبو حنيفة وأصحابه: لها النفقة والسكنى على كل حال سواء كانت حاملًا أو غير حامل وهو مذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وبه قال حماد وشريح والنخعي

3578 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ). وَقَال قُتَيبَةُ أَيضًا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيء) كِلَيهِمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَن أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثوري وابن شبرمة والحسن بن صالح وعثمان البتي وهو رواية عن ابن أبي ليلى وحجتهم الكتاب والأحاديث والآثار والقياس كقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} فالمطلقات ها هنا تعم الرجعية والمبتوتة إلى آخر ما قالوا. (2) وقال أحمد وإسحاق وأهل الظاهر: لا نفقة لها ولا سكنى احتجوا على عدم وجوبها بحديث الباب حديث فاطمة بنت قيس فإنه صريح في عدم وجوبها. (3) وقال الشافعي ومالك: لها السكنى على كل حال ولا نفقة لها إذا كانت حاملًا وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيدة، ورُوي ذلك عن ابن أبي ليلى أيضًا، واستدلا بقول الله عزَّ وجلَّ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فإنه تعالى جعل لها السكنى مطلقًا، وقيد وجوب النفقة بأن تكون حاملًا، والمفهوم حجة عند الشافعي فظهر أنه لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا اهـ ملخصًا من عمدة القاري وأحكام القرآن للجصاص. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها فقال: 3578 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق، من (8) روى عنه في (4) أبواب، مات وهو ساجد في الحرم النبوي سنة (184) (وقال قتيبة أيضًا: حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله المدني (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى قارة بتخفيف الراء اسم قبيلة، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب يعني (كليهما) أي كلًّا من عبد العزيز ويعقوب بن عبد الرحمن، هكذا وقع في النسخ كلها وهو صحيح بالنصب على القطع، والأصح الأوفق كلاهما لأنه توكيد لعبد العزيز ويعقوب بن عبد الرحمن (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المخزومي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن

فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ؛ أَنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيهَا نَفَقَةَ دُونٍ. فَلَمَّا رَأَتْ ذلِكَ قَالتْ: وَاللهِ، لأُعْلِمَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ كَانَ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِي يُصْلِحُنِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيئًا. قَالتْ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى". 3579 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فاطمة بنت قيس) القرشية الفهرية المدنية الصحابية الشهيرة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا قتيبة بن سعيد، غرضه بيان متابعة أبي حازم لعبد الله بن يزيد مولى الأسود (أنه) أي أن الشأن والحال (طلّقها زوجها) أبو عمرو بن حفص (في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان) زوجها (أنفق عليها) بواسطة وكيله وهو غائب (نفقة دون) أي دون الواجب لها وأقل منه وهو شيء من شعير وهو هكذا (نفقة دون) في جميع النسخ بالإضافة وهو من قيل إضافة الموصوف إلى الصفة، والدون الرديء الحقير إما في القدر أو في الجنس أو الصفة (فلما رأت) فاطمة (ذلك) أي ذلك الإنفاق الدون (قالت: والله لأعلمن) أي لأخبرن هذا الإنفاق (رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان لي نفقة) واجبة (أخذت) الإنفاق (الذي يصلحني) بضم الياء وكسر اللام أي يجب لي (وإن لم تكن لي نفقة) واجبة (لم آخذ منه) أي من زوجي (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا (قالت) فاطمة: (فذكرت ذلك) الدون (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نفقة لك ولا سكنى) لك؛ لأنك مبتوتة عنه لا عُلقة بينك وبين زوجك لأنه لا يستحق عليك الرجعة، قال القاضي عياض: وفي الحديث استفتاء النساء وسماع كلامهن في ذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها فقال: 3579 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عمران بن أبي أنس) القرشي العاهمري مولاهم المصري، ثقة، من (5) وحكى ابن أبي شيبة أن أبا أنس كان مولى لعبد الله بن أبي سرح واسمه نوفل اهـ من تهذيب التهذيب

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ قَال: سَأَلْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيسٍ. فَأَخبَرَتنِي؛ أَنَّ زَوْجَهَا الْمَخزُومِيَّ طَلَّقَهَا. فَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيهَا. فَجَاءَت إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَفَقَةَ لَكِ. فَانتَقِلِي. فَاذهَبِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. فَكُوني عِنْدَهُ. فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى. تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي سلمة أنه قال: سألت فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها عن قصة طلاقها (فأخبرتني) فاطمة (أن زوجها) أبا عمرو بن حفص (المخزومي) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمران بن أبي أنس لأبي حازم (طلّقها فأبى أن ينفق عليها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نفقة لك) ولا سكنى (فانتقلي) من مسكن زوجك (فاذهبي إلى) بيت (ابن أم مكتوم فكوني عنده فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ولا يراك، وفي الرواية الأخرى (فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك) هذه الرواية مفسرة للأولى ومعناه لا تخافين من رؤية رجل لك، قال القرطبي: وإنما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أن تخرج من البيت الذي طُلّقت فيه لما ذكره مسلم في الرواية الأخرى من أنها خافت على نفسها من عورة منزلها أن يُقتحم عليها، وفيه دليل على أن المعدة تنتقل لأجل الضرورة وهذا أولى من قول من قال إنها كانت لَسِنَةً تؤذي زوجها وأحماءها بلسانها فإن هذه الصفة لا تليق بمن اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبه ابن حبه، وتواردت رغبات الصحابة عليها حين انقضت عدتها، ولو كانت على مثل تلك الحال لكان ينبغي أن لا يُرغب فيها ولا يحرص عليها أيضًا فلم يثبت بذلك نقل مسند صحيح وإنما الذي تمسك به في ذلك قول عائشة ما لفاطمة خير أن تذكر هذا، وقول عمر: لا ندع كتاب الله لقول امرأة لا نعلم حفظت أو نسيت، وقول بعضهم: امرأة فتنت الناس وليس في شيء من ذلك دليل على ذلك. ويا للعجب كيف يجترئ ذو دين أن يقدم على غيبة مثل هذه الصحابية التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم لحبه ابن حبه لسبب خبر لم يثبت، وأعجب من ذلك قول بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَلَا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} إنها نزلت في فاطمة لأنها كانت فيها بذاذة لسان وأذى للأحماء وهذا لم يثبت فيه نقل ولا يدل عليه نظر فذكر ذلك عنها ونسبته إليها غيبة أو بهتان، وأحسن ما قيل في التفسير قول ابن عمر

3580 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ). أَخبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ قَيسٍ. أُخْتَ الضَّحَّاك بْنِ قَيسٍ، أَخْبرَتْهُ؛ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلاثًا. ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْيَمَنِ. فَقَال لَهَا أَهْلُهُ: لَيسَ لَكِ عَلَينَا نَفَقَةٌ. فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنهما: إن الفاحشة الزنا فيخرجن لإقامة الحد عليهن وتعليله منع اعتدادها في بيت أم شريك بدخول أصحابه دليل على أن المرأة ممنوعة من التعرض لموضع يشق عليها فيه التحرز من أن يطلع منها على ما لا يجوز اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها ثالثًا فقال: 3580 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حسين بن محمد) بن بهرام التميمي المروذي نسبة إلى مروذ مدينة بخراسان بتشديد الواو وبذال معجمة، البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البغدادي، ثقة، من (7) (عن يحيى وهو ابن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (أخبرني أبو سلمة أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس أخبرته) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لعبد الله بن يزيد (أن أبا حفص) عبد الحميد بن عمرو (بن المغيرة المخزومي) وهو ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة، ويقال له أبو عمرو بن حفص كما سبق في الرواية أول الباب، وقوله: (طلقها ثلاثًا) قال النواوي: اختلفت الروايات في هذا الحديث، ففي هذه الرواية أنه طلقها ثلاثًا، وفي رواية أنه طلقها ألبتة، وفي رواية طلقها آخر ثلاث تطليقات، وفي رواية طلقها طلقة كانت بقيت من طلاقها، وفي رواية طلقها ولم يذكر عددًا ولا غيره، فالجمع بين هذه الروايات أنه كان طلقها قبل هذا طلقتين ثم طلقها هذه المرة الطلقة الثالثة، فمن روى أنه طلقها مطلقًا أو طلقها واحدة أو طلقها آخر ثلاث تطليقات فهو ظاهر، ومن روى ألبتة فمراده طلقها طلاقًا فصارت مبتوتة بالثلاث، ومن روى ثلاثًا أراد تمام الثلاث اهـ. (ثم انطلق) زوجها وذهب (إلى اليمن) حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع علي رضي الله عنه (فقال لها): أي لفاطمة بنت قيس (أهله) أي أقارب زوجها (ليس لك علينا نفقة) لأنك طُلقت طلاقًا بائنًا، قالت فاطمة: (فانطلق) ابن عم زوجي (خالد بن

الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَيتِ مَيمُونَةَ. فَقَالُوا: إِنَّ أَبَا حَفْصٍ طَلَّقَ امْرأَتَهُ ثَلاثًا. فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ. وَعَلَيهَا الْعِدَّةُ". وَأَرْسَلَ إِلَيهَا: "أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ". وَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيهَا: "أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ. فَانْطَلِقِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى. فَإِنَّكِ إِذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ، لَمْ يَرَكِ" فَانْطَلَقَتْ إِلَيهِ. فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زيدِ بْنِ حَارِثَةَ. 3581 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوليد) بن المغيرة (في نفر) أي مع نفر من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستفتاء في حكم طلاقي (فأتوا) أي فأتى خالد مع أولئك النفر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو (في بيت ميمونة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (فقالوا: إن أبا حفص طلّق امرأته ثلاثًا) أي آخر ثلاث تطليقات (فهل لها من نفقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليست لها نفقة وعليها العدة وأرسل إليها أن لا تسبقيني بـ) تزويج (نفسك) أي لا تفعلي شيئًا من تزويج نفسك قبل إعلامك لي بذلك، وإنما قال لها ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يريد أن يخطبها لأسامة وهذا هو التعريض بالخطبة وهو جائز لقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] (وأمرها أن تنتقل) من مسكن زوجها الذي طلقت فيه (إلى) بيت (أم شريك) الأنصارية الخزرجية (ثم أرسل إليها) أي إلى فاطمة بنت قيس (أن أم شريك يأتيها) أي يأتي بيتها (المهاجرون الأولون) والضيفان لأنها كانت كثيرة الإنفاق في سبيل الله تعالى فليس محل خلوة (فانطلقي إلى) بيت عبد الله (بن أم مكتوم الأعمى) المكفوف بصره (فإنك إذا وضعت خمارك) وكشفت رأسك (لم يرك) هو ولا أحد من الرجال، قال الراوي: (فانطلقت) فاطمة (إليه) أي إلى بيت ابن أم مكتوم (فلما مضت عدتها) وانقضت (أنكحها) أي زوّجها (رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة) الهاشمي مولاهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه رضي الله عنهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديثها فقال: 3581 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد

وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ. قَال: كَتَبْتُ ذلِكَ مِنْ فِيهَا كِتَابًا. قَالتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَطَلَّقَنِي الْبَتَّةَ. فَأَرْسَلْتُ إِلَى أَهْلِهِ أَبْتَغِي النَّفَقَةَ. وَاقْتَصُّوا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو: "لَا تَفُوتِينَا بِنَفْسِكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (قالوا: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (8) (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس (ح) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا محمد بن عمرو) بن علقمة (حدثنا أبو سلمة عن فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة محمد بن عمرو ليحيى بن أبي كثير (قال) أبو سلمة بن عبد الرحمن: (كتبت ذلك) الحديث (من فيها) أي من فم فاطمة بنت قيس، وقوله: (كتابًا) أي كتبته كتابة من فمها مفعول مطلق لكتبت مؤكد لعامله؛ والمراد أني كتبت هذا الحديث بعد سماعه من فمها (قالت) فاطمة: (كنت) متزوجة (عند رجل من بني مخزوم) وهو أبو عمرو بن حفص (فطلقني ألبتة) أي طلاقًا باتًا بائنًا وهو غائب في اليمن (فأرسلت إلى أهله) حالة كوني (أبتغي) أي أطلب منهم أن يعطوني (النفقة) من ماله، وقوله: (واقتصوا الحديث) تحريف من النساخ والصواب (واقتص) محمد بن عمر (الحديث) السابق أي ذكر (بمعنى حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة) لا بلفظه (غير أن) أي لكن أن (في حديث محمد بن عمرو لا تفوتينا بـ) زواج (نفسك) حتى تعلمينا وهو في معنى لا تسبقيني بنفسك وفي مغزاه، وقال في الرواية السابقة: فإذا حللت فآذنيني أي إذا خرجت من العدة لتمامها فأعلميني وأخبريني حتى ننظر في إنكاحك ونطلب لك زوجًا صالحًا اهـ من بعض الهوامش.

3582 - (00) (00) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخبَرَهُ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيسٍ أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاثِ تَطلِيقَاتٍ. فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَاءَت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَسْتَفْتِيهِ فِي خُرُوجِهَا مِنْ بَيتِهَا. فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكتُومٍ الأَعْمَى. فَأَبَى مَرْوَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها فقال: 3582 - (00) (00) (حدثنا حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (جميعًا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني، قاضيها، ثقة، من (5) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) (عن ابن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) (أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني، ثقة، من (3) (أخبره أن فاطمة بنت قيس) القرشية الفهرية رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي أخبرت لأبي سلمة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب ليحيى بن أبي كثير (أنها كانت تحت أبي عمرو) عبد الحميد (ابن حفص بن المغيرة) المخزومي (فطلقها آخر ثلاث تطليقات) يعني أنه كان قد طلقها طلقتين ثم راجعها وكانت هذه الطلقة ثالثة، قال أبو سلمة: (فزعمت) فاطمة بنت قيس (أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونها (تستفتيه) أي تسأله صلى الله عليه وسلم (في) حكم (خروجها من بيتها) الذي طلقت فيه وجه استفتائها على ما سبق عدم تمكنها من السكنى في المسكن الذي طُلقت فيه إما لكونها لسنة بذية تستطيل على أحمائها أو لكون المسكن في مكان وحش تخاف الاقتحام عليها ورواية مسلم فيما يأتي مقصورة على السبب الثاني اهـ من الهوامش (فأمرها) أي فلما استفتته عن ذلك أمرها (أن تنتقل) من مسكنها (إلى) بيت عبد الله (بن أم مكتوم الأعمى فأبى) أي امتنع (مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي كنيته أبو عبد الملك لم يصح سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف

أنْ يُصَدِّقَهُ فِي خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ بَيتِهَا. وَقَال عُرْوَةُ: إِنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَت ذلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ. 3583 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينٌ. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. مَعَ قَوْلِ عُرْوَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ. 3584 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ) قَالا: أَخْبَرَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ في رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مولده في السنة الثانية من الهجرة اهـ تقرير المفهم (أن يصدقه) أي أن يصدّق خبرها (في خروج المطلقة) البائنة (من بيتها) الذي طُلّقت فيه (وقال عروة) وهو عند مروان (إن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أنكرت ذلك) أي خروج المطلّقة البائنة من بيتها بلا عذر (على فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها يعني أنكرت على فاطمة استدلالها في ذلك بحديث نفسها لأنها إنما أذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم لعذر كون مسكنها وحشًا يخاف عليها فيه فلا يصح الاستدلال به على خروج المطلقة البائنة مطلقًا. 3583 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حجين) مصغرًا ابن المثنى اليمامي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (7) (عن عقيل) مصغرًا، ابن خالد بن عقيل الأموي المصري ثقة، من (6) (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن فاطمة (مثله) أي مثل ما روى صالح بن كيسان عن ابن شهاب، غرضه بيان متابعة عقيل بن خالد لصالح بن كيسان (مع) ذكر (قول عروة إن عائشة أنكرت ذلك عن فاطمة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها سابعًا فقال: 3584 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ لعبد قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن

أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ إِلَى الْيَمَنِ. فَأَرْسَلَ إِلَى امْرأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلاقِهَا وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثَ بْنَ هِشَام وَعيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبيعَةَ بِنَفَقَةٍ فَقَالا لَهَا: وَاللهِ، مَا لَكِ نَفَقةٌ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا. فَأتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمَا. فَقَال: "لَا نَفَقَةَ لَكِ" فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود الهذلي المدني الأعمى، ثقة، من (3) وهو مرسل على ما قاله أبو مسعود الدمشقي اهـ من المفهم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لأبي سلمة في الرواية عن فاطمة بنت قيس (أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة) رضي الله عنه يقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، وقيل أبو حفص بن المغيرة، ويقال أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن المغيرة القرشي المخزومي اختلف في اسمه فقيل أحمد، وقيل عبد الحميد، وقيل اسمه كنيته، وهو الذي كلم عمر بن الخطاب وواجهه بما يكره لما عزل خالد بن الوليد اهـ من أسد الغابة (خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأرسل) أبو عمرو (إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها) طلقتين أولًا فراجعها (وأمر لها) أبو عمرو (الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة) هما كما في أسد الغابة: أخوا أبي جهل بن هشام، الأول لأبويه وتأخر إسلامه إلى يوم الفتح، والثاني لأمه وهو قديم الإسلام والذي تقدم في الرواية السابقة فأرسل إليها وكيله بشعير وسيأتي قولها (أرسل إلي زوجي أبو عمرو بن حفص عياش بن أبي ربيعة) وتقدم هناك أن الصواب ما هنا من التثنية يعني إرساله إليها نفرين أي وأمرهما (بنفقة) أي بصرف نفقة لها (فقالا لها: والله ما لك نفقة) لأنك مبتوتة (إلا أن تكوني حاملًا فأتت) فاطمة (النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له) صلى الله عليه وسلم (قولهما) من أنها لا نفقة لها إلَّا إن كانت حاملًا (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نفقة لك) لأنك مبتوتة (فاستأذنته) صلى الله عليه وسلم (في الانتقال) من مسكنها الذي طلّقت فيه لعذر خوفها على نفسها (فأذن لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتقال، قال النووي: هذا محمول على أنه أذن لها في الانتقال لعذر هو البذاءة على أحمائها أو خوفها أن يقتحم عليها أو نحو ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في أوائل هذا الباب، وأما لغير حاجة فلا يجوز لها الخروج والانتقال ولا يجوز نقلها قال الله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلا

فَقَالتْ: أَينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَال: "إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ" وَكَانَ أَعْمَى. تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلَا يَرَاهَا. فَلَمَّا مَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْكَحَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيهَا مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيبٍ يَسْأَلُهَا عَنِ الْحَدِيثِ. فَحَدَّثَتْهُ بِهِ. فَقَال مَرْوَانُ: لَمْ نَسْمَعْ هذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنِ امْرَأَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} قال ابن عباس وعائشة: المراد بالفاحشة هنا النشوز وسوء الخلق، وقيل هو البذاءة على أهل زوجها وقيل معناه إلَّا أن يأتين بفاحشة الزنا فيخرجن لإقامة الحد ثم ترجع إلى المسكن اهـ (فقالت) فاطمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى (أين) أنتقل (يا رسول الله فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: انتقلي (إلى) بيت (ابن أم مكتوم وكان) ابن أم مكتوم (أعمى) لا يبصر (تضع ثيابها) أي تكشف خمارها (عنده ولا يراها فلما مضت) وانقضت (عدتها) وتمت (أنكحها) أي زوّجها (النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد) بن حارثة حبه ومولاه، قال عبيد الله بن عبد الله (فأرسل إليها) أي إلى فاطمة بنت قيس (مروان) بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموي وكان أميرًا على المدينة (قبيصة بن ذؤيب) مصغرًا ابن حلحلة الخزاعي المدني نزيل دمشق من أولاد الصحابة وله رؤية، حالة كون قبيصة (يسألها عن) هذا (الحديث) الذي جرى لها فسألها قبيصة (فحدّثته) أي فحدثَتْ فاطمة لقبيصة (به) أي بهذا الحديث الذي جرى لها فرجع قبيصة إلى مروان فحذثه به (فقال مروان لم نسمع بهذا الحديث إلَّا من امرأة) تفردت به فلا نحتج به وسبب دخول مروان في هذه القصة ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري قال: "أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق وهو غلام شاب في إمرة مروان ابنة سعيد بن زيد وأمها ابنة قيس فطلقها ألبتة فأرسلت إليها خالتها فاطمة بنت قيس فأمرتها بالانتقال من بيت زوجها عبد الله بن عمرو فسمع ذلك مروان فأرسل إليها فأمرها أن ترجع إلى مسكنها فسألها ما حملها على الانتقال قبل أن تنقضي عدتها فأرسلت تخبره أن فاطمة بنت قيس أفتتها وأخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بالخروج أو قال بالانتقال حين طلقها أبو عمرو بن حفص المخزومي فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة بنت قيس ليسألها عن ذلك. ثم ساق عبد الرزاق الحديث بمثل ما ذكره المؤلف. وقصة إرسال مروان قبيصة إلى فاطمة مذكورة في سنن النسائي ولفظه قال الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق ابنة سعيد بن

سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيهَا. فَقَالت فَاطِمَةُ، حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ: فَبَينِي وَبَينَكُمُ الْقُرْآنُ. قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد وأمها حمنة بنت قيس ألبتة فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال من بيت عبد الله بن عمرو وسمع ذلك مروان فأرسل إليها فأمرها أن ترجع إلى مسكنها حتى تنقضي عدتها فأرسلت إليه تخبره أن خالتها فاطمة أفتتها بذلك وأخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بالانتقال حين طلقها أبو عمرو بن حفص المخزومي فأرسل مروان إلى فاطمة قبيصة بن ذؤيب فسألها عن ذلك فزعمت أنها كانت تحت أبي عمرو ولما أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على اليمن خرج معه فأرسل إليها بتطليقة وهي بقية طلاقها فأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقتها فأرسلت إلى الحارث وعياش تسألهما النفقة التي أمر لها بها زوجها فقالا: والله ما لها علينا نفقة إلَّا أن تكون حاملًا وما لها أن تسكن في مسكننا إلَّا بإذننا، فزعمت فاطمة أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فصدقهما، قالت: فقلت: أين أنتقل يا رسول الله؟ فقال: "عند ابن أم مكتوم" فانتقلت عنده اهـ. ولكن (سنأخذ بالعصمة) أي بالسنة والشريعة (التي) اعتصم وتمسك بها الناس وعملوا بها و (وجدنا الناس) أي معظم الناس (عليها) أي على تلك العصمة والسنة أي على العمل بها، قال القاضي عياض: أي سنأخذ بالأمر الذي اعتصم الناس به وعملوا عليه يعني بذلك أنها لا تخرج من بيتها ولا نفقة لها كما قاله عمر رضي الله عنه، ورواه السمرقندي (بالقضية) بل (العصمة) وله معنى يتجه، والصواب الأول اهـ وفيه دليل على أن تعامل الناس كان بخلاف حديث فاطمة بنت قيس في أمر السكنى فهو حجة على من ينفي السكنى للمطلقة وقد احتج المارديني بقول مروان هذا على نفي النفقة أيضًا ولكنه ضعيف لأن سياق قول مروان في أمر السكنى والخروج فإنه أوجب عليها السكنى وعدم الخروج من مسكنها، وسيأتي قول فاطمة (فكيف تقولون لا نفقة لها) فهو يدل على أن مروان ومن وافقه لا يوجبون النفقة للمبتوتة والله أعلم اهـ من التكملة. (فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان) أو نقل لها عنه أنه يمنع البائن من الخروج مطلقًا أي قالت فاطمة (فبيني وبينكم) الخطاب لمروان ومن وافقه حين منعوا البائن من الخروج مطلقًا (القرآن) كتاب الله حيث (قال الله عزَّ وجلَّ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ})

الآيَةَ. قَالتْ: هذَا لِمَنْ كَانَتْ لَهُ مُرَاجَعَةٌ. فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلاثِ؟ فَكَيفَ تَقُولُونَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا؟ فَعَلامَ تَحْبِسُونَهَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أتم الآية أي تلت هذه (الآية) إلى آخرها و (قالت) في الاستدلال عليهم (هذا) النهي المفهوم من أول الآية بقوله: لا تخرجوهن (لمن) أي لزوج (كانت له مراجعة) عليها أرادت به الرد على قول مروان من منعه المبتوتة من الانتقال من بيتها، واستدلت عليه بأن الآية إنما تضمنت نهي غير المبتوتة من الخروج بقرينة قول الله سبحانه: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} تقول: (فأي أمر يحدث بعد) تمام الطلقات (الثلاث فكيف) تمنعونها من الخروج ثم (تقولون: لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا فعلام تحبسونها) في المسكن أي فلأي شيء تمنعونها من الخروج والانتقال إذا لم تكن عليها رجعة بخلاف غير المبتوتة فإنها بصدد أن يحدث لمطلقها أمر إما بالارتجاع أو باستئناف النكاح. قال القرطبي: ظاهر كلامها هذا إنما هو رد على مروان في منعه البائن من الانتقال من بيتها لأنها كانت تجيز الخروج للبائن على نحو ما أباحه لها النبي صلى الله عليه وسلم وكأنها فهمت من مروان أو نُقل إليها أنه يمنع البائن من الخروج مطلقًا فاستدلت بأن الآية التي تلتها إنما تضمنت النهي عن خروج المطلقة الرجعية لأنها بصدد أن يحدث لمطلقها رأي في ارتجاعها ما دامت في عدتها فكأنها تحت تصرف الزوج في كل وقت، وأما البائن فليس لها شيء من ذلك فيها فيجوز لها أن تخرج إذا دعتها إلى ذلك حاجة أو خافت عورة كما أباح لها ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، هذا ظاهر صدر كلامها مع مروان غير أن عجز كلامها هذا يظهر منه أن منازعتها لمروان إنما كانت في النفقة لها فكان مروان لا يراها لها وهي تراها لها وهو ظاهر قولها فكيف تقولون لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا، وليس كذلك فإنها قد نصت في أول الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نفقة لك" فكيف تخالف هي هذا النص وتقول إن النفقة لها، وهذا محال وكان هذا وهم من بعض الرواة في قوله فكيف يقولون لا نفقة لها إذا لم تكن حاملًا، وقولها: (فعلام تحبسونها) معناه فلأي شيء تمنعونها من الانتقال إذا لم تكن عليها رجعة، وقد دل على هذا قوله فاستأذنته في الانتقال فأذن لها وهذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم. وعلى الجملة فحديث فاطمة كثرة اضطرابه قاصمة فما أولاه لاختلاف معناه ولفظه بقول عمر الذي جعل الله تعالى الحق على لسانه وقلبه من قوله ولها السكنى لا النفقة وهذا مذهبه اهـ من المفهم. وأجاب الجصاص عن اعتراضها في أحكام القرآن (3/ 564) بأن

3585 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ وَحُصَينٌ وَمُغِيرَةُ وَأَشْعَثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أول الآية ينتظم المبتوتة والرجعية جميعًا، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} والدليل على ذلك كل من أراد طلاق امرأته فهو مأمور بهذه الآية أن يطلقها للعدة ويدخل فيه من لم يبق من طلاقها إلَّا واحدة فهو مأمور أيضًا بأن يطلقها في طهرها فتبين أن أول الآية شامل لكل من أراد الطلاق سواء أراد الطلاق الرجعي أو البائن فكذلك قوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ} يشمل الجميع، أما قوله تعالى بعد ذلك: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} بيان لصورة مخصوصة مما سبق وهو ما إذا طلقها طلاقًا رجعيًّا وهو مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فإنه عام في البائن والرجعي ولكن أعقبه الله سبحانه بقوله {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وإنما هو حكم خاص في الرجعي ولم يمنع ذلك أن يكون قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} عامًا في الجميع. قوله: (فعلام تحبسونها) اعتراض منها على مروان بأنه يوجب للمبتوتة السكنى دون النفقة وحاصل اعتراضها أنكم لا توجبون النفقة فكيف تمنعونها من الخروج مع أن النفقة جزاء الاحتباس وهذا الاعتراض منها واقع على مذهب الشافعية، وأما الحنفية فإنهم يوجبون النفقة مع السكنى فلا ينهض قولها عليهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3585 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي البغدادي، ثقة، من (7) (أخبرنا سيار) بن وردان العنزي الواسطي، ثقة، من (6) (وحصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (ومغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، من (6) (وأشعث) بن سوار الكندي الأفرق (من كان شعر لحيته أو ناصيته مفروقًا) الأثرم (من كانت سنه متفتتة أي متفرقة) الكوفي ضعيف، من السادسة، مقرون مع سيار وحصين ومغيرة وغيرهم، روى عن الشعبي في الطلاق، والحسن وابن سيرين وطائفة، ويروي عنه (م ت س ق) وهشيم وشعبة وحفص بن غياث

وَمُجَالِدٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالدٍ وَدَاوُدُ. كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ. فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهَا. فَقَالتْ: طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ألْبَتَّةَ. فَقَالتْ: خَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ. قَالتْ: فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. 3586 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ حُصَينٍ وَدَاوُدَ وَمُغِيرَةَ وَإِسْمَاعِيلَ وَأَشْعَثَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومجالد) بن سعيد بن عمير الهمداني أبو سعيد الكوفي، روى عن الشعبي في الطلاق وقيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) ضعيف مقرون بحصين ومغيرة وأشعث وغيرهم، من السادسة، مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة في ذي الحجة (وإسماعيل بن أبي خالد) اسمه سَعْد أو فيروز الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (وداود) بن أبي هِند دينار القشيري مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (5) (كلهم) أي كل هؤلاء السبعة رووا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (قال) الشعبي: (دخلت على فاطمة بنت قيس) القرشية الفهرية الصحابية المشهورة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الشعبي لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة (فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقالت) فاطمة: (طلقها زوجها ألبتة) أي طلاقًا بائنًا (فقالت خاصمته) أي خاصمت وكيله ورافعته (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة، قالت) فاطمة: (فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة وأمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديثها فقال: 3586 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن حصين) بن عبد الرحمن (وداود) بن أبي هند القشيري البَصْريّ (ومغيرة) بن مقسم (وإسماعيل) بن أبي خالد (وأشعث) بن سوار (عن الشعبي أنه قال: دخلت على فاطمة بنت قيس) وساق يحيى بن يحيى (بمثل حديث

زُهَيرٍ، عَنْ هُشَيمٍ. 3587 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيمِيُّ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ. حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ. قَال: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ. وَسَقَتْنَا سَويقَ سُلْتٍ. فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا أَينَ تَعْتَدُّ؟ قَالتْ: طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلاثًا. فَأَذِنَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ زهير) بن حرب (عن هشيم) بن بشير، غرضه بيان متابعة يحيى بن يحيى لزهير بن حرب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها عاشرًا فقال: 3587 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم (الهجيمي) مصغرًا نسبة إلى هجيم بن عمرو أبي قبيلة، أبو عثمان البصري ثقة ثبت، من (8) (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي أبو خالد البصري، ثقة ضابط، من (6) (حدثنا سيار) بن وردان (أبو الحكم) العنزي الواسطي، ثقة، من (6) (حدثنا الشعبي) عامر بن شراحيل (قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قرة بن خالد لهشيم بن بشير أي دخلنا عليها (فأتحفتنا) أي أطعمتنا (برطب ابن طاب وسقتنا) أي أشربتنا (سويق سلت) أي ضيّفتنا بهذا الطعام والشراب، والإتحاف إكرام القادم عليك بأنواع القرى، وابن طاب نوع من أنواع تمر المدينة النبوية، وذكر النواوي أن أنواع تمر المدينة مائة وعشرون، وأفضلها العجوة والسلت بضم السين وسكون اللام نوع من الحبوب طبعه طبع الشعير في البرودة ولونه لون الحنطة، ومن ثم اختلف الفقهاء في بيعه بالحنطة أو الشعير متفاضلًا وهي المسماة عندنا الحنطة البيضاء وهي التي لا شعور على سنبلها وضدها السميراء وهي الحنطة الحمراء، وفيه إكرام النساء القواعد للرجال والإفضال على الزائرين القاصدين لطلب العلم، قال الشعبي: (فسألتها عن المطلقة ثلاثًا أين تعتد) هل في المسكن الذي طلقت فيه أو في بيت أقاربها (قالت) فاطمة (طلقني بعلي) أي زوجي أبو عمرو بن حفص (ثلاثًا) من التطليقات على التدريج (فأذن لي النبي صلى الله عليه وسلم أن أعتد في) بيوت (أهلي) وأقاربي لأنها لا سكنى ولا نفقة لها، وهذا

3589 - (00) (00) وَحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا. قَال: "لَيسَ لَهَا سُكنَى وَلَا نَفَقَةٌ". 3590 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزيقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمول على أنه أجاز لها ذلك لعذر في الانتقال من مسكن الطلاق كما سبق إيضاحه اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف المتابعة حادي عشرها في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها فقال: 3589 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7) (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (4) (عن الشعبي) الحميري الكوفي، ثقة، من (3) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سلمة بن كهيل لمن روى عن الشعبي (عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثًا قال: ليس لها سكنى ولا نفقة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشرها في حديثها فقال: 3590 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا عمار بن رزيق) بتقديم الراء مصغرًا الضبي الكوفي، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن المديني: ثقة، وقال في التقريب: لا بأس به، من (8) (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) (عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي إسحاق لسلمة بن

قَالتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلاثًا. فَأَرَدْتُ النُّقْلَةَ. فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "انْتَقِلِي إِلَى بَيتِ ابْنِ عَمِّكِ عَمْرِو بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَاعْتَدِّي عِنْدَهُ". 3591 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ. حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزيقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: كُنْتُ مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ. وَمَعَنَا الشعْبِيُّ. فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كهيل في الرواية عن الشعبي (قالت) فاطمة: (طلقني زوجي ثلاثًا) من الطلقات (فأردت النقلة) والتحول من المسكن الذي طلقني فيه (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم) للاستئذان (فقال) لي: (انتقلي) وتحولي (إلى بيت ابن عمك عمرو بن أم مكتوم) هكذا وقع هنا، وكذا جاء في صحيح مسلم في آخر الكتاب وزاد فقال: هو رجل من بني فهر من البطن الذي هي منه، قال القاضي: والمشهور خلاف هذا وليس هما من بطن واحد هي من بني محارب بن فهر وهو من بني عامر بن لؤي. قلت: هو ابن عمها مجازًا يجتمعان في فهر، واختلفت الرواية في اسم ابن أم مكتوم فقيل عمرو، وقيل عبد الله، وقيل غير ذلك (فاعتدي عنده) أي عند ابن أم مكتوم لأنه ما يراك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في هذا الحديث فقال: 3591 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة) بن أبي روّاد العتكي أبو جعفر البصري، قال أبو داود: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب ويخالف، وقال في التقريب: صدوق، من (11) مات سنة (234) (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري مولاهم أبو أحمد الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا عمار بن رزيق) الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن أبي إسحاق) السبيعي (قال: كنت مع الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (جالسًا في المسجد الأعظم) أي الأكبر من مساجد الكوفة، وهو مسجد الجامع فإن أبا إسحاق والأسود والشعبي كلهم كوفيون (ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي أحمد الزبيري ليحيى بن آدم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم

يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً. ثُمَّ أَخَذَ الأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصَّى فَحَصَبَهُ بِهِ. فَقَال: وَيلَكَ! تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هذَا. قَال عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ. لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1]. 3592 - (00) (00) وحدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجعل لها سكنى ولا نفقة ثم أخذ الأسود) بن يزيد (كفًّا من حصى) أي حفنة من الحصى (فحصبه) أي حصب الأسود الشعبي ورماه (به) أي بالحصى إنكارًا منه عليه بهذا الحديث (فقال) الأسود للشعبي: (ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك هي كلمة جرت على ألسنة العرب لم يقصدوا بها الدعاء، أ (تحدث بمثل هذا) الحديث الذي أنكره بعض الصحابة فإنه (قال) فيه (عمر: لا نترك كتاب الله) تعالى (و) لا (سنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة) يعني فاطمة بنت قيس (لا ندري) ولا نعلم (لعلها حفظت) على وجهه (أو نسيت) ولم تحفظه على وجهه، ونقول على خلاف ما حدّثته (لها) أي للمطلقة ثلاثًا (السكنى والنفقة) فإنه (قال الله عزَّ وجلَّ: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}) قوله: (وسنة نبينا) قال الدارقطني: وسنة نبينا غير محفوظة لم يذكرها جماعة من الثقات، قال القاضي إسماعيل: الذي في كتاب ربنا النفقة لذوات الأحمال وبحسب الحديث، ولها السكنى لأن السكنى موجود في كتاب الله تعالى لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} وزاد أهل الكوفة في الحديث عن عمر: والنفقة. (قلت): ويظهر من كلام هؤلاء الأئمة أن الثابت عن عمر رضي الله عنه في حكم المبتوتة قوله لها السكنى لا غير ولم يثبتوا قوله والنفقة وليس بمعروف عند أهل المدينة ولذلك قال مالك: إنه سمع ابن شهاب يقول: المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل وليس لها نفقة إلَّا أن تكون حاملًا، قال مالك: وهذا الأمر عندنا وإلى هذا أشار مروان بقوله: سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها أي بالأمر الذي اعتصم الناس به وعملوا عليه يعني بذلك أنها لا تخرج من بيتها ولا نفقة لها اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديثها فقال: 3593 - (00) (00) (وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) البصري، ثقة،

حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أحْمَدَ، عَنْ عَمَّارِ بنِ رُزَيقٍ، بِقِصَّتِهِ. 3593 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيرٍ الْعَدَويِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) (حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان) بن قرم بفتح القاف وسكون الراء (بن معاذ) الضبي أبو داود البصري، ومنهم من ينسبه إلى جده معاذ، روى عن أبي إسحاق في الطلاق، وابن المنكدر وسماك بن حرب، ويروي عنه (خ م ت س) وأبو داود الطيالسي ويعقوب الحضرمي وغيرهم، قال النسائي وابن معين: ضعيف، وقال أبو زرعة: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين، وقال أحمد: لا أرى به بأسًا، وقال في التقريب: سيئ الحفظ يتشيع، من السابعة (عن أبي إسحاق) السبيعي (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس (نحو حديث أبي أحمد عن عمار بن رزيق بقصته) يعني قصة إنكار الأسود على الشعبي حديث فاطمة بنت قيس، غرضه بيان متابعة سليمان بن معاذ لعمار بن رزيق في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق ففي كلام المصنف تحريف من النساخ، وصواب العبارة (نحو حديث عمار بن رزيق عن أبي إسحاق بقصته) أي مع القصة الواقعة في الحديث من إنكار الأسود على الشعبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها خامس عشرها فقال: 3593 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع) بن الجراح (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي بكر) بن عبد الله (بن أبي الجهم بن صخير العدوي) هكذا هو بالتصغير، ووقع في بعض النسخ صخر مكبرًا، والصواب المشهور هو الأول وهو أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، وأبو بكر اسمه كنيته نسب هنا إلى جده أبي الجهم، وأبو الجهم اسمه صخير، ويقال عبيد بالتصغير، وقوله هنا بن صخير تحريف من النساخ، والصواب (عن أبي بكر بن أبي الجهم صخير العدوي) الكوفي، وفي بعض النسخ إسقاط صخير، روى عن فاطمة بنت قيس في الطلاق، وعمه محمد بن أبي الجهم وابن عمر وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وغيرهم، ويروي عنه (م ت س ق) والثوري في الطلاق، وشعبة وحجاج بن أرطاة وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صدوق،

قَال: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيسٍ تَقُولُ: إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاثًا. فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً. قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا حَلَلْتِ فآذِنِينِي" فَآذَنْتهُ. فَخَطَبَهَا مُعَاوَيةُ وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا مُعَاويَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَال لَهُ. وَأمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ. وَلكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ" فَقَالتْ بِيَدِهَا هكَذَا: أُسَامَةُ! أُسَامَةُ! فَقَال لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "طَاعَةُ الله وَطَاعَةُ رَسُولهِ خَيرٌ لَكِ" قَالتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ فَاغْتَبَطْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في التقريب: ثقة فقيه، من الرابعة (قال) أبو بكر بن عبد الله: (سمعت فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي بكر بن أبي الجهم لعامر الشعبي، حالة كون فاطمة (تقول إن زوجها) أبا عمرو بن حفص (طلقها ثلاثًا) أي ثلاث تطليقات على التدريج (فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة، قالت) فاطمة: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حللت) وانقضت عدتك (فآذنيني) أي فأعلميني وأخبريني انقضاءها (فآذنته) صلى الله عليه وسلم انقضاء عدتي أي أخبرته أنه انقضت عدتها (فخطبها معاوية) بن أبي سفيان (وأبو جهم) بن حذيفة القرشي العدوي صاحب الأنبجانية الصحابي المشهور رضي الله عنه (وأسامة بن زيد) بن حارثة (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) على سبيل النصيحة لها (أما معاوية فرجل ترب) -بفتح التاء الفوقية وكسر الراء المهملة- أي رجل فقير فأكده بقوله: (لا مال له) أصلًا لأن الفقير قد يطلق على من له شيء يسير لا يقع موقعًا من كفايته (وأما أبو جهم فرجل ضراب) أي كثير الضرب (للنساء ولكن أسامة بن زيد) خير لك (فقالت) فاطمة أي أشارت (بيدها هكذا) أي أشارت بيدها إلى كراهتها له قائلة (أسامة) لا أحبه (أسامة) لا أحبه كررته للتأكيد لأنها قرشية وأسامة من الموالي فليس كفؤًا لها في النسب (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك) من مخالفتهما (قالت) فاطمة: (فتزوجته) أي فتزوجت أسامة طاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم مع أنه ليس كفؤًا لي في النسب (فاغتبطت) بالبناء للفاعل أي فرضيت زواجه وتمنيت دوامه لي لما رأيت فيه من الخير الكثير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها سادس عشرها فقال:

3594 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ. قَال: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيسٍ تَقُولُ: أَرْسَلَ إلَيَّ زَوْجِي، أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بِطَلاقِي. وَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعِ تَمْرٍ، وَخَمْسَةٍ آصُعِ شَعِيرٍ. فَقُلْتُ: أَمَا لِي نَفَقَةٌ إلا هذَا؟ وَلا أَعْتَدُّ فِي مَنْزِلِكُمْ؟ قَال: لَا. قَالتْ: فَشَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي. وَأَتَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "كَمْ طَلَّقَكِ؟ " لا قُلْتُ: ثَلاثًا. قَال: "صَدَقَ. لَيسَ لَكِ نَفَقَةٌ. اعْتَدِّي فِي بَيتِ ابْنِ عَمِّكِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ. تُلْقِي ثَوْبَكِ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3594 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي بكر) بن عبد الله (بن أبي الجهم) صخير العدوي الكوفي، ثقة، من (4) (قال) أبو بكر: (سمعت فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي لوكيع بن الجراح، حالة كون فاطمة (تقول أرسل إليّ زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عياش بن أبي ربيعة بطلاقي وأرسل معه) أي مع عياش بن أبي ربيعة (بخمسة آصع تمر وخمسة آصع شعير) متعة لي (فقلت) لعياش وقد حسبت أن الذي جاء به نفقة لي (أما لي) أي أليس لي (نفقة إلا هذا) الطعام القليل الذي جئت به أ (ولا أعتد) أي ولا أكمل عدتي (في منزلكم قال) عياش بن أبي ربيعة رسول زوجها (لا) أي لا نفقة لك ولا سكنى (قالت) فاطمة: (فشددت) أي ربطت (علي ثيابي) ولبستها (وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأخبرته خبر ما جرى بيني وبين زوجي ورسوله (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم طلقك قلت) طلقني (ثلاثًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق) رسول زوجك عياش بن أبي ربيعة فيما قال لك لأنه (ليس لك نفقة) لأنك بائنة منه لا علقة بينكما ولا سكنى وتحولي من منزلهم و (اعندي) أي كملي عدتك (في بيت ابن عمك) عبد الله (بن أم مكتوم، فإنه ضرير البصر) أي مكفوف البصر لا يراك، سمي الأعمى ضريرًا لأنه به ضرر ذهاب البصر (تلقي ثوبك) وتضعي خمارك (عنده) فلا يراك، قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ (تلقي) وهي لغة صحيحة، والمشهور تلقين بالنون أصله تلقيين لأنه مرفوع بثبات النون

فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَآذِنِينِي" قَالتْ: فَخَطَبَنِي خُطَّابٌ. مِنْهُمْ مُعَاويةُ وَأَبُو الْجَهْمِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مُعَاويةَ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ. وَأَبُو الْجَهْمِ مِنْهُ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ. (أَوْ يَضْرِبُ النِّسَاءَ، أَوْ نَحْوَ هذَا) وَلكِنْ عَلَيكِ بِأُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ". 3595 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ. قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ. فَسَأَلْنَاهَا فَقَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإذا انقضت عدتك) وكملت (فآذنيني) أي فأخبريني بانقضاء عدتك (قالت) فاطمة فانقضت عدتي (فخطبني خطّاب) كثير (منهم معاوية) بن أبي سفيان (وأبو الجهم) بن حذيفة فأخبرته صلى الله عليه وسلم خبر ما جرى لي من انقضاء العدة وخطبة الخطّاب لي (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن معاوية ترب) بفتح التاء وكسر الراء أي فقير (خفيف الحال) أي خفيف اليد من المال كأنه لا شيء عنده إلا التراب فلا يصلح لك (وأبو الجهم منه شدة) أي تشديد (على النساء) بكثرة ضربهن (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو فاطمة بنت قيس وأبو الجهم (يضرب النساء) كثيرًا (أو) قال (نحو هذا) أي مثل هذا المذكور من الألفاظ كقوله فرجل ضراب النساء، والشك من فاطمة فيما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أو ممن دونها فيما قالته (ولكن عليك) أي الزمي أو تزوَّجي (بأسامة بن زيد) بن حارثة فإن فيه خيرًا ولك فيه خير والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث فاطمة بنت قيس سابع عشرها رضي الله تعالى عنها فقال: 3595 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام (أخبرنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد (الثوري) الكوفي، ثقة حجة، من (7) (حدثني أبو بكر) بن عبد الله (بن أبي الجهم) صخير العدوي الكوفي (قال) أبو بكر بن عبد الله: (دخلت أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (على فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي عاصم لعبد الرحمن بن مهدي، قال أبو بكر: (فسألناها) عن قصة ما جرى بينها وبين زوجها الذي طلقها (فقالت) لنا فاطمة:

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. فَخَرَجَ فِي غَزْوَةِ نَجْرَانَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ. وَزَادَ: قَالتْ: فَتَزَوَّجْتُهُ فَشّرَّفَنِي الله بِأبِي زيدٍ. وَكَرَّمَنِي الله بِأبي زَيدٍ. 3569 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ. قَال: دَخَلْتُ أَنا وَأَبُو سَلَمَةَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ، زَمَنَ ابْنِ الزُّبَيرِ. فَحَدَّثَتْنَا؛ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا طَلاقًا بَاتًّا. بِنَحْو حَدِيثِ سُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كنت) أنا (عند أبي عمرو) عبد الحميد (بن حفص بن المغيرة) المخزومي وهو ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي (فخرج) أبو عمرو زوجي إلى اليمن (في غزوة نجران) بلدة معروفة في اليمن مع علي بن أبي طالب (وساق) أي ذكر أبو عاصم (الحديث) السابق (بنحو حديث) عبد الرحمن (بن مهدي و) لكن (زاد) أبو عاصم على عبد الرحمن لفظة (قالت) فاطمة (فتزوجته) أي نكحت أسامة بن زيد (فشرفني الله) تعالى أي جعلني الله تعالى شريفة محترمة عند الناس (بأبي زيد) أي بتزوجي أبا زيد وهو كنية أسامة بن زيد (وكرمني الله بأبي زيد) أي جعلني مكرمة معظمة عنده تعالى بتزوجي أبا زيد لأن فيه طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال النووي: هكذا هو في بعض النسخ بأبي زيد في الموضعين لأن أسامة كنيته أبو زيد، وفي بعضها بابن زيد بالنون في الموضعين، وادعى القاضي أنها رواية الأكثرين وكلاهما صحيح لأنه هو أسامة بن زيد، وكنيته أبو زيد ويقال أبو محمد اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث فاطمة بنت قيس ثامن عشرها رضي الله تعالى عنها فقال: 3569 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (حدثني أبو بكر) بن أبي الجهم الكوفي (قال) أبو بكر: (دخلت أنا وأبو سلمة) بن عبد الرحمن (على فاطمة بنت قيس زمن) إمرة عبد الله (بن الزبير فحدثتنا) فاطمة (أن زوجها طلقها طلاقًا باتًا) أي قاطعًا العلقة من بين الزوجين بحيث لا تحل له إلا بمحلل، وساق شعبة (بنحو حديث سفيان) الثوري، غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري.

3597 - (00) (00) وحدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ. قَالتْ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلاثًا. فَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً. 3598 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَال: تَزَوَّجَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسع عشرها في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها فقال: 3597 - (00) (00) (وحدثني حسن بن علي) بن محمد (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا حسن بن صالح) بن صالح بن مسلم بن حيان -ولقبه حيّ- ابن شُفي الهمداني الكوفي، ثقة، من (7) (عن السدي) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة أبي محمد الكوفي، نسبة إلى سدة مسجد الكوفة كان يبيع بها المقانع والسدة الباب والمقانع ما تلف به المرأة على رأسها، صدوق، من (4) مات سنة (177) سبع وسبعين ومائة (عن البهي) عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير أبي محمد المدني، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة البهي لمن روى عن فاطمة بنت قيس (قالت) فاطمة: (طلقني زوجي ثلاثًا فلم يجعل في رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى العشرين من المتابعة في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها فقال: 3598 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة (حدثني أبي) عروة بن الزبير (قال) عروة: (تزوج يحيى بن سعيد بن العاص) الأموي الكوفي المعروف بالأشدق، وكان أبوه سعيد أمير المدينة لمعاوية وهو أخو عمرو بن سعيد، ثقة، من (3)

بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَكَمِ. فَطَلَّقَهَا فَأَخْرَجَهَا منْ عِنْدِهِ. فَعَابَ ذلِكَ عَلَيهِم عُرْوَةُ. فَقَالُوا: إِنَّ فَاطِمَةَ قَدْ خَرَجَتْ. قَال عُرْوَةُ: فَأتَيتُ عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا بِذلِكَ فَقَالتْ: مَا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ خَيرٌ فِي أَنْ تَذْكُرَ هذَا الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بنت عبد الرحمن بن الحكم) بن العاص الأموي، اسمها عمرة، وعبد الرحمن هذا هو أخو مروان بن الحكم بن العاص، ومروان إذ ذاك أمير المدينة (فطلقها) يحيى بن سعيد (فأخرجها من عنده) أي من سكنه (فعاب ذلك) أي إخراجها من مسكنها (عليهم) أي على يحيى ومن معه أي على الأمويين (عروة) بن الزبير أي عاب عليهم عروة بن الزبير إخراجهم إياها من عندهم (فقالوا) أي قال الأمويون يعني يحيى بن سعيد ومن معه؛ أي قالوا اعتذارًا له عن فعلهم (إن فاطمة) بنت قيس (قد خرجت) من مسكنها حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص، وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد ومن معه لمن روى عن فاطمة بنت قيس. قوله: (فأخرجها من عنده) وفي رواية البخاري فانتقلها عبد الرحمن فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة: اتق الله وارددها إلى بيتها، قال مروان في حديث سليمان إن عبد الرحمن بن الحكم غلبني فالظاهر من رواية البخاري أن الذي أخرجها هو أبوها دون زوجها، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن زوجها أخرجها في مبدإ الأمر ثم أمسكها أبوها ولم يرض بأن يردها بعد إخراجها والله سبحانه وتعالى أعلم (قال عروة) بن الزبير: (فأتيت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فأخبرتها بذلك) الذي ذكروه لي من استدلالهم بحديث فاطمة بنت قيس في إخراجها أي أخبرت عائشة بالذي جرى بيني وبينهم واعتذارهم عن أفعالهم (فقالت) عائشة: (ما لفاطمة بنت قيس خير) أي أجر (في أن تذكر هذا الحديث) للناس لأنهم يستدلون به في إخراجهم المبتوتة من سكنها الذي طلقت فيه قبل انقضاء عدتها وهو خلاف نص القرآن حيث قال: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} تعني عائشة أن فاطمة تذكر هذا الحديث بما يوهم أن حكم عدم النفقة والسكنى عام لسائر المبتوتات مع أنه كان خاصًّا بها لأنها انتقلت من بيت زوجها لعذر الوحشة أو لاستطالة لسانها وإنما مُنعت من النفقة لعدم الاحتباس ولكنها لا تذكر هذه الأعذار وتعمم الحديث، وقد أخرج البيهقي في كتاب العدد [7/ 433] أن عائشة كانت تقول لها: (اتق الله يا فاطمة فقد علمت في أي شيء كان ذلك) اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحادي والعشرين من المتابعة في حديثها فقال:

3599 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ. قَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلاثًا. وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ. قَال: فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ. 3600 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: مَا لِفَاطِمَةَ خَيرٌ أَنْ تَذْكُرَ هذَا. قَال: تَعْنِي قَوْلَهَا: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3599 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة بن الزبير لمن روى عن فاطمة (قالت) فاطمة: (قلت: يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثًا وأخاف أن يُقتحم عليّ) أي أن يهجم على بعض الظلمة من السراق والفساق (قال) عروة أو قالت هي على سبيل الالتفات (فأمرها) بالتحول (فتحولت) عن ذلك المسكن؛ أي أمرني بالتحول فتحولت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الثاني والعشرين من المتابعة في حديثها فقال: 3600 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (4) (عن أبيه) القاسم بن محمد التيمي المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة أنها قالت) حين أخبرها القاسم بن محمد الحديث الذي سمعه من فاطمة بنت قيس، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم لمن روى هذا الحديث عن فاطمة بنت قيس (ما لفاطمة) بنت قيس (خير) في (أن تدكر) وتحدث (هذا) الحديث للناس (قال) القاسم: (تعني) عائشة بقولها أن تذكر هذا (قولها) أي قول فاطمة (لا سكنى ولا نفقة) للمطلقة ثلاثًا. قال القرطبي: ولا يلتفت إلى فهم من فهم من قول عائشة هذا نقصًا في حق فاطمة ولا تكذيبًا من عائشة لها وإنما أنكرت عليها قولها: (لا سكنى لها ولا نفقة) كما نص عليه الراوي ويظهر من إنكار عائشة أنها ترى لها السكنى والنفقة كما رآه عمر تمسكًا

3601 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَي إِلَى فُلانةَ بِنْتِ الْحَكَمِ؟ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ألْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ. فَقَالتْ: بِئسَمَا صَنَعتْ. فَقَال: أَلَمْ تَسْمَعِي إِلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا خَيرَ لَهَا فِي ذِكْرِ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منها بما تمسك هو به والله أعلم، ويحتمل أنها أنكرت قولها لا سكنى فقط والظاهر الأول ويغفر الله تعالى لسعيد بن المسيب ما وقع فيه حيث قال في هذه الصحابية المختارة: تلك امرأة فتنت الناس إنها كانت لسنة فوضعت على يد ابن أم مكتوم، ورُوي عنه أيضًا أنه قال: تلك امرأة استطالت على أحمائها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقل، فلقد أفحش في القول واغتابها ولا بد لها معه من موقف بين يدي الله تعالى اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الثالث والعشرين من المتابعة في حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها فقال: 3601 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد (قال) القاسم (قال عروة بن الزبير لعائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة بن الحجاج في الرواية عن عبد الرحمن (ألم تري) يا أم المؤمنين وتنظري (إلى فلانة بنت الحكم) أي إلى عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم بن العاص نسبها إلى جدها وإلا فاسم أبيها عبد الرحمن بن الحكم كما مر (طلقها زوجها) يحيى بن سعيد بن العاص طلاقًا (ألبتة) أي بائنًا (فخرجت) عمرة من مسكنها الذي طُلقت فيه بإخراج زوجها لها (فقالت) عائشة (بئسما صنعت) عمرة من خروجها من مسكنها قبل انقضاء العدة أي بئس خروجها وقبح شرعًا وعقلًا (فقال) عروة لعائشة: (ألم تسمعي) يا أم المؤمنين (إلى قول فاطمة) بنت قيس، وهو ذكرها الخروج والانتقال من المنزل الذي طلقت فيه (فقالت) عائشة: نعم سمعته وضعها (أما) أي انتبهوا (إنه) أي إن الشأن والحال (لا خير لها) أي لفاطمة (في ذكر ذلك) الحديث للناس على جهة التعميم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث فاطمة بنت قيس وذكر فيه ثلاثًا وعشرين متابعة. (فائدة): قال النووي رحمه الله تعالى: واعلم أن في حديث فاطمة بنت قيس فوائد كثيرة: إحداها: جواز طلاق الغائب، والثانية: جواز التوكيل في الحقوق في القبض والدفع، الثالثة: لا نفقة للبائن وقالت طائفة: لا نفقة ولا سكنى، الرابعة: جواز سماع كلام الأجنبية والأجنبي في الاستفتاء ونحوه، الخامسة: جواز الخروج من منزل العدة للحاجة، السادسة: استحباب زيارة النساء الصالحات للرجال بحيث لا تقع خلوة محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم في أم شريك: "تلك امرأة يغشاها أصحابي"، السابعة: جواز التعريض لخطبة المعتدة البائن بالثلاث، الثامنة: جواز الخطبة على خطبة غيره إذا لم يحصل للأول إجابة لأنها أخبرته أن معاوية وأبا الجهم وغيرهما خطبوها، والتاسعة: جواز ذكر الغائب بما فيه من العيوب التي يكرهها إذا كان للنصيحة ولا يكون حينئذٍ غيبة محرمة، العاشرة: جواز استعمال المجاز لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضع العصا عن عاتقه ولا مال له"، الحادية عشر: استحباب إرشاد الإنسان إلى مصلحته وإن كرهها وتكرار ذلك عليه لقولها قال: "انكحي أسامة" فكرهته ثم قال: "انكحي أسامة" فنكحت، الثانية عشر: قبول نصيحة أهل الفضل والانقياد إلى إشارتهم وأن عاقبتها محمودة، الثالثة عشر: جواز نكاح غير الكفء إذا رضيت به الزوجة والولي لأن فاطمة قرشية وأسامة مولى، الرابعة عشر: الحرص على مصاحبة أهل التقوى والفضل وإن دنت أنسابهم، الخامسة عشر: جواز إنكار المفتي على مفت آخر خالف النص أو عمم ما هو خاص لأن عائشة أنكرت على فاطمة بنت قيس تعميمها أن لا سكنى للمبتوتة وإنما كان انتقال فاطمة من مسكنها لعذر من خوف اقتحام الفسقة عليها أو لبذاءتها أو نحو ذلك، السادسة عشر: استحباب ضيافة الزائر وإكرامه بطيب الطعام والشراب سواء كان المضيف رجلًا أو امرأة اهـ منه والله أعلم. ***

548 - (34) باب جواز خروج المعتدة في النهار لقضاء حاجتها وانقضاء العدة بوضع الحمل

548 - (34) باب جواز خروج المعتدة في النهار لقضاء حاجتها وانقضاء العدة بوضع الحمل 3602 - (1409) (169) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي هارُونُ بن عَبْدِ الله (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: طُلِّقَتْ خَالتِي. فَأرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا. فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ. فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "بَلَى. فَجُدِّي نَخْلَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 548 - (34) باب جواز خروج المعتدة في النهار لقضاء حاجتها وانقضاء العدة بوضع الحمل 3602 - (1409) (169) (وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري (عن ابن جريج ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا ابن جريج ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (واللفظ) الآتي (له) أي لهارون (حدثنا حجاج بن محمد) البغدادي المصيصي (قال) حجاج بن محمد (قال ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، حالة كون جابر (يقول: طُلّقت خالتي) قال الدميري: اسمها أسماء، وقال الحافظ في التلخيص: ذكرها أبو موسى في ذيل الصحابة في المبهمات كذا في بذل المجهود (فأرادت أن) تخرج و (تجد) أي تصرم وتقطع (نخلها) أي ثمرها، يقال: جد النخل يجد بالضم لأنه من المضاعف المعدى جدًّا وجدادًا بالفتح والكسر صرام النخل وهو قطع ثمرتها (فزجرها) أي منعها (رجل) لم أر من ذكر اسمه من (أن تخرج) من مسكنها، وإنما زجرها ظنًّا منه أنه لا يحل لها الخروج لكونها في العدة (فأتت النبي صلى الله عليه وسلم) أي جاءته فأخبرته بحالها وضرورتها إلى جداد نخلها، فقالت له: ما يجوز لي أن أخرج لجداد نخلي (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) يجوز لك (فـ) فاخرجي و (جدي نخلك) أي اصرمي واقطعي ثمرها، هذا لفظ مسلم وابن ماجه وأحمد، ولفظ أبي داود والدارمي: اخرجي فجدي نخلك،

فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا". 3603 - (1410) (170) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وإباحته لها الخروج لجد نخلها دليل مالك والشافعي وأحمد والليث على قولهم إن المعتدة تخرج بالنهار في حوائجها وإنما تلزم منزلها بالليل وسواء عند مالك كانت رجعية أو بائنة، وقال الشافعي في الرجعية: لا تخرج ليلًا ولا نهارًا، وإنما تخرج نهارًا المبتوتة. وقال أبو حنيفة: ذلك في المتوفى عنها زوجها، وأما المطلقة فلا تخرج ليلًا ولا نهارًا، وقال الجمهور: بهذا الحديث إن الجداد بالنهار عرفًا وشرعًا أما العرف فهو عادة الناس في مثل ذلك الشغل، وأما الشرع فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن جداد الليل ولا يقال فيلزم من إطلاقه أن تخرج بالليل إذ قد يكون نخلها بعيدًا تحتاج إلى المبيت فيه لأنا نقول لا يلزم ذلك من هذا الحديث لأن نخلهم لم يكن الغالب عليها البعد من المدينة بحيث يحتاج إلى المبيت وإنما هي بحيث يخرج إليها ويرجع منها بالنهار. وقوله: (فإنك عسى) أي يرجى (أن تصدّقي) منه (أو تفعلي معروفًا) ليس تعليلًا لإباحة الخروج إليها بالاتفاق، وإنما خرج هذا مخرج التنبيه لها والحض على فعل الخير والله أعلم اهـ من المفهم. ولفظ أبي داود والدارمي (لعلك أن تصدّقي منه) ولفظ أبي داود أيضًا وتفعلي خيرًا ولفظ الدارمي (أو تصنعي معروفًا) ولعل وجه الفرق بين الصدقة والمعروف أن يكون المراد من الصدقة الصدقة الواجبة، ومن المعروف صدقة التطوع، ويمكن الفرق بينهما بأن الصدقة ما يحتاج إلى التمليك والمعروف ما لا يحتاج إليه، وإنما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه كان يعلم أنها صاحبة خير عهد منها المعروف أو أجابها بما فيه إرشاد لها إلى الصدقة والتطوع ولا يخفى ما فيه من لطف وحكمة، وقال النووي: فيه استحباب الصدقة عند الجداد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1297]، والنسائي [6/ 209]، وابن ماجه [2034]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سبيعة الأسلمية رضي الله تعالى عنها فقال: 3603 - (1410) (170) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي

وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ) (قَال حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَال أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبِ) حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ الله بْنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الله بنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ، فَيَسْأَلهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَمَّا قَال لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حِينَ اسْتفْتَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (وتقاربا في اللفظ قال حرملة: حدثنا وقال أبو الطاهر: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني يونس بن يزيد) الأموي الأيلي (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني (حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني، ثقة، من (3) (أن أباه) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني ابن أخي عبد الله بن مسعود، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله رؤية، روى عن عبد الله بن مسعود في التفسير، وعن أبيه في العدة، ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو إسحاق السبيعي وابناه عبيد الله وعون وابن سيرين، قال ابن سعد: كان ثقة رفيعًا فقيهًا، وقال في التقريب: وثقه العجلي وجماعة، وهو من كبار الثانية، مات سنة (94) أربع وتسعين في ولاية بشر بن مروان على العراق (كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث (الزهري) المدني، روى عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية فرد حديث عندهم في الطلاق، ويروي عنه (خ م د س) وعبد الله بن عتبة بن مسعود كتب إليه إجازة، وقال في التقريب: مقبول، من الثامنة، أي كتب عبد الله بن عتبة إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم رسالة حالة كون عبد الله (يأمره) أي يأمر عمر في تلك الرسالة بـ (أن يدخل) عمر (على سبيعة بنت الحارث الأسلمية) زوجة سعد بن خولة الصحابية المشهورة المدنية، لها اثنا عشر حديثًا، اتفقا على حديث روت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدتها في عدة المتوفى عنها زوجها، ويروي عنها (خ م د س ق) وعمر بن عبد الله بن الأرقم في الطلاق ومسروق بن الأجدع وغيرهم، وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (فيسألها) أي فيسأل عمر لسبيعة بالنصب معطوف على يدخل (عن حديثها) أي عن قصتها في وفاة زوجها (وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته) أي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عدتها، ولعل كتابة عبد الله إلى عمر لأنه كان بالكوفة وعمر بالمدينة

فَكَتَبَ عُمرُ بن عَبْدِ الله إِلَى عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ؛ أَنَّ سُبَيعَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بنِ خَوْلَةَ. وَهُوَ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا. فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَهِيَ حَامِلٌ. فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ. فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَت لِلْخُطَّابِ. فَدَخَلَ عَلَيهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكانت سبيعة أيضًا بالمدينة، وقوله: (فكتب عمر بن عبد الله) بن الأرقم معطوف على كتب الأول (إلى عبد الله بن عتبة) بن مسعود رسالة، حالة كونه (يخبره) أي يخبر لعبد الله بن عتبة إجازة (أن سبيعة) الأسلمية (أخبرته) أي أخبرت لعمر (أنها كانت تحت سعد بن خولة) القرشي العامري كما قال (وهو) سعد بن خولة (في بني عامر) في بمعنى من أي من بني عامر (بن لؤي) قال الحافظ في الإصابة: من بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وقيل في حلفائهم، وقيل من مواليهم، قال ابن هشام: هو فارسي من اليمن حالف بني عامر بن لؤي، وكان من السابقين إلى الإسلام هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية كما في أسد الغابة (وكان ممن شهد بدرًا فتوفي عنها) بمكة سنة عشر (في حجة الوداع) وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص (لكن البائس سعد بن خولة) أخرجه البخاري وعقد له بابا في الجنائز، وسيأتي عند مسلم في الوصية، وإنما رثى له صلى الله عليه وسلم لكونه مات بمكة في حجة الوداع ولم يرجع إلى دار هجرته أي مات عنها (وهي حامل فلم تنشب) بفتح التاء من نشب الثلاثي من باب فتح وبضم التاء من باب الإفعال أي لم تمكث زمنًا كثيرًا ولم تتأخر عن (أن وضعت) وولدت (حملها بعد وفاته) أي بعد وفاة زوجها سعد أي لم تمكث كثيرًا حتى وضعت حملها بعد وفاته بليال (فلما تعلت) أي طهرت (من نفاسها) أي من دم ولادتها، قال في الفائق: أي قامت وارتفعت. قال جرير: فلا حملت بعد الفرزدق حرة ... ولا ذات بعل من نفاس تعلت ويحتمل أن يكون المعنى سلمت وصحت، وأصله تعللت مطاوع عللها الله أي أزال علتها، وقال في النهاية: ويروى تعالت أي ارتفعت وطهرت، ويجوز أن يكون من قولهم تعلى الرجل من علته إذا برأ أي خرجت من نفاسها وسلمت (تجملت) أي تزينت (للخطاب فدخل عليها أبو السنابل) بفتح السين اسمه عمرو، وقيل حبة بالباء الموحدة، وقيل حنة بالنون، وقيل عامر، وقيل أصرم كما في الإصابة (بن بعكك) بموحدة مفتوحة

(رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) فَقَال لَهَا: مَا لِي أرَاكِ مُتَجَمِّلَةً؟ لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ. إِنَّكِ، وَاللهِ، مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالتْ سُبَيعَةُ: فَلَمَّا قَال لِي ذلِكَ، جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيتُ. فَأَتَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم عين ساكنة ثم كافين الأولى مفتوحة على وزن جعفر أي ابن بعكك بن الحجاج بن الحارث بن السباق بن عبد الدار كذا نسبه ابن الكلبي وابن عبد البر، وقيل في نسبه غير هذا، وذكر ابن الأثير في أسد الغابة أنه من مسلمة الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم وكان شاعرًا، وقيل إنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنًا أي دخل عليها بعدما خطبها لنفسه فأبت أن تنكحه كما في صحيح البخاري، ثم خطبها من هو أشب منه فأجابته، فلما رأى أبو السنابل أنها تجملت لغيره، قال لها ما ذكره مسلم وقد ورد في رواية البخاري: أن أبا السنابل نفسه كان قد خطبها من قبل ولكنه قال ذلك لما خطبها أبو البشر بن الحارث وهو رجل أشب منه فخاف أبو السنابل أنها تركن إليه وكان أهلها غائبين، ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها وكل ذلك مصرح في رواية مالك في موطئه وهو (رجل من بني عبد الدار فقال لها ما لي) أي أي شيء ثبت لي (أراك متجملة) أي متزينة (لعلك ترجين النكاح) وتأملين الزواج (إنك والله ما أنت بناكح) أي لست بمتزوجة (حتى تمر عليك) وتنقضي (أربعة أشهر وعشر) ليال التي هي مدة عدة الوفاة، قال القاضي: حمل الآية على العموم في الحامل والحائل كما حملها غيره، ويحتمل أنه قال لها ذلك لأن أولياءها كانوا غيبًا فأمرها بالتربص حتى يقدموا فلعل منهم من يزوجها له أو ترجع إلى رأيه (قالت سبيعة فلما قال لي) أبو السنابل (ذلك) الكلام (جمعت علي ثيابي) ولبستها (حين أمسيت) أي دخلت في المساء، فيه أن خروج المرأة للحاجة يستحب أن يكون في الليل لكونه أستر لها فإن سبيعة انتظرت إلى المساء ثم خرجت للاستفتاء (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك) أي عن انقضاء عدتي (فأفتاني) أي أجابني النبي صلى الله عليه وسلم (بأني قد حللت) للزواج وفرغت من عدتي، فيه حجة ظاهرة لقول جمهور الفقهاء إن المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل إذا كانت حاملة حين وفاة زوجها وهو مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور فقهاء الأمصار من السلف والخلف، إلا ما رُوي عن علي وابن عباس وسحنون من المالكية فإنهم يقولون: عدتها آخر الأجلين من وضع الحمل ومن أربعة أشهر وعشر

حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي. وَأَمَرَنِي بِالتَّزوُّجِ إِنْ بَدَا لِي. قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَلَا أَرى بَأسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ حِينَ وَضَعَتْ. وَإنْ كَانَتْ فِي دَمِهَا. غَيرَ أَنْ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع، وإذا انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن علي بسند صحيح كما حكاه الحافظ في الفتح والسبب الحامل لهم على ذلك الحرص على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} الآية يشمل الحامل وغيرها كما أن قوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] عام أيضًا يشمل المطلقة والمتوفى عنها فجمع هؤلاء بين العمومين بقصر الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالآيسة والصغيرة قبلها ثم لم يهملوا ما تناولته الآية الثانية من العموم لكن قصروه على من مضت عليها المدة ولم تضع فكان تخصيص بعض العموم أولى وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من إلغاء أحدهما في حق بعض من شمله العموم. ولكن حجة الجمهور حديث سبيعة فإنه صريح في ذلك، وذكر الحافظ في الفتح عن ابن مسعود: أن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة يعني أنها مخصصة لها فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها. (حين وضعت) وولدت (حملي) دل على أن انقضاء العدة يكون لمجرد الوضع على أي صفة كان من مضغة أو علقة أو سقط سواء استبان الآدمي أم لا؟ وهو قول الجمهور، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا تنقضي العدة بوضع قطعة لحم ليس فيها سورة بينة ولا خفية، ولكن رد عليه الحافظ في الفتح وانتصر لمذهب الجمهور (وأمرني بالتزويج) أمر إباحة (إن بدا لي) التزوج، وظهر (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فلا أرى بأسًا) ومنعًا من (أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها) أي في دم الولادة (غير أن) أي لكن أنه (لا يقربها) بالرفع لأن أن مخففة من الثقيلة لا مصدرية (زوجها) بالجماع (حتى تطهر) من نفاسها وبه قال جمهور الفقهاء، وخالفهم الشعبي والحسن وحماد بن سلمة وإبراهيم النخعي كما حكى عنهم النووي والحافظ فقالوا: لا يصح زواجها حتى تطهر من نفاسها واحتجوا بأن سبيعة إنما تزوجت بعدما تعلت من نفاسها، وحجة

3604 - (1411) (171) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ بْنُ يَسَارٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَابْنَ عَبَّاسٍ اجْتَمَعَا عِنْدَ أَبِي هُرَيرَةَ. وَهُمَا يَذكُرَانِ الْمَرْأَةَ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ. فَقَال ابْنُ عبَّاسِ: عِدَّتُهَا آخِرُ الأَجَلَينِ. وَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمهور في قولها فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي قال القرطبي: وفي حديث سبيعة هذا دليل على جواز المنازعة والمناظرة في المسائل الشرعية وعلى قبول أخبار الآحاد وعلى الرجوع في الوقائع إلى من يظن علم ذلك عنده، وإن كان امرأة إلى غير ذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2306]، والنسائي [6/ 196]، وابن ماجه [2027]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سبيعة بحديث أم سلمة رضي الله عنهما فقال: 3604 - (1411) (171) (حدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال: سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (أخبرنا سليمان بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (3) (أن أبا سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (وابن عباس) رضي الله عنهما (اجتمعا عند أبي هريرة) رضي الله عنه (وهما) أي والحال أنهما (يذكران المرأة) التي (تُنفس) بالبناء للمجهول مع أن المعنى للمعلوم كماضيه أي تلد (بعد وفاة زوجها بليال) أي عقب ليال كذا أبهم الراوي المدة في روايات مسلم، وبعضهم عينوا المدة واختلفوا فيه اختلافًا كثيرًا، فروي أنها وضعت بعد وفاة زوجها بشهرين كما في رواية أحمد، وروى البخاري بعد أربعين ليلة، وروى النسائي بعد عشرين ليلة، وروي غيرها، قال الحافظ بعدما ساق هذه الروايات: والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة ولعل هذا هو السر في إبهام من أبهم المدة كمسلم (فقال ابن عباس عدتها) أي انقضاء عدتها التي تحل به (آخر الأجلين) أي انقضاء أبعد العدتين وأطولهما وأكثرهما زمنًا يعني عدة الوفاة وعدة الحمل عملًا بالآيتين كما مر، فإن تأخر الوضع انقضت عدتها بالوضع، وإن تأخرت الأشهر كما في هذه المرأة انقضت عدتها بتمام الأشهر، قال الحافظ: ويقال إنه رجع عنه ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك (وقال

أَبُو سَلَمَةَ: قَدْ حَلَّتْ. فَجَعَلا يَتَنَازَعَانِ ذلِكَ. قَال: فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي (يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) فَبَعَثُوا كُرَيبًا (مَوْلَى ابْنِ عَبَّاس) إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذلِك؟ فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ؛ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالت: إِنَّ سُبَيعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ. وإنَّهَا ذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو سلمة: قد حلت) تلك المرأة لمن يتزوجها بمجرد الوضع ولا اعتبار للأشهر، وفي هذا أن المفضول يسع له خلاف الأفضل في الفقهيات فإن أبا سلمة من التابعين وابن عباس من الصحابة (فجعلا) أي فجعل ابن عباس وأبو سلمة أي شرعا (يتنازعان ذلك) أي يتناقشان في ذلك أي فيما قال في المرأة (قال) سليمان بن يسار (فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي) عبد الرحمن بن عوف يريد أخوة الدين فيما (قال) (يعني) أبو هريرة بابن الأخ (أبا سلمة، فبعثوا) أي فبعث ابن عباس وأبو سلمة وأبو هريرة قطعًا للنزاع بينهم (كريبًا مولى ابن عباس إلى أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم حالة كون كريب (يسألها) أي يسأل أم سلمة (عن ذلك) أي عما اختلفا فيه من عدة المرأة (فجاءهم) كريب بعدما سأل أم سلمة (فأخبرهم أن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها (قالت إن سبيعة) بنت الحارث (الأسلمية) زوجة سعد بن خولة (نفست) بضم النون على المشهور، وفي لغة فتحها، وهما لغتان في الذي بمعنى الولادة. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان لأنه عن سليمان بن يسار عن كريب عن أم سلمة؛ أي ولدت (بعد وفاة زوجها) سعد بن خولة (بليال) أي عقب ليال قلائل، قيل إنها شهر، وقيل إنها خمس وعشرون ليلة، وقيل دون ذلك اهـ نووي (وإنها) أي وإن سبيعة (ذكرت ذلك) الذي وقع لها من وضعها، وقول أبي السنابل لها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إباحة (أن تتزوج) وتنكح إن بدا لها ذلك، واستدلت الحنفية بهذا على أن النكاح يصح بدون ولي وبعبارات النساء لما تقدم من رواية مالك في موطئه أن أهلها كانوا غيبًا فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزوج قبل مجيء أوليائها، وقد مرت المسألة بتفاصيلها في كتاب النكاح اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5318 و 5319]، والترمذي [1193]، ، والنساني [6/ 191].

3605 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رُفحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ اللَّيثَ قَال فِي حَدِيثِهِ: فَأَرْسَلُوا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ. وَلَمْ يُسَمِّ كُرَيبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 3605 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (قالا: حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من الليث ويزيد بن هارون رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن سليمان بن يسار عن كريب عن أم سلمة (غير أن الليث) أي لكن أن ليث بن سعد (قال في حديثه) أي في روايته (فأرسلوا) بصيغة الماضي (إلى أم سلمة) بدل قول عبد الوهاب (فبعثوا كريبًا) (ولم يسم) أي لم يذكر ليث (كريبًا) في روايته. غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة الليث ويزيد بن هارون لعبد الوهاب الثقفي. وجملة ما ذكره في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث سبيعة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد به لحديث سبيعة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

549 - (35) باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك فوق ثلاثة أيام

549 - (35) باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك فوق ثلاثة أيام 3606 - (1412) (172) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ. عن حُمَيدِ بْنِ نَافِعٍ، عن زَينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 549 - (35) باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك فوق ثلاثة أيام والإحداد بمهملات مع كسر الهمزة من أحَدَّ الرباعي، ويقال فيه الحداد بكسر الحاء من حد الثلاثي، ويروى بالجيم من جددت الشيء أي قطعته لأنها قطعت نفسها من الزينة والطيب، وأما الاستحداد بالسين فهو استعمال الحديد كالموسى في حلق الشعر من العانة كما هو معلوم أي فمعناه لغة المنع، وشرعًا امتناع المرأة من الزينة أي من استعمال الزينة في البدن بترك لبس مصبوغ يقصد لزينة كثوب أصفر أو أحمر ويترك حلي من ذهب أو فضة أو غيرهما إن مُوّه بأحدهما، وإنما حرم عليها ذلك لأنه يزيد في حسنها كما قيل: وما الحلي إلا زينة لنقيصة ... يتمم من حسن إذا الحسن قصرا فأما إذا كان الجمال موفرًا ... كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا وامتناعها من الطيب أي من استعماله في بدن أو ثوب أو طعام أو كحل غير محرم وضابط الطيب الذي يحرم على المعتدة هو كل ما حرم على المحرم لكن لا فدية عليها في استعماله بخلاف المحرم في ذلك، وخرج بالمرأة الرنجل فلا يجوز له الإحداد مطلقًا ولو لحظة لأن الإحداد إنما شرع للنساء لنقص عقلهن المقتضي عدم صبرهن وأحكامه مبسوطة في كتب الفروع فراجعها ولها سابقية في الجاهلية كما سيأتي. 3606 - (1412) (172) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (عن حميد بن نافع) الأنصاري المدني، ثقة، من (3) (عن زينب بنت أبي سلمة) المخزومية الصحابية المشهورة المدنية ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، روى عنها في (9) أبواب ماتت سنة (73) (أنها) أي أن زينب

أَخْبَرَتْهُ هذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلاثَةَ. قَال: قَالتْ زَينَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ. فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَة. خَلُوقٌ أَوْ غَيرُهُ. فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارَية. ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيهَا. ثُمَّ قَالتْ: وَاللهِ، مَا لِي بِالطيبِ مِنْ حَاجَةٍ. غَيرَ أَنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرته) أي أخبرت لحميد بن نافع (هذه الأحاديث الثلاثة) الآتية الأول عن أم حبيبة، والثاني عن زينب بنت جحش، والثالث عن أمها أم سلمة رضي الله تعالى عنهن (قال) حميد بن نافع: (قالت) لي (زينب) بنت أبي سلمة (دخلت على أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان الأموية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وسند هذه الأحاديث الثلاثة من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (حين توفي) ومات (أبوها أبو سفيان) صخر بن حرب الأموي رضي الله عنه، كذا في رواية الصحاح ووقع عند الدارمي من طريق هاشم بن القاسم عن شعبة أن أخًا لها مات أو حميمًا لها، وعليه فإن هذه القصة وقعت لأم حبيبة عند وفاة أخيها يزيد بن أبي سفيان، ومال الحافظ في جنائز الفتح إلى أن القصة تعددت عند وفاة أخيها يزيد ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان فكلتا الروايتين صحيحة والله أعلم. (فدعت) أي طلبت (أم حبيبة بطيب فيه صفرة) أي لونها، وقوله: (خلوق أو غيره) بالرفع بدل من صفرة أي طلبت طيبًا ذا صفرة هو خلوق أو غيره والخلوق بفتح الخاء المعجمة أخلاط من الطيب يتخذ من الزعفران وغيره كالورس قاله الزبيدي في تاج العروس، وقال الأبي: وهو العبير أيضًا (فدهنت) أم حبيبة (منه) أي من ذلك الطيب (جارية) عندها أي طلتها من ذلك الطيب تقليلًا وتخفيفًا لما في يديها (ثم مست) أم حبيبة (بعارضيها) أي أفضت وألصقت أم حبيبة بيديها إلى جانبي وجهها فمسحتهما به أي بما بقي في يديها منه، قال النووي: وإنما فعلت ذلك لدفع صورة الإحداد مع دلالة الحديث على جوازه على غير الزوج في الجملة، والعارضان هنا الخدان، وأصل العوارض الأسنان، وسميت الخدود عوارض لأنها عليها من باب تسمية الشيء باسم مجاوره، وقال السنوسي: هما الوجه من فوق الذقن إلى ما دون الأذن. (ثم قالت) أم حبيبة: (والله ما لي بالطيب من حاجة) في هذا الوقت (غير أني) أي

سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، عَلَى هذَا الْمِنْبَرِ: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن أني (سمعت رسول الله على الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) أن (تحد) على تقدير أن المصدرية لأنه فاعل الحل أي لا يحل ولا يجوز لها إحدادها، والإحداد كما مر ترك الزينة والطيب، ولفظ البخاري (أن تحد) وهو واضح ومثله قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} واكتفى في الحديث بذكر طرفي المؤمن به عن بقيته اختصارًا وفيهما الكفاية في مقام الإخافة (على ميت) أيًا كان (فوق ثلاث) من الليالي ولو نصف ليلة وإنما قدرنا الليالي لأنه ذكر اسم العدد وأكثر روايات البخاري (فوق ثلاث ليال) قال النووي: وفيه دلالة على جواز الإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام فما دونها، ولو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة أيام فما دون ولها زوج فله أن يمنعها لأن الزينة حقه وهذا الإحداد مباح لها لا واجب عليها، وقال القرطبي: ويستفاد منه أن المرأة إذا مات حميمها فلها أن تمتنع من الزينة ثلاث ليال متتابعة تبدأ بالعدد من الليلة التي تستقبلها إلى آخر ثالثها فإن مات قريبها في بقية يوم أو ليلة ألغتها وحسبت من الليلة القابلة المستأنفة اهـ من المفهم. وقوله: (إلا على زوج) فتحد عليه (أربعة أشهر وعشرًا) من الليالي منصوب على الظرف والعامل فيه تحد مقدرًا وعشرًا معطوف عليه أي تحد عليه إلى انقضاء عدة الوفاة قاله القرطبي، وذكر ابن الملك عن الطيبي أن قوله أربعة أشهر وعشرًا إن جعل بيانًا لقوله فوق ثلاث يكون الاستثناء متصلًا فيكون المعنى لا يحل لامرأة أن تحد أربعة أشهر وعشرًا على كل ميت إلا على زوجها وإن جعل معمولًا لتحد مقدر يكون منقطعًا فالمعنى لكن تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرًا اهـ. قال القرطبي: وهذا الحديث بحكم عمومه يتناول الزوجات كلهن المتوفى عنهن فيدخل فيه الحرائر والإماء والكبار والصغار وهو مذهب الجمهور، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا إحداد على أمة ولا صغيرة والحديث حجة عليه ولا خلاف أعلمه أنهما لا بد لهما من العدة فبالطريق التي تلزمهما به العدة يلزمهما الإحداد. وقوله: (إلا على زوج) إيجاب بعد نفي فيقتضي حصر الإحداد على المتوفى عنها

3607 - (1413) (173) قَالتْ زَينَبُ: ثمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا. فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ. ثُمَّ قَالتْ: وَالله، مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ. غَيرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلِّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، عَلَى الْمِنْبرِ: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ زوجها فلا تدخل المطلقة فيه من جهة لفظه بوجه فلا إحداد على مطلقة عندنا رجعية كانت أو بائنة واحدة أو أكثر وهو مذهب مالك والشافعي وربيعة وعطاء وابن المنذر، وقال قوم: إن المطلقة ثلاثًا عليها الإحداد وإليه ذهب أبو حنيفة والكوفيون وأبو ثور وأبو عبيد، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: الاحتياط أن تتقي المطلقة الزينة، وقد شذ الحسن فقال: لا إحداد على مطلقة ولا على متوفى عنها زوجها وهو قول يدل على إبطاله نص الحديث المتقدم. وأما من رأى أن الإحداد على المطلقة فمستنده إلحاقها بالمتوفى عنها زوجها وليس بصحيح وللحصر الذي في الحديث لوجود الفرق بينهما وذلك أن الإحداد إنما هو مبالغة في التحرز من تعرضها لأسباب النكاح في حق المتوفى عنها لعدم الزوج إذ ليس من جهته من يقوم مقدمه في البحث عنها والتحرز بها بخلاف المطلق فإنه حي متمكن من البحث عن أحوالها فافترقا هذا إن قلنا: إن الإحداد معقول المعنى فإن قلنا: إنه تعبد انقطع الإلحاق القياسي ولو سلم صحة الإلحاق القياسي لكان التمسك بظاهر اللفظ أولى، وقد بينا أنه يدل على الحصر والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وإنما خص الله تعالى عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر لأن غالب الحمل يبين تحركه في تلك المدة لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين ثم تصير علقة أربعين ثم مضغة فتلك أربعة أشهر ثم ينفخ فيه الروح بعد ذلك فتظهر حركته في العشر الزائد على الأربعة الأشهر اهـ منه. 3607 - (1413) (173) والحديث الثاني من الثلاثة ما ذكره بقوله: (قالت زينب) بنت أبي سلمة (ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق

إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". 3608 - (1414) (174) قَالتْ زَينَبُ: سَمِعْتُ أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) وهذا مثل الحديث الذي قبله لفظًا ومعنى إلا فيما سنذكر فيه من الإشكال عليه. قوله: (ثم دخلت على زينب بنت جحش) ظاهره أن هذه القصة الثانية وقعت بعد قصة أم حبيبة ولكنه لا يصح لأن زينب بنت جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور عند أهل العلم بالأخبار فيُحمل على أنها لم ترد بلفظ (ثم) ترتيب الوقائع، وإنما أرادت الذكر والإخبار فثم للترتيب الذكري لا للترتيب المعنوي وقد وقع في رواية أبي داود بلفظ ودخلت وذلك لا يقتضي الترتيب كذا في الفتح في كتاب الجنائز [3/ 117]. وقوله: (حين توفي أخوها) ورد في بعض نسخ الموطإ أن اسمه عبد الله بن جحش وكذلك أخرجه الدارقطني من طريق مالك فيما حكاه الحافظ في الفتح واستشكله بأن عبد الله بن جحش قُتل بأحد شهيدًا وزينب بنت أبي سلمة يومئذٍ طفلة ترضع فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في هذه الحالة، ثم رَجَّح أن هذه القصة وقعت عند وفاة عبيد الله بن جحش، وكان قد توفي بالحبشة نصرانيًّا، وكانت زينب بنت أبي سلمة حينئذٍ في سن من يضبط، ولا مانع أن يحزن المرء على قريبه الكافر ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره، ولعل الرواية التي وردت في بعض نسخ الموطإ بلفظ حين توفي أخوها عبد الله كانت عبيد الله بالتصغير فلم يضبطها الكاتب كذا قال في الفتح [3/ 117 و 9/ 427]. قيل: وكان لزينب أخ آخر اسمه أبو أحمد بن جحش، ويحتمل أن يكون هو المراد ها هنا وقد ذكره الحافظ في الكنى من الإصابة، وقال: قيل إنه الذي مات فبلغ أخته موته فدعت بطيب فمسته، ويقوي أن المراد بهذا أبو أحمد أن كلًّا من أخويها عبد الله وعبيد الله مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الثالث من الأحاديث الثلاثة التي روتها زينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 3608 - (1414) (174) (قالت زينب) بنت أبي سلمة: (سمعت أمي أم سلمة)

تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا. وَقَدِ اشْتَكَتْ عَينُهَا. أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لَا" (مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. كُلَّ ذلِكَ يَقُولُ: لَا). ثُمَّ قَال: "إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعَشْرٌ. وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بدل من أمي زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما (تقول: جاءت امرأة) اسمها عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي (وقد اشتكت) وآلمت ورمدت (عينها) بالرفع على الفاعلية، وعليه اقتصر النووي، ويجوز النصب على أن الفاعل ضمير مستتر في اشتكت يعود على المرأة ورجحه المنذري، وقال الحريري: إنه الصواب والرفع لحن، وفي بعض روايات مسلم (عيناها) وهي ترجح رواية الرفع (أ) نعالجها (فنكحلها) بفتح النون وفتح الحاء والضمير إليها أو إلى عينها أي أفنكحلها أم نتركها على حالها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) تكحلنها، قال ذلك (مرتين أو ثلاثًا كل ذلك) بالنصب على الظرفية متعلق بقوله: (يقول لا) قال الطيبي: والجملة صفة مؤكدة ثلاثًا، قال النووي: فيه دليل على تحريم الاكتحال على المحدة سواء احتاجت إليه أم لا، وجاء في الحديث الآخر في الموطإ وغيره في حديث أم سلمة: "اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار" ووجه الجمع بين الأحاديث أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل لها وإن احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز في الليل مع أن الأولى تركه فإن فعلته مسحته بالنهار اهـ من العون (ثم قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مصرح في رواية البخاري (إنما هي) أي العدة الشرعية أي عدة الوفاة في الشرع (أربعة أشهر وعشر) ليال والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة، والمعنى لا تستكثر مدتها ومنع الاكتحال فيها فإنها مدة قليلة ولذا قال: (وقد كانت إحداكن في الجاهلية) إذا مات عنها زوجها تعتد كامل الحول ثم (ترمي بالبعرة على رأس الحول) وتمامه، والبعرة بفتح الموحدة والعين وتسكن وهي روث البعير، قال في القاموس: البعرة رجيع ذي الخف والظلف واحدتها بالهاء والجمع بعار، وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الحكم في الإسلام صار بخلافه وهو كذلك

قَال حُمَيدٌ: فَقُلْتُ لِزَينَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْل؟ فَقَالتْ زَينَبُ: كَانَتِ المَرْأَةُ، إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيئًا، حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ. ثُمَّ تُؤتَى بِدَابَّةِ، حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ، فَتَفْتَضُّ بِهِ. فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيءٍ إِلَّا مَاتَ. ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي بِها. ثُمَّ تُرَاجِعُ، بَعْدُ، مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنسبة لما وصف من الصنيع لكن التقدير بالحول استمر في الإسلام بنص قوله تعالى: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} ثم نُسخت بالآية التي قبل وهي {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} والناسخ مقدم عليه تلاوة ومتأخر نزولًا كقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} مع قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} اهـ من الإرشاد (قال حميد) بن نافع بالسند السابق: (فقلت لزينب) بنت أبي سلمة: (وما) المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ترمي) إحداكن (بالبعرة على رأس الحول) أي بيّني لي بهذا الكلام الذي خوطبت به إحداكن (فقالت زينب) بنت أبي سلمة: (كانت المرأة) في الجاهلية (إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها شين معجمة أي بيتًا صغيرًا جدًّا قريب السمك خسيس البناء، وقيل الخص الصغير، وقال الشافعي: الذليل الشعث البناء (ولبست شر ثيابها) أي خسيس ثيابها (ولم تمس طيبًا) بفتح التاء الفوقية والميم (ولا شيئًا) من الدهان (حتى تمر بها) أي عليها (سنة) كاملة من وفاة زوجها (ثم توتى) تلك المرأة بضم أوله وفتح ثالثه (بدابة) بالتنوين، قال في القاموس: الدابة كل ما يدب على الأرض من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر، وقوله: (حمار) بالجر والتنوين بدل مما قبله (أو شاة أو طير) أو للتنويع لا للشك وإطلاق الدابة عليهما بطريق الحقيقة اللغوية (فتفتض به) أي فتتمسح بالشيء الذي أوتيت به من الدابة قبلها وفرجها (فقلما تفتض بشيء) من ذلك الحيوان أي فقل افتضاضها ومسحها قبلها بشيء من ذلك الحيوان (إلا مات ثم تخرج) من حفشها وبيتها الخسيس (فتعطى بعرة) من بعار الإبل أو الغنم (فترمي) أمامها أو وراءها (بها) أي بتلك البعرة (ثم تراجع بعد) أي ترجع بعد رمي البعرة إلى (ما شاءت من طيب أو غيره) من الزينة والحلي، قالوا: البعرة هي روث الغنم أو الإبل وكانت ترميها عند تمام السنة التي هي مدة إحداد المرأة لموت زوجها يقال إن رميها بها إشارة إلى أن اعتدادها وإحدادها سنة لزوجها في جنب ما يجب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها من حقه أهون عليها من رمي تلك البعرة اهـ من بعض الهوامش. وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل بعدم عودها إلى مثل ذلك. قوله: (فتفتض به) بفاء فمثناة فوقية ففاء ثانية ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة، قال ابن قتيبة: سألت الحجازيين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به، وقال الخطابي: هو من فضضت الشيء إذا كسرته وفرقته أي أنها كانت تكسر ما كانت فيه من الحداد بتلك الدابة، وقال الأخفش: معناه تتنظف به وهو مأخوذ من الفضة تشبيهًا له بنقائها وبياضها، وقيل تمسح به ثم تفتض أي تغتسل بالماء حتى تصير بيضاء نقية كالفضة، وقال الخليل: الفضفض الماء العذب يقال افتضضت به أي اغتسلت به، قوله: (فقلما تفتض بشيء) مما ذكر من الدابة (إلا مات) فما في قلما مصدرية أي فقل افتضاضها، وقيل تكون ما في ثلاثة أفعال زائدة كافة لها عن العمل وهي قل وكثر وطال وزاد عليها بعضهم (قَصُرما) وعلة ذلك شبه هذه الأفعال برب ولا تدخل هذه الأفعال إلا على جملة فعلية صرح بفعليتها كقوله: قلّما يبرح اللبيب إلى ما ... يورث المجد داعيًا أو مجيبَا وعلى هذا تكتب قلما متصلة الميم وعلى الأول تكتب منفصلة. وقوله: (بشيء) يتعلق بتفتض وإلا إيجاب لما في الجملة من معنى النفي لأن قولك قل يقتضي نفي الكثير فالإيجاب لنفيه والمعنى قلما تفتض بشيء فيعيش (ثم تخرج فتعطى) بالبناء للمجهول (بعرة) من بعر الإبل أو الغنم وباب أعطى يتعدى إلى مفعولين الأول هنا للضمير المستتر عليها والثاني بعرة (فترمي بها) أي بالبعرة أمامها فيكون ذلك إحلالًا لها كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك، وفي رواية ابن وهب من وراء ظهرها (ثم تراجع) بضم التاء الفوقية وبعد الراء ألف فجيم مكسورة (بعد) أي بعدما ذكر من الافتضاض والرمي (ما شاءت من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة اهـ من الإرشاد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال:

3609 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ نَافِعٍ. قَال: سَمِعْتُ زينَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ قَالتْ: تُوُفِّيَ حَمِيمٌ لأُمِّ حَبِيبَةَ. فَدَعَتْ بِصُفْرَةِ فَمَسَحَتهُ بِذِرَاعَيهَا. وَقَالتْ: إِنَّمَا أَصْنَعُ هذَا، لأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ. إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". وَحَدَّثتْهُ زَينَبُ عَنْ أُمِّهَا. وَعنْ زينَبَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ، أَوْ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صَلِّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 3610 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3609 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حميد بن نافع قال: سمعت زينب بنت أم سلمة قالت توفي) أي مات (حميم) أي قريب (لأم حبيبة فدعت بصفرة) أي بطيب لونه صفرة (فمسحته بذراعيها) أي فمسحت ساعديها بذلك الطيب. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن أبي بكر في روايته عن حميد (وقالت) أم حبيبة: (إنما أصنع هذا) التمسح بالطيب (لأني سمعت رسول الله على الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد) أي أن تمتنع من الطيب والزينة (فوق ثلاث) ليال مع أيامها (إلا على زوج) فتحد عليه (أربعة أشهر وعشرًا) من الليالي مع أيامها كما قاله الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة، وقوله: (وحدثته زينب) أي وحدثت حميد بن نافع زينب بنت أبي سلمة معطوف على قوله: (سمعت زينب بنت أم سلمة) وهذا أيضًا من المتابعة في حديث أم سلمة وزينب بنت جحش أي حدثته زينب بنت أم سلمة (عن أمها) أم سلمة (وعن زينب) بنت جحش (زوج النبي على الله عليه وسلم أو عن امرأة من بعض أزواج النبي على الله عليه وسلم) والشك من شعبة، والشك في الصحابي لا يقدح في الحديث لأن الصحابة كلهم عدول لا سيما أمهات المؤمنين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 3610 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن حُمَيدِ بْنِ نَافِعٍ. قَال: سَمِعْتُ زَينَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهَا؛ أَنَّ امْرَأَةَ تُوُفِّيَ زوْجُهَا. فَخَافُوا عَلَى عَينِهَا. فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَكُونُ فِي شَرِّ بَيتِهَا فِي أَحْلاسِهَا (أَوْ فِي شَرِّ أَحْلاسِهَا فِي بَيتِهَا) حَوْلًا. فَإذَا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ فَخَرَجَتْ. أَفَلا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن حميد بن نافع) وهذا السند نفس السند الذي قبله، غرضه أيضًا بيان متابعة شعبة لعبد الله بن أبي بكر ولكن المتن مختلف (قال) حميد بن نافع: (سمعت زينب بنت أم سلمة تحدث عن أمها أن امرأة) تسمى عاتكة كما مر (توفي زوجها) المغيرة (فخافوا) العمى (على عينها) لشدة الرمد، ولفظ البخاري (فخشوا على عينها) (فأتوا) أي جاءوا (النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كانت إحداكن) يا معشر النساء (تكون) في الجاهلية إذا توفي زوجها تعتد (في شر بيتها) وأخسه وحفشه حالة كونها (في أحلاسها) بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون؛ الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة والبرذعة هي التي توضع على الحمار ويركب عليها (أو) قالت (في شر أحلاسها في بيتها) بالشك من الراوي هل وقع الوصف لثيابها أو مكانها، وقوله: (في أحلاسها) قال النووي: المراد في شر ثيابها، والأحلاس جمع حلس وهو المسح أو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة أو بساط يبسط في البيت والمراد أنها كانت تنزع ثيابها المعروفة وتلبس الحلس أي شر الثياب، وقوله: (حولًا) كاملًا ظرف متعلق بتكون وقوله (فإذا مر كلب) فيه حذف كما في رواية البخاري؛ أي فإذا كان حول من وفاة زوجها فمر عليها كلب (رمت ببعرة) من بعار الإبل أو الغنم لتري من حضرها أن مقامها حولًا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبًا، وظاهره أن رميها البعرة متوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وهذا التفسير وقع هنا مرفوعًا بخلاف ما وقع في الباب السابق فلم تسنده زينب وهو غير مقتض للإدراج في رواية شعبة لأن شعبة من أحفظ الناس فلا يقضى على روايته برواية غيره بالاحتمال، قاله الحافظ اهـ من الإرشاد (فخرجت) مما كانت فيه من العدة والإحداد (أ) تجزع من إحدادها (فلا) تمكث بعد الإسلام (أربعة أشهر وعشرًا) أي أفلا تصبر هذه المدة اليسيرة المشروعة في الإسلام

3611 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ نَافِعٍ، بِالْحَدِيثَينِ جَمِيعًا: حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الكُحْلِ. وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُخْرَى مِنْ أزْوَاج النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ تُسَمِّهَا زَينَبَ. نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتجزع عن الإحداد ومشقته، وزاد في رواية البخاري (فلا تكتحل حتى تمضي أربعة أشهر وعشر). وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [5336]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 3611 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن حميد بن نافع) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر، وقوله: (بالحديثين جميعًا) متعلق بحدثنا أبي؛ والمراد بالحديثين السندان اللذان قبل هذا السند يعني قوله: (وحدثته زينب عن أمها) وقوله: (وحدثنا محمد بن المثنى) الذي يلي هذا السند، وقوله: (حديث أم سلمة في الكحل وحديث أم سلمة و) امرأة (أخرى) معطوف على أم سلمة (من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) بدل من الحديثين بدل تفصيل من مجمل أي حدثنا معاذ بن معاذ عن حميد بن نافع بالحديثين جميعًا اللذين أحدهما حديث أم سلمة في الكحل وهو المذكور قبل هذا السند، وثانيهما حديث مشترك بين أم سلمة وبين امرأة أخرى من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو المذكور قبيل القبيل بقوله: (وحدثته زينب عن أمها وعن زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم) (غير أنه) أي لكن أن معاذ بن معاذ (لم تسمها) أي لم تسم في روايته زينب بنت أم سلمة تلك المرأة الأخرى لحميد بن نافع (زينب) أي بزينب بنت جحش، وقوله: (لم تُسَمِّها) ضمير الفاعل يعود لزينب بنت أم سلمة، والبارز يعود لأخرى في قوله: (وأخرى) وقوله: (زينب) يعني زينب بنت جحش مفعول ثان لسمى، وساق معاذ بن معاذ (نحو حديث محمد بن جعفر) فليتأمل فإن في المحل دقة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهما فقال:

3612 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ نَافِعٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تُحدِّثُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ. تَذْكُرانِ أَنَّ امْرَأَةَ أَتَتْ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ بِنْتًا لَهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَاشْتَكَتْ عَينُهَا فَهِيَ تُرِيدُ أَنْ تَكْحُلَهَا. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ. وَإنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ". 3613 - (00) (00) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3612 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد قالا: حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن حميد بن نافع) الأنصاري المدني (أنه سمع زينب بنت أبي سلمة تحدث عن أم سلمة وأم حبيبة) رضي الله تعالى عنهن. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن سعيد لشعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن حميد بن نافع، حالة كون أم سلمة وأم حبيبة (تذكران أن امرأة) وهي عاتكة بنت نعيم كما مر (أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له) صلى الله عليه وسلم (أن بنتًا لها توفي عنها زوجها فاشتكت) أي مرضت (عينها) بالرفع على الفاعلية (فهي) أي فتلك البنت (تريد أن تكحلها) أي تكحل عينها الرمداء بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت إحداكن) في الجاهلية تعتد حولًا كاملًا و (ترمي بالبعرة عند رأس الحول) وتمامه من مبدإ عدتها (وإنما هي) أي وإنما مدة العدة المشروعة في الإسلام (أربعة أشهر وعشر) ليال فهي مدة يسيرة أفلا تصبرن على الإحداد فيها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها فقال: 3613 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ) الآتي (لعمرو) الناقد (حدثنا سفيان بن

عُيَينَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ حُميدِ بنِ نَافِعٍ، عن زَينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ. قَالتْ: لَمَّا أَتى أُمَّ حَبِيبَةَ نَعِيُّ أَبِي سُفْيَانَ، دَعَتْ، فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، بِصُفْرَةٍ. فَمَسَحَتْ بِهِ ذِرَاعَيهَا وَعَارِضَيهَا. وَقَالتْ: كُنْتُ عَنْ هذَا غَنِيَّةَ. سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلا عَلَى زَوْجٍ. فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". 3614 - (1415) (175) وحدّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى وَقُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، عن نَافِعٍ؛ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عيينة عن أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي الكوفي، ثقة، من (7) (عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة قالت: لما أتى أم حبيبة نعي) بكسر العين وتشديد الياء وإسكانها مع التخفيف أي خبر موت أبيها (أبي سفيان) بن حرب. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أيوب بن موسى ليحيى بن سعيد (دعت) أي طلبت (في اليوم الثالث بصفرة) أي بطيب ذي صفرة خلوق أو غيره (فمسحت به) أي بالطيب (ذراعيها) أي ساعديها (وعارضيها) أي خديها وجانبي وجهها، وإنما فعلت ذلك للتباعد عن شبهة الإحداد على أبيها مع أن الحديث الذي ذكرته ليس فيه المنع من ذلك ثلاثة أيام فما دونها (وقالت) أم حبيبة: (كنت عن هذا) الطيب (غنية) أي مستغنية عن استعماله، ولكني (سمعت النبي على الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث) ليال (إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر) بالنصب على الظرفية (وعشرًا) معطوف عليه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لأحاديث الأمهات الثلاث أم حبيبة وزينب بنت جحش وأم سلمة بحديث حفصة أو عائشة أو كليهما رضي الله تعالى عنهن أجمع فقال: 3614 - (1415) (175) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة) بن سعيد البلخي (و) محمد (بن رمح) المصري (عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (عن نافع) مولى ابن عمر القرشي العدوي أبي عبد الله المدني، يقال إنه كان من أبرشهر، ويقال إنه كان من أهل المغرب أصابه ابن عمر في بعض غزواته، ثقة، من (3) (أن صفية بنت أبي عبيد) بن مسعود الثقفية المدنية امرأة عبد الله بن عمر، روت عن حفصة أو

حَدَّثَتْهُ، عَنْ حَفْصَةَ، أَوْ عَنْ عَائِشةَ، أَوْ عَنْ كِلْتَيهِمَا؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ (أَوْ تُؤمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثةِ أَيَّامٍ. إلا عَلَى زَوْجِهَا". 3615 - (00) (00) وحدّثناه شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَنْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مسْلِمٍ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ دِينَارٍ، عَنْ نَافِعٍ. بإسْنَادِ حَدِيثِ اللَّيثِ. مِثْلَ رِوَايَتِهِ. 3616 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة أو كلتيهما في الطلاق والحدود والكهانة، ويروي عنها (م د س ق) ونافع وسالم وعبد الله بن دينار وغيرهم، قال العجلي: مدنية ثقفية ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية (حدثته) أي حدثت صفية لنافع، قال نافع: حدثتني صفية (عن حفصة) بنت عمر (أو) حدثتني (عن عائشة أو) حدثتني (عن كلتيهما) رضي الله تعالى عنهن، والشك من نافع. وهذا السند من خماسياته ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي أو مصري ونيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أو) قال الراوي أو من دونه (تؤمن بالله ورسوله) بزيادة رسوله (أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها). وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3615 - (00) (00) (وحدثناه شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا عبد العزيز يعني ابن مسلم (القسملي -بفتح القاف والميم المخففة بينهما مهملة ساكنة- نسبة إلى القساملة محلة بالبصرة، أبو زيد المروزي، ثقة، من (7) روى عنه في (2) بابين (حدثنا عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني (عن نافع) العدوي (بإسناد حديث الليث) يعني عن صفية عن حفصة الخ أي حدثنا عبد الله بن دينار عن نافع بإسناد حديث الليث (مثل روايته) أي مثل رواية الليث عن نافع لفظًا ومعنى، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3616 - (00) (00) (وحدثناه أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري

وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيدٍ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ. زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ تُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ وَابْنِ دِينَارٍ. وَزَادَ: "فَإنَّهَا تُحِدُّ عَلَيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرِ وَعَشْرًا". 3617 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله. جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيدٍ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بمَعْنَى حَدِيثِهمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومحمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال: سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، حالة كون يحيى (يقول: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (يحدّث عن صفية بنت أبي عبيد) امرأة ابن عمر (أنها سمعت حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لليث بن سعد وعبد الله بن دينار، وساق يحيى (بمثل حديث الليث) بن سعد (و) عبد الله (بن دينار و) لكن (زاد) يحيى بن سعيد على الليث لفظة (فإنها تحد عليه) أي على الزوج (أربعة أشهر وعشرًا). ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 3617 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني البصري، ثقة، من (5) (ح وحدثنا) محمد (بن نمير) (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) ابن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني (جميعًا) أي كل من أيوب وعبيد الله رويا (عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أيوب وعبيد الله (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث ليث بن سعد وعبد الله بن دينار ويحيى بن سعيد غرضه بيان متابعة أيوب وعبيد الله لليث بن سعد وعبد الله بن دينار ويحيى بن سعيد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث الأمهات الثلاث بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3618 - (1416) (176) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلا عَلَى زَوْجِهَا". 3619 - (1417) (177) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ إدريسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ 3618 - (1416) (176) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن النبي على الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته ففيه الإخبار والتحديث والمقارنة والعنعنة، رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري أو بغدادي أو نسائي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت) أب أو غيره (فوق ثلاث إلا على زوجها) فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث الأمهات ثالثًا بحديث أم عطية رضي الله تعالى عنهن فقال: 3619 - (1417) (177) (وحدثنا حسن بن الربيع) البجلي أبو علي الكوفي البوراني، ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) (عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية البصرية، ثقة، من (3) (عن أم عطية) نسيبة مصغرًا بنت كعب الأنصارية المدنية، وكانت من أفاضل الصحابيات كانت تمرّض المرضى وتداوي الجرحى وتغسل الموتى ولأجل ذلك تلقب الغاسلة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (أن رسول الله

صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ. إلا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثوْبَ عَصْبٍ. وَلَا تَكْتَحِلُ. وَلَا تَمَسُّ طِيبًا. إلا إِذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث) ليال قال في المصباح: حدّت المرأة على زوجها تحد وتحد حدادًا بالكسر فهي حاد بغير هاء وأحدت إحدادًا فهي محد ومحدة إذا تركت الزينة لموته، وأنكر الأصمعي الثلاثي واقتصر على الرباعي (إلا على زوج) فتحد عليه (أربعة أشهر وعشرًا ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا) بأي صبغ كان إذا قُصد للزينة (إلا ثوب عصب) والعصب على وزان فلس برد يصبغ غزله ثم ينسج وهو من برود اليمن فإن العصب صبغ لا ينبت إلا باليمين أفاده الفيومي، قال القسطلاني: سمي بالعصب لأنه يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج مصبوغًا فيخرج موشىً لبقاء ما عصب منه أبيض ولم ينصبغ وإنما يعصب السدى دون اللحمة (فإن قلت): ما الحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق (أُجيب) بأن الزينة والطيب يستدعيان النكاح فنهيت عنه زجرًا لأن الميت لا يتمكن من منع معتدته من النكاح بخلاف المطلق الحي فإنه يستغني بوجوده عن زاجر آخر اهـ من الإرشاد (ولا تكتحل) إلا لضرورة ليلًا فتمسحه نهارًا (ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت) من حيض أو نفاس، والظرف مقدم على الاستثناء الآتي، فاصل بين المستثنى والمستثنى منه، والتقدير ولا تمس طيبًا إلا (نبدة) أي قطعة (من قسط أو أظفار) فتستعملها إذا طهرت من حيضها أو نفاسها، والنبذة بضم النون وسكون الموحدة وفتح الذال المعجمة القطعة من الشيء واليسير منه، وأما القسط والأظفار فنوعان من البخور وليس المقصود منه الطيب، رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب، أفاده النووي. وتقدم استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة ممسكة في موضع الدم في بابه فالمفهوم من المقام أن استحباب ذلك لغير المحدة وإنما الجائز لها التبخر بالبخور المذكور، وانتصاب نبذة على الاستثناء من طيبًا قدم عليه الظرف كما مر آنفًا اهـ من بعض الهوامش. قال القرطبي: وأكثر ما يستعمل القسط والأظفار مع غيرهما فيما يتبخر به لا بمجردهما اهـ مفهم. قوله: (ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا) اعلم أن الثوب إذا كان مصبوغًا بما فيه طيب أو لبسته المرأة للزينة فلا خلف في حرمته على المعتدة إلا الثوب الأسود فإنه يجوز عند

3620 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: "عِنْدَ أَدْنَى طُهْرهَا إِذَا طَهُرَتْ. نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظفَارٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأئمة الأربعة، وأما إذا كان مصبوغًا بما ليس فيه طيب أو لبسته المرأة لغير الزينة مثل أن يكون الثوب خلقًا لا رائحة له فيجوز وكذلك إذا لم يكن عندها إلا ثوب مصبوغ فإنه لا بأس به لضرورة ستر العورة ولكن لا تقصد الزينةكما صرح الحاكم في الكافي، وقيده ابن الهمام بقدر ما تستحدث ثوبًا غيره إمّا ببيعه والاستخلاف بثمنه أو من مالها إن كان لها مال. قوله: (إلا ثوب عصب) قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام [4/ 62] العصب ثياب تجلب من اليمن فيها بياض وسواد، ولعله استثني من الحرمة لخشونته وسواده فإنه لا تقصد به الزينة، فأما إن كان مصبوغًا بلون آخر أو قصد به الزينة فلا يجوز ولذلك ذكر أكثر فقهاء الأحناف كراهة لبس العصب وكرهه أيضًا المالكية والشافعية كما في شرح الأبي، فالحاصل أن الذي أذن به صلى الله عليه وسلم هو المصبوغ بالسواد والذي كرهه الفقهاء ما كان مصبوغًا بغيره والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2302]، والنسائي [6/ 202]، وابن ماجه [2087]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: 3620 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من عبد الله بن نمير ويزيد بن هارون رويا (عن هشام) بن حسان القردوسي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن حفصة عن أم عطية (و) لكن (قال): أي قال عبد الله ويزيد بن هارون في روايتهما (عند أدنى) أي عند قرب (طهرها) أو أقل طهرها (إذا طهرت) من حيض أو نفاس (نبذه) أي شيئًا قليلًا (من قسط وأظفار) وفي الكلام تقديم وتأخير كما مر أي ولا تمس طيبًا إلا نبذة من قسط وأظفار عند قرب طهرها إذا طهرت من دمها، ووقع في كتاب البخاري (قسط أظفار) وهو خطأ إذ لا يضاف أحدهما إلى الآخر لأنهما لا نسبة بينهما، وعند بعضهم (قسط ظفار) وهذا له وجه فإن ظفار

3621 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. قَالتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ. إِلَّا عَلَى زَوْجٍ. أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْرًا. وَلَا نَكْتَحِلُ. وَلَا نَتَطَيَّبُ. وَلَا نَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَقَدْ رُخِّصَ لِلْمَرأَةِ فِي طُهْرِهَا، إِذَا اغْتَسَلَتْ إحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا، فِي نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مدينة باليمين نُسب إليه القسط وما في مسلم أحسن والله تعالى أعلم، وعلى هذا فينبغي أن لا يصرف للتعريف والتأنيث المعنوي ويكون كـ (حذام) و (قطام) أو يكون مبنيًّا على القول الثاني في حذام وقطام أعني مبنيًّا على الكسر اهـ من المفهم. وقد بسطنا الكلام على هذا في نزهة الألباب على ملحة الإعراب بما لا مزيد عليه فراجعه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها فقال: 3621 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة العنزي البصري (عن حفصة) بنت سيرين البصرية (عن أم عطية) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أم عطية، غرضه بيان متابعة أيوب لهشام القردوسي (قالت) أم عطية: (كنا ننهى) أي ينهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن نحد على ميت) أب أو غيره (فوق ثلاث) ليال (إلا على زوج) فيحد عليه (أربعة أشهر وعشرًا) من الليالي، خرج مخرج الغالب وإلا فذوات الحمل بوضعهن كما لا يخفى (ولا نكتحل) بكحل زينة (ولا نتطيب ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا وقد رخص للمرأة) المعتدة (في طهرها) من محيضها (إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) أي رخص لها (في) التبخر بـ (نبذة) أي بقطعة يسيرة (من قسط وأظفار) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول والثاني والثالث أحاديث الأمهات الثلاث ذكرها للاستدلال بها على الترجمة وذكر فيها خمس متابعات، والرابع: حديث حفصة أو عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث عائشة ذكرها للاستشهاد أيضًا، والسادس: حديث أم عطية ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

أبواب اللعان

بسم الله الرحمن الرحيم (19) - أبواب اللعان 3622 - (1418) (187) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ؛ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 19 - أبواب اللعان 550 - (36) باب بيان سببه وهو موضوع لحفظ الأنساب ودفع المضرة من الأزواج، واللعان لغة: مصدر لاعن يلاعن لعانًا وملاعنة كما قال ابن مالك: لفاعل الفعال والمفاعَلَة. وشرعًا: ألفاظ مخصوصة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به، وتلك الألفاظ هي الكلمات الخمس المعلومة في اللعان، وسميت تلك الكلمات لعانًا لقول الرجل فيها: وعليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، وهو من باب التغليب لأن اللعن لم يذكر إلا في الخامسة فهو من باب تغليب الأقل على الأكثر ولم ينظر للفظ الغضب في وجوده في اللعان لقول المرأة: وعليها غضب الله إن كان من الصادقين لأن اللعن متقدم في الآية على الغضب ولأن لعانه قد ينفك عن لعانها ولا ينعكس ولأنه من جانب الزوج وذاك من جانب الزوجة، ومعنى كون الكلمات الأربع حجة للمضطر لأن كل كلمة منها بمنزلة شاهد فالكلمات الأربع بمنزلة الشهود الأربعة الذين هم حجة في الزنا ونحوه. والحاصل أن الزوج يبتلى بقذف امرأته لدفع العار الذي ألحقته به والنسب الفاسد إن كان هناك ولد ينفيه وقد يتعذر عليه إقامة البينة فجعل اللعان بينة له وإن تيسرت له البينة لأن الغالب أن لا يجد بينة اهـ بيجوري على ابن قاسم، وشُرع اللعان في السنة التاسعة من الهجرة في شعبان قاله الطبري وابن أبي حاتم وجزم به غير واحد من المتأخرين، واستظهر الحافظ ابن حجر أنه في شعبان سنة عشر لا تسع راجع الفتح [9/ 397]. 3622 - (1418) (187) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري

السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُوَيمِرًا الْعَجْلانيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَقَال لَهُ: أَرَأَيتَ، يَا عَاصِمُ! لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا. أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيفَ يَفْعَلُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخزرجي (الساعدي) أبا العباس المدني، يقال: كان اسمه أولًا حزنًا فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى سهل حكاه ابن حبان، مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، مات سنة (91) إحدى وتسعين رضي الله عنه روى عنه المؤلف في ثلاثة أبواب تقريبًا. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن عويمرًا) بضم العين مصغر عامر (العجلاني) وقع اسمه في رواية عند مالك، وعند أبي داود عويمر بن أشقر، وسماه ابن عبد البر في الاستيعاب عويمر بن أبيض، وذكره الخطيب في المبهمات فقال: عويمر بن الحارث واعتمد عليه في الفتح وذكر أن الطبري نسبه في تهذيب الآثار فقال: هو عويمر بن الحارث بن زيد بن الجعد بن عجلان فلعل أباه كان يلقب أشقر أو أبيض (جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري) هو ابن عمّ والد عويمر وأخو معن بن عدي والد أبي البداح بن عاصم وسيد بني عجلان، وقد ذكر ابن الكلبي أن امرأة عويمر هي بنت عاصم وأن اسمها خولة وذكر مقاتل بن سليمان أنها خولة بنت قيس، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم، وعاش عاصم مائة وعشرين سنة، ومات سنة خمس وأربعين قتل باليمامة رضي الله عنه اهـ من فتح الباري في الطلاق، وعمدة القاري في التفسير (فقال) عويمر: (له) أي لعاصم (أرأيت) أي أخبرني (يا عاصم لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا) أجنبيًّا منها كنى به عن الزنا، وفيه استحباب الكناية في أمثاله (أيقتله) أي هل يقتل زوج المرأة الرجل الموجود معها (فنقتلونه) أي فتقتلون زوج المرأة قصاصًا، فهو متقدم العلم بحكم القصاص إلا أنه حمله على هذا السؤال طرو احتمال أن يخص من ذلك ما يقع بالسبب الذي لا يقدر على الصبر عليه غالبًا من الغيرة التي في طبع البشر ولأجل هذا قال: أم كيف يفعل؟ ومعناه أم يصبر على ما به من المضض والتألم اهـ من بعض الهوامش (أم كيف) مفعول لقوله: (يفعل) أي أي شيء يفعل به، وإنما خص عويمر عاصمًا بالسؤال لأنه كبير قومه وصهره على ابنته أو ابنة أخيه، ولعله كان اطّلع على مخايل ما سأله عنه لكن لم يتحققه فلذلك لم يفصح به أو

فَسَلْ لِي عَنْ ذلِكَ. يَا عَاصِمُ! رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَكَرِه رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمُ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا. حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ اطلع على حقيقته لكن خشي إذا صرح به من عقوبة القذف أشار إلى ذلك ابن العربي كما حكى عنه الحافظ (فسل) أي فاسأل (لي عن) حكم (ذلك) المذكور (يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل) التي سألوه عنها، قال النووي: المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أر مسلمة أو إشاعة فاحشة، وإنما كان سؤال عاصم في هذا الحديث عن قصة لم تقع بعد ولم يحتج إليها، وفيه شناعة على المسلمين والمسلمات وتسليط اليهود والمنافقين ونحوهم على الكلام في أعراض المسلمين. وقال الخطابي في معالم السنن [3/ 160] وقد وجدنا المسألة في كتاب الله عزَّ وجلَّ على وجهين: أحدهما ما كان على وجه التبين والتعلم فيما يلزم الحاجة إليه من أمر الدين، والآخر ما كان على طريق التكلف والتعنت فأباح النوع الأول وأمر به وأجاب عنه فقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] وقال في تصة موسى والخضر: {فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} وقال: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} فأوجب على من يسأل عن علم أن يجيب عنه وأن يبين ولا يكتم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار" وقال عزَّ وجلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} وقال في النوع الآخر: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 42، 43] وعاب مسألة بني إسرائيل في قصة البقرة لما كان على سبيل التكلف لا حاجة بهم إليه وقد كانت الغنية وقعت بالبيان المتقدم فيها وكل ما كان من المسائل على هذا الوجه فهو مكروه وإذا وقع السكون عن جوابه فإنما هو زجر وردع للسائل وإذا وقع الجواب فهو عقوبة وتغليظ اهـ من التكملة (وعابها) أي عيب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل التي لا حاجة إليها (حتى كبُر) بضم الموحدة أي حتى عظم (على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) من تعييبها (فلما رجع عاصم)

إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيمِرٌ فَقَال: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَال لَكَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال عَاصِمٌ لِعُوَيمِرٍ: لَمْ تَأتِني بِخَيرٍ. قَدْ كَرِهَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ التِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا. قَال عُوَيمِرٌ: وَاللهِ، لا أَنْتَهِي حَتَّى أسْأَلَهُ عَنْهَا. فَأَقْبَلَ عُوَيمرٌ حَتى أَتَى رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا. أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيفَ يَفْعَلُ؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى أهله جاءه) أي جاء عاصمًا (عويمر) العجلاني (فقال) عويمر: (يا عاصم ماذا قال لك رسول الله على الله عليه وسلم؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني) ولم تأمرني يا عويمر (بخير قد كره رسول الله على الله عليه وسلم المسألة التي) أمرتني بالسؤال عنها فـ (سألته) صلى الله عليه وسلم (عنها، قال عويمر: والله لا أنتهي) ولا أترك السؤال عنها (حتى أسأله) صلى الله عليه وسلم (عنها) إنما عزم عويمر على ذلك بعدما سمع من كراهية النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال لأنه كان يعلم علة الكراهية وهي المسألة من غير حاجة ولما كان متيقنًا بأن له إليها حاجة لم ير بالرجوع إليه صلى الله عليه وسلم بأسًا اهـ (فأقبل عويمر) أي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم (وسط) بفتح السين (الناس فقال) عويمر: (يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله) بهمزة الاستفهام الاستخباري (فتقتلونه) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، وفي بعض النسخ فيقتلوه أي يقتله أهل القتيل اهـ من العون (أم كيف يفعل) معناه إذا وجد رجلًا مع امرأته وتحقق أنه زنى بها فإن قتله قتلتموه وإن تركه صبر على عظيم فكيف طريقه (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزل فيك) يا عويمر (وفي صاحبتك) أي زوجتك خولة القرآن، ظاهر هذا الحديث أن آية اللعان نزلت في قصة عويمر العجلاني وهو سبب لنزول الآية، ولكن يعارضه ما سيأتي من قصة هلال بن أمية فإنه صريح في أن الآيات نزلت فيه، ومن هنا اختلف أهل العلم في سبب نزولها ولكن جمع الحافظ ابن حجر في الفتح [9/ 397] بين هذه الروايات جمعًا حسنًا فقال: يحتمل أن يكون عاصم سأل قبل النزول ثم جاء هلال فنزلت عند سؤاله فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها إن الذي سألتك عنه قد

فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا". قَال سَهْلٌ: فَتَلاعَنَا. وَأَنَا مَعَ النَّاسِ، عِنْدَ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا فَرَغَا قَال عُوَيمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيها، يَا رَسُولَ الله، إِنْ أَمْسَكتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال ابْنُ شِهَاب: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاعِنَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتليت به فوجد الآية نزلت في شأن هلال فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بأنها نزلت فيه يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك لأن ذلك لا يختص بهلال، وكذا يجاب على سياق حديث ابن مسعود يحتمل أنه لما شرع يدعو بعد توجه العجلاني جاء هلال فذكر قصته فنزلت فجاء عويمر فقال: "قد نزل فيك وفي صاحبتك" اهـ والذي نزل هو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ} إلى آخر الآيات (فاذهب) إلى بيتك (فأت بها) بصاحبتك (قال سهل: فتلاعنا) في الكلام حذف، والتقدير فذهب عويمر فأتى بها فسأله فقذفها وسألها فأنكرت الزنا، وأصر كل واحد منهما على قوله، فأمر باللعان فتلاعنا يوم الجمعة بعد العصر في المسجد النبوي، وسيأتي صفة التلاعن في حديث ابن عمر إن شاء الله تعالى، قال سهل: فتلاعنا (وأنا) في ذلك المجلس (مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا) من تلاعنهما (قال عويمر: كذبت عليها) فيما قلت لها: (يا رسول الله إن أمسكتها) في نكاحي (فطلقها ثلاثًا) ظنًّا منه أن اللعان لا يحرّمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال: هي طالق ثلاثًا (قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم) بطلاقها (قال ابن شهاب) بالسند المذكور (فكانت) أي الفرقة بينهما (سنة) أي طريقة شرعية لمن بعدهما من (المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدًا فيحرم عليه بمجرد اللعان نكاحها تحريملًا مؤبدًا ظاهرًا وباطنًا سواء صدقت أو صدق ووطؤها بملك اليمين لو كانت أمة فملكها لحديث البيهقي (المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5308]، وأبو داود [2245]، والنسائي [6/ 144]، وابن ماجه [2066]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال:

3623 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَهْلُ بن سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ؛ أَنَّ عُوَيمِرًا الأَنْصَارِي مِنْ بَنِي الْعَجْلانِ، أَتى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَأَدْرَجَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: وَكَانَ فِرَاقُهُ إيَّاهَا، بَعْدُ، سُنَّةً فِي الْمُتَلاعِنَينِ، وَزَادَ فِيهِ: قال سَهْلٌ: فَكَانَتْ حَامِلًا. فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعى إِلَى أُمِّهِ. ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ الله لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3623 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب أخبرني سهل بن سعد الأنصاري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس (أن عويمرًا) ابن الحارث (الأنصاري من بني العجلان) حليف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (أتى عاصم بن عدي) الأنصاري لأنه رئيس قومه (وساق) أي ذكر يونس (الحديث) السابق (بمثل حديث مالك) بن أنس (و) لكن (أدرج) يونس (في الحديث قوله) أي قول ابن شهاب (وكان فراقه) أي فراق عويمر (إياها) أي امرأته خولة (بعد) أي بعد تلاعنهما (سنة) شرعية (في المتلاعنين، وزاد) يونس (فيه) أي في الحديث على مالك قوله: (قال سهل) بن سعد (فكانت) امرأة عويمر (حاملًا فـ) ولدت و (كان ابنها يدعى) أي ينسب (إلى أمه) لأنه وإن انتفى عن الزوج بنفيه في لعانه متحقق كونه منها لا يقبل الانفكاك عنها (ثم جرت السنة) الشرعية (أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها) من الثلث أو السدس، قال النووي: ففي الحديث أن اللعان يكون بحضرة الإمام أو القاضي وبمجمع من الناس، وهو أحد أنواع تغليظ اللعان فإنه يغلظ بالزمان والمكان والجمع، فأما الزمان فبعد العصر، والمكان ففي أشرف موضع في ذلك البلد، والجمع فبطائفة من الناس أقلهم أربعة، وهل هذه التغليظات واجبة أم مستحبة؟ فيه خلف عندنا والأصح الاستحباب اهـ. (تتمة): قد أجمع العلماء على جريان التوارث بين الملاعنة وولدها وبين أصحاب الفروض من جهة أمه وهم إخوته وأخواته من أمه وجداته من أمه واختلفوا فيما بقي بعد سهم ذوي الفروض، فقال أبو حنيفة: ما بقي بعد أهل السهام رد على ورثته فإذا لم ترث

3624 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهاب عَنِ المُتَلاعِنَينِ وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهِمَا. عَنْ حَدِيثِ سَهلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، أَرَايتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ رَجُلًا؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَزَادَ فِيهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ولد الملاعنة إلا أمها أخذت الجميع لكن الثلث بالفرض والباقي بالرد، وقال الشافعي: الباقي لموالي أمه إن كان عليها ولاء فإن لم يكن فلبيت المال وبه قال مالك والزهري وأبو ثور كما حكى عنهم النووي وعن أحمد روايتان إحداهما أن عصبته عصبة أمه واختارها الخرقي، والثانية أن أمه عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته. (والمسألة): مختلف فيها منذ عهد الصحابة فقد أخرج البيهقي وسعيد بن منصور عن الشعبي أن عليًّا قال في ابن الملاعنة: ترك أخاه وأمه لأمه الثلث ولأخيه الثلث ولأخيه السدس وما بقي فهو رد عليهما بحساب ما ورثا، وقال عبد الله: للأخ السدس وما بقي فللأم وهي عصبته، وقال زيد: لأمه الثلث ولأخيه السدس وما بقي ففي بيت المال كذا في كنز العمال، فأخذ الحنفية يقول علي، والحنابلة يقول ابن مسعود، والشافعية والمالكية يقول زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم أجمعين اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 3624 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني ابن شهاب عن) حديث (المتلاعنين وعن السنة) الشرعية (فيهما عن حديث) أي حال كونه من حديث (سهل بن سعد أخي بني ساعدة) الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمالك بن أنس (أن رجلًا من الأنصار) اسمه عويمر العجلاني حليف بني عمرو بن عوف بن مالك بن أوس (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (وذكر) ابن جريج (الحديث) السابق (بقصته) أي مع قصته من ذهاب عويمر إلى عاصم وعاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وزاد) ابن جريج (فيه) أي في

فَتَلاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَأمُرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَقَال النَّبيُّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَينَ كُلِّ مُتَلاعِنَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث على مالك لفظة (فتلاعنا) أي فتلاعن عويمر وامرأته (في المسجد) النبوي (وأنا شاهد) أي حاضر في المسجد معهما مع الناس، وفيه مشروعية تلاعن المسلم في المسجد الجامع، وأما زوجته الذمية فتلاعن فيما تعظمه من بيعة أو كنيسة أو غيرهما فإن رضي زوجها بلعانها في المسجد وقد طلبته جاز، والحائض تلاعن بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها في المسجد ومثلها النفساء والجنب والمتحيرة (وقال) ابن جريج (في الحديث فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله على الله عليه وسلم) بالطلاق (ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاكم) الخطاب للحاضرين عنده أي هذا (التفريق) المؤبد الذي ذكره عويمر سنة شرعية (بين كل المتلاعنين) إلى يوم القيامة. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث سهل بن سعد وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

551 - (37) باب بيان كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين

551 - (37) باب بيان كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين 3625 - (1419) (179) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرِ. قَال: سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلاعِنَينِ في إِمْرَةِ مُصْعَبٍ. أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ قَال: فَمَا دَرَيتُ مَا أَقُولُ، فَمَضَيتُ إِلَى مَنْزِلِ ابْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ. فَقُلْتُ لِلْغُلامِ: اسْتَأذِنْ لِي. قَال: إِنَّهُ قَائِلٌ. فَسَمِعَ صَوْتي، قَال: ابْنُ جُبَيرٍ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 551 - (37) باب بيان كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين 3625 - (1419) (179) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي، صدوق، من (5) (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من (3) قتله الحجاج كهلًا فما أمهل بعده (قال) سعيد: (سئلت عن) حكم (المتلاعنين) أيفرق بينهما أم لا (في إمرة مصعب) أي في عهد إمارة مصعب بن الزبير على العراق، وقد حكى الأبي عن ابن العربي أن مصعب بن الزبير حين كان أميرًا على العراق لاعن بين زوجين ولم يفرق بينهما فسئل ابن جبير عن ذلك فلم يعلم الجواب فوقف عما لم يعلم، وقد علم أنه وقع في زمنه صلى الله عليه وسلم فرحل يطلب العلم في مظانه فأتى ابن عمر في بيته اهـ منه أي قال سعيد بن جبير: سئلت عن حكم المتلاعنين في زمن إمارة مصعب بن الزبير أي سئلت (أيفرّق بينهما) إذا تلاعنا أم لا يفرق (قال) سعيد: (فما دريت) ولا علمت (ما أقول) في جواب هذا السؤال (فمضيت) أي مشيت (إلى منزل ابن عمر بمكة) لأسأله عن هذا الحكم، قال القاضي: فيه ما كان عليه السلف من الحرص على تحصيل العلم اهـ فوصلت إلى بيته (فقلت للغلام) البواب: (استأذن في) أي اطلب الإذن لي من ابن عمر في الدخول عليه (قال) الغلام (إنه) أي إن ابن عمر (قائل) أي نائم نوم القيلولة، وهو اسم فاعل من قال يقيل قيلولة إذا استراح وسط النهار، قال القاضي: ففيه أنه لا يشق على العالم ومن يحتاج إليه في أوقات راحتهم (فسمع) ابن عمر (صوتي) أي صوت كلامي مع الغلام (قال) ابن عمر هو أي هذا المتكلم (ابن جبير) بالرفع على أنه

قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: ادْخُلْ. فَوَاللهِ، مَا جَاءَ بِكَ، هذِهِ السَّاعَةَ، إلا حَاجَةٌ. فَدَخَلْتُ. فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةً. مُتَوسِّدٌ وسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ! الْمُتَلاعِنَانِ، أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ قَال: سُبْحَانَ الله! نَعَم. إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذلِكَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ. قَال: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمِ. وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر مبتدإ محذوف أو أأنت ابن جبير، قال سعيد: (قلت) له: (نعم) أنا ابن جبير (قال) لي ابن عمر (ادخل) فقد أذنا لك (فوالله ما جاء بك هذه الساعة) أي ساعة الاستراحة من حر الظهيرة (إلا حاجة) شديدة وضرورة نازلة، قال سعيد: (فدخلت) عليه (فإذا هو مفترش برذعة) أي فرشها تحته، يقال فرش البساط وافترشه إذا جعله تحته وقاية من الأرض، والبرذعة بالدال المهملة وبالذال المعجمة حلس يجعل تحت الرحل يجمع على برادع بالضبطين اهـ من المصباح، قال القاضي: وفي غير مسلم (برذعة رحله) أي رحل بعيره اهـ (متوسد وسادة حشوها ليف) أي لحى النخل أو الكلأ اليابس، وفيه زهادة ابن عمر وتواضعه وتقلله من الدنيا، واحتمال ابن عمر لما علم من شاهد الحال أنها مهمة اهـ من إكمال المعلم. قال سعيد: (قلت) له يا (أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر (المتلاعنان أيفرّق) أي هل يفرق (بينهما) أم لا؟ قال ابن العربي: فيه دعاء العالم بكنيته تكرمة له ولا يزيد (قال) ابن عمر: (سبحان الله نعم) يفرق بينهما، وقوله سبحان الله هو تعجب من جهله ذلك وهي كلمة تقال عند التعجب والإنكار اهـ من الأبي (إن أول من سأل عن ذلك) أي عن سبب اللعان (فلان بن فلان) قال القرطبي: هو والله أعلم عويمر بن الحارث العجلاني اهـ من المفهم. وهذا هو الصواب وسيأتي في حديث أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن السمحاء وكان أول رجل لاعن في الإسلام، لكن القصة التي أوردها مسلم هنا هي قصة عويمر العجلاني بعينهما على ما يظهر من صحيح البخاري اهـ من بعض الهوامش (قال) ذاك السائل يعني فلان بن فلان (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (أن) مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن و (لو) شرطية (وجد أحدنا امرأته على فاحشة) فعل شرط للو، وجملة (كيف يصنع) جوابها، والمعنى أخبرني يا رسول الله أنه لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع بها (إن تكلم تكلم بأمر عظيم) هو القذف لها لما فيه من الفضيحة (وإن سكت) عنها (سكت على مثل ذلك)

قَال: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَتَاهُ فَقَال: إِنَّ الَّذي سَأَلتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ. فَأَنْزَلَ الله عَز وَجَلَّ هؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَتَلاهُنَّ عَلَيهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ. وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ. قَال: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا كَذَبْتُ عَلَيهَا. ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وأخبَرهَا أَنَّ عَذَابَ الدَّنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي على أمر عظيم هو الزنا لما فيه من المضض والغيظ (قال) ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (فسكت النبي صلى الله عليه وسلم) عن جواب السائل (فلم يجبه) أي لم يجب السائل بشيء انتظارًا للوحي (فلما كان) ذلك السائل (بعد ذلك) اليوم (أتاه) أي أتى ذلك الرجل الفلاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) ذلك الرجل الفلاني (إن الذي سألتك عنه) يا رسول الله وهو حكم الرجل الواجد مع امرأته أجنبيًّا (قد ابتليت به) أي بوقوع ذلك في نفسي لكن المذكور في صحيح البخاري ابتلاؤه بوقوع ذلك في رجل من قومه وسيأتي مثله في هذا الصحيح (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) بسببه (هؤلاء الآيات) المذكورة (في سورة النور) يعني قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على ذلك الرجل السائل (ووعظه) أي بذكر عقاب الله تعالى في الآخرة (وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) وقوله وأخبره عطف تفسير لذكره أي ابتدأ بالرجل في الوعظ والتذكير كما ابتدأ به في اللعان وأخبره أن عذاب الدنيا وهو حد القذف في حقه أهون من عذاب الآخرة، قال النووي: فيه أن الإمام يعظ المتلاعنين ويخوفهما من وبال اليمين الكاذبة اهـ. قال القرطبي: هذا الوعظ والتذكير كان منه صلى الله عليه وسلم قبل اللعان وينبغي أن يتخذ سنة في وعظ المتلاعنين قبل الشروع في اللعان، ولذلك قال الطبري: إنه يجب على الإمام أن يعظ كل من يحلفه، وذهب الشافعي إلى أنه يعظ كل واحد بعد تمام الرابعة وقبل الخامسة تمسكًا منه بما في البخاري من حديث ابن عباس في لعان هلال بن أمية أنه صلى الله عليه وسلم وعظهما عند الخامسة اهـ من المفهم. (قال) الرجل: (لا) أي ما كذبت عليها يا رسول الله (والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها) وما نافية مؤكدة للا توكيدًا لفظيًّا بالمرادف (ثم دعاها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوعظها) بذكر عقاب الله في الآخرة (وذكرها وأخبرها) عطف تفسير لما قبله (أن عذاب الدنيا) وهو الرجم في حقها

أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ قَالتْ: لَا. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! إِنَّهُ لَكَاذِبٌ. فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. ثُمَّ فَرَّقَ بَينَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أهون من عذاب الآخرة قالت) المرأة: (لا) أي ما زنيت يا رسول الله (والذي بعثك بالحق إنه لكاذب) على (فبدأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان (بالرجل) لأنه القاذف فيدرأ الحد عن نفسه ولأنه هو الذي بدأ الله تعالى به ولأن أيمانه كالشهادة على دعواه فتسقط الحد عنه (فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) فيما رماها به أي حلف بالله أربع أيمان إنه لمن الصادقين فيما يقول عليها، والعرب تقول: أشهد بالله أي أحلف به، وكما قال شاعرهم: فأشهد عند الله أني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها ليا وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: هي شهادات محققة من المتلاعنين على أنفسهما وابتنى على هذا الخلاف في لعان الفاسقين والعبدين فعند الجمهور يصح، وعند أبي حنيفة لا يصح اهـ من المفهم باختصار (و) المرة (الخامسة) يقول فيها: (أن لعنة الله) أي طرده من رحمته (عليه) أي على ذلك الملاعن (إن كان من الكاذبين) عليها فيما رماها به من الزنا (ثم ثنى) النبي صلى الله عليه وسلم (بالمرأة) أي جعلها ثانية في اللعان لأن لعانها لإسقاط حد الزنا الذي وجب عليها بلعانه (فشهدت) أي حلفت (أربع شهادات بالله) أي أربع أيمان (إنه لمن الكاذبين) عليّ فيما رماني به (والخامسة) تقول فيها (أن غضب الله) أي سخطه وبغضه (عليها إن كان من الصادقين) فيما رماني به، قال النووي: وهذه ألفاظ اللعان وهي مجمع عليها لا خلاف فيها. والحكمة في اختصاص لعان المرأة بالغضب ولعان الرجل باللعن أن جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف، والغضب أعظم من اللعن لأن الغضب إرادة الانتقام، واللعن البعد والطرد فجعل الأغلظ مع الأغلظ وغير الأغلظ مع غير الأغلظ اهـ من البيجوري على ابن قاسم. (ثم فرَّق) النبي صلى الله عليه وسلم (بينهما) أي بين المتلاعنين فيه دليل ظاهر للحنفية على أن الفرقة لا تقع بنفس اللعان وإنما تقع بحكم الحاكم بعد اللعان وهو

3626 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْديُّ. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ قَال: سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلاعِنَينِ، زَمَنَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيرِ. فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ. فَأَتَيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ. فَقُلْتُ: أَرَأَيتَ الْمُتَلاعِنَينِ أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مذهب الثوري ورواية عن أحمد، وقال مالك والشافعي: تقع الفرقة بنفس اللعان، ثم قال مالك وغالب أصحابه: تقع الفرقة بعد فراغ المرأة، وقال الشافعي وأصحابه وسحنون من المالكية: تقع بعد فراغ الزوج، وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى كذا في فتح الباري [9/ 393]. وأجاب الشافعية من حديث الباب أن الفرقة وقعت بنفس اللعان، وإنما أخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الفرقة فعبر عنه الراوي بقوله: (فرَّق بينهما) أي أظهر أن اللعان مفرّق بينهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 11 و 42]، والبخاري [5311]، وأبو داود [2257]، والترمذي [1202]، والنسائي [6/ 177]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3626 - (00) (00) (وحدثنيه علي بن حجر السعدي) المروزي (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عيسى بن يونس لعبد الله بن نمير (قال: سئلت عن المتلاعنين زمن) إمرة (مصعب بن الزبير فلم أدر ما أقول) في الجواب (فأتيت عبد الله بن عمر فقلت) له: (أرأيت المتلاعنين) أي أخبرني عن المتلاعنين (أيفرّق بينهما) أي هل يفرّق بينهما بعد اللعان أم لا؟ (ثم ذكر) عيسى بن يونس (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) أي بمماثله لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

3627 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلاعِنَينِ: "حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ. أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ. لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيهَا". قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالِي؟ قَال: "لَا مَال لَكَ. إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3627 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لعبد الملك بن أبي سليمان (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين): الرجل والمرأة (حسابكما) أي محاسبتكما وتحقيق أمركما ومجازاته (على الله) سبحانه وتعالى يعني لا سبيل في الدنيا إلى معرفة الصادق وعقاب الكاذب منكما وإنما يحاسبكم الله في الآخرة، وفيه أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وإن علمنا كذب أحدهما على الإبهام قاله النووي، وفيه أن البينتين إذا تعارضتا تساقطتا حكاه الأبي عن الخطابي (أحدكما) أي واحد منكما (كاذب) ظاهره أنه لو قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان، والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة، وقال الداودي: إنما قاله قبل اللعان تحذيرًا لهما منه، والأول أظهر وأولى بسياق الكلام حكاه النووي عن القاضي (لا سبيل لك عليها) أي لا سبيل لك على صحبتها أبدًا بعد التفريق باللعان أو لا تسليط لك عليها فلا تُصدق أنت في اتهامها من غير بينة ولا تحد للزنا بمجرد قولك، أو المراد أنه لا يبقى بينكما نكاح بعد اللعان (قال) الرجل: (يا رسول الله مالي) أي أين مالي الذي أعطيتها صداقًا هل يرد عليّ أم لا؟ أو ما شأن مالي أو أين مالي أو أطلب مالي أو يذهب مالي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مال لك) يعني ليس لك أن تسترد منها مهرها الذي أعطيته لها لأنك قد استوفيته بدخولك عليها وتمكينها لك من نفسها فهو بما استحللت من فرجها أي فمالك مقابل باستحلالك إياها ودخولك بها فقد استحقت تمام المهر، ثم أوضح صلى الله عليه وسلم ذلك بتقييم مستوعب فقال: (إن كنت صدقت) فيما ادعيته (عليها فهو بما استحللت

مِنْ فَرْجِهَا. وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا". قَال زُهَيرٌ فِي رِوَايَتِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 3628 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: فَرَّقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من فرجها) فقد استوفيت حقك منها قبل ذلك (وإن كنت كذبت عليها فذاك) أي طلبك المهر وعوده إليك (أبعد لك منها) أي من مطالبتها لئلا يجتمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك قبضًا صحيحًا تستحقه، واللام في لك للبيان كما في قوله تعالى: {هَيتَ لَكَ}، وقوله: (فهو بما استحللت من فرجها) يستفاد منه أن الملاعنة لو أكذبت نفسها بعد اللعان وأقرت بالزنا وجب عليها الحد لكن لا يسقط مهرها كذا في فتح الباري، ثم إن الإجماع قد انعقد بحكم حديث الباب على أن الملاعنة المدخول بها تستحق جميع الصداق والخلاف في غير المدخول بها فالجمهور على أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول، وقال أبو الزناد والحكم وحماد: بل لها جميعه، وقال الزهري: لا شيء لها أصلًا، ورُوي عن مالك نحوه كما في عمدة القاري. (قال زهير في روايته حدثنا سفيان عن عمرو سمع سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): فأتى بالسماع في موضع عنعنتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3628 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) غرضه بيان متابعة أيوب لعبد الملك بن أبي سليمان (قال) ابن عمر: (فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي) بفتح الواو وسكون التحتية (بني العجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم تثنية أخ من باب التغليب حيث جعل الأخت كالأخ، وأما إطلاق الأخوة فبالنظر إلى أن المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما

وَقَال: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ. فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ". 3629 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ. سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ اللِّعَانِ؟ فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 3630 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب أن الزوجين كليهما من قبيلة عجلان اهـ من الإرشاد (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله) سبحانه وتعالى (يعلم أن أحدكما كاذب) وفي رواية للبخاري (لكاذب) بزيادة لام الابتداء، وجملة يعلم خبر عن الجلالة وأن بفتح الهمزة لأنها سدت مسد مفعولي علم (فهل منكما تائب) ومنكما خبر متقدم عن المبتدإ المؤخر وهو تائب، وسوغ الابتداء بالنكرة تقديم الخبر الظرفي والاستفهام عليه وهو في المعنى صفة لموصوف محذوف أي فهل منكما أحد تائب أو شخص تائب، ومن للبيان وتتعلق بالاستقرار المقدّر، وعرَّض بالتوبة لهما بلفظ الاستفهام لإبهام الكاذب منهما اهـ من الإرشاد وفيه استحباب عرض التوبة على المذنب، وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك ثلاث مرات وظاهره أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد الفراغ من اللعان كما أفاده النووي نقلًا عن القاضي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3629 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (سمع سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر عن) حكم (اللعان) الحديث (فذكر) سفيان بن عيينة (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى حماد بن زيد عن أيوب، غرضه بيان متابعة سفيان لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن أيوب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3630 - (00) (00) (وحدثنا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لِلْمِسْمَعِيِّ وَابْنِ الْمُثَنَّى) قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ) قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: لَمْ يُفَرِّقِ الْمُصْعَبُ بَينَ الْمُتَلاعِنَينِ. قَال سَعِيدٌ: فَذُكِرَ ذلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. فَقَال: فَرَّقَ نَبِيُّ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومحمد بن المثنى و) محمد (ابن بشار واللفظ للمسمعي وابن المثنى قالوا: حدثنا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي (قال حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، روى عن سعيد بن جبير في اللعان، وحميد بن عبد الرحمن الحميري في اللباس، والحسن العُرنِيّ في الآيات، ويروي عنه (م د ت س) وقتادة وداود بن أبي هند وعاصم الأحول وسليمان التيمي وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سعيد بن جبير) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عزرة لمن روى عن سعيد بن جبير (قال) سعيد بن جبير: (لم يفرّق المصعب) بن الزبير زمن إمرته (بين المتلاعنين قال سعيد: فذكر ذلك) الذي فعله المصعب من عدم تفريق المتلاعنين، والذاكر له هو نفس سعيد بن جبير كما مر في الرواية الأولى من حديثه (لعبد الله بن عمر فقال) ابن عمر: (فرق نبي الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان) حين تلاعنا فالتفريق بين المتلاعنين حكم شرعي منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة لمن خالفه والله أعلم. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر وذكر فيه خمس متابعات. * * *

552 - (38) باب ما يتبع اللعان من الأحكام إذا كمل من التفريق وإلحاق الولد بالمرأة

552 - (38) باب ما يتبع اللعان من الأحكام إذا كمل من التفريق وإلحاق الولد بالمرأة 3631 - (1420) (180) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَجُلًا لاعنَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَفَرَّقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ؟ قَال: نَعَمْ. 3632 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 552 - (38) باب ما يتبع اللعان من الأحكام إذا كمل من التفريق وإلحاق الولد بالمرأة 3631 - (1420) (180) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني المكي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا مالك) بن أنس (ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له قال) يحيى: (قلت لمالك) الإمام الأعظم في الفروع أ (حدّثك) بتقدير همزة الاستفهام (نافع عن ابن عمر أن رجلًا) هو عويمر العجلاني (لاعن امرأته) أي زوجته خولة بنت عاصم بن عدي أو بنت أخيه على الخلاف المار (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما) تنفيذًا لما أوجب الله تعالى بينهما من المباعدة بنفس الملاعنة وتمسك بظاهره الحنفية فقالوا: إنما يكون التفريق من الحاكم كما سبق مع ما فيه (وألحق الولد بأمه) الملاعنة لتحقق كونه منها فترثه ويرثها (قال) مالك في جواب سؤال يحيى (نعم) حدثني نافع، وهو حرف تصديق في الإثبات قائم مقام الجواب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 7]، والبخاري [5315]، وأبو داود [2259]، والترمذي [1203]، والنسائي [6/ 178]، وابن ماجه [2069]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3632 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (قالا) أي قال أبو أسامة

حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: لاعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَامْرَأَتِهِ وَفَرَّقَ بَينَهُمَا. 3633 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر) غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس (قال) ابن عمر: (لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجل من الأنصار) وهو عويمر بن الحارث (وامرأته) وهي خولة بنت عاصم بن عدي (وفرّق بينهما). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 3633 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر مثله، غرضه بيان متابعة يحيى القطان لأبي أسامة وعبد الله بن نمير. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث ابن عمر وذكر فيه متابعتين. * * *

553 - (39) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان بقوله: اللهم افتح، وبيان أول من لاعن وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه

553 - (39) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان بقوله: اللهم افتح، وبيان أول من لاعن وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدًا بغير بينة لرجمت هذه 3634 - (1421) (181) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَان بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: إِنَّا، لَيلَةَ الْجُمُعَةِ، فِي الْمَسْجِدِ. إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 553 - (39) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان بقوله: اللهم افتح، وبيان أول من لاعن وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدًا بغير بينة لرجمت هذه 3634 - (1421) (181) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وعثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ لزهير قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم من (2) (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون أو خمسة منهم كوفيون وواحد إما نسائي أو مروزي. (قال) عبد الله بن مسعود: (إنا ليلة الجمعة في المسجد) النبوي أي إنا جالسون في المسجد في أوائل ليلة الجمعة كذا في نسخ صحيح مسلم، ووقع عند أبي داود (إنا لليلة جمعة) بزيادة لام التأكيد على الليلة، وحذف لام التعريف من الجمعة، وفي رواية المحاربي عند أحمد (بينا نحن في المسجد ليلة الجمعة) وفي رواية أبي عوانة عنده (كنا جلوسًا عشية الجمعة في المسجد) اهـ تكملة، ورواية المحاربي هي المناسبة لقوله: (إذ جاء رجل من الأنصار) لأن إذ هنا فجائية رابطة لجواب بينا لفظًا أو مقدرًا أي بينا أوقات جلوسنا في المسجد فاجأنا مجيء (رجل من الأنصار) كذا وقع مبهمًا في جميع الروايات، واستظهر صاحب البذل أنه عويمر العجلاني والأظهر عندي أنه هلال بن أمية لأن سياق هذا الحديث يناسب سياق قصة هلال فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم

فَقَال: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ؛ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيظٍ. وَاللهِ! لأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ. فَقَال: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيظٍ. فَقَال: "اللَّهُمَّ! افْتَحْ" وَجَعَلَ يَدْعُو. فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ}، ـــــــــــــــــــــــــــــ افتح" إنما روي في قصة هلال ولم يرو في قصة عويمر مثل ذلك، وإنما قال له صلى الله عليه وسلم: "قد نزل فيك وفي صاحبتك .. " الخ كما سبق في حديث سهل بن سعد، ثم قد زاد أحمد من طريق أبي عوانة في آخر الحديث (قال فكان الرجل أول من ابتلي به) وهذا عين ما ذكروه في قصة هلال كما سيأتي في حديث ابن عباس والله أعلم (فقال) الرجل الأنصاري لنا معاشر الجالسين (لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (فتكلم) أي باح وأظهر بما رآه من زناها (جلدتموه) لحد القذف (أو قتل) الرجل الذي رآه (قتلتموه) للقصاص (وإن سكت) عنها (سكت على غيظ) وغضب عليها وبغض لها (والله لأسألن عنه) أي عن حكم من وجد امرأته تزني (رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان) ذلك الرجل (من الغد) أي في الغد وهو اليوم الذي بعد يومك أو ليلتك وهو يوم الجمعة (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله) عن حكمه، وقوله: (فقال) ذلك الرجل عطف تفسير للسؤال (لو أن رجلًا وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (فتكلم) فيها (جلدتموه أو قتلـ) ـــه عليها (قتلتموه) للقصاص (أو سكت سكت على غيظ) وحقد لها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم افتح) أي بيّن لنا الحكم في هذا الأمر المسؤول عنه، قال الخطابي في معالمِ السنن: معناه اللهم احكم أو بيّن الحكم فيه، والفتاح الحاكم، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَينَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} قلت: وقد وقع هكذا مفسرًا في رواية أبي عوانة عند أحمد بلفظ "اللهم احكم" وقال النووي: معناه اللهم بين لنا الحكم في هذا اهـ. وقال القرطبي: معناه "اللهم بين لنا في هذه الواقعة" (وجعل) النبي صلى الله عليه وسلم أي شرع (يدعو) الله سبحانه وتعالى بيان هذه الواقعة (فنزلت آية اللعان) يعني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ} وقوله: (والذين يرمون إلخ) بدل محكي عن قوله آية اللعان، ويجوز قطعه إلى النصب

هذِهِ الآيَاتُ. فَابْتُلِيَ بِهِ ذلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بَينِ النَّاسِ. فَجَاءَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَتَلاعَنَا. فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. ثُمَّ لَعَنَ الْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. فَذَهَبَتْ لِتَلْعَنَ. فَقَال لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَهْ" فَأَبَتْ فَلَعَنَتْ. فَلَمَّا أَدْبَرَا قَال: "لَعَلَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قدرناه، وقوله: (هذه الآيات) بالرفع بدل ثان من آية اللعان (فابتلي به) أي بوجدان امرأته مع رجل يزني بها (ذلك الرجل) الأنصاري الذي سأل الجالسين ثم النبي صلى الله عليه وسلم (من بين الناس) وسياق الكلام يدل على أنه لم ير ذلك عيانًا حين السؤال عنه، قال الأبي: قال ابن العربي: هذا من البلاء الموكل بالمنطق اهـ (فجاء هو) أي ذلك الرجل السائل (وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل) أي حلف (أربع شهادات) أي أربع أيمان (بالله إنه لمن الصادقين) فيما رماها به (ثم لعن) أي الرجل (الخامسة) أي دعا اللعنة على نفسه في المرة الخامسة بقوله: (أن لعنة الله عليه) أي على نفسه (إن كان من الكاذبين) عليها فيما رماها به (فذهبت) المرأة أي قصدت (لتلعن) أي أن تلعن أبي أن تأتي بكلمات اللعان الأربع ثم بالخامسة فاللام زائدة (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: منه) هي كلمة زجر وكف ومنع أي كفي نفسك وانتهي عمّا تريدينه من اللعان واعترفي بالحق فإن عذاب الدنيا الذي هو الرجم أهون من عذاب الآخرة، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم غلب على ظنه كذبها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (لعلها أن تجيء به أسود جعدًا) يعني على خلاف شبه صاحب الفراش فجاءت به كما وصف صلى الله عليه وسلم وقد ورد في قصة هلال في حديث ابن عباس عند البخاري وأبي داود وغيره أن المرأة تلكأت (توقفت) بعد ذلك ونكصت حتى ظن الصحابة أنها سترجع ولكنها قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخره: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن". (فأبت) أي امتنعت من الانزجار (فلعنت) أي شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين عليها، ثم لعنت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين (فلما أدبرا) وذهبا أي المتلاعنان (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلها) أي لعل هذه المرأة

أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا" فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا. 3635 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن تجيء به) أي بالولد أي أن تلد به أي أرجو مجيئها بالولد حالة كونه (أسود) أي متصفًا بالسواد (جعدًا) أي قططًا أي متصفًا بالجعودة وهي التواء الشعر وتقبضه كشعر السودان (فجاءت به) أي بالولد (أسود جعدًا) مثل ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الخطابي في معالم السنن: قوله: (لعلها أن تجيء به) الخ دليل على أن المرأة كانت حاملًا، وأن اللعان وقع على الحمل وممن رأى اللعان على نفي الحمل مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تلاعن بالحمل لأنه لا يدري لعله ريح اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود من طريق عثمان بن أبي شيبة [2250] وابن ماجه من طريق عبدة بن سليمان كلاهما في اللعان، وأحمد في مسند ابن مسعود من طريق أبي عوانة عن الأعمش [1/ 421]، ومن طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي عنه [1/ 448]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 3635 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (جميعًا) أي كل من عيسى بن يونس وعبدة بن سليمان رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (نحوه) أي نحو ما روى جرير عن الأعمش، غرضه بيان متابعة عيسى وعبدة بن سليمان لجرير بن عبد الحميد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

3636 - (1422) (182) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ. قَال: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. وَأَنَا أُرَى أَنَّ عِنْدَهُ مِنْهُ عِلْمًا. فَقَال: إِنَّ هِلال بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ. وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لأُمِّهِ. وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لاعَنَ فِي الإِسْلامِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 3636 - (1422) (182) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا هشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) (عن محمد) بن سيرين (قال) محمد: (سألت أنس بن مالك) رضي الله عنه عن أصل اللعان. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (وأنا) أي والحال أني (أرى) بضم الهمزة أي أظن (أن عنده) أي عند أنس (منه) أي من اللعان (علمًا) أي أن عنده علمًا بسبب اللعان وأوّل مشروعية (فقال) لي أنس في بيان سببه وأوّل من شرع عليه (إن هلال بن أمية) -بضم الهمزة وفتح الميم والياء المشددة المفتوحة- الأنصاري الواقفي نسبة إلى بني واقف شهد بدرًا رضي الله عنه وهو كما في أسد الغابة أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فتيب عليهم والباقيان كعب بن مالك ومرارة بن الربيع (قذف امرأته بشريك بن سحماء) -بفتح السين وسكون الحاء المهملتين- وهي أمه، واسم أبيه عبدة بن مغيث بن الجد بن عجلان البلوي حليف الأنصار، شهد مع أبيه أُحدًا، وسحماء أمه عُرف بها وهو أخو البراء بن مالك لأمه اهـ من هامش القرطبي، وذكر مقاتل في تفسيره أن والدة شريك التي يقال لها سحماء كانت حبشية، وقيل كانت يمانية، وذكر أبو نعيم في الصحابة أن لفظ شريك صفة له لا اسم، وأنه كان شريكًا لرجل يهودي يقال له ابن سحماء فعلى هذا يتعين كتابة ألف بين شريك وابن سحماء ولكنه قول شاذ، ويقال إن شريك بن سحماء بعثه أبو بكر الصديق رسولًا إلى خالد بن الوليد باليمامة كذا في الإصابة (وكان) شريك بن سحماء (أخا البراء ابن مالك لأمه) لأن البراء ولدته سحماء أيضًا، وكان البراء أخًا لأب لأنس بن مالك، وكان البراء رجلًا شجاعًا مقدامًا مجاب الدعوة (وكان) هلال بن أمية (أول رجل لاعن في الإسلام) وهذا هو القول المحقق، وقد تقدم في شرح حديث سهل بن سعد أن آية اللعان إنما نزلت في هلال بن أمية، ولما كانت قصة عويمر العجلاني قريبة منه ربما ذكروها في سبب النزول، وقد تقدم وجه الجمع بين الروايات هناك فراجعه (قال) أنس بن مالك

فَلاعَنَهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَبْصِرُوهَا. فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَينَينِ فَهُوَ لِهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَينِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ" قَال: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلاعنها) أي فلاعن هلال امرأته (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبصروها) أي أبصروا امرأة هلال وانظروا ولدها، وامرأة هلال قد ظهر كذبها بالأمارات والقرائن وغلب على ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كاذبة فلعله صلى الله عليه وسلم أراد تبرئة هلال بن أمية رضي الله عنه في أنظار العامة لأنه من الصحابة البدريين الأجلاء ولذلك أمرهم بالنظر في شبه الولد لئلا يبقى في صدور الناس ما يتهمون به هلالًا بالكذب وتظهر براءته بالأمارات الظاهرة إن لم تظهر بالبينة والقضاء والله أعلم (فإن جاءت به) أي بالولد (أبيض سبطًا) أي مسترسل الشعر منبسطه (قضيء العينين) أي فاسدهما بكثرة دمع أو حمرة أو غير ذلك (فهو) أي الولد (لهلال بن أمية) لشبهه به (وإن جاءت به أكحل) أي أسود كالكحل من الكحل بفتحتين وهو سواد في أجفان العين خلقة (جعدًا) أي منقبض الشعر (والجعد) بفتح الجيم وسكون العين إذا وُصف به الشعر فهو ضد السبط يعني هو ما كان فيه التواء، وإذا وُصف به الرجل فهو معصوب الخلق شديد الأسر أو القصير المُردّد أو البخيل فإذا أردنا بالسبط في الفقرة الأولى المسترسل الشعر فالمراد ها هنا ضده وإن أردنا بالسبط هناك تام الخلق فالمراد هنا القصير المتردد والله سبحانه وتعالى أعلم (حمش الساقين) بفتح الحاء وسكون الميم، ويقال أحمش الساقين معناه دقيق الساقين من الحموشة وهي الدقة (فهو) أي ذلك الولد (لشريك بن سحماء) لشبهه به (قال) أنس: (فأُنبئت) أي أُخبرت (أنها جاءت به كحل جعدًا حمش الساقين) يعني على خلاف شبه هلال بن أمية، وعن عكرمة فيما أخرجه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ولدها صار بعد ذلك أميرًا على مصر أي على مصر من الأمصار لا البلد المشهور، وكان يدعى لأمه وما يدعى لأبيه كذا في الفتح [9/ 401] في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت راجمًا امرأة إلخ. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم أبصروها مع ذكر النعوت المتقدمة في هلال وفي شريك يدل على أن هذا كان منه تفرسًا وحدسًا لا وحيًا، ولو كان وحيًا لكان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معلومًا عنده، وفيه ما يدل على إلغاء حكم الشبه في الحرائر كما هو مذهب مالك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 142] في مسندات أنس، والنسائي أخرجه في باب اللعان. (فائدة): وتمام هذه القصة ما أخرجه أحمد في مسنده [1/ 238] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت آية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم" قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرًا، وما طلق امرأة له قط، فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله تعالى ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعًا تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته، قالوا: فما لبثوا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلًا فرأى بعينه وسمع بأذنيه فلم يهجه حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلًا فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويُبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجًا، فقال هلال: يا رسول الله إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به والله يعلم إني لصادق، ووالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد جلده يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآية فسُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجًا ومخرجًا" فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عزَّ وجلَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلوا إليها" فجاءت فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها، فقالت: كذب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاعنوا بينهما" فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كان في الخامسة قيل: يا هلال: اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه هي الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل لها: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى أنه لا يدعى ولدها لأب ولا تُرمى هي به ولا يُرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها، وقال: إن جاءت به أصيهب (أبيض) أريصح (خفيف الأليتين) حمش الساقين فهو لهلال، وإن جاءت به أورق جعدًا جماليًا (عظم الخلق كالجمل) خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رُميت به فجاءت به أورق جعدًا خدلج الساقين سابغ الأليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن". قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميرًا على مصر، وكان يدعى لأمه وما يدعى لأبيه اهـ. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" وفي البخاري: "لولا ما مضى من كتاب الله" يفهم من ذلك أن الحكم إذا وقع على شروطه لا ينقض وإن تبين خلافه هذا إن لم يقع خلل أو تفريط في شيء من أسبابه، فأما لو فرط الحاكم فغلط وتبين تفريطه وغلطه بوجه واضح نُقض حكمه وهذا مذهب الجمهور، وفيه أن ذكر الأوصاف المذمومة للضرورة والوصف بها للتعريف ليس بغيبة اهـ من المفهم. قال القرطبي: وظاهر هذا الحديث أن هلالًا لما صرح بذكر شريك أنه قذفه ومع ذلك فلم يحدّه النبي صلى الله عليه وسلم له وبهذا قال الشافعي إنه لا حدّ على الرامي

3637 - (1423) (183) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ وَعِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيَّانِ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رُمْحٍ) قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: ذُكِرَ التَّلاعُنُ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذلِكَ قَوْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ لزوجته إذا سمى الذي رماها به ثم التعن لهما، وعند مالك أنه يحدّ ولا يكتفى بالتِعانه لأنه إنما التعن للمرأة ولم يكن له ضرورة إلى ذكره بخلاف المرأة فهو إذًا قاذف له فيحد، واعتذر بعض أصحابنا عن حديث شريك بأن يقال إنه كان يهوديًّا، وأيضًا فلم يطلب شريك بشيء من ذلك وهو حقه، قال القاضي: ولا يصح قول من قال إن شريكًا كان يهوديًّا وهو باطل اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3637 - (1423) (183) (وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي (وعيسى بن حماد) بن مسلم الأنصاري التجيبي مولاهم، ثقة، من (10) ولقبه زغبة وهو لقب أبيه أيضًا (المصريان واللفظ لابن رمح قالا: أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (عن) أبيه (القاسم بن محمد) بن أبي بكر (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد طائفي (أنه) أي أن ابن عباس (قال ذُكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي شأنه وسببه، وفي رواية البخاري (ذكر المتلاعنان) (فقال عاصم بن عدي) الأنصاري (في ذلك) أي في شأن التلاعن وسببه (قولًا) أي غير لائق به مما يدل على عجب النفس والنخوة والغيرة وعدم الإحالة إلى إرادة الله وحوله وقوته، وهو قوله لو وجد الرجل مع امرأته رجلًا يضربه بالسيف حتى يقتله اهـ من شروح البخاري. (واعلم) أن حديث سهل بن سعد وحديث ابن عباس هذا من طريق القاسم كلاهما في قصة واحدة وهو قصة عويمر العجلاني بخلاف حديث ابن عباس من طريق عكرمة الذي أخرجه البخاري مختصرًا وأبو داود وأحمد مفصلًا فإنه في قصة أخرى وهي قصة

ثُمَّ انْصَرَفَ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا. فَقَال عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهذَا إلا لِقَوْلِي. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيهِ امْرَأَتَهُ. وَكَانَ ذلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ. وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيهِ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ، خَدْلًا، آدَمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هلال ونقلناه بتمامه في شرح الحديث السابق، ولا مانع من أن يروي ابن عباس القصتين معًا ويؤيد التعدد اختلاف السياقين وخلو أحدهما عما وقع في الآخر وما وقع بين القصتين من المغايرة كما حققه الحافظ في فتح الباري اهـ من التكملة. (ثم) بعدما قال ذلك القول (انصرف) وذهب عاصم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتاه) أي فأتى عاصمًا في بيته (رجل من قومه) وعشيرته وهو عويمر العجلاني ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية فإنه لا قرابة بينه وبين عاصم، وجملة (يشكو) ذلك الرجل (إليه) أي إلى عاصم ويخبره على سبيل الشكوى (أنه وجد مع أهله) وزوجته خولة (رجلًا) يزني بها حال من رجل لتخصصه بالصفة (فقال عاصم) عند ذلك (وما ابتليت) واختبرت (بهذا) الأمر في رجل من قومي (إلا لقولي) أي إلا لسؤالي عما لم يقع كأنه قال فعوقبت بوقوع ذلك في أهل بيتي فقد وقع في مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم (فقال عاصم: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا والله بسؤالي عن هذا الأمر بين الناس فابتليت به) حكاه الحافظ في الفتح (فذهب) عاصم (به) أي بذلك الرجل يعني عويمرًا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي فأخبر ذلك الرجل النبي صلى الله عليه وسلم (بـ) الحال (الذي وجد عليه امرأته) من الخلوة بالأجنبي (وكان ذلك الرجل) الذي رمى امرأته بالزنا وهو عويمر العجلاني (مصفرًا) أي ذا صفرة في اللون وهي اللون بين البياض والحمرة، وقد ورد في حديث سهل عند البخاري في باب التلاعن في المسجد ما يدل على أن عويمرًا كان أحمر، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن ذاك لونه الأصلي والصفرة عارضة (قليل اللحم) أي نحيفًا (سبط الشعر) أي مسترسل الشعر غير جعده (وكان) الرجل (الذي ادعى عليه أنه وجد) هـ (عند أهله خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وكسرها وتخفيف اللام، وضبطه الحافظ بفتح الدال وتشديد اللام، والكل سائغ في اللغة أي ممتلئ الساقين، وقال ابن فارس: ممتلئ الأعضاء، وقال الطبري: لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم (آم) بالمد أصله

كَثِيرَ اللَّحْم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ! بَيِّنْ" فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا. فَلاعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَهُمَا، فَقَال رَجُلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الْمَجْلِسِ: أَهِيَ الَّتِي قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هذِهِ؟ " فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا. تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإِسْلامِ السُّوءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أأدم مؤنثه أدماء كأحمر وحمراء أي أسمر اللون من الأدمة وهي لون بين الحمرة والسواد يعني أن لونه قريب إلى السواد (كثير اللحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بيّن) لنا ما التبس من المتلاعنين، قال ابن العربي: ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا تمتنع ولادتها بموت الولد مثلًا فلا يظهر البيان، والحكمة فيه ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب على ذلك من القبح ولو اندرأ الحد اهـ من الإرشاد، قال القرطبي: (قوله اللهم بين) ظاهره أنه دعاء في أن يبين له ممنِ الولدُ فأجيب بأنه للذي رمى به وتبين له ذلك بأن الله تعالى خلقه يشبه الذي رُميت به وعلى الصفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك نسق قوله: فوضعت على الكلام المتقدم بالفاء وقيل المعنى اللهم بيّن الحكم في هذه الواقعة كما جاء في الرواية الأخرى اللهم افتح أي احكم اهـ من المفهم (فوضعت) المرأة أي ولدت ولدا (شبيهًا) أي مشابهًا (بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما) عقب إخباره بالذي وجد عليه امرأته وهو معطوف على قوله فأخبره بالذي عليه امرأته وحينئذٍ فقوله وكان ذلك الرجل إلى آخره اعتراض (فقال رجل) من الحاضرين عند ابن عباس اسمه عبد الله بن شداد بن الهاد كما سيأتي من طريق أبي الزناد عند المصنف (لابن عباس في) ذلك (المجلس) أي في مجلس ابن عباس (أهي) أي هل هذه هي (التي قال) فيها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو رجمت أحدًا بغير بينة رجمت هذه) ولا يخفى أن إشارته صلى الله عليه وسلم كانت إلى امرأة معينة يعرفها الجميع ولم أر من ذكر اسمها (فقال) له (ابن عباس لا) أي ليست هذه هي التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الكلام بل (تلك) أي بل التي قال فيها الرسول ذلك الكلام (امرأة كانت تظهر) وتعلن (في الإسلام السوء) أي الفاحشة لكن لم تعترف ولا أقيمت عليها بينة بذلك فيقام عليها الحد، قال النووي: (قوله لو رجمت أحدًا) معنى

3638 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيسٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ) عَنْ يَحْيَى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: ذُكِرَ الْمُتَلاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ وَزَادَ فِيهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ كَثِيرَ اللَّحْمِ، قَال: جَعْدًا قَطَطًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث أنه اشتهر وشاع عنها الفاحشة ولكن لم يثبت بينة ولا اعتراف ففيه أنه لا يقام الحد بمجرد الشيوع والقرائن بل لا بد من بينة أو اعتراف اهـ منه. (قوله تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء) أي تظهر عليها قرائن تدل على أنها بغي تتعاطى الفاحشة ولكن لم يثبت عليها سبب شرعي من إقرار أو بينة أو حمل يوجب عليها الحد وقطع الأنساب لا يعتبر فيه إلا اليقين اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5316]، والنسائي [6/ 174]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3638 - (00) (00) (وحدثنيه أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي أبو الحسن النيسابوري المعروف بحمدان، ثقة، من (11) (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يحيى) بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني (حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد نيسابوري، غرضه بسوقه بيان متابعة سليمان بن بلال لليث بن سعد (أنه) أي أن ابن عباس (قال ذكر المتلاعنان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق سليمان بن بلال (بمثل حديث الليث) بن سعد (و) لكن (زاد) سليمان بن بلال (فيه) أي في ذلك المثل (بعد قوله) أي بعد قول الراوي (كثير اللحم) لفظة (قال) ابن عباس: كان ذلك الرجل الذي وجد عند أهله (جعدًا قططًا) بفتح الطاءين وقيل بكسر الأولى صفة مبالغة للجعد يعني شديد الجعودة والتقبض كشعر السودان كذا في مجمع البحار.

3639 - (00) (00) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال عَبْدُ الله بْنُ شَدَّادٍ. وَذُكِرَ الْمُتَلاعِنَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَال ابْنُ شَدَّادٍ: أَهُمَا اللَّذَانِ قَال النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا؟ " فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا. تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلنَتْ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3639 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ) الآتي (لعمرو) بن محمد الناقد (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن القاسم بن محمد قال) القاسم: (قال عبد الله بن شداد و) الحال أنه قد (ذكر) بالبناء للمفعول أي ذكر (المتلاعنان عند ابن عباس) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزناد لعبد الرحمن بن القاسم (فقال ابن شداد) توكيد لفظي لقال الأول (أهما) أي هل هذان المتلاعنان هما (اللذان قال النبي صلى الله عليه وسلم) فيهما (لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمتها) يعني امرأة عويمر (فقال ابن عباس) لابن شداد (لا) أي ليست هي هي (تلك) المرأة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها ذلك (امرأة أعلنت) وأظهرت بالسوء والفاحشة (قال ابن أبي عمر في روايته عن القاسم بن محمد قال) القاسم: (سمعت ابن عباس) بصيغة السماع بلا ذكر واسطة عبد الله بن شداد. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

554 - (40) باب إذا وجد رجل على امرأته رجلا لا يقتله بل يشهد عليه أربعة شهداء إن أمكن وإلا لاعن

554 - (40) باب إذا وجد رجل على امرأته رجلًا لا يقتله بل يشهد عليه أربعة شهداء إن أمكن وإلا لاعن 3640 - (1424) (184) حدَّثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيَّ قَال: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا" قَال سَعْدٌ: بَلَى، وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ! ـــــــــــــــــــــــــــــ 554 - (40) باب إذا وجد رجل على امرأته رجلًا لا يقتله بل يشهد عليه أربعة شهداء إن أمكن وإلا لاعن 3640 - (1424) (184) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الجهني أبو محمد (يعني الدراوردي) المدني، صدوق، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (عن أبيه) أبي صالح الزيات ذكوان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد (أن سعد بن عبادة الأنصاري) الخزرجي الصحابي المشهور رضي الله عنه سيد بني خزرج، وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له في المشاهد كلها رايتان راية المهاجرين مع علي، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان من الأسخياء المعروفين بسخائهم، وعن محمد بن سيرين: كان سعد بن عبادة يعشي كل ليلة ثمانين من أهل الصفة وروى الدارقطني في كتاب الأسخياء: عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان منادي سعد ينادي على أطمه من كان يريد شحمًا ولحمًا فليأت سعدًا، وقصته في تخلفه عن بيعة أبي بكر مشهورة، وخرج إلى الشام فمات بحوران سنة خمس عشرة (15) كذا في الإصابة. (قال: يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (الرجل يجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (أيقتله) عليها أم يتركه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا) يقتله (قال سعد) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) يقتله يا رسول الله (والذي كرمك بالحق) أي أقسمت لك بالإله الذي أكرمك وشرفك ببعثك بالحق والشريعة القديمة، قال الخطابي في معالم السنن [6/ 332] ويمكن أن تكون مراجعة سعد للنبي صلى الله عليه وسلم طمعًا في الرخصة لا ردًّا لقوله صلى الله عليه وسلم فلما أبي ذلك رسول الله صلى الله

فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ". 3641 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسى. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم وأنكر عليه قوله سكت سعد وانقاد، ومما يدل على ذلك ما أسلفنا من رواية ابن عباس عند أحمد، وفيها فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله تعالى ولكني تعجبت الخ. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) عدى السمع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء أي اسمعوه مصغين إلى قوله، ولعل الحاضرين كانوا خزارجة وكان سعد وجيهًا في الأنصار ذا رياسة وسيادة كما في أسد الغابة، قال ملا علي: وفي ذكر السيد هنا إشارة إلى أن الغيرة من شيمة كرام الناس وساداتهم اهـ وفيه أيضًا إشارة إلى أن سعد بن عبادة إنما يقول هذا من غيرته المحمودة التي جبل عليها ولا يقصد بذلك مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الحديث تعجبوا من قول سيدكم اهـ نواوي، قال ابن الأنباري: السيد الذي يفوق قومه في الفخر (قلت) وذلك لا يكون حتى يجتمع له من خصال الشرف والفضائل والكمال ما يبرز بها عليهم ويتقدمهم بسببها وهو أيضًا الحليم وهو أيضًا الحسن الخلق وهو أيضًا الرئيس كما قال الشاعر: فإن كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخل وأنشد ابن قتيبة: نحن قتلنا سيد الـ ... ـــخزرج سعد بن عباده ورميناه بس هـ ... ــــمين فلم نخطئ فؤاده اهـ من الأبي والمفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4532 - 4533]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3641 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثني إسحاق بن عيسى) بن نجيح البغدادي، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا مالك) بن أنس (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مالك لعبد العزيز الدراوردي (أن سعد بن عبادة

قَال: يَا رَسُولَ الله! إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا، أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَال: "نَعَمْ". 3642 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. حَدَّثَنِي سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ الله! لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا، لَمْ أَمَسَّهُ حَتى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ" قَال: كَلَّا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ! إِنْ كُنْتُ لأُعَاجِلُهُ بِالسَّيفِ قَبْلَ ذلِكَ. قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اسْمَعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلًا) يزني بها (أأمهله) أي هل أتركه وأنظره (حتى آتي) أنا (بأربعة شهداء) يشهدون عليه بالزنا أم أقتله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) تمهله وتتركه حتى تحضر أربعة شهود يشهدون عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيه المتابعة ثانيًا فقال: 3642 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سليمان بن بلال لمالك وعبد العزيز (قال) أبو هريرة: (قال سعد بن عبادة: يا رسول الله لو وجدت مع أهلي) وامرأتي (رجلًا) يزني بها (لم أمسه) بالضرب ولا بالقتل بحذف همزة الاستفهام الاستبعادي أي لم أضربه ولم أقتله (حتى آتي) أي أجيء (بأربعة شهداء) اهـ مرقاة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم) لا تمسه بضرب ولا قتل (قال) سعد بن عبادة: (كلا) حرف ردع وزجر أي ارتدع وانزجر يا رسول الله عن قولك نعم (والذي) أي أقسمت لك بالإله الذي (بعثك بالحق إن كنت) إن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير للشأن (لأعاجله) أي لآخذه عجلة (بالسيف) انتقامًا منه (قبل ذلك) أي قبل إحضار الشهود، واللام في قوله لأعاجله هي الفارقة اهـ مرقاة، وفي المبارق وقول سعد كلا ليس برد لقول النبي صلى الله عليه وسلم بل كان إخبارًا عن صفته في تلك الحالة أو طمعًا بالرخصة في قتله اهـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا) يا

إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ. إِنَّهُ لَغَيُورٌ. وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي". 3643 - (1425) (185) حدّثني عُبَيدُ الله بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَين ـــــــــــــــــــــــــــــ معاشر الخزارجة (إلى ما يقول سيدكم) ورئيسكم من قوله إن كنت لأعالجه بالسيف قبل ذلك (إنه) أي إن سيدكم (لغيور) بفتح الغين المعجمة وضم الياء المخففة أي شديد الغيرة (وأنا أغير منه) أي أشد غيرة من سيدكم (والله) سبحانه وتعالى (أغير) أي أشد غيرة (مني) والغيرة في حقنا هيجان وانزعاج يجده الإنسان من نفسه يحمله على صيانة الحرم ومنعهم من الفواحش ومقدماتها، والله تعالى منزه عن مثل ذلك الهيجان فإنه تغير يدل على الحدوث فإذا أُطلقت لفظ الغيرة على الله تعالى فإنما معناه أنه تعالى منع من الإقدام على الفواحش بما توعد عليها من العقاب والزجر والذم وبما نصب عليها من الحدود، وقد دل على صحة هذا قوله في حديث آخر: (وغيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرمه الله عليه) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي اهـ من المفهم. والقول الأعلم الأسلم مذهب السلف وهو أن غيرة الله عندهم صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها منع الله تعالى عن حرماته. وفي بعض الهوامش قوله صلى الله عليه وسلم: (إنه لغيور) فيه اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لسعد وأن ما قاله سعد قاله لغيرته اهـ ملا علي. والغيرة بفتح الغين أصلها المنع، والرجل غيور على أهله أي يمنعهم من التعلق بأجنبي أو حديث أو غيره اهـ نووي. وفي المبارق هي كراهية شركة الغير في حقه والمراد بها ها هنا شدة المنع لأن الغائر على أهله مانع عنه عادة فالمنع من لوازم الغيرة اهـ وهي صفة كمال ولذلك أتبعه بقوله وأنا أغير منه والله أغير مني، وفي حديث مسلم كما في المشارق: المؤمن يغار والله أشد غيرًا اهـ لكن الغيرة في حق الناس يقارنها تغير حال الإنسان وانزعاجه وهذا مستحيل في غيرة الله تعالى اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما فقال: 3643 - (1425) (185) (حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي (القواريري) أبو شعيب البصري، ثقة، من (10) (وأبو كامل) البصري (فضيل بن حسين

الْجَحْدَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لأبِي كَامِلٍ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ وَرَّادٍ (كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ)، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَال: قَال سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيفِ غَيرَ مُصْفَحٍ عَنْهُ. فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "أتعْجَبُونَ مِنْ غَيرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَاللهِ، لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ. وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ الجحدري واللفظ) الآتي (لأبي كامل قالا): أي قال كل منهما (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر الكوفي، ثقة، من (3) (عن وراد) الثقفي أبي سعيد الكوفي (كاتب المغيرة) بن شعبة ومولاه، ثقة، من (3) (عن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبي محمد الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد بصري، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) المغيرة: (قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلًا على امرأتي) امرأة سعد بن عبادة هي فُكيهة بنت عبيد بن دليم بن حارثة اهـ من تنبيه المعلم (لضربته بالسيف غير مصفح) بفتح الفاء حال من السيف أي حالة كون السيف غير مصفح (عنه) أي غير ممال عنه على صفحه وجانبه بل أضربه بحده لا بعرضه كمن يريد قتله، وبكسرها حال من الضارب أي حالة كوني غير مميل عنه السيف على صفحه وجانبه بل أضربه بحده كما يريد قتله يعني غير ضارب بصفح السيف وهو عرضه وجانبه والذي يضرب بحد السيف يقصد القتل بخلاف الذي يضرب بالصفح فإنه يقصد التأديب، وأما قوله: (عنه) فلم يثبت في رواية البخاري وأحمد والدارمي، وقد نبه مسلم أيضًا في الرواية الآتية على كونه ساقطًا، وادعى ابن الجوزي أنه وهم من أحد الرواة وكان راويًا من الرواة ظن أنه من الصفح بمعنى العفو فأتى له بصلة عن، والأمر ليس كما ظن هو فإنما هو من صفح السيف حكاه الحافظ عن ابن الجوزي في الفتح، في باب الغيرة من كتاب النكاح اهـ تكملة. (فبلغ ذلك) الذي قاله سعد من القول المذكور آنفًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم إعذارًا له من غيرته (أتعجبون من غيرة سعد فوالله لأنا أغير منه والله أغير مني) قال القاضي عياض وغيره في تفسيره الغيرة: هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ما يكون ذلك بين

مِنْ أَجْلِ غَيرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ. وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. وَلَا شَخْصَ أَحَبَّ إِلَيهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الزوجين، ويحتمل أن تكون الغيرة في حق الله الإشارة إلى تغير حال فاعل ذلك، وقال ابن العربي: التغير محال على الله بالدلالة القطعية فيجب تأويله بلازمه كالوعيد أو إيقاع العقوبة بالفاعل، ومن أشرف وجوه غيرته تعالى اختصاصه قومًا بعصمته يعني فمن ادعى شيئًا من ذلك لنفسه عاقبه، وأشد الآدميين غيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان يغار لله ولدينه ولهذا كان لا ينتقم لنفسه، هذا ملخص ما في فتح الباري في باب الغيرة من كتاب النكاح. (قلت): والمذهب الأسلم الأعلم مذهب السلف من إجراء صفات الله تعالى على ظاهرها من غير تأويل كما ذكرنا آنفًا هـ من الفهم السقيم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أجل) شدة (غيرة الله) سبحانه وتعالى (حرم الفواحش) والمعاصي (ما ظهر منها) كالموبقات السبع (وما بطن) كالأدواء القلبية من العجب والكبر والحسد والرياء والسمعة إلى غير ذلك تفسير لغيرة الله تعالى بمعنى أنه منع الناس من المحرمات ورتب عليها العقوبات، وإلا فالغيرة تغير يعتري الإنسان عند رؤية ما يكرهه على الأهل وهو على الله سبحانه محال أفاده النووي. وفي المشارق عن ابن مسعود: (ولا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش) (ولا شخص أغير من الله) تعالى، والشخص في الحقيقة جرم الإنسان والشخص بهذا التفسير محال على الله سبحانه فالمراد لا أحد كذا حققه الأبي. (قلت) والتعبير به للتفنن (ولا شخص أحب إليه العذر) أي الإعذار أي قطع الاعتذار عمن أراده (من الله) سبحانه وتعالى (من أجل ذلك) أي من أجل قطع الاعتذار إليه عن المكلفين (بعث الله المرسلين مبشرين) لمن آمن بالجنة (ومنذرين) لمن كفر بالنار؛ يعني أنه سبحانه وتعالى مع شدة غيرته يحب أن لا يعذب أحدًا حتى يعذره ولذلك بعث الأنبياء والمرسلين (ولا شخص أحب إليه المدحة) أي المدح فالمدحة إذا ثبتت الهاء كسرت الميم وإذا حذفت فتحت، والمدح هو الثناء على الله تعالى بذكر أوصاف الكمال والإفضال (من الله) تعالى يعني أنه تعالى وعد الجنة ورغب فيها ليكثر الناس مدحه ويسألوه إياها (من أجل ذلك وعد الله الجنة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ولا شخص أغير من الله) ولفظ البخاري في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق (لا شيء أغير من الله) قال ابن الملك في شرح حديث ابن مسعود: قوله: (أغير) بالرفع على أنه خبر لا، ويجوز أن يكون صفة أحد، والخبر محذوف اهـ تقديره موجود، ونحوه فيكون إعراب أغير النصب تبعًا لمحل اسم لا، وذكر ملا علي عن الطيبي أن لا هنا بمعنى ليس وقد ذكر الاسم والخبر جميعًا وكأن النحويين غفلوا عن هذا الحديث فيقرأ شخص مرفوعًا وأغير منصوبًا، وكذا الكلام في قوله: (ولا شخص أحب إليه العذر من الله) قال النووي: والشخص مستعار من أحد، والعذر بمعنى الإعذار اهـ أي إزالة العذر وقطعها وهو فاعل لأحب والمسألة كحيلة، قوله: (المدحة) بكسر الميم وهو المدح بفتحها كما مر، ومعنى قوله: (من أجل ذلك وعد الله الجنة) أي من سبب حبه للمدح وعد عليه الجنة ليمدحوه أي إنه لما وعدها ورغب فيها كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه اهـ نووي. واعلم أن هذه المحبة في الحقيقة لمصلحة عباده لأنهم يثبتون عليه فيثيبهم فينتفعون به لا أن في مدحه نفعًا عائدًا إليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا اهـ مبارق. قال القرطبي: قال بعض أهل المعاني: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا أحد أغير من الله ولا أحد أحب إليه العذر من الله) ليكون منبهًا لسعد ورادعًا له من الإقدام على قتل من وجده مع امرأته فكأنه قال إذا كان الله تعالى مع شدة غيرته يحب الإعذار ولم يؤاخذ أحدًا إلا بعد إنهاء الإعذار فكيف تقدم على قتل من وجدته على تلك الحال، وإنما ذكر المدح مقرونًا مع ذكر الغيرة والإعذار تنبيهًا لسعد على أن لا يعمل غيرته ولا يعجل بمقتضاها بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب من ذلك، وعلى كمال الثناء والمدح بالتأني والرفق والصبر وإيثار الحق وقمع النفس عند هيجانها وغلبتها عند منازلتها، وهذا نحو من قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه أحمد والبخاري ومسلم والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 248]، والبخاري [7416]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

3644 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُميرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: غَيرَ مُصْفَحٍ. وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3644 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) (بهذا الإسناد) يعني عن وراد عن مغيرة (مثله) أي مثل ما روى أبو عوانة عن عبد الملك (و) لكن (قال) زائدة (غير مصفح) فقط (ولم يقل) زائدة لفظة (عنه) فأشار بإسقاطها إلى أن ذكرها وهم من بعض الرواة كما تقدم البحث عنها، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة زائدة لأبي عوانة في الرواية عن عبد الملك بن عمير. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث مغيرة بن شعبة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. * * *

555 - (41) باب لا ينتفي الولد بمخالفة لون أبيه

555 - (41) باب لا ينتفي الولد بمخالفة لون أبيه 3645 - (1426) (186) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 555 - (41) باب لا ينتفي الولد بمخالفة لون أبيه 3645 - (1426) (186) (وحدثناه قتيبة بن سعيد) هكذا حدثنا على الصواب كما في نسخة شرح الأبي والسنوسي، وفي نسخة النووي وغالب المتون (حدثناه قتيبة) بهاء الضمير وهو زيادة من النساخ وتحريف منهم لعدم تقدم مرجع الضمير، ولعله التبس عليهم بالسند الذي قبله (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد وزهير بن حرب واللفظ لقتيبة قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي وبلخي أو كوفي وبغدادي أو كوفي ونسائي (قال) أبو هريرة: (جاء رجل من بني فزارة) وسيأتي في رواية أبي سلمة أنه كان أعرابيًّا، وقد ذكر الحافظ في الفتح أن اسمه ضمضم بن قتادة، أخرج حديثه عبد الغني بن سعيد في المبهمات من طريق قطبة بنت عمرو بن هرم أن مدلوكًا حدّثها أن ضمضم بن قتادة وُلد له مولود أسود من امرأة من بني عجل وبنو فزارة قبيلة مشهورة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) يا رسول الله (إن امرأتي) وزوجتي (ولدت غلامًا أسود) أي على خلاف لوني، أراد بذلك التعريض بنفي الولد عن نفسه كما هو المبين في الرواية التالية بقوله وهو حينئذٍ يعرض بأن ينفيه، وزاد في حديث ابن عمر عند ابن ماجه وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط، والمراد إظهار الشك في كون الولد منه، واستدل به الجمهور على أن التعريض بالقذف ليس قذفًا ولا يجب به الحد حتى يصرح بالنفي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعده قاذفًا، ورُوي عن المالكية أنه يجب به الحد إذا كان يفهم منه القذف وأجابوا عن حديث الباب بأنه لم يكن قذفًا ولا تعريضًا به وإنما سؤالًا، والتعريض إنما يجب به الحد إذا كان على سبيل المواجهة والمشاتمة، والصحيح أنه لا يتم به استدلال الجمهور، نعم يدل على مذهبهم أن الشريعة فرقت بين التصريح والتعريض في أمر

فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَمَا أَلْوَانُهَا؟ " قَال: حُمْرٌ. قَال: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ " قَال: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَال: "فَأَنَّى أَتَاهَا ذلِكَ؟ " قَال: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَال: "وَهذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطبة فيجوز التعريض بها في العدة ولا يجوز التصريح فليكن أمر القذف كذلك بل أولى لأن الحدود تندرئ بالشبهات والله أعلم. (فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل قال) الرجل: (نعم) لي إبل (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (فما ألوانها؟ قال) الرجل: ألوانها (حمر قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (هل فيها) أي هل في إبلك (من أورق) أي إبل لونه كلون الرماد، يُجمع على ورق كحمر وأحمر، ومؤنثه ورقاء كحمراء، وقال القرطبي: الأورق الأسمر الذي يميل إلى الغبرة (قال) الرجل: (إن فيها لوُرقًا) جمع أورق، وقيل الأورق هو الذي فيه سواد ليس بصاف ومنه قيل للرماد أورق وللحمامة ورقاء (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (فأنى) أي فمن أين (أتاها) أي أتى إبلك (ذلك) الأورق (قال) الرجل: (عسى أن يكون نزعه عرق) أي أصل من أصوله أي لعل عرقه وأصله جذبه في الشبه أي جذب هذا الأورق إليه، والعرق هنا الأصل من النسب تشبيهًا بعرق الثمرة ويقال منه فلان عريق في الأصالة أي أن أصله متناسب، ومنه قولهم فلان معرق في النسب والحسب وفي اللؤم والكرم أي مشبه عرقه وأصله في ذلك، ومعنى نزعه جذبه إليه عرقه في الشبه وأظهر لونه عليه يقال نزع الولد إلى أبيه ونزع له ونزعه أبوه، والمعنى لعل أن يكون في أصولها ما هو باللون المذكور فاجتذبه إليه فجاء على لونه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهذا) الغلام الأسود الذي ولدته امرأتك (عسى أن يكون نزعه) أي جذبه إليه (عرق) من عروقه أي أصل أسود من أصوله. وفي هذا الحديث فوائد منها إن الزوج لا يجوز له الانتفاء من ولده بمجرد الظن وأن الولد يلحق به ولو خالف لونه، ومنها إن الشبهة ليس حجة شرعية فلا تعتبر القيافة في الأنساب وقد مر الكلام عليها في باب إلحاق القائف الولد من كتاب الرضاع، ومنها صحة القياس والاعتبار بالنظير لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس اختلاف الألوان في الآدميين باختلافها في الإبل، ومنها أن الرجل ينبغي له أن يشاور شيخه أو أستاذه في

3646 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ، غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَدَتِ امْرَأَتِي غُلامًا أَسْوَدَ. وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أمور أسرته وأهله، ومنها أن الاحتياط للأنساب وإلحاقها بمجرد الإمكان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 239]، والبخاري [5305]، وأبو داود [2260 - 2262]، والترمذي [2128]، والنسائي [6/ 178 - 179]، وابن ماجه [2002]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3646 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن رافع: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا ابن رافع حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي مولاهم أبو إسماعيل المدني (أخبرنا) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي العامري أبو الحارث المدني، ثقة، من (7) (جميعًا) أي كل من معمر وابن أبي ذئب رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أبي هريرة (نحو حديث ابن عيينة) غرضه بيان متابعتهما لسفيان بن عيينة (غير) أي لكن (أن في حديث معمر) وروايته لفظة (فقال) الرجل: (يا رسول الله ولدت امرأتي غلامًا أسود وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (حينئذٍ) أي حين إذ يقول ذلك الكلام (يعرِّض) أي يقصد التعريض (بأن ينفيه) أي يقصد نفيه بالتعريض، والتعريض ضد التصريح، وفيه أن التعريض اللطيف إذا لم يقصد به الشتم وكان لضرورة أو شكوى أو استفتاء لا حد فيه. (فائدة): والفرق بين التصريح والتعريض والكناية أن التصريح أن يقصد الشيء باللفظ الموضوع له، والكناية أن يقصد الشيء بلفظ محتمل له ولغيره، والتعريض أن يقصد الشيء بلفظ لم يوضع له ولا يحتمله كما ذكرناه في شرحنا أضوأ المسالك على عمدة السالك لأحمد بن النقيب في كتاب الطلاق في فقه الشافعية مع بسط الكلام فيه

وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الانْتِفَاءِ مِنْهُ. 3647 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ). قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ. وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "مَا أَلْوَانُهَا؟ " قَال: حُمْرٌ. قَال: "فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَأَنَّى هُوَ؟ " قَال: لَعَلَّهُ، يَا رَسُولَ اللهِ! يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَهذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (وزاد) معمر (في آخر الحديث ولم يرخص) صلى الله عليه وسلم (له) أي لذلك الرجل أي لم يجوّز له (في الانتفاء منه) أي في انتفاء الولد منه أي في نفي الولد عنه الذي قصده تعريضًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3647 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن يحيى) المصري (واللفظ لحرملة قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، وغرضه بيان متابعة أبي سلمة لسعيد بن المسيب (أن أعرابيًّا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلامًا أسود وإني أنكرته) أي أنكرت هذا الولد أي استغربت بقلبي أن يكون مني لا أنه نفاه عن نفسه بلفظه اهـ نووي (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر) وفي رواية محمد بن مصعب عند أحمد [2/ 409] (رُمك) بدل قوله حمر وهو جمع أرمك بمعنى الأبيض المائل إلى الحمرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنى هو) أي فمن أين حصل ذلك الأورق (قال) الرجل: (لعله) أي لعل ذلك الأورق (يا رسول الله يكون نزعه) أي جذبه (عرق له) أي أصل له (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهذا) الولد

لَعَلَّهُ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ". 3648 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينٌ. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لعله يكون نزعه عرق له) أشار صلى الله عليه وسلم بما ذكر من الجواب أن مخالفة اللون لا يدل على ذلك فلا يصح نفي النسب بها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3648 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع حدثنا حجين) بن المثنى اليمامي أبو عمرو البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد المصري (عن ابن شهاب أنه قال: بلغنا أن أبا هريرة كان يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق عقيل بن خالد (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث سفيان ومعمر وابن أبي ذئب ويونس، غرضه بيان متابعة عقيل لمن روى عن الزهري، قال الحافظ: وقوله: (بلغنا أن أبا هريرة) قال: إن ذلك يشعر بأن هذا الحديث كان عند الزهري من غير واحد وإلا لو كان عن واحد فقط كسعيد مثلًا لاقتصر عليه ومما يدل عليه أن الزهري رواه عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة كليهما والله سبحانه أعلم. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. * * *

أبواب العتق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (20) - أبواب العتق ـــــــــــــــــــــــــــــ 20 - أبواب العتق والعتق من جهة الصيغة اسم مصدر لأعتق الرباعي يقال أعتق يعتق إعتاقًا وعتقًا وإن كان مصدرًا لعتق الثلاثي إلا أن عتق لازم غالبًا يقال عتق العبد يعتق من باب ضرب عتقًا بكسر العين وفتحها مع سكون التاء فيهما من قولهم عتق الفرخ إذا طار واستقل عن أمه فيكون معناه لغة الاستقلال والطيران فكان العبد إذا فك من الرق طار واستقل لأنه تخلص من الرق واستقل بنفسه وقد يكون عتق متعديًا كقول بعضهم: يا رب أعضاء السجود عتقتها ... من فضلك الوافي وأنت الواقي والعتق يسري في الغنى يا ذا الغنى ... فامنن على الفاني بعتق الباقي وشرعًا: إزالة ملك عن آدمي لا إلى مالك تقربًا إلى الله تعالى وخرج بالآدمي الطير والبهيمة فلا يصح عتقهما، واعلم أن العتق بالقول من الشرائع القديمة بدليل عتق أبي لهب لثويبة لما بشرته بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأما العتق بالاستيلاد فهو من خصائص هذه الأمة اهـ من البيجوري باختصار. ومن عادة الفقهاء والمحدثين أنهم يذكرون كتاب العتاق بعد كتاب الطلاق متصلًا وذلك لما بينهما من مناسبات كثيرة منها أن كلًّا منهما رفع قيد وإسقاط ملك إلا أن العتق إسقاط لملك الرقبة والطلاق إسقاط لملك البضع، ومنها أن كلًّا منهما يسري من البعض إلى الكل فلو طلق الرجل جزءًا شائعًا من المرأة طلقت المرأة بأجمعها وكذلك العبد إذا أعتق بعضه عتق كله حالًا أو مآلًا، ومنها أن كلًّا منهما لا يقبل الفسخ بعد الثبوت فتحصل مما ذكر أن العتق نوع من الطلاق فيصح إدخاله في كتاب الطلاق كما سلكنا ذلك المسلك والله أعلم. * * *

556 - (42) باب فيمن أعتق شركا له في عبد وذكر الاستسعاء

556 - (42) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء 3649 - (1427) (187) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 556 - (42) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء 3649 - (1427) (187) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قلت لمالك) بن أنس: أ (حدثك) بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري (نافع عن ابن عمر) أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من رباعياته (من أعتق شركًا) أي نصيبًا (له في عبد) مشترك بينه وبين غيره وإن قل ذلك النصيب، وقوله: (من أعتق) قال العيني: ظاهره العموم لكنه مخصوص بالاتفاق فلا يصح من المجنون ولا من الصبي ولا من المحجور عليه بسفه عند الشافعي، وأبو حنيفة لا يرى الحجر بسفه فتصح تصرفاته، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن يريان الحجر على السفيه في تصرفات لا تصح مع الهزل كالبيع والهبة والإجارة والصدقة ولا يحجر عليه في غيرها كالطلاق والعتاق اهـ (فكان له) أي لذلك المعتق نصيبه (مال يبلغ ثمن العبد) المشترك أي ثمن بقية العبد التي هي حصص شركائه يعني قيمة بقيته لأن الثمن ما اشتريت به العين واللازم هنا القيمة لا الثمن اهـ عيني، ولفظ النسائي (وله مال يبلغ أنصباء شركائه فإنه يضمن لشركائه أنصباءهم ويعتق العبد) وهذا أوضح من لفظ مسلم (قوّم) أي العبد كله يعني كاملًا لا عتق فيه (عليه) أي على من أعتق شقصه ونصيبه (قيمة العدل) على الإضافة البيانية أي قيمة هي العدل لا زيادة فيها ولا نقص كما هو المنصوص في رواية (لا وكس ولا شطط) (فأُعطي) بالبناء للفاعل أي فأعطى ذلك المعتق (شركاءه) في ذلك العبد (حصصهم) أي قيمة حصصهم وأنصبائهم من العبد وذلك كأن كان العبد مشتركًا بين ثلاثة أنفار بالسوية وأعتق واحد منهم نصيبه أي ثلث العبد وكانت قيمة العبد كله ثلاثمائة فيُعطي المعتق مائتين لشريكيه (وعتق عليه) أي على ذلك المعتق أولًا (العبد) أي باقيه الذي هو نصيب شركائه هذا إذا كان موسرًا بقيمة أنصباء شركائه (وإلا) أي وإن لم يكن موسرًا بقيمة أنصباء شركائه (فقد عتق منه) أي من ذلك العبد المشترك (ما عتق) فقط أي عتق منه نصيبه الذي أعتقه دون أنصبة

3650 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعًا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ شركائه فيكون مبعضًا يقسم كسبه بينه وبين باقي الشركاء، ذكر البخاري في هذه الزيادة أعني قوله: (وإلّا فقد عتق منه ما عتق) عن أيوب السختياني أنه قال فيه: لا أدري أشيء قاله نافع أو شيء في الحديث اهـ وعتق بفتح العين والتاء ولا يُبنى للمفعول لأنه لازم ولا يجوز أن يقال فيه عبد معتوق، وتعديته بالهمزة أفاده أهل اللغة، وفي رواية للبخاري (فأعتق منه ما أعتق) بالبناء للمجهول في الأول وللمعلوم في الثاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 112]، والبخاري [2522]، وأبو داود [3940 - 3941]، والترمذي [1346]، والنسائي [7/ 319] وابن ماجه [2528]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3650 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعًا) أي كلاهما (عن الليث بن سعد) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة الليث لمالك كما سيأتي بيانه في المتن (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير بن حازم) الأزدي البصري، ثقة، من (6) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من رباعياته على ما يأتي، غرضه بيان متابعة ليث لمالك (خ وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة العنزي البصري عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لمالك (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال: سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني عن نافع عن ابن

ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لمالك (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن ابن جريج) المكي (أخبرني إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل لمالك (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني أسامة) بن زيد الليثي المدني، صدوق، من (7) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أسامة لمالك (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي المدني، ثقة، من (7) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي ذئب لمالك (كل هولاء) الثمانية المذكورين الذين بيناهم من ليث وجرير وأيوب وعبيد الله ويحيى وإسماعيل وأسامة وابن أبي ذئب رووا (عن نافع من ابن عمر) وساقوا (بمعنى حديث مالك عن نافع) عن ابن عمر، وفائدتها بيان كثرة طرقه. واعلم أن هذا الحديث قد أخبر بحكم إعتاق عبد مشترك بين رجلين فأكثر، وفي هذه المسألة خلاف بين الفقهاء ولا بد قبل دراسة هذه الأحاديث من الاطلاع عليه فاختلفوا في هذه المسألة على ستة أقوال بسطها النووي، ولكن المعروف منها ثلاثة مذاهب: الأول: مذهب أبي حنيفة وهو أن من أعتق نصيبه وهو موسر فقد عتق نصيبه وبقي نصيب شريكه فشريكه بالخيار إن شاء أعتق حصته، وإن شاء ضمن المعتق في حصته بتقويم عدل وإن شاء استسعى العبد ويكون العبد كمكاتب فإن أعتق واستسعى فالولاء بينهما نصفان وإن ضمن المعتق فالولاء للمعتق فقط ويجوز له أن يرجع على العبد بما ضمن، وأما إذا كان المعتق معسرًا فلا سبيل إلى تضمينه والشريك حينئذٍ بين خيارين إما أن يعتق حصته وإما أن يستسعي العبد.

3651 - (1428) (188) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: مذهب أبي يوسف ومحمد وهو أن من عتق نصيبه وهو موسر فقد عتق جميع العبد ويجوز لشريكه أن يضمن المعتق في حصته بتقويم عدل ولا يرجع به المعتق على العبد وإن كان المعتق معسرًا فليس له إلا أن يستسعي العبد والولاء للمعتق فقط في الوجهين. والثالث: مذهب الشافعي وأحمد وهو أن من أعتق نصيبه وهو موسر فقد عتق جميع العبد ويجوز لشريكه أن يضمن المعتق كمذهب الصاحبين وأما إذا أعتق نصيبه وهو معسر فقد عتق نصيب المعتق فقط والشريك على ملكه يقاسمه كسبه أو يخدمه يومًا ويخلي لنفسه يومًا ولا سعاية عليه وهو مذهب المالكية إلا أنهم قالوا في اليسار لا يعتق نصيب شريك المعتق إلا بدفع القيمة إليه اهـ من عمدة القاري وشرح النووي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3651 - (1428) (188) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار واللفظ) الآتي (لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري أبي مالك البصري، روى (عن بشير بن نهيك) في العتق والبيوع واللباس وأنس في الأطعمة والدعاء، وابن عباس في اللباس، وزيد بن أرقم في الفضائل، ويروي عنه (ع) وقتادة وحرب بن ميمون وسعيد بن أبي عروبة وعاصم الأحول وحميد الطويل وغيرهم، وثقه النسائي، وقال العجلي: تابعي بصري ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (103) بضع ومائة عن بشير بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء آخره كاف السدوسي أو السلولي أبي الشعثاء البصري، روى عن أبي هريرة في العتق والبيوع، وبشير بن الخصاصية، ويروي عنه (ع) والنضر بن أنس ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبو مجلز لاحق بن حميد، وثقه النسائي والعجلي وابن سعد وأحمد، وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن

قَال، فِي الْمَمْلُوكِ بَينَ الرَّجُلَينِ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَال: "يَضْمَنُ". 3652 - (00) (00) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَخَلاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة فإنه مدني (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (في المملوك) المشترك (بين الرجلين فيعتق أحدهما) نصيبه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (يضمن) المعتق منهما نصيب شريكه أي قيمة نصيب شريكه له. وشارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 255]، والبخاري [2492]، وأبو داود [3938 - 3939]، والترمذي [1348]، والنسائي في الكبرى [3962]، وابن ماجه [2527]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3652 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية الأسدي البصري (عن) سعيد (ابن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد مدني وواحد بغدادي، غرضه بسوقه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شقصًا) أي نصيبًا (له في عبد) مشترك بينه وبين غيره، والشقص بكسر الشين وسكون القاف هو النصيب قليلًا أو كثيرًا، ويقال له الشقيص أيضًا بزيادة الياء مثل نصف ونصيف، وقال ابن دريد: الشقص هو القليل من كل شيء، وقال القزاز: لا يكون إلا القليل من الكثير اهـ عمدة القاري، ويقال له الشرك والمراد بالعبد ما يعم الأمة من معنى المملوك (فخلاصه) أي فخلاص ذلك العبد من الرق (في ماله) أي في مال المعتق (إن كان له) أي للمعتق (مال) يبلغ قيمة نصيب شريكه من العبد أي فعلى المعتق أن يخلص ذلك المملوك من الرق بأداء قيمة نصيب الآخر من ماله (فإن لم يكن له) أي للمعتق (مال) يساوي قيمة نصيب شريكه من العبد سوى حوائجه الأصلية قاله ابن الملك (استسعى العبد) أي طولب العبد بسعاية قيمة نصيب الشريك الآخر أي

غَيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيهِ". 3653 - (00) (00) وحدّثناه عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، بِهذَا الإسْنَادِ، وَزَادَ: "إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيهِ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ. ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ. غَيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيهِ". 3654 - (00) (00) حدّثني هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ باكتسابها وتحصيلها فإذا دفعها إليه عتق باقيه على الرق من نصيب شريك المعتق أي طولب العبد باكتسابها حالة كونه (غير مشقوق عليه) أي حالة كون العبد غير مكلف بعمل يشق عليه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3653 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة (علي بن خشرم) بوزن جعفر بن عبد الرحمن المروزي أبو الحسن الحافظ، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، من (8) (عن سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن النضر عن بشير عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عيسى بن يونس لإسماعيل بن إبراهيم في الرواية عن سعيد بن أبي عروبة (و) لكن (زاد) عيسى بن يونس قوله: (إن لم يكن له مال قوّم عليه) أي على المعتق (العبد قيمة عدل) وهذا من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة، والعدل مصدر أُريد به اسم الفاعل والمعنى قوم عليه العبد قيمة عادلة لا زيادة فيها ولا نقص (ثم يستسعى) العبد ويطالب بالسعاية والكسب لتحصيل ما يدفعه (في) قيمة (نصيب) الشريك (الذي لم يعتق) العبد حالة كون العبد (غير مشقوق عليه) أي غير مكلف على عمل يشق عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3654 - (00) (00) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا

أَبِي. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ بِهذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ: قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ عَدْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي) جرير بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (6) (قال) جرير: (سمعت قتادة) بن دعامة (يحدّث بهذا الإسناد) يعني عن النضر عن بشير عن أبي هريرة، وساق جرير (بمعنى حديث) سعيد (بن أبي عروبة وذكر) جرير (في الحديث) لفظة (قوّم) العبد (عليه) أي على المعتق (قيمة عدل) أي قيمة عادلة ليس فيها زيادة ولا نقصان، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير بن حازم لسعيد بن أبي عروبة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

557 - (43) باب إنما الولاء لمن أعتق

557 - (43) باب إنما الولاء لمن أعتق 3655 - (1429) (189) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا. فَقَال أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "لَا يَمْنَعُكِ ذلِكِ. فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 557 - (43) باب إنما الولاء لمن أعتق 3655 - (1429) (189) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أنها) أي أن عائشة (أرادت أن تشتري جارية) فـ (تعتقها) سيأتي أنها بريرة رضي الله تعالى عنها وهي بوزن فعيلة مشتق من البرير وهو ثمر الأراك، وقيل إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة كما وجهه القرطبي، والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة، وقال: لا تزكوا أنفسكم فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك وكانت بريرة هذه لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم، وقيل لناس من بني هلال وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما يظهر من حديث الإفك وعاشت إلى خلافة معاوية وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك، وروى هو عنها بذلك اهـ من فتح الباري والإصابة وذكر العيني أنها كانت قبطية (فقال أهلها) أي أسيادها لعائشة: (نبيعكها) أي نبيعك يا عائشة الجارية (على أن) أي على شرط أن (ولاءها لنا) لا لك والمراد بالولاء هنا ولاء العتاقة وهو ميراث يستحقه المرء بسبب عتق شخص في ملكه، وفي الحديث: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" (فذكرت) عائشة أي أخبرت (ذلك) الشرط الذي قالوا لها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: اشتريها وأعتقيها و (لا يمنعك ذلك) الشرط الذي شرطوه عليك من شرائها وإعتاقها يعني أن الشرط الذي شرطوه غير مانع لك من ولائها (فإنما الولاء) أي ولاء العتاقة (لمن أعتق) أي لمن باشر العتق لا لمن شرطه لنفسه مع عدم مباشرته للعتق وهذا حصر للولاء على من باشر العتق بنفسه أيًا كان من رجل أو امرأة ممن يصح منه العتق ويستقل بتنفيذه وقوة هذا الكلام قوة النفي والإيجاب فكأنه قال لا

3656 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولاء إلا لمن أعتق وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله شرط الله أوثق في أصح الأقوال وأحسنها، وقال الداودي: هو قوله تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب / 5] {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ} [الأحزاب / 37] {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة / 188] وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر / 7] وهو حجة على أبي حنيفة وأصحابه القائلين بأن من أسلم على يديه رجل فولاؤه له وبه قال الليث وربيعة وعلي وإسحاق بثبوت الولاء بالالتقاط وعلى أبي حنيفة في حكمه بثبوت الولاء بالموالاة ولمن قال إن من أعتق عبده عن غيره أو عن المسلمين إن ولاءه له أعني للمعتق وإليه ذهب ابن نافع فيمن أعتق عن المسلمين ويلزمه فيمن أعتق عن غيره مطلقًا وخالفه في ذلك مالك والجمهور متمسكين بأن مقصود الحديث بيان حكم من أعتق عن نفسه بدليل اتفاق المسلمين على أن الوكيل في العتق معتق ومع ذلك فالولاء للمعتق عنه إجماعًا فكذلك حكم من أعتق عن الغير، وتقذره الشافعية أنه ملكه ثم ناب عنه في العتق، وأما أصحابنا فإنهم قالوا: لا يحتاج إلى تقدير ذلك لأنه يصح العتق عن الميت وهو لا يملك، وفيه نظر فإنه إن لم يقدر الملك لزم منه هبة الولاء، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته وإن قدر الملك لم يصح العتق عن الميت لأنه لا يملك، وفيه بحث طويل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 81 - 82]، والبخاري [2155]، وأبو داود [2223]، والترمذي [1154]، والنسائي [6/ 164 - 165]، وابن ماجه [2521]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3656 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لابن عمر رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي (أخبرته) أي أخبرت عائشة لعروة بن الزبير (أن بريرة جاءت عائشة) بالنصب على المفعولية أي

تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا. وَلَمْ تَكُنْ قَضتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيئًا. فَقَالتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ. فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ وَلاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا. فَأَبَوْا. وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيكِ فَلْتَفْعَلْ. وَيَكُونَ لَنَا وَلاؤُكِ. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي. فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حضرتها حالة كونها (تستعينها) أي تطلب منها المعونة (في) أداء مال (كتابتها) وهي صحابية كانت كما في أسد الغابة جارية لأناس من الأنصار فكاتبوها ثم باعوها من الصدّيقة فأعتقتها، وكانت كما يفهم من حديث الإفك في صحيح البخاري تخدم عائشة قبل أن تشتريها فلما كاتبها أهلها جاءت إلى الصدّيقة تستعينها في مال كتابتها (ولم تكن قضت) أي أدت ودفعت إليهم (من) مال (كتابتها) ونجومها (شيئًا) أي لا قليلًا ولا كثيرًا (فقالت لها) أي لبريرة (عائشة) رضي الله تعالى عنها (ارجعي) يا بريرة (إلى أهلك) ومواليك (فـ) أخبريهم أن عائشة قالت: (إن أحبوا) ورضوا (أن أقضي) وأدفع (عنك) نجوم (كتابتك) دفعة واحدة (ويكون ولاؤك) بالنصب عطفًا على أن أقضي أي ثمرة ولائك (لي) لا لهم (فعلت) ذلك أي دفعت إليهم مال كتابتك دفعة واحدة، والجملة جواب الشرط ومرادها كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في تتمة الحديث (ابتاعي فأعتقي) أن تشتريها شراءً صحيحًا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويدل عليه أيضًا قولها فيما يأتي إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك الخ وإلا فكيف تطلب الصدّيقة ولاء من أعتقه غيرها بحكم الكتابة اهـ من بعض الهوامش. (فذكرت ذلك) الذي قلته (بريرة) فاعل ذكر (لأهلها) أي لمواليها (فأبوا) أهلها ما قلته لبريرة (وقالوا) لها (إن شاءت) عائشة (أن تحتسب) على الله أجر أداء النجوم (عليك) أي عنك وأن لا يكون لها ولاء (فلتفعل) أداء النجوم عنك، وقوله: (ويكون لنا ولاؤك) بالنصب معطوف على تحتسب فهو مؤخر عن محله لأنه من متعلقات الشرط؛ والمعنى إن أرادت الثواب عند الله بشرائها إياك فإعتاقها على أن لا يكون لها ولاء فلتفعل (فذكرت) عائشة (ذلك) الشرط الذي قال أهلها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها) أي لعائشة (رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاعيـ) ــها أي اشتريها منهم (فأعتقيـ) ـــها على ما قالوا (فإنما الولاء لمن أعتق) أي لمن باشر الإعتاق فلا يضرك

ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيسَتْ فِي كِتَابِ الله؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ شرطهم، وبقوله: (ابتاعي فأعتقي) استدل من أجاز بيع المكاتب لأن بريرة رضي الله تعالى عنها كانت مكاتبة وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها وهو قول أحمد وعطاء والليث وأبي ثور والنخعي ومالك في رواية عنه، وقالوا إنه يمضي في كتابته بعد البيع فإن أدى عتق وكان ولاؤه للذي ابتاعه وإن عجز فهو عبد له كما في عمدة القاري [6/ 250] وقال أبو حنيفة والشافعي وبعض المالكية: لا يجوز بيع المكاتب حتى يعود رقيقًا بالعجز عن أداء بدل الكتابة ولكن الأمر سهل عند أبي حنيفة وذلك لأنه يجوز عنده بيع المكاتب إذا رضي هو بالبيع. قال القرطبي: الولاء نسبة ثابتة بين المعتق وبين المعتق تشبه النسب وليس منه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب) رواه الحاكم والبيهقي وابن حبان، قال الخطابي: ووجه ذلك أن الولاء لما كان كلحمة النسب والإنسان إذا وُلد له ولد ثبت له نسبه ولا ينتقل نسبه عنه ولو نسب إلى غيره فكذلك إذا أعتق عبدًا ثبت له ولاؤه ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل فلم يعبأ باشتراطهم الولاء لأنفسهم بل هو بمنزلة اللغو من الكلام اهـ. قال القرطبي: وخلاصة ما ذكر أن العبد في حكم المفقود لنفسه والمعتق يصيره موجودًا لنفسه فأشبه حال الولد مع الوالد ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه فإذا ثبتت هذه النسبة ترتب عليها من الأحكام الشرعية ما يترتب على النسب لكنه متأخر عنه فمهما وُجد نسب كان هو المقدم على الولاء، ثم إن الأحكام لا تثبت بينهما من الطرفين بل من طرف المعتق لأنه المنعم بالعتق والمعتق منعم عليه فلا جرم يرث المعتِق المعتَق ولا ينعكس اتفاقًا فيما أعلم، وعلى هذا قيل المعتِق يلي بنات معتقه ولا ينعكس على المشهور الصحيح وقيل ينعكس اهـ من المفهم. (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) على منبره (فقال ما بال أناس) أي ما شأنهم (يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) تعالى أي ليست في حكمه ولا على موجب قضاء كتابه لأن كتاب الله أمر بطاعة الرسول وأعلم أن سنته بيان له وقد جعل

مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيسَ فِي كِتَابِ الله، فَلَيسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ. شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". 3657 - (00) (00) حدّثني أبُو الطَّاهِرِ. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرسول الولاء لمن أعتق لا أن الولاء مذكور في القرآن نصًّا هـ نهاية (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فليس له) ذلك الشرط (وإن شرط) ــــه (مائة مرة) يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت (شرط الله) وقضاؤه (أحق) بأن يتبع (وأوثق) بأن يتمسك، قال ابن خزيمة: قوله: (ليس في كتاب الله) أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه لا أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يَبطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل، وقال القرطبي: قوله: (ليس في كتاب الله) أي ليس مشروعًا في كتاب الله تأصيلًا ولا تفصيلًا، ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب الله تعالى كالوضوء، ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة، ومنها ما يؤخذ أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح فكل ما يُقتبس من هذه الأصول فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلًا اهـ. قوله: (وإن شرط مائة مرة) ووقع في بعض الروايات (مائة شرط) والأول معناه تأكيد الشرط الواحد بتكريره مائة مرة ومعنى الثاني تكثير الشروط وكلا المعنيين صحيح فإن الشروط الفاسدة باطلة مهما أكدها الرجل أو كررها أو كثر عددها. قوله: (شرط الله أحق وأوثق) صيغة التفضيل ها هنا ليست على حقيقتها وإنما هي للمبالغة المحضة، قال الحافظ في الفتح [5/ 140]: وقد وردت صيغة أفعل لغير التفضيل كثيرًا، ويحتمل أن يقال ورد ذلك على ما اعتقدوه من الجواز اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3657 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من

أَنَّهَا قَالتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ إِلَيَّ. فَقَالتْ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ. فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ. بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيثِ، وَزَادَ: فَقَال: "لَا يَمْنَعُكِ ذلِكَ مِنْهَا. ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي"، وَقَال فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ". 3658 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد (أنها) أي أن عائشة (قالت: جاءت بريرة إليّ) في بيتي (فقالت) لي: (يا عائشة إني كاتبت) أي عاقدت عقد الكتابة مع (أهلي) ومواليّ (على) أداء (تسع أواق) لهم في تسع سنين مسلم لهم (في كل عام أوقية) واحدة من تلك الأواقي، فإذا أديتها كلها لهم حصل العتق لي فساعديني على أدائها لهم، والكتابة مأخوذة من الكتب لأنها مصدر كاتب يكاتب كتابًا وكتابة فالمصدر المزيد مأخوذ من المصدر المجرد ومعناها لغة الضم والجمع، وقد تقدم في أوائل الكتاب أن عطف الجمع على الضم من عطف الأعم على الأخص لأن الضم جمع مع تلاصق، وشرعًا عتق معلق على أداء مال منجم بوقتين معلومين فأكثر أي مؤقت بوقتين معلومين كأن يقول كاتبتك على دينارين تأتي بهما في شهرين فإذا أديتهما فأنت حر، وسميت كتابة كأن العبد يكتب على نفسه لمولاه ثمنه ويكتب مولاه له عليه العتق، وأركانها أربعة: مكاتب بكسر التاء وهو السيد، ومكاتب بفتحها وهو الرقيق، وعوض، وصيغة، وتقدم في كتاب الزكاة أن الأوقية أربعون درهمًا. وساق يونس (بمعنى حديث الليث) عن الزهري (و) لكن (زاد) يونس عن الليث لفظة (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعك) يا عائشة (ذلك منها) الشرط الذي شرطوه عن شرائها وعتقها هذه هي اللفظة التي زادها يونس (ابتاعيـ) ــها واشتريها (وأعتقيـ) ـــها (وقال) يونس في رواية (الحديث ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) خطيبًا (في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد) فما بال أناس الحديث فهذا بيان لمحل المخالفة بين الليث ويونس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3658 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب (الهمداني) الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ فَقَالتْ: إِنَّ أَهْلِي كَاتَبُونِي عَلَى تِسْعٍ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ. فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ. فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، وَأُعْتِقَكِ، وَيَكُونَ الْوَلاءُ لِي، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لأَهْلِهَا. فَأَبَوْا إلا أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ لَهُمْ. فَأَتَتْنِي فَذَكَرَتْ ذلِكَ. قَالتْ: فَانْتَهَرْتُهَا. فَقَالتْ: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) (حدثنا هشام بن عروة أخبرني أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام بن عروة لابن شهاب (قالت) عائشة (دخلت علي بريرة فقالت إن أهلي) ومواليّ (كاتبوني) أي عاقدوني عقد الكتابة بالإيجاب منهم والقبول مني، ومعنى كتابة الرقيق ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيرًا} [النور / 33] وقال أيضًا: {وَفِي الرِّقَابِ} هو على حذف مضاف أي وفي فك الرقاب يعني المكاتبين، وفي صحيح البخاري حكاية ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنسًا على امتناعه من كتابة عبده سيرين مع طلب العبد منه الكتابة (على تسع أواق) من الفضة مؤداة لهم (في تسع سنين في كل سنة) تؤدى لهم (أوقية) واحدة وهي أربعون درهمًا (فأعينيني) يا عائشة على أدائها (قالت) عائشة (فقلت لها) أي لبريرة (إن شاء أهلك) أي إن أرادوا (أن أعدَّها) أي أن أعد تلك الأواقي وأحسبها (لهم عدة واحدة) أي حسبانًا واحدًا وأدفعها لهم دفعة واحدة (وأعتقك) بالنصب عطفًا على أعدّها، وكذا قوله: (ويكون الولاء) أي ولاء عتقك (لي فعلت) ذلك الشراء وعدّها لهم عدة واحدة، ولفظ البخاري في بعض رواياته (أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة) وهذا صريح في أن مراد الصدّيقة شراء رقبة بريرة وإعتاقها، وفي طريق القاسم عن عائشة فيما سيأتي (أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترطوا ولاءها) أي لأنفسهم (فذكرت) بريرة (ذلك) الذي قالت عائشة (لأهلها) أي لمواليها (فأبوا) أي أبي أهلها ما قالت عائشة وامتنعوا منه أي ما قبلوه (إلا أن يكون الولاء) أي ولاء عتقها (لهم، فأتتني) بريرة أي جاءتني من عندهم (فذكرت) أي أخبرتني بريرة (ذلك) الشرط الذي قالوه لعائشة (قالت) عائشة: (فانتهرتها) أي فانتهرت بريرة أي أنكرت عليها ما ذكرته عنهم من شرط الولاء لهم، وقوله: (فقالت) عائشة، فيه التفات من التكلم إلى الغيبة أي فانتهرتها فقلت لها (لا) أشتريك ولا أعتقك

هَا اللهِ إِذًا. قَالتْ: فَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقيهَا. وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ. فَإِنَّ الْوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ" فَفَعَلْتُ. قَالتْ: ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَمَا بَالُ أَقْوَامِ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ها الله) أي والله أي أقسمت لك بالله الذي لا إله غيره (إذًا) أي إذا كان الولاء لهم، فلا نافية داخلة على محذوف، وها حرف قسم نابت عن الواو، وإذا شرطية وشرطها محذوف وجوابها معلوم مما قبلها، والتقدير أقسمت بالله لا أشتريك ولا أعتقك إذا كان الولاء لهم، قال ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 98] هذا من ألفاظ القسم كأنه قال: (لا والله إذا) فيجعلون الهاء مكان الواو اهـ وما ذكره الشراح هنا تعسف لا يليق بهم والله أعلم (قالت) عائشة (فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهاري لها وقسمي عليها (فسألني) عن سبب ذلك (فأخبرته) صلى الله عليه وسلم خبر ما جرى بيني وبين بريرة وأهلها (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء) ولا تبالي بشرط الولاء لهم (فإن الولاء لمن أعتق) أي لمن باشر العتق (ففعلت) ذلك الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله واشترطي لهم الولاء أي عليهم نظير قوله تعالى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} أي عليهم، وقوله: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي فعليها اهـ نووي، وهذا الشرط وإن كان مفسدًا للبيع إلا أن البيع الفاسد ينفذ عند القبض كما هو مقرر في الفقه (قالت) عائشة (ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية) أي في آخر النهار (فحمد الله) تعالى بصفة الجمال (وأثنى عليه بما هو أهله) من صفة الجلال (ثم) بعد حمد الله تعالى وثنائه (قال أما بعد فما بال أقوام) أي ما شأنهم وحالهم، فيه حسن الأدب والعشرة إذ لم يواجههم بالخطاب ولا صرح بأسمائهم قاله الأبي: (يشترطون) لأنفسهم (شروطًا) أي قيودًا (ليست في كتاب الله) تعالى أي في حكمه وقضائه (ما كان) ما شرطية وكان فعل شرط لـ (ما) وهي تامة، وقوله: (من شرط) بيان لـ (ما)، وقوله: (ليس في كتاب الله عزَّ وجلَّ) صفة لشرط، وقوله: (فهو باطل) جواب الشرط والمعنى أن ما كان من الشروط مما يدل على صحته دليل شرعي كان باطلًا أي فاسدًا مردودًا وهذا كما قاله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "من أحدث في

وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ. كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ. وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ فُلانًا وَالْوَلاءُ لِي. إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَن أَعْتَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ديننا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه، وفي هذا من الفقه ما يدل على أن العقود الشرعية إذا قارنها شرط فاسد يبطل ذلك الشرط خاصة وصح العقد لكن هذا إنما يكون إذا كان ذلك الشرط خارجًا عن أركان العقد كاشتراط الولاء في الكتابة واشتراط السلف في البيع فلو كان ذلك الشرط مخلًا بركن من أركان العقد أو مقصودًا فُسخ العقد والشرط اهـ من المفهم، وقوله: (وإن كان) ذلك الشرط (مائة شرط) أي وإن ذكر مائة مرة خرج مخرج التكثير يعني أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت ويفيد دليل خطابه أن الشروط المشروعة صحيحة كما قد نص النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "المؤمنون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا" أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن عوف، وقال في حديث حسن (كتاب الله) أي حكم الله تعالى وقضاؤه (أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة له ولفظ البخاري فقضاء الله أحق وهو المأخوذ في بيوع المشكاة، فقال ملا علي: لفظ القضاء يؤذن بأن المراد من كتاب الله في قوله: (ليست في كتاب الله) قضاؤه وحكمه ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لما قال له الخصم اقض بيننا بكتاب الله تعالى فقال: "لأقضين بينكما بكتاب الله" متفق عليه ثم قضى على الزاني البكر بالجلد والتغريب وعلى الزانية بالرجم وليس التغريب والرجم موجودين في كتاب الله تعالى لكن في حكم الله المسمى بالسنة وكذلك اختصاص الولاء بالمعتق ليس موجودًا في كتاب الله لكن في حكم الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مما يسمى سنة اهـ من المفهم (وشرط الله أوثق) أي بالعمل به يريد به صلى الله عليه وسلم ما أظهره وبيّنه بقوله إنما الولاء لمن أعتق اهـ مرقاة (ما بال) أي ما شأن (رجال منكم) أيها المسلمون (يقول أحدهم أعتق) يا فلان (فلانًا والولاء) على عتيقك (لي، إنما الولاء) أي إن ولاء العتق (لمن أعتق) أي لمن باشر العتق، والمراد بالولاء هنا الولاء المعهود في الحديث وهو ولاء العتاقة على أن اللام للعهد الذكري بقرينة ما قبله فلا يدل الحديث على نفي ولاء الموالاة بجعل اللام للجنس كما هو مذهب الشافعي أفاده ابن الملك وإنما جاز إعتاقها وإن كان البيع بشرط فاسد لأنها قبضتها فيجوز ترتب العتق عليها اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3659 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيب. قَالا: حدثنا ابنُ نُمَيرٍ. ح وَحدثنا أَبُو كُرَيب. حدثنا وَكِيعٌ. ح وَحدثنا زُهَيرُ بن حَرب وَإِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. كُلهم عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحوَ حَدِيثِ أَبِي أسَامَةَ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ. قَال: وَكَانَ زَوَّجُهَا عَندًا. فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. وَلَوْ كَانَ حُرًّا لم يُخَيِّرْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3659 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا) عبد الله (ابن نمير ح وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع ح وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (جميعًا) أي كل من زهير وإسحاق رويا (عن جرير) بن عبد الحميد (كلهم) أي كل من ابن نمير ووكيع وجرير رووا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (نحو حديث أبي أسامة (عن هشام بن عروة غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي أسامة (غير أن في حديث جرير) وروايته لفظة (قال) الراوي وهي عائشة أو قال عروة (وكان زوجها) أي زوج بريرة (عبدًا) أي رقيقًا لا حرًّا اسمه مغيث وكان مولى أبي أحمد بن جحش أخي زينب أم المؤمنين كما أشار إليه أبو داود، وسيأتي الكلام على كونه عبدًا أو حرًّا عند عتق بريرة رضي الله تعالى عنها (فخيرها) أي فخير بريرة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين المقام مع زوجها وفراقه (فاختارت) بريرة (نفسها) أي فراقه، وأخرج البخاري في الطلاق باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي وب موعه تسيل على لحيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعتيه" قالت: يا رسول الله تأمرني! قال: "إنما أشفع" قالت: فلا حاجة لي فيه (ولو كان) زوجها (حرًّا لم يُخيرها) هذا من قول عروة وقد صرح به في رواية النسائي في الطلاق حيث قال قال عروة فلو كان حرًّا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه بلفظ النسائي كما في عمدة القاري واستدل به الأئمة الثلاثة على أن خيار العتق إنما يثبت للزوجة إذا كان زوجها عبدًا ولا خيار لها إن كان حرًّا وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن أبي ليلى والأوزاعي والزهري والليث بن سعد وإسحاق وأما أبو حنيفة

وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمْ: "أما بعد" ـــــــــــــــــــــــــــــ فيُثبت خيار العتق عنده سواء كان زوج المعتقة عبدًا أو حرًّا وهو قول الشعبي والنخعي والثوري ومحمد بن سيرين وطاوس ومجاهد وأبي ثور وإليه ذهبت الظاهرية كما في عمدة القاري (وليس في حديثهم) أي في حديث ابن نمير ووكيع وجرير أي ليس في روايتهم ذكر لفظة (أما بعد). ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه أربع متابعات. ***

558 - (44) باب كان في بريرة ثلاث سنن

558 - (44) باب كان في بريرة ثلاث سنن 3660 - (1430) (190) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ (وَاللفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عُروَةَ، عن عَبدِ الرحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ قَضِيَّاتٍ: أرَادَ أَهْلُهَا أن يَبِيعُوهَا ويشتَرِطُوا وَلاءَهَا. فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنبِي صَلى الله عَلَيهِ وسلم. فَقَال: "اشْتَرِيهَا وَأَعتِقيهَا. فَإِن الْوَلاءَ لِمَن أَعْتَقَ" قَالت: وَعَتَقَتْ. فَخَيرَهَا رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ 558 - (44) باب كان في بريرة ثلاث سنن 3660 - (1430) (195) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن العلاء واللفظ لزهير قالا: حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لعروة بن الزبير (قالت) عائشة: (كان في بريرة) مولاة عائشة رضي الله تعالى عنها (ثلاث قضيات) أي ثلاث سنن تعني به أن هذه الثلاث هي أظهر ما في حديثها من القضايا والسنن وإلا فقد تبين أن فيه من ذلك العدد الكثير حتى قد بلغت سننه إلى مائة أو أكثر ويحتمل أن يكون تخصيصها هذه الثلاث بالذكر لكونها أصولًا لما عداها مما تضمنه الحديث أو لكونها أهم والحاجة إليها أمس والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقد ذكر العلماء في قصة بريرة هذه فوائد كثيرة تبلغ إلى مائة فائدة، وذكر النووي أن ابن خزيمة وابن جرير قد صنفا فيها تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من استنباط الفوائد، وذكر الحافظ في الفتح أن بعض المتأخرين قد أبلغوا فوائد هذا الحديث إلى أربعمائة، وساق الحافظ في الفتح [5/ 141 و 142] منها كثيرًا اهـ. فإحدى القضيات الثلاث عتقها والثانية تخييرها والثالثة أكل النبي صلى الله عليه وسلم مما تُصدق به عليه اهـ من المفهم. فذكرت عائشة الأول من الثلاث بقولها إنه (أراد أهلها) ومواليها (أن يبيعوها) لي (ويشترطوا ولاءها) لأنفسهم إذا أعتقتها (فذكرت ذلك) الذي أرادوه اللنبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (اشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق، قالت) عائشة في بيان القضية الثانية (وعتقت) بريرة بعتقي لها (فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين المقام

فَاختَارَتْ نَفسَهَا. قَالت: وَكَانَ الناسُ يَتَصَدقُونَ عَلَيهَا وَتُهدِي لَنَا. فَذَكَرتُ ذلِكَ للنبي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "هُوَ عَلَيهَا صدَقَة. وَهُوَ لكم هدية. فَكُلُوهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مع زوجها ومفارقته (فاختارت) بريرة (نفسها) أي بمفارقة زوجها، هذه الرواية فيها إجمال وإطلاق وقد زال إجمالها وتقيد إطلاقها بالروايتين المذكورتين بعدها فإن فيهما أن بريرة كان لها زوج حين أعتقت وأن زوجها كان عبدًا ومقتضى هذا الحديث بقيوده مجمع عليه وهو أن الأمة ذات الزوج العبد إذا أعتقت مخيرة بين الرضا بالبقاء مع زوجها أو مفارقته لشرف الحرية التي حصلت لها على زوجها ولدفع مضرة المعرة اللاحقة لها بملك العبد لها ولما كان هذا راجعًا لحقها لا لحق الله تعالى خترها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تأخذ بحقها فتفارقه أو تسقطه فترضى بالمقام معه، وعلى هذا فلو كان زوجها حرًّا لم يكن لها خيار للمساواة بينهما ولنفي الضرر اللاحق بها هذا مذهب جمهور العلماء وقد شذ أبو حنيفة فأثبت لها الخيار وإن كان زوجها حرًّا متمسكًا بما قال الحكم بن عيينة إن زوج بريرة كان حرًّا وكذلك قال الأسود وكلاهما لا يصح، قال البخاري: إن قول الحكم مرسل وقول الأسود منقطع قال وقول ابن عباس كان عبدًا أصح وكذلك رواه جماعة عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أنه كان عبدًا وهو الصحيح عنها (قالت) عائشة في بيان القضية الثالثة (وكان الناس بنصدقون عليها وتهدي لنا) معاشر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الصدقة، قالت عائشة: (فذكرت ذلك) أي إهداءها لنا من صدقتها اللنبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (هو) أي ذلك اللحم الذي أهدته لكم (عليها صدقة وهو) أي ذلك الطعام الكم هدية) منها إليكم (فكلوه) يعني أنها كانت معلومة الفقر فكانت تقصد بالصدقات واجبها وتطوعها وفي بعض ألفاظ هذا الحديث (يهدون لها) ولا تناقض فيه فإنه كان يفعل معها الوجهان الصدقة والهدية وقد يجوز أن تسمى الصدقة هدية كما قد أطلق عليها ذلك بعض الرواة فقال: (أهدي لها لحم) يعني تُصدق عليها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "هو لها صدقة ولنا هدية" وقد اضطربت ألفاظ الرواة لهذا الحديث فقال بعضهم: (أهدي لها لحم) وقال بعضهم: (تُصدق عليها بلحم بقر) وقال بعضهم قالت عائشة: (تصدق على مولاتي بشاة من الصدقة) وقال بعضهم: (قالت عائشة: بعث النبي صلى الله عليه

3661 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بن عَلِيٍّ، عن زَائدَةَ، عن سِمَاكٍ، عن عَبدِ الرحمن بنِ القَاسِمِ، عن أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ؛ أَنهَا اشتَرَتْ بَرِيرَةَ مِنْ أُناسٍ مِنَ الأَنصَارِ. وَاشتَرَطُوا الوَلاءَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسلم: "الوَلاءُ لِمَن وَلي النعمَةَ" وَخَيرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا. وَأَهدَتْ لِعَائِشَةَ لَحمًا. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وسلم: "لَو صَنَعتم ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم إلى بريرة بشاة من الصدقة). (قلت): وهذان اللفظان أنص ما في الباب فليُعتمد عليهما اهـ من المفهم وفيه قبول هدية الغير ومن المعتق لمعتقه وفيه الأكل مما أهدي إليه أو تصدق به عليه اهـ أبي قال القاضي وفيه أن الصدقة إذا تغيرت صفتها تغير حكمها فيجوز للغني أكلها وشراؤها وكذلك للهاشمي اهـ إكمال المعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 45 - 46]، والنسائي [6/ 162 - 163]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة هذا فقال: 3661 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي صدوق من (4) (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة سماك بن حرب لهشام بن عروة (أنها) أي أن عائشة (اشترت بريرة من أناس من الأنصار واشترطوا) عليها (الولاء) أي كون الولاء لهم (فقال رسول الله صلى الله محليه وسلم: الولاء لمن ولي النعمة) أي نعمة الإعتاق معناه لمن أعتق لأن ولاية النعمة التي يستحق بها الميراث لا تكون إلا بالعنق، ومطابقة هذا الحديث لحديث الولاء لمن أعتق أن صحة العتق تستدير سبق ملك والملك يستدعي ثبوت العوض اهـ من العيني والمناوي (وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) بين المقام عند زوجها وبين مفارقته (وكان زوجها عبدًا) اسمه مغيث كما مر (وأهدت) بريرة (لعائشة لحمًا) مما تُصدق عليها فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اللحم عند بعض الخدم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهم: (لو صنعتم)

لنا مِنْ هذَا اللَّحْمِ؟ " قَالت عَائِشَةُ: تُصُدقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَال: "هُوَ لَهَا صَدَقة وَلَنَا هَدِيَة". 3662 - (00) (00) حدثنا محمد بن المُثَنى. حَدَّثَنَا محمد بن جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصلحتم (لنا في هذا اللحم) إدامًا لكان حسنًا ويصح كون لو للتمني فـ (قالت عائشة) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا لحم (تُصدق به على بريرة) فلا تحل لكم الصدقة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (هو) أي هذا اللحم (لها) أي لبريرة (صدقة ولنا هدية) فيحل لنا أكل الهدية فلا مانع لنا من أكله، وقوله: (لو صنعتم لنا من هذا اللحم) يعارض ما يأتي من أنه صلى الله عليه وسلم دخل والبُرمة على النار لأن قوله لو صنعتم يقتضي عدم الطبخ، وقوله على النار يقتضي طبخه ويُجاب عنه بأنه اختلف المخاطب بذلك لجواز أن يُخاطب بقوله لو صنعتم بعض الخدم ثم دخل على عائشة بعد ذلك فوجد اللحم قد طبخ اهـ من الأبي، قوله: (تصدق به على بريرة) قال القاضي: إن كانت هذه الصدقة تطوعًا فيحتج بها من يجيزها لموالي قريش أو لجميعهم كان كانت واجبة يحتج به من يجيزها لمواليهم أو يخصص المنع ببني هاشم وبني المطلب اهـ إكمال المعلم، وقوله: (لها صدقة ولنا هدية) فبه دليل على أن تحريم الصدقة للغني والهاشمي ليس لعينها بل لصفتها فإنه يجوز للمتصدق عليه أن يتصرف فيما تُصدق به عليه كيف شاء فيجوز له البيع والهبة والهدية بعد ما دخل ذلك الشيء في ملكه وحينئذٍ يجوز لكل من أهدي إليه ذلك الشيء أن يأكله، وبمثل هذه الواقعة ما أخرجه البخاري في الزكاة (باب إذا تحولت الصدقة) عن أم عطية الأنصارية رضي الله تعالى عنها (قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة فقال: هل عندكم من شيء؟ فقالت: لا إلا شيء بعثت به نسيبة من الشاة بُعثت بها من الصدقة، فقال: إنها بلغت محلها) وهذا إذا دخل الشيء في ملك الواهب أو المُهدي أما إذا لم يدخل في ملكه فلا يسع له أن يهديه إلى غيره أو يهبه له ولا يحل لذلك الغير أن يأخذ منه فبطل بذلك ما استدل به بعض جهلة عصرنا على جواز قبول الهدية من آكل الربا فإن الربا لا يدخل في ملكه فكيف تصح هبته فليتنبه والله أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 3662 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي (حدثنا محمد بن جعفر)

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال. سَمِعْتُ عَبدَ الرحمن بن القَاسِمِ قَال: سَمِعتُ القَاسِمِ يُحَدِّثُ، عن عَائِشَةَ؛ أنها أرَادَت أن تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ. فَاشْتَرَطُوا وَلاءَهَا. فَذَكَرَت ذلِكَ لِرَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم. فَقَال: "اشتَرِيهَا وَأَعتِقِيهَا. فأن الْوَلاءَ لمن أَعْتَقَ". وَأُهْدِيَ لِرَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم لَحم. فَقَالُوا للنبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم: هذَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَال: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ. وَهُوَ لَنَا هَدِيةٌ". وَخُيِّرت، فَقَال عَبدُ الرحْمنِ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا. قَال شُعبَةُ: ثم سَألتُهُ عن زَوْجِهَا؟ فَقَال: لا أَدرِي. 3663 - (00) (00) وحدثناه أَحمَدُ بن عُثمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهذلي (حدثنا شعبة قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد (قال سمعت) والدي (القاسم) بن محمد (يحدّث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لهشام بن عروة (أنها) أي أن عائشة (أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترطوا ولاءها) أي اشترط أهلها أن يكون ولاؤها لهم (فذكرت) عائشة (ذلك) أي اشتراطهم كون الولاء لهم (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق) هذه قضية واحدة (وأُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هذا) اللحم لحم (تُصدّق به على بريرة فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو) أي هذا اللحم (لها صدقة وهو لنا هدية) فهو حلال لنا وهذه قضية ثانية (وخيرت) بريرة بين المقام مع زوجها وبين مفارقته، قال شعبة: (فقال عبد الرحمن) بن القاسم (وكان زوجها حرًّا، قال شعبة: ثم سألته) أي سألت عبد الرحمن (عن زوجها) أي عن حاله هل هو حر أم لا؟ (فقال) عبد الرحمن: (لا أدري) ولا أعلم هل هو حر أم عبد؟ وعبارة أسد الغابة ولما اشترتها عائشة كان زوجها مغيث حرًّا وقيل عبدًا اهـ من بعض الهوامش قال الأبي: والرواية عن عائشة قد اختلفت هل كان عبدًا أو حرًّا وأنها عن ابن عباس لم تختلف بل قال: إنه كان عبدًا فرواية عائشة محمولة على رواية ابن عباس اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 3663 - (00) (00) (وحدثناه أحمد بن عثمان) بن أبي عثمان عبد النور بن

النَّوْفَلِي. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَه. 3664 - (00) (00) وحدثنا محمد بْنُ الْمُثَنى وَابْنُ بَشار. جَمِيعًا عن أبِي هِشَامٍ. قَال ابنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ المَخزُومي أَبُو هِشَامٍ. حَدَّثَنَا وُهَيب. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: كَانَ زَوجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن سنان (النوفلي) نسبة إلى أحد أجداده أبو عثمان البصري، ثقة، من (11) (حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج، غرضه بيان متابعة أبي داود لمحمد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة (نحوه) أي نحو ما حدث ابن جعفر عن شعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 3664 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن أبي هشام) مغيرة بن سلمة (قال ابن المثنى) في روايته: (حدثنا مغيرة بن سلمة المخزومي أبو هشام) القرشي البصري وثقه ابن المديني وقال في التقريب: ثقة ثبت من صغار (9) مات سنة (250) روى عنه في (6) أبواب، وفي بعض النسخ (وأبو هشام) بواو العطف وهو تحريف من النساخ (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن يزيد بن رومان) الأسدي مولاهم مولى آل الزبير أبي روح المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (قالت: كان زوج بريرة عبدًا) وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة بصريون غرضه بيان متابعة عروة للقاسم بن محمد وهذه الرواية جزمت كونه عبدًا وهي المرجحة على رواية الشك لموافقتها رواية ابن عباس كما مر آنفًا. قال القرطبي: وقد أخرج البخاري حديث بريرة هذا عن ابن عباس فقال فيه: (إن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه خلفها يطوف يبكي ودموعه تسيل على

3665 - (00) (00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابن وَهبٍ. أَخبَرَنِي مَالِكُ بن أَنسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بن أَبِي عَبدِ الرحمنِ، عَنِ القَاسِمِ بن مُحَمد، عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وسلم؛ أَنهَا قَالت: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ لحيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعته") قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "إنما أشفع" قالت: (فلا حاجة) رواه البخاري وأبو داود والدارقطني وزاد عليه أبو داود وأمرها أن تعتد وزاد الدارقطني عدة الحرة وأخرجه أبو داود من حديث عائشة فقال: إن بريرة عتقت وهي تحت مغيث عبد لآل أبي أحمد بن جحش فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إن قربك فلا خيار لذلك" وهذه الطرق فيها أبواب من الفقه زيادة على ما ذكره مسلم فمنها جواز إظهار الرجل مخبة زوجته وجواز التذلل والرغبة والبكاء بسبب ذلك إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على مغيث من ذلك ولا نبهه عليه وفيه جواز عرض الاستشفاع والتطلف فيه وتنزل الرجل الكبير للمشفوع عنده وإن كان نازل القدر وفيه ما يدل على فقه بريرة حيث فرقت بين الأمر والاستشفاع وأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان محمولًا عندهم على الوجوب بحيث لا يرد ولا يخالف وفيه النصوص على أن الزوج كان عبدًا وفيه ما يدل على أن تمكين المخيرة من نفسها طائعة يبطل خيارها ويفهم منه أن كل من له الخيار في شيء فتصرف فيه تصرف المُلاك مختارًا إنه قد أسقط خياره وفيه جواز تصريح المرأة بكراهة الزوج وفيه ما يدل على أن نفس اختيارها لنفسها كان في وقوع الطلاق إذا لم تصرح بلفظ طلاق ولا غيره لكن حاله دل على ذلك فاكتفى به ووقع الطلاق عليها وحينئذٍ أمرها أن تعتد عدة الحرة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 3665 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (حدثنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني مالك بن أنس) المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ التيمي المدني المعروف بربيعة الرأي، ثقة، من (5) (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان غرضه بيان متابعة ربيعة الرأي لعبد الرحمن بن القاسم (أنها) أي أن عائشة (قالت: كان في بريرة ثلاث سنن) أي ثلاث قضايا، وفي

خُيِّرَت عَلَى زَوجِهَا حِينَ عَتَقَت. وَأُهدِيَ لَهَا لحم فَدَخَلَ عَلَى رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم وَالبُرمَةُ عَلَى النارِ. فَدَعَا بِطَعَامٍ. فَأتِيَ بِخُبزٍ وَأُدُمٍ مِن أُدُمِ البَيتِ. فَقَال: "أَلَم أَرَ بُرمَةً عَلَى النارِ فِيهَا لحم؟ " فَقَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ الله! ذلِكَ لحم تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَكَرِهنَا أن نُطعِمَكَ مِنهُ. فَقَال: "هُوَ عَلَيهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنهَا لَنَا هَدِيةٌ" وَقَال النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وسلم فِيهَا: "إنمَا الوَلاءُ لمن أَعتَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد (قضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أربع قضيات) فذكر نحو حديث عائشة وزاد (وأمرها أن تعتد عدة الحرة) وهذه الزيادة أخرجها الدارقطني اهـ تكملة (خُيّرت على زوجها) أي خُيرت في المقام مع زوجها أو مفارقته (حين عتقت وأُهدي لها لحم) بضم الهمزة على صيغة المجهول (فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم والبُرمة) بضم الموحدة وسكون الراء أي والحال أن البرمة تطبخ (على النار) وهي القدر المنحوتة من الصخرات (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بطعام) أي طلب بطعام يأكله (فأتي) بالبناء للمجهول أي أتي النبي صلى الله عليه وسلم (بخبز وأُدم) بضمتين جمع إدام على وزن كتاب وكتب وهو ما يؤتدم به أي أتاه خادم بخبز وإدام (من أُدم) أهل (البيت فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالاستفهام التقريري (ألم أر بُرمة) تُغلى (على النار فيها لحم) أفلا تعطوني منه (فقالوا) أي قال أهل البيت (بلى) أي نعم على النار بُرمة (يا رسول الله ذلك) اللحم الحم تُصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه) أي من ذلك اللحم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو) أي ذلك اللحم (عليها صدقة وهو منها لنا هدية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها) أي في شأن بريرة (إنما الولاء لمن أعتق) أي لمن باشر العتق، قال القاضي عياض: (قوله ألم أر بُرمة على النار فيها لحم) فيه أن سؤال الرجل عما يرى في بيته ليس بمذموم ولا مناف لمكارم الأخلاق، وقوله في حديث أم زرع ولا يُسئل عما عهد ليس من هذا وإنما ذاك أن يقول فيما عهد أين ذاك وما صنع به، أما شيء يجده فيقول ما هذا فليس منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان ليبين حكم ما جهلوا لأنه صلى الله عليه وسلم علم أنهم لم يقدموا له إدام البيت ويبخلوا عنه بسيد الإدام بل إنما تركوه لأمر اعتقده كما وقع فبين لهم اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما:

3666 - (1431) (191) وحدثنا أَبُو بَكرِ بن أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخلَدٍ، عن سُلَيمَانَ بن بِلالٍ. حَدثَنِي سُهَيلُ بن أَبِي صَالِحٍ، عن أبِيهِ، عن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: أَرَادَت عَائِشَةُ أن تَشتَرِيَ جَارِيةً تُعْتِقُهَا. فَأبى أَهلُهَا إِلَّا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْوَلاءُ. فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وسلم. فَقَال: "لا يَمنَعُكِ ذلِكِ فَإنمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعتق" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3666 - (1431) (191) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق من (10) (عن سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (8) (حدثني سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قال) أبو هريرة (أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها فأبى أهلها) أي امتنع موالي بريرة بيعها لعائشة (إلا أن يكون لهم الولاء) أي ولاء عتقها لهم (فذكرت) عائشة (ذلك) الشرط الذي شرطوا عليها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعك) من شرائها وعتقها (ذلك) الشرط الذي شرطوه عليك (فإنما الولاء) أي ثمرته وفائدته (لمن أعتق) أي باشر العتق. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر في خمس متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة رضي الله عنها فقال: ***

559 - (45) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وإثم من تولى غير مواليه

559 - (45) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وإثم من تولى غير مواليه 3667 - (1432) (192) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى التمِيمِيُّ. أَخبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عن عَبْدِ الله بن دِينَارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم نَهَى عَنْ بَيعِ الولاءِ وَعَن هِبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 559 - (45) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وإثم من تولى غير مواليه 3667 - (1432) (192) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى) نهي تحريم (عن بيع الولاء وعن هبته) ولا يصح عقدهما لو عُقدا وإنما لم يجز بيع الولاء ولا هبته للنهي عن ذلك ولأنه أمر وجودي لا يتأتى الانفكاك عنه كالنسب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب" لا يباع ولا يوهب رواه الشافعي والحاكم وابن حبان والبيهقي، واللحمة بضم اللام القرابة وخلاف السدى من نسج الثوب ومعنى هذا الحديث كما في التيسير الولاء اشتراك واشتباك كالسدى واللحمة في النسخ فهو بمنزلة القرابة فكما لا يمكن الانفصال عنها لا يمكن الانفصال عنه أي فكما لا تنتقل الأبوة والجدودة كذلك لا ينتقل الولاء وقد علم أن ولاء العتق هو إذا مات العتيق ورثه معتقه أو ورثة معتقه كانت العرب كما في النهاية تبيعه وتهبه فنهي عنه لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة غير أنه يصح في الولاء جر ما يترتب عليه الميراث مثاله أن يتزوج عبد معتقته فيولد له منها ولد فيكون حرًّا بحرية أمه ويكون ولاءه لمواليها ما دام أبوه عبدًا فلو أعتقه سيده عاد ولاؤه لمعتق أبيه بالاتفاق، وللولاء أحكام خاصة ثبتت بالسنة منها أنه لا يرث به إلا العصبات الذكور ولا مدخل للنساء فيه إلا فيما أعتقن أو أعتق من أعتقن كما قال صاحب الرحبية: وليس في النّساء طرًا عصبة ... إلا التي منت بعتق الرقبة ومنها أنه لا يورث إلا بالكبر فلا يستحق البطن الثاني منه شيئًا ما بقي من البطن الأول شيء وتفصيل ذلك في الفروع وقد حكي عن بعض السلف أن الولاء ينتقل ولعله إنما يعني به الجر المذكور آنفًا والله تعالى أعلم اهـ من المفهم بزيادة.

قَال مسلم: الناسُ كُلهم عِيَالٌ، عَلَى عَبدِ الله بنِ دِينَار، فِي هذَا الحَدِيثِ. 3668 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكر بن أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بن حَربٍ. قَالا: حدثنا ابن عُيَينَةَ. ح وَحَدثَنَا يَحيَى بن أَيوبَ وَقُتَيبَة بن سَعِيد وَابنُ حُجرٍ. قَالوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعفَرٍ. ح وَحَدثَنَا ابن نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفيَان بن سَعِيدٍ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ المُثَنى. حَدَّثَنَا محمد بن جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ. ح وَحَدثَنَا ابن المُثَنى. قَال: حَدَّثَنَا عَبدُ الوهابِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله. ح وَحَدثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى (الناس) أي المحدثون (كلهم عيال) أي مجتمعون (على عبد الله بن دينار) في رواية (هذا الحديث) عنه فإنه تفرد برواية هذا الحديث عن أبي هريرة والناس كلهم رووا عنه يعني أن هذا الحديث لم يبلغ الناس إلا بواسطته وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه من عبد الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفرًا ممن حدث به عن عبد الله بن دينار وحكى الترمذي في الولاء والهبة عن شعبة أنه قال: وددت أن عبد الله بن دينار لما حدث بهذا الحديث أذن لي حتى كنت أقوم إليه فأقبل رأسه، وذكر الحافظ في الفتح [12/ 37] أن أبا عوانة أخرج هذا الحديث في صحيحه عن نافع مقرونًا مع عبد الله بن دينار وأخرجه ابن حبان في الثقات في ترجمة أحمد بن أبي أوفى عن عبد الله بن دينار وعمرو بن دينار جميعًا والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 9] , والبخاري [6756] , والترمذي [1236]، وابن ماجه [2747]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3668 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا ابن عيينة (ح) وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) (قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سفيان بن سعيد) الثوري (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة ح وحدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (ح وحدثنا)

ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابن أَبِي فُدَيكٍ. أَخبَرَنَا الضحاكُ (يَعنِي ابن عُثمَانَ). كُلْ هؤُلاءِ عن عَبدِ الله بن دِينَارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النبي صَلَّى الله عَلَيهِ وسلم، بِمِثلِهِ، غيرَ أن الثقَفِي لَيسَ فِي حَدِيثِهِ عن عُبَيدِ الله، إِلا البَيعُ، وَلَم يَذكُرِ: الهِبَةَ. 3669 - (1433) (193) وحدثني محمد بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرزاقِ. أَخبَرَنَا ابن جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي أَبُو الزبَيرِ؛ أَنهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبدِ الله يَقُولُ: كَتَبَ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وسلم عَلَى كُل بَطنٍ عُقُولَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا اسمه يسار الذيلي المدني صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله الأسدي الحزامي المدني صدوق، من (7) (كل هؤلاء) الستة يعني ابن عيينة وإسماعيل بن جعفر وسفيان الثوري وشعبة وعبيد الله بن عمر والضحاك بن عثمان، وهذه الأسانيد الستة الأولان منهما من رباعياته والأربعة الأخيرة من خماسياته غرضه بسوقهما بيان متابعة هؤلاء الستة لسليمان بن بلال أي كلهم رووا (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار (غير أن) أي لكن أن عبد الوهاب (الثقفي ليس في حديثه) أي في روايته (عن عبيد الله إلا البيع ولم يذكر الهبة) وهذا بيان لمحل المخالفة بينه وبين غيره. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 3669 - (1433) (193) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (يقول: كتب النبي صلى الله عليه وسلم) أي فرض وأثبت (على كل بطن) والبطن دون القبيلة والفخذ دون البطن (عقوله) أي دياتهم والعقول جمع عقل والعقل الدية والهاء فيه ضمير البطن والديات لا تختلف باختلاف البطون أي أوجب عليهم غرم دية وجبت على من جنى منهم على

ثم كَتَبَ: "أنهُ لا يَحِلُّ لِمسلمٍ أَن يَتَوَالى مَولى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيرِ إِذْنِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غيرهم أي أوجب عليهم تحملها عن الجاني والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الدية في الخطإ شبه العمد على عاقلة الجاني وعصباته غير الأصول والفروع أي ضم البطون بعضها إلى بعض فيما بينهم من الحقوق والغرامات لأنه كانت بينهم دماء وديات بحسب الحروب السابقة قبل الإسلام فرفع الله سبحانه ذلك عنهم وألف بين قلوبهم ببركة الإسلام وببركته صلى الله عليه وسلم كذا في شرح الأبي مع زيادة (ثم كتب) صلى الله عليه وسلم إلى كل بطن وقبيلة من قبائل العرب (أنه) أي أن الشأن والحال (لا يحل لمسلم أن يتوالى) أي أن ينسب إلى نفسه (مولى رجل مسلم) أي عتيق رجل آخر (بغير إذنه) أي بغير إذن معتقه يعني لا يحل لرجل مسلم أن يحدث ولاء مع أن من أعتقه غيره لأن الولاء لحمة كلحمة النسب ولا يثبت شرعًا إلا للمعتق ولا يجوز لعبد معتق أن يقول أنا مولى فلان إذا كان فلان لم يعتقه فكما أن الرجل لا يحل له أن ينتمي إلى غير أبيه فكذلك لا يحل له أن يتوالى غير مولاه، وقوله: (بغير إذنه) ظاهر مفهومه منه أنه يجوز للعبد المعتق أن ينتمي إلى غير مولاه ويحدث معه الولاء إذا أذن له السيد بذلك ولكنه غير مراد في مذهب جمهور العلماء لأنهم اتفقوا على أن مثل هذا التوالي لا يجوز وإن أذن السيد بذلك لأنه إن أذن في ذلك بعوض فهو بيع للولاء وإن أذن بغير عوض فهو هبة له وكلاهما لا يجوز كما مر في الحديث السابق وأما قوله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه فقد خرج مخرج الغالب لأنهم كانوا يفعلون ذلك بغير إذن غالبًا فمفهومه غير مراد عند الجمهور. قال القرطبي: (قوله: كتب على كل بطن عقوله) أي أوجب عليهم تحمل الدية التي وجبت على من جنى منهم في الخطإ وشبه العمد وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة واستقر أمره فيها آخى بين المهاجرين والأنصار وصالح من كان فيها من اليهود وميز القبائل بعضها عن بعض وضم البطون بعضها إلى بعض فيما ينوبهم من الحقوق والغرامات وكان بينهم دماء وديات بسبب الحروب العظيمة التي كانت بينهم قبل الإسلام فرفع الله تعالى كل ذلك عنهم وألف بين قلوبهم ببركة الإسلام وبركة النبي صلى الله عليه وسلم حتى صاروا كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران / 103] وقوله: (أن يتوالى مولى رجل مسلم) هذا يقتضي تحريم أن ينسب أحد مولى رجل لنفسه وحديث أبي هريرة يقتضي تحريم

ثم أُخبِرتُ؛ أَنهُ لَعَنَ فِي صَحِيفَتِهِ مَن فَعَلَ ذلِكَ. 3670 - (1434) (194) حدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعقُوبُ (يَعنِي ابن عَبدِ الرحمن القَارِي) عن سُهَيلٍ، عَنْ أبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ نسبة العتيق لغير معتقه وكلاهما محرم هنا كما هو محرم في النسب وسوى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في الردع والوعيد فقال: "من ادعى إلى غير أبيه وانتمى إلى غير مواليه فالجنة عليه حرام" رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان قوله: (بغير إذنه) وفي الحديث الآخر: (بغير إذنهم) أي بغير إذن السادة ودليل خطابه يدل على أن السيد إذا أذن في ذلك جاز كما قد ذهب إليه بعض الناس وليس بصحيح والجمهور على منع ذلك وإن أذن السيد كما مر تعليله اهـ من المفهم. قال أبو الزبير: (ثم) بعد هذا الحديث (أُخبرت) بالبناء للمفعول أي أخبرت عن جابر (أنه) صلى الله عليه وسلم (لعن في صحيفته) ورسالته التي كتبها إلى البطون أي طلب من الله تعالى اللعن والطرد من رحمته (من فعل ذلك) التوالي أي الانتساب إلى غير مواليه فقوله: (ثم أخبرت) الخ الظاهر أنه من كلام أبي الزبير لأن أحمد أخرج هذا الحديث في مسنده [3/ 342] من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا عن الرجل يتولى مولى الرجل بغير إذنه فقال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقولهم ثم كتب أنه لا يحل أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه ثم أخرج من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن في صحيفته من فعل ذلك والمراد من الصحيفة صحيفة بعثها إلى البطون ويمكن أن يكون المراد منها صحيفة علي بن أبي طالب وسيأتي ذكرها في الحديث الآتي والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 321 و 342] , والنسائي في القسامة صفة شبه العمد، ولم أجده في الأمهات إلا في مسلم والنسائي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3670 - (1434) (194) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى قارة بتخفيف الراء اسم قبيلة المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح المدني (عن أبيه) أبي صالح السمان

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وسلم قَال: "مَن تَوَلى قَومًا بِغيرِ إِذنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله وَالمَلائكَةِ. لا يُقبَلُ مِنهُ عَدل ولا صَرف". 3671 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بن عَلِي الجُعفِيُّ، عن زَائِدَةَ، عن سُلَيمَانَ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تولى تومًا) أي اتخذهم أولياء له وانتمى إليهم، قال النووي ومعناه أن ينتمي العتيق إلى ولاء غير معتقه وهذا حرام لتفويته حق المنعم عليه لأن الولاء كالنسب فيحرم تضييعه كما يحرم تضييع النسب وانتساب الإنسان إلى غير أبيه (بغير إذن مواليه) أي ساداته (فعليه لعنة الله والملائكة) والناس أجمعين، وقد تقدم أن اللعنة أصلها الطرد والبعد فلعنة الله تعالى هي إبعاده للملعون عن رحمته وإحلاله في وبيل عقوبته ولعنة الملائكة والناس هي دعاؤهم عليه بذلك وذمهم له وطرده عنهم (لا يُقبل منه عدل) أي فرض (ولا صرف) أي ولا نفل، وحكى صاحب المحكم الصرف الوزن والعدل الفدية وبهذا جزم البيضاوي وقيل الصرف الرشوة والعدل الكفيل قاله أبان بن تغلب وأنشد: لا نُقبل الصرف وهاتوا عدلًا وحديث أبي هريرة هذا قطعة من الحديث الطويل الذي سيأتي في الحديث الآتي من رواية علي رضي الله عنه كما يظهر من مراجعة مسند أحمد [2/ 499] فإنه روى حديث أبي هريرة بعين لفظ علي رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [5114]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3671 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد (الجعفي) مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سليمان) بن مهران الكاهلي الكوفي المعروف بالأعمش (عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة كوفيون واثنان مدنيان، غرضه بيان متابعة سليمان الأعمش لسهيل بن أبي صالح

عَنِ النبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسلم. قَال: "من تولى قَومًا بِغَيرِ إِذنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله وَالمَلائكَةِ وَالناسِ أَجمَعِينَ. لا يُقْبَلُ مِنهُ، يَوْمَ القِيَامَةِ، عَدْل ولا صَرف". 3672 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ إِبراهِيمُ بن دِينَار. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بن مُوسَى. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنِ الأَعمَشِ، بِهذَا الإِسنَادِ. غَيرَ أَنهُ قَال: "ومن وَالى غَيرَ مَوَالِيهِ بِغَيرِ إِذْنِهِمْ". 3673 - (1435) (195) وحدثنا أَبُو كُرَيب. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عن إِبرَاهِيمَ التيمِي، عن أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تولى) أي من اتخذ (قومًا) أولياء (بغير إذن مواليه) أي سادته (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل) أي فرض (ولا صرف) أي ولا نفل، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة للأولى بالزيادة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3672 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني هذا الحديث يعني حديث أبي هريرة (إبراهيم بن دينار) التمار أبو إسحاق البغدادي ثقة ثبت من (10) (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبو معاوية البغدادي، ثقة، من (7) (عن) سليمان (الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه غرضه بيان متابعة شيبان بن عبد الرحمن لزائدة بن قدامة (غير أنه) أي لكن أن شيبان (قال) في روايته (ومن والى غير مواليه بغير إذنهم) أي بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث علي رضي الله عنهما فقال: 3673 - (1435) (195) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب أبي أسماء الكوفي الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي،

قَال: خَطَبَنَا عَلِي بْنُ أَبِي طَالِب فَقَال: من زَعَمَ أن عِنْدَنَا شَيئًا نَقرَؤُهُ إِلا كِتَابَ الله وَهذِهِ الصحِيفَةَ. (قَال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيفِهِ) فَقَد كَذَبَ. فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ. وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ وَفِيهَا قَال النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وسلم: "المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَينَ عَيرٍ إِلَى ثَوْرٍ. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا. فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله والملائكة وَالناسِ أَجْمَعِينَ. لا يَقْبَلُ الله مِنهُ، يَوْمَ القِيَامَةِ، صَرْفًا ولا عَدْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (2) (قال) يزيد بن شريك (خطبنا علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن أبي طالب (فقال) علي في خطبته (من زعم) وقال والزعم القول بالظن بلا دليل فيه رد على من كان يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم خص عليًّا بأمور كثيرة من أسرار الشريعة وأوصى إليه في أمر الخلافة (أن عندنا) أهل البيت (شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة) أي وهذه الورقة (قال) يزيد بن شريك (و) عنده (صحيفة) أي ورقة مكتوبة (معلقة) أي محمولة معه (في قراب سيفه) أي في غلافه والقراب هو الغلاف الذي يجعل فيه السيف بغمده، وقوله: (فقد كذب) جواب من الشرطية (فيها) أي في تلك الصحيفة (أسنان الإبل) أي بيان أسنان الإبل التي تؤدى في الدية كعشرين بنت مخاض وعشرين بنت لبون مثلًا (وأشياء من الجراحات) أي وفيها بيان أشياء من أروش بعض الجراحات كأرش الموضحة وأرش الهاشمة، قال النووي: هذا تصريح من علي رضي الله عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن عليًّا أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة ولا أصل لها ويكفي في إبطاله قول علي رضي الله عنه هذا اهـ (وفيها) أي في تلك الصحيفة لفظة (قال النبي صلى الله محليه وسلم: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور) هما جبلان على طرفي المدينة المنورة جنوبها وشمالها كما مر بسط الكلام عليهما في أواخر كتاب الحج باب فضل المدينة (فمن أحدث) أي فعل وأظهر (فيها) أي في المدينة (حدثًا) أي أمر حادثًا منكرًا مخالفًا للسنة والشريعة أي من أظهره فيها كما في النهاية (أو آوى) أي ضم وحمى وحفظ (محدثًا) أي من يفعل أمرًا حادثًا منكرًا في الشرع ورضي بعمله (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا) أي فرضًا (ولا عدلًا)

وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ. وَمَنِ ادعَى إلَى غَيرِ أَبِيهِ، أَو انْتَمَى إلَى غير مَوَالِيهِ، فَعَلَيهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلائكَةِ وَالناسِ أَجْمَعِينَ. لا يَقبَلُ الله مِنهُ، يَومَ الْقِيَامَةِ، صَرْفًا ولا عَدْلًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي نفلًا، أي لا يكون له خير يُقبل منه أحسن القبول (وذمة المسلمين) أي عهدهم وأمانهم (واحدة) أي كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها مع الكفار، وكان الذي ينقض ذمة أخيه التي عقدها مع الكفار كالذي ينقض ذمة نفسه كأنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، والذمة في الأصل ما يُذم الرجل على إضاعته من عهد وأمان كما في المرقاة (يسعى) أي يتولى (بها) بعقدها مع الكفار ويلي أمرها (أدناهم) أي أدنى المسلمين مرتبة وأقلهم درجة بينهم فإذا أمن أحد من المسلمين كافرًا لم يحل لأحد منهم نقضه وإن كان المؤمن وضيعًا اهـ من المرقاة (ومن ادعى) أي انتسب (إلى غير أبيه) المعروف (أو انتمى) أي انتسب (إلى غير مواليه) أي إلى غير من لهم الولاء عليه بأن قال العتيق لغير معتقه أنت مولاي (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا) وهذا الحديث بلفظه تقدم في كتاب الحج في باب فضل المدينة وقد بسطنا الكلام عليه هناك فراجعه إن شئت. وشارك المؤلف في روايته أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث جابر رضي الله عنه والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

560 - (46) باب ما جاء في فضل عتق الرقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

560 - (46) باب ما جاء في فضل عتق الرقبة المؤمنة وفي عتق الوالد 3674 - (1436) (196) حدثنا محمد بْنُ المُثَنى العنزي. حَدَّثَنَا يَحيَى بن سَعِيدٍ، عن عَبدِ الله بْنِ سَعِيدٍ (وَهُوَ ابن أَبِي هِندٍ). حَدثَنِي إِسمَاعِيلُ بن أَبِي حَكِيمٍ، عن سَعِيدِ بنِ مرْجَانَةَ، عن أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صَلى الله عَلَيهِ وسلم قَال: "من أَعتقَ رَقَبَة مُؤمِنَةً، أَعتقَ الله، بِكُل إِربٍ مِنهَا، إِربًا مِنهُ مِنَ النارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 560 - (46) باب ما جاء في فضل عتق الرقبة المؤمنة وفي عتق الوالد 3674 - (1436) (196)) حدثنا محمد بن المثنى العنزي حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري (عن عبد الله بن سعيد وهو ابن أبي هند) الفزاري أبي بكر المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (حدثني إسماعيل بن أبي حكيم) القرشي الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان المدني وكان كاتبًا لعمر بن عبد العزيز روى عن سعيد بن مرجانة في العتاق، وعبيدة بن سفيان في الصيد، وسعبد بن المسيب وعروة ويروي عنه (م د س ق) وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ومالك بن أنس وثقه ابن معين والنسائي وابن وضاح والبرقي وقال حميد بن صالح: حجة فيما روى عنه الجماعة، وقال في التقريب: ثقة من السادسة مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن سعيد بن مرجانة) القرشي العامري أبي عثمان المدني ومرجانة اسم أمه واسم أبيه عبد الله على الصحيح ثقة، من (3) وهو المذكور في الصحيحين بصاحب علي بن حسين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق) وحرر (رقبة) أي نسمة (مؤمنة) بالله تعالى (أعتق الله) سبحانه وتعالى (بكل إرب) بكسر الهمزة وسكون الراء أي بكل عضو (منها) أي من تلك الرقبة (إربًا) أي عضوًا (منه) أي من المعتق (من النار) الأخروية متعلق بأعتق الثاني الذي هو جواب الشرط، قال النووي: وتقييد الرقبة بالمؤمنة يدل على أن هذا الفضل الخاص إنما هو في عتق المؤمنة وأما غير المؤمنة ففيه أيضًا فضل بلا خلاف ولكن دون فضل المؤمنة والإرب بكسر الهمزة وسكون الراء هو العضو والجمع آراب، قال الحافظ في الفتح فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون في الرقبة نقصان ليحصل الاستيعاب، قال ابن الملك: وفي الحديث استحباب إعتاق كلامل

3675 - (00) (00) وحدثنا دَاوُدُ بن رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بن مُسلِمٍ، عن مُحَمدِ بْنِ مُطَرِّفٍ أَبِي غَسَّانَ المَدَنِي، عن زَيدِ بن أَسلَمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعضاء إتمامًا للمقابلة ومن ثم قال بعضهم: ينبغي أن يعتق الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى اهـ قال القرطبي: (قوله من أعتق رقبة مؤمنة) مقتضى هذا التسوية بين عتق الذكر والأنثى الصحيح والمعيب بحكم عموم الرقبة فإنها نكرة في سياق الشرط وقد صح في ذلك تفصيل وهو ما أخرجه الترمذي عن أبي أمامة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرئ مسلم أعتق امرءًا مسلمًا كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوًا وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزي كل عضو منهما عضوًا منه وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزي كل عضو منها عضوًا منها قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقد صح من حديث أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أي الرقاب أفضل؟ فقال أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنًا" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وهذا يدل على أن المعيب ليس كالصحيح ولا الكبير مثل الصغير ولا القليل مثل الكثير لتفاوت ما بينهم ولما شهد حديث الترمذي بتفاوت ما بين الذكر والأنثى لزم منه التفاوت بين من ذكرناهم في ذلك والله تعالى أعلم. وإنما فُضّل عتق الذكر على الأنثى لأن جنس الرجال أفضل من جنس النساء لأن قوام الدنيا والدين إنما هو بالرجال والنساء محل لشهواتهم ومقر الأنسال اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 420 و 422] , والبخاري [2517] , والترمذي [1541]، والنسائي في الكبرى [4874]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3675 - (00) (00) (وحدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي ثقة، من (8) (عن محمد بن مطرف) بن داود بن مطرف التيمي (أبي غسان المدني) ثقة ثبت من (7) (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله

عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرجَانَةَ، عن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم قَال: "مَنْ أَعْتَقَ رَقبَةً، أَعتَقَ الله بِكُل عُضْوٍ مِنْهَا، عُضْوا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النارِ. حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ". 3676 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيد. حَدَّثَنَا لَيث، عَنِ ابن الهَادِ، عن عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، عن سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم يَقُولُ: "من أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤمِنَةً، أَعْتَقَ الله بِكُل عُضْوٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني ثقة، من (3) (عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي الحسين زين العابدين المدني ثقة، من (3) (عن سعيد بن مرجانة) العامري المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد دمشقي وواحد بغدادي غرضه بيان متابعة علي بن حسين لإسماعيل بن أبي حكيم في الرواية عن سعيد بن مرجانة، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا من أعضائه من النار حتى) يعتق (فرجه بفرجه) كما هو مصرح به في الرواية الآتية وإنما خص الفرج بالذكر لأنه محل أكبر الكبائر بعد الشرك، وقال ملا علي: والأظهر أن المراد بذكره المبالغة في تعلق الإعتاق بجميع أعضاء بدنه اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3676 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5) (عن عمر بن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، روى عن سعيد بن مرجانة في العتق وعن أبيه ويروي عنه (م ت س) ويزيد بن الهاد وفضيل بن مرزوق وثقه ابن حبان وقال في التقريب: صدوق فاضل من السابعة (عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عمر بن علي بن حسين لإسماعيل بن أبي حكيم في الرواية عن سعيد بن مرجانة (قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أعتق رقبة مومنة أعتق الله بكل عضو

مِنْهُ، عُضْوًا مِنَ النارِ. حَتَّى يُعْتِقَ فَرجَهُ بِفَرجِهِ". 3677 - (00) (00) وحدثني حُمَيدُ بن مَسْعَدَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ الْمُفَضلِ. حَدَّثَنَا عَاصِم (وَهُوَ ابْنُ مُحَمدٍ العمري). حَدَّثَنَا وَاقِد (يَعنِي أخَاهُ). حَدثَنِي سَعِيدُ بن مَرْجَانَةَ (صَاحِبُ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ) قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم: "أَيمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امرأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ منه) أي من العتيق (عضوًا) من أعضاء المعتق (من النار حتى يعتق فرجه) أي فرج المعتق (بفرجه) أي بفرج العتيق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3677 - (00) (00) (وحدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك الباهلي السامي أبو علي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (حدثنا عاصم وهو ابن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (العمري) المدني، ثقة، من (7) (حدثنا واقد) بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني (يعني) عاصم بواقد الذي أبهم (أخاه) واقد بن محمد المذكور هو ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (حدثني سعيد بن مرجانة) المدني (صاحب علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب يعني أن سعيد بن مرجانة معروف بلقب صاحب علي بن الحسين لأنه كان ملازمًا لعلي بن حسين وهو زين العابدين بن الحسين وكان منقطعًا إليه فعُرف بصحبته (قال) سعيد: (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وائنان بصريان غرضه بيان متابعة واقد بن محمد لإسماعيل بن أبي حكيم (أيما امرئ مسلم أعتق) وحرر (امرأ مسلمًا) استدل بعض العلماء بهذا على أن إعتاق الذكر أفضل من إعتاق الأنئى وخالفهم آخرون فقالوا: إعتاق الأنثى أفضل لأن إعتاقها يجعل ولدها حرًّا سواء تزوجها حر أو عبد بخلاف الذكر فإنه إن تزوج أمة لم يكن ولده حرًّا وقال الأولون إن إعتاق المرأة ربما يستلزم ضياعها لفقد من يمونها فإعتاق الذكر أفضل، وقد ورد في الأحاديث فضل عتق الذكر والأنثى جميعًا كما في رواية النسائي وغيره اهـ من التكملة (استنقذه الله) تعالى أي استنقذ ذلك المعتق وخلصه ونجاه

بِكُل عُضوٍ مِنهُ، عُضوًا مِنْهُ مِنَ النارِ). قَال: فَانطَلَقتُ حِينَ سَمِعتُ الحَدِيثَ من أَبِي هُرَيرَةَ. فَذَكَرتُهُ لِعَلِيِّ بن الحُسَينِ. فَأعتَقَ عَبدًا لَهُ قَد أَعطَاهُ بِهِ ابن جَعفَرٍ عَشرَةَ آلًافِ دِرهَمٍ، أَو ألفَ دِينَارٍ. 3678 - (1437) (197) حدثنا أبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بن حَربٍ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عن أَبِيهِ، عن أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الاستنقاذ بمعنى التخليص من الشر والمكروه أي أنقذه الله وفداه (بكل عضو منه) أي من العتيق (عضوًا منه) أي عضوًا من المعتق (من النار، قال) سعيد بن مرجانة (فانطلقت) أي ذهبت (حين سمعت) هذا (الحديث من) عند (أبي هريرة فدكرته) أي ذكرت هذا الحديث وحدثته (لعلي بن الحسين) زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (فأعتق) علي بن الحسين عملًا بهذا الحديث (عبدًا) مملوكًا (له) أي لعلي بن الحسين اسم هذا العبد مطرف كما في رواية إسماعيل بن أبي حكيم عند أحمد وأبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما على مسلم كذا في فتح الباري (قد أعطاه) أي قد أعطى علي بن حسين (به) أي في مقابلة ذلك العبد ليشتريه منه ولعل مراده عرض عليه هذا الثمن لاشترائه منه فأبى أو يكون المراد أنه أعطاه هذا المبلغ جائزة على إعتاقه ولم أر من صرح به والأول أظهر من السياق والمقصود منه هو التنبيه على غلاء العبد ونفاسته، عبد الله (بن جعفر) بن أبي طالب، ولفظ البخاري عبد الله بن جعفر وهو جعفر الطيار بن أبي طالب رضي الله عنه أي قد أعطاه عبد الله بن جعفر في ثمنه حين عرضه للبيع (عشرة آلاف درهم) من الفضة (أو) قال ابن مرجانة قد أعطاه (ألف دينار) من الذهب والشك من واقد بن محمد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 3678 - (1437) (197) (حدثنا أبو بكر بن أبي ثيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان صدوق، من (6) (عن أبيه) ذكوان السمان، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونسائي

قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلم: "لا يَجزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلا أَنْ يَجِدَهُ مَملُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"، وَفِي رِوَايَةِ ابن أبِي شَيبَةَ: "وَلَدٌ وَالِدَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجزي ولد والدًا) أي لا يقوم ولد لما عليه لأبيه من حق ولا يكافئه بإحسانه إليه (إلا أن يجده) أي إلا أن يجد ذلك الولد والده ويصادفه (مملوكًا) للناس (فيشتريه فيعتقه وفي رواية ابن أبي شيبة ولد والده) بإضافة الوالد إلى ضمير الولد والإعتاق يترتب عليه بمجرد الشراء عند الجمهور وخالفهم أهل الظاهر فقالوا: لا يترتب العتق بمجرد الشراء بل لا بد من إنشاء عتق واحتجوا بمفهوم هذا الحديث فإن ظاهره أنه لا يقع العتق بمجرد الشراء بل لا بد من إنشاء الإعتاق بعده ودليل الجمهور حديث سمرة بن جندب عند الترمذي وأبي داود وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" قال في المرقاة: وهذا أصرح وأعم من حديث أبي هريرة وقوله محرم بالجر على الجواز لأنه صفة ذا رحم لا رحم وضمير فهو عائد لذا رحم، وهو حجة أبي حنيفة على أن جميع ذوي الأرحام المحرمة يعتقون بالشراء خلافًا للشافعي فإنه يقول: يعتق الأصول والفروع فقط وخلافًا لمالك فإنه يقول يعتق الأصول والفروع والإخوة والأخوات فحسب وأما أبو حنيفة فعمل بكل معنى الحديث فعمم الحكم في جميع الأقارب المحرمين، ويجاب عن استدلال أهل الظاهر بحديث الباب بأنه لما تسبب في عتق أبيه بالشراء نسب العتق إليه، قال السنوسي ويجاب عنه أيضًا بأن الحديث من باب التعليق بالمحال للمبالغة والمعنى لا يجزي ولد والده إلا أن يملكه فيعتقه باختياره وهو محال فالمجازاة محال كما يقال في قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ} يعني إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحل لكم غيره وذلك محال غير ممكن والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال ويجوز أن تكون الفاء في قوله: (فيعتقه) للعطف التفسيري كما في قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} إذا جعلت التوبة قتل النفس وهو كلام حسن جدًّا اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنهما فقال:

3679 - (00) (00) وحدثناه أَبُو كُرَيب. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدثَنَا ابنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. ح وَحَدثَنِي عَمْرٌو الناقِدُ. حَدَّثَنَا أبُو أَحْمَدَ الزبَيرِي. كُلهم عَنْ سُفيَانَ، عن سُهَيلٍ. بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَقَالُوا: "وَلَدٌ وَالِدَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3679 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب حدثنا وكيع ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا أبو أحمد) الأسدي (الزبيري) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الكوفي، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل من وكيع وعبد الله بن نمير وأبي أحمد رووا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة وساق سفيان (مثله) أي مثل ما حدّث جرير عن سهيل غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة سفيان لجرير (وقالوا) أي وقال كل من الثلاثة (ولد والده) مثل رواية ابن أبي شيبة. وجملة ما ذكر المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب إلى هنا تم ما أردنا إيراده وجمعه في هذا المجلد التاسع من شرح الجامع الصحيح للإمام الحافظ الحجة مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة من الأصول والشواهد (197) مائة وسبعة وتسعون حديثًا والحمد لله الذي تتم به الصالحات والشكر له على ما أكرمنا به في هذا الجامع من الخدمات والصلاة والسلام على من هو منبع العلومات سيدنا محمد وآله وجميع الصحابات وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامات. قال مؤلفه: وهذا آخر ما أكرمني الله به من هذا المجلد بإتمامه مع كثرة الصوارف والعوائق قبيل الظهر يوم السبت اليوم الرابع من شهر ذي القعدة من شهور سنة 4/ 11 / 1424 من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية سيدنا محمد خير الورى سجية وعلى آله وأصحابه ذوي المقامات السنية، بعدما وفقني بابتدائه في تاريخ سنة 26/ 3 / 1424 في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول من شهور سنة ألف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأربعمائة وأربع وعشرين سنة من الهجرة النبوية وكانت مدة اعتنائي به مع كثرة العوائق والمعائق سبعة أشهر وثمانية أيام، والحمد دئه على تمامه والشكر له على ختامه والصلاة والسلام على نبيه وآله وعلى جميع صحبه أهل نواله ومن تبعهم إلى يوم جمعه وجزائه. وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين آمين. قال الشاعر في وصف الوصال والمشاهدة: وذكرك للمشتاق خير شراب ... وكل شراب دونه كسراب وقال الآخر: لها أحاديث في ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد لها بوجهك نور يستضاء به ... ومن حديثك في أعقابها حادي وقال الآخر: بالذل قد وافيت بابك عالمًا ... إن التذلل عند بابك ينفع اجعل لنا من كل هم مخرجًا ... والطف بنا يا من إليه المرجع ثم الصلاة على النبي وآله ... خير الخلائق شافع ومشفع تم المجلد التاسع من الكوكب الوهاج والروض البهاج على مسلم بن الحجاج ويليه المجلد العاشر وأوله كتاب البيوع (1) ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء السابع عشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جمع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية دار طوق النجاة بيروت - لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

المجلد السابع عشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج ألفه وجمعه محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الغولي الأثيوبي الهرري الكري البويطي نزيل مكة المكرمة جوار الحرم المكرم المسفلة حارة الرشد غفر الله له ولوالديه ولمولوديه ولمشايخه وأصدقائه وأحبائه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات آمين .. آمين .. آمين يا رب رب العالمين ولقد أجاد من قال حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالكل أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبغضًا إنه لدميم اللهم يا رب الأرباب ... يسر لنا بكل الأسباب في شرح الجامع الصحيح ... المأثور عن النبي الفصيح

كتاب البيوع

بسم الله الرحمن الرحيم 9 - كتاب: البيوع ـــــــــــــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين في خدمتنا لهذا الجامع الصحيح نحمدك يا من له الفضل والعطا، ونشكرك يا من له الحمد والثنا، على ما وفقتنا به وشرفتنا من خدمتنا لأحاديث المصطفى والرسول المرتضى صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهداة المهديين لا سيما الخلفاء الراشدين آمين يا رب العالمين. أما بعد: فلما فرغت من تحبير المجلد التاسع بعون الله وتبسيره تفرغت لتسطير المجلد العاشر بتوفيقه راجيًا منه الإمداد من قطرات الفيض والإرشاد إنه الكريم الجواد فقلت وبالله التوفيق قال واضع الترجمة: 9 - كتاب البيوع وغيرها من المعاملات كشركة ووكالة وحوالة وقراض ومساقاة ومزارعة إلى غير ذلك من التصرفات المتعلقة بالمال، وعبر بالبيوع دون البيع مع أنه مصدر، والأصل في المصدر الإفراد نظرًا إلى تنوعه كبيع العين وبيع الدين وبيع المزايدة والمرابحة وتقسيم أحكامه كالفاسد والصحيح، والبيوع جمع بيع، والبيع لغة المبادلة ومقابلة شيء بشيء فدخل ما ليس بمال كخمر وسرجين، ومنه بالمعنى اللغوي قول الشاعر: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ... ولا أسلمها إلا يدًا بيد فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا ... وإن غدرتم فإن الرهن تحت يدي فالمبيع هو المهجة وهي الروح والثمن هو الوصل. ويطلق أيضًا على الشراء قال الفرزدق: إن الشباب لرابح من باعه ... والشيب ليس لبائعيه تجار يعني من اشتراه، ويطلق الشراء أيضًا على البيع نحو قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} قيل وسمي البيع بيعًا لأن البائع يمد باعه إلى المشتري حالة العقد غالبًا، كما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يسمى صفقة لأن أحد المتبايعين يصفق يده على يد صاحبه، لكن رد كون البيع مأخوذًا من الباع لأن البيع يائي العين والباع واويها، تقول منه بعت الشيء بالضم كقلت أبوعه بوعًا إذا قسته بالباع، والبيع في الشرع مقابلة مال قابل للتصرف بمال قابل للتصرف مع الإيجاب والقبول على الوجه المأذون فيه. وحكمة مشروعيته نظام المعاش وبقاء العالم لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبًا وقد لا يبذلها بغير المعاملة وتفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج. وأركانه ثلاثة إجمالًا وستة تفصيلًا (عاقد) بائع ومشتر (ومعقود عليه) ثمن ومثمن (وصيغة) وشرط في العاقد بائعًا كان أو مشتريًا إطلاق تصرف، فلا يصح عقد صبي ومجنون ومحجور عليه بسفه وعدم إكراه بغير حق فلا يصح عقد مكره في ماله بغير حق فإن كان بحق صح كان توجه عليه ببع ماله لوفاء دينه فأكرهه الحاكم عليه، ويصح عقد المكره في مال غيره بإكراهه لأنه أبلغ في الإذن وإسلام من يُشْتَرَى له مصحف أو نحوه ككتب حديث أو علم فيها آثار السلف أو مسلم أو مرتد فلا يصح ملك الكافر لمصحف ونحوه لما فيه من الإهانة ولا للمسلم لما فيه من الإذلال وقد قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ولبقاء علقة الإسلام في المرتد، وشرط في المعقود عليه ثمنًا أو مثمنًا كونه طاهرًا منتفعًا به للعاقد عليه ولاية والقدرة على تسلمه وكونه معلومًا للعاقدين عينًا وقدرًا وصفة وشرط في الصيغة إيجابًا وقبولًا أن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي ولا سكوت طويل وهو ما أشعر بالإعراض عن القبول وأن يتوافق الإيجاب والقبول، ولو معنى وعدم التعليق والتأقيت والإيجاب هو كل لفظ دل على التمليك بعوض والقبول كل لفظ دل على التملك بعوض اهـ من البيجوري على ابن قاسم. وقال القرطبي: والبيع لغة مصدر باع كذا بكذا أي دفع معوضًا وأخذ عوضًا منه، وهو يقتضي بائعًا وهو المالك أو من يتَنزل منزلته ومبتاعًا وهو الذي يبذل الثمن، ومبيعًا وهو المثمون وهو الذي يبذل في مقابلة الثمن، وعلى هذا فأركان البيع أربعة البائع والمبتاع والثمن والمثمون وكل واحد من هذه يتعلق النظر فيها بشروط ومسائل ستراها إن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله تعالى، والمعاوضة عند العرب تختلف بحسب اختلاف ما يضاف إليه فإن كان أحد العوضين في مقابلة الرقبة سمي بيعًا وإن كان في مقابلة منفعة ورقبة فإن كانت منفعة بضع سمي نكاحًا، وإن كانت منفعة غيرها سمي إجارة اهـ من المفهم. ***

561 - (1) باب النهي عن الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة والغرر وبيع حبل الحبلة

561 - (1) باب النهي عن الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة والغرر وبيع حبل الحبلة 3680 - (1438) (1) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمي. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيانَ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنِ الْمُلًامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 561 - (1) باب النهي عن الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة والغرر وبيع حبل الحبلة 3680 - (1438) (1) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن محمد بن يحيى بن حبان) -بفتح المهملة وتشديد الموحدة- ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى) نهي تحريم (عن) بيع (الملامسة و) بيع (المنابذة) والملامسة مفاعلة من اللمس من بابي قتل وضرب كما في المصباح وهو المس باليد والمراد أن يجعل عقد البيع لمس المبيع، والمنابذة أيضًا مفاعلة من النبذ من باب ضرب والمراد أن يجعل عقد البيع نبذ المبيع، وقد فسرا في الحديث على ما ستراه. واختلف في تفسير الملامسة على ثلاث صور: إحداها: أن يكتفي باللمس عن النظر ولا خيار له بعده بأن يلمس ثوبًا لم يره ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، الثانية: أن يجعل اللمس بيعًا بأن يقول إذا لمسته فقد بعتكه اكتفاءً بلمسه عن الصيغة، الثالثة: أن يبيعه شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع خيار المجلس وغيره اكتفاءً بلمسه عن الإلزام بتفرق أو تخاير، وبطلان البيع المستفاد من النهي لعدم رؤية البيع واشتراط نفي الخيار في الأول، ونفي الصيغة في عقد البيع في الثانية، وشرط نفي الخيار في الثالثة اهـ من الإرشاد. والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه، والمراد أن مجرد النبذ يعتبر فيه بيعًا من غير أن يجري بينهما إيجاب وقبول، وقيل إنه أن يقول لصاحبه إذا نبذته إليك انقطع الخيار ولزم

3681 - (00) (00) وحدثنا أبُو كُرَيبٍ وَابْنُ أبِي عُمرَ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، مِثْلَهُ. 3682 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدثَنَا مُحَمدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهابِ. كُلهُمْ عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُبَيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البيع، وذكر الخطابي عن بعضهم أنه نبذ الحجر فإذا وقع الحجر لزم البيع وهو نظير بيع الحصاة وسيأتي تفسيرهما في حديث أبي سعيد الخدري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 476] , والبخاري [368] والترمذي [1310] , والنسائي [7/ 260] , وابن ماجه [2169]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3681 - (00) (00) وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح (عن سفيان) الثوري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزناد لمحمد بن يحيى بن حبان (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أبو الزناد (مثله) أي مثل ما روى محمد بن يحيى بن حبان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3682 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير وأبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري كلهم) أي كل من ابن نمير وأبي أسامة وعبد الوهاب (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري (عن خبيب بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف الأنصاري أبي

عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلم، بِمِثْلِهِ. 3683 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرحمن، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، مِثْلَهُ. 3684 - (00) (00) وحدثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ؛ أَنهُ سَمِعَهُ يُحَدثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحارث المدني، ثقة، من (4) (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حفص بن عاصم للأعرج، وساق حفص بن عاصم (بمثله) أي بمثل ما روى الأعرج عن أبي هريرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3683 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لعبد الرحمن الأعرج، وساق أبو صالح (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل حديث الأعرج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3684 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) المكي (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية ثم نون يمد ويقصر المدني أو البصري، صدوق، من (3) (أنه) أي أن عمرو بن دينار (سمعه) أي سمع عطاء (يحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان

أَنهُ قَال: نُهِيَ عَنْ بَيعَتَينِ: المُلامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. أَما الْمُلامَسَةُ فَأنْ يَلْمِسَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيرِ تَأمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الآخَرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة عطاء بن ميناء لعبد الرحمن الأعرج (أنه) أي أن أبا هريرة (قال نهي) بالبناء للمفعول أي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن بيعتين) أي عن نوعين من البيع (الملامسة والمنابذة، أما الملامسة فـ) ـهي (أن يلمس) من بابي نصر وضرب كل واحد منهما) أي من الشخصين (ثوب صاحبه بغير) نظر ولا (تأمل) فيه (والمنابذة أن ينبذ) من باب ضرب (كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه) وقيل الملامسة أن يقول البائع للمشتري بعتك ما لمسته من هذه الأثواب وهي موضوعة في الظلام، والمنابذة أن يقول له بعتك ما أنبذه إليك من هذه الأثواب وكل منهما من بيع الجاهلية وكذا كل ما اشتمل على الغرر، وعند البخاري في اللباس من طريق يونس عن الزهري والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده في الليل وفي النهار ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ إليه الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض، وللنسائي من حديث أبي هريرة والملامسة أن يقول الرجل للرجل أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسًا، والمنابذة أن يقول أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ليشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو ذلك، ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنهما كما مر مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين وظاهر الطرق كلها أن التفسير من الحديث المرفوع لكن وقع في رواية النسائي ما يشعر بأنه من كلام من دون النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه وزعم أن الملامسة أن يقول الخ فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابي لأنه يبعد أن يعبّر الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ يعني لفظ زعم اهـ من الإرشاد. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال:

3685 - (1439) (2) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، وَاللفْظُ لِحَرْمَلَةَ، قَالا: أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْريَّ قَال: نَهَانَا رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيعَتَينِ وَلبْسَتَينِ: نَهَى عَنِ الْمُلامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيعِ. وَالْمُلامَسَةُ لَمْسُ الرجُلِ ثَوبَ الآخَرِ بِيَدِهِ بِالليلِ، أَوْ بِالنهارِ، ولا يَقْلِبُهُ إِلا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنبِذَ الرجُلُ إِلَى الرجُلِ بِثَوْبِهِ وينْبِذَ الآخَرُ إِلَيهِ ثَوْبَهُ، ويكُونُ ذَلِكَ بَيعَهُمَا مِنْ غَيرِ نَظَرٍ ولا تَرَاضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3685 - (1439) (2) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصريان (واللفظ لحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني، ثقة، من (3) (أن أبا سعيد الخدري قال) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين) بفتح الموحدة وكسرها تثنية بيعة، والفرق بينهما أن الفعلة بالفتح للمرة وبالكسر للهيئة والحالة، قال البرماوي: والوجه الكسر لأن المراد الهيئة اهـ قسط (ولبستين) بكسر اللام على الهيئة لا بالفتح على المرة والمراد نهى عن هيئتين للبس، وقوله: (نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع) تفصيل لبيعتين وبيان له (والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه) أي ولا يقلب ذلك الثوب ظهرًا إلى بطن وبطنًا إلى ظهر، ضبطه ملا علي كذا بالتخفيف وبضم اللام وكسرها، ووجد في بعض النسخ مضبوطًا بالتشديد أي ليس له قلب الثوب أي لم يهتم بالقلب (إلا) الاكتفاء (بذلك) أي بمجرد اللمس يعني أن المشتري لا يتمكن في بيع الملامسة من أن يقلب المبيع ويراه، وقوله إلا بذلك استثناء منقطع والمراد أنه لا يمكنه قلب الثوب وإنما هو يلمسه فقط اهـ من التكملة، وقوله: (بالليل) المقصود من ذكره عدم رؤية المتاع (والمنابذة أن ينبذ الرجل) أي يطرح الرجل (إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه ويكون ذلك) اللمس والنبذ (بيعهما من غير نظر) أي بالبصر في الملامسة، وقيل بلا تأمل وتفكر (ولا تراض) بالإيجاب والقبول في المنابذة أو بالتعاطي، وزيدت لا لتأكيد النفي المستفاد من غير اهـ من المرقاة، فسر البيعتين في الحديث ولم يفسر اللبستين وهما كما في المشكاة اشتمال الصماء والاحتباء، والصماء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، والمراد بالاحتباء احتباؤه وتلففه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء اهـ والاشتمالة الصماء المذكورة في مكروهات الصلاة هو الالتحاف بالثوب من غير أن يجعل موضع تخرج منه اليد، وفي باب المناهي من الجامع الصغير نهى عن اللبستين المشهورة في حسنها والمشهورة في قبحها، وفيه أيضًا نهى عن الشهرتين دقة الثياب وغلظها ولينها وخشونتها وطولها وقصرها ولكن سداد فيما بين ذلك واقتصاد اهـ وخير الأمور أوساطها اهـ من الهامش. قال القرطبي: (وقوله ويكون ذلك) اللمس والنبذ (بيعهما من غير نظر) في صورة اللمس (ولا تراض) في صورة النبذ يعني أنه كان يجب البيع بنفس اللمس والنبذ ولا يبقى لواحد منهما خيرة في فسخه، وبهذا تحصل المفسدة العظيمة إذ لا يدري أحدهما ما حصل له فيعم الخطر ويكثر القمار والضرر اهـ من المفهم. وقوله من غير نظر راجع إلى الملامسة. وقوله: ولا تراض راجع إلى المنابذة كما قررناه أولًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2144] , وأبو داود [2378 و 3379]، والنسائي [7/ 260]، وابن ماجه [2170]. قال الحافظ: واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور وهي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير الذي في الأحاديث. الثاني: أن يجعل نفس اللمس بيعًا بغير صيغة زائدة. الثالث: أن يجعل اللمس شرطًا في قطع خيار المجلس. والبيع على التأويلات كلها باطل، ثم قال أيضًا: واختلفوا في المنابذة على ثلاثة أقوال وهي أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعًا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير المذكور في الأحاديث، والثاني: أن يجعلا النبذ بيعًا بغير صيغة زائدة، والثالث: أن يجعلا النبذ قاطعًا للخيار هكذا في الفتح والعلة في النهي عن الملامسة والمنابذة الغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس اهـ من العون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3686 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 3687 - (1440) (3) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ويحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأبُو أسَامَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ الله، حَدثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ بَيعِ الْحَصَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 3686 - (00) (00) (وحدثنيه عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة ثبت، من (4) (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عامر بن سعد عن أبي سعيد، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد، وفائدتها تقوية السند الأول. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3687 - (1440) (3) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ففيه، من (8) (ويحيى بن سعيد) القطان (وأبو أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (ح وحدثني زهير بن حرب واللفظ له حدثنا. يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر (حدثني أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة) قال النووي: فيه ثلاث تأويلات: أحدها أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة، والثاني أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة، والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مبيع منك بكذا اهـ منه. قال ابن الأثير في جامع الأصول: [1/ 528] بيع الحصاة هو أن يقول: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، وقيل هو أن يقول: بعتك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت، أو بعت من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك والكل فاسد لأنه من بيوع الجاهلية وكلها غرر لما فيه من الجهالة اهـ. (البيع بالتعاطي) واستدل الشافعي على حرمة بيع التعاطي بحديث النهي عن بيع الحصاة وعن بيع الملامسة والمنابذة وقال: إن هذه البيوع إنما فسدت لكونها خالية من الإيجاب والقبول فيقاس عليها التعاطي لأنه يخلو عن الإيجاب والقبول، وقد رد عليه ابن قدامة في المغني بما فيه الكفاية فلنحك عبارته بلفظه، قال ابن قدامة: المعاطاة مثل أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزًا فيعطيه ما يرضيه أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه. (قلت): جعله ابن قدامة من باب التعاطي وقال بعض الفقهاء: إنه ليس من باب التعاطي وإنما هو إيجاب لفظًا وقبول فعلًا والتعاطي إنما يكون فيما كان الإيجاب والقبول فيه فعلًا والله أعلم. قال: فهذا بيع صحيح نص عليه أحمد فيمن قال لخباز: كيف تبيع الخبز؟ قال: كذا بدرهم، قال: زنه وتصدق به فإذا وزنه فهو عليه وقول مالك نحو من هذا فإنه قال: يقع البيع بما يعتقده الناس بيعًا، وقال بعض الحنفية: يصح التعاطي في الأشياء الخسيسة، وحكي عن القاضي مثل هذا قال: يصح في الأشياء اليسيرة دون الكثيرة. (قلت): والصحيح المفتى به عند الحنفية جواز التعاطي في خسائس الأشياء ونفائسها كما في الدر المختار والله أعلم. ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب والقبول لفظًا وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا. ولنا أن الله أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ولأن البيع كان موجودًا بينهم معلومًا عندهم، وإنما علق عليه الشرع أحكامًا وأبقاه على ما كان فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم، ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلًا شائعًا ولو كان ذلك شرطًا لوجب نقله ولم يتصور منهم إهماله والغفلة منه، ولأن البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه صلى الله عليه وسلم

وَعَنْ بَيعِ الْغَرَرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بيانًا عامًّا ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا فكان ذلك إجماعًا وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية والصدقة، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابه: "كلوا" ولم يأكل، وإن قيل: هدية ضرب بيده وأكل معهم، وفي حديث سلمان حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثمر فقال هذا شيء من الصدقة رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "كلوا" ولم يأكل هو، ثم أتاه ثاني بثمر فقال: رأيتك لا تأكل الصدقة وهذا شيء أهديته لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بسم الله، وأكل. ولم يُنقل قبول ولا أمر بإيجاب وإنما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية، وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول وليس إلا المعاطاة والتفرق عن تراض يدل على صحته ولأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي فإذا وُجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه كذا في المغني لابن قدامة أول البيوع [3/ 562] ثم إن التعاطي ليس من بيع الحصاة ولا من الملامسة أو المنابذة في شيء لأن هذه البيوع يفوتها النظر والتراضي ويجمعها الجهالة والغرر، ولا غرر ولا جهالة في التعاطي وإنما هو إيجاب وقبول بالفعل لا باللفظ. (وعن بيع الغرر) تعميم بعد تخصيص ليعم الحكم لسائر أنواع الغرر، قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل لأنه غرر من غير حاجة ومعنى الغرر الخطر والغرور والخداع، وضبطه الفقهاء بأنه كل ما انطوت عنا عاقبته، واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في عموم النهي عن بيع الغرر ولكن أفردت بالذكر والنهي عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة اهـ وقد فسره ابن الأثير في جامع الأصول بقوله: الغرر ماله ظاهر تؤثره وباطن تكرهه، فظاهره يغر المشتري وباطنه مجهول اهـ. وقال القرطبي: هو البيع المشتمل على غرر مقصود كبيع الأجنة وضربة الغائص والبعير الشارد وما أشبه

3688 - (1441) (4) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، فأما الغرر اليسير الذي ليس بمقصود فلم يتناوله هذا النهي لإجماع المسلمين على جواز إجارة العبد والدار مشاهرة ومساناة مع جواز الموت وهدم الدار قبل ذلك وعلى جواز إجارة الدخول في الدخول في الحمام مع تفاوت الناس فيما يتناولون من الماء وفي قدر المُقام فيه وكذلك الشرب من السقاء مع اختلاف أحوال الناس في قدر المشروب وأيضًا فإن كل بيع لا بد فيه من نوع من الغرر لكنه لما كان يسيرًا غير مقصود لم يلتفت الشرع إليه وإذا انقسم الغرر على هذين الضربين فما تبين أنه من الضرب الأول مُنع، وما كان من الضرب الثاني أجيز وما أشكل أمره اختلف فيه من أي القسمين هو فيلحق به اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 436] , وأبو داود [3376] , والنسائي [7/ 262] وابن ماجه [2194]. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3688 - (1441) (4) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (قالا أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد) البلخي الثقفي (حدثنا ليث عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما والمراد بعبد الله المبهم هنا هو ابن عمر بقرينة ذكر نافع قبله، وبقرينة السند الذي بعده وإلا فالمعروف أنهم إذا أطلقوا عبد الله فإنما يريدون به ابن مسعود، وهذان السندان من رباعياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع حبل الحبلة) بفتح الباء فيهما وهو الصحيح في الرواية واللغة، والحبل بالتحريك مصدر حبلت المرأة بكسر الباء تحبل بفتحها إذا حملت سُمي به المحمول كما سمي بالحمل وإنما دخلت عليه التاء كما في النهاية للإشعار بمعنى الأنوثة فيه والحبلة جمع حابلة وأصل الحبل في بنات آدم والحمل في غيرهن قاله أبو عبيد، وقد فسره ابن عمر في الحديث وإلى تفسيره ذهب مالك والشافعي، قال المبرد: حبل الحبلة عندي حمل الكرمة قبل أن تبلغ، والحبلة الكرمة بسكون الباء وفتحها، وقال ابن الأنباري: والهاء في حبلة للمبالغة

3689 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمدُ بْنُ المُثَنَّى (وَاللفْظُ لِزُهَيْرٍ). قَالا: حَدَّثنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ كقولهم سخرة (كثير السخرية من الناس) وهمزة ولمزة، قال النووي: قال أهل اللغة: الحبلة هنا جمع حابل كظالم وظلمة وفاجر وفجرة وكاتب وكتبة، قال الأخفش: يقال حبلت المرأة فهي حابل والجمع نسوة حبلة. واختلف العلماء في تفسير بيع حبل الحبلة على أقوال: الأول أنه البيع بثمن مؤجل إلى أن تضع الناقة الحاملة ثم تعيش المولودة حتى تكبر ثم تلد وهذا هو المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما نفسه في رواية مالك عن نافع عند البخاري ولفظه إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها، والثاني: أنه البيع بثمن مؤجل إلى أن تضع الناقة الحاملة حملها فقط وهذا التفسير مروي عن نافع عند البخاري في آخر السلم وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وجماعة، والثالث: أنه البيع بثمن مؤجل إلى أن تلد الدابة الحاملة ويحمل ولدها ولا يشترط وضعه وهذا التفسير هو المتبادر مما ذكره مسلم في الرواية الآتية عن ابن عمر ووجه المنع في هذه الصور الثلاثة جهالة الأجل في البيع، والرابع: أنه بيع جنين الناقة أو جنين جنينها في الحال وبهذا التفسير جزم الترمذي وبه قال أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد وإسحاق ووجه المنع في هذه الصورة الغرر وجهالة المبيع لأن الجنين لا يتيقن إلا بوضعه فضلًا عن أن يلد ذلك الجنين، وقد رجح النووي تفسير حبل الحبلة بالأوجه الثلاثة الأولى لأنه مروي عن ابن عمر نفسه ولكن التفسير الأخير مروي عنه أيضًا فيما أخرجه أحمد في مسنده، والظاهر أن جميع هذه التفاسير صحيحة والبيع بها كان متعارفًا في الجاهلية فنهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم إما لجهالة الأجل أو لجهالة المبيع والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2143] , وأبو داود [3380]، والنسائي [7/ 293]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3689 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لزهير قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان عن عبيد الله) بن

أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيةِ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ: أَنْ تُنْتَجَ الناقَةُ ثم تَحْمِلُ التِي نُتِجَتْ. فَنَهَاهُمْ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر بن حفص بن عاصم العمري (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد (قال) ابن عمر: (كان أهل الجاهلية يتبايعون) أي يبيع بعضهم لبعض (لحم الجزور) أي لحم الإبل، والجزور بفتح الجيم هو البعير ذكرًا كان أو أنثى، غير أن لفظه مؤنث تقول هذه الجزور وإن أردت ذكرًا فيحتمل أن يكون ذكره في الحديث قيدًا فيما كان أهل الجاهلية يفعلونه فلا يتبايعون هذا البيع إلا في الجزور أو في لحم الجزور، ويحتمل أن يكون ذكره على سبيل المثال، وأما في الحكم فلا فرق بين الجزور وغيرها في ذلك النهي كذا في فتح الباري [4/ 299] وظاهر هذا السياق أن هذا التفسير من كلام ابن عمر، وقد زعم بعضهم أنه من إدراج نافع في الحديث، واعتمدوا في ذلك بما أخرجه البخاري في السلم عن جويرية بتصريح أن نافعًا هو الذي فسره ولكن لا مانع أن يكون نافع قد رواه مرة عن ابن عمر وحدث به أخرى من غير عزوه إلى ابن عمر أي يبيعون الجزور مؤجلًا ثمنه (إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة) بضم التاء الأولى وفتح الثانية على صيغة المبني للمجهول وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة المجهول ويريدون به في المعنى المعلوم وهي من الصيغ النادرة كما في الفتح أي أن تلد الناقة (ثم) تكبر المولودة و (تحمل) المولودة (التي نتجت) أي ولدتها الشاقة الكبيرة (فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن البيع مؤجلًا إلى حبل الحبلة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

562 - (2) باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه وتحريم تلقي الركبان والنجش والتصرية

562 - (2) باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه وتحريم تلقي الركبان والنجش والتصرية 3690 - (1442) (5) حدثنا يَحْيَى بْنُ يحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيعِ بَعْضٍ". 3691 - (00) (00) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ). قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 562 - (2) باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه وتحريم تلقي الركبان والنجش والتصرية 3690 - (1442) (5) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض) مثاله أن يقول: لمن اشترى شيئًا في مدة الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه ونحو ذلك، وهذا حرام، وكذا يحرم الشراء على شراء أخيه وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو هذا وكلاهما ممنوع بهذا الحديث لأن العقد قد تم بينهما وفي مثله إضرار بأحدهما. وقد فسر الحديث بعضهم كالقاضي عياض أن المراد من البيع السوم على سوم بعض وهو أن يكون المتساومان قد اتفقا على ثمن وركنا إلى عقد البيع فيأتي ثالث ويقول للبائع: أنا أشتريه منك، وذلك لا يجوز أيضًا، وسيأتي مصرحًا في حديث أبي هريرة، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 63] والبخاري [2139]، والترمذي [1292]، والنسائي [7/ 258]، وابن ماجه [2171]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3691 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لزهير قالا:

حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لَا يَبعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إلا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ". 3692 - (1443) (6) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبع الرجل على بيع أخيه) المراد منه المسلم، وبه استدل الأوزاعي وأبو عبيد بن حربويه من الشافعية على أن هذا إنما يحرم مع المسلم ولا بأس به مع الكافر كما حكى عنهما الحافظ في الفتح، وأصرح منه ما سيأتي في حديث أبي هريرة (لا يسم المسلم على سوم أخيه) ولكن الجمهور على أن الحكم يشمل الذمي والمستأمن أيضًا، وإنما خرج ذكر الأخ أو المسلم مخرج الغالب فلا مفهوم له، وقال في الدر المختار: وذكر الأخ في الحديث ليس قيدًا بل لزيادة التنفير، وقال ابن عابدين: قوله: بل لزيادة التنفير لأن البيع على البيع يوجب إيحاشًا وإضرارًا وهو في حق الأخ أشد منعًا، قال في النهر: كقوله في الغيبة: (ذكرك أخاك بما يكره) إذ لا خفاء في منع غيبة الذمي (ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن) الأول (له) أي للثاني في البيع والخطبة بعده، والظاهر أن هذا الاستثناء منصرف إلى البيع والخطبة كليهما، وقد صرح به العيني في العمدة: فإن إذن البائع الأول يدل على أنه قد رضي بفسخ البيع وحينئذٍ يجوز العقد للثاني، قال العيني في عمدة القاري: [4/ 496] وإنما حرم بيع البعض على بعض لأنه يوغر الصدور ويورث الشحناء ولهذا لو أذن له في ذلك ارتفع على الأصح وقد سبقت مباحث الخطبة في كتاب النكاح. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على السوم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3692 - (1443) (6) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني،

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ". 3693 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَلاءِ وَسُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا الأول (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يسم) بفتح الياء وضم السين لأنه أجوف واوي كقال، وبالجزم على النهي (المسلم على سوم أخيه) المسلم، وصورته أن يتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه فيقول آخر للبائع: أنا أشتريه منك بثمن أزيد، وهذا حرام بعد استقرار الثمن، وأما السوم في السلعة التي تباع لمن يريد فليس بحرام اهـ نووي. وفي رد المحتار: وصورة السوم أن يتراضيا بثمن ويقع الركون به فيجيء آخر فيدفع للمالك أكثر أو مثله، قال الخير الرملي: ويدخل السوم في الإجارة، والحاصل أن موقع النهي إنما يأتي بعد استقرار الثمن بين البائع والمشتري الأول وبعد ركونهما إلى البيع أما قبل استقرار الثمن والركون فلا يكره أن يسوم الثالث كما لا يكره الخطبة على خطبة أخيه إذا لم يظهر من المرأة الركون اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 274]، والبخاري [2140]، وأبو داود [2080]، والنسائي [6/ 71]، وابن ماجه [2172]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3693 - (00) (00) (وحدثنيه أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي (الدورقي) نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس لأنه ولد فيها (حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن العلاء) بن عبد الرحمن (وسهيل) بن أبي صالح (عن أبيهما) عبد الرحمن بن يعقوب وأبي صالح السمان كليهما (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة بن الحجاج لإسماعيل بن جعفر قوله: (عن

ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. وَفِي رِوَايَةِ الدَّوْرَقِيِّ: عَلَى سِيمَةِ أَخِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبيهما) ظاهره أن العلاء وسهيلًا أخوان وأبوهما واحد والأمر ليس كذلك فإن العلاء هو ابن عبد الرحمن وسهيلًا هو ابن أبي صالح، وقد روى كل واحد عن أبيه فلا يصح التعبير بقوله: (عن أبيهما) وورد في بعض المرويات (عن أبويهما) وهو تعبير صحيح، وقيل: إنه بفتح الباء وهو تثنية أب على قول من يقول: (هذان أبان ورأيت أبين) ولكن الرواية المشهورة هي بكسر الباء (ح وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم لأبي صالح السمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى أن يستام) أي أن يشتري (الرجل على سوم أخيه) يقال استام الرجل من باب استفعل إذا استدعى من البائع أن يخبره بسوم السلعة أي بثمنها، وقد يكون بمعنى الثلاثي فيقال في ثلاثيه سامه بسلعة كذا يسومه سومًا، والمرة منه سومة، وقد يكسر ما قبل الواو فتنقلب ياء فيقال سيمة، وقد جاء في رواية كما ذكره المصنف بقوله: (وفي رواية) أحمد بن إبراهيم (الدورقي على سيمة أخيه) بدل قوله على سوم أخيه بكسر السين وسكون الياء أصله سومة قلبت الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها وهو مصدر بمعنى السوم، ومعنى قوله: (نهى أن يستام الرجل على سوم أخيه) أي نهى أن يكون الرجل طالبًا لشراء سلعة تقارب الانعقاد على طلب أخيه لتلك السلعة اهـ من بعض الهوامش.

3694 - (1444) (7) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ لِبَيعٍ. وَلَا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيعِ بَعْضٍ. وَلَا تَنَاجَشُوا. وَلَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 3694 - (1444) (7) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتلقى الركبان) بالبناء للمفعول أي لا تستقبل القافلة قبل دخولهم البلد (لبيع) أي لشراء ما معهم من البضاعة برخص، قال النووي: تلقي الركبان هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد ما معه كذبًا ليشتري منه سلعته بأقل من ثمن المثل، والركبان جمع راكب وهم القافلة سماهم ركبانًا لركوبهم الإبل غالبًا، والمعنى لا تستقبلوا الذين يحملون المتاع إلى البلد للاشتراء منهم قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا الأسعار (و) قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) وقد مر بسط الكلام فيه (ولا تناجشوا) أصله تتناجشوا حذفت إحدى التاءين لتوالي الأمثال، وقد مر أنه الزيادة في الثمن بلا رغبة في الشراء ليغر غيره بتلك الزيادة اهـ قسط، قال القرطبي: أصل النجش الاستثارة والاستخراج، ومنه سمي الصائد ناجشًا لاستخراجه الصيد من مكانه والمراد به في الحديث النهي عن أن يزيد في ثمن السلعة ليغر غيره وكأنه استخرج منه في ثمن السلعة ما لا يريد أن يخرجه فإذا وقع فمن رآه لحق الله تعالى فسخ ومن رآه لحق المشتري خيره فإما رضي أو فسخ، قال أبو عبيد الهروي: أصل النجش مدح الشيء وإطراؤه فالناجش يغر المشتري بمدحه ليزيد في الثمن اهـ. (ولا يبع حاضر لباد) وهذا مفسر بقول ابن عباس رضي الله عنهما لا يكن سمسارًا، وظاهر هذا النهي العموم في جميع أهل البوادي أهل العمود وغيرهم قريبًا كانوا من الحضر أو بعيدًا كان أصل المبيع عندهم بشراء أو كسب وإليه صار غير واحد من العلماء، وحمله مالك على أهل العمود ممن بعد منهم عن الحضر ولا يعرف

وَلَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسعار إذا كان الذي جلبوه من فوائد البادية بغير شراء وإنما قيده مالك بهذه القيود نظرًا إلى المعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وذلك أن مقصوده أن يرتفق أهل الحاضرة بأهل البادية بحيث لا يضر ذلك أهل البادية ضررًا ظاهرًا وهذا لا يحصل إلا بمجموع تلك القيود اهـ من المفهم باختصار. واختلف في شراء أهل الحاضرة للبادي فقيل بمنعه قياسًا على البيع لهم، وقيل: يجوز ذلك لأنه لما صار ثمن سلعته بيده عينًا أشبه أهل الحضر فإذا وقع هذا البيع فهل يفسخ معاقبة لهم أو لا يفسخ لعدم خلل ركن من أركان البيع قولان اهـ منه (ولا تصروا) بضم التاء وفتح الصاد وضم الراء المشددة بعدها واو الجمع (الإبل والغنم) بالنصب على المفعولية نظير {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] وهو من التصرية كالتزكية وهو الصحيح ضبطًا ومعنى وضبطه بعضهم (ولا تصروا) بفتح التاء وضم الصاد ونصب الإبل وبعضهم بضم التاء وفتح الصاد ورفع الإبل وعلى هذين الضبطين من الصر الذي هو الربط ولو كانت كذلك لقيل فيها مصررة وإنما جاء مصراة وما هنا من التصرية، يقال: صرى الإبل يصري تصرية كزكى يزكي تزكية، ويقال: صرّاها يصرِّيها تصرية فهي مصراة كغشاها يغشيها تغشية فهي مغشاة وزكاها يزكيها تزكية فهي مزكاة، ومعنى (التصرية) عند الفقهاء أن يجمع اللبن في الضرع يومين أو ثلاثة حتى يعظم فيظن المشتري أن ذلك لكثرة اللبن وعظم الضرع وهي المسماة أيضًا بـ (المحفَّلة) في حديث آخر رواه البخاري [2149] يقال: ضرع حافل أي عظيم و (المحفل) الجمع العظيم، وقال الشافعي: التصرية أن يربط أخلاف الناقة أو الشاة ويترك حلبها يومين أو ثلاثة حتى يجتمع لبنها فيزيد المشتري في ثمنها لما يرى من ذلك، قال الخطابي: والذي قال الشافعي صحيح لأن العرب تصر الحلوبات وتسمى ذلك الرباط صرارًا، واستشهد لهم بقول العرب (العبد لا يحسن الكر، وإنما يحسن الحلب والصر) قاله عنترة لأبيه. وأصل (لا تصروا الإبل) على القول الصحيح لا تصرِّيُوا استثقلت الضمة على الياء فنُقلت إلى ما قبلها لأن واو الجمع لا يكون ما قبلها إلا مضمومًا فانقلبت الياء واوًا واجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى وبقيت واو الجمع ساكنة فحذفت لالتقاء الساكنين، ومعنى الحديث لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة، ومنه قول العرب صريت الماء في

فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْو بِخَيرِ النَّظَرَينِ، بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا. فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا. وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ". 3695 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحوض أي جمعته وصرى الماء في ظهره أي حبسه فلم يتزوج وخص الإبل والغنم بالذكر لأنهما أكثر أموال العرب وإلا فالبقر كذلك، والضمير في قوله: (فمن ابتاعها بعد ذلك) للمصراة المفهومة من السياق أي فمن اشترى المصراة ظانًّا كثرة لبنها فبان خلافها (فهو) أي فمشتريها ملتبس (بخير النظرين) أي مستحق بخير الأمرين من الرد والإمساك (بعد أن يحلبها) بضم اللام (فإن رضيها) مع عيبها (أمسكها) في ملكه فلا يردها (وإن سخطها) لعيبها ولم يرض إمساكها (ردها) أي رد المصراة (و) رد معها (صاعًا من تمر) بدل اللبن المحلوب، ولو اشترى مصراة بصاع من تمر ردها وصاع تمر إن شاء واسترد صاعه، قال القاضي وغيره: لأن الربا لا يؤثر في الفسوخ. قوله: (بخير النظرين) أي بخير الأمرين له إما إمساكه المبيع أو رده أيهما اختاره فعله كما فُسر في الحديث بقوله: (فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعًا) أي مع صاع من تمر عوضًا عن لبنها المحلوب، قال في المبارق: لأن بعض اللبن حدث في ملك المشتري وبعضه كان مبيعًا فلعدم تميزه امتنع رده ورد قيمته فأوجب الشارع صاعًا قطعًا للخصومة من غير نظر إلى قلة اللبن وكثرته كما جعل دية النفس مائة من الإبل مع تفاوت النفس، وعمل الشافعي بالحديث وأثبت الخيار في المصراة، وقال أبو حنيفة: لا خيار فيها، والحديث متروك العمل لأنه مخالف للأصل المستفاد من قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} وهو إيجاب المثل أو القيمة عند فوات العين، أو يقال: إنه كان قبل تحريم الربا بأن جوز في المعاملات أمثال ذلك ثم نُسخ اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2727] والنسائي [7/ 255]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3695 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي، ثقة، من

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّلَقِّي لِلرُّكْبَانِ. وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَأَنْ تَسْأَلَ الْمرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا. وَعَنِ النَّجْشِ. وَالتَّصْرِيَةِ. وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. 3696 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرٍ بْنُ نَافِعٍ - حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم لعبد الرحمن الأعرج (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن التلقي) والاستقبال (للركبان) أي للرفقة القادمة بالسلع ليشتريها منهم قبل أن تبلغ الأسواق بدون ثمن مثلها (وأن يبيع حاضر لباد وأن تسأل المرأة) الأجنبية (طلاق أختها) في الإسلام، وزاد في رواية سعيد بن المسيب عند البخاري (لتكفأ ما في إنائها) ومعناه نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته لينكحها أو أن يخطب الرجل المرأة وله امرأة فتشترط عليه طلاق الأولى لتنفرد به وليصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بإكفاء ما في الإناء، والكفوء والإكفاء بمعنى الإمالة وهذا مثل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها كذا في عمدة القاري [4/ 497] (و) نهى (عن النجش) وهو أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع بلا رغبة فيها ليغر المشتري بها بإيقاعه في الزيادة على ثمن المثل وهو حرام لما فيه من إضرار المشتري (و) نهى عن (التصرية) وهو أن يترك اللبن في ضروعها أيامًا ولا يحلب ليراها الناظر منتفخة الضروع فيظنها كثيرة الدر (وأن يستام الرجل على سوم أخيه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3696 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة (أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري ثقة من (10) (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من

حَدَّثَنَا أَبِي. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي حَدِيثِ غُنْدَرٍ وَوَهْبٍ: نُهِيَ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى. بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ. 3697 - (1445) (8) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّجْشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (11) (حدثنا أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث (قالوا) أي: قال كل من غندر ووهب بن جرير وعبد الصمد بن عبد الوارث حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين متفقين على الرواية عن شعبة (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن أبي حازم عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمعاذ بن معاذ ولكن (في حديث غندر ووهب) بن جرير لفظة (نُهي) بالبناء للمجهول (وفي حديث عبد الصمد أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى) بصيغة المبني للمعلوم، وساقوا (بمثل حديث معاذ عن شعبة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر في النجش رضي الله عنهم فقال: 3697 - (1445) (8) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما، وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن النجش). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 63]، والبخاري [2165]، وأبو داود [3436]، والنسائي [7/ 257]، وابن ماجه [2179]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث ابن عمر الأخير ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة والله أعلم. ***

563 - (3) باب النهي عن تلقي الجلب وبيع حاضر لباد وبيان أن التصرية عيب يوجب الخيار

563 - (3) باب النهي عن تلقي الجلب وبيع حاضر لباد وبيان أن التصرية عيب يوجب الخيار 3698 - (1446) (9) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُتَلَقَّى السِّلَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الأَسْوَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 563 - (3) باب النهي عن تلقي الجلب وبيع حاضر لباد وبيان أن التصرية عيب يوجب الخيار 3698 - (1446) (9) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون، ثقة، من (9) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) ابن فروخ التميمي القطان أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (ابن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى أن تتلقى) بضم التاء الأولى وفتح القاف المشددة على صيغة المبني للمجهول أي أن تستقبل (السلع) بكسر السين وفتح اللام جمع سلعة كسِدْرَة وسِدَر وهي الأمتعة التي يتجر فيها أي نهى عن استقبال أصحابها لشرائها منهم برخص قبل دخول البلدة (حتى تبلغ الأسواق) أي حتى تصل وتدخل أسواق البلدان التي تساق إليها، وفي رواية نهى أن تتلقى الركبان، وفي رواية نهى عن التلقي، وفي رواية نهى عن تلقي البيوع، وفي رواية أن يتلقى الجلب، وفي رواية لا تتلقوا الجلب، فالسلع جمع سِلعة كسِدَرٍ وسدرة وهو المتاع وما يتجر به، والبيوع جمع بيع بمعنى المبيع والمراد المبيعات المجلوبة، والجلب بفتحتين فعل بمعنى مفعول وهو ما يجلب للبيع أي شيء كان، وفي سنن ابن ماجه قال: "لا تلقوا الأجلاب" بصيغة الجمع؛ والمراد الأمتعة المجلوبة، والركبان جمع راكب والمراد قافلة التاجرين الذين يجلبون الأرزاق والمتاجر والبضائع ونهى عن تلقيهم لأن من تلقاهم يكذب في سعر البلد واشترى بأقل من ثمن المثل وهو تغرير محرم اهـ من بعض الهوامش.

وَهذَا لَفْظُ ابْنِ نُمَيرٍ وَقَال الآخَرَانِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّلَقِّي. 3699 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل ذلك لحق الله تعالى وعلى هذا فيفسخ البيع أبدًا وقال به بعض أصحابنا، وهذا إنما يليق بأصول أهل الظاهر، والجمهور على أنه لحق الآدمي لما يدخل عليه من الضرر، ثم اختلفوا فيمن يرجع إليه هذا الضرر فقال الشافعي: هو البائع فيدخل عليه ضرر الغبن وعلى هذا فلو وقع لم يفسخ ويكون صاحبه بالخيار وعلى هذا يدل ظاهر الحديث فإنه قال فيه: إذا أتى سيده السوق فهو بالخيار، وقال مالك: بل هم أهل السوق بما يدخل عليهم من غلاء السلع، ومقصود الشرع الرفق بأهل الحاضرة كما قال: دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض، وكأن مالكًا لم تبلغه هذه الزيادة أو لم يثبت عنده أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى قول مالك فلا يفسخ ولكن يخير أهل السوق فإن لم يكن سوق فأهل المصر بالخيار، وهل يدخل المتلقي معهم أو لا؟ قولان سبب المنع عقوبته بنقيض قصده، وقد أجاز أبو حنيفة والأوزاعي التلقي إلا أن يضر بالناس فيكره، وهذه الأحاديث حجة عليهما اهـ من المفهم. (وهذا) المذكور (لفظ) عبد الله (بن نمير وقال الآخران) يعني ابن أبي زائدة ويحيى بن سعيد (إن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن التلقي) أي عن تلقي السلع المجلوبة للبيع والمعنى واحد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 63]، والبخاري [2165]، وأبو داود [3436]، والنسائي [7/ 257]، وابن ماجه [2179]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3699 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج النيسابوري (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن) عبد الرحمن (ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن مالك) بن أنس (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق مالك (بمثل حديث) عبد الله

ابْنِ نُمَيرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. 3700 - (1447) (10) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُبَارَكٍ، عَنِ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن نمير عن عبيد الله) العمري، غرضه بيان متابعة مالك لعبد الله بن نمير في اللفظ المذكور له. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنهم فقال: 3700 - (1447) (10) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن مبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم المروزي، ثقة، من (8) (عن) سليمان بن طرخان (التيمي) نزل في التيم فنُسب إليهم، أبي المعتمر البصري، ثقة، من (4) (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تلقي البيوع) أي عن استقبال المبيعات المجلوبة من خارج البلد. قال القرطبي: وقد اختلف أصحابنا في مسافة منع ذلك فقيل: يومان، وقيل: ستة أميال، وقيل: قرب المصر (قلت): هذه التحديدات متعارضة لا معنى لها إذ لا توقيف فيه وإنما محل المنع أن ينفرد المتلقي بالقادم خارج السوق بحيث لا يعرف ذلك أهل السوق غالبًا وعلى هذا فيكون ذلك في القريب والبعيد حتى يصح قول بعض أصحابنا: لو تلقى الجلب في أطراف البلد أو أقاصيه لكان تلقيًا منهيًا عنه وهو الصحيح لنهيه صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى عن تلقي السلع حتى تورد الأسواق فلو لم يكن للسلعة سوق فلا يخرج إليها لأنه التلقي المنهي عنه غير أنه يجوز أن يشتري في أطراف البلد لأن البلد كله سوقها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والترمذي والنسائي اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:

3701 - (1448) (11) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ. 3702 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي هِشَامٌ الْقُرْدُوسِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَلَقُّوُا الْجَلَبَ. فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 3701 - (1448) (11) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) (عن) محمد (ابن سيرين (الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم عن (أن يتلقى) بصيغة المجهول (الجلب) أي السلع المجلوبة للبيع أيًّا كانت، وقيل: الجلب جمع جالب كخدم وخادم والمراد به من يجلب الأموال إلى البلد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2162]، وأبو داود [3437]، والترمذي [2221]، والنسائي [7/ 257]، وابن ماجه [2178]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3702 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا هشام بن سليمان) بن عكرمة بن خالد المخزومي المكي، مقبول، من (8) روى عنه في (3) (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني هشام) بن حسان الأزدي (القردوسي عن) محمد (بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن جريج لهشيم بن بشير في الرواية عن القردوسي (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تلقوا الجلب) بحذف إحدى التاءين لأنه من التلقي من باب التفعل أي لا تستقبلوا الأمتعة المجلوبة وهو فعل بمعنى مفعول (فمن تلقاه) أي فمن تلقى الجلب (فاشترا) هـ (منه) أي من صاحبه، والفاء فيه عاطفة على فعل الشرط، وجوابه جملة

فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بالْخِيَارِ". 3703 - (1449) (12) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا في قوله: (فإذا أتى) وجاء (سيده) أي سيد ذلك الجلب الذي اشترى منه أي صاحبه وبائعه (السوق) وعرف سعر البلد والغبن في بيعه (فهو) أي فصاحب الجلب وبائعه ملتبس (بالخيار) في استرداده وتركه. والمراد بالسيد مالك المجلوب الذي باعه أي فإذا جاء صاحب المتاع إلى السوق وعرف السعر فله الخيار في الاسترداد والحديث دليل كما في المرقاة لصحة البيع إذ الفاسد لا خيار فيه قال ابن الملك: اعلم أن تلقي الجلب والشراء منهم بأرخص الثمن حرام عند الشافعي ومالك وأحمد، ومكروه عند أبي حنيفة وأصحابه إذا كان مضرًا لأهل البلد وليس فيه السعر على التجار ثم لو تلقاهم رجل واشترى منهم شيئًا لم يقل أحد بفساد بيعه لكن الشافعي أثبت الخيار للبائع بعد قدومه ومعرفته تلبيس السعر عليه لظاهر الحديث، وقالت الحنفية: لا خيار له لأن لحوق الضرر كان لتقصير من جهته حيث اعتمد على خبر المشتري الذي كان كل همته تنقيص الثمن، وأما الحديث فمتروك الظاهر لأن الشراء إذا كان بسعر البلد أو أكثر لا يثبت الخيار للبائع في أصح قولَي الشافعي فلا ينهض أي الحديث حجة اهـ أما ابن الملك ة فلم يأت في الجواب عن هذا الحديث بشيء لأن مجرد قوله: إن الحديث متروك الظاهر لا يقبل منه حتى يأتي له بمحمل صحيح، ولم يأت به، والقول بثبوت الخيار أوفق لهذا الحديث الصحيح الذي لم نجد ما يعارضه فيما بحثنا ونظرنا والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3703 - (1449) (12) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه حالة كونه (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي

قَال: "لَا يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ". وَقَال زُهَيرٌ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. 3704 - (1450) (13) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يصل بهذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقفه على نفسه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبع حاضر) أي ساكن الحاضرة والمدن (لباد) أي لساكن البادية السلع التي جلبها من البادية بأن يكون سمسارًا ودلالًا له (وقال زهير) بن حرب في روايته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (نهى أن يبيع حاضر لباد) وهذا أصرح في الوصل وفي النهي، والظاهر أن هذا الحديث والحديث السابق عن أبي هريرة في النهي عن التلقي واحد كما يظهر من جامع الأصول لابن الأثير، قوله: (لا يبع حاضر لباد) قد فسره العلماء بتفسيرين: الأول: أن يلتزم البائع البلدي أن لا يبيع سلعته إلا من أهل البدو طمعًا في الثمن الغالب وبذلك فسره صاحب الهداية وقيد النهي عنه بأن يكون أهل البلد في قحط وعوز، والتفسير الثاني: وقد اختاره جمهور الفقهاء والمحدثين هو أن يقول الحاضر للبادي: لا تبع سلعتك بنفسك أنا أعلم بذلك منك فأبيعها لك في السوق فيصير وكيلًا له في بيع سلعته، والفرق بين التفسيرين أن الحاضر في التفسير الأول تاجر يبيع سلعة نفسه والبادي يشتريها منه، وأما في التفسير الثاني فالبائع هو البادي والحاضر وكيل أو سمسار له، وهذا التفسير الثاني هو الراجح نظرًا إلى لفظ الحديث لأن البيع هنا قد تعدى باللام وهو في معنى التوكيل أو السمسرة أظهر ولو كان البادي مشتريًا من الحاضر لتعدى بمن ولأن ابن عباس رضي الله عنهما قد فسره بالسمسرة في الرواية الآتية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في أبواب كثيرة وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3704 - (1450) (13) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (قالا: حدثنا عبد الرزاق) بن همام

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ. وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. قَال: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَال: لَا يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم يمانيون وواحد طائفي وواحد بصري وواحد مروزي أو كسي، وفيه المقارنة والتحديث والإخبار والعنعنة (قال) ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى) بإثبات التاءين على صيغة المجهول (الركبان) أي جماعة القافلة للشراء منهم قبل دخول البلد، وفي رواية أن يتلقى بالتحتانية وظاهره منع التلقي مطلقًا سواء كان قريبًا أو بعيدًا لأجل الشراء منهم أم لا؟ والتقييد بالركبان خرج مخرج الغالب في أن من جلب الطعام يكون عددًا ركبانًا ولا مفهوم له بل لو كان الجلب عددًا مشاة أو واحدًا راكبًا لم يختلف الحكم اهـ من الإرشاد (وأن يبيع حاضر لباد، قال) طاوس: (فقلت لابن عباس: ما قوله) أي: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وأن يبيع (حاضر لباد، قال) ابن عباس معناه: (لا يكن) الحاضر بالتحتية والجزم على النهي (له) أي للبادي (سمسارًا) أي دلالًا بالأجرة وهو الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطًا لإمضاء البيع لا الذي ينادي في الأسواق على ما يبيعه لطلب المزيد كما هو المعروف في بيع المزايدة اهـ من بعض الهوامش، والسمسار بكسر السين وسكون الميم في الأصل هو القيم بالأمر والحافظ له ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره ومعناه أن يبيع له بالأجرة، ومنه استدل البخاري على أن بيع الحاضر للبادي إنما يحرم إذا كان بالأجرة فأما إذا كان بغير الأجرة فلا يكره والجمهور على عدم جوازه مطلقًا، وأما تفسير ابن عباس هذا فمحمول على الغالب فإن الحاضر لا يتولى غالبًا إلا بأجرة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2158]، وأبو داود [3439]، والنسائي [7/ 257]، وابن ماجه [2177]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:

3705 - (1451) (14) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ". غَيرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى: "يُرْزَقُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3705 - (1451) (14) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج -بضم المهملة الأولى مصغرًا- الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي الزبير) الأسدي المكي محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (ح وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية أبو خيثمة الكوفي (حدثنا أبو الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبع) بالجزم على النهي (حاضر لباد دعوا الناس) أي اتركوا الناس أيها السماسرة على نظامهم السوقي فلا تتداخلوا بينهم ولا تتحكموا عليهم بالتسعير حالة كونهم (يرزق الله بعضهم من بعض) أي اتركوهم ليبيعوا طعامهم ومتاعهم فيرتزقوا يعني أن الله تعالى يرزق المشتري بواسطة البائع ويرزق البائع بواسطة المشتري فلا يجوز لأحد أن يتدخل في هذا النظام الإلهي ويتحكم فيه بالأسعار، فالحديث يدل على أن الإسلام يعترف بنظام السوق وقوتي العرض والطلب ويحب أن تسير السوق على سيرها الطبيعي ولا يحب أن يتدخل فيها رجل كما لا يحب أن تحدث في السوق احتكارات تسيطر على السوق وتستبد بالأسعار وهذا من ميزان النظام الاقتصادي الإسلامي التي تميزه عن الرأسمالية والاشتراكية (غير أن في رواية يحيى) بن يحيى التميمي دعوا الناس (يرزق) بعضهم من بعض بالبناء للمجهول على حذف الفاعل لعلمه، وهذا بيان لمحل المخالفة بين شيخي المؤلف، ثم إن أحاديث النهي عن بيع الحاضر للبادي تدل على أن الإسلام يستحسن أن لا تكون بين البائع والمشتري وسائط أو تكون قليلة جدًّا فإنه كلما كثرت الوسائط بين البائع والمشتري ازداد الثمن على المستهلكين فيما يسميه علماء الاقتصاد اليوم الرجل المتوسط مما لا يستحسنه الإسلام إلا إذا اشتدت الحاجة إليه فالسمسرة وإن كانت جائزة ولكن الإكثار من الوسائط بين الصانع والمستهلك مما لا يشجع عليه الإسلام وإنما يشجع على التقليل منها اهـ من التكملة.

3706 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 3707 - (1452) (15) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 307]، والترمذي [1223]، والنسائي [7/ 256]، وابن ماجه [2176]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3706 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لأبي خيثمة، وساق سفيان (بمثله) أي بمثل حديث أبي خيثمة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 3707 - (1452) (15) (وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي القيسي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي حمزة البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته ثلاثة منهم بصريون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أنس: (نُهينا) أي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (أن يبيع حاضر لباد) بأن كان سمسارًا له (وإن كان) ذلك البادي (أخاه) أي أخا الحاضر (أو أباه) أي أبا الحاضر، قيل صورة بيع الحاضر للبادي كما مر أن يقول الحاضر لمن يقدم من البادية بمتاع ليبيعه بسعر يومه اتركه عندي لأبيعه لك بثمن أغلى. قال في المبارق: هو حرام عند الشافعي، ومكروه عند أبي حنيفة قيل هذا إذا كان المتاع مما تعم الحاجة إليه دون ما لا يحتاج إليه إلا نادرًا يُشعر به قوله صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"

3708 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا مُعَاذٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَن مُحَمَّدٍ. قَال: قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: نُهِينَا عَنْ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل لا يبيع الحاضر للبادي ولا يشتري له أيضًا لأن لفظ البيع من الأضداد يُستعمل في البيع والشراء والمشترك في موضع النفي يعم اهـ. وقوله: (وإن كان أخاه أو أباه) تعميم في النهي أي سواء كان بينهما قرابة أو لا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2161]، وأبو داود [3440]، والنسائي [7/ 256]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3708 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان -بفتح فسكون ففتح- المزني مولاهم أبي عون المصري، ثقة، من (6) (عن محمد) بن سيرين (عن أنس) بن مالك (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا معاذ) بن معاذ التميمي العنبري البصري (حدثنا ابن عون عن محمد) بن سيرين (قال) محمد: (قال أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة ابن عون ليونس بن عبيد (نهينا عن أن يبيع حاضر لباد) بزيادة عن الجارة قبل أن المصدرية في هذه الرواية. (تتمة) تمسك بظاهر هذا الحديث بعض المالكية فقالوا: إذا كان الجالب من غير أهل البدو جاز البيع له مثل أن يكون من أهل بلد آخر لأن الحديث إنما نهى عن البيع للبادي فأما غير أهل البداوة فلا يحرم البيع لهم، وقال الشافعية والحنابلة: إن الحكم عام لكل جالب غريب سواء كان من أهل الحضر أو من أهل البدو لأن العلة عدم معرفتهم بسعر البلد ويستوي فيها أهل الحضر وأهل البدو وإنما خرج لفظ البادي في الحديث مخرج الغالب فإن الجالب يكون باديًا في الغالب وليست البداوة قيدًا للحكم اهـ من فتح الباري وشرح الأبي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3709 - (1453) (16) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثنَا دَاوُدُ بْنُ قَيسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةَ فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا. فَلْيَحْلُبْهَا. فَإِنْ رَضِيَ حِلابَهَا أَمْسَكَهَا. وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3709 - (1453) (16) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي القعنبي أبو عبد الرحمن البصري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا داود بن قيس) الفراء الدباغ القرشي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن موسى بن يسار) القرشي المطلبي مولاهم المدني، عم محمد بن إسحاق، روى عن أبي هريرة في البيوع وحق المملوك، ويروي عنه (م د س ق) وداود بن قيس، قال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشترى شاة) أو ناقة أو بقرة (مصراة) أي متروكة الحلب أيامًا تغريرًا للمشتري بكثرة لبنها (فلينقلب) أي فليرجع (بها) إلى بيته (فليحلبها) ليجربها (فإن رضي حلابها) أي لبنها المحلوب (أمسكها) فلا يردها لعدم العيب فيها (وإلا) أي صمان لم يرض حلابها بأن ظهر له قلة لبنها (ردها) على البائع (ومعها صاع من تمر) أي والحال أن معها صاعًا من تمر بدل اللبن المحلوب، والمصراة اسم مفعول من التصرية؛ وهي أن تترك الشاة غير محلوبة أيامًا حتى يجتمع اللبن في ضروعها فيراها الناظر منتفخة الضروع فيرغب في شرائها، والتصرية في الأصل الحبس يقال: صريت الماء إذا حبسته كذا فسره أبو عبيد وأكثر أهل اللغة كما في فتح الباري، وقيل: هي من الصر بمعنى الشد، قال الأزهري: جائز أن يكون سميت مصراة من صر أخلافها أي ضروعها كما ذكر إلا أنهم لما اجتمع في الكلمة ثلاث راءات قُلبت إحداها ياء كما قالوا: تظنيت في تظننت من الظن فاجتمع فيه ثلاث نونات فقلبوا إحداها ياء فكذلك كان ها هنا في الأصل شاة مصررة فقلبوا الراء الأخيرة ياء حتى صار مصراة. ولفظ الحديث في المشارق برمز اتفاق الشيخين في الرواية عن ابن مسعود رضي الله عنه (من اشترى محفلة) بصيغة اسم المفعول من التحفيل وهو ترك الحلب ليكثر

3710 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللبن في الضرع، قال في النهاية: المحفلة الشاة أو البقرة أو الناقة لا يحلبها صاحبها أيامًا حتى يجتمع لبنها في ضرعها فإذا احتلبها المشتري حسبها غزيرة فزاد في ثمنها ثم يظهر له بعد ذلك نقص لبنها عن أيام تحفيلها سُميت محفلة لأن اللبن حفّل في ضرعها أي جمع اهـ فالمحفلة والمصراة سواء في المعنى. قوله: (فلينقلب بها) أي فلينصرف وليرجع بها من موضع العقد إلى أهله (وليحلبها) بضم اللام من باب قتل (فإن رضي حلابها) -بكسر الحاء المهملة- والحلاب والحلب كلاهما مصدر والمراد أنه إذا رضي الشاة بعد الحلاب فليمسكها عنده يعني لا يردها على البائع، قوله: (وإلا ردها ومعها صاع من تمر) أخذ بظاهر الحديث الأئمة الثلاثة وأبو يوسف وابن أبي ليلى والجمهور فقالوا: التصرية عيب يرد به المبيع متفق عليه عندهم، ثم اختلفوا في تفاصيله، فقال الشافعي: يجب رد صاع من تمر بدل اللبن المحلوب قل اللبن أو كثر ولا يجوز أداء غيره، وقال بعض المالكية: يجب صاع من غالب قوت البلد، وقال أبو يوسف: تجب قيمة اللبن بالغة ما بلغت، وخالفهم أبو حنيفة ومحمد فقالا: التصرية ليست بعيب يجوز الرد وإنما يجوز للمشتري أن يرجع بنقصان قيمة المبيع ولا خيار له في الرد اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 242]، والبخاري [2151]، وأبو داود [3445]، والترمذي [1251]، والنسائي [7/ 253]، وابن ماجه [2239]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3710 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد التحتانية نسبة إلى قارة اسم قبيلة المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح المدني، صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لموسى بن يسار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع) واشترى (شاة) مثلًا (مصراة) أي متروكة الحلب ثلاثة أيام

فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ. إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا. وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ". 3711 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ (يَعْنِي الْعَقَدِيَّ). حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ اشتَرَى شَاةً مُصَرَّاةَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، لَا سَمْرَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مثلًا (فهو) أي فذلك المشتري (فيها) أي في إمساكها وردها، والجار فيه متعلق بقوله: (بالخيار) أي فهو ملتبس بالخيار فيها (ثلاثة أيام إن شاء أمسكها) بلا رد (وإن شاء ردها) على البائع (ورد معها صاعًا من تمر) قال النووي: واختلف أصحابنا في خيار مشتري المصراة هل هو على الفور بعد العلم أر يمتد ثلاثة أيام لظاهر هذه الأحاديث، والأصح عندهم أنه على الفور ويحملون التقييد بثلاثة أيام في بعض الأحاديث على ما إذا لم يعلم أنها مصراة إلا في ثلاثة أيام لأن الغالب أنه لا يعلم فيما دون ذلك فإنه إذا نقص شيئًا في اليوم الثاني عن الأول احتمل كون النقص لعارض من سوء مرعاها في ذلك اليوم أو غير ذلك فإذا استمر كذلك ثلاثة أيام علم أنها مصراة اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3711 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة بن أبي رواد) الباهلي البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو القيسي (يعني العقدي) بفتح المهملة والقاف البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (12) بابا (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، غرضه بيان متابعة محمد لأبي صالح (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى شاة مصراة فهو) أي فذلك المشتري ملتبس (بالخيار) فيها (ثلاثة أيام فإن ردها) أي اختار ردها (رد معها صاعًا من طعام) أي من تمر لأن المراد بالطعام هنا التمر كما هو المصرح به في الروايات الأخر (لا سمراء) أي لا حنطة سُميت بها لكون لونها

3712 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاة فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ. إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا. وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السمرة، ومعنى قوله: (لا سمراء) أي لا تتعين السمراء بعينها للرد بل الصاع من الطعام الذي هو غالب قوت البلد يكفي أو المعنى أن الصاع لا بد أن يكون من غير السمراء والأول أقرب، قال السندي في حواشي النسائي: وفي المفهم قوله: (لا سمراء) هو معطوف على صاعًا وهمزته للتأنيث فلذلك لم تصرف، والسمراء قمحة الشام، والبيضاء قمحة مصر، وقيل البيضاء الشعير، والسمراء القمح مطلقًا، وإنما نفاها تخفيفًا ورفعًا للحرج وهو يشهد لقول مالك اهـ. وقوله: (وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر) وفي أخرى: (صاعًا من تمر لا سمراء) وفي أخرى (صاعًا من طعام لا سمراء) ذهب الشافعي وأكثر العلماء إلى أنه لا يجوز فيها إلا الصاع من التمر، وقال الدوادي: الطعام المذكور هنا هو التمر، وذهب مالك إلى أن التمر إنما ذكره في الحديث لأنه أغلب قوتهم فيخرج الغالب من قوت بلده قمحًا أو شعيرًا أو تمرًا متمسكًا بعموم قوله طعام فإنه يعم التمر وغيره ومستأنسًا بأن الشرع قد اعتبر نحو هذا في الديات ففرض على أهل الإبل إبلًا وعلى أهل الذهب الذهب وعلى أهل الورق الورق وكذلك فعل في زكاة الفطر، وقد روي عن مالك رواية شاذة أنه يخرج فيها مكيلة ما حلب من اللبن تمرًا أو قيمته، وروي عن أبي حنيفة أنه يرد صاعًا من تمر أو نصف صاع من بر، وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى: يخرج القيمة بالغة ما بلغت، وأحسن هذه الأقوال مشهور مذهب مالك كما ذكرناه والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3712 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي ثم المكي (عن أيوب) السختياني (عن محمد) بن سيرين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لقرة بن خالد (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشترى شاة مصراة فهو) أي فذلك المشتري ملتبس (بخير النظرين) أي بأحسن الأمرين له (أن شاء) إمساكها (أمسكها) في ملكه (وإن شاء) ردها إلى البائع (ردها) إليه، وقوله: (وصاعًا من تمر)

لَا سَمْرَاءَ". 3713 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "مَنِ اشْتَرَى مِنَ الْغَنَمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ". 3714 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا. وَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَا أَحَدُكُمُ اشْتَرَى لِقْحَةً مُصَرَّاةً ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوف على ضمير المفعول (لا سمراء) معطوف على صاعًا أي لا يتعين عليه رد السمراء أي الحنطة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3713 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن محمد عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب لسفيان بن عيينة (غير أنه) أي لكن أن عبد الوهاب (قال) في روايته (من اشترى) مصراة (من الغنم فهو) ملتبس (بالخيار) بين الأمرين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3714 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليت عليكم من الصحيفة (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لمحمد بن سيرين وأبي صالح (فذكر) همام من الصحيفة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال) أبو هريرة أيضًا: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ما أحدكم اشترى لقحة مصراة) أي ناقة متروكة الحلب، وإذا ظرف لما يستقبل من

أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ بَعْدَ أَن يَحْلُبَهَا. إِمَّا هِيَ، وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الزمان سيأتي جوابها، وما زائدة، أحدكم فاعل لفعل محذوف وجوبًا يفسره المذكور بعده فهو من باب الاشتغال من القسم الذي يجب فيه الرفع واللقحة -بكسر اللام وبفتحها مع سكون القاف- والكسر أفصح، يجمع على لقح نظير قربة وقرب وهي الناقة القريبة العهد بالولادة بنحو شهرين أو ثلاثة اهـ نواوي يعني: أنها ذات لبن، ويقال لها أيضًا: لقوح بفتح اللام ثم هي لبون بعد ذلك أفاده الفيومي، والمعنى إذا اشترى أحدكم لقحة مصراة (أو شاة مصراة) أو بقرة مصراة مثلًا (فهو) ملتبس (بخير النظرين) أي الرأيين (بعد أن يحلبها) وعرف تصريتها (إما هي) يمسكها إن رضيها (وإلا) أي وإن لم يرضها (فليردها) أي فليرد مصراة (وصاعًا من تمر) بدل اللبن المحلوب. وقوله: (لقحة مصراة) الخ ظهر من هذا أن الناقة المصراة حكمها حكم الشاة واتفق العلماء على ذلك ثم اختلفوا فيما عداهم فقال داود الظاهري: يقتصر هذا الحكم على الناقة والشاة فقط ولا يعدو إلى غيرهما، وقال جمهور أهل العلم: إن الحكم يعم كل نوع من بهيمة الأنعام وسواء فيه البقر والجاموس، ثم اختلفوا فقال بعضهم: لا يتعدى الحكم إلى مصراة من غير بهيمة الأنعام كالأتان والفرس وهو قول بعض الشافعية، والراجح في مذهب أحمد وقال: يتعدى الحكم إلى كل مصراة ولو من غير بهيمة الأنعام حتى في الأمة والأتان والفرس وهو ظاهر مذهب الشافعي وبه قال ابن عقيل: من الحنابلة إلا أن الحافظ صحح أنه لا يرد عوض اللبن في الجارية والأتان والفرس، وإنما فرّق أكثر الحنابلة وبعض الشافعية بين الأنعام وغيرها ولم يثبتوا الخيار في غير الأنعام لأن لبنها لا يعتاض عنه في العادة ولا يقصد قصد لبن بهيمة الأنعام راجع المغني لابن قدامة [4/ 141]، وفتح الباري [4/ 302] في أول باب النهي للبائع أن لا يُحفِّلَ الإبل. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد لحديث ابن عمر، والثالث: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس: حديث ابن عباس ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستشهاد، والسادس: حديث جابر ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أبي هريرة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

564 - (4) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض وتحريم بيع الصبرة المجهولة القدر بتمر معلوم

564 - (4) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض وتحريم بيع الصبرة المجهولة القدر بتمر معلوم 3715 - (1454) (17) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَقُتَيبَةُ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيءٍ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 564 - (4) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض وتحريم بيع الصبرة المجهولة القدر بتمر معلوم 3715 - (1454) (17) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة) بن سعيد بن جميل الثقفي البلخي (قالا: حدثنا حماد) بن زيد (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع) واشترى (طعامًا) أيًا كان (فلا يبعه) لغيره (حتى يستوفيه) أي حتى يقبضه من البائع وافيًا كاملًا وزنًا أو كيلًا، وعبارة المشكاة (فلا يبيعه) بصيغة النفي وهو في معنى النهي المذكور في مسلم. والمعروف أن الاستيفاء والقبض بمعنى واحد وفرّق بعضهم بينهما لغة بأن الاستيفاء يتحقق بمجرد الاكتيال أو الاتزان أو العد ولا يلزمه قبض المشتري، وأما القبض فهو أن يدخل الشيء في حرزه وضمانه كذا يظهر من كلام الحافظ في الفتح [4/ 293] ولا خلاف في أن الاستيفاء ها هنا بمعنى القبض، وقد صرح به في الرواية الآتية وفي رواية الإسماعيلي عند البخاري. (قال ابن عباس) بالسند السابق: (وأحسب كل شيء) من الأموال (مثله) أي مثل الطعام في بطلان البيع قبل قبضه فيحرم بيع كل شيء قبل قبضه طعامًا كان أو غيره، وفي المسألة أقوال متضاربة والمعنى قال ابن عباس: وأظن كل شيء مثل الطعام لا يجوز

3716 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وحَدَّثنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ (وَهُوَ الثَّوْرِيُّ). كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3717 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ للمشتري أن يبيعه حتى يقبضه وهذا قول ابن عباس، قالوا: فتخصيص الطعام بالذكر للاهتمام به لكونه قوتًا محتاجًا إليه اهـ، وفي المبارق: قيد الطعام اتفاقي لأن بيع ما لم يقبض منهي عنه منقولًا كان أو عقارًا عند الشافعي ومحمد، ومنهي عنه في المنقول فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال مالك وأحمد: يجوز فيما سوى الطعام فعلى هذا يكون قيد الطعام للاحتراز اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 111]، وأبو داود [3496]، والنسائي [7/ 286]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3716 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق (وهو الثوري) الكوفي (كلاهما) أي كل من السفيانين رويا (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (بهذا الإسناد) يعني عن طاوس عن ابن عباس (نحوه) أي نحو ما حدّث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار. وهذان السندان الأول منهما من خماسياته والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة السفيانين لحماد بن زيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3717 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي كلاهما من

(قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتَّى يَقْبِضَهُ". قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (11) (قال ابن رافع: حدثنا) عبد الرزاق (وقال الآخران): يعني إسحاق وعبد بن حميد (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني الصنعاني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن طاوس لعمرو بن دينار (قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ابتاع) واشترى (طعامًا) أو غيره (فلا يبعه) أي فلا يبع المشتري ذلك الطعام لثالث (حتى يقبضه) بإقباض البائع أو بنقله عن موضعه في حالة العقد. (قال ابن عباس: وأحسب) أي أظن (كل شيء) من المبيعات طعامًا كان أو غيره منقولًا كان أو عقارًا أن يكون (بمنزلة الطعام) وفي حكمه في النهي عن بيعه قبل قبضه وهذا من تفقه ابن عباس رضي الله عنهما وبظاهر هذا الحديث أخذ مالك غير أنه ألحق بالشراء جميع المعاوضات، وحمل الطعام على عمومه ربويًا كان أو غير ربوي في مشهور الروايتين عنه، وروى ابن وهب عنه تخصيصه بما فيه الربا من الأطعمة ورأى ابن حبيب وسحنون أن يتعدى إلى كل ما فيه حق توفية فحذفا خصوصية الطعام وكذلك فعل الشافعي غير أنه لم يخصه بما فيه حق توفية بل عداه لكل مشترٍ وكذلك أبو حنيفة غير أنه استثنى من ذلك العقار وما لا ينقل، وقال عثمان البتي: يجوز بيع كل شيء قبل قبضه، وانفرد به اهـ من المفهم. وحكمة النهي عن البيع قبل القبض منع المشتري من التصرف فيه حتى يتم استيلاؤه عليه. وينقطع عن البائع وينفطم عنه فلا يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه ويغره الربح، وربما أفضى إلى التحيل على الفسخ ولو ظلمًا وهذا من المصالح التي لا يهملها الشارع حتى إن من لا خبرة له من التجار بالشرع يتحرى ذلك ويقصده لما في ظنه من المصلحة وسد باب المفسدة اهـ ابن القيم.

3718 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ) عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالهُ". فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3718 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا) وكيع (وقال الآخران: حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لمعمر بن راشد في الرواية عن ابن طاوس (قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ابتاع) واشترى (طعامًا) يعني مكايلة (فلا يبعه) لثالث (حتى يكتاله) من البائع أي حتى يأخذه عنه بالكيل، وإنما قيدنا الشراء بالمكايلة لأنه لو كان مجازفة لا يشترط الكيل في القبض، وفُهم من قيد الاشتراء أنه لو ملك المكيل بهبة أو إرث أو غيرهما جاز له أن يبيعه قبل الكيل، ومن قوله فلا يبعه أنه لو وهبه جاز وهو قول محمد، وإنما نهى عن البيع قبل الكيل لأن الكيل فيما بيع مكايلة من تمام قبضه لأنه إنما يتعين به فكما أن بيع المبيع قبل القبض كان منهيًا صار قبل تمامه منهيًا أيضًا أفاده ابن الملك. قال القاضي عياض: قوله: (فلا يبعه حتى يكتاله) يدل على أنه يكتفي في بيعه لثالث بكيله من البائع الأول ولا يحتاج أن يكتاله المشتري الثاني من المشتري الأول مرة ثانية إذا كان المشتري الثاني حاضرًا أو صدّقه، وبه يقول مالك إلا أن يبيعه بدين فلا يجوز على التصديق خوفًا أن يقع السلف بالتأخير، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يبيعه على التصديق ولا بد من كيله ثانية واحتجوا بما في بعض طرق هذا الحديث من قوله حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري اهـ أبي. قال طاوس (فقلت لابن عباس) رضي الله عنهما: (لم) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعه حتى يكتاله، ولم بكسر اللام وفتح الميم والمعنى أي ما سبب النهي

فَقَال: أَلا تَرَاهُمْ يَتَبَايَعُونَ بِالذَّهَبِ، وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ؟ وَلَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيبٍ: مُرْجَأٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) ابن عباس: (ألا تراهم) أي: ألا ترى الناس وتعلمهم أنهم (يتبايعون) الطعام (بالذهب) فإذا بيع ذلك الطعام بذهب آخر أي باعه المشتري لثالث بذهب، وقوله: (والطعام مرجأ) مبتدأ وخبر، والجملة حال من مفعول يتبايعون المحذوف كما قدرناه آنفًا أي فإذا بيع ذلك الطعام بذهب والحال أن قبضه من البائع الأول مؤخر عن البيع الثاني فكأنه بيع الذهب بالذهب مع عدم التقابض وهو لا يجوز لأنه في معنى الربا وهذا إشارة إلى علة النهي والمراد أن الطعام لما سقط لكونه مرجأ صار ذلك مبادلة الذهب بالذهب متفاضلًا أو مؤجلًا اهـ تكملة، وقوله: (مرجأ) بصيغة اسم المفعول إما من الإفعال فتسكن راؤه أو من التفعيل فتفتح راؤه مع تشديد الجيم المفتوحة يهمز ولا يهمز وعلى ترك همزه يرسم بالياء كالمعتل فيقال: مرجى ومعنى الإرجاء التأخير ومعنى مرجأ مؤخر. قال الخطابي: وكل شيء أخرته فقد أرجيته يقال: أرجيت الشيء ورجيته أي أخرته وقد يتكلم به مهموزًا وغير مهموز اهـ. والمعنى أنه إذا اشترى طعامًا بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام وتأخر في يد البائع ثم باع المشتري الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارًا مثلًا فكأنه اشترى بذهبه ذهبًا أكثر كذا في النيل، وقال في مرقاة الصعود معنى الحديث أن يشتري من إنسان طعامًا بدينار إلى أجل ثم يبيعه منه أو من غيره قبل أن يقبضه بدينارين مثلًا فلا يجوز لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب والطعام غائب فكأنه باعه ديناره الذي اشترى به الطعام بدينارين فهو ربا ولأنه بيع غائب بناجز فلا يصح اهـ وحاصله أن البيع قبل القبض يتضمن بيع الذهب بالذهب متفاضلًا وذلك أن الرجل إذا اشترى طعامًا بمائة دينار مثلًا ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام لآخر بمائة وعشرين دينارًا وقبضها والطعام في يد البائع فكأنه باع مائة دينار بمائة وعشرين دينارًا لأنه أدى إلى البائع الأول مائة دينار ولم يأخذ الطعام في عوضه بل أخذ مائة وعشرين دينارًا من المشتري الثاني عوضًا عما أدى إلى البائع الأول وهذا التفسير لقول ابن عباس مأخوذ من كلام الحافظ في فتح الباري [4/ 292] (ولم يقل أبو كريب) أي لم يذكر في روايته لفظة والطعام (مرجأ) أي مؤخر ولم يبين ماذا قال أبو كريب بدل مرجأ، قال المنذري: وأخرج هذه الرواية

3719 - (1455) (18) حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". 3720 - (1456) (19) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ. فَيَبْعَثُ عَلَينَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ. إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ. قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوها اهـ من العون. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 3719 - (1455) (18) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) نسبة إلى جده المذكور، ثقة، من (9) (حدثنا مالك) بن أنس المدني (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع طعامًا) أو غيره (فلا يبعه) بالجزم على صيغة النهي (حتى يستوفيه) كيلًا أو وزنًا ويقبضه قبضًا تامًّا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهم فقال: 3720 - (1456) (19) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) ابن عمر: (كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع) ونشتري (الطعام) ونريد أن نبيعه قبل القبض كما هو المستفاد من الحديث الآتي ويدل عليه قوله: (فيبعث) أي يؤمر ويستعمل (علينا من يأمرنا بانتقاله) أي بنقله (من المكان الذي ابتعناه) أي اشتريناه (فيه إلى مكان سواه) أي غيره (قبل أن نبيعه) لآخر لأن بنقله يحصل قبضه فإن القبض فيه كما ذكره ملا

3721 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". قَال: وَكُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ علي عن الطيبي بالنقل من مكانه، وقال ابن الملك: وفيه أن قبض المنقول بالنقل والتحويل من موضع إلى موضع. ظاهر هذا الحديث أن قبض المشتري المبيع لا يكفي لجواز بيعه بل يجب أيضًا أن يحوله إلى مكان آخر لكن قال العيني في العمدة [5/ 487] إن الإيواء المذكور في الحديث يعني نقل المبيع من مكان إلى غيره، وقد عبّر عنه بالإيواء إلى الرحال في بعض الروايات كما سيأتي عبارة عن القبض، وقد صرح الحافظ في الفتح [4/ 293] أن الجمهور لم يقيدوا جواز البيع بالإيواء إلى الرحال لأنه خرج في الحديث مخرج الغالب فتحصل منه أن المقصود أن لا يبيع المشتري ما اشتراه إلى غيره حتى يقبضه فإن قبضه جاز له البيع سواء نقله إلى مكان غيره أو لم ينقل، وقد اتفق عليه العلماء اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 15]، والبخاري [2167]، وأبو داود [3494]، والنسائي [7/ 287]، وابن ماجه [2229]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3721 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني ثقة من (5) (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لمالك بن أنس ولكن كرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه) ويقبضه (قال) ابن عمر بالسند السابق: (وكنا) معاشر الصحابة (نشتري الطعام من الركبان) أي من القافلة التي جاءت بالطعام

جِزَافًا. فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ، حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ. 3722 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (جزافًا) بكسر الجيم مصدر قياسي لجازف يجازف كقاتل يقاتل وقيل هو بضم الجيم وقيل بفتحها ولكن الكسر أفصح وأقيس ومعناه الشراء بدون كيل أو وزن وهو معرب من لفظ الفارسية كزاف ومن ثم جعله بعضهم مضموم الجيم لأن الكاف الفارسية في أصل الكلمة مضمومة ولكن بعدما عرّبوه وبنوا منه فعلًا أجروا فيه القياس الصرفي وهو كسر الجيم فصار أفصح كما يظهر من تاج العروس للزبيدي. ثم قد اتفق العلماء على أن ذكر الجزاف في الحديث بيان للواقع وليس قيدًا لحرمة البيع قبل القبض فيحرم البيع قبل القبض فيما بيع مكايلة أو موازنة كما يحرم فيما بيع مجازفة لأن ألفاظ الحديث في المرويات السابقة عامة تشمل المجازفات والمكايلات جميعًا ولأنه قد روي عن ابن عمر هذا الحديث بلفظ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه) أخرجه أبو داود والنسائي فقد جاء فيه التنصيص على أن بيع المكيل قبل القبض حرام أيضًا فتبين أن ذكر الجزاف في حديث الباب ليس قيدًا للحكم وإنما هو لبيان ما كانوا يفعلونه في الغالب. ودل هذا الحديث بإشارته على جواز البيع مجازفة لأن الحديث لم ينه عن المجازفة وإنما وقع النهي عن بيع المبيع قبل قبضه وقد اتفق العلماء على جواز أصل المجازفة في البيع على اختلاف بينهم في تفاصيلها أما الحنفية فجواز المجازفة عندهم مقيد بغير الأموال الربوية إذا بيعت بجنسها فأما الأموال الربوية فلا يجوز فيها المجازفة إذا بيعت بجنسها لأنه يحتمل التفاضل وهو ربا وعدم الجواز في الأموال الربوية مقيد أيضًا بما يدخل تحت الكيل منها وأما ما لا يدخل تحت الكيل كحفنة بحفنتين فيجوز إلا ما رُوي عن محمد أنه كره التمرة بالتمرتين وقال ما حرم في الكثير حرم في القليل راجع كتب فروعهم. (فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه) الذي كان فيه حالة العقد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 3722 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا عبد الله بن

وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَيَقْبِضَهُ". 3723 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. وَقَال عَلِيٌّ: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ". 3724 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَبْدُ الأَعْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهب) المصري (حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة من (6) روى عنه في (10) (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه) كيلًا أو وزنًا (وبقبضه) بالنقل من مكانه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن محمد لعبيد الله بن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3723 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى وعلي بن حجر) السعدي المروزي ثقة من (9) (قال يحيى: أخبرنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (وقال علي) بن حجر (حدثنا إسماعيل عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر المدني (أنه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه) من البائع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3724 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى

عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا، أَنْ يَبِيعُوا فِي مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ. 3725 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَال: قَدْ رَأَيتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا، يُضْرَبُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السامي البصري ثقة من (8) (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب المدني (عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم بن عبد الله لنافع وعبد الله بن دينار وعمر بن محمد (أنهم) أي أن الناس (كانوا يُضربون) بالبناء للمجهول أي يُعزرون بالضرب (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمان حياته على مخالفتهم لحكم الشرع في بيعهم قبل القبض (إذا اشتروا طعامًا جزافًا) أي بلا كيل ولا وزن كراهية (أن يبيعوا في مكانه) قبل أن يحوِّلوه أو لئلا يبيعوه في مكانه (حتى يحولوه) أي ينقلوه إلى مكان آخر ففيه حذف لا على حد قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي لئلا تضلوا أفاده شراح البخاري، قال الحافظ في كتاب المحاربين من الفتح [12/ 159] ويستفاد من الحديث جواز تأديب من خالف الأمر الشرعي فتعاطى العقود الفاسدة بالضرب، ومشروعية إقامة المحتسب في الأسواق، والضرب المذكور محمول على من خالف الأمر بعد العلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 3725 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله) بن عمر (أن أباه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (قال): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لمعمر بن راشد (قد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في حياته المباركة (إذا ابتاعوا) واشتروا (الطعام جزافًا) أي مجازفة بلا كيل ولا وزن (يُضربون) ضرب تعزير وتأديب

فِي أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ. وَذلِكَ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَشْتَرِي الطَّعَام جِزَافًا، فَيَحْمِلُهُ إِلَى أَهْلِهِ. 3726 - (1457) (20) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ عَبْد اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (في أن يبيعوه) أي لأجل أن يبيعوا الطعام (في مكانهم) أي في مكان طعامهم قبل أن يقبضوه وينقلوه (وذلك) الضرب (حتى يؤووه) أي لكي يأخذوه ويقبضوه ناقلين (إلى رحالهم) ومنازلهم ليحصل تمام القبض، قال النووي: فيه دليل على أن ولي الأمر يُعزر من تعاطى بيعًا فاسدًا ويعزره بالضرب وغيره مما يراه من العقوبات في البدن اهـ. (قال ابن شهاب) بالسند السابق (وحدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر) العدوي أبو بكر المدني شقيق سالم ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (أن أباه) عبد الله بن عمر (كان يشتري الطعام) في السوق شراءً (جزافًا) بالنصب على المصدرية ويجوز نصبه على الحال أي حال كونه مجازفًا في شرائه وكذا يقال فيما قبله ولكن تقول في تأويله على الحالية حال كونهم مجازفين (فيحمله) على ظهره (إلى) منازل (أهله) ليحصل تمام القبض قبل بيعه لغيره. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 3726 - (1457) (20) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (قالوا: حدثنا زيد بن حباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين العُكْلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عكل بطن من تميم أبو الحسين الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبي عثمان المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن بكير بن عبد الله بن الأشج) المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني ثم المصري ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (عن سليمان بن يسار) الهلالي

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حتَّى يَكْتَالهُ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: "مَنِ ابْتَاعَ". 3727 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا الضحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال لِمَرْوَانَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم مولى ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى طعامًا فلا يبعه) لغيره (حتى يكتاله) من البائع أي حتى يقبضه منه بالكيل وهذا إذا اشتراه مكايلة فأما إذا اشتراه مجازفة فلا يجب الاكتيال وإنما يجب قبض المشار إليه فقط (وفي رواية أبي بكر من ابتاع) بدل اشترى. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن أخرجه مالك في الموطأ بلاغًا في البيوع، وأحمد في مسنده في مسند أبي هريرة رضي الله عنه والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3727 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الله بن الحارث) بن عبد الملك (المخزومي) أبو محمد المكي ثقة من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا الضحاك بن عثمان) المدني (عن بكير بن عبد الله بن الأشج) المدني (عن سليمان بن يسار) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن الحارث لزيد بن الحباب (أنه) أي أن أبا هريرة (قال لمروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي المدني أمير المدينة ولاه عليها معاوية بن أبي سفيان ذكره الحافظ فيمن له رؤية من الصحابة وكان يعد من الفقهاء، وأخرج له البخاري في صحيحه وكان كاتبًا لسيدنا عثمان رضي الله عنه ثم شهد الجمل مع عائشة رضي الله عنها ثم صفين مع معاوية ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية رضي الله عنه ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية

أَحْلَلْتَ بَيعَ الرِّبَا. فَقَال مَرْوَانُ: مَا فَعَلْتُ. فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيعَ الصِّكَاكِ. وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى. قَال: فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ، فَنَهَى عَنْ بَيعِهَا. قَال سُلَيمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيدِي النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فكان ذلك من أسباب وقعة الحرة وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن يزيد بن معاوية فبايعه بعض أهل الشام في قصة طويلة. أي قال أبو هريرة لمروان في زمن إمرته على المدينة (أحللت) أي هل أحللت يا مروان (بيع الربا) أي هل أجزته وأذنت فيه بتركك النهي عنه فهذا إغلاظ في الإنكار عليه وكان مروان إذ ذاك واليًا على المدينة من جهة معاوية (فقال مروان) لأبي هريرة مستفهمًا عن فعل نفسه حين قال له أبو هريرة ذلك (ما فعلت؟ ) أي: أي شيء فعلت مما يدل على إحلال بيع الربا (فقال) له (أبو هريرة: أحللت) للناس (بيع الصكاك) أي أجزته فكأنك جعلته حلالًا، والصكاك جمع صك ويجمع على صكوك وهي الورقة المكتوبة بدين والمراد هنا الورقة التي تخرج من ولي الأمر بالرزق لمستحقه بأن يكتب فيها لفلان كذا وكذا من طعام أو غيره فيبيع صاحبها ما فيها لإنسان آخر قبل أن يقبضه (و) الحال أنه (قد نهى) وزجر (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى) ويقبض وهذا موضع الاستشهاد منه (قال) سليمان بن يسار (فخطب مروان الناس فنهى) مروان الناس (عن بيعها) أي عن بيع الصكاك أي عن بيع ما فيها من الطعام وغيره، وكانت الأرزاق المعينة للمستحقين من الجند وغيرهم كالمحاويج تكتب صكاكًا فتخرج مكتوبة فتباع وهي كالشيكات في زماننا (قال سليمان) بن يسار (فنظرت إلى حرس) معطوف على محذوف تقديره فبعث مروان أجناده إلى أفراد الناس يبحثون عن الصكاك فنظرت إلى حرس أي إلى جند من أعوانه حال كونهم (يأخذونها) أي يأخذون الصكاك (من أيدي الناس) الذين اشتروها من مستحقيها فيردونها إلى أصحابها الذين كتبت لهم، وعبارة الموطأ (فبعث مروان الحرس يتبعونها ينتزعونها من أيدي الناس ويردونها إلى أهلها) وهي أوضح من عبارة مسلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن أخرجه أحمد [2/ 349]. قال القرطبي: وقول أبي هريرة لمروان: (أحللت بيع الصكاك) إنكار منه عليه

3728 - (1458) (21) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وتغليظ، وهذا نص في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يُفتي على الأمراء وغيرهم وهو رد على من جهل حال أبي هريرة وقال: إنه لم يكن مفتيًا وهو قول باطل بما يوجد له من الفتاوى وبالمعلوم من حاله وذلك أنه كان من أحفظ الناس لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزم الناس للنبي صلى الله عليه وسلم ولخدمته حضرًا وسفرًا وأغزرهم علمًا (والصكوك) جمع صك وهي التوقيعات السلطانية بالأرزاق وهذا البيع الذي أنكره أبو هريرة للصكوك إنما هو بيع من اشتراه ممن رزقه لا بيع من رزقه لأن الذي رزقه وصل إليه الطعام على جهة العطاء لا المعاوضة ودليل ذلك ما ذكره مالك في الموطأ [2/ 641] قال: إن صكوك الجار بتخفيف الراء مدينة على ساحل بحر القلزم - الأحمر - بينها وبين المدينة المنورة يوم وليلة معجم البلدان [2/ 92] أي إن صكوكها خرجت للناس في زمن مروان من طعام "الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها، وذكر الحديث في الموطأ أيضًا (أن حكيم بن حزام ابتاع طعامًا أمر به عمر بن عبد العزيز للناس فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه) "فإن قيل فما في الموطأ يدل على فسخ البيعتين بيع المعطي له وبيع المشتري منه إذ فيه أن مروان بعث الحرس لينزعوا الصكوك من أيدي الناس ولم يفرق فالجواب ما قد بينه بتمام الحديث حيث قال: ويردونها إلى من ابتاعها وكذلك فعل عمر بحكيم فإنه رد الطعام عليه لأنه هو الذي كان اشتراه من الذي أعطيه فباعه قبل أن يستوفيه كما نصّ عليه فيه، (والجار) موضع معروف بالساحل كان يجتمع فيه الطعام فيرزق الناس منه بصكاك كما مر آنفًا اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عباس بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 3728 - (1458) (21) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح) بن عبادة القيسي البصري ثقة من (9) (حدثنا ابن جريج) الأموي المكي (حدثني أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني

"إِذَا ابْتَعْتَ طَعَامًا، فَلَا تَبِعْهُ حتَّى تَسْتَوْفِيَهُ". 3729 - (1459) (22) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيجٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ، لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا، بِالْكَيلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد بصري وواحد مروزي (إذا ابتعت) أي اشتريت (طعامًا فلا تبعه) لغيرك (حتى تستوفيه) أي حتى تقبضه من البائع. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لجابر رضي الله عنه فقال: 3729 - (1459) (22) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (حدثني ابن جريج أن أبا الزبير) الأسدي المكي (أخبره) أي أخبر لابن جريج (قال) أبو الزبير: (سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مصريان وواحد مدني (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) الناس (عن بيع الصبرة) أي عن بيع الكومة المجموعة (من التمر) المجهولة القدر (لا يعلم مكيلتها) صفة للصبرة، وفي بعض النسخ مكيلها وهو لفظ النسائي أي نهى عن بيع الصبرة التي لا يعلم قدر كيلها، وقوله: (بالكيل المسمى من التمر) متعلق بالبيع أي نهى عن بيع الصبرة المجهولة المقدار بالكيل المعين من التمر كأن قال: بعتك هذه الصبرة من التمر بعشرة آصع من التمر، قال النووي: وهذا تصريح بتحريم بيع التمر بالتمر حتى تعلم المماثلة لأن الجهل بالمماثلة في هذا الباب كحقيقة المفاضلة وحكم سائر الربويات إذا بيع بعضها ببعض حكم التمر بالتمر اهـ باختصار. قوله: (عن بيع الصبرة من التمر) ولفظ النسائي (لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام، ولا الصبرة من الطعام بالكيل المسمى من الطعام) والمراد أن التمر إذا بيع

3730 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: مِنَ التَّمْرِ. فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتمر فالواجب أن يكون كل منهما مساويًا للآخر في الكيل فإذا كانت إحدى الصبرتين جزافًا لا يعلم قدرها والأخرى معلومة الكيل فيمكن أن يكون بينهما تفاضل وهو عين الربا، ومنه استنبط الفقهاء قاعدة وهي أن الجهل بالمماثلة في هذا الباب كحقيقة المفاضلة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إلا سواء بسواء) ولم يحصل تحقق المساواة مع الجهل وحكم الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير وسائر الربويات إذا بيع بعضها ببعض حكم التمر بالتمر قاله النووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي ولم يخرجه غيرهما من أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3730 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (حدثنا روح بن عبادة) القيسي البصري (حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة روح بن عبادة لعبد الله بن وهب وساق روح بن عبادة (بمثله) أي بمثل حديث عبد الله بن وهب لفظًا ومعنى إلا ما استثنى بقوله: (غير أنه) أي لكن أن روح بن عبادة (لم يذكر) في روايته لفظة (من التمر في آخر الحديث) في قوله: (بالكيل المسمى من التمر). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه خمس متابعات، والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد أيضًا، والسادس: حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

565 - (5) باب الخيار للمتبايعين والصدق في البيع وترك الخديعة والنهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها

565 - (5) باب الخيار للمتبايعين والصدق في البيع وترك الخديعة والنهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها 1 373 - (1460) (23) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْبيِّعَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 565 - (5) باب الخيار للمتبايعين والصدق في البيع وترك الخديعة والنهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها 3731 - (1460) (23) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البيعان) تثنية بيع وهو يطلق على البائع وعلى المشتري كما يطلق كل واحد منهما على الآخر وهو اسم فاعل من باع كما يقال تَيِّقٌ من تاق وميِّق من ماق أي المتبايعان وهما البائع والمشتري وهو مبتدأ أول خبره الجملة الصغرى المذكورة بعده وهي قوله: (كل واحد منهما) مبتدأ ثان خبره قوله: (بالخيار) وقوله: (على صاحبه) متعلق بالخيار أو متعلق بما تعلق به الخبر، والجملة خبر لقوله: البيعان والمعنى: المتبايعان كل واحد منهما محكوم له بالخيار على صاحبه أي على الآخر منهما (ما لم يتفرقا) بأبدانهما فيثبت لهما خيار المجلس والمعنى أن خيار المجلس ممتد زمن عدم تفرقهما بالأبدان وذلك لأن ما مصدرية ظرفية استدل بهذا الحديث الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى على ثبوت خيار المجلس للمتبايعين والمراد من التفرق في الحديث عندهما التفرق بالأبدان والبيع لا يلزم عندهما بمجرد الإيجاب والقبول بل يثبت لكل واحد من المتبايعين خيار فسخ البيع حتى ينقضي مجلس البيع ويتفرقا بالأبدان فإذا تفرقا سقط خيار المجلس ولزم البيع وهذا القول مروي عن سعيد بن المسيب والزهري وعطاء وطاوس وشريح والشعبي والأوزاعي وابن أبي ذئب وسفيان بن عيينة وابن أبي مليكة والحسن البصري وهشام بن يوسف وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد ومحمد بن جرير الطبري وأهل الظاهر كما في المغني لابن قدامة [3/ 563] والتعليق الممجد (340) ومعنى الحديث على هذا المذهب البيعان كل واحد منهما محكوم له قهرًا على صاحبه بالخيار أي بالخيار بين إمضاء البيع وفسخه ما داما في مجلس العقد ولم يتفرقا

إِلَّا بَيعَ الْخِيَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بأبدانهما، وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البيهقي والدارقطني (ما لم يتفرقا عن مكانهما) وهذا صريح في أن المراد بالتفرق التفرق بالأبدان وسماهما بالبيعين وهما المتعاقدان لأن البيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين وهي لا تقع في الحقيقة إلا بعد حصول الفعل وليس بعد العقد تفرق إلا بالأبدان فثبت خيار المجلس، وأما الحنفية والمالكية فلا يقولون بخيار المجلس وإنما يتم عندهم البيع بالإيجاب والقبول ولا خيار لأحدهما بعد ذلك إلا بالشرط أو العيب وهذا القول مروي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف ومالك بن أنس وسفيان الثوري وإبراهيم النخعي وربيعة الرأي والمراد بالتفرق عندهم التفرق بالأقوال وهو الفراغ من العقد فإذا تعاقدا صح البيع ولا خيار لهما إلا أن يشترطا وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه، ومعنى الحديث إذا أوجب المتعاقدان بالبيع فالآخر بالخيار فإن شاء قبل وإن لم يشأ لم يقبل وللموجب خيار الرجوع عما قال قبل قول صاحبه قبلت وهذا الخيار ثابت (ما لم يتفرقا) أي قولًا فإن تفرقا قولًا بأن قال أحدهما: بعت وقال الآخر: اشتريت لم يبق الخيار اهـ مرقاة، فالتفرق في الحديث مفسر بالتفرق القولي لا البدني فهم لا يقولون بثبوت خيار المجلس واستدلوا على ذلك بنصوص متضاربة مذكورة في الفروع، وتعقب هذا القول ابن حزم بأن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان أما حيث قلنا بالأبدان فواضح وحيث قلنا بالكلام فواضح أيضًا لأن قول أحد المتبايعين مثلًا بعتكه بعشرة وقول المشتري بل بعشرين مثلًا افتراق في الكلام بلا شك بخلاف ما لو قال: اشتريته بعشرة فإنهما حينئذٍ متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان لا حين يتفرقان وهو المدعى، وأما قولهم: المراد بالمتبايعين المتساومان فمردود لأنه مجاز والحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى، قال البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين بحمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين اهـ من الإرشاد والمذهب الأول أقوى دليلًا. وقوله: (إلا بيع الخيار) استثناء من أصل الحكم والمعنى البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا في بيع إسقاط الخيار أي إلا في بيع أسقط فيه خيار المجلس فإن العقد يلزم وإن لم يتفرقا بعد فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وقد ذكر

3732 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النووي اتفاق الأصحاب على ترجيح هذا التأويل وأن كثيرًا منهم أبطل ما سواه وغلطوا قائله اهـ وهو قول الجمهور، وجزم به الشافعي وممن رجحه من المحدثين البيهقي والترمذي وعبارته: معناه أن يُخيّر البائع المشتري بعد إيجاب البيع فإذا خيّره فاختار البيع فليس له بعد ذلك خيار في فسخ البيع وإن لم يتفرقا اهـ وقيل: الاستثناء من مفهوم الغاية إلا بيعًا شُرط فيه خيار مدة فإن الخيار بعد التفرق يبقى إلى مضي تلك المدة المشروطة ورُجح الأول بأنه أقل في الإضمار وقيل: هو استثناء من إثبات خيار المجلس أي إلا البيع الذي فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم البيع بنفس العقد ولا يكون فيه خيار أصلًا وهذا أضعف الاحتمالات اهـ من الإرشاد، وفي المرقاة قوله: (إلا بيع الخيار) أي: إلا بيعًا شُرط فيه الخيار فهو استثناء مما فهم من قوله: ما لم يتفرقا أي كل منهما محكوم له بالخيار ما لم يتفرقا فإن تفرقا لزم البيع إلا أن يتبايعا بشرط خيار ثلاثة أيام فما دونها فيبقى خيار الشرط اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 4]، والبخاري [2109]، وأبو داود [3455]، والترمذي [1245]، والنسائي [7/ 249]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3732 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير كلهم) أي كل من يحيى القطان ومحمد بن بشر وعبد الله بن نمير رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) بمثل حديث مالك، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك بن أنس وهذه الأسانيد كلها من خماسياته.

ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ) جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ. كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. 3733 - (1461) (24) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح وحدثني زهير بن حرب وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالا: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (ح وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حدثنا حماد وهو ابن زيد جميعًا) أي كل من إسماعيل وحماد رويا (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند أيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لمالك (ح وحدثنا ابن المثنى و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال) عبد الوهاب: (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (ح وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا ابن أبي فديك) مصغرًا الديلي مولاهم محمد بن إسماعيل المدني صدوق من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان القرشي المدني (كلاهما) أي كل من يحيى بن سعيد والضحاك بن عثمان رويا (عن نانع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان أيضًا من خماسياته غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد والضحاك بن عثمان لمالك بن أنس وساقا (نحو حديث مالك عن نافع). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنهما فقال: 3733 - (1461) (24) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري

أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا الليث) بن سعد (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من رباعياته (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: إذا تبايع الرجلان) أو المرأتان لأن النساء شقائق الرجال (فكل واحد منهما) محكوم له (بالخيار) في المجلس (ما لم يتفرقا) أي مدة عدم تفرقهما بأبدانهما فإن تفرقا بأبدانهما انقطع خيار المجلس، وقوله: (و) الحال أنهما (كانا جميعًا) أي مجتمعين في مجلس العقد تأكيد لما قبله، والجملة حالية من الضمير في يتفرقا أي: وقد كانا جميعًا وهذا كما قال الخطابي أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث، وكذا قوله في آخره: (وإن تفرقا بعد أن يتبايعا) فيه البيان الواضح بأن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة اهـ، وقد حمله ابن عمر راوي الحديث على التفرق بالأبدان كما سيأتي وكذا أبو برزة الأسلمي ولا يعرف لهما مخالف بين الصحابة، نعم خالف في ذلك إبراهيم النخعي فروى سعيد بن منصور عنه: إذا وجبت الصفقة فلا خيار. وبذلك قال المالكية إلا ابن حبيب والحنفية كلهم اهـ من الإرشاد. ومعنى هذا الحديث على القول بأن المراد التفرق القولي (إذا تبايع الرجلان) أي قارب عقدهما أو شرع أحدهما في العقد (فكل واحد منهما بالخيار) من بيعه أي من إتمام عقده (ما لم يتفرقا) قولًا بالقبول بعد الإيجاب. وقوله: (أو يُخيّر أحدهما الآخر) بصيغة المضارع والنصب بأن مضمرة بعد أو التي بمعنى إلا أي: إلا أن يخيّر أو بمعنى إلى أي إلى أن يخيّر والمعنى إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما محكوم له بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما وكانا مجتمعين إلا أن يخيّر أحدهما الآخر بأن قال له: اختر فاختار فيقطع الخيار أيضًا وإن كانا مجتمعين أو المعنى محكوم له بالخيار إلا أن يخير أحدهما الآخر فينقطع وإن لم يتفرقا، وقال في الفتح: بالجزم عطفًا على المجزوم السابق وهو قوله: ما لم يتفرقا أي محكوم له بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما أو ما لم يخيّر أحدهما الآخر وبالرفع عطفًا على جواب إذا وتكون أو

فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذلِكَ، فَقَدْ وَجَب الْبَيعُ. وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيعُ". 3734 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَمْلَى عَلَيَّ نَافِعٌ. سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْبَيعِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيعِهِ مَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ للتنويع والمعنى إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما محكوم له بالخيار أو يخيّر أحدهما الآخر (فإن خيّر أحدهما الآخر فتبايعا) أي ألزما عقد البيع (على ذلك) التخاير قيل: إن قوله فتبايعا معطوف على ما قبله عطف المجمل على المفصل فلا تغاير بينه وبين ما قبله إلا بالإجمال والتفصيل، والفاء من قوله: (فقد وجب البيع) ولزم للسببية والترتيب على سابقه أي فإذا كان التبايع على التخيير فقد لزم وانبرم وبطل خيار المجلس والمراد بالتخيير ها هنا التخاير وهو قول أحدهما للآخر: اختر وقول الآخر اخترت وبه يلزم العقد عند الشافعية قبل أن يتفرقا بالأبدان. (وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع) أي لم يفسخه (فقد وجب البيع) ولزم بعد التفرق وهو ظاهر جدًّا في انفساخ البيع بفسخ أحدهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2112]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3734 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (كلاهما عن سفيان) بن عيينة (قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع وذكر النسبة (عن ابن جريج قال) ابن جريج: (أملى عليّ) أي قرأ عليّ (نافع) مولى ابن عمر أنه (سمع عبد الله بن عمر يقول): والإملاء حكاية القول لمن يكتبه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تبايع المتبايعان بالبيع) أي تعاقدا عقد البيع (فكل واحد منهما بالخيار) أي محكوم له بالاختيار (من بيعه) أي في بيعه بين الإمضاء والفسخ (ما لم

يَتَفَرَّقَا. أَوْ يَكُونَ بَيعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ. فَإِذَا كَانَ بَيعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيعُ". زَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ: قَال نَافِعٌ: فَكَانَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ، قَامَ فَمَشَى هُنَيهَةً، ثمَّ رَجَعَ إِلَيهِ. 3735 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتفرقا) بأبدانهما وداما في مجلس العقد فإن تفرقا لزم البيع وانقطع خيار المجلس (أو يكون بيعهما) بالنصب بأن مضمرة بعد أو التي بمعنى إلا والمعنى فكل واحد منهما محكوم له بخيار المجلس مدة عدم تفرقهما بأبدانهما إلا أن يكون بيعهما واقعًا (عن خيار) أي عن تخاير بأن يقول أحدهما للآخر: اختر فقال الآخر: اخترت (فإذا كان بيعهما عن خيار) أي عن تخاير (فقد وجب البيع) أي لزم البيع بالتخاير وإن لم يتفرقا، أو بالرفع عطفًا على جواب إذا كما مر نظيره آنفًا ويكون المعنى حينئذٍ إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما محكوم له بخيار المجلس أو يكون بيعهما عن خيار (زاد) محمد بن يحيى (بن أبي عمر في روايته) لهذا الحديث على زهير لفظة (قال نافع: فكان) ابن عمر (إذا بايع رجلًا) أي عاقد عقد البيع مع رجل في الأسواق (فأراد) ابن عمر (أن لا يقيله) ذلك الرجل المتبايع معه أي أن لا يطلب منه ذلك الرجل فسخ البيع بلفظ الإقالة، والإقالة طلب فسخ البيع بلفظ الإقالة بأن يقول: أقلني عن هذا البيع (قام) ابن عمر عن مجلس العقد (فمشى) أي سار (هنيهة) أي شيئًا يسيرًا ليلزم البيع وينقطع خيار المجلس (ثم رجع إليه) أي إلى ذلك الرجل أي إلى مجلس العقد. وقوله: (قام فمشى هنيهة) إلخ وهذا الحديث دليل على أن ابن عمر كان يرى التفرق بالأبدان وأن ذلك يجوز وحينئذٍ يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله" ويعتذر عن ابن عمر بأن هذه الزيادة لم يسمعها أو لم تصح عنده، وقد حكى أبو عمر الإجماع على جواز ما فعل ابن عمر فإن صح هذا فتلك الزيادة متروكة الظاهر بالإجماع. و (هنيهة) تصغير هنة وهي كلمة يعبر بها عن كل شيء قليل اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 3735 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيمسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن

حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؟ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُل بَيِّعَينِ لَا بَيعَ بَينَهُمَا حتَّى يَتَفَرَّقَا. إِلَّا بَيعُ الْخِيَارِ". 3736 - (1462) (25) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. قَالا: حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني (أنه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بيّعين) بتشديد التحتية بعد الموحدة تثنية بيّع بمعنى بائع أي كل متبايعين (لا بيع) لازم (بينهما حتى يتفرقا) بأبدانهما عن مجلس العقد بينهما فيلزم البيع حينئذٍ بالتفرق (إلا بيع الخيار) أي: إلا بيع شرط فيه الخيار فيلزم باشتراطه فالاستثناء من المفهوم، وبيع الخيار بالرفع بدل من الضمير المستكن في خبر لا اهـ من الإرشاد، أو المعنى إلا بيعًا ذكر فيه التخاير بأن يقول أحدهما للآخر: اختر فاختار ذلك الآخر في المجلس فإنه يلزم العقد ويسقط خيار المجلس اهـ من السنوسي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه فقال: 3736 - (1462) (25) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة) بن الحجاج (ح وحدثنا عمرو بن علي) بن بحر بن كنيز بنون وزاي مصغرًا الفلّاس الصيرفي الباهلي أبو حفص البصري، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (وعبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (قالا: حدثنا شعبة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم الضبعي البصري، يروي عنه (ع) ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني ثم البصري، ثقة، روى عنه في (6) أبواب، له رؤية ولأبيه وجده صحبة حنكه النبي صلى الله عليه وسلم

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا. فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيعِهِمَا. وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيعِهِمَا". 3737 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي المدني ابن أخي خديجة الكبرى رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا حكيم بن حزام فإنه مدني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيّعان بالخيار) أي محكوم لهما بخيار المجلس أي بالاختيار بين إمضاء البيع وفسخه (ما لم يتفرقا) بأبدانهما فإن تفرقا سقط الخيار ولزم العقد (فإن صدقا) أي صدق البائع في إخبار المشتري صفة المبيع وصدق المشتري في قدر الثمن مثلًا (وبيّنا) أي بيّن كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيدًا للآخر: كذا في الفتح (بورك لهما) أي بارك الله لهما أي أنزل الله البركة لهما (في بيعهما) أي في المبيع للمشتري وفي الثمن للبائع. وعبارة القرطبي (فإن صدقا) في الإخبار عن الثمن والمثمون فيما يباع مرابحة (وبيّنا) ما فيها من العيوب (بورك لهما في بيعهما) أي بورك في الثمن بالنماء وفي المثمون بدوام الانتفاع به اهـ من المفهم (وإن كذبا) فيما أخبرا في الثمن والمثمون (وكتما) ما فيهما من العيوب (مُحقت) أي رُفعت وذهبت (بركة بيعهما) وهي زيادته ونماؤه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 403]، والبخاري [2079]، وأبو داود [3459]، والنسائي [7/ 244 و 245]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه فقال: 3737 - (00) (00) (حدثنا عمرو بن علي) الفلاس الصيرفي البصري (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) الأزدي البصري (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري، ثقة، من (5) (قال) أبو التياح: (سمعت عبد الله بن الحارث) بن نوفل الهاشمي البصري (يحدث عن

حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. قَال مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: وُلِدَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ. وَعَاشَ مِائَة وَعِشرِينَ سَنَةً. 3738 - (1463) (26) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ويحْيَى بْنُ أيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: ذَكَرَ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ حكيم بن حزام) بن خويلد الأسدي المدني رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي التياح لأبي الخليل في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن الحارث، وساق أبو التياح (بمثله) أي بمثل حديث الخليل (قال) الإمام (مسلم بن الحجاج: وُلد حكيم بن حزام) بن خويلد (في جوف الكعبة) المشرفة وداخلها (وعاش) من العمر (مائة وعشرين سنة) ستين في الجاهلية وستين في الإسلام وذلك أن أمه صفية الأسدية دخلت الكعبة في نسوة من قريش وهي حامل فأخذها الطلق فولدت حكيمًا بها وكانت ولادته قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان صديق النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وكان يودّه ويحبه بعد البعثة ولكنه تأخر إسلامه حتى أسلم عام الفتح، وكانت دار الندوة بيده فباعها بعد من معاوية رضي الله عنهما، وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية وفي الإسلام، ومات سنة أربع وخمسين (54) من الهجرة اهـ من الإصابة وأسد الغابة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3738 - (1463) (26) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي (أنه سمع ابن عمر يقول) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (ذكر رجل) هو حبان بن منقذ كما وراه ابن الجارود والحاكم وغيرهما وجزم به النووي في شرح مسلم وهو بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة، ومنقذ

لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخدَعُ فِي الْبُيُوعِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلابَةَ". فَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمعجمة وكسر القاف قبلها، الصحابي ابن الصحابي الأنصاري، وقيل: هو منقذ بن عمرو كما وقع في ابن ماجه وتاريخ البخاري وصححه النووي في مبهماته، وكان حبان قد شهد أحدًا وما بعدها وتوفي في زمن عثمان رضي الله عنه اهـ من الإرشاد (لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُخدع) بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة أي يغبن (في البيوع) وعند الشافعي وأحمد وابن خزيمة والدارقطني أن حبان بن منقذ كان ضعيفًا، وكان قد شج في رأسه مأمومة وقد ثقل لسانه، وزاد الدارقطني من طريق ابن إسحاق فقال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: هو جدي منقذ بن عمرو وكانت في رأسه آمّة اهـ من الإرشاد، وفي أسد الغابة أنه يُخدع في البيوع لضعف في عقله اهـ وقال في المبارق وكان متغير العقل لشج رأسه في الغزاة اهـ (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بايعت) ولفظ البخاري إذا بايعت الخ (فقل) له (لا خلابة) أي لا خديعة لي في هذا البيع أي لا تحل لك خديعتي أو لا يلزمني خديعتك اهـ نووي، قال القسطلاني: قوله: (فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة فلا لنفي الجنس وخبرها محذوف، وقال التوربشتي: لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر من معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه وكان الناس في ذلك الوقت أحقاء لا يغبنون أخاهم المسلم وكانوا ينظرون له كما ينظرون لأنفسهم اهـ واستعماله في الشرع عبارة عن اشتراط خيار الثلاث اهـ من الإرشاد وقال أحمد: من قال في بيعه لا خلابة لي كان له الرد إذا غُبِن كحبان بن منقذ والجمهور على أنه لا رد له لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت لحبان الخيار ولفظ لا خلابة لا يدل عليه، ويجوز أن تكون الفائدة في ذكره أن لا ينخدع في الواقع أو يكون هذا مختصًا به ولو كان ثبت له الخيار فلا دليل على عمومه اهـ من المبارق (فكان) ذلك الرجل (إذا بايع) مع الناس (يقول لا خيابة) بالياء مكان اللام لأنه كان ألثغ يُخرج اللام من غير مخرجها، وقال الفتني في مجمع البحار [1/ 263] معنى لا خلابة أي لا يلزمني خديعتك أو بشرط

3839 - (00) (00) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: فَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ. 3740 - (1464) (27) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن لا يكون فيه خديعة، وعليه فقوله هذا شرط للخيار في البيع بأن البيع لا يلزمه إن كان فيه غبن اهـ، ثم لعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما اختار له لفظ الخلابة دون لفظ الخديعة أو غيره نظرًا إلى ثقل لسانه وكان هذا اللفظ كان أوفق بلسانه وأسهل عليه اهـ إعلاء السنن. قوله: (لا خيابة) الخيابة لا يأتي بمعنى الخلابة والخديعة ولكن الرجل كان ألثغ فأبدل اللام ياء ويريد الخلابة، وقال الفتني في مجمع البحار: ورُوي خيانة بالنون، ورُوي خذاية بذال معجمة وكان الرجل ألثغ يقولها بهذه العبارات اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 61]، والبخاري [2407]، وأبو داود والنسائي كما في الإرشاد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3739 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان) بن سعيدالثوري (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة كلاهما) أي كل من سفيان وشعبة رويا (عن عبد الله بن دينار بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر (مثله) أي مثل ما روى إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سفيان وشعبة لإسماعيل بن جعفر (و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث سفيان وشعبة لفظة (فكان إذا بايع يقول: لا خيابة). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3740 - (1464) (27) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن

ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُو صَلاحُهَا. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى) نهي تحريم (عن بيع الثمر) الذي على الشجر (حتى يبدو) ويظهر (صلاحها) للانتفاع بها ونضجها باصفراره فيما يصفر واحمراره فيما يحمر ولينه فيما يلين وتموهه فيما يتموه كما سيأتي اختلاف العلماء في تفصيله وتفسيره (نهى البائع) أن يبيعها (و) نهى (المبتاع) أي المشتري أن يشتريها، قال القرطبي: وهل هذا النهي محمول على ظاهره من التحريم وهو مذهب الجمهور أو على الكراهة وهو مذهب أبي حنيفة وعليه فلو وقع بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها فسخه الجمهور، وصححه أبو حنيفة إذا ظهرت وبناه على أصله في رد أخبار الآحاد للقياس، والصحيح مذهب الجمهور للتمسك بظاهر النهي ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق" ولأنه غرر وبيع الغرر محرم، قال القسطلاني: وبدو الصلاح في الأشياء صيرورتها إلى الصفة التي تطلب فيها غالبًا ففي الثمار ظهور أول الحلاوة ففي غير المتلون بأن يتموه ويلين وفي المتلون بانقلاب اللون كان احمر أو اصفر أو اسود وفي نحو القثاء بأن يجني مثله غالبًا للأكل وفي الحبوب باشتدادها وفي ورق التوت بتناهيه اهـ من الإرشاد، يقال: بدا يبدو بدوًا بفتح الباء وسكون الدال وتخفيف الواو، وبدوأ بضم الباء والدال وتشديد الواو كلاهما مصدر بمعنى الظهور كما في تاج العروس وصلاح الشيء ضد فساده. واختلف العلماء في بدو صلاح الثمرة وبدو الصلاح عند الحنفية أن تأمن الثمرة العاهة والفساد كما صرح به ابن الهمام في فتح القدير مع الكفاية، وقال العيني من الأحناف: إن بدو الصلاح متفاوت بتفاوت الثمار فبدو صلاح التين أن يطيب وتوجد فيه الحلاوة ويظهر السواد في أسوده والبياض في أبيضه وكذلك العنب الأسود بدو صلاحه أن ينحو إلى السواد وأن ينحو أبيضه إلى البياض مع النضج، وكذلك الزيتون بدو صلاحه أن ينحو إلى السواد وبدو صلاح القثاء والفقوص أن ينعقد ويبلغ مبلغًا يوجد له طعم، وأما البطيخ فأن ينحو ناحية الاصفرار والطيب، وأما الموز فروى أشهب ونافع عن مالك أنه يباع إذا بلغ في شجره قبل أن يطيب فإنه لا يطيب حتى ينزع، وأما الجزر واللفت والفجل والثوم والبصل فبدو صلاحه إذا استقل ورقه وتم وانتفع به ولم يكن في قلعه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فساد، والبر والفول والجلبان والحمص والعدس إذا يبس والياسمين وسائر الأنوار أن يفتح أكمامه ويظهر نوره والقصيل والقصب والقرط إذا بلغ أنه يرعى دون فساد كذا في عمدة القاري في باب بيع المزابنة [5/ 539]. وأما الشافعية ففسروه بظهور مبادي النضج والحلاوة كما ذكره الرملي في نهاية المحتاج وقال الشبراملسي في حاشيته قسمه الماوردي ثمانية أقسام؛ أحدها: اللون كصفرة المشمش وحمرة العنب وسواد الإجاص وبياض التفاح أو حمرته ونحو ذلك. ثانيها: الطعم كحلاوة قصب السكر وحموضة الرمان إذا زالت المرارة. ثالثها: النضج في التين والبطيخ وتحوهما وذلك بأن تلين صلابته. رابعها: بالقوة والاشتداد كالقمح والشعير خامسها بالطول والامتلاء كالعلف والبقول. سادسها: بالكبر كالقثاء. سابعها: بانشقاق كمامه كالقطن والجوز. ثامنها: بانفتاحه كالورد وورف التوت. راجع نهاية المحتاج مع حاشيته للشبراملسي والرشيدي [4/ 148] باب بيع الأصول والثمار. واعلم أن بيع الثمار قبل ظهورها باطل إجماعًا ولا خلاف فيه لكونه بيع المعدوم وأما بيعها بعد الظهور قبل بدو صلاحها فله صور ثلاثة: الأولى: أن يشترط البائع على المشتري أن يقطعها فورًا ولا يتركها على الأشجار وهذه الصورة جائزة بإجماع الأئمة الأربعة وجمهور فقهاء الأمصار إلا ما حكاه الحافظ في الفتح [4/ 329] عن ابن أبي ليلى والثوري أنهما يقولان ببطلان هذه الصورة أيضًا. والصورة الثانية أن يشترط المشتري ترك الثمار على الأشجار حتى يحين الجذاذ وهذه الصورة باطلة بالإجماع ولا يصح البيع فيها عند أحد إلا ما حكاه الحافظ في الفتح عن يزيد بن أبي حبيب أنه يقول بجواز هذه الصورة أيضًا. والصورة الثالثة أن يقع البيع مطلقًا ولا يشترط فيه قطع ولا ترك فهذه الصورة على خلاف بين الأئمة فقال مالك والشافعي وأحمد: البيع فيها باطل واستدلوا بعموم حديث الباب فإنه ينهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها مطلقًا، وقال أبو حنيفة: البيع فيها جائز كالصورة الأولى ويجوز للبائع أن يجيز المشتري على قطع الثمار في الحال اهـ من التكملة.

3741 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 3742 - (00) (00) وحدَّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 59]، والبخاري [2183]، والنسائي [7/ 262]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3741 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك وساق عبيد الله (بمثله) أي بمثل حديث مالك لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3742 - ) (00) (00) (وحدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (وزهير بن حرب) الحرشي النسائي (قالا: حدثنا إسماعيل) بن جعفر الزرقي المدني (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لمالك، (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن بيع النخل) أي عن بيع ثمره (حتى يزهو) أي حتى يظهر صلاحه، من زها النخل يزهو زهوًا من باب نصر إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا احمر واصفر، قال الجوهري: الزهو بفتح الزاي وأهل الحجاز يقولون بضمها وهو البسر الملون يقال إذا ظهرت الحمرة أو الصفرة في النخل فقد ظهر فيه الزهو وقد زها النخل زهوًا وأزهى لغة اهـ نووي وبالجملة فالمراد من الزهو في الحديث بدو الصلاح والأمن من الآفات فإن الحديث يفسر بعضه بعضًا، والمعنى نهى عن بيع ثمرة النخل نهي تحريم حتى يبدو صلاحها ومقتضاه جوازه وصحته بعد بدوه ولو بغير شرط القطع بأن يطلق أو يشترط إبقاءه أو قطعه والمعنى الفارق بينهما أمن العاهة بعده غالبًا

وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ. 3743 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتى يَبْدُوَ صَلاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الآفَةُ". قال: يَبْدُوَ صَلاحهُ، حُمْرَتُهُ وصُفْرَتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقبله تسرع إليه لضعفه اهـ من الإرشاد (و) نهى (عن) بيع حب (السنبل حتى يبيض) أي حتى يشتد حبه وهو بدو صلاحه، والسنبل من الزرع كالبر والشعير ما كان في أعالي سوقه يُجمع على سنابل والسنبلة واحدته تجمع على سنبلات اهـ من المنجد (ويأمن العاهة) أي يسلم من أن تصيبه الآفة وتتلفه قال القاضي: العاهة الآفة تصيب الثمار والزروع فتفسده، قال الخليل: العاهة البلية تصيب الزرع والناس، وقال غيره: الآفة تصيب المال، قال الأبي: فبدو صلاحه دليل خلاصه من الآفة وذلك كقلة المطر وشدة البرد والثلج والبرد (نهى البائع) لئلا يأكل مال أخيه بالباطل (و) نهى (المشتري) لئلا يضيع ماله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3743 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يحيى بن سعيد لأيوب السختياني (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبتاعوا) أي لا تشتروا (الثمر) أو لا تتبايعوا الثمر (حتى يبدو) ويظهر (صلاحه وتذهب عنه الآفة) أي يسلم عن أن تصيبه الآفة والحائجة وكذا السنبل حتى يشتد حبه، قال نافع: قلنا لابن عمر: ما معنى يبدو صلاحه فـ (قال) ابن عمر معنى (يبدو صلاحه) أن تظهر (حمرته) فيما يحمر (و) تظهر (صفرته) فيما يصفر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3744 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ يَحْيَى، بِهذَا الإِسْنَادِ، حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ. لَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 3745 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكِ. أخْبَرَنَا الضَحَّاكُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ. 3746 - (00) (00) حدَّثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3744 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، وقال عبد الوهاب (حتى يبدو صلاحه) ولكن (لم يذكر) عبد الوهاب (ما بعده) أي ما بعد قوله حتى يبدو صلاحه من قوله وتذهب عنه الآفة الخ، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن يحيى بن سعيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3745 - (00) (00) (حدثنا) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني، ثقة، من (8) (أخبرنا الضحاك) بن عثمان بن عبد الله الأسدي المدني، صدوق، من (7) (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق ابن أبي فديك عن الضحاك عن نافع (بمثل حديث عبد الوهاب) الثقفي عن يحيى عن نافع، غرضه بيان متابعة ابن أبي فديك لعبد الوهاب ولكنها متابعة ناقصة لأن ابن أبي فديك روى عن نافع بواسطة الضحاك، وعبد الوهاب روى عنه بواسطة يحيى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 3746 - (00) (00) (حدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني، صدوق، من (10) (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني نسبة

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ وَعُبَيدِ اللهِ. 3747 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ". 3748 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ. كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى صنعاء الشام أو اليمن (حدثني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق موسى بن عقبة (بمثل حديث مالك وعبيد الله) بن عمر بن حفص، وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لمالك وعبيد الله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3747 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر، قال يحيى بن يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) الزرقي المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي المدني (أنه سمع ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3748 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة كلاهما) أي كل

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ: فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ: مَا صَلاحُهُ؟ قَال: تَذْهَبُ عَاهَتُهُ. 3749 - (1465) (28) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: نَهَى (أَوْ نَهَانَا) رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من شعبة وسفيان (عن عبد الله بن دينار بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان وشعبة لإسماعيل بن جعفر (و) لكن (زاد) محمد بن جعفر (في حديث شعبة فقيل لابن عمر) قال الحافظ في الفتح: لم أقف على اسم هذا القائل (ما) معنى (صلاحه قال) ابن عمر: معناه أن (تذهب عاهته) أي أن تؤمن آفته. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال: 3749 - (1465) (28) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي الكوفي (عن أبي الزبير عن جابرح وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية (حدثنا أبو الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (نهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بلا ذكر المفعول به (أو) قال جابر (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) مع ذكر المفعول، والشك من أبي الزبير فيما قاله جابر أي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن بيع الثمر) مفردة عن الشجرة (حتى يطيب) ويصلح ذلك الثمر لأكله بنضجه وبدو صلاحه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة، وأبو داود والنسائي في البيوع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

3750 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا رَوْحٌ. قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3750 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عثمان) بن أبي عثمان عبد النور بن عبد الله بن سنان (النوفلي) نسبة إلى نوفل أحد أجداده (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (واللفظ) أي ولفظ الحديث الآتي (له) أي لمحمد بن حاتم (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (قالا) أي قال كل من أبي عاصم وروح بن عبادة (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي، ثقة، من (6) (حدثنا عمرو بن دينار) الجمحي المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير، وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو) ويظهر (صلاحه) ونضجه، قال الحافظ في الفتح [4/ 331] واختلف السلف في قوله (حتى يبدو صلاحه) هل المراد به جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلًا، جاز بيع ثمرة جميع البساتين وإن لم يبد الصلاح فيها أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة أو في كل شجرة على حدة على أقوال، والأول: قول الليث وهو عند المالكية بشرط أن يكون الصلاح متلاحقًا، والثاني: قول أحمد وعنه رواية كالرابع، والثالث: قول الشافعية ويمكن أن يؤخذ ذلك من التعبير يبدو الصلاح لأنه دال على الاكتفاء بمسمى الإزهاء من غير اشتراط تكامله فيؤخذ اكتفاء بزهو بعض الثمرة وبزهو بعض الشجرة مع حصول المعنى وهو الأمن من العاهة ولولا حصول المعنى لكان تسميتها مزهية بإزهاء بعضها قد لا يكتفى به لكونه على خلاف الحقيقة وأيضًا فلو قيل بإزهاء الجميع لأدى إلى فساده أو أكثره وقد من الله تعالى بكون الثمار لا تطيب دفعة واحدة ليطول زمن التفكه بها اهـ منه والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فقال:

3751 - (1466) (29) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ. قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيعِ النَّخْلِ؟ فَقَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يُؤْكَلَ. وَحَتَّى يُوزَنَ. قَال: فَقُلْتُ: مَا يُوزَنُ؟ فَقَال رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْزَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3751 - (1466) (29) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق المرادي الجملي أبي عبد الله الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي البختري) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وفتح المثناة سعيد بن فيروز ويقال ابن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي التابعي الجليل، ثقة، من (3) (قال) أبو البختري: (سألت ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد طائفي (عن بيع) ثمر (النخل) مفردة عن الشجرة هل يجوز أم لا؟ (فقال) ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم (عن بيع) ثمر (النخل حتى يأكل منه) صاحبه (أو يؤكل) منه أي يصلح للأكل منه، وأو للتنويع لا للشك والمراد أن يكون صالحًا للأكل في الجملة وهو كناية عن بدو الصلاح كما فسره العيني بذلك (وحتى يوزن) أي وحتى يعرف قدره بالوزن (قال) أبو البختري: (فقلت) لابن عباس: (ما) معنى وحتى (يوزن) كأنه استغرب أن يوزن الثمر على الشجر (فقال رجل عنده) أي عند ابن عباس، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا الرجل معنى حتى يوزن (حتى يُحزر) بتقديم الزاي على الراء أي حتى يُخرص ويُعرف قدره بالتخمين، والحزر والخرص التقدير والمعنى لا يحل بيعه حتى يصلح للخرص والتخمين وكان الخارصون إنما يخرصون الثمر بعد بدو صلاحه وكان فائدة الخرص معرفة كمية حقوق الفقراء قبل أن يتصرف فيه المالك، وضبطه بعضهم (حتى يحرز) بتقديم الراء على الزاي وجعله النووي تصحيفًا. واعلم أن الخرص والأكل والوزن كلها كنايات عن ظهور صلاحها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2246]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

3752 - (1467) (30) حدّثني أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَبْتَاعُوا الثِّمَارَ حَتى يَبْدُوَ صَلاحُهَا". 3753 - (1468) (31) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُمَا) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيعِ الثمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ. وَعَنْ بَيعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3752 - (1467) (30) (حدثني أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبيه) فضيل بن غزوان الضبي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الرحمن (بن أبي نعم) بضم النون وإسكان العين البجلي أبي الحكم الكوفي، صدوق، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبتاعوا) أي لا تشتروا (الثمار حتى يبدو صلاحها) أي صلاحيتها للأكل. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال: 3753 - (1468) (31) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير وزهير بن حرب واللفظ) الآتي (لهما) أي لابن نمير وزهير لا ليحيى بن يحيى (قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثنا الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه و) نهى (عن بيع الثمر) الرطب على الشجر (بالتمر) اليابس على الأرض الأول بالثاء المثلثة والثاني بالتاء المثناة؛ أي نهى عن بيع الرطب بالثمر لعدم علم المماثلة مع كونه جنسًا ربويًا، واعلم أن هناك صورتين لبيع الرطب بالثمر: الأولى أن يباع الرطب المعلق على الشجر بالثمر المجذوذ وهو ما يسمى مزابنة وهو حرام

قَال ابْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ ثَابِتٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيعِ الْعَرَايَا. زَادَ ابْنُ نُمَيرٍ فِي رِوَايَتِهِ: أَنْ تُبَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإجماع إلا ما رُخص فيه من العرايا على اختلاف في تفسيرها، وسيأتي الكلام فيه مفصلًا في الباب التالي إن شاء الله تعالى. والصورة الثانية أن يُباع الرطب المقطوع بالتمر المقطوع وفيه خلاف فقال الأئمة الحجازيون الثلاثة: إنه لا يجوز سواء كان البيع بالتساوي أو بالتفاضل وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: يجوز البيع يدأ بيد متساويًا ويحرم متفاضلًا أو نسيئة واستدلت الأئمة الثلاثة بحديث الباب. (قال ابن عمر) رضي الله عنهما، بالسند السابق حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث السابق بلا واسطة (وحدثنا) أيضًا (زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري النجاري كاتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص) أي سهل وجوّز (في بيع) ثمر النخلات (العرايا) أي الخالية المجردة عن حكم سائر النخلات من التحريم المختصة بجواز بيع ثمارها بتمر (زاد) محمد بن عبد الله (بن نمير في روايته) على غيره لفظة (أن تباع) أي رخص في اشترائها والجملة بدل من بيع العرايا، والعرايا جمع عرية كهدايا جمع هدية وضحايا جمع ضحية وهي فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده لأن ثمرها مقصود للمحتاجين ويحتمل أن تكون فعيلة بمعنى فاعلة من عري يعرى إذا خلع ثوبه وتجرد عنه كأنها عريت من جملة التحريم فعريت أي خرجت، وقيل في تفسيرها: إنه لما نهى عن المزابنة وهي بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر على الأرض رخص من جملة المزابنة في العرايا وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله ولا نخل لهم يطعمهم منه ويكون قد فضل له من قوته فيجيء إلى صاحب النخل فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات ليصيب من رطبها مع الناس فرخص فيه إذا كان دون خمسة أوسق قاله ابن الأثير في النهاية. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي فقط كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

3754 - (1469) (32) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَبْتَاعُوا الثمَّرَ حَتى يَبْدُوَ صَلاحُهُ. وَلَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ". قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ 3754 - (1469) (32) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (وحرملة) بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري (واللفظ لحرملة قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري المدني (حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال): وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبتاعوا) أي لا تشتروا (الثمر) على الشجر منفردًا (حتى يبدو صلاحه ولا تبتاعوا الثمر) أي الرطب على الشجر (بالتمر) اليابس على الأرض لعدم العلم بالمماثلة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي وابن ماجه كما في تحفة الأشراف. (قال ابن شهاب) بالسند السابق: (وحدثني سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل ما روى لي سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حالة كون الحديثين (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى وهذا متابعة في الشواهد وهي نادرة في صحيح مسلم والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والثاني: حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد ثانيًا، والرابع: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد ثالثًا، والخامس: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد رابعًا، والسادس: حديث أبي هريرة الأخير ذكره للاستشهاد خامسًا والله سبحانه وتعالى أعلم.

566 - (6) باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا ومن باع نخلا عليها ثمر أو عبدا له مال

566 - (6) باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا ومن باع نخلًا عليها ثمر أو عبدًا له مال 3755 - (1470) (33) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ ثَمَرُ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 566 - (6) باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا ومن باع نخلًا عليها ثمر أو عبدًا له مال 3755 - (1470) (33) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حجين بن المثنى) بتقديم الحاء على الجيم مصغرًا اليمامي الخراساني البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) بن خالد الأموي المصري (عن) محمد (بن شهاب) الزهري المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني سيد التابعين وأحد العلماء الأثبات والفقهاء السبعة بالمدينة جمع بين الحديث والفقه والورع، قال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أحدًا أوسع علمًا منه، واتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل ولد سنة (15) ثقة من (2) مات بعد (90) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بغدادي وواحد نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى) نهي تحريم (عن بيع المزابنة والمحاقلة والمزابنة أن يباع ثمر النخل) أي الرطب على الشجر (بالتمر) اليابس على الأرض المجذوذ من الشجر، وإنما خص بيع الثمر على رؤوس النخل بجنسه موضوعًا على الأرض باسم المزابنة وهي كما في المرقاة من الزبن بمعنى الدفع لأن المساواة بينهما شرط وما على الشجر لا يحصل بكيل ولا وزن وإنما يكون مقدرًا بالخرص وهو حدس وظن لا يؤمن فيه من التفاوت فإذا وقف أحد المتبايعين على غبن فيما اشتراه أراد فسخ العقد وأراد الآخر إمضاءه وتزابنا أي تدافعا وإنما نهى عنها لما يقع فيها من الغبن والجهالة، قال ملا علي: وبيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب جائز عند أبي حنيفة ولا يجوز عند الشافعي ومالك وأحمد لا بالكيل ولا بالوزن إذا لم يكن الرطب على رأس النخلة أما إذا كان الرطب على رأس النخلة وباعه بالتمر فهو العرايا ويأتي بحثه اهـ.

وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاعَ الزَّرْعُ بِالْقَمْحِ. وَاسْتِكْرَاءُ الأَرْضِ بِالْقَمْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (والمحاقلة أن يُباع الزرع) في سنبله (بالقمح) أي بالحنطة الصافية، قال النووي: مأخوذة من الحقل وهو الحرث وموضع الزرع اهـ وإنما نهى عنها لأنها من المكيل ولا يجوز فيه إذا كان من جنس واحد إلا مثلًا بمثل ويدًا بيد وهذا مجهول لا يدرى أيهما أكثر اهـ من النهاية (و) المحاقلة أيضًا (استكراء الأرض) أي استئجارها (بالقمح) أي بالحنطة الصافية كما جاء في الحديث، قال ابن الأثير: وهو الذي يسميه الزراعون بالمحارثة وهذا مرسل، ومراسيل سعيد بن المسيب مقبولة كما صرح به ابن عبد البر في مقدمة التمهيد [1/ 30] وعلى قبوله اتفق العلماء حتى أكثر الشافعية الذين لا يحتجون بالمراسيل يقبلون مرسل ابن المسيب كما ذكره النووي في مقدمة شرح المهذب. وفي التكملة (قوله عن بيع المزابنة) تفسيره أن يباع الثمر المعلق بالتمر المجذوذ وهو حرام لكونه مجازفة في الربويات فإن ما على الشجر لا يكال وإنما يباع خرصًا فإذا بيع بجنسه خرصًا كان فيه احتمال التفاضل واحتمال التفاضل في الربويات في حكم الربا والمزابنة مفاعلة من الزبن وهو الدفع الشديد ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها وإنما سمي به هذا البيع لأن كل واحد من المتبايعين يدفع لصاحبه عن حقه أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع بفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع ثم عمم الشافعي بيع المزابنة في كل بيع مجهول بمجهول أو بمعدوم من الربويات، وقال مالك: المزابنة كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل سواء كان من الربويات أو لا هذا ملخص ما في فتح الباري [4/ 32]. قوله: (والمحاقلة) اختلف العلماء في تفسيره والمعروف أنه بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية مجذوذة فالمزابنة تكون في الشجر والمحاقلة في الزرع، وفسره بعضهم بالمزارعة بالثلث أو الربع فعلى هذا تُرادف المحاقلة المخابرة وفرّق بعضهم بينهما بأن المحاقلة هو استكراء الأرض بكيل مسمى من الخارج والمخابرة هو استكراء الأرض بجزء شائع من الخارج كالثلث أو الربع وفسر بعضهم المحاقلة ببع الزرع قبل إدراكه فعلى هذا تُرادف المحاقلة بيع الثمار قبل بدو صلاحها والمحاقلة في اللغة مفاعلة من الحقل وهو الزرع وموضعه، قال الليث: الحقل الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ اهـ من فتح الباري وعمدة القاري.

قَال: وَأَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ. وَلَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ". وَقَال سَالِمٌ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ، عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ رَخصَ بَعْدَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (واستكراء الأرض بالقمح) هذا هو التفسير الثاني للمحاقلة وحاصله استكراء الأرض بجزء من الخارج وهو ممنوع عند أبي حنيفة مطلقًا فالحديث عنده على إطلاقه وعمومه، وأما الجمهور وفيهم أبو يوسف ومحمد فإنهم يقولون بتحريمه إذا وقع الاستكراء على قدر مسمى من الخارج، وأما إذا وقع الاستكراء على جزء شائع من الخارج كالثلث والربع فلا حرمة عندهم وعليه الفتوى عند الحنفية فيكون النهي في حديث الباب مقيدًا بالصورة الأولى ويدل على هذا التقييد ما أخرجه ابن ماجه في كتاب الرهون باب استكراء الأرض بالطعام عن رافع بن خديج قال: كنا نحاقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم أن بعض عمومتي أتاهم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فلا يكريها بطعام مسمى" فقيد النهي بما إذا كان الطعام مسمى، وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في باب كراء الأرض إن شاء الله تعالى، وغرضه بسوق أثر سعيد بن المسيب الاستدلال على الجزء الأول من الترجمة ثم استشهد له بأثر سالم بن عبد الله فقال: (قال) ابن شهاب بالإسناد السابق (وأخبرني سالم بن عبد الله) بن عمر عن أبيه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تبتاعوا الثمر) أي لا تشتروا الثمر الرطب المعلق على الشجر (حتى يبدو صلاحه) بصلاحيته للأكل وأمنه من الآفة (ولا تبتاعوا الثمر) على الشجر (بالتمر) على الأرض لعدم المماثلة. وأثر سالم هذا موصول وصله البخاري في باب بيع المزابنة وفيه عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر فذكر الحديث. ثم امشدل على العرية بحديث زيد بن ثابت فقال: قال ابن شهاب بالسند المذكور آنفًا فهو موصول أيضًا (وقال) لنا (سالم) بن عبد الله فهو معطوف على قوله: وأخبرني سالم بن عبد الله (أخبرني عبد الله) بن عمر (عن زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري النجاري المدني كاتب الوحي رضي الله عنهما، وهذا السند من ثمانياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص) وجوّز (بعد ذلك) أي

فِي بَيعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ. ولَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيرِ ذلِكَ. 3756 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد النهي عن المزابنة (في بيع) ثمر النخلة (العرية) في بيع الثمر المعلق عليها (بالرطب) المجذوذ عنها (أو بالتمر) اليابس (ولم يرخص) من المزابنة (في غير ذلك) أي في غير بيع ثمر العرية، وكذا في رواية البخاري (بالرطب أو بالتمر) قال القسطلاني: مقتضاه جواز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض وهو وجه عند الشافعية فتكون أو للتخيير، والجمهور على المنع فيتأولون هذه الرواية بأنها من شك الراوي أيهما قال النبي صلى الله عليه وسلم وما في أكثر الروايات يدل على أنه إنما قال: التمر فلا يعوّل على غيره. وقد وقع في رواية عند النسائي والطبراني ما يؤيد أن أو للتخيير لا للشك ولفظه بالرطب وبالتمر اهـ، قلت: ورواية أبي داود هذه أيضًا تؤيد أن أو في رواية الشيخين للتخيير لا للشك والله تعالى أعلم اهـ من العون. قوله: (في بيع العرية) هي واحدة العرايا كقضية وقضايا وهي من النخل كالمنيحة من الحيوان المذكورة في كتاب الزكاة فهي النخلة التي يعطيها مالكها أي يهب ثمارها لغيره من المحتاجين ليأكلها عامًا أو أكثر يقال: نخلهم عرايا أي موهوبات يعروها الناس أي يغشونها يأكلون ثمارها لكرمهم فالمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص بعدما نهى عن المزابنة لصاحب العرية أن يشتري ما عليها من الرطب تخمينًا بقدره من التمر يأكل أهله رطبًا، والخرص بفتح الخاء هو التخمين وبالكسر المقدار المخمن، و (قوله: بالرطب أو التمر) تنويع شامل لبيع المعري والمحتاج فإنه صاحب العرية كما أنه يشتهي الرطب فيبتاعه بما عنده من التمر فكذلك المحتاج الموهوب له قد لا يستطيع أن ينتظر صيرورة رطبه تمرًا فيريد بيع ما على العرية من الرطب بما شاء من التمر لاحتياجه إليه اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5820]، وأبو داود [3377 و 3378]، والنسائي [7/ 260 و 261]، وابن ماجه [2170]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 3756 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن

نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ. 3757 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ زَيدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا. يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي، غرضه بيان متابعة نافع لسالم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية) أي جوّز لمالك النخلة العرية (أن يبيعها) أي أن يبيع ما عليها من الرطب للمحتاج (بخرصها) بفتح الخاء مصدر أي بتقدير ما يأتي منها تمرًا (من التمر) متعلق بالبيع أي أن يبيع ما عليها بعد خرصه بالتمر اليابس وأما بكسرها فهو اسم للشيء المخروص والمعنى رخص أن يبيع ما عليها بقدر مخروصها من التمر فهو بيان للمخروص. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 3757 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (أخبرني نافع) مولى ابن عمر (أنه سمع عبد الله بن عمر يحدّث أن زيد بن ثابت حدّثه) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لمالك بن أنس، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في) بيع ثمر (العرية يأخذها) أي يشتريها (أهل البيت) المحتاجون إلى الرطب (بخرصها) أي بدفع قدر مخروصها (تمرًا) لمالكها ثمنًا حالة كونهم (يأكلونها) أي يأكلون ثمر العرية شيئًا فشيئًا حال كونه (رطبًا) غير يابس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال:

3758 - (00) (00) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3759 - (00) (00) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَالْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ تُجْعَلُ لِلْقَوْمِ فَيَبِيعُونَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3758 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (يقول: أخبرني نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر عن زيد بن ثابت، وساق عبد الوهاب (مثله) أي مثل ما حدّث سليمان عن يحيى، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب لسليمان بن بلال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 3759 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) مثله، يعني عن نافع عن عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هشيم لسليمان بن بلال ثم استثنى من المماثلة بقوله: (غير أنه) أي لكن أن هشيمًا (قال) في روايته: (والعرية النخلة تجعل) أي توهب وتمنح (للقوم) الفقراء أي تجعل منحة للمحتاجين ليأكلوا ثمرها عامًا أو أكثر فاحتاجوا إلى التمر وعجزوا أن ينتظروا صيرورة رطبه تمرًا (فيبيعونها) أي: فأراد أن يبيعوا رطبها (بخرصها) أي بقدر مخروصها (تمرًا) ليأكلوا الثمر. فقوله (فيبيعونها) أي: يبيعون ما عليها من الأرطاب بخرص الخارص وتخمينه بمقابلة التمر لاحتياجهم إليه، يوضحه ما في صحيح البخاري: "العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوها بما شاؤوا من التمر" اهـ من بعض الهوامش. فهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين فلا معارضة بين الروايتين لأن العرية كما تطلق على بيع ثمرها تطلق على شرائه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال:

3760 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. حَدَّثنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. حَدَّثَنِي زَيدُ بْنُ ثَابِتٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا. قَال يَحْيَى: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخَلاتِ لِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطَبًا، بِخَرْصِهَا تَمْرًا. 3761 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3760 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) المصري (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن نافع عن عبد الله بن عمر حدثني زيد بن ثابت) رضي الله عنهم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الليث لسليمان بن بلال (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع) وشراء ثمر (العرية) ورطبها (بخرصها) أي بقدر مخروصها (تمرًا) أي من التمر (قال يحيى) بن سعيد: (العرية) أي بيعها (أن يشتري الرجل) المحتاج إلى الرطب، والرجل أعم من صاحب العرية وغيره (ثمر النخلات) ورطبها. وقوله: (ثمر النخلات) المراد بالنخلات: العرايا لاختصاص الرخصة بها فيما ذكره، والمراد بثمارها الأرطاب التي عليها فهو يشتريها مخروصة بتمر كيلًا والفقير يبيعها منه لحاجته إلى التمر ولا صبر عنده للانتظار إلى أن يصير رطبه تمرًا هـ من بعض الهوامش (لطعام أهله) أي لإطعام أهله حالة كونه (رطبًا بخرصها) أي بقدر مخروصها متعلق بيشتري (تمرًا) أي من التمر، قوله: (قال يحيى: العرية أن يشتري) الخ، هذا اللفظ وإن كان يحتمل تفسير الشافعي أيضًا، ولكنه في تفسير أبي حنيفة ومالك أظهر بدليل رواية سليمان بن بلال فإنه روى عن يحيى بن سعيد ما يتعين فيه تفسير أبي حنيفة ومالك المذكور في الأقوال الآتية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 3761 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (حدثني نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت)

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخِرْصِهَا كَيلًا. 3762 - (00) (00) وحدَّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: أَنْ تُؤْخَذَ بِخِرْصِهَا. 3763 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله ليحيى بن سعيد الأنصاري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع) أي أن يباع ثمرها (بخرصها) أي بقدر مخروصها كيلًا) أي حال كون ذلك القدر تمرًا مكيلًا يعني أن التمر يعطى كيلًا والرطب خرصًا لأن التمر مجذوذ والرطب على الشجر، والخرص قد رُوي بفتح الخاء وبكسرها غير أن الفتح أشهر وهو مصدر وبالكسر اسم للشيء المخروص كما مر عن النووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 3762 - (00) (00) (وحدثناه ابن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر العمري (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى القطان لعبد الله بن نمير (و) لكن (قال) يحيى القطان: رخص في العرايا (أن تؤخذ) وتشترى ثمرتها (بخرصها) أي بقدر مخروصها من التمر، بدل قول ابن نمير (أن تباع بخرصها) ولا معارضة بين الروايتين لأن الترخيص في العرايا يطلق على الترخيص في بيعها وعلى الترخيص في شرائها كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 3763 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنيه علي بن حجر) السعدي المروزي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن

كِلاهُمَا، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيعِ الْعَرَايَا بِخِرْصِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني البصري (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر عن زيد بن ثابت. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع) ثمر (العرايا بخرصها) أي بقدر مخروصها تمرًا. [بفائدة]: واعلم أن الفقهاء اتفقوا على تحريم بيع المزابنة كما مر، واتفقوا أيضًا على الرخصة في العرايا وهي جمع العرية ولكن اختلفوا في تفسير العرية اختلافًا شديدًا على خمسة أقوال: الأول: قول الثافعي رحمه الله تعالى فالعرايا عنده بيع المزابنة بعينه فيما دون خمسة أوسق فإذا كان بيع المعلق بالثمر المجذوذ دون خمسة أوسق كان مزابنة حرامًا وإن كان هذا البيع بعينه فيما دون خمسة أوسق فهو بيع العرايا وهو جائز عنده وإن كان خمسة أوسق لا فيما دونها ولا فيما فوقها ففيه وجهان للشافعية أصحهما عدم الجواز كما في النووي، وهذا القول في تفسير العرايا قد اختاره بعض الحنابلة أيضًا وجعله ابن قدامة في المغني [4/ 59] ظاهر كلام أصحابهم. والثاني: قول أحمد رحمه الله تعالى والعرايا عنده أن توهب لرجل ثمر نخلة فيبيعها الموهوب له من غير الواهب وهو جائز عنده فيما دون خمسة أوسق وهو رواية الخرقي والأثرم عن أحمد كما في المغني، وجعله ابن رشد مذهب أحمد في بداية المجتهد [2/ 215]. والثالث: قول مالك رحمه الله تعالى المشهور والعرايا عنده أن يهب الرجل ثمر نخلة أو نخلات من حائطه لرجل بعينه ثم يتأذى بدخول الموهوب له في حائطه لمكان أهل بيته في الحائط فيجوز للواهب أن يشتري الثمار المعلقة من الموهوب له بخرصها تمرًا ولكن يجوز هذا البيع عند مالك بشروط أربعة أحدها: أن تزهي الثمار، والثاني: أن تكون خمسة أوسق فما دون فإن زادت فلا يجوز، والثالث: أن يعطيه التمر الذي يشتريها به عند الجذاذ فإن أعطاه نقدًا لم يجز، والرابع؛ أن يكون التمر من صنف ثمر العرية ونوعها وهذه الشروط الأربعة قد ذكرها ابن رشد في بداية المجتهد في كتاب بيع العرية [2/ 214 و 215] وزاد الأبي في شرحه [4/ 207] أن تكون المنحة بلفظ العرية لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بلفظ الهبة وأن يكون المشترى جميع العرية وأن يكون مما يدخر وييبس. والقول الرابع: قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وتفسير العرايا عنده عين ما فسر به مالك غير أنه يقول: إنه ليس ببيع حقيقة وإنما هو استبدال موهوب بموهوب آخر قبل أن يقبضه الموهوب له وذلك لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض فلما وهب المالك ثمرة نخله لرجل فقير مثلًا لم تتم الهبة بقوله فقط وإنما تتم عند قبضه الثمر فلما تغير رأيه وأراد أن يأخذ ثمار النخل لأهله ويعطي الفقير مكانها تمرًا مجذوذًا كان هو استبدال الهبة وليس بيعًا في الحقيقة، وإنما سمي بيع العرايا مجازًا لكون صورته صورة البيع ولما لم تكن المعاملة بيعًا لم يشترط لجوازه الشروط الأربعة التي اشترطها مالك بل تجوز مطلقًا. والقول الخامس: قول أبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى وتفسير العرايا عنده أن العرايا هي النخلات يستثنيها الرجل من حائطه إذا باع ثمرته فلا يدخلها في البيع ولكنها يبقيها لنفسه وعياله فتلك الثنيا لا تخرص عليه لأنه قد عفي لهم عما يأكلون تلك الأيام فهي العرايا، سميت بذلك في هذا التفسير لأنها أعريت من أن تباع أو تخرص في الصدقة فأرخص النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الحاجة والمسكنة الذين لا ورق لهم ولا ذهب وهم يقدرون على الثمر أن يبتاعوا بتمرهم من ثمار هذه العرايا بخرصها فعل ذلك بهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرخص لهم أن يبتاعوا منه ما يكون لتجارة ولا لا دخار. فالحاصل أن الأئمة الثلاثة الحجازيين والإمام أبا عبيد رحمهم الله كلهم أجمعين يرون بيع العرايا بيعًا استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حرمة بيع المزابنة ثم عممه النبي صلى الله عليه وسلم في كل مزابنة فيما دون خمسة أوسق وخصه أحمد ببيع الموهوب له من غير الواهب وخصه مالك ببيع الموهوب له من الواهب وخصه أبو عبيد بثمار أشجار مخصوصة أبقاها المالك عند بيع الحائط لنفسه وعياله فجاز له أن يبيعها من الفقراء بخرصها تمرًا. وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فلا يعتبر العرايا في الحقيقة بيعًا وإنما هو عنده بيع صورة واستبدال موهوب آخر حقيقة فاستثناء العرايا من المزابنة متصل عند الحجازيين ومنقطع عند أبي حنيفة اهـ من التكملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زيد بن ثابت بحديث سهل بن أبي

3764 - (1471) (34) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ)، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ. مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ حثمة رضي الله عنهما فقال: 3764 - (1471) (34) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) المدني البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان) قال الإمام مسلم (يعني) شيخي عبد الله بسليمان الذي أبهمه سليمان (بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (عن يحيى وهو) أي يحيى الذي أبهمه شيخي عبد الله بن مسلمة يحيى (بن سعيد) التيمي الأنصاري المدني، ثقة، من (5) وقوله: يعني ابن بلال وهو ابن سعيد، ذكر النووي أن فائدة ذكرهما بيان أنه لم يقع في الرواية ذكر نسبهما بل اقتصر الراوي على قوله سليمان ويحيى فأراد مسلم بيانه ولا يجوز أن يقال سليمان بن بلال فإنه يزيد على ما سمعه من شيخه فقال: يعني ابن بلال فحصل البيان من غير زيادة منسوبة إلى شيخه اهـ، وبه يظهر ثمرة وضعنا أمثال هذه العبارات بين هلالين في الطبع اهـ من بعض الهوامش (عن بشير) مصغرًا (بن يسار) أبي كيسان الأنصاري الحارثي مولاهم المدني الفقيه، وتقدم في أوائل الكتاب أن بشيرًا كله بفتح الموحدة وكسر الشين إلا اثنين فبالضم وفتح الشين وهما بُشير بن كعب وبُشير بن يسار اهـ نووي، روى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل دارهم وسهل بن أبي حثمة في البيوع والقسامة، ورافع بن خديج في البيوع والقسامة، ويروي عنه (ع) ويحيى الأنصاري وابن إسحاق والوليد بن كثير وأبو بردة بن نيار وسويد بن النعمان، قال ابن معين: ثقة وليس بأخي سليمان بن يسار، وقال ابن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا، وكان قد أدرك عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من الثالثة، وليس في مسلم من اسمه بشير مصغرًا إلا هذا الثقة التابعي (عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل دارهم) أي من أهل حارتهم يعني بني حارثة كرافع بن خديج والمراد بالدار المحلة كذا قال النووي، والإبهام في الصحابة لا يضر لأنهم عدول (منهم سهل بن أبي حثمة) بفتحتين بينهما مثلثة ساكنة اسمه عبد الله بن ساعدة بن عامر بن ساعدة الأنصاري الخزرجي المدني، صحابي

حَثْمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. وَقَال: "ذلِكَ الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ" إلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيعِ الْعَرِبَّةِ. النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَينِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا. يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. 3765 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ صغير، له (25) خمسة وعشرون حديثًا، اتفقا على ثلاثة، وُلد سنة ثلاث من الهجرة، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، ومات في خلافة معاوية، وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الثمر) المعلق على الشجر (بالتمر) المجذوذ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك) أي بيع الثمر على النخل بالثمر المجذوذ عين (الربا) لعدم العلم بالمماثلة (تلك) الصفقة هي (المزابنة) وهي بيع الثمر على النخيل بالثمر، وقوله: (إلا أنه) صلى الله عليه وسلم: (رخص) وجوّز وسفل (في بيع) ثمر الشجرة (العرية) استثناء من النهي، وقوله: (النخلة والنخلتين) بدل من العرية (يأخذها) أي يأخذ ثمر تلك العرية ويشتريها (أهل البيت) المحتاجون إلى الرطب (بخرصها) أي بقدر مخروصها أي بعوض قدر مخروصها (تمرًا) أي من التمر المجذوذ (يأكلونها) أي: يأكلون ثمر تلك العرية حالة كونه (رطبًا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 2]، والبخاري [219]، وأبو داود [3363]، والترمذي [1303]، والنسائي [7/ 268]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه فقال: 3765 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا) محمد (ابن رمح أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) الحارثي المدني (عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا): والجهالة في الصحابة لا تضر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لسليمان بن

رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَيعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا. 3766 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ. قَال: سَمِعْتُ تحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي بُشَيرُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، مِنْ أَهْلِ دَارِهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى. غَيرَ أَنَّ إِسْحاقَ وَابْنَ الْمُثَنَّى جَعَلا (مَكَانَ الرِّبَا) الزَّبْنَ. وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: الرِّبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بلال (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع) ثمر (العرية بخرصها) أي بقدر مخروصها (تمرًا) أي من التمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه فقال: 3766 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (وإسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه المروزي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (قال) الثقفي: (سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (يقول: أخبرني بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل داره) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الثقفي لسليمان بن بلال (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى) عن بيع الثمر بالتمر (فذكر) الثقفي (بمثل حديث سليمان بن بلال عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (غير أن إسحاق) بن إبراهيم (وابن المثنى جعلا) أي ذكرا (مكان الربا) أي بدل لفظ الربا في قوله: ذلك الربا (الزبن) أي لفظ الزبن فقالا: فذلك الزبن، أصل الزبن الدفع، وسُمي هذا العقد مزابنة لأنهم يتدافعون في مخاصمتهم بسببه لكثرة الغرر والخطر فيه (وقال ابن أبي عمر: الربا) أي لفظ الربا كما قاله عبد الله بن مسلمة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه فقال: 3767 - (00) (00) (وحدثناه عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد)

3767 - (00) (00) وحدَّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. نَحْوَ حَدِيثِهِم. 3768 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي بُشَيرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ؛ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. إلا أَصْحَابَ الْعَرَايَا. فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ البغدادي (و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق سفيان بن عيينة (نحو حديثهم) أي نحو حديث سليمان بن بلال وليث بن سعد وعبد الوهاب الثقفي، غرضه بيان متابعة سفيان لهؤلاء الثلاثة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 3768 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحسن) بن علي (الحلواني) المكي (قالا: حدثنا أبو أسامة): حماد بن أسامة الهاشمي، ثقة، من (9) (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني، صدوق، من (6) (حدثني بشير بن يسار) الأنصاري الحارثي (مولى بني حارثة) بطن من الأنصار (أن رافع بن خديج) بن رافع الأنصاري الأوسي المدني رضي الله عنه (وسهل بن أبي حثمة) عبد الله بن ساعدة رضي الله عنه (حدّثاه) أي: حدثا لبشير بن يسار. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وليد بن كثير ليحيى بن سعيد في الرواية عن بشير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة) أي عن بيع (الثمر) على الشجر (بالتمر) المجذوذ (إلا أصحاب العرايا فإنه) صلى الله عليه وسلم (قد أذن) ورخص (لهم) في بيع الثمر بالتمر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بن ثابت بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3769 - (1472) (35) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي

3769 - (472 1) (35) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). قَال: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَينِ، عَنْ أبِي سُفْيَانَ (مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيَمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةٍ (يَشُكُّ دَاوُدُ قَال: خَمْسَةٌ أَوْ دُونَ خَمْسَةٍ)؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني البصري، ثقة، من (9) (حدثنا مالك ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى لا لابن مسلمة (قال) يحيى: (قلت لمالك) بن أنس أ (حدّثك) بتقدير همزة الاستفهام (داود بن الحصين) بضم الحاء المهملة الأموي مولاهم مولى عمرو بن عثمان أبو سليمان المدني، ثقة، من (6) (عن أبي سفيان) اسمه وهب أو قُزمان بضم القاف كما في الخلاصة المدني، ثقة، من (3) (مولى ابن أبي أحمد) واسم ابن أبي أحمد كما في الخلاصة عبد الله وأبوه أبو أحمد بن جحش الأسدي من مشاهير الصحابة أخو أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنهما، واسم أبي أحمد كما في أسد الغابة عبد بن جحش بلا إضافة اهـ من بعض الهوامش. (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص) وجوّز (في بيع) ثمر (العرايا بخرصها) أي بقدر مخروصها من التمر (فيما دون خمسة أوسق) بدل من قوله في بيع (أو) قال شيخي أبو سفيان: رخص (في خمسة) كذا بالكسرة على نية الإضافة أي أو قال: رخص في خمسة أوسق، قال المؤلف: (يشك داود) بن الحصين شيخ الإمام مالك أحد رواة الحديث أي شك داود هل اللفظ الذي (قالـ) ـه أبو سفيان (خمسة) أوسق (أو) فيما (دون خمسة) أوسق هو جمع وسق بفتح الواو وسكون السين، ويُجمع على وسوق أيضًا كفلس وأفلس وفلوس، وأما أوساق فجمع وسق بالكسر كحمل وأحمال بمعناه والوسق الواحد ستون صاعًا كما مر في الزكاة، قال يحيى بن يحيى قلت لمالك الإمام: هل حدّثك داود بن الحصين هذا الحديث عن أبي سفيان؟ فـ (قال) لي مالك: (نعم) حدثنيه داود بن الحصين، قال القرطبي: (قوله أو في خمسة أوسق) هو شك من داود وموضع الشك الخمسة فتُطرح ويعوّل على أن الجواز مخصوص بما دونها لأوجه: أحدها: أن الحكم لا يثبت بالشك، والثاني: أن الأصل في المزابنة المنع إلا فيما تحققت فيه الرخصة ولم تتحقق هنا في

3770 - (1473) (36) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ بَيعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيلًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخمسة بل فيما دونها، والثالث: أن الخمسة الأوسق هو أول مقادير المال الكثير الذي تجب فيه الزكاة من هذا النوع ويكون مالكه من الأغنياء الذين يجب عليهم مواساة الفقير وهو الذي لا نصاب له فقصر المرفق على من هو من نوع الفقراء مناسب لتصرف الشرع وبهذا قال الشافعي: إلا أنه قال: لا أفسخ البيع في مقدار خمسة أوسق وأفسخه فيما فوقها اهـ من المفهم، وقال أيضًا: (وقوله فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق) دليل على أن العرية إنما تجري فيما يوسق ويكال ثم هل تقصر على التمر والزبيب أو يلحق بهما ما في معناهما مما يدخر للقوت؟ فيه قولان، والأولى الإلحاق لأن المنصوص عليه في الحديث التمر وقد ألحق بها الزبيب قولا واحدا عندنا وليس منصوصًا عليه ولا سبب للإلحاق إلا أن الزبيب في معنى التمر فيلحق بهما كل ما في معناهما من المدخر المقوّت اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 237]، والبخاري [2190]، وأبو داود [3364]، والترمذي [1301]، والنسائي [7/ 268]. (تنبيه): العرية عندنا مستثناة من أصول ممنوعة من المزابنة والغرر ومن ربا التفاضل والنسيئة ومن الرجوع في الهبة والذي سوغها ما فيها من المعروف والرفق وإزالة الضرر والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لأثر سعيد بن المسيب بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3770 - (1473) (36) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن المزابنة) قال ابن عمر أو النبي صلى الله عليه وسلم (والمزابنة بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم المراد به ثمر النخل (بالتمر) بالمثناة الفوقية (كيلًا) بالنصب على التمييز وليس قيدًا يعني: نهى عن بيع الثمر المخروص على الأشجار بالتمر المجذوذ المكيل (وبيع الكرم) بسكون الراء شجر العنب والمراد ها هنا

وَبَيعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيلًا. 3771 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ العنب كما هو المصرح به في الرواية التالية: (بالزبيب كيلًا) يعني: نهى عن بيع الثمر المخروص على الأشجار بالزبيب المجذوذ المكيل، والعلة في النهي عن ذلك هو الربا لعدم التساوي ولا يعارض هذا الحديث حديث أبي هريرة المذكور في الصحيحين في كتاب الأدب (لا تسموا العنب الكرم) لأن النهي في حديث أبي هريرة محمول على التنزيه وتسميته في هذا الحديث كرمًا بيان للجواز قاله الحافظ في الفتح [4/ 322]، وهذا على تقدير أن تفسير المزابنة صادر من النبي صلى الله عليه وسلم أما على القول بأنه من الصحابي فلا حجة على الجواز ويحمل النهي على الحقيقة اهـ من الإرشاد. والنهي أيضًا عن تسمية العنب كرمًا لتأكيد تحريم الخمر لأن في التسمية به تقريرًا لما كانوا يتوهمونه من تكريم شاربها اهـ من بعض الهوامش، قال القرطبي: يعني أن يكون أحدهما بالكيل والآخر بالجزاف للجهل بالمقدار في الجنس فيدخله الخطر وإذا كان هذا ممنوعًا للجهل من جهة واحدة فالجهل من جهتين كجزاف بجزاف أدخل في المنع وأولى، وهذا الحديث يشهد للشافعي على تفسيره للمزابنة فإنه ما ذكر في الحديث إلا النخل والعنب وكلاهما يحرم الربا في نقده وألحق بهما ما في معناهما، وأما مالك ففهم أن المنع فيها إنما كان من حيث الغرر اللاحق في الجنس الواحد فعداه لكل جنس وُجد فيه ذلك المعنى والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2171]، والنسائي [7/ 266]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3771 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن نافع أن عبد الله) بن عمر (أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (نهى عن

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، بَيعِ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمرِ كَيلًا، وَبَيعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيلًا، وَبَيعِ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيلًا. 3772 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3773 - (00) (00) حدّثني يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحُسَينُ بْنُ عِيسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ المزابنة) وقوله: (بيع ثمر النخل بالتمر كيلًا) عطف بيان للمزابنة أو بدل منه (وبيع العنب بالزبيب كيلًا) معطوف على ما قبله وكذا قوله: (وبيع الزرع) الذي لم يُحصد بعد اشتداد حبه (بالحنطة) المصفاة (كيلًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3772 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن عبد الله (مثله) أي مثل ما روى محمد بن بشر عن عبيد الله، غرضه بيان متابعة ابن أبي زائدة لمحمد بن بشر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3773 - (00) (00) (حدثني يحيى بن معين) بوزن أمير بن عون الغطفاني مولاهم أبو زكرياء البغدادي، إمام الجرح والتعديل ثقة حجة، من (10) (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (وحسين بن عيسى) بن حمران بضم المهملة وسكون الميم الطائي البسطامي أبو علي النيسابوري، روى عن أبي أسامة في البيوع، ووكيع ويزيد بن هارون وابن عيينة وخلق، قال الدارقطني والنسائي والحاكم: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، ويروي عنه (خ م دت س) وابن خزيمة ومامون بن هارون، له في (خ) فرد حديث وفي (م) آخر، وقال في التقريب: صدوق، صاحب حديث، من العاشرة، مات سنة (247) سبع وأربعين ومائتين (قالوا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة

قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ بَيعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْر كَيلًا. وَبَيعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيلًا. وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخِرْصِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهاشمي الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لمحمد بن بشر (قال) ابن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة) قال ابن عمر: (والمزابنة بيع ثمر النخل) أي رطبه المخروص (بالتمر) اليابس المجذوذ (كيلًا) أي من جهة الكيل في التمر (وبيع الزبيب) اليابس (بالعنب) المخروص على الشجر، وقوله: (كيلًا) راجع إلى الزبيب (و) نهى (عن) بيع كل ثمر) من ثمار الأشجار (بخرصه) أي بقدر مخروصه من اليابس فالباء للمقابلة كيلًا، وهذا تفسير مدرج من ابن عمر. وهذا الحديث صريح في تحريم المزابنة في جميع أنواع الثمار، وهل تجري رخصة العرايا في جميع الثمار أيضًا؟ اختلف فيه الفقهاء فقال أحمد والليث وأهل الظاهر: لا يجوز بيع العرايا في غير النخيل إلا أن يكون مما ثمرته لا يجري فيها الربا واستدلوا بحديث زيد بن ثابت أول الباب حيث قال: (ولم يرخص في غير ذلك) واختاره بعض الشافعية كالمحب الطبري، وقال الشافعي في المشهور عنه: يُلحق العنب بالتمر فيجوز بيع العرايا فيهما ولا يجوز في غيرهما لأن العنب كالرطب في وجوب الزكاة فيهما وجواز خرصهما وتوسيقهما وكثرة تيبيسهما واقتياتهما في بعض البلدان والحاجة إلى أكل رطبهما، وقال مالك: يلحق بالرطب كل ما يدخر فيجوز فيه بيع العرايا، وقال الأوزاعي: يجوز في كل ثمرة. راجع المغني لابن قدامة [4/ 63 و 64] وفتح الباري [4/ 322]، والأبي [4/ 207]، وأما الحنفية فلم يكن العقد عندهم بيعًا ولا مزابنة فالظاهر عندهم أنه يجوز في جميع الثمار ولم أر تصريحًا منهم اهـ تكملة. وهذا الذي ذكره ابن عمر معنى المزابنة شرعًا ووزنها مفاعلة ولا تكون إلا بين اثنين، وأصلها في اللغة الدفع الشديد، ومنه وُصفت الحرب (بالزبون) لشدة الدفع فيها وبه سمي الشرطي زبنًا لأنه يدفع الناس بعنف وشدة، ومنه زبن الناقة الإناء عند الحلب ولما كان كل واحد من المتبايعين يدفع الآخر في هذه المبايعة عن حقه سميت بذلك هذا معنى المزابنة لغة، وأما معناه شرعًا فقد جاء تفسيرها في هذه الأحاديث بألفاظ مختلفة كما مرت حاصلها عند الشافعي بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم

3774 - (00) (00) حدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ) عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ، بِكَيلٍ مُسَمًّى. إِنْ زَادَ فَلِي، وإنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من جنس يحرم الربا في نقده، وخالفه مالك في هذا القيد فقال: سواء كان مما يحرم الربا في نقده أولًا مطعومًا أو غير مطعوم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3774 - (00) (00) (حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن المزابنة) قال ابن عمر: (والمزابنة) شرعًا (أن يباع ما في رووس النخل) أي ما على رؤوس النخل من الأرطاب خرصًا كقوله تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (بتمر) مجذوذ معلوم قدره متعلق بيباع (بكيل مسمى) أي بكيل معين كالصيعان والأمداد وهو بدل مما قبله بإعادة الجار، وقوله: (إن زاد) حال بتقدير القول من البائع المدلول عليه بيباع أي يبيعه قائلًا: إن زاد المخروص على ذلك الكيل المسمى (فلي) أي: فالزائد لي (وإن نقص) المخروص عن الكيل المسمى (فعلى) إكماله أفاده العيني، وفي التكملة قوله: (إن زاد فلي وإن نقص فعلى) يحتمل أن يكون مقولًا للبائع ويحتمل أن يكون مقولًا للمشتري فإن كان هذا من قول البائع فالضمير في زاد عائد إلى التمر المجذوذ والمراد أن التمر المجذوذ إن زاد على التمر المخروص فالزيادة لي لا أضمنها لك وإن نقص منه فالنقصان عليّ ولا تضمنه لي، وإن كان هذا من قول المشتري فالضمير في زاد يرجع إلى الثمر المخروص والمراد أن الثمر المخروص لو زاد على هذا الثمر المجذوذ المسمى فالزيادة لي لا أضمنها للبائع وإن انتقص منه فالنقصان على ولا يضمنه البائع لي، راجع البدر الساري تحت فيض الباري اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله

3775 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثنَا أَيُّوبُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3776 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ، إِنْ كَانَتْ نَخْلًا، بِتَمْرٍ كَيلًا. وَإِنْ كَانَ كَرْمًا، أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما فقال: 3775 - (00) (00) (وحدثناه أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد الأزدي البصري (حدثنا أيوب) الستياني (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (نحوه) أي نحو ما روى إسماعيل عن أيوب، غرضه بيان متابعة حماد لإسماعيل بن علية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3776 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثني محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لأيوب السختياني (قال) عبد الله بن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة) قال عبد الله: والمزابنة (أن يبيع) الشخص (ثمر حائطه) أي بستانه، فالجملة الفعلية خبر لمبتدإ محذوف ويصح أن تكون في محل الجر بدلًا من المزابنة، والحائط هنا البستان يذكر ويؤنث كما يفهم من الحديث فيجمع على حوائط، وأما الحائط بمعنى الجدار فيجمع على حيطان أفاده في المصباح، وفي حديث أبي موسى في كتاب الأدب من صحيح البخاري في حائط من حيطان المدينة يعني بستانًا اهـ أي أن يبيع أرطاب حائطه خرصًا (إن كانت) حائطه (نخلًا بتمر كيلًا) أي بتمر مجذوذ مكيل (وإن كان) حائطه (كرمًا) أي شجر عنب (أن يبيعه) أي أن يبيع ثمره وعنبه (بزبيب كيلًا) أي بزبيب يابس مكيل (وإن كان) حائطه (زرعًا) غير محصود اشتد حبه (أن يبيعه) أي أن يبيع

وَإِنْ كَانَ زَرْعًا، أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيلِ طَعَامٍ. نَهَى عَنْ ذلِكَ كُلِّهِ. وَفِي رِوَايَةِ قُتَيبَةَ: أَوْ كَانَ زَرْعًا. 3777 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الظَاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنِي الضَحَّاكُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حب زرعه (بكيل طعام) أي بطعام مكيل إن كان من جنس الزرع فإن كان خلاف جنسه جاز البيع يدًا بيد وبيع الزرع القائم بالحب الحصيد يسمى محاقلة كما سبق في أول الباب (نهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن ذلك) المذكور من أنواع البيع الثلاثة (كله) جميعًا (وفي رواية قتيبة) بن سعيد البلخي (أو كان) حائطه (زرعًا) بأو التنويعية بدل الواو المذكورة في رواية محمد بن رمح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3777 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (ح وحدثناه) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بالفاء مصغرًا يسار الدِّيلي المدني، صدوق، من (8) (أخبرني الضحاك) بن عثمان بن عبد الله الأسدي المدني، صدوق، من (7) (ح وحدثنيه سويد بن سعيد) الهروي الأصل ثم الحدثاني (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرا نسبة إلى عقيل بن كعب أبو عمر الصنعاني صنعاء الشام أو اليمن (حدثني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة المذكورين من يونس بن يزيد والضحاك بن عثمان وموسى بن عقبة رووا (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن عمر (نحو حديثهم) أي نحو حديث عبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وليث بن سعد، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة المذكورة هنا لأولئك الثلاثة السابقة في الرواية عن نافع عن ابن عمر.

3778 - (1474) (37) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ بَاعَ نَخلًا قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ. إِلَّا أَن يَشْتَرِطَ الْمُبتَاعُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3778 - (1474) (37) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الإمام الأعظم في الفروع (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من باع نخلًا قد أُبّرت) ولُقحت وشُققت طلعها لذَرِّ طَلْعِ الذكور فيها ليكون ثمرها أجود، والجملة الفعلية صفة لنخلًا، والتأبير هو التلقيح؛ والتلقيح شق طلع النخلة الأنثى فيذر فيه شيء من طلع النخل الذكر فتصلح ثمرته بإذن الله تعالى، ويقال: أبرت النخل من بابي ضرب وقتل فيكون التأبير كما في المصباح مبالغة، قال العيني: وتأبير كل شيء بحسبه وبما جرت عادتهم فيه مما يثبت ثمره ويعقده، وقد يعبر بالتأبير عن ظهور الثمرة وعن انعقادها وإن لم يفعل فيها شيء اهـ ولا يبعد أن يكون التأبير في هذا الحديث كناية عن ظهور ثمرتها لكونه لازمًا له غالبًا (فثمرتها للبائع) ومن أجل هذا الحديث أجمع العلماء على أن النخل إذا بيع بعد التأبير فالثمرة للبائع (إلا أن يشترط) ـها (المبتاع) أي المشتري أن تكون له في العقد، وفيه دليل على أن الشرط إذا لم يكن مخالفًا لمقتضى العقد لا يفسد به البيع فإن اشتراط الثمر في بيع النخل زيادة في المبيع في الحقيقة ولا يخالف مقتضى عقد البيع فجاز هذا الاشتراط. وأما إذا بيع قبل التأبير فقد ذكروا فيه خلافًا بين الحنفية والشافعية وأن الشافعية يجعلون الثمرة للمشتري في تلك الصورة أيضًا ويستدلون بمفهوم حديث الباب، والحنفية والأوزاعي يجعلونها للبائع في تلك الصورة أيضًا ولا يعتبرون المفهوم والحكم عند الحنفية فيما قبل التأبير وما بعده سواء، وقد جرت في هذا الخلاف أبحاث طويلة فلتراجع كتب الفروع فإنها مشحونة بها، قال القرطبي (قوله: إلا أن يشترط المبتاع) يعني الثمر المؤبر لا يدخل مع الأصول في البيع إلا بالشرط وصح اشتراطه لأنه عين موجودة يحاط بها أُمِنَ سقوطها غالبًا بخلاف التي لم تؤبر إذ ليس سقوطها مأمونًا فلم يتحقق لها

3779 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَيُّمَا نَخْلٍ اشْتُرِيَ أُصُولُهَا وَقَدْ أُبِّرَتْ، فَإِن ثمَرَهَا لِلَّذِي أَبَّرَهَا. إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الَّذِي اشتَرَاهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وجود فلا يجوز للبائع اشتراطها ولا استثناؤها لأنها كالجنين هذا هو المشهور عندنا، وقيل: يجوز استثناؤها وهو قول الشافعي وخُرّج هذا الخلاف على الخلاف في المستثنى هل هو مبقىً على ملك البائع أو هو مشترى من المشتري اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 6]، والبخاري [2204]، وأبو داود [3434]، وابن ماجه [2210 و 2212]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3779 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (جميعًا) أي كل من يحيى القطان وعبد الله بن نمير رويا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما نخل اشْتُرِي أصولها) أي أشجارها بالبناء للمجهول (و) الحال أنه (قد أُبِّرت) ولُقحت ثمارها بالبناء للمجهول أيضًا (فإن ثمرها للذي أبرها) أي للبائع الذي أبرها ولقحها (إلا أن يشترط) المشتري (الذي اشتراها) أن تكون الثمرة له بأن يقول: اشتريت النخلة بثمرتها هذه، والحكم إذا قيد بقيد يكون ذلك دليلًا على عدمه عند عدم ذلك القيد، ويسمى هذا مفهوم المخالفة عند الأصوليين وهذا حجة عند الشافعي ومالك فيفهم من قوله بعد أن تؤبر أن النخلة إذا بيعت قبل أن تؤبر فثمرتها تكون للمشتري إلا أن يشترطها البائع لنفسه، والحنفية لما أنكروا حجية المفهوم ألحقوا غير المؤبرة بالمؤبرة لأن الثمر لما ظهر تميز حكمه فلا يدخل في البيع من غير اشتراط فصار كالزرع ولو كان بعض النخيل مؤبرًا دون بعضه في بستان واحد جُعل كتأبير كله.

3780 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلًا، ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا، فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ. إلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ". 3781 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الفروع ولا يدخل الزرع في بيع الأرض بلا تسمية ولا الثمر في بيع الشجر إلا بالشرط ويقال للبائع: اقطعهما وسلم المبيع للمشتري اهـ من بعض الهوامش. (فرع): لو اشترى النخل وبقي الثمر للبائع جاز لمشتري الأصل شراء الثمرة قبل طيبها على مشهور قول مالك ويرى لها حكم التبعية هان أفردت بالعقد لضرورة تخليص الرقاب، وعنه في رواية أنه لا يجوز وبذلك قال الشافعي والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث: وهذا هو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3780 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة الليث لعبيد الله بن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرئ) وامرأة (أبَّر نخلًا) أي ثمره (ثم باع أصلها) أي شجرتها، وقوله: (فللذي أبر) خبر مقدم (ثمر النخل) مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية جواب أي الشرطية أي فثمر النخل للبائع الذي أبرها (إلا أن يشترط) ـها (المبتاع) المشتري لنفسه في عقد شراء النخل. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 3781 - (00) (00) (وحدثناه أبو الربيع) الزهراني (وأبو كامل (الجحدري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد (ح وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن

كِلاهُمَا عَنْ أَيوبَ، عَنْ نَافِعٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3782 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا. إلا أَنْ يَشْتَرِط الْمُبْتَاعُ. وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَذِي بَاعَهُ. إلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتاعُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أيوب) السختياني (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر (نحوه) أي نحو ما روى الليث عن نافع. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 3782 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح قالا: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال) ابن عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ابتاع) واشترى (نخلًا) أي ثمرها (بعد أن تؤبر) تلك النخلة وتلقح ثمرتها (فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري أن تكون تلك الثمرة له في العقد (ومن ابتاع) واشترى (عبدًا) له مال (فماله) أي فمال ذلك العبد (للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري في عقد البيع أن يكون ذلك المال له بأن يقول: اشتريت العبد مع ماله وكذا الحكم في الجارية، استدل مالك بهذا الحديث على أن العبد يملك المال لأنه صلى الله عليه وسلم أضاف المال إلى العبد، والأصل في الإضافة التمليك لكنه إذا بيع يكون ماله للبائع، وقال أبو حنيفة: العبد لا يملك لقوله صلى الله عليه وسلم: العبد لا يملك إلا الطلاق، ويحمل الإضافة في الحديث على الاختصاص كما في جُلّ الفرس ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "فماله للذي باعه" لأنه أضاف المال إليهما في حالة واحدة ويمتنع أن يكون شيء واحد في حالة واحدة ملك اثنين فتكون إضافته إلى العبد مجازًا وعن هذا قالوا: العبد إذا بيع لا يدخل ثوبه الذي عليه في البيع إلا أن يشترطه المبتاع، وقال بعضهم: يدخل ساتر عورته فقط والأصح أنه لا يدخل لظاهر الحديث اهـ من المبارق. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تهذيب السنن [5/ 79]: واختلف سالم ونافع عن

3783 - (00) (00) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر في هذا الحديث فسالم رواه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا في القصتين جميعًا قصة العبد وقصة النخل، ورواه نافع عنه ففرّق بين القصتين فجعل قصة النخل عن النبي صلى الله عليه وسلم وقصة العبد عن ابن عمر فكان مسلم والنسائي وجماعة من الحفاظ يحكمون لنافع ويقولون: ميّز وفرّق بينهما وإن كان سالم أحفظ منه، وكان البخاري والإمام أحمد وجماعة من الحفاظ يحكمون لسالم ويقولون: هما جميعًا صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى جماعة أيضًا عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة العبد كما رواه سالم منهم يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وسليمان بن موسى، ورواه عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر يرفعه وزاد فيه: "ومن أعتق عبدًا وله مال فماله له إلا أن يشترط السيد ماله فيكون له" قال البيهقي: وهذا بخلاف رواية الجماعة اهـ وليس هذا بخلاف روايتهم وإنما هي زيادة مستقلة رواها أحمد في مسنده واحتج بها أهل المدينة في أن العبد إذا أعتق فماله له إلا أن يشترطه سيده كقول مالك ولكن علة الحديث أنه ضعيف، قال الإمام أحمد: يرويه عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث وكان صاحب فقه فأما في الحديث فليس بالقوي، وقال أبو الوليد: هذا الحديث خطأ وكان ابن عمر إذا أعتق عبدًا لم يعرض لماله قيل للإمام أحمد: هذا عندك على التفصيل؟ قال: إي لعمري على التفصيل، قيل له: فكأنه عندك للسيد؟ فقال: نعم للسيد مثل البيع سواء. قال صاحب التكملة: ولا مانع من أن تكون رواية نافع ورواية سالم كلتاهما صحيحة فكأن ابن عمر أفتى في رواية نافع بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يذكر رفعه وكان كثير من السلف يفعلون كذلك وإلى هذا الجمع أشار الترمذي في جامعه ويظهر من كلام الحافظ في الفتح [4/ 335 و 5/ 39] أنه مائل إلى الجمع بينهما والله تعالى أعلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3783 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري بهذا

حَرْبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3784 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ أَبَاهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد) يعني عن سالم عن ابن عمر (مثله) أي مثل ما حدّث الليث عن ابن شهاب، غرضه بيان متابعة سفيان لليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3784 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه) أي أن أبا سالم يعني عبد الله بن عمر (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) الحديث المذكور وساق يونس بن يزيد (بمثله) أي بمثل ما حدّث ليث بن سعد عن ابن شهاب، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث وأثران: الأول: أثر سعيد بن المسيب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: أثر سالم بن عبد الله بن عمر ذكره للاستشهاد لأثر سعيد بن المسيب، والثالث: حديث زيد بن ثابت ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة يعني العرايا وذكر فيه ثماني متابعات، والرابع: حديث سهل بن أبي حثمة ذكره للاستشهاد لحديث زيد بن ثابت وذكر فيه أربع متابعات، والخامس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا، والسادس: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به لأثر سعيد بن المسيب وذكر فيه سبع متابعات، والسابع: حديث ابن عمر الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ست متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

567 - (7) باب النهي عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن المعاومة

567 - (7) باب النهي عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن المعاومة 3785 - (1475) (38) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ. وَعَنْ بَيعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهُ. وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 567 - (7) باب النهي عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن المعاومة 3785 - (1475) (38) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب قالوا جميعًا) أي كل من الثلاثة (حدثنا صفيان بن عيينة عن) عبد الملك (بن جريج عن عطاء) بن أبي رباح القرشي الجمحي مولاهم اليماني الأصل المكي واسم أبي رباح أسلم، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم (عن المحاقلة) وهي بيع الزرع في سنبله أي غير المحصود بالحب الصافي كيلًا (والمزابنة) وهي بيع الثمر على رؤوس النخل كيلًا، وقد تقدما في أول الباب الذي قبل هذا الباب (و) عن (المخابرة) وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع وغير ذلك من الأجزاء المعلومة وهي والمزارعة متقاربان لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض وفي المخابرة يكون البذر من العامل، وقال جماعة من أهل اللغة وغيرهم: إن المخابرة مشتقة من الخبير على وزن فعيل وهو الأكار أي الفلاح، وقيل مشتقة من الخبار كما في القاموس وهي الأرض اللينة، وقيل من الخبرة بضم الخاء وهي النصيب من سمك أو لحم يقال: تخبروا خبرة إذا اشتروا شاة فذبحوها واقتسموا لحمها، وقال ابن الأعرابي: المخابرة مأخوذة من خيبر لأن أول هذه المعاملة وقعت في خيبر، وأما حكم المخابرة والمزارعة فسيأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى (و) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (عن بيع الثمر) على رؤوس الشجر (حتى يبدو) ويظهر (صلاحه) أي صلاحيته للأكل (و)

لَا يُبَاعُ إلا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ. إلا الْعَرَايَا. 3786 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِم. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا بدا صلاحه (لا يباع إلا بالدينار) من الذهب (و) إلا بـ (الدرهم) من الفضة (إلا) ثمر (العرايا) فإنه يباع بقدر مخروصها من التمر أو الزبيب كيلًا فيما دون خمسة أوسق كما مر في الباب المذكور قبل هذا الباب، وقوله: (ولا يباع إلا بالدنانير أو الدرهم) هذا الحصر إضافي بالنسبة إلى جنس الثمر المبيع والمراد أن الثمر المعلق على الشجر لا يجوز بيعه بثمر من جنسه لاحتمال التفاضل المؤدي إلى الربا نعم إذا بيع الثمر بثمر من خلاف جنسه جاز البيع إذا كان يدأ بيد، دماذا بيع بالعروض جاز نسيئة أيضًا، قال ابن بطال: (وإنما اقتصر على الذهب والفضة لأنهما غالب ما يتعامل به الناس في ذلك الزمن وإلا فلا خلاف بين الأمة في جواز بيعه بالعروض ومنها النوط العصري الذي اصطلح الناس على التعامل به في مشارق الأرض ومغاربها) حكاه الحافظ في الفتح في باب بيع الثمر على رؤوس النخل [4/ 387]. وقوله: (إلا العرايا) استثناء من الحصر الإضافي المذكور قبله والحاصل أن معاوضة العرايا جائزة سواء كانت من جنس العرية أو من غير جنسها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 320]، والبخاري [2196]، وأبو داود [3370]، والترمذي في باب ما جاء في المخابرة والمعاومة والنسائي [7/ 263]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3786 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري (أخبرنا ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير) المكيين (أنهما سمعا جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني (يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو عاصم (بمثله) أي بمثل حديث سفيان بن عيينة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي عاصم لسفيان بن عيينة.

3787 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْجَزَرِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ. وَعَنْ بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطْعِمَ. وَلَا تبُاعُ إلا بِالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِيرِ. إلا الْعَرَايَا. قَال عَطَاءٌ: فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3787 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا مخلد بن يزيد) القرشي مولاهم أبو يحيى (الجزري) الحراني، روى عن ابن جريج في البيوع، ويحيى بن سعيد ومالك بن مغول ومسعر وغيرهم، ويروي عنه (خ م دس ق) وإسحاق الحنظلي وأحمد وابنا أبي شيبة وغيرهم، قال أبو داود ويعقوب بن سفيان وأبو حاتم: صدوق، وقال أحمد: لا باس به وكان يهم، وقال ابن معين: ثقة، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من كبار التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة (حدثنا ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة وعن بيع الثمرة حتى تُطعم) بضم التاء وكسر العين بينهما طاء ساكنة أي حتى تصير طعامًا بطيب أكلها وبدو صلاحها (ولا تباع) أي الثمرة حينئذٍ أي حين إذ بدا صلاحها (إلا بالدراهم والدنانير إلا العرايا) فتباع بقدر مخروصها كيلًا فيما دون خمسة أوسق كما مر، قال القرطبي: قوله: (إلا العرايا) هذا المساق فيه تخليط بالتقديم والتأخير وذلك أن مساقه يقتضي أن تباع الثمرة قبل طيبها بالدراهم أو الدنانير وذلك لا يجوز بالاتفاق لا بهما ولا بالعروض إلا على شرط القطع فيجوز بالعين والعرض فلا يصح أن يكون ذلك استثناء من بيع الثمرة بوجه وإنما يصح رجوع الاستثناء للمحاقلة والمخابرة فإنها هي التي نهى عن بيعها إلا بالعين كما سيأتي بعد هذا في حديث رافع بن خديج حيث قال: أما بالذهب والورق فلا بأس به. وقوله: (إلا العرايا) مستثنى من المزابنة كما جاء في الحديث المتقدم وترتيب هذا الحديث أن يقال: نهى عن المحاقلة والمخابرة إلا بالدنانير أو الدراهم وعن المزابنة إلا العرايا وهذا واضح والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (قال عطاء) بالسند السابق (فسر لنا جابر) بن عبد الله هذا الحديث وهم أعلم

قَال: أَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَالأرضُ الْبَيضَاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فَينُفِقُ فِيهَا. ثُمَّ يَأْخُذُ مِنَ الثَّمَرِ. وَزَعَمَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْل بِالتَّمْرِ كَيلًا. وَالْمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْو ذلِكَ. يَبِيعُ الزَّرْعَ الْقَائِمَ بِالْحَبِّ كَيلًا. 3788 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. كِلاهُمَا عَنْ زَكَرِيَّاءَ. قَال ابْنُ أَبِي خَلَفٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّيُّ (وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ بأسباب الأحاديث ومقاصدها (قال) جابر في تفسيره: (أما المخابرة فـ) هي (الأرض البيضاء) أي الفارغة من الأشجار والزروع يعني غير مزروعة أي فهي المعاملة على الأرض البيضاء (يدفعها الرجل) أي مالكها (إلى الرجل) العامل فيها (فينفق) أي فيصرف ذلك العامل (فيها) أي في زرعها والعمل فيها أموالًا من عند نفسه (ثم يأخذ) الرجل العامل جزءًا (من الثمر) أي من الحب الذي خرج من الأرض كثلثه وربعه (وزعم) جابر أي قال جابر: (أن المزابنة بيع الرطب في) رؤوس (النخل بالتمر كيلًا) أي بالتمر المكيل (والمحاقلة في الزرع) كائنة (على نحو ذلك) المعنى المذكور في المزابنة وفسر ذلك النحو بقوله: وهو أن (يبيع الزرع القائم) على الأرض أي غير المحصود بعد اشتداد حبه خرصا (بالحب) المصفى (كيلًا) في الحب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3788 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن أحمد بن أبي خلف) السلمي البغدادي كلاهما) رويا (عن زكرياء) بن عدي بن الصلت التيمي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (8) أبواب (قال ابن أبي خلف: حدثنا زكرياء بن عدي أخبرنا عبيد الله) بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) الغنوي أبي أسامة الجزري واسم أبي أنيسة زيد، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو الوليد المكي) سعيد بن ميناء مولى البختري بن أبي ذباب، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (وهو) أي أبو الوليد (جالس عند عطاء بن أبي رباح) ملازم له وهو

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ. وَأَنْ تُشْتَرَى النَّخْلُ حَتَّى تُشْقِهَ. (وَالإِشْقَاهُ أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ شَيءٌ)، وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يُبَاع الْحَقْلُ بِكَيلٍ مِنَ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ. وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنَ التَّمْرِ. وَالْمُخَابَرَةُ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَأَشْبَاهُ ذلِكَ. قَال زَيدٌ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلام زيد بن أبي أنيسة (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الوليد المكي لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وأن تشترى النخل) بالبناء للمجهول أي أن تشترى ثمر النخل (حتى تشقه) تلك النخل هو على بيان ابن الأثير من الإشقاح الآتي أبدل من الحاء هاء أي حتى يبدو صلاح ثمرها ويطيب أكلها وهو بضم التاء وكسر القاف من الإشقاه، وفي الرواية الآتية حتى تشقح بالحاء المهملة وكلاهما من باب الإفعال وكلاهما جائزان في اللغة ومعناهما واحد والاسم منه الشقح بضم الشين وسكون القاف كما ذكره الحافظ وفسرهما الراوي بالاحمرار والاصفرار حيث قال: أي جابر (والإشقاه) في الثمار (أن يحمر أو يصفر) فيما يتلون، وذكر الخطابي أنه ليس المراد منه كمال الحمرة أو الصفرة إنما المراد تغيره اليسير إليهما لأن الإشقاه والشقحة في اللغة لون غير خالص الحمرة أو الصفرة بل هو التغير إليهما في كمودة وكذلك قال ابن التين فيما حكى عنه الحافظ في الفتح اهـ (أو) يصلح (أن يوكل منه شيء) فيما لا يتلون كالعنب الأبيض بأن يلين ويتموه (والمحاقلة أن يباع الحقل) أي الزرع غير المحصود بعد اشتداد الحب خرصًا (بكيل من الطعام معلوم) أي بكيل معلوم من الطعام المعين المصفى (والمزابنة) هي (أن يباع) ثمر (النخل بأوساق) جمع وسق بكسر الواو بمعنى وسق بفتحها كما مر (من التمر) المكيل (والمخابرة) المعاملة على الأرض على أن يدفع للعامل (الثلث) أي ثلث ما يخرج من الأرض أ (والربع) أو (وأشباه ذلك) أي أو نظائر ذلك المذكور من الثلث والربع كالسدس والثمن مثلًا يعني أنها المزارعة على نصيب معين كالثلث والربع (قال زيد) بن أبي أنيسة الراوي للحديث وهذا من كلام عبيد الله بن عمرو (قلت لعطاء بن أبي رباح

أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَذْكُرُ هذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نعم. 3789 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسمعت) أي هل سمعت (جابر بن عبد الله يذكر) ويروي (هذا) الحديث (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) عطاء لزيد: (نعم) سمعت جابرًا يذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: تحتمل هذه الإشارة أن تكون عائدة إلى الحديث وتفسيره المتقدم فيكون كل ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن تكون عائدة إلى الأمور التي نهى عنها في صدر الحديث لا إلى التفسير وهو الأولى لقول عطاء فسر لنا جابر فذكر التفسير اهـ من المفهم. قال الحافظ: يحتمل أن يكون مراده بقوله: (هذا) جميع الحديث فيدخل فيه التفسير يعني تفسير الإشقاح بالاحمرار فيكون التفسير مرفوعًا ويحتمل أن يكون مراده أصل الحديث لا التفسير فيكون التفسير من كلام الراوي، وقد ظهر من رواية ابن مهدي أنه من جابر ورواية ابن مهدي حكاها الحافظ عن الإسماعيلي ولفظه: قلت لجابر: ما تشقح؟ فظهر أن السائل سعيد بن ميناء والمفسر جابر ثم قال الحافظ: ومما يقوي كون التفسير مرفوعًا وقوع ذلك في حديث أنس أيضًا والمراد من حديث أنس ما أخرجه البخاري في باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له: وما تزهي؟ قال: "حتى تحْمرّ" وقد رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بلفظ قيل: يا رسول الله وما تزهي؟ قال: "تحْمرّ" والحاصل أن التفسير في حديث جابر غير مرفوع وقد صرح به في الرواية الآتية عند المصنف من طريق بهز عن سليم بن حيان وفيه: قلت لسعد: ما تشقح؟ قال: تحمار وتصفار. فظهر أن المفسر سعيد بن ميناء وكذلك وقع هذا التصريح في رواية بهز عند أحمد وتدل رواية ابن مهدي عند الإسماعيلي أن التفسير من جابر فاختلفت الروايات في كونه من سعيد أو جابر واتفقت على كونه غير مرفوع، وأما حديث أنس فقد وقع فيه تفسير الزهو دون الإشقاح، واختلف الرواة في وقفه ورفعه والله أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3789 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية العبدي أبو

حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنْ بَيعِ الثمَرَةِ حَتى تُشْقِحَ. قَال: قلْتُ لِسَعِيدٍ: مَا تُشْقِحُ؟ قَال: تَحْمَارٌّ، وَتَصْفَارٌّ، ويؤْكَلُ مِنْهَا. 3790 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن الطوسي النيسابوري، ثقة، من صغار (10) روى عنه في (9) أبواب، لم يرو عنه غير مسلم رحمه الله تعالى (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليم) مكبرًا (بن حيان) بمهملة وتحتانية الهذلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا سعيد بن ميناء) أبو الوليد المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليم بن حيان لزيد بن أبي أنيسة في الرواية عن سعيد بن ميناء (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة والمخابرة وعن بيع الثمرة حتى تُشْقح) بضم التاء وسكون الشين المعجمة، قال في تلخيص النهاية: أشقحت البسرة إشقاحًا وشقحت شقيحًا احمرت واصفرت اهـ (قال) سليم بن حيان: (قلت لسعيد) بن ميناء: (ما) معنى (تشقح قال) سعيد: معناه (تحمار وتصفار) من باب إفعال السداسي من مزيد الثلاثي فيما يتلون (و) أن تصلح لأن (يؤكل منها) شيء فيما لا يتلون بتموهه ولينه كالعنب الأبيض، وقد فرق بعضهم بين الاحمرار والاحميرار بأن الأول إنما يطلق إذا كانت الحمرة خالصة كاملة، والثاني إذا ظهرت أوائل الحمرة قبل أن تكمل وكذا الاصفرار والاصفيرار لأن الافعيلال يختص بلون غير متمكن، وأنكره بعض أهل اللغة وفرّقوا بأن الثاني زيادة مبالغة بالنسبة إلى الأول اهـ فتح الباري [4/ 397]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3790 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي (القواريري) أبو شعيب البصري (ومحمد بن عبيد) مصغرًا بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملتين آخره موحدة بوزن كتاب (الغُبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة نسبة إلى

(وَاللفْظ لِعُبَيدِ الله) قَالا: حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ وَسَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ (قَال أَحَدُهُمَا: بَيعُ السنِينَ هِيَ الْمُعَاوَمَةُ) وَعَنِ الثُّنْيَا وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا ـــــــــــــــــــــــــــــ غُبر بن غنم البصري (واللفظ لعبيد الله) بن عمر (قالا: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني العنزي البصري (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم (وسعيد بن ميناء) المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لسليم بن حيان (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة) مفاعلة من العام بمعنى السنة كالمسانهة من السنة والمشاهرة من الشهر، وفُسرت في الكتاب ببيع السنين وهي كما في المناوي: بيع ما ثمره شجرة مخصوصة سنة أو سنتين أو ثلاثًا أو أربعًا نهى عنه لأنه غرر ولا يصح لأنه بيع ما لم يخلقه الله تعالى بعد اهـ من جامع الأصول وبذل المجهود (قال أحدهما): أي أحد من أبي الزبير وسعيد بن ميناء في تفسير المعاومة وهو كلام مدرج من أيوب (بيع السنين) المذكور في بعض الرواية (هي المعاومة) المذكورة هنا فمعناهما واحد كالعام والسنة (و) نهى (عن) بيع (الثنيا) بضم المثلثة وسكون النون والقصر على وزن الكبرى الاسم من الاستثناء أي عن بيع الاستثناء، وزاد الترمذي بسند حسن صحيح (إلا أن تعلم) وهو أن يستثنى في عقد البيع شيء مجهول من المبيع كأن يقول: بعتك هذه الصبرة إلا بعضها أو هذه الأشجار أو الثمار أو الثياب إلا بعضها؛ والمراد استثناء حصة مجهولة من المبيع وهو مبطل للبيع بالإجماع أما إذا كان الاستثناء معلومًا والمبيع معلومًا فلا بأس به كان يقول: بعتك هذه الثياب إلا هذا المعين، فإنه يجوز البيع بالإجماع وهذا مفاد قوله صلى الله عليه وسلم في رواية الترمذي: (إلا أن تعلم؟ ) وأما إذا كان الاستثناء معلومًا ولكن يلزم منه جهالة المبيع ففيه خلاف مثل أن يقول: بعتك هذا الصبرة من الطعام إلا صاعًا واحدًا، فقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور: فسد البيع لكون الباقي بعد الاستثناء مجهولًا اهـ من التكملة (ورخص) معطوف على نهى أي ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) بيع ثمر (العرايا) خرصًا بتمر كيلًا فيما دون خمسة أوسق كما مر بسط الكلام فيها في بابها.

3791 - (00) (00) وحدثناه أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَلِي بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ أَيوبَ، عَنْ أبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ: بَيعُ السنِينَ هِيَ الْمُعَاوَمَةُ. 3792 - (00) (00) وحدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: نَهَى رَسُولُ الله صَلى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3791 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالا: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (وهو) المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (عن أيوب) السختياني (عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن علية لحماد بن زيد وساق إسماعيل بن علية (بمثله) أي بمثل ما حدث حماد بن زيد عن أيوب ثم استثنى عن المماثلة بقوله: (غير أنه) أي لكن أن إسماعيل (لا يذكر) في روايته لفظة (بيع السنين هي المعاومة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3792 - (00) (00) (وحدثني (سحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب النيسابوري، ثقة ثبت، من (11) روى عنه في (17) بابا (حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي أبو علي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا رباح بن أبي معروف) بن أبي سارة المكي، صدوق له أوهام، من (7) روى عنه في بابين الحج والبيوع (قال) رباح: (سمعت عطاء) بن أبي رباح المكي يروي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء بن أبي رباح لابن جريج في الرواية عن عطاء. ولو قدم هذه المتابعة أوائل الباب لكان أنسب ولكنه آخره لمناسبة الباب الذي بعده (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. وَعَنْ بَيعِهَا السنِينَ. وَعَنْ بَيعِ الثمَرِ حَتَّى يَطِيبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم عن كراء الأرض) ببعض ما يخرج منها وهو المسمى بالمخابرة (وعن بيع) ثمر (ها) السنة و (السنين وعن بيع الثمر) على رؤوس الأشجار (حتى يطيب) ويصلح أكله يبدو صلاحه كما مر بسط الكلام فيه. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وذكر فيه سبع متابعات والله تعالى أعلم. ***

568 - (8) باب ما جاء في كراء الأرض

568 - (8) باب ما جاء في كراء الأرض 3793 - (1476) (39) وحدثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي. حَدَّثَنَا حَمادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ مَطَرٍ الْوَراقِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 568 - (8) باب ما جاء في كراء الأرض 3793 - (476 1) (39) (وحدثني أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) الأزدي البصري (عن مطر) بن طهمان (الورّاق) أبي رجاء السلمي البصري، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح المكي (عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن كراء الأرض) ببعض ما يخرج منها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي. ومن هنا بدأ المؤلف رحمه الله تعالى في إخراج أحاديث كراء الأرض والمزارعة والمساقاة وهذه الأحاديث مسوقة مبسوطة في هذا الكتاب من هنا إلى باب فضل الغرس والزرع ولم تزل هذه المسألة مثارًا للخلاف ومعتركًا للآراء منذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا، فنريد أن نذكر ها هنا جملة القول في اختلاف الفقهاء في هذه المسألة وأدلتهم ليسهل على الطالب فهم الأحاديث في هذا الباب وترجيح ما رجح في ضوئها من أقوال العلماء رحمهم الله تعالى. فاعلم أن اشتراك صاحب الأرض والعامل في إنتاج الزرع له صور ثلاث: الصورة الأولى أن تكون الأرض لواحد والعمل لآخر ويشترط أحدهما وزنًا أو كيلًا مسمى من الخارج مثل أن يقول صاحب الأرض: أعطيتك هذه الأرض للزراعة على أن تعطيني عشرة أمناء من الخارج وهذه الصورة باطلة شرعًا لا جواز لها عند أحد من الفقهاء فيما نعلم فإنه في معنى الربا ولا يدري أحد هل يخرج منها شيء أو لا يخرج كما لا يعلم أحد قدر الخارج فيمكن أن لا يخرج شيء ولا يمكن أن يخرج أقل من عشرة أمناء ويمكن أن لا يخرج إلا عشرة أمناء، واشتراط القدر المعلوم من الغرر المؤدي إلى الربا ويندرج في هذا القسم ما إذا عين أحدهما حصة من الأرض معلومة فاشترط لنفسه ما يخرج منها وهو باطل بإجماع الفقهاء أيضًا لكون الخارج من تلك الحصة على خطر لا يدري أحد هل يخرج منها شيء أو لا وهل يخرج من باقي الأرض شيء أو لا؟ .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصورة الثانية: إجارة الأرض بغير ما يخرج منها مثل أن يؤجر أرضه بذهب أو فضة أو نقود أو ثياب أو غيرها فاتفق الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء على جوازه، ثم قصر ربيعة الرأي جوازه على الذهب والفضة تجوز إجارة الأرض عنده بالنقدين دون غيرهما، وقال مالك: تجوز بالذهب والفضة وغيرهما إلا الطعام، وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد والجمهور: تجوز إجارتها بالذهب والفضة وبالطعام والثياب وسائر الأشياء سواء كان من جنس ما يُزرع فيها أو من غيره كما في النووي، ومن الفقهاء من قال بحرمة هذه الصورة مطلقًا وهو قول طاوس والحسن البصري كما حكى عنهما النووي وهو مذهب ابن حزم وقد حكاه أيضًا عن عطاء وعكرمة ومجاهد ومسروق والشعبي وطاوس وابن سيرين والقاسم بن محمد راجع المحلى [5/ 213] واستدل ابن حزم ومن وافقه في تحريم إجارة الأرض بحديث الباب حيث وقع فيه النهي عن كراء الأرض مطلقًا، ولفظ كراء الأرض لا يُطلق إلا على إجارتها بالنقود أو بشيء معلوم من غير ما يخرج منها، ومثل هذا النهي المرفوع ورد عن رافع بن خديج وأبي سعيد رضي الله عنهما أيضًا كما سيأتي عند المصنف، وحجة الجمهور ما سيأتي في هذا الباب عند مسلم رحمه الله من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض قال: فقلت: أبالذهب والورق؟ فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس وقد أخرج البخاري في باب كراء الأرض بالذهب والفضة عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج قال: حدثني عماي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء أو شيء يستثنيه صاحب الأرض فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقلت: فكيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم. والصورة الثالثة: هي المزارعة بحصة شائعة من الخارج مثل أن يقول: أعطيتك هذه الأرض للزراعة على أن ثلث الخارج أو ربعه أو نصفه لي والباقي لك، واختلف فيه فقهاء الأمة على أربعة أقوال: الأول: أنه جائز مطلقًا وهو مذهب الإمام أحمد وأبي يوسف ومحمد واختاره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الشافعية كابن المنذر والخطابي والماوردي كما في مغني المحتاج [2/ 324] وهو قول علي وابن مسعود وسعد وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وآل أبي بكر وآل علي وابن سيرين وسعيد بن المسيب وطاوس وعبد الرحمن بن الأسود والزهري وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ورُوي عن معاذ والحسن وعبد الرحمن بن يزيد وخلق كما في المغني لابن قدامة [5/ 416] وهو قول ابن حزم في المحلى. والثاني: أنه غير جائز مطلقًا وهو قول أبي حنيفة وزفر، وروي ذلك عن عكرمة ومجاهد والنخعي أيضًا كما في المغني. والثالث: مذهب الشافعي وهو أنه لا يجوز إلا بشروط: الأول أن يكون في ضمن مساقاة الأشجار بأن تكون بين الأشجار أرض بيضاء فتعقد فيها المزارعة تبعًا لمساقاة الأشجار، والثاني أن يكون العامل في كل من المساقاة والمزارعة واحدًا، والثالث: أن لا يفصل بين المساقاة والمزارعة بل يؤتى بينهما على الاتصال فلو ساقاه مثلًا على النصف فقبل ثم زارعه على البياض لم تصح المزارعة لأن تعدد العقد يزيل التبعية، والرابع: أن لا يقدم المزارعة على المساقاة في العقد، والخامس: أن يكون إفراد النخل بالسقي وإفراد البياض بالعمارة متعسرًا، والسادس: أن يكون البذر في المزارعة مشروطًا على المالك لا على العامل، واشترط بعض الشافعية شرطًا سابعًا وهو أن يكون بياض الأرض قليلًا بالنسبة إلى الأرض المغروسة فيها الأشجار ولكن الأصح عندهم عدم الاشتراط، راجع لتفصيل هذه الشروط منهاج النووي وشرحه مغني المحتاج للخطيب الشربيني [2/ 323 إلى 325]. والرابع: مذهب مالك رحمه الله تعالى وهو أن المزارعة لا تجوز إلا في ضمن المساقاة بشرط أن لا تزيد الأرض البيضاء على ثلث الأرض المغروسة فيها الأشجار راجع موطأ الإمام مالك مع شرحه للزرقاني [3/ 370]. فالفرق بين مذهب الشافعي ومذصب مالك يسير جدًا لأن كليهما يشترطان لجواز المزارعة أن تكون في ضمن المساقاة إلا أن مالكًا يشترط أن تكون الأرض البيضاء أقل ولا يشترط الشافعي ذلك في الأصح من مذهبه، وبالجملة فالمزارعة بحصة شائعة من الخارج ممنوعة عند أبي حنيفة والشافعي ومالك غير أن الشافعي ومالكًا رحمهما الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى يقولان بجوازها في ضمن المساقاة على شروط وتفاصيل عندهما ولا يقول أبو حنيفة بجوازها ولو في ضمن المساقاة لأن المساقاة غير جائزة عنده. واستدل هؤلاء الفقهاء على عدم جواز المزارعة بالأحاديث التي وردت في منعها وهو حديث رافع بن خديج وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وزيد بن ثابت وثابت بن الضحاك رضي الله عنهم أجمعين وسيأتي متن أكثرها في هذا الباب من الكتاب. وأما القائلون بجواز المزارعة فاستدلوا بما سيأتي في كتاب المساقاة والمزارعة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وأجاب الشافعية والمالكية رحمهم الله تعالى بأن المزارعة ها هنا كانت في ضمن المساقاة وهي جائزة عندهم، وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فأجاب عن أحاديث المزارعة بخيبر بأنها لم تكن مزارعة وإنما أقر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على أراضيهم بأن يؤدوا شطر الخارج منها كخراج المقاسمة وللإمام في الأرض الممنون بها على أهلها الخيار إن شاء جعل عليها خراج الوظيفة وإن شاء جعل عليها خراج المقاسمة، ولكن هذا التأويل غير سائغ في واقعة خيبر لأن خراج المقاسمة إنما كان يمكن إذا كانت الأرض مملوكة للكفار وأما إذا كانت للمسلمين فلا يجعل فيها الخراج وكانت أرض خيبر مملوكة للمسلمين وتدل على هذه روايات كثيرة. وبالجملة فالقول بجواز المزارعة هو القول المنصور بالأحاديث وتعامل الأمة المتواتر وأما الأحاديث الواردة في النهي عن المزارعة فلا تخلو من أمرين إما هي تتعلق بصورة مخصوصة من المزارعة وهي دفع الأرض بقدر مسمى غير شائع من الخارج هاما هي محمولة على الإرشاد والمشورة دون الحرمة والدليل قائم على كل من التأويلين. فتبين من الأحاديث الواردة في المزارعة وكراء الأرض أن كلا منهما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بصورة مخصوصة وهي أن رب الأرض كان يعين حصة من الأرض فيشترط خارجها لنفسه ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لأن فيه غررًا لا يدري أيخرج منها أو من أرض سواها شيء أو لا ولا يدري كم يخرج من كل حصة وكانوا يطلقون على هذه المعاملة أسماء كراء الأرض والمزارعة والمخابرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمحاقلة فوقع النهي عن جميعها مطلقًا جريًا على عُرف ذلك الزمان ولم تكن هذه الأسماء في أحاديث النهي تشمل كراء الأرض بالنقود ولا المزارعة بحصة شائعة من الخارج، وأما بعض الأحاديث التي ورد فيها التصريح بالنهي عن المزارعة بالثلث أو الربع فمحمولة على التنزيه والإرشاد وهي ما أخرجه أبو داود عن رافع بن خديج قال: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكارها بثلث ولا بربع ولا طعام مسمى". وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة أن هذا النهي لم يكن للتحريم وإنما كان للإرشاد والتنزيه ومما يدل على ذلك ما أخرجه النسائي [2/ 151] من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن رافع بن خديج قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أرض رجل من الأنصار قد عُرف أنه محتاج فقال: "لمن هذه الأرض؟ قال: لفلان أعطانيها بالأجر، فقال: "لو منحها أخاه، فأتى رافعٌ الأنصاري فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسأنهاكم عن أمر كان لنا نافعًا وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع لكم. فتبين من هذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو منحها أخاه يعني كان خيرًا فحمله رافع على النهي. فقد أخرج النسائي وأبو داود عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه إنما أتاه رجلان من الأنصار وقد اقتتلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع" فسمع قوله: "لا تكروا المزارع". وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: ما كنا نرى بالمزارعة بأسًا حتى سمعت رافع بن خديج يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عنه فذكرته لطاوس فقال: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ولكن قال: لأن يمنح أحدكم أرضه أخاه خير له من أن يأخذ خرجًا معلومًا.

3794 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيد. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْفَضْلِ. (لَقَبُهُ عَارِمٌ، وَهُوَ أَبُو النُّعْمَانِ السدُوسِيُّ). حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا. فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَلْيُزْرِعْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فهؤلاء فقهاء الصحابة والتابعين لم يقبلوا عموم النهي في أحاديث رافع بن خديج رضي الله عنه اهـ من التكملة. قال القرطبي: ثم إن ابن عمر ترك ذلك لما بلغه حديث رافع ترك ورع وتقية لا أنه جزم بالتحريم ويظهر من قوله: التوقف في حديث رافع لكنه غلب حكم الورع فعمل على عادته رضي الله عنه. وبالجملة فحديث رافع بن خديج مضطرب غاية الاضطراب كما وقع في مسلم وفي غيره من كتب الحديث فينبغي أن لا يعتمد عليه والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 234]، وأبو داود [3389]، والنسائي [7/ 37]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3794 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا محمد بن الفضل) البصري (لقبه عارم) العارم في اللغة الشديد والعرامة الشدة والشراسة وربما يطلق على المرح والبطر كما في تاج العروس [8/ 394] قال أبو داود: سمعت عارمًا يقول: سماني أبي عارمًا وسميت نفسي محمدًا، وقال الذهلي: حدثنا عارم وكان بعيدًا من العرامة (وهو أبو النعمان السدوسي) بضم السين وفتحها كما في السنوسي، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري، ثقة، من صغار (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا مطر) بن طهمان (الوراق عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مهدي بن ميمون لحماد بن زيد (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض) فارغة (فليزرعها) أي فليجعلها مزرعة لنفسه بالانتفاع بها (فإن لم يزرعها) أي فإن لم يحتج إلى زرعها وحرثها بأن استغنى عنها بأرض أخرى له (فليُزرعها)

أَخَاه". 3795 - (00) (00) حدثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا هِقْلٌ (يَعْنِي ابْنَ زِيَاد) عَنِ الأوْزَاعي، عَنْ عَطَاء، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَال: كَانَ لِرِجَال فُضُول أَرَضِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ فَضْلُ أَرْضٍ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ. فَإِنْ أبى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بضم الياء وكسر الراء من أزرع الرباعي أي فليمنحها (أخاه) أي فليعطها منيحة له عارية ليجعلها مزرعة لنفسه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3795 - (00) (00) (حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا هقل) بكسر أوله وسكون ثانيه (يعني ابن زياد) السكسكي أبو عبد الله الدمشقي، وهقل لقبه واسمه محمد، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب، وليس عندهم هقل إلا هذا الثقة (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن عطاء عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأوزاعي لمطر الوراق (قال) جابر: (كان لرجال فضول أرضين) أي كان لرجال (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أرضون فاضلة عن حوائجهم لا يحتاجون إلى زرعها لاستغنائهم عنها بغيرها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له فضل أرض) أي أرض فاضلة (فليزرعها) بفتح الياء أي فليجعلها مزرعة لنفسه (أو ليمنحها أخاه) من بابي نفع وضرب كما في المصباح أي فليعطها أخاه لينتفع بها ويجعلها منيحة أي عارية له (فإن أبي) أخوه من قبول العارية (فليمسك أرضه) فلا يكريها، وقيل: معناه إن أبي صاحب الأرض من الزرع والمنحة فليمسك أرضه فارغة فيكون الأمر على هذا المعنى للتوبيخ، وفيه استحباب النفع للخلق اهـ من المبارق. وقد تقدم أن الأمر من قوله: (ليمنحها أخاه) خرج مخرج الندب والإرشاد وهو من قبيل المواساة فيما بين المسلمين فينبغي لصاحب الأرض إن رأى أحدًا من إخوانه

3796 - (00) (00) وحدثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِي. حَدَّثَنَا خَالِدٌ. أَخْبَرَنَا الشَّيبَانِي، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَخْنَس، عَنْ عَطَاء، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قَال: نَهَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ محتاجًا أن يمنحه أرضه للزراعة من غير أجرة ويواسيه بأرضه وهذا وإن لم يكن واجبًا عليه تشريعًا ولكنه مما حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي عدم الاحتفال به. ومن المؤسف أن هذه السنة أصبحت متروكة اليوم ولا يُرى أحد من ملاك الأرض يمنح أرضه لغيره من غير أجرة ويواسيه بأرضه مهما كثرت أراضيه أو عظمت أمواله فمن الواجب على العلماء أن يبلغوا إلى عامة المسلمين هذا الحديث وما فيه من حث وترغيب وإنه لا يلزم من كون الشيء غير واجب أن يهجر أصلًا اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [3/ 345]، والبخاري [2340]، والنسائي [7/ 37]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3796 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا معلى بن منصور) الحنفي (الرازي) أبو يعلى البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا خالد) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة ثبت، من (8) (أخبرنا الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز أبو إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) (عن بكير بن الأخنس) الليثي السدوسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن عطاء عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة بكير بن الأخنس للأوزاعي (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن (أن يؤخذ للأرض) أي على منفعة الأرض (أجر) من الدراهم والدنانير (أو حظ) أي نصيب مما يخرج منها كالثلث والربع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

3797 - (00) (00) حدثنا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاء، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ كانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا، وَعَجَزَ عَنْهَا، فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. وَلَا يُؤَاجِرْهَا إِياهُ". 3798 - (00) (00) وحدثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. قَال: سَأَلَ سُلَيمَانُ بْنُ مُوسَى عَطَاء فَقَال: أَحَدَّثَكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله؛ أَنَّ النَّبِي صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ كانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 3797 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة العرزمي الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) (عن عطاء عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك للأوزاعي (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض) فاضلة (فليزرعها) بنفسه إن استطاع (فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها) أي عن زرعها (فليمنحها) أي فليعط تلك الأرض (أخاه المسلم) منيحة أي عارية (ولا يؤاجرها إياه) أي لا يكريها لأخيه والمعنى يعيره إياها بلا عوض، والأمر فيه أمر إرشاد، والنهي نهي تنزيه لا تحريم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3798 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الأبلي الحبطي، صدوق، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) (قال) همام (سأل سليمان بن موسى) الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق، صدوق، فقيه في حديثه بعض لين وخلط قبل موته بقليل، من الخامسة، روى عنه (من عم) وليس هو هنا من رجال مسلم اهـ من التقريب (عطاء) بن أبي رباح (فقال) سليمان لعطاء: (أحدّثك) يا عطاء (جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة همام بن يحيى لمن روى عن عطاء أي هل حدثك جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له أرض) فاضلة (فليزرعها) أي فليجعلها مزرعة له إن استطاع (أو ليزرعها أخاه) المسلم

وَلَا يُكْرِهَا"؟ قَال: نَعَمْ. 3799 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرو، عَن جَابِر؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ. 3800 - (00) (00) وحدثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيانَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاء. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ أَرْضٍ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ليجعلها مزرعة لأخيه منيحة له (ولا يكرها) أي ولا يؤجرها له بعوض معين أو من الخارج منها، قال في المصباح: الكراء بالمد الأجرة يقال: أكريته الدار وغيرها إكراء فاكتراه بمعنى آجرته فاستأجر اهـ باختصار (قال) عطاء (نعم) حدثني جابر بن عبد الله رضي الله عنهما هذا الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 3799 - (00) (00) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لعطاء بن أبي رباح (أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن المخابرة) وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3800 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد) الحنفي أبو علي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا سليم بن حيان) الهذلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا سعيد بن ميناء) أبو الوليد المكي، ثقة، من (3) (قال: سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن ميناء لعطاء بن أبي رباح (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان له فضل أرض) أي أرض فاضلة (فليزرعها) أي فليجعلها مزرعة لنفسه (أو ليزرعها أخاه) أي فليعطها أخاه المسلم حرثًا

وَلَا تَبِيعُوهَا". فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: مَا قَوْلُهُ: وَلَا تَبِيعُوهَا؟ يَعْنِي الْكِرَاءَ؟ قَال: نَعَمْ. 3801 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَير. حَدَّثنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِر. قَال: كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلم، فَنُصِيبُ مِنَ الْقِصْرِيِّ وَمِنْ كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومزرعة منحة له بلا عوض (ولا تبيعوها) أي لا تبيعوا منفعتها لأخيكم بأجرة من عوض مسمى أو من الخارج منها، قال سليم بن حيان (فقلت لسعيد) بن ميناء: (ما) معنى (قوله) صلى الله عليه وسلم: (ولا تبيعوها) هل (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ولا تبيعوها (الكراء) أي الإجارة لها للأخ (قال) لي سعيد في جواب سؤالي (نعم) أراد النبي صلى الله عليه وسلم ببيعها إجارتها للأخ لأنها بيع لمنفعتها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3801 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنما زهير) بن معاوية بن حديج بضم المهملة الأولى مصغرًا آخره جيم الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لسعيد بن ميناء (قال) جابر: (كنا) معاشر الأنصار (نخابر) أي نعامل معاملة المخابرة أي نفعلها ونقول بجوازها ونعتقد بصحتها وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمان حياته صلى الله عليه وسلم (فنصيب) أي فنحصل (من القصري) بكسر القاف وسكون الصاد بوزن القبطي كذا ضبطه الجمهور وهو المشهور وقيل: إنه على وزن قتلى بفتح القاف مقصورًا، وقيل على وزن حبلى والصحيح هو الأول وهو ما بقي من الحب في السنبل بعد الدياسة وهو لغة شامية وغيرُهم يقول القصارة بضم القاف وهذا الاسم أشهر من القصري (ومن كذا) أي ومما ينبت على الجداول والربيع والمراد من قوله: (فنُصيب من القصري ومن كذا وكذا) على ما فسره الزمخشري في الفائق [2/ 352] أن رب الأرض كان يشترط على المزارع أن يزرع له خاصة ما تسقيه الجداول والربيع وأن تكون له القصارة فنهي عن ذلك فالمراد من إصابة القصري اشتراط القصارة ومن قوله من كذا اشتراط الجداول والربيع والله أعلم. ومما

فَقَال رَسُول الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضْ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُحْرثهَا أَخَاهُ. وإلَّا فَلْيَدَعْهَا". 3802 - (00) (00) حدثني أَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَال ابْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيرِ الْمَكي حَدثَهُ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: كُنا فِي زَمَانِ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَأخُذُ الأَرْضَ بِالثلُثِ أَو الرُّبُعِ. بِالْمَاذِيَانَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يؤيد تفسير الزمخشري ما أخرجه ابن ماجه في باب ما يكره من المزارعة وأحمد في سند رافع بن خديج عن أسيد بن ظهير قال: كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أعطاها بالثلث والربع والنصف واشترط ثلاث جداول والقصارة وما سقى الربيع هذا لفظ ابن ماجه، وفي رواية لأحمد يشترط ثلاث جداول، والقصارة ما سقط من السنبل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فليزرعها) أي فليجعلها له مزرعة (أو فليحرثها أخاه) من الإحراث أي فليجعلها حرثًا لأخيه منيحة له (وإلا) أي وإن لم يفعل إحدى هاتين الخصلتين (فليدعها) أي فليتركها معطلة فارغة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3802 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي المصري (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري (جميعًا عن) عبد الله (ابن وهب) المصري (قال) أحمد (بن عيسى: حدثنا عبد الله بن وهب حدثني هشام بن سعد) المدني أبو عباد القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم، صدوق، من (7) روى عنه في (9) أبواب (أن أبا الزبير المكي حدّثه) أي حدّث هشام بن سعد (قال: سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هشام لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن أبي الزبير المكي (يقول) جابر: أكنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ) ونستأجر (الأرض) من مالكها (بالثلث) أي بثلث ما يخرج منها (أو الربع) أي أو بربع ما يخرج منها من الزرع و (بـ) ما ينبت على (الماذيانات) أي على مسايل الماء في المزرعة عند سقي الزرع وقيل: ما ينبت حول السواقي وهي لفظة معربة

فَقَامَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فِي ذلِكَ فَقَال: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْض فَلْيَزْرَعْهَا. فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ. فَإنْ لَمْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَلْيُمْسِكهَا". 3803 - (00) (00) حدثنا مُحَمَدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن حَمادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا عربية اهـ نووي، وقال ابن الأثير: هي جمع ماذيان وهو النهر وقد تكرر ذكره في الحديث مفردًا وجمعًا وفي حديث رافع بن خديج في الباب الآتي (إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع) ومعنى هذه الألفاظ أنهم كانوا يدفعون الأرض إلى من يزرعها ببذر من عنده على أن يكون لمالك الأرض ما ينبت على مسايل الماء ورؤوس الجداول أو هذه القطعة من الأرض والباقي للعامل فنهوا عن ذلك لما فيه من الغرر فربما هلك هذا دون ذاك أو عكسه أفاده النووي (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) خطيبًا (في) النهي عن (ذلك) التعامل والتزارع (فقال: من كانت له أرض) فارغة (فليزرعها) بنفسه إن استطاع (فإن لم يزرعها) أي فإن لم يستطع زرعها بنفسه (فليمنحها أخاه) أي فليعطها أخاه منيحة عارية له (فإن لم يمنحها أخاه) أي فإن لم يرد أن يمنحها لأخيه (فليمسكها) أي فليمسك أرضه معطلة غير مزروعة فلا يؤاجرها ببعض ما يخرج منها والنهي فيه للتنزيه على الأصح كما مر، قال الإمام المازري: الماذيانات بكسر الذال وقد تفتح معروفة وليست الكلمة عربية ولكنها سوادية معربة اهـ وهي مسايل الماء والنهر الكبير والمراد بها ها هنا ما ينبت على شطوط الجداول ومسايل الماء وهو من باب تسمية الشيء باسم غيره إذا كان مجاورًا له أو كان منه بسبب، والمعنى أن رب الأرض كان يشترط لنفسه ما نبت على الماذيانات وهو شرط فاسد، وقد ذكر جابر في هذا الحديث الثلث والربع مع الماذيانات فلعل أصحاب الأرض كانوا يشترطون لأنفسهم ثلث جميع الخارج أو ربعه بالإضافة إلى ما خرج بالماذيانات، ويحتمل أن يكونوا يشترطون ثلث ما خرج بالماذيانات أو ربعه والكل فاسد لما فيه من الغرر اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3803 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن حماد) بن أبي زياد الشيباني مولاهم أبو بكر البصري، ختن أبي عوانة وراويته، ثقة، من (9) روى عنه في

حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو سُفيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "مَن كَانَتْ لَهُ أَرْض فَليَهَبْهَا أَوْ لِيُعِرْهَا". 3804 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ حَجاجُ بْنُ الشَاعِرِ. حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ. حَدَّثنَا عَمارُ بْنُ رُزيقٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنهُ قَال: "فَلْيَزْرَعْهَا أَو فَلْيُزْرِعْهَا رَجُلًا". 3805 - (00) (00) وحدثني هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (6) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن سليمان) بن مهران الأعمش الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) (حدثنا أبو سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير المكي (قال) جابر: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كانت له أرض) فاضلة (فليهبها) لأخيه ملكًا (أو ليعرها) له لينتفع بها والأمر فيه أمر إرشاد ومواساة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3804 - (00) (00) (وحدثنيه حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا أبو الجواب) أحوص بن جواب الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عمار بن رزيق) الضبي الكوفي لا بأس به، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن) سليمان (الأعمش) الكوفي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمار بن رزيق لأبي عوانة (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر مثله (غير أنه) أي لكن أن عمار بن رزيق (قال) في روايته: (فليزرعها) بنفسه (أو فليزرعها) أخاه (رجلًا) مسلمًا. فقال: ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشرها في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3805 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة،

حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي عَمْرو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ)؛ أَن بُكَيرًا حَدثَهُ؛ أَن عَبْدَ الله بْنَ أَبِي سَلَمَةَ حَدثَهُ، عَنِ النعْمَانِ بْنِ أَبِي عَياشِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَن رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأرضِ. قَال بُكَير: وَحَدثَنِي نَافِع أَنهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنا نُكْرِي أَرْضنَا ثُم تَرَكْنَا ذلِكَ حِينَ سَمِعْنَا حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المصري، ثقة، من (5) (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون التيمي مولاهم، واسم أبي سلمة ميمون، والماجشون بفتح الميم وضم الشين معرب ماه كون بمعنى شبه القمر وقيل: شبه الورد، سُمي به لحمرة وجنته، وحكي فيه تثليث الجيم اهـ من المغني، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (حدّثه) أي حدّث لبكير (عن النعمان بن أبي عياش) الأنصاري الزرقي أبي سلمة المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب، واسم أبي عياش زيد بن الصامت ويقال: عبيد بن معاوية بن الصامت (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة النعمان بن أبي عياش لمن روى عن جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى) نهي إرشاد للمصالح والمواساة (عن كراء الأرض) أي عن إجارتها بعوض معين أو بجزء مما يخرج منها كالثلث والربع. (قال بكير) بن عبد الله بالسند السابق (وحدثني) أيضًا (نافع) مولى ابن عمر (أنه سمع ابن عمر يقول: كنا) معاشر الصحابة (نكري) ونؤاجر (أرضنا) أي الفارغة الفاضلة عنا (ثم تركنا ذلك) الإكراء (حين سمعنا حديث رافع بن خديج) الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن كراء الأرض، وهذا استشهاد لحديث جابر رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

3806 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِر، قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ بَيعِ الأَرْضِ الْبَيضَاءِ سَنَتَينِ أَوْثَلاثًا. 3807 - (00) (00) وحدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ حُمَيدٍ الأَعرَجِ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ بَيعِ السِّنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3806 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن أبي الزبير عن جابر) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير للنعمان بن أبي عياش (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الأرض البيضاء) أي عن كراء الأرض الفارغة عن الزرع والغراس مدة (سنتين أو ثلاثًا) من السنوات أو أربعًا منها مثلًا سمى الإجارة بيعًا لأنها بيع منفعة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابع عشرها في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3807 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني الأصل أبو عثمان المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد وزهير بن حرب قالوا: حدثنا سفيان بن عبينة عن حميد) بن قيس الأسدي مولاهم (الأعرج) القارئ أبي صفوان المكي، لا بأس به، من (6) روى عنه في (2) بابين الحج والبيوع (عن سليمان بن عتيق) المدني، روى عن جابر في البيوع، وطلق بن حبيب في العلم، وابن الزبير، ويروي عنه (م دس ق) وحميد الأعرج وابن جريج، وثقه النسائي له عنده حديثان، وقال في التقريب: صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن عتيق لأبي الزبير المكي (قال) جابر: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين) أي عن بيع ثمر الشجر المعين مدة سنين ثلاثًا أو أربعًا (وفي رواية ابن أبي شيبة عن بيع الثمر سنين) وهو أن يبيع ثمر النخلة أو نخلات بأعيانها سنتين أو ثلاثًا فإنه بيع

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ: عَن بَيعِ الثمَرِ سِنِينَ. 3808 - (1477) (0 4) حدثنا حَسَنُ بْنُ عَلِي الْحُلْوَانِي. حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ. فَإِنْ أَبى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ". 3809 - (1478) (41) وحدثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِي. حَدَّثَنَا أبُو تَوْبَةَ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثيرٍ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ نُعَيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء لا وجود له حال العقد اهـ سندي على ابن ماجه، وقد مر شرحه قبيل باب كراء الأرض وأنه بيع ما تحمله شجرة إلى مدة سنة أو أكثر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3808 - (1477) (40) (حدثنا حسن بن علي الحلواني) الخلال المكي (حدثنا أبو توبة) الربيع بن نافع العابد الحلبي سكن طرطوس، وكان يعد من الأبدال، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض) فارغة (فليزرعها) بنفسه (أو ليمنحها أخاه) أي أو ليعطها منيحة لأخيه (فإن أبي) وامتنع عن جعلها منيحة لأخيه (فليمسك أرضه) فارغة فلا يأجرها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه تعليقًا في باب الحرث والمزارعة ولم يخرجه غير الشيخين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 3809 - (1478) (41) (وحدثنا الحسن الحلواني حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية) بن سلّام (عن يحيى بن أبي كثير أن يزيد بن نعيم) بن هزال بفتح أوله وثانيه المشدد

أخْبَرَهُ؛ أَن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله أَخْبَرَهُ؛ أنهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَنْهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْحُقُولِ. فَقَال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله: المزَابَنَةُ الثمَرُ بِالثمْرِ. وَالْحُقُولُ كِرَاءُ الأَرْضِ. 3810 - (1479) (42) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيد. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِح، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسلمي المدني، روى عن جابر بن عبد الله في البيوع وسعيد بن المسيب، ويروي عنه (م د س) ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، وثقة ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من (5) (أخبره) أي أخبر ليحيى بن أبي كثير (أن جابر بن عبد الله أخبره) أي أخبر ليزيد بن نعيم. وهذا السند من سداسياته (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن المزابنة و) عن (الحقول، فقال جابر بن عبد الله) في تفسيرهما (المزابنة) بيع (الثمر) على رؤوس النخل خرصًا (بالتمر) المجذوذ (والحقول كراء الأرض) بطعام معين أو بجزء مما يخرج منها، والحقول: جمع حقل والمراد المحاقلة كما هو الرواية التالية، وقد تقدم تفسيرها بوجهين وهذا ثالث لأن معناه كراء الأرض مطلقًا اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث جابر الأول بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3810 - (1479) (42) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى قارة قبيلة مشهورة المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال) أبو هريرة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة) كراء الأرض ببعض ما يخرج منها (والمزابنة) وهي بيع الثمر على الشجر بتمر على الأرض كيلًا. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف.

3811 - (1480) (43) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرنا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَينِ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِي يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. وَالْمُزَابَنةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ. وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الأَرْضِ. 3812 - (1481) (44) حدثنا يَحْيَى بن يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ (قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا. وَقَال يَحْيى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث جابر الأول بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 3811 - (480 1) (43) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن داود بن الحصين) مصغر الأموي مولاهم مولى عمرو بن عثمان أبي سليمان المدني، ثقة، من (6) (أن أبا سفيان) الأسدي المدني (مولى) عبد الله (بن أبي أحمد) بن جحش، قال الدارقطني: اسمه وهب، وقال غيره: اسمه قزمان، ثقة، من (3) (أخبره) أي أخبر لداود بن حصين (أنه) أن أبا سفيان (سمع أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من سداسياته (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة) وفسرهما أبو سعيد بقوله: (والمزابنة اشتراء الثمر في رووس النخل) خرصًا بتمر كيلًا (والمحاقلة كراء الأرض) أي إجارتها لمن يزرعها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في البيوع باب بيع الثمر على رؤوس النخل، وفي الشرب باب الرجل يكون له ممر، وأبو داود [3364] باب في مقدار العرية، والترمذي في البيوع [1301] باب العرايا، والنسائي في البيوع باب بيع العرايا بالرطب والله أعلم. ثم استشهد رحمه الله تعالى لحديث جابر الأول خامسًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3812 - (1481) (44) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (قال أبو الربيع: حدثنا وقال يحيى: أخبرنا حماد بن

زَيدٍ) عَنْ عَمْرٍو. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنا لَا نَرَى بِالْخِبْرِ بَأسًا. حَتى كَانَ عَامُ أَولَ. فَزَعَمَ رَافِعٌ أن نَبِي الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْهُ. 3813 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد) بن درهم البصري (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (قال: سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من رباعياته (كنا) معاشر الصحابة (لا نرى) ولا نعتقد أن (بالخبر) قال النووي: ضبطناه بكسر الخاء وفتحها والكسر أفصح وأشهر ولم يذكر الجوهري وغيره من أهل اللغة غير الكسر وهو بمعنى المخابرة اهـ وقال القاضي عياض: ضبطنا الخاء بالحركات الثلاث والفتح أرجحها ثم يليه الكسر اهـ أي كنا لا نعتقد أن في المخابرة (بأسًا) أي منعًا ونهيًا (حتى كان عام أوّل) بالنصب على الظرفية لحذف المضاف إليه ونية لفظه وإضافة عام إليه من إضافة الظرف إلى صفته والتقدير حتى كان عام أول ما بويع فيه يزيد بن معاوية والمعنى حتى جاء أول عام بويع فيه يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ويدل على هذا المضاف الذي قدرناه ما يأتي في رواية نافع عن ابن عمر، ومن قوله: (حتى بلغه في آخر خلافة معاوية) (فزعم) أي فقال لنا في ذلك العام (رافع) بن خديج الأنصاري رضي الله عنه: (أن نبي الله صلى الله عليه وسأنهى عنه) أي عن الخبر أي عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها. قال الأبي: تقدم في حديث جبريل - عليه السلام - في أول كتاب الإيمان تفسير الزعم وأنه يطلق على القول الكذب والقول الحق ومنه زعم جبريل - عليه السلام - أي قال: وعلى القول غير الموثوق الباقي عهدته على قائله وهو هنا من معنى زعم جبريل - عليه السلام - أي قال لأن رافع بن خديج عدل أَيُّ عدلٍ اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المزارعة، وأبو داود في البيوع، والترمذي في الأحكام باب في المزارعة، والنسائي في المزارعة باب النهي عن كراء الأرض بالثلث، وابن ماجه في المزارعة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3813 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان) بن عيينة (ح

وَحَدَّثَنِي عَلِي بْنُ حُجْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ أَيوبَ. ح وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عيَينَةَ: فَتَرَكْنَاهُ مِنْ أَجْلِهِ. 3814 - (00) (00) وحدثني عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ مُجَاهِد. قَال: قَال ابْن عُمَرَ: لَقَدْ مَنَعَنَا رَافِعٌ نَفْعَ أَرْضِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وحدثني علي بن حجر) السعدي المروزي (وإبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار ثقة، ثبت، من (10) روى عنه في (7) أبواب (قالا: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (وهو) المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا وكيع) بن الجراح (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (كلهم) أي كل من ابن عيينة وأيوب والثوري رووا (عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر (مثله) أي مثل ما روى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار (و) لكن (زاد) أبو بكر بن أبي شيبة (في حديث ابن عيينة) وروايته لفظة (فتركناه) أي الخبر أي تركنا المخابرة (من أجله) أي من أجل حديث رافع بن خديج. وهذه الأسانيد الثلاثة الأول منها من رباعياته والأخيران من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لحماد بن زيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3814 - (00) (00) (وحدثني علي بن حجر) السعدي المروزي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم الأسدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم الضبعي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن مجاهد) بن جبر المكي (قال) مجاهد: (قال ابن عمر): والله (لقد منعنا) وعطل علينا (رافع) بن خديج (نفع أرضنا) أي الانتفاع بها بالمزارعة عليها ببعض ما يخرج منها لأنه روى لنا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة فتركناها لأجل حديثه تورعًا من الوقوع في الشبهات. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مجاهد لعمرو بن دينار. وقول ابن عمر: (لقد منعنا رافع نفع أرضنا) مما يدل على أن ابن عمر لم يكن يعتقد النهي عن المزارعة تشريعا عاما وإلا لنسب المنع إلى الشريعة وإنما يريد أني تركت

3815 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَصَدْرا مِنْ خِلافَةِ مُعَاويَةَ. حَتَّى بَلَغَهُ فِي آخِرِ خِلافَةِ مُعَاويةَ؛ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يُحَدِّثُ فِيهَا بِنَهْي عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَدَخَلَ عَلَيهِ وَأَنَا مَعَهُ. فَسَأَلَهُ فَقَال: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارعِ. فَتَرَكَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ نفع أرض لمجرد قول رافع على سبيل الاحتياط مع ما أعرف من محمل ما يرويه، وسيأتي ذلك المحمل بنص منه في رواية سالم عنه والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثاني حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3815 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرا التميمي العيشي بتحتانية أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن أيوب) السختياني (عن فافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة نافع لعمرو بن دينار ومجاهد كان يكري) بضم أوله من الإكراء أي يؤاجر (مزارعه) جمع مزرعة وهو موضع زرع الزروع أي يكريها ببعض ما يخرج منها (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمان حياته صلى الله عليه وسلم (وفي) عهد (إمارة أبي بكر) الصديق (و) في إمارة (عمر) بن الخطاب (و) في إمارة (عثمان) بن عفان رضي الله عنهم أجمعين (وصدرًا) أي أولًا (من خلافة معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنه وكان مستمرا على مزارعته (حتى بلغه في آخر) ونهاية زمن (خلافة معاوية) بن أبي سفيان وفي بداية خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (أن رافع بن خديج) بن رافع الأنصاري الأوسي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه كان (يحدّث فيها) أي في المزارعة (بنهي) مأثور (عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال نافع: فذهب ابن عمر إلى رافع بن خديج (فدخل عليه) أي على رافع في بيته (وأنا) أي والحال أني داخل (معه) على رافع (فسأله) أي فسأل ابن عمر رافعا عن حكم كراء المزارع: هل سمعت فيه شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) رافع لابن عمر: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع فتركها) أي فترك المزارعة على

ابْنُ عُمَرَ بَعْدُ. وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْهَا، بَعْدُ، قَال: زَعَمَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مزارعه (ابن عمر بعد) أي بعد ما سمع النهي عنها عن رافع بن خديج تورعا (وكان) ابن عمر (إذا سُئل عنها) أي عن المزارعة (بعد) أي بعد ما تركها (قال) جواب إذا، وجملة إذا في محل النصب خبر كان أي وكان ابن عمر يقول وقت سؤاله عنها بعد (زعم) جملته في محل النصب مقول قال، والزعم بمعنى القول الحق والصدق كما مر أي كان يقول قال (رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عنها) فلذلك تركناها امتثالًا لنهي الشارع. قوله: (وصدرا من خلافة معاوية) قال الأبي: تقدم في أول الباب حديث جابر بالنهي عن كراء الأرض ألبتة وحديث رافع هذا إنما هو النهي عن كرائها بجزء مما يخرج منها والذي لم يصل إلى ابن عمر إلا في آخر خلافة معاوية إنما هو كراؤها بالجزء فيحتمل أن رافعا كان غائبًا من المدينة هذه المدة إذ من البعيد أن يكون بالمدينة وتنتشر المخابرة ولا يغيرها بذكر الحديث ويكون حديث رافع هذا من انفراد العدل بالزيادة وكراء ابن عمر أرضه ومخابرته فيها مع نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث جابر عن كرائها يحتمل أيضًا أنه لم يبلغه النهي أو بلغه ولم يحمله على التحريم كما حمل حديث رافع الذي ترك المخابرة لأجله فهو إنما ترك الأولى اهـ منه. وقوله: (وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من خلافة معاوية) ولقد أغرب في وصف معاوية بالخلافة بعدما وصف الخلفاء الثلاثة بالإمارة وأسقط رابعهم من البين مع أن الخلافة الكاملة خصيصتهم، ولفظ البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية وكان معاوية كما ذكره القسطلاني في باب صوم عاشوراء يقول: أنا أول الملوك. وقال المناوي في شرح حديث الجامع الصغير: "الخلافة بالمدينة والمُلك بالشام" وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فقد كان كما أخبر، وقال في شرح حديثه: "الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة" قالوا: لم يكن في الثلاثين إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن: "ثم ملك بعد ذلك" إلا أن اسم الخلافة إنما هو لمن صدق هذا

3816 - (00) (00) وحدثنا أَبُو الربِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمادٌ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ: قَال: فَتَرَكَهَا ابْنُ عُمَرَ بَعْدَ ذلِكَ. فَكَانَ لَا يُكْرِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم بعمله بالسنة والمخالفون ملوك وإنما تسموا بالخلفاء اهـ من بعض الهوامش. وقوله: (في آخر خلافة معاوية) قال الحافظ في الفتح [5/ 18] وإنما لم يذكر ابن عمر خلافة علي رضي الله عنه لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الأخبار وكان رأى أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس ولهذا لم يبايع أيضًا لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما وبايع ليزيد بن معاوية ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ولعل في تلك المدة أعني مدة خلافة علي لم يؤاجر أرضه فلم يذكرها لذلك ثم هذا مما يدل على وجوب التأويل في حديث رافع لأن من العجيب أن لا يعلم مثل ابن عمر حكم المزارعة طوال صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مع اشتغاله بها وشدة تمسكه باحكام الشرع وأن لا يعلم حرمته طوال هذه المدة غير رافع بن خديج من الصحابة الكبار فلو كانت المزارعة ممنوعة مطلقا لعلمه هؤلاء بيقين فظهر أن العموم الظاهر من أحاديث رافع محمول على خصوص بعض الواقعات التي كانوا يتعارفونها وقد سبق له بحث في المزارعة. وقوله: (زعم رافع) هذا يدل أيضًا على أن ابن عمر لم يكن متيقنًا بعموم النهي عن المزارعة اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3816 - (00) (00) (وحدثنا أبو الرّبيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم (ح وحدثني علي بن حجر) السعدي (حدثنا إسماعيل) بن علية (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (مثله) أي مثل ما روى يزيد بن زريع عن أيوب، غرضه بيان متابعتهما ليزيد بن زريع (و) لكن (زاد) علي بن حجر (في حديث) إسماعيل (بن علية) وروايته لفظة (قال) نافع (فتركها) أي ترك المزارعة (ابن عمر بعد ذلك) أي بعد ما سمع حديث رافع بن خديج (فكان) ابن عمر (لا يكريها) أي لا يكري مزارعه بعد ذلك الحديث.

3817 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: ذَهَبْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إِلَى رَافِع بْنِ خَدِيجٍ. حَتَّى أَتَاهُ بِالْبَلاطِ. فَأخْبَرَهُ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارعِ. 3818 - (00) (00) وحدثني ابْنُ أَبِي خَلَفٍ وَحَجاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِياءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَمْرٍو، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3817 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع قال) نافع: (ذهبت مع ابن عمر إلى رافع بن خديج) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لأيوب، وكلمة حتى في قوله: (حتى أتاه) بمعنى الفاء العاطفة أي ذهبت مع ابن عمر إلى رافع فأتاه أي فأتى ابن عمر لرافع والحال أن رافعًا جالس (بالبلاط) أي في موضع يسمى بالبلاط وهو بفتح الباء موضع معروف بقرب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرش بالبلاط وفيه رجم اليهوديان لأجل زناهما والبلاط كما في القاموس هي الحجارة التي تفرش في الدار وكل أرض فُرشت بها أو بالآجر وقرية بدمشق وموضع بالمدينة بين المسجد والسوق مبلط وموضع بالقسطنطينية كان محبسًا لأسرى سيف الدولة وهو الآن محلة اليهود اهـ فسأله ابن عمر (فأخبره) رافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن كراء المزارع) ببعض ما يخرج منها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3818 - (00) (00) (وحدثني) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) السلمي البغدادي واسم أبي خلف محمد مولى بني سليم، ثقة، من (10) (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (قالا: حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي الكوفي، ثقة، من كبار (10) (أخبرنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب

عَنْ زيدٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنهُ أَتَى رَافِعًا. فَذَكَرَ هذَا الْحَدِيثَ عَنِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. 3819 - (00) (00) حد ثنا مُحَمد بن الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا حُسَينٌ (يَعْنِي ابْنَ حَسَنِ بْنِ يَسَارٍ). حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْن عَنْ نَافِع؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأجر الأَرْضَ. قَال: فَنُبِّئَ حَدِيثًا عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيج. قَال: فَانْطَلَقَ بِي مَعَهُ إِلَيهِ. قَال: فَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن زيد) بن أبي أنيسة بالتصغير الغنوي أبي أسامة الجزري واسم أبي أنيسة زيد، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الحكم لعبيد الله بن عمر بن حفص (أنه) أي أن ابن عمر (أتى) أي جاء (رافعًا) ابن خديج فسأله ابن عمر عن كراء المزارع (فذكر) رافع (هذا الحديث) أي حديث النهي عن كراء المزارع (عن النبي صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3819 - (00) (00) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا حسين يعني ابن حسن بن يسار) بتحتانية مفتوحة ومهملة مخففة، النصري، بالنون المفتوحة وإسكان الصاد المهملة مولاهم أي مولى بني نصر بن معاوية ويقال له: الغلابي مولاهم أي مولى بني غلاب من بني نصر بن معاوية أبو عبد الله البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لمن روى عن نافع أي قال نافع: كان) ابن عمر (يأجر الأرض) ببعض ما يخرج منها (قال) نافع: (فنبيء) بالبناء للمجهول أي فأخبر ابن عمر (حديثًا عن رافع بن خديج قال) نافع: (فانطلق) أي ذهب ابن عمر (بي) مصحوبًا (معه إليه) أي إلى رافع بن خديج (قال) نافع: (فذكر) رافع بن خديج أي حدّث نافع حديثًا (عن بعض عمومته) أي عن بعض أعمامه، والعمومة جمع عم كالفحولة جمع الفحل

ذَكَرَ فِيهِ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأرضِ. قَال: فَتَرَكَهُ ابْنُ عُمَرَ فَلَمْ يَأْجُرْهُ. 3820 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْن، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: فَحَدثَهُ عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والبعولة جمع البعل، قال سيبويه: أدخلوا فيه الهاء لتحقيق التأنيث ويُجمع العم أيضًا على أعمام وعموم. راجع تاج العروس [8/ 406]. وقوله: (بعض عمومته) سيأتي بيان ذلك البعض في الطريق الآتي، ويأتي أيضًا في الباب التالي أن رافعًا حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل عن بعض عمومته ولا عن عمه ففيه كما في أُسد الغابة اضطراب (ذكر) رافع (فيه) أي في ذلك الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم: (نهى عن كراء الأرض) أي إجارتها ببعض ما يخرج منها (قال) نافع: (فـ) لما سمع ابن عمر هذا الحديث (تركه) أي ترك كراء الأرض (ابن عمر فلم يأجره) بضم الجيم بمعنى الإكراء وهو الصحيح في أكثر النسخ، ووقع في بعضها (فلم يأخذه) وكذلك في أول الحديث (كان يأخذ الأرض) بدل قوله: (يأجر الأرض) وذكر العلماء أنه تصحيف. راجع شرح النووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3820 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) (حدثنا) عبد الله (بن عون) المزني البصري (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بيان متابعة يزيد بن هارون لحسين بن حسن (و) لكن (قال) يزيد (فحدثه) أي فحدث رافع لابن عمر (عن بعض عمومته عن النبي صلى الله عليه وسلم) بدل قول حسين (فذكر عن بعض عمومته ذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا فقال:

3821 - (00) (00) وحدثني عَبدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ الليثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدثَنِي أَبِي، عَنْ جَدي. حَدثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ عَبدَ الله بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي أَرَضِيهِ. حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيج الأَنْصَاري كَانَ يَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَلَقِيَهُ عَبْدُ الله، فَقَال: يَا ابْنَ خَدِيجٍ! مَاذَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي كِرَاءِ الأَرْضِ؟ قَال رَافِعُ بْنُ خَدِيج لِعَبْدِ الله: سَمِعْتُ عَمَّيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3821 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري، هو حفيد الليث بن سعد الإمام المشهور كان محدّثًا فقيهًا قويًّا في الحديث، روى عنه مسلم خمسين حديثًا (50) ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم المصري، ثقة، من (6) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) (أنه) أي أن ابن شهاب (قال: أخبرني سالم بن عبد الله) بن عمر العدوي المدني، ثقة، من (3) (أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سالم بن عبد الله لنافع (كان يكري) بضم الياء وكسر الراء (أرضيه) أي مزارعه بفتح الراء جمع أرض بسكونها جمع تكسير ألحق بجمع المذكر السالم في إعرابه (حتى بلغه) ووصله غاية للإكراء (أن رافع بن خديج الأنصاري) الأوسي (كان ينهى عن كراء الأرض) ومؤاجرتها ببعض ما يخرج منها (فلقيه) أي فلقي رافعًا (عبد الله) بن عمر (فقال) عبد الله لرافع: (يا ابن خديج ماذا) أي أي شيء (تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كراء الأرض) ومزارعتها هل تحدث فيه النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (قال رافع بن خديج لعبد الله) بن عمر: نعم (سمعت عمي) بتشديد الميم والياء على صيغة التثنية كما يدل عليه ما بعده ولم يسمهما أحد من الشارحين، وقيل أحدهما: ظهير بن رافع كما سيأتي في طريق أبي النجاشي، والثاني: قيل إنه مظهر على صيغة اسم الفاعل من التفعيل، وروى ابن السكن عن قتادة قال: إن اسمه مهير مصغرًا، وذكر الحافظ في الفتح [5/ 20] كلا القولين ثم قال في الثاني: وهذا أولى أن يُعتمد وهو بوزن أخيه ظهير كلاهما بالتصغير، وربما يرد عليه أن ظهير بن رافع

(وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا) يُحَدثَانِ أَهْلَ الدارِ؛ أن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأرضِ. قَال عَبْدُ الله: لَقَدْ كُنتُ أَعْلَمُ، فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، أَن الأرضَ تُكْرَى. ثم خَشِيَ عَبْدُ الله أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أَحْدَثَ فِي ذلِكَ شَيئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ. فَتَرَكَ كِرَاءَ الأرضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يشهد بدرًا وإنما شهد العقبة الثانية وبايع النبي صلى الله عليه وسلم بها كما صرح به ابن عبد البر في الاستيعاب وقد ذكر رافع في هذا الحديث أن العمين الراويين لهذا الحديث كانا قد شهدا بدرًا والجواب عنه أن ظهير بن رافع ممن شهد بدرًا وقد صرح به الحافظ في الإصابة [2/ 1232] وكذلك ذكر ابن الأثير في أسد الغابة [3/ 71] عن إسحاق أن ظهيرًا قد شهد بدرًا فظهر أن في شهوده بدرًا خلافًا بين أصحاب السير، والقول بشهوده مؤيد بهذا الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة (وكانا قد شهدا بدرًا يحدّثان أهل الدار) يعني عشائرهم (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن كراء الأرض) ببعض ما يخرج منها (قال عبد الله) بن عمر: والله (لقد كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض تكرى) وتؤجر ببعض ما يخرج منها (ثم) بعدما قال ذلك (خشي) أي خاف (عبد الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك) أي في كراء الأرض (شيئًا) من النهي (لم يكن) عبد الله (علمه) أي سمعه (فترك) عبد الله بن عمر (كراء الأرض) أي إجارتها ببعض ما يخرج منها تورعًا. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة أحاديث: الأول: حديث جابر رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع عشرة متابعة، والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه تسع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

569 - (9) باب كراء الأرض بالطعام المسمى أو بالذهب والفضة والنهي عن المزارعة والأمر بالمنيحة بها

569 - (9) باب كراء الأرض بالطعام المسمى أو بالذهب والفضة والنهي عن المزارعة والأمر بالمنيحة بها 3822 - (1482) (45) وحدثني عَلِي بْنُ حُجْر السَّعْدِي وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيةَ) عَنْ أَيوبَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَار، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيج قَال: كُنَا نُحَاقِلُ بِالأَرْضِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَنُكْرِيهَا بِالثلُثِ وَالرُّبُع وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى. فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ مِنْ عُمُومَتِي. فَقَال: نَهَانَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا. وَطَوَاعِيَةُ الله وَرَسُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 569 - (9) باب كراء الأرض بالطعام المسمى أو بالذهب والفضة والنهي عن المزارعة والأمر بالمنيحة بها 3822 - (1482) (45) (وحدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (ويعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي الدورقي أبو يوسف البغدادي (قالا: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (وهو ابن علية) ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (عن يعلى بن حكيم) الثقفي المكي ثم البصري وكان صديقًا لأيوب، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (14) بابا (عن رافع بن خديج) بن رافع الأنصاري الأوسي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد إما مروزي أو بغدادي وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) رافع بن خديج: (كنا) معاشر الأنصار (نحاقل بالأرض) أي نكري مزارعنا ببعض ما يخرج منها (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وزمانه، وقوله: (فنكريها) أي نؤاجرها (بـ) بعض ما يخرج منها من (الثلث) أ (والربع) أ (و) بـ (الطعام المسمى) أي المعين كيلًا والمراد بالطعام كما في المرقاة جنس الحبوب المأكول، وتقدم عن الفيومي أن أهل الحجاز إذا أطلقوا لفظ الطعام عنوا به البُر خاصة اهـ من بعض الهوامش، قال رافع: (فجاءنا ذات يوم) أي يومًا من الأيام (رجل من) بعض (عمومتي) أي من أعمامي، وسيأتي أنه ظهير بن رافع (فقال) ذلك الرجل: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر) وهي المزارعة (كان لنا نافعًا و) لكن (طواعية الله ورسوله) أي طاعته واتباعه أي طاعته والانقياد له ولرسوله والطواعية مخفف

أَنْفَعُ لَنَا. نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالأرْضِ فَنُكْرِيَهَا عَلَى الثلُثِ وَالربُعِ وَالطعَامِ الْمُسَمى. وَأَمَرَ رَب الأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا. وَكَرِهَ كِرَاءَهَا، وَمَا سِوَى ذلِكَ. 3823 - (00) (00) - وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ. قَال: كَتَبَ إِلي يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ قَال: سَمِعْتُ سُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ يُحَدثُ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَال: كُنَّا نُحَاقِلُ بِالأَرْضِ فَنُكْرِيهَا عَلَى الثلُثِ وَالربُعِ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء على وزن الكراهية (أنفع لنا) أي أكثر نفعًا لنا في الدنيا والآخرة مما كنا ننتفع به في الدنيا، فإنه (نهانا أن نحاقل بالأرض) ونؤاجرها (فنكريها على الثلث والربع) أي على ثلث ما يخرج منها أو على ربعه أ (و) على (الطعام المسمى) أي المعلوم كيلًا من الحبوب، وهذا موضع الترجمة (وأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على نهانا (رب الأرض) أي مالك الأرض (أن يزرعها) بنفسه (أو يُزرعها) بضم الياء أي أخاه منيحة له (وكره كراءها) بالثلث والربع (و) ب (ما سوى ذلك) المذكور من الثلث والربع فهو معطوف على محذوف تقديره وكره كراءها بذلك المذكور من الثلث والربع وكراءها بغير ذلك المذكور من الماذيانات وما ينبت على أفواه الجداول وما ينبت على الربيع والسواقي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 142]، والبخاري [2346]، وأبو داود [3294]، والنسائي [4917]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3823 - (00) (00) وحدثناه يحيى بن يحيى) النيسابوري (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (قال) أيوب: أكتب إليّ يعلى بن حكيم) الثقفي البصري (قال) يعلى في كتابته: (سمعت) بضم التاء للمتكلم (سليمان بن يسار) الهلالي المدني (يحدّث عن رافع بن خديج) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لإسماعيل ابن علية (قال) رافع بن خديج: (كنا) معاشر الأنصار (نحاقل بالأرض) ونكريها ببعض ما يخرج منها (فنكريها على) أن يكون (الثلث) أو (والربع) لنا (ثم ذكر) حماد بن زيد (بمثل حديث ابن علية) لفظًا ومعنى.

3824 - (00) (00) - وحدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَي. ح وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا عَبْدَةُ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3825 - (00) (00) - وَحَدثَنِيهِ أبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِم، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ بَعْضِ عُمُومَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 3824 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا عمرو بن علي) بن بحر بن كنيز بنون وزاي مصغرًا الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي اسمه عبد الرحمن، ثقة، من (8) (كلهم) أي كل من خالد بن الحارث وعبد الأعلى وعبدة رووا (عن) سعيد (ابن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن يعلى بن حكيم) الثقفي (بهذا الإسناد) يعني عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج (مثله) أي مثل ما روى أيوب عن يعلى بن حكيم، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لأيوب السختياني. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 3825 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي (أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني جرير بن حازم) بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (6) (عن يعلى بن حكيم) الثقفي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن سليمان بن يسار (عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم و) لكن (لم يقل) جرير بن حازم لفظة (عن بعض عمومته) كما قال أيوب، غرضه بيان متابعة جرير بن حازم لأيوب السختياني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث رافع رضي الله عنه فقال:

3826 - (00) (00) حدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُور. أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ. حَدثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ. حَدثَنِي أَبُو عَمْرو الاوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي النَّجَاشِي، مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعٍ؛ أَنَّ ظُهَيرَ بْنَ رَافِعٍ (وَهُوَ عَمهُ) قَال: أَتَانِي ظُهَيرٌ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 3826 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة، من (11) (أخبرنا أبو مسهر) عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى الغساني من أنفسهم الدمشقي عالمها، روي أنه قال: ولدت سنة (140) أربعين ومائة، وقال حاتم بن الليث الجوهري: رأيت أبا مسهر ببغداد أبيض الرأس واللحية وكان لا يخضب، حُبس في المحنة حتى مات ببغداد في الحبس في رجب سنة ثماني عشرة ومائتين وله (78) ثمان وسبعون سنة، قال محمد بن سهل بن عسكر: ما رأيت رجلًا كان أعلم بالمغازي وأيام الناس من أبي مسهر، روى عن يحيى بن حمزة في البيوع والضحايا، وسعيد بن عبد العزيز في الظلم، وعبد الله بن العلاء ومالك وخلق، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن منصور وأبو بكر بن إسحاق الصاغاني وأحمد ويحيى بن معين ودحيم وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ثقة، وقال العجلي: ثقة، وقال أبو داود: كان من ثقات الناس، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من كبار العاشرة (حدثني يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أبو عمرو الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، ثقة، من (7) (عن أبي النجاشي) بنون وجيم مخففة وبعد الألف معجمة، عطاء بن صهيب المدني الأنصاري مولاهم (مولى رافع بن خديج) لازمه ست سنين، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن رافع) بن خديج بن رافع بن عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور رضي الله عنه (أن ظهير) مصغرًا (بن رافع) بن عدي بن يزيد الأنصاري الصحابي المشهور رضي الله عنه كان من كبار الصحابة شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم (وهو عمه) أي عم رافع بن خديج، روى عنه صلى الله عليه وسلم في البيوع، ويروي عنه (خ م س ق) وابن أخيه رافع بن خديج، وله عندهم حديث واحد، وليس في مسلم من اسمه ظهير إلا هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة أبي النجاشي لسليمان بن يسار أي حدّثه بحديث (قال) رافع في بيانه: (أتاني ظهير) بن رافع (فقال)

لَقَدْ نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ أَمر كَانَ بنَا رَافِقا. فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ وَمَا قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيه وَسَلمَ فَهُوَ حَق. قَال: سَأَلَنِي كَيفَ تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ فَقُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا، يَا رَسُولَ الله! عَلَى الربيعِ أَو الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ أَو الشعِيرِ. قَال: "فَلَا تَفْعَلُوا. ازْرَعُوهَا. أَوْ أَزْرِعُوهَا. أَوْ أَمْسِكُوهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ظهير: (لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح تقديره: عن رافع بن خديج أن ظهيرًا عمه حدَّثه بحديث، قال رافع في بيان ذلك الحديث: أتاني عمي ظهير فقال: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ وهذا التقدير يدل عليه فحوى الكلام، ووقع في بعض النسخ أنباني بدل أتاني، والصواب المنتظم أتاني من الإتيان كذا في شرح النووي. (عن أمر) وعمل (كان بنا رافقًا) أي ذا رفق ويسر، وفي الرواية السابقة (كان لنا نافعًا) قال رافع: (فقلت) لعمي ظهير: (وما ذاك) الأمر الذي كان رافقًا بكم فنهاكم عنه (و) لكن (ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق) أي واجب الاتباع والتمسك به، وفيه بيان ما كانت الصحابة عليه رضوان الله تعالى عليهم من أنهم كانوا يخضعون لأمر الله ورسوله ويؤثرونه على جميع مصالحهم سواء عرفوا حكمة ذلك الأمر أو لم يعرفوا، وكذلك ينبغي لكل مسلم أن يكون كذلك (قال) ظهير: (سألني) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محاقلنا فقال: (كيف تصنعون بمحاقلكم) ومزارعكم هل تزرعونها بأنفسكم أم تؤاجرونها للناس؟ قال ظهير: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (نؤاجرها) ونكريها للناس (يا رسول الله على الربيع) أي على اشتراط أن يكون لنا ما ينبت على الربيع يعني النهر الصغير الذي يجري في المزارع للسقي والمراد ما مر من أن يشترط صاحب الأرض لنفسه ما ينبت على الربيع (أو) نؤاجرها على (الأوسق) المسماة من الخارج سواء كانت (من التمر أو الشعير) مثلًا، وهذا الحديث صريح في أن النهي عن المزارعة لم يكن عامًا لكل مزارعة وإنما كان مخصوصًا بهذه الصورة التي يشترط فيها ما ينبت على الربيع أو تشترط الأوسق المسماة من الخارج وكلاهما فاسد لتضمنه الغرر (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا تفعلوا) تلك المؤاجرة يعني المؤاجرة على الربيع أو على الأوسق المعينة (ازرعوها) بأنفسكم (أو أزرعوها) لغيركم ببعض ما يخرج منها أو اجعلوها مزرعة لغيركم منيحة (أو أمسكوها) في ملككم معطلة فارغة.

3827 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمنِ بْنُ مَهْدِي، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمار، عَنْ أَبِي النَّجَاشِي، عَنْ رَافِع، عَنِ النَّبِي صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِهذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ: عَنْ عَمهِ ظُهَيرٍ. 3828 - (1483) (46) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرحْمنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيس؛ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاء الأَرْضِ؟ فَقَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ. قَال: فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في هذا الحديث فقال: 3827 - (00) (00) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي البصري ثم اليمامي، صدوق، من (5) (عن أبي النجاشي) عطاء بن صهيب الأنصاري المدني (عن رافع) بن خديج رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا) الحديث (و) لكن (لم يذكر) عكرمة في روايته لفظة (عن عمه ظهير) غرضه بيان متابعة عكرمة للأوزاعي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لرافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 3828 - (1483) (46) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التيمي مولاهم أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي، قال ابن سعد: كانوا يتقونه لموضع الرأي، واسم أبي عبد الرحمن فروخ بفتح وضم مع التشديد غير منصرف، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن حنظلة بن قيس) بن عمرو بن حصين بن خلدة -بفتح فسكون- الأنصاري الزرقي المدني، ثقة، من (3) وقيل: إن له رؤية (أنه) أي أن حنظلة (سأل رافع بن خديج عن) حكم (كراء الأرض) وإجارتها. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى. (فقال) له رافع: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض قال) حنظلة: (فقلت) لرافع: (أ) نهى عن كرائها (بالذهب) أ (و) بـ (الورق) أو عن كراءها

فَقَال: أَما بِالذهَبِ وَالْوَرِقِ، فَلَا بَأسَ بِهِ. 3829 - (00) (00) حدثنا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرحْمنِ. حَدثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ قَيسٍ الأَنْصَارِي قَال: سَألْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأرْضِ بِالذهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَال: لَا بَأسَ بِهِ. إِنَّمَا كَانَ الناسُ يُؤَاجِرُونَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ. وَأَقْبَالِ الْجَدَاولِ. وَأَشْيَاءَ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ببعض ما يخرج منها (فقال) رافع (أما) كراؤها (بالذهب والورق فلا بأس) أي لا منع (به) فالذي نُهي عنه كراؤها بطعام أو ببعض ما يخرج منها، قال القاضي: أشار بهذا إلى أن علة المنع الغرر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 463]، وأبو داود [3393 و 3397]، والنسائي [7/ 43]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3829 - (00) (00) (حدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) ابن أبي إسحاق السبيعي (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التيمي المدني (حدثني حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق) أي بالفضة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأوزاعي لمالك بن أنس، قال حنظلة بن قيس: (فقال) لي رافع بن خديج (لا بأس) أي لا منع ولا غرر (به) أي بكراء الأرض بهما (إنما كان الناس) أي أصحاب الأراضي (يؤاجرون) الأرض ويكرونها (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي زمانه بما ينبت (على الماذيانات) جمع الماذيان وهو النهر الكبير ومسيل الماء، والمعنى أن رب الأرض كان يشترط لنفسه خاصة ما ينبت على الماذيانات (و) ما ينبت على (أقبال الجداول) أي على أوائل الجداول ورؤوسها، والجداول جمع جدول وهو النهر الصغير كالساقية والأقبال جمع قبل بضمتين وهو ما أقبل من كل شيء، والمراد ها هنا أوائل الجداول ورؤوسها وما ينبت عليها من العشب، وقيل: إنه جمع قَبَلٍ بفتحتين وهو الكلأ في مواضع الأرض كذا في مجمع البحار (و) يؤاجرون على (أشياء) معينة (من

الزَّرْعِ. فَيَهْلِكُ هذَا ويسْلَمُ هذَا. وَيَسْلَمُ هذَا ويهْلِكُ هذَا. فَلَمْ يَكُن لِلناسِ كِرَاء إِلا هذَا. فَلِذلِكَ زُجِرَ عَنْهُ فَأما شَيء مَعْلُوم مَضْمُون، فَلَا بَأْسَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزرع) يجعلونها لأنفسهم، وهذا حديث مفسر قد وضح فيه سبب النهي (فـ) ربما (يهلك) ويتلف (هذا) الجزء الذي شُرط لصاحب الأرض (ويسلم هذا) الجزء الذي بقي للعامل (و) ربما (يسلم) من التلف (هذا) الجزء الذي شرط للمالك (ويهلك هذا) الجزء الذي بقي للعامل فتقع المخاصمة بينهما (فلم يكن للناس) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (كراء) الأرض (إلا) على (هذا) الوجه الذي فيه الغرر والمخاصمة (فلذلك) أي فلأجل ذلك الغرر والتخاصم الذي ربما يقع (زجر) بالبناء للفاعل أو للمفعول أي زجر النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن كراء الأرض على ما ينبت في الماذيانات وأقبال الجداول (فأما شيء معلوم) أي فأما كراؤها على شيء معين معلوم قدره وجنسه سواء كان من الطعام المعين أم من النقدين (مضمون) للمالك (فلا بأس) ولا منع (به) أي بكرائها به. قال الخطابي: قد أعلمك رافع بن خديج في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم وأنه كان من عادتهم أن يشترطوا فيها شروطًا فاسدة وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول ويكون خاصًّا لرب الأرض والمزارعة شركة وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة وقد يسلم ما على السواقي ويهلك سائر الزرع فيبقى المزارع لا شيء له وهذا غرر وخطر اهـ. وقال الخطابي أيضًا: وضعف أحمد بن حنبل حديث رافع بن خديج وقال: هو كثير الألوان يريد اضطراب هذا الحديث واختلاف الروايات عنه فمرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة يقول: حدثني عمومتي عنه، وجوز أحمد المزارعة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى اليهود خيبر مزارعة ونخلها مساقاة، وأجازها ابن أبي ليلى ويعقوب ومحمد وهو قول ابن المسيب وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد العزيز، وأبطلها أبو حنيفة ومالك والشافعي، قال الخطابي: وإنما صار هؤلاء إلى ظاهر الحديث من رواية رافع بن خديج ولم يقفوا على علته كما وقف عليها أحمد فالمزارعة على النصف والثلث والربع وعلى ما تراضى به الشريكان جائزة إذا كانت الحصص معلومة والشروط فاسدة معدومة وهي عمل المسلمين في بلدان الإسلام

3830 - (00) (00) حدثنا عَمْرٌو النَاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِي؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَا أَكْثَرَ الأَنْصَارِ حَقْلًا. قَال: كُنا نُكْرِي الأَرْضَ عَلَى أَنَّ لنَا هذِهِ وَلَهُمْ هذِهِ. فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هذِهِ. فَنَهَانَا عَنْ ذلِكَ. وَأَمَّا الْوَرِقُ فَلَمْ يَنْهَنَا. 3831 - (00) (00) حدثنا أبُو الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا حَمادٌ. ح وَحَدثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ شرقها وغربها اهـ من العون. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [4/ 140]، وأبو داود [3392]، والنسائي [7/ 43]، وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 3830 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن حنظلة) بن قيس الأنصاري (الزرقي أنه سمع رافع بن خديج يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لربيعة بن أبي عبد الرحمن (كنا) معاشر الأوس (أكثر الأنصار حقلًا) بفتح الحاء وسكون القاف أي مزارع (قال) رافع: (كنا) معاشر أهل دارنا (نكري الأرض) ونزارع عليها (على أن لنا) يعني أصحاب الأرض (هذه) القطعة من المزارع (ولهم) أي وعلى أن لهم أي للعاملين عليها (هذه) القطعة من الأرض (فربما أخرجت) وأنبتت (هذه) القطعة التي لأصحاب الأرض (ولم تخرج هذه) القطعة التي شُرطت للعمال (فنهانا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن ذلك) أي عن كراء الأرض بهذا الشرط المذكور لما فيه من الغرر واستبداد أحد الجانبين بالزرع المؤدي إلى التخاصم (وأما الورق) أي وأما كراؤها بالورق والفضة أو بالذهب أو بالطعام المعين غير الخارج من الأرض (فلم ينهنا) عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم الغرر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 3831 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19)

جَمِيعًا عَنْ يَحْيي بْنِ سَعِيدٍ، بِهذَا الإِسنَادِ، نَحْوَهُ. 3832 - (1484) (47) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. ح وَحَدثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. كِلاهُمَا عَنِ الشَّيبَانِي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ السَّائِبِ. قَال: سَألْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ عَنِ الْمُزَارَعَةِ؟ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بابًا (جميعًا) أي كل من حماد ويزيد بن هارون رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا الإسناد) يعني عن حنظلة عن رافع بن خديج (نحوه) أي نحو ما روى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد، غرضه بيان متابعتهما لسفيان بن عيينة. قال القرطبي: وعلى الجملة فحديث رافع بن خديج مضطرب غاية الاضطراب كما وقع في مسلم وغيره من كتب الحديث فينبغي أن لا يعتمد عليه ويتمسك في جواز كرائها بشيء معلوم بالقياس الذي ذكرناه غير أنه لا تكرى بطعام مخافة طعام بطعام فإنها ريبة اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه فقال: 3832 - (1484) (47) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (كلاهما) أي كل من عبد الواحد وعلي بن مسهر رويا (عن الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز أبي إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الله بن السائب) بن يزيد الكندي الكوفي، روى عن عبد الله بن معقل بن مقرن في البيوع، وأبيه، ويروي عنه (م س) وأبو إسحاق الشيباني والأعمش والثوري، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، وقال النسائي: ثقة، ووثقه العجلي وابن نمير، وذكره ابن حبان في الثقات (قال) عبد الله بن السائب: (سالت عبد الله بن معقل) -بفتح الميم وسكون المهملة بعدها قاف- بن مقرن -بضم ففتح فكسر مع التشديد- أبا الوليد الكوفي، ثقة، من (3) أي سألته (عن) حكم (المزارعة) هل تجوز أم لا؟ وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها (فقال) عبد الله بن معقل في

أَخْبَرَنِي ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ: نَهَى عَنْهَا. وَقَال: سَألْتُ ابْنَ مَعْقِلٍ. وَلَمْ يُسَمِّ عَبْدَ الله. 3833 - (00) (00) - حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ الشَّيبَانِي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ السائِبِ. قَال: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ فَسَألْنَاهُ عَنِ الْمُزَارَعَةِ؟ فَقَال: زَعَمَ ثَابِتٌ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ. وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب سؤالي (أخبرني ثابت بن الضحاك) بن خليفة الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه المدني. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن المزارعة) أي عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، نهي كراهة وتنزيه (وفي رواية ابن أبي شيبة نهى عنها) بضمير الغائبة (وقال) ابن أبي شيبة أيضًا (سألت ابن معقل ولم يسم) أي لم يذكر ابن أبي شيبة لفظة (عبد الله). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم يروه غيره من أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه فقال: 3833 - (00) (00) حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري (أخبرنا يحيى بن حماد) بن أبي زياد الشيباني مولاهم أبو بكر البصري، ختن أبي عوانة وراويته ثقة عابد، من صغار (9) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن سليمان) بن أبي سليمان (الشيباني) الكوفي (عن عبد الله بن السائب) الكندي الكوفي (قال) عبد الله بن السائب: (دخلنا على عبد الله بن معقل) بن مقرن الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي عوانة لعبد الواحد بن زياد وعلي بن مسهر في الرواية عن الشيباني (فسألناه) أي فسألنا نحن الداخلين عليه (عن) حكم (المزارعة فقال) عبد الله بن معقل: (زعم) أي قال: (ثابت) بن الضحاك (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن المزارعة وأمر) أمر إرشاد إلى ما هو الأفضل (بالمؤاجرة) بالذهب والفضة أو بالطعام

وَقَال: "لَا بَأسَ بِهَا". 3834 - (1485) (48) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرٍو؛ أَنَّ مُجَاهِدًا قَال لِطَاوُسٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ابْنِ رَافِعِ بْنِ خدِيجٍ. فَاسْمَعْ مِنْهُ الْحَدِيثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبي صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَانْتَهَرَهُ. قَال: إِني وَاللهِ! لَوْ أَعْلمُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ مَا فَعَلْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعين (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس) ولا منع (بها) أي بالمؤاجرة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3834 - (1485) (48) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (أن مجاهدًا) ابن جبر المكي (قال لطاوس) بن كيسان اليماني (انطلق بنا إلى ابن رافع بن خديج) بن رافع الأنصاري، قال في التقريب: ابن رافع بن خديج عن أبيه في النهي عن المزارعة، له ولدان هدير وعباية اهـ (فاسمع) يا طاوس (منه) أي من ابن رافع (الحديث) الذي يرويه في المزارعة (عن أبيه) رافع بن خديج (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله: (فاسمع منه الحديث) رُوي على صيغة المتكلم منصوبًا على كونه جواب أمر، ورُوي على صيغة الأمر مجزومًا وعلى الأول كان مجاهد يريد أن يسمع الحديث في حضرة طاوس، وعلى الثاني كان يريد أن يسمعه طاوس وكلا المعنيين صحيح، ورجح النووي الأول، ولكن وقع في رواية للنسائي كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسًا فقال له مجاهد: اذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه، وهذه الرواية تقوي كون الحديث بصيغة الأمر اهـ من التكملة. (قال) عمرو بن دينار: (فانتهره) أي فانتهر طاوس مجاهدًا أي زجره عما يقول له وخوّفه على إعادته عليه أي لا تأمرني بالانطلاق إلى ابن رافع فإني أعلم أصل الحديث، وفاعل انتهر ضمير مستتر يعود إلى طاوس والبارز إلى مجاهد، ثم (قال) طاوس: (إني والله لو أعلم) أي لو علمت (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عنه) أي عن إيجار الأرض ببعض ما يخرج منها (ما فعلته) أي ما فعلت إيجار الأرض ببعض ما يخرج منها

وَلَكِنْ حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ أَعلَمُ بِهِ مِنهُم (يَعْنِي ابنَ عَباسِ)؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لأَنْ يَمْنَحَ الرجُلُ أَخَاهُ أَرضَهُ خَيرٌ لَهُ مِن أَنْ يَأخُذَ عَلَيهَا خَرْجًا مَعْلُومًا". 3835 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، وَابْنُ طَاوُسٍ عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يُخَابِرُ. قَال عَمْرٌو: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أبَا عَبْدِ الرحْمنِ! لَوْ تَرَكْتَ هذِه الْمُخَابَرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولكن حدثني من هو أعلم به) أي بحكم إيجار الأرض ببعض ما يخرج منها (منهم) متعلق بأعلم أي من ابن رافع ومن معه (يعني) طاوس بذلك الأعلم (ابن عباس) رضي الله عنهما. وجملة قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) الخ مفعول ثان لحدثني أي ولكن حدثني ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يمنح) ويعطي (الرجل) منكم (أخاه) المسلم (أرضه) أي مزرعته منيحة له عارية أي لمنيحة أحدكم أرضه لأخيه عارية له (خير له) أي أكثر أجرًا له (من أن يأخذ عليها خرجًا معلومًا) أي أجرة معلومة فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن خيرية المنيحة على المزارعة بالثلث أو الربع ولم ينه عن المزارعة فلذلك زارعت على أرضي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 313]، والبخاري أخرجه في باب الحرث والمزارعة وفي مواضع أخر، وأبو داود في البيوع [3389]، والترمذي في الأحكام باب من المزارعة، والنسائي في المزارعة باب النهي عن كراء الأرض والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3835 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي ثقة، من (8) (عن عمرو) بن دينار الجمحي (و) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني، كليهما (عن طاوس) بن كيسان اليماني (أنه) أي أن طاوسًا (كان يخابر) أي يزارع على أرضه ببعض ما يخرج منها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لحماد بن زيد (قال عمرو) بن دينار (فقلت له): أي لطاوس (يا أبا عبد الرحمن) كنية طاوس (لو تركت هذه المخابرة) أي هذه

فَإِنهُمْ يَزْعُمُونَ؛ أَن النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ. فَقَال: أَي عَمْرُو! أَخْبَرَنِي أَعْلَمُهُمْ بِذَلِكَ (يَعْنِي ابْنَ عَباسٍ)؛ أَن النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا. إِنمَا قَال: "يَمْنَحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَير لَهُ مِنْ أَنْ يَأخُذَ عَلَيهَا خَرْجًا مَعْلُوما". 3836 - (00) (00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المزارعة لكان خيرًا لك وللناس (فإنهم) أي فإن الناس (يزعمون) أي يقولون: (أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن المخابرة) فيتهمونك بمخالفة النهي الوارد (فقال) طاوس: (أي عمرو) أي يا عمرو بن دينار (أخبرني أعلمهم) أي أعلم الناس (بذلك) أي بحكم المخابرة (يعني) طاوس بذلك الأعلم (ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم) وجملة أن المشددة مفعول ثان لأخبر (لم ينه عنها) أي عن المخابرة (إنما قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (يمنح) بحذف لام الابتداء وأن المصدرية في هذه الرواية بخلاف الرواية السابقة فالجملة الفعلية في محل الرفع على الابتداء بتقدير أن المصدرية، فهي نظير قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، والتقدير: منيحة (أحدكم أخاه) المسلم أرضه الفارغة الفاضلة (خير له) أي أكثر أجرًا له (من أن يأخذ عليها خرجًا معلومًا) أي أجرة معلومة فالخيرية لا تقتضي النهي عن المخابرة، وما وقع في فتح الباري من الحافظ في إعراب هذه الجملة وتبعه صاحب التكملة هنا سهو منه أو سبق قلم والله أعلم. وقوله في بعض النسخ: (لم ينه عنه) أي عن إعطاء الأرض بجزء مما يخرج منها ولم يرد ابن عباس بذلك نفي الرواية المثبتة للنهي مطلقًا وإنما أراد أن النهي ليس على حقيقته وإنما هو على الأولوية اهـ من التكملة. وزاد ابن ماجه والإسماعيلي من هذا الوجه عن طاوس (وإن معاذ بن جبل أقر الناس عليها عندنا) يعني باليمن، وكأن البخاري ومسلمًا حذفا هذه الجملة الأخيرة لما فيها من الانقطاع بين طاوس ومعاذ ذكره الحافظ في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3836 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (حدثنا)

الثَّقَفِي، عَنْ أيوبَ. ح وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعا عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدثَنَا مُحَمدُ بن رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا الليثُ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدثَنِي عَلِي بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ شُعْبَةَ. كُلهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، نَحوَ حَدِيثِهِمْ. 3837 - (00) (00) وحدثني عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ وَمُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثنَا عَبْدُ الرزاقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (جميعًا عن وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري (ح وحدثنا محمد بن رمح) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن ابن جريج) الأموي المكي (ح وحدثني علي بن حجر) السعدي المروزي (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي السيناني -بمهملة مكسورة ونونين قبلهما تحتانية وبينهما ألف- نسبة إلى سينان قرية من خراسان، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن شريك) بن عبد الله بن أبي شريك، ويقال له: شريك بن عبد الله بن سنان النخعي الكوفي، صدوق، من (8) (عن شعبة) بن الحجاج، ثقة إمام، من (7) (لهم) أي كل من أيوب وسفيان الثوري وابن جريج وشعبة رووا (عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) (نحوه) أي نحو حديث حماد بن زيد، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمرو بن دينار، وفي أكثر النسخ (نحو حديثهم) بضمير الجمع وهو تحريف من النساخ والصواب ما قلناه، ومتابعة سفيان الثوري لحماد بن زيد تكرر ذكرها لأنها ذكرت في السند قبل هذا لأن المراد بسفيان هناك الثوري أيضًا كما نقلناه عن الفتح والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3837 - (00) (00) (وحدثني عبد بن حميد) الكسي (ومحمد بن رافع) القشيري (قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَن أبِيهِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ أَن النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لأن يَمْنَحَ أَحَدُكمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ خَيرٌ لَهُ مِنْ أَن يَأخُذَ عَلَيهَا كَذَا وَكَذَا" (لِشَيءٍ مَعْلُومٍ). قَال: وَقَال ابْنُ عَباس: هُوَ الحَقْلُ. وَهُوَ بِلِسَانِ الأَنْصَارِ الْمُحَاقَلَةُ. 3838 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبدِ الرحْمنِ الدارِمِي. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرقي ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن طاوس لعمرو بن دينار في الرواية عن طاوس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يمنح) ويعطي (أحدكم أخاه أرضه) منيحة له (خير له) أي لأحدكم (من أن يأخد عليها) أي على أرضه (كذا وكذا) من الأجرة (لشيء معلوم) هو تفسير من بعض الرواة للكناية اهـ من بعض الهوامش. أي يعني النبي صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا لشيء معلوم من الأجرة كالربع والثلث. (قال) طاوس بالسند السابق (وقال ابن عباس هو) أي أخذ الأجر على أرضه (الحقل) أي هو المسمى بالحقل (وهو) أي الحقل (بلسان الأنصار) ولغتهم هو (المحاقلة) أي المسمى بالمحاقلة وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، وهذا بيان لطريق الأخذ يعني أن كراء الأرض بشيء معين هو الحقل المعبر عنه في السنة الأنصار بالمحاقلة اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديثه فقال: 3838 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا عبد الله بن جعفر) بن غيلان الأموي مولاهم أبو عبد الرحمن (الرقي) روى عن عبيد الله بن عمرو في الأحكام والبيوع والأطعمة والفتن، وعبثر وابن المبارك، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ومحمد بن حاتم وعمرو الناقد ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهم، وثقه أبو حاتم وابن معين والعجلي، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة، ولكنه تغير

حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيدِ بنِ أَبِي أنيسَةَ، عَنْ عَبدِ المَلِكِ بنِ زَيدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَن كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَإِنهُ أَنْ يَمْنَحَهَا أَخَاهُ خَيْرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بأخرة، من العاشرة، مات سنة (220) مائتين وعشرين له في (خ) فرد حديث (حدثنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) زيد الغنوي الجزري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الملك بن زيد) وهذا تحريف من النساخ لأنه ضعيف من رجال أبي داود والنسائي، والصواب (عن عبد الملك بن ميسرة) الزراد نسبة إلى صنعة الدروع من الزرد الهلالي أبي زيد الكوفي، روى عن طاوس في البيوع، وزيد بن وهب في اللباس، ويوسف بن ماهك في الفتن، وعبد الرحمن بن سابط في الفتن، ويروي عنه (ع) وزيد بن أبي أنيسة ومنصور بن المعتمر، وثقه أبو حاتم، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن طاوس) بن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن ميسرة لعمرو بن دينار (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له أرض) فاضلة (فإنه) أي فإن الشأن والحال (إن يمنحها) أي أن يعطيها (أخاه) المسلم منيحة له (خير) له من أن يأخذ عليها أجرًا معلومًا. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث رافع بن خديج ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث آخر لرافع بن خديج ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث ثابت بن الضحاك ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

570 - (10) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع وفضل الغرس والزرع

570 - (10) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع وفضل الغرس والزرع 3839 - (1486) (49) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 570 - (10) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع وفضل الغرس والزرع 3839 - (1486) (49) (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني أبو عبد الله المروزي، ثقة حجة إمام الأئمة في الحديث والفروع، من (10) مات سنة (241) وله (77) سنة (وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر) أي ساقى وزارع يهود خيبر على أشجارها وأراضيها التي بين الأشجار (بشطر) أي بنصف (ما يخرج) ويُستغل (منها) أي من أشجارها وأراضيها (من ثمر) إشارة إلى المساقاة (أو زرع) إشارة إلى المزارعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2285]، وأبو داود [3008]، والترمذي في الأحكام [1383]، والنسائي في باب اختلاف الألفاظ المأثورة في المزارعة، وابن ماجه [2467]. وقوله: (عامل أهل خيبر) لأنه صلى الله عليه وسلم لما فتحها ملك نخلها وزرعها فصار الزرع من عند المالك فقام مقام البذر فكانت مساقاة ومزارعة والحاجة داعية إليهما لأن مالك الأشجار قد لا يحسن العمل فيها أو لا يتفرغ له، ومن يحسن ويتفرغ قد لا يكون له أشجار ولا أرض فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو اكتراه المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شيء من الثمار ويتهاون العامل في العمل، والمساقاة لغة مشتقة أي مأخوذة من السقي -بفتح السين وسكون القاف وتخفيف الياء-

3840 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ (وَهُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ). أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللَّهِ, عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما أخذت منه لاحتياجها إليها غالبًا لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤونة لا سيما في الحجاز فإنهم يسقون من الآبار، وشرعًا: دفع الشخص نخلًا أو شجر عنب لمن يتعهده بسقي وتربيته على أن له قدرًا معلومًا من ثمره كالثلث والربع، وأركانها ستة مالك وعامل وعمل ومورد وثمر وصيغة كقول المالك ساقيتك على هذا النخل أو العنب أو أسلمته إليك لتتعهده بكذا من الثمر، وموردها شجر النخل والعنب خاصة عند الشافعية. واعلم أن النخل والعنب يخالفان غيرهما من بقية الأشجار في أربعة أمور الزكاة والخرص وبيع العرايا والمساقاة، واختلفوا أيهما أفضل والراجح أن النخل أفضل لأنه مقدم في جميع القرآن عند ذكرهما، وشبه صلى الله عليه وسلم النخلة بالمؤمن في كونها تنفع بجميع أجزائها، وعين الدجال بحبة العنب لأنها أصل الخمر وهي أم الخبائث اهـ من البيجوري على الغزي، والحديث يدل على جواز المساقاة وبه قال مالك والثوري والليث والشافعي وأحمد وجميع فقهاء المحدثين وأهل الظاهر وجماهير العلماء، وقال أبو حنيفة: لا تجوز قاله النووي، قال الخطابي: وخالف أبا حنيفة صاحباه فقالا بقول الجماعة من أهل العلم وأوَّل أبو حنيفة هذه الأحاديث على أن خيبر فُتحت عنوة وكان أهلها عبيدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فما أخذه فهو له وما تركه فهو له، واحتج الجماهير بظواهر هذه الأحاديث وبقوله صلى الله عليه وسلم: "أقركم ما أقركم الله" وهذا صريح في أنهم لم يكونوا عبيدًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3840 - (00) (00) (وحدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (حدثنا علي وهو ابن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (أخبرنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر ليحيى القطان (قال) ابن عمر: (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر) أي

بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كَلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسْقٍ: ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ, وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أشجارها وأرضها لأهلها اليهود على أن يعملوا فيها (بشطر) أي بنصف (ما يخرج) ويستغل منها (من ثمر) فيه إشارة إلى المساقاة (أو زرع) فيه إشارة إلى المزارعة كما مر. وقوله: (بشطر ما يخرج منها) فيه بيان الجزء المساقى عليه من نصف أو ربع أو غيرهما من الأجزاء المعلومة فلا تجوز على مجهول كقوله على أن لك بعض الثمر واتفق المجوزون للمساقاة على جوازها بما اتفق المتعاقدان عليه من قليل أو كثير. وقوله: (من ثمر أو زرع) يحتج به الشافعي وموافقوه وهم الأكثرون على جواز المزارعة تبعًا للمساقاة وإن كانت المزارعة عندهم لا تجوز منفردة فتجوز تبعًا للمساقاة فيساقيه على النخل ويزارعه على الأرض كما جرى في خيبر، وقال مالك: لا تجوز المزارعة لا منفردة ولا تبعًا إلا ما كان من الأرض بين الشجر، وقال أبو حنيفة وزُفر: المساقاة والمزارعة فاسدتان سواء جمعهما أو فرّقهما ولو عقدتا فسختا، وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وسائر الكوفيين وفقهاء المحدثين وأحمد وابن خزيمة وأبو شريح وآخرون: تجوز المساقاة والمزارعة مجتمعين وتجوز كل واحدة منهما منفردة وهذا هو الظاهر المختار لحديث خيبر ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جازت تبعًا للمساقاة بل جازت مستقلة ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة قياسًا على القراض فإنه جائز بالإجماع وهو كالمزارعة في كل شيء ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة اهـ من النواوي. (فكان) صلى الله عليه وسلم (يعطي أزواجه) يعني نفقة لهن (كل سنة مائة وسق) أي يقسمها بينهن لئلا تطالبه واحدة منهن تلك السنة وهذا والله أعلم كان بعد أن كان أزواجه طالبنه بالنفقة وأكثرن عليه، ويدل هذا على أن ادخار الإنسان ما يحتاج إليه ويعد للحاجات المتوقعة في الاستقبال ليس قادحًا في التوكل ولا منقصًا منه (ثمانين وسقًا من تمر وعشرين وسقًا من شعير) وقد استدل بهذا من قال إن أكثر أراضي خيبر كانت عند اليهود مساقاة وبعضها مزارعة لأن نصيب أزواجه صلى الله عليه وسلم كان من التمر ثمانين وسقًا ومن الشعير عشرين وسقًا والشعير يكون في الزروع فظهر أن المزارع في خيبر كانت أقل من النخيل، وفيه نظر لأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم يؤثر

فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ قَسَمَ خَيبَرَ. خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الأَرْضَ وَالْمَاءَ, أَوْ يَضْمَنَ لَهُنَّ الأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ. فَاخْتَلَفْنَ. فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ وَالْمَاءَ. وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ. فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشعير غير الأزواج فلا دلالة في الحديث على كون الزرع أقل (فلما ولي عمر) بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة (قسم خيبر) أي قسم سهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان له بخيبر الذي كان وقفه النبي صلى الله عليه وسلم لمؤونة عياله وعامله أي قسم عمر بعد إجلائه اليهود منها، وإنما أجلى عمر رضي الله عنه اليهود والنصارى من الحجاز لأنهم لم يكن لهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم على بقائهم بالحجاز دائمًا بل ذلك كان موقوفًا على مشيثته ولما عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بإخراجهم من جزيرة العرب وانتهت النوبة إلى عمر أخرجهم من الحجاز إلى تيماء وأريحاء على ما يأتي إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. يعني أن عمر لما تولى الخلافة أجلى اليهود من خيبر وتولى قسم أراضيها على المسلمين (خيَّر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) في سهمه الذي وقفه على مؤونة عياله وعامله بين (أن يقطع لهن) أي لكل منهن (الأرض والماء أو يضمن) أي وبين أن يضمن (لهن) ويعطيهن (الأوساق) المائة آخر (كل عام فاختلفن فمنهن من اختار الأرض والماء ومنهن من اختار الأوساق كل عام فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء) قال القرطبي: إنما خيَّر عمر رضي الله عنه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بين إقطاع الأرض وبين ضمان الأوساق مبالغة في صيانتهن وكفايتهن التبذل في تحصيل ذلك فسلك معهن ما يطيب قلوبهن ويصونهن، ولم يكن هذا الإقطاع لمن اختاره منهن إقطاع تمليك لأنه لو كان ذلك منه لكان تغييرًا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال عمر لعلي والعباس: لا أغيّر من أمرها شيئًا إني أخاف إن غيّرت من أمرها شيئًا أن أزيغ. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤونة عاملي فهو صدقة" رواه أحمد والبخاري ووقف الأرض لذلك وإنما كان إقطاع استغلال وذلك أنه قسم عدد الأوساق المائة على عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمن اختارت الأوساق ضمنها لها ومن اختارت النخل أقطعها قدر ذلك لتتصرف فيها تصرف المستغل لا تصرف المالك والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

3841 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ. وَقَال: خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الأَرْضَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَاءَ. 3842 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ اللَّيثِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3841 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (حدثني نافع عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لعلي بن مسهر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر) على أرضها وشجرها (بشطر) أي بنصف (ما خرج منها) أي من بياضها (من زرع أو) من أشجارها من (ثمر) أي رطب وعنب (واقتص) أي ذكر عبد الله بن نمير (الحديث) السابق (بنحو حديث علي بن مسهر) أي بقريبه في اللفظ، والمعنى (و) لكن (لم يدكر) عبد الله بن نمير لفظة (فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء وقال) عبد الله بن نمير في روايته: (خيّر) عمر (أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن الأرض) أي أن يجعل غلتها لهن رزقًا (ولم يذكر) ابن نمير لفظة (الماء) مع الأرض وهذا الحديث مع سنده ساقط من نسخة التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3842 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني أسامة بن زيد الليثي) المدني، صدوق، من (7) (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أسامة بن زيد لعبيد الله بن عمر أو بيان متابعة ابن وهب لابن نمير وابن

قَال: لَمَّا افْتُتِحَتْ خَيبَرُ سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا. عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ. فَقَال لهم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا" , ـــــــــــــــــــــــــــــ مسهر كما هو مقتضى كلامه فيما سيأتي فتكون المتابعة ناقصة والأول أوفق لاصطلاحاته. (قال) ابن عمر (لما افتتحت) وأُخذت (خيبر) من يد اليهود عنوة (سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم) أي أن يتركهم (فيها) أي في خيبر (على أن يعملوا) في أرضها وأشجارها (على نصف) أي على شرط أن يكون لهم نصف (ما خرج منها من الثمر والزرع) فأخرج أبو داود في المساقاة عن ابن عباس قال: (افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واشترط أن له الأرض وكل صفراء وبيضاء، وقال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة ولنا نصف) وأخرج أبو داود في الخراج والفيء والإمارة عن بشير بن يسار (فلما صارت الأموال بيد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود فعاملهم) فدلت هذه الروايات على أن الأرض دُفعت إلى اليهود مساقاة لكون المسلمين لا يقدرون على زرعها بأنفسهم ولكون اليهود أعلم بتلك الأرض وما يُحتاج إليه في زرعها (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقركم) أيها اليهود أي نمكنكم من القرار والثبات (فيها) أي في خيبر (على ذلك) أي على شرط أن تعملوا في أشجارها وأراضيها بنصف ما يخرج منها (ما شئنا) أي مدة قراركم فيها فإذا شئنا إخراجكم منها نخرجكم، والمراد أننا نمكنكم من المقام في خيبر ما شئنا ثم نخرجكم متى قدر الله إخراجكم وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب، ثم قد استدل بعض أهل الظاهر بهذا الحديث على أن المساقاة جائزة إلى أجل مجهول، والجمهور ومنهم الأحناف على أنها لا تجوز إلا إلى مدة معلومة وأجابوا عن هذا الحديث بأن العقد بخيبر لم يكن مجهولًا أجله بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مدة، وحاصل قوله: أقركم فيها على ذلك ما شئنا أننا بالخيار بعد انقضاء هذه المدة فإن شئنا حددنا العقد لمدة أخرى وإن شئنا أخرجناكم عن الأرض فكان العقد يجدد كل سنة إلى أن أجلاهم عمر رضي الله عنه. هذا خلاصة ما ذكره النووي في آخر كلامه.

ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ, عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ الثَّمَرُ يُقْسَمُ عَلَى السُّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيبَرَ. فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخُمُسَ. 3843 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم ساق) أي ذكر عبد الله بن وهب (الحديث) السابق (بنحو) أي بقريب (حديث ابن نمير وابن مسهر عن عبيد الله) بن عمر (و) لكن (زاد) عبد الله بن وهب (فيه) أي في هذا الحديث لفظة (وكان الثمر) أي ثمار خيبر وحبوبها (يقسم على السهمان) جمع السهم بمعنى النصيب أي يقسم على عدد أنصباء الغانمين (من نصف) ثمار (خيبر) لأن النصف الآخر لليهود يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم يقسم النصف الذي كان للمسلمين على خمسة أجزاء فيقسم أربعة أجزائها على الغانمين (فيأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخُمس) من هذا النصف لبيت المال لمال المصالح والمراد أن أراضي خيبر كانت قد قُسمت على الغانمين حسب سهمانهم وصار لكل واحد منهم سهم معلوم وكانت المعاملة مع أهل خيبر برضى منهم فلما كان نصف ثمر خيبر يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسمها على أصحاب السهام ويأخذ منها الخمس لبيت المال كما هو حكم كل غنيمة اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3843 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن محمد بن عبد الرحمن) بن غنج -بفتح المعجمة والنون بعدها جيم- المدني نزيل مصر، روى عن نافع في البيوع، ويروي عنه (م د س) والليث، قال أبو داود: روى عنه الليث فقط نحو ستين حديثًا، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال أحمد: شيخ مقارب الحديث، وقال في التقريب: مقبول، من السابعة (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن عبد الرحمن لعبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد، وفائدتها بيان كثرة طرقه

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيبَرَ نَخْلَ خَيبَرَ وَأَرْضَهَا. عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا. 3844 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ). قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفع) وسلّم (إلى يهود خببر نخل خيبر) أي أشجارها (وأرضها) أي بياضها (على) شرط (أن يعتملوها) أي على شرط أن يعملوا في خيبر في أشجارها وأراضيها وبناء افتعل هنا لمبالغة معنى الثلاثي (من) خالص (أموالهم) ظاهره أن البذر والبقر والعمل كلها كان من قبل اليهود والأرض وحدها من قبل المسلمين، فدل الحديث على جواز هذه الصورة من المزارعة عند من يمنعها، والمعنى أعطى نخلها وأرضها إليهم بعدما ملك خيبر قهرًا حيث فتحها عنوة على أن يسعوا فيها بما فيه عمارة أرضها وإصلاحها ويستعملوا آلات العمل من أموالهم أي من عندهم فإن نسبة الأموال إليهم كما قال في المرقاة مجازية لأنهم صاروا عبيدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها) أي نصف ثمرها وزرعها كما جاء التصريح به في رواية، قال ملا علي: المراد من الثمر ما يعم الزرع ولذا اكتفى به أو ترك ما يقابله للمقايسة اهـ. قال النووي: وهذا بيان لوظيفة عامل المساقاة وهو أن عليه كل ما يحتاج إليه في إصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر كل سنة كالسقي وتنقية الأنهار وإصلاح منابت الشجر وتلقيحه وتنحية الحشيش والقضبان عنه وحفظ الثمرة وجذاذها ونحو ذلك، وأما ما يقصد به حفظ الأصل ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان وحفر الأنهار فعلى المالك اهـ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثه فقال: 3844 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري (واللفظ) الآتي (لابن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا ابن جريج حدثني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ. وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا. وَكَانَتِ الأَرْضُ, حِينَ ظُهِرَ عَلَيهَا, لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. فَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا. فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا. عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا. وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لمن روى عن نافع (أن عمر بن الخطاب أجْلَى اليهود والنصارى) أي أخرجهم (من أرض الحجاز وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر) وغلب (على خيبر) فالظهور هنا بمعنى الغلبة لتعديته بعلى والفعل مبني للفاعل وضمير الفاعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أراد إخراج اليهود منها) أي من خيبر وعزم عليه (وكانت الأرض) أي أرض خيبر (حين ظهر) بالبناء للمفعول أي حين غُلب (عليها) يعني غلب عليها المسلمون مملوكة (لله ولرسوله وللمسلمين) وهذا صريح في أن الأرض لم تبق مملوكة لليهود بعدما غلب عليها المسلمون بل قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الغانمين فأصبحت مملوكة لهم، والمراد من كونها مملوكة لله ولرسوله أن بعض أسهمها صارت إلى بيت المال. وتفصيله ما أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والفيء من سننه عن بشير بن يسار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاء الله عليه خيبر قسمها ستة وثلاثين سهمًا جمعًا فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهمًا يجمع كل سهم مائة النبي صلى الله عليه وسلم معهم له سهم كسهم أحدهم وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهمًا وهو الشطر لنوائبه وما ينزل به من أمر المسلمين وسيأتي وجه ذلك في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (فأراد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إخراج اليهود) وإجلاءهم (منها) أي من خيبر (فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم) أي يسكنهم ويتركهم (بها) أي بخيبر (على) شرط (أن يكفوا) المسلمين (عملها) أي العمل في أشجارها وأرضها (ولهم نصف الثمر) والزرع، وقوله: يكفوا -بفتح الياء وسكون الكاف وتخفيف الفاء المضمومة- من كفى يكفي من باب رمى يرمي يقال: كفاه المؤونة إذا تولاها بنفسه وأغنى غيره عنها وهو يتعدى إلى مفعولين وقد حُذف هنا أحدهما تقديره على أن يكفوا المسلمين عملها يعني يغنوهم عنه ويقوموا به (فقال لهم رسول الله صلى

الله عليه وسلم: "نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ, مَا شِئْنَا" فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيمَاءَ وَأَرِيحَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم: نقركم) ونترككم (بها) أي بخيبر (على) شرط (ذلك) أي على شرط أن تكفوا لنا عملها (ما شئنا) أي مدة مشيئتنا إقراركم بها (فقروا) بفتح القاف أي استقروا (بها) أي بخيبر ومكثوا فيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة الصديق وصدرًا من خلافة الفاروق (حتى أجلاهم) وأخرجهم (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في آخر خلافته منها (إلى تيماء) بفتح التاء وسكون الياء وبالمد (و) إلى (أريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء وبالمد، قال النووي: وتيماء بلدة معروفة بين الشام والمدينة على سبع أو ثمان مراحل من المدينة، وأريحاء هي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسالك اهـ، وقال الحافظ: هما موضعان مشهوران بقرب بلاد طيء على البحر في أول طريق الشام من المدينة (قلت): وأما تيماء فقد ذكر الحموي في معجم البلدان [2/ 67] أنها بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق وذكر أيضًا أنها تسمى تيماء اليهودي لأن حصن السموءل بن عاديا اليهودي مشرف عليها، وأما أريحاء فقد ذكرها الحموي في معجمه [1/ 165] بالقصر وقال: وقد رواه بعضهم بالخاء المعجمة لغة عبرانية وهي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسالك سميت فيما قيل بأريحا بن مالك بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. وقال النووي: وفي هذا دليل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب إخراجها من بعضها وهو الحجاز خاصة لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز، وذكر العيني في العمدة [5/ 735] عن الواقدي: أن الحجاز من المدينة إلى تبوك ومن المدينة إلى طريق كوفة ومن وراء ذلك إلى مشارف أرض البصرة فهو نجد وما بين العراق وبين وجرة وعمرة الطائف نجد وما كان من وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز وإنما سُمي حجازًا لأنه يحجز بين تهامة ونجد اهـ. قوله: (حتى أجلاهم عمر) رضي الله عنه والذي يظهر من روايات هذا الحديث أن عمر أجلاهم لمجموعة ثلاثة أسباب آتية: الأول: ما أخرجه عمر بن شبة من طريق

3845 - (1487) (50) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ, وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ. وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان بن محمد الأخنسي قال: لما كثر العيال أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر حكاه الحافظ في الفتح [5/ 240]. والثاني: ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجتمع بجزيرة العرب دينان" فقال: من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم، فأجلاهم. ذكره الحافظ. والثالث: أنه كان عبد الله بن عمر في زمن عمر ذهب إلى خيبر للنظر في ماله فغشه اليهود وألقوه من فوق بيت ففدعوا يديه -يعني أزالوهما من مفصلهما- كما رواه حماد بن سلمة عند أبي يعلى في مسنده وحكاه الحافظ في الفتح. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 3845 - (1487) (50) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون. وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم) ومسلمة لأن النساء شقائق الرجال خرج به الكافر لأنه لا يثاب على ذلك في الآخرة وجملة قوله: (يغرس) بكسر الراء من باب ضرب صفة لمسلم (غرسًا) أي شجرًا فهو مصدر أُريد به اسم المفعول ويُطلق عليه أيضًا غراس بالكسر (إلا كان ما أكل) بالبناء للمفعول وكذا فيما بعده (منه) أي من ذلك المغروس ثمرًا أو ورقًا (له صدقة) يعني يحصل للغارس ثواب تصدق المأكول إن لم يضمنه الآكل (وما سُرق منه) أي مما غرسه (له صدقة) يعني يحصل له مثل ثواب تصدق المسروق وليس المعنى أن يكون المأخوذ ملكًا للآخذ كما لو تصدق به عليه اهـ من المبارق (وما أكل السبع منه)

فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ. وَمَا أَكَلَتِ الطَّيرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةً. وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي مما غرسه كالقرد والكركدن والنسناس (فهو له صدقة) أي يحصل له ثواب تصدق ذلك المأكول (وما أكلت الطير) منه كالعصفور والزاغ وغراب الزرع والحمامة (فهو له صدقة ولا يرزؤه) أي لا ينقص ذلك المغروس (أحد) من المخلوق إنسانًا كان أو سبعًا أو طيرًا بالأكل منه أو بالأخذ أو بالإتلاف (إلا كان له صدقة) فيثاب ثواب التصدق به، قال النووي: وفي هذه الأحاديث أن الثواب والأجر في الآخرة مختص بالمسلمين وأن الإنسان يثاب على ما سُرق من ماله أو أتلفته دابة أو طائر أو نحوهما اهـ. وقوله: (ولا يرزؤه) أصل الرزء النقص، ويقال رزئ الرجل ماله إذا انتقص ماله ويقال: ما رزأته زبالًا أي ما نقصته والزبال بكسر أوله ما تحمله النملة في فيها اهـ مفهم. ولعل المراد هاهنا نقصان الثمر بآفة أو نحوها لأن السرقة قد ذكرت قبل أو هو تعميم بعد تخصيص، وفي الحديث دليل على أن الرجل كلما أصيب في ماله كان ماجورًا عليه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن أخرجه الدارمي في مسنده في البيوع، وأحمد في مسنده في مسند جابر. قال القرطبي: إنما خص المسلم بالذكر لأنه ينوي عند الغرس غالبًا أن يتقوى بثمر ذلك الغرس المسلمون على عبادة الله تعالى ولأن المسلم هو الذي يحصل له ثواب وأما الكافر فلا يحصل له بما يفعله من الخيرات ثواب وغايته أن يُخفف العذاب عنه وقد يُطعم في الدنيا ويُعطى بذلك كما تقدم في كتاب الإيمان ويعني بـ (الصدقة) هنا ثواب صدقة مضاعفًا كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] وفي الحديث دليل على أن الغراس واتخاذ الضياع مباح وغير قادح في الزهد وقد فعله كثير من الصحابة، وقد ذهب قوم من المتزهدة إلى أن ذلك مكروه وقادح ولعلهم تمسكوا في ذلك بما قد أخرجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" في رقم (2328) من حديث ابن مسعود وقال فيه: حديث حسن. والجواب عنه أن هذا النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يُفضي بصاحبه إلى الركون إلى الدنيا فأما إذا اتخذها غير مستكثر منها ومقللًا فيها وكانت له كفافًا وعفافًا فهي مباحة غير قادحة في الزهد وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إلا

3846 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من أخذه بحقه ووضعه في حقه" فأما لو غرس واتخذ الضيعة ناويًا بذلك معونة المسلمين وثواب ما يؤكل ويتلف له منها ويفعل بذلك معروفًا فذلك من أفضل الأعمال وأكرم الأحوال ولا بعد في أن يقال إن أجر ذلك يعود إليه أبدًا دائمًا وإن مات وانتقلت إلى غيره ولولا الإكثار لذكرنا فيمن اتخذ الضياع من الفضلاء والصحابة جملة من صحيح الأخبار اهـ من المفهم. ومما يدل على فضيلة الغرس والزرع ما أخرجه البزار في مسنده برجال ثقات عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة -أي نخلة صغيرة- فليغرسها" ذكره الهيثمي في كشف الأستار [2/ 81 رقم 1251]، ومجمع الزوائد [4/ 63] في كتاب البيوع باب الحث على طلب الرزق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3846 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لعطاء بن أبي رباح (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر الأنصارية في نخل لها) هكذا هو في أكثر النسخ (دخل على أم مبشر) وهذا أصح الروايات الواقعة في صحيح مسلم وقد روي فيه (دخل على أم معبد أو أم مبشر) على الشك، وقد روي عن امرأة زيد بن حارثة ويقال فيها أيضًا أم بشير فتحصل أنها يقال لها أم مبشر وأم معبد وأم بشير وهي امرأة زيد بن حارثة أسلمت وبايعت، قال أبو علي الجياني: إن الصواب أم مبشر قال: وكذا في ديوان الليث بن سعد قال لي أبو عمر أم مبشر الأنصارية بنت البراء بن معرور زوج زيد بن حارثة قال: واسمها فيما قيل: خليدة ولم يصح اهـ من المفهم. لها أحاديث انفرد لها (م) بحديثين روت عن النبي صلى الله عليه وسم وعن حفصة بنت عمر على خلاف في ذلك ويروي عنها (م س ق) وجابر بن عبد الله في البيوع والفضائل ومجاهد بن جبر.

فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ" فَقَالتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. فَقَال: "لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا, وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا, فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ, إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ". 3847 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم) مستفهمًا عمن غرسه (من غرس هذا النخل! ) غرسه (مسلم أم) غرسه (كافر؟ فقالت) له صلى الله عليه وسلم: (بل) غرسه (مسلم) يا رسول الله (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغرس مسلم غرسًا ولا يزرع زرعًا فيأكل منه) أي من ثمار ذلك المغروس أو حبوب ذلك المزروع، وقوله: (فيأكل منه) بالنصب فيه، وفيما سيأتي بأن المضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي مثل قوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيهِمْ فَيَمُوتُوا} بخلافه في رواية أنس الآتية فإنه فيها بالرفع اهـ من بعض الهوامش، أي فيأكل منه (إنسان ولا دابة) كالفرس والبغل والحمير (أو شيء) آخر كالمواشي والأنعام (إلا كانت له) أي كتبت له (صدقة) أي ثواب صدقة بذلك المأكول منه أي ثواب التصدق به وإن لم ينو بها، قوله: (ولا يزرع زرعًا) قال الحافظ: فيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي وقد ورد في المنع منه حديث غير قوي أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعًا "لا يقل أحدكم زرعت ولكن ليقل حرثت ألم تسمع لقول الله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)} " ورجاله ثقات إلا أن مسلم بن أبي مسلم الجرمي قال فيه ابن حبان: ربما أخطأ، وروى عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي بمثله من قوله غير مرفوع اهـ من الفتح أول المزارعة [5/ 3]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3847 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (و) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد مولى ابن سليم السلمي البغدادي (قالا: حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لليث بن سعد

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَغْرِسُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ غَرْسًا, وَلَا زَرْعًا, فَيَأْكُلَ مِنْهُ سَبُعٌ أَوْ طَائِرٌ أَوْ شَيْءٌ, إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ". وَقَال ابْنُ أَبِي خَلَفٍ: طَائِرٌ شَيْءٌ. 3849 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم, عَلَى أُمِّ مَعْبَدٍ, حَائِطًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يغرس رجل مسلم غرسًا ولا) يزرع (زرعًا فيأكل) بالنصب كسابقه كما أشرنا إليه هناك (منه) أي من ذلك المغروس والمزروع (سبع أو طائر أو شيء) آخر كالمواشي والسارق والغاصب مثلًا (إلا كان له) أي للغارس أو الزارع وإن مات أو انتقل عنه ملكه (فيه) أي في ذلك المأكول (أجر) وثواب في الآخرة (وقال ابن أبي خلف) في روايته (طائر) أو (شيء) آخر بحذف العاطف لعلمه من سابقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3849 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن سعيد بن إبراهيم) الرباطي المروزي ثم النيسابوري أبو عبد الله الأشقر، روى عن روح بن عبادة في البيوع، ووكيع وعبد الرزاق ووهب بن جرير وغيرهم، ويروي عنه (خ م د ت س) وابن خزيمة والسرّاج وغيرهم، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة (246) ست وأربعين ومائتين (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي، من (6) روى عنه في (6) أبواب (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي، ثقة ثبت، من (4) قال أبو مسعود الدمشقي: هكذا وقع في نسخ مسلم في هذا الحديث عمرو بن دينار أنه سمع من جابر بن عبد الله والمعروف فيه أبو الزبير عن جابر اهـ نووي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم معبد حائطًا) أي بستانًا لها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير وقد ورد في بعض الروايات على أم مبشر أو أم معبد على الشك، ووقع الجزم في بعضها على أم مبشر، وفي بعضها على أم معبد وفي بعضها امرأة زيد بن حارثة وهي واحدة ولها كنيتان وقيل: اسمها خليدة مصغرًا كما في فتح الباري ورد النووي كون اسمها خليدة والله أعلم.

فَقَال: "يَا أُمَّ مَعْبَدٍ مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ" فَقَالتْ: بَلْ مُسْلِمٌ. قَال: "فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا, فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيرٌ, إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 3850 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. كُلُّ هَؤُلاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) لها: (يا أم معبد من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر؟ فقالت: بل مسلم) غرسه، استنبط منه الحافظ في الفتح أن الأجر يحصل لمن تعاطى الغرس أو الزرع ولو كان بعد ذلك باعه أو نقل ملكه إلى غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن الحائط مملوك لأم مبشر ولكنه سأل من غارس النخل؟ ولم يبشرها بالثواب والله أعلم اهـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لها: (فلا يغرس المسلم غرسًا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له) ذلك المأكول (صدقة إلى يوم القيامة) هذا يدل على أن أجر الغرس يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولًا منه ولو مات زارعه أو غارسه ولو انتقل ملكه إلى غيره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3850 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، فقيه، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن أبي معاوية) محمد بن خازم (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور البغدادي (الناقد حدثنا عمار بن محمد) الثوري، أبو اليقظان الكوفي ابن أخت سفيان الثوري روى عن الأعمش في البيوع، ومنصور وليث، ويروي عنه (م ت ق) وعمرو بن محمد الناقد وأبو أحمد وأبو كريب، وثقه علي بن حجر وابن معين وأبو معمر، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من الثامنة، وكان عابدًا، مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (كل هولاء) الأربعة المذكورين قبل حاء التحويل من حفص بن غياث

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. زَادَ عَمْرٌو فِي رِوَايَتِهِ, عَنْ عَمَّارٍ، وَأَبُو كُرَيبٍ فِي رِوَايَتِهِ, عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. فَقَالا: عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ. وَفي رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيلٍ: عَنِ امْرَأَةِ زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ, عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ، قَال: رُبَّمَا قَال: عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ. وَكُلُّهُمْ قَالُوا: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, بِنَحْو حَدِيثِ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. 3851 - (1488) (51) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبي معاوية وعمار بن محمد وابن فضيل رووا (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح ولكن (زاد عمرو) بن محمد الناقد (في روايته عن عمار) بن محمد (و) زاد (أبو كربب في روايته عن أبي معاوية فقالا): أي فقال عمرو وأبو كريب: (عن أم مبشر) أي قالا عن جابر عن أم مبشر فزادا لفظة عن أم مبشر (وفي رواية) محمد (بن فضيل) عن جابر (عن امرأة زيد بن حارثة وفي رواية إسحاق) بن إبراهيم (عن أبي معاوية قال) إسحاق: (ربما قال) أبو معاوية عن جابر (عن أم مبشر عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما لم يقل) أبو معاوية لفظة عن أم مبشر (وكلهم) أي كل هؤلاء المذكورين (قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أبو سفيان (بنحو حديث عطاء وأبي الزبير وعمرو بن دينار) وقوله: (فقالا عن أم مبشر) الخ حاصل هذا الكلام أن بعض الرواة رووا هذا الحديث عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم رووه عن جابر عن أم مبشر عن النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا الحديث من مسندات أم مبشر ثم اختلفت الطائفة الثانية فسماها بعضهم أم مبشر وسماها آخرون امرأة زيد بن حارثة ولا بُعد في أن يكون جابر سمع الحديث بواسطة أم مبشر أولًا ثم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وروى بكلا الطريقين والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 3851 - (1488) (51) (حدثني يحيى بن يحيى) التميمي (وقتيبة بن سعيد) البلخي

وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا, أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا, فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ, إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ومحمد بن عبيد) مصغرًا ابن حساب -بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره موحدة- (الغبري) -بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة- نسبة إلى غبر بن غَنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم) ما مهملة لاقترانها بمن الزائدة، ومسلم مبتدأ، وجملة قوله: (يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا) صفة لمسلم فأوفيه للتنويع لأن الزرع غير الغرس (فيأكل) بالرفع معطوف على يغرس أو يزرع ولكنه صفة سببية (منه) أي من ذلك الغراس والزرع (طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له) أي لذلك المسلم (به) أي بذلك الزرع أو الغراس المأكول (صدقة) بالرفع اسم كان كتبت له به ثواب صدقة، والاستثناء مفرغ، وجملة كان خبر المبتدأ ولكنه خبر سببي والتقدير ما مسلم غارس غرسًا أو زارع زرعًا فأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا مكتوب له به ثواب صدقة، والمراد بالمسلم الجنس فتدخل المرأة المسلمة كما مر، والتعبير بالمسلم يخرج الكافر فيختص الثواب في الآخرة بالمسلم دون الكافر لأن القرب إنما تصح من المسلم فإن تصدق الكافر أو فعل شيئًا من وجوه البر لم يكن له أجر في الآخرة، نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا كما ثبت دليله، وأما من قال: يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة فيحتاج إلى دليل اهـ قسط. قال الطيبي: نكر مسلمًا وأوقعه في سياق النفي وزاد من الاستغراقية وعم الحيوان ليدل على سبيل الكناية على أن أي مسلم كان حرًّا أو عبدًا مطيعًا أو عاصيًا يعمل أي عمل من المباح ينتفع بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه ويثاب عليه اهـ من الفتح [5/ 3]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة منها في

3852 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لأُمِّ مُبَشِّرٍ, امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ " قَالُوا: مُسْلِمٌ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المزارعة باب فضل الزرع والغرس، وأخرجه الترمذي في الأحكام باب ما جاء في فضل الغرس، وأخرجه أحمد في مسند أنس رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3852 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي نسبة إلى فراهيد بطن من الأزد مولاهم أبو عمرو البصري، روى عن أبان بن يزيد في البيوع، ووهيب في الطب، ويروي عنه (ع) وعبد بن حميد وأحمد بن خداش وعبد الله بن عبد الرحمن وحجاج بن الشاعر والدارمي وخلق، قال ابن معين: ثقة مأمون، وقال العجلي: كان ثقة عمي بآخره، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال في التقريب: ثقة مأمون، مكثر من صغار التاسعة، وهو أكبر شيخ لأبي داود، قال عبيد الله بن جرير بن جبلة: توفي مسلم بن إبراهيم يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة (222) اثنتين وعشرين ومائتين (حدثنا أبان بن يزيد) العطار أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) مات سنة (160) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا قتادة) بن دعامة (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبان بن يزيد لأبي عوانة. وهذا الذي قلناه هو الموافق لعاداته لأن أغلب المتابعات في كتابه التامة بخلاف ما سيأتي في كلامه فإن المتابعة عليه ناقصة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلًا لأم مبشر امرأة من الأنصار فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مستفهمًا عمن غرس نخلها (من غرس هذا النخل! ) غرسه (مسلم أم) غرسه (كافر؟ قالوا): أي قالت أم مبشر ومن معها غرسه (مسلم) وساق عبد بن حميد (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد ومحمد بن عبيد، غرضه بيان متابعة عبد بن حميد لهؤلاء الثلاثة ولو قال (بنحو حديثه) بإفراد الضمير لكان أوضح وأوفق لاصطلاحاته لتكون المتابعة تامة كما قررناه آنفًا ولعل الإتيان بضمير الجمع تحريف من النساخ والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثالث: حديث أنس ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

571 - (11) باب وضع الجوائح وقسم مال المفلس والحث على وضع بعض الدين

571 - (11) باب وضع الجوائح وقسم مال المفلس والحث على وضع بعض الدين 3853 - (1489) (52) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا". ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا, فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ 571 - (11) باب وضع الجوائح وقسم مال المفلس والحث على وضع بعض الدين أي هذا باب الأمر بإسقاط متلفات الجوائح جمع جائحة وهي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها كالجراد والبرْدِ والبَرَد يقال جاحهم الدهر يجوحهم واجتاحهم إذا أصابهم مكروه عظيم والمراد من وضع الجوائح إسقاطها يعني إسقاط البائع ثمن الثمر المبيع الذي أصابته آفة وسيأتي حكمه. 3853 - (1489) (52) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (عن ابن جريج) المكي (أن أبا الزبير) المكي (أخبره عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان مصريان وواحد مدني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بعت) أيها البائع (من أخيك) أي لأخيك (ثمرًا) بالثاء المثلثة على رؤوس الشجر (ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبو ضمرة) المدني أنس بن عياض بن ضمرة الليثي، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب، مات سنة (200) وله (96) سنة (عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. (يقول): وهذا السند أيضًا من خماسياته ثلاثة منهم مكيون واثنان مدنيان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو بعت) أيها البائع (من أخيك ثمرًا) على الشجر بعد بدو صلاحها (فأصابته) أي فأتلفته (جائحة) أي آفة سماوية مستأصلة للثمر كمطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق، قال في النيل: ولا خلاف أن

فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَال أَخِيكَ بِغَيرِ حَقٍّ". 3854 - (00) (00) حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ البرد والقحط والعطش جائحة وكذلك كل ما كان آفة سماوية، وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف منهم من لم يره جائحة لقوله في حديث أنس (إذا منع الله الثمرة) ومنهم من قال: إنه جائحة تشبيهًا بالآفة السماوية اهـ (فلا يحل لك) أيها البائع (أن تأخذ منه) أي من أخيك المشتري (شيئًا) أي في مقابلة الهالك (بم تأخذ) أي بأي وجه تأخذه وبمقابلة أي شيء تأخذ أيها البائع (مال أخيك بغير حق) ظاهره حرمة الأخذ ووجوب وضع الجائحة وبه قال أصحاب الحديث، وحمله الفقهاء على الاستحباب من طريق المعروف والإحسان محتجين بحديث أبي سعيد الآتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة على من أصيب في ثمر ابتاعه فكثر دينه ليدفعها إلى غريمه ولو كان الوضع واجبًا لما أمر بها أو هو محمول على صورة عدم تسليم المبيع إلى المشتري فما هلك فيها يكون من البائع بالاتفاق أفاده ابن الملك. وقوله: (بم تأخذ) بحذف ألف ما الاستفهامية لدخول الجار عليها مثل قولهم فيم وعلام وحتام وعم، ولما كانت ما الاستفهامية متضمنة معنى الهمزة ولها صدر الكلام ناسب أن يقدر أبم تأخذ، والهمزة للإنكار فالمعنى لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه باطلًا لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري في مقابلة ما دفعه شيء، وفيه إجراء الحكم على الغالب لأن تطرق التلف إلى ما بدا صلاحه ممكن وعدم تطرقه إلى ما لم يبد صلاحه ممكن فنيط الحكم بالغالب في الحالين اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3470]، والنسائي [7/ 265]، وابن ماجه [2119]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3854 - (00) (00) (حدثنا حسن) بن علي (الحلواني) الخلال المكي (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن ابن الزبير عن جابر (مثله) أي مثل ما روى ابن وهب عن ابن جريج، وهذا تحريف والصواب (مثلهما) أي مثل ما روى ابن وهب وأبو

3855 - (1490) (53) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَال: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ. أَرَأَيتَكَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ, بِمَ تَسْتَحِلُّ مَال أَخِيكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمرة، غرضه بيان متابعة أبي عاصم لابن وهب وأبي ضمرة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 3855 - (1490) (53) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (وعلي بن حجر) السعدي (قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن حميد) بن أبي حميد الطويل البصري، ثقة، من (5) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو) أي حتى يبدو صلاحها يقال: زها يزهو إذا طال واكتمل، قال حميد: (فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال) أنس: معنى زهوها أن (تحمر) الثمرة فيما يحمر بتشديد الراء فيه وفيما بعده بغير ألف (و) أن (تصفر) فيما يصفر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيتك) أي أخبرني، قال القسطلاني: وهو من باب الكناية حيث استفهم وأراد الأمر، وفي رواية أبوي ذر والوقت من صحيح البخاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت اهـ أي أخبرني أيها البائع (إن منع الله الثمرة) للمشتري بأن تلفت الثمرة (بم) أي بأي معاوضة (تستحل) وتستحق (مال أخيك) يعني الثمن الذي أخذه منه، والمعنى لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه باطلًا لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري شيء في مقابلة ما دفعه اهـ من القسطلاني، قال القرطبي: قوله: (إذا منع الله الثمرة) أي إذا منع تكاملها وطيبها لأن الثمرة قد كانت موجودة مزهية عند البيع كما قال في الرواية الأخرى (إن لم يثمرها الله) أي لم يكمل ثمرتها، وقد تقدم القول في أصل الجائحة في كتاب الزكاة. واختلف أصحابنا في حدها فروي عن ابن القاسم أنها ما لا يمكن دفعه وعلى هذا القول فلا يكون السارق جائحة وكذا في كتاب محمد وقال مطرف وابن الماجشون: الجائحة ما أصاب الثمرة من السماء من عفن أو برد أو عطش أو حر أو كسر الشجر بما

3856 - (00) (00) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ حُمَيدٍ الطَّويلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ. قَالُوا: وَمَا تُزْهِيَ؟ قَال: تَحْمَرُّ. فَقَال: إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ, فَبِمَ تَسْتَحِلُّ مَال أَخِيكَ؟ . 3857 - (00) (00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس بصنع آدمي والجيش ليس بجائحة، وفي رواية ابن القاسم إنه جائحة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 115]، والبخاري [2195]، والنسائي [7/ 264] وقد تقدم معنى هذا الحديث عن ابن عمر وجابر في باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها وقد تقدم شرحه وإيضاح معانيه هناك مستوفى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3856 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو (أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك) بن أنس (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الثمرة حتى تزهي) بضم أوله وكسر الهاء من أزهى الرباعي يزهي إزهاء إذا احمر الثمر أو اصفر وصوّبها الخطابي ونفى تزهو بالواو وأثبت بعضهم ما نفاه فقال: زها يزهو إذا طال واكتمل اهـ قسط (قالوا): زاد النسائي والطحاوي: يا رسول الله وهذا صريح في الرفع لكن في الرواية السابقة جعله موقوفًا على أنس أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم يا رسول الله (وما) معنى (تزهي؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: معناه أن (تحمر) الثمرة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا منع الله) سبحانه المشتري (الثمرة) بأن تلفت (فبم) أي فبأي سبب (تستحل) وتستحق أيها البائع (مال أخيك) يعني المشتري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3857 - (00) (00) (حدثني محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي (حدثنا عبد العزيز بن محمد) الدراوردي الجهني المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز الدراوردي

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ, فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَال أَخِيهِ؟ ". 3858 - (1491) (54) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ (وَاللَّفْظُ لِبِشْرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ حُمَيدٍ الأَعْرَجِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ لمالك بن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لم يثمرها الله) تعالى أي إن لم يكمل ثمرتها ويسلمها بأن تلفت لأن الثمرة قد كانت موجودة مزهية حين البيع (فبم يستحل) أي فبم يستحق (أحدكم مال أخيه). وقوله: (عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال): قال الدارقطني: هذا وهم من محمد بن عباد أو من عبد العزيز في حال إسماعه محمدًا لأن إبراهيم بن حمزة سمعه من عبد العزيز مفصولًا مبينًا أنه من كلام أنس وهو الصواب وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط محمد بن عباد كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بكلام أنس وجعله مرفوعًا وهو خطأ اهـ نووي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له فقال: 3858 - (1491) (54) (حدثنا بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (2) (وإبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وعبد الجبار بن العلاء) بن عبد الجبار الأنصاري العطار أبو بكر المكي، روى عن سفيان بن عيينة في البيوع والذبائح والضحايا والأطعمة، وعن مروان بن معاوية في الأطعمة، ويروي عنه (م ت س) وابن خزيمة وابن صاعد، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من صغار العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين في جمادى الأولى (واللفظ) الآتي (لبشر) بن الحكم (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا سفيان بن عيينة عن حميد) بن قيس (الأعرج) القرشي مولاهم أبي صفوان المكي القاري، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: ثبت، روى عنه مالك، وقال في التقريب: لا بأس به، من (6) مات سنة (130) روى

عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ (وَهْوَ صَاحِبُ مُسْلِمٍ): حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ, عَنْ سُفْيَانَ, بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (2) بابين الصلاة والبيوع (عن سليمان بن عتيق) المدني، وثقه النسائي وقال في التقريب: صدوق، من (4) روى عنه في (2) البيوع والعلم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وثلاثة مكيون أو مكيان ونيسابوري أو مكيان وبغدادي أو مكيان وكوفي (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع) أي بإسقاط متلفات (الجوائح) أمر إيجاب يعني عن المشتري والمراد منه عند الحنفية والشافعية الحث على الخير على الندب أو المراد وضع الجائحة إذا أصابت الثمار قبل قبض المشتري أو المراد منه وضع الخراج عن أرض أصابتها جائحة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 309]، وأبو داود [3374]، والنسائي [7/ 265]. (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي هذا الجامع عن الإمام مسلم رحمه الله تعالى وتلميذه وصاحبه كما قال (وهوصاحب مسلم) وملازمه وهذا الكلام من كلام أبي إسحاق ووضعه على سبيل التجريد البياني (حدثنا عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي أبو محمد النيسابوري، ثقة، من صغار العاشرة (10) روى عنه في (13) بابا (عن سفيان) بن عيينة، وقوله: (بهذا) الحديث السابق متعلق بقوله: حدثنا عبد الرحمن بن بشر ومراده أنه علا برجل فصار في رواية هذا الحديث كشيخه مسلم بينه وبين سفيان بن عيينة راو واحد فقط. والحاصل أنه ذكر روايته لهذا الحديث من غير طريق مسلم لأنه قد علا إسناده في هذا الطريق وبلغ به إلى سفيان بواسطة واحدة فقط وقد كانت له إليه في طريق مسلم واسطتان. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

3859 - (1492) (55) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا. فَكَثُرَ دَينُهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقُوا عَلَيهِ" فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيهِ. فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَينِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3859 - (1492) (55) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المصري، ثقة، من (5) (عن عياض بن عبد الله) بن سعد القرشي العامري المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مصريان وواحد بلخي (قال) أبو سعيد (أُصيب رجل) قال القرطبي وكذا النووي والأبي: هو معاذ بن جبل وكان غرماؤه يهود فكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخففوا عنه أو ينظروه فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر في الحديث، وظاهر هذا الحديث أن الجائحة أتت على كل الثمرة حتى لم يبق له منها ما يباع عليه فقد ثبت عسرته فحكمه الإنظار إلى الميسرة كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها) واشتراها والمعنى أصابه خسارة بسبب آفة أصابت ثمارًا اشتراها (فكثُر دينه) عليه، وهذا الحديث هو الذي احتج به الفقهاء لعدم وجوب وضع الجائحة إذ لو كانت الجائحة موضوعة لم يصر الرجل مديونًا بسببها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للناس: (تصدقوا عليه) أي على هذ المديون، وفيه فضل مواساة المحتاج ومن عليه دين والحث على الصدقة عليه (فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك) أي ما جمع له من الصدقة قدر (وفاء دينه) أي قدر ما يفي ويقضي دينه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه) أي للذين استحقوا عليه الدين (خذوا ما وجدتم) أي ما حصلتم يعني مما تصدّق به عليه (وليس لكم إلا ذلك) أي إلا ما حصلتم بل عليكم الإنظار إلى ميسرته. والظاهر من الرواية إلا ذلكم بخطاب الجمع قال في المبارق ليس معناه إبطال حق الغرماء فيما بقي من ديونهم عليه بل معناه ليس لكم الآن إلا هذا وليس لكم حبسه ما دام معسرًا اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (خذوا ما وجدتم) منه أخذ الفقهاء حكم التفليس وأن الغرماء يجوز لهم أخذ ما وجدوه عند مديونهم المفلس ولكن بواسطة القاضي ولا يترك إلا ما يحتاج إليه من الثياب وغيرها، قال الشامي: ويترك عليه دست من ثيابه يعني بذلة وقيل: دستان لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس وقالوا: إذا كان يكتفي بدونها تُباع ويقضى الدين ببعض ثمنها ويشتري بما بقي ثوبًا يلبسه وكذا يفعل في المسكن وعن هذا قالوا يبيع ما لا يحتاج إليه في الحال كاللبد في الصيف والنطع في الشتاء وينفق عليه وعلى زوجته وأطفاله وأرحامه اهـ رد المحتار في كتاب الحجر [5/ 105]. وقوله: (وليس لك إلا ذلك) قال الخطابي في معالم السنن [5/ 120] وليس في الحديث أنه أمر أرباب الأموال أن يضعوا عنه شيئًا من أثمان الثمار ثلثًا أو أقل منه أو أكثر إنما أمر الناس أن يعينوه ليقضي حقوقهم فلما أبدع بهم أمرهم بالكف عنه إلى الميسرة وهذا حكم كل مفلس أحاط به الدين وليس له مال، وقال أبو حنيفة: يجوز للغرماء ملازمته وأخذ فضل كسبه مهما وجدوا وعند الصاحبين لا يجوز ملازمة بعد التفليس. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم: (تصدقوا عليه) لا يدل على وجوب التصدق على المفلس في قضاء دينه ومن فعل ذلك أو حض عليه كان خيرًا له وفيه ثواب كثير لأنه سعى في تخليص ذمة المسلم من المطالبة المستقبلة أو من الإثم اللاحق بتأخير الأداء عند الإمكان إن كان قد وقع ذلك وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمعاذ ليبين لخصومه أنه ليس عنده شيء ولتطيب قلوبهم بما أخذوا فيسهل عليهم ترك ما بقي وليخف الدين عن معاذ وليتشارك المتصدقون في أجر المعونة وثوابها وليكون ذلك سنة حسنة. وقوله: (خذوا ما وجدتم) يدل على أن المفلس يؤخذ منه كل ما يوجد له ويستثنى من ذلك ما كان ضرورته، وروى ابن نافع عن مالك أنه لا يُترك له إلا ما يواريه، والمشهور أنه يُترك له كسوته المعتادة ما لم يكن فيها فضل ولا يُنزع منه رداؤه إن كان مزريًا أو منقصًا وفي ترك كسوة زوجته وبيع كتبه إن كان عالمًا خلاف ولا يُترك له مسكن ولا خاتم ولا ثوب جمعته ما لم تقل قيمتها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية الحديث أحمد [3/ 36]، وأبو داود [3469]، والترمذي

3865 - (00) (00) حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشَجِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. 3861 - (1493) (56) وَحَدَّثَنِي غَيرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ [655]، والنسائي [7/ 265]، وابن ماجه [2356]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3860 - (00) (00) (حدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري، ثقة، من (10) (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري (بهذا الإسناد) يعني عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري (مثله) أي وساق عمرو بن الحارث (مثله) أي مثل ما روى ليث عن بكير، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3861 - (1493) (56) (وحدثني غير واحد من أصحابنا) وأصدقائنا أبهم المصنف شيخه ولعله يريد البخاري وغيره لأن البخاري أخرج هذا الحديث في صحيحه عن إسماعيل بن أبي أويس، قال النووي: قال جماعة من الحفاظ هذا أحد الأحاديث المقطوعة في صحيح مسلم وهي اثنا عشر حديثًا سبق بيانها في الفصول المذكورة في مقدمة هذا الشرح لأن مسلمًا لم يذكر من سمع منه هذا الحديث، قال القاضي عياض: إذا قال الراوي حدثني غير واحد أو حدثني الثقة أو حدثني بعض أصحابنا فليس هو من المقطوع ولا من المرسل ولا من المعضل عند أهل هذا الفن بل هو من باب الرواية عن المجهول وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب لكن كيف كان فلا يحتج بهذا المتن من هذه الرواية لو لم يثبت من طريق آخر ولكنه قد ثبت من طريق آخر فقد رواه البخاري في صحيحه عن إسماعيل بن أبي أويس ولعل مسلمًا أراد بقوله غير واحد البخاري وغيره وقد حدث عن إسماعيل هذا من غير واسطة في كتاب الحج وفي آخر كتاب الجهاد، وروى مسلم أيضًا عن أحمد بن يوسف الأزدي عن إسماعيل في كتاب اللعان وفي كتاب

قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيسٍ. حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيمَانَ (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ) , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ. عَالِيَةً أَصْوَاتُهُمَا. وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضائل اهـ منه (قالوا) أي قال بعض أصحابنا، وجمع الضمير العائد إلى البعض لأن لفظة بعض كلمة تصدق على القليل والكثير (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) الأصبحي المدني واسم أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس أبو عبد الله بن أبي أويس، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أخي) عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي أبو بكر بن أبي أويس المدني مشهور بكنيته كأبيه روى عن سليمان بن بلال في البيوع، وعن أبيه وخاله مالك بن أنس، ويروي عنه (خ م د ت س) وأخوه إسماعيل بن أبي أويس، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (202) اثنتين ومائتين (عن سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبي محمد، ثقة، من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن) بن حارثة أبي عبد الرحمن المدني وأبو الرجال لقبه لُقب به لأنه وُلد له عشرة أولاد فكملوا ولم يمت منهم أحد، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (قالت: سمعت عائشة) رضي الله تعالى عنها (تقول): وهذا السند من ثمانياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا الأول منهم فإنه مجهول (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم) واقفين (بالباب) أي على باب الحجرة أو باب المسجد، والخصوم جمع خصم كفلس وفلوس، وقد يطلق الخصم على الجمع والاثنين، حالة كونهم (عالية أصواتهما) أي مرتفعة أصواتهما، ولفظ البخاري (عالية أصواتهم) وكأنه جمع باعتبار من حضر الخصومة وثنى باعتبار الخصمين أوكان التخاصم من الجانبين بين جماعة فجُمع ثم ثني باعتبار جنس الخصم قاله الحافظ في الفتح، ولفظ عالية على كلا الروايتين يجوز فيه الجر على أنه صفة لخصوم ولكنها سببية والنصب على أنه حال من خصوم لتخصصه بالصفة والأصوات مرفوع على كلا الروايتين على أنه فاعل عالية وكلمة إذا في قوله: (وإذا أحدهما يستوضع) فجائية وأحدهما مبتدأ

الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ. وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ! لَا أَفْعَلُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيهِمَا. فَقَال: "أَينَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ " قَال: أَنَا, يَا رَسُولَ اللهِ! فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ خبره يستوضع (الآخر) أي يطلب منه أن يضع ويسقط من دينه شيئًا (ويسترفقه في شيء) أي يطلب منه أن يرفق به ويسهل عليه في التقاضي وأخذ الدين منه، والمعنى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم وفاجأه استيضاع أحدهما الآخر واسترفاقه منه في التقاضي (وهو) أي والحال أن الآخر (يقول) لأحدهما: (والله) أي أقسمت بالله (لا أفعل) ما طلبته مني من وضع بعض الدين وإسقاطه ومن الرفق في التقاضي (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حجرته (عليهما) وهما يتخاصمان (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين المتألي على الله) أي الحالف المبالغ في اليمين باسم الله على أنه (لا يفعل المعروف) والخير يعني أين الذي يحلف بالله على أنه لا يصنع خيرًا من إسقاط بعض الدين والرفق في تقاضي الباقي، والمتألي الحالف أشد الحلف يقال: تألى يتألى وائتلى يأتلي وآلى يؤلي كل ذلك بمعنى الحلف مأخوذ من الألية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء وهي اليمين، وفيه ما يدل على أن سؤال الحطيطة والرفق جائز إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إذ سمعه، وقد كره مالك ذلك لما فيه من المهانة والمنة (قلت): وهذه الكراهة من مالك إنما هي من طريقة تسمية ترك الأولى مكروهًا اهـ من المفهم (قال) ذلك الآخر (أنا) المتألي (يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم (فله) أي فلخصمي وهو خبر مقدم لأي أي فـ (أي ذلك) المذكور من الأمرين الوضع والرفق (أحب) ورضي كائن له فأي اسم موصول في محل الرفع مبتدأ وجملة أحب صلته أي وخبره الجار والمجرور مقدم عليه أي فالذي أحب من ذينك الأمرين كائن له يا رسول الله ولعل مراده أنه صار مستعدًا لا لوضع النقصان فقط بل وللحط من قيمة رأس المال الباقي أيضًا وفي بعض الهوامش وإعراب أي كإعرابه في قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} والضبط في مطبوع البخاري على النسخة اليونينية بالرفع وضبط القسطلاني بالنصب وهي قراءة في الآية اهـ. قال القرطبي: قوله: (فله أي ذلك أحب) أي الوضع والرفق وكان حقه أن يقال فله أي ذينك أحب فإن المشار إليه اثنان لكنه أشار إلى الكلام المتقدم المذكور فكأنه قال

3862 - (1494) (57) حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فله أي ذلك المذكور أحب نظير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} وإذا تأملت هذا الكلام بأن لك لطافة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياسته وكرم خلق الرجل ومسارعته إلى فعل الخير اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 69]، والبخاري [2705]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث كعب بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 3862 - (1494) (57) (حدثنا حرملة بن يحيى) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (حدثني عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب أنه (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (عن أبيه) كعب بن مالك بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن كعب الأنصاري السلمي بفتح السين واللام، أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك فأنزل الله فيهم قوله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ} الصحابي المشهور رضي الله عنه المدني، وكان من شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم وقد تقدم البسط في ترجمته روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد (أنه) أي أن كعب بن مالك (تقاضى) أي طالب عبد الله (بن أبي حدرد) الأسلمي كما وقع مصرحًا في رواية ابن هرمز في آخر الباب وكنيته أبو محمد له ولأبيه صحبة، وقال ابن سعد: أول مشاهده الحديبية ثم خيبر وأمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سراياه واحدة بعد أخرى كذا في الاستيعاب لابن عبد البر [2/ 285] وابنه القعقاع قد شهد الجابية مع عمر، وتوفي عبد الله بن أبي حدرد سنة (71) إحدى وسبعين وله إحدى وثمانون سنة، وجاءت عنه أربعة أحاديث ذكرها الحافظ في الإصابة [2/ 286 و 287] وحدرد على وزن فعلع لم يأت من الأسماء على وزن فعلع بتكرير العين غيره نبه عليه العيني، أي طالب كعب بن مالك لابن أبي حدرد

دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيهِ, فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فِي الْمَسْجِدِ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا. حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيتِهِ. فَخَرَجَ إِلَيهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ. وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ. فَقَال: "يَا كَعْبُ! ". فَقَال: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ (دينًا) أي بقضاء دين (كان له) أي لكعب (عليه) أي على ابن أبي حدرد (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) النبوي متعلق بتقاضى يعني طلب دينه في المسجد، وفيه جواز الكلام في المسجد عند الضرورة وقال بعضهم: إن الكلام في المسجد يأكل الحسنات إذا قصد ذلك وأما إذا جاء للصلاة فتشاغل بالتكلم فلا اهـ من التكملة، ووقع في رواية زمعة بن صالح عن الزهري أن ذلك الدين كان أوقيتين أخرجه الطبراني كما في فتح الباري [1/ 459]. (فارتفعت أصواتهما) رفعًا غير بالغ حد الإنكار مع أنه كان يتضمن إحياء حق (حتى سمعها) أي سمع أصواتهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته) أي في حجرته ولا يستلزم سماعه صلى الله عليه وسلم أصواتهما أن يكونا قد رفعا أصواتهما رفعًا بالغًا حد الإنكار لصغر المسجد وقُرب الحجرة، وأما رفع الصوت المتفاحش فممنوع في المسجد لما أخرجه البخاري في باب رفع الصوت في المسجد عن السائب بن يزيد قال: كنت قائمًا في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما! ! ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته) أي سترها، والسجف -بكسر السين وسكون الجيم- الستر، وقيل هو الستران المقرونان بينهما فرجة وكل باب سُتر بسترتين مقرونتين فكل شق منه سجف والجمع أسجاف وسجوف، وأسجف الستر أرسله، وقال عياض وغيره: لا تسمى سجفا إلا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين كذا في عمدة القاري [4/ 229]، والحديث دليل على جواز إرخاء الستر على الباب وعلى إرخاء ستر مشقوق الوسط. (ونادى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كعب بن مالك) وهو الدائن (فقال) له في ندائه: (يا كعب فقال) كعب: (لبيك) أي أجبت لك إجابة بعد إجابة (يا رسول الله

فَأَشَارَ إِلَيهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَينِكَ. قَال كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ, يَا رَسُولَ اللهِ! قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قُمْ فَاقْضِهِ". 3863 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى كعب (بيده) الشريفة بـ (أن ضع) وأسقط (الشطر) والنصف (من دينك) أي من الدين الذي عليه كما سيأتي مصرحًا في رواية عبد الرحمن بن هرمز، وفيه جواز الشفاعة إلى صاحب الحق وإصلاح الحاكم بين الخصوم وحسن التوسط بينهم. قال القرطبي: وفي الحديث دليل على أن الإشارة بمنزلة الكلام إذا فهمت لأنها دلالة على الكلام كالحروف والأصوات فتصح شهادة الأخرس ويمينه ولعانه وعقوده إذا فهم ذلك عنه وهذا منه صلى الله عليه وسلم على جهة الإرشاد إلى الصلح وهذا على الإقرار لأن نزاعهما لم يكن في أصل الدين وإنما كان في التقاضي وهو متفق عليه، وأما الصلح على الإنكار فهو الذي أجازه مالك وأبو حنيفة والشعبي والحسن البصري، وقال الشافعي: الصلح على الإنكار باطل وبه قال ابن أبي ليلى اهـ من المفهم. (قال كعب: قد فعلت) ما أمرتني به (يا رسول الله) من إسقاط شطر ديني (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لابن أبي حدرد: (قم فاقضه) أي فأده النصف الباقي من دينه وهذا أمر على جهة الوجوب لأن رب الدين لما أطاع بوضع ما وضع تعين على المديون أن يقوم بما بقي عليه لئلا يجتمع على رب الدين وَضْعُه ومطل وهكذا ينبغي أن يبتَّ الأمر بين المتصالحين فلا يترك بينهما علقة ما أمكن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 390]، والبخاري [457]، والنسائي [2448]، وابن ماجه [2429]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3863 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك أن) والده (كعب بن مالك) السلمي

أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ تَقَاضَى دَينًا لَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ. قَال مُسْلِمٌ: وَرَوَى اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ. فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ. فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبره) أي أخبر لعبد الله. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عثمان بن عمر لعبد الله بن وهب (أنه) أي أن كعب بن مالك (تقاضى دينًا له) أي طلب من ابن أبي حدرد قضاء دين كان له (على) عبد الله (بن أبي حدرد) وساق عثمان بن عمر (بمثل حديث ابن وهب) لفظًا ومعنى. وهذا الحديث دليل على ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه حيث أمر كعبًا بوضع النصف من الدّين في عين صورة الخصومة ولا يفعل ذلك إلا من كان على ثقة من أصحابه بأنهم يؤثرون أمره على كل شيء وأنهم يضحون لأجله أنفسهم وأموالهم وعواطفهم رضي الله عنهم وأرضاهم، ولم يكن جواب كعب بعد هذه الشدة في الخصومة إلا أن يقول: قد فعلت يا رسول الله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الحديث تعليقًا حيث قال على سبيل التجريد البياني: (قال مسلم) بن الحجاج رحمه الله تعالى: ووصله البخاري في الصلح (باب هل يشير الإمام بالصلح) من طريق يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج بهذا الإسناد. (وروى الليث بن سعد) الفهمي المصري (حدثني جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة الكندي أبو شرحبيل المصري، ثقة، من (5) (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك) غرضه بهذا التعليق بيان متابعة الأعرج للزهري (أنه) أي أن كعب بن مالك (كان له مال) أي دين (على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي) رضي الله عنهما (فلقيه فلزمه) أي فلزم كعب بن مالك لعبد الله بن أبي حدرد وملازمة الدائن للمديون أن يكون معه حيثما كان ولا يفارقه حتى يأخذ منه دينه (فتكلما) أي تنازعا (حتى ارتفعت

أَصْوَاتُهُمَا. فَمَرَّ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "يَا كَعْبُ! " فَأَشَارَ بِيَدِهِ. كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ. فَأَخَذَ نِصْفًا مِمَّا عَلَيهِ وَتَرَكَ نِصْفًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أصواتهما فمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا كعب فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة (كأنه) صلى الله عليه وسلم (يقول): أي يشير إلى كعب بأن ضع (النصف) من دينك وأسقطه (فـ) امتثل كعب أمره صلى الله عليه وسلم و (أخذ) منه (نصفًا مما) كان له (عليه وترك نصفًا) أي أسقط نصفًا، وقوله: (فمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره يخالف ما مر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجرته فسمع أصواتهما، وأوّله الحافظ في الفتح بأن المراد من المرور في هذا الحديث المرور المعنوي يعني علمه بهما ولا يبعد أيضًا أن يكون صلى الله عليه وسلم مر بهما أولًا فلم يلتفت إليهما في أول مرة حتى دخل حجرته ثم لما ارتفعت أصواتهما كشف سجف حجرته وفعل ما فعل ومثل هذا الاختلاف يسير لا يقدح في صحة الحديث والله أعلم. ثم إن هذا الحديث من أوضح الدلائل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعامل أصحابه دائمًا معاملة حاكم مع رعيته ولا معاملة قاض بين الخصمين بل وربما كان يعاملهم معاملة شيخ مع تلميذ ومعاملة والد مع أبنائه ولم يكن أمره في حديث الباب أمر إيجاب تشريعي وإنما كان أمر ندب وإرشاد وإصلاح بين الناس اهـ من التكملة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس: حديث كعب بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. ***

572 - (12) باب من أدرك ماله عند مفلس وفضل إنظار المعسر والتجاوز عنه والحوالة

572 - (12) باب من أدرك ماله عند مفلس وفضل إنظار المعسر والتجاوز عنه والحوالة 3864 - (1495) (58) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ مُعاويَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ): ـــــــــــــــــــــــــــــ 572 - (12) باب من أدرك ماله عند مفلس وفضل إنظار المعسر والتجاوز عنه والحوالة 3864 - (1495) (58) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة متقن، كان من كبار (10) (حدثنا زهير بن معاوية) بن حديج -بضم المهملة الأولى مصغرًا آخره جيم- ابن الرُّجيل -بجيم مصغرًا- ابن زهير بن خيثمة الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) وما وقع هنا في أكثر المتون وفي نسخ الشراح حتى في التكملة من قولهم: (حدثنا زهير بن حرب) من تحريف النساخ، والصواب ما قلت لأن زهير بن حرب لا يروي عن يحيى الأنصاري، ويروي عنه المؤلف بلا واسطة (حدثنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (أخبرني أبو بكر) اسمه كنيته على الصحيح وقيل: اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد (بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم الأموي المدني، ثقة، من (4) (أخبره أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المدني، ثقة، من (3) (أخبره أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان كوفيان، ومن لطائفه أن فيه أربعة من التابعين، روى بعضهم عن بعض وهم يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو بكر بن حزم وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن أفاده النووي (أو) قال الراوي: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): كذا وقع الشك عند البخاري أيضًا، وقال الحافظ: هو شك من أحد رواته وأظنه من زهير بن معاوية فإني لم أر في رواية أحد ممن رواه عن يحيى الأنصاري مع كثرتهم فيه التصريح بالسماع وهذا مشعر

"مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَينِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ (أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ) فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيرِهِ". 3865 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بأنه كان لا يرى الرواية بالمعنى أصلًا اهـ من فتح الباري [5/ 47] (من أدرك) ووجد (ماله) الذي باعه للمفلس (بعينه) أي بذاته بأن يكون غير هالك حسًّا أو معنى بالتصرفات الشرعية كالهبة والوقف وغيرهما (عند رجل) أو امرأة (قد أفلس) أي صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم والفقر أعم من الإفلاس والإفلاس لغة عوز المال والهمزة فيه للسلب يعني سلبت فلوسه، وقيل: الهمزة للانتقال من حال إلى حال كما في حلنا (أو) قال الراوي عند (إنسان قد أفلس) بالشك من الراوي (فهو) أي ذلك الواجد لماله فالضمير عائد إلى من الشرطية أو الموصولة (أحق به) أي بماله أي بأخذه (من غيره) من سائر الغرماء، استدل به الجمهور على أن الرجل إذا اشترى من الآخر ولم يقض ثمنه حتى أفلس ثم وجد البائع عنده السلعة المبيعة بعينها فإن ذلك البائع يملك فسخ البيع واسترداد السلعة منه ولا يشاركه فيها أحد من الغرماء غيره وهو قول مالك والشافعي وأحمد وبه قال عروة والأوزاعي والعنبري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر كما في المغني لابن قدامة كتاب المفلس [4/ 408]. وقال أبو حنيفة: البائع في هذه الصورة المذكورة أسوة الغرماء وليس له أن ينفرد بأخذ السلعة وبه قال الحسن والنخعي والشعبي والثوري وابن شبرمة ووكيع وصاحباه وزُفر كما في عمدة القاري، واستدل الجمهور بأحاديث الباب وحملوها على البيع لما سيأتي من تصريح البيع في رواية ابن أبي حسين (أنه لصاحبه الذي باعه) واستدل أبو حنيفة وموافقوه بأن المبيع قد خرج عن ملك البائع بالبيع وكان له حق الإمساك للثمن فلما سلمه إلى المشتري سقط حقه عن المبيع أصلًا ولم يبق له إلا دين الثمن في ذمة المشتري فساوى فيه الغرماء بسبب الاستحقاق فيساويهم في الاستحقاق كسائرهم اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 228]، والبخاري [2402]، وأبو داود [3519]، والترمذي [1262]، والنسائي [7/ 311]، وابن ماجه 2358]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3865 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير

ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعًا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. كُلُّ هَؤُلاءِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيرٍ. وَقَال ابْنُ رُمْحٍ, مِنْ بَينِهِمْ فِي رِوَايَتِهِ: أَيُّمَا امْرِئٍ فُلِّسَ. 3866 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الواسطي (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعًا عن الليث بن سعد ح وحدثنا أبو الرّبيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (ويحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري (قالا: حدثنا حماد يعني) الراوي بحماد المبهم حماد (بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، والصواب أن يقال يعنيان (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (ويحيى بن سعيد) القطان (وحفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، والإشارة في قوله: (كل هولاء) السبعة المذكورين قبل حاء التحويل عائدة إلى هشيم وليث بن سعد وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وعبد الوهاب ويحيى القطان وحفص بن غياث أي كل هؤلاء السبعة رووا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور في السند السابق عن أبي بكر بن حزم عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (بمعنى حديث زهير) بن معاوية، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء السبعة لزهير بن معاوية في رواية هذا الحديث عن يحيى الأنصاري (و) لكن (قال) محمد (بن رمح من بينهم) أي من بين مشايخ المؤلف الذين روى عنهم بلا واسطة كيحيى بن يحيى الخ أي قال (في روايته): لفظة (أيما امرئ فُلِّس) -بضم الفاء مع تشديد اللام المكسورة- من فلسه القاضي تفليسًا إذا نادى عليه بالفلس وشهره بين الناس بأنه صار مفلسًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3866 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا

هِشَامُ بْنُ سُلَيمَانَ (وَهُوَ ابْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ) عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حُسَينٍ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَهُ, عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْدِمُ, إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ: "أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هشام بن سليمان وهو ابن عكرمة بن خالد المخزومي) المكي، مقبول، من (8) (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (حدثني) عبد الله بن عبد الرحمن (بن أبي حسين) بن الحارث بن عامر بن نوفل القرشي النوفلي المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (أخبره أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم الأموي المدني، ثقة، من (4) (حدثه) أي حدث أبا بكر بن حزم (عن حديث أبي بكر بن عبد الرحمن) القرشي المدني، ثقة، من (3) (عن حديث أبي هريرة) ولفظ حديث في الموضعين مقحم حشو (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم مدنيون وأربعة مكيون، غرضه بيان متابعة عبد الله بن أبي حسين ليحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري (في الرجل الذي يُعدم) أي يفقر ويفلس عن أداء ثمن المتاع الذي اشتراه (إذا وجد عنده) أي عند ذلك الرجل المشتري ذلك (المتاع و) الحال أنه (لم يفرقه) أي لم يغير ذلك المتاع عن حاله (أنه) أي أن ذلك المتاع الذي أفلس عن ثمنه (لصاحبه) أي لبائعه (الذي باعه) له أي أحق بأخذه دون سائر الغرماء، وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وقوله: (ولم يفرقه) يعني لم يستعمله بما يغيّره أو لم يستهلكه ببيع أو هبة أو عتق أو نحوه فإنه لا يرجع فيها لأنها ليست على يد المشتري، قال القرطبي: مقتضى دليل خطابه أنه لو وجدها قد تغيرت عن حالها أو وجد بعضها لم يكن له أن يأخذها وهذا يليق بمذهب أهل الظاهر لكن علماؤنا فصلوا التغير إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول تغير انتقال كالعبد المتغير بزمانةٍ أو بعتق أو عقد من عقوده وكالثوب المتغير بقطعه قمصًا أو غيرها وكالحنطة المتغيرة بخلط مسوس بها أو بغير نوعها أو بطحنها أو خبزها وكالخشبة المتغيرة بجعلها بابا أو غيره فهذا النوع مفوت ليس له الرجوع معه، الثاني: تغير غير

3867 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ, فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَينِهِ, فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ انتقال كالمتغير بالمرض اليسير وكخلط القمح بمثله فهذا له الرجوع فيه إذ لا أثر لذلك التغير، ومن هذا النوع وُجدان بعض السلعة فله أن يأخذ ويضرب معهم بسهمه فيما بقي، والثالث: تغير بإضافة غير السلعة إليها كالعرصة تبنى والغزل يُنسج فهذا يرجع في سلعته ويدفع قيمة البناء والنسج، وله مشاركة الغرماء في تلك القيمة إن بقي له من دينه شيء، وفي هذا الباب فروع مختلف فيها بسبب ترددها بين هذه الأنواع اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3867 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي غندر (وعبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) كلاهما (قالا: حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (3) (عن بشير بن نهيك) -بفتح النون وكسر الهاء آخره كاف- السدوسي أبي الشعثاء البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة، غرضه بيان متابعة بشير بن نهيك لأبي بكر بن عبد الرحمن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (إذا أفلس) وأفقر (الرجل) المشتري عن ثمن ما اشتراه (فوجد الرجل) البائع (متاعه) الذي باعه له (بعينه) أي بذاته بلا تغير (فهو) أي فذلك الرجل البائع (أحق به) أي بأخذ متاعه دون الغرماء. (فائدة): والرجل الثاني في هذا الحديث غير الأول بلا شك نظير قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الْكِتَابِ} فالكتاب الثاني غير الأول وهذا نادر مخالف لقاعدة أهل المعاني أن إعادة المعرفة معرفة تقتضي الاتحاد وإعادة النكرة نكرة تقتضي التغاير إلا لمانع كفساد المعنى كما هنا قال الجلال السيوطي في عقود الجمان: ثم من القواعد المشتهره ... إذا أتت نكرة مكرره

3868 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ أَيضًا. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ , مِثْلَهُ. وَقَالا: "فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ". 3869 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ (قَال حَجَّاجٌ: مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ تغايرت وإن يعرف ثاني ... توافقا كذا المعرفان ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3868 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) ووقع في بعض النسخ (حدثنا شعبة) والصحيح سعيد نبه عليه النواوي (ح وحدثني زهير بن حرب أيضًا حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (كلاهما) أي كل من سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي رويا (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى شعبة عن قتادة، غرضه بيان متابعة سعيد وهشام لشعبة (و) لكن (قالا): أي قال سعيد وهشام: (فهو) أي فالرجل البائع (أحق به) أي بذلك المتاع (من الغرماء) أي بزيادة لفظة (من الغرماء). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3869 - (00) (00) (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) السلمي البغدادي (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (قالا: حدثنا أبو سلمة الخزاعي) البغدادي هذا لفظ رواية ابن أبي خلف وذكر لفظ رواية حجاج بقوله: (قال حجاج) بن الشاعر في الرواية عنه (حدثنا منصور بن سلمة) بن عبد العزيز بن صالح، قال النووي: معناه أن أبا سلمة الخزاعي اسمه منصور بن سلمة فذكره محمد بن أحمد بن أبي خلف بكنيته وذكره حجاج باسمه، روى عن سليمان بن بلال في البيوع، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ابن أخي الماجشون والليث بن

أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ خُثَيمِ بْنِ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ, فَوَجَدَ الرَّجُلُ عِنْدَهُ سِلْعَتَهُ بِعَينِهَا, فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا". 3870 - (1496) (59) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ؛ أَنَّ حُذَيفَةَ حَدَّثَهُمْ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَلَقَّتِ الْمَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (خ م س) وابن أبي خلف وحجاج بن الشاعر وغيرهم، وثقه الدارقطني، وقال في التقريب: ثقة ثبت حافظ، من كبار العاشرة، مات سنة (210) عشر ومائتين على الصحيح، قال أبو سلمة: (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (عن خثيم بن عراك) بن مالك الغفاري المدني، لا بأس به، من (6) (عن أبيه) عراك بن مالك الغفاري المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عراك بن مالك لبشير بن نهيك في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أفلس الرجل) المشتري عن ثمن ما اشتراه (فوجد الرجل) البائع (عنده) أي عند المشتري المفلس (سلعته) أي بضاعته (بعينها) أي بذاتها لم تتغير (فهو) أي فصاحب السلعة (أحق بها) أي بأخذها. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو إنظار المعسر والتجاوز عنه بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فقال: 3870 - (1496) (59) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عتاب -بالتاء المثناة فوق- الكوفي، ثقة، من (5) (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (أن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي حليف الأنصار الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (حدّثهم) أي حدّث لربعي بن حراش ومن معه حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ (قال) حذيفة رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقت الملائكة) أي استقبلت ملائكة الموت (روح رجل

مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيرِ شَيئًا؟ قَال: لَا. قَالُوا: تَذَكَّرْ. قَال: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ. فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَال: قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "تَجَوَّزُوا عَنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ممن كان قبلكم) وفي رواية عبد الملك بن عمير في ذكر بني إسرائيل عند البخاري (أن رجلًا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه) (فقالوا) له: (أعملت) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي هل عملت في حياتك (من الخير شيئًا) ولو قليلًا (قال) الرجل: (لا) أي ما عملت في حياتي شيئًا من الخير لا قليلًا ولا كثيرًا (قالوا): أي قالت الملائكة له: (تذكر) ما عملته من الخير ولو قليلًا (قال) الرجل: (كنت) في حياتي (أُداين الناس) أي أُعامل معهم معاملة الدّين بأن باع ماله بثمن مؤجل أو أقرضه لهم أو أسلم إليهم (فـ) إذا حل الدين (آمر فتياني) بكسر أوله وسكون ثانيه أي غلماني كما في رواية، والفتيان جمع الفتى وهو هاهنا الخادم حرًّا كان أو مملوكًا مؤنثه الفتاة يُكنى بهما عن العبد والأمة كما قال تعالى: {تُرَاودُ فَتَاهَا} أي عبدها {عَنْ نَفْسِهِ} وقال أيضًا: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} وفيه جواز الإذن للعبد في التجارة والتوكيل عليها والهبات والتقاضي اهـ أبي (أن ينظروا المعسر) أي العاجز عن قضاء الدين الذي حل أجله ويمهلوه من الإنظار وهو الإمهال والتأخير، والمعسر هنا هو الذي يتعسر عليه الأداء في وقت دون وقت فندب الشرع إلى تأخيره إلى الوقت الذي يمكن له ما يؤدي، وأما المعسر بالإفلاس فتحرم مطالبته إلى أن يتبين يساره، والمال كل ما يتمول أو يتملك من عين وعرض وحيوان وغير ذلك ثم قد يخصه أهل كل مال بما يكون غالب أموالهم فيقول أصحاب الإبل: المال الإبل وأصحاب النخل المال النخل وهكذا (ويتجوزوا عن الموسر) من التجوز، وفي رواية البخاري في البيوع (ويتجاوزوا) من التجاوز وكلاهما بمعنى واحد وهو المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير والاقتضاء طلب قضاء الحق (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عزَّ وجلَّ) لملائكته: (تجوزوا) أي سامحوا (عنه) أي عن ذلك الرجل سيئاته. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فقال:

3871 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ نُعَيمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ. قَال: اجْتَمَعَ حُذَيفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ. فَقَال حُذَيفَةُ: "رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ فَقَال: مَا عَمِلْتَ؟ قَال: مَا عَمِلْتُ مِنَ الْخَيرِ, إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ. فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ. فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْسُورِ. فَقَال: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي".قَال أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3871 - (00) (00) (حدثنا علي بن حجر) السعدي المروزي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (لابن حجر قالا: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن المغيرة) بن مقسم بكسر الميم الضبي الكوفي، ثقة، من (6) (عن نعيم بن أبي هند) النعمان بن أشيم الأشجعي الكوفي، ثقة، من (4) (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي (قال) ربعي بن حراش: (اجتمع حذيفة) بن اليمان (وأبو مسعود) الأنصاري عقبة بن عمرو البدري الكوفي رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة نعيم بن أبي هند لمنصور بن المعتمر (فقال حذيفة) بن اليمان (رجل) ممن كان قبلكم، سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بصفة محذوفة كما قدرناها (لقي ربه) اللقاء كناية عن موته (فقال) الله عزَّ وجلَّ له: (ما عملت) بفتح التاء للمخاطب، وما استفهامية أي أي شيء عملت يا عبدي من الخير فـ (قال) الرجل يا رب (ما عملت من الخير) شيئًا علمته لا قليلًا ولا كثيرًا (إلا أني) أي لكن أني (كنت رجلًا ذا مال) أي صاحب مال كثير أُداين الناس وأقرضهم بعض مالي إلى أجل معلوم (فـ) إذا حل أجل الدين (كنت أطالب به) أي بذلك الدين (الناس) الذين لي عليهم دين أي كنت أطالبهم بقضاء ديني (فكنت) في اقتضاء ديني (أقبل) منهم بفتح الهمزة والموحدة بينهما قاف ساكنة من القبول (الميسور) أي ما تيسر لهم قضاؤه (وأتجاوز) أي أسامح (عن المعسور) أي عما تعسر عليهم وأنظرهم إلى ميسرتهم (فقال) الله عزَّ وجلَّ لملائكته: (تجاوزوا) أي سامحوا (عن عبدي) سيئاته وضاعفوا له حسناته بسبب مجاوزته للناس في اقتضاء دينه وتساهله عليهم (قال أبو مسعود) الأنصاري البدري لحذيفة بن اليمان (هكذا) مقول للقول الآتي أي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): هكذا أي مثل ما قلته لنا.

3872 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ، عُمَيرٍ, عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ " أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ. فَقِيلَ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْمَلُ؟ (قَال: فَإِمَّا ذَكَرَ وَإِمَّا ذُكِّرَ) فَقَال: إِنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ. فَكُنْتُ أُنْظِرُ الْمُعْسِرَ وَأَتَجَوَّزُ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي النَّقْدِ. فَغُفِرَ لَهُ". فَقَال أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 3872 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي غندر (حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنهما في (15) بابا (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لمنصور بن المعتمر ونعيم بن أبي هند (أن رجلًا) ممن كان قبلكم (مات فدخل الجنة) عقب الموت (فقيل له) من جهة الله سبحانه: (ما كنت تعمل) أي أي شيء كنت تعمل من الخيرات (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإما ذكر) ذلك الرجل لنفسه ما عمل من الخير بلا تذكير له وهو من الثلاثي المبني للمعلوم (وإما ذُكِّر) الرجل من جهة الله عزَّ وجلَّ بالبناء للمجهول من التذكير، وإما هنا بمعنى أو للشك من الراوي في أن الرجل ذكر مسامحته بنفسه أو ذكرته الملائكة اهـ من من التكملة (فقال) الرجل: عطف تفسير لذكر (إني كنت) في حياتي (أبايع الناس) بالدين (فكنت) إذا حل أجل الدين (انظر المعسر) أي أُأخر اقتضاء ديني من المعسر إلى وقت ميسرته (وأتجوّز) عن الموسر أي أُسامح له (في) عيوب (السكة) ونقصانها في الدراهم والدنانير المضروبة، قال في النهاية: ويسمى كل واحد منها سكة لأنه طُبع بالحديد واسمها سكة (أو) قال الراوي: أتجوز له (في) عيوب (النقد) بالشك من الراوي والمعنى أني كنت أتجاوز له عن عيوب السكة أو النقد (فغفر له) جميع ذنوبه بسبب إنظاره للمعسر وتجاوزه عن الموسر (فقال أبو مسعود) الأنصاري لحذيفة حين حدّث هذا الحديث (وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) مثل ما حدّثته تصديقًا له.

3873 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ, عَنْ حُذَيفَةَ. قَال: "أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ, آتَاهُ اللَّهُ مَالًا. فَقَال لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ (قَال: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) قَال: يَا رَبِّ! آتَيتَنِي مَالكَ. فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ. وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ. فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَال اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ. تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي". فَقَال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 3873 - (00) (00) (حدثنا أبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي (الأشج) الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو خالد الأحمر) الكوفي سليمان بن حيان الأزدي، صدوق، من (8) (عن سعد بن طارق) بن أشيم الأشجعي أبي مالك الكوفي، ثقة، من (4) (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعد بن طارق لمن روى عن ربعي بن حراش (قال) حذيفة: (أُتي الله) بضم الهمزة مبنيًّا للمجهول أي أتته الملائكة (بعبد من عباده) سبحانه ليحاسب على أعماله، وقوله: (آتاه الله) سبحانه (مالًا) صفة ثانية لعبد (فقال) الله سبحانه (له) أي لذلك العبد: (ماذا عملت) من الخير يا عبدي (في الدنيا) أي أي شيء عملته من الخيرات في حال حياتك ولا يكتمه من أعماله شيئًا كما (قال) تعالى في كتابه العزيز: ({وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}) أي لا يستطيع أحد أن يكتم يوم القيامة شيئًا من أعماله فإن كتم شهدت عليه جوارحه (قال) ذلك العبد لربه: (يا رب آتيتني) أي أعطيتني (مالك) ورزقك عطاء واسعًا (فكنت أبايع الناس) أي أعاملهم مداينة (وكان من خُلقي) وعادتي (الجواز) أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء أي الطلب ثم فسر الجواز بقوله: (فكنت أتيسّر) وأتساهل (على الموسر) في الاقتضاء (وأنظر المعسر) إلى ميسرته (فقال الله) سبحانه: (أنا أحق بذا) أي بهذا التجاوز والتساهل (منك) يا عبدي، وهذا الكلام صدق وحق لأنه تعالى متفضل ببذل ما لا يستحق عليه ومسقط بعفوه عن عبده ما يجب له من الحقوق عليه ثم يتلافاه برحمته فيكرمه ويقربه منه وإليه فله الحمد كفاء إنعامه وله الشكر على إحسانه اهـ من المفهم. (تجاوزوا) يا ملائكتي (عن عبدي) وسامحوا سيئاته (فقال عقبة بن عامر الجهني)

وَأَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ: هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. 3874 - (1497) (60) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيرِ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو حماد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه ولي إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين وكان فصيحًا شاعرًا مفوهًا كاتبًا قارئًا لكتاب الله عالمًا مات سنة (58) ثمان وخمسين (وأبو مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري) البدري الكوفي أي قالا لحذيفة بن اليمان: (هكذا سمعناه) أي سمعنا هذا الحديث (من في) أي من فم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحفاظ: هذا الحديث هو محفوظ لأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري وحده وليس لعقبة بن عامر فيه رواية، قال الدارقطني: والوهم في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر قال أي الدارقطني وصوابه فقال عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري اهـ نووي فوهم أبو خالد الأحمر وجعله عقبة بن عامر وأبو مسعود اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 3874 - (1497) (60) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن أبي مسعود) الأنصاري عقبة بن عمرو الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري وإسحاق بن إبراهيم فإنه مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حوسب) أي نُوقش في الحساب على أعماله يوم القيامة أي يُحاسب يوم القيامة (رجل ممن كان قبلكم) عبر بصيغة الماضي إشارة إلى تحقق وقوعه قاله ابن الملك (فلم يوجد له من الخير شيء) لا قليل ولا كثير أي لم يوجد فعل بر في المال إلا إنظار المعسر هذا مفاد ما في شرح الأبي، قال: وإلا فله خير الإيمان ولذلك جاز له الغفران، قال

إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ. وَكَانَ مُوسِرًا. فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ. قَال: قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ. تَجَاوَزُوا عَنْهُ". 3875 - (1497) (61) حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ (قَال مَنْصُورٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَال ابْنُ جَعْفَرٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي: هذا العموم مخصوص قطعًا بأنه كان مؤمنًا ولولا ذلك لما تجاوز عنه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48]، وكان قائمًا بفرائض دينه من الصلاة والزكاة وما أشبههما. وهذا هو الأليق بحاله فإن هذا الحديث يشهد بأنه كان ممن وقي شح نفسه وعلى هذا فيكون معنى هذا العموم أنه لم يوجد له شيء من النوافل إلا هذا ويحتمل أن يكون له نوافل أُخر غير أن هذا كان الأغلب عليه فنودي به وجوزي عليه ولم يذكر غيره اكتفاء بهذا والله تعالى أعلم. ويحتمل أن يكون المراد بالخير المال فيكون معناه أنه لم يوجد له فعل بر في المال إلا ما ذكر من إنظار المعسر والله تعالى أعلم. (إلا أنه) أي لكن أنه (كان يخالط) أي يعامل (الناس) معاملة الدين (وكان موسرًا) أي كثير المال (فكان يأمر غلمانه) أي عملاءه بـ (أن يتجاوزوا) ويسامحوا (عن المعسر قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عزَّ وجلَّ) لملائكته: (نحن أحق بذلك) التجاوز والتسامح (منه) أي من ذلك الرجل فـ (تجاوزوا) يا ملائكتي وتسامحوا له (عنه) أي عن ذنوبه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [1307]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث حذيفة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 3875 - (1497) (61) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي بضم التاء المثناة أبو نصر البغدادي الكاتب، ثقة، من (10) (ومحمد بن جعفر بن زياد) الخراساني الوركاني نسبة إلى قرية تُسمى وركان أبو عمران البغدادي، ثقة، من (10) (قال منصور: حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري) المدني، ثقة، من (4) (وقال ابن جعفر)

أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ (وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ. فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ. لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ". 3876 - (00) (00) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُبَيدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في روايته: (أخبرنا إبراهيم وهو ابن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني، ثقة فقيه، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بغدادي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رجل) ممن كان قبلكم (يداين الناس) أي يعاملهم بالدين ويجعلهم مديونين (فكان يقول لفتاه) أي لغلامه وخادمه: (إذا أتيت معسرًا) أي فقيرًا عاجزًا عن قضاء الدين (فتجاوز عنه) أي سامح له في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير (لعل الله) تعالى أي أرجو الله تعالى أن (يتجاوز عنا) أي أن يسامح عن ذنوبنا (فلقي الله) سبحانه وتعالى ذلك الرجل فلقاؤه كناية عن موته (فتجاوز) الله سبحانه (عنه) أي عن ذنوبه فغفر له فدخل الجنة، وفي المشارق والمشكاة زيادة لفظة (قال). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في البيوع باب من أنظر معسرًا، وفي الأنبياء باب ما ذُكر عن بني إسرائيل، والنسائي في البيوع باب حسن المعاملة والرفق في المطالبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3876 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدّثه) أي حدّث لابن شهاب (أنه) أي أن عبيد الله (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لإبراهيم بن سعد (يقول: سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم يَقُولُ. بِمِثْلِهِ. 3877 - (1498) (62) حَدَّثَنَا أَبُو الْهَيثَمِ خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ عَجْلانَ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ. ثُمَّ وَجَدَهُ. فَقَال إِنِّي مُعْسِرٌ. فَقَال: آللَّهِ؟ قَال: آللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم يقول): وساق يونس (بمثله) أي بمثل حديث إبراهيم بن سعد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث حذيفة بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 3877 - (1498) (62) (حدثنا أبو الهيثم خالد بن خداش) -بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الدال المهملة- (بن عجلان) الأزدي المهلبي مولاهم البصري نزيل بغداد، روى عن حماد بن زيد في البيوع، ومالك وأبي عوانة وعمارة بن زاذان، ويروي عنه (م) وأحمد وإسحاق ومحمد بن يحيى المروزي، ضعّفه ابن المديني وزكريا الساجي، وثقه ابن سعد ويعقوب بن شيبة، وقال ابن معين وأبو حاتم وصالح بن محمد: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من الثامنة، مات سنة (223) ثلاث وعشرين ومائتين ولم يستكمل السبعين (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني البصري، ثقة، من (5) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي بفتح السين واللام أبي يحيى المدني، ثقة تابعي، من (3) روى عنه في (4) أبواب (أن أبا قتادة) الأنصاري السلمي المدني فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي أي أن أبا قتادة (طلب غريمًا) أي مدينًا (له فتوارى) ذلك الغريم واختفى (عنه) أي عن أبي قتادة (ثم وجده) أبو قتادة فقال له أبو قتادة: لم تواريت واختفيت عني؟ (فقال) الغريم له: (إني معسر) يا أبا قتادة أي عاجز عن قضاء دينك (فقال) أبو قتادة: (آلله) أي أقسمت لك بالله أنت معسر عن قضائه (قال) الغريم (آلله) أي أقسمت لك بالله أنا معسر عن قضائه فالأول من لفظي الجلالة قسم سؤال أي أبالله أنت معسر، وباء القسم تضمر كثيرًا مع الله، قال الرضي: وإذا حُذف

قَال: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ الله مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف القسم الأصلي أعني الباء فالمختار النصب بفعل القسم ويختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار بلا عوض، وقد يعوض من الجار فيها همزة الاستفهام أو قطع همزة الله في الدرج (قال) أبو قتادة: (فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سرّه) أي فرّحه وبشره (أن ينجيه الله) أي أن يجعله ذا نجاة (من كرب يوم القيامة) أي من شدائده وأهواله، والكرب بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة بضم الكاف وسكون الراء وهي كما في المرقاة المحنة الشديدة والمشقة الأكيدة، وفي بعض النسخ بفتح الكاف وسكون الراء وهو بمعنى الكربة، وفي القرآن الكريم {فَنَجَّينَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} (فلينفس) أي فليؤخر المطالبة بالدين (عن معسر) أي عن مديون ذي عسرة إلى مدة يجد فيها مالًا يقضي به الدين (أو يضع) أي فليحط (عنه) الدين أو يسقطه عنه ويتركه بلا مطالبة به مصداقه قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيرٌ لَكُمْ}. قوله: (فتوارى عنه ثم وجده) تفصيله ما أخرجه أَحْمد في مسند [5/ 308] من طريق محمَّد بن كعب القرظي قال: (إن أَبا قتادة كان له على رجل دين وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه فقال: نعم هو في البيت يأكل خزيرة، فناداه: يَا فلان اخرج فقد أُخبرت أنك ها هنا. فخرج إليه فقال: ما يغيبك عني؟ قال: إنِّي معسر وليس عندي. قال: آلله إنك معسر؟ قال: نعم، فبكى أبو قتادة ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة"). قوله: (فلينفس) أي فليفرج، وأصله من النفس بفتحتين يقال: أَنْتَ في نفس أي في سعة فكأن من كان في كربة ضاقت عليه مداخل الأنفاس فإذا فُرِّج عنه فسحت اهـ مجمع البحار قوله: (أو يضع) بالجزم عطفًا على قوله: فلينفس، والقياس في مثله أن يقال: (أو ليضع) بإعادة اللام ولكن العرب يتوسعون في كلامهم بمثله والله أعلم. قال في المرقاة: (فائدة): الفرض أفضل من النفل بسبعين درجة إلَّا في مسائل: الأولى: إبراء المعسر مندوب وهو أفضل من إنظاره الواجب، الثَّانية: ابتداء السلام

3878 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي جَرِيرٌ بن حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهذا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3879 - (1499) (63) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أفضل من جوابه الواجب، الثالثة: الوضوء قبل الوقت مندوب وهو أفضل من الوضوء بعد دخول الوقت وهو واجب اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 3878 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني جرير بن حازم) بن زيد بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (عن أَيُّوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة، غرضه بيان متابعة جرير بن حازم لحماد بن زيد، وساق جرير (نحوه) أي نحو حديث حماد بن زيد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3879 - (1499) (63) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن أبي الزِّناد) عبد الله بن ذكوان المدنِيُّ (عن الأعرج) عبد الرَّحْمَن بن هرمز المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مطل الغني) أي تسويف القادر المتمكن من أداء الدين الحال وتأخيره عن أدائه (ظلم) منه لرب الدين فهو حرام بل كبيرة، قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام، ومطل غير الغني ليس بظلم ولا حرام لمفهوم الحديث ولأنه معذور ولو كان غنيًّا ولكنه ليس متمكنًا من الأداء لغيبة المال أو لغير ذلك جاز له التأخير إلى الإمكان، قال القرطبي: المطل منع قضاء ما استحق أداؤه مع التمكن من ذلك وطلب المستحق حقه

وإذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ َعَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ". 3870 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثنَا محمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثنَا مَعْمَرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: مطل الدين من باب نصر إذا امتنع من أدائه مع تمكنه منه. وقوله: (مطل الغني) من باب إضافة المصدر إلى فاعله والظلم وضع الشيء في غير موضعه في أصل اللغة وهو في الشرع محرم مذموم ووجهه هنا أنَّه وضع المنع موضع ما يجب عليه من البذل فحق به الذم والعقاب (وإذا أُتبع أحدكم) بالبناء للمفعول من الإتباع وهو أن يجعل غيره يطالب ثالثًا وهو إحالة الدين على الثالث أي إذا أحيل أحدكم بدينه (على) محال عليه (مليء) بهمز آخره فعيل من ملؤ الرَّجل بوزن كرم إذا صار غنيًّا فهو مليء، ورواه بعضهم بتشديد الياء فكأنه سفل الهمزة ولهذا قال الكرماني: الملي كالغني لفظًا ومعنى ورد بأن أصله مهموز (فليتبع) بفتح الياء وإسكان التاء أمر من باب سمع أي إذا أحيل أحدكم على محال عليه موسر فليحتل وذلك لما فيه من التيسير على المديون والأمر فيه محمول على الندب عند الجمهور لأنه من باب المعروف والتيسير على المعسر وحمله داود على الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر فليس بصحيح لأن ملك الذمم كملك الأموال وقد أجمعت الأمة على أن الإنسان لا يجبر على المعاوضة بشيء من ملكه بملك غيره فكذلك الذمم وأيضًا فإن نقل الحق من ذمة إلى ذمة تيسير على المعسر وتنفيس عنه فلا يجب وإنما هو من باب المعروف بالاتفاق وإذا تقرر ذلك فالحوالة معناها تحويل الدين من ذمة إلى ذمة وهِيَ مستثناة من بيع الدين بالدين لما فيها من الرفق والمعروف ولها شروط وأركان مبسوطة في الفروع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [2287] , وأبو داود [3345] , والتِّرمذيّ [1308] , والنَّسائيّ [7/ 317] , وابن ماجه [2404]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3870 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي الكُوفيّ (ح وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري الصَّنْعانِيّ (قالا): أي قال كل من عيسى بن يونس وعبد الرَّزّاق (جميعًا حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ

عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصَّنْعانِيّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وساق همام (بمثله) أي بمثل حديث الأعرج لفظًا ومعنى، غرضه بيان متابعة همام بن منبه لعبد الرَّحْمَن الأعرج والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي مسعود الأَنْصَارِيّ ذكره للاستشهاد به لحديث حذيفة بن اليمان، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أبي قتادة ذكره للاستشهاد به ثالثًا وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

573 - (13) باب النهي عن بيع فضل الماء وعن ضراب الفحل والنهي عن ثمن الكلب ونحوه

573 - (13) باب النهي عن بيع فضل الماء وعن ضراب الفحل والنهي عن ثمن الكلب ونحوه 3871 - (1500) (64) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أبي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيعِ فَضْلِ الْمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 573 - (13) باب النهي عن بيع فضل الماء وعن ضراب الفحل والنهي عن ثمن الكلب ونحوه 3871 - (1500) (64) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا وكيع ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطَّان (جميعًا) أي كل من وكيع ويحيى (عن ابن جريج عن أبي الزُّبير) المكيّ (عن جابر بن عبد الله) الأَنْصَارِيّ رضي الله عنهما. وهذا السندان من خماسياته (قال) جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء) أي عن بيع ما فضل عن حاجته من ذي حاجة ولا ثمن له فإن كان له ثمن فالأولى إعطاؤه بلا ثمن اهـ مناوي، وفي رواية للنسائي عن طريق عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الماء، ولم يذكر لفظ فضل هذا الحديث يدل بظاهره على أن بيع الماء ممنوع مطلقًا وإليه جنح ابن حزم في المحلى، والشوكاني في نيل الأوطار ولكن لا يوجد من السلف من يحمل المنع على ظاهره فإن الماء المحرز في الجرار والأواني مملوك بالإجماع فيجوز بيعه فالمراد من الماء في الحديث ماء الأنهار والبحار التي لا ملك فيها لأحد، ويدل عليه ما أخرجه أَحْمد في مسنده عن إياس بن عبد من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا فضل الماء فإن النَّبِيّ صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الماء. قال: والناس يبيعون ماء الفرات فنهاهم. فإنَّه يدل بظاهره أن النهي وارد في ماء الأنهار، وأما كون الماء المحرز مملوكًا فيدل عليه حديث الباب حيث خص النهي بفضل الماء فيدل على أن بيع أصله مباح وإنما الممنوع بيع فضله، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" فإن الأرض الميتة مباحة لكل أحد وتملك بالإحياء وكذلك الصيود كلها مباحة في الأصل وتملك بالاصطياد فيقاس عليها الماء فإنَّه مباح في أصله وصار هذا

3872 - (1501) (65) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنْ بَيعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ، وَعَنْ بَيعِ الْمَاءِ وَالأرْضِ لِتُحْرَثَ، فَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ القياس مؤكدًا بإجماع الأمة فلا يجوز العدول عنه اهـ من التكملة بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [3/ 356] والنَّسائيّ [7/ 306] , وابن ماجه [2477]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لجابر رضي الله عنه فقال: 3872 - (1501) (65) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد مروزي. وشارك المؤلف في هذا الحديث النَّسائيّ [7/ 310] فقط (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل) أي عن أجرة ضرابه فاستئجاره لذلك باطل عند الشَّافعيّ وأبي حنيفة للغرر والجهالة اهـ مناوي. والجمل ذكر الإبل والمراد ما يعم فحول كل الحيوان، قال ابن الأثير في جامع الأصول: [1/ 490] يقال: ضرب الفحل الأنثى إذا ركبها للوقاع وعلا عليها فالمراد من بيع ضراب الجمل إجارة الفحل للضراب، وقد ورد النهي عن أخذ الأجرة عليه في غير ما حديث وبه أخذ الحنفية والجمهور، وروي عن مالك وبعض العلماء إجازته وحمل الحديث على التنزيه اهـ. (و) نهى (عن بيع الماء والأرض لتحرث) أي لتزرع بأن يعطي الرَّجل أرضه والماء الذي لتلك الأرض أحدًا فيكون منه الأرض والماء ومن الآخر البذر والحراثة ليأخذ رب الأرض بعض الخارج من الحبوب اهـ مرقاة، والمعنى نهى عن إجارتها للزرع وقد سبقت المسألة مبسوطة في باب كراء الأرض وذكرنا هناك أن الجمهور يجوزون إجارتها بالدراهم وبشطر ما يخرج منها ويحملون أحاديث النهي على التنزيه ليعتادوا إعارتها وإرفاق بعضهم بعضًا أو على إجارتها بأن يكون للمالك قدر معلوم من الخارج (فعن

ذلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. 3873 - (1502) (66) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ َعَلَى مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "لَا يُمْنَعُ فَضلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك) المذكور كله من بيع ضراب الفحل وبيع الماء والأرض لتحرث (نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) كرره لتأكيد ما قبله. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر الأول بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 3873 - (1502) (66) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال: قرأت على مالك) بن أنس الإِمام الأعظم في الفروع (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد (كلاهما) أي كل من مالك وليث رويا (عن أبي الزِّناد) عبد الله بن ذكوان المدنِيُّ (عن) عبد الرَّحْمَن بن هرمز (الأعرج) المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يُمنع فضل الماء) أي الماء الفاضل عن حاجة صاحبه (ليمنع به) أي بسبب منع الماء (الكلأ) المباح أي من رعيه، واللام فيه للعاقبة كما في قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} والكلأ بفتحتين على وزن جبل كما في القاموس العشب بضم العين وسكون الشين؛ وهو النبات رطبًا كان أو يابسًا ويجمع على أكلاء كما في المصباح كسبب وأسباب، وأما الخلا مقصورًا غير مهموز فمختص بالرطب ويقال له أَيضًا: الرطب بضم الراء وإسكان الطاء ومعناه من كان له بئر مملوكة وحوله كلأ فلا يجوز له أن يمنع ماشية غيره من مائه فإنَّه يستلزم منعها من الكلإِ لأنه إذا منعهم عن فضل ماء من الأرض ولا ماء بها سواه لم يمكن لهم الرعي بها خوفًا من العطش فيصير الكلأ ممنوعًا بمنع الماء، واختلف العلماء في أن هذا النهي للتحريم أو التنزيه فرجح الطيبي حمله على كراهة التنزيه وحكى صاحب التوضيح حرمته عن مالك والأوزاعي والشافعي مطلقًا، والأصح عند الشافعية أنَّه يجب بذله للماشية لا للزرع وهو مذهب الحنفية فيما حكاه العيني ولا يُفرق مالك بين المواشي والزرع بل يوجب البذل في الجميع ووجه الفرق بين المواشي والزرع أن الماشية ذات روح يُخشى عليها الموت بالعطش بخلاف الزرع كما في عمدة القاري.

3874 - (00) (00) وحدّثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا تَمْنَعُوا فَضلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلأَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتحصل مما ذكرنا أن الماء ثلاثة أقسام: الأول: ماء البحار والأنهار التي لا ملك عليها لأحد فهو مباح عام لا يجوز لأحد أن يمنع غيره منه، والثاني: الماء المحرز بالجرار والأواني والتنكات والبراميل وهو مملوك لمحرزه بالإجماع ولا يجب بذله إلَّا لمضطر، والثالث: ماء الأبيار والحياض والعيون والقنا المملوكة في الأراضي المملوكة أو الموات وفيه خلاف فقال بعض الشافعية: إنه مملوك كالماء المحرز في الأواني وهو قول يحيى والمؤيد باللهِ، وقال الحنفية وأكثر الشافعية: إنه حق لا ملك كما في نيل الأوطار [5/ 259] ومعنى كونه حقًّا أنَّه أحق به من غيره ولكن يجب بذل ما فضل عن حاجته لشرب غيره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 244] , والبخاري [2353] والتِّرمذيّ [1272] , وابن ماجه [2478]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3874 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى (واللفظ لحرملة أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حَدَّثني سعيد بن المسيّب) بن حزن المخزومي المدنِيُّ، ثِقَة، من (2) (وأبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) (أن أَبا هريرة) رضي الله عنه (قال): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن المسيّب وأبي سلمة لعبد الرَّحْمَن الأعرج (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا فضل الماء) أي الماء الفاضل عن حاجتكم عن سقي ماشية غيركم (لتمنعوا به الكلأ) أي لتمنعوها بسبب منع الماء عن رعي الكلإِ المباح وصورة ذلك كما مر آنفًا أن يكون للإنسان بئر في الفلاة فيها ماء فاضل عن حاجته ويكون هناك كلا ليس عنده ماء غيره فإذا منع صاحب الماء أصحاب المواشي عن الماء يكون مانعًا من رعي الكلإِ لأنه لا يمكن لهم الرعي خوفًا من العطش، قيل: النهي للتنزيه لأن الماء ملكه فبذله من باب المعروف اهـ نووي.

3875 - (00) (00) وحدّثنا أحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخْبَرَنِي زِيادُ بْنُ سَعْدٍ؛ أَنَّ هِلَال بْنَ أسَامَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ أَخْبَرَهُ؛ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا يُبَاعُ فَضلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الكَلأُ". 3876 - (1503) (67) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ َعَلَى مَالِكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3875 - (00) (00) (وحدثنا أَحْمد بن عثمان) بن أبي عثمان (النوفلي) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا أبو عاصم) النبيل (الضحاك بن مخلد) الشَّيبانِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني زياد بن سعد) بن عبد الرَّحْمَن الخُرَاسَانِيّ ثم المكيّ ثم اليمنى، ثِقَة ثبت، من (6) روى عنه في (8) أبواب (أن هلال) بن عليّ (بن أسامة) بن أبي ميمونة القُرشيّ العامري مولاهم المدنِيُّ ويُنسب إلى جده كما في المتن، ثِقَة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (أخبره أن أَبا سلمة بن عبد الرَّحْمَن أخبره أنَّه سمع أَبا هريرة) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مكيان واثنان بصريان، غرضه بيان متابعة هلال بن أسامة لابن شهاب (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يباع فضل الماء) أي الماء الفاضل عن حاجة صاحبه (ليباع به) أي بسبب بيعه (الكلأ) أي العشب المباح (وقوله: لا يباع فضل الماء) صريح في حرمة بيع الفضل ممن يريد شربه أو سقي دابته منه، ففيه حجة على من قال: لا يحرم بيع الفضل وإنما يحرم منعه فيجب عليه البذل ولو بالقيمة (وقوله: ليباع به الكلأ) هذا يدل على أن حكم حرمة البيع إنما هو في فضل ماء أُريد شربه لأنه هو الذي يستلزم بيع الكلإِ، والكلأ لا يمنع لأنه مباح عام، وأما الماء الذي قصد به سقي المزارع فلا يستلزم ذلك، فظهر أن حكم المنع في الحديث إنما هو في الأول دون الثاني والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي مسعود الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه فقال: 3876 - (1503) (67) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن) بن الحارث بن هشام القُرشيّ المدنِيُّ، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، ثِقَة، من (3) (عن أبي مسعود الأَنْصَارِيّ) البدري عقبة بن عمرو المدنِيُّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن) أخذ (ثمن الكلب) وأكله، وفي الحديث الآخر: (وثمن الكلب خبيث) وهو ظاهر في تحريم بيع الكلاب كلها, ولا شك في تناول هذا العموم لغير المأذون فيه منها لأنها إما مضرة فيحرم اقتناؤها فيحرم بيعها وإما غير مضرة فلا منفعة فيها، وأما المأذون في اتخاذها فهل يتناولها عموم هذا النهي أم لا؟ فذهب الشَّافعيّ والأوزاعي وأَحمد إلى تناوله لها فقالوا: إن بيعها محرم فيفسخ إن وقع ولا قيمة لما يُقتل منها، واعتضد الشَّافعيّ بأنها نجسة عنده، ورأى أبو حنيفة أنَّه لا يتناولها لأن فيها منافع مباحة يجوز اتخاذها لأجلها فتجوز المعاوضة عليها ويجوز بيعها لأنها غير نجسة عنده وجل مذهب مالك على جواز الاتخاذ وكراهية البيع ولا يفسخ إن وقع، وقد قيل عنه مثل قول الشَّافعيّ، وقال ابن القاسم: يكره للبائع ويجوز للمشتري للضرورة وكان مالكًا رحمه الله في المشهور عنه لما لم يكن الكلب عنده نجسًا وكان مأذونًا في اتخاذه لمنافعه الجائزة كان حكمه حكم جميع المبيعات لكن الشرع نهى عن بيعه تنزيهًا لأنه ليس من مكارم الأخلاق فإن قيل: قد سوى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بين ثمن الكلب وبين مهر البغي وحلوان الكاهن في النهي عنها والمهر والحلوان محرمان بالإجماع فليكن ثمن الكلب كذلك. فالجواب إنَّا كذلك نقول: لكنه محمول على الكلب الغير المأذون فيه ولئن سلمنا أنَّه متناول للكل لكن هذا النهي ها هنا قُصد به القدر المشترك الذي بين التحريم والكراهية إذ كل واحد منهما منهي عنه ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر كما قد اتفق هنا فإنَّه إنما علمنا تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن بالإجماع لا بمجرد النهي سلمنا ذلك لكنا لا نسلم أنَّه يلزم من الاشتراك في مجرد العطف الاشتراك في جميع الوجوه إذ قد يعطف الأمر على النهي والإيجاب على النافي وإنما ذلك في محل مخصوص كما بيناه في أصول الفقه اهـ من المفهم. (و) نهى عن (مهر البغي) أي عن العوض الذي تأخذه على زناها وسماه مهرًا لأنه

وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. 3877 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ومُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوضة عن الفرج، والبغي -بفتح الباء وكسر الغين وتشديد الياء كالقوي- الزانية والبغي بسكون الغين الزنا وكذلك البغاء بمعنى الزانية تجمع على البغايا، وأصله بغوي كركوب وحلوب، ومهر البغي هو ما تأخذه الزانية على زناها من الأجرة وإطلاق المهر عليه مجاز، وما وقع في بعض الروايات من النهي عن كسب الإماء فالمراد منه هذا والله أعلم اهـ من عمدة القاري. (و) نهى عن (حلوان الكلاهن) والحلوان أجرة الكاهن يقال: حلوت الكاهن حلوانًا إذا أعطيت أجرته، قال الحافظ في الفتح: أصله من الحلاوة شُبّه بالشيء الحلو من حيث إنه يأخذه سهلًا بلا كلفة ولا مشقة يقال: حلوته إذا أطعمته الحلو والحلوان أَيضًا الرشوة والحلوان أَيضًا أخذ الرَّجل مهر ابنته لنفسه، وأما الكاهن فكان يطلق عند العرب على كل من يدعي الإخبار عن الغيب، والفرق بين الكاهن والعراف على ما ذكره النووي والأبي أن الكاهن هو الذي يُخبر عن المستقبل والعراف هو الذي يُخبر بالمستور الموجود كالمسروق والضالة وقد يطلق على العراف اسم الكاهن أَيضًا، وقد دل الحديث على حرمة حلوان الكاهن وهو حكم قد أجمع عليه الفقهاء، وفي معناه التنجيم والضرب بالحصا وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [5346] , وأبو داود [3481] , والتِّرمذيّ [1276] , والنَّسائيّ [7/ 309]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه فقال: 3877 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمَّد بن رمح عن الليث بن سعد خ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة كلاهما) أي كل من ليث وسفيان رويا (عن الزُّهْرِيّ بهذا الإسناد) يعني عن أبي بكر عن أبي مسعود وساقا (مثله) أي مثل ما

وَفِي حَدِيثِ اللَّيثِ من رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَسْعُودٍ. 3878 - (1504) (68) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، قَال: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حدّث مالك عن الزُّهْرِيّ، غرضه بيان متابعتهما لمالك بن أنس (و) لكن (في حديث الليث من رواية ابن رمح أنَّه) أي أن أَبا بكر (سمع أَبا مسعود) الأَنْصَارِيّ بدل العنعنة في رواية غيره. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي مسعود بحديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنهما فقال: 3878 - (1504) (68) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد القطَّان عن محمَّد بن يوسف) بن عبد الله بن يزيد الكندي المدنِيُّ الأعرج، ثِقَة، من (5) روى عنه في بابين الصوم والبيوع (قال) محمَّد: (سمعت السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة الكندي المدنِي الصحابي المشهور رضي الله عنه (يحدّث عن رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأَنْصَارِيّ الأوسي المدنِي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد بغدادي، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) رافع: (سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: شر الكسب) وأخبثه وأشده حرمة (مهر البغي) أي عوض الزانية بالإجماع (وثمن الكلب) على الخلاف فيه كما مر (و) أدنؤه كراهة (كسب الحجام) أي ما يكتسبه بحجامته، والحجام من يخرج الدم بحجم أو غيره، والكسب في الأصل مصدر كسب من باب ضرب يقال: كسبت المال أكسبه كسبًا وهو هنا بمعنى المفعول أي المكسوب لأنه أخبر عنه بالثَّمن ونحوه أي شر المكسوب مهر البغي الخ. قال القرطبي: ومساق هذا الحديث يدل على صحة ما قلناه سابقًا من أنَّه لا تلزم المساواة في المعطوفات ألا ترى أنَّه شرك بين مهر البغي وثمن الكلب وكسب الحجام في الأشربة ثم إن نسبة الشر لمهر البغي كنسبته إلى كسب الحجام مع أن مهر البغي حرام بالإجماع وكسب الحجام مكروه فقد صح أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى

3879 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجام أجره رواه البُخَارِيّ وأبو داود قال ابن عباس: ولو كان حرامًا لم يعطه، وقد سأله رجل عن كسب الحجام فنهاه ثم سأله فنهاه ثم سأله فقال في الثالثة: اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك رواه أَحْمد وأبو داود والتِّرمذيّ وابن ماجه فلو كان حرامًا لما أجاز له تملكه ولا أن يدفع به حقًّا واجبًا عليه وهو نفقة الرقيق فيكون (شر) في كسب الحجام بمعنى ترك الأولى والحض على الورع وهذا مثل ما تقدم في الصلاة (شر صفوف النساء أولها) ويكون (شر) في مهر البغي محمولًا على التحريم. وعلى هذا فإما أن يحمل لفظ (شر) في صدر الحديث على قدر مشترك بين المحرم والمكروه أو على أن اللفظ المشترك قد يراد به جميع متناولاته وهذا كله إذا تنزلنا على أن كسب الحجام هو ما يأخذه أجرة على نفس عمل الحجامة فإن حملناه على ما يكتسبه من بيع الدم فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه فلا يبعد أن يكونوا يشترونه للأكل فيكون ثمنه حرامًا كما قد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم على قوم شيئًا حرم عليهم ثمنه" رواه أَحْمد وأبو داود، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث: "ثمن الدم حرام". وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 3879 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي (أخبرنا الوليد ابن مسلم) القُرشيّ مولاهم الدِّمشقيّ، ثِقَة، من (8) (عن الأَوْزَاعِيّ) عبد الرَّحْمَن بن عمرو الشَّاميّ، ثِقَة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطَّائيّ اليماميّ، ثِقَة، من (5) (حَدَّثني إبراهيم) بن عبد الله (بن قارظ) القُرشيّ المدنِيُّ، صدوق، من (3) وسماه في رواية هشام الآتية إبراهيم بن عبد الله وهو ابن قارظ هذا وهنا نسبه إلى جده فلا مخالفة بينهما (عن السائب بن يزيد) الكندي المدنِيُّ رضي الله عنه (حَدَّثني رافع بن خديج) الأَنْصَارِيّ الأوسي رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن قارظ لمحمد بن يوسف (عن رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ. وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ". 3880 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3881 - (00) (00) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ. حَدَّثنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم قال: ثمن الكلب خبيث) أي حرام على الخلاف المار (ومهر البغي خبيث) أي حرام بالإجماع (وكسب الحجام خبيث) أي مكروه. وشارك المؤلف في هذه الرواية أبو داود [3421] والتِّرمذيّ [1275] , والنَّسائيّ [7/ 190]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 3880 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن يحيى بن أبي كثير) الطَّائيّ اليماميّ (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن السائب عن رافع (مثله) أي مثل ما روى الأَوْزَاعِيّ عن يحيى، غرضه بيان متابعة معمر للأوزاعي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 3881 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل) المازنِيّ أبو الحسن البَصْرِيّ ثم الكُوفيّ نزيل مرو وشيخها، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله الربعي الدستوائي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) اليماميّ، ثِقَة، من (5) (حَدَّثني إبراهيم بن عبد الله) بن قارظ القُرشيّ المدنِيُّ، صدوق، من (3) (عن السائب بن يزيد) الكندي الصحابي (حَدَّثَنَا رافع بن خديج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق هشام الدستوائي (بمثله) أي بمثل ما حدّث الأَوْزَاعِيّ عن يحيى، غرضه بيان متابعة هشام للأوزاعي.

3881 - (1505) (69) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أبِي الزُّبَيرِ. قَال: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ قَال: زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنْ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي مسعود بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3881 - (1505) (69) (حَدَّثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النَّيسَابُورِيّ ثم المكيّ، ثِقَة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) الأُموي مولاهم أبو علي الحراني، وقد يُنسب إلى جده كما في المتن، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا معقل) بن عبيد الله العبسي بموحدة مولاهم أبو عبد الله الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزُّبير) الأسدي المكيّ (قال: سألت جابرًا) ابن عبد الله الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ رضي الله عنهما (عن) حكم (ثمن الكلب و) ثمن (السنور) أي الهرة الأهلية. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان واثنان حرانيان وواحد مدني (قال) جابر (زجر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) أي نهى (عن ذلك) أي عن ثمنهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3479] , والتِّرمذيّ [1279] , والنَّسائيّ [7/ 309]. قال القرطبي: لفظ (زجر) يُشعر بتخفيف النهي عنهما وأنه ليس على التحريم كما قررناه بل على التنزيه عن ثمنهما، وقد كره بيع السنور أي الهرة الأهلية أبو هريرة ومجاهد وغيرهما أخذًا بظاهر هذا الحديث فمنهم من علله بأنه لا يثبت في البيوت ولا يمكن انضباطه وهذا ليس بشيء وهذا مناكرة للحس فإنَّها تنضبط في البيوت آمادًا طويلة وتسلمه ممكن حاله البيع فقد كملت شروط البيع ثم إن شاء مشتريه ضبطه وإن شاء سيبه وأحسن من هذا أن بيعه وبيع الكلب ليس من مكارم الأخلاق ولا من عادة أهل الفضل، والشرع ينهى عما يناقض ذلك أو يباعده كما قلنا في طرق الفحل وكذلك في كسب الحجام لأنه عمل خسيس لا يتعاطاه إلَّا أهل الخسة والدناءة كالعبيد ومن جرى مجراهم اهـ من المفهم. قوله: (والسنور) استدل بهذا الحديث من قال بحرمة بيع السنور وروي ذلك عن أبي هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد وبه أخذ ابن حزم في المحلى [9/ 13] واتفق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأئمة الأربعة وجمهور من سواهم على جواز بيعه وحملوا النهي في حديث الباب على التنزيه وهو أصح ما قيل فيه اهـ من التكملة. (قلت): والمراد بالسنور هنا: الهرة الأهلية الإنسية لا الهرة الوحشية المعروفة بالسنور فإنَّه يجوز بيعها لغرض الزباد وهو بزاقة العطر لأنه يخلط بالطيب كما هو مبسوط في الفروع اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث جابر الأول وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث أبي مسعود الأَنْصَارِيّ ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد به لحديث أبي مسعود وذكر فيه ثلاث متابعات، والسادس: حديث جابر الأخير ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث أبي مسعود رضي الله عنهم أجمعين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة

574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلَّا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة 3883 - (1506) (70) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ َعَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 574 - (14) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وتحريم اقتنائها إلَّا لحاجة وإباحة أجرة الحجامة 3883 - (1506) (70) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب) لما رآهم يستأنسون بها استئناس الهر فشدّد عليهم أولًا في ذلك ثم خفف، قال النووي: استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره. وهذا السند من رباعياته. قال القرطبي: حديث ابن عمر رُوي مطلقًا من غير استثناء كما قال في رواية مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ورُوي مقيدًا بالاستثناء المتصل كرواية عمرو بن دينار عن ابن عمر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلَّا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية فيجب على هذا رد مطلق إحدى الروايتين على مقيدهما فإن القضية واحدة والراوي لهما واحد وما كان كذلك وجب فيه ذلك بالإجماع وهذا واضح في حديث ابن عمر وعليه فكلب الصيد والماشية لم يتناولهما قط عموم الأمر بقتل الكلاب لاقتران استثنائهما من ذلك العموم وإلى الأخذ بهذا الحديث ذهب مالك وأصحابه وكثير من العلماء فقالوا بقتل الكلاب إلَّا ما استثني منها ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخًا بل محكمًا اهـ من المفهم. وقال أبو عمر: والذي نختاره أن لا يُقتل منها شيء إذا لم يضر لنهيه عن أن يُتخذ شيء فيه روح غرضًا، ولحديث الذي سقى الكلب، ولقوله في كل كبد حرى أجر، وترك قتلها في كل الأمصار وفيها العلماء ومن لا يسامح في شيء من المنكر والمعاصي الظاهرة اهـ عمدة القاري [7/ 305]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 113] , والبخاري [3223] , والتِّرمذيّ [1488] , والنَّسائيّ [7/ 184 و 185] , وابن ماجه [3202].

3884 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. فَأَرْسَلَ في أَقْطَارِ الْمَدِينَةِ أنْ تُقْتَلَ. 3885 - (00) (00) وحدثني حُمَيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ). حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ أُمَيَّةَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. فَنَنْبَعِثُ في الْمَدِينَةِ وَأَطْرَافِهَا فَلَا نَدَعُ كَلْبًا إلَّا قَتَلْنَاهُ. حَتَّى إِنَا لنَقْتُلُ كلْبَ الْمُرَيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3884 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدنِيُّ (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (قال) ابن عمر: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في أقطار المدينة) ونواحيها من يقتلها لأجل (أن تُقتل) جميع الكلاب، أو الجملة في محل الجر بدل عن قوله: (بقتل الكلاب) لأنه في تأويل مصدر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3885 - (00) (00) (وحدثني حميد بن مسعدة) بن المبارك الباهليّ أبو علي البَصْرِيّ، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا بشر يعني ابن المفضل) بن لاحق الرَّقاشيّ مولاهم أبو إسماعيل البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأُموي المكيّ، ثِقَة، من (6) (عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أمية لعبيد الله بن عمر (قال) ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب فننبعث) أي فننتشر وننتثر يقال: انبعث الرَّجل إذا ثار ومضى ذاهبًا لقضاء حاجته (في) زقاق (المدينة) وحوارِّها (و) في (أطرافها) ونواحيها لطلب الكلاب (فلا ندع) أي فلا نترك (كلبًا) رأيناه (إلا قتلناه) سواء كان مع إنسان أم لا (حتَّى إنَّا لنقتل كلب المرية) -بضم الميم وفتح

مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، يَتْبَعُهَا. 3886 - (1507) (71) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَاب. إلا كَلْبَ صَيدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ. فَقِيلَ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لأَبِي هُرَيرَةَ زَرْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء وتشديد الياء- مصغر المرأة، والأصل المريأة -بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء وفتح الهمزة- أي حتَّى إنَّا لنقتل كلب المرأة التي تقدم (من أهل البادية) حاله كونها (يتبعها) ويمشي معها كلبها فلا نتركه حياءً منها امتثالًا للأمر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 3886 - (1507) (71) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) النَّيسَابُورِيّ (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بن درهم البَصْرِيّ (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكيّ (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب) جميعًا (إلا كلب صيد) وهو الكلب المعلم للصيد الذي قد ضرى به وأخذه (أو كلب غنم) وهو الذي يحفظها في الدار من السراق (أو) كلب (ماشية) وهو الذي يسرح معها إلى المرعى ليحفظها من السباع والسراق، قال في المرقاة: وهذا تعميم بعد تخصيص فأو للتنويع كما في قبلها أو للشك هنا اهـ منه، ومقتضى هذا الاستثناء أنَّه أمرهم بقتل جميع الكلاب من غير استثناء شيء منها فبادروا وقتلوا كل ما وجدوا منها ثم بعد ذلك رخص فيما ذكر فيكون هذا الترخيص من باب النسخ فوافق الترجمة في الجزء الثاني منها لأن العموم قد استقر وبرد وعمل عليه فرفع الحكم عن شيء مما تناوله نسخ لا تخصيص، وقد ذهب إلى هذا المعنى في هذا الحديث بعض العلماء اهـ من المفهم. قال نافع بالسند السابق: (فقيل لابن عمر: إن أَبا هريرة يقول): أي يزيد في هذا الحديث لفظة (أو كلب زرع) وهو الذي يحفظه من الوحوش بالليل والنهار لا من السراق، وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع اهـ من المفهم. ولم أر من ذكر اسم هذا القائل (فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعًا) فلذلك نقله عن رسول الله صلى

3887 - (1508) (72) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنِي إِسحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. حَتَّى إِنَّ الْمَرْأةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ. ثُمَّ نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا. وَقَال: "عَلَيكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم، قال القرطبي: لا يفهم منه أحد من العقلاء تهمة في حق أبي هريرة وإنما أراد به ابن عمر أن أَبا هريرة لما كان صاحب زرع وكان محتاجًا لما يُحفظ به زرعة سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابه بالاستثناء فحصل له علم لم يكن عند ابن عمر ولا عند غيره ممن لم يكن له اعتناء بذلك ولا اهتمام به اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر الثاني بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 3887 - (1508) (72) (حَدَّثَنَا محمَّد بن أَحْمد بن أبي خلف) محمَّد السلمي مولاهم البغدادي، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) (أخبرنا روح بن عبادة حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من خماسياته (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل) جميع (الكلاب) بلا استثناء (حتَّى إن المرأة) بكسر إن لأن حتَّى ابتدائية والمراد بالمرأة الجنس والمعنى إن المرأة (تقدم) بفتح الدال أي تجيء (من البادية) ملتبسة (بكلبها فنقتله) بالنُّون أي نحن، وفي نسخة بالتاء أي هي بنفسها، قال الطيبي: حتَّى هي الداخلة على الجملة وهي غاية لمحذوف أي أمرنا بقتل الكلاب فقتلنا ولم ندع في المدينة كلبًا إلَّا قتلناه حتَّى نقتل كلب المرأة من أهل البادية كذا نص في حديث آخر اهـ مرقاة (ثم نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن قتلها) فقال: لا تقتلوا الكلاب (وقال): لكن (عليكم) أن تقتلوا (بالأسود البهيم) أي الخالص السواد الذي لا بياض فيه (ذي النقطتين) أي صاحب النقطتين أي الذي فوق عينيه نقطتان بيضاوان والحاصل أنَّه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب كلها في مبدإ الأمر ثم

فَإِنّهُ شَيطَانٌ". 3888 - (1509) (73) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبي التَّيَّاحِ. سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ الله، عَنِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ. قَال: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خص القتل بالأسود البهيم ثم رخص فيه أَيضًا (فإنَّه) أي فإن الأسود البهيم (شيطان) حقيقة في كونه ضررًا محضًا لا نفع فيه أو مثل الشيطان للمفسدة الحاصلة منه فكيف يكون فيه منفعة، ولو قدرنا فيه أنَّه ضار أو للماشية لقتل لنص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على قتله اهـ من المفهم. قال النووي: قوله: (فإنَّه شيطان) ليس المراد من الحديث إخراجه عن جنس الكلاب ولهذا لو ولغ في إناء وجب غسله كما يغسل من ولوغ الكلب الأبيض، وقال العيني في العمدة [6/ 305] إن المراد من كونه شيطانًا أنَّه بعيد عن المنافع قريب من المضرة، ثم قال العيني: وهذه أمور لا تُدرك بنظر ولا يُوصل إليها بقياس وإنما يُنتهى إلى ما جاء عن الشارع اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [3/ 333] , وأبو داود [2846]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر الثاني بحديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنهم فقال: 3888 - (1509) (73) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التَّيَّاح) يزيد بن حميد الضبعي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) (سمع مطرف بن عبد الله) بن الشخير العامري أَبا عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة، من (2) (عن) عبد الله (بن المغفل) على صيغة اسم المفعول بن عبيد بن نهم المزني أبي عبد الرَّحْمَن البَصْرِيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) عبد الله بن مغفل (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب) جميعًا لما رآهم يستأنسون بها استئناس الهر فشدد عليهم أولًا في ذلك ثم خفف، ومن أمثلة التشديد في ذلك ما أخرجه أَحْمد في مسنده [6/ 391] عن أبي رافع قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقتل الكلاب فخرجت أقتلها لا أرى كلبًا إلَّا قتلته فإذا كلب يدور ببيت فذهبت لأقتله فناداني إنسان من

ثُمّ قَال: "مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟ " ثُمَّ رَخَّصَ في كَلْبِ الصَّيدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ. 3889 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي محمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ جوف البيت يَا عبد الله ما تريد أن تصنع؟ قال: قلت: أريد أن أقتل هذا الكلب، فقالت: إنِّي امرأة مضيعة وإن هذا الكلب يطرد عني السبع ويؤذنني بالجائي فائت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فاذكر ذلك له، قال: فأتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمرني بقتله. وفي رواية أخرى عند أَحْمد [6/ 9] فقال: "يَا أَبا رافع اقتله، فإنما يمنعهن الله عَزَّ وَجَلَّ" يعني يحفظهن (ثم) بعد أمره بقتل الكلاب فقتلوها قتلًا ذريعًا (قال) لهم: (ما بالهم) أي ما بال النَّاس وشأنهم (وبال الكلاب) أي شأنها يقتلونها أي فليتركوها (ثم) بعد ما أمرهم بقتلها (رخص) لهم أي جوز لهم (في) اتخاذ (كلب الصيد) الذي عُلم كيفية الاصطياد (و) في اتخاذ (كلب الغنم) أي الذي يحفظها في المرعى عن السباع، وفي الدار عن السراق لضرورة الاحتياج إليها والانتفاع بها. وبهذا السند بعينه زاد المؤلف في الطهارة وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفِّرُوه الثامنة في التُّراب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [4/ 85] و [5/ 56] , وأبو داود [2845] , والتِّرمذيّ [1486] , والنَّسائيّ [1857] , وابن ماجه [3205]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3889 - (00) (00) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثيّ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطَّان البَصْرِيّ (ح وحدثني محمَّد بن الوليد) بن عبد الحميد القُرشيّ العامري أبو عبد الله البَصْرِيّ الملقب بحمدان، وثقه النَّسائيّ وابن ماجه، وقال في التقريب: ثِقَة، من (10) (حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ المعروف بغندر (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر) بن شميل المازنِيّ أبو الحسن البَصْرِيّ ثم الكُوفيّ، ثِقَة، من (9)

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَقَال ابْنُ حَاتِمٍ في حَدِيثِهِ عَنْ يَحْيَى: وَرَخَّصَ في كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيدِ وَالزَّرْعِ. 3890 - (1510) (74) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح وحدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأَزدِيّ أبو العباس البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (كلهم) أي كل هؤلاء الخمسة المذكورين يعني خالد بن الحارث ويحيى القطَّان ومحمَّد بن جعفر والنضر بن شميل ووهب بن جرير رووا (عن شعبة) بن الحجاج (بهذا الإسناد) يعني عن أبي التَّيَّاح عن مطرف عن ابن مغفل (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن معاذ عن شعبة، غرضه بيان متابعة هؤلاء الخمسة لمعاذ بن معاذ (و) لكن (قال) محمَّد (بن حاتم) بن ميمون أي زاد في حديثه) أي في روايته (عن يحيى) القطَّان لفظة (ورخص) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في) اتخاذ (كلب الغنم و) كلب (الصيد و) كلب (الزرع) والله أعلم. قال القرطبي: والحاصل من هذه الأحاديث أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمور به إذا أشرف بالمسلمين فإن كثر ضررها وغلب كان ذلك الأمر على الوجوب وإن قل وندر فأي كلب أضر وجب قتله وما عداه جائز قتله لأنه سبع لا منفعة فيه وأقل درجاته توقع الترويع وأنه ينقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطين فأما الشروع منهن المؤذي فقتله مندوب إليه وأما الكلب الأسود ذو النقطتين فلا بد من قتله للحديث المتقدم وقيل ما ينتفع بمثل تلك الصفة لأنه إن كان شيطانًا على الحقيقة فهو ضرر محض لا نفع فيه وإن كان على التشبيه به فإنما شُبه به للمفسدة الحاصلة منه فكيف يكون فيه منفعة ولو قدرنا فيه أنَّه ضار أو للماشية لقتل لنص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على قتله اهـ من المفهم. ثم استدل على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3890 - (1510) (74) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من رباعياته (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسلَّمَ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارٍ، نَقَصَ من عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: من اقتنى) واتخذ (كلبًا) غير منتفع به أي اتخذه وأمسكه، وقد ورد الحديث بكل من هذه الألفاظ (إلا كلب ماشية أو ضار) أي أو كلبًا ضاريًا أي معودًا بالصيد يقال: ضري الكلب بوزن خشي إذا تعود الاصطياد وأضراه صاحبه أي عوده الضراوة أي الاصطياد وعلمه إياه وأغراه به ويُجمع على ضوار والمواشي الفمارية المعتادة لرعي زروع النَّاس اهـ نهاية، وهو من جهة الإعراب مضاف إليه لكلب من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع، وفي بعض النسخ أو ضاري أي أو كلب ضاري بإثبات الياء من غير دخول الألف واللام عليه وهو لغة قليلة، وفي بعضها: ضاريًا بإظهار الإعراب على الياء أي أو كلبًا ضاريًا أي متعودًا للاصطياد باجتماع شروط كونه معلمًا به (نقص من) أجر (عمله كل يوم قيراطان) ولفظ نقص يُستعمل لازمًا ومتعديًا وهو هنا لازم بدليل رفع قيراطان، ورُوي (قيراطين) وهو حينئذ يكون متعديًا، وضمير الفاعل حينئذ يعود إلى الكلب أو على الرَّجل المقتني، قال النووي: والقيراط هنا مقدار معلوم عند الله تعالى والمراد نقص جزء من أجزاء أجور عمله الصالح اهـ. وفي مجمع البحار: القيراط نصف عشر الدينار في أكثر البلاد وعند أهل الشَّام جزء من أربعة وعشرين جزءًا منه اهـ وقد وقع في رواية ابن أبي حرملة (قيراط) بدل (قيراطان) فيُجمع بينهما باحتمال أنَّه في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر كالأسود المتقدم أولمعنى فيهما أو يكون ذلك مختلفًا باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدينة خاصة لزيادة فضلها والقيراط في غيرهما أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى والقيراط في البوادي أو يكون ذلك في زمنين فذكر القيراط أولًا ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين كذا حققه النووي، وذكر الحافظ في المزارعة من الفتح [5/ 5] أن الحكم للزائد منهما لكونه حفظ ما لم يحفظه الآخر وهو الأوجه عندي اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 4] , والبخاري [5482] , والتِّرمذيّ [1487] , والنَّسائيّ [7/ 188]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله عنهما فقال:

3891 - (00) (00) وحدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. قَال: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إلا كَلْبَ صَيدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3891 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير قالوا: حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن الزُّهْرِيّ عن سالم عن أَبيه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال: من اقتنى كلبًا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان) واختلف العلماء في محل نقص القيراطين فقيل: ينقص قيراط من عمل النهار وقيراط من عمل الليل أو قيراط من عمل الفرض وقيراط من عمل النفل، والقول الأسلم الأصح أنَّه لا سبيل إلى تعيين هذا بالقياس فإن مثله يتوقف على السماع ولم يوجد فلا ضرورة إلى تعيين ذلك ومقصود الشارع أن اقتناء الكلب بدون حاجة ينقص من عمل الرَّجل قيراطين كل يوم فيجب أن يحذر منه وليس عندنا ما نتحقق به قدر القيراطين ولا تعيين عمل ينقص منه ذلك القدر فلا حاجة إلى الخوض في أمثال هذه المباحث. ثم ذكروا في سبب نقصان الأجر وجوهًا فقيل: سببه امتناع دخول الملائكة بسببه وقيل ما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم وقيل إن ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهي عن اتخاذه وعصيانه في ذلك وقيل لما يبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء والتراب كذا في شرح النووي، ثم الظاهر من هذه الأحاديث عدم جواز اقتناء الكلب إلَّا لحاجات استثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن عبد البر أن هذه الأحاديث تدل على كراهة ذلك ولا تدل على التحريم لأنها لا تذكر إلَّا نقصان الأجر، والمحرم لا بد فيه من إثم ولكن رد عليه الحافظ في المزارعة في الفتح [5/ 5] بأن نقصان الأجر نوع من الإثم أو المراد بنقصان الأجر في الحديث أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازي قدر قيراط أو قيراطين من أجر ومما يؤيد قول الحافظ الأحاديث التي ذكر فيها أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة أو كلب، والظاهر أن امتناع الملائكة لا يكون إلَّا بما فيه إثم. وأما الحكمة في النهي عن اقتنائه فإنَّه يشبه الشيطان بجبلته لأن ديدنه لعب وغضب

3892 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إلا كَلْبَ ضَارِيَةٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ من عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واطراح في النجاسات وإيذاء النَّاس ويقبل الإلهام من الشياطين فرأى منهم صدودًا وتهاونًا ولم يكن سبيل إلى النهي عنه بالكلية لضرورة الزرع والماشية والحراسة والصيد فعالج ذلك باشتراط أتم الطهارة. اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3892 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى ويحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكريا البغدادي، ثِقَة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدنِيُّ (أنَّه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع وسالم (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتنى) واتخذ (كلبًا إلا كلب ضارية) فيه حذف موصوف وإبقاء صفته تقديره إلَّا كلب ذي كلاب ضارية، والضاري هو المعلم كيفية الصيد المعتاد له اهـ نووي (أو) إلَّا كلب ذي (ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان) قال القرطبي: واختلف في معنى قوله: (نقص من عمله كل يوم قيراطان) وأقرب ما قيل في ذلك قولان: أحدهما: أن جميع ما عمله من عمل ينقص لمن اتخذ ما نُهي عنه من الكلاب بإزاء كل يوم يمسكه فيه جزءان من أجزاء ذلك العمل وقيل: من عمل ذلك اليوم الذي يمسكه فيه وذلك لترويع الكلب للمسلمين وتشويشه عليهم بنباحه ومنع الملائكة من دخول البيت ولنجاسته على ما يراه الشَّافعيّ، الثاني: أن يحبط من عمله كله عملان أو من عمل يوم إمساكه على ما تقدم عقوبة له على ما اقتحم من المنهي والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم إن الكلب تتبعه أمراض وأدواء كثيرة وفي لعابه سُمِّية تضر بالإنسان فالاجتناب عن اقتنائه إلَّا لحاجة فيه حكم كثيرة، وذكر الدميري في

3893 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مُحَمَّدٍ) (وَهُوَ ابْنُ أبي حَرْمَلَةَ) عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ اقْتَنَى كلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ". قَال عَبْدُ الله: وَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: "أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حياة الحيوان [2/ 226] أن الجيفة أحب إلى الكلب من اللحم الغريض ويأكل العذرة ويرجع في قيئه، ومن عيوب الكلب أنَّه تعوزه الحمية الجنسية فإنَّه يعادي أبناء جنسه وكلما كان في موضع وجاء فيه كلب آخر طرده ولم يتحمله اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 3893 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى ويحيى بن أَيُّوب) المقابري (وقتيبة وابن حجر، قال يحيى) بن يحيى: (أخبرنا وقال الآخرون: حَدَّثَنَا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزُّرَقيّ المدنِيُّ (عن محمَّد وهو ابن أبي حرملة) كنيته اسمه القُرشيّ مولاهم أبي عبد الله المدنِيُّ ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أَبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لعبد الله بن دينار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتنى) وأمسك (كلبًا إلا كلب ماشية أو كلب صيد نقص من) أجر (عمله كل يوم قيراط) واختلاف العدد في القيراط محمول على اختلاف نوع الكلب أو على أنَّه أخبر أولًا بالعدد الأقل ثم بالأكثر تغليظًا عليهم كما مر مع زيادة (قال عبد الله) بن عمر بهذا السند (وقال) أي زاد (أبو هريرة) في هذا الحديث لفظة (أو كلب حرث) مصداقه قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا" والزرع: الحرث والضرع: الماشية اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

3894 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أبي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إلا كَلْبَ ضَارٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ". قَال سَالِمٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يَقُولُ: "أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ" وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ. 3895 - (00) (00) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويةَ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3894 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا وكيع حَدَّثَنَا حنظلة بن أبي سفيان) اسمه الأسود بن عبد الرَّحْمَن بن صفوان بن أمية الأُموي المكيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن سالم) بن عبد الله (عن أَبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حنظلة بن أبي سفيان لمحمد بن أبي حرملة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتنى كلبًا إلَّا كلب ضار) بالجر والتنوين من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع أي إلَّا كلبًا ضاريًا أي معلمًا للصيد (أو) إلَّا كلب (ماشية) أي كلبًا يحرس ماشية (نقص من عمله كل يوم قيراطان، قال سالم): أي فيما رواه عن أَبيه عبد الله كما هو الرواية المتقدمة (وكان أبو هريرة يقول): أي يزيد في روايته لفظة (أو كلب حرث) قال ابن عمر: (وكان) أبو هريرة (صاحب حرث) وزرع يعني أن أَبا هريرة يزيده في روايته فإن المفهوم من عبارة الفتح في باب اقتناء الكلب للحرث إنكار ابن عمر هذه الزيادة، وقد مر أنَّه قيل له: إن أَبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال: إن لأبي هريرة زرعًا (قوله: وكان صاحب حرث) هذا قول ابن عمر في حق أبي هريرة كما ذُكر آنفًا وسيأتي أَيضًا، قال ابن حجر: ويقال: إن ابن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وأن سبب حفظه لهذه الزيادة دونه أنَّه كان صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلًا بشيء احتاج إلى تعرّف أحكامه اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثه رضي الله عنه فقال: 3895 - (00) (00) (حدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (13) بابا (أخبرنا عمر بن حمزة بن

عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "أَيمَا أَهْلِ دَارٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا إلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطَانِ". 3896 - (00) (00) حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْحَكَمِ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يحدِّثُ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إلا كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيدٍ، يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عمر) بن الخطاب العمري المدنِيُّ، ضعيف، من (6) ذكره مسلم متابعة، روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أَبيه) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن حمزة لحنظلة بن أبي سفيان، وفائدتها بيان كثرة طرقه (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أهل دار) بجر أهل بإضافة أي إليه وهي شرطية مرفوعة على الابتداء، والخبر جملة الجواب أو الشرط أو هما على الخلاف المذكور في محله (اتخذوا) أي اقتنوا (كلبًا) لا يجوز اتخاذه (إلا كلب ماشية أو كلب صائد) بجر صائد بإضافة كلب إليه من إضافة الموصوف إلى صفته أي كلبًا صائدًا أي يصيد صيدًا (نقص من عملهم كل يوم قيراطان). ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه سادسًا فقال: 3896 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى و) محمَّد (بن بشار) بندار (واللفظ لابن المثنَّى قالا: حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي غندر (حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة عن أبي الحكم) عمران بن الحارث السلمي الكُوفيّ، روى عن ابن عمر في المساقاة في اقتناء الكلب، وابن عباس، ويروي عنه (م س) وقتادة بن دعامة وسلمة بن كهيل، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال في التقريب: ثِقَة، من الرابعة (قال: سمعت ابن عمر يحدّث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الحكم لسالم بن عبد الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اتخذ) واقتنى (كلبًا إلَّا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

3897 - (1511) (75) وحدثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. قَال: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيسَ بِكَلْبِ صَيدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ، فَإِنّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ، كُلَّ يَوْمٍ". وَلَيسَ في حَدِيثِ أَبِي الطَّاهِرِ: "وَلَا أَرْضٍ". 3898 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا، إلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيدٍ أَوْ زَرْعٍ، انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ". قَال الزُّهْرِيُّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 3897 - (1511) (75) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى المصريان (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب) المخزومي المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض) أي ولا كلب أرض أي زرع (فإنَّه) أي فإن الشأن والحال (ينقص من أجره قيراطان كل يوم وليس في حديث أبي الطاهر ولا أرض). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 425] , والبخاري [2321] , وأبو داود [2844] , والتِّرمذيّ [1490] , والنَّسائيّ [7/ 189]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3898 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد البَصْرِيّ (عن الزُّهْرِيّ عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اتخذ كلبًا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط، قال الزُّهْرِيّ)

فَذُكِرَ لابْنِ عُمَرَ قَوْلُ أَبِي هُرَيرَةَ. فَقَال: يَرْحَمُ الله أَبا هُرَيرَةَ! كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ. 3899 - (00) (00) حَدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسند السابق (فذُكر) بالبناء للمجهول لم أر من ذكر اسم الذاكر (لابن عمر) رضي الله عنهما (قول أبي هريرة) رضي الله عنه يعني قوله أو زرع (فقال) ابن عمر: (يرحم الله أَبا هريرة كان صاحب زرع) وقال سالم في الرواية السابقة: (وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب حرث) قال العلماء: ليس هذا توهينًا لرواية أبي هريرة ولا شكًّا فيها بل معناه أنَّه لما كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقنه، والعادة أن المبتلى بشيء يتقنه ما لا يتقنه غيره ويتعرّف من أحكامه ما لا يعرفه غيره اهـ نووي. ولعله رضي الله عنه صار كذلك بعد عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإلا فقد كان في ذلك العهد مسكينًا لا شيء له ضيفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدل عليه قوله عن نفسه على ما ذكره الإِمام البُخَارِيّ في باب حفظ العلم من صحيحه: إن النَّاس يقولون: أكثر أبو هريرة لولا آيتان في كتاب الله تعالى ما حدّثت حديثًا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {الرَّحِيمُ} إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الْأَنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم أي القيام على مصالح زرعهم وإن أَبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون اهـ. وقال أَيضًا على ما ذكره البُخَارِيّ في باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي: إن النَّاس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتَّى لا آكل الخمير (أي الخبز المجعول فيه الخميرة) ولا ألبس الحبير (أي الجديد) ولا يخدمني فلان ولا فلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع وإن كنت لأستقرئ الرَّجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني وكان أخير النَّاس للمسكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتَّى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فيشقها فنلعق ما فيها اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3899 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم

حَدَّثنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ. إلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ". 3900 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 3901 - (00) (00) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسدي البَصْرِيّ المعروف بابن عليّة (حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا يحيى بن أبي كثير) الطَّائيّ اليماميّ (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير للزهري (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمسك) واقتنى (كلبًا فإنَّه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلَّا كلب حرث أو ماشية). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3900 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرَّحْمَن الأُموي مولاهم البَصْرِيّ ثم الدِّمشقيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيّ) عبد الرَّحْمَن بن عمرو الشَّاميّ، ثِقَة، من (7) (حدثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطَّائيّ اليماميّ (حَدَّثني أبو سلمة بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف (حَدَّثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأَوْزَاعِيّ لهشام الدستوائي وساق الأَوْزَاعِيّ (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل حديث هشام. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 3901 - (00) (00) (حدثنا أَحْمد بن المنذر) بن الجارود البَصْرِيّ أبو بكر القزَّاز، ثِقَة، من (11) روى عنه (م) في (5) أبواب (حَدَّثَنَا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم أبو سهل البَصْرِيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حَدَّثَنَا

حَرْبٌ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3902 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ) عَنْ إِسمَاعِيلَ بْنِ سُمَيعٍ. حَدَّثَنَا أبُو رَزِينٍ. قَال: سَمِعْتُ أبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا لَيسَ بِكَلْبِ صَيدٍ وَلَا غَنَمٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حرب) بن شداد اليشكري أبو الخطاب البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يحيى بن كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وساق حرب (مثله) أي مثل حديث هشام الدستوائي، غرضه بيان متابعة حرب بن شداد لهشام الدستوائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 3902 - (00) (00) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقَفيّ البلخي (حَدَّثَنَا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن إسماعيل بن سميع) مصغرًا الحنفي أبي محمَّد الكُوفيّ، بيّاع السابري -بفتح المهملة وبكسر الموحدة- ثوب رقيق جيد كما في القاموس، روى عن أبي رزين في البيوع، ومسلم البطين في الزهد، ويروي عنه (م د س) وعبد الواحد بن زياد وشعبة وعلي بن عاصم وحفص بين غياث والثوري، وثقه أَحْمد وابن معين وأبو داود والعجلي وابن سعد، وروى أنَّه لم ير في جمعة ولا جماعة أربعين سنة وكان خارجيًا، وقال في التقريب: صدوق، تكلم فيه لبدعة الخوارج، من الرابعة (حَدَّثَنَا أبو رزين) مسعود بن مالك الأسدي الكُوفي، ثِقَة فاضل، من (2) روى عنه في (3) أبواب، مات سنة (85) (قال: سمعت أَبا هريرة يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي رزين لأبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من اتخذ كلبًا ليس بكلب صيد ولا غنم نقص من عمله كل يوم قيراط). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنهم فقال:

3903 - (1512) (76) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ؛ أن السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيرٍ (وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شَنُوءَةَ مِنْ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ) قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لا يُغنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، كُلَّ يَوْمٍ، قِيرَاطٌ". قَال: آنْتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ؟ قَال: إِي، وَرَبِّ هذَا الْمَسْجِدِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ 3903 - (1512) (76) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك) بن أنس (عن يزيد بن خصيفة) نُسب إلى جده لأنه (يزيد بن عبد الله بن خصيفة) مصغرًا ابن عبد الله بن يزيد الكندي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (أن السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة -بضم ففتح مع التخفبف- الكندي الحجازي المعروف بابن أخت نمر الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما (أخبره) أي أخبر ليزيد بن خصيفة (أنَّه) أي أن السائب (سمع سفيان بن أبي زهير) اسمه القرد -بفتح القاف أو كسر الراء- وقيل: نمير الشنئي نسبة إلى أزد شنوءة قبيلة باليمن كما فسره بعض الرواة بقوله: (وهو رجل من شنوءة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنه المدنِيُّ. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى فإنَّه نيسابوري، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) سفيان: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتنى) واتخذ (كلبًا لا يغني عنه) أي لا ينفعه، والضمير للموصول (زرعًا) تمييز أي من جهة حفظ زرعة (ولا ضرعًا) أي ولا ينفعه من جهة حراسة ذات ضرعه يعني مواشيه، والجملة الفعلية صفة لكلبًا (نقص من عمله كل يوم قيراط، قال) السائب: قلت لسفيان: (آنت) أي هل أَنْتَ (سمعت هذا) الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سفيان: (إي) أي نعم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورب) أي أقسمت لك برب (هذا المسجد) الحرام أراد بالمسجد المسجد الحرام، وفي كتاب بدء الخلق من صحيح البُخَارِيّ قال: إي ورب هذه القبلة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ أخرجه في كتاب الحرث والمزارعة في باب اقتناء الكلب للحرث وفي بدء الخلق قبيل كتاب الأنبياء، والنَّسائيّ

3904 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ. أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ؛ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَيهِمْ سُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهَيرٍ الشَّنَئِيُّ. فَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. بِمِثْلِهِ. 3905 - (1513) (76) حدثنا يَحْيَى بْنُ أيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ حُمَيدٍ. قَال: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الصيد في باب الرخصة في إمساك الكلب والماشية، وابن ماجه في باب النهي عن اقتناء الكلب، وأَحمد في مسنده [5/ 219 و 220]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه فقال: 3904 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزُّرَقيّ مولاهم أبو إسحاق المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) (عن يزيد بن خصيفة أخبرني السائب بن يزيد أنَّه وفد) أي حضر (عليهم) في مكة (سفيان بن أبي زهير الشنئي) بفتح الشين المعجمة والنون وكسر الهمزة والياء المشددة نسبة إلى أزد شنوءة حيٌّ من اليمن أي قدم علينا حاجًّا ونحن في مكة في المسجد الحرام (فقال) سفيان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): الحديث السابق وساق إسماعيل بن جعفر (بمثله) أي بمثل ما حدّث مالك عن يزيد بن خصيفة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل لمالك بن أنس. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 3905 - (1513) (76) (حَدَّثَنَا يحيى بن أَيُّوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ المدنِيُّ (عن حميد) بن أبي حميد الطَّويل البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) (قال) حميد: (سئل أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم

عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ؟ فَقَال: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. حَجَمَهُ أَبُو طَيبَةَ. فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَينِ من طَعَامٍ. وَكَلَّمَ أَهْلَهُ فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. وَقَال: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيتُمْ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بصريان وواحد مدني وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي أي سأله سائل (عن كسب الحجام) أي عن حكم ما يكتسبه الحجام من المال بحجامته هل هو حلال أم حرام أو مكروه؟ ولم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا السائل (فقال) أنس: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة) هو عبد لبني بياضة بطن من الْأَنصار اسمه نافع، وقيل: دينار قاله ابن عبد البر ووهموه، وقيل: ميسرة والصحيح الأول، وذكر ابن الحذَّاء في رجال الموطإ أنَّه عاش مائة وثلاثًا وأربعين سنة راجع الفتح والإصابة (فأمر) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه بأن يعطي (له) أي لأبي طيبة في أجرة حجامته (بصاعين من طعام) يعني من تمر كما هو مصرح به عند البُخَارِيّ في البيوع من رواية مالك عن حميد، وأعطاه الأجر علي رضي الله عنه كما هو مصرح في حديث علي عند التِّرْمِذِيّ وابن ماجه اهـ من التكملة (وكلم) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أهله) أي كم موالي أبي طيبة وسادته في حق ما يعطيه لهم أبو طيبة من كسبه أن يُخففوا عنه (فوضعوا عنه) أي خففوا عنه (من خراجه) أي من وظيفته المالية التي كلفوه بها أولًا، والخراج هنا ما كان يجعل المولى على عبده من غلة معينة يكسبها له كل يوم ويقال له: الضريبة أَيضًا، وقد أخرج ابن أبي شيبة أنَّه صلى الله عليه وسلم قال للحجام: كم خراجك؟ قال: صاعان، قال: فوضع عنه صاعأا. حكاه الحافظ في إجارة الفتح [4/ 378]. ودل هذا الحديث على جواز أجرة الحجام وهو قول الجمهور وحمل الجمهور أحاديث النهي على التنزيه لما في هذا الكسب من الدناءة والتلوث بالنجاسات، وذكر ابن الجوزي أن أجر الحجام إنما كُره لأنه من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم إعانة له عند الاحتياج إليه فما كان ينبغي له أن يأخذ على ذلك أجرًا، وجمع ابن العربي بين قوله صلى الله عليه وسلم: "كسب الحجام خبيث" وبين إعطائه الحجام أجرته بأن محل الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل معلوم ويُحمل الزجر على ما إذا كان على عمل مجهول، ومنهم من ادعى النسخ وأنه كان حرامًا ثم أبيح وجنح إلى ذلك الطحاوي اهـ من فتح الباري [4/ 376]. (وقال) صلى الله عليه وسلم: (إن أفضل) وأنفع (ما تداويتم) أي تعالجتم (به) من

الْحِجَامَةُ. أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ". 3906 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيَّ) عَنْ حُمَيدٍ، قَال: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. غَيرَ أنَّهُ قَال: "إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ. وَلَا تُعَذِّبُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ كثرة الدم (الحجامة) أي إخراج الدم الفاسد بالمحجم لا بالفصد وقطع العروق لأنه ربما يورث الشلل (أو) قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو أنس والشك من أنس أو ممن دونه (هو) أي الحجم (من أمثل) وأحسن (دوائكم) وأنفعه في إخراج الدم الفاسد من الفصد ونحوه والظاهر أن الأفضلية هنا ليست شرعية بل هي طبيّة وتجريبية، وقد وقع عند النَّسائيّ بلفظ: "خير ما تداويتم به الحجامة". قال أهل المعرفة: والخطاب بذلك لأهل الحجاز ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وتميل إلى ظاهر الأبدان لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن، ويؤخذ من هذا أَيضًا أن الخطاب لغير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم، وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين إذا بلغ الرَّجل أربعين سنة لم يحتجم، قال الطبري: وذلك أنَّه يصير من حينئذٍ في انتقاص من عمره وانحلال من قوى جسده فلا ينبغي له أن يزيده وهيًا بإخراج الدم اهـ وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتد به، وقد قال ابن سينا في أرجوزته: ومن يكن تعوّد الفصاده ... فلا يكن يقطع تلك العاده ثم أشار أنَّه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرْمِذِيّ [1278] , وأبو داود [3224]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3906 - (00) (00) (حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (حَدَّثَنَا مروان) بن معاوية (يعني الفزاري) أبو عبد الله الكُوفيّ نزيل مكة، ثِقَة، من (8) (عن حميد) الطَّويل (قال) حميد: (سئل أنس) بن مالك. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة مروان لإسماعيل بن جعفر (عن كسب الحجام) أهو حلال أم لا (فذكر) مروان (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل (غير أنَّه) أي لكن أن مروان (قال) في روايته: (أن أفضل ما تداويتم به الحجامة) بلا شك فيه، ومع زيادة لفظة (والقسط البحري ولا تعذبوا

صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ". 3907 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: دَعَا النَّبِيّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ صبيانكم بالغمز) أي وإن أفضل وأسهل ما عالجتم به صبيانكم من العذرة إسعاط القسط الهندي أو تبخيرهم به فإنَّه ينفع من ذلك ولا تعذبوا صبيانكم بغمز حلوقهم وحكها بأصابعكم لعلاج العذرة وهو وجع الحلق وارتفاع اللهاة بالورم. قال القرطبي: حديث أنس وحديث ابن عباس يدلان على جواز الاحتجام للحاجم والمحجوم، وجواز أخذ الأجرة على ذلك وقد بينا وجه كراهيتها، وفيه ما يدل على توظيف الخراج على العبيد إذا كانت لهم صنائع لكن على جهة الرفق لا العنف ويُكلّف من ذلك ما يقدر عليه ويستحب التَّخفيف عنهم كما قد كلم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سادات أبي طيبة في التَّخفيف، وقوله: (إن أفضل ما تداويتم به الحجامة) هذا الخطاب متوجه إلى من غلب عليه الدم فإخراجه بالحجامة أولى وأسلم من إخراجه بقطع العروق والفصاد، ويحتمل أن يكون الذين قال لهم هذا كان الغالب عليهم هيجان الدم فأرشدهم إلى إخراجه على الجملة بالحجامة لما ذكرناه من السلامة اهـ من المفهم. وقوله: (القسط البحري) بضم القاف ويقال له: كست أَيضًا، وقال ابن العربي: والقسط نوعان: هندي وهو أسود وبحري وهو أبيض والهندي أشدهما حرارة، وقد وقع في الحديث الترغيب إلى كليهما فالقسط البحري مصرح ها هنا وأما الهندي فقد أخرج البُخَارِيّ في الطب باب السعوط بالقسط الهندي عن أم قيس بنت محصن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بهذا العود الهندي" اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 3907 - (00) (00) (حدثنا أَحْمد بن الحسن بن خراش) بكسر المعجمة الخُرَاسَانِيّ أبو جعفر البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا شبابة) بن سوار الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائنيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شعبة عن حميد) الطَّويل (قال: سمعت أنسًا يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لإسماعيل بن جعفر ومروان بن معاوية (دعا النَّبِيّ صلى

الله عَلَيهِ وَسلَّمَ غُلَامًا لَنَا حَجَّامًا. فَحَجَمَهُ. فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّينِ. وَكَلَّمَ فِيهِ. فَخُفِّفَ عَنْ ضَرِيبَتِهِ. 3908 - (1514) (77) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. كِلَاهُمَا عَنْ وُهَيبٍ. حَدَّثنَا ابْنُ طَاوُسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم غلامًا لنا) معاشر الْأَنصار أي غلامًا لبني بياضة وهو أبو طيبة (حجامًا) أي يعرف الحجامة فأمره بأن يحجمه (فحجمه) أي فحجم الغلام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (فأمر) عليًّا رضي الله عنه كما مر أن يُعطى (له بصاع أو) قال الراوي بـ (مد أو) قال: بـ (مدين) شك شعبة فيما قاله حميد، ووقع في رواية آدم عنه عند البُخَارِيّ في الإجارة "بصاع أو صاعين أو مد أو مدين" وكذلك وقع الشك عنده أَيضًا في رواية سفيان وفيها "بصاع أو صاعين" ولم يذكر المد وقد تقدم في رواية إسماعيل بن جعفر أول الباب الجزم بالصاعين، وأخرجه البُخَارِيّ في البيوع من طريق مالك وفيه الجزم بالصاع ولعل السبب في هذا الاختلاف والشك أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أعطاه صاعًا ووضع صاعًا من خراجه كما تقدم من رواية ابن أبي شيبة أن خراجه كان صاعين وإليه أشار الحافظ في الفتح [4/ 378] والله سبحانه وتعالى أعلم. ورواية الجزم بالصاعين أرجح من غيرها لجزمها وخلوها عن الشك. (وكلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم مواليه (فيه) أي في شأن خراجه بأن يخففوا عنه (فخفف عنـ) ـه في (ضريبته) وجعلوا عليه كل يوم صاع تمر، قال في المصباح: وضربت عليه خراجًا إذا جعلته وظيفة والاسم الضريبة والجمع ضرائب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3908 - (1514) (77) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأَنْصَارِيّ أبو عثمان البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) المغيرة بن سلمة القُرشيّ (المخزومي) أبو هشام البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (كلاهما) أي كل من عفان والمغيرة رويا (عن وهيب) بن خالد بن عجلان الباهليّ مولاهم أبي بكر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن طاوس) اليماني

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَاسْتَعَطَ. 3909 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ). قَالا: أخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أَبيه) طاوس بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره) أي أجرة حجامته (واستعط) بوزن افتعل ماض من الاستعاط، وسينه أصلية وهو معطوف على احتجم أي واستعمل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم السعوط، والسعوط بفتح السين ما يُصب على الأنف من الدواء وطريق الاستعاط أن يستلقي الرَّجل على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهنًا فيه دواء ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس، كذا في فتح الباري [10/ 124]. ولعل ذكر الاستعاط في هذا الحديث جاء في سياق ما تداوى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ابن عباس رضي الله عنهما منه الحجامة والاستعاط اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [5691] , وأبو داود [3423]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3909 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ) الآتي (لعبد) بن حميد (قالا: أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن عاصم) بن سليمان الأحول التَّمِيمِيّ أبي عبد الرَّحْمَن البَصْرِيّ، ثِقَة من (4) روى عنه في (17) بابا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الشعبي لطاوس بن كيسان (قال) ابن عباس (حجم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية قدّمه على الفاعل للتنويه والتشريف (عبد) بالرفع على الفاعلية (لبني بياضة) بطن من الْأَنصار

فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَجْرَهُ. وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ من ضَرِيبَتِهِ. وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو صفة لعبد (فأعطاه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أجره) أي أجرة حجامته له صلى الله عليه وسلم (وكلم) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (سيده) أن يخفف عنه خراجه (فخفف) سيده (عنه) أي عن العبد أي وضع عنه وحط (من ضريبته) أي بعض ضريبته وخراجه، قال النووي: وحقيقة المخارجة أي صيغتها أن يقول السيد لعبده: عاقدتك على أن تكتب وتعطيني من الكسب كل يوم درهمًا مثلًا والباقي لك أو في كل أسبوع كذا وكذا ويشترط رضاهما اهـ. قال ابن عباس: (ولو كان) أجر الحجامة (سحتًا) أي حرامًا (لم يعطه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) أجره لأنه إعانة على معصية، وفي قول ابن عباس هذا تقوية لمذهب الجمهور من أَجل أجرة الحجامة والله أعلم. قال النووي: وفي هذه الأحاديث إباحة نفس الحجامة وأنها من أفضل الأدوية، وفيها إباحة التداوي دبهاباحة الأجرة على المعالجة بالتطبب، وفيها الشفاعة إلى أصحاب الحقوق والديون في أن يخففوا منها، وفيها جواز مخارجة العبد برضاه ورضاء سيده اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين: والثاني: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الثاني، والرابع: حديث عبد الله بن مغفل ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث ابن عمر الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الثالث وذكر فيه خمس متابعات، والسابع: حديث سفيان بن أبي زهير ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والتاسع: حديث ابن عباس ذكره استشهادًا لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

575 - (15) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

575 - (15) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام 3910 - (1515) (78) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى أَبُو هَمَّامٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِالمَدِينَةِ قَال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِن الله تَعَالى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ. وَلَعَلَّ الله سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 575 - (15) باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام 3910 - (1515) (78) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم (القواريري) أبو شعيب البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي أبو محمَّد البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) وكان إذا قيل له (أبو همام) يغضب (حَدَّثَنَا سعيد) بن إياس (الجريري) أبو مسعود البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة بكسر فسكون أو بضم ففتح العبدي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي سعيد الخُدرِيّ) سعد بن مالك رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أَبا سعيد الخُدرِيّ (قال) أبو سعيد: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حاله كونه (يخطب بالمدينة) وقوله: (قال): بدل من يخطب أي يقول في خطبته (يَا أيها النَّاس أن الله) سبحانه و (تعالى يعرض بالخمر) أي يذكر تحريمها بالتعريض وهو ضد التصريح يعني يشير إلى قبحها وكراهيتها من غير تصريح بالحرمة مما يدل على أنها سوف تجعل حرامًا (ولعل الله) تعالى (سيُنزل فيها) قريبًا (أمرًا) محتمًا لازمًا وهو التحريم، قال القرطبي: هذا التعريض وهذا التوقع إنما فهمه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة / 219] فإنَّه يشير من غير تصريح بالحرمة إلى استحباب تركها فإن العقل يقتضي ترك ما كان ضرره أكثر من نفعه، ومن قبيل هذا التعريض قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} فإنَّه تعالى عطف فيه الرزق الحسن على السكر فإنَّه يعرض بأن الخمر ليس من الرزق الحسن، ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء / 43] فإنَّه لما منع من الصلاة في حال السكر ظهر له أن هذا المنع مناسب

فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ". قَال: فَمَا لَبِثْنَا إلا يَسِيرًا حَتَّى قَال النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الله تَعَالى حَرَّمَ الْخَمْرَ. فَمَق أَدْرَكَتْهُ هذِهِ الآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبعْ". قَال: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا، في طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَفَكُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ للمنع منها فتوقع ذلك اهـ (فمن كان عنده منها) أي من الخمر (شيء فليبعه ولينتفع به) أي بثمنه، وفي هذا بذل النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم لأنه صلى الله عليه وسلم نصحهم في تعجيل الانتفاع بالخمر ما دامت حلالًا، وفيه دليل على أن شرب الخمر وبيعها كانا مباحين إباحة متلقاة من الشرع لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قرر أصحابه عليها وليس ذلك من باب البقاء على البراءة الأصلية لأن إقراره دليل الجواز والإباحة كما قررناه في الأصول، وفيه دليل على اغتنام فرصة المصالح المالية إذا عرضت وعلى صيانة المال وعلى بذل النصيحة والإشارة بأرجح ما يعمله من الوجوه المصلحية. (قال) أبو سعيد الخُدرِيّ (فما لبثنا) أي ما مكثنا بعد خطبته صلى الله عليه وسلم (إلا) زمنًا (يسيرًا حتَّى قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى حرم الخمر) أي شربها وسائر الانتفاع بها بقوله سبحانه في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} قيل في هذه الآية دلالة على حرمة الخمر بوجوه: الأول: قصرها على الرجس وهو في اللغة القذر يعني ما الخمر إلَّا نجس في الحكم فيكون محرمًا كحرمته. والثاني: الإخبار بأنها من عمل الشيطان والذات ليس بعمل فيقدر تناولها. والثالث: الأمر بالاجتناب عنها والأمر للوجوب وهذا أبلغ في بيان تحريمها. والرابع: رجاء الفلاح بالاجتناب عنها اهـ من المبارق. (فمن أدركته هذه الآية) المذكورة آنفًا أي من بلغته هذه الآية وهو حي بصفات المكلفين من العقل والبلوغ (وعنده منها شيء) أي والحال أن شيئًا منها عنده قليلا أو كثيرًا (فلا يشربـ) ـه (ولا يبعـ) ـه (قال) أبو سعيد: (فاستقبل النَّاس) أي فانطلق كل واحد منهم (بما كان) ووُجد (عنده منها) أي من الخمر (في طريق المدينة) أي إلى طريقها وزقاقها (فسفكوها) أي أراقوها في زقاقهم، يقال: سفك يسفك من باب ضرب إذا أراق، وقد فهمت الصَّحَابَة رضوان الله تعالى عليهم من نهيه عن الشرب والبيع أنَّه لا ينتفع بها بوجه من الوجوه ولذلك بادروا إلى إراقتها وإتلافها ولو كان فيها منفعة من

3911 - (1516) (78) حدثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَعْلَةَ (رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ)؛ أَنَّهُ جَاءَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المنافع الجائزة لنبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عليها كما نبه على ما في جلد الميتة من المنفعة حين قال: "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" رواه البُخَارِيّ ومسلم وأبو داود والنَّسائيّ، وعلى هذا لا يجوز تخليلها ولا أن تعالج بالملح والسمك وإلى منع ذلك ذهب الجمهور مالك والشافعي وأَحمد وغيرهم وحُكي جواز تخليلها عن أبي حنيفة والأوزاعي والليث وقد دل على فساد هذا ما ذكرناه آنفًا وما يأتي من نهيه عن اتخاذ الخمر خلًا. قال القاضي عياض: وفي هذا أَيضًا منع الانتفاع بها للتداوي وغير ذلك من العطش عند عدم الماء ولتجويز لقمة غُصّ بها وهو قول مالك والشافعي وغيرهما وأجاز ذلك أبو حنيفة وأَحمد وقاله بعض أصحابنا ورُوي عن الشَّافعيّ جوازه أَيضًا إذا خاف التلف وقاله أبو ثور. (قلت): وإذا امتنع الانتفاع مطلقًا فلا يصح تملكها لمسلم ولا تقر في يده بل تُتلف عليه ويجب ذلك عليه ويتلفها الوصي على اليتيم. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث أبي سعيد بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3911 - (1516) (78) (حَدَّثَنَا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي أبو محمَّد الحدثاني، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصَّنْعانِيّ ثم العسقلاني، ثِقَة، من (8) (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) (عن عبد الرَّحْمَن بن وعلة) السبائي المصري المعروف بابن أسميقع كما قال المؤلف: هو (رجل من أهل مصر) صدوق، من (4) روى عنه في (2) بابين الوضوء والبيوع (أنَّه) أي أن عبد الرَّحْمَن (جاء عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما، بالنصب على المفعولية أي جاء عبد الرَّحْمَن بن وعلة لابن عباس فسأله عن حكم الخمر. وهذا السند من خماسياته رجاله واحد منهم طائفي وواحد

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنسٍ وَغَيرُهُ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ وَغلةَ السَّبَائِيِّ (من أَهْلِ مِصْرَ)؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ؟ فَقَال ابْنُ عَبَّاسِ: إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ رَاويةَ خَمْرٍ. فَقَال لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصري وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد هروي، وفيه رواية تابعي عن تابعي ورواية الأكابر عن الأصاغر (ح وحدثنا أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو المصري (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي الطاهر لا لسويد بن سعيد (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني مالك بن أنس) المدنِيُّ (وغيره) أي وغير مالك بن أنس، والجهالة في المقارنة لا تضر في السند (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن عبد الرَّحْمَن بن وعلة السبائي) قبيلة منسوبة إلى سبإ أبو قبيلة في اليمن المصري وطنًا كما قال: (من أهل مصر) المعروف بابن أسميقع -بضم أوله وسكون ثانيه وفتح الميم والقاف بينهما تحتانية ساكنة آخره عين مهملة - (أنه سأل عبد الله بن عباس عما يعصر من العنب) وفي رواية فليح عن زيد بن أسلم عند أَحْمد عن عبد الرَّحْمَن بن وعلة قال: سألت ابن عباس فقلت: إنَّا بأرض لنا بها الكروم وإن أكثر غلاتها الخمر فقال: الخ، أي سأله عن حكم عصير العنب هل هو حلال أم حرام؟ وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مصريون واثنان مدنيان وواحد طائفي، غرضه بيان متابعة مالك بن أنس لحفص بن ميسرة (فقال ابن عباس) في جواب سؤال عبد الرَّحْمَن: عصير العنب إذا أسكر فهو حرام فـ (إن رجلًا) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه أبو عامر الثَّقَفيّ كما هو مصرح في رواية الإِمام أبي حنيفة في جامع المسانيد [2/ 61] وفي رواية القعقاع بن حكيم عند الدَّارميّ [2/ 40] , وأَحمد [1/ 230] كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه بمكة عام الفتح براوية خمر يُهديها إليه، وفي رواية عبد الرَّحْمَن بن إسحاق عن زيد بن أسلم عند أَحْمد [1/ 323] إن رجلًا خرج والخمر حلال فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فأقبل يقتادها على بعير حتَّى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا فقال: "ما هذا معك؟ " قال راوية خمر: أهديتها لك الخ (أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوبة خمر) أي قربة ممتلئة خمرًا، والراوية هي المزادة أي القربة لأنها تروي صاحبها وقيل البعير كذا في مجمع البحار، وحكى النووي القولين ثم رجح الأول لأن الراوي سماها في أول الحديث راوية، وفي آخره مزادة (فقال له): أي للمهدي

رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ الله قَدْ حَرَّمَهَا؟ " قَال: لا. فَسَارَّ إِنْسَانًا. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "بِمَ سَارَرْتَهُ؟ "فَقَال: أَمَرْتُهُ بِبَيعِهَا. فَقَال: "إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيعَهَا" قَال: فَفَتَحَ الْمَزَادَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت) يَا صاحب الهدية (أن الله قد حرمها) أي قد حرم الخمر، قال النووي: لعل السؤال كان ليعرف حاله فإن كان عالمًا بتحريمها أنكر عليه هديتها وإمساكها وحملها وعزره على ذلك فلما أخبره أنَّه كان جاهلًا بذلك عذره، والظاهر أن هذه القضية كانت على قرب تحريم الخمر قبل اشتهار ذلك وفي هذا أن من ارتكب معصية جاهلًا تحريمها لا إثم عليه ولا تعزير اهـ من التكملة. وفي رواية أن هذا المهدي كان قد خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تحريم الخمر ولذلك سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ووقع في رواية فليح عند أَحْمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل علمت أن الله حرمها بعدك؟ " (قال) الرَّجل المهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي ما علمت أن الله حرمها، قال القرطبي: وقول المهدي (لا) يدل على قرب عهد التحريم بزمن الإهداء ثم إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بيّن له الحكم ولم يوبخه ولم يذمه لأن الرَّجل كان متمسكًا بالإباحة المتقدمة ولم يبلغه الناسخ فكان ذلك دليلًا على أن الحكم لا يرتفع بوجود الناسخ بل ببلوغه كما قررناه في الأصول اهـ من المفهم (فسارَّ) الرَّجل المهدي (إنسانًا) كان معه وكان هذا الإنسان غلامًا له كما هو مصرح في رواية القعقاع عند أَحْمد وكان يقول بعيره كما هو مصرح في رواية عبد الرَّحْمَن بن إسحاق عند أَحْمد (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ساررته) إليه أي إلى جليسك (فقال) الرَّجل المهدي: (أمرته) أي أمرت جليسي (ببيعها) أي بيع هذه الخمر (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن) الإله (الذي حرم شربها حرم بيعها، قال) ابن عباس: (ففتح) الرَّجل المهدي (المزاد) أي فم القربة (حتَّى ذهب) وخرج (ما فيها) وسال على الأرض (وقوله: بم ساررته) قال القرطبي: فيه دليل على أن العالم إذا خاف على أحد الوقوع فيما لا يجوز وجب عليه أن يستكشف عن ذلك الشيء حتَّى يتبين له وجهه ولا يكون هذا من باب التجسس بل من باب النصيحة والإرشاد اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الأبي: قوله: (بم ساررته) فيه أن على العالم أن يكشف عما يظن أن باطنه خلاف ظاهره إذا خاف أن يجري فيه ما لا يجوز لأنه قام بباله أن مسارته في شأنها وقد سبق من جهله بالحكم ما سبق فاستكشف فإذا الأمر كما ظن وليس هذا من التجسس وكشف الأسرار وكثرة السؤال لأن المذموم من ذلك إنما هو فيما لا يختص بالإنسان ولا يلزمه القيام به. وأما ما يختص بالإنسان أو يلزمه القيام به والنظر فيه فعليه البحث والكشف لئلا يجري من ذلك ما يضره أو يضاف إليه ما لا يرضاه اهـ منه، وقوله: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها) الذي هنا كناية عن اسم الله تعالى فكأنه قال إن الله حرم شربها وحرم بيعها، ويحتمل أن يكون معناه إن الذي اقتضى تحريم شربها اقتضى تحريم بيعها إذ لا تراد إلا للشرب فإذا حرم الشرب لم يجز البيع لأنه يكون من أكل المال الباطل، وقد دل على صحة هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم على قوم شيئًا حرم عليهم ثمنه" يعني شيئًا يؤكل أو يُشرب لأن ذلك هو السبب الذي خُرّج عليه الحديث ويلحق به كل محرم نجس لا منفعة فيه واختلف في جواز بيع ما فيه منفعة منها كالأزبال والعذرة فحرّم ذلك الشَّافعيّ ومالك وجل أصحابنا وأجاز ذلك الكوفيون والطبري وذهب آخرون إلى إجازة ذلك للمشتري دون البائع ورأوا أن المشتري أعذر من البائع لأنه مضطر إلى ذلك، رُوي ذلك عن بعض أصحابنا وهي قولة عن الشَّافعيّ اهـ من المفهم. وقوله: (ففتح المزادة) أي القربة التي فيها الخمر سماها مرة براوية ومرة بمزادة وهما بمعنى قال الفيومي: وربما قيل مزاد بلا هاء اهـ، قال القرطبي: قوله: (ففتح المزادة حتَّى ذهب ما فيها) فيه دليل على أن أواني الخمر إذا لم تكن مضراة بالخمر (الضاري من الآنية الذي ضري بالخمر أي اشتد فإذا جعل فيه النبيذ صار مسكرًا) أنَّه يجوز استعمالها في غير الخمر إذا غسلت ألا ترى أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه إبقاءها عنده ولا أمره بشقها ولو كانت نجسة لا يطهرها الغسل لأمره بشقها وتقطيعها كما فعل أبو طلحة لما قال لأنس: قم إلى هذه الجرار فكسِّرها، قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتَّى تكسَّرت اهـ من المفهم. وذكر النووي عن القاضي أن المسارر الذي خاطبه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هو الرَّجل الذي أهدى الراوية كذا جاء مبينًا في غير هذه الرواية وأنه رجل من دوس وغلط من ظن أنَّه رجل آخر اهـ وفي رواية قتيبة عن

3912 - (00) (00) حَدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَعْلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ. مِثْلَهُ. 3913 - (1516) (80) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك عند النَّسائيّ (ففتح المزادتين) ويمكن الجمع بينهما بأن اللام في حديث الباب للجنس، وفي رواية القعقاع عند الدَّارميّ وأَحمد فأمر بها فأُفرغت في البطحاء، وفي رواية عبد الرَّحْمَن بن إسحاق عند أَحْمد فأمر بعزال المزادة ففُتحت فخرجت في التُّراب فنظرت إليها في البطحاء ما فيها شيء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 323] , والنَّسائيّ [7/ 307]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3912 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرنا سليمان بن بلال) التَّيميّ المدنِيُّ (عن يحيى بن سعيد) الأَنْصَارِيّ (عن عبد الرَّحْمَن بن وعلة عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق يحيى بن سعيد (مثله) أي مثل ما روى زيد بن أسلم عن عبد الرَّحْمَن بن وعلة، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لزيد بن أسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي سعيد الخُدرِيّ بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 3913 - (1516) (80) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال زهير: حَدَّثَنَا وقال إسحاق: أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكُوفيّ، ثِقَة، من (4) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكُوفيّ، ثِقَة، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون

قَالت: لَمَّا نَزَلَتِ الآيَاتُ من آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ. ثُمَّ نَهَى عَنِ التِّجَارَةِ في الْخَمْرِ. 3914 - (00) (00) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأبِي كُرَيبٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وواحد مدني وواحد إما نسائي أو مروزي (قالت) عائشة: (لما نزلت) في تحريم الربا كما سيصرح به في الرواية الآتية (الآيات) الكائنة (من آخر سورة البقرة) تعني قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} الآيات (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حجرته إلى المسجد كما هو مصرح به في الرواية الآتية (فاقترأهن) أي قرأ تلك الآيات (على النَّاس) فافتعل هنا لمبالغة معنى الثلاثي كما مر في كتاب الإيمان (ثم) بعد نزول تلك الآيات (نهى) رسول الله صلى الله عليه وسأنهي تحريم (عن التجارة في الخمر) لأنها نجسة العين فلا يصح بيعها لعدم ماليتها لكن تحريم الخمر كما في النووي نقلًا عن القاضي هو في سورة المائدة بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ} الآية إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وهي نزلت قبل آية الربا بمدة طويلة فإن آية الربا آخر ما نزل أو من آخر ما نزل فيحتمل أن يكون هذا النهي عن التجارة فيها متأخرًا عن تحريمها، ويحتمل أنَّه أخبر بتحريم التجارة حين حُرمت الخمر ثم أخبر به مرة أخرى بعد نزول آية الربا توكيدًا ومبالغة في إشاعته ولعله حضر المجلس من لم يكن بلغه تحريم التجارة فيها قبل ذلك والله أعلم اهـ نووي. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى عن سائر أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3914 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُريب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لأبي كُريب قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأَعمش عن مسلم) بن صبيح أبي الضحى (عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم وعائشة رضي الله تعالى عنها، غرضه بيان متابعة الأَعمش لمنصور بن المعتمر (قالت) عائشة

لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، في الرِّبَا، قَالت: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ في الْخَمْرِ. 3915 - (1517) (71) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا لَيثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ (لما أنزلت) بالبناء للمجهول (الآيات) التي (من آخر سورة البقرة في الربا قالت): توكيد لفظي لقال الأول (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حجرته (إلى المسجد فحرم التجارة في الخمر) ونهى عنها. (تتمة): وقد فهم الجمهور من تحريم الخمر وبيعها والمنع من الانتفاع بها واستخباث الشرع لها وإطلاق الرجس عليها والأمر باجتنابها الحكم بنجاستها، وخالفهم في ذلك ربيعة -وحده من السلف- فرأى أنها طاهرة وأن المحرّم إنما هو شربها وهو قول يرده ما تقدم وما كان يليق بأصول ربيعة فإنَّه قد علم أن الشرع قد بالغ في ذم الخمر حتَّى لعنها وعشرة بسببها رواه التِّرْمِذِيّ، وأمرنا باجتنابها وبالغ في الوعيد عليها فمن المناسب بتصرفات الشرع الحكم بتنجيسها مبالغة في المباعدة عنها وحماية لقربانها فإن قيل: التنجيس حكم شرعي ولا نص فيه فلا يلزم من كون الشيء محرمًا أن يكون نجسًا فكم من محرم في الشرع ليس بنجس؟ فالجواب أنها وإن لم يكن فيها نص بالوضع المتحد لكن فيها ما يدل دلالة النصوصية بمجموع قرائن الآية ومساقها ويعرف ذلك من تصفح الآية وتفهمها ثم ينضاف إلى الآية جملة ما ذكرناه فيحصل اليقين بالحكم بتنجيسها وقوله: لا يلزم من الحكم بالتحريم الحكم بالتنجيس، قلنا: لم نستدل بمجرد التحريم بل بتحريم مستخبث شرعي يحرم شربه فيكون نجسًا كالبول والدم وهذا هو الأولى بربيعة فإنَّه الملقب بـ (ربيعة الرأي) والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي سعيد الخُدرِيّ في تحريم بيع الخمر واستدل على تحريم بيع الميتة والخنزير والأصنام بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 3915 - (1517) (71) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأَزدِيّ المصري

عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ، عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكةَ: "إِن اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيعَ الْخَمْرِ وَالمَيتَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عالمها، ثقة، من (5) (عن عطاء بن أبي رباح) اسمه أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن جابرًا (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح: وهو) صلى الله عليه وسلم (بمكة) المكرمة زادها الله تعالى شرفًا، قال العيني: وهذه الجملة حالية فيها بيان تاريخ ذلك وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة، ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمعه من لم يكن سمعه اهـ (أن الله ورسوله حرم) قال القرطبي: كذا صحت الرواية مسندًا إلى ضمير الواحد وكان أصله حرما بضمير التثنية لأنه تقدمه اثنان لكن تأدب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجمع بينه وبين اسم الله تعالى بضمير الاثنين لأن هذا من نوع ما رده على الخطيب الذي قال: ومن يعصهما فقد غوى فقال له: "بئس الخطيب أنت، قل ومن يعص الله ورسوله" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي، وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الصلاة (بيع الخمر) وهذا الحديث يدل على أن تحريم الخمر كان متقدمًا على فتح مكة كما مر آنفًا، والخمر كل شراب يسكر من أي شيء كان من عنب أو غيره فيحرم بيع قليله وكثيره وقد قدّمنا أن تحريم نَفْعه معلل بنجاسته وأنه ليس فيها منفعة مسوغة شرعًا. (و) بيع (الميتة) بفتح الميم وهي كل ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية سواء كانت مذكاة أو ماتت حتف أنفها فيحرم بيع جميع أجزائها حتى عظمها وقرنها ولا يستثنى عندنا منها شيء إلا ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر فإنه طاهر من الميتة وينتزع من الحيوان في حال حياته وهو قول مالك وأبي حنيفة، وزاد أبو حنيفة وابن وهب من أصحابنا على ذلك أن العظم من الفيل وغيره والسن والقرن والظلف كلها لا تحلها الحياة فلا تنجس بالموت، والجمهور على خلافهما في العظم وما ذكر معه فإنها تحله الحياة وهو الصحيح فإن العظم والسن يألم وتحس به الحرارة والبرودة بخلاف الشعر وهذا معلوم بالضرورة فأما أطراف القرون والأظلاف وأنياب الفيل فاختلف فيها فهل حكمها حكم أصولها فتنجس أو حكمها حكم الشعر على قولين، وأما الريش فالشعري

وَالخِنزِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه شعر وأسفله عظم ومتوسطه هل يلحق بأطرافه أو بأصله فيه قولان لأصحابنا، وقد قال بنجاسة الشعر الحسن البصري والليث بن سعد والأوزاعي لكنها تطهر بالغسل عندهم فكأنها عندهم نجسة بما يتعلق بها من رطوبات الميتة وإلى نحو من هذا ذهب ابن القاسم في أنياب الفيل فقال: تطْهُر إن سُلقت بالماء، وعن الشافعي في الشعر ثلاث روايات إحداها أن الشعر ينجس بالموت، والثانية: أنها طاهرة كقولنا، والثالثة: أن شعر ابن آدم وحده طاهر وأن ما عداه نجس اهـ من المفهم. وأما جلود الميتة فلا تُباع قبل الدباغ ولا ينتفع بها لأنها كلحم الميتة ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأما بعد الدباغ فمشهور مذهب مالك أنها لا تطهر بالدباغ وإنما يُنتفع بها وهو مذهب جماعة من أهل العلم وعلى هذا فلا يجوز بيعها ولا الصلاة عليها ولا بها ولا ينتفع بها إلا في اليابسات دون المائعات إلا في الماء وحده، وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنها تطهُر طهارة مطلقة وأنه يجوز بيعها والصلاة عليها وبها وإليه ذهب الشافعي ومالك في رواية ابن وهب وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دُبغ فقد طهر" رواه أصحاب السنن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "دباغ الإهاب طهوره" رواه أحمد وابن حبان وغير ذلك وكلها صحيح اهـ من المفهم. واستدل بهذا الحديث أيضًا على أنه لا يجوز بيع ميتة الآدمي مطلقًا سواء فيه المسلم والكافر، أما المسلم فلشرفه وفضله حتى إنه لا يجوز الانتفاع بشيء من شعره وجلده وجميع أجزائه، وأما الكافر فلأن نوفل بن عبد الله بن المغيرة لما اقتحم الخندق وقُتل غلب المسلمون على جسده فأراد المشركون أن يشتروه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه" فخلى بينهم وبينه. ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل السير رواه ابن أبي شيبة، قال ابن هشام: أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري، وروى الترمذي من حديث ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم كذا في عمدة القاري [5/ 606]. (و) حرم بيع (الخنزير) وهو الحيوان المعروف البري ولا تعرف العرب في البحر

وَالأَصْنَامِ " ـــــــــــــــــــــــــــــ خنزيرًا، وقد سُئل مالك عن خنزير الماء فقال: أنتم تسمونه خنزيرًا أي لا تسميه العرب بذلك، وقد اتقاه مرة أخرى على جهة الورع والله تعالى أعلم. فأما البري فلا خلاف في تحريمه وتحريم بيعه وأنه لا تعمل فيه الذكاة ومن هنا قال كافة العلماء: إن جلده لا يُطهره الدباغ وإنما يطهر الدباغ جلد ما تعمل الذكاة في حيه، وألحق الشافعي بالخنزير الكلب فلا يُطهِّر جلده الدباغ عنده، وقال الأوزاعي وأبو ثور: إنما يُطفر الدباغ جلد ما يؤكل لحمه، وقد أجاز مالك تذكية السباع والفيل لأخذ جلودها وهذا إنما يتمشى على قوله بكراهة لحمها، وأما على ما قاله في الموطأ من أن السباع حرام فلا تعمل الذكاة فيها فلا تطهّر جلودها بالدباغ كالخنزير وقد شذ داود وأبو يوسف فقالا: إنه يطهر بالدباغ كل حيوان حتى الخنزير ومتمسكهما قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دُبغ فقد طهر" ويعتضد أبو يوسف بقياس جلد الخنزير على جلد الميتة وينفصل الجمهور عنهما بأن هذا العموم محمول على نوع السبب الذي أخرجه وهو ميتة ما تعمل فيه الذكاة وبأن جلد الخنزير نادر لا يخطر بالبال حالة الإطلاق فلا يُقصد بالعموم كما قررناه في أصول الفقه وبأنه لا يقال: إهاب إلا على جلد ما يؤكل لحمه كما قاله النضر بن شميل، وأما القياس فليس بصحيح لوجود الفرق وذلك أن الأصل ميتة ما تعمل فيه الذكاة والفرع ميتة ما لا تعمل الذكاة فيه فكانت أغلظ وأفحش اهـ من المفهم. (و) حرم بيع (الأصنام) فهي الصورة المتخذة للعبادة ولا خلاف في تحريم اتخاذها وبيعها وأنه يجب كسرها وتغييرها وكذلك كل صورة مجسدة كانت صورة ما يعقل أو ما لا يعقل، وأما ما كان رقمًا في ثوب أو حائط ففيه تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى، والأصنام جمع صنم وهو الوثن وفرّق بعضهم بينهما بأن الوثن ما له جثة والصنم ما كان مصورًا فبينهما عموم وخصوص وجهي فإن كانت الجثة مصورة فهي وثن وصنم جميعًا كما في فتح الباري [4/ 341] وظهر من ذلك أن الصورة إذا لم يكن لها جثة كالصور المرسومة على القرطاس وغيره داخلة في الأصنام وإن لم تكن داخلة في الأوثان فلا يجوز بيعها واتخاذها بهذا الحديث ولكن هذا المنع إنما هو في بيع الصورة بقصد الصورة وإذا كسر الصنم وأمكن الانتفاع برضاضه فبيعه جائز عند بعض الحنفية والشافعية وكذا الحكم في الصلبان كما في عمدة القاري [5/ 606] والصلبان جمع صليب وهو كل ما نُحت على صورة آدمي وعبد كصورة عيسى ومريم، والوثن كل صورة مجسدة سواء

فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيتَ شُحُومَ الْمَيتَةِ فَإِنهُ يُطلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُود ويسْتَصْبحُ بِهَا الناسُ؟ فَقَال: "لَا. هُوَ حَرَامٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت على صورة حيوان كالعجل أم لا كالشجر والحجر، والصنم كل ما عُبد من دون الله تعالى سواء كان له جثة أم لا كذا فرّق بينهما بعضهم. (فقيل): أي قال بعض الحاضرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ولم أر من ذكر اسم هذا القائل (يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة) أي أخبرنا عن حكمها هل يجوز بيعها أم لا؟ (فإنه) أي فإن الشأن والحال (يُطلى) ويُلطخ (بها) أي بشحوم الميتة (السفن) أي الفلك الجارية في البحر لئلا ينخرق ويتأكل ألواحها في الماء (وبُدهن بها الجلود) الصلبة لتلين (ويستصبح) أي يستضيء (بها الناس) في مصابيحهم أي فهل يجوز بيعها لما ذُكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع اهـ من الفتح (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: (لا) تبيعوها (هو) أي بيعها لهذه الأغراض وغيرها (حرام) أي ممنوع إذ كانت نجسة نظيرها الدم والخمر مما يحرم بيعه وأكل ثمنه، وقال القرطبي: وهذا نص في أنه يحرم بيعها وإن كانت فيها منافع وذلك لأنها جزء من الميتة كاللحم أو هي كالشحم مع اللحم فإنه عنه يكون ولا يلزم من تحريم بيعها والحكم بنجاستها أن لا يجوز الانتفاع بها على ما قدمناه وهذا هو الذي يتمشى على مذهب مالك فإنه قد أجاز الانتفاع بما ماتت فيه ميتة من المائعات كالزيت والسمن والعسل وغير ذلك مع الحكم بنجاسته فقال: يُعمل من الزيت النجس الصابون ويستصبح به في غير المساجد ويُعلف العسل النحل ويُطعم النجس الماشية وإلى نحو ذلك ذهب الشافعي والثوري وأبو حنيفة ورُوي عن علي وابن عمر، وفرّق بعض أهل العلم بين شحوم الميتة وبين ما تنجس بما وقع فيه من النجاسة فقال: لا ينتفع بالشحوم لأنها نجسة لعينها بخلاف ما تنجس بما وقع فيه فإنه ينتفع به لأن نجاسته ليست لعينه بل عارضة اهـ من المفهم. وقوله: (يُطلى بها السفن) الخ ذُكرت ها هنا للانتفاع بشحم الميتة ثلاث طرق: الأولى: تطلية السفن ولعلهم كانوا يفعلون ذلك لصيانة السفن عن مضار هواء البحر، والثانية: إدهان الجلود بها وكانوا يضمدون شحم الميتة على الجلود لإحكامها وفي قوله: يُدهن بها الجلود نسختان تشديد الدال على كونه من باب الافتعال وتشديد الهاء على كونه من باب التفعيل ذكرهما علي القاري في المرقاة [6/ 39] والطريقة الثالثة: هي

ثُم قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، عِنْدَ ذلِكَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ. إِنَّ اللهَ عَز وَجَل لَمَّا حَرَّمَ عَلَيهِمْ شُحُومَهَا. أَجْمَلُوهُ ثُم بَاعُوهُ. فَكُلُوا ثَمَنَهُ". 3916 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستصباح يعني تنوير المصابيح بها وإيقاد السرج منها، والمقصود أن شحم الميتة يُنتفع به بهذه الطرق فهل يجوز بيعها؟ (فقال: لا هو حرام) قال أكثر الشافعية إن هذا الضمير المرفوع راجع إلى بيع الشحم دون الانتفاع به فيجوز عندهم الانتفاع بشحم الميتة بالطرق المذكورة أو بغيرها ولكن لا يجوز بيعه كما صرح به النووي والحافظ وغيرهما، وأما الجمهور ومنهم الحنفية فعلى أن شحم الميتة لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به أصلًا فكأنهم جعلوا الضمير راجعًا إلى الانتفاع بالطريق المذكورة ويؤيد الجمهور لفظ ابن ماجه (لا هن حرام). (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك) أي عند سؤالهم عن شحوم الميتة أي ثم قال بعد جوابهم عن سؤالهم (قاتل الله اليهود) أي لعنهم الله تعالى، وقد جاء مصرحًا به في الرواية. الأخرى وكذا قاله ابن عباس، وقال غيره عاداهم (أن الله عزَّ وجلَّ لما حزم عليهم شحومها أجملوه) أي أذابوا الشحم، وفي رواية اجتملوها والإجمال والتجميل والجمل من باب نصر إذابة الشحم والجميل الشحم يذاب ويقطر على الخبز (ثم باعوه فكلوا ثمنه) وإنما فعلوا ذلك ليزول عنه اسم الشحم ويصير ودكًا فإن العرب إنما تسميه شحمًا قبل الإذابة وأما بعد الإذابة فهو ودك اهـ من المرقاة [6/ 40] ودل الحديث على أن مجرد تغير الاسم لا يؤثر في حال الشيء وحرمته ما لم تتغير حقيقته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 326]، والبخاري [2236]، وأبو داود [3486]، والترمذي [1297]، والنسائي [7/ 309]، وابن ماجه [2167]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3916 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن

عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب، عَن عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَامَ الفَتْحِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنى. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي آَبَا عَاصِمِ) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ. حَدَّثَنِي يَزِيدُ بن أَبِي حَبِيبِ. قَال: كَتَبَ إِليَّ عَطَاءٌ؛ أنهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، عَامَ الْفَتْحِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ. 3917 - (1518) (82) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظ لأبِي بَكْرٍ). قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رافع الأنصاري أبي الفضل المدني، صدوق، من (6) (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي المصري، من (5) (عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن جعفر لليث بن سعد (قال) جابر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح) سنة ثمان من الهجرة (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك) بن مخلد الشيباني (يعني أبا عاصم) النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) (عن عبد الحميد) بن جعفر الأنصاري المدني، من (6) (حدثني يزيد بن أبي حبيب قال) يزيد: (كتب إليّ عطاء) فيه تصريح بأن يزيد بن أبي حبيب لم يسمعه من عطاء وإنما كتب به إليه فالعنعنة في الرواية السابقة محمولة على الكتابة والله أعلم (أنه) أي أن عطاء (سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول: (عام الفتح) وساق عبد الحميد بن جعفر (بمثل حديث الليث) بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 3917 - (1518) (82) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لأبي بكر قالوا): أي قال كل من الثلاثة (حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته لأنه من رواية عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن

قَال: بَلَغَ عُمَرَ أَن سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا. فَقَال: قَاتَلَ اللهُ سَمُرَةَ. ألَمْ يَعْلَمْ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ. حُرِّمَت عَلَيهِمُ الشحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ـ تابعي (قال) ابن عباس: (بلغ عمر) بن الخطاب في زمن خلافته (أن سمرة) بن جندب رضي الله عنه كما وقع مصرحًا في رواية الزعفراني عند البيهقي (باع خمرًا) واختلف العلماء في كيفية بيع سمرة بن جندب الخمر على أربعة أقوال: الأول: أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها منهم معتقدًا جواز ذلك حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر ورجحه، والثاني: أنه باع العصير ممن يتخذه خمرًا والعصير يسمى خمرًا كما قد يسمى العنب به لأنه يؤول إليه، والثالث: أنه خلل الخمر ثم باع الخل معتقدًا جوازه كما هو مذهب أبي حنيفة، وأما إنكار عمر ذلك على سمرة فيمكن أنه لا يجوز التخليل عنده كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، والرابع: أن سمرة علم بتحريم الخمر ولم يعلم تحريم بيعها ولذلك اقتصر عمر رضي الله عنه على ذَمّه دون عقوبته. وقد رجح القرطبي وابن الجوزي الوجه الأول، ثم ذكر ابن الجوزي أن سمرة كان واليًا لعمر على البصرة ولكن رد عليه الحافظ في الفتح [4/ 344] بأن سمرة إنما ولي على البصرة لزياد وابنه عبيد الله بعد عمر بدهر وولاة البصرة لعمر قد ضبطوا وليس منهم سمرة، ويحتمل أن يكون بعض أمرائها استعمل سمرة على قبض الجزية والله أعلم هذا ملخص ما في فتح الباري. (فقال) عمر: (قاتل الله سمرة) قال ابن الأثير في جامع الأصول: [1/ 451] أي قتله الله وهو في الأصل فاعَل من القتل ويستعمل في الدعاء على الإنسان وقيل معناه عاداه الله والأصل الأول. (قلت): وربما تطلق هذه الكلمة ولا يراد بها معناها الأصلي ولا الدعاء على الإنسان وإنما تطلق على طريق البساطة في الكلام كقولهم: تربت يمينك، وتربت يداك، وويحك، وويلك، فالظاهر أن عمر رضي الله عنه إنما أطلقها بهذا الطريق ولم يرد بها الدعاء حقيقة وهو الظن بالصحابة رضوان الله عليهم (ألم يعلم) سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله اليهود حُرّمت عليهم الشحوم) أي شحوم الميتة (فجملوها) أي أذابوها (فباعوها) يعني بالحيلة المذكورة من إذابة الشحم ليزول عنه اسم الشحم لأنه يسمى حينئذٍ ودكًا كما مر فأكلوا أثمانها، قال ابن الأثير:

3918 - (00) (00) حدثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع. حَدَّثَنَا رَوْحٌ (يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 3919 - (1519) (83) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ـ وجمل في هذا المعنى أفصح من أجمل وذكره العيني قال الشاعر: قد كنت قدمًا مثريًا متموِّلًا ... متجملًا متعففًا متدينا فالآن صرت وقد عدمت تمولي ... متجملًا متعففًا متدينا أي كنت ذا ثروة وزينة وعفة وديانة فصرت آكل شحم مذاب وشارب عفافة وهي بالضم بقية ما في الضرع من اللبن وذا دين اهـ من بعض الهوامش. قال أبو عبيد: يقال: جملت من باب نصر وأجملت من باب أفعل واجتملت من باب افتعل كلها بمعنى الإذابة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 242]، والبخاري [2223]، وأبو داود [3488]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3918 - (00) (00) (حدثنا أمية بن بسطام) بالصرف وعدمه العيشي أبو بكر البصري، صدوق، من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (حدثنا روح يعني ابن القاسم) التميمي العنبري أبو غياث البصري، ثقة، من (6) (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي، ثقة، من (4) (بهذا الإسناد) يعني عن طاوس عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم وساق روح بن القاسم (مثله) أي مثل ما روى سفيان بن عيينة، غرضه بيان متابعة روح بن القاسم لسفيان بن عيينة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3919 - (1519) (83) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني ابن شهاب

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ. حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِمُ الشُحُومَ فَبَاعُوهَا وَأكلُوا أَثْمَانَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ـ عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (أنه) أي أن سعيدًا (حدّثه) أي حدّث لابن شهاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد بصري وواحد مروزي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله) أي لعن الله سبحانه وتعالى (اليهود حرم الله) سبحانه (عليهم الشحوم) أي شحوم الميتة فأذابوها (فباعوها وأكلوا أثمانها) بالحيلة المذكورة من إذابة الشحم، واستدل به من حرّم استعمال الحيل مطلقًا، والحق كما قال الألوسي في روح البيان [23/ 209] تحت قوله تعالى: {فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} أن الحيلة كما أوجبت إبطال حكمة شرعية لا تقبل كحيلة سقوط الزكاة وسقوط الاستبراء وأما إذا توصل بها الرجل إلى ما يجوز فعله ودفع المكروه بها عن نفسه وعن غيره فلا باس بها، وقال السرخسي رحمه الله في كتاب الحيل من المبسوط [30/ 210] فالحاصل أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق الرجل حتى يبطله أو في باطل حتى يموهه أو في حق حتى يدخل فيه شبهة فما كان على هذا السبيل فهو مكروه وما كان على السبيل الذي قلنا أولًا فلا بأس به، واستدل على جواز الحيلة المشروعة بقوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} فإن ذلك تعليم حيلة، وبقوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} فإنه حيلة وجاء السرخسي رحمه الله تعالى بعدة أحاديث وآثار تدل على جوازها. وقال صاحب التكملة: ومن أقوى ما يدل على جواز الحيلة المشروعة ما أخرجه الشيخان والنسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملى رجلًا على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال: أكل تمر خيبر هكذا، قال: إنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، قال: لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا، وسيأتي الحديث عند المصنف في باب بيع الطعام مثلًا بمثل وإنما هو تعليم حيلة للتوصل إلى طريق حلال فما كان من هذا القبيل فهو جائز قطعًا وأما حيلة اليهود في تحليل السبت وبيع الشحوم وأكل ثمنها فكانت من قبيل إبطال الحكمة الشرعية فإن الشريعة قصدت منعهم عن الصيد يوم السبت وعن أكل الشحوم وبيعها ففعلوا ما حصل منه ذلك بعينه وإنما غيّروا الطريق أو التعبير وقدمنا أن مجرد تغيير الاسم لا يؤثر في حل

3920 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ. حُرِّمَ عَلَيهِمُ الشحمُ فَبَاعُوهُ وَأكلُوا ثَمَنَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيء وحرمته حتى تتغير حقيقته فمن أجل ذلك عابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في البيوع باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3920 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (محن ابن شهاب) المدني (عن سعيد بن المسيب) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لابن جريج (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى-الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود) ولعنهم (حُرِّم) بالبناء للمجهول (عليهم الشحم فـ) أذابوه و (باعوه وأكلوا ثمنه) وزاد أبو داود وأحمد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه) فاستدل به من حرم بيع كل محرم الأكل وأجاب عنه المارديني في الجوهر النقي إن قوله: (إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) خُرِّج على شحوم الميتة التي حُرِّم أكلها والانتفاع بشيء منها وكذا الخمر أي إذا حرم أكل شيء ولم يبح الانتفاع به حرم ثمنه ولم يعن ما أبيح الانتفاع به بدليل إجماعهم على بيع الهر والفهد والسباع المتخذة للصيد والحمر الأهلية، وقال ابن حزم: وممن أجاز بيع المائع تقع فيه النجاسة والانتفاع به علي وابن مسعود وابن عمر وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري والقاسم وسالم وعطاء والليث وأبو حنيفة وسفيان وإسحاق وغيرهم، وراجع أيضًا إعلاء السنن [14/ 81] إلى [83] باب حرمة بيع الخمر والميتة والخنزير والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث ابن عباس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره للاستشهاد به لحديث أبي سعيد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث عمر ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

576 - (16) أبواب الربا والصرف وتحريم التفاضل والنساء في بيع النقود

576 - (16) أبواب الربا والصرف وتحريم التفاضل والنساء في بيع النقود ـــــــــــــــــــــــــــــ 576 - (16) أبواب الربا والصرف وتحريم التفاضل والنساء في بيع النقود والربا بكسر الراء مع القصر وبفتحها مع المد ويقال فيه رما بالميم بدل الباء وهو حينئذٍ أيضًا بكسر الراء وفتحها مع القصر والمد فيهما، ففيه ثمان لغات ويكتب بالألف والواو معًا كما في المصحف العثماني نظرًا للأصل والبدل معًا فإن أصله ربو تحركت الواو وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا وبالياء وحدها في غير خط المصحف نظرًا لإمالته عند بعض القراء وإن كان واويًا وهو لغة الزيادة كقوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أي زادت ونمت ويقال: ربا الشيء إذا زاد سواء كانت الزيادة بعقد أو لا، وسواء كانت في العوضين أو في أحدهما، وشرعًا: عقد على مقابلة عوض مخصوص بآخر غير معلوم التماثل حالة العقد بمعيار الشرع وقولنا عقد خرج به ما إذا لم يكن هناك عقد كما لو باع معاطاة وهو الواقع في أيامنا غالبًا فلا يكون ربا وإن كان حرامًا لكن أقل من حرمة الربا، وقولنا عوض مخصوص وهو الجنس الربوي الذي هو النقد والمطعوم ودخل في النقد النوط العصري لأنه بدل عن النقد فلا ربا في غيرهما كنحاس ورصاص وقماش، وقولنا غير معلوم التماثل يصدُق بمعلوم التفاضل وبمجهول التماثل والتفاضل وقوله في معيار الشرع متعلق بالتماثل ومعيار الشرع هو الكيل في المكيل كالثمار والحبوب والوزن في الموزون كالنقدين والعد في المعدود والذرع في المذروع ودخل بذلك ما لو كان معلوم التماثل لكن في غير معيار الشرع كوزن المكيل وكيل الموزون فإنه يصدق عليه أنه مجهول التماثل في معيار الشرع كما هو مبسوط في كتب الفروع ولا يكون الربا إلا في الذهب والفضة لكونهما قيم الأشياء وإلا في المطعومات لكونها مطعومًا وهي كل ما يقصد للطعم اقتياتًا كالبر والشعير والذرة ونحوها أو تفكهًا كالتمر والزبيب والتين ونحوها أو تداويًا كالملح والمصطكى والزنجبيل ونحوها ولا فرق بين ما يصلح البدن أو ما يصلح الغذاء فإن الأغذية تحفظ الصحة والأدوية ترد الصحة ولا ربا في حب الكتان ودهنه ودهن السمك لأنها لا تقصد للطعم، والربا من أكبر الكبائر فإن أكبر الكبائر على الإطلاق الشرك بالله ثم قتل النفس التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، ثم الزنا، ثم الربا، ولم يحل في شريعة لقوله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} أي

3921 - (1520) (84) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَي مَالِكٍ، عَنْ نَافِع، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَبِيعُوا الذهَبَ بِالذهَبِ إِلا مِثلًا بِمِثْلٍ. وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ في الكتب السابقة فهو من الشرائع القديمة ولم يؤذن الله تعالى في كتابه بالحرب سوى آكله ولذا قيل: إنه يدل على سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه" متفق عليه. والربا أربعة أقسام: ربا الفضل وهو بيع الربوي بجنسه مع زيادة في أحد العوضين، وربا اليد وهو بيع الربويين ولو مختلفي الجنس مع تأخير القبض لهما أو لأحدهما عن المجلس ونُسب إلى اليد لأن القبض يكون بها أصالة، وربا النساء بفتح النون والمد وهو بيع الربويين ولو مختلفي الجنس مع أجل ولو لحظة، وربا القرض وهو كل قرض جر نفعًا للمقرض غير نحو رهن لكن لا يحرم عند الشافعية إلا إذا شُرط في عقده ولا يختص بالربويات بل يجري في غيرها كالعروض والحيوانات. واعلم أن علة الربا في النقود النقدية أي كونها قيم الأشياء وفي الطعام المطعومية كما مر ويشترط لصحة التعاقد على الجنس الربوي نقدًا كان أو طعامًا فيما إذا اتحد جنس العوضين كذهب بذهب وبر ببر ثلاثة شروط المماثلة بين العوضين، والتقابض في المجلس، والحلول أي عدم ذكر الأجل ولو دقيقة، وفيما إذا اختلف الجنسان كذهب بفضة وبر بشعير شرطان التقابض في مجلس العقد، والحلول، فلا تشترط المماثلة لاختلاف الجنس كما هو مستفاد من الأحاديث الآتية ومبسوط في كتب الفقه. (والصرف) مصدر صرف يصرف صرفًا من باب ضرب إذا دفع ذهبًا وأخذ فضة أو عكسه وحقيقته الشرعية هي بيع النقود بعضها ببعض، وتقدم شروط صحة بيعها في الحالتين والتفاضل عدم علم المماثلة فيما يشترط فيه التماثل، والنساء بالمد تأخير قبض العوضين أو أحدهما. 3921 - (1520) (84) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا) حالة كونه (مثلًا) مقابلا (بمثل) في الوزن (ولا

تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ. وَلَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ. وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَي بَعْضٍ. وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ". 3922 - (00) (00) حدثنا قتيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا لَيثٌ. ح وَحَدثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تشفوا) أي لا تفاضلوا (بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض) وقوله: (إلا مثلًا بمثل) حال من الذهبين أي إلا حالة كونهما متساويين وقوله: (ولا تشفوا) بضم التاء وكسر الشين من باب الإفعال أي لا تزيدوا في البيع (بعضها على بعض) وهذه الجملة كما قال ابن الملك تأكيد لما قبلها، قال في المصباح: وشفَّ الشيء يشف شفًا (من باب حَسَّ) مثل حمل يحمل حملًا إذا زاد وقد يُستعمل في النقص أيضًا فيكون من الأضداد يقال هذا يشف قليلًا أي ينقص وأشففت هذا على هذا أي فضلت اهـ وقال في الذهب: هو معروف وهو جوهر معدني أحمر ويؤنث فيقال هي الذهب الحمراء ويقال: إن التأنيث لغة الحجاز اهـ. وتأنيث الضمير في الورق باعتبار أنها النقرة المضروبة أو باعتبار معنى الفضة وهي جوهر معدني أبيض اهـ من الهامش، وفي هذا النهي عن ربا الفضل ثم ذكر النهي عن ربا النسيئة بقوله: (ولا تبيعوا منها) أي من النقود (غائبًا) أي مؤجلًا (بناجز) أي بحال، والغائب المؤجل والناجز هو الحاضر ومنه إنجاز الوعد أي إحضاره اهـ من المبارق. وقد ذكر في هذا الحديث تحريم التفاضل والنسيئة في مبادلة شيئين الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وسيأتي في حديث عبادة بن الصامت ذكر أربعة أشياء معهما وهي البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح فصارت هذه الأشياء ستة وقد نص الحديث على حرمة التفاضل والنسيئة في كل واحد منها إذا بيع بجنسه ويُسمى ربا الفضل ويقال له: ربا السُّنَّة أيضًا لأن هذا النوع من الربا لم يذكره القرآن نصًّا وإنما عرفت حرمته بالسنة اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2177]، والنسائي [7/ 278 و 279]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3922 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا

مُحَمَّدُ بن رُمْح. أخْبَرَنَا الليثُ، عَنْ نَافِع؛ أَن ابنَ عُمَرَ قَال لَهُ رَجُل مِن بَنِي لَيث: إِنَّ أَبَا سَعِيد الخُدْرِي يَأثُرُ هذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فِي رِوَايَةِ قُتَيبَةَ: فَذَهَبَ عَبْدُ اللهِ وَنَافِعٌ معَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابنِ رُمْح: قَال نَافِعٌ: فَذَهَبَ عَبْدُ اللهِ وَأَنا مَعَهُ وَاللَّيثِي، حَتى دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِي. فَقَال: إِنَّ هذَا أَخْبَرَنِي أنَّكَ تُخْبِرُ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْ بَيعِ الْوَرِقِ بِالوَرِقِ إِلا مِثْلًا بِمِثْل وَعَنْ بَيعِ الذهَبِ بِالذهَبِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَأَشَارَ أَبُو سَعِيد بِإصْبَعَيهِ إِلَى عَينَيهِ وَأُذنَيهِ. فَقَال: أَبْصَرَتْ عَينَايَ وَسَمِعَتْ أذُنَايَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ. وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ. إِلا مِثْلًا بِمِثلٍ. وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهُ عَلَي بَعْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن رمح) المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن نافع، أن ابن عمر قال له رجل من بني ليث): لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (إن أبا سعيد الخدري يأثر) بضم المثلثة من باب نصر أي يذكر ويروي (هذا) الحديث (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني حديث النهي عن بيع الورق بالورق إلا مثلًا بمثل والذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل (في رواية قتيبة فذهب عبد الله ونافع معه) أي مع ذلك الرجل الليثي (وفي حديث ابن رمح قال نافع: فذهب عبد الله) بن عمر (وأنا) يريد نافع نفسه أي والحال أني (معه) أي مع ابن عمر (و) الرجل (الليثي) الذي نبه ابن عمر على حديث أبي سعيد، معطوف على عبد الله (حتى دخل) عبد الله (على أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذان السندان أيضًا من رباعياته (فقال) ابن عمر لأبي سعيد: (أن هذا) الرجل الليثي (أخبرني) آنفًا (أنك) يا أبا سعيد (تخبر) وتحدّث (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الورق بالورق إلا) حالة كونهما (مثلًا) مقابلًا (بمثل) أي إلا حالة كونهما متساويين في الوزن (و) نهى (عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلًا) مقابلًا (بمثل) قال نافع: (فأشار أبو سعيد بأصبعيه) المسبحتين (إلى عينيه وأذنبه فقال: أبصرت عيناي) هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى (وسمعت أذناي) هاتان (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول: لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا) مقابلًا (بمثل ولا تشفوا) أي لا تزيدوا (بعضه) أي بعض المعقود عليه (على بعض) في هذا دلالة على

فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل

وَلَا تَبِيعُوا شَيئًا غَائِبًا مِنهُ بِنَاجِزٍ، إِلَّا يَدًا بِيَدٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتراط المماثلة (ولا تبيعوا شيئًا غائبًا) أي مؤجلًا (منه) أي من المعقود عليه (بناجز) أي بحال، وفيه دلالة على اشتراط الحلول في العوضين (إلا يدًا) أي إلا حالة كون كل منهما مقبوضًا (بيد) عن يد أي إلا مقبوضين، وفيه دلالة على اشتراط التقابض في المجلس فالحديث دل على الشروط الثلاثة المعتبرة في حالة اتخاذ جنس العوضين في الربوي. قوله: (إن ابن عمر قال له رجل) الخ ولعله قال ذلك له لأن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كانا يقولان بجواز التفاضل في الأموال الربوية إذا كان البيع يدًا بيد تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ربا إلا في النسيئة" كما سيأتي مصرحًا به عند المصنف في أواخر هذا الباب وسنذكر هناك إن شاء الله تعالى أنهما قد رجعا عن ذلك. فصل في بيان اختلاف الفقهاء في علة ربا الفضل ثم إن حرمة التفاضل والنسيئة مقتصرة في الحديث على الأشياء الستة المذكورة فاختلفت فيه أنظار الفقهاء، فقال طاوس وقتادة: إن الحرمة مقصورة على هذه الأشياء الستة الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ولا تتعدى إلى غيرها وبه قال داود الظاهري ونفاة القياس كما في المغني لابن قدامة [4/ 2] وهو قول الشعبي ومسروق وعثمان البتي أيضًا كما في عمدة القاري [5/ 490] فيجوز عندهم بيع الذرة بالذرة متفاضلًا لأن الحديث لم يذكر الحرمة إلا في الأشياء الستة فيبقى ما عداها على أصل الإباحة لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ}. واتفق القائلون بالقياس على أن الحرمة في هذه الستة معللة بعلة فكلما وُجدت تلك العلة في غيرها من الأشياء ثبتت الحرمة لأن القياس دليل شرعي فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وُجدت العلة فيه، ثم اختلف المعللون في تعيين العلة على أقوال أربعة: الأول: إن العلة في الذهب والفضة الوزن مع الجنس وفي الأشياء الأربعة الكيل مع الجنس وهو قول أبي حنيفة وأحمد والثوري والنخعي والزهري وإسحاق بن راهويه فعلى هذا القول يجري الربا في كل مكيل أو موزون إذا بيع بجنسه مطعومًا كان أو غير مطعوم كالحبوب والنورة والقطن والصوف والورس والحناء والعصفر والحديد والنحاس والرصاص والياقوت وسائر الجواهر ونحو ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: إن العلة في الذهب والفضة الثَّمنِيَّة مع اتحاد الجنس وفيما عداهما كونها مطعومة مع اتحاد الجنس وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وهو رواية عن أحمد ودليلهم ما سيأتي ولأن الطعم وصف شرف إذ به قوام الأبدان، والثمنية وصف شرف إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليل بهما، فعلى هذا القول يجري ربا الفضل في سائر المطعومات سواء كانت مكيلة أو موزونة أو عددية كالتفاح والرمان والبيض وغيرها. والثالث: إن العلة في الذهب والفضة الثَّمنِيَّة مع الجنس وفيما عداهما الادخار مع الجنس وهو قول المالكية، وزاد بعضهم الاقتيات مع الادخار فإن كان الشيء مدخرًا غير مقتات حرم التفاضل فيه عند بعضهم وجاز عند آخرين وإلى تعليل المالكية مال الشيخ الدهلوي في المصفى، واستدلوا بأنه لو كان المقصود الطعم وحده لاكتفى في الحديث بالتنبيه على ذلك بالنص على واحد من تلك الأصناف الأربعة فلما ذكر منها عددًا أنه قصد بكل واحد منها التنبيه على ما في معناه وهي كلها يجمعها الاقتيات والادخار، أما البر والشعير فنبه بهما على أصناف الحبوب المدخر، ونبه بالتمر على جميع أنواع الحلاوات المدخرة كالسكر والعسل والزبيب، ونبه بالملح على جميع التوابل المدخرة لإصلاح الطعام وأيضًا فإنهم قالوا لما كان معقول المعنى في الربا إنما هو أن لا يغبن بعض الناس بعضًا وأن تحفظ أموالهم فواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات كذا في بداية المجتهد [21/ 130 و 131]. والرابع: أن العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعومًا ومكيلًا أو موزونًا مع الجنس فلا يجري الربا في مطعوم لا يُكال ولا يُوزن كالبيض وسائر العدديات المطعومة ولا فيما ليس بمطعوم سواء كانت مكيلة أو موزونة كالزعفران والحديد والنحاس وغيره وهو قول سعيد بن المسيب ورواية عن أحمد وبه قال الشافعي في القديم كما في المغني لابن قدامة [4/ 5] واستدلوا بما رُوي عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ربا إلا فيما كيل أو وُزن مما يؤكل أو يُشرب" أخرجه الدارقطني، وقال: الصحيح أنه من قول سعيد ومن رفعه فقد وهم اهـ من التكملة. وإن هذه المذاهب الأربعة هي المشهورة في هذا الباب وإن كانت فيه ستة أقوال أخرى فإنها ليست مشهورة ولا متبعة وقد ذكرها العيني في باب بيع الطعام والحكرة من عمدة القاري [5/ 490].

3923 - (00) (00) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمِ). ح وَحَدثنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثنَّى. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. كُلهُمْ عَنْ نَافِعٍ. بِنَحْو حَدِيثِ اللَّيثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 3924 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3923 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبُلي بضم الهمزة والموحدة، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا جرير يعني ابن حازم) بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، ثقة، من (8) (قال) عبد الوهاب: (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة من جرير ويحيى بن سعيد وابن عون رووا (عن نافع بنحو حديث الليث عن نافع عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد الثلاثة الأول منها من رباعياته والثاني والثالث من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3924 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) ذكوان الزيات المدني،

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَبِيعُوا الذهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالوَرِقِ، إِلا وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ". 3925 - (1521) (85) حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ. وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ سُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بن أَبِي عَامِرٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَينِ. وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لنافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنًا) أي إلا موزونًا مقابلًا (بوزن) أي بموزون، وقوله: (مثلًا) أي إلا مماثلًا مقابلًا (بمثل) أي بمماثله إلا (سواء) أي مساويًا مقابلًا (بسواء) أي بمساواته، قال النووي: يحتمل أن يكون الجمع بين هذه الألفاظ توكيدًا ومبالغة في الإيضاح اهـ. قال العلماء: وهذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق من جيد ورديء وصحيح ومكسور وحلي وتبر وغير ذلك وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال: 3925 - (1521) (85) (حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) من (10) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) (قالوا: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري، ثقة، من (9) (أخبرني مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المدني، صدوق، من (7) (عن أبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري، ثقة، من (5) (قال) بكير بن عبد الله: (سمعت سليمان بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (يقول: إنه سمع مالك بن أبي عامر) الأصبحي المدني جد مالك الإمام الفقيه، ثقة، من (2) (يُحدّث عن عثمان بن عفان) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون واثنان مصريان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين) وهذا ظاهر في الدنانير المضروبة من الذهب والدراهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضروبة من الفضة فإن التفاضل في مبادلتها بجنسها عين الربا، أما الدراهم والدنانير المغشوشة فقد ذكر فقهاء الأحناف أن الغش إن كان مغلوبًا فلا عبرة به ويحرم التفاضل فيه كما في الذهب والفضة الخالصين لأنها لا تخلو عن قليل غش عادة لأنها لا تنطبع إلا مع الغش وقد يكون الغش خلقيًا كما في الرديء منها فيُلحق بها القليلُ بالرداءة والجيد والرديء سواء. وأما إذا كان الغالب عليها الغش فليس في حكم الدراهم والدنانير الخالصة فإن بيعت بجنسها متفاضلًا جاز عند الأحناف صرفًا للجنس إلى خلاف الجنس فهي في حكم شيئين فضة وصفر ولكنه صرف حتى يشترط القبض في المجلس لوجود الفضة من الجانبين فإذا شُرِط القبض في الفضة يشترط في الصفر لأنه لا يتميز عنه إلا بضرر اهـ من التكملة. وأما الشافعية فالعلة عندهم جوهرية الثمن فيختص الربا بالذهب والفضة وليست الفلوس في حكمهما فقد صرح علماؤهم بأنه لا ربا في الفلوس وإن راجت رواج النقود فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلًا كما في نهاية المحتاج للرملي [3/ 418] وتحفة المحتاج لابن حجر المكي مع حاشيته للشرواني [4/ 279]. وأما المالكية فيعتبرون الفلوس كالدراهم والدنانير سواء بسواء مهما كانت مادتها واحدة حتى لو راجت فلوس الجلد كان لها حكم الذهب والفضة. وأما الحنفية فالفلوس عندهم عددية فليست من الأموال الربوية والذي يظهر أن فلوس مملكة واحدة كلها جنس واحد والتماثل فيها بالقيمة دون الوزن أو العدد وفلوس ممالك مختلفة أجناس مختلفة كالهللات السعودية والبيسات الباكستانية فلا يشترط فيها التماثل لعدم اتحاد الجنس. وأما الأوراق النقدية التي تسمى نوطأ فالمختار فيها أنها بمنزلة الدراهم والدنانير فتجب فيها الزكاة إذا بلغت نصابًا بقيمتها من الدراهم أو الدنانير وحال عليها الحول وتجري فيها أحكام الربا فلا يجوز التفاضل فيها عند مبادلتها عند اتحاد الجنس ويجوز التفاضل عند اختلافه واختلاف الجنس فيها باختلاف دولتها كما مر آنفًا فلا يجوز صرف أبي عشرة من الريالات السعودية بإحدى عشرة من الريالات السعودية المتفرقة أو بتسع منها كما يفعله بعض الغشاشين من الصيارفة لاشتراط المماثلة قيمة، وأما إذا اختلف جنس الأوراق فيجوز فيها التفاضل مع اشتراط التقابض والحلول كبيع أبي عشرة من

3926 - (1522) (86) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ؛ أَنهُ قَال: أَقْبَلْتُ أقُولُ: مَن يَصْطَرِفُ الدرَاهِمَ؟ فَقَال طَلْحَةُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ (وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ): أَرِنَا ذَهَبَكَ. ثُم ائتِنَا، إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا، نُعْطِكَ وَرِقَكَ. فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلَّا، وَاللَهِ! لَتُعْطِيَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الريال السعودي بعشرين من الريالات الأثيوبية لاختلاف الجنس باختلاف دولتها نظير بيع ذهب بفضة والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن سائر أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 3926 - (1522) (86) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان) -بفتح المهملتين وبالمثلثة- ابن عوف بن ربيعة النصري أحد بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن أبي سعد المدني، روى عن عمر بصري أن الخطاب في البيوع والجهاد، وعثمان بن عفان في الجهاد، وعبد الرحمن بن عوف في الجهاد، والزبير بن العوام في الجهاد، وسعد بن أبي وقاص في الجهاد، وعباس بن عبد المطلب في الجهاد، وعلي بن أبي طالب في الجهاد، ويروي عنه (ع) والزهري ومحمد بن عمرو بن عطاء وعكرمة بن خالد ومحمد بن جبير بن مطعم وخلائق، مختلف في صحبته، وقال ابن خراش: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: من زعم أن له صحبة فقد وهم، مات سنة (92) اثنتين وتسعين (أنه) أي أن مالك بن أوس (قال: أقبلت) أي جئت إلى مجلس فيه عمر بن الخطاب، حالة كوني (أقول) للقوم المجتمعين في المجلس: (من يصطرف) أي من يصرف ويبيع لي (الدراهم) التي عنده بالذهب الذي عندي (فقال طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي أبو محمد المدني أحد العشرة وستة الشورى وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام رضي الله عنهم أجمعين (وهو) أي طلحة (عند عمر بن الخطاب أرنا ذهبك) الذي تريد صرفه بالفضة (ثم) أبصرتنا ذهبك اصبر حتى يجيء خادمنا فـ (ائتنا إذا جاء خادمنا نعطك ورقك) أي دراهمك التي تريد شراءها بدل الذهب الذي تركته عندنا (فقال عمر بن الخطاب) لي: (كلا) أي ارتدع يا طلحة عما قلت (والله لتعطينه) أي

وَرِقَهُ. أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيهِ ذَهَبَهُ. فَإِن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "الْوَرِقُ بِالذهَبِ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ. وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلا هَاءَ وَهَاءَ. وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبا إِلا هَاءَ وَهَاءَ. وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لتعطين مالك بن أوس (ورقه) الذي يريد شراءه منك (أو لتردن إليه) أي إلى مالك بن أوس (ذهبه) الذي أخذته منه (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الورق) أي بيع الورق (بالذهب ربا) أي فيه ربا نسيئة في جميع الأحوال (إلا) في حالة كونه مقولًا فيه (هاء) أي خذ المبيع (وهاء) أي وهات ثمنه (والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء) وسند هذا الحديث من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان أو مصري وبلخي، وهاء فيه لغتان المد والقصر والمد أفصح وأشهر والهمزة مفتوحة ويجوز كسر الهمزة نحو هات وسكونها مع القصر وهو اسم فعل بمعنى خذ هذا ويقول به صاحبه مثله ومعناه: التقابض أفاده النووي وحقها أن لا تقع بعد إلا كما لا يقع بعدها خذ فإذا وقع قُدّر قبله قول يكون به محكيًا أي إلا مقولًا من المتعاقدين خذ وخذ أي يدًا بيد فمحله النصب على الحال والمستثنى منه مقدر يعني بيع الورق بالذهب ربا في جميع الحالات إلا حال الحضور والتقابض فكنى عنه بقوله هاء وهاء لأنه لازمه ذكره الزرقاني، قال ملا علي: وفي الحديث دليل على صحة بيع المعاطاة، ثم ذكر عن شرح ابن الهمام أن سفيان الثوري جاء إلى صاحب الرمان فوضع عنده فلسًا وأخذ رمانة ولم يتكلم ومشى اهـ، وفي الحديث أيضًا دلالة على اشتراط التقابض في المجلس في الصرف وإن اختلف جنس البدلين غير أن التقابض إذا تم في المجلس صح العقد وإن لم يكن تم عند العقد، وقال أصحاب مالك: يُشترط التقابض عند العقد فإن تأخر عن العقد ثم قبض في المجلس لا يصح عندهم فيما حكاه النووي ويحتجون بحديث طلحة هذا، وأجاب عنه النووي بأن عمر رضي الله عنه إنما قال هذا لأن طلحة ظن جوازه كسائر البياعات وما كان بلغه حكم المسألة فابلغه إياه عمر رضي الله عنه اهـ من التكملة. قال القرطبي: (قوله: الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء) الرواية المشهورة في (هاء) بالمد وبهمزة مفتوحة وكذلك رويته ومعناها خذ فكأنها اسم من أسماء الأفعال كما تقول هاؤم وفيها أربع لغات: إحداها: ما تقدم وفيها لغتان: إحداهما: أنها تقال للمذكر والمؤنث والواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد (ها) من غير زيادة، قال السيرافي:

3927 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإِسْحَاقُ، عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِي، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنهم جعلوها كصه ومه. وثانيهما: تلحق بها العلامات المفرّقة فتقول للمذكر هاء وللمؤنث هائي وللاثنين هاءا وللجمع هاؤوا كالحال في هاؤم وفي هلم، الثانية: بالقصر والهمزة الساكنة فتقول: هَأُ وفيها اللغتان المتقدمتان حكاهما ثابت وغيره من أهل اللغة. الثالثة: هاء بالمد وكسر الهمزة وهي للواحد والاثنين والجميع بلفظ واحد غير أنهم زادوا ياء مع المؤنث فقالوا: هائي. الرابعة: ها بالقصر وترك الهمزة حكاها بعض اللغويين وأنكرها أكثرهم وخُطئ من رواها من المحدثين كذلك. وقد حُكيت لغة خامسة هاءك بمدة وهمزة مفتوحة وكاف خطاب مكسورة (قلت): ولا بُعد في أن يقال إن (هاء) هذه هي اللغة وإنما زادوا عليها كاف خطاب المؤنث خاصة فلا تكون خامسة. ومعنى (هاء وهاء) خذ وهات في هذه الحال من غير تراخ كما قال: "يدًا بيد" وقد بالغ مالك -رحمه الله تعالى- في هذا حتى منع المواعدة على الصرف والحوالة والوكالة على عقد الصرف دون القبض ومنع أن يعقد الصرف ويقوم إلى قعر دكانه ثم يفتح صندوقه ويُخرج ذهبه بناء على ما تقدم من أصله وهذا هو الذي فهمه عمر رضي الله عنه عن الشرع حين قال: وإن أنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الربا وقال: دعوا الربا والريبة، و (الورق) بكسر الراء الفضة وهو اسم جنس معرف بالألف واللام الجنسيتين فيتضمن ذلك الجنس كله مسكوكه ونقاره وكذلك الذهب فلا يجوز مصوغ بتبر إلا مثلًا بمثل وكذلك جميع أنواعها وليس له أن يستفضل قيمة الصنعة ولا عمالتها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2134]، وأبو داود [3348]، والترمذي [1243]، والنسائي [7/ 273]، وابن ماجه [2259 و 2260]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 3927 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (عن) سفيان (بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن عيينة لليث بن سعد.

3928 - (1523) (87) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، قَال: كُنْتُ بالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بن يَسَارٍ. فَجَاءَ أبُو الأَشْعَثِ. قَال: قَالُوا: أَبُو الأَشْعَثِ، أَبُو الأشْعَثِ. فَجَلَسَ فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما فقال: 3928 - (1523) (87) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (قال) أبو قلابة: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار) المصري أبو عثمان الطنبِذِي -بكسر المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة- وفي القاموس طنبذ كقنفذ بلدة بمصر منها مسلم بن يسار الطنبِذِيّ تابعي محدّث اهـ والظاهر أنه البصري الأموي أبو عبد الله الفقيه مولى بني أمية من فقهاء البصرة وزهادها، وكان رضيع عبد الملك بن مروان، روى عن أبي هريرة وابن عمر، ويروي عنه (من د ت ق) وشراحيل بن يزيد وحميد بن هانئ وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال أحمد: ثقة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلًا ورعًا عابدًا، قال ابن عون: كان مسلم بن يسار إذا كان في غير صلاة كأنه كان في صلاة وإذا كان في صلاة كأنه وتد لا يتحرك شيء منه كما في التهذيب [10/ 141] وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة، فقال أبو قلابة: (فجاء) إلينا (أبو الأشعث) شراحيل بن آدة -بالمد وتخفيف الدال- الصنعاني صنعاء دمشق وقيل اليمن، روى عن عبادة بن الصامت في البيوع والحدود، وشداد بن أوس في الذبائح، وأبي أسماء الرحبي في الصلة، ويروي عنه (م عم) وأبو قلابة وحسان بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية (قال) أبو قلابة: (قالوا): أي قال الحاضرون في الحلقة (أبو الأشعث) جاء أو جاء (أبو الأشعث) والثاني: توكيد لفظي للأول، وهذا يدل على علو منزلته عند معاصريه (فجلس) أبو الأشعث في الحلقة، قال أبو قلابة: (فقلت له) أي لأبي الأشعث (حدّث) لنا يا (أخانا) بصيغة الأمر (حديث عبادة بن الصامت) بن قيس بن

قَال: نَعَمْ. غَزَوْنَا غَزَاةً. وَعَلَى الناسِ مُعَاويةُ. فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً. فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا، آنِيَةُ مِنْ فِضَّةٍ. فَأَمَرَ مُعَاويةُ رَجُلًا أنْ يَبِيعَهَا فِي أعْطِيَاتِ الناسِ. فَتَسَارَعَ الناسُ فِي ذلِكَ. فَبَلَغَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَال: إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَنْهَى عَن بَيعِ الذهَبِ بِالذهَبِ وَالْفِضةِ بِالْفِضةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصرم بن فهر الأنصاري الخزرجي الشامي، مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله (72) سنة رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون واثنان شاميان، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو الأشعث: (نعم) أحدثكم حديث عبادة، ثم قال أبو الأشعث: (غزونا غزاة) أي غزوة قبل الشام (وعلى الناس معاوية) بن أبي سفيان أميرًا من جهة عمر لا خليفة فإن زمان خلافته متأخر عن ذلك بكثير (فغنمنا) في تلك الغزوة (غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلًا) من الجيش (أن يبيعها) أي أن يبيع تلك الأواني (في أعطيات الناس) أي بما يعطاه الناس في الأرزاق من الدراهم، وهذا البيع لهذه الأواني كان بالدراهم ولذلك أنكره عبادة بن الصامت رضي الله عنه واستدل عليه بقوله: (الفضة بالفضة) ولو كان بذهب أو عرض لما كان للإنكار ولا للاستدلال وجه، والأعطيات جمع أعطية وهي جمع عطاء وهو اسم لما يعطى كالعطية، أي أمره أن يبيعها بالدراهم نسيئة إلى أن يخرج عطاء المشتري ورزقه، ورواية البيهقي [5/ 182] من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة صريحة في هذا ولفظها عن عبادة بن الصامت أنه شهد الناس يتبايعون آنية الذهب والفضة إلى الأعطية. (فتسارع) أي تبادر (الناس) أي الجيش (في ذلك) يعني في شراء تلك الأواني بدراهم مؤجلة إلى أخذ أرزاقهم. قال القرطبي: (قوله: فتسارع الناس في ذلك) يعني في شراء تلك الآنية بالدراهم وهو يدل على أقلية العلماء وأن أكثرهم الجهال ألا ترى معاوية رضي الله عنه قد خفي عليه ذلك مع صحبته وكونه من كتاب الوحي، ويحتمل أن يقال: إن معاوية كان لا يرى ربا الفضل كابن عباس وغيره، والأول الأظهر من مساق الخبر فتأمل نصه فإنه صريح في أن معاوية لم يكن علم بشيء من ذلك اهـ من المفهم. (فبلغ عبادة بن الصامت) رضي الله عنه خبر صنيع الناس من تسارعهم إلى شراء الأواني بالدراهم مع أنها فضة (فقام) عبادة خطيبًا (فقال): يا أيها الناس (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة) قد تقدم

وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشعِيرِ بِالشعِيرِ وَالتمْرِ بِالتمرِ وَالْمِلْحِ بِالمِلحِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ. عَينًا بِعَينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ القول في النقود والقول هنا في الأطعمة ولم يُختلف في جريان الربا في هذه الأصناف الستة المذكورة هنا لكن هل تعلق حكم الربا باسمائها أم بمعانيها فأهل الظاهر قصروه على أسمائها فلا يجري الربا عندهم في غير هذه الأصناف الستة وفقهاء الأمصار من الحجازيين وغيرهم رأوا أن ذلك الحكم متعلق بمعانيها وتمسكوا في ذلك بما تقدم وبأن الدقيق يجري فيه حكم الربا بالاتفاق ولا يصدق عليه اسم شيء من تلك الأصناف المذكورة في الحديث فإن قيل: دقيق كل صنف منها مردود إلى حبه في حكمه قلنا: فهذا اعتراف بأن الحكم لم يتعلق بأسمائها بل بمعانيها والله تعالى أعلم، وقد اختلفوا في تعيين ذلك المعنى فقال أبو حنيفة: إن علة ذلك كونه مكيلًا أو موزونًا جنسًا، وذهب الشافعي في القديم إلى أن المعنى هو أنه مأكول مكيل أو موزون جنسًا، وفي الجديد هو أنه مطعوم جنس، وحكى عن ربيعة أن العلة كونه جنسًا تجب فيه الزكاة، واختلفت عبارات أصحابنا وأحسن ما في ذلك هو كلونه مقتاتًا مدخرًا للعيش غالبًا جنسًا ولبيان الأرجح من هذه العلل والفروع المبنية عليها عِلْمُ الخلاف وكتُبُ الفروع اهـ من المفهم. وقوله: (والبر بالبر والشعير بالشعير) دليل على أنهما نوعان مختلفان كمخالفة التمر للبر وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والثوري وابن علية وفقهاء أهل الحديث، وذهب مالك والأوزاعي والليث ومعظم علماء المدينة والشام إلى أنهما صنف واحد وهو مروي عن عمر وسعيد وغيرهما من السلف متمسكين بتقاربهما في المنبت والمحصد والمقصود لأن كل واحد منهما في معنى الآخر والاختلاف الذي بينهما إنما هو من باب مخالفة جيد الشيء لرديئه اهـ من المفهم (والتمر بالتمر والملح بالملح) أي نهى عن بيع هذه الأشياء بعضها ببعض في حال من الأحوال (إلا) حالة كونها (سواء) مقابلًا (بسواء) وهذا إشارة إلى أن المماثلة شرط في حال اتحاد الجنس وإلا حالة كونها (عينًا) أي معينًا مقابلًا (بعين) أي بمعين، وهذا إشارة إلى اشتراط التقابض والحلول في حالة اختلاف الجنس. واستدلت الحنفية بقوله: (عينًا بعين) على أن الواجب في غير الذهب والفضة من الأموال الربوية هو تعيين البدلين في المجلس لا تقابضهما بخلاف الذهب والفضة فإنه

فَمَنْ زَادَ أَو ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبى. فَرَدَّ الناسُ مَا أَخَذُوا. فَبَلَغَ ذلِكَ مُعَاويةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَال: أَلا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَحَادِيثَ. قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مْنهُ. فَقَامَ عُبَادَةُ بن الصامِتِ فَأَعَادَ الْقِصةَ. ثُم قَال: لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وإنْ كَرِهَ مُعَاويةُ (أَوْ قَال: وإِنْ رَغِمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ يجب فيهما التقابض في المجلس ونتيجة ذلك أنه لو تبايع الرجلان الحنطة بالحنطة وعيّن كل واحد ما وقع عليه العقد بالإشارة مثلًا ثم افترقا قبل التقابض صح العقد، وأما في الصرف فيبطل العقد ولا يكفي التعيين، واستدلوا بلفظ حديث الباب (عينًا بعين) فإنه يدل على أن الشرط هو تعيين البدلين، وقال الشافعي: يجب التقابض في المجلس في سائر الأموال الربوية ولا يكفي التعيين واستدل بما مر من حديث عمر رضي الله عنه (والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء) وبما سيأتي في طريق خالد الحذاء من حديث عبادة (والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد) فإنه صريح في اشتراط التقابض اهـ من التكملة (فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو ازداد) أي طلب الزيادة (فقد أربى) أي أوقع نفسه في الربا المحرم، قال التوربشتي: أي أتى الربا وتعاطاه ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطاه، من ربا الشيء يربو إذا زاد اهـ عون، قال أبو الأشعث: (فرد الناس ما أخذوا) من الأواني على الرجل الذي باعها لهم (فبلغ ذلك) الحديث الذي حدّثه عبادة (معاوية) بن أبي سفيان (فقام) معاوية (خطيبًا فقال) في خطبته: (إلا ما بال رجال) وشأن أناس (يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث) لم نسمعها منه صلى الله عليه وسلم فوالله لـ (قد كنا نشهده) أي نحضره في حضره (ونصحبه) في سفره (فلم نسمعها) أي فلم نسمع هذه الأحاديث التي رواها عبادة بن الصامت (منه) صلى الله عليه وسلم ظاهره أن معاوية رضي الله عنه لم يسمع هذا الحديث ولا علمه كما لم يعلمه في البداية عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم (فقام عبادة بن الصامت) حينما أنكر عليه معاوية (فأعاد) عبادة (القصة) أي قصة نهيه صلى الله عليه وسلم عن هذه الربويات وذكره مرة ثانية (ثم قال) عبادة: فوالله (لنُحدِّثن) ولنخبرن الناس (بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الأحاديث (وإن) خالف هواهم، وكر هـ) ـــه (معاوية) بن أبي سفيان أمير الجيش، قال أبو الأشعث: (أو قال) عبادة: (وإن رغم) معاوية أي لصق أنفه

مَا أُبَالِي أَن لَا أَصحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيلَةً سَودَاءَ. قَال حَمَّاد: هذَا أَوْ نَحْوَهُ. 3929 - (00) (00) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثقَفِي، عَنْ أيُّوبَ، بِهذَا الإسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتراب وهو بكسر الغين وفتحها معناه ذل وصار كاللاصق بالرغام وهو التراب وهو كناية عن كراهيته ما حدّثه لمخالفته أمره والشك من أبي الأشعث أو ممن دونه (ما أبالي) أي لا أبالي (أن لا أصحبه) ولا أكترث عدم صحبته ولا أريد الدوام (في جنده) وأريد مفارقته (ليلة سوداء) أي في ليلة مظلمة غير مستنيرة بالقمر لمعارضته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه، قال عبيد الله القواريري (قال) لنا (حماد) بن زيد أي حدّث لنا (هذا) الحديث المذكور بلفظه (أو) حدّث لنا حماد (نحوه) أي نحو اللفظ المذكور سابقًا أي حديثًا قريبًا له في اللفظ والمعنى، والشك من عبيد الله بن عمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3349]، والنسائي [4/ 274]، وابن ماجه [4454]. قال القرطبي: قوله: (فمن زاد) أي من بذل الزيادة وطاع بها (أو ازداد) أي سأل الزيادة وطلبها (فـ) كل واحد منهما (قد أربى) أي قد فعل الربا وهما سواء في الإثم كما قال في الرواية الأخرى الآخذ والمعطي فيه سواء أي في فعل المحرم وإثمه، وفي سنن أبي داود وكذا في مسلم كما سيأتي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء" أي في استحقاق اللعنة والإثم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة رضي الله عنه فقال: 3929 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة (نحوه) أي نحو ما حدّث حماد بن زيد عن أيوب، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لحماد بن زيد. (تتمة): في معنى الحديث قوله: (فلم نسمعها منه) لكن من حفظ حجة على من لم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحفظ، وكيف لا وهو عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ شهد ما لم يشهده معاوية وصحب ما لم يصحبه، قال السندي في حواشي النسائي: وهذا استدلال بالنفي على رد الحديث الصحيح بعد ثبوته مع اتفاق العقلاء على بطلان الاستدلال بالنفي وظهور بطلانه بأدنى نظر بل بديهة فهذا جراءة عظيمة يغفر الله لنا وله اهـ. قوله: (فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة) ولفظ النسائي فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقام فاعاد الحديث وكان بدريًا وكان بايع النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخاف في الله لومة لائم وإلا لما قام خوفًا من معاوية اهـ من السندي باختصار. قوله: (وإن رغم) هو بكسر الغين وفتحها. معناه: ذل وصار كاللّاصق بالرغام وهو التراب وفي هذا الاهتمام بتبليغ السنن ونشر العلم وإن كرهه من كرهه لمعنى، وفيه القول بالحق وإن كان المقول له كبيرًا اهـ نووي. وفي الاستيعاب وأُسد الغابة أن عمر رضي الله عنه كان وجه عبادة بن الصامت إلى الشام قاضيًا ومعلمًا وكان معاوية قد خالفه في شيء أنكره عليه عبادة فأغلظ له معاوية في القول فقال له عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبدًا ورحل إلى المدينة، فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره فقال: ارجع إلى مكانك فقبح الله أرضًا لست فيها ولا أمثالك. وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك على عبادة اهـ وقال ابن حجر في الإصابة: ولعبادة قصص متعددة مع معاوية وإنكاره عليه أشياء وفي بعضها رجوع معاوية له وفي بعضها شكواه إلى عثمان منه تدل على قوة عبادة في دين الله وقيامه في الأمر بالمعروف اهـ من بعض الهوامش، وعند النسائي في سننه [2/ 221] وكان عمر رضي الله عنه بعث ثلاثة من فقهاء الصحابة إلى الشام بطلب من يزيد بن أبي سفيان فأقام أبو الدرداء بدمشق ومعاذ بفلسطين وعبادة بحمص ثم لما مات معاذ انتقل عبادة إلى فلسطين وأقام بها حتى توفي وكان عبادة يبادر إلى الإنكار على المنكرات إيفاء لبيعته وكانت له مع معاوية رضي الله عنهما أخبار سردها ابن عساكر في تاريخه ومن جملتها هذا الحديث، وقد أخرجه ابن عساكر عن الحسن مرسلًا ونحكيه هنا بلفظه لما فيه من فوائد زائدة عن الحسن قال: كان عبادة بن الصامت بالشام فرأى آنية من فضة يباع الإناء منها بمثلي ما فيه أو نحو ذلك فمشى إليهم عبادة فقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا عبادة بن الصامت، ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في

3930 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا وَكِيعٌ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الذهَبُ بِالذهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان ولم يصم رمضان بعده يقول: "الذهب بالذهب مثلًا بمثل سواء بسواء وزنًا بوزن يدًا بيد فما زاد فهو ربا والحنطة قفيز بقفيز يدًا بيد فما زاد فهو ربا والتمر بالتمر قفيز بقفيز يدًا بيد فما زاد فهو ربا" قال: فتفرق الناس عنه، فأتي معاوية فأخبر بذلك فأرسل إلى عبادة فأتاه فقال له معاوية: لئن كنت صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وسمعت منه لقد صحبناه وسمعنا منه فقال له عبادة: لقد صحبته وسمعت منه، فقال له معاوية: فما هذا الحديث الذي تذكره فأخبره به، فقال له معاوية: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره، فقال له: بلى وإن رغم أنف معاوية، ثم قال: فقال له معاوية ما نجد شيئًا أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الصفح عنهم. راجع له وللأخبار الأخرى مثله تهذيب تاريخ ابن عساكر [7/ 212] وحديث ابن عساكر هذا يدل على أن حديث ربا الفضل تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر من الهجرة والله أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: 3930 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ لابن أبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا وكيع حدثنا سفيان) الثوري (عن خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبي المنازل البصري (الحذاء) ثقة، من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي الأشعث) شراحيل بن آدة الصنعاني (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة خالد الحذاء لأيوب السختياني (قال) عبادة بن الصامت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب) أي يُباع الذهب (بالذهب) يجوز في الذهب الأول الرفع بتقدير يُباع كما قررناه

وَالْفِضةُ بِالْفِضةِ. وَالْبُرِّ بِالْبُر. وَالشعِيرُ بِالشعِيرِ. وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ. وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ. مِثْلا بِمِثْلٍ. سَوَاءً بِسَوَاءٍ. يَدا بِيَدٍ. فَإِذَا اختَلَفَتْ هذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيفَ شِئتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ". 3931 - (15241) (88) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والنصب على تقدير بيعوا، قال زين العرب: الربويات المذكورة في هذا الحديث ست لكن لا يختص بها وإنما ذُكرت ليقاس عليها غيرها اهـ من المرقاة (و) تُباع (الفضة بالفضة و) يُباع (البر بالبر و) يُباع (الشعير بالشعير و) يُباع (التمر بالتمر و) يُباع (الملح بالملح) حالة كونها (مثلًا) مقابلًا (بمثل) أي بمماثله (سواء) أي مساويًا مقابلًا (بسواء) أي بمساويه (يدًا بيد) أي متقابضين (فإذا اختلفت هذه الأصناف) أي هذه الأجناس المذكورة، وقوله: هذا إشارة إلى ما ذكره في الحديث من الأصناف ويُلحق بها ما في معناها على ما ذكرناه سابقًا وينضاف إلى كل نوع منها ما في معناه وما يقاربه وما بعد عن ذلك كان صنفًا مستقلًا بنفسه ولذلك لم يختلف قول مالك في أن الدخن صنف منفرد ومثله الطيف والهندباء والأرز كذلك وهو قول كافة العلماء، والعلس عند أكثر المالكية جنس مستقل، وقال الشافعي: هو نوع من أنواع الحنطة وقاله بعض أصحابنا وقد ضم مالك السلت إلى البر والشعير وقال الشافعي: هو جنس مستقل بنفسه، وقال الليث: السلت والدخن والذرة جنس واحد وقاله ابن وهب، وسبب هذا الاختلاف اختلاف الشهادة بالتقارب في المقصود والمحصد والمنبت فمن شهدت له عادة استعمال صنف في معنى صنف وشابهه في شيء مما ذكرناه ألحقه به ومن لم يحصل له ذلك لم يُلحق والأصل أن ما اختلفت أسماؤه ومقاصده أن يُعد أصنافًا مختلفة بدليل ظاهر الحديث المتقدم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. أي فإذا اختلفت هذه الأجناس المذكورة بأن بيع الذهب بالفضة أو البر بالشعير والملح بالسكر (فبيعوا كيف شئتم) سواء تفاضلا أو تساويا (إذا كان) البيع (يدًا بيد) أي مقابضة في العوضين في مجلس العقد بلا نسيئة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر ثانيًا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 3931 - (1524) (88) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا

إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الذهَبُ بِالذهَبِ. وَالْفِضةُ بِالْفِضةِ. وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ. وَالشعِيرُ بَالشعِيرِ. وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ. وَالمِلحُ بِالمِلحِ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. يَدًا بِيَدٍ. فَمَنْ زَادَ أَو اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى. الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ". 3932 - (00) (00) حدثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أخْبَرَنَا سُلَيمَانُ الرَّبَعيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل بن مسلم العبدي) أبو محمد البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبو المتوكل) علي بن داود، ويقال ابن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة (الناجي) منسوب إلى بني ناجية بن لؤي كما في تاج العروس البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) يُباع (الذهب بالذهب و) تُباع (الفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح) حالة كونها (مثلًا) مقابلًا (بمثل) وحالة كونها (يدًا بيد) أي متقابضات (فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو استزاد) أي طلب الزيادة (فقد أربى) أي فقد فعل الربا (الأخذ) وهو المستزيد (والمُعطي) وهو الذي زاد (فيه) أي في أصل إثم الربا (سواء) أي متساويان والمعنى فدافع الزيادة وآخذها عاصيان مربيان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في البيوع في مواضع، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وابن ماجه في التجارات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3932 - (00) (00) حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابًا (أخبرنا سليمان) بن علي الأزدي (الربعي) أي المنسوب إلى ربيعة الأزد أبو عكاشة البصري -بضم العين المهملة وفتح الكاف المشددة- روى عن أبي المتوكل الناجي في

حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ الناجِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الذهَبُ بِالذهَبِ مِثْلا بِمِثْل". فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 3933 - (1525) (89) حدثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَدُ بْنُ الْعَلاءِ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "التَّمرُ بِالتَّمرِ. وَالْحِنطَةُ بِالْحِنْطَةِ. وَالشعِيرُ بِالشعِيرِ. وَالْمِلْحُ بِالْمِلحِ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. يَدًا بِيَدٍ. فَمَن زَادَ أَو استَزَادَ فَقَدْ أَربَى ـــــــــــــــــــــــــــــ البيوع، وأنس وأبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، ويروي عنه (م س ق) ويزيد بن هارون وحماد بن زيد وخالد بن الحارث وابن المبارك وروح، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، له عندهم حديثان، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (حدثنا أبو المتوكل الناجي) علي بن داود البصري (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان الربعي لإسماعيل بن مسلم (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالدهب مثلًا بمثل فذكر) سليمان الربعي (بمثله) أي بمثل ما روى إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل الناجي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 3933 - (1525) (89) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (وواصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالا: حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبيه) فضيل بن غزوان الضبي أبي الفضل الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا هريرة (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى

إِلا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ". 3934 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِي، عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ؛ "يَدًا بِيَدٍ". 3935 - (00) (00) حدثنا أَبُو كُرَيب وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا ما اختلفت ألوانه) أي أجناسه وهو استثناء من قوله مثلًا بمثل فلا تشترط فيه المماثلة لاختلاف جنسه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في البيوع. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3934 - (00) (00) (وحدثنيه أبو سعيد الأشج) الكندي الكوفي عبد الله بن سعيد بن حصين، ثقة، من (10) (حدثنا المحاربي) عبد الرحمن بن محمد بن زياد أبو محمد الكوفي، روى عن فضيل بن غزوان في البيوع، والأعمش ومحمد بن سوقة ويحيى بن سعيد، ويروي عنه (ع) وأبو سعيد الأشج وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل، وثقه ابن معين والنسائي، وزاد النسائي: ليس به باس، وقال أبو حاتم: صدوق إذا حدّث عن الثقات، ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة، وقال العجلي: كان يدلس، وقال في التقريب: لا بأس به وكان يدلس، من التاسعة، مات سنة (195) خمس وتسعين ومائة (عن فضيل بن غزوان) الضبي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي زرعة عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة المحاربي لمحمد بن فضيل (و) لكن الم يذكر) المحاربي لفظة (يدًا بيد). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3935 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (وواصل بن عبد الأعلى) الأسدي الكوفي (قالا: حدثنا) محمد (بن فضيل عن أبيه) فضيل بن غزوان (عن) عبد الرحمن (بن) زياد (أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة البجلي أبي الحكم الكوفي، صدوق، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الذهَبُ بِالذهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. وَالْفِضةُ بِالْفضَةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ. مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَمَنْ زَادَ أَو اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا". 3936 - (00) (00) حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي نعم لأبي زرعة (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) يُباع (الذهب بالذهب) حالة كونهما (وزنًا) أي موزونًا مقابلًا (بوزن) أي بموزون يعني أن المعيار الشرعي في الذهب الوزن لا الكيل حالة كونهما (مثلًا) مقابلًا (بمثل) يعني يشترط التماثل بين العوضين (و) تباع (الفضة بالفضة وزنًا بوزن مثلًا بمثل) يعني أن المعيار فيها أيضًا الوزن فالحديث يدل على وجوب تحقيق المماثلة في بيع الربوي بجنسه وذلك لا يكون إلا بمعيار معلوم مقداره بالشرع أو بالعادة وزنًا أو كيلًا، والأولى عند مالك أن تجعل ذهبك في كفة ويجعل ذهبه في كفة فإذا استوى أخذ وأعطى وكذلك يكون الكيل واحدًا ويجوز بصنجة واحدة معلومة المقدار بالعادة أو بالتحقيق ولا يجوز عند مالك والشافعي في الصرف ولا غيره من البيوع أن يتعاملا بمعيار مجهول يتفقان عليه لجهل كل واحد منهما بما يصير إليه حالة العقد (فمن زاد) أي دفع الزيادة وبها (أو استزاد) أي طلب الزيادة وأخذها (فهو) أي فكل واحد منهما (ربا) أي فاعل إثم بفعله سواء في استحقاق اللعنة والإثم اهـ من المفهم. قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن زاد) أي على مقدار البيع الآخر من جنسه (أو استزاد) أي طلب زيادته وأخذه (فهو) أي فالزائد يكون (ربا) ويحرم ذلك البيع، وفيه إشارة إلى أن من أعطى الربا ومن أخذه في الماثم سواء، وهذا الحديث بين حقيقة الربا وهي زيادة أحد العوضين على الآخر في القدر إذا اتحد الجنس اهـ ابن الملك لكن قوله في المأثم سواء معناه في أصل إثم الربا لا في قدره صرح به في المرقاة وقوله: (وزنًا بوزن) أي متوازيين (مثلا بمثل) أي متماثلين، وقوله: (سواء بسواء) أي متساويين اهـ من بعض الهوامش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3936 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي)

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "الدّينَارُ بِالدينَارِ لَا فَضْلَ بَينَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرهَمِ لَا فَضلَ بَينَهُمَا". 3937 - (00) (00) حَدثَنِيهِ أبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَثَنِي موسَى بْنُ أَبِي تَمِيمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) القرشي التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن موسى بن أبي تميم) المدني، روى عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة في البيوع في الصرف، ويروي عنه (م س) وسليمان بن بلال ومالك بن أنس وزهير بن محمد العنبري، وثقه أبو حاتم، وقال: ليس به باس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سعيد بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة رضي الله تعالى عنها أبي الحباب المدني، ثقة متقن، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن يسار لمن روى عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ) يُباع (الدينار بالدينار لا فضل لينهما) أي لا فضل ولا زيادة لأحد العوضين على الآخر (و) يُباع (الدرهم بالدرهم لا فضل بينهما) أي متماثلين لا زيادة لأحدهما على الآخر. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال: 3937 - (00) (00) (حدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (قال: سمعت مالك بن أنس يقول: حدثني موسى بن أبي تميم بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة، وساق مالك بن أنس (مثله) أي مثل حديث سليمان بن بلال، غرضه بيان متابعة مالك بن أنس لسليمان بن بلال والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث أبي سعيد الخدري الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث عثمان بن عفان ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستشهاد به لحديث عمر وذكره فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي سعيد الخدري الثاني ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث عمر وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به ثالثًا لحديث عمر وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم * * *

577 - (17) باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينا وبيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

577 - (17) باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينًا وبيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب 3938 - (1526) (90) حدثنا مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ. قَال: بَاعَ شَريكٌ لِي وَرِقًا بِنَسِيئَةٍ إِلَى الْمَوْسِمِ، أَوْ إِلَى الْحَجِّ. فَجَاءَ إِلَيَّ فَأخْبَرَنِي. فَقُلْتُ: هذَا أمْرٌ لَا يَصْلُحُ. قَال: قَدْ بِعْتُهُ فِي السُّوقِ. فَلَمْ يُنْكِرْ ذلِكَ عَلَيَّ أحَدٌ. فَأتَيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 577 - (17) باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينًا وبيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب 3938 - (1526) (90) (حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم البناني المكي أصله من البصرة، روى عن البراء بن عازب في البيوع، وزيد بن أرقم في البيوع، وابن عباس في البيوع، ويروي عنه (ع) وعمرو بن دينار وحبيب بن أبي ثابت وعبد الله بن كثير وسليمان الأحول، وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي والدارقطني وأبو حاتم وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وأثنى عليه ابن عيينة وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (106) ست ومائة (قال) أبو المنهال: (باع شريك لي) في التجارة، لم أر من ذكر اسم هذا الشريك (ورقًا) بذهب (بنسيئة) بوزن كريمة أي بتأخير أي مؤجلا ًثمنه (إلى) أجل هو (الموسم) أي أيام موسم الحج أي مجمع الحج، وقوله: (أو) مؤجلًا (إلى الحج) أي إلى مجيء أيامه شك من الراوي (فجاء) ذلك الشريك (إليّ) بتشديد ياء المتكلم (فأخبرني) بيعه الورق بذهب مؤجل إلى موسم الحج، قال أبوالمنهال: (فقلت) له: (هذا) البيع (أمر) أي بيع (لا يصلح) أي لا يصح ولا يحل لأنه عقد ربوي (قال) ذلك الشريك: (قد بعثه) أي قد بعت ذلك الورق (في السوق) بمحضر من الناس (فلم ينكر ذلك) البيع (على أحد) من أهل ذلك المحضر ولو كان حرامًا لأنكروه على لكونه من منكرات الشرع، وهذا يدل على مدى معرفة أصحاب السوق بأحكام الشريعة في ذلك الزمان فإنه كان يستدل بترك نكيرهم على الجواز اهـ من التكملة، قال أبوالمنهال (فأتيت البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبا عمارة الكوفي رضي الله عنه (فسألته) أي فسألت البراء عن

فَقَال: قَدِمَ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبِيعُ هذَا الْبَيعَ. فَقَال: "مَا كَانَ يَدًا بِيَدِ، فَلَا بَأسَ ول. وَمَا كانَ نَسِيئَة فَهُوَ رِبًا" وَائْتِ زيدَ بْنَ أَرقَمَ فَإِنهُ أعْظَمُ تِجَارَةً مِني. فَأَتَيتُهُ فَسَأَلْتُهُ. فَقَال مِثْلَ ذلِكَ. 3939 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ حكم ذلك البيع أيصلح أم لا؟ وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان مكيان وواحد بغدادي (فقال) البراء: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة) مهاجرًا إليها (ونحن) معاشر الأنصار أي والحال أننا (نبيع هذا البيع) الربوي يعني بيع أحد النقدين بالآخر فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكمه (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان) من هذا البيع (يدًا بيد) أي مقابضة في العوضين (فلا بأس به) أي حلال صحيح لا مانع به (وما كان نسيئة) أي غير حال حاضر في المجلس (فهو) أي فذلك البيع (ربًا) أي حرام لا يحل ولا يصح، قال أبو المنهال: ثم قال لي البراء بن عازب: (و) لكن (ائت زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه أي اذهب إليه واسأله عن حكم هذا البيع (فإنه) أي فإن زيد بن أرقم (أعظم) أي أكثر (تجارة مني) فلعله يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم هذا البيع فيأمره بغير ما قلت لك، قال أبوالمنهال: (فأتيته) أي فأتيت زيد بن أرقم (فسألته) عن حكم ذلك البيع (فقال) لي زيد بن أرقم: (مثل ذلك) أي مثل ما قال لي البراء بن عازب من قوله ما كان يدًا بيد فلا بأس به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في البيوع وفي الشركة وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيرها، والنسائي أخرجه في البيوع باب بيع الفضة بالذهب نسيئة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما فقال: 3939 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ (العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ التميمي العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقة، من (7) (عن حبيب) بن أبي ثابت زيد بن دينار

أَنهُ سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنِ الصَّرفِ؟ فَقَال: سَلْ زَيدَ بْنَ أَرْقَمَ فَهُوَ أَعْلَمُ. فَسَألْتُ زَيدًا فَقَال: سَلِ الْبَرَاءَ فَإِنهُ أعْلَمُ. ثُم قَالا: نَهَى رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ بَيعِ الْوَرِقِ بِالذهَبِ دَينًا. 3940 - (1527) (91) حدثنا أبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسدي أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (أنه) أي أن حبيبًا (سمع أبا المنهال) عبد الرحمن بن مطعم المكي (يقول: سألت البراء بن عازب عن) حكم (الصرف) أي عن حكم بيع النقد بالنقد هل يصلح أم لا؟ (فقال) البراء لي (سل زيد بن أرقم) بن زيد الأنصاري (فهو) أي فزيد بن أرقم (أعلم) مني أي أكثر علمًا بحكم الصرف مني لكثرة اشتغاله بالتجارة، قال أبو المنهال: (فسألت زيدًا) ابن أرقم عن حكم الصرف كما أمرني البراء (فقال) زيد بن أرقم (صل البراء) بن عازب (فإنه) أي فإن البراء (أعلم) أي أكثر علمًا بحكم الصرف مني فرجعت إلى البراء فسألته كما أمرني زيد به (ثم) بعد سؤالي إياهما (قالا) أي قال كل من البراء وزيد بن أرقم في جواب سؤالي (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالذهب) وبالعكس حالة كون الذهب (دينًا) أي غير حال حاضر في المجلس لما فيه من ربا النساء، وفي رواية حفص بن عمر عند البخاري في البيوع (فكان واحد منهما يقول هذا خير مني) فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ في الفتح [4/ 319]: وفي الحديث ما كان عليه الصحابة من التواضع وإنصاف بعضهم بعضًا ومعرفة أحدهم حق الآخر واستظهار العالم في الفتيا بنظيره في العلم. (قلت): ويظهر من رواية سليمان بن أبي مسلم عند البخاري في الشركة أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين في التجارة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث أبي بكرة رضي الله عنهما فقال: 3940 - (1527) (91) (حدثنا أبو الربيع) الزهراني (العتكي) سليمان بن داود البصري (حدثنا عباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي،

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبيهِ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفِضةِ بِالْفِضةِ. وَالذَهَبِ بِالذهَبِ. إِلا سَوَاء بِسَوَاء. وَأمَرَنَا أنْ نَشْتَرِيَ الْفِضةَ بِالذهَبِ كَيفَ شِئْنَا. وَانْ نَشْتَرِيَ الذهَبَ بِالْفِضةِ كَيفَ شِئْنَا. قَال: فَسَألَهُ رَجُلٌ فَقَال: يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَال: فكَذَا سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (8) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة) نفيع مصغرًا ابن الحارث الثقفي البصري، أول مولود للمسلمين بالبصرة فأطعم أبوه أهل البصرة جزورًا فكفتهم، وُلد سنة (14) ومات سنة (96) وكان زياد ولاه على بيت المال كذا في التهذيب، ثقة، من (2) الثانية، روى عنه في (8) أبواب (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة -بفتحتين- ابن عمرو الثقفي البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عباد بن العوام فإنه واسطي (قال) أبو بكرة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) بيع (الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء) أي إلا حالة كونهما متساويين في الوزن لاتحاد الجنس (وأمرنا) أمر إباحة وإرشاد إلى المصالح (أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا) أي سواء تساويا أم تفاضلا (و) أمرنا (أن نشتري الدهب بالفضة) أمر إباحة كيف شئنا) أي كذلك (قال) عبد الرحمن بن أبي بكرة (فسأله) أي فسأل أبا بكرة (رجل) من الحاضرين عنده (فقال) الرجل في سؤاله: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظة (يدًا بيد) في شراء الفضة بالذهب وفي عكسه (فقال) أبو بكرة في جواب سؤال الرجل (هكذا) أي مثل ما حدّثته لكم (سمعت) من رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا ذكر يدًا بيد، قال القاضي: اسم الإشارة يحتمل أن يعود على يدًا بيد ويحتمل أنه ما سمع دون زيادة عليه اهـ أبي. واعلم أن اشتراط القبض في الصرف متفق عليه وإنما وقع الاختلاف في التفاضل بين الجنس الواحد، وقد عد صلى الله عليه وسلم أصولًا وصرح بأحكامها وشروطها المعتبرة في بيع بعضها ببعض جنسًا واحدًا أو أجناسًا متعددة وبين ما هو العلة في كل واحد منها ليتوصل المجتهد بالشاهد إلى الغائب فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر النقدين والمطعومات إيذانًا بأن علة الربا هي النقدية أو الطعم وإشعارًا بأن الربا إنما يكون في

3941 - (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ صَالِح. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ؛ أن عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ أبِي بَكْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أن أَبَا بَكْرَةَ قَال: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النوعين المذكورين وهما النقدان والمطعوم، واختلف في العلة التي هي سبب التحريم في الربا في الستة التي هي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، فقال الشافعية: العلة في الذهب والفضة كونهما جنسًا للأثمان فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات كالحديد والنحاس وغيرهما لعدم المشاركة في المعنى والعلة في الأربعة الباقية كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم سواء كان اقتياتًا أو تفكهًا أو تداويًا كما مر، وقال أبو حنيفة: العلة في الذهب والفضة الوزن فيتعدى إلى كل موزون من نحاس وحديد وغيرهما اهـ من الإرشاد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في البيوع باب بيع الذهب بالورق يدًا بيد، وباب بيع الذهب بالذهب، والنسائي أخرجه في البيوع باب بيع الفضة بالذهب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 3941 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرني يحيى بن صالح) الوحاظي -بضم الواو وتخفيف المهملة ثم معجمة- أبو زكرياء الحمصي أحد كبار المحدثين والفقهاء، روى عن معاوية بن سلام في البيوع، وسليمان بن بلال في الأطعمة، ومالك بن أنس والحسن بن أيوب، ويروي عنه (خ م دت ق) وإسحاق بن منصور وموسى بن قريش وأبو حاتم ومحمد بن يحيى وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من أهل الرأي، من صغار التاسعة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين (222) قال سلمة بن شبيب: قال يحيى بن صالح: وُلدت سنة سبع وثلاثين ومائة (137) (حدثنا معاوية) بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي، ثقة، من (7) (عن يحيى وهو ابن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي البصري (أن عبد الرحمن بن أبي بكرة أخبره أن أبا بكرة قال: نهانا رسول الله

صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ. 3942 - (1528) (92) حدثني أبُو الطَّاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُلَيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ فَضَالةَ بْنَ عُبَيدٍ الأَنْصَارِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: ) وساق يحيى بن أبي كثير (بمثله) أي بمثل حديث عباد بن العوام، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لعباد بن العوام، ولكن هذا السند من سباعياته والأول من خماسياته. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة فقال: 3942 - (1528) (92) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني أبو هانئ الخولاني) نسبة إلى خولان بسكون الواو اسم قبيلة نزلت بالشام حُميد بن هانئ المصري، روى عن علي بن رباح اللخمي في البيوع، وأبي عبد الرحمن الحبلي في الجهاد واللباس والقدر، ويروي عنه (م عم) وابن وهب وهو أكبر شيخ لابن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن يزيد والليث، قال أبو حاتم: صالح، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات في التابعين، وقال في التقريب: لا بأس به، من الخامسة، مات سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة (أنه سمع عُليَّ) بضم العين مصغرًا (بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة ابن قصير ضد الطويل (اللخمي) نسبة إلى بني لخم اسم قبيلة أبا عبد الله المصري، قال علي بن عمر: اسمه علي بفتح العين مكبرًا، ولقبه علي بضم العين مصغرًا، وروى المزي عن أبي عبد الرحمن المقري قال: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه فبلغ ذلك والده رباحًا فقال: هو عُلَيّ بالضم، ولعل هذا هو الوجه في اشتباه اسمه، قال ابن سعد: كان ثقة، وقال العجلي: مصري تابعي ثقة، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من صغار (3) مات سنة (117) روى عنه في (4) أبواب (يقول: سمعت فضالة بن عبيد) بن نافذ بن قيس (الأنصاري) الأوسي أبا محمد الدمشقي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، مات سنة (58) وليس في مسلم من اسمه فضالة إلا هذا الصحابي الجليل. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا فضالة بن عبيد فإنه دمشقي حالة كون فضالة

يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِخَيبَرَ، بِقِلادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنَ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِالذهَبِ الَّذِي فِي الْقِلادَةِ فَنُزعَ وَحْدَهُ. ثُم قَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الذهَبُ بَالذهَبِ وَزْنا بِوَزْنٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقول: أُتي) بالبناء للمجهول أي جيء (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر) أي والحال أنه نازل بخيبر في غزوتها (بقلادة) ولعل الآتي هو فضالة نفسه كما تدل عليه الروايات الآتية، والقلادة بكسر القاف حلية تعلقها المرأة في عنقها (فيها) أي في تلك القلادة (خرز وذهب) يعني أنها مركبة ومجموعة منهما، والخرز بفتح الخاء المعجمة والراء جمع خرزة بفتحتين وهي الجوهر كاللؤلؤ والياقوت والمرجان وغيرها يعني أن حبوب القلادة بعضها ذهب وبعضها جوهر آخر (وهي) أي والحال أن تلك القلادة (من) بعض (المغانم) التي غنموها من خيبر، وجملة قوله: (تباع) خبر ثان لهي أي أُتي بها وهي مباعة وكان بيعها بعد قسمة الغنائم وبعد أن صارت في ملك من صارت له اهـ من الأبي، وقال القرطبي: كان بيع هذه القلادة بعد قسم الغنيمة وبعد أن صارت إلى فضالة في سهمه كما قال في رواية حنش الآتية ولأن الغنيمة لا يُتصرف فيها ببيع شيء منها إلا بعد القسمة (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) صاحب القلادة (بـ) فصل (الذهب الذي) رُكِّب وخُرز (في القلادة) عنها وجعله على حاله (فنُزع) الذهب وفصل من القلادة وجُعل (وحده) أي منفردًا عنها (ثم قال لهم): أي لأصحاب القلادة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني هكذا بعد فصله من القلادة يباع (الذهب بالذهب) حالة كونه (وزنًا بوزن) أي موزونًا مقابلًا بموزون مماثل له في الوزن، قال القرطبي: وأمره صلى الله عليه وسلم بتفصيل القلادة وبيع الذهب على انفراده إنما كان لأن المشتري أراد أن يشتريها بذهب لقوله: (الذهب بالذهب وزنًا بوزن) أو يكون قد وقع البيع بذهب كما جاء في الرواية الأخرى التي قال فيها إنه اشتراها باثني عشر دينارًا ففصلها فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارًا ففسخ النبي صلى الله عليه وسلم البيع بقوله: (لا تُباع حتى تفصل) ووجه هذا المنع في هذه الصورة وجود المفاضلة بين الذهبين فإنه إن كان مساويًا للآخر فقد فضله من صار إليه الذهب والعرض بالعرض يعني الخرز وإن لم يكن مساويًا فقد حصل التفاضل في عين أحد الذهبين كما قال في رواية الاثني عشر دينارًا وهذا قول

3943 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ أَبِي شُجَاعٍ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمهور، وقد شذ أبو حنيفة ومن قال بقوله: وترك مضمون هذا الحديث فقال: إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذهب المضموم إليه السلعة جاز بناء منه على جعل السلعة في مقابلة الزائد من الذهب واعتذر عن الحديث بأنه إنما فسخ ذلك لأن الذهب المنفرد كان أقل فلو كان أكثر جاز وهذا التأويل فاسد بدليل الحديث الأول فإنه صلى الله عليه وسلم لما رأى القلادة قد عرضت للبيع بالذهب أمر بتفصيلها وبئن حكم القاعدة الكلية بقوله: (الذهب بالذهب وزنًا بوزن) ولم يلتفت إلى التوزيع الذي قال به أبو حنيفة رحمه الله تعالى والله أعلم اهـ من المفهم باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3351]، والنسائي [7/ 379]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه فقال: 3943 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن أبي شجاع) الإسكندراني (سعيد بن يزيد) الحميري القتباني بكسر القاف وسكون المثناة الفوقية بعدها موحدة نسبة إلى قتبان بطن من رُعين، روى عن خالد بن أبي عمران في البيوع، والأعرج ويزيد بن أبي حبيب، ويروي عنه (م د ت س) والليث وابن المبارك، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال أبو داود: وكان له شأن، وقال أبو سعيد بن يونس: ثقة في الحديث ليس له في مسلم إلا هذا الحديث، وقال أبو سعيد بن يونس أيضًا: كان فقيه أهل المغرب ومفتي أهل مصر، ويقال إنه كان مستجاب الدعوة في غير موطن، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، مات سنة (154) أربع وخمسين ومائة (عن خالد بن أبي عمران) التجيبي المصري أبي عمر التونسي قاضي إفريقية -بفتح الهمزة وكسرها وسكون الفاء وكسر الراء والقاف- بلدة من بلاد المغرب عند بلاد الأندلس فتحت زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه، روى عن حنش الصنعاني في البيوع وعروة وابن عمر مرسلًا، ويروي عنه (م دت س) وأبو شجاع سعيد بن يزيد وعمرو بن الحارث وخلاد بن يحيى، قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله تعالى وكان لا يدلس، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق فقيه، من الخامسة،

عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ فَضَالةَ بْنِ عُبَيدٍ. قَال: اشْتَرَيتُ يَوْمَ خَيبَرَ، قِلادَةَ بِاثْنَي عَشَرَ دِينَارًا. فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ. فَفَضَلْتُهَا. فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَي عَشَرَ دِينَارًا. فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: "لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة (129) خمس أو تسع وعشرين ومائة (عن حنش) بفتح أوله وبالنون الخفيفة بعدها معجمة ابن عبد الله السبئي. بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة أبي رشدين (الصنعاني) من صنعاء الشام ثم الإفريقي، روى عن فضالة بن عبيد في البيوع، وعلي وابن عباس، ويروي عنه (م عم) وخالد بن أبي عمران والجلاح أبو كثير وعامر بن يحيى المعافري وبكر بن سوادة، وثقه العجلي وأبو زرعة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (100) مائة. وليس في مسلم من اسمه حنش إلا هذا الثقة (عن فضالة بن عبيد) الأنصاري الدمشقي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حنش الصنعاني لعلي بن رباح اللخمي (قال) فضالة بن عبيد: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها) أي في حبوبها (ذهب وخرز) أي جوهر آخر (ففصّلتها) أي ميزت ذهبها وخرزها بعد العقد (فوجدت فيها) أي في تلك القلادة بعدما ميّزت ذهبها من خرزها ذهبًا (كثر من اثني عشر دينارًا) الذي هو ثمنها (فذكرت ذلك) الذي رأيت من القلادة من كون ذهبها أكثر من ثمنها اللنبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباع) القلادة أي جنسها بعد اليوم (حتى تفصل) أي تميز بين الذهب والخرز، قال ملا علي: وقوله لا تباع خبر بمعنى النهي أي لا تبيعوها بعد اليوم حتى تفصل بين ذهبها وخرزها وعلة النهي كون مقابلة الذهب بالذهب وزيادة الفضل الموجبة لحصول الربا اهـ. وشارك المؤلف في هذه الرواية أبو داود [3352]، الترمذي [1255]. قال النووي: وفي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيُباع الذهب بوزنه ذهبًا ويُباع الآخر بما أراد وكذا لا تُباع فضة مع غيرها بفضة وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة والملح مع غيره بملح وكذا سائر الربويات بل لا بد من فصلها وسواء كان الذهب في الصورة المذكورة أولًا قليلًا أو كثيرًا وكذلك باقي الربويات وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيرهم المعروفة بمسألة مُد عجوة وصورتها باع مد عجوة ودرهمًا بمدي عجوة أو بدرهمين فلا يجوز لهذا الحديث وقد

3944 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 3945 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الْجُلاحِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي حَنَشٌ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ فَضَالةَ بْنِ عُبَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بسطنا الكلام عليها في كتابنا التقريرات في تحقيق التقديرات كتبناها في زمن تدريسنا الفقه الشافعي في بلاد الحبشة وهي منتشرة فيها في تاريخ 1370 من الهجرة النبوية وهو من أوائل مؤلفاتنا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه فقال: 3944 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا) عبد الله (بن مبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي، ثقة ثبت، من (8) (عن سعيد بن يزيد) الحميري أبي شجاع الإسكندراني (بهذا الإسناد) يعني عن خالد عن حنش عن فضالة (نحوه) أي نحو ما روى ليث عن سعيد، غرضه بيان متابعة ابن المبارك لليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه فقال: 3945 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) ابن سعد المصري (عن) عبيد الله (بن أبي جعفر) يسار الكناني مولاهم أبي بكر المصري أحد فقهاء التابعين، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن الجلاح) المصري -بضم الجيم وتخفيف اللام- اسمه (أبي كثير) كنيته الأموي مولى عمر بن عبد العزيز، روى عن حنش الصنعاني في البيوع، وأبي عبد الرحمن الحبلي وأبي سلمة، ويروي عنه (م ت س) وعبيد الله بن أبي جعفر وعمرو بن الحارث وابن لهيعة، قال ابن عبد البر: ثقة، وقال الدارقطني: لا بأس به وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، مات سنة (120) عشرين ومائة، وليس في مسلم من اسمه الجلاح إلا هذا (حدثني حنش) بن عبد الله السبئي (الصنعاني عن فضالة بن عبيد) الأنصاري الدمشقي رضي الله عنه. وهذا السند

قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَوْمَ خَيبَرَ نُبَايعُ الْيَهُودَ، الْوُقِيَّةَ الذهَبَ بِالدِّينَارينِ وَالثلاثَةِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تَبِيعُوا الذهَبَ بِالذهَبِ، إِلا وَزْنًا بِوَزْنٍ". 3946 - (00) (00) حدثني أَبُو الطَّاهِرِ. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْمَعَافِرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من سداسياته، غرضه بيان متابعة الجلاح الأموي لخالد بن أبي عمران (قال) فضالة: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (خيبر) حالة كوننا (نبايع اليهود) أو الجملة خبر ثان لكان أي كنا نبيع اليهود (الوقية) بضم الواو وكسر القاف وتشديد الياء المفتوحة، وجرى على ألسنة الناس بفتح الواو وهي لغة حكاها بعضهم وهما لغتان في الأوقية كما في المصباح والمراد بالأوقية هنا الحجازية وهي اثنا عشر درهمًا أو ثلاثة دنانير لا العراقية وهي أربعون درهمًا كما مر في الزكاة، وقوله: (الذهب) بدل من الوقية أو عطف بيان له أي كنا نبيع لليهود الأوقية من الذهب والخرز (بالدينارين والثلاثة) أي أو بالثلاثة دنانير فالواو بمعنى أو التفصيلية، قال النووي: (قوله: نبايع اليهود الأوقية الذهب) يحتمل أن مراده كانوا يتبايعون الأوقية من ذهب وخرز وغيره بدينارين أو ثلاثة وإلا فالأوقية وزن أربعين درهمًا ومعلوم أن أحدًا لا يبتاع هذا القدر من ذهب خالص بدينارين أو ثلاثة وهذا سبب مبايعة الصحابة على هذا الوجه ظنوا جوازه لاختلاط الذهب بغيره فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام حتى يميز ويباع الذهب بوزنه ذهبًا اهـ منه، فأخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهانا عن ذلك (فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا) مقابلًا (بوزن) مماثل له. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث فضالة رضي الله عنه فقال: 3946 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن قرة بن عبد الرحمن) بن حيوئيل -بمهملة مفتوحة ثم تحتانية ساكنة وفتح الواو وكسر الهمزة بوزن جبرئيل بفتح الجيم- ابن ناشرة بن عبد بن عامر (المعافري) بفتح الميم وكسر الفاء نسبة إلى معافر بن

وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَغَيرِهِمَا؛ أَن عَامِرَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ حَنَشٍ؛ أَنهُ قَال: كُنا مَعَ فَضَالةَ بْنِ عُبَيدِ فِي غَزْوَةٍ. فَطَارَتْ لِي وَلاصْحَابِي قِلادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعفر كما في المغني وهو أبو قبيلة أبي محمد المصري، قيل: إنه مدني الأصل، وقيل: اسمه يحيى، روى عن عامر بن يحيى في البيوع، وعن الزهري وأبي الزبير، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن وهب والليث بن سعد وابن لهيعة، قال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أحمد: منكر الحديث جدًّا، وقال أبو زرعة: الأحاديث التي يرويها مناكير، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي، وقال أبو داود: في حديثه نكارة، وقال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا جدًّا وأرجو أنه لا بأس به، ووثقه ابن حبان، وروى عن أكثرهم توثيقه أيضًا ولم يقدح على مسلم ذكره في جامعه لأنه روى عنه ها هنا مقرونًا بعمرو بن الحارث، وقال في التقريب: صدوق له مناكير، من السابعة، مات سنة (147) سبع وأربعين ومائة، قرنه (م) بآخر (وعمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة فقيه، من (7) وفائدة المقارنة تقوية السند (وغيرهما) لم أر أحدًا من الشراح بيّن هذا الغير ولعله الليث بن سعد (أن عامر بن يحيى) بن حبيب بن مالك (المعافري) أبا خنيس بمعجمة ونون مصغرًا المصري، روى عن حنش الصنعاني وأبي عبد الرحمن الحبلي، ويروي عنه (م ت ق) وقرة بن عبد الرحمن وعمرو بن الحارث والليث، وثقه أبو داود والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، ولم يرو عنه (م) غير هذا الحديث مات سنة (120) عشرين ومائة، وله عندهم حديثان (أخبرهم) أي أخبر لقرة بن عبد الرحمن وعمرو بن الحارث وغيرهما (عن حنش) الصنعاني (أنه) أي أن حنشًا (قال: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة) أي في غزوة غزوناها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عامر بن يحيى لخالد بن أبي عمران وجُلاح الأموي (فطارت) أي حصلت من قسمة الغنيمة (لي ولأصحابي) أي رفقتي (قلادة) وأصابتنا من المقسم (فيها) أي في تلك القلادة (ذهب وورق) أي فضة (وجوهر) آخر كاللؤلؤ والمرجان مثلًا يقال: اقترعنا فطار لي كذا أي حصل لي سهمي كذا، والطائر الحظ والنصيب والمعنى أصابتنا وحصلت لنا من قسمة الغنيمة كذا في جامع الأصول لابن الأثير [1/ 558]

فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا. فَسَأَلْتُ فَضَالةَ بْنَ عُبَيدٍ فَقَال: انْزعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي كِفِّةٍ. وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ. ثُم لَا تَأخُذَنَّ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية يونس عند الطحاوي [2/ 196] فصارت لي وهو أظهر إن صح اهـ من التكملة. قال حنش: (فأردت) أي قصدت (أن أشتريها) أي أن أشتري تلك القلادة من أصحابي يعني أنصباءهم، قال حنش: (فسألت فضالة بن عبيد) عن كيفية شرائها (فقال) لي فضالة بن عبيد: (انزع) أي أخرج من تلك القلادة (ذهبها) أي الذهب الذي كان فيها (فاجعله) أي فاجعل الذهب الذي أخرجت منها (في كفة) واحدة من كفتي الميزان (واجعل ذهبك) الذي تريد أن تجعل ثمنها (في كفة) أخرى من كفتيه (ثم لا تأخذن) من ذهبها (إلا مثلًا) مقابلًا (بمثل) من ذهبك الذي جعلته ثمنًا لها، قوله: (واجعل ذهبك في كفة) أراد كفة الميزان، والكفة فيه لغتان كسر الكاف وضمها كما في المصباح والكسر أشهر. قال فضالة بن عبيد: وإنما أمرتك بذلك (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يومن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن) أي لا يشترين من الذهب أو الفضة (إلا مثلًا) مقابلًا (بمثل) عند اتحاد الجنس لاشتراط المماثلة بين العوضين حينئذٍ. وشارك المؤلف في هذه الرواية أبو داود [3353]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث البراء بن عازب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي بكرة ذكره للاستشهاد به لحديث البراء وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث فضالة بن عبيد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

578 - (18) باب بيع الطعام بالطعام مثلا بمثل وحجة من قال: لا ربا إلا في النسيئة

578 - (18) باب بيع الطعام بالطعام مثلًا بمثل وحجة من قال: لا ربا إلا في النسيئة 3947 - (1529) (93) حدثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدّثَهُ؛ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ. فَقَال: بِعْهُ ثمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا. فَذَهَبَ الْغلامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيادَةَ بَعْضِ صَاعٍ. فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذلِكَ. فَقَال لَه مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذلِكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 578 - (18) باب بيع الطعام بالطعام مثلًا بمثل وحجة من قال: لا ربا إلا في النسيئة 3947 - (1529) (93) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث ابن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (ح وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا النضر) سالم بن أبي أمية التميمي مولاهم المدني (حدثه) أي حدّث لعمرو بن الحارث (أن بُسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي الزاهد العابد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (حدّثه) أي حدّث بسر لأبي النضر (عن معمر بن عبد الله) بن نافع بن نضلة القرشي العدوي المدني رضي الله عنه من الصحابة المهاجرين، أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة ثم رجع إلى مكة فأقام بها ثم قدم المدينة بعد ذلك كذا في الإصابة [3/ 428] وقد ورد أنه حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما في التهذيب [10/ 246] وحديثه هذا لم يخرجه غير مسلم من الأئمة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب، ويروي عنه (م د ت ق) وبُسر بن سعيد في البيوع، وسعيد بن المسيب في البيوع، وعبد الرحمن بن جبير المصري وغيرهم (أنه) أي أن معمر بن عبد الله (أرسل غلامه) إلى السوق (بصاع قمح فقال) معمر (بعه) أي بيع صاع قمح بنقد (ثم اشتر به) أي بذلك النقد (شعيرًا، فذهب الغلام) إلى السوق (فأخذ) الغلام أي اشترى بصاع قمح (صاعًا) من شعير (وزيادة بعض صاع) من شعير (فلما جاء) الغلام (معمرًا أخبره) أي أخبر الغلام معمرًا (بذلك) أي ببيعه صاع قمح بصاع شعير وزيادة (فقال له) أي للغلام (معمر لِمَ فعلت ذلك) أي بيع القمح

انْطَلِقْ فَرُدَّهُ. وَلَا تَأْخُذَنَّ إلا مِثْلا بِمِثْل. فَإِني كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ يَقُولُ: "الطعَامُ بِالطعَامِ مِثْلا بِمِثْلٍ". قَال: وَكَانَ طَعَامُنَا، يَوْمَئِذٍ، الشعِيرَ. قِيلَ لَهُ: فَإِنهُ لَيسَ بِمِثْلِهِ. قَال: إِني أَخَافُ أَنْ يُضَارعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشعير الزائد لأنهما ربويان (انطلق) أي اذهب يا غلام إلى من بعت له القمح (فرده) أي فرد هذا الشعير عليه (ولا تأخذن) منه الشعير (إلا مثلًا بمثل) أي إلا صاعًا مقابلًا بمثل من صاع قمح وإنما أمرتك برد الشعير الزائد (فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) يباع (الطعام بالطعام) حالة كونه (مثلًا) مقابلًا (بمثل) يعني بيع أحدهما بالآخر يكون مثلًا بمثل وأراد بالطعامين ما يكون من جنس واحد بقرينة حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم" اهـ مبارق (قال) بسر بن سعيد (وكان طعامنا يومئذٍ) أي يوم إذ أرسل معمر غلامه (الشعير، قيل له) أي لمعمر (فإنه) أي فإن الشعير (ليس بمثله) أي بمثل القمح يعني ليس الشعير من جنس القمح، والمراد أن القمح والشعير جنسان فلا يحرم فيهما التفاضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم" فلماذا تريد فسخ هذا البيع (قال) معمر: (إني أخاف أن يُضارع) هذا الشعير أي يشابه ويشارك هذا الشعير القمح فيكون في معنى المماثل فيكون له حكمه في تحريم الربا يعني أخاف أن يشابه هذا البيع المنهي عنه من الربا لكون الحنطة والشعير متقاربين ولإطلاق لفظ الطعام على كل واحد منهما وهذا تورع واحتياط منه رضي الله عنه وإلا فالحديث في جواز مثله واضح. وحمله مالك رحمه الله تعالى على الفتوى فقال: لا يجوز التفاضل في بيع الحنطة بالشعير لتقارب منفعتهما وإن الحنطة والشعير والسلت جنس واحد عنده وكذا الخل والنبيذ جنس واحد عنده لتقارب المنافع، وخالفه الجمهور ولا حجة لمالك في حديث الباب لأن قوله إني أخاف أن يضارع صريح في كون عمله مبنيًّا على الورع والتقوى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، قال القرطبي: إن حديث معمر هذا لا حجة فيه لأصحابنا وإن كانوا قد أطبقوا على الاحتجاج به ووجه ذلك أن غايتهم في التمسك به أن يحتجوا بمذهب معمر وهو صحابي وهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال (قلت): إن قول معمر هذا رأي منه لا رواية وما استدل به من قوله صلى الله عليه وسلم: "الطعام بالطعام" لا حجة له فيه لأنه إن حمل على عمومه لزم منه أن لا يباع التمر بالبر ولا الشعير بالملح إلا مثلًا بمثل وذلك خلاف الإجماع فظهر أن المراد به الجنس الواحد

3948 - (1530) (94) حدثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَب. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يحدث؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ وَأَبَا سعيد حَدَّثَاهُ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الطعام وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الأجناس المختلفة في حديث عبادة بن الصامت وغيره كما مر وفصلها واحدًا واحدًا ففصل التمر عن البر والشعير عنه ثم قال بعد ذلك فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم ثم الظاهر من فتيا معمر أنها إنما كانت تقية وخوفًا وتورعًا ألا ترى نصه حيث قال: إني أخاف أن يضارع والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا في قول غيره اهـ من المفهم. وهذا الحديث أعني حديث معمر بن عبد الله انفرد به الإِمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث معمر بن عبد الله بحديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم فقال: 3948 - (1530) (94) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمَّد المدني، ثقة، من (8) (عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الزهريّ أبي وهب المدني، روى عن سعيد بن المسيب في البيوع، وعطاء بن أبي رباح في المدبر، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة في التفسير وعمه أبي سلمة، ويروي عنه (خ م د س) وسليمان بن بلال ومالك وأبوالعميس والمغيرة بن عبد الرحمن، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (أنه سمع سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (3) (يحدّث أن أبا هريرة وأبا سعيد) الخدري (حدّثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث) إلى خيبر (أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله) أي جعله عاملًا واليًا (على) أهل (خيبر) اسمه سواد بن غزية بوزن عطية كما صرح به في رواية الدراوردي عند أبي عوانة والدارقطني نبه عليه الحافظ في الفتح 41/ 334، وروى ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل الصفوف في يوم بدر وفي يده قدح فمر بسواد بن غزية فطعن في بطنه فقال: (يعني سواد بن غزية) أوجعتني فأقدني فكشف عن بطنه فاعتنقه وقبل بطنه صلى الله عليه وسلم فدعا له بخير، راجع الإصابة [3/ 94]

فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ. فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "فُى تَمْرِ خَيبَرَ هكَذَا؟ " قَال: لَا، وَاللهِ، يَا رَسُولَ الله، إِنا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَينِ مِنَ الْجَمْعِ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "لَا تَفْعَلُوا. وَلكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ. أَوْ بِيعُوا هذَا وَاشتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هذَا. وَكَذلِكَ الْمِيزَانُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقدم) ذلك العامل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة (بتمر جنيب) بوزن حبيب نوع من أعلى التمر ذكره النووي، وقال في المرقاة نوع جيد من أنواع التمر، وقال مالك: هو الكبيسي، وقال الطحاوي: هو الطيب وقيل: الصلب وقيل الذي أُخرج من حشفه ورديئه يعني المنتقى، وقال غيرهم: هو الذي لا يخلط بغيره بخلاف الجمع (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكُل تمر خيبر هكذا) أي مثل هذا الذي جئت به، فيه أن الاستخبار عن أحوال بلد آخر وعما يوجد فيه من الأطعمة والثمار ليس من فضول الكلام ولا من اللغو منه (قال) الرجل: (لا) أي ليس كل تمر خيبر هكذا (والله يا رسول الله إنا لنشتري الصالح) من هذا الجنيب (بالصاعين من الجمع) يعني من المخلوط الذي يجمع الجيد والرديء، وفي المرقاة: الجمع هو منوع من التمر لا يعرف اسمه أو تمر رديء أو تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبًا فيه وما يخلط إلا لرداءته اهـ وفسره في المصباح بالدقل وهو بفتحتين أردأ التمر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا) ذلك البيع أي بيع الصاع بالصاعين (ولكن) بيعوا التمر بالتمر حالة كونه (مثلًا) مقابلًا (بمثل أو بيعوا هذا) الجنيب (واشتروا بثمنه من هذا) الجمع، وفيه دليل على أن الذي ارتكب المحظور لجهالة معذور في أحكام الآخرة ولذلك لم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم على فعله السابق وإنما أمره في المستقبل أن لا يعود ولكنه غير معذور في أحكام الدنيا فلا يصح العقد الباطل أو الفاسد بعذر الجهالة ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد هذا التمر وفسخ البيع فيما سيأتي من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد والظاهر أن القصة واحدة (وكذلك) أي ومثل الكيل المذكور في الربوي المكيل (الميزان) يُعتبر التساوي فيه فيما إذا كان الموزون ربويًا، وقال النووي: معناه وكذلك الميزان لا يجوز التفاضل فيه فيما كان ربويًا موزونًا وحاصله أن الموزونات إنما تكون ربوية إذا كانت من المطعومات ولكنه تقييد لمطلق لفظ الحديث فيحتاج إلى دليل وفي بعض الهوامش: أي وكذلك ما يوزن من الربويات إذا احتيج إلى بيع بعضها ببعض يعني أن الموزون مثل المكيل لا يجوز التفاضل فيه اهـ.

3949 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مالك، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّب، عَنْ أَبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيبَرَ. فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيب. فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيبَرَ هكَذَا؟ " فَقَال: لَا، وَاللهِ، يَا رَسُولَ الله! إِنا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذَا بِالصَّاعَينِ. وَالصَّاعَينِ بِالثلاثَةِ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "فَلَا تَفْعَلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في البيوع، والنسائي أخرجه أيضًا في البيوع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 3949 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف) الزهريّ المدني (عن سعيد بن المسبب) المدني (عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة) المدنيين. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى، غرضه بيان متابعة مالك لسليمان بن بلال، وفائدتها تقوية السند الأول لأن سليمان بن بلال قال فيه عثمان بن أبي شيبة لا بأس به وليس ممن يعتمد على حديثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل) أي جعل (رجلًا) من الأنصار عاملًا (على خيبر) أي واليًا على أهلها (فجاءه) أي فجاء ذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة (بتمر جنيب) أي جيد (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكُلّ تمر خيبر هكذا) أي مثل هذا النجيب (فقال) الرجل: (لا) أي ليس مثل هذا (والله يا رسول الله) أي أقسمت لك بالله ليس مثل هذا يا رسول الله، أتى بالقسم تأكيدًا للنفي (إنا) معاشر أهل خيبر (لنأخذ) ونشتري (الصاع من هذا) النجيب (بالصاعين) من الجمع (و) نأخذ (الصاعين) من هذا النجيب (بالثلاثة) آصع من الجمع كذا في رواية مسلم، وفي رواية البخاري في البيوع (بالثلاث) قال في الفتح: كلاهما جائز لأن الصاع يذكر ويؤنث أي نأخذ تارة الصاع منه بالصاعين من غيره وتارة الصاعين منه بثلاثة آصع من غيره، قال ملا علي: ويمكن أن يكون الاختلاف باختلاف وجوده وكثرته أو باختلاف أنواعه وأصنافه (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تفعل) هذا الشراء الذي فيه التفاضل بين العوضين مع اتحاد

بعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ. ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا". 3950 - (1531) (95) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سهْلٍ التَّمِيمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُمَا). جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ (وَهُوَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنس وإن اختلفا رداءة وجودة فإنه تشترط المماثلة بينهما عند اتحاده، ولكن (بيع الجمع) الذي عندك (بالدراهم) أي مثلًا، والمراد ما لا يكون مالًا ربويًا اهـ مرقاة (ثم ابتع) أي اشتر (بـ) تلك "الدراهم (تمرًا (جنيبًا) فإن ذلك التفاضل لا يجوز عند اتحاد الجنس الربوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث معمر بن عبد الله بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 3950 - (1531) (95) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (أخبرنا يحيى بن صالح الوحاظي) بضم الواو وتخفيف المهملة ثم معجمة أبو زكرياء الحمصي، صدوق، من (9) روى عنه في (2) بابين (حدثنا معاوية) بن سلام بن أبي سلام الحبشي الدمشقي، ثقة، من (7) (ح وحدثني محمَّد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البغدادي، ثقة، من (11) (وعبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمَّد السمرقندي صاحب المسند والتفسير والجامع، ثقة متقن، من (11) روى عنه مسلم ثلاثة وسبعين حديثًا (73) في (14) بابا، وروى عنه البخاري في غير الجامع، ورُوي أن البخاري رحمه الله تعالى لما بلغه نعي الدارمي نكس رأسه ثم رفع واسترجع وجعل تسيل دموعه على خديه ثم أنشأ يقول: إن تبق تفجع بالأحبة كلهم ... وفناء نفسك لا أبالك أفجع كذا في التهذيب [5/ 296] (واللفظ) الآتي (لهما) أي لمحمد بن سهل وعبد الله بن عبد الرحمن لا وإسحاق بن منصور (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن يحيى بن حسان) بن حيان بتحتانية التنيسي بكسر المثناة الفوقية والنون المشددة المكسورة وسكون التحتية ثم مهملة أبو زكرياء البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معاوية وهو ابن

سَلَّامٍ). أَخْبَرَنِي يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ). قَال: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: جَاءَ بِلالٌ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ. فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "مِنْ أَينَ هذَا؟ " فَقَال بِلالٌ: تَمرٌ، كَانَ عِنْدَنَا، رَدِيءٌ. فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَينِ بِصَاعٍ. لِمَطْعَمِ النبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال رَسُولُ الله، عِنْدَ ذلِكَ "أَوَّهْ. عَينُ الرِّبَا. لَا تَفْعَلْ. وَلكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سلام أخبرني يحيى وهو ابن أبي كثير) الطائي اليمامي (قال) يحيى (سمعت عقبة بن عبد الغافر) الأزدي العوذي نسبة إلى عوذ بن سود بن الحجر بن عمران بن عمرو بن عامر أبا نهار بفتح النون والهاء المشددة البصري، روى عن أبي سعيد الخدري في البيوع والرحمة، وعبد الله بن مغفل، ويروي عنه (خ م س) ويحيى بن أبي كثير وقتادة، وثقه النسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، قديم الموت مات سنة (83) ثلاث وثمانين (يقول: سمعت أبا سعيد) الخدري (يقول: جاء بلال) بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (بتمر برني) بفتح الموحدة وسكون الراء في آخره ياء مشددة نسبة إلى برن، قيل اسم أول من غرسه في المدينة وهو نوع من التمر وهو من أجود ما يوجد في المدينة يسمى بهذا الاسم حتى الآن (فقال له) أي لبلال (رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين) حصلت (هذا) النوع النجيب الجيد، وهذا دليل على أن للإنسان أن يبحث عما يستريب فيه حتى ينكشف له حاله (فقال بلال) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (تمر) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله: (كان عندنا رديء) خبر المبتدإ (فبعت منه) أي من الرديء الذي كان عندنا (صاعين بصاع) من هذا النجيب المطعم النبي صلى الله عليه وسلم) أي لأجل إطعامه صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله) صلى الله عليه وسلم (عند ذلك) أي عندما أخبره بلال أنه اشترى صاعًا من هذا النجيب بصاعين من تمرنا: (أو) بفتح الهمزة وتشديد الواو المفتوحة وسكون الهاء وهي اللغة الفصيحة المشهورة المثبتة في جميع الروايات، وفيها لغات بسطها الأبي والنووي وهي اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع وأتحزن من شرائك هذا هو (عين الربا) أي نفس الربا المحرم شرعًا لعدم التماثل بين العوضين مع اتحاد الجنس (لا تفعل) يا بلال مثل هذه المعاملة بعد اليوم (ولكن إذا أردت) وقصدت (أن تشتري التمر) الجيد (فبعه) أي فبع هذا الرديء الذي

بِبَيعِ آخَرَ. ثُمَّ اشتَرِ بِهِ". لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ سَهْلٍ في حَدِيثِهِ: عِنْدَ ذلِكَ. 3951 - (00) (00) وحدّثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: أتِيَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ بِتَمْرٍ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عندك (ببيع آخر) يعني بيع التمر الرديء بشيء آخر غير التمر الجيد (ثم اشتر) أي اشتر التمر الجيد (به) أي بذلك الشيء الذي بعت به الرديء (لم يذكر) محمَّد (بن سهل في حديثه) أي في روايته لفظة (عند ذلك) من قوله: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 62] , والبخاري [2312] , والنسائي [7/ 272 - 273]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 3951 - (00) (00) (وحدثنا سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الله النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) الأموي مولاهم مولى مروان أبو علي الحراني نُسب إلى جده لشهرته به، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب: (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي أبو عبد الله الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب: (عن أبي قزعة) سويد بن حجير بتقديم المهملة وبالتصغير فيهما وقزعة بسكون الزاي إن كان من قزع بمعنى أسرع وبفتحها أن كان واحدًا لقزع وهي السحاب المتفرق والسكون أكثر كما مر في أوائل الكتاب (الباهلي) البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب: (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي النضر لعقبة بن عبد الغافر (قال) أبو سعيد: (أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر) والآتي به هو بلال كما صُرح به في الرواية السابقة وهو المراد أيضًا بقوله: (لقد جاء فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم) الآتي في حديث آخر لأبي سعيد اهـ من تنبيه المعلم على مبهمات المسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه

"مَا هذَا التَّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا" فَقَال الرجُلُ: يَا رَسُولَ الله، بِعْنَا صَاعَينِ بِصَاع مِنْ هذَا. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "هذَا الرِّبَا. فَرُدوهُ. ثُمَّ بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هذَا". 3952 - (1532) (96) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: كُنَا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. وَهُوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم للآتي به: (ما هذا التمر) الذي أتيت به هل هو (من تمرنا، فقال الرجل) الآتي به (يا رسول الله) ليس هو من تمرنا بل (بعنا صاعين) من تمرنا (بصاع من هذا) التمر النجيب الذي أتيت به (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا) البيع أي بيع صاعين بصاع هو (الربا) أي هو عين الربا المحرم لما فيه من التفاضل في أحد العوضين مع اتحاد الجنس وإن اختلفا بالجودة والرداءة (فردوه) أي ردوا هذا الصاع الجيد على بائعه واستردوا منه صاعين من تمرنا الرديء (ثم) بعد استردادهما (بيعوا تمرنا) بدراهم مثلًا (واشتروا لنا) بتلك الدراهم (من هذا) التمر الجيد انفرد بهذه الرواية الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث معمر بن عبد الله بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 3952 - (1532) (96) (حدثني إسحاق بن منصور) الكوسج، من (11) (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي، ثقة، من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي الكوفي، ثقة، من (7) (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان وواحد يمامي وواحد نيسابوري (قال) أبو سعيد: (كنا) معاشر الأصحاب (نُرزق) بالبناء للمجهول (تمر الجمع) أي كنا نُعطى التمر الرديء في رزقنا وسهمنا، وكان هذا العطاء مما يقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مما أفاء الله عليهم من خيبر (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته لضيق العيش (وهو) أي الجمع (الخلط) بكسر الخاء المعجمة وإسكان اللام أي المخلوط (من التمر) من أنواع مختلفة

فَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَينِ بِصَاعٍ. فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: "لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ. وَلَا صَاعَي حِنْطَةٍ بِصَاعٍ. وَلَا دِرْهَمَ بِدِرْهَمَينِ". 3953 - (1533) (97) حدّثني عَمْرٌو النَاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما خُلط لرداءته، وهو تفسير مدرج من بعض الرواة وهذا الخلط لا يعد غشًا لأنه متميز ظاهر بخلاف خلط اللبن بالماء فإنه لا يظهر اهـ قسطلاني (فكنا نبيع) أي نستبدل (صاعين) من الجمع (بصاع) من الجيد، ولفظ ابن ماجه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يرزقنا تمرًا من تمر الجمع فنستبدل به تمرًا هو أطيب منه ونزيد في السعر) (فبلغ ذلك) البيع الذي فعلنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا يدل على أن ما فعلوه كان بمجرد رأيهم وإلا فقول الصحابي كنا نفعل كذا من قبيل المسند عند المحدثين (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تبيعوا (صاعي تمر) جيدًا كان أو رديئًا، وصاعي اسم لا منصوب بالياء لأنه مضاف إلى ما بعده (بصاع) من تمر كذلك لعدم المماثلة (ولا) تبيعوا (صاعي حنطة بصاع) منها (ولا درهم) بالفتح من غير تنوين لأنه اسم لا الجنسية أي لا تبيعوا درهمًا واحدًا (بدرهمين) لذلك، والدرهم هو ما يزن سبعة عشر قيراطًا إلا خمس قيراط، والقيراط ما يزن ثلاث حبات من شعير، وقوله: (لا صاعي تمر بصاع) إلخ، ولفظ المشارق إلا صاعين تمرًا بصاع كما في بعض نسخ مسلم، والظاهر من السياق كونه (لا صاعين بصاع) كما هو لفظ البخاري، وقال ابن الملك في المبارق: اسم لا محذوف أي لا بيع صاعين تمرًا بصاع تمر موجود والنفي بمعنى النهي كما قررناه في معنى حلِّنا اهـ والمراد أن لا لنفي الجنس والمراد لا يحل بيع صاعين من تمر بصاع منه لا أنه لا يتحقق شرعًا فيدل الحديث على بطلان العقد في الربا اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 49 - 50] , والنسائي [7/ 272]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله رابعًا لحديث معمر بن عبد الله بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 3953 - (1533) (97) (حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (عن سعيد) بن إياس (الجريري) البصري (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي

قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَقَال: أَيَدًا بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَلَا بَأسَ بِهِ. فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ. فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عَباس عَنِ الصَّرْفِ؟ فَقَال: أَيدًا بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَال: أَوَ قَال ذلِكَ؟ إِنا سَنَكْتُبُ إِلَيهِ فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ. قَال: فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِتَمْرٍ فَأَنْكَرَهُ. فَقَال: "كأنَّ هذَا لَيسَ مِنْ تَمْرِ أَرْضِنَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، ثقة، من (3) وهذا السند من خماسياته مع أبي سعيد الخدري لأنه راوي الحديث (قال) أبو نضرة: (سألت ابن عباس عن) حكم (الصرف) وهو بيع النقد بالنقد سواء كان متفاضلًا أو متساويًا، وكان ابن عباس يرى جواز الصرف في كلتا الصورتين فكان يحيى التفاضل في الصرف دون النسيئة، وسيأتي دليله والكلام عليه بعد حديثين إن شاء الله تعالى أي سألته عن حكم بيع الصرف وهو في الأصل مبادلة الثمن بالثمن هل يحل أم لا (فقال) لي ابن عباس: (أ) تبيعه (يدًا بيد) أي مقابضة (قلت) له: (نعم) أي أبيعه يدًا بيد (قال) في: (فلا بأس به) أي لا مانع بالصرف حينئذٍ أي حين إذ كان البيع مقابضة وإن تفاضلا، قال أبو نضرة: (فأخبرت أبا سعيد) الخدري بما أفتاه ابن عباس من جواز الصرف مطلقًا إذا كان يدًا بيد (فقلت) لأبي سعيد في إخباره قول ابن عباس وهو عطف تفسير لأخبرت (إني سألت ابن عباس عن) حكم (الصرف) هل يجوز أم لا (فقال) لي ابن عباس: (أ) تبيعه (يدًا بيد) فـ (قلت) له: (نعم) أبيعه يدًا بيد فـ (قال) لي: (فلا بأس به) أي فلا مانع بالصرف حينئذٍ (قال) أبو سعيد: فهو معطوف على أخبرت بعاطف مقدر أي فأخبرته بما قال ابن عباس، فقال لي أبو سعيد (1) أفتى لك (وقال) في إفتائه (ذلك) أي بجواز الصرف إذا كان يدًا بيد وإن تفاضلا اصبر (أنا سنكتب إليه) أي إلى ابن عباس حديث النهي عن الصرف بالتفاضل (فلا يفتيكموه) بعد ما كتبنا إليه حديث النهي أي فلا يفتيكم بجواز الصرف مطلقًا بعد ما بلغه حديث النهي عنه، ثم (قال) أبو سعيد في بيان حديث النهي عنه: (فوالله) الذي لا إله غيره (لقد جاء) وأتى (بعض فتيان) وغلمان (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إليه (بتمر) نجيب (فأنكره) أي فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك التمر النجيب عليه بأنه ليس من تمرنا (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في إنكاره: كان هذا) التمر الذي جئت به (ليس من تمر أرضنا) في خيبر لنجابته فـ (قال) بعض الفتيان الذي جاء بالتمر بيانًا لسبب إنكاره صلى الله عليه وسلم

قَال: كَانَ في تَمْرِ أرْضِنَا (أَوْ في تَمْرِنَا)، العَامَ، بَعْضُ الشيءِ، فَأَخَذْتُ هذَا وَزِدْتُ بَعْضَ الزِّيَادَةِ. فَقَال: "أَضْعَفْتَ أَرْبَيتَ. لَا تَقْرَبَنَّ هذَا. إِذَا رَابَكَ مِنْ تَمْرِكَ شَيءٌ فَبِعْهُ. ثُمَّ اشتَرِ الذِي تُرِيدُ مِنَ التمْرِ". 3954 - (00) (00) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ. قَال: سَأَلْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التمر عليه (كان) يا رسول الله (في تمر أرضنا أو) قال بعض فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (في تمرنا) شك الراوي أي الكلمتين قال ذلك البعض (العام) أي في هذا العام (بعض الشيء) من الرداءة وهو اسم كان مؤخر عن خبرها يعني كان في تمرنا شيء من الرداءة في هذه السنة (فأخذت) أي فاشتريت بتمرنا (هذا) الجيد (وزدت بعض الزيادة) في تمرنا لرداءته (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك البعض: هل (أضعفت) أي هل أعطيت الضعف من تمرنا و (أربيت) أي أعطيت الربا والزيادة لصاحب النجيب (لا تقربن هذا) أي لا تقربن مثل هذا الشراء فيما يستقبل فضلًا عن مباشرته فإن قربه يضر فضلًا عن معاملته (إذا رابك من تمرك شيء) أي إذا أصابك من تمرك شيء من الرداءة التي تشوش قلبك، يقال رابني الشيء وأرابني بمعنى شككني وأوهمني الريبة فيه فإذا استيقنته قلت: رابني بغير ألف كذا في مجمع البحار، وذكر جواب الشرط بقوله: (فبعه) أي فبع ذلك التمر الرديء بدراهم (ثم اشتر) بتلك الدراهم (الذي تريد) هـ (من التمر) النجيب ولا تشتر بتمرك الرديء النجيب الذي تريده بالتفاضل لأنه عين الربا المحرم. وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [3/ 60]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 3954 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري، ثقة، من (8) (أخبرنا داود) بن أبي هند دينار القشيري أبو محمَّد البصري، ثقة، من (5) (عن أبو نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة داود بن أبي هند لسعيد الجريري (قال) أبو نضرة: (سألت

ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، فَإنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّرْفِ؟ فَقَال: مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا. فَأَنْكَرْتُ ذلِكَ، لِقَوْلِهِمَا. فَقَال: لَا أُحَدِّثُكَ إلا مَا سَمِعتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلةٍ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيِّبٍ. وَكَانَ تَمْرُ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ هذَا اللَّوْنَ. فَقَال لَهُ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أَنَّى لَكَ هذَا؟ " قَال: انْطَلَقتُ بِصَاعَينِ فَاشْتَرَيتُ بِهِ هذَا الصَّاعَ. فَإِن سِعْرَ هذَا في السُّوقِ كَذَا. وَسِعْرَ هذَا كَذَا. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "وَيلَكَ! ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر وابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (عن) حكم (الصرف) أي عن حكم بيع النقد بالنقد (فلم يريا) أي لم يعتقدا ولم يعلما (به) أي في الصرف (بأسًا) أي منعًا أي لم يريا في التفاضل فيه منعًا يعني أنهما كانا يعتقدان أنه لا ربا فيما كان يدًا بيد كانا يريان جواز بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلًا وأن الربا لا يحرم في شيء من الأشياء إلا إذا كان نسيئة ثم رجعا عن ذلك اهـ نووي (فـ) قال أبو نضرة: (إني لقاعد عند أبي سعيد الخدري فسألته عن الصرف فقال) أبو سعيد: (ما زاد) فيه أحد العوضين على الآخر (فهو ربا) محرم لا يجوز، قال أبو نضرة: (فأنكرت ذلك) الذي قاله أبو سعيد عليه تمسكًا (لقولهما) أي لقول ابن عمر وابن عباس لا ربا في التفاضل (فقال) لي أبو سعيد حين أنكرت عليه والله (لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم): وذلك أنه (جاءه) صلى الله عليه وسلم (صاحب نخلة) بخيبر أي قيم نخلة (بصاع من تمر طيب) أي جيد (وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اللون) أي هذا النوع الرديء، قال القرطبي: يشير به إلى أنه نوع رديء من التمر وهو الذي سُمي في الحديث المتقدم بالجمع أو أشار إلى ما هو المعروف من التمر حينئذٍ ثم إنه رضي الله عنه تأدب في ذكر تمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يقل إنه كان أردأ في التمر الذي جاء به صاحبه ولكن قال: هذا اللون وفيه حُسن أدبه رضي الله عنه (فقال له): أي لصاحبه (النبي صلى الله عليه وسلم أنى لك) أي من أين حصل لك (هذا) التمر الطيب (قال) صاحبه: (انطلقت) أي ذهبت إلى السوق (بصاعين) من تمرنا (فاشتريت به) أي بصاعين من تمرنا (هذا الصاع) الطيب (فإن سعر هذا) الطيب (في السوق كذا) أي درهمان أي سعر صاعه درهمان (وسعر) صاع (هذا) الرديء (كذا) أي درهم يعني سعر هذا الطيب ضعف ذلك التمر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لصاحبه: (ويلك) أي ألزمك الله الويل

أَرْبَيتَ. إِذَا أَرَدْتَ ذلِكَ فَبعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ. ثُمَّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أي تَمْرٍ شِئْتَ". قَال أَبُو سَعِيدٍ: فَالتمْرُ بِالتمْرِ أَحَق أَنْ يَكُونَ رِبًا أمِ الْفِضةُ بِالْفِضةِ؟ قَال: فَأَتَيتُ ابْنَ عُمَرَ، بَعْدُ، فَنَهَاني. وَلَمْ آتِ ابْنَ عَباسٍ. قَال: فَحدثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنهُ سَأَلَ ابْنَ عَباسٍ عَنْهُ بِمَكةَ، فَكَرِهَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والهلاك لأنك (أربيت) أي فعلت الربا المحرم (إذا أردت ذلك) الطيب (فبع تمرك) الرديء (بسلعة) أي بدرهم (ثم اشتر بسلعتك) أي بدرهمك (أي تمر شئت) تحصيله. (قال أبو سعيد فـ) هل بيع (التمر بالتمر أحق) أي أحرى وأولى (أن يكون ربا) أي أن يسمى ربا (أم) بيع (الفضة بالفضة) أحق وأحرى بأن يسمى ربا، وهذا استدلال بطريق نظري ألحق الفرع الذي هو بيع الفضة بالفضة بالأصل الذي هو بيع التمر بالتمر بطريق أحرى وهو أقوى طرق القياس ولذا قال به أكثر منكري القياس، وإنما ذكر أبو سعيد هذا الطريق من الاستدلال لأنه لم يحضره شيء من نصوص حديث عبادة وفضالة المتقدمة وإلا فالأحاديث أحق وأولى بالاستدلال بها على ذلك لأنها نص (قال) أبو نضرة: (فأتيت ابن عمر بعد) أي بعد ما سألته عن الصرف، وقال في: لا بأس به (فنهاني) أي ابن عمر عن بيع الصرف مفاضلة، فيه تصريح بأن ابن عمر قد رجع عن قوله في الصرف بعد ما سمع الحديث (ولم آت ابن عباس، قال) أبو نضرة: (فحدثني أبوالصهباء) الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس صهيب المدني، روى عن مولاه ابن عباس في الربا وعلي وابن مسعود، ويروي عنه (م ت س) وأبو نضرة وسعيد بن جبير وطاوس، قال أبو زرعة: ثقة، وقال النسائي: ضعيف، وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة (أنه سأل ابن عباس عنه) أي عن الصرف بالتفاضل (بمكة) المكرمة (فكرهه) أي فكره ابن عباس الصرف مفاضلة، وهذا صريح أيضًا أنه رجع عن رأيه الأول كما رجع عنه ابن عمر. وقد أخرج الحاكم عن أبي مجلز قال: كان ابن عباس لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره ما كان منه عينًا بعين يدًا بيد، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة فلقيه أبو سعيد الخدري فقال له: يا ابن عباس: ألا تتقي الله إلى متى تؤكل الناس الربا، أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم وهو عند زوجته أم سلمة رضي الله تعالى عنها: "إني لأشتهي تمر عجوة" فبعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فجاء بدل صاعين بصاع من تمر عجوة فقامت فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه

3955 - (1534) (98) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَينَةَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّادٍ) قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. قَال: سَمِعْتُ أبا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، مِثْلا بِمِثْلٍ. مَنْ زَادَ أَو ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبى. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ غَيرَ هذَا. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أعجبه فتناول تمرة ثم أمسك فقال: "من أين لكم هذا؟ فقالت أم سلمة: بعثت صاعين من تمر إلى رجل من الأنصار فأتانا بدل صاعين هذا الصالح الواحد وها هو، كُل. فألقى التمرة بين يديه فقال: "ردوه لا حاجة لي فيه، التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدًا بيد عينًا بعين مثلًا بمثل فمن زاد فهو ربا" ثم قال: "كذلك ما يكال ويوزن أيضًا" فقال ابن عباس: جزاك الله أبا سعيد الجنة، فإنك ذكرتني أمرًا كنت نسيته أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه بعد ذلك أشد النهي، قال الحاكم في مستدركه [2/ 43] بعد إخراجه هذا حديث صحيح: وهذه الرواية انفرد بها الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما فقال: 3955 - (1534) (98) (حدثني محمَّد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (جميعًا) أي حالة كونهم مجتمعين في الرواية (عن سفيان بن عيينة واللفظ لابن عباد قال) ابن عباد: (حدثنا سفيان عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (قال) أبو صالح: (سمعت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لأبي نضرة (يقول) يباع (الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم) حالة كونه (مثلًا) مقابلًا (بمثل) أي بمماثله (من زاد) أي أعطى الزيادة (أو ازداد) أي أو أخذ الزيادة (فقد أربى) أي فقد ارتكب الربا المحرم، قال أبو صالح: (فقلت له): أي لأبي سعيد الخدري (إن ابن عباس يقول غير هذا) الحكم الذي ذكرته من اشتراط المماثلة بين العوضين فإنه يقول بجواز المفاضلة في أحد العوضين إذا اتحد الجنس (فقال) أبو سعيد

لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ. فَقُلتُ: أَرَأَيتَ هذَا الذِي تَقُولُ أَشَيءٌ سَمِعْتَهُ من رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ أَوْ وَجَدْتَهُ في كِتَابِ الله عَزَّ وَجَل؟ فَقَال: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. وَلَمْ أجِدْهُ في كِتابِ الله. وَلكِنْ حَدثني أُسَامَةُ بْنُ زَيدِ؛ أَنَّ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "الرِّبَا في النَّسِيئَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخدري: والله (لقد لقيت) أنا ورأيت (ابن عباس فقلت) له: أي لابن عباس (أرأيت) أي أخبرني يا ابن عباس (هذا) الحكم (الذي تقول) وتفتي في الربا من جواز المفاضلة عند اتحاد الجنس (أشيء) أي هل هو شيء (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ (قال القرطبي: هو سؤال منكر طالب للدليل إذ لا دليل على الأحكام إلا الكتاب والسنة اهـ من المفهم (فقال) ابن عباس مجيبًا لأبي سعيد (لم أسمعه) أي لم أسمع هذا الحكم الذي أفتيته من جواز ربا الفضل (من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أجده في كتاب الله) تعالى (ولكن حدثني أسامة بن زيد) بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الربا في النسيئة) لا في الفضل، والتعريف فيه للعهد أي الربا الذي عرف كونه في النقدين والمطعوم أو المكيل أو الموزون على اختلاف فيه ثابت في النسيئة اهـ مرقاة أي في تأخير أحد العوضين عن العقد لا في المفاضلة فيه. قوله: (ولكن سمعته من أسامة) قال القرطبي: لا شك في صحة حديث أسامة لأن أسامة عدل لكنه حديث ترك الأخذ به لأحاديث الربا فيكون منسوخًا بها، وقيل معنى لا ربا إلا في النسيئة في العروض، وقيل أراد بذلك الأجناس الستة المختلفة المذكورة التي هي الذهب وما بعده وما ينقاس عليها، وقيل: أراد ربا الجاهلية الذي كانوا يقولون فيه: إما أن تقضي أو تربي وهو الربا المذكور في قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} وهذا الجواب هو الذي سلكه بعض العلماء وارتضى به اهـ من الأبي والسنوسي بتصرف واختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 250 و 204] , والبخاري [2178] , والنسائي [7/ 281] , وابن ماجه [2257]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة رضي الله عنه فقال:

3956 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ أبي يَزِيدَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أسَامَةُ بْنُ زيدٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "إِنما الربَا في النَّسِيئَةِ". 3957 - (00) (00) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. ح وَحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثنَا بَهْزٌ. قَالا: حَدَّثنَا وُهَيبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3956 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر واللفظ) الآتي (لعمرو) الناقد (قال إسحاق: أخبرنا، وقال الآخرون: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد) القرشي مولاهم مولى آل قارظ بن شيبة المكي، ثقة كثير الحديث، من (4) (أنه سمع ابن عباس يقول: أخبرني أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن أبي يزيد لأبي سعيد الخدري في روايته عن ابن عباس، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الربا) في الأجناس المختلفة (في النسيئة) أي في تأخير أحد العوضين لا في التفاضل، قال الخطابي: هذا محمول على أن أسامة سمع كلمة من آخر الحديث فحفظها فلم يدرك أوله، كان النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن بيع الجنسين متفاضلًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث يعني إذا اختلف الأجناس جاز فيها التفاضل إذا كانت يدًا بيد، وإنما يدخلها الربا إذا كانت نسيئة اهـ مبارق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 3957 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري البصري، ثقة ثبت، من كبار (10) (ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (قالا): أي قال عفان وبهز: (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان

حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ". 3958 - (00) (00) حدثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا هِقْلٌ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. قَال: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَال لَهُ: أَرَأَيتَ قَوْلَكَ في الصَّرْفِ، أَشَيئًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان الحميري اليماني، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس، ثقة، من (3) (عن ابن عباس عن أسامة بن زيد) بن حارثة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة طاوس لعبيد الله بن أبي يزيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ربا) بالتنوين على إلغاء لا وجل ما بعدها مبتدأ وبتركه على إعمال لا عمل إن أي لا ربا موجود (فيما كان يدًا بيد) أي فيما كان مقابضة بل فيما كان نسيئة، قال الحافظ في الفتح: المعنى ليس الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد موجودًا فيما كان يدًا بيد بل فيما كان نسيئة وتأجيلًا كربا الجاهلية الذي يقولون فيه: إما أن تقضي أو تربي. وحاصله أن الربا الذي حرمه القرآن الكريم وآذن عليه بحرب من الله ورسوله هو الذي يكون في القرض والنسيئة، أما ربا الفضل الذي نُهي عنه في حديث أبي سعيد وعبادة وغيرهما فليس إثمه بمثابة إثم ربا النسيئة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 3958 - (00) (00) (حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري، صدوق، من (10) (حدثنا هقل) بن زياد السكسكي مولاهم أبو عبد الله الدمشقي، وهقل لقب غلب عليه واسمه محمَّد، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، ثقة حجة، من (7) (قال: حدثني عطاء بن أبي رباح) أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس فقال) أبو سعيد (له) أي لابن عباس (أرأيت) أي أخبرني (قولك في) حكم (الصرف) أي في جواز بيع النقد بالنقد بالتفاضل (1) كان (شيئًا سمعته من رسول الله

صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، أَمْ شَيئًا وَجَدْتَهُ في كِتَابِ الله عَزَّ وَجلَّ؟ فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: كَلَّا. لَا أَقُولُ. أما رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ. وَأَمَّا كِتَابُ الله فَلَا أَعْلَمُهُ. وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "أَلا إِنَّمَا الرِّبَا في النَّسِيئَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم أم) كان (شيئًا وجدته في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ فقال ابن عباس) لأبي سعيد: (كلا) أي ارتدع يا أبا سعيد عما تقول فأنا (لا أقول) لكم سمعت رسول الله ولا وجد في كتاب الله تعالى أي لم أسمع فيه من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا ولا فهمت من كتاب الله تعالى فيه شيئًا (أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم أعلم) مني (به) أي بأحاديثه فإنكم أسن مني وأنتم ملازموه حضرًا وسفرًا فعندكم من حديثه ما ليس عندي لصغر سنين، وقد بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابن عباس لم يحتلم والذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث يسيرة وأكثر حديثه عن كبار الصحابة رضي الله عنهم، وفي سنه يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال: قيل عشر، وقيل: خمس عشرة، وقيل: ثلاث عشرة، قال أبو عمر: وهو الذي عليه أهل السير والعلم وهو عندي أصح اهـ من المفهم (وأما كتاب الله) تعالى (فلا أعلمه) وأنتم أعلم به مني أيضًا ثم أخذ يُسند الحديث عن أسامة وأخبر أنه سمعه منه فقال: (ولكن حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا) أي: انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنما الربا) فيما اختلفت أجناسه يكون (في النسيئة) وعدم المقابضة في مجلس العقد لا في الفضل فثبت الحديث بنقله وهو الإِمام العدل عن أسامة ذي المآثر والفضل فلا شك في صحة سند الحديث وإنما هو متروك بأحد الأوجه المتقدمة والله أعلم اهـ منه. وسند هذا الحديث من سباعياته، غرضه بيان متابعة عطاء بن أبي رباح لأبي صالح السمان في روايته عن أبي سعيد الخدري ولو قدم هذه المتابعة على المتابعتين قبلها لكانت أوضح ليلي المتابم المتابَع والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الترجمة ستة أحاديث: الأول: حديث معمر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث معمر بن عبد الله وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي سعيد الخدري الأول ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي سعيد الثاني ذكره للاستشهاد به ثالثًا، والخامس: حديث أبي سعيد الثالث ذكره للاستشهاد به رابعًا وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أسامة بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

579 - (19) باب لعن من أقدم على الربا واتقاء الشبهات وبيع البعير واستثناء حملانه

579 - (19) باب لعن من أقدم على الربا واتقاء الشبهات وبيع البعير واستثناء حملانه 3959 - (1535) (99) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مُغِيرَةَ. قَال: سألَ شِبَاكٌ إِبْرَاهِيمَ. فَحَدَّثَنَا، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: لَعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ آكِلَ الربَا وَمُؤْكِلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 579 - (19) باب لعن من أقدم على الربا واتقاء الشبهات وبيع البعير واستثناء حملانه 3959 - (1535) (99) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ عثمان قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي، الفقيه الأعمى، ثقة، من (6) (قال) المغيرة (سأل شِباك) بكسر الشين المعجمة فموحدة خفيفة ثم كاف، الضبي الأعمى مات شابًّا، روى عن إبراهيم النخعي والشعبي وأبي الضحى وعنه مغيرة بن مقسم وفضيل بن غزوان ونهشل بن مجمع ولم يُخرج له مسلم شيئًا وإنما جاء ذكره في هذا الحديث، وهو ثقة، وثقه النسائي وابن حبان وابن سعد وابن شاهين وعثمان بن أبي شيبة، اهـ من التهذيب [4/ 302 و 303] (إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) قال المغيرة: (فحدثنا) إبراهيم حين مسألة شِباك (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (2) (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم (قال) عبد الله بن مسعود: (لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي دعا عليه باللعن والطرد عن رحمة الله تعالى (آكل الربا) أي آخذه وإن لم يأكل وإنما خص بالأكل لأنه أعظم أنواع الانتفاع كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} ـ (ومؤكله) بالهمز ويُبدل واوًا أي معطيه لمن يأخذه ديان لم يأكل منه نظرًا إلى أن الأكل هو الأغلب أو الأعظم كما مر آنفًا اهـ مرقاة؛ يعني الذي يؤدي الربا إلى غيره فإثم عقد الربا والتعامل به سواء في كل من الآخذ والمعطي، ثم أخذ الربا أشد من الإعطاء لما فيه من التمتع بالحرام ولهذا جاء إعطاؤه عند الضرورة الشديدة كما في شرح الأشباه

قَال: قُلْتُ: وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيهِ؟ قَال: إِنما نُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْنَا. 3960 - (1536) (100) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَان بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالُوا: حَدَّثنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنظائر للحموي وغيره (قال) علقمة بن قيس: (قلت) لعبد الله بن مسعود: (و) هل لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كاتبه) أي كاتب وثيقة عقد الربا (و) هل لعن (شاهديه) أي الشاهدين على عقد الربا (قال) عبد الله بن مسعود: (إنما) نحن (نحدث بما سمعنا) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نزيد عليه شيئًا، قال النووي: فيه تصريح بتحريم كتابة وثيقة المبايعة بين المترابين والشهادة عليها وبتحريم الإعانة على الباطل اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3333] في البيوع، والترمذي [1206] في البيوع، وقال الترمذي: حسن صحيح، وابن ماجه [2277] في التجارات باب التغليظ في الربا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 3960 - (1536) (100) (حدثنا محمَّد بن الصباح) الدولابي مولدًا الرازي ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وزهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالوا: حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (أخبرنا أبو الزبير) المكي محمَّد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا) أي آخذه، قال القرطبي: وعبّر عن الأخذ بالأكل لأن الأخذ إنما يراد للأكل غالبًا، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] أي يأخذونها فإنه لم يعلق الوعيد على أموال اليتامى من حيث الأكل فقط بل من حيث إتلافها عليهم بأخذها منهم (وموكله) أي معطيه وهذا كما قال في الحديث الآخر: "الآخذ والمعطي فيه سواء" رواه مسلم والنسائي، وفي معنى المعطي المعين عليه (وكاتبه) الذي يكتب وثيقته (وشاهديه) أي من يتحمل الشهادة على عقده وإن لم

وَقَال: هُمْ سَوَاءٌ. 3961 - (1537) (101) حدثنا محمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ الهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ النعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ يؤدها، وفي معناهما من حضره فأقره (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم) أي كل من هؤلاء الأربعة (سواء) أي في أصل الإثم وإن كانوا مختلفين في قدره اهـ من المرقاة، قال القرطبي: وإنما سوى بين هؤلاء في اللعنة لأنه لا يحصل عقد الربا إلا بمجموعهم ويجب على السلطان إذا وقع له أحد من هؤلاء أن يغلظ العقوبة عليهم في أبدانهم بالضرب والإهانة وبإتلاف مال الربا عليهم بالصدقة به كما يفعل المسلم إذا آجر نفسه في عمل الخمر فإنه يتصدق بالأجرة وبثمن الخمر إذا باعها المسلم ويدل على صحة ما ذكرناه قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} أي يفسخ عقده ويرفع بركته وتمام المحق بإتلاف ماله اهـ من المفهم. قوله: (وكاتبه) لأن كتابة الربا إعانة عليه ومن هنا ظهر أن التوظف في البنوك الربوية لا يجوز فإن كان عمل الموظف في البنك مما يعين على الربا كالكتابة أو الحساب فذلك حرام لوجهين: الأول: الإعانة على المعصية، والثاني: أخذ الأجرة من المال الحرام فإن معظم دخل البنوك حرام مستجلب بالربا، وأما إذا كان العمل لا علاقة له بالربا فإنه حرام للوجه الثاني فحسب فإذا وجد بنك معظم دخله حلال جاز فيه التوظف للنوع الثاني من الأعمال والله أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 3961 - (1537) (101) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير الهمداني) الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي أبي عبد الله المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا النعمان بن بشير (قال) الشعبي: (سمعته) أي سمعت النعمان بن بشير (يقول:

سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَقُولُ: (وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيهِ إلى أُذُنَيهِ) "إِنَّ الْحَلال بَيِّنٌ وَإِن الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَينَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ الناسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وأهوى النعمان) أي والحال أنه أهوى النعمان (بإصبعيه) السبابتين أي مدهما (إلى أذنيه) ليأخذهما إشارة إلى استيقانه بالسماع وتأكيدًا لسماعه منه صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ في الفتح [1/ 117] وفي هذا رد لقول الواقدي ومن تبعه إن النعمان لا يصح سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على صحة تحمل الصبي المميز لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وللنعمان ثمان سنين. ثم قال: ادعى أبو عمرو الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير النعمان بن بشير فإن أراد من وجه صحيح فمسلم وإلا فقد رويناه من حديث ابن عمر وعمار في الأوسط للطبراني، ومن حديث ابن عباس في الكبير له ومن حديث واثلة في الترغيب للأصبهاني وفي أسانيدها مقال، وادعى أيضًا أنه لم يروه عن النعمان بن بشير غير الشعبي وليس كما قال فقد رواه عن النعمان أيضًا خيثمة بن عبد الرحمن عند أحمد وغيره وعبد الملك بن عمير عند أبي عوانة وغيره وسماك بن حرب عند الطبراني لكنه مشهور عن الشعبي رواه عنه جمع جم من الكوفيين ورواه عنه من البصريين عبد الله بن عون وقد ساق البخاري إسناده في البيوع اهـ. (إن الحلال بين) أي ظاهر بأدلته (وإن الحرام بين) بأدلته (وبينهما) أمور (مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) ليس المعنى كل ما هو حلال عند الله تعالى فهو بيّن بوصف الحل يعرفه كل أحد بهذا الوصف وإن ما هو حرام عند الله تعالى فهو كذلك وإلا لم تبق المشتبهات وإنما معناه أن الحلال من حيث الحكم تبين بأنه لا يضر تناوله وكذا الحرام بأنه يضر تناوله أي هما بيِّنان يعرف الناس حكمهما لكن ينبغي أن يعلم الناس حكم ما بينهما من المشتبهات بأن تناوله يُخرج من الورع ويُقرّب إلى تناول الحرام وعلى هذا فقوله: الحلال بين والحرام بيّن اعتذار عن ترك ذكر حكمهما اهـ سندي على النسائي، قال القرطبي: يعني أن كل واحد منهما مبين بأدلته في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تأصيلًا وتفصيلًا فمن وقف على ما في كتاب الله والسنة من ذلك وجد فيهما أمورًا جلية التحليل وأمورًا جلية التحريم وأمورًا مترددة بين التحليل والتحريم وهي التي تتعارض فيها الأدلة فهي المتشابهات وقد اختلف في حكمها وقيل: مواقعتها حرام لأنها توقع في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرام وقيل: مكروهة والورع تركها وقيل: لا يقال فيها واحد منهما، والصواب الثاني لأن الشرع قد أخرجها من قسم الحرام فلا توصف به وهي مما يرتاب فيه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه أحمد والترمذي والنسائي، وهذا هو الورع وقد قال فيها بعض الناس: إنها حلال ويتورع عنها. (قلت): وليست بعبارة صحيحة لأن أقل مراتب الحلال أن يستوي فعله وتركه فيكون مباحًا وما كان كذلك لم يتصور فيه الورع من حيث هو متساوي الطرفين فإنه إن ترجح أحد طرفيه على الآخر خرج عن كونه مباحًا وحينئذٍ يكون تركه راجحًا على فعله وهو المكروه أو فعله راجحًا على تركه وهو المندوب، فإن قيل فهذا يؤدي إلى ترك معلوم من الشرع وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وأكثر الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزهدون في المباح فإنهم رفضوا التنعم بأكل الطيبات من الأطعمة وبلباس اللين الفاخر من الملابس وبسكنى المباني الأنيقة من المساكن ولا شك في إباحة هذه الأمور ومع هذا فآثروا أكل الخشن ولباس الخشن وسكنى الطين واللبن وكل هذا معلوم من حالهم منقول من سيرتهم. فالجواب إن تركهم التنعم بالمباح لا بد له من موجب شرعي أوجب ترجيح الترك على الفعل وحينئذٍ يلزم عليه خروج المباح عن كونه مباحًا فإن حقيقته التساوي من غير رجحان فلم يزهدوا في مباح بل في أمر تركه خير من فعله شرعًا وهذه حقيقة المكروه فإذًا إنما زهدوا في مكروه غير أن المكروه تارة يكرهه الشرع من حيث هو كما كره لحوم السباع وتارة يكرهه لما يؤدي إليه كما كره القبلة للصائم فإنها تكره لما يُخاف منها من فساد الصوم وتركهم التنعم من هذا القبيل فإنه انكشف لهم من عاقبته ما خافوا على نفوسهم منه مفاسد إما في الحال كالركون إلى الدنيا وإما في المال كالحساب عليه والمطالبة بالشكر وغير ذلك مما ذُكر في كتب الزهد وعلى هذا فقد ظهر ولاح أنهم لم يزهدوا ولا تورعوا عن مباح بل عن مكروه خوفًا من الوقوع في الحرام اهـ من المفهم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بيّن والحرام بيّن) فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بيّن واضح لا يخفى حاله كالخبز والفواكه والزيت والسمن والعسل ولبن مأكول اللحم وبيضه وغير ذلك من المطعومات وكذلك الكلام والمشي والنظر وغير ذلك

فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من التصرفات فيها حلال بين واضح لا شك في حله، وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك، وأما المشتبهات فمعناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها كما تولد بين شاة وكلب وما رُكب من حرير وغيره وكتزوجه بنته من الزنا، وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإن تردد بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي فإذا ألحقه بالحلال صار حلالًا وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال البين فيكون الورع تركه ويكون داخلًا في قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وما لم يظهر للمجتهد فيه شيء وهو مشتبه فهل يؤخذ بحله أم بحرمته أم يتوقف؟ فيه ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره والظاهر أنها مخرجة على الخلاف المذكور في الأشياء قبل ورود الشرع، وفيه أربعة مذاهب: الأصح أنه لا يحكم عليها بحل ولا حرمة ولا غيرهما لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع، والثاني: أن حكمها التحريم، والثالث: الإباحة، والرابع: التوقف والله أعلم اهـ نووي. وقوله: (وبينهما أمور مشتبهات) كذا في النسخ الموجودة عندنا ولكن ذكر العسقلاني والعيني أن مسلمًا إنما رواه بلفظ مشبهات بصيغة اسم مفعول من شبه المضعف، وذكر العيني أن الحديث ورد بخمس روايات: الأولى: مشتَبِهات على صيغة اسم الفاعل من افتعل الخماسي يعني المشكلات من الأمور لما فيها من شبه الطرفين المتخالفين فيشتبه بهذا مرة وبهذا مرة أخرى، والثانية متشَبِّهات بوزن متفعلات على صيغة اسم الفاعل من تفعل الخماسي كما في رواية الطبري وفي المغني هي كالأولى إلا أن فيها معنى التكلف، والثالثة: مشبَّهات على صيغة اسم المفعول من شبه الرباعي المضعف وهي رواية السمرقندي ورواية مسلم والمعنى أنها مشبَّهات بغيرها ما لم يتيقن فيه حكمها على التعيين ويقال معناه مشبهات بالحلال، والرابعة: مشبَّهات على صيغة اسم الفاعل من شبه المضعف ومعناها أنها تشبه أنفسها بالحلال، والخامسة: مُشْبِهات على صيغة اسم الفاعل من أشبه الرباعي ومعناها مثل التي قبلها اهـ عيني [1/ 345]. (فمن اتقى) أي تورع وتحرز (الشبهات) وابتعد عنها وتركها بضم الشين والباء

اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد ترك ما يشتبه كونه حلالًا فقد (استبرأ) أي طلب البراءة من الذم الشرعي والإثم وحصلها (لدينه و) صان لـ (عرضه) وحفظه من وقوع الناس فيه وتعييبهم له، والعرض بكسر العين وسكون الراء موضع المدح والذم من الناس والمعنى من ترك ما يشتبه عليه سلم دينه مما يفسده أو ينقصه وعرضه مما يشينه ويعيِّبه فيسلم من عقاب الله تعالى وذمّه ويدخل في زمرة المتقين الفائزين بثناء الله تعالى وثوابه لكن لا يصح اتقاء الشبهات حتى تعرف ومعرفتها على التعيين والتفصيل يستدعي فصل تطويل لكن نعقد فيه عقدًا كليًّا إن شاء الله تعالى عن التفصيل مغنيًا فنقول: المكلف بالنسبة إلى الشرع إما أن يترجح فعله على تركه، أو تركه على فعله، أو لا يترجح واحد منهما فالراجح الفعل، أو الترك، إما أن يجوز نقيضه بوجه ما أو لا يجوز نقيضه؟ فإن لم يجز نقيضه فهو المعلوم الحكم من التحليل كحلية لحوم الأنعام أو من التحريم كتحريم الميتة والخنزير على الجملة فهذان النوعان هما المرادان بقوله: الحلال بيّن والحرام بين، وأما إن جوز نقيض ما ترجح عنده فإما أن يكون ذلك التجويز بعيدًا لا مستند له أكثر من توهم وتقدير فلا يلتفت إلى ذلك ويُلغى بكل حال وهذا كترك النكاح من نساء بلدة كبيرة مخافة أن يكون له فيها ذات محرم من النسب أو الرضاع أو كترك استعمال ماء بأن على أوصافه في فلاة من الأرض مخافة تقدير نجاسة وقعت فيه أو كترك الصلاة على موضع لا أثر ولا علامة للنجاسة فيه مخافة أن يكون فيها بول قد جف أو كتكرار غسل الثوب مخافة طرو نجاسة لم يشاهدها إلى غير ذلك مما في معناه فهذا النوع يجب أن لا يلتفت إليه والتوقف لأجل ذلك التجويز هوس والورع فيه وسوسة شيطانية إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيء وقد دخل الشيطان على كثير من أهل الخير من هذا الباب حتى يعطل عليهم واجبات أو ينقص ثوابها لهم وسبب الوقوع في ذلك عدم العلم بالمقاصد الشرعية وأحكامها اهـ من المفهم. (ومن وقع في الشبهات) أي ارتكب الأمور المشتبهة (وقع في الحرام) وهذا يكون لأحد وجهين أحدهما إذا عود لنفسه عدم التحرز مما يشتبه أثر ذلك في استهانته وعدم المبالاة بأمور الدين فوقع في الحرام مع العلم به، وقيل: إن من أكثر الوقوع في الشبهات أظلم قلبه عليه لفقدان نور العلم والورع فيقع في الحرام ولا يشعر به. وثانيهما: أن من اشتبه عليه الحكم في مسألة فارتكبها بدون تحقيق أو سؤال عنه

كَالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى. يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ. أَلا وإن لِكُل مَلِكٍ حِمَى. أَلا وَإِنَّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ. أَلا وإن في الْجَسَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيمكن أن يكون ذلك الفعل حرامًا في نفس الأمر فحينئذٍ صار الوقوع في الشبهة وقوعًا في الحرام والله تعالى أعلم اهـ من التكملة. حالة كون ذلك الواقع في الشبهات (كالراعي) الذي (يرعى) المواشي (حول الحمى) أي حول المرعى الذي حماه الملك ومنعه من الناس حالة كون ذلك الراعي (يوشك) ويقرب (أن يرتع) ويرعى مواشيه (فيه) أي في ذلك الحمى الذي حماه الإِمام فتصيبه العقوبة منه، والحمى بكسر الحاء وبالقصر كل موضع حظره السلطان لنفسه ومنع الغير من الدخول فيه وأكثر ما يستعمل في مراعي المواشي. وقوله: (يوشك) بضم الياء وكسر الشين مضارع أوشك الرباعي بفتحها وهو من أفعال المقاربة ومعناه هنا يقع في الحرام بسرعة و (يرتع) بفتح التاء مضارع رتع بفتحها أيضًا وفُتحت في المضارع لوجود حرف الحلق لأنه من داعي الفتح بشرطه المذكور في كتب الصرف كما بسطنا الكلام عليه في شرحنا مناهل الرجال على لامية الأفعال؛ ومعناه أكل الماشية من المرعى وأصله إقامتها فيه وتبسطها في الأكل منه، ومنه قوله تعالى: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12] وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمحارم الله تعالى وأصله أن ملوك العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها الخاصة بها وتُحرِّج بالتوعد بالعقوبة على من قربها فالخائف من عقوبة السلطان يبعد بماشيته من ذلك الحمى لأنه إن قرب منه فالغالب الوقوع وإن أكثر الحذر إذ قد تنفرد الفاذة وتشذ الشاذة ولا تنضبط فالحذر أن يجعل بينه وبين ذلك الحمى مسافة بحيث يأمن فيها من وقوع الفاذة والشاذة فيه وهكذا محارم الله تعالى لا ينبغي أن يحوم حولها مخافة الوقوع فيها على الطريقتين المتقدمتين. (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإن لكل ملك) من ملوك الدنيا أي لجنسهم (حمى) أي مرعى حماه ومنعه من الناس لرعي مواشيه وإلا فليس لكل ملك حمى بل لبعضهم (ألا وإن حمى الله) الذي حمى عباده منه (محارمه) أي محرماته أي ما حرمه على عباده من المنهيات والمعاصي، ولما كان التورع يميل القلب إلى الصلاح وعدمه يميله إلى الفجور، نبه النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: (ألا وإن في الجسد)

مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم، وإن في جنس الجسد والجسم (مضغة) أي قطعة لحم قدر ما يمضغه الماضع والمضغة في اللغة قطعة لحم قدر ما يُمضغ عند الأكل وعبّر بها هنا عن القلب فإنه صغير جرمه في الرؤية وكبير قدره لأن صلاح سائر البدن وفساده تابع له (إذا صلحت) بفتح اللام من باب نصر أي إذا انشرحت واتسعت تلك المضغة بالهداية (صلح الجسد كله) أي استعملت الجوارح في الخيرات لأنها متبوعة للجسد وهي وإن كانت صغيرة صورة لكنها كبيرة رتبة لكونها الأميرة للجسد (وإذا فسدت) تلك المضغة أي انشرحت بالضلالة وهو من باب نصر أيضًا (فسد الجسد كله) باستعمال آلاته في المنكرات (ألا وهي) أي وتلك المضغة التي كانت أميرة الجسد (القلب) سميت بالقلب لأنها محل الخواطر المختلفة الحاملة على الانقلابات اهـ من المبارق. وعبارة النووي هنا قوله: (ألا وإن لكل ملك حمى) إلخ معناه أن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس ويمنعهم دخوله فمن دخله أوقع به العقوبة ومن احتاط لنفسه لا يقارب ذلك الحمى خوفًا من الوقوع فيه، ولله تعالى أيضًا حِمَى وهي محارمه أي المعاصي التي حرمها الله تعالى كالقتل والزنا والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك فكل هذا حمى الله تعالى من دخله بارتكابه شيئًا من المعاصي استحق العقوبة ومن قاربه يوشك أن يقع فيه فمن احتاط لنفسه لم يقاربه ولم يتعلق بشيء يقربه من المعصية فلا يدخل في شيء من الشبهات (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله) قال أهل اللغة: يقال صلح الشيء وفسد بفتح اللام والسين وضمهما والفتح أفصح وأشهر والمعنى إذا صارت تلك المضغة ذات صلاح أو ذات فساد وقد يقال: صلح وفسد بضم العين فيهما إذا صار الصلاح أو الفساد هيئة لازمة لها كما يقال ظرف وشرف، والمضغة: القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب اهـ منه، قوله: (ألا وهي القلب) هذا اللفظ في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه من باب ضرب إذا رددنه على بدأته وقلبت الإناء إذا رددته على وجهه وقلبت الرجل عن رأيه إذا صرفته عنه وعن طريقه كذلك ثم نُقل هذا اللفظ فسُمي به هذا العضو الذي هو أشرف أعضاء الحيوان لسرعة الخواطر فيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولترددها عليه وقد نظم بعض الفضلاء هذا المعنى فقال: ما سُمي القلب إلا من تقلبه ... فاحذر على القلب من قلب وتحويل وفي اللسان وتاج العروس: ما سُمي القلب إلا من تقلبه ... والرأي يصرف بالإنسان أطوارا ولبعضهم: وما سُمي الإنسان إلا لنسيه ... وما القلب إلا أنه يتقلب ثم لما نقلت العرب هذا المصدر إلى هذا العضو التزمت فيه تفخيم قافه تفريقًا بينه وبين أصله وليحذر اللبيب من سرعة انقلاب قلبه إذ ليس بين القلب والقلب إلا التفخيم وما يعقلها إلا كل ذي فهم مستقيم. ثم اعلم أن الله تعالى خص جنس الحيوان بهذا العضو المسمى بالقلب وأودع فيه المعنى الذي تنظم به المصالح المقصودة من ذلك النوع فتجد البهائم تدرك مصالحها ومنافعها وتميّز بين مفاسدها ومضارها مع اختلاف أشكالها وصورها إذ منها ما يمشي على بطنه ومنها ما يمشي على أربع ومنها ما يطير بجناحيه ثم خص الله تعالى من بين سائر الحيوان نوع الإنسان الذي هو المقصود الأول من الكونين والمعنى في العالمين بهذا القلب المخصوص المشتمل على هذا المعنى المخصوص الذي تميّز الإنسان ووقع به بينه وبين سائر الحيوانات الفرقان وهو المعنى الذي به يفهم القلب المفهومات ويحصل به على معرفة الكليات والجزئيات ويعرف به فرق ما بين الواجبات والجائزات والمستحيلات، وقد أضاف الله تعالى العقل إلى القلب كما أضاف السمع إلى الأذن والإبصار إلى العين فقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46] وهو رد على من قال من أهل الضلال إن العقل في الدماغ وهو قول من زل عن الصواب وزاغ كيف لا وقد أخبرنا عن محله خالقه القدير {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14] وقد روي ذلك عن أبي حنيفة وما أظنها عنه معروفة. وإذا فهمت أن الإنسان إنما شرفه الله تعالى على سائر الحيوان بهذا القلب وأن هذا القلب لم يشرف من حيث صورته الشكلية فإنها موجودة لغيره من الحيوانات البهيمية بل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من حيث هو مقر لتلك الخاصية الإلهية علمت أنه أشرف الأعضاء وأعز الأجزاء إذ ليس ذلك المعنى موجودًا في شيء منها ثم إن الجوارح مسخرة له ومطيعة فما استقر فيه ظهر عليها وعملت على مقتضاه إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر وعند هذا انكشف لك معنى قوله: (إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله) ولما ظهر ذلك وجبت العناية بالأمور التي يصلح بها القلب ليتصف بها وبالأمور التي تفسد القلب ليجتنبها ومجموع ذلك علوم وأعمال وأحوال. فالعلوم ثلاثة: الأول: العلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه وتصديق رسله فيما جاؤوا به. والثاني: العلم بأحكامه عليهم ومراده منهم. والثالث: العلم بمساعي القلوب من خواطرها وهمومها ومحمود أوصافها ومذمومها. وأما أعمال القلوب فالتحلي بالمحمود من الأوصاف والتخلي عن المذموم منها ومنازلة المقامات والترقي عن مفضول المنازلات إلى سَنِيِّ الحالات. وأما الأحوال فمراقبة الله تعالى في السر والعلن والتمكن من الاستقامة على السنن وإلى هذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أن تعبد الله كأنك تراه" وتفصيل هذه المعاقد الجمليّة توجد في تصانيف محققي الزهادية. (تنبيه): الجوارح وإن كانت متابعة للقلب فقد يتأثر القلب بأعمالها للارتباط والعلاقة التي بين الباطن والظاهر والقلب مع الجوارح كالملك مع الرعية إن صلح صلحت ثم يعود صلاحها عليه بزيادة مصالح ترجع إليه ولذلك قيل: الملك سوق ما نفق عنده جلب عليه وقد نص على هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الرجل ليصدق فينكت في قلبه نكتة بيضاء حتى يكتب عند الله تعالى صدّيقًا، وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسودّ قلبه حتى يكتب عند الله كذابًا" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وفي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "إن الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقُل قلبه" قال: وهو الران الذي ذكر الله تعالى في كتابه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14] وقال مجاهد: القلب كالكف تُقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يُطبع، وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله" متصلًا بقوله: "الحلال بيّن والحرام بيّن" إشعارًا بأن أكل الحلال ينوره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويصلحه وأكل الحرام والشبهة يفسده ويقسيه ويظلمه وقد وجد ذلك أهل الورع حتى قال بعضهم: استسقيت جُنديًا فسقاني شربة ماء فعادت قسوتها على قلبي أربعين صباحًا، وقيل الأصل المصحِّح للقلوب والأعمال أكل الحلال ويُخاف على آكل الحرام والمتشابه أن لا يقبل له عمل ولا تسمع له دعوة ألا تسمع قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وآكل الحرام المسترسل في الشبهات ليس بمتق على الإطلاق وقد عضد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] وقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم والترمذي، ولما شرب أبو بكر جرعة لبن من شبهة استقاءها فأجهده ذلك حتى تقياها فقيل له: أكُل ذلك في شربة فقال: والله لو لم تخرج إلا بنفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به" رواه الطبراني في الكبير. وعند هذا يعلم الواحد منا قدر المصيبة التي هو فيها وعظم المحنة التي ابتلي بها إذ المكاسب في هذه الأعصار قد فسدت وأنواع الحرام والشبهات قد عمت فلا يكاد منا اليوم يتوصل إلى الحلال ولا ينفك عن الشبهات فإن الواحد منا وإن اجتهد فيما يعمله فكيف يعمل فيمن يعامله مع استرسال الناس في المحرمات والشبهات وقلة من يتقي ذلك من جميع الأصناف والطبقات مع ضرورة المخالطة والاحتياج للمعاملة، وعلى هذا فالخلاص بعيد والأمر شديد ولولا النهي عن القنوط واليأس لكان ذلك أولى بأمثالنا من الناس لكنا إذا دفعنا عن أنفسنا أصول المحرمات واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشبهات فعفو الله تعالى مأمول وكرمه مرجو فلا ملجأ لنا إلا هو ولا مفزع إلا إليه ولا استعانة إلا به ولا استغاثة إلا إليه ولا حول ولا قوة إلا باللهِ العلي العظيم. (تنبيه) ثان: وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة حتى لقد قال أبو داود: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث الثابت منها أربعة آلاف حديث وهي ترجع إلى أربعة أحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه، و"من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وابن ماجه،

3962 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ و"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه، و"الحلال بين والحرام بين" متفق عليه، وقد جعل غيره مكان: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب ... " إلخ قوله: "ازهد في الدنيا يحبك الله" وقد نظم رموز هذه الأحاديث الأربعة أبو الحسن طاهر بن مفوز فقال: عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من كلام خير البرية اتق المشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنيَّةْ (قلت): وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى كلام حسن غير أنهم لو أمعنوا النظر في هذا الحديث كله من أوله إلى آخره لوجدوه متضمنًا لعلوم الشريعة كلها ظاهرها وباطنها وإن أردت الوقوف على ذلك فأعد النظر فيما قررناه من الجمل في الحلال والحرام والمتشابهات وما يُصلح القلوب وما يفسدها وتعلق أعمال الجوارح بها وحينئذٍ يستلزم هذا الحديث معرفة تفاصيل أحكام الشريعة كلها أصولها وفروعها والله هو المسؤول أن يستعملنا بما علمنا ويوفقنا بما يرضيه عنا إنه ولي التوفيق والهداية لأقوم الطريق والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [52] , وأبو داود [3329] , والترمذي [1205] والنسائي [7/ 241]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النعمان رضي الله عنه فقال: 3962 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع (ح) وحدثنا إسحاق ابن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (قالا): أي قال كل من وكيع وعيسى (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة الهمداني الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن النعمان (مثله) أي مثل ما روى عبد الله بن نمير عن زكريا بن أبي زائدة، غرضه بيان متابعة وكيع وعيسى لعبد الله بن نمير في الرواية عن زكرياء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال:

3963 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَبِي فَرْوَةَ الْهَمْدَانِيّ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ زَكَرِيَّاءَ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَأَكْثَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3963 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن مطرف) بن طريف الحارثي أبي بكر الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (و) عن عروة بن الحارث الكوفي (أبي فروة) الأكبر (الهمداني) روى عن الشعبي في البيوع، وابن أبي ليلى وأبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، ويروي عنه (خ م د س) وجرير بن عبد الحميد، وأبو إسحاق أكبر منه، ومسعر والثوري وشعبة، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري) نسبة إلى قارة اسم قبيلة المدني، ثقة، من (8) (عن) محمَّد (بن عجلان) القرشي المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الرحمن بن سعيد) بن وهب الهمداني الخيواني بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتانية نسبة إلى خيوان بطن من همدان الكوفي، روى عن الشعبي في البيوع وأبيه وعائشة، ويروي عنه (م س) وابن عجلان، وثقه أبو حاتم والنسائي، وقال ابن سعد: كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني مطرفًا وأبا فروة وعبد الرحمن بن سعيد رووا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي (عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما وهو أول مولود من الأنصار بعد الهجرة كما أن عبد الله بن الزبير أول مولود من المهاجرين بعد الهجرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن نمير وزكرياء بن أبي زائدة أي كلهم رووا عن الشعبي (بهذا الحديث) المذكور عن النعمان (غير أن) أي لكن أن (حديث زكرياء) بن أبي زائدة (أتم) سندًا أي أصح سندًا (من حديثهم) أي من حديث هؤلاء الثلاثة لما في حديث زكرياء من تصريح سماع الشعبي عن النعمان وتصريح سماع النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم دون حديثهم فإنهم عنعنوا في الموضعين (و) حديث زكرياء (أكثر) أي أطول متنًا من حديثهم.

3964 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ نُعْمَانَ بْنَ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِحِمْصَ. وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَلالُ بَين وَالْحَرَامُ بَيِّن". فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشعْبِي، إلى قَوْلِهِ: "يُوشِكُ أن يَقَعَ فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 3964 - (00) (00) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة ثبت، من (7) (حدثني خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبو عبد الرحيم المصري الإسكندراني، ثقة، من (6) (حدثني سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبو العلاء المصري، قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وقال الساجي: صدوق، وقال العجلي: مصري ثقة، ووثقه ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي والخطيب وابن عبد البر، وقال في التقريب: صدوق، من (6) (عن عون بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله الكوفي الزاهد، ثقة، من (4) (عن عامر) بن شراحيل الحميري (الشعبي) الكوفي، ثقة، من (3) (أنه سمع نعمان بن بشير بن سعد) الأنصاري الخزرجي (صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنه وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة عون بن عبد الله لزكرياء بن أبي زائدة أي سمع النعمان (وهو) أي والحال أن النعمان (يخطب الناس) أي يذكر الناس ويعظهم (بحمص) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم بلدة كبيرة في الشام (وهو) أي والحال أن النعمان (يقول) في خطبته: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بيّن والحرام بيّن فذكر) عون بن عبد الله (بمثل حديث زكرياء) بن أبي زائدة (عن الشعبي إلى قوله): أي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يقع فيه) ولم يذكر عون ما بعده، وقال: يقع بدل قول زكرياء يرتع والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال:

3965 - (1537) (102) حدثنا محمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ. حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أعْيَا. فَأرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَال: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ. فَسَارَ سَيرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ. قَال: "بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ" قُلْتُ: لَا. ثُمَّ قَال: "بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ. وَاسْتَثْنَيتُ عَلَيهِ حُمْلانَهُ إلى أَهْلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 3965 - (1537) (102) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (حدثني جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا جابر بن عبد الله (أنه) أي أن جابرًا (كان يسير) ويذهب راكبًا (على جمل له) وهو ذكر الإبل وكان ذلك في سفر رجوعهم من غزوة تبوك أو ذات الرقاع (قد أعيا) وعجز عن السير في الطريق (فأراد) جابر (أن يسيبه) أي أن يُسيب الجمل ويتركه في الطريق (قال) جابر: (فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم) من ورائي (فدعا لي) في سير الجمل ونشاطه (وضربه) أي وضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجمل بعصاه ليقوم ويسير (فسار) الجمل (سيرًا لم يسر مثله) قط فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لجابر: (بعنيه) يا جابر أي بعني هذا الجمل (بوقية) -بضم الواو وكسر القاف وتشديد الياء المفتوحة- لغة في الأوقية أي بعنيه بوقية ذهب، قال النووي: هكذا هو في النسخ بوقية وهي لغة صحيحة سبقت مرارًا ويقال: أوقية وهي أشهر، وفيه أنه لا بأس بطلب البيع من مالك السلعة وإن لم يعرضها للبيع، قال جابر: (قلت) له: (لا) أبيعك يا رسول الله بل سأهبه لك (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعنيه) يا جابر مرة ثانية، قال جابر: (فبعته بوقية) من ذهب امتثالًا لأمره وإلا فقد كان غرضه أن يهبه له صلى الله عليه وسلم (واستثنيت) أي وشرطت (عليه) صلى الله عليه وسلم (حملانه) بضم الحاء وسكون الميم أي حملان الجمل وركوبه (إلى) وصول (أهلي) في المدينة، وهذا صريح في جواز بيع الدابة واستثناء ركوبها وشرطه قال به ابن شبرمة وغيره من الناس ومنعه أبو حنيفة والشافعي أخذًا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط ورأوا أن هذا النهي أولى من حديث جابر إما لأنه ناسخ له أو مرجح عليه، وقال مالك: يجوز ذلك إذا كانت المسافة قريبة معلومة وحمل هذا الحديث عليه.

فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيتُهُ بِالْجَمَلِ. فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ. ثُمَّ رَجَعْتُ. فَأَرْسَلَ في أَثَرِي. فَقَال: "أَتُرَاني مَاكسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ. فَهُوَ لَكَ". 3966 - (00) (00) وحدّثناه عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد اختلفوا في جواز البيع والشرط فصححهما ابن شبرمة وأبطلهما أبو حنيفة وصحح ابن أبي ليلى البيع وأبطل الشرط تمسكًا بحديث بريرة المتقدم، وأما مالك فيحمل النهي عن بيع وشرط عنده على شرط يناقض مقصود العقد كقوله: أبيعك هذه الجارية على أن لا تطأها أو على أن لا تبيع وما شاكل ذلك فجمع بين الأحاديث وهي طريقته في القديم والحديث اهـ من المفهم. (فلما بلغت) المدينة ووصلت إلى أهلي (أتيته) صلى الله عليه وسلم وجئته (بالجمل فنقدني) أي أعطاني (ثمنه) نقدًا أي وزنًا بالوقية (ثم رجعت) إلى أهلي (فأرسل) أي بعث رجلًا (في أثري) أي ورائي فطلبني بالرجوع إليه فرجعت إليه (فقال) لي: (أتراني) بضم التاء أي تظنني (ماكستك) أي عاملتك بالنقص من الثمن، ذكر النووي أن المماكسة هي المكالمة في النقص من الثمن وأصلها النقص ومنه مكس الظالم وهو ما ينتقصه ويأخذه من أموال الناس اهـ وفي النهاية المماكسة انتقاص الثمن واستحطاطه أي أتظن بي أني ناقصت ثمن جملك (لآخذ جملك) بثمن ناقص وهو بفتح الهمزة وضم الخاء وفتح الذال على صيغة المضارع واللام فيه حينئذٍ لام كي كذا لجميع الرواة، وذكر الأبي عن القاضي عياض ضبطه بسكون الخاء وكسر الذال على صيغة المصدر المجرور بلام التعليل وقيد علي بن بحر (لا) (خذ جملك) على أن لا نافية، وخذ فعل أمر، والمعنى واحد (خذ جملك) الذي اشتريت منك (ودراهمك) التي سلمتها إليك في ثمن الجمل (فهو) أي الثمن الذي سلمته إليك باق (لك) فلا ترده على بعد أخذ الجمل، أو الضمير للمذكور من الجمل والدراهم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 375] , والبخاري [2097] , وأبو داود [3505] , والترمذي [1253] , والنسائي [7/ 297] , وابن ماجه [2205]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3966 - (00) (00) (وحدثناه علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8)

عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَامِرٍ. حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. 3967 - (00) (00) حدْثنا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثنَا جَرِيرٌ) عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. فَتَلاحَقَ بِي. وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي قَدْ أَعْيَا وَلَا يَكَادُ يَسِيرُ. قَال: فَقَال لِي: "مَا لِبَعِيرِكَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن زكرياء) بن أبي زائدة الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) (عن عامر) بن شراحيل الشعبي الكوفي، ثقة، من (3) (حدثني جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وساق عيسى بن يونس (بمثل حديث) عبد الله (بن نمير) غرضه بيان متابعة عيسى لعبد الله بن نمير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3967 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ لعثمان قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن مغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، من (6) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مغيرة بن مقسم لزكرياء بن أبي زائدة (قال) جابر: (فزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) غزوة تبوك كما صرح به في رواية البخاري وجزم ابن إسحاق بأن ذلك في غزوة ذات الرقاع، وقال ابن حجر: وهي الراجحة في نظري لأن أهل المغازي أضبط لذلك من غيرهم اهـ من الإرشاد. فاستعجلت الرجوع إلى أهلي لحداثة تزوجي فاستأذنته فأذن لي في المتقدم فتقدمت عليهم (فتلاحق بي) أي أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحقني من ورائي (وتحتي ناضح لي) أي جمل نستقي عليه الماء في المدينة (قد أعيا) أي عجز عن السير بي (ولا يكاد يسير) أي لا يقرب أن يمشي بي لنهاية إعيائه (قال) جابر: (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لبعيرك) أي أي شيء ثبت لجملك لا يسير بك يا جابر. قال القرطبي: والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس يقال للجمل بعير وللناقة بعير، تقول العرب: صرعني بعيرك وشربت من لبن بعيري وإنما يقال له بعير إذا أجذع

قَال: قُلْتُ: عَلِيلٌ. قَال: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ. فَمَا زَال بَينَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدامَهَا يَسِيرُ. قَال: فَقَال لِي: "كَيفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ " قَال: قُلْتُ: بِخَيرٍ. قَدْ أصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَال: "أَفَتَبِيعُنِيهِ؟ " فَاسْتَحْيَيتُ. وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غيرُهُ. قَال: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَبِعْتُهُ إِياهُ. عَلَى أَن لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ الله، إِني عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ. فَأَذِنَ لِي. فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ. حَتَّى انتَهَيتُ. فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي صار جذعًا، والجذع من الإبل ما استكمل أربعة أعوام ودخل في السنة الخامسة سُمي جذعًا لأنه أجذع وأسقط مقدم أسنانه اهـ من المفهم بزيادة. (قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم في جواب استفهامه عن البعير هو (عليل) أي مريض (قال) جابر: (فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قام خلف الجمل (فزجره) أي زجر الجمل عن البطء في السير وحثه عليه (ودعا له) أي للجمل بالشفاء والنشاط في السير فشفاه الله تعالى فصار يسرع فيه (فما زال) الجمل يسرع (بين يدي الإبل) أي إبل القوم، حالة كونه (قدامها يسير) ولابن سعد من هذا الوجه فانبعث فما كدت أمسكه، ولمسلم من رواية ابن الزبير عن جابر فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه (قال) جابر: (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف ترى) الآن (بعيرك؟ قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: أراه (بخير) ونشاط (قد أصابته) ونالته (بركتك) أي بركة دعائك يا رسول الله ثم (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تنازلني عنه (فتبيعنيه؟ فاستحييت) من رد ما طلبه (ولم يكن لنا ناضح) أي جمل نستقي عليه الماء (غيره) أي غير هذا الجمل (قال) جابر: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أبيعه لك (فبعته) صلى الله عليه وسلم (إياه) أي الجمل (على) شرط (أن لي فقار ظهره) أي خرزات ظهره أي مفاصل عظام ظهره والمراد: ركوبه (حتى أبلغ المدينة) المنورة (قال) جابر: (فقلت له) صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله: إني عروس) تائق إلى أهلي، قال النووي: هكذا يقال للرجل: عروس كما يقال ذلك للمرأة لفظهما واحد لكن يختلفان في الجمع فيقال رجل عروس ورجال عرس وامرأة عروس ونسوة عرائس اهـ (فاستأذنته) في المتقدم إلى المدينة (فأذن لي) فيه (فتقدمت الناس إلى المدينة حتى انتهيت) ووصلت إليه (فلقيني) أي رآني (خالي فسألني) خالي (عن) شأن (البعير) أي عن

فَأخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ. فَلامَنِي فِيهِ. قَال: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ قَال لِي حِينَ استَأْذَنْتُهُ: "مَا تَزَوَّجْتَ؟ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ " فَقُلْتُ لَهُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. قَال: "أَفَلا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُكَ وَتُلاعِبُهَا؟ " فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ الله! تُوُفِّيَ وَالِدِي (أَو اسْتُشْهِدَ) وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ. فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيهِن مِثْلَهُن. فَلَا تُؤَدِّبُهُن وَلَا تَقُومُ عَلَيهِنَّ. فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيهِن وَتُؤَدِّبَهُنَّ. قَال: فَلمّا قَدِمَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ المَدِينَةَ، غَدَوْتُ إِلَيهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَيَّ. 3968 - (00) (00) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ نشاطه وسيره (فأخبرته) أي أخبرت خالي (بـ) شأنه وإعيائه في الطريق و (ما صنعت) فيه من محاولة سيره وما صنع الرسول صلى الله عليه وسلم (فيه) من نخسه والدعاء فيه (فلامني) أي وبخني خالي (فيه) أي في بيعه، وقال لي: كيف تبيعه وليس لكم ناضح غيره وأنتم محتاجون إليه أشد الحاجة (قال) جابر: (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي حين استأذنته) في التقدم إلى المدينة (ما تزوجت) أي أي امرأة تزوجت (أ) تزوجت (بكرًا أم) تزوجت (ثيبًا؟ فقلت له) صلى الله عليه وسلم (تزوجت) يا رسول الله (ثيبًا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تزوجت ثيبًا (فلا تزوجت بكرًا تلاعبك وتلاعبها فقلت له) صلى الله عليه وسلم في بيان سبب تزوجي ثيبًا (يا رسول الله توفي) أي مات (والدي) عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه (أو) قال جابر: (استشهد) والدي أي مات شهيدًا يوم غزوة أحد، والشك من الشعبي أو ممن دونه (ولي) تسع أو سبع (أخوات صغار) يحتجن إلى تأديبهن وتعليمهن فليست لنا والدة تعلّمهن وتربيهن (فكرهت أن أتزوج) وأضم (إليهن) بكرًا خرقاء (مثلهن) في الصغر وقلة الفقه والتجربة (فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن) بالخدمة والتأديب (فتزوجت ثيبًا لتقوم عليهن) بالخدمة (وتؤدبهن) أي تعلمهن بأخلاق النساء وأشغالهن (قال) جابر: (فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) بعد قدومي (غدوت) أي بكرت (إليه) صلى الله عليه وسلم (بالبعير) الذي بعته (فأعطاني ثمنه) بأمر بلال (ورده) أي رد السعر (عليّ). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3968 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد،

عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: أَقْبَلْنَا مِنْ مَكةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَاعْتَل جَمَلِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَفِيهِ: ثُمَّ قَال لِي: "بِعْنِي جَمَلَكَ هذَا" قَال: قُلْتُ: لَا. بَل هُوَ لَكَ. قَال: "لَا. بَل بِعْنِيهِ". قَال: قُلْتُ: لَا. بَلْ هُوَ لَكَ. يَا رَسُولَ الله، قَال: "لَا. بَلْ بِعْنِيهِ". قَال: قُلْتُ: فَإِن لِرَجُلٍ عَلَيَّ أوقِيةَ ذَهَبٍ. فَهُوَ لَكَ بِهَا. قَال: "قَدْ أَخَذْتُهُ. فَتَبَلَّغْ عَلَيهِ إِلَى الْمَدِينَةِ" قَال: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ لِبِلالٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (8) (عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد) اسمه رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم بن أبي الجعد للشعبي في الرواية عن جابر (قال) جابر: (أقبلنا) أي رجعنا (من) طريق (مكة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا مما يؤيد كون هذه القصة في غزوة ذات الرقاع لأن طريقها كانت ملاقية بطريق مكة (فاعتل) أي مرض وأعيا (جملي وساق) أي ذكر سالم بن أبي الجعد (الحديث) السابق (بقصته) السابقة (وفيه) أي ولكن في الحديث الذي ساقه سالم (ثم قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعني جملك هذا؟ قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) أبيعك (بل هو) أي الجمل مملوك (لك، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أستوهبه منك (بل بعنيه) بثمن (قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (لا) آخذ منك ثمنًا (بل هو لك) بلا مقابل (يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثالثة: (لا) أستوهبه منك (بل بعنيه، قال) جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فإن لرجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسم الرجل (على أوقية ذهب) من الدين (فهو) أي فالجمل مبيع (لك بها) أي بتلك الأوقية، وفي الأخرى أن المبتدئ بذكر الأوقية هو النبي صلى الله عليه وسلم والجمع بيَّن اهـ أبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أخذته) أي قد أخذت الجمل بتلك الأوقية (فتبلغ) أي توصل (عليه) أي على الجمل (إلى المدينة) أي توصل به إلى المدينة (قال) جابر: (فلما قدمت المدينة) قبل قدوم الناس ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه بكرت بالجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال) بن رباح

"أَعْطِهِ أُوقِيَّةً من ذَهَبٍ. وَزِدْهُ" قَال: فَأَعْطَانِي أُوقِيَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَزَادَنِي قِيرَاطًا. قَال: فَقُلْتُ: لَا تُفَارِقُنِي زَيادَةُ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ. قَال: فَكَانَ في كِيسٍ لِي. فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مؤذنه رضي الله عنه (أعطه) أي أعط لجابر وأدِّ له (أوقية من ذهب) ثمن جمله (وزده) أي وأعطه زيادة على ثمن جمله بما ترى (قال) جابر: (فأعطاني) بلال (أوقية من ذهب) ثمن جملي (وزادني) على ثمن جملي الذي هو الأوقية (قيراطًا) أي أوقية أخرى بلا مقابل كما سيأتي التصريح بها في رواية أبي الزبير عن جابر فجملة ما أخذه أوقيتان من ذهب (قال) جابر: (فقلت) في نفسي (لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) جابر: (فكان) ذلك القيراط (في كيس لي فأخذه أهل الشام يوم) فتنة (الحرة) يعني حرة المدينة كان قتال ونهب من أهل الشام هناك، سنة ثلاث وستين من الهجرة اهـ نووي. قوله: (فإن لرجل عليّ أوقية ذهب فهو لك بها، قال قد أخذته) قال النووي: يحتج به أصحابنا في أن البيع لا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول ولا ينعقد بالمعاطاة بدون الصيغة، والأصح انعقاده بها فيعطي ويأخذ ولا حجة فيه لأنه لم ينه عن المعاطاة والمعاطاة إنما تكون مع حضور العوضين فيأخذ ويعطي وفيه حجة لأصح الوجهين عندنا إن البيع ينعقد بالكناية لقوله صلى الله عليه وسلم: "قد أخذته" اهـ. قوله: (أعطه أوقية من ذهب وزده) فيه هبة المجهول وفيه الزيادة والرجحان في الثمن كان في مجلس القضاء أو بعده وهو قول مالك والكافة، وفيه أن كيل المبيع ووزنه على البائع ووزن الثمن وكَيْله على المشتري وأن كل واحد عليه توفية ما يدفع اهـ من الأبي. ولا يتحقق التسليم إلا بذلك، وفيه أيضًا دليل على صحة الوكالة وعلى جواز الزيادة في القضاء وهي من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إن خيركم أحسنكم قضاء" وهذا لا يختلف فيه إذا كان من بيع، وإنما يختلف فيه إذا كان من قرض فاتفق على جوازه في الزيادة في الصفة إذا كان بغير شرط ولا عادة ولا قصد من المقرض للزيادة لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل قرض جر نفعًا فهو ربا" اهـ مفهم. قوله: (يوم الحرة) والحرة أرض شرقي المدينة متصلة بالمدينة ويومها هو أنه لما توفي معاوية واستخلف ابنه يزيد وظهر من فسقه وشربه الخمر خلع أهل المدينة بيعته فبعث إليهم يزيد مسلم بن عقبة العدواني في اثني عشر ألف مقاتل من أهل الشام ليس

3969 - (00) (00) حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ. فَتَخَلَّفَ نَاضِحِي. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهم أصغر من ابن عشرين ولا أكبر من ابن خمسين، وقال له: آمرك أن لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الدخول فيما خرجوا منه ثلاثًا فإن هم أجابوك فانصرف عنهم إلى قتال ابن الزبير بمكة، وإن أبوا فناجزهم القتال فإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثًا بما فيها من المال والسلاح والطعام فإذا انقضت الثلاث فاكفف عن الناس فلما نزلها دعاهم إلى ما أمره به يزيد فأبوا إلا القتال وخرجوا لقتاله بجنود كثيرة وهيئة لم ير مثلها فأتاهم مسلم للقتال من جهة الحرة هذه، وكان الذي أشار عليه بقتالهم منها عبد الملك بن مروان لأنها شرقي المدينة بحيث إذا طلعت الشمس تطلع بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم وتطلع في وجوه أهل المدينة فيؤذيهم حرها فيصيبهم أذاها فاقتتلوا قتالًا شديدًا كان عاقبته أن انهزم أهل المدينة وصرخ النساء والصبيان وركب الناس بعضهم بعضًا في الطرق ودخل أهل الشام المدينة وأباحوها ثلاثًا يدخلون البيوت يسلبون النساء الحلي ويأخذون ما بها من الثياب والأثاث الخ ما تقدم في كتاب الحج اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3969 - (00) (00) (حدثنا أبو كامل الجحدري) نسبة إلى جحدر اسم رجل، فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي أبو بشر البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبو مسعود البصري، ثقة، من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله، غرضه بيان متابعة أبي نضرة للشعبي (قال) جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) من أسفاره أي في غزوة من غزواته وقد مر لك أن الراجح أنه سفر غزوة ذات الرقاع (فتخلف ناضحي) أي أعيا بعيري في الرجوع من ذلك السفر عن السير وتأخر عن القوم لعجزه عن السير كما مر بيانه في كتاب النكاح (وساق) أبو نضرة أي ذكر (الحديث) السابق الذي ساقه الشعبي (و) لكن (قال) أبو نضرة: (فيه) أي في الحديث أي في روايته لفظة

فَنَخَسَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمّ قَال لِي: "اركَب بِاسمِ الله". وَزَادَ أَيضًا: قَال: فَمَا زَال يَزِيدُنِي وَيقُولُ: "وَاللهُ يَغفِرُ لَكَ". 3970 - (00) (00) وحدّثني أبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِي. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أبي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: لَمَّا أَتَى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أعْيَا بَعِيرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فنخسه) أي فنخس ناضحي وطعنه (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعنزة كانت معه ليقوم ويسير (ثم) بعد ما نخسه (قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اركب) البعير مستعينًا (باسم الله) تعالى فركبته فسار يسير لم يسر مثله قط (وزاد) أبو نضرة على الشعبي (أيضًا) أي كما زاد قوله (فنخسه) الخ أي زاد لفظة (قال) جابر: (فما زال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يزيدني) في الثمن شيئًا فشيئًا، قال القرطبي: وهذا يدل على أنه زاده بعد القيراط شيئًا آخر ولعلها الدرهم والدرهمان اللذان في الرواية الأخرى اهـ من المفهم (و) الحال أنه (يقول) بعد كل مرة: (والله يغفر لك) وهذا صار مثلًا سائرًا في أفواه المسلمين، وقال أبو نضرة: وكانت كلمة يقولها المسلمون: افعل كذا والله يغفر لك، قال القرطبي: وهو كلام يخرجه فرط المحبة والشفقة وإرادة الخير للمسلمين وهو على معنى الدعاء اهـ مفهم. والمعنى لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدني في ثمنه ويستغفر لي. وفي قوله: (اركب باسم الله) دليل على استحباب التبرك باسم الله عند افتتاح كل فعل وإن كان من المباحات فليس مخصوصًا بالقرب فإنه كما قال صلى الله عليه وسلم في الوضوء: "توضؤوا باسم الله" قال هنا في الركوب اركب باسم الله اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3970 - (00) (00) (وحدثني أبو الرّبيع العتكي) الزهراني نسبة إلى العتيك بن أزد، سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير للشعبي (قال) جابر: (لما أتى) ومر (عليّ النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (قد أعيا) وعجز (بعيري) عن السير

قَال: فَنَخَسَهُ فَوَثَبَ فَكُنْتُ بَعْدَ ذلِكَ أَحْبِسُ خِطَامَهُ لأسمَعَ حَدِيثَهُ، فَمَا أَقْدِرُ عَلَيهِ. فَلَحِقَنِي النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: "بِعْنِيهِ" فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ. قَال: قُلْتُ: عَلَى أَنَّ لِي ظَهْرهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَال: "وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ" قَال: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيتُهُ بِهِ، فَزَادَنِي وُقِيَّةً، ثُمّ وَهَبَهُ لِي. 3971 - (00) (00) حدثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) جابر: (فنخسه) أي طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنزة في يده (فوثب) البعير أي قام بسرعة، قال جابر: (فكنت بعد ذلك) أي بعد قيامه وسيره (أحبسـ) ـه وأمنعه بـ (خطامه) وزمامه من الإسراع (لأسمع) أي لكي أسمع (حديثه) صلى الله عليه وسلم (فما أقدر) ولا أستطيع (عليه) أي على منعه من الإسراع لشدة نشاطه يعني أي كنت أحبس خطامه ليتمهل في السير ويمكن لي سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فلا أقدر على ذلك لسرعته (فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم) من ورائي (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعنيه) أي بعني هذا الجمل يا جابر (فبعته) أي بعت ذلك الجمل (منه) صلى الله عليه وسلم أي له (بخمس أواق) من الفضة وهي صرف أوقية ذهب المذكورة في الرواية الأولى وسنذكر الجمع بين الروايات المختلفة في آخر الحديث (قال) جابر: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: بعته لك (على) شرط (أن لي ظهره) أي ركوب ظهره حتى أصل (إلى المدينة، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتريته منك (ولك ظهره) أي والحال أن لك ركوب ظهره حتى تصل (إلى المدينة) وتدخلها (قال) جابر: (فلما قدمت المدينة أتيته) صلى الله عليه وسلم (به) أي بالجمل فأداني ثمنه أوقية ذهب (فزادني) على ثمنه (وقية) أخرى من ذهب (ثم) بعد ما أداني ثمنه وزادني وقية (وهبه) أي وهب الجمل (لي). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه سادسًا فقال: 3971 - (00) (00) (حدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول (العمِّي) بفتح العين أبو عبد الملك البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يعقوب بن إسحاق) بن زيد الحضرمي مولاهم أبو محمَّد البصري، روى عن بشير بن عقبة في

حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: سَافَرْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ. (أَظُنُّهُ قَال غَازِيًا). وَاقْتَصَّ الْحدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ: قَال: "يَا جَابِرُ! أَتَوَفَّيتَ الثمَنَ؟ " لما قُلْتُ: نَعَم. قَال: "لَكَ الثمَنُ وَلَكَ الْجَمَلُ. لَكَ الثمَنُ وَلَكَ الجَمَلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البيوع، وسوادة بن الأسود في الجهاد، والأسود بن شيبان في الفضائل، ويروي عنه (م د س ق) وعقبة بن مكرم ورزق بن موسى وآخرون، قال أحمد وأبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من صغار التاسعة، مات سنة (205) خمس ومائتين (حدثنا بشير بن عقبة) السامي نسبة إلى سامة بن لؤي الناجي نسبة إلى بني ناجية قبيلة كبيرة من سامة أو الأزدي أبو عقيل مكبرًا الدورقي البصري، روى عن أبي المتوكل الناجي في البيوع، وأبي نضرة في الذبائح ويروي عنه (خ م) ويعقوب بن إسحاق وبهز بن أسد والقطان، وثقه أبو زرعة وابن معين وأبو حاتم، وقال في التقريب: من السابعة (عن) علي بن داود البصري (أبي المتوكل الناجي) نسبة إلى بني ناجية، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا جابر بن عبد الله الأنصاري المدني، غرضه بيان متابعة أبي المتوكل الناجي للشعبي (قال) جابر: (سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) صلى الله عليه وسلم، قال أبو المتوكل: (أظنه) أي أظن جابرًا (قال): حالة كونه (غازيًا) أي سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم مريدًا الغزو لأعدائه (واقتص) أي ذكر أبو المتوكل الناجي (الحديث) السابق بقصته (و) لكن (زاد) أبو المتوكل (فيه) أي في الحديث لفظة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا جابر أتوفيت) أي هل قبضت (الثمن) أي ثمن جملك تامًّا وافيًا، والهمزة للاستفهام الاستخباري، وفي بعض النسخ (استوفيت الثمن) بتقدير همزة الاستفهام، قال في المصباح: وتوفيته واستوفيته بمعنى: قال جابر: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (نعم) توفيته يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لك الثمن) الذي أديته لك (ولك الجمل) الذي أخذته منك بالشراء، وقوله: ثانيًا (لك الثمن ولك الجمل) توكيد لفظي لما قبله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال:

3972 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بن مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: اشْتَرَى مِني رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ بَعِيرًا بِوقِيَّتَينِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمينِ. قَال: فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ. فَأَكَلُوا مِنْهَا. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3972 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن محارب) بن دثار السدوسي أبي مطرف الكوفي القاضي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (أنه) أي أن محاربًا (سمع جابر بن عبد الله يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محارب بن دثار لمن روى عن جابر (اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا) أي جملًا (بوقيتين) إحداهما الثمن والأخرى الزيادة، وقوله بوقيتين (ودرهم أو) قال جابر بوقيتين و (درهمين) مشكوك فيه لا يعتبر في المعارضة للرواية السابقة فهو في حكم الساقط والشك من محارب بن دثار. قال القرطبي: وقوله: (وزادني قيراطًا) وفي أخرى: (درهمًا أو درهمين) هو اضطراب وقد تكلف القاضي أبو الفضل في الجمع بين هذه الروايات المختلفة التي في الثمن وفي الزيادة تكلفًا مبنيًّا على تقدير أمر لم يصح نقله ولا استقام ضبطه مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم ولا يفيد حكمه، والحاصل أنه باعه البعير بثمن معلوم لهما، وزاده عند القضاء زيادة محققة ولا يضرنا جهلنا بمقدار ذلك اهـ من المفهم. وسنذكر كلام القاضي في الجمع بين الروايات في آخر الحديث نقلًا عن الأبي إن شاء الله تعالى. (قال) جابر: (فلما قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صِرارًا) بالصرف على المشهور، ومنعه بعضهم الصرف للعلميَّة والتأنيث المعنوي لأنه بمعنى البقعة، وهو بصاد مهملة مفتوحة أو مكسورة والكسر أفصح وأشهر ولم يذكر الأكثرون غيره، اسم موضع قريب من المدينة، وقال الخطابي: هي بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق، قال القاضي: والأشبه عندي أنه موضع لا بئر فيه (أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب (ببقرة) فأتي بها (فذبحت) أي أمر بذبحها (فكلوا منها) أي من لحمها، وفيه أن السنة في البقر الذبح وهو قطع أعلى العنق لا النحر ولو عكس جاز (فلما قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة أمرني أن آتي المسجد) النبوي (فأصلى ركعتين)

وَوَزَنَ لي ثَمَنَ الْبَعِيرِ فَأرْجَحَ لِي. 3973 - (00) (00) حدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنَا مُحَارِبٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ، بِهذِهِ الْقِصَّةِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَاشْتَرَاهُ مِني بِثَمَنٍ قَدْ سَمَّاهُ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْوُقِيّتَينِ وَالدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمينِ. وَقَال: أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قَسَمَ لَحْمَهَا. 3974 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة القدوم من السفر، فيه أنه يستحب للقادم من السفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، وفيه أن نافلة النهار يستحب كونها ركعتين ركعتين كصلاة الليل كما مر في باب الصلاة (ووزن لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثمن البعير فأرجح لي) أي زاد لي على قدر الثمن أي أمر بلالًا بوزنه وإرجاحه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3973 - (00) (00) (حدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (أخبرنا محارب) بن دثار (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لمعاذ بن معاذ العنبري، وساق خالد بن الحارث (بهذه القصة) التي ساقها معاذ بن معاذ عن شعبة (غير أنه) أي لكن خالد بن الحارث (قال) في روايته، قال جابر: (فاشتراه) أي فاشترى الجمل (مني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بثمن قد سماه) أي قد سمى جابر ذلك الثمن وعينه بقدر معلوم (ولم يذكر) خالد بن الحارث في روايته لفظة (الوقيتين والدرهم والدرهمين وقال) خالد في روايته: (أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب (ببقرة) فأتي بها (فنُحرت) البقرة وهو الطعن في أسفل العنق أي فذُبحت البقرة كما في الرواية المتقدمة كما هو المسنون في البقرة، قال النووي: والمراد بالنحر هنا الذبح جمعًا بين الروايتين اهـ (ثم قسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لحمها) بين الناس أي أمر بقسمه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3974 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي

زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَن النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال لَهُ: "قَدْ أَخَذتُ جَمَلَكَ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ. وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء بن أبي رباح لمن روى عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له) أي لجابر (قد أخذت جملك بأربعة دنانير) وهي أوقية ذهب المذكورة في الرواية السابقة لأن أوقية الذهب لم يكن لها وزن معلوم عندهم وقتئذٍ كما قاله الداوودي (ولك ظهره) أي والحال أن لك ركوب ظهره إلى أن تصل (إلى المدينة). فصل (واعلم) أن سبب اختلاف هذه الروايات أنهم رووه بالمعنى، وبمثل هذا احتج من أجاز نقل الحديث بالمعنى، قال: نجد الحديث الواحد لم ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة ويرويه عنه جماعة بألفاظ مختلفة بمعان متقاربة اهـ من إكمال المعلم. قال الأبي: لا شك أن عياضًا تكلف وأطال في الجمع بين هذه الروايات ونحن لخصنا من كلامه ما يحتاج إليه في الجمع بين الروايات المختلفة في قدر الزيادة، أما روايات الثمن فهي هذه إنه استزاد بأوقية لا بقيد أنها ذهب، وفي الأخرى بأوقية ذهبًا، وفي الأخرى بأوقيتين، وفي الأخرى بأربع أواق، وفي أخرى بخمس أواق، وفي أخرى بأربعة دنانير، وفي أخرى ذكرها القاضي بمائتي درهم فجمع بين الجميع بأن ردها إلى أوقية ذهبًا، أما رد الأوقية لا بقيد فلأنها مطلقة والمطلق يرد إلى المقيد، وأما رد الأوقيتين فلأن إحداهما ثمن والأخرى زيادة ويشهد لذلك قوله في الأخرى وزادني أوقية، وأما رواية الأربع الأواقي فلا يُتكلف لها لأن الراوي شك فيها، وأما رواية الخمس الأواقي فلأن الخمس من فضة هي صرف أوقية الذهب، وأما رواية الأربعة دنانير فلاحتمال أنها زنة الأوقية ذهبًا حينئذٍ على ما ذكر الداوودي أن أوقية الذهب لم يكن لها وزون معلوم عندهم وقتئذٍ وأن وزن أوقية الفضة أربعون درهمًا، ويحتمل أن الأربعة دنانير وقعت المساومة بها ابتداءً وانعقد البيع في الآخر بأوقية الذهب، وأما رواية المائتي درهم فلأن المائتين هي خمس أواقي الفضة على ما تقدم في معرفة نصاب الفضة في الزكاة وخمس أواقي الفضة تقدم أنها صرف أوقية الذهب، وأما الاختلاف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقع في قدر الزيادة ففي رواية وزادني قيراطًا، وفي أخرى درهمًا، فالقيراط هو ذهب وصرفه درهم، هذا تلخيص ما يحتاج إليه من كلامه في جمع ما وقع في مسلم من الروايات المختلفة المتعارضة لكن يبقى النظر في الجمع بين كون الزيادة قيراطًا وكونها أوقية فيحتمل أن القيراط رجحان في الوزن والأوقية زيادة، ويحتمل أن القيراط هو نفس الأوقية الزائدة لأن قيراط الذهب لم يكن معلوم الوزن عندهم وقتئذٍ كما أن أوقيته لم تكن معلومة عندهم وقتئذٍ على ما ذكره الداوودي والله أعلم، والجمع بهذا الذي لخصناه جلي حسن ولا تكلّف فيه اهـ من الأبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد به لحديث ابن مسعود، والثالث: حديث النعمان بن بشير ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث جابر الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه تسع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. (واعلم) أيضًا أن في حديث جابر هذا فوائد كثيرة: (1) منها هذه المعجزة الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في انبعاث جمل جابر وإسراعه بعد إعيائه. و (2) منها جواز طلب البيع ممن لم يعرض سلعته للبيع. و (3) منها جواز المماكسة في البيع وسبق تفسيرها. و (4) منها استحباب سؤال الرجل الكبير أصحابه عن أحوالهم والإشارة عليهم بمصالحهم. و (5) منها استحباب نكاح البكر. و (6) منها استحباب ملاعبة الزوجين. و (7) منها فضيلة جابر في أنه ترك حظ نفسه من نكاح بكر واختار مصلحة أخواته بنكاح ثيب تقوم بمصالحهن. و (8) منها استحباب الابتداء بالمسجد وصلاة ركعتين فيه عند القدوم من السفر. و (9) منها استحباب الدلالة على الخير. و (10) منها استحباب إرجاح الميزان فيما يدفعه. و (11) منها أن أجرة وزن الثمن على البائع. و (12) منها التبرك بآثار الصالحين لقوله: لا تفارقه زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. و (13) منها جواز تقدم بعض الجيش الراجعين بإذن الأمير. و (14) منها جواز الوكالة في أداء الحقوق ونحوها. وفيه غير ذلك مما سبق والله أعلم اهـ نووي.

579 - (19) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه وجواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه وجواز الرهن والسلم

579 - (19) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه وجواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه وجواز الرهن والسلم 3975 - (1538) (103) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أنَسٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا. فَقَدِمَتْ عَلَيهِ إبلٌ مِنْ إبلِ الصَّدَقَةِ. فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 579 - (19) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه وجواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه وجواز الرهن والسلم 3975 - (1538) (103) (حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) المصري (أخبرنا ابن وهب عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب المدني، ثقة، من (3) (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة رضي الله تعالى عنها المدني، ثقة، من (3) (عن أبي رافع) الهاشمي مولاهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم القبطي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف) أي استقرض (من رجل) لم أر من ذكر اسمه، أي اقترض منه والسين والتاء فيه زائدتان، وفيه دليل على جواز الأخذ بالذين ولم يختلف العلماء في جواز الاقتراض عند الحاجة إليه ولا نقص على طالبه ولا تثريب ولا منة تلحق فيه ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان أنزه الناس وأبعدهم عن تلك الأمور (بكرًا) والبكر بفتح الباء وسكون الكاف الصغير من الإبل كالغلام من الآدميين والأنثى بكرة وقلوص وهي الصغيرة كالجارية، وهذا الحديث دليل على جواز قرض الحيوان وهو مذهب الجمهور ومنع ذلك الكوفيون وهذا الحديث الصحيح حجة عليهم واستثنى من الحيوان أكثر العلماء الجواري فمنعوا قرضهن لأنه يؤدي إلى عارية الفروج، وأجاز ذلك بعض المالكية بشرط أن يرد غيرها وأجاز ذلك مطلقًا الطبري والمزني وداود الأصبهاني وقصر بعض الظاهرية جواز القرض على ما لَهُ مثل من المكيل والموزون، وهذا الحديث حجة عليهم اهـ من المفهم (فقدمت عليه) صلى الله عليه وسلم (إبل من إبل الصدقة) أي الزكاة (فأمر أبا رافع) مولاه إبراهيم القبطي (أن يقضي) أي أن يؤدي

الرَّجُلَ بَكْرَهُ. فَرَجَعَ إِلَيهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَال: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا. فَقَال: "أَعْطِهِ إِيَّاهُ. إِن خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُم قَضَاءً" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدفع (الرجل) المقرض له صلى الله عليه وسلم (بكره) أي بدل بكره فطلب أبو رافع مثل بكره في الإبل فلم يجده (فرجع إليه) صلى الله عليه وسلم (أبو رافع، فقال) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني (لم أجد فيها) أي في إبل الصدقة بكرًا مماثلًا لبكره "إلا خيارًا" أي إلا بعيرًا جيدًا من بكره، وقوله: (رباعيًّا) بدل من خيار أو عطف بيان له، وخيار كل شيء أحسنه وأفضله، ويطلق على الواحد والجمع والرباعي مخفف الياء من الإبل ما استكمل ست سنين ودخل في السابعة سُمي بذلك لأنه أطلع وأنبت رباعيته، والرباعية بوزن الثمانية السن التي بين الثنية والناب وهي أربع رباعيات مخفف الياء، والذكر رباع والأنثى رباعية (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي رافع: (أعطه) أي أعط الرجل (إياه) أي رباعيًّا فـ (إن خيار الناس) وأفضلهم (أحسنهم قضاء) للدّين برد الأجود في الصفة أو الأرجح في الميزان، وفيه دليل على أن رد الأجود في القرض أو الذين من السنة ومكارم الأخلاق وليس هو من قرض جر منفعة لأن الممتنع منه ما كان مشروطًا في عقد القرض، وأما إذا لم يكن مشروطًا فيه وتبرع به المديون فلا بأس بأخذه ولا بإعطائه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3346]، والترمذي [1318]، والنسائي [7/ 65]. وفي المرقاة عن شرح السنة: فيه من الفقه جواز استسلاف الإمام للفقراء إذا رأى بهم خلة وحاجة ثم يؤديه من مال الصدقة إن كان قد أوصل إلى المساكين اهـ منه. قال القرطبي: واختلف أرباب التأويل في استسلاف النبي صلى الله عليه وسلم هذا البكر وقضائه عنه من مال الصدقة هل كان ذلك السلف لنفسه أو لغيره فمنهم من قال كان لنفسه وكان هذا قبل أن تحرم عليه الصدقة وهذا فاسد فإنه صلى الله عليه وسلم لم تزل الصدقة محرمة عليه منذ قدوم المدينة وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ومن جملة علاماته صلى الله عليه وسلم المذكورة في الكتب المقدمة بدليل قصة سلمان الفارسي فإنه عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه سلمان بتمر فقدمه إليه وقال: كل، فقال: "ما هذا؟ فقال: صدقة، فقال لأصحابه: "كلوا، ولم يأكل، وأتاه

3976 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. سَمِعْتُ زيدَ بْنَ أسْلَمَ. أخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَكْرًا. بِمِثْلِهِ، غَيرَ أنَّهُ قَال: "فَإنَّ خَيرَ عِبَادِ اللهِ أَخسَنُهُمْ قَضَاءً" ـــــــــــــــــــــــــــــ يومًا آخر بتمر وقال: هدية، فأكل. رواه أحمد [5/ 441 - 444]، وابن هشام في السيرة [1/ 214 - 221]، والذهبي في سير أعلام النبلاء [1/ 510] فقال سلمان: هذه واحدة، ثم رأى خاتم النبوة فأسلم، وقال: هذا واضح، وقيل: استسلفه لغيره ممن يستحق أخذ الصدقة فلما جاءت إبل الصدقة دفع منها. وقد استبعد هذا من حيث إنه قضاء أزيد من الفرض من مال الصدقة وقال: "إن خيركم أحسنكم قضاء" فكيف يعطي زيادة من مال ليس له ويجعل ذلك من باب حسن القضاء؟ وقد أجيب عن هذا بأن قيل كان الذي استقرض منه من أهل الصدقة فدفع الرباعي بوجهين بوجه القرض وبوجه الاستحقاق وقيل وجه ثالث وهو أحسنها إن شاء الله تعالى وهو أن يكون استقرض البكر على ذمته فدفعه لمستحق فكان غارمًا فلما جاءت إبل الصدقة أخذ منها بما هو غارم جملا رباعيا فدفعه فيما كان عليه فكان أداء عما في ذمته وحُسن قضاء بما يملكه اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي رافع رضي الله عنه فقال: 3976 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني (عن محمد بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (7) (سمعت زيد بن أسلم أخبرنا عطاء بن يسار، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمالك بن أنس (قال) أبو رافع: (استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرًا) وساق محمد بن جعفر (بمثله) أي بمثل حديث مالك بن أنس (غير أنه) أي لكن أن محمد بن جعفر (قال) في روايته (فإن خير عباد الله) تعالى (أحسنهم قضاء) للدّين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي رافع بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

3977 - (1539) (104) حدَّثنا مُحَمَدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ. فَأَغْلَظَ لَهُ. فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3977 - (1539) (104) (حدثنا محمد بن بشار بن عثمان العبدي) البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي، ثقة، من (4) (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد كوفي (قال) أبو هريرة: (كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق) أي دين (فأغلظ) أي شدد ذلك الرجل في الطلب (له) صلى الله عليه وسلم بدينه أي عنفه ولم يرفق به في طلب حقه، ولعل هذا المتقاضي كان من جفاة العرب أو ممن لم يتمكن الإيمان في قلبه اهـ من المرقاة، وليس المعنى أنه تكلم بكلام مؤذ فإن ذلك كفر ويحتمل أن الرجل كان يهوديًّا فإن اليهود كانوا أكثر من يعامل بالدين، قيل: إن الكلام الذي أغلظ فيه هو أنه قال: يا بني عبد المطلب إنكم مطّلٌ. وكذب اليهودي فإنه لم يكن في أجداده صلى الله عليه وسلم ولا في أعمامه من هو كذلك بل هم أهل الكرم والوفاء ويبعد أن يكون هذا القائل مسلمًا إذ مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إذاية له وإذايته كفر كذا في شرح الأبي (فهَم) أي قصد (به) أي بذلك الرجل (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قصدوا أن يأخذوه ليزجروه ويؤذوه بقول أو فعل لكن لم يفعلوا تأدبًا معه صلى الله عليه وسلم قاله علي القاري في المرقاة (فقال) لهم (النبي صلى الله عليه وسلم) دعوه أي اتركوه ولا تعزروه، وهذه اللفظة لم ترد في رواية مسلم ولكنها في رواية البخاري الحديث رقم (2306) وفي هذه اللفظة دليل على حُسن خُلقه وحلمه وقوة صبره على الجفاء مع القدرة على الانتقام فـ (أن لصاحب الحق) أي الدّين (مقالًا) أي صولة الطلب وقوة الحجة لكن على من يمطل أو يسيء المعاملة، وأما من أنصف من نفسه فبذل ما عنده وأعتذر عما ليس عنده فيقبل عذره ولا تجوز الاستطالة عليه واستقباله بالكلام الفاحش يعني أن الدائن معذور في بعض التغليظ في كلامه عند طلب الحق

فَقَال لَهُمُ: "اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ" فَقَالُوا: إِنا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيرٌ مِنْ سِنِّهِ. قَال: "فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ. فَإِن مِنْ خَيرِكُمْ -أَوْ خَيرَكُمْ- أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً". 3978 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الهم) أي لأصحابه (اشتروا له) أي للرجل الدائن (سنًّا) أي إبلًا ذا سن معين معلوم عندهم من العمر (فأعطوه) أي فأعطوا ذلك الرجل (إياه) أي ذلك السنن (فقالوا) له صلى الله عليه وسلم: (إنا لا نجد إلا سنًّا) أي إلا إبلًا ذا سن وعمر (هو) أي سنه (خير) أي أكبر (من سنه) أي من سن إبله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاشتروه) أي فاشتروا ذلك السن الخير له (فأعطوه) أي فأعطوا ذلك الرجل (إياه) أي السن الخير، وهذا دليل على أن هذا الحديث قضية أخرى غير قضية حديث أبي رافع فإن ذلك الحديث يقتضي أنه أعطاه من إبل الصدقة وهذا اشترى له، وفيه دليل على صحة التوكيل في قضاء الدين، وفيه جواز الزيادة فيه وقد تقدم تفصيله وذكر الخلاف فيه اهـ من المفهم (فإن من خيركم) وأفضلكم جار ومجرور خبر مقدم لإن (أو) قال أبو هريرة أو من دونه والشك منه أو ممن دونه فإن (خيركم) بالنصب اسم إن (أحسنكم) بالنصب اسم إن مؤخر، والتقدير فإن أحسنكم (قضاء) للدين من خيركم وبالرفع خبر إن أي فإن خيركم أحسنكم قضاء، وقوله: أحسنكم قضاء هذا هو اللفظ الفصيح الحسن، وقد روي أحاسنكم وهو جمع أحسن ذهبوا به مذهب الأسماء فجمعوا كأحمد وأحامد وسيأتي محاسنكم بالميم وكأنه جمع محسن بكسر السين كمطلع ومطالع وفيه بعد وأحسنها الأول والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2392]، والترمذي [1316]، والنسائي [7/ 291]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3978 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن علي بن صالح) بن صالح بن مسلم بن حيان الهمداني أبي الحسن الكوفي، روى عن سلمة بن كهيل في البيوع، وسماك ومنصور، ويروي عنه (م عم) ووكيع وابن نمير وأبو نعيم، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال ابن المديني: له نحو ثمانين (80) حديثًا، وقال في التقريب: ثقة عابد، من السابعة، مات سنة (151) إحدى وخمسين ومائة

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِنًّا. فَأَعْطَى سِنًّا فَوْقَهُ. وَقَال: "خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُم قَضَاءً". 3979 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَقَاضَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا. فَقَال: "أَعْطُوهُ سِنًّا فَوْقَ سِنِّهِ". وَقَال: "خَيرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن سلمة بن كهيل) الكوفي (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة علي بن صالح لشعبة بن الحجاج (قال) أبو هريرة: (استقرض) أي اقترض (رسول الله صلى الله عليه وسلم سنًّا) أي إبلًا ذا سن وعمر معلوم (فأعطى) المقرض أي أمر بإعطائه (سنًّا) أي إبلًا ذا سن وعمر (فوقه) أي فوق سن الإبل الذي اقترضه أي سنه وعمره أكبر من سن الأول (وقال) صلى الله عليه وسلم (خياركم) أي خيركم وأفضلكم أخلاقًا وأكثركم كرمًا (محاسنكم) أي أحسنكم (قضاء) للدين برد الأجود صفة والأرجح وزنًا والقياس أن يقال: أحاسنكم جمع أحسن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3979 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا سفيان) الثوري (عن سلمة بن كهيل عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لشعبة بن الحجاج (قال) أبو هريرة: (جاء رجل يتقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا) أي يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء بعير كان له عليه وردّه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أعطوه) أي أعطوا الرجل المقرض لنا (سنًّا) أي إبلًا ذا سن وعمر، عمره وسنه (فوق سنه) أي فوق سن بعيره أي أعطوه أكبر من بعيره سنًّا (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم) أي أفضلكم أخلاقًا (أحسنكم قضاء) للدين، ولعله وقع الاعتذار بأنه لم يوجد مثله كما في المرقاة.

3980 - (1540) (105) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَابْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنِيهِ قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَةِ. وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ. فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بِعْنِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لجابر رضي الله عنه فقال: 3980 - (1540) (105) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) النيسابوري (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (قالا: أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنيه قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مصريان وواحد مكي وواحد مدني (قال) جابر: (جاء عبد) مملوك لمسلم لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم (فبايع) ذلك العبد (النبي صلى الله عليه وسلم) أي عاقده عقد البيعة (على الهجرة) إلى المدينة (ولم يشعر) أي والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم (أنه) أي أن ذلك الشخص الذي بايعه (عبد) مملوك لإنسان، وفيه دليل على أن الأصل في الناس الحرية ولذلك لم يسأله إذ حمله على ذلك الأصل حيث لم يظهر له ما يخرجه عن ذلك الأصل ولو لم يكن الأمر كذلك لتعين أن يسأله وهذا أصل مالك في هذا الباب فكل من ادعى ملك أحد من بني آدم كان مدفوعا إلى بيان ذلك الأصل لكن إذا ناكره المدعى رقه وادعى الحرية سواء كان ذلك المدعى رقه ممن أكثر ملك نوعه أو لم يكن فإن كان في حوز المدعي لرقه كان القول قوله إذا كان حوز رق فإن لم يكن فالقول قول المدعى عليه مع يمينه اهـ من المفهم (فجاء سيده) أي سيد ذلك العبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يريده) أي يريد أخذ ذلك العبد (فقال له): أي لسيده (النبي صلى الله عليه وسلم بعنيه) أي بعني هذا العبد المبايع، لم يرد في شيء من طرقه أنه صلى الله عليه وسلم طالب سيده بإقامة بينة فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم صحة مالكه له حين عرف سيده، ويحتمل أن يكون اكتفى بدعواه وتصديق العبد له فإن العبد بالغ عاقل يقبل إقراره على نفسه ولم يكن للسيد من ينازعه ولا يستحلف السيد كما إذا ادعى اللقطة وعرف عفاصها ووكاءها أخذها ولم يستحلف لعدم المنازع اهـ من المفهم

فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَينِ أَسْوَدَينِ. ثُمَّ لَمْ يُبَايعْ أحَدًا بَعْدُ. حَتَّى يَسْأَلَهُ "أَعَبْدٌ هُوَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ (فاشتراه) أي فاشترى النبي صلى الله عليه وسلم العبد المبايع من سيده (بعبدين أسودين) قال القاضي عياض: هذا من كرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم فإنه كره أن يرد ما عقد له من الهجرة، ويدل على أن سيده مسلم وإلا فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم من نزل من عبيد أهل الطائف وغيرهم ولم يردهم إلى ساداتهم اهـ. وعبارة القرطبي هنا إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشراء منه جريًا على مقتضى مكارم أخلاقه ورغبة في تحصيل ثواب العتق وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة فحصل له العتق وثبت له الولاء، فهذا المعتق مولى للنبي صلى الله عليه وسلم غير أنه لا يعرف اسمه، وفيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا نقدًا، وهذا ما اتفق عليه الفقهاء ولكنهم اختلفوا في النسيئة في بيع الحيوان فقال الشافعي: هو جائز، وقال أبو حنيفة: هو ممنوع، استدل الشافعي بما أخرجه أبو داود وغيره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة فجعل يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، واستدل أبو حنيفة بما أخرجه أصحاب السنن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وقال الحنفية: إنه ناسخ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وفي الحديثين كلام ليس هذا موضع بسطه من شاء فليراجع إعلاء السنن [14/ 280 و 287] فإنه قد أتى في هذه المسألة بما لا مزيد عليه. (ثم) بعد ذلك العبد (لم يبايع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحدًا) من الناس، وقوله: (بعد) أي بعد ذلك اليوم تأكيد لمعنى ثم (حتى يسأله) أي حتى يسأل من يريد بيعته (أعبد هو) أم لا؟ يعني أنه لما وقعت له هذه الواقعة أخذ بالحزم والحذر فكان يسأل من يرتاب فيه، وفيه من الفقه الأخذ بالأحوط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 349]، وأبو داود [3358]، والترمذي [1239]، والنسائي [7/ 150]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة أعني الرهن بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3981 - (1541) (106) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالتِ: اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ. فَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 3981 - (1541) (106) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي (واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة ويحيى بن يحيى (قالت) عائشة: (اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي) اسمه أبو الشحم الظفري كذا رواه الشافعي والبيهقي كما في التلخيص الحبير [3/ 35] (طعامًا) ورد عند البخاري في الجهاد والمغازي أنه كان ثلاثين صاعًا من الشعير، وكذا رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما عن ابن عباس، وأخرجه الترمذي والنسائي عن ابن عباس فذكرا عشرين صاعًا وجمع بينهما الحافظ في الفتح في الرهن [5/ 99] بأنه كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألغى أخرى، ووقع لابن حبان من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارًا كذا في فتح الباري (بنسيئة) أي بثمن مؤجل إلى سنة كما في تنبيه المعلم فأبى اليهودي إلا برهن (فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي (درعًا له) صلى الله عليه وسلم هي ذات الفضول قاله غير واحد كما في تنبيه المعلم حالة كون الدرع (رهنًا) أي مرهونًا عند اليهودي وجوّز مجيء الحال من النكرة تخصصه بالوصف والدرع زرد ينسج من حديد وهو من لباس الحرب، وفي الحديث دليل على جواز الشراء بالنسيئة، وعلى جواز الرهن بالذين، وعلى جوازه في الحضر وإن كان الكتاب قيده بالسفر، وعلى جواز المعاملة مع أهل الذمة وإن كان مالهم لا يخلو عن الربا وثمن الخمر اهـ من المرقاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في أبواب كثيرة منها في البيوع في رقم [2568] وأخرجه النسائي أيضًا في البيوع من حديث ابن عباس والترمذي وابن ماجه أيضًا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (من يهودي) استُشكل هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكن له أن يشتري الطعام من مسلم فلماذا رجع إلى يهودي؟ وأجاب عنه النووي رحمه الله تعالى بأنه فعل ذلك بيانًا للجواز أو لأنه لم يكن هناك طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده أو لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى الله عليه وسلم ولا يقبضون منه الثمن فعدل إلى معاملة اليهودي لئلا يضيق على أحد من أصحابه اهـ وقيل: تفصيل هذه القصة يغني عن هذه الأجوبة كلها وهو ما أخرجه البزار عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفًا نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلني أبتغي له طعامًا فأتيت رجلًا من اليهود فقلت: يقول لك محمد صلى الله عليه وسلم إنه نزل لنا ضيف وإنه لم يلق عندنا بعض الذي يصلحه فبعني أو أسلفني إلى هلال رجب، فقال اليهودي: لا والله لا أسلفه ولا أبيعه إلا برهن. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: إني والله لأمين في أهل السماء أمين في أهل الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي فنزلت هذه الآية تعزيه على الدنيا {وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الآية كذا في كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي في باب القرض والبيع إلى أجل وفي إسناده موسى بن عبيدة ضعفه أحمد وغيره، ووثقه وكيع كما في التهذيب. قوله: (فأعطاه درعًا له) والدرع بالكسر يذكر ويؤنث، وفيه جواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة ويقاس عليه بيعه منهم إذا كان الذمي مأمونًا فأما أهل الحرب فلا يجوز أن يباع السلاح لهم ولا أن يرهن عندهم اهـ نووي وفتح الباري. قال القرطبي: فيه دليل على جواز معاملة أهل الذمة مع العلم بأنهم يبيعون الخمر ويأكلون الربا لأنا قد أقررناهم على ما بأيديهم من ذلك وكذلك لو أسلموا لطاب لهم ذلك وليس كذلك المسلم الذي يعمل بشيء من ذلك لا يقر على ذلك ولا يترك بيده ولا يجوز أن يُعامل من كان كسبه من ذلك وإذا تاب تصدق ما بيده منه، وأما أهل الحرب فيجوز أن يُعاملوا ويشترى منهم كل ما يجوز لنا شراؤه وتملكه ويباع منهم كل شيء من العروض والحيوان ما لم يكن ذلك مضرا بالمسلمين مما يحتاجون إليه وما خلا آلة الحرب وعدّته وما يخاف أن يتقووا به على المسلمين فلا يُباع منهم شيء منه، ولا يُباع منهم ولا من أهل الذمة مسلم ولا مصحف، وقال ابن حبيب: لا يُباع من أهل الحرب

3982 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتِ: اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا. وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. 3983 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الأعْمَشِ. قَال: ذَكَرْنَا الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. فَقَال: حَدَّثنَا الأسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحرير ولا الكتاب ولا البُسُط لأنهم يتجملون بذلك في حروبهم ولا الطعام لعلهم أن يضعفوا اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3982 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عاكشة) رضي الله تعالى عنها، غرضه بيان متابعة عيسى لأبي معاوية (قالت: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا ورهنه) أي أعطاه رهنًا (درعًا من حديد) قيّده بالحديد إخراجا لدرع المرأة وهو قميصها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3983 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا) مغيرة بن سلمة (المخزومي) أبو هشام القرشي البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش قال) الأعمش: (ذكرنا الرهن) أي حكم ارتهان الرهن (في السلم) أي في بيع السلم لتكون وثيقة لدين المسلم فيه (عند إبراهيم) بن يزيد (النخعي) أي ذكرنا هل يجوز الرهن عليه أم لا؟ (فقال) لنا إبراهيم: (حدثنا الأسود بن يزيد) بن

عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ. وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ. 3984 - (00) (00) حدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيس النخعي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الواحد بن زياد لأبي معاوية وعيسى بن يونس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا) بثمن مؤجل (إلى أجل) معلوم يعني إلى سنة كما في تنبيه المعلم كما مر (ورهنه) أي وأعطى اليهودي (درعًا له من حديد) رهنًا لتكون وثيقة للثمن المؤجل. وهذا الحديث في البيع بثمن مؤجل وأخذ الرهن لذلك الثمن، ولعل ذكر إبراهيم هذا الحديث إشارة إلى أن حكم السلم كالبيع لأن السلم نوع منه. والرهن لغة: الثبوت والدوام، ومنه الحالة الراهنة. وشرعًا: جعل عين مالية وثيقة لدين يستوفى من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر الوفاء، ويلزم الرهن بالعقد، ويجبر الراهن على دفع الرهن للمرتهن كما هو مبسوط في كتب الفروع. قوله: (ذكرنا الرهن في السلم) ذكر الحافظ في البيوع أن السلم ها هنا بمعنى القرض وليس بمعناه العرفي. (قلت): ولكن يؤخذ منه جواز الرهن في السلم أيضًا ولهذا قال الحافظ نفسه في كتاب السلم من الفتح [4/ 358] وفي الحديث رد على من قال: إن الرهن في السلم لا يجوز وقد أخرج الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن الأعمش أن رجلًا قال لإبراهيم النخعي: إن سعيد بن جبير يقول: إن الرهن في السلم هو الربا المضمون، فرد عليه إبراهيم بهذا الحديث ورُويت كراهة ذلك عن ابن عمر والحسن والأوزاعي وهي إحدى الروايتين عن أحمد، ورخص فيه الباقون والحجة فيه قوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلى أن قال {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} واللفظ عام فيدخل السلم في عمومه لأنه أحد نوعي البيع اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 3984 - (00) (00) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الأعمش عن

إِبْرَاهِيمَ. قَال: حَدَّثَنِي الأسوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: مِنْ حَدِيدٍ. 3985 - (1542) (107) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا. وَقَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ، السَّنَةَ وَالسَّنَتَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم قال) إبراهيم: (حدثني الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لعبد الواحد بن زياد، وساق حفص بن غياث (مثله) أي مثل ما روى عبد الواحد بن زياد عن الأعمش (و) لكن الم يذكر) حفص لفظة (من حديد) كما ذكره عبد الواحد. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة وهو السلم بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 3985 - (1542) (107) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (واللفظ ليحبى قال عمرو: حدثنا وقال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن) عبد الله (بن أبي نجيح) مكبرًا اسمه يسار الثقفي مولاهم أبي يسار المكي، ثقة، من (6) (عن عبد الله بن كثير) بن المطلب السهمي المكي، مقبول، من (6) (عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم البناني بموحدة مضمومة ونونين مخففتين المكي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون وواحد طائفي وواحد كوفي وواحد إما نيسابوري أو بغدادي (قال) ابن عباس: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة) المنورة مهاجرًا إليها (وهم) أي والحال أن أهل المدينة (يسلفون في الثمار) أي يسلمون فيها مؤجلة (السنة والسنتين) أي مؤجلا تسليمها للمُسْلِم إلى سنة أو إلى سنتين، والسَّلَم والسلَف بفتحتين فيهما متحدان لفظًا ومعنى، وذكر الماوردي أن السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وهما لغة التسليم والتعجيل لما فيه من تعجيل رأس المال في مجلس العقد، وشرعًا: بيع آجل بعاجل، وعزفه بعضهم بأنه بيع موصوف ملتزم في الذمة مؤجلًا بأجل معلوم، واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حُكي عن ابن المسيب كذا في فتح الباري، ولكن أخرج

فَقَال: "مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِف فِي كَيلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرزاق في مصنفه [8/ 6] عن ابن المسيب أنه سُئل عن سلف الحنطة والكرابيس والثياب فقال: "ذرع معلوم إلى أجل معلوم، والحنطة بكيل معلوم إلى أجل معلوم" وهو صريح في أنه يقول بجواز السلم في المذروعات فضلًا عن المقذرات فَلْيُتَنَبَّه اهـ من التكملة. قال ملا علي: قوله: (وهم يُسلِفُون) أي يعطون الثمن في الحال ويأخذون السلعة في المال، وقوله: (السنة والسنتين) وفي المشكاة زيادة (والثلاث) وهو من روايات البخاري فقال ملا علي: منصوبات إما على نزع الخافض أي يشترون إلى السنة أو إلى السنتين، واما على المصدر أي إسلاف السنة الخ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف) وفي المشارق: من أسلم، قال ابن الملك في شرحه: أي من أراد أن يعقد عقد السلم وهو عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلًا، وفي رواية: من أسلم (في تمر) بدل أسلف معناهما واحد كما مر آنفًا، والسلف في البيع كالسلم وزنًا ومعنى، سُمي سلما لتسليم رأس المال دون قبض عوضه، وسُمي سلفا لتقديم رأس المال دون عوض ذكره القاضي، وفي بعض النسخ في ثمر بالمثلثة وهو أعم وإنما جرى ذكر التمر في هذه الرواية لأنه غالب ما يسلم فيه عندهم اهـ. وأجمع المسلمون على جواز السلم، والذمة وصف قائم بالإنسان يصلح للإلزام والالتزام وينخرب بالموت والسفه (فليسلف) أي فليسلم (في كيل معلوم) إن كان المسلم فيه من المكيل كالتمر والزبيب والحبوب (ووزن معلوم) إن كان من الموزون كالنقدين وما كبُر من الثمار على تمر مؤجلا تسليمه (إلى أجل معلوم) وفي هذا دلالة على وجوب الكيل أو الوزن وتعيين الأجل من المكيل والموزون وأن جهالة أحدهما مفسدة للبيع اهـ مرقاة، والواو في قوله ووزن معلوم بمعنى أو وإلا فيلزم الجمع في السلم الواحد بين الكيل والوزن وليس كذلك بالإجماع اهـ من المبارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 217]، والبخاري [3239]، وأبو داود [3463]، والترمذي [11 131]، والنسائي [7/ 210]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

3986 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْلَفَ فَلَا يُسْلِفْ إِلَّا فِي كَيلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 3986 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي بضمتين وتشديد اللام، صدوق، من (9) (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري، ثقة، من (8) (عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار الثقفي المكي (حدثني عبد الله بن كثير) السهمي المكي (عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم البناني المكي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الوارث لسفيان بن عيينة (قال) ابن عباس: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) المدينة مهاجرًا (والناس يسلفون) أي يسلمون في الثمار (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف فلا يسلف إلا في كيل معلوم ووزن معلوم) إلى أجل معلوم، استدل به ابن حزم في المحلى [9/ 106] على أن السلم لا يجوز إلا في المكيلات أو الموزونات، وقال جمهور الفقهاء: إنه يجوز في المذروعات والمعدودات المتقاربة أيضًا بشرط تعيين الذرع أو العدد لأن خصوصية الكيل والوزن لا دخل لهما في جواز السلم وإنما المجوز هو كون المسلم فيه معلومًا وهو متحقق في المذروعات والمعدودات المتقاربة. فإن قيل: إن السلم إنما شُرع على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره فالجواب أن جواز السلم في المذروعات لا يحتاج فيه إلى قياس واجتهاد وإنما ثبت بدلالة النص في حديث الباب للقطع بأن سبب شرعيته هو الحاجة الماسة إلى أخذ العاجل بالآجل وهي ثابتة من البزازين في المذروع كما في أصحاب المكيلات والموزونات يفهم ذلك كل من سمع سبب المشروعية المنقول في أثناء الأحاديث سواء كان له رتبة الاجتهاد أو لم يكن فلذا كان ثبوت السلم في المذروعات بدلالة النصوص المتضمنة للسبب كذا حققه الحافظ في الفتح. وقوله: (إلى أجل معلوم) استدل به الحنفية على أن السلم لا يجوز إلا إذا كان المسلم فيه مؤجلا ولا يصح حالًا وهو قول مالك وأحمد والأوزاعي كما في مغني ابن قدامة [4/ 321] خلافًا للشافعي رحمه الله تعالى فإنه يقول: إن ذكر الأجل في هذا

(3987) - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث ليس لكونه شرطًا لجواز العقد، وإنما المراد أنه إن كان مؤجلًا فليكن إلى أجل معلوم ولأنه عقد يصح مؤجلًا فجوازه حالًا أولى لأنه من الغرر أبعد. (وأجاب) عنه الموفق ابن قدامة بان السلم إنما جاز رخصة للرفق ولا يحصل الرفق إلا بالأجل فإذا انتفى الرفق فلا يصح ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه، أما الاسم فلأنه يسمى سلمًا وسلفًا لتعجيل أحد العوضين وتأخر الآخر، أما المعنى فإن الشارع أرخص فيه للحاجة الداعية إليه ومع حضور ما يبيعه حالًا لا حاجة إلى السلم فلا يثبت بخلاف بيوع الأعيان فإنها لم تثبت على خلاف الأصل لمعنى يختص بالتاجيل، ولكن ليس في هذا الخلاف كبير طائل فإنه إن أراد عقد البيع حالًا عقده بلفظ البيع لا بلفظ السلم ثم يستلم المشتري المبيع في مجلس آخر ولا يمنع ذلك كون البيع حالًا. ويروى أن مذهب الجمهور في هذا الباب أوفق بالتيسير الذي شُرع له السلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 3987 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وإسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب، لم يرو عنه غير مسلم من أصحاب الأمهات (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن ابن عيينة) كذا في النسخ الموجودة عندنا، ولكن ذكر النووي أنه وقع في رواية ابن ماهان عن مسلم (جميعًا عن ابن علية) أي عن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية اسم أمه، ثقة، من (8) بدل ابن عيينة وهو الصواب الصحيح لأن ابن عيينة قد ذكر في روايته السابقة أول الحديث (إلى أجل معلوم) وإن هذه الرواية موافقة لرواية عبد الوارث المذكورة قبلها في عدم ذكر الأجل مخالفة لرواية ابن عيينة فإذن الصواب (عن ابن علية) وما وقع في أكثر النسخ من لفظة ابن عيينة تحريف من النساخ، هذه خلاصة ما ذكره النووي ويؤيده أن البخاري أخرج هذه الرواية من طريق ابن علية عن ابن أبي نجيح ولم يذكر فيها الأجل، راجع أول حديث من كتاب السلم في صحيحه والله أعلم.

عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". 3988 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، بِإِسْنَادِهِمْ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ. يَذْكُرُ فِيهِ لا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن ابن أبي نجيح بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن علية لعبد الوارث بن سعيد، وساق ابن علية (مثل حديث عبد الوارث ولم يذكر) ابن علية لفظة "لي أجل معلوم) كما لم يذكره عبد الوارث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثا فقال: 3988 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من وكيع وابن مهدي رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن ابن أبي نجيح بإسنادهم) أي بإسناد هؤلاء الذين رووا عن ابن أبي نجيح وهم ابن عيينة وعبد الوارث وابن علية يعني عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس، وساق سفيان الثوري (مثل حديث ابن عيينة) المذكور في الرواية الأولى، ولكن لم (يذكر فيه) الثوري لفظة (إلى أجل معلوم) كما ذكره ابن عيينة وهذا بيان لمحل المخالفة بين السفيانين، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الثوري لابن عيينة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث أبي رافع ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم.

580 - (20) باب النهي عن الحكرة والحلف في البيع والشفعة وغرز الخشب في جدار الجار

580 - (20) باب النهي عن الحكرة والحلف في البيع والشفعة وغرز الخشب في جدار الجار 3989 - (1543) (108) حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) قَال: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ مَعْمَرًا قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 580 - (20) باب النهي عن الحكرة والحلف في البيع والشفعة وغرز الخشب في جدار الجار 3989 - (1543) (108) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري النجاري المدني، ثقة، من (5) (قال) ابن سعيد كان سعيد بن المسيب يحدّث أن معمرًا) ابن عبد الله بن نافع القرشي العدوي المدني الصحابي الكبير، أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة، له في الكتب حديثان رضي الله عنه (قال) أي معمر. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر) أي من ادخر ما يشتريه وقت الغلاء لبيعه بأغلى (فهو خاطئ) أي عاص آثم، والاحتكار لغة: احتباس الشيء انتظارًا لوقت غلائه، والاسم منه الحكرة بضم الحاء المهملة وسكون الكاف كما في القاموس مثل الفرقة من الافتراق والحُكر الجمع والإمساك، قال في المصباح: احتكر زيد الطعام إذا حبسه إرادة الغلاء، والغلاء ارتفاع السعر. وشرعًا: اشتراء طعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء كذا عرّفه ابن عابدين في رد المحتار [5/ 282] والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي، والمخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره اهـ تيسير المناوي. ثم ذهب أكثر الفقهاء إلى أن حرمة الاحتكار مختصة بالأقوات فلا يحرم الاحتكار في غيرها وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى اهـ نووي والأبي ومغني ابن قدامة، وقال ابن قدامة: الاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط: أحدها: أن يشتري فلو جلب شيئًا أو أدخل من غلته شيئًا فادخره لم يكن محتكرًا، والثاني: أن يكون المشترى قوتًا وأما الإدام والحلواء والزيت والعسل وأعلاف البهائم

فَقِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ؟ قَال سَعِيدٌ: إِن مَعْمَرًا الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ هذَا الْحَدِيثَ كَانَ يَحْتَكِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والبُن والشاي فليس فيها احتكار محرم، والثالث: أن يضيّق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين: أحدهما: أن يكون في بلد يضيّق بأهله الاحتكار كالحرمين والثغور، وأما البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد والبصرة ومصر فلا يحرم فيها الاحتكار لأن ذلك لا يؤثر فيها غالبًا، الثاني: أن يكون في حال الضيق بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها منهم ويضيّقون على الناس فأما إن اشتراه في حال الاتساع والرُّخص على وجه لا يضيّق على أحد فليس بمحرم، وأما أبو يوسف فلا يخص حرمة الاحتكار بالأقوات فيقول كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار ممنوع فلعله رأى أن المادة ربما تُستعمل في غير الطعام أيضًا فيقال: الحكر للماء المستنقع في وقبة من الأرض لأنه يحكر أي يُجمع ويحبس كما ذكره الزمخشري في الفائق، وأما الجمهور فقصروا حرمة الاحتكار على الطعام نظرًا إلى معنى كلمة الاحتكار في اللغة فإنها موضوعة في أصل اللغة لاحتباس الطعام خاصة. والظاهر أن حرمة احتكار الطعام ثابتة بالحديث من غير شك فكان أمرًا تشريعيًا معمولًا به إلى الأبد لأن حاجة الناس إلى الطعام أكثر منها إلى غيره وأما احتكار الأشياء الأخرى فيفوّض إلى رأي الإمام فإن رأى في احتكارها ضررًا شديدًا نظير الضرر في الطعام منعه وإلا أجازه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة. (فقيل لسعيد) بن المسيب، القائل هو يحيى بن سعيد كما في رواية القرطبي (فقلت لسعيد: فإنك تحتكر) (فإنك تحتكر) غير الطعام فـ (قال سعيد) بن المسيب (أن معمرًا) ابن عبد الله (الذي كان يحدّث) لنا (هذا الحديث) عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتكر) قالوا: إنه كان يحتكر الزيت، ويحمل الحديث على احتكار القوت عند الغلاء وكفى ذلك دليلًا لأن الصحابي أعرف بمراد النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المبارق. قوله: (فإنك تحتكر) هذا يدل على أن معمرًا رضي الله عنه وتلميذه سعيد بن المسيب كانا يحتكران في غير الأقوات وهو من أقوى الأدلة على أن الحرمة مختصة بالأقوات لأن راوي الحديث من الصحابة أعرف بمعنى الحديث. ثم استدلال ابن المسيب على جواز الاحتكار في غير الأقوات بعمل معمر

3995 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه يدل على أن عمل الراوي بخلاف الحديث له دخل في معرفة معنى الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3447]، والترمذي [1267]، وابن ماجه في التجارات في باب الحكرة والجلب [2154]، وأحمد [3/ 452 و 6/ 400]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الحديث فقال: 3990 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا حاتم بن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) (عن محمد بن عجلان) القرشي مولاهم مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة أبي عبد الله المدني، صدوق، من (5) (عن محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي العامري أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) (عن معمر بن عبد الله) بن نافع القرشي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم مدنيون إلا سعيد بن عمرو الأشعثي فإنه كوفي، غرضه بيان متابعة محمد بن عمرو بن عطاء ليحيى بن سعيد الأنصاري (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر) أي لا يدخر الطعام لبيعه وقت الغلاء (إلا خاطئ) أي إلا آثم وهو اسم فاعل من خطئ يخطأ خِطْئًا من باب علم يعلم علمًا، والاسم منه الخطأ بفتح الخاء والطاء إذا أثم في فعله ويقال: أخطأ إذا سلك سبيل خطإ عامدًا أو غير عامد قاله أبو عبيد وقال: سمعت الأزهري يقول: خطئ إذا تعمد وأخطأ إذا لم يتعمد إخطاء وخطئًا والخطأ الاسم. (قلت): وهذا الحديث بحكم إطلاقه أو عمومه يدل على منع الاحتكار في كل شيء غير أن هذا الإطلاق قد تقيد أو العموم قد تخصص بما قد فعله النبي صلى الله عليه

3991 - (00) (00) قَال إِبْرَاهِيمُ: قَال مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم فإنه قد ادخر لأهله قوت سنتهم ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان لنفسه وعياله من قوت وما يحتاجون إليه جائز لا بأس به فإذًا مقصود هذا منع التجار من الادخار وإذا ظهر ذلك فهل يمنعون من ادخار كل شيء من الأقوات والحيوان والعلوفة والسمن واللبن والعسل وغير ذلك أضر بالناس أو لم يضر إذا اشترى في أسواقهم كما قاله ابن حبيب أخذًا بعموم الخبر أو بإطلاقه أو إنما يمنعون من ادخار ما يضر بالناس ادخاره عند الحاجة من الأقوات وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو مشهور مذهب مالك وحملوا النهي على ذلك. (قلت): وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن ما لا يضر بالناس شراؤه واحتكاره لا يخطأ مشتريه بالاتفاق ثم إذا اشتراه وصار ملكه فله أن يحتكره أو لا يحتكره ثم قد يكون احتكاره لذلك مصلحة ينتفع بها في وقت آخر فلعل ذلك الشيء ينعدم أو يقل فتدعو الحاجة إليه فيُوجد فترتفع المضرة والحاجة بوجوده فيكون احتكاره مصلحة وترك احتكاره مفسدة وأما الذي ينبغي أن يُمنع فهو ما يكون احتكاره مضرة بالمسلمين وأشد ذلك في الأقوات لعموم الحاجة ودعاء الضرورة إليها إذ لا يتصور الاستغناء عنها ولا يتنَزل غيرها منزلتها فإن أُبيح للمحتكرين شراؤها ارتفعت أسعارها وعز وجودها وشحت النفوس بها وحرصت على تحصيلها فظهرت الفاقات والشدائد وعصت المضار والمفاسد فحينئذٍ يظهر أن الاحتكار من الذنوب الكبار وكل هذا فيمن اشترى من الأسواق فأما من جلب طعاما من بلد آخر فإن شاء باع وإن شاء احتكر ولا يُعرّض له إلا إن نزلت حاجة قادحة وأمر ضروري بالمسلمين فيجب على من كان عنده ذلك أن يبيعه بسعر وقته فإن لم يفعل أُجبر على ذلك إحياءً للمهج وإبقاء للرمق، وأما ما اشتراه من الأسواق واحتكره وأضر بالناس فيشترك فيه الناس بالسعر الذي اشتراه به اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه فقال: 3991 - (00) (00) (قال) أبو إسحاق (إبراهيم) بن محمد بن سفيان من رواة المؤلف (قال) لنا (مسلم) بن الحجاج القشيري مؤلف هذا الجامع (وحدثني) أيضًا

بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ. أَخبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ، أَحَدِ بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى. 3992 - (1544) (109) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا أَبُو صَفْوَانَ الأمَويُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ معطوف على السند الأول (بعض أصحابنا) ومشايخنا أبهم مسلم شيخه هذا ولكن إيراد هذا الحديث في الصحيح دليل على كون ذلك البعض ثقة، وقد جاء ذلك البعض معينًا باسمه في رواية أبي داود فرواه أبو داود عن وهب بن بقية بن عثمان الواسطي عن خالد بن عبد الله الطحان وقد وقع مثل ذلك للمؤلف في أربعة عشر حديثًا من صحيحه، وقد عدّه بعض العلماء من منقطعات صحيح مسلم، وقد قدمنا أن ذلك لا يُسمى منقطعًا في أصول الحديث وإنما هو رواية عن مجهول وإنما يفعل المصنف هكذا في المتابعة فلا يقدح في صحة أصل الحديث ولا سيما إذا تعين ذلك المجهول بروايات أخرى وردت في غيره (عن عمرو بن عون) بن أوس بن الجعد السلمي مولاهم أبي عثمان الواسطي، ثقة حجة، من (10) روى عنه في (2) بابين الإيمان والبيوع (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني الطحان أبو الهيثم الواسطي، ثقة، من (8) (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن محمد بن عمرو) بن عطاء بن عياش القرشي المدني، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن سعيد بن المسيب عن معمر بن أبي معمر) عبد الله بن نافع القرشي العدوي (أحد بني عدي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فدكر) عمرو بن يحيى بن عمارة (بمثل حديث سليمان بن بلال عن يحيى) بن سعيد الأنصاري. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن يحيى بن عمارة لسليمان بن بلال في الرواية عن سعيد بن المسيب ولكنها متابعة ناقصة لأن عمرو بن يحيى روى عن سعيد بواسطة محمد بن عمرو بن عطاء وسليمان بن بلال روى عنه بواسطة ابن سعيد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني الحلف في البيع بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3992 - (1544) (09 1) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو صفوان الأموي)

ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الحَلِفُ منْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ. مَمْحَقَةٌ لِلرِّبْحِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الدمشقي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (قالا): أي قال أبو الطاهر وحرملة بن يحيى: (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة حجة، من (9) (كلاهما) أي كل من أبي صفوان وابن وهب رويا (عن يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري المدني (عن) سعيد (بن المسيب) المخزومي المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال) وهذان السندان من سداسياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم مدنيون وواحد أيلي وواحد دمشقي وواحد نسائي، ورجال الثاني منهما ثلاثة منهم أيضًا مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلف) بفتح أوله وكسر ثانيه أي اليمين والمراد كما في المرقاة إكثارها أو الكاذبة منها في البيع (منفقة) أي مربحة اللسلعة) أي سبب لنفاق البضاعة ورواجها في ظن الحالف و (ممحقة للربح) أي سبب لمحق البركة وذهابها إما بتلف يلحقه في ماله أو بإنفاقه في غير ما يعود نفعه إليه في العاجل أو ثوابه في الآجل أو بقي عنده وحُرم نفعه أو ورثه من لا يحمده؛ ذكره ابن الملك. وقوله: (منفقة) بفتح الميم والفاء وسكون النون مفعلة من النفاق بفتح النون وهو الرواج ضد الكساد وهو مصدر استعير للفاعل للمبالغة، وقد حكاه بعضهم بضم الميم وفتح النون وكسر الفاء المشددة (منفقة) على كونه اسم فاعل مؤنث من التنفيق وهو الترويج، ولكن رواية أكثر المحدثين على الأول (ممحقة) هو كالأول في الوزن مفعلة من المحق وهو النقص والإبطال، وحكي أيضًا على كونه اسم فاعل من التمحيق ولكن الأول أصوب. قوله: اللربح) كذا وقع عند مسلم وتابعه الإسماعيلي على ذلك ووقع عند البخاري من طريق الليث اللبركة) وتابعه عنبسة بن خالد عند أبي داود، ورواه الليث عند الإسماعيلي بلفظ (ممحقة للكسب) وتابعه ابن وهب عند النسائي ومال الإسماعيلي إلى

3993 - (1545) (110) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُريبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِير، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصارِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِيَّاكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ترجيح هذه الرواية وأن من رواه بلفظ البركة أورده بالمعنى لأن الكسب إذا محق محقت البركة كذا في فتح الباري [4/ 266]. قال القرطبي: ومعنى تمحق البركة تذهبها وقد تُذهب رأس المال والربح كما قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وقد يتعدى المحق إلى الحالف فيعاقب بإهلاكه بتوالي المصائب عليه وقد يتعدى ذلك إلى خراب بيته وبلده كما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع" رواه البيهقي في شعب الإيمان أي خالية من سكانها إذا توافقوا على التجرؤ على الأيمان الفاجرة، وأما محق الحسنات في الآخرة فلا بد منه لمن لم يتب، وسبب هذا كله أن اليمين الكاذبة يمين غموس يؤكل بها مال المسلم بالباطل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 235]، والبخاري [2087]، وأبو داود [3335]، والنسائي [7/ 246]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنهما فقال: 3993 - (45 15) (110) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لابن أبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال في التقريب: صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن معبد بن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي بفتحتين المدني، كان أصغر الإخوة، مقبول، من (3) ووثقه ابن حبان، روى عنه في (3) أبواب (عن أبي قتادة الأنصاري) السلمي بفتح السين واللام الحارث بن ربعي المدني رضي الله عنه، روى عنه في (7) أبواب. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (أنه) أي أن أبا قتادة الأنصاري (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم) منصوب

وَكثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيعِ. فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ". 3994 - (1546) (111) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُس ـــــــــــــــــــــــــــــ على التحذير بفعل محذوف وجوبًا لقيام المعطوف مقامه (وكثرة الحلف) بالنصب معطوف على إياكم أي باعدوا أنفسكم عن كثرة الحلف (في البيع) أي اتقوا كثرة اليمين ولو كنتم صادقين لأنه ربما يقع كذبًا فقيد الكثرة احتراز عن القلة فإنه يحتاج إليه فلا يدخل تحت التحذير قاله ملا علي، والتحذير عندهم تنبيه المخاطب على أمر مذموم ليجتنبه (فإنه) أي فإن الحلف أو إكثاره (ينفق) البيع ويرؤجه من التنفيق بمعنى الترويج (ثم) بعد تنفيقه أولًا (يمحق) بفتح حروف المضارعة من باب منع مثل قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} أي يذهب بركة البيع. قال القرطبي: وإنما حذّر عن كثرة الحلف لأن الغالب ممن كثرت أيمانه وقوعه في الكذب والفجور وإن سلم من ذلك على بُعده لم يسلم من الحنث أو الندم لأن اليمين حنث أو مندمة، وإن سلم من ذلك لم يسلم من مدح السلعة المحلوف عليها والإفراط في تزيينها ليروجها على المشتري مع ما في ذلك من ذكر الله تعالى لا على جهة التعظيم بل على جهة مدح السلعة فاليمين على ذلك تعظيم للسلع لا تعظيم لله تعالى وهذه كلها أنواع من المفاسد لا يقدم عليها إلا من عقله ودينه فاسد اهـ من المفهم. وقد دل الحديثان على كراهية الحلف في البيع لأن الحلف إن كان كاذبًا فهو عين الحرام وإن كان صادقًا فإن الرجل إذا اعتاد ذلك تدرج إلى الكاذب منه فكره ذلك سدًا للذريعة ولأن حقيقة الحلف هو جعل الشيء في ذمة الله أو في شهادة وكل ذلك لا يناسب في أمور دنيوية تافهة، قال الدهلوي: ويكره إكثار الحلف في البيع لشيئين كونه مظنة لتغرير المتعاملين وكونه سببًا لزوال تعظيم اسم الله من القلب، والحلف الكاذب منفقة للسلعة لأن مبنى الإنفاق على تدليس المشتري وممحقة للبركة لأن مبنى البركة على توجه دعاء الملائكة إليه وقد تباعدت بالمعصية بل دعت عليه اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [7/ 246]، وابن ماجه [2209]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة أعني الشفعة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 3994 - (1546) (111) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن

حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ، فَلَيسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ. فَإنْ رَضِيَ أَخَذَ. وإنْ كَرِهَ تَرَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله المدني رضي الله عنهما (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزبير عن جابر) وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له شريك) كذا في النسخ التي بأيدينا والذي في المشارق (من كان له شرك) فقال ابن الملك: بكسر الشين وسكون الراء أي نصيب قل أو كثر (في ربعة) بفتح الراء وسكون الباء الدار أو المنزل، والربع والربعة كلاهما بمعنى، وأصلهما في المنزل الذي كانوا يسكنونه في فصل الربيع ثم استُعمل في كل دار، قال ملا علي: قوله: (في ربعة) أي دار وسكن وضيعة (أو نخل) أي أو في بستان كما عبر عنه في الرواية التالية بالحائط فإن الشفعة إنما تثبت في العقار لا في المنقول (فليس له أن يبيع) نصيبه لغير الشريك (حتى يُؤذن) ويُعلم (شريكه) أنه يريد بيع نصيبه، والنفي فيه بمعنى النهي وهو محمول على الكراهة يعني يكره بيعه قبل إعلامه شريكه وهذه كراهة تنزيه لأن قبحه باعتبار توهم ضرر الشريك وقد لا يتضرر (فإن رضي) شريكه أن يأخذ منه نصيبه الذي يريد بيعه (أخذ) شريكه منه (وإن كره) شريكه أن يأخذ منه ولم يرض به (ترك) شريكه البائع ليبيعه لمن شاء فليس له أن يمنعه من بيع نصيبه لمن شاء إن لم يرضه. وقوله: (من كان له شريك) عام في المسلم والذمي وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وحكي عن الشعبي والثوري أنه لا شفعة للذمي لأنه صاغر وهو قول أحمد، والصواب الأول للعموم والحديث حجة عليه، ولأنه حق جرى بسببه فيترتب عليه حكمه من استحقاق طلبه وأخذه كالدين وأرش الجناية اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 296]، والبخاري [2213]، وأبو داود [3514]، والترمذي [1370]، والنسائي [7/ 321]، وابن ماجه [2499]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

3995 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيرٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ). حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 3995 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لابن نمير قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) المكي الأموي، ثقة، من (6) (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي مولاهم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لزهير بن معاوية (قال) جابر: (قضى) وحكم (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة) بضم الشين وسكون الفاء وحُكي ضمها، وقال بعضهم: لا يجوز غير السكون وهي في اللغة الضم على الأشهر، وقيل: الجمع ماخوذ من شفعت الشيء ضممته فهي ضم نصيب إلى نصيب ومنه شفع الأذان، وفي الشرع حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث فيما ملك بعوض، واتفق على مشروعيتها خلافًا لما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها، قال القرطبي: أحاديث الشفعة إنما وردت في انتقال الملك بالبيع ويلحق به ما في معناه من المعاوضات كدفع الشقص في صداق أو أجرة أو أرش جناية وما أشبه ذلك فهذا فيه الشفعة ولا ينبغي أن يُختلف فيه لأنه من أقوى مراتب الإلحاق، وأما انتقال الملك بالميراث فلا شفعة فيه لأنه لا يصح إلحاقه بالمعاوضات لأنه انتقال بغير عوض ولا اختيار فلا شفعة فيه بوجه، وقد حكي الاتفاق على ذلك غير أنه قد انفرد الطابقي فحكى عن مالك أنه رأى الشفعة في الميراث وهو قول شاذ منكر نقلًا ونظرًا واختلف في المنتقل بالهبة والصدقة هل فيه شفعة أو لا؟ على قولين مشهورين سببهما تردد الصدقة والهبة بين المعاوضات والميراث فمن حيث إنه انتقال عن اختيار يثبه البيع ومن حيث إنه خلي عن العوض أشبه الميراث والأولى والله أعلم إجراء الشفعة فيها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة في كل شرك لم يقسم" ولم يُفرق بين جهات الأملاك وللحوق الضرر الشديد الملازم الداخل على الشريك اختيارًا ولا يرد الميراث لأنه ملك

فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ. رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ. لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ. فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جبري لا اختيار فيه للمنتقل إليه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حكم وألزم الشفعة (في كل) ذي (شركة) أي في كل عقار ذي حصص مشتركة مشاعة (لم تُقسم) أي لم يعين فيها نصيب كل واحد من الشركاء بالقسمة. وقوله: (ربعة) أي منزل (أو حائط) أي بستان بدل من شركة وقيل: هما مرفوعان على أنهما خبر مبتدإ محذوف هو هي اهـ مرقاة، قال: وفي الحديث دلالة على أن الشفعة لا تثبت إلا فيما لا يمكن نقله كالأرض والدور والبساتين دون ما يمكن نقله كالأمتعة والدواب وهو قول عامة أهل العلم اهـ. يعني أن الشفعة ثابتة في كل دار أو حائط إذا كان كل واحد منهما مشاعًا ثم قيدته الشافعية والحنابلة بما يمكن قسمته فإن كان مما لا يمكن قسمته فلا تثبت الشفعة فيه عندهم كالحمام الصغير والرحى الصغيرة والطريق الضيقة، وخالفتهم الحنفية والمالكية فأثبتوا الشفعة فيما لا يمكن قسمته أيضًا، والمسألة مبسوطة في المغني لابن قدامة [4/ 313] (لا يحل له) أي لا يباح لمن أراد بيع نصيبه؛ أي يكره له (أن يبيع) ـه كراهة تنزيه (حتى يؤذن) ويعلم (شريكه) إرادة بيعه (فإن شاء) شريكه أن يأخذ منه (أخذ) منه (وإن شاء) تركه (ترك) فيبيعه لمن شاء (فإذا باع و) الحال أنه (لم يؤذنه) ولم يعلمه إرادة بيعه (فهو) أي فالشريك (أحق) من المشتري (به) أي بأخذ المبيع بالشفعة. وقوله: (لا يحل له أن يبيع) وفي طريق أخرى (لا يصلح) مكان لا يحل هو محمول على الإرشاد إلى الأولى بدليل قوله: (فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) ولو كان ذلك على التحريم لذم البائع ولفسخ البيع لكنه أجازه وصححه ولم يذم الفاعل فدل على ما قلناه، وقال بعض شيوخنا: إن ذلك يجب عليه. وقوله: (فإن شاء أخذ وإن شاء ترك) يعني إن شاء أخذ الشقص بما أعطى به من الثمن لأنه أحق به بعد البيع فيكون له بما أعطى به من الثمن قبله، وفيه دليل على أن من تنازل عن الشفعة قبل وجوبها لزمه ذلك إذا وقع البيع ولا يكون له أن يرجع فيه، وبه قال الثوري وأبو عبيد والحكم وهي إحدى الروايتين عن مالك وأحمد بن حنبل، وذهب مالك في المشهور عنه وأبو حنيفة وعثمان البتي وابن أبي ليلى إلى أن له الرجوع في ذلك، وهذا الخلاف جار في كل من أسقط شيئًا قبل وجوبه كإسقاط الميراث قبل موت

3996 - (00) (00) وحدّثني أبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ؛ أَنَّ أَبَا الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الشُّفْعَةُ فِي كُل شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَو حَائِطٍ. لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَع. فَإِنْ أَبى فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المورث وإجازة الوارث الوصية قبل الموت وإسقاط المرأة ما يجب لها من نفقة وكسوة في السنة القابلة ففي كل واحدة من تلك المسائل قولان. وقوله: (إن باع فهو أحق به) يعني أن الشريك أحق به بالثمن الذي اشتراه به المشتري من عين أو عرض نقدًا أو إلى أجل وهو قول مالك وأصحابه، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يشفع إلى الأجل وأنه إن شاء شفع بالنقد وإن شاء صبر إلى الأجل فيشفع عنده، واختلف أصحابنا إذا لم يعلم الشفيع إلا بعد حلول الأجل هل يُضرب له مثل ذلك الأجل أو يأخذه بالنقد على قولين اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 3996 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن وهب لعبد الله بن إدريس أي سمع جابرا، حالة كونه (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشفعة) ثابتة (في كل شرك) أي في كل عقار مشترك مشاع، وقوله: (في أرض أو ربع أو حائط) بدل من قوله: (في كل شرك) بدل تفصيل من مجمل (لا يصلح) أي لا يحل لأحد الشريكين أو الشركاء (أن يبيع) نصيبه لغير الشركاء (حتى يعرض) نصيبه (على شريكه) ويظهر قصده (فيأخذ) هـ شريكه له (أو يدع) ـه أي يتركه إن لم يرد أخذه (فإن أبى) ذلك البائع وامتنع من عرضه على شريكه وباع (فشريكه أحق به) أي أحق بأخذ الشقص من المشتري، وقوله: (حتى يؤذنه) بدل من قوله: (حتى يعرض عليه) أي لا يصلح أن يبيع نصيبه حتى يؤذن شريكه. وقوله: (في كل شرك في أرض) الخ دليل على أن الشفعة ليست في المنقولات وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء، وتفرد ابن حزم ومن وافقه من أهل الظاهر فأثبت الشفعة في كل مشاع منقول أو غير منقول وحكاه أيضًا عن الحسن وابن سيرين

3997 - (1547) (112) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ". قَال: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللهِ، لأَرمِيَنَّ بِهَا بَينَ أَكْتَافِكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الملك بن يعلى وعثمان البتي كما في المحلى [9/ 86] وقد أخطأ الشوكاني في نيل الأوطار [5/ 281] خطأ فاحشًا في نسبة هذا القول إلى أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى فإنهما لا يقولان بثبوت الشفعة في المنقولات أصلًا وإن هذه النسبة من أعاجيب الشوكاني. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة أعني غرز الخشب في جدار الجار بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3997 - (547 1) (112) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنع أحدكم جاره) وفي مظالم البخاري (لا يمنع جار جاره) وفي المرقاة أي لا يمنع مروءة وندبًا إذا احتاج (أن يفرز) أي أن يضع (خشبة) أي رأس خشبة داره (في جداره) أي في جدار داره أي على رأس جدار داره أو في جنبه إذا لم يضره (قال) الأعرج: (ثم) بعد رواية هذا الحديث كان (يقول أبو هريرة): إنكارًا لما رآه منهم من الإعراض واستثقال مما سمعوه منه وذلك أنهم لم يقبلوا عليه بل طأطؤوا رؤوسهم كما رواه الترمذي في هذا الحديث، والمذكور في سنن أبي داود أن أبا هريرة لما ذكر الحديث نكسوا رؤوسهم فقال أبو هريرة: (ما لي أراكم عنها معرضين) أي أي شيء ثبت لي أراكم معرضين عن هذه المقالة التي قلتها لكم كأنكم لم تقبلوها ولم ترضوها، والاستفهام فيه إنكاري (والله) أي أقسمت لكم بالإله الذي لا إله غيره (لأرمين بها بين أكتافكم) أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأفزعنكم بها في محافلكم ولأوجعنكم بها في قلوبكم كما يوجع الناس الذين أبوا عن اجتناب موجب الحدود بين أكتافهم أي في ظهورهم إقامة للحدود عليهم مع كراهيتهم إقامتها أو كما يضرب الإنسان بالشيء بين

3998 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ كتفيه ليستيقظ من غفلته، ويمكن أيضًا أن يكون مراده أني أقضي فيكم بهذا الحديث رغم كراهيتكم له فإن أبا هريرة قال ذلك حين كان يلي إمرة المدينة من قبل مروان، ذكره الحافظ عن إمام الحرمين والله أعلم. والمعنى أي لأحدثنكم بتلك المقالة التي استثقلتم سماعها من غير مبالاة بكم ولا تقية منكم وأوقعها بينكم كما يوقع السهم بين الجماعة يعني أنشرها في محافلكم حتى تقبلوها وتعملوا بها من غير مبالاة للومة لائم منكم. ففيه من الفقه تبليغ العلم لمن لا يريده ولا استدعاه إذا كان من الأمور المهمة ويظهر منه أن أبا هريرة كان يعتقد وجوب بذل الحائط لغرز الخشب وأن السامعين له لم يكونوا يعتقدون ذلك، وأما رواية لأضربن بها أعينكم فهي على جهة المثل الذي قُصد به الإغياء في الإنكار لأنه فهم عنهم الإعراض عما قال والكراهة فقابلهم بذلك، والرواية المشهورة أكتافكم بالمثناة الفوقية جمع كتف وهو ما بين الظهر والعنق، ورُوي (أكنافكم) بالنون كما في الموطإ من رواية يحيى الليثي جمع كنف وهو الجانب ولكن أكثر الروايات على الأول. وقوله: (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره) اختلف العلماء في تمكين رب الحائط من هذا عند السؤال فصار مالك في المشهور عنه وأبو حنيفة إلى أن ذلك من باب الندب والرفق بالجار والإحسان إليه ما لم يضر ذلك بصاحب الحائط ولا يُجبر عليه من أباه متمسكين في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" رواه أحمد والبيهقي والدارقطني، ولأنه لما كان الأصل المعلوم من الشريعة أن المالك لا يُجبر على إخراج ملك عن يده بعوض كان أحرى وأولى أن لا يُخرج عن يده بغير عوض وصار آخرون إلى أن ذلك على الوجوب ويُجبر من أباه عليه وممن ذهب إلى ذلك الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأبو ثور وجماعة، والقول الأول هو الأصح لأنه الذي تشهد له الأصول الشرعية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 3998 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثني أبو

الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُس. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة من سفيان ويونس ومعمر رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما روى مالك عن الزهري، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث معمر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي قتادة الأنصاري ذكره للاستشهاد لما قبله، والرابع: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الثامن عشر دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ-2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة- السعودية دار طوق النجاة بيروت- لبنان

شرح صحيح مسلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ولقد أجاد من قال حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالكل أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبغضًا إنه لدميم اللهم يا رب الأرباب ... يسر لنا بكل الأسباب في شرح الجامع الصحيح ... المأثور عن النبي الفيح

581 - (21) باب إثم من غصب شيئا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه 3999 - (1548) (113) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَبَّاسٍ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبعِ أَرَضِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 581 - (21) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض وبيان قدر الطريق إذا اختلفوا فيه 3999 - (1548) (113) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكرياء البغدادي العابد، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي أبي شبل المدني، صدوق، من (5) (عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي) المدني، ثقة، من (4) (عن سعيد بن فلد بن عمرو بن نفيل) القرشي العدوي أبي الأعور المدني، أحد العشرة المبشرين والمهاجرين الأولين، شهد المشاهد كلها على الصحيح، أسلم هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل أخيها عمر رضي الله عنهم له (38) ثمانية وثلاثون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بآخر، وهو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل كان جده عمرو بن نفيل والخطاب بن نفيل والد عمر أخوين لأب، مات سنة (51) إحدى وخمسين وهو ابن بضع وسبعين سنة، ودُفن بالمدينة، ودخل قبره سعد بن أبي وقاص وابن عمر، يروي عنه (ع) وعباس بن سهل في البيوع، ومحمد بن زيد بن عبد الله بن عمر في البيوع، وعروة بن الزبير في البيوع، وعمرو بن حريث في الأطعمة، وأبو عثمان النهدي في آخر الدعاء. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع) وأخذ (شبرًا) أي قدر شبر (من الأرض ظلمًا) أي بغير حق (طوّقه الله) عزَّ وجلَّ أي ألبس الله ذلك المقتطع (إياه) أي ذلك الشبر طوقًا في عنقه (يوم القيامة) مأخوذًا (من سبع أرضين) ومقطوعًا منها فضيحة له على رؤوس الأشهاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: هذا وعيد شديد يفيد أن أخذ شيء من الأرض بغير حقه من أكبر الكبائر على أي وجه كان من غصب أو سرقة أو خديعة قليلًا أو كثيرًا، ألا تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان قيد شبر" وفيه دليل على أن الملكية الشخصية ثابتة في الأرض كما أنها ثابتة في غيرها وعلى أنها محترمة عند الشرع، وعلى أن الأرض يمكن غصبها خلافا لمن أنكر ذلك اهـ مفهم. قوله: (من اقتطع) أي أخذ كما هو الرواية التالية والمراد الأخذ بغير حق لأن اقتطاع الأرض في اللغة غصبها، قوله: (شبرًا) أي قدره من الأرض كما يأتي في آخر الباب من حديث الصدّيقة "من ظلم قيد شبر من الأرض" أي قدره، والشبر بكسر الشين وسكون الباء كما في المصباح ما بين طرفي الخنصر والإبهام بالتفريج المعتاد، والفتر بكسر الفاء أيضًا ما بين طرفي السبابة والإبهام، (ظلمًا) مفعول له أو حال أو مفعول مطلق أي أخذ ظلم اهـ مرقاة، (طوّقه الله إياه من سبع أرضين) أي يُخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها في عنقه كالطوق والقلادة، وقيل هو أن يطوّق حملها أي يكلف فهو من طوق التكليف لا من طوق التقليد اهـ نهاية. واختلف شراح الحديث في معناه على أقوال: الأول: أن غاصب الأرض يُكلف نقل مقدار ما غصب من سبع أرضين إلى المحشر فلا يُطيق ذلك ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة، والثاني أنه يكلف بنقله إلى المحشر ثم يُجعل كله في عنقه طوقًا ويُعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر، والثالث: معناه أنه يُعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقًا في عنقه، والرابع: معناه أن الله عزَّ وجلَّ يُكلّف الغاصب أن يجعله له طوقًا ولا يستطيع ذلك فيُعذب بذلك كما جاء في حق من كذب في منامه أنه يُكلف بعقد شعيرة، والخامس: أن المراد بالتطويق تطويق الإثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الإثم ومنه قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} وقال الحافظ في الفتح: [5/ 175] بعد سرد هذه الأقوال وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري وصححه البغوي، ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية فيُعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها اهـ من التكملة باختصار. قوله: (من سبع أرضين) بفتح الراء ويجوز إسكانها، وفيه ما يدل على أن الأرضين

4000 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ سبع كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق / 12] أي في العدد لأن الكيفية والصفة مختلفة بالمشاهدة والأخبار فتعيّن العدد والله تعالى أعلم، وقد استدل به الداودي على أن السبع الأرضين لم يفتق بعضها من بعض قال لأنه لو فُتق بعضها من بعض لم يُطوّق منها ما ينتفع به غيره وقد جاء في غلظهن وما بينهن خبر وليس في ذلك شيء صحيح، وقد استدل غيره به على أن من ملك شيئًا من الأرض ملك ما تحته مما يقابله فكل ما يجد فيه من معدن أو كنز فهو له، وقد اختلف في ذلك في المذهب فقيل ذلك، وقيل: هو للمسلمين وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن جاوره، وكذلك أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ما لم يضر بأحد فيُمنع اهـ من المفهم. واستدل بهذا الحديث الحافظ في الفتح على أن من ملك أرضًا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربًا أو بئرًا بغير رضاه، ولعل وجه الاستدلال أن غاصب الأرض إنما يطوّقها إلى منتهى الأرض من أجل أن غصبه غصب لجميع ما تحتها ولكن فيه نظر من جهة أن العقاب لا يجب أن يكون بقدر المعصية في الزمان والمكان، ولعل حق مالك الأرض في منع الغير من حفر السرب أو البئر مقتصر على ما إذا أضر ذلك بأرضه فإن لم يضر بان حفر السرب على عمق بعيد من السطح كما يفعل ذلك لأجل القطار التي تجري تحت الأرض في زماننا ولا يؤثر ذلك السرب على السطح أصلًا فينبغي أن يجوّز ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المظالم [2452]، والدارمي في البيوع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعيد بن زيد بن عمرو رضي الله عنه فقال: 4005 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثم العسقلاني من أحفاد عمر بن الخطاب، كان ثقة قليل الحديث، ورُوي عن سفيان الثوري أنه قال: لم يكن في آل عمر أفضل من عمر بن محمد بن زيد العسقلاني، وقال الخريبي: ما رأيت

أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ؛ أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ. فَقَال: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". اللَّهُمَّ! إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، فَأَعْمِ بَصَرَهَا. وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلًا قط أطول منه، وبلغني أنه كان يلبس درع عمر فيسحبها، وقال في التقريب: ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (أن أباه) محمد بن زيد العمري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (حدّثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) العدوي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن زيد لعباس بن سهل (أن أروى) بنت أنيس لم يذكرها ابن عبد البر في الصحابة، وذكرها الحافظ في الإصابة [4/ 221] تبعًا لابن منده ولا يُحفظ عنها غير قصتها هذه مع سعيد بن زيد رضي الله عنهما (خاصمته) أي خاصصت سعيد بن زيد (في بعض داره) إلى مروان بن الحكم أي شكته إليه وهو أمير المؤمنين لمعاوية وقالت: إنه ظلمني أرضي فأرسل إليه مروان فجاء (فقال) سعيد بن زيد (دعوها وإياها) أي اتركوها مع دارها فإني تركت لها الدار التي تدّعي عليّ، وكان مروان بن الحكم بعث إلى سعيد بن زيد ناسًا للمصالحة كما يظهر من رواية أحمد وابن حبان ذكرها الحافظ في الفتح، وقد أخرج أبو نعيم بسند فيه ابن لهيعة عن أبي غطفان المُرِّي: أن سعيد بن زيد أجاب من كلمه في ذلك بقوله: أنا أظلم أروى حقها! ! فوالله لقد ألقيت لها ستمائة ذراع من أرضي من أجل حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال: قومي يا أروى فخذي الذي تزعمين أنه حقك، فقامت فتسحبت في حقه كذا في حلية الأولياء لأبي نعيم [1/ 97] ترجمة سعيد بن زيد (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا) أي قدره (من الأرض بغير حقه) أي بغير استحقاقه (طوّقه) بالبناء للمجهول وضمير نائب الفاعل راجع إلى الغاصب وضمير المفعول الثاني إلى ما غصبه أي فقد ذلك الغاصب الشبر الذي غصبه (في سبع أرضين) أي مقطوعًا من سبع أرضين في عنقه (يوم القيامة) ففي بمعنى من كما في الرواية الأولى، ثم قال سعيد بن زيد: (اللهم إن كانت) أروى كاذبة) عليّ فيما تدعيه عليّ (فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها). وأخرج أبو نعيم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أروى استعدت على

قَال: فَرَأَيتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ. تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ. فَبَينَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَت فِيهَا. فَكَانَتْ قَبْرَهَا. 4001 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد بن زيد إلى مروان بن الحكم فقال سعيد: اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها فإن كانت كاذبة فأعم بصرها وألقها في بئرها وأظهر من حقي نورًا يبين للمسلمين أني لم أظلمها. قال: فبينا هم على ذلك إذ سال العقيق بسيل لم يسل مثله قط فكشف عن الحد الذي كانا يختلفان فيه فإذا سعيد قد كان في ذلك صادقًا ولم تلبث إلا شهرًا حتى عميت فبينا هي تطوف في أرضها تلك إذ سقطت في بئرها، قال: فكنا ونحن غلمان نسمع الإنسان يقول للإنسان: أعماك الله كما أعمى الأروى، فلا نظن إلا أنه يريد الأروى التي من الوحش -لأن أروى في اللغة حيوان من الوحش كتيس الجبل- فإذا هو إنما كان ذلك لما أصاب أروى من دعوة سعيد بن زيد وما يتحدث الناس به مما استجاب الله له سؤله كذا في حلية الأولياء [1/ 97]. (قال) محمد بن زيد (فرأيتها) أي فرأيت أروى بنت أنيس (عمياء تلتمس) أي تطلب (الجدر) بضمتين جمع جدار أي تطلبها لتمسها وتهتدي بمسها إلى موضع حاجتها، وسمعتها (تقول) على أن جملة القول معمول لمحذوف أو حال من مفعول رأيتها (أصابتني) في بصري (دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت) أي سقطت (فيها فكانت) البئر (قبرها). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 4001 - (00) (00) (حدثنا أبو الرّبيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم البصري الأزدي (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير الأسدي المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لمحمد بن زيد (أن أروى بنت أويس) بالواو مصغرًا تحريف من النساخ، والصواب أنيس بالنون مصغرًا كذا وقع في نسخ صحيح مسلم المطبوعة ومثله في جامع الأصول لابن الأثير وكذلك ذكر أبو نعيم في حلية الأولياء اسمها في موضعين، ولكن المعروف بنت

ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيئًا مِنْ أَرْضِهَا. فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ. فَقَال سَعِيدٌ: أَنا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ". فَقَال لَهُ مَرْوَانُ: لَا أَسْألُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هذَا، فَقَال: اللَّهُمَّ! إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا. قَال: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا. ثُمَّ بَينَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنيس بالنون مصغرًا، ولم يذكر الحافظ في الإصابة وابن الأثير في أسد الغابة غير بنت أنيس وجزم الشيخ محمد ذهني في شرحه بأنه خطأ من النساخ والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة (ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها) ظلمًا (فخاصمته) أي رافعته (إلى مروان بن الحكم) الأموي والي المدينة لمعاوية (فقال سعيد) بن زيد في جواب دعواها (أنا كنت آخذ) ظلمًا (من أرضها شيئًا بعد) الحديث (الذي سمعتـ) ـه (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري (قال) له مروان بن الحكم (وما سمعت) أي وأي حديث سمعته (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سعيد بن زيد في جواب سؤال مروان: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا) أي قدر شبر (من الأرض ظلمًا طوّقه) بالبناء للمجهول كما مر أي جُعل ذلك الشبر (إلى سبع أرضين) طوقًا وقلادة له يوم القيامة أي طوقه من سبع أرضين فإلى بمعنى من (فقال له): أي لسعيد بن زيد (مروان) بن الحكم (لا أسألك) بفتح الكاف خطابا لسعيد أي لا أطلب منك (بينة) أي شاهدًا على هذا الحديث أي من يشهد لك على أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله (بعد) إقرارك بسماع (هذا) الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم بل صدقناك بقرائن أحوالك من الورع والفضل وكونك من المشهود لهم بالجنة (فقال) سعيد بن زيد أي ثم قال: (اللهم إن كانت كاذبة) فيما تدعي عليّ (فعمِّ) بتشديد الميم المكسورة أمر من التعمية أي فاطمس (بصرها) ونظرها أي اجعل عينها عمياء مكفوفة (واقتلها في أرضها) أي في حفيرة أرضها التي كذبت بها عليّ (قال) عروة بن الزبير: (فما ماتت) أروى (حتى ذهب بصرها) وعميت عيناها (ثم) بعد ذهاب بصرها (بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت)

فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسقطت (في حفرة) أي في حفيرة من أرضها (فماتت) في تلك الحفيرة فسبحان الناصر للمظلوم والمنتقم من الظالم يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه. (تتمة): قال القرطبي: (وقول مروان لما سمع الحديث لا أسألك بينة) قرأناها بفتح الكاف على خطاب سعيد، وفيه إشكال وذلك أن الأرض كانت في يد سعيد وادعت المرأة أنه غصبها إياها، ألا ترى قول عروة إن أروى ادعت على سعيد أنه أخذ لها شيئًا من أرضها فهو المدعى عليه وكيف يكفف المدعى عليه بإقامة بينة على إبطال دعوى المدعِي وإنما القضاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي المدَّعِي: "شاهداك أو يمينه" رواه أحمد والبخاري، وإنما يصلح أن يُخاطب بهذه المدّعِية وعلى هذا فينبغي أن تكون مكسورة ويكون مروان قال ذلك لها: كفًّا لها من تماديها على دعواها لعلمه بصدق سعيد من جهة قرائن أحواله لا أن الخبر الذي ذكره يدل على براءته من دعواها لكن يدل عليها ما كان معلومًا من دين سعيد ومن ورعه وفضله وأنه مشهود له بالجنة وعظم هذا الوعيد الشديد الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة مع نزارة هذا القدر المدَّعَى عليه به فحصل عند مروان العلم بصدقه فقال للمرأة: لا أسألك بينة. أي لأنك لا تجدينها بوجه ثم إنه لم يقض بينهما بشيء ولم يحوجه سعيد إلى قضاء بل بادر إلى أن سلم لها ما ادعت وزادها من أرضه فقال: دعوها لها. (قلت): فهذا هو الذي ظهر لي في هذا الخطاب فإنه إن كان متوجهًا لسعيد لزم أن يكون مروان عدل عن جهة القضاء المنصوص عليها التي لا اختلاف فيها، وأن سعيدًا أقره عليها وكل ذلك باطل فتعين ما اخترناه من كون الكاف مكسورة خطابًا للمرأة والله أعلم. ويعني بـ (البينة) على فتح الكاف من يشهد لسعيد بصحة الحديث الذي رواه كما مر في حلنا لأنه صدّقه في الرواية ولم يحتج إلى الاستظهار بزيادة شهادة غيره على ذلك ولم يرد بالبينة هنا الشهادة التي يستند حكم الحاكم إليها لأنها لا تلزم المدعى عليه فكيف يسقط عنه ما لا يلزم اهـ من المفهم. (وقول سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها) دليل على أن سعيدًا استجاز الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه، وفيه إشكال مع قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى / 40] وقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ}

4002 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا يَحْيى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ [البقرة / 194] ووجه الإشكال أنه كما لا يجوز أن يأخذ من الظالم والغاصب زيادة على القصاص أو على مقدار ما أخذ كذلك لا يجوز أن يدعو عليه بزيادة على ذلك لإمكان الإجابة فتحصل الزيادة الممنوعة ولو لم يستجب له أليس قد أراد وتمنى شرًّا زائدًا على قدر الجناية للمسلم وهو ممنوع منه، وإنما الذي يجوز أن يدعو به على الظالم أن يقول: اللهم خذ لي حقي منه اللهم افعل به ما فعل، وما أشبه ذلك {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى / 43]. ويُجاب عنه بالفرق بين الدعاء على الظالم بأكثر مما ظلم فيه وبين أن يفعل به أكثر مما ظلم فيه فإن الدعاء ليس مقطوعًا بإجابته فإذا صدر عن المظلوم بحكم حرقة مظلمته وشدة موجدته لم نقل إنه صدر عنه محرم وغاية ذلك أن يكون ترك الأولى لأنه منتصر ولأنه لم يصبر ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك ودعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، رواه البيهقي، ويدل على جواز ذلك ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا خلق الثياب فأمره أن يلبس ثوبيه فلما لبسهما قال: "ما له، ضرب الله عنقه أليس هذا خيرًا" رواه مالك والحاكم وابن حبان والبزار، وفي كتاب أبي داود عن سعيد بن غزوان عن أبيه أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك وهو يصلي فقال: "قطع صلاتنا قطع الله أثره" قال: فما قمت عليهما إلى يومي هذا يعني رجليه فدل هذا على أن الدعاء المذكور ليس محرمًا، وأما قوله: إن أراد الشر للظالم وتمناه فنقول بجواز ذلك ليرتدع الظالم عن شره أو غيره ممن يريد الظلم والشر ولو سلمنا أن ذلك لا يجوز لأمكن أن يقال: إنه لا يلزم من الدعاء بالشر أن يكون ذلك الشر متمنى ولا مرادًا للداعي فإن الإنسان قد يدعو على ولده وحبيبه بالشر بحكم بادرة الغضب ولا يريد وقوعه به ولا يتمناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 4002 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه)

عَنْ سَعِيدٍ بْنِ زَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". 4003 - (1549) (114) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيرِ حَقِّهِ، إِلَّا طَوَّقَهُ اللهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ الْقِيَامَةِ". 4004 - (1550) (115) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ). حَدَّثنَا حَرْبٌ (وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عروة بن الزبير (عن سعيد بن زيد) بن عمرو بن نفيل العدوي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن زكرياء لحماد بن زيد (قال) سعيد: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوّقه يوم القيامة من سبع أرضين) قد تقدم ما فيه من البحث. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعيد بن زيد بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4003 - (1549) (114) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يأخذ) ولا يقتطع (أحد شبرًا) أي قدر شبر (من الأرض بغير حقه) بغير استحقاقه يعني ظلمًا (إلا طوّقه الله) سبحانه وتعالى أي جعل الله ذلك الشبر طوقًا له (إلى سبع أرضين) أي من سبع أرضين (يوم القيامة) وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سعيد بن زيد بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4004 - (1550) (115) (حدثنا أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي (الدورقي) الأصل نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الصمد يعني ابن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (حدثنا حرب وهو

ابْنُ شَدَّادٍ). حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ) عَن مُحَمَّدِ بْنِ إِبرَاهِيمَ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ بَينَهُ وَبَينَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، وَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهَا. فَقَالتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَه مِنْ سَبع أَرَضِينَ". 4005 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. أَخْبَرَنَا أَبَانٌ. حَدَّثنَا يَحْيَى؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن شداد) اليشكري أبو الخطاب البصري، ثقة، من (7) (حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد القرشي التيصي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) (أن) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (أبا سلمة) المدني، ثقة، من (3) (حدّثه) أي حدّث لمحمد بن إبراهيم (وكان بينه) أي بين أبي سلمة (وبين قومه) أي قوم أبي سلمة وعشيرته، لم أر من ذكر أسماءهم (خصومة) أي منازعة (في أرض وأنه) أي وأن أبا سلمة (دخل على عائشة) رضي الله تعالى عنها (فذكر) أبو سلمة (ذلك) الذي جرى بينه وبين قومه من الخصومة في أرض (لها) أي لعائشة (فقالت) عائشة له: (يا أبا سلمة اجتنب الأرض) أي الظلم فيها وابتعد عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد بغدادي، وإنما أمرتك بالاجتناب منه (فإن) أي لأن (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم) أي من أخذ ظلمًا (قيد شبر) بكسر القاف أي قدر شبر يقال: قيد وقاد وقيس وقاس بمعنى واحد (من الأرض طوّقه) يوم القيامة (من سبع أرضين). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2453]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4005 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج النيسابوري التميمي، ثقة، من (11) (أخبرنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة (بن هلال) الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا أبان) بن يزيد العطار أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا يحيى) بن أبي

أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَثَّهُ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 4006 - (1551) (116) حدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن النبيَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا اختَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيق، جُعِلَ عَرْضُهُ سَبعَ أَذرُعٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كثير (أن محمد بن إبراهيم) التيمي المدني (حدّثه) أي حدّث ليحيى بن أبي كثير (أن أبا سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (حدّثه) أي حدّث لمحمد بن عبد الرحمن (أنه) أي أن أبا سلمة (دخل على عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة أبان بن يزيد لحرب بن شداد (فذكلر) أبان بن يزيد (مثله) أي مثل ما حدّث حرب بن شداد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4006 - (1551) (116) (حدثنا أبو كامل) البصري (فضيل بن حسبن الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده (حدثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري مولاهم كان مولى حفصة بنت سيرين أبو إسماعيل الدباغ البصري، ثقة، من (7) (حدثنا خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبو المنازل البصري (الحذاء) ثقة، من (5) (عن يوسف بن عبد الله) بن الحارث الأنصاري أبي الوليد البصري ابن أخت محمد بن سيرين، روى عن أبيه في البيوع، وأنس بن مالك في الطب، وأبي العالية الرياحي في الدعاء، وخاله محمد بن سيرين والأحنف وجماعة، ويروي عنه (م ت س ق) وخالد الحذاء وعاصم الأحول وحماد بن سلمة وغيرهم، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن أبيه) عبد الله بن الحارث الأنصاري أبي الوليد البصري، تابعي ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا اختلفتم) أيها المسلمون (في الطريق) أي في قدره (جُعل عرضه) أي عرض الطريق (سبع أذرع) بالذراع المعتاد هكذا هو في أكثر النسخ بالتذكير سبع أذرع، وفي بعضها سبعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أذرع بالتأنيث وهما صحيحان لأن الذراع يذكر ويؤنث والتأنيث فيه أفصح، قال النواوي: معنى الحديث إذا كان الطريق بين أراضي القوم وأرادوا إحياءها فإن اتفقوا على شيء فذاك وإن اختلفوا في قدره جُعل سبعة أذرع، وأما إذا وجدنا طريقًا مسلوكًا وهو أكثر من سبع أذرع فلا يجوز لأحد أن يتولى على شيء منه اهـ وقال الخطابي: قد يكون ذلك الاختلاف في الطريق الواسع من شوارع المسلمين يقعدون في جانبيه ليبيعوا شيئًا فإن كان المتروك منه للمارين سبع أذرع لم يمنعوا من القعود فيه وإن كان أقل مُنعوا ليرتفق المارون بالأحمال اهـ من المبارق. قال القرطبي: قوله: (إذا اختلفتم في الطريق) هذا محمول على أمهات الطرق التي هي ممر عامة الخلق بأحمالهم ومواشيهم فإذا تشاح من له أرض تتصل بها مع من له فيها حق جُعل بينهما سبع أذرع بالذراع المتعارفة في ذلك طريقًا للناس وخُلي بينهما وبين ما زاد على ذلك، وأما بُنيات الطرق فبحسب ما تدل عليه العادة وتدعو إليه الحاجة وذلك يختلف بحسب اختلاف المتنازعين فليست طريق من عادته استعمال الدواب والمواشي وأهل البادية كعادة من لا يكون كذلك من أهل الحاضرة، ولا مسكن الجماعة كمسكن الواحد والاثنين وإنما ذلك بحسب مصلحتهم وعلى هذا يحتاج أهل البادية من توسيع الطريق إلى ما لا يحتاج إليه أهل الحاضرة وتحتاج طرق الفيافي والقفار من التوسيع أكثر من سبع أذرع لأنها ممر الجيوش والرفاق الكبار وهذا كله تفصيل أصحابنا وصحيح مذهب مالك ولو جُعل الطريق في كل محل سبع أذرع لأضر ذلك بأملاك كثير من الناس ويلزم أن تُجعل بنيات الطرق من الأزقة وغيرها كالأمهات المسلوكة للناس وكطرق الفيافي وذلك محال عادي وفساد ضروري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 228 و 229]، والبخاري [2473]، وأبو داود [3633]، والترمذي [1355]، وابن ماجه [2238]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث سعيد بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به، والثالث: حديث عائشة للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الفرائض

بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ (23) - كتاب: الفرائض ـــــــــــــــــــــــــــــ 23 - كتاب الفرائض لما كان البيع والمزارعة والمساقاة والشفعة من وسائل اكتساب المال بالمال أو بالجهد والعمل أعقب المؤلف رحمه الله تعالى ذكرها بذكر ما يحصل به المال بغير مال ولا جهد أو عمل وهو الميراث والهبة والوصية ولذلك جاء بكتاب الفرائض بعد البيوع والمساقاة، ثم أعقبه بكتاب الهبة وكتاب الوصية. (واعلم) أن علم الفرائض من أهم العلوم الدينية ومن أعظم أسباب المعيشة والمعاشرة الإنسانية ولذلك اهتمت به الشريعة الإسلامية اهتمامًا قلما يوجد في أبواب أخرى ولذلك نرى القرآن الكريم يكتفي في أكثر أبواب الأحكام ببيان أصول كلية دون التعرض للجزئيات والتفاصيل إذ نشاهده في باب الفرائض يهتم ببيان جزئياته وتفاصيله الدقيقة، ويصرّح بذكر السهام لكل واحد من الأقرباء في بسط واستقصاء. وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم بتعلم الفرائض وتعليمها مستقلة عن الأبواب الأخرى فقد أخرج النسائي والترمذي وأحمد والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا الفرائض وعلّموها الناس فإني امرؤ مقبوض". والفرائض: جمع فريضة بمعنى مفروضة لا فارضة فهي فعيلة بمعنى مفعولة لا بمعنى فاعلة مأخوذة من الفرض بمعنى التقدير لأن الفرض لغة: التقدير قال تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي قدرتم يقال: فرض القاضي النفقة أي قدرها، ويطلق الفرض بمعنى القطع يقال: فرض العود بمعنى قطعه، وشرعًا: اسم لنصيب مقدر لمستحقه كالنصف والربع والثُّمن، وخرج بالمقدر التعصيب فإنه ليس بمقدر بل يأخذ العاصب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جميع التركة إن انفرد وما أبقت الفروض إن لم تستغرق التركة وإلا سقط. (واعلم) أن علم الفرائض يحتاج إلى ثلاثة علوم: علم الأنساب، وعلم الحساب، وعلم الفتوى، وموضوعه التركات، وغايته معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة. (واعلم) أيضًا أن الإرث يتوقف على ثلاثة أمور: وجود أسبابه، وانتفاء موانعه، ووجود شروطه. فأسبابه أربعة: قرابة ناشئة عن الرحم خاصة أو عامة، ونكاح وهو عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل فيه وطء ولا خلوة، وولاء وهو عصوبة سببها نعمة المعتق على عتيقه، وجهة الإسلام إن انتظم بيت المال بأن كان متوليه يُعطي كل ذي حق حقه فإن لم ينتظم فلا يرث فلذلك عد بعضهم الأسباب ثلاثة كما قال صاحب الرّحبية: أسباب ميراث الورى ثلاثة ... كل يفيد ربه الوراثة وهي نكاح وولاء ونسب ... ما بعدهن للمواريث سبب والموانع أربعة أيضًا: الرق، والقتل، واختلاف الدين، والدور الحكمي سُمي بذلك لما فيه من توقف حكم على حكم آخر كما يعلم من تعريفه وهو أن يلزم من توريث شخص عدم توريثه كما لو أقر أخ بابن للميت فإنه يثبت نسب الابن ولا يرث لأنه لو ورث لحجب الأخ فلا يصح استلحاقه للابن لأن شرط المستلحق أن يكون وارثًا حائزًا، وإذا لم يصح استلحاقه للابن لم يثبت نسبه فلا يرث فأدى إرثه إلى عدم إرثه بوسائط وعدم إرثه إنما هو في الظاهر، أما في الباطن فيجب على الأخ إن كان صادقًا تسليم التركة للابن ويحرم عليه أخذ شيء منها وزاد بعضهم خامسًا وهو الحرابة وغيرها فالحربي لا يرث من غير الحربي وبالعكس، وزاد بعضهم سادسًا وهو اللعان، وفيه بحث ظاهر كما قال بعضهم لأن المنع فيه لعدم السبب الذي هو النسب، وشروطه أربعة أيضًا تحقق موت المورِّث حقيقة أو إلحاقه بالموتى حكمًا في حكم القاضي بموت المفقود اجتهادًا بعد غيبته مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش بعدها غالبًا، وتحقق حياة الوارث بعد موت المورّث ومعرفة إدلائه للميت بقرابة أو نكاح أو ولاء، والرابع: العلم بالجهة المقتضية للإرث تفصيلًا كالأبوة والبنوة ويختص به القاضي والمفتي كما هو مبسوط في علم الفرائض اهـ من البيجوري على ابن القاسم. (واعلم) أن الألف واللام في الفرائض للعهد لأنه يعني بها الفرائض الواقعة في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الله تعالى وهي ستة النصف والربع والثُّمن والثلثان والثلث والسدس، فالنصف فرض خمسة ابنة الصلب وابنة الابن والأخت الشقيقة والأخت للأب والزوج وكل ذلك إذا انفرد عمن يحجبهم عنه، والربع فرض الزوج مع الحاجب وفرض الزوجة أو الزوجات مع عدمه، والثمن فرض الزوجة أو الزوجات مع الحاجب، والثلثان فرض أربع الاثنتين فصاعدًا من بنات الصلب أو بنات الابن أو الأخوات الأشقاء أو للأب وكل هؤلاء إذا انفردن عمن يحجبهن عنه، والثلث فرض اثنين الأم مع عدم الولد وولد الابن وعدم الاثنين فصاعدًا من الإخوة والأخوات وفرض الاثنين فصاعدًا من ولد الأم وهذا هو ثلث كل المال، فأما ثلث ما يبقى فذلك للأم في مسألة زوج أو زوجة وأبوين فللأم فيها ثلث ما بقي، وفي مسائل الجد مع الإخوة إذا كان معهم ذو سهم وكان ثلث ما يبقى خيرًا له، والسدس فرض سبعة فرض كل واحد من الأبوين والجد مع الولد وولد الابن وفرض الجدة والجدات إذا اجتمعن وفرض بنات الابن مع بنت الصلب وفرض الأخوات للأب مع الأخت الشقيقة وفرض الواحد من ولد الأم ذكرًا كان أو أنثى. وهذه الفروض كلها مأخوذة من كتاب الله تعالى إلا فرض الجدات فإنه مأخوذ من السنة فهؤلاء أهل الفرائض الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم المال عليهم حين قال: اقسموا المال بين أهل الفرائض، وهو معنى قوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها". ***

582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها"

582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها" 4007 - (1552) (117) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ. وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 582 - (22) باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر" وقوله: "ألحقوا الفرائض بأهلها" 4007 - (1552) (117) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى وروى غيره بالمعنى (قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي الحسين المدني، الملقب بزين العابدين لكثرة عبادته، يقال إنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عمرو بن عثمان) بن عفان هو أكبر أولاد عثمان الذي أعقبوا، وكان معاوية رضي الله عنه زوّجه بنته رملة الأموي أبي عثمان المدني، ثقة، من الثالثة (عن أسامة بن زيد) بن حارثة الهاشمي مولاهم أبي محمد المدني، حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان كوفيان أو كوفي ونيسابوري أو كوفي ومروزي، وفيه ثلاثة من التابعين، روى بعضهم عن بعض (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث المسلم الكافر) قال المبرد: الإرث والميراث أصله العاقبة ومعناه الانتقال من واحد إلى آخر (ولا يرث الكافر المسلم) يعني أن اختلاف الدين يمنع الإرث، قال النووي: أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم وأما المسلم من الكافر ففيه خلاف والجمهور على أنه لا يرث أيضًا، وأما المرتد فلا يرث المسلم بالإجماع، وأما المسلم من المرتد ففيه أيضًا الخلاف فعند مالك والشافعي أن المسلم لا يرث منه، وقال أبو حنيفة: ما اكتسبه في ردته فهو لبيت المال وما اكتسبه في الإسلام فهو لورثته

4008 - (1553) (118) حدَّثنا عَبْدُ الأعْلَى بْنُ حَمَّادٍ (وَهُوَ النَّرْسِيُّ). حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين، وقال صاحباه: يرثه ورثته المسلمون مما كسبه في الحالتين اهـ بحذف وبزيادة في آخره من المبارق. وهذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم: يوم فتح مكة عن أسامة بن زيد أنه قال زمن الفتح: يا رسول الله أين ننزل غدًا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل من منزل! ! " ثم قال: "لا يرث المؤمن الكافي ولا الكافي المؤمن". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 200]، والبخاري [6764]، وأبو داود [2909]، والترمذي [2107]، والنسائي في الكبرى [6371]. قال القرطبي: تضمن هذا الحديث أمرين: أحدهما: مجمع على منعه وهو ميراث الكافر من المسلم، والثاني: مختلف فيه وهو ميراث المسلم الكافر فذهب إلى منعه الجمهور من السلف ومن بعدهم فمنهم عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجمهور أهل الحجاز والعراق ومالك والشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل وعامة العلماء، وذهب إلى توريث المسلم من الكافر معاذ ومعاوية والزهري وإسحاق بقياس الميراث على النكاح قالوا: كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم ولا يجوز لهم أن ينكحوا نساءنا كذلك يجوز لنا أن نرثهم ولا يرثونا اهـ من المفهم بتصرف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 4008 - (1553) (118) (حدثنا عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري (وهو النرسي) أي المعروف به وهو بفتح النون وسكون الراء والسين المهملة نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألحقوا الفرائض) المقدرة في كتاب الله تعالى (بأهلها) أي أوصلوا الحصص

فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". 4009 - (00) (00) حدَّثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقدرة في كتاب الله تعالى من تركة الميت بأهلها المبينة في الكتاب والسنة (فما بقي) أي فما فضل عنهم من المال (فهو) أي ذلك الفاضل (لأولى) أي لأقرب (رجل) من الميت (ذكر) تأكيد أو احتراز من الخنثى، وقيل معناه أي صغير أو كبير اهـ مرقاة، يعني أن أولى هنا ليس بمعنى أحق إرثًا لأنا لا ندري من هو أحق به بل بمعنى أقرب نسبًا إلى الميت وإنما ذكر ذكرًا بعد رجل للتأكيد، وقيل للاحتراز عن الخنثى المشكل وقيل لبيان أن العصبة يرث صغيرًا كان أو كبيرًا بخلاف عادة الجاهلية فإنهم كانوا لا يعطون الميراث إلا من بلغ حد الرجولية كما في المبارق. قال القرطبي: قوله: (فلأولى رجل ذكر) بفتح الهمزة وواو ساكنة بعدها لام وألف مشتق من الولي بسكون اللام بمعنى القرب أي لأقرب رجل للميت، وقوله: (ذكر) توكيد لفظي بالمرادف كقولهم حسن بسن، وقبيح شقيح، ومين كذب وابن لبون ذكر، وأكد الرجولية بالذكورية إشعارًا بأن الذي يستحق به التعصيب هو كمال الذكورية التي بها قوام الأمور ومقاومة الأعداء وإن كان صغيرًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 292]، والبخاري [6764]، والترمذي [2098]، والنسائي في الكبرى [6331]، وابن ماجه [2740]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4009 - (00) (00) (حدثنا أمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) بتحتانية ساكنة ثم شين معجمة نسبة إلى بني عائش بن مالك بن تيم الله، سكنوا البصرة كما في اللباب أبو بكر البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميميّ العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا روح بن القاسم) التميمي العنبري أبو غياث البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا. فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة روح بن القاسم لوهيب بن خالد (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا) أي أوصلوا (الفرائض) أي الأنصباء المقدرة الستة المذكورة في كتاب الله تعالى (بأهلها) أي بمستحقيها المذكورين في كتاب الله تعالى أيضًا الذين بيناهم سابقًا وأعطوهم إياها من تركة الميت وتلك الفروض كما مر آنفًا هي النصف والربع والثُّمن والثلثان والثلث والسدس (فما تركت الفرائض) أي فما بقي من أهل الفرائض بعد أخذهم فروضهم (فلأولى رجل ذكر) أي فأوصلوه وأعطوه لأقرب رجل عاصب للميت، فأقربهم الابن ثم ابن الابن ثم الأب ثم الجد إن لم يُفرض لهما وحاصل ذلك أن الشريعة قسمت الورثة على ثلاثة أقسام: الأول: أصحاب الفروض وهم الذين قررت لهم الشريعة سهامًا مقدرة من النصف والربع والثُّمن كالزوجين والأم وغيرهم، والثاني: العصبات وهم أقارب الميت الذين لم يقدر لهم سهم ولكنهم من أقاربه الذكور كالابن أو يدلون إليه بالذكور كالإخوة والأعمام وحكم هؤلاء أنهم يحوزون ما بقي من أهل الفروض ويحجب الأقرب منهم الأبعد وإن كانوا سواء في القرابة قُسمت حصة العصبات فيما بينهم بالسوية، والثالث: أولوا الأرحام وهم أقارب الميت الإناث كالعمة أو الذين يدلون إليه بالإناث كالخال والخالة وإنهم لا يرثون ما دام أحد من العصبات حيًّا فإن لم يكن من العصبات أحد فحكمهم حكم العصبات. وقوله: (فلأولى رجل ذكر) قيد الرجل بالذكر مع أن كل رجل ذكر للإيماء إلى أن سبب الإرث في هذا القسم أعني العصبات الذكورية أو إلى أن لفظ الرجل إنما يُستعمل ها هنا في مقابلة الأنثى لا في مقابلة الصغير فكل ذكر من العصبة وارث سواء كان كبيرًا أو صغيرًا. ثم إن الذكورة شرط فيما كان عصبة بنفسه كالابن وأما العصبة بالغير كالبنت مع الابن أو العصبة مع الغير كالأخت مع البنت فلا تشترط فيهما المذكورة فإن إطلاق اسم العصبة عليهما مجاز وإنما ترثان بنصوص أخرى لا بهذا الحديث ثم إن حديث الباب أصل في توريث العصبات، وقد أجمع علماء أهل السنة من أجل هذا الحديث على أن ما بقي من ذوي الفروض يُصرف إلى أقرب العصبات.

4010 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) (قَال إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقْسِمُوا الْمَال بَينَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللهِ. فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكرٍ". 4011 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ أَبُو كُرَيبٍ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4010 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (واللفظ لابن رافع قال إسحاق: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس) رضي الله عنهما، وهذا السند غرضه بيان متابعة معمر بن راشد لروح بن القاسم (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقسموا المال) أي مال التركة (بين أهل الفرائض) المقدرة في كتاب الله تعالى (على) وفق (كتاب الله) تعالى أي على حكم كتاب الله الكريم (فما تركت الفرائض) أي فما بقي من أهل الفروض بعد أخذهم (فـ) يعطى (لأولى) أي لأقرب (رجل ذكر) من العصبات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 4011 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني حدثنا زيد بن حُباب) بضم المهملة وبموحدتين أبو الحسين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عكل بطن من تميم أبو الحسين الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (عن يحيى بن أيوب) الغافقي بمعجمة ثم فاء بعد الألف ثم قاف أبي العباس المصري، صدوق، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني

بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ وُهَيبٍ وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما. وساق يحيى بن أيوب (نحو حديث وهيب وروح بن القاسم) غرضه بيان متابعة يحيى بن أيوب لوهيب وروح ومعمر بن راشد. وقوله: (فلأولى رجل ذكر) أيضًا قال النووي: وصف الرجل بأنه ذكر تنبيهًا على سبب استحقاقه الباقي وهو المذكورة التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الإرث اهـ، وأفاد بأن الحكمة في ذلك أن الذكر يلحقه مؤن لا تلحق الأنثى. (واعلم) أن من أصول المواريث أن الذكر يُفضل على الأنثى إذا كانا في منزلة واحدة أبدًا لاختصاص الذكور بحماية البيضة والذب عن الذمار ولأن الرجال عليهم إنفاقات كثيرة فهم أحق بما يكون شبه المجان بخلاف النساء فإنهن عيال على أزواجهن أو آبائهن أو أبنائهن ومصداق ذلك قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا}. (واعلم) أيضًا أن عادة العرب في الجاهلية أنهم لا يورّثون البنات ولا النساء ولا الصبيان شيئًا من الميراث ولا يورّثون إلا من حاز الغنيمة وقاتل على ظهور الخيل ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره [4/ 162 و 163] ولكن عادة حرمان النساء الإرث لم يكن سنة عامة عند جميع القبائل ولكن كانت عند قبائل دون قبائل وما ورد في الأخبار يُخص على أكثر أهل الحجاز، وقال ابن حبيب في المُحبّر [ص / 324]: فأول من ورث البنات في الجاهلية فأعطى البنت سهمًا والابن سهمين ذو المحامد اليشكري وهو عامر بن جشم بن حبيب والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث أسامة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالا فلورثته

583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته 4012 - (1554) (118) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيرٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَال: مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَعُودَانِي، مَاشِيَانِ. فَأُغْمِيَ عَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 583 - (23) باب ميراث الكلالة، وآخر آية أنزلت آية الكلالة، وبيان من ترك مالًا فلورثته اختلف العلماء في تفسير الكلالة على أقوال: فالجمهور على أن الكلالة اسم للميت الذي لم يترك ولدًا ولا والدًا فحينئذٍ يرثه إخوته ويؤيده ظاهر قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ} لأن الكلالة هناك منصوب على الحال، والقول الثاني أنه اسم للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا والد فالإخوة هم الكلالة، والقول الثالث: أنه اسم مصدر بمعنى الوراثة إذا لم يكن للميت ولد ولا والد، والقول الرابع: أنه اسم للموروث فيما إذا لم يكن للميت ولد ولا والد والأصح قول الجمهور لما ذكر. 4012 - (1554) (118) (حدثنا عمرو بن محمد بن بكير) بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن هدير بن عبد العزى القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) (سمع) محمد (جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) جابر (مرضت) مرضًا شديدًا أشرفت منه على الموت (فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) حالة كونهما (يعوداني) من مرضي، كذا في النسخ بإسقاط نون الوقاية وهما (ماشيان) بأرجلهما هكذا في أكثر النسخ (ماشيان) بالرفع، وفي بعضها (ماشيين) بالنصب على الحال من فاعل أتاني، والأول صحيح أيضًا لأنه خبر لمحذوف والجملة حال من فاعل أتاني أي أتاني كلاهما حالة كونهما ماشيين، وكذلك جملة يعوداني حال من فاعل أتاني أو من فاعل يعوداني وهو الظاهر لقربه وإنما أتياه ماشيين مبالغة في التواضع وفي كثرة أجر المشي لأن المشي للقرب التي لا يحتاج فيها إلى كبير مؤنة ولا نفقة أفضل من الركوب بدليل ما ذكرناه في الجمعة، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في الحج اهـ من المفهم (فأُغمي عليّ) أي غُشي عليّ لشدة المرض وهو بضم الهمزة على البناء للمجهول، والإغماء الغشي

فَتَوَضَّأ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ. فَأَفَقْتُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفرّق بينهما العيني في العمدة [1/ 838] بأن الغشي مرض يحصل من طول التعب وهو أخف من الإغماء، وفرّق بين الإغماء والجنون والنوم بأن العقل في الإغماء يكون مغلوبًا، وفي الجنون مسلوبًا، وفي النوم مستورًا (فـ) لما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم مغمى على (توضأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءًا شرعيًّا خفيفًا (ثم صب عليَّ من وضوئه) بفتح الواو يعني الماء الذي توضأ به، قال القرطبي: فيه دليل على جواز المداواة ومحاولة دفع الضرر بما تُرجى فائدته وخصوصًا بما يرجع إلى التبرك بما عظمه الله ورسوله، وفيه ظهور بركته صلى الله عليه وسلم فيما باشره أو لمسه وكم له منها وكم اهـ من المفهم. وقد استدل به من قال بطهارة الماء المستعمل وأجاب عنه العيني في العمدة [1/ 839] بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم صب عليه من الماء الباقي في الإناء (قلت): لا حجة لهم في هذا الحديث، ولو ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صب عليه ماءه المستعمل أما أولًا فلأنه يحتمل أن يكون ذلك وضوءًا على الوضوء من غير نية القربة وماؤه المستعمل طاهر بلا خلاف، وأما ثانيًا فلأنه لا يقاس الماء الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الماء الذي استعمله غيره ولما كانت فضلات النبي صلى الله عليه وسلم طاهرة عند الجم الغفير من العلماء فما بالك بمائه المستعمل والله أعلم اهـ من التكملة. (فأفقت) من إغمائي أي صحوت منه، قال القاضي عياض: فيه عيادة المغمى عليه ومن فقد عقله إذا كان معه من يحفظه من الكشف، وقيل: أما الرجل الصالح العالم الذي يُتبرك به فله ذلك وأما غيره فيكره له ذلك إلا أن يكون مع المريض من يحفظه كما ذكرناه آنفًا، وفيه بركته صلى الله عليه وسلم فيما باشر ودعا فيه اهـ. ثم (قلت: يا رسول الله كيف أقضي) وأفعل (في مالي) وأنا ذو مال وإنما يرثني كلالة، قال القرطبي: سؤال جابر هذا كان قبل نزول آية المواريث على ما يدل عليه قوله فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] لأن هذه الآية آية المواريث وكان الحكم قبل نزول هذه الآية بسؤاله وجوب الوصية للأقربين وعلى هذا فيكون معنى سؤال جابر بقوله: (كيف أقضي في مالي) أي كيف أوصي فيه وبماذا أوصي ولمن أوصي فأنزل الله تعالى بسؤاله آيات

فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيئًا. حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176] ـــــــــــــــــــــــــــــ المواريث كلها عنى بها قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى قوله: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} فإن آيات الميراث التي هي في أوائل سورة النساء والتي تبتدئ بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} مشتملة على حكم الكلالة أيضًا فقد قال تعالى في آخرها: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ} إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} فالظاهر أن آية المواريث بأجمعها نزلت في قصة جابر وقد بينت في آخرها حكم الكلالة لتكون جوابًا عن سؤال جابر رضي الله عنه فنسخت هذه الآيات وجوب الوصية للأقربين، وأما إن كان سؤاله بعد نزول آيات المواريث أعني قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الخ، فالذي نزل بسؤاله قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} الذي في آخر سورة النساء رقم الآية / 176، فيكون سؤاله بعد نزول يوصيكم الله وقبل نزول آية الكلالة أعني قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} وهذا هو الأقرب والأنسب لقوله: إنما يرثني كلالة، وسؤاله هو الذي أراد بقوله: يستفتونك (فلم يرد عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (شيئًا) من الجواب، قال النووي: وقد يستدل بهذا الحديث من لا يجوز الاجتهاد في الأحكام للنبي صلى الله عليه وسلم والجمهور على جوازه ويؤولون هذا الحديث وشبهه على أنه لم يظهر له بالاجتهاد شيء فلهذا لم يرد عليه شيئًا رجاء أن ينزل الوحي جوابه (حتى نزلت) عليه صلى الله عليه وسلم (آية الميراث) أي ميراث الكلالة على القول الثاني يعني قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176] والصواب بيان الآية بـ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [194]، وأبو داود [2886 و 2887]، والترمذي [2098 و 3019]. (تنبيه): قوله حتى نزلت آية الميراث (يستفتونك) ظاهره أن جابرًا عيّن آية الميراث بقوله: يستفتونك وهذا ما في رواية سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر ويعارضه ما في رواية ابن جريج عن ابن المنكدر الآتية من قوله: فنزلت يعني في هذه القصة آية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} وقد رفع هذا التعارض الحافظ ابن حجر في كتاب التفسير من الفتح بأن المحفوظ عن جابر رضي الله عنه أنه قال حتى

4013 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ نزلت آية الميراث فقط ولم يفسرها بشيء وأما تفسيرها هنا بقوله: يستفتونك فزيادة مدرجة من ابن عيينة، وخالفه ابن جريج في الرواية الآتية ففسرها بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وليس هذا التعارض من قبل جابر رضي الله عنه فإنه لم يعيّن الآية التي نزلت في هذه الواقعة وإنما ذكر آية الميراث على سبيل الإجمال ثم أراد ابن عيينة وابن جريج بيان هذا الإجمال بتعيين الآية ولكنهما اختلفا في ذلك فقال ابن عيينة: إن المراد من آية الميراث آية الكلالة التي في آخر سورة النساء وهي {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} وقال ابن جريج في الرواية الآتية: إن المراد بها آية المواريث في أوائل سورة النساء وهي: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} فهذا هو الجمع بين الروايين. وبالجملة فقد اختلف ابن عيينة وابن جريج في تعيين الآية التي قد نزلت في قصة جابر ورجح الحافظ قول ابن جريج وأن الآية التي نزلت في هذه القصة هي: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وأن سفيان بن عيينة قد وهم في تعيينها بقوله: يستفتونك لأن هذه الآية آية الكلالة وأنها من آخر ما نزل ووقعت قصة جابر قبلها، وإنما وَهِم ابن عيينة في هذا لأن جابرًا لم يكن له حينئذٍ ولد وإنما كان يورث كلالة كما بينه ابن عيينة في رواية أحمد فزعم أن المناسب بحاله آية الكلالة التي هي في آخر سورة النساء وليس الأمر كذلك فإن آيات الميراث التي هي في أوائل سورة النساء التي تبتدئ بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} مشتملة على حكم الكلالة أيضًا فقد قال تعالى في آخرها: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَينٍ غَيرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} فالظاهر أن آيات المواريث بأجمعها نزلت في قصة جابر، وقد بينت في آخرها حكم الكلالة لتكون جوابًا عن سؤال جابر رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 4013 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي المصيصي، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج قال: أخبرني ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما.

قَال: عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ يَمْشِيَانِ. فَوَجَدَنِي لَا أَعْقِلُ. فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ. ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْتُ. فَقُلْتُ: كَيفَ أَصْنَع فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} [النساء: 11]. 4014 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته. غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة (قال) جابر: (عادني) أي زارني من مرضي (النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه وأنا نازل (في بني سلمة) بفتح أوله وكسر ثانيه، هم قوم جابر وهم بطن من الخزرج كذا في فتح الباري حالة كونهما (يمشيان) بأرجلهما (فوجدني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أعقل) أي لا أعرف شيئًا لإغمائي (فدعا) أي طلب (بماء) فأُتي به (فتوضأ) بذلك الماء وضوءًا شرعيًا (ثم رش) أي صب رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليّ منه) أي من ماء وضوئه (فأفقت) أي صحوت من إغمائي فعرفت الحاضرين عندي، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (كيف أصنع في مالي) وأنا ذو مال (يا رسول الله) هل أوصي كله أم بعضه (ننزلت) جوابًا لسؤالي آيات الميراث اللاتي في أوائل سورة النساء، قال ابن جريج في بيان تلك الآيات يعني جابر بتلك الآيات قوله تعالى: ({يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي}) إرث ({أَوْلَادِكُمْ}) أن تعطوا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ}) أي نصيب ({الْأُنْثَيَينِ}) إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} ورواية ابن جريج هذه في بيان الآية هي الصحيحة ورواية ابن عيينة السابقة منه هي وهم كما قاله الحافظ ابن حجر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 4014 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (قال) سفيان: (سمعت محمد بن المنكدر قال) محمدة (سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الثوري لابن عيينة وابن

يَقُولُ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضٌ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَاشِيَينِ. فَوَجَدَنِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ. فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَي شَيئًا، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. 4015 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ. فَتَوَضَّأَ. فَصَبُّوا عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ. فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلالةٌ. فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جريج (يقول: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض ومعه أبو بكر) الصديق رضي الله عنه حالة كونهما (ماشيين فوجدني قد أُغمي على) لشدة مرضي (فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب) ورش (عليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وضوئه فأفقت) أي حصلت لي الإفاقة من الإغماء (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) حاضر، وإذا فجائية أي ففاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله كيف أصنع في مالي) أأتركه على حاله أم أوصيه (فلم يرد على) رسول الله صلى الله عليه وسلم (شيئًا) من الجواب انتظارًا للوحي (حتى نزلت آية الميراث) يعني قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 4015 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لمن روى عن ابن المنكدر (يقول: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل) شيئًا (فتوضأ) صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة (فصبوا عليّ من وضوئه) أي من الماء الذي توضأ به (فعقلت) أي فعرفت كل شيء (فقلت: يا رسول الله إنما يرثني كلالة) بفتح الكاف أي من ليس ولدًا ولا والدًا، أفأوصي مالي أم أتركه لهم (فنزلت) في جواب سؤالي (آية الميراث) وبهذا استدل من قال: إن الكلالة اسم للوارث

فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176]؟ قَال: هكَذَا أُنْزِلَتْ. 4016 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ دون الموروث وهو من ليس والدًا ولا ولدًا والمراد بالكلالة هنا: أخوات جابر كما رواه أبو داود والبيهقي، قالوا: والكلالة اسم يقع على الوارث وعلى الموروث فإن وقع على الوارث كما هنا فهم من سوى الوالد والولد وإن وقع على الموروث فهو من مات ولا يرثه أحد الأبوين ولا أحد الأولاد، قال يزيد بن الحكم الثقفي في قصيدة وعظ بها ابنه بدرًا على ما ذكر في باب الأدب من ديوان الحماسة: والمرء يبخل في الحقوق ... وللكلالة ما يسيم قال الراغب: وإنما خص للكلالة ليزهد الإنسان في جمع المال لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد اهـ والإسامة إخراج المال إلى المرعى، يقال: أسمت البعير فسام وهو سائم قال تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} اهـ من بعض الهوامش. قال شعبة بالسند السابق: (فقلت لمحمد بن المنكدر) قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ}) هكذا أنزلت في سؤال جابر فـ (قال) لي محمد بن المنكدر: نعم (هكذا أنزلت) في سؤال جابر ظاهره أن محمد بن المنكدر صدّق شعبة في أن الآية التي نزلت في قصة جابر هي {يَسْتَفْتُونَكَ} الآية، وهو يؤيد قول ابن عيينة، والحق أنه هو الراجح ويمكن أيضًا أن يكون ابن المنكدر غير جازم بتعيين الآية النازلة في هذه القصة فقال: هكذا أنزلت يعني أن الآية هكذا والظاهر أنها نزلت في قصة جابر ولكني لا أتيقن به اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 4016 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، ثقة، من (9) (وأبو عامر العقدي) عبد الملك بن عمرو القيسي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير) ابن حازم بن زيد الأزدي أبو العباس البصري، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل هؤلاء

عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. وَفِي حَدِيثِ النَّضْرِ وَالْعَقَدِيِّ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرْضِ. وَلَيسَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلُ شُعْبَةَ لابْنِ الْمُنْكَدِرِ. 4017 - (1555) (119) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاثة أعني النضر بن شميل وأبا عامر ووهب بن جرير رووا (عن شعبة) بن الحجاج (بهذا الإسناد) يعني عن ابن المنكدر عن جابر، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لبهز بن أسد العمي ولكن (في حديث وهب بن جرير) وفي روايته لفظة (فنزلت آية الفرائض، وفي حديث النضر و) أبي عامر (العقدي) لفظة (فنزلت آية الفرض وليس في رواية أحد منهم) أي من هؤلاء الثلاثة (قول شعبة) وسؤاله (لـ) محمد (ابن المنكدر) كما ذكره في رواية بهز بن أسد عن شعبة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال: 4017 - (1555) (119) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) نسبة إلى جده المذكور مقدم بوزن محمد أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (ومحمد بن المثنى) البصري (واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان، ثقة، من (9) (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو معاذ البصري (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن معدان بن أبي طلحة) الكناني اليعمري بفتحتين بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى يعمر بطن من كنانة كما في اللباب الشامي، ثقة، من (2) (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (خطب) الناس. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد شامي وواحد كوفي، قد مر تمام هذه الخطبة في كتاب المساجد باب نهي من أكل ثومًا أو بصلًا، وقد أورد المصنف ها هنا ما يتعلق بالكلالة فقط وأخرجها أيضًا بتمامها أحمد في مسنده [1 /

يَوْمَ جُمُعَةٍ. فَذَكَرَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبَا بَكرٍ. ثُمَّ قَال: إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الْكَلالةِ. مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي شَيءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلالةِ. وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 15 و 27 و 48] وأخرج قطعة الكلالة منه ابن ماجه في الفرائض باب الكلالة (يوم جمعة) وكانت آخر جمعة من حياة سيدنا عمر رضي الله عنه لما أخرجه أحمد في مسنده [1/ 48، من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في آخر هذه الخطبة فخطب بها عمر رضي الله عنه يوم الجمعة وأُصيب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة. (فذكر) عمر في خطبته (نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي بعض سيرته وأخلاقه ونصيحته للأمة (وذكر) أيضًا (أبا بكر) الصديق رضي الله عنه أي اجتهاده في نصيحته للأمة وبذله جهده في حفظ البيضة والسنة (ثم قال) عمر: هذا ما عليه شرح النووي وإلا فأكثر النسخ بتقديم قال علي ثم (إني لا أدع) ولا أترك (بعدي) أي بعد وفاتي (شيئًا أهم عندي) أي شيئًا أشد اهتمامًا به عندي واعتناء ببيانه (من) بيان حكم (الكلالة) وإرثها وحقيقتها والله (ما راجعت) أنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم في) بيان (شيء) من أمور الدين (ما راجعته) أي مثل ما راجعته صلى الله عليه وسلم (في) شأن (الكلالة) فما الأولى نافية والثانية: مصدرية أي مثل مراجعتي فيها وكذا الكلام في قوله: (وما أغلظ لي) أي ما شدد إغلاظًا عليّ وتعنيفًا لي (في شيء) من المسائل (ما أغلظ لي فيه) أي في حكم الكلالة أي مثل ما أغلظ لي وشدد عليّ فيها والإغلاظ في القول التعنيف فيه، وقوله: (ما أغلظ لي فيه) هكذا جاء هذا الضمير مذكرًا وقبله الكلالة وحقه أن يكون مؤنثًا لكنه لما كان السؤال عن حكم الكلالة أعاده مذكرًا على الحكم المراد كما قررناه في حلنا اهـ من المفهم، ولفظ ابن ماجه هنا (إني والله ما أدع بعدي شيئًا هو أهم إليّ من أمر الكلالة وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها حتى طعن بأصبعه في جنبي أو في صدري ثم قال يا عمر تكفيك) الخ وفي سنن ابن ماجه (قال عمر بن الخطاب: ثلاث لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إليّ من الدنيا وما فيها الكلالة والربا والخلافة) اهـ قال النووي رحمه الله تعالى: ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما أغلظ له لخوفه من اتكاله واتكال غيره على ما نص عليه صريحًا وتركهم الاستنباط من النصوص، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي

حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي. وَقَال: "يَا عُمَرُ، أَلا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ؟ " وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ، يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة فإذا أُهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله تعالى أعلم اهـ فقد أغلظ عليّ في الكلالة وعنفني في ترك الاستنباط فيها (حتى طعن بإصبعه في صدري) وهذا الطعن مبالغة في الحث على النظر والبحث وأن لا يرجع إلى السؤال عنها مع التمكن من البحث والاستدلال ليحصل على رتبة الاجتهاد ولينال أجر من طلب فأصاب الحكم ووافق المراد اهـ من المفهم (وقال يا عمر) أي ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تسألني عن الكلالة وتركت البحث عنها و (لا تكفيك) في بيان معنى آية الكلالة الأولى التي في أوائل سورة النساء (آية الصيف) بالرفع فاعل تكفيك أي ألا تكفيك في بيان الأول الآية الثانية التي نزلت وقت الصيف والحر (التي في آخر سورة النساء) وهي قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} يعني بها آخر سورة النساء فإنها نزلت في الصيف وإنما أحاله على النظر في هذه الآية لأنه إذا أمعن النظر فيها علم أنها مخالفة للآية الأولى في الورثة وفي القسمة فيتبين من كل آية معناها ويرتب عليها حكمها فيزول الإشكال والله يعصم من الخطإ والضلال اهـ من المفهم، وهذا الحديث دل على أن آخر آية من سورة النساء نزلت في فصل الصيف، وقد ذكر يحيى بن آدم بلاغًا أنها نزلت في الصيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى مكة، راجع أحكام القرآن للجصاص [2/ 105] وقال الخطابي في معالم السنن [4/ 162] فإن الله سبحانه أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي نزلت في أوائل سورة النساء وفيها إجمال وإبهام ثم أنزل الآية الأخرى في الصيف وهي التي في آخر سورة النساء وفيها من زيادة البيان ما ليس في آية الشتاء اهـ. ثم قال عمر رضي الله عنه (وإني) لـ (إن أعش) في الدنيا ولم أمت وطالت بي الحياة (أقض) أي أحكم (فيها) أي في الكلالة (بقضية) واضحة وحكمًا بينًا ظاهرًا (يقضي) ويحكم (بها) أي بتلك القضية (من يقرأ القرآن) ويعرف معانيه (ومن لا يقرأ القرآن) ولا يعرف معانيه، وفي رواية همام بن يحيى عن قتادة عند أحمد [1/ 15]

4018 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. ح وَحَدَّثنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ رَافِعٍ، عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ شُعْبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ أو من لا يقرأ، وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عنده أيضًا [1/ 48] أقضي فيها قضية لا يختلف فيها أحد يقرأ القرآن أو لا يقرأ القرآن ومفاد هذه الروايات جميعًا أني سوف أقضي في الكلالة بقضية يعرفها كل عالم وجاهل ولا يختلف فيها اهـ. وإنما آخر القضاء فيها لأنه لم يظهر له في ذلك الوقت ظهورًا يحكم به فأخّره حتى يتم اجتهاده فيه ويستوفي نظره ويتقرر عنده حكمه ثم يقضي به ويشيعه فيما بين الناس قاله النووي. ولعل الإشكال الذي قصد عمر حله أن الآية الأولى تدل بظاهرها على أن أخت الكلالة تحوز السدس والثانية تدل على أنها تحوز النصف فحصل التعارض بين الآيتين فيجمع بينهما بأن الآية الأولى إنما بينت نصيب الأخ أو الأخت إذا كانا من أم فقط وبينت الثانية حكم الإخوة والأخوات إذا كانوا أشقاء أو كانوا من أب فقط، وقد انعقد الإجماع على أن الآية الأولى في حق الإخوة والأخوات من الأم فقط وليست في حق الأشقاء أو في بني العلات والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [1/ 28]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4018 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (عن سعيد بن أبي عروبة ح وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري جميعًا (عن شبابة بن سوار) الفزاري أبي عمرو المدائني، ثقة، من (9) (عن شعبة) بن الحجاج (كلاهما) أي كل من سعيد بن أبي عروبة وشعبة بن الحجاج رويا (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن سالم بن معدان عن عمر (نحوه) أي نحو ما روى هشام الدستوائي عن قتادة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سعيد وشعبة لهشام الدستوائي.

4019 - (1556) (120) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَال: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلتْ مِنَ الْقُرْآنِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ} [النساء: 176] ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بأثر البراء بن عازب رضي الله عنهما فقال: 4019 - (1556) (120) (حدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي (أخبرنا وكيع) بن الجراح (عن) إسماعيل (بن أبي خالد) سعد أو هرمز البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة، من (3) (عن البراء) بن عازب بن الحارث الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي، الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن خشرم فإنه مروزي (قال) البراء: (آخر آية أُنزلت من القرآن {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ}) قال القرطبي: اختلف في آخر آية أنزلت على أقوال كثيرة فقيل ما قال البراء، وقال ابن عباس آخرها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وقيل آخرها: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] وقيل غير ذلك والتلفيق بينها أن يقال: إن آية الكلالة آخر ما نزل من آيات المواريث وآخر آية نزلت في المحرمات: {قُلْ لَا أَجِدُ} والظاهر أن آخر الآيات نزولًا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} لأن الكمال لما حصل لم يبق بعده ما يزاد والله أعلم، وأما قوله آخر سورة نزلت براءة فقد فسر مراده بقوله في الرواية الأخرى: أنزلت كاملة ومع ذلك فقد قيل: إن آخر سورة نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] وكانت تسمى سورة التوديع وقد اختلف في وقت نزولها على أقوال أشبهها قول ابن عمر إنها نزلت في حجة الوداع ثم نزلت بعدها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فعاش بعدها ثمانين يومًا ثم نزلت بعدها آية الكلالة فعاش بعدها خمسين يومًا ثم نزل بعدها {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يومًا ثم نزلت بعدها {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] فعاش بعدها أحدًا وعشرين يومًا، وقال مقاتل: سبعة أيام والله تعالى أعلم، ذكر هذا الترتيب أبو الفضل محمد بن يزيد بن طيفور الغزنوي في كتابه المسمى بـ (عيون معاني التفسير) اهـ من المفهم.

4020 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ، آيَةُ الْكَلالةِ. وَآخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ، بَرَاءَةُ. 4021 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (وَهُوَ ابْنُ يُونسَ). حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ؛ أَنَّ آخِرَ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ تَامَّةً سُورَةُ التَّوْبَةِ. وَأَنَ آخِرَ آيَةِ أُنْزِلَتْ آيَةُ الْكَلالةِ. 4022 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر البخاري [4654]، والترمذي [3044 و 3045]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في أثر البراء رضي الله عنه فقال: 4020 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن أبي إسحاق) السبيعي (قال) أبو إسحاق (سمعت البراء بن عازب) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لإسماعيل بن أبي خالد حالة كون البراء (يقول: آخر آية أُنزلت) من آيات المواريث (آية الكلالة) التي في آخر سورة النساء (وآخر سورة أنزلت) كاملة كما هو مصرح به في الرواية الآتية (براءة) أي سورة تسمى براءة. ثم ذكر رحمه الله المتابعة ثانيًا في هذا الأثر فقال: 4021 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى وهو ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون بن فيروز الهمداني الكوفي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة زكرياء بن أبي زائدة لشعبة بن الحجاج (أن آخر سورة أُنزلت تامة) أي كاملة (سورة التوبة وأن آخر آية أُنزلت) من آيات المواريث (آية الكلالة) التي في آخر سورة النساء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في أثر البراء رضي الله عنه فقال: 4022 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا

يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ آدَمَ). حَدَّثَنَا عَمَّارٌ (وَهُوَ ابْنُ رُزيقٍ) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَت كَامِلَةً. 4023 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيرِيُّ. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَال: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ}. 4024 - (1557) (121) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى يعني ابن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا عمار وهو ابن رزيق) بتقديم الراء على الزاي مصغرًا الضبي أو التميمي أبو الأحوص الكوفي، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: من (8) لا بأس به (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب رضي الله عنهما، غرضه بيان متابعة عمار بن رزيق لزكرياء بن أبي زائدة وساق ابن رزيق (بمثله) أي بمثل ما حدّث زكرياء بن أبي زائدة (غير أنه) أي لكن أن عمارًا (قال) في روايته: (آخر سورة أُنزلت كاملة) بدل تامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في أثر البراء رضي الله عنه فقال: 4023 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي (الزبيري) مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا مالك بن مغول) بكسر أوله وسكون ثانيه المعجم وفتح الواو البجلي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي السّفر) بفتحتين سعيد بن يُحمد بضم التحتانية وكسر الميم الهمداني الثوري الكوفي، روى عن البراء في الفرائض، وابن عباس وأبي الدرداء مرسلًا، ويروي عنه (ع) ومالك بن مغول والأعمش وشعبة وغيرهم، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (112) اثنتي عشرة ومائة (عن البراء) بن عازب رضي الله عنهما. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي السّفر لأبي إسحاق السبيعي (قال) البراء: (آخر آية أُنزلت) من آيات المواريث آية ({يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالةِ}. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4024 - (1557) (121) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا) عبد الله بن سعيد بن

أَبُو صَفْوَانَ الأُمَويُّ، عَنْ يُونُسَ الأيلِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). قَال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمَيِّتِ، عَلَيهِ الدَّينُ. فَيَسْأَلُ: "هَلْ تَركَ لِدَينِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟ " فَإِنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وَفَاء صَلَّى عَلَيهِ. وَإِلَّا قَال: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الملك بن مروان (أبو صفوان الأموي) الدمشقي، ثقة، من (9) (عن يونس) بن يزيد الأموي مولاهم (الأيلي ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ له قال: أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت) وكذا المرأة (عليه الدين فيسأل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاربه (هل ترك) هذا الميت المديون (لدينه) الذي عليه (من قضاء) أي مالًا يقضي به ذلك الدين عنه (فإن حُدّث) أي أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) أي أن ذلك الميت (ترك) لدينه (وفاءً) أي ما يُوفى به ذلك الدين (صلى عليه) أي صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت الذي ترك وفاءً صلاة الجنازة (وإلا) أي وإن لم يُحدّث أنه ترك وفاءً (قال) لمن عنده (صلوا على صاحبكم) صلاة الجنازة، فيه الأمر بصلاة الجنازة وهي فرض كفاية كما في النووي يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان في أول الأمر لا يُصلي على ميت عليه دين لا وفاء له فلما فتح الله عليه الفتوح والغنائم صار يصلي عليه ويقضي دين من لم يُخْلِف له وفاءً، قال النووي: إنما كان يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى براءتهم عنه لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم اهـ نووي. قال القرطبي: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الميت هل عليه دين أو لا وامتناعه من الصلاة على من مات وعليه دين ولم يترك وفاءً إشعار بصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي أن يتحمله الإنسان إلا من ضرورة وأنه إذا أخذه فلا ينبغي أن يتراخى في أدائه إذا تمكن منه وذلك لما قدمناه من أن الدين شين، الدين همٌّ بالليل ومذلة بالنهار، وإخافة للنفوس بل وإرقاق لها وكان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم ليرتدع من يتساهل في أخذ الدين حتى لا تتشوش أوقاتهم عند المطالبة وكان

فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ الْفُتُوحَ قَال: "أَنا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيهِ دَينٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كله في أول الإسلام، وقد حُكي أن الحر كان يُباع في الدين في ذلك الوقت كما قد رواه البزار من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له سُرّق، ثم نُسخ ذلك كله بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} [البقرة: 280] اهـ من المفهم. (فلما فتح الله) تعالى (عليه) صلى الله عليه وسلم (الفتوح) والغنائم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى) وأحق (بالمؤمنين) أي برعاية مصالحهم في الدين والدنيا والآخرة (من أنفسهم) وأعلم بمضارهم ومنافعهم (فمن توفي) بالبناء للمجهول أي مات منهم (وعليه دين) سواء كان لله أو لآدمي (فعليّ قضاؤه) أي أداء ذلك الدين عنه، وكان ذلك من خالص ماله، وقيل من بيت المال قاله الكرماني (ومن ترك مالًا) قل أو كثر (فهو) أي فذلك المال مقسوم (لورثته) لا حظ لي فيه. قال القرطبي: قوله: (وعليه دين) يعم الديون كلها ولو افترق الحال لتعين التنويع أو السؤال ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تبرع بالتزام ذلك على مقتضى كرم أخلاقه لا أنه أمر واجب عليه، وقال بعض أهل العلم: بل يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال: فعليّ قضاؤه ولأن الميت الذي عليه الدين يخاف أن يُعذّب في قبره على ذلك الدين كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث دُعي ليصلي على ميت فأُخبر أن عليه دينًا ولم يترك وفاءً فقال: "صلوا على صاحبكم" فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعليّ دينه فصلى عليه ثم قال له: "قم فأده عنه" فلما أدى عنه، قال صلى الله عليه وسلم: "الآن حين برُدت عليه جلدته" رواه أحمد [3/ 230]، والبيهقي [6/ 74 و 75]، والحاكم [2/ 58] وكما كان على الإمام أن يسد رمقه ويراعي مصلحته الدنيوية كان أحرى وأولى أن يسعى فيما يُرفع عنه به العذاب الأخروي اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 290]، والبخاري [2398]، وأبو داود [2955]، والنسائي [4/ 66]، وابن ماجه [2415]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4025 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيُّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، هذَا الْحَدِيثَ. 4026 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. قَال: حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4025 - (00) (00) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة، من (7) (حدثني عقيل) بن خالد بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم أبو خالد المصري، ثقة، من (6) (ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري أبو يوسف المدني، ثقة، من (9) (حدثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني، وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (6) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي المدني، ثقة، من (7) (كلهم) أي كل من عقيل ومحمد بن عبد الله وابن أبي ذئب رووا (عن الزهري) محمد بن مسلم (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة (هذا الحديث) الذي رواه يونس بن يزيد عن الزهري بمثله، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليونس بن يزيد، وفائدتها تقوية السند الأول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4026 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) (قال) شبابة (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي، صدوق، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج)

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنٍ إلا أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ. فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَينًا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا مَوْلاهُ. وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالًا فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد الأول منها من سباعياته والثاني والثالث منها من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي) أي وأقسمت بالإله الذي (نفس محمد) وروحه، فيه التفات (بيده) المقدسة (أن) نافية بمعنى ما أي ما (على الأرض من مؤمن) من زائدة لتأكيد العموم أي ما مؤمن على الأرض في مشارقها ومغاربها (إلا أنا أولى الناس) وأحقهم (به) أي برعاية مصالحه الدينية والدنيوية، و (ما) في قوله: (فأيكم ما ترك) زائدة؛ أي فأيكم ترك (دينًا أو ضياعًا) والضياع بفتح الضاد وكذا الضيعة في الرواية التالية مصدر وُصف به أي أولادًا أو عيالًا ذوي ضياع يعني لا شيء لهم من مال أو كسب، قال في النهاية: وإن كُسرت الضاد كان ضياع جمع ضائع كجياع جمع جائع اهـ (فأنا مولاه) أي وليه وناصره. قال القرطبي: (والمولى) الذي يتولى أمور الرجل بالإصلاح والمعونة على الخير والنصر على الأعداء وسد الفاقات ورفع الحاجات، وهذا دليل على أن بيت مال المسلمين يتكفل بحاجات كل من يعجز عن الكسب وليس له من أقاربه من يقوم بأمره، وقال محمد بن الحسن الشيباني: فعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف فلا يدع فقيرًا إلا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله وإن احتاج بعض المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات شيء أعطى الإمام ما يحتاجون إليه من بيت مال الخراج ولا يكون ذلك دينًا على بيت مال الصدقة لما بينا أن الخراج وما في معناه يصرف إلى حاجة المسلمين ذكره السرخسي في المبسوط [3/ 18]. (وأيكم ترك مالًا فإلى العصبة من كان) أي فراجع إلى من كان ووجد من عصبته وأقاربه قليلًا كانوا أو كثيرين بعداء كانوا أو أقرباء، قال القرطبي: يعني إذا لم يكن معه ذو سهم أو فضل شيء عن ذوي السهام، ورواية من رواه فهو لورثته أتقن اهـ من المفهم.

4527 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَينًا أَوْ ضَيعَة فَادْعُونِي. فَأَنَا وَلِيُّهُ. وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيُؤْثَرْ بِمَالِهِ عَصَبَتُهُ. مَنْ كَانَ". 4528 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثنَا أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4027 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم هو (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن) محمد (رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام في إملائه (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): الحديث وهذه الواو عاطفة على مقدر مسوق لبيان تلك الأحاديث كما قدرنا في حلنا. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام للأعرج أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس) أي أحقهم (بالمؤمنين) أي بموالاة المؤمنين ومناصرتهم وبمراعاة مصالحهم من أنفسهم (في كتاب الله عزَّ وجلَّ) أي في دين الله تعالى وشرعه أو في كتابه المنزّل علي، يشير إلى قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (فأيكم ما ترك) أي فأيكم ترك (دينًا) لا وفاء له (أو) ترك (ضيعة) أي عيالًا ضائعين لا كافل لهم (فادعوني) إلى قضاء دينه أو إلى إنفاق عياله (فأنا وليه) أي متولي أموره بقضاء دينه أو إنفاق عياله (وأيكم ما ترك) أي أيكم ترك (مالًا فليؤثر) بالبناء المجهول أي فليختر (بماله) وليختص به (عصبته) أي ورثته كائنًا (من كان) أي سواء كان من أهل الفروض أو من العصبات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4028 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي)

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أنَّهُ قَال: "مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَرَثَةِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَينَا". 4029 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ). قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ غُنْدَرٍ: "وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا وَلِيتُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عدي) بن ثابت الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) (أنه سمع أبا حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم لمن روى عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ترك مالًا فـ) ماله مقسوم (للورثة ومن ترك كلًّا) أي عيالًا ضائعين (فإلينا) أي فأمورهم مفوضة إلينا بإنفاقهم ورعاية مصالحهم الدينية والدنيوية، والكل بفتح الكاف وهو في صحيح البخاري مفسرًا بالعيال، وقيل الكل بفتح الكاف ما يتحمله الإنسان مما يشق عليه ويثقله فكأنه قد كل تحته لثقله كلالًا، وفي رواية كما مر ضياعًا بدل كلًّا، والضياع في الأصل مصدر ضاع ثم جعل اسمًا لكل ما هو بصدد أن يضيع من عيال وبنين لا كافل لهم ومال لا قيّم له، وسُميت الأرض ضيعة لأنها معرضة للضياع وتُجمع ضياعًا بكسر الضاد اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4029 - (00) (00) (وحدثنيه أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (قالا): أي قال كل من عبد الرحمن وغندر (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن أبي حازم عن أبي هريرة مثل حديث معاذ بن معاذ، غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (غير أن) أي لكن أن (في حديث غندر ومن ترك كلًّا وليته) أي وليت ذلك الكل أي كنت وليًّا له قائمًا بأموره والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث جابر بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث البراء ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

كتاب الهبة والصدقة

بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ (24) - كتاب: الهبة والصدقة 584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة 4030 - (1558) (122) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 24 - كتاب الهبة والصدقة ذكرها بعد الفرائض لما بينهما من المناسبة في أن كلًّا منهما تملك بلا عوض وإن كان أحدهما اختياريًا والآخر إجباريًا، والهبة بكسر الهاء مصدر من وهب يهب هبة كوعد يعد عدة لأنها معتلة الفاء وأصلها وهب كعدة أصلها وعد فلما حُذفت الفاء عُوضت عنها التاء فصار هبة بوزن عدة، ومعناها في اللغة إيصال الشيء إلى الغير بما ينفعه مالًا كان أو غير مال يقال وهبه له كودعه وهبًا ووهبًا وهبة ولا تقل وهبكه وحكاه أبو عمرو عن أعرابي والموهبة العطية، وشرعًا تمليك بلا عوض في الحياة وهي شاملة للهدية والصدقة وإن خالفاها في الباعث لأن الهدية تمليك بلا عوض إكرامًا للمهدى إليه والصدقة تمليك بلا عوض للمحتاج لثواب الآخرة والتمليك بلا عوض خال عما ذُكر في الهدية والصدقة بإيجاب وقبول لفظًا بأن يقول وهبت لك هذا فيقول قبلت، ولا يشترطان في الهدية على الصحيح بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك وكل من الصدقة والهدية هبة ولا عكس اهـ قسطلاني، وأركانها بالمعنى الأخص أربعة: واهب، وموهوب له، وموهوب، وصيغة، وذكرها المؤلف بالمعنى الشامل للصدقة. 584 - (24) باب النهي عن شراء الصدقة ممن تصدق عليه وتحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض وكراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة 4030 - (1558) (122) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي،

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَال: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ فِي سَبِيلِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (9) (حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم، ثقة، من (3) (عن أبيه) أسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب، ثقة مخضرم، من (2) (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (قال): وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد ومولى عن مولاه (حملت) أي أركبت (على فرس عتيق) أي على فرس نفيس جواد سابق لغيره رجلًا من المسلمين ليجاهد عليه (في سبيل الله) أي لإعلاء كلمة الله، قال النووي: معناه تصدقت به ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله، والحمل هنا بمعنى التصدق، وكان هذا الفرس يسمى الورد فقد أخرج ابن سعد من طريق الواقدي (وأهدى تميم الداري لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا يقال له الورد فأعطاه عمر فحمل عليه عمر رضي الله عنه في سبيل الله فوجده يُباع) اهـ من طبقات ابن سعد [1/ 490] في ذكر خيل النبي صلى الله عليه وسلم (والعتيق) قال النووي: هو الفرس النفيس الجواد السابق، وقال الحافظ في الفتح [5/ 173] العتيق الكريم الفائق من كل شيء (والفرس) كما في المصباح يطلق على الذكر والأنثى ذكَّره في هذه الروايات، وأنثه في الرواية التي عند آخر الباب (في سبيل الله) قال الحافظ: ظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليجاهد به إذ لو كان حمل تحبيس؛ أي وقف، لم يجز بيعه وقيل: بلغ إلى حالة لا يمكن الانتفاع به فيما حُبس فيه وهو مفتقر إلى ثبوت ذلك ويدل على أنه تمليك قوله صلى الله عليه وسلم: العائد في الصدقة ولو كان حبسًا لقال في حبسه أو وقفه وعلى هذا فالمراد بسبيل الله الجهاد لا الوقف. ثم قد وقع في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر التي أشار إليها المصنف بعد ثلاث روايات ولم يسق لفظها وساقه أبو عوانة في مستخرجه أن عمر حمل على فرس في سبيل الله فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا، ويدل ذلك على أن عمر لما أراد أن يتصدق به فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار من يتصدق به عليه أو استشاره فيمن يحمله عليه فأشار به عليه فنُسبت إليه العطية لكونه أمر بها كذا في فتح الباري [5/ 173] وفيه دليل على أن المستحسن من المتصدق إذا أراد صدقة أن يستشير فيها شيخه أو من هو أعلم بحاجات الناس لتبلغ الصدقة محلها وتوافي مستحقها والله أعلم اهـ من التكملة.

فَأَضَاعَهُ صَاحِبُهُ. فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ. فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ؟ فَقَال: "لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ. فَإِن الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيئِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأضاعه) أي فأضاع ذلك الفرس أي فرط وقصّر فيه فلم يُحسن القيام بعلفه ومؤنته (صاحبه) أي صاحب الفرس الذي تصدق عليه عمر، قيل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته، وقيل: معناه أنه استعمله في غير ما جعل له، والأول أظهر لما سيأتي عند المصنف من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم (فوجده قد أضاعه وكان قليل المال) فأشار إلى علة إضاعته أنه كان قليل المال فلم يستطع القيام بحق خدمته (فظننت أنه بائعه برخص) أي بثمن قليل، والرخص بضم الراء وسكون الخاء ضد الغلاء أي بثمن رخيص (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن شرائه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبتعه) أي لا تشتره منه (ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) في القبح والاستقذار، قوله: (فظننت أنه بائعه برخص) إنما ظن ذلك لأنه هو الذي كان أعطاه إياه فتعلق خاطره بأنه يسامحه في ترك جزء من الثمن وحينئذٍ يكون ذلك رجوعًا في عين ما تصدق في سبيل الله، ولما فهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا نهاه عن ابتياعه وسمى ذلك عودًا فقال: "لا تبتعه ولا تعد في صدقتك" اهـ مفهم، قال الحافظ: إنما سمى الشراء عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يُسامح به رجوعًا كذا في فتح الباري. (قلت): ويدل عليه قوله: فظننت أنه بائعه برخص. (قوله: لا تبتعه) أي لا تشتره كما هو الرواية فيما يلي، قال النووي: هذا نهي تنزيه لا تحريم فيكره إن تصدق بشيء أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر أو نحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه فأما إذا ورثه منه فلا كراهة فيه وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة اهـ. والحاصل أن عود الشيء المتصدق به إلى ملك المتصدق إن كان بسبب غير اختياري كالميراث فلا كراهة فيه عند أحد إلا ما شذ به بعض أهل الظاهر وإن كان بسبب اختياري كالشراء فإن كان ذلك طمعًا في المحاباة فهو مكروه تحريمًا لأنه يتضمن العود في بعض صدقته وإن لم يكن طمعًا في المحاباة فيكره تنزيهًا، والبيع صحيح على كل حال إلا في قول بعض أهل الظاهر ولعل السبب في كون الصورة الأخيرة مكروهة

4031 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ) عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ "لَا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ". 4032 - (00) (00) حدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). حَدَّثنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ) عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ تنزيهًا أن شراء المتصدق به صورته صورة التأسف على تصدقه فكأنه ندم على فعله وأراد الرجوع والله سبحانه وتعالى أعلم. والفاء في قوله: (فإن العائد في صدقته) الخ للتعليل أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه. والمعنى كما قال البيضاوي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة نشابه فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها، قال في الفتح: ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال مثلًا لا تعد في الهبة اهـ من الإرشاد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 55]، والبخاري [2971]، وأبو داود [1593]، والترمذي [668]، والنسائي [5/ 109]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 4031 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي عن مالك بن أنس بهذا الإسناد) يعني عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر (و) لكن (زاد) عبد الرحمن على ابن مسلمة لفظ (لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم) غرضه بيان متابعة ابن مهدي لابن مسلمة، وإنما قال: وإن أعطاكه بدرهم لأنه يشبه الاسترداد فالأحوط تركه اهـ سندي على ابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 4032 - (00) (00) (حدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي البصري، صدوق، من (10) (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (حدثنا روح وهو ابن القاسم) التميمي العنبري أبو غياث البصري، ثقة، من (6) (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن أبيه) أسلم العدوي مولاهم المدني (عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله

أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَوَجَدَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَضَاعَهُ. وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ. فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "لَا تَشْتَرِهِ. وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَمٍ. فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيئِهِ". 4033 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ مَالِكٍ وَرَوْح أَتَمُّ وَأَكْثَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، غرضه بيان متابعة روح بن القاسم لمالك بن أنس (أنه) أي أن عمر (حمل) أي أركب رجلًا من المسلمين (على فرس) ليجاهد به (في سبيل الله) تعالى لإعلاء كلمته (فوجده) أي فوجد عمر الفرس (عند صاحبه) أي عند صاحب الفرس الذي تصدّق عليه (وقد أضاعه) أي والحال أن صاحب الفرس قد أضاع الفرس أي قد ضيّع الفرس وقصّر في خدمته ومؤنته (وكان) صاحب الفرس فقيرًا (قليل المال فأراد) عمر (أن يشتريه) أي أن يشتري الفرس من صاحبه (فأتى) عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) عمر (ذلك) الذي أراد من شرائه (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (لا تشتره) أي لا تشتر ذلك الفرس من صاحبه (وإن أعطيته) بالبناء للمجهول أي وإن أُعطيت ذلك الفرس واشتريته من صاحبه (بدرهم) أي بثمن قليل لأنه يشبه الاسترداد (فإن مثل) وصفة (العائد في صدقته كمثل الكلب يعود في قيئه) في القبح والاستقذار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 4033 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عمر، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس وروح بن القاسم (غير أن حديث مالك وروح أتم) سندًا (وأكثر) متنًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمر بحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

4034 - (1559) (123) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَوَجَدَهُ يُبَاعُ. فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ. فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ؟ فَقَال: "لَا تَبْتَعْهُ. وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". 4035 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، جَمِيعًا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثنَا الْمُقَدَّمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 4034 - (1559) (123) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يُباع) في السوق (فأراد) عمر (أن يبتاعه) أي أن يشتريه (فسأل) عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن حكم شرائه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (لا تبتعه) أي لا تشتره وإن باعك بدرهم (ولا تعد في صدقتك) بشرائها. وسياق المؤلف رحمه الله تعالى يدل على أن الحديث من مسندات ابن عمر والروايات السابقة تدل على أنه من مسندات عمر نفسه، ورجح الدارقطني كونه من مسندات ابن عمر ولكن قال الحافظ في الزكاة من الفتح [3/ 279] إنه حيث جاء من طريق سالم وغيره من الرواة عن ابن عمر من مسنده وأما رواية أسلم مولى عمر فهي عن عمر نفسه والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد، وأبو داود في الزكاة اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4035 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد و) محمد (بن رمح) بن المهاجر المصري (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن الليث بن سعد) المصري (ح وحدثنا) محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) نسبة إلى جده المذكور أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (قالا): أي قال

حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 4036 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ) قَال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ. ثُمَّ رَآهَا تُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، فَسَألَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المحمدان: (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميصي البصري (وهو القطان) أي المعروف به (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من يحيى القطان وعبد الله بن نمير وأبي أسامة رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (كلاهما) أي كل من ليث بن سعد وعبيد الله بن عمر رويا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك) عن نافع، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة ليث بن سعد وعبيد الله بن عمر بن حفص لمالك بن أنس في الرواية عن نافع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4036 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (واللفظ لعبد) بن حميد (قال) عبد (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (أن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (حمل على فرس في سبيل الله ثم رآها) أي رأى الفرس أنث الضمير هنا وذكَّره فيما سبق لأن الفرس يُطلق على الذكر والأنثى كما مر عن المصباح ويمكن أن يقال هنا أنثه نظرًا إلى معنى الصدقة (تباع) في السوق برخص (فأراد) عمر (أن يشتريها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له (رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، يَا عُمَرُ؟ ". 4037 - (1560) (124) حدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ فِي صَدَقَتِهِ، كمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيئِهِ، فَيَأْكُلُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: لا تعد في صدقتك يا عمر). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 4037 - (1560) (124) (حدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي، ثقة، من (7) (عن أبي جعفر محمد) الباقر (بن علي) زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني، ثقة، من (4) (عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء) أي يُخرج ما في بطنه من فمه (ثم يعود في قيئه فيأكله) في الاستقذار والقبح والعيافة المنفرة الموجودة من ذلك لا أنه يحرم العود في القيء إلا أن يتغير للنجاسة فحينئذٍ يحرم لكونه نجسًا لا لكونه قيئًا فالحديث يدل على النهي عن العود في الصدقة، واختلف هل هذا النهي للتحريم لظاهر الحديث كما قاله ابن الموّاز من المالكية أو للكراهة كما قاله الداودي اهـ من المفهم باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 217 و 349]، والبخاري [2589]، والترمذي [1298]، والنسائي [6/ 266]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

4038 - (00) (00) وحدّثَناه أبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأوْزَاعِيِّ. قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَينِ يَذْكُرُ بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 4039 - (00) (00) وَحَدَّثْنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثنَا حَرْبٌ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ). حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَمْرٍو؛ أن مُحَمَّدَ بْنَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4038 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (عن) عبد الرحمن (الأوزاعي) الشامي (قال: سمعت محمد بن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما حالة كون ابن المبارك (يذكر بهذا الإسناد) يعني عن ابن المسيب عن ابن عباس (نحوه) أي نحو ما حدّث عيسى بن يونس عن الأوزاعي، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن المبارك لعيسى بن يونس في الرواية عن الأوزاعي. وفي هذا السند فائدة تصريح سماع الأوزاعي من محمد بن علي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4039 - (00) (00) (وحدثنيه حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) وكان أبوه يوسف شاعرًا صحب أبا نواس وليس هو الحجاج بن يوسف الأمير الجائر المشهور فإنه حجاج بن يوسف بن أبي عقيل، ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (حدثنا حرب) بن شداد اليشكري أبو الخطاب البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يحيى وهو ابن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا، قال يحيى بن أبي كثير: (حدثنا عبد الرحمن بن عمرو) الأوزاعي الشامي، وقد روى عنه هذا الحديث شيخه يحيى بن أبي كثير وهو من رواية الأكابر عن الأصاغر (أن محمد) الباقر بن علي بن حسين (بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) نسبه إلى جدة أبيه وهي جدته

حَدَّثَهُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 4040 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنْ بُكَيرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنمَا مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَه ثُمَّ يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَأكُلُ قَيأَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العليا (حدّثه) أي حدّث للأوزاعي (بهذا الإسناد) يعني عن ابن المسيب عن ابن عباس وذكر يحيى بن أبي كثير (نحو حديثهم) أي نحو حديث عيسى بن يونس وعبد الله بن المبارك، وضمير الجمع فيه تحريف من النساخ، والصواب نحو حديثهما. وهذا السند من ثمانياته كما ذكرناه في رسالتنا (الجهيريات في جمع ما وقع في مسلم من الثمينيات) غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لعيسى بن يونس وعبد الله بن المبارك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4040 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) السعدي مولاهم ثم المصري، ثقة، من (10) (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري نسبة إلى تستر بلدة بالأهواز، صدوق، من (10) كلاهما (قالا: حدثنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري، ثقة، من (5) (أنه سمع سعيد بن المسيب يقول سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان واثنان مدنيان وواحد طائفي، غرضه بيان متابعة بكير بن الأشج لمحمد الباقر (يقول) ابن عباس: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل) وصفة (الذي يتصدق بصدقة) واجبة أو مندوبة (ثم يعود في صدقته) بمعاوضة أو باتِّهاب يعني بملك اختياري (كمثل) وصفة (الكلب يقيء) أي يُخرج ما في جوفه من الطعام (ثم) بعدما أخرجه (يأكل قيأه) أي ما خرج من جوفه يعني كمثل الكلب يأكل حتى إذا شبع قاءه ثم عاد في قيئه.

4041 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيئِهِ". 4042 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4041 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى ومحمد بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج (سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يُحدّث عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لمحمد الباقر وبكير بن الأشج (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: العائد في هبته كـ) الكلب (العائد في قيئه) فيأكله، قال النووي: وهذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما وهو محمول على هبة الأجنبي أما إذا وهب لولده وإن سفل فله الرجوع فيه كما صرح به في حديث النعمان بن بشير ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك والأوزاعي، وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب إلا الولد وكل ذي رحم محرم اهـ منه. قال ابن الملك: والحديث يدل على أن الرجوع في الهبة ممنوع منه مطلقًا لتشبيهه بشيء مستنفر عنه جدًّا وبه عمل الشافعي إلا أنه أخرج عنه رجوع الوالد فيما وهب لبعض ولده فإنه جائز عنه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال للنعمان بن بشير حين وهب لبعض أولاده غلامًا: ارجعه، والحنفيون أجازوا الرجوع فيما وهب للأجانب إذا لم يمنع عنه مانع واعتذروا عن هذا الحديث بأن رجوع الكلب في قيئه لا يوصف بالحرمة لأنه غير مكلف فالتشبيه وقع بأمر مكروه فيثبت به الكراهة اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4042 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي

عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4043 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ، يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيئِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري (عن قتادة) بن دعامة (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس، وساق سعيد بن أبي عروبة (مثله) أي مثل ما حدّث شعبة عن قتادة، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4043 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا) مغيرة بن سلمة (المخزومي) أبو هشام القرشي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) اليماني الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس اليماني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لسعيد بن المسيب (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه). قال القرطبي: إن كان المراد بالهبة الصدقة كما قد جاء في الروايات السابقة فقد تكلمنا عليها، وإن كان المراد مطلق الهبة فهي مخصوصة إذ يخرج منها الهبة للثواب وهبة أحد الأبوين فأما هبة الثواب فقد قال بها مالك وإسحاق والطبري والشافعي في أحد قوليه إذا علم أنه قصد الثواب إما بالتصريح به وإما بالعادة والقرائن كهبة الفقير للغني والرجل للأمير وبها قال أبو حنيفة إذا شرط الثواب وكذلك قال الشافعي في القول الآخر، وقد رُوي عنهما وعن أبي ثور منعها مطلقًا ورأوا أنها من البيع المجهول الثمن والأجل، والأصل في جواز هبة الثواب ما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها" رواه الدارقطني [3/ 43] وقال: رواته كلهم ثقات، والصواب عن ابن عمر عن عمر قوله، وما

4044 - (1561) (125) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه مالك عن عمر أنه قال: من وهب هبة لصلة الرحم أو على وجه الصدقة أنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ما لم يرض منها. وما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال: أهدى رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة فعوضه بعض العوض فتسخطه، وفي رواية أهدى له بكرة فعوّضه ست بكرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: "إن رجالًا من العرب يُهدِي أحدهم الهدية فأعوضه منها بقدر ما عندي فيظل يتسخط على وآيم الله لا أقبل بعد يومي هذا من رجل من العرب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي، رواه الترمذي [3945] وهذا الحديث وإن لم يكن إسناده بالقوي فيعضده كل ما تقدم وما حكاه مالك من أن هبة الثواب مجمع عليها عندهم وكيف لا يجوز وهي معاوضة تشبه البيع في جميع وجوهه إلا وجهًا واحدًا وهو أن العوض فيها غير معلوم حالة العقد وإنما سامح الشرع في هذا القدر لأنهما دخلا في ذلك على وجه المكارمة لا المشاحة فعفا عن تعيين العوض فيها كما فعل في نكاح التفويض. وأما هبة الوالد لولده فللأب الرجوع فيها وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وأبو ثور والأوزاعي، وقد اتفق هؤلاء على أن ذلك للأب وهل يُلحق بالأب الأم والجد اختلف في ذلك قول مالك والشافعي ففي قول يقتصر ذلك على الأب وفي قول إلحاقهما به والمشهور من مذهب مالك إلحاق الأم ومن مذهب الشافعي إلحاق الأم والأجداد والجدات مطلقًا والأصل في هذا الباب ما أخرجه النسائي من حديث ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لرجل أن يُعطي عطية أن يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي عطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه" وهذا حديث صحيح أخرجه النسائي [6/ 268]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 4044 - (1561) (125) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (2) (وعن

مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. يُحَدِّثَانِهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ أَنَّهُ قَال: إِن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هذَا غُلامًا كَانَ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن النعمان بن بشير) الأنصاري أبي سعيد المدني، روى عن أبيه في الهبة وجده، ويروي عنه (خ م ت س ق) والزهري مقرونًا بحميد بن عبد الرحمن، قال العجلي: تابعي مدني ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، كلاهما (يُحدّثانه عن النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي الصحابي المشهور رضي الله عنه (أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) أبوه: (إني نحلت) أي وهبت (ابني هذا غلامًا) أي عبدًا (كان لي). قوله: (إن أباه) وهو بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه شهد بدرًا وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية إلى فدك وإلى وادي القرى واستشهد بعين التمر مع خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر ذكر كل ذلك الحافظ في الإصابة [1/ 162] ثم قال: ويقال إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار. قوله: (أتى به) وسبب الإتيان به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطى لولده النعمان عطية ولم ترض زوجته عمرة بنت رواحة والدته حتى يُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فأتى به ليشهده عليها. قوله: (إني نحلت) أي أعطيت، والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض، والنحل بضم النون وسكون الحاء الشيء المنحول، والعطية الهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق. قوله: (غلامًا كان لي) كذا وقع في أكثر الروايات أن العطية التي أعطاها بشير بن سعد ابنه نعمان كانت غلامًا ولكن أخرج ابن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عمرة بنت رواحة نُفست بغلام وإني سميته النعمان وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي وإنها قالت: أشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك ولد غيره؟ " قال: نعم قال: "لا تشهدني إلا على عدل فإني لا أشهد على جور" اهـ من مورد الظمآن في كتاب البر والصلة ص (501) رقم [2046]. فهذا يدل على أن العطية كانت حديقة ووقعت القصة فور ولادة النعمان بن بشير، وذكر الحافظ أن ابن حبان جمع بينه وبين رواية الباب بحمل الروايتين على تعدد القصة

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هذَا؟ " فَقَال: لَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَارْجِعْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى: "لا أشهد على جور" ثم حكى الحافظ عدة أجوبة عن السلف عن هذا الاعتراض ولكن ذكر في الأخير وجهًا من عنده هو أحسنها فقال: إن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له شيئًا يخصه به وهبه الحديقة المذكورة تطييبًا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه أحد غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا ورضيت عمرة بذلك إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا فقالت له: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد بذلك تثبيت العطية ويكون مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإشهاد مرة واحدة وهي الأخيرة. (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكُل ولدك) أي أولادك (نحلته مثل هذا) الغلام الذي نحلته للنعمان أو مثل هذا الولد على استحباب التسوية بين الذكور والإناث في العطية (فقال) بشير: (لا، فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: فارجعه) أي فارجع الغلام أي رده إليك، وقال ابن الملك: استرد الغلام وهذا للإرشاد والتنبيه على الأول اهـ مرقاة، وظاهر الحديث يُشعر بجواز الرجوع في الهبة للولد فلعله كان قبل أن يتم العقد بالقبض من جهته كما يدل عليه قول أبي النعمان للنبي صلى الله عليه وسلم على ما زيد في إحدى روايات النسائي "فإن رأيت أن تنفذه أنفذته". قوله: (أكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا) بنصب كل على الاشتغال والهمزة للاستفهام الاستخباري. قال القرطبي: فيه تنبيه على أن الإنسان إذا أعطى بنيه سوَّى بينهم ذكرهم وأنثاهم وأن ذلك هو الأفضل وإليه ذهب القاضي أبو الحسن بن القصار من أصحابنا وجماعة من المتقدمين، وذهب آخرون منهم عطاء والثوري ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وابن شعبان من أصحابنا إلى أن الأفضل للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب قسمة الله تعالى للمواريث. وقال القرطبي أيضًا: حديث النعمان بن بشير في هذا الباب كثُرت طرقه فاختلفت ألفاظه حتى لقد قال بعض الناس: إنه مضطرب وليس كذلك لأنه ليس في ألفاظه تناقض

4045 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ النُعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَال: أَتَى بِي أبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هذَا غُلامًا، فَقَال: "أكُلَّ بنِيكَ نَحَلْتَ؟ " قال: لَا. قَال: "فَارْدُدْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بل يمكن الجمع بينها على ما سنبينه إن شاء الله تعالى اهـ (قلت): وغاية ما فيه أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة ويقص بعضها أخرى فسمع كل ما رواه واقتصر عليه والله أعلم كذا في فتح الباري [5/ 156]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2586]، والنسائي [6/ 258]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 4045 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا إبراهيم بن سعد) ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لمالك بن أنس (قال) النعمان: (أتى بي) أي جاء بي (أبي) بشير بن سعد (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني نحلت) أي وهبت (ابني هذا) النعمان (غلامًا، فقال: ) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكُلَّ بنيك نحلت) مثل هذا (قال) أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي لم أعط لغيره (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاردده) أي فاردد ما أعطيته إلى ملكك وارجع فيه، والفاء فيه للإفصاح، وقوله في هذه الرواية: (أكُلَّ بنيك) محمول على التغليب إن كان له إناث، وقوله: فاردده وكذا قوله السابق فارجعه كلاهما بهمزة وصل ومعناهما واحد، واستدل بهما من أوجب التسوية في عطية الأولاد وبه صرح البخاري وهو مذهب طاوس والثوري وحمل الجمهور الأمر على الندب والنهي على التنزيه فيكره للوالد وإن علا أن يهب لأحد ولديه أكثر من الآخر ولو ذكرًا لئلا يفضي ذلك إلى العقوق وفارق الإرث بأن الوارث راض بما فرض الله له بخلاف هذا وبأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة أما بالرحم المجردة فهما سواء كالإخوة والأخوات من الأم،

4046 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ فَفِي حَدِيثِهِمَا: "أَكُلَّ بَنِيكَ" وَفِي حَدِيثِ اللَّيثِ وَابْنِ عُيَينَةَ: "أكُلَّ وَلَدِكَ". وَرِوَايَةُ اللَّيثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ وَحُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَن بَشِيرًا جَاءَ بِالنُّعْمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والهبة للأولاد إنما أمر بها صلة للرحم نعم إن تفاوتوا في الحاجة، قال ابن الرفعة: فليس من التفاضل والتخصيص المحذور السابق وإذا ارتكب التفضيل المكروه فالأولى أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل ولو رجع جاز بل حكى في البحر استحبابه، قال الأسنوي: ويتجه أن يكون محل جوازه أو استحبابه في الزائد اهـ من الإرشاد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 4046 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (عن) سفيان (بن عيبنة ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (و) محمد (ابن رمح) المصري (عن الليث بن سعد) المصري (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (قال) ابن وهب: (أخبرني بونس) بن يزيد الأيلي: (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين من ابن عيينة والليث بن سعد ويونس بن يزيد ومعمر بن راشد رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن حميد ومحمد عن النعمان، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك وإبراهيم بن سعد، ثم بيّن المؤلف موضع اختلافهم في سوق الحديث فقال: (أما يونس ومعمر ففي حديثهما) وروايتهما لفظة (أكُلَّ بنيك، وفي حديث الليث وابن عيبنة) لفظة (أكُلَّ ولدك، ورواية الليث عن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن أن بشيرًا جاء بالنعمان) وهذا يدل على شدة حفظه وإتقانه للحديث.

4047 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: حَدَّثَنَا النُعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ. قَال: وَقَدْ أَعْطَاهُ أَبُوهُ غُلامًا، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا هذَا الْغُلامُ؟ " قَال: أَعْطَانِيهِ أَبِي. قَال: "فَكُلَّ إِخْوَتِهِ أَعْطَيتَهُ كَمَا أَعْطَيتَ هذَا؟ " قَال: لَا. قَال: "فَرُدَّهُ". 4048 - (00) (00) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حُصَينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما فقال: 4047 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (قال) عروة: (حدثنا النعمان بن بشير قال) النعمان: جاء به أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (وقد أعطاه أبوه غلامًا) جملة حالية ففي الكلام حذف كما قدرناه في حلنا، وفي بعض الهوامش قوله: (قال: وقد أعطاه أبوه غلامًا) موصول بما قبله من قوله: إن بشيرًا جاء بالنعمان يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "فكل إخوته أعطيته كما أعطيت هذا" فإن الخطاب لبشير أبي النعمان اهـ (فقال له) أي للنعمان: (النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا الغلام) الذي معك، وهذا يدل على أن الغلام مع بشير بن سعد وابنه حينما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) النعمان: قلت له صلى الله عليه وسلم: (أعطانيه أبي) فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: (فكل إخوته أعطيته) أفرد الضمير نظرًا إلى لفظ كل لأنه عائد عليه (كما أعطيت هذا) الولد يعني النعمان (قال) أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي ما أعطيت إخوته فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: (فرده) أي رد هذا الغلام وارجعه إلى ملكك، والحديث دليل على أن للإمام أن يسترد للواهب ما وهبه بقصد إضرار الورثة، قال المهلب: وفيه أن للإمام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه هروبًا عن بعض الورثة ذكرهُ الحافظ في الفتح [5/ 159]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 4048 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله بن المنذر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة، من (8) (عن حصين)

عَنِ الشَّعْبِيِّ. قَال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ حُصَينٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَال: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ. فَقَالتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَفَعَلْتَ هذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ " قَال: لَا. قَال: "اتَقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ". فَرَجَعَ أَبِي. فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصغرًا ابن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي، ثقة، من (5) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) (قال) الشعبي: (سمعت النعمان بن بشير) بن سعد رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الشعبي لحميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان (ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي (عن الشعبي عن النعمان بن بشير) غرضه بيان متابعة أبي الأحوص لعباد بن العوام (قال) النعمان: (تصدّق عليّ أبي ببعض ماله) أي وهب لي شيئًا من ماله وهو الغلام السابق (فقالت أمي عمرة بنت رواحة) أخت عبد الله بن رواحة الصحابي الشاعر المشهور وكانت هي بنفسها شاعرة من شواعر العرب (لا أرضى) ولا أحب ولا أصدق تصدُّقك على ابني (حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) على تصدُّقك عليه، قال النعمان بن بشير: (فانطلق) أي فذهب بي (أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده) صلى الله عليه وسلم (على صدقتي) أي على تصدُّقه عليّ (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا) التصدق (بولدك كلهم) وكان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سأله فقال له: "ألك ولد غيره؟ " كما جاء في الرواية الأخرى فلما أجابه عن سؤاله بقوله: نعم لي ولد غيره، قال له: "أفعلت هذا بولدك كلهم" فـ (قال) له أبي: (لا) أي ما فعلت هذا التصدق بغيره فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله) أيها المؤمنون في تفضيل بعض أولادكم على بعض في النحلة (واعدلوا) أي وافعلوا العدل والتسوية (في أولادكم) وفي الخطاب العام إشارة إلى عموم الحكم اهـ مرقاة (فرجع أبي) من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرد تلك الصدقة) التي تصدق بها عليّ أولًا إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ملكه ورجع فيها وحينئذٍ قال لأبي: لا تشهدني لا يصلح هذا أشْهِدْ غيري فإني لا أشهد على جور، واختلف العلماء في طريق هذا العدل والتسوية، قال أحمد بن حنبل: إن التسوية المطلوبة بين الأولاد أن يقسم عليهم حسب قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وهو قول عطاء وشريح وإسحاق ومحمد بن الحسن من الحنفية، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المبارك: يعطي الأنثى ما يعطي الذكر، واستدل أهل القول الأول بأن ما يهبه الوالد في حياته لأولاده استعجال لما يكون بعد الموت فيقسم بينهم حسب قسمة الميراث ولهذا قال عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى، واستدل الحنفية والشافعية والمالكية بحديث بشير بن سعد رضي الله عنه في الباب حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتسوية بين الأولاد وعلله بقوله: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء" فدل على أنه لا فرق بين الذكر والأنثى لأن البنت كالابن في استحقاق برها، هذا ملخص ما في المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير. وقد ثبت بما ذكرنا أن مذهب الجمهور في التسوية بين الذكر والأنثى في حالة الحياة أقوى وأرجح من حيث الدليل ولكن ربما يخطر بالبال أن هذا فيما إذا قصد فيه الأب العطية والصلة وأما إذا أراد أن يقسم أملاكه فيما بين أولاده في حياته لئلا يقع بينهم نزاع بعد موته فإنه وإن كان هبة في الاصطلاح الفقهي ولكنه في الحقيقة والمقصود استعجال لما يكون بعد الموت وحينئذٍ ينبغي أن يكون سبيله سبيل الميراث فلو قسم رجل في مثل هذه الصورة للذكر مثل حظ الأنثيين على قول الإمام أحمد ومحمد بن الحسن فالظاهر أن ذلك يسع له ولم أر ذلك صريحًا في كلام الفقهاء غير أنه لا يبدو خارجًا عن قواعدهم والله أعلم. واعلم أنه قد انعقد الإجماع على جواز إعطاء الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يُخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يُخرج عن ذلك بعضهم ذكره ابن عبد البر وتعقبه الحافظ في الفتح [5/ 159] بأنه قياس مع وجود النص. واعلم أيضًا أن الوالد إن وهب لأحد أبنائه هبة أكثر من غيره اتفاقًا أو بسبب علمه أو عمله أو بره بالوالدين من غير أن يقصد بذلك إضرار الآخرين ولا الجور عليهم كان جائزًا على قول الجمهور وعلى هذا يحمل تفضيل أبي بكر الصديق عائشة على غيرها في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العطية وتفضيل عمر ولده عاصمًا على سائر ولده كما ذكره في الفتح، أما إذا قصد الوالد الإضرار أو تفضيل أحد الأبناء على غيره بقصد التفضيل من غير داعية مجوّزة لذلك فإنه لا يبيحه أحد، والظاهر من الروايات في قصة النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن الواقع فيها كان الثاني أعني التفضيل من غير سبب دون الأول وذلك أن بشيرًا رضي الله عنه إنما فعل ذلك بإلحاح من زوجته لا برأي من نفسه فلا يبعد أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن زوجته لم تقصد بذلك إلَّا تفضيل ابنها على سواه ولذلك سماه جورًا وامتنع أن يكون شاهدًا له وأمره برده فلا يستقيم الاستدلال بهذه القصة على حرمة التفضيل مطلقًا وإنما يحرم التفضيل في خصوص الأحوال التي وقعت في قصة النعمان بن بشير وهي أن تكون الهبة بقصد الإضرار أو بقصد التفضيل من غير داعية أو بأن يداوم على التفضيل دون أن يبالي بالتسوية بين أولاده في حال من الأحوال، أما إذا وقع ذلك اتفاقًا أو لداعية مجوّزة لذلك فلا. ونظير هذه القصة ما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار [2/ 204] عن أنس قال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه ثم جاءت بنت له فأجلسها إلى جنبه قال: "فهلا عدلت بينهما" وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 91/ 100، وزاد: "قاربوا بين أبنائكم ولو في القُبل" وظاهر أن الرجل إذا أجلس ابنًا له على فخذه وبنتًا له إلى جنبه فليس ذلك من المعصية في شيء إلَّا إذا أراد بذلك إضرار البنت أو قصد عدم العدل بينهما ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على ذلك الرجل في فعله هذا ولا يظهر له وجه إلَّا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم بالقرائن أو بالوحي أن الرجل إنما فعل ذلك بقصد الجور أو أنس منه كراهية للبنت فأنكر عليه بقوله: "فهلا عدلت بينهما" ولا يستنبط منه أن ذلك الفعل حرام على الآباء إلى الأبد في كل صورة وإنما يستنبط كراهية هذا الفعل بقصد الجور والإضرار فكذلك لا يستنبط في قصة النعمان حرمة التفضيل على الإطلاق وإنما يستنبط حرمته بقصد الإضرار والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث النعمان رضي الله عنه فقال:

4049 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيمِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ؛ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبَةِ مِنْ مَالِهِ لابْنِهَا. فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً. ثُمَّ بَدَا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4049 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) (عن أبي حيان) التيمي يحيى بن سعيد بن حيان الكوفي، ثقة، من (6) (عن الشعبي عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما. غرضه بيان متابعة أبي حيان لحصين بن عبد الرحمن (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (واللفظ له حَدَّثَنَا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا أبو حيان) يحيى بن سعيد (التيمي) من تيم الرباب الكوفي (عن الشعبي حدثني النعمان بن بشير) رضي الله عنهما. غرضه بيان متابعة محمد بن بشر لعلي بن مسهر (أن أمه) عمرة (بنت رواحة) أخت الصحابي المشهور شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أنها لما ولدت النعمان بن بشير حملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بتمرة فمضغها ثم ألقاها في فيه فحنكه بها فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يكثر ماله وولده فقال: "أما ترضين أن يعيش كما عاش خاله يعني (عبد الله بن رواحة) حميدًا وقتل شهيدًا ودخل الجنّة" اهـ (سألت أباه) أي أبا النعمان بن بشير أن يعطي (بعض الموهوبة) أي العطية هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها بعض الموهبة وكلاهما صحيح وتقدير الأول بعض الأشياء الموهوبة (من ماله لابنها) النعمان (فالتوى) أي مطل أبوه (بها) أي بإجابة أمه إلى ما طلبته ومنعها (سنة) ومنه حديث لَيُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته أي مطل المديون المتمكن من الأداء وتسويفه مرة بعد أخرى يبيح عرضه للدائن بسوء التقاضي وعقوبته بالحبس عند القاضي ثم مفاد هذه الرواية أنَّه مطلها سنة، وقد ورد في رواية ابن حبان أنَّه مطلها حولين وجمع بينهما الحافظ في الفتح [5/ 165] بأن المدة كانت سنة وشيئًا فجبر الكسر تارة وألغى تارة والله أعلم (ثم) بعد سنة (بدا) أي ظهر (له) أي لأبيه في أمرها وطلبها ما لم يظهر له أولًا من الإجابة إلى طلبها والبداء

فَقَالتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لابْنِي. فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي. وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمَّ هذَا، بِنْتَ رَوَاحَةَ، أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لابْنِهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا بَشِيرُ! أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هذَا؟ قَال: نَعَمْ. فَقَال: لا أَكُلَّهُمْ وَهَبتَ لَهُ مِثْلَ هذَا؟ " قَال: لَا. قَال: "فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا. فَإِنِّي لَا أَشهَدُ عَلَى جَوْرٍ". 4050 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزان سلام اسم منه فوهبني غلامًا (فقالت: لا أرضى) ولا أصدِّق هبتك (حتَّى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبتـ) ــه (لابني فاخذ أبي بيدي وأنا يومئذٍ غلام) أي ولد صغير فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إن أم هذا) الغلام عمرة (بنت رواحة) بدل من أم أو عطف بيان له (أعجبها) وأحبها (أن أشهدك) يا رسول الله (على) الغلام (الَّذي وهبتـ) ــه (لابنها) النعمان (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بشير ألك ولد سوى هذا) الولد الَّذي وهبته (قال) أبي بشير بن سعد (نعم) لي ولد سواه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكُلَّهم وهبت له مثل هذا) أي مثل ما وهبت لهذا الولد (قال) أبي بشير بن سعد (لا) أي ما وهبت لهم شيئًا فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تشهدني) يا بشير على هذه الهبة (إذًا) أي إذا لم تكن واهبًا لإخوته مثل ما وهبته (فـ) إن هذا العطاء جور و (إني لا أشهد على جور) أي على ظلم أو على ميل فمن لا يجوّز التفضيل بين الأولاد يفسره بالأول ومن يجوِّزه على الكراهية يفسره بالثاني اهـ مرقاة، وأراد بالميل الخروج عن الاعتدال، قال النووي: وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور سواء كان حرامًا أو مكروهًا اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما فقال: 4050 - (00) (00) (حَدَّثَنَا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثني أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن

الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَلَكَ بَنُونَ سِوَاهُ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَكُلَّهُم أَعْطَيتَ مِثْلَ هذَا؟ " قَال: لَا. قَال: "فَلَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ". 4051 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لأَبِيهِ: "لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ". 4052 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعَبْدُ الأَعْلَى. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعبي عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة إسماعيل بن أبي خالد لأبي حيان (ألك بنون) وبنات (سواه) أي سوى هذا الولد الَّذي وهبت له وعيّن بالبنين على سبيل التغليب (قال) أي بشير بن سعد (نعم) لي بنون سواه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فكلهم أعطيت مثل هذا) أي مثل ما أعطيت لهذا الولد (قال) أبي بشير (لا) أي لم أعطهم مثل ما أعطيت لهذا فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم وعملك هذا جور (فلا أشهد على جور) أي على ظلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 4051 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) (عن الشعبي عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عاصم الأحول لإسماعيل بن أبي خالد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيه) بشير بن سعد: (لا تشهدني على جور) أي ظلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديثه فقال: 4052 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (وعبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري (ح وحدثنا إسحاق بن

إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ (وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ). قَال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَال: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! اشْهَدْ إِنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي. فَقَال: "أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانِ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَأَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيرِي". ثُمَّ قَال: لا أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيكَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم) الحنظلي (ويعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) نسبة إلى بلدة من أعمال الأهواز لأنه وُلد فيها، البغدادي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف ب (ابن علية) اسم أمه، سقط من المتن والشرح (واللفظ ليعقوب) الدورقي (قال) يعقوب: (حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية اسم أمه، ثقة، من (8) (عن داود بن) دينار (أبي هند) القشيري أبي بكر المصري أو البصري، ثقة، من (5) (عن الشعبي عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة داود بن أبي هند لأبي حيان في الرواية عن الشعبي (قال) النعمان (انطلق) أي ذهب (بي أبي) حالة كونه (يحملني) على عاتقه لصغري (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقوله: (يحملني) ظاهره يعارض ما تقدم من رواية أبي حيان حيث ذكر فيها أن بشير بن سعد أخذ بيد النعمان بن بشير وذكر ها هنا أنَّه حمله، ولكن مثل هذا الاختلاف هيّن، قال الحافظ في الفتح [5/ 156] ويُجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشى معه في بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه أو عبّر عن استتباعه إياه بالحمل اهـ (فقال) أبي بشير لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله اشهد) علي على (أني قد نحلت) وأعطيت ولدي (النعمان) هذا (كذا وكذا من مالي، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَكُلَّ بنيك قد نحلت) وأعطيت (مثل ما) قد (نحلت) وأعطيت (النعمان قال) أبي: (لا) أي ما أعطيت سائر أولادي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: عملك هذا جور وأنا لا أشهد على جور (فاشْهِد على هذا) العطاء (غيري) المقصود بلفظ الحديث الترك لا جواز إشهاد الغير قاله السندي في حواشي النسائي (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بشير بن سعد: (أيسرك) أي هل يبشرك (أن يكونوا إليك في

الْبِرِّ سَوَاء؟ " لا قَال: بَلَى. قَال: "فَلَا، إِذًا". 4053 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثَنَا أَزْهَرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَال: نَحَلَنِي أَبِي نُحْلًا. ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ. فَقَال: "أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيتَهُ هذَا؟ " قَال: لَا. قَال: "أَلَيسَ تُرِيدُ مِنْهُمُ الْبِرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ البر سواء) أي أن يكون كلهم سواءً في البر والإحسان إليك. قوله: (أيسرك) أي أيعجبك ويجعلك مسرورًا (أن يكونوا) أي أن يكون أولادك جميعًا (إليك في البر سواء) أي مستوين في الإحسان إليك وفي ترك العقوق عليك وفي الأدب والحرمة والتعظيم لديك اهـ. (قال) أبي بشير لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أي نعم فبلى هنا بمعنى نَعَم لوقوعها بعد الإثبات أي نعم يسرني أن يكونوا سواء في البر والإحسان إليَّ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا إذًا) أي إذا كان يُبشرك أن يكونوا سواء في البر والإحسان إليك فلا تفاضل بينهم في العطاء لأن المفاضلة بينهم يورث الشحناء بينهم والعقوق إليك أو المعنى (فلا) تعط وحده (إذًا) بالتنوين أي إذا كنت تريد ذلك اهـ مرقاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما فقال: 4053 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أحمد بن عثمان) بن عبد النور بن عبد الله بن سنان البصري (النوفلي) نسبة إلى نوفل أحد أجداده، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا أزهر) بن سعد السمان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني أبو عون البصري، ثقة، ثبت، من (6) (عن الشعبي عن النعمان بن بشير) غرضه بيان متابعة أبي عون لداود بن أبي هند (قال) النعمان بن بشير (نحلني) أي أعطاني (أبي نحلًا) بضم النون وسكون المهملة أي أعطاني عطاء يقال: نحلته أنحله من باب منع نحلًا على وزان قفل أعطيته شيئًا من غير عوض بطيب نفس اهـ مصباح (ثم أتى) وجاء (بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده) صلى الله عليه وسلم على ما أعطاني (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَكُلَّ ولدك أعطيته هذا) أي مثل ما أعطيت النعمان (فقال) أبي (لا) أي ما أعطيتهم مثل ما أعطيت النعمان فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: (أليس تريد منهم) أي من سائر أولادك (البر) والإحسان إليك،

مِئْلَ مَا تُرِيدُ مِنْ ذَا؟ لا قَال: بَلَى. قَال: "فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ". قَال ابْنُ عَوْنٍ: فَحدَّثْتُ بِهِ مُحَمَّدًا. فَقَال: إِنَّمَا تَحدَّثْنَا أَنَّهُ قَال: "قَارِبُوا بَينَ أَوْلَادِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولُهُ (مثل ما تريد من) هـ (إذا) الغلام يعني النعمان من البر بدلٌ من البر أو عطف بيان منه أي أليس تريد منهم برًا مثل البر الَّذي تريد من النعمان (قال) أبي (بلى) أريد منهم برًا مثل بره وبلى هنا على معناها وهو نفي النفي الَّذي هو الإثبات لوقوعها بعد النفي فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: عملك هذا جور (فإني لا أشهد) على جور (قال) عبد الله (بن عون) بالسند السابق (فحدّثت به) أي بهذا الحديث الَّذي سمعته من الشعبي (محمدًا) ابن سيرين (فقال) لي محمد: (أنما تحدثنا) أي إنما سمعنا من النعمان (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال) لأبيه بشير: (قاربوا بين أولادكم) قال القاضي: رويناه (قاربوا) بالباء من المقاربة وبالنون (قارنوا) من المقارنة ومعناهما صحيح؛ والمعنى أي سووا بينهم في أصل العطاء وفي قدره اهـ نووي، فيه دليل على أن التسوية بين الأولاد إنما تجب بقدر الوسعة ولا يجب على الإنسان التدقيق الشديد في ذلك وإنما التفضيل المكروه ما يغلب على الظن أنَّه يسوء الأولاد الآخرين والله أعلم. قال القرطبي: وفي هذا الحديث ما يدل على الاحتياط في العقود بشهادات الأفضل والأكبر وعلى حض الأب على سلوك الطرق المفضية بابنه إلى بره ويجتنب ما يفضي إلى نقيض ذلك، وفيه دليل على أن حوز الأب لابنه الصغير ما وهبه له جائز ولا يحتاج إلى أن يحوزه غيره، فإن النعمان كان صغيرًا وقد جاء به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحمله، قال عياض: ولا خلاف في هذا بين العلماء فيما يُعرف بعينه، واختلف المذهب فيما لا يُعرف بعينه كالمكيل والموزون كالدراهم هل يُجزئ تعيينه والإشهاد عليه والختم عليه في الحوز أم لا يجزئ ذلك حتَّى يخرجها من يده إلى غيره وأجاز ذلك أبو حنيفة وإن لم يخرجه من يده، وكذلك اختلف في هبته له جزءًا من ماله مشاعًا. (فائدة): واختلف العلماء فيما لم يُقبض من الهبات هل تلزم بالقبول أم لا حتَّى تُقبض فذهب الحسن البصري وحماد بن أبي سليمان وأبو ثور وأحمد بن حنبل إلى أنها لا تلزم بالقبول ولا تحتاج إلى حوز كالبيع، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تلزم بالقبول

4054 - (1562) (126) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَالتِ امْرَأَةُ بَشِيرٍ: انْحَلِ ابْنِي غُلَامَكَ، وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّ ابْنَةَ فُلَاني سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي. وَقَالتْ: أَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَلَهُ إِخْوَةٌ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "أَفَكُلُّهُمْ أَعْطَيتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيتَهُ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَلَيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بل بالقبض وذهب مالك إلى أنها تلزم بالقبول وتتم بالقبض، والعلماء مجمعون على لزومها بالقبض وهبة المشاع جائزة عند الجمهور ومنعها أبو حنيفة اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث النعمان بن بشير بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 4054 - (1562) (126) (حَدَّثَنَا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي، وقد يُنسب إلى جده فيقال أحمد بن يونس، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر: (قالت) عمرة بنت رواحة (امرأة بشير) بن سعد الأنصاري (انحل) من نحل من باب ذهب أي أعط (ابني) نعمان بن بشير (كلامك) أي عبدك يا بشير (وأشهد) بقطع الهمزة أمر من الرباعي (لي) على إعطائك له (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأنه خير شاهد (فأتى) بشير (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية (فقال) بشير لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن) زوجتي (ابنة فلان) أي عمرة بنت رواحة (سألتني) أي طلبت مني (أن أنحل) وأعطي عطاء بلا عوض (ابنها) نعمان بن بشير (غلامي) أي عبدي وهو مفعول ثان لنحل (وقالت) لي: (أشهد لي) على نحلك له (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أله) أي هل لابنها المذكور (إخوة) وأخوات وهو من باب الاكتفاء أو من باب التغليب (قال) بشير لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) له إخوة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لبشير: (أ) سويت بينهم (فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته) أي قدر ما أعطيت نعمان (قال) بشير: (لا) أي ما أعطيتهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليس)

يَصْلُحُ هذَا. وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلا عَلَى حَقٍّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشأن (يصلح) ويجوز (هذا) العطاء المختص ببعض الأولاد لإفضائه إلى الشحناء والتباغض (وإني لا أشهد إلَّا على) أمر (حق) أي جائز في الشرع. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به لحديث عمر وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والرابع: حديث النعمان بن بشير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه تسع متابعات، والخامس: حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث نعمان بن بشير رضي الله عنهم أجمعين. ***

585 - (25) باب ما جاء في العمرى

(4) - باب العُمْرَى 4055 - (1563) (127) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَيُّمَا رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 585 - (25) باب ما جاء في العمرى والعمرى في اللغة ما يُجعل لك طول عمرك، وقال ثعلب: هو أن يدفع الرجل دارًا إلى أخيه فيقول له هذه لك عمرك أو عمري أينا مات دُفعت الدار إلى أهله وكذلك كان فعلهم في الجاهلية يقال: قد عمرته إياه وأعمرته أي جعلته له عمره أو عمري أي يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إليَّ والعمرى مصدر من كل ذلك كالرجعى وألفه للتأنيث كذا في تاج العروس. وشرعًا: تمليك بلا عوض بصيغة عمري وهي هبة مؤبدة والشرط فيها باطل اهـ وقال القرطبي: العمرى في اللغة هي أن يقول الرجل للرجل: هذه الدار لك عمري أو عمرك، وأصلها من العمر قاله أبو عبيد وقال غيره: أعمرته الدار جعلتها له عمره، وقال الحربي: سمعت ابن الأعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها العمرى والرقبى والسكنى والإطراق والمنحة والعارية والعرية والإفقار ومنافعها لمن جعلت له. (قلت): وعلى هذا فالعمرى الواردة في الحديث حقها أن تحمل على هذا فتكون تمليك منافع الرقبة مدة عمر من قيدت بعمره فإن لم يذكر عقبًا فمات المعمر رجعت إلى الَّذي أعطاها ولورثته فإن قال: هي لك ولعقبك لم ترجع إلى الَّذي أعطاها إلَّا أن ينقرض العقب، وعلى هذا فيكون الإعمار بمعنى الإسكان إذا قيده بالعمر غير أن الأحاديث التي جاءت في هذا الباب تقتضي بحكم ظاهرها أنها تمليك الرقبة بصيغة العمرى. 4055 - (1563) (127) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل) أيُّ اسم شرط جازم مرفوع على الابتداء، والخبر جملة الشرط أو جوابه أو هما على الخلاف المذكور في محله، وما زائدة لتأكيد معنى الشرط

أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا. لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا. لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءَ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو العمر (أُعْمِر) بالبناء للمجهول فعل شرط لها ونائب فاعله يعود على رجل، و (عمرى) مفعول مطلق لأعمر (له) متعلق بمحذوف صفة لعمرى (ولعقبه) معطوف عليه والمعنى أي رجل أعطي عطاء كائنًا له مدة عمره ولعقبه بعد موته، والفاء في قوله: (فإنها) رابطة لجواب الشرط وجوبًا لكون الجواب جملة اسمية أي فإن تلك العطية التي أعطيت له بصيغة عمرى مملوكة ملكًا مؤبدًا (للذي أعطيها) بالبناء للمجهول أي مملوكة للذي وهبها مدة عمره ولورثته بعد موته (لا ترجع) بصيغة المعلوم مع التأنيث وقيل: بالتذكير أي لا تصير تلك العطية أبدًا (إلى الَّذي أعطاها) بصيغة العمرى (لأنه) أي لأن ذلك المعمر (أعطى) بالبناء للفاعل (عطاء وقعت فيه) أي تقع فيه (المواريث) أي الإرث لورثة الموهوب له يعني أنَّه لما جعلها للعقب فالغالب أن العقب لا ينقطع فلا تعود لصاحبها لذلك، والمعنى أنها صارت ملكًا للمدفوع إليه فيكون بعد موته لوارثه كسائر أملاكه ولا ترجع إلى الدافع كما لا يجوز الرجوع إلى الموهوب بصيغة الهبة مثلًا وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي سواء ذكر العقب أو لم يذكر، وقال مالك: ترجع إلى المعطي إن كان حيًّا وإلى ورثته إن كان ميتًا إذا لم يذكر عقبه اهـ مرقاة. والعمرى على وزان حبلى تمليك الشيء مدة العمر اسم مصدر من أعمرتك الدار أي جعلتها لك مدة عمرك، وأفاد النووي: أنها تكون بثلاث صيغ إحداها أن يقول: أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لورثتك ولا خلاف لأحد أنها هبة بعبارة طويلة فإذا مات فالدار لورثته فإن لم يكن له وارث فلبيت المال ولا تعود إلى الواهب، وثانيتها أن يقول: أعمرتك إياها مطلقًا بلا ذكر شيء بعده، وثالثها أن يضم إليه: فإذا مت عادت إليَّ وفيهما خلاف لكن مذهب الحنفية والصحيح من مذهب الشافعي الجواز وبطلان الشرط لإطلاق الأحاديث الواردة فيها، وفي المبارق قال مالك: العمرى في جميع صورها تمليك لمنافع الدار دون رقبتها والحديث حجة عليه اهـ والعقب بفتح العين وكسر القاف ويجوز إسكانه مع فتح العين ومع كسرها هم أولاد الرجل ما تناسلوا. وقوله: (لا ترجع إلى الَّذي أعطاها) وفي الموطأ زيادة أبدًا ذكر الزرقاني أن هذا آخر المرفوع.

4056 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحدَّثنَا قُتَيبَةُ. حدَّثنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَدْ قَطَعَ قَوْلُهُ حَقَّهُ فِيهَا. وَهِيَ لِمَنْ أُعْمِرَ وَلِعَقِبِهِ". غَيرَ أَنَّ يَحْيَى قَال فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ: "أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى، فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) مدرج من كلام أبي سلمة وسيأتي من مسلم أنَّه قول أبي سلمة. قال القرطبي: فإن سلمنا أنَّه من قول النبي صلى الله عليه وسلم فمعناه والله أعلم أنها لما كانت تنتقل للعقب بحكم تلقيهم عن مورثهم ويشتركون في الانتفاع بها أشبهت المواريث فأطلق عليها ذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 294]، وأبو داود [3555]، والنسائي [6/ 274]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 4056 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا: أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حَدَّثَنَا ليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لمالك بن أنس. (أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أعمر) بصيغة المعلوم (رجلًا) مفعول به (عمرى) مفعول مطلق أي من وهب رجلًا هبة كائنة (له ولعقبه) بصيغة عمرى (فـ) أنَّه (قد قطع قوله) ذلك بالرفع فاعل (حقه) مفعول به أي قد أزال قوله ذلك ملكه وحقه (فيها) أي في تلك العين المعمرة الموهوبة (وهي) أي تلك العين المملوكة (لمن أعمر) بالبناء للمجهول أي مملوكة لمن أعطيها بصيغة العمرى مدة حياته (و) مملوكة (لعقبه) أي لنسله وورثته بعد مماته (غير أن يحيى) بن يحيى (قال في أول حديثه) وروايته لفظة (أيما رجل أعمر عمرى فهي له ولعقبه) وأما روايته ابن رمح ورواية قتيبة فهي قوله: (من أعمر رجلًا عمرى) إلخ فهذا بيان لمحل المخالفة بين مشايخ المؤلف، والمعنى واحد.

4057 - (00) (00) حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَاب، عَنِ الْعُمْرَى وَسُنَّتِهَا، عِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَال: قَدْ أَعْطَيتُكَهَا وَعَقِبَكَ مَا بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعْطِيَهَا. وَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا. مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ". 4058 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ). قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 4057 - (00) (00) (حدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمد النيسابوري، ثقة، من (10) قال الحاكم: إنه العالم ابن العالم وإنه وأباه وجده كلهم من تلامذة الثوري (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن شهاب) غرضه بيان متابعة ابن جريج لمالك وليث بن سعد (عن) حكم (العمرى وسنتها) أي وطريقتها (عن) أي من (حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله عنهما (أخبره) أي أخبر لأبي سلمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل أعمر رجلًا عمرى له ولعقبه) وقوله: (فقال: قد أعطيتكها) أي قد أعطيتك هذه الدار تفسير لما قبله (و) أعطيتها (عقبك) ونسلك (ما بقي منكم) أي منك ومن عقبك (أحد فإنها) أي فإن تلك العين المعمرة مملوكة (لمن أعطيها وإنها لا ترجع إلى صاحبها) وواهبها أبدًا (من أجل أنَّه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) يعني أنَّه لما جعلها للعقب فالغالب أن العقب لا ينقطع فلا تعود لصاحبها لذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 4058 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ لعبد قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه

قَال: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، أنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلعَقِبِكَ. فَأَمَّا إِذَا قَال: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا. قَال مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُفْتِي بِهِ. 4059 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ جَابِرٍ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ)؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة معمر لمن روى عن الزهري (قال) جابر: (إنما العمرى التي أجاز) وصحح وجعلها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) هبة مؤبدة، وفي المفهم معنى أجاز أي أمضى جوازها وألزمه دائمًا اهـ، هي (أن يقول) المعمر: أعمرتك هذه الدار (هي لك ولعقبك) أي ولنسلك والعقب بفتح العين وكسر القاف من يعقب الرجل بعد وفاته وهم الورثة (فأما إذا قال) الواهب (هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها) أي واهبها فلا تكون هبة مؤبدة (قال معمر) بالسند السابق (وكان الزهري يفتي) فيما إذا قال: هي لك ما عشت (به) أي برجوعها إلى صاحبها. قال صاحب التكملة: قال شيخنا العثماني في إعلاء السنن: إن هذا الحديث لم يسنده إلى جابر إلَّا عبد الرزاق والصحيح أنَّه قول الزهري فلا يُحتج به ويمكن حمله على ما إذا قال: داري لك عمري سُكنى ما عشت فإنها تكون عارية، وأما إذا قال: داري لك عمري ما عشت فإنها تنعقد هبة مؤبدة عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 4059 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي العامري المدني، ثقة، من (7) (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر وهو ابن عبد الله) وضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا محمد بن رافع فإنه نيسابوري، غرضه بيان متابعة ابن أبي ذئب

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَهِيَ لَهُ بَتْلَةً. لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْط وَلَا ثُنْيَا. قَال أَبُو سَلَمَةَ: لأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ. فَقَطَعَتِ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ. 4060 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمن روى عن الزهري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) وحكم (فيمن أعمر) بالبناء للمجهول (عمرى) مفعول مطلق لأعمر (له ولعقبه) صفة لعمرى (فهي) الفاء زائدة هي مبتدأ (له) خبر المبتدأ (بتلة) بالنصب حال من الضمير المستكن في الخبر، والجملة الاسمية في محل النصب مفعول قضى، والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن أعطى عطية كائنة له ولعقبه كونها مملوكة له ثم لعقبه حالة كونها هبة بتلة أي مقطوعة مجزومة مؤبدة غير راجعة إلى الواهب، وفي النهاية بتل رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرى أي أوجبها وملكها ملكًا لا يتطرق إليه نقض ولا فسخ اهـ، وفي المصباح يقال: بتله يبتله بتلًا كقتله يقتله قتلًا إذا قطعه وأبانه ويقال طلقها طلقة بتة بتلة أي بائنة اهـ وفي تاج العروس يقال: بتل الشيء يبتله من باب نصر وضرب إذا قطعه وأفرده من الآخر يقال صدقة بتلة منقطعة عن صاحبها غير راجعة إليه (لا يجوز للمعطي فيها شرط) أي شرط شيء فيها كان يقول: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك بشرط إذا مت قبلي عادت إليّ أو إذا انقرض عقبك إلى عقبي (ولا) يجوز للمعطي (ثُنْيا) فيها أي استثناء فيها ولا تعليق كان يقول: أعمرتك هذه الدار إن شاء الله (قال أبو سلمة) بالسند السابق وإنما مُنع من الشرط والاستثناء (لأنه أعطى عطاء وقعت) أي تقع (فيه المواريث) أي الوراثة لورثة الموهوب له (فقطعت) أي أبطلت (المواريث) أي ثبوت الوراثة فيه (شرطه) أي شرط الواهب وتعليقه فهي هبة مؤبدة للموهوب له لا ترجع إلى الواهب أبدًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه خامسًا فقال: 4060 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب البصري (القواريري) نسبة إلى عمل القارورة أو بيعها (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن

حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ". 4061 - (00) (00) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال. بِمِثْلِهِ. 4062 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول): رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لابن شهاب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمرى) أي المال المعمر أي الموهوب بصيغة العمرى كان يقول: أعمرت هذه الدار مملوكة (لمن وهبت له) ملكًا مؤبدًا لا ترجع إلى الواهب أبدًا، والعمرى في الأصل مصدر كالرجعى جاء على أصله في حديث العمرى جائزة كما سيأتي وجاء فيما نحن فيه على معنى اسم المفعول، وفي تيسير المناوي (العمرى لمن وهبت له) سواء اطلقت أو قُيدت بعمر الآخذ أو ورثته أو المعطي اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 4061 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حَدَّثَنَا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام (عن يحيى بن أبي كثير حَدَّثَنَا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معاذ بن هشام لخالد بن الحارث وساق معاذ (بمثله) أي بمثل حديث خالد بن الحارث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 4062 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة،

حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4063 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمْسِكُوا عَلَيكُمْ أَمْوَالكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا. فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا. حَيًا وَمَيتًا. وَلِعَقِبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) (حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا أبو الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما حالة كون جابر (يرفعه) أي يرفع هذا الحديث (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سلمة بن عبد الرحمن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثامنًا فقال: 4063 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (واللفظ له أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن أبي الزبير عن جابر) وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن يحيى لأحمد بن يونس (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسكوا عليكم أموالكم) أي استمروا على ملكيتها (ولا تفسدوها) أي ولا تخرجوها عن ملككم بالعُمرى (فإنه) فإن الشأن والحال (من أعمر عمرى) أي أعطى عطاء بصيغة عمرى كان يقول: أعمرتك هذه الدار (فهي) أي فتلك العطية التي أُعطيت بصيغة عمرى مملوكة (للذي أعمرها) بالبناء للمجهول أي للموهوب له الَّذي أعطيها بصيغة عمرى حالة كونه (حيًّا) دل على أنَّه يملكها في حياته وله بيعها وسائر التصرفات (و) حالة كونه (ميتًا) تُدفع (ولعقبه) والواوفي قوله: (ولعقبه) عاطفة على قوله للذي أعمرها فيكون حيًّا للذي أعمر وميتًا للعقب فيكون في الكلام تقديم وتأخير والمعنى فهي للذي أعمرها حيًّا ولعقبه ميتًا، يعني إذا قال: أعمرتها لك ولعقبك فإنه ينتفع بها في حياته ثم ينتقل نفعها إلى عقبه بعد موته، وهذه الرواية وإن وقعت هنا مطلقة فهي مقيدة بالرواية الأخرى التي ذُكر فيها العقب لا سيما والراوي واحد والقضية واحدة فيُحمل المطلق منها على المقيد قولًا واحدًا اهـ من المفهم. قال النووي: قوله: (أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها) المراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكًا تامًّا لا يعود إلى الواهب أبدًا فإذا

4064 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ. خ وَحدَّثنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة، ومن شاء ترك لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية ويرجع فيها الواهب اهـ نووي، وفي تاج العروس: قال ثعلب: العمرى هو أن يدفع الرجل إلى أخيه دارًا فيقول له: هذه لك عمرك أو عمري أينا مات دُفعت الدار إلى أهله أو يقال لك هذه عمرى حتَّى تموت وكذلك كان فعلهم في الجاهلية ويفعلون ذلك في الأرض وفي الإبل أيضًا كما يفهم من الصحاح ويدل عليه إطلاق الأموال في الحديث فأبطل صلى الله عليه وسلم الشرط وأمضى الهبة وأعلمهم أن من أعمر أحدًا شيئًا طول حياته فهو لورثته من بعده اهـ من بعضى الهوامش. قال القرطبي: قوله: (أمسكوا عليكم أموالكم) الخ من باب الإرشاد إلى الأصلح لأن الإعمار يمنع المالك من التصرف فيما يملك رقبته آمادًا طويلة لا سيما إذا قال هي لك ولعقبك فإن الغالب أنها لا ترجع إليه كما مر ولا يصح حمل هذا النهي على التحريم لأنه قد قال في الرواية الأخرى: (العمرى جائزة لمن وهبت له) أي عطية جائزة ولأنها من أبواب البر والمعروف والرفق فلا يُمنع منه، وقول ابن عباس: لا تحل العمرى ولا الرقبى محمول على ذلك فإنه قال إثر ذلك: "فمن أعمر شيئًا فهو له" رواه النسائي [6/ 270] فقد جعلهما طريقين للتمليك فلو كان عقدهما حرامًا كسائر العقود المحرمة لأمر بفسخهما اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا فقال: 4064 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن بشر) العبدي الكوفي ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا حجاج بن أبي عثمان) ميسرة أو سالم الصواف الخياط أبو الصلت الكندي مولاهم البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري البصري، صدوق، من (11) (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث، صدوق، من (9) (عن جدي) عبد الوارث بن

عَنْ أَيُّوبَ. كُلُّ هؤُلَاءِ عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي خَيثَمَةَ. وَفِي حَدِيثِ أَيُّوبُ مِنَ الزِّيَادَةِ قَال: جَعَلَ الأَنْصَارُ يُعْمِرُونَ المُهَاجِرِينَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمْسِكُوا عَلَيكُمْ أَمْوَالكُمْ". 4065 - (1564) (128) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ). قَالا: حدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد، ثقة، من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (كل هؤلاء) الثلاثة من حجاج بن أبي عثمان وسفيان الثوري وأيوب السختياني رووا (عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث أبي خيثمة) زهير بن معاوية وهذه الأسانيد الثلاثة: الأولان منها من خماسياته، والثالث من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لزهير بن معاوية (و) لكن (في حديث أيوب) وروايته (من الزيادة) لفظة (قال) جابر لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم مع المهاجرين (جعل الأنصار) الأوس والخزرج أي شرعوا (يعمرون المهاجرين) أي يعاملون معهم معاملة العمرى أي يهبون بعض بساتينهم بصيغة العمرى للمهاجرين ظنًّا منهم على عادة الجاهلية أنها كالعارية تعود إلى الواهب (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم): إعلامًا لهم بأنها ليست كالعارية بل هي هبة تامة مملوكة للموهوب له لا ترجع إلى الواهب (أمسكوا عليكم أموالكم) أي بساتينكم في أملاككم فلا تخرجوها بالعمرى عن أملاككم، وتمام الحديث ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيًّا وميتًا ولعقبه كما مر وهذا النهي تأكيد للأمر وعلله بأنها لمن أعمر على صيغة المجهول أي فلا تضيّعوا أموالكم ولا تخرجوها عن أملاككم فإنه لا رجوع لها إلى المعطي أصلًا وهذا إرشاد لهم إلى مصالحهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر رضي الله عنه بحديث آخر له فقال: 4065 - (1564) (128) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (واللفظ لابن رافع قالا: حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: أَعْمَرَتِ امْرأَةٌ بِالْمَدِينَةِ حَائِطًا لَهَا ابْنًا لَهَا. ثُمَّ تُوُفِّيَ، وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ، وَتَرَكَتْ وَلَدًا، وَلَهُ إِخْوَةٌ بَنُونَ لِلْمُعْمِرَةِ. فَقَال وَلَدُ الْمُعْمِرَةِ: رَجَعَ الْحَائِطُ إِلَينَا. وَقَال بَنُو الْمُعْمَرِ: بَلْ كَانَ لأَبَينَا حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ. فَاخْتَصمُوا إِلَى طَارِقٍ مَوْلَى عُثْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مكيان وواحد مدني وواحد صنعاني وواحد نيسابوري (قال) جابر: (أعمرت امرأة) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمها وأسماء أبنائها اهـ من مبهمات مسلم، أي وهبت امرأة من الأنصار (بالمدينة) بصيغة عمرى (حائطًا لها) أي بستانًا لها وهو مفعول ثان لأنه المأخوذ (أبنًا لها) مفعول أول لأنه الآخذ لأن أعمر هنا بمعنى أعطى يتعدى إلى مفعولين ويجوز العكس على قلة (ثم توفي) أي مات ذلك الابن المعمر (وتوفيت) المرأة الواهبة (بعده) أي بعد ذلك المعمر، وقوله: (وتركت ولدًا) هكذا وقع في أكثر النسخ المصرية ولا يبدو صحيحًا لأن الكلام يختل به، والصواب (وترك) ذلك الابن المعمر (ولدًا) كما في النسخ الهندية وهو الصحيح، وقد أثبت ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 168] (وترك ولدًا) على وفق النسخ الهندية، ومثله وقع في رواية البيهقي في سننه [6/ 173] وعبد الرزاق في مصنفه [9/ 189] وبه يستقيم الكلام والمعنى أن المعمر له ترك ولدًا (و) كان للمعمر (له إخوة) هم (بنون للمعمرة فقال ولد المعمرة) أي بنوها (رجع الحائط إلينا) بموت المعمر له لأنه كالعارية للمعمر على عادة الجاهلية (وقال بنو المعمر: بل كان) الحائط (لأبينا) نفسه (حياته) أي في حال حياته (و) لنا بـ (موته) وقد ذكر الحافظ في ترجمة طارق بن عمرو من التهذيب [5/ 6] رواية عن مصنف عبد الرزاق هي أكثر وضوحًا ولفظها (أعمرت امرأة بالمدينة حائطًا لها ابنًا لها ثم توفي وترك ولدًا وتوفيت بعده وتركت ولدين آخرين فقال ولد المعمرة رجع الحائط إلينا وقال ولد المعمر بل كان لأبينا حياته وموته) الخ (فاختصموا) أي: اختصم أولاد المعمر وأولاد المعمرة أي تنازعوا في الحائط وترافعوا (إلى طارق) بن عمرو (مولى عثمان) بن عفان رضي الله عنه ولده عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد إمارة ابن الزبير وكان جابر يقول: عجبت من أمور

فَدَعَا جَابِرًا فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى لِصَاحِبِهَا. فَقَضَى بِذلِكَ طَارِقٌ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَخْبَرَهُ ذلِكَ. وَأَخْبَرَهُ بِشَهَادَةِ جَابِرٍ. فَقَال عَبْدُ الْمَلِكِ: صدَقَ جَابِرٌ. فَأَمْضَى ذلِكَ طَارِقٌ. فَإِنَّ ذلِكَ الْحَائِطَ لِبَنِي الْمُعْمَرِ حَتى الْيَوْمِ. 4066 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلها عجب، عجب لمن سخط ولاية عثمان ونقم عليه حتَّى قتلوه فابتلوا بطارق مولاه فصعد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب عليه وليس هو من صالح من تقدم وكلنا ابتلينا به، وسئل أبو زرعة عن طارق هذا فقال: ثقة، كذا في تهذيب تاريخ ابن عساكر [7/ 41]. (فدعا) طارق (جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري ليسأله عن هذه القضية (فـ) جاء إليه جابر و (شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ) أن (العمرى) مملوكة (لصاحبها) أي لمن أعمر بها (فقضى بذلك) أي بكون الحائط لولد المعمر (طارق) بن عمرو (ثم كتب) طارق (إلى عبد الملك) بن مروان بن الحكم الأموي الخليفة المعروف من خلفاء بني أمية وكان من الفقهاء المحدثين (فأخبره) طارق في كتابه (ذلك) الَّذي قضى به في الواقعة (وأخبره) أي أخبر طارق لعبد الملك (بشهادة جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما بكون العمرى للمعمر ولعقبه (فقال عبد الملك) بن مروان (صدق جابر) فيما حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمضى) أي نفذ (ذلك) الحكم (طارق) قال جابر بن عبد الله: (فإن ذلك الحائط لبني المعمر) بفتح الميم (حتَّى اليوم) أي إلى يومنا هذا. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال: 4066 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لأبي بكر قال إسحاق أخبرنا وقال أبو بكر حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4) (عن سليمان بن يسار) المدني الهلالي مولاهم مولى ميمونة زوج

أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْعُمْرى لِلْوَارِثِ. لِقَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4067 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدِّثُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "الْعُمْرَى جَائِزَةٌ". 4068 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة، من (3) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن يسار لأبي الزبير المكي (أن طارق) بن عمرو الأموي (قضى) وحكم (بـ) كون (العمرى) مملوكة (للوارث) أي لوارث المعمر بعد موته (لقول جابر) أي لحديث رواه جابر (بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 4067 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (قال سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري حالة كونه (يحدِّث عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بيان متابعة عطاء لمن روى عن جابر (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعمرى جائزة) أي صحيحة مملوكة لمن أُعمر في حياته ولعقبه بعد موته. ثم ذكر رحمه الله ثالثًا فقال: 4068 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري، ثقة، من (6) (عن قتادة) ثقة، من (4) (عن عطاء) بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان

أَنَّهُ قَال: "الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لأَهْلِهَا". 4069 - (1565) (129) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "الْعُمْرَى جَائِزَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال العمرى ميراث لأهلها) أي لمستحقيها بعد موت المعمر وهم ورثته وعقبه وهذا كما في تيسير المناوي نص صريح فيما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي من عدم رجوعها للمعمر بكسر الميم وعقبه لأنه إنما وهب الرقبة وجعلها الإمام مالك إباحة منافع اهـ. قال القرطبي: والذي يظهر لي وأستخير الله في ذكره أن حديث جابر في العمرى رواه عنه جماعة واختلفت ألفاظهم اختلافًا كثيرًا ثم رواه عن كل واحد من تلك الجماعة قوم آخرون واختلفوا كذلك ثم كذلك القول في الطبقة الثالثة وخلط فيه بعضهم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منه فاضطرب فضعفت الثقة مع ما ينضاف إليه من مخالفته للأصل المعلوم المعمول به من أن الناس على شروطهم في أموالهم كما قال القاسم بن محمد وكما دل عليه الحديث المتقدم في الشروط وينضاف إلى ذلك أن الناس تركوا العمل به كما قال محمد بن أبي بكر فتعين تركه كما قال مالك: ليته مُحي ووجب التمسك بأصل وضع العمرى كما تقدم، وبالأصل المعلوم من الشريعة من أن الناس على ما شرطوه في أعطياتهم وهذا القول هو المعول عليه وليس على غيره معول اهـ من المفهم. 4069 - (1565) (129) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري عن قتادة عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري أبي مالك البصري، ثقة، من (3) (عن بشير بن نهيك) بفتح النون وكسر الهاء آخره كاف السدوسي أبي الشعثاء البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلَّا أبا هريرة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرى جائزة) أي هبة صحيحة مستمرة للمعمر ثم لعقبه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الهبة، وأبو داود

4070 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "مِيرَاثْ لأَهْلِهَا" أَوْ قَال: "جَائِزَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرجه في البيوع، والنسائي في العمرى اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4070 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) الهجيمي البصري (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج (غير أنَّه) أي لكن أن سعيدًا (قال) في روايته: العمرى (ميراث لأهلها أو قال) قتادة العمرى (جائزة) أي صحيحة بالشك فيما قاله قتادة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه تسع متابعات، والثاني: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

أبواب الوصايا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أبواب الوصايا 586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز 4071 - (1566) (130) حدَّثنا أَبُو خَيثَمَةَ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب الوصايا جمع وصية كهدايا جمع هدية مأخوذة من وصيت بالصاد المخففة الشيء إذا وصلته به؛ فمعنى الوصية لغة: الإيصال، لأن الموصي وصل خير عقباه وهو الوصية بخير دنياه وهو الطاعات التي فعلها في حياته، وشرعًا: تبرع بحق مضاف لما بعد الموت ولو تقديرًا فإذا قال أوصيت لزيد بكذا فالمعنى بعد موتي ومضاف بالجر صفة لحق لا بالرفع صفة لتبرع لأن الحق إنما يُعطى للموصى له بعد الموت والتبرع في الحال، وأركانها أربعة موص وموصى له وموصى به وصيغة، وإنما أدخلناها في ترجمة كتاب الهبة لما بينهما من المناسبة لأنها تمليك بلا عوض يقع بعد الموت والهبة تمليك بلا عوض في حال الحياة. 586 - (26) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز 4071 - (1566) (130) (حَدَّثَنَا أبو خيثمة زهير بن حرب) الحرشي النسائي (ومحمد بن المثنى) بن عبيد (العنزي) بفتح العين والنون نسبة إلى عنزة وهو حي من ربيعة البصري (واللفظ لابن المثنى قالا: حَدَّثَنَا يحيى وهو ابن سعيد) بن فروخ التميمي (القطان) أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من (5) قال: (أخبرني نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ، يَبِيتُ لَيلَتَينِ، إلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بصريان أو بصري ونسائي وواحد مكي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما) نافية بمعنى ليس (حق امرئ) وامرأة لأن النساء شقائق الرجال وهو اسم ما الحجازية (مسلم) وكذا الذمي، ووصفه بالمسلم خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له أو ذكره للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله اهـ ابن حجر، وإنما قال ذلك لأن غير المسلم كالمسلم في صحة الوصية كما في الفروع غير أنها زيادة في العمل الصالح في حق المسلم أي ليس اللائق بالمسلم، وقال المناوي: ليس الحزم والاحتياط لإنسان (له شيء) من المال أو عليه دين أو حق فرط فيه أو أمانة وهو صفة لامرئ (يريد أن يوصي فيه) صفة لشيء (يبيت ليلتين) خبر ما بتأويله بالمصدر، قال الحافظ: كان فيه حذفًا تقديره أن يبيت مثل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} وفي رواية (ليلة أو ليلتين) وفي رواية (يبيت ثلاث ليال) واختلاف الروايات دال على أنَّه للتقريب لا للتحديد، وقوله: (إلا) استثناء من أعم الأحوال أو الأزمان، وقوله: (ووصيته مكتوبة عنده) مبتدأ وخبر والواو حالية والجملة حال من الضمير المستتر في الخبر والمعنى ليس حق امرئ مسلم له شيء يريد الوصية فيه بيتوتية في حال من الأحوال أو زمن من الأزمان إلَّا والحال أن وصيته مكتوبة محفوظة عنده لأنه لا يدري متى يدركه الموت، ومعنى الحديث أنَّه ليس حقه من جهة الحزم والاحتياط والانتباه للموت أن يترك الوصية في زمن من الأزمان، وفي بعض الهوامش فما بمعنى ليس، وجملة له شيء صفة ثانية لامرئ ويبيت صفة ثالثة له والجملة الواقعة بعد إلَّا خبر المبتدإ أو الواو زائدة، وفي بعض روايات السنن أن يبيت فيكون هو خبرًا أي لا ينبغي أن يمضي عليه زمن وإن قل في حال من الأحوال إلَّا في هذه الحال وهي أن تكون وصيته مكتوبة عنده لأنه لا يدري متى يدركه الموت ويحله الحمام فقد يفجأه وهو على غير وصية ولا ينبغي لمؤمن أن يغفل عن ذكر الموت والاستعداد له، قال في المبارق: ذهب بعض العلماء إلى وجوبها لظاهر الحديث والجمهور على استحبابها لأنه صلى الله عليه وسلم جعلها حقًّا للمسلم لا عليه ولو وجبت لكانت عليه لا له وهو خلاف ما يدل عليه اللفظ قيل هذا في الوصية المتبرع بها، وأما الوصية بقضاء الدين ورد الأمانات فواجبة عليه.

4072 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُمَا قَالا: "وَلَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ" وَلَمْ يَقُولَا: "يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (واعلم) أن ظاهر الحديث مشعر بأن مجرد الكتابة بلا إشهاد عليها كاف وليس كذلك بل لا بد من الشاهدين عند عامة العلماء لأن حق الغير تعلق به فلا بد لإزالته من حجة شرعية ولا يكفي أن يشهدهما على ما في الكتاب من غير أن يطلعا، إلى هنا كلامه. وقوله: (له شيء يوصي فيه) عام في الأموال والبنين الصغار والحقوق التي له وعليه كلها من ديون وكفارات وزكوات فرط فيها فإذا أوصى بذلك أُخرجت الديون من رأس المال والكفارات والزكوات من ئلثه على تفصيل يُعرف في الفقه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 57 و 80]، والبخاري [2728]، وأبو داود [2862]، والترمذي [974]، والنسائي [6/ 238]، وابن ماجة [2699]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4072 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (وعبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثني أبي) عبد الله (كلاهما) أي كل من عبد الله وعبدة رويا (عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بيان متابعتهما للقطان (غير أنهما قالا وله شيء يوصي فيه ولم يقولا يريد أن يوصي فيه). قوله: (وله شيء يوصي فيه) ورواية البخاري كالرواية الأولى (له شيء) بلا واو وهي الواضحة، وجملة يوصي فيه صفة لشيء ومعناها له شيء يصلح أن يوصي فيه، وذكر ملا علي في صاد يوصي الفتح والكسر، قوله: (ولم يقولا يريد أن يوصي فيه) ولم يقع ذلك في رواية البخاري أيضًا وجعلها منوطة بإرادته يُشعر بمندوبيتها أيضًا، نعم تجب على من عليه حق كزكاة وحج أو حق لآدمي بلا بينة كما مر من المبارق، قوله: (مكتوبة عنده) استدل به أحمد ومحمد بن نصر المروزي من الشافعية على جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة وهذا عندهم خاص بالوصية لثبوت الخبر فيها

4073 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي اسَامَةُ بْنُ زيدٍ اللَّيثِيُّ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ دون غيرها من الأحكام، وأما الجمهور فيُشترط عندهم الإشهاد ولا تثبت الوصية بالكتابة دون الإشهاد يعني في القضاء وحجتهم قول الله تعالى: {شَهَادَةُ بَينِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} الآية، وأما حديث الباب فقد أجاب عنه الجمهور بأنه لا تعرض فيه لاشتراط الإشهاد وعدمه والمراد أن تكون الوصية مكتوبة بشرائطها المعروفة ومنها الإشهاد فلا يدل ذلك على نفي الاشتراط، ثم قال القرطبي: ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة هذا ملخص ما في فتح الباري [5/ 266] وعمدة القاري [6/ 475]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4073 - (00) (00) (وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم أمه (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونسى) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأبلي حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد الليثي) المدني (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني (أخبرنا هشام يعني ابن سعد) القرشي المدني (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة يعني أيوب السختياني ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد وهشام بن سعد أي كل هؤلاء الأربعة رووا (عن نافع عن

ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ، وَقَالُوا جَمِيعًا: "لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ" إلا في حَدِيثِ أَيُّوبُ فَإِنَّهُ قَال: "يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ" كَرِوَايَةِ يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. 4074 - (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث عبيد الله) بن عمر بن حفص، غرضه بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعتهم لعبيد الله (و) لكن (قالوا) أي قال هؤلاء الأربعة (جميعًا) أي حالة كونهم مجتمعين أي قال كلهم أجمعون لفظة (له شيء يوصي فيه) بلا ذكر لفظة يريد (ألا في حديث أيوب فإنه) أي فإن أيوب (قال) في روايته (يريد أن يوصي فيه) بزيادة يريد (كـ) زيادة (رواية يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر لفظة يريد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4074 - (00) (00) (حَدَّثَنَا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد (حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن ابن شهاب عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سالم لنافع (أنَّه) أي أن ابن عمر (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه) أن (يبيت ثلاث ليال) وما دونها (إلا و) الحال أن (وصيته) محفوظة (عنده مكتوبة) لديه. وقوله: (يبيت ثلاث ليال) قال القرطبي: المقصود بذكر الليلتين أو الثلاث التقريب لا التحديد كما مر وتقليل مدة ترك كتب الوصية ولذلك لما سمعه ابن عمر لم يبت ليلة إلَّا بعد أن كتب وصيته، والحزم المبادرة إلى كتبها أول أوقات الإمكان لإمكان بغتة الموت التي لا يأمنها العاقل ساعة ويحتمل أن يكون إنما خص الليلتين أو الثلاث بالذكر

قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال ذلِكَ، إلا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي. 4075 - (00) (00) وَحدَّثَنِيهِ أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلٌ. ح وَحدَّثنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ فسحة لمن يحتاج إلى أن ينظر فيما له وما عليه فيتحقق بذلك ويُفكر فيها ما يوصى به ولمن يوصى إلى غير ذلك. (قال عبد الله بن عمر) بالسند السابق (ما مرت) ومضت (علي ليلة منذ سمعت) أي بعد أن سمعت (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك) الحديث (إلا وعندي) أي وإلا والحال أن عندي (وصيتي) مكتوبة محفوظة، وهذا معارض بظاهره لما أخرجه ابن المنذر بإسناد صحيح عن نافع قال: قيل لابن عمر في مرض موته ألا توصي؟ قال: أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه وأما رباعي فلا أحب أن يُشارك ولدي فيها أحد، فإنه صريح في أنَّه لم يوص بشيء في آخر حياته وجمع بينهما الحافظ في الفتح [5/ 266] بالحمل على أنَّه كان يكتب وصيته ويتعاهدها ثم صار ينجز ما كان يوصي به معلقًا يعني يعمل بوصيته بنفسه حتَّى لم يبق له مما أوصى به إلَّا وقد فعله بنفسه وإليه يشير قوله في حديث ابن المنذر (أما مالي فالله يعلم ما كنت أصنع فيه) ولعل الحامل له على ذلك حديثه في الرقاق: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح. فصار ينجز ما يريد التصدق به فلم يحتج إلى وصية في آخر حياته وقد ثبت أنَّه وقف بعض دوره فبهذا يحصل التوفيق والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 4075 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي المصري (حدثني أبي) شعيب (عن جدي) ليث بن سعد (حدثني عقيل) بن خالد الأموي المصري (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (قالا:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. 4076 - (1567) (131) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كللهم) أي كل من يونس وعقيل ومعمر رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن أبيه (نحو حديث عمرو بن الحارث) بن يعقوب المصري، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعمرو بن الحارث. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4076 - (1567) (131) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكر (التميمي) النيسابوري (أخبرنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قاضيها، ثقة، من (8) (عن ابن شهاب عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف الزهري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (قال) سعد: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي زارني ولا يقال ذلك إلَّا لزيارة المريض فأما الزيارة فأكثرها للصحيح وقد تقال للمريض فأما قوله تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} فكناية كنى به عن الموت (في حجة الوداع من وجع) أي من مرض والوجع اسم لكل مرض قاله الحربي (أشفيت) أي قاربت وأشرفت (منه) أي من أجل ذلك المرض (على الموت) يقال أشفى وأشاف بمعنى واحد قاله الهروي، وقال القتيبي: لا يقال أشفى إلَّا على شر وأصله من الشفا بفتح الشين وهو حد الشيء وجانبه فكأنه قال: بلغت حد الموت، فيه عيادة الفضلاء والكبراء للمرضى وتفقد الرجل الفاضل أصحابه وإخوانه، وقوله (في حجة الوداع) هذا صريح في كون هذه الواقعة في حجة الوداع وعليه اتفق أصحاب الزهري وشذ ابن عيينة فذكر هذه القصة في فتح مكة فيما أخرجه الترمذي وغيره عنه ويؤيده ما أخرجه أحمد [4/ 60] والبزار والبخاري في التاريخ من حديث عمرو بن

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَلَغَنِي مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ. وَأَنَا ذُو مَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ القاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فخلف سعدًا مريضًا حيث خرج إلى حنين فلما قدم من الجعرانة معتمرًا دخل عليه وهو مغلوب فقال: يا رسول الله إن لي مالًا وإني أورث كلالة أفأوصي بمالي .. الحديث، وفيه قلت: يا رسول الله أمسيت أنا بالدار حتَّى خرجت منها مهاجرًا قال: "لا إني لأرجو أن يرفعك الله حتَّى ينتفع بك أقوام" .. الحديث ذكره الحافظ في الفتح [5/ 270] وجمع بينهما بحملهما على واقعتين. ولكن القلب لا يطمئن بأن هذه الواقعة وقعت مرتين وكيف ينسى مثل سعد بن أبي وقاص ما قال له صلى الله عليه وسلم قبل سنتين في أمر الوصية حتَّى يسأله مرة أخرى عن عين ما سأله في فتح مكة فالأظهر ما ذكره الحافظ عن المحققين أن ابن عيينة قد وهم في تاريخ هذه الواقعة حيث ذكرها في فتح مكة، والصحيح ما ذكره أكثر أصحاب الزهري من أنها وقعت في حجة الوداع وبه جزم البيهقي كما في عمدة القاري [4/ 99] وأما حديث عمرو بن القاري ففيه عبد الله بن عثمان بن خثيم وهو وإن كان من رواة مسلم غير أنَّه جعله ابن المديني منكر الحديث، وقال ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية، وقال فيه النسائي مرة: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات ولكن قال: كان يخطئ، كما في تهذيب التهذيب [5/ 315] وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد [4/ 213]، هذا الحديث فقال: وفيه عراض بن عمرو القاري ولم يجرحه أحد ولم يوثقه وربما يخطر بالبال أن أحد الرواة في حديث عمرو بن القاري خلط قصة سعد بقصة جابر رضي الله عنهما فقد تقدم في باب الكلالة أن مثل هذا الكلام جرى بين جابر وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك قوله: وإني أورث كلالة ولم يكن سعد بن أبي وقاص كلالة، وإنما يحفظ هذا القول من جابر رضي الله عنه والله سبحانه وتعالى أعلم. (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله بلغني) أي حصل بي (ما ترى من) شدة (الوجع) وقد خفت منه الموت، فيه أن حكاية المريض حاله لا ينافي الصبر المأمور به وإنما المذموم الشكوى وعدم الرضا بالقضاء، وعبارة القرطبي: فيه ما يدل على أن إخبار المريض بحاله لا على جهة التشكي والتسخط جائز وغير منقص لثوابه ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصدر منه إنكار ولا تنبيه على تنقيص أجر ولا غيره اهـ من المفهم (وأنا ذو مال) كثير، قال القرطبي: والمال وإن صلح هنا للكثير والقليل الَّذي ليس بتافه فالمراد به ها هنا المال الكثير بقرينة الحال، وقال المنذري: فيه إباحة جمع

وَلَا يَرِثُنِي إلا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ. أَفَأَتَصدَّقُ بِثُلُثَي مَالِي؟ قَال: "لَا" قَال: قُلْتُ: أَفأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَال: "لَا. الثَّلُثُ وَالثَّلُثُ كَثِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ المال إذ هذه الصيغة لا تقع عرفأ إلَّا للمال الكثير وإن صح إطلاقه لغة على القليل (قلت) ذكر الحافظ في الفتح [5/ 275] أنَّه وقع في بعض طرقه صريحًا (وأنا ذو مال كثير) (ولا يرثني إلَّا ابنة لي واحدة) أي ولا يرثني من الولد وخواص الورثة إلَّا ابنة واحدة لي وإلا فقد كان له عصبة، وقيل: معناه لا يرثني من أصحاب الفروض قاله النووي، قال القرطبي: ظاهر هذا أنَّه ليس له وارث إلَّا ابنة واحدة، وليس كذلك فإنه كان له ورثة وعصبة، وإنما معنى ذلك لا يرثني بالفرض إلَّا ابنة واحدة، وقيل: لا يرثني من النساء إلَّا ابنة واحدة وكلاهما محتمل ثم أفاق من مرضه وكان له بعده ثلاثة من الولد ذكور أحدهم اسمه عامر وهو راوي هذا الحديث عن أبيه كما ذكرناه اهـ من المفهم. قال العيني في العمدة [4/ 99] اسمها عائشة كذا ذكرها الخطيب وغيره وليست بالتي روى عنها مالك تيك أخت هذه وهي تابعية وعائشة لها صحبة، وقال الحافظ في الفتح [5/ 275] لكن لم يذكر أحد من النسابين لسعد بنتًا تسمى عائشة غير هذه وذكروا أن أكبر بناته أم الحكم الكبرى وأمها بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة وذكروا له بنات أخرى أمهاتهن متأخرات الإسلام عن الوفاة النبوية فالظاهر أن البنت المشار إليها في الحديث هي أم الحكم المذكورة لتقدم تزوج سعد لأمها ولم أر من حرر ذلك اهـ (أ) تبرع (فأتصدق بثلثي مالي) يا رسول الله، والهمزة فيه للاستخبار والاستئذان داخلة على محذوف كما قدرناه والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، قال القرطبي: ظاهر هذا السؤال أنَّه إنما سأل عن الوصية بثلثي ماله لتنفذ بعد الموت يدل على ذلك قرائن المرض وذكر الورثة وغير ذلك، ويحتمل أن يكون السؤال عن صدقة منجزة حالة يخرجها في سبيل الله في الحال، وفيه بعد وكيف ما كان فقد أُجيب بأن ذلك لا يجوز إلَّا في الثلث خاصة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تتصدق بثلثي مالك (قال) سعد فـ (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (أفأتصدق بشطره) أي بنصفه، وقد ورد لفظ النصف مصرحًا في رواية مصعب بن سعد كما ستأتي عند المصنف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تتصدق الشطر (الثلث) تصدق به (والثلث كثير) بالمثلثة، ويُروى بالموحدة وكلاهما صحيح قوله: (الثلث) ذكر النووي عن القاضي جواز نصب الثلث ورفعه، أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير فعل أي أعط الثلث، وأما

إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرفع فعلى أنَّه فاعل فعل محذوف أي يكفيك الثلث أو على أنَّه مبتدأ حذف خبره أو عكسه يعني الثلث كاف مثلًا، وأما الثلث الثاني فمرفوع على كونه مبتدأ وخبره (كثير). ثم يحتمل أن يكون المراد بقوله: الثلث كثير أن الثلث أقصى ما يجوز ولكن يستحب أن ينقص منه، ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره، ويحتمل أن يكون معناه إنه كثير غير قليل، وعلى الأول عوَّل ابن عباس كما سيأتي عند المؤلف ورجح الشافعي الثالث كما في فتح الباري [5/ 272] والظاهر أن الاحتمال الثاني أبعد الثلاثة. (إنك) بكسر الهمزة على الاستئناف (أن تذر) وتترك بفتح الهمزة في أن على أنها مصدرية، والجملة الفعلية صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء وقوله: (ورثتك أغنياء) مفعولان لتذر، والخبر قوله: (خير) والجملة الابتدائية في محل الرفع خبر إن والتقدير إنك تركك ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم فقراء، وجملة إن مستأنفة أي إنك تركك بنتك وأولاد أخيك عتبة بن أبي وقاص منهم هاشم بن عتبة الصحابي مستغنين عن الناس خير (من أن تذرهم) وتتركهم (عالة) بتخفيف اللام أي فقراء (يتكففون الناس) أي يسألونهم بمد الأكف إليهم بأن يبسطوها للسؤال أو يسألونهم ما يكف عنهم الجوع، ورُوي كسر همزة إن تذر على أنها شرطية وتذر مجزوم بها وخير خبر لمبتدإ محذوف مع فاء الجزاء والتقدير إن تذر ورثتك أغنياء فهو خير من أن تذرهم إلخ ومثل هذا الحذف سائغ شائع غير مختص بضرورة الشعر كما قيل، قال ابن المنير: إنما عبّر له صلى الله عليه وسلم بلفظة الورثة ولم يقل أن تدع بنتك مع أنَّه لم يكن له يومئذٍ إلَّا ابنة لكون الوارث حينئذٍ لم يتحقق لأن سعدًا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتَّى ترثه وكان من الجائز أن تموت هي قبله، فأجاب صلى الله عليه وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة ولم يخص بنتًا من غيرها، وقال الفاكهي: إنما عبّر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه اطلع بالوحي على أن سعدًا سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة، وقد حكى الحافظ في الفتح [5/ 273] القولين ثم قال: وليس قوله أن تدع بنتك متعينًا لأن ميراثه لم يكن منحصرًا فيها فقد كان لأخيه عتبة بن أبي وقاص أولاد إذ ذاك منهم هاشم بن عتبة الصحابي الَّذي قُتل بصفين فجاز التعبير بالورثة لتدخل البنت وغيرها ممن يرثه لو وقع موته إذ ذاك أو بعد ذلك.

وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، إلا أُجِرْتَ بِهَا. حَتَّى اللُّقْمَةِ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (عالة) بتخفيف اللام جمع عائل، والعائل الفقير، وقيل العيل، والعالة الفقر كذا في عمدة القاري [4/ 100] والفعل منه عال يعيل إذا افتقر كذا في فتح الباري [273 /]. قوله: (يتكففون الناس) أي يطلبون الصدقة من أكف الناس وقيل: يسألونهم بأكفهم يقال: تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه لسؤال أو سال ما يكف عنه الجوع أو يسأل كفًّا كفًّا من طعام اهـ من الكرماني [6/ 121] وفتح الباري. وقوله: (ولست تنفق نفقة) صغيرة ولا كبيرة دفع لما يتوهم من أن الثواب كله في التصدق على الأجانب أو الإيصاء لهم فبيّن صلى الله عليه وسلم أن النفقة على العيال موجب للأجر أيضًا، وقوله: (تبتغي) وتطلب (بها) أي بتلك النفقة (وجه الله) تعالى ورضاه صفة لنفقة، وفيه دليل على أن ثواب الواجب يزداد باستحضاريته القربة لأن الإنفاق على الزوجة واجب وفي فعله الأجر فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك أفاده الحافظ عن ابن أبي جمرة (إلا أُجرت بها) أي بتلك النفقة أي إلَّا أثبت عليها، قال القرطبي: وهذا يفيد بمنطوقه أن الأجر في النفقات لا يحصل إلَّا بقصد القربة إلى الله عزَّ وجلَّ وإن كانت واجبة وبمفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر على شيء منها، والمعنيان صحيحان ويبقى أن يقال: فهل إذا أنفق نفقة واجبة على الزوجة أو الولد الفقير ولم يقصد التقريب هل تبرأ ذمته أم لا؟ فالجواب أنها تبرأ ذمته من المطالبة لأن وجوب النفقة من العبادات المعقولة المعنى فتجزئ بغير نية كالديون وأداء الأمانات وغيرها من العبادات المصلحية لكن إذا لم ينولم يحصل له أجر، ويفهم منه بحكم عمومه أن من أنفق نفقة مباحة وصحت له فيها نية التقريب أثيب عليها كمن يطعم ولده لذيذ الأطعمة ولطيفها ليبرد شهوته ويمنعه من التشوف لما يراه بيد الغير من ذلك النوع وليرق طبعه فيحسن فهمه ويقوى حفظه إلى غير ذلك مما يقصده الفضلاء. وقوله: (حتَّى اللقمة) أي تؤجر على جميع إنفاقاتك حتَّى تؤجر على اللقمة التي (تجعلها) وتضعها (في في) أي في فم (امرأتك) وزوجك التي هي من أخص حظوظك الدنيوية وشهواتك وملاذك المباحة فإن وضع اللقمة في فيها إنما يكون ذلك في العادة

قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُخَلَّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّه إذا قُصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى، قال القرطبي: وإنما خص الزوجة بالذكر لأن نفقتها دائمة تعود منفعتها على المنفق فإنها تحسِّنها في بدنها ولباسها وغير ذلك فالغالب من الناس أنَّه ينفق على زوجته لقضاء وطره وتحصيل شهوته وليس كذلك النفقة على الأبوين فإنها تخرج بمحض الكلفة والمشقة غالبًا فكانت نية القرب فيها أقرب وأظهر والنفقة على الولد فيها شبه من نفقة الزوجة وشبه من نفقة الوالدين من حيث المحبة الطبيعية والكلفة الوجودية اهـ من المفهم. ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئًا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يُثاب عليه وذلك كالأكل والشرب بنية التقوي على طاعة الله تعالى والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطًا والاستمتاع بزوجته أو جاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام وليقضي حقها وليحصل ولدًا صالحًا وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن بُضع أحدكم صدقة" والله أعلم. وقوله: (حتَّى اللقمة) بالجر على أن حتَّى جارة وبالرفع على كونها ابتدائية والخبر تجعلها وبالنصب عطفًا على نفقة قاله القسطلاني، وضبطه العسقلاني بالنصب عطفًا على نفقة وجوَّز الرفع (قلت): والأوضح العطف على ضمير بها والباء بمعنى على كما عليه حلنا. قال القرطبي: وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لسعد هذا الكلام في هذا الموطن تنبيهًا على الفوائد التي تحصل بسبب المال فإنه إن مات أُثيب على ترك ورثته أغنياء من حيث إنه وصل رحمهم وأعانهم بماله على طاعة الله تعالى كما قال: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة، أي ذلك أفضل من صدقتك بمالك وإن لم تمت حصل لك أجر النفقات الواجبة والمندوب إليها، ويُستفاد من هذا الحديث أن كسب المال وصرفه على هذه الوجوه أفضل من ترك الكسب أو من الخروج عنه جملة واحدة وكل هذا إذا كان الكسب من الحلال الخلي عن الشبهات الَّذي قد تعذر الوصول إليه في هذه الأعصار الحائدة والأزمان الفاسدة اهـ من المفهم. (قال) سعد: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله) أ (أخلف)

بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَال: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، إلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً. وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري كما هي مصرحة في بعض الروايات وبالبناء للمجهول أي هل أخلف وأترك في مكة (بعد) رجوع (أصحابي) ورفقتي الذين هاجرنا معهم أي بعد رجوعهم معك إلى المدينة هذا الاستفهام إنما صدر عن سعد مخافة أن يكون مقامه بمكة بعد رجوع أصحابه إلى أن يموت بها قادحًا في هجرته كما قد نص عليه في الرواية الأخرى إذ قد قال فيها: (لقد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت بها) فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي أن ذلك لا يكون وأنه يطول عمره إلى أن ينتفع به أقوام ويستضر به آخرون، وقد كان ذلك فإنه عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة وولي العراق أميرًا وفتح الله تعالى على يديه بلادًا كثيرة كفارس فأسلم على يديه بشر كثير فانتفعوا به وقتل وأسر من الكفار خلقًا كثيرًا فاستضروا به فكان ذلك القول من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم وأدلة صدق رسالته اهـ من المفهم. فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك) يا سعد (لن تخلّف) في الدنيا وتبقى فيها بعد موت أصحابك، والمراد بالتخفف هنا طول العمر والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه المهاجرين (فتعمل) فيها (عملًا) صالحًا (تبتغي) وتطلب (به) أي بذلك العمل (وجه الله) تعالى ورضاءه (إلا ازددت به) أي بذلك العمل عند الله (درجة) ومنزلة شامخة (ورفعة) وجاهًا في أهل الإسلام كما ولي العراق فيما ذكرنا آنفًا. (ولعلك) يا سعد (تخلَّف) بالبناء للمجهول أي تبقى في الدنيا بعد موت أصحابك يعني يطول عمرك، وكلمة لعل وإن كانت للترجي ولكنها من الله للأمر الواقع المحقق وكذلك إذا وردت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم غالبًا، وقد وقع الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن سعدًا عاش بعد ذلك أكثر من أربعين سنة بل قريبًا من خمسين لأنه مات سنة خمس وخمسين من الهجرة، وقيل سنة ثمان وخمسين وهو المشهور فيكون عاش بعد حجة الوداع خمسًا وأربعين أو ثمانيًا وأربعين كذا في فتح الباري [5/ 274]. (حتَّى ينفع بك أقوام) الظاهر أن ينفع ها هنا مبني للمجهول فتُضم ياؤه لأن النفع في المجرد لا يُستعمل لازمًا وكذلك يضر، وقد وقع في غير مسلم من الروايات (حتَّى

وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ. وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتفع بك أقوام) بالبناء للمعلوم لأن الانتفاع لازم أي حتَّى ينتفع بك أقوام من المسلمين في دينهم ودنياهم بما يستفتح عليك من بلاد الشرك من الغنائم (ويُضر بك آخرون) من المشركين الذين يهلكون على يديك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أمض) بقطع الهمزة يقال: أمضيت الأمر أي أنفذته والمعنى أتمم (لأصحابي هجرتهم) ولا تنقص عنهم من أجرهم شيئًا ولا تبطلها (ولا تردهم على أعقابهم) أي ولا ترجعهم إلى ورائهم برجوعهم إلى وطنهم وترك المقام بالمدينة إلى أن يموتوا بها، وإن كان قد ارتفع حكم وجوب أصلها عمن لم يهاجر يوم الفتح حيث قال: "لا هجرة بعد الفتح، متفق عليه، وقال: "إن الهجرة قد مضت لأهلها" متفق عليه، أي من كان هاجر قبل الفتح صحت له هجرته ولزمه البقاء عليها إلى الموت ومن لم يكن هاجر سقط عنه ذلك اهـ. مفهم. (لكن البائس) يجوز أن تكون لكن مخففة والبائس مرفوعًا على الابتداء وأن تكون مشددة والبائس اسمها منصوب، و (سعد بن خولة) بالرفع خبر المبتدأ أو خبرها والبائس اسم فاعل من بئس يبأس إذا أصابه بؤس أي ضرر وحزن؛ والمراد به هنا فاعل بمعنى مفعول نظير قوله تعالى: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي مرضية كذا في عمدة القاري، والظاهر أنَّه ليس المراد من لفظ البائس كونه فقيرًا من حيث المال وإنما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة تحسرًا عليه وترحمًا له وتفجعًا عليه لموته بمكة في حجة الوداع في تلك الحجة التي مرض فيها سعد بن أبي وقاص، والظاهر أن هذا القول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال المحدثون: انتهى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (لكن البائس سعد بن خولة) وأما قوله بعد ذلك: (رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة) فظاهره أنَّه من كلام غير النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هو قول سعد بن أبي وقاص وقد جاء ذلك في بعض طرقه وأكثر الناس على أنَّه مدرج من كلام الزهري والله تعالى أعلم اهـ من المفهم بتصرف وزيادة. ومعنى هذا الكلام لكن المبؤوس عليه أي المتفجع عليه سعد بن خولة أي لكن الَّذي تفجعت وتوجعت عليه سعد بن خولة لموته بمكة بعد هجرته عنها في هذه الحجة لا أنت يا سعد بن أبي وقاص لعلك لا تموت في مكة ويطول عمرك حتَّى ينتفع بك أقوام

قَال: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. 4077 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من المسلمين ويضر بك أقوام من المشركين وسعد بن خولة هو زوج ربيعة الأسلمية وهو رجل من بني عامر بن لؤي من أنفسهم، وقيل: حليف لهم، قال ابن هشام: إنه هاجر الهجرة إلى الحبشة والهجرة الثانية وشهد بدرًا وغيرها وتوفي بمكة في حجة الوداع ولذلك تحزن له النبي صلى الله عليه وسلم لموته بمكة بعد الهجرتين قبل حجه مع النبي صلى الله عليه وسلم على خلاف ما تمناه من أن يموت في دار هجرته (قال) سعد بن أبي وقاص كما صرح به البخاري في كتاب الدعوات أو الزهري كما أفاد أبو داود الطيالسي في روايته لهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد عن الزهري أن قائله الزهري وعليه أكثر المحدثين كما مر آنفًا (رثى) أي تحزن وتفجع وتوجع (له) أي لأجل سعد بن خولة (رسول الله صلى الله عليه وسلم من) أجل (أن توفي بمكة) في حجة الوداع، قوله: (رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم) من رثيت الميت مرثية إذا عددت محاسنه ورثات بالهمزة لغة فيه فإن قيل: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي كما رواه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم فإذا نهى عنه فكيف يفعله؛ فالجواب أن المرثية المنهي عنها ما فيه مدح الميت وذكر محاسنه الباعث على تهييج الحزن وتجديد اللوعة أو فعلها مع الاجتماع لها أو على الإكثار منها دون ما عدا ذلك والمراد توجعه صلى الله عليه وسلم وتحزنه على سعد لكونه مات بمكة بعد الهجرة منها لا مدح للميت لتهييج الحزن كذا ذكره القسطلاني، وقوله: (من أن توفي بمكة) بفتح الهمزة أي لأجل موته بأرض هاجر منها وكان يكره موته بها فلم يعط ما تمنى، قال ابن بطال: وأن قوله: يرثي له فهو من كلام الزهري تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم: لكن البائس الخ أي رثى له حين مات بمكة وكان يهوى أن يموت بغيرها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 179]، والبخاري [6733]، وأبو داود [2861]، والترمذي [2116]، والنسائي [6/ 241]، وابن ماجة [2708]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4077 - (00) (00) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (وأبو بكر بن

أَبِي شَيْبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بن عُيَينَةَ. ح وَحدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 4078 - (00) (00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ. قَال: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَعُودُنِي. فَذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي شيبة) العبسي الكوفي (قالا: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (وحرملة) بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري (قالا: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني سفيان بن عيينة ويونس ومعمرًا رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عامر بن سعد عن أبيه، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لإبراهيم بن سعد (نحوه) أي نحو ما روى إبراهيم بن سعد عن الزهري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4078 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا أبو داود الحفري) بفتح الحاء نسبة إلى حفر وهو موضع بالكوفة، عمر بن سعد بن عبيد الكوفي، ثقة، من (9) قال ابن المديني: ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري، وقال وكيع: إن كان يدفع بأحد البلاء والنوازل في زماننا فبأبي داود (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (عن) أبيه (سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعد بن إبراهيم للزهري (قال) سعد بن أبي وقاص (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي) في منزلي بمكة في حجة الوداع وأنا مريض حالة كونه (يعودني) من مرضي (فذكر)

بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. وَلَمْ يَذكُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا. 4079 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: مَرِضتُ فَأَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللًّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمُ مَالِي حَيثُ شِئْتُ. فَأَبَى ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد بن إبراهيم (بمعنى حديث الزهري و) لكن (لم يذكر) سعد (قول النبي صلى الله عليه وسلم في سعد بن خولة) يعني قوله لكن البائس سعد بن خولة (غير أنَّه) أي لكن أن سعد بن إبراهيم (قال) في روايته (وكان) سعد بن أبي وقاص (يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها) يعني مكة كما مات بها سعد بن خولة فبكى سعد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟ " فقال: لقد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشف سعدًا اللهم اشف سعدًا" ثلاث مرار الحديث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4079 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حَدَّثَنَا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب بمعجمة ثم تحتانية، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبو المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (حدثني مصعب بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبو زرارة المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مصعب بن سعد لعامر بن سعد (قال) سعد (مرضت) في مكة في حجة الوداع بعد فراغنا من الحج فاشتد بي الوجع (فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ليعودني فجاء إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له: (دعني) أي اتركني يا رسول الله على قسمة مالي كله ولا تمنعني منها إن تركتني عليها (أقسم مالي حيث شئت) أي في المحل الَّذي شئت القسم فيه من الأجانب والورثة، وقوله: أقسم مجزوم بالطلب السابق قبله (فأبى) أي فامتنع

قُلْتُ: فَالنِّصْفُ؟ فَأَبَى. قُلْتُ: فَالثُّلُثَ؟ قَال: فَسَكَتَ بَعْدَ الثلُثِ. قَال: فَكَانَ، بَعْدُ، الثلُثُ جَائِزًا. 4080 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَانَ، بَعْدُ، الثُّلُثُ جَائِزًا. 4081 - (00) (00) وحدَّثني الْقَاسمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لي في قسم مالي كله (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (فـ) أذن لي في أن أقسم (النصف) بالنصف بعامل محذوف كما قدرناه أو بالرفع على الابتداء، والتقدير فالنصف أطلب الإذن لي فيه (فأبى) أي فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ياذن لي في النصف فـ (قلت) له (فالثلث) أطلب الإذن فيه بالرفع والنصب كسابقه (قال) سعد: (فسكت) عني رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد) ما ذكرت له بـ (الثلث) إشعارًا بالإذن لي (قال) سعد: (فكان بعد الثلث جائزًا) أي فكان الإيصاء بالثلث جائزًا بعد قصتي تلك والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سعد رضي الله عنه فقال: 4080 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (عن سماك) بن حرب (بهذا الإسناد) يعني عن مصعب بن سعد عن أبيه (نحوه) أي نحو ما حدَّث زهير بن معاوية عن سماك، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لزهير بن معاوية (و) لكن (لم يذكر) شعبة لفظة (فكان بعد الثلث جائزًا) كما ذكره زهير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4081 - (00) (00) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي، ثقة، من (7) (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر الكوفي، ثقة، من (3) (عن

مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ. قَال: "لَا". قُلْتُ: فَالنِّصْفُ. قَال: "لَا" فَقُلْتُ: أَبِالثُّلُثِ؟ فَقَال: "نَعَمْ. وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ". 4082 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ. كُلُّهُمْ يُحدِّثُهُ عَنْ أَبِيهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ مصعب بن سعد عن أبيه) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لسماك بن حرب (قال) سعد (عادني النبي صلى الله عليه وسلم) أي زارني حين كنت مريضًا في مكة في حجة الوداع (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: بلغ بي المرض ما ترى وأنا خشيت الموت وليس لي وارث سوى بنت واحدة وأنا أريد أن (أوصي بمالي كله) في سبيل الخير فماذا ترى يا رسول الله فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) توص بمالك كله فـ (قلت) له: (فـ) إني أريد أن أوصي بـ (النصف) بالجر وبالرفع والتقدير عليه فالنصف أوصي به فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) توص بالنصف قال سعد: (فقلت) له: (أ) أوصي (بالثلث؟ فقال) لي: (نعم) أوص به (والثلث كثير) بالمثلثة أي كثير العدد أو كثير الأجر، وفي رواية كبير بالموحدة وهو بمعناه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4082 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي) نزولًا (حَدَّثَنَا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي أبي بكر البصري (عن عمرو بن سعيد) الثقفي البصري، روى عن حميد بن عبد الرحمن الحميري في الوصايا، وأنس في المناقب، ويروي عنه (م عم) وأيوب السختياني، ثقة، من الخامسة (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري) البصري الفقيه، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن ثلاثة من ولد سعد) بن أبي وقاص عامر ومصعب ومحمد وكان لسعد رضي الله عنه أكثر من عشرة بنين وثنتا عشرة بنتًا ذكره الحافظ في الفتح [5/ 273] عن ابن سعد (كلهم) أي كل من الثلاثة (يحدِّثه عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة حميد بن

أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى سَعْدٍ يَعُودُهُ بِمَكَّةَ. فَبَكَى. قَال: "مَا يُبْكِيكَ؟ " لا فَقَال: قَدْ خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ بِالأَرْضِ التِي هَاجَرْتُ مِنْهَا. كَمَا مَاتَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ. فَقَال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا. اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا" ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا. وَإِنَّمَا يَرِثُنِي ابْنَتِي. أَفأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَال: "لَا" قَال: فَبِالثُّلُثَينِ؟ قَال: "لَا" قَال: فَالنِّصْفُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن الحميري للزهري وسماك بن حرب وعبد الملك بن عمير (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد) بن أبي وقاص حالة كونه (يعوده) من مرضه الَّذي مرض (بمكة) في حجة الوداع (فبكى) سعد حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك) يا سعد (فقال) سعد: (قد خشيت) يا رسول الله (أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة) فيها قريبًا في سفرنا هذا (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اشف سعدًا اللهم اشف سعدًا ثلاث مرار) ثم (قال) سعد (يا رسول الله إن لي مالًا كثيرًا وإنما يرثني) من ذوي الفروض (ابنتي) الواحدة يعني في تلك الحالة فلا يعارض قوله في أول هذا الحديث عن ثلاثة من ولد سعد وقد تقدم في أثناء روايات الباب ذكر اثنين منهم وهما عامر بن سعد ومصعب بن سعد، وبقي ثالثهم غير مذكور هنا ولعله محمد بن سعد فإنه الَّذي ذُكر في رواة الحديث كأخويه المذكورين على ما يُفهم من معارف ابن قتيبة وهو الَّذي خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج صبرًا، وكان ابنه إسماعيل بن محمد بن سعد من فقهاء قريش وهؤلاء الإخوة الثلاثة مذكورون في الخلاصة الخزرجية على ترتيب حروف أسمائهم، وكان لسعد رضي الله عنه ابنان آخران أحدهما: موسى بن سعد ولم يُذكر له رواية، وثانيهما: عمر بن سعد وهو أكبر أولاده، أخرجه سبحانه من صلبه إخراجه الميت من الحي فهو قاتل سيدنا الحسين وكان عبيد الله بن زياد وجّهه لقتاله فكان ما كان مما لا ينبغي هنا أن يُذكر ولا تسأل عن الخبر اهـ من بعض الهوامش (أفأوصي بمالي كله) بهمزة الاستفهام الاستئذاني أي هل أتبرع بمالي كله فأُوصيه في الخيرات فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد (لا) توص بمالك كله (قال) سعد أ (فـ) أوصي (بالثلثين) منه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) توص بالثلثين (قال) سعد: (فالنصف) بالجر أي أفاوصي بالنصف وبالرفع أي فيجوز النصف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قَال: "لَا" قَال: فَالثُّلُثُ؟ قَال: "الثُّلُثُ. وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ. وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ. وَإِنَّكَ أَنْ تَدَعَ أَهْلَكَ بِخَيرٍ (أَوْ قَال: بِعَيشٍ)، خَيرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" وَقَال بِيَدِهِ. 4083 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا) يجوز النصف أو لا توص بالنصف (قال) سعد: (فالثلث) أوصيه أو أوصي بالثلث (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثلث) يكفيك في الإيصاء (والثلث كثير) وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اشف سعدًا ثلاث مرار) يدل على ندبية تطييب قلب المريض بالدعاء وعلى إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أفاق وعاش مدة طويلة وفتح وملك كما قدمناه، وقوله: (إن لي مالًا كثيرًا) دليل على جواز الاستكثار من المال الحلال لحصول الفوائد التي ذكرناها اهـ من المفهم (أن صدقتك من مالك) على المحاويج والمساكين سواء كانت واجبة كالزكاة أو سنة كصدقة التطوع (صدقة) أي مقبولة عند الله تعالى حاصل لك ثوابها (وإن نفقتك على عيالك) أي على من تعولهم وتمونهم من الأزواج والأولاد والأرقاء وغيرهم (صدقة) أي يحصل لك عليها من الثواب مثل ما يحصل من ثواب الصدقة واجبها كواجبها ونفلها كنفلها (وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة) لك أي يكتب لك ثواب الواجب في القدر الواجب وثواب النفل في الزائد عليه (وإنك) يا سعد (أن تدع) وتترك (أهلك) وورثتك (بخير) أي ملتبسين بمالك آخذين وارثين له (أو قال) الراوي: ملتبسين (بعيش) أي بما يعاش به، والشك من الراوي أو ممن دونه في هذه الرواية، والخير هنا المال وكذلك هو في أكثر مواضع القرآن، والعيش هنا هو ما يعاش به وهو المال اهـ من المفهم (خير) لك خبر المبتدأ المؤول من أن المصدرية مع صلتها، وجملة الابتداء خبر إن (من أن تدعهم) أي تتركهم (يتكففون) أي يسألون (الناس) بمد أكفهم إليهم (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: أي أشار (بيده) الشريفة إلى صورة السؤال بالتكفف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4083 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ ثَلاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ. قَالُوا: مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ. فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ. بِنَحْو حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ. 4084 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (حَدَّثَنَا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (حَدَّثَنَا أيوب) السختياني (عن عمرو بن سعيد) الثقفي أبي سعيد البصري (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري) البصري (عن ثلاثة من ولد سعد) بن أبي وقاص عامر ومصعب ومحمد (قالوا): أي قال كل من الثلاثة أولاد. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لعبد الوهاب الثقفي، قال القرطبي: وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث انقطاع في أصل كتاب مسلم وهو من المواضع المنقطعة الأربعة عشر الواقعة فيه لكن لا يضر ذلك إن صح لأنه قد رواه من طرق أخر متصلة اهـ من المفهم (مرض) والدنا (سعد) بن أبي وقاص (بمكة) في حجة الوداع (فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يعوده) من مرضه وساق حماد بن زيد (بنحو حديث) عبد الوهاب (الثقفي) عن أيوب السختياني، فهذه الرواية مرسلة والأولى متصلة لأن أولاد سعد تابعيون، قال القاضي عياض: وإنما ذكر مسلم هذه الرواية المختلف في وصلها وإرسالها ليبين اختلاف الرواة في ذلك وهذا وشبهه من العلل التي وعد مسلم في خطبة كتابه أنَّه يذكرها في مواضعها وظن ظانون أنَّه يأتي بها مفردة وأنه توفي قبل ذكرها، والصواب أنَّه ذكرها في تضاعيف كتابه كما أوضحناه في أول هذا الشرح ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة الرواية ولا في صحة الحديث لأن الحديث وصل من غير طريق حميد بن عبد الرحمن عن أولاد سعد اهـ، قال النووي: وقد قدمنا أن الحديث إذا ورد متصلًا ومرسلًا فمذهب المحققين أنَّه يحكم بالاتصال لأنه زيادة عدل، وقد عرض الدارقطني بتضعيف هذه الرواية وجوابه ما تقدم من مذهب المحققين اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 4084 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى حَدَّثَنَا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا هشام) بن حسان الأزدي

عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنِي ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. كُلُّهُمْ يُحدِّثُنِيهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ صَاحِبهِ. فَقَال: مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ. فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيدِ الْحِمْيَرِيِّ. 4085 - (1568) (132) حدَّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ). ح وَحدَّثنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حدَّثنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو كُرَيب. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا ـــــــــــــــــــــــــــــ القردوسي نسبة إلى القراديس بطن من الأزد أبو عبد الله البصري، ثقة، من (6) (عن محمد) بن سيرين الأنصاري البصري (عن حميد بن عبد الرحمن) البصري (حدثني ثلاثة من ولد سعد بن) أبي وقاص (مالك) بن أهيب القرشي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن سيرين لعمرو بن سعيد، قال حميد بن عبد الرحمن الحميري (كلهم) أي كل من الأولاد الثلاثة (يحدّثنيه) أي يحدّثني هذا الحديث (بمثل حديث صاحبه فقال) كل من الثلاثة (مرض) والدنا (سعد بمكة) المكرمة عام حجة الوداع (فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم) في منزله لي (يعوده) من مرضه، وساق محمد بن سيرين (بمثل حديث عمرو بن سعيد عن حميد) بن عبد الرحمن (الحميري) وهذه الرواية مرسلة أيضًا كالتي قبلها فيقال فيها ما قيل فيها. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بأثر ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4085 - (1568) (132) (حدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق (الرازي) ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (قالا): أي قال كل من أبي بكر وأبي غريب (حَدَّثَنَا وكيع ح وحدثنا أبو كريب حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير كلهم) أي كل من الثلاثة يعني عيسى بن يونس ووكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير رووا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن ابن عباس قال) ابن عباس برأيه (لو أن الناس) الذين أرادوا الإيصاء (غضوا) أي نقصوا في

مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الثُّلُثُ. وَالثُّلُثُ كثِيرٌ". وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: "كبِيرٌ، أَوْ كثِيرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإيصاء (من الثلث إلى الربع) وكلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب، والمعنى أتمنى نقصهم في الإيصاء من الثلث إلى الربع وإن كانت للشرط فالجواب محذوف تقديره لو أنهم نقصوا من الثلث إلى الربع كان خيرًا لهم وأحب إليّ وكذلك رواه الإسماعيلي بلفظ كان أحب إليَّ، وفي رواية أخرى كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه الحافظ في الفتح [5/ 277] والغض والغضاضة من باب نصر النقص، ومنه قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} يعني انقص من جهارته كذا في مجمع البحار للفتني وفي هذا الأثر حجة للحنفية لاستحباب نقص الوصية من الثلث وإن كان الورثة أغنياء. وقوله: (من الثلث إلى الربع) هذا اجتهاد من ابن عباس رضي الله عنهما في قدر النقص من الثلث، وقد رويت عن غيره مقادير مختلفة فعن أبي بكر رضي الله عنه أنَّه أوصى بالخمس وقال: إن الله تعالى رضي من غنائم المؤمنين بالخمس، وقال معمر عن قتادة: أوصى عمر رضي الله عنه بالربع، وقال ابن إسحاق: السنة الربع، ورُوي عن علي رضي الله عنه: لأن أوصي بالخمس أحب إليّ من الربع ولأن أوصي بالربع أحب إليّ من الثلث. واختار آخرون السدس وقال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يوصوا مثل نصيب أحد الورثة حتَّى يكون أقل وكان السدس أحب إليهم من الثلث، واختار آخرون العُشر كذا في عمدة القاري [6/ 483]. وقوله: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث) يكفيك (والثلث كثير) تعليل لما اختاره ابن عباس من النقصان من الثلث وكأنه أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وسلم الثلث بالكثرة والله أعلم (وفي حديث وكيع) وروايته (كبير) بالموحدة (أو كثير) بالمثلثة، والشك من الراوي، والمعنى فيهما واحد والحاصل منهما أن النبي صلى الله عليه وسلم استكثر الثلث مع أنَّه أجازه أولًا بقوله: فينبغي أن يُنقص منه شيء له بال وهو غير محدود اهـ من المفهم. وهذا الأثر انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به للحديث الثاني. ***

587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف

587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف 4086 - (1569) (133) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ. فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 587 - (27) باب الصدقة عمن لم يوص وما ينتفع به الإنسان بعد الموت والوقف 4086 - (1569) (133) (حَدَّثنا يحيى بن أبوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي أبي شبل المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (أن رجلًا) من الصحابة لم أر من ذكر اسمه (قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي) لم أر من ذكر اسمه كما في تنبيه مبهمات مسلم (مات وترك مالًا) كثيرًا (ولم يوص) فيه شيئًا (فهل يكفّر عنه) سيئاته (أن أتصدق عنه) أي هل تكفر صدقتي عنه سيئاته إن تصدقت عنه اهـ نووي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) تكفر عنه صدقتك عنه، وقوله: (فهل يكفّر عنه) يحتمل أن يكون ذلك حين ما كانت الوصية واجبة على المسلمين فالمعنى هل يكون تصدقي كفارة عما أخطأ أبي في ترك الوصية وهذا محتمل لا سبيل إلى دفعه، ويحتمل أن يكون بعد نزول أحكام الميراث فالمعنى هل تكفر هذه الصدقة عما أذنب أبي في حياته؟ والظاهر من كلام النواوي أنَّه اختار الاحتمال الثاني واختار أن هذه الواقعة وواقعة الحديث الآتي عن عائشة واحدة. قال القرطبي: وظاهر قوله: (فهل يكفّر عنه أن أتصدق عنه) أنَّه علم أن أباه كان فرّط في صدقات واجبة فسأل هل يُجزئ عنه أن يقوم بها عنه فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بـ (نعم) وعلى هذا فيكون فيه دليل على أن من قام عن آخر بواجب مالي في الحياة

4087 - (1570) (134) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أو بعد الموت أجزأ عنه، وهذا مما تجوز النيابة فيه بالإجماع وأنه مما يستحب وخصوصًا في الآباء فإنها مبالغة في برهم والقيام بحقوقهم بل قال الشافعي: إذا علم الوارث أن مورثه فرّط في زكوات أو واجبات مالية وجب عليه إخراج ذلك من رأس المال كالدّين، وقال مالك: إن أوصى بذلك أخرج من الثلث وإلا فلا، وقال بعض أصحابه: إذ عُلم أنه لم يخرج الزكاة أُخرجت من رأس المال وصى بها أو لم يوص قاله أشهب، وهو الصحيح لأن ذلك دين الله وقد قال صلى الله عليه وسلم: "دَين الله أحق بالقضاء" أو نقول هو من جملة ديون الآدميين لأنه حق الفقراء وهم موجودون وليس للوارث حق إلا بعد إخراج الدين والوصايا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [6/ 251]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4087 - (1570) (134) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن هشام بن عروة أخبرني أبي) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المسلمين اسمه سعد بن عبادة، وقد صرح باسم سعد بن عبادة في صحيح البخاري في رقم [2756]، ورقم [2761] واسم أمه عمرة بنت مسعود كما قال ابن سعد وغيره، وانظر فتح الباري [5/ 386 و 389] اهـ من تنبيه مبهمات مسلم. (قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي) عمرة بنت مسعود (افْتُلِتَت) بضم التاء وكسر اللام بالبناء للمجهول (نفسها) أي روحها بالرفع على أنه نائب فاعل لافتلتت أي أُخذت وقُبضت روحها فلتة أي بغتة وفجأة، وقد رُوي نصب نفسها على أنه المفعول الثاني لافتلتت والمفعول الأول ضمير ناب عن الفاعل استتر في الفعل أي افتلتت وأخذت هي نفسها أي سُلبت أمي نفسها بغتة أي فجأة بلا سبب ولا مرض يقال: افتلت الرجل بالبناء للفاعل إذا سلبه وافتلت الرجل بالبناء للمجهول إذا فوجئ قبل أن يستعد له

وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ. فَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى كل حال فالمراد أنها ماتت فجأة (وإني أظنها) أنها (لو تكلمت) أي قدرت على الكلام (تصدقت) وتبرعت بمالها، قال القرطبي: ظن ذلك بما علم من قصدها للخير وفعلها للمعروف، وقد رُوي أن هذا السائل كان سعد بن عبادة (احتضرت أمه في غيبة سعد) فقيل لها: أوصي، فقالت: إنما المال لسعد، فتوفيت قبل قدومه فسأل سعد النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك اهـ من المفهم، أ (فلي أجر) بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري أي فهل لي أجر وثواب في (أن أتصدق عنها) أي في تصدقي عنها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه: (نعم) لك أجر في التصدق عنها ذكر المصنف اختلاف الروايات في الحديث فوقع في بعضها (فلي أجر) وفي بعضها (فهل لي أجر) وفي أخرى: (أفلها أجر) وجواب النبي صلى الله عليه وسلم في كلتا الروايتين بنعم فيحصل منه أن الثواب في مثله للمهدي والمهدى إليه كليهما واختلاف الرواة لعله نشأ بأن كلا ذكر ما لم يذكره الآخر وكان السؤال عن أجر كليهما والله أعلم اهـ من التكملة، وعبارة القرطبي في الرواية الآتية (أفلها أجر) ولا تعارض بين الروايتين لأنه يمكن أن يكون سأل النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغتين فأجابه بمجموعهما غير أنه حدّث تارة بإحداهما وتارة بالأخرى أو يكون من نقل بعض الرواة عنه ومعنى الجمع بينهما صحيح لأنه يكون لها أجر بما تصدق عنها وله أجر بما برّها به وأدخله عليها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2760]، وأبو داود [2881]، والنسائي [6/ 250]. (واعلم) أنه قد أنكرت المعتزلة ومن وافقهم في عصرنا من الفرق الباطلة وصول الثواب إلى الميت استدلالًا بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (39)} وأجاب عنه بعضهم بأنه قيدته الأحاديث الصحيحة المشهورة أو خصصته بغير إيصال الثواب أو بأن إهداء الثواب إنما يكون لإيمان المهدي إليه وعمله الصالح وهو من جملة ما سعى في حياته، والأحسن ما أجاب به ابن الصلاح في فتاواه ص (9) فقال: معنى الآية لا حق له ولا جزاء إلا فيما سعى ولا يدخل فيه ما يتبرع به الغير من قراءة أو دعاء وإنه لا حق له في ذلك ولا مجازاة وإنما أعطاه الغير تبرعًا. وأوضحه شيخ الإسلام ابن تيميمة في فتاواه [7/ 499] بقوله ليس له إلا سعيه وهذا حق فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي

4088 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا. وَلَمْ تُوصِ. وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ. أَفَلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ نفسه وأما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه به، وقال في موضع من فتاواه [24/ 367] لكن الجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال ليس للإنسان إلا ما سعى فهو لا يملك إلا سعيه ولا يستحق غير ذلك، وأما سعي غيره فهو له كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز وهكذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك كما ينفعه بدعائه له والصدقة عنه وهو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليهم ودعائهم له عند قبره. وذكر ابن تيمية أيضًا رحمه الله تعالى في رسالته في شرح حديث أبي ذر أنه قد بين في غير ما موضع نحوًا من ثلاثين دليلًا شرعيًّا يبين انتفاع الإنسان بسعي غيره إذ الآية إنما نفت استحقاق السعي وملكه وليس كل ما لا يستحقه الإنسان ولا يملكه لا يجوز أن يحسن إليه مالكه ومستحقه بما ينتفع به منه. راجع له مجموعة الرسائل المنيرية [3/ 209] وهذا عندي أحسن ما قيل في هذا الباب والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4088 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون مصغرًا الهمداني بسكون الميم أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة، حافظ، من (10) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافضة العبدي، الكوفي ثقة، من (9) (حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن بشر ليحيى القطان (أن رجلًا) سعد بن عبادة (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له: (يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها) بالرفع والنصب كما مر أي قبضت روحها بغتة (ولم توص) شيئًا من التبرعات (وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها

أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَال: "نَعَمْ". 4089 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). حَدَّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا أَبُو أُسَامَةَ وَرَوْحٌ فَفِي حَدِيثِهِمَا: فَهَلْ لِي أَجْرٌ؟ كَمَا قَال يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجر إن تصدقت عنها؟ قال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم) لها أجر ما تصدقت عنها. وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة بينهما وتقدم لك بيان كيفية الجمع بينهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4089 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10) (حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي، ثقة، من (9) (ح وحدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي البصري، صدوق، من (10) (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) بزاي مصغرًا التميمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (حدثنا روح وهو ابن القاسم) التميمي العنبري البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث أبو عون الكوفي المخزومي، صدوق، من (9) (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة يعني أبا أسامة وشعيب بن إسحاق وروح بن القاسم وجعفر بن عون رووا (عن هشام بن عروة بهذا الإصناد) يعني عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها. غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليحيى القطان ومحمد بن بشر في رواية هذا الحديث عن هشام بن عروة ثم بيّن ما اختلفوا فيه فقال: (أما أبو أسامة وروح ففي حديثهما فهل لي أجر كما قال يحيى بن سعيد) لكن فيه زيادة حرف الاستفهام (وأما

وَأَمَّا شُعَيبٌ وَجَعْفَرٌ فَفِي حَدِيثِهِمَا: أَفَلَهَا أَجْرٌ؟ كَرِوَايَةِ ابْنِ بِشْرٍ. 4090 - (1571) (135) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيةٍ. أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ. أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شعيب وجعفر ففي حديثهما أفلها أجر كرواية ابن بشر) وهي التي تقدمت في كتاب الزكاة في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، قال النووي: وهذه الأحاديث مخصصة لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (39}. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4090 - (1571) (135) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة يعني ابن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل هو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله) أي انقطع تجدد ثواب عمله كما في النووي يعني عمله الذي يستحق به الأجر فلا ينافي ما مر من وصول ثواب الصدقات إليه كما مر (إلا من ثلاثة) أمور، ولفظ رواية غير مسلم (إلا من ثلاث) خصال، وقوله: (إلا من صدقة جارية) بدل تفصيل من مجمل من ثلاثة وفسروا الصدقة الجارية بالوقف ومعناها دوام ثوابها مدة دوامها يعني من الصدقات التي يستمر نفعها للمتصدق عليهم وهذا أكثر ما يكون في الوقف (أو علم ينتفع به) كتعليم وتصنيف، قال التاج السبكي: والتصنيف أقوى لطول بقائه على ممر الزمان ذكره المناوي، وقال ابن الملك: وتقييد العلم بالمنتفع به لكون ما لا ينتفع به لا يُثمر أجرًا (أو ولد صالح يدعو له) قيد بالصالح لأن الأجر لا يحصل من غيره وأما الوزر فلا يلحق بالأب من سيئة ولده شيء إذا كان نيته في تحصيل الخير وإنما ذكر الدعاء له تحريضًا للولد على الدعاء لأبيه لا لأنه قيد لأن الأجر يحصل للوالد من ولده الصالح كلما عمل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عملًا صالحًا سواء دعا لأبيه أو لا كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء دعا له من أكلها أو لم يدع وكذلك الأم اهـ ابن الملك. قال القرطبي: إنما جرى عمل هذه الثلاث بعد الموت على من نسبت إليه لأنه تسبب في ذلك وحرص عليه ونواه ثم إن فوائدها متجددة بعده دائمة فصار كأنه باشرها بالفعل وكذلك حكم كل ما سنه الإنسان من الخير فتكرر بعده بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" رواه مسلم وغيره، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب الزكاة وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر في هذا الحديث لأنها أصول الخير وأغلب ما يقصد أهل الفضل بقاءه بعدهم والصدقة الجارية بعد الموت هي الحبس فكان حجة على من ينكر الحبس، وفيه ما يدل على الحض على تخليد العلوم الدينية بالتعليم والتصنيف، وعلى الاجتهاد في حمل الأولاد على طريق الخير والصلاح ووصيتهم بالدعاء عند موته وبعد الموت اهـ من المفهم. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [2877]، والترمذي [1376]، والنسائي [6/ 251]. وورد في أحاديث أخر زيادة على الثلاثة وتتبعها السيوطي فبلغت أحد عشر ونظمها في قوله: إذا مات ابن آدم ليس يجري ... عليه من فعال غير عشر علوم بثها ودعاء نجل ... وغرس النخل والصدقات تجري ورائة مصحف ورباط ثغر ... وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي ... إليه أو بناه محل ذكر وتعليم لقرآن كريم ... فخذها من أحاديث بحصر وسبقه إلى ذلك ابن العماد فعدها ثلاثة عشر وسرد أحاديثها والكل راجع إلى هذه الثلاث. وقال النووي في شرح مسلم في باب بيان أن الإسناد من الدين: أن الصدقة تصل

4091 - (1572) (136) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا سُلَيمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: أَصَابَ عُمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الميت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين وهذا هو الصواب وأما ما حكاه الماوردي من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب فهو مذهب باطل وخطأ بين عاطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأئمة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه انتهى، وأيضًا قال النووي في موضع آخر: وفي الحديث أن الدعاء يصل ثوابه للميت وكذلك الصدقة وهما مجمع عليهما انتهى، قال الخطابي: وفي الحديث دليل على أن الصوم والصلاة وما دخل في معناهما من عمل الأبدان لا تجري فيه النيابة وقد يستدل به من يذهب إلى أن من حج عن ميت فالحج يكون في الحقيقة للحاج دون المحجوج عنه وإنما يلحقه الدعاء ويكون له الأجر في المال الذي أُعطي إن كان حج عنه بمال اهـ، وقال الحافظ شمس الدين ابن القيم: اختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر فمذهب أحمد وجمهور السلف وصولها إلى الميت وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة رحمه الله تعالى والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل إلى الميت انتهى مختصرًا. قال المنذري: قال بعضهم: عمل الميت منقطع بموته لكن هذه الأشياء لما كان هو سببها من اكتسابه الولد وبثه العلم عند من حمله عنه وإبداعه تأليفًا بقي بعده ووقفه هذه الصدقة بقيت له أجورها ما بقيت ووجدت، وفيه دليل على جواز الوقف ورد على من منعه من الكوفيين لأن الصدقة الجارية الباقية بعد الموت إنما تكون بالوقف اهـ كلام المنذري اهـ من العون. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة في الصدقة الجارية وهي الوقف بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال: 4091 - (1572) (136) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا سُليم) بضم السين مصغرًا، وقال في المغني: إن سليمًا كله بالتصغير إلا سليم بن حيان فما وقع في بعض المواضع من شرح النووي من أنه بفتح السين لعله سبق قلم أر سهو منه اهـ، وسُليم (بن أخضر) هذا من ثقات البصريين لا سيما في حديث عبد الله بن عون، من (8) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن نافع عن ابن عمر قال) ابن عمر: (أصاب عمر) بن الخطاب رضي الله عنه.

أَرْضًا بِخَيبَرَ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيبَرَ. لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ. فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَال: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته لأنه من مسند ابن عمر، وفي الرواية الآتية جعله من مسند عمر فيكون من سداسياته أي أخذ عمر (أرضًا) وصارت إليه (بـ) قسم أرض (خيبر) بين الغانمين لها حين فُتحت خيبر عنوة وقسمت أرضها بينهم (فأتى) عمر (النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كون عمر (يستأمره) أي يستشير النبي صلى الله عليه وسلم (فيها) أي فيما يفعل بتلك الأرض طالبًا في ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى فيها من إمساكها أو وقفها أو هبتها أو بيعها. وقد وقع في رواية صخر بن جويرية عند البخاري في الوصايا أن اسم الأرض ثمغ وكانت نخلًا وذكر الحَمَويّ في معجم البلدان [2/ 84] أنه بسكون الميم، وقيده بعض المغاربة بالتحريك وأخرج عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر رأى في المنام ثلاث ليال أن يتصدق بثمغ حكاه الحافظ في الفتح. وقوله: (يستأمره فيها) فيه استحباب أن يستشير الرجل أهل العلم والدين والفضل في طرق الخير سواء كانت دينية أو دنيوية وأن المستشار يشير بأحسن ما يظهر له في جميع الأمور وأن مثل هذا السؤال لا يدخله الرياء بخلاف ما يقوله جُهّال المتقشفة كذا في مبسوط السرخسي [12/ 21]. (فقال) عمر في الاستشارة: (يا رسول الله إني أصبت) أي أخذت في نصيبي من الغنيمة (أرضًا بخيبر) ذات نخل تسمى ثمغًا (لم أصب مالًا قط) أي لم آخذ في زمن من الأزمنة الماضية مالًا (هو أنفس عندي) أي أعز وأجود (منه) أي من المال الذي حصلته بخيبر وكان مقتضى السياق أن يقول منها ولكنه ذكّره نظرًا إلى أنها بمعنى المال، وفي العون: الضمير يرجع إلى قوله أرضًا ولعل تذكيره باعتبار تأويلها بالمال اهـ، والأنفس بمعنى النفيس، والنفيس الجيد المغتبط به يقال نفس المال من باب كرم نفاسة إذا كان جيدًا، قال الداودي: سُمي نفيسًا لأنه يأخذ النفس ويجذبها إليه كذا في فتح الباري (فما) ذا (تأمرني به) فيها فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت حبست)

أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بتخفيف الموحدة وتشديدها أي وقفت (أصلها) أي نخلها وأرضها على ملك الله تعالى وهذا على قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: معناه حبسته على ملكك فلا تخرجها عن ملكك بالبيع والهبة (وتصدقت بها) أي بغلتها وحاصلها من حبوبها وثمارها وتصدقت بمنافعها يقال حبس الشيء في كذا إذا خصه له ومن هنا سُمي الوقف حبسًا وإن المتقدمين يستعملون للوقف لفظ الحبس عمومًا أخذًا بهذا الحديث وأما في اصطلاح المتأخرين فلفظ الوقف أكثر وأشهر. فقالوا: الوقف لغة الحبس يقال: وقفت كذا حبسته، وشرعًا: حبس مال معين قابل للنقل يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه وقطع التصرف فيه على أن يصرف في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى وأركانه واقف وموقوف وموقوف عليه وصيغة. وقوله: (حبس) الخ فيه استيفاء الشروط والأركان فأشار بالحبس إلى الصيغة وهو يستلزم الواقف والموقوف عليه. وقوله: (مال) هو الموقوف. وقوله: (معين) الخ بيان للشروط فخرج بالمعين ما في الذمة والمبهم كأحد عبديه لعدم تعيينهما وبالقابل للنقل المستولدة والمكاتب كتابة صحيحة لأنهما لا يقبلان النقل، وأما المكاتب كتابة فاسدة فيصح وقفه لأنه يقبل النقل لجواز بيعه. وقوله: (يمكن الانتفاع به) أي سواء كان الانتفاع به في الحال أم لا كعبد وجحش صغيرين وخرج بذلك ما لا يمكن الانتفاع به نحو الحمار الزمن الذي لا يُرجى برؤه بخلاف ما يُرجى برؤه بزوال زمانته فيصح وقفه. وقوله: (مع بقاء عينه) أي ولو مدة قصيرة أقلها زمن يقابل بأجرة لو أوجر وخرج به ما لا يمكن الانتفاع به إلا بذهاب عينه كشمعة للوقود وريحان للشم وطعام للأكل فلا يصح وقف شيء من ذلك لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه. وقوله: (وقطع التصرف فيه) معطوف على حبس عطف تفسير فهو بالرفع إلى آخر ما هو مبسوط في كتب الفروع من الشروط والأحكام اهـ بيجوري. وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر: (وتصدقت بها) أي جعلت منافعها للفقراء، وقد وقع ذلك صريحًا في رواية يحيى بن سعيد عند الطحاوي ولفظها (تصدق بثمره وحبس أصله) وفي رواية عبد الله بن عمر عند النسائي: احبس أصلها وسبل ثمرتها، والتسبيل الإباحة كأنك جعلت عليه طريقًا مطروقة كذا في مجمع البحار، وقال السندي: قوله: وسبل بتشديد الباء أي اجعل ثمرتها في سبيل الله ومنه

قَال: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ؛ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا. وَلَا يُبْتَاعُ. وَلَا يُورَثُ. وَلَا يُوهَبُ. قَال: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ. وَفِي الْقُرْبي. وَفِي الرِّقَابِ. وَفِي سَبِيلِ اللهِ. وَابْنِ السَّبِيلِ. وَالضَّيفِ. لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ. أَوْ يُطْعِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال الوقف المسبل يعني الوقف المباح (قال) ابن عمر: (فتصدق بها) أي وقف بأرضه (عمر) رضي الله عنه وشرط (أنه) أي أن الشأن والحال (لا يباع أصلها) أي أرضها ونخلها وأشجارها أي لا يبيعه الواقف ولا الناظر (ولا يبتاع) أي لا يشتري أصلها كذا في نسخة (ولا يبتاع) وفي المتن البولاقي (ولا تباع) والكل غلط وتكرار لما قبله والصواب إسقاطه كما هو ساقط في رواية القرطبي وفي رواية البخاري وعند أصحاب السنن، قال ابن حجر: زاد هذا في رواية مسلم فهو تحريف من بعض الرواة (ولا يورث) لورثة الواقف (ولا يوهب) لأحد من جهة الواقف والناظر، وظاهره أن هذا الشرط من كلام عمر رضي الله عنه (قال) ابن عمر: (فتصدق) بها (عمر في الفقراء) الذين لا مال لهم ولا كسب يقع موقعًا من حاجتهم (وفي) ذوي (القربى) للواقف أي وفي الأقارب له والمراد قربى الواقف لأنهم الأحق، بصدقة قريبهم، ويحتمل على بعد أن يراد قربى النبي صلى الله عليه وسلم كما في الغنيمة (وفي الرقاب) أي في عنقها بأن يُشترى من غلتها رقاب فيعتقون (وفي سبيل الله) أي في الجهاد وهو أعم من الغزاة، ومن شراء آلات الحرب وغير ذلك (وابن السبيل) أي المسافر أي مريد السفر وأطلق عليه ابن السبيل لشدة ملازمته للسبيل وهي الطريق ولو بالقصد (والضيف) وهو من نزل بقوم يريد القِرَى، قال العيني في العمدة: وهو من قبيل عطف العام على الخاص لأن الضيف يكون من المسافر ومن المقيم (لا جناح) أي لا ذنب ولا إثم (على من وليها) أي ولي أمر هذه الصدقة وسياستها وعملها (أن يأكل منها) أي من غلتها وثمرتها (بالمعروف) أي بالوجه الذي يتعارفه الناس فيما بينهم ولا ينسبون فاعله لإفراط فيه ولا تفريط. قال القرطبي: جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل منه يستقبح ذلك منه، والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة، وقيل: القدر الذي يدفع به الشهوة، وقيل: المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى كذا في فتح الباري (أو يطعم) معطوف على يأكل أي لا جناح على من وليها أن

صَدِيقًا. غَيرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. قَال: فَحَدَّثْتُ بِهذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا بَلَغْتُ هذَا الْمَكَانَ: غَيرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. قَال مُحَمَّدٌ: غَيرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا. قَال ابْنُ عَوْنٍ: وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هذَا الْكِتَابَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ يأكل هو بنفسه منها بالمعروف أو أن يطعم (صديقًا) له منها بالمعروف، والصديق بفتح الصاد وكسر الدال ضد العدو. وقوله: (غير متمول فيه) حال من فاعل يأكل ويطعم أي له أن يأكل ويطعم حالة كونه غير متخذ منها مالًا أي ملكًا في أكله وإطعامه منها، والمراد أن لا يتملك شيئًا من رقابها قاله القسطلاني فقال القاري: أي غير مدخر؛ يعني لا يجوز أن يكون أكله وإطعامه على وجه التمول والتمليك وتكثير المال، وإنما يكون بالقدر المعتاد في أكله وإطعامه (قال) عبد الله بن عون بالسند السابق (فحدثت بهذا الحديث) الذي سمعته عن نافع (محمدًا) ابن سيرين إلى آخره (فلما بلغت) ووصلت أنا في قراءته على محمد (هذا المكان) يعني لفظة (غير متمول فيه) وهو بدل محكي من قوله: هذا المكان أي فلما بلغت لفظة غير متمول فيه (قال) لي (محمد) بن سيرين: قل (غير متأثل) أي غير جامع منها (مالًا) متأصلًا مملوكًا بدل قوله: غير متمول فيه فإن الحديث هكذا، وقوله: (فحدث بهذا الحديث) قائله عبد الله بن عون كما هو مصرح في رواية الدارقطني، والمراد بمحمد هو محمد بن سيرين كما هو مصرح في رواية البخاري في الشروط فيقول ابن عون: إني حدثت هذا الحديث محمد بن سيرين بعدما سمعته من نافع فعدله ابن سيرين إلى (غير متأثل) بدل (غير متمول). وقوله: (غير متأثل مالًا) أي غير جامع مالًا أصيلًا من التأثل وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم موروث له من آبائه، وأثلة كل شيء أصله كذا في الفتح، وأثل الشيء أثولًا من باب نصر وتاثل من باب تفعل يقال: تأثل إذا صار من المال أصل قديم، ومنه قول امرئ القيس: ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي أي المجد القديم المؤصل، ويقال: أثل الرجل وتأثل إذا كثر ماله وهو مجاز وتأثل المال اكتسبه وجمعه واتخذه لنفسه كذا في تاج العروس [1/ 203]. (قال) عبد الله (بن عون) بالسند السابق: (وأنبأني من قرأ هذا الكتاب) أي ذلك

أَنَّ فِيهِ: غَيرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الكتاب الذي كتب فيه عمر صدقته أي أخبرني من قرأه (أن فيه) أي أن في ذلك الكتاب لفظة (غير متأثل) منها (مالًا) وفي رواية الترمذي من طريق ابن علية عن ابن عون حدثني رجل أنه قرأها في قطعة أديم أحمر، قال ابن علية: وأنا قرأتها عند ابن عبيد الله بن عمر كذلك وقد أخرج أبو داود لفظ كتاب وقف عمر من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري قال: نسخها عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عمر وفيه (غير متأثل). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 12]، والبخاري [2737]، وأبو داود [2878]، والترمذي [1375]، والنسائي [6/ 230]، وابن ماجه [296]. (تتمة): قوله: (فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يورث) الخ كذا وقع لأكثر الروايات وظاهره أن هذا الشرط من كلام عمر رضي الله عنه ولكن وقع في بعض الروايات الأخرى ما ظاهره أنه كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فمنها ما أخرجه البخاري في الوصايا في باب قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} من طريق صخر بن جويرية عن نافع، وفيه: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره). ومنها ما أخرجه الطحاوي من طريق أبي عاصم وسعيد الجحدري عن ابن عون عن نافع وفيه: (قال: إن شئت حبست أصلها لا تباع ولا توهب) قال أبو عاصم وأراه قال: لا تورث، ذكره في شرح معاني الآثار في كتاب الهبة والصدقة باب الصدقات الموقوفات [2/ 207]، ومنها ما أخرجه الطحاوي أيضًا والبيهقي في سننه [6/ 160] من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع وفيه: (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق بثمره وأحبس أصله لا يباع ولا يورث) ولفظ الطحاوي (تصدق به تقسم ثمره وتحبس أصله لا تباع ولا توهب) فهؤلاء الأربعة صخر بن جويرية وأبو عاصم وسعيد الجحدري ويحيى بن سعيد الأنصاري كلهم يجعلون هذا الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا مانع من أن يكون من كلامهما جميعًا فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بيّن هذا الشرط أولًا فلما وقف عمر رضي الله عنه أرضه فعلًا ذكر هذا الشرط في وقفه والله تعالى أعلم. قوله: (فتصدق عمر في الفقراء) الخ ظاهره أنه وقف أرضه في عهد النبي صلى الله

4092 - (00) (00) حدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم ولكن ربما يُشكل عليه ما أخرجه أبو داود في رقم [2879] من كتاب هذا الوقف لعمر وفيه أن كاتب هذا الوقف هو معيقيب وهذا يقتضي أن عمر رضي الله عنه إنما كتب كتاب وقفه في خلافته لأن معيقيبًا كان كاتبه في زمن خلافته وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين. وجمع بينهما الحافظ في الفتح [5/ 301] بأنه يحتمل أن يكون وقفه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ وتولى هو النظر عليه إلى أن حضرته الوصية فكتب حينئذٍ الكتاب، ويحتمل أن يكون أخر وقفيته ولم يقع منه قبل ذلك إلا استشارته في كيفيته، وقد روى الطحاوي وابن عبد البر من طريق مالك عن ابن شهاب قال قال: عمر: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها فهذا يشعر بالاحتمال الثاني وأنه لم ينجز الوقف إلا عند وصيته، وقد يقال: يستبعد من مثل عمر رضي الله عنه أن يؤخر ما أشار به النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر حياته، والظاهر أنه لم يؤخر الوقف وإنما أخر كتابته، وأما ما رواه الطحاوي وابن عبد البر فعلى تقدير صحته فإنه من مرسل ابن شهاب يحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه يرى أن مثل هذا الوقف يجوز فيه الرجوع كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويحتمل أن يكون مراده أني لو لم أعمل بنيتي في الوقف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعت في نيتي ولما وقفته والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4092 - (00) (00) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا أزهر) بن سعد (السمان) أبو بكر الباهلي مولاهم البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورة يعني ابن أبي زائدة

عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَأَزْهَرَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ: "أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ". وَلَمْ يُذْكَرْ مَا بَعْدَهُ. وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ فِيهِ مَا ذَكَرَ سُلَيمٌ قَوْلُهُ: فَحَدَّثْتُ بِهذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا إِلَى آخِرِهِ. 4093 - (1573) (137) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأزهر السمان وابن أبي عدي رووا (عن) عبد الله (بن عون بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (مثله) أي مثل ما روى سليم بن أخضر عن ابن عون، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لسليم بن أخضر (غير أن) أي لكن أن (حديث ابن أبي زائدة وأزهر) السمان (انتهى) وتم (عند قوله) أي عند قول النبي صلى الله عليه وسلم (أو يطعم صديقًا غير متمول فيه ولم يذكر) وإسقاط الألف من يذكر تحريف من النساخ، والصواب (ولم يذكرا) بألف التثنية أي لم يذكر ابن أبي زائدة وأزهر (ما بعده) أي ما بعد قوله غير متمول فيه (و) أما (حديث ابن أبي عدي) فـ (فيه ما كر سليم) بن أخضر، ولفظة (قوله) بدل من قوله ما ذكر سليم أي ففيه قول ابن عون (فحدّثت بهذا الحديث) الذي سمعته من نافع (محمدًا) ابن سيرين (إلى آخره) أي إلى آخر قول ابن عون يعني قوله: فلما بلغت هذا المكان غير متمول فيه الخ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال: 4093 - (1573) (137) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (حدثنا أبو داود الحفري) بفتحتين نسبة إلى الحفر موضع بالكوفة (عمر بن سعد) بن عبيد الكوفي، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن) عبد الله (بن عون عن نافع عن ابن عمر عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة سفيان لسليم بن أخضر وابن أبي زائدة وأزهر السمان وابن أبي عدي ولكنها متابعة في الشاهد لأن الصحابي الراوي هنا عمر بن الخطاب وفيما مر ابن عمر لأن سفيان جعله من مسندات عمر وكذا رواه أبو إسحاق الفزاري وسعيد بن سالم عند النسائي ولكن جعله أكثر الرواة من مسند ابن عمر كما مر عن المصنف ولذلك قدمه على

قَال: أَصَبْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ خَيبَرَ. فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا أَحَبَّ إِلَيَّ وَلَا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَحدَّثْتُ مُحَمَّدًا وَمَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث عمر مع كونه أصل القصة ولا مانع من أن يكون مرويًّا عنهما جميعًا (قال) عمر بن الخطاب: (أصبت) أي أخذت نصيبي من غنيمة خيبر (أرضًا من أرض خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأستشيره في شأن تلك الأرض (فقلت) له صلى الله عليه وسلم إني (أصبت) أي أخذت وملكت (أرضًا لم أصب) أي لم أملك قط (مالًا أحب إليّ ولا أنفس) أي أجود (عندي منها) الجار والمجرور في قوله منها متعلق باحب وأنفس على سبيل التنازع (وساق) سفيان الثوري (الحديث) السابق (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث سليم وابن أبي زائدة وأزهر السمان وابن أبي عدي (و) لكن (لم يذكر) سفيان لفظة (فحدّثت محمدًا وما بعده) من قوله: (فلما بلغت هذا المكان) الخ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث عمر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به

588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به 4094 - (1574) (138) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ. قَال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: لَا. قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 588 - (28) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته وما لم يوص به 4094 - (1574) (138) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن مالك بن منول) البجلي الكوفي، ثقة، من (7) (عن طلحة بن مصرف) بن عمرو بن كعب اليامي أبي محمد الكوفي، ثقة، من (5) (قال) طلحة: (سألت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبا إبراهيم الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه أي سألته فقلت له: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم) شيئًا عند وفاته (فقال) عبد الله بن أبي أوفى (لا) أي ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أطلق الجواب وكأنه فهم أن السؤال وقع عما اشتهر بين الجهال من الوصية إلى أحد أو فهم السؤال عن الوصية في الأموال فلذلك ساغ نفيها لا أنه أراد نفي الوصية مطلقًا لأنه ثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله أي بدينه أو به وبنحوه ليشمل السنة لأنه سيأتي حديث أوصيكم بثلاث الخ اهـ من بعض الهوامش. ولعل سبب هذا السؤال أن الشيعة كانوا قد وضعوا أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك منهم علي رضي الله عنه كما سيأتي في شرح الحديث الآتي، وكذلك زعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم ترك أموالًا وصية لأقاربه قوله: (فقال لا) إنما نفى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه الوصية بالمال وبالخلافة فهذا الجواب لا ينافي ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أوصى المسلمين بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزه ونحو ذلك فإن السؤال كان في الوصية بالمال وبالخلافة كما فهمه عبد الله بن أبي أوفى من سياق الكلام فأجابه بما يطابقه، قال طلحة: (قلت) لابن أبي أوفى إذا كان

فَلِمَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ، أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْوَصِيّةِ؟ قَال: أَوْصى بِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص شيئًا (فلِمَ كتب) وفُرض بالبناء للمفعول (على المسلمين الوصية) يعني بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيرًا الْوَصِيَّةُ} وهذه الآية منسوخة عند الجمهور بآية الميراث ويحتمل أن يكون طلحة بن مصرف ممن يزعم أن آية وجوب الوصية غير منسوخة، وبحتمل أن يكون مراده ندب الوصية واختار لفظ كُتب لما هو مستحب نظرًا إلى تأكد استحبابه (أو) قال الراوي: (فلِمَ أُمروا) أي فلم أُمر المسلمون (بالوصية) بالشك من الراوي هل قال فلم كتب على المسلمين الوصية أو قال: فلم أُمروا بالوصية (قال) عبد الله بن أبي أوفى (أوصى) إلى الناس (بكتاب الله عزَّ وجلَّ) أي بالتمسك بكتاب الله ودينه وسنة رسوله لعله أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله" وأما ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الوصية الجزئية فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه وإنما اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص وإما بطريق الاستنباط أو كان لم يحضر شيئًا من الوصايا الجزئية أو لم يستحضرها حال الجواب كذا في فتح الباري [5/ 268]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 381]، والبخاري [2740]، والترمذي [2119]، والنسائي [8/ 240]، وابن ماجه [2696]. قال القرطبي: قوله: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره أنه سأله هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم وصية بشيء من الأشياء لأنه لو أراد شيئًا واحدًا لعينه فلما لم يقيده بقي على إطلاقه فأجابه بنفي ذلك فلما سمع طلحة هذا النفي العام، قال مستبعدًا كيف كتب على المسلمين الوصية ومعناه كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوصية والله تعالى قد كتبها على الناس، وهذا يدل على أن طلحة وابن أبي أوفى كانا يعتقدان أن الوصية واجبة على كل الناس وأن ذلك الحكم لم يُنسخ وفيه بُعدٌ، ثم إن ابن أبي أوفى غفل عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وهي وصايا كثيرة فمنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا ولا نورث ما تركنا صدقة" وقال عند موته: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب وأخرجوا المشركين منها وأجيزوا

4095 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قُلْتُ: فَكَيفَ أُمِرَ النَّاسُ بِالْوَصِيَّةِ؟ . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: قُلْتُ: كَيفَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ؟ 4096 - (1575) (139) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وأَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" وآخر ما وصى به أنه قال: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" وهذه كلها وصايا منه ذهل عنها ابن أبي أوفى، وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته لجماعة من قبائل العرب بجداد أو ساق من تمر سهمه بخيبر ذكره في السيرة ولم يذكر ابن أبي أوفى من جملة ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم إلا كتاب الله إما ذهولًا وإما اقتصارًا لأنه أعظم وأهم من كل ما وصى به وأيضًا فإذا استوصى الناس بكتاب الله فعملوا به قاموا بكل ما أوصى به والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: 4095 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (كلاهما) أي كل من وكيع وعبد الله بن نمير رويا (عن مالك بن مغول) البجلي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن طلحة بن مصرف عن ابن أبي أوفى (مثله) أي مثل ما روى عبد الرحمن بن مهدي، غرضه بيان متابعتهما لابن مهدي (غير أن) أي لكن أن (في حديث وكيع) وروايته قال طلحة: (قلت) لابن أبي أوفى: (فكيف أُمر الناس) بالبناء للمجهول (بالوصية، وفي حديث ابن نمير) وروايته قال طلحة: (قلت) لابن أبي أوفى (كيف كُتب على المسلمين الوصية) وهذا بيان لمحل اختلافهما. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن أبي أوفى بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 4096 - (1575) (139) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو

مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاويةَ. قَالا: حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (وأبو معاوية قالا: حدثنا الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا عائشة (قالت) عائشة: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم) لورثته (دينارًا ولا درهمًا ولا شاة ولا بعيرًا ولا أوصى) لأحد من ماله (بشيء) قليل ولا كثير لعدم تركه مالًا وإن أوصى بالكتاب والسنة كما مر بيانه ولا أوصى لأحد بالخلافة فإنها مقصودها بالإنكار كما سيأتي التصريح به منها في التالية. قوله: (ما ترك) الخ ولعل من تمام هذا الحديث ما أخرجه ابن سعد في طبقاته [2/ 316] بطرق مختلفة عن زر بن حبيش عن عائشة أن إنسانًا سألها عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألني لا أبا لك توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرًا. قوله: (دينارًا ولا درهمًا) الخ كذا ثبت عن غير واحد من الصحابة والتابعين أنه صلى الله عليه وسلم: لم يترك دينارًا ولا درهمًا ذكره أيضًا عمرو بن الحارث وابن عباس وعلي بن الحسين زين العابدين وغيرهم راجع لرواياتهم طبقات ابن سعد [2/ 316 و 317] وذكر المحب الطبري في خلاصة السير ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبي حبرة وإزارًا عمانيًا وثوبين صحاريين وقميصًا صحاريًا وقميصًا سحوليًا وجبة يمنية وقميصًا وكساء بيضًا وقلانس صغارًا لاطية ثلاثًا أو أربعًا وإزارًا طوله خمسة أشبار وملحفة مورسة كذا في تاريخ الخميس للإمام الديار بكري [2/ 173]. قوله: (ولا أوصى بشيء) يعني في أمر المال والخلافة وإلا فقد ثبت عنه عدة

4097 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كُلُّهُمْ عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى (وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ). جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4098 - (1576) (140) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى). قَال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وصايا نصح بها الأمة وإن الكلام كان في وصيته بالمال أو الخلافة ولذلك نفت الوصية مطلقًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2863]، والنسائي [6/ 240]، وابن ماجه [2695]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4097 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم كلهم عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (ح وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي (أخبرنا عيسى وهو ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (جميعًا) أي كل من جرير بن عبد الحميد وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى عبد الله بن نمير وأبو معاوية عن الأعمش، والغرض بيان متابعتهما إياهما ولو قال مثلهما لكان أقعد وأوضح إلا أن يقال إن المقصود من المتقارنين في المتابعة الأول وهو هنا عبد الله بن نمير فلذلك أفرد الضمير. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن أبي أوفى بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4098 - (1576) (140) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ ليحيى قال) يحيى بن يحيى (أخبرنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5)

عَنِ الأَسوَدِ بْنِ يَزِيدَ. قَال: ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ؛ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا. فَقَالتْ: مَتَى أَوْصَى إِلَيهِ؟ فَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي (أَوْ قَالتْ: حَجْرِي) فَدَعَا بِالطَّسْتِ. فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حَجْرِي. وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ مَاتَ. فَمَتَى أَوْصَى إِلَيهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (قال) الأسود (ذكروا) أي ذكر الناس الحاضرون (عند عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني (أن عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه (كان وصيًّا) للنبي صلى الله عليه وسلم في الخلافة (فقالت) عائشة: إنكارًا على من يزعم ذلك (متى أوصى) النبي صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى علي بن أبي طالب أي ففي أي وقت أوصى إلى علي (فـ) إني (قد كنت مسندته) صلى الله عليه وسلم أي مسندة ظهره (إلى صدري أو قالت) عائشة كنت مسندة ظهره إلى (حجري) أي إلى مقدم بدني بدل صدري، والشك من الأسود أو ممن دونه، وحجر الإنسان بالفتح وقد يكسر حضنه وهو ما دون إبطه إلى الكشح كما في المصباح (فدعا) أي طلب (بالطست) ليبول فيه أو ليتفل فيها، فقوله: (فدعا بالطست) زاد النسائي ليبول فيه وفي رواية الإسماعيلي ليتفل فيها ذكرها الحافظ في الفتح [8/ 113] ويمكن الجمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالطست ولم يبين غرضه فترددت عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم دعا به ليبول فيه أو ليتفل فيه فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر والله أعلم. والطست إناء صغير من النحاس (فـ) والله (لقد انخنث) أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت اهـ نهاية، أي فوالله انثنى واسترخى جسمه (في حجري) أي في مقدم بدني لموته (و) الحال أني (ما شعرت) ولا علمت (أنه مات فمتى أوصى إليه) أي إلى علي بالخلافة، والظاهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها إنكار ذلك واستندت إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها فلا يرد ما قيل إن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك ولا يقتضي أنه مات فجأة بحيث لم يتمكن من الإيصاء ولا يتصور ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم علم قرب أجله قبل المرض ثم مرض أيامًا فلم يوص لأحد لا في تلك الأيام ولا قبلها ولو وقع الإيصاء لادَّعاه الموصى له ولم يدع ذلك علي لنفسه ولا بعد أن ولي الخلافة ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر أحمد [6/ 32]، والبخاري [2741]، وابن ماجه [1626]. وقد أكثرت الشيعة والروافض من الأحاديث الكاذبة الباطلة واخترعوا نصوصًا على استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا وادعوا أنها تواترت عندهم وهذا كله كذب مركب ولو كان شيء من ذلك صحيحًا أو معروفًا عند الصحابة يوم السقيفة لذكروه ولرجعوا إليه ولذكره علي محتجًا لنفسه ولما حل أن يسكت عن مثل ذلك بوجه فإنه حق الله وحق نبيه صلى الله عليه وسلم وحقه وحق المسلمين ثم ما يعلم من عظيم علم علي رضي الله عنه وصلابته في الدين وشجاعته يقتضي أن لا يتقي أحدًا في دين الله كما لم يتق معاوية وأهل الشام حين خالفوا ثم إنه لما قتل عثمان ولى المسلمون باجتهادهم عليًّا ولم يذكر هو ولا أحد منهم نصًّا في ذلك فعلم قطعًا كذب من ادعاه وما التوفيق إلا من عند الله اهـ من المفهم. قوله: (فلقد انحنث في حجري) قال ابن الأثير: الانخناث الانثناء والانكسار أرادت أنه استرخى جسمه فانثنت أعضاؤه فسقط تعني حين مات، والمخنث من الرجال هو الذي يميل وينثني تشبهًا بالنساء، واختناث السقاء هو إمالة فمه بعضه على بعض ولفه وتليينه ليشرب منه والحجر هنا هو حجر الثوب الذي على مقدم البدن والفصحى بفتح الحاء وسكون الجيم ويقال بكسرها، وأما الحجر على السفيه فبالفتح لا غير وهو بمعنى المنع فأما الحجر بالكسر فهو العقل ومنه قوله تعالى: {لِذِي حِجْرٍ} [الفجر / 5] والحرام ومنه قوله تعالى: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان / 22] وهذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في حجر عائشة رضي الله تعالى عنها وقد أورد الحاكم وابن سعد بعض الروايات في أنه صلى الله عليه وسلم توفي في حجر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكنها روايات ضعيفة لا تقوم بمثلها الحجة ولا تخلو من راو شيعي وقد بسط الحافظ في إثبات ضعفها تحت الحديث الثامن من باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته من مغازي فتح الباري [8/ 107]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن أبي أوفى بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:

4099 - (1577) (141) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو الناقِدُ (وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ). قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ! وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ! ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 4099 - (1577) (141) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في خمسة عشر بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل البغدادي الثقفي البلخي (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (واللفظ لسعيد) بن منصور (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الأربعة (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) خال ابن أبي نجيح المكي واسم أبي مسلم عبد الله، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي الفقيه قتيل حجاج الجائر، ثقة، من (3) (قال) سعيد (قال ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (يوم الخميس) خبر لمبتدأ محذوف تقديره ذلك يوم الخمس أي ذلك اليوم الذي نزل بنا فيه الرزية يوم الخميس أو مبتدأ خبره محذوف تقديره يوم الخميس يوم نزلت بنا فيه الرزية بفوات كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لنا (وما يوم الخميس) ما استفهامية مضمنة معنى التعجب في محل الرفع خبر مقدم للزومها الصدارة يوم الخميس مبتدأ مؤخر أي ويوم الخميس أي يوم هو هو يوم عجيب وهذا تعظيم وتفخيم لذلك اليوم على جهة التفجع والتحزن على ما فاتهم فيه من كتب كتاب لا يكون معه ضلال وهو بأكثر من ذلك التفجع وهذا نحو قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} وقوله: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ} وهذا المعنى الذي هَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابته يحتمل أن يكون تفصيل أمور مهمة وقعت في الشريعة جملية فأراد تعيينها، ويحتمل أن يريد به بيان ما يرجعون إليه عند وقوع الفتن ومن هو أولى بالاتباع والمبايعة ويحتمل أن يريد به بيان أمر الخلافة وتعيين الخليفة بعده وهذا أقربها والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قال النووي: معناه تفخيم أمره في الشدة والمكروه فيما يعتقده ابن عباس وهو امتناع الكتاب ولهذا قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب هذا الكتاب هذا مراد ابن عباس وإن كان الصواب ترك الكتاب اهـ (ثم) بعد هذا الكلام (بكى) ابن عباس بكاءً شديدًا (حتى بلَّ دمعه الحصى)

فَقُلْتُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَال: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ. فَقَال: "ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ لشدة بكائه، ولفظ البخاري في باب جوائز الوفد من أواخر كتاب الجهاد (حتى خضب دمعه الحصباء) ولعل بكاء ابن عباس لكونه تذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجدد له الحزن عليه، ويحتمل أن يكون انضاف إلى ذلك ما فات في معتقده من الخير الذي كان يحصل لو كتب ذلك الكتاب ولهذا أطلق في الرواية الثانية أن ذلك رزية ثم بالغ فيها فقال كل الرزية كذا في فتح الباري [8/ 100]. قال سعيد بن جبير: (فقلت) لابن عباس: (يا ابن عباس) ما سبب قولك (وما يوم الخميس) وما مرادك به فـ (قال) ابن عباس قلت ذلك لأنه قد (اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم الخميس (وجعه) أي مرضه الذي مات به، وزاد البخاري في باب الجهاد (يوم الخميس) وهذا يؤيد أن ابتداء مرضه كان قبل ذلك وإنما اشتد وجعه يوم الخميس، ووقع في الرواية الآتية عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لما حُضر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الحاء وكسر الضاد يعني لما حضره الموت وفي إطلاق ذلك تجوّز فإنه عاش بعد ذلك إلى يوم الاثنين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (ائتوني) بأداة كتابة من ورق وقلم إن أتيتموني بها (أكتب لكم كتابًا) فيه بيان مصالح أموركم الدينية والدنيوية لكيـ (لا تضلوا بعدي) عن طريق الحق والدين القويم وهو بالنصب بأن مضمرة بعد لام كي على تقدير لام كي كما قدرناه ولا نافية، وفي بعض الهوامش حُذفت النون لجزمه بالطلب السابق لأنه بدل من جواب الأمر، وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز قاله ابن حجر في باب كتابة العلم من علم صحيح البخاري وتأتي رواية لا تضلون بإثبات النون وسيأتي الكلام على هذا الكلام. الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته بعد رواية واحدة إن شاء الله تعالى. قال القرطبي: قوله: (ائتوني) لا شك أن هذا أمر وطلب توجه لكل من حضر فكان حق كل من حضر المبادرة إلى الامتثال لا سيما وقد قرنه بقوله: لا تضلون بعده لكن ظهر لعمر ولطائفة معه أن هذا الأمر ليس على الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء كما قال تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ} [النحل / 89] ومع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع فكره أن يتكلف من

فَتَنَازَعُوا. وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعْ. وَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ما يشق ويثقل عليه فظهر لهم أن الأولى أن لا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى أن يكتب متمسكة بظاهر الأمر واغتنامًا لزيادة الإيضاح ورفع الإشكال فيا ليت ذلك لو وقع وحصل ولكن قدر الله وما شاء فعل ومع ذلك فلا عتب ولا لوم على الطائفة الأولى إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذمهم بل قال للجميع: دعوني فالذي أنا فيه خير وهذا نحو مما جرى لهم يوم الأحزاب حيث قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فتخوّف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت، قال: فما عنَّف واحدًا من الفريقين، وسبب ذلك أن ذلك كله إنما حمل عليه الاجتهاد المسوّغ والقصد الصالح وكل مجتهد مصيب أو أحدهما مصيب والآخر غير مأثوم بل مأجور كما قررناه في الأصول اهـ من المفهم. وقوله: (فتنازعوا) إلى قوله: قال: دعوني مدرج من كلام ابن عباس أي قال ابن عباس: فتنازع الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفوا في إحضار الكتف والدواة وفي تركها، فقال بعضهم: نأتي بهما، وقال الآخرون: لا تأتوا بهما فتتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ينبغي) أي والحال أنه لا ينبغي ولا يليق (عند نبي) من الأنبياء (تنازع) أي اختلاف ولغط وارتفاع أصوات لما فيه من إساءة الأدب، وفي هذا إشعار بأن الأولى المبادرة إلى امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يتوقف في شيء منه إذا فهم مقصوده ولم يُشْكل منه شيء كيف لا؟ وهو المُبَلِّغ عن الله أحكامه ومصالح الدنيا والدين اهـ من المفهم (وقالوا): أي وقال الذين يريدون الكتابة لمن لا يريدها (ما شأنه) صلى الله عليه وسلم وحاله وكلامه هل هو مختلط أم صحيح (أ) تظنون أنه (هجر) واختلط كلامه لشدة المرض بل كلامه صحيح (استفهِموه) أي اطلبوا منه فهم ما يقول ويريد فاكتبوه، وقوله: (أهجر) بفتحتين على أنه ماض مقرون بهمزة الاستفهام الإنكاري، قال ابن الأثير: معناه هل تغير كلامه واختلف واختلط لأجل ما به من شدة المرض اهـ وهذه هي الرواية الصحيحة، وروى بعضهم: (أهُجُرًا) بضمتين وبالتنوين مع الهمزة على أنه مفعول أي أقال هجُرًا، والهجُرُ هذيان المريض وهو الكلام الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع مثل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في حال مرضه أو صحته

قَال: "دَعُونِي. فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيرٌ. أُوصِيكُمْ بِثَلاثٍ: أَخْرِجُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ محال لأن الله تعالى حفظه من حين بعثه إلى حين قبضه عما يخل بالتبليغ ألا تسمع قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم / 3، 4] وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9] وقد شهد له بأنه على صراط مستقيم وأنه على الحق المبين إلى غير ذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني في الغضب والرضا فإني لا أقول على الله إلا حقًّا" رواه أحمد، ولما علم أصحابه هذا كانوا يأخذون عنه ما يقوله في كل حالاته حتى في هذه الحالة فإنهم تلقوا عنه وقبلوا منه جميع ما وصى به عند موته وعملوا على قوله: "لا نورث" وبقوله: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" و"أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" إلى غير ذلك ولم يتوقفوا ولا شكوا في شيء منه، وعلى هذا يستحيل أن يكون قوله: (أهجر) لشك عرض لهم في صحة قوله زمن مرضه وإنما كان ذلك من بعضهم على جهة الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة وتلكأ عنه فكأنه يقول لمن توقف كيف تتوقف أتظن أنه قال هذيانًا فدع التوقف وقرّب الكتف فإنه إنما يقول الحق لا الهجر وهذا أحسن ما يُحمل ذلك عليه فلو قدرنا أن أحدًا منهم قال ذلك عن شك عرض له في صحة قوله: كان خطأ منه وبعيد أن يقره على ذلك القول من كان هناك ممن سمعه من خيار الصحابة وكبرائهم وفضلائهم هذا تقدير بعيد ورأي غير سديد، ويحتمل أن يكون هذا صدر من قائله عن دهش وحيرة أصابته في ذلك المقام العظيم والمصاب الجسيم كما قد أصاب عمر وغيره عند موته صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. قال بعضهم: ويحتمل أن يكون هذا من الهجر بضم فهو من الهذيان في الكلام كما يقع ذلك لمريض في شدة مرضه والمعنى عليه هل أمره هذا عزيمة أو هو من قبيل ما جرى على لسانه في حالة المرض دون أن يكون فيه عزيمة، ويحتمل أن يكون من الهجر بفتح الهاء بمعنى الفراق والمعنى عليه هل حان فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى الثاني أليق بسياق الكلام ودلالة الحال وحال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اهـ من التكملة، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوني) أي خلوني عن اللغط واتركوني عن التنازع الذي أنتم فيه (فالذي أنا فيه) أي فالأمر الذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه والفكر في ذلك ونحوه (خير) مما أنتم فيه من التنازع وأفضل اهـ نووي، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم) أي آمركم بطريق الوصية (بثلاث) خصال إحداها بقولي: (أخرجوا

الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَأَجِيزُوا الْوَقدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشركين) أي اليهود (عن جزيرة العرب) وبلادهم يعني بالمشركين اليهود لأنه ما كان بقي مشرك في أرض العرب في ذلك الوقت غيرهم فتعينوا، وقد جاء في بعض طرقه: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب" مفسرًا, والجزيرة فعيلة بمعنى مفعولة وهي مأخوذة من الجزر وهو القطع ومنه الجزار والجزارة من الغنم والجزور من الإبل كل ذلك راجع إلى القطع، وسميت أرض العرب جزيرة لانقطاعها عن سائر الأقاليم بإحاطة البحار بها والحرار، وأُضيف إلى العرب لاختصاصهم بها ولكونهم فيها ومنها، واختُلف في حدها فقال الأصمعي: هي ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وفي العرض من جدة وما والاها إلى أطراف الشام، وقال أبو عبيد: هي ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة، وقال المخزومي عن مالك: هي مكة والمدينة واليمامة واليمن، وحكى الهروي عنه المدينة، والأول هو المعروف عنه فقال مالك: يخرج من هذه المواضع التي ذكر المخزومي كل من كان على غير دين الإسلام ولا يُمنعون من التردد بها مسافرين وكذلك قال الشافعي غير أنه استثنى من ذلك اليمن ويُضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر حين أجلاهم، وقال الشافعي: ولا يدفن فيها موتاهم ويلجئون إلى الدفن بغيرها، وقد رأى الطبري أن هذا الحكم ليس خاصًّا بجزيرة العرب فقال: الواجب كل على إمام إخراجهم من كل مصر غلب عليه المسلمون إذا لم يكن من بلادهم التي صولحوا عليها إلا أن تدعو ضرورة لبقائهم بها لعمارتها فإذا كان ذلك فلا يدعهم في مصر مع المسلمين أكثر من ثلاث ليال وليسكنهم خارجًا عنهم ويمنعهم اتخاذ المساكن في أمصار المسلمين فإن اتخذوها باعها عليهم واستدل على ذلك بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا تبقى قبلتان بأرض العرب" رواه أبو داود والترمذي بلفظ "لا تكون قبلتان في بلد واحد" وبقول ابن عباس: "لا يساكنكم أهل الكتاب في أمصاركم" وبإخراج علي رضي الله عنه أهل الذمة من الكوفة إلى الحيرة قال: إنما خص جزيرة العرب في الحديث لأنه لم يكن للإسلام يومئذٍ ظهور إلا بها (قلت): وتخصيص الحكم بجزيرة العرب هو قول المتقدمين والسلف الماضين فلا يعدل عنه؟ ولم يعرج أبو حنيفة على هذا الحديث فأجاز استيطان المشركين بالجزيرة ومخالفة مثل هذا جريرة اهـ من المفهم (و) ثانيتها بقولي: (أجيزوا) أي أعطوا الجائزة والعطية (الوفد) أي الجماعة المختارة التي قدمت عليكم أيها الولاة

بِنَحْو مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ". قَال: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ. أَوْ قَالهَا فَأُنْسِيتهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (بنحو) أي بمثل (ما كنت) أنا (أجيزهم) وأعطيهم به (قال) سعيد بن جبير: (وسكت) ابن عباس (عن) ذكر الخصلة (الثالثة أو قالها) وذكرها ابن عباس (فـ) أنا (أُنسيتها) فالساكت هو ابن عباس والناسي هو سعيد بن جبير، قال المهلب: والثالثة هي تجهيز جيش أسامة كما سيأتي والشك من سعيد بن جبير. قوله: (وأجيزوا الوفد) والوفد جمع وافد كصحب وصاحب وركب وراكب وجمع الوفد أوفاد ووفود والوفادة الاسم وهو القادم على القوم والرسول إليهم يقال: أوفدته أرسلته والإجازة العطية وهذا منه صلى الله عليه وسلم عهد ووصية لولاة المسلمين بإكرام الوفود والإحسان إليهم قضاء لحق قصدهم ورفقًا بهم واستئلافًا لهم وتطييبًا لنفوسهم وترغيبًا لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم وإعانة لهم على سفرهم، قال القاضي أبو الفضل: وسواء في ذلك عند أهل العلم كانوا مسلمين أو كفارًا لأن الكافر إنما يفد في مصالح المسلمين قال: وهذه سنة لازمة للأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو قال أُنسيتها) يريد سعيد بن جبير قال المهلب: الثالثة هي تجهيز جيش أسامة رضي الله عنه وقال غيره: ويحتمل أن تكون هي قوله: "لا تتخذوا قبري وثنًا" وقد ذكر مالك في الموطأ ما يدل على ذلك من حديث عمر فإنه قال فيه أول ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يَبْقَيَنَّ دينان بجزيرة العرب" رواه مالك [2/ 893] اهـ من المفهم. قوله: (وأجيزوا الوفد) أيضًا يعني أعطوهم جائزة، والجائزة عطية من الكبير وقد ذكر الحافظ عن بعض العلماء: أن أصله أن ناسًا وفدوا على بعض الملوك وهو قائم على قنطرة فقال: أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجهًا فسُميت عطية من يقدم على الكبير جائزة. قوله: (بنحو ما كنت أجيزهم) أي بقريب منه وكانت جائزة الواحد على عهده صلى الله عليه وسلم أوقية من فضة وهي أربعون درهمًا كذا في فتح الباري [8/ 103]. قوله: (وسكت عن الثالثة) وقد مر آنفًا عن النووي أن الساكت ابن عباس والناسي سعيد بن جبير ولكن الصحيح أن الساكت سعيد بن جبير والناسي سليمان الأحول وذلك لما أخرجه الحميدي في مسنده [1/ 241] في آخر هذا الحديث قال سفيان: قال

قَال أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الْحَدِيثِ. 4100 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان: لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها. ولما أخرج أحمد في مسنده [1/ 222] عن سفيان قال: وسكت عن الثالثة، واختلف الشراح في تعيين الثالثة فقال الداودي: الثالثة الوصية بالقرآن وبه جزم ابن التين، وقال المهلب: بل هي تجهيز جيش أسامة وقواه ابن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبي بكر في تنفيذ جيش أسامة قال لهم أبو بكر: إن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك عند موته، وقال عياض: يحتمل أن تكون هي قوله: "ولا تتخذوا قبري وثنًا" فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، ويحتمل أن تكون ما وقع في حديث أنس من قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" كذا في فتح الباري (قلت): والكل محتمل ولا سبيل إلى الجزم بتعيينها بعدما نسي الراوي والله أعلم. (قال أبو إسحاق إبراهيم) بن محمد بن سفيان: (حدثنا الحسن بن بشر) السلمي النيسابوري، صدوق، من (11) (قال) الحسن: (حدثنا سفيان) بن عيينة بالسند السابق (بهذا الحديث) المذكور وأبو إسحاق هذا هو تلميذ المؤلف رحمه الله تعالى الذي روى عنه كتابه هذا فذكر أن هذا الحديث بلغه أيضًا بإسناد عال من غير واسطة الإمام مسلم رحمه الله تعالى فساوى فيه أستاذه لأن الحديث بلغ الإمام مسلمًا رحمه الله بواسطة رجل واحد إلى سفيان بن عيينة وكذلك بلغ تلميذه بواسطة رجل واحد إليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4431]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4100 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي (عن مالك بن مغول) البجلي الكوفي، ثقة، من (7) (عن طلحة بن مصرف) بن عمرو اليامي الكوفي، ثقة، من (5) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان

أَنَّهُ قَال: يَوْمُ الْخَمِيسِ! وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ! ثُمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ. حَتَّى رَأَيتُ عَلَى خَدَّيْهِ كَأَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ (أَو اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ) أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا" فَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة طلحة بن مصرف لسليمان الأحول (أنه) أي أن ابن عباس (قال يوم الخميس) عجيب (وما يوم الخميس) أي ما أدراكم شأن يوم الخميس (ثم جعل) وشرع ابن عباس (تسيل) وتجري (دموعه) من عينيه تذكرًا لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتأسفًا عليه (حتى رأيت على خديه) بكثرة حالة كون دموعه (كأنها نظام اللولو) والجملة التشبيهية حال من الدموع وإضافة النظام إلى اللؤلؤ من إضافة الصفة إلى الموصوف أي حالة كونها مشبهة باللؤلؤ المنظوم في الخيط في صفائها وتعاقبها في النزول والجريان، واللؤلؤ جوهر براق معروف ونظامه عقده في الخيط كالمسبحة (قال) ابن عباس: وإنما ذكرت يوم الخميس تأسفًا على ما وقع فيه لأنه اشتد فيه الوجع على رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده: (ائتوني بالكتف) وكانوا يستعملون عظم كتف الشاة أو البعير للكتابة عليها لعوز القرطاس أو لندرته (والدواة) وهي المحبرة التي يكتب بما فيها من الحبر جمعها دويات مثل حصاة وحصيات، وذكر الحافظ في الفتح [1/ 186] أن المأمور به كان عليًّا رضي الله عنه واستدل له برواية في مسند أحمد [1/ 90] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده، قال: فخشيت أن تفوتني نفسه، قال: قلت: إني أحفظ وأعي، قال: "أوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم" لكن هذا الحديث في إسناده نعيم بن يزيد وهو مجهول كما في التهذيب (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو ابن عباس: ائتوني بـ (اللوح والدواة) والشك من الراوي أو ممن دونه هل قال: بالكتف والدواة أو قال باللوح والدواة، قال في المصباح: اللوح كل صفيحة من خشب وكتف إذا كتب عليه سمي لوحًا، وقوله: (أكتب لكم كتابًا) فيه مجاز مرسل قاله ابن حجر أي آمر لكم بكتب كتاب (لن تضلوا) ولن تخطئوا عن الطريق الحق (بعده) أي بعد ذلك الكتاب أو بعد النبي ولكن فيه التفات حينئذٍ (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان (فقالوا): أي فقال الحاضرون عنده بعضهم لبعض: (إن رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ. 4101 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم يهجر) ويهذي أي يتكلم كلام المريض الوجع الذي اختلط كلامه فلا تتعبوه بإحضار أداة الكتابة والله أعلم. وقوله: (يهجر) قد مر تفسير الهجر عن ابن الأثير بأحسن التعبير وذاك الاستفهام، وكانت تلك الرواية أأدب من هذه الرواية فضلًا عن كونها مقرونة بأداة التأكيد التي هي إن المشددة حيث قال هنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر. وفي الحديث دليل على جواز كتابة العلم والحديث وهذا وأشباهه ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن ومن كتب عني شيئًا فليمحه" رواه أحمد [3/ 12 و 39 و 56] ومسلم [3004] , والدارمي [1/ 119]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4101 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري، ثقة، من (11) (قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب المدني، من (4) (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني الأعمى، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لسعيد بن جبير (قال) ابن عباس: (لما حُضر) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حضره الموت، قال ابن حجر: وفي إطلاق ذلك تجوّز لأنه عاش بعد ذلك أيامًا إلى يوم الاثنين (وفي البيت) أي والحال أن في بيت عائشة عنده صلى الله عليه وسلم (رجال) من أصحابه (فيهم) أي في أولئك الرجال (عمر بن

الْخَطَّابِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ". فَقَال عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيهِ الْوَجَعُ. وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ. حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيتِ. فَاخْتَصَمُوا. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخطاب) رضي الله عنهم أجمعين، والفاء في قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم): زائدة في جواب لما أي لما حضره الوفاة أي مقدماتها وهي شدة المرض قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلم) أي أقبلوا إلي وائتوني باللوح والدواة (أكتب لكم كتابًا) جامعًا لمصالح دينكم ودنياكم (لا تضلون بعده) أي بعد ذلك الكتاب عن الطريق المستقيم (فقال عمر) بن الخطاب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كلب) واشتد (عليه الوجع) أي الألم (وعندكم القرآن) فهو (حسبنا) أي كافينا في بيان أحكام ديننا وهو (كتاب الله) تعالى ويصح كون حسبنا خبرًا مقدمًا وكتاب الله مبتدأ مؤخر أي كتاب الله حسبنا، فلا تتعبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحضار ما طلب لأنه وجع فيشق عليه إملاء الكتاب، ظهر لسيدنا عمر أن الأمر ليس للوجوب ودل أمره لهم بالقيام من عنده كما يأتي في هذا الحديث على أن أمره بالإتيان بآلة الكتابة كان على الاختيار ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم لأنه لا يترك التبليغ لمخالفة من خالف وقد كان الصحابة يُراجعون في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر كما راجعوه يوم الحديبية في الحلاق وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش فإذا عزم امتثلوا، وقد عُدَّ هذا من موافقات سيدنا عمر وفراساته واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابًا ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف، وقيل بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء حتى لا يقع بينهم الاختلاف قاله سفيان بن عيينة، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة: "ادْعِي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" أخرجه مسلم، وللبخاري معناه والأول أظهر لقول عمر رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض أفراده كما في الفتح. (فاختلف أهل البيت) أي أهل بيت عائشة من الرجال الذين حضروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإتيان بأدوات الكتابة أو تركها (فاختصموا) في ذلك وتنازعوا حتى ارتفعت أصواتهم (فمنهم من يقول: قرِّبوا) أدوات الكتابة إلى رسول الله صلى الله

يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَال عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاخْتِلافَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قُومُوا". قَال عُبَيدُ اللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَال بَينَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبَينَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذلِكَ الْكِتَابَ، مِنِ اخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر) من قوله عندنا كتاب الله فهو حسبنا فلا تتعبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما أكثروا اللغو) أي الكلام الملغي الذي لا نتيجة له (والاختلاف) أي التنازع (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهم: (قوموا) عني ولا تشغلوني عما أنا فيه من المراقبة والاستعداد للقاء الله تعالى. (قال عبيد الله) بن عبد الله بالسند السابق (فكان ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول) عندما يحدّث بهذا الحديث ووقع في رواية البخاري في العلم فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية الخ وظاهره أن ابن عباس كان معهم وأنه في تلك الحالة خرج قائلًا هذه المقالة، ولكن حقق الحافظ في الفتح [1/ 186] أن الأمر ليس في الواقع كما يقتضيه هذا الظاهر بل قول ابن عباس المذكور إنما كان يقوله عندما يحدّث بهذا الحديث وأيد الحافظ ذلك بروايات عدة (إن الرزية كل الرزية) أي إن المصيبة كامل المصيبة، أصله الرزيئة بوزن النسيئة وكذلك وقع في بعض روايات البخاري ومعناها المصيبة، وقد تُسهّل الهمزة وتشدّد الياء فيقال: إن الرزية بوزن النسية كما النسيئة والنسية (ما حال) وحجز (بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم) وتنازعهم في الكتابة (ولغطهم) بيان لما الموصولة بفتح الغين وإسكانها يعني الضجة واختلاف الصوت كما في جامع الأصول لابن الأثير، قال في المصباح: اللغط بفتحتين كلام فيه جلبة واختلاط ولا يتبين وبابه نفع وألغط بالألف لغة فيه اهـ. وشارك المؤلف في هذه الرواية أيضًا البخاري فقط [4432]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عبد الله بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي أوفى ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا، والرابع: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب النذور والأيمان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (25) - كتاب: النذور والأيمان ـــــــــــــــــــــــــــــ 25 - كتاب النذور والأيمان والنذور جمع نذر كفلس وفلوس، والنذر لغة: الوعد بخير كقولك أُكرمك غدًا أو الإيعاد بشر كقولك أضربك غدًا ومنه الإنذار من عذاب الله في التبليغ. وشرعًا: التزام قربة ليست لازمة بأصل الشرع بصيغ مخصوصة كقوله: لله عليّ صوم أو صلاة أو صدقة، وإنما جمع النذور لاختلاف أنواعها لأن النذر إما أن يكون نذر تبرر وهو نوعان: لأنه إما معلق على أمر محبوب ويسمى نذر مجازاة كقوله: إن شفى الله مريضي فعليّ صوم أو حج، أو غير معلق على شيء ويسمى نذر تبرر فقط كقوله: لله عليّ صلاة أو صوم، وإما أن يكون نذر لجاج وهو ثلاثة أنواع: لأنه إما أن يتعلق به حث أو منع أو تحقيق خبر. والأيمان بفتح الهمزة جمع يمين وهو لغة اليد اليمنى، وقيل معناه في أصل اللغة الحلف بمعظّم في نفسه أو عند الحالف على أمر من الأمور من فعل أو ترك بصيغ مخصوصة كقوله: والله لأفعلن وبحياتك لأتركن، وشرعًا: تحقيق ما يحتمل المخالفة كقولك: والله لأضربن زيدًا أو تأكيده كقولك: والله لأقومن الليل بذكر اسم الله أو صفة من صفاته، وإنما جمع الأيمان نظرًا إلى تعددها بتعدد المحلوف به أو المحلوف عليه، وإنما جمع الأيمان والنذور في كتاب واحد لأن بعض النذور وهو نذر اللجاج يشبه اليمين ولذلك يُخيّر فيه بين كفارة اليمين وبين وفاء ما التزم بخلاف نذر التبرر فإنه يلزم فيه وفاء ما التزم بالاتفاق ولذلك حملوا خبر مسلم "كفارة النذر كفارة يمين" على نذر اللجاج اهـ بيجوري. وأما تسمية العتق والطلاق والصدقة المعفقات على أمر مستقبل أيمانًا فليست كذلك لغة ولا ورد في كلام الشارع تسميتها أيمانًا لكن الفقهاء سموا ذلك أيمانًا فقالوا: باب الأيمان بالطلاق ومن حلف بطلاق زوجته أو بعتق أمته فقال: إن شاء الله لم ينفعه الاستثناء وهم يريدون إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله، وتسمية هذه أيمانًا وضع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من جهتهم، والأحق بهذا النوع أن يسمى التزامًا لأنه شرط ومشروط وليس من نوع ما تسميه العرب يمينًا اهـ من المفهم. وأركانها أربعة: حالف، ومحلوف به، ومحلوف عليه، وصيغة، ولها أحكام مبسوطة في الفقه. ***

589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئا من القدر

589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر 4102 - (1578) (142) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَال: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 589 - (29) باب الأمر بوفاء النذر والنهي عن النذر المعلق وأنه لا يرد شيئًا من القدر 4102 - (1578) (142) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح بن المهاجر قالا: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني الأعمى الفقيه (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته (أنه) أي أن ابن عباس (قال استفتى) أي سأل على سبيل الاستفتاء (سعد بن عبادة) الصحابي الأنصاري المشهور سيد الخزرج شهد العقبة، وكان أحد النقباء، وكان مشهورًا بالجود هو وأبوه وجده وولده، وكان له أطم ينادي عليه كل يوم من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكانت جفنة سعد تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه، وخرج إلى الشام ومات بالحوران سنة (15) اهـ من الإصابة باختصار. أي سأل (رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه) اختلف العلماء في تعيين هذا النذر فقيل: كان صومًا، وقيل: كان عتقًا، وقيل: كان نذرًا مطلقًا مبهمًا وليس عند أحد منهم دليل صريح على قوله، وقد ساق الحافظ في الفتح [11/ 507] جميع الأقوال والروايات التي استدلوا بها وتعقب جميعها ورجح أن النذر كان معينًا لا مبهمًا (قلت): وقد ذكر ابن الأثير في جامع الأصول [11/ 554] رواية عزاها للنسائي وفيها (أن سعدًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: أعتق عن أمك) فهذه الرواية ترجح أن النذر كان إعتاقًا والله أعلم (توفيت) وماتت (قبل أن تقضيه) وتوفيه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لسعد:

"فَاقْضِهِ عَنْهَا". 4103 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فاقضه) أي فأوف ذلك النذر (عنها) أي عن أمك، زاد البخاري في النذور من طريق شعيب (فكانت سنة بعد) يعني صار قضاء الوارث ما على المورِّث طريقة شرعية أعم من أن يكون وجوبًا أو ندبًا. وإن هذه الزيادة مما تفرد بها شعيب من بين تلامذة الزهري ورجح الحافظ في الفتح أنها من كلام الزهري، ويحتمل أن يكون من شيخه والله أعلم، قال القرطبي: وفي الحديث من الفقه استفتاء الأعلم ما أمكن، وقد اختلف أهل الأصول في ذلك هل يجب على العامي أن يبحث عن الأعلم أو يكتفي بسؤال عالم أي عالم كان فيه قولان وقد أوضحناهما في الأصول وبيّنا أنه يجب عليه أن يبحث عن الأعلم لأن الأعلم أرجح والعمل بالراجح واجب؟ وقد اختلف في هذا النذر الذي على أم سعد فقيل: إنه كان نذرًا مطلقًا، وقيل صومًا، وقيل عتقًا، وقيل صدقة، والكل محتمل ولا معين فهو مجمل ولا خلاف أن حقوق الأموال من العتق والصدقة تصح فيها النيابة وتصح توفيتها عن الميت والحي، وإنما اختلف في الحج والصوم كما تقدم ذلك في كتابيهما اهـ من المفهم. وقوله: (فاقضه) أمر بالقضاء على جهة الفتوى فيما سُئل عنه فلا يُحمل على الوجوب بل على جهة بيان أنه إن فعل ذلك صح بل نقول لو ورد ذلك ابتداء وافتتاحًا لما حُمل على الوجوب إلا أن يكون ذلك النذر ماليًا وتركت مالًا فيجب على الوارث إخراج ذلك من رأس المال أو من الثلث كما ذكرناه في الوصايا وإن كان حقًّا بدنيًا فمن يقول بأن الولي يقضيه عن الميت لم يقل إن ذلك يجب على الولي بل ذلك على الندب إن طاعت ذلك نفسه ومن تخيل شيئًا من ذلك فهو محجوج بقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه لمن شاء" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وهو نص في الغرض. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 219]، والبخاري [6698]، وأبو داود [3307]، والنسائي [6/ 253]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4103 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت

عَلَى مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ بَكْرٍ بْنِ وَائِلٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ اللَّيثِ. وَمَعْنَى حَدِيثِهِ. 4104 - (1579) (143) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ على مالك ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (عن ابن عيينة ح وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمرح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام بن عروة عن بكر بن وائل) بن داود التيمي البكري أبي داود الكوفي، روى عن الزهري في النذور ونافع، ويروي عنه (م عم) وهشام بن عروة حديثًا واحدًا وأبوه وائل وشعبة وابن عيينة، له في مسلم فرد حديث، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الثامنة، مات قديمًا (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة المذكورين يعني مالكًا وابن عيينة ويونس ومعمرًا وبكر بن وائل رووا (عن الزهري بإسناد الليث) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس (ومعنى حديثه) أي وبمعنى حديث الليث لا بلفظه، وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لليث بن سعد، وفي أغلب النسخ (ومعنى حديثه) بإثبات الواو العاطفة على إسناد الليث وإسقاطها أوضح وأوفق للقاعدة النحوية لأن المتعاطفين لا اجتماع بينهما في المعنى لأن معنى الحديث مروي والإسناد مروي به ولعل إثباتها تحريف من النساخ لأن الرواية تتعدى إلى الحديث بلا واسطة وإلى الإسناد بواسطة حرف الجر والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 4104 - (1579) (143) (وحدثني زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال

إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَال: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَنْهَانَا عَنِ النَّذْرِ. وَيقُولُ: "إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيئًا. وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الشَّحِيحِ". 4105 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ إسحاق: أخبرنا وقال زهير: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثم الرازي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة، من (5) (عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي الكوفي، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر: (أخذ) أي شرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا ينهانا عن النذر) المعلق، قال المازري: يحتمل أن يكون سبب النهي عن النذر كون الناذر يصير ملتزمًا له فيأتي به تكلفًا بغير نشاط، وقال القاضي عياض: ويحتمل أن النهي لكونه قد يظن بعض الجهلة أن النذر يرد القدر ويمنع من حصول المقدّر فنهى عنه خوفًا من جاهل يعتقد ذلك اهـ (ويقول) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه) أي إن النذر المعلّق (لا يرد) أي لا يدفع (شيئًا) من الشر ولا يجلب شيئًا من الخير، ففي الكلام اكتفاء يعني أن النذر المعلق لا يُغني من القدر شيئًا كما هو لفظ الحديث في الرواية الآتية والرواية التالية النذر لا يقدّم شيئًا ولا يؤخِّرُه (وإنما يستخرج) بالبناء للمجهول، والفاعل المحذوف هو الله سبحانه أي إنما يستخرج (به) المال (من) يد (الشحيح) أي البخيل فإن البخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض يستوفي أولًا فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له ويعلّقه على جلب نفع أو دفع ضر وذلك لا يسوق إليه خيرًا لم يقدر له ولا يرد عنه شرًّا قُضي عليه ولكن النذر قد يوافق القدر فيُخرج من البخيل ما لولاه لم يكن يريد أن يخرجه أفاده ملا علي. ويأتي حديثًا في آخر الباب وفي شرح القاضي: عادة الناس تعليق النذور على حصول المنافع ودفع المضار فنهى عنه فإن ذلك فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد أن يتقرب إلى الله تعالى استعجل فيه وأتى به في الحال اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 118]، والبخاري [6692]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4105 - (00) (00) (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد العزيز اليشكري بفتح الياء

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللًهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "النَّذْرُ لَا يُقَدِّمُ شَيئًا وَلَا يُؤَخِّرُهُ. وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ". 4106 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون المعجمة وضم الكاف أبو علي الصائغ المروزي، روى عن يزيد بن أبي حكيم في النذور، ويروي عنه (خ م س) قال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة مائتين واثنتين وخمسين (252) وفي التهذيب: روى عنه مسلم أربعة أحاديث (حدثنا يزيد بن أبي حكيم) بفتح الحاء المهملة أبي عبد الله الكناني العدني، روى عن الثوري في النذور ومالك، ويروي عنه (م ت س ق) قال أبو داود: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: مستقيم الحديث، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال في التقريب: صدوق، من التاسعة، مات سنة (220) مائتين وعشرين والله أعلم (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر المدني (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لعبد الله بن مرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: النذر لا يقدِّم شيئًا) من المنافع ولا يحصّله كالشفاء من المرض وحدوث الولد مثلًا (ولا يؤخره) أي لا يؤخر شيئًا من المضار ولا يدفعه كالموت والبلاء (وإنما يستخرج به) المال (من البخيل) وفي الرواية السابقة من الشحيح، والشحيح والبخيل كلاهما بمعنى واحد والمعنى أن النذر شيء يُخرج من البخيل ما لولاه لم يكن يريد أن يُخرجه، وقال الطيبي: إن الله يحب البذل والإنفاق فمن سمحت أريحيَّته فذلك وإلا فيشرع النذر ليستخرج به مال البخيل كذا في مرقاة المفاتيح [7/ 35]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4106 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) بضم المعجمة وفتح الدال لقب محمد بن جعفر الهذلي البصري، وتقدم بيان سبب تلقيبه بذلك في أوائل الكتاب وجملة من لفب بغندر من المحدثين عشرة ذكرهم الذهبي في تذكرة الحفاظ [3/ 961 - 964] في ترجمة غندر أبي بكر محمد بن جعفر البغدادي الورّاق (عن شعبة) بن

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ. وَقَال: "إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيرِ. وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ". 4107 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجاج (ح وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار واللفظ لابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (عن عبد الله بن مرة) الهمداني الكوفي (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر) المعلّق (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه) أي إن النذر المعقق (لا يأتي بخير) ونفع ولا يحصّله كشفاء المريض وقدوم الغائب (وإنما يُستخرج به) المال (من البخيل) والمعنى إن النذر غير مؤثر في إيجاد الخير الذي يريده الإنسان وإن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعوات في كل حال فلا ينبغي أن تعلق العبادات بشروط والذي ينبغي أن يكون العبد مخلصًا عبادته لوجهه الكريم ويدعوه في حوائجه فإن ذلك يأتي بخير إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4107 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا مفضل) بن مهلهل السعدي الكوفي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري (كلاهما) أي كل من مفضل وسفيان رويا (عن منصور) بن المعتمر (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن مرة عن ابن عمر (نحو حديث جرير) بن عبد الحميد، غرضه بيان متابعة مفضل وسفيان لجرير بن عبد الحميد.

4108 - (1580) (144) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَنْذُرُوا. فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيئًا. وَإِنَّمَا يُستَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 4108 - (1580) (144) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الجهني مولاهم (يعني الدراوردي) المدني، صدوق، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنذروا) بفتح التاء وضم الذال وكسرها من بابي نصر وضرب أي لا تنذروا النذر المعلّق (فإن النذر لا يُغني) أي لا يدفع (من القدر) أي من البلاء المقدر عليك (شيئًا) أي قليلًا ولا كثيرًا (وإنما يُستخرج به) المال (من) يد (البخيل) وهذا النذر المنهي عنه وهو النذر المعلّق لا نذر التبرر كأن يقول: إن شفى الله مريضي أو قدم غائبي فعليّ عتق رقبة أو صدقة كذا أو صوم كذا، ووجه هذا النهي هو أنه لما وقف فعل هذه القربة على حصول غرض عاجل ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى بما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعاوضة، ألا ترى أنه لو لم يحصل غرضه لم يفعل وهذه حال البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئًا إلا بعوض عاجل يربى على ما أخرج وهذا المعنى هو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنما يُستخرج به من البخيل) ما لم يكن البخيل يخرجه ثم يضاف إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو أن الله تعالى يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر وإليهما الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئًا" وهاتان جهالتان فالأولى: تُقَارِب الكفر والثانية: خطأ صُراح. وإذا تقرر هذا فهل هذا النهي محمول على التحريم أو على الكراهة، المعروف من مذاهب العلماء الكراهة؟ (قلت): والذي يظهر لي حمله على التحريم في حق من يخاف

4109 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ الْعَلاءَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ. وَقَال: "إِنَّهُ لَا يَرُدُّ مِنَ الْقَدَرِ. وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرمًا والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك والله تعالى أعلم. وإذا وقع هذا النذر على هذه الصفة لزمه الوفاء به قطعًا من غير خلاف ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" رواه أحمد والبخاري وأصحاب السنن الأربعة، ولم يُفرّق بين النذر المعلّق ولا غيره؟ ومما يُلحق بهذا النهي في الكراهة النذر على وجه التبرم والتحرج فالأول كمن يستثقل عبدًا لقلة منفعته وكثرة مؤنته فينذر عتقه تخلصًا منه وإبعادًا له وإنما يكره ذلك لعدم تمحض نية القربة، والثاني: أن يقصد التضييق على نفسه والحمل عليها بان ينذر كثيرًا من الصوم أو من الصلاة أو من غيرهما مما يؤدي إلى الحرج والمشقة مع القدرة عليه فأما لو التزم بالنذر ما لا يطيقه لكان ذلك محرمًا فأما النذر الخارج عما تقدم فما كان منه غير معلّق على شيء وكان طاعة جاز الإقدام عليه ولزم الوفاء به، وأما ما كان منه على جهة الشكر فهو مندوب إليه كمن شُفي مريضه فقال: لله عليّ أن أصوم كذا أو أن أتصدق بكذا شكرًا لله تعالى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 412]، والبخاري [6694]، وأبو داود [3288]، والترمذي [1538]، والنسائي [7/ 16]، وابن ماجه [2123]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4109 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت العلاء) بن عبد الرحمن (يحدّث عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد العزيز، وفائدتها تقوية السند الأول وتصريح السماع فيها (أنه نهى عن النذر، وقال) النبي صلى الله عليه وسلم في بيان حكمة النهي (إنه لا يرد من القدر) شيئًا (وإنما يُستخرج به من البخيل). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4110 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَليُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَمْرٍو (وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِن ابْنِ آدَمَ شَيئًا لَمْ يَكُنِ اللهُ قَدَّرَهُ لَهُ. وَلكِنِ النَّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ. فَيُخْرَجُ بِذلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ". 4111 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) وَعَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 4110 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن عمرو وهو ابن أبي عمرو) ميسرة مولى المطلب بن عبد الله أبي عثمان المدني، ثقة، من (5) (عن عبد الرحمن) بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود (الأعرج) المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لعبد الرحمن بن يعقوب (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النذر لا يُقرّب من ابن آدم) ولا يحصل له (شيئًا لم يكن الله قدّره) وكتبه (له ولكن النذر يوافق القدر) أي ما قدر الله له أزلًا من المنافع (فيخرج) بالبناء للمجهول (بذلك) النذر (من) يد (البخيل ما لم يكن البخيل) وما موصولة في محل الرفع نائب فاعل ليُخرج أي مال لم يكن البخيل (يريد أن يُخرج) ويعطي لبخله، ففيه إشارة إلى لزوم وفاء النذر لأن غير البخيل يعطي باختياره والبخيل إنما يعطي بواسطة النذر الموجب عليه يعني أن البخيل لا يأتي بالقُرب تطوعًا محضًا مبتدأ وإنما يأتي بها في مقابلة شفاء المريض أو قدوم الغائب ونحو ذلك مما يعلّق النذر عليه وهذا كما يتصور في النذر المعلّق يتصور في النذر المطلق أيضًا لأن بعض الناس لا ينشط لفعل القربة فيضطر نفسه لفعلها بالنذر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4111 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى بني قارة وهم بطن معروف من العرب مشهورون بجودة الرمي المدني، ثقة، من (8) (وعبد العزيز) بن محمد (يعني الدراوردي

كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، بِهذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلاهما) أي كل من يعقوب وعبد العزيز رويا (عن عمرو بن أبي عمرو بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو، غرضه بيان متابعتهما لإسماعيل بن جعفر. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. ***

590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر

590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وبيان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر 4112 - (1581) (145) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. قَال: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيلٍ. فَأسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَينِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيلٍ. وَأَصَابُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ 590 - (30) باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد وليان حكم من نذر أن يمشي إلى الكعبة وبيان كفارة النذر 4112 - (1581) (145) (وحدثني زهير بن حرب وعلي بن حجر السعدي) المروزي (واللفظ لزهير قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي المصري المعروف بابن علية (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن) عمه (أبي المهلب) بفتح اللام المشددة عمرو بن معاوية الجرمي البصري (عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي البصري الصحابي المشهور رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا واحدًا أعني زهيرًا فإنه نسائي وعلي بن حجر فإنه مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) عمران بن حصين: (كانت ثقيف) بمنع الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، قبيلة مشهورة من العرب مواطنون في الطائف وما حواليها من القرى (حلفاء لبني عقيل) بضم العين وبالصرف لتصغيره، قبيلة مشهورة منهم أيضًا، والحلفاء جمع حليف كظرفاء جمع ظريف والحليف اسم فاعل من حلف عدل عن حالف للمبالغة وقد كثر حتى صار كالأسماء، وهو المعاهد يقال منه تحالفا إذا تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدًا في النصرة والحماية وكان بينه صلى الله عليه وسلم وبين ثقيف عهد أن لا يتعرضوا لأحد من المسلمين فنقض ثقيف عهدهم كما ذكره بقوله: (فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمهما (وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخذوا (رجلًا من بني عقيل) لأنهم حلفاء ثقيف داخلون في حكمهم في نقض العهد فشدوه بالوثاق أي ربطوه (وأصابوا) أي

مَعَهُ الْعَضْبَاءَ. فَأَتَى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ. قَال: يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ. فَقَال: "مَا شَأْنُكَ؟ " فَقَال: بِمَ أَخَذْتَنِي؟ وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخذوا (معه) أي مع ذلك الرجل المأسور من بني عقيل (العضباء) وهي ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل كما يأتي ثم انتقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بحكم سهمه الخاص به من المغنم المسمى بالصفي، وإما بالمعاوضة الصحيحة وهي المسماة بالجدعاء والقصواء والخرماء في روايات أُخر، والعضب والقصو والجدع والخرم كلها بمعنى القطع، وسُميت هذه الناقة بتلك الأسماء لأنه كان في أذنها قطع وسُميت به فصدقت عليها تلك الأسماء كلها وعلى هذا فأصول هذه الأسماء تكون صفات لها ثم كثُرت فاستعملت استعمال الأسماء اهـ من المفهم (فأتى عليه) أي مر على ذلك الرجل الأسير المربوط (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (في الوثاق) أي في القيد، والوثاق اسم لما يوثق به (قال) ذلك الرجل: (يا محمد فأتاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شأنك) وحالك أيها الرجل وما حاجتك؟ حيث ناديتني (فقال) الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بِمَ) بفتح الميم مع حذف الألف لأن أصله بما حُذفت منها الألف فرقًا بينها وبين ما الموصولة وهو استفهام عن السبب الذي أوجب أخذه وأخذ ناقته وكأنه كان يعتقد أن له أو لقبيلته عهدًا من النبي صلى الله عليه وسلم أي بأي سبب وبأي ذنب (أخذتني) أي أخذني أصحابك وأسروني (وبمَ أخذت) بفتح التاء للخطاب أي وبأي سبب أخذ أصحابك ناقتي (سابقة الحاج) أي سابقة نوق الحجاج في أيام الموسم أراد بها العضباء فإنها كانت تسبق نوق الحجاج في سفرها ولا تسبق أو لا تكاد تسبق معروفة بذلك حتى جاء أعرابي على قعود فسبقها، والقعود بالفتح ما استحق الركوب من الإبل، وقد أخرج البخاري في باب التواضع من كتاب الرقاق عن أنس قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء وكانت لا تُسْبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سُبقت العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن حقًّا على الله أن لا يُرفع شيء من الدنيا إلا وضعه"، وإنما سأله الأسير عن سبب أخذها لأنه كان يعتقد أن له ولقبيلته عهدًا

فَقَال (إِعْظَامًا لِذلِكَ): "أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ" ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من النبي صلى الله عليه وسلم مع أن ثقيف نقضت العهد بأسر رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فانتقض عهدها وعهد حلفائها فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بذكر السبب إعظامًا لحق الوفاء وإبعادًا لنسبة الغدر إليه صلى الله عليه وسلم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إعظامًا لذلك) أي لنسبة الغدر إليه وإبعادًا له وهذا حكاية حال من الراوي فهو مدرج من كلامه وليس من مقول النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون الإعظام منه صلى الله عليه وسلم فهو إعظام لحق الوفاء وابعاد لنسبة الغدر إليه ويحتمل أيضًا أن يكون من الأسير ويكون في الكلام التقديم والتأخير ويكون الإعظام الأخذ ولا يخفى أن الاحتمال الأول هو الراجح والحاصل أن سؤال الأسير عن سبب أخذه كان يتضمن نسبة الغدر ونقض العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأعظمه النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب بما أجاب فقال: (أخذتك بجريرة) أي بذنب وجناية (حلفائك ثقيف) أي بما فعلته ثقيف من الجناية التي نقضوا بها ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد وكانت بنو عقيل دخلوا معهم في ذلك إما بحكم الشرط وفيه بُعد، والظاهر أنهم دخلوا معهم بحكم الحلف الذي كان بينهم ولذلك ذكر حلفهم في الحديث، والجريرة بالفتح في اللغة الذنب والجناية يقال: جر على نفسه وغيره يجرها بضم الجيم وفتحها جريرة إذا جنى عليهم جناية كما في تاج العروس [3/ 94] فالمعنى أني أخذتك بجناية حلفائك ثقيف فإنهم أسروا رجلين من أصحابنا ونقضوا بذلك عهدهم، وقد ذكر الخطابي في ذلك وجوهًا؛ الأول: أن العهد كان مع بني ثقيف وحلفائهم جميعًا بأنهم لا يتعرضون للمسلمين فنقض بنو ثقيف العهد ولم ينكره بنو عقيل فأخذوا بجريرتهم. والثاني: أن بني عقيل لم يكن معهم عهد فكان الأسير رجلًا كافرًا ولا عهد له فكان يجوز أخذه وأسره وقتله فإذا جاز أن يؤخذ بجريرة نفسه وهي كافرة جاز أن يؤخذ بجريرة غيره ممن كان حليفًا له. والثالث: أن يكون في الكلام حذف يريد أنك إنما أخذت ليدفع بك جريرة حلفائك ثقيف فيُفدى بك الأسرى الذين أسرهم ثقيف منا ألا تراه يقول: (ففدى الرجلين) فالظاهر أن العهد كان مع ثقيف وحلفائها فأُخذ رجل من بني عقيل ليُفدى بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف اهـ. ولما سمع الرجل الأسير ذلك لم يجد جوابًا فسكت (ثم انصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم وولى (عنه) أي عن ذلك الأسير

فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا. فَرَجَعَ إِلَيهِ فَقَال: "مَا شَأْنُكَ؟ " قَال: إِنِّي مُسْلِمٌ. قَال: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْركَ، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلاحِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب (فناداه) أي نادى الأسير النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (فقال: يا محمد يا محمد) تعال إليّ مرتين، وكان هذا النداء من الرجل على جهة الاستلطاف والاستعطاف ولذلك رق له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع له (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا) بالعباد بإحسانه إليهم (رقيقًا) أي رقيق القلب شفيقه غير غليظه (فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليه) مرة ثانية (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شأنك) أي ما حالك وما مطلبك إذ ناديتني مرة ثانية، رحمة ورفقًا على مقتضى خلقه الكريم ولذلك قال الراوي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا فـ (قال) له الرجل: شأني (إني مسلم) أي داخل في الإسلام فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلتها) أي لو قلت كلمة الإسلام (وأنت) أي والحال أنك (تملك أمرك) وشأنك قبل الأسر أي لو قلتها حين كنت مالك أمرك أي في حال اختيارك قبل كونك أسيرًا أي لو قلت ما تقوله الآن وهو أنك مسلم قبل أسرك (أفلحت كل الفلاح) بالفوز بالإسلام وبالسلامة من الأسر لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر ولما أسلمت بعد الأسر أفلحت بعض الفلاح حيث سقط الخيار في قتلك وبقي الخيار بين الاسترقاق والمن والفداء ففُدي بالرجلين، قال النووي: وفي هذا جواز المفاداة وأن إسلام الأسير لا يُسقط حق الغانمين منه بخلاف ما لو أسلم قبل الأسر اهـ وليس في الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه إسلامه وأما فداؤه اللازم له الرجوع إلى دار الكفر فلا ينافي إسلامه لجواز أن يكون الرد شرطًا في العهد الذي بينه وبينهم ويكون قادرًا على إظهار دينه لقوته في قومه؛ والمعنى لو قلت ما تقوله الآن وهو أنك مسلم حين تملك أمرك يعني قبل الأسر لنجيت نفسك من الأسر في الدنيا ومن العذاب في الآخرة فإن الرجل إذا أقر بالإسلام قبل أن يؤسر لم يجز أسره ولا قتله، وأما إذا أسلم بعد الأسر فقد نجى نفسه من القتل فقط ولكن يجوز للإمام أن يسترقه أو يُمنّ عليه أو يفاديه فإن الإسلام بعد الأسر لا ينافي الاسترقاق اهـ. وقوله: (إني مسلم) قال القرطبي: ظاهر اللفظ أنه قد صار مسلمًا بدخوله في دين

ثُمَّ انْصَرَفَ. فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! فَأَتَاهُ فَقَال: "مَا شَأْنكَ؟ " قَال: إِنِّي جَائِعْ فَأَطْعِمْنِي. وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنه لم يَقبل ذلك منه حين أجابه بقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" أي قد فزت كامل الفوز وحينئذٍ يلزم منه إشكال عظيم فإن ظاهره أنه لم يُقبل منه إسلامه لأنه أسير مغلوب عليه لا يملك نفسه وعلى هذا فلا يصح إسلام الأسير في حال كونه أسيرًا وصحة إسلامه معلوم من الشريعة لا خلاف فيها غير أن إسلامه لا يُزيل ملك مالكه بوجه وهو أيضًا معلوم من الشارع. ولما ظهر هذا الإشكال اختلفوا في الانفصال عنه فقال بعض العلماء: يمكن أن يكون علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنه لم يصدق في ذلك بالوحي ولذلك لما سأله في المرة الثالثة فقال: إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال: هذه حاجتك؟ وقال بعضهم: بل إسلامه صحيح وليس فيه ما يدل على أنه رد إسلامه، ومال الأبي في شرحه إلى أن الرجل إنما أظهر إسلامه تقية ولم يؤمن بقلبه عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي فلذلك رده إلى الكفار وهذا الوجه مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يعرف حقيقة ما في قلب الرجل فنحن مأمورون بالجريان على الظاهر اهـ منه. وأما قوله: (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) أي لو قلت كلمة الإسلام قبل أن تؤسر لبقيت حرًّا من أحرار المسلمين لك ما لهم من الحرية في الدنيا وثواب الجنة في الآخرة وأما إذا قلتها وأنت أسير فإن حكم الرق لا يزول عنك بإسلامك؟ فإن قيل: فلو كان مسلمًا فكيف يُفادى به من الكفار رجلان مسلمان، فالجواب أنه ليس في الحديث نص على أنه رجع إلى بلاده بلاد الكفر فيمكن أن يقال: إنما فُدي بالرجلين من الرق فأعتق منه بسبب ذلك وبقي مع المسلمين حرًّا من الأحرار، وليس في قوله هذه حاجتك ما يدل على أن إسلامه ليس بصحيح كما ظنه القائل الأول وإنما معنى ذلك هذه حاجتك حاضرة متيسرة (قلت): وهذا الوجه الثاني أولى لأنه لا نص في الحديث يرده ولا قاعدة شرعية تبطله والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (ثم انصرف) ورجع من عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم (فناداه) مرة ثالثة (فقال يا محمد يا محمد) على وجه الاستعطاف كما مر (فأتاه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له: (ما شأنك) وحاجتك (قال) الرجل: (إني جائع فأطعمني و) إني

ظَمْآنُ فَأَسْقِنِي. قَال: "هذِهِ حَاجَتُكَ" فَفُدِيَ بِالرَّجُلَينِ. قَال: وَأُسِرَتِ امْرأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ. وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ. فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ في الْوَثَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ظمآن) أي عطشان (فأسقني قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه حاجتك) جملة اسمية قدم خبرها على مبتدئها على معنى الحصر أي حاجتك هذه حاضرة متيسرة فلا يهمنك شأنها فإنها تُقضى فورًا يعني أن الطعام والشراب من حاجاتك الأصلية فنحن نقضيها، وفيه دليل على أن الأسير يستحق الطعام والشراب من الذي أسره (ففُدي) ذلك الرجل أي خُلي سبيله (بـ) مقابلة تخلية (الرجلين) يعني خلى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبيله عوضًا عن تخلية ثقيف الرجلين اللَّذَين أسرتهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. (واعلم) أن هذا الحديث مشتمل على واقعتين: الأولى في قصة تملك النبي صلى الله عليه وسلم الناقة العضباء وحاصلها أنها كانت لرجل من بني عقيل فأسر مع ناقته فتملكها النبي صلى الله عليه وسلم والواقعة الثانية أن المشركين أغاروا على المدينة بعد الواقعة الأولى فذهبوا بالعضباء وأُسرت عندهم امرأة من المسلمين فانفلتت منهم وجاءت بالعضباء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونذرت فيها نذرًا ومن أجل هذه الواقعة الثانية أخرج الإمام مسلم رحمه الله هذا الحديث في باب النذور فشرع في هذه الواقعة الثانية بقوله: (قال) عمران بن حصين بالسند السابق (وأُسرت) بالبناء للمجهول وزاد أبو داود والدارمي قبله، وبعد قوله: (ففُدي الرجل بالرجلين) (فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله) وركوبه (وكانت من سوابق الحجاج ثم إن المشركين أغاروا على المدينة فذهبوا مع ما أخذوا بالعضباء وأسروا امرأة من المسلمين) وبهذا تتضح القصة (امرأة من الأنصار) قال أبو داود بعد إخراج الحديث: هذه المرأة امرأة أبي ذر رضي الله عنه وذكر السهيلي في الروض الأنف [2/ 214] أن اسمها ليلى ووقعت قصة أسرها في غزوة ذات القرد على ما ذكره ابن إسحاق في المغازي وحكاه عنه ابن هشام في سيرته وكانت ذات القرد في جمادى الآخرة سنة ست (وأُصيبت) أي أخذت (العضباء) في تلك الإغارة التي وقعت بالمدينة مع المرأة (فكانت المرأة) المأسورة مع العضباء (في الوثاق)

وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَينَ يَدَي بُيُوتِهِمْ. فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ. فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ. حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ. فَلَمْ تَرْغُ. قَال: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي في القيد (وكان القوم) المشركون الذين أسروها (يريحون نعمهم) أي ينيخون إبلهم (بين يدي بيوتهم) أي أمام منازلهم وعند بيوتهم وبحضرتها لترتاح من تعب السير ومشقة السفر والمراد بالنعم هنا الإبل وإراحتها إناختها لتستريح في المراح والمراح بضم الميم مأوى الماشية بالليل (فانفلتت) أي تخلصت تلك المرأة (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (من الوثاق) أي من قيدها (فأتت) تلك المرأة (الإبل) أي إبلهم المناخة أمام بيوتهم لتركب عليها (فجعلت) أي شرعت تلك المرأة (إذا دنت) وقربت (من البعير) من تلك الإبل المناخة (رغا) ذلك البعير وصوّت (فتتركه) أي فتترك تلك المرأة البعير الذي رغا عليها وتمر عليه مخافة أن يظهر أمرها ويطلعوا عليها والمعنى فجعلت المرأة تدور على الإبل لتركب إحداها وتشرد منهم فكلما دنت من بعير منها رغا ذلك البعير فتتركه وتمر عليه (حتى تنتهي) وتصل المرأة (إلي العضباء) التي هي ناقة النبي صلى الله عليه وسلم التي أخذها المشركون وكانت قائمة في جملة إبلهم (فـ) لما وصلت إلى العضباء (لم ترغ) العضباء ولم تتصوّت عليها فتذللت لركوبها، يقال: رغا البعير يرغو رغاءً دعا يدعو دعاءً فهو مضارع مجزوم بحذف حرف العلة (قال) الراوي: (و) هي أي العضباء (ناقة منوقة) أي مدربة، وفي رواية ستأتي مجرّسة، وفي أخرى مدربة وكلها بمعنى واحد، ورُوي بالرفع على أنه خبر لمحذوف كما قدرناه وبالنصب على أنه مفعول لمحذوف تقديره ووجدتها ناقة منوقة وعلى كلا الاحتمالين فالجملة علة لعدم رغائها وتصويتها والتقدير إنما لم ترغ عليها لأنها ناقة منوقة أي مذللة للركوب أو لأنها كانت ناقة منوقة والمنوقة المذللة وهو مأخوذ من لفظ الناقة كأنه قد أذهب بشدة ذكورته وجعله كالناقة المنقادة كما في مجمع البحار. قال القرطبي: قوله: (وناقة منوقة) أي مذللة مدربة لا نفرة عندها وهي المجربة أيضًا هذا قول العلماء ويظهر لي أن كونها مدربة ليس موجبًا لعدم رغائها لأنا قد شاهدنا من الأباعر والنوق ما لم يزل مدربًا على العمل ومع ذلك فيرغو عند ركوبه وعند الحمل عليه وكأن هذه الناقة إنما كانت كذلك إما لأنها دُرّبت على ترك الرغاء من صغرها، وإما

فَقَعَدَتْ في عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانطَلَقَتْ. وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ. قَال: وَنَذَرَتْ لِلهِ؛ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ. فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ، نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ؛ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "سُبْحَانَ اللهِ! بِئْسَمَا جَزَتْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها كان لها هوى في السير والجري لنشاطها فكلما حُركت بادرت لما في هواها، وإما لأنها خصّت في أصل خلقتها بزيادة هدوء، أو كان ذلك ببركة ركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وهذا أقرب إلى الخاطر اهـ من المفهم. (فقعدت) تلك المرأة (في عجزها) أي في عجز العضباء أي ركبتها قاعدة في مؤخرها لتهرب عليها (ثم زجرتها) أي حركتها لتسرع بها في السير (فانطلقت) أي ذهبت وهربت بها (ونذورا) أي علموا وأحسوا (بها) أي بهروبها وهو بكسر الذال من باب سمع وأما النذر المعروف فهو من باب نصر وضرب كما مر ونذر بالشيء وبالعدو كفرح إذا علمه فحذره ومنه الحديث وأنذر القوم أي احذر منهم وكن منهم على علم وحذر وهذا الفعل ليس له مصدر صريح ولذلك قالوا إنه مثل عسى من الأفعال التي لا مصدر لها وقد ذكر ابن القطاع ثلاثة مصادر لها نذارة ونذرة ونذرًا كذا في تاج العروس للزبيدي [3/ 561] (فطلبوها فأعجزتهم) عن إدراكها فلم يدركوا لسبقها (قال) الراوي: (ونذرت) تلك المرأة (لله) وقالت في نذرها: (إن نجاها الله) تعالى وسلمها (عليها) أي على هذه الناقة من أخذهم إياها (لتنحرنها) وتذبحنها لله تعالى (فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا): جاءت (العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومعنى العضباء المشقوقة الأذن وليست كذلك اهـ من المجد (فقالت) المرأة: (إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها) ظنت هذه المرأة أن ذلك النذر يلزمها بناء منها على أنها لما استنقذتها من أيدي الكفار ملكتها أو جاز لها التصرف فيها لذلك فلما أُعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أجابها بما يوضح لها أنها لم تملكها وأن تصرفها فيها غير صحيح اهـ (فأتوا) أي فأتى الناس (رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك) النذر الذي نذرت المرأة (له) صلى الله عليه وسلم: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله) أي تنزيهًا لله تعالى عن الجزاء السيئ (بئسما جزتها) أي بئس الجزاء الذي جزت المرأة للعضباء

نَذَرَتْ لِلهِ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. لَا وَفَاءَ لِنَذرٍ في مَعْصِيَةٍ. وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والمخصوص بالذم نذرها يعني أنها جزت إحسان الناقة بالإساءة إليها فإن الناقة تسببت لنجاة المرأة من الكفار فجزت بنذر أن تنحرها فإنها (نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها) وقوله: (بئس ما جزتها) ذم لذلك النذر من حيث إنه لم يصادف محلًا مملوكًا لها ولو كانت ملكًا للزمها الوفاء لأنه نذر طاعة فيلزم الوفاء به اتفاقًا هذا إن كان ذلك الذم شرعيًّا ويمكن أن يقال: إنما صدر هذا الذم منه لأن ذلك النذر مستقبح عادة لأنه مقابلة الإحسان بالإساءة وذلك أن الناقة نجتها من الهلكة فقابلتها على ذلك بأن تهلكها وهذا هو الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله بئس ما جزتها نذرت لله إن نجاها عليها لتنحرنها" وفي هذا الحديث حجة على ما وُجد من أموال المسلمين بأيدي الكفار وغلبوا عليه وعُرف مالكه أنه له دون آخذه وفيه مستروح لقول من يقول: إن الكفار لا يملكون (لا وفاء) أي جائز أو صحيح (لنذر في معصية) كأن نذر أن يشرب الخمر فإنه لا يوفي ذلك النذر (ولا) وفاء (فيما لا يملك) أي في نذر ما لا يملك (العبد) حالة النذر وإن ملك بعد ذلك كأن يقول: لله عتق عبد زيد، فلا يلزمه الوفاء وإن ملك بعد النذر. قال النووي: وفي رواية "لا نذر في معصية الله تعالى" وفي هذا دليل أن من نذر معصية كشرب الخمر وقتل النفس المحرمة مثلًا فنذره باطل لا ينعقد ولا تلزمه كفارة يمين ولا غيرها وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود وجمهور العلماء، وقال أحمد: تجب فيه كفارة اليمين بالحديث المروي عن عمران بن الحصين وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين" واحتج الجمهور بحديث عمران بن حصين المذكور في الباب وأما حديث كفارته كفارة يمين فضعيف باتفاق المحدثين، وأما قوله: (ولا فيما لا يملك العبد) فهو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله عليّ أن أُعتق عبد فلان أو أن أتصدق بثوبه أو بداره أو نحو ذلك فأما إذا التزم في الذمة شيئًا لا يملكه فيصح نذره مثل أن قال: إن شفى الله مريضي فلله عليّ عتق رقبة وهو في ذلك الحال لا يملك رقبة ولا قيمتها فيصح نذره وإن شفي المريض ثبت العتق في ذمته اهـ منه، وقوله: (لا وفاء

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: "لَا نَذرَ في مَعْصِيَةِ اللهِ". 4113 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ حَمَّادٍ قَال: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عُقَيلٍ. وَكَانَتْ مِنْ سَوَابِقِ الْحَاجِّ. وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا: ـــــــــــــــــــــــــــــ لنذر في معصية) هو رواية زهير بن حرب (وفي رواية) علي (بن حجر) السعدي (لا نذر في معصية الله) فهو اختلاف لفظي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 430]، وأبو داود [3306]. قال القرطبي: قوله: (لا وفاء لنذر في معصية) الخ ظاهر هذه الكلمة يدل على أن ما صدر من المرأة نذر معصية لأنها التزمت أن تهلك ملك الغير فتكون عاصية بهذا القصد وهذا ليس بصحيح لأن المرأة لم يتقدم لها من النبي صلى الله عليه وسلم بيان تحريم ذلك ولم تقصد ذلك وإنما معنى ذلك والله تعالى أعلم أن من أقدم على ذلك بعد التقدمة وبيان أن ذلك محرم كان عاصيًا بذلك القصد ولا يدخل في ذلك المعلق على الملك كقوله: إن ملكت هذا البعير فهو هدي أو صدقة لأن ذلك الحكم معلق على ملكه لا ملك غيره وليس مالكًا في الحال فلا نذر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 4113 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) الزهراني (العتكي) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (عن عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (كلاهما) أي كل من حماد وعبد الوهاب رويا (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران (نحوه) أي نحو ما روى إسماعيل بن إبراهيم، غرضه بيان متابعتهما لإسماعيل (و) لكن (في حديث حماد) وروايته (قال) عمران بن حصين (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج، وفي حديثه) أي وفي حديث حماد وروايته (أيضًا) أي كما فيه ما ذكر

فَأَتَتْ عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ مُجَرَّسَةٍ. وَفِي حَدِيثِ الثقَفِي: وَهِيَ نَاقَةٌ مُدَرَّبَةٌ. 4114 - (1582) (146) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوَيةَ الْفَزَارِيُّ. حَدَّثَنَا حُمَيدٌ. حَدَّثَنِي ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى شَيخًا يُهَادَى بَينَ ابْنَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأتت) المرأة حين تخلصت من الوثاق (على ناقة ذلول) أي مذللة معلّمة مطيعة لصاحبها (مجرسة) بصيغة اسم مفعول من التجريس يعني مجربة في السير والركوب والمجرّس من الناس هو الذي جرب الأمور وخبرها، ومنه حديث عمر قال له طلحة: قد جرستك الدهور أي حنكتك وأحكمتك وجعلتك خبيرًا بالأمور مجربًا لها كذا في مجمع البحار، والتجريس في اللغة التحكيم والتجربة كما في تاج العروس [118/ 4] (وفي حديث) عبد الوهاب (الثقفي) وروايته (وهي ناقة مدربة) تدريب الشيء على الشيء تعويده عليه يقال دربته الشدائد حتى قوي ومُرّن عليها والمُدرّب المجرّب والمصاب بالبلايا والمدرّب من الإبل المخرّج المؤدب الذي قد ألِفَ الركوب والسير أي عوّد المشي في الدروب فصار يألفها ويعرفها فلا ينفر كما في تاج العروس [1/ 246] وذكر النووي رحمه الله تعالى: أن المنوقة والذلول والمجرّسة والمدرّبة كلها بمعنى واحد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 4114 - (1582) (146) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8) (عن حميد) بن أبي حميد الطويل الأنصاري مولاهم البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ له حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا حميد) الطويل (حدثني ثابت عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخًا) هرمًا (يهادى بين ابنيه) بالبناء للمفعول أي يمشي بينهما متوكئًا عليهما لضعف به يعني يمشي بينهما معتمدًا عليهما لضعفه وتمايله، وهو مأخوذ من تهادت المرأة في مشيها إذا تمايلت وكل

فَقَال: "مَا بَالُ هذَا؟ " قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَال: "إِن اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ" وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. 4115 - (1583) (147) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَمْرٍو (وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو)، ـــــــــــــــــــــــــــــ من فعل ذلك فهو يهاديه أي يمسكه رجلان من جانبيه يعتمد عليهما كذا في مجمع البحار، وقوله: (بين ابنيه) قال الحافظ في الفتح في باب الحج [4/ 68] لم أقف على اسم هذا الشيخ ولا على اسم ابنيه، وغلط من قال إنه أبو إسرائيل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (ما بال هذا) الشيخ وما شأنه يهادى بين رجلين (قالوا): أي الحاضرون (نذر أن يمشي) حاجًّا إلى بيت الله تعالى أي نذر أن يحج ماشيًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله) سبحانه وتعالى (عن تعذيب هذا نفسه لغني) وقدّم الجار والمجرور على عامله للاهتمام به، وقيل للتخصيص لأن متحمل تلك المشقة جُعل كأنه اعتقد أن الله غير غني عن تعذيبه فيكون قصر قلب والمصدر مضاف إلى فاعله ونفسه مفعول به اهـ ابن الملك (وأمره أن يركب) لعجزه عن المشي وعليه دم عند الأحناف لأنه أدخل نقصًا في الواجب بعدم وفائه كما التزمه وهو كما في شرح النووي راجح القولين للشافعي ولم يذكر في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ألزم دمًا عليه وقد جاء في حديث أخت عقبة الآتي في سنن أبي داود مبينًا ذلك فليراجع وفي كتب الفروع من أوجب على نفسه أن يحج ماشيًا لا يركب حتى يطوف للركن، ومعنى قوله: (إن الله لغني عن تعذيب هذا) أي لم يكلفه بذلك ولم يحوجه إليه لأنه غير مستطيع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [114/ 3]، والبخاري [1865]، وأبو داود [3301]، والترمذي [1537]، والنسائي [30/ 7]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 4115 - (1583) (147) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي (قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن عمرو وهو ابن أبي عمرو) ميسرة مولى المطلب بن عبد الله أبي

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ شَيخًا يَمْشِي بَينَ ابْنَيهِ. يَتَوَكَّأُ عَلَيهِمَا. فَقَال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا شَأنُ هذَا؟ " قَال ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَانَ عَلَيهِ نذْرٌ. فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْكَبْ. أَيُّهَا الشَّيخُ! فَإِن اللهَ غَنِيٌّ عَنْكَ وَعَن نَذْرِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان المدني (عن عبد الرحمن) بن هرمز الهاشمي مولاهم (الأعرج) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك) أي لحق ورأى (شيخًا يمشي) ويهادى (بين ابنيه) حالة كونه (يتوكأ) ويعتمد بعضديه (عليهما) لم أر من ذكر اسم الشيخ واسم الابنين وهل هو الشيخ الذي في حديث أنس أم لا؟ والظاهر هو هو لاتحاد الواقعة وهو في حجة الوداع (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابنيه: "ما شأن هذا؟ " الشيخ وما باله يهادى بينكما (قال ابناه: يا رسول الله كان عليه نذر) أن يمشي إلى بيت الله (فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: اركب) الراحلة (أيها الشيخ فإن الله) سبحانه (غني عنك) أي عن عبادتك (وعن نذرك) أي وعن مشيك الذي لا تستطيعه لا أن أصل النذر يسقط عنه فإنه قد أمره بالركوب، وخُرّجت هذه العبارة على ما تعارفناه بيننا من أن من استغنى عن شيء لم يلتفت إليه ولم يعبأ به وكيف لا والله تعالى هو الغني الحميد وكل الموجودات مفتقرة إليه افتقار ضعفاء العبيد، وظاهر حديث هذا الشيخ أنه كان قد عجز عن المشي في الحال وفيما يأتي بعد ولذلك لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لأخت عقبة: "مُرْها فلتمش ولتركب" فإنها كانت ممن يقدر على بعض المشي فأمرها أن تركب ما عجزت عنه وتمشي ما قدرت عليه وهذا هو المناسب لقواعد الشريعة، ولم يذكر لواحد منهما وجوب دم عليه ولا ذكر لأخت عقبة وجوب الرجوع لتمشي ما ركبته فأما من يئس عن المشي فلا رجوع عليه قولًا واحدًا ولا يلزمه دم إذ لم يخاطب بالمشي فيكون الدم بدله وإنما هو استحباب عن مالك، وأما من خوطب بالمشي فركب لموجب مرض أو عجز فيجب عليه الهدي عند الجمهور، وقال الشافعي: لا يجب عليه الهدي ويختار له الهدي، ورُوي عن ابن الزبير أنه لم يجعل عليه هديًا متمسكًا بما قررناه من الظاهر وقد تمسك الجمهور بزيادة زادها أبو داود والطحاوي في حديث عقبة وهذا لفظه (قال عقبة بن عامر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها فقال له النبي صلى

(وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ وَابْنِ حُجْرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم: "مُرْها فلتركب ولتختمر ولتهد هديًا" وعند أبي داود بدنة وليس فيه ناشرة شعرها، وزيادة الهدي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم مع عقبة بن عامر ابن عباس، ورواها عنهما الثقات فلا سبيل إلى ردها وليس سكوت من سكت عنها حجة على من نطق بها، وقد عمل بها الجماهير من السلف وغيرهم. ثم هل يجب عليه مع الهدي الرجوع فيمشي ما ركبه أم لا؟ اختلف فيه؛ فقيل: لا يجب عليه مطلقًا وإليه ذهب الشافعي وأهل الكوفة وهذا أحد قولي ابن عمر، وقيل: يرجع وإليه ذهب سلف أهل المدينة وابن الزبير وهو القول الآخر عن ابن عمر وفرّق مالك فقال: إن كان المشي يسيرًا لم يرجع ويرجع في الكثير ما لم يرجع لبلده البعيدة فيكفيه الدم. (قلت): والتمسك بحديث عقبة في ترك إيجاب الرجوع ظاهر وعمل سلف أهل المدينة باهر اهـ من المفهم. (واللفظ) المذكور سابقًا (لقتيبة وابن حجر) وأما يحيى بن أيوب فروى معناه لا لفظه، وقوله: (كان عليه نذر) يعني به إلى بيت الله لأنه عرف المشي كما قال عقبة: إن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله، وقال الطحاوي: إلى الكعبة ولم يرد فيما صح من الحديث أكثر من هذين اللفظين بيت الله والكعبة، وألحق العلماء بهما ما في معناهما مثل أن يقول إلى مكة أو ذكر جزءًا من البيت وهذا قول مالك وأصحابه، واختلف أصحابه فيما إذا قال إلى الحرم أو مكانًا من بلدة مكة أو المسجد هل يرجع إلى البيت أم لا؟ على قولين؛ وقال الشافعي: من قال: علي المشي إلى شيء مما يشمل عليه الحرم لزمه وإن ذكر ما خرج منه لم يلزمه وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وابن حبيب من أصحابنا إلا إذا ذكر عرفات فيلزمه وإن كانت خارج الحرم، وقال أبو حنيفة: لا يلزمه في هذا مشي ولا مسير في القياس لكن الاستحسان في قوله إلى بيت الله أو الكعبة أو مكة فقط وكل هذا إذا ذكر المشي فلو قال: علي المسير إلى مكة أو الانطلاق أو الذهاب فلا شيء عليه إلا أن يقول في حج أو عمرة أو ينويهما، وتردد قول مالك في الركوب، وأوجب أشهب الحج والعمرة فيهما كالمشي وكل هذا إن ذكر مكة أو موضعًا منها على ما فصلناه؟ فلو قال: علي المشي إلى مسجد من المساجد الثلاثة لم يلزمه المشي عند ابن القاسم بل المضي إليها، وقال ابن وهب: يلزمه المشي وهو القياس ولو قال إلى مسجد غير هذه الثلاثة، قال ابن المواز: إن كان قريبًا كالأميال لزمه المشي إليه

4116 - (00) (00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ عَمْرِو بْنِ أبِي عَمْرٍو، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4117 - (1584) (148) وحدَّثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ (يَعْنِي ابْنَ فَضَالةَ) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان بعيدًا لم يلزمه والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 373]، وأبو داود [3301]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4116 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد (يعني الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى إسماعيل بن جعفر عن عمرو، غرضه بيان متابعة الدراوردي لإسماعيل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنهما فقال: 4117 - (1584) (148) (وحدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح) بن يعقوب الحرسي بفتح المهملتين القضاعي أبو يحيى (المصري) كاتب القاضي العمري، روى عن المفضل بن فضالة في النذور والجهاد ونافع بن يزيد، ويروي عنه (م) ومحمد بن زبّان، وثقه العقيلي، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين (حدثنا المفضل يعني ابن فضالة) بن عبيد الرعيني المصري، ثقة، من (8) (حدثني عبد الله بن عياش) بمثناة ومعجمة ابن عباس بموحدة ومهملة القِتباني بكسر القاف بعدها فوقية ساكنة ثم موحدة أبو حفص المصري، روى عن يزيد بن أبي حبيب في النذور وأبيه والأعرج، ويروي عنه (م ق) والمفضل بن فضالة، قال أبو حاتم: صدوق، وضعفه أبو داود والنسائي، له في كل من الكتابين فرد حديث، وقال في التقريب: صدوق يغلط، أخرج له مسلم في الشواهد، مات سنة (170) سبعين ومائة (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّهُ قَال: نَذَرَتْ أُختِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيتِ اللهِ حَافِيَةً. فَأَمَرَتْنِي أَنْ اسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَاسْتَقتَيتُهُ. فَقَال: "لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ". 4118 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا الْخَيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عقبة بن عامر) الجهني أبي حماد المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون (أنه قال: نذرت أختي) قال المنذري في تلخيصه لأبي داود [4/ 378] وأخت عقبة هي أم حبان بكسر الحاء المهملة أسلمت وبايعت، ولكن رد عليه الحافظ في الفتح [4/ 68] وفي التلخيص [4/ 178] وحقّق أن أم حبان بنت عامر هي أخت لعقبة بن عامر بن نابي دون عقبة بن عامر الجهني راوي هذا الحديث، وعقبة بن عامر بن نابي أنصاري شهد بدرًا ولا رواية له فالصحيح أنه لا يعرف اسم أخت عقبة بن عامر الجهني اهـ أي ألزمت أختي نفسها (أن تمشي إلى بيت الله) تعالى حالة كونها (حافية) أي غير لابسة في رجلها شيئًا من النعال والخفاف، قال قيس بن الملوح: عليّ لئن لاقيت ليلى بخلوة ... زيارة بيت الله رجلان حافيا (فأمرتني أن أستفتي) وأسأل (لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فقال) لي مُرْها (لتمش) فيما قدرت (ولتركب) فيما عجزت، وفيه دليل على صحة نذر المشي وإلا لما لزمها ذلك وقت القدرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 4118 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (أخبرنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص بكسر الميم وسكون القاف آخره صاد مهملة هو اسم أبي أيوب الخزاعي مولاهم أبو يحيى المصري، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (5) أبواب (أن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي المصري (أخبره أن أبا الخير) مرثد بن عبد الله اليزني

حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: نَذَرَتْ أُخْتِي. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُفَضَّلٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ في الْحَدِيثِ: حَافِيَةً. وَزَادَ: وَكَانَ أبُو الْخَيرِ لَا يُفَارِقُ عُقْبَةَ. 4119 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوَحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. 4120 - (1585) (149) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيليُّ ويونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَأَحْمَدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري (حدثه عن عقبة بن عامر الجهني) المصري. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمفضل بن فضالة في رواية هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب، ولكنها متابعة ناقصة لأن ابن جريج روى عن يزيد بواسطة سعيد بن أبي أيوب، وأما مفضل فقد روى عن يزيد بواسطة عبد الله بن عياش (أنه قال: نذرت أختي فذكر) ابن جريج (بمثل حديث مفضل) بن فضالة (ولم يذكر) ابن جريج (في الحديث حافية) أي عارية عن النعال (و) لكن (زاد) ابن جريج لفظة قال سعيد بن أبي أيوب: (وكان أبو الخير لا يفارق عقبة) بن عامر الجهني. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 4119 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (و) محمد بن أحمد (بن) محمد (أبي خلف) السلمي البغدادي (قالا: حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني يحيى بن أيوب) الغافقي المصري، صدوق، من (7) (أن يزيد بن أبي حبيب أخبره بهذا الإسناد) يعني عن أبي الخير عن عقبة (مثل حديث عبد الرزاق) غرضه بيان متابعة روح بن عبادة لعبد الرزاق. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 4120 - (1585) (149) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي المصري (وأحمد بن

عِيسَى (قَال يُونُسُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبِ). أخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَال: "كفارَةُ النَّذْرِ كَفارَةُ الْيَمِينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) (قال يونس: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب المصري (عن كعب بن علقمة) بن كعب بن عدي التنوخي أبي عبد الحميد المصري، صدوق، من (5) (عن عبد الرحمن بن شماسة) بضم المعجمة وتخفيف الميم المهري المصري، ثقة، من (3) (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري (عن عقبة بن عامر) الجهني المصري. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفارة اليمين) أي مثل كفارة اليمين في كون الواجب فيها أحد الأمور الثلاثة الإعتاق أو الإطعام أو الصوم. (واعلم) أن الكفارة في النذر تجب في صور مختلفة الأولى أن يقول: لله علي نذر. ولم يعيّن شيئًا من صوم وصدقة أو عتق فعليه الكفارة وهذه الصورة هي المقصودة بحديث الباب، والثانية: أن ينذر شيئًا ثم لا يطيق الوفاء به فعليه الكفارة إلا في صور مخصوصة كالنذر بالمشي إلى بيت الله أو النذر بذبح ولده فإنه يلزمه دم فيهما كما سبق في شرح الحديث السابق، والثالثة: أن يعلق النذر بشيء يريد الامتناع منه كأن يقول: إن كلمت زيدًا فلله علي حجة وهو المسمى بنذر اللجاج في اصطلاح الشافعية وحكمه عندهم أنه في حكم اليمين فإن حنث في ذلك فله الخيار إما أن يفي بنذره وإما أن يكفِّر، والرابعة: النذر بالمعصية تجب فيه الكفارة على اختلاف الفقهاء فيه كما سبق. وهذه الصور الأربعة للكفارة مجموعة فيما أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته يمين" وأخرجه أيضًا ابن ماجه ولم يذكر النذر في المعصية وزاد "ومن نذر نذرًا أطاقه فليف به" والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3323]، والترمذي [1528]، والنسائي [7/ 76]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث: الأول: حديث عمران بن حصين ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عقبة بن عامر الأول ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث عقبة بن عامر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

أبواب الأيمان

بسم الله الرحمن الرحيم أبواب الأيمان 591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله 4121 - (1586) (150) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِن اللهَ عَز وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب الأيمان جمع يمين واليمين في اللغة القوة ومنه استعير لليدين لأن فيها قوة ثم أطلق اليمين على الحلف لأنهم إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه. 591 - (31) باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى وعن الحلف بالطواغي وأمر من حلف باللات والعزى بقول لا إله إلا الله 4121 - (1586) (150) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (قال) ابن عمر (سمعت عمر بن الخطاب) بن نفيل رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي، وولد عن والد، وتابعي عن تابعي، حالة كون عمر (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله عزَّ وجلَّ ينهاكم) نهي تحريم عن (أن تحلفوا بآبائكم) أي مثلًا فإن المراد بالنهي غير الله وإنما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خص الآباء لأنه كان عادة الأبناء كذا في المرقاة، وفي سنن أبي داود والنسائي عن أبي هريرة: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد -أي بالأصنام- ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون". قال القرطبي: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء لما فيه من تعظيمهم بصيغ الأيمان لأن العادة جارية بأن الحالف منا إنما يحلف بأعظم ما يعتقده، وإذا كان ذلك فلا أعظم عند المؤمن من الله تعالى فينبغي أن لا يحلف بغيره تعالى فإذا حلف بغير الله فقد عظّم ذلك الغير بمثل ما عظم به الله تعالى وذلك ممنوع منه وهذا الذي ذكرناه في الآباء جار في كل محلوف به غير الله تعالى، وإنما جرى ذكر الآباء هنا لأنه هو السبب الذي أثار الحديث حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه وقد شهد لهذا المعنى قوله من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله وهذا حصر وعلى ما قررناه فظاهر النهي التحريم ويدخل في عموم هذا الحديث الحلف بالأشراف والسلاطين وحياتهم كما يوجد في بعض البلدان فلا ينبغي أن يختلف في تحريمه وكذا الحلف بما كان معظمًا في الشرع مثل والنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة والعرش والكرسي وحرمة الصالحين فهو حرام داخل في عموم هذا الحديث. (فإن قلت): كيف يحكم بتحريم الحلف بالآباء والنبي صلى الله عليه وسلم قد حلف بذلك؟ حين قال: "أفلح وأبيه إن صدق" وكيف يحكم بتحريم الحلف بغير الله وقد أقسم الله تعالى بغيره؟ فقال {وَالضُّحَى} {وَالشَّمْسِ} {وَالْعَادِيَات} {وَالنَّازِعَاتِ} إلى غير ذلك مما في كتاب الله تعالى من ذلك (قلت): فالجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه قد تقدم في الأيمان وحاصله أن ذلك يحتمل أن يكون صدر منه قبل أن يوحى إليه بهذا النهي، ويحتمل أن يكون جرى هذا على لسانه من غير قصد إلى الحلف به كما يجري في لغو اليمين الذي هو: لا والله، بلى والله. وأما الجواب عن قسمه تعالى بتلك الأمور فمن وجهين: أحدهما: أن المقسم به محذوف تقديره ورب الضحى ورب الشمس مثلًا قاله أكثر أئمة المعاني، وثانيهما: أن الله تعالى يُقسم بما يريد كما يفعل ما يريد إذ لا حكم عليه ولا حاكم فوقه ونحن المحكوم عليهم وقد أبلغنا حكمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، ومن كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله" فيجب الانقياد والامتثال لحكم ذي العزة والجلال اهـ من المفهم.

قَال عُمَرُ: فَوَاللهِ! مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهَا. ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا. 4122 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّ في حَدِيثِ عُقَيلٍ: مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال عمر) بالسند (فوالله) أي فأقسمت لكم بالله الذي لا ناهي ولا آمر إلا هو (ما حلفت بها) أي بالآباء أو بهذه اللفظة وهي وأبي (منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عنها) أي عن الحلف بالآباء حالة كوني (ذاكرًا) أي قائلًا بها من قِبل نفسي (ولا آثرًا) أي ولا حاكيًا لها عن غيري بأن أقول قال فلان وأبي يعني ما أجريت على لساني الحلف بها أصلًا لا بالقول ولا بالنقل، والمعنى لم يقع مني الحلف بها ولا تحدثت بالحلف بها عن غيري، يقال: أثرت الحديث إذا نقلته عن غيرك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6647]، وأبو داود [3250]، والترمذي [1533]، والنسائي [4/ 7]، وابن ماجه [2094]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 4122 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة، من (7) (حدثني عقيل) بالتصغير (بن خالد) بن عقيل بالتكبير الأموي المصري، ثقة، من (6) (ح وحدثني إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما) أي كل من عقيل ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن عبد الله عن عمر (مثله) أي مثل ما روى يونس عن ابن شهاب. وهذان السندان الأول منهما من ثمانياته والثاني من سباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عقيل ومعمر ليونس بن يزيد في الرواية عن الزهري (غير أن) أي لكن أن (في حديث عقيل) وروايته (ما حلفت بها) أي بلفظة وأبي (منذ سمعت رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا. وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَا. وَلَمْ يَقُلْ: ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا. 4123 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ. بِمِثْلِ رِوَايَةٍ يُونُس وَمَعْمَرٍ. 4124 - (00) (00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم ينهى عنها ولا تكلمت بها) أي بلفظة وأبي (ولم يقل) أي ولم يذكر عقيل في روايته لفظة (ذاكرًا ولا آثرًا) وهذا بيان لمحل المخالفة بين عقيل ويونس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 4123 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر) رضي الله عنه (وهو) أي والحال أن عمر (يحلف بأبيه) ولفظ النسائي في هذا الحديث سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر مرة وهو يقول: وأبي وأبي، فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وساق سفيان (بمثل رواية يونس ومعمر) ولم يذكر عقيلًا لأنه خالفهما في بعض الكلمات كما مر آنفًا. وهذا السند من خماسياته لأنه جعله من مسند ابن عمر، غرضه بيان متابعة ابن عيينة ليونس ومعمر، فقوله: (عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر) الخ هذا الطريق يخالف الطرق السابقة في أن الحديث في الطرق السابقة من مسندات عمر بن الخطاب وفي هذا الطريق من مسندات ابن عمر رضي الله عنهما، والاختلاف فيه على الزهري فرواه عنه البعض عن سالم عن ابن عمر عن عمر، وبعضهم عن سالم عن ابن عمر، وقد بسط الحافظ في بيان هذا الاختلاف ثم قال: ويشبه أن يكون ابن عمر سمع المتن من النبي صلى الله عليه وسلم والقصة التي وقعت لعمر منه فحدّث به على الوجهين وراجع فتح الباري اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 4124 - (00) (00) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح

(وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَن نَافِعٍ، عَن عَبْدِ اللهِ، عَن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ في رَكبٍ. وَعُمَرُ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ. فَنَادَاهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا إِن اللهَ عَزَّ وَجلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ. فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واللفظ له أخبرنا الليث عن نافع عن عبد الله) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة نافع لسالم (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أدرك) ولحق (عمر بن الخطاب) من ورائه وهو (في ركب) أي مع ركب وجماعة يسيرون قدامه صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته (وعمر) أي والحال أن عمر (يحلف بأبيه) أي يقول بأبي كان الأمر كذا وكذا (فناداهم) أي فنادى أولئك الركب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بأعلى صوته (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (أن الله عزَّ وجلَّ ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان) منكم (حالفًا) أي مريدًا الحلف تأكيدًا للأمر (فليحلف بالله) أي باسم من أسمائه تعالى أو صفة من صفاته (أو ليصمت) أي إن لم يحلف بالله فليسكت وجوبًا عن حلفه بغير الله، فيحرم الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته كاسماء الأنبياء والملائكة والكعبة والحياة وغير ذلك كالأولياء والصالحين والسلاطين والمساجد والكنائس إلى غير ذلك مما اعتاده الناس في الجاهلية كاللات والعزى، وحكمة النهي عن ذلك أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به والعظمة مختصة بالله حقيقة فلا يضاهى به غيره، وأما الله سبحانه وتعالى فله أن يحلف بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا على شرفه كقوله: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)} قال العيني في العمدة [11/ 22] والحديث روي عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم بلفظ (بينا أنا في ركب أسير في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لا وأبي، فهتف رجل من خلفي: "لا تحلفوا بآبائكم" فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عن عمر: فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لو أن أحدكم حلف بالمسيح والمسيح خير من آبائكم لهلك" وفي رواية سعد بن عبيدة أنها شرك، وفي رواية ابن المنذر: "لا بأمهاتكم ولا بالأوثان ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون" وروى ابن أبي عاصم في كتاب "الأيمان والنذور" من حديث ابن عمر: "من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر" وقال الحافظ في الفتح [11/ 462]: وظاهر الحديث

4125 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدِّثنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تخصيص الحلف بالله تعالى خاصة لكن قد اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات، وكأن المراد بقوله: (بالله) الذات لا خصوص لفظ الله، وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها، وهل المنع للتحريم أو لا؟ قولان عند المالكية وكذا عند الحنفية كما في رد المحتار كذا قال ابن دقيق العيد والمشهور عندهم التحريم وبه جزم الظاهرية. ثم إن المنع من الحلف بغير الله إنما هو في اليمين بحروف القسم، وأما اليمين بتعليق عتق أو طلاق مما ليس فيه حرف القسم فليس داخلًا في النهي لأنه ليس لمعنى التعظيم وإنما هو للوثيقة، وأما الحلف بالقرآن فجوّزه بعض الفقهاء لأنه صفة من صفات الله تعالى، وأنكره بعضهم لأنه يراد به ألفاظ القرآن وإنها ليست بصفة، وكذلك اختلفوا في انعقاد اليمين بالقرآن فذكر صاحب الهداية أن اليمين لا ينعقد به لأنه غير متعارف، واستنبط ابن الهمام من هذا التعليل أنه ينعقد عندما تعارف الناس اليمين به ولذلك أفتى علماء الحنفية بانعقاد اليمين به في زماننا راجع رد المحتار [56/ 3] والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4125 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (ح وحدثني بشر بن هلال) النميري مصغرًا أبو محمد الصوّاف البصري، روى عن عبد الوارث بن سعيد في النذور والطب، وجعفر بن سليمان، ويروي عنه (م عم) وابن خزيمة وخلق، ذكره في الثقات، ووثقه النسائي وأبو علي الجياني، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (247) سبع وأربعين ومائتين (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري (حدثنا أيوب) السختياني (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن الوليد بن

كَثِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَن ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيم. كُل هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِمِثْلِ هذِهِ الْقِصَّةِ. عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 4126 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُون حَدَّثَنَا إِسماعِيلُ) (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ كثير) القرشي المخزومي أبي محمد المدني، صدوق، من (6) (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي، ثقة، من (6) (ح وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري (حدثنا) محمد بن إسماعيل (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني (أخبرنا الضحاك) بن عثمان بن عبد الله الأسدي المدني، صدوق، من (7) (و) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي المدني، ثقة، من (7) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد (ابن رافع) القشيري (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن ابن جريج) المكي (أخبرني عبد الكريم) بن مالك الأموي مولاهم مولى عثمان أبو سعيد الجزري، ثقة، من (6) (كل هؤلاء) الثمانية المذكورين من عبد الله بن نمير وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني والوليد بن كثير بن أمية والضحاك بن عثمان وابن أبي ذئب وعبد الكريم بن مالك رووا (عن نافع عن ابن عمر بمثل هذه القصة) المذكورة في عمر بن الخطاب (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء لليث بن سعد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4126 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلا بِاللهِ" وَكَانَتْ قُرَيشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا. فَقَال: "لَا تَحْلِفُوا بِآبَائكُمْ". 4127 - (1587) (151) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر (أنه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان حالفًا) أي مريدًا الحلف على شيء (فلا يحلف إلا بالله) أي إلا باسم من أسماء الله تعالى لا خصوص لفظ الجلالة أو بصفة من صفاته المختصة به كالربوبية والألوهية (وكانت قريش تحلف بآبائها) وكانت للعرب عادات مختلفة في عهودهم وأيمانهم، وقد جمع أبو إسحاق بن عبد الله البجيرمي الكاتب أيمان الجاهلية في كتاب سماه باسم (أيمان العرب في الجاهلية) (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم) قال النووي: وفي هذا الحديث إباحة الحلف بالله تعالى كلها وهذا مجمع عليه، وفيه النهي عن الحلف بغير أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته وهو عند أصحابنا ليس بحرام اهـ منه. (قلت): والقول الصحيح هو ما عليه الجمهور من الحرمة إذا كان جادًا قاصدًا الحلف بالمخلوق. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4127 - (1587) (151) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (حدثنا ابن وهب) بن مسلم المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون (من حلف

مِنْكُمْ، فَقَال في حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ. فَلْيَقُل: لَا إِلهَ إلَّا اللهُ. وَمَن قَال لِصَاحِبِهِ: تَعَال أُقَامِرْكَ. فَلْيَتَصَدَّقْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ منكم) أيها المسلمون (فقال في حلفه باللات) أي أقسم باللات وهو اسم صنم كان لثقيف بالطائف، وقيل: كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة أو يلتوون عليها أي يطوفون بها اهـ من بعض الهوامش (فليقل لا إله إلا الله) قوله: (فقال في حلفه باللات) فإن قيل كيف يتصور من مسلم أن يحلف باللات أو بغيره من الأصنام؟ فالجواب: أن القوم كانوا حديثي العهد بالشرك وكانت أيمان الجاهلية جارية على ألسنتهم فربما كانت ألسنتهم تنطق بمثل هذه الأيمان من غير أن يتعمدوا ذلك باختيارهم، ويؤيده ما أخرجه النسائي في باب الحلف باللات والعزى عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا نذكر الأمر وأنا حديث عهد بالجاهلية فحلفت باللات والعزى فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فأتيته فأخبرته فقال لي: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له - ثلاث مرات - وتعوذ بالله من الشيطان - ثلاث مرات - واتفل عن يسارك - ثلاث مرات - ولا تعد له" وأخرجه أيضًا ابن ماجه وابن حبان وصححه كما في فتح الباري. قوله: (فليقل لا إله إلا الله) قال الخطابي: واليمين إنما تكون بالمعبود المعظم فإذا حلف باللات ونحوه فقد ضاهى الكفار فأُمر أن يتدارك بكلمة التوحيد، وقال ابن العربي: من حلف بها جادًا فهو كافر ومن قالها جاهلًا أو ذاهلًا يقول: لا إله إلا الله يُكفر الله عنه ويرد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وينفي عنه ما جرى به من اللغو كذا في فتح الباري [8/ 471] وخص اللات بالذكر في هذا الحديث لأنها كانت أكثر ما كانت تجري على ألسنتهم وحكم غيرها من أسماء آلهتهم حكمها إذ لا فرق بينها وبين العزى وغيرها اهـ مفهم. (ومن قال لصاحبه تعال) أي أقبل إليّ (أقامرك) أي ألعب معك لعب القمار (فليتصدق) بشيء من المال، قال العيني: وإنما أُمر بالصدقة تكفيرًا للخطيئة في كلامه بهذه المعصية والأمر بالصدقة محمول عند الفقهاء على الندب بدليل أن مريد الصدقة إذا لم يفعلها ليس عليه صدقة ولا غيرها بل يُكتب له حسنة كذا في عمدة القاري [36/ 11] وذكر النووي أن الأصح أنه لا يتعين له مقدار فيتصدق بما تيسر له، وقيل: يتصدق مقدار ما أراد أن يُقامر به، والقمار كل لعب تردد بين غُنم وغُرم كالنردشير والطاب والطاولة، قال القرطبي: قوله: (من قال تعال أقامرك)

4128 - (00) (00) وحدَّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القول فيه كالقول في اللات لأنهم كانوا اعتادوا المقامرة وهي من أكل المال بالباطل ولما ذمها النبي صلى الله عليه وسلم بالغ في الزجر عنها وعن ذكرها حتى إذا ذكرها الإنسان طالبًا للمقامرة بها أمره بصدقة، والظاهر وجوبها عليه لأنها كفارة مأمور بها وكذلك قول لا إله إلا الله على من قال واللات، ثم هذه الصدقة غير محدودة ولا مقدرة فيتصدق بما تيسر له مما يصدق عليه الاسم كالحال في صدقة مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] فإنها غير مقدرة، وقال الخطابي: يتصدق بقدر ما أراد أن يقامر به وليس في اللفظ ما يدل عليه ولا في قواعد الشرع ولا للعقل مجال في تقدير الكفارات فهو تحكم وأبعد من هذا قول من قال من الحنفية: إن المراد بها كفارة اليمين وهذا فاسد قطعًا لأن كفارة اليمين ما هي صدقة فقط بل عتق أو كسوة أو إطعام فإن لم يجد فصيام فكيف يصح أن يقال: أطلق الصدقة وهو يريد به إطعام عشرة مساكين وأنه مخير بينه وبين غيره من الخصال المذكورة معه في الآية، وأيضًا فإنه لا يتمشى على أصل الحنفية فإنهم قالوا: لا تجب الكفارة إلا بالحنث في قوله: هو يهودي أو نصراني إلى غير ذلك مما ذكروه وهذا حكم معلق على نطق بقول ليس فيه يمين ولا التزام وإنما هو استدعاء للمقامرة فأين الأرض من السماء والعرش من الثرى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 309]، والبخاري [4860]، وأبو داود [3247]، والترمذي [1545]، والنسائي [7/ 7]، وابن ماجه [2069]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4128 - (00) (00) (وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي، صدوق، من (10) (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي، ثقة، من (8) (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا: حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري كلاهما) أي كل من الأوزاعي ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن حميد بن

مبحث في اللات والعزى وتاريخهما

مِثْلَهُ، وَحَدِيثُ مَعْمرٍ مِثْلُ حَدِيثِ يُونُسَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَلْيَتَصَذقْ بِشَيءٍ". وَفِي حَدِيثِ الأَوْزَاعيِّ: "مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى يونس عن الزهري، غرضه بيان متابعة الأوزاعي ومعمر ليونس (وحديث معمر مثل حديث يونس) لفظًا ومعنى (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته: (فليتصدق بشيء) بزيادة لفظ شيء (وفي حديث الأوزاعي من حلف باللات والعزى) بزيادة العزى. قال النووي: قال أصحابنا: إذا حلف باللات والعزى وغيرهما من الأصنام أو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو بريء من النبي صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك لم تنعقد يمينه بل عليه أن يستغفر الله تعالى ويقول: لا إله إلا الله ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا؟ هذا مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء، وقال أبو حنيفة: تجب الكفارة في كل ذلك إلا في قوله: أنا مبتدع. وتُوهِم هذه العبارة أن الحنفية تجب عندهم الكفارة بالحلف باللات والعزى وليس الأمر كذلك فإن الحلف بغير الله تعالى لا ينعقد عندهم كما هو مصرح في كتبهم، نعم إذا حلف بقوله: إن لم أفعل كذا وكذا فأنا كافر أو يهودي أو نصراني فإن ذلك ينعقد عندهم يمينًا لأن العُرْف شائع بذلك ومبنى الأيمان على العُرْف. مبحث في اللات والعزى وتاريخهما اللات والعزى كلاهما صنمان ويعبدهما الجاهليون، فأما اللات فقد رُوي بتخفيف التاء وبتشديدها كما في لسان العرب [388/ 2] وهي من الأصنام القديمة المشهورة عند العرب، وذكر ابن الكلبي في كتاب الأصنام له أنه كان صخرة مربعة بيضاء بنت ثقيف عليها بيتًا صاروا يسيرون إليه يضاهون به الكعبة وله حجبة وكسوة ويحرّمون واديه وكانت سدانته لآل أبي العاص أو لبني عتاب بن مالك، وكانت قريش وجميع العرب يعظمونه أيضًا ويتقربون إليه حتى إن ثقيفًا كانوا إذا قدموا من سفر توجهوا إلى بيت اللات أولًا للتقرب إليه وشكره على السلامة ثم يذهبون بعد ذلك إلى بيوتهم اهـ معجم البلدان للحموي [4/ 17]. واختلف المؤرخون في موضع اللات فقيل: إنه كان بالطائف وقيل: بنخلة وقيل: بعكاظ وقيل: في جوف الكعبة والأصح أنه كان بالطائف في موضع منارة مسجد الطائف

قَال أَبُو الْحُسَينِ مُسْلِمٌ: هذَا الْحَرْفُ (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ اليسرى اليوم كما حكاه الحموي في معجم البلدان [17/ 4] عن ابن المنذر فهدمه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. واختلفوا أيضًا في وجه تسميته فذكر ابن جرير في تفسيره [27/ 34] أن اللات هي من الله أُلحقت فيه التاء فأُنث كما قيل عمرو للذكر وعمرة للأنثى، وحكاه العيني أيضًا عن الثعلبي ثم قال: أرادوا أن يُسموا آلهتهم بلفظة الله فصرفها الله إلى اللات صيانة لهذا الاسم الشريف كذا في عمدة القاري [11/ 35]. وذكر غير واحد من العلماء أنه بتشديد التاء اسم فاعل من لت السويق والسمن، وكان في ذلك الموضع رجل يلتّ السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه وإليه أشار ابن عباس عند البخاري في تفسير سورة النجم من صحيحه، واختلفوا في اسم ذلك الرجل فقيل إنه عامر بن الظرب العدواني وقيل صرمة بن غنم وقيل غيره راجع كتب التفسير ولسان العرب وتاج العروس وعمدة القاري وفتح الباري. وأما العزى فهي صنم أنثى كذلك وهي أحدث عهدًا في رأي ابن الكلبي من اللات ومناة اتخذها ظالم بن أسعد ووُضعت بواد من نخلة الشام يقال له الحُراض بإزاء الغمير عن يمين المصعد إلى العراق من مكة وذلك فوق ذات عرق إلى البستان بتسعة أميال، ويظهر أن العزى كانت سمُرات لها حمى وكان الناس يتقربون إليها بالنذور وهي عبادة من العبادات المعروفة للشجر، وقد ذكر الطبري روايات عديدة تفيد أن العزى شجيرات ولكنه أورد روايات أخرى تفيد أنها حجر أبيض راجع تفسيره [35/ 27]، وذكر ابن حبيب في المحبّر (ص 315) أن العزى شجرة بنخلة عندها وثن تعبدها غطفان سدنتها من بني صرمة بن مرة وكانت قريش تعظّمها وكانت غني وباهلة تعبدها معهم فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد فقطع الشجرة وهدم البيت وكسر الوثن راجع للتفصيل أخبار مكة للأزرقي (ص 78) وما بعدها ومعجم البلدان للحموي. قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي هذا الصحيح عن مؤلفه (قال) لنا مؤلف هذا الجامع (أبو الحسين مسلم) بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (هذا الحرف) مبتدأ، وقوله: (يعني) إلى آخره تفسير للحرف أي يعني مسلم بهذا الحرف (قوله)

قَوْلَهُ: تَعَال أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ) لَا يَرويهِ أَحَدٌ غَيرُ الزُّهْرِيِّ. قَال: وَلِلزُّهْرِيِّ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِينَ حَدِيثًا يَرْويهِ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ. 4129 - (1588) (152) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحْلِفُوا بِالطَّوَاغِي وَلَا آبائِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قول النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال لصاحبه: (تعال أقامرك فليتصدق) وقوله: (لا يرويه) خبر للمبتدإ السابق أي قال مسلم: هذا الحرف لا يرويه (أحد) من المحدثين (غير الزهري) فهو من زيادته مقبول (قال) مسلم أيضًا (وللزهري نحو) أي قريب (من تسعين حديثًا) بتقديم المثناة الفوقية على السين المهملة وفي المتن البولاقي (من سبعين) بتقديم السين على الباء الموحدة وهو منفرد بذلك فإن باقي النسخ الموجودة عندنا، والمتن الذي شرح عليه النووي نحو من تسعين بتقديم الفوقية على المهملة، نعم في بعض النسخ حرفًا بدل حديثًا (يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه) أي لا يشارك الزهري (فيه) أي في ذلك القدر المذكور يعني تسعين حديثًا (أحد) من أهل طبقاته، وقوله: (بأسانيد جياد) ومخارج حسان متعلق بيرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4129 - (1588) (152) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري البصري (عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس العبشمي الصحابي المشهور من مسلمة الفتح البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا ابن أبي شيبة (قال) عبد الرحمن: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحلفوا بالطواغي) أي بالأصنام كاللات والعزى (ولا بآبائكم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [7/ 7]، وابن ماجه [2095].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (بالطواغي) جمع طاغية فاعلة من الطغيان والمراد بها الأصنام، سُميت بذلك لأنها سبب الطغيان فهي كالفاعلة له، وقيل الطاغية مصدر كالعافية سُمي بها الصنم للمبالغة ثم جُمعت على طواغ اهـ ملا علي. وقيل: يجوز بها كل من طغى وجاوز الحد في الشر وهم عظماء الكفار، وروي هذا الحديث في غير مسلم بلفظ إلا تحلفوا بالطواغيت) وهو جمع طاغوت وهو الصنم كما في النووي، قوله: (ولا بآبائكم) كانت العرب في جاهليتهم يحلفون بالطواغي وبآبائهم فنُهوا عن ذلك ليكونوا على تيقظ في محاوراتهم حتى لا يسبق به لسانهم جريًا على ما تعودوه اهـ. (فإن قلت): أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بالأب حين قال في شأن رجل "قد أفلح وأبيه إن صدق" قلنا: تلك الكلمة جرت على لسانه على عادتهم لا على قصد القسم اهـ مبارق، والأظهر أن هذا وقع قبل ورود النهي أو بعده لبيان الجواز ليدل على أن النهي ليس للتحريم اهـ ملا علي، وكان أكثر يمينه صلى الله عليه وسلم "لا ومقلب القلوب" كما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما اهـ من بعض الهوامش. قال القرطبي: قوله: (بالطواغي) الطواغي جمع طاغية كالروابي جمع رابية والدوالي جمع دالية وهي مأخوذة من الطغيان وهو الزيادة على الحد ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)} [الحاقة: 11] أي زاد، وقد تقدم أن الطواغي والطواغيت كل معبود سوى الله في كتاب الإيمان، وقد تقرر أن اليمين بذلك محرم ومع ذلك فلا كفارة فيه عند الجمهور لأجل الحلف بها ولا لأجل الحنث فيها، أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: "من قال: واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" ولم يذكر كفارة ولو كانت لوجب تبيينها لتعين الحاجات لذلك، وأما الثاني فليست بيمين منعقدة ولا مشروعة فيلزم بالحنث فيها الكفارة، وقد شذ بعض الأئمة وتناقض فيما إذا قال أشرك بالله أو أكفر بالله أو هو يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو من القرآن وما أشبه ذلك فقال: هي أيمان يلزم بها كفارة إذا حنث فيه، أما شذوذه فلأنه لا سلف له فيه من الصحابة ولا موافق له من أئمة الفتوى فيما أعلم، وأما تناقضه فلأنه قال لو قال: واليهودية والنصرانية والنبي والكعبة لم يحنث وعليه كفارة عنده مع أنها على صيغ الأيمان اللغوية فأوجب الكفارة فيما لا يقال عليه يمين لا لغة ولا شرعًا ولا هو من ألفاظها ولو عكس لكان أولى وأمس ولا حجة له في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آية كفارة اليمين إذ تلك الكلمات ليست أيمانًا كما بيناه ولو سلمنا أنها أيمان فليست بمنعقدة فلا يتناولها العموم ثم يلزم بحكم العموم أن يوجب الكفارة في كل ما يقال عليه يمين لغة وعُرفًا ولم يقل بذلك والله تعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عبد الرحمن بن سمرة ذكره للاستشهاد. ***

592 - (32) باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه

592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه 4130 - (1589) (153) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ (وَاللَّفْظُ لِخَلَفٍ) قَالُوا: حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ غَيلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ. قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في رَهْطٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ. فَقَال: "وَاللهِ! لَا أَحْمِلُكُمْ. وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُم عَلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 592 - (32) باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه 4130 - (1589) (153) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار بالراء آخره أبو محمد البغدادي المقرئ أحد القراء العشرة، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد ويحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) (واللفظ لخلف قالوا: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (5) (عن غيلان بن جرير) الأزدي البصري، ثقة، من (5) (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الكوفي، ثقة، من (2) (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون أو بصريان وبغدادي أو بلخي واثنان منهم كوفيان (قال) أبو موسى: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط) أي مع رهط وجماعة (من الأشعريين) وذلك في غزوة تبوك كما سيأتي مصرحًا في الرواية الآتية حالة كوننا (نستحمله) أي نطلب منه ما يحملنا ويحمل أثقالنا من الإبل اهـ نووي؛ أي نطلب منه أن يحملنا على ناقة أو بعير يقال: استحملت الإنسان إذا طلبت منه شيئًا تركبه أو تحمل عليه متاعك كذا في جامع الأصول لابن الأثير (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لا أحملكم) أي لا أعطي لكم الحمولة (وما عندي ما أحملكم عليه) وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب (وجاء نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون التخلف عنه، فقال: "لا أجد" قال: ومن هؤلاء نفر من الأنصار ومن بني مزينة) وفي مغازي ابن إسحاق أن البكائين سبعة نفر سالم بن عمير وأبو ليلى بن كعب وعمرو بن الحمام وعبد الله بن مغفل وقيل ابن غنمة وعلية بن زيد وهرمي بن عبد الله وعرباض بن سارية

قَال: فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ. ثُمَّ أُتِيَ بِإِبِلٍ. فَأمَرَ لَنَا بِثَلاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى. فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا (أَوْ قَال بَعْضُنَا لِبَعْضٍ): لَا يُبَارِكُ اللهُ لَنَا. أَتَينَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلمة بن صخر كذا في فتح الباري [8/ 85] قال أبو بردة: (قال) لنا أبو موسى: (فلبثنا) أي مكثنا بعد ذلك الوقت (ما شاء الله) تعالى من الزمن (ثم) بعدما لبثنا سويعة (أُتي) بالبناء للمجهول أي جيء النبي صلى الله عليه وسلم (بإبل) أي بنهب إبل أي غنيمتها، والنهب الغنيمة، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أوتر من أول الليل قال: أحرزت نهبي أي غنيمتي اهـ مفهم. وسيأتي في الرواية الآتية أنه ابتاعهن من سعد بن عبادة فلا معاوضة لاحتمال أن يكون بعضها من نهب وبعضها اشتراه من سعد (فأمر لنا) بلالًا (بـ) أن يعطينا (ثلاث ذود) من الإبل، والذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر فهو من إضافة الشيء إلى نفسه والمراد ثلاث من الذود لا ثلاثة أذواد. وسيأتي في الرواية الآتية أنها كانت ستة أبعرة ولكنها لما كانت كل اثنتين منها مشدودة بعضها ببعض أطلق على كل زوج منها أنها ذود واحدة فصارت ثلاث ذود أي ثلاث أزواج ووقع في رواية عند البخاري ذكره (بخمس ذود) وذلك لا ينافي كونها ستة لأن الأقل يدخل في الأكثر، وقال السندي في حاشيته على صحيح مسلم (ص 64): والأقرب أن مثل هذا لنسيان بعض الرواة بعض العدد والاعتماد في مثله على أكثر العددين أو الأعداد والله أعلم. (غر الذرى) أي بيض الأسنمة، بالجر صفة لذود، فالغُر جمع الأغر وهو الأبيض، والذرى جمع ذروة وذروة كل شيء أعلاه يجوز في ذاله الضم والكسر ويتبعه في ذلك جمعه، قال ابن حجر: ولعل أسنمتها كانت بيضاء حقيقةً أو أراد وصفها بأنها لا علة فيها ولا دبر اهـ والمراد بغر الذرى أي تلك الإبل كانت بيض الأسنمة، وقد رُوي (بقع الذرى) أي في أسنمتها لمع بيض وسود والبقع بضم الباء وفتح القاف جمع أبقع وهو ما فيه بياض وسواد، ومنه الغراب الأبقع والشاة البقعاء إذا كانا كذلك (فلما) أخذناها (انطلقنا) أي ذهبنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلنا) أي قال بعضنا لبعض لا يبارك الله لنا (أو) قال أبو موسى: (قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله) إن لم نخبره بيمينه أي لا ينزل الله البركة (لنا) فيما أخذنا منه بعد ما حلف بقوله: "والله لا أحملكم" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا إياها بالحنث في يمينه لأنا (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كوننا (نستحمله) أي نطلب منه حملنا على إبل (فحلف) على (أن لا يحملنا)

ثُمَّ حَمَلَنَا. فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ. فَقَال: "مَا أَنا حَمَلْتُكُمْ. وَلكِنَّ اللهَ حَمَلَكُمْ. وإنِّي، وَاللهِ! إِنْ شَاءَ اللهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ ثُمَّ أَرَى خَيرًا مِنْهَا، إلا كَفرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأتيتُ الذِي هُوَ خَيرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي على أن لا يعطينا الحمولة (ثم حملنا) أي ثم أعطانا الحمولة فلعلنا أغفلناه يمينه وشغلناه عن تذكرها (فأتوه) ورجعوا إليه (فأخبروه) شأنه بأنك حلفت أن لا تحملنا ثم حملتنا فهل نسيت يمينك يا رسول الله فرجعنا إليه فأخبرناه شأنه (فقال) لنا ما نسيت يميني ولكن (ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم) وهذا كلام سيق لنفي ما توهموه أن هذا الفعل وقع نسيانًا فأخبرهم بأنه لم يفعله نسيانًا وإنما فعله بأمر الله سبحانه. قال في الفتح: وهذا الكلام يحتمل معنيين: الأول: أن يكون المراد منه نفي حنثه صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حلف على أنه لا يحملهم على بعير مملوك له ثم حملهم من بيت المال وهو مال الله فلم يقع منه الحنث لأجل ذلك وعليه فيكون قوله: "لا أحلف على يمين ثم أرى خيرًا منها إلا كفرت" الخ فائدة مبتدأة مستقلة لا علاقة لها بقصة الباب فكأنه قال: إني لم أحنث بحملكم على هذه النوق ولو كنت أحنث بذلك لما كان ذلك مانعًا من حملكم عليها لأني إذا حلفت بشيء ثم رأيت شرك ما حلفت عليه خيرًا منه لأحنث نفسي وكفرت عن يميني وهذا الاحتمال اختاره ابن المنير وهو الأظهر من صنيع البخاري حيث ترجم عليه اليمين فيما لا يملك. والاحتمال الثاني أنه صلى الله عليه وسلم لم ينف كونه حانثًا بحملهم على النوق وإنما أخبرهم بأن الذي فعله خير مما حلف عليه وأنه إذا حلف فرأى خيرًا من يمينه فعل الذي حلف أن لا يفعله وكفر عن يمينه، وأما قوله ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم فلا علاقة له بمسألة الكفارة والحنث وإنما أصدر كلامه به لنفي ما توهموه أن هذا الفعل وقع نسيانًا فأخبرهم بأنه لم يفعله ناسيًا وإنما فعله بأمر الله سبحانه راجع فتح الباري [490/ 8 و 491]. (وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي على محلوف عليه من الفعل أو الترك سمى المحلوف عليه يمينًا لتلبسه باليمين اهـ مرقاة (ثم أرى خيرًا منها) أي من تلك اليمين أي أرى خيرًا من المحلوف عليه الذي حلفت منه أنّث الضمير نظرًا إلى لفظة اليمين وإلا فالمحلوف عليه مذكر (إلا كفرت عن يميني) أي إلا أعطيت كفارة يميني بعد حنثها، والواو في قوله: (وأتيت الذي هو خير) منها لمطلق الجمع كما في المرقاة،

4131 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ (وَتَقَارَبَا في اللَّفْظِ). قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: أَرْسَلَنِي أصْحَابِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وفيه ندب الحنث إذا كان خيرًا كما إذا حلف أن لا يكلم والده أو ولده فإن فيه قطع الرحم اهـ، والحديث دليل على أن من حلف على معصية أو مكروه أو ما هو خلاف الأولى فإنه يجوز له أن يحنث في يمينه بل يجب ذلك إذا كان الشيء المحلوف عليه معصية وتجب عليه الكفارة وهذا القدر متفق عليه بين جميع الفقهاء، ثم اختلفوا هل يجوز أن يكفّر قبل أن يحنث؟ فقال أبو حنيفة: لا تجزئ الكفارة قبل الحنث، وإنما يجب عليه أن يحنث أولًا ثم يكقر بعد الحنث وهو قول أشهب من المالكية وداود الظاهري كما في فتح الباري [11/ 526] وقال الشافعي ومالك وأحمد: إن الكفارة تجزئ قبل الحنث وهو قول ربيعة والأوزاعي والليث بن سعد والثوري وابن المبارك وإسحاق وأبي عبيد وأبي خيثمة وسليمان بن داود والحسن وابن سيرين غير أن الشافعي استثنى الصيام فقال: إن الصيام لا يجزئ إلا بعد الحنث لأنه عبادة بدنية فلم يجز فعلها قبل وجوبها لغير ضرورة كالصلاة كذا في المغني لابن قدامة [223/ 11] وقد رُوي عن مالك أنه استثنى الصدقة والعتق فقال: إنهما لا يجزئان إلا بعد الحنث، حكاه الحافظ في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [7555]، وأبو داود [2276]، والنسائي [9/ 7]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 4131 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي، روى عنه في (م) نحو (27) سبعة وعشرين حديثًا (و) أبو كريب (محمد بن العلاء الهمداني) الكوفي (وتقاربا في اللفظ قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري (عن أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون ومن آل أبي موسى الأشعري إلا أبا أسامة، غرضه بسوقه بيان متابعة بريد بن عبد الله لغيلان بن جرير (قال) أبو موسى: (أرسلني) أي بعثني (أصحابي) أي رفقتي الأشعريون

إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْأَلُهُ لَهُمُ الْحُمْلانَ. إِذْ هُمْ مَعَهُ في جَيشِ الْعُسْرَةِ (وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ) فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِن أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيكَ لِتَحْمِلَهُمْ. فَقَال: "وَاللهِ! لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيءٍ" وَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ. فَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَمِنْ مَخَافَةِ أن يَكُونَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ وَجَدَ في نَفْسِهِ عَلَيَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الذِي قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كوني (أساله) صلى الله عليه وسلم (لهم الحملان) أي حملهم معه في تلك الغزوة بإعطاء الرواحل لهم، والحملان بضم الحاء وسكون الميم مصدر بمعنى الحمل يعني ما يركبون عليه ويحملهم يعني أستمنح رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يركبون عليه، وهذه الرواية بظاهرها معارضة للرواية السابقة حيث جاء فيها أن رهطًا من الأشعريين جاؤوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في هذه الرواية أنهم أرسلوا أبا موسى ولم يأتوا معه ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يقال إن بعضًا منهم جاؤوا معه والآخرين أرسلوه ممثلًا لهم، فالرواية الأولى نظرت إلى من جاء معه والثانية نظرت إلى من تخلف عنه، ويؤيد هذا الجمع ما يجيء في آخر هذا الطريق أن أبا موسى طلب من قومه من يذهب معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصدّقه فيما حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذ هم) كانوا (معه) صلى الله عليه وسلم (في جيش) غزوة زمن (العُسرة) والضيق بشدة الحرارة وقلة المؤنة، فالكلام على حذف مضاف (وهي) أي غزوة العُسرة (غزوة تبوك) لأن غزوة تبوك كانت في زمن عُسرة من شدة الحر وبُعد المسافة كما دلَّت عليه القصة في سورة التوبة (فـ) جئته و (قلت) له: (يا نبي الله إن أصحابي) ورفقتي (أرسلوني إليك لتحملهم) أي لتعطي لهم الحمولة في سفرك هذا (فقال: والله لا أحملكم على شيء) أي ما عندي ما أحملكم عليه، قال أبو موسى: (ووافقته) صلى الله عليه وسلم (وهو غضبان) لأمر لم يوافقه (و) الحال أني (لا أشعر) ولا أعلم غضبه أي فأجاته في غضبه غير عالم بحاله (فرجعت) إلى أصحابي (حزينًا) منكسر القلب (من منع) أي من امتناع (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حمله إيانا معه في تلك الغزوة (و) حزينًا (من مخافة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد) وغضب (في نفسه) وقلبه (عليّ) فيما سألته (فرجعت إلى أصحابي) ورفقتي (فأخبرتهم) بالقول (الذي قال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من قوله:

فَلَمْ أَلْبَثْ إلا سُوَيعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلالًا يُنَادِي: أَي عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيسٍ! فَأَجَبْتُهُ. فَقَال: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوكَ. فَلَمَّا أَتَيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: "خُذْ هذَينِ الْقَرِينَينِ. وَهذَينِ الْقَرِينَينِ. وَهذَينِ الْقَرِينَينِ. (لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتاعَهُن حِينئذٍ مِنْ سَعْدٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ "والله لا أحملكم على شيء" (فـ) بعدما رجعت إلى أصحابي (لم ألبث) ولم أمكث (إلا سويعة) تصغير ساعة أي لم أمكث إلا زمنًا يسيرًا فبينما أنا جالس مع أصحابي (إذ سمعت بلالًا) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (يناديـ) ــني، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما المحذوفة أي فاجأني نداء بلال، وقوله في ندائه (أي عبد الله بن قيس) أي حرف نداء لنداء القريب وعبد الله اسم أبي موسى الأشعري أي يناديني يا عبد الله بن قيس (فأجبته) أي أجبت بلالًا بقوله: لبيك ما تريد (فقال) لي بلال: (أجب رسول الله) أي دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإنه (يدعوك) ويريدك فقمت من مجلسي فمشيت إليه إجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم. وقوله: (أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إجابة فعلية بالحضور وأما الإجابة التي حكاها أبو موسى فكانت قولية، وقوله: أجب صيغة أمر من الإجابة وهذه محاورة من محاورات العرب يقال ذلك لمن طلبه رجل آخر والمراد أنه صلى الله عليه وسلم دعاك فأجبه بالحضور. (فلما أتيت) وجئت (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لي: (خذ هذين) البعيرين (القرينين) أي المقرون أحدهما بالآخر أي المشدود أحدهما بالآخر (وهذين القرينين وهذين القرينين) حالة كونه يشير (لستة أبعرة) أي إلى ستة أبعرة (ابتاعهن) أي اشتراهن لنا (حينئذٍ) أي حين إذ دعاني (من سعد) بن عبادة وكل قرينين يسمى زوجًا وذودًا فصدق عليه قوله السابق فأمر لنا بثلاث ذود لأن الذود هناك بمعنى الزوج، وقيل معنى القرينين النظيرين المتساويين، وفي نسخة أبي ذر من البخاري (هاتين القرينتين) أي الناقتين المقرونة إحداهما بالأخرى كذا في فتح الباري [8/ 85]، وقوله هنا ابتاعهن من سعد لا يعارض ما في الرواية السابقة من قوله: (ثم أتي بنهب إبل) لأنه يمكن الجمع بينهما بأن بعضها من غنيمة وبعضها اشتراها من سعد، وقال الحافظ في الفتح في المغازي: ولم يتعين من هو سعد إلى الآن إلا أنه يهجس في خاطري أنه سعد بن عبادة اهـ.

فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ. فَقُلْ: إِنَّ اللهَ (أَوْ قَال: إِن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم) - يَحْمِلُكُمْ عَلَى هؤُلاءِ. فَاركَبُوهُنَّ". قَال أبُو مُوسَى: فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي بِهِنَّ. فَقُلْتُ: إِن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْمِلُكُمْ عَلَى هؤُلاءِ. وَلكِنْ، وَاللهِ! لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالةَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. حِينَ سَأَلْتُهُ لَكُمْ. وَمَنْعَهُ في أَوَّل مَرَّةٍ. ثُمَّ إِعْطَاءَهُ إِيَّايَ بَعْدَ ذلِكَ. لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثتُكُمْ شَيئًا لَمْ يَقُلْهُ. فَقَالُوا لِي: وَاللهِ! إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصدَّقٌ. وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ. فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ. حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. وَمَنْعَهُ إِياهُمْ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (فانطلق) معطوف على خذ أي خذ هذه الأبعرة فانطلق (بهن) أي اذهب بهن (إلى أصحابك) الأشعريين (فقل) لهم (إن الله) سبحانه وتعالى يحملكم على هؤلاء الأبعرة، قال أبو موسى: (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) والشك من أبي موسى (يحملكم على هؤلاء) الأبعرة (فاركبوهن قال أبو موسى: فانطلقت) أي ذهبت (إلى أصحابي بهن) أي بتلك الأبعرة (فقلت) لهم (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملكم على هؤلاء) الأبعرة الستة (ولكن والله لا أدعكم) ولا أترككم (حتى ينطلق) ويذهب (معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (حين سألته) صلى الله عليه وسلم (لكم) الحمولة من قوله: "والله لا أحملكم على شيء" (و) إلى من حضر (منعه) صلى الله عليه وسلم أي امتناعه من إعطاء الحمولة (في أول مرة) أي في أول مرة سؤالي (ثم إعطاءه إياي بعد ذلك) أي بعد امتناعه في أول مرة فـ (لا تظنوا) بي يا أصحابي (أني حدثتكم) وأخبرتكم (شيئًا لم يقله) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب (فقالوا) أي فقال أصحابي (لي: والله إنك) يا أبا موسى (عندنا لمصدّق) فيما أخبرتنا لامتهم بالكذب فيه (ولنفعلن) معك (ما أحببت) وتمنيت من الذهاب، قال أبو بردة: (فانطلق أبو موسى) وذهب (بنفر منهم) أي مع رهط من أصحابه الأشعريين (حتى أتوا) وجاؤوا الرهط (الذين سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأبي موسى والله لا أحملكم (و) حضروا (منعه) صلى الله عليه وسلم (إياهم) أي لأبي موسى وقومه من العطاء (ثم

إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ. فَحَدَّثُوهُمْ بِمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى، سَوَاء. 4132 - (00) (00) حدَّثني أبُو الربِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ. قَال أَيُّوبُ: وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ مِنِّي لِحَدِيثِ أَبِي قِلابَةَ. قَال: كُنَّا عِنْدَ أَبي مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ إعطاءهم) أي ثم إعطاءه صلى الله عليه وسلم إياهم (بعد) أي بعد منعهم أولًا (فحدثوهم) أي فحدّث السامعون مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم أي قوم أبي موسى (بما حدَّثهم به أبو موسى) أي بما أخبرهم به أبو موسى من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لا أحملكم" حالة كون ما أخبرهم السامعون وما أخبرهم أبو موسى (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى بلا زيادة ولا نقصان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 4132 - (00) (00) (حدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وقوله: (وعن القاسم بن عاصم) التميمي البصري الكليني مصغرًا نسبة إلى كلين قرية من قرى العراق معطوف على قوله عن أبي قلابة، روى عن زهدم الجرمي في الأيمان، وعن رافع بن خديج وابن المسيب، ويروي عنه (م س) وأيوب وحميد، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة، كلاهما رويا (عن زهدم) بوزن جعفر ابن مضرب بوزن معلم الأزدي (الجرمي) أبي مسلم البصري، روى عن أبي موسى الأشعري في الأيمان، وعمران بن حصين في الفضائل، ويروي عنه (خ م ت س) وأبو قلابة والقاسم بن عاصم التميمي ومطر الوراق وأبو السليل وأبو حمزة، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، قال حماد بن زيد (قال) لنا (أيوب) السختياني (وأنا لحديث القاسم) بن عاصم (أحفظ) أي أشد حفظًا (مني) أي من حفظي الحديث أبي قلابة قال): زهدم بن مضرب كنا عند أبي موسى) الأشعري يومًا من الأيام. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا موسى الأشعري، وفيه رواية

فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ وَعَلَيهَا لَحْمُ دَجَاجٍ. فَدَخَلَ رَجُل مِنْ بَنِي تَيمِ اللهِ، أَحْمَرُ، شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي ـــــــــــــــــــــــــــــ تابعي عن تابعي، وفيه المقارنة والتحديث والعنعنة (فدعا) أبو موسى أي طلب من أهله (بمائدته) التي يأكل منها أي بإحضارها، والمائدة: القصعة المشتملة على أنواع من الطعام (وعليها) أي وعلى تلك المائدة (لحم دجاج) فيه إباحة لحم الدجاج وأكل ملاذ الأطعمة وطيباتها على الموائد فهو جائز معمول به عندهم وأن ذلك لا يناقض الزهد ولا ينقصه خلافًا لبعض متقشفة المتزهدة (فدخل) علينا (رجل من بني تيم الله) اسم قبيلة ويقال لهم: تيم اللات أيضًا وهم من قضاعة (أحمر شبيه بالموالي) يعني سبي العجم كما في الفتح، وهذا الرجل هو زهدم الراوي أبهم نفسه ولا ينافي ذلك كون زهدم جرميًا والرجل الممتنع تيميًا فقد يكون الشخص الواحد يُنسب إلى تيم وإلى جرم. قوله: (لحم دجاج) يقع اسم الدجاج على الذكور والإناث وهو بكسر الدال وفتحها اهـ نووي، وقال الفيومي: تفتح الدال وتكسر ومنهم من يقول: الكسر لغة قليلة والجمع دجج بضمتين مثل عناق وعنق أو كتاب وكتب وربما جمع على دجائج اهـ وضبطه المجد بالفتح ثم قال: ويثلث. قوله: (فدخل رجل من بني تيم الله) وقد حقق الحافظ ابن حجر في كتاب الذبائح من الفتح [9/ 556 و 557]: أن هذا الرجل هو زهدم الجرمي راوي هذا الحديث نفسه وذلك لما أخرج الترمذي في الأطعمة (رقم 1886) من طريق قتادة عن زهدم قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجة، فقال: اُدن فكل، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله. وكذلك أخرج البيهقي في سننه [9/ 333]، من طريق الفريابي عن الثوري عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم قال: رأيت أبا موسى يأكل الدجاج فدعاني فقلت: إني رأيته يأكل نتنًا قال: ادنه فقال .. إلخ. وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه من وجه آخر عن زهدم نحوه وقال فيه فقال لي: أُدن فكل فقلت: إني لا أريده. فهذه عدة طرق صرّح فيها زهدم بأنه هو صاحب القصة نفسه فهو المعتمد. وربما يشكل عليه أمران: الأول: أن زهدمًا من بني جرم والرجل الداخل من بني تيم الله وذلك مما يدل على تغايرهما. وأجاب عنه الحافظ بأن زهدمًا كان تارة يُنسب إلى جرم وتارة إلى بني تيم الله، وجرم قبيلة في قضاعة يُنسبون إلى جرم بن زبّان وتيم الله

فَقَال لَهُ: هَلُمَّ! فَتَلَكَّأ فَقَال: هَلُمَّ! فَإِنِّي قد رَأَيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ مِنْهُ. فَقَال الرَّجُلُ: إِنِّي رَأَيتُهُ يَأكُلُ شَيئًا فَقَذرْتُهُ. فَحَلَفتُ أَنْ لَا أَطْعَمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بطن من كلب وهم قبيلة في قضاعة أيضًا، وربما يُنسب الرجل إلى أعمامه أيضًا ويؤيده ما أخرجه أحمد من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن الثوري فقال في روايته: عن رجل من بني تيم الله يقال له زهدم، والإشكال الثاني: أن لفظ حديث الباب يدل على التغاير فإن زهدمًا قال فيه: كنا عند أبي موسى فدخل رجل من بني تيم الله. وأجاب عنه الحافظ بأن المراد من قوله: كنا قومه الذين دخلوا قبله على أبي موسى ومثل هذا كثير في الأحاديث كقول ثابت البناني: خطبنا عمران بن حصين أي خطب أهل البصرة ولم يدرك ثابت خطبة عمران المذكورة والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من الفتح. (فقال) أبو موسى: (له) أي لذلك الرجل الداخل (هلم) أي أقبل إلي فكل معنا (فتلكأ) الرجل أي توقف وتباطأ وتثاقل وتأخر عن الإقبال إليه ففهم أبو موسى منه أنه يكرهه (فقال) له أبو موسى مرة ثانية: (هلم) إليّ وأقبل فكل معي (فإني قد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل منه) أي من لحم الدجاج (فقال الرجل): اعتذارًا إلى أبي موسى وهو زهدم المذكور (إني رأيته) أي رأيت الدجاج (يأكل شيئًا) أي نجسًا بدلالة قوله: فقذرته، وقد حكى ابن حجر رواية (يأكل قذرًا) (فقذرته) أي فاستقذرت الدجاج يعني به أنه رأى الدجاج يأكل نجاسة فاستقذره أي عذه قذرًا فحلف أن لا يأكل لذلك، وظاهر قول هذا الرجل أنه كان يكره أكل ما يأكل النجاسات من الحيوانات، وقد اختلف في ذلك فكرهه قوم فكان ابن عمر لا يأكل الدجاجة حتى يقصرها أيامًا، ومثل ذلك رُوي عن ابن القاسم في الجدي الذي ارتضع على خنزيرة أنه لا يذبح حتى يذهب ما في بطنه، وكره الكوفيون أكل لحوم الجلالة والشافعي إن كان أكلها أو غالبه النجاسة فإن كان غالبه الطهارة لم يكرهه، وأجاز مالك أكل لحوم الإبل الجلالة وأكل ما يأكل الجيف من الطير وغيره لبعد الاستحالة (قلت): وهذا محمول على ما إذا ذهب ما في بطونها من ذلك كما حكيناه عن ابن القاسم لأن مالكًا قد قال في روث ما يأكل النجاسة وبوله أنه نجس بخلاف أصله في أن الأبوال تابعة للّحوم، وكره ابن حبيب من أصحابنا أكل ما يأكل النجاسات مطلقًا (قلت): وقد روى أبو داود من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسأنهى عن أكل الجلالة وألبانها وهو حجة لابن حبيب لولا أنه من رواية محمد بن إسحاق اهـ من المفهم؛ أي فاستقذرته (فحلفت أن لا أطعمه) ولا

فَقَال: هَلُمَّ! أُحَدِّثْكَ عَن ذلِكَ. إِنِّي أتَيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ. فَقَال: "وَاللهِ! لَا أَحْمِلُكُمْ. وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيهِ" فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ. فَأُتِيَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبِلِ. فَدَعَا بِنَا. فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى. قَال: فَلَمَّا انْطَلَقْنَا، قَال بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَغْفَلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ. لَا يُبَارَكُ لَنَا. فَرَجَعْنَا إِلَيهِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنا أَتَينَاكَ نَستَحْمِلُكَ. وَإِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا. ثُمَّ حَمَلْتَنَا. أَفَنَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "إِنِّي، وَاللهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ آكله (فقال) أبو موسى للرجل: (هلم) إليّ (أحدّثك عن ذلك) أي عن كيفية التبري والتخلص من يمينك والخروج من عهدتها وذلك (إني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين) حالة كوننا (نستحمله) أي نسأله أن يحملنا أي يعطينا ما نتحمل عليه وبه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه فلبثنا ما شاء الله) تعالى من الزمن (فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب إبل) أي بغنيمة إبل، والنهب بفتح النون وسكون الهاء ما يُنتهب وهو الغنيمة (فإن قلت): هذه الرواية تدل على أن الإبل أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة وقد مر في الروايات السابقة أنه صلى الله عليه وسلم ابتاعهن من سعد فبينهما معارضة (قلت): يمكن الجمع بينهما بأنه حصلت لسعد غنيمة ثم ابتاعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصته وقد مر الجمع بينهما بوجه آخر فراجعه (فدعا بنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى) وفي الرواية السابقة بثلاث ذود، وقال النووي: لا معارضة بينهما إذ ليس في ذكر الثلاث نفي الخمس فالزيادة مقبولة (قال) أبو موسى: (فلما انطلقنا) وذهبنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال بعضنا لبعض أغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جعلناه غافلًا وناسيًا (يمينه) أي كنا سبب غفلة عن يمينه ونسيانه إياها وما ذكرناه إياها (لا يُبارك لنا) فيما أخذناه (فرجعنا إليه فقلنا) له: (يا رسول الله إنا أتيناك نستحملك وانك حلفت أن لا تحملنا ثم حملتنا أفنسيت يا رسول الله؟ ) يمينك أم لا (قال: إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى) بضم الهمزة وفتح الراء أي فاظن، وفي نسخة صحيحة بفتح أوله أي أعلم كذا في المرقاة

غيرَهَا خيرًا مِنْهَا. إلا أَتَيتُ الَّذِي هُوَ خَيرٌ. وَتَحَلَّلْتُهَا فَانْطَلِقُوا. فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ". 4133 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْميَّ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) أي فعلته (وتحللتها) أي جعلتها حلالًا بكفارة (فانطلقوا فإنما حملكم الله عزَّ وجلَّ). وقوله: (إني والله إن شاء الله) يمكن أن يكون قوله إن شاء الله استثناءًا واختاره في اليمين لئلا ينعقد اليمين، واختاره أكثر الشراح ويمكن أن يكون المقصود منه التبرك دون الاستثناء، واختاره أبو موسى المديني في كتابه اليمين حكاه الحافظ في الفتح [11/ 523]. قوله: (فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها) أي تحللت تلك اليمين يعني المحلوف عليه بالكفارة، وفي الرواية السابقة (إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) اختلاف هاتين الروايتين أوجب اختلاف العلماء في الكفارة قبل الحنث هل تجزئ أم لا؟ على ثلاثة أقوال: جوازها مطلقًا وهو مذهب أربعة عشر من الصحابة وجمهور الفقهاء وهو مشهور مذهب مالك، وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تجزئ بوجه وهي رواية أشهب عن مالك، وقال الشافعي: تجزئ بالإطعام والعتق والكسوة ولا تجزئ بالصوم، وقد ذكر أصحابنا للخلاف في هذه المسألة سببًا آخر وهو اختلافهم هل هو جزء السبب والحنث الجزء الآخر أم ليس كذلك بل وجود اليمين هو السبب فقط والحنث شرط وجوب الكفارة وبسط هذا في مسائل الخلاف اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 4133 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة والقاسم) بن عاصم (التميمي) البصري (عن زهدم) بن مضرّب (الجرمي) البصري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لحماد بن زيد (قال) زهدم:

كَانَ بَينَ هذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَينَ الأشعَرِيِّينَ وُدٌّ وإخَاءٌ. فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأشعَرِيِّ. فَقُرِّبَ إِلَيهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 4134 - (00) (00) وحدَّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْميِّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْميِّ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا عَفَانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ وَالْقَاسِمِ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْميِّ. قَال: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى. وَاقْتَصُّوا جَمِيعًا الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كان بين هذا الحي من جرم) بيان للحي (وبين الأشعريين ود) أي محبة وصداقة (وإخاء) أي مؤاخاة وموالاة ومناصرة (فكنا) معاشر الجرميين (عند أبي موسى الأشعري فقرب إليه) أي إلى أبي موسى (طعام فيه لحم دجاج فذكر) عبد الوهاب (نحوه) أي نحو حديث حماد. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال: 4134 - (00) (00) (وحدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد (بن نمير) كلهم (عن إسماعيل) بن إبراهيم (ابن علية) الأسدي البصري (عن أيوب عن القاسم التميمي عن زهدم الجرمي ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم الجرمي ح وحدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) (حدثنا عفان بن مسلم) الأنصاري البصري، ثقة، من (10) (حدثنا وهيب) بن خالد الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا أيوب عن أبي قلابة والقاسم) بن عاصم (عن زهدم الجرمي قال) زهدم: (كنا عند أبي موسى) الأشعري (واقتصوا جميعًا) أي وساق كل من إسماعيل وسفيان ووهيب (الحديث) السابق (بمعنى حديث حماد بن زيد) عن أيوب، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لحماد بن زيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:

4135 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا الصَّعِقُ (يَعْنِي ابْنَ حَزْنٍ). حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ. حَدَّثَنَا زَهْدَمٌ الْجَرْميُّ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَأكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ فِيهِ قَال: "إِنِّي، وَاللهِ! مَا نَسِيتُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4135 - (00) (00) وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي مولاهم أبو محمد الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا الصعق) بفتح الصاد وسكون العين وكسرها (يعني ابن حزن) بفتح الحاء وسكون الزاي ابن قيس البكري أبو عبد الله البصري، روى عن مطر الورّاق في الأيمان والحسن وعمر بن عبد العزيز، ويروي عنه (م س) وشيبان بن فروخ وابن المبارك وأبو أسامة وعارم وكانوا يرونه من الأبدال، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو داود والنسائي، وقال العجلي: ثقة، وقال أبو حاتم: ما به بأس، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال في التقريب: صدوق يهم، وكان زاهدًا، من السابعة (حدثنا مطر) بن طهمان (الورّاق) السلمي مولاهم أبو رجاء البصري، صدوق، من (6) كثير الخطإ (حدثنا زهدم الجرمي قال: دخلت على أبي موسى) الأشعري. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مطر الوراق لأبي قلابة والقاسم بن عاصم في الرواية عن زهدم (وهو) أي والحال أن أبا موسى (يأكل لحم دجاج وساق) مطر أي ذكر (الحديث) السابق، وقوله: (بنحو حديثهم) بضمير الجمع تحريف من النساخ، والصواب (بنحو حديثهما) بضمير التثنية أي بنحو حديث أبي قلابة والقاسم بن عاصم (و) لكن (زاد فيه) عليهما مطر لفظة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشعريين حين راجعوه: (إني والله ما نسيتها) جوابًا لقولهم أفنسيت يا رسول الله؟ أي ما نسيت يميني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها والزيادة لفظة ما نسيتها والله أعلم. وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم في إيراده في صحيحه لأن الصعق ومطرًا الوراق كلاهما ضعيفان عند الدارقطني، وأجاب عنه النووي بما خلاصته أن ضعفهما غير متفق عليه ولو سُلِّم ضعفهما فإن مسلمًا إنما أتى بروايتهما للاستشهاد والمتابعة دون التأصيل والله أعلم. وسيأتي بسط الكلام في هذا الاعتراض والجواب عنه في آخر روايات هذا الحديث نقلًا عن القرطبي إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:

4136 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ ضُرَيْبِ بْنِ نُقَيرٍ الْقَيسِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. قَال: أَتَينَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلهُ. فَقَال: "مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ. وَاللهِ! مَا أَحمِلُكُمْ" ثُمَّ بَعَثَ إِلَينَا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاثَةِ ذَوْدٍ بُقعِ الذُّرَى. فَقُلْنَا: إِنَّا أَتينَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ. فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا. فَأتَينَاهُ فَأخْبَرْنَاهُ. فَقَال: "إِنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ، أَرَى غيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، إلا أَتَيتُ الذِي هُوَ خَيرٌ". 4137 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى التَّيمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4136 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري، ثقة، من (4) (عن ضُريب بن نُقير) بالتصغير فيهما ونقير بالقاف وهو أشهر، وقيل: نفير بالفاء، وقيل: نفيل بالفاء واللام (القيسي) أبي السليل بفتح المهملة وكسر اللام البصري، ثقة، من (6) (عن زهدم عن أبي موسى الأشعري) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ضُريب لمن روى عن زهدم (قال) أبو موسى: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله) أي نسأله أن يحملنا معه في غزوة تبوك (فقال ما عندي ما أحملكم) عليه (والله ما أحملكم، ثم بعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة ذود) أي بثلاثة أزواج من الإبل (بُقع) بضم الموحدة وسكون القاف جمع أبقع كحمر وأحمر وأصله ما كان فيه بياض وسواد ومنه الغراب الأبقع لكن المراد بها هنا البياض (الذرى) جمع ذروة وذروة كل شيء أعلاه والمعنى بعث إلينا بإبل بيض الأسنمة (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض: (إنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف) أولًا (أن لا يحملنا فأتيناه) ثانيًا (فأخبرناه) بيمينه (فقال) لنا: (إني لا أحلف على يمين) أي على محلوف عليه ثم (أرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت) وفعلت (الذي هو خير) منها وكفرت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 4137 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي (التيمي) أبو عبد الله

حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنَا أَبُو السَّلِيلِ، عَنْ زَهْدَمٍ. يُحَدِّثُهُ، عَنْ أبِي مُوسَى. قَال: كُنا مُشَاةً. فَأتَينَا نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ، بِنَحْو حَدِيثِ جَرِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان قال أبوه سليمان: (حدثنا أبو السليل) ضُريب بن نُقير (عن زهدم) بن مُضرب حالة كون زهدم (يحدّثه عن أبي موسى) الأشعري وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة المعتمر لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو موسى: (كنا) معاشر الأشعريين (مشاة) بالأرجل فاقدين للرواحل، جمع ماش كبغاة جمع باغ يعني في سفر غزوة تبوك (فأتينا نبي الله صلى الله عليه وسلم) حالة كوننا (نستحمله) أي نطلب منه الحملان وساق المعتمر (بنحو حديث جرير) بن عبد الحميد. قال القرطبي: في قوله سابقًا: (حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا الصعق بن حزن حدثنا مطر حدثنا زهدم) هذا سند فيه نظر وذلك أن الدارقطني استدركه على مسلم فقال: إن الصعق ومطرًا ليسا بالقويين ولم يسمع مطر من زهدم (قلت): وهذا لا عتب فيه على مسلم ولا نقص يلحق كتابه بسبب ذلك لأنه قد أخرج الحديث من طرق كثيرة صحيحة ثم أردف هذا السند بعد تلك الطرق الصحيحة المتصلة ولذلك قال فيه: عن زهدم قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل لحم الدجاج وساق الحديث بنحو حديثهم، وزاد فيه قال: إني والله ما نسيت، فذكره مردفًا لأجل هذه اللفظة الزائدة، ثم هذا على ما شرطه في مقدمة كتابه حيث قسم الأسانيد إلى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات فهذا السند من الطبقة الأخيرة التي هي دون من قبلها وفيها مغمز بوجه ما وهذا يدل على أنه أدخل الطبقات الثلاث في كتابه خلافًا لمن زعم أنه لم يدخل فيه من الطبقة الثالثة أحدًا، وذكر مسلم بعد هذا ضريب بن نُقير عن زهدم قال القاضي عياض: ضريب بن نُقير مصغران ونُقير هذا بالقاف أشهر وهي رواية الصدفي والأسدي والتميمي من أشياخنا وكذا قيدناه عنهم، وكان الخشني قيده بالفاء، وقال الحافظ أبو علي: يقال بهما والقاف أشهر، وأما جُبير بن نُفير فلم يختلف أنه بالفاء اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي موسى بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:

4138 - (1590) (154) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ الْفَزَارِيُّ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا. فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ. فَحَلَفَ لَا يَأكُلُ، مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ. ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ 4138 - (1590) (154) (حدثني زهير بن حرب حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) (أخبرنا يزيد بن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل الكوفي، صدوق، من (6) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي جالس أبا هريرة خمس سنين، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (أعتم رجل) يقال: أعتم الإنسان بوزن أكرم إذا دخل في العتمة والمراد ظلمة أول الليل إذا اشتدت، ولم أقف على اسم هذا الرجل أي تأخر رجل من المسلمين (عند النبي صلى الله عليه وسلم) إلى عتمة الليل وهي شدة ظلمته ولعله يريد بذلك أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرها منتظرًا للناس فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل بهم وإذا رآهم قد أبطؤوا أخّر يعني في العشاء الآخرة (ثم) بعد صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجع إلى أهله) أي إلى بيته، وقد وقع مثل هذه القصة لأبي بكر رضي الله عنه وستأتي بتمامها في كتاب الأشربة باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، والظاهر أنه غير قصة هذا الحديث (فوجد) الرجل (الصبية) أي صبيانه جمع قلة لصبي، قال الشاعر: إن بنيَّ صبية صيفيون ... أفلح من كانت له ربيعيّون والربيعيّون جمع ربعي بكسر الراء وسكون الباء نسبة إلى ربيع الزمان فصل من فصول السنة الأربعة التي جمعها بعضهم في قوله شعرًا: ربيع صيف من الأزمان ... خريف شتاء فخذ بياني أي وجدهم (قد ناموا) بلا عشاء (فأتاه أهله) أي زوجته (بطعامه) أي بعشائه فغضب عليهم (فحلف) والله (لا يأكل) هذا العشاء (من أجل) نوم (صبيته) بلا عشاء (ثم بدا له) أي ظهر له أن يأكل (فأكل) عشاءه ثم أصبح (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم

فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ. فَقَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَلْيَأتِهَا، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ". 4139 - (1591) (154) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فذكر) أي أخبر (ذلك) الأمر الذي وقع منه من غضبه وحلفه على ترك الأكل ثم أكله (له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستفتاء (فقال) له (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين) أي على محلوف عليه (فرأى غيرها) أي غير المحلوف عليه، وظاهر الكلام عود الضمير على اليمين لأنها مؤنثة، قال ابن حجر في آخر أبواب كفارات الأيمان: ولا يصح عوده على اليمين بمعناها الحقيقي بل بمعناها المجازي أي المحلوف عليه بتلك اليمين فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة والمحلوف عليه هنا ترك الأكل وغيره الذي هو خير منه الأكل، والمراد بالرؤية هنا الاعتقادية لا البصرية، قال القاضي عياض: معناه إذا ظهر له أن الفعل أو الترك خير له في دنياه أو آخرته أو أوفق لمراده وشهوته ما لم يكن إثما (خيرًا منها) أي من تلك اليمين يعني بها المحلوف عليه (فليأتها) أي فليحنث تلك اليمين بفعل المحلوف عليه أو الضمير للغير وأنثه نظرًا إلى اكتسابه التأنيث من المضاف إليه الذي هو ضمير المؤنث أي فليفعل ذلك الغير الذي هو خير منها ولم يرد التأنيث في ضمير الغير الذي هو خير في روايات الباب إلا في هذه الرواية من هذا الكتاب ولينظر اهـ من بعض الهوامش فنظرنا فيه فأوّلنا بما ذكرناه آنفًا (وليكفّر عن يمينه) وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي موسى بحديث آخر لأبي هريرة أيضًا رضي الله تعالى عنهما فقال: 4139 - (1591) (154) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني مالك) بن أنس الإمام في الفروع (عن سهيل بن أبي صالح) السمان المدني (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان القيسي مولاهم المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين

فَرَأَى غَيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلْ". 4140 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي أُويسٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَلْيَأتِ الذِي هُوَ خَيرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ". 4141 - (00) (00) وحدّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليفعل) المحلوف عليه الذي هو خير من الفعل أو الترك، هذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم الكفارة على الحنث وهو نص في الرد على أبي حنيفة فإن أقل مراتب هذا الأمر أن يكون من باب الإرشاد إلى المصلحة وأقل مراتب المصلحة أن تكون مباحة فالكفارة قبل الحنث جائزة مجزئة، وقد تضافر على هذا المعنى فعل النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم في حديث أبي موسى وأمره هذا وكذلك حديث عدي الآتي بعد هذا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [1530]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 4140 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا) إسماعيل (بن) عبد الله (أبي أويس) بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني، صدوق، من (10) (حدثني عبد العزيز بن المطلب) بن عبد الله بن حنطب المخزومي أبو طالب المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز بن المطلب لمالك بن أنس (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) فيه دليل على جواز تقديم الحنث على التكفير كما أن الرواية السابقة دلت على جواز تقديم التكفير على الحنث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4141 - (00) (00) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي، ثقة،

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) حَدَّثَنِي سُهَيلٌ في هذَا الإِسْنَادِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالكٍ: "فَلْيُكَفرْ يَمِينَهُ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيرٌ". 4142 - (1592) (155) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ رُفَيعٍ) عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ. قَال: جَاءَ سَائِلٌ إِلَى عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) بوزن مرقد البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني سهيل) بن أبي صالح (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور في السند الأول يعني أبي صالح عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لمالك بن أنس، وساق سليمان (بمعنى حديث مالك) بن أنس، ولكن قال سليمان في روايته (فليكفّر يمينه) بحذف عن الجارة (وليفعل الذي هو خير) بزيادة الموصول مع صلته أي فليفعل الذي هو أكثر خيرًا أي الذي هو أصلح يعني من الاستمرار على موجب اليمين أو ما يخالف ذلك مما يحنث به والأصلح تارة يكون من جهة الثواب وكثرته وهو الذي أشار إليه في حديث عدي الآتي حيث قال: فليأت التقوى وقد يكون من حيث المصلحة الراجحة الدنيوية التي تطرأ عليه بسبب تركها حرج ومشقة وهي التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لأن يلج أحدكم بيمينه آثم له عند الله من أن يكفّر" رواه مسلم يعني بذلك أن استمراره على مقتضى يمينه إذا أفضى به إلى الحرج وهو المشقة قد يفضي به إلى أن يأثم فالأولى به أن يفعل ما شرع الله له من تحنيثه نفسه وفعل الكفارة اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي موسى الأشعري بحديث عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنهما فقال: 4142 - (1592) (155) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبد العزيز يعني ابن رفيع) مصغرًا الأسدي المكي، ثقة، من (4) (عن تميم بن طرفة) الطائي المسلي بضم الميم وسكون المهملة نسبة إلى مسلية بني عامر قبيلة من مذحج الكوفي، ثقة، من الثالثة، روى عنه في (2) بابين (قال: جاء سائل) أي طالب المساعدة لم أر من ذكر اسمه (إلى عدي بن حاتم) بن عبد الله بن

فَسَأَلَهُ نَفَقَةَ فِي ثَمَنِ خَادِمٍ أَوْ فِي بَعْضِ ثَمَنِ خَادِمٍ. فَقَال: لَيسَ عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ إِلا دِرْعِي وَمِغْفَرِي. فَأَكْتُبُ إِلَي أَهْلِي أَنْ يُعْطُوكَهَا. قَال: فَلَمْ يَرْضَ. فَغَضِبَ عَدِيٌّ. فَقَال: أَمَا وَاللهِ، لَا أُعْطِيكَ شَيئا. ثُم إِن الرجُلَ رَضِيَ. فَقَال: أَمَا وَاللهِ، لَوْلَا أَني سَمِعْتُ رَسُول الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُول: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ ثُم رَأَى أَتْقَي لِلهِ مِنْهَا، فَلْيَأتِ التقْوَى" مَا حَنَّثْتُ يَمِينِي ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي الجواد بن الجواد أبي طريف بفتح المهملة الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد منهم مكي وواحد بلخي (فسأله) أي فسأل ذلك السائل عديًا (نفقة) أي مالًا ينفقه ويصرفه (في ثمن خادم) يخدم ذلك السائل أي سأله ما يشتري به لنفسه الخادم (أو) قال طرفة: سأله ما يصرفه (في بعض ثمن خادم) لا كله أي سأله بعض ما يشتري به خادمًا لنفسه أي سأله تكملة الثمن لا كله والشك من عبد العزيز فيما قاله تميم (فقال) حاتم للسائل: (ليس عندي) الآن (ما أعطيك) من الدراهم ولا شيء من المال (إلا درعي) والدرع قميص من زرد الحديد وسلسلته يُلبس وقاية من سلاح العدو، مؤنث وقد يُذكر يُجمع على دروع وأدرع ودراع (و) إلا (مغفري) والمغفر زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة والعمامة يُجمع على مغافر (فأكتب) لك (إلى أهلي) وخازني (أن يعطوكها) أي أكتب لك إلى أهلي لكي يعطوا لك نفقة تنفقها في شراء الخادم (قال: فلم يرض) ذلك السائل الكتابة له إلى أهله بل أراد أن يعطي له الآن من جيبه (فغضب عدي) لإبائه من الكتابة له إلى أهله (فقال) له عدي: (أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك إذًا (والله لا أعطيك شيئًا) أبدًا (ثم) بعد غضبه وحلفه (إن الرجل) السائل (رضي) الكتابة له إلى أهله (فقال) عدي: (أما) أي انتبه واستمع (والله لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف على يمين) أي على محلوف عليه، ويحتمل كون على زائدة وكون يمين مفعولًا مطلقا معنويًا أي من حلف يمينًا (ثم رأى) أمرًا (أتقى) أي أكثر تقوى (لله) تعالى (منها) أي من المحلوف عليه الذي بسببه وقعت اليمين كان حلف على أن لا يحسن إلى رحمه أو إلى جاره، والأتقى هنا إعطاء السائل ما طلبه (فليأت التقوى) أي فليفعل الأمر الذي فيه تقوى الله أو أكثر تقوى من الله، وقوله: (ما حنثت يميني) ولا نقضتها بإعطائك جواب لولا الامتناعية يعني لولا هذا الحديث لما جعلت يميني حانثة وما

4143 - (00) (00) وحدثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ عَدِي بْنِ حَاتِمٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَي غيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَلْيَأتِ الذِي هُوَ خَيرٌ، وَلْيَتْرُكْ يَمِينَهُ". 4144 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ وَمُحَمدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِي (وَاللفْظُ لابْنِ طَرِيفٍ) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيلٍ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ تَمِيمِ الطَّائِي، عَنْ عَدِي. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أعطيتك ولكن أعطيك لهذا الحديث، وفيه من الفقه أن اليمين في حالة الغضب لازمة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عدي رضي الله عنه فقال: 4143 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد (قال) عدي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت) أي فليفعل (الذي هو خير) من المحلوف عليه (وليترك يمينه) أي برها فليحنث فيها ثم يكفّر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال: 4144 - (00) (00) (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن طريف) بن خليفة (البجلي) أبو جعفر الكوفي، صدوق، من (10) (واللفظ لابن طريف قالا: حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي (عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم) بن طرفة (الطائي) الكوفي (عن عدي) بن حاتم رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لجرير بن عبد الحميد (قال) عدي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا

حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى الْيَمِينِ، فَرَأَى خَيرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْهَا، وَلْيَأتِ الذِي هُوَ خَير". 4145 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ طَرِيفٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ تَمِيمٍ الطائِي، عَنْ عَدِي بْنِ حَاتِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ ذلِكَ. 4146 - (1593) (156) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ. قَال: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَسْألُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقَال: تَسْأَلُنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ. وَأَنَا ابْنُ حَاتِمٍ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ حلف أحدكم على اليمين فرأى خيرًا منها فليكفرها وليأت الذي هو خير). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عدي رضي الله عنه فقال: 4145 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن طريف) البجلي الكوفي (حدثنا محمد بن فضيل) الضبي الكوفي (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أبي إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم) بن طَرَفة (الطائي عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك) الحديث المذكور يعني "من حلف على يمين فرأى غيرها ... "الخ. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الشيباني لجرير بن عبد الحميد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي موسى الأشعري بحديث لعدي بن حاتم رضي الله تعالى عنهما فقال: 4146 - (1593) (156) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الباهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (عن تميم بن طرفة) الطائي الكوفي (قال: سمعت عدي بن حاتم) الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون أي سمعت عديًا (و) الحال أنه (أتاه) أي أتى عديًا (رجل) محتاج (يسأله) أي يسأل عديًا (مائة درهم) قدر حاجته (فقال) له عدي: (تسألني) أيها الرجل (مائة درهم) (و) الحال (أنا) عدي (بن حاتم) وأنا الجواد ابن الجواد أي تسألني هذا الشيء اليسير وأنا من

وَاللهِ! لَا أُعْطِيكَ. ثُم قَال: لَوْلَا أَني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُول: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُم رَأَي خَيرًا مِنْهَا، فَلْيَأتِ الذِي هُوَ خَير". 4147 - (00) (00) حدثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْب. قَال: سَمِعْتُ تَمِيمَ بْنَ طَرَفَةَ. قَال: سمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِم؛ أَن رَجُلًا سَألَهُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عرفت أي نحن معروفون ببذل الكثير وأنا عرفت بالجود وورثته كابرًا عن كابر (والله لا أعطيك) لأنك عيبتني بسؤال الشيء اليسير (ثم) بعد حلفه (قال) عدي (لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف على يمين ثم رأى خيرًا منها فليأت الذي هو خير) وجواب لولا محذوف في هذا الحديث تقديره ما أعطيك ثم هو أعطاه إياه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [7/ 11]. وظاهر كلام القرطبي والسندي أن هذا الحديث غير الحديث الأول لا متابعة فيه فهما حديثان في واقعتين سببهما مختلف وإن كان لفظهما واحدًا، قال القرطبي: وغضب عدي في الحديث الأول ويمينه سببهما أن الرجل السائل لم يرض بالدرع والمغفر مع أنه لم يكن عنده غيرهما، ويمينه في الحديث الثاني وما يُفهم من غضبه فيه سببه فيما يظهر من مساق الحديث أن عديًا استقل ما سئل منه ألا ترى قوله: تسألني مائة درهم وأنا ابن حاتم فكأنه قال: تسألني هذا الشيء اليسير، وأنا من عرفت أي نحن معروفون ببذل الكثير فهذا سبب غير السبب المذكور في الحديث الأول والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عدي هذا رضي الله عنه فقال: 4147 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة حدثنا سماك بن حرب قال: سمعت تميم بن طرفة قال: سمعت عدي بن حاتم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة بهز لمحمد بن جعفر أي سمعت عديًا يقول: و (أن رجلًا سأله) مائة درهم أتسألني مائة درهم وأنا ابن حاتم (فذكر) بهز (مثله) أي مثل

وَزَادَ: وَلَكَ أَرْبَعُمِائَةٍ فِي عَطَائِي. 4148 - (1594) (157) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِم. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمنِ بْنُ سَمُرَةَ! قَال: قَال لِي رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْألِ الإمَارَةَ. فَإِنكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إِلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ما روى محمد بن جعفر عن شعبة (و) لكن (زاد) بهز في روايته على محمد بن جعفر في آخر الحديث لفظة (ولك) أيها الرجل (أربعمائة) درهم (في عطائي) أي في نصيبي ورزقي من بيت المال يعني أعطيك أربعمائة عند خروج عطائي من بيت المال. ثم استشهد المؤلف رحمه الله خامسًا لحديث أبي موسى بحديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4148 - (1594) (157) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (حدثنا الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (3) (حدثنا عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس العبشمي أبو سعيد البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) عبد الرحمن: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الأمارة) أي الولاية والحكومية اهـ مرقاة، فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك مما يتعلق بالحكم فيكون طلبه مكروهًا لغير الأنبياء بدليل قوله تعالى عن يوسف: {قَال اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} كما في الفتح وليس منه قول سليمان النبي - عليه السلام - {لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} فإنه طلب من الله عزَّ وجلَّ مستعينًا به (فإنك إن أعطيتها) ولفظ المشكاة إن أوتيتها (عن مسألة) أي بسؤال وطلب من الناس (وُكلت) أي صرفت وفُوضت (إليها) أي إلى تلك الإمارة وخليت معها بلا عون من الله تعالى بقرينة تعبيره في مقابله بالإعانة فإن من لم يكن له عون من الله على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل، وقوله: (وُكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف مخففًا ومشددًا وسكون اللام ومعنى المخفف أي صرفت إليها ومن وكل إلى نفسه هلك، ومنه في الدعاء ولا تكلني إلى نفسي ووكل أمره إلى فلان صرفه ووكله بالتشديد استحفظه ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته

وإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غيرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيهَا. وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيتَ غيرَهَا خَيرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ. وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَير". قَال أبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِي: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَباسِ الْمَاسَرْجِسِي. حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ، بِهذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها من أجل حرصه عليها ويدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك كذا في فتح الباري [13/ 110] (وإن أعطيتها من غير مسألة) وطلب لها (أُعنت عليها) أي أعانك الله تعالى عليها وصانك عن الخلل فيها بتوفيقه (وإذا حلفت على يمين) كقطيعة رحم (فرأيت غيرها) كصلة الرحم (خيرًا منها فكفّر عن يمينك وائت الذي هو خير) منها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في كفارة الأيمان وغيرها، وأبو داود في الأيمان، والترمذي في الأيمان والنسائي في الأيمان. قال الجلودي على سبيل التجريد البياني (قال أبو أحمد الجلودي) بضمتين نسبة إلى الجلود جمع الجلد لبيعها وبفتح وضم نسبة إلى سكة بنيسابور الدارسة يسمى جلوداء محمد بن عيسى النيسابوري راوي صحيح مسلم وهو يروي صحيح مسلم عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه عن الإمام مسلم بن الحجاج ثم إنه سمع هذا الحديث عن أبي العباس الماسرجسي عن شيبان بن فروخ أيضًا فعلا به على طريق مسلم برجل واحد فلذلك ذكره وكان أي الجلودي شيخًا ورعًا وزاهدًا، وكان ثوري المذهب حيث ينتحل مذهب سفيان الثوري، وكان ينسخ الكتب ويأكل من كسب يده وهو تلميذ لابن خزيمة اهـ نووي في [المقدمة / 4] (حدثنا أبو العباس) أحمد بن محمد بن عبد الله بن حسين النيسابوري (الماسرجسي) بفتح الميم والسين الأولى وسكون الراء وكسر الجيم والسين الثانية نسبة إلى ماسرجس وهو اسم لرجل نصراني من أهل نيسابور أسلم حفيده الحسن بن عيسى بن ماسرجس على يد عبد الله بن المبارك، وأبو العباس الماسرجسي هذا من آله ونسله وليس أبو العباس هذا من رواة صحيح مسلم عن المؤلف، قال الحاكم في التاريخ: رأيت له سماعات كثيرة عن أبي حامد بن الشرقي ومكي بن عبدان وأقرانهما، وتوفي منتصف شهر ربيع الأول سنة (378 هـ) كذا في الأنساب للسمعاني [12/ 33 إلى 36] (حدثنا شيبان بن فروخ بهذا الحديث) يعني حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.

4149 - (00) (00) حدّثني عَلِي بْنُ حُجْرٍ السعْدِي. حَدَّثَنَا هُشَيم، عَنْ يُونُسَ وَمَنْصُورٍ وَحُمَيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيةَ ويوُنسَ بْنِ عُبَيدٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسانَ، فِي آخَرِينَ. ح وَحَدثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّي. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ. كلهُمْ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَلَيسَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه فقال: 4149 - (00) (00) (حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي البصري، ثقة، من (5) (ومنصور) بن زاذان الثقفي الواسطي، ثقة، من (6) (وحميد) بن أبي حميد اسمه تير الطويل مولى طلحة الطلحات البصري، ثقة، من (5) (ح وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن سماك بن عطية) البصري المربدي بكسر الميم وسكون الراء نسبة إلى المربد موضع بالبصرة، روى عن أيوب والحسن، ويروي عنه (خ م د) وحماد بن زيد وحرب بن ميمون، وثقه ابن معين، قال في التقريب: ثقة، من السادسة (ويونس بن عبيد) العبدي البصري (وهشام بن حسان) الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) (في) أي مع رواة (آخرين ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (4) (ح وحدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم مفعول من أكرم (العمي) بفتح العين البصري، ثقة، من (11) (حدثنا سعيد بن عامر) الضبعي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) كلهم) أي كل هؤلاء السبعة المذكورين رووا (عن الحسن) البصري، ثقة، من (3) (عن عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) المذكور (وليس في

حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِيهِ، ذِكْرُ الإِمَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث المعتمر عن أبيه ذكر الإمارة) غرضه بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعة هؤلاء السبعة لجرير بن حازم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه سبع متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث عدي بن حاتم الأول ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث عدي بن حاتم الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا، والسادس: حديث عبد الرحمن بن سمرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل

593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل 4150 - (1595) (158) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا هُشَيمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي صَالِح. وَقَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا هُشَيمُ بْنُ بَشِيرٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي صَالِح) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدقُكَ عَلَيهِ صَاحِبُكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 593 - (33) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه والنهي عن الإصرار على اليمين فيما فيه إذاية الأهل 4150 - (1595) (158) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (قال يحيى: أخبرنا هشيم بن بشير) السلمي الواسطي (عن عبد الله بن أبي صالح) ذكوان السمان المدني، ويقال له عباد، روى عن أبيه أبي صالح السمان في الأيمان، وسعيد بن جبير، ويروي عنه (م دت ق) وهشيم بن بشير وابن جريج وابن أبي شيبة، وثقه ابن معين والساجي والأزدي، وقال ابن المديني: ليس بشيء، وقال في التقريب: لين الحديث، من السادسة، له عندهم حديث قال (ت): حسن غريب (وقال عمرو: حدثنا هشيم بن بشير أخبرنا عبد الله بن أبي صالح عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمينك) أيها الحالف وهو مبتدأ خبره قوله: (على ما يصدقك عليه صاحبك) أي خصمك ومدعيك ومحاورك كذا في المرقاة فلا يختص المستحلف الواقع في الحديث التالي بالقاضي، قال ابن الملك في شرحه: يعني من استحلفه غيره على شيء ونوى الحالف في حلفه غير ذلك الشيء سواء كان متبرعًا في يمينه أو بقضاء عليه يُعتبر فيه نية المستحلف كالقاضي والمحكم والمدعي لا نية الحالف وتوريثه، وهذا إذا استحلفه القاضي بالله، وأما إذا استحلفه بالطلاق فيُعتبر فيه نية الحالف لأن القاضي ليس له إلزام الحالف الطلاق اهـ ومثله الحلف بالعتاق، وينبغي فيما إذا كان الحاكم يرى جواز التحليف بذلك أن لا تنفعه التورية قاله ابن حجر، والتورية إضمار الحالف معنى على غير نية المستحلف، والحديث كما قال الأبي حض

وَقَال عَمْرو: "يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ". 4151 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هُشَيم، عَنْ عبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الْيَمِينُ عَلَى نِيةِ المُسْتَخلِفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على الصدق في اليمين (وقال عمرو) في روايته (يصدقك به صاحبك) أي قال لفظة به بدل عليه والمعنى واحد. (قلت): والتورية عند البديعيين أن يكون للكلمة معنيان قريب وبعيد ويريد الحالف المعنى البعيد والمستحلف القريب كلفظ درهم يطلق على النقد وعلى الثوب فادعى عليه رجل بأن عليه درهمًا وهو يريد النقد وليس له بينة وطلب تحليفه عند القاضي فحلف المدعى عليه بأنه ليس له عليّ درهم وهو يريد الثوب فهذه التورية لا تنفعه فيأثم بيمينه ولا يسقط عنه الدرهم الذي أراده المدعي اهـ. قال النووي: هذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي فإذا ادعى رجل على رجل حقًّا فحلّفه القاضي فحلف وورّى غير ما نوى انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية وهذا مجمع عليه عند الفقهاء اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 228]، وأبو داود [3255]، قال المنذري: وشاركه أيضًا الترمذي وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4151 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقهّ، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن هشيم) بن بشير (عن عباد بن أبي صالح) وهو عبد الله بن أبي صالح المذكور في السند السابق كما أشرنا إليه هناك، وفي بعض نسخ أبي داود عبادة بن أبي صالح وهو غلط (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليمين على نية المستحلف) وهو بمعنى الرواية الأولى، وقال القرطبي: معنى الروايتين مختلف فمعنى الرواية الأولى يعني قوله: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك) أن يمينك الذي يجوز لك أن تحلفها هي التي تكون صادقة في نفسها بحيث لو اطلع عليها صاحبك لعلم أنها حق وصدق وأن ظاهر الأمر فيها كباطنه وسره كعلنه فيصدقك فيما حلفت عليه فهذا خطاب لمن أراد أن يقدم على يمين فحقه أن يعرض اليمين على نفسه

4152 - (1596) (159) حدثني أَبُو الربِيعِ الْعَتَكِي وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ (وَاللفْظُ لأَبِي الربِيعِ) قَالا: حَدَّثَنَا حَمادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ). حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ مُحَمدٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، قَال: كَانَ لِسُلَيمَانَ سِتُّونَ امْرَأَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن رآها كما ذكرناه حلف إن شاء والا أمسك فإنها لا تحل له هذا فائدة هذا اللفظ، فأما قوله: (اليمين على نية المستحلف) فمقصوده أن من توجهت عليه يمين في حق ادعِيَ عليه به فحلف على ذلك لفظًا وهو ينوي غيره لم تنفعه نيته ولا يخرج بها عن إثم تلك اليمين، ويظهر من كلام الأئمة على هذين الحديثين أن معنى الأول مردود إلى الثاني وما ذكرته أولى إن شاء الله تعالى ويتبين لك ذلك من سياق اللفظين فتأملهما تجد ما ذكرته اهـ من المفهم. والحاصل أن هذا الحكم يعني كون اليمين على نية المستحلف فيما إذا كان الاستحلاف عند القاضي بحق وكان اليمين بالله أو بصفاته دون اليمين بالطلاق والعتاق فإن فات أحد هذه الشروط الثلاثة جاز فيه نية الحالف وذلك أن لا يكون الاستحلاف عند القاضي، أو يكون عنده بغير حق، أو يكون عنده بالطلاق والعتاق. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني الاستثناء بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4152 - (1596) (159) (حدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل الجحدري فضيل بن حسين) البصري (واللفظ لأبي الربيع قالا: حدثنا حماد وهو ابن زيد) الأزدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن محمد) بن سيرين البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة (قال) أبو هريرة: (كان لسليمان) بن داود بن إيشا - عليه السلام - (ستون امرأة) من الأحرار، اختلفت الروايات في عدد نساء سليمان - عليه السلام - في هذه القصة اختلافًا شديدًا فورد في بعضها ستون امرأة وفي بعضها سبعون وفي بعضها تسعون وفي أخراها مائة أو تسع وتسعون. وقد جمع النووي رحمه الله تعالى بين هذه الروايات بان ذكر القليل لا ينفي الكثير وأن مفهوم العدد لا عبرة له عند جمهور الأصوليين. وتعقبه الحافظ في الفتح بأن ذلك ليس بكاف في هذا المقام وأن مفهوم العدد معتبر عند الكثير ثم أتى بطريق آخر للجمع فقال: إن الستين كن حرائر، وما زاد عليهن

فَقَال: لأَطُوفَنَّ عَلَيهِنَّ الليلَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كن سراري أو بالعكس، وأما السبعون فللمبالغة في الكثرة، وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين فمن قال تسعون ألغى الكسر، ومن قال مائة جبره، ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر كذا في فتح الباري في كتاب الأنبياء [6/ 460]. ولكن مثل هذا الجمع فيه تكلف ظاهر وهو بعيد أيضًا بالنظر إلى أن الحديث واحد والراوي في جميع الروايات أبو هريرة رضي الله عنه وإنما يحتمل مثل هذا الجمع إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بجميع هذه الأعداد في مواقع مختلفة فعنى في بعضها الحرائر وفي بعضها السراري ولم يثبت ذلك لأن الحديث لم يروه غير أبي هريرة فيما نعلم والذي يظهر في كيفية الجمع بينها أن يقال إن هذا الاختلاف إنما نشأ من تصرف الرواة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم بيّن عددًا يدل على الكثرة فعبر عنه بعضهم بستين وآخرون بسبعين أو تسعين وقد اشتهر عندهم أن كثيرًا من الرواة كانوا يعتنون بحفظ أصل الحديث ومغزاهُ دون التعمق في حواشيه وتفاصيله التي لا أثر لها على أصل الحديث فحفظوا أصل القصة ولم يتثبتوا في تعيين العدد كتثبتهم في أصل القصة فمن هذا نشأ الاختلاف بينهم وليس ذلك قادحًا في صحة أصل الحديث لما قرره المحدثون أن وهم الراوي في جزء من الحديث لا يستلزم ضعف أصله، وقد استعمل الحافظ هذا الأصل في مواضع من فتح الباري. وبالجملة فلا سبيل اليوم إلى الجزم بتصحيح أحد هذه الأعداد أو عدد غيره بالنظر إلى اختلاف الروايات وليس تعيين العدد من مقاصد القصة ولا أثر له على مضمون الحديث وإنما يكفي أن يُفهم منه كثرة نساء سليمان - عليه السلام - في الجملة دون تعيين عددها والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة. (فقال) سليمان: والله (لأطوفن) أي لأدورن (عليهن) على جميع هؤلاء الستين وأجامعهن هذه (الليلة) الحاضرة، والطواف عليهن كناية عن جماعهن، وفي رواية آتية لأُطيفن بضم الهمزة من أطاف الرباعي وهما لغتان فصيحتان يقال: طاف بالشيء يطوف فهو طائف ومنه قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)} وأطاف به يطيف إطافة فهو مطيف، وأصل الطواف الدوران حول الشيء ومنه الطواف بالبيت وهو في هذا الحديث كناية عن الجماع كما جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوف على

فَتَحْمِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. فَتَلِدُ كُلُّ وَاحِدةٍ مِنْهُن غُلامًا فَارِسًا. يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ نسائه وهن تسع في ساعة واحدة من ليل أو نهار رواه أحمد [3/ 111] وهذا يدل على ما كان الله تعالى خص به الأنبياء من صحة البنية وقوة الفحولية وكمال الرجولية مع ما كانوا فيه من الجهد والمجاهدات والمكابدات على ما هو المعلوم من حال نبينا صلى الله عليه وسلم وأنه توفي ولم يشبع من خبز البر ثلاث ليال تباعًا متفق عليه من حديث أبي هريرة، وقد رُوي عن سليمان - عليه السلام - أنه كان يفترش الرماد ويأكل خبز الرماد (وهو الطلمة وهي عجين يوضع في الملة حتى ينضج، والملة الرماد والتراب الذي أوقد فيه النار) وهذا هو المعلوم من حال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومن كان هذا حاله فالعادة جارية بأن يضعف عن الجماع لكن خرق الله لهم العادة في أبدانهم كما خرقها لهم في معجزاتهم وأكثر أحوالهم اهـ من المفهم. واللام واقعة في جواب قسم محذوف أي والله لأطوفن كما قدرناه سابقًا في حلنا ويؤيده ما سيأتي في الرواية الآتية من قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يحنث" لأن الحنث لا يكون إلا عن قسم وكثيرًا ما تحذف العرب المقسم به اكتفاء عنه بلام القسم لدلالتها على المقسم به لكنها لا تدل على مقسم معين كذا في عمدة القاري [6/ 565] في كتاب الجهاد، ولكن يُشكل عليه أن القسم المحذوف لا ينعقد به اليمين حتى يكون لفظ القسم ملفوظًا فالأحسن ما اختاره الحافظ في الفتح [6/ 462] أن التلفظ باسم الله وقع في الأصل وإن لم يقع في الحكاية وذلك ليس بممتنع فإن من قال: والله لأطوفن يصدق عليه أنه قال: لأطوفن فإن اللافظ بالمركب لافظ بالمفرد اهـ منه (فتحمل) أي تحبل (كل واحدة منهن) أي من الستين حملًا، قال الحافظ: قال ذلك على سبيل التمني للخير وإنما جزم به لأنه غلب عليه الرجاء لكونه قصد به الخير وأمر الآخرة لا لغرض الدنيا، قال بعض السلف: نبه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على آفة التمني والإعراض عن التفويض، قال: ولذلك نسي الاستثناء ليُمضى فيه القدر اهـ (فتلد كل واحدة منهن كلامًا فارسًا) أي عارفا ركوب الفرس (يقاتل في سبيل الله) تعالى لإعلاء كلمته ونصر دينه، وتقدم الكلام على الغلام في أوائل الكتاب وأنه الصغير من الذكر وأراد به هاهنا الشاب المطيق للقتال وهذا الكلام من سليمان ظاهره الجزم على أن الله يفعل ذلك الذي أراد لكن الذي حمله على ذلك صدق نيته في حصول الخير وظهور الدين وفعل الجهاد وغلبة رجاء فضل الله تعالى

فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلا وَاحِدَةٌ. فَوَلَدَتْ نِصْفَ إِنْسَانٍ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "لو كانَ اسْتَثْنَى، لَوَلَدَتْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُن غلامًا، فَارِسًا، يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في إسعافه بذلك ولا يظن به أنه قطع بذلك على الله تعالى إلا من جهل حالة الأنبياء في معرفتهم بالله تعالى وبحدوده وتأدبهم معه اهـ من المفهم (فلم تحمل منهن إلا واحدة فولدت نصف إنسان) وفي بعض الروايات شق رجل، وفي بعضها شق غلام، وفي بعضها واحدًا ساقطًا أحد شقيه، والمراد أنها ولدت ولدًا ناقصًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان) سليمان - عليه السلام - (استثنى) أي لو قال إن شاء الله تعالى كما سيأتي مصرحًا به، والاستثناء في اليمين أن يقول إن شاء الله، وسيأتي حكمه والاختلاف فيه في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى الولدت كل واحدة منهن غلامًا فارسًا يقاتل في سبيل الله) تعالى، والحديث دليل على جواز قول لو ولولا بعد وقوع المقدور وقد وقع من ذلك مواضع كثيرة في الكتاب والسنة وكلام السلف كقوله تعالى: {قَال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)} [هود: 80] وكقوله: {رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] وقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر"، "ولولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم" متفق عليه، فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "لا يقولن أحدكم لو فإن لو تفتح عمل الشيطان" فمحمول على من يقول ذلك معتمدًا على الأسباب معرضًا عن المقدور أو متضجرًا منه كما حكاه الله تعالى من قول المنافقين حيث قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} ثم رد الله قولهم وبين لهم عجزهم فقال: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168] ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل لو كان كذا لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان قل ما شاء الله كان وما شاء فعل" رواه أحمد ومسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة فالواجب عند وقوع المقدور التسليم لأمر الله وترك الاعتراض على الله والإعراض عن الالتفات إلى ما فات فيجوز بلو عند السلامة من تلك الآفات والله أعلم. وفيه دليل على أن اليمين بالله تعالى إذا قُرن بالاستثناء إن شاء الله لفظًا منويًا لم يلزم الوفاء بها ولا يقع الحنث فيها ولا خلاف في

4153 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللفْظُ لابْنِ أبِي عُمَرَ). قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "قَال سلَيمَانُ بن دَاوُدَ نَبِي الله: لأَطُوفَنَّ الليلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، واختلفوا فيما إذا وقع الاستثناء منفصلًا عن اليمين فالجمهور على أنه لا ينفع الاستثناء إلا إذا كان متصلًا بها منويًا معها أو مع آخر حرف من حروفها وإليه ذهب مالك والشافعي والأوزاعي والجمهور، وقد اتفق مالك والشافعي على أن السعال والعطاس وما أشبه ذلك لا يكون قاطعًا إذا كان ناويًا له، وكان الحسن وطاوس وجماعة من التابعين يرون للحالف الاستثناء ما لم يقم من مجلسه، وقال قتادة: ما لم يقم أو يتكلم، وعن عطاء قدر حلبة ناقة، وعن سعيد بن جبير بعد أربعة أشهر، وروي عن ابن عباس بعد سنة، وقد أُنكرت هذه الرواية عنه وضُعفت، والصحيح الأول لأنه لو لم يشترط الاتصال لما انعقد اليمين ولا تصور عليها ندم ولا حنث ولا احتيج للكفارة فيها وكل ذلك حاصل بالاتفاق فاشتراط الاتصال هو القول الصحيح والله أعلم اهـ من المفهم. ثم اختلف العلماء في الاستثناء بمشيئة الله تعالى هل يرفع حكم الطلاق والعتاق والمشي لمكة وغيرها من الأيمان بغير الله تعالى أم لا يرفع؟ فذهب مالك والأوزاعي إلى أن ذلك لا يرفع شيئًا من ذلك وذهب الكوفيون والشافعي وأبو ثور وبعض السلف إلى أنه يرفع ذلك كله وقصر الحسن الرفع على العتق والطلاق خاصة اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3424]، والترمذي [1571]، والنسائي [7/ 25]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4153 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن حجير) مصغرًا المكي، صدوق، من (6) (عن طاوس) بن كيسان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لمحمد بن سيرين (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال سلمان بن داود نبي الله) عليهما السلام: والله (لأطوفن) هذه (الليلة) وأدورن (على

عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً. كُلهُنَّ تَأتِي بِغُلامٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله. فَقَال لَهُ صَاحِبُهُ، أَو الْمَلَكُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ سبعين امرأة) وأجامعهن (كلهن) بالرفع مبتدأ خبره جملة قوله: (تأتي بغلام) وبالجر على أنه توكيد لسبعين على مذهب الكوفيين القائلين بجواز توكيد الفكرة استدلالا بقول عائشة رضي الله تعالى عنها (ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا كله إلا رمضان) وبقول الشاعر: لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... يا ليت عدة حول كله رجب وأما البصريون فلا يجوّزون التوكيد المعنوي إلا في المعارت وحملوا ما ذكر على الشذوذ، وجملة تأتي حال من كلهن أي تلد كلها بغلام شاب (يقاتل في سبيل الله فقال له) أي لسليمان (صاحبه) أي الملك الموكل بالوحي إليه، قال أبو هريرة: (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال له (الملك) بدل صاحبه، والشك من أبي هريرة أو ممن دونه وليس بين الصاحب والملك معارضة غير أن الصاحب أعم فيحتمل الملك وغيره، وقد وقع في بعض الروايات فقال له الملك بالجزم على الثاني، وفي بعضها فقال له صاحبه بالجزم على الأول، وفي بعضها قال له صاحبه قال سفيان: يعني الملك بالجمع بينهما ورجح الحافظ كونه ملكا لأن من جزم حجة على من لم يجزم وغلط من قال إنه آصف بن برخيا اهـ فتح الباري [6/ 461] ولكن لا ضرورة إلى تعيين ما أبهمه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: قوله: (فقال له صاحبه أو الملك) هذا شك من أحد الرواة في الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان صاحبه فيعني به وزيره من الإنس والجن وإن كان الملك فهو الذي يأتيه بالوحي وقد أبعد من قال: هو خاطره اهـ من المفهم (قل) يا سليمان (إن شاء الله) أي علق يمينك بمشيئة الله، وهذا تذكير له بأن يقول بلسانه لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه فإن ذلك بعيد على الأنبياء وغير لائق بمناصبهم الرفيعة ومعارفهم المتوالية، وإنما هذا كما قد اتفق لنبينا صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الروح والخضر وذي القرنين فوعدهم بأن يأتي بالجواب غدا جازمًا بما عنده من معرفته بالله تعالى وصدق وعده في تصديقه وإظهار كلمته لكن ذهل عن النطق بكلمة إن شاء الله لا عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه، فأدب بأن تأخر الوحي عنه حتى رموه بالتكذيب لأجلها، ثم إن الله تعالى علمه وأدبه بقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24] فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة

فَلَمْ يَقُلْ. وَنَسِيَ. فَلَمْ تَأتِ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ. إِلا وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ غلامٍ". فَقَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَلَوْ قَال: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى في الواجب وهذا لعلو مناصب الأنبياء وكمال معرفتهم بالله تعالى يُناقشون ويُعاتبون على ما لا يُعاقب عليه غيرهم كما قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق لوط: "ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" متفق عليه فعتب عليه نطقه بكلمة يسوغ لغيره أن ينطق بها اهـ من المفهم. (فلم يقل) سليمان (ونسي) بتلك الكلمة أي لم ينطق بها ذهولًا ونسيانًا أنساه الله تعالى إياها لينفذ قدر الله تعالى الذي سبق به علمه من جعل ذلك النسيان سببًا لعدم وقوع ما تمناه وقصده سليمان - عليه السلام - أي لم ينطق بلفظ إن شاء الله بلسانه وليس المراد أنه غفل عن التفويض إلى الله بقلبه فإن اعتقاد التفويض مستمر له لكنه نسي أن يقصد الاستثناء الذي يرفع حكم اليمين كما في الفتح، وذكر النووي أن بعض الأئمة ضبط قوله: (ونسي) بضم النون وتشديد السين وهو ظاهر حسن اهـ. (فلم تأت) أي فلم تلد (واحدة من نسائه إلا واحدة جاءت بشق كلام) أي بنصف ولد (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو قال) سليمان: (إن شاء الله لم يحنث) أي لم يقع عليه الحنث بعدم ولادتهن لأنه إذا قال ذلك علق بالمشيئة، والتعليق بالمشيئة يرفع اليمين أي يمنع انعقادها، وقد قدمنا أن قول سليمان - عليه السلام - لأطوفن كان يمينًا بتقديم المقسم به ولذلك عبّر عن عدم حصول ما تمناه بالحنث، ويحتمل أيضًا أن لا يكون يمينًا وإنما عتر بلفظ الحنث مجازًا عن عدم حصول ما قصده، ثم قوله: (لم يحنث) يحتمل لمعنيين: الأول: أن سليمان - عليه السلام - لو قال: إن شاء الله، لأنجز الله تعالى له ما أراد وولدت كل امرأة من نسائه ولدًا مجاهدًا ولوقع ما أقسم عليه فلم يحنث، والثاني: أن قوله إن شاء الله كان استثناء في اليمين فلو قال ذلك بطل انعقاد اليمين فلم يحنث ولو لم يقع ما أقسم عليه ومن أجل هذا المعنى الثاني ذكره المحذثون في باب الاستثناء في اليمين وهذا هو الراجح هاهنا فكأنه قال لو قال سليمان: إن شاء الله لم يحنث لعدم انعقاد اليمين ولوقع حينئذٍ ما أراد والله أعلم. (وكان) الاستثناء بقوله: إن شاء الله (دركًا له) أي وكان الاستثناء له سبب إدراك ولحوق (في حاجته) ووصول إليها، وقال ابن حجر: وهو تأكيد لقوله: لم يحنث،

4154 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ. 4155 - (24) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ بْنُ هَمامٍ. أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: "قَال سلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والدرك بفتحتين اسم مصدر من الإدراك بمعنى اللحاق كما في قوله تعالى: {لَا تَخَافُ دَرَكًا} أي لحاقًا من العدو، والمراد أنه كان يحصل له ما طلب ويلحقه ذلك ثم لا يلزم من إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك في حق سليمان - عليه السلام - في هذه القصة أن يقع ذلك لكل من استثنى في أمنيته بل في الاستثناء رجاء الوقوع وفي تركه خشية عدم الوقوع وبهذا يجاب عن قول موسى للخضر عليهما السلام {قَال سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} مع قول الخضر - عليه السلام - له في الآخر {ذَلِكَ تَأْويلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا} كذا في فتح الباري [6/ 461]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4154 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لطاوس وساق الأعرج (عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) أي مثل حديث طاوس، وقوله: (أو نحوه) إضراب عما قبله أي بل ساق نحوه لا مثله والفرق بينهما كما مر في المقدمة أن المثل عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع لفظه ومعناه، والنحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4155 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق بن همام) الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن طاوس لهشام بن حجير (قال) أبو هريرة: (قال سليمان بن داود) بن

لأطُيفَنَّ الليلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً. تَلِدُ كُلُّ امْرَأَة مِنْهُنَّ غلامًا. يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله. فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ الله. فَلَمْ يَقُلْ. فَأطَاف بِهِنَّ. فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُن، إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، نِصْفَ إِنْسَانٍ". قَال: فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَوْ قَال: إِن شَاءَ الله، لَم يَحْنَثْ. وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ". 4156 - (25) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "قَال سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لأَطُوفَنَّ الليلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَة. كُلهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ إيشا - عليه السلام -: (لأطيفن) بضم الهمزة من أطاف الرباعي أي لأدورن هذه (الليلة على سبعين امرأة) وفي الرواية السابقة ستون وفي التالية تسعون، وبينها معارضة من حيث العدد، وقد مر الجواب عنه (تلد كل امرأة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله فقيل له): أي لسليمان من جهة الملائكة (قل) يا سليمان (إن شاء الله) أي قيد حصول مرادك بمشيئة الله تعالى (فـ) نسي و (لم يقل فأطاف بهن) أي جامعهن كلهن (فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة) ولدت (نصف إنسان) أي شق إنسان (قال) أبو هريرة رضي الله عنه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قال) سليمان في يمينه (إن شاء الله) تعالى أي قيد رجاءه بمشيئة الله تعالى (لم يحنث) أي لم يُخلف مراده بل ينجزه الله تعالى له (وكان) قوله إن شاء الله (دركًا) أي سبب إدراك وحصول (لحاجته) ببركة مشيئة الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4156 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا شبابة) بن سوار المدائني يقال: اسمه مروان أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري الكوفي ثم المدائني، صدوق، من (7) (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ورقاء بن عمر لسفيان بن عيينة ولو قدم هذا السند على السند الذي قبله كان أوضح وأوصل (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها

تَأْتِي بِفَارِسٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله. فَقَال لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ الله. فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ الله. فَطَافَ عَلَيهِن جَمِيعًا. فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُن إِلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. فَجَاءتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. وَايمُ الذِي نَفْسُ مُحَمدٍ بِيَدِهِ! لَوْ قَال: إِنْ شَاءَ الله، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله فُرْسَانا أَجْمَعُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تأتي) أي تلد (بفارس يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه) أي الملك: (قل) يا سليمان كلها تأتي بفارس (أن شاء الله فـ) نسي سليمان لفظة إن شاء الله و (لم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعًا) أي جامعهن (فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة فجاءت) تلك الواحدة أي ولدت (بشق رجل) أي بنصف ولد طولًا (وآيم) أي اسم الله (الذي نفس محمد) وروحه (بيده) المقدسة قسمي (لو قال) سليمان: (إن شاء الله لي) ولدوا و (جاهدوا في سبيل الله) كلهم حالة كونهم (فرسانًا أجمعون) توكيد لضمير جاهدوا، فيه جواز استعمال لو ولولا في الكلام، وقد مر بسط الكلام فيه، وفيه جواز القسم بأيم الله وأيمن الله، واختلف العلماء في ذلك فقال مالك وأبو حنيفة: هو يمين مطلقًا لأن أيم وأيمن بمعنى اسم الله، وقالت الشافعية: إن نوى به اليمين بأن قصد به معنى اسم الله فهو يمين وإلا بأن قصد به معنى بركة الله فلا يكون يمينًا لأن البركة من صفات الأفعال كالرزق والإنعام فلا يكون يمينًا لأن صفات الأفعال لا ينعقد بها اليمين كالخلق والرزق والإمطار والتسخير اهـ نووي مع زيادة، وفي حاشية الخضري على الألفية: وأما أيمن في القسم فهو عند البصريين اسم مفرد من اليُمن وهو البركة وهمزته وصل خلافًا للكوفيين فيهما والهمزة عوض عن نونه المحذوفة في بعض لغاته كأيم ثم تثبت مع النون لأنها بصدد الحذف كما في امرئ، وفيه لغات (أيمن) بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم وفتحها و (أيم) و (أم) بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم فيهما و (م) و (من) بتثليث الميم فيهما ويجب إضافة الكل للفظ الجلالة فيكون بمعنى اسم الله وكونها مبتدأ محذوف الخبر أي أيمن الله قسمي قيل أو خبرًا لمبتدإ محذوف أي قسمي أيمن الله كما في المغني اهـ منه وأما عند الكوفيين فهمزته همزة قطع لأنه جمع يمين على وزن أفعل فلا يصح القسم به. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4157 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنهُ قَال: "كلهَا تَحْمِلُ غلامًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله". 4158 - (1597) (160) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمام بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَاللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4157 - (00) (00) (وحدثنيه سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الحدثاني، صدوق، من (10) (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي الصنعاني، ثقة، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى ورقاء عن أبي الزناد، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لورقاء بن عمر (غير أنه) أي لكن أن موسى بن عقبة (قال) في روايته (كلها تحمل كلامًا يجاهد في سبيل الله) تعالى بدل قول ورقاء (كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله). ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4158 - (1597) (160) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني أبي عقبة الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام: (هذا ما حدثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قد مر أن هذه الأحاديث من صحيفة همام بن منبه، وهذا الحديث موجود في النسخة المطبوعة منها برقم (95) واللفظ عين لفظ مسلم غير أنه ليس في أوله (والله) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم صنعانيان وواحد مدني وواحد بصري وواحد نيسابوري (فذكر) همام وأملى علينا (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله) أي

لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ، آثَمُ لَهُ عِنْدَ الله مِن أَنْ يُغطِيَ كَفارَتَهُ التِي فَرَضَها اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لأن يلج أحدكم) أي لأن يصر ويستمر ويواظب أحدكم على المحلوف عليه (بـ) سبب (يمينه) التي حلفها (في) قطيعة (أهله) ورحمه كالحلف على أن لا يكلمهم ولا يصل إليهم ثم لا يحنثها على أن يكفر بعد (آثم له) اسم تفضيل على وزن أفضل أصله أأثم قلبت ثاني الهمزتين مدة؛ أي أكثر إثمًا له (عند الله) تعالى (من أن) يحنثها و (يعطي كفارته) أي كفارة حنثه (التي فرضها الله) تعالى وأوجبها عليه بسبب حنثه على تقدير الحنث، يقال لج يلج بفتح اللام وكسرها من بأبي سمع وضرب لجاجًا ولجاجة إذا لازم الشيء وواظبه كما في المصباح، واللجاج في اللغة هو الإصرار على الشيء والمضي فيه، واللجاج في اليمين هو المضي على مقتضاها وإن لزم من ذلك حرج ومشقة أو ترك ما فيه منفعة عاجلة أو آجلة فإن كان فيه شيء من ذلك فالأولى له تحنيث نفسه وفعل الكفارة، قال النووي: معنى الحديث أنه إذا حلف يمينًا تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه ويكون الحنث ليس بمعصية فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه فإن قال: لا أحنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث وخاف الإثم فيه فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثمًا من الحنث، قال الحافظ في الفتح: ويستنبط من معنى الحديث ذكر أن الأهل خرج مخرج الغالب وإلا فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة. وقوله صلى الله عليه وسلم: آثم بالمد اسم تفضيل أصله أأثم كما مر آنفًا أي أشد إثمًا، وربما يشكل عليه أنه يستلزم أن يكون الحنث إثمًا أيضًا لكون اللجاج آثَمَ منه مع أن الحنث لا يجوز إلا فيما لم يكن معصية، وأجاب الشراح عنه بوجوه فذكر النووي أن فيه مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه فإنه يتوهم أن عليه إثمًا في الحنث مع أنه لا إثم عليه في الحقيقة، وقيل المراد أنه لو كان الإثم في الحنث على سبيل الفرض فإن إثم اللجاج أعظم، واختار الطيبي وجهًا آخر فقال: لا يبعد أن يقال إن أفعل التفضيل ليس على بابه كقولهم الصيف أحر من الشتاء ويصير المعنى أن الإثم في اللجاج في بابه أبلغ من ثواب إعطاء الكفارة في بابه كذا في فتح الباري [11/ 519] والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3424]، والنسائي [7/ 25].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده

594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده 4159 - (1598) (161) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ). قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ الله. قَال: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن عُمَرَ قَال: يَا رَسُولَ الله! إِني نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَال: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 594 - (34) باب من نذر قربة في الجاهلية وصحبة المماليك وكفارة من لطم عبده 4159 - (1598) (161) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن مقدم الثقفي (المقدمي) البصري (ومحمد بن المثنى وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالوا: حدثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: يا رسول الله) وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي (إني نذرت) والتزمت (في الجاهلية) أي في حالة شركي، فالمراد بالجاهلية حالة الشرك لأن جاهلية كل رجل حالة كفره ووقع للدارقطني ما يُعيّن هذا المعنى ولفظه (نذر عمر أن يعتكف في الشرك) (أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام) أي حول الكعبة لأنه لم يكن إذ ذاك جدار يحوط عليها قاله القسطلاني: (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (أوفِ بنذرك) ظاهر هذا الأمر لزوم نذر الكافر إذا أوجبه على نفسه في حال كفره إذا كان من نوع القرب التي يوجبها المسلمون غير أنه لا يصح منه إيقاعه في حالة كفره لعدم شرط الأداء الذي هو الإسلام فأما إذا أسلم وجب عليه الوفاء وبذلك قال الشافعي وأبو ثور والمغيرة المخزومي والبخاري والطبري ورأوا قوله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" على الوجوب، وذهب مالك والكوفيون إلى أنه لا يلزمه شيء من ذلك لا عتق ولا صوم ولا اعتكاف لعدم تصور نية القربة منهم حالة كفرهم وفيه نظر. وقوله: (أن اعتكف ليلة) يحتج به من يجيز الاعتكاف بالليل وبغير صوم ولا حجة له فيه لأنه قد قال في الرواية الأخرى أنه نذر أن يعتكف يومًا والقصة واحدة فدل مجموع

4165 - (00) (00) وحدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَج. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي الثَّقَفِي). ح وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوادٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُلهُمْ عَنْ عُبَيدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ. وَقَال حَفْصٌ، مِنْ بَينِهِمْ: عَنْ عُمَرَ، بِهذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الروايتين على أنه نذر يومًا وليلة غير أنه أفرد أحدهما بالذكر لدلالته على الآخر من حيث إنهما تلازما في الفعل ولهذا قال مالك: إن أقل الاعتكاف يوم وليلة فلو نذر أحدهما لزمه تكميله بالآخر، ولو سلمنا أنه لم يجيء لليوم ذكر لما كان في تخصيص الليلة بالذكر حجة لإمكان حمل ذلك الاعتكاف على المجاورة فإنها تسمى اعتكافًا لغة وهي تصح بالليل وبالنهار وبصوم وبغير صوم والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 37]، والبخاري [2042]، وأبو داود [3325]، والترمذي [1539]، وابن ماجه [129 2]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4160 - (00) (00) وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (ومحمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة) بفتحات (بن أبي رواد) ويقال له محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد، صدوق، من (11) (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة كلهم) أي كل من أبي أسامة وعبد الوهاب وحفص بن غياث وشعبة رووا (عن عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليحيى القطان (و) لكن (قال حفص) بن غياث (من بينهم) أي من بين هؤلاء الأربعة عن ابن عمر (عن عمر) وساق (بهذا الحديث) السابق

أَما أبُو أُسَامَةَ وَالثقَفِي فَفِي حَدِيثِهِمَا: اعتِكَافُ لَيلَةٍ. وَأَما فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ فَقَال: جَعَلَ عَلَيهِ يَوْمًا يَعْتَكِفُهُ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ حَفْصٍ، ذِكْرُ يَوْمٍ وَلَا لَيلَةٍ. 4161 - (00) (00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ؛ أَنَّ أَيُّوبَ حَدَّثَهُ؛ أن نَافِعًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني أن الرواة الثلاثة جعلوا هذا الحديث من مسندات ابن عمر، وتفرد حفص بن غياث من بينهم عن ابن عمر عن عمر فجعله من مسندات عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. (قلت): وكذلك أخرجه النسائي في الصغرى (2/ 128) من طريق سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر، ومن طريق يعقوب بن إبراهيم عن يحيى عن عبيد الله عن نافع فقال عن ابن عمر عن عمر كما ذكره الحافظ في الفتح [4/ 274] ولكني لم أجده في الصغرى ولعله في الكبرى، وكذلك أخرجه أبو داود من طريق يحيى المذكور فقال ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، فالحديث مروي بكلا الطريقين ولا مانع من أن يكون ابن عمر شاهد القصة بنفسه فرواه من قبله مرة وسمعها من أبيه فرواه عنه مرة أخرى (أما أبو أسامة والثففي ففي حديثهما اعتكاف ليلة، وأما في حديث شعبة فقال: جعل عليه) أي جعل عمر على نفسه ونذر (يومًا يعتكفه) أي يعتكف فيه (وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4161 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (حدثنا جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) (أن أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري (حدّثه) أي حدّث لجرير (أن نافعًا حدثه) أي حدّث لأيوب (أن عبد الله بن عمر حدثه) أي حدّث لنافع. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر بن حفص (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (بالجعرانة) وهو موضع بين مكة والطائف قريب إلى مكة وهي من الحل وميقات لإحرام العمرة وهي بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف

بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الطائِفِ، فَقَال: يَا رَسُولَ الله! إِني نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَكَيفَ تَرَى؟ قَال: "اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا". قَال: وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَدْ أَعْطَاهُ جَارَية مِنَ الْخُمُسِ. فَلَمَّا أَعْتَقَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ سَبَايَا الناسِ، سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أصْوَاتَهُمْ يَقُولُونَ: أَعْتَقَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء ويقال فيها: الجعرانة بكسر العين وتشديد الراء أي وهو صلى الله عليه وسلم نازل بالجعرانة (بعد أن رجع من الطائف) في غزوة حنين وأحرم منها وله فيها مسجد وبها آبار متقاربة أي استفتاه عمر (فقال) عمر في استفتائه: (يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية) قبل إسلامي؛ أي في الحال التي كنت عليها قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبشرائع الدين، ولفظ ابن ماجه (نذرت نذرًا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت فأمرني أن أوفي بنذري) (أن أعتكف) أي الاعتكاف (يومًا في المسجد الحرام) أي حول الكعبة لأنه لم يكن وقتئذٍ جدار يحوط بالكعبة ولا معارضة بين هذه الرواية ورواية أن أعتكف ليلة لأن المراد باليوم مطلق الزمان ليلًا كان أو نهارًا أو النذر كان ليوم وليلة ولكن يكتفي بذكر أحدهما عن ذكر الآخر فرواية يوم أي بليلته، ورواية ليلة أي مع يومها، فعلى الرواية الأولى يكون حجة على من شرط الصوم في الاعتكاف لأن الليل ليس محلًا للصوم اهـ من العون (فكيف ترى) وتقول: يا رسول الله في هذا النذر هل علي الوفاء أم لا؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (اذهب) إلى الحرم (فاعتكف يومًا) كما نذرت، وفيه دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي وعند أكثر العلماء لا ينعقد النذر من الكافر وحديث عمر هذا حجة عليهم كما تقدم بسط الكلام في ذلك (قال) ابن عمر: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه) أي أعطى عمر (جارية من الخمس) أي من خمس الغنيمة (فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس) جمع سبية كعطايا وعطية من سبيت العدو سبيًا من باب رمى إذا أخذتهم عبيدًا وإماء فللغلام سبي ومسبي والجارية سبية ومسبية وقوم سبي وصف بالمصدر (سمع عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (أصواتهم) أي أصوات السبايا المرتفعة حالة كونهم (يقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال): والفاء زائدة في جواب لما أي

مَا هذَا؟ فَقَالُوا: أَعْتَقَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ سَبَايَا الناسِ. فَقَال عُمَرُ: يَا عَبْدَ الله! اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْجَارِيةِ فَخَل سَبِيلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فلما سمع عمر أصواتهم، قال عمر لمن عنده (ما هذا؟ ) اللغط الذي نسمعه (فقالوا) أي قال الحاضرون عند عمر: هذا صوت السبايا لأنه (أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا الناس فقال عمر) لابنه: (يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية) التي أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخل سبيلها) أي فك طريقها وأذن لها فلتمش مع السبايا إلى أهلها. قوله: (فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس) وخلاصة هذه القصة على ما رواه البخاري وغيره في المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل هوازن في حنين وأصاب منهم السبي والمال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إسلام هوازن لقرابته القريبة بهم فلم يقسم ما غنم منهم بين المسلمين بضعة عشر يومًا رجاء أن يأتي هوازن مسلمين فيرد إليهم جميع ما أخذ منهم ولكنهم تأخروا فقسم الغنيمة بعد بضعة عشر يومًا وهو بالجعرانة، وهناك أتته هوازن تائبين مسلمين وطلبوا منه أن يرد إليهم سبيهم وأموالهم فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخيره قسم الغنائم انتظارًا لإسلامهم وأجابهم بأنه لا يمكن بعد قسم الغنائم أن يرد إليكم السبي والمال جميعًا فاختاروا أحد الشيئين إما السبي واما المال فاختاروا السبي فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة وقام فيهم وقال: "أما بعد فإن إخوانكم قد جاءوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل" فقال الناس: قد طيبنا ذلك، ثم استوثق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بواسطة العرفاء فلما علم أنهم طيبوا ذلك كلهم رد السبي إلى هوازن، وهذا هو المراد بإعتاقه سبايا الناس في حديث الباب. قوله: (يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية) هذا يدل على أن الجارية التي أصابها عمر رضي الله عنه كانت واحدة، وقد أخرج البخاري في فرض الخمس أنه أصاب جاريتين فبينهما معارضة من حيث العدد ويظهر الجمع بينهما مما رواه ابن إسحاق في المغازي أن عمر رضي الله عنه أصاب جارية اسمها قلابة فوهبها لابنه عبد الله فبعث بها إلى أخواله في بني جمح ليُصلحوا له منها حتى يطوف بالبيت فلما خرج من المسجد

4162 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الرزَاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: لَما قَفَلَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِنْ حُنَينٍ سَألَ عُمَرُ رَسُولَ الله صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيةِ، اعْتِكَافِ يَوْمٍ ثُم ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. 4163 - (00) (00) وحدثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضبِّي. حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زيدٍ. حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ عُمْرَةُ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمع الناس يخبرونه برد سبي هوازن فردها إليهم ذكره الحافظ في الفتح [8/ 36] ثم جمع بين الروايتين بأنه أصاب جاريتين فأعطى ابن عمر إحداهما وأمسك الأخرى والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4162 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لجرير بن حازم (قال) ابن عمر (لما قفل) ورجع (النبي صلى الله عليه وسلم من) غزوة (حنين) إلى الجعرانة وهو واد قريب من الطاثف (سأل عمر) بن الخطاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية)، وقوله: (اعتكاف يوم) بالجر بدل من قوله عن نذر (ثم ذكر) معمر (بمعنى حديث جرير بن حازم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4163 - (00) (00) (وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني (عن نافع قال: ذُكر عند ابن عمر) رضي الله عنهما (عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم) التي اعتمرها (من الجعرانة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لجرير ومعمر

فَقَال: لَمْ يَعْتَمِرْ مِنْهَا. قَال: وَكَانَ عُمَرُ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيلَةٍ فِي الْجَاهِلِيةِ. ثُم ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَمَعْمَرٍ، عَنْ أَيوبَ. 4164 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدَّارِمِي. حَدَّثَنَا حَجاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ. حَدَّثَنَا حَماد، عَنْ أَيوبَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) ابن عمر (لم يعتمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (منها) أي من الجعرانة، قال النووي: هذا محمول على نفي علمه أي أنه لم يعلم ذلك وإلا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة العلم، وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه اهـ. قالوا: وإنما أنكر ابن عمر هذه العمرة أعني عمرة الجعرانة لأنه لم يعلم وقوعها وقد خفيت هذه العمرة على كثير من الصحابة وذلك لما أخرجه النسائي وأبو داود في رقم [1996]، والترمذي في رقم [935] عن محرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلًا معتمرًا فدخل مكة ليلًا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت بها فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس (قال) ابن عمر: (وكان عمر) بن الخطاب (نذر اعتكاف ليلة) في المسجد الحرام (في) زمن (الجاهلية) أي قبل إسلامه (ثم ذكر) حماد بن زيد (نحو حديث جرير بن حازم ومعمر عن أيوب) السختياني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4164 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة، متقن، من (11) (حدثنا حجاج بن المنهال) الأنماطي السلمي مولاهم أبو محمد البصري البرساني، ثقة، من (9) (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب ح وحدثنا يحيى بن خلف) الباهلي أبو سلمة البصري المعروف بالجوباري بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة، صدوق، من (10) (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8)

عَنْ مُحَمدِ بْنِ إِسْحَاقَ. كِلاهُمَا عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهذَا الْحَدِيثِ فِي النذْرِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: اعْتِكَافُ يَوْمٍ. 4165 - (1599) (162) حدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِي. حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي مولاهم أبي عبد الله المدني صاحب المغازي، صدوق، من (5) (كلاهما) أي كل من أيوب ومحمد بن إسحاق رويا (عن نافع عن ابن عمر بهذا الحديث) الوارد (في النذر) في نذر عمر. وهذان السندان الأول منهما من سداسياته، والثاني من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أيوب ومحمد بن إسحاق لعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم في روايتهما عن نافع (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث أيوب ومحمد بن إسحاق (جميعًا اعتكاف يوم) وفي حديث عبيد الله (أن أعتكف ليلة) وقد مر بيان كيفية الجمع بينهما. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني تحسين صحبة المماليك وكفارة لطم من لطم عبده بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4165 - (1599) (162) (حدثني أبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري) بفتح الجيم والدال بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى جده جحدر كما في الأنساب للسمعاني [2/ 206] (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء ابن يحيى الهمداني الخارفي أبي يحيى الكوفي المكتب، روى عن ذكوان أبي صالح في صحبة المماليك والشعبي في الضحايا والفضائل، ويروي عنه (ع) وأبو عوانة وشعبة والسفيانان وزكرياء بن أبي زائدة، ، له نحو عشرة أحاديث، وثقه النسائي وأحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ ما بحديثه بأس، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، وليس في مسلم من اسمه فراس إلا هذا الثقة (عن ذكوان) الزيات (أبي صالح) السمان القيسي مولاهم المدني (عن زاذان) الكندي مولاهم (أبي عمر) الكوفي، ويقال له أبو عبد الله شهد خطبة عمر بالجابية، روى عن ابن عمر في ملك اليمين والأشربة، وعلي وابن مسعود وعائشة وطائفة، ويروي عنه (م عم) وأبو صالح وعمرو بن مرة ومحمد بن جحادة وغيرهم، قال العجلي: تابعي كوفي ثقة، وقال الخطيب: كان ثقة، وقال ابن حبان في الثقات: كان يخطئ، وقال الحاكم أبو أحمد:

قَال: أَتَيتُ ابْنَ عُمَرَ، وَقَدْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا. قَال: فَأَخذَ مِنَ الأرْض عُودًا أَوْ شَيئًا. فَقَال: مَا فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَسْوَى هذَا. إِلا أَني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس بالمتين عندهم، وقال في التقريب: صدوق يرسل، من الثانية، مات سنة (82) اثنتين وثمانين، وليس في مسلم زاذان إلا هذا الصدوق (قال) زاذان: (أتيت ابن عمر) رضي الله عنهما (و) الحال أن ابن عمر (قد أعتق) عبدًا (مملوكًا) له، يظهر مما يلي أن سبب إعتاقه ما ذكره في الحديث من قوله: فقد كان ضربه. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مكي وواحد واسطي وواحد بصري (قال) زاذان (فأخذ) ابن عمر (من الأرض عودًا) أي قضيبًا مثل قضيب السواك (أو) قال زاذان أخذ من الأرض (شيئًا) والشك من فراس فيما قاله زاذان (فقال) ابن عمر (ما) كان لي (فيه) أي في إعتاق هذا العبد (من الأجر) أي من أجر المعتق تبرعًا (ما يسوى هذا) بوزن يسعى أي ما يساوي هذا العود ويعادله يعني أنه ليس في إعتاقه أجر المعتق تبرعًا وإنما أعتقه كفارة لضربه، وقوله: ما يسوى بفتحتين بينهما مهملة ساكنة، قال النووي: هكذا وقع في معظم النسخ، وفي بعضها ما يساوي وهذه هي اللغة الفصيحة المعروفة، والأولى عدها أهل اللغة في لحن العوام، وأجاب بعض العلماء عن هذه اللفظة بأنها تغيير من بعض الرواة لا أن ابن عمر نطق بها اهـ. (إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) أكثر النسخ على أنه (إلا) حرف استثناء وقيل: إنه (ألا) حرف تنبيه واستفتاح وإني بكسر الهمزة، ومعنى الثاني ظاهر ومعنى الأول وهو الأرجح رواية أنه ليس لي من الأجر شيء إلا أجر الكفارة وهو كفاف لضربي، وقيل: معناه ولا أعتقه لوجه من الوجوه إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. الخ، وقيل: إنه استثناء منقطع بمعنى لكن والأول أرجح (من لطم مملوكه) عبدًا كان أو أمة وهو من باب ضرب كما في المصباح أي ضربه بباطن كفه (أو ضربه) وهو من ذكر العام بعد الخاص، وأو للتنويع ويحتمل كونها للشك من الراوي أو ممن دونه (فكفارته) أي فكفارة ضربه (أن يعتقه) قال النووي رحمه الله: وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجبًا وإنما هو مندوب رجاء كفارة ذنبه لما فيه من إزالة إثم ظلمه، ومما استدلوا به لعدم وجوب إعتاقه حديث سويد بن مقرن بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حين لطم أحدهم خادمهم بعتقها قالوا ليس لنا خادم غيرها

4166 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ. قَال: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ زَاذَانَ؛ أَن ابْنَ عُمَرَ دَعَا بِغُلامٍ لَهُ. فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا. فَقَال لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها، وقال القاضي عياض: وأجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق العبد لشيء مما يفعله به مولاه مثل هذا الأمر الخفيف، قال: واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح منهك لغير موجب لذلك أو حرقه بنار أو قطع عضوًا له أو أفسده أو نحو ذلك مما فيه مثله فذهب مالك وأصحابه والليث إلى عتق العبد على سيده بذلك ويكون ولاؤه له ويعاقبه السلطان على فعله، وقال سائر العلماء: لا يُعتق عليه، واختلف أصحاب مالك فيما لو حلق رأس الأمة أو لحية العبد، واحتج مالك بحديث ابن عمرو بن العاص في الذي جب عبده فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الأبي: إنه لا عتق بالمثلة إلا بالحكم في قول ابن القاسم من المالكية وقال أشهب: هو بنفس المثلة حر اهـ، وقالوا: في هذا الحديث الرفق بالمماليك وحسن صحبتهم وكف الأذى عنهم وكذلك في الأحاديث الآتية. وهذا الحديث وما بعده إلى القسامة استطرادي بالنظر إلى أن ما فيها قربة ليست واجبة بأصل شرعي كالنذر وكفارة الأيمان ومحله كتاب العتق أو كتاب الأدب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 25 و 61]، وأبو داود [5168]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4166 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ) الآتي (لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فراس) بن يحيى الهمداني الكوفي (قال) فراس: (سمعت ذكوان) السمان (يحدّث عن زاذان) الكندي الكوفي الضرير البزاز (أن ابن عمر دعا) ونادى (بغلام له) ليحضر عنده وقد ضربه قبل دعوته. وهذا السند من سباعياته. غرضه بسوقه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة فنظر ابن عمر إلى آثار ضربه في بدنه (فرأى بظهره) أي بظهر العبد (أثرًا) شديدًا من الضرب، قال القرطبي: كان ضربه له أدبًا إلا أنه تجاوز عن ضرب الأدب ولذلك أثر الضرب في ظهره ثم رأى أنه لا يخرجه مما وقع فيه إلا عتقه فأعتقه بنية الكفارة عن ضربه (فقال) ابن عمر (له)

أوْجَعْتكَ؟ قَال: لَا. قَال: فَأنْتَ عَتِيقٌ. قَال: ثُمَّ أَخَذَ شَيئًا مِنَ الأَرْضِ فَقَال: مَا لِي فِيهِ مِنَ الأَجْرِ مَا يَزِنُ هذَا. إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "مَنْ ضَرَبَ كُلامًا لَهُ، حَدًّا لَمْ يَأتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فَإِن كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ". 4167 - (00) (00) وحدثناه أَبُو بَكْر بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بن الْمثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي للعبد (أوجعتك) أي آلمتك بضربي (قال) العبد (لا) أي ما آلمتني خجلًا منه (قال) ابن عمر للعبد (فأنت عتيق) أي معتق أي أعتقتك (قال) زاذان (ثم أخذ) ابن عمر (شيئًا) من المحقرات (من الأرض فقال: ما لي فيه) أي في عتق هذا العبد (من الأجر) والثواب (ما يزن) أي مثل ما يزن ويعادل ويساوي زنة (هذا) الشيء المحقر الخفيف وإنما أعتقته لـ (أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ضرب غلامًا) أي عبدًا (له) وكذا الأمة (حدًّا) أي جزاءً وعقوبة لما (لم يأته) أي لموجب لم يفعله، وقوله حدًّا مفعول لأجله، وقوله لم يأته صفة لحدًّا أي ضربه لأجل عقوبة لم يفعل موجبها (أو لطمه) أي ضربه في وجهه بباطن كفه (فإن كفارته) أي كفارة ضربه (أن يعتقه) ويخلي سبيله، وهذا دليل الجواب أقيم مقامه، وتقدير الجواب فقد أذنب ذنبًا لا يمحى إلا بالكفارة وهي إعتاقه، والإتيان بالحد كناية عن ارتكاب ما يوجبه فالمراد أن السيد إذا أقام على عبده حدًّا لم يرتكب ذلك العبد ما يوجبه فكفارته إعتاقه. (مستطردة) قال نافع: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله تقرب به إلى الله تعالى وكان أرقاؤه يعرفون ذلك منه فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقه فيقول له أصحابه: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له، كذا في تهذيب الأسماء واللغات للنووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4167 - (00) (00) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)

كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فِرَاسٍ. بِإِسْنَادِ شُعْبَةَ وَأَبِي عَوَانَةَ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَهْدِي فَذَكَرَ فِيهِ "حَدًّا لَمْ يَأتِهِ". وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: "مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ" وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَد. 4168 - (1600) (163) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ سُوَيدٍ. قَال: لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا فَهَرَبْتُ. ثُم جِئْتُ قُبَيلَ الظُهْرِ فَصليتُ خَلْفَ أَبِي. فَدَعَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلاهما) أي كل من وكيع وعبد الرحمن رويا (عن سفيان) الثوري (عن فراس بإسناد شعبة وأبي عوانة) المذكور آنفًا يعني عن ذكوان عن زاذان عن ابن عمر، روى مثلهما، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سفيان لهما (أما حديث ابن مهدي فذكر فيه) ابن مهدي (حدًّا لم يأته، وفي حديث وكيع من لطم عبده ولم يذكر) وكيع (الحد) أي لم يذكر قوله حدًّا لم يأته. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث سويد بن مقرن رضي الله عنهم فقال: 4168 - (1600) (163) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير. (ح وحدثنا) محمد (بن نمير واللفظ له حدثنا أبي حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (4) (عن معاوية بن سويد) مصغرًا ابن مقرن بكسر الراء المشددة مع ضم الميم المزني أبي سويد الكوفي، روى عن أبيه سويد بن مقرن في صحبة المماليك والبراء بن عازب في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وسلمة بن كهيل وأشعث بن أبي الشعثاء والشعبي، وثقه ابن حبان، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، ولم يصب من زعم أن له صحبة (قال) معاوية: (لطمث) أي ضربت بباطن كفي (مولى لنا) أي في وجه عبد لنا (فهربت) أي شردت وخرجت خوفًا من مؤاخذة أبي إياي بسبب تلك اللطمة (ثم جئت) ورجعت إلى بيتنا (قبيل الظهر فصليت) الظهر (خلف أبي) سويد بن مقرن بن عائذ المزني أبي عمرو الكوفي، مات بها، الصحابي المشهور رضي الله عنه، له ستة أحاديث انفرد له مسلم بحديث، يروي عنه (م دت س) وابنه معاوية بن سويد في صحبة المماليك وهلال بن يساف وآخرون. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (فدعاه)

وَدَعَانِي. ثُم قَال: امْتَثِلْ مِنْهُ. فَعَفَا. ثُم قَال: كُنا، بَنِي مُقَرِّنٍ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. لَيسَ لَنَا إِلا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ. فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا. فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: "أَعْتِقُوهَا" قَالُوا: لَيسَ لَهُمْ خَادِم غَيرُهَا. قَال: "فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا. فَإِذَا اسْتَغْنَوا عَنْهَا، فَلْيُخَلوا سَبِيلَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فدعا أبي سويد بن مقرن ذلك المولى (ودعاني) أيضًا (ثم قال) أبي للمولى: (امتثل منه) أي اقتص منه كما هو مصرح في رواية أبي داود؛ أي افعل به مثل ما فعل بك من اللطمة، من الامتثال وهو مأخوذ من المثل والامتثال أن يفعل الرجل بصاحبه مثل ما فعل هو به، قال النووي: وهذا محمول على تطييب نفس المولى المضروب وإلا فلا يجب القصاص في اللطمة ونحوها، وإنما واجبه التعزير لكنه تبرع فأمكنه من القصاص فيها، وفيه الرفق بالموالي واستعمال التواضع معهم اهـ (فعفا) المولى عن الامتثال (ثم قال) سويد بن مقرن بن عائذ المزني وهو أخو النعمان بن مقرن رضي الله عنهما (كنا) أخص (بني مقرن) بن عائذ بالنصب على الاختصاص، وفي رواية أبي داود (فإنا معشر بني مقرن كنا سبعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادم واحدة) هكذا هو في جميع النسخ، والخادم بلا هاء يطلق على الجارية كما يطلق على الرجل، ولا يقال خادمة بالهاء إلا في لغة شاذة قليلة اهـ نووي (فلطمها) أي لطم تلك الخادمة (أحدنا) أي أحد بني مقرن (فبلغ ذلك) أي لطم أحدنا إياها (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لنا: (أعتقوها) أي حرروا تلك الخادمة ليكون إعتاقها كفارة لتلك اللطمة (قالوا) أي قال بنو مقرن: (ليس لنا خادم غيرها) فمن يخدمنا إن أعتقناها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليستخدموها) حتى يستغنوا عنها (فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها) بالإعتاق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 448]، وأبو داود [5166 و 5167]، والترمذي [1542]. قال القرطبي: وحاصل ما في حديثي ابن عمر وسويد بن مقرن أن ضرب ابن عمر رضي الله عنهما لعبده كان أدبًا على جناية غير أنه أفرط في أدبه بحسب الغضب البشري حتى جاوز مقدار الأدب ولذلك أثر الضرب في ظهره، وعندما تحقق ذلك رأى أنه لا يخرجه مما وقع فيه إلا عتقه فأعتقه بنية الكفارة، ثم فهم أن الكفارة غايتها إذا قُبلت أن

4169 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَين، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَاف ـــــــــــــــــــــــــــــ تكفّر إثم الجناية فيخرج الجاني رأسًا برأس لا أجر ولا وزر ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما لي فيه من الأجر شيء. وقوله: (من ضرب غلامًا له حدًّا لم يأته أو لطمه) الخ ظاهر هذا الحديث والأحاديث المذكورة بعده أن من لطم عبده أو تعدى في ضربه وجب عليه عتقه لأجل ذلك ولا أعلم من قال بذلك غير أن أصول أهل الظاهر تقتضي ذلك، وإنما اختلف العلماء فيمن مثل بعبده مثلة ظاهرة مثل قطع يده أو فقء عينه، فقال مالك والليث: يجب عليه عتقه، وهل يعتق بالحكم أو بنفس وقوع المثلة قولان لمالك، وذهب الجمهور إلى أن ذلك لا يجب وسبب الخلاف اختلافهم في تصحيح ما رُوي من ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: "من مثل بعبده عتق عليه". (قلت): ومحمل الحديث الأول عند العلماء على التغليظ على من لطم عبده أو تعدى في ضربه لينزجر السادة عن ذلك فمن وقع منه ذلك أثم وأمر بأن يرفع يده عن ملكه عقوبة كما رفع يده عليه ظلمًا، ويحمله بعضهم على الندب وهو الصحيح بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لبني مقرن حين أمرهم بعتق الملطومة فقالوا: ليس لنا خادم غيرها، فقال: "استخدموها فإذا استغنيتم عنها فخلوا سبيلها" فلو وجب العتق بنفس اللطم لحرم الاستخدام لأنها كانت تكون حرة واستخدام الحر بغير رضاه حرام فمقصود هذه الأحاديث والله أعلم أن من تعدى على عبده أثم فإن أعتقه يكفر أجر عتقه إثم تعديه وصارت الجناية كأن لم تكن ومع ذلك فلا يقضى عليه بذلك إذ ليس بواجب على ما تقدم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سويد بن مقرن رضي الله عنه فقال: 4169 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأزدي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن هلال بن يساف) بفتح الياء وكسرها، والأكثرون على كسر الياء الأشجعي أبي الحسن الكوفي،

قَال: عَجِلَ شَيخٌ فَلَطَمَ خَادِمًا لَهُ. فَقَال لَهُ سُوَيدُ بْنُ مُقَرنٍ: عَجَزَ عَلَيكَ إِلا حُرُّ وَجْهِهَا. لَقَدْ رَأَيتُنِي سَابع سَبْعَةٍ مِنْ بَنِي مُقَرِّنٍ. مَا لَنَا خَادِمٌ إِلا وَاحِدَةٌ. لَطَمَهَا أَصْغَرُنَا. فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ نُعْتِقَهَا. 4170 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (3) (قال) هلال (عجل) أي استعجل (شيخ) منا أي في الغضب وأظهر بوادر غضبه على خادمه فلطم وجهها كما ذكره بقوله: (فلطم خادمًا له) وفي رواية لأبي داود عن هلال بن يساف كنا نزولًا في دار سويد بن مقرن، وفينا شيخ فيه حدة ومعه جارية فلطم وجهها فما رأيت سويدًا أشد غضبًا منه ذاك اليوم (فقال له) أي لذلك اللاطم (سويد بن مقرن عجز) أي خفي (عليك) أيها اللاطم (إلا حر وجهها) أي إلا بشرة وجهها وصفحته. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هلال بن يساف لمعاوية بن سويد في الرواية عن سويد بن مقرن، قال القاضي: أي عجزت ولم تجد أين تضرب إلا حر وجهها، وكأن هذا من المقلوب يعني كان أصله عجزت عن غير وجهها، ويحتمل أن يكون معنى قوله عجز عليك أي امتنع عليك، وأخرجه أحمد في مسنده [5/ 444] ولفظة (أما وجدت إلا حر وجهه) وحر الوجه بضم المهملة وتشديد الراء صفحته وما رق من بشرته وحر كل شيء أفضله وأرفعه اهـ نووي. ثم قال سويد: والله (لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (سابع سبعة) أي واحدًا من سبعة إخوة؛ أي كنا سبعة إخوة أنا سابعهم يعني أصغرهم فهو اللاطم أبهم نفسه في حكايته، ذكر ابن الأثير وغيره: أن بني مقرن كلهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الشهاب في حاشيته على تفسير البيضاوي في سورة التوبة عند ذكر البكائين: أن القرطبي قال: ليس في الصحابة سبعة إخوة غيرهم اهـ من بعض الهوامش (من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها) ليكون الإعتاق كفارة للطمها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سويد بن مقرن رضي الله عنه فقال: 4170 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) البصريان (قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم (ابن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن شعبة عن

حُصَيْنٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ. قَال: كُنَّا نَبِيعُ الْبَزَّ فِي دَارِ سُوَيدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، أخِي النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرنٍ. فَخَرَجَتْ جَارِيَة. فَقَالتْ لِرَجُلٍ مِنا كَلِمَةً. فَلَطَمَهَا. فَغَضِبَ سُوَيدٌ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ. 4171 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: قَال لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: شُعْبَةُ. فَقَال مُحَمَّدٌ: حَدثَنِي أبُو شُعْبَةَ الْعِرَاقِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حصين عن هلال بن يساف) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن إدريس (قال) هلال: (كنا) معاشر الحاضرين هناك (نبيع البز) أي الثياب من الكتان أو القطن يُجمع على بزوز (في دار سويد بن مقرن أخي النعمان بن مقرن) كان أحد القادة المشهورين في زمن سيدنا عمر من بني مقرن (فخرجت جارية) أي أمة من الدار إلينا، وقد صرح محمد بن جعفر في روايته عند أحمد [3/ 444] بأن هذه الجارية كانت لسويد رضي الله عنه، فمرت علينا (فقالت لرجل منا كلمة) قبيحة يعني كلمة سب، وفي رواية محمد بن جعفر المذكورة فكلمت رجلًا فسبته (فلطمها) ذلك الرجل الذي سبته أي ضرب وجهها بباطن كفه (فغضب سويد) بن مقرن للطم الرجل إياها (فذكر) شعبة (نحو حديث) عبد الله (ابن إدريس). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 4171 - (00) (00) (وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (11) (حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث التميمي البصري، صدوق، من (9) (حدثنا شعبة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الصمد لابن أبي عدي (قال) شعبة: (قال لي محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) (ما اسمك؟ قلت) له اسمي (شعبة) بن الحجاج (فقال) لي (محمد) بن المنكدر: (حدثني أبو شعبة العراقي) الكوفي ثم المدني مولى سويد بن مقرن المزني، ولم أر من ذكر اسمه، روى عن مولاه سويد بن مقرن في حق المماليك، ويروي عنه (م س) ومحمد بن المنكدر، وثقه ابن حبان، له في (م) حديث واحد في تحريم لطم الصورة، وقال في التقريب: مقبول، من (3) كان محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى لطيفًا في كلامه فلما أراد أن يحدّث شعبة حديثًا سمعه

عَنْ سُوَيدِ بْنِ مُقَرِّنٍ؛ أَن جَارِيَة لَهُ لَطَمَهَا إِنْسَانٌ. فَقَال لَهُ سُوَيدٌ: أَمَا عَلِمْتَ أَن الصورَةَ مُحَرَّمَةٌ؟ فَقَال: لَقَدْ رَأَيتُنِي، وَإِني لَسَابع إِخْوَةٍ لِي، مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. وَمَا لَنَا خَادِمٌ غَيرُ وَاحِدٍ. فَعَمَدَ أَحَدُنَا فَلَطَمَهُ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله ـــــــــــــــــــــــــــــ من أبي شعبة عن اسمه ليكون التحديث لطيفًا وإن لم يكن أبو شعبة العراقي الذي روى عنه هذا الحديث والد شعبة بن الحجاج، ولكنه أراد التلطيف بمناسبة لفظية (عن سويد بن مقرن) المزني الكوفي (أن جارية له) أي لسويد (لطمها إنسان) أي ضرب وجهها بباطن كفه (فقال له) أي لذلك اللاطم (سويد) بن مقرن (أما) مركبة من همزة الاستفهام الإنكاري وما النافية (علمت) أيها الإنسان أي ألم تعلم أيها الإنسان (أن الصورة محرمة) أي أن ضرب الوجه ولطمه حرام ممنوع لورود النهي عنه يعني أن الوجه ذو حرمة لأنه فيه محاسن الإنسان، قال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} وفي حديث الجامع الصغير: "إذا ضرب أحدكم خادمه فليتق الوجه" قال في التيسير: ومثل الخادم كل من له ولاية تأديبية اهـ قال القرطبي: الصورة الوجه اهـ. قال الأبي في شرحه (قوله: أما علمت أن الصورة محرمة) يحتمل أن يكون قوله محرمة بمعنى ذات حرمة فالمراد أن الصورة ذات حرمة فلا ينبغي الضرب عليها، ويحتمل أن يكون بمعنى الحرام والممنوع فالتقدير: أما علمت أن الضرب على الصورة حرام، وهو إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "إذا ضرب أحدكم العبد فليجتنب الوجه " إكرامًا له لاجتماع محاسن الإنسان وأعضائه الرئيسة فيه ولأن التشويه فيه أقبح، وقد علله في حديث آخر بأنها الصورة التي خلق عليها آدم واختار لخلافته في الأرض هذا ملخص ما ذكره الأبي عن القاضي عياض رحمهما الله تعالى [4/ 385] إكمال المعلم. (فقال) سويد بن مقرن: والله (لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (وإني) أي والحال إني (لسابع إخوة لي) أي لواحد من سبعة إخوة كانت لي أي لجاعلهم سبعة لأنه أصغرهم (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لقد رأيت نفسي مصاحبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا سابع إخوة لي (وما لنا خادم غير واحد فعمد أحدنا) معاشر الإخوة أي قصد إلى لطم خادمنا (فلطمه) أي ضرب وجهه بباطن كفه (فأمرنا رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ نُعْتِقَهُ. 4172 - (00) (00) وحدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. قَال: قَال لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: مَا اسْمُكَ؟ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ. 4173 - (1601) 1641) حدثنا أَبُو كَامِل الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِي، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم أن نعتقه) ليكون إعتاقه كفارة للطمه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سويد رضي الله عنه فقال: 4172 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن المثنى) العنزي (عن وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبي العباس البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا شعبة) بن الحجاج، غرضه بيان متابعة وهب بن جرير لعبد الصمد بن عبد الوارث (قال) شعبة (قال لي محمد بن المنكدر: ما اسمك؟ فذكر) وهب بن جرير (بمثل حديث عبد الصمد) بن عبد الوارث. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي مسعود رضي الله عنهم فقال: 4173 - (1601) (64 1) (حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري، ثقة، من (8) (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب أبي أسماء الكوفي، ثقة، من (5) مات في سجن الحجاج الجائر، سجنه في الديماس ليس له كن يُظِلُّه ويقيه من البرد (عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي، ثقة، من (2) (قال) أبوه يزيد بن شريك (قال) لنا (أبو مسعود) الأنصاري الخزرجي (البدري) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان، قال أبو مسعود: (كنت) أنا

أَضْرِبُ غُلاما لِي بِالسَّوْطِ. فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ! " فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ. قَال: فَلَما دَنَا مِني، إِذَا هُوَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ! اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ! " قَال: فَألْقَيتُ السوْطَ مِنْ يَدِي. فَقَال: "اعْلَمْ، أبا مَسْعُود! أَن اللهَ أَقْدَرُ عَلَيكَ مِنْكَ عَلَى هذَا الْغُلامِ" قَال: فَقُلْتُ: لَا أضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أضرب غلامًا لي بالسوط) هي آلة الضرب، قال أبو مسعود: (فسمعت صوتًا) أي صوت مناد يناديني (من خلفي) ومن ورائي يقول ذلك المنادي (اعلم) وانتبه وتيقن يا (أبا مسعود) أن الله أقدر عليك من قدرتك على هذا الغلام المضروب (فلم أفهم الصوت) أي صاحب الصوت (من) شدة (الغضب) أي من شدة غضبي على الغلام (قال) أبو مسعود: (فلما دنا) وقرب (مني) صاحب الصوت (إذا هو) أي صاحب الصوت (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإذا فجائية رابطة الجواب لِلَمَّا أي فلما دنا مني فاجأني رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رؤيته، والفاء في قوله: (فإذا هو يقول) عاطفة على ما قبلها وإذا فجائية أيضًا أي فلما دنا مني فاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاجأني قوله: (اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود) ذكره بعد إسماعه إياه ثلاث مرات للتأكيد (قال) أبو مسعود: (فألفيت) أي رميت (السوط من يدي) فاستقبلته (فقال) لي في المرة الثالثة: (اعلم) يا (أبا مسعود أن الله) سبحانه وتعالى (أقدر عليك) وقوله: (منك على هذا الغلام) متعلق بمحذوف أي إن الله عزَّ وجلَّ أشد قدرة عليك من قدرتك على هذا الغلام، وفيه الحث على الرفق بالمملوك ووعظ بليغ في الاقتداء بحلم الله تعالى على عباده (قال) أبو مسعود: (فقلت) في نفسي والله (لا أضرب مملوكًا) أي رقيقًا (بعده) أي بعد ضربي هذا (أبدًا) أي أمدًا مدة حياتي، والظرفان متعلقان بقوله لا أضرب. وقوله: (إن الله أقدر عليك) معناه قدرة الله على تعذيبك أكثر وأشد من قدرتك على تعذيب هذا العبد، وفي الحديث هداية بليغة إلى أن الرجل ينبغي له أن يذكر مقدمه في الآخرة عند سورة غضبه ويستحضر ما يطلبه من الله تعالى من العفو والغفران فمن بذله لمن هو في قدرته رجا حصول ذلك من الله سبحانه، ومن لم يبذله لم يرجه وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 120]، وأبو داود [5159 و 5160]، والترمذي [1949].

4174 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَهُوَ الْمَعْمَرِيُّ) عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ، مِنْ هَيبَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال: 4174 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا محمد بن حميد) اليشكري (وهو المعمري) نسبة إلى معمر بن راشد لأنه رحل إلى معمر، وروى عنه فنُسب إليه ذلك أبو سفيان البصري نزيل بغداد، روى عن سفيان الثوري في حق المملوك، ومعمر بن راشد في صفة النار، ويروي عنه (م س ق) وزهير بن حرب وأبو سعيد الأشج ويحيى بن يحيى، وثقه ابن معين وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (182) اثنتين وثمانين ومائة (عن سفيان) بن سعيد الثوري (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا سفيان) الثوري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم الصفار الأنصاري أبو عثمان البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة من جرير وسفيان وأبي عوانة رووا (عن الأعمش بإسناد عبد الواحد) بن زياد يعني عن إبراهيم عن أبيه عن أبي مسعود (نحو حديثه) أي نحو حديث أبي مسعود، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الواحد بن زياد (غير أن) أي لكن أن (في حديث جرير) بن عبد الحميد لفظة (فسقط من يدي السوط من هيبته) صلى الله عليه وسلم وجلاله، والهيبة وكذا المهابة الخوف منه لتوقيره وتعظيمه لا للخوف من بطشه وأخذه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال:

4175 - (00) (00) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ. قَال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي. فَسَمِعْت مِنْ خَلْفِي صَوْتًا "اعْلَمْ، أبا مَسْعُودٍ! لَلهُ أَقْدَرُ عَلَيكَ مِنْكَ عَلَيهِ" فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ الله. فَقَال: "أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، لَلَفَحَتْكَ النارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النارُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4175 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) الكوفي (عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي مسعود الأنصاري) البدري الكوفي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لعبد الواحد بن زياد (قال) أبو مسعود: (كنت أضرب كلامًا لي فسمعت من خلفي صوتًا) أي صوت مناد يناديني بقوله: (اعلم أبا مسعود) واللام في قوله: (لله) لام الابتداء وهي معلقة ما قبلها عن العمل في لفظ ما بعدها أي لله سبحانه (أقدر عليك) أي أشد قدرة عليك (منك) أي من قدرتك (عليه) أي على ضرب هذا العبد المضروب لك قال أبو مسعود: (فالتفت) بتشديد التاء الأخيرة لإدغام تاء لام الكلمة في تاء المتكلم أي التفت إلى ورائي (فإذا) الفاء عاطفة وإذا فجائية (هو) أي صاحب الصوت (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فالتفت ففاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت: يا رسول الله هو) أي هذا العبد المضروب (حر) أي محرر معتق الوجه الله) تعالى أي لذاته طلبًا لرضائه، قال القاضي رحمه الله تعالى: ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمره بعتقه ولكن رأى أنه زاد على حد الأدب مما استوجب به عقوبة الله، ألا ترى كيف كان العبد يستغيث منه بالله وهو يضربه حتى استعاذ برسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في شرح الأبي. (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك (لو لم تفعل) إعتاقه، وفي بعض النسخ (أما والله لو لم تفعل) أي ما فعلته من التحرير والإعتاق اللفحتك النار) أي لأحرقتك النار، وقوله: (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي أو من دونه (لمستك النار) شك من الراوي أو ممن دونه. وقال في المبارق: إنما قال له ذلك لأنه كان متعديًا في تاديبه عن المقدار الذي استحقه وإلا فجزاء المملوك بقدر جنايته جائز ورد فيه الحديث اهـ، ودليل تعديه في الجزاء استعمال السوط في ضربه اهـ من بعض الهوامش. قال ابن الأثير في جامع الأصول: لفح النار

4176 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلامَهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ. قَال: فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ. فَقَال: أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ. فَتَرَكَهُ. فَقَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَالله! لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيكَ مِنْكَ عَلَيهِ" قَال: فَأَعْتَقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرها ووهجها وكذلك لفحها، وقال الزمخشري في أساس البلاغة (ص 411): لفحته النار أحرقت بشرته ولفحته السموم وأصابه من الحر لفح ومن البرد نفح اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال: 4176 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن شعبة عن سليمان) الأعمش الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) الكوفي (عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي مسعود) الأنصاري الكوفي. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي معاوية (أنه كان يضرب غلامه فجعل) العبد أي شرع العبد (يقول أعوذ بالله) أي أستجير بالله من ضربك (قال) يزيد بن شريك أو أبو مسعود على الالتفات (فجعل) أبو مسعود (بضربه) أي يضرب العبد (فقال) العبد (أعوذ) أي ألتجئ من ضربك (برسول الله) صلى الله عليه وسلم (فتركه) أي فترك أبو مسعود ضرب العبد حين استعاذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النووي: قال العلماء: لعله لم يسمع استعاذته الأولى لشدة غضبه كما لم يسمع نداء النبي صلى الله عليه وسلم أو يكون لما استعاذ برسول الله صلى الله عليه وسلم تنبه لمكانه فتركه، وإلا ففي حديث الترمذي عن أبي سعيد على ما ذكر في الجامع الصغير: "إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم" (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله) أي أقسمت لك بالله (لله) لام الابتداء أو لام القسم (أقدر عليك منك) أي من قدرتك (عليه، قال) يزيد أو أبو مسعود على الالتفات (فأعتقه) أي أعتق أبو مسعود العبد ليكون كفارة عن ضربه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال:

4177 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: أَعُوذُ بِاللهِ. أَعُوذُ بِرَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4177 - (00) (00) (وحدثنيه بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى الفرائض أبو محمد العسكري ثم البصري، ثقة، من (10) (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن أبي مسعود، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لابن أبي عدي (ولم يذكر) محمد بن جعفر في روايته (قوله) أي قول العبد (أعوذ بالله وأعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم) بيان لمحل المخالفة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث سويد بن مقرن ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح

595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح 4178 - (1602) (165) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ غَزْوَانَ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرحْمنِ بْنَ أَبِي نُعْمٍ. حَدثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ، قَال: قَال أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِالزنَا يُقَامُ عَلَيهِ الْحَد يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِلا أَن يَكُونَ كمَا قَال" ـــــــــــــــــــــــــــــ 595 - (35) باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا وإطعامه مما يأكل ومضاعفة أجر العبد الصالح 4178 - (1602) (165) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا فضيل بن غزوان) بن جرير الضبي مولاهم أبو الفضل الكوفي، ثقة، من (7) (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وإسكان العين اسمه زياد البجلي أبو الحكم الكوفي، صدوق، من (3) (حدثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من قذف) وشتم (مملوكه بالزنا يقام عليه) أي على ذلك القاذف (الحد يوم القيامة إلا أن يكون) المملوك (كما قال) السيد أي مرتكب الفاحشة كما قال مالكه فلا يحد في الآخرة. وقوله: (من قذف مملوكه) أي عبده أو أمته بالزنا أي رماه به، وفي رواية البخاري زيادة وهو بريء مما قال. قوله: (يقام عليه الحد) أي حد القذف يوم القيامة لعدم الحد على الحر في الدنيا في قذف غير الحر لعدم التكافؤ لأن شرط حد القذف إحصان المقذوف والعبد ليس بمحصن، نعم لو كان الذي قذفه مملوك غيره يعزَّر فيه دون مملوكه، وذكر في الفتح أن الحديث دل على ما أجمع عليه العلماء من عدم الحد على الحر إذا قذف عبدًا لأنه لو وجب على السيد أن يحد في قذف عبده في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة، وإنما خُص ذلك بالآخرة تمييزًا للأحرار من المملوكين، فأما في الآخرة فإن ملكهم يزول عنهم

4179 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. كِلاهُمَا عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثهِما: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، نَبِيَّ التَوْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتكافؤون في الحدود ويقتص لكل واحد منهم إلا أن يعفو ولا مفاضلة حينئذٍ إلا بالتقوى اهـ. وقوله: (يوم القيامة) قال النووي رحمه الله: وفيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه لكن يعزر قاذفه لأن العبد ليس بمحصن وسواء في هذا كله من هو كامل الرق وليس فيه حرية والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن بعضه حر هذا في حكم الدنيا أما في حكم الآخرة فيستوفى له الحد من قاذفه لاستواء الأحرار والعبيد في الآخرة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 431]، والبخاري [6858]، وأبو داود [5165]، والترمذي [1940]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4179 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي أبو محمد (الأزرق) الواسطي، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من وكيع وإسحاق بن يوسف رويا (عن فضيل بن غزوان بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى عبد الله عن فضيل، غرضه بيان متابعتهما لعبد الله بن نمير (و) لكن (في حديثهما سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم نبي التوبة) الحديث، قال القاضي: وسُمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم بُعث بقبول التوبة بالقول والاعتقاد وكانت توبة من قبلنا بقتل أنفسهم قال: ويحتمل أن يكون المراد بالتوبة الإيمان والرجوع عن الكفر إلى الإسلام وأصل التوبة الرجوع أي الرجوع من الكفر إلى الإيمان حكاه النووي والأبي. وفي حاشية (م): وقال مالك بن أنس: "لا تشتم لك عبدًا ولا أمة بزنا" فإنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قذف أمة أو حرة أو يهودية أو نصرانية فلم يُضرب في الدنيا ضُرب يوم القيامة.

4180 - (1603) (166) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيع. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ. قَال: مَرَرْنَا بَأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ. وَعَلَيهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهُ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ! لَوْ جَمَعْتَ بَينَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 4180 - (1603) (166) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن المعرور) بمهملات مع سكون العين وفتح الميم على وزن مكحول (بن سويد) الأسدي أبي أمية الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب، وليس عندهم معرور إلا هذا الثقة. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كوفيون إلا أبا ذر الغفاري فإنه مدني ربذي، (قال) المعرور (مررنا) أي جاوزنا (بأبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة بن قيس الصحابي المشهور المدني رضي الله عنه، روى عنه في (4) أبواب أي مررنا عليه وهو نازل (بالربذة) وهو موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل قاله في الفتح، وهو في شمال المدينة سكنه أبو ذر رضي الله عنه وبه كانت وفاته فدُفن فيه كما قال صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويحشر وحده". قوله: (بالربذة) وفي معجم البلدان للحموي [3/ 24] أن الربذة بفتحتين قرية من قرى المدينة على ثلاث مراحل منها قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد إلى مكة وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري وبها قبة تُعرف بقبر أبي ذر الآن وكان قد خرج إليها مغاضبًا لعثمان بن عفان رضي الله عنهما فأقام بها إلى أن مات سنة (32 هـ) وفي سنة (319) خربت الربذة باتصال الحروب بين أهلها وبين ضريبة وكانت من أحسن منزل في طريق مكة (قلت): وهي باقية إلى اليوم بهذا الاسم بين بدر والمدينة اهـ منه (وعليه) أي أبي ذر (برد) كساء من صوف مخطط من لباس الأعراب أي عليه برد واحد يتزر به (وعلى غلامه) أي عبده برد (مثله) أي برد مماثل لبرده، وقد وقع في رواية البخاري في الإيمان: وعليه حلة وعلى غلامه حلة ويمكن الجمع بين الروايتين بأن كان عليه برد جيد تحته ثوب خلق من جنسه وعلى غلامه كذلك وكأنه قيل له: لو أخذت البرد الجيد فأضفته إلى البرد الجيد الذي عليك وأعطيت الغلام البرد الخلق بدله لكانت حلته جيدة (فقلنا) له (يا أبا ذر لو جمعت بينهما) أي بين بردك وبرد غلامك فاتزرت بأحدهما وارتديت بالآخر (كانت) المجموعة (حلة) أي لباسًا كاملًا فتتزين بها،

فَقَال: إِنهُ كَانَ بَينِي وَبَينَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلامٌ. وَكَانَتْ أمهُ أَعْجَمِيَّةً. فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ. فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَلَقِيتُ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنكَ امْرُؤ فِيكَ جَاهِلِية" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الفتح: أي كاملة الجودة فالتنكير فيه للتعظيم اهـ، إنما قال ذلك لأن الحلة عند العرب ثوبان ولا تطلق على ثوب واحد اهـ نووي (فقال) أبو ذر في بيان حكمة التسوية بينه وبين غلامه (إنه) أي إن الشأن والحال (كان بيني وبين رجل من إخواني) المسلمين (كلام) أي خصام ونزاع، وفي رواية آتية ساب رجلًا، وفي رواية للإسماعيلي شاتمت، والظاهر أن ذلك الرجل كان عبدًا، وإنما قال: إخواني لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "إخوانكم خولكم" اهـ نووي، قيل: إن الرجل المذكور هو بلال المؤذن مولى أبي بكر رضي الله عنهما ذكره ابن حجر في باب المعاصي من إيمان البخاري، ومعنى قوله: (كلام) أي سباب وشتام ففي صحيح البخاري: "إني ساببت رجلًا فعيرته بأمه" بأن قال له يا ابن السوداء كما قال: (وكانت أمه) أي أم ذلك الرجل (أعجمية) سوداء (فعيرته) أي عيبته (بأمه) أي نسبته إلى العار، وفي رواية قلت له: يا ابن السوداء، والأعجمي من لا يفصح باللسان العربي سواء كان عربيًّا أو أعجميًّا، والفاء في قوله فعيرته قيل هي تفسيرية كأنه بين أن السب والكلام الذي ذكره من قبل هو التعيير بأمه، والظاهر أنه وقع بينهما سباب وزاد عليه التعيير فتكون الفاء عاطفة كذا في فتح الباري [1/ 87] قال القرطبي: (قوله: كان بيني وبين رجل من إخواني) يعني به عبده وأطلق عليه أنه من إخوانه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم خولكم" ولأنه أخ في الدين اهـ مفهم. (فشكاني) ذلك الرجل أي أخبر ما جرى بيني وبينه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) على سبيل الشكوى (فلقيت) أي رأيت (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية) أي خلق من أخلاق الجاهلية وهو شتم أحد بأمه، ظاهر هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على أبي ذر من غير أن يسمع منه جوابه وليس الأمر كذلك وإنما هو اختصار من الراوي والتفصيل أخرجه البخاري في الأدب من صحيحه ولفظه (فقال لي: أساببت فلانًا؟ قلت: نعم، قال: أفنلت من أمه؟ قلت: نعم، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية) والجاهلية ما قبل الإسلام والمراد فيك خصلة من خصال الجاهلية، قال الحافظ في الفتح [1/ 87]: ويظهر لي أن ذلك كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريمه فكانت تلك الخصلة من خصال

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ سَبَّ الرِّجَال سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَال: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّكَ امْرؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. هُمْ إِخْوَانُكُمْ. جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيدِيكُمْ. فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَا تَأْكُلُونَ. وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجاهلية باقية عنده فلهذا قال كما عند البخاري في الأدب قلت: على ساعتي هذه من كبر السن قال: نعم، كأنه تعجب من خفاء ذلك عليه مع كبر سنه فبيّن له كون هذه الخصلة مذمومة شرعًا، ويحتمل أن يراد بالجاهلية هنا الجهل أي إن فيك جهلًا اهـ من الفتح، وقال القرطبي: قوله: (فيك جاهلية) أي خصلة من خصالهم يعني بها تعيير عبده بأمه فإن الجاهلية كانوا يعيرون بالآباء والأمهات وذلك شيء أذهبه الإسلام بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية -أي كبرها- وفخرها بالآباء الناس كلهم بنو آدم وآدم خُلق من تراب" رواه أبو داود والترمذي قال أبو ذر: (قلت: يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه) هذا اعتذار من أبي ذر - رضي الله عنه - وحاصله أن المعروف فيما بين الناس أن الرجل المسبوب يرد على الساب بسبِّ والديه ولا يعده أحد ظلمًا أو منكرًا فانكره النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيّن أن هذا من أخلاق الجاهلية وإنما يباح للمسبوب أن يسب الساب نفسه بقدر سبه ولا يتعرض لأبيه ولا لأمه اهـ نووي (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر مرة ثانية كرره تأكيدًا لما قبله وتوطئة لما بعده (يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم) قال النووي: الضمير يعود إلى المماليك، وقال الحافظ في الفتح يعود إلى العبيد أو الخدم حتى يدخل من ليس فيه الرق منهم، وقرينة قوله: (تحت أيديكم) ترشد إليه (قلت): وكذلك قوله: (خولكم) في الروايات الأخرى فإن الخول بمعنى الخدم (هم) أي هؤلاء المماليك (إخوانكم) في الدين (جعلهم الله تحت أيديكم) أي تحت أملاككم أو تدبيركم ورعايتكم ولكن يؤيد التفسير الأول ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق سلام بن عمرو عن رجل من الصحابة مرفوعًا (أرقاؤكم إخوانكم) الحديث ذكره الحافظ في عتق الفتح [5/ 174] ويمكن أن يجاب عنه بأنه رواية بالمعنى وزعم أحد الرواة أن الأمر مقتصر على العبد والأرقاء فرواه بهذا اللفظ وإلا فالحديث مطلق عن ذلك فالرفق والإحسان مأمور به مع كل من يخدمك سواء كان حرًّا أو عبدًا اهـ منه (فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون) قال النووي: والأمر

وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ". 4181 - (00) (00) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ زُهَيرٍ وَأَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ بإطعامهم مما يأكل وإلباسهم مما يلبس محمول على الاستحباب لا على الإيجاب وهذا بإجماع المسلمين، وأما فعل أبي ذر في كسوة غلامه مثل كسوته فعمل بالمستحب وإنما يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه حتى لو قتّر السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله إما زهدًا وإما شحًا لا يحل له التقتير على المملوك وإلزامه موافقته إلا برضاه (ولا تكلفوهم) من العمل (ما يغلبهم) أي ما يعجزهم وتصير قدرتهم عليه مغلوبة فيه لصعوبته أو كثرته وهذا نهي وظاهره التحريم اهـ مفهم (فإن كلفتموهم) بما يغلبهم (فأعينوهم) عليه أي إن أخطأتم فوقع ذلك منكم فارفعوا عنهم ذلك بأن تعينوهم على ذلك العمل فإن لم يمكنكم ذلك فبيعوهم كما جاء في الرواية الأخرى (ممن يرفق بهم) اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 161]، والبخاري [30]، وأبو داود [5157]، وابن ماجه [3690]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - فقال: 4181 - (00) (00) (وحدثناه أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين من زهير وأبي معاوية وعيسى رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن المعرور عن أبي ذر، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لوكيع بن الجراح (و) لكن (زاد) الراوي ولو قال: (وزادا) بألف التثنية لكان أوضح أي زاد أحمد بن يونس وأبو كريب (في حديث زهير) بن معاوية (و) حديث (أبي

مُعَاويَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ". قَال: قُلْتُ: عَلَى حَالِ سَاعَتِي مِنَ الْكِبَرِ؟ قَال: "نَعَمْ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاويَةَ: "نَعَمْ عَلَى حَالِ سَاعَتِكَ مِنَ الْكِبَرِ". وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: "فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيَبِعْهُ". وَفِي حَدِيثِ زُهَيرٍ "فَلْيُعِنْهُ عَلَيهِ". وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوَيةَ "فَلْيَبِعْهُ" وَلَا "فَلْيُعِنْهُ". انْتَهى عِنْدَ قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية بعد قوله) - صلى الله عليه وسلم - (إنك امرؤ فيك جاهلية) لفظة (قال) أبو ذر: (قلت) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (على حال ساعتي من الكبر) أي من كبر السن أي قلت أيكون فيّ يا رسول الله خصلة جاهلية على حال كوني في هذه الساعة من كبر السن على تقدير همزة الاستفهام الاستبعادي والمعنى هل بقيت فيّ خصلة الجاهلية إلى هذا الوقت مع ما بلغته من كبر السن. قال القرطبي: وهذا استبعاد منه أن يبقى فيه شيء من خصال الجاهلية مع كبر سنه وطول عمره في الإسلام فلما أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - ببقاء ذلك عليه زال استبعاده ووجب تسليمه لذلك القول وانقياده اهـ من المفهم. (قال) له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم) بقيت فيك خصلة جاهلية (وفي رواية أبي معاوية) أيضًا زيادة (نعم) بقيت فيك خصلة جاهلية (على حال ساعتك) هذه (من الكبر) أي من كبر السنن (و) زاد إسحاق بن إبراهيم (في حديث عيسى) بن يونس لفظة (فإن كلفه) أي فإن كلف السيد عبده على (ما يغلبه) ويعجزه من العمل لكثرته أو صعوبته (فليبعه) أي فليبع العبد بمن يرفق ويسهل عليه العمل كذا رواه عيسى بن يونس ومراد هذه الرواية أن السيد إذا كلف عبده ما يعجز عنه فإنه قد عجز عن القيام بحق عبده فالواجب عليه حينئذٍ أن لا يمسكه عنده بل يبيعه لآخر لأنه لو أمسكه ثم بتكليفه ما لا يطيق وإن كأن ذلك الأمر الشاق من ضروراته ولم يكلف العبد به فإن وجود العبد عنده لا يفيده فالأحسن أن يبيعه ويشتري مكانه آخر أقوى منه والله أعلم، ولكن هذه الرواية مرجوحة (و) الرواية الراجحة ما (في حديث زهير) وروايته من قوله: (فليعنه عليه) قال النووي: هذه الرواية هي الصواب الموافقة لباقي الروايات وهي المحفوظة عن أكثر الثقات ومعناها إن كلف السيد عبده ما يشق عليه فليعنه على ذلك بنفسه وهذا المعنى واضح جدًّا (وليس في حديث أبي معاوية) وروايته قوله: (فليبعه ولا) قوله: (فليعنه) أي ليس فيه كل من الكلمتين بل (انتهى) وانقطع حديث أبي معاوية (عند قوله) - صلى الله عليه

"وَلَا يُكَلِّفْهُ مَا يَغلِبُهُ". 4182 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ. قَال: رَأَيتُ أَبَا ذَرٍّ وَعَلَيهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهَا. فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ؟ قَال: فَذَكَرَ أَنَّهُ سَابَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ. قَال: فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم - (ولا يكلفه ما يغلبه) وليس فيه ما بعده من الكلمتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - فقال: 4182 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن واصل) بن حيان (الأحدب) الأسدي الكوفي، ثقة مشهور، من (6) (عن المعرور بن سويد) الكوفي (قال) المعرور (رأيت أبا ذر وعليه حلة وعلى غلامه مثلها) أي مثل تلك الحلة التي عليه، وهذه الرواية لا توافق الرواية المتقدمة فإن فيها وعليه برد وعلى غلامه مثلها فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة وتقدم بيان كيفية الجمع بينهما هناك وتقدم أن الحلة لا تكون إلا من ثوبين من جنس واحد. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة واصل الأحدب لسليمان الأعمش، قال المعرور (فسألته) أي فسألت أبا ذر (عن ذلك) أي عن سبب مساواة غلامه إياه (قال) المعرور: (فذكر) أبو ذر في بيان سببه (أنه) أي أن أبا ذر (ساب) أي شتم أبو ذر (رجلًا) من المسلمين (على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي في زمن حياته، والمسابة أن يسب أحد الرجلين الآخر وهي من صيغ المفاعلة تقتضي الاشتراك وأصلها من السب بمعنى القطع لما فيه من قطع عرض المسبوب، وقيل: إنه مأخوذ من السبة وهي حلقة الدبر فسُمي الفاحش من القول بالفاحش من الجسد فالمراد من سب الرجل كشف عورته لأن من شأن الساب إبداء عورة المسبوب كذا في فتح الباري [1/ 86] (فعيّره) أي عيّر أبو ذر ذلك المسبوب (بأمه) كأن قال له يا ابن السوداء (قال) أبو ذر (فأتى الرجل) المسبوب (النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر) الرجل (ذلك) أي ما قلته (له) - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الشكوى فسألني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقلت له: نعم

فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ. جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكْلُ. وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ. وَلَا تكَلِّمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيهِ". 4183 - (1604) (167) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) لي: (النبي - صلى الله عليه وسلم - إنك امرؤ فيك جاهلية) ثم قال: أرقاؤكم (إخوانكم) في الدين (وخولكم) أي خدمكم في العمل، والخول مثال الخدم وزنًا ومعنى من التخويل بمعنى الإعطاء والتمليك، قال تعالى: {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} والواحد خائل وفي رواية البخاري: "إخوانكم خولكم" بلا واو بينهما فيكون جملة جامعة لركنيها فلا حاجة إلى تقدير ما قدرنا آنفًا، وفي تقديم لفظ إخوانكم على خولكم إشارة إلى الاهتمام بالإخوة، والخول بفتح الخاء والواو هم الخدم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها ومنه الخول لمن يقوم بإصلاح البستان ويقال: الخول جمع خائل وهو الراعي، وقيل: التخويل التمليك تقول خولك الله كذا أي ملكك إياه اهـ من الفتح [5/ 174] (جعلهم الله) تعالى (تحت أيديكم) ورعايتكم (فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل) بنفسه (وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم) أي ما يعجزهم ويشق عليهم من العمل (فإن كلفتموهم) عليه (فأعينوهم عليه) أي على ذلك العمل الشاق، قال القرطبي: معناه أي من نوع ما يأكله ومن نوع ما يلبسه، وهذا الأمر محمول على الندب كما مر لأن السيد لو أطعم عبده أدنى مما يأكله وألبسه أقل مما يلبسه صفة ومقدارًا لم يذمه أحد من أهل الإسلام إذ قام بواجبه عليه ولا خلاف في ذلك فيما علمته وإنما موضع الذم إذا منعه ما يقوم به أوده ويدفع به ضرورته كما قد نص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوتهم" وإنما هذا على جهة الحض على مكارم الأخلاق وإرشاد إلى الإحسان مال سلوك طريق التواضع حتى لا يرى لنفسه مزية على عبده إذ الكل عبيد الله والمال مال الله ولكن سخر بعضهم لبعض وملك بعضهم بعضًا إتمامًا للنعمة وتقعيدًا -أي: تنفيذًا- للحكمة اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهما - فقال: 4183 - (1604) (167) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) المصري

أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ، عَنِ الْعَجْلانِ مَوْلَى فَاطِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَال: "لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكسْوَتُهُ. وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ". 4184 - (1605) (168) وحدّثنا الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيسٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموي (أخبرنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (أن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي مولاهم أبا عبد الله المصري (حدثه عن العجلان مولى فاطمة) بنت عتبة القرشي مولاهم المدني والد محمد بن العجلان، روى عن أبي هريرة في حق المملوك وعن مولاته فاطمة وغيرهما، ويروي عنه (م عم) وبكير بن الأشج وابنه محمد، قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من الرابعة (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون واثنان مدنيان (أنه) - صلى الله عليه وسلم - (قال: للمملوك طعامه وكسوته) أي إطعامه والباسه بحسب العادة في البلدان والأشخاص (ولا يُكلف من العمل إلا ما يطيق) ويقدر عليه وهو موافق لحديث أبي ذر ونبه بالطعام على سائر المؤن التي يحتاج إليها العبد اهـ نووي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [2/ 247]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي ذر ثانيًا بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4184 - (1605) (168) (وحدثنا) عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي (القعنبي) نسبة إلى جده المذكور، ثقة، من (9) (حدثنا داود بن قيس) الفراء الدبّاغ القرشي مولاهم أبو سليمان المدني، ثقة، من (5) (عن موسى بن يسار) القرشي المطلبي مولاهم المدني عم محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي، ثقة، من (6) روى عنه في (2) (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صنع) وطبخ وصلّح (لأحدكم خادمه) بالرفع على الفاعلية حرًّا

طَعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ. فَلْيَأْكُلْ. فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلًا، فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَينٍ". قَال دَاوُدُ: يَعْنِي لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان أو رقيقًا (طعامه) بالنصب على المفعولية (ثم جاءه) الخادم (به) أي بذلك الطعام المصنوع (وقد ولي) ذلك الخادم وقرب (حرَّه) أي حرّ ناره عند الطبخ (و) شم (دخان) نار (هـ) وهذا كناية عن تعبه في إصلاحه. وقوله: (ولي) مأخوذ من الولي على وزن الفلس بمعنى القرب، وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسر العين فيهما والثانية من باب وعد وهي قليلة الاستعمال اهـ مصباح أي ومن حق من ولي حر شيء وشدته وتعبه أن يلي قره وراحته فقد تعلقت به نفسه وشم رائحته ويقال في المثل: (ولّ حارها من تولى قارّها) أي ولّ شرها من تولى خيرها (فليقعده) أي فليقعد ذلك الخادم (معه) بضم الياء وكسر العين أمر غائب من الإقعاد وهذا أمر بتعليم التواضع وترك الكبر على العبد وهذا كان خلقه - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يأكل مع العبد ويطحن مع الخادم ويشاركه في عمله ويقول: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (فليأكل) الخادم معه إذا كان الطعام كثيرًا (فإن كان الطعام مشفوهًا) أي (قليلًا) لا يكفيهما فهو تفسير من الراوي لمشفوهًا مدرج في الحديث تدل عليه رواية أبي داود وفيها (يعني قليلًا) (فليضع في يده) أي في يد الخادم (منه) أي من ذلك الطعام (أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة أي لقمة أو لقمتين كما فسره الراوي بقوله: (قال داود) بن قيس (يعني) النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك (لقمة أو لقمتين) ومقتضى ذلك أن الطعام إذا كان كثيرًا فإما أن يقعده معه، وإما أن يجعل حظه منه كثيرًا وإنما يكتفي بمناولة اللقمة أو اللقمتين إذا كان الطعام قليلًا، وفائدة المناولة حينئذٍ إشراكه الخادم في طعامه في الجملة ووقاية الطعام عن أثر عينه لتسكن نفسه فيقل أثر العين كما بينه الحافظ في الفتح. وقوله: (مشفوهًا) قد فسره الراوي بقوله قليلًا وأصله الماء الذي تكثر عليه شفاه الواردة فتقل يقال ما أظن إبلك إلا ستشفه علينا الماء، وطعام مشفوه كثرت عليه الأيدي، ويقال: كاد العيال يشفهون مالي كذا في أساس البلاغة للزمخشري (ص 238). وقال الشافعي: بعد أن ذكر هذا الحديث هذا عندنا والله أعلم على وجهين

4185 - (1606) (169) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِنَّ الْعَبدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أولهما: معناه إن إجلاسه معه أفضل فإن لم يفعل فليس بواجب أو يكون بالخيار بين أن يجلسه أو يناوله وقد يكون أمره اختيارًا غير حتم ورجح الرافعي الاحتمال الأخير، وحمل الأول على الوجوب ومعناه أن الإجلاس لا يتعين لكن إن فعله كان أفضل وإلا تعينت المناولة، ويحتمل أن الواجب أحدهما لا بعينه والثاني أن الأمر للندب مطلقًا كذا في فتح الباري [9/ 582]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2557]، وأبو داود [3846]، والترمذي [1854]. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 4185 - (1606) (169) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال): وهذا السند من رباعياته (أن العبد إذا نصح لسيده) أي إذا أخلص له الصدق وقام بمصالحه على وجه الخلوص (وأحسن عبادة الله) بالإخلاص (فله أجره مرتين) لقيامه بالحقين ولانكسار قلبه بالرق، قال ابن عبد البر: معنى هذا الحديث عندي أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان طاعة ربه في العبادات وطاعة سيده في المعروف فقام بهما جميعًا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته لأنه قد ساواه في طاعة الله وفضل عليه بطاعته من أمره الله بطاعته، ومن هنا أقول: إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه كمن وجب عليه صلاة وزكاة وقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئًا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب إلا بعضها، قال الحافظ بعدما حكى عبارة ابن عبد البر: والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة المذكورة لما يدخل عليه من مشقة الرق وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك، ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصًا بالعمل الذي يتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملًا

4186 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ. جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 4187 - (1607) (170) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدًا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين، وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار والله أعلم راجع فتح الباري [5/ 176]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2546]، وأبو داود [5691]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 4186 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير وأبو أسامة) حماد بن أسامة (كلهم) أي كل من يحيى بن سعيد وعبد الله بن نمير وأبي أسامة رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (حدثني أسامة) بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني، صدوق، من (7) (جميعًا) أي كل من عبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد رويا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث مالك) بن أنس، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة عبيد الله وأسامة بن زيد لمالك بن أنس في الرواية عن نافع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - فقال: 4187 - (1607) (170) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن

يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ أَجْرَانِ". وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيرَةَ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّي، لأحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ. قَال: وَبَلَغَنَا؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ لَمْ يَكُنْ يَحُجُّ حَتَّى مَاتَتْ أُمُّهُ، لِصُحْبَتِهَا. قَال أَبُو الطَّاهِرِ فِي حَدِيثهِ: "لِلْعَبْدِ الْمُصْلِحِ" وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَمْلُوكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى) التجيبي المصري (قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال أبو هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: للعبد المملوك المصلح) أي الناصح لسيده والقائم بعبادة ربه المتوجهة عليه (أجران) أجر لقيامه بالأمرين وأجر لانكسار قلبه بالرق (والذي نفس أبي هريرة بيده) المقدسة (لولا الجهاد في سبيل الله والحج) اللذان لا يجبان على الرقيق (وبر أمي) اسمها أميمة بنت صفيح بن الحارث بن دوس ذكرها ابن قتيبة في المعارف اهـ تنبيه المعلم، أراد ببرها القيام بمصلحتها في النفقة والمؤن والخدمة ونحو ذلك مما لا يمكن فعله من الرقيق اهـ نووي (لأحببت أن أموت وأنا مملوك) أي رقيق جواب لولا الامتناعية، ولعله أراد بيان إعظامه أجر الثلاثة التي ذكرها وإلا فحديث الأجرين للمملوك لا يقتضي تفضيله على المالك (قال) سعيد بن المسيب: (وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها) وخدمتها، وفي بعض النسخ لم يكن حج بصيغة الماضي، قال النووي: المراد به حج التطوع لأنه قد كان حج حجة الإسلام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن نسخة لم يكن تأبى هذا التأويل (قال أبو الطاهر في حديثه) وروايته (للعبد المصلح ولم يذكر) أبو الطاهر لفظة (المملوك). قوله: (للعبد المملوك المصلح) بضم الميم اسم فاعل من الإصلاح، ووقع في رواية البخاري (للعبد المملوك الصالح) وكأنه تفسير لهذا والمراد العبد الذي يصلح عمله بالنصح لسيده والقيام بعبادة ربه. قوله: (والذي نفس أبي هريرة بيده) هذا صريح في أن هذه القطعة من الحديث مدرجة من أبي هريرة، وأخرجه البخاري من طريق بشر بن محمد فلم يُميز المرفوع من

4188 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ الأُمَويُّ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدرج فزعم الخطابي أنها مرفوعة، وقال: "لله أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن يوسف" والحق أنها ليست مرفوعة كما دلت رواية مسلم هذه، وقد جاء الحافظ في الفتح بعدة روايات أخرى قد صرح فيها بأنها مدرجة. وقوله: (لولا الجهاد في سبيل الله) وإنما استثنى أبو هريرة هذه الأشياء لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد وكذلك بر الأم فقد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات البدنية ولم يتعرض للعبادات المالية إما لكونه إذ ذاك لم يكن له مال يزيد على قدر حاجته فيمكنه صرفه في القربات بدون إذن السيد وإما لأنه كان يرى أن للعبد أن يتصرف في ماله بغير إذن السيد كذا في فتح الباري، ودل الحديث على أن المملوك لا تجب عليه هذه الأشياء الثلاثة وأما الأولان فلعدم الاستطاعة لأن منافعه مملوكة لسيده، وأما الثالث فلأن المال الذي ينفق منه عليها للسيد وإنما يريد أبو هريرة ببرها النفقة عليها، وأما البر الذي يرجع إلى خفض الجناح والملاطفة فيستوي فيه الحر والعبد كذا في شرح الأبي حكاية عن القاضي رحمهما الله تعالى. قوله: (وبر أمي) اسمها أميمة أو ميمونة وهي صحابية. قوله: (لأحببت أن أموت وأنا مملوك) لما له من الأجر المضاعف. قوله: (لم يكن يحج حتى ماتت أمه) يعني حج التطوع وإلا فقد ثبتت حجته المفروضة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودل عمله هذا على أن بر الأم فرض فلا يُترك للعبادات النافلة ومن هنا أجمع العلماء على أن حج التطوع لا يجوز بغير إذن الوالدين وفي الحج المفروض خلاف فقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى: ولا يجوز للوالدين المنع منه ولا يمتنع الولد منه إن منعا، وقيل: لا يجوز حتى يأذن له الوالدان اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2548]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 4188 - (00) (00) وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا أبو صفوان) الدمشقي عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان (الأموي) ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن المسيب عن أبي

وَلَمْ يَذْكُرْ: بَلَغَنَا وَمَا بَعْدَهُ. 4189 - (1608) (171) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة، غرضه بيان متابعة أبي صفوان لابن وهب (و) لكن (لم يذكر) أبو صفوان لفظة (بلغنا وما بعده). قال القرطبي: وقول أبي هريرة: (لولا الجهاد في سبيل الله والحج) .. الخ تصريح بأن العبد لا يجب عليه جهاد وهو المعلوم من الشرع لأن الجهاد والحج لا يخاطب بهما إلا المستطيع لهما والعبد غير مستطيع إذ لا استقلال له بنفسه ولا مال إذ لا يملك عند كثير من العلماء وإن ملك عندنا فليس مستقلًا بالتصرف فيه، ويظهر من تمني أبي هريرة كونه مملوكًا أنه فضل العبودية على الحرية وكأنه فهم هذا من مضاعفة أجر العبد الصالح وهذا لا يصح مطلقًا فإن المعلوم من الشرع خلافه إذا الاستقلال بأمور الدين والدنيا إنما حصل بالأحرار، والعبد كالمفقود لعدم استقلاله وكالآلة المصرفة بالقهر والبهيمة المسخرة بالجبر ولذلك سُلب مناصب الشهادات ومعظم الولايات، ونقصت حدوده عن حدود الأحرار إشعارًا بخسة المقدار وكونه له أجره مرتين إنما ذلك لتعدد الجهتين لأنه مطالب من جهة الله تعالى بعبادته ومن جهة سيده بطاعته ومع ذلك فالحر وإن طولب من جهة واحد فوظائفه فيها أكثر وغناؤه أعظم فثوابه أكثر، وقد أشار إلى هذا أبو هريرة بقوله: (لولا الجهاد والحج وبر أمي لأحببت أن أموت عبدًا) أي لولا النقص الذي يلحق العبد لفوت هذه الأمور والله أعلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4189 - (1608) (171) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أدى العبد) أي الإنسان المؤمن الذي فيه رق وإن قل ذكرًا أو أنثى أو خنثى (حق الله) تعالى أي ما أمره به سبحانه من نحو صلاة وصوم (وحق مواليه) أي حق سادته وملاكه من نحو خدمة ونصح اهـ مناوي

كَانَ لَهُ أَجْرَانِ". قَال: فَحَدَّثْتُهَا كَعْبًا. فَقَال كَعْبٌ: لَيسَ عَلَيهِ حِسَابٌ. وَلَا عَلَى مُؤْمنٍ مُزْهِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كان له أجران) أجر لأداء حق الله وأجر لأداء حق مواليه (قال) أبو صالح: (فحدّثتها) أي حدثت هذه القصة وأخبرت هذا الحديث الذي سمعته من أبي هريرة (كعبًا) أي كعب بن ماتع بكسر التاء الفوقانية وبالعين المهملة الحميري أبا إسحاق اليماني الحبر المعروف بكعب الأحبار من مسلمة أهل الكتاب، روى عن عمر وصهيب، ويروي عنه (خ م د ت س) وأبو هريرة وابن عباس ومعاوية وجماعة من التابعين، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من الثانية (فقال كعب) أي زاد كعب على حديث أبي هريرة لفظة و (ليس عليه) أي على ذلك العبد (حساب) أي محاسبة يوم القيامة (ولا على مؤمن مزهد) أي قليل المال. قال النووي: والمراد بهذا الكلام أن العبد إذا أدى حق الله وحق مواليه فليس عليه حساب لكثرة أجره وعدم معصيته، وقال القاضي: فيحتمل أن يكون كعب قاله عن توقيف فيكون هذا العبد خُص بذلك كما خُص به السبعون ألفًا المذكورون في الحديث في دخول الجنة بغير حساب، ويحتمل أن يقوله عن اجتهاد ويكون كناية عن حسابه حسابًا يسيرًا، ومستنده في هذا الاجتهاد أنه لكثرة حسناته واتصالها وعدم معصيته كمن لم يحاسب لأنه ليس له مال يحاسب عليه، ولكن الظاهر من كلام كعب أنه لا يريد أن العبد لا يحاسب في الآخرة مطلقًا كما زعمه الشارحان رحمهما الله تعالى، وإنما يريد نفي الحساب في الأموال فقط لأن العبد لما لم يملك شيئًا من المال لا حساب عليه في الأموال، ويدل عليه أنه جعل المؤمن المزهد يعني القليل المال في حكم ذلك العبد في أنه لا يحاسب في الآخرة، وظاهره أن الفقراء يحاسبون في غير الأموال وإنما ينتفي حسابهم في حق الأموال فحسب لكونهم معدمين أو مقلين فكان كعبًا لما بلغه حديث أبي هريرة من أن العبد يضاعف له الأجر أضاف إلى ذلك أن مؤونته أخف بالنسبة إلى الأحرار فإنه لا يُحاسب في الآخرة في المال لعدم ملكه كما لا يُحاسب المؤمن المعدم أو المقل اهـ من التكملة. قوله: (ولا على مؤمن مزهد) بضم الميم وسكون الزاي، وكسر الهاء اسم فاعل من أزهد الرجل إزهادًا إذا عُدم ماله أو قل. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

4190 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4191 - (1609) (172) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ بنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَذكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نِعِمَّا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى. يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ. نِعِمَّا لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4190 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد المجيد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لأبي هريرة - رضي الله عنهم - فقال: 4191 - (1609) (172) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال هذا) الحديث الذي أمليت عليكم من هذه الصحيفة (ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر) أي فأملى علينا منها (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا (و) منها (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعما للمملوك) هي نعم التي لإنشاء المدح زيدت عليها ما وفاعلها الشيء المبهم، وما نكرة موصوفة بمعنى شيئًا في محل النصب تمييز لفاعل نعم المستتر فيها وجوبًا لجريانه مجرى المثل. وقوله: (للمملوك) جار ومجرور صفة لما، وجملة قوله: (أن يُتوفى) في تأويل مصدر مرفوع على أنه مخصوص بالمدح، والتقدير نِعْم الشيء شيئًا ثابتًا للمملوك والمخصوص بالمدح وفاته، حالة كونه (يُحسن) ويخلص (عبادة الله) سبحانه ويؤديها بشرائطها وأركانها وآدابها (و) يحسن (صحابة سيده) أي صحبته ومعاشرته بالنصح له وفعل ما أمره به، وقوله: (نعما له) توكيد لفظي لنعما الأول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي نعم الشيء شيئًا كائنًا له والمخصوص بالمدح وفاته، حالة كونه محسنًا لعبادة ربه ومحسنًا لعشرة سيده والمعنى نعم الشيء شيئًا له وهو وفاة المملوك على تلك الحال وهي إحسانه عبادة ربه وإحسانه صحبة سيده. قال الحافظ: نعما فيه أربع لغات: الأولى: كسر النون والعين وتشديد الميم، والثاني: فتح النون وكسر العين وتشديد الميم، والثالث: كسر النون وإسكان العين وتخفيف الميم، والرابع: فتح النون وإسكان العين وتخفيف الميم، وأصله نعم ما أي نعم الشيء شيئًا اهـ فتح الباري [5/ 177] ورواه العذري نُعما بضم النون وإسكان العين وتنوين الميم اسم بمعنى المسرة وقرة العين أي له مسرة وقرة عين يقال نعما له وقد بسطنا الكلام عليها في تفسيرنا حدائق الروح والريحان عند قوله تعالى: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة / 271] وقوله: (وصحابة سيده) بفتح الصاد مصدر يقال صحبه فأحسن صحابته كذا في أساس البلاغة للزمخشري (ص 249). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [1985]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي ذر الغفاري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد والله أعلم. ***

597 - (37) باب من أعتق شركا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر

597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر 4192 - (1610) (173) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيهِ الْعَبْدُ، وَإِلّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 597 - (37) باب من أعتق شركًا له في عبد ومن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله وجواز بيع المدبر 4192 - (1610) (173) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قلت: لمالك: حدثك نافع) أي أحدّثك نافع بتقدير الاستفهام الاستخباري (عن ابن عمر قال) ابن عمر: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): وجواب الاستفهام المقدر محذوف تقديره قال مالك: نعم حدثني نافع عن ابن عمر. وهذا السند من رباعياته (من أعتق شركًا له) أي نصيبًا له (في) الـ (عبد) المشترك قل أو كثر (فكان له) أي لذلك المعتق (مال يبلغ ثمن) أي قيمة باقي (العبد قوم) باقي العبد (عليه) أي على ذلك المعتق (قيمة العدل) أي قيمة الحق بلا زيادة ولا شطط (فأعطى) ذلك المعتق (شركاءه حصصهم) أي قيمة أنصبائهم من العبد (وعتق عليه) أي على من أعتق نصيبه (العبد) أي باقي العبد يعني حصص شركائه (وإلا) أي وإن لم يكن لذلك المعتق مال يبلغ قيمة العبد (فقد عتق منه) أي من ذلك العبد المشترك (ما عتق) أي ما أعتقه من نصيبه دون أنصباء شركائه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 112]، والبخاري [2522]، وأبو داود [3940] و [3941]، والترمذي [1346]، والنسائي [7/ 319]، وابن ماجه [2528]. قال الإمام النووي: قد سبقت هذه الأحاديث في كتاب العتق مبسوطة بطرقها ومتونها وعجب من إعادة مسلم لها هاهنا على خلاف عادته من غير ضرورة إلى إعادتها وسبق هناك شرحها فلا نعيدها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال:

4193 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - - صلى الله عليه وسلم - -: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ. إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". 4194 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4193 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر) - رضي الله عنهما - وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (قال) ابن عمر: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أعتق شركًا) أي نصيبًا (له) كالربع والثلث مثلًا (من) رقيق (مملوك) أي مشترك بينه وبين غيره (فعليه) أي فعلى المعتق نصيبه (عتقه) أي عتق باقي العبد (كله) من حصص شركائه (أن كان له) أي لذلك المعتق (مال يبلغ ثمنه) أي ثمن باقي العبد وقيمته (فإن لم يكن له مال) يبلغ قيمة الباقي (عتق منه) أي من ذلك العبد المشترك (ما عتق) أي ما أعتقه ذلك المعتق يعني نصيبه فقط. وقوله: (عتق عليه) .. الخ وعتق بفتح العين والتاء مبنيًّا للفاعل واسم الفاعل منه عتيق ولا يقال مبنيًّا للمفعول إلا بهمزة التعدية فيقال: أعتق فهو معتق، ويستفاد منه أن من حُكم عليه بالعتق نُسب إليه وإن كان كارهًا وإذا صحت نسبته إليه ثبت الولاء له لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الولاء لمن أعتق". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 4194 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير بن حازم) الأزدي البصري، ثقة، من (6) (عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة جرير بن حازم لمالك وعبيد الله (قال) ابن عمر: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من

أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ. فَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ قَدْرُ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ. قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ عَدْلٍ. وإلّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". 4195 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعتق نصيبًا له) أي سهمًا له (في عبد) مشترك بينه وبين غيره (فكان له من المال قدر ما يبلغ قيمته) أي قيمة الباقي (قوم عليه قيمة عدل وإلا) أي وإن لم يكن له مال (فقد عتق منه ما عتق). قوله: (وإلا فقد عتق منه ما عتق) ذكره مالك عن نافع على أنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وجزم بذلك وهو الظاهر من مساق الحديث فروايته أولى من رواية أيوب عن نافع حيث اضطرب في ذلك فقال مرة: قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق ومرة قال: فلا أدري أشيء قاله نافع أم هو من الحديث لأن مالكًا جازم غير شاك، وقد تابعه على ذلك جماعة من الحفاظ عن نافع كجرير بن حازم وعبيد الله وغيرهما اهـ مفهم. وتضمن هذا الحديث أنه لا بد من عتق نصيب المعتق وتنفيذه موسرًا كان أو معسرًا وهو مذهب كافة العلماء، وشذ آخرون فأبطلوا عتق ذلك الشقص إن كان معسرًا وهو مصادمة للنص المذكور وكأنه راعى حق الشريك بما يدخل عليه من الضرر بحرية الشقص وهو قياس فاسد الوضع لأنه مخالف للنص ويلزمه على هذا أن يرفع الحكم بالحديث رأسًا فإنه مخالف للقياس حيث حكم الشرع بعتق حصة الشريك وإخراجها عن ملكه جبرًا فإن اعتذر عن هذا بأن الشرع إنما حكم بذلك تعبدًا أو تشوقًا للعتق اعتذرنا بذلك عن تنفيذ عتق الشقص على المعتق المعسر وحاصله أن مراعاة حق الله تعالى في العتق مقدمة على مراعاة حق الآدمي ولا سيما والعتق قد وقع على حصة المعتق وما وقع فالأصل بقاؤه اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 4195 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من رباعياته من بين هذه الأسانيد

ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ). ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمْ "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال) عبد الوهاب (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثني أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا: حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم أمه (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي المكي، ثقة، من (6) (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (عن) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) القرشي العامري أبي الحارث المدني، ثقة، من (7) (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) المصري (أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني أسامة يعني ابن زيد) الليثي المدني (كل هولاء) أي كل من الليث وأيوب وإسماعيل بن أمية وابن أبي ذئب وأسامة بن زيد رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث) الذي رواه مالك عن نافع، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لمالك بن أنس (وليس في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الخمسة لفظة (وإن لم يكن له

مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" إِلَّا فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ وَيحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا هذَا الْحَرْفَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَالا: لَا نَدْرِي. أَهُوَ شَيءٌ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَالهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ. وَلَيسَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. إِلَّا فِي حَدِيثِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. 4196 - (00) (00) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَينَهُ وَبَينَ آخَرَ. قُوِّمَ عَلَيهِ فِي مَالِهِ قِيمَةَ عَدْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مال فقد عتق منه ما عتق إلا في حديث أيوب) السختياني (ويحيى بن سعيد) الأنصاري وروايتهما (فإنهما ذكرا هذا الحرف) أي هذا اللفظ يعني قوله: وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق (في) هذا (الحديث) أي في حديث ابن عمر (وقالا): أي وقال أيوب ويحيى بعد ما ذكرا هذا الحرف في الحديث (لا ندري) ولا نعلم (أهو) أي هل هذا الحرف (شيء) مرفوع كان (في الحديث أو) هو شيء موقوف (قاله نافع من قبله) أي من عند نفسه فأدخلا الشك في هذا الحرف (وليس في رواية أحد منهم) أي من رواة هذا الحديث لفظة (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في حديث الليث بن سعد) وروايته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 4196 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (كلاهما) رويا (عن ابن عيينة) ولكن (قال ابن أبي عمر: حدثنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن عمرو) بن دينار الجمحي مولاهم المكي (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أعتق عبدًا) أي رقيقًا مشتركًا (بينه وبين) شخص (آخر) أي عتق نصيبه منه (قوّم) العبد أي باقي العبد يعني نصيب شريكه قهرًا (عليه) أي على ذلك المعتق بلا رضاه مضمونًا (في ماله) أي في مال المعتق، وقوله: (قيمة عدل) مفعول مطلق لقوم

لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ. ثُمَّ عَتَقَ عَلَيهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا". 4197 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ. عَتَقَ مَا بَقِيَ فِي مَالِهِ، إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قوّم عليه قيمة عدل أي قيمة حق لا تفريط فيها ولا إفراط، وفسرها بقوله: (لا وكس) أي لا نقص فيها (ولا شطط) أي لا زيادة فيها، والوكس بفتح الواو وسكون الكاف النقصان يقال: وكس في تجارته وأُوكس بالبناء للمجهول فيهما أي خسر وخُدع، وأُوكس الرجل بالبناء للمجهول ذهب ماله والشطط بفتحتين الجور يقال: شط الرجل وأشط واستشط إذا جار وأفرط وأبعد في مجاوزة الحد، والمراد يقوم بقيمة لا بنقص ولا بزيادة كذا في شرح النووي (ثم) بعد التقويم (عتق) باقي العبد محسوبًا (عليه في ماله) أي في مال المعتق (إن كان) ذلك المعتق (موسرًا) أي غنيًّا بقيمة باقي العبد. (فائدة): والمال هنا كل ما يتمول أي يتملك فيُباع عليه كل ما يُباع على المفلس، والتقويم اعتبار مقدار ثمن العبد المعتق بعضه ولا يكون ذلك إلا من عارف بقيم السلع موثوق في دينه وأمانته لأن التقويم فصل بين الخصوم وتمييز لمقادير الحقوق، وظاهر هذا الحديث أنه يقوم عليه كاملًا لا عتق فيه وهو المعروف من المذهب، وقيل: يقوم على أن بعضه حر، والأول أصح لأن جناية المعتق هي سبب تقوية ملك الشريك فيقوم عليه على ما كان عليه حال الجناية كالحكم في سائر الجنايات المفوتة، وهل تعتبر قيمته يوم العتق أو يوم الحكم؟ قولان؛ والثاني هو المشهور اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 4197 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) البصري الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لعمرو بن دينار (من أعتق شركًا له في عبد عتق ما بقي) من العبد محسوبًا (في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد) أي قيمة باقي العبد، والمراد بالثمن القيمة.

4198 - (1611) (174) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال، فِي الْمَمْلُوكِ بَينَ الرَّجُلَينِ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَال: "يَضْمَنُ". 4199 - (00) (00) وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: "مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكٍ، فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - فقال: 4198 - (1611) (174) (وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة عن قتادة) بن دعامة البصري (عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري أبي مالك البصري، ثقة، من (3) (عن بشير بن نهيك) بالتكبير فيهما السدوسي أبي الشعثاء البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا هريرة (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (في المملوك) المشترك (بين الرجلين فيعتق أحدهما) نصيبه (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: توكيد لفظي لقال الأول (يضمن) المعتق قيمة نصيب الآخر إذا كان موسرًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 255]، والبخاري [2492]، وأبو داود [3938 أو 3939]، والنسائي في الكبرى [4962]، وابن ماجه [2527]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 4199 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة (عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن النضر عن بشير عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أعتق شقيصًا) هكذا هو في معظم النسخ (شقيصًا) بالياء، وفي بعضها شقصًا بحذفها وهما لغتان شقص وشقيص كنصف ونصيف معناهما واحد أي نصيبًا له (من مملوك) مشترك بينه وبين آخر (فهو) أي

حُرٌّ مِنْ مَالِهِ". 4200 - (00) (00) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال: "مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَخَلاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيهِ". 4201 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فباقي ذلك المملوك (حر) أي معتق بضمان قيمة ذلك الباقي لشريكه (من ماله) أي من مال المعتق إن كان له مال يبلغ قيمته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 4200 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية (عن) سعيد (بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أعتق شقيصًا له) أي نصيبًا له (في عبد فخلاصه) أي فخلاص ذلك العبد من الرق في ماله أي في مال ذلك المعتق (إن كان له) أي للمعتق (مال) يبلغ قيمة نصيب شريكه (فإن لم يكن له مال استسعي العبد) أي كُلف العبد بالاستسعاء والاكتساب بنصفه الحر ما يُخلص به باقيه من الرق، حال كون العبد (غير مشقوق عليه) أي غير مشدد عليه في الاكتساب أي لا يُكلف من العمل بما يشق عليه، والاستسعاء هو أن يُكلف العبد بالاكتساب حتى يُحصل قيمة نصيب الشريك فإذا دفعها إليه عتق اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 4201 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي

وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: "ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ غَيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيهِ". 4202 - (1612) (175) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْديُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَان بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو الحسن الكوفي، قاضي الموصل، ثقة، من (8) (ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، من (8) (جميعًا) أي كل من علي بن مسهر ومحمد بن بشر وعيسى بن يونس (عن ابن أبي عروبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لإسماعيل بن إبراهيم (و) لكن (في حديث عيسى) بن يونس وروايته لفظة (ثم يستسعى) العبد بالبناء للمجهول أي يُكلف بالاستسعاء والاكتساب (في) تحصيل قيمته (نصيب) الشريك (الذي لم يعتق) بضم الياء وكسر التاء من الإعتاق، حالة كونه (غير مشقوق عليه) أي غير مدخول عليه المشقة في الاكتساب أي غير مكلف بما يشق ويصعب عليه من العمل. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما فقال: 4202 - (1612) (175) (حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي (وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم (وهو ابن علية) اسم أمه (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الجرمي البصري ثقة، من (3) (عن) عمه (أبي المهلب) الجرمي عبد الرحمن بن عمرو البصري، ثقة، من (3) (عن عمران بن حصين) بن عبيد الخزاعي البصري - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته رجاله خمسة منهم بصريون وواحد إما مروزي أو كوفي أو نسائي (أن

رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيرُهُمْ. فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاثًا. ثُمَّ أَقْرَعَ بَينَهُمْ. فَأَعْتَقَ اثْنَينِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وَقَال لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلًا) من الأنصار لم أر من ذكر اسمه (أعتق ستة) أعبد (مملوكين له) وقوله: (عند موته) متعلق بأعتق، وقوله: (لم يكن له مال غيرهم) صفة ثانية لمملوكين، قال القرطبي: ظاهره أنه نجز عتقهم في مرض موته، وفي الرواية الأخرى أنه أوصى بعتقهم، وهذا اضطراب لأن القضية واحدة ويرتفع ذلك بأن بعض الرواة تجوّز في لفظ (أوصى) لما نُفّذ عتقهم بعد موت سيدهم في ثلثه لأنه قد تساوى في هذه الصورة حكم تنجيز العتق وحكم الوصية به إذ كلاهما يخرج من الثلث وإنما كان يظهر الفرق بينهما لو لم يمت فإنه كان يكون له الرجوع عن الوصية بالعتق دون تنجيز العتق فإنه إذا صح لزمه إما عتق جميعهم وإما عتق ثلثهم إذ ليس له غيرهم على الخلاف الذي في ذلك لأهل العلم اهـ مفهم (فدعا) أي طلب (بهم) أي بأولئك العبيد (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ليحضروا إليه فحضروه - صلى الله عليه وسلم - (فجزأهم) بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان أي قسمهم (أثلاثًا) بفتح الهمزة جمع ثلث وهو منصوب على المفعولية المطلقة لجزأهم أي ثلاثة أجزاء يعني قسمهم ثلاثة أقسام اثنين في كل قسم، وفيه دليل على أن العتق المنجز في مرض الموت كالمعلق بالموت في الاعتبار من الثلث وكذلك التبرع المنجز في مرض الموت كالهبة والوقف اهـ مرقاة، ولعل اعتبار العدد لتساوي قيمتهم فإنها لو اختلفت لكان التعديل باعتبارها (ثم أقرع) أي ضرب القرعة وجعلها (بينهم) أي بين الأجزاء الثلاثة بأن كتب أسماء كل نفرين في ورقة أي كتبهم في ثلاثة أوراق وأخذ ورقة واحدة من الثلاثة باسم العتق وترك الورقتين للرق (فأعتق) أي نفذ عتق (اثنين) خرجا في الورقة المأخوذة (وأرقَّ أربعة) منهم أي أبقى الأربعة المكتوبة في الورقتين المتروكتين على الرق يعني قسمهم ثلاثة أقسام: اثنين في كل قسم فنفذ الإعتاق في قسم واحد وأبقى القسمين على الرق لكون الإعتاق في مرض الموت في حكم الوصية والوصية إنما تنفذ من الثلث، وهذا الحديث نص في صحة اعتبار القرعة شرعًا وهو حجة للجمهور مالك والشافعي وأحمد وإسحاق على أبي حنيفة حيث يقول إنه يُعتق من كل واحد منهم ثلثه ولا يُقرع وهذا مخالف لنص الحديث ولا اعتبار له (وقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (له) أي في حق ذلك الرجل الذي أعتق جميع ماله (قولًا شديدًا) كراهية

4203 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ عَنِ الثَّقَفِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا حَمَّادٌ فَحَدِيثُهُ كَرِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لفعله وتغليظًا عليه لعتقه العبيد كلهم ولا مال له سواهم وعدم رعاية جانب الورثة ولذا أنفذه من الثلث مراعاة لجانبهم، ودل الحديث على أن الإعتاق في مرض الموت يُنفذ من الثلث لتعلق حق الورثة بماله كما هو المبين في كتب الفروع يعني أنكر على المعتق إنكارًا شديدًا، وقد ورد تفسير هذا الإنكار في روايات أخرى فورد في رواية للنسائي، وقال: "لقد هممت أن لا أصلي عليه" وفي رواية لأبي دواد قال: "لو شهدته قبل أن يُدفن لم يُقبر في مقابر المسلمين" وذلك محمول على التغليظ والتنكيل ليعتبِرَ بذلك غيره، ووجه الإنكار عليه أن الإعتاق في مرض الموت بعد أن لا يكون للإنسان مال إضرار للورثة وليس ذلك من البر لأنه لو أراد البر لأعتقه في صحته، وقد أخرج أبو داود عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع" وإسناده حسن. قال القرطبي: (وقال له قولًا شديدًا) أي غلظ له بالقول والذم والوعيد لأنه أخرج كل ماله عن الورثة ومنعهم حقوقهم منه، ففيه دليل على أن المريض محجور عليه في ماله، وأن المدبر والوصايا إنما تخرج من الثلث، وأن الوصية إذا منع من تنفيذها على وجهها مانع شرعي استحالت إلى الثلث كما يقوله مالك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 438]، وأبو داود [3961]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - فقال: 4203 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري، ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من حماد وعبد الوهاب رويا (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران، غرضه بيان متابعة حماد وعبد الوهاب لإسماعيل ابن علية (أما حماد فحديثه) أي روايته (كرواية) إسماعيل (بن علية) لفظًا

وَأَمَّا الثَّقَفِيُّ فَفِي حَدِيثِهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ. 4204 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَحَمَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى (وأما الثقفي ففي حديثه) أي ففي روايته (أن رجلًا من الأنصار أوصى عند موته) أي نجّز عتقهم عند موته، والتعبير بالوصية عن الإعتاق المنجز تصرف من بعض الرواة عبر عنه بالوصية لجريانه مجرى الوصية في حسبانه من الثلث فيضمحل الاضطراب كما بيناه آنفًا (فأعتق ستة) أعبد (مملوكين) له عتقًا منجزًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمران - رضي الله عنه - فقال: 4204 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن منهال الضرير) التميمي المجاشعي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا يزيد بن زريع) التميمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) (حدثنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي نسبة إلى بطن من الأزد تسمى بالقراديس أبو عبد الله البصري، ثقة، من (6) (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (3) (عن عمران بن حصين) - رضي الله عنهما - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يزيد بن زريع لإسماعيل بن علية وحماد بن زيد في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين، ولكنها متابعة ناقصة لأن يزيد روى عن عمران بواسطتين، وأما ابن علية وحماد فرويا عنه بثلاث وسائط، وساق يزيد بن زريع (بمثل حديث ابن علية وحماد) لا بمثل حديث الثقفي. قال القاضي عياض: تعقب الدارقطني على هذا السند الأخير بأن ابن سيرين لم يسمع هذا الحديث من عمران بن حصين وإنما سمعه من خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمران ذكر ذلك ابن المديني، قال النووي: ولا تعقب على مسلم لأنه ليس في هذا تصريح بأن ابن سيرين لم يسمعه من عمران ولو لم يسمعه منه لم يقدح ذلك في صحة

4205 - (1613) (176) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ غُلامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ. لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيرُهُ. فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعَيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث لأن مسلمًا إنما ذكره في الإتباع بعد أن ذكره بالطرق الصحيحة قبله، وقد نبهنا على ذلك غير مرة. قال القاضي: وقال غير ابن المديني: أخرج مسلم عن ابن سيرين عن عمران حديثين لم يُصرح فيهما بالسماع حديث الذي عض يد رجل، وحديث السبعين ألفًا، ويقول في غير ذلك حدثت عن عمران نُبئت عن عمران اهـ من شرح الأبي. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - فقال: 4205 - (1613) (176) (حدثنا أبو الربيع) الزهراني (سليمان بن داود العتكي) البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) الأزدي البصري (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري الخزرجي المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (أن رجلًا من الأنصار) اسمه أبو مذكور (أعتق غلامًا له) اسمه يعقوب أي علق عتقه (عن دبر) أي بدبر حياته أي بآخرها فقال له: أنت حر بعد موتي، وسُمي هذا العتق تدبيرًا لأن العتق يحصل فيه في دبر الحياة أي عقبها، والتدبير لغة: النظر في عواقب الأمور على وجه يصلحها ولذلك يقال التدبير نصف المعيشة، وشرعًا: عتق معلق بدبر الحياة. وجملة قوله: (لم يكن له) أي لذلك المدبّر (مال غيره) أي غير ذلك الغلام صفة ثانية لغلامًا، وفي باب بيع المزايدة من صحيح البخاري أن رجلًا أعتق غلامًا له عن دبر فاحتاج، ففيه إفادة أن سبب البيع هو الاحتياج إلى ثمنه (فبلغ ذلك) أي تدبير الرجل غلامه أي وصل خبر تدبيره (النبي - صلى الله عليه وسلم -) فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل وغلامه (فقال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يشتريه) أي من يشتري هذا الغلام (مني فاشتراه) أي فاشترى ذلك الغلام من النبي - صلى الله عليه وسلم - (نعيم) مصغرًا (بن عبد الله) بن أسيد القرشي العدوي، أسلم قديمًا قبل عمر فكتم إسلامه وأراد الهجرة فسأله بنو عدي أن يقيم في مكة على أي دين يشاء لأنه ينفق على أراملهم

بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. فَدَفَعَهَا إِلَيهِ. قَال عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. 4206 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيتامهم ففعل، ثم هاجر عام الحديبية ومعه أربعون من أهل بيته -رضي الله عنهم-، وقد وقع في الرواية الآتية فاشتراه ابن النحام، وظاهره أن النحام كان لقب أبيه ولكن غلط النووي هذه الرواية وقال: إن النحام لقب نعيم لا لأبيه (بثمانمائة درهم فدفعها) أي فدفع النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الدراهم (إليه) أي إلى الرجل المدبر غلامه، اتفقت الطرق على أن ثمنه ثمانمائة درهم إلا ما أخرجه أبو داود من طريق هشيم عن إسماعيل قال: سبعمائة أو تسعمائة، ولا شك أن رواية ثمانمائة أكثر وأوثق لأن الجازم مقدم على الشاك والله أعلم. قوله: (فدفعها إليه) وفي (باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه) من صحيح البخاري فدفعه إليه فيقال فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثمانمائة ودفعها إلى ذلك الرجل الأنصاري، وفي (باب بيع الإمام على الناس أموالهم) من أحكام صحيح البخاري فباعه بثمانمائة درهم فأرسل ثمنه إليه (قال عمرو) بن دينار: (سمعت جابر بن عبد الله يقول): كان ذلك الغلام (عبدًا قبطيًّا مات عام أول) من إمارة ابن الزبير كما في الرواية الآتية، وليس في روايات البخاري ذكر ابن الزبير ونصب عام على الظرفية وإضافته إلى أول من إضافة الموصوف إلى صفته وأوّل بالصرف وعدمه على أنه فوعل أو أفعل، والمعنى مات عامًا أول من إمارة ابن الزبير أو الإضافة مقلوبة أي مات أول عام من إمارة ابن الزبير والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 308]، والبخاري [2231]، والترمذي [1219]، وابن ماجه [2531]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - فقال: 4206 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن ابن

عُيَينَةَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. قَال: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا يَقُولُ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ غُلامًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيرُهُ. فَبَاعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَال جَابِرٌ: فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ. عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ، فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيرِ. 4207 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُدَبَّرِ. نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عيينة قال أبو بكر: حدثنا سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو) بن دينار (جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - (يقول): وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لحماد بن زيد (دبر رجل) أي أعتق عتقًا معلقًا بدبر الحياة (من الأنصار) يسمى أبا مذكور (غلامًا له) اسمه يعقوب (لم يكن له مال غيره فباعه) أي باع ذلك الغلام عليه (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لحاجته وفقره أو لدينه (قال جابر: فاشتراه) أي فاشترى ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - نعيم (ابن) عبد الله بن أُسيد القرشي العدوي (النحام عبدًا قبطيًا مات عام أول في إمارة ابن الزبير) وقد مر الاختلاف في أنه لقبه أو لقب أبيه، وضبطه الجمهور بفتح النون والحاء المشددة وضبطه ابن الكلبي بضم النون وفتح الحاء المخففة، ومنعه الصغاني كذا في الفتح [5/ 166] وقال النووي: هكذا هو في جميع النسخ أبي النحام قالوا: وهو غلط وصوابه فاشتراه النحام، فإن المشتري هو نعيم وهو النحام سمي بذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة لنعيم" والنحمة الصوت وقيل هي السعلة، وقيل هي النحنحة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - فقال: 4207 - (00) (00) حدثنا قتيبة بن سعيد و) محمد (بن رمح) بن المهاجر (عن الليث بن سعد عن أبي الزبير) المكي (عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في) جواز بيع (المدبر) وساق الليث بن سعد (نحو حديث حماد عن عمرو بن دينار) غرضه بيان

4208 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ) عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ حُسَينِ بْنِ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمِ. حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي الزُّبَيرِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة ليث بن سعد لحماد بن زيد ولكنها متابعة ناقصة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر - رضي الله عنه - فقال: 4208 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن حزام القرشي الأسدي (يعني الحزامي عن عبد المجيد بن سهيل) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبي وهب المدني، حفيد عبد الرحمن بن عوف، ثقة، من (6) (عن عطاء بن أبي رباح) اسمه أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لعمرو بن دينار (ح وحدثني عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) القطان البصري، من (9) (عن حسين بن كوان المعلم) من التعليم العوذي البصري، ثقة، من (6) (حدثني عطاء) بن أبي رباح (عن جابر) بن عبد الله - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حسين بن ذكوان لعبد المجيد بن سهيل (ح وحدثني أبو غسان المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية وسكون السين بينهما نسبة إلى المسامعة بفتح الميم الأولى وكسر الثانية محلة بالبصرة كما في الأنساب للسمعاني [12/ 263]، مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) (حدثنا معاذ) بن هشام الدستوائي البصري، صدوق (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري، ثقة، من (7) (عن مطر) بن طمهان الوراق السلمي أبي رجاء البصري، صدوق، من (6) (عن عطاء بن أبي رباح وأبي الزبير وعمرو بن دينار) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مطر لحماد بن زيد وليث بن سعد وعبد المجيد بن سهيل في رواية هذا الحديث عن هؤلاء الثلاثة أعني عمرًا وعطاء وأبا الزبير (أن جابر بن عبد الله حدثهم) أي حدّث هؤلاء الثلاثة أعني عمرًا

فِي بَيعِ الْمُدَبَّرِ. كُلُّ هؤُلاءِ قَال: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ وَابْنِ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعطاء وأبا الزبير (في) جواز (بيع المدبر كل هؤلاء) الثلاثة المذكورين (قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) الحديث وساق مطر (بمعنى حديث حماد وابن عيينة عن عمرو) بن دينار (عن جابر). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث عمران بن حصين ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

598 - (38) باب القسامة

598 - (38) باب القسامة 4209 - (1614) (177) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 598 - (38) باب القسامة ولو قدم هذا الباب إلى ما بعد أبواب الأيمان لأنها نوع منها أو آخره إلى ما بعد أبواب الديات لأنها توجب الدية لكان أنسب وأقعد لاصطلاح أهل الفروع والقسامة لغة اسم مصدر لأقسم الرباعي مأخوذة من القسم بفتح القاف فيهما وهو اليمين لكن القسم يطلق على اليمين الواحد وأما القسامة فهي خاصة بالأيمان الخمسين بشرط كونها من جانب المدعى ابتداء بأن كان هناك لوث وحلف المدعي خمسين يمينًا بخلاف ما لو كانت من جانب المدعى عليه ابتداء بأن لم يكن هناك لوث وحلف المدعى عليه فلا تسمى قسامة وإن كانت خمسين يمينًا على المعتمد خلافًا للبلقيني وكذا لو ردَّها المدعى عليه حينئذٍ على المدعي فحلف خمسين يمينًا فلا تسمى قسامة أيضًا لأنها وإن كانت من جانب المدعى لكنها ليست من جانب المدعي ابتداء بل ردًّا ومثل ذلك ما لو كانت من جانب المدعي ابتداءً بأن كان هناك لوث وردَّها حينئذٍ على المدعى عليه فحلف خمسين يمينًا أو نكل وردها مرة ثانية على المدعي وليس لنا يمين ترد مرتين إلا هذه وعلم من ذلك أن أيمان الدماء ولو من المدعى عليه وإن كانت مردودة خمسون وكذا لو كانت مع شاهد أو في قطع طرف أو إزالة معنى فهي خمسون بخلاف الأموال ونحوها فاليمين فيها واحدة اهـ من البيجوري على الغزي وشرعًا أيمان خمسون موزعة على أولياء الدم عند ظهور قتيل لم يعلم قاتله مع وجود لوث تدل على أن المدعى عليه قتله وهي حجة إقناعية لا أصلية توجب الدية لا القصاص على الأصح ولها سابقية في الجاهلية تثبت القصاص عندهم وسيأتي الكلام في أوائلها وحدودها مبسوطًا في أواخر هذا الباب إن شاء الله تعالى. 4209 - (1614) (177) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن بشير) مصغرًا (بن يسار) الأنصاري الحارثي مولاهم أبي كيسان المدني ثقة، من (3) (عن سهل بن أبي حثمة) بفتحتين بينهما مثلثة ساكنة اسمه عبد الله بن ساعدة بن عامر بن ساعدة الأنصاري

(قَال يَحْيَى: وَحَسِبْتُ قَال) وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيدٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ. حَتَّى إِذَا كَانَا بخَيبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ. ثُمَّ إِذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا. فَدَفَنَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ وَحُوَيِّصَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخزرجي الصحابي الصغير ولد سنة (3) من الهجرة - رضي الله عنه - (قال يحيى: وحسبت) أي ظننت أن بشير بن يسار (قال): أي ذكر مع قوله عن سهل بن أبي حثمة لفظة (وعن رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد بلخي (أنهما) أي أن سهلًا ورافعًا (قالا: خرج) من المدينة (عبد الله بن سهل بن زيد و) ابن عمه (محيصة) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الياء المكسورة (بن مسعود بن زيد) الأنصاريان الحارثيان إلى خيبر من جهد أصابهما كما في سنن النسائي في رواية لمسلم من جهد أصابهم ووقع في رواية ابن إسحاق خرجا إلى خيبر يمتارون تمرًا ذكره الحافظ في ترجمة عبد الله بن سهل من الإصابة [2/ 314] ووقعت هذه الواقعة بعد فتح خيبر وهو المراد بقول الراوي في رواية آتية (وهي يومئذٍ صلح) كما صرح به الحافظ في الفتح [12/ 233]. (حتى إذا كانا) ووجدا (بخيبر) ودخلا فيها (تفرَّقا) أي تفرق عبد الله بن سهل ومحيصة أي افترقا (في بعض ما) أي في بعض زقاق كان (هنالك) أي في خيبر أو في بعض نخيل كانت هنالك أي في خيبر أي ذهب أحدهما إلى موضع والآخر إلى موضع آخر (ثم) بعد تفرقهما (إذا محيصة يجد) أي وجد ورأى (عبد الله بن سهل قتيلًا) مرميًا في حفرة أي ثم بعد افتراقهما وتفقد أحدهما الآخر فاجأ محيصة رؤية عبد الله مقتولًا مرميًا فإذا فجائية وسيأتي في رواية سليمان بن بلال أنه وجده مقتولًا في شربة أي في حوض في أصل النخلة وفي رواية أبي ليلى أنه قتل وطرح في عين أو فقير ووقع في رواية ابن إسحاق المذكورة في الإصابة فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها ووقع في رواية لبشر بن المفضل عند البخاري في الجهاد فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلًا أي يضطرب فيتمرغ في دمه (فدفنه) أي فدفن محيصة عبد الله هناك (ثم أقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -هو) أي محيصة (وحويصة) بضم الحاء

بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَهْلٍ. وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ. فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيهِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَبِّرْ" (الْكُبْرَ فِي السِّنِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وفتح الواو وكسر الياء المشددة على صيغة المصغر أي وأخوه حويصة (بن مسعود) وهما ولدا عم المقتول كما يفهم من الرواية التالية (وعبد الرحمن بن سهل) وهو أخو عبد الله المقتول والظاهر أنهما التحقا بمحيصة حين عاد إلى المدينة فجاؤوا ثلاثة مجتمعين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتكلموا في شأن قتيلهم (وكان) عبد الرحمن الذي هو أقرب أولياء القتيل (أصغر القوم) الثلاثة سنًّا (فذهب) أي قصد وشرع (عبد الرحمن) أخو القتيل (ليتكلم) ويخبر بتلك الواقعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قبل) تكلم (صاحبيه) حويصة ومحيصة وإنما شرع في التكلم قبل صاحبيه لكونه أولى بالمقتول منهما لأنه كان شقيقه والآخران ابنا عم له (فقال له) أي لعبد الرحمن (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبِّر) أي قدم الأكبر منك في الكلام يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله كبِّر (الكبر في السن) فهو منصوب بإضمار يريد ونحوه قال النووي معنى هذا الكلام أن المقتول هو عبد الله بن سهل وله أخ اسمه عبد الرحمن ولهما ابنا عم وهما محيصة وحويصة وهما أكبر سنًّا من عبد الرحمن فلما أراد عبد الرحمن أخو القتيل أن يتكلم قبل صاحبيه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كبر أي ليتكلم أكبر منك يريد بذلك من كان كبير السن وهو هما واعلم أن حقيقة الدعوى هي لأخيه عبد الرحمن لا حق فيها لابني عمه وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتكلم الأكبر وهو حويصة لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى بل سماع صورة القصة وكيف جرت فإذا أراد حقيقة الدعوى تكلم صاحبها وهو عبد الرحمن اهـ وقوله: كبر هو صيغة أمر من التكبير وأما الكبر فيحتمل وجهين: الأول أن يكون بكسر الكاف وفتح الباء على وزن عنب وعليه فقوله قد انتهى على قوله كبِّر ثم فسره بقوله الكبر في السن يعني يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبر في السن فالكبر منصوب بفعل محذوف وهو يريد أو يعني وهذا هو الوجه الذي اختاره النووي في شرحه والاحتمال الثاني أن يكون الكبر بضم الكاف وسكون الباء بمعنى الأكبر يقال هو كبرهم أي أكبرهم وفلان كبر قومه يعني أنه أقعدهم في النسب إلى جدهم بآباء أقل عددًا من غيره كما في تاج العروس وعليه فهو من جملة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على

فَصَمَتَ. فَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ. وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا. فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقْتَلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ. فَقَال لَهُمْ: "أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ؟ " (أَوْ قَاتِلَكُمْ) قَالُوا: وَكَيفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه مفعول لقوله: كبر يعني أعط الأكبر حق كبره والتكبير والاستكبار أن يرى الرجل الآخر كبيرًا ويعظمه وذكر ابن الأثير في جامع الأصول أن الكبر بالضم جمع الأكبر فالمراد حينئذٍ بيان قاعدة كلية يعني أعط الكبراء حقهم بتقديمهم وتعظيمهم ووقع في رواية سعيد بن عبيد عند البخاري في الديات الكبر الكبر بضم الكاف والتكرار والنصب فيهما على الإغراء وفي رواية بشر بن المفضل عند البخاري في الجهاد كبر كبر بتكرار صيغة الأمر وسيأتي في رواية حماد بن زيد عند المصنف ليبدإ الأكبر وهو مفسر وقوله: (في السن) هو مقحم من الراوي للتفسير على الوجوه كلها وسيأتي في رواية أبي ليلى يريد السن وهو صريح في الإقحام اهـ تكملة (فصمت) أي سكت عبد الرحمن (فتكلم صاحباه) محيصة وحويصة (وتكلم معهما) بعدما تكلما (فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقتل عبد الله بن سهل) أي مكان قتله أو زمانه أو قتله لأن مفعلًا يصلح للثلاثة في باب نصر (فقال لهم: أتحلفون خمسين يمينًا) على أن اليهود قتلوه بهمزة الاستفهام التقريري قال النووي قوله: (أتحلفون خمسين يمينًا) إلخ (فإن قلت): كيف عرضت اليمين على الثلاثة وإنما تكون للوارث خاصة والوارث عبد الرحمن خاصة وهو أخو القتيل وأما الآخران فابنا عم لا ميراث لهما مع الأخ (قلت): إنه كان معلومًا عندهم أن اليمين تختص بالوارث فأطلق الخطاب لهم والمراد من تختص به اليمين واحتمل ذلك لكونه معلومًا للمخاطبين كما سمع كلام الجميع في صورة قتله وكيفية ما جرى له وإن كانت حقيقة الدعوى وقت الحاجة مختصة بالوارث اهـ (فتستحقون صاحبكم) أي بدل صاحبكم يعني تستحقون القصاص أو الدية من القاتل على اختلاف أقوال الفقهاء في ذلك (أو) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قاتلكم) أي قاتل قتيلكم والشك من الراوي فيما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - (قالوا): أي قال الثلاثة: الإخوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وكيف نحلف) يا رسول الله على أنهم قتلوه (ولم نشهد) من قتله. قوله: (أتحلفون خمسين يمينًا) ووقع في رواية سعيد بن عبيد عند البخاري في الديات (تأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا من بينة) وليس فيه ذكر تحليفهم وجمع بينهما النسائي [2/ 237] في روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه (فقال

قَال: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ " قَالُوا: وَكَيفَ نَقْبَلُ أَيمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى عَقْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليك برمته قال: يا رسول الله من أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلًا على أبوابهم قال فتحلف خمسين قسامة) إلخ وقوله: (أتحلفون) أيضًا أطلق الخطاب لهم والمراد من تختص به اليمين وهو الأخ الوارث كما في النووي قال ملا علي: هذا إنما كان على طريق الإفتاء في المسألة لا بطريق الحكم لعدم حضور الخصم حينئذٍ وإلا فابتداء اليمين في القسامة بالمدعى عليه على مقتضى سائر الدعاوي فشرعية اليمين إنما هي للبراءة فأوضح الروايات ما في سنن أبي داود من قوله - صلى الله عليه وسلم - لهم: لكم شاهدان يشهدان على قاتل صاحبكم قالوا: يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هي يهود وقد يجترئون على أعظم من هذا قال: فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم وفي قسامة البخاري فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله قالوا: مالنا بينة قال: فيحلفون قوله: (فتستحقون صاحبكم) وفي سنن ابن ماجه (دم صاحبكم) يعني بدل دمه وهو الدية وفي رواية البخاري: (أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم) (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا) يحتمل أن يكون تبرئكم بتخفيف الراء من الإبراء ويحتمل أن يكون بتشديدها من التبرئة والمعنى أن اليهود يخلصونكم من الأيمان بأن تحلفوهم فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم من الأيمان وفيه البداءة بالمدعى عليهم اهـ من الإرشاد ويهود مرفوع على الفاعلية غير منون لأنه اسم لا ينصرف لأنه اسم للقبيلة أو الطائفة ففيه التأنيث والعلمية (قالوا): أي قال الأخوة الثلاثة: يا رسول الله (وكيف نقبل أيمان قوم كفار) فكيف للاستفهام الإنكاري يعني أنهم لا يبالون بالأيمان الكاذبة فكيف نقبل أيمانهم فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - طلب منهم البينة أولًا فلم يكن لهم بينة فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا (فلما رأى ذلك) أي امتناعهم من تحليف اليهود (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى) لهم (عقله) أي ديته من عنده كما قال في الرواية الأخرى: فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبله كراهة إبطال دمه يعني من بيت المال وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [7192]، وأبو داود [4520 و 4521]، والترمذي [1422]، والنسائي [8/ 9]، وابن ماجه [2677]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال.

4210 - (00) (00) وحدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيبَرَ. فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ. فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ. فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ. فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصةُ وَمُحَيِّصَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدِّمِ الْكُبْرَ" أَوْ قَال: "لِيَبْدإِ الأَكْبَرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4210 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن بشير) مصغرًا (بن يسار) الأنصاري المدني (عن سهل بن أبي حثمة) عبد الله بن ساعدة الأنصاري - رضي الله عنه - (ورافع بن خديج) بن رافع الأنصاري الأوسي - رضي الله عنه - كلاهما قالا: (أن محيصة بن مسعود) بن زيد (وعبد الله بن سهل) بن زيد الأنصاريَّين - رضي الله عنهما - وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لليث بن سعد (انطلقا) أي ذهبا (قبل خيبر) أي جهتها فدخلا خيبر (فتفرقا في) حيطان (النخل فقتل عبد الله بن سهل) بالبناء للمجهول (فاتهموا) أي اتهم أولياء القتيل (اليهود) بقتله لأنهم أعداء المسلمين (فجاء أخوه) أي أخو عبد الله القتيل (عبد الرحمن) بن سهل بدل من أخوه (وابنا عمه) معطوف على أخوه أي ابنا عم القتيل (حويصة ومحيصة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) ليخبروه خبر القتيل (فتكلم عبد الرحمن) بن سهل أخو القتيل أولًا (في أمر أخيه) وشأنه (وهو) أي والحال أن عبد الرحمن (أصغر) سنًّا (منهم) أي من الثلاثة الذين جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والظاهر أن يقال أصغرهم أو أصغر منهما إلا أن يقال: إن المراد بالجمع ما فوق الواحد أو أصغر من كل الحاضرين منهما وممن معهم إن قلنا إن عشيرتهم جاؤوا معهم كما هو العادة في شأن الدماء كما يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يقسم خمسون منكم) (فقال) له (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قدِّم) يا عبد الرحمن في الكلام (الكبر) بضم الكاف وسكون الباء أي الأكبر منك سنًّا (أو قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليبدإ) في الكلام والإخبار لي (الأكبر) منك وقد تقدم قريبًا ما في هذا

فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ من البحث مبسوطًا فراجعه (فتكلما) أي تكلم حويصة ومحيصة (في أمر صاحبهما) أي في شأن قتيلهما وهو عبد الله بن سهل (فقال) لهم: (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم) بضم الياء من أقسم الرباعي أي يحلف (خمسون منكم) أي من أولياء الدم وورثته وفي الرواية الآتية تحلفون خمسين يمينًا كما هو الرواية الأولى في الباب على الاستفهام وهو الظاهر لأن العدد إذا لم يتم كرر الحلف على الموجودين ليتم خمسين قال النووي قوله: (يقسم خمسون منكم) هذا مما يجب تأويله لأن اليمين إنما تكون على الوارث خاصة لا على غيره من القبيلة وتأويله عند أصحابنا أن معناه يؤخذ منكم خمسون يمينًا والحالف هم الورثة فلا يحلف أحد من الأقارب غير الورثة يحلف كل الورثة ذكورًا كانوا أو إناثًا سواء كان القتل عمدًا أو خطأ هذا مذهب الشافعي وبه قال أبو ثور وابن المنذر ووافقنا مالك فيما إذا كان القتل خطأ وأما في العمد فقال: يحلف الأقارب خمسين يمينًا ولا تحلف النساء ولا الصبيان ووافقه ربيعة والليث والأوزاعي وأحمد وداود وأهل الظاهر واحتج الشافعي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: تحلفون خمسين يمينًا فتستحقون صاحبكم فجعل الحالف هو المستحق للدية أو القصاص ومعلوم أن غير الوارث لا يستحق شيئًا فدل على أن المراد حلف من يستحق الدية اهـ (على رجل منهم) أي على أن رجلًا من اليهود قتله (فيدفع) بالبناء للمجهول أي ذلك اليهودي المدعى عليه إليكم لتقتلوه مربوطًا (برمته) أي بحبله أي يسلم إليكم بحبله الذي شد به لئلا يهرب ثم اتسع فيه. حتى قالوا: أخذته برمته قال في المصباح: الرمة بضم الراء وتشديد الميم المفتوحة القطعة من الحبل وأخذت الشيء برمته أي جميعه وأصله أن رجلًا باع بعيرًا وفي عنقه حبل فقيل: ادفعه برمته ثم صار كالمثل في كل ما لا ينقص ولا يؤخذ منه شيء اهـ نواوي وقال بعضهم: الرمة بضم الراء وتشديد الميم الحبل الذي يشد به الأسير أو القاتل إذا قيد إلى القصاص يعني يدفع إليكم القاتل بحبل مشدود عليه تمكينًا لكم قال القرطبي قوله: (على رجل منهم) فيه دليل على أن القسامة إنما تكون على واحد وهو قول أحمد ومشهور قول مالك وقال أشهب: لهم أن يقسموا على جماعة ويختارون واحدًا للقتل ويسجن الباقون عامًا ويضربون مائة مائة وقال المغيرة: يقتل بها الجماعة

قَالُوا: هَذَا أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ فَكَيفَ نَخلِفُ؟ قَال: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَوْمٌ كُفَّارٌ. قَال: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قِبَلِهِ. قَال سَهْلٌ: فَدَخَلْتُ مِرْبَدًا لَهُمْ يَوْمًا. فَرَكَضَتنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قول الشافعي في القديم وذهب ابن سريج من أصحابه إلى أنه يقسم على الجماعة ويقتل منهم واحد وقد فهم الشافعي من قوله: (وتستحقون دم صاحبكم) أنه لا يحلف إلا الورثة الذين يستحقون المال وهو فهم عجيب ينبني على أن المستحق بالقتل العمد تخيير الولي بين القصاص وبين الدية وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى وقد بنى بعضهم على قولته الأخرى أن المستحق بالقسامة الدية لا القصاص وهو خلاف نص الحديث اهـ من المفهم. (قالوا): أي قال أولياء الدم يعني عبد الرحمن وحويصة ومحيصة أي قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أمرهم بالحلف (هذا) أي قتل عبد الله بن سهل (أمر لم نشهده) ولم نره بأعيننا (فكيف نحلف) يا رسول الله على أن رجلًا منهم قتله (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذًا (فتبرئكم) أي تخلصكم من المخاصمة (يهود) فاعل لما قبله (بأيمان خمسين منهم) أي من اليهود على أنهم لم يقتلوه فيبطل حقكم (قالوا) أي قال أولياء الدم (يا رسول الله) هم (قوم كفار) لا يتورعون عن الكذب في أيمانهم فكيف نصدقهم قال القرطبي: هذا استبعاد لصدقهم وتقريب لإقدامهم على الكذب وجرأتهم على الأيمان الفاجرة وعلى هذا يدل قولهم ليسوا بمسلمين أي ما هم عليه من الكفر والعداوة للمسلمين يجرئهم على الأيمان الكاذبة لكنهم مع هذا كله لو رضوا بأيمانهم لحلفوا لهم ولا خلاف أعلمه في أن الكافر إذا توجهت عليه يمين أنه يحلفها أو يعدُّ ناكلًا اهـ من المفهم (قال) الراوي: يعني سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج (فوداه) أي أدى دية القتيل (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبله) أي من عنده أي دفع ديته من عنده فأعطى مائة ناقة كما هو الرواية الأخيرة في الباب يقال: ودى القاتل القتيل يديه دية إذا أعطى المال الذي هو بدل النفس ثم سمى ذلك المال دية كوزن عدة تسمية بالمصدر (قال سهل) بن أبي حثمة بالسند السابق (فدخلت) أنا (مربدًا لهم) أي لأولياء القتيل (يومًا فركضتني) أي ضربتني (ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها) ذكر هذا إشعارًا بتيقن

قَال حَمَّادٌ: هذَا أَوْ نَحْوَهُ. 4211 - (00) (00) وحدّثنا الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-، نَحْوَهُ. وَقَال فِي حَدِيثِهِ: فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ. وَلَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِهِ: فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ القصة وتثبته فيها. والمربد بكسر الميم وفتح الباء هنا موقف الإبل والمكان الذي تأوي إليه والمربد أيضًا موضع تجفيف التمر من الربد وهو الحبس والركض هو الضرب بالرجل والمراد بتلك الإبل هي التي وداه بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال النووي: وأراد سهل بهذا الكلام أنه ضبط الحديث وحفظه حفظًا بليغًا اهـ. قال عبيد الله بن عمر القواريري (قال) لنا (حماد) بن زيد حين روى لنا هذا الحديث (هذا) اللفظ المذكور من سائر الحديث أو من قوله: فدخلت مربدًا (أو) قال لنا حماد (نحوه) أي لفظًا قريبًا من هذا المذكور من جهة اللفظ والمعنى لا عين المذكور شك من عبيد الله فيما قال حماد هل هو عين هذا المذكور أم لا؟ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه فقال: 4211 - (00) (00) (وحدثنا) عبيد الله بن عمر (القواريري حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري ثقة، من (8) (حدثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) الأنصاري المدني (عن سهل بن أبي حثمة) الأنصاري المدني - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة بشر بن المفضل لحماد بن زيد (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) أي نحو ما حدث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد (و) لكن (قال) بشر بن المفضل (في حديثه) أي في روايته لفظة (فعقله) أي فأعطى عقله وديته (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده) أي من مال الخمس (ولم يقل) بشر (في حديثه) وروايته لفظة (فركضتني ناقة) كما قال حماد: وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سهل - رضي الله عنه - فقال:

4212 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ) جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. 4213 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشيرِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلِ بْنِ زَيدٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ الأَنْصَارِيَّينِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، خَرَجَا إِلَى خَيبَرَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4212 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي جميعًا) أي كل من سفيان وعبد الوهاب رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة) - رضي الله عنه - وساق سفيان وعبد الوهاب (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث الليث وحماد بن زيد وبشر بن المفضل غرضه بسوق هذا السند بيان متابعتهما إياهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنه فقال: 4213 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي المدني البصري ثقة، من (9) (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي المدني ثقة، من (8) عن (يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (عن بشير بن يسار) عمن أدرك من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي التصريح به قريبًا كسهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لليث بن سعد في الرواية عن يحيى بن سعيد. (أن عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاريين ثم من بني حارثة خرجا إلى خيبر) لجهد أصابهما يميران التمر (في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي) أي خيبر (يومئذٍ) أي يوم إذ خرجا إليها (صلح) يعني أن هذا كان حين كانت تجري على أهلها أحكام المسلمين وذلك بعد فتحها وإبقاء اليهود فيها للعمل على ما تقدم بيانه في باب المساقاة يعني وقعت هذه الواقعة بعد فتح خيبر وكانت في أيدي

وَأَهْلُهَا يَهُودُ. فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا. فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ. فَوُجِدَ فِي شَرَبَةٍ مَقْتُولًا. فَدَفَنَهُ صَاحِبُهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَمَشَى أَخُو الْمَقْتُولِ، عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ. فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَأْنَ عَبْدِ اللهِ. وَحَيثُ قُتِلَ. فَزَعَمَ بُشَيرٌ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنَّهُ قَال لَهُمْ: "تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ؟ " (أَوْ صَاحِبَكُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَهِدْنَا وَلَا حَضَرْنَا. فَزَعَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين (وأهلها) أي أهل خيبر وسكانها وعمالها (يهود) بمعاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم على أشجارها وأرضها (فتفرقا) معطوف على مقدر تقديره خرجا من المدينة إلى خيبر لميرة التمر فدخلاها فتفرقا في زقاقها أو في أشجارها (لـ) ـصلب (حاجتهما) من ميرة التمر (فقتل عبد الله بن سهل) في حال تفرقهما (فوجد في شربة) نخل (مقتولًا) أي وجده محيصة مقتولًا مرميًا في شربة نخل والشربة بفتح الشين والراء حوض يكون في أصل النخلة وحولها يُمْلأُ ماءً لتشربه وجمعه شرب بفتح الشين كثمرة وثمر وهي التي عبر عنها في رواية أخرى بالفقير وقيل: الفقير هو الحفر العميق الذي يحفر للفسيلة ليغرس (فدفنه) أي دفن عبد الله القتيل (صاحبه) أي رفيقه محيصة بن مسعود (ثم أقبل) وذهب صاحبه محيصة (إلى المدينة) فأخبر قتله لأقاربه (فـ) ـعقب إخباره إياهم (مشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل) بن زيد (ومحيصة) صاحبه (وحويصة) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبروه خبر القتيل (فـ) ـجاؤوه - صلى الله عليه وسلم - و (ذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأن عبد الله) بن زيد القتيل أي قتله (وحيث قتل) أي والمكان الذي قتل فيه وهو خيبر (فزعم) أي قال (بشير) بن يسار والزعم في الأصل القول الفاسد وهنا بمعنى القول الصحيح أي فقال بشير: (وهو) أي والحال أنه (يحدث عمن أدرك) وسمع تلك القصة حالة كون من أدركها (من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وجملة أن في قوله: (أنه) - صلى الله عليه وسلم - (قال لهم) أي لأولياء القتيل (تحلفون خمسين يمينًا) على أن رجلًا من اليهود قتله (وتستحقون) قتل (قاتلـ) قتيلـ (ـكم) (أو) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وتستحقون قتل قاتل (صاحبكم) أي قتيلكم والشك من الراوي أو ممن دونه سادة مسد مفعولي زعم (قالوا) أي قال أولياء القتيل (يا رسول الله ما شهدنا) أي ما رأينا من قتله (ولا حضرنا) مقتله فكيف نحلف على أنهم قتلوه (فزعم) أي قال

أَنَّهُ قَال: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ نَقْبَلُ أَيمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَزَعَمَ بُشَيرٌ؟ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَقَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ. 4323 - (4) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيرِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بشير أيضًا حالة كونه سمع تلك القصة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أنه) - صلى الله عليه وسلم - (قال) لأولياء القتيل (فتبرئكم) أي تخلصكم (يهود) عن الخصومة (بخمسين) يمينًا فيبطل دم صاحبكم (فقالوا: يا رسول الله كيف نقبل) ونصدق (أيمان قوم كفار) لا يؤمنون على دينهم فكيف نأمنهم في دمائنا (فزعم) أي قال بشير أيضًا: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقله) أي أدَّى عقله وديته (من عنده) - صلى الله عليه وسلم - وسميت الدية عقلًا لأن الإبل كانت تعقل بفناء المستحقين للدية قال النووي: يحتمل أن يكون من خالص ماله في بعض الأحوال التي صادف ذلك عنده ويحتمل أنه من بيت المال ومصالح المسلمين وإنما وداه من عنده لأن أهل القتيل منكسرة قلوبهم بقتل صاحبهم فأراد - صلى الله عليه وسلم - جبرها بدفع ديته من عنده اهـ. قال القرطبي: إنما أداها من عنده على مقتضى كرم خلقه وحسن إيالته (الإيالة السياسة) وجلبًا للمصلحة ودفعًا للمفسدة وإطفاء للثائرة وتأليفًا للأغراض المتنافرة عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق لتعذر طرقه وهذا اللفظ الذي هو من عنده ظاهر في أن الإبل التي دفع كانت من ماله وهذا أصح من رواية من روى أنها كانت من إبل الصدقة إذ قد قيل: إنها غلط من بعض الرواة إذ ليس هذا من مصارف الزكاة كما سيأتي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - فقال: 4214 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثقة، من (7) (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) الأنصاري المدني عن سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - كما سيأتي التصريح به في آخر هذه الرواية وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة هشيم بن بشير لليث بن سعد (أن رجلًا من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الله بن سهل بن زيد

انْطَلَقَ هُوَ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ اللَّيثِ. إِلَى قَوْلِهِ: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ. قَال يَحْيَى: فَحَدَّثَنِي بُشَيرُ بْنُ يَسَارٍ. قَال: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، قَال: لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ بِالْمِرْبَدِ. 4215 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيدٍ. حَدَّثنَا بُشيرُ بْنُ يَسَارٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَة الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى خَيبَرَ. فَتَفَرَّقُوا فِيهَا. فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ انطلق) أي ذهب من المدينة إلى خيبر (هو وابن عم له يقال له محيصة بن مسعود بن زيد وساق) أي ذكر هشيم (الحديث) السابق (بنحو حديث الليث) بن سعد (إلى قوله) أي إلى قول الراوي (فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي أدَّى دية القتيل بإبل (من عنده) أي من ماله - صلى الله عليه وسلم - (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (فحدثني بشير بن يسار قال) بشير: (أخبرني سهل بن أبي حثمة قال) سهل والله (لقد) دخلت مربد أولياء القتيل فـ (ـركضتني) أي ضربتني برجلها (فريضة) أي ناقة (من تلك الفرائض) أي من تلك النوق التي أداها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ديته (بالمربد) أي في مربدها ومأواها والمراد بالفريضة هنا الناقة من تلك النوق المفروضة في الدية وتسمى المدفوعة في الزكاة أو في الدية فريضة لأنها مفروضة أي مقدرة بالسن والعدد اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في هذا الحديث فقال: 4215 - (00) (00) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سعيد بن عبيد) الطائي أبو الهذيل الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (2) (حدثنا بشير بن يسار الأنصاري عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن عبيد ليحيى بن سعيد الأنصاري. (أنه) أي أن سهل بن أبي حثمة (أخبره) أي أخبر بشير بن يسار (أن نفرًا منهم) أي من الأنصار من بني حارثة والمراد بالنفر هنا ما فوق الواحد أو كان معهما غيرهما وسيأتي الإيضاح فيه (انطلقوا) أي ذهبوا (إلى خيبر) ليميروا التمر (فتفرقوا فيها) أي في حيطان خيبر وزقاقها (فوجدوا) أي وجد أولئك النفر (أحدهم قتيلًا) مرميًا في شَرَبَة نخل

وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ. فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ. 4216 - (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا صريح في أن معهما غيرهما (وساق) أي ذكر سعيد بن عبيد (الحديث) السابق بنحو حديث الليث (و) لكن (قال) سعيد (فيه) أي في الحديث لفظة (فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل) أي يهدر (دمه) أي دم القتيل (فوداه) أي أدى ديته (مائة من إبل الصدقة) أي الزكاة قال النووي إن هذا غلط من بعض الرواة لأن الصدقة المفروضة لا تصرف هذا المصرف بل هي لأصناف سماهم الله في كتابه فالمختار ما حكيناه عن الجمهور أنه اشتراها من إبل الصدقة اهـ وفي هذه الرواية أيضًا مع موافقتها لإحدى روايات البخاري مخالفة للرواية السابقة واللاحقة في كون المنطلقين إلى خيبر نفرًا من الأنصار والمذكور فيما سبق ولحق خروج اثنين إليها والله أعلم اهـ من بعض الهوامش قال الحافظ في الفتح قوله: (فوداه مائة من إبل الصدقة) هذا بظاهره معارض لما مر من الروايات التي وقع فيها أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى ديته من عنده وجمع بعض العلماء بينهما بأن قول الراوي في الروايات السابقة من عنده مجاز عن بيت المال والمراد بيت مال المصالح وأطلق عليه لفظ الصدقة باعتبار الانتفاع به مجانًا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين وجمع آخرون بينهما بأنه يحتمل أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافًا لهم واستجلابًا لليهود وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث الباب على ظاهره واستدل به على جواز صرف الزكاة في المصالح العامة هذا ملخص ما في فتح الباري [12/ 235] والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - فقال: 4216 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة من (11) (أخبرنا بشر بن عمر) بن الحكم الأزدي البصري ثقة من (9)

قَال: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيلَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَّنِ بْنِ سهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيبَرَ. مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ. فَأُتي مُحَيِّصَةُ فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَينٍ أَوْ فَقِيرٍ. فَأَتَى ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (6) أبواب: (قال: سمعت مالك بن أنس) الأصبحي المدني (يقول: حدثني أبو ليلى عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل) بن زيد الأنصاري المدني فالظاهر أنه من ذرية عبد الرحمن بن سهل أخي المقتول في قصة خيبر روى عن سهل بن أبي حثمة في القسامة ورجال من كبراء قومه. ويروي عنه (خ م د س ق) ومالك بن أنس فقط له فرد حديث في القسامة قال أبو زرعة: ثقة وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الرابعة (عن سهل بن أبي حثمة) الأنصاري المدني - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته أو من سداسياته إن اعتبرنا الرجال المجهولين غرضه بيان متابعة أبي ليلى لبشير بن يسار في الرواية عن سهل بن أبي حثمة (أنه) أي أن سهلًا (أخبره) أي أخبر أبا ليلى (عن رجال من كبراء قومه) أي قوم سهل أو قوم أبي ليلى وجهالة الراوي هنا لا تضر لأنهم من الأصحاب والصحابة كلهم عدول (أن عبد الله بن سهل) بن زيد (ومحيصة) بن مسعود بن زيد (خرجا) من المدينة (إلى خيبر) ليميرا التمر (من جهد) أي لأجل جهد وجوع (أصابهم) أي وقع بهما مع من كان معهما والجهد بفتح الجيم الشدة والمشقة والجهد بضمها غاية الوسع والطاقة والمراد هنا الأول يعني خرجا من مشقة حصلت لهما في معاشهما فتفرقا في بعض ما هنالك (فأتي) بالبناء للمجهول (محيصة) وهو في خيبر (فأخبر) بالبناء للمجهول أيضًا (أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح) بالبناء للمفعول فيهما أي رمي (في عين) ماء (أو) قال الراوي: طرح في (فقير) بتقديم الفاء على القاف والفقير هنا على لفظ الفقير من الآدميين وهو هنا البئر القريبة القعر الواسعة الفم وقال ابن الأثير: الفقير مخرج الماء من القناة وحفيرة تحفر حول الفسيلة إذا غرست والفقير ركي بعينه معروف وإنما أراد في هذا الحديث حفيرة أو ركيا وهو البئر الغير المطوي كذا في جامع الأصول [1/ 286] وذكر في النهاية [3/ 215] في حديث عبد الله بن أنيس الفقير بئر تحفر في أصل الفسيلة إذا حولت ويلقى فيها البعر والسرجين يقال: فقرنا للودية أي للفسيلة تفقيرًا اهـ (فأتى) بالبناء للفاعل أي جاء

يَهُودَ فَقَال: أَنْتُمْ، وَاللهِ، قَتَلْتُمُوهُ. قَالُوا: وَاللهِ، مَا قَتَلْنَاهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ. فَذَكَرَ لَهُمْ ذلِكَ. ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ. وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ. وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَهْلٍ. فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ. وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيبَرَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُحَيِّصَةَ: "كَبِّرْ. كَبِّرْ" (يُرِيدُ السِّنَّ) فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ؟ ". فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيهِمْ فِي ذلِكَ. فَكَتَبُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ محيصة (يهود) أي إلى اليهود بالنصب على المفعولية (فقال) محيصة لليهود: (أنتم) أيها اليهود (والله قتلتموه) أي قتلتم عبد الله بن سهل (قالوا) أي قال اليهود لمحيصة (والله ما قتلناه) ولا ندري من قتله (ثم) بعد دفنه (أقبل) محيصة إلى المدينة وذهب من خيبر (حتى قدم على قومه) وعشيرته في المدينة (فذكر) محيصة (لهم) أي لقومه (ذلك) الأمر الذي وقع بعبد الله من قتله (ثم أقبل هو) أي محيصة (وأخوه حويصة وهو) أي حويصة (أكبر) سنًّا (منه) أي من محيصة (وعبد الرحمن بن سهل) أخو القتيل معطوف على فاعل أقبل (فذهب محيصة) أي شرع (ليتكلم) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه حاضر القصة كما قال (وهو) أي محيصة (الذي كان بخيبر) مع القتيل (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمحيصة: كبِّر كبِّر) بالتكرار مرتين أي قدم الأكبر منك في الكلام قال الراوي: (يريد) النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: كبر كبر (السن) والعمر. أي قدم الأكبر منك سنًّا (فتكلم) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حويصة ثم تكلم محيصة) معه - صلى الله عليه وسلم - خبر القتيل (فقال) لهم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): إذا ثبت عليهم القتل بقسامتكم فليختاروا بين خصلتين (إما أن يدوا صاحبكم) أي يدفعوا إليكم دية صاحبكم أي قتيلكم ولفظ يدوا مضارع من ودى يدي أسند إلى ضمير الجمع (وإما أن يؤذنوا) أي يعلمونا (بحرب) من الله ورسوله أي بكونهم محاربين لنا أي فليختاروا بين أن يعطوا دية صاحبكم وبين أن يعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا فينتقض عهدهم ويصيرون حربًا لنا أي محاربين لنا وفيه دليل للشافعية والحنفية في أن موجب القسامة هو الدية دون القصاص (فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) رسالة (إليهم) أي إلى اليهود (في ذلك) أي في شأن عبد الله القتيل (فكتبوا) إليه - صلى الله عليه

إِنا، وَالله، مَا قَتَلْنَاهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعبْدِ الرَّحْمنِ: "أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ " قَالُوا: لَا. قَال: "فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ " قَالُوا: لَيسُوا بِمُسْلِمِينَ. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ. فَبَعَثَ إِلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيهِمُ الدَّارَ. فَقَال سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم -: (إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن): أخي القتيل (أتحلفون) أي هل تحلفون خمسين يمينًا على أنهم قتلوه (وتستحقون دم صاحبكم) أي بدل دمه وهو الدية كما يدل عليه قوله إما أن يدوا صاحبكم (قالوا) أي قال أولياء الدم: (لا) نحلف يا رسول الله هذا أمر لم نشهده فكيف نحلف يا رسول الله (قال) رسول الله إذًا: (فـ) ـلـ (ـتحلف لكم يهود) على أنهم ما قتلوه فيهدر دم صاحبكم (قالوا): أي قال أولياء الدم (ليسوا) أي ليست اليهود (بمسلمين) فكيف نصدقهم فأبوا من أيمانهم ومن أيمان اليهود (فوداه) أي فأدى دية القتيل (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بنوق (من عنده) تسكينًا للفتنة وجبرًا لقلوبهم (فبعث إليهم) أي إلى أولياء القتيل (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة) وهذا عطف تفسير لقوله: فوداه (حتى أدخلت) تلك المائة (عليهم) أي على أولياء القتيل (الدار) في دارهم وحتى غاية لمحذوف تقديره وسيقت إليهم حتى أدخلت عليهم وهم في دارهم أي في مربدهم عند دارهم (فقال سهل) بن أبي حثمة بالسند السابق: فدخلت مربد تلك النوق (فـ) ـوالله (لقد ركضتني منها) أي من تلك النوق (ناقة حمراء) برجلها. وفيه من الفقه أن أهل الذمة يحكم عليهم بحكم الإسلام لا سيما إذا كان الحكم بين ذمي ومسلم فإنه لا يختلف في ذلك وكذلك لو كان المقتول من أهل الذمة فادعي به على مسلم فإن أولياء الدم يحلفون بخمسين يمينًا ويستحقون به دية ذمي هذا قول مالك وقال بعض أصحابه: يحلف المسلم المدعى عليه خمسين يمينًا ويبرأ ولا تحمل العاقلة ديته فلو قام للذمي شاهد واحد بالقتل فقال مالك: يحلف أولياؤه يمينًا واحدة ويستحقون الدية من ماله في العمد ومن عاقلته في الخطإ وقال غيره: يحلف المدعى عليه خمسين يمينًا ويجلد مائة ويحبس عامًا وفي الحديث أيضًا ما يدل على جواز سماع حجة أحد

4217 - (1615) (178) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ) أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَسُلَيمَانُ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَاب رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَنْصَارِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخصمين في غيبة الآخر وأن أهل الذمة إن امتنعوا من فعل ما وجب عليهم لنقض عهدهم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سهل بن أبي حثمة بحديث رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنهم فقال: 4217 - (1615) (178) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (قال أبو الطاهر: حدثنا وقال حرملة: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وسليمان بن يسار) الهلالي مولاهم المدني (مولى ميمونة) بنت الحارث العامرية الهلالية (زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -) تزوجها سنة سبع - رضي الله عنها - كلاهما رويا (عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار) - رضي الله عنه - والجهالة في الصحابي لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول كما مر آنفًا ومرارًا في الكتاب ولم أر من ذكر اسمه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي وفيه رواية تابعي عن تابعي وهو قوله: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقر القسامة) أي أثبتها وحكم بها في قتيل من الأنصار ادعوه على اليهود ولم يبطلها وعمل بها (على ما كانت عليه في الجاهلية) من كونها خمسين يمينًا يحلفها أولياء الدم عند ظهور قتيل لم يظهر قاتله مع وجود لوث تدل على أن المدعى عليه قتله وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط [8/ 5] قوله: (أقر القسامة) والقسامة بفتح القاف لغة اسم مصدر لأقسم الرباعي وضع موضع المصدر بمعنى اليمين ثم استعير لجماعة يقسمون على الشيء ويشهدون عليه ويمين القسامة منسوبة إليهم كذا في لسان العرب (15/ 381

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و382) واصطلاحًا عند الحنفية أيمان يقسم بها أهل المحلة التي وجد فيها القتيل ولم تظهر البينة الكاملة على قاتله بأنهم لم يقتلوه ولا يعرفون قاتله وعند الشافعية أيمان يقسم بها أولياء المقتول بأن فلانًا قتله إذا كان هناك لوث أو أيمان يقسم بها أولياء المدعى عليه بأنهم لم يقتلوه ولا يعرفون له قاتلًا إذا لم يكن هناك لوث. واختلف الفقهاء في موجب القسامة فقالت الحنفية والشافعية موجبها الدية وهو قول معاوية وابن عباس والحسن وإسحاق والشعبي والنخعي والثوري رحمهم الله تعالى وقالت المالكية والحنابلة موجبها القصاص إن كانت الدعوى دعوى عمد وبه قال ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز ولكن رجع عنه أبو ثور وابن منذر وهو القول القديم للشافعي رحمهم الله تعالى واستدل القائلون بالقصاص بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب في الرواية الأولى: (أتحلفون خمسين يمينًا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم). واستحقاق القاتل إنما هو لأخذ القصاص منه وقد وقع في رواية الليث يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته وهذا إنما يقال في محاورة العرب إذا دفع القاتل إلى أولياء المقتول ليأخذوا منه ثأرهم واستدل القائلون بالدية بما وقع في رواية أبي ليلى من قوله صلى الله عليه وسلم: "إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب" ولأنها حجة إقناعية فلا توجب القصاص وهذا القول هو الأصح ولما كانت المسألة مجتهدًا فيها ساغ للحكومة الإسلامية اليوم أن يختاروا من هاتين الطريقتين ما هو أليق وأنسب بظروف بلادها الخاصة لأن اختلاف هذه الأمة رحمة وحكم الحاكم رافع للخلاف والله سبحانه وتعالى أعلم. فائدة: والقسامة من سنن الجاهلية التي أقرها الإسلام فقد أخرج البخاري في المناقب في باب القسامة في الجاهلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لَفِينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم (قال القسطلاني في الإرشاد [6/ 179]) هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف كما قال الزبير بن بكار وكأنه نسبه إلى بني هاشم لما كان بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والإخاء اهـ استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى اسمه خداش بن عبد الله بن أبي قيس العامري كما عند الزبير بن بكار كذا في إرشاد الساري أيضًا فانطلق معه في إبله فمر رجل به من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه والجوالق: بضم الجيم وكسرها مع كسر اللام فيهما اسم لوعاء اهـ قاموس فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالًا فشد به عروة جوالقه فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرًا واحدًا فقال الذي استأجره ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل قال: ليس له عقال قال فأين عقاله؟ قال فحذفه بعصًا كان فيها أجله فمر به (يعني الأجير) رجل من أهل اليمن فقال له: أتشهد الموسم قال: ما أشهد وربما شهدته قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال: نعم قال: فكنت إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم فإن أجابوك فاسأل عن أبي طالب فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال ومات المستأجر (بفتح الجيم) فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا قال: مرض فأحسنت القيام عليه فوليت دفنه قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حينًا ثم إن الرجل اليماني الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا آل قريش قالوا: هذه قريش قال: يا آل بني هاشم قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين أبو طالب قالوا: هذا أبو طالب قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانًا قتله في عقال فأتاه أبو طالب فقال: اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فقالوا: نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت: يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقالوا: يا أبا طالب أردت خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كل رجل بعيران هذان بعيران فاقبلهما يميني ولا تصبر عني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف. وذكر ابن حبيب هذه القصة في المحبر (ص 335 - 337) فسمى المستأجر خداشًا والأجير عامرًا أو عمرًا ابن علقمة بن المطلب وذكر أنهما خرجا إلى اليمن وذكر فيه أن الذي حكم بالقسامة هو الوليد بن المغيرة فحكم أن يحلف خداش في خمسين من بني عامر بن لؤي أنه لبريء من دم عامر ثم يعقلوه بعدُ فرضي بنو عبد مناف بذلك وذكر في آخر القصة أن الذين حلفوا ماتوا كلهم قبل حَوَلانِ الحول وصارت رباعهم لحويطب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فكان أكثر مكة رباعًا فتبين من ذلك أن قسامة الجاهلية كان يبدأ فيها بأيمان المدعى عليهم ولما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية فالظاهر أنه أقر تحليف المدعى عليهم وأما قصة خيبر التي استدل بها الأئمة الثلاثة فقد اضطربت الروايات في بيانها فظاهر حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم حلف الأنصار قبل تحليف اليهود ولكن وقع في صحيح البخاري خلاف ذلك فيما أخرجه في الديات عن سهل بن أبي حثمة أن الأنصار انطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلًا فقال: الكبر الكبر الكبر فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله فقالوا: ما لنا بينة قال: فيحلفون قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة فهذه الرواية صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلف الأنصار وإنما طلب منهم البينة فلما أبوا عرض أيمان اليهود. وذكر ابن قتيبة عن وهب بن منبه أنه قال: الحكم بالقسامة أوحاه الله تعالى إلى موسى في كل قتيل وجد بين قريتين أو محلتين فلم تزل بنو إسرائيل تحكم بها وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع كتاب المعارف لابن قتيبة (ص 240) في ذكر الأوائل اهـ من التكملة. قال القرطبي: والحديث كله حجة واضحة للجمهور من السلف والخلف على من أنكر العمل بالقسامة وهم سالم بن عبد الله وأبو قلابة ومسلم بن خالد وقتادة وابن علية وبعض المكيين فنفوا الحكم بها شرعًا في العمد والخطإ وقد رُوي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة وقد روي عنهما العمل بها وقد روي نفي العمل به عن سليمان بن يسار والصحيح عنه روايته المذكورة عنه هنا حيث قال عن رجال من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر بالقسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وظاهر هذا أنه يقول بها وهذا الحديث أيضًا حجة للجمهور على من أنكر العمل بها فإن ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد الناس على عمل فلما أسلموا واستقل بتبليغ الأحكام أقرَّها على ما كانت عليه فصار ذلك حكمًا شرعيًّا يعمل عليه ويحكم به لكن يجب أن يبحث عن كيفية عملهم الذي كانوا يعملونه فيها وشروطهم التي اشترطوها فيعمل بها من جهة إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لا من جهة الاقتداء بالجاهلية فيها اهـ من المفهم.

4218 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: وَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ. 4219 - (00) (00) وحدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدَّثَنَا أَبِيِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ وَسُلَيمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ نَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيجٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث الثاني أعني حديث رجل من الأصحاب رضي الله عنهم فقال: 4218 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (قال: أخبرنا ابن جريج حدثنا ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجل من الصحابة (مثله) أي مثل ما حدث يونس عن ابن شهاب غرضه بيان متابعة ابن جريج ليونس بن يزيد (و) لكن (زاد) ابن جريج على يونس لفظة (وقضى بها) أي بالقسامة (رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار) وبين اليهود (في قتيل ادَّعوه) أي دَّعى الأنصار (على اليهود) أنهم قتلوه. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثالثًا فقال: 4219 - (00) (00) (وحدثنا حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) أبو علي المكي ثقة، من (11) (حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني ثقة، من (4) (عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أخبراه) أي أخبرا لابن شهاب (عن ناس من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق صالح بن كيسان (بمثل حديث ابن جريج) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة صالح لابن جريج وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث سهل بن أبي حثمة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني: حديث رجل من الأنصار ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الحدود والتعزيرات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 36 - كتاب الحدود والتعزيرات ـــــــــــــــــــــــــــــ 26 - كتاب الحدود والتعزيرات واعلم أن العقوبات الشرعية قسمان: حد وتعزير فالأول: ما قدرت الشريعة مقداره وكيفيته بأحكام القرآن أو السنة وهو القصاص والحد وهو تقدير أبدي خالد لا يسع لأحد من الحكام أو القضاة أو لجماعة من مجلس النواب وغيره أن يحدث فيه تغييرًا بالزيادة أو النقصان وهي عقوبة الكبائر كالزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر والثاني: ما لم تقدر الشريعة مقداره وكيفيته وإنما فوضت إلى حاكم كل زمان ومكان فيختار للجاني ما بدا له من العقوبات المناسبة لزجره وردعه وإن الزجر والردع في مثل هذه الجنايات يختلف باختلاف الجاني واختلاف أحوال الجناية واختلاف البيئات التي ترتكب فيها الجنايات فكان من حكمة التشريع الإسلامي أن لا يقدر فيه عقوبة مستقرة لا تقبل أي تغير لئلا يضيق الأمر على الحاكم ولا يلجأ على التشديد في موضع التخفيف أو على التخفيف في موضع التشديد ولذلك ذكر الفقهاء أن التعزير لا يختص بالضرب بل قد يكون به وقد يكون بالصفح وبفرك الأذن وقد يكون بالكلام العنيف بالضرب وقد يكون بنظر القاضي إليه بوجه عبوس والفرق بين الحدود والتعزير أن الحدود تدرأ بالشبهات والتعزير يجوز معها. ***

599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة

599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة 4220 - (1616) (179) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ هُشَيمٍ. (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) قَال: أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ وَحُمَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 599 - (39) باب حد المحاربين والمرتدين وثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره وقتل الرجل بالمرأة والمحاربون جمع محارب وهو كل من حارب الإسلام والمسلمين ولو بإخافة المارة إن لم تكن لهم شوكة فإن كانت لهم شوكة بالعَدد والعُدد يسمون بغاة كما هو مبسوط في كتب الفروع وقال الشافعي وآخرون: عقوبتهم على التقسيم فإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا قصاصًا وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا قصاصًا وصلبوا تعزيرًا فإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف حدًّا فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئًا ولم يقتلوا طلبوا للتعزير وهو المراد بالنفي عندنا قال أصحابنا: لأن ضرر هذه الأفعال مختلف فكانت عقوباتها مختلفة ولم تكن أو في الآية للتخيير بل للتنويع وتثبت أحكام المحاربة في الصحراء وهل تثبت في الأمصار فيه خلاف قال أبو حنيفة: لا تثبت وقال مالك والشافعي: تثبت اهـ نووي بزيادة والمرتدون جمع مرتد وهو من قطع الإسلام بفعل مكفر أو قوله أو اعتقاده وحده القتل والقصاص استيفاء القود في النفس والأطراف والأعضاء وغيرها ويسمى حد القتل أو القطع وعطفه على ما قبله من عطف المغاير. 4220 - (1616) (179) (وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (كلاهما) رويا (عن هشيم) بن بشير بوزن عظيم السلمي الواسطي ثقة، من (7) (واللفظ ليحيى قال) يحيى: (أخبرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب) البناني بضم الباء نسبة إلى سكة بالبصرة تسمى بنانة وليس منسوبًا إلى قبيلة بنانة كثابت بن أسلم البصري (وحميد) بن أبي حميد الطويل البصري كلاهما رويا (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن ناسًا من عرينة) مصغرًا بوزن جهينة وهي من قضاعة وحي من بجيلة من قحطان والمراد هنا هو

قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ. فَاجْتَوَوْهَا. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدقَةِ فَتَشْرَبُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وقد وقع في بعض الروايات أنهم كانوا من عكل بضم العين وسكون الكاف وهي قبيلة من تيم الرباب وجمع بعض الرواة بينهما فقال: (من عكل أو عرينة) بالشك كما في البخاري في الوضوء أو (من عكل وعرينة) بلا شك كما عند البخاري في المغازي ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: (كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل) ولا يخالف هذا ما أخرجه البخاري في الجهاد والديات (أن رهطًا من عكل ثمانية) لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب هذا ملخص ما في فتح الباري [1/ 337] فراجعه للتفصيل. (قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت غزوة ذي قرد في جمادى الآخرة سنة ست وذكرها البخاري في المغازي بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة سنة ست وذكرها الواقدي في مغازيه أنها كانت في شوال منها وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما كذا في الفتح (وقوله: المدينة) أخرج البخاري في المحاربين عن أنس قال: قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في الصفة وهذا يدل على أنهم أقاموا في الصفة قبل خروجهم إلى إبل الصدقة وزاد في رواية يحيى بن أبي كثير (فأسلموا) وفي رواية أبي رجاء (فبايعوه) على الإسلام (فاجتووها) أي كرهوا هواء المدينة ومرضوا فيها قال ابن فارس: يقال اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة فيه وهو المناسب لهذه القصة وقال القزاز: (اجتووا) أي لم يوافقهم طعامها وقال القرطبي: (اجتووها) أي لم توافقهم صحتهم يقال: اجتوى البلد واستوبله واستوخمه إذا سقم فيه عند دخوله اهـ أي استوخموا المدينة وكرهوا الإقامة بها لم يوافقهم هواؤها وحاصل ما ذكر أنهم كانوا في هزال شديد من الجوع والجهد فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعمهم حتى صحت أجسامهم ثم ابتلوا بالاستسقاء وهو انتفاخ البطن لمرض فانتفخت بطونهم فزعموا أن مرضهم هذا من استيخامهم وكراهيتهم هواء المدينة والله أعلم وهو مشتق من الجوى وهو داء في الجوف (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا

مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا" فَفَعَلُوا. فَصَحُّوا. ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرُّعَاءِ فَقَتَلُوهُمْ. وَارْتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ. وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من ألبانها وأبوالها) جواب الشرط محذوف تقديره فعلتم ذلك دل عليه ما بعده وفي الحديث دلالة على جواز الخروج من البلد الذي لا يوافق الرجل هواءه تداويًا وعلاجًا وكانت إبل الصدقة ترعى بذي الجدر ناحية قباء قريبًا من عير على ستة أميال من المدينة ذكره ابن سعد في طبقاته (ففعلوا) ما أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج إلى إبل الصدقة وشرب ألبانها وأبو الها (فصحوا) أي فحصلت لهم الصحة والعافية من مرضهم وإنما أجاز لهم شرب ألبان إبل الصدقة لأنها للمحتاجين والفقراء وهم منهم (ثم) بعدما صحوا (مالوا على الرعاء) جمع راع كصاحب وصحاب وفي بعض النسخ: (الرعاة) وهو أيضًا جمع الراعي نظير قاضي وقضاة وهما لغتان أي قصدوا إلى الرعاء وصالوا عليهم وأصابوهم بالإضرار والإهلاك وفي الرواية التالية فقتلوا الراعي بالإفراد ذكر العيني أنه يسار النوبي (فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام) قال ملا علي كأنهم تشاءموا بالإسلام (وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخذوا إبله وقدموا أمامهم سائقين لها مطاردين (فبلغ ذلك) الأمر الذي فعلوه من قتل الرعاء وسوق الإبل (النبي صلى الله عليه وسلم) بعدما ارتفع النهار. قوله: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة) وأخرج أبو عوانة من رواية معاوية بن قرة التي أخرج المصنف إسنادها (أنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى الإبل فقالوا: يا رسول الله قد وقع هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل) وأخرج البخاري من رواية وهيب عن أيوب (أنهم قالوا: يا رسول الله أبغنا رسلًا) أي اطلب لنا لبنًا فقال صلى الله عليه وسلم: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود ثم ظاهر هذه الرواية أن العرنيين خرجوا إلى إبل الصدقة ويعارضه رواية أبي رجاء عند البخاري وفيها (هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها) ورواية أيوب في الوضوء فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح ورواية وهيب في المحاربين إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر هذه الروايات أن اللقاح كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع بينهما الحافظ في الفتح [1/ 338] بأن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا من قتل رعاء إبل الصدقة وقتل راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وسوق إبل الصدقة ولقاح النبي صلى الله عليه وسلم ويجمع أيضًا بين رواية فقتلوا الرعاء بالجمع وبين رواية فقتلوا الراعي بالإفراد بأن المراد بالرعاء رعاء إبل الصدقة وبالراعي راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسار النوبي كما مر آنفًا فلا معارضة لأنهم قتلوا الكل وساقوا الكل اهـ بزيادة ويحتمل أن تكون إبل الصدقة نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة كونه صلى الله عليه وسلم متوليًا لها ودل الحديث على جواز انتفاع مستحق الزكاة من إبل الصدقة بشرب لبنها لأن العرنيين كانوا أبناء السبيل ولهذا أخرجه البخاري في الزكاة وترجم عليه (باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل) قوله: (فتشربوا من ألبانها وأبوالها) أما شرب لبن الصدقة فلما ذكرنا من أنهم كانوا أبناء السبيل وأما شرب لبن إبل النبي صلى الله عليه وسلم فلتحقق الإذن منه صلى الله عليه وسلم وأما شرب أبوال الإبل ففيه مسألتان: 1 - المسألة الأولى: مسألة بول ما يؤكل لحمه استدل مالك رحمه الله بهذا الحديث على طهارة بول ما يؤكل لحمه أما بول الإبل فاستدلوا على طهارته بهذا الحديث وأما بول غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس عليه وهو قول أحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن من الحنفية والإصطخري والروياني من الشافعية وبه قال الشعبي وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين والحكم والثوري وقال أبو داود بن علية بول كل حيوان ونحوه وإن كان لا يؤكل لحمه طاهر إلا بول الآدمي وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وجمع كثير من العلماء الأبوال كلها نجسة إلا ما عفي عنه من القدر القليل وهذه المذاهب مأخوذة من عمدة القاري [1/ 919] وأجاب الحنفية والشافعية عن قصة العرنيين الأول أن شربهم للأبوال كان على سبيل التداوي للضرورة كما أجيز لبس الحرير في الحرب أو للحكة وقد أصيبوا بمرض الاستسقاء ولأبوال الإبل تأثير في ذلك فإنها كانت ترعى الشيح والقيصوم والإبل التي ترعى ذلك تنفع ألبانها وأبوالها في بعض أنواع الاستسقاء وقد أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار [1/ 65] عن ابن عباس مرفوعًا إن في أبوال الإبل وألبانها شفاء لذربة بطونهم والثاني أن قصة العرنيين متقدمة نسخ حكمها أحاديث دالة على نجاسة الأبوال والنسخ وإن كان لا يثبت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمجرد الاحتمال عند عدم علم التاريخ ولكن احتمال النسخ إذا تأيد بقرائن قوية يكفي لإبطال الاستدلال بما جاء في الروايات مخالفًا للأصول الكلية والروايات المشهورة وتوجد ها هنا قرائن تقوي احتمال النسخ فمنها أن قصة العرنيين وقعت سنة ست كما قدمنا وحديث نجاسة البول مروي عن أبي هريرة كما سيأتي وإن أبا هريرة أسلم سنة سبع ثم من المعلوم المشاهد في الأحاديث أن الأحكام قد انتقلت في الأنجاس من السهولة إلى الصعوبة فهناك أشياء كثيرة اعتبرت طاهرة غير مفسدة للصلاة في مبدإ الإسلام ثم جاء الحكم بنجاستها فمن جملتها ما أخرجه البخاري رقم (245) عن ابن مسعود رضي الله عنه في قصة وضع أبي جهل سلا جزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو مصل ساجد وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يقطع صلاته بل استمر فيها كما ذكره الحافظ في الفتح [1/ 351] وادعى ابن حزم أن هذا الحديث منسوخ بما روي في نجاسة النجو والدم فهذه القرائن مما يقوي احتمال النسخ وعند هذا الاحتمال القوي لا يتم الاستدلال بحديث الباب على طهارة البول الذي ورد في نجاسته أحاديث كثيرة والوجه الثالث في الاعتذار من حديث الباب أنه يحتمل أن الأمر بشرب الألبان واستنشاق الأبوال وإنما عطف الأبوال على الألبان بطريق التضمين والتضمين أن يعطف معمول عامل محذوف على معمول عامل مذكور كقوله: علفتها تبنًا وماءً باردًا والمراد علفتها تبنًا وسقيتها ماءً باردًا وقد أوضحه ابن هشام في مغني اللبيب (2/ 193 و 2/ 169 و 1/ 32) في أوائل الباب الخامس من الجزء الثاني. ويؤيده ما ورد في بعض طرق الحديث عند النسائي في سننه [2/ 167] من غير ذكر الأبوال ولفظه (فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح ليشربوا من ألبانه فكانوا فيها إلخ ... ) وكذلك لم يذكر لفظ الأبوال في حديث أنس عند الطحاوي من طريق عبد الله بن بكر عن حميد عن أنس ذكره البنوري في معارف السنن [1/ 275] ثم قال: وعلى هذا يكاد أن يكون ذكر الأبوال مع الألبان في سياق أمره صلى الله عليه وسلم من تصرف الرواة فيكون صلى الله عليه وسلم أمر بشرب ألبانها واستنشاق أبو الها ولعلهم شربوا أبوالها أيضًا فوقع التعبير بهما معًا في سياق الأمر نظرًا إلى ما وقع لا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بهما معًا وبالجملة فلا يستقيم الاستدلال بحديث الباب على طهارة أبوال الإبل عند وجود هذه المحامل القوية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما أدلة نجاسة الأبوال فكثيرة منها ما أخرجه الترمذي في الأطعمة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها والجلالة التي تأكل الجلة وهي البعرة كما في القاموس وغيره فكان سبب النهي هو أكلها البعرة فعلم أنه نجس حيث سرت نجاستها إلى لحمها ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك [1/ 183] وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي ومنها غير ذلك. 2 - المسألة الثانية: مسألة التداوي بالمحرم واستدل بحديث الباب من أجاز التداوي بالمحرمات والأنجاس والمذاهب في هذا الباب مختلفة فمذهب الحنابلة عدم جواز التداوي بالمحرمات مطلقًا قال ابن قدامة: ولا يجوز التداوي بمحرم ولا يستثنى فيه محرم مثل ألبان الأتن ولحم شيء من المحرمات ولا شرب الخمر للتداوي به لما ذكرنا من الخبر. وأما الشافعية فيجوز التداوي عندهم بالمحرمات غير المسكر إلا إذا تعين الشفاء فيها فأما التداوي بالمسكر فلا يجوز عندهم أيضًا قال النواوي في المجموع شرح المهذب [9/ 52] مذهبنا جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر ودليلنا حديث العرنيين وهو في الصحيحين كما سبق وهو محمول على شربهم الأبوال للتداوي كما هو ظاهر الحديث وحديث لم يجعل شفاءكم محمول على عدم الحاجة إليه بأن يكون هناك ما يغني عنه ويقوم مقامه من الأدوية الطاهرة وقال البيهقي: هذان الحديثان إن صحا حملا على النهي عن التداوي بالمسكر وعن التداوي بالحرام من غير ضرورة للجمع بينهما وبين حديث العرنيين وأما المالكية فمذهبهم في هذا الباب كمذهب الحنابلة فإنهم لا يجوزون التداوي بالمحرم بحال ويقول القرطبي في تفسيره من سورة البقرة [2/ 213] وإن كان الميتة قائمة بعينها فقد قال سحنون: لا يتداوى بها بحال ولا بخنزير لأن منها عوضًا حلالًا بخلاف المجاعة وكذلك الخمر لا يتداوى بها. وأما الحنفية فقد اختلف أقوال علمائهم في المسألة فالمشهور عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجوز التداوي بالمحرم وقال السرخسي في باب الوضوء والغسل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من المبسوط [1/ 54] وعلى قول أبي حنيفة لا يجوز شربه (يعني بول ما يؤكل لحمه) للتداوي وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" وعند محمد يجوز شربه للتداوي وغيره لأنه طاهر عنده وعند أبي يوسف يجوز شربه للتداوي لا غير عملًا بحديث العرنيين، واستدل من حرم التداوي بالمحرمات بأحاديث متعددة منها ما أخرجه أبو داود في باب الأدوية المكروهة من كتاب الطب عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداوَوا بحرام" ومنها ما أخرجه أيضًا عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيبًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها ومنها ما أخرجه عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث ومنها ما أخرجه عن وائل بن حجر ذكر طارق بن سويد أو سويد بن طارق سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه فقال له: يا نبي الله إنها دواء قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا لكنها داء" وأخرجه أيضًا ابن ماجه في الطب رقم [3500] ومنها ما أخرجه الطحاوي عن عطاء قال: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها اللهم لا تشف من استشفى بالخمر إلى غير ذلك ومن رأى جواز التداوي بالحرام أجاب عن هذه الأحاديث بأنها محمولة على حالة الاختيار يعني إذا علم للمرض دواء آخر وهذا الجواب قد اختاره العيني في عمدة القاري [1/ 290]. قوله: (فصحوا) زاد الإسماعيلي في رواية عن ثابت (ورجعت إليهم ألوانهم) كذا في الفتح قوله: ثم مالوا على الرعاء والظاهر من حديث الباب أنهم قتلوا رعاء أكثر من واحد والظاهر مما ذكرنا من الروايات ومن الروايات الأخرى عند مسلم وعند البخاري وغيرهما أن المقتول كان واحدًا وهو يسار النوبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن تكون إبل الصدقة لها رعاء غير يسار فقُتل بعضهم مع يسار فاقتصر بعض الرواة على يسار لأنه كان راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم ولكن رجَّح الحافظ في الفتح قول أصحاب المغازي إنهم لم يقتلوا إلا راعيًا واحدًا وإنما ذكره راوي حديث الباب بالمعنى فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع والله أعلم قوله: (فقتلوهم) وذكر ابن سعد في طبقاته [2/ 93] أن يسارًا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم في نفر فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات رحمه الله تعالى ورضي عنه قوله:

فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِمْ. فَأُتِيَ بِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني إبله والذود اسم جمع للإبل وقد أخرج الواقدي في مغازيه [2/ 570] من طريق ابن أبي سبرة عن مروان بن سعيد بن المعلى رواية يؤخذ منها أنها كانت ست عشرة لقحة غزارًا فنحروا منها واحدة يقال لها الحنَّاء فبقيت خمس عشرة لقحة ردت إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من المسلمين (في أثرهم) بفتح الهمزة والمثلثة وبكسرها مع سكون المثلثة وتأتي رواية (في آثارهم) أي بعث طلبًا عقبهم ووراءهم وتفصيله ما أخرجه الواقدي في كتاب المغازي [2/ 569] من طريق خارجة بن عبد الله عن يزيد بن رومان قال في حديثه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثرهم عشرين فارسًا واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فخرجوا في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرة فاغتدوا لا يدرون أين يسلكون فإذا بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها فقالوا: ما هذا معك قالت: مررت بقوم قد نحروا بعيرًا فأعطوني قالوا: أين هم؟ قالت بتلك القفار من الحرة إذا وافيتم عليها رأيتم دخانهم فساروا حتى أتوهم حين فرغوا من طعامهم فأحاطوا بهم فسألوهم أن يستأسروهم فاستأسروا بأجمعهم لم يفلت منهم إنسان فربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا نحوه وتسمى هذه السرية سرية كرز بن جابر الفهري وذكر الواقدي عن بعض ولد سلمة بن الأكوع أن سلمة بن الأكوع أخبره بعدة العشرين فارسًا الذي كانوا في هذه السرية فقال سلمة: أنا وأبو رهم الغفاري وأبو ذر وبريدة بن الحصيب ورافع بن مكيث وجندب بن مكيث وبلال بن الحارث المزني وعبد الله بن عمرو بن عوف المزني وجعال بن سراقة وصفوان بن معطل وأبو زرعة معبد بن خالد الجهني وعبد الله بن بدر وسويد بن صخر وأبو ضبيس الجهني وذكر الحافظ في الفتح [8/ 340] عن مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد أو سعد بن زيد الأشهلي ثم جمع بين الروايات بأن ابن زيد الأشهلي كان رأس الأنصار وكرز بن جابر كان أمير السرية بأجمعها والله سبحانه وتعالى أعلم. (فأُتي بهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أتت سرية الطلب بالعرنيين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الواقدي [2/ 570] عن يزيد بن رومان قال: حدثني أنس بن مالك قال: فخرجت أسعى في آثارهم مع الغلمان حتى لقي بهم النبي

فَقَطَعَ أَيدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ. وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتى مَاتُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم بالغابة بمجمع السيول فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هناك قال أنس: إنِّي لواقف انظر إليهم (فقطع) النبي صلى الله عليه وسلم أي أمر بقطع (أيديهم وأرجلهم) على الخلاف أي قطعوا أيدي اليمنى وأرجل اليسرى لحد المحاربة وللقصاص (وسمل) النبي صلى الله عليه وسلم (أعينهم) هكذا هو في معظم النسخ سمل من باب قتل كما في المصباح أي أمر بفقء حدقتها قال الخطابي: السمل فقء العين (أي شدخ حدقتها) بأي شيء كان قال أبو ذؤيب الهذلي: والعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع كذا في معالم السنن وفتح الباري وقال ابن الأثير في جامع الأصول: [3/ 491] سملت عينه إذا فقئت بحديدة محماة وفي بعضها سمر ومعنى سمر كحلها بمسامير محمية ليذهب بصرها وقيل: سمل وسمر بمعنى واحد أي فقأ وأذهب ما فيها. أي أمر بسملها (وتركهم) أي أمر بتركهم (في الحرة حتى ماتوا) والحرة أرض ذات حجار سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا كذا في فتح الباري وإنما تركهم حتى ماتوا لأنهم استحقوا عقوبة الإعدام بجنايتين الحرابة والارتداد عن الإسلام. فأما قطع الأيدي والأرجل فكان حدًّا للمحاربة أو قصاصًا لما فعلوه بيسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما سمل الأعين فالجمهور على أنه كان قصاصًا واستدلوا به على وجوب المماثلة في قصاص كل جناية والحنفية على أنه لا وقود إلا بالسيف فيحملون حديث الباب على التعزير والسياسة أو على أنه منسوخ بأحاديث النهي عن المثلة ويدل على النسخ ما ذكره الترمذي في جامعه عن ابن سيرين أنه قال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود وربما يعترض بعض ملاحدة عصرنا على هذه القصة بأن العقوبة التي عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم قاسية جدًّا ولكنك رأيت أن ما فعله العرنيون أقسى منه بكثير وأبعد عن المروءة والإنسانية فإنهم لم يرتدوا عن الإسلام فحسب وإنما جازوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على مننهم الجسيمة مجازاة لا تتصور من إنسان يحمل قدرًا أدنى من المروءة والإنسانية إنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة الجوع والهزال والمرض والسقام فآواهم النبي صلى الله عليه وسلم وأطعمهم ثم منَّ عليهم بإرسالهم إلى إبل الصدقة وأباح لهم ألبان لقاحه وهيأ لهم كل ما يحتاجون إليه من غذاء صحي وهواء لطيف ودواء مفيد وائتمنهم

4221 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ. حَدَّثَنِي أَنَسٌ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على رعاته وأمواله ولكنهم ارتدوا عن الإسلام وانتهبوا الإبل وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أي ذنب منه أو تقصير وقطعوا يده ورجله وسملوا عينه بأشواك والحق أنهم كانوا يستحقون أقسى ما يكون من عذاب ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل بهم إلا مثل ما فعلوه براعي رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم المظلوم فلا يقدح في إقامة مثل هذه العقوبة على مثل هؤلاء الظلمة الطغاة إلا من أعمته عداوة الإسلام والمسلمين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 107]، والبخاري [4192]، وأبو داود [4364]، والترمذي [72]، والنسائي [7/ 93]، وابن ماجه [2578]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4221 - (00) (00) (حدثنا أبو جعفر) الدولابي مولدًا (محمد بن الصباح) الرازي ثم البغدادي صاحب السنن ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لأبي بكر قال) أبو بكر: (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ـابن علية عن حجاج بن أبي عثمان) ميسرة الكندي أبي الصلت البصري ثقة، من (6) (حدثنا أبو رجاء) الجرمي مولاهم (مولى أبي قلابة) سلمان البصري روى عن مولاه أبي قلابة في الحدود ويروي عنه (خ م د س) وحجاج بن أبي عثمان له عندهم فرد حديث وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من السادسة. (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (حدثني أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي قلابة لعبد العزيز بن صهيب وحميد (أن نفرًا من عكل) قبيلة من تيم الرباب من عدنان وكانت الرواية الأولى من عرينة قال ابن حجر في كتاب الوضوء: اختلفت الروايات عن البخاري ففي بعضها من عكل أو عرينة وفي بعضها من عكل وفي بعضها من عرينة وفي بعضها من عكل وعرينة بواو العطف وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري عن أنس أنهم كانوا أربعة من

ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَبَايَعُوهُ عَلَى الإسْلام. فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ وَسَقُمَتْ أَجْسَامُهُمْ. فَشَكَوْا ذلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَلا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ " فَقَالُوا: بَلَى. فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا. فَصَحُّوا. فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الإِبِلَ. فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ. فَأُدْرِكُوا. فَجِيءَ بِهِمْ. فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عرينة وثلاثة من عكل ولا يخالف هذا رواية (ثمانية) لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب اهـ مختصرًا وقد ذكرناه في الرواية الأولى وأعدناه هنا لئلا يغفل عنه القارئ (قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض) أي استثقلوا المقام في أرض المدينة لم يوافق هواؤها أبدانهم (وسقمت) أي مرضت (أجسامهم) وهزلت يقال: سقم سقمًا تعب وطال مرضه وسقم سقمًا من باب قرب اهـ من المصباح (فشكوا ذلك) الذي أصابهم من الاستيخام وسقم الأجسام أي أخبروه على سبيل الشكوى (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تخرجون) ألا أداة عرض وهو الطلب برفق ولين ولكن الفعل بعد الفاء مرفوع لأن النصب ليس بواجب أو الهمزة للاستفهام الاستعطافي ولا نافية أي أما تخرجون (مع راعينا) يسار النوبي (في إبله) الإضافة فيه للاختصاص إلى الصحراء (فتصيبون) أي فتشربون (من أبوالها وألبانها) قوله: فتصيبون بإثبات النون ولفظ النسائي فتصيبوا بإسقاطها وهو الموافق للقاعدة (فقالوا: بلى) نخرج معه (فخرجوا) معه (فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا) من مرضهم وسمنوا (فقتلوا الراعي) أي راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم يسارًا النوبي وفي الرواية السابقة ثم مالوا على الرعاء بصيغة الجمع وقد مر لك بيان كيفية الجمع بين الروايتين (وطردوا الإبل) أي ساقوا إبل الصدقة ولقاح النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية: (واطردوا النعم) أي أخرجوها من ماواها واستاقوها (فبلغ ذلك) الذي فعلوه (رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسًا عشرين فارسًا (في آثارهم) أي وراءهم ليأخذوهم (فأدركوا) أي أدرك العرنيون ولحقوا وأخذوا (فجيء بهم) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر بهم) أي بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف (فقطعت أيديهم وأرجلهم) من خلاف (وسمر) أي

أَعْيُنُهُمْ. ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا. وَقَال ابْنُ الصَّبَّاحِ فِي رِوَايَتِهِ: وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ. وَقَال: وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ. 4222 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، مَوْلَى أَبِي قِلابَةَ. قَال: قَال أَبُو قِلابَةَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَينَةَ. فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ. فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ. وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا. بِمَعْنَى حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقئت (أعينهم ثم نبذوا) أي طرحوا في الحرة (في الشمس حتى ماتوا وقال ابن الصباح في روايته واطردوا النعم وقال) أيضًا: (وسمِّرت) بالبناء للمجهول مع التشديد وزيادة تاء التأنيث (أعينهم) وهذا هو الأوضح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4222 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمال ثقة، من (10) (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي نسبة إلى واشح بطن من الأزد البصري ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (عن أبي رجاء) الجرمي مولاهم (مولى أبي قلابة) سلمان البصري (قال) أبو رجاء (قال أبو قلابة: حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة أيوب السختياني لحجاج بن أبي عثمان (قال) أنس: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم) سنة ست من الهجرة (قوم) أي جماعة دون العشرة (من عكل) بضم العين وسكون الكاف قبيلة مشهورة (أو) قال من (عرينة) بالشك والصواب بالواو بلا شك كما مر لأن القوم كانوا من كلا القبيلتين أربعة من عرينة وثلاثة من عكل وواحد من غيرهما كما مر (فاجتووا المدينة) أي كرهوا هواءها ولم يوافقهم طعامها (فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح) أي أمرهم أن يلحقوا بلقاح وهي النوق ذوات الألبان جمع لقوح مثل قلوص وقلاص وقيل جمع لقحة بكسر اللام وسكون القاف وهي الناقة الحلوب وكانت ست عشرة لقحة (وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها) وساق أيوب (بمعنى حديث حجاج بن أبي عثمان) ولكن

قَال: وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أيوب في روايته: (وسمرت أعينهم) بتأنيث الفعل بدل قول الحجاج (وسمر أعينهم) بتذكير الفعل وقال أيضًا: (وألقوا في الحرة) بدل قول الحجاج (ثم نبذوا في الشمس) مع زيادة لفظة (يستسقون فلا يُسقون) أي يطلبون سقيا الماء فلا يعطون السقيا وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين وقال أنس في رواية ثابت عند البخاري في الطب: (فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت) ولأبي عوانة من هذا الوجه (ويعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة) ذكره الحافظ في الفتح [1/ 340] واستشكله العلماء لإجماع المسلمين على أن من وجب عليه القتل لا يمنع الماء لئلا يجتمع له عذابان وأجابوا عنه بوجوه (1) قال القاضي عياض رحمه الله: ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك كذا في شرح الأبي [4/ 411] واعترض عليه ابن حجر والعيني بأنه صلى الله عليه وسلم اطَّلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم (2) قال النووي: قد ذكر في هذا الحديث الصحيح أنهم قتلوا الرعاة وارتدوا عن الإسلام وحينئذٍ لا يبقى لهم حرمة في سقي الماء وقد قال أصحابنا لا يجوز لمن معه من الماء ما يحتاج إليه للطهارة أن يسقيه لمرتد يخاف الموت من العطش ويتيمم ولو كان ذميًا أو بهيمة وجب سقيه ولم يجز الوضوء به حينئذٍ (3) قال المنذري في تلخيص أبي داود [6/ 204] وترك النبي صلى الله عليه وسلم سقيهم الماء عقوبة لما جازوا سقي النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالردة والحرابة أراد أن يعاقبهم على كفر هذا السقي بالإعطاش ورُوي عن سعيد بن المسيب وذكر هذا الحديث فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عطش الله من عطَّش آل محمد الليلة فكان ترك سقيهم إجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم وحديث سعيد بن المسيب أخرجه النسائي [2/ 167] وفيه واستاقوا اللقاح فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم عطِّش من عطَّش آل محمد الليلة ووجه ذلك أن لبن تلك اللقاح كان يراح به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة وطب من لبن كما أخرجه الواقدي في مغازيه [2/ 571] فلما استاقوا اللقاح لم يأت لبنها إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد بلغه ارتدادهم وقتلهم الراعي واستياقهم اللقاح فدعا عليهم بالعطش (4) ورد العلامة الأبي رحمه الله في شرحه [4/ 411] هذه الأجوبة كلها بأن كفرهم نعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعطيشهم آل النبي صلى الله عليه وسلم ذنب عقوبته الأدب فغايته أن ترتب عليهم ذنب مع قتل والمذهب أنه إذا

4223 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ عَوْنٍ. حَدَّثنَا أَبُو رَجَاءٍ، مَوْلَى أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ. قَال: كُنْتُ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَال لِلنَّاسِ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ فَقَال عَنْبَسَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ اجتمع مع القتل غيره أنه يقتل فقط لأن القتل يأتي على غيره ثم مال الأبي رحمه الله إلى أنه صلى الله عليه وسلم فعل بهم ذلك قصاصًا لأنهم لم يسقوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات عطشًا وأولى هذه الوجوه ما ذكره الأبي رحمه الله وأنه مخصوص بالعرنيين لما فعلوا براعي النبي صلى الله عليه وسلم والقصاص بالمثل كان جائزًا حينئذٍ ولذلك سمر أعينهم مع ما ورد بعد ذلك من النهي عن المثلة فليحمل ترك سقيهم على القصاص بالمثل أيضًا وقد نسخ بعد كما سيأتي اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4223 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن معاذ) العنبري البصري (ح وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي) أبو عثمان البصري ثقة من (11) روى عنه في (7) أبواب: (حدثنا أزهر) بن سعد (السمان) الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب: (قالا): أي قال كل من معاذ وأزهر (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون البصري ثقة، ثبت من (6) (حدثنا أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة) عن أنس بن مالك وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن عون لحجاج بن أبي عثمان وأيوب في الرواية عن أبي رجاء (قال) أبو قلابة: (كنت جالسًا خلف عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي المدني أمير المؤمنين ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب: (فقال) عمر بن عبد العزيز (للناس) الذين اجتمعوا حوله (ما تقولون في) شأن (القسامة) يعني هل العمل بالقسامة مشروع أَوْ لا ويحتمل أن يكون أراد هل يجب بها القصاص أم لا (فقال عنبسة) بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي الكوفي روى عن أنس في الحدود ذكره أبو قلابة في حديث العرنيين وأبي هريرة ويروي عنه (خ م د) وأبو قلابة والزهري ومحمد بن عمرو بن علقمة وعدة وثقه أبو داود والنسائي وابن معين ويعقوب بن سفيان

قَدْ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَذَا وَكَذَا. فَقُلْتُ: إِيَّايَ حَدَّثَ أَنَسٌ. قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ أَيُّوبَ وَحَحَّاجٍ. قَال أَبُو قِلابَةَ: فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَال عَنْبَسَةُ: سُبْحَانَ اللهِ! قَال أَبُو قِلابَةَ: فَقُلْتُ: أَتَتَّهِمُنِي يَا عَنْبَسَةُ؟ قَال: لَا. هكَذَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. لَنْ تَزَالُوا بِخَيرٍ، يَا أَهْلَ الشَّامِ! مَا دَامَ فِيكمْ هذَا أَوْ مِثْلُ هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من الثالثة وكان عند الحجاج بالكوفة مات على رأس المائة (100) (قد حدثنا أنس بن مالك) حديث (كذا وكذا) يعني حديث العرنيين قال أبو قلابة: (فقلت إياي) نفسي بلا واسطة (حدَّث أنس) يعني حديث العرنيين فقال أنس في تحديثه لنا (قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قوم) من عرينة وعكل (وساق) أي ذكر عبد الله بن عون (الحديث) السابق (بنحو حديث أيوب) السختياني (وحجاج) بن أبي عثمان (قال أبو قلابة: فلما فرغت) من سوق هذا الحديث (قال عنبسة) بن سعيد الأموي من بين الحاضرين: (سبحان الله) أي عجبًا لفضل الله الذي فقه أبا قلابة هذا الحديث وفي رواية البخاري الآتية (والله إن سمعت كاليوم قط) وإنما أراد عنبسة بذلك الثناء على أبي قلابة في سوق هذا الحديث على وجهه ولكن ظن أبو قلابة من قول عنبسة سبحان الله أن يتهمه في هذا الحديث فلذلك (قال أبو قلابة: فقلت) لعنبسة حين سبَّح (أتتهمني يا عنبسة) بالكذب في هذا الحديث وفي رواية البخاري (أترد عليَّ حديثي يا عنبسة كأنه فهم من قوله: سبحان الله أنه يرد عليه حديثه) (قال) عنبسة لأبي قلابة: (لا) أي ما اتهمتك في الحديث ولا رددته عليك بل حدثت الحديث على وجهه (هكذا) أي بل على الوجه الذي حدثته (حدثنا أنس بن مالك) وفي رواية البخاري (قال: لا ولكن جئت بالحديث على وجهه) والمعنى أني لا أتهمك وإنما حدثني أنس بعين ما حدثت به ولكني نسيت أن سبب قتل العرنيين لم يكن السرقة فقط وإنما كان الارتداد والقتل ثم قال عنبسة للحاضرين للثناء على أبي قلابة (لن تزالوا) ملتبسين (بخير) وفقه دين (يا أهل الشام ما دام فيكم هذا) العالم المحدث يعني أبا قلابة (أو) قال عنبسة: ما دام فيكم (مثل هذا) العالم بزيادة لفظة مثل والشك من الراوي في أي اللفظين قال عنبسة: وإنما وجه الخطاب إلى أهل الشام مع أن أبا قلابة بصري لأنه نزل الشام في آخر عمره ومات بها سنة أربع ومائة (104) رحمه الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث قد اختصره الإمام مسلم رحمه الله تعالى ها هنا اختصارًا ربما يخل بالفهم وأخرجه البخاري بتمامه من طريق حجاج بن أبي عثمان الصواف في باب القسامة من كتاب الديات فنورده بلفظه ليتبين الأمر على وجهه. قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي حدثنا الحجاج بن أبي عثمان حدثني أبو رجاء من آل أبي قلابة حدثني أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال ما تقولون في القسامة قالوا: نقول القسامة القود بها حق وقد أقادت بها الخلفاء قال لي ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه قال: لا قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل قتل بجريرة نفسه فقتل أو رجل زنى بعد إحصان أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام فقال القوم: أوليس قد حدث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في السرق وسمر الأعين ثم نبذهم في الشمس فقلت: أنا أحدثكم حدثني أنس أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض فسقمت أجسامهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها قالوا: بلى فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطردوا النعم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم فأدركوا فجيء فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا. وحاصل ذلك أن أبا قلابة أنكر أن توجب القسامة القود واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحدًا إلا بأحد الأمور الثلاثة فاعترض عليه عنبسة بأنه صلى الله عليه وسلم قتل العرنيين بأمر رابع وهو السرقة زعمًا منه بأن قتل العرنيين إنما وقع لسرقتهم فأجابه أبو قلابة بسرد حديث أنس وذكر أن العرنيين لم يقتلوا لمحض السرقة وإنما قتلوا لارتدادهم وقتلهم راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلهم داخل في

4224 - (00) (00) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي شُعَيب الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ (وَهُوَ ابْنُ بُكَيرٍ الْحَرَّانِيُّ). أَخْبَرَنَا الأوْزَاعِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمور الثلاثة ثم قال الحافظ في فتح الباري: [12/ 243] ولم يظهر لي وجه استدلال أبي قلابة بأن القتل لا يشرع إلا في الثلاثة لرد القود بالقسامة مع أن القود قتل نفس بنفس وهو أحد الثلاثة وإنما وقع النزاع في الطريق إلى ثبوت ذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4224 - (00) (00) (وحدثنا الحسن) بن أحمد (بن أبي شعيب) عبد الله بن مسلم القرشي الأموي مولاهم مولى عمر بن عبد العزيز أبو مسلم (الحرَّاني) بفتح الحاء وتشديد الراء نسبة إلى حرَّان مدينة بالجزيرة كان بها ومنها جماعة من الفضلاء والعلماء في كل فن وهي من ديار ربيعة سميت حرَّان باسم هاران بن تارخ وهو أبو لوط النبي عليه السلام وهي أول مدينة بنيت بعد بابل كذا في الأنساب للسمعاني [4/ 107] ثقة، من (11) روى عنه في (2) بابين: (حدثنا مسكين وهو ابن بكير الحرَّاني) أبو عبد الرحمن الحذاء قال أحمد: كثير الوهم له في (خ) فرد حديث وفي (م) حديثان صدوق، من (9) (أخبرنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي ثقة، من (7) (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة، متقن من (11) (أخبرنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي بكسر الفاء وسكون الراء بعدها تحتانية وبعد الألف موحدة نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد الترك نزيل قيسارية مدينة من مدائن فلسطين روى عن الأوزاعي في الحدود والجهاد والثوري في الذبائح والأطعمة والقدر وإسرائيل في ذكر موسى ويروي عنه (ع) وعبد الله الدارمي وإسحاق بن منصور الكوسج وأحمد ومحمد بن يحيى وثقه أبو حاتم والنسائي وقال البخاري: وكان أفضل أهل زمانه وقال العجلي: ثقة وقال في التقريب ثقة فاضل من التاسعة مات سنة اثنتي عشرة ومائتين (212) (عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5) (عن أبي قلابة عن أنس بن مالك) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لأبي رجاء (قال) أنس: (قدم على رسول الله صلى

اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم ثمانية نفر) ثلاثة (من عكل) وأربعة من عرينة وواحد من قبيلة أخرى وساق يحيى بن أبي كثير (بنحو حديثهم) الصواب (بنحو حديثه) أي بنحو حديث أبي رجاء عن أبي قلابة لأن المتابع بفتح الباء واحد وهو أبو رجاء لأنه هو الذي يروي عن أبي قلابة في الأسانيد السابقة كلها ويحتمل على بعد عود ضمير الجمع إلى من روى عن أبي رجاء ويكون المتابع هو الأوزاعي وحينئذٍ فالمتابعة ناقصة والمعنى حينئذٍ وساق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بنحو حديث حجاج بن أبي عثمان وأيوب السختياني وابن عون عن أبي رجاء عن أبي قلابة عن أنس فالأوزاعي روى عن أبي قلابة بواسطة يحيى بن أبي كثير فالثلاثة المتابعون بفتح الباء رووا عن أبي قلابة بواسطة أبي رجاء (و) لكن (زاد) يحيى بن أبي كثير على أبي رجاء (في) رواية هذا (الحديث) لفظة (ولم يحسمهم) النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يأمر بحسم موضع قطعهم من الأيدي والأرجل وعلى النسخة المحرفة وزاد الأوزاعي على الثلاثة المتابعين بفتح الباء لفظة ولم يحسمهم والحسم كي العرق لمنع سيلان الدم وبابه شرب أي لم يكو ما قطع منهم لينقطع الدم بل تركه ينزف ومن الحسم وضع اليد بعد القطع في زيت حار اهـ من بعض الهوامش. وقال المنذري في تلخيصه لأبي داود [6/ 203]: الحسم كي العرق بالنار لينقطع الدم قيل: لم يحسمهم النبي صلى الله عليه وسلم لأن قتلهم كان واجبًا بالردة فلا يحسم من تطلب نفسه فإن حسم نفسه لم يمنع وأما من وجب عليه قطع يد فالعلماء مجمعون على أنه لا بد من حسمها لأنه أقرب إلى البرء وأبعد من التلف واستدل به القاضي عياض على أن المأخوذ في الحرابة لا يحسم غير أنه إن حسم نفسه لا يمنع وذلك مبني على مذهب المالكية من أن الإمام له الخيار في القتل أو القطع ولكن تعقبه الأبي في شرحه [4/ 412] بأن القطع قسيم للقتل عند المالكية أيضًا فإذا اختار الإمام القطع دون القتل صار كقطع السارق فينبغي أن يحسم لئلا يؤدي إلى الهلاك فإنه غير مقصود ثم اختار الأبي أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك حسمهم قصاصًا لما فعلوا براعي رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

4225 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ عُرَينَةَ. فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ. وَقَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ الْمُومُ (وَهُوَ الْبِرْسَامُ). ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثهِمْ. وَزَاد: وَعِنْدَهُ شَبَابٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4225 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز ثقة، من (10) (حدثنا مالك بن إسماعيل) بن درهم النهدي مولاهم أبو غسان الكوفي روى عن زهير بن معاوية في الحدود وإسرائيل وأسباط بن نصر وخلق ويروي عنه (ع) وهارون بن عبد الله ويوسف بن موسى القطان وأحمد بن عثمان الأودي وغيرهم قال ابن معين: ليس في الكوفة أتقن منه وقال في التقريب: ثقة متقن عابد صحيح الكتاب من صغار التاسعة (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي ثقة، من (7) (حدثنا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبو المغيرة الكوفي صدوق، من (4) (عن معاوية بن قرة) بن إياس المزني أبي إياس البصري ثقة، من (3) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معاوية بن قرة لعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل وأبي قلابة في رواية هذا الحديث عن أنس بن مالك (قال) أنس: (أتى) أي جاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة) وعكل بنصب الرسول على المفعولية قدمه للتشريف ورفع نفر على الفاعلية آخره للاستهانة كما هو مقرر عند البلغاء (فأسلموا وبايعوه) صلى الله عليه وسلم على الإسلام (وقد وقع بالمدينة) المنورة (الموم) بضم الميم وفسره الراوي بقوله: (وهو البرسام) بكسر الباء وسكون الراء وهو أي الموم سرياني معرب أطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر والمراد هنا الأخير فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة فعظمت بطونهم كذا في فتح الباري [1/ 338] وقال الأبي في شرحه: والبرسام لغة يونانية معناها ورم الصدر وهي مركبة من كلمتين (بر) و (سام) و (البر) في لغتهم اسم للصدر و (سام) اسم للورم. ومن لغتهم في تركيب الإضافة تقدم المضاف إليه على المضاف ومثله (شر سام) فإن (شر) اسم للرأس كأنه يقول: (رأس ورم) (ثم ذكر) معاوية بن قرة (نحو حديثهم) أي نحو حديث عبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل وأبي قلابة (و) لكن (زاد) معاوية بن قرة على هؤلاء الثلاثة لفظة (وعنده) صلى الله عليه وسلم حين بلغه خبر العرنيين (شباب)

مِنَ الأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ. فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيهِمْ. وَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ. 4226 - (00) (00) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ. عَنْ أَنَسٍ. وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَهْطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع شاب وهو الرجل الفتي (من الأنصار قريب من عشرين) نفرًا (فأرسلهم) أي فأرسل صلى الله عليه وسلم أولئك الشباب (إليهم) أي إلى العرنيين ليأخذوهم (وبعث) صلى الله عليه وسلم (معهم) أي مع أولئك الشباب (قائفًا يقتص) أي يتتبع (أثرهم) أي أثر العرنيين وللنسائي من رواية الأوزاعي فبعث في طلبهم قافة وهو جمع قائف والقائف هو الذي يتتبع الآثار ويميزها أي يعرف آثار أقدام المارة ويتابعها وبابه قال: قال ابن حجر: ولم أقف على اسم هذا القائف ولا على اسم واحد من العشرين لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلًا ولم يقل من الأنصار بل سمى جماعة من المهاجرين (وقد سردنا أسماءهم في شرح الرواية الأولى من هذا الباب) والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فأطلق الأنصار تغليبًا أوقيل للجميع: أنصار بالمعنى الأعم وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم لكن إسناده ضعيف والمعروف أن جريرًا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة والله أعلم كذا في فتح الباري [1/ 340]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4226 - (00) (00) (حدثنا هدَّاب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري ثقة، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري ثقة، من (7) (حدثنا قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري ثقة، من (8) (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري ثقة، من (6) (عن قتادة عن أنس) وهذا السند من خماسياته غرضه بسوق السندين بيان متابعة قتادة لعبد العزيز وحميد وأبي قلابة ومعاوية (و) لكن (في حديث همام) وروايته (قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رهط)

مِنْ عُرَينَةَ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: مِنْ عُكْلِ وَعُرَينَةَ، بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. 4227 - (00) (00) وحدّثني الْفَضْلُ بْنُ سهْلٍ الأَعْرَجُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيلانَ. عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُريعٍ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أعْيُنَ أُولئِكَ، لأنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ. 4228 - (1617) (180) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي جماعة فوق الثلاثة ودون العشرة (من عرينة) بلا ذكر عكل (وفي حديث سعيد) بن أبي عروبة وروايته رهط (من عكل وعرينة) بذكر القبيلتين وساق قتادة (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث هؤلاء الأربعة المذكورين آنفًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4227 - (00) (00) (وحدثني الفضل بن سهل) بن إبراهيم (الأعرج) أبو العباس البغدادي صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب: (حدثنا يحيى بن غيلان) بن عبد الله بن أسماء بن حارثة الخزاعي ثم الأسلمي أبو الفضل البغدادي روى عن يزيد بن زريع في الحدود ومالك والمفضل بن فضالة وأبي عوانة وجماعة ويروي عنه (م ت س) والفضل بن سهل وأحمد ومحمد بن عبد الرحيم البزاز وآخرون وثقه ابن سعد والخطيب وذكره ابن حبان في الثقات له عندهم حديث واحد وقال في التقريب ثقة من العاشرة مات سنة (220) عشرين ومائتين (عن يزيد بن زريع) التميمي العيشي أبي معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري ثقة، من (4) (عن أنس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سليمان التيمي لمن روى عن أنس وهذه الرواية الموقوفة انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى (قال) أنس: (إنما سمل) وفقأ (النبي صلى الله عليه وسلم) أي إنما أمر بسمل وفقء (أعين أولئك) العرنيين مع كونه من المثلة التي نهى عنها (لأنهم) أي لأن أولئك العرنيين (سملوا) أي فقؤوا (أعين الرعاء) أي أعين رعاة النبي صلى الله عليه وسلم ففقأ أعينهم قصاصًا وذلك قبل النهي عن المثلة والمراد بالجمع الجنس لأنهم إنما سملوا عين يسار النوبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وراعي لقاحه ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة أعني القصاص بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 4228 - (1617) (180) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ

لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا. فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ. قَال: فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَبِهَا رَمَقٌ. فَقَال لَهَا: "أَقَتَلَكِ فُلانٌ؟ ! فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؛ أَنْ لَا. ثُمَّ قَال لَهَا الثَّانِيَةَ. فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؛ أَنْ لَا. ثُمَّ سَالهَا الثَّالِثَةَ. فَقَالتْ: نَعَمْ. وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا. فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن يهوديًّا) من يهود المدينة (قتل جارية) أي بنتًا صغيرة لم تبلغ قال الحافظ في الفتح [12/ 198]: ولم أقف على اسمها لكن في بعض طرقه أنها من الأنصار (على أوضاح لها) أي لأجل أخذ أوضاح لها أي لأجل أخذ حلي لها من قطع فضة والأوضاح جمع وضح بفتحتين وهو نوع من حلي الفضة سمي به لبياضه كذا في مجمع البحار (فقلتها بحجر) أي رضها بين حجرين ولا معارضة بين قوله: (رض رأسها بين حجرين) وبين قوله: (رماها بحجر) وبين قوله: (رضخ رأسها) لأنه يجمع بينها بأنه رماها بحجر فأصاب رأسها فسقطت على حجر آخر (قال) أنس: (فجيء بها) أي بالجارية. (إلى النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أن (بها رمق) أي بقية حياة وروح (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقتلك) بكسر الكاف خطابًا للجارية (فلان) ذاكرًا لها غير القاتل (فأشارت) له صلى الله عليه وسلم (برأسها) بـ (ـأن لا) أي بأن هذا المشار إليه لم يقتلني (ثم قال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرة (الثانية) أقتلك فلان ذاكرًا لها غير القاتل (فأشارت) له المرة الثانية (برأسها) بـ (ـأن لا) أي بأنه لم يقتلني هذا المشار إليه في الثانية (ثم سألها) المرة (الثالثة) فقال لها: أقتلك فلان ذاكرًا لها غير الأولَين (فقالت): أي أومأت له صلى الله عليه وسلم برأسها بأن (نعم) قتلني هذا المشار إليه في الثالثة وقوله: (وأشارت) لي (برأسها) بأن نعم تفسير لقالت لأنها لا تقدر على القول اللساني لأنها في حالة الرمق فيه أن الإشارة المفهمة معتبرة والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم عد بين يديها أسماء عدة أشخاص ممن يحتمل كونهم قاتلًا لها فأشارت في الجميع بالنفي حتى سمَّى اليهودي فأشارت بالإثبات (فقتله رسول الله صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ حَجَرَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم) أي رضَّه (بين حجرين) أي أمر بقتله بعد إقراره كما هو الرواية الآتية فيه دليل على أن الرجل يقتل بالمرأة وانعقد عليه الإجماع إلا من شذ فقال: لا يقتل بها وهو عطاء والحسن وقد روي عن علي رضي الله عنه وأما القصاص بينهما في الأطراف فهو أيضًا مذهب الجمهور وقد ذهب إلى نفيه فيها من نفاه في النفس وأبو حنيفة وحماد وإن قالا به في النفي والصحيح قول الجمهور في المسألتين لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وفيه جواز ذكر من اتهم وعرضهم على المقتول واحدًا فواحدًا بعينه واسمه وإن لم تقم دلالة على لطخه أكثر من أن يحتمل ذلك احتمالًا قريبًا وفيه قتل الكبير بالصغير لأن الجارية اسم لمن لم يبلغ من النساء كالغلام في الرجال وهذا لا يختلف فيه وفيه أن من قتل بشيء قتل به وقد اختلف فيه فذهب الجمهور إلى أنه يقتل بمثل ما قتل من حجر أو عصا أو تغريق أو خنق أوغير ذلك ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف وحجتهم هذا الحديث وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194] وقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] والقصاص أصله المساواة في الفعل ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار وفي قتله بالعصا فجمهورهم على أنه يقتل بذلك وقال ابن الماجشون وغيره: لا يحرق بالنار لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يعذب بالنار إلا الله" رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه: إنه إن كان في قتله بالعصا تطويل وتعذيب قتل بالسيف وفي الأخرى: يُقتل بها وإن كان فيه ذلك وهو قول الشافعي وقال الشافعي في من حبس رجلًا أيامًا حتى مات جوعًا أو عطشًا أو قطع يديه ورجليه ورمى به من جبل أن يفعل مثل ذلك به فإن مات وإلا قتل وذهبت طائفة إلى خلاف ذلك كله فقالوا: لا قود إلا بالسيف وهو مذهب أبي حنيفة والشعبي والنخعي واحتجوا على ذلك بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا قود إلا بحديدة رواه البيهقي وعبد الرزاق في مصنفه وبالنهي عن المثلة والصحيح مذهب الجمهور لما تقدم ولأن الحديث الذي هو (لا قود إلا بحديدة) ضعيف عند المحدثين لا يروى من طريق صحيح ولأن النهي عن المثلة نقول بموجبه إذا لم يمثل بالمقتول فإن مثل مثلنا به لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194] ولحديث العرنيين على ما تقدم وقد شذ بعضهم فقال في من قتل بخنق أو بسمٍّ أو تردية من جبل أو في بئر أو بخشبة أنه لا يقتل

4229 - (00) (00) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ: فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَينَ حَجَرَينِ. 2430 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يقتص منه إلا إذا قتل بمحدد حديد أو حجر أو خشب أو كان معروفًا بالخنق والتردية وهذا منه رَدٌّ للكتاب والسنة وإحداث ما لم يكن عليه أمر الأمة وذريعة إلى رفع القصاص الذي شرعه الله تعالى حياة للنفوس فليس عنه مناص اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 183]، والبخاري [2413]، وأبو داود [4527]، والترمذي [1394]، وابن ماجه [2665]. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: 4229 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من خالد وابن إدريس رويا (عن شعبة) وغرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أنس (نحوه) أي نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة (و) لكن (في حديث ابن إدريس) وروايته لفظة (فرضخ رأسه) الصواب (رأسها) أي رأس الجارية إلا إن قلنا أعاد عليها بمعنى المذكور (بين حجرين). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 2430 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي قلابة لهشام بن زيد (أن رجلًا من اليهود

قَتَلَ جَارِيَةً مِنَ الأنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا. ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي الْقَلِيبِ. وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ. فَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ. حَتَّى يَمُوتَ. فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. 4231 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قتل جارية من الأنصار على حليّ لها) أي لأجل أخذ حلي لها فأخذه منها (ثم ألقاها في القليب) والقليب هي البئر الغير المطوية (ورضخ رأسها) أي دقه ورضه (بالحجارة) قال النووي: رضخه بين الحجرين ورضه بالحجارة ورجمه بالحجارة هذه الألفاظ معناها واحد لأنه إذا وضع رأسه على حجر ورمى بحجر آخر فقد رجم ورض وقد رضخ اهـ (فأخذ) ذلك اليهودي (فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم) بصيغة المجهول في الفعلين (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي بالاقتصاص منه وجملة قوله: (أن يرجم) بدل من الضمير المجرور (فرجم) أي شدخ بالحجارة (حتى مات) فهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قال القرطبي: هذه الرواية مخالفة لمساق الرواية الأولى فلذلك قيل فيها: إنها قضية أخرى غير تلك والأولى أن القضية واحدة غير أن الراوي عبر عن رض رأس اليهودي بالحجارة بالرجم ولا بعد في ذلك فإنه من تسمية الشيء بما يشبهه كما مر عن النووي بما يقتضي ذلك اهـ من المفهم. قوله: (في القليب) بفتح القاف وكسر اللام بئر لم تطو كما مر آنفًا كما في مجمع البحار وأضاف إليه بعضهم أنها البئر العادية القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر تكون في البراري يذكر ويؤنث وجمعه أقلبة وقال ابن شميل: إن القليب اسم من أسماء الركيِّ مطوية أو غير مطوية ذات ماء أو غير ذات ماء كذا في تاج العروس للزبيدي [1/ 438] (قوله: فأمر به أن يرجم) ليس المراد بالرجم ها هنا الرجم المعروف للزاني المحصن وإنما المراد رضخ رأسه بالحجارة كما فسرته الروايات الأخرى. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4231 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) الكوسج النيسابوري من (11) (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج أخبرني معمر عن

أَيوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4232 - (00) (00) وحدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَينَ حَجَرَينِ. فَسَأَلُوهَا: مَنْ صَنَعَ هذَا بِكِ؟ فُلانٌ؟ فُلانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا. فَأَوْمَتْ بِرَأسِهَا. فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ. فَأمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أيوب بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أنس (مثله) أي مثل ما روى عبد الرزاق عن معمر وهذا السند من سباعياته ففيه نزول بدرجة غرضه بيان متابعة ابن جريج لعبد الرزاق. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 4232 - (00) (00) (وحدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري ثقة من (9) ويقال فيه هدبة بن خالد كما هو لفظ البخاري فيه (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة قتادة لأبي قلابة وهشام بن زيد (أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ) وشُدخ (بين حجرين فسألوها) أي سأل أهلها إياها بقولهم: (من صنع) وفعل (هذا) الرض (بك) يا جارية (فلان) فعل بك أم (فلان) فعل بك لرجل آخر عددوا لها أسماء رجال (حتى ذكروا) لها (يهوديًّا) أي اسم يهودي رضَّها (فأومت) أصله أومأت قلبت الهمزة ألفًا لتطرفها بعد فتحة فالتقى ساكنان ثم حذفت الألف لبقاء دالها فصار أومت أي أشارت لهم (برأسها) بأن نعم (فأخذ اليهودي فأقر) برضخها (فأمر به) أي برضخ رأسه (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) وجملة قوله (أن يرض رأسه بالحجارة) بدل من الضمير المجرور قبله والرض والرضخ الدق والكسر كذا في مجمع البحار وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات. ***

600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم

600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم 4233 - (1618) (181) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. قَال: قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ أَو ابْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا. فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 600 - (40) باب إهدار دم الصائل وإثبات القصاص في الأسنان وبيان ما يباح به دم المسلم 4233 - (1618) (181) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة) بضم أوله ابن أوفى العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة أبي حاجب البصري قاضيها ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي أبي نجيد البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) عمران بن حصين (قاتل) أي ضارب (يعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون وفتح الياء المخففة اسم أمه أو اسم جدته (أو) قال عمران: قاتل يعلى (بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم والياء المشددة اسم أبيه ابن عبيد بن همام بن الحارث التميمي حليف قريش المكي الصحابي المشهور من مسلمة الفتح رضي الله عنه (رجلًا) أي تضارب مع رجل وهو أجير يعلى بن أمية كما سيأتي في روايته وهذا صريح في أن يعلى بن أمية هو الذي قاتل أجيره (فعض أحدهما) أي أحد المتضاربين (صاحبه) أي خصمه ومراده أن يعلى بن أمية عض أجيره وإنما أبهم يعلى تسمية العاض احتشامًا من نسبة العض إلى نفسه ولذلك قال الحافظ في الفتح [12/ 223] وفيه أن من وقع له أمر يأنفه أو يحتشم من نسبته إليه إذا حكاه كنى عن نفسه بأن يقول فعل رجل أو إنسان أو نحو ذلك كذا وكذا قال النووي: المعضوض هو يعلى وفي الرواية الثانية والثالثة أن المعضوض هو أجير يعلى لا يعلى قال الحفاظ: الصحيح المعروف أنه أجير يعلى لا يعلى والعاض هو يعلى ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى وأجيره في وقت أو وقتين اهـ وهذا هو الصحيح في تسمية العاض وزعم القرطبي وعياض أن العاض غير يعلى واستدلا بما سيأتي في رواية عطاء عن صفوان بن يعلى أن أجيرًا ليعلى بن منية عض

فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ. فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ. (وَقَال ابْنُ الْمُثَنَّى: ثَنِيَّتَيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ رجل ذراعه فإنه يتبادر منه أن الرجل العاض غير يعلى بن منية ورجح القرطبي هذا الاحتمال لجلالة يعلى وفضله واستبعد أن يقع منه ذلك وتبعه النووي فقال: والصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى لا يعلى كما مر آنفًا ولكن تعقبهم الزين العراقي في شرح الترمذي كما حكى عنه البدر العيني في العمدة [11/ 207] والحافظُ في الفتح [12/ 220] فقال: ليس في رواية مسلم ولا في رواية غيره من الكتب الستة ولا غيرها أن يعلى هو المعضوض لا صريحًا ولا إشارة فيتعين أن يعلى هو العاض ويظهر من مجموع روايات هذه القصة صحة ما قاله العراقي فقد صرح عمران بن حصين في رواية الباب أن يعلى بن أمية أحد المتقاتلَين وصرح في رواية صفوان بن يعلى الآتية أن أجير يعلى هو المعضوض فتلخص من الروايتين أن يعلى هو العاض وأجيره هو المعضوض ووقع في رواية محمد بن مسلم عن صفوان عند النسائي أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فاستأجر أجيرًا فقاتل رجلًا فعض الرجل ذراعه وهذا صريح في أن العاض خصم الأجير وهو يعلى وأما استبعاد القرطبي أن يقع ذلك من يعلى مع جلالته فلا معنى له من ثبوت التصريح به في الخبر الصحيح وقال الحافظ فيحتمل أن يكون ذلك صدر منه في أوائل إسلامه فلا استبعاد وأما ما ذكره النووي من تعدد القصة فلا يخفى بعده لأن الحديث واحد والسياق واحد والله سبحانه وتعالى أعلم. (فانتزع) المعضوض (يده) أي جذبه (من فمه) أي من فم العاض (فنزع) المعضوض أي أسقط المعضوض بسبب نزع يده من فم العاض (ثنيته) أي ثنية العاض والثنية واحد الثنايا وهي مقدم الأسنان (وقال ابن المثنى) في روايته (ثنيتيه) بصيغة التثنية يعني سقطت كلتا ثنيتيه ووقع في رواية ابن سيرين الآتية وفي رواية الكشميهني لصحيح البخاري ثناياه بصيغة الجمع واختلفت الروايات بين الإفراد والتثنية والجمع وقال العيني في عمدة القاري [11/ 207] والتوفيق بين هذه الروايات أن الاثنين يطلق عليهما صيغة الجمع وأن رواية الإفراد على إرادة الجنس كذا قيل لكن يعكر عليه رواية محمد بن علي (فانتزع إحدى ثنيتيه) فعلى هذا يُحمل على التعدد ولكن استبعد الحافظ حمله على التعدد لاتحاد مخرج الحديث. فالظاهر أن أحد الرواة وهم في تعيين عدد الساقطة من الثنايا وقدمنا مرارًا أن الرواة إنما يعتنون بحفظ أصل القصة ولا يبالون بتفصيل جزئياتها في كثير من المواقع

فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَهُ". 4234 - (00) (00) وحدّثنا محَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فمن الطبيعي أن يجري مثل هذه الخلافات البسيطة فيما بين الرواة ولا سبيل إلى القطع بتصحيح بعض الروايات في مثلها ولا حاجة إلى تحصيل القطع واليقين فيها فإنه لايقدح ذلك في ثبوت أصل الحديث فالرجوع في مثل هذه الخلافات إلى حمل الروايات على تعدد القصة تكلف لا داعي إليه (فاختصما) أي فاختصم العاض والمعضوض وترافعا (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فأبطل ثنية العاض (فقال) له: (أيعض أحدكم) بفتح العين من باب سمع والعض الأكل بأطراف الأسنان والاستفهام فيه للإنكار أي أيأكل أحدكم يد صاحبه (كما يعض الفحل) أي كما يأكل الفحل أغصان الشجر والفحل الذكر من الإبل ويطلق على غيره من ذكور الدواب (لا دية له) أي للعاض في سنه ولا قصاص وبه أخذ الجمهور فقالوا: لا يلزم المعضوض قصاص ولا دية لأنه في حكم الصائل واحتجوا أيضًا بالإجماع على أن من شهر على آخر سلاحًا ليقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهر أنه لا شيء عليه فكذا لا يضمن سنه بدفعه إياه عنها وكذا لو قصد رجل الفجور بامرأة فلا يمكنها الخلاص إلا بقتله فقتلته لا شيء عليها كما في المبارق وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي غير أنه قيده الحافظ في الفتح [12/ 222] بأن يتألم المعضوض وأن لا يمكنه تخليص يده بغير ذلك من ضرب في شدقيه أو فك لحييه ليرسلها ومهما أمكنه التخليص بدون ذلك فعدل إلى الأثقل لم يهدر وعند الشافعية وجه أنه يهدر على الإطلاق ووجه أنه لو دفعه بغير الجذب من الجرح في موضع آخر ضمن وقال مالك: يضمن المعضوض سن العاض مطلقًا والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 222]، والبخاري [2265]، وأبو داود [4584 و 4585]، والنسائي [8/ 30]، وابن ماجه [2656]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 4234 - (00) (00) وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن عطاء) بن أبي رباح اسمه أسلم القرشي المكي ثقة، من

عَنِ ابْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 4235 - (00) (00) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ). حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ. فَجَذَبَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ. فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَلَهُ. وَقَال: "أَرَدْتَ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَهُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) (عن) صفوان (بن يعلى) بن أمية التميمي المكي ثقة، من (3) (عن) أبيه (يعلى) بن أمية رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق يعلى (بمثله) أي بمثل حديث عمران بن حصين وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة يعلى بن أمية لعمران بن حصين في رواية هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا متابعة في الشاهد وهي نادرة قليلة عندهم والله تعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 4235 - (00) (00) (حدثني أبو غسان المسمعي) نسبة إلى المسامعة حارة في البصرة مالك بن عبد الواحد البصري (حدثنا معاذ يعني ابن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لشعبة بن الحجاج (أن رجلًا) من المسلمين وهو يعلى بن أمية (عضَّ ذراع رجل) منهم وهو أجير يعلى (فجذبه) أي فجذب المعضوض ذراعه من فم العاض (فسقطت ثنيته) أي ثنية العاض (فرُفع) المعضوض (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطله) أي فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم دم العاض أي ثنيته وأهدرها بلا قصاص ولا دية (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم للعاض: (أردت) أي قصدت (أن تأكل لحمه) أي لحم المعضوض كما يأكل الفحل أغصان الشجر وقضبانه واصطلح الفقهاء على تسمية الدفاع الشرعي بدفع الصائل وعلى تسمية المعتدي بالصائل والمعتدى عليه بالمصول عليه قوله: (عض ذراع رجل) هذا هو المشهور في أكثر الروايات ولكن وقع عند البخاري في الإجارة من طريق ابن علية عن ابن جريج (فعفق إصبع صاحبه فانتزع إصبعه) والجمع بين الذراع والإصبع عسير والحمل على تعدد الواقعتين بعيد ورجح الحافظ روايات الذراع لكثرتها وقال وانفراد ابن علية عن ابن جريج بلفظ الإصبع لا يقاوم هذه الروايات المتعاضدة على

4236 - (1619) (182) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بُدَيلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى؛ أَنَّ أَجِيرًا لِيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَضَّ رَجُلٌ ذِرَاعَهُ. فَجَذَبَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ. فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَلَهَا. وَقَال: "أَرَدْتَ أَنْ تَقْضَمَهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الذراع وجدد العهد بما ذكرناه غير مرة أن الرواة ربما لا يحتفظون بالجزئيات وأن ذلك لا يقدح في ثبوت أصل الحديث والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عمران بحديث يعلى بن أمية رضي الله عنهما فقال: 4236 - (1619) (182) (حدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة عن بديل) بن ميسرة العقيلي بضم العين البصري ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عطاء بن أبي رباح) القرشي مولاهم المكي (عن صفوان بن يعلى) بن أمية المكي عن أبيه يعلى بن أمية المكي وهذا السند من ثمانياته رجاله خمسة منهم بصريون وثلاثة مكيون (أن أجيرًا ليعلى بن منية عض رجل) وهو يعلى بن أمية أبهمه احتشامًا من نسبة العض إليه كما مر (ذراعه) أي ذراع الأجير (فجذبها) أي فجذب الأجير ذراعه عن فم يعلى وذكر الضمير هنا وأنثه فيما سيأتي لأن الذراع يذكر ويؤنث (فسقطت ثنيته) أي ثنية يعلى بسبب جذب الأجير ذراعه من فمه (فرفع) المعضوض الذي هو الأجير (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطلها) أي أهدر النبي صلى الله عليه وسلم ثنية يعلى بلا قصاص ولا دية (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم ليعلى: (أردت) أي قصدت (أن تقضمها) أي تقضم ذراعه وتأكلها (كما يقضم الفحل) أغصان الشجر أي أن تعض ذراعه بأسنانك كما يعض الجمل قال أهل اللغة: القضم يكون بأطراف الأسنان والخضم بأقصى الأضراس وبابهما تعب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رقم [6893]، وأخرجه أيضًا في مواضع كثيرة وأبو داود في الديات والنسائي في القسامة وابن ماجه في الديات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمران بن حصين ولو قدم هذه المتابعة على حديث يعلى المذكور قبلها استشهادًا لكان أنسب وأوفق لاصطلاحاته وسلم من اختلاط المتابعات في الحديثين فقال:

4237 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثنَا قُرَيشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ. فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ أَوْ ثَنَايَاهُ. فَاسْتَعْدَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَأْمُرُنِي؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدْفَعَ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ ادْفَعْ يَدَكَ حَتَّى يَعَضَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 4237 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي) البصري ثقة، من (11) (حدثنا قريش بن أنس) الأنصاري مولاهم أبو أنس البصري روى عن ابن عون في الديات وحميد وسليمان التيمي ويروي عنه (خ م د ت ق) وأحمد بن عثمان النوفلي وابن المثنى وابن بشار وثقه ابن المديني والنسائي وقال أبو حاتم لا بأس به ولكنه تغير في آخر عمره وكان صحيح العقل إلى سنة (203) ومات سنة (208) وسماع المتأخرين منه بعد اختلاطه مثل ابن أبي العوام ويزيد بن سنان وظهر في حديثه مناكير زمن الاختلاط وقال في التقريب: صدوق تغير بآخره قدر ست سنين من التاسعة وليس في مسلم من اسمه قريش إلا هذا (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة، ثبت من (6) (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري (عن عمران بن حصين) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بيان متابعة ابن سيرين لزرارة بن أوفى (أن رجلًا) هو يعلى بن أمية (عض يد رجل) هو أجيره (فانتزع يده) أي جذب المعضوض يده من فم العاض (فسقطت ثنيته) أي ثنية العاض بصيغة الإفراد (أو) قال عمران فسقطت (ثناياه) أي ثنايا العاض وأسنانه بصيغة الجمع والشك من ابن سيرين فيما قاله عمران أو ممن دونه (فاستعدى) العاض يعني يعلى (رسول الله صلى الله عليه وسلم) واستنصر منه أي طلب منه النصر والحكم له على المعضوض بضمان أسنانه بقصاص أو بدية يقال: استعديت الأمير على الظالم أي طلبت منه النصرة عليه فأعداني عليه أي أعانني ونصرني فالاستعداء طلب التقوية والنصرة ممن له شوكة وولاية (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للعاض الذي استعدى منه (ما تأمرني) أي أي شيء تأمرني وتطلبه مني (تأمرني أن آمره) أي أن آمر المعضوض (أن يدفع يده) ويتركها (في فيك) أي في فمك حالة كونك (تقضمها) أي تقضم يده وتأكلها (كما يقضم الفحل) أغصان الشجر إن شئت الإنصاف (ادفع يدك) أيها العاض إلى المعضوض (حتى يعضها) أي حتى يعض

ثُمَّ انْتَزِعْهَا". 4238 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثنَا هَمَّامٌ. حَدَّثنَا عَطَاءٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، وَقَدْ عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ (يَعْنِي الَّذِي عَضَّهُ). قَال: فَأَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال: "أَرَدْتَ أَنْ تَقْضَمَهُ كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ المعضوض يدك ويأكلها (ثم انتزعها) أي انتزع يدك من فم المعضوض لتسقط أسنانه مثل ما سقطت أسنانك قال النووي: ليس المراد بهذا أمره بدفع يده ليعضها وإنما معناه الإنكار عليه أي إنك لا تدع يدك في فيه يعضها فكيف تنكر عليه أن ينتزع يده من فيك وتطالبه بما جنى في جذبه لذلك اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال: 4238 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار العوذي البصري (حدثنا عطاء) بن أبي رباح القرشي المكي (عن صفوان بن يعلى بن منية) بضم الميم وسكون النون اسم أمه أو جدته وهو الأصح (عن أبيه) يعلى بن أمية رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام لبديل بن ميسرة (قال) يعلى بن أمية: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) من المسلمين هو أبهم نفسه وكنى عنها برجل أنفة من نسبة العض إليه كما مر (وقد عض) ذلك الرجل (يد رجل) آخر وهو أجيره (فانتزع) ذلك المعضوض (يده) أي جذبها من فم العاض (فسقطت ثنيتاه) بصيغة التثنية وقد تقدم الجمع بين الروايات المختلفة في صيغة الثنية بالإفراد والجمع والتثنية فراجعه (يعني) يعلى بضمير ثنيتاه العاض (الذي عضه) أي عض المعضوض يعني سقطت ثنيتا العاض بجذب المعضوض يده من فمه وهو تفسير من صفوان للضمير المجرور (قال) يعلى: (فأبطلها) أي فأبطل ثنايا العاض (النبي صلى الله عليه وسلم) أي حكم بأن لا ضمان على المعضوض لثنايا العاض بقصاص ولا دية وكان مقتضى السياق (فأبطلهما) بضمير التثنية كما في بعض النسخ إلا أن يقال: أنث الضمير نظرًا إلى أن المراد بالجمع ما فوق الواحد (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم للعاض: (أردت) أيها العاض (أن تقضمه) أي أن تقضم المعضوض أي أن تقضم يده كما يقضم الفحل) أي فحل الإبل أغصان الشجر.

4239 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبْوكَ. قَال: وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ عَمَلِي عِنْدِي. فَقَال عَطَاءٌ: قَال صَفْوَانُ: قَال يَعْلَى: كَانَ لِي أَجِيرٌ. فَقَاتَلَ إِنْسانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ (قَال: لَقَدْ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الآخَرَ) فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ. فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيهِ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَهْدَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال: 4239 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة أَخْبَرَنَا ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح (أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه) يعلى بن أمية رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن جريج لبديل بن ميسرة وهمام بن يحيى (قال) يعلى (غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك) وزاد البخاري في الجهاد من طريق سفيان عن ابن جريج (فحملت على بكر) (قال) صفوان (وكان) والدي (يعلى يقول) عندما حدَّث هذه القصة (تلك الغزوة) يعني غزوة تبوك (أوثق عملي عندي) أي أشده وثوقًا عندي بالقبول والإخلاص لله تعالى يعني لكونها في ساعة العسرة مع بعد الشقة (فقال عطاء) بن أبي رباح: (قال) لي (صفوان) بن يعلى (قال) لنا والدي (يعلى) بن أمية عندما يحدث لنا هذه القصة كان لي أجير فقاتل) ذلك الأجير (إنسانًا) أي تضارب مع إنسان على وجه المقاتلة وذلك الإنسان هو نفس يعلى كنى عن نفسه بإنسان لما مر (فعض أحدهما) أي أحد المتقاتلين وهو يعلى (يد الآخر) وهو الأجير (قال) عطاء: والله (لقد أخبرني صفوان أيهما) أي أيُّ المتقاتلين (عض الآخر) أي عين العاض من المعضوض فنسيته وزاد البخاري في المغازي من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج لفظة (فنسيته) أي فنسيت ذلك العاض الذي عينه لي صفوان وقوله: (فانتزع المعضوض يده من في) أي من فم (العاض) معطوف على قوله: فعض أحدهما يد الآخر (فانتزع) أي فأسقط المعضوض (إحدى ثنيتيه) أي إحدى ثنيتي العاض (فأتيا) أي فأتى العاض والمعضوض (النبي صلى الله عليه وسلم) وترافعا إليه طلبًا للحكم بينهما

ثَنِيَّتَهُ. 4240 - (00) (00) وحدّثناه عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 4241 - (1620) (183) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأهدر) النبي صلى الله عليه وسلم وأبطل (ثنيته) أي ثنية العاض أي حكم بكونها مهدرة ضائعة لا ضمان لها بقصاص ولا دية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث يعلى فقال: 4240 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث يعلى (عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي أبو محمد النيسابوري المقرئ الحافظ روى عن إسماعيل بن علية في الحدود وعبد الوهاب بن عطاء في الطب وعذاب القبر وآخر الكتاب وهشيم في التفسير وآخر الكتاب ويروي عنه (خ م س) وجعفر الترك والسراج وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: هو ثقة ثقة وقال في التقريب: ثقة ثبت من العاشرة ولد سنة مائة وستين (160) ومات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (238) ذكره في الكاشف وله ثمان وسبعون سنة (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (قال: أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن صفوان عن يعلى (نحوه) أي نحو ما أخبر أبو أسامة عن ابن جريج غرضه بيان متابعة إسماعيل بن إبراهيم لأبي أسامة (واعلم) أن هذا الحديث من جملة ما استدركه الدارقطني على مسلم وطعن في إسناد الحديث من جهة أنه مضطرب عن عطاء ومن جهة أن ابن سيرين لم يصرح بسماعه عن عمران بن حصين ورد النووي كلا الطعنين بأن الاختلاف على عطاء لا يضعف الحديث (ولعله يريد أن جميع الطرق صحيحة) وبأن عدم تصريح ابن سيرين بسماعه عن عمران لا يستلزم أن لا يكون سمعه منه ثم لو ثبت ضعف بعض الطرق لم يلزم منه ضعف المتن فإنه صحيح بالطرق الباقية وإن مسلمًا يذكر في المتابعات من هو دون شرط الصحيح والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 4241 - (1620) (183) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم) بن

حَدَّثنَا حَمَّادٌ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ، أُمَّ حَارِثَةَ، جَرَحَتْ إِنْسَانًا. فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْقِصَاصَ. الْقِصَاصَ" فَقَالتْ أُمُّ الرَّبِيعِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلانَةَ؟ وَاللهِ! لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري ثقة، من (10) (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (أخبرنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن أخت الربيع) بضم الراء وفتح الباء وكسر الياء المشددة وهي الربيع بنت النضر بن ضمضم الأنصارية الخزرجية رضي الله تعالى عنها وهي عمة أنس بن مالك رضي الله عنه وأخت أنس بن النضر وقوله: (أم حارثة) بالنصب بدل من أخت الربيع يعني حارثة بن سراقة بن حارث وقد استشهد يوم بدر وقالت أمه أخت الربيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندئذٍ أخبرني عن حارثة فإن يكن في الجنة صبرت واحتسبت وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إنه أصاب الفردوس راجع الإصابة [1/ 297 و 4/ 294] لم أر من ذكر اسمها (جرحت إنسانًا) أي لطمت جارية فكسرت سنها (فاختصموا) أي فاختصم أهل الجارية المجروحة وأهل الجانية التي هي أم حارثة أي ترافعوا وتحاكموا (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأهل الجانية: (القصاص القصاص) أي التزموا القصاص وأوفوه لمستحقه الرواية بالنصاب في اللفظين ولا يجوز غيره وهو منصوب على الإغراء بفعل محذوف وجوبًا لا يجوز إظهاره لأن تكرار اللفظ ناب مناب العامل نظير قولهم: الحذار الحذار فلما فهمت أم الربيع أم أم حارثة لزوم القصاص بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم عظم عليها أن تكسر ثنية الجانية التي هي أم حارثة فبذلوا الأرش فلم يرض أولياء المجني عليها فكلم أهلها في ذلك فأبوا (فـ) ـلما رأت أم الربيع امتناعهم من ذلك وأن القصاص قد تعين (قالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص) أي هل يستوفى القصاص (من فلانة) تعني بنتها أم حارثة بكسر سنها (والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لا يقتص) أي لا يستوفى القصاص (منها) بكسر سنها أي حلفت على ذلك ثقة منها بفضل الله تعالى وتعويلًا عليه في كشف تلك الكربة عنها لا أنها ردت حكم الله وعاندته بل هي منزهة عن

فَقَال النَّبِي صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "سُبحَانَ اللهِ! يَا أُمَّ الرَّبِيعِ! الْقِصَاصُ كِتَابُ اللهِ" قَالتْ: لَا. وَاللهِ، لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا ابَدًا. قَال: فَمَا زَالتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ. فَـ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك وهذا التأويل أولى من تأويل من قال: إن ذلك القسم منها على جهة الرغبة للنبي صلى الله عليه وسلم أو للأولياء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر ذلك عليها بقوله: سبحان الله كتاب الله القصاص ولو كان رغبة له لما أنكرها وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماه قسمًا وأخبر أنه قسم على الله وأن الله تعالى قد أبرها فيه حين قال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لها إنكارًا لما حلفت عليه (سبحان الله) أي تنزيهًا عن أن يرد حكمه (يا أم الربيع القصاص كتاب الله) أي حكم الله تعالى حيث قال: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] ففيه العمل بشرع من قبلنا إذا صح عندنا ولم يثبت في شرعنا ناسخ له ولا مانع منه وقد اختلف في ذلك الفقهاء والأصوليون وفي المذهب فيه قولان ووجه هذا الفقه قوله: (كتاب الله القصاص) وليس في كتاب الله القصاص في السن إلا في قوله تعالى حكاية عما حكم به في التوراة في قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا} الآية إلى قوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وفيه القصاص في السن إذا قلعت أو طرحت وفي كسرها وكسر عظام الجسد خلاف هل يقتص منها أم لا فذهب مالك إلى القصاص في ذلك كله إذا أمكنت المماثلة وما لم يكن مخوفًا كعظم الفخذ والصلب أخذًا بقوله تعالى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وذهب الكوفيون والليث والشافعي إلى أنه لا قود في كسر عظم ما خلا السن لعدم الثقة بالمماثلة وفيه ما يدل على كرامات الأولياء اهـ من المفهم. فمعنى قوله: القصاص كتاب الله أي حكم الله وجوب القصاص في السن وهو قوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] فيما حكاه الله تعالى من شريعة من قبلنا (قالت) أم الربيع مرة ثانية: (لا والله لا يقتص منها) أي من أم حارثة ولا الثانية توكيد لفظي للأولى قال النووي: ليس معناه ردَّ حكم النبي صلى الله عليه وسلم بل المراد به الرغبة إلى مستحقي القصاص أن يعفوا وإلى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة إليهم في العفو وإنما حلفت ثقة بهم أن لا يحنثوها أو ثقة بفضل الله تعالى ولطفه أن لا يحنثها بل يلهمهم العفو اهـ (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان أي لا يستوفى منها القصاص في زمن من الأزمنة المستقبلة (قال) أنس بن مالك: (فما زالت) أم الربيع تحلف على ذلك (حتى قبلوا) أي حتى قبل مستحقوا القصاص (الدية) أي الأرش (فـ) ـلما رأى ذلك منها النبي صلى الله

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبَرَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله) الصالحين (من لو أقسم على) حصول أمر من الأمور أو على نفيه بـ (ـالله) أي أقسم باسم من أسماء الله تعالى (لأبره) أي لجعله الله سبحانه وتعالى بارًّا صادقًا فيما حلف عليه بحصوله أو بعدمه لكرامته ومنزلته عند الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1283]، والبخاري [2806]، وأبو داود [4595]، والنسائي [8/ 26 - 27]، وابن ماجه [2649]. قوله: (إن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانًا) قال القرطبي: كذا وقع اللفظ في كتاب مسلم قال القاضي عياض المعروف أن الربيع هي صاحبة القصة وكذا جاء الحديث في البخاري في الروايات الصحيحة أنها الربيع بنت النضر وعمة أنس بن مالك وأن الذي أقسم هو أخوها أنس بن النضر وكذا في المصنفات وجاء مفسرًا عند البخاري وغيره أنها لطمت جارية فكسرت سنها. ورواية البخاري هذه على أن الإنسان المجروح المذكور في رواية مسلم هو جارية فلا يكون فيه حجة لمن ظن أنه رجل فاستدل به على أن القصاص جار بين الذكر والأنثى فيما دون النفس والصحيح أن الإنسان يطلق على الذكر والأنثى وهو من أسماء الأجناس وهي تعم الذكر والأنثى كالفرس يعم الذكر والأنثى والجمهور من السلف والخلف على جريان القصاص بين الذكر والأنثى فيقتل الذكر بالأنثى إلا خلافًا شاذًّا عن الحسن وعطاء وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وهم محجوجون بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] اهـ من المفهم. (رفع تعارض الروايات في هذه القصة): واعلم أنه قد وقع تعارض بين رواية مسلم وبين روايات البخاري في هذه القصة في ثلاثة أمور: الأول: أن الجانية في رواية مسلم أخت الربيع وفي أكثر روايات البخاري أن الجانية هي الربيع نفسها دون أختها. الثاني: الجناية في رواية مسلم هي الجرح فقط وفي أكثر روايات البخاري أنها كسر الثنية. الثالث: أن الحالفة في رواية مسلم أم الربيع وفي أكثر روايات البخاري أن الحالف أنس بن النضر عم أنس بن مالك وأخو الربيع رضي الله عنهم وجمع النواوي رحمه الله تعالى بين هذه الروايات بأنهما

4242 - (1621) (184) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَأَبُو مُعَاوَيةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قصتان متغايرتان قد جرحت أخت الربيع في إحداهما إنسانًا فحلفت أم الربيع وكسرت الربيع في أخراهما ثنية جارية فحلف أنس بن النضر وبه جزم الكرماني في شرح البخاري [24/ 21] وإليه مال العيني في عمدة القاري [11/ 203] والأبي في شرح مسلم [4/ 417، وغيرهم. ولكن حمل الروايتين على تعدد القصتين بعيد لأن الرأوي واحد وسياق القصة واحد وربما يخطر بالبال احتمال أن رواية ثابت عند مسلم كانت في الأصل هكذا (عن أنس أن أخت الربيع جرحت إنسانًا) فصارت في بعض الكتابات عن أنس أن أخت الربيع جرحت بما يظهر منه أن أخت الربيع هي الجارحة مع أنه كان لبيان أن الربيع أخت أنس ومثل ذلك لا يبعد من النساخ لأن الفرق في كتابة (أخت) و (أخته) يسير جدًّا فإن كان هذا صحيحًا فيرتفع الخلاف في الأمر الأول والله أعلم وأما الأمر الثاني فرفع الاختلاف فيه أيسر لأن الجرح شامل لكسر الثنية فلا منافاة بينهما وبقي الاختلاف في الأمر الأخير في تعيين الحالف ويحتمل أن يكون أحد الرواة وهم في تعيينه. ووقع مثل ذلك لكثير من الرواة الثقات وقد قدمنا مرارًا أن ذلك لا يقدح في ثبوت أصل الحديث ويظهر من كلام الحافظ في الفتح [12/ 215] أنه يميل إلى تصحيح رواية ثابت ونسبة الوهم إلى غيره وجزم التهانوي في إعلاء السنن [18/ 110] بأنها قصة واحدة وأن رواية حميد مفسرة لما أبهمه ثابت في حديث الباب والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 4242 - (1621) (184) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة، من (8) (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي كلهم رووا (عن الأعمش عن عبد الله بن مرة) الهمداني الكوفي ثقة، من (3) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثِّيِّبُ الزَّانِي. وَالنفْسُ بِالنَّفْسِ. وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ. الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم) ومسلمة أي لا يحل إراقة دمه كله وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) وهذا يشير إلى أن المدار على الشهادة الظاهرة لا على تحقيق إسلامه في الواقع قال الحافظ ابن حجر: هو صفة مفسرة وليست قيدا فيه إذ لا يكون مسلمًا إلا بالشهادتين أو هي حال مقيدة لموصوف إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم اهـ (إلا بإحدى) علل (ثلاث) وقوله: (الثيب الزاني) بالجر على البدلية من موصوف ثلاث مقدر وبالرفع على الخبرية لمبتدإ محذوف اهـ ابن الملك ووقع في أصل النووي (الثيب الزان) كقوله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} والمراد بالثيب المحصن وفي رواية أبي داود عن الصديقة (زنا بعد إحصان) فإنه يرجم والمحصن هو المسلم المكلف الحر الذي وطئ في نكاح صحيح والتقدير على البدلية إلا بإحدى خصال ثلاث زنا الثيب الزاني (و) قتل (النفس) المحرم قتلها فإن قاتلها عمدًا يقتل (بالنفس) التي قتلها (و) ترك (التارك لدينه) الإسلامي بالارتداد عنه (المفارق للجماعة) أي لجماعة المسلمين بالخروج عن دينه والارتداد عنه بأن فعل مكفرًا أو قال مكفرًا فهو صفة كاشفة للتارك وإلا لكانت الخصال أربعة أو المعنى التارك لدينه بالارتداد المفارق للجماعة بترك امتثال المأمورات واجتناب المنهيات كأن ترك الصلاة مع اعتقاد وجوبها فإنه يقتل حدًّا. (فائدة): قوله: (الثيب الزاني) وفي أصل النووي (الثيب الزَّان) بحذف الياء للتخفيف فتقول في إعرابه على جر الثيب: الزَّان صفة للثيب وصفة المجرور مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها الثقل لأنه اسم منقوص أو مرفوع على رفع الثيب وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها الثقل لأنه اسم منقوص وإنما قدرنا الكسرة أو الضمة على الياء المحذوفة لأن المحذوف لعلة كالثابت وإنما حذفوا الياء في الزَّان للتخفيف إجراء لأل مجرى التنوين المعاقب لها فكما تحذف الياء مع التنوين تحذف مع أل اهـ من الأهدل فهو نظير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} وقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيءٍ نُكُرٍ} قوله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضًا: (الثيب الزاني) قال القرطبي: الثيب هنا المحصن وهو اسم جنس يدخل فيه الذكر والأنثى وهو حجة على ما اتفق عليه المسلمون من أن حكم الزاني المحصن الرجم وسيأتي شروط الإحصان وبيان أحكام الرجم وقوله: (النفس بالنفس) موافق لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ويعني به النفوس المتكافئة في الإسلام والحرية بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر) رواه البخاري عن علي بن أبي طالب [6903] رضي الله عنه وهو حجة للجمهور من الصحابة والتابعين على من خالفهم وقال: يقتل المسلم بالذمي وهم أصحاب الرأي والشعبي والنخعي ولا يصح لهم ما رووه من حديث ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلمًا بكافر وهو منقطع ومن حديث ابن البيلماني وهو ضعيف ولا يصح في الباب إلا حديث البخاري المتقدم وأما الحرية فشرط في التكافؤ فلا يقتل حر بعبد عند مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وهو قول الحسن وعطاء وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز محتجين في ذلك بأن العبد لما كان مالًا متقومًا كان كسائر الأموال إذا أتلفت فإنما يكون فيها قيمة المتلف بالغة ما بلغت والحر ليس بمال بالاتفاق فلا يكون كفؤًا للعبد فلا يقتل به ويغرم قيمته ولو فاقت على دية الحر ويجلد القاتل مائة ويحبس عامًا عند مالك وذهبت طائفة أخرى إلى أنه يقتل به وإليه ذهب سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم رواه أبو داود [2751]، وابن ماجه [1683]، وذهب النخعي والثوري في أحد قوليه إلى أنه يقتل به وإن كان عبده محتجين في ذلك بما رواه النسائي من حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه ومن أخصاه خصيناه) رواه النسائي [8/ 20 - 21] قال البخاري عن علي بن المديني سماع الحسن عن سمرة صحيح وأخذ بهذا الحديث قال البخاري وأنا أذهب إليه وقال غيره لم يسمع الحسن عن سمرة إلا حديث العقيقة. وقوله: (التارك لدينه) يعني به المرتد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدّل دينه فاقتلوه" رواه أحمد [1/ 282]، والبخاري [6922]، وهذا الحديث يدل على أن المرتد الذي يقتل هو الذي يبدل بدين الإسلام دين الكفر لأنه صلى الله عليه وسلم استثناه من قوله: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ثم ذكرهم وذكر منهم

4243 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التارك لدينه وقد تقدم الكلام في الردة وقوله: (المفارق للجماعة) ظاهره أنه أتى به نعتًا جاريًا على التارك لدينه لأنه إذا ارتد عن دين الإسلام فقد خرج عن جماعتهم غير أنه يلحق بهم في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة المسلمين وإن لم يكن مرتدًا كالخوارج وأهل البدع إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحد عليهم وقاتلوا عليه وأهل البغي والمحاربون ومن أشبههم ويتناولهم لفظ (المفارق للجماعة) بحكم العموم وإن لم يكن كذلك لم يصح الحصر المذكور في أول الحديث حيث قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) فلو كان المفارق للجماعة إنما يعني به المفارقة بالردة فقط لبقي من ذكرناه من المفارقين للجماعة بغير الردة لم يدخلوا في الحديث ودماؤهم حلال بالاتفاف وحينئذٍ لا يصح الحصر ولا يصدق وكلام الشارع منزه عن ذلك فدل على أن ذلك الوصف يعم جميع ذلك النوع والله تعالى أعلم وتحقيقه أن كل من فارق الجماعة يصدق عليه أنه بدل دينه غير أن المرتد بدل كل الدين وغيره من المفارقين بدل بعضه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 465]، وأبو داود [4352]، والترمذي [1402]. والنسائي [8/ 13]، وابن ماجه [2534]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 4243 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي كلاهما (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي ثقة، من (8) (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير وسفيان بن عيينة وعيسى بن يونس رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود (مثله) أي مثل ما روى حفص بن غياث وأبو معاوية ووكيع غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأولئك الثلاثة السابقة في السند الأول وقوله مثله تحريف من النساخ والصواب (مثلهم).

4244 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ) قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "وَالَّذِي لَا إِلهَ غَيرُهُ! لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا ثَلاثةُ نَفَرٍ: التَّارِكُ الإِسْلامَ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ أَو الْجَمَاعَةَ (شَكَّ فِيهِ أَحْمَدُ). وَالثِّيِّبُ الزَّانِي. وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ". قَال الأعمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ. فَحَدَّثَنِي، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 4244 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال الشيباني المروزي نزيل بغداد ثقة إمام حجة في الفروع والحديث من (10) روى عنه في (10) (ومحمد بن المثنى واللفظ لأحمد قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي ثقة إمام حجة من (7) (عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لحفص بن غياث ومن معه (قال) عبد الله بن مسعود: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) خطيبًا (فقال: والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم) وكذا امرأة مسلمة (يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا ثلاثة نفر) أي لا يحل إراقة دمه يعني قتله إلا دم ثلاثة أنفار فيحل إراقته (التارك) بالنصب بدل من ثلاثة بدل تفصيل من مجمل (الإسلام) بالنصب على المفعولية للتارك أي إلا تارك دين الإسلام وقاطعه بالردة (المفارق) بالنصب صفة للتارك (للجماعة أو) قال شيخي عبد الرحمن بن مهدي المفارق (الجماعة) بالنصب على المفعولية أي الفارق لجماعة المسلمين في بعض ضروريات الدين (شك فيه) أي في قوله أو الجماعة (أحمد) بن حنبل أي اللفظين قال عبد الرحمن: ويجوز رفع التارك على أنه خبر لمبتدإ محذوف تقديره أحدهم التارك وكذا يجوز فيما بعده الوجهان والتقدير (و) ثانيهم (الثيب الزاني و) ثالثهم (النفس) القاتلة (بالنفس) المحترمة بغير حق عمدًا (قال الأعمش) بالسند السابق (فحدثت به) أي بهذا الحديث الذي سمعته من عبد الله بن مرة (إبراهيم) النخعي (فحدثني) به إبراهيم (عن الأسود عن عائشة) وساق إبراهيم (بمثله) أي بمثل ما حدثني

4245 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بَالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا، نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: "وَالَّذِي لَا إِلهَ غَيرُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن مرة فحصل للأعمش سندان سند عن عبد الله بن مرة وسند عن إبراهيم بن يزيد. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 4245 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر) ثقة، من (11) (والقاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي ثقة، من (11) (قالا): أي قال كل من الحجاج والقاسم (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي ثقة، من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة، من (7) (عن الأعمش) أي روى شيبان عن الأعمش (بالإسنادين) المذكورين للأعمش (جميعًا) أي كليهما يعني سند عبد الله بن مرة وسند إبراهيم بن يزيد (نحو حديث سفيان) بن سعيد الثوري غرضه بيان متابعة شيبان لسفيان الثوري (و) لكن (لم يدكر) شيبان (في الحديث قوله) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي لا إله غيره) وفي بعض النسخ (ولم يذكرا) بالف التثنية فهو تحريف من النساخ وإن أمكن عود الضمير إلى الحجاج والقاسم لأن المقصود من هذا السند بيان متابعة شيبان لسفيان الثوري بدليل قوله: نحو حديث سفيان لا بيان متابعة الحجاج والقاسم لأحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عمران بن حصين ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. والثاني: حديث يعلى بن أمية ذكره للاستشهاد به لحديث عمران وذكر فيه ثلاث متابعات مختلطة بمتابعات حديث عمران كما بيناها في الشرح والثالث: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والرابع: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

601 - (41) باب إثم أول من سن القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض

601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض 4246 - (1622) (185) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا. لأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 601 - (41) باب إثم أول من سنَّ القتل وكون الدماء أول ما يقضى فيه في الآخرة وتغليظ حرمة الدماء والأعراض 4246 - (1622) (185) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لابن أبي شيبة قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتل نفس) محرم قتلها بإيمان أو أمان (ظلمًا إلا كان على ابن آم الأول) يعني قابيل وهو الذي قتل أخاه كما هو المشهور وعكس القاضي جمال الدين بن واصل في تاريخه فجعل قابيل مقتولًا وهابيل قاتلًا كما ذكره الحافظ في الفتح واستشهد بأن قابيل مشتق من قبول قربانه ولكن الأكثرين على أن قابيل هو القاتل ومجرد اشتقاق قابيل من القبول لا يصلح دليلًا على أنه هو المقتول وقوله: (الأول): هذا يؤيد ما هو المشهور من أن هابيل وقابيل كانا ولدي: آدم لصلبه وبه صرح مجاهد فيما روى ابن أبي نجيح عنه وذكر الطبري عن الحسن لم يكونا ولدي آدم لصلبه وإنما كانا من بني إسرائيل ولكن ظاهر حديث الباب يرده اهـ من الفتح [12/ 193]، أي إلا كان على ذلك الأول (كفل) بكسر الكاف وسكون الفاء أي نصيب وحظ وجزء (من) وزر إراقة (دمها) أي من دم تلك النفس المقتولة ظلمًا (لأنه) أي لأن ذلك الأول (كان أول من سن) وأسس وشرع (القتل) فيه أول من سن شيئًا كتب له أو عليه وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام وقد صرح به في حديث جرير عند مسلم وغيره (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم

4247 - (00) (00) وحدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ القيامة) وهو محمول على من لم يتب من ذلك الذنب كذا في فتح الباري قوله: (لأنه أول من سنَّ القتل) أي جعله سيرة للنَّاس فهو متبوع في هذا الفعل وللمتبوع نصيب من فعل تابعه وإن لم يقصد التابع اتباعه في الفعل قال القرطبي: (قوله: لا تقتل نفس ظلمًا) الخ ... يدخل فيه بحكم عمومه نفس الذمي والمعاهد إذا قتلا ظلمًا لأن (نفسًا) نكرة في سياق النفي فهي للعموم (والكفل) الجزء والنصيب كما قال تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي نصيب وقال الخليل الكفل من الأجر والإثم الضعف وقوله: (لأنه أول من سنَّ القتل) وهذا نص على تعليل ذلك الأمر لأنه لما كان أول من قتل كان قتله ذلك تنبيهًا لمن أتى بعده وتعليمًا له فمن قتل كأنه اقتدى به في ذلك فكان عليه من وزره وهذا جار في الخير والشر كما قد نص عليه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم بقوله: (من سن في الإِسلام سنة حسنة) الحديث وبهذا الاعتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل من عصى بالسجود لأنه أول من عصى به وهذا والله أعلم إذا لم يتب ذلك الفاعل الأول من تلك المعصية لأن آدم - عليه السلام - أول من خالف في أكل ما نهي عنه ولا يكون عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه ولا شربه ممن بعده بالإجماع لأن آدم - عليه السلام - تاب من ذلك وتاب الله عليه فصار كمن لم يجن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له والله أعلم وابن آدم المذكور هنا هو قابيل قتل أخاه هابيل لما تنازعا في تزوج إقليمياء فأمرهما آدم أن يقربا قربانًا فمن تقبل منه قربانه كانت له فتقبَّل قربان هابيل فحسده قابيل فقتله بغيًا وعدوانًا هكذا حكاه أهل التفسير اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 383] , والبخاري [3335] , والنَّسائيّ [7/ 82] , وابن ماجه [2616]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4247 - (00) (00) (وحدثناه عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيّ الكُوفيّ ثِقَة، من (8) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (وعيسى بن يونس) السبيعي

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعمَشِ، بِهذا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ: "لأَنَّهُ سَنَّ الْقَتْلَ" لَمْ يَذْكُرَا: أَوَّلَ. 4248 - (1623) (186) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الكُوفيّ (ح وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة كلهم) أي كل من جرير وعيسى وسفيان رووا (عن الأَعمش بهذا الإسناد) يعني عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأَعمش غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية (و) لكن (في حديث جرير وعيسى بن يونس) وروايتهما لفظة (لأنه سنَّ القتل) و (لم يذكرا) أي لم يذكر جرير وعيسى لفظة (أوَّل). قال النووي: وهذا الحديث من قواعد الإِسلام وهو أن كل من ابتدع شيئًا من الشر كان عليه وزر كل من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة ومثله من ابتدع شيئًا من الخير كان له مثل أجر من يعمل به إلى يوم القيامة وهو موافق للحديث الصحيح (من سنَّ سنة حسنة) الحديث وللحديث الصحيح (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) وللحديث الصحيح (ما من داع يدعو إلى هدى وما من داع يدعو إلى ضلالة) اهـ والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 4248 - (1623) (186) (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ومحمَّد بن عبد الله بن نمير جميعًا عن وكيع عن الأَعمش ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمَّد الكُوفيّ اسمه عبد الرَّحْمَن ثِقَة، من (8) (ووكيع عن الأَعمش عن أبي وائل) شَقِيق بن سلمة الأسدي الكُوفيّ ثِقَة، مخضرم من (2) (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذه الأسانيد كلها من خماسياته ومن لطائفها أن رجالها كلهم من الكوفيين إلَّا إسحاق بن إبراهيم المروزي (قال) عبد الله:

قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَينَ النَّاسِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، في الدِّمَاءِ". 4249 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى) أول مبتدأ وما مصدرية والجملة الفعلية صلتها والمصدر المؤول في محل الجر مضاف إليه والظرفان في قوله: (بين النَّاس يوم القيامة) متعلقان بيقضى وخبر المبتدإ قوله: (في الدماء) والتقدير أول القضاء بين النَّاس يوم القيامة كائن في شأن الدماء قال النووي: وذلك لعظم أمرها وكثير خطرها وليس هذا الحديث معارضًا للحديث المشهور في السنن أول ما يحاسب به العبد صلاته لأن هذا الحديث في حقوق الله وحديث الباب في حقوق العباد اهـ قال القرطبي: وهذا يدل على أنَّه ليس في حقوق الآدميين أعظم من الدماء ولا تعارض بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد من عمله الصلاة رواه النَّسائيّ [7/ 83] لأن كل واحد منهما أول في بابه فأول ما ينظر فيه من حقوق الله الصلاة لأنها أعظم قواعد الإِسلام العملية وأول ما ينظر فيه من حقوق الآدميين الدماء لأنها أعظم الجرائم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 440] , والبخاري [6864] , والتِّرمذيّ [1397] , والنَّسائيّ [7/ 83] وابن ماجه [2617]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 4249 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثيّ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البَصْرِيّ (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى علم الفرائض أبو محمَّد البَصْرِيّ ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ غندر (ح وحدثنا محمَّد بن المثنَّى وابن بشار قالا: حَدَّثَنَا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين معاذ بن

عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَال عَنْ شُعْبَةَ: "يُقْضَى". وَبَعْضُهُمْ قَال: "يُحْكَمُ بَينَ النَّاسِ". 4250 - (1624) (187) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَيَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ (وَتَقَارَبَا في اللَّفْظِ). قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ وخالد بن الحارث ومحمَّد بن جعفر وابن أبي عدي رووا (عن شعبة عن الأَعمش عن أبي وائل عن عبد الله) بن مسعود غرضه بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعة شعبة لوكيع في الرواية عن الأَعمش (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وساق شعبة (بمثله) أي بمثل حديث وكيع (غير أن بعضهم) أي لكن أن بعض هؤلاء الأربعة الذين رووا عن شعبة (قال) ذلك البعض حالة كونه راويًا (عن شعبة) لفظة (يقضى وبعضهم قال) عن شعبة لفظة (يحكم بين النَّاس) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهم في اللفظ. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 4250 - (1624) (187) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثيّ) البَصْرِيّ (وتقاربا في اللفظ قالا: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب) بن عبد المجيد (الثَّقَفيّ) البَصْرِيّ (عن أَيُّوب) السختياني (عن) محمَّد (بن سيرين عن) عبد الرَّحْمَن (بن أبي بكرة) الثَّقَفيّ البَصْرِيّ ثِقَة، من (2) (عن) أَبيه (أبي بكرة) الثَّقَفيّ نفيع بن الحارث بن كلدة البَصْرِيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا ابن أبي شيبة فإنَّه كُوفِيّ (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال: إن الزمان) أراد به هنا السنة وشهورها (قد استدار) وتحول عن ترتيبه الأصلي يوم خلق الله السموات والأرض بإنساء الجاهلية بعض المشهور وتأخيرها عن ترتيبها الأصلي وعاد الآن ورجع (كهيئته) وترتيبه (يوم خلق الله السماوات والأرض) وعادت الشهور على ترتيبها الأصلي حتَّى عاد ذو الحجة في ترتيبه الأصلي.

السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في المبارق: يعني عاد الزمان إلى الهيئة والترتيب الذي وضع الله الشهور عليه يوم خلق السموات والأرض سبب ذكره أن العرب كانوا يعتقدون تحريم الأشهر الحرم حتَّى لو لقي واحد منهم قاتل ولده لم يتعرض له متمسكين في ذلك بملة إبراهيم عليه السلام لكنهم إذا وقع لهم ضرورة في القتال بدلوا الأشهر الحرم إلى غيرها لاستكراههم استحلالها بالكلية وأمروا مناديًا ينادي في القبائل ألا إنَّا أنسأنا المحرم إلى صفر أي أخرنا تحريمه إلى صفر عنوا بذلك أنّا نحارب في المحرم ونترك الحرب بدله في صفر وإذا عرضت لهم حاجة أخرى ينقلون المحرم من صفر إلى ربيع الأول وكانوا يؤخرون الحج من شهر إلى شهر حتَّى وصل ذو الحجة ورجع إلى موضعه الأصلي وترتيبه الخلقي عام حجة الوداع فاجعلوا الحج فيه ولا تبدلوا شهرًا بشهر كأهل الجاهلية اهـ منه ومعنى (إن الزمان قد استدار) أي إن زمان الحج عاد في هذه السنة يعني حجة الوداع إلى وقته الأصلي الذي عينه الله تعالى له يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه ونفذ بها حكمه ثم قال: (السنة اثنا عشر شهرًا) ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة وهي خمسة عشر يومًا بتحكيمهم ثم هذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة / 36] فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجاهلي اهـ من المفهم. وقال القرطبي أَيضًا: اختلف في معنى هذا اللفظ يعني قوله: (إن الزمان قد استدار كهيئته) الخ على أقوال كثيرة وأشبه ما فيها ثلاثة أقوال: أحدها: ما قاله إياس بن معاوية وذلك أن المشركين كانوا يحسبون السنة اثني عشر شهرًا وخمسة عشر يومًا وكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يومًا فحج أبو بكر رضي الله عنه سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة ولم يحج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر ووافق ذلك الأهلة وقد روي أن أَبا بكر إنما حج في ذي الحجة. الثاني: ما روي عن ابن عباس أنَّه قال: كانوا إذا كانت السنة التي ينسأ فيها قام خطيبهم وقد اجتمع إليه النَّاس يوم الصدر أي الرجوع من منى قال ابن الأنباري وهو رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة فقال: أنا الذي لا أعاب ولا يرد لي قضاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقولون له أنسئنا شهرًا أي أخر عنَّا حرمة المحرم فاجعلها في صفر وذلك أنَّهم يكرهون أن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها لأن معاشهم كان من الإغارة فيقول: أيها النَّاس إنِّي قد نسأت العام صفرًا الأول يعني المحرم فيحل لهم المحرم ويحرم عليهم صفرًا فيطرحون المحرم من المشهور ولا يعتدون به ويبدؤون العدة من صفر فيقولون لصفر وشهر ربيع الأول صفران ولربيع الآخر وجمادى الأولى شهرًا ربيع ولجمادى الأخيرة ورجب جماديان ولشعبان رجب ولرمضان شعبان وهكذا إلى محرم ويبطلون من هذه السنة شهرًا فيحجون في كل شهر حجتين ثم ينسأ في السنة الثالثة صفرًا الأول في عدتهم وهو الآخر في العدة المستقيمة حتَّى تكون حجتهم في صفر حجتين وكذلك المشهور كلها حتَّى يستدير الحج في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الشهر الذي ابتدؤوا النساء ونحوه قال ابن الزُّبير: إلَّا أنَّه قال: يفعلون ذلك في كل ثلاث سنين يزيدون شهرًا قيل: وكانوا يقصدون بذلك موافقة شهور العجم لشهور الأهلة حتَّى تأتي الأزمان واحدة. الثالث: قيل كانت العرب تحج عامين في ذي القعدة وعامين في ذي الحجة فصادفت حجة أبي بكر رضي الله عنه ذا القعدة من السنة الثَّانية وصادفت حجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذا الحجة بالاستدارة والأشبه القول الأول قوله: (السنة اثنا عشر شهرًا) الأول منها (المحرم) سمي بذلك لأنهم كانوا يحرمون فيه القتال ويجمع على محرمات ومحارم ومحاريم وتسميه العرب العاربة (المؤتمر) بكسر الميم أخذًا من أَمِرَ القومُ إذا كثروا بمعنى أنَّهم يحرمون فيه القتال فيكثرون وقيل: أخذًا من الائتمار بمعنى أنَّه يؤتمر فيه بترك الحروب ويجمع على مؤتمرات والثاني منها (صفر) سمي بذلك لخلو مكة من أهلها فيه وقيل وقع فيه وباء فاصفرت وجوههم قال أبو عبيد سمي بذلك لصفر الأواني من اللبن والثالث (الرَّبيع الأول) والرابع (الرَّبيع الثاني) سميا بذلك لارتباع النَّاس فيهما أي لإقامتهم في الرَّبيع والخاص (الجمادى الأولى) والسادس (الجمادى الثَّانية) سميا بذلك لأن الماء جمد فيهما والسابع (رجب) سمي بذلك لترجيب العرب إياه أي لتعظيمهم له أو لأنه لا قتال فيه والأرجب الأقطع ويجمع على رجبات وعلى أرجاب والثامن (شعبان) سمي بذلك لتشعب القبائل فيه والتاسع (رمضان) سمي بذلك لشدة الرمضاء فيه أي حر الظهيرة والعاشر منها (شوال) سمي بذلك لأن اللقاح تشول فيه أذنابها والحادي عشر منها (ذو القعدة) بفتح القاف وكسرها مع سكون العين فيهما سمي

مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك لقعودهم فيه عن الحرب لكونه أول الأشهر الحرم ويجمع على ذوات القعدة وحكى الكوفيون أولات القعدة والثاني عشر (ذو الحجة) بفتح الحاء وكسرها سمي بذلك لكون الحج يقع فيه والكلام في جمعه كالكلام في ذي القعدة وتسمية العرب العاربة (برك) بوزن عمر غير مصروف لأنه تبرك فيه الإبل للموسم اهـ من المفهم مع زيادة (منها) أي من تلك الاثني عشر وهو خبر مقدم لما بعده (أربعة حرم) أربعة مبتدأ مؤخر حرم صفته سميت الحرم حرمًا لاحترامها وتعظيمها بما خصت به من أفعال البر وتحريم القتال وتشديد أمر البغي والظلم فيها وذلك أن العرب كانت في غالب أحوالها ومعظم أوقاتها قبل مجيء الإِسلام أهل غارة ونهب وقتال وحرب يأكل القوي الضعيف ويصول على المشروف الشريف لا يرجعون لسلطان قاهر وأمر جامع وكانوا فوضى أي لا أمير لهم من غلب سلب ومن عزَّ بزَّ (أي من غلب أخذ السلب) لا يأمن لهم سرب ولا يستقر بهم حال فلطف الله بهم بأن جعل في نفوسهم احترام أمور يمتنعون فيها من الغارة والقتال والبغي والظلم فيأمن بعضهم من بعض ويتصرفون فيها في حوائجهم ومصالحهم فلا يهيج فيها أحد أحدًا ولا يتعرض له حتَّى إن الرَّجل يلتقي فيها بقاتل أَبيه وأخيه فلا يتعرض له بشيء ولا بغدر بما جعل الله في قلوبهم من تعظيم تلك الأمور ولا يبعد أن يكون أصل ذلك مشروعًا لهم من دين إبراهيم وإسماعيل كالحج والعمرة وغيرهما مما كان عندهم من شرائعهما وهذه الأمور من الزمان الأشهر الحرم ومن المكان حرم مكة ومن الأموال الهدي والقلائد ويشهد لما ذكرناه قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة / 217] وقوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة / 36] ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة / 36] وقوله تعالى في الحَرَم: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران / 97] وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت / 67] وقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة / 125] وقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة / 97]. ومعنى كون هذه الأمور قيامًا للنَّاس أي تقوم بها أحوالهم وتنتظم بها مصالحهم من أمر دنياهم ومعايشهم هذا معنى ما قاله المفسرون فلما جاء الإِسلام لم يزد تلك الأمور إلَّا تعظيمًا وتشريفًا غير أنه لما حدَّ الحدود وشرع الشرائع ونصب العقوبات والزواجر اتفقت كلمة المسلمين والتزمت شرائع الدين فأمن النَّاس على دمائهم ونفوسهم وأموالهم فامتنع أهل الظلم من ظلمهم وكف أهل البغي عن بغيهم

ثَلَاثةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ. وَرَجَبٌ، شَهْرُ مُضَرَ، الَّذِي بَينَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ". ثُمَّ قَال: "أَيُّ شَهْرٍ هذَا؟ " قُلْنَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ واستوى في الحق القوي والضعيف والمشروف والشريف فمن صدر منه بغي أو عدوان قمعته كلمة الإِسلام وأقيمت عليه الأحكام لا يعيذه شيء من تلك المحرمات ولا يحول بينه وبين حكم الله تعالى أحد من المخلوقات فالحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم والمنهج المستقيم وهو المسؤول بأن ينعم علينا بالدوام والتمام ويحشرنا في زمرة واسطة النظام محمَّد عليه الصلاة والسلام اهـ من المفهم. (ثلاثة) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بالصفة المحذوفة (متواليات) خبر المبتدإ أي ثلاثة منها أي من الأشهر الحرم الأربعة متواليات أي يتلو بعضها بعضًا كما قد قال في الرواية الأخرى (ثلاث سرد وواحد فرد) (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم) هذه الثلاثة المتوالية وقوله: (ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان) هو مبالغة في تعيين هذا الشهر ليتميز عما كانوا يتحكمون به من النساء ومن تغيير أسماء المشهور وقد تقدم أنَّهم كانوا يسقطون من السنة شهرًا وينقلون اسم الشهر للذي بعده حتَّى سموا شعبان رجبًا ومضر حي من العرب ونسبة هذا الشهر إليهم إما لأنهم أول من عظمه أو لأنهم كانوا أكثر العرب تعظيمًا له واشتهر ذلك حتَّى عرف بهم والله أعلم. قال النووي: وإنما قيد رجبًا هذا التقييد مبالغة في إيضاحه وإزالة اللبس عنه قالوا: وقد كان بين مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب وكانت مضر تجعل رجبًا هذا الشهر المعروف الآن وهو بين جمادى وشعبان وكانت ربيعة تجعله رمضان فلهذا أضافه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى مضر وقيل: إن العرب كانت تسمي رجبًا وشعبان الرجبين وقيل: كانت تسمى جمادى ورجبًا جمادين وتسمي شعبان رجبًا اهـ قوله: (الذي بين جمادى) بضم الجيم والقصر بعد الدال سمي بذلك لجمود الماء فيه لأن الوقت الذي سمي فيه بذلك كان الماء فيه جامدًا لشدة البرد ويقال في تثنيته جماديان الأوليان وفي الجمع الجماديات الأوليات (وشعبان) بفتح الشين سمي بذلك لتشعبهم فيه لكثرة الغارات عقب رجب وقيل لتشعب العود في الوقت الذي سمي فيه وقيل لأنه شعب بين شهري رجب ورمضان ويجمع على شعبانات وشعابة على حذف الزوائد وحكى الكوفيون شعابين كذا في صبح الأعشى [2/ 365] (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي شهر هذا) أي هذا الشهر الحاضر الذي نحن فيه الآن ما اسمه، قال أبو بكرة: (قلنا)

اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسْمِهِ. قَال: "أَلَيسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَال: "فَأَيُّ بَلَدٍ هذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسْمِهِ. قَال: "أَلَيسَ الْبَلْدَةَ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَال: "فَأَيُّ يَوْمٍ هذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسْمِهِ. قَال: "أَلَيسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ (قَال مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَال) وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيكُمْ. كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، في بَلَدِكُمْ هذَا، في ـــــــــــــــــــــــــــــ معاشر الحاضرين (الله ورسوله أعلم) أي يعلمان اسمه قال النووي وقولهم: (الله ورسوله أعلم) هذا من حسن أدبهم وأنهم علموا أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب فعرفوا أنَّه ليس المراد مطلق الإخبار بما يعرفون اهـ (قال) أبو بكرة (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتَّى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه) المعروف عندنا (قال: أليس) هذا الشهر الحاضر يسمى (ذا الحجة قلنا) له: (بلى) هو ذو الحجة لأن بلى يجاب بها النفي فيكون إثباتًا لأن نفي النفي إثبات (قال: فأي بلد هذا) أي هذا البلد الذي نحن فيه الآن (قلنا: الله ورسوله أعلم قال) الراوي: (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتَّى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه) المعروف (قال: أليس) هذا البلد يسمى (البلدة) المشرفة المكرمة (قلنا: بلى) أي هو هي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأي يوم هذا) اليوم الحاضر (قلنا الله ورسوله أعلم قال) الراوي (فسكت حتَّى ظننا أنَّه سيسميه بغير اسمه) المعروف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس) هذا اليوم يسمى (يوم النحر قلنا بلى) هو هو (يَا رسول الله) قال القرطبي: سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد سؤال كل واحد منها كان لاستحضار فهومهم وتنبيهًا لغفلتهم وتنويهًا بما يذكره لهم حتَّى يقبلوا عليه بكليتهم ويستشعروا عظمة حرمة ما عنه يخبرهم ولذلك (قال) بعد هذا (فإن دماءكم وأموالكم قال محمَّد) بن سيرين: (وأحسبه) أي وأظن شيخي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة (قال) عند ما حدث لنا هذا الحديث لفظة (و) إنَّ (أعراضكم) والشك من محمَّد بن سيرين وقائل هذا القول أَيُّوب السختياني والأعراض جمع عرض وهو موضع المدح أو الذم من الإنسان أي إن إراقة دمائكم وسلب أموالكم وطعن أعراضكم. (حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في

شَهْرِكُمْ هذَا. وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كفارًا (أَوْ ضُلَّالًا) يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَلَعَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ شهركم هذا) قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء وإغياء في التفسير عن الوقوع فيها لأنهم كانوا قد اعتادوا فعلها واعتقدوا حليتها كما تقدم في بيان أحوالهم وقبيح أفعالهم اهـ من المفهم وقال الحافظ في الفتح [1/ 159]: ومناط التشبيه في قوله كحرمة يومكم ظهوره عند السامعين لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في نفوسهم مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد كون المشبه به أخفض رتبة من المشبه لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع اهـ منه (وستلقون) أي سترون (ربكم) يوم القيامة (فيسألكم عن أعمالكم) خيرها وشرها فيجازيكم عليها فخذوا عني دينكم واعتصموا به واحذروا ما أنتم عليه في الجاهلية من إراقة الدماء وسلب الأموال وطعن الأعراض قال القرطبي: معنى هذا الكلام إنكم ستقفون في العرض موقف من لقي ربه فحبس حتَّى تعرض عليه أعماله فيسأل عنها وهذا إخبار بمقام عظيم وأمر هائل لا يقدر قدره ولا يتصور هوله أصبح النَّاس عن التذكير فيه معرضين وعن الاستعداد له متشاغلين فالأمر كما قال في كتابه المكنون: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)} [ص / 67، 68] فنسأل الله تعالى من فضله أن يوقظنا من رقدتنا ويُنبهنا من غفلتنا ويجعلنا ممن استعد للقائه وكُفي فواجئ نقمه وبلائه والفاء من قوله: (فلا ترجعنَّ) للإفصاح والفعل بضم العين مسند إلى واو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين مع نون التوكيد الثقيلة ولا ناهية جازمة أصله فلا ترجعونن حذفت نون الرفع للجازم والواو لالتقاء الساكنين والمعنى إذا عرفتم ما ذكرته لكم وأردتم بيان ما هو النصيحة لكم فأقول لكم لا ترجعوا أي لا تصيروا (بعدي) أي بعد فراقي من هذا المجلس أو بعد وفاتي (كفارًا) أي مثل الكفار في إراقة دمائكم وسلب أموالكم وطعن أعراضكم (أو) قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو الراوي فلا ترجعن بعدي (ضلالًا) جمع ضال وهو أعم من الكافر والشك من الراوي أو ممن دونه (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب على الصواب أي فيضرب وقيل بجزمه على كونه جوابًا للنهي (ألا ليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) عن هذا المجلس (فلعل

بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض من يبلغه) بصيغة المجهول (يكون أوعى) وأحفظ (له من بعض من سمعه) مني. قوله: (فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) بهذا الحديث وأشباهه كفر الخوارج عليًّا ومعاوية وأصحابهما وهذا إنما صدر عنهم لأنهم سمعوا الأحاديث ولم تحط بها فهومهم كما قرؤوا القرآن ولم يجاوز تراقيهم فكأنهم ما قرؤوا قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُمْ} [الحجرات / 9، 1. [فأبقى عليها اسم الإيمان وأخوته مع أنَّهم قد تقاتلوا وبغت إحداهما على الأخرى وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء / 48 و 116] والقتل ليس بشرك بالاتفاق والضرورة وكأنهم لم يسمعوا قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلَّا بالحق فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له" متفق عليه وإنما يُحمل الحديث على التشبيه تغليظًا وذلك أن المسلمين إذا تحاجزوا وتقاتلوا فقد ضلت الطائفة الباغية منهما أو كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق وكفرت حق الأخرى وحرمتها وقد تشبها بالكفار وكأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ما يكون في أمته من المحن والفتن فحذر من ذلك وغلظه بذلًا للنصيحة ومبالغة في الشفقة عليهم صلى الله عليه وسلم قوله: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب) أمر غائب بتبليغ العلم ونشره فهو فرض من فروض الكفايات من التبليغ وعليه فالباء مفتوحة واللام مشددة مكسورة وقيل: إنه من الإبلاغ فباؤه ساكنة ولامه مخففة ومراده بالشاهد الحاضر في المجلس والمقصود إما تبليغ القول المذكور وإما تبليغ جميع الأحكام وفيه الأمر بالتبليغ والحضُّ عليه. وقوله: (فلعل بعض من يبلغه) بالبناء للمجهول (يكون أوعى) وأحفظ (له) أي لما قلته (ممن سمعه) مني والوعي الحفظ والفهم والقبول قال الزبيدي يقال وسماه أي الشيء أو الحديث يعيه وعيًا إذا حفظه وفهمه وقبله فهو واع ومثله حديث أبي أُمامة (لا يعذب الله قلبًا وعى القرآن) قال ابن الأثير: أي عقله إيمانًا به وعملًا فأما من حفظ ألفاظه وضيع حدوده فإنَّه غير واع له كذا في تاج العروس واحتج به العلماء لجواز رواية الفضلاء وغيرهم من الشيوخ الذين لا علم لهم عندهم ولا فقه إذا ضبط ما يحدث به كذا في النووي وفيه جواز التحمل قبل كمال الأهلية وأن الفهم ليس شرطًا في الأداء وأنه قد

ثُمَّ قَال: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قَال ابْنُ حَبِيبٍ في رِوَايَتِهِ: "وَرَجَبُ مُضَرَ". وَفِي رِوَايةِ أبي بَكْرٍ: "فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي". 4251 - (00) (00) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يأتي في الآخر من يكون أفهم ممن تقدمه لكن بقلة كذا في فتح الباري [1/ 159]. قال القرطبي: قوله: (فلعل بعض من يبلغه أوعى) الخ حجة على جواز أخذ العلم والحديث عمن لا يفقه ما ينقل إذا أداه كما سمعه فأما نقل الحديث بالمعنى فمن جوزه إنما جوزه من الفقيه العالم بمواقع الألفاظ ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقًا وقد تقدم ذلك وفيه حجة على أن المتأخر قد يفهم من الكتاب والسنة ما لم يخطر للمتقدم فإن الفهم فضل الله يؤتيه من يشاء لكن هذا يندر ويقل فأين البحر من الوشل (الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة يقطر منه قليلا لا يتصل قطره) والعل من العلل وهو الشكل في العينين ليس كالكحل (ثم) بعد هذه الخطبة البليغة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا) حرف استفتاح (هل بلغت) استفهام تقريري لا يحتاج إلى الجواب أي قد بلغتكم ما أمرت بتبليغه لكم فلا عذر لكم إذ لم يقع مني تقصير في التبليغ ويحتمل أن يكون على جهة استعلام ما عندهم واستنطاقهم بذلك كما تقدم في حديث جابر حيث ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: (وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الأرض اللهم اشهد ثلاث مرات رواه مسلم قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) شيخنا يحيى (بن حبيب) الحارثيّ (في روايته) لنا (ورجب مضر) بإسقاط لفظ شهر وإضافة رجب إلى مضر (وفي رواية أبي بكر) بن أبي شيبة (فلا ترجعوا بعدي) بحذف نون التوكيد الثقيلة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [5/ 37] , والبخاري [105] , وأبو داود [1948] , وابن ماجه [233]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 4251 - (00) (00) (حدثنا نصر بن عليّ) بن نصر بن عليّ بن صهبان الأَزدِيّ البَصْرِيّ (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة اسم محلة في البصرة نسبت إلى الجهاضمة وهم بطن من الأزد ينسبون إلى جهضم بن عوف بن مالك (حَدَّثَنَا يزيد بن زريع) التَّمِيمِيّ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: لَما كَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ. قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ. فَقَال: "أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هذَا؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. حَتَّى ظَنَنا أَنهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. فَقَال: "أَلَيسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: "فَأَيُّ شَهْرٍ هذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "أَلَيسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "فَأَيُّ بَلَدٍ هذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: حَتى ظَنَنَّا أَنهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ العيشي أبو معاوية البَصْرِيّ ثِقَة، من (8) (حَدَّثَنَا عبد الله بن عون) بن أرطبان المزني البَصْرِيّ ثِقَة، ثبت من (6) (عن محمَّد بن سيرين عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة عن أَبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثَّقَفيّ البَصْرِيّ رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) أبو بكرة: (لما كان) وجاء (ذلك اليوم) العظيم القدر الذي هو يوم النحر في مني في حجة الوداع (قعد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على بعيره) في منى خطيبًا للنَّاس (وأخذ) أي أمسك (إنسان) من الحاضرين وهو أبو بكرة الرَّاوي (بخطامه) أي بخطام بعيره صلى الله عليه وسلم ليصون البعير من الاضطراب وخطام البعير غير زمامه بكسر أولهما فإن الزمام عبارة عن المقود بكسر الميم وهو ما تقاد به الدابة والخطام حبل يقلد به البعير ثم يعقد على أنفه لينقاد والأخذ به يكون لإمساك البعير ومنعه من الاضطراب والتشويش على راكبه اهـ من بعض الهوامش (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على قعد وجملة أخذ حال من البعير بتقدير قد (أتدرون) أي هل تعلمون أيها الحاضرون والهمزة للاستفهام الاستعلامي (أي يوم هذا قالوا: الله ورسوله أعلم) فسكت كما في الرواية السابقة (حتَّى ظننا أنَّه سيسميه) أي سيجعل اسمه (سوى اسمه) أي غير اسمه المعروف لدينا (فقال: أليس) هذا اليوم (بيوم النحر قلنا: بلى) هو يوم النحر (يَا رسول الله) ثم (قال: فأي شهر هذا) الشهر الذي نحن فيه (قلنا: الله ورسوله أعلم) ثم سكت ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس بذي الحجة قلنا: بلى يَا رسول الله) ثم (قال: فأي بلد هذا قلنا: الله ورسوله أعلم قال) الراوي ثم سكت (حتَّى ظننا أنَّه سَيُسَمِّيه) أي سيجعل اسمه (سوى اسمه) أي غير اسمه المعروف ثم (قال)

"أَلَيسَ بِالْبَلْدَةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيكُمْ حَرَامٌ. كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا. في شَهْرِكُمْ هذَا. في بَلَدِكمْ هذَا. فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". قَال: ثُمَّ انْكَفَأَ إلى كَبْشَينِ أَمْلَحينِ فَذَبَحَهُمَا. وَإِلَى جُزَيعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَينَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس بالبلدة) المشرفة (قلنا بلى يَا رسول الله) ثم (قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ثم قال: (فليبلغ الشاهد) أي الحاضر منكم عندنا (الغائب) عنا في هذا المجلس (قال) الراوي (ثم انكفأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي انقلب ورجع بعد فراغه من خطبته (إلى كبشين) تثنية كبش وهو ذكر الضأن المسمى الآن بالطَّلي (أملحين) تثنية أملح والأملح هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر أي رجع إليهما ليذبحهما أضحية (فذبحهما و) انقلب أَيضًا (إلى جزيعة من الغنم) بضم الجيم وفتح الزاي وهي القطعة من الغنم تصغير جزعة بكسر الجيم وهي القليل من الشيء وضبطه ابن فارس بفتح الجيم وكسر الزاي وكأنها فعيلة بمعنى مفعولة كضفيرة بمعنى مضفورة والمشهور في رواية المحدثين هو الأول كذا في شرح النواوي أي رجع إليها ليقسمها (فقسمها بيننا) قوله: (ثم انكفأ إلى كبشين) قال الدارقطني: إن هذا وهم من ابن عون فيما قيل وإنما رواه ابن سيرين فأدرجه ابن عون هنا في هذا الحديث فرواه عن ابن سيرين عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة عن أَبيه وقد حذف البُخَارِيّ هذه الزيادة عن ابن عون وقد ذكره المصنف عن أَيُّوب عن قرة فلم يذكر هذه الزيادة أَيضًا وقال القرطبي: الأشبه أن هذه الزيادة إنما هي في حديث آخر في خطبة عيد الأضحى فوهم فيه الراوي فذكرها مضمومة إلى خطبة الحجة أو هما حديثان ضم أحدهما إلى الآخر كذا في شرح النووي. وعبارة القرطبي هنا: (قلت): إنما نسب هذا الوهم لابن عون لأن هذا الحديث قد رواه عن ابن سيرين أَيُّوب السختياني وقرة بن خالد وانتهى حديثهما في خطبة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم النحر عند قوله: ألا هل بلغت في رواية أَيُّوب وزاد قرة إلى هذا قالوا: نعم قال: اللهم أشهد وبعد قوله: ألا هل بلغت زاد ابن عون عن ابن سيرين عن أبي بكرة (ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما إلخ ... ) وهذا الكلام إنما

4252 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَال: قَال مُحَمَّدٌ: قَال عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: لَما كَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ جَلَسَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ. قَال: وَرَجُلٌ آخِذٌ بِزِمَامِهِ (أَوْ قَال: بِخِطَامِهِ). فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُريعٍ. 4253 - (00) (00) حَدَّثني محمدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في خطبة عيد الأضحى على ما رواه أَيُّوب وهشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك على ما ذكره مسلم في الضحايا عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلى ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحًا قال: وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبشين أملحين فذبحهما فقام النَّاس إلى غنيمة فتوزعوها أو قال: فتجزعوها فكان ابن عون اختلط عليه الحديثان فساقهما مساقًا واحدًا وأن ذلك كان في خطبة عرفة وهو وهم لا شك فيه اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 4252 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا حماد بن مسعدة) التَّمِيمِيّ أبو سعيد البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) المزني البَصْرِيّ (قال) ابن عون (قال محمَّد) بن سيرين: (قال عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة عن أَبيه) أبي بكرة رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حماد بن مسعدة ليزيد بن زريع (قال) أبو بكرة: (لما كان ذلك اليوم) العظيم الذي هو يوم النحر (جلس النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على بعير) له (قال) أبو بكرة: (ورجل) أي والحال أن رجلًا من المسلمين هو أبو بكرة الراوي كما مر (آخذ بزمامه) أي ممسك بحبله (أو قال) أبو بكرة ورجل آخذ (بخطامه) أي بخطام البعير والشك من عبد الرَّحْمَن أو ممن دونه وتقدم الفرق بين الخطام والزمام (فذكر) حماد بن مسعدة (نحو حديث يزيد بن زريع). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 4253 - (00) (00) (حَدَّثني محمَّد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطَّان البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا قرة بن خالد)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ في نَفْسِي أَفْضَلُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا قُرَّةُ بِإِسْنَادِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (وَسَمَّى الرَّجُلَ حُمَيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَوْمَ النَّحْرِ. فَقَال: "أَيُّ يَوْمٍ هذَا؟ " وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ. غَيرَ أَنَّهُ لا يَذْكُرُ "وَأَعْرَاضَكُمْ" وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ السدوسي البَصْرِيّ ثِقَة من (6) (حَدَّثَنَا محمَّد بن سيرين عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة وعن رجل آخر هو في نفسي) أي قلبي وظني (أفضل) أي أفقه (من عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة) أي قال قرة بن خالد: حَدَّثني محمَّد بن عبد الرَّحْمَن وعن رجل أوثق من عبد الرَّحْمَن (ح وحدثنا محمَّد بن عمرو بن جبلة) ويقال له محمَّد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد العتكي أبو جعفر البَصْرِيّ صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (وأَحمد بن خراش) ويقال له أَحْمد بن الحسن بن خراش بكسر المعجمة البغدادي صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قالا: حَدَّثَنَا أبو عامر) العقدي (عبد الملك بن عمرو) القيسي البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا قرة) بن خالد وساق أبو عامر الحديث (بإسناد يحيى بن سعيد) القطَّان يعني عن محمَّد عن عبد الرَّحْمَن ورجل آخر عن أبي بكرة غرضه بهذا التحويل بيان متابعة أبي عامر ليحيى بن سعيد القطَّان (و) لكن (سمى) أبو عامر (الرَّجل) الذي أبهمه يحيى بن سعيد في روايته بقوله وعن رجل آخر هو في نفسي أفضل من عبد الرَّحْمَن أي سماه (حميد بن عبد الرَّحْمَن) أي سماه بأنه حميد بن عبد الرَّحْمَن الحميري البَصْرِيّ الفقيه روى عن أبي بكرة وأبي هريرة ويروي عنه (ع) وابن سيرين وقال فيه: هو أفقه أهل البصرة ثِقَة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي بكرة) رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة قرة بن خالد لعبد الله بن عون (قال) أبو بكرة: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع بمنى (يوم النحر فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي يوم هذا) اليوم الحاضر الذي نحن فيه (وساقوا) هذا تحريف من النساخ والصواب (وساق) أي وساق قرة بن خالد أي ذكر (الحديث بمثل حديث ابن عون غير أنَّه) أي لكن أن قرة بن خالد (لا يذكر) لفظة (وأعراضكم ولا

يَذْكُرُ: ثُمَّ انْكَفَأَ إلى كَبْشَينِ، وَمَا بَعْدَهُ. وَقَال في الْحَدِيثِ: "كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا. فِي شَهْرِكُمْ هذَا. في بَلَدِكُمْ هذَا إلى يوْمِ تلْقَوْنَ ربَّكمْ. أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَال: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر) أَيضًا لفظة (ثم انكفأ إلى كبشين وما بعده) أي وما بعد قوله ثم انكفأ يعني قوله وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا (وقال) أي ذكر قرة أَيضًا (في الحديث) لفظة (كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم) أي إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة هذه المذكورات إلى يوم لقاء ربكم ولقاء الله كناية عن موتهم وقال قرة أَيضًا أي ذكر لفظة (ألا هل بلغت قالوا: نعم قال: اللهم اشهد) وهذا بيان لمحل المخالفة بين قرة وابن عون. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث ابن مسعود الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أبي بكرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة

602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة 4254 - (1625) (188) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ؛ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ حَدّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدّثَهُ قَال: "إِني لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، هذَا قَتَلَ أَخِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "أَقَتَلْتَهُ؟ " (فَقَال: إنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيهِ الْبَيِّنَةَ) قَال: نَعَمْ قَتَلْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 602 - (42) باب صحة الإقرار بالقتل والحث على العفو عنه ودية الجنين وكون دية الخطإ وشبه العمد على العاقلة 4254 - (1625) (188) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ العنبري) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبو يونس) البَصْرِيّ حاتم بن أبي صغيرة اسمه مسلم ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن سماك بن حرب) بن أوس الذُّهليّ أبي المغيرة الكُوفيّ صدوق من (4) (أن علقمة بن وائل) بن حجر الكندي الكُوفيّ صدوق من (3) (حدثه) أي حدث لسماك (أن أباه) أي أن أَبا علقمة وائل بن حجر بن سعد بن مسروق الحضرميّ الكندي الكُوفيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون (حدثه) أي حدث علقمةَ (قال) وائل بن حجر: (إنِّي لقاعد) أي لجالس (مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه (يقود) أي يجر رجلًا (آخر بنسعة) بكسر النُّون وسكون السين هي جلد من جلود مضفورة جعلها كالزمام له يقوده بها اهـ نووي وقال في مجمع البحار [2/ 325] سير مضفور يجعل زمامًا وغيره وقد ينسج عريضة يجعل على صدر البعير وجمعه نسع وأنساع (فقال) الرَّجل القائد (يَا رسول الله هذا) الرَّجل الذي أقوده (قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للمقود (أقتلته) أي هل قتلت أخاه (فقال) القائد: (إنه) أي إن هذا المقود (لو لم يعترف) أي إن لم يعترف ولم يقر قتل أخي (أقمت عليه) أي على هذا المقود (البينة) تشهد عليه قتل أخي وهذا قول القائد الذي هو ولي القتيل أدخله الراوي بين سؤال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين جواب القاتل يريد أنَّه لا مجال له في الإنكار (قال) المقود (نعم قتلته) أي قتلت أخاه يَا رسول الله وهذا

قَال: "كَيفَ قَتَلْتَهُ؟ " قَال: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ. فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي. فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ. فَقَال لَهُ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: "هَل لَكَ مِنْ شَيءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟ " قَال: مَا لِي مَالٌ إلَّا كِسَائِي وَفَأسِي. قَال: "فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع الترجمة من الحديث ثم سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية قتله فـ (ـقال) له (كيف قتلته) أي بأي كيفية قتلته (قال) القاتل: (كنت أنا وهو) أي أخو المقتول (نختبط) أي نسقط الخبط (من شجرة) سمرة والخبط بفتحتين ورق السمر والاختباط أن يضرب الشجر بالعصا فيسقط ورقه فيجمعه علفًا للمواشي (فسبني) أي شتمني أخوه (فأغضبني) بشتمه (فضربته بالفأس على قرنه) أي على جانب رأسه أما الفأس فهو سلاح معروف يصنع لقطع الخشب ونحوه ثم ربما يستعمل للقتل وأما القرن فقد فسره النووي بجانب الرأس كما ذكرنا وقيل: إنه أعلى الرأس والأصل أن يستعمل في كلا المعنيين فربما يراد به موضع القرن من الحيوان وهو جانبا الرأس وربما يراد الجانب الأعلى من الرأس راجع تاج العروس [9/ 305] (فقتلته فقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: هل لك من شيء) من المال (تؤديه) أي تعطيه لولي الدم في الدية فداء (عن نفسك) أي بدلًا عن قتلها قصاصًا يعني صلحًا عن القصاص وفي سؤاله صلى الله عليه وسلم القاتل عن ذلك دليل للحنفية والمالكية في أن ولي القتيل لا يستبد بإيجاب الدية على القاتل وإنما يشترط له رضاء القاتل وكذا قال الثَّوريّ وقال الشَّافعيّ وأَحمد: إن المخير بين القود وأخذ الدية هو الولي فإن اختار الدية بدل القصاص فالقاتل مجبور على أدائها واستدلوا بما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة وفيه (من قتل له قتيل بخير النظرين إما أن يفدي واما أن يقتل) وهذا لفظ مسلم في الحج ولفظ البُخَارِيّ في باب كتابة العلم (فمن قتل فهو بخير النظرين إما أن يعقل وإما أن يقاد أهل القتيل) وحجة الحنفية والمالكية حديث الباب حيث لم يسأل الولي هل يريد القصاص أو الدية وإنما سأل القاتل هل يستطيع الدية فلما أبي الدية دفعه إلى الولي لأخذ القود ولو كان الولي مستبدًا بأخذ الدية لسأله دون القاتل (قال) القاتل: (ما لي مال) قليل ولا كثير (إلا كسائي) الذي ألبسه وهو ثوب غليظ مخطط من صوف (وفأسي) الذي أخبط به (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (فترى) وتظن بتقدير همزة الاستفهام (قومك يشترونك)

قَال: أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ. فَرَمَى إِلَيهِ بِنِسْعَتِهِ. وَقَال: "دُونَكَ صَاحِبَكَ". فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ. فَلَمَّا وَلَّى قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" فَرَجَعَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: "إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ" وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ: "أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من ولي الدم يخلصونك من القتل قصاصًا بأداء الدية عنك يعني يفادونك وينقذونك من القصاص بإعطائهم الدية عنك (قال) القاتل: (أنا أهون) وأحقر (على قومي) أي عند قومي (من ذاك) أي من شرائي وخلاصي من القتل بدفع الدية عني (فرمى) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (إليه) أي إلى قائده (بنسعته) أي بحبله الذي يقوده به (وقال) صلى الله عليه وسلم للقائد: (دونك) أي خذ (صاحبك) الذي تقوده فافعل به ما شئت وهذا إذن منه صلى الله عليه وسلم له باستيفاء حقه يعني خذ صاحبك فاستقد منه إن شئت قال الأبي: تمكين الولي من الدم إنما هو بعد إثبات مقدماته كرؤية جسد القتيل وأن هذا وليه وأنه أحق به ولا ولي له غيره وغير ذلك وهذا كله لم يذكر في الحديث فلعله علمه صلى الله عليه وسلم ولم يذكره الرواة (فانطلق) بصيغة الماضي أي ذهب (به) أي بالقاتل (الرَّجل) القائد يعني ولي الدم (فلما ولى) ذلك الرَّجل القائد به وأدبر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده: (إن قتله) أي إن قتل هذا القائد القاتل الذي يقوده (فهو) أي فهذا القائد (مثله) أي مثل القاتل في أنَّه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر لأنه استوفى حقه منه بخلاف ما لو عفا عنه فإنَّه كان له الفضل والمنة وجزيل ثواب الآخرة وجميل الثناء في الدنيا أو المعنى فهو مثله في أنَّه قاتل وإن اختلفا في التحريم والإباحة لكنهما استويا في طاعة الغضب ومتابعة الهوى اهـ نووي فهذا هو المقصود بهذا الكلام لكن ظاهره يوهم أن الولي يستحق العذاب كما يستحق القاتل ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل هذا الكلام الموهم لترغيب الولي في العفو لأن في العفو مصلحة للجانبين فإن القاتل ينجو من الموت والولي يستحق بذلك الأجر وقوله: (فرجع) معطوف على محذوف تقديره فأبلغ رجل من الحاضرين عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى الرَّجل القائد كلام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرجع الرَّجل القائد بالقاتل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (فقال) له (يَا رسول الله إنه بلغني أنك قلت) في شأني (إن قتله فهو مثله و) قد (أخذته بأمرك) وإذنك حين قلت لي دونك صاحبك فماذا تأمرني الآن (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تريد أن يبوء)

بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟ " قَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، (لَعَلَّهُ قَال) بَلَى. قَال: "فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ". قَال: فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. 4255 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرجع إلى النَّار (بإثمك) أي بإثم إذايتك بقتل أخيك وإدخال الحزن عليك (و) بـ (ـإثم) قتل (صاحبك) أي أخيك أراد بالصاحب هذا المقتول قال ابن الأثير: البوء أصله اللزوم فيكون المعنى أن يلتزم ذنبك وذنب أخيك ويتحملهما وقال النووي: قيل: معناه يتحمل إثم المقتول بإتلافه مهجته وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه والمراد أن القاتل قد استحق إثم قتل أخيك وإثم إيذائك بقتله وأنه يعاقب بذلك في الآخرة على كل حال فلو أخذت منه القصاص زدت عليه عقابًا في الدنيا أفلا تكتفي بعقاب الآخرة وتعفو عنه في الدنيا وعبارة القرطبي هنا قوله: (أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك) أي ينقلب ويرجع وأكثر ما يستعمل باء بكذا في الشر ومنه قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة / 90] ويعني بذلك والله تعالى أعلم أن المقتول ظلمًا تغفر له ذنوبه عند قتل القاتل له والولي يغفر له عند عفوه عن القاتل فصار ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل فلذلك قيل عنه إنه باء بذنوب كل واحد منهما هذا أحسن ما قيل فيه والله أعلم اهـ من المفهم (قال) القائد: (يَا نبي الله) قال الراوي: (لعله) أي لعل القائد (قال): يَا نبي الله (بلى) أريد أن يبوء بإثمي وإثم صاحبي وهذا جواب من القائد لاستفهامه صلى الله عليه وسلم بقوله: أما تريد إلخ ... لكن على يقين من الراوي في زيادته على قوله: (يَا نبي الله) صلى الله عليه وسلم لأنه شك في قوله: لفظة بلى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للقائد: (فإن ذاك) القاتل يكون (كذاك) أي يبوء بإثمك وإثم صاحبك إلى النَّار (قال) الراوي وائل بن حجر: (فرمى) القائد (بنسعته) أي بحبله أي بالحبل الذي يقود به القاتل (وخلَّى سبيله) أي ترك طريق القاتل أي تركه ماشيًا حيث شاء لأنه عفا عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4499 - 4501] , والنَّسائيّ [1/ 15 و 16]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث وائل بن حجر رضي الله عنه فقال: 4255 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا

سَعِيدُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا. فَأَقَادَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مِنْهُ. فَانْطَلَقَ بِهِ وَفِي عُنُقِهِ نِسْعَةٌ يَجُرُّهَا. فَلَمَّا أَدْبَرَ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد بن سليمان) الضَّبِّيّ أبو عثمان الواسطيّ نزيل بغداد لقبه سعدويه روى عن هشيم في الديات والليث بن سعد وعبد العزيز الماجشون وغيرهم ويروي عنه (ع) ومحمَّد بن حاتم وابن معين ومحمَّد بن يحيى وخلق قال أبو حاتم: ثِقَة، مأمون وقال العجلي: واسطيّ ثِقَة وقال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثِّقات وقال في التقريب: ثِقَة، حافظ من كبار العاشرة مات سنة (225) خمس وعشرين ومائتين وله مائة سنة (100) (حَدَّثَنَا هشيم) بن بشير الواسطيّ ثِقَة، من (7) (أخبرنا إسماعيل بن سالم) الأسدي أبو يحيى الكُوفيّ ثم البغدادي روى عن علقمة بن وائل في الديات وسعيد بن جبير وعدة ويروي عنه (م د س) وهشيم وأبو عوانة وسعد بن الصلت له في مسلم فرد حديث غريب وثقه أبو علي الحافظ والدارقطني وابن خراش والنَّسائيّ وابن سعد وابن معين وأَحمد وغيرهم وقال في التقريب ثِقَة، ثبت من السادسة (عن علقمة بن وائل) بن حجر (عن أَبيه) وائل بن حجر رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة إسماعيل بن سالم لسماك بن حرب (قال) وائل بن حجر (أتي) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قتل رجلًا) آخر (فأقاد ولي المقتول) أي حكم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لولي المقتول القود والاقتصاص ومكنه (منه) أي من القاتل بدفعه إليه حين قال دونك صاحبك (فانطلق) أي ذهب القائد (به) أي بالقاتل (وفي عنقه) أي والحال أن في عنق القاتل (نسعة) أي حبل (يجرها) أي يجره بها ليقتله (فلما أدبر) القائد أي ولّى دبره إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القاتل) من هذين الرجلين وهو القائد وهو ولي الدم (والمقتول) وهو الجاني الذي وجب عليه القود كلاهما (في النَّار) القاتل الذي هو مستحق الدم يستحق النَّار بسبب إغضابه صلى الله عليه وسلم وإبائه من العفو بعد عرضه عليه العفو مرات والمقتول الذي هو الجاني يستحق النَّار بسبب قتله أخا القائد ظلمًا فالمراد بالقاتل مستحق القصاص وبالمقتول الجاني الذي وجب عليه القصاص ويدل لهذا المعنى رواية أبي داود لهذا الحديث عن وائل بن

فَأَتَى رَجُلٌ الرَّجُلَ فَقَال لَهُ مَقَالةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَخَلَّى عَنْهُ. قَال إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر وذكر فيه ما يدل على أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قصد تخليصه فعرض الدية أو العفو على الولي ثلاث مرات والولي في كل ذلك يأبى إلَّا القتل معرضًا عن شفاعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن حرصه على تخليص الجاني من القتل فكأن الولي صدر منه جفاء في حق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث رد أكيد شفاعته وخالفه في مقصودة ويظهر هذا من مساق الحديث وذلك أن وائل بن حجر قال: كنت عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه نسعة قال: فدعا ولي المقتول فقال: أتعفو قال: لا فقال: أتأخذ الدية قال: لا قال: أتقتل قال: نعم قال: فاذهب به فلما ولى قال أتعفو قال: لا قال: أفتأخذ الدية قال: لا قال: أفتقتل قال: نعم قال: اذهب به فلما كان في الرابعة قال: أما إنك إذ عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبك قال: فعفا عنه فهذا المساق يفهم منه صحة قصد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لتخليص ذلك القاتل وتأكيد شفاعته له في العفو أو قبول الدية فلما لم يلتفت الولي إلى ذلك كله صدرت منه صلى الله عليه وسلم تلك الأقوال الوعيدية مشروطة باستمراره على لجاجه ومضيه على جفائه فلما سمع الولي ذلك القول عفا وأحسن فقبل وأكرم وهذا أقرب التأويلات في حل هذه المشكلات التي صدرت في هذا المقام وهذا هو الذي أشار إليه ابن أشوع حيث قال: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سأله أن يعفو فأبى (تنبيه) إنما عظم الإشكال من جهة قوله صلى الله عليه وسلم: (القاتل والمقتول في النَّار) ولما كان ذلك قال بعض العلماء: إن هذا اللفظ يعني قوله: (القاتل والمقتول في النَّار) إنما ذكره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النَّار فوهم بعض الرواة فضمه إلى هذا الحديث الآخر (قلت) وهذا فيه بعد والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (فأتى رجل) من الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرَّجل) القائد (فقال) الرَّجل الحاضر (له) أي للقائد أي أخبر له (مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني قوله: القاتل والمقتول في النَّار (فخلى) القائد سبيله (عنه) أي عن الجاني الذي يقوده للقتل أي تركه وعفا عنه. (قال إسماعيل بن سالم) الأسدي الكُوفيّ بالسند السابق: (فدكرت ذلك) الحديث

لِحَبِيب بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، فَقَال: حَدَّثَنِي ابْنُ أَشْوَعَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ إِنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَأَبَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي سمعته من علقمة بن وائل (لحبيب بن أبي ثابت) قيس أو هند بن دينار الأسدي الكُوفيّ ثِقَة من (3) روى عنه في (15) بابا (فقال) حبيب بن أبي ثابت: (حَدَّثني) سعيد بن عمرو (بن أشوع) بوزن أَحْمد الهمداني الكُوفيّ قاضيها ثِقَة، من (6) (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما سأله) أي سأل القاتل الذي هو ولي الدم (أن يعفو عنه) أي عن الجاني الذي قتل أخاه (فأبى) ذلك القاتل الذي هو ولي الدم من العفو وامتنع منه فأغضب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بإبائه عن العفو فكان في النَّار لو استمر على ذلك الإباء فهذا يطابق تفسيرنا وحلنا ويؤيده وهذا هو التأويل الحق قال الأبي: وكون القاتل في النَّار لأمر آخر علمه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا من أَجل اقتصاصه فإنَّه أمر مأذون فيه أو لأنه استحق ذلك بإغضابه صلى الله عليه وسلم لإبائه العفو وقد أمره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على ما يدل عليه كلام ابن أشوع قوله: (فقال: حَدَّثني ابن أشوع) الخ .. ذكر في الخلاصة أن حبيب بن أبي ثابت وابن أشوع ماتا في حدود العشرين ومائة وذكر لحبيب روايته عن الصَّحَابَة مثل زيد بن أرقم وابن عباس وابن عمر وغيرهم وعن التابعين ولم يذكر لابن أشوع إلَّا روايته عن الشعبي وأبي سلمة وأبي بردة وهؤلاء كلهم تابعون ليس فيهم صحابي فتحديث حبيب عنه تحديث الأكبر عن الأصغر على أن قوله: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما سأله أن يعفو عنه إرسال منه اهـ من بعض الهوامش. قال النووي: وفي هذا الحديث الإغلاظ على الجناة وربطهم وإحضارهم إلى ولي الأمر وفيه سؤال المدعى عليه عن جواب الدعوى فلعله يقر فيستغني المدعي والقاضي عن التعب في إحضار الشهود وتعديلهم لأن الحكم بالإقرار حكم بيقين وبالبينة حكم بالظن وفيه سؤال الحاكم وغيره الولي عن العفو عن الجاني وفيه جواز العفو بعد بلوغ الأمر إلى الحاكم وفيه جواز أخذ الدية في قتل العمد لقوله صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث (هل لك من شيء تؤديه عن نفسك) وفيه قبول الإقرار بقتل العمد اهـ قال القرطبي: قوله: (هذا قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته) فيه من الفقه سماع دعوى المدعي في الدم قبل إثبات الموت والولاية ثم لا يثبت الحكم حتَّى يثبت كل ذلك فإن قيل: قد حكم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على القاتل في هذا الحديث من غير إثبات ولاية المدعي فالجواب إن ذلك كان معلومًا عنده النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

4256 - (1626) (189) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ امْرَأَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعند غيره فاستغنى عن إثباته لشهرة ذلك وفيه استقرار المدعى عليه بعد سماع الدعوى لإمكان إقراره فتسقط وظيفة إقامة البينة عن المدعي كما وقع في هذا الحديث (قوله: لو لم يعترف أقمت عليه البينة) فيه بيان الأصل في ثبوت الدماء الإقرار أو البينة وأما القسامة فعلى خلاف الأصل كما تقدم وفيه استقرار المحبوس والمتهدد وأخذه بإقراره وقوله: (كيف قتلته) سؤال استكشاف عن حال القتل لإمكان أن يكون خطأ أو عمدًا ففيه من الفقه وجوب البحث عن تحقيق الأسباب التي تنبني عليها الأحكام ولا يكتفى بالإطلاق وهذا كما فعله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع ماعز حين اعترف على نفسه بالزنا على ما يأتي وقوله: (هل لك من شيء تؤديه عن نفسك) يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم قد ألزمه حكم إقراره وأن قتله كان عمدًا إذ لو كان خطأ لما طالبه بالدية ولطولب بها العاقلة ويدل على هذا أيضًا قوله: (أترى قومك يشترونك) لأنه لما استحق أولياء المقتول نفسه بالقتل العمد صاروا كالمالكين له فلو دفع أولياء القاتل عنه عوضًا فقبله أولياء المقتول لكان ذلك كالبيع وهذا كله إنما عرضه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على القاتل بناء منه على أنَّه إذا تيسر له ما يؤدي إلى أولياء المقتول سألهم في العفو عنه ففيه من الفقه السعي في الإصلاح بين النَّاس وجواز الاستشفاع وإن رفعت حقوقهم إلى الإِمام بخلاف حقوق الله تعالى فإنَّه لا تجوز الشفاعة فيها إذا بلغت الإِمام قوله: (ما لي مال إلَّا كسائي وفأسي) فيه من الفقه أن المال يقال على كل ما يتمول من العروض وغيرها وأن ذلك ليس مخصوصًا بالإبل ولا بالعين إلى غير ذلك والله أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4256 - (1626) (189) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أن امرأتين) اسم إحداهما مليكة والأخرى أم غطيف وكانتا ضرتين تحت حمل بن مالك بن النابغة الهذلي كذا أخرجه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل: إن الأخرى أم

مِنْ هُذَيلٍ، رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأخرَى، فَطَرَحَت جَنِينَهَا. فَقَضَى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ، بِغُرَّةٍ: عبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عفيف بنت مسروح كذا أخرجه الطَّبْرَانِيّ بطريق ضعيف كما في مجمع الزوائد [6/ 300] وذكر الحافظ في ترجمة أم عفيف من الإصابة [4/ 456] أن أم عفيف يقال لها أم غطيف أَيضًا ولكن ذكر في ترجمة مليكة أن كنيتها أَيضًا أم عفيف وقيل أم غطيف والله سبحانه وتعالى أعلم (من هذيل) كذا في أكثر الروايات وفي الرواية الآتية عند المصنف أن المصابة كانت من بني لحيان ولحيان بطن من هذيل كما صرح به الحافظ في الفتح [12/ 247] فلا تعارض ووقع في رواية للطبراني إحداهما هذلية والأخرى عامرية كما في مجمع الزوائد [6/ 300] وفي رواية أخرى له عن ن مالك كان له امرأتان لحيانية ومعاوية كما في الإصابة [3/ 28] في ترجمة عمران بن عويم (رمت إحداهما الأخرى) بحجر وفي حديث حمل بن مالك المذكور عند الطَّبْرَانِيّ أنهما اجتمعتا معًا فتغايرتا فرفعت المعاوية حجرًا فرمت به اللحيانية وهي حبلى فضربت المعاوية على بطن اللحيانية (فطرحت) أي أسقطت المضروبة التي هي اللحيانية (جنينها) أي ألقته ميتًا يعني أنها ضربت على بطنها فسقط جنينها أي جنين المضروبة أي خرج منها جنينها ميتًا والجنين حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك لاجتنانه أي لاستتاره ومنه سمي الجن جنًا لاستتارهم عن بني آدم فإن خرج حيًّا فهو ولد أو ميتًا فهو سقط بكسر السين وسكون القاف وقد يطلق عليه جنين أَيضًا وقال الباجي في شرح الموطإ: الجنين ما ألقته المرأة مما يعرف أنَّه ولد سواء كان ذكرًا أو أنثى ما لم يستهل صارخًا كذا في فتح الباري [12/ 247] ووقع في رواية ابن عباس عند أبي داود أنها قد أسقطت غلامًا قد نبت شعره (فقضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حكم فيه) أي في جنينها (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بغرة) أي برقيق وقوله: (عبد أو أمة) بدل من غرة أو عطف بيان لها إذا قرأنا بتنوين غرة وروى بعضهم بإضافة غرة إلى ما بعدها وأو هنا للتنويع لا للشك فإن كلًّا من العبد والأمة يقال له غرة إذ الغرة اسم للإنسان المملوك سمي غرة لأنه خيار مال الشخص والمراد بها هنا ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية الكاملة من العبيد والإماء وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتًا فإن سقط حيًّا ثم مات ففيه الدية الكاملة كما في كتب الفروع وأقل من الغرة عند الشَّافعيّ على أحد قوليه سبع سنين.

4257 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ، سَقَطَ مَيِّتًا، بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. ثمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قضى عَلَيهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 438 و 535] , والبخاري [6910] وأبو داود [4576 و 4579] , وابن ماجه [2639 و 2641]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4257 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثَّقَفيّ البلخي (حَدَّثَنَا ليث) بن سعد المصري (عن ابن شهاب عن) سعيد (بن المسيّب) المخزومي المدنِيُّ ثِقَة، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيّب لأبي سلمة (أنَّه) أي أن أَبا هريرة (قال: قضى) أي حكم وألزم وأوجب (رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان) بكسر اللام على المشهور ورُوي فتحها ولحيان بطن من هذيل اهـ نووي (سقط) أي خرج ذلك الجنين من بطن أمه (ميتًا) لا حيًّا أي قضى فيه (بغرة عبد أو أمة) بدل من غرة قيمته نصف عشر الدية الكاملة وهو خمسة أبعرة أقل سِنِّه سبع سنين على ما قاله الشَّافعيّ (ثم إن المرأة التي قضى عليها) أي قضى لها في جنينها (بالغرة) وهي المجني عليها أم الجنين لا الجانية أفاده النووي. وظاهر قوله: (ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة) (توفيت) أي ماتت أن المتوفاة هي الجانية ولكنه غير مراد فإن التي توفيت هي المجني عليها بدليل الرواية الآتية حيث صرحت أن الجانية قتلتها وما في بطنها فيكون المراد بقوله: (التي قضى عليها) أي التي قضى لها بالغرة نبَّه عليه القاضي عياض والنووي (قلت): ولا مانع من أن تكون الجانية توفيت أَيضًا بعد قتلها ضرتها وبه جزم الموفق ابن قدامة في المغني [9/ 515] وحينئذٍ لا حاجة إلى ما ذكره القاضي والنووي من التأويل ويحتمل أن لا يكون مراد الراوي وفاتها فور غرامتها الدية وإنما مراده أنها لما توفيت بعد ذلك طلبت عاقلتها أن يكون لهم ميراثها لأنهم تحملوا عنها دينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الميراث لا يكون إلَّا للبنين والزوج يعني الورثة المعروفين وإن كانت الدية تتحملها العاقلة بأجمعها

فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا. وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. 4258 - (00) (00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيلٍ. فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا. وَمَا في بَطْنِهَا. فَاخْتَصَمُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى هذا المعنى أشار صاحب بذل المجهود [5/ 184] والله أعلم (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها) أي بأن ميراث المجني عليها المقتولة فالضمير في قوله ميراثها عائد على المجني عليها يدل عليه ما أخرجه أبو داود في رقم [4575] عن جابر وفيه (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ميراثها لزوجها وولدها) أي (لبنيها وزوجها وأن العقل) أي دية المقتولة (على عصبتها) أي على عصبة القاتلة فالضمير ها هنا يعود إلى الجانية فوجبت على عاقلة الجانية غرة لقتل الجنين ودية كاملة لقتل أمه وإنما ألزمت الدية دون القصاص لكون القتل شبه العمد. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4258 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو الأُموي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (ح وحدثنا حرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) بضم التاء وكسر الجيم نسبة إلى تجيب وهي قبيلة سميت باسم امرأة وهي القبيلة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تجيب أجابت الله ورسوله وهذه القبيلة نزلت مصر وبالفسطاط محلة نسبت إليهم المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأُموي الأيلي (عن ابن شهاب عن ابن المسيّب وأبي سلمة) بن عبد الرَّحْمَن (أن أَبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لمالك بن أنس وليث بن سعد (قال) أبو هريرة: (اقتتلت) أي تضاربت (امرأتان من هذيل فرمت إحداهما) وهي المعاوية (الأخرى) وهي اللحيانية (بحجر فقتلتها) أي فقتلت المعاوية اللحيانية (وما في بطنها) أي وما في بطن اللحيانية من الجنين (فاختصموا) أي فاختصم

إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عبدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ. وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ َعَلَى عَاقِلَتِهَا. وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. فَقَال حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أولياء المرأتين (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وترافعوا إليه ليحكم بينهم (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة) معطوف على عبد رفعًا وخفضًا وأو فيه للتنويع أو للتخيير لا للشك وكذلك فهمه مالك وقد جاء في بعض ألفاظه (أو أمة) مكان وليدة ويعني بالوليدة الأمة وغزة المال خياره قال ابن فارس: غرة كل شيء أكرمه وأنفسه وقال أبو عمرو: معناه الأبيض ولذلك سميت غرة (وقضى بدية المرأة) المجني عليها وهي اللحيانية المقتولة (على عاقلتها) أي على عاقلة المرأة الجانية القاتلة وهي المعاوية وهذا الحديث أصل في وجوب الدية على العاقلة إذا كان القتل خطأ أو شبه عمد ثم اختلفوا في تعيين مصداق العاقلة فقال الشَّافعيّ وأَحمد: إن العاقلة هم عصبة القاتل على كل حال ولا يعتبر أن يكونوا وارثين في الحال بل متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا كذا في المغني لابن قدامة [9/ 516] وقال أبو حنيفة: إن العاقلة هم الذين يتناصر بهم القاتل وكان التناصر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبائل فكانت عاقلة الرَّجل قبيلة ثم تغير الوضع حين وضع عمر الديوان فصار التناصر بأهل الديوان فأصبح أهل الديوان عاقلة واستدل الشافعية بأن العقل كان على عشيرة القاتل في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا نسخ بعده (وورثها) أي ورث المقتولة (ولدها) أي أولادها (ومن معهم) من الزوج والوالدين أي حكم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إرث المقتولة وهي اللحيانية لولدها ومن معهم استدل به الشَّافعيّ على أن ولد الجاني ووالده لا يدخلون في العاقلة وإنما العاقلة العمومة وأولادهم وهو رواية عن أَحْمد ووجه الاستدلال أنَّه ذكر ولدها في مقابلة العاقلة فدل على أن الولد ليس من العاقلة وأصرح منه ما أخرجه أبو داود عن جابر أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها قال: فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ميراثها لزوجها وولدها (فقال حمل) بفتح الحاء والميم ابن مالك (بن النابغة) نسب إلى جده لشهرته به (الهذلي) نسبة إلى هذيل قبيلة

يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ أَغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذلِكَ يُطَلُّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ: "إِنَّما هذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ"، مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقتتلتين (يَا رسول الله كيف أغرم) والغرم أداء شيء لازم قال في المصباح: غرمت الدية والدين وغير ذلك أغرم من باب تعب غرمًا بالضم ومغرمًا وغرامة اهـ أي كيف أغرم دية (من لا شرب) شرابًا أي جنينًا لم يشرب شرابًا (ولا أكل) طعامًا (ولا نطق) كلامًا (ولا استهل) أي ولا رفع صوتًا عند الولادة ليعرف أنَّه مات بعد أن كان حيًّا والاستهلال رفع الصوت عند الولادة (فمثل ذلك) الجنين الموصوف بما ذكر (يطل) بضم الياء وفتح الطاء على صيغة المجهول أي يهدر ولا يضمن يقال: طل دمه بضم الطاء إذا أهدر وطله الحاكم أهدره ويقال: أطله أَيضًا فطل هو وأطل مبنيين للمفعول كما في المصباح وذكر النووي رواية بطل بالباء بصيغة الماضي من البطلان وإنما غرم حمل بن النابغة زوج القاتلة لكونه من عصبتها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حمل بن النابغة: (إنما هذا من إخوان الكهان) أي من المتشبهين بهم يعني لمشابهة كلامه كلامهم في السجع وقوله: (من أَجل سجعه الذي سجع) إدراج من الراوي للتفسير والتعليل لقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم له ذلك الكلام والسجع هو تناسب آخر الكلمات في النثر لفظًا وأصله الاستواء وفي اصطلاح البديعيين الكلام المقفى بقافية مخصوصة في النثر والجمع أسجاع وأساجع. قال ابن بطال: فيه ذم الكفار ومن تشبه بهم في ألفاظهم وقد تمسك به من كره السجع في الكلام وليس على إطلاقه بل المكروه منه ما يقع مع التكلف في معرض مدافعة الحق وأما ما يقع اتفاقًا بلا تكلف في الأمور المباحة فجائز وعلى ذلك يحمل ما ورد منه صلى الله عليه وسلم كذا في فتح الباري كتاب الطب [10/ 218] قال النووي: قال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين: أحدهما: أنَّه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله والثاني: أنَّه تكلفه في مخاطبته وهذان الوجهان من السجع مذمومان وأما السجع الذي كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقوله في بعض الأوقات وهو مشهور في الحديث فليس من هذا لأنه لا يعارض حكم الشرع ولا يتكلفه فلا نهي فيه بل هو حسن ويؤيد ما ذكرنا من التأويل قوله صلى الله عليه وسلم كسجع الأعراب فأشار إلى أن بعض السجع هو

4259 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. وَقَال: فَقَال قَائِلٌ: كَيفَ نَعْقِلُ؟ وَلَمْ يُسَمِّ حَمَلَ بْنَ مَالِكٍ. 4260 - (1627) (190) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيدٍ بْنِ نُضَيلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المذموم اهـ منه يعني بذلك أنَّه تشبه بالكهان فسجع كما يسجعون حين يخبرون عن المغيبات كما قد ذكر ابن إسحاق من سجع شق وسطيح "هما كاهنان من كهان العرب" وغيرهما وهي عادة مستمرة في الكهان. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4259 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر البَصْرِيّ الكسي ثِقَة، من (11) (أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن الزُّهْرِيّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر ليونس بن يزيد (قال) أبو هريرة: (اقتتلت امرأتان وساق) معمر (الحديث) السابق (بقصته ولم يذكر) معمر (وورثها ولدها ومن معهم وقال) معمر في روايته لفظة (فقال قائل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف نعقل) أي نؤدي عقل من لا شرب بدل قوله كيف أغرم (ولم يسم) معمر (حمل بن مالك) المحالم يذكر اسمه وهذا بيان لمحل المخالفة بين رواية معمر ويونس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال: 4260 - (1627) (190) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكُوفيّ ثِقَة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ ثِقَة، من (5) (عن عبيد بن نضيلة) بالتصغير فيهما كذا وقع مصغرًا في النسخ الخمس الموجودة عندي ولكن ترجمه الحافظ في التهذيب والتقريب والبخاري في التاريخ الكبير باسم (عبيد بن نضلة) بالتكبير لكن راجعت له تهذيب الكمال للمزي فوجدت فيه نضيلة موافقًا لما ذكره

الْخُزَاعِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَال: ضَرَبَتِ امْرأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى. فَقَتَلَتْهَا. قَال: وَإحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ. قَال: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ َعَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ. وَغُرَّةً لِمَا في بَطْنِهَا. فَقَال رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف ثم رأيت ابن حبان ذكره في كتاب الثِّقات باسم عبيد بن نضلة ثم قال: وقد قيل عبيد بن نضيلة الخُزَاعِيّ فتبين أنَّه معروف بكلا الضبطين بالتصغير والتكبير الأَزدِيّ (الخُزَاعِيّ) أبي معاوية الكُوفيّ المقرئ روى عن المغيرة بن شعبة في الديات وابن مسعود ويروي عنه (م عم) وإبراهيم النَّخَعيّ والحسن العرني وثقه النَّسائيّ وقال العجلي: كُوفِيّ تابعي ثِقَة وقال في التقريب: ثِقَة من الثالثة ووهم من ذكر أن له صحبة مات في ولاية بشر على العراف سنة (74) أربع وسبعين له عندهم حديثان (عن المغيرة بن شعبة) بن مسعود الثَّقَفيّ الكُوفيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا إسحاق بن إبراهيم (قال) المغيرة: (ضربت امرأة) معاوية (ضرتها) أي زوجة زوجها وهي اللحيانية فكل واحد من زوجتي الرَّجل ضرة للأخرى سميت بذلك لحصول المضارة بينهما في العادة وتضرر كل واحدة بالأخرى (بعمود) أي بخشب (فسطاط) بضم الفاء وكسرها ضرب من الخيام قال العيني في عمدة القاري [11/ 223]: وفي رواية يونس وعبد الرَّحْمَن بن خالد: فرمت إحداهما الأخرى بحجر كما مر وزاد عبد الرَّحْمَن (فأصاب بطنها وهي حامل) وروى أبو داود من طريق حمل بن مالك (فضربت إحداهما الأخرى بمسطح) وفي رواية أبي داود من حديث بريدة أن امرأة خذفت امرأة أخرى (قلت): فتعارضت الروايات بين الحجر والمسطح وعمود فسطاط فإما أن يحمل على أن القاتلة جمعت بينها كلها وإما أن يحمل بعض الروايات على وهم بعض الرواة ومثل ذلك لا يقدح في أصل الحديث والله أعلم اهـ (وهي) أي والحال أن المضروبة (حبلى) أي حامل (فقتلتها) أي فقتلت الضاربة المضروبة (قال) المغيرة: (وإحداهما) وهي المضروبة (لحيانية) أي منسوبة إلى بني لحيان بطن من هذيل (قال) المغيرة: (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة) وهي اللحيانية (على عصبة القاتلة) أي على عاقلتها وهي المعاوية (و) جعل (غرة لما في بطنها) على عاقلة القاتلة (فقال رجل من عصبة القاتلة) أي من عاقلتها وهو زوجها

أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَلَا اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذلِكَ يُطَلُّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ؟ ". قَال: وَجَعَلَ عَلَيهِمُ الدِّيَةَ. 4261 - (00) (00) وحدّثني محمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيدٍ بْنِ نُضَيلَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَتَلَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ. فَأُتِيَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. فَقَضَى عَلَى عَاقِلَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حمل بن النابغة (أنغرم) بهمزة الاستفهام التعجبي أي هل نغرم (دية من لا أكل ولا شرب ولا استهل) أي ولا رفع صوته عند الولادة ليعرف أنَّه مات بعد أن كان حيًّا (فمثل ذلك) الجنين (يطل) أي يهدر (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسجع) أي هل له سجع (كسجع الأعراب) أي كسجع أهل البوادي وليس بسجع فصحاء العرب وعلى مقاطعه (قال) المغيرة (وجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليهم) أي على عاقلة القاتلة (الدية) أي دية المقتولة ودية الجنين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود والتِّرمذيّ والنَّسائيّ وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 4261 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ ثِقَة، من (11) (حدثني يحيى بن آدم) بن سليمان الأُموي مولاهم أبو زكرياء الكُوفيّ ثِقَة، من (9) (حدثنا مفضل) بن مهلهل السعدي أبو عبد الرَّحْمَن الكُوفيّ ثِقَة، من (7) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكُوفيّ ثِقَة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن عبيد بن نضيلة) الخُزَاعِيّ الكُوفيّ (عن المغيرة بن شعبة) الكُوفيّ رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلَّا محمَّد بن رافع غرضه بيان متابعة مفضل بن مهلهل لجرير بن عبد الحميد (أن امرأة) وهي معاوية (قتلت ضرتها) أي زوجة زوجها وهي لحيانية (بعمود فسطاط) أي خيمة (فأتي فيه) أي في شأن قتلها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسئل عن حكمه (فقضى) أي أوجب (على عاقلتها) أي

بِالدِّيَةِ. وَكَانَتْ حَامِلًا. فَقَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ. فَقَال بَعْضُ عَصَبَتِهَا: "أَندِي مَنْ لا طَعِمَ وَلَا شَرِبَ وَلَا صَاحَ فَاسْتَهَلَّ؟ فَمِثلُ ذلِكَ يُطَلُّ؟ قَال: فَقَال: "سَجْعٌ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ؟ ". 4262 - (00) (00) حَدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ومحمدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ وَمُفَضَّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ على عاقلة القاتلة وعصبتها (بالدية) أي بدية المقتولة (وكانت) المقتولة (حاملًا فقضى في الجنين) أي أوجب على عاقلة القاتلة في جنين المقتولة (بغرة) عبد أو أمة (فقال بعض عصبتها) أي عصبة القاتلة وهو حمل بن النابغة (أندي) بهمزة الاستفهام مضارع مسند إلى جماعة المتكلمين من وداه دية إذا أدى ديته والاستفهام ها هنا للتعجب لا للإنكار فإنَّه لا يظن بالصحابة إنكار ما قضى به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أي أنعطي ونغرم دية (من لا طعم) طعامًا (ولا شرب) شرابًا (ولا صاح فاستهل) عند الولادة فيعرف أنَّه مات بعد أن كان حيًّا فهذا أمر عجيب (فمثل ذلك) الجنين (يطل) بالبناء للمفعول أي يهدر أي لا يضمن قصاصًا ولا دية (قال) المغيرة بن شعبة: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أله (سجع كسجع الأعراب) وحوشية سكان البوادي وفي هذا نوع إنكار على قوله لأن استفهامه كان للإنكار صورة وإن لم يكن قصد ذلك ويؤخذ من جوابه صلى الله عليه وسلم هذا أن من تكلم بكلام باطل بالبداهة كمعارضة النص بالعقل لا يلتفت إلى جوابه أو إقامة الدليل بخلافه وإنما سبيل ذلك الإعراض عن دليله أو توجيهه إلى ما يدل على قلة عقله أو أدبه اهـ تكملة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: 4262 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (ومحمَّد بن بشار) العبدي البَصْرِيّ كلاهما (قالا: حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدي) بن حسان الأَزدِيّ البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ ثِقَة، من (7) (عن منصور) بن المعتمر (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة وذكر سفيان (مثل معنى حديث جرير ومفضل) غرضه بيان متابعة سفيان لهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث المغيرة فقال:

4263 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ومُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. بِإِسْنَادِهِمُ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. غَيرَ أنَّ فِيهِ: فَأَسْقَطَتْ. فَرُفِعَ ذلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ. وَجَعَلَهُ عَلَى أَوْليَاءِ الْمَرْأَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ في الْحَدِيثِ: دِيَةَ الْمَرْأَةِ. 4264 - (1627) (191) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا وَكِيعٌ) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4263 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمَّد بن المثنى و) محمَّد (بن بشار) كل من الثلاثة (قالوا: حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي (عن شعبة عن منصور) وذكر شعبة (بإسنادهم) أي بإسناد جرير ومفضل وسفيان (الحديث) السابق (بقصته) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لهؤلاء الثلاثة (غير أن فيه) أي لكن أن في حديث شعبة لفظة (فأسقطت) المرأة المقتولة جنينها (فرفع ذلك) الإسقاط لجنينها وأخبر (إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) واستفتي فيه (فقضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أوجب (فيه) أي في جنينها (بغرة) عبد أو أمة (وجعله) أي جعل ذلك المذكور من الغرة (على أولياء المرأة) القاتلة أي على عصباتها وعاقلتها (ولم يذكر) شعبة (في الحديث دية المرأة) المقتولة وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايات. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4264 - (1627) (191) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُريب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ) الآتي (لأبي بكر قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا وكيع عن هشام بن عروة عن أَبيه) عروة بن الزُّبير (عن المسور) بكسر الميم وفتح الواو (بن مخرمة) بفتحتين بينهما خاء ساكنة ابن نوفل القُرشيّ الزُّهْرِيّ المكيّ رضي الله عنهما هو وأبوه مخرمة صحابيان وولد المسور بمكة في السنة الثَّانية من الهجرة فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وكان ممن يلزم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تُوفِّي مع ابن الزُّبير سنة ثلاث وسبعين يقال إنه أصابه المنجنيق وهو يصلي في الحجر

قَال: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ في مِلَاصِ الْمَرْأَةِ. فَقَال الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبدٍ أَوْ أَمَةٍ. قَال: فَقَال عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ. قَال: فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّد بْنُ مَسْلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) المسور: (استشار عمر بن الخطاب النَّاس) أي شاور معهم (في) حكم (ملاص المرأة) وجنينها إذا أسقطته بسبب الجناية أي شاور معهم فيما يضمن به قال القاضي عياض: والرواية عندنا في هذا الحرف (ملاص) يعني بغير همزة الإفعال وكذا هو في جميع النسخ ورأيته في كتاب أبي بحر (إملاص) مصلحًا لا رواية وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين (إملاص) على الصواب كذا في شرح الأبي وقال النووي في جميع نسخ مسلم: (ملاص) بكسر الميم وتخفيف اللام وهو جنين المرأة والمعروف في اللغة (إملاص المرأة) بهمزة مكسورة قال أهل اللغة: يقال أملصت به وأزلقت به وأمهلت به وأخطأت به كله بمعنى وهوإذا وضعته قبل أوانه وكل ما زلق من اليد فقد ملص بفتح الميم وكسر اللام ملصًا بفتحها وأملص أَيضًا لغتان وأملصته أنا قال: قد جاء ملص الشيء إذا أفلت فإن أريد الجنين صح ملاص مثل لزم لزامًا وقد فسر الراوي إملاص المرأة عند البُخَارِيّ في الاعتصام بقوله وهي التي يضرب بطنها فتلقى جنينًا (فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) أي حضرته صلى الله عليه وسلم وقد (قضى) وحكم (فيه) أي في الجنين الذي سقط بالجناية (بغرة عبد أو أمة قال) المسور: (فقال عمر) بن الخطاب للمغيرة: (ائتني بمن يشهد معك) على قضاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في إملاص المرأة بالغرة ومعروف أن عمر رضي الله عنه كان يطلب شاهدًا ممن يروي عنده حديثًا وكان ذلك لزيادة الاستيثاق لئلا يتسارع النَّاس في رواية الحديث غير مبالين بخطورته لا لأن خبر الواحد ليس بحجة والله أعلم (قال) المسور: (فشهد له) أي للمغيرة (محمَّد بن مسلمة) بن سلمة الأَنْصَارِيّ الأوسي الحارثيّ أبو عبد الله المدنِيُّ الصحابي المشهور رضي الله عنه قاتل كعب بن الأشرف وشهد بدرًا والمشاهد كلها ثم ضرب فسطاطه بالربذة واعتزل الفتن إلى أن مات سنة (43) ثلاث وأربعين في صفر في ولاية معاوية بالمدينة وهو ابن سبع وسبعين سنة وصلى عليه مروان بن الحكم ودفن بالبقيع له ستة عشر حديثًا انفرد له (خ) بحديث ويروي عنه (ع) والمسور بن مخرمة في الديات والمغيرة بن شعبة وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد مكّيّ وفيه رواية صحابي عن صحابي قال النووي: وهذا مما استدركه الدارقطني على مسلم فقال: وهم وكيع في هذا الحديث وخالفه أصحاب هشام فلم يذكروا فيه المسور وهو الصواب ولم يذكر مسلم غير حديث وكيع وذكر البُخَارِيّ حديث من خالفه وهو الصواب هذا قول الدارقطني وفي البُخَارِيّ عن هشام عن أَبيه عن المغيرة أن عمر رضي الله عنه سأل عن إملاص المرأة ولا بد من ذكر المسور وعروة ليتصل الحديث فإن عروة لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [4/ 244] , والبخاري [6905]، وأبو داود [4568 و 4569 و 4570]، والتِّرمذيّ [1411] , والنَّسائيّ في القسامة وابن ماجه [2640] , والله أعلم. قال القرطبي: وإملاص فيما حكاه الهروي عن عمر هو المصدر لأنه ذكر بعده الجنين وهو مفعوله وفيما ذكره مسلم (ملاص) ويعني به الجنين نفسه فلا يتعدى هنا لأنه نقل من المصدر المؤكد فسمي به فإن أصله ملص يملص ملاصًا كلزم يلزم وفيه من الفقه الاستشارة في الوقائع وقبول أخبار الآحاد والاستظهار بالعدد في أخبار العدول وليس ذلك عن شك في العدالة وإنما هو استزادة يقين وطمأنينة نفس ولا حجة فيه لمن يشترط العدد في قبول أخبار الآحاد لأن عمر رضي الله عنه قد قبل خبر الضحاك وغيره من غير استظهار والله تعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث وائل بن حجر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث: حديث المغيرة بن شعبة الأول ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع: حديث المغيرة الأخير ذكره أَيضًا للاستشهاد به والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

603 - (43) باب حد السرقة

603 - (43) باب حد السرقة 4265 - (1629) (192) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ يَقْطَعُ السَّارِقَ في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 603 - (43) باب حد السرقة والحد في اللغة المنع ولهذا قيل للبواب: حداد لمنعه النَّاس من الدخول وأصل الحد ما يحجز بين شيئين فيمنع اختلاطهما وحد الدار ما يميزها وحد الشيء وصفه المحيط به المميز له عن غيره وسميت عقوبة الزاني ونحوه حدًّا لكونها تمنعه المعاودة أو لكونها مقدرة من الشارع وقد تطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي كقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} اهـ من عمدة القاري وفتح الباري وأما في الاصطلاح عند الفقهاء فهي عقوبة مقدرة شرعها الله تعالى في ارتكاب بعض الكبائر والمراد أن تكون عقوبة مقدرة من قبل الشارع لا يزاد فيها ولا ينقص فلو عين حاكم عقوبة مخصوصة لجريمة مخصوصة لا تسمى حدًّا لكونها غير مقدرة من قبل الشارع ولهذا يجوز لحاكم غيره بل وله أَيضًا أن يعين لتلك الجريمة عقوبة أخرى وتبين من هذا أن الحكومة الإِسلامية لو قدرت للتعزيرات مقدرًا بتقنين من عندها لا تسمى تلك العقوبات حدًّا لأنها لم يقدرها الشارع والسرقة وكذا السرق بكسر الراء فيهما مصدر سرق يسرق من باب ضرب سرقًا بفتح الراء وسرقة بكسرها لغة أخذ الشيء خفية مطلقًا وشرعًا أخذ نصاب محرز من حرز مثله خفية بلاشبهة له فيه. 4265 - (1629) (192) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (واللفظ ليحيى) بن يحيى (قال ابن أبي عمر: حَدَّثَنَا وقال الآخران: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزُّهْرِيّ عن عمرة) بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثِقَة، من (3) (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع) يد (السارق) والسارقة (في) سرقة (ربع دينار) أو ما قيمته ذلك (فصاعدًا) أي فما فوقه قوله يد السارق أي يمينه والمراد بالسارق جنسه فيشمل السارقة وفي الفتح إن قطع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السارق كان معلومًا عندهم قبل الإِسلام ونزل القرآن بقطع السارق فاستمر الحال فيه وقد عقد ابن الكلبي بابا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة وقولنا: والمراد بالسارق جنسه فيشمل السارقة أو يقال يعرف حكمها بنص الآية والمقايسة والمراد يمينه لقراءة ابن مسعود (فاقطعوا أيمانهما) والمراد إلى الرسغ وقد أجمع المسلمون على أن اليمنى تقطع إذا وجدت لأنها الأصل في محاولة كل الأعمال والسرقة هي أخذ مال خفية ليس للآخذ أخذه من حرز مثله فلا يقطع مختلس ولا منتهب وجاحد لنحو وديعة وعند التِّرْمِذِيّ مما صححه (ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع) قال القرطبي: وإنما خص الشرع القطع بالسارق لأن أخذ الشيء مجاهرة يمكن أن يسترجع منه غالبًا والخائن مكنه رب الشيء منه وكان متمكنًا من الاستيثاق بالبينة وكذلك المعير ولا يمكن شيء من ذلك في السرقة فبالغ الشرع في الزجر عنها لما انفردت به عن غيرها بقطع اليد اهـ والمنتهب من يأخذ المال جهارًا اعتمادًا على قوته والمختلس من يأخذه اعتمادًا على هربه قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وإن الله تعالى الأموال بإيجاب القطع على السارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغصب لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستعداء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنَّه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها وقد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه اهـ (في ربع دينار) بضم الباء ويسكن (فصاعدًا) قال صاحب المحكم: يختص هذا بالفاء ويجوز ثم بدلها ولا تجوز الواو وقال ابن جني: هو منصوب على الحال المؤكدة عاملها وصاحبها محذوف وجوبًا تقديره ولو زاد العدد حالة كونه صاعدًا ومن المعلوم أنَّه إذا زاد لم يكن إلَّا صاعدًا وقد بسطنا الكلام على هذه الحال في كتابنا نزهة الألباب على ملحة الإعراب فراجعه إن شئت وتمسك الشَّافعيّ رحمه الله تعالى بهذا الحديث في أن نصاب السرقة ربع دينار وقد اختلف الفقهاء في تعيين نصاب السرقة اختلافًا شديدًا فنذكر فيه أقوالًا آتية والدينار قيمته اثنا عشر درهمًا وربعه ثلاثة دراهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [6/ 36] وأبو داود [4383] والتِّرمذيّ [1445] , والنَّسائيّ [8/ 79] , وابن ماجه [2585]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

4266 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِمِثْلِهِ، في هذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4266 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد) الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطيّ ثِقَة، من (9) (أخبرنا سليمان بن كثير) العبدي أبو محمَّد البَصْرِيّ روى عن الزُّهْرِيّ في الحدود والرؤيا وعمرو بن دينار وحصين بن عبد الرَّحْمَن ويروي عنه (ع) ويزيد بن هارون ومحمَّد بن كثير وابن مهدي قال النَّسائيّ: ليس به بأس إلَّا في الزُّهْرِيّ وقال ابن معين: ضعيف وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وقال العجلي: جائز الحديث لا بأس به وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرًا وقال في التقريب لا بأس به في غير الزُّهْرِيّ من السابعة مات سنة (133) ثلاث وثلاثين ومائة (وإبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ ثِقَة، من (8) (كلهم) أي كل من معمر وسليمان بن كثير وإبراهيم بن سعد رووا (عن الزُّهْرِيّ بمثله) أي بمثل حديث سفيان بن عيينة غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لسفيان بن عيينة (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور متعلق بمحذوف قدرناه يعني عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها. (فائدة): اختلف الفقهاء في نصاب السرقة على أحد عشر قولًا (1) ليس للسرقة نصاب معين فيقطع السارق في كل قليل وكثير وهذا مذهب داود الظاهري والخوارج (2) نصابها درهم فيقطع في درهم واحد فصاعدًا وهو قول عثمان البتي كذا حكى عنه ابن عبد البر في الاستذكار كما في عمدة القاري [11/ 137] وهو قول ربيعة من أهل المدينة كما في فتح الباري [12/ 106] (3) نصابها درهمان حكاه قتادة عن الحسن البَصْرِيّ كما في العمدة (4) نصابها ثلاثة دراهم حكاه العيني عن الإِمام مالك رحمه الله تعالى والصحيح من مذهبه أن نصابها الأكثر من ربع دينار وثلاثة دراهم فلا يقطع من سرق دون ذلك الأكثر منهما (5) نصابها من الذهب ربع دينار ومن الفضة ثلاثة دراهم ومن غيرهما قيمة ثلاثة دراهم وهو رواية الجوزجاني عن أَحْمد وروى عنه الأثرم أن غير الذهب والفضة يقوم بأقل الأمرين منهما من ربع دينار أو ثلاثة دراهم كذا في المغني لابن قدامة

4276 - (2) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. ح وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ (وَاللَّفْظُ لِلْوَلِيدِ وَحَرْمَلَةَ). قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ قَال: "لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ [10/ 242] (6) نصابها ثلاثة دراهم لا ربع دينار فالأصل هو الورق ويقوم به الذهب فإن نقص ربع دينار عن ثلاثة دراهم لم يقطع سارقه ويحكى ذلك عن الليث بن سعد وأبي ثور وهو رواية عن أَحْمد كما في المغني (7) نصابها ربع دينار لا ثلاثة دراهم فكل شيء يقوم بالذَّهب حتَّى الدراهم تقوم بها وهو مذهب الشَّافعيّ رحمه الله تعالى كما في نهاية المحتاج للرملي [7/ 419] (8) نصابها أربعة دراهم وهو مروي عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما كما في عمدة القاري [11/ 137] والمغني لابن قدامة [10/ 242] (9) نصابها خمسة دراهم أخرجه عبد الرَّزّاق في مصنفه [10/ 237] عن أنس وابن أبي شيبة في مصنفه [9/ 472] والدارقطني في سننه [3/ 186] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في فتح الباري [12/ 107] (10) نصابها عشرة دراهم أو دينار واحد وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه كما في المغني وفتح الباري (11) نصابها أربعون درهمًا أو أربعة دنانير رُوي ذلك عن إبراهيم النَّخَعيّ كما في العمدة والفتح والمغني فهذه أحد عشر قولًا زاد عليها الحافظ في الفتح أقوالًا فبلغها إلى عشرين مذهبًا قال القرطبي: وهذه كلها أقوال متكافئة خلية عن الأدلة الواضحة الشافية اهـ مفهم والحاصل أن الأئمة الثلاثة الحجازيين اعتبروا ربع دينار أو ثلاثة دراهم نصابًا على خلاف بينهم في بعض التفاصيل وخالفهم الحنفية فاعتبروا عشرة دراهم أو دينارًا واحدًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4276 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى ح وحدثنا الوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس الكندي الكُوفيّ نزيل بغداد ثِقَة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ للوليد وحرملة قالوا: حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة) بن الزُّبير (وعمرة) بنت عبد الرَّحْمَن كلاهما (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقطع يد السارق) وكذا

إلَّا في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". 4268 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ وَأَحْمَدَ) (قَال أبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَمْرَةَ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السارقة كما مر (إلَّا في ربع دينار فصاعدًا) أي فزاد العدد صاعدًا ولما شكك أبو العلاء على القول القديم القائل بأنه ينتقل في الدية الكاملة إلى أَلْف دينار وقطعها في السرقة بربع دينار بقوله: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار أجابه القاضي عبد الوهَّاب المالكي رحمه الله تعالى بقوله: وقاية النفس أغلاها وأرخصها ... وقاية المال فافهم حكمة الباري ويروى: عز الأمانة أغلاها وأرخصها ... ذل الخيانة فافهم حكمة الباري وقال ابن الجوزي لما سئل عن ذلك: لما كانت أمينة كانت ثمينة ولما خانت هانت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 4268 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وهارون بن سعيد) بن الهيثم التَّمِيمِيّ (الأيلي) نزيل مصر ثِقَة، من (10) (وأَحمد بن عيسى) بن حسان المصري صدوق من (10) (واللفظ لهارون وأَحمد قال أبو الطاهر: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأَشَج المخزومي أبو المسور المدنِيُّ وثقه مالك وعلي بن المدينيّ وابن حبان وأَحمد بن صالح ولكن ذكر أكثر العلماء أنَّه لم يسمع من أَبيه وإنما وقع له كتاب منه كذا ذكر يحيى بن معين وابن المدينيّ وغيرهما واستثنى أبو داود حديثًا واحدًا حديث الوتر راجع تهذيب الكمال للمزي وقال في التقريب: صدوق من (7) (عن أَبيه) بكير بن عبد الله بن الأشج ثِقَة، من (5) (عن سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة المدنِيُّ ثِقَة، من (3) (عن عمرة) بنت عبد الرَّحْمَن (أنها سمعت عائشة

تُحَدِّثُ؛ أَنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ يَقُولُ: "لا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا في رُبْعِ دِينَارٍ فَمَا فَوْقَهُ". 4269 - (00) (00) حدّثني بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: "لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلا فِي رُبع دِينَارٍ فَصَاعِدًا". 4270 - (00) (00) وحدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ومحمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تحدث أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة سليمان بن يسار للزهري (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه) أي فما فوق الربع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 4269 - (00) (00) (حدثني بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو عبد الرَّحْمَن النَّيسَابُورِيّ ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن محمَّد) بن عبيد الدراوردي أبو محمَّد الجهني مولاهم المدنِيُّ صدوق من (8) (عن يزيد بن عبد الله) بن أسامة (بن الهاد) الليثيّ أبي عبد الله المدنِيُّ ثِقَة، من (5) (عن أبي بكر بن محمَّد) بن عمرو بن حزم الأَنْصَارِيّ الخزرجي النجاري المدنِي القاضي اسمه وكنيته واحد وقيل: اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمَّد ثِقَة، من (5) (عن عمرة) بنت عبد الرَّحْمَن (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي بكر بن محمَّد للزهري وسليمان بن يسار (أنها سمعت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع يد السارق إلَّا في ربع دينار فصاعدًا) أي فزاد العدد صاعدًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4270 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمَّد بن المثنَّى وإسحاق بن منصور) الكوسج (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي عامر العقدي) نسبة إلى عقد

حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ، مِنْ وَلَدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4271 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: لَمْ تُقْطَعْ يَدُ سَارِقٍ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ في أَقَل مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ. وَكِلَاهُمَا ذُو ثَمَنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بطن من بجيلة قبيلة باليمن عبد الملك بن عمرو البَصْرِيّ ثِقَة، من (9) (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن عبد الرَّحْمَن (من ولد المسور بن مخرمة) الزُّهْرِيّ المخرمي أبو محمَّد المدنِيُّ ليس به بأس من (8) (عن يزيد بن عبد الله بن الهاد بهذا الإسناد) يعني عن أبي بكر عن عمرة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى عبد العزيز بن محمَّد عن يزيد بن عبد الله غرضه بيان متابعة عبد الله بن جعفر لعبد العزيز بن محمَّد. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4271 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا حميد بن عبد الرَّحْمَن) بن حميد (الرؤاسي) بضم الراء وتخفيف الواو وجعله العلامة طاهر في المغني بضم الراء والهمزة منسوب إلى بني رؤاس بطن من بطون العرب أبو علي الكُوفيّ ثِقَة، من (8) (عن هشام بن عروة عن أَبيه) عروة بن الزُّبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة: (لم تقطع يد سارق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في) مال (أقل) قيمة (من ثمن المجنِّ) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النُّون اسم لكل ما يستجن به أي يستتر به. وقوله: (حجفة أو ترس) بالجر فيهما على البدلية من المجن وأو للشك والحجفة بتقديم الحاء على الجيم وفتحهما الترس من جلد بلا خشب يجمع على حجف وهي الدرقة والترس صفحة من الفولاذ تحمل للوقاية من السيف ونحوه يجمع على أتراس وتراس وتروس وترسة والمفهوم من عبارة المصباح أن المجن هو الترس والحجفة: الترس الصغير وقيل: إن كلًّا من المجن والحجفة والترس والدرقة بمعنى واحد وهو ما يتخذ وقاية من السيف ونحوه (وكلاهما) أي كل من الحجفة والترس (ذو ثمن) كثير

4272 - (00) (00) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدةُ بْنُ سُلَيمَانَ وَحُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الرُّؤَاسِيّ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَأَبِي أُسَامَةَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ذُو ثَمَنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولفظ البُخَارِيّ (كل واحد منهما ذو ثمن) قال الحافظ ابن حجر: والتنوين في قوله ذو ثمن للتكثير والمراد أنَّه ذو ثمن يرغب فيه فأخرج الشيء التافه اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4272 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكُوفيّ ثِقَة، من (8) (وحميد بن عبد الرَّحْمَن) الرؤاسي الكُوفيّ (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الرَّحِيم بن سليمان) الكناني الكُوفيّ ثِقَة، من (8) (ح وحدثنا أبو كُريب حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (كلهم) أي كل من عبدة وحميد وعبد الرَّحِيم وأبي أسامة رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (نحو حديث ابن نمير عن حميد بن عبد الرَّحْمَن الرؤاسي) والأولى إسقاط لفظة ابن نمير والصواب نحو حديث حميد بن عبد الرَّحْمَن إلَّا أن يقال: إن المتابعة ناقصة فغرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان وعبد الرَّحِيم وأبي أسامة لحميد بن عبد الرَّحْمَن (و) لكن (في حديث عبد الرَّحِيم وأبي أسامة) لفظة (وهو) أي المجنّ (يومئذٍ) أي يوم إذ قطع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (ذو ثمن) كثير واتفقوا على أن الذي يقطع أولًا من السارق اليد اليمنى فإن سرق ثانية فقال مالك والشافعي: يقطع رجله اليسرى ثم في الثالثة يده اليسرى ثم في الرابعة رجله اليمنى ثم إن سرق بعد ذلك حبس وعزر وقال علي والزهري وحماد وأَحمد: يقطع في الثَّانية رجله اليسرى ولا قطع في غيرهما ثم إن سرق ثالثة حبس اهـ من الأبي قال النووي والصحيح من تلك المذاهب المختلفة ما قاله الشَّافعيّ وموافقوه من أن المعتبر ربع دينار أو قيمته لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صرَّح ببيان النصاب في هذه الأحاديث من لفظه وأنه ربع دينار وأما باقي التقديرات فمردودة لا أصل لها مع مخالفتها لصريح هذه الأحاديث وأما رواية أنَّه صلى الله عليه وسلم قطع سارقًا في مجن قيمته ثلاثة دراهم فمحمولة على أن هذا القدر كان ربع دينار فصاعدًا وهي قضية عين لا عموم لها فلا يجوز

4273 - (1630) (193) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا في مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ترك صريح لفظه صلى الله عليه وسلم في تحديد النصاب لهذه الرواية المحتملة بل يجب حملها على موافقة لفظه وكذا الرواية الأخرى لم يقطع يد السارق في أقل من ثمن المجن محمولة على أنَّه كان ربع دينار ولا بد من هذا التأويل ليوافق صريح تقديره صلى الله عليه وسلم وأما ما يحتج به بعض الحنفية وغيرهم من رواية جاءت (قطع في مجن قيمته عشرة دراهم) وفي رواية (خمسة) فهي رواية ضعيفة لا يعمل بها لو انفردت فكيف وهي مخالفة لصريح الأحاديث الصحيحة الصريحة في التقدير بربع دينار مع أنَّه يمكن حملها على أنَّه كانت قيمته عشرة دراهم اتفاقًا لا أنَّه شرط ذلك في قطع السارق وليس في لفظها ما يدل على تقدير النصاب بذلك وأما رواية (لعن الله السارق يسرق البيضة أو الحبل فتقطع يده) فقال جماعة المراد به بيضة الحديد وحبل السفينة وكل واحد منهما يساوي أكثر من ربع دينار وأنكر المحققون هذا وضعفوه فقالوا بيضة الحديد وحبل السفينة لهما قيمة ظاهرة وليس هذا السياق موضع استعمالها بل بلاغة الكلام تأباه ولأنه لا يذم في العادة من خاطر بيده في شيء له قدر وإنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له فهو موضع تقليل لا تكثير والصواب أن المراد التنبيه على عظيم ما خسر وهي يده في مقابلة حقير من المال وهو ربع دينار فإنَّه يشارك البيضة والحبل في الحقارة أو أراد جنس البيض وجنس الحبل أو أنَّه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فقطع فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه أو أن المراد يسرق البيضة أو الحبل فيقطعه بعض الولاة سياسةً لا قطعًا جائزًا شرعًا وقيل: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال هذا عند نزول آية السرقة مجملة من غير بيان نصاب فقاله على ظاهر اللفظ والله أعلم اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 4273 - (1630) (193) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال: قرأتُ على مالك عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقًا في مجن) أي في ترس (قيمته ثلاثة دراهم) وهذا إخبار عن فعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا عن قوله وما ذكره من قيمة المجن هو تقدير منه كما أن ربع دينار تقدير من السيدة

4274 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سعيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصديقة وجاء عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما تقدير ثمنه بدينار وبعشرة دراهم أَيضًا والأحوط في باب الحدود هو الأخذ بالأكثز لأن عضو الآدمي له حُرمة قال العيني في شرح الكنز: ولما اختلفوا في قيمة المجن مع اتفاقهم أن النصاب مقدر به ذهبنا إلى الأكثر للتيقن به لأن أحدًا لم يقل إن العشرة لم يقطع فيها وما دونها مختلف فيه فلا يجب القطع للشك اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 80] , والبخاري [6797] , وأبو داود [4386] , والتِّرمذيّ [1446] , والنَّسائيّ [8/ 77] , وابن ماجه [2584]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 4274 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثَّقَفيّ البلخي (و) محمَّد (بن رمح) المصري كلاهما (عن الليث بن سعد) الفهمي المصري عن نافع عن ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا زهير بن حرب) الحرشي النَّسائيّ (وابن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (قالا: حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد التَّمِيمِيّ (وهو القطَّان) البَصْرِيّ (ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكُوفيّ (حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القُرشيّ الكُوفيّ ثِقَة، من (8) (كلهم) أي كل من يحيى القطَّان وعبد الله بن نمير وعلي بن مسهر رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري عن نافع عن ابن عمر وهذه الأسانيد الثلاثة من خماسياته (ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم الأسدي البَصْرِيّ (يعني ابن عليّة ح وحدثنا أبو الرَّبيع) الزهراني سليمان بن داود البَصْرِيّ (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البَصْرِيّ (قالا: حَدَّثَنَا حماد) بن زيد بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ (ح وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ ثِقَة، من (11) (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ كُلُّهُمْ عَنْ أيوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَإِسمَاعِيلَ بْنِ أُميَّةَ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيمٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعُبَيدِ اللهِ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي إِسمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنِي أبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ وَعُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمرَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ اللَّيثِيِّ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ همام الصَّنْعانِيّ الحميري ثِقَة، من (9) (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثَّوريّ من (7) (كلهم) أي كل من إسماعيل بن أمية وحماد بن زيد وسفيان الثَّوريّ رووا (عن أَيُّوب) بن أبي تميمة (السختياني) البَصْرِيّ (وأيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأُموي الكُوفيّ ثِقَة، من (7) (وإسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأُموي المكيّ ثِقَة، من (6) عن نافع عن ابن عمر رضَي الله عنهما (ح وحدثني عبد الله بن عبد الرَّحْمَن) بن الفضل (الدَّارميّ) السمرقندي ثِقَة، من (11) (أخبرنا أبو نعيم) الفضل بن دكين التَّمِيمِيّ الكُوفيّ ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد الثَّوريّ (عن أَيُّوب) السختياني (وإسماعيل بن أمية) الأُموي المكيّ (وعبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (وموسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدنِيُّ ثِقَة، من (5) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (ح وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق أخبرنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية) الأُموي المكيّ عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (ح وحدثني أبو الطاهر) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن حنظلة بن أبي سفيان) الأسود بن عبد الرَّحْمَن بن صفوان بن أمية الأُموي (الجمحي) المكيّ ثِقَة من (6) (وعبيد الله بن عمر) بن حفص العمري (ومالك بن أنس) إمام الفروع وإسقاط مالك هنا أولى لأنه المتابع المذكور في السند الأول إلَّا أن يقال ذكره هنا لبيان رواية ابن وهب عنه (وأسامة بن زيد الليثيّ) المدنِيُّ صدوق من (7) (كلهم) أي كل من أَيُّوب السختياني وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة وحنظلة بن أبي سفيان وأسامة بن زيد الليثيّ أي كل من هؤلاء السبعة رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى عن مالك) بن أنس عن نافع

غَيرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَال: قِيمَتُهُ، وَبَعْضُهُمْ قَال: ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. 4275 - (1631) (194) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: "لَعَنَ الله السَّارِقَ. يَسْرِقُ الْبَيضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ. وَيسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن عمر غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء السبعة لمالك بن أنس وزيادة لفظة يحيى في قوله (بمثل حديث يحيى عن) تحريف من النساخ (غير أن) أي لكن أن (بعضهم) أي بعض هؤلاء السبعة المتابعين (قال قيمته) أي قيمة المجن ثلاثة دراهم (وبعضهم قال ثمنه ثلاثة دراهم) والمعنى واحد وإن اختلفا مفهومًا وهذه الأسانيد المتلاطمة في التحويلات من أصعب المشاكل الواقعة في صحيح مسلم رحمه الله تعالى والله أعلم بالصواب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 4275 - (1631) (194) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُريب قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأَعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق) أي أبعد الله سبحانه وتعالى السارق وكذا السارقة عن رحمته جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى كأنه قال: اللهم العنه (يسرق البيضة) أي الدجاجة أو بيضة الحديد وهي الخودة التي يلبسها المجاهد في رأسه وقاية عن السيف ونحوه والأنسب هنا بيضة الدجاجة كما حققه المحققون فيما سبق قريبًا نقلًا عن النووي (فتقطع يده) لسرقتها (ويسرق الحبل) أي جنس الحبل وقيل: حبل السفينة (فتقطع يده) بسببه قال القرطبي: وهذا الحديث وإن احتمل أن يراد بالبيضة بيضة الحديد وبالحبل حبل السفن كما قد قيل فيه فالأظهر من مساقه أن يراد به التقليل لكن أقل ذلك القليل مقيد بقوله: لا تقطع يد السارق إلَّا في ربع دينار وهذا نص وبقول عائشة: لم تكن يد السارق تقطع في الشيء التافه أخرجه البُخَارِيّ وغيره وهذا منها إخبار عن عادة الشرع الجارية عندهم ومعلوم أن الواحدة من بيض الدجاج والحبل الذي يشد به المتاع والرحل تافه وإنما سلك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مسلك العرب فيما إذا أغيت في تكثير شيء أو

4276 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. كُلُّهُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تحقيره فإنَّها تذكر في ذلك ما لا يصح وجوده أو ما يندر وجوده إبلاغًا في ذلك فتقول لأصعدن بفلان إلى السماء ولأهبطن به إلى تخوم الثرى وفلان مناط الثريا وهو مني مقعد القابلة ومن بنى لله مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة ولا يتصور مسجد مثل ذلك وتصدقن ولو بظلف محرق وهو مما لا يتصدق به ومثل هذا كثير في كلامهم وعادة لا تستنكر في خطابهم وقيل في الحديث إنه إذا سرق البيضة أو الحبل ربما حمله ذلك على أن يسرق ما يقطع فيه لأنه ربما يجترئ على سرقة غيرهما فيعتاد ذلك فتقطع يده. قوله: (لعن الله السارق) أي أبعده الله وأصل اللعن الطرد والبعد وفيه ما يدل على جواز لعن جنس العصاة لأنه لا بد أن يكون في ذلك لجنس من يستحق ذلك اللعن أو الذم أو الدعاء عليه وليس كذلك العاصي المعين لأنه قد لا يستحق ذلك فيعلم الله أنَّه يتوب من ذلك فلا يستحق ذلك اللعن بذلك وقد ذهب بعض النَّاس إلى أنَّه يجوز لعن المعين من أهل المعاصي ما لم يحد فإذا حد لم يجز لأن الحدود كفارة وهذا فاسد لأن العاصي المؤمن لم يخرج بمعصيته عن اسم المؤمن وقد قال صلى الله عليه وسلم: لعن المؤمن كقتله متفق عليه وقد نهى عن اللعن وهو كثير وقد نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن لعن الملقب بحمار الذي كان يشرب الخمر كثيرًا فلعنه بعضهم فنهاهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن لعنه رواه البُخَارِيّ [6780] , وهو صحيح نص في الباب وفرق بين لعن الجنس والشخص لأن لعن الجنس تحقيق وتحذير ولعن الشخص حسبان (عذاب وبلاء) وتعيير وأما الكافر فلا حرمة له ويجب الكف عن أذى من له ذمة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [6783] , والنَّسائيّ [8/ 65] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4276 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه (وعلي بن خَشْرم) بن عبد الرَّحْمَن المروزي (كلهم عن عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (عن الأَعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن الأَعمش غرضه بيان متابعة

غَيرَ أَنَّهُ يَقُولُ: "إِنْ سَرَقَ حَبْلًا، وَإِنْ سَرَقَ بَيضَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى بن يونس لأبي معاوية (غير أنه) أي لكن أن عيسى بن يونس (يقول) في روايته: لعن الله السارق (إن سرق حبلًا وإن سرق بيضة) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام 4277 - (1632) (195) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ قُرَيشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 604 - (44) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام 4277 - (1632) (195) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته (أن قريشًا أهمهم) أي أقلقهم وأدخل عليهم الهم (شأن المرأة المخزومية التي سرقت) أي أمرها المتعلق بالسرقة فإن بني مخزوم من قريش وكانت تلك المرأة شريفة فيهم وقد سرقت في غزوة الفتح كما سيأتي التصريح به حليًا كما في الاستيعاب فأعظموا ذلك وسبب إعظامهم ذلك خشية أن تقطع يدها لعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرخص في الحدود، قال ابن حجر: واسم المرأة على الصحيح فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم اهـ وعن هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي ذكره لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها قوله: (أن قريشًا أهمهم) أي أحزنهم وأوقعهم في الهم خوفًا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل (شأن المرأة المخزومية) أي المنسوبة إلى بني مخزوم قبيلة كبيرة من قريش وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم المؤمنين قتل أبوها كافرًا يوم بدر قتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه (التي سرقت) في غزوة الفتح ومعنى أهمهم أي جلب عليهم همًا وأدخله في قلوبهم أو صيرهم ذوي هم بسبب ما وقع منها يقال: أهمني الأمر أي أقلقني وسبب همهم خشية أن تقطع يدها وكان قطع السارق معلومًا عندهم قبل الإسلام ونزل القرآن بقطع السارق فاستمر الحال فيه وقد عقد ابن الكلبي بابا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة فذكر قصة الذين سرقوا غزال الكعبة فقطعوا في عهد عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم

فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيهِ إلا أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ ". ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَال: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرخص في الحدود وكانت تلك المرأة أيضًا تستعير المتاع وتجحده كما في الرواية الآتية (فقالوا) أي فقال أهلها: (من يكلم) لنا (فيها) أي في شأنها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويشفع لنا إليه أن لا تقطع يدها إما عفوًا أو بفداء (فقالوا) أي فقال غير أهلها مجيبين لهم عن استفهامهم (ومن يجترئ) أي من يتجاسر (عليه) صلى الله عليه وسلم أي لا يتجاسر على الكلام في ذلك أحد لمهابته (إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء أي محبوبه وهو بالرفع بدل من أسامة أو عطف بيان له وأصحاب هذا القول غير الذين استفهموا بقولهم من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمعنى لكن أسامة بن زيد بن حارثة محبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجترئ على ذلك فإنه حبه صلى الله عليه وسلم وكان أسامة كما في الفتح إذا شفع بتخفيف الفاء شفَّعه بتشديدها أي قبل شفاعته (فكلمه) أي فكلم النبي صلى الله عليه وسلم (أسامة) في شأنها والعفو عنها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأسامة والهمزة في قوله: (أتشفع) للتوبيخ المضمن للإنكار أي أتشفع إليَّ يا أسامة (في) إسقاط (حد من حدود الله) تعالى وتركه والعفو عنه (ثم قام) رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا (فاختطب) أي خطب لأن افتعل يأتي بمعنى الثلاثي والزيادة فيه حينئذٍ لمبالغة معنى الثلاثي كما شرحنا في المناهل وفي رواية للبخاري خطب (فقال) في خطبته: يا (أيها الناس إنما أهلك) على وزن أفعل أي إنما أهلك الأمم (الذين) كانوا (قبلكم) يعني بني إسرائيل (أنهم كانوا) بفتح الهمزة في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لأهلك وهذا الحصر ادعائي لأن الأمم الماضية كانت فيهم أمور كثيرة غير المحاباة في حدود الله تعالى اهـ ابن الملك وفي رواية سفيان عند النسائي (إنما هلك بنو إسرائيل أنهم) أي لأجل أنهم بتقدير اللام التعليلية على هذه الرواية (إذا سرق فيهم الشريف) أي من له شرف وفضل عندهم (تركوه) أي تركوا ذلك الشريف أي تركوا إقامة الحد عليه

وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيهِ الْحَدَّ. وَايمُ اللهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ: "إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ". 4278 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ). قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ محاباة له لشرفه (وإذا سرق فيهم الضعيف) أي من ليس له شرف عندهم (أقاموا عليه الحد) قال ابن دقيق العيد: الظاهر أن هذا الحصر ليس عامًا فإن بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإهلاك فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر في حد السرقة اهـ من العون (وايم الله) أي واسم الله قسمي قد بسطنا البحث فيه فيما مر (لو أن فاطمة بنت محمد) صلى الله عليه وسلم (سرقت) فَرَضًا، أعاذها الله من أن تسرق وكلَّ مسلم (لقطعت يدها) إقامة لحد الله عليها ضرب صلى الله عليه وسلم بها المثل لأنها كانت أعز أهله عنده وكانت سمية لها كما ذكرنا آنفًا قال ابن الملك: وفي الحديث نهي عن الشفاعة في الحدود بعد بلوغ الإمام ولهذا رد رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعه أسامة وأما قبله فالشفاعة من المجني عليه جائزة والستر على المذنب مندوب إذا لم يكن صاحب شر وأذى وفيه وجوب العدل في الرعية وإجراء الحكم على السوية اهـ (وفي حديث ابن رمح) وروايته (إنما هلك الذين من قبلكم) بلفظ الثلاثي وزيادة من. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3475]، وأبو داود [4373]، والترمذي [1430]، والنسائي [8/ 73]، وابن ماجه [2547]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4278 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى) المصريان (واللفظ لحرملة قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى

أَنَّ قُرَيشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ التِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ. فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيهِ إلا أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ. فَتلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها وهذا السند من سداسياته (أن قريشًا أهمهم) أي أقلقهم وأزعجهم وأحزنهم (شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فقالوا) أي قال أهلها: (من يكلم) لنا (فيها) أي في العفو عن حدها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويشفع لنا إليه والاستفهام هنا استخباري (فقالوا) أي قال غير أهلها ممن يعرف خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبين لأهلها (ومن يجترئ) ويتشجع (عليه) أي على تكليم رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب المحاباة عنها منه (إلا أسامة بن زيد) أي لا يجترئ عليه أحد لهيبته إلا أسامة (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإنه يجترئ عليه والاستفهام هنا استدلالي وفي ذلك تلميح بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحبه فأحبه" كذا في فتح الباري (فأُتي) بالبناء للمجهول (بها) أي بتلك السارقة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أتى بها أهلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها الحد (فكلمه) صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في إسقاط الحد عنها (أسامة بن زيد) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه (فتلون) أي تغير (وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) من البياض إلى الحمرة لشدة غضبه لله تعالى (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع) إلي يا أسامة (في) إسقاط (حد من حدود الله) تعالى والاستفهام للإنكار على أسامة يفهم منه تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام فيحرم على الشافع وعلى المشفع وهذا لا يختلف فيه واستدل به العلماء على أن الشفاعة في الحدود غير جائزة وقيده أكثرهم بما إذا رفعت القضية إلى السلطان فأما قبل رفعها إلى السلطان فلا بأس بالشفاعة واستدلوا على ذلك بمرسل لحبيب بن أبي ثابت وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلي فليس لها مَتْرَك ذكره الحافظ في الفتح [12/ 87] وله شاهد عند أبي داود والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد

فَقَال لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي. يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ. وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيهِ الْحَدَّ. وَإِنِّي، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجب وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف فقال لا يشفع للأول مطلقًا سواء بلغ الإمام أو لا وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام وأما الشفاعة فيما ليس فيه حد وليس فيه حق لآدمي وإنما فيه التعزير فجائزة عند العلماء بلغ الإمام أم لا اهـ من المفهم. (فقال له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أسامة) بن زيد (استغفر لي يا رسول الله) ذنب تشفعي فيما لا علم لي به (فلما كان العشيُّ) أي جاء العشي الذي هو آخر النهار (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب) أي وعظ الناس وخطبهم (فأثنى على الله) تعالى في بداية خطبته بعد البسملة أي مدحه (بما هو) أي بالوصف الذي هو (أهله) أي لائق به تعالى من الكمالات الخاصة به (ثم) ثناء الله تعالى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما بعد) ما ذكر من الثناء على الله تعالى فأقول: (فإنما أهلك الذين) مفعول مقدم على الفاعل أي فإنما أهلك الأمم الذين كانوا (من قبلكم) وجملة أن في قوله: (أنهم كانوا) في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية أي أهلكهم كونهم (إذا سرق فيهم الشريف تركوه) أي سامحوه من إقامة الحد عليه (وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) فيه تهديد ووعيد شديد على ترك القيام بالحدود وعلى ترك التسوية فيما بين الدني والشريف والقوي والضعيف ولا خلاف في وجوب ذلك وفيه حجة لمن قال إن شرع من قبلنا شرع لنا اهـ من المفهم (وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت) على سبيل الفرض وتقدير المحال ولهذا زاد ابن ماجه [2/ 85] في آخر هذا الحديث نقلًا عن شيخه محمد بن رمح قال: سمعت الليث بن سعد يقول قد أعاذها الله عزَّ وجلَّ أن تسرق وكل مسلم ينبغي له أن يقول هذا وفيه فضيلة ظاهرة لفاطمة رضي الله عنها لأن المعتاد في مثل هذا أن يذكر من هو أحب إلى القائل من غيره ثم فيه حسن المماثلة أيضًا لموافقة اسم السارقة اسمها رضي الله تعالى عنها فناسب أن يضرب المثل

لَقَطَعْتُ يَدَهَا" ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَال يُونُسُ: قَال ابْنُ شِهَابٍ: قَال عُرْوَةُ: قَالتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ. وَتَزَوَّجَتْ. وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بها فلا يدل الحديث على أفضليتها على عائشة رضي الله تعالى عنهما قال القرطبي قوله: (لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها) إخبار عن مقدر يفيد القطع بأمر محقق وهو وجوب إقامة الحد على القريب والبعيد والبغيض والحبيب لا تنفع في درئه شفاعة ولا تحول دونه قرابة ولا جماعة اهـ من المفهم (ثم أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بـ) ـقطع (تلك المرأة) المخزومية (التي سرقت فقطعت يدها) من مفصل الكوع (قال يونس) بن يزيد بالسند السابق (قال) لنا (ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فحسنت توبتها بعد) أي بعد قطع يدها وأخرج الإسماعيلي وأبو عوانة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: فنكحت تلك المرأة رجلًا من بني سليم وتابت وكانت حسنة التلبس وكانت تأتيني فأرفع حاجتها ووقع في آخر حديث مسعود بن الحكم عند الحاكم قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يرحمها ويصلها وأخرج أحمد في مسنده [2/ 177] عن عبد الله بن عمرو أنها قالت بعد قطع يدها: وهل من توبة يا رسول الله قال: نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فأنزل الله عزَّ وجلَّ في سورة المائدة {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} الخ قال القرطبي: هذا الحديث يدل على صحة توبة السارق وأنها ماحية لإثم السرقة وللمعرة اللاحقة فيحرم تعييره بذلك أو يعاب عليه شيء مما كان هناك وهكذا حكم أهل الكبائر إذا تابوا منها وحسنت أحوالهم بعدها تسمع أقوالهم وتقبل شهاداتهم وهذا مذهب الجمهور غير أن أبا حنيفة قال: لا تقبل شهادة القاذف المحدود مطلقًا إن تاب وقال مالك: لا تقبل شهادة المحدود فيما حد فيه وتقبل في غيره اهـ من المفهم. (وتزوجت) رجلًا من بني سليم قالت عائشة: (وكانت تأتيني بعد ذلك) أي بعد تزوجها (فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخبرها إليه صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديثها فقال:

4279 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا. فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ فَكَلَّمُوهُ. فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيهَا. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيثِ ويونُسَ. 4280 - (1633) (196) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4279 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لليث بن سعد ويونس (قالت) عائشة: (كانت امرأة مخزومية) أي منسوبة إلى بني مخزوم (تستعير المتاع) أي المواعين (وتجحده) أي تجحد ذلك المتاع عند طلب صاحب المتاع متاعه أي كانت عادتها جحد العارية ثم سرقت (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها) لسرقتها قال العلماء: المراد من هذه الرواية أنها قطعت بالسرقة وإنما ذكرت العارية تعريفًا لها وبيانًا لعادتها لا أنها سبب القطع اهـ نووي قال القرطبي: لا تعارض بين رواية من روى (سرقت) ورواية من روى (جحدت ما استعارت) إذ يمكن أن يقال: إن المرأة فعلت الأم رين لكن قطعت في السرقة لا في الجحد ويكون قولها: (كانت تستعير المتاع وتجحده) تعريفًا لها وبيانًا لشأنها ويكون المعنى أن المرأة التي كانت تستعير المتاع سرقت فقطعت يدها كما يقال المرأة التي تغزل الحرير مثلًا سرقت فحذف لفظ سرقت لدلالة الروايات عليه وفي الحديث نفسه ما يدل عليه وقد جاء صريحًا أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت لذلك ذكره الخطابي في معالم السنن اهـ من المفهم. (فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه) أي فكلم أهلها أسامة في أن يشفع لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكلم) أسامة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي شفع إليه (فيها) أي في إسقاط الحد عنها (ثم ذكر) معمر باقي الحديث (نحو حديث الليث ويونس). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث جابر رضي الله عنهما. 4280 - (1633) (196) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى

حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ امْرَأَةَ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَاللهِ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" فَقُطِعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بني مروان أبو علي الحراني صدوق من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي الجزري أبو عبد الله الحراني صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزبير) الأسدي المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن امرأة) اسمها أم عمرو (من بني مخزوم سرقت) عام حجة الوداع (فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت) أي استعاذت واستجارت من قطعها وتشفعت (بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لو كانت فاطمة) بنت محمد سرقت (لقطعت يدها فقطعت) لسرقتها. والظاهر أن هذه المرأة أم عمرو وقصتها مغايرة لقصة فاطمة بنت الأسود وقد ذكرها ابن سعد في طبقاته [8/ 236] أنها خرجت من الليل وذلك في حجة الوداع فوقفت بركب نزول فأخذت عيبة لهم فأخذها القوم فأوثقوها فلما أصبحوا أتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بحقوي أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فافتكت يداها من حقويها وقال والله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها ثم أمر بها فقطعت يدها فخرجت تقطر دمًا حتى دخلت على امرأة أسيد بن حضير أخي بني عبد الأشهل فعرفتها فآوتها إليها وصنعت لها طعامًا سخنًا فأقبل أسيد بن حضير من عند النبي صلى الله عليه وسلم فنادى امرأته قبل أن يدخل البيت يا فلانة هل علمت ما لقيت أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد قالت: ها هي هذه عندي فرجع أسيد أدراجه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رحمتها رحمك الله فلما رجعت إلى أبيها قال: اذهبوا بها إلى بني عبد العزى فإنها أشبهتهم فزعموا أن حويطب بن عبد العزى قبضها إليه وهو خالها ومما يدل على تغاير قصة أم عمرو وقصة فاطمة بنت الأسود أن قصة فاطمة وقعت في غزوة الفتح كما مر في رواية عند المؤلف وقصة أم عمرو وقعت في حجة الوداع كما هو مصرح في رواية ابن سعد المذكورة وهي بنت عم فاطمة المذكورة فكلاهما مخزوميتان قوله: (فعاذت بأم سلمة) وفي رواية عاذت بزينب والمراد بها زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أم سلمة وفي رواية فعاذت بربيب النبي صلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم وهو عمر بن أبي سلمة فيجمع بين هذه الروايات بأنها عاذت بأم سلمة وأولادها لقرابتها بهم فذكر بعض الرواة أم سلمة فقط وذكر بعضهم زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آخرون عمر بن أبي سلمة والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود رواه تعليقًا عن أبي الزبير في آخر حديث رقمه [4374] والنسائي في قطع السارق باب ما يكون حرزًا وما لا يكون وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث جابر ذكره للاستشهاد والله تعالى أعلم. ***

605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه

605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه 4281 - (1634) (196) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي. قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا. الْبِكْرُ بِالْبكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 605 - (45) باب حد البكر والثيب إذا زنيا وإقامة الحد على من اعترف بالزنا على نفسه 4281 - (1634) (196) (وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (عن منصور) بن زاذان الثقفي أبي المغيرة الواسطي ثقة، من (6) (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم ثقة، من (3) (عن حطان بن عبد الله الرقاشي) نسبة إلى امرأة اسمها رقاش كثير أولادها حتى صاروا قبيلة وهو من قيس عيلان البصري ثقة، من (2) (عن عبادة بن الصامت) بن قيس الأنصاري المدني رضي الله تعالى عنه وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان واسطيان وواحد مدني وواحد نيسابوري. (قال) عبادة بن الصامت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني) حدودهن (خذوا عني) حدودهن (قد جعل الله لهن سبيلًا) وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} [النساء / 15] فكان حكم الآية أن تحبس الزانية في البيوت إلى الموت أو إلى أن ينزل الله فيها حكمًا آخر وهو المراد بالسبيل في الآية فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك الحكم الجديد قد نزل وهو قوله: (البكر بالبكر) أي حد البكر الذي زنى بالبكر أو بالثيب (جلد مائة) مرة أي ضربه مائة وسمي الضرب في الزنا وغيره من موجبات الحد جلدًا بفتح الجيم لاتصاله بالجلد بكسر الجيم أي لإيصاله الألم إليه (ونفي سنة) أي تغريب سنة من بلد الزنا إلى مسافة القصر وقوله: (بالبكر) قال النووي: ليس هو على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أم بثيب وكذا حد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم ببكر فهو شبيه بالتقييد

وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي خرج مخرج الغالب اهـ وقوله: (ونفي سنة) استدل به الشافعية والحنابلة على أن النفي والتغريب من حد الزاني البكر وفي المسألة ثلاثة مذاهب: الأول: حد الزاني البكر مجموع الجلد والتغريب مطلقًا رجلًا كان أو امرأة وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وعطاء وطاوس رحمهم الله تعالى الثاني: يغرب الرجل دون المرأة لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة وهو قول مالك والأوزاعي والثالث: ليس التغريب جزءًا من حد الزنا وإنما هو تعزير يخير فيه الحاكم إن رأى فيه مصلحة غربه وإلا فلا وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى هذا ملخص ما في المغني لابن قدامة [1/ 123] (والثيب) أي وحد الثيب الذي زنى (بالثيب جلد مائة) والجلد منسوخ فيه بحديث ماعز وبحديث الغامدية كما سيأتي (والرجم) أي الرمي بحجارة معتدلة بحيث تكون قدر ملء الكف حتى يموت لا بحجارة صغيرة لئلا يطول عليه الأمر ولا بحجارة كبيرة لئلا يموت حالًا فيفوت التنكيل والتقييد بالثيب خرج مخرج الغالب كما مر آنفًا فالمراد بالثيب ويسمى بالمحصن هو الشخص البالغ العاقل الحر الذي غيب حشفته أو قدرها من مقطوعها في قبل في نكاح صحيح فإذا زنى بعد ذلك فحده الرجم والقتل بالحجارة والبكر ويسمى غير المحصن ضد الثيب وهو الذي لم يغيب حشفته في قبل في نكاح صحيح والزنا بالقصر لغة حجازية وبالمد لغة تميم وفي المصباح زنى يزني زنًا بالقصر وزاناها مزاناة وزناء بالمد ومنهم من يجعل المقصور والممدود لغتين في الثلاثي ويقول المقصور لغة الحجاز والممدود لغة نجد اهـ وإلى هذا مال ابن الهمام فقال: الزنا مقصور في اللغة الفصحى لغة أهل الحجاز التي جاء بها القرآن قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} ويمد في لغة نجد وعليها قال الفرزدق: أيا طاهر من يزن يعرف زناؤه ... ومن شرب الخرطوم يصبح مسكرا بفتح الكاف وتشديدها من السكر والخرطوم من أسماء الخمر اهـ من بعض الهوامش هو إيلاج المكلف الواضح حشفته الأصلية المتصلة أو قدرها عند فقدها في فرج واضح محرم لعينه في نفس الأمر مشتهى طبعًا مع الخلو عن الشبهة وهو من أفحش الكبائر بعد القتل واتفق أهل الملل كلها على تحريمه لأنه لم يحل في ملة قط من لدن آدم إلى هذه الملة المحمدية اهـ بيجوري بتصرف. قال النووي: واعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساء من لم يجامع في نكاح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح وهو حر بالغ عاقل سواء كان جامع بوطء شبهة أو نكاح فاسد أو غيرهما أم لا والمراد بالثيب من جامع في دهره مرة في نكاح صحيح وهو بالغ عاقل حر والرجل والمرأة في هذا سواء وسواء في كل هذا المسلم والكافر والرشيد والمحجور عليه لسفه والله أعلم والحكمة في جعل حد الزنا الجلد دون قطع الذكر كما جعل حد السرقة وقطع اليد لأنها آلة السرقة إبقاء للتناسل بين البشر كما بينته في تفسيرنا الحدائق بأبسط مما هنا في آية السرقة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 313]، وأبو داود [4416]، والترمذي [1434] وقوله: (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) قال النووي: واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم وحده وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخًا ثيبًا فإن كان شابًّا ثيبًا اقتصر على الرجم وهذا مذهب باطل لا أصل له وحجة الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية وفي قوله صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ فإنه كان في أول الأمر وأما قوله صلى الله عليه وسلم في البكر: (ونفي سنة) ففيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفيه سنة رجلًا كان أو امرأة وقال الحسن: لا يجب النفي مطلقًا وقال مالك والأوزاعي: لا نفي على النساء وروي مثله عن علي رضي الله عنه وقالوا: لأنها عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم وحجة الشافعي قوله صلى الله عليه وسلم (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة) وأما العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال للشافعي: أحدها: يغرب كل واحد منهما سنة لظاهر الحديث وبهذا قال سفيان الثوري وأبو ثور وداود وابن جرير الثاني: يغرب نصف سنة لقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا وهذه الآية مخصصة لعموم الحديث والثالث: لا يغرب المملوك أصلًا وبه قال الحسن البصري وحماد ومالك وأحمد وإسحاق لقوله صلى الله عليه وسلم في الأمة: إذا

4282 - (00) (00) وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا مَنْصورٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4283 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ زنت فليجلدها ولم يذكر النفي ولأن نفيه يضر سيده مع أنه لا جناية من سيده وأجاب أصحاب الشافعي عن حديث الأمة إذا زنت ليس فيه تعرض للنفي والآية ظاهرة في وجوب النفي فوجب العمل بها وحمل الحديث على موافقتها والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: 4282 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (أخبرنا منصور) بن زاذان الثقفي الواسطي (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن حطان عن عبادة (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن يحيى عن هشيم غرضه بيان متابعة عمرو الناقد ليحيى بن يحيى قال النووي: وفي هذا الكلام فائدتان: إحداهما: بيان أن الحديث روي من طريق آخر فيزداد آخر فيزداد قوة والثانية: أن هشيمًا مدلس وقال في الرواية الأولى عن منصور. وبين في الثانية أنه سمعه من منصور. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبادة رضي الله تعالى عنه فقال: 4283 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري ثقة، من (8) (قال ابن المثنى: حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة، من (4) (عن الحسن) البصري (عن حطان بن عبد الله الرقاشي) البصري (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا عبادة بن الصامت غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة قتادة

قَال: كَانَ نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ كُرِبَ لِذلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ. قَال: فَأُنْزِلَ عَلَيهِ ذَاتَ يَوْمٍ. فَلُقِيَ كَذلِكَ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَال: "خُذُوا عَنِّي. فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا. الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ. الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ. ثُمَّ رَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ. وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لمنصور بن زاذان في الرواية عن الحسن البصري (قال) عبادة: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه) الوحي أي إذا أنزل الله سبحانه عليه الوحي (كرب) بضم الكاف على صيغة المجهول أي أصابه الكرب والمشقة (لذلك) أي لإنزال الوحي عليه (وتربد) من باب تفعل الخماسي أي تغير (له) أي لإنزال الوحي عليه (وجهه) من البياض إلى الحمرة لشدة الوحي وعظم موقعه قال النووي: تربد وجهه أي علته غبرة والربد تغير البياض إلى السواد وإنما حصل ذلك لعظم موقع الوحي قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} (قال) عبادة بن الصامت: (فأنزل عليه) صلى الله عليه وسلم الوحي (ذات يوم) أي يومًا من الأيام ولفظ ذات مقحم (فلقي كذلك) والظاهر أنه بفتح اللام مبنيًّا للمعلوم والمراد أنه صلى الله عليه وسلم لقي تلك الشدة التي كان يلقاها عادة عند نزول الوحي عليه وفي بعض النسخ مبنيًّا للمجهول أي رئي مكروبًا مربدًا وجهه والمراد أن تلك الشدة لقيته صلى الله عليه وسلم (فلما سرِّي عنه) أي كشف عنه وأزيل ما يراه من شدة الوحي والتسرية تستعمل بمعنى انكشاف الغشي وانتهاء الشدة وانقشاع السحب (قال) صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني) أي افهموا عني تفسير السبيل المذكور في قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} واعملوا به (فقد جعل الله) تعالى (لهن سبيلًا) أي حدًّا وذلك التفسير ما أذكره لكم بقولي: (الثيب) الزاني (بالثيب) أي وبالبكر (والبكر) الزاني (بالبكر) أي وبالثيب وكل من الثيب والبكر مبتدأ خبره محذوف تقديره أي حد لكل منهما مبين على سبيل اللف والنشر المرتب بقولي: (الثيب) حده (جلد مائة ثم رمي بالحجارة) والتقييد بالحجارة للاستحباب ولو رجم بغيرها جاز وهو شبيه بالتقييد بها في الاستنجاء اهـ (والبكر) حده (جلد مائة ثم نفي سنة) قال القرطبي: وذلك أن مقتضى هذه الآية أن من زنى حبس في بيته إلى أن يموت كذا قاله ابن عباس في النساء وحكي عن ابن عمر أن ذلك حكم الزانيين يعني الرجل والمرأة فكان ذلك الحبس هو حد الزناة لأنه كان يحصل به إيلام الجاني وعقوبته بأن يمنع من التصرف والنكاح وغيره طول حياته وذلك عقوبة وزجر كما يحصل من الجلد والتغريب

4284 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا: "الْبِكْرُ يُجْلَدُ وَيُنْفَى. وَالثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ" لَا يَذْكُرَانِ: سَنَةً وَلَا مِائَةً. 4285 - (1635) (197) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: حَدَّثنَا ابْن ـــــــــــــــــــــــــــــ فحقيق أن يسمى ذلك الحبس حدًّا غير أن ذلك الحكم كان محدودًا إلى غاية وهو أن يبين الله لهن سبيلًا آخر غير الحبس فلما بلغ وقت بيانه المعلوم عند الله تعالى أوضحه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فبلغه لأصحابه فقال لهم: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فارتفع حكم الحبس في البيوت لانتهاء غايته وهذا نحو قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} [البقرة / 187] فإذا جاء الليل ارتفع حكم الصيام لانتهاء غايته لا لنسخه وبهذا يعلم بطلان قول من قال: إن الحبس في البيوت في حق البكر منسوخ بالجلد المذكور في النور وفي حق الثيب بالرجم المجمع عليه وهذا ليس بصحيح اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 4284 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (كلاهما) أي كل من شعبة وهشام الدستوائي رويا (عن قتادة) بن دعامة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة وهشام لسعيد بن أبي عروبة (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن حطان عن عبادة (غير أن في حديثهما) أي لكن أن في حديث شعبة وهشام لفظة (البكر يجلد وينفى والثيب يجلد ويرجم لا يذكران) لفظة (سنة) بعد قوله: وينفى (ولا) يذكران لفظة (مائة) بعد يجلد في الموضعين ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبادة بن الصامت بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: 4285 - (1635) (197) (حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: حدثنا ابن

وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ. وَأَنْزَلَ عَلَيهِ الْكِتَابَ. فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيهِ آيَةُ الرَّجْمِ. قَرَأْنَاهَا وَوَعَينَاهَا وَعَقَلْنَاهَا. فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني أحد فقهاء السبعة في المدينة ثقة، من (3) (أنه سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس) أي مستقر (على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) واقفًا عليه ظاهره أنه رضي الله عنه خطب هذه الخطبة جالسًا ولكنه غير مراد وإنما المراد بالجلوس الاستقرار قال الأبي أي وقف مستقرًا على المنبر لأن الأصل في الخطبة أن يكون الخطيب قائمًا ولكن قد وقع ذلك صريحًا في رواية صالح بن كيسان عند البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا ولفظه فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إلخ ... وهذه الرواية راجحة لكونها مفسرة وموافقة للأصل فتحمل رواية الباب عليها اهـ من التكملة وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد طائفي وواحد أيلي وفيه رواية صحابي عن صحابي (إن الله) سبحانه وتعالى (قد بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بـ) ـالدين (الحق) المستقيم (وأنزل عليه الكتاب) العزيز والقرآن الكريم (فكان مما أنزل عليه) صلى الله عليه وسلم (آية الرجم قرأناها) أي قرأنا ألفاظ تلك الآية بألسنتنا (ووعيناها) أي حفظنا ألفاظها على ظهر قلبنا (وعقلناها) أي عرفنا معناه وحققناه يعني بهذا قوله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) وهذه الآية مما نسخ لفظه وبقي حكمه (فرجم) بها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) المحصن والمحصنة في حياته (ورجمنا) بها معاشر الخلفاء (بعده) صلى الله عليه وسلم يعني نفسه وأبا بكر رضي الله عنه وهذا نص من عمر رضي الله عنه على أن هذا كان قرآنًا يتلى وفي آخره ما يدل على أنه نسخ كونها من القرآن وبقي حكمها معمولًا به وهو الرجم وقال ذلك عمر بمحضر الصحابة رضي الله عنهم وفي مركز الوحي وشاعت هذه الخطبة في المسلمين وتناقلها الركبان ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مما قاله عمر ولا راجعه لا في حياته ولا بعد

فَأَخْشَى، إِنْ طَال بِالنَّاسِ زَمَانٌ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ. فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ. وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتابِ اللهِ حَقٍّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاته فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه وقل علمه في ذلك وقد بينا في الأصول أن النسخ على ثلاثة أضرب نسخ التلاوة والحكم كآية عشر رضعات يحرمن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم كما هنا ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة كآية الحول في العدة اهـ من المفهم (فأخشى) أي أخاف أنا (إن طال بالناس زمان) وتطاول عليهم دهور (أن يقول قائل) من الملاحدة (ما نجد الرجم) مذكورًا (في كتاب الله) العزيز فليس من الأحكام الشرعية (فيضلوا) أي فيضل الناس عن الحق والدين القويم (بترك) إقامة (فريضة أنزلها الله) تعالى في كتابه العزيز ثم نسخ لفظها وبقي حكمها وهذا الذي توقعه عمر رضي الله عنه قد وقع بعده للخوارج والنظام من المعتزلة فإنهم أنكروا الرجم فهم ضالون بشهادة عمر رضي الله عنه وهذا من الحق الذي جعل الله تعالى على لسان عمر وقلبه ومما يدل على أنه كان محدثًا بكثير مما غاب عنه كما شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن الرجم في كتاب الله حق) أي ثابت يعمل به إلى يوم القيامة واجب (على من زنى إذا أحصن) بوطئه في نكاح صحيح ولو مرة وقوله: (من الرجال والنساء) بيان لمن زنى وهذا مجمع عليه إذ لم يسمع بمن فرق فيه بين الرجال والنساء وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية على ما سيأتي (إذا قامت البينة) على زناه وهي أربعة من الرجال العدول المؤدين للشهادة في فور واحد الذين يصفون رؤية فرجه في فرجها كالمِرْوَد في المكحلة المقيمين على شهادتهم إلى أن يقام الحد على ما يعرف في كتب الفقه (أو كان الحبل) يعني به أن يظهر الحبل بامرأة لا زوج لها ولا سيد قال النووي: وجوب الحد بمجرد الحبل مذهب عمر رضي الله عنه وتابعه مالك وأصحابه فقالوا: إذا حبلت ولم يعلم لها زوج ولا سيد ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة طارئة وتدعي أنه من زوج أو سيد قالوا: ولا تقبل دعواها الإكراه إذا لم تقم بذلك مستغيثة عند الإكراه قبل ظهور الحمل وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء: لا حد عليها بمجرد الحبل سواء كان لها زوج أو سيد أو لا وسواء الغريبة وغيرها وسواء

أَوْ الاعْتِرَافُ. 4286 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4287 - (1636) (198) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمْنِ بْنِ عَوْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ادعت الإكراه أم سكتت فلا حد عليها مطلقًا إلا ببينة أو اعتراف لأن الحدود تسقط بالشبهات (أو) كان (الاعتراف) أي الإقرار من الزاني بالزنا على نفسه واختلفوا فيه هل يكفي في مرة واحدة أم لا فقال أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهما إن الإقرار بالزنا لا يثبت حتى يقر أربع مرات واحتجوا بحديث ماعز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه حتى أقر أربع مرات وقال مالك والشافعي وآخرون: يثبت الإقرار به بمرة واحدة ويرجم واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يشترط عددًا وحديث الغامدية ليس فيه أيضًا إقرارها أربع مرات واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربع مجالس اهـ نووي بتصرف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4286 - (00) (00) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمر غرضه بيان متابعة سفيان ليونس بن يزيد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3872]، وأبو داود [4418]، والترمذي [1431]، ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4287 - (1636) (198) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي المصري ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد ثقة حجة من (7) (قال: حدثني عقيل) بن خالد الأموي المصري ثقة، من (6) (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني

وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ قَال: أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. فَنَادَاهُ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. فَقَال لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ. حَتَّى ثَنَى عَلَيهِ ذلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وسعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ورجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون وفيه رواية تابعي عن تابعي (أنه) أي أن أبا هريرة (قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم جالس (في المسجد) النبوي وهو ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه وكان من قصته ما أخرجه أحمد في مسنده [5/ 217] عن نعيم بن هزال قال: إن هزالًا كان استأجر ماعز بن مالك وكانت له جارية يقال لها فاطمة قد أملكت بالبناء للمجهول أي أملكت أمرها يعني طلقت من زوجها كذا في الفتح الرباني وكانت ترعى غنمًا لهم وإن ماعزًا وقع عليها فأخبر هزالًا فخدعه فقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره عسى أن ينزل فيك قرآن إلخ ... وسنده جيد وأخرج ابن سعد في طبقاته [4/ 324] من طريق الواقدي عن هزال قال: كان أبو ماعز قد أوصى على ابنه ماعزًا وكان في حجري أكفله بأحسن ما يكفل به أحد أحدًا فجاءني يومًا فقال لي: إني كنت أطالب مهيرة امرأة كنت أعرفها حتى نلت منها الآن ما كنت أريد ثم ندمت على ما أتيت فما رأيك فأمره أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره إلخ ... (فناداه) أي فنادى الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) الرجل في ندائه (يا رسول الله إني زنيت) أي وطئت فرجًا محرمًا علي بلا شبهة (فأعرض) النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه الشريف (عنه) أي عن الرجل من جانبه إلى الجانب الآخر (فتنحى) أي تحول الرجل (تلقاء وجهه) صلى الله عليه وسلم أي تحول من الجانب الذي أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجانب الذي أقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم (فقال له: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه) النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجانب الأول (حتى ثنى) بالثاء المثلثة والنون الخفيفة من باب رمى أي قال الرجل: يا رسول الله إني زنيت حتى ثنى وكرر (عليه) صلى الله عليه وسلم (ذلك) القول (أربع مرات) كل مرة يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيه التعريض للمقر بالزنا أن يرجع

فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟ " قَال: نَعَمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ". قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يقُولُ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ. فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقبل رجوعه بلا خلاف اهـ نووي وبهذا استدل الحنفية والحنابلة على أن الإقرار بالزنا لا يوجب الحد حتى يكرره المقر أربع مرات وهو قول الحكم وابن أبي ليلى وقال الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى: يحد بإقرار مرة واحدة وهو قول الحسن وحماد وأبي ثور وابن المنذر كما في المغني لابن قدامة [10/ 165] واستدلوا بحديث العسيف الآتي بعد قصة ماعز والغامدية حيث قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها لم يقيد الاعتراف بأربع مرات وكذلك قال عمر رضي الله عنه في خطبته الماضية في الحديث السابق أو كان الحبل أو الاعتراف ولم يقيده بأربع مرات وللحنفية والحنابلة حديث الباب فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن ماعز بعد إقراره في أول مرة ولو وجب الحد بمرة واحدة لم يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز ترك حد واجب لله (فلما شهد) الرجل أي أقر (على نفسه أربع شهادات) أي أربع مرات من الإقرار (دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له: (أبك جنون قال) الرجل: (لا قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهل أحصنت) أي هل وطئت في نكاح صحيح (قال) الرجل: (نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): لمن عنده (اذهبوا به فارجموه) أي فارموه بالحجارة حتى يموت فيه جواز استنابة الإمام من يقيم الحد قال العلماء: لا يستوفي الحد إلا الإمام أو من فوض ذلك إليه وفيه دليل على أنه يكفي الرجم ولا يجلد معه اهـ نووي. (قال ابن شهاب) بالسند السابق: (فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (يقول: فكنت فيمن رجمه) أي رجم ذلك الرجل (فرجمناه بالمصلى) أي بمصلى الجنائز كما في الأبي ولهذا قال في الرواية الأخرى في بقيع الغرقد وهو موضع الجنائز بالمدينة قال البخاري وغيره من العلماء: فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن قد وقف مسجدًا لا يثبت له حكم المسجد إذ لو كان له حكم المسجد تجنب الرجم فيه

فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ. فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. وَرَوَاهُ اللَّيثُ أَيضًا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4288 - (00) (00) وَحَدَّثنِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتلطخه بالدماء والميتة قالوا: والمراد بالمصلى هنا مصلى الجنائز وذكر الدارمي من أصحابنا الذي للعيد ولغيره إذا لم يكن مسجدًا هل يثبت له حكم المسجد فيه وجهان أصحهما ليس له حكم المسجد والله أعلم اهـ نووي. (فلما أذلقته) أي أضعفته (الحجارة) التي يرمى بها أي أصابته بحدها وبلغت منه الجهد حتى قلق يقال: أذلقه الشيء وأجهده (هرب) أي شرد من بيننا المرجوم وفي سنن الترمذي وابن ماجه بعد حكاية هرب المرجوم هذه الزيادة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا تركتموه) (فأدركناه بالحرة) موضع شرقي المدينة أي لحقناه في الحرة (فرجمناه) أي رميناه بالحجارة حتى مات وغرضه بذكر هذا التعليق الاستشهاد لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنه وحديث جابر هذا أخرجه أبو داود والترمذي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي هريرة البخاري في المحاربين في باب سؤال الإمام المقر هل أحصنت [6825]، وفي مواضع كثيرة وأبو داود في الحدود [5528] والترمذي [1428] وابن ماجه [2554] (ورواه) أي وروى حديث أبي هريرة (الليث أيضًا) أي كما رواه عن عقيل (عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر) الفهمي أبي خالد المصري أمير مصر وواليها روى عن الزهري في الحدود ويروي عنه (خ م ت س) والليث مولاه ويحيى بن أيوب قال النسائي: ليس به بأس وقال في التقريب: صدوق من السابعة وقال ابن يونس: مات سنة [127 /] سبع وعشرين ومائة وحديثه في مسلم متابعة (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة وساق عبد الرحمن بن خالد (مثله) أي مثل ما روى عقيل عن ابن شهاب غرضه بهذا التعليق بيان متابعة عبد الرحمن بن خالد لعقيل بن خالد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4288 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أبي

عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ أيضًا مِثْلَهُ، وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، كَمَا ذَكَرَ عُقَيلٌ. 4289 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيجٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ رِوَايَةِ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة (عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) بكسر الراء نسبة إلى بني دارم بن مالك وقد مرت ترجمته ثقة متقن من (11) (حدثنا أبو اليمان) القضاعي الحكم بن نافع الحمصي مشهور بكنيته ثقة، من (10) (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة اسمه دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي ثقة، من (7) (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة (أيضًا) أي كما قلنا قبله بهذا الإسناد (مثله) أي وساق شعيب مثل ما روى عقيل عن ابن شهاب غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لعقيل بن خالد (وفي حديثهما) أي وفي حديث عبد الرحمن بن خالد وحديث شعيب بن أبي حمزة (جميعًا) أي كليهما ذكر لفظة (قال ابن شهاب: أخبرني من سمع جابر بن عبد الله كما ذكر عقيل) أي كما ذكرها عقيل بن خالد في التعليق الأول من التعليقين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولكنها متابعة في الشاهد فقال: 4289 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر وابن جريج كللهم) أي كل من الثلاثة المذكورة يعني يونس ومعمرًا وابن جريج رووا (عن الزهري) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعقيل بن خالد ولكنها متابعة في الشاهد (عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية عقيل عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة).

4290 - (1637) (199) وحدّثني أَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: رَأَيتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ. لَيسَ عَلَيهِ رِداءٌ. فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتِ أَنَّهُ زَنَى. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَلَعَلَّكَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال: 4290 - (1637) (199) (وحدثني أبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري) بفتحتين بينهما مهملة ساكنة نسبة إلى أحد أجداده جحدر (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) (عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي صدوق من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي بضم المهملة والمد الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (قال) جابر بن سمرة: (رأيت ماعز بن مالك) الأسلمي رضي الله عنه (حين جيء) وأتي (به إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ناس فلا يعارض رواية أبي هريرة السابقة جاء رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو (رجل قصير) القد غير طويل (أعضل) أي ضخم الساقين الأعضل والعضل بكسر الضاد المكتنز اللحم والعضلة وزان القصبة في البدن كل لحمة صلبة مكتنزة ومنه عضلة الساق ويجوز أن يكون أراد أن عضلة ساقيه كبيرة اهـ نهاية قال أبو عبيدة: العضلة ما اجتمع من اللحم في أعلى باطن الساق وقال ابن القطاع: العضلة لحم الساق والذراع له إزار (ليس عليه رداء فشهد على نفسه) أي أقر عليها (أربع مرات أنه زنى فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك) خبره محذوف يعني لعلك قبلت أو غمزت كما هو مصرح في روايات أخرى فاقتصر في هذه الرواية على حرف الترجي واسممها اختصارًا واكتفاء بدلالة الكلام والحال على خبرها وفيه استحباب تلقين المقر بالزنا وغيره من حدود الله تعالى بالرجوع وأنه يقبل رجوعه عن ذلك لأن حقوق الله مبنية على المساهلة والدرء بخلاف حقوق الآدميين وحقوق الله المالية كالزكاة والكفارة وغيرهما لا يجوز التلقين فيها ولو رجع لم يقبل رجوعه وقد جاء تلقين الرجوع عن الإقرار بالحدود عن النبي صلى الله عليه

قَال: لَا. وَاللهِ، إِنَّهُ قَدْ زَنَى الأَخَرُ. قَال: فَرَجَمَهُ. ثُمَّ خَطَبَ فَقَال: "أَلا كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيسِ يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم وعن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم واتفق العلماء عليه اهـ نووي. (قال) الرجل (لا) أي ما قبلت ولا غمزت (والله) الذي لا إله غيره (إنه) أي إن الشأن والحال (قذ زنى الأخر) بفتح الهمزة المقصورة وكسر الخاء ومعناه الأرذل والأبعد والأدنى واللئيم وقيل الشقي وكله متقارب قال ابن الأثير: الأخِر بوزن الكبد هو الأبعد المتأخر عن الخير ومراده به نفسه فحقرها وعابها لا سيما وقد فعل هذه الفاحشة وقيل: إنه كناية يكني بها عن نفسه وعن غيره إذا أخبر عنه بما يستقبح كذا في النووي والمعنى أن هذا المتأخر عن الخير قد فعل هذه الفاحشة (قال) جابر: (فرجمه) صلى الله عليه وسلم بمجرد إقراره أي أمر برجمه (ثم) بعد ما أمر برجمه (خطب) أي وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بذكر الوعد والوعيد (فقال) في خطبته: (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (كلما نفرنا) أي خرجنا من المدينة إلى الحرب حالة كوننا (غازين) أي مجاهدين (في سبيل الله خلف) أي تخلف عن الغزو معنا في المدينة (أحدهم) أي أحد هؤلاء القاعدين عن الخروج إلى الجهاد حالة كونه (له نبيب) أي صوت (كنبيب التيس) أي كصوت التيس عند إرادة السفاد أي ركوب الأنثى يقال: خلف فلان وفلان من باب نصر إذا قام بعده كذا في جامع الأصول ويقال: نب التيس ينب بكسر النون من باب حنَّ نبًا ونبيبًا إذا صاح ورفع صوته عند هيجان الشهوة والتوقان إلى الأنثى والتيس الفحل من الغنم أي له توقان وشدة الشهوة والمراد أن بعض الناس يظهرون شهوتهم على النساء المغيبات بعدما خرج رجالهن إلى الغزو ولعل بعض المنافقين كانوا يفعلون ذلك (يمنح) أي يعطي (أحدهم) أي أحد المتخلفين (الكثبة) أي القليل من اللبن لإحدى المغيبات ليستمتع بها والمغيبات هي التي غاب عنهن أزواجهن والكثبة من الماء واللبن القليل منه وقيل هي مثل الجرعة تبقى في الإناء وقيل: قدر حلبة وقال أبو زيد: ملء القدح من اللبن ويقال: أكثب الرجل إذا سقاه كثبة من لبن وكل طائفة من طعام أو تمر أو تراب أو نحو ذلك فهو كثبة بعد أن كان قليلًا وكثب الشيء يكثبه من باب ضرب كثبًا بسكون الثاء إذا جمعه من قرب وصبه والمراد أن ذلك الرجل الذي يظهر الشهوة على النساء المغيبات يخدعهن بإعطاء كثبة ليفوز بما يريد منهن فقوله:

أَمَا وَاللهِ، إِنْ يُمْكِنِّي مِنْ أَحَدِهِمْ لأُنَكِّلَنَّهُ عَنْهُ". 4291 - (18) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهم يمنح ومفعوله الأول محذوف تقديره يمنح أحدهم إحدى النساء المغيبات كثبة من لبن ليفوز منها بما يريد من الاستمتاع بها وفي الرواية الآتية يمنح إحداهن فذكر المفعول وأضمر الفاعل وهي واضحة (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (والله إن يمكني) الله أي لئن مكنني الله تعالى (من أحدهم) وأقدررني عليه (لأنكلنه) أي لأمنعنه (عنه) أي عن خداعه إحدى المغيبات بكثبة من لبن أو طعام بعقوبة من الله تعالى حتى يصير نكالًا وعبرة لمن يديه ومن خلفه وفي الصحاح نكل به تنكيلًا أي جعله نكالًا وعبرة لغيره. ولقد اغتر بعض المعاصرين بهذه الخطبة فقالوا: إن ماعزًا رضي الله عنه كان يفعل ذلك ولذلك ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجمه والحق أنه ليس في هذه الخطبة ما يدل على أن ماعزًا كان يرتكب مثل هذا الفعل وإنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجم ماعز ليعتبر هؤلاء المفسدون بعقوبة ماعز وينتبهوا بأنه يمكن معاقبتهم أيضًا بمثل هذه العقوبة وأما ماعز فسيأتي عند المصنف أن أهل قبيلته شهدوا له بقولهم ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا ولقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها كما أخرجه أبو داود فكيف يصح أنه كان معتادًا بمثل هذه الفاحشة والعياذ بالله منه وأما صدور الإثم فكان اتفاقيًا ولم يكن متعودًا بذلك كما يدل عليه اعترافه وندمه رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في الحدود باب رجم ماعز [4422]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 4291 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي

قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَصِيرٍ، أَشْعَثَ، ذِي عَضَلاتٍ، عَلَيهِ إِزَارٌ وَقَدْ زَنَى. فَرَدَّهُ مَرَّتَينِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، تَخَلَّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ نَبِيبَ التَّيسِ. يَمْنَحُ إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ. إِنَّ اللهَ لَا يُمْكِنِّي مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلا جَعَلْتُهُ نَكَالًا" (أَوْ نَكَّلْتُهُ). قَال: فَحَدَّثْتُهُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ فَقَال: إِنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال: سمعت جابر بن سمرة يقول): وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة وفيه تصريح سماع سماك عن جابر (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالبناء للمفعول (برجل قصير) أي أتاه به أهله (أشعث) صفة ثانية لرجل أي متغير الرأس متلبد الشعر لقلة تعهده بالدهن والترجيل (ذي عضلات) صفة ثالثة له أي صاحب لحمات كبيرة في باطن ساقيه جمع عضلة على وزان قصبة كبر لحمة الساق (عليه إزار) ليس له رداء كما في الرواية المتقدمة (و) الحال أنه (قد زنى فرده) أي فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إقراره (مرتين) فأبى الرجوع عنه (ثم) كمل أربع مرات (أمر به) أي أمر برجمه (فرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): أ (كلما نفرنا) أي خرجنا إلى الحرب (غازين في سبيل الله تخلف) عنا في المدينة (أحدكم) أيها القاعدون عن النفير حالة كونه (ينب) بالمغيبات (نبيب التيس) أي يصوت كصوته عند السفاد وهو كناية عن إرادته الوقاع لشدة توقانه إليه حالة كونه (يمنح) أي يعطي (إحداهن) أي إحدى المغيبات (الكثبة) أي القليل من اللبن أو الطعام ليغرها (إن الله) سبحانه (لا يمكني) بتشديد النون بإدغام لام الكلمة في نون الوقاية لأنه من أمكن الرباعي (من أحد منهم) أي من المتخلفين أي لا يقدرني الله على أحد منهم (إلا جعلته نكالًا) أي عظة وعبرة لمن بعده بما أصبته منه من العقوبة ليمتنعوا من تلك الفاحشة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو جابر إلا (نكلته) أي جعلته سبب نكال وانزجار عن الفاحشة لغيره والشك من الراوي أو ممن دونه. (قال) شعبة بن الحجاج بالسند السابق (فحدثته) أي فحدثت هذا الحديث الذي سمعته من سماك بن حرب (سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (فقال) سعيد: (إنه) صلى الله عليه وسلم: (رده) أي رد إقراره (أربع مرات) أي كرر إقراره أربع مرات ثم أمر برجمه.

4292 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ. وَوَافَقَهُ شَبَابَةُ عَلَى قَوْلِهِ: فَرَدَّهُ مَرَّتَينِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ: فَرَدَّهُ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. 4293 - (1638) (200) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ). قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 4292 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري ثقة، من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر العقدي) بفتحتين نسبة إلى عقد بطن من بجيلة عبد الملك بن عمرو البصري ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من شبابة وأبي عامر رويا (عن شعبة) بن الحجاج (عن سماك عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة شبابة وأبي عامر لمحمد بن جعفر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقا (نحو حديث) محمد (بن جعفر ووافقه) أي وافق ابن جعفر (شبابة على قوله): أي على قول ابن جعفر في روايته (فرده مرتين وفي حديث أبي عامر: فرده) أي رد النبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا أي إقراره (مرتين أو ثلاثًا) بالشك من الراوي وبهذا الشك يسقط الاحتجاج به على تعيين الأربع اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 4293 - (1638) (200) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل) فضيل بن الحسين (الجحدري -واللفظ لقتيبة- قالا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن سماك) بن حرب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك) الأسلمي

"أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟ " قَال: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَال: "بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيةِ آلِ فُلانٍ" قَال: نَعَمْ. قَال: فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. 4294 - (1639) (3201) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (أحق) بهمزة الاستفهام التقريري وهو خبر مقدم لقوله: (ما بلغني عنك) أي هل الخبر الذي بلغني عنك صدق أم كذب؟ أي هل هو ثابت؟ قال النووي: هكذا وقع في هذه الرواية والمشهور في باقي الروايات أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: طهرني قال العلماء لا تناقض بين الروايات فيكون قد جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير استدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في غير مسلم أن قومه أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أرسله: لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيرًا لك وكان ماعز عند هزال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له ما بلغني عنك حق إلخ ... (قال) ماعز: (وما بلفك عني) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغني أنك وقعت) أي جامعت (بجارية آل فلان) يعني جارية آل هزال (قال) ماعز لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أي هو حق ثابت (قال) ابن عباس: (فشهد) ماعز أي أقر بزناه (أربع شهادات) أي أربع مرات (ثم أمر) النبي صلى الله عليه وسلم (به) أي برجمه (فرجم) ماعز ظاهر هذه الرواية يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفًا بزنى ماعز فاستنطقه ليقر به ليقيم عليه الحد فهذا كما أفاده الشراح قال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جرى له فلا ينافي ما تقدم وما تأخر في الروايات من الإشعار بعدم علمه صلى الله عليه وسلم بزناه اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4431]، والترمذي [1427]، والنسائي في الكبرى [7171]. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 4294 - (1639) (3201) (حدثني محمد بن المثنى حدثني عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري ثقة، من (8) (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ: مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ، أَتَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: إِنِّي أَصَبْتُ فَاحِشَةً. فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَرَدَّه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا. قَال: ثُمَّ سَأَلَ قَوْمَهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا. إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَ شَيئًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة، من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف مع سكون المهملة وبضم القاف وفتح المهملة العبدي العوقي بفتح المهملة والواو وكسر القاف البصري ثقة، من (3) (عن أبي سعيد) الأنصاري الخدري سعد بن مالك المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد (أن رجلًا من أسلم) قبيلة مشهورة من العرب (يقال له ماعز بن مالك: أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له صلى الله عليه وسلم: (إني أصبت) أي ارتكبت (فاحشة) أي معصية كبيرة أراد به الزنا (فأقمه) أي فأقم حدها (علي) يا رسول الله قال الراغب: الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال والفاحشة تكون كناية عن الزنا كما في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} (فرده) أي رد إقراره (النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا) أي مرات كثيرة واعلم أنه قد اختلفت الروايات في عدد ذلك فروي فيما سبق أنه صلى الله عليه وسلم رده مرتين وروي في بعضها أنه رده ثلاثًا وقد تكلف الحافظ في الفتح [12/ 23] للجمع بينها والظاهر أن اختلاف الرواة في مثل هذا لا يقدح في أصل الحديث وتقدم مرارًا أن الرواة ربما لا يعتنون بتفاصيل القصة وحواشيها والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم رده ثلاث مرات حتى إذا اعترف الرابعة سأله عن كيفية الزنا فلما بينها رجمه والله أعلم قال القرطبي: هذه الرواية مخالفة لما تقدم لأنها تضمنت أن ماعزًا هو الذي بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال والنبي صلى الله عليه وسلم معرض عنه حتى أقر أربع مرات وهذا أحد المواضع الثلاثة المضطربة في حديث ماعز والثاني: في الحفر له ففي بعضها أنه حفر له وفي بعضها أنه لم يحصل له وفي بعضها أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه بعدما رجم وفي بعضها لم يصل عليه وكذلك في الاستغفار له وكلها في الصحيح والله تعالى أعلم بالسقيم من الصحيح اهـ من المفهم (قال) أبو سعيد: (ثم) بعد إقراره مرارًا (سأل) النبي صلى الله عليه وسلم (قومه) أي قبيلته ممن حضر معه عن حاله من الصلاح والفساد (فقالوا): أي فقال قومه (ما نعلم به) أي بماعز (بأسًا) أي عيبًا وفسادًا في الأزمنة الماضية (إلا أنه) أي لكن أن ماعزًا (أصاب) أي ارتكب (شيئًا)

يَرَى أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهُ إلا أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ. قَال: فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَرَنَا أَنْ نَرْجُمَهُ. قَال: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ. قَال: فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ. قَال: فَرَمَينَاهُ بِالْعَظْمِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ. قَال: فَاشْتَدَّ وَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ. حَتَّى أتَى عُرْضَ الْحَرَّةِ. فَانْتَصَبَ لَنَا. فَرَمَينَاهُ بِجَلامِيدِ الْحَرَّةِ (يَعْنِي الْحِجَارَةَ). حَتَّى سَكَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الكبائر (يرى) أي يعتقد (أنه) أي أن الشأن والحال (لا يخرجه) أي لا ينجيه (منه) أي من عقوبته (إلا أن يقام) عليه (فيه) أي في ذلك الشيء الذي ارتكبه (الحد) أي العقوبة التي أوجبها الله فيه (قال) أبو سعيد (فرجع) ماعز (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) بعد ما سأل قومه (فأمرنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن نرجمه قال) أبو سعيد: (فانطلقنا به) أي ذهبنا بماعز (إلى بقيع الغرقد) موضع بالمدينة وهو مقبرتها والغرقد شجر من أشجار البادية كانت في ذلك الموضع فنسب إليها فذهبت تلك الشجر واتخذ ذلك الموضع مقبرة وهو الذي عبر عنه في الرواية الأخرى بـ (ـالمصلى) أي مصلى الجنائز اهـ من المفهم (قال) أبو سعيد: (فما أوثقناه) أي ما ربطنا ماعزًا بالقيد (ولا حفرنا له) حفيرة عميقة وإلا فقد حفر له حفرة صغيرة يمكن منها الفرار كما ذكره في حديث بريدة الآتي فبهذا حصل الجمع بين الحديثين بجعل المنفي هنا الحفرة العميقة والمثبت هناك الصغيرة (قال) أبو سعيد: (فرميناه بالعظم والمدر والخزف) العظم معروف والمدر الطين المتماسك والخزف قطع الفخار المنكسر (قال) أبو سعيد: (ناشتد) ماعز أي عدا وأسرع للفرار (واشتددنا) أي أسرعنا وجرينا وعدونا (خلفه) لنرجمه حتى يموت (حتى أتى عرض الحرة) أي جانبها وطرفها غاية لاشتداده واشتدادهم والعرض بضم العين وسكون الراء الجانب والطرف والحرة بقعة بالمدينة ذات حجارة سود (فانتصب لنا) أي قام لأجلنا لعجزه عن العدو (فرميناه بجلاميد الحرة) أي بصخورها وهي الحجارة الكبار واحدها جلمود بضم الجيم وسكون اللام وجلمد بفتح الجيم وسكون اللام وأضافه امرؤ القيس إلى الصخر يصف فرسًا له بالجودة في قوله: مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل قال أبو نضرة: (يعني) أبو سعيد بالجلاميد (الحجارة) الكبار (حتى سكت) أي حتى مات غاية لرميناه هو بالتاء في آخره هذا هو المشهور في الروايات قال القاضي:

قَال: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا مِنَ الْعَشِيِّ فَقَال: "أَوَ كُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةٌ فِي سَبِيل اللهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا. لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيسِ، عَلَيَّ أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا نَكَّلْتُ بِهِ". قَال: فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا سَبَّهُ. 4295 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواه بعضهم سكن بالنون ومعناهما واحد والأول هو الصواب اهـ نووي قال النووي: وهذا دليل لما اتفق عليه العلماء أن الرجم يحصل بالحجر أو المدر أو الخزف أو العظم أو الخشب وغير ذلك مما يحصل به القتل ولا تتعين الأحجار وقد قدمنا أن قوله صلى الله عليه وسلم "ثم رجمًا بالحجارة" ليس هو للاشتراط اهـ (قال) أبو سعيد: (ثم) بعد ما رجمناه (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا) أي واعظًا في زمان (من العشي) أي من آخر النهار (فقال) في خطبته: (أ) يفعلون الفاحشة (وكلما انطلقنا) أي ذهبنا وخرجنا من المدينة (غزاة) أي غازين (في سبيل الله تخلف رجل) من القاعدين عن الجهاد (في عيالنا) وأهلنا (له نبيب) أي صوت (كنبيب التيس) أي كصوت فحل الغنم (علي أن لا أوتى) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أوتى مضارع آتى الرباعي على صيغة المجهول المسند إلى المتكلم والجملة الفعلية خبر أن المخففة وجملة أن المخففة في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء وخبره الجار والمجرور في على أي لازم عليَّ عدم الإتيان (برجل فعل ذلك) أي فعل الفجور بإحدى عيال الغزاة (إلا نكلت به) أي وإلا فعلت به من العقوبة ما يكون عبرة لغيره أو المعنى إلا فعلت به ما ينكله أي ما يسوؤه ويكدره وأصله من النكل وهو القيد يعني به الرجم لمن كان محصنًا أو الجلد لمن لم يحصن (قال) أبو سعيد: (فما استغفر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لماعز (ولا سبَّه) بالزنا أما عدم السب له فلأن الحد كفارة له مطهرة له من معصيته وأما عدم الاستغفار فلئلا يغتر به غيره فيقع في الزنا اتكالًا على استغفاره صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 103] وأبو داود [4432]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 4295 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة، من (9) (حدثنا يزيد بن زريع) التميمي البصري ثقة،

حَدَّثَنَا دَاوُدُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَقَامَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَشِيِّ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ، إِذَا غَزَوْنَا، يَتَخَلَّفُ أَحَدُهُمْ عَنَّا. لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِببِ التَّيسِ". وَلَمْ يَقُلْ: "فِي عِيَالِنَا". 4296 - (00) (00) وحدّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُعَاوَيةُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ دَاوُدَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، بَعْضَ هذَا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَى ثَلاثَ مَرَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (8) (حدثنا داود) بن أبي هند القشيري البصري ثقة من (5) (بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد وساق يزيد بن زريع (مثل معناه) أي مثل معنى حديث عبد الأعلى غرضه بيان متابعة يزيد بن زريع لعبد الأعلى (و) لكن (قال) يزيد بن زريع (في الحديث) لفظة (فقام النبي صلى الله عليه وسلم من العشي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (أما بعد فما بال أقوام إذا غزونا) أي إذا خرجنا إلى الغزو (يتخلف أحدهم) أي أحد أولئك الأقوام (عنَّا) في المدينة (له نبيب) أي صوت (كنبيب التيس) أي كصوته (ولم يقل) يزيد لفظة (في عيالنا) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 4296 - (00) (00) (وحدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل أبو الحارث البغدادي ثقة عابد من (10) (حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي من (9) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام) القصار الأزدي مولاهم أبو الحسن الكوفي صدوق من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (كلاهما) أي كل من يحيى وسفيان رويا (عن داود) بن أبي هند (بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد وساقا (بعض هذا الحديث) الذي رواه عبد الأعلى عن أبي نضرة غرضه بيان متابعتهما لعبد الأعلى (غير أن) أي لكن أن (في حديث سفيان) وروايته لفظة (فاعترف) ماعز (بالزنا ثلاث مرات).

4297 - (1640) (202) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ)، عَنْ غَيلانَ (وَهُوَ ابْنُ جَامِعٍ الْمُحَارِبِيُّ)، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث بريدة رضي الله عنهما فقال: 4297 - (1640) (202) (وحدثنا محمد بن العلاء) بن كريب (الهمداني) الكوفي (حدثنا يحيى بن يعلى وهو ابن الحارث المحاربي) أبو زكريا الكوفي روى عن غيلان بن جامع في الحدود وعن أبيه وزائدة بن قدامة ويروي عنه (خ م د س ق) وأبو كريب وعثمان بن أبي شيبة وابن نمير وغيرهم وثقه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة من صغار التاسعة مات سنة (216) ست عشرة ومائتين (عن غيلان وهو ابن جامع) بن أشعث (المحاربي) أبي عبد الله الكوفي قاضيها روى عن علقمة بن مرثد في الحدود وقتادة وسماك ويروي عنه (م د س ق) ويحيى بن يعلى المحاربي وشعبة وعلي بن عاصم وآخرون قال علي بن المديني: ثقة له نحو عشرين حديثًا ووثقه ابن سعد وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة، من السادسة مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة. قال النووي: هو هكذا في أكثر النسخ عن يحيى بن يعلى عن غيلان قال القاضي: والصواب ما وقع في نسخة الدمشقي عن يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان فزاد في الإسناد عن أبيه وكذا أخرجه أبو داود في كتاب السنن والنسائي من حديث يحيى بن يعلى عن أبيه عن غيلان وهو الصواب وقد نسبه عبد الغني على الساقط من هذا الإسناد في نسخة أبي العلاء بن ماهان ووقع في كتاب الزكاة من السنن لأبي داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى حدثنا أبي حدثنا غيلان جمن جعفر عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الآية إلخ، وهذا السند يشهد بصحة ما تقدم قال البخاري في تاريخه: يحيى بن يعلى سمع أباه وزائدة بن قدامة هذا آخر كلام القاضي وهو صحيح كما قال ولم يذكر سماعًا ليحيى بن يعلى هذا من غيلان بل قالوا: سمع أباه وزائدة اهـ منه. (عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة الحضرمي أبي الحارث

عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي. فَقَال: "وَيحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيهِ" قَال: فَرَجَعَ غَيرَ بَعِيدٍ. ثُمَّ جَاءَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَيحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيهِ" قَال: فَرَجَعَ غَيرَ بَعِيدٍ. ثُمَّ جَاءَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! طَهِّرْنِي. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذلِكَ. حَتَّى إِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي ثقة، من (6) (عن سليمان بن بريدة) مصغرًا ابن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة، من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المروزي الصحابي الجليل رضي الله عنه يقال: إن اسمه عامر وبريدة لقبه أسلم حين مر به النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرًا بالغميم وأقام في موضعه حتى مضت بدر وأحد ثم قدم بعد ذلك وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مروزيان (قال) بريدة بن الحصيب: (جاء ماعز بن مالك) الأسلمي رضي الله عنه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله طهرني) من الذنب أي كن سبب تطهيري من الذنب بإجراء الحد علي اهـ مرقاة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك) أي ألزمك الله الويح والرحمة ويح كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها اهـ نهاية (ارجع) عن إقرارك (فاستغفر الله) من ذنبك (وتب إليه) أي ارجع إلى طاعته قال ملا علي: المراد بالاستغفار التوبة. وبالتوبة المداومة والاستقامة عليها اهـ (قال) بريدة: (فرجع) ماعز عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم رجوعًا (غير بعيد) يعني غاب عنه غيبة غير بعيدة (ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه قال) بريدة: (فرجع) ماعز عن النبي صلى الله عليه وسلم رجوعًا (غير بعيد ثم جاء) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال: يا رسول الله طهرني فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم: مثل ذلك) أي مثل ما قال له في المرتين الأوليين يعني قوله: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه وكرر النبي صلى الله عليه وسلم عليه قوله: ويحك ارجع فاستغفر الله (حتى إذا كانت) المرة (الرابعة) من قوله: طهرني يا رسول الله أي وجدت فكان تامة (قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم أطهرك) أي مم أطهرك كما هو مقتضى ما

أُطَهِّرُكَ؟ " فَقَال: مِنَ الزِّنَا. فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَبِهِ جُنُونٌ؟ " فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَال: "أَشَرِبَ خَمْرًا؟ " فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قابله في جوابه قال النووي في هنا للسببية أي بسبب ماذا أطهرك اهـ (فقال) ماعز: طهرني (من الزنا) أي من ذنبه بإقامة الحد عليَّ قال القرطبي: قوله: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه يدل على أن ما كان من حقوق الله تعالى يكفي في الخروج من إثمه التوبة والاستغفار وإن كان فيه حد وفيه جواز ستر الإمام على الزاني ما لم يتحقق السبب فإذا تحقق السبب الذي يترتب عليه الحد فلا بد من إقامته كما ذكره مالك في الموطإ من مراسيل ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من بلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله رواه مالك في الموطإ [2/ 825] فأما حقوق الآدميين فلا بد مع التوبة من الخروج منها اهـ من المفهم (فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) من عنده من قومه فقال: (أبه جنون) أي نقص عقل وخلل فيه قال القرطبي: هذا سؤال أوجبه ما ظهر على السائل من الحال التي تشبه حال المجنون وذلك أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منتفش الشعر ليس عليه رداء يقول: زنيت فطهرني كما قد صح في الرواية وإلا فليس من المناسب أن ينسب الجنون إلى من أتى على هيئة العشلاء وأتى بكلام منتظم مقيد لا سيما إذا كان طلب الخروج من مأثم اهـ من المفهم وفيه من الفقه ما يدل على أن المجنون لا تعتبر أقواله ولا يتعلق بها حكم وهذا لا يختلف فيه (فأُخبر) بالبناء للمجهول أي أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه) أي: أن ماعزًا (ليس بمجنون فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشرب خمرًا) أي هل شرب مسكرًا (فقام رجل) من الحاضرين عنده صلى الله عليه وسلم ليشم رائحة فمه (فاستنكهه) أي فشم رائحة فم ماعز أي طلب معرفة رائحة فمه والنكهة رائحة الفم وإنما شمه ليعلم أشارب هو أم غير شارب (فلم يجد) الرجل (منه) أي من فم ماعز (ريح خمر) وظاهر هذا الحديث أن السكران مثل المجنون في عدم اعتبار إقراره وأقواله وبه قالت طائفة من أهل العلم وقالت طائفة أخرى؛ وهو مالك وجل أصحابه: يؤخذ بإقراره لأنه لا يعرف المتساكر من السكران ولأنه لما كان مختارًا لإدخال السكر على نفسه صار كأنه مختار لما يكون في سكره. قال النووي: مذهبنا الصحيح المشهور صحة إقرار السكران ونفوذ أقواله فيما له وعليه والسؤال عن شربه الخمر محمول عنده على أنه لو كان سكران لم يقم عليه الحد

رِيحَ خَمْرٍ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَزَنَيتَ؟ " فَقَال: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَينِ: قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَدْ هَلَكَ. لَقَدْ أَحَاطَتْ بهِ خَطِيئَتُهُ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ؛ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ ولعل مراده أن إقرار السكران بالزنا موجب للحد عندهم غير أنه لا يقام عليه الحد في حالة السكر ومعنى (استنكهه) شم رائحة فمه واحتج أصحاب مالك وجمهور الحجازيين أنه يحد من وجد منه ريح الخمر وإن لم تقم عليه بينة بشربها ولا أقر به ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما لا يحد بمجرد ريحها بل لا بد من بينة على شربه أو إقراره وليس في هذا الحديث دلالة لأصحاب مالك (قال) بريدة: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) له في الرابعة: (أزنيت) حقًّا (فقال) ماعز: (نعم) زنيت وجاء هذا المعنى في كتاب أبي داود بأوضح من هذا ولفظه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنكتها قال: نعم قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها قال: نعم قال كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال: نعم قال: هل تدري ما الزنا قال: نعم أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من أهله حلالًا رواه أبو داود [4428]، وهذا منه صلى الله عليه وسلم أخذ لماعز بغاية النص الرافع لجميع الاحتمالات كلها تحقيقًا للأسباب وسعيًا في صيانة الدماء (فأمر به) أي برجمه (فرجم) قال القرطبي: قوله: (فأمر به فرجم) وفي الرواية الأخرى: (فأمر به فحفر له) وفي الرواية الأخرى: فما أوثقناه ولا حفرنا له وفي حديث الغامدية: (أنها حفر لها إلى صدرها) اختلاف هذه الروايات هو الموجب لاختلاف العلماء في هذا الحكم الذي هو الحفر فلم يبلغ مالكًا من أحاديث الحفر شيء فلم يقل به لا في حق المرأة ولا في حق الرجل لا هو ولا أصحابه وكذلك قال أحمد وأصحاب الرأي وقالوا: إن حفر للمرأة فحسب وقيل: يحفر لهما وبه قال قتادة وأبو يوسف وروي في ذلك عن علي رضي الله عنه ووسع الشافعي وابن وهب للإمام في ذلك وخيراه اهـ من المفهم (فكان الناس فيه) أي في شأن ماعز (فرقتين قائل) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل خبره جملة قوله: (يقول: لقد هلك) ماعز أي والله لقد هلك ماعز بارتكابه الكبيرة والله (لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع) ماعز (يده في يده) صلى الله عليه وسلم (ثم

قَال: اقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ. قَال: فَلَبِثُوا بِذلِكَ يَوْمَينِ أَوْ ثَلاثَةً. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. فَقَال: "اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ". قَال: فَقَالُوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَينَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: اقتلني بالحجارة قال) بريدة بن الحصيب: (فلبثوا) أي فلبث القوم ملتبسين (بذلك) الافتراق والإشارة في قوله بذلك إلى ما وقع لهم من الاختلاف في شأن ماعز يعني أنهم بقوا كذلك إلى أن تبين لهم حاله بقوله: (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم) (يومين أو ثلاثة) أيام والشك من الراوي (ثم) بعد يومين أو ثلاثة أيام (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى مجلس القوم (وهم) أي والحال أنهم (جلوس) في المسجد (فسلم) النبي صلى الله عليه وسلم عليهم (ثم جلس) بينهم (فقال: استغفروا لماعز بن مالك) أي اطلبوا له مزيد المغفرة وترقي الدرجة (قال) بريدة: (فقالوا): أي فقال القوم الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم خطاب أمر بالاستغفار له (غفر الله لماعز بن مالك قال) بريدة: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لقد تاب) ماعز من ذنبه هذا (توبة لو قسمت) ووزعت أي ثوابها (بين أمة) أي بين جماعة من الناس (لوسعتهم) أي لكفتهم سعة اهـ مرقاة قال القرطبي: ويعني بالأمة في هذا الحديث السبعين الذين ذكروا في حديث الغامدية يعني سبعين من أهل المدينة وزاد أبو داود من رواية ابن عباس أن ماعزًا لما رجم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال: أين فلان وفلان فقالا: نحن ذان يا رسول الله فقال: انزلا وكلا من جيفة هذا الحمار فقالا: يا رسول الله من يأكل من هذا قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفًا أشد من أكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها رواه أبو داود [4428]، والدارقطني [3/ 196 - 197]، والبيهقي [8/ 227 - 228] اهـ من المفهم. وقد زاد أبو داود في حديث ماعز من حديث خالد بن اللجلاج رضي الله عنه أنه لما رجم جاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهو أطيب عند الله من

قَال: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الأَزْدِ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! طَهِّرْنِي. فَقَال: "وَيحَكِ! ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيهِ لا فَقَالتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَال: "وَمَا ذَاكِ؟ " قالتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ريح المسك فإذا هو أبوه فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه قال: وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا رواه أبو داود [4435]. وفيه دليل على أن المرجوم يغسل ويكفن ويصلى عليه وفي معناه كلُّ من قتل في حد من المسلمين غير أن الإمام يجتنب الصلاة على من قتله في حد على مذهب مالك وأحمد بن حنبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز (قال) بريدة: (ثم) بعد رجم ماعز (جاءته) صلى الله عليه وسلم (امرأة من غامد) هو بطن من جهينة مصغرًا وهي (من الأزد) والأزد قبيلة كبيرة من العرب قال القرطبي: كذا قال في هذه الرواية وفي الرواية الأخرى (من جهينة) ولا تعارض بين الروايتين فإن غامدًا قبيلة من جهينة قال عياض: وأظن أن جهينة من الأزد وبهذا تتفق الروايات واسم الغامدية سبيعة وقيل: أمية بنت فرح اهـ من المفهم قال في المصباح وغامدة بالهاء حي من الأزد وهم من اليمن وبعضهم يقول غامد بلا هاء وحكى الأزهري القولين اهـ والظاهر أن هذه الغامدية هي مَزْنية ماعز وذكر الخطيب البغدادي في كتابه الأسماء المبهمة أن اسمها سُبيعة مصغرًا وأخرج ذلك بسنده عن عائشة وقيل إنها ابنة فرح وأخرجه الخطيب أيضًا عن عبد الله بن حماد والله أعلم (فقالت) الغامدية: (يا رسول الله طهرني) من ذنبي أي كن لي سببًا في التطهير من ذنبي بإقامة الحد علي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك) بكسر الكاف خطابًا لها أي ألزمك الله الويح والرحمة (ارجعي) عن إقرارك (فاستغفري الله) سبحانه (وتوبي إليه فقالت) الغامدية: (أراك) أي أظنك يا رسول الله (تريد أن ترددني) أي أن ترجعني عن إقراري (كما رددت) ورجعت (ماعز بن مالك) بلا قبول لإقراره والرواية التالية أن تردني فالتفعيل هنا للمبالغة فـ (ـقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك) أي: وما سبب تطهيرك (قالت: إنها) أي إن هذه اللئيمة تريد نفسها (حبلى) أي حاملة (من الزنا) أرادت إني حبلى من الزنا فعبرت عن نفسها بالغيبة فكأنها قالت: إنك يا رسول الله تريد رجوعي عن إقراري كما أردت ذلك لماعز ولا أنقاس عليه لظهور الحمل فيَّ اهـ من بعض الهوامش (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"آنْتِ؟ " قَالتْ: نَعَمْ. فَقَال لَهَا: "حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ". قَال: فَكَفَلَهَما رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ. قَال: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَال: "إِذًا لَا نَرْجمَهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: إِلَيَّ رَضَاعُهُ. يَا نَبِيَّ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ (آنت) حُبلى من الزنا (قالت: نعم) أنا حبلى من الزنا. قال القرطبي: (قوله: إنها لحبلى من الزنا) اعتراف منها من غير تكرار يطلب منها ففيه دليل على عدم اشتراطه على ما مر وكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها كما استفصل ماعزًا لأنها لم يظهر عليها ما يوجب ارتيابًا في قولها: ولا شكًّا في حالها بخلاف حال ماعز فإنه ظهر عليه ما يشبه الجنون فلذلك استفصله النبي صلى الله عليه وسلم ليستثبت في أمره. (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصبري ولا تستعجلي (حتى تضعي) أي تلدي (ما في بطنك) من الجنين وهذا يدل على أن الجنين وإن كان من زنى له حرمة وأن الحامل لا تحد حتى تضع لأجل حملها وهذا لا خلاف فيه إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه وقال في الرواية الأخرى: (إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي) إما بكسر الهمزة التي هي همزة إن الشرطية زيدت عليها (ما) المؤكدة بدليل دخول الفاء في جوابها و (لا) التي بعدها للنفي فإنه قال: إن رأيت أن تستري وترجعي عن إقرارك فافعلي وإن لم تفعلي فاذهبي حتى تلدي اهـ (قال) بريدة: (فكفلها) أي فتكفل بمؤنتها وقام بمصالحها ليس من الكفالة التي بمعنى الضمان لأنها غير جائزة في حدود الله تعالى كما في النووي (رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (حتى وضعت) أي ولدت حملها (قال) بريدة: (فأتى) ذلك الرجل: (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل له صلى الله عليه وسلم: (قد وضعت الغامدية) يا رسول الله (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذًا) بالتنوين حرف نصب وجواب (لا نرجمها) بالنصب وفي نسخة بالرفع على إهمالها نظرًا إلى فصلها بلا (وندع) بالوجهين أي نترك (ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه) أي لا يكون منا قتلها وترك ولدها بلا مرضع ولا حاضن له (فقام رجل) آخر وإنما وصفناه بالآخر لأن النكرة إذا كررت كانت غير الأولى ولم أر من ذكر اسمه أيضًا (فقال) ذلك الآخر: (إليَّ رضاعه) أي موكول إلي مؤنته وتربيته (يا نبي الله) وإنما فسرناه كذلك لأنه

قَال: فَرَجَمَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما قاله بعد فطامه برضاعة أمه وأراد بالرضاعة كفايته وتربيته وسماه رضاعًا مجازًا. (قال) بريدة: (فرجمها) رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أمر برجمها بعد انفطام ولدها برضاعتها إياه وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان هل كان قبل فطام الولد أو بعد فطامه؟ والأولى رواية من روى أنها لم ترجم حتى فطمت ولدها ووجدت من يكفله لأنها مثبتة حكمًا زائدًا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك ولمراعاة حق الولد وإذا روعي حقه وهو جنين فلا ترجم لأجله بالإجماع فمراعاته إذا خرج للوجود أولى ويستفاد من هذه الرواية أن الحدود لا يبطلها طول الزمان وهو مذهب الجمهور وقد شذ بعضهم فقال: إذا طال الزمان على الحد بطل قاله أبو حنيفة في الشهادة بالزنا والسرقة القديمين وهو قول لا أصل له اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 347 و 348]، والنسائي في الكبرى [7163]. قوله: (قال: فرجمها) ظاهره يخالف الرواية الآتية أنها لما ولدت جاءت بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته قال: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبزة فقالت: يا نبي الله هذا قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فرجموها قال النووي: فهاتان الروايتان ظاهرهما الاختلاف فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها والأولى ليست صريحة فيتعين تأويل الأولى ويكون قوله في الرواية الأولى قام رجل من الأنصار فقال إليَّ رضاعه إنما قاله بعد الفطام وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته وسماه رضاعًا مجازًا وبالجملة في الرواية الثانية عدة أوهام أخرى كما سيأتي ونسبوها إلى بشير بن مهاجر فيحتمل أيضًا أن تكون الرواية الأولى صحيحة وأما الرواية الثانية فيحتمل أن تكون من جملة أوهامه الأخرى والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال:

4298 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيتُ وَإِنَّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي. فَردَّهُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيتُ. فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4298 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وتقاربا) أي تقارب أبو بكر ومحمد بن نمير (في لفظ الحديث) وسوقه ولكن بينهما يسير اختلاف في اللفظ قال محمد بن نمير: (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير قال: (حدثنا بشير بن المهاجر) الغنوي بفتح أوله نسبة إلى غني بن أعصر الكوفي روى عن عبد الله بن بريدة في الحدود والحسن وعكرمة ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن نمير وابن المبارك ووكيع وأبو نعيم وطائفة وثقه ابن معين والنسائي وقال العجلي: كوفي ثقة وقال في التقريب صدوق لين من الخامسة رمي بالإرجاء له في (م) فرد حديث متابعة (حدثنا عبد الله بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبيه) بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن بريدة لسليمان بن بريدة (أن ماعز بن مالك الأسلمي) المدني رضي الله تعالى عنه قال أبو الوليد الفرضيُّ: ماعز لقب واسمه عريب بن مالك بضم العين (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي وزنيت) عطف تفسير لما قبله (وإني أريد أن تطهرني فرده) أي فرد إقراره (فلما كان من الغد) من اليوم الأول (أتاه) مرة ثانية (فقال: يا رسول الله إني قد رنيت فرده) المرة (الثانية). قوله: (فلما كان من الغد أتاه) ظاهره أنه كان بين اعترافي ماعز فصل يوم وهذا معارض لسائر الروايات الأخرى التي تدل على أنه اعترف أربع مرات في نفس ذلك المجلس وجمع الحافظ بين الروايات بقوله: أما رواية مرتين فتحمل على أنه اعترف مرتين في يوم ومرتين في يوم آخر فاقتصر الراوي (أي راوي المرتين على أحدهما) ومراده أنه اعترف مرتين في يومين فيكون من ضرب اثنين في اثنين وقد وقع في سنن أبي

فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَال: "أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيئًا؟ " فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلا وَفِيَّ الْعَقْلِ. مِنْ صَالِحِينَا. فِيمَا نُرَى. فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِمْ أَيضًا ـــــــــــــــــــــــــــــ داود عن ابن عباس جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء وأما رواية الثلاث فكان المراد الاقتصار على المرات التي رده فيها وأما الرابعة فإنه لم يرده بل استثبت فيه وسأل عن عقله لكن وقع في حديث أبي هريرة عند أبي داود ما يدلّ على أن الاستثبات فيه إنما وقع بعد الرابعة ولفظه فأقبل في الخامسة فقال: تدري ما الزنا إلى آخره والمراد بالخامسة الصفة التي وقعت عند السؤال والاستثبات لأن صفة الإعراض وقعت أربع مرات وصفة الإقبال عليه للسؤال وقع بعدها كذا في فتح الباري [12/ 121]. ولكن لا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وذهب بعض العلماء إلى أن بشير بن مهاجر قد وهم في هذا الحديث قال ابن القيم في تهذيب السنن [6/ 351] وهذا الحديث فيه أمران سائر طرق حديث مالك في الموطإ تدل على خلافهما أحدهما أن الإقرار منه وترديد النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجالس متعدّدة وسائر الحديث يدل على أن ذلك كان في مجلس واحد والثاني: ذكر الحفر فيه والصحيح في حديثه أنه لم يحفر له والحفر وهم ويدل عليه أنه هرب وتبعوه وهذا والله أعلم من سوء حفظ بشير بن مهاجر وقد تقدم قول الإمام أحمد إن ترديده كان في مجلس واحد إلّا ذلك الشيخ بشير بن مهاجر. وبشير بن مهاجر هذا لم يخرج له البخاري وقال الإمام أحمد: منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب وقال أبو حاتم: يكتب ولا يحتج به وقال العقيلي مرجئ متهم متكلم فيه وقال الساجي: منكر الحديث فحديثه مثله لا يستبعد فيه الأوهام عند مخالفته الثقات. (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه) فجاؤوا إليه (فقال) لهم: (أتعلمون بعقله بأسًا) أي خللًا هل (تنكرون منه شيئًا) من المنكرات (فقالوا: ما نعلمه إلَّا وفيَّ العقل) أي كامله هو (من صالحينا) أي ممن يراعي حقوق الله وحقوق العباد (فيما نرى) من ظاهر حاله على فتح النون وأما بضمها فهو بمعنى نظن (فأتاه) صلى الله عليه وسلم المرة (الثالثة فأرسل إليهم) أي إلى قومه (أيضًا) أي كما أرسل إليهم في المرة

فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ؛ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ. فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. قَال: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي قَدْ زَنَيتُ فَطَهِّرْنِي. وَإِنَّهُ رَدَّهَا. وَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالتْ: لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية (فسأل) قومه (عنه) أي عن حاله (فأخبروه) صلى الله عليه وسلم (أنه لا بأس) أي لا نقص (به) في دينه (ولا بعقله فلما كان) في المرة (الرابعة أمر له حفرة) أي أمرهم بأن يحفروا له حفرة (ثم أمر به) أي برجمه (فرجم) هذا هو الأمر الثاني الذي نسب فيه ابن القيم الوهم إلى بشير بن مهاجر فإن سائر الروايات الأخرى تدل على أنه لم يحفر لماعز بن مالك حفرة. (قلت): وقد تقدّم في رواية أبي سعيد الخدري (فما أوثقناه ولا حفرنا له) فوجه الجمع بين الروايتين أن المراد بعدم الحفر عدم المبالغة في الحفر ولهذا أمكنه الفرار في أثناء الرجم ولا يخفى ما في أمثال هذه التأويلات من النظر لأنه لا حفر للرّجل في كتب المذهب عميقًا ولا غير عميق. (قال) بريدة بن الحصيب (فجاءت الغامدية) بكسر الميم والدّال نسبة إلى غامد الغسّاني، جهينة وغامد وبارق واحد بطن من الأزد صرّح بهذا صاحب بذل المجهود [5/ 135] قال الخطيب: اسمها سُبيعة بالتصغير كما مرّ وقيل: اسمها أبية بنت فرح وقيل: آسية بنت فرح وقيل: أميّة بنت فرح والله أعلم كذا يؤخذ من مبهمات مسلم أي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني) من ذنبي بإقامة الحدّ عليّ قال الراوي: (وإنه) صلى الله عليه وسلم (ردّها) أي ردَّ إقرارها ولم يقبله (ولمّا كان الغد) أي اليوم الذي بعد ذلك اليوم أي جاء الغد ظاهر هذا الكلام أنها اعترفت المرّة الثانية بعد يوم وظاهر الروايات الأخرى أنها اعترفت المرّات جميعًا في نفس المجلس الأوّل وقد ذكرنا أنّ رواية بشير بن مهاجر هذه مرجوحة في عدّة أمور بالنّظر إلى الرّوايات الأخرى فالظاهر أن الروايات الأخرى هي الراجحة والله سبحانه أعلم اهـ (قالت) الغامدية: (لم تردني) أي لم ترد إقراري يا رسول الله (لعلك أن تردني) أي ترد إقراري (كما رددت ماعزًا) أي إقراره وهذا يدل على أن قصة الغامدية متأخرة عن

فَوَاللهِ، إِنِّي لَحُبْلَى. قَال: "إِمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي" فَلمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ. قَالتْ: هذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَال: "اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ". فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ. فَقَالتْ: هذَا، يَا نَبِيَّ اللهِ، قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا. وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قصة ماعز (فوالله إني لحبلى) أي لحاملة من الزنا فلا يمكنني الرجوع عن الإقرار لأن الحمل شاهد عليّ فلست كماعز (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إما لا) ترجعي عن إقرارك وأبيت إلا المضي فيه (فاذهبي) الآن (حتى تلدي) حملك ثم تعالي فنقيم عليك الحد وقوله: (إما) بكسر الهمزة وتشديد الميم وبالإمالة أصله إن ما لا فأدغمت النون في الميم وحذف فعل الشرط فصار إما لا أي إن لا تريدي الستر على نفسك فاذهبي الآن والمعنى إذا أبيت أن تستري على نفسك وترجعي عن قولك فاذهبي الآن حتى تلدي فترجعي نرجمك اهـ من الأبي (فلمّا ولدت أتته) صلى الله عليه وسلم (بالصبي) ملفوفًا (في خرقة) فـ (ـقالت هذا) الولد (قد ولدته) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه) من الرضاع بفتح التاء وكسر الطاء وسكون الياء أي حتى تفطميه من الرضاع كذا ضبطه القاري وفي القاموس فطمه يفطمه قطعه والصبي فصله عن الرضاع فهو مفطوم وفطيم وضبط في بعض النسخ بضم التاء والظاهر أنه غلط اهـ من العون (فلمّا فطمته) أي فصلته من الرضاع (أتته) صلى الله عليه وسلم (بالصبيّ) والحال أنه (في يده كسرة خبز) أي قطعة عيش تقدم في الرواية السابقة خلافه وقدمنا وجه الجمع والترجيح هناك فراجعه (فقالت هذا) الولد (يا نبي الله قد فطمته) أي قد فصلته من الرضاع (وقد أكل الطعام) فاستغنى عنِّي (فدفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها) أي بالحفر لها سترًا لها (فحفر لها إلى صدرها) فيه دليل على أن الحفر للمرأة سنة (وأمر الناس) برجمهما (فرجموها) أي قتلوها بالحجارة ظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرجمها معهم لا في أول الأمر ولا في آخره فلا يلزم الإمام أن يبدأ بالرجم وهو مذهب الجمهور وقد ذهب أبو حنيفة إلى أنه إن ثبت الزنا بالإقرار حضر الإمام وبدأ قبل الناس بالرجم وإن كان بالشهادة حضر الشهداء وبدؤوا بالرجم قبل الناس (قلت): وأحاديث هذا الباب ترد ما

فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ. فَرَمَى رَأْسَهَا. فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ. فَسَبَّهَا. فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا. فَقَال: "مَهْلا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله أبو حنيفة غير أنه وقع في كتاب أبي داود من حديث الغامدية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حصاة مثل الحمصة فرماها به وهي رواية شاذة مخالفة للمشهور من حديث الغامدية اهـ من المفهم. وقوله: (فيقبل) مضارع بمعنى الماضي للدلالة على أن الواقعة حاضرة في ذهن المتكلم كأنها تقع الآن فهو لحكاية الحال الماضية وهو كثير في كلام العرب أي فأقبل (خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله القرشي المخزومي سيف الله أسلم في صفر سنة ثمان وشهد غزوة مؤتة وكان الفتح على يديه له ثمانية عشر حديثًا الصحابي المشهور رضي الله عنه وفيه دليل على أن قصة الغامدية وقعت بعد شهر صفر من سنة ثمان وذلك لأن خالد بن الوليد إنما جاء إلى المدينة مسلمًا في أول يوم من صفر سنة ثمان كما في طبقات ابن سعد [4/ 252] فثبت بهذا الحديث أن قصة الغامدية وقعت بعد نزول سورة النور فإنها نزلت في السنة الخامسة من الهجرة. (بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد) أي تطاير متفرقًا وهو بالخاء المعجمة قال النووي: روي بالحاء المهملة وبالمعجمة والأكثرون على المهملة والعين النضاخة الفوارة بالماء الغزير الذي يسيل ويتفرق وقد روي بالحاء المهملة وهو الرش الخفيف وهو أخف من النضخ بالخاء المعجمة والمعنى ترشش الدم وانصب على وجه خالد (فسبها) أي فسب خالد الغامدية أي شتمها لما أصابه دمها (فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إيَّاها فقال) نبي الله صلى الله عليه وسلم لخالد: (مهلًا) أي كف نفسك (يا خالد) عن سبها ففيه دليل على أن من أقيم عليه الحد لا يسب ولا يؤذى بفحش كلام (فـ) ـأقسمت بالإله (الذي نفسي بيده) المقدسة (لقد تابت) هذه الغامدية (توبة) نصوحًا (لو تابها صاحب مكس لغفر له) والمكس بفتح الميم وسكون الكاف دراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الجاهلية واسم الفاعل منه ماكس وأصل المكس النقص فكأن الماكس إذا أخذ درهمًا انتقص من ثمن السلعة قال القرطبي: صاحب المكس هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر ولا شك في أنه من أعظم

ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيهَا وَدُفِنَتْ. 4299 - (1641) (203) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذنوب وأكبرها وأفحشها فإنه غضب وظلم وعسف على الناس وإشاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه ومع ذلك كله إن تاب من ذلك ورد المظالم إلى أربابها صحت توبته وقبلت لكنه بعد أن يتخلص من ذلك لكثرة الحقوق وانتشارها في الناس وعدم تعيين المظلومين وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات والمواريث والملاهي والمرتبين في الطرق إلى غير ذلك مما كثير في الوجود وعمل عليه في سائر البلاد اهـ من المفهم (ثم أمر بها) أي بغسلها والصلاة (عليها) ودفنها (فصلى) بالبناء للفاعل أي فصلى (عليها) النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه (ودفنت). قوله: (صاحب مكس) والمكس ما يأخذه أعوان الظلمة عند البيع والشراء كما قال الشاعر: وفي كل أسواق العراق إتاوة ... وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم وإنما خصه بالذكر من بين أصحاب الكبائر لقبح ذنبه لتكرر ظلمه للناس قال النووي: فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها وفيه أن توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنا. وقوله: (فصلى عليها) بفتح الصاد مبنيًّا للفاعل عند أكثر الرواة كما حققه القاضي عياض ورواه الطبراني بضم الصاد مبنيًّا للمفعول وبه استدل مالك وأحمد فيما حكى عنهما النووي على أنه يكره للإمام وأهل الفضل أن يصلّي على المرجوم ولا يكره ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة فقد ثبت في عدّة روايات أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على الغامدية وما أولوه به من أن المراد أمرهم بالصلاة عليها أو بالدعاء لها فبعيد جدًّا اهـ والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمهه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 4299 - (1641) (203) (حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي) نسبة إلى المسامعة وهي محلة بالبصرة نزلها المسمعيون فنسبت إليهم الحافظ البصري ثقة، من

حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ) حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ؛ أَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ حَدَّثَهُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَينَةَ أَتَتْ نَبِيَّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) (حدثنا معاذ يعني ابن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي صدوق من (9) (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي البصري ثقة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة، من (5) (حدثني أبو قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري ثقة، من (3) (أن أبا المهلب) الجرمي عبد الرحمن بن عمرو بن معاوية البصري عم أبي قلابة ثقة، من (2) (حدثه عن عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعي أبي نجيد مصغرًا البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا يحيى بن أبي كثير (أن امرأة من جهينة) مصغرًا اسمها سبيعة وقيل: أبية بنت فرح اختلف العلماء في هذه المرأة هل هي الغامدية التي سبق ذكرها في الأحاديث الماضية أو هي غيرها فالذي يظهر من صنيع أبي داود رحمه الله أنها هي الغامدية لأنه ترجم على أحاديث الغامدية بقوله: (باب المرأة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة) ثم أتى فيه بأحاديث الجُهَنِيَّة والغامدية جميعًا وقال: قال الغساني جهينة وغامد وبارق واحد وبه صرح صاحب البذل حيث قال: الجُهَنِيَّة هي المرأة التي تقدم ذكرها في الحديث المتقدم وغامد بطن من جهينة اهـ ولكن يظهر من كلام الحافظ في رجم الحبلى من فتح الباري [12/ 146] أنه مائل إلى تعدد المرأتين حيث يقول: وجمع بين حديثي عمران وبريدة أن الجُهَنِيَّة كان لولدها من يرضعه بخلاف الغامدية والظاهر هو القول الأول لأن قصة الحديثين واحدة وأما ما ذكره الحافظ من الاختلاف بين حديثي عمران وبريدة فيمكن الجمع بينهما بأن بريدة ذكر الإرضاع ولم يذكره عمران بن حصين اختصارًا أو بأن ذكر الإرضاع في حديث بريدة جاء من طريق بشير بن مهاجر وقد قدّمنا أنه ضعيف فيحتمل أن يكون قد وهم في ذكر الإرضاع والله أعلم (أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى) أي حاملة (من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت) أي ارتكبت (حدًّا) أي موجب حد من حدود الله تعالى وهو الزنا (فأقمه) أي فأقم الحد (عليّ) طهرة لذنبي (فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها) أي طلب

فَقَال: "أَحْسِنْ إِلَيهَا. فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا" فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا نَبِي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَشُكَّتْ عَلَيهَا ثِيَابُهَا. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ. ثُمَّ صَلَّى عَلَيهَا. فَقَال لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيهَا؟ يَا نَبِيَّ اللهِ! وَقَدْ زَنَتْ. فَقَال: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَينَ سَبْعِينَ منْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ. وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَة أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قريبها (فقال) له: (أحسن إليها) بالإنفاق عليها مدة حملها حتى لا يتضرر جنينها قال النووي: هذا الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها فأوصى بالإحسان إليها تحذيرًا لهم من ذلك والثاني: أمر به رحمة لها إذ قد تابت وحزض على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها (فإذا وضعت) أي ولدت حملها (فائتني بها) أي فجئني بها لنقيم عليها الحد (ففعل) وليها ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم به من الإتيان بها بعد ولادتها وإرضاعها ولدها وفطمها إيّاه بعد مدة الرضاعة (فـ) ـلما أتى بها (أمر بها) أي بشك ثيابها عليها (نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكّت) أي شدت ولفت وجمعت (عليها ثيابها) لئلا تنكشف في تقلبها عند الرجم قال القرطبي: قوله: (فشكت عليها ثيابها) أي جمع بعضها إلى بعض بشوك أو خيوط ومنه المشك وهي الإبرة الكبيرة وشككت الصيد بالرّمح أي نفذته به وهو بضم الشين بالبناء للمجهول والشك اللزوم واللصوق وشك عليه الثوب أي جمع وزرّ بشوكة أو خلالة أو أرسل عليه كذا في تاج العروس [7/ 151] وقيل: معناه أرسلت عليها ثيابها قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ (فشكّت) وفي بعضها (فشدّت) وهو بمعنى الأوّل أي ربطت عليها رباطًا قويًّا وفي هذا استحباب جمع أثوابها عليها وشدّها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلّبها وتكرار اضطرابها اهـ واتفق العلماء على أنها لا ترجم إلا قاعدة وأما الرجل فجمهورهم على أنه يرجم قائمًا وقال مالك قاعدًا وقال غيره: يخيّر الإمام بينهما (ثم أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بها) أي برجمها (فرجمت ثم) بعد رجمها وغسلها وتكفينها (صلى عليها) رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة (فقال له عمر) بن الخطاب: (تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة) المنورة (لوسعتهم) أي لكفتهم سعة (وهل وجدت) يا عمر (توبة أفضل من أن جادت) أي سمحت وأخرجت

بِنَفْسِهَا لِلهِ تَعَالى؟ ". 4300 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثنَا أبَانٌ الْعَطَّارُ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4301 - (1643) (204) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، وَزَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهنِيِّ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بنفسها) أي بروحها ودفعت (لله تعالى) طلبًا لرضاه سبحانه وتعالى. قوله: (لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة) قال الأبي: انظر ما وجه التخصيص بأهل المدينة فيجاب بأن القضية كانت بها أو يجاب بأن الذنوب فيها ليست كغيرها لفضلها ويكون فيه دليل على فضلها على مكة اهـ والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 429]، وأبو داود [4440 و 4441]، والترمذي [1435]، والنسائي [4/ 63 - 64]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 4300 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأنصاري البصري ثقة، من (10) (حدثنا أبان) بن يزيد (العطار) أبو يزيد البصري ثقة، من (7) (حدثنا يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران وساق أبان (مثله) أي مثل ما روى هشام عن يحيى بن أبي كثير غرضه بيان متابعة أبان لهشام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له ولزيد بن خالد رضي الله عنهما فقال: 4301 - (1643) (204) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثناه محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان منهم

أَنَّهُمَا قَالا: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْشُدُكَ اللهَ إلا قَضَيتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ. فَقَال الْخَصمُ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ مصريان أو مصري وبلخي (أنهما قالا: إنّ رجلًا من الأعراب) لم أر من ذكر اسمه ولا اسم بقية المبهم الذي في الحديث اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك الله) أي أقسم لك بالله فلفظ الجلالة منصوب بنزع الخافض الذي هو حرف القسم أي أسألك بالله رافعًا نشيدي أي صوتي (إلا قضيت لي بكتاب الله) أي بما تضمنه كتاب الله أي لا أسألك إلا التشاغل بالقضاء بيننا بحكم الله تعالى ولا أترك السؤال إلا إذا قضيت به بالفصل بيننا بالحكم الصرف لا بالتصالح والترغيب فيما هو الأرفق إذ للحكم أن يفعل ذلك ولكن برضى الخصمين وفي قوله: (إلا قضيت لي بكتاب الله) استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويله بمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إليه وهو من المواضع التي يقع فيه الفعل موقع الاسم ويراد به النفي المحصور فيه المفعول والمعنى هنا لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله ويحتمل أن تكون إلا جواب القسم لما فيها من معنى الحصر والمعنى على هذا أسألك بالله لا تفعل شيئًا إلا القضاء بكتاب الله تعالى كذا في فتح الباري [12/ 138] باب الاعتراف بالزنا وفي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام شيء من الجفوة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصور منه إلا القضاء بحق موافق لكتاب الله فنشده على ذلك بما لا داعي إليه ولكن الرجل كان من الأعراب وهم يعذرون في مثل هذا الكلام ولذلك لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لامه وفيه حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه على من يخاطبه بما لا يليق به ثم المراد بكتاب الله ها هنا ما كتبه الله على عباده سواء كان مذكورًا في القرآن الكريم أو في السنة لأن الرجم والتغريب ليس لهما ذكر صريح في القرآن إلا بواسطة أمر الله تعالى باتباع رسوله وقيل: المراد بكتاب الله ما فيه من النهي عن أكل المال بالباطل لأنه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حق فلذلك قال: الغنم والوليدة رد عليك ولكن رجح الحافظ في الفتح أن المراد بكتاب الله ما يتعقق بجميع أفراد القصة مما وقع به الجواب الآتي ذكره والله تعالى أعلم (فقال الخصم الآخر): له غير الرجل المذكور أولًا (وهو) أي وهذا الآخر (أفقه) أي أكثر فقهأ وفهمًا وأحسن أدبًا (منه) أي من الرجل الأول لأنه التزم بأدب

نَعَمْ. فَاقْضِ بَينَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ" قَال: إِن ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث استأذنه ولم يكن في كلامه من الجفوة ما كان في كلام الأول ودلت هذه الكلمة على أن الفقه ليس مجرد علم بالمسائل الفقهية وإنما هو أدب وخلق ووضع كل شيء في محله المناسب عمليًّا ويحتمل أيضًا أن يكون الراوي عارفًا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول إما مطلقًا وإما في هذه القصة الخاصة قاله ابن سيّد الناس في شرح الترمذي كما في فتح الباري. وقال القرطبي: إنما فضل الراوي الثاني على الأول لأن هذه الجملة مدرجة من كلام الراوي أي وإنما فضله عليه بالفقه لأن الثاني ترفق ولم يستعجل ثم تلطف بالاستئذان في القول بخلاف الأول فإنه استعجل وأقسم على النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كان يفعله بغير يمين ولم يستأذن وهذا كله من جفاء الأعراب فكان للثاني عليه مزية في الفهم والفقه ويحتمل أن يكون ذلك لأن الثاني وصف القضية بكمالها وأجاد سياقها (نعم فاقض بيننا) يا رسول الله (بكتاب الله) تعالى وحكمه والجملة الجوابية مقول قال: وما قبلها معترض مدرج من كلام الراوي كما مرّ آنفًا وفيها الجمع بين نعم وما نابت عنه (و) لكن (ائذن لي) يا رسول الله في الكلام (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم قل) ما شئت فقد أذنت لك فـ (ـقال) هذا الخصم الآخر كما هو ظاهر سياق الكلام خلافًا للكرماني ولكن ردّ عليه الحافظ في الفتح [13/ 139] بما وقع في كتاب الشروط من صحيح البخاري عن عاصم بن علي عن ابن أبي ذئب بلفظ (فقال: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله إن ابني هذا إلخ ... ) فإنه كالصريح في أن المتكلم هو الثاني لا الرجل الأول أي فقال: هذا الخصم الثاني (إن ابني) ووقع في رواية عند البخاري في المحاربين (إن ابني هذا) فهذا مما يدل على أن ذلك الابن كان حاضرًا عند هذا الكلام (كان عسيفًا) أي أجيرًا وجمعه عسفاء كأجير وأجراء وفقيه وفقهاء (على هذا) إشارة إلى خصم المتكلم وهو زوج المرأة المزنية لابنه وكان الرجل الأول استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سببًا لما وقع له معها فعلى هنا بمعنى عند أي عند هذا ووقع في رواية عمرو بن شعيب عند النسائي في الكبرى (كان ابني أجيرًا لامرأته) وهو يعني معنى العسيف يطلق على الأجير وعلى الخادم وعلى العبد وعلى السائل وعلى من يستهان به وسمي الأجير عسيفًا لأن المستأجر يعسفه في العمل والعسف: الجور

فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ. وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ. فَافْتَدَيتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ. فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُوني؛ أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هذَا الرَّجْمَ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَينَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فزنى) ابني (بامرأته) أي بزوجته ولم يكن هذا من الأب قذفًا لابنه ولا للمرأة لاعترافهما بالزنا على أنفسهما اهـ مفهم وإنما وقع له ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال فيستفاد منه الحث على إبعاد الأجنبي من الأجنبية مهما أمكن لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد ويتسور بها الشيطان إلى الفساد (وإني أخبرت أن على ابني الرجم) وقد وقع في رواية عمرو بن شعيب عند النسائي في الكبرى (فسألت من لا يعلم فأخبروني أن على ابني الرجم) وذلك يوضّح القصة أن المخبرين كانوا ممن لا علم عندهم بالأحكام ويحتمل أن يكونوا من المنافقين أو ممن قرب عهده بالجاهلية فأفتوا من غير تثبت فحكموا عليه بالرجم مع أنه كان غير محصن والتصريح بكونه غير محصن مرويّ أيضًا في رواية عمرو بن شعيب (فافتديت) ابني أي أنقذته (منه) أي من الرجم (بـ) ـفداء (مائة شاة ووليدة) أي جارية كأنهم زعموا أن الرجم حقُّ زوج المزنية ويجوز أن يعفو عنه على مال يأخذه فأعطى أبوالزاني زوج المزنية مائة شاة وجارية وكان هذا الظن باطلًا وقد ظهر بطلانه بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم فإن الحد حقُّ الله لا يعفو عنه عبده (فسألت أهل العلم) قال الحافظ: لم أقف على أسمائهم ولا على عددهم ولا على اسم الخصمين ولا على الابن ولا على المرأة ودلّ الحديث على أن رجم المحصن كان معروفًا عند أهل العلم في ذلك الزمان ودل أيضًا على أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أي وقد سألت من يعلم أحكام الزنا من الصحابة (فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام) حدًّا عند الشافعية وتعزيرًا عند الحنفية (وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله) تعالى دل هذا الحديث على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت بطريق قطعي فإنها مساوية لكتاب الله في وجوب العمل بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن قضاءه مبني على كتاب الله مع أنه كان مشتملًا على رجم المرأة ولم يثبت الرجم في كتاب الله صريحًا ولكنه نسبه إلى كتاب الله لما فيه من الأمر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم

الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ. وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيسُ إِلَى امْرَأَةِ هذَا. فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا". قَال: فَغَدَا عَلَيهَا. فَاعْتَرَفَتْ. فَأمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الوليدة والغنم رد) أي مردودتان عليك فخذهما منه قال النووي: معناه يجب ردهما عليك وفي هذا أن الصلح الفاسد يرد وأن أخذ المال فيه باطل يجب رده وأن الحدود لا تقبل الفداء اهـ يعني أن زوج المزنية يجب عليه أن يردها إليك لأنه لم يقبضها بحق (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) إلى مسافة القصر أي إذا ثبت الزنا بوجهه لا بمجرد قول الأب (واغد) أمر من الغدوِّ وهو ها هنا بمعنى الذهاب المطلق من غير تقييد بوقت الغدوة ويحتمل أن يكون هذا الحديث في آخر وقت النهار فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالذهاب غدوة اليوم التالي والله أعلم والمعنى: امض وسر وليس معناه سر بكرة إليها كما هو موضوع الغداة (يا أنيس) بضم الهمزة مصغرًا قال ابن عبد البر في الاستيعاب [1/ 37] عن بعض العلماء أنيس بن الضحاك الأسلمي رضي الله تعالى عنه ويشهد لهذا ما وقع في رواية شعيب وابن أبي ذئب (وأما أنت يا أنيس) لرجل من أسلم (فاغدُ) وفي بعض النسخ: اغد يا أنيس وهو أمر بالذهاب إليها وأنيس صحابي أسلميّ والمرأة أيضًا أسلميّة وهذا الأمر كما قال النووي: محمول على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه ليعرّفها بأن لها عنده حقًّا وهو حد القذف أخذت أو تركت إلَّا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه الحد بل يجب عليها حذ الزنى وهو الرجم لكونها محصنة (إلى امرأة هذا) الإشارة فيه إلى خصم المتكلم أخيرًا الذي زعم أن ابنه زنى بامرأته وزاد في رواية محمد بن يوسف (فاسألها) كما في الفتح. وقد دل فعله صلى الله عليه وسلم في إرسال أنيس رضي الله عنه أن المخدرة التي لا تعتاد البروز لا تكلّف الحضور لمجلس الحكم بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها كذا في فتح الباري (فإن اعترفت) بالزنا (فارجمها قال) الراوي: يعني أبا هريرة وزيد بن خالد (فغدا عليها) أنيس أي مشى إليها وسار نحوها فسألها (فاعترفت) بالزنا فأخبر اعترافها لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر بها) أي برجمها (رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت) قال النووي: ولا بد من هذا التأويل لأن ظاهره أنه بعث لإقامة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزنا وهذا غير مراد لأن حد الزنا لا يحتاط له بالتجسس والتفتيش عنه بل لو أقرّ به الزاني استحب أن يلقّن الرجوع وفي هذا دليل على جواز استنابة الحاكم في القضاء وإقامة الحدود واستدلّ الشافعي ومالك بهذا الحديث أن الإقرار بالزنا يوجب الحدّ وإن كان مرة واحدة ولا يجب أن يكون أربع مرات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 115]، والبخاري [2314]، وأبو داود [4445]، والترمذي [1433]، والنسائي [8/ 241 و 242]، وابن ماجه [3549]. قال القرطبي: وفي هذا الحديث أبواب من الفقه فمنها أن كل صلح خالف السنة فهو باطل ومردود وأن الحدود التي هي ممحضة لحق الله تعالى لا يصح الصلح فيها واختلف في حد القذف هل يصح الصلح فيه أم لا ولم يختلف في كراهته لأنه ثمن عرض ولا خلاف في أنه يجوز قبل رفعه وأما حقوق الأبدان من الجراح وحقوق الأموال فلا خلاف في جوازه مع الإقرار واختلف في الصلح على الإنكار فأجازه مالك ومنعه الشافعي وفيه جواز استنابة الحاكم في بعض القضايا من يحكم فيها مع تمكنه من مباشرته وفيه أن الإقرار بالزنا لا يشترط فيه تكرار أربع مرات ولا أن المرجوم يجلد قبل الرجم وقد تقدم الخلاف فيهما وفيه أن ما كان معلومًا من الشروط والأسباب التي تترتب عليها الأحكام لا يحتاج إلى السؤال عنها فإن إحصان المرأة كان معلومًا عندهم فإنها كانت ذات زوج معروف الدخول عليها وعلى هذا يحمل حديث الغامدية إذ لو لم تكن محصنة لما جاز رجمها بالإجماع وفيه إقامة الحاكم الحد بمجرد إقرار المحدود وسماعه منه من غير شهادة عليه وهو أحد قولي الشافعي وأبي ثور ولا يجوز ذلك عند مالك إلَّا بعد الشهادة عليه وانفصل عن ذلك بأنه ليس في الحديث ما ينصق على أنها لم يسمع إقرارها إلّا أنيس خاصة بل العادة قاضية بأ مثل هذه القضية لا تكون في خلوة ولا ينفرد بها الآحاد وفيه دليل على الاستفتاء والفتيا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إمكان الوصول إليه وجواز استفتاء المفضول مع وجود الأفضل ولو كان ذلك غير جائز لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على جواز اليمين بالله تعالى وإن لم يستحلف وعلى أن ما يفهم منه اسم الله يمين جائزة وإن لم يكن من أسمائه تعالى فإن قوله: (والذي نفسي بيده) ليس من أسماء الله تعالى ولكنه تنزل منزلة الأسماء في الدلالة فيلحق

4302 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ به كل ما كان في معناه كقوله: والذي خلق الخلق وبسط الرزق وما أشبه ذلك وفيه ما يدل على أن زنا المرأة تحت زوجها لا يفسخ نكاحها ولا يوجب الزنا تفرقة بينها وبين زوجها إذ لو كان كذلك لفرق بينهما قبل الرجم ولفسخ النكاح ولم ينقل شيء من ذلك ولو كان لنقل كما نقلت القصة وكثير من تفاصيلها وفيه دليل على صحة الإجارة إلى غير ذلك من المستنبطات منه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4302 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى (قا لا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس (ح) وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من يونس وصالح بن كيسان ومعمر بن راشد رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما روى الليث عن الزهري غرضه بسوق هذا الإسناد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لليث بن سعد وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد لحديث عبادة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والرابع: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والخامس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسابع: حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثامن: حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد.

606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء

606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء 4303 - (1643) (205) حدّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ. فَقَال: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 606 - (46) باب رجم من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة وإقامة السيد الحد على رقيقه وتأخير الحد عن النفساء 4303 - (1643) (205) (حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (أبو صالح) القنطري صدوق من (10) (حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي ثقة، من (9) (أخبرنا عبيد الله) بن عمر العمري المدني (عن نافع أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما (أخبره) أي أخبر لنافع وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي) بالبناء للمفعول أي أن اليهود أتوه برجل وامرأة منهم. أي أتي (بيهودي) لم أر من ذكر اسمه (ويهودية) اسمها سبرة فيما حكاه السهيلي في الروض الأنف [3/ 43] عن بعض أهل العلم وكانا من أهل فدك فيما أخرجه الحميدي عن جابر رضي الله عنه قال: زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى أناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدًا عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه فسألوه الخ ... (قد زنيا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى جاء يهود) وفي رواية زيد بن أسلم عند أبي داود فأتاهم في بيت المدراس فعين الموضع الذي ذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيت المدراس كان بيتًا لليهود يدرسون فيه التوراة وزاد زيد بن أسلم فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال: ايتوني بالتوراة فأُتي بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال: ائتوني باعلمكم فأُتي بفتى شاب (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تجدون في التوراة) واجبًا (على من زنى) أي أيّ حكم تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة على الزناة

قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنَحْمِلُهُمَا. وَنُخَالِفُ بَينَ وُجُوهِهِمَا. ويطَافُ بِهِمَا. قَال: "فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ. إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فَجَاؤُوا بِهَا فَقَرَؤُوهَا. حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ، وَضَعَ الْفَتَى، الَّذِي يَقْرَأُ، يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ. وَقَرَأَ مَا بَينَ يَدَيهَا وَمَا وَرَاءَهَا. فَقَال لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولإظهار ما كتموه من حكم التوراة وأرادوا تعطيل نصها ففضحهم بذلك اهـ بزيادة من المرقاة وقال الباجي: يحتمل أن يكون علم بالوحي أن حكم الرجم ثابت فيها على ما شرع لم يلحقه تبديل ويحتمل أن يكون علم ذلك بإخبار عبد الله بن سلام وغيره ممن أسلم منهم على وجه حصل له به العلم بصحة نقلهم ويحتمل أن يكون إنما سألهم عن ذلك ليعلم ما عندهم فيه ثم يتعلم صحة ذلك من قبل الله تعالى كذا في فتح الباري [13/ 168] (قالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (نسود وجوههما) بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم (ونحملهما) على الدابة بسكون الحاء من الحمل وهو رواية السمرقندي (ونخالف بين وجوههما) بأن يجعل ظهر أحدهما إلى ظهر الآخر في الدابة الواحدة (ويطاف بهما) في البلدة أي نفضحهما بتسويد وجوههما بالفحم وحملهما على الدابة بالتخالف في الركوب وذكر الخازن في التفسير أنهما يحملان على حمارين ووجوههما من قبل ذنب الحمار وفي بعض النسخ (ونحممهما) وفي رواية العذري بدل (ونحملهما) وهو من التحميم بمعنى التسويد بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم فيكون تكرارًا لقولهم: (نسود وجوههما) قال النووي: وهي ضعيفة ولكن فسره الحافظ في الفتح [12/ 129]، بقوله أي يصب عليه ماء حار مخلوط بالرماد فلو أريد هذا المعنى فلا تكرار لأن التحميم من الماء والتسويد بالفحم وفي بعض النسخ (نجملهما) بالجيم وهو رواية السنجي أي نحملهما جميعًا على الجمل (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأتوا بالتوراة) ننظرها (إن كنتم صادقين) فيما قلتم (فجاؤوا بها فقرؤوها) على رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى مرو بآية الرجم) أي قربوا بالمرور على آية الرجم (وضع الفتى الذي يقرأ) ها وهو عبد الله بن صوريا قال النقاش: إنه أسلم ذكره السهيلي عنه اهـ من المعلم (يده) أي كفه (على آية الرجم وقرأ ما بين يديها) أي ما قبلها (وما وراءها) أي وما بعدها. (فقال له) صلى الله عليه وسلم: (عبد الله بن سلام) مخفف اللام بن الحارث الإسرائيلي اليوسفي الصحابي المشهور

وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَهُ. فَرَفَعَهَا. فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَرُجِمَا. قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُمَا. فَلَقَدْ رَأَيتُهُ يَقِيهَا مِنَ الْحِجَارَةِ بِنَفْسِهِ. 4304 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله تعالى عنه (وهو) أي والحال أن عبد الله (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره) أي مر هذا الفتى يا رسول الله (فليرفع يده) عن موضعها من التوراة (فرفعها) أي فرفع الفتى يده عن موضعها (فإذا تحتها) أي تحت يده (آية الرجم) وإذا فجائية والجملة معطوفة على جملة رفع أي فرفعها ففاجأتهم آية الرجم تحتها (فأمر بهما) أي برجم اليهوديين الرجل والمرأة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجما) بالبناء للمفعول أي فرجم اليهوديان بعد إقرارهما وبه تمسك من لم يشترط الإسلام في الإحصان وأجاب من اشترطه فيه بأن رجم اليهوديين إنما كان بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم فإن في التوراة الرجم على الزاني المحصن وغير المحصن ذكره في الفتح. (قال عبد الله بن عمر) راوي الحديث رضي الله تعالى عنهما: (كنت) أنا (فيمن رجمهما) أي في جملة من رجم اليهوديين يومئذٍ قال ابن عمر: (فـ) ـوالله (لقد رأيته) أي لقد رأيت الرجل الزاني منهما (يقيها) أي يقي ويستر مزنيته ويحفظها بنفسه بالميل عليها ليسترها (من الحجارة) التي يرجمان بها (بنفسه) لكمال محبته لها وهذا يشعر أيضًا بعدم الحفر في الرجم إذ لو كان محفورًا لما كان متمكنًا من ذلك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 7]، والبخاري [3635]، وأبو داود [4446]، والترمذي [1436]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4304 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم أمه (عن أيوب) السختياني (ح وحدثني أبو الطاهر

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ؛ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ فِي الزِّنَا يَهُودِيينِ. رَجُلًا وَامْرَأَةً زَنَيَا. فَأَتَتِ الْيَهُودُ بِهِمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ. 4305 - (00) (00) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني رجال من أهل العلم) والحديث (منهم مالك بن أنس) الأصبحي المدني (أن نافعًا أخبرهم) أي أخبر لأيوب وأولئك الرجال (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة أيوب ومالك ورجال من أهل العلم لعبيد الله بن عمر العمري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم في الزنا يهودبين رجلًا وامرأة) بدل مما قبله (زنيا) صفة لما قبله (فأتت اليهود بهما) أي بالزانيين (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقوا) أي ساق أيوب ومالك ومن معهما من رجال العلم (الحديث) السابق (بنحوه) أي بنحو حديث عبيد الله بن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 4305 - (00) (00) (وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا الجعفي أبو خيثمة الكوفي ثقة، من (7) (حدثنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتانية ومعجمة الأسدي مولاهم المدني ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبيد الله بن عمر (أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا وساق) موسى بن عقبة (الحديث) السابق (بنحو حديث عبيد الله عن نافع) عن ابن عمر. قال القرطبي: (قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بيهودي ويهودية قد زنيا) وفي الرواية الأخرى: (إن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة زنيا) وفي الثالثة: (مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الروايات كلها متقاربة في المعنى ولا يعد مثل هذا اضطرابًا لأن هذا حكاية عن حال قضية وقعت فعبر كلهم بما تيسر له والكل صحيح إذ هي متواردة على أنه حضر بين يديه صلى الله عليه وسلم يهودي زنى بيهودية وهو صلى الله عليه وسلم في موضعه. وفي كتاب أبي داود أنه كان في المسجد غير أنه قد جاء في كتاب أبي داود أيضًا من حديث ابن عمر ما يظهر منه تناقض وذلك أنه أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا: يا أبا القاسم إن رجلًا منا زنى بامرأة فاحكم بينهم وظاهر هذا أنه مشى إليهم وأن ذلك لم يكن في مسجده بل في بيت درسهم ويرتفع هذا التوهم بحديث أبي هريرة الذي ذكره أبو داود أيضًا واستوفى هذه القصة وساقها سياقة حسنة فقال: زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نبي بعث بالتخفيفات فإن أفتى دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا فتيا نبي من أنبيائك قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة من زنى إذا أحصن قالوا: يحمم ويجبه ويجلد والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال: وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظَّ به النشدة فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم وساق الحديث إلى أن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما. فقد بين في هذا الحديث أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسجده ثم بعد ذلك مشى معهم إلى بيت المدراس بعد أن سألوه عن ذلك على ما رواه ابن عمر وذكر في هذا الحديث أيضًا السبب الحامل لهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وعليه يدل مساق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} إلى آخر الآية وما بعدها (المائدة / 41) وذكر أبو داود أيضًا من حديث جابر فقال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوا بابني صوريا فنشدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدون في التوراة قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما

4306 - (1644) (206) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَال: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَقَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الحديث قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا فرجه في فرجها مثل الميل في المكحلة فأمر برجمهما. (قلت): فالحاصل من هذه الروايات أن اليهود حكمت النبي صلى الله عليه وسلم فحكم بمقتضى ما في التوراة واستند في ذلك إلى قول ابن صوريا وأنه سمع شهادة الشهود وعمل بها وأنه ليس الإسلام شرطًا في الإحصان فهذه مسائل يجب البحث عنها فراجعها اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث البراء بن عازب رضي الله عنهم فقال: 4306 - (1644) (206) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة) الهمداني الكوفي (عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) البراء: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي) بضم الميم على البناء للمجهول أي مرت اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي زنى وظاهر هذا الحديث معارض لحديث ابن عمر السابق من حيث إن فيه أنهم ابتدؤوا السؤال قبل إقامة الحد وفي هذا الحديث أنهم أقاموا الحد قبل السؤال وذكر الحافظ في الفتح [12/ 167] هذا التعارض ثم قال ويمكن الجمع بالتعدد بأن يكون الذين سألوا عنهما غير الذين جلدوه ويحتمل أن يكون بادروا فجلدوه ثم بدا لهم فسألوه فاتفق المرور بالمجلود في حال سؤالهم عن ذلك فأمرهم بإحضارهما فوقع ما وقع والعلم عند الله ويؤيد الجمع ما وقع عند الطبراني من حديث ابن عباس أن رهطًا من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم امرأة فقالوا: يا محمد ما أنزل عليك في الزنا فيتجه أنهم جلدوا ثم بدا لهم أن يسألوا عن الحكم

مُحَمَّمًا مَجْلُودًا. فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "هكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ. فَقَال: "أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهكَذَا تَجدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ " قَال: لَا. وَلَوْلا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهذَا لَمْ أُخْبِرْكَ. نَجِدُهُ الرَّجْمَ. وَلكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا. فَكُنَّا، إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ. وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ، أَقَمْنَا عَلَيهِ الْحَدَّ. قُلْنَا: تَعَالوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ فأحضروا المرأة وذكروا القصة والسؤال وحاصل ما قاله الحافظ أنهم جلدوا وحمموا الرجل فقط قبل أن يسألوه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولم يجلدوا المرأة ثم بدا لهم أن يسألوا فجاؤوا بالمرأة غير مجلودة ولعل هذا الجمع أحسن مما ذكره القاضي عياض راجع شرح الأبي [4/ 465] حالة كونه (محمما) أي ملطخًا مسودًا وجهه بالحمم أي بالفحم من التحميم وهو التسويد بالحمم بضم الحاء وفتح الميم ومن العلماء من فسره بصب الماء الحار على وجهه كما مر (مجلودًا) أي مضروبًا جُلِد الحد (فدعاهم) أي فدعا اليهود رسول الله (صلى الله عليه وسلم فقال) لهم: (هكذا) أي مثل هذا الذي فعلتموه بصاحبكم (تجدون حد الزاني في كتابكم) التوراة (قالوا: نعم) أي هكذا وجدنا في كتابنا حد الزنا (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رجلًا من علمائهم) وهو عبد الله بن صوريا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل (أنشدك) أي أسألك (بالله الذي أنزل التوراة على موسى (هكذا تجدون) الهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف أي أتجدون (حد الزاني) هكذا أي مثل ما فعلتم بصاحبكم من التحميم والجلد (في كتابكم) قال النووي: قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتبهم ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه أو أخبره من أسلم منهم (قال) الرجل في جواب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا) نجد حد الزنى في التوراة هكذا (ولولا أنك) يا محمد (نشدتني بهذا) أي لولا سؤالك إياي بالإله الذي أنزل التوراة (لم أخبرك) بما في التوراة بلى (نجده الرجم) أي نجد حد الزنا في التوراة الرجم (ولكنه) أي ولكن الزنا (كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف) منا بالزنا (تركناه) أي تركنا إقامة الحد عليه (وإذا أخذنا الضعيف) بالزنا وهو ضد الشريف (أقمنا عليه الحد) ثم (قلنا) فيما بيننا أي قال بعضنا لبعض: وفي رواية أبي داود (فقلنا) بالفاء (تعالوا) أي

فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ. فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ" فَأَمَرَ بهِ فَرُجِمَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}. إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالْتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ. وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: ـــــــــــــــــــــــــــــ أقبلوا واحضروا (فلنجتمع على شيء نقيمه) أي فلنتفق على حد نقيمه (على) كل من (الشريف) منا (والوضيع) ضد الشريف (فجعلنا النحميم) أي تسويد الوجه بالفحم أي فاتفقنا على جعل التحميم (والجلد مكان الرجم) أي بدل الرجم المذكور في التوراة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم) أصله يا الله حذفت ياء حرف النداء وعوض منها الميم المشددة (إني أول من أحيا أمرك) أي عمل العمل الذي أمرتنا به (إذ أماتوه) أي في الوقت الذي أماتت اليهود فيه أمرك وأسقطوه عن العمل به وفي هذا دلالة على أمرين: الأول: أن رجم اليهوديين أول واقعات الرجم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح به أبو هريرة فيما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه [7/ 316] قال: أول مرجوم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين بحكم شريعته لا بحكم التوراة المنسوخ اهـ من التكملة (فأمر) أي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي برجم اليهودي وقتله بالحجارة (فرجم) اليهودي (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إلى قوله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] (يقول) المرسلون وهم يهود خيبر وفدك لمن أرسلوهم وهم يهود المدينة (ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن أمركم) محمد صلى الله عليه وسلم (بالتحميم والجلد فخذوه) أي فاقبلوا منه واعملوا به (وإن أفتاكم) أي أمركم (بالرجم فاحذروا) أي فاحذروا من قبوله والعمل به (فأنزل الله تعالى: ({وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]) أي الجاحدون المنكرون لحدود الله وأحكامه (و) أنزل الله أيضًا: ({وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]) بوضع ما اقترحوه مكان

45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. 4357 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِفذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. إِلَى قَوْلِهِ: فَأَمَرَ بِهِ النَبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم المنزل {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] أي الخارجون عن طاعة الله بذلك التحريف وقوله: (في الكفار) متعلق بأنزل وقوله: (كلها) بالجر تأكيد للكفار وأنث الضمير لأن كل جمع مؤنث أي فإنزال هذه الآيات في الكفار كلهم لا في خصوص اليهود وفي أكثر النسخ برفع كلها على أنه مبتدأ مؤخر والجار والمجرور خبر مقدم يعني أن هذه الآيات كلها في الكفار وقوله: (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) هذا هو المحقق في سبب نزول هذه الآيات وإياه اختار ابن جرير في تفسيره لكونه مرويًّا عن عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وردت في سبب نزولها أقوال أخرى بينتها في تفسيرنا الحدائق وليس هذا محلها قال القرطبي: والمراد من هذه الآيات هم أهل الكفر والعناد وأنها كانت ألفاظها عامة لجميع الكفار وخرج منها المسلمون لأن ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء / 48، 116] وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق فيجوز أن يغفر والكفر لا يغفر فلا يكون ترك العمل بالحكم كفرًا والظلم والفسق في هاتين الآيتين المراد بهما الكفر لأن الكافر وضع الشيء في غير موضعه وخرج عن الحق فصدق على الكافر أنه ظالم وفاسق بل هو أحق بذينك الاسمين ممن ليس بكافر لأن ظلمه أعظم الظلم وفسقه أعظم الفسق وقد تقدم في كتاب الإيمان بيان كفر دون كفر وظلم دون ظلم والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4448]، والنسائي في الكبرى [7218]، وابن ماجه [2558]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 4307 - (00) (00) (حدثنا ابن نمير وأبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن ابن مرة عن البراء (نحوه) أي نحو ما حدث أبو معاوية عن الأعمش غرضه بيان متابعة وكيع لأبي معاوية وساق وكيع الحديث (إلى قوله: فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم

وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ نُزُولِ الآيَةِ. 4308 - (1645) (207) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ، وَرَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ، وَامْرَأَتَهُ. 4309 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَامْرَأَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يذكر) وكيع (ما بعده) أي ما بعد قوله: فرجم (من نزول الآية) بيان لما بعده. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 4308 - (1645) (207) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي ثقة، من (10) (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي المصيصي ثقة، من (9) (قال) حجاج: (قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما حالة كون جابر (يقول: رجم النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من أسلم) وهو ماعز بن مالك الأسلمي الذي اعترف بالزنا (ورجلًا من اليهود وامرأته) أي صاحبته التي زنى بها لا زوجته وفي رواية: (وامرأة) وهو ظاهر وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 4309 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر وساق روح (مثله) أي مثل ما روى حجاج بن محمد عن ابن جريج (غير أنه) أي لكن أن روح بن عبادة (قال) في روايته: (وامرأة) بلا إضافة إلى الضمير وهي واضحة لا تحتاج إلى التأويل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم فقال:

4310 - (1646) (208) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثنَا سُلَيمَانُ الشَّيبَانِيُّ. قَال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى. ح وَحَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيبَانِيِّ. قَال: سَألْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: هَلْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: قُلْتُ: بَعْدَ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ أَمْ قَبْلَهَا؟ قَال: لَا أَدْرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 4310 - (1646) (208) (وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة، من (8) (حدثنا سليمان) بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) مولاهم مولى بني شيبان بن ثعلبة أبو إسحاق الكوفي ثقة، من (5) (قال) الشيباني: (سألت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبا إبراهيم الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله تعالى عنهما (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة، من (8) (عن أبي إسحاق الشيباني قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى) رضي الله تعالى عنهما وهذان السندان من رباعياته رجال الأول منهما ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان ورجال الثاني كلهم كوفيون فقلت له: (هل رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) الزاني (قال) عبد الله بن أبي أوفى: (نعم) رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبو إسحاق: (قلت) له: هل رجم (بعد ما أنزلت سورة النور) المذكور فيها جلد الزاني يريد قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (أم) رجمه (قبلها) أي قبل نزول سورة النور (قال) عبد الله بن أبي أوفى: (لا أدري) ولا أعلم هل رجم بعدها أم قبلها قال الحافظ في الفتح [12/ 120]: وفائدة هذا السؤال أن الرجم إن كان وقع قبلها فيمكن أن يدعى نسخه بالتنصيص فيها على أن حد الزاني الجلد وإن كان وقع بعدها فيمكن أن يستدل به على نسخ الجلد في حق المحصن ثم قال: ولا نسخ وإنما هو مخصص بغير المحصن اهـ ولذا قال في الجلالين: الزانية والزاني أي غير المحصنين لرجمهما بالسنة اهـ ولعل الشيباني أراد بهذا السؤال إقامة الحجة على الأزارقة من الخوارج الذين حكي عنهم إنكار رجم المحصن وقد وقع الدليل كما قال العيني على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك واختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست والرجم كان بعد ذلك وقد حضره أبو هريرة وإنما أسلم سنة سبع اهـ من بعض الهوامش.

4311 - (1647) (209) وحدَّثني عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ رنَاهَما، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (لا أدري) قال الحافظ في الفتح [12/ 167] فيه أن الصحابي الجليل قد تخفى عليه بعض الأمور الواضحة وأن الجواب من الفاضل بلا أدري لا عيب فيه بل يدل على تحريه وتثبته فيمدح به واعلم أن تاريخ واقعات الرجم كان جميعها بعد نزول سورة النور والذي يظهر أن عبد الله بن أبي أوفى لم ينكر علم تاريخ جميع واقعات الرجم وإنما نفى علم تاريخ رجم اليهوديين فقط وذلك لما أخرجه أحمد في مسنده [4/ 355] من طريق هشيم عن أبي إسحاق الشيباني قال: قلت لابن أبي أوفى: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم يهوديًّا ويهودية قال: قلت بعد نزول النور أو قبلها قال: لا أدري وظاهره أن قوله: لا أدري مرتبط برجم اليهوديين فقط والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6812 و 6840]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى للجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 4311 - (1647) (209) (وحدثني عيسى بن حماد) بن مسلم الأنصاري التجيبي مولاهم أبو موسى (المصري) لقبه زغبة ثقة، من (10) (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورًا لها أبي سعد المدني ثقة، من (3) (عن أبيه) أبي سعيد المقبري اسمه كيسان المدني الليثي مولاهم مولى أم شريك الليثية ثقة، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وفيه رواية تابعي عن تابعي وولد عن والد (أنه) أي أن أبا سعيد (سمعه) أي سمع أبا هريرة (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا زنت أمة أحدكم فتبين رناها) الأمة هي المملوكة وتجمع الأمة على إماء وأموات وتبين زنا الأمة بالإقرار وبالحبل وبصحة الشهادة عند الإمام وهل يكتفي السيد بعلمه زناها أم لا عندنا في ذلك روايتان اهـ من المفهم هذا عند الجمهور وأما عند الأحناف فتبين زناها بالبينة (فليجلدها الحد) أي الحد اللائق المبين في الآية

وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيهَا. ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيهَا. ثمَّ إِنْ زنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} ذكر في التفاسير أن المراد بالفاحشة الزنا وبالمحصنات الحرائر وبالعذاب الجلد لا الرجم لأنه لا ينصف وسواء فيها كونها منكوحة أو غير منكوحة. والحكم في زنى العبد كالأمة عرف ذلك بدلالة النص قال القرطبي: قوله: (فليجلدها) أمر للسيد بجلد أمته الزانية وعبده وبه قال الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء خلا أهل الرأي أبا حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا: لا يقيم الحد إلا السلطان وهذه الأحاديث النصوص الصحيحة حجة عليهم وفي معنى حد الزنى عند الجمهور سائر الحدود غير أنهم اختلفوا في حد السرقة وقصاص الأعضاء فمنع مالك وغيره إقامة السيد ذلك مخافة أن يمثل بعبده ويدعي أنه سرق وأقام الحد عليه فيسقط العتق الواجب بالمثلة (قلت): وعلى هذا لو قامت بينة توجب حد السرقة أقامه قاله بعض أصحابنا: إذا قامت البينة على السرقة وقال الشافعي: يقطع السيد عبده إذا سرق (قلت): وعلى هذا فله أن يقتل عبده إذا قتل لكن إذا قامت البينة (ولا يثرِّب عليها) أي بعد الحد فإنه كفارة لذنبها وإنما صرح بالنهي عن التثريب بعدما أمر بجلدها لأن الزناة قبل أن يشرع الحد كان التثريب حدًّا لهم اهـ من المبارق أي لا يوبخ ولا يعير ولا يكثر من اللوم عليها فإن الإكثار من ذلك يزيل الحياء والحشمة ويجرئ على ذلك الفعل وأيضًا فإن العبد غالب حاله أنه لا ينفعه اللوم والتوبيخ ولا يؤثر فيه فلا يظهر له أثر وإنما يظهر أثره في حق الحر ألا ترى قول الشاعر: واللوم للحر مقيم رادع ... والعبد لا يردعه إلا العصا وأيضًا فإن التوبيخ واللوم عقوبة زائدة على الحد الذي نص الله تعالى عليه فلا ينبغي أن يلتزم ذلك ولا يدخل في ذلك الوعظ والتخويف بعقاب الله تعالى والتهديد إذا احتيج إلى ذلك إذ ليس بتثريب ولأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قد قالوا لشارب الخمر: أما اتقيت الله أما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم إن زنت) المرة الثانية (فليجلدها الحد ولا يثرب عليها) قال ابن الملك فيه إشعار بأن الحد إذا أقيم ثم إن زنت تكرر الحد فيفهم منه أنها إذا زنت مرات ولم تحد يكتفى بحد واحد اهـ. قال السنوسي: عبر بإذا في الأول دون إن لأن زنا الإماء كان كثيرًا ولما كان تكرار الزنا منهن بعد الحد قليلًا عبر هنا بإن في قوله: ثم إن زنت اهـ (ثم إن زنت الثالثة فتبين

زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا. وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ زناها) بعلم السيد أو رؤيته عند الجمهور أو بالبينة عند أبي حنيفة (فليبعها) أي مع بيان حالها للمشتري لأنه عيب والإخبار بالعيب واجب فإن قيل كيف يكره شيئًا ويرتضيه لأخيه المسلم فالجواب لعلها تستعف عند المشتري بأن يعفها أو يصونها بهيبته أو بالإحسان إليها والتوسعة عليها أو يزوجها أو غير ذلك اهـ نووي وهذا الأمر للاستحباب عند الجمهور خلافًا لأبي ثور وداود الظاهري فإنهما يحملانه على الوجوب (ولو) كان بيعها (بحبل من شعر) أي وإن كان ثمنها قليلًا فوصف الحبل بكونه من شعر لأنه أكثر حبالهم وهذا خرج مخرج التقليل والتزهيد في الجارية الزانية فكأنه قال: لا تمسكها بعها بما تيسر ففيه دليل على إبعاد أهل المعاصي واحتقارهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2153]، وأبو داود [4470]. (فروع) إذا باعها عرّف بزناها فإنه عيب فلا يحل أن يكتم فإن قيل: إذا كان مقصود هذا الحديث إبعاد الزانية ووجب على بائعها التعريف بزناها فلا ينبغي لأحد أن يشتريها لأنها مما قد أمرنا بإبعادها فالجواب أنها مال ولا يضاع للنهي عن إضاعة المال ولا تسيب ولا تحبس دائمًا إذ كل ذلك إضاعة مال ولو سيبت لكان ذلك إغراءً لها بالزنا وتمكينًا منه فلم يبق إلا بيعها ولعل السيد الثاني يعفها بالوطء أو يبالغ في التحرز بها فيمنعها من ذلك وعلى الجملة فعند تبدل الأملاك تختلف عليها الأحوال وجمهور العلماء حملوا الأمر ببيع الأمة الزانية على الندب والإرشاد للأصلح ما خلا داود وأهل الظاهر فإنهم حملوه على الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر والجمهور صرفوه عن ظاهره تمسكًا بالأصل الشرعي وهو أنه لا يجبر أحد على إخراج ملكه لملك آخر بغير الشفعة فلو وجب ذلك عليه لأجبر عليه ولم يجبر عليه فلا يجب. وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث جواز البيع بالغبن قال لأنه بيع خطير بثمن يسير وهذا ليس بصحيح لأن الغبن المختلف فيه إنما هو مع الجهالة من المغبون وأما مع علم البائع بقدر ما باع وبقدر ما قبض فلا يختلف فيه لأنه من علم منه ورضًا فهو إسقاط لبعض الثمن وإرفاق بالمشتري لا سيما وقد بينا أن الحديث خرج على جهة التزهيد وترك الغبطة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

4312 - (1648) (210) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ. أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بن زَيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَنَادُ بْنُ السَّرِيِّ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، إلا أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ قَال فِي حَدِيثِهِ: عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ 4312 - (1648) (210) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (جميعًا عن ابن عيينة ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي (البرساني) البصري صدوق من (9) (أخبرنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي أبو عبد الله البصري ثقة، من (6) (كلاهما) أي كل من ابن عيينة وهشام بن حسان (عن أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي أبي موسى الكوفي ثقة، من (7) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة و) عبد الله (بن نمير عن عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني أسامة بن زيد) الليثي صدوق من (7) (ح وحدثنا هنَّاد بن السري) بفتح المهملة وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة بن مصعب التميمي الدارمي أبوالسري الكوفي ثقة، من (10) (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (عن عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي ثقة، من (8) (عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني صدوق من (5) (كل هؤلاء) الخمسة المذكورين من ابن عيينة وأيوب بن موسى وعبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن إسحاق رووا (عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لليث بن سعد ولكن لم يذكروا الواسطة بين المقبري وأبي هريرة إلا محمد بن إسحاق كما استثناه المؤلف بقوله: (إلا أن ابن إسحاق قال في حديثه) أي في روايته لفظة (عن سعيد) المقبري (عن أبيه) أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة عن النبي صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي جَلْدِ الأمَةِ إِذَا زَنَتْ ثَلاثًا: "ثُمَّ لِيَبِعْهَا فِي الرَّابِعَةِ". 4313 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم في جلد الأمة) فذكر الواسطة كليث بن سعد (إذا زنت) الأمة (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (ثم) حدها بعد كل مرة ولم تنزجر عن الزنا فـ (ليبعها في الرابعة) وهذا بيان لمخالفة محمد بن إسحاق لغيره في المتن وفي السند. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 4313 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) الحارثي (القعنبي) المدني من (9) (حدثنا مالك) بن أنس (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (واللفظ له قال) يحيى: (قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عبد الله لأبي سعيد المقبري في الرواية عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن) عن الزنى من الإحصان الذي هو بمعنى العفة عن الزنى اهـ عَيْني، ويمكن أن يكون بمعنى التزويج ويقال امرأة محصنة بالكسر ومحصنة بالفتح فالكسر إذا تصور حصنها من نفسها كما قال تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} والفتح إذا تصور حصنها من غيرها كما في قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} اهـ من بعض الهوامش. قال القاضي عياض: ضعف الطاعنون الحديث بأن زيادة (ولم تحصن) لم يروها غير مالك وأجاب غيره بأنه رواها ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب واختلف في معنى الإحصان هنا فقيل: هو الإسلام وقيل: هو الحرية وقيل: هو التزوج وبحسب ذلك اختلف في حد الأمة فقال ابن عباس وأبو عبيدة وبعض السلف: لا حدَّ عليها حتى تحصن بزوج وكذلك العبد وقال الأبي: فعلى أن المراد بالإحصان في الحديث العتق ففائدته لو لم يحدها سيدها حتى عتقت لم يكن للسيد حدها وإنما يحدها الإمام وعلى أنه التزويج ففائدته لو زنت وهي متزوجة لم يكن للسيد أن يحدها لحق الزوج لأن ذلك

قَال: "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا. ثُمَّ إِنْ زنَتْ فَاجْلِدُوهَا. ثُمَّ إِنْ زنَتْ فَاجْلِدُوهَا. ثمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". قَال ابْن شِهَابٍ: لَا أَدْرِي، أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ. وَقَال الْقَعْنَبِيُّ، فِي رِوَايَتِهِ: قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ. 4314 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ وَزَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ: وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يضر به وهو قول مالك إلا أن يكون الزوج ملكًا للسيد فللسيد ذلك وعلى أنه الإسلام ففائدته أن المسلمة إنما يحدها الإمام وإنما يحد السيد الكافر ويشكل حد الكافرة إلا أن يكون معنى الحد العقوبة والتعزير اهـ نووي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن زنت فاجلدوها) أيها السادات (ثم إن زنت) ثانيةً (فاجلدوها ثم إن زنت) ثالثة (فاجلدوها ثم) إن زنت رابعة فـ (بيعوها ولو بضفير) أي ولو كان ثمنها حبلًا مضفورًا والضفير الحبل المضفور أي المفتول بمعنى مفعول (قال ابن شهاب) بالسند السابق (لا أدري) ولا أعلم (أ) قال عبيد الله لفظة ثم بيعوها ولو بضفير (بعد) المرة (الثالثة) من الجلد (أو) قالها بعد (الرابعة) من الجلد (وقال القعنبي في روايته قال ابن شهاب: والضفير الحبل) المفتول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4314 - (00) (00) (وحدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (قال سمعت مالكًا بقول: حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) المدني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة) وساق ابن وهب (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث القعنبي ويحيى بن يحيى غرضه بيان متابعة ابن وهب لهما (و) لكن (لم يذكر) ابن وهب (قول ابن شهاب والضفير الحبل). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال:

4315 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ وَزيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَالشَّكُّ فِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا، فِي بَيعِهَا فِي الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ. 4316 - (1648) (310) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4315 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلاهما) أي: كل من صالح بن كيسان ومعمر بن راشد رويا (عن الزهري عن عبيد الله) بن عبد الله (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق صالح بن كيسان ومعمر بن راشد (بمثل حديث مالك) بن أنس غرضه بيان متابعة صالح ومعمر لمالك بن أنس (والشك في حديثهما) أي في حديث صالح ومعمر (جميعًا) وقوله: والشك مبتدأ خبره الجار والمجرور في قوله: (في بيعها في الثالثة أو الرابعة) وأما حديث مالك ففيه بيعها في الرابعة بلا شك فهذا بيان لمحل المخالفة وقد وردت الروايات بكلا الطريقين فوقع في حديث أبي صالح عند الترمذي فليجلدها ثلاثًا فإن عادت فليبعها وظاهره أنه يبيعها في الرابعة وقد تقدم في أول الباب حديث سعيد المقبري ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها وظاهره أنه يبيعها في الثالثة. قال الحافظ: ومحصل الاختلاف هل يجلدها في الرابعة قبل البيع أو يبيعها بلا جلد والراجح الأول ويكون سكوت من سكت عنه للعلم بأن الجلد لا يترك ولا يقوم البيع مقامه ويمكن بان البيع يقع بعد المرة الثالثة في الجلد لأنه المحقق فيلغى الشك والاعتماد على الثلاث في كثير من الأمور المشروعة راجع فتح الباري [12/ 164]. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث علي رضي الله تعالى عنه فقال: 4316 - (1648) (310) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم

الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ. قَال: خَطَبَ عَلِيٌّ فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكمُ الْحَدَّ. مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقفي (المقدمي) نسبة إلى الجد المذكور أبو عبد الله البصري ثقة، من (10) (حدثنا سليمان) بن داود بن الجارود (أبو داود) الطيالسي البصري ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي ثقة، من (7) (عن) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الهاشمي (السُّدّي) الأعور الكوفي نسبة إلى سُدّة مسجد الكوفة صدوق من (4). (عن سعد بن عبيدة) بالضم السلمي أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي ثقة، من (3) (عن أبي عبد الرحمن) السلمي الكوفي عبد الله بن حبيب بن ربيعة بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة مشهور بكنيته ثقة ثبت من (2) الثانية (قال) أبو عبد الرحمن: (خطب علي) بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني وفيه رواية تابعي عن تابعي (فقال) في خطبته: (يا أيها الناس) يعني بهم الموالي (أقيموا على أرقّائكم الحد) الأرقّاء جمع رقيق بمعنى مملوك عبدًا كان أو أمة أي لا تتركوا إقامة الحدود على مماليككم فإن نفعها يصل إليكم وإليهم والمراد بالحد هنا حد الزنا (من أحصن) وتزوج (منهم) أي من الأرقاء (ومن لم يحصن) أي من لم يتزوج وفي ضمير منهم تغليب للذكور والمراد بالإحصان التزوج ومن الموصولة في محل الجز بدل من أرقّائكم بدل تفصيل من مجمل وهذا الحديث وإن كان موقوفًا على علي رضي الله عنه في كتاب مسلم فقد رواه النسائي وقال فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن منهم ومن لم يحصن رواه النسائي في الكبرى [7239] دون قوله: من أحصن وهذا ينص على أمر السادة بإقامة الحد الذي ذكره الله تعالى وليس بتعزير فإنه قد سماه حدًّا وصرح بإلغاء اعتبار الإحصان مطلقًا إذ سوى بين وجوده وعدمه فتحد الأمة الزانية على أي حال كانت ويعتذر عن تخصيص الإحصان في الآية بالذكر بأنه أغلب حال الإماء أو الأهم في مقاصد الناس لا سيما إذا حمل الإحصان على الإسلام وهو أولى الأقوال على ما قد أوضحه القاضي أبو بكر بن العربي والله أعلم وقول علي

فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ. فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله تعالى عنه (ومن لم يحصن) صرح بهذا دفعًا لما يتوهم من قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} أن حد الإماء مقصور على من أحصنت منهن فذكر أن ذلك ليس بمراد وإنما يقام الحد على الإماء سواء كن متزوجات أو لا وإنما خص الله تعالى المتزوجات بالذكر حيث قال: (فإذا أحصن) إلخ ... لبيان أنه لا فرق في مقدار الحد بين المتزوجات من الإماء وغير المتزوجات منهن فإنه كان يتوهم أن عقوبة المتزوجات منهن تغلظ كما تغلظ عقوبة الحرائر فذكر أنها لا تغلّظ فيهن وإنما يعاقبن بنصف ما على الحرائر من العذاب في كلتا الصورتين وأن عذاب الحرائر الذي يمكن تنصيفه هو الجلد فيضربن خمسين جلدة سواء كن متزوجات أو لا والله سبحانه أعلم (فإن أمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها). وهذه الأمة لم أقف على اسمها والظاهر أنها لم تكن جارية للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما كانت جارية لبعض أهله صلى الله عليه وسلم وذلك لما أخرجه أبو داود بلفظ فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستبعد من جواري النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع منهن مثل ذلك وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار مارية القبطية وريحانة وجميلة وجارية وهبتها له زينب بنت جحش وذكر بعضهم فيهن ربيحة القرظية اهـ عيون الأثر لابن سيد الناس ص (311). قال القرطبي: قوله: (فإن أمةً لرسول الله زنت) كذا جاء في كتاب مسلم وفي كتاب أبي داود (فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم) وظاهره أن هذه الجارية كانت لبعض عشيرته وهذه الرواية أحسن من رواية مسلم وأليق بحال من ينتسب لحضرة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وملكه استصحابًا لما شهد الله تعالى به من الطهارة لذلك الجناب الكريم كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وكيف يليق بمن كان في مثل هذا البيت الكريم وبمن صح له ذلك الملك الشريف أن تقع منه فاحشة الزنا هذا والله من البعد على الغاية القصوى فإن العبد من طينة سيده ألا ترى أنه لما أكثر المنافقون على مارية في ابن عمها الذي كان يزورها بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليقتله فدخل عليه فلما رآه كشف عن فرجه فإذا هو أجب فقرأ علي {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} الآية هذا كله مع احتمال أن يراد بآل محمد نفسه ويحتمل أن تكون هذه الأمة

فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدِ بِنِفَاسٍ. فَخَشِيتُ، إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا، أَنْ أَقْتُلَهَا. فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَحْسَنْتَ". 4317 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ؛ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ. وَزَادَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإماء المتخذات للخدمة والتصرف ولعلها قريبة عهد بالجاهلية لكن الأول أليق وأسلم والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قوله: (فأمرني أن أجلدها) هذا إنما كان لما ظهر من زناها بالحبل كما دل عليه قوله: (فإذا هي حديثة عهد بنفاس) أي قريبة (فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها) وجملة أن المصدرية مفعول لخشيت وفي سنن الترمذي زيادة أو قال: تموت أي خفت من قتلها إن جلدتها هذا فيه أصل من أصول الفقه وهو ترك العمل بالظاهر لما هو أولى منه وتسويغ الاجتهاد ألا ترى أن عليًّا قد ترك ظاهر الأمر بالجلد مخافة أمر آخر هو أولى بالمراعاة فحسنه النبي صلى الله عليه وسلم له وصوبه كما قال: (فذكرت ذلك) أي ترك الجلد (للنبي صلى الله عليه وسلم فقال) لي النبي صلى الله عليه وسلم: قد (أحسنت) فيه أن الحد لا يقام على من يخاف عليه الموت بإقامته ولو كان الأمر على ما ارتكبه أهل الظاهر من الأصول الفاسدة لجلدها وإن هلكت. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4473]، والتزمذي [1441]، وفي هذا الحديث من الفقه ما يدل على أن من كان حده دون القتل لم يقم عليه في مرضه حتى يفيق لا مفرقًا ولا مجموعًا ولا مخففًا ولا مثقلًا وهو مذهب الجمهور تمسكًا بهذا الحديث اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 4317 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي ثقة، من (9) (حدثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (عن السدي) إسماعيل بن عبد الرحمن الهاشمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي غرضه بيان متابعة إسرائيل بن يونس لزائدة بن قدامة (و) لكن (لم يذكر) إسرائيل لفظة (من أحصن منهم ومن لم يحصن وزاد) إسرائيل (في

الْحَدِيثِ: "اتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث اتركها) يا علي أي اترك جلدها (حتى تماثل) أي تقارب البرء يقال: تماثل العليل إذا قارب البرء كما في القاموس أصله تتماثل بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفًا والمعنى حتى تصح وتبرأ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول: حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث البراء بن عازب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستشهاد والخامس: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والسادس: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار

607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار 4318 - (1649) (211) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ. فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَينِ، نَحْوَ أَرْبَعِينَ. قَال: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ. فَقَال عَبْدُ الرَّحْمنِ: أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 607 - (47) باب حد الخمر وأسواط التعزير والحدود كفارة لأهلها وجرح العجماء والمعدن والبئر جبار 4318 - (1649) (211) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي) بالبناء للمجهول (برجل قد شرب الخمر) لم أقف على اسمه في شيء من روايات أنس رضي الله عنه ومال الحافظ في الفتح [12/ 64] إلى أنه النعيمان الذي أخرج البخاري قصته (في باب أمر الحد في البيت) رقم (6774) عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه (فجلده) أي أمر بجلد ذلك الرجل وضربه (بجريدتين) مجموعتين (نحو أربعين) جلدة الجريد والجريدة سعف النخل إذا جرد عنها خوصها أي ورقها وكان هذا الزائد على الأربعين للتعزير وبه استدل الحنفية على أن حد الخمر ثمانون لأن أربعين ضربًا بجريدتين تبلغ ثمانين قال القرطبي: ظاهر هذا الحديث يقتضي أن شرب الخمر بمجرده موجب للحد لأن الفاء للتعليل كقولهم: سها فسجد زنى فرجم وهو مذهب الجمهور من الصحابة وغيرهم ولم يفرقوا بين شرب عنب وغيره ولا بين شرب قليله وكثيره إذ الكل خمر (قال) أنس بن مالك: (وفعله) أي فعل جلد أربعين (أبو بكر فلما كان عمر) أي جاء زمن خلافته وحصل فكان تامة (استشار) عمر (الناس) أي شاورهم في تقدير حد الشرب (فقال عبد الرحمن) لعمر: خذ يا أمير المؤمنين في حد الشرب (أخف الحدود) وأقلها وهو حد القذف (ثمانين) بدل من أخف الحدود وأخف منصوب

فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ. 4319 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 4320 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفعل محذوف كما قدرناه وثمانين بدل أو عطف بيان له أي اجعل حد الشارب أخف الحدود أي كأخف الحدود وهو ثمانون جلدة (فأمر به) أي بجلد الشارب ثمانين جلدة (عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعد مشورة الناس. وقوله: (فلما كان عمر) أي لما وقع زمانه يوضحه ما رواه البخاري عن السائب بن يزيد أنه قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدر من خلافة عمر فنقوم عليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا حد ثمانين اهـ. وفي الموطإ أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أي وعلى المفتري ثمانون جلدة فجلد عمر ثمانين اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4319 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) ثقة، من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي نسبة إلى هجيم بن عمرو كما في المغني أبو عثمان البصري ثقة، من (8) (حدثنا شعبة حدثنا قتادة قال: سمعت أنسًا يقول): غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لمحمد بن جعفر (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل فذكر) خالد (نحوه) أي نحو ما حدث محمد بن جعفر عن شعبة ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 4320 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن قتادة عن أنس بن مالك)

أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجرِيدِ وَالنِّعَالِ. ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، وَدَنَا الناسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى، قَال: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَال عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ. قَال: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشام لشعبة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في) شرب (الخمر بالجريد) أي بسعف النخل المجرد عن الخوص (والنعال) أربعين كما في بعض الروايات (ثم جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر) وكان تامة والكلام على حذف مضاف أي فلما وقع ووجد زمن خلافة عمر (ودنا الناس) أي قربوا (من) مواضع (الريف) والخصب (و) سكنوا (القرى) ومواضع الكروم والنخيل والريف المواضع التي فيها الزروع والثمار والخصب والمياه أو هي قريبة منها يجمع على أرياف يقال: أرافت الأرض رباعيًّا أي أخصبت ورافت الماشية إذا رعت الريف وأريفنا أي صرنا إلى الريف اهـ من الصحاح والمعنى لما كان زمن عمر وفتحت الشام والعراق وسكن الناس في الريف ومواقع الخصب وسعة العيش وكثرت عندهم الثمار والكروم ظهر في الناس شرب الخمر وأكئروا منه شاور عمر الصحابة في التشديد في العقوبة عليها و (قال) لهم: (ما ترون في جلد) شارب (الخمر) من الرأي في تقدير حده فتفاوضوا في ذلك واتفقوا على إلحاقه بحد القذف (فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها) أي أن تجعل عقوبة شرب الخمر (كأخف الحدود) المنصوص عليها في القرآن وهي حد السرقة بقطع اليد وحد الزنا جلد مائة وحد القذف ثمانون وهذا أخفها فاجعله مثله (قال) أنس (فجلد عمر) شاربها (ثمانين) جلدةً قياسًا على حد القذف وقد جاء في الموطإ أن عمر لما استشارهم في ذلك قال علي: نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أي قذف الناس فصرح بكيفية الإلحاق وحاصلها راجع إلى أنه أقام السكر مقام القذف لأنه لا يخلو عنه غالبًا فأعطاه حكمه فكان هذا الحديث من أوضح حجج القائلين بالقياس والاجتهاد إذ هذه القضية بنص منهم على ذلك وهم الملأ الكرام وقد انتشرت القضية في ذلك الزمان وعمل عليها في كل مكان ولم يتعرض بالإنكار عليها إنسان مع تكرر الأعصار وتباعد الأقطار فكان ذلك إجماعًا على صحة العمل بالقياس الذي لا ينكره إلا الأغبياء من الناس وقد أورد بعض من يتعاطى العلم

4321 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4322 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجدلي على هذا النظر السديد العلوي أن قال: إن حكم للسكر بحكم القذف لأنه مظنته فليحكم له بحكم الزنا والقتل لأنه مظنتهما وأيضًا فلأنه يلزم عليه أن لا يحد على مجرد الشرب بل على السكر خاصة لأنه هو المظنة لا الشرب وقد حدوا على شرب الخمر وإن لم يسكر فدل على أن السكر ليس معتبرًا في الحد فلا يكون علة له ولا مظنةً والجواب عن الأول منع كون السكر مظنة للزنا والقتل لأن المظنة اسم لما يظن فيه تحقيق المعنى المناسب غالبًا ومن المعلوم أن السكر لا يخلو عن الهذيان والقذف في عموم الأوقات والأشخاص وليس كذلك الزنا والقتل فإن ذلك إن وقع فهو نادر وغير غالب والوجود يحققه. والجواب عن الثاني أن الحد على قليل الخمر إنما هو من باب سد الذرائع لأن القليل يدعو إلى الكثير والكثير يسكر والسكر المظنة كما قررته الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فهم الأسوة وهم القدرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4321 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام) الدستوائي (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن هشام عن هشام غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لمعاذ بن هشام. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4322 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام عن قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه غرضه بيان متابعة وكيع لمعاذ بن هشام ويحيى بن سعيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين ثم ذكر) وكيع (نحو حديثهما) أي نحو حديث معاذ ويحيى بن سعيد (و) لكن (لم يذكر) وكيع

الرِّيفَ وَالْقُرَى. 4323 - (1650) (212) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا يَحْيى بْنُ حَمادٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ فَيرُوزَ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ الدَّانَاجِ. حَدَّثنَا حُضَينُ بْنُ الْمُنْذِرِ، أَبُو سَاسَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظة (الريف والقرى) جمع قرية والمراد بها مواضع الزروع والثمار. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال: 4323 - (1650) (212) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة المذكورة (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم الأسدي البصري (وهو ابن علية) اسم أمه (عن) سعيد (بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري (عن عبد الله) بن فيروز بفتح الفاء وبكسرها وضم الراء البصري الملقب بـ (ـالداناج) بالجيم المفتوحة والنون الخفيفة ويقال: الداناء بهمزة بدل الجيم ويقال: الداناه بهاء وهو فارسي معرب معناه العالم أو العاقل ثقة، من (5) (ح وحدثنا إسحاق الحنظلي واللفظ له أخبرنا يحيى بن حماد) بن أبي زياد الشيباني مولاهم أبو بكر البصري ختن أبي عوانة وراويته ثقة، من (9) (حدثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري مولاهم كان مولى حفصة بنت سيرين أبو إسماعيل البصري ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الداناج حدثنا حضين بن المنذر) بضم الحاء وفتح الضاد مصغرًا بن الحارث الرقاشي بتخفيف القاف وبالمعجمة (أبو ساسان) بمهملتين لقبه وكنيته أبو محمد البصري كان صاحب راية على يوم صفين ثم ولّاه اصطخر وكان من سادات ربيعة وليس في الرواة حضين إلا هذا. روى عن عثمان من قوله في شرب الخمر وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويروي عنه (م د س ق) وعبد الله الداناج وداود بن أبي هند وثقه العجلي والنسائي وقال ابن خراش: صدوق وقال في التقريب: ثقة، من الثانية مات على رأس المائة (100).

قَال: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ، فَقَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَينِ. ثُمَّ قَال: أَزِيدُكُمْ؟ فَشَهِدَ عَلَيهِ رَجُلانِ، أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ؛ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ. وَشَهِدَ آخَرُ؛ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ. فَقَال عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتمة) حضين بن المنذر أبو ساسان هو ابن الحارث بن وعلة بن مجالد بن يثربي بن الزبان بن مالك بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة السدوسي وأمهم رقاش بنت ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة من ولد بكر بن وائل إليها ينتسبون كنيته أبو محمد ولقبه أبو ساسان مات سنة (99) تسع وتسعين اهـ الأصبهاني (قال) حضين: (شهدت عثمان بن عفان) وهذان السندان من سداسياته أي حضرت عند عثمان بن عفان وهو خليفة (وأُتي) بالبناء للمجهول أي والحال أنه قد أُتي إليه (بالوليد) بن عقبة بن أبي معيط الذي أنزل فيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا} الآية أُتي به من الكوفة وكان واليًا بها وكان شاربًا سيئ السيرة (فقد صلى) بالناس (الصبح) في الكوفة (ركعتين) وهو سكران (ثم) التفت إليهم فـ (ـقال) لهم: (أزيدكم) في الصلاة بتقدير همزة الاستفهام فقال بعض أهل الصف الأول: ما زلنا في زيادة منذ وليتنا وما تزيدنا لا زادك الله من الخير وحصب الناس الوليد بحصباء المسجد فشاع ذلك في الكوفة وجرى من الأحوال ما اضطر به عثمان إلى استحضاره وكان الوليد أخاه لأمه وكان شجاعًا شاعرًا جوادًا وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب [3/ 598] من نفس طريق عبد العزيز بن المختار أنه صلى أربعًا ولكنه لم يذكر الرواة قبل عبد العزيز والصحيح المعروف في حديث مسلم أنه صلى ركعتين وأما أبو داود وابن ماجه فلم يذكرا قصة صلاة الصبح ولا شك أن رواية مسلم راجحة على رواية الاستيعاب على أنه يستبعد أن يصلي الرجل في الفجر أربع ركعات وفي القوم أمثال ابن مسعود كما صرح به ابن عبد البر ولا ينبهونه عليه اهـ قوله: (أزيدكم) حمله الطاعنون فيه على أنه كان سكران فقال ذلك من أجل سكره ومن اعتذر له قال: إنه نسي العدد ولم يكن سكران والله أعلم اهـ من التكملة (فشهد عليه) أي على الوليد (رجلان أحدهما حمران) بن أبان مولى عثمان فشهد عليه حمران (أنه) قد (شرب الخمر وشهد) عليه رجل (آخر أنه رآه يتقيأ) خمرًا أي يخرج من جوفه قيء الخمر وهذا الرجل الآخر لم أر من ذكر اسمه ولكن شهد عليه جماعة منهم أبو زينب الأسدي وأبو مروع وجندب الأسدي وسعد بن مالك الأشعري انظر في أخبار المدينة لابن شبة اهـ من مبهمات مسلم. (فقال عثمان) بن عفان رضي الله عنه: (أنه لم يتقيأ) الخمر (حتى شربها)

فَقَال: يَا عَلِيُّ، قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَقَال عَلِيٌّ: قُمْ، يَا حَسَنُ، فَاجْلِدْهُ. فَقَال الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا، (فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيهِ)، فَقَال: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَجَلَدَهُ. وَعَلِيٌّ يَعُدُّ. حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إلا إن شربها أراد دفع ما يتوهم من التدافع بين الشهادتين يعني أن قيء الخمر يستلزم شربها فلا منافاة في الشهادة وفي هذا حجة للإمام مالك رحمه الله تعالى في أن الشهادة بتقيؤ الخمر مثبتة للشرب وموجبة للحد كما في شرح الأبي [4/ 474] وهو رواية عن أحمد قواها ابن قدامة في المغني بالدلائل [10/ 332] وقال أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى: إن الشهادة بتقيؤ الخمر غير كافية لإثبات الحد لاحتمال أن يكون مكرها في الشرب مضطرًا فلا يثبت الحد عندهما إلا إذا شهد بمعاينته حالة الشرب (فقال) عثمان: (يا علي قم فاجلده) حد الشرب (فقال علي) لولده الحسن بن علي (قم يا حسن فاجلده فقال الحسن) لأبيه علي بن أبي طالب: (ول) يا والدي (حارَّها) أي حار الخلافة والولاية وتعبها وشغلها (من تولى) وذاق (قارها) أي هنيئها ولذتها يعني عثمان بن عفان أمير المؤمنين الحار الشديد المكروه والقار البارد الهنيء الطيب وهذا مثل من أمثال العرب فالقار فاعل من القر وهو البرد وهو كناية عن الخير والهين كما أن الحار كناية عن الشر والشدة والمعنى: ولِّ شرها وضررها من تولى خيرها ونفعها أو ولِّ صعبها من تولى سهلها اهـ لسان العرب [5/ 252 و 392] وأصل هذه الكلمة من قول عمر رضي الله عنه حين بلغه عن أبي مسعود الأنصاري البدري أنه يفتي فقال له: بلغني أنك تفتي ولِّ حارها من تولى قارها كما في النهاية لابن الأثير [3/ 271] وضربت هذه الكلمة مثلًا لكل من أراد أن يتولى الخير ويكفيه غيره الشر وقال الأصمعي وغيره: معناها ولِّ شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها والضمير عائد إلى الخلافة والولاية أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها ومعناه ليتول هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه الأدنين اهـ نووي والمراد من الحار في كلام الحسن إقامة الحد ومن القار الخلافة وإنما فوض عثمان إقامة الحد إلى علي رضي الله عنه تكريمًا له وقوله: (فكأنه) أي فكأن عليًّا (وجد) أي غضب (عليه) أي على الحسن كلام مدرج من الراوي (فقال) علي لعبد الله بن جعفر: (يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده) عبد الله بن جعفر (وعلي) أي والحال أن عليًّا (يعد) ويحسب عدد الجلدات فجلده عبد الله (حتى بلغ) ووصل في الجلد (أربعين) جلدة (فقال) علي

أَمْسِكْ. ثُمَّ قَال: جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ. وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. وَعُمَرُ ثَمَانِينَ. وَكُلٌّ سُنَّةٌ. وَهذَا أَحَبُّ إِلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ لعبد الله: (أمسك) يدك عن جلده (ثم قال) علي: (جلد النبي صلى الله عليه وسلم أوبعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل) ما فعله العمران (سنة). قال السندي في حواشي ابن ماجه: (قوله: وكل سنة) مطلق السنة عند الصحابة ينصرف إلى سنة البي صلى الله عليه وسلم ففيه أنه صلى الله عليه وسلم أحيانًا كان يجلد ثمانين أيضًا اهـ وقوله: (وهذا أحب إليَّ) إشارة إلى ثمانين بدليل أن الذي أشار على عمر بإقامة الحد ثمانين هو علي كما سبق عن الموطإ اهـ من الهامش. قال القرطبي (وقول عثمان لعلي: قم يا علي فاجلده) دليل على أن الحد إنما ينبغي أن يقيمه بين أيدي الخلفاء والحكام وفضلاء الناس وخيارهم وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها ولذلك يجب عند جميع العلماء أن يختار لها أهل الفضل والعدل إذا أمكن ذلك مخافة التعدي في الحدود وقد وقع في زماننا من جلد في الخمر ثمانين فتعدى عليه الضارب فقتله بها وحرمة دم المسلم عظيمة فتجب مراعاتها بكل ممكن. و(قول علي: قم يا حسن فاجلده) دليل على أن من استنابه الإمام في أمر فله أن يستنيب من يتنزل منزلته في ذلك الأمر و (قول الحسن ولِّ حارها) إلخ يعني به ولِّ شدة إقامة الحد من تولى إمرة المسلمين وتناول حلاوة ذلك وقوله: (فكأنه وجد عليه) أي غضب عليه لأجل توقفه فيما أمره به وتعريضه بالأمراء و (قوله فقال: يا عبد الله قم فاجلده) يحتمل أن يكون الأمر لعبد الله عليًّا فكأنه أعرض عن الحسن لما توقف ويحتمل أن يكون الحسن استناب عبد الله فيما أمره به علي طلبًا لرضا علي والله تعالى أعلم. و(قوله: فجلده وعليٌّ يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك) ظاهر هذا أنه لم يزد على الأربعين وفي البخاري من حديث المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وذكر هذا الحديث طويلًا وقال في آخره: إن عليًّا جلد الوليد ثمانين رواه البخاري في [3696]، وهذا يعارض ما ذكره مسلم هنا غير أن حديث حضين أولى لأنه مفصل في مقصوده حسن في مساقه وساقه مساق رواية المثبت والأقرب أن بعض الرواة وهم في

زَادَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَال إِسْمَاعِيلُ: وَقَدْ سَمِعْتُ حَدِيثَ الدَّانَاجِ مِنْهُ فَلَمْ أَحْفَظْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث المسور فوضع (ثمانين) موضع (أربعين) (وقول علي جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة) دليل واضح على اعتقاد علي رضي الله عنه صحة إمامة الخليفتين أبي بكر وعمر وأن حكمهما يقال عليه سنة خلافًا للرافضة والشيعة وهو أعظم حجة عليهم لأنه قول متبوعهم الذي يتعصبون له ويعتقدون فيه ما يتبرأ هو منه وكيف لا تكون أقوال أبي بكر وعمر وأفعالهما سنة وقد قال صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللَّذَين من بعدي أبي بكر وعمر رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقوله: (وهذا أحب إليَّ) ظاهره أشار إلى الأربعين التي أمر بالإمساك عليها. وقد روي أن المعروف من مذهبه الثمانون فيكون له في ذلك قولان لكنه دام على الثمانين لما كثر الإقدام على شرب الخمر وحاصل هذا الاختلاف في الحديث وبين الصحابة راجع إلى أنه لم يتقدر في الحد حد محدود وإنما كان فيها الأدب والتعزير لكن استقر الأمر أن أقصى ما بلغ فيه إلى الثمانين فلا يزاد عليها وقد نص على هذا المعنى السائب بن يزيد فيما أخرجه البخاري قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر فنقوم عليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا فَسَقُوا جلد ثمانين وعلى هذا فلا ينبغي أن يعدل عن الثمانين لأنه هو الذي استقر عليه آخر أمر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اهـ من المفهم. (زاد علي بن حجر) السعدي (في روايته) على غيره لفظة (قال إسماعيل) بن علية (وقد سمعت حديث الداناج منه) أي من الداناج (فلم أحفظه) أي فلم أتثبت في حفظه وضبطه حاصله أن إسماعيل سمع هذا الحديث عن الداناج من غير واسطة ثم سمعه بواسطة ابن أبي عروبة ولكنه لم يحفظ ما سمعه بلا واسطة فكان يروي ما سمعه بواسطة ابن أبي عروبة اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4480 و 4481]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث علي رضي الله تعالى عنهما فقال:

4324 - (1651) (213) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ عُمَيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيٍّ. قَال: مَا كُنْتُ أُقِيمُ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتَ فِيهِ، فَأَجِدَ مِنْهُ فِي نَفْسِي، إلا صَاحِبَ الْخَمْرِ. لأَنَّهُ إِنْ مَاتَ وَدَيتُهُ. لأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4324 - (1651) (213) (حدثني محمد بن منهال الضرير) التميمي أبو عبد الله البصري (حدثنا يزيد بن زريع) التميمي العيشي أبو معاوية البصري (حدثنا سفيان) بن سعيد (الثوري) الكوفي (عن أبي حصين) مكبرًا عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي ثقة، من (4) (عن عمير بن سعيد) النخعي أبي يحيى الكوفي من ثقات التابعين ويقال: له عندهم حديث واحد عن علي في حد شارب الخمر لكن ذكر الحافظ أن له حديثًا آخر عن علي وله عن غير علي روايات ويروي عنه (خ م د ق) وأبو حصين والشعبي والأعمش وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة مات سنة (115) خمس عشرة ومائة له عندهما حديث واحد في حد شارب الخمر (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه الهاشمي المدني وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان بصريان وواحد مدني (قال) علي: (ما كنت أقيم على أحد) ممن ارتكب موجب الحد (حدًّا) من حدود الله تعالى كحد الزنا والقذف والشرب ولفظ رواية البخاري (ما كنت لأقيم حدًّا على أحد) بزيادة لام الجحود في خبر كان لتأكيد النفي وبتقديم وتأخير في مفعولي أقيم (فيموت فيه) بسبب إقامة الحد عليه (فأجد منه) أي من موته حزنًا (في نفسي) أي في قلبي وأجد من الوجد وله معان اللائق منها الحزن وقوله: فيموت مسبب عن أقيم وقوله: فأجد مسبب عن السبب والمسبب معًا اهـ ابن حجر ونقله العيني والقسطلاني عن الكرماني. قوله: (فيموت) بالنصب (فأجد) بالرفع فأنظر وقوله: (إلا صاحب الخمر) أي شاربها وهو بالنصب على الاستثناء من أحد ويجوز الرفع والاستثناء منقطع أي لكن أجد من حد شارب الخمر إذا مات ويحتمل أن يكون التقدير ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئًا إلا من موت شارب الخمر فيكون الاستثناء على هذا متصلًا قاله الطيبي اهـ ابن حجر (لأنه) أي لأن شارب الخمر (إن مات) بإقامة الحد عليه (وديته) أي أعطيت ديته لمن يستحق قبضها ولفظ البخاري (فإنه لو مات وديته) أي غرمت ديته الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه) أي لم يقدر فيه حدًّا مضبوطًا اهـ نووي وفي سنن ابن ماجه

4325 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِفذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4326 - (1652) (214) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ من رواية مطرف عن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب ما كنت أدي من أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيه شيئًا إنما هو شيء جعلناه نحن اهـ وقوله: (لم يسنه) يعني ضرب ثمانين بسوط واحد وإلا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ضرب أربعين بنعلين وأخذ الشافعي بظاهر هذا الحديث فأوجب الدية فيمن مات بأسواط التعزير وأما في شرب الخمر فلو زاد الإمام على الأربعين ومات المضروب فعلى عاقلة الإمام الدية وإن لم يزد على أربعين وضربه بالسوط فمات فكذلك وأما إذا ضربه بغير السوط أربعين فلا دية عليه هذا ما يتحصل من شرح النووي وفتح الباري [12/ 68] وقال النووي: قال جماهير العلماء: لا ضمان فيه لا على الإمام ولا على عاقلته ولا في بيت المال وأما الحنفية فلا تجب عندهم الدية على الإمام في شيء من الحدود إذا مات منها المحدود بشرط أن يراعي الإمام أحكام إقامة الحد من أنه لا يقيمه إذا خاف عليه الموت بسبب شدة مرض أو حر أو برد ونحوه وكذلك لا دية على الإمام في التعزير إذا لم يتجاوز قدر الضربات التي يجوز في التعزير فأما إذا جاوز ذلك القدر يعني تسعة وثلاثين سوطًا عند أبي حنيفة وخمسة وسبعين عند أبي يوسف فمات المعزر منه وجب الضمان على الإمام اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 125]، والبخاري [6778]، وأبو داود [4486]، وابن ماجه [2569]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 4325 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري (حدثنا سفيان) الثوري الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي حصين عن عمير بن سعيد عن علي (مثله) أي مثل ما روى يزيد بن زريع عن سفيان غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن ليزيد بن زريع والله أعلم ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي بردة الأنصاري رضي الله عنه فقال: 4326 - (1652) (214) (حدثنا أحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف

حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأشَجِّ. قَال: بَينَا نَحْنُ عِنْدَ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، إِذْ جَاءَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ جَابِرٍ، فَحَدَّثَهُ. فَأَقْبَلَ عَلَينَا سُلَيمَانُ. فَقَال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يجْلِدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ. إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتستري (حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة، من (7) (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري ثقة، من (5) (قال) بكير: (بينا نحن عند سليمان بن يسار) الهلالي المدني ثقة، من (3) (إذ جاءه عبد الرحمن بن جابر) بن عبد الله الأنصاري السلمي أبو عتيق المدني روى عن أبيه في الحدود وأبي بردة بن نيار ويروي عنه (ع) وسليمان وثقه النسائي وقال في التقريب: ثقة، من (3) (فحدثه) أي فحدث لسليمان (فأقبل علينا سليمان) بن يسار (فقال) لنا: (وحدثني عبد الرحمن بن جابر عن أبيه) جابر بن عبد الله الأنصاري (عن أبي بردة) هانئ بن نيار بكسر النون وتخفيف الياء بن عمرو (الأنصاري) الأوسي الحارثي حليف بني حارثة المدني شهد بدرًا وما بعدها رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه البراء بن عازب وجابر وغيرهما ويروي عنه (ع) وجابر بن عبد الله في الحدود مات في خلافة معاوية سنة (41) بعدما شهد مع علي رضي الله عنه حروبه كلها اهـ من الإصابة [4/ 19] وهذا السند من ثمانياته رجاله أربعة منهم مدنيون وأربعة مصريون وفيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجلد) بالبناء للفاعل أي لا يجلد (أحد) من الحكام في التعزير وبالبناء للمجهول أي لا يجلد أحد ممن فعل المعاصي وبضم الدال على أنه صيغة نفي ويؤيده ما أخرجه البخاري من طريق يحيى بن سليمان بلفظ لا تجلدوا (فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله) تعالى وفي رواية يزيد بن أبي حبيب للبخاري (فوق عشر جلدات) وأخرج ابن ماجه في رقم [2602] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعزروا فوق عشرة أسواط) وفيه عباد بن كثير الثقفي ولكن سكت عليه الحافظ في الفتح [12/ 178] وتمسك بظاهر الحديث أحمد في رواية وإسحاق بن راهويه والليث بن سعد فقالوا: لا يجوز التعزير بأكثر من عشرة أسواط كما في المغني لابن قدامة [10/ 347]

4327 - (1653) (215) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيىَ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو) قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفتح الباري [12/ 178] وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية: تجوز الزيادة على العشر في التعزير ثم اختلفوا في قدر الزيادة على أقوال ليس هذا محله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 45]، والبخاري [6850]، وأبو داود [4492]، والنسائي في الكبرى [7330]، . ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: 4327 - (1653) (215) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم و) محمد (بن نمبر كلهم عن ابن عيبنة واللفظ لعمرو قال) عمرو: (حدثنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع (عن الزهري عن أبي إدريس) الخولاني العوذي الثامي الدمشقي عائذ الله بن عبد الله ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وسمع من كبار الصحابة، ثقة، من (3) روى عنه في (7) (عن عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي أبي الوليد المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) عبادة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس) من مجالسه اختلف الشراح في تعيين هذا المجلس فرجح الشيخ العيني في عمدة القاري [1/ 186] أنه مجلس ليلة العقبة بدليل ما سيأتي بعد روايتين عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: إني لمن النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بايعناك على أن لا نشرك بالله شيئًا الخ ... واختار الحافظ في الفتح [1/ 66] أن هذه البيعة غير بيعة العقبة وإنما وقعت بعد فتح مكة بعد نزول سورة الممتحنة بدليل ما سيأتي في رواية معمر عن الزهري فتلا علينا آية النساء {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا} الآية وما سيأتي في رواية أبي الأشعث أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء على أن لا نشرك بالله إلخ ...

فَقَال: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]. فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ. وَمَنْ أَصَابَ شَيئًا مِنْ ذلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ، فَهُوَ كَفَارَةٌ لَهُ. وَمَنْ أَصَابَ شَيئًا مِنْ ذلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما رواية الصنابحي التي استدل بها العيني رحمه الله فأولها الحافظ رحمه الله بأن ذكر ليلة العقبة إنما جاء فيها لتعريف عبادة وتمدحه بها وليس المراد أن البيعة الآتي ذكرها وقعت في تلك الليلة اهـ تكملة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (تبايعوني) بتقدير همزة الاستفهام التقريري (على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) تعالى قتلها (إلا بالحق) وهي المعصومة بإيمان أو أمان (فمن وفى منكم) بتخفيف الفاء قاله النووي (فأجره) على ما وفى به واجب (على الله) تعالى على مقتضى وعده الذي لا يخلف أو على سبيل التفضل والإحسان وقال الحافظ في الفتح: عبر بعلى للمبالغة في تحقيق وقوعه كالواجبات ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شيء اهـ (ومن أصاب) وارتكب (شيئًا من ذلك) المذكور من الزنا والسرقة وغيرهما (فعوقب به) أي حد عليه فيما إذا قامت عليه البينة أو أقرَّ به (فهو) أي ذلك العقاب الذي عوقب به عليه في الدنيا (كفارة) أي ساترة (له) أي لذلك المحرم الذي ارتكبه في الآخرة فلا يعاقب عليه في الآخرة وهذا في غير الشرك بالإجماع لأن الشرك لا يكفره شيء من العقوبات الدنيوية وأما في غير الشرك من المعاصي فظاهر هذا الحديث أن الحدود والعقوبات الدنيوية تكفرها وهو ما اختاره كثير من العلماء من أن الحدود جوابر لا زواجر وقال آخرون: إن الحدود إنما شرعت زاجرة لا كفارة فلا يكفي الحد عن إثم الآخرة واستدلوا بقوله تعالى في المحاربين وقطاع الطريق بعد ذكر عقوبتهم الدنيوية {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ولكن يجاب عنه بأن هذه الآية نزلت في العرنيين بعد ما ارتدوا عن الإسلام وقدمنا أن الحد لا يكفر عن الشرك بالإجماع (ومن أصاب) وارتكب (شيئًا من ذلك) المذكور (فستره الله) سبحانه (عليه) أي على ما ارتكبه من ذلك بأن لم تقم عليه بينة ولا أقر به (فأمره) أي فشأنه في العقوبة عليه في الآخرة والعفو عنه مفوض (إلى الله) سبحانه وتعالى (إن شاء) العفو عنه (عفا عنه) بفضله (وإن شاء) أن يعذبه عليه (عذبه) عليه بعدله

4328 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: فَتَلا عَلَينَا آيَةَ النِّسَاءِ: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا} [الممتحنة: 12] الآيَةَ. 4329 - (00) (00) وحدَّثني إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشَيم. أَخْبَرَنَا خالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لا بظلمه يعني إذا مات ولم يتب منه فأما لو تاب منه لكان كمن لم يذنب بنصوص القرآن والسنة وهذا تصريح بأن ارتكاب الكبائر ليس بكفر لأن الكفر لا يغفر لمن مات عليه بالنص والإجماع وهو حجة لأهل السنة على الفرقة المكفرة بالكبائر وهم الخوارج وأهل البدعة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 325]، والبخاري [7199]، والترمذي [1439]، والنسائي [7/ 137]، وابن ماجه [2866]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة رضي الله عنه فقال: 4328 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي إدريس عن عبادة غرضه بيان متابعة معمر لسفيان (و) لكن (زاد) معمر (في الحديث) على سفيان لفظة (فتلا علينا) أي قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق قوله: (آية) بيعة (النساء) يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا} الآية [الممتحنة: 12] يعني الآية التي ذكر فيها بيعة النساء وهي في سورة الممتحنة وليس المراد أنها آية سورة النساء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبادة رضي الله عنه فقال: 4329 - (00) (00) (وحدثني إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (أخبرنا خالد) بن مهران المجاشعي أبو المنازل الحذاء البصري ثقة، من (5) (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري ثقة، من (3) (عن أبي الأشعث) شراحيل بن آدة (الصنعاني) صنعاء

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: أَخَذَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخَذَ عَلَى النسَاءِ: أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيئًا، وَلَا نَسْرِقَ، ولا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلادَنَا، وَلَا يَعْضَه بَعْضُنَا بَعْضًا. "فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأجْرُهُ عَلَى اللهِ. وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيهِ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ دمشق وقيل: صنعاء اليمن ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي الأشعث لأبي إدريس الخولاني (قال) عبادة: (أخذ علينا) أي أخذ منا الميثاق والعهد (رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء) أي كما أخذ الميثاق من النساء على (أن لا نشرك بالله شيئًا) من المخلوقات الجار والمجرور متعلق بأخذ الأول (ولا نسرق ولا نزني) يعني أنه بايعهم على التزام هذه الأمور المذكورة كما بايع النساء عليها وإنما نبه بهذا على أن هذه البيعة لما لم يكن فيها ذكر القتال استوى فيها الرجال والنساء ولذلك كانت هذه البيعة تسمى بيعة النساء اهـ من المفهم (ولا نقتل أولادنا) بالوأد يعني بهم البنات اللواتي كانوا يدفنونهم أحياء وهي المؤودة وكانوا يفعلون ذلك للأنفة الجاهلية وخوف الفقر والإملاق ولا يعارض هذا قوله في الرواية الأخرى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) لأن هذه البيعة كانت فيها أمور كثيرة منعهم منها ونهاهم عنها (ولا يعضه) أي وأن لا يقذف ولا يرمي (بعضنا بعضًا) بالبهتان والكذب من عضهه يعضهه من باب منع عضهًا والعضه بفتح العين وسكون الضاد آخره هاء من باب فتح الافتراء والبهت وأصله العضيهة بفتح العين وكسر الضاد والعضهة بكسر العين وسكون الضاد بمعنى البهتان كما في النهاية. قال القرطبي: هكذا رواية الجماعة وقيل في معناه ثلاثة أقوال: أحدها: إنه السحر أي لا يسحر بعضنا بعضًا والعضه والعضيهة السحر والعاضه الساحر والعاضهة الساحرة والثاني: أنه النميمة والكذب والثالث: البهتان قلت: وهذه الثلاثة متقاربة في المعنى لأن الكل كذب وزور اهـ مفهم. (فمن وفى منكم) بتخفيف الفاء وقال الأصيلي بتشديدها ومعناهما واحد أي فعل ما أمر به وانتهى عما نُهيَ عنه (فأجره على الله) أي إن الله ينجيه من عذابه ويوصله إلى جنته وكرامته (ومن أتى) وارتكب (منكم حدًّا) أي موجب حد (فأقيم عليه) حده (فهو)

كفَّارَتُهُ. وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ. إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ". 4330 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ لسَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ؛ أَنَّهُ قَال: إِنِّي لَمِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ذلك الحد فهو (كفارته) أي كفارة ما ارتكبه هذا حجة واضحة لجمهور العلماء على أن الحدود كفارات فمن قتل فاقتص منه لم يبق عليه طلبة في الآخرة لأن الكفارات ماحية للذنوب ومصيرة لصاحبها كان ذنبه لم يقع وقد ظهر ذلك في كفارة اليمين والظهار وغير ذلك فإن بقي مع الكفارات شيء من آثار الذنب لم يصدق عليه ذلك الاسم (ومن ستره الله عليه) أي على ذلك الذنب بأن لم يطلع عليه أحد ولم يقر على نفسه (فأمره) مفوض (إلى الله) تعالى (إن شاء عذبه) عليه بعدله (وإن شاء كفر له) بفضله يعني إذا مات ولم يتب منه فأما لو تاب منه لكان كمن لم يذنب بنصوص القرآن والسنة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبادة رضي الله عنه فقال: 4330 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها ثقة، من (5) (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله الحميري اليزني نسبة إلى ذي يزن بطن من حمير المصري ثقة فقيه من (3) (عن الصنابحي) بضم الصاد وتخفيف النون وكسر الياء والحاء المهملة نسبة إلى صنابح بطن من مراد عبد الرحمن بن عسيلة المرادي الصنابحي أبي عبد الله الشامي قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث وقال العجلي: شامي تابعي ثقة وكان كثير المناقب وقال في التقريب: ثقة من كبار التابعين مخضرم قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الصنابحي لأبي إدريس الخولاني وأبي الأشعث الصنعاني (أنه) أي أن عبادة (قال: إني لمن النقباء) والعرفاء (الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) على الإسلام جمع نقيب وهو كالعريف على القوم المقدم عليهم الذي يتعرف أخبارهم وينقب عن أحوالهم أي يفتش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل ليلة العقبة كل واحد من الجماعة الذين بايعوه فيها نقيبًا

وَقَال: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيئًا، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالْحَقِّ، وَلَا نَنْتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ. فَالْجَنَّةُ، إِنْ فَعَلْنَا ذلِكَ. فَإِنْ غَشِينَا شَيئًا مِنْ ذلِكَ، كَانَ قَضَاءُ ذلِكَ إِلَى اللهِ. وَقَال ابْنُ رُمْحٍ: كَانَ قَضَاؤُهُ إِلَى اللهِ. 4331 - (1654) (216) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ على قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الإسلام ويعرفوهم شرائطه وكانوا اثني عشر نقيبًا كلهم من الأنصار وكان عبادة بن الصامت منهم اهـ نهاية والآخرون أسعد بن زرارة ورافع بن مالك والبراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو بن حبيش وأسيد بن حضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان وقيل: بدله رفاعة بن عبد المنذر كذا في مناقب فتح الباري [7/ 221] (قال) عبادة: (بايعناه) صلى الله عليه وسلم (على أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نزني ولا نسرق ولا نقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا ننتهب) أموال الناس ونأخذها من أيديهم بالغلبة والقهر عليهم جهارًا اعتمادًا على القوة (ولا نعصي) بفتح النون وكسر الصاد المهملة وفتح الياء معطوف على ما قبله عطف عام على بعض أفراده (فالجنة) حق لنا (إن فعلنا ذلك) المذكور الذي بايعناه عليه ووفينا العهد باجتناب تلك الكبائر وقوله: (فإن غشينا) أي ارتكبنا (شيئًا من ذلك) المذكور وفعلناه فأقيم علينا الحد فهو كفارة له وإن غشينا فستره الله علينا (كان قضاء ذلك) وحكمه مفوضًا (إلى الله) تعالى أي إن شاء عذب وإن شاء غفر له فيه حذف وتقدير يشهد لذلك ما مر في الرواية السابقة (وقال) محمد (بن رمح) في روايته (كان قضاؤه) أي قضاء ذلك المذكور مفوضًا (إلى الله) تعالى بالضمير بدل اسم الإشارة وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4331 - (1654) (216) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح) المصري (قالا: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن

سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: "الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ. وَالْبِئْرُ جُبَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد بن المسيب وأبي سلمة) بن عبد الرحمن كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: العجماء) مؤنث الأعجم وهي البهيمة وقال النووي: العجماء هي كل الحيوان غير الآدمي وسميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم (جرحها) أي جرح البهيمة وإتلافها شيئًا الجرح بفتح الجيم مصدر وبضمها اسم وإنما عبر بالجرح لأنه الأغلب أو هو مثال منه على ما عداه وقد وقع في بعض الروايات العجماء جبار بدون لفظ الجرح فمعناه إتلاف العجماء بأي وجه كان بجرح أو غيره كذا في عمدة القاري [11/ 26]. أي جرح العجماء وإتلافها شيئًا من المال ونحوه (جبار) بضم الجيم أي هدر لا ضمان على صاحبها إذا لم يوجد منه تفريط أما إذا وجد كما في صورة كونه راكبًا عليها أو قائدًا لها أو سائقًا أو راعيًا لها ففيه ضمان على التفصيل المذكور في الفقه وقوله: (العجماء) مبتدأ جرحها بدل اشتمال منه وقوله: جبار خبره قال ابن الأثير نقلًا عن الأزهري الجرح ها هنا بفتح الجيم على المصدر لا غير اهـ. والتعبير بالجرح باعتبار الأغلب وليس في كل روايات البخاري لفظ الجرح فيكون المعنى إتلاف العجماء بأي وجه كان بجرح أو غيره هدر لا شيء فيه. وقال الشافعي رحمه الله: إذا كان مع البهيمة إنسان فإنه يضمن ما أتلفته من نفس أو عضو أو مال سواء كان سائقًا أو راكبًا أو قائدًا وسواء كان مالكًا أو أجيرًا أو مستأجرًا أو مستعيرًا أو غاصبًا وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو ذنبها أو رأسها وسواء كان ذلك ليلًا أو نهارًا لأن الإتلاف لا فرق فيه بين العمد وغيره ومن هو مع البهيمة حاكم عليها فهي كالآلة بيده ففعلها منسوب إليه سواء حملها أم لا وسواء علم به أم لا كذا في فتح الباري [12/ 258] (والبئر) أي وتلف الواقع في بئر حفرها إنسان في ملكه أو في موات (جبار) أي لا ضمان فيه إذا لم يكن منه تسبب إلى ذلك ولا تغرير وكذا لو استأجر إنسانًا ليحفر له البئر فانهارت عليه أو ليبني عمارة فسقط منها فلا ضمان وأما من حفرها تعديا كأن حفرها في طريق أو في ملك غيره بغير إذن فتلف بها إنسان فإنه تجب ديته على عاقلة الحافر والكفارة في مال الحافر وإن تلف بها غير آدمي وجب ضمانه في مال الحافر ويلتحق بالبئر كل حفرة على التفصيل المذكور كذا في فتح الباري قال أبو عبيدة: والمراد بالبئر ها هنا العادية القديمة التي لا يعلم لها مالك تكون في البادية فيقع

وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الُخُمُسُ". 4332 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا إِسْحَاقُ (يَعْنِي ابْنَ عِيسَى) ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها إنسان أو دابة فلا شيء في ذلك على أحد اهـ (والمعدن جبار) أي وتلف الواقع فيه إذا حفره إنسان في ملكه أو في موات لاستخراج ما فيه من الجواهر لا ضمان عليه وكذا إذا انهار على حافره قال ابن حجر: ويلتحق بالبئر والمعدن في ذلك كل أجير على عمل كمن استؤجر على صعود نخلة فسقط منها فمات اهـ. (وفي الركاز الخمس) الركاز هنا يعم المعدن وهو دفين الجاهلية ففيه الخمس لبيت المال والباقي لواجده ولا يتوهم عدم إرادة المعدن بسبب عطفه عليه لأنه لما أراد أن يذكر له حكمًا غير كونه هدرا ذكره بالاسم الآخر كما في العيني وحاشية الزيلعي للشبلي. واختلف الفقهاء في معنى الركاز ها هنا فقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى: هو دفين الجاهلية فقط ففيه الخمس لكونه من الغنيمة وليس في المعدن عندهم خمس لأنه ليس من الركاز ولأنه يحتاج مؤنة ومشقة بخلاف الكنز بل في المعدن عندهم ربع العشر إن بلغ النصاب بعد التصفية وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: الركاز يعم كنز الجاهلية والمعدن كليهما فيجب في كل واحد منهما الخمس وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي عبيد رحمهم الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 239]، والبخاري [6912]، وأبو داود [3085]، والترمذي [1377]، والنسائي [5/ 44]، وابن ماجه [2673]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 4332 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري ثقة، من (10) (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة رووا (عن ابن عبينة ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حدثنا إسحاق يعني ابن عيسى) بن نجيح البغدادي صدوق من

حَدَّثَنَا مَالِكٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ اللَّيثِ. مِثْلَ حَدِيثِهِ. 4333 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 4334 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "الْبِئْرُ جَرْحُهَا جُبَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (كلاهما) أي كل من ابن عيينة ومالك بن أنس رويا (عن الزهري بإسناد الليث) يعني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (مثل حديثه) أي مثل حديث الليث غرضه بيان متابعتهما لليث بن سعد ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال: 4333 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (وحرملة) بن يحيى المصري (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب عن ابن المسبب وعببد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل حديث الليث غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال: 4334 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن أبوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي أبي موسى الكوفي ثقة، من (7) (عن الأسود بن العلاء) بن جارية بجيم الثقفي المدني ويقال له سويد بن العلاء روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الحدود والفتن ويروي عنه (م س) وأيوب بن موسى وعبد الحميد بن جعفر قال النسائي: ثقة، وقال أبو زرعة: شيخ ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد كوفي كرضه بسوقه بيان متابعة الأسود بن العلاء للزهري في الرواية عن أبي سلمة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: البئر جرحها) أي متلفاتها (جبار)

وَالْمَعْدِنُ جَرْحُهُ جُبَارٌ. وَالْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ. وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ". 4335 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ). ح وَحَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي هدر (والمعدن جرحه) أي متلفاته (جبار والعجماء جرحها جبار وفي الركاز الخمس). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 4335 - (00) (00) (وحدثنا عبد الرحمن بن سلام) بالتشديد ابن عبد الله بن سالم (الجمحي) البصري صدوق من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا الربيع يعني ابن مسلم) الجمحي أبو بكر البصري ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنى البصري ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (قالا): أي قال كل من معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر (حدثنا شعبة) بن الحجاج (كلاهما) أي كل من الربيع وشعبة بن الحجاج رويا (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق محمد بن زياد (بمثله) أي بمثل ما روى أبو سلمة عن أبي هريرة في الرواية المذكورة قبل هذا السند وهذه الأسانيد الثلاثة الأول منها من رباعياته والأخيران من خماسياته غرضه بسوقها بيان متابعة محمد بن زياد لأبي سلمة وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والثاني: حديث عثمان ذكره للاستشهاد والثالث: حديث علي ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث أبي بردة الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والخامس: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما شرحناه في هذا المجلد العاشر (1) من الأحاديث الغير المكررة ستة عشر حديثًا ومائتان وهذا آخر ما أكرمني الله سبحانه وتعالى به من هذا المجلد بإتمامه بعدما وفقني بابتدائه في تاريخ ألف وأربعمائة وخمس وعشرين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية 12/ 7 / 1425 هـ. الحمد لله الَّذي تتم به الصالحات ومنه يرتجى القبول والخلاص من جميع التبعات والصلاة والسلام على سيد الكائنات وعلى آله الطاهرين وجميع الصحابات ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرض والقيامات اللهم ربنا يا ربنا تقبل منا أعمالنا وأصلح لنا ما فسد منها ولا تفضحنا عليها على رؤوس الأشهاد يوم القيامات إنك واسع المغفرة والعفو والستر على الزلات. وكان الشروع في هذا المجلد في تاريخ 8/ 11 / 1424 هـ من الهجرة النبوية وكان الانتهاء منه في تاريخ 7/ 12 / 1425 هـ. وكان الفراغ من تصحيحه بيد مؤلفه في وقت الضحوة من يوم الثلاثاء من شهر الله المحرم رجب الفرد 7/ 25 / 1426 من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. **** ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

كتاب الأقضية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب: الأقضية ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله على كبريائه، والشكر له على آلائه والصبر علينا على بلائه، كما قال صاحب الأمالي: فكن على آلائه شكورا ... وكن على بلائه صبورا وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا مثيل له في ذاته ولا شريك له في صفاته ولا معين له في فعاله ولا وزير له في سلطانه شهادة صادرة من صميم القلب خالصة من صنوف الريب وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله خص من الإرسال الإلهي بعمومه وختامه وكماله ومن الحق المبين بصفوه ومحضه وزلاله وأوتي من جوامع الكلم ما لا طاقة لبشر على مثاله وخياله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهداة المهديين لا سيما الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. (أما بعد): فلما فرغت من تسويد المجلد العاشر تفرغت لتسطير المجلد الحادي عشر إن شاء الله تعالى بتوفيقه راجيًا منه الإمداد من قطرات الفيض والإرشاد فقلت وبالله التوفيق قال المؤلف رحمه الله تعالى. كتاب الأقضية والأقضية: جمع قضاء كقباء وأقبية والقضاء الحكم أي إحكام الشيء وإمضاؤه وإتقانه والفصل والقطع قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ} وأما شرعًا فقد اختلف الفقهاء في تعريفه بتعريفات مختلفة تؤول إلى معان متقاربة منها أنَّه فصل الخصومة بين خصمين أو خصوم بحكم شرع الله تعالى ومنها أنَّه الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام ما قاله ابن فرحون في تبصرة الحكام ومنها أنَّه فصل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخصومات والمنازعات كما قاله الخصاف ومنها أنَّه قول ملزم يصدر عن ولاية عامة وحاصل هذه التعريفات كلها أنَّه قول ملزم وفق الأحكام الشرعية يفصل به خصومة فريقين والفرق بينه وبين الإفتاء أن الإفتاء إخبار عن حكم شرعي وليس فيه إلزام فلا يجب أن يولى المفتي من قبل الإمام بخلاف القضاء فإنه إلزام فلا يتحقق إلَّا من الَّذي ولاه الإمام ذلك. (القضاء في الجاهلية) لم تكن في معظم أنحاء جزيرة العرب حكومات منظمة وقوية تهيمن على جميع مناطقها بسلطة مركزة وإنما كانت الحياة في الريف حياة بدوية قبائلية وكانت كل مدينة تستقل بنفسها في الحكومة فكانت حكومتها حكومة مدن كما يسميه علماء السياسة فلم تكن هناك والحال هذه هيئات قضائية ومؤسسات حكومية ذات قوانين مدونة للفصل في الخصومات على نحو ما تراه اليوم في الحكومات. ولكن كان بين الجاهليين تعامل وعرف متبع في أمور عديدة من أمور الحياة التي يعيشون فيها مثل حقوق مرور القوافل وحقوق الجباية عن الأموال المستوردة أو المصدرة وفي موضع الحقوق والجنايات وما شاكل ذلك وإن هذا العرف قد توارثه كل قبيلة عن آبائها وأجدادها وجعلته كالقانون السائد في مجتمعها يرجع إليه في فصل الخصومات والمنازعات وكان رؤساء المدينة أو القبيلة يحكمون فيما شجر بينهم وفق عرفهم وعادتهم يجتمعون في مكان معين مثل دار الندوة بمكة وفي معبد أو في بيوت الوجهاء للنظر في الخصومات وفي المشكلات التي تقع في البلد ويتولى رؤساء الشعب أي الحارة والمحلة فض المنازعات التي تنشأ بين أفراد الشعب في الغالب. أما إذا وقعت الخصومات بين أبناء شعاب مختلفة فقد يتفق رؤساء المحلات على فصل الخصومة بينهم باللجاء إلى محكمين يختارونهم من غيرهم ممن يرض عنهم المتخاصمون ويكونون في نظرهم محايدين لا علاقة لهم بذلك النزاع وقد يحال النزاع على رؤساء البلد أو الحي للنظر فيه ويشترط بالطبع على المتخاصمين كلهم الإذعان لقضاء الحكام والتسليم بما يحكمونه من حكم واشتهر بعض الناس في حسن القضاء مثل عامر بن الظرب العدواني لقب حاكم العرب وقاضي العرب كما في المعارف لابن قتيبة ص (36) والأغاني [15/ 70] وقد ذكر اليعقوبي في تاريخه [1/ 227] أسماء الذين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتهروا بين العرب في القضاء وذكر أن الأفعى الجرهمي أقدم حاكم حكم بين العرب ويقال إن المحاكمات في الجاهلية كانت تبتنى على قاعدة البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وذكر الميداني في مجمع الأمثال [1/ 111] رقم (567) أن أول من قال هذه الكلم في الجاهلية هو قس بن ساعدة الإيادي فصارت سنة منذ ذلك اليوم وأقرها الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجع القضاء في عهده ولكنه ربما ولى ذلك أحدًا من الصحابة نيابة عنه في قضايا معينة كما ولى أنيسًا رضي الله عنه رجم المرأة في قصة العسيف. ***

608 - (1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد والحكم بالظاهر واللحن بالحجة

608 - (1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد والحكم بالظاهر واللحن بالحجة 4336 - (1655) (1) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالهُمْ. وَلكِن الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 608 - (1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد والحكم بالظاهر واللحن بالحجة 4336 - (1655) (1) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) المصري (أخبرنا ابن وهب عن ابن جريج عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي ثقة، من (3) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى) بالبناء للمجهول ومفعوله الثاني محذوف تقديره ولو أعطي (الناس) ما يدعونه. (بـ) ـــمجرد (دعواهم) بلا إقامة بينة قال الأبي في شرحه [5/ 4] الدعوى قول لو سلم أوجب لقائله حقًّا قال القاضي والحديث أصل من أصول الأحكام عند التنازع أن لا يحكم لأحد بدعواه في أي شيء كانت الدعوى قليل أو كثير أي رجل كان المدعي شريفًا أو وضيعًا حتَّى يستند إلى ما يقوي دعواه لأن الدعاوي متكافئة والأصل براءة الذمم اهـ وقوله: (لادعى) جواب لو الشرطية أي لادعى (ناس) من الظلمة (دماء رجال) آخرين (وأموالهم) ظلمًا وجورًا قال المازري: لا شك في هذا إذ لو كان القول قول المدعي استبيحت الأموال والدماء ولم يقدر أحد على صون ماله ودمه وأما المدعون فيمكن صون أموالهم بالبينة (ولكن اليمين) على نفي ما يدعيه المدعي (على المدعى عليه وضابط المدعي بكسر العين هو من يخالف قولُه الظاهر والمدعى عليه بفتحها هو من يوافق قولُه الظاهر لأن الظاهر كون المال لصاحب اليد قال المازري: المدعى عليه من طابقت دعواه الأصل الَّذي هو عدم الفعل والمعاملة وكان القياس قبول دعواه دون يمين لتمسكه بهذا الأصل لكن لم يقتصر الشرع على الثقة بهذا الأصل في كثير من الدعاوي حتَّى أضاف إليه يمين المدعى عليه ليقوى الظن في صدقه اهـ وقال القرطبي: المدعي هو الطالب والمدعى عليه هو المطلوب اهـ.

4337 - (00) (00) وحدَّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ نَافِعٍ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيكَةَ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: هذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع ففيه أنَّه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه وأما المدعي فيمكنه صيانتها بالبينة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 343]، والبخاري [4/ 25]، وأبو داود [3619]، والنسائي [8/ 248]، وابن ماجة [2321]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 4337 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي ثقة، من (9) (عن نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل الجمحي المكي روى عن ابن أبي مليكة في الأقضية ودلائل النبوة ويروي عنه (ع) ومحمد بن بشر وداود بن عمرو قال أحمد: ثبت ثبت ووثقه أبو حاتم والنسائي وابن معين وابن سعد وقال في التقريب: ثقة ثبت من كبار السابعة مات سنة (169) تسع وستين ومائة (عن ابن أبي مليكة). (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة نافع بن عمر لابن جريج (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين) المردودة أي بيمين المدعي اليمين المردودة عليه إذا نكل المدعى عليه من اليمين أي قضى بالمدعى به على المدعى عليه باليمين المردودة على المدعي أي إذا لم تكن للمدعي بينة واستحلف القاضي المدعى عليه على أنَّه ليس للمدعي حق عليه ونكل عن اليمين رد القاضي اليمين على المدعي فإذا حلف المدعي على أن له عليه حقًّا حكم القاضي على المدعى عليه بتسليم المدعى به للمدعي وهذه اليمين غير اليمين المذكورة في الرواية الأولى لأن هذه مردودة وتلك أصلية فلا معارضة بين الروايتين. وشارك المؤلف في هذه الرواية الترمذي [1342] وبهذا الحديث قال مالك والشافعي: إنه لا يقض على المدعى عليه بمجرد نكوله عن اليمين وإنما ترد اليمين على

4338 - (1656) (2) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا زَيدٌ (وَهُوَ ابْنُ حُبَابٍ). حَدَّثَنِي سَيفُ بْنُ سُلَيمَانَ. أخْبَرَنِي قَيسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدعي في الأموال عند مالك وفي جميع الدعاوى عند الشافعي فإن حلف قضى له بما حلف وإن نكل لم يحكم له بشيء كما في الكافي لابن عبد البر [2/ 921] ومغني المحتاج للشربيني وبه استدل أيضًا أبو حنيفة وأحمد على أن اليمين لا تجب إلَّا على المدعى عليه فإن حلف برئت ذمته وإن نكل عن اليمين قضى عليه للمدعي ولا ترد اليمين على المدعي اهـ من التكملة. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لابن عباس أيضًا رضي الله عنهما فقال. 4338 - (1656) (2) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حَدَّثَنَا زيد وهو ابن حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى عكل بطن من تميم أبو الحسين الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (11) بابًا (حدثني سيف بن سليمان) المخزومي مولاهم المكي نزيل البصرة ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (أخبرني قيس بن سعد) الحنفي الحبشي أبو عبد الملك المكي مفتيها ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن عمرو بن دينار) الجمحي مولاهم أبي محمد المكي ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) للمدعي (بيمين) منه (وشاهد) له قال الأبي: معناه حكم للمدعي بأن يحلف مع شاهد يقيمه ويستحق اهـ. استدل بهذا الحديث الأئمة الأربعة رضي الله تعالى عنهم وهو قول الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والحسن وشريح وغيرهم وقال أبو حنيفة: لا يقضى بشاهد ويمين وإنما الواجب شاهدان أو رجل وامرأتان وهو قول الشعبي والنخعي والأوزاعي رحمهم الله تعالى كما في المغني وقول الزهري وعطاء والحكم بن عتيبة والليث بن سعد وغيرهم واستدل أبو حنيفة بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فالآية توجب بطلان القول بالشاهد واليمين

4339 - (1657) (3) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل الأئمة الثلاثة والجمهور القائلون باعتبار الشاهد مع اليمين بحديث الباب وبان هذا المعنى قد روي عن جمع من الصحابة بطرق كثيرة استوعبها البيهقي في سننه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3608]، والنسائي في الكبرى [6011 و 6012] وابن ماجة [2307]. قال القرطبي: ثم أحاديث هذا الباب كلها حجة للجمهور على الكوفيين والأوزاعي والنخعي وابن أبي ليلى والزهري والليث والحكم والشعبي حيث نفوا الحكم بالشاهد واليمين ونقضوا حكم من حكم به وبدعوه وقال الحكم: الشاهد واليمين بدعة وأول من حكم به معاوية. (قلت): يا للعجب ولضيعة العلم والأدب كيف رد هؤلاء القوم هذه الأحاديث مع صحتها وشهرتها وكيف اجترؤوا على تبديع من عمل بها حتَّى نقضوا حكمه واستقصروا علمه مع أنَّه قد عمل بذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم أبو بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب ومعاوية وشريح وعمر بن عبد العزيز وكتب به إلى عماله وإياس بن معاوية وأبو سلمة بن أبي عبد الرحمن وأبو الزناد وربيعة ولذلك قال مالك: إنه ليكفي من ذلك ما مضى من السنة أترى هؤلاء تنقض أحكامهم ويحكم ببدعتهم. قالوا: والذي حمل هؤلاء المانعين على هذا اللجاج ما اغتروا به من واهن الحجاج وذلك أنهم وقع لهم أن الحكم باليمين مع الشاهد زيادة على نص قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَينِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} ووجه تمسكهم أنها حاصرة للوجوه التي يستحق به المال نص في ذلك والزيادة على ذلك نسخ ونسخ القاطع بخبر الواحد لا يجوز إجماعًا والقضاء بالشاهد واليمين إنما جاء بخبر الواحد فلا يقبل والجواب منع كون الزيادة على النص نسخًا إذ الجمع بين النص والزيادة يصح وليس ذلك نسخًا لحكم شرعي ولو سلمناه لا نسلم أن الآية نص في حصر ذلك لأن ذلك يبطل بنكول المدعى عليه ويمين المدعي فإن ذلك يستحق به المال إجماعًا اهـ من المفهم ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4339 - (1657) (3) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا أبو معاوية عن

هِشَامِ بنِ عُروَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أُمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكُمْ تَختَصِمُونَ إِلَيَّ. وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة) المخزوميتين رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته ففيه رواية صحابية عن صحابية وبنت عن أم (قالت) أم سلمة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم) أيها المؤمنون (تختصمون) أي ترفعون (إِلَيَّ) المخاصمة لأفصل وأحكم بينكم وقد ورد بيان سبب هذا القول في رواية يونس الآتية أنَّه صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال: إنما أنا بشر إلخ ... ووقع في رواية عبد الله بن رافع عند أبي داود أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما لم تكن لهما بينة إلَّا دعواهما (ولعل بعضكم) وخبر لعل مأخوذ من المصدر المؤول من جملة قوله (أن يكون ألحن) كقولهم زيد عدل أي عادل أي ولعل بعضكم كائن ألحن أي أبلغ وأعلم وأفصح وأبين (بحجته) ودعواه (من بعض) آخر وألحن أفعل التفضيل من لحن كفرح وسمع إذا فطن بما لا يفطن به غيره والرواية التالية أبلغ والمراد أنَّه إذا كان أفطن كان قادرًا على أن يكون أبلغ وأبين في حجته من الآخر قال القاضي عياض: معنى ألحن أفطن بحجته ومنه قول عمر بن عبد العزيز عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم أي فاطنهم وقال أبو الهيثم: اللحن والعنوان بمعنى وهما العلامة يشير بهما الإنسان لما يريد فيفطن له يقال لحن لي فلان من باب فرح ففطنت ويقال للذي يعرض ولا يصرح قد جعل كذا لحاجته لحنًا وعنوانًا اهـ قال ابن منظور في لسان العرب: [7/ 265] إن للحن ستة معان الخطأ في الإعراب واللغة والغناء والفطنة والتعريض والفحوى فاللحن الَّذي هو الخطأ في الإعراب بسكون الحاء واللحن بمعنى اللغة بفتحها ومنه حديث عمر رضي الله عنه تعلموا الفرائض والسنة واللحن يعني اللغة واللحن بمعنى الغناء بسكون الحاء واللحن بمعنى الفطنة بسكون الحاء وفتحها جميعًا والفتح أشهر يقال لحنت من باب فرح إذا فهمته وفطنته فلحن هو عني أي فهم وفطن ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته أي أفطن لها وأحسن تصرفًا وأما اللحن بمعنى التعريض فبسكون الحاء ومنه قوله صلى الله عليه وسلم

فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ. فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِن حَقِّ أَخِيهِ شَيئًا، فَلَا يَأْخُذهُ. فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد بعث قومًا ليخبروه خبر قريش (الحنوا لي لحنًا) يعني أشيروا إليَّ ولا تفصحوا وأما اللحن بمعنى الفحوى فهو ساكن الحاء ومنه قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} أي في فحواه اهـ (فأقضي) وأحكم (له) أي لذلك الألحن (على نحو) أي على مثل (مما أسمع منه) فمن في قوله مما أسمع زائدة بين المضاف والمضاف إليه أي على نحو كلام أسمعه أي على مقتضى وموجب كلام أسمعه منه تحكيمًا لظاهر حجته دون أن أعرف حقيقة الأمر في نفسها (فمن قطعت له) أي قضيت له (من حق أخيه شيئًا) قليلًا أو كثيرًا (فلا يأخذْه) قال القاضي: ترجم عليه البخاري القضاء في القليل والكثير سواء (فإنما أقطع له) أي أحكم لذلك الألحن (به) أي بذلك الشيء أي بالحكم له بذلك الشيء (قطعة من النار) أي من العذاب بالنار سمي التعذيب بها باسمها وقد يكون على طريق التمثيل بما يضر من ذلك في آخره كما تضره النار بدليل قوله الآخر فليحملها أو يذرها وفيه وعظ الخصمين وبه ترجم البخاري قوله: (فمن قطعت له من حق أخيه). يقال: قطع له شيئًا إذا أعطاه إياه مقتطعًا من طائفة قال ابن منظور في اللسان: [10/ 153] القطعة من الشيء الطائفة منه واقتطع طائفة من الشيء أخذه والمراد من أخيه هنا الخصم واختار صلى الله عليه وسلم له كلمة الأخ دون الخصم استمالة لعواطف الأخوة الدينية أو الإنسانية نحوه لئلا يتجاسر على غصب حقه والحق يشمل المال والاختصاص. قوله: (فلا يأخذه) به استدل الأئمة الثلاثة على أن قضاء القاضي إنما ينفذ في الظاهر ولا ينفذ في الباطن فلا يحل لمن أثبت دعواه بشهادة زور أن ينتفع بما قضي له به من مال أو فرج وقال أبو حنيفة: ينفذ القضاء ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ فيثبت العقد بالقضاء بيان لم يكن ثابتًا في نفس الأمر قبل ذلك كمن ادعى على امرأة أنَّه نكحها وأتام على ذلك بينة وقضى بها القاضي صارت المرأة زوجة له سواء كانت البينة كاذبة أم لا فيحل له وطؤها بعد ذلك وكان القاضي أنشأ بينهما نكاحًا ولكنه يأثم إثمًا شديدًا للكذب في الدعوى وإاقامة شهادة الزور ولكن لذلك عنده شروط مذكورة في الفروع اهـ تكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2458]، وأبو داود [3583]، والترمذي [1339]، والنسائي [8/ 233] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال.

4340 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حدَّثنَا وَكيعٌ. ح وَحدَّثنَا أَبُو كُرَيبٍ، حدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ. كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4341 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ. فَخَرَجَ إِلَيهِمْ. فَقَال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ. وَإِنَّهُ يأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُم أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4340 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا وكيع ح وحدثنا أبو غريب حَدَّثَنَا ابن نمير كلاهما) أي كل من وكيع وعبد الله بن نمير رويا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن زينب عن أم سلمة (مثله) أي مثل ما روى أبو معاوية عن هشام غرضه بيان متابعتهما لأبي معاوية ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4341 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة ابن شهاب لهشام بن عروة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة) بفتحات وفي رواية لجبة بسكون الجيم وهما صحيحان والجلبة واللجبة اختلاط الأصوات المرتفعة (خصم) والخصم من يخاصم يطلق على الواحد والجمع والمراد هنا الجماعة أي سمع اختلاط أصوات خصوم (بباب حجرته) أي عند باب بيته (فخرج) صلى الله عليه وسلم (إليهم) أي إلى الخصوم (فقال) صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر) مثلكم أي كواحد من البشر في عدم علم الغيب إلَّا ما أظهرني عليه ربي قال النووي: معناه التنبيه على حالة البشرية وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك ولكنه إنما كلف بحكم الظاهر (فلعل بعضهم) أي بعض الخصوم (أن

يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ. فَمَنْ قَضَيتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطعَةٌ مِنَ النَّارِ .. فَلْيَحْمِلْهَا أَو يَذَرْهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون أبلغ) أي أكثر بلاغة وفصاحة وفطانة (من بعض) آخر منهم (فأحسب) أنا أي أظن بفصاحة قوله وبيان كلامه (أنَّه صادق) في دعواه فيه دليل على العمل بالظنون وبناء الأحكام عليها وهو أمر لم يختلف فيه في حق الحاكم والمفتي (فأقضي) أي فأحكم (له) بظاهر قوله على المدعى عليه (فمن قضيت) وحكمت (له بحق مسلم) أي بمال امرئ معصوم في نفسه وماله أو في ماله والتقييد بالمسلم ثم خرج مخرج الغالب وليس المراد به الاحتراز من الكافر فإن مال الذمي والمعاهد والمرتد في هذا كمال المسلم أي قضيت له قطعة من مال مسلم ونحوه (فإنما هي) أي تلك القطعة التي حكمت له (قطعة من النار) أي ما يأخذه بغير حق سبب يوصل آخذه إلى النار وهو تمثيل يفهم منه شدة العذاب والتنكيل (فليحملها) أي فليأخذ تلك القطعة إن شاء (أو يذرها) أي أو يتركها إن شاء لفظه لفظ الأمر ومعناه التهديد والوعيد فليس للتخيير نظير قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. وقوله: (فلا يأخذها) نص في أن حكم الحاكم على الظاهر لا يغير حكم الباطن وسواء كان ذلك في الدماء والأموال والفروج وهو قول كافة العلماء إلَّا ما حكي عن أبي حنيفة من أن حكم الحاكم يغير حكم الباطن في الفروج خاصة. (تتمة) قد اتفق الأصوليون على أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ في الأحكام فالجواب أنَّه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصوليين لأن مراد الأصوليين فيما حكم فيه باجتهاده فهل يجوز أن يقع فيه خطا فيه خلاف الأكثرون على جوازه ومنهم من منعه فالذين جوزوه قالوا لا يقر على إمضائه بل يُعلمه الله تعالى ويتداركه وأما الَّذي في الحديث فمعناه إذا حكم بغير اجتهاد كالبينة واليمين فهذا إذا وقع منه ما يخالف ظاهره باطنه لا يسمى الحكم خطأ بل الحكم صحيح بناء على ما استقر به التكليف وهو وجوب العمل بشاهدين فإن كان شاهدي زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما وممن ساعدهما وأما الحكم فلا حيلة له في ذلك ولا عيب عليه بسببه بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد فإن هذا الَّذي حكم به ليس هو حكم الشرع والله أعلم كذا في شرح النووي والمرقاة لعلي القاري [7/ 253]. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال.

4342 - (00) (00) وحدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ. وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرِ: قَالت: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَجَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4342 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري كلاهما) أي كل من صالح بن كيسان ومعمر بن راشد رويا (عن الزهري) غرضه بيان متابعتهما للزهري (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن زينب عن أم سلمة وساقا إنحو حديث يونس) بن يزيد (و) لكن (في حديث معمر) وروايته لفظة (قالت) أم سلمة: (سمع النبي صلى الله عليه وسلم لجبة خصم بباب أم سلمة) رضي الله تعالى عنها واللجبة هو كالجلبة المتقدمة وكأنه مقلوبه كما في النهاية وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول: حديث ابن عباس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

609 - (2) باب الحكم على الغائب والاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

609 - (2) باب الحكم على الغائب والاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ 4343 - (1658) (4) حدَّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرِ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، امْرأةُ أبِي سُفْيَانَ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 609 - (2) باب الحكم على الغائب والاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ 4343 - (1658) (4) (حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي (حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة، من (8) (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (دخلت هند بنت عتبة) وهي والدة معاوية رضي الله تعالى عنهما قتل أبوها يوم بدر وشهدت مع زوجها أبي سفيان أحدًا وحرضت على قتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم لكونه قتل عمها شيبة وشرك في قتل أبيها عتبة فقتله وحشي بن حرب ثم أسلمت هند يوم الفتح وكانت من عقلاء النساء وكانت قبل أبي سفيان عند الفاكه بن المغيرة المخزومي ثم طلقها في قصة جرت ماتت في خلافة عمر رضي الله عنه كذا في مناقب فتح الباري [7/ 141] وذكر الحافظ في نفقات الفتح [9/ 508] عدة روايات تثبت أنها عاشت إلى خلافة معاوية رضي الله عنه ولكنها مروية عن الواقدي والله أعلم والظاهر من عدة روايات أن قصتها هذه وقعت في مكة عند الفتح راجع لها فتح الباري. وقوله بنت عتبة صفة لهند وقوله: (امرأة أبو سفيان) بدل منه أو عطف بيان له اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس وكان سيد قريش بعد وقعة بدر وسار بهم في أحد وساق الأحزاب يوم الخندق ثم أسلم ليلة الفتح (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم الفتح قال القاضي فيه خروج المرأة في حوائجها وأن لها أن تستفتي العلماء وأن كلامها في ذلك ليس بعورة (فقالت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إن) زوجي (أبا سفيان رجل شحيح) أي بخيل قال الحافظ في الفتح [9/ 558] والشح البخل مع حرص والشح أعم من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء وقيل

لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ. إلا مَا أَخَذتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيرِ عِلْمِهِ. فَهَل عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم اهـ وقال أبو هلال العسكري في الفروق في اللغة ص (170) الفرق بين الشح والبخل أن الشح الحرص على منع الخير ويقال زند شحاح إذا لم يور نارًا كأنه حريص على منع ذلك والبخل منع الحق فلا يقال لمن يؤدي حقوق الله بخيل. وقال القرطبي: لم ترد هند وصف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله وإنما وصفت حاله معها بأنه كان يقتر عليها وعلى أولادها وهذا لا يستلزم البخل مطلقًا فإن كثيرًا من الرؤساء يفعل ذلك مع أهله ويؤثر الأجانب استئلافًا لهم اهـ وقال الأبي: فيه أن وصف الرجل بما فيه عند الحاكم والمفتي ليس بغيبة اهـ. (لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني) قال القاضي فيه صحة تكلم الحاضن في حق محضونه قال النووي في هذا الحديث فوائد منها وجوب نفقة الزوجة ومنها وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار ومنها أن النفقة مقدرة بالكفاية اهـ (إلا ما أخدت من ماله بغير علمه) زاد الشافعي في روايته "سرًّا فهل علي في ذلك من شيء" نقله الحافظ (فهل علي في ذلك) أي فيما أخذته من ماله تكملة للنفقة (من جناح) أي من إثم (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: خدي من ماله) أمر إباحة بدليل قوله في الرواية الآتية لا حرج (بالمعروف) أي بالقدر الَّذي عرف في العادة أنَّه الكفاية كذا في فتح الباري [9/ 509] (ما يكفيك ويكفي بنيك) غير مسرفة قال القرطبي: وفي هذا الحديث أبواب من الفقه فمنها وجوب نفقة الزوجة والأولاد على أبيهم وأن لأمهم طلب ذلك عند الحاكم وسماع الدعوى على الغائب والحكم عليه وإن كان قريب الغيبة إذا دعت حاجة الوقت إلى ذلك وهو قول الجمهور وقال الكوفيون: لا يقضي عليه بشيء وفيه دليل على أن النفقة ليست مقدرة بمقدار مخصوص وإنما ذلك بحسب الكفاية المعتادة خلافًا لمن ذهب إلى أنها مقدرة وفيه دليل على اعتبار العرف في الأحكام الشرعية خلافًا للشافعية وغيرهم من المنكرين له لفظًا الآخذين به عملًا وقد استنبط البخاري منه جواز حكم الحاكم بعلمه فيما اشتهر وعرف فقال: باب حكم الحاكم بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهم وكان أمرًا مشهورًا

4344 - (00) (00) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ وَوَكِيعٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه دليل على أن من تعذر عليه أخذ حقه من غريمه ووصل من مال الغريم إلى شيء كان له أخذه بأي توصل إليه واختلف فيما إذا ائتمنه الغريم على مال فهل يأخذ منه حقه أم لا على قولين حكاهما الداودي عن مالك ومشهور مذهبه المنع وبه قال أبو حنيفة تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "وأدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وإلى الإجازة ذهب الشافعي وابن المنذر بناء على أن ذلك ليس بخيانة وإنما هو وصول إلى حق. وفيه دليل على أن المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شيئًا بغير إذنه قل ذلك أو كثر وهذا لا يختلف فيه ألا ترى أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لهند في الرواية الأخرى لما قالت فهل علي جناح أن أطعم من الَّذي له عيالنا قال: لا، ثم استثنى فقال: إلَّا بالمعروف فمنعها أن تأخذ من ماله شيئًا إلَّا القدر الَّذي يجب لها اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 39]، والبخاري [2211]، وأبو داود [2532]، والنسائي [8/ 246]، وابن ماجة [223]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال. 4344 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب كلاهما عن عبد الله بن نمير ووكيع (ح) وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني صدوق من (8) (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني صدوق من (8) (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني صدوق من (7) (كلهم) أي كل من ابن نمير ووكيع وعبد العزيز والضحاك رووا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (نحوه) أي نحو حديث علي بن مسهر غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لعلي بن مسهر ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

4345 - (00) (00) وحدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللَهِ، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إلِيَّ مِنْ أنْ يُذِلَّهُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. وَمَا عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلِيَّ مِنْ أَنْ يُعِزَّهُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4345 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة. (قالت) عائشة: (جاءت هند) بنت عتبة بن ربيعة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله والله ما كان) أولًا (على ظهر الأرض) وأرجاءها (أهل خباء) بكسر الخاء المعجمة والمد أي أهل بيت وسكن جاء مفسرًا في بعض طرقه وسمي البيت خباء لأنه يخبأ ما فيه والخباء في الأصل مصدر تقول: خبأت الشيء خبئًا وخباء والخباء يعبر به عن مسكن الرجل وداره قيل إنها أرادت بأهل الخباء نفسه صلى الله عليه وسلم فكَنَّتْ عنه بذلك إجلالًا له قال الحافظ: والخباء بكسر الخاء وتخفيف الباء والمد خيمة من وبر أو صوف ثم أطلقت على البيت كيف ما كان كذا في فتح الباري [7/ 141]. (أحب إليَّ) بالنصب في أكثر النسخ المشكولة على أنَّه خبر كان وشكلوه في بعض نسخ البخاري بالرفع كأنه صفة لقولها أهل خباء والوجهان جائزان ولم أر من صرح بإعرابه في هذه الرواية (من أن يذلهم الله) تعالى ويخذلهم ويهينهم كذا في سائر النسخ الموجودة عندي ولعل كلمة (من) ها هنا زائدة وجملة (أن) المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لـ (أحب) ولا توجد كلمة (من) وكلمة الجلالة في رواية البخاري في المناقب وفي الأحكام ولفظها "ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يذلوا" وهو أوضح وأوجه أما كلمة (من) في قوله (من أهل خبائك) تفضيلية (وما) كان الآن عندي (على ظهر الأرض أهل خباءٍ أحبَّ إليَّ) وكلمة (من) في قوله (من أن يعزهم الله) تعالى زائدة أيضًا وما كان الآن عندي أهل بيت أحب إلي أن يعزهم الله تعالى وينصرهم (من أهل خبائك). قال القرطبي ووصف هند في هذا الحديث حالها في الكفر وما كانت عليه من بغض رسول الله صلى الله عليه وسلم وبغض أهل بيته وما آلت إليه حالها لما أسلمت تذكر لنعمة الله تعالى عليها بما أنقذها الله منه وبما أوصلها إليه وتعظيم لحرمة رسول الله

فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَأَيضًا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! " ثُمَّ قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ. فَهَل عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيرِ إِذنِهِ؟ فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَرَجَ عَلَيكِ أَنْ تُنْفِقِي عَلَيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم ولتنبسط فيما تريد أن تسأل عنه ولنزول آلام القلوب لما كان منها يوم أحد في شأن حمزة وغير ذلك (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم: و) ستزيدين (أيضًا) من حب الله ورسوله (والذي) أي أقسمت لك بالله الَّذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة قال القرطبي أي يستمكن الإيمان من قلبك ويزيد حبك لله ولرسوله ويقوى رجوعك عن بغضه وأصل (أيضًا) أنَّه مصدر آض إلى كذا يئيض أيضًا أي رجع رجوعًا وقد بسطنا الكلام عليها في جواهر التعليمات بما لا مزيد له قال الحافظ وفسره أكثر العلماء بأن المعنى أنك ستزيدين في المحبة كلما تمكن الإيمان من قلبك وترجعين عن البغض المذكور. حتَّى لا يبقى له أثر فـ (أيضًا) خاص بما يتعلق بها لا أن المراد بها أني كنت في حقك كما ذكرت في البغض ثم صرت على خلافه في الحب كذا في فتح الباري [7/ 141]. وفسره ابن التين بأن معناه أنا أيضًا بالنسبة إليك مثل ذلك ولكنه تعقب من جهة طرفي البغض والحب فقد كان في المشركين من كان أشد أذى للنبي صلى الله عليه وسلم من هند وأهلها وكان في المسلمين بعد أن أسلمت من هو أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها ومن أهلها وفسره النووي والأبي بأن معنى قوله: "وأيضًا والذي نفسي بيده" أي وستزيدين من ذلك ويتمكن الإيمان من قلبك ويزيد حبك لله ورسوله ويقوى رجوعك عن بغضه اهـ. (ثم قالت) هند (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل ممسك) ماله عن الإنفاق علينا اسم فاعل من الإمساك وفي رواية مسيك وكلاهما بمعنى شحيح (فهل علي حرج) أي ذنب في (أن أنفق على عياله) وأولاده (من ماله بغير إذنه فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسم: لا حرج عليك أن تنفقي) من ماله (عليهم) أي على عياله (بالمعروف) أي بالقدر المعروف عند الناس من غير إسراف ولا تقتير ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عائشة فقال:

4346 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالله، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبَّ إِلِيَّ مِنْ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. وَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأرْضِ خِبَاءٌ أَحَبَّ إِلِيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ "وَأَيضًا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ". ثُمَّ قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ. فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ مِن أَنْ أُطْعِمَ، مِنَ الَّذِي لَهُ، عِيَالنَا؟ فَقَال لَهَا: "لَا. إلا بِالْمَعْرُوفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4346 - (00) (00) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني (حَدَّثَنَا) محمد بن عبد الله بن مسلم أبو عبد الله المدني الزهري المعروف بـ (ــابن أخي الزهري) محمد بن مسلم صدوق من (6) أخرج عنه مسلم للمتابعة أو الاستشهاد (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري (أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت): وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن أخي الزهري لمعمر بن راشد (جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة) امرأة أبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الفتح (فقالت: يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض خباء أحب إلي من) كلمة (من) زائدة كما مرّ أي: أحب إلي (أن يذلوا من أهل خبائك وما أصبح اليوم على ظهر الأرض خباء أحب إلي من) زائدة أي خباء أَحَبَّ إِلِيَّ (أن يعزوا من أهل خبائك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيضًا) تزيدين من حب الله ورسوله (والذي نفسي بيده ثم قالت) هند: (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك) أي شحيح وبخيل واختلفوا في ضبطه على وجهين حكاهما القاضي أحدهما مسيك بفتح الميم وتخفيف السين والثاني بكسر الميم وتشديد السين وهذا الثاني هو الأشهر في روايات المحدثين والأول أصح عند أهل العربية وهما جميعًا للمبالغة اهـ نووي. (فهل علي حرج) وذنب (من أن أطعم) أي في أن أطعم وأنفق (من) المال (الذي له عيالنا) وأولادنا (فقال لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) حرج ولا إثم في إطعامهم من ماله ولكن لا تطعميهم من ماله (إلا بـ) ـالقدر (المعروف) في الإنفاق بين الناس وقوله: (عيالنا) منصوب على أنَّه مفعول لقوله أطعم وقوله: (من الَّذي له) تعني من المال الَّذي هو ملكه قال الحافظ: واستدل به على وجوب نفقة الابن علي الأب ولو كان الابن كبيرًا وتعقب بأنها واقعة عين ولا عموم في

4347 - (1659) (5) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُم ثَلَاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأفعال فيحتمل أن يكون المراد بقولها بني بعضهم أي من كان صغيرًا أو كبيرًا زمنًا لا جميعهم وقوله: (إلَّا بالمعروف) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح ومعناه لا حرج ثم ابتدأ فقال إلَّا بالمعروف أي لا تنفقي إلَّا بالمعروف أو لا حرج إذا لم تنفقي إلَّا بالمعروف اهـ قال العراقي في شرح التقريب فيه اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي كما مر عن القرطبي ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4347 - (1659) (5) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله يرضى لكم ثلاثًا) أي يأمركم بثلاث خصال لأن الرضا بالشيء يستلزم الأمر به والأمر بالشيء يستلزم الرضا به فيكون الرضا كناية عن الأمر به (ويكره لكم ثلاثًا) أي ينهاكم عن ثلاث خصال لأن الكراهة بالشيء تستلزم النهي عنه والنهي عن الشيء يستلزم الكراهة له فتكون الكراهة كناية عن النهي وإنما أتى باللام في الموضعين ولم يقل يرضى عنكم ويكره منكم إشارة إلى أن فائدة كل من الأمرين راجعة إلى عباده اهـ ابن الملك قال النووي قال العلماء: الرضا والسخط والكراهة من الله تعالى المراد بها أمره ونهيه أو ثوابه وعقابه أو إرادته الثواب لبعض العباد والعقاب لبعضهم هذا على طريقة المؤولين ومذهب السلف أن الرضا والكراهة صفتان ثابتتان لله تعالى نثبتهما ونعتقدهما ولا نمثلهما ولا نؤولهما هذا هو المذهب الحق الَّذي نعتقده ونرفض ما سواه قال القرطبي قوله (يرضى لكم ثلاثًا) أي شرع هذه الثلاثة لكم وأمركم بها وجعلها سببًا لفوز ما عنده من الكرامة في الدنيا والآخرة وقوله (ويكره لكم ثلاثًا) وفي رواية (يسخط) أي نهاكم عنها وحرمها عليكم وجعلها سبب إهانته وعقوبته في الدنيا والآخرة وهذا كما قال تعالى: {وَلَا يَرضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشَكُرُوأ يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر / 7] هذا أولى ما قيل في هذا المقام وقد تقدم القول على الرضا والسخط وعلى العبادة والشرك في الإيمان اهـ من المفهم.

فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا. وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم فصل الثلاثة في الموضعين على سبيل اللف والنشر المرتب فذكر الأول من الثلاثة الأولى بقوله (فيرضى لكم أن تعبدوه) أي فيأمركم أن تفردوه بالعبادة بامتثال مأموراته واحتناب منهياته وذكر الثاني منها بقوله (ولا تشركوا به شيئًا) من المخلوقات إنسًا وجنًا وملكًا حيًّا أو ميتًا جمادًا أو حيوانًا أو شيئًا من الشرك جليًّا أو خفيًّا ولما كانت العبادة لا تستلزم نفي الإشراك عده ثانية من تلك الثلاث والثالث ما ذكره بقوله (و) يأمركم (أن تعتصموا) أي تتمسكوا (بحبل الله) أي بدين الله (جميعًا) أي حالة كونكم جميعًا متفقين عليه لا مختلفين فيه وأكده بقوله (ولا تفرقوا) فيه كتفرق من قبلكم في دينهم وهو بحذف إحدى التاءين أي: لا تتفرقوا وهذا نفي عطف على تعتصموا أي وأن لا تختلفوا في ذلك الاعتصام كما اختلفت اليهود والنصارى أو يقال إنه نهي على أن يكون ما قبله من الخبر بمعنى الأمر يعني اعتصموا بحبل الله ولا تتفرقوا وكذا الكلام في قوله ولا تشركوا اهـ ابن الملك قال القرطبي قوله (وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا) الاعتصام بالشيء التمسك به والتحرز بسببه وأصل العصمة المنع تقول العرب عصم فلانًا الطعام أي منعه من الجوع وكنوا السويق بأبي عاصم لذلك فالمعتصم بالشيء يمتنع به من أسباب الهلاك والشدائد و (حبل الله) هنا شرعه الَّذي شرعه ودينه الَّذي ارتضاه قال قتادة هو القرآن وهو بمعنى القول الأول والحبل يتصرف على وجوه منها العهد والوصل وما يُنْجَى به من المخاوف ومنها الأمان وكلها متقاربة المعنى لأن الحبل في الأصل واحد الحبال التي تربط بها الآلات ويجمع بها المتفرقات من الأمتعة ثم استعير لكل ما يعول عليه ويتمسك به ثم كثر استعماله في العهد ونحوه ومعنى هذا أن الله تعالى أوجب علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والرجوع إليهما عند الاختلاف وقوله (ولا تفرقوا) أي اجتمعوا على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادًا وعملًا فتتفق كلمتكم وينتظم شتاتكم فتتم لكم مصالح الدين والدنيا وتسلموا من الافتراق والاختلاف الَّذي حصل لأهل الكتابين قال النووي: وهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام وفيه دليل على صحة الإجماع ويحتمل أن يكون هذا هو الثالث من الأمور الثلاثة بعدُ العبادة وعدم الإشراك واحدًا.

وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَال وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ. وَإِضَاعَةَ الْمَالِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويكره لكم قيل وقال) هكذا الرواية التي لا يعرف غيرها على أنهما مفعول به محكي لـ (يكره) لأن الأول في أصله ماض مغير الصيغة والثاني ماض مبني للفاعل أي نهاكم عن قولكم لفظة قيل كذا وكذا ولفظة قال فلان وكذا وكذا قال القرطبي ومعناه أن الله تعإلى حرم عليكم الخوض في الباطل وفيما لا يعني من الأقوال وحكايات أحوال الناس التي لا يسلم فاعلها من الغيبة والنميمة والبهتان والكذب ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كانت النار أولى به انظره في كشف الخفاء [2/ 274 - 275] اهـ من المفهم قال النووي: والمراد منه الخوض في أخبار الناس وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم واختلفوا في حقيقة هذين اللفظبن علي قولين أحدهما أنهما فعلان ماضيان الأول مبني للمفعول والثاني للفاعل ولكنهما مفعول به محكي لـ (يكره) والثاني أنهما اسمان مجروران على رواية من رواه (ونهى عن ثلاث وقال) كما سيأتي في الرواية الأخيرة من حديث المغيرة بن شعبة لأن القيل والقال والقول والقالة كله مصدر لقال يقال فيه ذلك كله ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا} ومنه قولهم كثرة القيل والقال (و) يكره لكم (كثرة السؤال) قال النووي: المراد به التنطع في المسائل الفقهية والإكثار من السؤال عما لا يقع ولا تدعو إليه حاجة وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك وقيل المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ويتضمن ذلك الحرج في حق المسؤول فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله فإن أخبره شق عليه وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب اهـ (و) يكره لكم (إضاعة المال) هو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنَّه إفساد والله لا يحب المفسدين ولأنه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس اهـ نووي ولعل مناسبة هذا بما قبله من كثرة السؤال والقيل والقال أن الوقت من أعز متاع الإنسان فلو ضيعه في ما لا فائدة فيه من فضول الكلام فإنه أشد من إضاعة المال قال القرطبي (وإضاعة المال) إتلافه وإهلاكه كما قد حكي عن بعض جهال المتزهدة أنَّه رمى مالًا كان عنده وحرق آخر منهم كتب علم الحديث كانت عنده وربما أمر بهذا بعض الشيوخ الجهال وهذا محرم بإجماع الفقهاء ويلحق بإتلاف عينه منع صرفه في وجوهه من مصالح دنياه ودينه مما يفعله أهل البخل ودناءة الهمم يدخرون المال ويكثرونه ولا ينفعون نفوسهم بإنفاق شيء منه ولا يصونون به

4348 - (00) (00) وحدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. أخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: ويسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَلَا تَفَرَّقُوا. 4349 - (1660) (6) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوههم ولا أديانهم فهذا المصنف هو المحروم الخاسر الَّذي قال فيه الشاعر: رزقت مالًا ولم ترزق منافعه ... إن الشقي هو المحروم ما رزقا وأشد من هذا كله قبحًا وإثمًا من يتلف ماله في معاصي الله تعالى فيستعين بمال الله على معاصيه ويخرجه في شهواته المحرمة ولا يباليه ويدخل في عموم النهي عن إضاعة المال القليل منه والكثير لأن المال هنا كل ما يتمول أي يتملك حتَّى لو رمى بثمن درهم في البحر مثلًا لكان ذلك محرمًا وكذلك لو منعه من صرفه في وجهه الواجب وكذلك لو أنفقه في معصية الله ولا خلاف في هذا إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4348 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي صدوق من (9) (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة وساق أبو عوانة (مثله) أي مثل ما روى جرير عن سهيل غرضه بيان متابعة أبي عوانة لجرير (غير أنَّه) أي لكن أبا عوانة (قال) في روايته (ويسخط لكم ثلاثًا) بدل ويكره لكم (ولم يذكر) أبو عوانة أيضًا (ولا تفرقوا) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال. 4349 - (1660) (6) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي ثقة، من (5) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ثقة، من (3) (عن ورَّاد مولى المنيرة بن شعبة) وكاتبه الثقفي أبي سعيد الكوفي ثقة، من (3) (عن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبي عيسى الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله

عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَيكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ. وَوَأْدَ الْبَنَاتِ. وَمَنْعًا وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَال. وَكَثرَةَ السُّؤَالِ. وَإِضَاعَةَ المَالِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عزَّ وجلَّ حرم عليكم عقوق الأمهات) أي عصيانهن وترك الإحسان إليهن يقال للابن العاصي عاق والجمع عققة وبابه قعد كما في المصباح يقال فلان هين المبرة شديد المعقة كما في أساس البلاغة قال النووي وعقوق الآباء أيضًا من الكبائر وإنما اقتصر ها هنا على الأمهات لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات اهـ ويقال ما أعقه لأبيه وسيأتي في حديث الباب حرم عقوق الوالد وقال القرطبي: العقوق مصدر عن يعق عقوقًا من باب قعد إذا قطع وشق فكان العاق لوالديه يقطع ما أمره الله تعالى به من صلتهما ويشق عصا طاعتهما ولا خلاف في أن عقوقهما من أكبر الكبائر وخص الأمهات ها هنا بالذكر لتأكيد حرمتهن على الآباء لأن الأم لها ثلاثة أرباع البر كما بينا وجه ذلك في الإيمان اهـ من المفهم (و) حرم عليكم (وأد البنات) أي دفنهن في حياتهن فيمتن تحت التراب وهو من الكبائر الموبقات يقال وأد ابنته وأدًا من باب وعد إذا دفنها حية فهي موؤُودة (و) حرم عليكم أن تمنعوا (منعًا) للحقوق الواجبة عليكم أي حرم أن يمنع الرجل ما لزمه من الحقوق الواجبة ويقول: لا أعطي كالزكاة والنفقات مثلًا (و) حرم عليكم (هات) أي طلب ما لا تستحقون أي أن يطلب الرجل ما لا يستحقه وبقول هات أي أعط (وكره لكم ثلاثًا) من الخصال (قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال) وقد مر الكلام في هذه الثلاثة آنفًا. قوله (ومنعًا وهات) وفي الرواية الآتية (ولا هات) ومعناهما واحد وعدل في الثلاثة الأخيرة من لفظ حرم إلى لفظ (كره) لأن تلك الأمور التي قرن بها لفظ (حرم) أفحش وأكبر من هذه الأمور التي قرن بها لفظ (كره) وقد قيل إن الكراهة هنا من باب التنزيه وفيه بعد لما بيناه في إضاعة المال اهـ من المفهم وأما قوله (منعًا) فهو مصدر لمنع الثلاثي وأما (هات) فقيل هو اسم فعل أمر بمعنى أعط وقيل من الإيتاء فقلبت الهمزة هاءً لكثرة الاستعمال والحاصل من النهي منع ما أمر بإعطائه وطلب ما لا يستحق أخذه ثم هو محتمل أن يدخل في النهي ما يكون خطابًا لاثنين كما ينهى الطالب عن طلب ما لا يستحقه وينهى المطلوب منه عن إعطاء ما لا يستحقه الطالب لئلا يعينه على الاثم كذا في فتح الباري [10/ 406] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 34]، والبخاري [3408]، ثم ذكر المؤلف المتابعة من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه فقال.

4350 - (00) (00) وحدَّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَحَرَّمَ عَلَيكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيكُمْ. 4351 - (00) (00) حدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحدَّاءِ. حدَّثَني ابْنُ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَال: كَتَبَ مُعَاويةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إلَيَّ بِشَيءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَكَتَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4350 - (00) (00) (وحدثني القاسم بن زكريا) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي الطحان ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن موسى) العبسي أبو محمد الكوفي صاحب المسند ثقة من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبي معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة، من (7) (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن وراد عن المغيرة وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة شيبان لجرير بن عبد الحميد وساق شيبان (مثله) أي مثل حديث جرير (غير أنَّه) أي لكن أن شيبان (قال) في روايته لفظة (وحرم عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل) شيبان لفظة (إن الله حرم عليكم) كما قاله جرير ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال. 4351 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المعروف بـ (ــابن علية) الأسدي البصري (عن خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي أبي المنازل البصري ثقة، من (5) (حدثني) سعيد بن عمرو (ابن أشوع) بوزن أحمد الهمداني الكوفي قاضيها ثقة، من (6) (عن الشعبي حدثني) وراد كاتب المغيرة بن شعبة) ومولاه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة ابن أشوع لمنصور بن المعتمر وفي هذا السند أربعةٌ تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم خالد وسعيد بن عمرو بن أشوع وهو تابعي سمع يزيد بن سلمة الجعفي الصحابي رضي الله عنه والثالث الشعبي والرابع وراد كاتب المغيرة اهـ نووي (قال) وراد كاتب المغيرة (كتب معاوية) بن أبي سفيان من الشام رسالة (إلى المغيرة) بن شعبة وهو أمير في الكوفة أي كتب إليه أن (اكتب إليَّ) يا مغيرة (بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب) المغيرة

إِلَيهِ: أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَال، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثرَةَ السُّؤَالِ". 4352 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حدَّثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سُوقَةَ. أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ وَرَّادٍ. قَال: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاويَةَ: سَلَامٌ عَلَيكَ. أَمَّا بَعْدُ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا. وَنَهَى عَن ثَلَاثٍ: حَرَّمَ عُقُوقَ الْوَالِدِ. وَوَأْدَ الْبَنَاتِ. وَلَا وَهَاتِ. وَنَهَى عَن ثَلَاثٍ: قِيلٍ وَقَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (إليه) أي إلى معاوية (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله كره لكم ثلاثًا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4352 - (00) (00) (حَدَّثَنَا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حَدَّثَنَا مروان بن معاوية الفزاري) أبو عبيد الله الكوفي ثقة، من (8) واسع الرواية جدًّا (عن محمد بن سوقة) بضم السين الغنوي بفتح المعجمة والنون الخفيفة أبي بكر الكوفي وكان من القراء من أهل العبادة والفضل والدين والسخاء يقال إنه أنفق على أهل العلم عشرين ومائة ألف درهم روى عن محمد بن عبيد الله الثقفي في الأحكام وأنس وأبي صالح السمعان ونافع وطائفة ويروي عنه (ع) ومروان بن معاوية ومالك بن مغول والسفيانان وآخرون قال سفيان الثوري وكان محمد بن سوقة لا يحسن أن يعصي الله وقال علي بن المديني له نحو ثلاثين حديثًا وقال النسائي ثقة مرضي وقال العجلي كوفي ثقة ثبت وكان صاحب سنة وعبادة وخير كثير وقال في التقريب ثقة مرضي عابد من الخامسة (أخبرنا محمد بن عبيد الله) بن سعيد (الثقفي) أبو عون الكوفي الأعور ثقة، من (4) (عن وراد) كاتب المغيرة وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة محمد بن عبيد الله الثقفي للشعبي (قال) وراد: (كتب المغيرة) بن شعبة (إلى معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنهما رسالة كتب فيها (سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله حرم ثلاثًا ونهى عن ثلاث حرم عقوق الوالد) الشامل للوالدين (ووأد البنات ولا وهات) بدل قوله في الرواية الأولى (منعًا وهات) ومعناه أي وحرم لا يعني الامتناع عن أداء ما توجه عليه من الحقوق يقول في الحقوق الواجبة لا أعطي ويقول فيما ليس له فيه حق أعط (ونهى عن ثلاث) خصال (قيل وقال)

وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ. وَإِضَاعَةِ الْمَالِ". 4353 - (1661) (7) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبِي قَيسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجر والتنوين فيهما لأنهما مصدران لقال يقال فيه قال قولًا وقالًا وقيلًا (وكثرة السؤال وإضاعة المال) قال النووي وفي قوله (سلام عليك أما بعد) استحباب كتابة الرسالة على هذا الوجه فيبدأ بسلام عليك كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل: السلام على من اتبع الهدى ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال. 4353 - (1661) (7) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عُبيد الدراوردي الجهني المدني (عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليثي المدني ثقة، من (5) (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني ثقة، من (4) (عن بسر بن سيد) مولى ابن الحضرمي المدني ثقة، من (2) عن أبي قيس) عبد الرحمن بن ثابت السهمي (مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم بن سعيد مصغرًا السهمي أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أنَّه) أي أن عمرو بن العاص (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا حكم الحاكم) أي إذا أراد الحاكم العالم الَّذي هو أهل للحكم بين الناس (فاجتهد) فيما لا نص فيه فحكم بما ظهر له باجتهاده فلا بد من هذا التأويل لأن الاجتهاد إنما يكون قبل الحكم أو في العبارة قلب تقديره إذا اجتهد الحاكم فحكم كما في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} اهـ ابن الملك (ثم أصاب) أي وافق في حكمه بالاجتهاد لما عند الله تعالى أي لما في شرع الله والاصابة في الحكم مطابقته لما في شرع الله تعالى والخطأ عدمها فإن قلت الإصابة مقارنة بالحكم فما معنى (ثم)، قلت: (ثم) هنا للتراخي في الرتبة وفيه إشارة إلى علو رتبة الإصابة والتعجب من حصولها بالاجتهاد اهـ ابن الملك.

فَلَهُ أَجْرَانِ. وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فله أجران) أجر الاجتهاد وأجر لإصابته وذلك في حاكم أهل الاجتهاد (وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ) في اجتهاده (فله أجر) واحد أي على اجتهاده لأن اجتهاده في طلب الحق عبادة كما في المبارق وهذا أيضًا في حاكم أهل للحكم قادر على الاجتهاد محرز لشروطه وإذا لم يكن أهلًا للحكم فله وزر بل له أوزار والاجتهاد المعنى في هذا الباب هو بذل الوسع في طلب الحكم الشرعي في النوازل اهـ مفهم قال النووي رحمه الله: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم فإن أصاب فله أجران: أجر باجتهاده وأجر بإصابته وإن أخطأ فله أجر باجتهاده قالوا: فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا وهي مردودة كلها ولا يعذر في شيء من ذلك وقد جاء في حديث أخرجه أصحاب السنن (القضاة ثلاثة قاض في الجنّة واثنان في النار قاضٍ عرف الحق ففضى فهو في الجنّة وقاض عرف الحق ففضى بخلافه فهو في النار وقاضٍ قضى على جهل فهو في النار) اهـ قال القرطبي قوله (فأصاب) أي حكم فأصاب وجه الحكم وهو أن يحكم بالحق لمستحقه في نفس الأمر عند الله تعالى فهذا يكون له أجر بحسب اجتهاده وأجر بسبب إصابة ما هو المقصود لنفسه والخطأ الَّذي يناقض هذا هو أن يجتهد في حجج الخصمين فيظن أن الحق لأحدهما وذلك بحسب ما سمع من كلامه وحجته فيقضي له وليس كذلك عند الله تعالى فهذا له أجر اجتهاده خاصة إذ لا إصابة وهذا المعنى هو الَّذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على حسب ما أسمع وفي الرواية الأخرى (فأحسب أنَّه صادق فأقضي له) وهذا في الحاكم بين الخصوم واضح لأن هنالك حقًّا معينًا عند الله تعالى تنازعه الخصمان لأن أحد الخصمين مبطل قطعًا لأنهما تقاسما الصدق والكذب فمتى صدق أحدهما كذب الآخر والحاكم إنما يجتهد في تعيين الحق فقد يصيبه وقد يخطئه وعلى هذا فلا ينبغي أن يختلف هنا في أن المصيب واحد وأن الحق في طرف واحد اهـ من المفهم. وأعظم فوائد هذا الحديث أن الحاكم لا بد أن يكون من أهل الاجتهاد فإذا اجتهد وحكم فلا بد له من الأجر فإما ضعفان مع الإصابة وإما ضعف واحد مع الخطأ فأما لو كان جاهلًا أو مقصرًا في اجتهاده فهو عاص آثم في كل ما

4354 - (00) (00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ في عَقِبِ الْحَدِيثِ: قَال يَزِيدُ: فَحدَّثْتُ هذَا الْحَدِيثَ أبَا بَكْرٍ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. فَقَال: هكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. 4355 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحكم به أما الجاهل فلعدم أهليته وأما المقصر فلعدم استيفاء شرطه وكلاهما حكم بغير حكم الله بل بالباطل والاختلاف على الله تعالى اهـ منه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 198]، والبخاري [7352]، وأبو داود [3574]، وابن ماجة [2314]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال. 4354 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن إبراهيم ومحمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (كلاهما عن عبد العزيز بن محمد) الدراوردي (بهذا الإسناد) يعني عن يزيد عن محمد عن بسر عن أبي قيس عن عمرو غرضه بيان متابعة إسحاق وابن أبي عمر ليحيى بن يحيى وساقا (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن يحيى عن عبد العزيز (وزاد) أي زاد إسحاق وابن أبي عمر على يحيى بن يحيى وفي أكثر النسخ إفراد الفعل نظرًا إلى أن المعتبر من المتقارنين الأول وهو هنا إسحاق أي ولكن زاد على يحيى بن يحيى (في عقب الحديث) أي في آخر الحديث قال لنا عبد العزيز بن محمد (قال) لي شيخي (يزيد) بن عبد الله: (فحدثت هذا الحديث) الَّذي سمعته عن محمد بن إبراهيم (أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني ثقة، من (5) اسمه وكنيته واحد (فقال) لي أبو بكر: (هكذا) أي مثل ما حدثته عن بسر عن أبي قيس عن عمرو (حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا متابعة في الشاهد وهي قليلة في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وحديث أبي هريرة هذا أخرجه النسائي في القضاء في باب الإصابة في الحكم والترمذي في الأحكام باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطئ رقم (1326) ولفظه (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فأخطأ فله أجر واحد) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال. 4355 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي صاحب المسند ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14)

أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ). حَدَّثَنَا اللَّيثُ بن سَعْدٍ. حَدَّثَنِي يَزِيدُ بن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بنِ الْهَادِ اللَّيثِيُّ، بِهذَا الْحَدِيثِ، مِثْلَ رِوَايَةِ عَبدِ الْعَزِيزِ بنِ مُحَمَّدٍ. بَالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا مروان يعني ابن محمد) بن حسان الأسدي أبو بكر (الدمشقي) ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري ثقة، من (7) (حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي) المدني (بهذا الحديث) الَّذي ورد في القاضي وساق الليث (مثل رواية عبد العزيز بن محمد) عن يزيد بن عبد الله وقوله (بالإسنادين جميعًا) يعني سند عمرو بن العاص وسند أبي هريرة متعلق بقوله حَدَّثَنَا الليث وهذا السند من ثمانياته غرضه بسوقه بيان متابعة الليث بن سعد لعبد العزيز بن محمد وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث المغيرة بن شعبة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع: حديث عمرو بن العاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

610 - (3) باب لا يقضي الفاضي وهو على حال يشوش فكره ورد المحدثات ومن خير الشهود واختلاف المجتهدين وإصلاح الحاكم بين الخصمين

610 - (3) باب لا يقضي القاضي وهو على حال يشوش فكره ورد المحدثات ومن خير الشهود واختلاف المجتهدين وإصلاح الحاكم بين الخصمين 4356 - (1662) (8) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ. قَال: كَتَبَ أَبِي، (وَكَتَبْتُ لَهُ)، إِلَى عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ: أَنْ لَا تَحْكُمَ بَينَ اثْنَينَ وَأَنْتَ غَضْبَانُ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 610 - (3) باب لا يقضي الفاضي وهو على حال يشوش فكره ورد المحدثات ومن خير الشهود واختلاف المجتهدين وإصلاح الحاكم بين الخصمين 4356 - (1662) (8) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر الكوفي ثقة، من (3) (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي البصري أول مولود للصحابة في البصرة ثقة، من (3) (قال) عبد الرحمن: كتب أبي) أي أراد أبي أبو بكرة أن يكتب إلى أخي عبيد الله (وكتبت له) أي وكنت أنا الكاتب له لما كتبه (إلى) أخي (عبيد الله بن أبي بكرة وهو) أي والحال أن أخي عبيد الله (قاض) بين الناس (بسجستان) وكان عبيد الله من أشجع الناس ولاه الحجاج بسجستان سنة ثمان وسبعين (78) وتوفي أبو بكرة عن أربعين ولدًا من بين ذكر وأنثى وأعقب منهم سبعة عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم ورواد وعتبة. وقال في القاموس (وسجستان) بكسر السين والجيم ثم سين ساكنة اسم بلدة في العجم معرب (سيستان) بكسر السين الأولى والياء وسكون الثانية والنسبة إليه سجزي ويفتح وسجستاني بكسر السين والجيم وعندي أن الصواب الفتح لأنه معرب سكستان وسك يطلقونه على الجندي والحرسي ونحوهم وسألت بعضهم عن جماعة من أعوان السلطة فقال بالفارسية سكان أمير أي هم كلاب الأمير ولم يرد الكلاب وإنما أراد أجناد الأمير وهو مشهور عندهم اهـ منه [2/ 221]. أي كتب إليه (أن لا تحكم بين اثنين) فأكثر (وأنت) أي والحال أنك (غضبان) لحظوظ النفس وأمور الدنيا لا لحقوق الله تعالى (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَينَ اثْنَينِ وَهُوَ غَضْبَانُ". 4357 - (00) (00) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم يقول: لا يحكم) بالجزم على النهي (أحد) منكم (بين اثنين وهو غضبان) فيه النهي عن القضاء في حال الغضب قال العلماء ويلتحق بالغضب كل حال يخرج الحاكم فيه عن سداد النظر واستقامة الحال كالشبع المفرط والجوع المقلق والهم والفرح البالغ ومدافعة الحديث وتعلق القلب بأمر ونحو ذلك كشدة الألم والبرد والحر والخوف فكل هذه الأحوال يكره القضاء فيها خوفًا من الغلط فإن قضى فيها صح قضاؤه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في شراج الحرة في مثل هذا الحال وقال في اللقطة مالك ولها وكان في حال الغضب اهـ نووي وخص الغضب بالذكر لشدة استيلائه على النفس وصعوبة مقاومته اهـ من المبارق شراج الحرة جمع شرجة بفتحها وسكون الراء وهي مسايل الماء بالحرة وحديثه في الصحيحين (اسق يا زبير ثم أرسل) وحديث اللقطة يأتي قريبًا في بابها وفي الحديث دليل على أن الكتابة بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل وفيه ذكر الحكم مع دليله في التعليم وفيه شفقة الأب على ولده وإعلامه بما ينفعه وتحذيره من الوقوع فيما ينكر وفيه نشر العلم للعمل به والاقتداء وإن لم يسأل العالم عنه كذا في الفتح والله أعلم. قال القرطبي: ولا يعارض هذا الحديث بحكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بإمساك الماء إلى أن يبلغ الجدر وقد غضب من قول الأنصاري أن كان ابن عمتك لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الهوى والباطل والخطأ في غضبه ورضاه وصحته ومرضه ولذلك قال: (اكتبوا عني في الغضب والرضا) رواه أحمد ولذلك نفذت أحكامه وعمل بحديثه الصادر منه في حال شدة مرضه ونزعه كما قد نفذ في حال صحته ونشاطه اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 36، 37، 52]، والبخاري [7158]، وأبو داود [3589]، والترمذي [1334]، والنسائي [8/ 237 و 238]، وابن ماجة [2316]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال. 4357 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى حَدَّثَنَا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي صدوق من (9) (حَدَّثَنَا حماد بن

سَلَمَةً. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَن سُفْيَانَ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. ح وَحدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بن مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلَاهُمَا عَن شُعْبَةَ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بن عَلِيٍّ، عَن زَائِدَةَ. كُلُّ هؤُلَاءِ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكرَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ. 4358 - (1663) (9) حدَّثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلَالِيُّ. جَمِيعًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. قَال ابْنُ الصَّبَّاحِ: حدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. حدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة) الربعي البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر (ح) وحدثنا عبيد الله بن معاذ). (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر ومعاذ بن معاذ رويا (عن شعبة ح وحدثنا أبو غريب حَدَّثَنَا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة، من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي ثقة، من (7) كل هؤلاء) الخمسة المذكوربن من هثيم وحماد بن سلمة وسفيان الثوري وشعبة وزائدة رووا (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق كل من هؤلاء الخمسة (بمثل حديث أبي عوانة) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لأبي عوانة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله عنها فقال. 4358 - (1663) (9) (حَدَّثَنَا أبو جعفر محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا الرازي ثم البغدادي صاحب السنن ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وعبد الله بن عون) بن عبد الملك بن يزيد (الهلالي) أبو محمد البغدادي ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (جميعًا) أي كلاهما (عن إبراهيم بن سعد قال ابن الصباح) في روايته (حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حَدَّثَنَا أبي) سعد بن إبراهيم (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن) عمته (عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا

قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذا مَا لَيسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". 4359 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بغدادي (قالت) عائشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث) وابتدع (في أمرنا) وشرعنا وحكمنا (هذا) الحكم الإسلامي (ما ليس منه) بأن حكم خلاف ما ورد به الكتاب والسنة (فهو) أي فذلك الحكم الَّذي ابتدعه واخترعه على خلاف الكتاب والسنة (رد) أي مردود عليه باطل غير معتد به لا يقر بل ينقض لأنه خلاف ما عليه شرعنا وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات وفي المبارق (من أحدث) أي من أتى بأمر جديد في أمرنا هذا أي في ديننا عبر عن الدين به تنبيهًا على أن الدين هو أمرنا الَّذي نشتغل به (ما ليس منه) أي شيئًا لم يكن له سند ظاهر أو خفي من الكتاب والسنة (فهو رد) أي الَّذي أحدثه مردود باطل اهـ والمعنى (من أحدث) أي أنشأ واخترع وأتى بأمر حديث من قبل نفسه (في أمرنا) أي شأننا دين الإسلام (هذا) إشارة إلى جلالته ومزيد رفعته (ما ليس منه) أي رأيًا ليس له في الكتاب والسنة عاضد (فهو رد) أي مردود على فاعله لبطلانه اهـ من تيسير المناوي وقال القرطبي قوله (من أحدث في أمرنا هذا) الخ أي من اخترع في الشرع ما لا يشهد له أصل من أصوله فهو منسوخ لا يعمل به ولا يلتفت إليه وفيه حجة على أن النهي يدل على الفساد وهو قول جمهور الفقهاء وذهب بعض أصحابنا وأكثر المتكلمين إلى أنَّه لا يدل على الفساد وإنما مدلوله المنع من إدخال المنهي عنه في الوجود فقط وأما حكمه إذا وقع فساد أو صحة فالنهي لا يدل عليه وينظر دليل ذلك من خارج النهي وقد اختلف حال المنهيات في الشرع فبعضها يصح إذا وقع كالطلاق في الحيض وبعضها لا يصح كبيع الملاقيح والمضامين وبعضها يختلف فيه أصحابنا والفقهاء كالبيع وقت النداء اهـ مفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 73 و 240 و 270]، والبخاري [2597]، وأبو داود [4606]، وابن ماجة [14]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال. 4359 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا)

عَنْ أَبِي عَامِرٍ. قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعْدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَال: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكِنَ. فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ مَسْكَنِ مِنْهَا. قَال: يُجْمَعُ ذلِكَ كُلُّهُ في مَسْكَنٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ قَال: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كلاهما (عن أبي عامر) العقدي قال عبد بن حميد في روايته (حَدَّثَنَا عبد الملك بن عمرو) القيسي البصري إسحاق بن إبراهيم ذكره بكنيته وعبد بن حميد باسمه ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا عبد الله بن جعفر) بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة (الزهري) المخرمي أبو محمد المدني ليس به بأس من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (قال) سعد: (سألت القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن جعفر الزهري لإبراهيم بن سعد (عن رجل له ثلاثة مساكن) أي ثلاثة بيوت (فأوصى بثلث كل مسكن) أي بيت (منها) أي من المساكن الثلاثة (قال) القاسم بن محمد في فتواه: (يجمع ذلك) الثلث حله في مسكن واحد فيعطى للموصى له مسكن واحد من المساكن الثلاثة إذا استوت تلك المساكن (ثم قال) القاسم (أخبرتني عائشة) رضي الله تعالى عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من عمل عملًا ليس عليه أمرنا) أي ديننا (فهو) أي ذلك العمل (رد) أي مردود عليه باطل قال القرطبي وفتيا القاسم فيها إشكال إذ هي مخالفة لما أوصى به الموصي والأصل اتباع أقواله والعمل بظاهرها فإنه المشرع ففتيا القاسم ليست على ظاهرها وإنما هي محمولة على ما إذا أراد أحد الفريقين من الورثة أو الموصى لهم القسمة وتمييز حقه وكانت المساكن متقاربة بحيث يضم بعضها إلى بعض في القسمة فحينئذ تقوم تلك المساكن قيمة التعديل وتقسم بينهم فيجمع نصيب الموصى له في موضع واحد يشتركون فيه بحسب وصاياهم ويبقى نصيب الورثة فيما عدا ذلك بحسب مواريثهم فإن قيل فقد استحالت الوصية عن أصلها فالجواب أن ذلك بحسب ما أدت إليه سنة القسمة عند الدعاء إليها فإن الموصي لو أوصى بثلث كل مسكن ومنع من القسم لم يلتفت إلى منعه وكان ذلك المنع مردودًا لمخالفته ما عليه حكم الدين الإسلامي وهو الَّذي استدل القاسم على رده بقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد فلو لم يطلب

4360 - (1664) (101) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيرِ الشُّهَدَاءِ، الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد من الفريقين القسمة أو كانت المساكن لا يضم بعضها إلى بعض لبعدها وتباين اختلافها بقي كل واحد منهم على نصيبه حسب ما وصي له به وهذا كله مذهب مالك اهـ من المفهم. قال النووي: قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سبق إليها بهذا الحديث فإذا احتج عليه بالرواية الأولى يقول: أنا ما أحدثت شيئًا بل فعل قبلي فيحتج عليه بالثانية التي فيها التصريح برد كل المحدثات سواء أحدثها الفاعل أو سبق بإحداثها وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به اهـ ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه فقال. 4360 - (1664) (101) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر) - اسمُه كنيتُه - بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني وعبد الله هذا تابعي ثقة ثبت من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبيه) أبي بكر بن محمد الأنصاري المدني روى عن أبيه وخالته عمرة بنت عبد الرحمن ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن عمرو بن عثمان) بن عفان الأموي المصري ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الحج والأحكام (عن) عبد الرحمن (بن أبي عمرة) عمرو بن محصن (الأنصاري) المدني ثقة من (2) (عن زيد بن خالد الجهني) نسبة إلى بني جهينة المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وكان من المهاجرين الأولين وهذا السند من سباعياته رجاله خمسة منهم مدنيون وواحد مصري وواحد نيسابوري ومن لطائفه أن فيه أربعة من التابعين روى بعضهم عن بعض أولهم عبد الله بن أبي بكر والثاني: أبوه والثالث: عبد الله بن عمرو بن عثمان والرابع: ابن أبي عمرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الشهداء) أي بأفضلهم وأكملهم في رتبة الشهادة وأكثرهم ثوابًا عند الله تعالى والشهداء جمع شهيد كظرفاء جمع ظريف ويجمع أيضًا على شهود لكنه جمع شاهد كحضور جمع حاضر وخروج جمع خارج وقوله (الذي يأتي بشهادته)

قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا". 4361 - (1665) (11) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أي خيرهم هو الَّذي يأتي بشهادته (قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول أي قبل أن تطلب منه الشهادة يعني به الشهادة التي يجب أداؤها ولم يسألها كشهادة بحق لم يحضر مستحقه أو بشيء يخاف ضياعه أو فوته بطلاق أو عتق على من أقام على تصرفه من الاستمتاع بالزوجة واستخدام العبد إلى غير ذلك فيجب على من تحمل شيئًا من ذلك أداء تلك الشهادة ولا يقف أداؤها على أن تسأل منه فيضيع الحق وقد قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق / 2] ولا يعارض هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح (ثم يأتي من بعد ذلك قوم يشهدون ولا يستشهدون) متفق عليه لأن هذا محمول على أحد وجهين: أحدهما: أن يراد به شاهد الزور لأنه يشهد بما لم يستشهد أي بما لم يحمله والثاني: أن يراد به الَّذي يحمله الشره على تنفيذ ما يشهد به فيبادر بالشهادة قبل أن يسألها فهذه شهادة مردودة فإن ذلك يدل على هوى غالب على الشاهد ولا خلاف في هذا عندنا اهـ من المفهم وقال النووي وفي المراد بهذا الحديث تاويلان أصحهما وأشهرهما تأويل أصحاب الشافعي أنَّه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنَّه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له والثاني: أنَّه محمول على شهادة الحسبة وذلك في غير حقوق الآدميين المختصة بهم وحكي تأويل ثالث إنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله كما يقال الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعًا عقب السؤال من غير توقف اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 115 و 116 و 117، و [5/ 192 و 193]، وأبو داود [3569]، والترمذي [2296 و 2297]، وابن ماجة [2364]، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4361 - (1665) (11) (حدثني زهير بن حرب حدثني شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم ثقة، من (9) (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي صدوق من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكران المدني (عن الأعرج)

عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "بَينَمَا امْرأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالتْ هذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ. فَقَضَى بِهِ لِلْكُبرَى. فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيمَانَ بنِ دَاوُدَ عَلَيهِمَا السَّلَامُ. فَأَخْبَرَتَاهُ. فَقَال: ائتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَينَكُمَا. فَقَالتِ الصُّغْرَى: لَا. يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب) إليهما (فذهب) الذئب أي أخذ الذئب (بابن إحداهما فقالت هذه) أي الكبيرة (لصاحبتها) أي للصغيرة (إنما ذهب) الذئب (بابنك أنت) توكيد للضمير المجرور (وقالت الأخرى) أي الصغيرة للكبيرة (إنما ذهب بابنك فتحاكمتا) أي ترافعتا (إلى داود) - عليه السلام - (فقضى) داود (به) أي بالولد اللكبرى) لكون الولد بيدها قال الحافظ قضى به للكبرى لسبب اقتضى عنده ترجيح قولها إذ لا بينة لواحدة منهما وكونه لم يعين في الحديث اختصارًا لا يلزم منه عدم وقوعه فيحتمل أن يقال إن الولد الباقي كان في يد الكبرى وعجزت الأخرى عن إقامة البينة وهذا تأويل حسن جار على القواعد الشرعية وليس في السياق ما يأباه ويمنعه كذا في فتح الباري [6/ 464]، وهو أحسن ما قيل في توجيه هذا القضاء عندي وراجع في بقية التوجيهات شرح النووي وفتح الباري (فخرجتا) من عند داود فمرتا (على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرناه) أي فأخبرتا لسليمان قضاء داود (فقال) سليمان للمرأتين: (ائتوني بالسكين أشقه) أي أشق الولد نصفين (بينكما) ولم يعزم في الباطن وإنما أراد استكشاف الأمر بحيلة لطيفة أظهرت ما في نفس الأمر أي لم يكن مراده شق الولد حقيقة وإنما أراد اختبار شفقتهما لتتميز الأم ومثل هذا يفعله الحكام ليتوصلوا به إلى حقيقة الصواب بحيث إذا انفرد ذلك لم يتعلق به حكم (فقالت الصغرى) لسليمان: (لا) تشقه بيننا ثم استأنفت الكلام فقالت: (يرحمك الله) يا سليمان (هو) أي هذا الولد (ابنها) أي ابن الكبيرة قال العلماء: ويستحب أن يقال في مثل هذا بالواو فيقال: (لا ويرحمك الله) ليدل على الاستئناف وعبارة القرطبي هنا وقوله: (لا) أي لا تفعل الشق بيننا لشفقتها عليه ثم دعت له بقولها: (يرحمك الله) فينبغي للقارئ أن يقف على لا وُقَيفَةً حتَّى يتبين للسامع أن ما بعده كلام مستأنف لأنه

فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى! . قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: وَالله، إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إلا يَؤمَئِذٍ. مَا كُنَّا نَقُولُ إلا الْمُدْيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا وصل بما بعده توهم السامع أنَّه دعاء عليه وهو دعاء له وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لرجل سمعه يقول مثل ذلك القول: لا تقل هكذا وقل: يرحمك الله لا (قلت) وقد يزول ذلك الإبهام بزيادة واو فيقال: (لا ويرحمك الله) (فقضى) سليمان (به) أي بالولد (للصغرى) منهما لما رأى من جزعها على ابنها الدال على عظيم الشفقة ولم يلتفت إلى إقرارها بأنه ابن للكبرى لأنه علم أنها آثرت حياته فظهر له من قرينة شفقة الصغرى وعدمها في الكبرى مع ما انضاف إلى ذلك من القرينة الدالة على صدقها ما هيج على الحكم للصغرى ويحتمل أن يكون سليمان - عليه السلام - ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه أو تكون الكبرى في تلك الحالة اعترفت بالحق لما رأت من سليمان الجد والعزم في ذلك أولما رأت من الصغرى إيثار الحياة لابنها فقضى سليمان حينئذٍ بإقرارها وأما أنَّه كيف جاز لسليمان - عليه السلام - نقض حكم داود مع أنَّه كان حكمًا من مجتهد فقد أجاب عنه العلماء بأجوبة مختلفة منها أنَّه يحتمل أن يكون في شرعهم فسخ الحكم إذا رفع إلى قاض آخر يرى خلافه ومنها أن يكون داود - عليه السلام - لم يجزم بحكمه وإنما أبدى رأيًا ثم بعثهما إلى سليمان - عليه السلام - وأحسن الأجوبة عندهم ما ذكره النووي في الأخير أن سليمان لم يرد نقض الحكم وإنما احتال لاستكشاف حقيقة الأمر فلما تبين الحق اعترفت الكبرى بأن الابن لصاحبتها فعمل بإقرارها فإن الإقرار ملزم ولو كان بعد الحكم بخلافه والله سبحانه أعلم. (قال) الأعرج (قال أبو هريرة: والله إن سمعت) أي ما سمعت فإن نافية بمعنى ما (بـ) ــلفظة (السكين قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (إلا يومئذٍ) أي إلَّا يوم إذ حدث لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة (ما كنا نقول) لآلة القطع (إلا المدية) أي لفظ المدية بضم الميم وفتحها وكسرها سميت به لأنها تقطع مدى حياة الحيوان كما أن السكين تقطع حركة الحيوان والعجيب من أبي هريرة هل ما قرأ سورة يوسف وهي مكية وإسلامه متأخر كان في عام خيبر والله أعلم. وفي هذا الحديث أن الأنبياء عليهم السلام سوغ لهم الحكم بالاجتهاد وهو

4362 - (00) (00) وحدَّثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ مَيسَرَةَ الصَّنْعَانِيَّ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرْيعٍ. حدَّثنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِم) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ وَرْقَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مذهب المحققين من الأصوليين ولا يلتفت إلى قول من يقول إن الاجتهاد إنما يسوغ عند فقد النص والأنبياء عليهم السلام لا يفقدون النص فإنهم متمكنون من استطلاع الوحي وانتظاره لأنا نقول إذا لم يأتهم الوحي في الواقعة صاروا كغيرهم في البحث عن معاني النصوص التي عندهم والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين أنهم معصومون عن الغلط والخطأ وعن التقصير في اجتهادهم وغيرهم ليس كذلك وفيه من الفقه استعمال الحكام الحيل التي تستخرج بها الحقوق وذلك يكون عن قوة الذكاء والفطنة وممارسة أحوال الخليقة وقد يكون في أهل التقوى فراسة دينية وتوسمات نورية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 322]، والنسائي [8/ 235]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4362 - (00) (00) (وحدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني صدوق من (10) (حدثني حفص يعني ابن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر (الصنعاني) ثم العسقلاني ثقة، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني ثقة، من (5) (ح وحدثنا أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي أبو بكر البصري (حَدَّثَنَا يزيد بن زريع) التيمي أبو معاوية ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا روح وهو ابن القاسم) التميمي أبو غياث البصري ثقة، من (6) (عن محمد بن عجلان) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني صدوق من (5) (جميعًا) أي كل من موسى بن عقبة ومحمد بن عجلان (عن أبي الزناد) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لورقاء بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة وساقا (مثل معنى حديث ورقاء) وهو عبارة عن الحديث اللاحق المقارب معناه معنى الحديث السابق وبين لفظيهما بون ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

4363 - (1666) (12) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اشتَرَى رَجُلٌ مِن رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ. فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ في عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ. فَقَال لَهُ الَّذِي اشتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4363 - (1666) (12) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني ثقة، من (4) (قال) همام: (هذا) الحديث الَّذي أمليه عليكم (ما حَدَّثَنَا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكر) همام (أحاديث) كثيرة منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (ومنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترى رجل) ممن كان قبلكم (من رجل) آخر منهم (عقارًا) أي أرضًا (له) أي للرجل الثاني والعقار هو الأرض وما يتصل بها من البناء والأشجار. قال الحافظ في الفتح: [6/ 518] لم أقف على اسم الرجلين ولا على اسم أحد ممن ذكر في هذه القصة لكن في المبتدأ لوهب بن منبه أن الَّذي تحاكما إليه هو داود النبي - عليه السلام - وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين من بعض قضاته والله أعلم وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب لكونه أورده في ذكر بني إسرائيل اهـ قوله (عقارًا له) والعقار في اللغة المنزل والضيعة وخصه بعضهم بالنخل ويقال للمتاع النفيس الَّذي للمنزل عقارًا أيضًا وقال عياض: العقار الأصل من المال وقيل: المنزل والضيعة وقيل: متاع البيت فجعله خلافًا والمعروف في اللغة أنَّه مقول بالاشتراك على الجميع والمراد به هنا الدار وصرح بذلك في حديث وهب بن منبه كذا في فتح الباري (فوجد الرجل) الأول (الذي اشترى العقار) والأرض (جرة فيها ذهب) مفعول وجد قال في المنجد الجرة بفتح الجيم وتشديد الراء إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع وفي عمدة القاري الجرة ما يصنع من المدر (فقال له) أي للرجل الثاني الَّذي هو البائع (الذي اشترى) أي الرجل الأول الَّذي اشترى (العقار) فيه تأخير الفاعل لغير غرض وأصل التركيب فقال الَّذي اشترى العقار له أي للبائع: (خذ

ذَهَبَكَ مِنِّي. إِنَّمَا اشْتَرَيتُ مِنْكَ الأَرْضَ. وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ. فَقَال الَّذِي شَرَى الأَرْضَ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا. قَال: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ. فَقَال الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَال أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ. وَقَال الآخَرُ: لِي جَارِية. قَال: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ. وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنهُ. وَتَصَدَّقَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع) أي ولم أشتر (منك الذهب) قال الحافظ: وهذا صريح في أن العقد إنما وقع بينهما على الأرض خاصة فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنًا واعتقد المشتري أنَّه لا يدخل وأما صورة الدعوى بينهما فوقعت على هذه الصورة وأنهما لم يختلفا في صورة العقد التي وقعت والحكم في شرعنا في مثل ذلك (يعني إذا اتفق المتبايعان على أن المصرح به في البيع هو الأرض فقط ولم يكن هناك تصريح بما في الأرض) أن القول قول المشتري وأن الذهب باق على ملك البائع (فقال الَّذي شرى الأرض) أي باعها فإن البيع والشري كلاهما من الأضداد يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر قال الراغب وشريت بمعنى بعت أكثر وابتعت بمعنى اشتريت أكثر اهـ قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ شرى بغير ألف وفي بعضها اشترى قال العلماء: الأول أصح وشرى بمعنى باع كما في قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} ولهذا قال فقال الَّذي شرى الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها) من الكنوز (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتحاكما) أي تحاكم الرجلان (إلى رجل) آخر منهم قال العيني في العمدة [7/ 47] الظاهر أنَّه لم يكن حاكمًا وفي الحديث إشارة إلى جواز التحكيم وفي هذا الباب خلاف بين الأئمة فقال أبو حنيفة: إن وافق رأي المحكم رأي قاضي البلد يعتد به وإلا فلا وأجاز الأئمة الثلاثة التحكيم بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا وفيه أيضًا دليل على أن الموضوع في المبيع لا يدخل في عقد البيع لأنه صلى الله عليه وسلم ذكره من غير إنكار وهذا بخلاف المعدن فإنه ينتقل إلى مشتريها لأنه من أجزاء الأرض كما في المبارق (فقال) الرجل (الذي تحاكما إليه ألكما ولد فقال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية قال) المحكم لهما: (أنكحوا) أي زوجوا (الغلام الجارية) بهذا الذهب (وأنفقوا عن أنفسكما منه) أي من الذهب (وتصدقا) ما بقي منه على المحتاجين. قال النووي: ففي الحديث فضل الإصلاح بين المتنازعين وأن القاضي يستحب له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإصلاح بين المتنازعين كما يستحب لغيره اهـ منه قال القرطبي وهذا الرجل المحكم لم يحكم على أحد منهما وإنما أصلح بينهما بأن ينفقا ذلك المال على أنفسهما وعلى ولديهما ويتصدقا وذلك أن هذا المال ضائع إذ لم يدعيه أحد لنفسه ولعلهم لم يكن لهم بيت مال فظهر لهذا الرجل أنهما أحق بذلك المال من غيرهما من المستحقين لزهدهما وورعهما ولحسن حالهما ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما قال المازري: واختلف عندنا فيمن ابتاع أرضًا فوجد فيها شيئًا مدفونًا فهل يكون ذلك للبائع أو للمشتري قولان (قلت) ويعني بذلك ما يكون من أنواع الأرض كالحجارة والعمد والرخام ولم يكن خلقة فيها وأما ما يكون من غير أنواع الأرض كالذهب والفضة فإن كان من دفن الجاهلية كان ركازًا وإن كان من دفن الإسلام فهو لقطة وإن جهل ذلك كان مالًا ضائعًا فإن كان هنالك بيتُ مال حفظ فيه وإن لم يكن صرف في الفقراء والمساكين وفيمن يستعين به على أمور الدين وفيما أمكن من مصالح المسلمين والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 316]، والبخاري [3472]، وابن ماجة (2511)، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول منها حديث أبي بكرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث زيد بن خالد الجهني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والرابع: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وجميع ما في هذه الترجمة من الأحاديث استدلال لا غير والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

أبواب اللقطة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 31 - أبواب اللقطة ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب اللقطة إنما ذكرها في كتاب القضاء لما في التقاطها من الولاية والأمانة كما أن القضاء ولاية وأمانة ولأنه ربما يحتاج فيها إلى القضاء ومن ثم أوردها بعض المحدثين في كتاب القضاء ثم لآخر حديث من كتاب القضاء له مناسبة باللقطة لأن فيه ذو من اشترى أرضًا ووجد فيها كنزًا لا يعلم صاحبه ومن ثم أخرج ابن ماجة ذلك الحديث في اللقطة. واللقطة بضم اللام وفتح القاف كالضحكة بمعنى الضاحك والرطبة وإسكان القاف مع ضم اللام أيضًا كالضحكة بمعنى المضحوك عليه والغرفة وظاهر كلامهم أنها على كلا اللغتين بمعنى الملقوط ومقتضى القاعدة العربية أنها بفتح القاف بمعنى اللاقط كالضحكة بمعنى الضاحك كثيرًا وبإسكانها بمعنى الملقوط كالضحكة بمعنى المضحوك عليه. أي فاللقطة لغة اسم للشيء الملتقط وشرعًا اسم لما ضاع من صاحبه بسقوط أو غفلة أو نحوهما كان سقط من صاحبه أو غفل عنه فضاع فيهما وقوله أو نحوهما كنوم وهرب وإعياء بعير تركه صاحبه وعجزه عن حمل ثقيل فألقاه بخلاف ما ضاع بغير ذلك كأن ألقت الريح ثوبًا في داره أو ألقى في حجره من لا يعرفه كيسًا وهو هارب أو مات مورثه عن ودائع لا يعرف ملاكها وما يلقيه البحر على الساحل من أموال الغرقى وما يوجد في عش الحدأة ونحوها فهو مال ضائع فالأمر فيه لبيت المال فإن لم ينتظم صرفه في وجوه الخير بنفسه إن عرفها وهو مأجور على ذلك وإلا أعطاه لعدل يعرفها وقولنا اسم لما ضاع من صاحبه يشمل المال والاختصاص كالسرجين وجلد الميتة فهو أعم من قول بعضهم مال ضاع من مالكه اهـ بيجوري بتصرف وأركانها ثلاثة لاقط وملقوط ولقط.

611 - (4) باب أحكام اللقطة والضوال والاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربها

611 - (4) باب أحكام اللقطة والضوال والاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربها 4363 - (1667) (13) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ؛ أنَّهُ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسْأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 611 - (4) باب أحكام اللقطة والضوال والاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربها 4363 - (1667) (13) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأت على مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) اسمه فروخ التيمي أبي عثمان المدني وهو المعروف بربيعة الرأي وكان يلقب بالرأي لأنه كان ينظر فيه ويقي ويهاب التحديث وكانوا يتقونه لموضع الرأي ثقة فقيه مشهور من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن يزيد مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة المدني قوله (مولى المنبعث) لم يذكر نسب يزيد غير هذه الإضافة والمنبعث الَّذي أضيف إليه ولاؤه صحابي كان يسمى المضطجع فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنبعث كما في أسد الغابة وغيره روى عن زيد بن خالد الجهني في الأحكام وأبي هريرة ويروي عنه (ع) وربيعة الرأي ويحيى بن سعيد الأنصاري وثقه ابن حيان وقال في التقريب صدوق من الثالثة (عن زيد بن خالد الجهني) المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلَّا يحيى بن يحيى (أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وزعم ابن بشكوال اسمه بلال المؤذن رضي الله عنه وتعقبه الحافظ واستظهر الحافظ في الفتح أن اسمه سويد الجهني قال الحافظ: وهو أولى ما يفسر به هذا المبهم وتعقبه العيني في العمدة بأنه لا يتعين كونه هو السائل في حديث زيد بن خالد (فسأله) أي فسأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم (عن اللقطة) أي عن حكمها من أخذها أو تركها قال النووي: وهو بفتح القاف على اللغة المشهورة وبإسكانها في لغة مع ضم اللام فيهما اهـ ويقال لها لقاط ولقاطة بضم اللام في الكل وهو المال الضائع الملقوط من لقط الشيء من باب قتل والتقطه إذا أخذه من الأرض ومنهم من يقول: اللقطة بفتح القاف اسم للاقط قياسًا على نظائرها من أسماء الفاعلين كهمزة ولمزة وأما اسم المال الملقوط فبسكون القاف وميل الفيومي إلى القول بفتحها.

فَقَال: "اعْرفْ عِفَاصَهَا وَوكاءَهَا. ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وعد السكون من لحن العوام فإنه قال: إن الأصل لقاطة بضم اللام فأرادوا تخفيفها لكثرة دورانها على الألسنة فحذفوا الهاء مرة وقالوا: لقاط والألف أخرى فقالوا: لقطة اهـ وهي أمانة إن أخذها ليردها إلى صاحبها وأشهد وعرف إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها ثم تصدق بها فإن جاء صاحبها نفذه أو ضمن الملتقط ولا يدفع الملتقط اللقطة إلى مدعيها بلا بينة فإن بين علامتها حل الدفع كما في كتب الفروع (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعرف) أولًا (عفاصها) أي وعائها والعفاص بكسر العين هو الوعاء الَّذي يكون فيه النفقة جلدًا كان أو خرقة أو غير ذلك قال الحافظ في الفتح: وقيل له العفاص من العفص وهو الثني لأن الوعاء يثنى على ما فيه والعفاص أيضًا الجلد الَّذي يكون على رأس القارورة وأما الَّذي يدخل فم القارورة من جلد أو غيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة قلت فحيث ذكر العفاص مع الوعاء فالمراد به الثاني وحيث لم يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد به الأول اهـ من الفتح [5/ 81]. (ووكاءها) وهو الخيط الَّذي يشد به رأس الكيس والجراب والقربة ونحو ذلك أي اعرف عفاصها ووكائها لتعلم صدق واصفها من كذبه ولئلا تختلط بماله وتشتبه والمراد أن ذلك يكون علامة لما التقطه فمن جاء يتعرفها أو يطلبها بتلك الصفة دفعت إليه كذا في جامع الأصول لابن الأثير وقال الحافظ: والغرض معرفة الآلات التي تحفظ اللقطة ويلتحق بما ذكر معرفة الجنس والصفة والقدر والكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن والذرع فيما يذرع وقال جماعة من الشافعية يستحب تقييدها بالكتابة خوف النسيان (ثم عرفها سنة) بالتكرير وقتًا بعد وقت وبهذا استدل جمهور الفقهاء على أن مدة تعريف اللقطة سنة وفي هذه المسألة مذاهب الأول: مدة التعريف سنة في كل شيء خسيس ونفيس وهو مذهب أحمد بن حنبل ورواية الطحاوي عن أبي حنيفة وبه قال الشعبي وسعيدُ بن المسيب وهو رواية عن الشافعي ومالك راجع له المغني لابن قدامة الثاني إذا كانت اللقطة شيئًا حقيرًا أو خسيسًا لا يجب تعريف سنة بل يعرف زمنًا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا فدانق الفضة يعرف في الحال ودانق الذهب يومًا أو يومين أو ثلاثة وأما الشيء الخطير فيجب تعريفه سنة كاملة وليس هناك في التفريق بين الحقير والخطير معيار مضبوط بل كل ما يغلب على ظن الملتقط أن فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه غالبًا يعتبر حقيرًا وقدره بعضهم بدرهم وبعضهم بدينار وهذا المذهب هو الأصح عند

فَإنْ جَاءَ صْاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشافعية كما في مغني المحتاج [2/ 414] وهو قول أكثر الفقهاء من المالكية كما يظهر من مواهب الجليل للحطاب [6/ 73]. والثالث: إن كانت اللقطة ما دون الخمسين درهمًا يعرفها ثلاثة أيام إلى سبعة أيام وهو قول أبي أيوب الهاشمي كما في المغني لابن قدامة [6/ 320] والرابع: إن كانت اللقطة أقل من عشرة دراهم عرفها أيامًا وإن كانت عشرة فصاعدًا عرفها حولًا وهو المشهور من مذهب الحنفية كما في الهداية وهو قول الثوري وإسحاق والحسن بن صالح ثم اختلفوا في تحديد الأيام التي يعرف فيها عند كون اللقطة أقل من عشرة دراهم فقال الحسن بن صالح يعرفها ثلاثة أيام وقال الثوري في الدرهم يعرف أربعة أيام وقال إسحاق ما دون الدينار يعرفه جمعة أو نحوها كما في المغني لابن قدامة ورُوي عن أبي حنيفة إن كانت ثلاثة دراهم فصاعدًا يعني إلى العشرة يعرفها عشرة أيام وإن كانت درهمًا فصاعدًا يعني إلى ثلاثة يعرفها ثلاثة أيام وإن كانت دانقًا فصاعدًا يعني إلى درهم يعرفها يومًا صبيان كانت دون الدانق ينظر يمنة ويسرة ثم يضعه في كف فقير كما في فتح القدير لابن الهمام [5/ 350 و 351] واختار صاحب الهداية عدم التقدير فيما دون عشرة دراهم بل يعرفه حسب ما يرى. والخامس إن كانت اللقطة مائتين فصاعدًا عرفها حولًا وإن كانت أقل من مائتين إلى عشرة عرفها شهرًا وإن كانت أقل من عشرة يعرفها على حسب ما يرى وهو رواية عن أبي حنيفة ذكرها ابن الهمام في فتح القدير [6/ 350]، والسادس ليس لتعريف اللقطة مدة مقدرة شرعًا في حال من الأحوال وإنما يعرفها بقدر ما يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك فتختلف المدة باختلاف الأشياء وقيمتها فربما يعرف الشيء يومًا أو يومين وربما يعرفه أكثر من سنة إذا كان الشيء له قيمة عظيمة وهو الَّذي اختاره شمس الأئمة السرخسي من الحنفية وهو القول المؤيد بالدلائل راجع مبسوط السرخسي [11/ 3] اهـ من التكملة. (فإن جاء صاحبها) أي صاحب اللقطة وعرف فهو أحق بها فأدها إليه وجواب الشرط محذوف لعلمه من السياق (ولا) أي وإن لم يجئ صاحبها ويعرف (فشأنك بها) بالنصب على المفعولية تقديره فالزم شأنك بها واستمتع أي تصرف فيها بما شئت من أكل

قَال: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَال: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرب وبيع وهدية وغير ذلك بعد قصد تملكها وقال ابن الأثير في النهاية: ويجوز رفعه والخبر محذوف تقديره أي فتصرفك بما شئت مباح أو جائز على أن لا ينقطع حق صاحبها عنها متى جاء وبهذا استدل الشافعية والحنابلة على أن الملتقط إذا لم يجد صاحبها بعد التعريف ملك اللقطة وحل له الانتفاع بها سواء كان غنيًّا أو فقيرًا فإن جاء صاحبها بعد التملك وجب أن يردها إليه إن كانت باقية أو بدلها إن كانت مستهلكة وهو قول إسحاق وابن المنذر والشعبي والنخعي وطاوس وعكرمة ورُوي ذلك عن عمر. وابن مسعود وعائشة وعلي وابن عباس رضي الله عنهم كما في المغني لابن قدامة [6/ 326] وقال أبو حنيفة رحمه الله: إنما يجوز الانتفاع للملتقط إذا كان فقيرًا وأما الغني فيتصدق به فإن جاءه صاحبها بعد ذلك خيره بين أجر الصدقة والغرم فإن غرم بها انتقل أجر الصدقة إلى الملتقط وهو مذهب الثوري والحسن بن صالح ورواية عن أحمد كما في المغني وأما الإمام مالك فقد رويت عنه روايتان كالمذهبين والمذكور في كتبهم أن الملتقط بعد التعريف بين خيارات ثلاثة إما أن يمسكها لصاحبها أمانة وإما أن يتصدق بها وإما أن يتملكها وعلى تقدير التصدق والتملك يضمن لصاحبها إن أتاه بعد ذلك راجع التاج والإكليل للمواق ومواهب الجليل للحطاب [6/ 74]. (قال) الرجل السائل (فضالة الغنم) أي ضائعتها ما حكمها يا رسول الله فحذف ذلك للعلم به وقال العلماء الضالة لا تقع إلَّا على الحيوان وما سواه يقال له لقطة ويقال للضوال أيضًا الهوامي والهوافي بالميم والفاء والهوامل كذا في فتح الباري [5/ 82] قال الفيومي الأصل في الضلال الغيبة ومنه قيل للحيوان الضائع ضالة بالهاء الذكر والأنثى والجمع ضوال مثل دابة ودواب ويقال لغير الحيوان ضائع ولقطة اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: هي (لك) إن أخذتها (أو لأخيك) ممن التقطها إن تركتها (أو للذئب) يأكلها إن لم تلتقطها أنت ولا أخوك وهذا ندب إلى أخذ ضالة الغنم صيانة لها عن الضياع أي لك أخذها وإن لم تأخذها أنت يأخذها غيرك أو يأخذها الذئب قال النووي ثم إذا أخذها وعرفها سنة وأكلها ثم جاء صاحبها لزمته غرامتها عندنا وعند أبي حنيفة اهـ. قال الحافظ في الفتح قوله (أو لأخيك أو للذئب) فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال هي ضيعة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك

قَال: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَال: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا. تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ. حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". قَال يَحْيَى: أَحْسِبُ قَرَأَتُ: عِفَاصَهَا. 4365 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال ابْنُ حُجْرٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ) (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد به ما هو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع كالضبع والثعلب والنمر وفيه حث له على أخذها لأنه إذا علم أنَّه إن لم يأخذها بقيت للذئب كان ذلك أدْعى إلى أخذها وسيأتي في رواية إسماعيل بن جعفر قال: خذها فإنما هي لك ... الخ وهو صريح في الأمر بالأخذ ففيه دليل على رد إحدى الروايتين عن أحمد في قوله يترك التقاط الشاة كذا في فتح الباري (قال) الرجل السائل: (فضالة الإبل) أي ضائعتها ما حكمها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه: (ما لك) علقة بها لأنها ليست مالك (و) ما (لها) حاجة إليك لأنها مستغنية عنك هذا منع له من أخذها لقلة احتياجها إلى الصيانة لأنها تقوى على منع نفسها من المهالك ففي كرشها رطوبة تغنيها أيامًا عن الشرب وهذا معنى قوله لأنه (معها سقاؤها) أي قربتها تحمل فيها الماء (و) معها (حذاؤها) أي خفها (ترد الماء وتأكل الشجر) فهي مستغنية عنك وعن غيرك (حتَّى يلقاها ربها) أي حتَّى يجدها فيأخذها وحتى غاية المحذوف أي فدعها تأكل وتشرب حتَّى يأتيها مالكها كما يظهر من رواية البخاري في كتاب العلم وفي رواية حتَّى يأتيها ربها يعني أنها تقوى على ورود الماء وتشرب في اليوم الواحد ما يملأ كرشها ويكفيها الأيام وتقوى بأخفافها على السير وقطع المفاوز وورود الماء والشجر (قال يحيى: أحسب) وأظن (أني قرأت) لفظة (عفاصها) على مالك لا لفظة وعائها كما في بعض الروايات وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2437 و 2428 و 2429]، وأبو داود [1704]، والترمذي [1372]، والنسائي في الكبرى [5814 - 5816]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه فقال. 4365 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري أبو زكريا البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال ابن حجر: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو

عَنْ رَبِيعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَن يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَال: "عَرِّفْهَا سَنَةً. ثُمَّ اعرِفْ وكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا. ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا. فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيهِ" فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَال: خُذهَا. فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ إسحاق المدني ثقة، من (8) (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني (عن يزيد مولى المنبعث) وهو اسم مولى يزيد صحابي واسمه الأول المضطجع فحوله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنبعث (عن زيد بن خالد الجهني) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي غرضه بيان متابعة إسماعيل بن جعفر لمالك بن أنس (أن رجلًا) قد سبق ما فيه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (اللقطة) هي ما ضاع من غير الحيوان بسقوط أو غفلة عنه بدليل ذكر الضالة كما مر بيان الفرق بينهما (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذها إن شئت فإذا أخذتها فـ (ـــعرفها سنة) كاملة والتعريف أن ينشدها أي أن يطلب صاحبها في الموضع الَّذي وجدها فيه وفي الأسواق وأبواب المساجد ومواضع اجتماع الناس فيقول من ضاع منه شيء من ضاع منه حيوان من ضاع منه دراهم أو نحو ذلك ويكرر ذلك بحسب العادة (ثم) ليست للتراخي في الزمان بل معناها دم على معرفة هذه الأمور التي عرفتها حين أخذتها أو للتراخي في الرتبة أو في الكلام تقديم وتأخير والتقدير (اعرف وكاءها) أي الخيط الَّذي ربطت به (وعفاصها) أي وعاءها ثم عرفها سنة (ثم) بعد تعريفها تملكها بقصد الضمان إذا وجد صاحبها ثم (استنفق بها) أي أنفقها على نفسك وعلى عيالك فالسين والتاء زائدتان وهذا الأمر للإباحة اهـ ابن الملك. (فإن جاء ربها) أي صاحب اللقطة (فأدها) أي فادفع اللقطة (إليه) أي إلى صاحبها إن كانت باقية أو بدلها إن كانت مستهلكة (فقال) الرجل السائل: (يا رسول الله فضالة الغنم) ما حكمها (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذها) الأمر فيه للندب (فإنما هي لك) إن أخذتها (أو لأخيك) إن أخذها (أو للذئب) إن لم يأخذها (قال) الرجل السائل: (يا رسول الله فضالة الإبل) ما حكمها (قال) الراوي زيد بن خالد:

فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ (أَو احْمَرَّ وَجْهُهُ) ثُمَّ قَال: "مَا لكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت وجنتاه) لشدة غضبه (أو) قال الراوي (حتى احمر وجهه) - صلى الله عليه وسلم - والشك من يزيد مولى المنبعث فيما قاله زيد بن خالد والوجنتان تثنية وجنة والوجنة بفتح الواو وضمها وكسرها وفيها لغة رابعة أجنة بضم الهمزة وهي اللحم المرتفع من الخدين ويقال رجل موجن وواجن أي عظيم الوجنة وجمعها وجنات ويجيء فيها اللغات المعروفة في جمع قصعة وحجرة وكسرة اهـ نووي كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السؤال عن أخذها مع عدم ظهور الحاجة إليه ومال الغير لا يباح أخذه إلا لحاجة اهـ هامش واختلف العلماء في وجه غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الحافظ في الفتح [1/ 187]، إما لأنه نهى قبل ذلك عن التقاطها وإما لأنَّ السائل قصر في فهمه فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين اهـ وقال الخطابي إنما كان غضبه استقصارًا لعلم السائل وسوء فهمه إذ لم يراع المعنى المشار إليه ولم ينتبه له فقاس الشيء على غير نظيره فإن اللقطة إنما هي اسم للشيء الذي يسقط من صاحبه ولا يدرى أين موضعه وليس كذلك الإبل فإنها مخالفة للقطة اسمًا وصفة فإنها غير عادمة أسباب القدرة على العود إلى صاحبها لقوة سيرها وكون الحذاء والسقاء معها لأنها ترد الماء ربعًا وخمسًا وتمتنع من الذئاب وغيرها من صغار السباع ومن التردي وغير ذلك بخلاف الغنم فإنها بالعكس فجعل سبيل الغنم سبيل اللقطة اهـ (قلت) ويحتمل أن يكون الغضب على كثرة السؤال في المسائل المفروضة التي لم تقع بعد فكأنه - صلى الله عليه وسلم - أنكر ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم (ثمَّ قال) له (ما لك ولها) أي: أي حاجة لك في أخذها (معها حذاؤها) بكسر الحاء أي خفها (وسقاؤها) أي جوفها وقيل عنقها وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تخاف من السباع ولا تحتاج إلى ملتقط وقوله (حتى يلقاها ربها) غاية لمحذوف تقديره دعها واتركها (حتى يلقاها ربها) فيأخذها وفي رواية سليمان بن بلال عند البخاري فذرها حتى يلقاها ربها وفيه دليل صريح لمذهب الأئمة الحجازيين في أن الأفضل في البعير والبقر والفرس أن لا يأخذها بل يتركها حتى يلقاها ربها وقال الحنفية: الالتقاط اليوم أفضل لفساد أحوال الناس.

4366 - (. .) (. .) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَغَيرُهُمْ؛ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ حَدَّثَهُمْ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيرَ أَنَّهُ زَادَ: قَال: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا مَعَهُ. فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ؟ قَال: وَقَال عَمْروٌ فِي الْحَدِيثِ: "فَإِذَا لَمْ يَأْتِ لَهَا طَالِبٌ فَاسْتَنْفِقْهَا". 4367 - (. .) (. .) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال السرخسي رحمه الله في حديث الباب ذلك كان إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح والأمانة لا تصل إليها يد خائنة فإذا تركها وجدها وأما في زماننا فلا يأمن من وصول يد خائنة إليها بعده ففي أخذها إحياؤها وحفظها على صاحبها فهو أولى حكاه ابن الهمام في فتح القدير [5/ 354] ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - فقال. 4366 - (. .) (. .) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني سفيان) بن سعيد (الثوري) الكوفي (ومالك بن أنس) الأصبحي المدني (وعمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة، من (7) (وغيرهم) كسليمان بن بلال (أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثهم) أي حدث لهؤلاء المذكورين من سفيان ومالك وعمرو بن الحارث (بهذا الإسناد) يعني عن يزيد عن زيد بن خالد غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الله بن وهب ليحيى بن يحيى في الرواية عن مالك بن أنس وساق عبد الله بن وهب (مثل حديث) يحيى بن يحيى عن (مالك غير أنَّه) أي لكن أن عبد الله بن وهب (زاد) على يحيى بن يحيى لفظة (قال) زيد بن خالد (أتى رجل) من المسلمين (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال زيد بن خالد: (وأنا) أي والحال أني (معه) - صلى الله عليه وسلم - (فسأله) أي فسأل ذلك الرجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عن) حكم (اللقطة قال) عبد الله بن وهب: (وقال) لنا شيخنا (عمرو) بن الحارث (في) رواية هذا (الحديث) لفظة (فإذا لم يأت لها) أي لم يوجد لتلك اللقطة (طالب فاستنفقها) على نفسك أي أنفقها عليها وهذا أمر إباحة له ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال. 4367 - (. .) (. .) (وحدثني أحمد بن عثمان بن حكيم) بن دينار (الأودي) بفتح

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ) عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ. قَال: سَمِعْتُ زَيدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَاحْمَارَّ وَجْهُهُ وَجَبِينُهُ. وَغَضِبَ، وَزَادَ (بَعْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً) "فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ". 4368 - (. .) (. .) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَيدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمزة وسكون الواو نسبة إلى أود بن صعب بن سعد العشيرة من مذحج أبو عبد الله الكوفي ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي أبو الهيثم الكوفي القطواني صدوق من (10) (حدثني سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمَّد المدني ثقة، من (8) (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث قال: سمعت زيد بن خالد الجهني يقول: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لإسماعيل بن جعفر (فذكر) سليمان بن بلال (نحو حديث إسماعيل بن جعفر غير أنه) أي لكن أن سليمان بن بلال (قال) في روايته: (فاحمارَّ وجهه) أي اشتدت حمرة وجهه - صلى الله عليه وسلم - (و) حمرة (جبينه) أي جانب جبهته (وغضب وزاد) سليمان (بعد قوله) - صلى الله عليه وسلم - (ثمَّ عرفها سنة فإن لم يجئ صاحبها) ولم يظهر (كانت) تلك اللقطة (وديعة) أي أمانة (عندك) أيها اللاقط معناه تكون أمانة عندك بعد السنة ما لم تتملكها فإن تلفت بغير تفريط فلا ضمان عليك وليس معناه منعه من تملكها بل له تملكها والمراد أنَّه لا ينقطع حق صاحبها بالكلية وقد نقل القاضي وغيره إجماع المسلمين على أنَّه إذا جاء صاحبها بعد التملك ضمنها المتملك اهـ نووي بتصرف ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال. 4368 - (. .) (. .) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي القعنبي المدني البصري ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن يزيد مولى المنبعث أنَّه سمع زيد بن خالد الجهني صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول): وهذا السند من خماسياته غرضه بيان

سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ، الذَّهَبِ أَو الْوَرِقِ؟ فَقَال: "اعْرِفْ وكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً. فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا. وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ. فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيهِ" وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ فَقَال: مَا لكَ وَلَهَا؟ دَعْهَا. فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا. تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة يحيى بن سعيد لربيعة بن أبي عبد الرحمن (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة) وقوله: (الذهب أو الورق) بدل عن اللقطة بدل تفصيل من مجمل (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسائله: (اعرف) أولًا (وكاءها) أي خيطها الذي ربطت به (وعفاصها) أي وعائها (ثمَّ عرفها سنة) في مواضع التقاطها وعلى أبواب المساجد (فإن لم تعرف) صاحبها بعد التعريف (فاستنفقها) أي فأنفقها واصرفها في حوائجك بعد تملكها (ولتكن) تلك اللقطة (وديعة) أي أمانة (عندك) إن لم تتملكها قال القرطبي قوله (ولتكن وديعة عندك) بعد قوله (استنفقها) معناه ولتكن في ضمانك على حكم الوديعة يعني إذا أنفقها المودع عنده فإنَّه يضمنها وإلا فإذا أنفقها لم تبق عينها فكيف تبقى وديعة إلا على ما ذكرناه والله أعلم اهـ من المفهم. ويحتمل أن يراد به أن اللقطة تكون وديعة عند الملتقط بعد ما أنفقها فإن قلت كونها وديعة يدل على بقاء عينها وإنفاقها يكون بذهابها فكيف يجتمعان (قلت) بأن هنا تجوزًا فالمراد بكونها وديعة أن لا ينقطع حق صاحبها فيرد عينها إليه إن كانت باقية وإلا فقيمتها وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - (فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه) ويحتمل أن يراد أنها وديعة قبل الإنفاق فيكون الواو بمعنى (أو) يعني استنفقها بعد أن تملكها فإن لم تتملكها تبقى عندك على حكم الأمانة ولا يضمنها إن تلفت بغير تفريط منك اهـ من المبارق (فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه) ندبًا إن صدقته وإلا فلا يدفعها إلا ببينة فإن أقام بينة وجب دفعها إليه (وسأله عن ضالة الإبل فقال) له (مالك) أي: أي حاجة لك إليها لأنها حق الناس (و) أي حاجة (لها) إليك (دعها) أي اتركها ولا تأخذها (فـ) ــإنها مستغنية عنك لـ (ـــأن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر) وحذاء الإبل أخفافها أصل الحذاء ما يحتذي به الإنسان من نعال أو غيرها (وسقاءها) والسقاء ما يشرب به فيعني أن الإبل لا تحتاج إلى شيء مما يحتاج إليه غيرها من المواشي فإنها تمشي حيث شاءت وتأكل من الأشجار وترد على الأنهار اهـ مفهم وقوله

حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا" وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ؟ فَقَال: "خُذْهَا. فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ". 4369 - (. .) (. .) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ الرَّأْيِ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ. عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ زَادَ رَبِيعَةُ: فَغَضِبَ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ (حتى يجدها ربها) أي مالكها غاية لقوله دعها كما مر (وسأله عن) ضالة (الشاة فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) أي لا بد لها من حال من هذه الأحوال الثلاثة و (أو) هذه للتقسيم والتنويع ويفيد هذا أنَّه إذا كانت في موضع يخاف عليها فيه الهلاك جاز لملتقطها أكلها ولا ضمان عليه إذ قد سوى بينه وبين الذئب والذئب لا ضمان عليه فالملتقط عليه وهو مذهب مالك وأصحابه وقد ضمنه الشافعي وأبو حنيفة تمسكًا ببقاء ملك ربها عليها اهـ مفهم وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [3436]، وأبو داود [1706]، والترمذي [1373]، والنسائيُّ في الكبرى [5811]، وابن ماجه [2507]، ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - فقال. 4369 - (. .) (. .) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري (أخبرنا حبَّان) بفتح المهملة والموحدة المشددة (بن هلال) بكسر الهاء الباهلي أبو حبيب البصري ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثني يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (وربيعة الرأي) لقب بالرأي لأنه كان ينظر في الحديث ويفتي وكان يهاب التحديث وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يا أهل العراق تقولون ربيعة الرأي والله ما رأيت أحدًا أحفظ للسنة منه وكان مفتي المدينة وأستاذ الإمام مالك رحمهما الله تعالى كما مر أول الباب (بن أبي عبد الرحمن) اسمه فروخ كما مر فيه (عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني) - رضي الله عنه - وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن بلال ومالك بن أنس وإسماعيل بن جعفر (أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ضالة الإبل) قال حماد: (زاد ربيعة) في روايته على يحيى بن سعيد لفظة (فغضب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حتى

احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. وَزَادَ "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عِفَاصَهَا، وَعَدَدَهَا وَوكَاءَهَا، فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ، وَإِلا، فَهِيَ لَكَ". 4370 - (. .) (. .) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ. قَال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَال: "عَرِّفْهَا سَنَةً. فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ. فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوكَاءَهَا. ثُمَّ كُلْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ احمرت وجنتاه واقتص) حماد (الحديث بنحو حديثهم) أي بنحو حديث مالك وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال (وزاد) حماد في روايته عليهم لفظة (فإن جاء صاحبها فعرف) ذلك الصاحب (عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه) أي لصاحبها (وإلا) أي وإن لم يعرف ما ذكر (فهي لك) أي باقية لك فتنتفع بها بعد تملكها بقصد ضمانها له إذا ظهر والله أعلم. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث زيد بن خالد - رضي الله عنه - فقال: 4370 - (. .) (. .) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني وثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد وقال في التقريب صدوق يهم من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم مولى عمر بن عبيد الله التيمي المدني ثقة ثبت من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني الزاهد العابد ثقة، من (2) مات سنة (100) مائة (عن زيد بن خالد الجهني) - رضي الله عنه - وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان غرضه بيان متابعة بسر بن سعيد ليزيد مولى المنبعث (قال) زيد بن خالد (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسائله: خذها و (عرفها سنة) في مواضع التقاطها مثلًا قال ابن الأثير في النهاية يقال عرف فلان الضالة أي ذكرها وطلب من يعرفها (فإن لم تعترف) بالبناء للمجهول أي فإن لم يوجد لها من يعرفها بوصفها (فاعرف عفاصها ووكاءها) أي لتميزها عن مالك إذا خلطتها به كما هو المراد بالإذن في الأكل بقوله (ثمَّ كلها) أي انتفع بها بعد تملكها بأكل ونحوه وقد جاء التصريح بجواز

فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيهِ". 4371 - (. .) (. .) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: "فَإِنِ اعْتُرِفَتْ فَأَدِّهَا. وَإِلَّا فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوكَاءَهَا وَعَدَدَهَا". 4372 - (1668) (14) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ. قَال: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلط في سنن ابن ماجه بالأمر الإباحي الذي تراه قريبًا (فإن جاء صاحبها) يومًا من الدهر (فأدها إليه) أي فأد بدلها إليه ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة سابعًا في حديث زيد بن خالد - رضي الله عنه - فقال. 4371 - (. .) (. .) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث زيد بن خالد (إسحاق بن منصور) الكوسج (أخبرنا أبو بكر الحنفي) الصغير عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله البصري ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الضحاك بن عثمان) الأسدي المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي النضر عن بسر عن زيد بن خالد غرضه بيان متابعة أبي بكر الحنفي لعبد الله بن وهب (و) لكن (قال) أبو بكر الحنفي (في) رواية هذا (الحديث) لفظة (فإن اعترفت) اللقطة أي عرفها صاحبها بتلك العلامات (فأدها) إليه (وإلا) أي وإن لم تعترف (فاعرف) أيها اللاقط (عفاصها ووكاءها وعددها) وانتفع بها بقصد ضمانها إذا وجد صاحبها وفي سنن ابن ماجه (فإن اعترفت وإلا فاخلطها بمالك). ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - فقال. 4372 - (1668) (14) (وحدثنا محمَّد بن بشار حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثني أبو بكر) محمَّد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي بكر قال أبو بكر: (حدثنا غندر) محمَّد بن جعفر (حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي ثقة، من (4) روى عنه في (12) بابا (قال) سلمة: (سمعت

سُوَيدَ بْنَ غَفَلَةَ قَال: خَرَجْتُ أَنَا وَزَيدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ غَازِينَ. فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَأَخَذْتهُ. فَقَالا لِي: دَعْهُ. فَقُلْتُ: لَا. وَلكِنِّي أُعَرِّفُهُ. فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَإِلَّا اتْتَمْتَعْتُ بِهِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ سويد بن غفلة) بن عوسجة الجعفي أبا أمية الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (4) أبواب وكان من كبار المخضرمين كان لدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن الصحيح أنَّه لم يره - صلى الله عليه وسلم - وإنما قدم المدينة حين كان الصحابة نفضوا أيديهم من التراب بعد دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقام بالمدينة وروى عن الخلفاء الثلاثة الأُول ثمَّ شهد الفتوح ونزل الكوفة ومات بها وقد جاوز المائة والثلاثين من عمره وكان موصوفًا بالزهد والتواضع وكان يؤم قومه قائمًا وهو ابن مائة وعشرين سنة كذا في الإصابة [2/ 117] (قال) سويد: (خرجت أنا وزيد بن صوحان) بضم الصاد اختلف في صحبته فأنكرها ابن عبد البر وأثبتها الرشاطي وغيره فروى عن أبي عبيدة أن له وفادة وصحبة وقد أخرج أبو يعلى وابن منده عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سره أن ينظر إلى من يبقيه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان) ذكره الحافظ في الإصابة [1/ 566] ولم يتكلم في إسناده بشيء ثمَّ قطعت يد زيد - رضي الله عنه - في القادسية ثمَّ استشهد سائر بدنه في وقعة الجمل حيث كان مع علي - رضي الله عنه - (وسلمان بن ربيعة) مختلف في صحبته أيضًا قال أبو حاتم له صحبة يكنى أبا عبد الله وقال أبو عمر ذكره العقيلي في الصحابة وهو عندي كما قال أبو حاتم وأنكر ابن منده صحبته ويقال له سلمان الخيل لخبرته بها وذكر ابن حبَّان أنَّه أول من استقضي على الكوفة وكان يلي الخيول أيام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كذا في الإصابة [2/ 59 و 60]. أي خرجنا من المدينة (غازين) أي حالة كوننا مريدين الغزو والجهاد ولم أقف على اسم تلك الغزوة (فوجدت سوطًا) ساقطًا من صاحبه زاد أحمد من طريق سفيان عن سلمة حتى إذا كنا بالعذيب وهو مصغرًا اسم موضع كما في فتح الباري [5/ 92] أي حتى إذا كنا بالعذيب وجدت سوطًا (فأخذته فقالا) أي قال (لي) زيد وسلمان: (دعه) أي اترك هذا السوط ولا تأخذه (فقلت) لهما: (لا) اتركه (ولكني) آخذه و (أعرفه) من التعريف (فإن جاء صاحبه) وظهر أؤديه له (إلا) أي وإن لم يظهر صاحبه (استمتعت) أي انتفعت (به) أي بهذا السوط بعد تملكه بقصد ضمانه لصاحبه إذا ظهر (قال) سويد بن

فَأَبَيتُ عَلَيهِمَا. فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزَاتِنَا قُضِيَ لِي أَنِّي حَجَجْتُ. فَأَتَيتُ الْمَدِينَةَ. فَلَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. فَأَخْبَرْتُهُ بِشَأْنِ السَّوْطِ وَبِقَوْلِهِمَا. فَقَال: إِنِّي وَجَدْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَأَتَيتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَقَال: "عَرِّفْهَا حَوْلًا" قَال: فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا. ثُمَّ أَتَيتُهُ فَقَال: "عَرِّفْهَا حَوْلًا" فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا. ثُمَّ أَتَيتُهُ فَقَال: "عَرِّفْهَا حَوْلًا" فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا. فَقَال: "احْفَظْ عَدَدَهَا وَوعَاءَهَا وَوكَاءَهَا. فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا" فَاسْتَمْتَعْتُ بِهَا. فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ غفلة: (فأبيت) أي فامتنعت (عليهما) ما أمراني به من الترك بالإصرار على الأخذ قال سويد: (فلما رجعنا من غزاتنا) تلك (قضي لي) أي قدر لي (أني حججت فأتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب) بن قيس الأنصاري المدني - رضي الله عنه - (فأخبرته) أي فأخبرت أبيًا (بشأن) التقاط (السوط وبقولهما) أي وبقول زيد وسلمان لي دعه لا تأخذه (فقال) لي أبي: (إني وجدت صرة) أي كيسًا (فيها مالة دينار على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت بها) أي بتلك الصرة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عرفها حولًا) أي عامًا كاملًا وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبي: (فعرفتها) أي عرفت تلك الصرة (فلم أجد من يعرفها ثمَّ أتيته) - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا فأخبرته بشأني وشأنها (فقال) لي: (عرفها حولًا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثمَّ أتيته) - صلى الله عليه وسلم - ثالثًا فأخبرته بشأني وشأنها (فقال) لي: (عرفها حولًا فعرفتها فلم أجد من يعرفها) ثمَّ أتيته رابعًا فأخبرته بشأني وشأنها (فقال) لي في الرابعة: احفظ عددها أي عدد ما في الصرة من الدنانير (ووعاءها) من جلد أو خرقة (ووكاءها) أي خيطها الذي ربطت به (فإن جاء صاحبها) فأدها إليه وجوبًا أو ندبًا (وإلا) أي وإن لم يجئ صاحبها (فاستمتع) أي فانتفع (بها) بقصد ضمانها إذا جاء صاحبها وهذا أمر إباحة قال أبي: (فاستمتعت بها) أي انتفعت بتلك الدنانير قال شعبة بن الحجاج: (فلقيته) أي فلقيت سلمة بن كهيل الذي روى لي هذا الحديث (بعد ذلك) أي بعد ما روى لي هذا الحديث أولًا بعشر سنين

بِمَكَّةَ فَقَال: لَا أَدْرِي بِثَلاثَةِ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بمكة) فقلت له: هل قال لك سويد بن غفلة عندما حدثك هذا الحديث عرفها أبي ثلاثة أعوام أو بعام واحد (فقال) لي سلمة: (لا أدري) ولا أعلم هل قال لي سويد بن غفلة عرفها أبي (بثلاثة أحوال أو) عرفها بـ (حول واحد) يعني في الاستظهار وكأن شعبة شك في عدم الاستظهار هل هو في سنة واحدة فلقيه بعد ذلك بعشر سنين فسأله فأخبره أنَّه كان عامًا فزال شكه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قوله (فلا أدري) هذا شك من الراوي والشك يوجب سقوط المشكوك فيه وهو الثلاثة فوجب العمل بالجزم وهو رواية العام الواحد قال القسطلاني وفي شرح النوويّ عن القاضي قد أجمع العلماء على الاكتفاء بتعريف سنة ولم يشترط أحد تعريف ثلاثة أعوام إلا ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولعله لم يثبت عنه وفي كون المدة سنة تفصيل عند الفقهاء بين قلة ما يلتقطه وكثرته كما بين في الفروع اهـ من بعض الهوامش. قال القرطبي استدلال أبي بن كعب بحديث المائة دينار حيث سئل عن التقاط السوط يدل على أن مذهبه التسوية بين قليل اللقطة وكثيرها في وجوب التعريف بها سنة وأنه يستظهر بعد ذلك بحولين وهذا لم يقل به أحد في الشيء اليسير وقدمنا أنَّه لم يأخذ أحد من العلماء بتعريف ثلاثة أعوام إلا شيء رُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والجمهور على أن التعريف فيما له بال سنة لأنَّ صاحبها إن كان حاضرًا تنبه لها وتذكرها وظهر طلبه لها في هذه السنة وإن كان غائبًا أمكن عوده وطلبها في هذه السنة أو يسمع خبره فيها فإذا لم يأت بعد السنة فالظاهر الغالب أنَّه هلك وأن هذا المال ضائع فواجده أولى به لما تقدم في الشيء الكثير فأما في الشيء اليسير فيمكن أن يكون صاحبه تركه استسهالًا واستخفافًا وأنه غير محتاج إليه وهذا في التمرة والكسرة واضح فلا يحتاج إلى تعريف وألحق بعض أصحابنا أقل من الدرهم بذلك وأبعد أبو حنيفة فقال: لا تعريف في أقل من ثمانية دراهم وأبعد من هذا قول إسحاق إن الدينار لا يحتاج إلى تعريف تمسكًا بحديث علي - رضي الله عنه - وقد قدمنا أنَّه لا حجة فيه. وأما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بزيادة التعريف على سنة بسنة أو سنتين على اختلاف الرواية فذلك مبالغة واحتياط على جهة الاستحباب كما تقدم لا سيما مع

4373 - (. .) (. .) وحدّثني عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيلٍ. أَوْ أَخْبَرَ الْقَوْمَ وَأَنَا فِيهِمْ. قَال: سَمِعْتُ سُوَيدَ بْنَ غَفَلَةَ قَال: خَرَجْتُ مَعَ زَيدِ بْنِ صُوحَانَ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ. فَوَجَدْتُ سَوْطًا، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. إِلَى قَوْلِهِ: فَاسْتَمْتَعْتُ بِهَا. قَال شُعْبَةُ: فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ: عَرَّفَهَا عَامًا وَاحِدًا. 4374 - (. .) (. .) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ استغناء الملتقط عن الانتفاع بها قالوا وكذلك كان أبي - رضي الله عنه - مستغنيًا عنها اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 126 و 127]، والبخاري [2426 و 2437]، وأبو داود [1701]، والترمذي [1374]، وابن ماجه [2506]، ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي - رضي الله عنه - فقال. 4373 - (. .) (. .) (وحدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمَّد النبسابوري ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا (حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري ثقة، من (9) (حدثنا شعبة حدثنا سلمة بن كهيل) قال بهز: (أو) قال شعبة: (أخبر) سلمة (القوم وأنا) أي والحال أني (فيهم) أي في القوم الذين أخبرهم سلمة بن كهيل (قال) سلمة: (سمعت سويد بن غفلة قال: خرجت) في بعض الغزوات (مع زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فوجدت سوطًا) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة بهز لمحمد بن جعفر (واقتص) أي بهز وذكر (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث محمَّد بن جعفر (إلى قوله) أي إلى قول أبي بن كعب (فاستمتعت بها) يعني إلى آخر الحديث (قال شعبة: فسمعته) أي سمعت سلمة بن كهيل (بعد عشر سنين) حالة كونه (يقول: عرفها) أبي (عامًا واحدًا) والله أعلم بالصواب. ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - فقال. 4374 - (. .) (. .) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (جميعًا) أي كل من وكيع وعبد الله بن

عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ (يَعْنِي ابْنَ عَمْروٍ) عَنْ زَيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ. إِلَّا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ؛ عَامَينِ أَوْ ثَلاثَةً. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَزَيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ "فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوعَائِهَا وَوكَائِهَا. فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ". وَزَادَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ "وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ". وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نمير (عن سفيان) الثوري (ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن غيلان الأموي مولاهم أبو عبد الرحمن (الرقي) ثقة، من (10) له فرد حديث في (خ) ولكنه تغير في آخره فلم يفحش اختلاطه (حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي ثقة، من (7) (عن زيد بن أبي أنيسة) اسمه زيد أيضًا الغنوي الجزري ثقة، من (6) (ح وحدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم العبدي النيسابوري ثقة، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي المصري ثقة، من (8) (كل هؤلاء) الأربعة المذكورين من الأعمش وسفيان الثوري وزيد بن أبي أنيسة وحماد بن سلمة رووا (عن سلمة بن كهيل بهذا الإسناد) يعني عن سويد بن غفلة عن أبي بن كعب غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لشعبة بن الحجاج (و) لكن (في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الأربعة (جميعًا) عرفها أبي بن كعب أي عرف الصرة (ثلاثة أحوال) جمع حول أي ثلاثة أعوام (إلا حماد بن سلمة فإن في حديثه) عرفها (عامين) أي سنتين (أو) قال الراوي: (ثلاثة) من الأعوام بالشك من الراوي (وفي حديث سفيان) الثوري (وزيد بن أبي أنيسة وحماد بن سلمة) لفظة (فإن جاء) ك يا أبي (أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكلائها فأعطها) أي فأعط تلك اللقطة أو الصرة (إياه) أي ذلك المخبر (وزاد سفيان في رواية وكيع) أي فيما روى عنه وكيع لفظة (وإلا) أي وإن لم يخبرك أحد عن أوصافها فلا تعطها إياه (فهي) أي فتلك اللقطة أي سبيلها وحكمها (كسبيل مالك) أي كحكمه في الانتفاع بها والتصرف فيها بعد تملكها بقصد ضمانها لصاحبها إن ظهر (و) زاد سفيان

فِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيرٍ: "وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (في رواية ابن نمير) أي فيما روى عنه عبد الله بن نمير لفظة (وإلا) أي وإن لم يخبرك أحد بأوصافها (فاستمتع بها) أي فانتفع بها بعد تملكها بالقصد المذكور وهذا بيان لمحل المخالفة بينهم وبين شعبة والله سبحانه وتعالى أعلم وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول: حديث زيد بن خالد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني: حديث أبي بن كعب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. ***

612 - (5) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه والأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

612 - (5) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه والأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها 4375 - (1669) (15) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْروُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيمِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 612 - (5) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه والأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها 4375 - (1669) (15) (حدثني أبو الطاهر ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري ثقة، من (10) (قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة، من (7) (عن بكير بن عبد الله بن الأشج) المخزومي المصري ثقة، من (5) (عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب) بن أبي بلتعة اللخمي أبي محمَّد المدني روى عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي في الأحكام ويروي عنه (م عم) وبكير بن الأشج وعروة بن الزبير وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري وآخرون قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وقال العجلي: مدني تابعي ثقة وقال الدارقطني والنسائي ثقة وذكره ابن حبَّان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الثالثة مات سنة (104) أربع ومائة (عن عبد الرحمن بن عثمان) بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب التيمي المكي ابن أخي طلحة بن عبيد الله الصحابي المشهور - رضي الله عنه - أسلم يوم الفتح وقيل: أسلم في الحديبية وأول مشاهده عمرة القضاء وشهد اليرموك مع أبي عبيدة بن الجراح قتل مع ابن الزبير بمكة سنة (73) ودفن بالحرورة فلما وسع المسجد دخل قبره في المسجد الحرام كذا في الإصابة [2403] وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مصريون وواحد مكي وواحد مدني (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن) التقاط (لقطة الحاج) للتملك وأما التقاطها للحفظ فقط فلا منع فيه اهـ نووي زاد أبو داود قال ابن وهب يعني في لقطة الحاج يتركها حتى يجد صاحبها قال المنذري في تلخيصه لأبي داود وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحل لقطتها إلا لمنشد) والصحيح أنَّه إذا وجد لقطة في الحرم لم يجز له أن يأخذها

4376 - (1670) (16) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عَمْروُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيشَانِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا للحفظ على صاحبها وليعرفها أبدًا بخلاف لقطة سائر البلاد فإنَّه يجوز التقاطها للتملك والذي ذكره المنذري هو الصحيح من مذهب الشافعية كما صرح به النووي في المنهاج وقال الخطيب الشربيني تحته وفي رواية البخاري (لا تحل لقطته إلا لمنشد) قال الشافعي: أي إلا لمعرف ففرق بينها وبين غيرها وأخبر أنها لا تحل إلا للتعريف ولم يوقت في التعريف بسنة كغيرها فدل على أنَّه التعريف على الدوام وإلا فلا فائدة في التخصيص والمعنى فيه أن حرم مكة شرفها الله تعالى مثابة للناس يعودون إليه المرة بعد الأخرى فربما يعود مالكها لأجلها أو يبعث في طلبها فكأنه جعل ماله به محفوظًا عليها كما غلظت الدية اهـ مغني المحتاج والجمهور على أن لقطة الحل والحرم سواء يقول ابن قدامة في المغني [6/ 332] وظاهر كلام أحمد والخرقي أن لقطة الحل والحرم سواء وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب ومذهب مالك وأبي حنيفة وروي عن أحمد رواية أخرى أنَّه لا يجوز التقاط لقطته للتملك وهو إنما يجوز لحفظها على صاحبها فإن التقطها عرفها أبدًا حتى يأتي صاحبها وهو قول عبد الرحمن بن مهدي وأبي عبيد وعن الشافعي كالمذهبين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 499]، وأبو داود [1719]، والنسائيُّ في الكبرى [5805]، ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الرحمن بن عثمان بحديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنهما - فقال. 4376 - (1670) (16) (وحدثني أبو الطاهر) الأموي المصري (ويونس بن عبد الأعلى) الصدفي المصري (حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث) الأنصاري المصري (عن بكر بن سوادة) الجذامي المصري ثقة من الثالثة روى عنه في (4) أبواب (عن أبي سالم الجيشاني) نسبة إلى جيشان اسم قبيلة باليمن سفيان بن هانئ المصري روى عن زيد بن خالد الجهني في الأحكام وأبي ذر في الجهاد ويروي عنه (م د س) وبكر بن سوادة وابنه سالم بن أبي سالم قال العجلي: تابعي مصري ثقة مخضرم ذكره ابن منده في الصحابة وقال: قد اختلف في صحبته وذكره ابن حبَّان في الثقات وقال ابن يونس: مات في إمرة عبد العزيز بن مروان على مصر في الإسكندرية بعد الثمانين

عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّهُ قَال: "مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا". 4377 - (1671) (17) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِك بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإذْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن زيد بن خالد الجهني) المدني - رضي الله عنه - وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا زيد بن خالد فإنَّه مدني (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: من آوى) أي من أخذ وضم (ضالة) أي بهيمة ضلت وغابت عن مالكها إلى مواشيه أي أخذها للتملك (فهو) أي ذلك الآخذ (ضال) أي مخطئ عن طريق الحق آثم وهذا بيان للحكم الأخروي ويؤيده ما في سنن ابن ماجه من قوله - صلى الله عليه وسلم - (ضالة المسلم حرق النار) وهو بالتحريك لهبها وهذا الوعيد لمن أخذها ليمتلكها كما يشعر به قيد (ما لم يعرفها) قال ابن الملك ومعنى التعريف التشهير وطلب صاحبها وأدناه أن يشهد عند الأخذ ويقول: آخذها لأرد قال الحلواني: فإن فعل ذلك ولم يعرفها بعد كفى اهـ ومن قال إنه بيان للحكم الدنيوي قال في تفسير ضال ضامن أي إن هلكت عنده عبر به عن الضمان للمشاكلة ومن التقط من غير تعريف فقد كان مضرًا بصاحبها ومتعرضًا للضمان وكل ضلال عن سنن الصواب مؤد إلى الهوان ولفظ ابن ماجه لا يؤوي الضالة إلا الضال اهـ من بعض الهوامش ولا يخفى ما في قوله (من آوى ضالة فهو ضال) من الجناس التام قال القرطبي قوله: (من آوى ضالة فهو ضال) إلخ أنها إذا كانت مما يعرف فلم يعرفها كان ذلك دليلًا على أنَّه قصد الخيانة فيها وأنه إنما أخذها لنفسه لا ليحفظها على صاحبها وقد قلنا إن من أخذها وجب عليه أن يأخذها بنية حفظها على مالكها وأداء الأمانة فيها وإلا فهو ضال عن طريق الحق فيها خائن آثم اهـ وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الخمس ثمَّ استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - فقال. 4377 - (1671) (17) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأت على مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه) والماشية تقع على الإبل

أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ إِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ. فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والبقر والغنم ولكنه في الغنم يقع أكثر قاله في النهاية وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه (أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته) بفتح الميم وضم الراء وقد تفتح أي أن تفتح غرفته وموضعه العالي الذي يخزن فيه طعامه ومتاعه قال ابن الملك: الاستفهام فيه للإنكار يعني لا يحب أحد ذلك (فتكسر خزانته فينتقل طعامه) أي يؤخذ طعامه وهو بالبناء للمجهول من الانتقال أي فيحول طعامه من مكان إلى آخر وقد وقع في بعض النسخ (فينتثل) بالثاء بدل القاف وهو من النثل وهو النثر مرة واحدة بسرعة وقيل: الاستخراج وهو أخص من النقل أي: ينثر ويستخرج (إنما تخزن) من باب نصر أي إنما تجمع وتحفظ (لهم ضروع مواشيهم) بالرفع على الفاعلية وقوله (أطعمتهم) بالنصب على المفعولية أي ألبانهم التي هي طعامهم وقوتهم والضروع جمع ضرع والضرع للبهائم كالثدي للمرأة (فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه) وفي تشبيه الضرع بالمشربة وهي الغرفة إشارة إلى أن حرز الضرع مستوثق في الشرع جدًّا لأنه شبهه بالغرفة التي يصعب صعودها وربما تكون مقفلة بحيث لا يظفر بما فيها إلا بالكسر فينبغي أن لا تحلب الماشية إلا بإذنه. وفي القرطبي والمشربة سقيفة يختزن فيها الطعام وقيل هي كالغرفة وفيه من الفقه استعمال القياس وإباحة خزن الطعام واحتكاره إلى وقت الحاجة خلافًا لغلاة المتزهدة القائلة لا يجوز الادخار مطلقًا (وينتقل طعامه) معناه يؤخذ وينقل إلى موضع آخر وهو معنى (ينتثل) في الرواية الأخرى إلا أن النثر بمرة واحدة يقال: نثل ما في كنانته أي صبها. وقوله (لا يحلبن أحد ماشية أحد) إلخ إنما نهى عن ذلك لأنَّ أصل الأملاك بقاؤها على ملك ملاكها وتحريمها على غيرهم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) وكما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم - إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه إلى غير ذلك وهذا أصل ضروري معلوم من الشرائع كلها وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس في تناوله كما مر آنفًا ولا فرق بين اللبن والثمرة وغيرها في ذلك غير أن العلماء قد اختلفوا فيهما فذهب الجمهور إلى أنَّه لا يحل شيء من لبن الماشية ولا من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التمر إلا إذا علم طيب نفس صاحبه بالأصل المذكور بهذا الحديث وذهب بعض المحدثين إلى أن ذلك يحل وإن لم يعلم حال صاحبه لأنَّ ذلك حق جعله الشرع له تمسكًا بما رواه أبو داود عن الحسن عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحلب وليشرب لا يحمل رواه أبو داود [2619]، وذكره الترمذي عن يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من دخل حائطًا فليأكل ولا يتخذ خبنة رواه الترمذي [1287]، وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم وذكر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثمر المعلق فقال: من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه وقال فيه حديث حسن (قلت) ولا حجة في شيء من هذه الأحاديث لأوجه: أحدها: أن التمسك بالقاعدة المعلومة أولى وثانيها: أن حديث النهي أصح سندًا فهو أرجح وثالثها: أن ذلك محمول على ما إذا علم طيب نفوس أرباب الأموال بالعادة أو بغيرها ورابعها: أن ذلك محمول على أوقات المجاعة والضرورة كما كان ذلك في أول الإِسلام والله تعالى أعلم. (فرع) لو اضطر فلم يجد ميتة وجب عليه إحياء رمقه من مال الغير وهل يلزمه قيمة ما أكل أم لا قولان في المذهب والجمهور على وجوبها عليه إذا أمكنه ذلك فإن وجد ميتة وطعامًا للغير فإن أمن على نفسه من القطع والضرر أكل ويغرم قيمته وقيل: لا يغرم وإن لم يأمن على نفسه أكل الميتة قاله مالك غير أنَّه قد جرت عادة بعض الناس بالمسامحة في أكل بعض الثمر كما اتفق في بعض بلادنا وفي شرب بعض لبن الماشية كما كان ذلك في أهل الحجاز فيكون استمرار العادة بذلك وترك النكير فيه دليل على إباحة ذلك ولذلك شرب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - من لبن غنم الراعي في طريق الهجرة ويمكن أن تحمل الأحاديث المتقدمة على العادة الجارية عندهم في اللبن والثمرة اهـ من المفهم. ومنهم من جمع بين أحاديث الإذن وأحاديث النهي بوجوه من الجمع فمنها حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه والنهي على ما إذا لم يعلم ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره أو بالمضطر أو بحال المجاعة مطلقًا وحكى ابن بطال عن

4378 - (. .) (. .) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. جَمِيعًا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ. وَابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض شيوخه أن حديث الإذن كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده من التشاح وترك المواساة ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار اهـ من فتح الباري. وظاهر تشبيه ضرع الماشية بالخزانة يقتضي أن من حلب ماشية أحد في خفية وكان قيمة ما حلب نصابًا قطع كما يقطع من أخذه من خزانته فيكون ضرع الماشية حرزًا وقد قال به بعض العلماء فأما مالك فلم يقل به إلا إذا كانت الغنم في حرز وفيه من الفقه تسمية اللبن طعامًا فمن حلف أن لا يأكل طعامًا فشرب لبنًا حنث إلا أن يكون له نية في نوع من الأطعمة اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2435]، وأبو داود [2623]، وابن ماجه [2302]، ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4378 - (. .) (. .) (وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعًا عن الليث بن سعد ح وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (ح وحدثنا) محمَّد (بن نمير حدثني أبي) عبد الله (كلاهما) أي كل من علي بن مسهر وعبد الله بن نمير رويا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (ح وحدثني أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري البصري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل يعني ابن علية جميعًا) أي كل من حماد وإسماعيل (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة عن إسماعيل بن أمية بن عمرو بن العاص بن أمية الأموي المكي ثقة، من (6) (ح وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق عن معمر) بن راشد (عن أيوب) السختياني. وقوله (وابن

جُرَيجٍ عَنْ مُوسَى. كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا "فَيُنْتَثَلَ" إِلَّا اللَّيثَ بْنَ سَعْدٍ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ "فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ" كَرِوَايَةِ مَالِكٍ. 4379 - (1672) (18) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْعَدَويِّ؛ أَنَّهُ قَال: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَينَايَ حِينَ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَقَال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جريج) بالجر معطوف على معمر والتقدير حدثنا محمَّد بن رافع حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج (عن موسى) بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المدني ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (كل هؤلاء) الخمسة المذكورين من الليث في السند الأول ومن عبيد الله ومن أيوب وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وساقوا (نحو حديث مالك) بن أنس وغرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لمالك بن أنس وهذه الأسانيد الأول منها أعني سند الليث من رباعياته والثلاثة بعده من خماسياته والأخيران من سداسياته (غير) أي لكن (أن في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الخمسة (جميعًا) لفظة (فينتثل) أي فينتثر طعامه كله ويرمى كما مر تفسيره (إلا الليث بن سعد فإن في حديثه) وروايته لفظة (فينتقل طعامه كرواية مالك) والله أعلم ثمَّ استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي شريح العدوي - رضي الله عنه - فقال. 4379 - (1672) (18) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري أبي سعد المدني ثقة، من (3) عن أبي شريح العدوي الكعبي - رضي الله عنه - المدني اسمه خويلد بن عمرو على الأشهر أسلم قبل الفتح وكان معه لواء خزاعة يوم الفتح روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث وروى أيضًا عن ابن مسعود مات بالمدينة سنة (68) ثمان وستين اهـ كذا في الإصابة [4/ 102] وهذا السند من رباعياته (أنَّه) أي أن أبا شريح (قال: سمعت أذناي) صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - (وأبصرت عيناي) ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا تأكيدًا لسماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - (حين تكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) الحديث الآتي (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملًا منجيًا له من عذابه

فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ جَائِزَتَهُ". قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "يَوْمُهُ وَلَيلَتُهُ. وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فليكرم ضيفه) الغني والفقير والمسلم والكافر بطلاقه الوجه وتعجيل قراه وإكرام نزله ورفع منزلته والقيام بنفسه في خدمته وقوله (جائزته) بدل اشتمال مما قبله أو مفعول به لمحذوف تقديره وليعط له جائزته أي ما يجوز به من منهل إلى منهل إن كان مارًا عليه أي فليزوده عند توديعه ما يكفي له يومًا وليلة وتسمى الجيزة لأنَّ المسافر يجوز به من منزل إلى منزل قال القرطبي قوله (جائزته) الجائزة العطية يقال: أجزته كما يقال: أعطيته وهي منصوبة على إسقاط حرف الجر أي فليكرم ضيفه بجائزته أو منصوب بيكرم على التضمين فيضمن معنى يعطي فيكون مفعولًا ثانيًا اهـ قال الأبي: الأظهر أنَّه بدل اشتمال من ضيفه نحو أعجبني عبد الله علمه أي أعجبني علم عبد الله أي فليكرم جائزة ضيفه اهـ قال القرطبي: والأمر بها على جهة الندب لأنها من مكارم الأخلاق إلا أن تتعين في بعض الأوقات بحسب ضرورة أو حاجة فتجب حينئذٍ وقد أفاد هذا الحديث أنها من أخلاق المؤمنين ومما لا ينبغي لهم أن يتخلفوا عنها لما يحصل عليها من الثواب في الآخرة ولما يترتب عليها في الدنيا من إظهار العمل بمكارم الأخلاق وحسن الأحدوثة الطيبة وطيب الثناء وحصول الراحة للضيف المتعوب بمشقات السفر المحتاج إلى ما يخفف عليه ما هو فيه من المشقة والحاجة ولم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لدن إبراهيم - عليه السلام - لأنه أول من ضيف الضيف وعادة مستمرة فيهم حتى إن من تركها يذم عرفًا ويبخل ويقبح عليه عادة فنحن وإن لم نقل إنها واجبة شرعًا فهي متعينة لما يحصل منها من المصالح ويندفع بها من المضار عادة وعرفًا (قالوا) أي قال الأصحاب: (وما جائزته) أي جائزة الضيف (يا رسول الله) استفهام عن قدر الجائزة لا عن حقيقتها ولذلك أجابهم بقوله أي (قال) لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواب سؤالهم الجاثزة (يومه وليلته) أي القيام بكرامته في يومه وليلته أي أقل ما يكون من الضيافة هذا القدر فإنَّه إذا فعل هذا حصلت له تلك الفوائد وقوله بعد ذلك (والضيافة ثلاثة أيام) يعني بها الكاملة أي والضيافة الكاملة التي إذا فعلها المضيف وصل إلى غاية الكمال وإذا أقام الضيف إليها لم يلحقه ذم بالمقام فيها هي ثلاثة أيام وأما بعد ذلك فخارج عن هذا كله وداخل في إدخال المشقات والكلف على المضيف فإنَّه بتأذى بذلك من أوجه متعددة وهو المعني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه) أي حتى

فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيهِ"، وَقَال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يشق عليه ويثقل لا سيما مع رقة الحال وكثرة الكلف اهـ من المفهم. وقيل معنى (جائزته يوم وليلة) أي جائزة الضيف أي حق الضيف المجتاز المار على المضيف يوم وليلة أي قدر ما يجوز ويمر به مسافة يوم وليلة أي قدر ما يكفيه من الزاد في تلك المسافة وجائزته مبتدأ ويوم وليلة خبره (والضيافة) أي وقدر الضيافة في حق المقيم الذي يريد الإقامة لا السفر (ثلاثة أيام) وقيل: الجائزة غير الضيافة يعني يضيفه ثلاثة أيام ثمَّ يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة (فما كان) من الضيافة (وراء ذلك) أي وراء ثلاثة أيام (فهو صدقة عليه) أي على الضيف أي فما زاد على ذلك فهو صدقة عليه فالمضيف مخير فيه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل سماه صدقة تنفيرًا للضيف عن الإقامة أكثر منها قال القاضي عياض قوله (فما كان وراء ذلك) أي ما كان وراء الثلاثة الأيام فهو صدقة لأنها خرجت عن حد الضيافة والمكارمة المستحبة إلى حد التعرض للعطاء والسؤال والصدقة المكروهة إلا للمحتاج المحرم أخذها للغني من غير طيب نفس صاحبها اهـ. قال الخطابي: سئل مالك بن أنس عنه فقال: يكرمه ويتحفه ويحفظه يومًا وليلة وثلاثة أيام ضيافة قال الخطابي: يريد مالك أنَّه يتكلف له في اليوم الأول بما اتسع له من بر وألطاف ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته فإذا جاوز الثلاث فما كان بعد ذلك صدقة ومعروف إن شاء فعل وإن شاء ترك وربما كره له المقام بعد ذلك لئلا يضيق صدره بمقامه فتكون الصدقة على وجه المن والأذى كذا في جامع الأصول لابن الأثير [7/ 60] (وقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي بيوم البعث وتوصيفه بالآخر لتأخره عن الدنيا والمراد من كان يصدق بالمبدأ والمعاد (فليقل خيرًا) أي كلامًا يثاب عليه (أو ليصمت) إن لم يظهر له ذلك فيندب الصمت حتى عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه وبفرض خلوه عن ذلك فهو ضياع للوقت فيما لا يعني اهـ مناوي قال القرطبي قوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) يعني أن المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخرة لا يخلو من إحدى الحالتين إما أن يتكلم بما يحصل له ثوابًا

4380 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "الضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ. وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيلَةٌ. وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وخيرًا فيغنم أو يسكت عن شيء يجلب له عقابًا وشرًّا فيسلم وعلى هذا فتكون (أو) للتنويع والتقسيم وقد أكثر بعضهم في تفصيل آفات الكلام وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر ونظام وحاصل ذلك أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان وأعظمها في الهلاك والخسران فالأصل ملازمة الصمت إلى أن تتحقق السلامة من الآفات والحصول على الخيرات فحينئذٍ تخرج تلك الكلمة مخطومة وبأزمة التقوى مزمومة والله الموفق بكل ما يحب ويرضى اهـ من المفهم. وقال القاضي: أي ليصمت عن الشر وما لا يعني من فضول الكلام وأو للتنويع أي فليقل الخير فإن لم يفعل فليصمت عن الشر وقد تكون بمعنى الواو أي يقول الخير ويصمت عن الشر اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 31] و [6/ 385]، والبخاري [6019 و 6476]، وأبو داود [3748]، والترمذي [1967]، وابن ماجه [3675]، ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي شريح - رضي الله عنه - فقال. 4380 - (. .) (. .) (حدثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري أبو الفضل المدني صدوق من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي) - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الحميد بن جعفر لليث بن سعد (قال) أبو شريح: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الضيافة) الكاملة (ثلاثة أيام وجائزته) أي تحفته وعطيته التي يتحفه ويعطيه إياها ويزوده بها عند توديعه (يوم وليلة) أي قدر ما يجوز به مسافة يوم وليلة ويكفيه فيهما أو المعنى (وجائزته) أي أقلها أي أقل ضيافة الضيف (يوم وليلة) كما مر آنفًا بسط الكلام فيها (ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم) ويجلس (عند أخيه) المضيف له أكثر من ثلاثة أيام (حتى يؤثمه) أي يوقعه في الإثم بأن يغتابه بطول إقامته أو يحمله على إطعامه من الأطعمة المحرمة أو يكون كالمكره له على إطعامه كذا في شرح الأبي وفي

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَال: "يُقِيمُ عِنْدَهُ، وَلَا شَيءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ". 4381 - (. .) (. .) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ (يَعْنِي الْحَنَفِيَّ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا شُرَيحٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَبَصُرَ عَينِي وَوَعَاهُ قَلْبِي حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ. وَذَكَرَ فِيهِ: "وَلَا يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الهوامش قوله (حتى يؤثمه) أي حتى يوقعه في الإثم بإقامته فوق ثلاث بلا طلب واستدعاء منه الزيادة على ذلك لأنه قد يغتابه لطول مقامه أو لضيق معاش مضيفه وهو معنى قوله (ولا شيء له يقريه به) (قالوا) أي قال الحاضرون من الأصحاب (يا رسول الله وكيف يؤثمه قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواب سؤالهم (يقيم) الضيف (عنده) أي عند المضيف (ولا شيء له) من الطعام (يقريه) أي يقري الضيف ويضيفه (به) أي بذلك الشيء ويهيئه له ووقع في رواية مالك عند البخاري في الأدب (ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه) واستدل به الحافظ في الفتح [10/ 534] على أن هذا كله محمول على ما إذا لم تكن الإقامة باختيار صاحب المنزل بأن يطلب منه الزيادة في الإقامة أو يغلب على ظنه أنَّه لا يكره ذلك اهـ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي شريح - رضي الله عنه - فقال. 4381 - (. .) (. .) (وحدثناه محمَّد بن المثنى حدثنا أبو بكر يعني الحنفي) عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله البصري ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) الأنصاري المدني صدوق من (6) (حدثنا سعيد) بن أبي سعيد (المقبري أنَّه سمع أبا شريح الخزاعي يقول) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي بكر الحنفي لوكيع بن الجراح (سمعت أذناي) صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - (وبصر عيني) ذات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ووعاه) أي ووعى وحفظ كلامه (قلبي حين تكلم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر) أبو بكر الحنفي في روايته عن عبد الحميد (بمثل حديث الليث) المذكور أولًا من قوله (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) إلخ لا بمثل حديث وكيع عن عبد الحميد من قوله الضيافة ثلاثة أيام الخ (وذكر) أبو بكر الحنفي (فيه) أي في ذلك المثل أي عقبه لفظة (ولا يحل لأحدكم أن

يُقِيمَ عِنْدَ أَخِيهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ" بِمِثْلِ مَا فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ. 4382 - (1673) (19) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّهُ قَال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا. فَمَا تَرَى؟ فَقَال لَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيفِ، فَاقْبَلُوا. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يقيم عند أخيه) ضيفًا (حتى يؤثمه) أي يوقعه في الإثم وساق أبو بكر الحنفي فيما بعده (بمثل ما في حديث وكيع) عن عبد الحميد من قوله (قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به) ثمَّ استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - فقال. 4382 - (1673) (19) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث (ح) وحدثنا محمَّد بن رمح أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأزدي مولاهم أبي رجاء المصري عالمها ثقة، من (5) (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله الحميري اليزني نسبة إلى ذي يزن بطن من حمير المصري ثقة، من (3) (عن عقبة بن عامر) الجهني المدني الصحابي المشهور - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مصريون إلا عقبة بن عامر وقتيبة (أنَّه) أي أن عقبة (قال: قلنا) معاشر المجاهدين (يا رسول الله إنك تبعثنا) أي ترسلنا في أقطار البلاد للغزو (فننزل) في سفرنا (بقوم) أي عند قوم من الأعراب مجتمعين في مكان (فلا يقرونا) من قرى الضيف يقري من باب رمى أي فلا يعطون القرى ولا يضيفون (فما ترى) أي فما تقول وتحكم في ذلك هل نأخذ منهم حق الضيافة بالقوة أو نتركهم ولا نتعرضهم (فقال لنا رسول الله) في جواب سؤالنا (إن نزلتم بقوم) أي صرتم في سفركم نازلين عند قوم ضيفًا (فأمروا لكم) أي جمعوا وأعطوا لكم (بما ينبغي) ويكفي (للضيف) ويليق بهم قلة وكثرة (فاقبلوا) أيها النازلون ذلك القرى الذي ينبغي ويليق بكم (فإن لم يفعلوا) الأمر لكم ولم يعطوا لكم القرى (فخذوا منهم) أي من أولئك القوم الذين نزلتم عندهم (حق الضيف الذي ينبغي) ويكفي (لهم) أي للضيف جمع ضمير الضيف لأنَّ الضيف اسم جمع يطلق على الواحد والمثنى والجمع بلفظه كما في الصحاح ذكر النوويّ أن الإمام أحمد عمل بظاهر الحديث وأوله الجمهور

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأنه محمول على المضطرين لأنَّ ضيافتهم واجبة وقت الضرورة فإن امتنعوا فلهم أن يأخذوا منهم بقدر الحاجة اهـ قوله (فاقبلوا) هذا أمر على جهة الندب للضيف بالقبول فحقه أن لا يرد لما فيه مما يؤدي إلى أذى المضيف بالامتناع من إجابة دعوته وغم قلبه بترك أكل طعامه ولأنه ترك العمل بمكارم الأخلاق وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب عرسًا كان أو غيره رواه مسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وقوله (فخذوا منهم حق الضيف) ظاهر هذا الحديث أن قرى الضيف واجب وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذت منه قهرًا وبه قال الليث بن سعد مطلقًا وهو ظاهر في ذلك غير أن هذا محمول على ما كان في أول الإِسلام من شدة الأمر وقلة الأزواد فقد كانت السرية يخرجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجد لها إلا مزودي تمر فكان أمير السرية يقوتهم إياه كما اتفق في جيش أبي عبيدة - رضي الله عنه - وسيأتي. وإذا وجب التضييف كان للضيف طلب حقه شرعًا وإذا لم يكن الحال هكذا فيحتمل أن يكون هذا الحق المأمور بأخذه هو حق ما تقتضيه مكارم الأخلاق وعادات العرب فيكون هذا الأخذ على جهة الحض والترغيب بإبداء ما في الضيافة من الثواب والخير وحسن الأحدوثة ونفي الذم والبخل لا على جهة الجبر والقهر إذ الأصل أن لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب قلبه ويحتمل أن يكون المراد بالقوم الممرور بهم أهل الذمة فينزل بهم الضيف فيمنعونه ما قد جعل عليهم من التضييف فهؤلاء يؤخذ منهم ما جعل عليهم من الضيافة على جهة الجبر من غير ظلم ولا تعد وقد رأى مالك سقوط ما وجب عليهم من ذلك لما أحدث عليهم من الظلم والله تعالى أعلم اهـ من المفهم وخص أحمد هذا الحديث بأهل البوادي دون القرى لأنَّ في أسواق الأمصار والقرى ما يغني الضيوف عن طلب الطعام من البيوت وأما الجمهور فمذهبهم أن الضيافة سنة مؤكدة وليست بواجبة حتى يجوز للنازل أخذها كرهًا إلا إذا كان في حالة المخصمة والاضطرار وأول الجمهور حديث الباب بتأويلات مختلفة [1] منها أن حديث الباب محمول على المضطرين [2] ومنها ما أشار إليه الترمذي من أنَّه محمول على من طلب الشراء محتاجًا فامتنع صاحب الطعام فله أن يأخذه منه كرهًا [3] ومنها أنَّه مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الصدقات من جهة الإمام فكان على المبعوث إليهم إنزالهم في مقابلة عملهم الذي يتولونه لأنه لا قيام لهم إلا بذلك حكاه الخطابي قال: وكان هذا في ذلك الزمان إذ لم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكن للمسلمين بيت مال فأما اليوم فأرزاق العمال من بيت المال قال: وإلى نحو هذا ذهب أبو يوسف في الضيافة على أهل نجران خاصة قال: ويدل له (إنك تبعثنا) [4] ومنها أن ذلك كان في أول الإِسلام حيث كانت المواساة واجبة فلما فتحت الفتوح نسخ ذلك ويدل على نسخه قوله في حديث أبي شريح وجائزته يوم وليلة والجائزة تفضلٌ لا واجبة [5] ومنها أن ذلك خاص بأهل الذمة وقد شرط عمر حين ضرب الجزية على نصارى الشام ضيافة من نزل بهم وضعف النوويّ هذا الوجه بأن ذلك إنما كان في عهد عمر بعد سؤال عقبة فلا يصلح سببًا لإجازته الأكل ولكن يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم -أيضًا صالح بعض أهل الذمة بمثل هذا الشرط ويكون عمر - رضي الله عنه - قد اقتدى به في ذلك [6] ومنها ما حكى المازري عن بعض المالكية أن المراد لكم أن تأخذوا من عرضهم بألسنتكم وتذكروا الناس عيبهم وتصفوهم بالبخل والشح وهذا عندي أضعف التأويلات وأقواها الثاني والثالث هذا ملخص ما في فتح الباري في كتاب المظالم [5/ 108 و 109] والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 149]، والبخاري [2461]، وأبو داود [3752]، والترمذي [1985]، وابن ماجه [3676]، وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الترجمة خمسة أحاديث الأول: حديث عبد الرحمن بن عثمان ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث زيد بن خالد الجهني ذكره للاستشهاد والثالث: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث أبي شريح العدوي ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله أعلم. ***

613 - (6) باب الأمر بالمواساة بفضول الأموال واستحباب خلط الأزواد إذا قلت

613 - (6) باب الأمر بالمواساة بفضول الأموال واستحباب خلط الأزواد إذا قلت 4383 - (1674) (20) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَب، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَال: بَينَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ. قَال: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ. وَمَنْ كَانَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 613 - (6) باب الأمر بالمواساة بفضول الأموال واستحباب خلط الأزواد إذا قلت 4383 - (1674) (20) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي صدوق من (9) (حدثنا أبو الأشهب) جعفر بن حيان التميمي السعدي البصري الحذاء الأعمى ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد) الأنصاري (الخدري) سعد بن مالك المدني - رضي الله عنه - وهذا السند من رباعياته (قال) أبو سعيد: (بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -) لم أر من عين هذه السفرة من الشراح (إذ جاء رجل على راحلة له) لم أر أحدًا من شراح الكتاب عين اسم هذا الرجل ولم يقع مسمى في أبي داود ولا في مسند أحمد وفي دلائل النبوة في رقم (38) ما يفيد أنَّه أبو قتادة الأنصاري وفيه أيضًا رقم (38) ما يدل على أنَّه زياد بن الحارث الصدائي وهذا الأخير أقرب إلى قصتنا من الأول والله أعلم اهـ تنبيه المعلم (قال) أبو سعيد: (فجعل) الرجل (يصرف بصره) أي يقلب بصره (يمينًا وشمالًا) ويلتفت إليهما ببصره أي فشرع في الالتفات إلى جانبيه متعرضًا لشيء يدفع به حاجته وكانت راحلته ضعيفة كما في المرقاة (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كان معه فضل ظهر) أي زيادة ما يركب على ظهره من الدواب يعني مركوبًا فاضلًا عن الحاجة وخصه اللغويون بالإبل (فليعد) أي فليحسن (به) أي بذلك الفاضل وليجد به من عاد علينا بمعروف أي رفق بنا وأحسن إلينا بمعروف كما في المرقاة عن أساس البلاغة (على من لا ظهر) ولا مركوب (له) يعني أن من له زيادة مركوب عن نفسه يلزم أن يواسي الراجل ويعينه بإركابه على دابته (ومن كان له

فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ". قَال: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَينَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فضل من زاد فليعد) أي فليجد (به) أي بذلك الفاضل (على من لا زاد له قال) أبو سعيد: (نذكر) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا) وظننًا وفهمنا من كلامه (أنَّه) أي أن الشأن والحال (لا حق لأحد منا في فضل) أي في مال فاضل عن حاجته قوله (فيصرف بصره) وفي رواية موسى بن إسماعيل عند أبي داود (فجعل يصرفها) يعني الناقة كذا رواه العذري فقال: (يصرف) بالصاد المهملة والفاء من الصرف ولم يذكر المصروف ما هو وقد رواه السمرقندي والصدفي كذلك وبينوا المصروف فقالوا: (يصرف بصره يمينًا وشمالًا) يعني كان يقلب طرفه فيمن يعطيه ما يدفع عنه ضرورته ورواه ابن ماهان (يضرب يمينًا وشمالًا) بالضاد المعجمة وبالباء الموحدة من تحتها من الضرب في الأرض الذي يراد به الاضطراب والحركة فكأنه كان يجيء بناقته ويذهب بها فعل المجهود الطالب وفي كتاب أبي داود (يضرب راحلته يمينًا وشمالًا) ولا تباعد بين هذه الروايات إذ قد صدر من الرجل كل ذلك ولما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - على تلك الحال أمر كل من كان عنده زيادة على قدر كفايته أن يبذله ولا يمسكه وكان ذلك الأمر على جهة الوجوب لعموم الحاجة وشدة الفاقة ولذلك قال الصحابي: (حتى رأينا أنَّه لا حق لأحد منا في فضل) أي في زيادة على قدر الحاجة وهكذا الحكم إلى يوم القيامة مهما نزلت حاجة أو مجاعة في السفر أو في الحضر وجبت المواساة بما زاد على كفاية تلك الحال وحرم إمساك مال الفضل اهـ من المفهم قال في فتح الودود قوله (يمينًا وشمالًا) الأقرب أن الناقة أعجزها السير فأراد أن يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك فيعطيه غيرها اهـ وذكر في البذل عن الدهلوي أن قوله (فجعل يصرفها يمينًا وشمالًا) أي فخرًا ولعل مراده أن الرجل كان يفخر ويتبختر بناقته مما يدل على غناه أنَّه يملك نياقًا أخرى فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفضل هبة الفضل ليراه ويسمعه ويهب المحتاجين ما فضل من حاجته اهـ وقوله (فليعد به) أمر من العود بمعنى الرجوع أي فليرجع بالإحسان به على المحتاج إليه قال في المصباح عاد بمعروفه عودًا من باب قال أفضل اهـ يعني تفضل به على غيره وشارك المؤلف في رواية

4384 - (1675) (21) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيَّ). حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ). حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ. فَأَصَابَنَا جَهْدٌ. حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا. فأَمَرَ نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَجَمَعْنَا مَزَاودَنَا. فَبَسَطْنَا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث أحمد [3/ 34] وأبو داود [1663] ثمَّ استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - فقال. 4384 - (1675) (21) (حدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي النيسابوري ثقة، من (11) (حدثنا النضر يعني ابن محمَّد) بن موسى الأموي (اليمامي) ثقة، من (9) (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار) العجلي اليمامي صدوق من (5) (حدثنا إياس بن سلمة) بن الأكوع الأسلمي المدني ثقة، من (3) (عن أبيه) سلمة بن عمرو بن الأكوع السلمي المدني الصحابي المشهور - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان يمانيان وواحد نيسابوري (قال) سلمة (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة) لعلها غزوة تبوك فقد مر عند المصنف في الإيمان (باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة) مثل هذه القصة من رواية أبي هريرة وقد صح فيها بأنها وقعت في غزوة تبوك والله أعلم (فأصابنا جهد) بفتح الجيم أي مشقة أي مجاعة كما هو في رواية ويدل عليه سياق الحديث واشتد بنا الجهد (حتى هممنا) أي قصدنا لشدة المجاعة (أن ننحر) ونذكي (بعض ظهرنا) أي بعض إبلنا وفي رواية البخاري أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أذن لهم بذلك حتى لما اطلع عليه عمر دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم (فأمر نبي الله) بجمع أزوادنا (فجمعنا مزاودنا) أي الأزواد التي فيها ففيه مجاز مرسل من ذكر المحل وإرادة الحال فإن المزاود جمع مزود كمنبر وهو الوعاء الذي يجعل فيه الزاد والزاد هو ما يتزوده المسافر لسفره من الطعام وفي رواية (أزوادنا) وهي الواضحة المحفوظة وقد وقع لبعضهم (تزوادنا) بالتاء الفوقانية بفتح التاء وكسرها وهو اسم من الزاد كالتيار والتمثال ومعناه كما في النهاية ما تزودناه والثاني أوجه وأصح كما قلنا آنفًا اهـ مفهم (فبسطنا) أي فرشنا (له) أي للمجموع

نِطَعًا. فَاجْتَمَعَ زَادُ الْقَوْمِ عَلَى النِّطَعِ. قَال: فَتَطَاوَلْتُ لأَحْزُرَهُ كَمْ هُوَ؟ فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةِ الْعَنْزِ. وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَال: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا. فَقَال نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "فَهَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ " قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ لَهُ، فِيهَا نُطْفَةٌ. فَأَفْرَغَهَا فِي قَدَحٍ. فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا. نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً. أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ مما في مزاودنا (نطعًا) أي سفرة من الأديم أو بساطًا يجوز فيه كسر النون وفتحها وسكون الطاء وفتحها والأفصح على ما ذكره النووي كسر النون وفتح الطاء وهو بساط من الأديم كما في تاج العروس (فاجتمع زاد القوم على النطع قال) سلمة: (فتطاولت) أي علوت وترفعت أو أظهرت طولي (لأحزره) بتقديم الزاي على الراء من باب نصر أي لأقدره وأخمنه وأعرف (كم هو) أي كم هذا المجموع على النطع (فحزرته) أي قدرته (كربضة العنز) أي فجاء تخميني أنَّه قدر جثة عنز إذا ربضت أي قعدت واضطجعت والعنز الأنثى من المعز إذا أتى عليها حول وذكر الشارح رواية كسر الراء في لفظة ربضة أي قدرته قدر العنز الرابضة أي المضطجعة أي قدر جثتها قال القرطبي قوله: (فحزرته كربضة العنز) أي قدرته مثل جثة العنز فحقه على هذا أن يكون مضموم الراء لأنه اسم وكذلك حفظي عمن أثق به فيكون كظلمة وغرفة وقد رُوي بكسر الراء ذهب فيه مذهب الهيئات كالجلسة والمشية وقد رُوي بفتح الراء وهي أبعدها لأنه حينئذٍ يكون مصدرًا ولا يحزر المصدر ولا يقدر اهـ من المفهم (ونحن) معاشر الحاضرين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أربع عشرة مائة) أي ألف وأربعمائة نفس (قال): سلمة (فأكلنا) من ذلك المجموع (حتى شبعنا جميعًا ثمَّ حشونا) أي ملأنا منه (جربنا) أي مزاودنا الجرب بضمتين جمع جراب نظير كتاب وكتب وهو الوعاء من الجلد يجعل فيه الزاد أي ملأنا أوعيتنا بما فضل منه بعد أكلنا (فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فهل) عندكم (من وضوء) بفتح الواو أي ماء نتوضأ به (فجاء رجل) لم أر من ذكر اسمه أي جاء رجل من المسلمين (بإداوة) أي بمطهرة (له فيها نطفة) أي قليل من الماء فأفرغها أي أفرغ الرجل تلك النطفة وصبها (في قدح) أي في إناء واسع الفم قريب القعر (فتوضأنا كلنا) من القدح حالة كوننا (ندغفقه) أي نصب الماء (دغفقة) أي صبًا كثيرًا واسعًا يقال: فلان في عيش دغفق أي واسع كما في النهاية أي نأخذ منه ونصب على أيدينا صبًا شديدًا ونحن (أربع عشرة مائة

قَال: ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَقَالُوا: هَلْ مِنْ طَهُورٍ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "فَرِغَ الْوَضُوءُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال) سلمة: (ثمَّ جاء بعد ذلك) أي بعد ما توضأنا (ثمانية) أنفار (فقالوا: هل من طهور) أي ماء نتوضأ به (فقال) لهم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فرغ الوضوء) أي انتهى الماء الذي يتوضأ به وفرغ بكسر الراء بمعنى انتهى وانغلق من باب تعب قال النووي: وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهما تكثير الطعام وتكثير الماء هذه الكثرة الظاهرة قال المازري في تحقيق المعجزة في هذا أنَّه كلما أكل منه جزء أو شرب جزء خلق الله تعالى جزءًا آخر يخلفه وفي هذا الحديث استحباب المواساة في الزاد وجمعه عند قلته وجواز أكل بعضهم مع بعض في هذه الحالة وليس هذا من الربا في شيء وإنما هو من نحو الإباحة وكل واحد مبيح لرفقته الأكل من طعامه وسواء تحقق الإنسان أنَّه أكل أكثر من حصته أو دونها أو مثلها فلا بأس بهذا لكن يستحب له الإيثار والتقلل لا سيما إن كان في الطعام قلة وقال ابن بطال: واستنبط منه بعض الفقهاء أنَّه يجوز للإمام في الغلاء إلزام من عنده ما يفضل عن قوته أن يخرجه للبيع لما في ذلك من صلاح الناس اهـ فتح الباري [6/ 130] وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة. ***

كتاب الجهاد والسير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 15 - كتاب: الجهاد والسير ـــــــــــــــــــــــــــــ 15 - كتاب الجهاد والسير والجهاد لغة مصدر جاهد يجاهد مجاهدة وجهادًا إذا قاتل مع غيره مطلقًا وشرعًا المقاتلة مع الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى وهذا هو الجهاد الأصغر وأما الجهاد الأكبر فهو مجاهدة النفس بمنعها من المحرمات والشبهات والشهوات فلذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا رجع من الغزو: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وعرفه الشيخ ابن عرفة بأنه قتال مسلم كافرًا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره أو دخوله أرضًا له وقوله أو حضوره أو دخوله بالرفع عطفًا على قتال وأو للتنويع يعني أن من حضر القتال وإن لم يقاتل أو دخل أرض الحرب للقتال حكمه حكم المجاهد وإن لم يقاتل وحكمه أنَّه فرض كفاية إن كان الكفار في بلادهم وفرض عين إذا دخلوا بلدة من بلاد المسلمين وقرية من قراهم والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِتَالُ} وقوله: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} وأخبار كخبر الصحيحين كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) (والسير) جمع سيرة وهي أحواله - صلى الله عليه وسلم - المتلقاة عنه في الغزوات كما وقع له - صلى الله عليه وسلم - في بدر فإنَّه قتل وفدى ومنَّ وضرب الرق على بعض وعبارة القسطلاني قوله: (كتاب الجهاد والسير) والجهاد بكسر الجيم مصدر جاهدت العدو مجاهدة وجهادًا وأصله جيهاد كقيتال فخفف بحذف الياء وهو مشتق من الجهد بفتح الجيم وهو التعب والمشقة لما فيه من ارتكابها أو من الجهد بالضم وهو الطاقة لأنَّ كل واحد منهما بذل طاقته في دفع صاحبه وهو في الاصطلاح قتال الكفار لنصرة الإِسلام وإعلاء كلمة الله ويطلق أيضًا على جهاد النفس والشيطان والمراد به في الترجمة الأول (والسير) بكسر السين المهملة وفتح الياء التحتانية وزاد في الفرع بفتح السين وسكون التحتية جمع سيرة وهي الطريقة وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزواته اهـ.

(614) - (7) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة وتأمير الإمام الأمراء على البعوث والوصية لهم

(614) (7) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة وتأمير الإمام الأمراء على البعوث والوصية لهم 4385 - (1676) (22) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَال: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ؟ قَال: فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّمَا كَانَ ذلِكَ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ. قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ؟ وَسَلَّمَ - عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (614) - (7) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة وتأمير الإمام الأمراء على البعوث والوصية لهم 4385 - (1676) (22) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا سليم) مصغرًا (بن أخضر) البصري ثقة، من (8) روى عنه في (4) أبواب (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة ثبت من (6) (قال) عبد الله بن عون: (كتبت إلى نافع) مولى ابن عمر قال ابن عون حالة كوني (أسأله عن) مشروعية (الدعاء) والطلب للكفار إلى الإِسلام (قبل القتال) أي قبل شروع جيش المسلمين في قتالهم والدعوة المرة الواحدة منه والمعنى هل يجب على المجاهدين أن يدعوا الكفار إلى الإِسلام والتوحيد أو إلى الجزية قبل أن يبدؤوهم بالقتال أم لا وفيه خلاف مشهور قال النووي رحمه الله في هذه المسألة ثلاثة مذاهب حكاها المازري والقاضي أحدها يجب الإنذار مطلقًا قال مالك وغيره وهذا ضعيف والثاني لا يجب مطلقًا وهذا أضعف منه أو باطل والثالث يجب إن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب وهذا هو الصحيح وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعيُّ وأبو ثور وابن المنذر والجمهور قال ابن المنذر وهو قول أكثر أهل العلم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه فمنها هذا الحديث وحديث قتل كعب بن الأشرف وحديث قتل أبي الحقيق اهـ (قال) ابن عون (فكتب إلي) نافع راويًا عن ابن عمر (إنما كان ذلك) أي دعاؤهم إلى الإِسلام قبل القتال (في أول الإِسلام) ومبدئه قبل انتشار دعوة الإِسلام يعني حين لم تكن دعوة الإِسلام منتشرة فأما بعد انتشار الدعوة فلا يجب الدعاء قبل الجهاد لكون الكفار بلغتهم الدعوة من قبل واستدل نافع على ذلك بقصة بني المصطلق حيث أغار عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اكتفاءً بالدعوة السابقة ولم يجدد الدعوة عند القتال حيث قال راويًا عن ابن عمر فإنَّه (قد أغار) وهجم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بني المصطلق)

وَهُمْ غَارُّونَ. وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ. فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ. (قَال يَحْيَى: أَحْسِبُهُ قَال) جُوَيرِيَةَ. (أَوْ قَال: الْبَتَّةَ) ابْنَةَ الْحَارِثِ. وَحَدَّثَنِي هذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. وَكَانَ فِي ذَاكَ الْجَيشِ. 4386 - (. .) (. .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الطاء وكسر اللام بطن مشهور من خزاعة (وهم) أي والحال أن بني المصطلق (غارون) أي بتشديد الراء أي غافلون عن هذه الإغارة يقال أخذهم على غرتهم يعني على غفلة منهم (وأنعامهم) أي والحال أن مواشيهم (تسقى) واردة (على الماء). أي هجم على ديارهم وأوقع بهم وهم غافلون وذلك في شعبان سنة ست من الهجرة حين بلغه - صلى الله عليه وسلم - أنهم يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم ولقيهم على ماء لهم يقال له المريسيع كما في سيرة ابن هشام (فقتل مقاتلتهم) أي الذين يصلحون للقتال وهم الرجال البالغون جمع مقاتل (وسبى سبيهم) أي أخذ منهم من لا يصلح للقتال عبيدًا أو إماء والسبي مصدر وصف به كما يسمى الجيش بعثًا (وأصاب) النبي - صلى الله عليه وسلم - أي أخذ (يومئذٍ) أي يوم إذ غزا بني المصطلق (قال يحيى) بن يحيى (أحسبه) أي أحسب شيخي سليم بن أخضر عندما روى لي هذا الحديث (قال) لفظة (جويرية) أي أظن قوله لفظة جويرية ظنًّا غير جازم (أو) أعلم أنَّه (قال البتة) أي وأعلم علمًا بتًا أي مقطوعًا جازمًا قوله أنَّه أصاب يومئذٍ (ابنة الحارث) والحاصل أن يحيى بن يحيى جازم في أن شيخه سماها بنت الحارث وهو متردد في أنَّه هل سماها جويرية أو لا فيقال إنه (ذكر البتة) بنت الحارث وأحسبه أنَّه سماها جويرية أيضًا وقد ثبت بروايات أخرى أيضًا أنها كانت جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها قال نافع بالسند السابق (وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما (وكان) عبد الله (في ذاك الجيش) أي في جيش غزوة بني المصطلق فيكون سند هذا الحديث من خماسياته وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1857 و 487 و 5124]، والبخاري في العتق [2541]، وأبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين [2633]، ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4386 - (. .) (. .) (وحدثنا محمَّد بن المثنى حدثنا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي

عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: جُوَيرِيَةَ بِنتَ الْحَارِثِ، وَلَمْ يَشُكَّ. 4387 - (1677) (23) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: أَمْلاهُ عَلَينَا إِمْلاءً. (ح) وحدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عدي) السلمي البصري من (9) (عن ابن عون بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر وساق محمَّد بن المثنى (مثله) أي مثل ما حدث يحيى بن يحيى (و) لكن (قال) ابن المثنى في روايته (جويرية بنت الحارث ولم يشك) ابن المثنى في ذلك كما شك يحيى بن يحيى غرضه بيان متابعة ابن المثنى ليحيى بن يحيى ولكنها متابعة ناقصة ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث بريد بن الحصيب - رضي الله عنه - فقال. 4387 - (1677) (23) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) الثوري (قال) يحيى بن آدم (أملاه) أي أملى سفيان (علينا) هذا الحديث الآتي (إملاء) مصدر مؤكد لعامله والإملاء حكاية القول لمن يكتبه (ح وحدثني عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري ثقة، من (10) (واللفظ له) أي لعبد الله بن هاشم (حدثني عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) الثوري (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي ثقة، من (6) (عن سليمان بن بريدة) بن حصيب الأسلمي المروزي ثقة، من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي - رضي الله عنه - وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من سداسياته وتلتقي كلها في سفيان الثوري (قال) بريدة: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرًا) أي ولى أميرًا (على جيش) وهو الجند

أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيرًا. ثُمَّ قَال: "اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ. فِي سَبِيلِ اللهِ. قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ. اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا. وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أَوْ خِلالٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الكثير له جناحان ومقدمة ومؤخرة وقلب (أو) ولاه على (سرية) وهي القطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود إليه قال إبراهيم الحربي هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها قالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها وهي فعيلة بمعنى فاعلة يقال سرى وأسرى إذا ذهب ليلًا اهـ نووي (أوصاه) أي أوصى الأمير (في خاصته) أي في حق نفس ذلك الأمير خصوصًا (بتقوى الله) سبحانه (و) أوصاه في حق (من معه من المسلمين خيرًا) معطوف على خاصته من باب العطف على عاملين مختلفين أي وأوصاه فيمن معه من المسلمين بخير وفي تخصيص التقوى بخاصة نفسه والخير بمن معه إشارة إلى أن عليه التشديد على نفسه فيما يفعل ويذر والتسهيل على من معه من المسلمين والرفق بهم (ثمَّ) بعد إيصاء الأمير (قال: اغزوا) الكفار وقاتلوهم (باسم الله) تعالى أي مستعينين باسم الله منتصرين به (في سبيل الله) وإعلاء كلمته لا للمغنم ولا للعصبية ولا لإظهار الشجاعة (قاتلوا) أي اقتلوا (من كفر بالله) وبرسوله وبكتابه وبما جاء به (اغزوا) لوجه الله تعالى لا للغنيمة (ولا تغلوا) أي ولا تخونوا في الغنيمة قبل قسمتها من الغلول وهو الخيانة في المغنم (ولا تغدروا) بكسر الدال من باب ضرب أي ولا تنقضوا العهد مع المعاهدين بقتالهم وسبي أموالهم وقوله (قاتلوا من كفر بالله) جملة موضحة لـ (اغزو)، وأعاد قوله اغزوا ليعقبه المذكورات بعده أعني قوله ولا تغلوا وهو من الغلول المتعدي المُمَات المفعول ومعناه الخيانة في المغنم قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] أي لا تخونوا في الغنيمة ولا تغدروا ولا تنقضوا العهد مع من عاهدتم من الكفار (ولا تمثلوا) بضم المثلثة من المثلة وهي أن تقطع الأعضاء أي ولا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان والمذاكير. (ولا تقتلوا وليدًا) أي صبيًّا لأنه لا يقاتل وكذا الشيخ والمرأة إلا إذا كان كما قال أبو الطيب: وليدهم لدى رأي كشيخ ... وشيخهم لدى حرب وليد (وإذا لقيت) بفتح التاء خطاب للأمير أي وإذا قابلت (عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الراوي إلى ثلاث (خلال) أي

فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ. فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ. وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ، إِنْ فَعَلُوا ذلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كأَعْرَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خصال والمعنى واحد والشك من الراوي أو ممن دونه (فأيتهن) اسم موصول مرفوع على الابتداء وجملة (ما أجابوك) صلة الموصول وما زائدة والعائد محذوف وجاز حذفه كقولهم السمن منوان بدرهم والخبر جملة قوله (فاقبل منهم) أي فأي واحدة منهن أجابوك إليها فاقبلها منهم أي فأي تلك الخصال قبلوه منك فاقبله منهم (وكف) نفسك وامتنع (عنهم) أي عن قتالهم وإيذائهم وقوله (ثمَّ ادعهم إلى الإِسلام) هذه أولى الخصال المدعو إليها قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم ثمَّ ادعهم قال القاضي عياض رحمه الله تعالى صواب الرواية ادعهم بإسقاط ثمَّ لأنه تفصيل لتلك الخصال المدعو إليها لا غيرها وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن أبي داود وغيرهما وقال المازري ليست (ثمَّ) هنا زائدة بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ فيه فهي بمعنى فاء الإفصاح (فإن أجابوك) إلى الإِسلام والانقياد للأوامر الشرعية (فاقبلـ) ــه (منهم وكف عنهم) أي عن قتالهم (ثمَّ ادعهم إلى التحول) والانتقال (من دارهم) أي من دار الكفر وبلادهم (إلى دار المهاجرين) أي إلى دار الإِسلام وكانت الهجرة إذ ذاك واجبة فهذه متفرعة على الخصلة الأولى قال النووي معنى هذا الحديث أنهم إذا أسلموا استحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة فإن فعلوا ذلك كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك وإلا فهم كسائر العرب من المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو فتجرى عليهم أحكام الإِسلام ولا حق لهم في الفيء والغنيمة وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة إن كانوا بصفة استحقاقها اهـ. قال الأبي والأمر بالتحول كان في صدر الإِسلام وعلته ما يذكر وأما بعد ذلك فقال سحنون: من أجاب إلى الإِسلام والجزية لم يؤمر بالتحول من محله إن كان تحت حكم الإِسلام اهـ (وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك) التحول (فلهم ما للمهاجرين) من الفيء والغنيمة (وعليهم ما على المهاجرين) من الغزو والدعوة إلى الله تعالى (فإن أبوا أن يتحولوا منها) أي من دار الكفر إلى دار الإِسلام (فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب

الْمُسْلِمِينَ. يَجْرِي عَلَيهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيءِ شَيءٌ. إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ. فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين) من العقوبات الدينية والحدود الشرعية (ولا يكون لهم) حينئذٍ (في الغنيمة والفيء شيء) أي نصيب (إلا أن يجاهدوا مع المسلمين) غيرهم (فإن هم أبوا) وامتنعوا من الإِسلام (فسلهم) أي فاطلب منهم (الجزية) أي أداء الجزية بعقد الذمة لهم والجزية بكسر الجيم وسكون الزاي مال مأخوذ من أهل الذمة لإسكاننا إياهم في دارنا أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم أو لكفنا عن قتالهم وأقلها عند الشافعية والجمهور دينار في كل حول ومن متوسط الحال ديناران والموسر أربعة استحبابًا اهـ قسطلاني (فإن هم أجابوك) إلى أداء الجزية (فاقبلـ) ــها (منهم وكف) نفسك وامنعها عن التعرض لهم بقتل أو سبي أو إيذاء وهذا حجة للحنفية والمالكية في جواز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لأنَّ الحديث يدل على سؤال الجزية من الكفار والمشركين عامة وليس فيه ذكر أهل الكتاب خاصة وقال الشافعي وأحمد: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب أو المجوس وقال ابن قدامة في المغني [10/ 387] والحاصل أن الكفار على ثلاثة أقسام قسم أهل كتاب وهم اليهود والنصارى ومن اتخذ التوراة والإنجيل كالسامرة والإفرنج ونحوهم وهؤلاء تقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم إذا بذلوها لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وقسم لهم شبهة كتاب وهم المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإقرارهم بها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولا نعلم خلافًا بين أهل العلم في هذين القسمين وقسم لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب وهم من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان والشمس والقمر والنجوم وسائر الكفار فلا تقبل منهم الجزية ولا يقبل منهم إلا الإِسلام وهذا ظاهر مذهب أحمد والشافعيُّ ورُوي عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك اهـ. (فإن هم أبوا) وامتنعوا عن أداء الجزية (فاستعن) على قتالهم (بالله) أي بقدرة الله تعالى ومعونته (وقاتلهم وإذا حاصرت) ومنعت (أهل حصن) وقلعة أو قرية أو بلدة من

فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ. فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ. وَلكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ. فَإِنَّكُمْ، أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ، أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخروج عن حصنهم (فأرادوك) أي طلبوا منك (أن تجعل لهم ذمة الله) تعالى وعهده (وذمة نبيه) - صلى الله عليه وسلم - على ألّا تتعرض لهم بقتل أو غيره (فلا تجعل لهم) على ذلك (ذمة الله ولا ذمة نبيه) - صلى الله عليه وسلم - (ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك) أي عهدك وعهد سريتك على ألّا تتعرضوا لهم إذا نزلوا من الحصين (فإنكم أن تخفروا) وتنقضوا بضم التاء من أخفر الرباعي وبفتحها وكسر الفاء من خفر الثلاثي من باب ضرب يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته إذا أجرته وأمنته وحميته (ذممكم) أيها الأمير مع سريتك (وذمم أصحابك) من سائر المسلمين (أهون) وأيسر (من أن تخفروا ذمة الله وذمه رسوله) وهذا على وجه الاحتياط والإعظام لعهد الله خوفًا أن يتعرض لنقضه من لا يعرف حقها من جهلة الأعراب وسواد الجيش اهـ أبي قال النووي: فالنهي نهي تنزيه اهـ. والمعنى أي لا تجعل لهم ذمة الله فإنَّه قد ينقضها من لا يعرف حقها بالتعرض لهم بقتل مثلًا وإن الإخفار بذمة الله أشد خطرًا من إخفار ذمة العباد وقال السرخسي في شرح السير الكبير [1/ 31] وإنما كره ذلك لا على وجه التحريم بل للتحرز من الإخفار عند الحاجة فكان الأوزاعي يقول: لا يجوز إعطاء ذمة الله للكفار ويتمسك بظاهر الحديث فمقتضى مطلق النهي حرمة المنهي عنه وإنما كره له ذلك لمعنى في غير المنهي عنه وهو أنهم قد يحتاجون إلى النقض لمصلحة يرونها في ذلك فأن ينقضوا عهدهم أهون من أن ينقضوا عهد الله ورسوله وذلك لا بأس به عند الحاجة إليه قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] (وإذا حاصرت أهل حصن) وقلعة مثلًا ومنعتهم من النزول (فأرادوك) أي فطلبوا منك (أن تنزلهم) من حصنهم برفع الحصار وتركه (على حكم الله) أي على ما حكم الله فيهم من القتل أو الاسترقاق أو الفداء أو المن (فلا تنزلهم) من حصنهم (على حكم الله) تعالى حمل محمَّد بن الحسن النهي فيه على التحريم وحمله أبو يوسف على التنزيه قال العثماني في إعلاء السنن وقول محمَّد عندي أولى

وَلكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ. فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا". قَال عَبْدُ الرَّحْمنِ: هذَا أَوْ نَحْوَهُ. وَزَادَ إِسْحَاقُ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ. قَال: فَذَكَرْتُ هذَا الْحَدِيثَ لِمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ (قَال يَحْيَى: يَعْنِي أَنَّ عَلْقَمَةَ يَقُولُهُ لابْنِ حَيَّانَ) فَقَال: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ هَيصَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأحوط وقول أبي يوسف أقيس وأضبط اهـ تكملة (ولكن أنزلهم) من الحصن (على حكمك) أي على ما حكمت أنت فيهم باجتهادك (فإنك لا تدري) ولا تعلم إذا أنزلتهم على حكم الله (أتصيب) وتوافق في حكمك عليهم (حكم الله فيهم أم لا) تصيب حكم الله فيهم فإن الحكم في زمنه - صلى الله عليه وسلم - معرض للنسخ والرفع فالمعنى أنك إذا حكمت وأنت غائب عني فإنك لا تأمن أن يكون ذلك الحكم نسخ بعد غيبتك عني اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب دعاء المشركين [2612 و 2613] والترمذي في السير باب ما جاء في وصيته - صلى الله عليه وسلم - في القتال [1617]، وابن ماجه في الجهاد باب وصية الإمام [2858]، قال عبد الله بن هاشم (قال) لنا (عبد الرحمن) بن مهدي لفظ (هذا) الحديث المذكور سابقًا (أو) قال لنا عبد الرحمن (نحوه) أي نحو هذا الحديث المذكور سابقًا شك عبد الله بن هاشم في لفظ ما روى له عبد الرحمن بن مهدي (وزاد إسحاق) بن إبراهيم (في آخر حديثه) وروايته (عن يحيى بن آدم قال) لنا يحيى بن آدم: (فذكرت هذا الحديث) الذي سمعته من الثوري (لمقاتل بن حيان) البكري مولاهم النبطي أبي بسطام البلخي في حديثه عن علقمة بن مرثد روى عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: فذكرته لمقاتل عن مسلم بن هيصم في الجهاد صدوق من السادسة وقوله (قال يحيى يعني أن علقمة يقوله لابن حيان) زيادة من النساخ أعني ما بين القوسين تحريف من النساخ لا معنى له وقوله (فقال: حدثني مسلم) معطوف على قوله فذكرت وحاصل الكلام وزاد إسحاق بن إبراهيم في آخر حديثه عن يحيى بن آدم قال لي يحيى بن آدم فذكرت هذا الحديث الذي سمعته من سفيان لمقاتل بن حيان (فقال) لي مقاتل بن حيان: (حدثني) هذا الحديث (مسلم بن هيصم) بفتح المهملتين بينهما ياء ساكنة كذا في النسخ المطبوعة من مسلم ووقع في التهذيب والتقريب هيضم بالضاد المعجمة العبدي المدني روى عن النعمان بن مقرن في الجهاد وعن الأشعث بن قيس ويروي عنه (م د س ق) ومقاتل بن حيان وعقيل بن طلحة وسليمان بن

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ. 4388 - (. .) (. .) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ؛ أَنَّ سُلَيمَانَ بْنَ بُرَيدَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا أَوْ سَرِيَّةً دَعَاهُ فَأَوْصَاهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ. 4389 - (. .) (. .) حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بريدة ذكره ابن حبَّان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الرابعة (عن النعمان بن مقرن) على صيغة اسم الفاعل بوزن محدث بن عائذ المزني أبي عمرو الكوفي أحد الإخوة السبعة من بني مقرن الصحابي المشهور - رضي الله عنه - روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، نزل البصرة وله بها دار وتحول إلى الكوفة وعداده في أهلها استشهد بنهاوند يوم الجمعة وهو أمير الجيش سنة إحدى وعشرين فنعاه عمر بن الخطاب على المنبر ولما جاءه نعيه وضع يده على رأسه يبكي رضوان الله تعالى عليهما ويروي عنه (ع) ومسلم بن هيصم في الجهاد (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه) أي نحو ما روى بريدة بن الحصيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرضه بذكر هذا الاستشهاد لحديث بريدة بن الحصيب ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة في حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - فقال: 4388 - (. .) (. .) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـــابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري صدوق من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (حدثني علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي ثقة، من (6) (أن سليمان بن بريدة) الأسلمي المروزي ثقة، من (3) (حدثه) أي حدث لعلقمة (عن أبيه) بريدة - رضي الله عنه - وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري (قال) بريدة: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أميرًا أو سرية دعاه) أي دعا ذلك الأمير (فأوصاه) في خاصة نفسه وفي حق من معه (وساق) شعبة (الحديث) السابق (بمثل حديث سفيان) الثوري لفظًا ومعنى. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث بريدة - رضي الله عنه - فقال: 4389 - (. .) (. .) (حدثنا إبراهيم) بن موسى بن يزيد أبو إسحاق الفراء الصغير

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، عَنِ الْحُسَينِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الرازي ثقة، من (10) (حدثنا محمَّد بن عبد الوهاب) بن حبيب بن مهران العبدي أبو أحمد (الفراء) النيسابوري ثقة عارف من الحادية عشرة مات سنة (272) اثنتين وسبعين ومائتين وله خمس وتسعون سنة (95) (عن الحسين) بن علي (بن الوليد) الجعفي الكوفي ثقة عابد من (9) (عن شعبة) بن الحجاج (بهذا) الإسناد يعني عن علقمة عن سليمان عن بريدة (مثله) أي مثل ما حدث عبد الصمد عن شعبة غرضه بيان متابعة الحسين بن الوليد لعبد الصمد بن عبد الوارث والله سبحانه وتعالى أعلم تأمل في هذا الإسناد فإن فيه غموضًا وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. ***

615 - (8) باب الأمر بالتيسير وتحريم الغدر

615 - (8) باب الأمر بالتيسير وتحريم الغدر 4390 - (1678) (24) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَال: "بَشِّرُوا وَلَا تُنفِّرُوا. وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 615 - (8) باب الأمر بالتيسير وتحريم الغدر 4390 - (1678) (24) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله) بن أبي بردة (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره) وعمله أي من أمور الشريعة وأعمالها (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك المبعوث (بشروا) أي الناس بقبول الله الطاعات وإثابته عليها وتوفيقه للتوبة من المعاصي وعفوه ومغفرته (ولا تنفروا) بتشديد الفاء المكسورة أي لا تخوفوهم بالمبالغة في إنذارهم حتى تجعلوهم قانطين من رحمة الله تعالى بذنوبهم وأوزارهم (ويسروا) أي سهلوا عليهم الأمور من أخذ الزكاة باللطف بهم (ولا تعسروا) أي بالصعوبة عليهم بأن تأخذوا في الزكاة أكثر مما يجب عليهم أو أحسن منه أو بتتبع عوراتهم وتجسس حالاتهم اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في كراهية المراء رقم (4825) ولم يخرجه غيرهما من أصحاب الأمهات. قال المازري في هذا الحديث بيان ما يجب من التيسير في الأمور والرفق بالناس وتحبيب الإيمان إلى القلوب وترك التشديد خوفًا من أن تنفر القلوب لا سيما فيمن كان قريب العهد بالإيمان وكذلك يجب فيمن قارب التكليف من الأطفال ولم يتمكن رسوخ العمل في قلوبهم فلا يشدد عليهم خوف أن ينفروا من عمل الطاعات وكذلك يجب على الإنسان في نفسه أن لا يشق عليها في العمل في بدء الأمر خوف الترك وعدم الدوام على

4391 - (1679) (25) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العمل بل يدربها فيه فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - ذم عدم الدوام وحض على الأحسن بقوله اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا فإن أخذها بالرفق والتدريج في العمل حتى تأنس دامت على العمل حكاه الأبي اهـ. وقال الحافظ في الفتح [1/ 163] والمراد تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأنَّ الشيء إذا كان في ابتدائه سهلًا حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده اهـ وقال النووي في هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير وإنما جمع في هذه الألفاظ بين الشيء وضده لأنه قد يفعلها في وقتين فلو اقتصر على يسروا لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات فإذا قال: ولا تعسروا انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب وكذا يقال في بشروا ولا تنفروا وتطاوعا ولا تختلفا لأنهما قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت وقد يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء اهـ منه ثمَّ استشهد المؤلف لهذا الحديث بحديث آخر لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - فقال. 4391 - (1679) (25) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن جده) أي جد سعيد أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس - رضي الله عنه - وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا أبا بكر بن أبي شيبة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه) أي بعث أبا موسى (ومعاذًا) بن جبل رضي الله تعالى عنهما (إلى اليمن) عاملين للدعوة إلى التوحيد وتعليم الناس وشرائع الدين وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم اليمن إلى جهتين فاستعمل معاذًا على الجهة العليا إلى صوب عدن وكان من

فَقَال: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا. وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا. وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا". 4392 - (. .) (. .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْروٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمله الجند بفتح الجيم والنون وله بها مسجد مشهور إلى اليوم واستعمل أبا موسى على الجهة السفلى كذا في فتح الباري [8/ 61] (فقال) لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يسرا) على الناس فيما أمرتما به وفيما نهيتما عنه (ولا تعسرا) عليهم (وبشرا) الناس بمثوبته تعالى (ولا تنفرا) عن الدين بذكر عقوبته تعالى قال القرطبي هو من باب المقابلة المعنوية لأنَّ الحقيقة أن يقال بشرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفرا فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير وقال الحافظ بعد حكايته (قلت) ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة وهو الأصل وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتى بعده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفى مطلقًا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار وهو التنفير فكأنه قيل: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير راجع فتح الباري [8/ 61] اهـ من التكملة (وتطاوعا) أي توافقا في مأمورات الشرع ومنهياته (ولا تختلفا) فيها، فيه أمر الولاة بالرفق واتفاق المتشاركين في ولاية ونحوها وهذا من المهمات فإن غالب المصالح لا يتم إلا بالاتفاق ومتى حصل الاختلاف فات وفيه وصية الإمام الولاة وإن كانوا أهل فضل وصلاح كمعاذ وأبي موسى - رضي الله عنه - فإن الذكرى تنفع المؤمنين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري وأبو داود والنسائيُّ وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى هذا - رضي الله عنه - فقال. 4392 - (. .) (. .) (وحدثنا محمَّد بن عباد) بن الزبرقان المكي ثمَّ البغدادي صدوق من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي ثقة، من (4) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (و) محمَّد بن أحمد (بن أبي خلف) السلمي مولاهم البغدادي اسم أبي خلف محمَّد كلاهما (عن زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبي يحيى الكوفي ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا عبيد الله) بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولاهم الرقي أبي وهب

عَنْ زَيدِ بْنِ أبِي أُنَيسَةَ. كِلاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ زَيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ "وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا". 4393 - (1680) (26) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجزري الرقي ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) اسمه زيد أبي أسامة الجزري ثقة، من (6) (كلاهما) أي كل من عمرو بن دينار وزيد بن أبي أنيسة رويا (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عمرو بن دينار وزيد بن أبي أنيسة لشعبة بن الحجاج وساقا (نحو حديث شعبة) بن الحجاج (و) لكن (ليس في حديث زيد بن أبي أنيسة) لفظة (وتطاوعا ولا تختلفا) ثمَّ استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي موسى الأول بحديث أنس - رضي الله عنه - فقال. 4393 - (1680) (26) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ (العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري ثقة، من (5) (عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن سعيد) وهذا تحريف من النساخ والصواب (حدثنا عبيد بن سعيد) بن أبان بن سعيد بن العاص الكوفي بإسقاط لفظ الجلالة ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثنا محمَّد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي العامري أبو عبد الله البصري الملقب بحمدان ثقة، من (10) (حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري (كلاهما) أي كل من محمَّد بن جعفر وعبيد بن سعيد رويا (عن شعبة) غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (عن أبي التياح قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا. وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا". 4504 - (9) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ (يَعْنِي أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ). قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا) أي أزيلوا عن الناس ما يوجب قلقهم بالبشارات ولا تنفروهم بالنذرات قال الحافظ في الفتح [1/ 163]، قوله: (سكنوا) وهو الذي يقابل (ولا تنفروا) لأنَّ السكون ضد النفور كما أن ضد البشارة النذارة اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في كتاب العلم باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم في الموعظة رقم (69) وفي الأدب باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يسروا ولا تعسروا رقم (6125) ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - فقال. 4394 - (1681) (27) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمَّد بن بشر) العبدي الكوفي ثقة، من (9) (وأبو أسامة) حماد بن أسامة (ح وحدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد) قال تلميذ المؤلف إبراهيم بن محمَّد (يعني) مسلم بعبيد الله بن سعيد (أبا قدامة السرخسي) اليشكري ثقة، من (10) روى عنه في (8) (قالا) أي قال زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد (حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان كلهم) أي كل من محمَّد بن بشر وأبي أسامة يحيى القطان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (ح وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن نمير (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر) - رضي الله عنهما - وهذه الأسانيد كلها من خماسياته (قال) ابن عمر: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر) الغادر الخائن من الغدر وهو نقض العهد أو عدم الوفاء به (لواء) أي راية واللواء الراية العظيمة لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب أو صاحب

فَقِيلَ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بْنِ فُلانٍ". 4395 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ دعوة الجيش ويكون الناس تبعًا له قالوا فمعنى لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس قال القرطبي: وهذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل لأنهم كانوا يرفعون يعني في احتفالات الأسواق للوفاء راية بيضاء وللغدر راية سوداء ليشتهر بصفته يوم القيامة فيذمه أهل الموقف وأما الوفاء فلم يرد فيه شيء ولا يبعد أن يقع كذلك وقد ثبت لواء الحمد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا في فتح الباري [6/ 284] (فقيل) أي فيقال في عرصات القيامة (هذه) الراية (غدرة) أي خيانة (فلان بن فلان) لقومه أو لرعيته مثلًا فالغادر هو الذي يواعد على أمر ولا يفي به والمراد برفع اللواء للغادر ركز العلامة بقدر غدرته ليشتهر بها في الناس فيفتضح وتأنيث اسم الإشارة باعتبار معنى العلامة أو لكون اللواء بمعنى الراية كما أشرنا إليه في الحل أو مراعاة لخبره وهو غدرة اهـ من بعض الهوامش قال النووي رحمه الله تعالى وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأنَّ غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين وقيل لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء كما جاء في الحديث الصحيح في تعظيم كذب الملك والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر وذكر القاضي عياض احتمالين أحدهما هذا وهو نهي الإمام أن يغدر في عهده لرعيته وللكفار وغيرهم أو غدره للأمانة التي قلدها لرعيته والتزم القيام بها والمحافظة عليها ومتى خانهم أو ترك الشفقة عليهم أو الرفق بهم فقد غدر بعهده والاحتمال الثاني أن يكون المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا يشقوا عليه العصا ولا يتعرضوا لما يخاف حصول فتنة بسببه والصحيح الأول والله أعلم اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة في الأدب [6177]، وفي الجهاد [3188]، وأبو داود في الجهاد [2756]، والترمذي في السير [1581]، ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال. 4395 - (. .) (. .) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود (العتكي) بفتح العين والتاء نسبة إلى العتيك وهو بطن من الأزد الزهراني البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن

حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيرِيَةَ. كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، بِهذَا الْحَدِيثِ. 4396 - (. .) (. .) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، عَنْ إِسمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الْغَادِرَ يَنْصِبُ اللهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُقَالُ: أَلا هذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ". 4397 - (. .) (. .) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) أبو محمَّد السمرقندي ثقة، من (11) (حدثنا عفان) بن مسلم الأنصاري الصفار البصري (حدثنا صخر بن جويرية) التميمي أو الهلالي مولاهم أبو نافع البصري ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (كلاهما) أي كل من أيوب وصخر بن جويرية رويا (عن نافع عن ابن عمر) - رضي الله عنهما - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث) الذي رواه عبيد الله عن نافع وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعتهما لعبيد الله ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال. 4396 - (. .) (. .) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي ثقة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي كلهم (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة، من (8) (عن عبد الله بن دينار) العدوي المدني (أنَّه سمع عبد الله بن عمر) - رضي الله عنهما - وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع (يقول: قال رسول الله) - صلى الله عليه وسلم -: (إن الغادر) أي تارك الوفاء وناقض العهد (ينصب) من باب ضرب أي يركز (الله له) أي لأجل فضحه وكشف عيبه (لواء) أي عَلَمًا قائمًا (يوم القيامة) بقدر غدره (فيقال: ألا) أي انتبهوا واستمعوا (هذه) الراية (غدرة فلان) أي علامتها الفاضحة له على رؤوس الأشهاد ثمَّ ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال. 4397 - (. .) (. .) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله

ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ ابْنَي عَبْدِ الله؛ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 4398 - (1682) (28) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ أبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكل غادر) أي تارك وفاء العهد (لواء) أي راية تنصب له (يوم القيامة) بقدر غدره فضيحة له على رؤوس الأشهاد ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال. 4398 - (1682) (28) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) محمد السلمي البصري (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى علم الفرائض أبو محمد البصري ثقة، من (10) (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة غندر ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر رويا (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الكاهلي الكوفي المعروف بالأعمش (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكل غادر) وناقض للعهد: (لواء) وراية يعرف به كما هو في الرواية الآتية (يوم القيامة) فضيحة له على رؤوس الأشهاد و (يقال هذه غدرة فلان) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [3186]، وابن ماجه في الجهاد [2872]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال.

4399 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. ح وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمنِ: "يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ". 4400 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4399 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري نزيل مرو وشيخها ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثني عبيد الله بن سعيد) بن يحيى بن برد اليشكري أبو قدامة السرخسي نزيل نيسابور ثقة مأمون سني من (10) (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من النضر بن شميل وعبد الرحمن بن مهدي (عن شعبة) بن الحجاج البصري غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة النضر بن شميل وعبد الرحمن بن مهدي لابن أبي عدي ومحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور في السند الأول يعني عن سليمان عن أبي وائل عن عبد الله (و) لكن (ليس في حديث عبد الرحمن) بن مهدي وروايته لفظة (يقال) له: (هذه غدرة فلان) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال. 4400 - (0) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي ثقة، من (9) (عن يزيد بن عبد العزيز) بن سياه بكسر المهملة بعدها تحتانية مخففة آخره هاء ساكنة الأسدي الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم أبي عبد الله الكوفي روى عن الأعمش في الجهاد وهشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد ومسعر وغيرهم ويروي عنه (خ م د س) ويحيى بن آدم وإسحاق بن منصور وأبو نعيم وغيرهم وثقه أحمد وابن معين وأبو داود ويعقوب بن سفيان والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من السابعة (عن) سليمان (الأعمش) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يزيد بن عبد العزيز لشعبة (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل غادر لواء يوم القيامة

يُعْرَفُ بِهِ. يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ". 4401 - (1683) (29) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ". 4402 - (1684) (30) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُلَيدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لِكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعرف به) في عرصات القيامة (يقال: هذه غدرة فلان) فضيحة له على رؤوس الأشهاد ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أنس رضي الله عنه فقال. 4401 - (1683) (29) (حدثنا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) اليشكري السرخسي (قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) الأزدي البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به) في عرصات القيامة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه مقرونًا بحديث ابن مسعود في الجهاد باب الوفاء بالبيعة رقم (3187) ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم فقال. 4402 - (1684) (30) (حدثنا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) اليشكري السرخسي (قالا: حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (حدثنا شعبة عن خليد) مصغرًا بن جعفر بن طريف الحنفي أبي سليمان البصري روى عن أبي نضرة في الجهاد والطب وأبي إياس معاوية بن قرة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (م ت س) وشعبة وعزرة بن ثابت وثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من السادسة (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوقي بفتح المهملة والواو ثم قاف البصري ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا سعيد الخدري (عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لكل

غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 4403 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ. حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ. أَلا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غادر لواء عند استه) بهمزة وصل وسكون سين أي خلف ظهره (يوم القيامة) لأن لواء العزة ينصب تلقاء الوجه فيناسب أن يكون علم المذلة فيما هو كالمقابل له قال في الفتح قال ابن الأثير: كأنه عومل بنقيض قصده لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس فنصب عند السفل زيادة في فضيحته لأن الأعين غالبًا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببًا لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3186]، وابن ماجه في الجهاد [2873]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4403 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري صدوق من (9) (حدثنا المستمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية وشد الراء (بن الريان) بفتح المهملة وبالتحتانية المشددة الأيادي الزهراني أبو عبد الله البصري العابد رأى أنسًا ولم يرو عنه روى عن أبي نضرة العبدي في الجهاد والطب وأبي الجوزاء ويروي عنه (م د ت س) وعبد الصمد بن عبد الوارث وشعبة وثقه النسائي وأحمد ويحيى بن سعيد وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحاكم ثقة وقال أبو بكر البزار مشهور وقال في التقريب ثقة عابد من السادسة (حدثنا أبو نضرة) المنذر بن مالك (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة المستمر لخليد (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره) أي كمًا وكيفًا يعني كلما كان الغدر أعظم كان اللواء أرفع (ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة) الناس أي من غدر صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير ولكونه من أكثر الناس قدرة على الوفاء والآمال معقودة عليه بذلك فكلما خيب هذه الآمال بغير عذر استحق وزرًا أكثر من غيره والله تعالى أعلم وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول: حديث أبي موسى الأشعري ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث آخر لأبي موسى ذكره استشهادًا للأول وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أنس ذكره للاستشهاد له ثانيًا والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والخاص: حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر وذكر فيه متابعتين والسادس: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا والسابع: حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

616 - (9) باب جواز الخداع في الحرب وكراهة تمني لقاء العدو واستحباب دعاء النصر عند لقاء العدو

616 - (9) باب جواز الخداع في الحرب وكراهة تمني لقاء العدو واستحباب دعاء النصر عند لقاء العدو 4404 - (1685) (31) وحدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لِعَلِيٍّ وَزُهَيرٍ) (قَال عَلِيٌّ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) قَال: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْحَرْبُ خُدْعَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 616 - (9) باب جواز الخداع في الحرب وكراهة تمني لقاء العدو واستحباب دعاء النصر عند لقاء العدو 4404 - (1685) (31) (وحدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد (واللفظ) الآتي (لعلي) بن حجر (وزهير قال علي: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا سفيان) بن عيينة (قال) سفيان: (سمع عمرو) بن دينار (جابرًا) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة) بفتح الخاء وسكون الدال وهي أفصح اللغات الجارية فيها وأصحها وهي لفظة النبي صلى الله عليه وسلم قالها في غزوة الخندق حين بعث نعيم بن مسعود يخذّل بين قريش وغطفان واليهود قاله الواقدي وتكون بالتورية وبالكمين وبخلف الوعد وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرم اهـ قسطلاني والمعنى على هذه اللغة أن الحرب ينقضى أمرها بخدعة واحدة من الخداع أي إن المقاتل إذا خدع مرة واحدة لم تكن لها إقالة. وجملة ما فيها من اللغات خمس الأولى: (خَدْعة) بفتح الخاء سكون الدال وهي أفصحها وأصحها وهي مرة من الخدع كما ذكرناها وفسرناها آنفًا والثانية: (خُدْعة) بضم الخاء وسكون الدال وهي اسم من الخداع والثالثة: (خُدَعة) بضم الخاء وفتح الدال وهي مبالغة من الخداع مثل همزة ولمزة وضحكة للذي يكثر الضحك والمعنى عليها أن الحرب تكثر من الخداع فتخدع الرجال وتمنيهم ولا تفي لهم وهذه خلاصة ما حكاه ابن الأثير في جامع الأصول والرابعة: (خَدَعة) بفتح الخاء والدال كلتيهما حكاها المنذري وقال: هو جمع خادع أي أن أهل الحرب خدعة يخدعون خصومهم والخامسة: (خِدْعة) بكسر الخاء وسكون الدال حكاها مكي ومحمد بن عبد الواحد ولعلها اسم هيئة من

4405 - (1686) (32) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَهْمٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْحَرْبُ خُدْعَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخداع كأنه قال: الحرب هيئة مخصوصة من الخداع وهاتان الأخيرتان ذكرهما الحافظ في فتح الباري [6/ 158]، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رقم [3030] وأبو داود [2636]، والترمذي [1739]، وبهذا الحديث استدل الفقهاء على جواز الكذب في الحرب حملًا للحديث على المعنى الثاني وحملًا للخدعة على معنى الكذب والمسألة قد اختلف فيها الفقهاء قديمًا اهـ من التكملة بتصرف (واعلم) أن الكذب جائز في بعض الأحوال عند الشافعية أما الحنفية فلا أراهم يجوزونه صراحة في موضع نعم وسعوا بالكنايات والمعاريض وأمثالهما وقال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى واستدل المبيحون للكذب الصريح في الحرب بما أخرجه الترمذي في البر والصلة من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعًا (لا يحل الكذب إلا في ثلاث تحدث الرجل مع امرأته ليرضيها والكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس) واستدلوا أيضًا بقصة قتل كعب بن الأشرف فإن محمد بن مسلمة رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذهابه إلى كعب اليهودي في التحيل على قتله بالكذب فقال: ائذن لي أن أقول: فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت كما أخرجه البخاري في باب الفتك من أهل الحرب من كتاب الجهاد اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4405 - (1686) (32) (وحدثنا محمد بن عبد الرحمن) بن حكيم (بن سهم) الفزاري أبو إسحاق الأنطاكي ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني ثقة، من (4) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة) تقدم بسط ما فيه من الكلام.

4406 - (1687) (33) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْحِزَامِيُّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ. فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4406 - (1687) (33) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري ثقة، من (11) (قالا: حدثنا أبو عامر العقدي) بفتحتين عبد الملك بن عمرو القيسي البصري ثقة، من (9) (عن المغيرة وهو ابن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام (الحزامي) بكسر الحاء وبالزاي المخففة نسبة إلى الجد المذكور ثقة، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا) بحذف إحدى التاءين أصله لا تتمنوا كما في الرواية الآتية مضارع مجزوم من تمنى الخماسي قال النووي: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس والوثوق بالقوة وهو نوع بغي وقد ضمن الله تعالى لمن بغي عليه أن ينصره ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو واحتقاره وهذا يخالف الاحتياط والحزم وتأوله بعضهم على النهي عن التمني في صورة خاصة وهي إذا شك في المصلحة فيه وحصول ضرر وإلا فالقتال كله فضيلة وطاعة والصحيح الأول ولهذا تممه صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: (واسألوا الله العافية) وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم هذا لا يعارض فضيلة الشهادة لأن حاصله أن يؤول أمره إلى الشهادة المقبولة عند الله تعالى بأي طريق كان وإنه مطلوب مرغوب فيه شرعًا بخلاف تمني لقاء العدو لأن الإنسان لا يدري إلى ما يؤول أمره بعد اللقاء أيثبت أم يفر أيقاتل حسبة أو رياء أو يلتزم

4407 - (1688) (34) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ. يُخْبِرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بأحكام الشريعة في القتال أم لا يلتزم فلذلك نهى عنه والله سبحانه أعلم. واستدل بهذا الحديث على منع طلب المبارزة وهو رأي الحسن البصري وكان علي يقول: لا تدع إلى المبارزة فإذا دعيت فأجب تنصر كذا في فتح الباري [6/ 157] ولكن الاستدلال بهذا الحديث على المنع من المبارزة فيه نظر لأن الحديث إنما ورد في التمني قبل أن يقع اللقاء فأما بعدما وقع فقد أمر المسلمون بالصبر والثبات وربما يكون من جملة الثبات أن يبارز المسلم الكفار إذا كان أنكى فيهم فلا يتعلق النهي بذلك وقد ثبت المبارزة والإقدام في غير ما رواية عن جمع من الصحابة اهـ إعلاء السنن [12/ 23 و 24]، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3026]. 4407 - (1688) (34) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش بالتحتانية الأسدي المدني ثقة، من (5) (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية مولاهم مولى عمر بن عبيد الله التيمي وكاتبه المدني ثقة، من (5) (عن كتاب رجل من أسلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبي إبراهيم الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (فكتب) عبد الله بن أبي أوفى (إلى عمر بن عبيد الله) بن معمر التيمي الكوفي وكان أميرًا على حرب الخوارج ذكره ابن أبي حاتم وذكر له روايته عن بعض التابعين ولم يذكر له جرحًا كذا في الفتح (حين سار) وذهب عمر بن عبيد الله (إلى الحرورية) لقتالها وهي بفتح الحاء وضم الراء الأولى وهم طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء بالمد والقصر وهو موضع قريب من الكوفة وسميت الخوارج حرورية لأنهم نزلوا حروراء وتعاقدوا فيها على قتال أهل العدل وسموا خوارج لخروجهم عن طريق الجماعة كما مر البحث عنهم في كتاب الزكاة أي كتب عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبيد الله أمير جيش أهل العدل حالة كون ابن أبي أوفى (يخبره) أي يخبر لعمر بن

أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ، فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، يَنْتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ. فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا. وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ". ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَال: "اللَّهُمَّ! مُنْزِلَ الْكِتَابِ. وَمُجْرِيَ السَّحَابِ. وَهَازِمَ الأَحْزَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الله حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أيامه) وغزواته (التي) غزا فيها و (لقي فيها العدو ينتظر) أي يتأخر عن تقابلهم بالقتال إذ لم يقاتلهم في أول النهار كما في رواية البخاري (حتى إذا مالت) وزالت (الشمس) عن كبد السماء (قام) خطيبًا (فيهم) أي في جماعة المسلمين (فقال) في خطبته: (يا أيها الناس) ويا أيها المؤمنون رحمه الله (لا تتمنوا) ولا تودوا (لقاء العدو) قال ابن بطال حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن اهـ (واسألوا) الله تعالى (العافية) أي السلامة من ضررهم قال النووي: وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة (فإذا لقيتموهم فاصبروا) أي اصبروا ولا تظهروا التألم من شيء يحصل لكم فالصبر في القتال هو كظم ما يؤلم من غير إظهار شكوىً ولا جزع وهو الصبر الجميل وهذا حث على الصبر في القتال وهو آكد أركانه وقد جمع الله سبحانه آداب القتال في قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} الآيات (واعلموا) أيها المؤمنون (أن الجنة) أي ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة (تحت ظلال السيوف) أي عند الضرب بالسيوف في سبيل الله ومشي المجاهدين في سبيل الله فاحضروا فيه بصدق واثبتوا اهـ نووي قال الخطابي: معنى ظلال السيوف الدنو من القرن حتى يعلوه بظل سيفه ولا يولي عنه ولا ينفر منه وكل ما دنا منك فقد أظلك وقال في النهاية: هو كناية عن الدنو من الضراب في الجهاد حتى يعلوه السيف ويصير ظله عليه وقال النووي: معناه أن الجهاد وحضور معركة الكفار طريق إلى الجنة وسبب لدخولها (ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم) أي استمر قائمًا وهذا من زيادته على غيره فلا حاجة إليها (وقال: اللهم منزل الكتاب) أي جنسه أو القرآن (ومجري السحاب) في السماء (وهازم الأحزاب) أي أصناف الكفار السابقة من قوم نوح وثمود وعاد وغيرهم سريع لحساب يوم القيامة

اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيهِمْ". 4408 - (1689) (35) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى. قَال: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَحْزَابِ فَقَال: "اللَّهُمَّ! مُنْزِلَ الْكِتَابِ. سَرِيعَ الْحِسَابِ. اهْزِمِ الأَحْزَابَ. اللَّهُمَّ! اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (اهزمهم) أي اهزم هؤلاء الكفار وأزعجهم وحركهم بالشدائد قال أهل اللغة الزلزال والزلزلة الشدائد التي تحرك الناس (وانصرنا عليهم) أي أظهر الغلبة لنا عليهم قال الحافظ: أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم فبالكتاب إلى قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيدِيكُمْ} وبمجري السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة وإلى تجريد التوكل واعتقاده أن الله هو المنفرد بالفعل كذا في فتح الباري [6/ 157]، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3025 و 2818 و 2833 و 2965 و 7237]، وأبو داود [2631]، ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لابن أبي أوفى رضي الله عنه فقال. 4408 - (1689) (35) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة ثقة، من (10) (حدثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة، من (8) (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي ثقة، من (4) (عن عبد الله بن أبي أوفى) الأسلمي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) ابن أبي أوفى: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب) أي على الكفار الذين تحزبوا وتجمعوا وتواطؤوا على استئصال المسلمين في غزوة الخندق (فقال) في دعائه: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم) أي أزعجهم (وزلزلهم) أي حركهم حركة شديدة واجعل أمرهم مضطربًا حتى لا يكونوا متواطئين على حرب المسلمين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث

4409 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ خَالِدٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "هَازِمَ الأَحْزَابِ" وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَة: "اللَّهُمَّ". 4410 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ "مُجْرِيَ السَّحَابِ". 4411 - (1690) (36) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثنَا حَمَّادٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه اهـ تحفة الأشراف ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4409 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت ابن أبي أوفى يقول): وهذا السند من رباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة وكيع لخالد بن عبد الله وفيه فائدة تصريح سماع إسماعيل لابن أبي أوفى (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق وكيع (بمثل حديث خالد) بن عبد الله (غير أنه) أي غير أن وكيعًا (قال هازم الأحزاب ولم يذكر) وكيع (قوله: اللهم) أي لفظة اللهم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال. 4410 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن ابن عيينة عن إسماعيل) بن أبي خالد (بهذا الإسناد) يعني عن ابن أبي أوفى وهذا الإسناد من رباعياته أيضًا غرضه بيان متابعة ابن عيينة لخالد بن عبد الله (و) لكن (زاد ابن أبي عمر في روايته) لفظة (مجري السحاب) ثم استشهد المؤلف لحديث ابن أبي أوفى بحديث أنس رضي الله عنه فقال. 4411 - (1690) (36) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـــابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري صدوق من (9) (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري ثقة،

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَس؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: "اللَّهُمَّ! إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ، لَا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من (8) (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول) في دعائه على المشركين (يوم) غزوة (أحد: اللهم إنك إن تشأ) تغليب المشركين على المسلمين (لا تعبد) بعد اليوم (في الأرض) قاله يوم أحد كما ذكر المؤلف ووقع عند البخاري في المغازي من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضًا في يوم بدر وهو المشهور في كتب السير والمغازي ولا معارضة بينهما لأنه قاله في اليومين قال الحافظ في الفتح [7/ 289] وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك هو ومن معه حينئذٍ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان ولاستمر المشركون يعبدون غير الله تعالى فالمعنى أنه تعالى لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول: حديث جابر ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد لما قبله والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والرابع: حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستشهاد لما قبله وللاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والخامس: حديث عبد الله بن أبي أوفى الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والسادس: حديث أنس ذكره للاستشهاد به لما قبله والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

617 - (10) باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب وجواز قتلهن في البيات وجواز قطع أشجارهم وتحريقها

617 - (10) باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب وجواز قتلهن في البيات وجواز قطع أشجارهم وتحريقها 4412 - (1691) (37) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً. فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 617 - (10) باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب وجواز قتلهن في البيات وجواز قطع أشجارهم وتحريقها 4412 - (1691) (37) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح) المصري (قالا: أخبرنا الليث ح وحدثني قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما يعني ابن عمر بدليل الرواية الآتية وإلا فالمعروف عند المحدثين أنهم إذا أطلقوا عبد الله فإنهم يريدون به ابن مسعود رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته (أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه مقتولة) أخرج الطبراني في الأوسط أن ذلك وقع بمكة وأخرج أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: ألم أنه عن قتل النساء من صاحبها فقال رجل أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها فأمر بها أن توارى ذكرها الحافظ في الفتح. (فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان) قال النووي: أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا فإن قاتلوا قال جمهور العلماء يقتلون وأما شيوخ الكفار فإن كان فيهم رأي قتلوا وإلا ففيهم وفي الرهبان خلاف قال مالك وأبو حنيفة: لا يقتلون والأصح في مذهب الشافعي قتلهم اهـ واعلم أن هذا الحكم من ميزات الإسلام البارزة فإنه أول من حكم بحرمة قتل هؤلاء في الحرب حين كان الناس يعتدون عند الحرب على النساء والشيوخ والولدان ولم تكن في العالم أمة أكثر احتفاظًا بهذا الحكم وأعظم اعتناءً به من الأمة الإسلامية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3015]، وأبو داود [1668]، والترمذي [1569]، وابن ماجه [2841]، وأحمد [2/ 122 و 123]، ثم ذكر المؤلف

4413 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَغَازِي. فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. 4414 - (1692) (37) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ. قَال: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4413 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر) بن الفراصفة العبدي الكوفي ثقة، من (9) (وأبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة، من (9) كلاهما (قالا: حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد (قال) ابن عمر: (وجدت امرأة مقتولة) من الكفار (في بعض تلك المغازي) التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان) ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه فقال. 4414 - (1692) (37) (وحدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (وسعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (جميعًا عن ابن عيينة قال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني ثقة، من (3) (عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة وهو من مهاجري الصحابة وكان ينزل بودَّان وشهد فتح فارس والظاهر أنه مات في خلافة عثمان رضي الله عنه اهـ من التهذيب وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (قال) صعب بن جثامة (سئل النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ في الفتح [6/ 147]، لم أقف على

عَنِ الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؟ فَقَال: "هُمْ مِنْهُمْ". 4415 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم السائل ثم وجدت في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم قال: نعم فظهر أن الراوي هو السائل اهـ كما سيصرح في الرواية الآتية (عن الذراري) بتشديد الياء وتخفيفها لغتان التشديد أفصح وأشهر جمع الذرية وهي بمعنى نسل الإنسان ذكرًا أو أنثى كما في مجمع البحار ولكن المراد بالذراري هنا النساء والصبيان (من المشركين) أي عن حكم نساء المشركين وصبيانهم الذين (يبيتون) بضم الياء الأول وفتح الثانية المشددة على صيغة المجهول أي الذين يغار عليهم ويهجمون في الليل بالإغارة أي سئل عن حكم الذراري من المشركين الذين يغار عليهم في الليل (فيصيبون) أي فيصيب المسلمون (من نسائهم وذراريهم) بالقتل والجرح هل يجوز ذلك أم لا ومقتضى العطف أن يقال فيصاب من نسائهم وذراريهم كما في صحيح البخاري (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم) أي ذراريهم (منهم) أي من رجالهم أي هم مثل آبائهم في جواز إصابتهم إذا لم يتعمدوهم بالقتل من غير ضرورة يعني لا بأس إذن في إصابة النساء والصبيان وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بقتل الأبناء لاختلاطهم وتسترهم بالأبناء جاز قتلهم كذا في فتح الباري وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [3012 و 3013]، وأبو داود [2672]، وابن ماجه [2839]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه فقال. 4415 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني (عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (قال) الصعب (قلت: يا رسول الله إنا

نُصِيبُ فِي الْبَيَاتِ مِنْ ذَرَارِيِّ الْمُشرِكِينَ. قَال: "هُمْ مِنْهُمْ". 4416 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَنَّ خَيلًا أَغَارَتْ مِنَ اللَّيلِ فَأَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِينَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ نصيب) ونقتل (في البيات) أي في إغارتنا على الكفار في الليل (من ذراري المشركين) أي من أولادهم الصغار ونساءهم بلا قصد إلى قتلهم لضرورة الاختلاط فهل علينا ذنب في ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم) أي ذراريهم (منهم) أي من رجالهم أي كرجالهم المقاتلة في الحكم فلا بأس في قتلهم ومنه يؤخذ حكم قذف القنابل في زماننا فإنه يجوز إذا لم يقصد بها النساء والصبيان بل أريد بها النكاية في العدو فإن أصيب بها النساء والصبيان من غير قصد فلا بأس والله أعلم. ثم إن تحريم قتل النساء والصبيان مقيد عند الجمهور بما إذا لم يقاتلوا فإن قاتلوا فلا بأس بقتلهم والدليل على ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث رياح "بكسر الراء" بن الربيع قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأس الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال: ما كانت هذه لتقاتل فدل على أن علة عدم قتلها عدم قتالها فإن قاتلت قتلت وقال مالك والأوزاعي لا يجوز قتل النساء والصبيان وما روينا حجة عليهما اهـ فتح الباري [6/ 147]، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث الصعب رضي الله عنه فقال. 4416 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (أن ابن شهاب أخبره عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة) رضي الله عنه وهذا السند من ثمانياته غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن دينار لسفيان ومعمر بن راشد ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين واثنين من الصحابة روى بعضهم عن بعض (أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له) صلى الله عليه وسلم: (لو أن خيلًا) وفرسانًا من المسلمين (أغارت) وهجمت آناءً (من الليل) وأوقاتًا منه على المشركين (فأصابت) خيل المسلمين في إغارتها على المشركين بعضًا (من أبناء المشركين) بالقتل والجرح هل في ذلك حرج

قَال: "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ". 4417 - (1693) (38) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ. وَهِيَ الْبُوَيرَةُ. زَادَ قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ فِي حَدِيثِهِمَا: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ على تلك الخيل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حرج ولا ذنب عليها (هم) أي الأبناء (من آبائهم) أي مثل آبائهم من الحكم في جواز إصابتهم لضرورة الاختلاط يعني لا بأس بذلك لأن أحكام آبائهم جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص والديات وغير ذلك ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال. 4417 - (1693) (38) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (قالا: أخبرنا الليث) بن سعد (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله تعالى عنهما وهذان السندان من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق) بتشديد الراء لإفادة التكثير أي أكثر إحراق (نخل بني النضير وقطع) بعضها استعانة بهما على غلبتهم (وهي) أي تلك النخيل (البويرة) بالتصغير أي التي كانت بالبويرة والبويرة موضع نخل بني النضير بين المدينة وتيمياء يعني أن التحريق والقطع وقع بالبويرة وبنو النضير هم قبيلة كبيرة من اليهود وكانت قبائلهم الكبيرة في المدينة ثلاثة قريظة والنضير وقينقاع وكانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه فكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي أوفى وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات ثم نقض العهد بنو النضير وكان رئيسهم حيي بن أخطب فحاصرهم وقطع أشجارهم وحرق نخيلهم حتى نزلوا على الجلاء فأجلاهم. (زاد قتيبة) بن سعيد (و) محمد (بن رمح في حديثهما) أي في روايتهما لفظة (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) ذكر في الكشاف أنه حين حرق وقطع نادوه يا محمد قد كنت تنهى عن

{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]. 4418 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. قَالا: حَدَّثنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ. وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الفساد وتعيبه على من فعله فما بالك تقطع النخل وتحرقها ووقع في نفوس المسلمين من هذا الكلام شيء حتى أنزل الله هذه الآية اهـ (ما قطعتم من لينة) أي من نخيل واللينة النخلة الناعمة أي الرطبة ومن جعلها فعلة من اللون أصلها لونة قلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها فسرها بأنواع النخل أي أي شيء قطعتم من نخلة (أو تركتموها قائمةً على أصولها) أي سوقها (فبإذن الله) تعالى وإرادته أي فكل من القطع وتركه بإذن من الله تعالى (و) خيركم في ذلك (ليخزي الفاسقين) ليلحق الكافرين الخزي والسوء واستدل الجمهور بذلك على جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو إذا تعين طريقًا في نكاية العدو وخالف بعضهم فقال: لا يجوز قطع المثمر أصلًا وحمل ما ورد من ذلك إما على غير المثمر وإما على أن الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي وقع فيه القتال وهذا قول الليث والأوزاعي وأبي ثور اهـ قسطلاني قال في سبل السلام واحتجوا على ذلك بأن أبا بكر رضي الله عنه وصى جيوشه أن لا يفعلوا ذلك وأجيب بأنه رأى المصلحة في بقائه لأنه قد علم أنها تصير للمسلمين فأراد بقاءها لهم اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4031]، وأبو داود [2651]، وابن ماجه [2844]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4418 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة ولد بجوزجان ونشأ ببلخ ثقة، من (10) (وهناد بن السري) بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي ثقة، من (10) كلاهما (قالا: حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة، من (8) (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لليث بن سعد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق) بعضها (ولها) أي ولأجل هذه الحادثة الواقعة ببني النضير (يقول حسان) بن

وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيرَةِ مُسْتَطِيرُ وَفِي ذلِكَ نَزَلَتْ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر: 5] الآيَةَ. 4419 - (00) (00) وحدّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. أَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ السُّكُونِيُّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. قَال: حَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياتًا أربعة مذكورة في سيرة ابن هشام منها قوله. (وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير) (وهان) أي سهل وصار هينًا لا يبالى به (على سراة بني لؤي) أي على رؤساء بني لؤي يعني قريشًا والسراة جمع السري بمعنى سيد القوم ورئيسهم والسراة السادة والأشراف وأراد ببني لؤي قريشًا (حريق) فاعل هان (بالبويرة) متعلق بـ (ـــمستطير) وهو صفة لحريق أي سهل عليهم حريق منتشر في البويرة كأنه طار في نواحيها والمستطير المشتعل المنتشر يعرض حسان بن ثابت بهذا الشعر كفار قريش فإنهم حملوا بني النضير وأثاروهم على نقض عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوهم بنصرهم فلم يفعلوا يقول: سهل علي بني لؤي من قريش هذا الحريق المستطير بالبويرة الذي أشعله المسلمون علي بني النضير فلم يختلفوا به ولم ينصروهم مع ما أثاروهم عليه من نقض العهد وفي ذلك نزلت {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} الآية ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4419 - (00) (00) (وحدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري نزيل الري ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرني عقبة بن خالد) بن عقبة (السكوني) بفتح السين وضم الكاف نسبة إلى سكون بوزن صبور وهو بطن من كندة أبو مسعود الكوفي صدوق من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد وموسى بن عقبة (قال) ابن عمر: (حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير) فجملة ما ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث الصعب بن جثامة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين. * * *

618 - (11) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة وحكم الأنفال واستحقاق القاتل السلب

618 - (11) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة وحكم الأنفال واستحقاق القاتل السلب 4420 - (1694) (39) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا؛ وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ. فَقَال لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 618 - (11) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة وحكم الأنفال واستحقاق القاتل السلب 4420 - (1694) (39) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم المروزي ثقة، من (8) (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري ثقة، من (7) (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (واللفظ له حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غزا نبي من الأنبياء) وهو يوشع بن نون - عليه السلام - أي أراد أن يغزو قرية من قرى الجبارين والقرية التي غزاها هي أريحا كما وقع التصريح بالأمرين في رواية كعب الأحبار عند الحاكم ذكرها الحافظ في الفتح [6/ 221] وسكت عليها ثم قال: وقد ورد أصله من طريق مرفوعة صحيحة أخرجها أحمد من طريق هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس (فقال لقومه: لا يتبعني) بجزم العين على كونه نهيًا وقيل بضمها على أنه نفي قاله الكرماني أي لا يصحبني في هذا الجهاد (رجل قد ملك بضع امرأة) أي ملك فرجها بالنكاح (وهو) أي والحال أن ذلك الرجل (يريد) ويقصد (أن يبني بها) أي أن يدخل به ويطأها قال الحافظ في الفتح [6/ 222] البضع بضم الموحدة

وَلَمَّا يَبْنِ. وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا. وَلَا آخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ، وَهُوَ مُنْتَظِرٌ ولادَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون المعجمة يطلق على الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلاثة لائقة هنا (ولما يبن) أي والحال أنه لم يبن ولم يدخل بها ولم يجامعها بعد ونفسه متعلقة بها وهو مضارع مجزوم بلما من البناء والبناء بالمرأة الدخول عليها لأنه يبنى لها أول الزفاف بيت من الستارة في داخل الدار لكن التعبير بـ (لما) يشعر بتوقع ذلك وفي التقييد بعدم الدخول ما يفهم أن الأمر بعد الدخول بخلاف ذلك فلا يخفى فرق بين الأمرين وإن كان بعد الدخول ربما استمر تعلق القلب لكن ليس هو كما قبل الدخول غالبًا كذا في الفتح (ولا) يتبعني رجل (آخر قد بنى بنيانًا) أي جدارنا من الدار (و) الحال أنه (لما يرفع سقفها) عليها بضم السين والقاف جمع السقف بفتح فسكون ووهم الحافظ في ضبطه بفتح السين وإسكان القاف أي ولم يتم ما يتعلق بضرورة عمارته بعمل سقفها والبنيان مفرد لا جمع بدليل قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا} وقال: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} فتأنيث الضمير على قول بعضهم هو جمع بنيانة مثل نخل ونخلة ولكن هذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه ولعل رواية الحديث أريد فيها غير واحد من البناء بدليل لفظ السقف وقع مضبوطًا بضمتين في جميع النسح قال تعالى: {لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} ويؤيد ذلك رواية البخاري (بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها) (ولا) يتبعني رجل (آخر قد اشترى غنمًا أو خلفات) جمع خلفة ككلمة وكلمات وهي الحامل من الإبل (وهو) أي والحال أنه (منتظر ولادها) أي نتاجها وهو بكسر الواو مصدر ولادًا وولادة وأوفي قوله (أو خلفات) للتنويع لا للشك ويكون قد حذف وصف الغنم بالحامل لدلالة الثاني عليه أو هو على إطلاقه لأن الغنم يقل صبرها فيخشى عليها الضياع بخلاف النوق فلا يخشى عليها إلا مع الحمل وقد وقع في رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات كذا في فتح الباري والحكمة في منع هؤلاء من الغزو أن قلبهم مشغول بما ذكر ولذلك قال النووي في هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها لأن ذلك يضعف عزمه ويفوت كمال بذل وسعه وقال الأبي في شرحه [5/ 85] والأظهر أن الحديث من باب (لا يقضي القاضي وهو غضبان) فهو من باب تنقيح المناط فالمعنى لا يتبعني من قلبه مشغول بأي شيء كان اهـ.

قَال: فَغَزَا. فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلاةِ الْعَصْرِ. أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذلِكَ. فَقَال لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ. اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيئًا. فَحُبِسَتْ عَلَيهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ. قَال: فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا. فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فغزا) ذلك النبي وقاتل الجبارين (فأدنى) أي فدنا وقرب ذلك النبي (للقرية) أي لدخول القرية التي يغزوها (حين صلاة العصر) أي وقت صلاة العصر (أو) وقتًا (قريبًا من ذلك) أي من وقت صلاة العصر قوله: (فأدنى للقرية) هو بقطع الهمزة المفتوحة في جميع النسح قال القاضي عياض: كذا هو بقطع الهمزة رباعيًّا في كل النسخ فإما أن يكون تعدية لدنا الثلاثي الذي هو بمعنى قرب أي أدنى جيوشه إليها أو يكون أدنى بمعنى حان أي حان وقرب فتحها من قولهم أدنت الناقة إذا قرب نتاجها ولكن لم يقولوه في غير الناقة حكاه الأبي ثم قال هو في البخاري (دنا) ثلاثيًّا على الأصل قال الأصبهاني في شرح المصابيح ما نصه قال بعضهم هو في مسلم (أدنى) بألف الوصل وشد الدال قال وهو افتعل من الدنو أصله ادتني فأدغمت التاء في الدال والظاهر أن الذي في مسلم إنما هو أدنى على وزن أعطى (فقال) ذلك النبي عليه السلام (للشمس أنت مأمورة) من الله تعالى للمسير والغروب (وأنا مأمور) من الله تعالى بقتال الجبارين فكلنا مجبور فلا بد له من تنفيذ ما أمر به وبين الحاكم في روايته عن كعب سبب ذلك فإنه قال: إنه وصل إلى القرية وقت عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل وبهذا يتبين معنى قوله وأنا مأمور اهـ ثم قال: (اللهم احبسها) وامنعها من الغروب (عليَّ) أي لأجلي (شيئًا) من الزمن حتى يتيسر لي الفتح نهارًا (فحبست) الشمس بالبناء للمجهول أي منعت من السير (عليه) أي لأجله أي لأجل دعائه (حتى فتح الله عليه قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فجمعوا) أي جمع ذلك النبي مع جيوشه (ما غنموا) وأخذوا من تلك القرية في موضع لتأكله النار (فأقبلت النار) أي جاءت من جانب السماء (لتأكله) أي لتحرق ما جمعوه أو تأخذه كما هو السنة والعادة في الأمم الماضية لغنائمهم وقرابينهم المتقبلة قوله (فحبست عليه) بالبناء للمجهول واختلف في كيفية حبس الشمس فقيل: ردت على أدراجها وقيل: وقفت وقيل: بطئت حركتها وكل ذلك محتمل والثالث أرجح عند ابن بطال وغيره ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشر حزيران وحينئذٍ يكون النهار في غاية الطول كذا في فتح الباري ثم إن حبس الشمس كان معجزة ليوشع - عليه السلام - وقد روى مثل

فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ. فَقَال: فِيكُمْ غُلُولٌ. فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ. فَبَايَعُوهُ. فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ. فَقَال: فِيكُمُ الْغُلُولُ. فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ. فَبَايَعَتْهُ. قَال: فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَينِ أَوْ ثَلاثَةٍ. فَقَال: فِيكُمُ الْغُلُولُ. أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ. قَال: فَأَخرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَال: فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ. فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا. ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا، فَطَيَّبَهَا لَنَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه المعجزة لموسى وداود وسليمان ولنبينا عليهم الصلاة والسلام. وزاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وغيره وكانوا إذا غنموا غنيمةً بعث الله عليها النار فتأكلها (فأبت) أي امتنعت النار (أن تطعمه) أي أن تطعم وتأكل وتحرق ما جمعوه (فقال) ذلك النبي لقومه (فيكم غلول) أي ما غللتم وسرقتم من الغنيمة خفية وزاد في رواية سعيد بن المسيب فقالوا: أجل غللنا أي سرقنا (فليبايعني من كل قبيلة رجل) من عرفائهم على أنهم لم يأخذوا منها شيئًا (فبايعوه) أي فبايع ذلك النبي عرفائهم على أنهم لم يأخذوه (فلصقت) أي لزقت عند المبايعة (يد رجل) منهم (بيده) أي بيد ذلك النبي أي بقيت لاصقة بها لازقة (فقال) النبي لذلك الرجل: (فيكم) أي في قومك (الغلول) أي ما سرق من الغنيمة (فلتبايعني قبيلتك) فردًا فردًا (فبايعته) أي فبايعت تلك القبيلة لذلك النبي فردًا فردًا (فلصقت) أي لزقت يد النبي (بيد رجلين أو ثلاثة) منهم (فقال) النبي: (فيكم الغلول أنتم غللتم) أي سرقتم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأخرجوا له) أي إليه إلى ذلك النبي (مثل رأس بقرة من ذهب) أي كقدره أو كصورته من ذهب كانوا غلوه وأخفوه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوضعوه) أي وضعوا ذلك الذهب (في المال) المجموع (وهو) أي والحال أن ذلك المجموع (بالصعيد) أي على وجه الأرض (فأقبلت النار) أي جاءت من جهة السماء (فأكلته) أي فأكلت النار ذلك المجموع (فلم تحل الغنائم لأحد من) الأمم (قبلنا ذلك) أي تحليلها لنا مبتدأ خبره (بأن الله) أي بسبب أن الله سبحانه (تبارك وتعالى رأى ضعفنا) أي ضعف قلوبنا عن التوكل (وعجزنا) بجسمنا عن الاكتساب وجمع الأموال (فطيبها) أي طيب الغنائم وأحلها (لنا) أي جعلها لنا حلالًا بحتًا ورفع عنا محقها بالنار تكرمة لنا قال الحافظ وفيه إشعار بأن إظهار العجز بين يدي الله تعالى يستوجب ثبوت

4421 - (1695) (40) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: أَخَذَ أَبِي مِنَ الْخُمْسِ سَيفًا. فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: هَبْ لِي هذَا. فَأَبَى. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضل وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة وكان ابتداء من غزوة بدر وفيها نزل قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} فأحل الله لهم الغنيمة وقد ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عباس وقد قدمت في أوائل فرض الخمس أن أول غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش وذلك قبل بدر بشهرين ويمكن الجمع بما ذكر ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أخر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فرض الخمس [3124]، وفي النكاح [5157]، ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال. 4421 - (1695) (40) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي صدوق من (4) (عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبي زرارة المدني ثقة، من (3) (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) مصعب (أخذ أبي) سعد (من) أصل الغنيمة قبل إفراز (الخمس سيفًا فأتى به) أي بذلك السيف (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) أبي للنبي صلى الله عليه وسلم (هب لي) يا رسول الله (هذا) السيف (فأبى) رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتنع من هبته ذلك السيف وفي هذا الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة لأن أصل الكلام قال أبي: أخذت من الخمس سيفًا فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: هب لي هذا فأبى قال النووي: وفي الكلام تلوين الخطاب تقديره عن مصعب بن سعد أنه حدث عن أبيه بحديث قال فيه: قال أبي أخذت من الخمس سيفًا فأبى النبي صلى الله عليه وسلم (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) بسبب ذلك {يَسْأَلُونَكَ} أي يسألك يا محمد الناس {عَنِ الْأَنْفَالِ} أي عن الغنائم {قُلِ الْأَنْفَالُ} أي الغنائم كلها {لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} قال الخطابي: النفل ما زاد من العطاء على قدر نصيب المجاهد بالقسمة ومنه النافلة والزيادة من الطاعة بعد

4422 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: نَزَلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ. أَصَبْتُ سَيفًا فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! نَفِّلْنِيهِ. فَقَال: "ضَعْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الفرض اهـ وفي النهاية النفل بالتحريك الغنيمة وجمعه أنفال والنفل بالسكون وقد يحرك الزيادة ولا ينفل الأمير من الغنيمة أحدًا من المقاتلة بعد إحرازها حتى تقسم كلها ثم ينفله إن شاء من الخمس فأما قبل القسمة فلا اهـ والمعنى {يَسْأَلُونَكَ} يا محمد {عَنِ الْأَنْفَالِ} أي عن الغنائم لمن هي {قُلِ} لهم {الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلانها حيث شاء وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الغنائم جعل أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر يصرفها كيف شاء وهو معنى قوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ثم نسخه قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} إلخ ففرض الخمس وقسم الباقي بين الغانمين اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب في النفل [2740]، والترمذي في التفسير [3080]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال. 4422 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة (قال) سعد بن أبي وقاص: (نزلت في) بتشديد الياء أي بسببي (أربع آيات) من القرآن لم يذكر مسلم هنا في الأربع إلا هذه الواحدة وقد ذكر الأربع كلها في كتاب الفضائل فضل سعد بن أبي وقاص وهي بر الوالدين وتحريم الخمر {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} وآية الأنفال قال سعد: (أصبت) أي أخذت (سيفًا) من أصل الغنيمة قبل إفراز الخمس (فأتى به) أي بذلك السيف سعد (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) سعد: (يا رسول الله نفلنيه) أي أعطني هذا السيف زائدًا على نصيبي من الغنيمة وفي الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة وأصل الكلام أصبت سيفًا فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله نفلنيه (فقال) لي رسول الله: (ضعه) أي ضع هذا السيف في المكان الذي

ثُمَّ قَامَ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ضَعْهُ مِنْ حَيثُ أَخَذْتَهُ". ثُمَّ قَامَ فَقَال: نَفِّلْنِيهِ. يَا رَسُولَ الله! فَقَال: "ضَعْهُ" فَقَامَ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله! نَفِّلْنِيهِ. أَأُجْعَلُ كَمَنْ لَا غَنَاءَ لَهُ؟ فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ضَعْهُ مِنْ حَيثُ أَخَذْتَهُ" قَال: فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]. 4423 - (1696) (41) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذته منه (ثم) بعد رده إلى مكانه (قام) سعد ثانيًا فقلت: نفلنيه يا رسول الله (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه من حيث أخذته ثم قام) سعد ثالثًا (فقال: نفلنيه يا رسول الله) ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام سابقًا ولاحقًا من الالتفات (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضعه) من حيث أخذته (فقام) سعد رابعًا (فقال يا رسول الله نفلنيه) فزاد سعد في هذه المرة كلامًا وهو قوله (أأجعل) يا رسول الله بالبناء للمجهول مسندًا إلى المتكلم أي هل جعلتني (كمن لا غناء) ولا نفع (له) في الحرب في حرماني عن النفل وكان صلى الله عليه وسلم كما ذكر الخطيب في السراج المنير من كتب التفسير شرط الغناء للتنفيل والغناء بفتح الغين والمد الكفاية والنفع قال محمد الذهني في شرحه على مسلم [5/ 146] أي لا نفع ولا كفاية له في الحرب (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه) أي ضع هذا السيف (من حيث أخذته قال) سعد: (فنزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ووقع في رواية أبي داود فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلائي فبينا أنا كذلك إذ جاءني الرسول فقال: أجب فظننت أنه نزل فيّ شيء بكلامي فجئت فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك وإن الله قد جعله لي فهو لك ثم قرأ {يَسْأَلُونَكَ} وقال الأبي: وإنما كرر السؤال مع منعه له لأنه فهم أن المنع ليس على التحريم ولو فهم ذلك لكان الأليق أن لا يكرر السؤال ويبعد أن يكون وجه تكراره أنه فهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم كونه أغنى لشهرة أمره في الصحابة ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال. 4423 - (1696) (41) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن

ابْنِ عُمَرَ. قَال: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَأَنَا فِيهِمْ، قِبَلَ نَجْدٍ. فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً. فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا. أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا. وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. 4424 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ. وَفِيهِمُ ابْنُ عُمَرَ. وَأَنَّ سُهْمَانَهُمْ بَلَغَتِ اثْنَي عَشَرَ بَعِيرًا. وَنُفِّلُوا، سِوَى ذلِكَ، بَعِيرًا. فَلَمْ يُغَيِّرْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (قال) ابن عمر: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية) والسرية طائفة من الجيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته وهو ظرف لبعث (فغنموا) أي أخذوا من العدو (إبلًا كثيرة) فقسمها أميرهم بينهم (فكانت سهمانهم) بضم السين المهملة وسكون الهاء جمع سهم بمعنى نصيب أي كانت أنصباؤهم (اثني عشر بعيرًا) اثني عشر بعيرًا بالتكرار مرتين كما في رواية أبي داود أي كان هذا القدر لكل واحد من الجيش ونفلوا سوى ذلك بعيرًا بعيرًا كما في الرواية الآتية فكان لكل واحد منهم ثلاثة عشر بعيرًا وقوله: اثني عشر هكذا هو في بعض النسخ بالياء وهو الظاهر وفي أكثرها اثنا عشر بعيرًا وهو صحيح على لغة من يلزم المثنى ألفًا في الأحوال الثلاثة رفعًا ونصبًا وجرًا (أو) كانت سهمانهم (أحد عشر بعيرًا ونفلوا) أي أعطوا زيادة على ذلك (بعيرًا بعيرًا) فكان لكل واحد منهم اثنا عشر سهمًا ونفلًا والشك من الراوي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3134 و 4338]، وأبو داود [2741 و 2746]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4424 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث (خ) وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذان السندان من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد وفيهم ابن عمر وأن سهمانهم) حين اقتسموا الغنيمة (بلغت اثني عشر بعيرًا) لكل واحد منهم (ونفلوا سوى ذلك) أي أعطوا زيادة على ذلك نفلًا (بعيرًا) بعيرًا (فلم يغيره) أي لم يغير اقتسامهم كذلك بقسم أميرهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بل أقره قال النووي وقوله في الرواية الأولى (ونفلوا

4425 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى نَجْدٍ. فَخَرَجْتُ فِيهَا. فَأَصَبْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بعيرًا بعيرًا) أي أعطى كلًّا منهم النبي صلى الله عليه وسلم بعيرًا زيادة على نصيبه من الغنيمة وقوله في هذه الرواية ونفلوا سوى ذلك بعيرًا فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نفلهم أميرهم فلم يغيره اهـ والذي يظهر من مجموع الروايات في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا فخرجت من الجيش سرية قبل نجد فأصابوا نعمًا فأعطى أمير السرية كل واحد من رفاقه بعيرًا بعيرًا نفلًا للسرية وأتوا بالباقي إلى الجيش فقسمت الإبل حينئذٍ على جملة الجيش فأعطى أمير السرية كل واحد منهم اثني عشر بعيرًا سهمًا له وأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاه أمير السرية أصحابه فحصل لكل واحد منهم بعير واحد زائد على قدر السهام المقسومة بين سائر الجيش اهـ من التكملة ويظهر هذا من رواية إسحاق عند أبي داود ولفظها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت معها فأصبنا نعمًا كثيرًا فنفلنا أميرنا بعيرًا بعيرًا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثني عشر بعيرًا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل منا ثلاثة عشر بعيرًا بنفله وأخرجه أبو داود قبله من طريق شعيب بن أبي حمزة عن نافع وفيه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جش قبل نجد وانبعثت سرية من الجيش فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرًا ونفل أهل السرية بعيرًا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4425 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة، من (8) وعبد الرحيم بن سليمان الكناني أو الطائي أبو علي المروزي نزيل الكوفة ثقة، من (8) (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لمالك وليث بن سعد (قال) ابن عمر (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت) أنا (فيها) أي مع تلك السرية (فأصبنا) أي غنمنا وأخذنا

إِبِلًا وَغَنَمًا. فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَي عَشَرَ بَعِيرًا، اثْنَي عَشَرَ بَعِيرًا. وَنَفَّلَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا، بَعِيرًا. 4426 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من العدو (إبلًا وغنمًا فبلغت سهماننا) أي سهمان جميع الجيش وأنصباء كل واحد منهم (اثني عشر بعيرًا اثني عشر بعيرًا) كذا وقع هنا مرتين في جميع النسخ سوى المتن المطبوع ضمن شرح النووي وهذا التكرير لتعيين العدد على خلاف ما سبق في رواية مالك من الترديد بين اثني عشر وأحد عشر (ونفلنا) أي أعطانا زيادة على أنصبائنا معاشر السرية (رسول الله صلى الله عليه وسلم) دون سائر الجيش (بعيرًا بعيرًا) فكان جملة ما أخذه كل واحد من السرية سهمًا ونفلًا ثلاثة عشر بعيرًا وظاهر قوله: (ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) الخ معارض لرواية أبي داود فإنها صريحة في أن الذي نفلهم هو أمير السرية ويمكن الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرر فعل أمير السرية نسب التنفيل إليه صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما ورد في الرواية السابقة في قول ابن عمر رضي الله عنهما فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث دلالة على أن الجيش إذا انفرد منه قطعة فغنموا شيئًا كانت الغنيمة للجميع غير أن تلك القطعة تعطى نفلًا وقد أخرج أبو داود عن حبيب بن مسلمة الفهري يقول: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة وبمثله أخرج الترمذي ومراده أن السرية إذا انفصلت عن الجيش في بداية الغزو فإنها تنفل ربع ما غنمت بعد الخمس وإذا انفصلت في نهاية الغزو نفلت بثلث ما غنمت بعد إخراج الخمس لأن السير للجهاد في نهاية الغزو أشق فالنفل فيه أكثر ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4426 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن سعيد لعلي بن مسهر وعبد الرحيم بن سليمان ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال.

4427 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. قَال: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ النَّفَلِ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى. ح وَحَدَّثنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 4428 - (00) (00) وحدّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4427 - (00) (00) (وحدثناه أبو الربيع) سليمان بن داود الزهراني البصري (وأبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري البصري (قالا: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة، من (9) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة ثبت من (6) (قال) ابن عون: (كتبت إلى نافع) مولى ابن عمر حالة كوني (أسأله عن) حكم (النفل) بالتحريك هو اسم لزيادة يعطيها الإمام بعض الجيش لغنائه في الحرب على القدر المستحق بالنظر إلى غنائه أي سألته هل يجوز التنفيل أم لا (فكتب إلى) نافع (أن ابن عمر كان في سرية) الحديث (ح وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي (أخبرني موسى) بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المدني ثقة، من (5) (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد) الليثي المدني صدوق من (7) (كلهم) أي كل من أيوب وابن عون وموسى بن عقبة وأسامة بن زيد أي كل من هؤلاء الأربعة رووا (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر (نحو حديثهم) أي نحو حديث مالك وليث وعبيد الله بن عمر غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأولئك الثلاثة فجملة من روى عن نافع حديث ابن عمر سبعة أنفار. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. 4428 - (00) (00) (وحدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل

وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (وَاللَّفْظُ لِسُرَيجٍ). قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيٍّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: نَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَفَلًا سِوَى نَصِيبِنَا مِنَ الْخُمْسِ. فَأَصَابَنِي شَارِفٌ. (وَالشَّارِفُ المُسِنُّ الْكَبِيرُ). 4429 - (00) (00) وحدّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: نَفَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً بِنَحْو حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البغدادي ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (واللفظ لسريج قالا: حدثنا عبد الله بن رجاء) البصري أبو عمران نزيل مكة ثقة، من (8) روى عنه في الحج والجهاد (عن يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال) ابن عمر: (نفلنا) أي أعطانا (رسول الله صلى الله عليه وسلم نفلًا) أي مالًا زائدًا على أنصبائنا (سوى نصيبنا) أي غير سهمنا وقوله: (من الخمس) أي من خمس الغنيمة متعلق بنفلنا (فأصابني) أي حصل لي من جهة التنفيل (شارف) وقوله (والشارف) البعير (المسن) أي الطاعن في سن الكبر (الكبير) صفة كاشفة للمسن تفسير مدرج من الراوي ويحتمل أن تكون واقعة هذا الحديث عين واقعة الراوي السابقة ويحتمل أن تكون غيرها ويؤيد الأول أن ابن الأثير الجزري جعل كلا الحديثين واحدًا فذكرهما في سياق حديث واحد راجع جامع الأصول [2/ 688] رقم (1179) ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4429 - (00) (00) (وحدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الكوفي ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة، من (8) (ح وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (كلاهما) أي كل من العبدين رويا (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب قال: بلغني) بواسطة سالم أر نافع (عن ابن عمر قال: نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية) أي أعطى سرية نفلًا زائدًا على سهمانها من الخمس وقوله (سرية) أي لقطعة مقتطعة من الجيش مبعوثة إلى العدو وساقا أي ساق العبدان عن يونس (بنحو حديث)

ابْنِ رَجَاءٍ. 4430 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا. لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً. سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيشِ، وَالْخُمْسُ فِي ذلِكَ، وَاجِبٌ، كُلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله (بن رجاء) عن يونس غرضه بيان متابعة ابن المبارك وابن وهب لابن رجاء ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4430 - (00) (00) (وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد من (7) (قال) الليث (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل الأموي المصري (عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عقيل ليونس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينفل) أي يعطي النفل (بعض من يبعثـ) ــــهم (من السرايا لأنفسهم سوى قسم عامة الجيش) أي غير ما يعطي لهم مع سائر الجيش (والخمس في ذلك) المذكور من التنفيل أي مع ذلك وهو مبتدأ خبره (واجب) وقوله (كله) بالجر تأكيد لقوله ذلك وقوله (قد كان ينفل) جعله ابن الأثير جزءًا من الحديث السابق أيضًا وأخرجه البخاري في الجهاد بعد الرواية السابقة رقم [3135]، وأبو داود في نفس باب الرواية السابقة وقوله (والخمس في ذلك واجب كله) هذه الجملة لم يذكرها البخاري في صحيحه والظاهر أنه من قول ابن عمر كذا في بذل المجهود [12/ 358] ودل الحديث على أن النفل إنما يعطى بعد التخميس وهو مذهب الحنفية إذا أعلن الإمام ذلك قبل إحراز الغنيمة وقال الأبي ففي قوله (والخمس في ذلك واجب كله) تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم ورد على من جهل فزعم أنه لا يجب فاغتر به بعض الناس وهذا مخالف للإجماع اهـ منه ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه فقال.

4431 - (1697) (42) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيِّ. وَكَانَ جَلِيسًا لأَبِي قَتَادَةَ. قَال: قَال أبُو قَتَادَةَ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. 4432 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَال. وسَاقَ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4431 - (1697) (42) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي ثقة، من (7) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني القاضي ثقة، من (5) (عن عمر بن كثير بن أفلح) مولى أبي أيوب الأنصاري المدني ثقة، من (4) (عن أبي محمد الأنصاري) المدني نافع بن عباس بن الأقرع يقال له مولى أبي قتادة كما في الرواية الآتية للزومه له ولم يكن مولى له في الواقع (و) إنما (كان جليسًا لأبي قتادة) كما في هذه الرواية ويقال له مولى عقيلة الغفارية ومولى بني غفار أيضًا عده ابن حبان وابن شاهين في الثقات وقال أحمد معروف وقال في التقريب ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (قال) أبو محمد: (قال أبو قتادة) الأنصاري السلمي بفتح السين واللام المدني فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن ربعي على المشهور رضي الله عنه مات بالكوفة سنة (54) أربع وخمسين وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (واقتص) أبو محمد (الحديث) الآتي بعد رواية واحدة وهذا غريب من عادة مسلم قال النووي: واعلم أن قول مسلم في الطريق الأول واقتص الحديث وقوله في الطريق الثاني وساق الحديث يعني بهما الحديث المذكور في الطريق الثالث المذكور بعدهما وهو قوله وحدثنا أبو الطاهر وهذا غريب من عادة مسلم فاحفظ ما حققته لك اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4321 و 4322]، وفي غيرهما وأبو داود في الجهاد باب السلب يعطى القاتل [2717]، ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4432 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمر بن كثير) بن أفلح الأنصاري المدني (عن أبي محمد) الأنصاري المدني (مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال وساق) أبو محمد (الحديث) الآتي في الرواية

4433 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ (وَاللَّفْظُ لَهُ). أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَينٍ. فَلَمَّا الْتَقَينَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ. قَال: فَرَأَيتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَاسْتَدَرْتُ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التالية وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ليث لهشيم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال. 4433 - (00) (00) (وحدثنا أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى التجيبي (واللفظ له) أي ليحيى قال يحيى: (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (قال) ابن وهب: (سمعت مالك بن أنس) الأصبحي المدني (يقول: حدثني يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة) أي ملازمه (عن أبي قتادة) الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة مالك لهشيم وليث (قال) أبو قتادة: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة (عام) غزوة (حنين) مصغرًا قال النووي: حنين واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا وهو مصروف كما جاء به القرآن العزيز وكانت سنة ثمان بعد فتح مكة وستأتي قصة غزوة حنين في باب مستقل إن شاء الله تعالى (فلما التقينا) مع المشركين وقابلناهم (كانت للمسلمين جولة) بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاف واضطراب والمراد: الانهزام والخيفة وهذا إنما كان في بعض الجيش وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة معه فلم يولوا أي لم ينهزموا والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة سيأتي بيانها في مواضعها وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يقال: انهزم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو أحد قط أنه انهزم بنفسه صلى الله عليه وسلم في موطن من المواطن بل ثبتت الأحاديث الصحيحة بإقدامه وثباته صلى الله عليه وسلم في جميع المواطن (قال) أبو قتادة: (فرأيت رجلًا من المشركين قد علا) وغلب (رجلًا من المسلمين) أي ظهر عليه وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه ليقتله قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمهما قال أبو قتادة: (فاستدرت) أي درت ورائه راجعًا (إليه) من خلفه وفي نسخة (فاشتددت) أي فأسرعت (إليه) حاملًا عليه وفي جهاد صحيح البخاري

حَتَّى أَتَيتُهُ مِنْ وَرَائِهِ. فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ. وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةَ وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ. ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ. فَأَرْسَلَنِي. فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَال: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: أمْرُ اللهِ. ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا. وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ المطبوع بهامش الفتح (فاستدبرت) (حتى أتيته من ورائه فضربته) أي ضربت المشرك من ورائه (على حبل عاتقه) أي على عرق عاتقه وهو ما بين العنق والكتف (و) ترك المشرك الرجل المسلم فـ (ـــأقبل عليَّ فضمني) أي إلى نفسه (ضمة وجدت منها ريح الموت) أي قد قاربت الموت لشدة ضمته وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة ويحتمل أنه أراد وجدت منها شدة كشدة الموت (ثم أدركه الموت) وحل به الأجل (فأرسلني) أي فأطلقني (فلحقت عمر بن الخطاب فقال) عمر: (ما للناس) والمسلمين منهزمين (فقلت) له: هو (أمر الله) تعالى أي حكمه وقضاؤه قوله (فضربته) ظاهر هذه الرواية أن ضمير المفعول راجع إلى ذلك الكافر الذي يقاتله ولكن وقع في رواية الليث عند البخاري في المغازي نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلًا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وضربت يده فقطعتها فتبين من هذه الرواية أن الضمير في قوله ضربته هنا إلى الرجل الثاني الذي كان يختله كذا في فتح الباري [8/ 37] قوله (على حبل عاتقه) حبل العاتق عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب وعرف منه أن قوله في رواية الليث الماضية آنفًا فأضرب يده فقطعتها المراد باليد فيها الذراع والعضد إلى الكتف. قوله (فلحقت عمر بن الخطاب) وقع ها هنا اختصار وتفصيله في رواية الليث عند البخاري ولفظها (ثم أخذني فضمني ضمًا شديدًا حتى تخوفت ثم برك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقال: يعني ماذا حدث حيث انهزموا) (فقلت: أمر الله) يعني إنما حدث ذلك بأمر الله وبقضائه ووقع في هذه الرواية أن السؤال وقع من عمر بن الخطاب والجواب من أبي قتادة ووقع في رواية البخاري في المغازي عكسه ولفظها فقلت له ما شأن الناس فقال: أمر الله ولعله من تصرف الرواة ولا سبيل إلى الجزم بصحة إحدى الروايتين ولا حاجة داعية إلى ذلك (ثم) بعد انهزامهم (إن الناس رجعوا) أي إلى القتال (وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم) في المعركة (فقال: من قتل قتيلًا) أي من صيَّر

لَهُ عَلَيهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ" قَال: فَقُمْتُ. فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَال مِثْلَ ذلِكَ. فَقَال فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَال ذلِكَ، الثَّالِثَةَ. فَقُمْتُ فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا لكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ " فَقَصَصْتُ عَلَيهِ الْقِصَّةَ. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ. يَا رَسُولَ الله، سَلَبُ ذلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي. فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ شخصًا من الكفار مقتولًا (له) أي لذلك القاتل (عليه) أي على قتله (بينة) أي شاهد ولو واحدا (فله) أي فلذلك القاتل (سلبه) أي سلب ذلك المقتول وهو ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح ومركب وجنيب يقاد بين يديه قوله (من قتل قتيلًا) أي أوقع القتل على حربي سماه قتيلًا باعتبار مآله كقوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} وقوله (له عليه بينة) أي للذي هو قاتله بينة على قتله أي شاهد ولو واحدًا كما في حادثة الحديث (فله سلبه) وهو ما على القتيل وأما ما كان مع غلامه على دابة أخرى فليس بسلب ذكره ابن الملك ثم قال: استدل الشافعي رحمه الله تعالى بالحديث على أن السلب للقاتل وإن كان ممن لا سهم له كالمرأة والعبد والصبي وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: السلب غنيمة لا يكون للقاتل إذا لم ينفل الإمام به والحديث محمول على التنفيل جمعًا بينه وبين حديث آخر (ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك) اهـ من بعض الهوامش. (قال) أبو قتادة: (فقمت) من بين القوم (فقلت من يشهد لي) أي بأني قتلت رجلًا من المشركين فيكون سلبه لي وفي رواية الليث عند البخاري فلم أر أحدًا يشهد لي وذكر الواقدي أن عبد الله بن أنيس شهد له فإن كان ضبطه احتمل أن يكون وجده في المرة الثانية كذا في فتح الباري (ثم جلست ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل ذلك) الكلام يعني من قتل قتيلًا فله سلبه (فقال) أبو قتادة: (فقمت) مرة ثانية (فقلت: من يشهد لي ثم جلست ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك) الكلام المرة (الثالثة فقمت فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا أبا قتادة) أي أي شيء ثبت لك تقوم وتجلس (فقصصت عليه) صلى الله عليه وسلم (القصة) أي خبر قتلي مشركًا (فقال رجل من القوم) الحاضرين فقال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (صدق) أبو قتادة فيما يقول: من قتله مشركًا (يا رسول الله) ولكن (سلب ذلك القتيل عندي) أنا أخذته (فأرضه) أي فأرض يا رسول الله أبا قتادة أي فاجعله راضيًا معرضًا (من حقه)

وَقَال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَا هَا اللهِ! إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسُدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بتعويضه عنه وهو أمر من الإرضاء من باب الإفعال فالهمزة فيه همزة قطع والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي فاعطه يا رسول الله عوضًا عن ذلك السلب ليكون لي أو أرضه بالمصالحة بيني وبينه قال الطيبي (من) فيه ابتدائية أي أرض أبا قتادة لأجلي ومن جهتي وذلك إما بالهبة أو بأخذه شيئًا يسيرًا من بدله اهـ والمراد أني أحب أن يبقى ذلك السلب عندي فأرض يا رسول الله أبا قتادة ليتنازل لي عن سلبه (وقال أبو بكر الصديق) رضي الله عنه (لا) يرضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعطاء بدل سلبه (ها الله) أي أقسمت بالله الذي لا إله إلا غيره (إذا) أي إذا أرضاه بالتعويض عن سلبه وأبقى سلبه لك (لا) زائدة أو مؤكدة للأولى كما هي ساقطة في رواية أبي داود يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعمد) ويقصد (إلى) إبطال حق (أسد من أُسد الله يقاتل) في سبيل الله ويدافع عن الله تعالى (وعن رسوله) صلى الله عليه وسلم أعداءهما يريد أبا قتادة (فيعطيك سلبه) معطوف على يقصد أي لا يرضيه، والله إذًا يعمد رسول الله إلى إبطال حق أسد الله فيعطيك سلبه وعبارة العون هنا (لا ها الله) بالجر أي لا والله أي لا يفعل ما قلت فكلمة ها بدل من واو القسم (إذا) أي إن فعل ما طلبته (يعمد) بإسقاط لا بعد إذا (إلى أسد من أسد الله) بضم الهمزة وسكون السين وقيل بضمهما جمع أسد بفتحتين والمعنى إن فعل ذلك فقد قصد إلى إبطال حق رجل كأنه أسد في الشجاعة وإعطاء سلبه إياك واعلم أنه وقع في جميع نسخ أبي داود الحاضرة (إذًا يعمد) بإسقاط لا وفي رواية البخاري ومسلم وغيرهما (إذًا لا يعمد) بالنفي فمعنى (ما) في رواية أبي داود ظاهر فيقال لفظة لا في رواية الصحيحين زائدة أو مؤكدة للأولى أو يقال في معنى روايتهما إذًا لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إثبات حق رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه وقد ضبطه بعض المحدثين كالنووي (لا نعمد) و (فنعطيك) بالنون على صيغة المتكلم المعظم نفسه أو ومعه غيره وكلاهما صحيح في المعنى وقد وقع في حديث عند أحمد أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عمر ولفظه فقال عمر والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها ولكن قال الحافظ في الفتح الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضًا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر والله أعلم.

فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَ. فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ" فَأَعْطَانِي. قَال: فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ. فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلامِ. وَفِي حَدِيثِ اللَّيثِ فَقَال أَبُو بَكْرٍ: كَلَّا لَا يُعْطِيهِ أُضَيبعَ مِنْ قُرَيشِ وَيَدَعُ أَسَدًا مِنْ أُسُدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق في إفتائه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وتصديق النبي - عليه السلام - في ذلك وفيه منقبة ظاهرة لأبي قتادة فإنه سماه أسدًا من أسوده تعالى يقاتل عن الله ورسوله وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم كذا في شرح النووي رحمه الله تعالى. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق) أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما قال: (فأعطه إياه) أي فأعط أيها الرجل الآخذ للسلب أبا قتادة ذلك السلب فإنه حقه قال أبو قتادة: (فأعطاني) ذلك الرجل سلب القتيل (قال) أبو قتادة: (فبعت الدرع) الذي هو سلب القتيل بكسر الدال وسكون الراء ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه هو حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواقي (فابتعت) أي فاشتريت (به) أي بثمن الدرع (مخرفًا) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء أي بستانًا (في بني سلمة) بكسر اللام مع فتح السين بطن من الأنصار وهو قوم أبي قتادة (فإنه) أي فإن ذلك المخرف (لأول مال تأثلته) أي تكلفت جمعه واقتناءه وجعله أصل مالي وأثلة كل شيء أصله (في الإسلام) أي بعد إسلامي (وفي حديث الليث) وروايته (فقال أبو بكر) الصديق (كلا) أي ارتدع عما تقول أيها الآخذ للسلب (لا يعطيه) أي لا يعطي الرسول صلى الله عليه وسلم السلب (أضيبع من قريش ويدع) أي يترك ويعرض عن إعطائه (أسدًا من أسد الله) تعالى وقوله (مخرفًا) بفتح الميم والراء وقيل بكسر الراء كالمسكن والمسجد أي بستانًا سمي به لأنه يخترف منه الثمر أي يجتنى وذكر الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الرديني وقوله (أضيبيغ) ضبطه بعضهم بالصاد المهملة والغين المعجمة وهو نوع من الطير أصاغر العصافير أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصبغاء ذكر ذلك الخطابي والمراد بيان ضعف صاحب السلب وضبطه آخرون بالضاد المعجمة والعين المهملة وهو تصغير ضبع على غير قياس فكأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز وقال ابن مالك: يكنى به عن الضعيف هذا ملخص ما في شرح

وَفِي حَدِيثِ اللَّيثِ: لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ. 4434 - (1698) (43) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ قَال: بَينَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ. نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي. فَإِذَا أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ النووي وفتح الباري (وفي حديث الليث لأول مال تأثلته) بلا ذكر لفظة في الإسلام ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي قتادة بحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما فقال. 4434 - (1698) (43) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا يوسف) بن يعقوب بن أبي سلمة (بن الماجشون) أبو سلمة المدني ثقة، من (8) (عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري أبي عمران المدني أخي سعد بن إبراهيم روى عن أبيه في الجهاد وأنس والأعرج ويروي عنه (خ م) ويوسف بن الماجشون والزهري وابن إسحاق وابنه سالم قال ابن سعد: كان قليل الحديث وقال العجلي: مدني تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الخامسة مات في ولاية إبراهيم بن هشام سنة (127) سبع وعشرين ومائة (عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبي إسحاق المدني قيل له رؤية وأمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أخت عثمان بن عفان لأمه وكانت أول مهاجرة هاجرت من مكة إلى المدينة وفيها أنزلت آية الممتحنة روى عن أبيه عبد الرحمن بن عوف في الجهاد وفي ذكر الحوض وجبير بن مطعم في الفضائل ويروي عنه (خ م د س ق) وابناه صالح وسعد والزهري وغيره (عن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني رضي الله عنه أحد العشرة المبشرة أسلم قديمًا وشهد بدرًا والمشاهد كلها وهاجر الهجرتين جميعًا وأحد الستة الشورى له (65) خمسة وستون حديثًا اتفقا على حديثين وانفرد (خ) بخمسة ومناقبه مشهورة يروي عنه (ع) وابنه إبراهيم بن عبد الرحمن في الجهاد ومالك بن أوس في الجهاد وعبد الله بن عباس في الطب وعبد الله بن عامر بن ربيعة في الطب وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (قال) عبد الرحمن: (بينا أنا واقف في الصف) أي في صف القتال (يوم) غزوة (بدر نظرت عن يمين وشمال فإذا أنا) الفاء

بَينَ غُلامَينِ مِنَ الأَنْصَارِ. حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا. تَمَنَّيتُ لَوْ كُنْتُ بَينَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا. فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا. فَقَال: يَا عَمَّ، هَل تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيهِ؟ يَا ابْنَ أَخِي! قَال: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَئِنْ رَأَيتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة إذا فجائية رابطة لجواب بينا أي بينا أوقات وقوفي في الصف يوم بدر فاجأني كوني (بين غلامين) أي شابين (من الأنصار حديثة) أي قليلة (أسنانهما) أي أعمارهما جمع سن بمعنى سنة وعمر وقوله حديثة بالجر صفة سببية لغلامين وأسنانهما فاعل له مرفوع (تمنيت لو كنت بين أضلع منهما) أي تمنيت كوني مع أقوى منهما كذا للأكثر وهو بفتح الهمزة وسكون الضاد وفتح اللام على وزن أفعل من الضلاعة وهي القوة يقال: اضطلع بحمله أي قوى عليه ونهض به كذا في عمدة القاري [15/ 66] وضبطه الحافظ في الفتح [6/ 248] بضم اللام جمع ضلع ولم أعرف وجهه بيقين ولعل مراده أني تمنيت لو كنت أنا بين أضلاع هذين الغلامين يعني كنت نفسهما اغتبطت أي كون روحي روحهما وذلك لما رأى من نجدتهما وغيرتهما على الله ورسوله والله أعلم ولكن هذا الوجه بعيد وما ذكره العيني أقرب وهو الظاهر من كلام النووي وابن الأثير في جامع الأصول [8/ 195] وقد روي في بعض الروايات بين أصلح منهما ولكن رجح المحدثون الرواية الأولى (فغمزني) أي لمسني وطعنني (أحدهما) بيده ليستخبرني عن أبي جهل (فقال) ذلك الأحد (يا عم هل تعرف أبا جهل) القرشي الذي آذى رسول الله أشد الإيذاء (قال) عبد الرحمن: (قلت) له: (نعم) أعرفه (وما حاجتك إليه) أي إلى أبي جهل (يا ابن أخي قال) ذلك الأحد (أُخبرت) بالبناء للمجهول أي من بعض الناس (أنه) أي أن أبا جهل كان (يسب) ويشتم (رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي) أي أقسمت بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (لئن رأيته) أي لئن رأيت أبا جهل بعيني (لا يفارق سوادي) أي شخصي (سواده) أي شخصه السواد الشخص وأصله أن الشخص يرى على البعد أسود يعني لا يفارق شخصي شخصه كذا في عمدة القاري (حتى يموت الأعجل منا) أي حتى يموت الأسرع الأقرب أجلًا مني ومنه أي حتى يموت أحدنا إما أنا وإما هو يعني أنه يلازمه ولا يتركه حتى يقع الموت بأحدهما وإن هذا الكلام يدل على وفور عقل قائله ونظره في العواقب واحتياطه عن

قَال: فَتَعَجَّبْتُ لِذلِكَ. فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَال مِثْلَهَا. قَال: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ. فَقُلْتُ: أَلا تَرَيَانِ؟ هذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلانِ عَنْهُ. قَال: فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيفَيهِمَا، حَتَّى قَتَلاهُ. ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَخْبَرَاهُ. فَقَال: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ " فَقَال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: "أَنَا قَتَلْتُ. فَقَال: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيفَيكُمَا؟ " قَالا: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسترسال في إبداء شجاعته فإن مقتضى الغضب والعاطفية أن يقول حتى أقتله لكنه احتاط فلم يجزم بموت خصمه لأن العاقبة لا يعرفها أحد فما أحسنه أدبًا إذ جمع بين الغيرة والنجدة والحزم والصدق رضي الله عنه (قال) عبد الرحمن بن عوف: (فتعجبت لذلك) أي من ذلك أي من قوله ذلك وشجاعته على أبي جهل وغيرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فغمزني) أي طعنني الغلام (الآخر) بيده (فقال) ذلك الآخر مقالة (مثلها) أي مقالة مماثلة لمقالة الأول يعني قوله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده. (قال) عبد الرحمن بن عوف: (فلم أنشب) أي فلم ألبث ولم أمكث بعد سؤالهما من (أن نظرت إلى أبي جهل يزول) ويتجول ويطوف (في الناس) ويضطرب ويتحرك في الناس أي لم يمض زمان كثير بعد سؤالهما إلا وأنا رأيته يضطرب ويتحرك في الناس ولا يستقر على حالة ولا يثبت في مكان وروي (يرفل) ومعناه يسبل ثيابه ودرعه ويجرهما على الأرض وفي رواية للبخاري (يجول في الناس) بدل يزول ومعناهما واحد أي يضطرب في مواضع ولا يستقر على حال قال عبد الرحمن: (فقلت) لهما: (ألا تريان) وتنظران إلى القوم هذا المتجول في الناس (صاحبكما) أي مطلوبكما (الذي تسألانـ) ـــني (عنه) يعني قلت لهما هذا المتجول أبو جهل (قال) عبد الرحمن: (فابتدراه) أي بادراه وتسابقا إليه (فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه) أي قاربا قتله بإثخانه ثم أتم أمره ابن مسعود بجز رأسه كما سيأتي (ثم) بعد قتلهما إياه (انصرفا) وذهبا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه) صلى الله عليه وسلم: خبر قتله (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكما قتله) أي من الذي قتله منكما (فقال كل واحد منهما أنا قتلتـ) ـــه وصدق كل واحد منهما لاشتراكهما في قتله والمراد من القتل الإثخان وإلا فقد ثبت أن الذي أجهز عليه عبد الله بن مسعود (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل مسحتما سيفيكما) من الدم أي هل أزلتما دمه عن سيفيكما بالمسح (قالا: لا) أي ما مسحنا دمه

فَنَظَرَ فِي السَّيفَينِ فَقَال: "كِلاكُمَا قَتَلَهُ" وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. (وَالرَّجُلانِ: مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو ابْنِ الْجَمْوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ). 4435 - (16999) (44) وحدّثني أَبُو الطَّاهِر أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما (فنظر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في السيفين فقال كلاكما قتله) تطييبًا لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في قتله وما يترتب عليه من الأجر وإن كان بينهما تفاوت في السبق والتأثير كما دل عليه ترجيح أحدهما في إعطاء السلب (و) لكن (قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح) لأنه أثخنه أولًا فاستحق السلب ثم شاركه الثاني ثم ابن مسعود ثم إن ابن مسعود وجده وبه رمق فحز رأسه قال ابن الملك ولا يقال الإمام مخير في السلب يفعل فيه ما يشاء كما قال أصحاب مالك لأن السلب غنيمة والخيار إنما يكون في التنفيل من الخمس اهـ. قوله: (فنظر في السيفين) ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليستدل به على حقيقة كيفية قتلهما ويحكم بالسلب لمن كان أبلغ ولذلك سألهما أولًا هل مسحتما سيفيكما لأنهما لو مسحاهما لما تبين الأمر فلما رأى السيفين تبين أن المثخن معاذ بن عمرو فلذلك خصه بالسلب (والرجلان) المذكوران أحدهما: (معاذ بن عمرو بن الجموح) بفتح الجيم وضم الميم وبعد الواو حاء مهملة وهو الذي أثخنه (و) الآخر (معاذ بن عفراء) بفتح العين المهملة وبعد الفاء الساكنة راء ممدودًا وهي أمه واسم أبيه الحارث بن رفاعة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الجهاد [3141]، وفي المغازي [3988 [3964]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث أبي قتادة بحديث عوف بن مالك رضي الله عنه فقال. 4435 - (16999) (44) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني معاوية بن صالح) بن حدير بالمهملة مصغرًا الحضرمي الحمصي صدوق من (7) (عن عبد الرحمن بن جبير) مصغرًا ابن نفير بنون وفاء مصغرًا الحضرمي الشامي ثقة، من (4) (عن أبيه) جبير بن مطعم بن

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ. فَأَرَادَ سَلَبَهُ. فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَكَانَ وَالِيًا عَلَيهِمْ. فَأَتَى رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ. فَأَخْبَرَهُ. فَقَال لِخَالِدٍ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟ " قَال: اسْتَكْثَرْتُهُ. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "ادْفَعْهُ إِلَيهِ" فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ. ثُمَّ قَال: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب (عن عوف بن مالك) الأشجعي الغطفاني الشامي حمل راية قومه بني الأشجع يوم الفتح رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون واثنان مصريان وواحد مدني ومن لطائفه فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) عوف بن مالك (قتل رجل) مسلم (من حمير) قبيلة مشهورة في اليمن (رجلًا من العدو) أي من الكفار وهذه القضية جرت في غزوة مؤتة سنة ثمان كما بينه في الرواية التي بعد هذه (فأراد) الرجل الحميري القاتل (سلبه) أي سلب المقتول (فمنعه) أي فمنع القاتل من أخذ سلب المقتول (خالد بن الوليد وكان) خالدٌ (واليًا عليهم) أي على الجيش (فأتى) أي فجاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية قدمه على الفاعل لتشريفه (عوف بن مالك) بالرفع على الفاعلية (فأخبره) أي فأخبر عوف بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنع خالد الحميري القاتل سلب المقتول (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لخالد: ما منعك) يا خالد (أن تعطيه) أي أن تعطي القاتل (سلبه) أي سلب المقتول (قال) خالد: (استكثرته) أي استكثرت ذلك السلب أي رأيته كثيرًا فرأيت من المصلحة أن لا ينفرد به رجل (يا رسول الله) فـ (ـــقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: (ادفعه) أي ادفع السلب (إليه) أي إلى القاتل وإن كان كثيرًا (فمر خالد) بعدما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالدفع (بعوف) بن مالك (فجر) عوف (بردائه) أي برداء خالد أي جذب عوف برداء خالد ووبخه على منعه السلب منه (ثم قال) عوف لخالد: هل أنجزت ووفيت (لك ما ذكرت) ووعدت (لك من) إخبار منعك السلب لـ (ـــرسول الله صلى الله عليه وسلم) فإنه قد كان قال لخالد: لا بد أن أشتكي منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني هل وفيت لك ما وعدتك به من شكاية فعلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم)

فَاسْتُغضِبَ. فَقَال: "لَا تُعْطِهِ. يَا خَالِدُ! لَا تُعْطِهِ. يَا خَالِدُ! هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا أَوْ غَنَما فَرَعَاهَا. ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا. فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا. فَشَرَعَتْ فِيهِ. فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كِدْرَهُ. فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكِدْرُهُ عَلَيهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عوف لخالد (فاستغضب) بالبناء للمجهول أي صار رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبًا لأجل قول عوف بن مالك (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: (لا تعطه) أي لا تعط القاتل سلبه (يا خالد لا تعطه يا خالد) مرتين لتأكيد النهي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده خطابًا لعامة المسلمين (هل أنتم) أيها المسلمون أو هو خطاب للراوي ومن هو مثله (تاركون لي أُمَرَائِي) الذين أمرتهم عليكم من الطعن فيهم وإساءة أدبهم قال القاضي فيه ما يلزم من ترك الطعن علي الأمراء وبرهم وتوقيرهم وترك التعرض لمساءتهم كذا في شرح الأبي [5/ 68] (إنما مثلكم) أيها المؤمنون (ومثلهم) أي مثل أُمَرَائِي (كمثل رجل استرعي إبلًا) أي استحفظ إبلًا أي جعل راعيًا عليها (أو) استرعي (غنمًا) وأوفيه للتنويع لا للشك (فرعاها) أي رعى تلك الإبل أو الغنم في مرعاها (ثم) بعد رعيها (تحين) ذلك الراعي (سقيها) أي جعل لسقيها حينًا معينًا ووقتًا خاصًّا (فأوردها) أي أورد تلك الإبل أو الغنم (حوضًا) أي موردًا ومشربًا خاصًّا بها (فشرعت فيه) أي في الشرب من ذلك الحوض (فشربت) تلك الإبل (صفوه) أي صفو ذلك الحوض أي الماء الصافي منه والصفو بفتح الصاد الخالص من الماء (وتركت كدره) بفتح الكاف وسكون الدال أو كسرها مثل فخذ وفخذ كما في القاموس هو ما خالطه غيره من التراب وغيره والمعنى أن الراعي يحسن بها ويحتمل متاعب من أجلها ويهيئ لها الماء ولكنها تسيئ إليه في أنها لا تترك له إلا ماء كدرًا (فصفوه) أي فصفو الأمر وخالصه من المتاعب والمشاكل (لكم) أيها الرعية (وكدره) أي وكدر الأمر يعني غير خالصه من المتاعب والمشاكل (عليهم) أي على الأمراء قال النووي: ومعنى الحديث أن الرعية يأخذون صفو الأمر فتصلهم أعطياتهم بغير نكد وتبتلى الولاة بمقاسات الأمور وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها وحفظ الرعية والشفقة عليهم والذب عنهم وإنصاف بعضهم من بعض ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك توجه على الأمراء دون الناس وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2719 و 2720]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في

4436 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ. قَال: خَرَجْتُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مَعَ زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ، فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ. وَرَافَقَنِي مَدَدِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال فِي الْحَدِيثِ: قَال عَوْفٌ: فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَال: بَلَى. وَلكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث عوف بن مالك رضي الله عنه فقال. 4436 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي ثقة، من (8) (حدثنا صفوان بن عمرو) بن هرمز السكسكي نسبة إلى سكاسك بطن من كندة أبو عمرو الحمصي روى عن عبد الرحمن بن جبير في الجهاد وعكرمة وخلق ويروي عنه (م عم) والوليد بن مسلم وابن المبارك وبقية قال عمرو بن علي ثبت وقال أبو حاتم ثقة وقال في التقريب ثقة من الخامسة (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة) بضم الميم والهمزة بعدها وضبطها بعضهم بغير همزة وهي قرية معروفة في أرض البلقاء من الشام وتقع الآن في الأردن بقرب من الكرك وبها كانت تطبع السيوف وإليها كانت تنسب السيوف المشرفية وموضع المعركة منها معروف إلى الآن أمام جامعة مؤتة. (ورافقني) أي صاحبني في الطريق (مددي من اليمن) يعني رجل حميري من المدد الذين جاءوا يمدون جيش غزوة مؤتة ويساعدونهم واستدل الحنفية بالحديث على أن السلب ليس حقًّا للقاتل في كل حال وإلا لما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدًا من إعطائه الحميري واعتذر عنه الشافعية بأنه إنما منع السلب منه تعزيرًا له على ما صنع من إطالة اللسان على خالد بن الوليد وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة صفوان بن عمرولمعاوية بن صالح (وساق) صفوان بن عمرو (الحديث) السابق (عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه) أي بنحو حديث معاوية بن صالح (غير أنه) أي لكن أن صفوان بن عمرو (قال في الحديث قال عوف) بن مالك (فقلت) لخالد بن الوليد: (يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل قال) خالد: (بلى) لإثبات النفي أي علمت أنه قضاه للقاتل (ولكني استكثرته) أي استكثرت هذا

4437 - (1700) (45) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي، سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلب أي رأيته كثيرًا لا يليق بواحد وقد ذكر أبو داود أصل هذه القصة مفصلة ولفظه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني (أي صار رفيقي) مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه فنحر رجل من المسلمين جزورًا فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرقة ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر (أي أحمر) عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري (كيرمي أي يبالغ في النكاية والقتل) بالمسلمين فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله عزَّ وجلَّ للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه السلب قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل قال: بلى ولكني استكثرته قلت: لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يرد عليه قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد ما حملك على ما صنعت قال: يا رسول الله استكثرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد رد عليه ما أخذت منه قال عوف فقلت له: دونك يا خالد ألم أوف لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك قال: فأخبرته فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركون لي أُمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره اهـ ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي قتادة بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال. 4437 - (1700) (45) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم (الحنفي) الجرسي بضم الجيم أبو حفص اليمامي ثقة، من (9) (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي صدوق من (5) (حدثني إياس بن سلمة) بن عمر بن الأكوع الأسلمي أبو سلمة المدني ثقة، من (3) (حدثني أبي سلمة) بن عمر (بن الأكوع) اسمه سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة الأسلمي المدني الصحابي المشهور رضي الله

قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هَوَازِنَ. فَبَينَا نَحْنُ نَتَضَحَّى مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ. فَأَنَاخَهُ. ثُمَّ انْتَزَعَ طَلَقًا مِنْ حَقَبِهِ فَقَيَّدَ بِهِ الْجَمَلَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ يَتَغَدَّى مَعَ الْقَوْمِ. وَجَعَلَ يَنْظُرُ. وَفِينَا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ فِي الظَّهْرِ. وَبَعْضُنَا مُشَاةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه وهذا السند من خماسياته (قال) سلمة بن الأكوع: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) غزوة (هوازن) يعني غزوة حنين وستأتي قصتها في باب مستقل إن شاء الله تعالى وهوازن قبيلة مشهورة من العرب (فبينا نحن نتضحى) أي نتغدى في وقت الضحاء وهو فوق الضحى قريب من نصف النهار والغداء الأكل في وقت الضحاء بفتح الضاد كذا في شرح النووي وقال ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 398] وأصله أن العرب كانوا يسيرون في ظعنهم فإذا مروا ببقعة من الأرض فيها كلأ وعشب قال قائلهم ألا ضحوا رويدًا أي ارفقوا بالإبل حتى نتضحى أي ننال من هذا المرعى ثم وضعت التضحية مكان الرفق لرفقتهم بالمال في ضحائها لتصل إلى المنزل وقد شبعت وصار ذلك يقال لكل من أكل وقت الضحى وهو يتضحى أي يأكل هذا الوقت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل) وكان جاسوسًا للمشركين وقد صرح به في رواية أبي العميس عند البخاري وأبي داود ولفظها (أي أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين) (على جمل أحمر فأناخه) أي فأناخ الجمل وأضجعه (ثم انتزع) أي أخرج (طلقًا) بفتح الطاء واللام وبالقاف وهو العقال من جلد (من حقبه) متعلق بانتزع وفي المصباح الحقب وزان سبب حبل يشد به رحل البعير إلى بطنه كي لا يتقدم إلى كاهله وهو غير الحزام اهـ ومثله في النهاية وعبارته والحقب بفتح الحاء والقاف حبل يشد على بطن البعير مما يلي مؤخره اهـ[8/ 399] والمراد أنه أخرج عقالًا من تحت الحبل المشدود على بطن البعير ووقع في رواية لأبي داود (فانتزع طلقًا من حقو البعير) يعني من مؤخره (فقيد) أي ربط وعقل (به الجمل ثم تقدم) إلى القوم من المسلمين حالة كونه (يتغدى) أي يأكل الغداء (مع القوم) من المسلمين (وجعل) الرجل أي شرع (ينظر) في القوم (وفينا ضعفة) بفتح الضاد وإسكان العين أي حالة ضعف وهزال في الظهر وقيل هو بفتح العين جمع ضعيف وقال القاضي الأول أوجه اهـ أبي (ورقة في الظهر) أي قلة وهزال في المركوب والمراد أننا كنا في ذلك الوقت يظهر فينا وفي مراكبنا الضعف (وبعضنا مشاة) أي ليس له مركوب

إِذْ خَرَجَ يَشْتَدُّ. فَأَتَى جَمَلَهُ فَأَطْلَقَ قَيدَهُ. ثُمَّ أَنَاخَهُ وَقَعَدَ عَلَيهِ. فَأَثَارَهُ. فَاشْتَدَّ بِهِ الْجَمَلُ. فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ. قَال سَلَمَةُ: وَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ. فَكُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ النَّاقَةِ. ثُمَّ تَقَدَّمْتُ. حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ الْجَمَلِ. ثمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَأَنَخْتُهُ. فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ فِي الأَرْضِ اخْتَرَطْتُ سَيفِي فَضَرَبْتُ رَأْسَ الرَّجُلِ. فَنَدَرَ. ثُمَّ جِئْتُ بِالْجَمَلِ أَقُودُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع ماشٍ أي راجل وبينا يتغذى الرجل مع القوم (إذ خرج) من بين القوم حالة كونه (يشتد) ويعدو أي خرج من بيننا مسرعًا أي فاجأنا خروجه من بيننا حالة كونه مسرعًا (فأتى جمله) أي بعيره الذي عقله أولًا (فأطلق) أي فك وحل (قيده) أي عقاله (ثم أناخه) أي أضجعه (وقعد عليه) أي ركبه (فأثاره) أي بعثه قائمًا (فاشتد) أي عدا وجرى (به الجمل فاتبعه) بتشديد التاء أي لحق ذلك المشرك (رجل) من المسلمين لما شعر أنه جاسوس (على ناقة) له (ورقاء) أي سمراء في لونها غبرة من الورقة والورقة بضم الواو السمرة كذا في جامع الأصول وقال الأبي والورقاء هي التي في لونها سواد كالغبرة وهو الموافق لما ذكره أهل اللغة فذكر في القاموس أن الأورق من الإبل ما في لونه بياض إلى سواد وهو من أطيب الإبل لحمًا لا سيرًا وعملًا اهـ. (قال سلمة وخرجت) من بين القوم حالة كوني (اشتد) وأجري وأعدو أي انطلقت في عقبه أعدو حتى أدركت ناقة الرجل المسلم (فكنت عند ورك الناقة) أي ورك ناقة المسلم وفخذها (ثم تقدمت) عليها وسبقتها (حتى كنت عند ورك الجمل) أي عند ورك جمل المشرك وفخذه والورك ما فوق الفخذ الذي يكون عليه ورك الراكب (ثم تقدمت) على جمل المشرك (حتى أخذت) وأمسكت (بخطام الجمل وزمامه فأنخته) أي أضجعت الجمل (فلما وضع) الجمل (ركبته في الأرض) أي على الأرض (اخترطت سيفي) أمسكت سيفي وأخرجته من غمده (فضربت رأس الرجل) المشرك بسيفي يعني سالفة عنقه (فندر) أي فسقط رأسه وأصل معناه زال عن مكانه وهو من باب نصر وكان ذلك الرجل على ما أفاده النووي جاسوسًا كافرًا حربيًا وفي حديث البخاري عن سلمة بن الأكوع من طريق آخر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوه واقتلوه فقتلته فنفلني سلبه اهـ والعين الجاسوس (ثم جئت) إلى القوم (بالجمل أقوده)

عَلَيهِ رَحْلُهُ وَسِلاحُهُ. فَاسْتَقْبَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ. فَقَال: "مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ " قَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ. قَال: "لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بزمامه (عليه) أي على الجمل (رحله) أي رحل الجمل وقتبه أو أمتعة الرجل (وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه) صلى الله عليه وسلم أي تلقاني مع الناس إكرامًا لي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل الرجل) المشرك استعلامًا (قالوا): أي قال الحاضرون عنده قتله سلمة (ابن الأكوع قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لسلمة بن الأكوع (سلبه) أي سلب الرجل المقتول (أجمع) أي جميعه سلاحًا وثيابًا ودراهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [3015]، وأبو داود فيه [2654]، وابن ماجه فيه أيضًا [2836]، وفي الحديث دلالة على جواز قتل الجاسوس الحربي وعليه الإجماع وأما الجاسوس المعاهد أو الذمي فقال مالك والأوزاعي يصير ناقضًا للعهد فإن رأى الإمام استرقاقه أرقه ويجوز قتله وعند الجمهور لا ينتقض عهده بذلك إلا أن يشترط عليه انتقاضه وأما الجاسوس المسلم فعند أبي حنيفة والشافعي وبعض المالكية يعزر بما يراه الإمام إلا القتل وقال مالك: يجتهد فيه الإمام وقال عياض قال كبار أصحابه يقتل واختلفوا في تركه بالتوبة فقال ابن الماجشون إن عرف بذلك قتل وإلا عزر كذا في عمدة القاري [14/ 297]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب صبعة أحاديث الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدةً والثالث: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه سبع متابعات والرابع: حديث أبي قتادة الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين والخامس: حديث عبد الرحمن بن عوف ذكره للاستشهاد والسادس: حديث عوف بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسابع: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

619 - (12) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى وحكم الفيء وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة

619 - (12) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى وحكم الفيء وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة 4438 - (1701) (46) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي قَال: غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَينَا أَبُو بَكْرٍ. أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَينَا. فَلَمَّا كَانَ بَينَنَا وَبَينَ الْمَاءِ سَاعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 619 - (12) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى وحكم الفيء وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة 4438 - (1701) (46) (حدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي اليمامي (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي اليمامي (حدثني إياس بن سلمة) بن الأكوع الأسلمي المدني (حدثني أبي) سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته وهو عين السند قبله حرفًا بحرف (قال) سلمة بن الأكوع: (غزونا) معاشر الصحابة (فزارة) هو اسم أبي قبيلة من غطفان كما في القاموس سميت القبيلة به والذي يذكره أصحاب السير في سبب هذه الغزوة أن زيد بن حارثة رضي الله عنه خرج في تجارة إلى الشام فلما كان بقرب من وادي القرى لقيه ناس من بني فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه حتى ظنوا أنهم قد قتلوا وأخذوا ما كان معه من مال فرجع زيد إلى المدينة بعد برئه فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني فزارة وكان ذلك في رمضان سنة ست كما أخرجه الواقدي اهـ من سيرة ابن هشام (و) الأمير (علينا أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (أمره) أي أمر أبا بكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا) وهذا صريح في أن أمير السرية كان أبا بكر رضي الله عنه ولكن لم يذكر أصحاب السير إمارته والذي يظهر من رواياتهم أن الأمير كان زيد بن حارثة رضي الله عنه ولذلك سمى الواقدي هذه السرية سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة وسماه ابن هشام في سيرته غزوة زيد بن حارثة إلى بني فزارة ويمكن الجمع بين هذه الروايات وحديث الباب بان أبا بكر كان أمير السرية وكان زيد بن حارثة رائدهم لكونه أعرف بمكان بني فزارة ولما كان هو السبب لبعث هذه السرية سميت السرية باسمه والله سبحانه وتعالى أعلم (فلما كان بيننا وبين الماء ساعة) أي قدر مسافة ساعة يعني الماء الذي يجتمع إليه بنو فزارة وربما يطلق لفظ الماء على

أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا. ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ. فَوَرَدَ الْمَاءَ. فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيهِ، وَسَبَى. وَانْظُرُ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ. فِيهِمُ الذرَارِيُّ. فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ. فَرَمَيتُ بِسَهْمٍ بَينَهُمْ وَبَينَ الْجَبَلِ. فَلَمَّا رَأَوُا السَّهْمَ وَقَفُوا. فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ. وَفِيهِمُ امْرَأةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ. عَلَيهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ. (قَال: الْقَشْعُ النِّطَعُ) مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ القربة الصغيرة أيضًا لأنها كانت تعمر بقرب من ماء (أمرنا أبو بكر) بالتعريس جواب لما (فعرسنا) معطوف على جواب لما والتعريس النزول في آخر الليل للاستراحة وأكثر ما يقال إذا نزلوا ساعة ثم ارتحلوا كما في مقاييس اللغة لابن فارس أي نزلنا للاستراحة (ثم شن) أبو بكر أي صب (الغارة) عليهم من كل جهة أي أمرنا بالإغارة عليهم من كل جهة وجانب والشن في الأصل صب الماء وتفريقه ثم استعير للإغارة يقال: شن الغارة عليهم شنًا أي صبها وبثها وفرقها من كلل وجه وجانب وقوله (فعرسنا) أي نزلنا آخر الليل لنستريح (ثم شن الغارة) أي فرق الخيول المغيرة على العدو وهجم عليهم ديارهم وأوقع بهم الغارة. (فورد) أبو بكر (الماء) لهم ونزل عليهم ليمنعهم من الماء (فقتل) أبو بكر منهم (من قتل عليه) أي على الماء من الرجال (وسبى) منهم من سبى وقد عرفت أن السبي هو أخذ من لا يصلح للقتال عبيدًا وإماء قال سلمة: (و) قد كنت (انظر إلى عنق) بضمتين أي إلى جماعة (من الناس) والعنق بضم العين والنون ربما يطلق مجازًا على جماعة من الناس أو على الرؤساء منهم والكبراء والأشراف وبهما فسر قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} اهـ تاج العروس (فيهم الذراري) أي النساء والصبيان قال سلمة: (فخشيت أن يسبقوني) أي أن يفوتونني ويصعدوا (إلى الجبل فرميت بسهم) وقع (بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا) أي قاموا وتوقفوا عن الصعود إلى الجبل خوفًا من إصابة السهم لهم (فـ) ـأخذتهم و (جئت بهم) إلى القوم حالة كوني (أسوقهم) قدامي (وفيهم) أي وفي العنق الذي أخذتهم (امرأة من بني فزارة) هي أم قرفة واسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عجوزًا كبيرًا عند مالك بن حذيفة بن بدر وكانت في بيت شرف من قومها كانت العرب تقول في أمثالهم لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت اهـ سيرة ابن هشام (عليها) أي على تلك المرأة (قشع) بفتح القاف وكسرها مع سكون الشين فيهما لغتان مشهورتان وهو الفرو الخلق كما في تاج العروس (من أدم) أي من جلد مدبوغ (قال) الراوي مفسرًا لقوله (القشع النطع) وهو على وزن عنب بساط من الأديم وهو تفسير صحيح أيضًا (معها) أي مع تلك المرأة (ابنة لها) هي أي تلك البنت

من أَحْسَنِ الْعَرَبِ. فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيتُ بِهِمْ أَبَا بَكرٍ. فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا. فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا. فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ. فَقَال: "يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي المَرْأَةَ". فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! واللهِ! لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي. وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا. ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن الْغَدِ فِي السُّوقِ. فَقَال لِي: "يَا سَلَمَةُ! هَبْ لِي الْمَرْأَةَ. لِلَّهِ أَبُوكَ" فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ. يَا رَسُولَ اللهِ! فَوَاللهِ! مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا. فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ. فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من أحسن العرب) أي من أجملهم (فسقتهم) أي فسقت أولئك الجماعة قدامي (حتى أتيت) وجئت (بهم أبا بكر فنفلني أبو بكر) أي أعطاني (ابنتها) نفلًا (فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبًا) أي ما كشفت لتلك البنت عن عورتها للاستمتاع بها يعني ما استمتعت بها وفيه استحباب الكناية من الاستمتاع بالمرأة (فلقيني) أي رآني (رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال) لي: (يا سلمة هب لي المرأة) أي البنت التي نفلك أبو بكر وهي بنت أم قرفة قال سلمة: (فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله والله لقد أعجبتني) وأعشقتني ورغبت فيها (وما كشفت لها ثوبًا) أي والحال أني ما استمتعت بها (ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد) من اليوم الأول (في السوق فقال لي هب لي المرأة) التي استوهبتكها (لله أبوك) كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها مثل قولهم لله درك فإن الإضافة إلى العظيم تشريف ولهذا يقال ببيت الله وناقة الله فإذا وجد من الولد ما يحمد قيل لله أبوك حيث أتى بمثلك اهـ نووي وفي الحديث جواز استيهاب الإمام أهل جيشه بعض ما غنموه ليفادى به مسلمًا أو يصرفه في مصالح المسلمين أو يتألف به من تألفه مصلحة كما فعل صلى الله عليه وسلم هنا وفي غنائم حنين قال سلمة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (هي) أي تلك المرأة (لك يا رسول الله فوالله ما كشفت لها ثوبًا فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ففدى بها ناسًا من المسلمين كانوا أسروا بمكة) فيه جواز المفاداة وجواز فداء الرجال بالنساء الكافرات وفيه جواز التفريق بين الأم وولدها البالغ ولا خلاف في جوازه اهـ نووي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الجهاد باب فداء الأسارى رقم [2846]، ثم حديث الباب صريح في أن المرأة قد فدى بها ناسًا من

4439 - (1702) (47) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا قَرْيَةٍ أتَيتُمُوهَا، وَأَقَمْتُمْ فِيهَا، فَسَهْمُكُمْ فِيهَا. وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمين ويعارضه ما رواه ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أخذه من سلمة أهداها لخاله حزن ابن أبي وهب فولدت له ولكن قال السهيلي رواية مسلم هذه أصح من رواية ابن إسحاق ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4439 - (1702) (47) (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدكر أحاديث منها وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته (أيما قرية) من قرى الكفار وبلدة من بلدانهم فأي اسم شرط مرفوع على الابتداء وما زائدة وقرية مضاف إليه وجملة (أتيتموها) أي أخذتموها صلحًا على أن الأرض لكم أو أجلى عنها أهلها صفة لقرية وجملة قوله (وأقمتم فيها) أي نزلتم فيها معطوفة على الجملة التي قبلها وقوله (فسهمكم) أي نصيبكم كائن (فيها) أي في تلك القرية كسهام سائر المسلمين منها جواب الشرط أي لكم فيها مثل ما لسائر المسلمين فتلك القرية لبيت مال المسلمين ترزقون منها كما يرزق منها سائر المسلمين أي فتكون تلك القرية مع ما فيها فيئًا لبيت مال المسلمين فالفيء كل مال حاصل للمسلمين بلا إيجاف خيل ولا ركاب أي بلا محاربة أحد من الكفار فيكون في بيت المال يصرف منه أرزاق الأجناد والقضاة وجميع العمال وسائر مصالح المسلمين كمال المرتد ومال ما لا وارث له فالمعنى أن سهمكم منها يصل إليكم بطريق العطاء الذي يخرج لكم من بيت المال وفيه أن الفيء لا يقسم بين الغانمين ولا يخمس وإنما يكون بيد الإمام يصرفه في مصالح المسلمين كيف شاء والله أعلم (وأيما قرية عصت الله ورسوله) أي خالفتهما وحاربتهما وأي شرطية جوابها قوله (فإن لله خمسها ولرسوله) أي يصرف في مصالح المسلمين كذي القربى

ثُمَّ هِيَ لَكُمْ". 4440 - (1703) (48) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ، وَأبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أبِي شَيبَةَ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ. قَال: كَانَتْ أمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ. مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيلٍ وَلَا رِكَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ واليتامى والمساكين (ثم) بعد إخراج خمسها منها (هي) أي باقي تلك القرية غنيمة (لكم) مقسومة بينكم على أن للراجل سهمًا وللفارس ثلاثة أسهم أي فتلك القرية مستحقة للغانمين مقسومة بينهم كذلك أي فالغنيمة هي مال حاصل للمسلمين بإيجاف خيل وركاب يعني عنوة وقهرًا فيخمس كما هو مبسوط في كتب الفروع فالحديث يدل على أن مال الفيء لا يخمس وقال الشافعي: يخمس كمال الغنيمة فالحديث حجة عليها وقوله (عصت الله ورسوله) يعني حاربت المسلمين فغلب عليها المسلمون عنوة فإن أموالها غنيمة تقسم بين الغانمين بعد تخميسها لبيت المال وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3036]، ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بأثر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال. 4440 - (1703) (48) (حدثنا تتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10) (وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (واللفظ لابن أبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (عن الزهري عن مالك بن أوس) بن الحدثان بفتحات ومثله النصري بنون أبي سعيد المدني مخضرم له رؤية روى عنه في (8) أبواب (عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عمر: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله) صلى الله عليه وسلم أي رجع إليه يعني جعله فيئًا والفيء في اللغة الرجوع ويقال فاء إذا رجع وشرعًا هو مال حصل للمسلمين من الكفار من غير حرب وإنما قيل له فيء لأنه رجع إلى ملك الله تعالى كانت (مما لم يوجف) ولم يسرع (عليه المسلمون بخيل ولا ركاب) أي إبل والجار والمجرور في قوله مما لم يوجف خبر ثان لكان والمراد بإيجاف الخيل مثلًا الاستيلاء على أموالهم قهرًا وأوجف من الإيجاف وهو

فَكَانَت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً. فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ. وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ. عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسراع يقال أوجف فأعجف أي حمل الفرس على الإسراع فهزله بذلك والمعنى لم يجروا في تحصيله خيلًا ولا إبلًا بل حصل بلا قتال والركاب هي الإبل التي يسافر عليها لا واحد لها من لفظها واحده راحلة وكذلك الخيل لا واحد لها من لفظها واحده فرس (فكانت) أموال بني النضير (للنبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (خاصة) أي مخصوصة به صلى الله عليه وسلم يعني كان له الخيار في صرفها في مصالح المسلمين الفقير والغني ويعطي الإمام منه المقاتلة والولاة والحكام وينفق منه في النوائب التي تنوب المسلمين كبناء القناطر وإصلاح المساجد وغير ذلك ولا خمس في شيء منه وبه قال الجمهور وهو الثابت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال الشافعي بل فيه الخمس والخمس مقسوم على الأصناف الذين ذكروا في آية الغنائم من ذوي القربى واليتامى وغيرهم والباقي مفوض إلى رأي الإمام ينفق منه على نفسه وعلى عياله وعلى من رأى وفي البجيرمي على الخطيب [4/ 229] وأما الشافعي فذهب إلى أن الفيء يخمس كما تخمس الغنائم فيصرف خمسه إلى المصارف الخمسة المذكورة في الكتاب وتقسم الأربعة الأخماس بين المقاتلة فما بقي من ذلك صرف إلى مصالح المسلمين من إصلاح الحصون والثغور اهـ. (فكان) النبي صلى الله عليه وسلم (ينفق على أهله نفقة سنة) أي يأخذ منه لأهله نفقة سنة ويعزله لهم ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير فلا تتم عليه السنة قال القاضي عياض فيه جواز ادخار قوت سنة ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدخر لنفسه شيئًا وإنما يدخر لغيره وفيه أن الادخار لا يقدح في التوكل ولا خلاف في جواز ادخار ما يرفع الإنسان من أرضه كذا في الأبي والنووي ثم إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن ينفقن منه على الفقراء حتى لا يبقى في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا شيء يسير ولذلك توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بشعير (وما بقي) من نفقة أهله (يجعله) أي يصرفه (في) ثمن (الكراع) بضم الكاف أي الخيل وكذا كل دابة تصلح للحرب (و) في ثمن (السلاح) أي آلات الحرب من السيف والرماح والقوس (عدة) وأهبة وآلة (في سبيل الله) أي استعدادًا بها للجهاد في سبيل الله تعالى وأصل الكراع مستدق الساق من البقر والغنم وما دون الرسغ من ذوات الحوافر ثم استعملت الكلمة للإبل والفرس تسمية للكل باسم الجزء اهـ تاج العروس

4441 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4442 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزهْرِيِّ؛ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ حَدَّثَهُ. قَال: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالى النَّهَارُ. قَال: فَوَجَدْتُهُ فِي بَيتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ. مُفْضِيًا إِلَى رُمَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ [5/ 492]، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب المجن [2904]، وفي مواضع كثيرة وأبو داود [2963]، والترمذي [1610]، والنسائي في قسم الفيء ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الأثر فقال. 4441 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن مالك بن أوس عن عمر غرضه بيان متابعة يحيى بن يحيى لقتيبة بن سعيد ومن معه في الرواية عن سفيان ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الأثر فقال. 4442 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم الضاد وفتح الباء نسبة إلى بني ضبيعة بن قيس أبو عبد الرحمن البصري ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا جويرية) مصغرًا بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري صدوق من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن الزهري أن مالك بن أوس) بن الحدثان المدني (حدثه) أي حدّث للزهري (قال) مالك بن أوس: (أرسل إلي عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مالك بن أنس لعمرو بن دينار قال مالك بن أوس: (فجئته) أي فجئت عمر بن الخطاب (حين تعالى النهار) أي ارتفعت شمسه وفي رواية البخاري في فرض الخمس (حين متع النهار) وهو بمعناه (قال) مالك بن أنس: (فوجدته) أي فوجدت عمر في بيته جالسًا على سرير رمال وحصير حالة كونه (مفضيًا) أي موصلًا وملصقًا وركه (إلى رماله) أي إلى حبال السرير يعني ليس بينه وبين رماله شيء وإنما قال هذا لأن العادة أن يكون فوق الرمال فراش أو غيره والرمال بكسر الراء وضمها ما ينسج من سعف النخل وورقه

مُتَّكِئًا عَلَى وسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ. فَقَال لِي: يَا مَالُ! إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ. وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ. فَخُذهُ فَاقْسِمْهُ بَينَهُمْ. قَال: قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهذَا غَيرِي؟ قَال: خُذْهُ. يَا مَالُ! قَال: فَجَاءَ يَرْفَا. فَقَال: هَلْ لَكَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فِي عُثْمَانَ وَعَندِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيرِ وَسَعْدٍ؟ فَقَال عُمَرُ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ. فَدَخَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ (متكئًا) أي معتمدًا (على وسادة) أي مخدة (من أدم) أي من جلد مدبوغ (فقال لي) عمر: (يا مال) مرخم مالك بضم اللام على لغة من لا ينتظر المحذوف وبكسرها على لغة من ينتظره (إنه) أي إن الشأن والحال (قد دف أهل بيت من قومك) أي جاؤوا مسرعين إلى المدينة للنجعة لضر نزل بهم وجدب أصابهم والدف من باب خف المشي بسرعة وقيل: الدف السير اليسير كذا في شرح النووي وبهذا الأخير جزم في القاموس وفتح الباري (من قومك) أي من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وكأنهم كانوا قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة كذا في فتح الباري [6/ 205]، (وقد أمرت فيهم) أي لأجلهم (برضخ) بفتح الراء وسكون الخاء أي بعطية قليلة غير كثيرة ولا مقدرة (فخده) أي فخذ ذلك الرضخ (فاقسمه) أي فاقسم ذلك الرضخ (بينهم) أي بين أهل تلك الأبيات (قال) مالك بن أوس (قلت) لعمر: (لو أمرت) يا أمير المؤمنين (بهذا) القسم بينهم (غيري) لكان أحسن قال تحرجًا من قبول الأمانة ولم يبين ما جرى له اكتفاة بقرينة الحال والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه ثاني مرة كذا في الفتح (قال) لي عمر مرة ثانية تأكيدًا على (خذه يا مال) فاقسمه بينهم (قال) مالك بن أوس: (فجاء يرفا) والحال أن بيني وبين عمر تلك المحاورة وهو بفتح الياء وسكون الراء وفتح الفاء بعدها ألف غير مهموزة وقد تهمز ويرفا هذا كان من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا تعرف له صحبة وقد حج مع عمر في خلافة أبي بكر وكان حاجب عمر في خلافته عاش إلى خلافة معاوية اهـ فتح الباري [6/ 205] أي فجاء يرفا إلى عمر وأنا في محاورته (فقال): يرفا لعمر هل لك يا أمير المؤمنين رغبة (في) دخول (عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن بن عوف والزبير) بن العوام وسعد بن أبي وقاص وزاد في رواية النسائي وعمر بن شبة (وطلحة بن عبيد الله) أي هل لك رغبة في دخول هؤلاء الأكابر عليك فتأذن لهم فيه (فقال عمر: نعم) لي رغبة في دخولهم عليَّ (فأذن) لهم عمر في الدخول عليه (فدخلوا) أي دخل هؤلاء الأكابر على

ثُمَّ جَاءَ فَقَال: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ؟ قَال: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمَا. فَقَال عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَينِي وَبَينَ هذَا الْكَاذِبِ الآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ. فَقَال الْقَوْمُ: أَجَلْ. يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنينَ، فَاقْضِ بَينَهُمْ وَأَرِحْهُمْ. (فَقَال مَالِكُ بْنُ أَوْسِ: يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر (ثم) بعدما دخل هؤلاء (جاء) يرفا إلى عمر (فقال) لعمر: (هل لك) رغبة (في) دخول (عباس) بن المطلب (وعليّ) بن أبي طالب عليك فتأذن لهما (قال) عمر: (نعم) لي رغبة في دخولهما عليَّ (فأذن) عمر (لهما) في الدخول عليه (فـ) ـلما دخلا (قال عباس: يا أمير المومنين اقض بيني وبين هذا الكاذب) في ادعائه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه الأموال لفاطمة في حياته (الآثم) بكذبه في ذلك (الغادر) بغلبته عليَّ في هذه الأموال (الخائن) لي بمنعه إياي من ميراث ابن أخي وقال جماعة من العلماء: معناه هذا الكاذب إلخ إن لم ينصف فحذف الجواب وبيان هذا كما سيأتي أن عمر دفع صدقته صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلى علي وعباس رضي الله عنهما على مقتضى طلبهما فغلبه عليها علي فكانا يتنازعان فيها فكان علي كما ذكره البلاذري يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها في حياته لفاطمة وكان العباس يأبى ذلك ويقول: هي ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ورائه فكانا يتخاصمان إلى عمر وأما ما رُوي هنا من قول عباس لعلي وكذا ما رواه البخاري في كتاب الاعتصام من قوله اقض بيني وبين هذا الظالم فهو مما يأبى القلب تصديق صدوره من عم النبي صلى الله عليه وسلم في حق ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره وكذا رواية مسابتهما في مجلس خليفة مثل سيدنا عمر بمحضر من سادة الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين (فقال القوم) الحاضرون من عثمان وعبد الرحمن (أجل) أي نعم كما قال العباس: (يا أمير المؤمنين فاقض بينهم) أي فاقض بينهما فالمراد بالجمع ما فوق الواحد أو للتعظيم أو بالنظر إلى من معهما (وأرحهم) أمر من الإراحة أي اجعلهم في راحة عما هم فيه من التخاصم والمعنى أرح كلًّا منهما من مخاصمة الآخر (فقال مالك بن أوس) بن الحدثان (يخيل) بالبناء للمجهول أي يخيل (إليَّ) ويصور في قلبي أنهم أي أن عليًّا وعباسًا (قد كانوا) أي قد كانا (قدموهم) أي طلبوا من القوم الحاضرين يعني عثمان ومن معه تقدمهم عليهما إلى مجلس عمر (لذلك) أي ليشفعوا لهما عند عمر رضي الله عنه ولفظ أبي داود (خيل إلي

فَقَال عُمَرُ: اتَّئِدَا. أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا نُورَثُ. مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ" قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فَقَال: أَنْشُدُكُمَا باللهِ الذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا نُورَثُ. مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ" قَالا: نَعَمْ. فَقَال عُمَرُ: إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِخَاصَّةٍ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا أحَدًا غَيرَهُ. قَال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: 7]، (مَا أَدْرِي هَلْ قَرَأَ الآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَمْ لَا) قَال: فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَكُمْ أَمْوَال بَنِي النَّضِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أنهما قدما أولئك النفر لذلك) والمعنى (يخيل إلي أنهم) أي أظن وأتوهم أن عليًّا وعباسًا ومن كان معهما قدموا هؤلاء لذلك أي رتبوا هذا الحضور لذلك اهـ من بعض الهوامش (فقال) لهما (عمر) رضي الله عنه: (اتئدا) أي اصبرا وأمهلا لي مهلة أتكلم فيها ولا تعجلا عليَّ في الكلام ثم قال: (أنشدكم) خطاب للقوم الحاضرين من عثمان ومن معه أي أسألكم (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (و) تستقر (الأرض) بغير وتد (أتعلمون) أي هل تعلمون (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): نحن معاشر الأنبياء (لا نورث) بالبناء للمجهول أي لا تقسم تركتنا بين أقاربنا بل (ما تركنا) هـ بعد موتنا (صدقة) مصروفة في مصالح المسلمين (قالوا) أي قال القوم الحاضرون: (نعم) علمنا ذلك يا أمير المؤمنين (ثم أقبل) عمر (على العباس وعليّ فقال) لهما: (أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان) أي هل تعلمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة قالا: نعم) نعلم ذلك (فقال عمر: (ن الله جل وعز كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم) في كتابه (بخاصة) من الأموال (لم يخصص) الله تعالى (بها) أي بتلك الخاصة (أحدًا غيره) صلى الله عليه وسلم (قال) تعالى في كتابه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: 7] قال مالك بن أوس فوالله (ما أدري هل قرأ) عمر (الآية التي قبلها) أي قبل هذه الآية المذكورة هنا يعني قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيهِ مِنْ خَيلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (6)} (أم لا) يقرؤها أي لم يقرأها (قال) عمر: (فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم) أهل البيت (أموال بني النضير) والمراد بقسمة

فَوَاللهِ! مَا اسْتَأثَرَ عَلَيكُمْ. وَلَا أَخَذَهَا دُونَكُمْ. حَتَّى بَقِيَ هذَا الْمَالُ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ. ثُمَّ يَجعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ. ثُمَّ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أموال بني النضير في هذا الحديث قسمة ذوي القربى من خمس الفيء أو هبته صلى الله عليه وسلم من سهمه إلى أقربائه أو المهاجرين والله أعلم اهـ تكملة وقول عمر: (إن الله كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة) قال النووي ذكر القاضي في معنى هذا احتمالين أحدهما: تحليل الغنيمة له ولأمته والثاني: تخصيصه بالفيء إما كله أو بعضه على اختلاف العلماء في ذلك قال: وهذا الثاني أظهر لاستشهاد عمر على هذا بالآية اهـ (فوالله ما استأثر) رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه (عليكم) بهذا المال ولا اختارها عليكم (ولا أخذها) أي أخذ هذه الأموال ولا استبد بها (دونكم) قال في العون والاستئثار الانفراد بالشيء والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم ما فضل نفسه الكريمة عليكم في نصيبه من الفيء اهـ يعني ما استأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عليكم بأن يخلصها لنفسه وإنما أنفقتها عليكم وفي رواية للبخاري في الفرائض (فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما احتازها دونكم) (حتى بقي هذا المال) الذي تنازعتما فيه يعني المال الذي وقعت فيه الخصومة بين علي والعباس (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخد منه) أي من هذا المال الذي وقعت فيه الخصومة بينكما (نفقة سنة) لأهله (ثم يجعل ما بقي) من نفقة أهله (أسوة المال) أي قدوة المال الذي يصرف في مصالح المسلمين وتبعًا له يعني مالًا مشتركًا يصرف في حوائج العامة يفسره ما في رواية معمر الآتية (ثم يجعل ما بقي منه مجعل الله عزَّ وجلَّ) وفي العون قوله (ثم يجعل ما بقي أسوة المال) أي يجعل ما بقي من نفقة أهله مساويًا للمال الآخر الذي يصرف لوجه الله تعالى قال في النهاية: قد تكرر ذكر الأسوة والمواساة وهي بكسر الهمزة وضمها القدوة والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصله الهمزة فقلبت واوا للتخفيف ومن القلب أن المشركين واسونا على الصلح وعلى الأصل في الصديق آساني بنفسه وماله اهـ ومنه الحديث أسوة الغرماء أي إنهم مساوون ومشاركون في المال الموجود للمفلس ولفظ البخاري (ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله) وهذا أصرح في المراد أي يجعله في السلاح والكراع ومصالح المؤمنين اهـ من العون (ثم قال) عمر للقوم

أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! أَتَعْلَمونَ ذلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا بِمِثلِ مَا نَشَدَ بِهِ الْقَوْمَ: أَتَعْلَمَانِ ذلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قَال: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال أَبُو بَكرٍ: أَنا وَليُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَجِئتُمَا، تَطلُبُ مِيرَاثَكَ مِن ابْنِ أَخِيكَ، ويطْلُبُ هذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا. فَقَال أَبُو بَكرٍ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا نُورَثُ. مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ" فَرَأَيتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ. ثُم تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ. وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّ أَبِي بَكرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحاضرين عنده: (أنشدكم بالله الذي بإذنه نقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك) الذي يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المال من أخذ نفقة سنة لأهله منه ثم جعله ما بقي أسوة المال (قالوا) أي قال القوم: (نعم) نعلم ذلك الذي يفعله الرسول فيه (ثم نشد) عمر وسأل (عباسًا وعليًّا بمثل ما نشد به القوم) فقال لهما: (أتعلمان ذلك) الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم (قالا) أي قال عباس وعلي (نعم) نعلم ذلك (قال) عمر: (فلما توفي) وقبض (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر) رضي الله عنه: (أنا وليّ) أي متولى أمور (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وخليفته في شؤونه (فجئتما) أنتما إلى أبي بكر رضي الله عنه حالة كونك يا عباس (تطلب ميراثك) ونصيبك (من) تركة (ابن أخيك) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (و) حالة كون (هذا) الجائي معك يريد عليًّا يطلب ميراث امرأته وزوجته (من أبيها) يعني فاطمة رضي الله تعالى عنها (فقال) لكما: (أبو بكر) رضي الله عنه: لا إرث لكما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): نحن معاشر الأنبياء (ما نورث) أي لا نورث دينارًا ولا درهمًا ولا غيرهما (ما تركنا) هـ من الأموال (صدقة) المسلمين (فرأيتماه) أي فظننتما أنتما أبا بكر (كاذبًا) فيما يقول (آثمًا) بامتناعه من دفعه إليكما (غادرًا) لكما بأخذه ذلك المال (خائنًا) بإمساكه في يده (والله) أي والحال أن الله سبحانه وتعالى (يعلم إنه) أي إن أبا بكر (لصادق) فيما يقول (بار) أي فاعل للبر برعاية ذلك المال (راشد) أي موافق للرشد في عمله (تابع للحق) في عمله في ذلك المال وغيره (ثم توفي) وقبض (أبو بكر) رضي الله عنه قلت: (وأنا وليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر) أي

فَرَأَيتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا. وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ. فَوَلِيتُهَا. ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهذَا. وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ. وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ. فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَينَا. فَقُلْتُ: إِنْ شِئتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيكُمَا عَهْدَ اللهِ أَنْ تَعْمَلا فِيهَا بالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذتُمَاهَا بِذلِكَ. قَال: أَكَذلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قَال: ثُمَّ جِئتُمَانِي لأَقْضِيَ بَينَكُمَا. وَلَا، وَاللهِ، لَا أَقْضِي بَينَكُمَا بِغَيرِ ذلِكَ. حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. فَإِنْ عَجَزتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ متولي أمورهما وخليفتهما في أمور الدين والرعية (فرأيتماني) أيضًا كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا والله) أي والحال أن الله سبحانه (يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها) أي فتوليت رعاية هذه الأموال التي تطلبان قسمتها (ثم جئتني أنت) يا عباس (وهذا) الرجل يريد عليًّا (وأنتما جميع) أي وكلاكما متفق ليس بينكما خلاف (وأمركما) أي مطلبكما (واحد) وهو دفعي إياها إليكما (فقلتما) لي: (ادفعها) أي ادفع هذه الأموال التي تركها الرسول صلى الله عليه وسلم (إلينا) على سبيل القسمة بيننا (فقلت) لكما (إن شئتم) دفعها إليكم (دفعتها إليكما على) شرط (أن عليكما عهد الله) وميثاقه في (أن تعملا فيها) أي في هذه الأموال (بالذي) أي بالعمل الذي (كان يعملـ) ـه (رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتماها) عني (بـ) ـشرط (ذلك) أي بشرط أن تعملا فيها مثل ما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أن يصرفا دخلها في نفقة أهله صلى الله عليه وسلم والباقي في مصارف الخير ومصالح المسلمين (قال) لهما عمر: (أكذلك) أخذتماها عني أي هل أخذتماها عني على شرط ذلك (قالا) أي قال عباس وعلي (نعم) أخذناها عنك على شرط ذلك (قال) لهما عمر: (ثم جئتماني) معطوف على قوله فأخذتماها بذلك أي قال عمر فأخذتماها عني بذلك الشرط ثم جئتماني (لأقضي بينكما) بغير ذلك (ولا) أقضي (والله لا أقضي) لا زائدة لتأكيد الأول (بينكما بغير ذلك) الشرط الذي أخذتماها عني عليه (حتى تقوم الساعة) يعني بأن أقسم توليته بينكما بما يوهم أنني قسمت الأرض بينكما تمليكًا (فإن عجزتما عنها) أي عن رعايتها على ذلك الشرط (فردَّاها إليَّ) فأنا كاف لكما عنها قال أبو داود بعد رواية هذا الحديث: أراد عمر أن لا يوقع عليه اسم قسمة فإن القسمة إنما تقع في الملك اهـ وقال في العون: هذا جواب عما استشكل في هذه القصة من أن العباس وعليًّا ترددا إلى الخليفتين وطلبا الميراث مع قوله صلى الله عليه وسلم: لا

4443 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ. قَال: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَال: إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ. بِنَحْو حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيرَ أَنَّ فِيهِ: فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ نورث ما تركناه فهو صدقة ومع تقرير عمر عليهما أنهما يعلمان ذلك وحاصل الجواب أنهما إنما سألاه أن يقسمه بينهما نصفين لينفرد كل منهما بنظره ما يتولاه فقال عمر: لا أوقع عليه اسم القسم أدعه أي اتركه على ما هو عليه وإنما كره أن يوقع عليه اسم القسم لئلا يظن لذلك مع تطاول الأزمان أنه ميراث وأنهما ورثاه لا سيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان فيلتبس ذلك ويظن أنهم ورثوا وتملكوا ذلك اهـ قال الحافظ في الحديث إشكال شديد وهو أن أصل القصة صريح في أن العباس وعليًّا قد علما بأنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث فإن كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه من عمر والذي يظهر والله أعلم أنهما اعتقدا أن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض وأما مخاصمة علي وعباس بعد ذلك ثانيًا عند عمر فقال إسماعيل القاضي لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية النسائي ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث انتهى كلام الحافظ ملخصًا قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي مطولًا ومختصرًا كما مر ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث مالك بن أوس رضي الله عنه فقال. 4443 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن رافع: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أرسل إفي عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لمالك بن أنس (فقال) عمر: (إنه قد حضر أهل أبيات من قومك) الحديث السابق وساق معمر (بنحو حديث مالك غير أن فيه) أي في ذلك النحو الذي رواه معمر لفظة (فكان) صلى الله عليه وسلم (ينفق على أهله منه) أي من ذلك المال (سنة) أي يأخذ منه نفقة سنة

وَرُبَّمَا قَال مَعْمَرٌ: يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً. ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 4444 - (1704) (49) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حِينَ تُوُفيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَالتْ عَائِشَةُ لَهُنَّ: أَلَيسَ قَدْ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا نُورَثُ. مَا تَرَكنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ"؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين كالكراع والسلاح بدل قول مالك في روايته (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة) (وربما قال معمر) في روايته: (يحبس) أي يدخر (قوت أهله منه) أي من ذلك المال (سنة) أي كفاية سنة (ثم يجعل ما بقي منه) أي من ذلك المال بعد قوت أهله (مجعل مال الله عزَّ وجلَّ) أي في مصرف ما جعل عدة في سبيل الله تعالى من مصالح المسلمين ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال. 4444 - (1704) (49) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (قالت: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي) وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أودن وقصدن (أن يبعثن) ويرسلن (عثمان بن عفان إلى أبي بكر) رضي الله تعالى عنهما (فيسألنه) أي فيسألن أبا بكر (ميراثهن من النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أبي داود (ثُمُنَهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومعنى الروايتين واحد لأن ميراث الزوجات الثمن إن كان للميت ولد (قالت عائشة لهن): أي لأزواجه صلى الله عليه وسلم والاستفهام في قوله (أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا فهو صدقة) فكيف تبعثن عثمان إلى أبي بكر لطلب الميراث تقريري داخل على النفي فيكون إثباتًا أي فكيف تبعثن عثمان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نورث وفي رواية أسامة بن زيد عن الزهري عند أبي داود قلت (ألا تتقين الله ألم تسمعن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة وإنما

4445 - (1705) (50) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. أخْبَرَنَا حُجَينٌ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا المال لآل محمد لنائبتهم والنائبة هي ما ينوب الإنسان من الحوادث والمهمات فإذا مت فهو إلى ولي الأمر من بعدي) وقوله (لا نورث) الرواية بفتح الراء ويجوز الكسر لغة وفي حديث عمر عند البخاري في الفرائض أن عمر قال بعد رواية هذا الحديث يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الحافظ في الفتح [12/ 8]، وفي قول عمر يريد نفسه إشارة إلى أن النون في قوله: نورث للمتكلم خاصة لا للجمع وأما ما اشتهر في كتب الأصول وغيرهم بلفظ (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) فقد أنكر جماعة من الأئمة وكذلك بالنسبة لخصوص لفظ نحن لكن أخرجه النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد بلفظ (إنا معاشر الأنبياء لا نورث) وهو كذلك في مسند الحميدي عن ابن عيينة وهو من أتقن أصحاب ابن عيينة فيه وأورده الهيثم بن كليب في مسنده من حديث أبي بكر الصديق باللفظ المذكور وأخرجه الطبراني في الأوسط بنحو اللفظ المذكور وأخرجه الدارقطني في العلل من رواية أم هانئ عن فاطمة عن أبي بكر الصديق بلفظ إن الأنبياء لا يورثون قال ابن بطال وغيره ووجه ذلك والله أعلم أن الله بعثهم مبلغين رسالتهم وأمرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجرًا كما قال {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا} وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك فكانت الحكمة في أن لا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لوارثهم قال وقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُودَ} حمله أهل العلم بالتأويل على العلم والحكمة وكذا قول زكريا {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي} وقيل الحكمة في كونه لا يورث حسم المادة في تمني الوارث موت المورث من أجل المال وقيل لكون النبي كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهذا معنى الصدقة العامة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفرائض [6727 و 6730]، وأبو داود في الخراج والفيء [2976 و 2977] وقال المنذري: أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي اهـ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة المذكور بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال. 4445 - (1705) (50) (حدثني محمد بن رافع) القشيري (أخبرنا حجين) بتقديم الحاء على الجبم مصغرًا ابن المثنى اليمامي قاضي خراسان ثم نزل بغداد ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن عقيل) مصغرًا ابن خالد

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخبَرَتهُ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَت إِلَى أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَك. وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته (أنها أخبرته) أي أخبرت لعروة (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق) رضي الله تعالى عنهما ولم أر من ذكر اسم الرسول ولعله علي بن أبي طالب حالة كونها (تسأله) أي تسأل أبا بكر (ميراثها) وهو النصف (من) تركة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كون تلك التركة (مما أفاء الله) ورجع (عليه) صلى الله عليه وسلم (بالمدينة) أي من أموال بني النضير كالنخل وكانت قريبة من المدينة (وفدك) بالصرف وعدمه وذكر في معجم البلدان أن فدك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان أو ثلاثة أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم سنة سبع صلحًا حين فتح خيبر (وما بقي من خمس خيبر) بعد قسمة أربعة أخماسها بين الغانمين (واعلم) أن صدقات النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في هذه الأحاديث صارت إليه بثلاثة حقوق أحدها ما وهب له وذلك وصية مخيريق اليهودي له عند إسلامه يوم أحد وكانت سبع حوائط في بني النضير وما أعطاه الأنصار من أرضهم وهو ما لا يبلغه الماء والثاني حقه من الفيء من أرض بني النضير حين أجلاهم كانت له خاصة لأنها لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب وكان يخرجها في نوائب المسلمين وكذلك نصف أرض فدك صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها وكان خالصًا له وكذلك ثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح أهلها اليهود والثالث سهمه من خمس خيبر فكانت هذه كلها ملكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لا حق فيها لأحد غيره لكنه صلى الله عليه وسلم كان لا يستأثر بها بل ينفقها على أهله والمسلمين وللمصالح العامة وكل هذه صدقات وقوله (أرسلت إلى أبي بكر) وفي رواية معمر عن الزهري عند البخاري في الفرائض أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما على أنهما أتيا جميعًا. وقوله (مما أفاء الله عليه بالمدينة) يعني من أموال بني النضير وروى أبو داود حديثًا في الخراج والإمارة في باب بني النضير رقم (3004) عن رجل من أصحاب النبي

فَقَال أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) فِي هذَا الْمَالِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم فكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أعطاه الله إياه وخصه بها فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيهِ مِنْ خَيلٍ وَلَا رِكَابٍ} يقول بغير قتال فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار ذوي حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها وكانت له أيضًا أموال مما أوصى له به المخيريق وكان يهوديًّا من بقايا بني قينقاع نازلًا ببني النضير فأسلم وشهد أحدًا فقتل به رضي الله عنه كما رواه ابن شبة وغيره وحكاه الحافظ في فتح الباري [2036]، قوله (وفدك) بفتح الدال والفاء بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل وبينها وبين خيبر يومان وحصنها يقال له الشمروخ كذا في معجم ما استعجم للبكري [2/ 1015] وذكر الحموي في معجم البلدان [4/ 240] عن الزجاجي أنها سميت بفدك بن حام بن نوح وهو أول من نزلها وكان من شأنها ما ذكر أصحاب المغازي قاطبة أن أهل فدك كانوا من يهود فلما فتحت خيبر أرسل أهل فدك يطلبون الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم على أن يتركوا البلد ويرحلوا فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على النصف من فدك فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب كذا في سيرة ابن هشام قوله (وما بقي من خمس خيبر) وقد أخرج أبو داود [3010] عن سهل بن أبي حثمة قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحاجته ونصفًا للمسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهمًا وقال ابن إسحاق وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة (كلها أسماء مواضع بخيبر) فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين وكانت الكتيبة خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح اهـ من سيرة ابن هشام مع السهيلي [2/ 246] (فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم) وفي هذه الرواية زيادة وهي قوله (إنما يأكل آل محمد في هذا المال) وهذه الزيادة

وَإِنِّي، وَاللهِ، لَا أُغَيِّرُ شَيئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيهَا، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا، بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَبَى أَبُو بَكرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيئًا. فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذلِكَ. قَال: فَهَجَرَتْهُ. فَلَمْ تُكلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ. وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَلَمَّا تُوُفيَت دَفَنَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ موجودة أيضًا في باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحيح البخاري والمعنى أنهم من جملة من يأكل منه لا أنه لهم بخصوصهم يعني أنهم يعطون منه ما يكفيهم لا على وجه الميراث كما في القسطلاني وهذا صريح في أن أبا بكر لم يمنع شيئًا من حق ذوي القربى فبذل لهم منافع ذلك المال كما كان يبذلها رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه امتنع من أن يملكهم إياها بطريق الوراثة لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نورث (وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئًا) يعني من ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وإلا فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه كان يعولها وينفق عليها من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوجدت فاطمة) أي غضبت (على أبي بكر في ذلك) أي في إبائه عن دفع شيء لها من ميراثها وقوله (فوجدت فاطمة) كلام مدرج من الزهري غير مذكور في كثير من الروايات كما يدل عليه قوله (قال) الراوي: (فهجرته) أي هجرت فاطمة أبا بكر (فلم تكلمه حتى توفيت) أي ماتت يعني أنها امتنعت من الكلام معه جملة لا في حق الميراث خاصة كما تأوله بعضهم بذلك لأن القرينة قائمة على خلاف ذلك وكان التهاجر مع كونه منهيًا عنه غير متروك بالكلية فيما بين أهل خير القرون بمقتضى البشرية وهذا أيضًا مدرج من كلام الراوي ليس من كلام عائشة كما يدل عليه لفظ قال في أوله فالظاهر من تتبع الروايات أن قصة الغضب والهجران مدرجة في هذا الحديث من قبل الزهري وقد عرف من عادة الزهري أنه ربما كان أدرج في الحديث شيئًا من رأيه وقال الحافظ في النكت على ابن الصلاح [1/ 829]، وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرًا وربما أسقط أداة التفسير فكان بعض أقرانه ربما يقول له افصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وساق الحافظ عدة أمثلة من إدراجات الزهري اهـ من التكملة بتصرف (وعاشت) فاطمة (بعد) وفاة (رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها

زَوْجُهَا عَلِيٌّ بن أبِي طَالِبٍ لَيلًا. وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكرٍ. وَصَلَّى عَلَيهَا عَلِيٌّ. وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وجْهَةٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ. فَالْتَمَسَ مُصَالحَةَ أَبِي بَكرٍ وَمُبَايَعَتَهُ. وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الأَشْهُرَ. فَأرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنِ ائتِنَا. وَلَا يَأتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ (كَرَاهِيَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) فَقَال عُمَرُ لأَبِي بَكرٍ: وَاللهِ! لَا تَدْخُل عَلَيهِمْ وَحْدَكَ. فَقَال أَبُو بَكرٍ: وَمَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي ـــــــــــــــــــــــــــــ زوجها علي بن أبي طالب ليلًا ولم يؤذن) أي لم يعلم (بها) أي بموتها (أبا بكر وصلى عليها علي وكان لعلي من الناس وجهة) أي وجه وإقبال (حياة فاطمة) أي في مدة حياتها وهي تلك الأشهر ولفظ النهاية واللسان (وكان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة) أي جاه وعز فقدهما بعدها (فلما توفيت) فاطمة (استنكر علي) أي أنكر (وجوه الناس) إليه وفقد إقبالهم عليه على عادتهم في حياة فاطمة أي لم يعجبه نظرهم إليه (فالتمس) علي أي طلب (مصالحة أبي بكر ومبايعته) معه (ولم يكن) علي (بايع) أبا بكر (تلك الأشهر) التي كانت فيها فاطمة حية (فأرسل) علي (إلى أبي بكر) بـ (ـأن ائتنا) في بيتنا (ولا يأتنا معك أحد كراهية محضر عمر) أي حضور عمر (بن الخطاب) معه إلى بيت علي وهذا من الراوي بيان لوجه إرسال علي الخبر إلى أبي بكر بعدم إتيان أحد معه أي لئلا يحضر معه من يكره حضوره وهو عمر بن الخطاب لما علم من شدته وصدعه بما يظهر به فخاف هو ومن معه ممن تخلف عن البيعة أن ينظر عمر لأبي بكر فيصدر عنه ما يوحش قلوبهم على أبي بكر بعد أن طابت وانشرحت له (فقال عمر لأبي بكر والله لا تدخل عليهم) أي على علي ومن معه (وحدك) خوفًا على أن يغلظوا على أبي بكر في العتاب ويحملهم على الإكثار من ذلك لين عريكة أبي بكر وصبره عن الجواب عن نفسه وربما رأى من كلامهم ما غير قلبه فيترتب على ذلك مفسدة خاصة أو عامة وإذا حضر عمر امتنعوا من ذلك وأما كون عمر حلف أن لا يدخل عليهم أبو بكر وحده فحنثه أبو بكر ودخل وحده ففيه دليل على أن إبرار القسم إنما يؤمر به الإنسان إذا أمكن احتماله بلا مشقة ولا تكون فيه مفسدة وعلى هذا يحمل الحديث بإبرار القسم اهـ نووي. (فقال أبو بكر: وما عساهم) أي وما أشفق عليًّا ومن معه ولا أخافهم (أن يفعلوا بي) شرًّا وضررًا أي وما أظن ذلك منهم وقوله (والله لا تدخل عليهم وحدك) قال القاضي عياض رحمه الله: لا يريد بذلك أنه

إِنِّي، وَاللهِ! لآتِيَنَّهُمْ. فَدَخَلَ عَلَيهِمْ أَبُو بَكرٍ. فَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ. ثُمَّ قَال: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا، يَا أَبَا بَكرٍ، فَضِيلَتَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللهُ. وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيكَ خَيرًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيكَ. وَلكِنكَ استَبْدَدْتَ عَلَينَا بِالأَمْرِ. وَكُنَّا نَحْنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يَزَل يُكَلِّمُ أَبَا بَكرٍ حَتى فَاضَت عَينَا أَبِي بَكرٍ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكرٍ قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِليَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَينِي وَبَينَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ خاف عليه أن يغدروه ومعاذ الله أن يظن بهم ذلك ولعله خاف أن يغلظوا له في العتاب ويكون عند أبي بكر جفاء فتتغير لذلك نفسه وقد عرفت أن هذا الكلام كله للزهري (إني والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي بن أبي طالب ثم قال) علي: (إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك وما أعطاك الله) تعالى من السابقية إلى الإسلام وما أعطاك من الخلافة ولم ننفس من باب فرح أي لم نحسد (عليك خيرًا ساقه الله إليك) يعني الخلافة (ولكنك استبددت) وانفردت بالاستئثار (علينا بالأمر) أي بأمر الخلافة ولم تشاور معنا معاشر أهل البيت (وكنا نحن) معاشر أهل البيت (نرى لنا حقًّا) في المشاورة معنا (لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقال: استبد بالأمر إذا انفرد به من غير مشارك له فيه وفي شعر عمر بن أبي ربيعة (إنما العاجز من لا يستبد) وفي شرح النووي وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحًا لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة لكونها كانت أهم الأمور كي لا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو غسله أو الصلاة عليه أو غير ذلك وليس لهم من يفصل الأمور فرأوا تقديم البيعة أهم الأشياء اهـ (فلم يزل) علي (يكلم أبا بكر حتى فاضت) وسالت دمعًا (عينا أبي بكر) أي امتلأتا دمعًا وسال منصبًا (فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الي أن أصل من قرابتي) متعلق بأحب يعني أنا أشد حبًّا لصلة قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلة قرابتي وهذا قاله على سبيل الاعتذار عن منعه سيدتنا فاطمة ما طلبته من تركة النبي صلى الله عليه وسلم (وأما الدي شجر بيني وبينكم) أي اضطرب واختلف واختلط قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى

مِنْ هذِهِ الأَمْوَالِ، فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الحَقِّ. وَلَمْ أَتْرُك أَمْرًا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهَا إلا صَنَعْتُهُ. فَقَال عَلِيٌّ لأَبِي بَكرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ لِلْبَيعَةِ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلاةَ الظُّهْرِ. رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَتَشَهَّدَ. وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيعَةِ. وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيهِ. ثُمَّ اسْتَغفَرَ. وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ. وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ} (من هذه الأموال فإني لم آل) أي لم أقصر (فيها عن) امتثال (الحق) وفعله (ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه) ويفعله (فيها) أي في هذه الأموال (إلا صنعته) وعملته (فقال علي لأبي بكر موعدك) أي وقت وعدنا إياك مبتدأ خبره (العشية) والعشية بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء المفتوحة وكذا العشي بحذف التاء هو من الزوال إلى الغروب يجمع على عشايا وقوله (للبيعة) متعلق بموعدك لما فيه من رائحة المصدر أي وقت وعدك للبيعة العشية أي عشية اليوم (فلما صلى أبو بكر صلاة الظهر رقى) بوزن رضي أي صعد أبو بكر (على المنبر) النبوي (فتشهد) أي أتى بالشهادتين لأنهما سنتان في الخطب (و) قال: أما بعد ثم (ذكر شأن علي) من معرفته فضيلة أبي بكر وسابقتيه وعدم منافسته في خلافته (وتخلفه) أي سبب تخلفه (عن البيعة) أي عن مبايعته أبي بكر من استبدادهم بأمر الخلافة بلا مشورة أحد من أهل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن لهم فيه حقًّا (و) ذكر (عذره) أي اعتذاره في التخلف (بالذي) أي بالأمر الذي (اعتذر) به (إليه) علي من اعتقادهم أن لهم حقًّا في الأمر لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم استغفر) علي بن أبي طالب رضي الله عنه معطوف على اعتذر ثم بعد فراغ أبي بكر الصديق من خطبته قام علي بن أبي طالب (وتشهد علي بن أبي طالب) أي أتى بالشهادتين (فعظم حق أبي بكر) أي ذكر عظم حقوق أبي بكر عليه وفضيلته على الأمة وسابقيته إلى الإسلام (و) ذكر (أنه) أي أن الشأن والحال (لم يحمله على الدي صنع) من تخلفه عن البيعة أن ينفس (نفاسة) أي أن يحسد حسدًا على أبي بكر في الخلافة (ولا) أن ينكر (إنكارًا للذي فضله الله به) على سائر الأمة من سبقه إلى الإسلام وإلى صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن خروجه من نفسه وماله لله ولرسوله وقوله (ولا إنكارًا) معطوف على نفاسة وكلاهما منصوبان على

وَلكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي الأَمْرِ نَصِيبًا. فَاسْتُبِدَّ عَلَينَا بِهِ. فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا. فَسُرَّ بِذلِكَ الْمُسْلِمُونَ. وَقَالُوا: أَصَبْتَ. فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا، حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ. 4446 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ أتَيَا أبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدرية بعامل محذوف وجوبًا لنيابتهما عنه وذلك المحذوف في موضع الرفع على أنه فاعل ليحمل كما قدرناه في الحل (ولكنا كنا) معاشر أهل البيت (نرى) أي نظن ونعتقد أن (لنا في) هذا (الأمر) أي أمر الخلافة (نصيبًا) أي حظًّا من المشورة فيه (فاستبد) بالبناء للمجهول أي فاستؤثر (علينا) غيرنا (به) أي بهذا الأمر بالمشورة فيه وانفردوا بها عنا (فوجدنا) أي غضبنا بذلك (في أنفسنا) أي في قلوبنا (فسر) بالبناء للمجهول أي فاستبشر (بذلك) الذي قاله في خطبته (المسلمون وقالوا) له: (أصبت) أي وافقت الصواب فيما قلت واعتذرت به (فكان المسلمون إلى علي) بن أبي طالب (قريبًا) أي قريبين إلى محاضرته مقبلين إليه بوجوههم متحدثين معه يعني رضي المسلمون عن علي رضي الله عنه (حين راجع الأمر المعروف) أي رجع وأدى الأمر المعروف وجوبه عليه شرعًا وهو المبايعة للخليفة والمتابعة له ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة هذا فقال. 4446 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي البصري (قال ابن رافع: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لعقيل (أن فاطمة) بنت محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (والعباس) بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتيا أبا بكر) الصديق رضي الله عنه حالة كونهما (يلتمسان) أي يطلبان (ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما) أي والحال أنهما (حينئذٍ) أي حين إذ أتياه (يطلبان أرضه) صلى الله عليه

مِنْ فَدَك وَسَهمَهُ مِنْ خَيبَرَ. فَقَال لَهُمَا أَبُو بَكرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثلِ مَعْنَى حَدِيثِ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهرِيِّ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ مِنْ حَقِّ أَبِي بَكْرٍ. وَذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَسَابِقَتَهُ. ثُمَّ مَضَى إِلَى أَبِي بَكرٍ فَبَايَعَهُ. فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَصَبْتَ وَأَحسَنْتَ. فَكَانَ النَّاسُ قَرِيبًا إِلَى عَلِيٍّ حِينَ قَارَبَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ. 4447 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أبِي. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ). حَدَّثنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم (من فدك وسهمه) صلى الله عليه وسلم (من خيبر فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق) معمر أي ذكر (الحديث) السابق (بمثل معنى حديث عقيل) بن خالد أي بمعنى مماثل لمعنى حديث عقيل (عن الزهري) إلا فيما استثنى بقوله (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته (ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر وذكر) أي علي فضيلته أي فضله على سائر الأمة في صحبته (و) ذكر (سابقيته) أي سابقيته إلى الإسلام (ثم مضى) علي أي ذهب (إلى) جهة (أبي بكر فبايعه) على الخلافة (فأقبل الناس) الحاضرون (إلى علي فقالوا) له (أصبت) أي وافقت الصواب في المبايعة (وأحسنت) في الدخول فيها (فكان الناس) بعد ذلك (قريبًا) أي مقاربين (إلى علي) مواصلين له راضين عنه حين قارب الأمر بالمعروف وواصله ودخل فيه وهو المبايعة لأبي بكر على السمع والطاعة ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنهما فقال. 4447 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن نمير) الهمداني (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري أبو يوسف المدني ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبي إسحاق المدني ثقة، من (8) (ح وحدثنا زهير بن حرب والحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) الخلال المكي ثقة، من (11) (قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني حدثنا أبي إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني ثقة، من (4) (عن ابن شهاب

أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخبَرَتهُ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَألَت أَبَا بَكرٍ، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا، مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيهِ. فَقَال لَهَا أَبُو بَكرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا نُورَثُ. مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ". قَال: وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشهُرٍ. وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْألُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيبَرَ وَفَدَكٍ. وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ. فَأَبَى أَبُو بَكْرِ عَلَيهَا ذلِكَ. وَقَال: "لَسْتُ تَارِكًا شَيئًا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إلَّا عَمِلْتُ بِهِ. إِنِّي أَخْشَى إنْ تَرَكْتُ شَيئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته) أي أخبرت لعروة وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان لعقيل بن خالد (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بقسم) أي أن يعطي (لها ميراثها) أي نصيب إرثها (مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو النصف للبنت الفردة حالة كون ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم (مما أفاء الله عليه) من غير إيجاف خيل ولا ركاب (فقال لها أبو بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة قال) عروة بن الزبير: وهو من كلام ابن شهاب وفي بعض النسخ حذف قال: (وعاشت) فاطمة (بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها) أي سهمها وهو النصف (مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من) خمس (خيبر و) نصف أرض (فدك وصدقته بالمدينة) من نخل بني النضير (فأبى) أي امتنع (أبو بكر عليها) أي على فاطمة (ذلك) أي دفع نصيبها من الأموال المذكورة (وقال) أبو بكر لها: (لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به إني أخشى) على نفسي وأخاف (إن تركت شيئًا من أمره) وفعله صلى الله عليه وسلم (أن أزيغ) وأميل عن الحق من الزيغ وهو الميل عن الاستقامة يقال: زاغ يزيغ زيغًا إذا مال عن الحق وجار وهو مفعول أخشى قال عروة

فَأمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ. فَغَلَبَهُ عَلَيهَا عَلِيٌّ. وَأَمَّا خَيبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ وَقَال: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ. وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ. قَال: فَهُمَا عَلَى ذلِكَ إِلَى الْيَوْمِ". (4448) (176) (51) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسند السابق وهو من كلام الزهري أيضًا (فأما صدقته) صلى الله عليه وسلم التي كانت بالمدينة من أموال بني النضير وحيطان المخيريق (فدفعها عمر إلى علي وعباس) على أن يعملا فيها كما عمل رسول الله فيها (فغلبه) أي فغلب العباس (عليها) أي على توليتها (علي) بن أبي طالب يعني انفرد بتوليتها ولعل العباس رضي الله عنه تنازل عنها لعلي رضي الله عنه وقال عمر بن شبة في تاريخ المدينة [1/ 209]، قال أبو غسان حدثنا عبد الرزاق الصنعاني عن معمر عن ابن شهاب عن مالك بنحوه وقال في آخره فغلبه علي رضي الله عنه وكانت بيد علي ثم كانت بيد الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم حسن بن حسن ثم بيد زيد بن حسن رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (وأما خيبر وفدك فأمسكها عمر) بن الخطاب في يده (وقال) عمر: (هما) أي خيبر وفدك صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا لحقوقه أي لحوائجه (التي تعروه) وتطرؤ عليه من الحقوق الواجبة والمندوبة يقال: عروته اعتريته وعررته واعتررته إذا أتيته تطلب منه حاجة وذلك كحقوق العيال وقرى الضيف (و) لنوائبه أي ولحوادثه التي تنزل به جمع نائبة وهو كل ما ينوب الإنسان وينزل به من المهمات غير المستمرة كجوائز الوفد وهدايا الملوك قال الخطابي قوله (لحقوقه التي تعروه) أي التي تنزل وتغشاه وتنتابه يقال: عراني ضيف أي نزل بي و (نوائبه) أي حوادثه التي تصيبه اهـ (وأمرهما) أي والأمر في مال خيبر والتصرف فيها مفوض (إلى من ولي الأمر) أي أمر الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم (قال) الزهري حين حدث هذا الحديث اهـ من العون (فهما) أي خيبر وفدك على ذلك أي على تفويضهما إلى من ولي الأمر أن يتصرف فيهما من ولي الأمر (إلى اليوم) أي إلى يومنا هذا ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال. (4448) (176) (51) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن

عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا. مَا تَرَكْتُ، بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتسم ورثتي) من الاقتسام من الافتعال ولا نافية ليست ناهية وفي بعض النسخ لا تقتسم وفي بعضها لا تقسم (دينارًا) ولا درهمًا كما في بعض الرواية والتقييد بالدينار من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى نظير قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7)} وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيكَ} (وما تركت بعد نفقة نسائي) وأزواجي أمهات المؤمنين (ومؤنة عاملي) أي نفقة خليفتي (فهو صدقة) على المسلمين يصرف في حوائجهم قال سفيان بن عيينة بعد قوله نفقة نسائي كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات إذ كن لا يجوز لهن أن ينكحن فجرت لهن النفقة كذا في شرح السنة للبغوي [14/ 52] وكان الخلفاء بعده ينفقون عليهن من صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (ومؤنة عاملي) قال الحافظ في الفتح [6/ 209]، واختلف في المراد بقوله: (عاملي) فقيل الخليفة بعده وهذا المعتمد وقيل أراد بذلك العامل في النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وقيل: المراد به خادمه وقيل: العامل على الصدقة وقيل: العامل فيها كالأجير وأبعد من قال: المراد بعامله حافر قبره اهـ قال في المصباح: المؤونة الثقل وفيها لغات إحداها: مؤونة على وزن فعولة بفتح الفاء وبهمزة مضمومة والجمع مؤونات على لفظها يقال: مأنت القوم أمانهم بالهمز واللغة الثانية مؤنة بهمزة ساكنة والجمع مؤن مثل غرفة والثالثة: مونة بالواو والجمع مون مثل سورة وسور يقال منها مانه يمونه من باب قال اهـ (وعامله) قيل هو القائم على هذه الصدقات والناظر فيها وقيل: كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره لأنه عامل النبي صلى الله عليه وسلم ونائب عنه في أمته كما في النووي وترجم البخاري على هذا الحديث في الوصايا (باب نفقة القيم للوقف) وهو يدل على أنه حمل العامل في الحديث على ناظر الوقف اهـ وقال الحافظ في فرائض الفتح [12/ 8] ومما يسأل عنه تخصيص النفقة بالنساء والمؤونة بالعامل وهل بينهما مغايرة وقد أجاب عنه السبكي

4449 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 4450 - (00) (00) وحدَّثني ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا نُورَثُ. ما تَرَكنَا صَدَقَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكبير بأن المؤونة في اللغة القيام بالكفاية، والإنفاق بذل القوت قال: وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤونة والسر في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه صلى الله عليه وسلم لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بد لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه اهـ ملخصًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفرائض [6729]، وغيرها وأبو داود في باب الصفايا [2794]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4449 - (00) (00) (حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر) العدني (المكي حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة وساق سفيان (نحوه) أي نحو حديث مالك بن أنس غرضه بيان متابعة سفيان لمالك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4450 - (00) (00) (وحدثني) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) السلمي البغدادي ثقة، من (10) (حدثنا زكريا بن عدي) بن الصلت التيمي الكوفي ثقة، من (10) (أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة، من (8) (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة الزهري لأبي الزناد (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال): إنا نحن (لا نورث ما تركنا) فهو (صدقة) على المسلمين يصرف في مصالحهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث: حديث عمر ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسادس: حديث أبي هريرة الأخير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

620 - (13) باب بيان كيفية قسم الغنيمة بين الحاضرين والإمداد بالملائكة وجواز ربط الأسير والمن عليه

620 - (13) باب بيان كيفية قسم الغنيمة بين الحاضرين والإمداد بالملائكة وجواز ربط الأسير والمن عليه 4451 - (1707) (52) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ كِلاهُمَا، عَنْ سُلَيمٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُلَيمُ بْنُ أَخْضَرَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فِي النَّفْلِ: لِلْفَرَسِ سَهْمَينِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 620 - (13) باب بيان كيفية قسم الغنيمة بين الحاضرين والإمداد بالملائكة وجواز ربط الأسير والمن عليه 4451 - (1707) (52) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو كامل فضيل بن حسين) الجحدري البصري (كلاهما عن سليم) مصغرًا بن أخضر البصري ثقة، من (8) (قال يحيى) في روايته: (أخبرنا سليم بن أخضر عن عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري (حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر) وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل) والمراد بالنفل هنا الغنيمة وأطلق عليها اسم النفل لكونها تسمى نفلًا لغة فإن النفل في اللغة الزيادة والعطية أي أعطى في الغنيمة (للفرس سهمين وللرجل) سواء كان صاحب فرس أو مقاتلًا على رجله (سهمًا) واحدًا فيكون لصاحب الفرس ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم لنفسه وللراجل سهم واحد وبه أخذ الجمهور فقالوا: يستحق الفارس ثلاثة أسهم سهمًا له وسهمين لفرسه وهو مذهب الأئمة الثلاثة وصاحبي أبي حنيفة وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين وحسين بن ثابت وسفيان الثوري والليث بن سعد وإسحاق بن إبراهيم وأبي ثور كما حكى عنهم ابن المنذر راجع المغني لابن قدامة [10/ 443]، وهو قول الأوزاعي وقال أبو حنيفة للفارس سهمان سهم له وسهم لفرسه ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي موسى رضي الله تعالى عنهم أجمعين حكاه الحافظ في الفتح [6/ 68]، لكن الثابت عن عمر وعلي كالجمهور واستدل أبو حنيفة بأحاديث كثيرة أجابوا عنها ليس هذا محلها وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الجهاد [263]، وفي المغازي [4228]، وأبو داود في الجهاد [2733]، والترمذي [1554]، وابن ماجه [2854]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال.

4452 - (00) (00) حدّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فِي النَّفَلِ. 4453 - (1708) (53) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارِ. حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيلٍ (هُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ). حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4452 - (00) (00) (حدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر وساق عبد الله بن نمير (مثله) أي مثل ما روى سليم بن أخضر (و) لكن (لم يذكر) ابن نمير لفظة (في النفل) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن نمير لسليم بن أخضر ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال. 4453 - (1708) (53) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الكوفي ثقة، من (10) روى عنه في (6) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) الحنظلي المروزي عن عكرمة بن عمار العجلي اليمامي صدوق من (5) (حدثني سماك) بن الوليد الحنفي اليمامي لا بأس به من (3) (قال) سماك: (سمعت ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (يقول: حدثني عمر بن الخطاب) وهذا السند من سداسياته (قال) عمر: (لما كان يوم) غزوة (بدر) واعلم أن بدرًا هو موضع الغزوة الكبرى المشهورة وهو ماء معروف وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة بينها وبين مكة قال ابن قتيبة: بدر بئر كانت لرجل يسمى بدرًا فسميت باسمه وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة (ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم (الحنفي) أبو حفص اليمامي ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل هو سماك) بن الوليد (الحنفي حدثني عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (قال: حدثني عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وهذا السند

قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْقِبلَةَ. ثُمَّ مَدَّ يَدَيهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: "اللَّهُمَّ! أَنْجِز لِي مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ! آتِ مَا وَعَدْتَنِي. اللَّهُمَّ! إِنْ تُهْلِكْ هذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لَا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ" فَمَا زَال يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيهِ. فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ. فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَألْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيهِ. ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من سداسياته (قال) عمر: (لما كان) أي جاء وحصل (يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا) وأخرجه أبو عوانة وابن حبان بإسناد مسلم بلفظ بضعة عشر وللبزار من حديث أبي موسى ثلاثمائة وسبعة عشر ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمرو السلماني أحد كبار التابعين ومنهم من وصله بذكر علي وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي كذا في فتح الباري [7/ 291]، ولا معارضة بين هذه الروايات لأن الزائد لا ينافي الأقل فهو المتيقن فالراجح اعتبار المتيقن (فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد) وبسط يديه إلى السماء (فجعل) أي ضرع (يهتف بربه) أي يصيح ويستغيث بربه بالدعاء قائلًا (اللهم أنجز) بقطع الهمزة أي أوف (لي ما وعدتني) من النصر على الأعداء (اللهم آت) أي أعطني (ما وعدتني) من إظهار الحق على الباطل (اللهم أن تهلك) بضم التاء من أهلك الرباعي (هذه العصابة) القليلة معي بنصب العصابة على المفعولية ويجوز فتح التاء في تهلك ورفع العصابة على الفاعلية أي إن هلكت هذه الجماعة القليلة التي كانت معي (من أهل الإسلام) والتوحيد (لا تعبد) بالجزم بإن الشرطية على كونه جوابًا لها أي لا يمكن من يعبدك (في الأرض) لأنه ليس في الأرض الآن من قام بنصره إلا هذه العصابة قال عمر: (فما زال) صلى الله عليه وسلم (يهتف) ويستغيث (بربه) الذي بيده النصر والخذلان حالة كونه (مادًا) أي باسطًا (يديه) إلى السماء (ومستقبل القبلة) لشرفها وقوله (حتى سقط رداؤه) متعلق بـ (مادًا) أو غاية ليهتف أي ما زال يهتف حتى سقط رداؤه (عن منكبيه فأتاه أبو بكر) الصديق (فأخد رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه) أي ضمه إلى صدره واعتنقه (وقال) أبو بكر: (يا نبي الله

كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ. فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلائِكَةِ. قَال أَبُو زُمَيلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: بَينَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُ فِي أَثَرِ رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كذاك) هكذا وقع لجماهير رواة مسلم (كذاك) بالذال ولبعضهم (كفاك) بالفاء وفي رواية البخاري (حسبك) وكل بمعنى يكفيك (مناشدتك) ضبطه بعضهم بالرفع على أنه فاعل لما قبله من اسم الفعل أي يكفيك مناشدتك (ربك) بالنصب على أنه مفعول المناشدة وضبطه أي ضبط قوله مناشدتك بعضهم بالنصب على أنه مفعول لاسم الفعل لأنه يكون حينئذٍ بمعنى الكف أي كف واترك مناشدتك ربك هكذا واقتصر عليه (فإنه) سبحانه (سينجز) أي سيوفي (لك ما وعدك) من النصر على أعدائك والمناشدة: الدعاء برفع الصوت وما يكون سرًّا يسمى مناشدة قال العلماء: هذه المناشدة إنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليراه أصحابه بتلك الحال فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة كذا في شرح النووي قوله (فإنه سينجز لك ما وعدك) قال البغوي في شرح السنة قال ذلك أبو بكر لأن حال أبي بكر في الثقة بربه كان أرفع ولا يجوز لأحد أن يجزم ذلك والحامل له على هذا الدعاء الشفقة منه صلى الله عليه وسلم على قلوب أصحابه والتقوية لعزيمتهم إذ كان ذلك أول مشهد شهده وكانوا مكثورين بأضعاف من أعدائه فابتهل - عليه السلام - في الدعاء والمسألة ليسكن بذلك ما في نفوسهم إذ كانوا يعلمون أن دعوته مستجابة فلما قال له أبو بكر: حسبك كف من الدعاء إذ قد علم أنه قد استجيب دعاؤه بما وجده أبو بكر في نفسه من المنة والقوة حتى قال هذا القول اهـ منه. (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} قوله (ممدكم) أي معينكم من الإمداد وهو الإعانة وقوله (مردفين) جمع مردف والمردف المتقدم الذي أردف غيره أي متتابعين يردف بعضهم بعضًا أو مردفين ملائكة أخرى مثلهم فيكونون ألفين هذا ما في سورة الأنفال وفي سورة آل عمران بثلاثة آلاف ثم بخمسة آلاف (فأمده الله) تعالى أي أعانه على أعدائه (بالملائكة) أي بمدد الملائكة وأعوانهم معطوف على أنزل (قال أبو زميل) سماك بن الوليد بالسند السابق (فحدثني ابن عباس) فـ (ـقال: بينما رجل من المسلمين يومئذٍ) أي يوم إذ كانت وقعة بدر (يشتد) أي يعدو (في أثر رجل) أي

مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ. إِذ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ. وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيزُومُ. فَنَظَرَ إِلَى الْمُشرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مسْتَلْقِيًا. فَنَظَرَ إِلَيهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ. فَاخْضَرَّ ذلِكَ أَجْمَعُ. فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "صَدَقْتَ. ذلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وراء رجل (من المشركين) يهرب (أمامه) أي قدامه (إذ سمع) ذلك الرجل المسلم (ضربة بالسوط) يعني ضرب الفرس بالسوط (فوقه) متعلق بسمع. أي سمع ضربة الفرس بالسوط أي سمع صوتها فوقه (وصوت الفارس) معطوف على ضربة أي وسمع صوت صاحب الفرس وحثه على السير حالة كونه (يقول) لفرسه: (أقدم) يا (حيزوم) أي اجترئ يا حيزوم على العدو ولا تحجم عنه وكر عليه ولا تفر منه وقوله: أقدم ضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما -لم يذكر ابن دريد وكثيرون أو الأكثرون غيره- أنه بهمزة قطع مفتوحة وبكسر الدال أمر من الإقدام قالوا: وهي كلمة زجر للفرس معلومة في كلامهم والثاني أنه بضم الدال وبهمزة وصل مضمومة أمر من القدوم بمعنى التقدم أي تقدم إلى العدو ولا تتأخر عنه وحيزوم بفتح الحاء اسم لفرس الملك وهو منادى حذف منه حرف النداء اهـ نووي وذكر الزمخشري في تفسير سورة طه أنه لما حل ميعاد ذهاب موسى إلى الطور أتاه جبريل وهو راكب حيزوم فرس الحياة ليذهب به فأبصره السامري لا يضع حافره على شيء إلا اخضر فقال: إن لهذا شأنًا فقبض قبضة من تربة موطئه فألقاها على الحلي المسبوكة فصارت عجلًا جسدًا له خوار اهـ (فنظر) الرجل المسلم (إلى المشرك) الشارد (أمامه فـ) ـإذا هو قد (خر) وسقط على الأرض (مستلقيًا) على ظهره (فنظر) المسلم (إليه) أي إلى المشرك الساقط (فإذا هو) أي ذلك المشرك (قد خطم) وقطع (أنفه) بضم الخاء على صيغة المجهول والخطم الأثر على الأنف اهـ نووي أي قد حصل على أنفه أثر من الضرب كما يخطم البعير بالكي يقال: خطمت البعير إذا كويته خطمًا من الأنف إلى حد خديه وتسمى تلك السمة خطامًا تشبيهًا لها بالخطام الذي هو حبل يجعل على أنف البعير كما تقدم في الحج (وشق وجهه كـ) ـأنه من (ضربة السوط فاخضر ذلك) الموضع (أجمع) أي كله أي فصار موضع ذلك كله أخضر وكونه نكالًا من الله تعالى أظهر (فجاء) ذلك المسلم (الأنصاري) الذي رأى من المشرك ما رأى (فحدث بذلك) الذي رأى وسمع (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدقت) أيها الأنصاري فيما أخبرت (ذلك) الذي رأيت (من مدد السماء الثالثة)

فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ. وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. قَال أَبُو زُمَيلٍ: قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ: "مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاءِ الأُسُارَى؟ " فَقَال أَبُو بَكرٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ! هُمْ بنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ. أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً. فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ. فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلامِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطابِ؟ " قُلْتُ: لَا. وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ. وَلكِني أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ. فَتُمَكنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ. وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلانٍ (نَسِيبًا لِعُمَرَ) فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَإِنَّ هؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعوانهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فقتلوا) أي قتل المسلمون (يومئذٍ) أي يوم إذ وقعت الواقعة في بدر (سبعين) رجلًا وأسروا سبعين رجلًا من المشركين (قال أبو زميل) بالسند السابق (قال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما: (فلما أسروا) أي أسر المسلمون (الأسارى) وأخذوهم بضم الهمزة وفتحها جمع أسرى الذي هو جمع أسير كما هو مقرر في كتب اللغة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ما ترون) من الرأي (في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة) لك (أرى أن تأخد منهم فدية) أي فداء وتخلي طريقهم (فتكون لنا) معاشر المسلمين تلك الفدية (قوة) أي مساعدة (على) حرب الكفار فعسى الله أي فلعل الله تعالى (أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمر: (ما ترى) أنت فيهم (يابن الخطاب) قال عمر: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أرى أنا (والله يا رسول الله) مثل ما رأى أبو بكر (ط) نافية مؤكدة لي (لا) أي ما (أرى) فيهم الرأي (الذي رأى) فيهم (أبو بكر) من الفداء (ولكني أرى) فيهم (أن تمكننا) من قتلهم وتأذن لنا فيهم (فنضرب أعناقهم) بالسيف فنقتلهم والمعنى أن تخلي بيننا وبينهم يقال: مكنته من الشيء وأمكنته منه إذا أقدرته عليه فتمكن واستمكن والمراد الإذن لهم فيهم والرخصة في قتلهم وقوله (فتمكن عليًّا) بن أبي طالب (من) قتل أخيه (عقيل) بن أبي الطالب (فيضرب) علي (عنقه) أي عنق عقيل (وتمكنني من) قتل (فلان) يعني (نسيبًا لعمر) أي قريب النسب له فهو مدرج من كلام الراوي (فاضرب عنقه فإن هؤلاء) الذين ذكرتهم (أئمة الكفر وصناديدها) أي رؤساء تلك الأئمة وأشرافها جمع صنديد والضمير في صناديدها يعود على أئمة الكفر أو

فَهَويَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا قَال أَبُو بَكرٍ. وَلَم يَهْوَ مَا قُلْتُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكرٍ قَاعِدَينِ يَبكِيَانِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ. فَإنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيتُ. وإنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءَ تَبَاكَيتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ. لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ" (شَجَرَةِ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة ولفظ رواية الترمذي (وصناديده) فيعود الضمير على الكفر (فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الواو من باب رضي يقال هوي الشيء يهوى هوى إذا أحبه والهوى المحبة أي أحب (ما قال أبو بكر) من الرأي أي أحب مقالته واستحسنها (ولم يهو ما قلت) أي لم يحب مقالتي وما رضيها يقال هويته من باب تعب إذا أحببته قال النووي: هكذا هو في بعض النسخ (ولم يهو) وفي كثير منها (ولم يهوى) بإثبات الألف مع الجازم وهي لغة قليلة نظير قراءة من قرأ (إنه من يتقي ويصبر) بالياء ومنه قول الشاعر: ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بني زياد (فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا فجائية ورسول الله مبتدأ (وأبو بكر) معطوف على رسول الله (قاعدين) حال من فاعل (يبكيان) والجملة الفعلية خبر المبتدأ أي فإذا هما يبكيان حالة كونهما قاعدين وفي رواية الترمذي قاعدان على صورة الرفع أي فلما كان من الغد جئتهما ففاجأني بكاؤهما حالة كونهما قاعدين قال عمر: (قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك) أبو بكر أي سبب حملكما على البكاء (فإن وجدت) عندكما (بكاءً) أي سبب بكاء (بكيت) معكما (وإن لم أجد بكاءً تباكيت) أي تكلفت بالبكاء (لبكائكما) وفي الحديث (فإن لم تجدوا بكاءً فتباكوا) وفيه حب عمر رضي الله عنه لموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في كل شيء حتى في البكاء (فقال رسول الله صلى الله عليه وسم) لعمر: (أبكي للذي) أي لفعل الأمر الذي (عرض) وأظهر (علي أصحابك) في الأمس (من أخذهم) بيان للموصول أي من أخذهم الفداء من الأسارى والله (لقد عرض) بالبناء للمفعول أي أظهر (علي عذابهم) أي قتلهم حالة كونه (أدنى) أقرب إليَّ (من هذه الشجرة) حالة كونه يشير إلى (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) كلام مدرج من

وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 67 - 69] فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ. 4454 - (1709) (54) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَيلًا قِبَلَ نَجْدٍ. فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الراوي (وأنزل الله عزَّ وجلَّ) في العتاب على أخذهم الفداء وترك قتلهم (ما كان) ينبغي النبي أن يكون له أسرى) أي فداء الأسارى جمع أسير كقتلى جمع قتيل (حتى يثخن) ويضعف العدو (في الأرض) بالقتل والاسترقاق أتم الآية (إلى قوله) وأنزل الله عزَّ وجلَّ وقد سبق أن إباحة الغنائم من خصائص هذه الأمة ولم تكن أحلت لمن قبلها من الأمم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود وأخرج طرفًا منه في الجهاد في فداء الأسير بالمال [2690]، والترمذي أخرجه في التفسير باب ومن سورة الأنفال رقم [3081]، ومعنى قوله تعالى: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} أي حتى يبالغ في قتل الكفار ويوهنهم بالجراحة ويضعفهم حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز به الإسلام ويستولي أهله من أثحنه المرض إذا أثقله وأصله الثخانة ومعناها الغلظ والكثافة ثم استعير للمبالغة في القتل والجراحة لأنها لمنعها من الحركة صيرته كالثخين الذي لا يسيل ولا يستمر في ذهابه اهـ من بعض الهوامش ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4454 - (1709) (54) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلًا) أي فرسان خيل (قبل نجد) أي إلى جهة نجد (فجاءت) الخيل (برجل) أسروه (من بني حنيفة) والباء للتعدية وهي قبيلة كبيرة شهيرة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن وكان وفد بني خيفة كما ذكره ابن إسحاق وغيره سنة تسع وذكر الواقدي أنهم سبعة عشر رجلًا فيهم مسيلمة الكذاب كذا في فتح الباري (يقال له) أي لذلك الرجل الأسير (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم (بن أثال) بضم الهمزة وتخفيف المثلثة كما ضبطه الحافظ في الفتح وقد حسن إسلامه بعد هذه القصة وذكر ابن إسحاق أنه ثبت على إسلامه لما ارتد أهل اليمامة وارتحل هو ومن أطاعه من قومه

بْنُ أُثَالٍ. سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ. فَرَبَطُوهُ بِسَارِيةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فَقَال: عِنْدِي، يَا مُحَمَّدُ، خَيرٌ. إِنْ تَقْتُل تَقْتُل ذَا دَمٍ. وَإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَال فَسَلْ تُعْطَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلحقوا بالعلاء بن الحضرمي فقاتل معه المرتدين من أهل البحرين فلما ظفروا اشترى ثمامة حلة كانت لكبيرهم فرآها عليه ناس من بني قيس بن ثعلبة أنه هو الذي قتله وأخذ سلبه فقتلوه رضي الله عنه اهـ من الإصابة [1/ 204]، (سيد أهل اليمامة فربطوه) أي فربط الصحابة ذلك الرجل الأسير (بسارية) أي بأسطوانة (من سواري) أي من أساطين (المسجد) النبوي لأنه لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في أزمان أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم سجن وكان يحبس في المسجد أو في الدهليز حيث أمكن فلما كان زمن علي رضي الله عنه أحدث السجن بالكوفة وكان أول من أحدثه في الإسلام وسماه نافعًا ولم يكن حصينًا فنقبه اللصوص وانفلتوا فبنى آخر وسماه مخيسًا على صيغة اسم الفاعل من التخييس وهو التذليل وقال في ذلك شعرًا كما في شفاء الغليل وذكر البخاري في الخصومات في باب الربط والحبس في الحرم اشتراء نافع بن عبد الحارث من أعمال عمر رضي الله عنه دارًا للسجن بمكة من صفوان بن أمية على أن عمر إن رضي فالبيع بيعه وإن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة درهم أي في مقابلة الانتفاع بتلك الدار إلى أن يعود الجواب من عند عمر رضي الله عنه ولم يذكر هل رضيه عمر أو لم يرضه والظاهر الثاني لأنه رضي الله عنه يستبعد منه اشتراء الدار للسجن لشدة احترازه على بيت المال اهـ من بعض الهوامش (فخرج إليه) أي إلى ثمامة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته (فقال) له: (ماذا عندك يا ثمامة) أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك (فقال) ثمامة: (عندي يا محمد خير) أي من الظن لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن كذا في فتح الباري (إن تقتل تقتل ذا دم) أي تقتل من توجه عليه القتل بما أصابه من دم وقال القاضي في المشارق معناه إن تقتل صاحب دم لدمه موقع يشتفي بقتله قاتله ويدرك به قاتله ثأره أي لرياسته وفضيلته وحذف هذا لأنهم يفهمونه في عرفهم وقال آخرون: معناه تقتل من عليه دم وهو مطلوب به وهو مستحق عليه فلا عتب عليك في قتله اهـ (وإن تنعم تنعم على شاكر) أي يقع إنعامك على من يشكرك (وإن كنت تريد) مني (المال فسلـ) ـني (تعط

مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ. فَقَال: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " قَال: مَا قُلْتُ لَكَ. إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. وَإِنْ تَقْتُلْ تَقتُلْ ذَا دَمٍ. وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَال فَسَل تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتى كَانَ مِنَ الْغَدِ. فَقَال: "مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فَقَال: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. وإنْ تَقْتُلْ تَقْتُل ذَا دَمٍ. وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَال فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ. فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَاغْتَسَلَ. ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَال: أَشهَدُ أَنْ لَا إِنَّهَ إلا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَا مُحَمَّدُ، وَالله، مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه) أي من المال (ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم) في اليوم الأول على هذا الجواب (حتى) إذا كان) ثمامة (بعد الغد) أي في اليوم الثاني من الغد رجع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له: (ما عندك يا ثمامة) أي من الظن (قال) ثمامة: القول (ما قلت لك) أولًا ثم بينه بقوله (إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم) قدم في المرة الأولى القتل على الإنعام وعكس الترتيب ها هنا فكأنه رأى في اليوم الأول أمارات الغضب فقدم القتل وهو أشق الأمور عليه وأشفى لصدر خصمه في زعمه فلما لم يقع القتل قدم الاستعطاف وطلب الإنعام والله أعلم (وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى) إذا (كان) ثمامة (من الغد) أي في الغد من هذا اليوم الثاني رجع إليه (فقال) له: (ماذا عندك) من الظن (يا ثمامة فقال) ثمامة: (عندي) من الظن (ما قلت لك) أولًا (أن تنعم ننعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول إله صلى الله عليه وسلم) في المرة الثالثة (أطلقوا) أي فكوا (ثمامة) من الربط وفي رواية ابن إسحاق (قد عفوت عنك يا ثمامة واعتقتك) ففكوه (فانطلق) أي ذهب (إلى نخل قريب من المسجد) النبوي هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما (نخل) بالخاء المعجمة وقبله حذف تقديره (انطلق إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه) فانطلق (فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض) أي أشد بغضًا

إِليَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ. وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينِ أَبْغَضَ إِليَّ مِنْ دِينِكَ. فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ. وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِليَّ مِنْ بَلَدِكَ. فَأصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلادِ كُلِّهَا إِلَيَّ. وَإِنَّ خَيلَكَ أَخَذَتْنِي وَأنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ. فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَال لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟ فَقَال: لَا. وَلكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (إليَّ) أي عندي (من وجهك فقد أصبح) اليوم (وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ) أي عندي (والله ما كان من دين) كلمة من زائدة ما كان على وجه الأرض دين (أبغض إليَّ) أي عندي (من دينك فأصبح دينك) الآن (أحب الدين كله اليَّ) أي عندي (والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك) الآن (أحب البلاد كلها إليَ) أي عندي (وإن خيلك) أي أصحاب خيلك (أخذتني وأنا أريد العمرة) جملة حالية أي أخذوني حال إرادتي العمرة (فماذا ترى) في عمرتي فهل يجب علي إتمامها أم لا (فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم) بخيري الدنيا والآخرة أو بشره بالجنة أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة كذا في فتح الباري أو بشره بما حصل له من الخير العظيم بسبب إسلامه وأن الإسلام يهدم ما قبله (وأمره أن يعتمر) أي أن يحرم العمرة إحرامًا جديدًا لأن الأول لا يصح لوقوعه في حالة الشرك ويأتي بأفعال عمرة وفي الحديث مشروعية الاغتسال عند الإسلام وهو واجب عند مالك وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وواجب عند الشافعي إن كان جنبًا في حالة الكفر وليس بواجب على من لم يكن كذلك ومستحب عند الحنفية مطلقًا فليس بواجب في كل حال لأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل نقلًا متواترًا أو ظاهرًا كذا في المغني لابن قدامة [1/ 206]، فانطلق ثمامة للاعتمار إلى مكة (فلما قدم مكة قال له قائل) من أهل مكة: (أصبوت) يريد أصبأت أي أخرجت من دينك وكانوا يسمون من أسلم صابئًا وهو كما كان في كتاب الله الكريم علم على طائفة من الكفار يقال: إنها تعبد الكواكب قال النووي: هو في الأصول (أصبوت) وهي لغة والمشهورة أصبأت بالهمز وعلى الأول جاء قولهم الصباة كقاض وقضاة والمعنى أخرجت من دينك اهـ (فقال) له ثمامة: (لا) أي ما خرجت من ديني (ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإن قلت: كيف قال لا وهو قد خرج من الشرك إلى

وَلَا، وَاللهِ، لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4455 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَيلًا لَهُ نَحْوَ أَرْضِ نَجْدٍ. فَجَاءَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ التوحيد قلت: مرادهم بصبأت خرجت من الحق إلى الباطل فجوابه بـ (لا) مطابق لما في نفس الأمر وحقيقة الحق أو يقال هو من الأسلوب الحكيم كأنه قال: ما خرجت من الدين لأنكم لستم على دين فأخرج منه بل اخترت دين الله أفاده في المرقاة وقوله: (ولا والله) أي لا أوافقكم في دينكم ولا أرفق بكم فوالله (لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) قوله (فلما قدم مكة) زاد ابن هشام قال: بلغني أنه خرج معتمرًا حتى إذا كان ببطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة يلبي فأخذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا وأرادوا قتله فقال قائل منهم دعوه فإنكم محتاجون إلى الطعام من اليمامة فتركوه قوله (لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة) زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم ذكره الحافظ في فتح الباري [8/ 88] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب وفد بنى حنيفة رقم [4372]، وفي المساجد باب الاغتسال إذا أسلم رقم [462] وفي غيرهما وأبو داود في الجهاد باب في الأسير يوثق رقم [2679]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4455 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو بكر) عبد الكبير بن عبد المجيد (الحنفي) البصري ثقة، من (9) (حدثني عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري المدني صدوق من (6) (حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري) المدني (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الحميد بن جعفر لليث بن سعد (يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلًا له) صلى الله عليه وسلم أي أصحاب خيل (نحو أرض نجد) أي جهتها (فجاءت) تلك

بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الحَنَفِيُّ. سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثلِ حَدِيثِ اللَّيثِ. إلا أَنَّهُ قَال: إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخيل (برجل يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة) ورئيسهم (وساق) أي ذكر عبد الحميد بن جعفر (الحديث) السابق (بمثل حديث الليث) بن سعد لفظًا ومعنى (إلا أنه) أي لكن أن عبد الحميد بن جعفر (قال) في روايته: (أن تقتلني تقتل ذا دم) يستحق القتل والفرق بين هذه الرواية والرواية السابقة أن في هذه الرواية زيادة نون الوقاية وياء المتكلم دون ما قبلها والله أعلم وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله تعالى أعلم. ***

621 - (14) باب إجلاء اليهود من الحجاز وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وجواز قتل من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل

621 - (14) باب إجلاء اليهود من الحجاز وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وجواز قتل من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل 4456 - (1710) (55) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: بَينَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ خَرَجَ إِلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "انْطَلِقُوا إلَى يَهُودَ" فَخَرَجْنَا مَعَهُ. حَتَّى جِئْنَاهُمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُم. فَقَال: "يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 621 - (14) باب إجلاء اليهود من الحجاز وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وجواز قتل من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل 4456 - (1710) (55) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن سعد بن أبي سعيد) كيسان المقبري أبي سعد المدني (عن أبيه) أبي سعيد المقبري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أنه قال: بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله) من حجرته وإذ فجائية رابطة لجواب بينا والتقدير بينا أوقات اجتماعنا في المسجد فاجأنا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انطلقوا) أي اذهبوا بنا (إلى يهود فخرجنا معه حتى جئناهم) قال الحافظ في الفتح [6/ 271] الظاهر أنهم بقايا من اليهود تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة وإنما جاء أبو هريرة بعد فتح خيبر وأبو هريرة يقول في هذا الحديث إنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال يا معشر يهود أسلموا) أمر من الإسلام (تسلموا) بفتح اللام من السلامة جواب الأمر أي تنجوا من الذل في الدنيا والعذاب في العقبى وذكر في المرقاة أن الخطاب لمن بقي في المدينة ومن حولها من اليهود بعد إخراج بني النضير وقتل بني قريظة كبقايا بني قينقاع فإن إجلاء بني النضير كان في السنة الرابعة من الهجرة وقتل بني قريظة في خامستها لماسلام أبي هريرة رضي الله عنه في السنة السابعة فيكون ما ذكره بعد ذلك بسنتين اهـ (وقوله أسلموا تسلموا) هذا من

فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ذلِكَ أُرِيدُ. أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ. يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ذلِكَ أُرِيدُ" فَقَال لَهُمُ الثَّالِثَةَ. فَقَال: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلهِ وَرَسُولهِ. وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيئًا فَلْيَبِعْهُ. وَإلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلهِ وَرَسُولِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ولكن ملاعين اليهود إنما فهموا منه الدعاء إلى الإسلام وكرهوه (فقالوا) في جوابه (قد بلَّغت يا أبا القاسم) أي ما عليك من البلاغ فلا حاجة في الزيادة منه وما فهموا أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرة إما الإسلام واما الإجلاء حتى تسمعوا ذلك منه صريحًا وقولهم قد بلغت يا أبا القاسم كلمة مكر ليدافعوه بما يوهمه ظاهرها والمراد أنك قد بلغت وقضيت ما عليك من التبليغ والأمر الآن موكول إلينا (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أريد) قال النووي معناه أريد أن تعترفوا أني بلغت وفي هذا الحديث استحباب تجنيس الكلام وهو من بديع الكلام وأنواع الفصاحة اهـ قال الحافظ: إن اعترفتم أني بلغتكم سقط الحرج عني (أسلموا تسلموا فقالوا) مرة ثانية (قد بلغت يا أبا القاسم) بتشديد اللام من التبليغ (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) أي اعترافكم بالتبليغ (أريد) منكم (فقال لهم) أيضًا أسلموا تسلموا المرة (الثالثة فقال) لهم أيضًا: الفاء بمعنى الواو (أعلموا) أيها اليهود (إنما الأرض لله) ملكًا (و) لـ (ـرسوله) حكمًا يعني أن الله تعالى هو خالقها ومالكها وأن رسوله هو الحاكم فيها بأمره وإذنه لكونه المبلغ عنه القائم بتنفيذ أوامره قاله الحافظ (وأني أريد أن أجليكم) من الإجلاء أي أن أخرجكم من هذه الأرض أي من أي من أرض الحجاز كما هو الجزء الأول من الترجمة أو من جزيرة العرب كما هو الجزء الثاني من الترجمة (فمن وجد منكم) أيها اليهود (بماله) الذي لا يتيسر له نقله (شيئًا) من الثمن (فليبعه) وقيل: الوجد هنا بمعنى المحبة والمراد من أحب منكم ماله وشق عليه فراق شيء مما يعسر تحويله فهو ماذون ببيعه وعبارة العون هنا (بماله) أي بدل ماله فالباء للبدلية والمعنى من صادق بدل ماله الذي لا يمكنه حمله وقيل الباء بمعنى من والمعنى من وجد منكم من ماله شيئًا مما يتيسر نقله كالعقار والأشجار وقيل الباء بمعنى في اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6944 و 3167]، وأبو داود [3001]،

4457 - (1711) (56) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيظَةَ حَارَبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيظَةَ وَمَنَّ عَلَيهِمْ. حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيظَةُ بَعْدَ ذلِكَ. فَقَتَلَ رِجَالهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسائي ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4457 - (1711) (56) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري وإسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة، من (11) (قال ابن رافع: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته (أن يهود بني النضير) والنضير كأمير حي من يهود خيبر من آل هارون وموسى عليهما السلام (و) يهود بني (قريظة) وقد دخلوا في العرب وكانت منازلهم خارج المدينة في حدائق وآطام وغزوة بني النضير مشهورة قال الزهري: كانت على ستة أشهر من وقعة أحد كذا في تاج العروس (حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير) أي أخرجهم من الحجاز وقد مرت قصة إجلائهم مبسوطة في باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها من هذا الكتاب (وأقر قريظة) أي تركهم من الإجلاء وآمنهم (ومنَّ عليهم) أي تركهم بلا قتل ولا استرقاق ولا فداء (حتى حاربت قريظة بعد ذلك) أي بعد ما من عليهم أولًا وفي هذا دليل على أن المعاهد والذمي إذا نقض العهد صار حربيًّا وجرى عليه سائر أحكام أهل الحرب وللإمام سبي من أراد منهم وله المن على من أراد منهم وفيه أنه إذا من عليه ثم ظهر منه محاربة انتقض عهده وإنما ينفع المن فيما مضى لا فيما يستقبل وكانت قريظة في أمان ثم حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد وظاهروا قريشًا على قتال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق في غزوة الأحزاب سنة خمس على الصحيح (فقتل رجالهم) ذكر ابن هشام في سيرته أنه خندق بسوق المدينة لهم خنادق فضربت أعناقهم في تلك الخنادق وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة اهـ.

وَقَسَمَ نِسَاءَهُم وَأَوْلادَهُم وَأَمْوَالهُم بَينَ المُسْلِمِينَ. إلا أَن بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا. وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قَينُقَاعَ (وَهُم قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ). وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ. وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر صاحب أسد الغابة في ترجمة عطية القرظي عنه أنه قال: كنت في سبي قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فتركوني في السبي اهـ (وقسم) صلى الله عليه وسلم (نساءهم وأولادهم) الصغار (وأموالهم بين المسلمين) أي بين الغانمين (إلا أن بعضهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنهم) أي فعقد لهم الأمان (وأسلموا) وقوله إلا أن بعضهم استثناء من المحاربة (وأجلى) أي أخرج (رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم) من المدينة وقوله (بني قينقاع) بفتح القاف وتثليث النون والضم أشهر فيها وهو بالنصب على البدلية من يهود (وهم) أي بنو قينقاع (قوم عبد الله بن سلام) وهم حي من اليهود كانوا بالمدينة وكانوا أول من أخرج من المدينة قال الحافظ: وكانوا ممن وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام بعد غزوة بدر فأبوا وقالوا: إنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس ثم أتتهم امرأة من العرب بعروض تجارة فجلست عند صائغ في سوق بني قينقاع فجعلوا يطلبون منها أن تكشف وجهها فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديًّا فشدت اليهود على المسلم فقتلوه فوقع القتال بين قينقاع وبين المسلمين فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكمه فشفع لهم عبد الله بن أبي لكونه حليفًا لهم واستعطف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا يقتلهم فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة اهـ من سيرة ابن هشام وقوله (ويهود بني حارثة) معطوف علي بني قينقاع وقوله (وكل يهودي كان بالمدينة) معطوف على كلهم للتأكيد وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4028]، وأبو داود في الإمارة [3053]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال.

4458 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ مُوسَى، بِهذَا الإِسْنَادِ، هذَا الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ ابْنُ جُرَيجٍ أَكثَرُ وَأَتَمُّ. 4459 - (1712) (57) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخلَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. حَتَّى لَا أَدَعَ إلا مُسْلِمًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4458 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني ثقة، من (8) (عن موسى) بن عقبة بن أبي عياش المدني (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر وساق حفص هذا الحديث المذكور غرضه بيان متابعة حفص بن ميسرة لابن جريج (و) لكن (حديث ابن جريج كثر) متنًا (وأتم) سندًا أي أوثق من سند حفص لأن أبا الطاهر قال فيه أبو حاتم: لا بأس به ولم يرو عنه أيضًا إلا (م د س ق) بخلاف الشيخين من السند الأول. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عمر رضي الله عنه فقال. 4459 - (1712) (57) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا الضحاك بن مخلد) بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري ثقة ثبت من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري (واللفظ له حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب) رضي الله تعالى عنهما وهذان السندان من سداسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) والذي نفسي بيده (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع) ولا أترك فيها (إلا) شخصًا (مسلمًا) وقد تقدم بيان جزيرة العرب في الوصية فراجعها وفي رواية للترمذي لئن عشت إن شاء الله

4460 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثوْرِيُّ. ح وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ (وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ اللهِ). كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4461 - (1713) (58) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ) (قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ) عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال. 4460 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري ثقة، من (9) (أخبرنا سفيان) بن سعيد (الثوري) الكوفي (ح وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي المكي ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) الحراني صدوق من (9) (حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله) العبسي مولاهم أبو عبد الله الحراني صدوق من (8) (كلاهما) أي كل من سفيان الثوري ومعقل بن عبيد الله رويا (عن أبي الزبير) المكي غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لابن جريج (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر وساقا (مثله) أي مثل ما روى ابن جريج ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4461 - (1713) (58) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار وألفاظهم متقاربة قال أبو بكر: حدثنا غندر عن شعبة وقال الآخران: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا - شعبة عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة، من (5) (قال: سمعت أبا أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) الأنصاري المدني الصحابي المشهور بكنيته رضي الله عنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه مرسلًا وعن جمع من الصحابة كان يعد من أكابر

قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَال: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ. فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ. فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلأَنْصَارِ: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ" (أَوْ خَيرِكُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصار وعلمائهم وسمي باسم جده أسعد بن زرارة وكني بكنيته (قال: سمعت أبا سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو سعيد: (نزل أهل قريظة) ويهودهم من حصنهم حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حصنهم وذلك أنهم نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عدوه وأعانوا عليه الأحزاب من الكفار فما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من غزوة الأحزاب إلا وقد أمر بمحاصرة بني قريظة كما سيأتي فحاصرهم حتى نزلوا وخرجوا من حصنهم على أن ينفذ فيهم ما حكم فيهم سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأوسي الأشهلي أبو عمرو المدني سيد الأوس شهد بدرًا واستشهد من سهم أصابه بالخندق ومناقبه كثيرة اهـ من التقريب (على حكم) أي على أن يفعل بهم ما حكم فيه (سعد بن معاذ) الأنصاري الأوسي وإنما رضوا حكمه لأنه كان من حلفائهم (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتاه) صلى الله عليه وسلم سعد راكبًا (على حمار) كان له وكان سعد جريحًا بجراحة أصيب بها في غزوة الأحزاب كما سيأتي وكان نسعد مقيمًا بخيمة عند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومصلاه كما ذكره الحافظ في مغازي الفتح [7/ 412] عن ابن إسحاق (فلما دنا) وقرب سعد إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان (قريبًا من المسجد) الظاهر أن المراد به المسجد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أعده للصلاة فيه في ديار بني قريظة أيام حصارهم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم) ورئيسكم (أو) قال: قوموا إلى (خيركم) وأفضلكم والشك من الراوي في أي اللفظين قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو ممن دونه والظاهر أن الخطاب للأنصار لأنه كان سيد الأنصار قيل هذا القيام للتعظيم إذ لو كان للإعانة لأمر بقيام واحد أو اثنين فيدل على أن التعظيم بالقيام جائز لمن يستحق الإكرام كالعلماء والصلحاء وقال الطيبي: هذا القيام ليس للتعظيم لما صح

ثُم قَال: "إِن هؤُلاءِ نَزَلُوا علي حُكمِكَ" قَال: تَقتُلُ مُقَاتِلَتَهُم. وَتَسبِي ذُريتَهُم. قَال: فَقَال النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "قَضَيتَ بِحُكْمِ الله" وَرُبمَا قَال: "قَضَيتَ بِحُكمِ الْمَلِكِ". وَلَم يَذكرِ ابنُ المثَنَّى: وَرُبمَا قَال: "قَضَيتَ بِحُكْمِ الملِكِ". 4462 - (00) (00) وحدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمنِ بْنُ مَهْدِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا بل كان للإعانة على النزول لكونه وجعًا ولو كان المراد قيام التوقير لقال: قوموا لسيدكم وما روي أنه قال لعكرمة وعدي فعلى تقدير صحته محمول على تأليفهما بذلك على الإسلام لكونهما سيدي قبيلتين أو على معنى آخر اقتضته الحال وقال الشيخ أبو حامد القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على سبيل الإكرام وفي لفظ سيدكم إشعار لتكريمه اهـ مبارق وسيأتي قريبًا البسط في هذه المسألة لضرورة الاحتياج إليه (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: (إن هؤلاء نزلوا) من حصنهم (على حكمك قال) سعد: (تقتل) يا رسول الله (مقاتلتهم) أي من يتأتى منه القتال ولو بالرأي (وتسبي ذريتهم) أي نساءهم وصبيانهم (قال) أبو سعيد: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لسعد: (قضيت) فيهم (بحكم) كتاب (الله) تعالى قال أبو سعيد أو من دونه (وربما قال) النبي أو الراوي: (قضيت بحكم الملك ولم يذكر ابن المثنى) في روايته لفظة (وربما قال: قضيت بحكم الملك) قوله (بحكم الملك) الرواية في صحيح مسلم بكسر اللام بلا خلاف وهو الله تعالى وضبطه بعضهم في صحيح البخاري بكسرها وفتحها فإن صح الفتح فالمراد به جبريل - عليه السلام - والمعنى بالحكم الذي جاء به الملك عن الله تعالى اهـ نووي عن القاضي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4121]، وفي الجهاد [3043]، وفي الفضائل [3804]، وفي الاستئذان [6262]، وأبو داود في الأدب [5215 و 5216]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4462 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) عن شعبة بهذا الإسناد يعني عن سعد عن أبي أمامة

مسألة القيام للقادم

عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي حَدِيثِهِ: فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَقَد حَكَمْتَ فِيهِم بِحُكمِ الله". وَقَال مَرة: "لَقَد حَكَمتَ بِحُكمِ الملِكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أبي سعيد الخدري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن لمحمد بن جعفر (و) لكن (قال) عبد الرحمن (في حديثه) أي في روايته (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وقال) الراوي (مرة لقد حكمت فيهم بحكم الملك) بكسر اللام. مسألة القيام للقادم قوله صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى سيدكم) استدل به من قال بجواز القيام للقادم وجملة القول في هذه المسألة أن القيام على أقسام [1] أن يكون السيد جالسًا ويتمثل له الحاضرون قياما طوال مجلسه وهو ممنوع بنص الحديث لأنه دأب الأعاجم المتكبرين ولا خلاف في عدم جوازه [2] أن يقوم الناس لقادم يحب أن يقوموا له تكبرًا وتعاظمًا على القائمين وهو ممنوع أيضًا باتفاق العلماء [3] أن يقوم الناس لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر وهو مكروه [4] أن يقوم الرجل لقادم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه وهذا مندوب ولا خلاف في جوازه [5] أن يقوم الرجل لمن حصلت له النعمة فيهنئه عليها وهو مندوب أيضًا [6] أن يقوم الرجل لمن أصابته مصيبة فيسليه عليه وهو مندوب أيضًا [7] أن يقوم الرجل لمن دخل عليه على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد منه ذلك. وهذا القسم السابع هو موضع خلاف بين العلماء فأجازه بعضهم ومنعه بعضهم وللإمام النووي رحمه الله تعالى في جوازه رسالة مستقلة رد عليها ابن الحاج وقد حكى الحافظ في الفتح [11/ 50] دلائل النووي وابن الحاج ببسط وتفصيل ومن كرهه استدل بدليلين (1) عن أنس رضي الله عنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له مما يعلمون من كراهته لذلك أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب (2) عن أبي مجلز قال: خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار.

4463 - (1714) (59) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بن الْعَلاءِ الْهَمْدَانِي. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ نُمَيرٍ. قَال ابْنُ الْعَلاءِ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: أُصِيبَ سَعْد يَوْمَ الْخَنْدَقِ. رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاب المجوزون عن الحديث الأول بأن مجرد ترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأفعال لا يدل على عدم جوازها وعن الثاني بأن المرفوع منه محمول على الصورة الأولى من القيام وأما أمر معاوية لابن عامر بالجلوس فاحتياط منه رضي الله عنه ليخرج عن كل شائبة من مخالفة هذا الحديث المرفوع. واحتج المجوزون بحديث الباب وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم لفاطمة رضي الله عنها وأجاب المانعون عنه بحمله على الصورة الرابعة أو الخامسة وقد أطال الحافظ في استئذان الفتح في هذه المسألة ولم يحقق رأيه في ذلك غير أنه يظهر من كلامه أنه مائل إلى المنع. قال التهانوي في إعلاء السنن [17/ 429]، فالحاصل أنه لا دليل فيما ذكر على كراهة القيام لمجرد الإكرام فالأولى أن يقال إن مثل هذا الإكرام لم يثبت من السلف فلو كان داخلًا في عموم نصوص التوقير والإكرام كانوا أحق بالعمل بها نعم لما كان مثل هذا القيام متعارفًا بين الناس وفي نزعهم عن عادتهم حرج عظيم بل قد يفضي إلى الحقد والعداوة والضرر والأضرار ومع ذلك هو من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء فلا ينبغي التشديد فيه والإنكار على فاعله بل ينبغي أن من غلب في ظنه كراهته يحتاط فيه لنفسه إن لم يترتب على تركه مفسدة وهو عندي أعدل الأقوال في هذا الباب والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عائشة فقال 4463 - (1714) (59) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني) أبو كريب الكوفي (كلاهما عن) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قال ابن العلاء حدثنا ابن نمير حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة: (أصيب) بالبناء للمجهول أي رمي بسهم (سعد) بن معاذ (يوم) غزوة (الخندق رماه رجل من قريش يقال له ابن العرقة) وفي صحيح البخاري حبان بن العرقة فاسم ذلك الرجل

رَمَاهُ فِي الأكحَلِ. فَضَرَبَ عَلَيهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ خَيمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ. فَلَما رَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاحَ. فَاغْتَسَلَ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأسَهُ مِنَ الْغُبَارِ. فَقَال: وَضَعْتَ السلاح؟ وَاللهِ، مَا وَضَعْنَاهُ. اخْرُجْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حبان بكسر الحاء وتشديد الموحدة ابن قيس والعرقة بفتح العين وكسر الراء لقب لأمه لقبت به لطيب ريحها كما في القاموس واسمها قلابة بكسر القاف بنت سعيد بن سعد (رماه) بسهم (في الأكحل) بفتح الهمزة عرق في وسط الذراع يكثر فصده قال ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 275] وقال الخليل هو عرق الحياة ويقال: إن في كل عضو منه شعبة فهو في اليد الأكحل وفي الظهر الأبهر وفي الفخذ النسا إذا قطع لم يرفأ الدم كذا في فتح الباري [7/ 13] وفي أسد الغابة فلما رماه قال: خذ هذا مني وأنا ابن العرقة فقال سعد: عرق الله وجهك في النار اهـ (فضرب) أي ركز (عليه) أي على سعد (رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة) أي خباءً (في المسجد) أي في المصلى الذي اتخذه في ديار بني قريظة مدة حصارهم (يعوده) أي حالة كونه صلى الله عليه وسلم يريد أن يعوده (من قريب) أي في مكان قريب إلى منزله كلما شاء قال النووي فيه جواز النوم في المسجد وجواز مكث المريض فيه وإن كان جريحًا لكن ليس على إطلاقه لأن أحوال الحرب أحوال ضرورية فلا يقاس عليها أحوال الأمن والسلم والمذهب عند الحنفية أنه لا يجوز النوم في المسجد إلا لمسافر أو معتكف أو لمن لا أهل له قالت عائشة: (فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح فاغتسل فأتاه جبريل وهو) أي والحال أن جبريل (ينفض رأسه من الغبار) أي يزيل الغبار من رأسه ووقع عند الطبراني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد عن عائشة قالت سلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعًا فقمت في أثره فماذا بدحية الكلبي فقال: هذا جبريل - عليه السلام - وفي حديث علقمة يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة وذلك لما رجع من الخندق قالت: فكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار من وجه جبريل فظهر بهذه الرواية أنه أتاه في صورة دحية الكلبي والله أعلم (فقال) جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ (وضعت السلاح) وتركت القتال يا محمد (والله) نحن معاشر الملائكة (ما وضعناه) أي ما وضعنا السلاح ولا تركنا القتال (أخرج) يا محمد

إِلَيهِم. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "فَأينَ؟ " فَأشَارَ إِلَي بَنِي قُرَيظَةَ. فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَنَزَلُوا عَلَى حُكمِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَرَد رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْد. قَال: فَإِني أَحكُمُ فِيهِم أَن تُقتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذريةُ وَالنسَاءُ، وَتُقسَمَ أَمْوَالُهُمْ. 4464 - (1715) (60) وحدثنا أَبُو كرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَام، قَال: قَال أَبِي: فَأخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَقَد حَكَمتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الله عَز وَجل" ـــــــــــــــــــــــــــــ (إليهم) أي إلى الكفار وجاهدهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لجبريل: (فأين) أي فإلى أين أخرج (فأشار) له جبريل (إلى بني قريظة) فخرج إليهم (فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) فحاصرهم واستمر حصارهم بضعًا وعشرين يومًا فلما اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم) فتواثبت الأوس وكانوا حلفاء لبني قريظة فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت في موالي الخزرج يعني بني قينقاع ما فعلت من إجلائهم دون قتلهم وذلك بشفاعة من عبد الله بن أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا: بلى (فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد قال) سعد: (فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية والنساء وأن تقسم أموالهم) بين المسلمين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي [4117]، والجهاد [2813]، وأبو داود في الجنائز [3101]، والنسائي في المساجد [710]، ثم ذكر المؤلف مرسل عروة استشهادًا لحديث عائشة فقال. 4464 - (1715) (60) (وحدثنا أبو كريب حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) بن عروة (قال) هشام: (قال أبي) عروة بن الزبير (فأخبرت) بالبناء للمجهول أي قال عروة: أخبرني بعض من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لسعد: والله (لقد حكمت) يا سعد (فيهم بحكم الله عزَّ وجلَّ) من فوق سبع سموات ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أثر سعد بن معاذ عن عائشة استشهادًا لحديث عائشة رضي الله عنها فقال.

4465 - (1716) (61) حدثنا أَبُو كُرَيب. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ. أخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ؛ أن سَعْدًا قَال، وَتَحَجرَ كَلْمُهُ لِلْبُرْءِ، فَقَال: اللهُم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنْ لَيسَ أحَدٌ أحَبَّ إِلي أنْ أجَاهِدَ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ (صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ) وَأخْرَجُوهُ. اللَّهُمَّ فَإنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيشٍ شَيءٌ فَأبْقِنِي أجَاهِدْهُمْ فِيكَ. اللهُم فَإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَينَنَا وَبَينَهُمْ. فَإنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَينَنَا وَبَينَهُمْ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4465 - (1716) (61) (حدثنا أبو كريب حدثنا ابن نمير عن هشام أخبرني أبي عن عائشة أن سعدًا) بن معاذ (قال): وهذا السند من سداسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي وقوله: (وتحجر كلمه) أي يبس واشتد جرحه (للبرء) أي للشفاء حال من فاعل قال: وهذا من كلام الراوي أدخله بين قول القائل ومقوله وقوله (فقال): تكرار من الراوي والكلم بفتح الكاف وسكون اللام الجرح وتحجره اشتداده حتى يصير مثل الحجر قويًّا لا وجع فيه ووقع في رواية لأحمد (وكان قد برئ إلا مثل الخرص) والخرص بضم الخاء من حلي الأذن والمعنى أن سعدًا دعا الله تعالى والحال أن جرحه يبس وكاد أن يبرأ (فقال) في دعائه: (اللهم إنك تعلم أن ليس) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وقوله (أحد) بمعنى شيء أي إنك تعلم يا رب أن الشأن والحال ليس شيء (أحب إلي) من (أن أجاهد في) سبيلـ (ـك من قوم) أي لقوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه) من بلده الذي ولد فيه (اللهم فإن كان) الشأن فكان شأنية أو زائدة قد (بقي من حرب قريش شيء فأبقني) أي فأحيني (أجاهدهم) بالجزم في جواب الطلب (فيك) أي في سبيلك (فإني أظن) أي ولكن إني أظن بحسب القرائن (أنك قد وضعت) ورفعت (الحرب بيننا) معاشر المسلمين (وبينهم) أي وبين قريش (فإن كنت قد وضعت) ورفعت (الحرب بيننا وبينهم فافجرها) أي فافجر جراحتي هذه أي شقها شقًا واسعًا لا يرقأ منه الدم (واجعل موتي فيها) أي بسببها لتتم لي الشهادة في سبيل الله تعالى ولعل سعدًا رضي الله عنه كان يرجو بعدما أصابته الجراحة يوم الأحزاب أن يستشهد بهذه الجراحة فلما رآها تقاربت إلى البرء دعا بهذا الدعاء وحاصل دعائه أنه إن كان هناك حرب في المستقبل مع مشركي قريش فأبقني إلى ذلك الوقت لأجاهدهم فيك وإن لم يكن هناك حرب معهم كما هو المظنون بظاهر القرائن فافجر جرحتي هذه لأموت فيها واستشهد بها

فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ. فَلَم يَرُعْهُمْ (وَفِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ خَيمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ) إِلا وَالدمُ يَسِيلُ إِلَيهِمْ. فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيمَةِ! مَا هذَا الذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْد جُرْحُهُ يَغِذُّ دَمًا. فَمَاتَ مِنهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم هذا ليس من تمني الموت المنهي عنه لأن ذلك فيمن تمناه لضر نزل به وهذا إنما تمنى انفجارها ليكون شهيدًا قاله النووي: (فانفجرت) أي انشقت جراحته (من لبته) أي من أسفل عنقه وصدره واللبة موضع القلادة من الصدر قال الحافظ: وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره فانفجر الدم من ثم اهـ قال النووي: هكذا هو في معظم الأصول المعتمدة (لبته) وهي النحر وفي بعض الأصول (من ليته) والليت صفحة العنق وفي بعضها (من ليلته) قال القاضي وهو الصواب كما اتفقوا عليه في الرواية التي بعد هذه قال الحافظ في الفتح قوله: (فانفجرت من لبته) يعني انفجرت من نحره وسبب ذلك ما وقع في مسند حميد بن هلال عند ابن سعد ولفظه أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجرت حتى مات وهكذا استجيبت دعوته لما أنه لم يكن بعد الأحزاب حرب مع قريش إلى فتح مكة وبهذا ظهر ما قاله بعض الشراح من أن سعدًا كان مخطئًا في ظنه في وضع الحرب وأنه لم يستجب دعاؤه غير وارد راجع فتح الباري للتفصيل (فلم يرعهم) أي فلم يفجع أهل المسجد ولم يفزعهم وضمير الجمع هنا لمن في خيمة بني غفار وحيث كانوا في ذهن عائشة رضي الله تعالى عنها أضمرت لهم بدون ذكرهم ثم بدا لها أن تذكرهم فجاءت بجملة معترضة وهي قولها (وفي المسجد) الشريف (معه) أي مع سعد (خيمة من بني غفار) قبيلة مشهورة (إلا والدم يسيل إليهم) والواو بعد الاستثناء زائدة كما هي غير موجودة في رواية البخاري والمعنى فلم يفزع أهل المسجد إلا الدم الذي جرى إليهم وهو دم سعد أتاهم بغتة يسيل إليهم وكان في المسجد الشريف خيمة أخرى من خيام بني غفار فظن أهل المسجد أن الدم جاء من قبلهم (فقالوا) أي فقال أهل المسجد: (يا أهل الخيمة) يريدون بني غفار (ما هذا) الدم (الذي يأتينا من قبلكم) أي جهتكم (فإذا سعد) بن معاذ إذا فجائية والفاء عاطفة على ما قبلها (جرحه يغذ) بالغين والذال المعجمتين من باب حن يحن أي يسيل (دمًا) غير منقطع أي ففي الوقت الذي قالوا ذلك يغذ جرح سعد دمًا أو ففاجأهم سيلان جرحه دمًا ولفظ رواية البخاري (فإذا سعد يغذو جرحه دمًا) أي يسيل من باب دعا (فمات) سعد (منها) أي من تلك

4466 - (00) (00) وحدّثنا عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ سُلَيمَانَ الْكُوفِي. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَانْفَجَرَ مِنْ لَيلَتِهِ. فَمَا زَال يَسِيلُ حَتَي مَاتَ. وَزَادَ في الحَدِيثِ قَال: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الشَّاعِرُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجراحة وشارك المؤلف في رواية هذا الأثر البخاري ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الأثر فقال. 4466 - (00) (50) (وحدثنا علي بن الحسن بن سليمان) الحضرمي واسطي الأصل (الكوفي) نزولًا المعروف بأبي الشعثاء. وكنيته أبو الحسن أو الحسين أو أبو محمد روى عن عبدة بن سليمان في الجهاد وعيسى بن يونس وأبي بكر بن عياش ويروي عنه (م ق) والحسن بن سفيان وثقه أبو داود وقال في التقريب ثقة من العاشرة مات سنة (236) بضع وثلاثين ومائتين وفي أغلب النسخ من المتون والشروح (علي بن الحسين) بدل الحسن وهو تصحيف والصواب ما كتبنا راجع التقريب ورجال الأصبهاني والتهذيب وسائر كتب الرجال (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي ثقة، من (8) عن هشام بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة عن سعد (نحوه) أي نحو ما روى عبد الله بن نمير عن هشام (غير أنه) أي لكن أن عبدة بن سليمان (قال) في روايته (فانفجر) أي انشق جرحه (من ليلته) أي في ليلته التي دعا فيها يعني وقع في هذه الرواية بدل (لبته) ليلته قال ابن حجر: وهو تصحيف وصوبه القاضي كما مر آنفًا (فما زال يسيل) جرحه دمًا (حتى مات) وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبدة بن سليمان لعبد الله بن نمير (و) غير أنه (زاد) أي ولكن أن عبدة زاد على ابن نمير (في) هذا (الحديث) والأثر لفظة (قال) هشام أو عروة (فذاك) أي فذاك الوقت الذي حكم فيه سعد قتل بني قريظة واسم الإشارة مبتدأ خبره (حين يقول الشاعر) أي ذلك الوقت وقت قول الشاعر هذه الأبيات الآتية وبني الظرف على الفتح مع إضافته إلى المعرب مع أنه إذا أضيف إلى المعرب يعرب نظرًا إلى مجرد إضافته إلى الجملة وذكر ابن إسحاق أن هذه الأبيات لجبل بن جوال الثعلبي وكان حينئذٍ كافرًا يلوم بها سعد بن معاذ على حكمه بقتل بني قريظة مع أنهم كانوا حلفاءه ويمدح أبا حباب عبد الله بن أبي على شفاعته في حلفائه بني قينقاع لرسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل.

أَلا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... فَمَا فَعَلَتْ قُرَيظَةُ وَالنَّضِيرُ لَعَمْرُكَ إِنَّ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصبُورُ تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيءَ فِيهَا ... وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَة تَفُورُ وَقَدْ قَال الْكَرِيمُ أَبُو حُبَابٍ ... أَقِيمُوا، قَينُقَاعُ، وَلَا تَسِيرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (يا سعد) بالضم لأنه منادى مفرد العلم (سعد بني معاذ) بالنصب بدل من محل المنادى أو عطف بيان له أي أقول لك يا سعد (فما فعلت قريظة) حيث هلكوا بحكمك (والنضير) حيث نجوا بشفاعة عبد الله بن أبي قوله (فما فعلت) قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ بالفاء وكذا حكاه القاضي عن المعظم وفي بعضها (لما فعلت) باللام بدل الفاء ورجحه القاضي وهو أوضح وهو المعروف في كتب السير ووقع في سيرة ابن هشام (لما لقيت) (لعمرك) أي لحياتك أيها المخاطب قسمي (إن سعد بني معاذ فداة تحملوا لهو الصبور) أي إن سعدا لهو الصبور على ما أصاب قريظة غداة تحملوا ما حكم فيهم سعد من القتل والغداة أول النهار ولكن المراد هنا بمعنى اليوم يعني أن سعد بن معاذ كان صبورا على ما أصاب قريظة أي لم يتأسف بما أصابهم من القتل بحكمه مع أنهم من حلفائه لأنه أوسي وبنو قريظة من حلفاء الأوس وفيه ذم بما يشبه المدح (تركتم) أي صيرتم يا معشر الأوس (قدركم) التي تطبخون فيها فارغة (لا شيء نيها) والقدر ها هنا مجاز عن النصرة والحلف وكون القدر خاليا عدم الناصر والحليف يخاطب الأوس ويقول لهم: جعلتم أنفسكم خالين عن الحلفاء حيث رضيتم بقتلهم فإن حلفاءهم قريظة قد قتلوا وكان سعد رئيس الأوس (وقدر القوم حامية تفور) أي متقدة الحرارة تغلي أي والحال أن قدر القوم أراد بهم الخزرج وأراد بكون قدرهم حارة تغلي خروجهم للشفاعة في حلفائهم من بني قينقاع الذين هم من بني النضير كما فعل ذلك رئيسهم أبوالحباب المذكور في البيت التالي حيث قال (وقد قال الكريم أبو حباب) عبد الله بن أبي ابن سلول لحلفائهم بني قينقاع (أقيموا) في منازلكم يا (قينقاع ولا تسيروا) أي ولا ترتحلوا عنها وهذا تذكير من الشاعر سعد بن معاذ بفعل عبد الله بن أبي ابن سلول فإنه قد كان شفع في بني قينقاع فوهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له ومن عليهم وهو معنى قوله (أقيموا قينقاع ولا تسيروا) أي لا تفارقوا دياركم يا بني قينقاع بل أقيموا فيها (وأبو حباب) ضبط في الفتح بضم الحاء

وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالًا ... كَمَا ثَقُلَتْ بِمَيطَانَ الصخُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة وبثاء مثلثة في آخره ولم يذكره صاحب القاموس ولا شارحه والمشهور أبو حباب بموحدتين وقوله (وقد كانوا) حال من قدركم المعني بها بنو قريظة أي وقد تركتم أيها الأوسيون حلفاءكم بني قريظة ضائعين مقتولين (و) الحال أنهم (قد كانوا ببلدتهم ثقالا) أي راسخين مطمئنين ببلدتهم من كثرة ما لهم من القوة والنجدة والمال (كما ثقلت بميطان الصخور) أي كما رسخت الصخور وهي الحجارة الكبار بميطان أي بتلك البلدة أفاده ابن حجر وميطان بفتح الميم وكسرها اسم جبل في ديار بني مزينة وفي معجم البلدان أن ميطان بفتح الميم وسكون الياء من جبال المدينة وذكر النووي أيضًا أنه بفتح الميم على المشهور وقال المجد وميطان كميزان من جبال المدينة وفي النهاية أنه بكسر الميم موضع في بلاد بني مزينة بالحجاز اهـ ومثله في لسان العرب. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث ومرسل واحد وأثر واحد الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث أبي سعيد الخدري والمرسل هو حديث عروة الذي قال فيه فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره استشهادًا لحديث عائشة والأثر هو أثر روته عائشة عن سعد بن معاذ ذكره استشهادًا لحديث عائشة أيضًا وذكر في هذا الأثر متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

622 - (15) باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين ورد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم وجواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب

622 - (15) باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين ورد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم وجواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب 4467 - (1717) (62) وحدثني عَبْدُ الله بْنُ مُحَمدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِي. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ بْنُ أَسْمَاء عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: نَادَى فِينَا رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَوْمَ انْصَرَف عَنِ الأحْزَابِ: "أَنْ لَا يُصَليَن أَحَد الظُّهْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيظَةَ" فَتَخَوَّف نَاس فَوتَ الْوَقْتِ. فَصَلوْا دُونَ بَنِي قُرَيظَةَ. وَقَال آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلا حَيثُ أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وإنْ فَاتَنَا الْوَقتُ. قَال: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 622 - (15) باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين ورد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم وجواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب 4467 - (1717) (62) (وحدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) البصري ثقة، من (10) (حدثنا جويرية بن أسماء) بن عبيد الضبعي البصري صدوق من (7) (عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (قال) عبد الله: (نادى فينا) معاشر الأصحاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف) ورجع (عن) غزوة (الأحزاب) والخندق أي أمر مناديًا ينادي فينا بـ (ـأنـ) ـه (لا يصلين أحد) منكم (الظهر) في أي منزل (إلا في) منازل (بني قريظة فتخوف ناس) أي خاف فريق منا فوت الوقت أي خروج وقت الصلاة (فصلوا) الصلاة (دون بني قريظة) أي صلوا الصلاة في الطريق قبل وصولهم إلى بني قريظة تقديمًا للأهم الذي هو الصلاة (وقال آخرون) من الناس: (لا نصلي) الصلاة (إلا حيث) أي إلا في المكان الذي (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصلي فيه وهو منازل بني قريظة (وإن فاتنا الوقت) أي خرج منا وقت الصلاة إمضاء لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم فلما وصل الكل إلى منازل بني قريظة واجتمعنا فيها ذكر ذلك الاختلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فما عنف) ولا عتب رسول الله صلى الله عليه وسلم (واحدًا من الفريقين) على ما فعل وفي رواية البخاري (فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدًا منهم) والتعنيف هو العتاب واللوم أي فما عنفهم لأن الكل كان مجتهدًا محتسبًا ومستندًا إلى دليل شرعي فالذين لم يصلوا في الطريق حملوا النهي على حقيقته وجعلوه ناسخًا للنهي عن تأخير الصلاة في هذه الواقعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بخصوصها وتمسكوا بجواز التأخير لمن اشتغل بالحرب وأما الذين صلوا في الطريق فحملوا النهي على غير حقيقته وزعموا أنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة وفيه جواز الاجتهاد عند عدم النص أو عند كونه محتملًا للمعنيين وعلى أن المجتهدين لا يلام عليهم هان اختلفت آراؤهم ما داموا متمسكين بدليل وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4119]، وفي صلاة الخوف [946]، والله أعلم. (قوله لا يصلين أحد الظهر) هكذا في رواية مسلم رحمه الله تعالى الظهر وفي رواية البخاري بنفس هذا الطريق (لا يصلين أحد العصر) بلفظ العصر وحمله على الواقعتين بعيد جدًا لكون مخرج الحديث واحدًا لأنه مروي عند الشيخين بإسناد واحد من مبدأه إلى منتهاه ورواية مسلم راجحة من حيث إنه لم يذكر في حديث ابن عمر صلاة العصر إلا البخاري وتابع مسلمًا أبو يعلى وآخرون ولكن رواية البخاري راجحة من حيث تأييدها بشواهد أخرى فقد أخرج الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في دلائل النبوة [4/ 7] عن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة واغتسل واستجمر فتبدى له جبريل - عليه السلام - فقال: (عذيرك) أي هات من يعذرك فعيل بمعنى فاعل من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها قال: فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعًا فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوابني قريظة قال: فلبس الناس السلاح فلم يأتوابني قريظة حتى غربت الشمس فاختصم الناس عند غروب الشمس فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة فإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم وصلى طائفة من الناس احتسابًا وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس فصلوها حين جاؤوابني قريظة احتسابًا فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدًا من الفريقين. وهذا كله يؤيد رواية البخاري وقد جزم أصحاب السير كابن إسحاق وموسى بن عقبة بأنها كانت صلاة العصر واستظهر الحافظ في الفتح [8/ 409] أن عبد الله بن محمد بن أسماء شيخ البخاري ومسلم في هذا الحديث لما حدث به البخاري حدثه بلفظ البخاري ولما حدث به الآخرين حدثه بلفظ مسلم وهو لفظ جويرية لأنه قد رواه عن جويرية غير واحد بهذا اللفظ بخلاف لفظ

4468 - (1718) (63) وحدثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَما قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ، مِنْ مَكةَ، الْمَدِينَةَ قَدِمُوا وَلَيسَ بِأيدِيهِمْ شَيءٌ. وَكَانَ الأنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالْعَقَارِ. فَقَاسَمَهُمُ الأنْصَارُ عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ أنْصَافَ ثِمَارِ أمْوَالِهِمْ، كُل عَامٍ. ويكْفُونَهُمُ الْعَمَلَ وَالْمَؤُونَةَ. وَكَانَتْ أُمُّ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهِيَ تُدْعَى أُمَّ سُلَيمٍ، وَكَانَتْ أمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، كَانَ أَخًا لأنَسٍ لأمِّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري ولعل حاصله أن جويرية وهم في تعيينه بصلاة الظهر ثم وهم عبد الله بن محمد بن أسماء عندما حدث به البخاري فروى عن جويرية صلاة العصر مع أنه روى صلاة الظهر اهـ فتح الباري [8/ 409] والله سبحانه وتعالى أعلم ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4468 - (1718) (63) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى التجيبي المصريان (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدمو) ها (و) الحال أنه (ليس بأيديهم شيء) من الأموال (وكان الأنصار أهل الأرض والعقار) أراد بالعقار هنا النخل قال: قال الزجاج: العقار كل ما له أصل قال: وقيل هو النخل خاصة (فقاسمهم الأنصار) أي قسم الأنصار للمهاجرين بعض أشجارهم (على أن أعطوهم) أي على شرط أن يعطي الأنصار المهاجرين (أنصاف ثمار أموالهم) أي نصف ثمار أشجارهم (كل عام ويكفونهم) أي وعلى شرط أن يكفي المهاجرون الأنصار (العمل) في الأشجار (والموونة) أي ومؤنة العمل فيها ويقوموا بهما فالمراد بالمقاسمة هنا مقاسمة الثمار لا مقاسمة أصول الأشجار لأن الأشجار ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار فيما أخرجه البخاري في المزارعة [2325]، والشروط [2719]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال: لا، فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة قالوا: سمعنا وأطعنا (وكانت أم أنس بن مالك وهي) التي (تدعى) وتكنى (أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة كان) عبد الله (أخًا لأنس لأمه) أم سليم وقوله (وكانت أم أنس) الخ ظاهرة أنه من كلام الزهري ولكن بقية السياق

وَكَانَتْ أَعْطَتْ أمُّ أنَسٍ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عِذَاقًا لَهَا. فَأعْطَاهَا رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أمَّ أَيمَنَ، مَوْلاتَهُ، أمَ أسَامَةَ بْنِ زيدٍ. قَال ابنُ شِهَابٍ: فَأَخبَرَنِي أنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ لما فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيبَرَ. وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ. رَد الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ التِي كَانُوا مَنَحُوهُم مِنْ ثِمَارِهِم. قَال: فَرَد رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ إِلَى أُمي عِذَاقَهَا. وَأَعْطَى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أَم أَيمَنَ مَكَانَهُن مِنْ حَائِطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضي أنه من رواية الزهري عن أنس فيحمل على التجريد البياني قاله الحافظ في الفتح [5/ 244] (وكانت) القصة وكان شأنية واسمها ضمير القصة (أعطت أم أنس) بالرفع على الفاعلية (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية وقوله (عذاقًا لها) مفعول ثان لأعطى والعذاق بكسر العين جمع عذق بفتحها وسكون الذال كحبل وحبال والعذق النخلة ومعناها النخلات وقيل: إنما يقال لها ذلك إذا كان حملها موجودًا والمراد بالإعطاء ها هنا إعارة النخلة بهبة ما يخرج منها من ثمر (فأعطاها) أي أعطى تلك العذاق (رسول الله صلى الله مليه وسلم أم أيمن) الحبشية (مولاته) صلى الله عليه وسلم وحاضنته بدل من أم أيمن أو عطف بيان له (أم أسامة بن زيد) بن حارثة بدل ثان منه يعني أعطى أم أيمن النخلات التي وهبتها له أم أنس (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فأخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف) أي رجع (إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم) جمع منيحة والمنيحة هي المنحة ومر تفسيرها مرارًا والمنح الإعطاء وبابه نفع (التي) صفة للمنائح (كانوا) أي كان الأنصار (منحوهم) أي منحوها للمهاجرين مقدمهم من مكة (من ثمارهم) أي من ثمار الأنصار ومن للتبعيض (قال) أنس: (فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي) أم سليم (عذاقها) أي نخلاتها التي أعطته صلى الله عليه وسلم ليأكل ثمارها وكان صلى الله عليه وسلم قد أعطى تلك العذاق لأم أيمن لتأكل من ثمارها بدله (وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن) أي بدل تلك النخلات نخلات أخرى (من حائطه) صلى الله عليه وسلم وبستانه التي بخيبر والمفعول الثاني محذوف كما قدرناه.

قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ مِنْ شَأنِ أُم أيمَنَ، أُم أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ؛ أَنهَا كَانَتْ وَصِيفَةً لِعَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ. وَكَانَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ. فَلَما وَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بَعْدما تُوُفِّيَ أَبُوهُ، فَكَانَتْ أُم أَيمَنَ تَحْضُنُهُ، حَتَّى كَبِرَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَأَعْتَقَهَا. ثُم أَنْكَحَهَا زَيدَ بْنَ حَارِثَةَ. ثُم تُوُفِّيَتْ بَعْدَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ. 4469 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوي وَمُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيسِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال ابن شهاب) بالسند السابق أيضًا (وكان من شأن أم أيمن) وحالها (أم أسامة بن زيد) بن حارثة بالجر بدل من أم أيمن (أنها) أي أن أم أيمن (كانت وصيفة) أي جارية (لعبد الله بن عبد المطلب) والد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكانت من الحبشة) وهذا تصريح من ابن شهاب بأن أم أيمن أم أسامة بن زيد حبشية وكذا قاله الواقدي وكذا قاله الواقدي وغيره ويؤيده ما ذكره بعض المؤرخين أنها كانت من سبي الحبشة أصحاب الفيل وقيل: إنها لم تكن حبشية وإنما الحبشية امرأة أخرى واسم أم أيمن التي هي أم أسامة بركة كنيت بابنها بن عبيد الحبشي صحابي استشهد يوم خيبر قاله الشافعي وغيره اهـ نووي (فلما ولدت آمنة) بنت وهب (رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي) ومات (أبوه) صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب والفاء في قوله (فكانت أم أيمن تحضنه) وتربيه صلى الله عليه وسلم زائدة في جواب لما وفي بعض النسخ (وكانت) والظاهر خلو كانت عن الفاء والواو لأنه جواب لما أي كانت تضمه إلى حضنها والتي تربي الطفل تسمى حاضنة والحضانة فعلها اهـ من بعض الهوامش (حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة ثم توفيت بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4469 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى القيسي) أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري ثقة، من (10) روى

كُلُّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ (وَاللفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ). حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ التيمِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أنسٍ؛ أَن رَجُلًا (وَقَال حَامِدٌ وَابْنُ عَبْدِ الأعلَى: أن الرَّجُلَ) كَانَ يَجْعَلُ لِلنبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ النَّخَلاتِ مِنْ أَرْضِهِ. حَتى فُتِحَتْ عَلَيهِ قُرَيظَةُ وَالنضِيرُ، فَجَعَلَ، بَعْدَ ذلِكَ، يَرُدُّ عَلَيهِ مَا كَانَ أَعْطَاهُ. قَال أَنَسٌ: وإن أَهْلِي أَمَرُوني أَنْ آتِيَ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَأسْألَهُ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ. وَكَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَدْ أَعْطَاهُ أم أَيمَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (3) أبواب (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي أبي محمد البصري ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (واللفظ لابن أبي شيبة) قال: (حدثنا معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي البصري ثقة، عابد من (4) روى عنه في (13) بابا عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أبا بكر بن أبي شيبة (أن رجلًا) من الأنصار (وقال حامد وابن عبد الأعلى أن الرجل) من الأنصار بإدخال أل عليه (كان يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات من أرضه) وبستانه منيحة له (حتى فتحت عليه) صلى الله عليه وسلم (قريظة والنضير فجعل) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد ذلك) أي بعدما فتحت عليه نخلات قريظة والنضير يرد عليه أي يرد على ذلك الرجل (ما كان) الرجل (أعطاه) صلى الله عليه وسلم منيحة له أول مقدمه المدينة يعني لما استغنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ناله من قريظة والنضير شرع يرد ما أعطاه رجال من الأنصار (قال أنس: وإن أهلي) وأقاربي كأمي وأبي طلحة (أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم) فأسأله أن يرد علي (ما كان أهله) أي أهل أنس فيه التفات من التكلم إلى الغيبة وكان مقتضى السياق ما كان أهلي (أعطوه) كله (أو بعضه) يعني أمروني أن آتيه فأطلب منه جميع ما كان أهل أنس أعطوه أو أسأله بعض ذلك وفيه عدول عن التكلم إلى الغيبة والمعنى أمروني بأن استرد من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطوه من عذاق ولعلهم بادروا إلى استرداده من النبي صلى الله عليه وسلم حرصًا في التبرك بما استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فهم أكثر الناس إيثارًا للنبي صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وأموالهم (وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه) أي قد أعطى ما أعطاه أهلي من العذاق (أم أيمن

فَأتَيتُ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَأعطَانِيهِن. فَجَاءَتْ أُم أيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثوبَ فِي عُنُقِي وَقَالتْ: وَاللهِ! لَا نُعْطِيكَاهُنَّ وَقَدْ أعطَانِيهِنَّ. فَقَال نَبِي الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أُم أَيمَنَ! اتْرُكِيهِ وَلَكِ كَذَا وَكَذَا". وَتَقُولُ: كَلا. وَالذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ! فَجَعَلَ يَقُولُ كَذَا حَتَّى أعْطَاهَا عَشْرَةَ أمْثَالِهِ، أو قَرِيبًا مِنْ عَشْرَةِ أمْثَالِهِ. 4470 - (1719) (64) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ). حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم) فاسترددته منه (فأعطانيهن) أي فأعطاني تلك العذاق فدخلت تلك العذاق (فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي) وهذا كناية عن أخذها من ثيابه وتلبيبها إياه لتجره وتخرجه من العذاق (وقالت: والله لا نعطيكاهن) هكذا في بعض النسخ بالألف بعد الكاف وهو صحيح فكأنه أشبع فتحة الكاف فتولدت منها ألف وفي بعض النسخ والله ما نعطاكهن وفي بعضها لا نعطيكهن والمعنى لا يعطيك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العذاق (و) الحال أنه (قد أعطانيهن) قال النووي: وإنما فعلت هذا لأنها ظنت أنها كانت هبة مؤبدة وتمليكًا لأصل الرقبة (فقال) لها (نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن اتركيه) أي اتركي أنسًا فليأخذها (ولك) بدل هذه العذاق كذا وكذا) من النخلات وأراد النبي صلى الله عليه وسلم استطابة قلبها في استرداد ذلك (وتقول) هي (كلا) أي فليرتدع عن أخذها (والدي) أي أقسمت بالإله الذي (لا إله إلا هو) لا يستردها أنس (فجعل) أي فشرع النبي صلى الله عليه وسلم (يقول): اتركيه فيستردها ولك يا أم أيمن (كذا) وكذا بدلًا عن هذه العذاق فما زال صلى الله عليه وسلم يزيدها في العوض (حتى أعطاهما عشرة أمثاله) أي عشرة أمثال ما استرده أنس (أو) أعطاها (قريبًا من عشرة أمثاله) وكل هذا تبرع منه صلى الله عليه وسلم وإكرام لها لما لها من حق الحضانة وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري أيضًا أخرجها في المغازي [4120]، ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فقال. 4470 - (1719) (64) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبُلي صدوق من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة) القيسي البصري ثقة، من (7) (حدثنا حميد بن هلال) العدوي البصري ثقة، من (3) (عن عبد الله بن مغفل) بن عبيد بن نهم المزني البصري

قَال: أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ، يَومَ خَيبَرَ. قَال: فَالتَزَمتُهُ. فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي اليومَ أَحَدًا مِن هذَا شَيئًا. قَال: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مُتَبَسِّمًا. 4471 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِي. حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) عبد الله: (أصبت) أي أخذت (جرابًا) أي وعاء (من شحم يوم خيبر) والجراب بكسر الجيم وفتحها لغتان والكسر أفصح وأشهر وهو وعاء من جلد (قال) ابن مغفل (فالتزمته) أي فالتزمت ذلك الجراب أي لازمته حتى لا يفارقني (فقلت) في نفسي والله (لا أعطي اليوم أحدًا) من الناس (من هذا) الجراب (شيئًا) من الطعام (قال) ابن مغفل: فالتفت بتشديد التاء الثانية لإدغامها في تاء المتكلم أي التفت في جوانبي (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) حاضر حالة كونه (متبسمًا) أي ضاحكًا ضحك التبسم والفاء في قوله فإذا عاطفة وإذا فجائية أي فالتفت ففاجأني رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسمًا وقوله: (من شحم) فيه جواز أكل شحوم ذبائح اليهود وإن كانت شحومها محرمة عليهم وهو مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء وقال مالك: هي مكروهة وقال بعض المالكية والحنابلة هي محرمة وحجة الجمهور قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ولم يستثن منها شيئًا لا لحمًا ولا شحمًا ولا غيره وحديث الباب قد أقر هذا العموم. قوله (متبسمًا) وزاد أبو داود الطيالسي في آخره (فقال هو لك) وبه استدل جمهور الفقهاء على إباحة أكل طعام الغنيمة في دار الحرب قال القاضي: أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب فيأكلون منه قدر حاجاتهم ويجوز بإذن الإمام وبغير إذنه ولم يشترط أحد من العلماء استئذانه إلا الزهري وجمهورهم على أنه لا يجوز أن يخرج معه منه شيئًا إلى عمارة دار الإسلام فإن أخرجه لزمه رده إلى المغنم وقال الأوزاعي: لا يلزمه وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع شيء منه في دار الحرب ولا غيرها فإن بيع شيء منه لغير الغانمين كان بدله غنيمته ويجوز أن يركب دوابهم ويلبس ثيابهم ويستعمل سلاحهم في دار الحرب بالإجماع ولا يفتقر إلى إذن الإمام وشرط الأوزاعي إذنه وخالف الباقين كذا في شرح النووي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3153 و 4214 و 5508 و 4440]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فقال. 4471 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار العبدي) البصري (حدثنا بهز بن أسد)

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدثَنِي حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ: رُمِيَ إِلَينَا جِرَابٌ فِيهِ طَعَامٌ وَشَحْمٌ، يَوْمَ خَيبَرَ. فَوَثَبْتُ لآخُذَهُ. قَال: فَالْتَفَتُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَاسْتَحْيَيتُ مِنْهُ. 4472 - (00) (00) وحدثناه مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ الطعَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العمي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (حدثني حميد بن هلال) العدوي البصري (قال: سمعت عبد الله بن منفل) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون غرضه بيان متابعة شعبة لسليمان بن المغيرة (يقول) ابن مغفل: (رمي إلينا جراب فيه طعام وشحم يوم خيبر) وفي رواية البخاري في المغازي (كنا محاصري خيبر فرمى إنسان بجراب) (فوثبت) أي طفرت أنا (لآخذه) أي لآخذ ذلك الجراب يقال وثب يثب وثبًا ووثوبًا من باب وعد إذا طفر على الشيء وأسرع وقوعه عليه والوثبة الطفرة اهـ من المختار (قال) عبد الله: (فالتفت) جوانبي (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) حاضر (فاستحييت منه) صلى الله عليه وسلم يعني لما رآه من حرصه على أخذه أو لقوله لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا اهـ نووي أو لعله استحيا من أجل مبادرته إلى الطعام مما يدل على حرصه عليه والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه فقال. 4472 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن حميد عن عبد الله مثله غرضه بيان متابعة أبي داود لبهز بن أسد (غير أنه) أي لكن أن أبا داود (قال) في روايته (جراب من شحم ولم يذكر) أبو داود (الطعام) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاث أحاديث الأول: حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدةً والثالث: حديث عبد الله بن مغفل ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

623 - (16) باب كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وكتابه إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل

623 - (16) باب كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وكتابه إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ 4473 - (1720) (65) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) (قَال ابْنُ رَافِعٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ) أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أن أبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ، مِنْ فِيهِ إِلَي فِيهِ. قَال: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ التِي كَانَتْ بَينِي وَبَينَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: فَبَينَا أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 623 - (16) باب كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام وكتابه إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ 4473 - (1720) (65) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي البصري (واللفظ لابن رافع قال ابن رافع وابن أبي عمر حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أن أبا سفيان) صخر بن حرب القرشي الأموي أبا معاوية أمير المؤمنين رضي الله عنه (أخبره) أي أخبر لابن عباس حالة كون أبي سفيان مشافهًا ومخاطبًا (من فيه) أي من فمه خطابًا واصلًا (إلى فيه) أي إلى فم ابن عباس يعني أن أبا سفيان أخبر لابن عباس بلا واسطة وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي ورواية تابعي عن تابعي وفيه المقارنة والتحديث والأخبار والعنعنة والأنأنة. (قال) أبو سفيان: (انطلقت) أي ذهبت إلى جهة الشام للتجارة وكان معه رهط من قريش وكانوا ثلاثين رجلًا كما عند الحاكم اهـ إرشاد وكلهم كانوا كفارًا (في المدة) والهدنة (التي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني مدة صلح الحديبية على وضع الحرب عشر سنين وكان أبو سفيان إذ ذاك من الصناديد الذين عقدوا الصلح وكانت الحديبية في أواخر سنة ست من الهجرة (قال) أبو سفيان: (فبينا أنا) مع رهط من

بِالشأمِ، إِذْ جِيءَ بِكِتَابِ مِن رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ إِلَي هِرَقلَ. يَعنِي عَظِيمَ الرومِ. قَال: وَكَانَ دَحيَةُ الكَلْبِى جَاءَ بِهِ. فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصرَى. فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصرَى إِلَى هِرَقْلَ. فَقَال هِرَقلُ: هَل ههُنَا أحَد مِنْ قَوْمِ هذَا الرجُلِ الذِي يَزْعُمُ أنهُ نَبِيٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَال: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيشٍ. فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقلَ. فَأجْلَسَنَا بَينَ يَدَيهِ. فَقَال: أيُّكُم أقْرَبُ نَسَبًا مِن هذَا الرجُلِ الذِي يَزعُمُ أَنهُ نَبِيٌّ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ قريش حاضر (بالشام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل) يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الكتاب إلى الإسلام وكان هرقل إذ ذاك في إيلياء يعني بيت المقدس كما في البخاري بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف على المشهور وحكى جماعة إسكان الراء وكسر القاف كخندف منهم الجوهري وهو اسم علم لملك الروم لقبه قيصر ملك إحدى وثلاثين سنة وفي ملكه توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول من ضرب الدينار وأحدث البيعة كذا في عمدة القاري [1/ 93]، قال ابن عباس أو من دونه (يعني) أبو سفيان بهرقل (عظيم الروم) أي ملك الروم (قال) أبو سفيان: (وكان دحية) بكسر الدال أو فتحها لغتان مشهورتان اختلف في الراجحة منهما وادعى ابن السكيت بالكسر لا غير وأبو حاتم السجستاني أنه بالفتح لا غير بن خليفة (الكلبي جاء به) أي بالكتاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم (فدفعه) أي فدفع دحية الكتاب (إلى عظيم بصرى) أي إلى سيدها وأميرها ورئيسها وبصرى بضم الباء هي مدينة حوران ذات قلعة وأعمال قريبة من طرف البرية التي بين الشام والحجاز (فدفعه) أي فدفع ذلك الكتاب (عظيم بصرى) أي أميرها (إلى هرقل) ملك الروم (فقال هرقل) لجلسائه: (هل ها هنا) أي هل في هذه الناحية (أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم) ويقول (أنه نبي) مرسل من الله تعالى هل يوجد ها هنا أي في الشام أحد من قبيلته (قالوا) أي قال جلساؤه له (نعم) يوجد ها هنا نفر من جماعته (فدُعيت) أنا أي طلبت إلى مجلسه (في نفر) أي مع نفر وجماعة (من قريش) كانوا معي نحو ثلاثين رجلًا كلما مر آنفًا (فدخلنا) أي دخلت أنا وأولئك القرشيون (على هرقل) ملك الروم وهو بإيلياء وفي البخاري في الجهاد أن هرقل لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرًا لله فأجلسنا بين يديه أي قدامه أي أمر خدمه بإجلاسنا بين يديه (فقال) لنا هرقل: (أيكم) أي أيها المحضرون قدامي (أقرب نسبًا من هذا الرجل الدي يزعم أنه نبي) قال

فَقَال أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنا. فَأجلَسُونِي بَينَ يَدَيهِ. وَأَجلَسُوا أَصْحَابِي خَلفِي. ثُم دَعَا بِتَرجُمَانِهِ فَقَال لَهُ: قُل لَهُمْ: إِني سَائِلٌ هذَا عَنِ الرجُلِ الذِي يَزعُمُ أَنهُ نَبِي. فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. قَال: فَقَال أَبُو سُفْيَانَ: وَايمُ الله! لَولا مَخَافَةُ أَن يُؤثَرَ عَلَى الْكَذِبُ لَكَذَبْتُ. ثُم قَال لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ. كَيفَ حَسَبُهُ فِيكُم؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلماء إنما سأل عن قريب النسب لأنه أعلم بحاله وأبعد من أن يكذب في نسبه وغيره (فقال أبو سفيان فقلت) لهرقل: (أنا) أقربهم إليه نسبًا (فأجلسوني) أي أجلسني خدمه (بين يديه) قريبًا وأجلسوا أصحابي أي رفقتي من قريش (خلفي) أي من ورائي قال بعض العلماء: إنما فعل ذلك ليكون عليهم أهون في تكذيبه إن كذب لأن مقابلته بالكذب في وجهه صعبة بخلاف ما إذا لم يستقبله (ثم دعا) هرقل (بترجمانه) بفتح التاء وضم الجيم وهو الأرجح عند النووي ويجوز فتح التاء والجيم فيما حكاه الجوهري وقيل بضمهما والتاء فيه أصلية وأنكروا على الجوهري جعلها زائدة وهو المعبر عن لغة بلغة أخرى. (فقال) هرقل (له) أي لترجمانه (قل لهم) أي لهؤلاء الذين أجلسوا وراءه (إني سائل هذا) الرجل الذي يزعم أنه أقرب منه نسبًا يعني أبا سفيان (عن الرجل الذي يزعم أنه نبي) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإن كذبني) هذا المسؤول أي أخبرني بالكذب فيما سألته عنه يعني إن كذب في جواب أحد أسئلتي (فكذبوه) بكسر الذال المشددة أي أظهروا لي كذبه في جوابي (قال) ابن عباس (فقال أبو سفيان وايم الله) أي اسم الله قسمي تقدم البحث عنه بما لا مزيد عليه في الأيمان (لولا مخافة أن يوثر علي الكذب) أي لولا مخافة أن ينقل عني الكذب أي لولا مخافته موجودة (لكذبت) عليه أي لأخبرت في حقه الكذب قال الحافظ في الفتح [1/ 35] وفيه دليل على أنهم يستقبحون الكذب إما بالأخذ عن الشرع السابق أو بالعرف وفي قوله أن يؤثر دون أن يكذب دليل على أنه كان واثقًا منهم بعدم التكذيب إن لو كذب لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذابًا وفي رواية ابن إسحاق التصريح بذلك ولفظه فوالله لو قد كذبت ما ردوا علي ولكني كنت امرأَ سيدًا أتكرم عن الكذب وعلمت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به فلم أكذبه (ثم قال) هرقل (لترجمانه سله) أي سل هذا الرجل المسؤول يعني أبا سفيان (كيف حسبه) أي شرفه الثابت له ولآبائه (فيكم)

قَال: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَال: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قُلْتُ: لَا. قَال: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَال؟ قُلْتُ: لَا. قَال: وَمَنْ يَتَّبِعُهُ؟ أَشْرَافُ الناسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَال: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَال: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَال قُلْتُ: لَا. بَلْ يَزِيدُونَ. قَال: هَلْ يَرْتَد أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، سَخطَةً لَهُ؟ قَال قُلْتُ: لَا. قَال: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: فَكَيفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِياهُ؟ قَال قُلْتُ: تَكُونُ الْحَرْبُ بَينَنَا وَبَينَهُ سِجَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ورواية البخاري في أول صحيحه (كيف نسبه فيكم أي ما حال نسبه أهو من أشرافكم أم لا قلت هو فينا ذو نسب) (قال) أبو سفيان: (قلت) له: (هو فينا ذوحسب) عظيم والحسب مفاخر الشخص من آبائه أي هو ذو نسب عظيم (قال) لي هرقل: (فهل كان من آبائه ملك) بكسر اللام صفة مشبهة (قلت: لا قال) هرقل: (فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال) من أنه نبي (قلت لا) نتهمه بالكذب (قال) هرقل: (ومن يتبعه أ (أشراف) بتقدير همزة الاستفهام (الناس) أي كبارهم وأهل الإحسان كذا في عمدة القاري [1/ 99] وقال في الفتح: المراد بالأشراف هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا كل شريف حتى لا يرد مثل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأمثالهما ممن أسلم قبل هذا السؤال أي هل أشراف الناس يتبعونه (أم ضعفاؤهم قال) أبو سفيان: (قلت) له: (بل ضعفاؤهم) يتبعونه قلت هذا بالنظر إلى الغالب وإلا فقد سبق إلى اتباعه أكابر أشراف زمنه كالصديق والفاروق وحمزة وغيرهم وهم أيضًا كانوا أهل النخوة والغنى (قال) هرقل: (أيزيدون) أي هل يزيد أتباعه يومًا فيومًا (أم ينقصون قال) أبو سفيان: (قلت لا) ينقصون (بل يزيدون) ويكثرون (قال) هرقل: (هل يرتد) ويرجع أحد منهم أي من أتباعه (عن دينه بعد أن يدخل فيه) أي في دينه (سخطة له) أي كراهية لدينه بالنصب على المفعولية لأجله أو على الحال أي ساخطًا (وقوله سخطة) بالتاء بفتح السين وأما السخط بغير تاء فيجوز في سينها الضم والفتح غير أن الضم تسكن معه الخاء والفتح تفتح معه ومعناه الكراهية وعدم الرضا به (قال) أبو سفيان: (قلت) له: (لا) يرتدون عن دينه (قال) هرقل: (فهل قاتلتموه) وقاتلكم (قلت نعم) قاتلناه وقاتلنا (قال) هرقل: (فكيف كان قتالكم إياه) هل الغلبة له أم لكم (قال) أبو سفيان: (قلت) له: (تكون الحرب بيننا وبينه سجالًا) بكسر السين وفتح الجيم أي نوبًا نوبة لنا ونوبة له فيغلبون علينا مرة ونغلب

يُصِيبُ مِنا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَال: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا. وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدة لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا. قَال: فَوَاللهِ! مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيئًا غَيرَ هذِهِ. قَال: فَهَلْ قَال هذَا الْقَوْلَ أَحَدْ قَبْلَهُ؟ قَال: قُلْتُ: لَا. قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم أخرى قال ابن منظور في لسان العرب [13/ 346] السجل بفتح السين الدلو الملأى وأسجله سجلًا أو سجلين وقالوا: الحروب سجال أي سجل منها هؤلاء وآخر على هؤلاء والمساجلة مأخوذة من السجل وفي حديث أبي سفيان الحرب بيننا سجال معناه أن ندال عليه مرة ويدال علينا أخرى وأصله أن المستقيين بسجلين من البئر يكون لكل واحد منهما سجل أي دلو ملأى ماءً اهـ وأشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد بقوله (يوم بيوم والحرب سجال) ووقع في مرسل عروة (قال أبو سفيان: غلبنا مرة يوم بدر وأنا غائب ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وجدع الآذان) وأشار بذلك إلى يوم أحد كذا في فتح الباري [1/ 36] (يصيب) أي يقتل (منا) مرة كيوم بدر (ونصيب) أي نقتل (منه) مرة أخرى (قال) هرقل: (فهل يغدر) وينقض العهد إذا عاهدتم معه قال أبو سفيان: (قلت) له: (لا) يغدر العهد (و) لكن (نحن منه في مدة) العهد بيننا وبينه يعني مدة صلح الحديبية (لا ندري) ولا نعلم (ما هو صانع فيها) أي في عهد تلك المدة هل يغدر فيه أم لا يريد أنه غير جازم في ذلك (قال) أبو سفيان: (فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا) من تنقبص رسول الله صلى الله عليه وسلم (غير هذه) الكلمة يعني قوله لا ندري ما هو صانع فيها والمعنى ما سألني سؤالًا أستطيع أن أجيب عنه بشيء من تنقيص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في هذا السؤال فإني استطعت في جوابه أن أقول فيه شيئًا وذلك لأن التنقيص أمر نسبي فإن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفًا عندهم بأنه لا يغدر ولما كان أمر المستقبل مغيبًا أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب ولهذا أورده بالتردد ولكن هرقل لم يعرج على هذا القدر منه وقد صرح ابن إسحاق في روايته عن الزهري بذلك حيث قال لي قال: فوالله ما التفت إليها مني ذكرها الحافظ في الفتح [1/ 36] (قال) هرقل لأبي سفيان (فهل قال هذا القول) الذي يقوله من أنه نبي (أحد) منكم (قبله قال قلت لا قال)

لِتَرجُمَانِهِ: قُل لَهُ: إِني سَألتُكَ عَن حَسَبِهِ فَزَعَمتَ أَنهُ فِيكُم ذو حَسَبٍ. وَكَذلِكَ الرسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا. وَسَألتُكَ: هَل كَانَ فِي آبَائهِ مَلِك؟ فَزَعَمتَ أَن لَا. فَقُلْتُ: لَو كَانَ مِن آبَائهِ مَلِك قُلتُ: رَجُل يَطلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلتُكَ عَن أَتبَاعِهِ، أَضُعَفَاؤُهُم أَم أَشْرَافُهُم؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُم. وَهُم أَتبَاعُ الرسُلِ. وَسَألْتُكَ: هَلْ كُنتُمْ تَتَّهِمْونَهُ بِالْكَذِبِ قَبلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَال؟ فَزَعَمْتَ أَن لَا. فَقَد عَرَفْتُ أَنهُ لَم يَكُنْ لِيَدع الْكَذِبَ عَلَى الناسِ ثُم يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى الله ـــــــــــــــــــــــــــــ هرقل (لترجمانه قل له) أي لأبي سفيان (إني سألتك عن حسبه فزعمت أنه فيكم ذو حسب) عظيم (وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها) أي في أفضل أنسابهم وأشرفها قيل الحكمة في ذلك أنه أبعد من انتحاله الباطل وأقرب إلى انقياد الناس له اهـ نووي قال الحافظ والظاهر أن إخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرر عنده في الكتب السالفة وقال القاضي عياض فيه دليل على أن ذوي الأحساب أولى بالتقدم في أمور المسلمين ومهماتهم الدينية والدنيوية ولذلك جعلت الخلافة على قول دهماء المسلمين وصحيح الأخبار في قريش لأن ذوي الأحساب أحوط على عدم تدنيس أحسابهم بما لا يليق اهـ من الأبي [5/ 100 و 101] (وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت أن لا) ملك فيهم (فقلت) في نفسي (لو كان من أبائه ملك قلت) هو (رجل يطلب ملك آبائه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم) أي هل هم ضعفاء الناس (أم أشرافهم فقلت بل) هم (ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل) أي لكون الأشراف يأنفون من تقدم مثلهم عليهم والضعفاء لا يأنفون فيسرعون إلى الانقياد واتباع الحق والمعنى أن أتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار الذين أصروا على الشقاق بغيًا وحسدًا كأبي جهل وأشياعه (وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال) من دعوى النبوة (فزعمت أن لا) نتهم (فقد عرفت) من جوابك هذا (أنه) أي أن ذلك الرجل (لم يكن ليدع) بكسر اللام لأنها لام الجحود وفائدتها تأكيد نفي ما قبلها (الكذب على الناس) فيه قلب أي ليدع الناس ويتركهم على الكذب (ثم يذهب) بالنصب عطفًا على يدع وقوله: (فيكذب على الله) بالنصب أيضًا عطفًا على يذهب والمعنى فقد عرفت أنه لم يكن مريدًا ترك الناس على الكذب ثم ذهابه فكذبه على الله وإنما قلنا اللام لام الجحود لثبوت الصدق في ضابطها عليه كما قال بعضهم في ضبطها:

وَسَألتُكَ: هَل يَرتَدُّ أَحَدٌ مِنهُم عَن دِينِهِ بَعدَ أَن يَدخُلَهُ سَخطَةً لَهُ؟ فَزَعَمتَ أَن لا. وَكَذلِكَ الإيمَانُ إِذَا خَالطَ بَشَاشَةَ القُلُوبِ. وَسَألتُكَ: هَل يَزِيدُونَ أَوْ يَنقُصُونَ؟ فَزَعَمتَ أَنهُم يَزِيدُونَ. وَكَذلِكَ الإِيمَانُ حَتى يَتِمَّ. وَسَألتُكَ: هَل قَاتَلتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنكُمْ قَدْ قَاتَلْتُمُوهُ. فَتَكُونُ الْحَربُ بَينَكُم وَبَينَهُ سِجَالًا. يَنَالُ مِنكُم وَتَنَالُونَ مِنْهُ. وَكَذلِكَ الرسُلُ تُبتَلَى ثُم تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ. وَسَألتُكَ: هَل يَغْدِرُ؟ فَزَعَمتَ أَنهُ لَا يَغْدِرُ. وَكَذلِكَ الرسُلُ لَا تَغْدِرُ. وَسَألتُكَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وكل لام بعد ما كانا ... أو لم يكن فبالجحود بانا (وسألتك هل يرتد) ويرجع (أحد منهم) أي من أتباعه (عن دينه بعد أن يدخله) أي بعد أن يدخل فيه كما هو لفظ البخاري فالضمير فيه منصوب على التشبيه بالمفعول به نظير قولهم دخلت الشام لأن دخل لازم (سخطه) وكراهية (له فزعمت أن لا) يرتد عنه (وكذلك الإيمان إذا خالطه بشاشة القلوب) أي انشراح الصدور وأصلها اللطف بالإنسان عند قومه وإظهار السرور برؤيته يقال بش به وتبشبش اهـ نووي وقال الأبي كذا روي بنصب بشاشة مضافًا إلى القلوب يعني إذا خالط الإيمان انشراح الصدر لم يرده شيء وروي (وإذا خالط بشاشة القلوب) برفع بشاشة على كونه فاعلًا للمخالطة مضافًا إلى الضمير العائد إلى الإيمان ونصب القلوب ورجح القاضي هذه الرواية وقال: أصل البشاشة اللطف بالرجل وتأنيسه يقال: بش به وبشبش كذا في شرح الأبي وقال ابن الأعرابي هو فرح الصدر بالتصديق وقال ابن دريد بشه إذا ضحك إليه ولقيه لقاء جميلًا كذا في عمدة القاري. (وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان) فإنه لا يزال في زيادة (حتى يتم) أمره بالصلاة والزكاة والصيام ونحوها ولذلك نزل في آخر سنيه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية (وسألتك هل قاتلتموه) وقاتلكم كما في رواية البخاري (فزعمت أنكم قد قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا) أي نوبًا (ينال) أي يقتل (منكم وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلى) أي تختبر بالغلبة عليهم ليعلم صبرهم قال النووي: معناه يبتليهم الله بذلك ليعظم أجرهم بكثرة صبرهم وبذلهم وسعهم في طاعة الله تعالى (ثم تكون لهم العاقبة) المحمودة أي الغلبة (وسألتك هل يغدر) وينقض العهد (فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر) أي لا تنقض العهد إذا عاهدوا (وسألتك

هَلْ قَال هذَا القَوْلَ أَحَد قَبْلَهُ؟ فَزَعَمتَ أَن لَا. فَقُلتُ: لَو قَال هذَا الْقَوْلَ أَحَد قَبلَهُ، قُلْتُ: رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. قَال: ثُم قَال: بِمَ يَأْمُرُكُم؟ قُلْتُ: يَأمُرُنَا بِالصلاةِ وَالزكَاةِ وَالصلَةِ وَالْعَفَافِ. قَال: إِن يَكُنْ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا، فَإِنهُ نَبِيٌّ. وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنهُ خَارجٌ. وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكمْ وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَني أَخْلُصُ إِلَيهِ، لأَحبَبْتُ لِقَاءَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هل قال هذا القول أحد) منكم (قبله فزعمت أن لا) أحد: (فقلت لو قال هذا القول أحد قبله قلت) هو (رجل ائتم) واقتدى (بقول قيل قبله قال) أبو سفيان: (ثم قال) هرقل: (بم يأمركم) أي بأي شيء يأمركم وما استفهامية حذفت ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة نظير {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} قال أبو سفيان: (قلت) له: (يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة) أي بصلة الأرحام وصلة كل ما أمر الله به أن يوصل وذلك بالبر والإكرام وحسن المراعاة اهـ نووي والعفاف أي بالكف عن المحارم وخوارم المروءة قال صاحب المحكم العفة الكف عما لا يحل ولا يحمد (قال) هرقل: (إن يكن ما تقول فيه) من الأوصاف (حقًّا) أي صدقًا (فإنه نبي) حقًّا قال العيني في العمدة [1/ 114] قيل هذه الأشياء التي سألها هرقل ليست بقاطعة على النبوة وإنما القاطع المعجزة الخارقة للعادة فكيف قال وكنت أعلم أنه خارج بالتأكيدات والجزم وأجيب بأنه كان عنده علم بكونها علامات هذا النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك كله نعتًا للنبي - عليه السلام - مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل وقوله (فإنه نبي) هل تعتبر هذه الجملة من هرقل تصديقًا منه للنبي صلى الله عليه وسلم وإيمانًا به ويحكم بكونه مؤمنًا اختلفت فيه آراء العلماء فمنهم من حكم بكونه مؤمنًا لأنه صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأقر بذلك غير أنه لم يعمل بمقتضاه خوفًا من قومه وقال آخرون: لا يحكم بإيمانه لأنه قال في آخر هذه القصة (إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم) كما هو مصرح في رواية البخاري ومما يقال إن هرقل أثر ملكه على الإيمان وتمادى على الضلال وإنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة والله أعلم بحقيقة الأمر اهـ منه. (وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه) أي أظن كونه (منكم) يا معشر قريش (ولو أني أعلم أني أخلص) وأصل (إليه لأحببت لقاءه) ورؤيته قال النووي هكذا هو في مسلم ووقع في البخاري (لتجشمت لقاءه) وهو أصح وأوضح في المعنى ومعناه لتكلفت الوصول إليه وارتكبت المشقة في ذلك ولكن أخاف أن أقتطع

وَلَو كُنتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيهِ. وَلَيَبْلُغَن مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمي. قَال: ثُم دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَرَأَهُ. فَإِذَا فِيهِ "بِسْمِ الله الرحْمنِ الرحِيمِ. مِنْ مُحَمد رَسُولِ الله إِلَى هِرَقلَ عَظِيمِ الرومِ ـــــــــــــــــــــــــــــ دونه ولا عذر له في هذا لأنه قد عرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما شح في الملك ورغب في الرياسة فآثرها على الإسلام وقد جاء ذلك مصرحًا به في صحيح البخاري ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة ونسأل الله توفيقه اهـ ولكن لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه (أسلم تسلم) وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم لو أسلم من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله تعالى كذا في فتح الباري (ولو كنت عنده) أي عند الرجل الذي وصفته لي (لغسلت عن قدميه) وفي رواية عبد الله بن شداد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالمًا لا ولاية ولا منصبًا وإنما يطلب منه ما تحصل به البركة كذا في فتح الباري (وليبلغن ملكه ما تحت قدمي) هاتين كما في رواية البخاري يعني بيت المقدس وكنى بذلك لأنه موضع استقراره أو أراد الشام كله لأن دار مملكته كانت حمص كذا في الفتح (قال) أبو سفيان كما هو مصرح في رواية البخاري (ثم دعا) هرقل (بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من وكل ذلك إليه أو من يأتي به اهـ من الإرشاد وزاد في رواية شعيب عن الزهري الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل (فقرأه) أي أمر هرقل بقراءته وفي رواية البخاري (فقرئ) بالبناء للمجهول (فإذا فيه) أي في ذلك الكتاب أي ففي الوقت الذي قرئ فيه لفظ (بسم الله الرحمن الرحيم) فإذا فجائية والفاء عاطفة على ما قبلها قال العيني في العمدة [1/ 116 و 117] فيه تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرًا وفيه دليل لمن قال بجواز معاملة الكفار بالدراهم المنقوشة فيها اسم الله تعالى للضرورة وإن كان عن مالك الكراهة لأن ما في هذا الكتاب أكثر مما في هذا المنقوش من ذكر الله تعالى (من محمد رسول الله) قال العيني وفيه أن السنة في المكاتبات أن يبدأ بنفسه فيقول من فلان إلى فلان والحكمة في تقديم الكاتب اسمه أن المكتوب إليه يعرف اسم الكاتب في أول نظرة ولولا ذلك لوقع في التشويش (إلى هرقل عظيم) أهل (الروم)

سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَع الهدَى. أَما بَعدُ. فَإني أَدعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسلامِ. أَسلم تَسلم. وَأَسلِمْ يُؤْتكَ الله أَجرَكَ مَرتَينِ. وَإِن تَوَلَّيتَ فإن عَلَيكَ إثمَ الأَرِيسِيينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورئيسهم وملكهم فيه أن المكتوب إليه يخاطب بملاطفة وتعظيم يليق بمرتبته المعروفة بين الناس ولو كان كافرًا أو فاسقًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطبه بمجرد اسمه بل وصفه بكونه عظيم الروم وذكر العلماء أنه صلى الله عليه وسلم لم يصفه بقوله ملك الروم لما فيه من تسليم الملك والسلطنة له ولم يكن ذلك مقصودًا والله سبحانه وتعالى أعلم. (سلام على من اتبع الهدى) قال العيني في العمدة [1/ 117] فيه حجة لمن منع أن يبتدأ الكافر بالسلام وهو مذهب الشافعي وأكثر العلماء وأجازه جماعة مطلقًا وجماعة للاستيلاف أو الحاجة وقد جاء النهي عنه في الأحاديث الصحيحة وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام الحديث وقال البخاري وغيره ولا يسلم على المبتدع ولا على من اقترف ذنبًا كبيرًا أو لم يتب منه (أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام) بكسر الدال مصدر بمعنى الدعوة أي بدعوة الإسلام وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة وفي الرواية الآتية (بداعية الإسلام) وهي مصدر بمعنى الدعوة كالعافية وهي بمعنى الرواية الأولى (أسلم) بكسر اللام أمر من الإسلام أي ادخل في الإسلام (تسلم) بفتح اللام مضارع من السلامة مجزوم بالطلب السابق وهذا كلام في غاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من بديع التجنيس وشموله لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الديار والأموال ومن عذاب الآخرة (أسلم) بكسر اللام أمر من الإسلام كلام مستأنف جوابه (يؤتك الله أجرك مرتين) أي من جهة إيمانه بنبيه ثم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو من جهة أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه (وإن توليت) أي أعرضت عن الإسلام (فإن عليك) مع إثمك (إثم الأريسيين) بفتح الهمزة وتشديد الياء بعد السين جمع أريسي أي إثم الأكارين وهم الفلاحون والزراعون ونسبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا اهـ من الإرشاد باختصار وفي الرواية الآتية (اليريسيين) بالياء بدل الهمزة واختلفوا في المراد به على أقوال الأول أنهم الأكارون والفلاحون وكنى به عن رعاياه لأنهم أكارون في الغالب والمراد أنك لو امتنعت من الإسلام امتنع معك رعاياك من أجلك فيكون عليك إثم امتناعهم وهذا القول هو الراجح عند أكثر الشراح لأنه وقع في رواية ابن إسحاق عن الزهري (عليك إثم

{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ـــــــــــــــــــــــــــــ الأكارين) وكذا رواه الطبراني والبيهقي في دلائل النبوة وزاد البرقاني في روايته يعني الحراثين وفي رواية المديني من طريق مرسلة فإن عليك إثم الفلاحين كذا في عمدة القاري [1/ 103] والثاني المراد منهم الخدم والخول يعني بصده إياهم عن الدين قاله أبو عبيدة كما في العمدة [1/ 101] والثالث أنهم أتباع عبد الله بن أريس من النصارى الملقبون بالأريسية والرابع أنهم الملوك والرؤساء الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة فعلى هذا يكون المراد عليك إثم من تكبر عن الحق من الملوك والرؤساء قال الحافظ في الفتح [1/ 39] ولا يعارض بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَي} لأن وزر الآثم لا يتحمله غيره ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين جهة فعله وجهة تسببه اهـ و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} بواو العطف على أدعوك أي أدعوك بداعية الإسلام وأدعوك بقول الله تعالى يا أهل الكتاب {تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ} قال الحافظ قوله {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} إلخ هكذا وقع بإثبات الواو وذكر القاضي عياض أن الواو ساقطة من رواية الأصيلي وأبي ذر وعلى ثبوتها فهي داخلة على مقدر معطوف على قوله أدعوك والتقدير أدعوك بدعاية الإسلام وأقول لك ولأتباعك امتثالًا لقول الله تعالى {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} ويحتمل أن تكون من كلام أبي سفيان لأنه لم يحفظ جميع ألفاظ الكتاب فالواو من كلامه لا من نفس الكتاب وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك قبل نزول الآية فوافق لفظه لفظها لما نزلت والسبب في هذا أن هذه الآية نزلت في قصة وفد نجران وكانت قصتهم سنة الوفود سنة تسع وقصة أبي سفيان كانت قبل ذلك سنة ست وسيأتي ذلك واضحًا في المغازي وقيل: بل نزلت سابقة في أوائل الهجرة وإليه يومئ كلام ابن إسحاق وقيل نزلت في اليهود وجوز بعضهم نزولها مرتين وهو بعيد اهـ منه. وتلك الكلمة هي {أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ} أي توحيده في العبادة والإخلاص له فيها {وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيئًا} أي ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ} فلا نقول عزير ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل {فَإِنْ تَوَلَّوْا} وأعرضوا عن التوحيد {فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب

[آل عمران: 64]. فَلَما فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ. وَأَمَرَ بِنَا فَأخْرِجْنَا. قَال: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ. إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ. قَال: فَمَا زِلْتُ مُوقنًا بِأَمْرِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أَنهُ سَيَظْهَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وتطابقت عليه الرسل قال أبو سفيان كما هو مصرح به في رواية البخاري (فلما فرغ) هرقل (من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات) أي أصوات الذين (عنده) وحوله من عظماء الروم (وكثر اللغط) أي الأصوات المختلطة والصياح والشغب. وقيل: اللغط هو كلام فيه جلبة واختلاط ولا يتبين (وأمر) هرقل (بنا) أي بإخراجنا من مجلسه (فأخرجنا) منه بالبناء للمجهول (قال) أبو سفيان (فقلت لأصحابي) ورفقتي القرشيين (حين خرجنا) من مجلسه والله (لقد أمر) وعظم (أمر ابن أبي كبشة) أي شأنه يريد به النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لقد أمر بفتح الهمزة وكسر الميم من باب فرح أمر ابن أبي كبشة أراد به النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبا كبشة أحد أجداده وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض وقد ذكر الحافظ في الفتح [1/ 40] عدة توجيهات لهذه النسبة وذكر أن ابن حبيب ذكر جماعة من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه ومن قبل أمه كل واحد منهم يكنى أبا كبشة وقيل هو أبوه من الرضاعة واسمه الحارث بن عبد العزى قاله أبو الفتح الأزدي وابن مأكولا وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من قومه أنه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة يكنى بها وقال ابن قتيبة هو رجل من خزاعة خالف قريشًا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة وكذا قاله الزبير قال واسمه وجز بن عامر بن غالب كذا في الفتح. ثم علل عظم أمره بقوله (أنه) أي إن ابن أبي كبشة يعني النبي صلى الله عليه وسلم (ليخافه ملك بني الأصفر) وبنو الأصفر هم الروم ويقال: إن جدهم روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر وقيل إنما لقب به لأن جدته سارة زوج إبراهيم - عليه السلام - حلته بالذهب كذا في فتح الباري. (قال) أبو سفيان: (فما زلت موقنًا) أي مصدقًا (بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بشأنه ودينه وقوله (أنه سيظهر) بفتح الهمزة في تأويل مصدر مجرور على البدلية

حَتَّى أَدْخَلَ الله عَلَى الإِسْلامَ. 4474 - (00) (00) وحدثناه حَسَنٌ الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدَّثنَا أبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: وَكَانَ قَيصَرُ لَما كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ. شُكْرًا لِمَا أَبْلاهُ اللهُ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: "مِنْ مُحَمدِ عَبدِ الله وَرَسُولهِ". وَقَال: "إِثْمَ الْيَرِيسِيينَ". وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ من المجرور قبله أي موقنًا بظهوره (حتى أدخل الله علي الإسلام) أي أدخل في قلبي نور الإسلام والإيمان وأنا كاره للإسلام كما في رواية البخاري وكان ذلك يوم فتح مكة وقد حسن إسلامه وطاب به قلبه بعد ذلك رضي الله عنه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع عديدة منها في بدء الوحي [7]، وفي الإيمان [51]، وفي الجهاد [2804]، وأبو داود في الأدب [5136]، والترمذي في الاستئذان [2717]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سفيان رضي الله عنه فقال. 4474 - (00) (00) (وحدثناه حسن) بن علي (الحُلْوَانِي) الخلال المكي ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي سفيان وهذا السند من ثمانياته غرضه بيان متابعة صالح لمعمر بن راشد (و) لكن (زاد) صالح (في الحديث) لفظة (وكان قيصر) وهو لقب لكل من ملك الروم وكان اسمه هرقل كما مر (لما كشف الله) عزَّ وجلَّ (عنه جنود فارس) وردهم عن ملكه (مشى من حمص) التي هي مملكته وعاصمتها وحمص ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي (إلى إيلياء) متعلق بمشى أي مشى إلى بيت المقدس وفيه ثلاث لغات أشهرها بكسر الهمزة واللام وإسكان الياء بينهما وبالمد وثانيها كذلك إلا أنها بالقصر والثالثة إلياء بحذف الياء الأولى وإسكان اللام وبالمد (شكرًا لما أبلاه الله) أي شكرًا على ما أبلاه وأنعمه به من دفع جنود فارس عنه ويستعمل الإبلاء في الخير والشر قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيرِ فِتْنَةً} اهـ نووي. (وقال) صالح أيضًا (في الحديث) أي في روايته (من محمد بن عبد الله ورسوله وقال) صالح أيضًا (إثم اليريسيين) بالياء بدل الهمزة في أوله (وقال) صالح أيضًا

"بِدَاعِيَةِ الإسلامِ". 4475 - (1721) (66) حدثني يُوسُفُ بْنُ حَمادٍ الْمَعْنِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ؛ أن نَبِي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وإلى قَيصَرَ، وإلَى النَّجَاشِي، وإلَى كُل جَبارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (بداعية الإسلام) بدل دعاية في رواية معمر وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين وقوله وقال في الحديث إلى آخره ساقط من نسخ النووي وبعض المتون وقوله (لما كشف الله عنه جنود فارس) أي هزمهم عنه بمقتضى إخباره سبحانه المسلمين في سورة الروم من كتابه العزيز تسلية للمسلمين عن شماتة المشركين حين غلبت فارس الروم بقولهم للمسلمين أنتم والنصارى أهل الكتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن نحن عليكم وبعد بضع سنين غلبت الروم فارس وكان ذلك في صلح الحديبية على ما ذكره المحققون من أهل التفسير والتاريخ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4475 - (1721) (66) (حدثني يوسف بن حماد المعني) بفتح الميم وسكون العين المهملة ثم نون وياء مشددة نسبة إلى معن بن زائدة أحد أجداده أبو يعقوب البصري ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك الأنصاري البصري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى) بفتح الكاف وكسرها لقب لكل من ملك الفرس وقيصر لكل من ملك الروم والنجاشي لقب لكل من ملك الحبشة وخاقان لكل من ملك الشرك وفرعون لكل من ملك القبط والعزيز لكل من ملك مصر وتبع لكل من ملك حمير (وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار) من الجبابرة والجبار كل من يجبر الناس على ما يريد وينفذه قال الأبي: هو من العام المخصوص لأن من المعلوم أن من تقاصى وبعد لم يكتب إليه وإنما الكتاب إلى الثلاثة المذكورين وإلى المقوقس صاحب الإسكندرية وإلى المنذر بن ساوى العبدي

يَدْعُوهُم إِلَى الله تَعَالى. وَلَيسَ بِالنجَاشِي الذِي صَلي عَلَيهِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. 4476 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله الرزي ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب هجر وإلى جعفر وأخيه عبد ابني الجلندي الأسديين ملكي عمان وإلى هودة بن علي صاحب اليمامة الحنفي وإلى الحارث بن أبي شمر الغساني عامل قيصر على غوطة دمشق وقيل إنما كتب إلى جلبة بن أبيهم وكان جبلة ولي الأمر لقيصر بعد الحارث وكتب أيضًا إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن ولا خلاف بين أهل السير أن ملوك حمير أسلموا وبعثوا بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من الأبي أي كتب إليهم حالة كونه (يدعوهم إلى) توحيد (الله تعالى) قال سعيد بن أبي عروبة كما يفهم من السند الأخير في هذا الحديث (وليس) النجاشي الذي كتب إليه (بالنجاشي الدي) أسلم و (صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم) فإنه قد أسلم وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه ورد طلب قريش تسليمه إياهم إليهم واسمه أصحمة بن أبجر واسمه بالعربية عطية والنجاشي بفتح الجيم وتخفيف الياء لقبه وخطأ ثعلب من شددها كما في الإصابة [1/ 117] ولكن ذكر الأبي عن الواقدي وغيره من أهل السير أنه النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في رجب سنة تسع منصرفه من تبوك وأنه كتب جوابًا لكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحمة النجاشي سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فأشهد أنك رسول الله صدوقًا وقد بايعتك) والله سبحانه وتعالى أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي أخرجه في الاستئذان باب في مكاتبة المشركين رقم [2716]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4476 - (00) (00) وحدثناه محمد بن عبد الله الرزي) بضم الراء وتشديد الزاي المكسورة نسبة إلى الرز وهو الأرز ويقال له الأرزي أيضًا وهو منسوب إلى طبخ الأرز أبو جعفر البصري ثم البغدادي روى عن عبد الوهاب بن عطاء في الجهاد واللباس والفضائل وغيرها وخالد بن الحارث في ذكر الحوض والدعاء وعبد الوهاب الثقفي في آخر الكتاب ويروي عنه (م د) وأبو يعلى والحسن بن سفيان وثقه عبد الله بن أحمد ويعقوب بن شيبة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة يهم من العاشرة مات سنة (331) إحدى وثلاثين ومائتين.

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهابِ بن عَطَاء، عَنْ سَعِيد، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أنسُ بن مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: وَلَيسَ بِالنَّجَاشِي الذِي صَلَّى عَلَيهِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. 4477 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ نَصْرُ بْنُ عَلِي الْجَهْضَمِي. أخْبَرَنِي أَبِي. حَدثَنِي خَالِدُ بْنُ قَيسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: وَلَيسَ بِالنَّجَاشِي الذِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا عبد الوهاب بن عطاء) العجلي أبو نصر الخفاف البصري نزيل بغداد روى عن سعيد بن أبي عروبة في الجهاد واللباس والطب والفضائل وصفة النار وعذاب القبر وعن حميد وسليمان التيمي وابن عوف ويروي عنه (م عم) ومحمد بن عبد الله بن الرزي وعمرو بن زرارة ويحيى وإسحاق الكوسج وخلق وقال في التقريب صدوق ربما أخطأ أنكروا عليه حديثًا في فضل العباس يقال: دلسه عن ثور من التاسعة مات سنة أربع ويقال سنة ست ومائتين (204) (عن سعيد) بن أبي عروبة البصري (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته أيضًا رجاله كلهم بصريون وفي هذا السند تصريح قتادة بالسماع من أنس فزال ما يخاف من تدليسه لو اقتصر على الطريق الأول غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الوهاب لعبد الأعلى (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق عبد الوهاب بمثله أي بمثل حديث عبد الأعلى (و) لكن (لم يقل) عبد الوهاب لفظة (وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4477 - (00) (00) (وحدثنيه نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صُهبان الأزدي البصري (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة محلة بالبصرة ثقة ثبت من (10) روى عنه في (11) بابا (أخبرني أبي) علي بن نصر الجهضمي البصري الكبير ثقة من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثني خالد بن قيس) بن رباح الأزدي الحداني بضم المهملة الأولى وتشديد الثانية البصري روى عن قتادة في الجهاد واللباس وعطاء ويروي عنه (م دس ق) ونصر بن علي وأخوه نوح بن قيس ومسلم بن إبراهيم وثقه ابن معين وقال في التقريب صدوق يغرب من السابعة وذكره ابن حبان في الثقات (عن قتادة عن أنس وهذا السند أيضًا من خماسياته ورجاله بصريون غرضه بيان متابعة خالد بن قيس لسعيد بن أبي عروبة (و) لكن (لم يذكر) خالد بن قيس لفظة (وليس بالنجاشي الدي

صَلَّى عَلَيهِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم) وفي هذا الحديث جواز المكاتبة إلى الكفار ودعاؤهم إلى الإسلام والعمل بالكتاب وبخبر الواحد اهـ نووي وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول: حديث أبي سفيان ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث أنس ذكر للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. ***

624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر

624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر 4478 - (1722) (67) وحدثني أبُو الطاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَباسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَال: قَال عَباسٌ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَوْمَ حُنَينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 624 - (17) باب في غزوة حنين وغزوة الطائف وغزوة بدر 4478 - (1722) (67) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب قال حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب) الهاشمي أبو تمام المدني صحابي أو ثقة من (2) (قال) كثير: (قال) والدي (عباس) بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي أو تابعي عن تابعي (شهدت) أي حضرت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (حنين) بضم الحاء مصغرًا واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا وهو مصروف كما جاء به القرآن العزيز قال الحموي في معجم البلدان [7/ 313] وهو يذكر ويؤنث فإن قصدت به البلد ذكرته وصرفته كقوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} وإن قصد به البلدة والبقعة أنثته ولم تصرفه كقول الشاعر: نصروا نبيهم وشدوا أزره ... بحنين يوم تواكل الأبطال ولكن ذكر البكري في معجم ما استعجم [1/ 47] أن الأغلب عليه التذكير لأنه اسم ماء هناك وذكر السهيلي في الروض الأنف [2/ 286] أن هذا الموضع سمي بحنين بن قانية بن مهلايل وكان سبب هذه الغزوة على ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أصحاب السير أنه لما سمعت هوازن بأن الله تعالى فتح مكة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعت جيشًا لقتاله صلى الله عليه وسلم فيهم مع هوازن ثقيف كلها ونصر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم فانطلق فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب

فَلَزِمْتُ أنا وَأَبُو سُفْيَانَ بن الحارِثِ بنِ عَبْدِ المطلِبِ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وسَلمَ. فَلَمْ نُفَارِقْهُ. وَرَسُولُ الله صلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى بَغلَةٍ لَهُ، بَيضَاءَ. أهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بنُ نُفَاثَةَ الجُذَاميُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ومعه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا لفتح مكة فكانوا اثني عشر ألفًا حتى التقى الجيشان بوادي حنين اهـ من سيرة ابن هشام [2/ 287 و 289] قال العباس: (فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جماعة من العلماء اسمه هو كنيته وقال آخرون اسمه المغيرة وأخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعتهما حليمة السعدية وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ممن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويهجوه ويؤذي المسلمين في حالة كفره وإلى ذلك أشار حسان بن ثابت في قصيدته المشهورة: هجوت محمدًا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء أسلم يوم فتح مكة ويقال إنه لم يرفع رأسه إلى رسول الله حياء منه كذا في الإصابة للحافظ [4/ 90] (فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي) قال النووي قال العلماء لا يعرف له صلى الله عليه وسلم بغلة سواها وهي التي يقال لها دلدل وأخرج البخاري وغيره في الجهاد أن ملك أيلة أهدى له صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء واسم ملك أيلة فيما ذكره ابن إسحاق يحنة بن رؤبة والله أعلم اهـ نووي ورجح الحافظ في الفتح [6/ 75] أن تلك البغلة غير البغلة التي كانت معه يوم حنين قال النووي هكذا قال في هذه الرواية وفي الرواية التي بعدها أنها بغلة بيضاء وقال في آخر الباب على بغلته الشهباء وهي واحدة قوله أهداها له فروة بن نفاثة بضم النون ثم فاء مخففة ثم ألف ثم ثاء مثلثة وفي الرواية الآتية فروة بن نعامة بالعين والميم ويقال ابن نباتة ويقال ابن عامر أو ابن عمرو الجذامي نسبة إلى بني جذامة والصحيح المعروف الأول وكان عاملًا للروم على من يليهم من العرب وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام هي اليوم في المملكة الأردنية أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعث إليه بإسلامه ولم ينقل أنه اجتمع به صلى الله عليه وسلم قال ابن

فَلَما التَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَلَّى المسلِمُونَ مُدْبِرِينَ. فَطَفِقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ. قَال عَباس: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ الله صلى اللًهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرعَ. وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَي عَباسُ! نَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إسحاق: وبعث فروة بن عمرو بن النافرة البناني الجذامي إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولًا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء فبلغ الروم إسلامه فطلبوه فحبسوه ثم قتلوه فقال في ذلك أبياتًا منها قوله: أبلغ سراة المسلمين بأنني ... مسلم لربي أعظمي وبناني اهـ من الإصابة [3/ 207] ثم ركوبه صلى الله عليه وسلم البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد الناس هو النهاية في الشجاعة والثبات ولأنه يكون أيضًا معتمدًا يرجع المسلمون إليه وتطمئن قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدًا وإلا فقد كانت له صلى الله عليه وسلم أفراس معروفة ومما ذكره في هذا الحديث من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين وقد فر الناس عنه وفي الرواية الأخرى أنه نزل إلى الأرض حين غشوه وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلًا على الأرض من المسلمين وقد أخبر الصحابة رضي الله عنهم بشجاعته في جميع المواطن وفي صحيح مسلم قال إن الشجاع منا الذي يحاذى به وإنهم كانوا يتقون به اهـ من النووي (فلما التقى المسلمون والكفار) وتقابلوا (ولى المسلمون) أي هربوا وانهزموا مدبرين أي جاعلين دبرهم إلى الكفار وهي حال مؤكدة لعاملها من غير لفظه (فطفق) أي شرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض) أي يُجري (بغلته) وشرع بها (قبل الكفار) أي جهتهم ومعنى (يركض بغلته) أي يضربها برجله الشريفة على كبدها لتسرع (قال عباس) بن عبد المطلب: (وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم) واللجام الحديدة التي تجعل في فم الدابة حالة كوني (أكفها) أي أمنعها عن الإسراع وقوله (إرادة أن لا تسرع) إلى جهة العدو مفعول لأجله لآخذ منصوب به (وأبو سفيان آخذ بركاب) بغلة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لئلا تسرع والركاب الحديدة التي يجعل الراكب فيها قدمه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي عباس ناد

أَصحَابَ السمُرَةِ". فَقَال عَباسٌ: (وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا): فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوتِي: أَينَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَال: فَوَاللهِ! لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ، حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي، عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلادِهَا. فـ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب السمرة) أي يا عباس ناد أصحاب الشجرة المسماة بالسمرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان كما قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (والسمرة) بفتح السين وضم الميم شجرة معروفة صغيرة الورق الشوك وله ثمرة صفراء يأكلها الناس وليس في العضاه شيء أجود خشبًا منها ينقل إلى القرى فتغمى به البيوت كما في تاج العروس [3/ 278] والمراد ها هنا الشجرة التي بايع الصحابة تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية وإنما ناداهم بأصحاب السمرة لتذكيرهم عهدهم الذين عاهدوا به في الحديبية (فقال عباس وكان) العباس (رجلًا صيتًا) وجملة كان كلام مدرج من بعض الرواة أو من ولده كثير معترض بين قال ومقوله وهو جملة قوله فقلت ومعنى صيتًا أي مديد الصوت قويه رفيعه وحكى النووي عن الحازمي أن العباس رضي الله عنه كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم وبين سلع والغابة ثمانية أميال وسلع بالفتح جبيل في المدينة والغابة موضع من عواليها كما في تاج العروس وقال الشيخ ذهني في تعليقه ومَرَّ بي في بعض الكتب أن العباس كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه وهذا أغرب مما ذكره النووي قال العباس: (فقلت بأعلى صوتي): وأرفعه (أين أصحاب السمرة قال) العباس: (فوالله لكان عطفتهم) وعودتهم ورجوعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عطفة البقر) أي عطفة أمهات البقر وعودتها (على أولادها) عند حنين الأولاد لفقد الأمهات أي عودهم إلى مكانهم وإقبالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تعطف البقرة على أولادها عند سماع حنينها وفيه دليل على أن فرار المسلمين لم يكن بعيدًا وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة ورشقهم بالسهام لاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه وممن يتربص بالمؤمنين الدوائر وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة فتقدم أخفاؤهم فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين كما ذكر الله تعالى في القرآن اهـ نووي (فـ) ـلما سمعوا

ـقالُوا: يَا لَبيكَ! يَا لَبيكَ! قَال: فَاقتَتَلُوا وَالكُفَّارَ. وَالدعوَةُ فِي الأَنصَارِ. يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأنصَارِ! يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. قَال: ثُم قُصِرَتِ الدعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزرَجِ! فَقَالُوا: يَا بَنِي الحارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ! يَا بَنِي الحارِثِ بنِ الْخَزرَجِ، فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ وَهُوَ عَلَى بَغلَتِهِ، كَالمتَطَاولِ عَلَيهَا، إِلَى قِتَالِهِمْ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "هذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صوت العباس (قالوا: يا) رسول الله أو يا صاحب الصوت (لبيك يا لبيك) كرره للتأكيد (قال) العباس: (فاقتتلوا والكفار) بنصب الكفار على أنه مفعول معه والواو بمعنى مع أي اقتتل المسلمون مع الكفار (والدعوة في الأنصار) بفتح الدال أي الاستغاثة والمناداة فيما بين الأنصار (يقولون) أي يقول بعضهم لبعض أي قولهم في الدعوة والاستغاثة (يا معشر الأنصار) أقبلوا إلى العدو وكروا إليهم (يا معشر الأنصار) كرره تأكيدًا لعل مراده أن الدعوة وجهت إلى الأنصار خاصة بعدما رجع المهاجرون (قال) العباس: (ثم قصرت الدعوة) أي المناداة والاستغاثة (على بني الحارث بن الخزرج) يعني لما حضر الأنصار جميعهم سوى بني الحارث بن خزرج قصرت الدعوة عليهم لحصول الرجوع من غيرهم ووقع في رواية ابن إسحاق وكانت الدعوة أول ما كانت يا للأنصار ثم خلصت أخيرًا يا للخزرج وكانوا صبرًا عند الحرب اهـ من سيرة ابن هشام [2/ 290] (فقالوا) أي قال بعضهم لبعض: (يا بني الحارث بن الخزرج) أقبلوا على العدو وكروا عليهم (يا بني الحارث بن الخزرج) توكيد لفظي (فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها) أي على بغلته أي كالمشرف والمتطلع من فوقها (إلى قتالهم) متعلق بنظر أي إلى قتال المسلمين مع الكفار (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا) الحين (حين) قد (حمي) فيه (الوطيس) ويتضح ذلك برواية ابن إسحاق ولفظها "الآن حمي الوطيس" قال السهيلي: الوطيس نقرة في حجر توقد حوله النار فيطبخ به اللحم والوطيس النذر وفي غزوة أوطاس "وهي غزوة حنين" قال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن حمي الوطيس وذلك حين استعرت الحرب وهي من الكلم التي لم يسبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى أن الحرب قد استعرت نارها الآن وإنها كلمة جمعت بين بليغ الاستعارة وبديع التورية فإن الموضع الذي وقعت فيه هذه الغزوة تسمى

قَال: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ حَصيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الكُفارِ. ثُم قَال: "انهزَمُوا. وَرَب مُحَمدٍ! " قَال: فَذَهَبتُ أَنظُرُ فَإذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيئَتِهِ فِيمَا أَرَى. قَال: فَوَاللهِ! مَا هُوَ إِلا أَنْ رَمَاهُم بِحَصَيَاتِهِ. فَمَا زِلتُ أَرَى حَدهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُم مُدْبِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أوطاس والخلاصة هذا الوقت وقت قد اتقدت فيه نار الحرب واستعرت واشتدت قال النووي قال الأكثرون: الوطيس هو شبه تنور يسجر فيه ويضرب مثلًا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره وقال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها فيقال الآن حمي الوطمعي وقيل هو الضرب في الحرب وقيل هو الحرب الذي يطيس الناس أي يدقهم قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. وفي تعليق الذهبي قوله: "حمي الوطيس" أي اشتدت حرارة التنور يقال: حميت الحديدة تحمى من باب تعب فهي حامية إذا اشتد حرها بالنار والوطيس شبه التنور ويخبز فيه وقولهم حمي الوطيس كناية عن شدة الحرب كذا في المصباح لكن قالوا هي من الكلمات التي لم يسبق إليها صلى الله عليه وسلم وفيها تورية فإن وقعة حنين كما ذكره الحموي في معجم البلدان وارتضاه الخفاجي في حاشية البيضاوي كانت بواد يسمى أوطاسًا وهو من النوادر التي جاءت بلفظ الجمع للواحد منقول من جمع وطيس كيمين وأيمان اهـ منه. (قال) العباس: (ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات) أي كفا من حصيات ورمال (فرمى بهن) أي بتلك الحصيات (وجوه الكفار) وأعينهم (ثم قال) فيه تقديم وتأخير وقوله: (انهزموا) بصيغة الماضي أي قال العباس: ثم انهزموا (ورب محمد) أي أقسمت لكم برب محمد وثم بمعنى الفاء عاطفة للانهزام على الرمي وهذه معجزة قولية وانهزامهم برميه بحصيات معجزة فعلية (قال) العباس: (فذهبت) أي فشرعت أن (أنظر) إلى الفريقين المتقابلين (فإذا القتال) مستمر بين الفريقين (على هيئته) وصفته (فيما أرى) أي في مرأى عيني (قال) العباس: (فوالله ما هو) أي ما الشأن (إلا أن رماهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بحصباته) أي فما الشأن إلا رميه إياهم بحصياته (فما زلت) بعد ذلك إلا أن (أرى حدهم) أي قويهم (كليلًا) أي ضعيفًا عاجزًا (و) أرى (أمرهم) أي شأنهم أن يكون كل منهم (مدبرًا) أي هاربًا والمعنى ما زلت أرى قوتهم

4479 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهْرِي، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَرْوَةُ بْنُ نُعَامَةَ الْجُذَامي. وَقَال: "انْهَزَمُوا. وَرَب الْكَعْبَةِ! انْهَزَمُوا. وَرَب الكَعْبَةِ! " وَزَادَ فِي الحدِيثِ: حَتى هَزَمَهُمُ الله. قَال: وَكَأَني أنْظُرُ إِلَى النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعيفة وإقبالهم إدبارًا حتى هزمهم الله تعالى قال النووي: هذا فيه معجزتان ظاهرتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما فعلية والأخرى خبرية فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بهزيمتهم ورماهم بالحصيات فولوا مدبرين وذكر مسلم في الرواية الأخرى في آخر هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل بها وجوههم فقال: شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينه ترابًا من تلك القبضة وهذا أيضًا فيه معجزتان خبرية وفعلية ويحتمل أنه أخذ قبضة من حصى وقبضة من تراب فرمى بذا مرة وبذا مرة ويحتمل أنه أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب اهـ منه وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى من بين الأئمة الستة لم يخرجه غيره فيما أعلم والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4479 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (جميعًا عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن كثير عن عباس وساق معمر (نحوه) أي نحو ما حدث يونس عن ابن شهاب (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته (فروة بن نعامة الجذامي) بدل قوله فروة بن نفاثة وتقدم لك أن الصحيح هي الرواية السابقة وقال معمر أيضًا (انهزموا ورب الكعبة) بدل قوله ورب محمد وكرر قوله (انهزموا ورب الكعبة) مرتين للتأكيد وكلاهما بصيغة الماضي لأنه مقول لقول محذوف تقديره فرمى بهن وجوه الكفار قال العباس: ثم انهزموا ورب الكعبة وثم عاطفة لانهزموا على رمى (وزاد) معمر (في) آخر (الحديث) لفظة (حتى هزمهم الله) تعالى يعني أنه قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا (حتى هزمهم الله) و (قال) معمر أيضًا في وسط الحديث (وكأني أنظر) الآن (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يركض) ويسرع (خلفهم)

عَلَى بَغْلَتِهِ. 4480 - (00) (00) وحدثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزهْرِي. قَال: أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَوْمَ حُنَينٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. غَيرَ أَن حَدِيثَ يُونُسَ وَحَدِيثَ مَعْمَرٍ أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَتَمُّ. 4481 - (1723) (68) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: قَال رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! أَفَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَينٍ؟ قَال: لَا. وَاللهِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ أي خلف الكفار (على بغلته) بدل قول يونس فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عباس رضي الله عنه فقال. 4480 - (00) (00) (وحدثناه) أي وحدثنا الحديث المذكور يعني حديث عباس محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي صدوق من (10) وقال أبو حاتم فيه غفلة (حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال: أخبرني كثير بن العباس عن أبيه) عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان لمعمر ويونس (قال) العباس: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بوم حنين وساق) أي ذكر سفيان بن عيينة (الحديث) السابق (غير أن) أي لكن (حديث يونس وحديث معمر أكثر) أي أطول متنًا (وأتم) أي أصح سندًا من حديث سفيان لأن ابن أبي عمر صدوق فيه غفلة كما قاله أبو حاتم، وأبوالطاهر وإسحاق بن إبراهيم ثقتان متقنان ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث العباس بحديث البراء رضي الله تعالى عنهما فقال. 4481 - (1723) (68) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي ثقة، من (7) (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي ثقة، من (3) (قال) أبو إسحاق: (قال رجل) من قيس (للبراء) بن عازب رضي الله عنه وفي رواية عند البخاري في غزوة حنين إن الرجل من قيس ولم أر من ذكر اسمه وهذا السند من رباعياته (يا أبا عمارة أفررتم) وفي رواية للبخاري أوليتم أي هل فررتم كلكم (يوم) وقعة (حنين قال) البراء: (لا والله

مَا وَلَّى رَسُولُ الله صَلي اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَلكِنَّهُ خَرَجَ شُبانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيسَ عَلَيهِمْ سِلاحٌ، أَوْ كَثِيرُ سِلاحٍ، فَلَقُوا قَوْمًا رُمَاةً لَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ. جَمْعُ هَوَازِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ولى رسول الله) ما زائدة زيدت لتأكيد النفي المفهوم من لا أي ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: هذا الجواب من بديع الأدب لأن تقدير الكلام فررتم كلكم فيقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم وافقهم في ذلك فقال البراء لا والله ما فر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن جماعة من الصحابة جرى لهم كذا وكذا اهـ. ويحتمل أن السائل أخذ التعميم من قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ} فبين له البراء أنه من العموم الذي أريد به الخصوص والمعنى نحن فررنا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر وحذف فرارهم لأنه لم يرد أن يصرح بفرارهم ومعلوم من حال نبينا وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عدم الفرار لفرط إقدامهم وشجاعتهم وثقتهم لوعد الله في رغبتهم في الشهادة ولم يثبت عن أحد منهم أنه فر ومن قال ذلك في النبي قتل ولم يستتب عند مالك (ولكنه) أي ولكن الشأن والحال (خرج) من المركز أو من مكة (شبان أصحابه) صلى الله عليه وسلم جمع شاب كواحد ووحدان أي قليل عمرهم ليس لهم تجربة في الأمور (وأخفاوهم) عقولًا جمع خفيف كطبيب وأطباء وأراد بهم المستعجلين في الأمور المسارعين فيها ووقع هذا الحرف في رواية إبراهيم الحربي والهروي وغيرهم (جفاؤهم) بجيم مضمومة وبالمد وفسروه بسرعانهم قال تشبيهًا بجفاء السيل وهو غثاؤه قال القاضي إن صحت هذه الرواية فمعناها ما سبق من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعدوا وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان ومن في قلبه مرض فشبهه بغثاء السيل اهـ نووي. أي خرج هؤلاء من مكة حالة كونهم (حسرًا) جمع حاسر كساجد وسجد والحاسر من ليس عليه درع ولا مغفر أي عارين من السلاح وفسره بقوله (ليس عليهم سلاح) أي لباس حرب قال أبو إسحاق (أو) قال البراء ليس عليه (كثير سلاح) والشك من أبي إسحاق فيما قال البراء (فلقوا) أي فلقى أولئك الشبان (قومًا) من الأعداء (رماة) جمع رام كقضاة وقاض أي قومًا ماهرين في رمي السلاح إلا يكاد) أي لا يقرب أن (يسقط لهم سهم) يعني أنهم رماة مهرة تصل سهامهم إلى أغراضهم كما قال ما يكادون يخطئون (جمع هوازن)

وَبَنِي نَصْرٍ. فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ. فَأقْبَلُوا هُنَاكَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. وَرَسُولُ اللهِ صلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغلَتِهِ الْبَيضَاءِ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطلِبِ يَقُودُ بِهِ. فَنَزَلَ فَاسْتَنصَرَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنصب بدل من قومًا أو عطف بيان له وبالرفع خبر لمحذوف أي هم قوم هوازن وهوازن قبيلة كبيرة من العرب ينسبون إلى هوازن بن منصور اهـ من الإرشاد (و) جمع (بني نصر) بالنون المفتوحة والصاد الساكنة معطوف على هوازن وهم قبيلة من العرب أيضًا (فرشقوهم رشقًا) أي رموهم رميًا بالسهام أي رشق هؤلاء الرماة أولئك الشبان الأخفاء رشقًا بفتح الراء وسكون الشين مصدر رشق من باب نصر كما في المصباح وأما الرشق بكسرها فهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة وضبط القاضي الرواية هنا بالكسر وضبط غيره بالفتح وهو الأجود وإن كانا جيدين وأما قوله في الرواية التي بعد هذه الرواية (فرموه برشق من نبل) فهو بالكسر لا غير قال أهل اللغة رشقه يرشقه وأرشقه ثلاثي ورباعي والثلاثي أشهر وأفصح اهـ نووي أي رشقوهم رشقًا حالة كونهم (ما يكادون) أي لا يقربون (يخطئون) أغراضهم (فأقبلوا) أي فاستقبل أولئك الرماة من هوازن (هناك) أي عندما انهزم أولئك الشبان (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء) التي أهداها له ملك أيلة أو فروة الجذامي (وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقود به) صلى الله عليه وسلم بغلته آخذًا بلجامها (فنزل) النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته (فاستنصر) أي طلب من الله تعالى النصرة على أعدائه ففيه استحباب الدعاء عند قيام الحرب (وقال) صلى الله عليه وسلم: (أنا النبي لا كذب) والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى انهزم وأنا متيقن أن الذي وعدني الله تعالى به من النصر حق فلا يجوز علي الفرار وقوله: لا كذب بسكون الباء وحكى ابن التين عن بعض أهل العلم أنه كان يقوله بفتح الباء ليخرجه عن الوزن قال في المصابيح وهذا تغييره للرواية الثابتة بمجرد خيال يقوم في النفس وسيأتي ما يدفع كون هذا شعرًا فلا حاجة إلى إخراج الكلام عما هو عليه في الرواية اهـ إرشاد واعلم أن ظاهر هذا الكلام أنه شعر وقد استشكل بقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بطرق مختلفة قال الحافظ: وقد أجيب عن مقالته صلى الله عليه وسلم هذا

"أَنَا النَّبِي لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطلِبْ" ثُم صَفَّهُمْ. 4482 - (00) (00) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ. حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجز بأجوبة أحدها أنه نظم غيره وأنه كان فيه (أنت النبي لا كذب أنت ابن عبد المطلب) فذكره بلفظ أنا في الموضعين وثانيها أن هذا رجز وليس الرجز من أقسام الشعر وهذا مردود ثالثها أنه لا يكون شعرًا وهذا أعدل الأجوبة اهـ (أنا بن عبد المطلب) نسب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه إلى جده دون أبيه لأنه كان معروفًا بين الناس بهذه النسبة لوفاة أبيه عبد الله قبل ولادته ولشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر بخلاف أبيه عبد الله فإنه مات شابًّا أو لأنه اشتهر بين الناس أنه يخرج من ذرية عبد المطلب من يدعو إلى الله تعالى ويهدي الله الخلق به وأنه خاتم الأنبياء فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه ولينبههم بأنه لا بد من ظهوره صلى الله عليه وسلم على الأعداء وليعلمهم بأنه ثابت ملازم للحرب لم يول مع من ولى (ثم) بعد دعائه وقوله هذا (صفهم) أي صف المسلمين صفوفًا للحرب وللكر بعد الفر. وقوله (أنا النبي لا كذب) يدل على كمال شجاعته صلى الله عليه وسلم حيث لم يخف صفته ولا نسبه وهذا واختياره ركوب البغلة التي ليس لها كر ولا فر كما يكون للفرس وتوجهه وحده نحو العدو ليس إلا لوثوقه بالله تعالى وتوكله عليه اهـ ذهني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها في الجهاد [2864 و 2874]، والترمذي في الجهاد [688 1]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4482 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن جناب) بفتح الجيم وتخفيف النون بن المغيرة (المصيصي) بكسر الميم والصاد المشددة نسبة إلى مصيصة وهي بلدة كبيرة على ساحل بحر الشام وذكر السمعاني أنه قد استولى عليها الإفرنج، أبو الوليد البغدادي روى عن عيسى بن يونس في الجهاد والفضائل ويروي عنه (م دس) وأحمد بن حنبل وأبو يعلى وخلق. قال الحاكم: ثقة وقال صالح جزرة صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من العاشرة مات سنة (230) ثلاثين ومائتين (حدثنا عيسى بن يونس) بن

عَنْ زَكَرِياءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَال: جَاءَ رَجُل إِلَى الْبَرَاءِ، فَقَال: أَكُنْتُمْ وَليتُمْ يَوْمَ حُنَينٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَال: أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ الله صلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مَا وَلَّى. وَلكِنهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ الناسِ، وَحُسَّرٌ إِلَي هذَا الْحَي مِنْ هَوَازِنَ. وَهُمْ قَوْم رُمَاة. فَرَمَوْهُمْ بِرِشْق مِنْ نَبْلٍ. كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ. فَانْكَشَفُوا. فَأقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ. فَنَزَلَ، وَدَعَا، وَاسْتَنْصَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي إسحاق (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي ثقة، من (6) (عن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي ثقة، من (3) (قال: جاء رجل) من القيس (إلى البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة زكرياء لأبي خيثمة (فقال) الرجل للبراء: (أكنتم وليتم) أي فررتم (يوم) غزوة (حنين يا أبا عمارة فقال) البراء: نعم فررنا ولكن (أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم) أنه (ما ولى) وما فر ثم بين سبب فرارهم بقوله: (ولكنه) أي ولكن الشأن والحال (انطلق) أي ذهب إلى جهة العدو ومقابلتهم (أخفاء من الناس) وسرعانهم (وحسر) منهم أي قليلو السلاح (إلى هذا الحي) والقبيلة (من هوازن وهم) أي والحال أن هذا الحي (قوم رماة) أي مهرة في الرمي والإصابة (فرموهم) أي فرمى هذا الحي أولئك الأخفاء الحسر من السلاح (برشق) أي بجملة (من نبل) أي من سهام دفعة واحدة والرشق هنا بكسر الراء لا غير وهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة والنبل بفتح النون وسكون الباء السهام ولا واحد لها من لفظها فلا يقال نبلة وإنما يقال سهم (كأنها) أي كان تلك النبال لكثرتها (رجل) أي قطعة (من جراد) نزل على زرع أو شجر قال في النهاية الرجل بالكسر الجراد الكثير فإنه يأكل ويعدم ما نزل عليه بسرعة (فانكشفوا) أي فانكشف أولئك الأخفاء الحسر أي انهزموا وفارقوا مواضعهم وكشفوها. (فأقبل) أولئك (القوم) الرماة من هوازن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود) أي يجر (به) صلى الله عليه وسلم (بغلته) البيضاء (فنزل) النبي صلى الله عليه وسلم (ودعا) الله سبحانه وتعالى رد هؤلاء الرماة عن المسلمين (واستنصر) أي وطلب من الله تعالى نصر المسلمين على هؤلاء

وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِي لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ" اللهم نَزِّلْ نَصْرَكَ". قَال الْبَرَاءُ: كُنا، وَاللهِ، إِذَا احْمَرَّ الْبَأسُ نَتَّقِي بِهِ. وإن الشجَاعَ مِنا للذِي يُحَاذِي بِهِ. يَعْنِي النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. 4483 - (00) (00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنّى) قَالا: حَدَّثنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرماة وكرهم عليهم بعد الفر وبين شعبة في الرواية الآتية أن فرار من فر منهم لم يكن على نية الاستمرار في الفرار وإنما كشفوا من وقع السهام والفرار المتوعد عليه هو أن ينوي عدم العود وأما من تحيز إلى فئة أوكان فراره لكثرة عدد العدو بأن كان ضعفهم أو أكثر أو نوى العود إذا أمكنه فليسى داخلًا في الوعيد اهـ من الإرشاد. أي واستنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) وقوله: (اللهم نزل) من التنزيل عبر به دون أنزل ليفيد التكرار والكثرة أي أنزل (نصرك) الكثير المكرر على عبادك المؤمنين بيان لصيغة الدعاء المذكور أولًا (قال البراء) بالسند السابق كنا والله) معاشر الصحابة (إذا حمر البأس) واشتد القتال. قال القاضي: واحمرار البأس كناية عن اشتداد الحرب واحمرارها إما لحمرة الدم وجريانه من الجرح واما لاستعار الحرب كاحمرار الجمر كذا في شرح الأبي وقوله (نتقي) ونحتفظ ونتستر (به) صلى الله عليه وسلم أي كنا نجعله صلى الله عليه وسلم وقاية وسترًا من شر العدو أي نطلب الوقاية والسلامة من شرهم ببركته صلى الله عليه وسلم وبركة دعائه (وإن الشجاع منا) معاشر الصحابة (للذي) بلام الابتداء أي لهو الذي (يحاذي به) صلى الله عليه وسلم أي يقابله ويساويه أي يقاربه في المساواة (يعني) البراء بقوله به أي بضمير به (النبي صلى الله عليه وسلم) كلام مدرج من بعض الرواة فسر به الضمير ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4483 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن

عَنْ أَبِي إِسحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِن قَيسٍ: أَفَرَرتُم عَن رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَومَ حُنَينٍ؟ فَقَال البَرَاءُ: وَلكِن رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ لَمْ يَفِرَّ. وَكَانَتْ هَوَازِنُ يَوْمَئِذٍ رُمَاةً. وإنا لَما حَمَلْنَا عَلَيهِمُ انكَشَفُوا. فَأكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ. فَاستَقْبَلُونَا بِالسهَامِ. وَلَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيضاءِ. وإن أَبَا سُفيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِي لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ" 4484 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. قَال: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: قَال لَهُ رَجُلٌ: يَا أبَا عُمَارَةَ! فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي إسحاق قال: سمعت البراء) بن عازب رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة شعبة لأبي خيثمة وزكرياء بن أبي زائدة (و) الحال أنه (سأله) أي سأل البراء (رجل من قيس أفررتم) يا أبا عمارة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) وقعة (حنين فقال البراء) نعم فررنا (ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر وكانت هوازن يومئذ) أي يوم إذ التقينا معهم (رماة) أي مهرة في رمي السهام (وإنا) معاشر المسلمين (لما حملنا) وهجمنا (عليهم انكشفوا) وانهزموا (فكببنا على الغنائم) أي جعلنا وجوهنا مكبوبة عليها لا نلوي على شيء سواها ولا نلتفت إلى غيرها (فاستقبلونا بالسهام) أي كروا علينا بالسهام (ولقد رأيت رسول إله صلى الله عليه وسلم) راكبًا (على بغلته البيضاء) التي أهداها له فروة بن نفاثة (وإن أبا سفيان بن الحارث) بن عبد المطلب (آخذًا) أي ممسك (بلجامها وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4484 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وأبو بكر) بن خلاد الباهلي البصري (قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن سعيد الثوري (قال: حدثني أبو إسحاق عن البراء) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان لأبي خيثمة وزكرياء بن أبي زائدة وشعبة (قال) أبو إسحاق (قال له): أي للبراء (رجل) من قيس (يا أبا عمارة) أفررتم (فذكر) سفيان (الحديث) السابق

وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ. وَهؤُلاءِ أَتَمُّ حَدِيثًا. 4485 - (1724) (69) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حُنَينًا. فَلَمَّا وَاجَهْنَا الْعَدُوَّ تَقَدَّمْتُ. فَأَعْلُو ثَنِيَّةً. فَاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ. فَأرْمِيهِ بِسَهْمٍ. فَتَوَارَى عَنِّي. فَمَا دَرَيتُ مَا صَنَعَ. وَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهو) أي حديث سفيان (أقل من حديثهم) أي من حديث الثلاثة المتابعين (وهولاء) الثلاثة (أتم حديثًا) أي أطول حديثًا من حديثه وهذا تصريح بما علم مما قبله. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث العباس بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما فقال. 4485 - (1724) (69) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن بونس) بن القاسم (الحنفي) الجرسي أبو حفص اليمامي ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي صدوق من (5) (حدثني إياس بن سلمة) بن عمرو بن الأيوع الأسلمي أبو سلمة المدني ثقة، من (3) (حدثني أبي) سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي الصحابي الجليل رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان يمانيان وواحد نسائي. (قال) سلمة: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينأ فلما واجهنا العدو) وقابلناهم يعني الهوازن (تقدمت) على جيوش المسلمين أي سابقتهم إلى جهة العدو (فأعلو ثنية) أي علوت وصعدت ثنية من الجبل هو مضارع مسند إلى المتكلم بمعنى الماضي وأكثر ما يستعمل في حكاية حال ماضية كانها حاضرة بين يدي الحاكي الآن فهو بمعنى علوت ثنية وكذا قوله (فأرميه) يحكي صعوده في طريق عال في الجبل ورميه رجلًا من العدو بسهم فهو معطوف على تقدمت على كونه جواب لما وكذا ما بعده أي فلما واجهنا العدو تقدمت على جيشنا فعلوت ثنية أي صعدت طريقا عاليا في الجبل (فاستقبلني) أي قابلني (رجل من العدو فأرميه) أي فرميته (بسهم فتوارى عني) أي اختفى عني واستتر وغاب عن نظري (فما دريت) أي ما علمت (ما صنع) ذلك الرجل هل رجع إلى قومه أم اختفى عني ليرميني غفلة (فنظرت إلى القوم) من العدو ويعني بهم هوازن أي

فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخرَى. فَالْتَقَوْا هُمْ وَصَحَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا. وَعَلَيَّ بُرْدَتَانِ. مُتَّزِرًا بِإِحْدَاهُمَا. مُرْتَدِيًا بالأُخرَى. فَاسْتَطلَقَ إِزَارِي. فَجَمَعْتُهُمَا جَمِيعًا. وَمَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مُنْهَزِمًا. وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشهْبَاءِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ رَأَى ابْنُ الأَكْوَعِ فَزَعًا" فَلَمَّا غَشُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبضَة مِنْ تُرَابٍ مِنَ الأَرْضِ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهِ وُجُوهَهُمْ. فَقَال: "شَاهَتِ الْوُجُوهُ " ـــــــــــــــــــــــــــــ نظرت إليهم لأعرف ماذا يصنعون (فإذا هم قد طلعوا) وصعدوا على الجبل (من ثنية أخرى) غير التي طلعت أنا عليها وإذا فجائية والفاء عاطفة على ما قبلها أي ونظرت إلى القوم ففاجأني طلوعهم من ثنية أخرى (فالتقوا) أي فالتقى قوم العدو (هم) تأكيد لضمير الفاعل لتصحيح عطف الصحابة عليه لا مفعول به ولذا كتبت ألف تميز بين واو الجمع وبين واو جزء الكلمة أي فالتقوا هم (وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم) أي حصل بينهم وبين الصحابة اللقاء والمصادفة (فولى) أي أدبر وانهزم (صحابة النبي صلى الله عليه وسلم) وقوله (وأرجع) مضارع مسند لضمير المتكلم بمعنى الماضي أي ورجعت أنا ورائي حالة كوني (منهزمًا) أي هاربًا من العدو (وعليَّ بردتان) أي كساوان حالة كوني (متزرًا بإحداهما مرتديًا بالأخرى فاستطلق) أي انحل إزاري لاستعجالي (فجمعتهما) أي فجمعت البردتين (جميعا) على عاتقي أو أمسكت الإزار والرداء بيد واحدة يشير إلى أنه لم يجد فرصة لشد الإزار لشدة الفزع (ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كوني (منهزمًا) حال من فاعل مررت وهو سلمة نفسه وليس حالًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه لم ينهزم أي مررت عليه (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم راكب (على بغلته الشهباء) أي البيضاء (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم): والله (لقد رأى) اليوم سلمة (بن الأكوع فزعًا) أي خوفًا (فلما غشوا) أي كشى قوم العدو يعني هوازن (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أتوه (نزل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن البنلة ثم قبض قبضة) أي أخذ كفة من تراب الأرض ثم استقبل به أي بذلك التراب ورمى به (وجوههم فقال: شاهت الوجوه) أي قبحت وجوههم بردها خائبة من أغراضها منهزمة مأسورة تقاد بالقيود ذليلة يقال شاه من باب

فَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلأَ عَينَيهِ تُرَابًا، بِتِلكَ الْقَبْضَةِ. فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَل. وَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَهُمْ بَينَ المُسْلِمِينَ. 4486 - (1725) (70) حدَّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ـــــــــــــــــــــــــــــ قال شوهًا يقال رجل أشوه أي قبيح الوجه كما في القاموس اهـ سنوسي (فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ) الله (عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا) أي رجعوا وراءهم (مدبرين) أي منهزمين (فهزمهم إله عزَّ وجلَّ) أي فرقهم وشتتهم (وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم) أي أموالهم (بين المسلمين) الغانمين لها وهذا الحديث من أفراد مسلم رحمه الله تعالى انفرد به من بين الأئمة الستة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو غزوة الطائف بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أو بحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم ومال ابن حجر إلى ترجيح رواية من رواه عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال. 4486 - (1725) (70) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمد بن عبد الله (بن نمير جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن سفيان) بن عيينة (قال زهير) بن حرب في روايته حدثنا سفيان بن عبينة بصيغة السماع (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن) السائب بن فروخ بفتح فضم مع النشديد غير منصرف المكي (أبي العباس الشاعر الأعمى) روى عن عبد الله بن عمرو في الصوم والبر وعبد الله بن عمرو أو ابن عمر في الجهاد ويروي عنه (ع) وعطاء بن أبي رباح وحببب بن أبي ثابت وعمرو بن دينار كما مر في موضعه (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص أو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال النووي: هكذا هو في نسخ صحيح مسلم قال القاضي عياض كذا هو في رواية الجلودي وأكثر أهل الإصول عن ابن ماهان قال: وقال لنا القاضي الشهبد أبو علي صوابه عن ابن عمر بن الخطاب مضافا إلى البخاري ومسلم وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ابن عمر ورواه الإمام أحمد بن حنبل عن ابن عمر (4588)، وأخرجه البخاري عن ابن عمر في

قَال: حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ. فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيئًا. فَقَال: "إِنَّا قَافِلُونَ، إِنْ شَاءَ اللهُ" قَال أَصْحَابُهُ: نَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المغازي باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان في (56) وفي (78) كتاب الأدب في (68) باب التبسم والضحك وفي كتاب التوحيد (97) في باب المشيئة والإرادة (31). وأطال الحافظ في الفتح [8/ 44] ذكر اختلاف النسخ والرواة في هذا ويبدو أنه مائل إلى ترجيح رواية من رواه عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما والله أعلم وهذا السند من خماسياته. (قال) عبد الله بن عمر و (حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف) أي أحاط بهم ومنعهم من الخروج من بلدتهم بضعا وعشرين ليلة (فلم ينل منهم شيئًا) أي لم يصبهم بشيء من موجبات الفتح لمناعة حصنهم وكانوا كما ذكره ابن حجر قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة وذكر أهل المغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استعصى عليه الحصن وصعب وكانوا قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة ورموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل استشار فيهم نوفل بن معاوية الديلي فقال له نوفل: هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك فرحل عنهم اهـ من الفتح (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (إنا قافلون) أي راجعون إلى المدينة (إن شاء الله) تعالى فثقل عليهم ذلك فقالوا: نرجع غير فاتحين فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال أي سيروا أول النهار لأجل القتال فغدوا فلم يفتح عليهم وأصيبوا بالجراح لأن أهل الحصن رموا عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل سهام المسلمين إليهم وذكر في الفتح أنهم رموا على المسلمين سكك الحديد المحماة فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع فلما أعاد صلى الله عليه وسلم عليهم القول بالرجوع أعجبهم ذلك ففرحوا به لما رأوا من المشقة الظاهرة ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم أبرك وأنفع وأحمد عاقبة وأصوب من رأيهم فوافقوا على الرحيل وفرحوا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبًا من سرعة تغير رأيهم ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أن أهل الطائف سيأتون بدعائه مسلمين بانفسهم فلا حاجة إلى الاستمرار في القتال اهـ نووي بزيادة وتصرف. (قال أصحابه: نرجع) يا رسول الله إلى المدينة بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري

وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ؟ فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ" فَغَدَوْا عَلَيهِ فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا" قَال: فَأَعْجَبَهُمْ ذلِكَ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولم نفتتحه) أي والحال أنا لم نفتح الطائف (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا) أي بكروا (على القتال) غدًا (فغدوا عليه) أي على القتال فأصابهم جراح كثير (فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون) أي راجعون (غدًا) إلى المدينة (قال) الراوي: (فأعجبهم) أي فأحبهم (ذلك) القول وفرحوا به (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) تعجبًا من تغير رأيهم بسرعة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في أبواب كثيرة منها في المغازي في باب غزوة الطائف (4325) وحاصل قصة غزوة الطائف أن بني ثقيف وهم أهل الطائف كانوا قد اجتمعوا مع هوازن وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين فلما انهزموا بحنين رجع من بقي منهم ومن هوازن إلى الطائف وكانت الطائف بلدة عليها سور فأغلقوا أبوابها وصنعوا الصنائع للقتال فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وحاصرهم بضعًا وعشرين ليلة. وقد حمل الصحابة خلال هذه المدة عدة مرات على سور الطائف وبها استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق أول مرة حتى شدخ به جدار الطائف فدخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديدة المحماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فاستشهد بذلك رجال من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبالجملة لم يفتح الطائف حينذاك حتى عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على القفول ورجع إلى المدينة ودعا الله سبحانه وتعالى (اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم) ولما انصرف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي سيد أهل الطائف حتى وصل إلى المدينة قبل أن يصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه لدعوتهم إلى الإسلام فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يخشى عليه أن يقتله قومه ولكن قال عروة: (أنا أحب إليهم من أبكارهم) فخرج يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما دعاهم إلى الإسلام رموه بالنبل فأصابه سهم فقلته رضي الله عنه ودفن في الموضع الذي دفن فيه شهداء غزوة

4487 - (1726) (71) حدَّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ، حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطائف ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرًا ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من تبوك سنة تسع فبايعوا وأسلموا اهـ من سيرة ابن هشام والروض الأنف (2/ 301) ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو غزوة بدر بحديث أنس رضي الله عنه فقال. 4478 - (1726) (71) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أبو سلمة البصري ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني أبي محمد البصري ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلا أبا بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور أي مع أصحابه وهو في المدينة قبل الخروج منها وهذه هي المشاورة الأولى (حين بلغه إقبال أبي سفيان) صخر بن حرب القرشي الأموي من صناديد قريش وقتئذٍ أي إقباله وحضوره من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لهم وتجارة من تجاراتهم يستعدون بها لقتال المسلمين قال الأبي: ظاهره أنه إنما شاور للعير التي مع أبي سفيان والذي في كتب السير أنه إنما شاور في لقاء أهل مكة حين بلغه إقبال قريش إلى بدر وأما وهو بالمدينة فإنه لما سمع بإقبال العير مع أبي سفيان ندب الناس إلى الخروج فقال: هذه عير قريش أقبلت من الشام فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل أن ينفلكموها الله فخف بعض الناس للخروج وتثاقل بعض الناس وإنما تثاقل من تثاقل لظنه أنه لا يلقى حربًا. فخرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا من المهاجرين والأنصار فلما سمع أبو سفيان بخروجه صلى الله عليه وسلم لطلب العير عدل عن الطريق إلى ساحل البحر ونجا منهم وبعث ضمضم بن عمرو إلى مكة يخبر أهلها بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلب العير التي معه فخرج أبو جهل بنحو ألف من المقاتلة ونزلوا على بدر فلما

قَال: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ تَكلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنهُ. ققامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَال: إيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول أهل مكة لقتالهم في بدر وفقدوا عير أبي سفيان تشاور مع أصحابه مرة ثانية في موضع يسمى بالصفراء ليلتقي أبا جهل ومن معه في بدر فلما عرف أصحابه أن وراء هذه المشاورة معركة شديدة أعرض عنها من أعرض ولو كان الأمر مجرد الإغارة على عير أبي سفيان كما حصلت المشاورة فيها في المدينة لما احتاجوا إلى هذه المشاورة الطويلة وبعد هذه المشاورة الثانية ذهبوا إلى بدر حتى التقى الفريقان ووقعت هناك المعركة المباركة التي أحق الله بها الحق وأبطل الباطل وقتل فيها رؤساء المشركين منهم أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة وغيرهم وهذه المشاورة الثانية هي التي ذكرها بقوله (قال) أنس رضي الله عنه (ف) لما شاورهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه المشاورة الثانية التي وقعت بموضع الصفراء في مقاتلة أبي جهل ومن معه قبل رجوعهم إلى المدينة (تكلم أبو بكر) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأعرض) النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن أبي بكر لما قبل هذه المشاورة ثم تكلم عمر بن الخطاب مع رسول الله (فاعرفى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنه) أي عن عمر بعد قبوله المشاورة وقوله فاعرض عنهما يدل على أنه لم يقنع بقولهما لأنه كان يريد أن يسمع مثل ذلك من الأنصار لأن العهد معهم ليلة العقبة إنما كان بانهم ينصرونه صلى الله عليه وسلم إن دهمه أحد في المدينة وأما نصره إن خرج إلى عدو خارجها فلم يكن مصرحًا في ذلك العهد فليس على الأنصار أن يوافقوه على مثل هذا الخروج فكان يحب أن يعرف رأيهم في قتال أهل مكة الذين نزلوا على بدر لقتاله وقوله أيضًا (ثم تكلم عمر) ذكر ابن عقبة وابن عائذ أنه قال: (يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته) اهـ من الزرقاني على المواهب والحاصل أن مشاورته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة بدر حصلت مرتين الأولى حصلت وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان وذكرها مسلم بقوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان) والثانية كانت بعد أن خرجوا إلى موضع الصفراء وذكرها بقوله قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه الخ ففي مسلم ذكر المشاورتين فلا معارضة بينه وبين ما ذكره أهل السير كما قال بعضهم (فقام) بعدما تكلم عمر (سعد بن عبادة فقال إيانا) معاشر الأنصار (تريد يا رسول الله)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (سعد بن عبادة) كذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم ولكنه مشكل جدًّا لأن المعروف أن سعد بن عبادة لم يشهد بدرًا كان يتهيأ للخروج فنهس فأقام ولكن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم لكونه حريصًا على الخروج وقعوده من أجل عذر مفاجئ كما في الإصابة [2/ 27]، وفتح الباري [7/ 288]، فالصحيح المحفوظ في سائر الروايات أن الذي قال هذا الكلام إنما هو سعد بن معاذ لا سعد بن عبادة بذلك اتفقت روايات أصحاب السير وقال الحافظ في الفتح [7/ 288] ووقع في مسلم أن سعد بن عبادة هو الذي قال ذلك وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من مرسل عكرمة وفيه نظر لأن سعد بن عبادة لم يشهد بدرًا ثم قال ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية وهذا أولى بالصواب فالظاهر أنه وقع في الفقرة الأولى من حديث الباب وهم من أحد الرواة في الجهتين الأولى أنه ذكر هذه المشاورة التي تكلم فيها سعد وغيره بالمدينة مع أنها كانت بعد الخروج منها وقد أجبنا عن ذلك في حلنا والثانية أنه سمى المتكلم من الأنصار سعد بن عبادة والصحيح أنه سعد بن معاذ وقد أخرج أبو داود حديث أنس هذا من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد فلم يذكر هذه الفقرة وقد مر غير مرة أن وقوع مثل هذه الأوهام في بعض تفاصيل القصة وحواشيها لا يجرح في صحة أصل الحديث اهـ تكملة. قال النووي: إن قصد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المشاورة اختبار الأنصار لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو وإنما بايعهم ليلة العقبة على أن يمنعوه ممن يقصده فلما عرض الخروج لعير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم يوافقون على ذلك اهـ وقوله (إيانا تريد يا رسول الله) كأنه فهم ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتكلم الأنصار واختصر الراوي كلمته ها هنا وفصلها الزرقاني في شرحه للمواهب [1/ 413] مجموعة من رواية ابن إسحاق وابن عائذ وابن أبي شيبة وغيرهم ولفظها. (قد آمنا بك وصدقناك وصدقنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودًا ومواثيق على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت ولعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها أن لا ينصروك إلا في ديارهم وإني أقول عن الأنصار وأجيب عن

وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لأَخَضْنَاهَا. وَلَو أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. قَال: فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الناسَ. فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصار ولعلك يا رسول الله خرجت لأمر فأحدث الله غيره فامض لما شئت وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت وما أمرت به من أمر فأمرنا تبع لأمرك لئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن نلقى عدونا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله). وقوله (فقام سعد بن عبادة) هو من سادة الأنصار وجيه فيهم فأجاب أحسن جواب بالموافقة التامة كما ذكرنا كلامه آنفًا (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (لو أمرتنا) معاشر الأنصار (أن نخيضها) بضم النون من أخاض الرباعي والضمير للخيل مع عدم ذكرها وقد كانت العرب تضمر بعض الأشياء بدون ذكرها كانها معهودة في الذهن منها الخيل والنون أي لو أمرتنا أن ندخل خيولنا أي أمرتنا بإدخال خيولنا في (البحر) وتمشيتنا إياها فيه لقتال العدو فضلًا عن تمشيتها في البر (لأخضناها) أي لأدخلناها في البحر معك (ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها) جمع كبد هو كناية عن ركضها فإن الفارس إذا أراد ركض مركوبه يحرك رجليه من جانبيه ضاربًا على موضع كبده أي لو أمرتنا أن نركضها ونجري بها ونسرع بها (إلى) أن نصل بها (برك الغماد) في جهاد العدو (لفعلنا) ما أمرتنا به فنحن يا رسول الله على طاعتك وسمعك في المكره والمنشط (وبرك الغماد) بفتح الباء وإسكان الراء وهو المشهور في كتب الحديث وذكره بعض أهل اللغة بكسر الراء وبعضهم بفتحها ولكن الأصح الإسكان وأما الغماد فالغين فيه مكسورة أو مضمومة لغتان مشهورتان لكن الكسر أفصح وهو المشهور في روايات المحدثين والضم هو المشهور في كتب اللغة (وبرك الغماد) موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل وقيل: إنه موضع بأقاصي هجر وقال إبراهيم الحربي: برك الغماد وسعفات هجر كناية يقال فيما تباعد اهـ نووي وقال في القاموس برك الغماد موضع أو هو أقصى معمور الأرض اهـ (قال) أنس: (فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس) أي دعاهم وجمعهم (فانطلقوا) أي ذهبوا (حتى نزلوا بدرًا) بفتح الباء

وَوَرَدَتْ عَلَيهِمْ رَوَايَا قُرَيشٍ. وَفِيهِمْ غُلامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ. فَأَخَذُوهُ. فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْأْلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ؟ فَيَقُولُ: مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ. وَلكِنْ هذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. فَإِذَا قَال ذلِكَ، ضَرَبُوهُ. فَقَال: نَعَمْ. أَنَا أُخْبِرُكُمْ. هذَا أَبُو سُفْيَانَ. فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَال: مَا لِي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ. وَلكِنْ هذَا أَبُو جَهْل وَعُتْبَةُ وَشَيبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ. فَإِذَا قَال هذَا أَيضًا ضَرَبُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون الدال اسم للموضع المعروف وهو في الأصل اسم ماء بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء ويقال إنه سمي باسم بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة وقيل بل هو رجل من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه ثم غلب اسمه عليه كذا في معجم البلدان للحموي [1/ 358] (ووردت عليهم) أي جاءت على المسلمين لأنهم نزلوا على ماء (روايا قريش) أي إبلهم التي كانوا يستقون عليها الماء فهي الإبل الحوامل للماء واحدتها راويه كما في النهاية وأصل الراوية المزادة فقيل للبعير: راوية لحمله المزادة كما في معالم السنن للخطابي [4/ 19] (وفيهم) أي وفي سواقها (غلام أسود لبني الحجاج) وهم قبيلة معروفة كما في المبارق (فأخذوه) أي فأخذ المسلمون ذلك الغلام ومسكوه (فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه) أي يسألون ذلك الغلام (عن أبي سفيان وأصحابه) أي رفقته الذين جاؤوا معه من الشام بالميرة (فيقول) الغلام: (ما لي علم) ومعرفة (بأبي سفيان ولكن هذا) النازلون هنا (أبو جهل وعتبة وشيبة) ابنا ربيعة (وأمية بن خلف فإذا قال) الغلام (ذلك) القول يعني قوله هذا أبو جهل (ضربوه فقال) أي فيقول: (نعم أنا أخبركم) وأقول لكم: (هذا أبو سفيان) تركوه (فإذا تركوه فسألوه) ثانيًا فقالوا له أين أبو سفيان (فقال ما لي بأبي سفيان علم ولكن) أقول لكم (هذا) الجالس في الناس (أبو جهل وعتبة وشيبة) ابنا ربيعة (وأمية بن خلف) موجودون (في الناس فإذا قال هذا) القول يعني قوله هذا أبو جهل الخ (أيضًا ضربوه) أي ضربوه أيضًا أي كما ضربوه أولًا على هذا القول كان الغلام رأى هؤلاء الصناديد في جيش قدم من مكة ولم ير أبا سفيان فإنه هرب عادلًا عن الطريق ولم يكن الصحابة عارفين بقدوم أبي جهل وغيره فظنوا أن الغلام يكذب فضربوه قال الخطابي وفي ضربهم هذا العبد في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على جواز ضرب الأسير الكافر إذا كان في ضربه طائل وإنما قال هذا أبو

وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي. فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ انْصَرَفَ. قَال: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَضرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ. وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ". قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هذَا مَصْرَعُ فُلانٍ" قَال: وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ، ههُنَا وَهَاهُنَا. قَال: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان خوفًا من الضرب (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي) جنبهم (فلما رأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) منهم أي ضربه على نطق الحق وتكليفه على نطق الكذب (انصرف) وفرغ من الصلاة يعني سلم من صلاته و (قال) لهم: (والذي نفسي ليده لتضربوه) بلام الابتداء في أوله مفتوحة لتأكيد الكلام وبحذف النون منه بغير ناصب ولا جازم وهو لغة قوم من العرب وأصله لتضربونه (إذا صدقكم) أي إذا أخبركم بالصدق يعني قوله هذا أبو جهل وكذا يقال في قوله (وتتركوه إذا كذبكم) أصله وتتركونه إذا أخبركم بالكذب يعني من قوله هذا أبو سفيان قال النووي هكذا وقع في النسخ (لتضربوه وتتركوه) بغير نون وهي لغة سبق بيانها مرات أعني حذف النون بغير ناصب ولا جازم اهـ وفي قوله (فلما رأى ذلك انصرف) دلالة على استحباب تخفيف الصلاة إذا عرض أمر في أثنائها قال النووي وفيه جواز ضرب الكافر الذي لا عهد له وإن كان أسيرًا وقال ابن الملك وفيه دلالة على أن إقرار المضروب والمكره غير معتبر وفي بعض النسخ لتضربونه وتتركونه بإثبات النون (قال) أنس: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: (هذا) المكان (مصرع فلان) أي موضعه الذي يصرع فيه حين يقتل (قال) أنس: (ويضع) صلى الله عليه وسلم (يده على الأرض) التي هي مصرعه قائلًا (ها هنا) مصرع فلان (وههنا) مصرع فلان يعني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه مصارع صناديد الكفار من قتلى بدر قبل قتالهم (قال) أنس: (فما ماط) أي ما تباعد (أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين قتل وفي الحديث معجزتان للنبي صلى الله عليه وسلم الأولى إخباره عن الغلام بأنه صادق في أنه رأى أبا جهل وغيره والثانية إخباره عن مصارع رؤساء قريش قبل قتلهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبر داود [2681]، أخرجه في كتاب الجهاد. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول: حديث عباس بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد المطلب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث البراء بن عازب ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد أيضًا والرابع: حديث عبد الله بن عمرو أو ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

625 - (18) باب فتح مكة وإزالة الأصنام من حول الكعبة وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل قرشي صبرا بعد الفتح

625 - (18) باب فتح مكة وإزالة الأصنام من حول الكعبة وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل قرشي صبرًا بعد الفتح 4488 - (1727) (72) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: وَفَدَتْ وُفُودٌ إِلَى مُعَاوَيةَ. وَذلِكَ فِي رَمَضَانَ. فَكَانَ يَصْنَعُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ الطَّعَامَ. فَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَدْعُونَا إِلَى رَحْلِهِ. فَقُلْتُ: أَلا أَصْنَعُ طَعَامًا فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى رَحْلِي؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 625 - (18) باب فتح مكة وإزالة الأصنام من حول الكعبة وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل قرشي صبرًا بعد الفتح 4488 - (1727) (72) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي صدوق من (9) (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة، من (7) (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) البصري ثقة، من (4) (عن عبد الله بن رباح) الأنصاري المدني ثم البصري ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن رباح (وفدت وفود) أي جاءت جماعة مختارة من القوم (إلى معاوية) بن أبي سفيان زمن خلافته وجملة قال قائلها عبد الله بن رباح الراوي عن أبي هريرة والمراد أنه وفد وفد إلى معاوية رضي الله عنه وهو بالشام وإن في الوفد أبو هريرة وعبد الله بن رباح (وذلك) أي وفود الوفد إلى معاوية كان (في رمضان فكان) الشأن (يصنع) أي يصلح ويطبخ (بعضنا) أي بعض الوفود (لبعض) آخر منهم (الطعام) على النوبة ويطعمهم في منزله كانوا مسافرين فيصنعون طعامهم في رحالهم ويتناوبون في ذلك وقال القاضي عياض لم يكن ذلك على سبيل المعاوضة بل على وجه المكارمة والعزومة لقول أبي هريرة سبقتني كما سيأتي ولقول عبد الله وكان أبو هريرة كثيرًا ما يدعونا إلى رحله ففيه ما كان عليه السلف من الكرم والمنافسة فيه وبر بعضهم بعضًا اهـ من الأبي (فكان أبو هريرة مما يكثر) فيه استعمال ما الموضوعة لغير العاقل بمعنى من الموضوعة للعاقل أي وكان أبو هريرة ممن يكثر (أن يدعونا إلى رحله) أي منزله ليطعمنا قال عبد الله بن رباح (فقلت) لنفسي: (ألا) حرف عرض واستفتاح (أصنع طعامًا فأدعوهم) بالنصب بعد الفاء الواقعة في جواب العرض (إلى رحلي) ومنزلي أي ليكن مني صنع طعام فدعوتي إياهم

فَأَمَرْتُ بِطَعَامٍ يُصْنَعُ. ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا هُرَيرَةَ مِنَ الْعَشِيِّ. فَقُلْتُ: الدَّعْوَةُ عِنْدِي اللَّيلَةَ. فَقَال: سَبَقْتَنِي. قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَوْتُهُمْ. فَقَال أَبُو هُرَيرَةَ: أَلا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ؟ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ فَقَال: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. فَبَعَثَ الزُّبَيرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَينِ. وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الأُخْرَى. وَبَعَثَ أَبَا عُبَيدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى منزلي (فأمرت) الخادم (بـ) ـإحضار (طعام يصنع) أي يطبخ للوفود (ثم لقيت أبا هريرة من العشي). أي في العشي أي في آخر النهار (فقلت) له (الدعوة) أي دعوة الطعام (عندي الليلة) أي في هذه الليلة المستقبلة يعني العشاء عندي في هذه الليلة (فقال) لي أبو هريرة: سبقتني يا عبد الله إلى الدعوة وكنت أنا أريد الدعوة ولكن فالحق للسابق فـ (ـقلت) له: (نعم) سبقتك قال عبد الله: (فدعوتهم) أي فدعوت الوفود الذين وفدنا معهم إلى منزلي فاجتمعوا عندي (فقال) لنا (أبو هريرة): ونحن ننتظر الطعام (ألا أعلمكم بحديث من حديثكم) أي من حديث فيه شرفكم وفضلكم (يا معشر الأنصار ثم ذكر) أبو هريرة بحديث فيه قصة (فتح مكة) المكرمة وقوله: (ألا أعلمكم) ظاهره أنه المبتدئ بالحديث وسيأتي في الطريق الثاني أنهم كانوا في انتظار إدراك الطعام فقال عبد الله بن رباح لو حدثتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدركنا طعامنا وبين ما هنا وما سيأتي معارضة ووجه الجمع بينهما أن عبد الله بن رباح طلب منه التحديث فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم الخ فذكر في كل من الطريقتين ما لم يذكر في الآخر وقوله (ثم ذكر فتح مكة) قال القاضي: اختار ذكر فتح مكة ليعلم من لم يحضره من أبناء الأنصار (فقال) أبو هريرة في سوق الحديث (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى مكة فانطلق (حتى قدم مكة فبعث) أي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (الزبير على إحدى المجنبتين) وهي الميسرة أي على إحدى القطعتين اللتين تمشيان جانبي الجيش وهما الميمنة والميسرة ويكون القلب بينهما والمجنبتان بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة ومجنبة العسكر جانبه والقلب هنا يكون من أسماء فرق الجيش كالميمنة والميسرة لأن ترتيب الجيش إذ ذاك كان على خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة ولهذا كان يسمى خميسًا (وبعث) أي أمر (خالدًا) بن الوليد (على المجنبة الأخرى) وهي الميمنة (وبعث أبا عبيدة) بن الجراح القرشي الفهري اسمه

عَلَى الْحُسَّرِ. فَأَخَذُوا بَطنَ الْوَادِي. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَةٍ. قَال: فَنَظَرَ فَرآنِي. فَقَال: "أَبُو هُرَيرَةَ" قُلْتُ: لَبَّيكَ. يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَال: "لَا يَأتِيني إِلَّا أَنصَارِيٌّ". زَادَ غَيرُ شَيبَانَ: فَقَال: "اهْتِف لي بِالأَنصَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر بن عبد الله بن الجراح (على الحسر) أي الذين لا دروع عليهم جمع حاسر كما مر والمراد بهم هنا الرجالة ووقع التصريح بذلك في الطريق الآتي حيث سماهم البياذقة وهم الرجالة (فأخذوا) أي الحسر (بطن الوادي) أي وسطه والحاصل أنه كان الزبير وخالد على المجنبتين (ورسول الله صلى الله محليه وسلم في كتيبة) وهي القلب وكان أبو عبيدة على الرجالة وهي الساقة والكتيبة هي القطعة العظيمة من الجيش وقوله (فأخذوا بطن الوادي) ولعل ذلك كان قبل دخول مكة قال الحافظ: وقد ساق دخول خالد والزبير موسى بن عقبة سياقًا واضحًا فقال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم. وأمره أن يدخل من كداء بالفتح والمد أي بأعلى مكة وأمره أن يركز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة أي من كدى بالضم والقصر وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة اهـ (قال) أبو هريرة: (فنظر) رسول الله جوانبه (فرآني فقال) لي أنت (أبو هريرة قلت) له نعم أنا أبو هريرة (لبيك) أي أجبتك ماذا تريد (يا رسول الله فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناد لي في الناس ولكن (لا يأتيني إلا أنصاري) بإثبات لام الفعل على صيغة النفي وفي رواية لا يأتني بالجزم على النهي (زاد غير شيبان) ممن روى هذا الحديث كعبد الله بن هاشم وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي لفظة اهتف بالأنصار حيث قال في روايته (فقال) لي رسول الله صلى اللأ عليه وسلم: (اهتف) أي صح (لي بالأنصار) وادعهم لي ولا يأتني غير أنصاري قال النووي: إنما خصهم لثقته بهم ورفعا لمراتبهم وإظهارًا لجلالتهم وخصوصيتهم وقال المنذري في تلخيص أبي داود [4/ 242]، الهتف الصوت يقال: هتف به إذا صاح به وهذا ثقة منه صلى الله عليه وسلم بهم واستنابة إليهم وتقريب لهم لما قرب من قومه ودارهم وقد كان معه هناك المهاجرون أيضًا يحيطون به قال القاضي وبهذا يجمع بين ما في البخاري أن كتيبة الأنصار كانت مع سعد بن عبادة وكتيبة المهاجرين

قَال: فَأَطَافُوا بِهِ. وَوَبَّشَت قُرَيشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وَأَتبَاعًا. فَقالُوا: نُقدِّمُ هؤُلاءِ. فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيءٌ كُنا مَعَهُمْ. وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَينَا الَّذِي سُئِلْنَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ" ثُمَّ قَال بِيَدَيهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى. ثُمَّ قَال: "حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت مع الزبير فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في كتيبة المهاجرين والأنصار فدل ما في مسلم أنه دعا الأنصار فجمعهم بعد افتراقهم أو أنه بعد الاجتماع وهو بذي طوى على ما في السير كذا في شرح الأبي [5/ 113] (قال) أبو هريرة: فناديتهم فجاؤوا واجتمعوا (فأطافوا به) صلى الله عليه وسلم أي أحاطوا به (ووبشت) بتشديد الباء من التوبيش أي جمعت (قريش) أي كفارها (أوباشًا لها) أي جموعًا لها من قبائل شتى أي جمعت جموعأ لها وقدمتهم قدامها ليقاتلوا جيش المسلمين (وأتباعًا) لها من قبائل العرب ممن يوافقهم على قتال المسلمين (فقالوا) أي قالت قريش فيما بينهم (نقدم هولاء) الأوباش لقتال المسلمين (فإن كان لهم) أي لهؤلاء الأوباش (شيء) من الانتصار على المسلمين (كنا معهم) أي مع هؤلاء الأوباش أي لحقنا بهم (وإن أصيبوا) أي وإن أصيب هؤلاء الأوباش بالقتل والجراح من المسلمين وانهزموا (أعطينا) المسلمين الأمر (الدي سئلنا) وطلبنا به أي أعطينا المسلمين الأمر الذي طلبوه منا من الخراج والجزية والعهد والانقياد لهم فلا يقتل منا أحد والمعنى إن ثبت هؤلاء الأوباش على مقاومة المسلمين وقرب انتصارهم عليهم لحقناهم في قتال المسلمين للاتصار عليهم وإن انهزم هؤلاء الأوباش أعطينا المسلمين ما يريدون منا من الاستسلام والخراج والفداء (فقال) لهم أي للأنصار (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أ (ترون) وتنظرون أيها الأنصار (إلى) اجتماع (أوباش) وقبائل شتى من (قريش وأتباعهم) من سائر العرب لقتالنا (ثم) بعد هذا القول لهم (قال) أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيديه) الشريفتين حالة كون (أحداهما) موضوعة (على الأخرى) إلى هيئة الأوباش المجتمعة واتحادهم في قتال المسلمين أو أشار إلى أمر الأنصار بقتلهم وحصدهم واستئصالهم وإعدامهم كما هو مصرح في الرواية الآتية من هذا الحديث ففيه إطلاق القول على الفعل (ثم) بعدما أشار لهم بحصدهم وقتلهم (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بهم (حتى توافوني) وتلقوني وتأتوني (بالصفا) بعد انتصاركم على

قَال: فَانْطَلَقْنَا. فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ. وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَينَا شَيئًا. قَال: فَجَاءَ أبُو سُفْيَانَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيشٍ. لَا قُرَيشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. ثُمَّ قَال: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِن" فَقَالتِ الأَنْصَارُ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَرَأفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشركين وكان النبي صلى الله عليه وسلم علا الصفا بعد طوافه بالبيت تحية لها كما سيأتي (قال) أبو هريرة: (فانطلقنا) أي ذهبنا إلى مقابلة المشركين بالقتال (فما شاء أحد منا) أي من المسلمين (أن يقتل أحدًا) من المشركين (إلا قتله) أي لا يقدر أحد منهم أن يدفع عن نفسه (وما أحد منهم) أي من المشركين يقدر أن (يوجه) ويرسل (إلينا شيئًا) من سلاحه رعبًا وخوفًا منا والمراد أنهم لا يقدرون على أن يدفعوا عن أنفسهم لقيام الرعب في قلوبهم (قال) أبو هريرة (فجاء أبو سفيان) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد أسلم قبل ذلك (فقال: يا رسول الله أبيحت) واستؤصلت (خضراء قريش) وجماعتهم وأبيحت دماؤهم قال عياض وخضراء قريش كناية عن جماعتهم ويعبر عن الجماعة بالسواد والخضرة وقال ابن الأثير: والعرب تعبر بالخضرة عن السواد وبالسواد عن الكثرة ومنه السواد الأعظم اهـ جامع الأصول [8/ 372] هكذا في هذه الرواية (أبيحت) وفي التي بعدها (أبيدت) وهما متقاربتان أي استؤصلت قريش وأفنيت (لا قريش) موجودة (بعد اليوم) أي لا أحد منهم موجود إن استمر فيه هذا الحال والشأن وهذا صريح في أنهم أثخنوا فيهم بالقتل بكثرة فهو مؤيد لرواية الطبراني أن خالدًا قتل منهم سبعين (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليفًا لقلب أبي سفيان لكونه حديث العهد بالكفر (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) لا يقتل (فقالت الأنصار بعضهم لبعض أما الرجل) يريدون النبي صلى الله عليه وسلم (فأدركته) أي أخذته ولحقته (رغبة في) سكنى (قريته) يريدون بها مكة (ورأفة) أي شفقة (بعشيرته) أي بأقاربه يريدون قريشًا قال النووي معنى هذا أنهم لما رأوا رأفة النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مكة وكف القتل عنهم ظنوا أنه صلى الله عليه وسلم يرجع إلى سكنى مكة ويقيم فيها ولا يرجع إلى المدينة كما دل عليه قولهم في جوابهم ما قلنا الذي قلنا ألا الظن بالله ورسوله فشق ذلك عليهم فأوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بما قالوا فأعلمه بذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتم كذا وكذا قالوا نعم قد قلنا

قَال أَبُو هُرَيرَةَ: وَجَاءَ الْوَحْيُ. وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْوَحْيُ لَا يَخْفَى عَلَينَا. فَإِذَا جَاءَ فَلَيسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ. فَلَمَّا انْقَضَى الْوَحْيُ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! " قَالُوا: لَبَّيكَ. يَا رَسُولَ اللهِ! قَال: "قُلْتُم: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةً فِي قَرْيَتِهِ". قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَاكَ. قَال: "كَلَّا. إِنِّي عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ. هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإلَيكُمْ. وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ. وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُم". فَأَقْبَلُوا إِلَيهِ يَبْكُونَ وَيقُولُونَ: واللهِ! مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلَّا الضِّنَّ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك كما (قال أبو هريرة وجاء الوحي) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا جاء الوحي) إليه (لا يخفى علينا) حاله لأنه يأخذه الرَّحْضَاء كأنما يغشى عليه (فإذا جاء) هـ الوحي (فليس أحد) منا (يرفع طرفه) وبصره (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي) إليه ويتم (فلما انقضى) وانتهى (الوحي) إليه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله) فلما أجابوه (قال) لهم: هل (قلتم) في شأني (أما الرجل فأدركته) أي أخذته (رغبة) وطمع (في) سكنى (قريته قالوا) أي قالت الأنصار في جوابه: (قد كان) وحصل (ذاك) القول منا (قال: كلا) أي حقًّا (إني عبد الله ورسوله هاجرت) ومعنى كلا هنا أي حقًّا ولها معنيان أحدهما حقًّا والآخر النفي أي حقًّا قصدت (إلى) رضا (الله و) انتقلت من وطني (إليكم) أي إلى وطنكم والمعنى إني هاجرت إلى الله تعالى وإلى دياركم لاستيطانها فلا أتركها ولا أرجع من هجرتي الواقعة لله تعالى إلى وطني بل أنا ملازم لكم (والمحيا) بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الياء المخففة مصدر ميمي بمعنى الحياة وكذا الممات ومعنى والمحيا (محياكم والممات مماتكم) أي حياتي الحياة التي تكون فيكم ومماتي الموت الذي يكون عندكم أي لا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم (فـ) ـلما قال لهم هذا الكلام بكوا واعتذروا و (أقبلوا إليه) حالة كونهم (يبكون ويقولون والله ما قلنا) الكلام (الذي قلنا) هـ (إلا الضن) والبخل والشح (بالله وبرسوله) صلى الله عليه وسلم أي ألا لأجل حرصنا عليك وعلى مصاحبتك ودوامك عندنا لنستفيد منك ونتبرك بك وتهدينا الصراط المستقيم (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله

يُصَدِّقَانِكُمْ وَيعْذِرَانِكُمْ" قَال: فَأَقبَلَ النَّاسُ إِلَى دَارِ أَبِي سُفْيَانَ. وَأَغلَقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ. قَال: وَأَقبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللًهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقبَلَ إِلَى الْحَجَرِ. فَاسْتَلَمَهُ. ثُمَّ طَافَ بِالْبَيتِ. قَال: فَأَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ. قَال: وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ. وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ. فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطعُنُهُ فِي عَينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يصدقانكم) فيما قلتم الآن (ويعذرانكم) فيما قلتم أولًا لأن الله سبحانه يعلم بواطنكم وظواهركم لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو العليم الخبير (قال) أبو هريرة: (فـ) ـلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن (أقبل الناس) أي بعضهم (إلى دار أبي سفيان وأغلق الناس) ودخل بعضهم دورهم وأغلقوا عليهم (أبوابهم قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى البيت (حتى أقبل إلى الحجر) الأسود فاستلمه أي فاستلم الحجر وقبله (ثم طاف بالبيت) قبل صعوده على الصفا وانتظاره الناس عليه كما مر قال النووي وفي الحديث الابتداء بالطواف في أول دخول مكة سواء كان محرمًا بحج أو عمرة أو غير محرم وكان النبي صلى الله عليه وسلم دخلها في هذا اليوم وهو يوم الفتح غير محرم بإجماع المسلمين وكان على رأسه المغفر والأحاديث متظاهرة على ذلك والإجماع منعقد عليه وبه استدل الشافعية والحنابلة على أن من لا يريد الحج والعمرة من أهل الآفاق يجوز له دخول مكة بغير إحرام وقال: المالكية والحنفية لا يجوز لأهل الآفاق دخول مكة ألا بإحرام واعتذروا عن واقعة فتح مكة بحمله على الخصوصية والله أعلم اهـ (قال) أبو هريرة: (فـ) ـعقب طوافه (أتى) رسول الله صلى الله عليه وسلم ومر (على صنم) موضوع إلى جنب البيت كانوا أي كان المشركون يعبدونه قال أبو هريرة وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس سلاح معروف منحني الطرفين يرمي منه السهم (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (أخذ بسية القوس) بكسر السين وفتح الياء المخففة ولامها محذوفة وترد في النسبة فيقال: سيوي والهاء عوض عنها ويقال لسيتها العليا يدها وسيتها السفلى رجلها اهـ من المصباح وقال النووي: السية المحل المنعطف من طرفي القوس (فلما أتى على الصنم) ووصل إليه (جعل) أي شرع (يطعنه) بضم العين على الأفصح ويجوز فتحها على لغة أي شرع أن يطعن الصنم (في عينه) وهذا الفعل إذلال للأصنام وعبدتها وإظهار لكونها لا تضر ولا

وَيقُولُ: "جَاءَ الْحَق وَزَهَقَ الْبَاطِلُ". فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلا عَلَيهِ. حَتَّى نَظَرَ إِلَى البَيتِ. وَرَفَعَ يَدَيهِ. فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللهَ وَيدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ. 4489 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَال بِيَدَيهِ، إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى: "احْصُدُوهُمْ حَصْدًا". وَقَال فِي الْحَدِيثِ: قَالُوا: قُلْنَا: ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "فَمَا اسْمِي إِذًا؟ كَلَّا إِنِّي عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تنفع عن نفسها كذا في شرح النووي (ويقول) بلسانه (جاء الحق) وثبت (وزهق الباطل) أي بطل واضمحل وانمحى (فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت) من باب الصفا (ورفع يديه) في دعائه (فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو) من خيري الدنيا والآخرة وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود أخرجه في الخراج والإمارة مختصرًا رقم (3024) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4489 - (00) (00) (وحدثنيه عبد الله بن هاشم) بن حبان بتحتانية العبدي النيسابوري ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب ولم يرو عنه غير مسلم من أصحاب الأمهات (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة، من (9) (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة، من (7) (بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن ابن رباح عن أبي هريرة غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة بهز لشيبان بن فروخ (و) لكن (زاد) بهز على شيبان في الحديث لفظة (ثم قال) أي أشار النبي صلى الله عليه وسلم (بيديه) أي بكفيه الشريفتين إلى أن (احصدوهم) أي استأصلوا المشركين (حصدًا) أي استئصالًا أي اقتلوهم قتل استئصال الزيادة هو لفظ احصدوهم حصدًا وهو من حصد من بأبي نصر وضرب (وقال) بهز أيضًا (في) هذا (الحديث قالوا) أي قال الأنصار له صلى الله عليه وسلم (قلنا ذاك) القول الذي سمعته (يا رسول الله) من قولنا أما الرجل فقد أدركته رغبة في قريته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: (فما اسمي إذًا) أي إذا رجعت إلى استيطان مكة فيكون اسمي إذًا مذممًا لا محمدًا لنقضي عهدكم على ملازمتكم لكون هذا النقض غير مطابق لما اشتق منه اسمي محمد وهو الحمد وكنت إذًا أوصف بغير الحمد وهو الذم (كلا) أي حقًّا (إني عبد الله ورسوله) والرسول لا ينقض العهد لأنه

4490 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ. قَال: وَفَدْنَا إِلَى مُعَاويةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَفِينَا أبُو هُرَيرَةَ. فَكَانَ كُل رَجُلٍ مِنَّا يَصْنَعُ طَعَامًا يَوْمًا لأَصْحَابِهِ. فَكَانَتْ نَوْبَتِي. فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ! الْيَوْمُ نَوْبَتِي. فَجَاؤُوا إِلَى الْمَنْزِلِ، وَلَمْ يُدْرِكْ طَعَامُنَا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خيانة وقال النووي ويحتمل قوله هذا وجهين أحدهما أني رسول الله حقًّا فيأتيني الوحي وأخبر بالمغيبات كهذه القضية وشبهها فثقوا بما أقول لكم وأخبركم به في جميع الأحوال والوجه الآخر ولا تفتتنوا بإخباري إياكم بالمغيبات وتطروني كما أطرت النصارى عيسى - عليه السلام - فإني عبد الله ورسوله اهـ. قال القاضي عياض رحمه الله يحتمل هذا الكلام معنيين أحدهما أنه أراد صلى الله عليه وسلم أني نبي لإعلامي إياكم بما تحدثتم سرًّا والثاني لو فعلت هذا الذي خفتم منه وفارقتكم ورجعت إلى استيطان مكة لكنت ناقضًا لعهدكم في ملازمتكم ولكان هذا غير مطابق لما اشتق منه اسمي وهو الحمد فإني أكون حينئذٍ أوصف بغير الحمد اهـ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4490 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا يحيى بن حسان) بن حيان البكري البصري ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت) بن أسلم البناني (عن عبد الله بن رباح) الأنصاري البصري ثقة، من (3) (قال) عبد الله بن رباح (وفدنا) أي حضرنا معاشر الوفود (إلى معاوية بن أبي سفيان) في الشام (وفينا أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن المغيرة قال عبد الله بن رباح (فكان كل رجل منا) أي من الوافدين (يصنع) أي يصلح (طعامًا يومًا لأصحابه) أي لرفقته فكانت نوبتي أي جاءت نوبتي أي سيرتي في إصلاح الطعام للرفقة (فقلت با أبا هريرة اليوم) أي هذا اليوم (نوبتي) أي يوم نوبتي (فجأووا) أي فجاء أصحابي ورفقتي (إلى المنزل) أي منزلي والحال أنه (لم يدرك) أي لم ينضج (طعامنا) الذي هيأناه لهم (فقلت يا أبا هريرة لو حدثتنا) حديثًا (عن رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدْرِكَ طَعَامُنَا. فَقَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ. فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى. وَجَعَلَ الزُّبَيرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى. وَجَعَلَ أَبَا عُبَيدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطنِ الْوَادِي. فَقَال: "يَا أَبَا هُرَيرَةَ! ادْعُ لِي الأَنْصَارَ" فَدَعَوْتُهُمْ. فَجَاؤُوا يُهَرْولُونَ. فَقَال: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيشٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَال: "انْظُرُوا. إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصِدُوهُمْ حَصْدًا" وَأَخْفَى بِيَدِهِ. وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ. وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم حتى يدرك) ويطبخ (طعامنا) لكان خيرًا وقوله لم يدرك طعامنا أي جاؤوا والحال أن طعامنا لم يتم طبخه ولم يبلغ أوان تناوله فصاروا ناظرين إناه فقال أبو هريرة: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح) أي يوم فتح مكة (فجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالد بن الوليد) أميرًا (على المجنبة اليمنى وجعل الزبير) أميرًا (على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة) بن الجراح أميرًا (على البياذقة) هم الرجالة فارسية معربة ذكر النووي عن القاضي عياض أن المراد بهم ها هنا هو الحسر في الرواية السابقة وهم رجالة لا درع عليهم وقوله (و) على من في (بطن الوادي) من غير البياذقة معطوف على البياذقة أي جعل أبا عبيدة على جميع من في بطن الوادي وهم من كانوا بين المجنبتين وهم المسمون بالقلب (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة ادع لي الأنصار فدعوتهم فجاؤوا) أي فجاء الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونهم (يهرولون) بضم الياء وفتح الهاء وسكون الراء وكسر الواو مضارع من الهرولة وهو الإسراع في المشي أي جاؤوا يسرعون في المشي (فـ) ـلما جاؤوا (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش) أي جموعهم من قبائل شتى (قالوا) أي قال الأنصار: (نعم) يا رسول الله نراهم (قال) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظروا) إلى ما أشير لكم به (إذا لقيتموهم) أي إذا قابلتموا قريشًا (غدًا) أي في الغد عليكم (أن تحصدوهم) هكذا (حصدًا) كحصد الزرع أي أن تقتلوهم قتلًا ذريعًا وتستأصلوهم استئصالًا بليغًا وأشار بيده اليمنى إلى ذلك الاستئصال (و) قد (أخفى) في إشارته لنا (بيده) عن غيرنا (ووضع يمينه) أي جعل كفه اليمنى محرفًا لها كأنها السيف (على شماله) أي فوق كفه اليسرى كأنها المقتول والغرض من هذه الإشارة الأمر لهم بإيقاع القتل الذريع فيهم كأنهم الزرع المحصود بالمناجل (وقال) لنا:

"مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا" قَال: فَمَا أَشرَفَ يَومَئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ. قَال: وَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصَّفَا. وَجَاءَتِ الأَنْصَارُ. فَأَطَافُوا بِالصَّفَا. فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أُبِيدَت خَضرَاءُ قُرَيشٍ. لَا قُرَيشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. قَال أَبُو سُفْيَانَ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ. وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ. وَمَنْ أَغلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ" فَقَالتِ الأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ. وَرَغبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ. وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "قُلْتُم: أَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ (موعدكم) أي مكان اجتماعكم معي بعد هذا القتل الذريع (الصفا) أي جبل الصفا يعني قال هذا لخالد ومن معه الذين أخذوا أسفل بطن الوادي وأخذ هو صلى الله عليه وسلم ومن معه أعلى مكة طريق الحجون (قال) أبو هريرة: (فما أشرت) وظهر (يومئذٍ) أي يوم فتحوا مكة (لهم) أي للصحابة (أحد) من المشركين (لا أناموه) أي ألا قتلوه وأسقطوه على الأرض أو المعنى ألا أسكنوه بالقتل كالنائم يقال: نامت الريح إذا سكنت وضربه حتى سكن أي مات ونامت الشاة وغيرها إذا ماتت وقال الفراء النائمة الميتة اهـ نووي وفي هذا دليل على أن مكة فتحت عنوة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد والجمهور وقال الشافعي: فتحت صلحًا وادعى المازري أن الشافعي منفرد بهذا القول واحتج الجمهور بهذا الحديث وبقول أبي سفيان أبيدت خضراء قريش وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) الخ دليل على كون مكة فتحت عنوة لأنها لو كانت مفتوحة صلحًا لكان كل منهم آمنًا فلم يحتج إلى تعيين الآمنين منهم والله أعلم (قال) أبو هريرة: (وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد فراغه من الطواف (الصفا) أي على جبل الصفا (وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت) أي هلكت وأفنيت (خضراء قريش) أي جموعهم (لا قريش) موجود (بعد اليوم قال أبو سفيان) أي نادى أبو سفيان في الناس بعد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك النداء بقوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو أمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن فقالت الأنصار: أما الرجل فقد أخدته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فـ (قال) للأنصار: أنتم (قلتم أما

الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَدَتهُ رَأفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ. أَلا فَمَا اسمِي إذًا! (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) أَنا مُحَمَّدٌ عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ. هَاجَرْتُ إلَى اللهِ وَإِلَيكُمْ. فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ". قَالُوا: وَاللهِ! مَا قُلْنَا إِلَّا ضِنًّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ. قَال: "فَإِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيعْذِرَانِكُمْ". 4491 - (1728) (73) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أبِي شَيبَةَ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل فقد أخذته رأفة) وشفقة (بعشيرته) أي بأقاربه (ورغبة) أي طمع (في) سكنى (قريته) أي مكة (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا أيها الأنصار واستمعوا إلى ما أقول لكم (فما اسمي إذًا) أي إذا أخذتني رغبة في قريتي بمقتضى قولكم ونقضت بيعتكم على مساكنتكم فإن اسمي حينئذٍ مذمم لا رسول أمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك (ثلاث مرات) يعني قوله فما اسمي إذًا ولكن (أنا محمد) بوفاء بيعتكم لا مذمم (عبد الله ورسوله) الأمين لا خائن يشير بهذا إلى أكمليته صلى الله عليه وسلم في الوجود وإلى اسمه الشريف كما قال حسان بن ثابت فيما مدحه به وهو أعلى مدح المادحين: أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله من نور يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد اهـ من تعليق الذهني. (هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم قالوا) أي قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما قلنا) ذلك (إلا ضنًا) وشحًا وبخلًا (بالله ورسوله) صلى الله عليه وسلم وحرصا على مساكنته فـ (ـقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن الله ورسوله يصدقانكم) فيما تقولون الآن (ويعذرانكم) فيما قلتم أولًا ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال. 4491 - (1728) (73) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ) الآتي (لابن أبي شيبة فالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار

عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ. وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا. فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ. ويقُولُ: (جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِل إِنَّ البَاطِلَ كانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81] {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقفي أبي يسار المكي ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن مجاهد) بن جبر المخزومي أبي الحجاج المكي ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي معمر) الأسدي عبد الله بن سخبرة الكوفي ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (قال) ابن مسعود: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة) يوم الفتح (وحول الكعبة) أي والحال أنه حول الكعبة المشرفة (ثلاثمائة وستون نصبًا) بضم النون والصاد وقد تسكن الصاد واحدة الأنصاب وهي كل ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى من الأصنام وقد يطلق النصب ويراد بها الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام وليست مرادة هنا وقد تطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا أيضًا اهـ فتح الباري [8/ 17]، وقيل هو جمع نصاب والمراد حجارة لهم يعبدونها ويذبحون عليها قيل هي الأصنام وقيل غيره فإن الأصنام صور منقوشة والأنصاب بخلافها كذا في النووي (فجعل) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (يطعنها بعود كان بيده) الشريفة وفي رواية الترمذي (بمخصرة) وروى ابن عباس عند الفاكهي والطبراني قال: (فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه) مع أنها كانت ثابتة بالأرض وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص وفي حديث ابن عمر عن الفاكهي وصححه ابن حبان (فيسقط الصنم ولا يمسه) (ويقول: (جَاءَ الحَق)) أي ظهر وثبت (وَزَهَقَ البَاطِل) من باب فتح أي زال وبطل واضمحل وهلك كذا في تاج العروس يقال: (زهقت نفسه) من باب فتح إذا خرجت من الأسف على الشيء قال تعالى: (وَتَزهَقَ أنفُسُهُمْ) كما في المفردات (إِن البَاطِلَ كانَ زَهُوقًا) [إلاسراء / 81] أي مضمحلًا منمحيًا منعدمًا {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ} أي ما يبتدئ الباطل الجديد ويبتدع {وَمَا يُعِيدُ} [سبأ / 49] أي وما يعود الباطل الماضي مرة أخرى قال الزمخشري والحي إما أن يبتدئ فعلًا أو يعيده فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة فجعلوا قولهم لا يبدئ ولا يعيد مثلًا في الهلاك ومنه قول عبيد أفقر من أهله عبيد

زَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: يَوْمَ الْفَتْحِ. 4492 - (00) (00) وحدّثناه حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: زَهُوقًا. وَلَمْ يَذْكُرِ الآيَةَ الأُخْرَى. وَقَال: (بَدَلَ نُصُبًا) صَنَمًا. 4493 - (1729) (74) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَوَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فاليوم لا يبدئ ولا يعيد والمعنى جاء الحق وهلك الباطل قال المؤلف رحمه الله تعالى (زاد) محمد (بن أبي عمر) على غيره لفظة (يوم الفتح) في قوله (دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح) الخ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4287]، والترمذي [3138]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4492 - (00) (00) (وحدثناه حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) الخلال أبو علي المكي ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي من (11) (كلاهما عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا) سفيان بن سعيد (الثوري) الكوفي (عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار الثقفي المكي (بهذا الإسناد) يعني عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله غرضه بيان متابعة الثوري لابن عيينة وساق الثوري (إلى قوله (زَهُوقًا) ولم يذكر) الثوري (الآية الأخرى) أي الأخيرة يعني قوله {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (وقال) الثوري: (بدل نصبًا صنمًا) وهذا بيان لمحل المخالفة بين السفيانين ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث مطيع بن الأسود رضي الله عنه فقال. 4493 - (1729) (74) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي (عن) عامر بن شراحيل الشعبي الكوفي (قال: أخبرني عبد الله بن مطيع) بن الأسود بن حارثة بن نضلة العدوي المدني من أولاد الصحابة له رؤية روى عن أبيه مطيع بن الأسود في الجهاد ويروي عنه (م) والشعبي وابنه إبراهيم قال الزبير: كان جلدًا شجاعًا قتل مع ابن الزبير سنة (73) ثلاث وسبعين وقال ابن حبان له صحبة له في

عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، يَوْمَ فَتحِ مَكَّةَ: "لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبرًا بَعْدَ هذَا الْيَوْمِ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 4494 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: قَال: وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ أحَدٌ مِنْ عُصَاةِ قُرَيشٍ، غَيرَ مُطِيعٍ. كَانَ اسْمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (م) حديث واحد (لا يقتل قرشي صبرًا بعد اليوم) الحديث ذكره في تهذيب التهذيب (محن أبيه) مطيع بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي أبي عبد الله المدني الصحابي المشهور من مسلمة الفتح رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا في الجهاد ويروي عنه (م) وابنه عبد الله ليس له ألا هذا الحديث الواحد عند مسلم مات في خلافة عثمان بالمدينة وكان اسمه العاص بن الأسود فسماه النبي صلى الله عليه وسلم مطيعًا وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وولد عن والد (قال) مطيع بن الأسود (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة لا يقتل قرشي) أي شخص منسوب إلى قريش (صبرًا) والقتل صبرًا أن يوثق المقتول ويرميه القاتل من قبل وجهه أي لا يقتل قرشي على الكفر (بعد هذا اليوم) يعني يوم فتح مكة (إلى يوم القيامة) والمعنى (لا يقتل قرشي صبرًا) أي حبسًا للقتل موثقًا بالحبل لأجل كفره فأما في القود فيقتل صبرًا قال النووي: قال العلماء معناه الإعلام بأن قريشًا يسلمون كلهم ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده صلى الله عليه وسلم ممن حورب وقتل صبرًا أي حبسًا لكفره وليس المراد أنهم لا يقتلون ظلمًا صبرًا فقد جرى على قريش بعد ذلك ما هو معلوم والله أعلم اهـ وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكن أخرجه الدارمي في سننه [2/ 119] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث مطيع بن الأسود رضي الله عنه فقال. 4494 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن عبد الله بن مطيع غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لعلي بن مسهر ووكيع بن الجراح (و) لكن (زاد) عليهما عبد الله بن نمير لفظة (قال) مطيع أو عبد الله بن مطيع (ولم يكن أسلم أحد من عصاة قريش فبر مطيع) بن الأسود (كان اسمه) أي اسم المطيع في الجاهلية

الْعَاصِي. فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُطِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (العاص) يجمع على أعواص لأنه من أسماء الأعلام لا من الصفات لأنه لو كان من أسماء الصفات يقال فيه العاصي بالياء فيجمع على عصاة كالقاضي يجمع على قضاة اسم فاعل من عصى يعصي إذا أذنب وأما العاص فهو من عاص يعيص إذا تكبر على غيره فهذا الثاني هو المقصود هنا أي ما كان أسلم ممن كان اسمه العاص مثل العاص بن وائل السهمي والعاص بن هشام أبي البختري والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية والعاص بن هشام بن المغيرة المخزومي والعاص بن منبة بن الحجاج وغيرهم سوى العاص بن الأسود العدوي فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه فسماه مطيعًا وإلا فقد أسلمت عصاة قريش وعتاتهم كلهم بحمد الله تعالى ولكنه ترك أبا جندل بن سهيل بن عمرو وهو ممن أسلم واسمه أيضًا العاص فإذا صح هذا فيحتمل أن هذا لما غلبت عليه كنيته وجهل اسمه لم يعرفه المخبر باسمه فلم يستثنه كما استثنى مطيع بن الأسود والله أعلم اهـ من شرح النووي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث مطيع بن الأسود ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

626 - (19) باب صلح الحديبية والوفاء بالعهد

626 - (19) باب صلح الحديبية والوفاء بالعهد 4495 - (1730) (75) حدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الصُّلْحَ بَينَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبَينَ الْمُشْرِكِينَ، يَوْمَ الْحُدَيبِيَةِ. فَكَتَبَ: "هذَا مَا كَاتَبَ عَلَيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 626 - (19) باب صلح الحديبية والوفاء بالعهد والحديبية بضم الحاء وفتح الدال وإسكان الياء الأولى وكسر الباء وأما الياء الثانية فاختلفوا فيها فمنهم من شددها ومنهم من خففها وصحح الشافعي التشديد وقيل: كلاهما صحيح أهل المدينة يشددونها وأهل العراق يخففونها وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة سميت باسم بئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها بينها وبين مكة مرحلة وبعض الحديبية من الحل وبعضها من الحرم وهي أبعد أرض الحل من البيت كذا في معجم البلدان للحموي [6/ 229] ويعرف هذا الموضع اليوم بالشميسي ويقع في الطريق القديم ما بين جدة ومكة وقصة غزوة الحديبية معروفة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه يريد العمرة فمنعه الكفار من دخول مكة فاستعد الصحابة للقتال حتى وقع هذا الصلح. 4495 - (1730) (75) (حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي عمرو بن عبد الله ثقة، من (3) (قال: سمعت البراء بن عازب) رضي الله عنه (يقول: كتب علي بن أبي طالب الصلح) على وضع القتال (بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم الحديبية) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان (فكتب) علي رضي الله عنه كتاب عقد الصلح بلفظ (هذا) المكتوب (ما) أي شيء (كاتب) أي صالح (عليه محمد رسول الله) وكاتب مفاعلة من الكتاب بمعنى الحكم وفي الرواية الآتية (هذا ما قاضى عليه محمد) قال العلماء: معنى قاضى هنا فاصل وأمضى أمره ومنه قضى القاضي أي فصل الحكم وأمضاه ولذلك سميت تلك السنة عام المقاضاة وعمرة القضية وعمرة القضاء كله من هذا وغلطوا من قال: إنها سميت عمرة القضاء لقضاء العمرة التي صد عنها لأنه لا يجب قضاء المصدود عنها إذا

فَقَالُوا: لَا تَكْتُبْ: رَسُولُ اللهِ. فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: "امْحُهُ" فَقَال: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ. فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. قَال: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا. أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُقِيمُوا بِهَا ثَلاثًا. وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تحلل بالإحصار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك العام. وفي هذا الحديث دليل على أنه يجوز أن يكتب في أول الوثائق وكتب الأملاك والصداق والعتق والوصية ونحوها هذا ما اشترى فلان أو هذا ما أصدق فلان أو وقف أو أعتق ونحوه هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور من العلماء وعليه عمل المسلمين في جميع الأزمان وجميع البلدان من غير إنكار قال القاضي عياض وفيه دليل على أنه يكتفى في ذلك بالاسم المشهور من غير زيادة خلافًا لمن قال لا بد من أربعة المذكور وأبيه وجده ونسبه وفيه أن للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة للمسلمين وإن كان لا يظهر ذلك لبعض الناس في بادئ الرأي وفيه احتمال المفسدة اليسيرة لدفع أعظم منها أو لتحصيل مصلحة أعظم منها إذا لم يمكن ذلك ألا بذلك اهـ نووي (فقالوا) أي فقال المشركون أي بعضهم كسهيل بن عمرو لعلي (لا تكتب) لفظة (رسول الله فلو نعلم أنك) محمد (رسول الله لم نقاتلك) ولم نمنعك عن البيت كما هو رواية البخاري (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: امحه) أي امح رسم رسول الله وامسحه (فقال) علي: (ما أنا بالذي أمحاه) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ وهي لغة في أمحوه يقال محاه يمحوه ويمحاه كلتاهما لغتان صحيحتان كما في تاج العروس. قال الحافظ في الفتح [7/ 503] (كأن عليًّا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتمًا فلذلك امتنع من امتثاله) ووقع في رواية للنسائي عن علي رضي الله عنه (فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنه رسول الله ما قاتلناه امحها فقلت هو والله رسول الله رغم أنفك لا والله لا أمحها) وبهذا يظهر أن أول من أمره بالمحو سهيل فأجابه بذلك ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أشار عليه بعد ذلك بالمحو فأعاد جوابه اهـ وفي رواية البخاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: فأرنيه قال فأراه إياه (فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة بعد إراءة مكانه بأمره صلى الله عليه وسلم (قال) البراء: (وكان فيما اشترطوا) عليهم (أن يدخلوا مكة) في العام المقبل (فيقيموا بها ثلاثًا) من الليالي مع أيامه (ولا

يَدْخُلُهَا بِسِلاحٍ، إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلاحِ. قلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ: وَمَا جُلُبَّانُ السِّلاحَ؟ قَال: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ. 4496 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: لَمَّا صَالحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْحُدَيبِيَةِ، كَتَبَ عَلِيٌّ كِتَابًا ـــــــــــــــــــــــــــــ يدخلها بسلاح إلا جلبان السلاح) وفي الرواية الآتية إلا بجلبان السلاح بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة كذا رواه الأكثرون وصوبه ابن قتيبة وغيره وضبطه بعضهم بإسكان اللام وتخفيف الباء كذا ذكره الهروي وصوبه هو وثابت ولم يذكر ثابت سواه وهو ألطف من الجراب يكون من الأدم يوضع فيه السيف مغمدا ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه على الرحل والمعنى وكان فيما شرطوا عليهم أن لا يدخلوا مكة ألا وسيوفهم مغمدة قال العلماء: وإنما شرطوا هذا لوجهين أحدهما أن لا يظهر منهم دخول الغالبين القاهرين والثاني إن عرض فتنة أو نحوها يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة كذا في شرح النووي. قال شعبة: (قلت لأبي إسحاق وما) معنى (جلبان السلاح قال) أبو إسحاق في تفسيره الجلبان (القراب وما فيه) قال في النهاية القراب شبه الجراب يطرح فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه وقد يطرح فيه زاده من تمر وغيره وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها في الجزية في باب المصالحة على ثلاثة أيام [3184]، وأبو داود في المناسك باب المحرم يحمل السلاح [1832] وأحمد في مسنده [4/ 289 و 281 و 302]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال. 4496 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ أي سمعت البراء حالة كونه (يقول لما صالح) وهادن (رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية) أي مع المشركين الذين اجتمعوا معه في الحديبية (كتب علي) بن أبي طالب (كتابًا) أي كتاب

بَينَهُمْ. قَال: فَكَتَبَ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ"، ثُمَّ ذَكَرَ بِنَحْو حَدِيثِ مُعَاذٍ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذكُرْ فِي الْحَدِيثِ: "هذَا مَا كَاتَبَ عَلَيهِ". 4497 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَأحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ. جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ (وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ). أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. أخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: لَمَّا أحْصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيتِ، صَالحَهُ أهْلُ مَكَّةَ عَلَى أنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمَ بِهَا ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ المصالحة (بينهم) أي بين المشركين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) البراء: (فكتب) علي بن أبي طالب في كتاب المصالحة لفظة (محمد رسول الله ثم ذكر) محمد بن جعفر (بنحو حديث معاذ) بن معاذ أي بقريبه في اللفظ والمعنى (غير أنه) أي لكن أن محمد بن جعفر و (لم يذكر في الحديث) جملة (هذا ما كاتب عليه) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4497 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وأحمد بن جناب) بن المغيرة (المصيصي) بكسر الميم والصاد الأولى المشددة نسبة إلى مدينة على ساحل البحر صدوق من (10) (جميعًا عن عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، من (8) (واللفظ لإسحاق) بن إبراهيم قال إسحاق: (أخبرنا عيسى بن يونس أخبرنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الأعمى أبو يحيى الكوفي ثقة، من (6) (عن أبي إسحاق عن البراء) بن عازب رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة زكرياء بن أبي زائدة لشعبة (قال) البراء: (لما أحصر) ومنع (النبي صلى الله عليه وسلم) وأصحابه من الوصول (عند البيت) زادها الله شرفًا قال النووي هكذا هو في جميع نسخ بلادنا (عند البيت) وكذا نقله القاضي عن رواية جميع الرواة سوى ابن الحذاء فإن في روايته (عن البيت) وهو الوجه الصحيح ولكن الكلام على حلنا صحيح والإحصار في الحج هو المنع من طريق البيت (صالحه) أي صالح النبي صلى الله عليه وسلم وهادنه (أهل مكة) من المشركين (على أن) يرجع إلى المدينة في هذا العام و (يدخلها) في العام المقبل (فيقيم بها) أي في مكة (ثلاثًا) من الليالي بلا زيادة قال العلماء: سبب هذا التقدير أن المهاجر من مكة لا يجوز أن يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام وهذا أصل في أن الثلاثة ليس لها حكم الإقامة وأما ما فوقها فله حكم الإقامة وقد رتب الفقهاء على هذا قصر الصلاة فيمن

وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ. السَّيفِ وَقِرَابِهِ. وَلَا يَخرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا. وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ. قَال لِعَلِيٍّ: "اكتُبِ الشرْطَ بَينَنَا. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هذَا مَا قَاضَى عَلَيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ" فَقَال لَهُ الْمُشرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ. وَلكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا. فَقَال عَلِيٌّ: لَا. وَاللهِ! لَا أَمْحَاهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرِنِي مَكَانَهَا" فَأَرَاهُ مَكَانَهَا. فَمَحَاهَا. وَكَتَبَ "ابْنُ عَبْدِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نوى إقامة في بلد في طريقه وقاسوا على هذا الأصل مسائل كثيرة اهـ نووي (و) صالحوه أيضًا على أن (لا يدخلها إلا بجلبان السلاح السيف وقرابه) يعني أوعية السلاح بما فيها ولفظ النهاية (إلا بجلبان السلاح السيف والقوس ونحوه) يريد ما يحتاج في إظهاره والقتال به إلى معاناة لا كالرماح لأنها مظهرة يمكن تعجيل الأذى بها وإنما اشترطوا ذلك ليكون علمًا وأمارة للسلم إذ كان دخولهم صلحًا لا عنوة اهـ من النهاية. (و) على أن (لا يخرج باحد معه من أهلها) أي من أهل مكة من مستضعفي المسلمين الذين عجزوا عن الهجرة (و) على أن (لا يمنع أحدًا) أراد أن (يمكث بها ممن كان معه) صلى الله عليه وسلم وجاؤوا معه من المدينة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لعلي) بن أبي طالب رضي الله عنه: (اكتب الشرط) الذي شرطوه (بيننا) مبتدئًا بـ (ـبسم الله الرحمن الرحيم هذا) المكتوب (ما قاضى) وصالح (عليه محمد رسول الله فقال له) صلى الله عليه وسلم: (المشركون لو نعلم أنك رسول الله تابعناك ولكن اكتب) هذا ما قاضى عليه (محمد بن عبد الله فأمر) صلى الله عليه وسلم (عليًّا) بن أبي طالب (أن يمحاها) أي أن يمسح كتابة رسول الله والأفصح أن يمحوها كما مر فيه (فقال علي لا) أمحوها (والله لا أمحاها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعلي: (أرني) أي أبصرني (مكانها) أي مكان كتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأراه) صلى الله عليه وسلم علي (مكانها فمحاها) أي مسح كتابة رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم وإباء علي من مسحها لما رآه من أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ليس متحتمًا (وكتب) علي بن أبي طالب بأمره صلى الله عليه وسلم فمعنى كتب أي أمر عليًّا بكتابة هذا ما قاضى عليه محمد (بن عبد الله) فالظاهر من السياق أن المحو كان منه صلى الله عليه وسلم والكتب من علي بأمره وقيل الظاهر من لفظ كتب أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب وهو الظاهر

فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. فَلَمَّا أَنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من رواية إسرائيل عند البخاري في المغازي ولفظها فأخذ رسول الله الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى إلخ وقد تمسك بهذا الظاهر أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف القرآن فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء أفريقية وغيرهم. واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ قال مجاهد فذكرته للشعبي فقال صدق قد سمعت من يذكر ذلك قال عياض وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك وقوله لمعاوية ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم وقوله لا تمد بسم الله قال: وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث وعن قصة الحديبية في الباب بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور أن الذي كتب علي وأن نسبة الكتابة إليه صلى الله عليه وسلم في حديث الباب وفي حديث البخاري في المغازي نسبة مجازية بمعنى أنه أمر بالكتابة ومثل هذه النسبة كثير كقول الراوي كتب إلى قيصر وإلى كسرى مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر الكتابة وإنما أمر بذلك قال الجمهور وهذا التأويل أولى لموافقته ما ورد في القرآن من تلقيبه صلى الله عليه وسلم أميًّا وقوله صلى الله عليه وسلم: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ومال الحافظ إلى حمل حديث الباب على الظاهر وذلك بأنه صلى الله عليه وسلم على كونه أميًّا كتب في ذلك الوقت بخصوصه معجزة له صلى الله عليه وسلم راجع فتح الباري [7/ 503] (فأقام بها) أي بمكة بعدما دخلها في العام المقبل عند عمرة القضاء (ثلاثة أيام فلما أن كان

اليَوْمُ الثَّالِثِ قَالُوا لِعَلِيٍّ: هذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ. فَأمُرْهُ فَلْيَخرُجْ، فَأَخْبَرَهُ بِذلِكَ. فَقَال: "نَعَمْ" فَخَرَجَ. وَقَال ابْنُ جَنَابٍ فِي رِوَايَتِهِ: (مَكَانَ تَابَعْنَاكَ) بَايَعْنَاكَ. 4498 - (1731) (76) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ قُرَيشًا صَالحُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فِيهِمْ سُهَيلُ بْنُ عَمْرٍو. فَقَال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: "اكتُب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ". قَال سُهَيلٌ: أَمَّا بِاسْمِ اللهِ، فَمَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَلكِنِ اكتُبْ مَا نَعْرِفُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَال: "اكتُب مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ" قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ اليوم الثالث قالوا لعلي هذا) اليوم الثالث (آخر يوم من شرط صاحبك فأمره) بالخروج (فليخرج) منا (فأخبره) صلى الله عليه وسلم (بذلك) الذي قالوه (فقال) صلى الله عليه وسلم: (نعم) نخرج منهم (وقال ابن جناب في روايته مكان تابعناك بايعناك) من البيعة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال. 4498 - (1731) (76) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري البصري ثقة من كبار (10) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون ألا أبا بكر بن أبي شيبة (أن قريشًا) أي أن كفارهم (صالحوا) وهادنوا (النبي صلى الله عليه وسلم) على ترك القتال (فيهم) أي والحال أن في قريش (سهيل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي) بن أبي طالب: (اكتب) أول شيء (بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل) بن عمرو: (أما باسم الله فـ) ـنحن ندريه و (ما ندري) ولا نعلم (ما بسم الله الرحمن الرحيم) بتمامها أي ما ندري الرحمن (ولكن اكتب ما نعرفـ) ـه بيننا أي ما كان معروفًا عندنا الذي هو (باسمك اللهم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: (اكتب من محمد رسول الله قالوا) أي قال كفار قريش من سهيل بن عمرو

لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لاتَّبَعْنَاكَ. وَلكِنِ اكتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اكتُب مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبدِ اللهِ" فَاشتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيكُمْ. وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَينَا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَكتُبُ هذَا؟ قَال: "نَعْم. إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيهِمْ، فَأَبْعَدَهُ اللهُ. وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ، سَيَجعَلُ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن معه (لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لعلي: (اكتب من محمد بن عبد الله فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم) إلينا (لم نرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه علينا فقالوا): أي فقال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله أنكتب) أي هل نكتب لهم (هذا) الشرط الذي هو رد من جاءنا منهم وعدم ردهم من جاءهم منا والاستفهام للتعجب كأنهم استبعدوا من النبي صلى الله عليه وسلم قبول هذا الشرط منهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم) نكتب لهم هذا الشرط (إنه من ذهب) أي وإنما نوافقهم على هذا الشرط لأنه من ذهب (منا إليهم) بارتداده عن الإسلام (فـ) ـقد (أبعده الله) تعالى وطرده من رحمته بارتداده (و) أما (من جاءنا منهم) بإسلامه فـ (سيجعل الله له فرجًا) وانكشافًا من إذايتهم (ومخرجًا) أي سبيل خروج من بلدتهم بالفتح أو بالهجرة وقوله سابقًا (أما باسم الله) إلخ أي ندريه وأما البسملة التي تذكرها بتمامها فما ندريها فإنهم لم يكونوا يعرفون الرحمن كما قال تعالى: {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} أو ما كانوا يعرفون الله تعالى بهذا الاسم وفي الكشاف كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة الكذاب وكان يقال له رحمان اليمامة اهـ وهذا نوع من تعنتهم في كفرهم قال شاعرهم: سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبًا ... وأنت غيث الورى لا زلت رحمانًا وقد هجاه بعض المسلمين بقوله: خبثت بالشر يا ابن الأخبثين أبًا ... وأنت شر الورى لا زلت شيطانًا قوله في أول هذا الحديث (أما بسم الله فما ندري) قال النووي: قال العلماء وافقهم النبي صلى الله عليه وسلم في ترك كتابة بسم الله الرحمن الرحيم وأنه كتب باسمك اللهم وكذا وافقهم في محمد بن عبد الله وترك كتابة رسول الله وكذا وافقهم في رد من جاء منهم إلينا دون من ذهب منا إليهم وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة

4499 - (1732) (77) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور أما البسملة و (باسمك اللهم) فمعناهما واحد وكذا قوله محمد بن عبد الله هو أيضًا رسول الله وليس في ترك وصف الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفي ذلك ولا في ترك وصفه صلى الله عليه وسلم أيضًا هنا بالرسالة ما ينفيها فلا مفسدة فيما طلبوه وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتب ما لا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك وأما شرط رد من جاء منهم ومنع من ذهب إليهم فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة فيهم في هذا الحديث بقوله من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاء منهم سيجعل الله فرجًا ومخرجًا ثم كان كما قال صلى الله عليه وسلم فجعل الله للذين جاؤونا منهم وردهم إليهم فرجًا ومخرجًا وهذا من المعجزات ولله الحمد. قال العلماء: والمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة وإسلام أهلها كلها ودخول الناس في دين الله أفواجًا وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين ولا تتظاهر عندهم أمور النبي صلى الله عليه وسلم كما هي ولا يحلون بمن يعلمهم بها مفصلة فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين وجاؤوا إلى المدينة وذهب المسلمون إلى مكة وحلوا بأهلهم وأصدقائهم وغيرهم ممن يستنصحونه وسمعوا منه أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة بجزئياتها ومعجزاته الظاهرة وأعلام نبوته المتظاهرة وحسن سيرته وجميل طريقته وعاينوا بأنفسهم كثيرًا من ذلك فمالت نفوسهم إلى الإيمان حتى بادر خلق منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة وازداد الآخرون ميلًا إلى الإسلام فلما كان يوم الفتح أسلموا كلهم لما كان قد تمهد لهم من الميل وكانت العرب من غير قريش في البوادي ينتظرون بإسلامهم إسلام قريش فلما أسلمت قريش أسلمت العرب في البوادي قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} اهـ منه وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث البراء بحديث سهل بن حنيف رضي الله عنه فقال. 4499 - (1732) (77) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح

وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ). حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ. حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَال: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَال: أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير وتقاربا في اللفظ حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبد العزيز بن سياه) بكسر المهملة بعدها تحتية خفيفة ثم ألف ثم هاء في الوقف والدرج على وزني مياه وشياه مصروف مع كونه أعجميًّا فكأنه ليس علمًا عندهم الأسدي الكوفي روى عن حبيب بن أبي ثابت في الجهاد والشعبي ويروي عنه (خ م ت س ق) وعبد الله بن نمير ويحيى بن آدم وأبو نعيم وثقه أبو داود وقال في التقريب صدوق من السابعة (حدثنا حبيب بن أبي ثابت) قيس ويقال هند بن دينار الأسدي الكوفي ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (قال) أبو وائل: (قام سهل بن حنيف) الأنصاري الأوسي المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (يوم) وقعة (صفين) بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة غير منصرف للعلمية والعجمة يعرب إعراب الجمع كسنين وإعراب المفرد كحين اسم موضع على الفرات وقع فيه الحرب بين علي ومعاوية وقال في القاموس وصفين كسجين موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات كانت به الوقعة الكبيرة بين علي ومعاوية غرة صفر سنة (37) سبع وثلاثين فمن ثم توقى الناس السفر في صفر اهـ منه وفي إعرابه لغات إعراب جمع المذكر السالم وإعراب غسلين وإعراب ما لا ينصرف للعلمية والتأنيث كما في تاج العروس اهـ (فقال) سهل: وقد كانوا يتهمونه بالتقصير في القتال يوم صفين (أيها الناس اتهموا أنفسكم) يعني في إصراركم على الاستمرار في القتال وفي الرواية الآتية (اتهموا رأيكم) وفي رواية ثالثة (اتهموا رأيكم على دينكم) يعني لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد وقال الكرماني: إن سهلًا كان يتهم بالتقصير في القتال فقال: اتهموا رأيكم فإني لا أقصر فيها وما كنت مقصرًا وقت الحاجة كما في الحديبية راجع شرح الكرماني على البخاري [25/ 55] وكان من أصحاب علي قال مقالته هذه حين ظهر منهم كراهة التحكيم فأعلمهم بما جرى يوم الحديبية تصبيرًا لهم على الصلح كما في الشرح يعني اتهموا رأيكم في هذا القتال يعظ الفريقين فإنما تقاتلون إخوانكم باجتهاد اجتهدتموه وذلك القول منه حين استحر القتال بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما جاءت الدعوة من

لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيبِيَةِ. وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا. وَذلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَينَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبَينَ الْمُشرِكِينَ. فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَال: "بَلَى" قَال: أَلَيسَ قَتْلانا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَال: "بَلَى لا قَال: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل معاوية بالتحكيم فمال علي رضي الله عنه إلى قبولها وأنكرتها الخوارج وأصروا على الاستمرار في القتال فقال سهل بن حنيف لتصبير الناس على الصلح والتحكيم والله (لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (ـالحديبية) عن الوصول إلى مكة (ولو نرى قتالًا) أي ولو نرى المصلحة في القتال (لقاتلنا) يعني أن توقفنا عن القتال لم يكن سبب الجبن والفرار عن القتال فإننا لو رأينا المصلحة في القتال لقاتلنا وإنما توقفنا عن القتال من أجل مصلحة الأمة أي ولو نرى القتال مصلحة لقاتلنا ولكن توقفنا عنه لعدم المصلحة فيه (وذلك) أي توقفنا عن القتال (في الصلح) أي بسبب الصلح (الذي كان) وحصل (بين رسول الله وبين المشركين فـ) ـلما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش على أمور لا تعجب المسلمين (جاء عمر بن الخطاب) رضي الله عنه من منزله (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألسنا على حق وهم) أي قريش (على باطل) فـ (ـقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أي ليس الأمر عدم كوننا على حق وكونهم على باطل بل نحن على الحق وهم على الباطل لأن بلى يجاب بها النفي ونفي النفي إثبات (قال) عمر: (أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار (قال) عمر: (ففيم) أي فبأي سبب (نعطي) بضم النون وكسر الطاء على صيغة المعلوم أي فبأي سبب نعطي المشركين (الدنية) بفتح الدال وكسر النون أي نقبل منهم النقيصة والخصلة الرذيلة (في ديننا) مما ذكر في الصلح وفي بعض النسخ (نعطى) بضم النون وفتح الطاء على صيغة المجهول والاستفهام للإنكار أي لا نعطي الدنية ولا نقبلها منهم (ونرجع) إلى المدينة معطوف على نعطي وجملة قوله (ولما يحكم الله) حال من فاعل نرجع أي فلأي سبب نقبل منهم الدنية ونرجع إلى

بَينَنَا وَبَينَهُمْ؟ فَقَال: "يَا ابْنَ الخَطَّاب، إِنِّي رَسُولُ اللهِ. وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَدًا" قَال: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَال: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَال: بَلَى. قَال: أَلَيسَ قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتلاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَال: بَلَى. قَال: فَعَلامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَينَنَا وَبَينَهُمْ؟ فَقَال: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا. قَال: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْفَتحِ. فَأَرْسَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة والحال أن الله سبحانه وتعالى لم يحكم (بيننا وبينهم) بإحقاق الحق وإبطال الباطل أي ونرجع حتى يحكم الله بيننا وبينهم قال النووي: قال العلماء لم يكن سؤال عمر رضي الله عنه وكلامه المذكور شكًّا بل طلبًا لكشف ما يخفى وحثًا على إذلال الكفار وظهور الإسلام كما عرف من خلقه رضي الله عنه وقوته في نصر الدين إذلال المبطلين (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يابن الخطاب إني رسول الله) حقًّا وإنما أفعل هذا بوحي من الله ولست أفعله برأي مني (ولن يضيعني الله) أي لن يجعلني الله سبحانه وضيعًا معطلًا عن نصره بل ينصرني (أبدًا قال) سهل بن حنيف (فانطلق عمر) أي ذهب من عند النبي صلى الله عليه وسلم (ولم يصبر) أي على هذه الرذيلة التي شرطت في المصالحة وقوله (متغيظًا) حال من عمر أي ذهب عمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه ممتلئ الغيظ والغضب من هذا الصلح (فأتى) عمر معطوف على انطلق أي أتى عمر (أبا بكر) عقب انطلاقه من عند النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) لأبي بكر (يا أبا بكر ألسنا على حق وهم) أي المشركون (على باطل قال) له أبو بكر (بلى) أي نعم نحن على حق وهم على باطل (قال) عمر لأبي بكر: (أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال) أبو بكر: (بلى قال) عمر لأبي بكر: (فعلام) أي فعلى أي سبب (نعطي الدنية) والنقيصة (في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال) أبو بكر: (يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدًا) فوافق كلام أبي بكر رضي الله عنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وقع له مثل ذلك بمناسبات متعددة أخرى وهو من الدلائل الظاهرة على عظيم فضله وبارع علمه وزيادة عرفانه ورسوخه في كل ذلك وعلى كونه صديقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) الرواي سهل بن حنيف: (فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح) يعني سورة الفتح (فأرسل)

إِلَى عُمَرَ فَاقْرَأَهُ إِيَّاهُ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَفَتحٌ هُوَ؟ قَال: "نَعَمْ" فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. 4500 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَال: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيفٍ يَقُولُ بِصِفِّينَ: أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا رَأيَكُمْ. وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيتُنِي يَوْمَ أبِي جَنْدَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى عمر فاقرأه) أي فأقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر (إياه) أي الفتح يعني سورة الفتح (فقال) عمر: (يا رسول الله أو فتح هو) الهمزة للاستفهام التقريري داخلة على المبتدأ الذي هو الضمير بعده والخبر محذوف وفتح معطوف على ذلك المحذوف والتقدير أهو أي أهذا الصلح نصر وفتح أم هو ذل وإهانة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أي هذا الصلح الواقع بيننا وبين المشركين فتح ونصر لنا إن شاء الله تعالى (فطابت نفسه) أي انشرح صدر عمر لهذا الصلح واتسعت نفسه وفرح به ورضيه (ورجع) إلى منزله وخيمته مسرورًا وسمى النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية فتحًا حين قال في جواب سؤال عمر نعم لما اشتمل عليه من الفوائد الجمة التي مر ذكرها ولأنه تمكن به المسلمون في زمن الهدنة من فتح خيبر ودعوة الكفار إلى الإسلام وإرسال كتب الدعوة إلى خارج جزيرة العرب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب إثم من عاهد ثم غدر [3181 و 3182]، وفي غيره من المواضع الكثيرة ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه فقال. 4500 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة أبي وائل قال شقيق: (سمعت سهل بن حنيف) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لحبيب بن أبي ثابت أي سمعته (يقول بصفين أيها الناس اتهموا رأيكم) الذي يشجعكم على المقاتلة فإن التحكيم خير من الاستمرار في المقاتلة (والله لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (يوم) رد (أبي جندل) إلى كفار قريش بفتح الجيم وسكون النون العاص بن سهيل بن عمرو القرشي حين جاء إلى النبي صلى الله عليه

وَلَوْ أَنِّي أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهُ. وَاللهِ! مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ قَطٌّ، إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ. إِلَّا أَمْرَكُمْ هذَا. لَمْ يَذكُرِ ابْنُ نُمَيرٍ: إِلَى أَمْرٍ قَطٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم يوم الحديبية من مكة مسلمًا وهو يجر قيوده وكان قد عذب في الله فقال أبوه سهيل بن عمرو: يا محمد أول ما أقاضيك عليه رد هذا إلينا فرد عليه أبا جندل وكان رده عليهم أشق على المسلمين من سائر ما جرى عليهم في الصلح (ولو أني أستطيع) أي ولو ثبتت لي الاستطاعة على (أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) وصلحه يوم الحديبية (لرددته) ولبطلته ولقاتلت قريشًا قتالًا لا مزيد عليه فأعلم الناس سهل بن حنيف بأنه صلى الله عليه وسلم كان قد تثبت يوم الحديبية في القتال إبقاء على المسلمين وصونًا للدماء هذا وهو بمرصاد الوحي وعلى يقين الحق نصًّا بغير اجتهاد ولا ظن فكيف لا يتثبت هؤلاء في قتال الفتنة ومظنة المحنة وعدم القطع واليقين (والله ما وضعنا) معاشر الصحابة (سيوفنا على عواتقنا) في الله أي على مواضع تقليدنا السيف وهو ما بين المنكب والعنق، جمع عاتق قاصدين (إلى أمر) من الأمور (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (إلا أسهلن) أي إلا أسهلت سيوفنا وأوصلت (بنا) بسهولة (إلى أمر نعرفه) في الشرع (إلا أمركم هذا) يعني القتال الواقع بينهم وبين أهل الشام اهـ نووي (ولم يذكر) محمد (بن نمير) في روايته لفظة (إلى أمر قط) قوله (لقد رأيتني يوم أبي جندل) أشار إلى القصة المعروفة لأبي جندل رضي الله عنه وكان من السابقين إلى الإسلام وكان ممن أقبل إلى بدر مع المشركين فانحاز إلى المسلمين ثم أسر بعد ذلك وعذب ليرجع عن دينه فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية فر عن المشركين وجاءه يرسف في قيوده فقال يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلمًا ألا ترون إلى ما لقيت يعني من العذاب الشديد وكان مجيئه قبل الفراغ من كتابة الصلح فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو أن يجيز إبقاءه فامتنع سهيل حتى قال: فوالله لا أصالحك على شيء أبدًا فأخذه سهيل بن عمرو ورجع به إلى مكة ثم لحق أبو جندل أبا بصير حتى فرج الله عنهم وقصة ذلك مفصلة في كتب المغازي راجع الإصابة. قوله (أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني في تسليم أبي جندل إلى

4501 - (00) (00) وحدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفي حَدِيثهِمَا: إِلَى أمْرٍ يُفْظِعُنَا. 4502 - (00) (00) وَحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أبِي حَصِينٍ، عَنْ أبِي وَائِلٍ. قَال: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيفٍ بِصِفِّينَ يَقُولُ: اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشركين وقوله: (ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا) وضع السيوف على العواتق كناية عن الاستعداد للحرب والمراد أننا كلما تأهبنا للقتال بوضع سيوفنا على عواتقنا أفضت هذه السيوف إلى أمر سهل نعرفه خيرًا غير هذا الأمر أي الذي نحن فيه الآن من هذه المقاتلة التي وقعت فيها فإنها لا تسهل بنا اهـ من الكرماني على البخاري [25/ 155] ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال. 4501 - (00) (00) (وحدثناه عثمان بن أبي شيبة وإسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (ح وحدثني أبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح كلاهما) أي كل من جرير ووكيع رويا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لأبي معاوية (بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن سهل (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث جرير ووكيع لفظة (إلى أمر يفظعنا) بزيادة يفظعنا أي يوقعنا في أمر فظيع شديد علينا اهـ نهاية ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه فقال. 4502 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري) الطبري أبو إسحاق البغدادي (حدثنا أبو أسامة عن مالك بن مغول) البجلي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد (عثمان بن عاصم) بن حصين الأسدي الكوفي ثقة، من (4) (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (قال سمعت سهل بن حنيف) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي حصين للأعمش وحبيب بن أبي ثابت أي سمعته (بصفين بقول: اتهموا رأيكم على) تشتت (دينكم) ووحدتكم وتفرق شملكم

فَلَقَدْ رَأَيتُنِي يَوْمَ أَبِي جَندَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مَا فَتَحْنَا مِنْهُ فِي خُصْمٍ، إِلَّا انْفَجَرَ عَلَينَا مِنْهُ خُصْمٌ. 4503 - (1733) (78) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ واجتماعكم (فـ) ـوالله (لقد رأيتني) أي رأيت نفسي (يوم) رد (أبي جندل) إلى قريش وهو يوم الحديبية وقوله (ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني تسليم أبي جندل إلى المشركين جملة شرطية جوابها محذوف تقديره ولو استطعت وقدرت على رد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته وقوله (ما فتحنا منه في خصم) هكذا وقع هذا الحديث في جميع نسخ مسلم والصواب ما سددنا والضمير في منه عائد إلى رأيكم والخصم بضم الخاء وسكون الصاد الطرف من كل شيء وهذه الفقرة إلى آخرها متعلقة بقوله في الرواية السابقة إلا أمركم كما يتضح من رواية البخاري في المغازي ولفظها (ما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر ما نسد منها خصمًا إلا تفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له) والمراد هنا ما سددنا وأصلحنا من رأيكم هذا وغلقنا بابه في خصم أي في طرف من طرفيه (إلا انفجر) وانفتح (علينا منه) أي من رأيكم هذا (خصم) أي طرف آخر بالفساد والمعنى أننا كنا نقاتل في الزمن الماضي فيؤول الأمر إلى يسرٍ وسهولة وخير للمسلمين أما قتالنا هذا في صفين فالأمور فيه معقدة للغاية كلما نحل مشكلة تظهر لنا مشكلة أخرى وذلك لكون القتال فيما بين المسلمين والصحيح ما ذكر في رواية البخاري ما نسد منها خصمًا وبه يستقيم المعنى ويتقابل السد بالانفجار ونسب القاضي عياض الغلطة إلى أحد الرواة وقال ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 331] وأراد بقوله (ما نسد خصمًا ألا انفجر علينا منه خصم آخر) الإخبار عن انتشار الأمر وأنه لا يتهيأ إصلاحه وتلافيه لأنه بخلاف ما كانوا عليه من الاتفاق اهـ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث البراء بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال. 4503 - (1733) (78) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صُهْبان الأزدي البصري الجهضمي (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري ثقة، من (8) (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة

أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدّثَهُمْ قَال: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح: 1 - 5] مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيبِيَةِ وَهُمْ يُخَالِطُهُمُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ. وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيبِيَةِ. فَقَال: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا". 4504 - (00) (00) وحدّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيمِيُّ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا أَبُو دَاوُدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن أنس بن مالك حدثهم) وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (لما نزلت) سورة {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إلى قوله {فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح الآيات / 1 - 5] (مرجعه) صلى الله عليه وسلم منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بنزلت وقت رجوعه صلى الله عليه وسلم (من الحديبية وهم) أي والحال أن الأصحاب رضي الله تعالى عنهم (يخالطهم) أي يخالط قلوبهم (الحزن والكآبة) لصدهم عن المسجد الحرام ومنعهم من إتمام العمرة ولما وقع عليه الصلح من شروط ظاهرها ضعف المسلمين (وقد نحر) صلى الله عليه وسلم وأصحابه (الهدي بالحديبية) أي هدي التحلل بالإحصار والفاء في قوله (فقال): زائدة في جواب لما أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لقد أنزلت عليَّ آية هي أحب إليَّ من الدنيا) وما فيها (جميعًا) قال الأبي إما باعتبار كونها قرآنًا فآية واحدة خير من الدنيا وما فيها والأظهر أنه يريد لما اشتملت عليه من الفتح الذي نزل الإعلام به وأصحابه في حال شدة قلت وتضمنت الآية أيضًا المغفرة العامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإتمام نعمة الله عليه ونصره نصرًا عزيزًا وكل ذلك فيه بشارة موجبة للفرج وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4172]، والترمذي في التفسير [3263]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4504 - (00) (00) (وحدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري صدوق من (10) (حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي البصري ثقة، من (9) (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري ثقة، من (4) (حدثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن طرخان لسعيد بن أبي عروبة (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا أبو داود)

حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ. جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. 4505 - (1734) (79) وحدّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيلِ. حَدَّثَنَا حُذَيفَةُ بْنُ الْيَمَانِ. قَال: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي، حُسَيلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيالسي سليمان بن داود البصري (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري ثقة، من (7) (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب الحافظ ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي النحوي البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة، من (7) (جميعًا) أي كل من همام وشيبان (عن قتادة عن أنس نحو حديث ابن أبي عروبة) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة همام وشيبان لسعيد بن أبي عروبة ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال. 4505 - (1734) (79) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن الوليد) بن عبد الله (بن جميع) مصغرًا الزهري المكي ثم الكوفي وقد ينسب إلى جده روى عن أبي الطفيل في الجهاد والنفاق وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد وغيرهم ويروي عنه (م د ت س) وأبو أسامة وأبو أحمد الزبيري الكوفي ووكيع ويحيى القطان وحفص بن غياث وغيرهم وثقه ابن معين والعجلي وقال أبو زرعة وأحمد وأبو داود لا بأس به وقال في التقريب صدوق يهم من الخامسة (حدثنا أبو الطفيل) عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي المكي مختلف في صحبته روى عنه في (10) أبواب (حدثنا حذيفة بن اليمان) واسم اليمان حسيل مصغرًا ويقال حسل بكسر فسكون صحابي أبو عبد الله العبسي بموحدة الكوفي حليف الأنصار الصحابي بن الصحابي من السابقين صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين كما في أسد الغابة رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) حذيفة: (ما منعني أن أشهد بدرًا) أي غزوة بدر (ألا أني خرجت) من المدينة إلى بدر (أنا وأبي حسيل) مصغرًا بالرفع على أنه بدل من أبي أو عطف بيان له وهو اسم والد حذيفة واليمان لقبه سماه به قومه لأنه كان أصاب دمًا في قومه ففر إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل بطن من الأنصار فسموه بذلك لمحالفته

قَال: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيشٍ. قَالُوا: إِنَّكُمْ ترِيدُونَ مُحَمَّدًا؟ فَقُلْنَا: مَا نُرِيدهُ ُ. مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَننْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ. فَأَتَينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرْنَاهُ الخَبَرَ. فَقَال: "انْصَرِفَا. نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ اليمانية قال الأبي: يعني باليمانية الأنصار لأنهم ليسوا من معد وتقدم أن العرب عربان يمنية ومعدية والمعدية ما كان من ذرية إسماعيل واليمنية ما كان من غيرهم وقيل نسب حذيفة إلى اليمان لكون اليمان جده الأعلى كذا في الأبي وما قيل إن والد حذيفة هذا كان مسلمًا واستشهد يوم أحد بأيدي المسلمين خطأ وقصته مفصلة في صحيح البخاري (قال) حذيفة: (فأخدنا) أي أمسكنا (كفار قريش) فـ (ـقالوا) لنا: (إنكم تريدون محمدًا فقلنا) لهم: (ما نريده) أي ما نريد محمدًا بل (ما نريد إلا المدينة) قال القاضي عياض فيه جواز الكذب والتعريض للخائف للضرورة وقد تقدمت هذه المسألة بتفاصيلها في باب جواز الخداع في الحرب اهـ (فأخذوا منا عهد الله) على ذلك (وميثاقه) تعالى وهو العهد المؤكد باليمين على أننا (لننصرفن) ونرجعن (إلى المدينة ولا نقاتل معه) أي مع محمد (فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه) صلى الله عليه وسلم (الخبر) الذي جرى بيننا وبين كفار قريش من العهد والميثاق (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصرفا) وارجعا إلى المدينة (نفي لهم بعهدهم) الذي جعلوه عليكم أي نتمم لهم عهدهم ولا ننقض وفي نسخة ففيا لهم بعهدهم بصيغة التثنية من الأمر بالوفاء وقوله نفي هو مضارع من الوفاء أيضًا (ونستعين الله عليهم) أي على قتالهم قال النووي قوله (نفي لهم بعهدهم) هذا ليس للإيجاب فإنه لا يجب الوفاء بترك الجهاد مع الإمام أو نائبه ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يشيع من أصحابه نقض العهد وإن كان لا يلزمهم ذلك لأن المشيع عليهم لا يذكر تأويلًا قال الأبي: واختلف العلماء في الأسير يعاهد أن لا يهرب فقال الشافعي والكوفيون لا يلزمه الوفاء وقال مالك يلزمه وقال ابن القاسم وابن المواز إن أكرهه على أن يحلف لم يلزمه لأنه مكره وقال بعض الفقهاء: لا فرق بين الحلف والعهد وخروجه من بلد الكفر واجب اهـ. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم من أصحاب الأمهات وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول: حديث البراء بن عازب ذكره للاستدلال به

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد والثالث: حديث سهل بن حنيف ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والخامس: حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

627 - (20) باب غزوة الأحزاب وغزوة أحد واشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم

627 - (20) باب غزوة الأحزاب وغزوة أحد واشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم 4506 - (1735) (80) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: كُنَّا عِنْدَ حُذَيفَةَ. فَقَال رَجُلٌ: لَوْ أدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيتُ. فَقَال حُذَيفَةُ: أنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذلِكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 627 - (20) باب غزوة الأحزاب وغزوة أحد واشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم 4506 - (1735) (80) (حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن جرير) بن عبد الحميد (قال زهير: حدثنا جرير عن الأعمش عن ابناهبم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب أبي أسماء الكوفي ثقة، من (5) (عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي ثقة، من (2) (قال) يزيد بن شريك: (كنا عند حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (فقال رجل) من الحاضرين عند حذيفة لم أر من ذكر اسمه (لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي زمن حياته وجهاده (قاتلت) الكفار وجاهدت (معه) صلى الله عليه وسلم حق الجهاد (وأبليت) بالبناء للمعلوم على وزن أعطيت أي بالغت في نصرته كأنه أراد الزيادة على نصرة الصحابة من الإبلاء وهو في الأصل أن يبلغ الرجل جهده في أمر وأكثر ما يستعمل في العذر يقال: أبلاه عذرًا يعني اعتذر إليه بكل ما عنده من جهد فقبل عذره ثم يستعمل للمبالغة في شيء (فقال) حذيفة للرجل: (أنت كنت) أيها الرجل (تفعل ذلك) الإبلاء والنصرة بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي هل تكون حينئذٍ ناصرًا له نصرة أبلغ من نصرة الصحابة لا تنصره كذلك قال النووي معناه أن حذيفة فهم منه أنه لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم لبالغ في نصرته ولزاد على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فأخبره في ليلة الأحزاب وقصد زجره عن ظنه أنه يفعل أكثر من فعل الصحابة (قلت) ما ذكره النووي مصرح في رواية ابن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله وصحبتموه قال: نعم يا ابن أخي قال: فكيف كنتم تصنعون قال: والله لقد كنا نجهد قال: فقال والله لو أدركناه ما تركناه يمشي

لَقَدْ رَأَيتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيلَةَ الأَحزَاب. وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلا رَجُلٌ يَأَتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " فَسَكَتْنَا. فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثُمَّ قَال: "أَلا رَجُلٌ يَأتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْم، جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " فَسَكَتْنَا. فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثُمَّ قَال: "أَلا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " فَسَكَتْنَا. فَلَم يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ. فَقَال: "قُمْ. يَا حُذَيفَةُ! فَأتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ" فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا، إِذ دَعَانِي بِاسْمِي، أَنْ أَقُومَ. قَال: "اذهَبْ ـــــــــــــــــــــــــــــ على الأرض ولحملناه على أعناقنا فقال حذيفة: إلخ راجع سيرة ابن هشام والله (لقد رأيتنا) أي لقد رأيت أنفسنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب) أي في ليلة من ليالي غزوة الأحزاب (و) الحال أنه قد (أخذتنا) أي عصفت وهبت علينا (ريح شديدة و) أخذنا (قر) أي برد شديد والقر بضم القاف وتشديد الراء (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا) حرف استفتاح (رجل) مبتدأ سوغ الابتداء تقدم حرف الاستفتاح عليه وكذا وصفه بما بعده أي ألا منكم رجل يمشي إلى قوم من المشركين فـ (ـيأتيني بخبر القوم) وحالهم والجملة صفة أولى لرجل وجملة قوله (جعله الله معي يوم القيامة) صفة ثانية له وهو بمعنى المضارع أي فيجعله معي يوم القيامة وخبر المبتدأ محذوف تقديره موجود (فسكتنا فلم يجبه منا أحد) وهذا يدل على مدى شدة المشقة والتعب والنصب الذي لحق الصحابة في غزوة الخندق فإنهم كانوا من أسرع الناس إجابة وأكثرهم شوقًا إلى الجهاد وأقواهم استعدادًا لاقتحام الأخطار والمتاعب في سبيل الله ولم يكونوا ليختلفوا عما يدعوهم إليه صلى الله عليه وسلم بهذه البشارة العظيمة ثلاث مرات فسكوتهم في ذلك الحين لا يمكن ألا إذا بلغوا من التعب والنصب نهايته بما أداهم إلى حال الاضطرار الشديد رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه (ثم قال) مرة ثانية (ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد ثم قال) مرة ثالثة: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال) لي: (قم يا حذيفة فأتنا) أمر من أتى يأتي أي فجئنا (بخبر القوم) وحالهم هل هم في استعداد لقتالنا أم هم في استعداد لهروب منا (فلم أجد بدا) أي غنى من إجابته (إذ دعاني) وناداني (باسمي) وأمرني (أن أقوم) لتجسس القوم فـ (ـقال) لي (اذهب) إلى القوم

فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ. وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ". فَلَمَّا وَلَّيتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ. حَتَّى أَتَيتُهُمْ. فَرَأَيتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ. فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ. فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ" وَلَوْ رَمَيتُهُ لأَصَبْتُهُ. فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ. فَلَمَّا أَتَيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ, وَفَرَغْتُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم) بفتح التاء وسكون الذال وفتح العين أي لا تفزعهم ولا تحركهم فينتبهوا لك فيأخذوك ويتجسسوا عنك ويعود ضرر ذلك (عليَّ) بقتل عيني وجاسوسي قال القاضي عياض: إنه صلى الله عليه وسلم إنما خافهم على حذيفة لأنه إذا ذعرهم تجسسوا عليه فيأخذونه ويعود ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عينه ورسوله اهـ من الأبي وقال النووي: (ولا تذعرهم عليَّ) لا تفزعهم ولا تحركهم عليَّ وقيل معناه لا تنفرهم وهو قريب من المعنى الأول والمعنى لا تحركهم عليك فإنهم إن أخذوك كان ذلك ضررًا عليَّ لأنك رسولي وصاحبي قال حذيفة: (فلما وليت) وذهبت (من عنده) صلى الله عليه وسلم (جعلت) أي كنت (كأنما أمشي في حمام) هو لفظ عربي مذكر مشتق من الحميم وهو الماء الحار أي كنت كأنما أمشي في حمام أي في حر لم يصبني برد ولا من تلك الريح الشديدة شيء يعني أنه لم يجد البرد الذي يجده الناس ولا من تلك الريح الشديدة شيء بل عافاه الله تعالى منه ببركة إجابته للنبي صلى الله عليه وسلم وذهابه فيما وجهه له ودعائه صلى الله عليه وسلم له واستمر ذلك اللطف به ومعافاته من البرد حتى عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما عاد ووصل إليه عاد إليه البرد الذي يجده الناس اهـ نووي (حتى أتيتهم) أي أتيت القوم وجئتهم (فرأيت أبا سفيان يَصْلِي ظهره) بفتح الياء وسكون الصاد أي يدفأ ظهره ويحميه (بالنار) ويدنيه إليها من صلى يصلي من باب رمى صلًا بفتح الصاد والقصر وصلاة بكسرها وبالمد (فوضعت سهمًا في كبد القوس) أي في مقبضها ووسطها وكبد كل شيء وسطه (فأردت) أي قصدت (أن أرميه) أي أن أرمي أبا سفيان بالسهم (فذكرت) أي تذكرت بقلبي (قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تذعرهم) أي لا تحركهم (عليَّ) ولا تتعرض لهم بشيء من الإذاية (ولو رميته) أي رميت أبا سفيان بالسهم (لأصبته) أي لطعنته ولقتلته (فرجعت) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تجسستهم (وأنا أمشي) أي والحال أنا أمشي (في) الحر (مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت) من إخباره خبر

قُرِرْتُ. فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيهِ يُصَلِّي فِيهَا. فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَال: "قُمْ يَا نَوْمَانُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ القوم (قررت) بالبناء للمجهول أي أخذت بالقر وهو البرد يعني أصابني القر وعاد إليَّ القر الذي يجده الناس (فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه) صلى الله عليه وسلم (يصلي فيها) صلاة الليل أي بشيء فاضل عن جسده من العباءة التي كانت عليه تدفئة لي من البرد الذي رجع إلي والعباءة والعباية بزيادة الياء لغتان مشهورتان معروفتان قال في المنجد العباءة كساء مفتوح من قدام يلبس فوق الثياب. قال حذيفة: (فلم أزل) أنا (نائمًا) تحت عباءته (حتى أصبحت) أي دخلت في الصباح يعني طلع الفجر (فلما أصبحت قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قم) للصلاة (يا نومان) أي يا كثير النوم ونومان بفتح النون وإسكان الواو كثير النوم وأكثر ما يستعمل في النداء كما استعمله هنا فيه وهذا خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة فيه لطف كما لا يخفى. (قوله فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام) اختصر الراوي القصة في رواية ابن إسحاق ولفظها (قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناءً فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه لئلا يكون فيهم جاسوس للمسلمين) قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت من أنت إنما بادر بالأخذ بيده لئلا يسبقه ذلك الرجل وليشغله الدفاع عن نفسه عن السؤال عن حذيفة وذلك من فراسته رضي الله عنه قال فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع (يعني الفرس) والخف (يعني البعير) وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا نبأ فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي ألا تحدث شيئًا حتى تأتيني ثم شئت لقتلته بسهم قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه وهذا الحديث مما انفرد به مسلم رحمه الله عن أصحاب الأمهات ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال.

4507 - (1736) (81) وَحَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيدٍ وَثَابِتٍ، الْبُنَانِيِّ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَينِ مِنْ قُرَيشٍ. فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَال: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ, أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ ". فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ, مِنَ الأَنْصَارِ, فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيضًا. فَقَال: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ, أَوْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4507 - (1736) (81) (وحدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي (الأزدي) أبو خالد البصري ويقال له هدبة ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (عن علي بن زيد) بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي الحسن البصري الضرير وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان ينسب أبوه إلى جد جده روى عن أنس في الجهاد وعن أبيه وابن المسيب ويروي عنه (م عم) والحمادان والسفيانان وقتادة وخلق قال العجلي: كان يتشيع لا بأس به وقال الترمذي: صدوق وقال الحاكم: ليس بالمتين وقال ابن سعد: كان كثير الحديث وفيه ضعف ولا يحتج به وقال أحمد: ليس بشيء وقال أبو زرعة ليس بالقوي وقال ابن خزيمة: سيئ الحفظ وقال في التقريب ضعيف من الرابعة مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة وقيل قبلها ولم يخرج عنه البخاري في صحيحه وإنما أخرج عنه مسلم مقرونًا بغيره وهو هنا ثابت البناني (و) عن (ثابت البناني عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد) بالبناء للمجهول من الإفراد أي كان منفردًا عن الناس حين انهزموا عنه وخلص إليه العدو (يوم) غزوة (أحد في سبعة) أي أفرد مع سبعة (من الأنصار و) مع (رجلين من قريش فلما رهقوه) بكسر الهاء أي فلما رهق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعداء وغشوه وأحاطوا به من كل جهة وقربوا إليه يقال رهقه يرهقه رهقًا من باب سمع أي غشيه والإرهاق الإعجال. وقيل رهقوه أي قربوا منه ومنه المراهق وهو الغلام الذي قارب الاحتلام اهـ من ابن الأثير قال القاضي ولا يستعمل ذلك إلا في المكروه قال: وقال ثابت: كل شيء دنوت منه فقد رهقته اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يردهم) أي يرد الأعداء (عنا وله الجنة أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو) أي ذلك المراد عنا

رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ " فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ, مِنَ الأَنْصَارِ, فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيهِ " مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا". 4508 - (1737) (82) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, ـــــــــــــــــــــــــــــ (رفيقي في الجنة) والشك من الراوي (فتقدم رجل من الأنصار) السبعة إلى جهة العدو ولم أر من ذكر اسمه (فقاتل حتى قتل ثم رهقوه) صلى الله عليه وسلم (أيضًا) أي كما رهقوه أولًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل) آخر (من الأنصار) السبعة (فقاتل حتى قتل فلم يزل) النبي صلى الله عليه وسلم يقول (كذلك) أي مثل القول السابق (حتى قتل السبعة) من الأنصار واحدًا بعد واحد (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه): هما ذانك القرشيان اللذان كانا معه (ما أنصفنا) بسكون الفاء على أنه فعل وفاعل ونصب (أصحابنا) على أنه مفعول به أي ما فعلت أنا وأنتما أيها القرشيان يريد إياهما الإنصاف والعدل أو ما أنصفت قريش الأنصار لكون القرشيين لم يخرجا للقتال والدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل خرجت الأنصار السبعة واحدًا بعد واحد حتى قتلوا هذا هو الرواية المشهورة وذكر القاضي وغيره أن بعضهم رواه (ما أنصفنا أصحابنا) بفتح الفاء ورفع أصحابنا على الفاعلية أي ما فعل أصحابنا الذين فروا عنا الإنصاف والعدل معنا حيث فروا عنا والله أعلم وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقال. 4508 - (1737) (82) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني صدوق من (8) وقال ابن معين ثقة مات وهو ساجد في الحرم النبوي سنة (184) (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني ثقة، من (5) (أنه سمع) أبو حازم (سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (يسأل) بالبناء للمجهول (عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم

يَوْمَ أُحُدٍ؟ فَقَال: جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ, وَهُشِمَتِ الْبَيضَةُ عَلَى رَأْسِهِ. فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَغْسِلُ الدَّمَ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ عَلَيهَا بِالْمِجَنِّ. فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً, أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا ثُمَّ أَلْصَقَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يوم أحد) قال الحافظ في الفتح ومجموع ما ذكر في الأخبار أنه شج وجهه وكسرت رباعيته وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها وجرح منكبه من ضربة ابن قمئة وجحشت ركبته وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله تعالى شرها كلها وهذا مرسل قوي ويحتمل أن يراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة في الكثرة لا العدد المخصوص اهـ. (فقال) سهل في جواب السائل: (جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالبناء للمجهول وكذا في قوله (وكسرت رباعيته) بفتح الراء وتخفيف الياء والرباعية هي السن التي تلي الثنية من كل جانب وللإنسان أربع رباعيات والثنايا الأسنان التي في مقدم الفم وكان الذي كسر رباعيته وجرح شفته عتبة بن أبي وقاص وكان سعد بن أبي وقاص أخوه يقول ما حرصت على قتل أحد قط حرصي على قتل عتبة بن أبي وقاص اهـ من الأبي (وهشمت) أي كسرت (البيضة) أي الخودة وهي ما يلبسه المحارب في الرأس تحت المغفر من الحديد وقاية من السلاح قال الفيومي: الهشم كسر الشيء اليابس والأجوف وبابه ضرب وقوله (على رأسه) متعلق بهشم (فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم فيما أخرجه الطبراني من طريقه سبب مجيء فاطمة إلى أحد ولفظه لما كان يوم أحد وانصرف المشركون خرج النساء إلى الصحابة يعيننهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء كذا في فتح الباري (وكان علي بن أبي طالب يسكب) أي يصب (عليها) الماء (بالمجن) أي بالترس (فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة) وزيادة (أخذت) فاطمة (قطعة حصير) وهو ما ينسج من خوص النخل (فأحرقته) أي فأحرقت تلك القطعة ذكر الضمير لإضافتها إلى مذكر (حتى صار) الحصير (رمادًا ثم ألصقته) أي ألصقت ذلك

بِالْجُرْحِ. فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ. 4509 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال: أَمَ, وَاللَّهِ, إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ. وَبِمَاذَا دُوويَ جُرْحُهُ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الرماد (بالجرح) وذرته عليه (فاستمسك الدم) أي انحبس الدم وانقطع بسبب الرماد وقال القاضي عياض وإصابة الأنبياء عليهم السلام بمثل هذا توفير لأجورهم ولتتسلى بهم أممهم وليعلمهم أنهم من جنس البشر مخلوقون فلا يجد الشيطان تلبيسًا بما أجرى على أيديهم من خارق العادة كما لبس على عيسى - عليه السلام - حتى ادعوا ألوهيته والمجن الترس وفيه أن تروسهم أو بعضها كان مقصرًا وفيه استعمال السلاح في معنى لم يوضع له وفيه المداواة اهـ من الأبي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها باب الجهاد [2903]، والترمذي في الطب [2085]، وابن ماجه في الطب [3464 و 3465]، والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقال. 4509 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب (يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتخفيف الراء وتشديد الياء نسبة إلى قارة قبيلة من العرب المدني (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة يعقوب بن عبد الرحمن لعبد العزيز بن أبي حازم قال الأبي: سؤاله عن ذلك يحتمل أنه سؤال عن كيفية الجرح أو عن وقوعه أو عن استبعاد وقوعه اهـ (فقال) سهل في جواب السائل (أم) بفتحتين حرف استفتاح وتنبيه حذفت ألفها للتخفيف أي انتبه واستمع ما أقول (والله) أي أقسمت لك بالله (إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان يسكب) أي يصب (الماء) عليه صلى الله عليه وسلم (و) إني أعرف أيضًا (بماذا) أي بالذي (دووي) وعولج به (جرحه) صلى الله عليه وسلم وقوله

ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. غَيرَ أَنَّهُ زَادَ: وَجُرِحَ وَجْهُهُ. وَقَال: (مَكَانَ هُشِمَتْ): كُسِرَتْ. 4510 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ, ـــــــــــــــــــــــــــــ (دووي) هو مجهول داوى مكتوب بواوين ولا إدغام فيه كقوول والمفهوم من شرح النووي وقوعه في بعض النسخ بواو واحدة كما هو كذلك في نسخة بأيدينا فتكون الأخرى محذوفة في الخط كما حذفت من داود. (ثم ذكر) يعقوب بن عبد الرحمن (نحو حديث عبد العزيز) بن أبي حازم أي مثله ثم استثنى من المماثلة بقوله (غير أنه) أي لكن أن يعقوب (زاد) في روايته لفظة (وجرح وجهه) صلى الله عليه وسلم (وقال) يعقوب أيضًا (مكان هشمت) أي بدله في رواية عبد العزيز لفظة (كسرت) وهذا بيان لمحل المخالفة بينهما قال الأبي: والحاصل أنه لما انهزم المسلمون للسبب الذي تقدم أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خلص إليه العدو فقذفوه بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيب بالجراحات المذكورة ووقع صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي حفرها المشركون ليقع فيها المسلمون وهم لا يشعرون فأخذه علي بن أبي طالب بيده ورفعه حتى استوى قائمًا وكان الذي كسر رباعيته وجرح شفته عتبة بن أبي وقاص وكان سعد بن أبي وقاص أخوه يقول: ما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل عتبة بن أبي وقاص وإن كان فيما علمت سيء الخلق منقصًا في قومه ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله وكان الذي شجه في وجهه عبد الله بن شهاب الزهري جد محمد بن شهاب شيخ مالك أي أبو أبيه وكان الذي شجه في وجنته حتى دخلت حلقتان من حلق المغفر ابن قمئة فأتى قريشًا فأخبرهم أنه قتل محمدًا ونزع أبو عبيدة بن الجراح إحدى الحلقتين من وجنته فسقطت ثنيته ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان ساقط الثنيتين اهـ من الأبي ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل رضي الله عنه فقال. 4510 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن ابن عيينة ح وحدثنا عمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود بن عمرو بن محمد (العامري)

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ مُطَرِّفٍ). كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ , بِهَذَا الْحَدِيثِ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي هِلالٍ: أُصِيبَ وَجْهُهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُطَرِّفٍ: جُرِحَ وَجْهُهُ. 4511 - (1738) (83) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ السرحي بمهملات أبو محمد المصري ثقة، من (11) أخبرنا عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي المصري ثقة، من (9) (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري الفقيه المقرئ ثقة، من (7) (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المدني ثم المصري صدوق من (6) روى عنه المؤلف في (11) (ح وحدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البخاري نزيل بغداد ثقة، من (11) (حدثني) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي المصري ثقة، من (10) (حدثنا محمد يعني ابن مطرف) بن داود بن مطرف التيمي أبو غسان المدني نزيل عسقلان ثقة، من (7) والضمير في قوله (كلهم) راجع إلى ما قبل حاء التحويل والشيخ الأخير من السند الأخير يعني بهم ابن عيينة وسعيد بن أبي هلال ومحمد بن مطرف (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي المدني وهذه الأسانيد الأول منها رباعي والثاني سداسي والثالث خماسي غرضه بسوقها بيان متابعة ابن عيينة وسعيد بن أبي هلال ومحمد بن مطرف لعبد العزيز بن أبي حازم أي كلهم رووا (بهذا) السند يعني عن أبي حازم عن سهل هذا (الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم) ولكن (في حديث ابن أبي هلال) وروايته لفظة (أصيب وجهه) بدل جرح (وفي حديث ابن مطرف) وروايته لفظة (جرح وجهه) كالرواية الأولى ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال. 4511 - (1738) (83) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعيَّاته

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ. وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ. فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ: "كَيفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ, وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؟ ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَيسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ} [آل عمران: 128]. 4512 - (1739) (84) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته) بالبناء للمجهول (يوم) غزوة (أحد وشج) بالبناء للمجهول أيضًا حصل له جرح (في رأسه) الشريف والجراحة إذا كانت في الوجه أو في الرأس تسمى شجة (فجعل) أي شرع صلى الله عليه وسلم (يسلت) بضم اللام يقال سلت يسلت من باب نصر سلتًا إذا قبض على الشيء الذي أصابه قذر ولطخ به حتى يخرج ما فيه كذا في اللسان أي يمسح (الدم منه) أي من رأسه بشدة (ويقول كيف يفلح) ويفوز بالهداية (قوم شجوا) وجرحوا (نبيهم) أي وجهه ورأسه (وكسروا رباعيته وهو) أي والحال أن نبيهم (يدعوهم) ويهديهم (إلى) رضا (الله) تعالى والاستفهام لإنكار المضمن معنى التعجب أي لا يفلحون (فأنزل الله عزَّ وجلَّ {لَيسَ لَكَ}) يا محمد ({مِنَ الْأَمْرِ}) أي من الحكم في عبادي ({شَيءٌ}) إلا ما أمرتك به فيهم فإن الأمر فيهم كله لله عزَّ وجلَّ إن شاء يستأصلهم {أَوْ يَتُوبَ عَلَيهِمْ} مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ولهذا قال: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} أي يستحقون ذلك. ثم ظاهر حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يدعو على الذين جرحوه فنزلت الآية تمنعه من ذلك ولكن الذي يظهر بمجموع الروايات أنه صلى الله عليه وسلم دعا لمغفرتهم فنزلت الآية فقد أخرج الطبراني حديث أبي حازم هذا وزاد في آخره ثم قال يومئذٍ اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله ثم مكث ساعة ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون نقله الحافظ في فتح الباري وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات كما في تحفة الأشراف ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس الأول بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال. 4512 - (1739) (84) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع

حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ, وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ". 4513 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله: (كأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يحكي) ويصف (نبيًّا من الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام قال الحافظ في الفتح لم أقف على أمم هذا النبي صريحًا ويحتمل أن يكون هو نوحًا - عليه السلام - فقد ذكر ابن إسحاق في المبتدأ وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير الشعراء من طريق ابن إسحاق قال: (حدثني من لا أتهم عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) قلت: إن صح ذلك فكان ذلك في ابتداء الأمر ثم لما يئس منهم قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} وقد مر آنفًا عن الطبراني أن نبينا صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة لقومه بمثل هذا اللفظ عندما جرح في غزوة أحد وجملة قوله (ضربه قومه) صفة ثانية لـ (نبيًّا) (وهو) أي والحال أن ذلك النبي (يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) وفي الرواية الآتية ينضح بكسر الضاد أي يغسل قال الأبي: يحتمل أن يعني نفسه ويعضده ما ذكر أنه قال يوم أحد والمراد بالمغفرة المدعو بها هدايتهم إلى الإيمان لا المغفرة الحقيقية لأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الأنبياء باب بلا ترجمة بعد باب حديث الغار [3477]، وابن ماجه في الفتن باب الصبر على البلاء [4074]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال. 4513 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي ثقة، من (9) كلاهما رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن عبد الله غرضه بيان متابعة أبي بكر بن أبي شيبة لمحمد بن عبد الله بن نمير

غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَهُوَ يَنْضِحُ الدَّمَ عَنْ جَبِينِهِ. 4514 - (1740) (85) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ, وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (غير أنه) أي لكن أن أبا بكر (قال) في روايته (فهو) صلى الله عليه وسلم (ينضح) بكسر الضاد من باب ضرب أي يغسل (الدم) ويزيله (عن جبينه) أي عن جانب جبهته ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4514 - (1740) (85) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته (اشتد غضب الله) وسخطه (على قوم فعلوا هذا) الفعل يعني كسر رباعيته (برسول الله صلى الله عليه وسلم) وكلمة هذا ساقطة في بعض النسخ فيقدر المفعول أي فعلوا هذا الفعل (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (حينئذٍ) أي حين إذ قال: فعلوا هذا (يشير إلى رباعيته وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أيضًا: (اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله عزَّ وجلَّ) أي وهو يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان قاصدًا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يراد نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعًا للظاهر موضع المضمر قيل: الذي قتله نبينا صلى الله عليه وسلم هو أبي بن خلف اهـ مبارق قتله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد بحربة تناولها من الحارث بن الصمة الصحابي كما في سيرة ابن هشام واحترز بقوله في سبيل الله عمن يقتله في حد أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في قصاص لأنه قتله للتطهير اهـ نووي واعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نواب الحق وخلفاؤه فلهم الدرجات العلى فمن تعرض لهم بالإضرار اشتد عليهم عقوبة النار اهـ ابن الملك وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد رقم (4073) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول: حديث حذيفة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث: حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والرابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد والخامس: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة. ***

628 - (21) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين وصبره على ذلك ودعائهم للتوحيد

628 - (21) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين وصبره على ذلك ودعائهم للتوحيد 4515 - (1741) (86) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ) عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ الأَوْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَال: بَينَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيتِ, وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ, وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ. فَقَال أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلا جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَأْخُذُهُ, فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 628 - (21) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين وصبره على ذلك ودعائهم للتوحيد 4515 - (1741) (86) (وحدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان) بن صالح بن عمير الأموي مولى عثمان المعروف بـ (ـالجعفي) أبو عبد الرحمن الكوفي (حدثنا عبد الرحيم يعني ابن سليمان) الكناني أو الطائي أبو على الأشل المروزي نزيل الكوفة ثقة، من (8) (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي ثقة، من (6) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) الكوفي (الأودي) نسبة إلى أود بن صعب بن سعد أحد أجداده كذا في الأنساب للسمعاني ثقة مخضرم عابد أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن) عبد الله (بن مسعود) وهذا السند من سداسياته (قال) ابن مسعود: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له) من المشركين (جلوس) أي جالسون حول البيت جمع جالس (وقد نحرت) بالبناء للمجهول أي والحال أنه قد قطعت (جزور) بفتح الجيم أي ناقة قطعت سلاها عنها والجزور من الإبل ما يجزر أي يقطع (بالأمس) اسم لليوم الذي قبل يومك (فقال أبو جهل أيكم) أيها الحاضرون (يقوم إلى سلا جزور بني فلان) والسلا بالقصر وفتح السين هي الجلدة التي يكون فيها الولد في بطن أمه فيقال له ذلك في الناقة وسائر البهائم وأما من الآدميات فهي المشيمة وحكى صاحب المحكم أنه يقال فيهن سلا كذا في فتح الباري [1/ 350] (فيأخده فيضعه في كتفي محمد) أي في منكبي ظهره (إذا سجد) في صلاته (فانبعث) أي

أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَهُ. فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَينَ كَتِفَيهِ. قَال: فَاسْتَضْحَكُوا. وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ. وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ. لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ قام بسرعة (أشقى القوم) أي أشدهم شقاوة وأخبثهم نفسًا أي بعثته نفسه الخبيثة من بينهم فأسرع السير إلى الإتيان بها وهو كما هو مصرح في رواية شعبة الآتية عقبة بن أبي معيط بضم الميم وفتح العين وإنما صار أشقاهم لانفراده في هذه الخباثة بالمباشرة قتله النبي صلى الله عليه وسلم صبرًا بعد انصرافه عن بدر (فأخذه) وأتى به (فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم) أي هوى للسجود (وضعه بين كتفيه) استشكله الفقهاء بأنه كيف استمر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته مع كون هذه النجاسة بين كتفيه واستدل به بعضهم على أن من ألقي على ظهره نجاسة بغير اختياره فإن صلاته جائزة وإليه يظهر ميلان البخاري حيث ترجم على هذا الحديث (باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته) وأجاب عنه النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره ولا يدرى هل كانت صلاته فريضة أو نافلة وعلى كونها فريضة يحتمل أن يكون أعادها بعدما علم ولا حاجة إلى الإعادة على كونها نافلة أيضًا فيجاب باحتمال الإعادة كما في الفريضة وأجاب عنه الخطابي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن تعبد إذ ذاك بتحريمه كالخمر كانوا يلابسون الصلاة وهي تصيب ثيابهم وأبدانهم قبل نزول التحريم فلما حرمت لم تجز الصلاة فيها وتعقبه ابن بطال بأنه لا شك أنها كانت بعد نزول قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} لأنها أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم من القرآن قبل كل صلاة كذا في عمدة القاري [1/ 543]. (قال) ابن مسعود: (فاستضحكوا) أي حملوا أنفسهم على الضحك والسخرية ثم أخذهم الضحك جدًّا فجعلوا يضحكون يميل بعضهم على بعض من كثرة الضحك قاتلهم الله تعالى كما قال (وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم انظر) إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أستطيع أن أطرحها عنه والله (لو كانت لي منعة) أي قدرة على طرحها عنه لـ (ـطرحته) أي لطرحت ذلك السلا (عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولكن لا طاقة لي لخوف إذايتهم وقوله (منعة) بفتح النون وقيل بإسكانه ورجح النووي الأول وجزم القرطبي بالثاني ورجحه القزاز والهروي كما في فتح الباري والمنعة القوة أو

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ, مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ. حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ. فَجَاءَتْ, وَهِيَ جُوَيرِيَةُ, فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ. ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيهِمْ تَشْتِمُهُمْ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيهِمْ. وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا, وَإِذَا سَأَلَ, سَأَلَ ثَلاثًا. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِقُرَيشٍ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضِّحْكُ. وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ العشيرة وعلى هذا فالمنعة جمع مانع ككتبة وكاتب أي لو كان لي عشيرة بمكة وقال الفيومي هو في منعة أي في عز قومه فلا يقدر عليه من يريده قال الزمخشري وهي مصدر مثل الأنفة والعظمة أو جمع مانع وهم العشيرة والحماة وإنما قال ذلك لأنه لم يكن له بمكة عشيرة لكونه هذليًا حليفًا وكان حلفاؤه إذ ذاك كفارًا (والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد) أي مستمر في السجود (ما يرفع رأسه) منه (حتى انطلق إنسان) ممن رآه كذلك لعله من ضعفاء المسلمين أو هو الراوي نفسه كله محتمل (فأخبر) ذلك الإنسان (فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخبرها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه المشركون (فجاءت) فاطمة (وهي) يومئذٍ (جويرية) تصغير جارية بمعنى شابة يعني أنها إذ ذاك ليست بكبيرة (فطرحته) أي طرحت السلا عنه أي عن ظهره صلى الله عليه وسلم (ثم أقبلت) فاطمة بوجهها (عليهم) أي على المشركين حالة كونها (تشتمهم) أي تسبهم والشتم وصف الرجل بما فيه إزراء ونقص وبابه ضرب كما في المصباح وفي نسخة (تسبهم) والسب الشتم الوجيع وبابه قتل قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ} الآية (فلما قضى) وأتم (النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته) بالدعاء عليهم (ثم دعا عليهم) أي على المشركين باللعن (وكان) صلى الله عليه وسلم في عادته (إذا دعا) الله بشيء من حوائجه (دعا ثلاثًا) أي كرر دعاءه ثلاث مرات قال الحافظ: والظاهر منه أن الدعاء المذكور وقع خارج الصلاة لكن وقع وهو مستقبل الكعبة كما ثبت من رواية زهير عن أبي إسحاق عند الشيخين وقوله (وإذا سأل سأل ثلاثًا) هو أيضًا بمعنى دعا عطفه عليه توكيدًا لاختلاف اللفظين وفيه استحباب تكرير الدعاء ثلاثًا (ثم) بعدما دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا (قال: اللهم عليك بـ) ـإهلاك (قريش ثلاث مرات) أي قالها ثلاث مرات (فلما سمعوا) أي سمعت قريش (صوته) صلى الله عليه وسلم بالدعاء عليهم (ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته) أي إصابتها إياهم وإجابتها في حقهم

ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ, وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ, وَشَيبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ, وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ. وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ, وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيطٍ" (وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ) فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ, لَقَدْ رَأَيتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ, قَلِيبِ بَدْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة كما هو قول ابن مسعود في رواية البخاري في كتاب الوضوء من صحيحه (ثم) بعد أن دعا على عموم قريش دعا عليهم بخصوصهم فـ (ـقال: اللهم عليك بـ) ـإهلاك (أبي جهل) عمرو (بن هشام) فرعون هذه الأمة (وعتبة بن ربيعة) بضم العين وسكون التاء (وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة) بضم العين وسكون القاف هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم واتفق العلماء على أنه غلط والصواب والوليد بن عتبة بضم العين وسكون الفوقية كما ذكره مسلم في رواية أبي بكر بن أبي شيبة بعد هذا اهـ من النووي (وأمية بن خلف وعقبة) بضم العين وسكون القاف (بن أبي معيط) بضم الميم وفتح العين قال أبو إسحاق: (وذكر) لي عمرو بن ميمون (السابع) من هؤلاء الصناديد (ولم أحفظه) أي ولم أحفظ ذلك السابع وهو عمارة بن الوليد تذكره أبو إسحاق بعد ذلك فيما أخرجه البخاري عنه في الصلاة واستشكل بعضهم كون عمارة بن الوليد في جملة هؤلاء السبعة لكونه لم يقتل ببدر وإنما مات بالحبشة وله قصة مع النجاشي إذ تعرض لامرأته فأمر النجاشي ساحرًا فنفخ في إحليل عمارة من سحره عقوبة له فتوحش وصار مع البهائم إلى أن مات في خلافة عمر والجواب أن كلام ابن مسعود أنه رآهم صرعى في القليب محمول على الأكثر ويدل عليه أن عقبة بن أبي معيط لم يطرح في القليب وإنما قتل صبرًا بعد أن رحلوا من بدر كذا في فتح الباري [1/ 351]. قال ابن مسعود: (فوالذي) أي فأقسمت بالذي (بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت) الأقوام (الذين سما) هم النبي صلى الله عليه وسلم أي ذكرهم بأسمائهم في دعائه أي رأيتهم (صرعى) ساقطين جمع صريع كقتلى جمع قتيل أي قتلى (يوم) غزوة (بدر ثم سحبوا) أي جروا (إلى القليب قليب بدر) بدل مما قبله أو عطف بيان له والقليب هي البئر لم تطو وإنما وضعوا في القليب تحقيرًا لهم ولئلا يتأذى الناس برائحتهم وليس هو دفنًا لأن الحربي لا يجب دفنه لعدم احترامه أي جروا على الأرض

قَال أَبُو إِسْحَاقَ: الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ غَلَطٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. 4516 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لا بْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ, عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَال: بَينَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ, وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيشٍ. إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيطٍ بِسَلا جَزُورٍ. فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ. فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ. وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ. فَقَال: "اللَّهُمَّ عَلَيكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى بئر هناك قديمة فألقوا فيها وهي المراد هنا (قال أبو إسحاق) بالسند السابق (الوليد بن عقبة غلط في هذا الحديث) والصواب الوليد بن عتبة كما مر آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع في الوضوء [520]، وفي الجهاد [2934]، وفي الجزية [3185]، وفي مناقب الأنصار [3854]، وفي المغازي [3960]، وأخرجه النسائي في الطهارة [308]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال. 4516 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق) السبيعي الكوفي (يحدث عن عمرو بن ميمون) الأودي الكوفي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لزكرياء بن أبي زائدة (قال) ابن مسعود: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد) عند البيت وحوله أي جنبه وقربه (ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط) أشقى هذه الأمة (بسلا جزور) أي بمشيمة ناقة (فقذفه) أي طرحه وألقاه (على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه) من السجود فسمعت فاطمة ذلك من بعض الناس (فجاءت فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (فأخذته) أي أخذت ذلك السلا (عن ظهره ودعت) فاطمة باللعن (على من صنع ذلك) الطرح برسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) ـلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته دعا عليهم و (قال: اللهم عليك الملأ من قريش) أي خذهم وأهلكهم والملأ جماعة يجتمعون على رأي سُمّوا

أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ, وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ, وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيطٍ, وَشَيبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ, وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ, أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ" (شُعْبَةُ الشَّاكُّ) قَال: فَلَقَدْ رَأَيتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ. فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ. غَيرَ أَنَّ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيًّا تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ. فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ. 4517 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, بِهَذَا الإِسْنَادِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك لأنهم يملؤون العيون بأجسامهم وقوله (أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف) بدل من الملأ بدل تفصيل من مجمل قال شعبة: (أو) قال لي عمرو بن ميمون: (أبي بن خلف) بدل أمية بن خلف قال المؤلف أو بعض الرواة (شعبة) هو (الشاك) فيهما والصحيح أنه أمية بن خلف كما جزم به سفيان في روايته الآتية ويدل على صحة رواية سفيان ما أطبق عليه أصحاب المغازي من أن المقتول ببدر أمية وعلى أن أخاه أبي بن خلف قتل بأحد كذا في الفتح (قال) ابن مسعود: (فـ) ـوالله (لقد رأيتهم) أي لقد رأيت هؤلاء المذكورين (قتلوا يوم بدر فألقوا) أي طرحوا (في بئر) هناك قديمة ليس فيها ماء (غير أن أمية) بن خلف (أو أبيًا) بالشك (تقطعت أوصاله) أي مفاصله (فلم يلق) أي لم يطرح (في البئر) هكذا في بعض النسخ وفي أكثرها (فلم يلقى) بإثبات الألف وهو جائز على لغة وقد سبق بيانه مرات وقريبًا اهـ نووي. قوله (شعبة الشاك) يعني أن شعبة شك في تعيين أحد ابني خلف هل هو أمية أو أُبي والصحيح أن المقتول ببدر هو أمية بن خلف كما هو المصرح به في أواخر جهاد البخاري (قوله غير أن أمية أو أبيًا) على الشك المذكور آنفًا (تقطعت أوصاله) أي مفاصله وفي باب طرح جيف المشركين في البئر قبل كتاب بدء الخلق بباب من صحيح البخاري (فألقوا في بئر غير أمية أو أبي) فإنه كان رجلًا ضخمًا فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر اهـ من بعض الهوامش ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال. 4517 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي العمري أبو عون الكوفي صدوق من (9) روى عنه في سبعة أبواب (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان لشعبة (بهذا الإسناد) يعني عن عمرو بن ميمون عن عبد الله

نَحْوَهُ. وَزَادَ: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ ثَلاثًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِقُرَيشٍ. اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِقُرَيشٍ. اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِقُرَيشٍ" ثَلاثًا. وَذَكَرَ فِيهِمُ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ, وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ. وَلَمْ يَشُكَّ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ: وَنَسِيتُ السَّابِعَ. 4518 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَال: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيتَ. فَدَعَا عَلَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيشٍ. فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (نحوه) أي نحو ما روى شعبة عن أبي إسحاق (و) لكن (زاد) سفيان على شعبة لفظة (وكان) صلى الله عليه وسلم (يستحب) أي يحب أن يكرر دعاءه (ثلاثًا) من المرات إذا دعا يعني أن تكرير الكلمات ثلاثًا كان مستحبًا عنده وذكر النووي عن القاضي رواية يستحث بالمثلثة بدل الموحدة قال ومعناه: الإلحاح اهـ أي يلح بالدعاء ويستعجل بالإجابة حالة كونه يقول: (اللهم عليك بقريش) أي خذهم وأهلكهم أو خبر بعد خبر لكان أي وكان يقول في دعائه: اللهم عليك بقريش (اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش ثلاثًا وذكر) سفيان (فيهم) أي في هؤلاء الصرعى (الوليد بن عتبة وأمية بن خلف ولم يشك) سفيان في كونه أمية بن خلف كما شك شعبة في كونه أمية أو أبيًا قال سفيان في روايته (قال) لنا (أبو إسحاق: ونسيت السابع) من هؤلاء الصرعى ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال. 4518 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) بفتح الياء وقد ينسب إلى جده كما في مسلم الحراني مولى ابن مروان صدوق من (9) روى عنه في (6) أبواب. (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو إسحاق) السبيعي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الكوفي وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة زهير لشعبة بن الحجاج (قال) عبد الله استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت أي توجه إلى الكعبة المشرفة (فدعا) الله سبحانه وتعالى (على) إهلاك (ستة نفر من) صناديد (قريش فيهم أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط) لعائن الله عليهم

فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيتُهُمْ صَرْعَى عَلَى بَدْرٍ. قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ. وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا. 4519 - (1742) (87) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ, وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى, وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ) قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّهَا قَالتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ, هَلْ أَتَى عَلَيكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَال: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال عبد الله بن مسعود: (فأقسم بالله) الذي لا إله غيره (لقد رأيتهم) أي لقد رأيت هؤلاء الستة (صرعى) أي ساقطين مقتولين (على) قليب (بدر) متعلق برأيت أو على بمعنى في أي مقتولين في وقعة بدر (قد غيرتهم) أي قد غيرت ألوان أجسامهم وأحرقتهم (الشمس وكان) ذلك اليوم (يومًا حارًا) أي شديد الحرارة ولذلك أسرعت إليهم الشمس بالتغيير ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 4519 - (1742) (87) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (وعمرو بن سواد) بتشديد الواو بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح (العامري) السرخي المصري ثقة، من (11) (وألفاظهم) أي ألفاظ حديث كل من الثلاثة (متقاربة) في الألفاظ والمعاني (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (قال: أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته (حدثته) أي حدثت لعروة (أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل أتى) ومر (عليك يوم كان أشد) عليك إذاية وضررًا من الكفار (من يوم) وقعة (أحد) كأنها تزعم أن ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى يوم أحد أشد ما لقيه قط (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم والله (لقد لقيت من قومك) قريش يا عائشة فالخطاب للصديقة والمراد بقومها قريش ومفعول لقيت محذوف وهو الأذى تقديره لقد لقيت من قومك ما لقيت من الأذى كما هو المذكور في كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري

وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ. إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ. فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ. فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي. فَلَمْ أَسْتَفِقْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وكان أشد ما لقيت منهم) ما لقيته منهم (يوم العقبة) ضبط أشد في مطبوع البخاري على النسخة اليونيينة بالرفع والنصب كما أشار إليه القسطلاني واقتصر ابن الملك على النصب على أنه خبر كان واسمها ضمير عائد على مقدر وهو المفعول المحذوف من لقيت فيكون المعنى كان ما لقيت من قومك يوم العقبة حين دعوتهم إلى الإسلام فسبوني وضربوني وأرادوا قتلي وتوجهت إلى الطائف وعرضت نفسي عليهم بالدعوة ليؤوني منهم وردوني إليهم أشد رد وأقبحه أشد ما لقيت قال ابن الملك ويوم العقبة هو اليوم الذي وقف النبي صلى الله عليه وسلم فيه عند العقبة التي بمنى داعيًا الناس إلى الإسلام فما أجابوه وآذوه وذلك اليوم كان معروفًا اهـ وقيل: المراد بيوم العقبة اليوم الذي ذهب فيه من عند أهل الطائف حين ردوه أقبح رد إلى عقبة الطائفة ذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤوه فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم سادتهم وهم إخوة عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو فعرض عليهم نفسه وشكى إليهم ما انتهك منه قومه فردوا عليه أقبح رد وذكر ابن سعد أن ذلك كان في شوال سنة عشر من المبعث وأنه كان بعد موت أبي طالب وخديجة كذا في فتح الباري [6/ 315]. وقوله (إذ عرضت نفسي) ظرف للقيت أي كان أشد ما لقيته منهم ما لقيته حين عرضت نفسي بالدعوة إلى الإسلام (على) كنانة (بن عبد ياليل بن عبد كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام واسم عبد ياليل كنانة كما ذكرنا في الحل وقيل مسعود وكان من أكابر أهل الطائف من ثقيف والذي في مغازي البخاري أن الذي كلمه هو عبد ياليل بن عمرو بن عمير بن عوف وياليل اسم صنم كما ذكره المجد (فلم يجبني) ابن عبد ياليل (إلى ما أردت) وقصدت منه إيوائي فردني أشد رد وأقبحه (فانطلقت) أي ذهبت من عندهم (وأنا مهموم) لا أدري أين أتوجه وقوله (على وجهي) متعلق بانطلقت أي انطلقت على الجهة المواجهة لي كما في الفتح أي انطلقت هائمًا لا أدري أين أتوجه من شدة ما استتبعه عدم إجابته من أقابح الردود من غيره إلى أن يجترئوا على الرضح لي بالحجارة (فلم استفق) أي فلم أفق مما أنا فيه من الهم ولم أفطن لنفسي ولم أنتبه لحالي وللموضع الذي أنا فيه وذاهب إليه والإفاقة وكذا الاستفاقة رجوع الفهم إلى الإنسان بعدما شغل

إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي. فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ. فَنَادَانِي. فَقَال: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيكَ. وَقَدْ بَعَثَ إِلَيكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَال: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَال: يَا مُحَمَّدُ, إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ. وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ. وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ! إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيهِمُ الأَخْشَبَينِ". فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ, لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه (إلا بقرن الثعالب). أي إلا وأنا واصل إلى موضع يسمى قرن الثعالب وهو كما ذكره ابن حجر ميقات أهل نجد أيضًا ويقال أيضًا قرن المنازل بينه وبين مكة مرحلتان والقرن بفتح القاف وسكون الراء كل جبل صغير منقطع عن جبل كبير وحكى القاضي عياض أن بعض الرواة ذكره بفتح الراء وهو غلط وحكى القاضي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن حركها أراد الطريق الذي يقرب منه وأفاد ابن سعد أن مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بالطائف كانت عشرة أيام كذا في الفتح. (فرفعت رأسي) إلى السماء (فإذا أنا) راءٍ (بسحابة) أي بقطعة من سحاب وإذا فجائية والفاء عاطفة على ما قبلها أي فرفعت رأسي إلى السماء ففاجأني رؤية سحابة (قد أظلتني) من الشمس (فنظرت إليها فإذا فيها جبريل) الأمين - عليه السلام - (فناداني) جبريل (فقال) لي في ندائه يا محمد إن الله عزَّ وجلَّ قد سمع قول قومك لك من قريش أو ثقيف على ما سيأتي من الإشكال (وما ردوا عليك) عند دعوتهم إلى التوحيد (وقد بعث) الله سبحانه (إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم) أي في إهلاكهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك) عند دعوتهم إلى التوحيد (وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربَّك إليك لتأمرني) بما شئت في إهلاكهم (فما) استفهامية في محل النصب مفعول مقدم أي فأي شيء شئت في إهلاكهم (إن شئت أن أطبق) وأغطي (عليهم الأخشبين) شرط جوابه محذوف تقديره أطبقتهما عليهم أي إن شئت أن أطبق الأخشبين عليهم وضعتهما عليهم وجعلتهما كالطبق عليهم حتى هلكوا تحته (فقال له) أي لملك الجبال (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا تفعل ذلك (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)

4520 - (1743) (88) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ. قَال: دَمِيَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ والأخشبان جبلان بمكة وهما أبو قبيس والجبل الذي يقابله وكأنه قيقعان وقال الصنعاني بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قيقعان ووهم من قال إنه ثور كالكرماني وسميا بالأخشبين لصلابتهما وغلظ حجارتهما والمراد بإطباقهما أن يلتقيا على من بمكة ويحتمل أن يريد أنهما يصيران طبقًا واحدًا كذا في فتح الباري ثم الظاهر من هذا الكلام أن ملك الجبال عرض على النبي صلى الله عليه وسلم استئصال أهل مكة بإطباق الأخشبين مع أن سياق القصة في أهل الطاثف ولم أر من الشراح من تعرض لهذا ويحتمل أن يكون الطائف بين جبلين صلبين كأخشبي مكة وأراد الملك بإطباقهما استئصال أهل الطائف والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في بدء الخلق رقم [3231]، وفي التوحيد رقم [7389]، ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه فقال. 4520 - (1743) (88) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (كلاهما) رويا (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) (قال يحيى: أخبرنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس) البجلي أبي قيس الكوفي ثقة، من (4) (عن جندب) بن عبد الله (بن سفيان) البجلي أبي عبد الله الكوفي وقد ينسب إلى جده كما في مسلم رضي الله عنه روى عنه المؤلف في (3) أبواب وهذا السند من رباعياته (قال) جندب بن سفيان (دميت) من باب تعب أي جرحت (إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وخرج منها الدم (في بعض تلك المشاهد) والمعارك التي حضرها ورد سببه في رواية البخاري في الأدب ولفظها بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ أصابه حجر فعثر فدميت إصبعه ووقع في رواية شعبة عن الأسود خرج إلى الصلاة ذكره الحافظ في الفتح وسيأتي في الرواية الآتية عند المؤلف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ولا مانع من الجمع بين هذه الروايات بأن كلًّا من الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر فتحمل على التعدد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم متمثلًا

"هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لقِيتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بما أنشده غيره أو قاله من قبل نفسه غير قاصد لإنشائه فخرج موزونًا على أوزان الرجز وبالأول جزم الطبري ويؤيده أن ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس أورده لعبد الله بن رواحة فذكر أن جعفر بن أبي طالب لما قتل في غزوة مؤتة بعد أن قتل زيد بن حارثة فأخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل فأصيب إصبعه فارتجز وجعل يقول هذا البيت: هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت وزاد بعده هذين البيتين: يا نفس إن لم تقتلي تموتي ... هذي حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد لقيت ... إن تفعلي فعلهما هديت وهكذا جزم ابن التين بأنه من شعر ابن رواحة وما في قوله (وفي سبيل الله ما لقيت) موصولة أن الذي لقيته وتحملته من الأذى فهو محسوب في سبيل الله تعالى وقد اختلف في جواز تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الشعر وإنشاده حاكيًا عن غيره فالصحيح جوازه وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والترمذي وصححه والنسائي من رواية المقدام بن شريح عن أبيه قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت: كان يتمثل من شعر ابن رواحة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل أبي جعفر الخطمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني المسجد وعبد الله بن رواحة يقول: أفلح من يعالج المساجدا فيقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ابن رواحة: يتلو القرآن قائمًا وساجدا فيقولها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كله ملخص ما في فتح الباري [1/ 541]، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب من ينكب في سبيل الله [2802]، وفي الأدب باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه [6146]، وفي غيرهما والترمذي أخرجه في التفسير باب ومن سورة اقرأ باسم ربك [3346]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جندب رضي الله عنه فقال.

4521 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ. فَنُكِبَتْ إِصْبَعُهُ. 4522 - (1744) (89) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جُنْدُبًا يَقُولُ: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالضُّحَى (1) ـــــــــــــــــــــــــــــ 4521 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (جميعًا عن ابن عيينة عن الأسود بن قيس) البجلي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن جندب بن سفيان وهذا السند أيضًا من رباعياته غرضه بيان متابعة ابن عيينة لأبي عوانة (و) لكن (قال) سفيان في روايته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار) بالغين المعجمة والراء المهملة أي في جيش (فنكبت) أي أصيبت (إصبعه) بحجر فدميت فقال: هل أنت إلا إصبع دميت الخ من النكبة وهي المصيبة والجمع نكبات وقوله (في غار) كذا هو في الأصول (في غار) قال القاضي عياض قال أبو الوليد الكناني لعله كان غازيًا فتصحف كما قال في الرواية الأخرى في بعض المشاهد وكما جاء في رواية البخاري بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ أصابه حجر قال القاضي وقد يراد بالغار الجيش والجمع لا الغار الذي هو الكهف فيوافق رواية بعض المشاهد ومنه قول علي رضي الله عنه (وما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغارين) أي العسكرين والجمعين اهـ نووي نقلًا عن القاضي ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لجندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله تعالى عنهما فقال. 4522 - (1744) (89) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن الأسود بن قيس أنه سمع جندبًا) بن عبد الله بن سفيان (يقول: أبطأ) أي تأخر (جبريل) أي حضوره (على) أي عن (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد ودع) بالبناء للمجهول من التوديع أي ترك (محمد) ترك المودع بفتح الدال المشددة على صيغة اسم المفعول ومن ودع أحدًا مفارقًا فقد بالغ في تركه وسمي الوداع وداعًا لأنه فراق ومشاركة يعني أن الملك الذي كان يجيئه ودعه (فأنزل الله عزَّ وجلَّ {وَالضُّحَى (1)

وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} [الضحى: 1 - 3]. 4523 - (00) (00) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ). حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ. قَال: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ يَقُولُ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَمْ يَقُمْ لَيلَتَينِ أَوْ ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى (2)} أي إذا أظلم وركد في طوله تقول بحر ساج وليل ساج إذا سكن قاله الفراء: ({مَا وَدَّعَكَ}) أي ما تركك ({رَبُّكَ وَمَا قَلَى}) أي وما أبغضك قوله (أبطأ جبريل) حمل هذا الإبطاء بعضهم على الفترة التي وقعت في ابتداء الوحي ولكن رده الحافظ في الفتح [8/ 710] فقال والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي فإن تلك دامت أيامًا وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثًا فاختلطتا على بعض الرواة ثم وردت في سبب هذا الإبطاء روايات مختلفة فسيجيء في الرواية الآتية عند المؤلف أن سببه اشتكاء النبي صلى الله عليه وسلم وفسر بعضهم هذه الشكوى بإصبعه التي دميت ولكن رده الحافظ في الفتح وورد عند الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب إبطاء جبريل وجود جرو كلب تحت سرير النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعر وقصة إبطاء جبريل بسبب الكلب تحت سريره مشهورة لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب بل شاذ مردود بما في الصحيح والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة في قيام الليل وفي فضائل القرآن وفي التفسير والترمذي في التفسير والنسائي في التفسير في الكبرى ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جندب هذا الأخير رضي الله عنه فقال. 4523 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ لابن رافع قال إسحاق أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي أبو زكرياء الكوفي ثقة، من (9) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي ثقة، من (7) (عن الأسود بن قيس) البجلي الكوفي (قال سمعت جندب) بن عبد الله (بن سفيان) البجلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة زهير لابن عيينة (يقول: اشتكى) أي مرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم) لصلاة التهجد (ليلتين أو ثلاثًا) فلم يقرأ في الليل شيئًا من القرآن وذكر

فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالتْ: يَا مُحَمَّدُ, إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ. لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيلَتَينِ أَوْ ثَلاثٍ. قَال: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} [الضحى: 1 - 3]. 4524 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُلائِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم أن اشتكاء النبي صلى الله عليه وسلم كان بسبب استبطاء الوحي وبه يجمع بين الروايتين (فجاءته) صلى الله عليه وسلم (امرأة) من قريش وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب زوجة أبي لهب حمالة الحطب واسمها العوراء ذكره الحاكم في المستدرك وأخرجه الطبري من طريق المفضل بن صالح عن الأسود بن قيس بلفظ فقالت امرأة من أهله ومن وجه آخر عن الأسود بن قيس بلفظ حتى قال المشركون ولا مخالفة لأنهم قد يطلقون لفظ الجمع ويكون القائل أو الفاعل واحدًا بمعنى أن الباقين راضون بما وقع من ذلك الواحد كذا في فتح الباري [8/ 710]. (فقالت) تلك المرأة: (يا محمد إني لأرجو) أي لأظن (أن يكون شيطانك) أي ملكك (قد تركك) وقلاك (لم أره) أي لم أر شيطانك (قربك) من باب سمع أي دنا منك وأما قرب من باب كرم بالضم في الماضي والمضارع فهو لازم وما هنا متعد نظير قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} (منذ ليلتين) أي في ليلتين (أو ثلاث قال) جندب بن سفيان: (فأنزل الله عزَّ وجلَّ ({وَالضُّحَى (1) وَاللَّيلِ إِذَا سَجَى (2)}) أي سكن وستر الأشياء بظلمته والأصل السجو بالواو فيكتب سجا بالألف نظير دعا في غير المصحف كما عند أبي ذر الهروي في البخاري على نقل القسطلاني ({مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)}) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جندب هذا فقال. 4524 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (عن شعبة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الملائى) بضم الميم وتخفيف اللام نسبة إلى الملاءة وهي المرط الذي تستر به المرأة إذا خرجت وظني أن هذه النسبة إلى بيعه قال السمعاني في الأنساب اسمه عبد السلام بن حرب بن سلمة النهدي بالنون أبو بكر الكوفي روى عن سفيان الثوري في

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, نَحْوَ حَدِيثِهِمَا. 4525 - (1745) (90) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (وَاللَّفْظُ لا بْنِ رَافِعٍ) (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ حِمَارًا, عَلَيهِ إِكَافٌ, تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ. وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ, وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. وَذَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهاد وأيوب وليث بن أبي سليم ويروي عنه (ع) وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وقتيبة وابن معين وخلق وثقه أبو حاتم والترمذي وأنكر أحمد بعض أمره وقال في التقريب ثقة حافظ له مناكير من صغار الثامنة مات سنة (187) سبع وثمانين ومائة (حدثنا سفيان) الثوري (كلاهما) أي كل من شعبة وسفيان رويا (عن الأسود بن قيس بهذا الإسناد) يعني عن جندب بن سفيان (نحو حديثهما) أي نحو حديث ابن عيينة وزهير بن معاوية غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة وسفيان الثوري لسفيان بن عيينة وزهير بن معاوية ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما فقال. 4525 - (1745) (90) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ لابن رافع قال ابن رافع: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري عن عروة) بن الزبير (أن أسامة بن زيد) بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه الهاشمي المدني رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته (أخبره) أي أخبر لعروة (أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارًا عليه إكاف) هو للحمار بمنزلة السرج للفرس (تحته) صلى الله عليه وسلم أي بينه صلى الله عليه وسلم وبين الإكاف (قطيفة) أي دثار مخمل جمعها قطائف وقطف (فدكية) أي منسوبة إلى فدك لصنعها فيه والفدك بفتحتين بلدة معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة (وأردف) أي أركب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وراءه) أي خلف حماره (أسامة) بن زيد (وهو) صلى الله عليه وسلم (يعود سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه من مرضه (في) منازل (بني الحارث بن الخزرج) وهم قوم سعد بن عبادة رضي الله عنه (وذاك) المذكور من عيادته صلى الله عليه

قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ, وَالْيَهُودِ. فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ, خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ. ثُمَّ قَال: لَا تُغَبِّرُوا عَلَينَا. فَسَلَّمَ عَلَيهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم, ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ. فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيهِمُ الْقُرْآنَ. فَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ! لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا, ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم لسعد بن عبادة (قبل وقعة بدر حتى) بمعنى الفاء أي فـ (ـمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى سعد (بمجلس فيه أخلاط) أي ناس مختلطون (من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان) بدل من المشركين (واليهود) معطوف عليه (فيهم) أي في أولئك الأخلاط (عبد الله بن أبي) ابن سلول رئيس المنافقين وزاد عقيل عند المصنف وشعيب عند البخاري في التفسير كلاهما عن الزهري (وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي) أي قبل أن يظهر الإسلام (وفي) ذلك (المجلس عبد الله بن رواحة) الصحابي البدري المشهور كان أحد الشعراء الذين يذبون الأذى بشعرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما غشيت) وغطت ذلك (المجلس عجاجة الدابة) يعني الغبار الثائر بوقع حوافر الحمار على الأرض (خمر) من التخمير بمعنى التغطية أي غطى (عبد الله بن أبي أنفه بردائه) لئلا يدخله الغبار (ثم قال) ابن أبي (لا تغبروا علينا) يا أصحاب محمد أي تثيروا علينا الغبار فيؤذينا (فسلم عليهم) أي على أهل المجلس لأن فيهم مسلمين (النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف) أي توقف عن الذهاب (فنزل) عن دابته (فدعاهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا أهل المجلس (إلى) توحيد (الله) تعالى (وقرأ عليهم) أي على أهل المجلس (القرآن) أي آيات التوحيد ومن هذا يؤخذ جواز السلام على المسلمين إذا كان معهم كفار وينوي حينئذٍ بالسلام المسلمين (فقال عبد الله بن أبي أيها المرء) يريد النبي صلى الله عليه وسلم (لا أحسن) أي لا شيء أحسن (من هذا) الذي قلت (إن كان ما تقولـ) ـه (حقًّا) أي صدقًا من الله تعالى أي ليس شيء أحسن من هذا إن كان حقًّا ولكنه لم يقبل أنه حق فكأنه أن يرد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام ظاهره التحسين وباطنه الرد عليها فعلق كونها حسنة على كونها حقًّا هذا على الرواية المشهورة وقد رواه بعضهم (لأحسن من هذا) يعني ألف بين اللام والهمزة واللام حينئذٍ لام الابتداء وأحسن خبر مقدم لمبتدأ محذوف أي لأن تقعد في بيتك أحسن من

فَلَا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا. وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ. فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيهِ. فَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا. فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. قَال: فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ. حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا. فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ. ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. فَقَال: "أَيْ سَعْدُ, أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى مَا قَال أَبُو حُبَابٍ؟ (يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ) قَال كَذَا وَكَذَا". قَال: اعْفُ عَنْهُ. يَا رَسُولَ اللهِ, وَاصْفَحْ. فَوَاللَّهِ, لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ, وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الإيذاء لنا بالغبار والمراد أن الأحسن من هذا أن تقعد في بيتك وتقرأ على من جاء إليك واستحسن القاضي عياض هذه الرواية لكون معناها أظهر (فلا تؤذنا في مجالسنا) بغبار حمارك وبما تقرأ علينا (وارجع إلى رحلك) أي إلى منزلك (فمن جاءك منا فاقصص عليه) قصصك (فقال عبد الله بن رواحة) رضي الله عنه (اغشنا) أي ائتنا وغطنا يا رسول الله (في مجالسنا) بغبار حمارك (فإنا نحب ذلك) أي تغطيتنا بغبار حمارك وقراءة القرآن علينا (قال) أسامة بن زيد (فاستب) الفريقان (المسلمون والمشركون واليهود) أي سب بعضهم بعضًا حتى قصدوا أن يساور بعضهم بعضًا للمضاربة بالأيدي (حتى هموا) أي قصدوا (أن يتواثبوا) أي أن يثب بعضهم على بعض (فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم) واقفًا حالة كونه (يخفضهم) أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم (ثم) بعدما خفضهم (ركب دابته) وذهب (حتى دخل على سعد بن عبادة فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: (أي سعد) أي يا سعد (ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بأبي حباب (عبد الله بن أبي) لأنه كنيته فإنه (قال) لنا (كذا وكذا) يعني قوله لا تغبروا علينا ومعلوم أن في ذكر الرجل بكنيته إكرامًا له عند العرب وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر عبد الله بن أبي بما فيه إهانة له وإنما ذكره بكنيته مع أنه صلى الله عليه وسلم سمع منه كلامًا مقذعًا فيه تحقير وإهانة وهذا يدل على أن داعي الحق لا ينبغي له أي أن يقذع في كلامه للمخالفين ولو سمع منهم ما يؤذيه (قال) سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (اعف عنه) واسمح له (يا رسول الله) ما قال (واصفح) أي وأعرض عن إذايته ولا تقابله بالمجازاة عليها (فوالله لقد أعطاك الله) يا رسول الله (الذي أعطاك) من النبوة والولاية فغص بذلك (ولقد اصطلح) واتفق (أهل هذه البحيرة)

أَنْ يُتَوِّجُوهُ, فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ. فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ, شَرِقَ بِذَلِكَ. فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيتَ. فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. 4526 - (00) (00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينٌ (يَعْنِي ابْنَ الْمُثَنَّى). حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ, بِمِثْلِهِ, وَزَادَ: وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أهل هذه البلدة يعني المدينة والبحيرة بضم الباء على صيغة التصغير وفي رواية البخاري (هذه البحيرة) بفتح الباء وهي القربة والمراد بها هنا المدينة المنورة ونقل صاحب الياقوت أن البحرة من أسماء المدينة المنورة أي اتفقوا قبل هجرتك إلينا على (أن يتوجوه) أي على أن يلبسوه تاج الملك (فيعصبوه) أي فيعموه عصابة الرئاسة أي اتفقوا على أن يجعلوه ملكهم ورئيسهم بإلباس تاج الملك وعصابة الرئاسة وكان من عادة العرب إذا ملكوا إنسانًا يتوجوه ويعصبوه أي أن يجعلوه رئيس البحيرة وسمي الرئيس معصبًا لما يعصب برأسه من الأمور أو لأنهم يعصبون رؤوسهم بعصابة لا تنبغي لغيرهم ويمتازون بها كما في الفتح (فلما رد الله) سبحانه وتعالى (ذلك) الذي أرادوا به من الرئاسة والملك (بالحق الذي أعطاكه) من هذا الدين القويم (شرق) بكسر الراء من باب فرح أي غص وخنق (بذلك) الحق الذي جئت به وحسدك عليه وقوله (شرق بذلك) هو كناية عن الحسد يقال: غص بالطعام وشجي بالعظم وشرق بالماء إذا اعترض شيء من ذلك في الحلق فمنعه الإساغة (فذلك) الذي اتفقوا عليه أولًا من أن يتوجوه تاج الملك والرئاسة (فعل به) أي بابن أبي (ما رأيت) منه (فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الجهاد باب الردف على الحمار [2987]، وفي التفسير [3566]، وفي مواضع كثيرة ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أسامة رضي الله عنه فقال. 4526 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري ثقة، من (11) (حدثنا حجين يعني ابن المثنى) اليمامي نزيل بغداد ثقة، من (9) (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري ثقة حجة من (7) (عن عقيل) بن خالد الأموي المصري ثقة، من (6) (عن ابن شهاب في هذا الإسناد) يعني عن عروة عن أسامة وساق عقيل (بمثله) أي بمثل حديث معمر غرضه بيان متابعة عقيل لمعمر (و) لكن (زاد) عقيل على معمر لفظة (وذلك) الأمر

قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ. 4227 - (1746) (91) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيسِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَتَيتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ؟ قَال: فَانْطَلَقَ إِلَيهِ. وَرَكِبَ حِمَارًا. وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ. وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ. فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِلَيكَ عَنِّي. فَوَاللَّهِ, لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ. قَال: فَقَال رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقع من عبد الله بن أبي (قبل أن يسلم عبد الله) بن أبي أي قبل أن يظهر الإسلام بالانقياد الظاهري وإلا فقد كان كافرًا منافقًا ظاهر النفاق إلى أن يموت ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال. 4227 - (1746) (91) (حدثنا محمد بن عبد الأعلى القيسي) أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري ثقة، من (10) (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري (عن أبيه) سليمان بن طرخان (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (قيل للنبي صلى الله عليه وسلم) ولم أر من ذكر اسم القائل من الشراح (لو أتيت عبد الله بن أبي) أي لو جئته ووعظته ودعوته إلى التوحيد لكان أكثر نفعًا للناس لأن الناس تبع له فيدخلون في الإيمان بسبب إيمانه (قال) أنس: (فانطلق) وذهب (إليه) النبي صلى الله عليه وسلم (و) قد (ركب حمارًا) له (وانطلق) معه (المسلمون) إليه يمكن أن تكون هذه القصة عين القصة السابقة في الحديث السابق أعني حديث أسامة بن زيد ويحتمل أن تكون قصة أخرى مغايرة لها وذكر الحافظ الاحتمالين فلم يرجع شيئًا منهما (وهي) أي والأرض التي سار فيها النبي صلى الله عليه وسلم (أرض سبخة) بفتح السين وكسر الباء قاله الفيومي وقال النووي بفتحتين أي أرض ذات سباخ وملوحة وهي الأرض التي لا تنبت لملوحتها وكانت تلك صفة الأرض التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك وذكر ذلك توطئة لقول عبد الله بن أبي أنه تأذى بالغبار (فلما أتاه) أي أتى ابن أبي (النبي صلى الله عليه وسلم قال) ابن أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إليك عني) أي ابتعد مني ولا تقرب إلي وإليك اسم فعل أمر بمعنى ابتعد منقول من الجار والمجرور (فوالله لقد آذاني نتن حمارك) أي نتن رائحته وغبار حوافره والنتن بفتح النون وسكون التاء الرائحة الكريهة (قال) أنس: (فقال رجل

مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ, لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ. قَال: فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ. قَال: فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ. قَال: فَكَانَ بَينَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَبِالأَيدِي وَبِالنِّعَالِ. قَال: فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا} [الحجرات: 9] ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأنصار) لعله عبد الله بن رواحة المذكور في الحديث السابق إن كانت القصتان متحدتين (والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك قال) أنس: (فغضب) لقول الأنصاري (لعبد الله) بن أبي ذلك القول (رجل من قومه) أي من قوم ابن أبي وعشيرته فاستب الرجلان الأنصاري والمنافق (قال) أنس: (فغضب لكل واحد منهما) أي من الرجلين المتسابين (أصحابه) أي أصحاب كل من الرجلين من المسلمين والمنافقين (قال) أنس: (فكان بينهم) أي حصل بين الفريقين (ضرب بالجريد) أي بأغصان النخل المجردة من الخوص (والأيدي وبالنعال قال) أنس: (فبلغنا أنها) أي أن هذه الآية المذكورة هنا (نزلت فيهم) أي في هؤلاء الفريقين يعني بالآية قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا} [الحجرات: 9] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الصلح باب ما جاء في الإصلاح بين الناس [2691]. قوله (فبلغنا أنها نزلت فيهم) قائله أنس بن مالك كما بينه الإسماعيلي في روايته قال الحافظ في الفتح [5/ 298] ولم أقف على اسم الذي أنبأ أنسًا بذلك ثم قال وقد استشكل ابن بطال نزول الآية المذكورة في هذه القصة لأن المخاصمة وقعت بين من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه وبين أصحاب عبد الله بن أبي وكانوا إذ ذاك كفارًا فكيف ينزل فيهم (طائفتان من المؤمنين) ولا سيما إن كانت قصة أنس وقصة أسامة متحدة فإن في رواية أسامة فاستب المسلمون والمشركون (قلت): يمكن أن يحمل على التغليب مع أن فيها إشكالًا منهة أخرى وهي أن حديث أسامة صريح في أن ذلك كان قبل وقعة بدر وقبل أن يسلم عبد الله بن أبي وأصحابه والآية المذكورة في الحجرات نزولها متاخر جدًّا إلى وقت مجيء الوفود لكنه يحتمل أن تكون آية الإصلاح نزلت قديمًا ليندفع الإشكال اهـ ولعل مراد الحافظ في الجواب عن الإشكال الأول بحمل الآية على التغليب أنها تتضمن المخاصمة بين المسلمين والذميين أيضًا وكان عبد الله بن أبي وأصحابه واليهود كلهم من أهل الذمة والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد والثالث: حديث جندب بن سفيان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث جندب الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والخامس: حديث أسامة بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسادس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد والله أعلم. ***

629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب

629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب 4591 - (1747) (92) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ ". فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ. فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَكَ. قَال: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. فَقَال: آنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَال: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 629 - (22) باب قتل أبي جهل وقتل كعب بن الأشرف وغزوة خيبر وغزوة الأحزاب 4591 - (1747) (92) (حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي (أخبرنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم لأمه (حدثنا سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): يوم بدر (من ينظر لنا ما صنع أبو جهل) أي ما فعل كما في الرواية التالية هل مات أو وقع مجروحًا قال النووي: سبب السؤال عنه أن يعرف أنه مات ليستبشر المسلمون بذلك وينكف شره عنهم ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق القطان عن سليمان التيمي أن أنسًا سمعه من ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر من يأتينا بخبر أبي جهل قال: يعني ابن مسعود فانطلقت الخ كذا في فتح الباري قال أنس: (فانطلق ابن مسعود) أي ذهب ابن مسعود إلى قتلى المشركين (فوجده) أي فوجد أبا جهل (قد ضربه ابنا عفراء) معاذ ومعوذ (حتى برك) أي سقط على الأرض قال النووي: هكذا هو في بعض النسخ (برك) بالكاف وفي بعضها (برد) بالدال فمعناه بالكاف سقط إلى الأرض وبالدال مات يقال برد إذا مات قال القاضي رواية الجمهور (برد) ورواه بعضهم بالكاف قال: والأول هو المعروف هذا كلام القاضي واختار جماعة من المحققين الكاف وإن ابني عفراء تركاه عقيرًا ولهذا كلم ابن مسعود فلو كان مات كيف كان يكلمه فجز ابن مسعود رقبته (قال) أنس: (فأخد) ابن مسعود أي أمسك (بلحيته) أي بلحية أبي جهل (فقال) له ابن مسعود: (آنت أبو جهل فقال) أبو جهل: (وهل فوق رجل قتلتموه) رجل

(أَوْ قَال) قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ قَال: وَقَال أَبُو مِجْلَزٍ: قَال أبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي. 4529 - (00) (00) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أشرف منه أي لا عار علي في قتلكم إياي كأنه قال هل هناك عار فوق رجل قتله مثلكم والاستفهام للإنكار يعني ليس عليه عار وبهذا فسره ابن هشام في سيرته فقال ويقال أعار على رجل قتلتموه وأما القاضي عياض ففسره بالعكس حيث قال وهل عار إلا قتلكم إياي كما في شرح الأبي فلفظ فوق هنا بمعنى الزيادة والمعنى ليس عليَّ عار زيادة على قتلكم إياي (أو قال) أبو جهل هل فوق رجل (قتله قومه قال) سليمان التيمي بالسند السابق: (وقال) لنا (أبو مجلز): لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري ثقة، من (3) فيما رواه لنا عن أنس (قال أبو جهل) لابن مسعود حين كلمه (فلو غير أكار قتلني) أي ولو كان الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلي وأعظم لشأني ولم يكن علي نقص في ذلك فجواب لو محذوف كما قدرناه حذف لدلالة السياق عليه والأكار الزراع والفلاح وهو عند العرب ناقص وأشار أبو جهل بذلك إلى ابني عفراء معاذ ومعوذ اللذين قتلاه وهما من الأنصار وهم أصحاب زرع ونخيل فتمنى أن يكون أحد من القرشيين قتله اهـ نووي وأبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها ثقة سدوسي بصري من (3) روى عن أنس ويروي عنه سليمان التيمي وفي تعليق الذهني قوله (ولو غير أكار قتلني) كلمة لو طالبة للفعل داخلة عليه والتقدير لو قتلني غير أكار لهان علي وهذا مثل قولهم في أمثالهم (لو ذات سوار لطمتني) ومن روى المثل (لو غير ذات سوار لطمتني) قال المعنى لو كان من لطمني رجلًا لاقتصصت منه ولا أقتص من النساء اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب قتل أبي جهل [3962 و 3963]، وباب شهود الملائكة بدرًا [4120]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4529 - (00) (00) (حدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري ثقة، من (10) قال: (حدثنا معتمر) بن سليمان (قال) معتمر: (سمعت أبي)

يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَعْلَمُ لِي مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ؟ ". بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ, وَقَوْلِ أَبِي مِجْلَزٍ. كَمَا ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيلُ. 4530 - (1748) (93) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ الزُّهْرِيُّ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ (وَاللَّفْظُ لِلزُّهْرِيِّ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سليمان بن طرخان (يقول: حدثنا أنس) بن مالك وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة المعتمر لإسماعيل بن علية (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعلم لي ما فعل أبو جهل) أي ما صنع يعني هل مات أو وقع مجروحًا كما مر آنفًا وساق المعتمر (بمثل حديث ابن علية) المذكور أولًا وبمثل (قول أبي مجلز) يعني قوله فلو غير أكار قتلني (كما ذكره) أي كما ذكر قول أبي مجلز (إسماعيل) بن علية بواسطة سليمان التيمي ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال. 4530 - (1748) (93) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور) بكسر الميم بن مخرمة بفتحها (الزهري) البصري صدوق من صغار (10) (كلاهما) رويا (عن ابن عيينة) ولكن (اللفظ) الآتي (لـ) ـعبد الله بن محمد (الزهري) قال الزهري: (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (سمعت جابرًا) بن عبد الله الأنصاري (يقول): وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لكعب بن الأشرف) طاغوت اليهود أي من يتكفل لي بقتله (فإنه قد آذى الله ورسوله) فإنه كان هذا اللعين يهوديًّا شاعرًا يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان عاهده أن لا يعين عليه أحدًا ثم جاء مع أهل الحرب معينًا عليها فصار واجب القتل. قوله (من لكعب بن الأشرف) أي من الذي ينتدب إلى قتله أو كفاية شره وكعب بن الأشرف كان رئيسًا من رؤساء اليهود وذكر ابن إسحاق وغيره أنه كان عربيًّا من بني نبهان وهم بطن من طيء وكان أبوه أصاب دمًا في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير

فَقَال مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَال: "نَعَمْ" قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبًا وكان طويلًا جسيمًا ذا بطن وهامة وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج إلى مكة فنزل على ابن وداعة السهمي والد المطلب فهجاه حسان وهجا امرأته عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية فطردته فرجع كعب إلى المدينة وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أُبي أن كعب بن الأشرف كان شاعرًا وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر فلما أبي كعب أن ينزع من أذاه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطًا ليقتلوه وذكر ابن سعد أن قتله كان في ربيع الأول من السنة الثالثة اهـ من فتح الباري [7/ 337]. قوله (فإنه آذى الله ورسوله) وفي رواية للحاكم في الإكليل فقد آذانا بشعره وقوى المشركين وأخرج ابن عائذ من طريق الكلبي أن كعب بن الأشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين ومن طريق أبي الأسود عن عروة أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشًا عليهم وأنه لما قدم على قريش قالوا له: أديننا أهدى أم دين محمد قال: دينكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لنا بابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا وقال الحافظ: ووجدت في فوائد عبد الله بن إسحاق الخرساني من مرسل عكرمة بسند ضعيف إليه لقتل كعب سببًا آخر وهو أنه صنع طعامًا وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاؤوا ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه فقام فستره بجناحيه فخرج فلما فقدوه تفرقوا فقال حينئذٍ من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف ويمكن الجمع بتعدد الأسباب اهـ فتح الباري (فقال محمد بن مسلمة) بفتح الميمين واللام وسكون السين صحابي أنصاري أوسي أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة (يا رسول الله أتحب أن أقتله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أحب قتله (قال)

ائْذَنْ لِي فَلأَقُلْ. قَال: "قُلْ". فَأَتَاهُ فَقَال لَهُ. وَذَكَرَ مَا بَينَهُمَا. وَقَال: "إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَرَادَ صَدَقَةً. وَقَدْ عَنَّانَا. فَلَمَّا سَمِعَهُ قَال: وَأَيضًا. وَاللَّهِ! لَتَمَلُّنَّهُ. قَال: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ الآنَ. وَنَكْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن مسلمة (ائذن لي فلأقل) في نفسي وفيك ما فيه مصلحة من التعريض وغيره في قتله أي فأذن لي أن أقول شيئًا كما هو لفظ رواية البخاري في المغازي وقال النووي: معناه فأذن لي أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره ففيه دليل على جواز التعريض وهو أن يأتي بكلام باطنه صحيح ويفهم منه المخاطب غير ذلك فهذا جائز في الحرب وغيرها ما لم يمنع به حقًّا شرعيًّا اهـ والظاهر أن الفاء في قوله (فلأقل) عاطفة على ائذن واللام لام الأمر إما مكسورة أو ساكنة وليس فيم كي ولذلك جزمت الفعل (قال) رسول الله لمحمد بن مسلمة (قل) في ما شئت مما رأيته مصلحة قتله (فأتاه) أي فأتى محمد بن مسلمة كعبًا (فقال) محمد بن مسلمة (له) أي لكعب ما فيه مصلحة من التعريض (وذكر) محمد بن مسلمة (ما بينهما) أي ما بين كعب ومحمد بن مسلمة من الصداقة والألفة في الجاهلية قال الأبي في السير لما أتاه محمد بن مسلمة قال له: ويحك يابن الأشرف إني جئتك لحاجة أذكرها لك فاكتمها علي قال: سأفعل قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبيل حتى ضاق العيال وجهدت الأنفس فقال كعب: أما والله لقد كنت أخبرك يابن مسلمة أن الأمر يصير إلى ما تقول اهـ (وقال) محمد بن مسلمة: (إن هذا الرجل) الذي قدم علينا (قد أراد) منا وطلب (صدقة) أي زكاة من أموالنا (وقد عنانا) أي أتعبنا بكثرة طلباته وهو بتشديد النون من العناء وهو التعب والمشقة يعني أتعبنا وأوقعنا وجعلنا في مشقة وعناء وكلفنا ما يشق علينا وقوله (إن هذا الرجل) يريد به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: هذا من التعريض الجائز بل المستحب لأن معناه في الباطن أنه أدبنا بآداب الشرع التي فيها تعب لكنه تعب في مرضاة الله تعالى فهو محبوب لنا والذي فهم منه المخاطب منه أنه أراد العناء الذي هو المكروه (فلما سمعه) أي فلما سمع كعب بن الأشرف هذا الكلام من محمد بن مسلمة (قال) كعب: (وأيضًا والله لتملنه) أي رجعنا إلى العناء رجوعًا والله لتضجرن منه ضجرًا أكثر من هذا الضجر الذي ذكرته وقوله لتملنه بفتح اللام والميم وضم اللام الثانية المشددة لأن أصله لتملونن من الملل وهو الضجر والكسل أي لتضجرن من طلباته يعني سوف تضجرون منه صلى الله عليه وسلم ضجرًا أكثر من هذا (قال) محمد بن مسلمة: (إنا قد اتبعناه الآن) في دينه (ونكره) أي نستحي

أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ. قَال: وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ تُسْلِفَنِي سَلَفًا. قَال: فَمَا تَرْهَنُنِي؟ قَال: مَا تُرِيدُ. قَال: تَرْهَنُنِي نِسَاءَكُمْ. قَال: أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ. أَنَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا؟ قَال لَهُ: تَرْهَنُونِي أَوْلادَكُمْ. قَال: يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا. فَيُقَالُ: رُهِنَ فِي وَسْقَينِ مِنْ تَمْرٍ. وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ (يَعْنِي السِّلاحَ) قَال: فَنَعَمْ. وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ وَأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ. قَال: فَجَاءُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن ندعه) أي أن نتركه فريدًا (حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره) أي يرجع دينه هل يتم أمره أم لا (قال) محمد بن مسلمة (وقد أردت) أي قصدت وطلبت منك اليوم (أن تسلفني سلفًا) أي أن تقرضني قرضًا من الطعام بدليل ما سيأتي (قال) كعب (فما ترهنني) أي فأي شيء تعطيني رهنًا بدل الطعام. (قال) محمد بن مسلمة: أرهنك (ما تريد) وتطلب وتحب (قال) كعب (ترهنني نساءكم) أي نساء العرب (قال) محمد بن مسلمة: (أنت) يا كعب (أجمل العرب أنرهنك نساءنا) ولا نأمنك عليهن وأي امرأة تمتنع منك لجمالك قال الحافظ لعلهم قالوا له ذلك تهكمًا وإن كان في نفسه جميلًا زاد ابن سعد من مرسل عكرمة (ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك) (قال) كعب (له) أي لمحمد بن مسلمة (ترهنوني أولادكم) أي تجعلون أولادكم رهنًا عندي حتى تردوا بدل قرضي (قال) محمد بن مسلمة إذن (يسب) ويشتم (ابن أحدنا) مدة حياته (فيقال) له هذا تفسير للسب هو (رهن في وسقين من تمر) مثلًا والوسق بفتح الواو وكسرها مع سكون السين فيهما ستون صاعًا وأصله الحمل لأنه كان حمل بعير (ولكن نرهنك اللأمة) أي نجعل لك اللأمة رهنًا لقرضك (يعني السلاح) هذا من قول سفيان الراوي كما في رهن البخاري واللأمة بتشديد اللام وسكون الهمزة وهي في اللغة الدرع فإطلاق السلاح عليها كما وقع في تفسيره من الراوي من إطلاق اسم الكل على البعض وفي مرسل عكرمة عند ابن سعد (ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه) وإنما قالوا ذلك لئلا ينكر مجيئهم إليه بالسلاح قاله الواقدي في روايته كما في فتح الباري (قال) كعب بن الأشرف (فنعم) أي فارهنوني اللأمة (وواعده) أي واعد محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف (أن يأتيه بالحارث) أي أن يأتي كعبًا باللأمة مع الحارث بن أوس بن معاذ كما في البخاري (وأبي عبس) عبد الرحمن (بن جبر) الأنصاري الأشهلي (وعباد بن بشر) بن وقش (قال) جابر: (فجاؤوا) أي فجاء كل من

فَدَعَوْهُ لَيلًا. فَنَزَلَ إِلَيهِمْ. قَال سُفْيَانُ: قَال غَيرُ عَمْرٍو: قَالتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِّي لأَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ. قَال: إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعُهُ وَأَبُو نَائِلَةَ. إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ لَيلًا لأَجَابَ. قَال مُحَمَّدٌ: إِنِّي إِذَا جَاءَ فَسَوْفَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى رَأْسِهِ. فَإِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هؤلاء الأربعة إلى بيت كعب (فدعوه ليلًا) أي نادوه وطلبوا منه الخروج إليهم عند الباب (فنزل) من قصره (إليهم) عند الباب قال الراوي عن سفيان بن عيينة (قال) لنا (سفيان) بن عيينة (قال غير عمرو) بن دينار ممن روى لي هذا الحديث لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم ذلك الغير أي زاد غير عمرو على عمرو لفظة (قالت له) أي لكعب (امرأته) عند النزول إليهم (إني لأسمع) اليوم (صوتًا كأنه صوت دم) أي صوت طالب دم أو صوت سافك فلا تخرج إليهم (قال) لها كعب: لا تخافي (إنما هذا) الذي يدعوني محمد بن مسلمة الأوسي (ورضيعه) أي رضيع محمد بن مسلمة وقوله: (أبو نائلة) بدل من الرضيع أو عطف بيان له وفي بعض النسخ (وأبو نائلة) بزيادة واو العطف وهي تحريف من النساخ كما هي ساقطة من نسخة الأبي والسنوسي وهذا هو الصواب. كما ذكر أهل السير أن أبا نائلة كان رضيعًا لمحمد بن مسلمة وفي مغازي البخاري إنما محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة اهـ فأبو نائلة هو أخو كعب من الرضاعة كما هو المصرح به فيه وذكروا أنه كان نديمه في الجاهلية والصواب ما قلنا أولًا وهو ما في صحيح مسلم من أنه أخو محمد بن مسلمة وأبو نائلة اسمه سلكان بن سلامة اهـ قسطلاني قال الأبي: وفي السير أنه صلى الله عليه وسلم مشى معهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع إلى بيته فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عرس فوثب في ملحفة فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: إنك امرؤ محارب وإن أهل الحرب لا ينزلون هذه الساعة قال: إنه أبو نائلة لو وجدني نائمًا ما أيقظني قالت: والله إني لأعرف في صوته الشر فقال لها كعب لو يدعى الفتى إلى طعنة لأجاب فنزل إليهم اهـ. وقال كعب بن الأشرف أيضًا (إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلًا لأجاب) لداعيه (قال محمد) بن مسلمة لرفقته (إني إذا جاء) كعب ونزل إلينا (فسوف أمد) وأبسط (يدي إلى رأسه) وفي رواية البخاري (إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم) (فإذا استمكنت منه) أي إذا تمكنت من أخذه أي من أخذ

فَدُونَكُمْ. قَال: فَلَمَّا نَزَلَ, نَزَلَ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ. فَقَالُوا: نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الطِّيبِ. قَال: نَعَمْ. تَحْتِي فُلانَةُ. هِيَ أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ. قَال: فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ. قَال: نَعَمْ. فَشُمَّ. فَتَنَاوَلَ فَشَمَّ. ثُمَّ قَال: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَعُودَ؟ قَال: فَاسْتَمْكَنَ مِنْ رَأْسِهِ. ثُمَّ قَال: دُونَكُمْ. قَال: فَقَتَلُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رأس كعب (فدونكم) أي فخذوه بالسيف (قال) جابر الراوي (فلما نزل) إليهم كعب من الحصن (نزل) إليهم (وهو متوشح) بلحاف يقال: توشح بثوبه إذا أدخل تحت إبطه فألقاه على منكبه اهـ من المنجد (فقالوا) أي قال رفقة محمد بن مسلمة لكعب (نجد منك) يا كعب (ريح الطيب) أي رائحة الطيب كأنما تعطرت وتطيبت (قال) لهم كعب: (نعم) تطييب (تحتي فلانة) يعني امرأته ولم أر من ذكر اسمها (هي أعطر نساء العرب) أي أطيبها وأجملها (قال) له محمد بن مسلمة: أ (فتأذن لي أن أشم منه) أي من هذا الطيب (قال) له كعب: (نعم) أذنت لك (فشم) منه بصيغة الأمر (فتناول) محمد برأسه (فشم) طيبه (ثم قال) محمد لكعب (أتأذن) لي (أن أعود) وأرجع إلى شمه (قال) الراوي: (فاستمكن) محمد (من) إمساك (رأسه ثم قال) لرفقته (دونكم) أي خذوه بالسيف (قال) الراوي: (فقتلوه) لعائن الله عليه وفي رواية ابن سعد أن محمد بن مسلمة لما أخذ بقرون شعره قال لأصحابه: اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فالتفت عليهم فلم تغن شيئًا قال محمد: فذكرت معولًا كان في سيفي فوضعته في سرته. ثم تحاملت عليه فغططه حتى انتهى إلى عانته فصاح وصاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين وفي رواية عند ابن عائذ وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف الحارث بن أوس وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف فلما افتقده أصحابه رجعوا فاحتملوه ثم أقبلوا سراعًا حتى دخلوا المدينة وفي رواية الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل على جرح بن الحارث بن أوس فلم يؤذه وفي رواية ابن سعد فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي فلما سمع تكبيرهم كبر وعرف أنهم قد قتلوه ثم انتهوا إليه فقال: أفلحت الوجوه فقالوا ووجهك يا رسول الله ورموا رأسه بين يديه فحمد الله على قتله وفي مرسل عكرمة فأصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين وزاد ابن سعد فخافوا فلم ينطقوا اهـ

4531 - (1749) (94) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ, عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فتح الباري [7/ 340] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب قتل كعب بن الأشرف [4037]، وفي الجهاد وفي الرهن وأبو داود في الجهاد [2768] , ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4531 - (1749) (94) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر) أي خرج إلى خيبر لغزوتها وخيبر بلغة اليهود الحصن وقيل أول من سكن فيها رجل من بني إسرائيل يسمى خيبر فسميت به وهي في جهة الشمال والشرق من المدينة على ستة مراحل وكانت لها نخيل كثير وكانت في صدر الإسلام دارًا لبني قريظة والنضير وكانت غزوة خيبر في جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة كذا في عمدة القاري [2/ 247] قال الأبي: ذكر البكري أن أرض خيبر سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو خيبر بن قانية بن مهلاليل وكذلك الوطيح الذي هو أحد حصون خيبر سمي بالوطيح بن مازن رجل من ثمود وفي السير أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية سنة ست وبعض المحرم سنة سبع ثم خرج غازيًا إلى خيبر وكان الله سبحانه وعده بها وهو بالحديبية بقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ} الآية. فالمعجل هو الحديبية والغنائم الموعود بها هو فتح خيبر فخرج صلى الله عليه وسلم مستنجزًا وعد ربه فنزل بواد يقال له الرجيع ليحول بينهم وبين غطفان خوف أن يمدوهم لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي السير على أنس فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغر عليهم حتى أصبح فلما لم يسمع أذانًا ركب وركبنا وقد صلينا الغداة بغلس وكان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قومًا فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار فاستقبلنا عمال خيبر بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس معه ففتحها الله حصنًا حصنًا وكان آخر حصونهم فتحًا الوطيح والسلالم فحاصرهم بضع عشرة ليلة.

قَال: فَصَلَّينَا عِنْدَهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ. فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيبَرَ. وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنِّي لأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أنس فخرجنا من المدينة فوصلنا إليها فنزلنا جنبها وبتنا فيه (فـ) ـلما أصبحنا (صلينا عندها) أي عند خيبر وجنبها (الغداة) أي صلاة الفجر (بغلس) أي في غلس وهو ظلام آخر الليل لمصلحة السفر والجهاد ولكن بعد طروع الفجر وفيه جواز إطلاق صلاة الغداة على صلاة الصبح خلافًا لمن كرهه والغداة والغدوة والغدية ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كما في القاموس (فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة) أي راكب خلفه على دابة واحدة قال في المصباح الرديف الذي تحمله خلفك على ظهر الدابة ومثله الردف في الحديث التالي قال القاضي في تصبيحهم ولم يدعهم حجة على أنه لا يدعى من بلغته الدعوة وفيه أن المستحب في الإغارة على العدو أول النهار لأنه وقت غرتهم وغفلة أكثرهم ثم ينتشر في بقية النهار لما يحتاج إليه بخلاف ملاقاة الجيوش ومناصبة الحصون هذه المستحب فيها بعد الزوال ليدوم النشاط ببرد الهواء بخلاف ضده اهـ (فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم) في الكلام حذف تقديره فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم ركوبته وأجرينا ركوبتنا معه بقرينة قوله وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم أي أسرع مركوبه وأسرعنا مركوبنا (في زقاق خيبر) وطرقه (وإن ركبتي) أي والحال أن ركبتي (لتمس فخد نبي الله صلى الله عليه وسلم) والزقاق بضم الزاي الطريق دون السكة نافذة كانت أو غير نافذة وفي لغة أهل الحجاز مؤنثة وفي لغة تميم مذكرة كما يعلم من المصباح وقال في شرح البهجة هي الطريق الضيقة بين الأبنية يجمع على أزقة وزقاق بضم الزاي وتشديد القاف ولكن المراد هنا الطريق الموصل إلى خيبر لأن سياق القصة فيما قبل فتحها والدخول في عمرانها والله أعلم (وانحسر الإزار) أي انكشف (عن فخد نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي والحال أني لأراه وقال الأبي نقلًا عن القاضي عياض احتج به من يرى أن الفخذ ليس بعورة إذ لو كان عورة لم ينكشف منه

فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَال: "اللَّهُ أَكْبَرُ, خَرِبَتْ خَيبَرُ. إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان بقصد فهو أوضح في الدلالة وإن لم يكن بقصد فهو محفوظ عن انكشافها اهـ وقال أيضًا نقلًا عن النووي احتجت به المالكية على أنه ليس بعورة ومذهبنا أنه عورة لأحاديث كثيرة وجوابنا عن الحديث أنه إنما انكشف لضرورة الإجراء والإغارة ولم يرد أنه استدامه مع إمكان الستر ورواية البخاري عن أنس أنه حسر الإزار يفسره رواية مسلم أنه انحسر وأجاب المالكية بأنه أكرم على الله من أن يبتليه بكشف العورة وجوابنا أنه إذا كان بغير اختيار فلا نقص فيه ويجوز مثله ورؤيته بياض فخذه محمولة على أنه رآها فجأة اهـ من الأبي نقلًا عنهما وقال الحافظ في الفتح [1/ 481] وبهذا الحديث استدل من قال إن الفخذ ليست بعورة وحكي ذلك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وإسماعيل بن علية وداود الظاهري ومالك في رواية وأحمد في رواية وعن الإصطخري من الشافعية كما روي ذلك عن ابن جرير الطبري وفي نسبته إلى الطبري نظر لأنه قد رد في تهذيب الآثار على من لا يقول بكونها عورة واستدل المانعون بما أخرجه مالك في الموطأ من حديث جرهد قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وفخذي مكشوفة فقال: خمر عليك أما علمت أن الفخذ عورة وأما حديث الباب فأجاب عنه العيني في عمدة القاري [2/ 244] فقال إنه محمول على غير اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب ازدحام الناس وقال القرطبي: ويرجح حديث جرهد أن تلك الأحاديث المعارضة له قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق لحديث جرهد فإنه أعطى حكمًا كليًّا فكان أولى وبيان ذلك أن تلك الوقائع تحتمل خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أو البقاء على البراءة الأصلية أوكان لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء ثم بعد ذلك حكم عليه بأنه عورة والله أعلم اهـ مع زيادة. (فلما دخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (القرية) أي قرية خيبر (قال: الله أكبر خربت خيبر) بكسر الراء في الفعل لأنه من باب تعب قال بعض العلماء: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما رأى في أيدي أهلها من الفؤوس والمساحي كما سيأتي في الرواية الآتية لأنها من آلات التخريب فتفاءل بذلك على أن خيبر ستخرب وقيل: إنه تفاءل باسم خيبر لما فيه من حروف الخراب قال النووي: والأصح أنه أعلمه الله تعالى بذلك وقال أيضًا: (إنا إذا نزلنا بساحة قوم) أي بفنائهم (فساء) أي قبح (صباح المنذرين)

قَالهَا ثَلاثَ مِرَارٍ. قَال: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ. قَال عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالْخَمِيسَ. قَال: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً. 4642 - (121) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الذال (قالها) أي قال هذه الكلمات (ثلاث مرارٍ) أي مرات والساحة الفناء بين المنازل وجمعه سوح وفيه دلالة على جواز التمثل بالآيات القرآنية والاستشهاد بها في الأمور الحقيقية إلا إذا كان في سياق المزح ولغو الحديث تعظيمًا لكتاب الله تعالى عن ذلك قال النووي (قال) أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات (و) الحال أنه (قد خرج القوم) من عمال اليهود (إلى) مواضع (أعمالهم فقالوا) أي قال بعضهم لبعض: جاء (محمد قال عبد العزيز) بن صهيب: (وقال بعض أصحابنا) ممن روى عن أنس جاء محمد (والخميس) برفعه عطفًا على محمد لأنه مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف جوازًا كما قررناه والتقدير جاء محمد والخميس وبنصبه على أنه مفعول معه والواو بمعنى مع يعني جاء محمد مع الخميس كذا ذكره العيني في العمدة [2/ 249] قوله: (وقال بعض أصحابنا والخميس) يعني أن بعض الرواة اقتصر على قولهم (محمد) وبعضهم روى قولهم بكامله وهو (محمد والخميس) كما هو مصرح في الرواية الآتية والخميس الجيش سمي به لانقسامه إلى خمسة أقسام المقدمة والميمنة والميسرة والقلب والساقة (قال) أنس: (وأصبناها) أي أخذنا خيبر (عنوة) بفتح العين وسكون النون أي قهرًا بالقتال لا صلحًا واختلف أقوال العلماء في فتح خيبر أكان عنوة أم صلحًا وإلى كل ذهب ذاهب والقول الثالث أنه فتح بعضه عنوة وبعضه صلحًا لأن خيبر كانت متمثلة على حصون كثيرة فافتتح بعضها بالسلاح وبعضها بالصلح وبهذا تجتمع الروايات والآثار وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في نحو ست وعشرين بابا منها في الجهاد [2889]، والنسائي في النكاح باب البناء في السفر [3382]، وأبو داود في الخراج والفيء [2995]، وابن ماجه في النكاح [1965]، وفي غيره ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4532 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم الصفار الأنصاري مولاهم البصري ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي

حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيبَرَ. وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَأَتَينَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ. وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ. وَخَرَجُوا بِفُئُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسَ. قَال: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَرِبَتْ خَيبَرُ. إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ " قَال: فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة، من (8) (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ثابت لصهيب (قال) أنس: (كنت ردف) بكسر الراء وسكون الدال أي رديف (أبي طلحة) الأنصاري (يوم خيبر وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلا معارضة بين هذه الرواية ورواية فخذ لاحتمال مسهما جميعًا لكون كل منهما من الرجل (قال) أنس: (فأتيناهم حين بزغت) أي طلعت (الشمس وقد أخرجوا مواشيهم) إلى المراعي (وخرجوا بفؤوسهم) جمع فأس كرأس ورؤوس وهي آلة تحفر بها الأرض ويشق بها الحطب وتقلع بها الأشجار (ومكاتلهم) جمع مكتل بكسر الميم وفتح التاء وهو الزنبيل والقفة ويقال له العرق أيضًا وهو ما يملأ فيه التراب الخارج من الأرض بعد الحفر (ومرورهم) جمع مرٍّ بفتح الميم وهي المساحي جمع مسحاة وهي آلة للحرث والمجازف من حديد وقيل المر الحبل فالمراد من المرور الحبال التي يصعدون بها إلى النخل والمراد أنهم في الصبح خرجوا بآلاتهم لأعمالهم الزراعية يعني أنهم لم يخرجوا للقائنا بل خرجوا إلى أعمالهم غير عالمين بنا (فقالوا): جاء (محمد والخميس قال) أنس: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) بعذاب الله ولم يقبلوا ذلك الإنذار (قال) أنس: فالتقوا مع المسلمين (فهزمهم الله عزَّ وجلَّ) أي أوقع الهزيمة عليهم وجعل النصر للمسلمين وهذا مما يدل على أنها أخذت عنوة. قال القاضي عياض: وظاهره قوله (وأصبناها عنوة) ظاهره أنها كلها فتحت عنوة وروى مالك عن ابن شهاب أن بعضها عنوة وبعضها صلح ويشكل ما في أبي داود من أنه قسمها نصفين فجعل النصف لنوائبه وحاجته ونصفها للغانمين وأجاب بعضهم بأنه كان حولها ضياع وقرى انجلى عنها أهلها فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وكانت من الجميع على قدر النصف والنصف الآخر للغانمين اهـ قال الأبي وتقدم أنه

(4533) (0) (0) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ قَال: "إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". 4534 - (1750) (94) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّادٍ) قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ فتحها عنوة حصنًا حصنًا وكان أول حصن فتح ناعم وعنده استشهد محمد بن مسلمة ألقيت عليه رحى من فوقه فقتلته ثم الغموس حصن أبي الحقيق وأصاب منهم صلى الله عليه وسلم سبيًا فيهم صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق واصطفاها صلى الله عليه وسلم لنفسه وكانت رأت في المنام وهي عروس بكنانة إن قمرًا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تمنيت ملك الحجاز محمدًا فلطم وجهها فاحمرت عينها منها فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها ذلك فسألها ما هذا فأخبرته هذا الخبر وكان آخر ما فتح من حصونها الوطيح والسلالم وكان كلما فتح ما فتح لجؤوا إلى هذين الحصنين فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشرة ليلة ومنهم خرج مرحب اليهودي فطلب البراز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا قال أخو محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله أنا الثائر الموثور قتل أخي بالأمس فقال: قم إليه اللهم أعنه عليه فقام فقتله اهـ من الأبي ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. (4533) (0) (0) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج (قالا أخبرنا النضر بن شميل) المازني البصري ثقة من (9) (أخبرنا شعبة عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة قتادة لثابت بن أسلم (قال) أنس (لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال. 4534 - (1750) (94) (حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10) (واللفظ لابن عباد قالا: حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل)

عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ، مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ, عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيبَرَ. فَتَسَيَّرْنَا لَيلًا. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا. فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني كوفي الأصل صدوق من (8) (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولاهم (مولى سلمة بن الأكوع) أبي خالد الحجازي ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة) بن عمرو (بن الأكوع) اسمه سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي أبي مسلم المدني رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) سلمة: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فتسيرنا ليلًا) من باب تفعل لمبالغة معى الثلاثي أي فسرنا ليلًا كما هو لفظ رواية البخاري أو سرنا سيرًا بعد سير أو جماعة جماعة اهـ نووي (فقال رجل من القوم) أي من قوم المسلمين قال الأبي الذي في السير أن الذي طلب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق قال صلى الله عليه وسلم في مسيرة إلى خيبر انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك فنزل فارتجز فقال: يرحمك الله تعالى فقال عمر: وجبت والله يا رسول الله لو متعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدًا (لعامر بن الأكوع) هو عم سلمة بن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما لأن سلمة هو سلمة بن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان كما مر آنفًا فيقال له أيضًا عامر بن سنان راجع الإصابة [2/ 241] (ألا تسمعنا) لضم التاء وكسر الميم من الإسماع وألا أداة عرض أي ألا تسمعنا وتنشدنا يا عامر (من هنياتك) أي من أراجيزك وهو بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء جمع هنية تصغير هنة والهنة مؤنث هن والهنة تقع على كل شيء والمراد هنا الأراجيز قاله النووي وذكر في القاموس أنه يقال للشيء اليسير وللشيء الذي يستفحش ذكره وفي بعض النسخ هنيهاتك والمعنى واحد قال القاضي عياض وفيه جواز استماع الأراجيز والشعر وقول ذلك إذا لم يكن في ذلك ما ينكر شرعًا من ذكر المحرم وهجر من القول كما جاء في الحديث الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح اهـ (وكان عامر) بن الأكوع (رجلًا شاعرًا) أي منشئًا للشعر (فنزل) من دابته حالة كونه (يحدو بـ) ـإبل (القوم) ويمدحها ويغني لها لتنشط على السير وهذا الفعل يتعدى بنفسه وبالحرف فيقال حدا المطية وحدا بها أي ساقها بالحداء قال القاضي فيه جواز الحداء في الأسفار

يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَينَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ, مَا اقْتَفَينَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَينَا وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تحريكًا للنفوس والدواب وتنشيطًا لها ولمن معها على قطع الطريق قال الأبي: جبلت النفوس حتى من غير العاقل على الإصغاء إلى سماع الصوت الحسن هذا الصغير في المهد يسكنه سماعه ويصرف نفسه عما يبكيه وهذه الإبل مع بلادة طبعها تتأثر بسماع الحداء من الصوت الحسن فتمد أعناقها وتصغي إلى الحادي ناصبة آذانها وتسرع في سيرها وتستخف الأحمال الثقيلة وتقطع المسافة البعيدة بالسير في اليسير من الزمان وربما أتلفت نفسها من شدة السير اهـ منه وقوله (يقول) بدل من يحذو بدل بعض من كل (اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا) كذا في الرواية وصوابه في الوزن لاهم لولا أنت ما اهتدينا أو يقال بالله أو والله لولا أنت ما اهتدينا كما جاء في الآخر والله لولا الله ما اهتدينا (فاغفر فداء لك ما اقتفينا) أي جعلت أنفسنا فداء لك يا رسول الله قال في التحفة والمخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يقال ذلك لله تعالى كما قال المازري فالجملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها لأن المخاطب بهما هو الله تعالى وقوله ما اقتفينا أي ما اتبعناه أو ما اخترناه من الخطايا والشهوات أو ما اقترفنا من الذنوب قال الحافظ في الفتح قوله (فاغفر فداء لك) وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله تعالى إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر من ظاهر اللفظ وقيل المخاطب بهذا الشعر نبي الله صلى الله عليه وسلم كذا في فتح الباري [7/ 465] وقوله (ما اقتفينا) يعني ما ارتكبنا من الخطايا مفعول لقوله اغفر وما موصولة والاقتفاء الاتباع يقال قفوت أثره أي تبعته والمراد ما تبعنا من الخطايا ووقع في رواية للبخاري (ما اتقينا) والمراد ما تركنا من الأوامر وما حينئذٍ ظرفية مصدرية وفي بعض الروايات (ما أبقينا) يعني ما أبقيناه وراءنا من الذنوب فلم نتب عنه وفي بعضها (ما لقينا) والمعنى ما وجدنا من المناهي راجع فتح الباري اهـ (وثبت الأقدام إن لاقينا) العدو (وألقين سكينة) وطمأنينة (علينا) إذا لاقينا العدو (إنا إذا صيح بنا أتينا) يعني إذا دعينا

وَبِالصُّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَينَا فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ ". قَالُوا: عَامِرٌ. قَال: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ" فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ. يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ. قَال: فَأَتَينَا خَيبَرَ فَحَصَرْنَاهُمْ. حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيكُمْ " قَال: فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيهِمْ, أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ " فَقَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَال: "أَيُّ لَحْمٍ؟ " قَالُوا: لَحْمُ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للقتال أو إلى الحق أتينا يقال صيح به إذا استغاثه أحد والمعنى إذا نودينا ودعينا للقتال أقبلنا مجبين وروي (أبينا) بالموحدة أي إذا صيح بنا على وجه الزجر والتهديد في الحرب امتنعنا عن الفرار (وبالصياح عولوا علينا) أي استغاثوا بنا واستفزعونا للقتال وهو من التعويل وهو الاعتماد يعني الذين صاحوابنا اعتمدوا علينا بأننا نغيثهم ويقال: عولت على فلان وعولت بفلان بمعنى استغثت به. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا السائق) للإبل الحادي لها (قالوا) له: (عامر) بن الأكوع الأسلمي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحمه الله) تعالى (فقال رجل من القوم) الحاضرين عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما صرح به في رواية إياس عند المصنف وفي رواية نصر بن دهر عند ابن إسحاق (وجبت) أي ثبتت له الشهادة قريبًا (يا رسول الله) وكان من المعروف عندهم أن من دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء في مثل هذا الموطن فإنه يستشهد قريبًا ولذلك قال عمر فيما بعد (لولا أمتعتنا به) أي هلا أنعمتنا بصحبته أي وددنا أنك لو أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر لنتمتع بصحبته ورؤيته مدة أي ليطول انتفاعنا به وتمتعنا بصحبته (قال) سلمة بن الأكوع: (فأتينا خيبر فحاصرناهم) بضع عشرة ليلة (حتى أصابتنا مخمصة) أي مجاعة (شديدة ثم) بعدما أصابتنا مجاعة شديدة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فتحها) أي فتح خيبر (عليكم قال) سلمة: (فلما أمسى) أي دخل (الناس مساء) أي في مساء (اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران) التي توقدون (على أي شيء توقدونـ) ـها (فقالوا): نوقدها (على لحم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي لحم) توقدون عليه (قالوا: لحم حمر الإنسية)

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا" فَقَال رَجُلٌ: أَوْ يُهَرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا؟ فَقَال: "أَوْ ذَاكَ" قَال: فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ. فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ. وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ. فَمَاتَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نوقدها عليه هكذا هو هنا حمر الإنسية بإضافة حمر إلى الإنسية وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أو تكون الإنسية صفة لمحذوف تقديره لحم حمر الحيوانات الإنسية وأما الإنسية ففي همزته لغتان الضم والكسر مع إسكان النون فيهما أشهرهما الكسر يعني الحمر التي تستأنس بالإنسان وتألف بهم وهي الحمر المعروفة وصفوها بالإنسية لتمييزها عن الحمر الوحشية التي تكون في الفلوات والصحاري ولا تستأنس بالإنسان وفي الحديث دلالة على حرمة لحومها وهو مذهب الجمهور ومنهم الحنفية وسيأتي الكلام على مسألة لحوم الحمر الأهلية مستوفى في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهريقوها) أي صبوا القدور التي فيها هذا اللحم (واكسروها) وأمره لهم على هذا الوجه يدل على نجاسة ما فيه من لحوم الحمر الأهلية كما قاله النووي وقيل إنما نهى عنها استبقاء لها للحاجة إليها (فقال رجل) من القوم لم أر من ذكر اسمه ولعله عمر كسابقه (أو يهريقوها) أي يصبوا ما فيها من اللحم (ويغسلوها) كأنه اقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تكسر القدور بل تغسل فحسب فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال أو ذاك قوله (أو يهريقوها ويغسلوها) هكذا هو في رواية مسلم بالجزم أي ليهريقوها ويغسلوها فالفعل مجزوم بلام الأمر المحذوفة عند القائلين بجواز حذفها مطردًا في نحو قولك قل له يفعل أي ليفعل وقول الشاعر محمد تفد نفسك كل نفس أي لتفد حتى جعلوا منه قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا} أي ليقيموا وينفقوا أو هو مجزوم لوقوعه في جواب أمر محذوف تقديره أو قل لهم أهريقوها واغسلوها يهريقوها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو) افعلوا (ذاك) أي إراقة ما فيها وغسلها بلا كسرها (قال) سلمة بن الأكوع: (فلما تصاف القوم) أي تقابل للقتال القوم من الفريقين الكفار والمسلمين واقتتلوا (كان سيف عامر) بن الأكوع (فيه قصر فتناول به) أي أصاب بسيفه (ساق يهودي) هو مرحب (ليضربه) ويقتله (ويرجع) أي ورجع ذباب سيفه أي طرفها الأعلى إلى عامر (فأصاب) السيف (ركبة عامر فمات) عامر (منه) أي من إصابة سيفه قوله (ويرجع ذباب سيفه) الواو

قَال: فَلَمَّا قَفَلُوا قَال سَلَمَةُ, وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي, قَال: فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاكِتًا قَال: "مَا لَكَ؟ " قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَال: "مَنْ قَالهُ؟ " قُلْتُ: فُلانٌ وَفُلانٌ وَأُسَيدُ بْنُ حُضَيرٍ الأَنْصَارِيُّ. فَقَال: "كَذَبَ مَنْ قَالهُ. إِنَّ لَهُ لأَجْرَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عاطفة يرجع مضارع بمعنى الماضي أي فأراد تناول ساق يهودي ليضربه ورجع ذباب سيفه إليه فأصاب ركبته فمات منه وهذا في كلام العرب كثير فإنهم عند حكاية واقعة مضت ربما يستعملون المضارع للإشارة إلى أن الواقعة مستحضرة في ذهنهم كأنها تقع الآن وذباب السيف طرفه الأعلى أو حده وقال الذهني في تعليقه قوله: (ويرجع ذباب سيفه) أي حده والواو عاطفة ويرجع بمعنى رجع كما وقع في بعض النسخ وكما هو لفظ رواية البخاري وإنما عدل هنا إلى صيغة المضارع قصدًا إلى حكاية الحال الماضية كأنه تخيل ما وقع في الزمن الماضي من رجوع ذباب السيف يقع في الحال فعبر عنه بلفظ المضارع ويصح أن تكون الواو حالية وحينئذٍ تكون داخلة على محذوف تقديره وذباب سيفه يرجع لأنه يمتنع دخول الواو الحالية على المضارع المثبت فتكون الجملة اسمية حالًا من ضمير فتناول أي فتناول ساق يهودي ليضربه حال رجوع ذباب سيفه والضمير المجرور في سيفه يعود على عامر (قال) سلمة: (فلما قفلوا) أي قفل المسلمون من خيبر إلى المدينة ورجعوا قال بعضهم: حبط عمل عامر لأنه قتل نفسه فجواب لما محذوف كما قدرناه قال يزيد بن أبي عبيد (قال) لي (سلمة وهو آخد بيدي) فتأسفت لقول بعضهم ذلك فمقول القول محذوف كما قدرناه (قال) سلمة: (فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتًا) متأسفًا (قال) لي (ما لك) يا سلمة أي أي شيء ثبت لك يا سلمة متأسفًا (قلت له) صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي) يا رسول الله (زعموا) أي زعم الناس وقالوا والزعم القول بلا دليل وهو هنا مستعمل في معناه الأصلي (أن عامرًا) بن الأكوع (حبط عمله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاله) أي من قال هذا القول في عامر (قلت) له قاله (فلان وفلان) لم أر من ذكر اسم هذين المبهمين (و) قاله أيضًا (أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما بن سماك بن عتيك (الأنصاري) الأشهلي المدني رضي الله عنه مات سنة (20) وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضع بالبقيع (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذب) أي أخطأ (من قاله) أي من قال ذلك في عامر (إن له لأجرين) قال القاضي

وَجَمَعَ بَينَ إِصْبَعَيهِ "إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ. قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ". وَخَالفَ قُتَيبَةُ مُحَمَّدًا فِي الْحَدِيثِ فِي حَرْفَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل أن أحد الأجرين في كونه جادًا والثاني في كونه مجاهدًا في سبيل الله على ما يأتي في التفسير اهـ وقيل: أجر بجهاده وأجر بشهادته في سبيل الله وقيل أجر بطاعته في حياته وأجر بجهاده في سبيل الله والله أعلم وقوله (إن له لأجرين) هكذا هو في أكثر النسخ كنسخة السنوسي والأبي والقاضي وفي بعضها (إن له لأجران) وخرج على أن اسم إن ضمير الشأن محذوف والجملة الاسمية خبرها والتقدير إنه له لأجران والأول هو الأشهر الأفصح والثاني لغة قبائل من العرب ومنه قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (وجمع) النبي صلى الله عليه وسلم (بين إصبعيه) من أصابعه فقال: (إنه) أي إن عامرًا (لجاهد) أي إنه لجاد في علمه وعمله أي في طاعة الله تعالى (مجاهد) في سبيل الله وهو الغازي وقيل جمع بين اللفظين تأكيدًا قال القاضي عياض هو عند الجمهور (لجاهد) بكسر الهاء وتنوين الدال من قولهم رجل جاهد اسم فاعل إذا كان مجدًا في أمره (مجاهد) بضم الميم وكسر الهاء وتنوين الدال والمجاهد الغازي والمعنى إنه لجاد في جهاده في سبيل الله ورواه بعضهم بفتح الهاء والدال من الأول فعلًا ماضيًا وبفتح الميم من الثاني على وزن مساجد أي لجاهد معارك كثيرة والأول هو الصواب وكرر اللفظ مبالغة قال ابن الأنباري العرب إذا بالغت في تعظيم أمر اشتقت من لفظه لفظًا آخر على غير وزنه واتبعوه الأول في إعرابه زيادة في التأكيد فيقولون جاد مجد وليل لائل وشعر شاعر اهـ (قل) شخص (عربي مشى بها) أي قام بها أي بالحرب أو مشى فيها أي في المدينة (مثله) بالنصب حال من عربي لتخصصه بوصفه بجملة مشى حال كونه مماثلًا متشابهًا له أي لعامر وبالرفع صفة ثانية له والتقدير قل عربي ماش فيها مماثل له في الجد والاجتهاد في طاعة ربه وقال الذهني قوله (قل عربي مشى بها مثله) المتبادر أن الضمير في بها عائد إلى غزوة خيبر هذه التي الكلام فيها أو إلى خصلة الجهد والمجاهدة المذكورين والمعنى قل من العرب من مشى في هذه الغزوة أو في هذه الخصلة مثل عامر ويروى نشأ بدل مشى وعليها يعود الضمير إلى الحرب أو المدينة أو جزيرة العرب وذكر العيني أنه يروى (قل عربيًّا نشأ بها مثله) فمثله على هذه الرواية مرفوع على أنه فاعل قل وعربيًا منصوب على التمييز اهـ (وخالف قتيبة) بن سعيد (محمدًا) بن عباد (في) رواية هذا (الحديث في حرفين) أي في زيادة الياء والنون في ألقين لأن قتيبة قال في روايته (وألقين سكينة علينا)

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّادٍ: وَأَلْقِ سَكِينَةً عَلَينَا. 4535 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ (وَنَسَبَهُ غَيرُ ابْنِ وَهْبٍ, فَقَال: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ)؛ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيبَرَ قَاتَلَ أَخِي قِتَالًا شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) حذف الحرفين ابن عباد لأنه (في رواية) محمد (بن عباد وألق سكينة علينا) بإسقاط الياء والنون والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب غزوة خيبر [4196]، وفي المظالم [2477]، وفي غيرهما من أبواب متعددة والنسائي أخرجه في الجهاد [3152]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال. 4535 - (00) (00) (وحدثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن ونسبه غير ابن وهب) أي ذكر نسب عبد الرحمن غير ابن وهب من الرواة (فقال) ذلك الغير في بيان نسبه هو عبد الرحمن (بن عبد الله بن كعب بن مالك) وكان ابن وهب يرويه هكذا أخبرني عبد الرحمن وعبد الله بن كعب بن مالك كان عبد الرحمن وعبد الله بن كعب كليهما روياه عن سلمة والصحيح ما رواه غير ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وروى مسلم هذا الحديث عن ابن وهب فاقتصر على قوله عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وروى مسلم هذا الحديث عن ابن وهب فاقتصر على قوله عبد الرحمن وحذف ما بعده من رواية ابن وهب لكونه خطأ وأتى بالصحيح من رواية غير ابن وهب وهذا من دقة نظره ووفور احتياطه رحمه الله تعالى وذلك الغير كالقاسم بن مسرور من أصحاب يونس وكذا ذكره أبو داود والنسائي في سننهما ونبها فيهما على وهم ابن وهب راجع الأبي (أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالًا شديدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأراد بقوله أخي عامر بن الأكوع وليس عامر هذا أخًا لسلمة وإنما هو عمه كما سيصرح به في الحديث الآتي وهو كما في أسد الغابة عامر بن سنان وهو الأكوع وأما سلمة فهو ابن

فَارْتَدَّ عَلَيهِ سَيفُهُ فَقَتَلَهُ. فَقَال أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. وَشَكُّوا فِيهِ: رَجُلٌ مَاتَ فِي سِلاحِهِ. وَشَكُّوا فِي بَعْضِ أَمْرِهِ. قَال سَلَمَةُ: فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيبَرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي أَنْ أَرْجُزَ لَكَ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَعْلَمُ مَا تَقُولُ. قَال: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَينَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقْتَ". وَأَنْزِلَنَّ سَكِينَةً عَلَينَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَينَا وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو بن الأكوع اشتهر بنسبته إلى جده وإنما كنى عمه هذا بأخي في هذا الحديث لأنه على ما في شرح البهجة أخوه من الرضاعة اهـ ذهني (فارتد) أي رجع (عليه سيفه فقتله فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك) أي في قتل سيفه له (و) الحال أنهم قد (شكوا فيه) أي في حكم ذلك أي قالوا هو (رجل مات في سلاحه) وهذا من مقول الأصحاب أي قالوا فيه هذا القول (و) الحال أنهم قد (شكوا في بعض أمره) هل هو شهيد مجاهد أو قاتل النفس. وقوله (رجل مات بسلاحه) حكاية لما يدور في أذهانهم من شك يعني أنهم يزعمون أنه رجل مات بسلاحه فكان قاتلًا نفسه فلعله لا يثاب على قتاله (قال سلمة) بن الأكوع (فقفل) أي رجع (رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر) إلى المدينة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم في المدينة (يا رسول الله ائذن لي أن أرجز) من باب نصر أي أن أنشد (لك) شعرًا على بحر الرجز (فأذن له) فيه التفات (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الارتجاز (فقال عمر بن الخطاب: أعلم) أنا (ما تقول) وتنشد يا سلمة يعني أعرف ما تريد أن ترجز به كأنه استحضر ما ارتجز به عامر بن الأكوع عند ذهابهم إلى خيبر فظن أن سلمة رضي الله عنه سيرتجز بعين ما ارتجز به عامر والله أعلم (قال) سلمة: (فقلت) مرتجزًا (والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا) (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت) يا سلمة وقلت أيضًا: (وأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا).

قَال: فَلَمَّا قَضَيتُ رَجَزِي قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَال هَذَا؟ " قُلْتُ: قَالهُ أَخِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ" قَال؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيهِ. يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاتَ بِسِلاحِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا". قَال ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنًا لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: (حِينَ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا يَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيهِ) فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَبُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) سلمة: (فلما قضيت) وأتممت (رجزي) وفرغت منه (قال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال هذا) الرجز وأنشأه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع من عامر هذا الرجز عند ذهابه إلى خيبر ولكنه أراد الآن أن يعرف الرجل الذي قاله قال سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (قاله) وأنشأه (أخي) من الأم عامر بن الأكوع وقد ورد في بعض الروايات أنه كان أخاه لأمه وقد مر أنه كان عمًا له أيضًا وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأنه مبني على عادة أهل الجاهلية في النكاح والله أعلم (فقال رسول الله: يرحمه الله) تعالى (قال) سلمة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله إن ناسًا) من المسلمين (ليهابون) أي ليخافون (الصلاة عليه) والدعاء له بالرحمة أي ليخافون من أن يدعوا له بالرحمة أو خافوا أن يصلوا عليه صلاة الجنازة يوم مات فالمضارع على هذا بمعنى الماضي كما في السندي فإنهم (يقولون) في بيان سبب خوفهم من الصلاة عليه هو (رجل مات بسلاحه) فهو قاتل نفسه (فقال رسول الله) صلى الله عليه وسلم: (مات جاهدًا) في طاعة الله (مجاهدًا) في سبيل الله فله الجنة (قال ابن شهاب) بالسند السابق: (ثم) بعدما أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك هذا الحديث السابق (سألت) عنه (ابنًا لسلمة) يعني إياس بن سلمة (بن الأكوع فحدثني) إياس بن سلمة (عن أبيه) سلمة بن الأكوع (مثل ذلك) أي مثل ما حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب (غير أنه) أي لكن أن إياس بن سلمة (قال) في روايته لفظة (حين قلت) ظرف متعلق بـ (ـقال) الآتي (إن ناسًا يهابون الصلاة عليه) والفاء في قوله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): زائدة لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها والمعنى غير أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت إن ناسًا يهابون الصلاة عليه (كذبوا) أي

مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا. فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ" وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيهِ. 4536 - (1751) (95) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخطأوا فيما ظنوا به بل (مات جاهدًا) أي مجتهدًا في طاعة ربه (مجاهدًا) لإعلاء كلمة الله (فله أجره) أي أجر عمله حالة كونه (مرتين) أي مضاعفين مرة لاجتهاده وأخرى لجهاده (وأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال مرتين (بأصبعيه) الوسطى والتي تليها إلى ضعفين ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة وهي غزوة الأحزاب بحديث البراء رضي الله عنه فقال. 4536 - (1751) (95) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي (قال: سمعت البراء) بن عازب الأنصاري الأوسي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (الأحزاب) ويسمى يوم الخندق قال الأبي وكانت سنة خمس وكان سببها أنه لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير خرج نفر من اليهود فيهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع النضريون وهودة بن قيس وأبو عمار الوائليان في نفر من بني النضير وبني وائل حتى قدموا مكة على قريش واستنصروهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى حربه ورغبوهم فيه وقالت قريش يا معشر اليهود أنتم أهل الكتاب الأول ديننا خير أم دينه قالوا دينكم فسرت قريش ونشطوا لما دعوهم إليه من حربه ثم خرج أولئك النفر إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ما دعوا إليه قريشًا وجعلوا لهم نصف ثمر خيبر كل عام فأجابوهم إلى ذلك وكتبت غطفان إلى حلفائهم من بني أسد وكتبت قريش إلى حلفائهم من بني سليم فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن الفزاري فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجهم وما اجتمعوا له أخذوا في حفر الخندق وضربه على المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبًا للأجر فلما فرغ من حفره أقبلت قريش بأحابيشها ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد بالغين الجميع عشرة

يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ, وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "وَاللَّهِ! لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَينَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ... إِنَّ الأُلَى قَدْ أَبَوْا عَلَينَا" قَال: وَرُبَّمَا قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ آلاف حتى نزلوا حوالي المدينة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين وجعلوا ظهورهم إلى سلع وجعل الخندق بينه وبين القوم ولما وقفت قريش على الخندق قال بعضهم: إن هذه لمكيدة ما كانت في العرب ولا عرفتها وبقوا محاصرين للمدينة مدة شهر ليس بينهم وبين المسلمين قتال إلا الرمي بالنبل حتى اقتحم عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن عبد ود الخندق في فوارس من قريش فخرج لهم علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين فأخذ عليهم طريق الرجعة وقتل عمرو بن عبد ود ونوفل بن عبد الله المخزومي وفر عكرمة ومن معه ثم وقع في قلوبهم الوهن ودب بينهم القتل والتخاذل حتى كان من أمرهم ما ذكر الله تعالى من إرسال الريح والجنود التي لم يروها عليهم ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال مع خبر يعلم تفصيله من كتب السير اهـ. (ينقل معنا التراب) من الخندق قال الأبي فيه جواز التحصن من العدو بالخنادق والأسوار ونحوها واستحسان عمل أهل الفضل في ذلك لأنه من التعاون على البر (و) الله (لقد وارى) وستر (التراب بياض بطنه) وجملة قوله (وهو يقول) حال من فاعل ينقل (والله لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... إن الألى قد بغوا علينا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي (فأنزل) بحذف نون التوكيد الخفيفة والجزم (سكينة) بالتنكير والسكينة الوقار الظاهري والباطني (إن الألى) هو من ألفاظ الموصولات لا من أسماء الإشارة جمعًا للمذكر (قد بغوا علينا) من البغي وهو الظلم والجملة الفعلية خبر عن الموصول وصلته محذوفة والتقدير إن الذين كفروا قد اعتدوا علينا وظلمونا برد كلمة الحق علينا وإنكارها وهذا غير متزن فيتزن بزيادة (هم) فيصير إن الألى هم قد بغوا علينا وفي رواية (قد أبوا علينا) من الإباء وهو الامتناع أي إن الذين كفروا قد امتنعوا علينا قبول كلمة الحق وردوها (قال) البراء: (وربما قال) رسول الله

"إِنَّ الْمَلا قَدْ أَبَوْا عَلَينَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَينَا" وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ. 4537 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم بدل هذا البيت (إن الملا قد أبوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا) الملا مهموز الأصل مقصور هنا وهم أشراف القوم وقيل هم الرجال ليس فيهم نساء أي إن صناديد القوم وأشرافهم قد امتنعوا من إجابتنا إلى الإسلام وإذا أرادوا فتنة ومضرة أبينا وامتنعنا من قبولها وقوله أيضًا (إذا أرادوا فتنة) أي إذا أرادوا فتنتنا وامتحاننا في الحق وتعذيبنا من أجله أبينا أي امتنعنا من ذلك بالمقاومة والتحصن بالخندق ونحوه أو إذا أرادوا إمالتنا عن ديننا أبينا عليهم ذلك يقال فتن المال فلانًا إذا استماله وفتن فلان في دينه بالبناء للمفعول أي مال عنه والفتنة أيضًا الامتحان والاختبار والتعذيب قال في النهاية: وإنكم تفتنون في القبور يريد مسألة منكر ونكير من الفتنة وهي الامتحان والاختبار ثم قال ومنه الحديث فيَّ تفتنون وعني تسألون أي تمتحنون في قبوركم ويتعرف إيمانكم بنبوتي ومنه {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} قال فتنوهم بالنار أي امتحنوهم وعذبوهم اهـ ملخصًا وقال في المصباح أصل الفتنة من قولك فتنت الذهب والفضة إذا أحرقته بالنار ليبين الجيد من الرديء اهـ ذهني (و) كان صلى الله عليه وسلم (يرفع بها) أي بالكلمة الأخيرة وهي كلمة أبينا (صوته) وفي الحديث جواز الارتجاز في مثل هذا قاله القاضي وقال النووي بل فيه استحبابه وقال القاضي وهذا الرجز ليس من قوله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أنه من قول عامر بن الأكوع وقال النووي وفي هذا الحديث استحباب الرجز ونحوه في حال البناء ونحوه من كل شغل ذي بال كنزح ماء وحفر بئر وبركة ودياسة زرع مثلًا اهـ منه مع زيادة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [2836 و 2837]، وفي مواضع كثيرة ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4537 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت) البراء رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي

الْبَرَاءَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. إِلَّا أَنَّهُ قَال: "إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا". 4538 - (1752) (96) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَال: جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ. وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافِنَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ! لَا عَيشَ إِلَّا عَيشُ الآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ". 4539 - (1753) (97) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لا بْنِ الْمُثَنَّى) ـــــــــــــــــــــــــــــ لمحمد بن جعفر (فذكر) عبد الرحمن (مثله) أي مثل ما روى محمد بن جعفر عن شعبة (إلا أنه) أي لكن أن عبد الرحمن (قال) في روايته (إن الألى قد بغوا علينا) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما فقال. 4538 - (1752) (96) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي (القعنبي) البصري ثقة، من (9) (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني الفقيه صدوق من (8) (عن أبيه) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم الأعرج التمار المدني القاص ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) سهل: (جاءنا رسول الله ونحن) معاشر الصحابة (نحفر الخندق) أي الحفيرة العميقة للاحتجاز من المشركين (وننقل التراب) من الخندق ونحمله (على أكتافنا) وظهورنا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار) أي لا عيش باق أو عيش مطلوب إلا عيش الآخرة لا عيش إلا عيش الآخرة هو من شعر عبد الله بن رواحة تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك منافيًا لقوله {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} لأن المراد من تعليم الشعر أن يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بقصد الشعر وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب غزوة الخندق [4098]، وفي مواضع أخر والترمذي في المناقب [3855]، ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث البراء بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4539 - (1753) (97) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "اللَّهُمَّ! لَا عَيشَ إِلَّا عَيشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ" 4540 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ! إِنَّ الْعَيشَ عَيشُ الآخِرَةِ". قَال شُعْبَةُ: أَوْ قَال: "اللَّهُمَّ لَا عَيشَ إِلَّا عَيشُ الآخِرَهْ ... فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة) بن إياس المزني أبي إياس البصري ثقة، من (3) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) محرضًا لهم على عملهم الذي هو بسبب الجهاد. (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة) والمعنى اللهم إن العيش المعتبر أو الباقي المستمر عيش الآخرة لا عيش الدنيا فاغفر للأنصار بلام الجر ويخرج به عن الوزن وفي رواية فاغفر الأنصار بالألف بدل اللام والمهاجرة بضم الميم وكسر الجيم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4099]، وفي الجهاد [2834]، وفي غيرهما في مواضع كثيرة والترمذي في المناقب باب مناقب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه [3856]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4540 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة قتادة لمعاوية بن قرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إن العيش عيش الآخرة قال شعبة أو قال) لنا قتادة والشك من شعبة فيما قاله قتادة: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فكرم الأنصار والمهاجرة) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال.

4541 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَشَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال شَيبَانُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ) عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: كَانُوا يَرْتَجِزُونَ, وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ, وَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ! لَا خَيرَ إِلَّا خَيرُ الآخِرَهْ ... فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ وَفِي حَدِيثِ شَيبَانَ (بَدَلَ فَانْصُرْ): فَاغْفِرْ. 4542 - (00) (00) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 4541 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري ثقة، من (10) (وشيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (قال يحيى: أخبرنا وقال شيبان: حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري ثقة، من (8) (عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري ثقة، من (5) (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة أبي التياح لمعاوية بن قرة وقتادة (قال) أنس: (كانوا يرتجزون) أي ينشدون شعر الرجز (ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون) أي والحال أنهم يقولون في رجزهم: (اللهم لا خير إلا خير الآخرة ... فانصر الأنصار والمهاجرة) أي لا خير مستمر باقٍ. (وفي حديث شيبان) وروايته (بدل فانصر فاغفر) للأنصار ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4542 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ثابت لمن روى عن أنس (أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون يوم الخندق

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الإِسْلامِ مَا بَقِينَا أَبَدًا أَوْ قَال: عَلَى الْجِهَادِ. شَكَّ حَمَّادٌ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ! إِنَّ الْخَيرَ خَيرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدًا) (أو قال) لنا ثابت لفظة (على الجهاد) بدل الإسلام (شك حماد) بن سلمة فيما قاله ثابت من أي الكلمتين هو (النبي صلى الله عليه وسلم يقول) مجيبًا لهم فيما قالوا تنشيطًا لهم على عملهم: اللهم إن الخير خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة أي إن الخير الذي يدوم ويستمر خير الآخرة وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة الأول: حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين والرابع: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة والخامس: حديث البراء ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسادس: حديث سهل بن سعد الساعدي ذكره للاستشهاد به لحديث البراء والسابع: حديث أنس الأخير ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث البراء وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

630 - (23) باب غزوة ذي قرد وصلح الحديبية وقوله تعالى {وهو الذي كف أيديهم عنكم} الآية

630 - (23) باب غزوة ذي قرد وصلح الحديبية وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية 4543 - (1754) (98) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى. وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 630 - (23) باب غزوة ذي قرد وصلح الحديبية وقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية 4543 - (1754) (98) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري المدني صدوق من (8) (عن يزيد بن أبي عبيد) الحجازي الأسلمي مولاهم مولى سلمة بن الأكوع ثقة، من (4) (قال سلمة) بن الأكوع الأسلمي المدني رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته أي سمعته حالة كونه (يقول خرجت) من المدينة ذاهبًا إلى الغابة وهي على بريد من المدينة على طريق الشام وفيها لقاح النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري (قبل أن يؤذن) بالبناء للمجهول (بالأولى) أي بالصلاة الأولى أي قبل أن يؤذن للصلاة الأولى يريد صلاة الصبح لأنها أولى صلاة النهار أو أولى ما فرض وإن كانت آخر ما فعل بتعليم جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على ما ذكرنا قوله في رواية آتية أنه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس وكان قد خرج إلى الغابة كما وقع مصرحًا عند البخاري في الجهاد (وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم) جمع لقحة بفتح اللام وكسرها مع سكون القاف فيهما وهي الإبل ذات اللبن قريبة العهد بالولادة (ترعى) وتسوم (بذي قرد) أي بموضع يسمى ذا قرد بفتح القاف والراء وقيل بضمهما وحكي ضم أوله وفتح ثانيه والأول أصح قال النووي: إنه ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان قال ابن سعد: إنها كانت عشرين لقحة قال: وكان فيها ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون فقتلوا الرجل وأسروا المرأة وغزوة ذي قرد هي الغزوة التي أغار فيها عيينة بن حصين وعبد الرحمن بن عيينة ومسعدة الفزاري على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فاستخلصها منهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه كما ستأتي قصة ذلك مفصلة في روايات من هذا الباب ووقعت هذه الغزوة قبل غزوة خيبر بثلاثة أيام كما

قَال: فَلَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَال: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَال: غَطَفَانُ. قَال: فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ! ـــــــــــــــــــــــــــــ جزم به البخاري وقال ابن سعد كانت في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية وعن ابن إسحاق في شعبان منهما وذكر بعض العلماء أن الخروج إلى ذي قرد تكرر مرتين أو ثلاثًا والله أعلم هذا ملخص ما في فتح الباري. (قال) سلمة بن الأكوع (فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف) قال الحافظ في الفتح لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون هو رباحًا غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم وكأنه كان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا اهـ (فقال) لي الغلام: (أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال سلمة: (فقلت) للغلام: (من أخذها قال) الغلام أخذها (غطفان) بفتح الغين والطاء وفي رواية البخاري في الجهاد غطفان وفزارة بفتح الفاء والزاي قبيلتان من العرب فيها أبو ذر وذكر فزارة بعد غطفان من ذكر الخاص بعد العام لأن فزارة من غطفان وقيل بعضهم من فزارة وبعضهم من غطفان وهو الموافق لما صرح به في رواية البخاري في الجهاد وفي كتاب السير أنهم كانوا أربعين فارسًا عليهم عيينة بن حصن وعبد الرحمن بن عيينة الفزاريان فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعث في آثارهم من يستنقذ اللقاح منهم وأمر على البعثة سعد بن زيد الأنصاري ثم لحقهم صلى الله عليه وسلم في بقية الناس فجاء وقد استنقذوا اللقاح وقتلوا من قتلوا ولم تجيء البعثة إلا وقد فعل سلمة بن الأكوع الأفاعيل كما سترى تفصيله في هذا الحديث وفي الذي بعده اهـ ذهني. (قال) سلمة: (فصرخت) أي ناديت بصوت رفيع (ثلاث صرخات) أي ثلاث نداءات بقولي (يا صباحاه) بفتح الصاد والموحدة وبعد الألف حاء مهملة فألف فهاء مضمومة وهي كلمة يقولها المستغيث والألف فيها عوض عن لام المستغاث به والهاء للسكت فهي منادى على وجه الاستغاثة وتقال أيضًا لاستنفار من كان غافلًا عن عدوه ليتأهب للقائه قال في النهاية وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح حتى سموا يوم الغارة يوم الصباح فكان القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدو وقيل: إن المتقاتلين كانوا إذا جاء الليل يرجعون عن القتال فإذا عاد النهار عاودوه فكأنه

قَال: فَأَسْمَعْتُ مَا بَينَ لابَتَي الْمَدِينَةِ. ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ بِذِي قَرَدٍ. وَقَدْ أَخَذُوا يَسْقُونَ مِنَ الْمَاءِ. فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي, وَكُنْتُ رَامِيًا. وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد بقوله يا صباحاه قد جاؤوا وقت الصباح فتأهبوا للقتال اهـ بتصرف. وتقول في إعرابه يا حرف نداء صباحاه منادى نكرة مقصودة مستغاث به في محل النصب مبني على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتحة المجلوبة لمناسبة الألف المجلوبة تعويضًا عن لام الاستغاثة والألف حرف استغاثة والهاء للسكت وفي القسطلاني وهو منادى مستغاث به والألف للاستغاثة والهاء للسكت وكأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح اهـ وقال القرطبي معناه الإعلام بهذا الأمر المهم الذي دهمهم في الصباح وهي كلمة يقولها المستغيث اهـ (قال) سلمة: فأسمعت ما بين لابتي المدينة اللابة الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود والمدينة واقعة بين حرتين عظيمتين يريد أنه أسمع بصرخاته جميع أهل المدينة كما يريد جميع القرآن من يقول وعيت ما بين دفتي المصحف اهـ ذهني. وفيه إشعار بأنه كان واسع الصوت جدًّا ويحتمل أن يكون ذلك من خوارق العادات وروى عنه الطبراني (فصعدت في سلع ثم صحت يا صباحاه فانتهى صباحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس الفزع الفزع) حكاه الحافظ في الفتح ووقع في رواية الواقدي في مغازيه أنه صعد على ثنية الوداع ولا منافاة بين الروايتين فإن ثنية الوداع جزء من جبل سلع والله أعلم (ثم اندفعت على وجهي) أي مضيت مسرعًا لم ألتفت يمينًا ولا شمالًا بل أسرعت الجري وكان ماشيًا على رجليه شديد العدو كما سيأتي (حتى أدركتهم) أي لحقتهم (بذي قرد) أي بموضع يسمى ذا قرد وهو على يوم من المدينة كما مر (وقد) أي والحال أنهم قد (أخذوا) أي شرعوا (يسقونـ) ـها (من الماء فجعلت) أي شرعت (أرميهم بنبلي) أي بسهمي (وكنت) أنا (راميًا) أي مصيبًا في الرمي ماهرًا فيه لا أخطئ (وأقول) لهم: (أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع) وقوله (اليوم يوم الرضع) روي برفعهما على الابتداء والخبر أي هذا اليوم يوم هلاك اللئام وبنصب الأول على الظرفية على كونه خبرًا مقدمًا ورفع الثاني على أنه مبتدأ مؤخر أي وقت هلاك اللئام كائن اليوم حكى سيبويه (اليوم يومك) على أن تجعل اليوم ظرفًا في موضع خبر للثاني

فَأَرْتَجِزُ. حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ. وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً. قَال: وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ حَمَيتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ. وَهُمْ عِطَاشٌ, فَابْعَثْ إِلَيهِمُ السَّاعَةَ. فَقَال: "يَا ابْنَ الأَكْوَعِ! مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل أن تقول الساعة يومك وقد قيل في قوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)} أن يومئذ ظرف ليوم عسير وذلك أن ظروف الزمان أحداث وليست بجثث فلا يمتنع فيها مثل هذا كما لا يمتنع في سائر الأحداث وأما الرضع فهو بضم الراء وفتح الضاد المشددة جمع الراضع وهو اللئيم والمعنى أن هذا اليوم يوم هلاك اللئام وقد اختلفت أقوال أهل اللغة في سبب تسمية اللئيم بالراضع فقيل لأنه ارتضع اللؤم من ثدي أمه قيل أصله أن رجلًا كان شديد البخل فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يسمع جيرانه صوت الحلب فيطلبوا منه اللبن وقيل بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء وقيل بل المراد من الراضع من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه وهو دال على شدة الحرص وفيه أقوال أخرى كثيرة وفسره بعضهم بطريق آخر وهو أن المراد أن اليوم يعرف كل من ارتضع من ثدي أمه فيعرف من ارتضع كريمة فأنجبته أو لئيمة فأهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها فيمتاز عن غيره وعليه فالرضع صفة مدح لا صفة ذم والله أعلم راجع فتح الباري [7/ 462] (فارتجز) أي أنشد الرجز (حتى استنفذت) بوزن استفعل فالسين والتاء فيه زائدتان أي حتى أنقذت وأخرجت (اللقاح) أي النوق منهم أي من أيديهم أي استخلصت اللقاح من غطفان وفزارة (واستلبت) استفعل هنا بمعنى الثلاثي المجرد أي وأخذت (منهم) سلبًا (ثلاثين بردة) والبردة الشملة المخططة وقيل كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب كذا في النهاية. (قال) سلمة: (وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس فقلت) له: (يا نبي الله إني قد حميت القوم الماء) أي حلت بينهم وبينه حتى منعتهم من شربه (وهم عطاش) جمع عطشان أي ظامئون (فابعث إليهم الساعة) أي في هذه الساعة بلا تأخر يعني لاستئصالهم جميعًا وفي الرواية الآتية عند المؤلف (يا رسول الله خلني فانتخب من القوم مائة رجل فاتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر) (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم (فاسجع) أي فأرفق بهم فلا تؤاخذهم بالشدة فقد

قَال: ثُمَّ رَجَعْنَا. وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. 4544 - (1755) (99) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حصلت النكاية في العدو ولله الحمد فقد كفاهم ذلك اهـ نووي وعبارة القسطلاني (ملكت) أي قدرت عليهم فاستعبدتهم وهم في الأصل أحرار (فأسجع) بقطع الهمزة المفتوحة والمهملة الساكنة وبعد الجيم المكسورة حاء مهملة أي فارفق وأحسن بالعفو ولا تأخذ بالشدة وهو أمر من الإسجاع وهو حسن العفو بالإرفاق والتسهيل كما في لسان العرب والمعنى قدرت على أعدائك فاعف عنهم الآن وارفق بهم وضربت هذه الكلمة مثلًا للتحريض على العفو عند المقدرة تمثلت بها عائشة رضي الله تعالى عنها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل حين ظهر على الناس فدنا من هودجها ثم كلمها بكلام فأجابته (ملكت فأسجع) أي ظفرت فأحسن فجهزها عند ذلك بأحسن الجهاز وبعث معها أربعين امرأة وقال بعضهم سبعين حتى قدمت المدينة كذا في كتب الأمثال لأبي عبيد ص (154 رقم 439) والمستقصى للزمخشري [2/ 348] ومجمع الأمثال للميداني [2/ 283]. (قال) سلمة: (ثم رجعنا) إلى المدينة (ويردفني) أي يركبني مضارع بمعنى الماضي لحكاية الحال الماضية أي وأركبني (رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته) خلفه (حتى دخلنا المدينة) غاية للإرداف وفيه تشجيع لسلمة بن الأكوع وصلة به جزاءً لما عمل بالأعداء رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب غزوة ذي قرد [4194]، وفي الجهاد باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه [3041]، وأبو داود في الجهاد باب في السرية ترد على أهل العسكر [2752]، وأخرجه أحمد في مسنده [4/ 48]. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال. 4544 - (1755) (99) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا هاشم بن القاسم) بن

ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. وَهَذَا حَدِيثُهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ (وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ) حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي أَبِي قَال: قَدِمْنَا الْحُدَيبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَعَلَيهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تُرْويهَا. قَال: فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ. فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَسَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم بن مقسم الليثي البغدادي ثقة، من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو عامر) القيسي (العقدي) بفتحتين عبد الملك بن عمرو البصري ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من هاشم وأبي عامر رويا (عن عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبي عمار اليمامي البصري الأصل صدوق من (5) (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي ثقة متقن من (11) (وهذا) الحديث الآتي (حديثه) أي لفظ حديثه وروايته (أخبرنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد) البصري صدوق من (9) (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار حدثني إياس بن سلمة) بن الأكوع الأسلمي المدني (حدثنا أبي) سلمة بن الأكوع رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) سلمة: (قدمنا الحديبية) هي قرية قريبة من مكة سميت باسم بئر فيها قال في النهاية وهي مخففة وكثير من المحدثين يشددها ومعناه قدمنا بئر الحديبية أو ماء الحديبية (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) سنة ست (ونحن أربعة عشر مائة) أي ألف وأربعمائة وفي رواية ثلاث عشرة مائة وفي رواية خمس عشرة مائة قال النووي رواية مسلم هي الأشهر وهي المرجحة (وعليها) أي وعلى بئر الحديبية (خمسون شاة لا ترويها) بضم التاء وكسر الواو من الإرواء أي لا يروي ماءها تلك الخمسين لقلته أي لا يزيل عطشها يريد أن ماء الحديبية كان قليلًا لا يكفي خمسين شاة (قال) سلمة: (فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية) أي على طرف بئر وحولها والجبا بفتح الجيم والقصر هو التراب الذي أخرج من البئر وجعل حولها كذا في جامع الأصول لابن الأثير [8/ 318] والركية بفتح الراء وكسر الكاف والياء المشددة البئر والمشهور في اللغة الركي بغير هاء ووقع هنا الركية بالهاء وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره (فإما دعا) في مائها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة (وإما بسق)

فِيهَا. قَال: فَجَاشَتْ. فَسَقَينَا وَاسْتَقَينَا. قَال: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَانَا لِلْبَيعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ. قَال: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ. ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ قَال: "بَايِعْ يَا سَلَمَةُ! " قَال: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ. يَا رَسُولَ اللهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ. قَال: "وَأَيضًا" قَال: وَرَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَزِلًا (يَعْنِي لَيسَ مَعَهُ سِلاحٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها وبصق فنالته بركة دعائه أو بساقه قال النووي هكذا هو في النسخ (بسق) صحيحة يقال بزق وبصق وبسق ثلاث لغات بمعنى واحد والسين فيه قليلة الاستعمال (قال) سلمة (فجاشت) البئر أي فاض ماؤها وفار وارتفع وهي معجزة ظاهرة من معجزاته صلى الله عليه وسلم يقال: جاش الشيء يجيش جيشانًا إذا ارتفع (فسقينا) منها أنفسنا ودوابنا (واستقينا) أي عبينا منها أسقيتنا وأخذنا منها في مزادتنا (قال) سلمة (ثم) بعدما سقينا واستقينا منها (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا) معاشر الحاضرين معه (للبيعة) والبيعة هنا العهد وبايعه على كذا إذا عاهده وعاقده عليه وكان سبب هذه البيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صده المشركون عن دخول مكة بعث عثمان رضي الله عنه إلى مكة بكتاب يخبر به أشراف قريش بأنه لم يأت إلا زائرًا للبيت ومعظمًا لحرمته فأشيع قتل عثمان حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما والله إن قتلوه لأناجزنهم ودعا الناس للبيعة فبايعه بعضهم على الموت وبعضهم على أن لا يفروا وتسمى هذه البيعة بيعة الرضوان لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} أي دعانا للبيعة وهو صلى الله عليه وسلم جالس (في أصل الشجرة) أي تحت أصل شجرة الحديبية (قال) سلمة: (فبايعته) صلى الله عليه وسلم تلك البيعة (أول) جميع (الناس) (ثم بايع) أي ثم بعد مبايعتي إياه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس (وبايع) أيضًا (حتى إذا كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) مبايعة (وسط من الناس قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بايعـ) ـني (يا سلمة قال: قلت) له صلى الله عليه وسلم: (قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأيضًا) بايعني مرة ثانية (قال) سلمة رضي الله عنه: (ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلًا) بفتح العين وكسر الزاي وقيل بضمهما وفسره في الكتاب بمن لا سلاح معه حيث قال (يعني ليس معه سلاح) أي آلة حرب ويقال له أيضًا أعزل وهو أشهر استعمالًا قاله النووي وقد

قَال: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً. ثُمَّ بَايَعَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَال: "أَلا تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟ " قَال: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ. يَا رَسُولَ اللهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ, وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ. قَال: "وَأَيضًا" قَال: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ. ثُمَّ قَال لِي: "يَا سَلَمَةُ! أَينَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيتُكَ؟ " قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلًا. فَأَعْطَيتُهُ إِيَّاهَا. قَال: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: "إِنَّكَ كَالَّذِي قَال الأَوَّلُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع في بعض نسخ مسلم (أعزل) على اللغة المشهورة وبهذا اللفظ أثبته ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 311] (قال) سلمة (فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة) بتقديم الحاء على الجيم وكلتاهما مفتوحتان وهي الترس الصغير يطارق بين جلدين كما في المصباح (أو) قال لي سلمة أعطاني (درقة) والشك من إياس بن سلمة والدرقة بفتحات نوع من التروس أيضًا (ثم بايع) رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس (حتى إذا كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) مبايعة (آخر الناس) مبايعةً (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تبايعني يا سلمة قال) سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي أوسط الناس قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأيضًا) بايعني يا سلمة (قال) سلمة: (فبايعته) صلى الله عليه وسلم المرة (الثالثة) فيه فضيلة ظاهرة لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه وفي مبايعته صلى الله عليه وسلم له ثلاث مرات إشارة إلى أنه سيحضر ثلاث مشاهد يكون فيها بلاء حسن وقد كان الأمر كذلك فاتصل بالحديبية غزوة ذي قرد واتصل بها فتح خيبر وكان له في كل منها غناء أفاده في شرح البهجة كذا في شرح الذهني (ثم قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا سلمة أين حجفتك أو) قال لي: أين (درقتك التي أعطيتك قال) سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله لقيني عمي عامر) بن الأكوع (عزلًا) أي عاريًا من السلاح (فأعطيته إياها) أي تلك السلاح (قال) سلمة: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تبسم بي (وقال) لي: (إنك) يا سلمة (كالذي قال الأول) منصوب على الظرفية يعني إنك مثل الرجل الذي قال في الزمان الأول الخ كذا فسره ابن الملك في مبارق الأزهار [1/ 192] والسندي في حاشيته لصحيح مسلم ويحتمل أيضًا أن يكون لفظ الأول مرفوعًا على أنه صفة لمحذوف هو فاعل قال والتقدير إنك كالقول الذي قاله الرجل الأول والمراد به هنا

اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي". ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ. حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ. وَاصْطَلَحْنَا. قَال: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللَّهِ. أَسْقِي فَرَسَهُ, وَأَحُسُّهُ, وَأَخْدُمُهُ, وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ. وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي, مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ, وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ, أَتَيتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدم بالزمان والمعنى أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه كذا فسره الشيخ محمد الذهني في تعليقه وتفسير ابن الملك عندي أولى ووقع في رواية أحمد في مسنده [4/ 49] (إنك كالذي قال) ولم يذكر لفظ الأول (اللهم أبغني) أي أعطني هو بهمزة الوصل من البغاء بضم الباء أي اطلب لي وبهمزة القطع من الإبغاء أي أعني على الطلب كذا في المبارق قلت والوجه الثاني هو الأوجه في هذا المقام (حبيبًا هو أحب إلي من نفسي) أشار به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن سلمة آثر عمه على نفسه إذ أعطاه سلاحه مع احتياجه فصاركمن يدعو الله تعالى أن ييسر له رجلًا يكون أحب إليه من نفسه فيؤثر عليه وفيه من مدح سلمة ونعته بالإيثار ما لا يخفى. (ثم إن المشركين راسلونا الصلح) من المراسلة أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح وشأنه (حتى مشى) أي إلى أن مشى (بعضنا في بعض) أي إلى بعض ففي بمعنى إلى نظير قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي إلى أفواههم ويحتمل كونها بمعنى مع أي حتى مشى بعضنا مع بعض قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ راسلونا وفي بعضها (راسونا) بضم السين المهملة المشددة وحكى القاضي أيضًا فتحها بلا ألف يعني رسونا من رس بينهم إذا أصلح وهما بمعنى راسلونا قوله (واصطلحنا) معطوف على راسلونا أي واتفقنا على إمضاء الصلح بيننا (قال) سلمة: (وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله) أي خادمًا له أتبعه والتبيع الخادم لأنه يتبع الذي يخدمه (أسقي فرسه) الماء (وأحسه) أي: أحس فرسه بضم الحاء من باب شد أي أحك ظهر الفرس بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه (وأخدمه) من باب نصر وضرب أي في جميع حوائجه (وآكل من طعامه وتركت أهلي ومالي مهاجرًا) من قومي الأسلميين (إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض) يعني أمن كل واحد من الفريقين الآخر بعد الصلح (أتيت شجرة) من أشجار الحديبية (فكسحت شوكها) أي

فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا. قَال: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَبْغَضْتُهُمْ. فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى. وَعَلَّقُوا سِلاحَهُمْ. وَاضْطَجَعُوا. فَبَينَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ, قُتِلَ ابْنُ زُنَيمٍ. قَال: فَاخْتَرَطْتُ سَيفِي. ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ. فَأَخَذْتُ سِلاحَهُمْ. فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كنست ما تحتها من الشوك يقال: كسحت البيت إذا كنسته ونحيت ما في أرضه مما يؤذي ساكنه كذا في جامع الأصول (فاضطجعت في أصلها) أي تحت أصلها مستظلًا بها (فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا) أي شرعوا (يقعون في) عرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي يغتابونه ويسبونه (فأبغضتهم) أي أظهرت بغضني إياهم (فتحولت) انتقلت من تلك الشجرة (إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم) أي سيوفهم بالشجرة التي تحولت أنا منها (واضطجعوا) تحتها للنوم (فبيما هم كذلك) أي مضطجعون للنوم (إذ نادى مناد من أسفل الوادي) أي وادي حديبية وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي فبينما أوقات اضطجاعهم فاجأني نداء مناد من أسفل الوادي يقول: (يا للمهاجرين قتل ابن زنيم) بضم الزاي وفتح النون مصغرًا وكان رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قتله أحد المشركين بالحديبية أخرج ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة ذكر لنا أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له ابن زنيم اطلع الثنية زمان الحديبية فرماه المشركون فقتلوه كذا في الدر المنثور للسيوطي [6/ 75 و 76] ولم أر من ذكر اسمه وقوله (يا للمهاجرين) إعرابه يا حرف نداء واللام حرف جر واستغاثة مبني على الفتح وإنما حرك لكونه على حرف واحد وكانت الحركة تشبيهًا له باللام الداخلة على الضمير المهاجرين منادى مستغاث به مجرور باللام ولا تحتاج إلى متعلق تتعلق به لأنها شبيهة بالزائد أو متعلقة بفعل النداء (قال) سلمة: (فاخترطت سيفي) أي سللته من غمده وأخرجته منه زعمًا بأن المشركين نقضوا الصلح (ثم شددت) أي حملت وكررت (على أولئك الأربعة) الذين تحولت لأجلهم من شجرتي الأولى (وهم) أي والحال أنهم (رقود) أي نيام والرقاد النوم ليلًا كان أو نهارًا وبعضهم يخصه بنوم الليل (فأخذت سلاحهم) المعلقة على الشجرة (فجعلته) أي جعلت سلاحهم (ضغثًا) أي حزمة مجموعة (في يدي) والضغث بكسر الضاد وسكون الغين الحزمة

قَال: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ! لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَينَاهُ. قَال: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاتِ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ: يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ. فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَنَظَرَ إِلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المجتمعة من قضبان أو حشيش أو نحوه مما يجمع في اليد كذا في جامع الأصول [8/ 319] يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة قال في المصباح والأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع اهـ. (قال) سلمة: (ثم قلت) لأولئك الأربعة (والذي كرم) وشرف (وجه محمد) صلى الله عليه وسلم (لا يرفع واحد منكم رأسه) من الأرض (إلا ضربت) العضو (الذي فيه عيناه) يريد رأسه (قال) سلمة: (ثم جئت بهم) أي بأولئك الأربعة حالة كوني (أسوقهم) قدامي (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (وجاء عمي عامر) بن الأكوع (برجل من العبلات) بفتحات هم بطن من قريش وهم أمية الصغرى من بني عبد شمس بن عبد مناف والنسبة إليهم عبلي ترده إلى الواحد كما في الصحاح للجوهري قال: لأن اسم أمهم عبلة بنت عبيد التميمية (يقال له مكرز) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء (يقوده) أي يقود عامر فرس ذلك الرجل بلجامه (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كون ذلك راكبًا (على فرس) له (مجفف) ذلك الفرس أي ملبس بالتجافيف والفرس المجفف بصيغة اسم المفعول هو الذي عليه التجافيف والتجافيف جمع تجفاف بكسر التاء وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه من السلاح فهو في الخيل كالمدحج من الرجال وهو المنغمس في الدرع والسلاح وقوله (في سبعين من المشركين) متعلق بيقود قد اختلفت الروايات في عدد هؤلاء الذين أسروا فوقع في بعض الروايات أنهم كانوا ثلاثين وفي بعضها أربعين أو خمسين وكان سبب أسرهم أنهم عمدوا إلى عسكر المسلمين بعد الصلح فأرادوا التحامل عليهم فرموا المسلمين بالحجارة والنبل والظاهر أن ابن زنيم رضي الله عنه قتل برميهم فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من المسلمين وكان عم سلمة بن الأكوع منهم هذه خلاصة الروايات المروية في هذه القصة (فنظر إليهم) أي إلى

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "دَعُوهُمْ. يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ" فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} [الفتح: 24] الآيَةَ كُلَّهَا. قَال: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. بَينَنَا وَبَينَ بَنِي لَحْيَانَ جَبَلٌ. وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هؤلاء المشركين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوهم) أي دعوا هؤلاء المشركين واتركوهم وخلوا سبيلهم وقوله (يكن لهم) مجزوم في جواب الطلب السابق أي إن تركتموهم يكن لهم (بدء الفجور) أي ابتداء الغدر (وثناه) أي إعادته والبدء هو الابتداء والفجور هنا نقض الصلح وثناه أي ثنا الفجور أي إعادته ثانيًا أي فليكن لهم أول النقض وآخره. قال في النهاية والثنى بكسر المثلثة وبالقصر الأمر يعاد مرتين قال في القاموس ولا ثنى في الصدقة كإلى أي لا تؤخذ مرتين في عام أو لا تؤخذ ناقتان مكان واحدة ووقع في بعض النسخ ثنياه بضم المثلثة وبياء وهي رواية ابن ماهان ولكن الرواية الأولى هي الصواب كما أفاده النووي نقلًا عن القاضي (فعفا عنهم) أي سامح عنهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وخلا سبيلهم قال القاضي عياض إنما فعل ذلك سلمة وعمه لما ذكر من قتل المسلم بأسفل الوادي فرأى المسلمون أن الصلح قد انتقض بذلك بجهل قاتله كذا في شرح الأبي (وأنزل الله) عزَّ وجلَّ في ذلك قوله {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} الآية [الفتح: 24] كلها وردت في سبب نزول هذه الآية روايات أخرى أيضًا كما هي مذكورة في جامع البيان والدر المنثور ولا تزاحم بينها لأن الآية الواحدة ربما تنزل بأسباب متعددة. (قال) سلمة: (ثم خرجنا) من الحديبية (راجعين إلي المدينة فنزلنا) في إيابنا (منزلًا بيننا وبين بني لحيان) بكسر اللام وفتحها اسم قبيلة (جبل) يريد أننا أنزلنا منزلًا قريبًا من بني لحيان لا يحول بيننا وبينهم إلا جبل واحد (وهم المشركون) ضبطه بعض الرواة بضم الهاء على أنه ضمير جمع الغائب والمراد أن بني لحيان مشركون وضبطه بعضهم بفتح الهاء وتشديد الميم المفتوحة على أنه فعل ماض أي وهم وأغم شأن المشركين الذين هم

فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ رَقِيَ هَذَا الْجَبَلَ اللَّيلَةَ. كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ. قَال سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيلَةَ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنَا مَعَهُ. وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ. أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ. وَقَتَلَ رَاعِيَهُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بنو لحيان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مخافة أن يبيت المشركون إياهم في الليل لكونهم نزلوا قربهم يقال: همني الأمر وأهمني بمعنى أي أغمني وأحزنني (فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي) وصعد من باب رضي (هذا الجبل) الذي بينهم وبين بني لحيان (الليلة) أي في هذه الليلة (كأنه طليعة) ومراقبة (للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) والطليعة من يتطلع على العدو ويخبر القوم (قال سلمة فرقيت) الجبل (تلك الليلة مرتين أو ثلاثًا) طليعة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (ثم قدمنا المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره) الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال أي بعث صلى الله عليه وسلم بمركوبه (مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى موضع لقاحه ليرعى مع اللقاح في موضعها خارج المدينة وهو الغابة أي بعثه (وأنا معه) أي مع رباح قال سلمة: (وخرجت معه) أي مع رباح (بفرس طلحة) بن عبيد الله حالة كوني (أنديه) وأسقيه من التندية أي أندي وأسقي فرس طلحة (مع الظهر) أي مع ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله مع رباح قال الأصمعي: التندية بالنون أن تورد الإبل والخيل حتى تشرب قليلًا ثم ترعى ساعة ثم تردها إلى الماء من يومها أو من الغد كذا في جامع الأصول وذكر أهل اللغة عن القتيبي أنه إنما يفعل ذلك لطول ظمئها ولعله يريد أنها لو تركت تشرب من المورد ما شاءت لشربت كثيرًا بحيث يضرها فتورد قليلًا ثم يذهب بها إلى المرعى ومراد سلمة أنه خرج لتندية فرس طلحة رضي الله عنه لما مر أنه كان يخدمه (فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار) مع قومه وهجم (على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) ونوقه التي بالغابة (فاستاقه) أي فساقه كله (أجمع) ليأخذه (وقتل راعيه) أي راعي ظهره ونوقه وهو يسار النوبي كما مر (قال) سلمة:

فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ! خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ اللَّهِ. وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ. قَال: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ. فَنَادَيتُ ثَلاثًا: يَا صَبَاحَاهْ , ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ. وَأَرْتَجِزُ. أَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَأَصُكُّ سَهْمًا فِي رَحْلِهِ. حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ. قَال: قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ قَال: فَوَاللَّهِ! مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقلت) للغلام: (يا رباح خذ هذا الفرس) مني (فأبلغه طلحة بن عبيد الله) وسلمه مني إليه (وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا) وهجموا (على سرحه) صلى الله عليه وسلم وأخذوها والسرح بفتح السين وسكون الراء الإبل والمواشي الراعية سميت بذلك لسروحها غدوة للمرعى اهـ من الأبي نقلًا عن القاضي عياض (قال) سلمة (ثم قمت على أكمة) بفتح الهمزة والكاف وهي التل من حجارة أو المواضع يكون أشد ارتفاعًا مما حوله وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرًا كذا في القاموس (فاستقبلت المدينة فناديت) أي صرخت (ثلاثًا يا صباحاه ثم) نزلت من الأكمة و (خرجت) أي ذهبت (في آثار القوم) الفزاريين الذين أغاروا على سرحه حالة كوني (أرميهم بالنبل) أي بالسهم (وأرتجز) أي أنشد الرجز حالة كوني (أقول) في ارتجازي (أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فألحق رجلًا منهم) أي من الفزاريين أي لحقت رجلًا منهم معطوف على خرجت وإنما اختار صيغة المضارع لأجل حكاية الحال الواقعة إذ ذاك ومثله قوله (فأصك) أي فصككت من باب شد والصك في اللغة الضرب باليد والمراد هنا الرمي بالسهم كذا في جامع الأصول أي فرميت (سهمًا في رحله) أي في مؤخرة رحله والرحل مركب البعير كالسرج للفرس (حتى خلص) ونفذ (نصل السهم) وحديدته إلى كتفه أي أعلى ظهره (قال) سلمة (قلت) للرجل (خذها) أي خذ هذه الطعنة مني (وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال) سلمة: (فوالله ما زلت) ولا برحت (أرميهم وأعقر بهم) أي أرميهم بالنبل

فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ أَتَيتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيتُهُ. فَعَقَرْتُ بِهِ. حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ, عَلَوْتُ الْجَبَلَ. فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ. قَال: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي. وَخَلَّوْا بَينِي وَبَينَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعقر بخيلهم وأصل العقر ضرب قواثم البعير أو الشاة بالسيف ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا وحتى صار يقال عقرت البعير أي نحرته اهـ نووي وفي تعليق الذهني قوله (وأعقر بهم) مفعوله محذوف تقديره وأعقر بهم أفراسهم أي أقتلها قال في النهاية يقال: عقرت به إذا قتلت مركوبه وجعلته راجلًا اهـ (فإذا رجع إليَّ فارس) منهم (أتيت شجرة فجلست في أصلها) أي تحت أصلها تسترًا بها (ثم رميته) بالنبل (فعقرت به) فرسه وقوله (حتى إذا تضايق الجبل) غاية لقوله فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم حتى إذا تضايق الجبل وتدانى بعضه إلى بعض وتقاربت أطرافه (فدخلوا في تضايقه) أي في المحل المتضايق منه واستتروا مني به بحيث لا يبلغهم ما أرميهم به من السهام والتضايق ضد الاتساع وقوله (علوت الجبل) جواب إذا أي علوت وصعدت الجبل أي أعلاه (فجعلت أرديهم) أي أسقط عليهم (بالحجارة) يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره (قال) سلمة (فما زلت كذلك) أي أرديهم بالحجارة حالة كوني (أتبعهم) أي أتتبعهم وأمشي وراءهم (حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري) من في قوله من بعير زائدة أتى بها لتأكيد العموم وقد يؤتى بها للتنصيص على العموم في نحو ما رأيت من رجل فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الموحدة ولهذا يصح أن يقال بل رجلين وبعد دخولها تعين نفي عموم الرجال وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال حتى ما خلق الله بعيرًا ومن في قوله من ظهر بيانية والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله إلا خلفته وراء ظهري أي تركته يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه (وخلوا بيني وبينه) من التخلية وهو رفع الحيلولة أي وتركوا الحيلولة بيني وبين كل بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني تركوه لأقبضه وظاهره أن سلمة رضي الله عنه قد استنقذ جميع لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر أصحاب السير كابن هشام في سيرته [2/ 214]، والواقدي في

ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ. حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً وَثَلاثِينَ رُمْحًا. يَسْتَخِفُّونَ. وَلَا يَطْرَحُونَ شَيئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيهِ آرَامًا مِنَ الْحِجَارَةِ. يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلانُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ. فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ مغازيه [2/ 547] إنما استنقذ المسلمون يوم ذي قرد بعض لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت بعضها مقبوضة بأيديهم وظاهر أن رواية مسلم راجحة إسنادًا على رواية الواقدي وغيره غير أنه مر في كتاب النذر في صحيح مسلم نفسه أن الناقة العضباء بقيت مقبوضة بأيديهم حتى استنقذتها منهم امرأة أبي ذر رضي الله عنه (راجع باب لا وفاء لنذر في معصية الله من هذا الجامع) وعليه فيحمل قول سلمة هذا على التغليب والله أعلم. (ثم اتبعتهم) قال النووي هكذا هو أكثر النسخ (اتبعتهم) بهمزة الوصل وشد التاء من الاتباع وفي نسخة (أتبعتهم) بهمزة القطع من الاتباع وهي أشبه بالكلام وأجود موقعًا فيه وذلك أن تبع المجرد واتبع المشدد التاء بمعنى مشى خلفه على الإطلاق وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه قيل ومنه قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما (أو قدر ما) جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه والمعنى على هذا الوجه وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني تبعتهم فلحقت بهم حالة كوني (أرميهم) بالسهام فهربوا مني (حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة) قد مر لك تفسيرها (وثلاثين رمحًا) حالة كونهم (يستخفون) أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار (ولا يطرحون شيئًا) من البرود والرماح (إلا) أخذته وجمعته في مكان و (جعلت عليه آرامًا) أي أعلامًا (من الحجارة) والآرام هي الأعلام وهي الحجارة تجمع وتنصب في المغارة ليهتدى بها واحدها إرم كعنب وأعناب كي (يعرفها) ويأخذها (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ولم يبرحوا كذلك (حتى أتوا متضايقًا) بفتح الياء ظرف ميمي من تضايق بمعنى مضيقًا أي حتى وصلوا مكانًا ضيقًا (من ثنية) والثنية العقبة والطريق في الجبل أي حتى أتوا طريقًا في الجبل ضيقة (فإذا هم) أتوا عليها قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري قيل هو حبيب بن عيينة بن بدر الفزاري اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم (فجلسوا) معه حالة كونهم (يتضحون) من التضحية (يعني

يَتَغَدَّوْنَ). وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ. قَال الْفَزَارِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا, مِنْ هَذَا الْبَرْحَ. وَاللَّهِ, مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ. يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيدِينَا. قَال: فَلْيَقُمْ إِلَيهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ, أَرْبَعَةٌ. قَال: فَصَعِدَ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَلِ. قَال: فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلامِ قَال: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: لَا. وَمَنْ أَنْتَ؟ قَال: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ. وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتغدون) أي يأكلون الغداء (وجلست على رأس قرن) بفتحتين والقرن هنا أعلى الجبل أو الجبل الصغير أو القطعة تنفرد من الجبل وقال النووي: القرن هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير اهـ (قال) فلان بن بدر (الفزارى) للذين شردوا من سلمة (ما هذا) الجالس (الذي أرى) فوق الجبل وأشار إلى سلمة بن الأكوع يريد من هذا وإنما استعمل كلمة ما تحقيرًا له (قالوا) أي قال الشاردون من سلمة (لقينا من هذا) الجالس (البرح) بفتح الباء وسكون الراء وبفتحهما أي الشدة والمشقة طول النهار يعني أصابتنا من سلمة الشدة والمشقة (والله ما فارقنا) هذا الجالس (مند غلس) أي بعد أن غلس أي دخل في الغلس وهو ظلمة آخر الليل حالة كونه (يرمينا) بالسهام (حتى انتزع) وأخذ منا كل شيء في أيدينا) من اللقاح والبرود والرماح (قال) فلان الفزاري (فليقم إليه) أي إلى هذا الجالس (نفر منكم أربعة قال) سلمة: (فصعدوا إليَّ منهم أربعة في الجبل قال) سلمة: (فلما أمكنوني) من الكلام معهم يعني اقتربوا بحيث يمكن لي أن أسمعهم كلامي جوابه قوله قلت وجعل الراوي بين لما وجوابه لفظة قال وقال الذهني قوله (أمكنوني) أي جعلوني قادرًا على إبلاغهم كلامي وسماعهم إياه يقال أمكنه من الشيء ومكنه إذا جعل له عليه قدرة ومعناه فلما قربوا مني بحيث صاروا يسمعون كلامي (قال) سلمة: (قلت) لهم: (هل تعرفوني) بتخفيف النون هكذا هو في بعض النسخ بنون واحدة على حذف نون الوقاية أو نون الرفع وحذف إحداهما في مثل هذا الفعل جائز وعلى أن النون مشددة فهي نونان أدغمت إحداهما في الأخرى والإدغام في مثل هذا لغة فصيحة وعليها قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} على قراءة من قرأها بالإدغام وفي بعض النسخ تعرفونني بنونين على الأصل وهو ظاهر قالوا وفيه جواز تعريف المرء بنفسه إذا كان معروفًا بالشجاعة ليدخل الرعب على قلب خصمه (قالوا) أي قال الفزاريون (لا) نعرفك (ومن أنت قال) سلمة: (قلت) لهم: (أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم) وجمل (وجه

مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم, لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ. وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي. قَال أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ. قَال: فَرَجَعُوا. فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِي حَتَّى رَأَيتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ. قَال: فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ. عَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ. وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ. قَال: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الأَخْرَمِ. قَال: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. قُلْتُ: يَا أَخْرَمُ! احْذَرْهُمْ. لَا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب) أنا (رجلًا منكم إلا أدركته) وقتلته (ولا يطلبني رجل منكم فيدركني) بالنصب بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي (قال أحدهم) أي أحد الأربعة (أنا أظن) ذلك الذي قلته فمفعوله محذوف للعلم به يعني ظني موافق لما تقول (قال) سلمة: (فرجعوا) عني (فما برحت مكاني) أي فما زلت جالسًا في مكاني (حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر) أي يدخلون خلال الشجر ويمرون فيها يطلبون العدو والخلال جمع خلل بفتحتين وهو الفرجة بين الشيئين (فإذا أولهم) أي أول فوارس رسول الله (الأخرم) محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة (الأسدي) أبو نضلة ويعرف بالأخرم ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما فيمن شهد بدرًا وثبت ذكره في حديث سلمة بن الأكوع الطويل عند مسلم وفيه (فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر فإذا أولهم الأخرم الأسدي) إلخ اهـ من الإصابة [3/ 368] في ترجمة محرز (على إثره) أي على ورائه (أبو قتادة الأنصاري) السلمي بفتح السين واللام فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن ربعي المدني (وعلى إثره) أي وعلى إثر أبي قتادة المقداد بن الأسود بن عمرو (الكندي قال) سلمة فأخذت أي أمسكت (بعنان) بكسر العين وأما بفتحها فاسم للسحاب وما ظهر من السماء أي بلجام فرس (الأخرم قال) أبو سلمة فولوا أي هربوا (مدبرين) حال مؤكدة لعاملها قال سلمة: (قلت يا أخرم) بن نضلة (احذرهم) أي احذر هؤلاء المشركين واحفظ نفسك من ضررهم (لا يقتطعوك) أي لا يأخذوك وينفردوا بك فيفصلوك عن أصحابك ويحولوا بينك وبينهم وإنما أخذ بعنانه أي بعنان فرسه ليحبسه عن اتباع المشركين وحده (حتى يلحق) أي إلى أن يلحق به (رسول الله صلى الله عليه

وسلم وَأَصْحَابُهُ. قَال: يَا سَلَمَةُ! إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ, وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ, فَلَا تَحُلْ بَينِي وَبَينَ الشَّهَادَةِ. قَال: فَخَلَّيتُهُ. فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَال: فَعَقَرَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ. وَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ. وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ. وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ, فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ. فَوَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم! لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ. حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِي, مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا غُبَارِهِمْ, شَيئًا. حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم وأصحابه) فـ (ـقال) لي الأخرم: (يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل) أي فلا تحجز (ببني وبين) سبب (الشهادة) في سبيل الله فيه بيان ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيثار الآخرة على الدنيا والشهادة في سبيل الله على الحياة كأن الجنة ونعيمها بمرأى من أعينهم وكأن هذه الدنيا سجن يحبون الفرار منها رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأرضاهم (قال) سلمة: (فخليته) أي فخليت بينه وبين المشركين ومضى إليهم (فالتقى هو) أي الأخرم (وعبد الرحمن) الفزاري المشرك (قال) سلمة: (فعقر) الأخرم الصحابي (بعبد الرحمن) أي عبد الرحمن المشرك (فرسه) أي فرس عبد الرحمن وطعنه أي وطعن الأخرم الصحابي (عبد الرحمن) المشرك (فقتله) أي فقتل عبد الرحمن المشرك الأخرم الصحابي (وتحول) عبد الرحمن (على فرسه) أي على فرس الأخرم المقتول أي أخذه وركبه ومشى به (ولحق أبو قتادة) الأنصاري (فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن) الفزاري المشرك (فطعنه) أي فطعن أبو قتادة عبد الرحمن المشرك (فقتله) أبو قتادة قال سلمة بن الأكوع (فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم) أي لتبعت المشركين حالة كوني (أعدو) وأجري وأسعى (على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا) من (غبارهم شيئًا) يعني أنه أمعن في تتبع الأعداء والجري خلفهم إلى أن بعد عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدًا شاسعًا بحيث لا يرى خلفه منهم أحدًا ولا من غبارهم شيئًا وتبعتهم (حتى يعدلوا) ويميلوا عن الطريق (قبل غروب الشمس إلى شعب) هو الطريق في الجبل (فيه) أي في

مَاءٌ. يُقَالُ لَهُ: ذُا قَرَدٍ. لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ. قَال: فَنَظَرُوا إِلَيَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ. فَحَلَّيتُهُمْ عَنْهُ (يَعْنِي أَجْلَيتُهُمْ عَنْهُ) فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً. قَال: وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِي ثَنِيَّةٍ. قَال: فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك الشعب (ماء يقال له) أي لذلك الماء (ذا قرد) قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة وفي بعضها (ذو قرد) بالواو وهو الوجه الأفصح في العربية (ليشربوا منه) أي من ذلك الماء (وهم عطاش قال) سلمة: (فنظروا إليَّ) أي إلى شخصي والحال أني (أعدو) وأسعى (وراءهم فحيلتهم) أي طردتهم (عنه) أي عن ذلك الماء وفسره الراوي عن سلمة بقوله: (يعني) سلمة بقوله حليتهم (أجليتهم) أي أخرجتهم وأقمتهم (عنه) أي عن ذلك الماء قبل شربه كما قال: (فما ذاقوا منه) أي من ذلك الماء (قطرة) أي جرعة قوله (فحليتهم عنه) بالحاء المهملة واللام المشددة أي طردتهم عنه والمعروف في اللغة حلأت الإبل بتشديد اللام وبالهمزة في آخره ولعل الهمزة قد قلبت ياء وليس بالقياس لأن الياء لا تبدل من الهمزة إلا أن يكون ما قبلها مكسورًا نحو إيلاف وبير وقد جاء شاذًّا قريت في قرأت قاله ابن الأثير في جامع الأصول [8/ 321] وقال الشيخ محمد الذهني قوله فحليتهم هكذا في الرواية بالياء من غير همز وأصله مهموز يقال: حلأت الرجل عن الماء إذا منعته من شربه ورجل محلأ أي مذود عن الماء مصدود عنه فقلبت الهمزة ياء على غير قياس لأن الهمزة لا تقلب في القياس ياء إلا إذا كان ما قبلها مكسورًا وقد فسره في الكتاب بالإجلاء أي بالإخراج وهو بمعناه في الجملة اهـ تعليقه (قال) سلمة: (وبخرجون) من الشعب (فيشتدون) أي فيجرون ويعدون (في ثنية) وهو الطريق الصاعد في الجبل والمضارع فيهما بمعنى الماضي أي وخرجوا فاشتدوا وعبر به لاستحضار الحال الواقعة إذ ذاك وتمثيلها للسامع وكذلك قوله فيما بعد (فأعدو فألحق وأصل) كلها بمعنى الماضي واختار صيغة المضارع للغرض الذي ذكرناه وقد تقدم بيانه غير مرة (قال) سلمة: (فأعدو فألحق) أي فعدوت وأجريت فلحقت (رجلًا منهم فأصكه) أي فصككته وطعنته (في نغض كتفه) بضم النون وفتحها في سكون الغين فيهما هو الرقيق اللين من عظم الكتف وأصله من التحرك يقال: نغض نغضًا ونغوضًا إذا تحرك واضطرب وسمي به العظم الرقيق على طرف الكتف لكثرة تحركه ويسمى الناغض أيضًا كذا فسره النووي وقال ابن الأثير هو الغضروف العريض الذي على أعلاه اهـ.

قَال قُلْتُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ. وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ. قَال: يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ! أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ. قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ! أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ. قَال: وَأَرْدَوْا فَرَسَينِ عَلَى ثَنِيَّةٍ قَال: فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: وَلَحِقَنِي عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) سلمة: (قلت) لذلك الرجل (خذها) أي خذ هذه الطعنة (وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال) ذلك الرجل: (يا ثكلته أمه) الثكل فقد الولد ومراده الدعاء عليه بالموت ويا للنداء والمنادى بها محذوف تقديره يا قوم تعجبوا إن هذا لمطعون فقدته أمه أو يا هؤلاء أو هي لمجرد التنبيه أي انتبهوا إن هذا المطعون فقدته أمه (أكوعه بكرة) هو برفع العين على أنه خبر لمحذوف أي أنت أكوع اليوم الذي كنت بكرة هذا النهار ولهذا قال نعم وبكرة منصوب غير منون للتأنيث والتعريف لأنه قصد بها بكرة يوم بخصوصه قال أهل العربية يقال: أتيته بكرة بالتنوين إذا أردت أنك لقيته باكرًا في يوم غير معين قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه قلت: أتيته بكرة غير مصروف لأنها من الظروف المتمكنة اهـ نووي. وفي تعليق الذهني قوله (أكوعه بكرة) هكذا في عامة النسخ التي بأيدينا (أكوعه) بالإضافة إلى ضمير الغائب ومعناه هذا الأكوع الذي كان يرتجز لنا به صباح هذا النهار قد عاد يرتجز لنا به آخره وقد علمت أنه كان أول ما لحقهم صاح بهم بهذا الرجز ووقع في رواية البهجة أكوعنا بكرة بالإضافة إلى ضمير المتكلمين أي أنت الأكوع الذي كنت تتبعنا بكرة اليوم قال نعم أنا أكوعك بكرة ولعل هذه الرواية أقرب إلى الصواب لاتصال آخر الكلام فيها بأوله وموافقة صدره لعجزه وبكرة هنا منصوبة بلا تنوين لأنه يريد بها بكرة اليوم الذي كانوا فيه ولو أريد بها بكرة يوم غير معين لكانت منصوبة مع التنوين لأنها نكرة اهـ (قال) سلمة: (قلت) له أي لذلك الرجل (نعم يا عدو نفسه) أنا (أكوعك) الذي أرتجز لك بهذا الرجز (بكرة) هذا النهار (قال) سلمة: (وأردوا) أي أردى أولئك المشركون (فرسين) أي رموهما وتركوهما (على ثنية) في جبل قال ابن الأثير: أرديته رميته وتركته والمراد أنه من شدة خوفهم تركوا من خيلهم فرسين ولم يقفوا عليهما هربًا وخوفًا أن يلحقهم هذه رواية الجمهور ورواه بعضهم (أرذوا) بالذال المعجمة وهي بمعنى الأولى (قال) سلمة: (فجئت بهما) أي بالفرسين حالة كوني (أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (ولحقني) عمي (عامر) بن الأكوع (بسطحية) أي بإناء

فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ وَسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ. فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ. ثُمَّ أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلأتُهُمْ عَنْهُ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الإِبِلَ. وَكُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ. وَإِذَا بِلالٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الإِبِلِ الَّذِي اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْقَوْمِ. وَإِذَا هُوَ يَشْوي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ. فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ. قَال: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من جلود سطح أي ركب بعضها فوق بعض (فيها مذقة من لبن) بفتح الميم وسكون الذال أي قليل من لبن ممزوج بماء (وسطحية) أي إناء (فيها ماء فتوضأت) بالماء (وشربت) اللبن (ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (على الماء الذي حلأتهم) أي حلأت المشركين وأجليتهم (عنه). قال النووي: كذا هو في أكثر النسخ حلأتهم بالهمز وفي بعضها حليتهم بالياء وقد سبق قريبًا بيانه (فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل) واللقاح (وكل شيء استنقذته) أي أخذته (من المشركين وكل رمح وبردة وإذا بلال) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نحر ناقة من الإبل الذي) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها التي وهي الصواب لأن الإبل مؤنثة ولا تغتر بما قاله النووي والسنوسي هنا كما اعترض عليهما صاحب البهجة (استنقذت) ورجعت (من القوم) المشركين (وإذا هو) أي بلال (يشوي) ويقلي (لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها قال) سلمة: (قلت: يا رسول الله خلني) أي اتركني وأذن لي (فأنتخب من القوم) المسلمين (مائة رجل) وقوله: (فانتخب) أي فأختار روي بالنصب على أن الفاء فاء السببية الواقعة في جواب الأمر وبالرفع على أنها لمجرد العطف (فأتبع) بالتشديد روي بالوجهين أيضًا (القوم) المشركين (فلا يبقى منهم) أي من المشركين (مخبر) على صيغة اسم الفاعل يعني لا يبقى منهم أحد يخبر قومه بهلاك هؤلاء (إلا قتلته قال) سلمة: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تبسم (حتى بدت) وظهرت (نواجذه) أي أنيابه وقيل أضراسه قال في الفتح وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم ويحمل ما ورد في صفته صلى الله عليه وسلم أن ضحكه

فِي ضَوْءِ النَّارِ. فَقَال: "يَا سَلَمَةُ! أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلًا؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! فَقَال: "إِنَّهُمُ الآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ" قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ. فَقَال: نَحَرَ لَهُمْ فُلانٌ جَزُورًا. فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا. فَقَالُوا: أَتَاكُمُ الْقَوْمُ. فَخَرَجُوا هَارِبِينَ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ خَيرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ. وَخَيرَ رَجَّالتِنَا سَلَمَةُ" قَال: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَينِ: سَهْمُ الْفَارِسِ وَسَهْمُ الرَّاجِلِ. فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ كان تبسمًا على غالب أحواله أي ظهرت نواجذه (في ضوء النار) التي يوقدونها لظلام الليل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمة: (يا سلمة أتراك كنت فاعلًا) أي أتظنك كنت فاعلًا ذلك لو أذنت لك فيه قال سلمة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أظنني كنت فاعلًا ذلك لو أذنت لي (والذي كرمك) بالحق (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن ليقرون) أي ليضافون (في أرض غطفان) بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول من القرى وهو الضيافة يعني أنهم قد بلغوا بني غطفان وهم يقرونهم بتقديم طعامه وغيره وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بما وقع لهم بعد غيابهم منه صلى الله عليه وسلم (قال) سلمة: (فجاء رجل من) أرض (غطفان فقال) ذلك الرجل (نحر لهم فلان) أي واحد من قومهم (جزورًا) أي ناقة (فلما كشفوا) أي سلخوا (جلدها رأوا غبًااأ) ساطعًا في السماء (فقالوا) أي قال بعضهم لبعض: (أتاكم القوم) أي المسلمون (فخرجوا) عن منزلهم الذي نحر لهم فيه (هاربين) أي شاردين فارين (فلما أصبحنا) أي دخلنا في صباح تلك الليلة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة) الأنصاري جمع فارس. وهو من يقاتل على فرسه له ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم لنفسه (و) كان (خير رجالتنا) بتشديد الجيم جمع راجل وهو من يقاتل على رجله له سهم واحد (سلمة) بن الأكوع قال النووي رحمه الله وفي هذا دلالة على استحباب الثناء على الشجعان وسائر أهل الفضائل ولا سيما عند صنيعهم الجميل لما فيه من الترغيب لهم ولغيرهم في الإكثار من ذلك الجميل وهذا كله في حق من يأمن الفتنة عليه بإعجاب ونحوه اهـ (قال) سلمة: (ثم أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس وسهم الراجل فجمعهما لي جميعًا) قال النووي هذا محمول على أن الزائد على سهم الراجل كان نفلًا وهو حقيق باستحقاقه

ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ. رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَال: فَبَينَمَا نَحْنُ نَسِيرُ. قَال: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا , قَال: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ. قَال: فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلامَهُ قُلْتُ: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا. وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا؟ قَال: لَا. إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي وَأُمِّي, ذَرْنِي فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه لبديع صنعه في هذه الغزوة وقال القاضي عياض وأما سهم الفارس فيحتمل لأنه أغنى ما لم تغن فوارس، ولأنه استنقذ الغنائم قبل أن يلحقه الجيش ويحتمل أنه من الخمس اهـ. قوله (سهم الراجل وسهم الفارس) أما سهم الراجل فهو حقه وأما سهم الفارس فهو شيء نفله النبي صلى الله عليه وسلم إياه لحسن بلائه والتنفيل تخصيص الإمام من له غناء في الحرب بشيء من المال زيادة على سهمه وقد اختلف العلماء فيه فقال بعضهم: يعطي النفل من أصل الغنيمة وقال آخرون بل من الخمس ونقل الزرقاني عن الشافعي أنه قال بتفويضه لرأي الإمام يعمل بما يرى فيه المصلحة لإطلاق قوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} اهـ ذهني قال سلمة بن الأكوع (ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه) أي خلفه (على) ناقته (العضباء) هو لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والعضباء مشقوقة الأذن ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم كذلك وإنما هو لقب لزمها، أي أردفني عليها حالة كوننا (راجعين إلى المدينة قال) سلمة: (فبينما نحن نسير) إلى المدينة (قال) سلمة تأكيد لقال الأول (وكان رجل من الأنصار لا يسبق) بالبناء للمجهول أي لا يسبقه غيره (شدًا) أي عدوًا على الرجلين يعني أنه كان شديد الجري بحيث لا يسبقه أحد في العدو (قال) سلمة (فجعل) الرجل (يقول: ألا مسابق) معي (إلى المدينة هل من مسابق) فيكم (فجعل) الرجل (يعيد ذلك) القول ويكرره (قال) سلمة (فلما سمعت كلامه) أي كلام ذلك الرجل (قلت) له (أما تكرم) ولا تستحي (كريمًا ولا تهاب) أي لا تخاف ولا تحترم (شريفًا قال) الرجل (لا) أستحي ولا أهاب من أحد (إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم) مسابقًا معي فأهاب منه فلا أسابقه (قال) سلمة (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله) أنت مفدي (بأبي وأمي ذرني) أي اتركني (فلأسابق الرجل) المذكور الفاء

قَال: "إِنْ شِئْتَ" قَال: قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيكَ. وَثَنَيتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ. قَال: فَرَبَطْتُ عَلَيهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي. ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ. فَرَبَطْتُ عَلَيهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ. ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ. قَال: فَأَصُكُّهُ بَينَ كَتِفَيهِ. قَال: قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة واللام لام كي والتقدير ذرني كي أسابق الرجل أو اللام زائدة والفاء سببية واقعة في جواب الأمر أي ذرني فأسابق الرجل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت) المسابقة معه فقد أذنت لك ففي الحديث المسابقة بالأقدام قال النووي: المسابقة على الأقدام بغير عوض جائزة اتفاقًا وفيها بعوض عندنا اختلاف والأصح المنع اهـ نووي (قال) سلمة (قلت) للرجل اذهب أمر من الذهاب أي ابدأ الذهاب والمشي للمسابقة قبلي و (إليك) أي تنح عني وتباعد في الذهاب قبلي لأدركك (وثنيت) أي عطفت أنا (رجلي) وكففتهما عن الجري ليبعد عني في المسافة (فـ) ـبعد ما تباعد عني في الجري (طفرت) بالطاء المهملة والفاء أي وثبت وقفزت من مكاني لأسعى وراءه (فعدوت) أي فسعيت وراءه سعيًا شديدًا (قال) سلمة: (فربطت) أي حبست نفسي ومنعتها من الجري الشديد (عليه) أي لأجله ليتباعد عني قدامي ويصعد قبلي (شرفًا أو شرفين) والشرف ما ارتفع من الأرض أي حبست نفسي عن الجري الشديد حالة كوني (استبقي نفسي) بفتح الفاء لئلا ينقطع من شدة الجري ولعل المراد أني لم أبذل في بداية الأمر قصارى قوتي في الجري لئلا ينقطع نفسي بل استبقيته ليمكن لي الإسراع عندما أقترب من الرجل اهـ تكملة أي حالة كوني قاصدًا إبقاء نفسي لئلا يقطعه شدة الجري في الشرف فيدركني العجز عن المسابقة قبل إتمامها (ثم) بعدما حبست نفسي عنه شرفًا أو شرفين وتأخرت عنه فيه أوفيهما (عدوت) أي أسرعت إسراعًا شديدًا (في إثره) أي في عقبه وورائه لأدركه (فـ) ـبعد ما قربت إليه (ربطت) أي حبست نفسي عن الجري الشديد (عليه) أي لأجله (شرفًا أو شرفين ثم) بعدما تأخرت عنه شرفًا أو شرفين (إني رفعت) أي أسرعت إسراعًا شديدًا (حتى ألحقه) أي لكي ألحقه وأدركه وحتى هنا للتعليل بمعنى كي وألحق منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعدها (قال) سلمة: (فأصكه) مضارع بمعنى الماضي معطوف في المعنى على رفعت أي ثم إني رفعت وأسرعت سيري فأدركته فصككته أي طعنته بيدي (بين كتفيه قال) سلمة ثم بعدما صككته (قلت) له: (قد سبقت

وَاللَّهِ. قَال: أَنَا أَظُنُّ. قَال: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَال: فَوَاللَّهِ, مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ: تَاللَّهِ! لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَينَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّينَا وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَينَا ... فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَينَا وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا؟ " قَال أَنَا عَامِرٌ. قَال: "غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ" قَال: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ. قَال: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ, وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والله) أيها الرجل بالبناء للمجهول أي قد جعلتك مسبوقًا لي وأنا السابق لك (قال) الرجل (أنا أظن) ذلك حذف مفعوله للعلم به أي أظن كوني مسبوقًا لك يعني أنا أظن كذلك أنك قد سبقتني (قال) سلمة: (فسبقته) أي فسبقت الرجل (إلى المدينة قال) سلمة: (فوالله ما لبثنا) أي ما جلسنا بعدما دخلنا المدينة (إلا ثلاث ليال حتى خرجنا) أي فخرجنا بعد ثلاث ليال (إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (فجعل عمي عامر) بن الأكوع هكذا قال هنا عمي وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال أخي فلعله كان أخاه من الرضاعة وكان عمه من النسب أي فشرع عمي عامر (يرتجز) أي ينشد الرجز (بالقوم) أي للقوم فيقول في رجزه: (تالله لولا الله ما اهتدينا ... ولاتصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علبنا) (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا) الراجز (قال) عمي: (أنا عامر) بن الأكوع يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غفر لك ربك قال) سلمة: (وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه) بالاستغفار له (إلا استشهد) أي قتل شهيدًا (قال) سلمة: (فنادى عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (وهو) أي والحال

عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! لَوْلَا مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ. قَال: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيبَرَ قَال: خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيفِهِ وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ قَال: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي عَامِرٌ, فَقَال: قَدْ عَلِمَتْ خَيبَرُ أَنِّي عَامِرٌ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن عمر (على جمل له) والجمل ذكر الإبل (يا نبي الله لولا) حرف امتناع لوجود وفيها معنى التمني (ما) مصدرية وجملة قوله (متعتنا) وأنعمتنا (بـ) ـحياة (عامر) وصحبته والانتفاع به صلة ما المصدرية ما مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء والخبر محذوف والتقدير لولا تمتيعك إيانا بحياة عامر موجود أي نتمنى ذلك (قال) سلمة: (فلما قدمنا خيبر قال) سلمة: تأكيد لقال الأول (خرج) وبرز من صف اليهود (ملكهم) ورئيسهم (مرحب) طلبًا للمبارزة من المسلمين حالة كونه (يخطر) بكسر الطاء من باب ضرب أي يرفع (بسيفه) تارة ويضعه أخرى ومثله خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة ووضعه مرة اهـ نووي (ويقول) معطوف على يخطر أي وحالة كونه يرتجز قائلًا: (قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب) يعني قد علم أهل خيبر أني ملكهم مرحب وقوله (شاكي السلاح) وصف مقصود من موصوفها وهو توطئة له ومرحب بفتح الميم وسكون الراء وفتح الحاء اسم لرئيس الحصن وقوله (شاكي السلاح) أي حديده وقويه والشاكي صفة من الشوكة وهي السلاح أو حدته يقال رجل شاكي السلاح وشائكه بمعنى أي قوي السلاح وحديده و (البطل) الشجاع والمجرب بصيغة اسم المفعول هو الذي لاقى الحروب فجربت فيها شجاعته وقهره للرجال قوله (تلهب) يعني تلتهب وتشتعل نارها ومن تمام هذا الرجز ما ذكره ابن إسحاق وغيره: (أطعن أحيانًا وحينًا أضرب ... إذا الليوث أقبلت تحزب إن حماي للحمى لا يقرب (قال) سلمة: (وبرز له عمي عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر)

قَال: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَينِ. فَوَقَعَ سَيفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ. وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ. فَرَجَعَ سَيفُهُ عَلَى نَفْسِهِ. فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ. فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ. قَال سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ. قَتَلَ نَفْسَهُ. قَال: فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ . قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَال ذَلِكَ؟ " قَال: قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. قَال: "كَذَبَ مَنْ قَال ذَلِكَ. بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ" ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ, وَهُوَ أَرْمَدُ. فَقَال: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ, أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغامر من يقتحم غمرات الحرب وشدائدها ويلقي نفسه فيها (قال) سلمة: (فاختلفا ضربتين) أي فاختلف عامر ومرحب أي تضاربا ضربتين متعاقبتين (فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له) من باب نصر أي قصد عامر أن يضربه من أسفله (فرجع سيفه على نفسه فقطع) سيفه أكحله أي أكحل عامر (فكانت فيها) أي في تلك الضربة (نفسه) أي حتف نفسه وموته والأكحل عرق في وسط الذراع إذا قطع لا حياة بعده وهو من المقاتل الخطيرة. (قال سلمة: فخرجت) من منزلي (فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر) لأنه (قتل نفسه) زعمًا منهم بأنه قتل بسيف نفسه فكأنه قتل نفسه وقتل النفس حرام (قال) سلمة: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال ذلك) أي بطلان عمله (قال) سلمة (قلت) له صلى الله عليه وسلم: يقول ذلك (ناس من أصحابك قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذب) أي أخطأ (من قال ذلك) أي بطلان عمله (بل له) أي لعامر (أجره مرتين) أجر لجهاده وأجر لشهادته قال سلمة (ثم أرسلني) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلى علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (وهو) أي والحال أن عليًّا (أرمد) أي وجع العين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرسلني قبل حضور عليِّ والله (لأعطين الراية) والعلم (رجلًا يحب الله ورسوله أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو سلمة والشك من سلمة أو ممن دونه لأعطين الراية رجلًا (يحبه الله ورسوله

قَال: فَأَتَيتُ عَلِيًّا فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ, وَهُوَ أَرْمَدُ. حَتَّى أَتَيتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَبَسَقَ فِي عَينَيهِ فَبَرَأَ. وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. وَخَرَجَ مَرْحَبٌ فَقَال: قَدْ عَلِمَتْ خَيبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَقَال عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيدَرَهْ ... كَلَيثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيلَ السَّنْدَرَهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال) سلمة: (فأتيت عليًّا) في منزله (فجئت به) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كوني (أقوده) بيده (وهو أرمد) قال أهل اللغة يقال رمد الإنسان يرمد من باب فرح رمدًا فهو رمد وأرمد إذا هاجت عينه وقوله (حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم) غاية لأقود فبسق أي فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم (في عينيه فبرأ) علي أي شفي من رمده (وأعطاه) أي أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الراية) أي راية الحرب لعلي رضي الله عنه (وخرج) أي برز (مرحب) للمسلمين (فقال) مرحب: (قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب) (فـ) ـبرز له علي و (قال علي رضي الله عنه): (أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره) قوله: (أنا الذي سمتني أمي حيدره) الحيدر والحيدرة والحادر من أسماء الأسد سمي بذلك لغلظه وقوته وكان علي رضي الله عنه سمته أمه (وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف) حين ولدته باسم أبيها وكان أبو طالب غائبًا فلما قدم سماه عليًّا وذكر في شرح البهجة نقلًا عن الديباج أن مرحبًا كان رأى في منامه أن أسدًا يقتله فأراد علي رضي الله عنه بهذا الرجل تذكيره بذلك ليخيفه ويضعف نفسه ومراده أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته (كليث غابات) جمع غابة وهي الشجر الملتف وتطلق على عرين

قَال: فَضَرَبَ رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيهِ. قَال إِبْرَاهِيمُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسد أي مأواه كما يطلق العرين على الغابة أيضًا ولعل ذلك لاتخاذه إياه في داخل الغابة غالبًا (أوفيهم بالصاع) أي أقتل الأعداء قتلًا ذريعًا واسعًا (كيل السندره) والسندره مكيال واسع وقيل السندرة العجلة فالمعنى أقتلهم قتلًا عجلًا وقيل السندرة شجرة قوية وهي الصنوبر كما ذكره النووي يعمل منها القسي والسهام (قال) سلمة: (فضرب) علي (رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح) أي فتح خيبر (على يديه) أي على يدي علي رضي الله عنه قوله (فقتله) هذا صريح في أن عليًّا رضي الله عنه قتل مرحبًا وقد ذكر ابن إسحاق في قصة طويلة أن قاتله محمد بن مسلمة كما في سيرة ابن هشام والروض الأنف ولكن ذكر القاضي والنووي عن ابن عبد البر أن الصحيح ما في رواية مسلم أن عليًّا رضي الله عنه هو الذي قتله ثم ذكر عن ابن الأثير أن الصحيح الذي عليه أكثر أهل الحديث وأهل السير أن عليًّا هو قاتله وقد ذكر الواقدي في مغازيه [2/ 655] ما يجمع بين الروايتين ولفظه أن مرحبًا برز وهو كالفحل الصؤول يرتجز يدعو للبراز فقال محمد بن مسلمة يا رسول الله أنا والله الموثور الثائر قتل أخي محمود بن مسلمة بالأمس كان مرحب دلى عليه الرحا من فوق الحصن فمات رضي الله عنه فأذن لي في قتال مرحب وهو قاتل أخي فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبارزته ودعا له بدعوات وأعطاه سيفه ويقال: إنه جعل يومئذِ يرتجز ويقول: يانفس إلا تقتلي تموتي ... لا صبر لي بعد أبي النبيب وكان أخوه محمود يكنى بأبي النبيب قال: وبرز كل واحد منهما إلى صاحبه فحال بينهما عشرات أصلها كمثل أصل الفحل من النخل وأفنان منكرة فكلما ضرب أحدهما صاحبه استتر بالعشر حتى قطعا كل ساق لها وبقي أصلها قائمًا كأنه الرجل وأفضى كل واحد منهما إلى صاحبه وبدر مرحب محمدًا فرفع السيف ليضربه فاتقاه محمد بالدرقة فلحج سيفه- وعلى مرحب درع مثمرة- فضرب محمد ساقي مرحب فقطعهما فقال مرحب: أجهز يا محمد قال محمد ذق الموت كما ذاقه أخي محمود وجاوزه ومر به علي فضرب عنقه وأخذ سلبه ثم ذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة وعليًّا رضي الله عنه اختصما في سلبه فقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة والله سبحانه وتعالى أعلم. (قال) أبو إسحاق (إبراهيم) بن محمد بن سفيان النيسابوري تلميذ الإمام مسلم

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ, بِهَذَا الْحَدِيثِ بِطُولِهِ. 4545 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ السُّلَمِيُّ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ, بِهَذَا. 4546 - (1757) (100) حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي روى الجامع الصحيح عنه وكان من العباد الصالحين مجابي الدعوة كما ذكره النووي في مقدمة شرحه وإنه حيث ذكر هنا حديث سلمة بن الأكوع برواية الإمام مسلم أعقبه برواية له لهذا الحديث وقعت له بعلو فإن بينه وبين عكرمة بن عمار في جميع طرق مسلم ثلاث وسائط وفي هذه الرواية واسطتان فقط فذكر أنه سمع هذا الحديث من غير طريق مسلم عاليًا. (حدثنا محمد بن يحيى) بن سعيد القطان التميمي أبو صالح البصري ثقة، من (10) مات سنة (233) تقدم في المقدمة (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري التميمي البصري صدوق من (9) (عن عكرمة بن عمار) العجلي وساق محمد بن يحيى (بهذا الحديث بطوله) فلم يرو إبراهيم بن محمد بهذا السند عن الإمام مسلم بل غرضه بيان متابعة محمد بن يحيى للإمام مسلم في رواية هذا الحديث له عن عكرمة بن عمار ولكن بسند عال هنا كما مر آنفًا وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لم يروه غيره ثم ذكر المتابعة فيه فقال. 4545 - (00) (00) (وحدثنا أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي السلمي) أبو الحسن النيسابوري المعروف بحمدان ثقة نبيل من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن عكرمة بن عمار) العجلي اليمامي وقوله (بهذا) الحديث متعلق بحدثنا غرضه بيان متابعة النضر بن محمد لمن روى عن عكرمة بن عمار ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4546 - (1757) (100) (حدثني عمرو بن محمد) بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي ثقة، من (10) (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو

أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ. يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ. فَأَخَذَهُمْ سَلَمًا, فَاسْتَحْيَاهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} [الفتح: 24] ـــــــــــــــــــــــــــــ خالد الواسطي ثقة، من (9) (أخبرنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا) أي نزلوا (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو بالحديبية (من جبل التنعيم متسلحين) أي لابسين السلاح آخذين به حالة كونهم (يريدون) أي يقصدون (غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) الغرة الغفلة يعني أرادوا أن يتحاملوا على المسلمين على غفلة منهم أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم (فأخذهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سلمًا) بفتحتين أي قهرًا واستسلامًا منهم لأنفسهم (فاستحياهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أبقاهم أحياء لم يقتلهم (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) في ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} حين أرادوا غرتكم (وأيديكم عنهم ببطن مكة) يعني ببطن الحديبية لأنها قريبة من الحرم (من بعد أن أظفركم عليهم) حين أخذتموهم وتمكنتم من قتلهم [الفتح / 24]. قوله: (فأخذهم سلمًا) ضبطه الخطابي وغيره بفتح السين واللام والمراد به الاستسلام والإذعان كقوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيكُمُ السَّلَمَ} يعني أخذهم حال كونهم منقادين مستسلمين أنفسهم إليه قهرًا وضبطه الحميدي بكسر السين وسكون اللام والسلم الصلح يعني أخذهم صلحًا ورجح القاضي عياض وابن الأثير الوجه الأول قال ابن الأثير في جامع الأصول [2/ 360] والذي ذهب إليه الخطابي هو الأشبه بالقصة لأنهم لم يؤخذوا عن صلح وإنما أخذوا قهرًا فأسلموا أنفسهم عجزًا وأما ما ذهب إليه الحميدي فله وجه أيضًا وذلك أنه لم يجر عليهم معاملة حرب إنما صالحوهم على أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوهم فسمي الانقياد إلى ذلك صلحًا والله أعلم (فاستحياهم) أي أبقى عليهم حياتهم ولم يقتلهم وقد تقدم لك أنه قد وردت روايات أخرى في سبب نزول هذه الآية فراجعه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب في المن على الأسير [2688]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة الفتح [3260]، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة الأول: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث سلمة بن الأكوع الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

631 - (24) باب غزوة النساء مع الرجال والرضخ للنساء الغازيات والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب

631 - (24) باب غزوة النساء مع الرجال والرضخ للنساء الغازيات والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب 4547 - (1757) (101) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أُمَّ سُلَيمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَينٍ خِنْجَرًا. فَكَانَ مَعَهَا. فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ, هَذِهِ أُمُّ سُلَيمٍ مَعَهَا خَنْجَرٌ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا هَذَا الْخَنْجَرُ؟ " قَالتِ: اتَّخَذْتُهُ. إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 631 - (24) باب غزوة النساء مع الرجال والرضخ للنساء الغازيات والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب 4547 - (1757) (101) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة، من (9) (أخبرنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (عن ثابت عن أنس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن أم سليم) مصغرًا أم أنس رضي الله تعالى عنهما تزوجت مالك بن النضر في الجاهلية فولدت له أنسًا وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار فغضب مالك لإسلامها وخرج إلى الشام ومات بها مشركًا فخطبها أبو طلحة وهو مشرك وأبت عليه إلى أن أسلم فتزوجها بعد أن أسلم ولم تطلب منه الصداق سوى إسلامه وهي التي قدمت أنسًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لخدمته وقصتها مع أبي طلحة عند وفاة ابنهما معروفة مخرجة في الصحيح وفي الإصابة أنها بنت ملحان بن خالد الأنصارية واشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رملة وقيل مليكة وقيل غير ذلك (اتخذت) أي صلحت وحملت معها (يوم حنين خنجرًا فكان معها فرآها أبو طلحة فقال يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر) يا أم سليم. قوله (يوم حنين) هكذا هو في النسخ المعتمدة وهو الصحيح نظرًا إلى سياق القصة ووقع في بعضها (يوم خيبر) ويرده ما ورد في الحديث من ذكر الطلقاء فإن غزوة خيبر قبل فتح مكة وما ورد من ذكر انهزامهم إنما وقع في غزوة حنين دون غزوة خيبر وقوله (اتخذت خنجرًا) بفتح الخاء وسكون النون وهو الراجح وقد تكسر الخاء وهي سكين ذات حدين في الأُرِمُيابِلَّوَ (قالت) أم سليم: (اتخذته) أي اتخذت هذا الخنجر يا رسول الله لأجل (إن دنا) وقرب (مني أحد من المشركين بقرت)

بِهِ بَطْنَهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ. قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْتُلْ مَنْ بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أُمَّ سُلَيمٍ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ". 4548 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أي شققت (به) أي بهذا الخنجر (بطنه) أي بطن ذلك المشرك (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي شرع (يضحك) من قولها أي يتبسم ثم (قالت يا رسول الله اقتل من بعدنا) أي من سوانا معاشر المؤمنين المخلصين وقوله (من الطلقاء) بيان لمن الموصولة أي حالة كون من سوانا من الطلقاء الذين (انهزموا) وهربوا (بك) أي عنك وشردوا عن القتال معك يوم حنين والباء في بك بمعنى عن أبي انهزموا عنك على حد قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} أي عنه وقوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أَيدِيهِمْ وَبِأَيمَانِهِمْ} أي وعن أيمانهم وتحتمل أن تكون للسببية أي انهزموا بسببك لنفاقهم و (الطلقاء) بضم الطاء وفتح اللام جمع طليق فعيل بمعنى مفعل هم الذين أسلموا من أهل مكة يوم الفتح سموا بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقهم ومن عليهم عند فتح مكة وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء وكان في إسلامهم ضعف فزعمت أم سليم أنهم انهزموا في حنين لأجل ضعف إسلامهم فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون وأنهم استحقوا القتل بانهزامهم واقترحت قتلهم من النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم إن الله) تعالى (قد كفا) نا من انهزامهم ولم يصب المسلمين بهذا الانهزام ضرر (وأحسن) إلينا بنصرنا على أعدائنا وجعل العاقبة لنا فلا حاجة لنا إلى قتلهم فنحسن إليهم كما أحسن الله إلينا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب في السلب يعطى القاتل [2718]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال. 4548 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري (حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري أبو يحيى المدني ثقة، من (4) (عن) عمة (أنس بن مالك) رضي الله عنه (في

قِصَّةِ أُمِّ سُلَيمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ حَدِيثِ ثَابِتٍ. 4549 - (1758) (102) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيمٍ. وَنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا. فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوينَ الْجَرْحَى ـــــــــــــــــــــــــــــ قصة) اقتراح (أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق إسحاق (مثل حديث ثابت) المذكور لفظًا ومعنى غرضه بيان متابعة إسحاق لثابت البناني ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال. 4549 - (1758) (102) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم الضاد أبو سليمان البصري صدوق من (8) (عن ثابت عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم) أي مع أم سليم (ونسوة من الأنصار معه إذا غزا) أي إذا أراد الخروج للغزو فيخرج معهن إلى الغزو وقوله (ونسوة) بالرفع على الابتداء على أن الواو حالية والخبر الظرف المذكور بعده والجملة حالية وبالجر على أن الواو عاطفة على أم سليم ومعه لتأكيد المصاحبة المفهومة من الباء (فيسقين الماء) للرجال على الصفوف (ويداوين الجرحى) منهم قال النووي في الحديث خروج النساء في الغزو والانتفاع بهن في السقي والمداواة ونحوهما وهذه المداواة لمحارمهن وأزواجهن وما كان منها لغيرهم لا يكون فيه مس البشرة إلا في موضع الحاجة وقد ورد في هذا المعنى عدة أحاديث منها ما أخرجه البخاري في الجهاد [2882 و 2883] عن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة وقال الحافظ في الفتح [6/ 80] تحت حديث الربيع وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن الكبيرة السن يقال: تجالت المرأة إذا أسنت وكبرت كذا في لسان العرب لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم وقال الأوزاعي: تدفن كما هي قال

4550 - (1759) (103) حدَّثنا عَبدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو (وَهُوَ أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ صُهَيبٍ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أحُدٍ انْهَزَمَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَأَبُو طَلْحَةَ بَينَ يَدَيِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ عَلَيهِ بِحَجَفَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن المنير الفرق بين حال المداواة وغسل الميت أن غسل الميت عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات ومثله في عمدة القارئ [6/ 619 و 620] ومنها ما أخرجه مسلم في آخر هذا الباب عن أم عطية الأنصارية قالت غزوت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطَّعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى ومنها غير ذلك وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب في النساء يغزون [2531]، والترمذي في السير باب ما جاء في خروج النساء في الحرب [1575]، ثم استشهد المؤلف ثانيًا بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال. 4550 - (1759) (103) (حدَّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) (حدَّثنا عبد الله بن عمرو) بن أبي الحجاج ميسرة (وهو أبو معمر) المقعد البصري التميمي (المنقري) بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف نسبة إلى منقر بن عبيد روى عن عبد الوارث بن سعيد في الجهاد والدعاء وأبي الأشهب وعبثر ويروي عنه (ع) والدارمي وحجاج بن الشَّاعر وأحمد بن خراش وثقه العجلي وابن معين وجماعة وزاد العجلي يرى القدر وقال في التقريب ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين (حدَّثنا عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري ثقة، من (8) (حدَّثنا عبد العزيز وهو ابن صهيب) البناني البصري الأعمى ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (لما كان يوم) غزوة (أحد انهزم ناس من) بعض (النَّاس) أي من المسلمين (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وأبو طلحة) الأنصاري زيد بن سهل زوج أم سليم رضي الله عنهما (بين يدي النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) أي واقف أمامه (مجوب) بكسر الواو المشددة على صيغة الفاعل من التجويب أي ساتر (عليه) من الكفار (بحجفة) بتقديم الحاء على الجيم وبفتحهما أي حاجب له عن النَّاس بترس قاطع الرؤية بينه وبين النَّاس لا يراه أحد لأنَّ قوله مجوب من التجويب بمعنى

قَال: وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ. وَكَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَينِ أَوْ ثَلاثًا. قَال: فَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النبْلِ. فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لأبِي طَلْحَةَ. قَال: وَيُشْرِفُ نَبِيُّ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى القَوْمِ. فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ الله! بِأبِي أَنْتَ وَأُمي! لَا تُشْرِفْ لَا يُصِبكَ سَهْمٌ مِن سِهَامِ الْقَوْمِ. نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. قَال: وَلَقَدْ رَأَيتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجوب وهو القطع أو الاتقاء بالجوب كثوب وهو الترس والمعنى مترس عنه بحجفة يقيه بها سلاح الأعداء (قال) أنس: (وكان أبو طلحة رجلًا راميًا) أي عارفًا بالرمي لا يخطئ فيه (شديد النزع) أي شديد النزع والرمي بالسهام عن القوس قويه (و) لكونه شديد النزع (كسر يومئذٍ) أي يوم غزوة أحد (قوسين أو ثلاثًا) بالشك من الراوي (قال) أنس: (فكان الرجل) من المسلمين المنهزمين (يمر) ذلك الرجل على النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم على أبي طلحة في انهزامه (معه) أي مع ذلك الرجل المنهزم (لجعبة من النبل) أي من السهام والجعبة ضبطها النووي بفتح الجيم والحافظ في الفتح بضمها مع سكون العين فيهما هي الكنانة والكيس التي تجعل فيها السهام (فيقول) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم للرجل صاحب الجعبة (انثرها) أي انثر ما في الجعبة من السهام وانثرها وضعها واجعلها (لأبي طلحة) ولعل هذا القائل هو رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولم أر من ذكره صريحًا والمراد أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم يأمر صاحب الجعبة بنثر سهامها لأبي طلحة رضي الله عنه لقلة ما بقي عنده من السهام ولأن رميه كان أنكى للعدو من غيره (قال) أنس: (ويشرف نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي يطلع حالة كونه (ينظر إلى القوم) الكفار (فيقول أبو طلحة) لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (يا نبي الله بأبي أنت وأمي) أي أنت مفدي بأبي وأمي من كل مكروه فيه جواز التفدية لأنَّه صَلَّى الله عليه وسلم سمعها من غير واحد ولم ينكرها وكرهها بعضهم اهـ أبي نقلًا عن عياض (لا تشرف) بالجزم على صيغة النَّهي أي لا تشرف من أعلى موضع أي لا تطلع على القوم (لا يصبك) بالجزم على النَّهي أي لا ينلك (سهم من سهام القوم) الكفار (نحري دون نحرك) أي أقرب إلى السهام من نحرك أي أنا أفديك بنفسي قاله في الفتح والنحر أعلى المصدر وموضع القلادة منه وقد يطلق على المصدر أيضًا والجملة دعائية والمعنى جعل الله نحري أقرب إلى السهام من نحرك لأصاب بها دونك قال النووي. (قال) أنس: (ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم

سُلَيمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمَّرَتَانِ. أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا. تَنْقُلانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا. ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ. ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلانِهَا. ثُمَّ تَجِيئَانِ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ. وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيفُ مِنْ يَدَي أَبِي طَلحَةَ إِمَّا مَرَّتَينِ وَإمَّا ثَلاثًا، مِنَ النُّعَاسِ. 4551 - (1760) (104) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سليم و) الحال (إنهما لمشمرتان) أي لمجمعتان أزرهما إلى فوق حالة كوني (أرى خدم سوقهما) والخدم جمع خدمة وهي الخلخال وقيل هي سيور تشبه الحلقة تجعل في الرجل وقيل: أريد بها مخرج الرجل من السراويل اهـ عياض والسوق جمع ساق والساق ما بين الكعب والركبة قال النووي: وهذه الرؤية للخدم لم يكن فيها نهي له لأنَّ هذا كان يوم أحد أول الإسلام قبل أمر النساء بالحجاب وتحريم النظر إليهن وأنَّه لم يذكر هنا أنَّه تعمد النظر إلى نفس الساق فهو محمول على أنَّه حصلت تلك النظرة فجأة بغير قصد ولم يستدمها أي حالة كوني أرى خلخال ساقهما حالة كونهما (تنقلان) أي تحملان (القرب) أي قرب الماء جمع قربة وهي السقاء (على متونهما) أي على ظهورهما جمع متن وهو الظهر (ثم تفرغانه) أي تصبان ماء القرب وأعاد الضمير على الماء لأنَّه مفهوم من السياق فصار كالمد المذكور (في أفواههم) أي في أفواه الرجال في الصف (ثم ترجعان) إلى مركز الماء (فتملآنها) أي فتملآن القرب الماء (ثم تجيئان) بالقرب حالة كونهما (تفرغانه) أي تفرغان ماء القرب (في أفواه القوم و) الله (لقد وقع) أي سقط (السيف من يدي أبي طلحة أما مرتان وأمَّا ثلاثًا) على التشكيك من النُّعاس أي لأجل النعاس الذي من الله به على أهل الصدق واليقين من المؤمنين يوم أحد لأنَّه تعالى لما علم ما في قلوبهم من الغم وكره الأعداء صرفهم عن ذلك بإنزال النُّعاس عليهم لئلا يوطنهم الغم والخوف ويضعف عزائمهم كما قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} اهـ نووي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الجهاد باب غزوة النساء [2880]، وباب المجن [2902]، ومناقب أبي طلحة [3811]، وفي المغازي باب إذا همت طائفتان [4064]، ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني والثالث من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنه فقال. 4551 - (1760) (104) (حدَّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ؛ أَن نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلالٍ. فَقَال ابْنُ عبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ أكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيهِ. كَتَبَ إِلَيهِ نَجْدَةُ: أَمَّا بَعْدُ. فَأخْبِرْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا سليمان يعني ابن بلال) التَّيميُّ مولاهم المدني ثقة، من (8) (عن جعفر محمَّد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق أبي عبد الله المدني صدوق من (6) (عن أبيه) محمَّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني ثقة، من (4) (عن يزيد بن هرمز) الغفاري مولاهم وقيل: الليثي مولاهم أبي عبد الله المدني روى عن ابن عباس في الجهاد وأبي هريرة في القدر وأبان بن عثمان ويروي عنه (م د ت س ق) ومحمد الباقر وسعيد المقبري وقيس بن سعد وغيرهم وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن سعد وقال في التقريب ثقة، من (3) الثَّالثة مات على رأس (100) المائة (أن نجدة) بن عامر الحنفي الحروري المدني رئيس طائفة من الخوارج له مقالات معروفة وأتباع انقرضوا وفارقه أي فارق ابن عباس لإحداثه في مذهبه ثم خرج مستقلًا باليمامة سنة (66) هـ أيَّام عبد الله بن الزُّبير في جماعة كبيرة فأتى البحرين واستقر بها وتسمى بأمير المؤمنين ووجه إليه مصعب بن الزُّبير خيلًا بعد خيل وجيشًا بعد جيش فهزمهم ونقم عليه أصحابه أمورًا فخلعوه وقتلوه وقيل قتله أصحاب ابن الزُّبير راجع لأخباره الكامل للمبرد [2/ 629]، وابن الأثير [4/ 78]، (كتب) أي نجدة (إلى ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما حالة كونه (يسأله) أي يسأل ابن عباس (عن خمس خلال) أي عن خمس خصال من أمور الدين ووقع في رواية أبي داود في الخراج أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزُّبير أرسل إلى ابن عباس إلخ (فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علمًا) أي لولا مخافة كتمان العلم (ما كتبت إليه) أي إلى نجدة الحروري من الخوارج معناه أن ابن عباس يكره نجدة لبدعته وهي كونه من الخوارج الذي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ولكن لما سأله عن العلم لما يمكنه كتمه فاضطر إلى جوابه وقال: لولا أن أكتم علمًا ما كتبت إليه أي لولا أنني إذا تركت الكتابة أصير كاتمًا للعلم مستحقًا لوعيد كاتمه لما كتبت إليه لما عليه من بدعته لأنَّه خوارجي وهذا السند من سداسياته ثم بين ما كتبه إليه نجدة فقال: (كتب إليه) أي إلى ابن عباس (نجدة) بن عامر بلفظ (أما بعد فأخبرني) يا ابن عباس

هَل كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَغزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهمٍ؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتمُ الْيَتِيمِ؟ وَعَنِ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إِلَيهِ ابْنُ عبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِن فَيُدَاوينَ الْجَرْحَى ويحْذَينَ مِنَ الْغَنِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب (هل كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يغزو بالنساء) أي هل يستصحبهن في غزوة (و) جواب (هل كان يضرب لهن بسهم) أي هل يجعل لهن نصيبًا معينًا من الغنيمة كما يجعل للرجال (و) جواب (هل كان) صَلَّى الله عليه وسلم (يقتل الصبيان) أي صبيان أهل الحرب (و) جواب (متى ينقضي) وينتهي (يتم اليتيم و) سأله أيضًا (عن الخمس) أي عن خمس الغنيمة (لمن هو) أي الخمس (فكتب إليه) أي إلى نجدة (ابن عباس) رضي الله عنهما جوابًا عن هذه الأسئلة بلفظ (كتبت) إليَّ يا نجدة كتابًا حالة كونك (تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء) أي يستصحبهن في غزوه (و) أقول لك في جواب هذا السؤال نعم (قد كان) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يغزو بهن) أي يستصحبهن في غزوه (فيداوين) أي يعالجن (الجرحى) جمع جريح أي يعالجنهم من ألم الجراح بأدوية الجراح (ويحذين) بالبناء للمجهول أي يعطين بحذوة وعطية وقوله (بحذين) بضم الياء وسكون الحاء وفتح الذال على صيغة المجهول أي يعطين تلك العطية وأصله أحذيته نعلًا أي أعطيته نعلًا كما في تاج العروس وكأنه كان مختصًا بإعطاء النعال ثم استعير لكل عطية وأكثر ما يستعمل في إعطاء القليل وهو معنى الرضخ المذكور والمعنى أنهن لم يضرب لهن بسهم غير أنهن أعطين شيئًا قليلًا (من الغنيمة) كالجائزة. وفي هذا الحديث والذي قبله جواز اختلاط النساء بالرجال في الحرب لسقي الماء ونحوه وجواز معالجة المرأة الرجل الأجنبي للضرورة واشترط ابن بطال في المعالجة أن تكون بغير مباشرة ولا مس قال ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم قال ابن المنير والفرق بين المداواة وغسل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات اهـ ملخصًا من الفتح كما ذكرناه في الحديث السابق. قوله أيضًا (ويحظين من الغنيمة) أي يعطين الحذوة بكسر الحاء وضمها وهي

وَأَمَّا بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ. وَإِن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ. فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ. وَكَتَبْتَ تَسأَلُنِي: مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وإنَّهُ لَضَعِيف الأخذِ لِنَفْسِهِ. ضَعِيف الْعَطَاءِ مِنْهَا. فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأخُذُ النَّاسُ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ. وَكَتَبْتَ تَسْألُنِي عَنِ الْخُمسِ لِمَنْ هُوَ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ: هُوَ لَنَا. فَأَبَى عَلَينَا قَوْمُنَا ذَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العطية وهو معنى قوله يرضخ لهن أي يعطين عطاء ليس بكثير وفسر في النهاية الرضخ بالعطية القليلة (وأما) إعطاؤهن (بسهم فلم يضرب) أي فلم يعين (لهن) رسول الله بسهم مقدر كسهم الرجال (وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان) أي صبيان أهل الحرب (فلا تقتل) يا نجدة (الصبيان) إذا جاهدت الكفار ولا النساء قال النووي فيه النَّهي عن قتل صبيان أهل الحرب وهو حرام إذا لم يقاتلوا وكذلك النساء فإن قاتلوا جاز قتلهم اهـ نووي (وكتبت) إلي يا نجدة حال كونك (تسألني) بقولك (متى ينقضي) وينتهي (يتم اليتيم) أي متى ينتهي حكم يتمه بحيث يجب على وليه أن يدفع إليه ماله ويستقل هو بالتصرف فيه أما نفس اليتم سينقضي بالبلوغ (فـ) ـأقول لك في الجواب عن سؤالك (لعمري) أي لحياتي قسمي أي أقسمت لك بالحياة أي بالذي يحييني (إن الرجل) من الإنسان (لتنبت لحيته) وعانته (وإنَّه) أي والحال أنه (لضعيف الأخذ لنفسه) يعني أنَّه ضعيف في مطالبة حقوقه من النَّاس (وضعيف العطاء) أي الإعطاء والأداء (منها) أي من نفسه حقوق النَّاس إليهم (فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ النَّاس) لأنفسهم (فقد ذهب عنه اليتم) أي فإذا صار حافظًا لماله عارفًا بوجوه أخذه وإعطائه يعني ظهر منه المرشد في معاملته مع النَّاس فقد رفع عنه حكم اليتم فيجب تسليم ماله إليه قال النووي: وفي هذا أن حكم اليتم لا ينقطع بمجرد البلوغ ولا بعلو السنن بل لا بد أن يظهر منه المرشد وهو مذهب مالك والشَّافعيّ وجماهير العلماء وقال أبو حنيفة: ينتظر رشده بعد البلوغ إلى أن يبلغ خمسًا وعشرين سنة من عمره فإذا بلغ خمسًا وعشرين سنة زال عنه حكم الصبيان وصار رشيدًا يتصرف في ماله ويجب تسليمه إليه وإن كان غير ضابط له اهـ باختصار. (وكتبت) إليَّ (تسألني عن الخمس) أي عن خمس الغنيمة الذي جعله الله لذوي القربى (لمن هو وإنا كنا) معاشر ذوي القربى (نقول: هو لنا فأبى علينا قومنا ذاك) أي

4552 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ؛ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْألُهُ عَنْ خِلالٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ حَاتِمٍ: وإنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ. فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ. إلا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مَا عَلِمَ الْخَضِرُ مِنَ الصَّبِيِّ الذِي قَتَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كونه لنا أي رأوا أنَّه لا يتعين صرفه إلينا بل يصرفونه في المصالح. وفي التكملة قوله (كُنَّا نقول هو لنا) يعني كُنَّا نرى أن خمس الخمس من الغنيمة يستحقه ذوو القرابة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سواء كانوا أغنياء أو فقراء وهذا مذهب ابن عباس وبه أخذ الشَّافعي فقال: إن خمس الغنيمة يقسم على خمسة سهام السهم الواحد منها حق لذوي القربى من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم وهو مذهب الإمام أحمد وحكاه الموفق عن عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة وابن جريج راجع المغني لابن قدامة [3007]، أن وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود في الجهاد باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة [2727 و 2728]، والترمذي في باب من يعطي الفيء [1556]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4552 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (كلاهما عن حاتم بن إسماعيل) العبدري مولاهم أبي إسماعيل المدني صدوق من (8) (عن جعفر بن محمَّد) بن علي بن الحسين الهاشمي المدني صدوق من (6) (عن أبيه) محمَّد بن علي الباقر الهاشمي المدني ثقة، من (4) (عن يزيد بن هرمز) يصرف ولا يصرف الغفاري المدني ثقة، من (3) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حاتم بن إسماعيل سليمان بن بلال (أن نجدة) بن عامر الحروري المدني كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال) خمس كما في الرّواية الأولى وساق حاتم (بمثل حديث سليمان بن بلال غير أن في حديث حاتم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان فلا تقتل الصبيان إلَّا أن تكون تعلم ما علم الخضر من الصبي الذي قتل) معناه أن الصبيان لا يحل قتلهم ولا يحل لك أن تتعلق بقصة الخضر في قتله صبيًّا فإن الخضر ما

وَزَادَ إِسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ حَاتِمٍ: وَتُمَيِّزَ الْمُؤْمِنَ. فَتَقْتُلَ الكَافِرَ وَتَدَعَ الْمُؤْمِنَ. 4553 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. قَال: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَرُورِي إِلَى ابْنِ عَبَّاسِ يَسْألُهُ عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ وَعَنْ قَتْلِ الْولْدَانِ؟ وَعَنِ الْيَتِيمِ مَتَى يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْيُتْمُ؟ وَعَنْ ذَوي الْقُرْبَى، مَنْ هُمْ؟ فَقَال لِيَزِيدَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قتله إلَّا بأمر الله تعالى له على التعيين كما قال في آخر القصة {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فإن كنت أنت تعلم من صبي ذلك فاقتله ومعلوم أن لا علم له بذلك فلا يجوز له القتل اهـ نووي (وزاد إسحاق) بن إبراهيم على أبي بكر (في حديثه) وروايته (عن حاتم) بن إسماعيل لفظة (و) إلَّا أن تكون (تميز المؤمن) من الكافر (فتقتل الكافر وتدع المؤمن) أي تتركه ومعناه من يكون إذا عاش إلى البلوغ مؤمنًا ومن يكون إذا عاش كافرًا فمن علمت أنَّه يبلغ كافرًا فاقتله كما علم الخضر أن ذلك الصبي لو بلغ لكان كافرًا وأعلمه الله تعالى ذلك ومعلوم أنك لا تعلم ذلك فلا تقتل صبيًّا ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنه فقال. 4553 - (00) (00) (وحدثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل بن أميَّة) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أميَّة الأموي المكيِّ ثقة، من (6) (عن سعيد) بن أبي سعيد كيسان (المقبري) أبي سعيد المدني ثقة، من (3) (عن يزيد بن هرمز) الحروري المدني ثقة، من (3) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد المقبري لمحمد بن علي الباقر (قال) يزيد (كتب نجدة بن عامر الحروري) بفتح فضم نسبة إلى حروراء قرية بظاهر الكوفة نسبت الخوارج إليها لأنها كانت محل اجتماعهم وتشاورهم حين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه (إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم) أي المعركة التي كانت ذات غنيمة (هل يقسم لهما) من مال الغنيمة أم لا (و) يسأله (عن) حكم (قتل الولدان) أي صبيان أهل الحرب هل يجوز أم لا (و) يسأله (عن) حكم يتم (اليتيم متى ينقطع) ويرفع (عنه اليتم) أي حكمه الذي هو عدم نفوذ تصرفه (و) يسأله (عن ذوي القربى) الذين لهم خمس الغنيمة (من هم) هل هم جميع أقاربه صَلَّى الله عليه وسلم أو بعضهم (فقال) ابن عباس (ليزيد) بن هرمز:

اكْتُبْ إِلَيهِ. فَلَوْلا أَنْ يَقَعَ فِي أُحْمُوقَةٍ مَا كَتَبْتُ إِلَيهِ. اكْتُبْ: إِنَّكَ كَتَبْتَ تَسْألُنِي عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا شَيءٌ؟ وَإِنَّهُ لَيسَ لَهُمَا شَيءٌ. إلا أَنْ يُحْذَيَا. وَكَتَبْتَ تَسْألُنِي عَنْ قَتْلِ الْولْدَانِ؟ وإنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْهُمْ. وَأَنْتَ فَلَا تَقْتُلْهُمْ. إلا أَنْ تَعْلَمَ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ صَاحِبُ مُوسَى مِنَ الْغُلامِ الَّذِي قَتَلَهُ. وَكَتَبْتَ تَسْألُنِي عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ الْيُتْمِ؟ وَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ الْيُتْمِ حتَّى يَبْلُغَ ويؤنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (اكتب إليه) أي إلى نجدة بن عامر الحروري (فلولا) مخافة (أن يقع في أحموقة) بضم الهمزة والميم أي فلولا مخافة أن يفعل نجدة فعل الحمقى والجهال ويرى رأيًا كرأيهم أن فتح الودود (ما كتبت إليه) أي إلى نجدة لسوء عقيدته لأنَّه يرى رأي الخوارج والأحموقة هنا الخصلة ذات الحمق قال النووي يعني لولا أن يقع في فعل من أفعال الحمقى ويرى رأيًا كرأيهم وقال في النهاية وحقيقة الحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه اهـ ويطلق اسم الحموقة أيضًا على الرجل البالغ في الحمق وقوله (اكتب) إليه يا يزيد توكيد لفظي لما ذكر آنفًا (إنك) يا نجدة (كتبت) إلي كتابًا حالة كونك (تسألني) فيه (عن المرأة والعبد يحضران المغنم هل يقسم) ويعطى (لهما شيء) من الغنيمة أم لا (و) وأقول لك في جواب سؤالك (إنَّه) أي إن الشأن والحال (ليس لهما شيء) وسهم من الغنيمة (إلَّا أن يحذيا) بالبناء للمجهول إلَّا أن يرضحا ويعطيا شيئًا قليلًا من الغنيمة بحسب اجتهاد الإمام (وكتبت) إليَّ كتابًا حالة كونك (تسألني) فيه (عن) حكم (قتل الولدان) أي ولدان أهل الحرب وصبيانهم هل يجوز أم لا (و) أقول لك في جواب سؤالك عن هذا (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم يقتلهم وأنت) يا نجدة (فلا تقتلهم) اتباعًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (إلا أن تعلم منهم) أي من الولدان (مما علم صاحب موسى) يعني الخضر عليهما السَّلام (من الغلام الذي قتله) وهو الكفر وأنت لا تعلم ذلك فلا تقتل ولدان أهل الحرب والولد الذي قتله الخضر اسمه حيسور بالمهملة وقيل جيسور بالجيم اهـ تنبيه المعلم (وكتبت) إلي أيضًا كتابًا حالة كونك (تسألني) فيه (عن) يتم (اليتيم متى ينقطع عنه اسم اليتم) أي حكمه والمراد بالاسم الحكم (و) أقول لك في جواب سؤالك (إنَّه لا ينقطع عنه اسم اليتم حتَّى يبلغ) أي لا ينقطع عنه حكم اليتم حتَّى يبلغ (ويونس منه رشد) أي يعلم منه كمال العقل وسداد الفعل وحسن التصرف

وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ ذَوي الْقُرْبَى، مَنْ هُمْ؟ وَإِنَّا زَعَمْنَا أَنَّا هُمْ. فَأَبَى ذلِكَ عَلَينَا قَوْمُنَا. 4554 - (00) (00) وحدَّثناه عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَان. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ. عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. قَال: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ من النهاية (وكتبت) إليَّ كتابًا حالة كونك (تسألني عن ذوي القربى من هم و) كتبت لك كتابًا في الجواب عن سؤالك (إنا) معاشر ذوي القربى (زعمنا أنا هم) أي ذوو القربى أي قلنا إنا هم كما في الرّواية السابقة واعتقدنا فإن الزعم يطلق على القول ومنه زعمت الحنفية كذا وزعم سيبويه أي قال وعليه قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} أي كما أخبرت ويطلق على الاعتقاد ومنه قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} أفاده في المصباح وقوله (إنا هم) أي أنا نحن ذوو القربى الذين جعل لهم خمس الخمس من الغنيمة في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} والمراد ذوو قرباه صَلَّى الله عليه وسلم واختلف العلماء في تعيينهم (فأبى) أي امتنع (ذلك) الذي قلناه (علينا قومنا) أي أمراؤنا يعني أمراء بني أميَّة ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنه فقال. 4554 - (00) (00) (وحدثناه عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمَّد النيسابوري ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (حدَّثنا إسماعيل بن أميَّة) الأموي المكيِّ (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري المدني (عن يزيد بن هرمز) الحروري المدني (قال كتب نجدة) بن عامر الحروري المدني (إلى ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (وساق) عبد الرحمن بن بشر (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل ما حدث ابن أبي عمر غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الرحمن بن بشر لابن أبي عمر (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمَّد بن سفيان النيسابوري تلميذ المؤلف راوي هذا الجامع عنه (حدثني عبد الرحمن بن بشر) العبدي بلا واسطة مسلم

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. بِهذَا الْحَدِيثِ، بِطُولِهِ. 4555 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَال: سَمِعْتُ قَيسًا يُحَدِّثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). قَال: حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنِي قَيسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. قَال: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: فَشَهِدْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ وَحِينَ كَتَبَ جَوَابَهُ. وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللهِ، لَوْلَا أَنْ أَرُدَّهُ عَنْ نَتْنٍ يَقَعُ فِيهِ مَا كَتَبْتُ إِلَيهِ. وَلَا نُعْمَةَ عَينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (بهذا الحديث) السابق (بطوله) غرضه بسوق هذا السند بيان حصول العلو له في السند ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4555 - (00) (00) (حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا وهب بن جرير بن حازم) بن زيد الأزدي أبو العباس البصري ثقة، من (9) (حدثني أبي) جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري ثقة، من (6) (قال: سمعت قيسًا) بن سعد الحنفي الحبشي المكيِّ مفتيها أبا عبد الملك ثقة، من (6) (يحدث عن يزيد بن هرمز) الحروري المدني ثقة، من (3) غرضه بيان متابعة قيس بن سعد لمحمد الباقر وسعيد المقبري (ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (واللفظ له قال: حدَّثنا بهز) بن أسد العمي البصري (حدَّثنا جرير بن حازم) الأزدي البصري (حدثني قيس بن سعد) المكيِّ (عن يزيد بن هرمز) الحروري المدني غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة بهز لوهب بن جرير (قال) يزيد: (كتب نجدة بن عامر) الحروري (إلى ابن عباس) رضي الله عنهما (قال) يزيد بن هرمز (فشهدت) أي حضرت (ابن عباس حين قرأ كتابه) أي كتاب نجدة (وحين كتب جوابه) أي جواب سؤال نجدة (وقال ابن عباس والله لولا) إرادة (أن أرده عن نتن) أي عن فعل قبيح (يقع فيه ما كتبت إليه) جوابه (ولا) كتبت إليه هذا الجواب (نعمة عين) أي مسرة عين له أي لم أجاوبه إرادة مسرة عينه أو إرادة تنعمها وتمتعها قال الأبي: لم أجاوبه إكرامًا له وإدخالًا للمسرة عليه وقوله (نتن يقع فيه) والنتن بفتح النون وسكون التاء الشيء المنتن الذي له رائحة كريهة ثم استعير لكل شيء أو فعل مستقبح والمراد كما سبق أني أخاف من الوقوع في الأمور المستقبحة لو لم أجبه فلذلك

قَال: فَكَتَبَ إِلَيهِ: إِنَّكَ سَألْتَ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي ذَكَرَ اللهُ، مَنْ هُمْ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ قَرَابَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هُمْ نَحْنُ. فَأبَى ذلِكَ عَلَينَا قَوْمُنَا. وَسَألْتَ عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى يَنْقَضي يُتْمُهُ؟ وَإِنَّهُ إِذَا بَلَغَ النِّكَاحَ وَأُونسَ مِنْهُ رُشْدٌ وَدُفِعَ إِلَيهِ مَالُهُ، فَقَدِ انْقَضَى يُتْمُهُ. وَسَألْتَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ مِنْ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ أَحَدًا؟ فَإِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَأَنْتَ، فَلَا تَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا. إلا أَنْ تَكُونَ تَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ الْخَضِرُ مِنَ الْغُلامِ حِينَ قَتَلَهُ. وَسَألْتَ عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، هَلْ كَانَ لَهُمَا سَهْمٌ مَعْلُومٌ، إِذَا حَضَرُوا الْبَأسَ؟ فَإِنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجبته (ولا نعمة عين) النعمة بضم النون بمعنى المسرة وبفتح النون بمعنى التنعم وبكسر النون بمعنى الإنعام كما حققه الزمخشري في الكشاف [4/ 279] والمراد أني لم أجبه إرادة مسرة عينه على تقدير ضم النون أو إرادة أن تتنعم عينه على تقدير فتح النون كذا فسر الشَّيخ محمَّد الذهني في حاشيته (قال) يزيد بن هرمز: (فكتب) ابن عباس (إليه) أي إلى نجدة بن عامر (إنك) يا نجدة (سألتـ) ـني (عن سهم ذي القربى الذي ذكر الله) تعالى في كتابه في آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (من هم) أي سألتني ذوو القربى من هم (وإنا كُنَّا نرى أن) أهل (قرابة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم هم نحن فأبى) أي امتنع (ذلك) الذي قلنا (علينا قومنا) أي أمراؤنا (وسألتـ) ـني (عن) يتم اليتيم متى ينقضي يتمه أي حكم يتمه (و) أقول لك في الجواب (إنَّه) أي إن اليتيم (إذا بلغ النكاح) أي وقت الزواج (وأونس) أي علم (منه رشد) أي صلاح في دينه ودنياه (ودفع إليه ماله) لرشده (فقد انقضى يتمه) أي رفع عنه حكمه (وسألتـ) ـني (هل كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقتل من صبيان المشركين أحدًا فـ) ـأقول لك في الجواب عن هذا السؤال (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم يكن يقتل منهم أحدًا وأنت) يا نجدة (فلا تفتل منهم أحدًا إلَّا أن تكون تعلم منهم ما علم) أي مثل ما علم (الخضر من) كفر (الغلام حين قتله وسألت عن المرأة والعبد هل كان لهم سهم معلوم إذا حضروا البأس) أي الحرب وعبر عنهما بضمير الجمع اعتبارًا بالمعنى لأنَّ المراد جنسهما وعبر عنهما بضمير التثنية في قوله هل كان لهما وفي قوله إلَّا أن يحذيا باعتبار أنَّهما صنفان أن ذهني (فـ) ـأقول في جواب سؤالك (إنهم) أي إن جنس المرأة والعبد عبر بضمير جمع

لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مَعلُومٌ. إلا أَن يُحذَيَا مِن غَنَائِمِ الْقَوْمِ. 4556 - (00) (00) وحدّثني أبُو كُريبٍ. حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ. حَدَّثَنَا زَائدَةُ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الأَعْمَشُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ صَيفِيٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ. قَال: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ. وَلَمْ يُتِمَّ الْقِصَّةَ. كَإِتْمَامِ مَنْ ذَكَرنَا حَدِيثَهُمْ. 4557 - (1761) (105) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشامِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارَّيةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكر تغليبًا للعبد لذكورته (لم يكن لهم سهم معلوم) أي مقدر بقدر معين (إلَّا أن يحذيا) أي يرضخا (من) أصل (غنائم القوم) أي الرجال أو من خمس المصالح الذي هو خمس الخمس ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4556 - (00) (00) (وحدثني أبو كريب) محمَّد بن العلاء (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (حدَّثنا زائدة) بن قدامة (حدَّثنا سليمان) بن مهران (الأعمش عن المختار بن صيفي) بفتح المهملة وسكون التحتية بعدها فاء الكوفيّ روى عن يزيد بن هرمز في الجهاد ويروي عنه (م د) والأعمش فقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السادسة له في مسلم حديث واحد متابعة لقيس بن سعد (عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة) بن عامر (إلى ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من سباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة مختار بن صيفي لمحمد لباقر وسعيد المقبري وقيل بن سعد (فذكر) المختار (بعض الحديث) السابق (ولم يتم) المختار (القصة) أي قصة الحديث (كإتمام من ذكرنا حديثهم) من الثلاثة المذكورين ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عباس بحديث أم عطية رضي الله تعالى عنهما فقال. 4557 - (1761) (105) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني المروزي نزيل الكوفة ثقة، من (8) (عن هشام) بن حسَّان الأزدي القردوسي البصري ثقة، من (6) (عن حفصة بنت سيرين) الأنصارية البصرية ثقة، من (3) (عن أم عطية) نسيبة مصغرًا بنت كعب (الأنصارية) الصحابية الجليلة رضي الله تعالى

قَالتْ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ. أخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ. فَأصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوي الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى. 4558 - (00) (00) وحدّثنا عَمْرُو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسانَ، بِهذَا الإِسنادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها وهذا السند من خماسياته (قالت) أم عطية: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم) أي أقوم مقام الغزاة (في رحالهم) أي في منازلهم وأمتعتهم لحفظها (فأصنع) أي أصلح وأطبخ (لهم الطَّعام) والشراب (وأداوي الجرحى) أي أعالجهم جمع جريح (وأقوم على المرضى) أي على خدمتهم وأتولى تمريضهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجة في الجهاد باب العبيد والنساء يشهدون مع المسلمين [2885]، ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4558 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي حدَّثنا يزيد بن هارون بن زاذان السلمي الواسطيِّ (حدَّثنا هشام بن حسَّان بهذا الإسناد) يعني عن حفصة عن أم عطية (نحوه) أي نحو ما حدث عبد الرحيم بن سليمان غرضه بيان متابعة يزيد بن هارون لعبد الرحيم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأوَّل: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثَّاني: حديث أنس الثَّاني ذكره للاستشهاد والثالث: حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد والرابع: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني والثالث من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والخامس: حديث أم عطية ذكره للاستشهاد به على الجزء الثَّاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة. ***

632 - (25) باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وغزوة ذات الرقاع وكراهة الاستعانة بالكافر في الغزو

632 - (25) باب عدد غزوات النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وغزوة ذات الرقاع وكراهة الاستعانة بالكافر في الغزو 4559 - (1762) (106) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ؛ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ يَزِيدَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ. فَصَلَّى رَكْعَتَينِ ثُمَّ اسْتَسْقَى. قَال: فَلَقِيتُ يَوْمَئِذٍ زيدَ بْنَ أَرْقَمَ. وَقَال: لَيسَ بَينِي وَبَينَهُ غَيرُ رَجُلٍ، أَوْ بَينِي وَبَينَهُ رَجُلٌ. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: تِسْعَ عَشْرَةَ. فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَال: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 632 - (25) باب عدد غزوات النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وغزوة ذات الرقاع وكراهة الاستعانة بالكافر في الغزو 4559 - (1762) (106) (حدَّثنا محمَّد بن المثني وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدَّثنا محمَّد بن جعفر حدَّثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفيّ (أن عبد الله بن يزيد خرج) إلى المصلى حالة كونه (يستسقي) أي يطلب سقيًا المطر (بالنَّاس) أي مع النَّاس والظاهر أن المراد منه عبد الله بن يزيد بن حصين وكان أميرًا على الكوفة أيَّام ابن الزُّبير رضي الله عنه وقد اختلف في صحبته شهد الجمل وصفين مع علي وكان الشعبي كاتبه أيَّام إمرته على الكوفة راجع التهذيب [6/ 78] اهـ من التكملة (فصلَّى) عبد الله بن يزيد صلاة الاستقساء (ركعتين) ثم بعد صلاة ركعتين (استسقى) أي طلب سقيًا المطر في الخطبة (قال) أبو إسحاق: (فلقيت يومئذٍ) أي يوم إذ خرج عبد الله بن يزيد (زيد بن أرقم) الصحابي الجليل الأنصاري الخزرجي الكوفيّ غزا سبع عشرة غزوة رضي الله عنه مفعول لقيت (وقال) أبو إسحاق: (ليس بيني وبينه) أي وبين زيد بن أرقم (غير رجل) واحد (أو) قال أبو إسحاق: (بيني وبينه) أي وبين زيد (رجل) واحد ولم أر من ذكر اسمه والشك من شعبة (قال) أبو إسحاق (فقلت له) أي لزيد بن أرقم وهذا السند من خماسياته (كم غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي قال أبو إسحاق لزيد بن أرقم: (كم) مرات (غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال) زيد بن أرقم غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (تسع عشرة غزوة) ومراده الغزوات التي خرج النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل ويعارضه ما رواه أبو يعلى

قَال: فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَال: ذَاتُ العُسَيرِ أَو العُشَيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من طريق أبي الزُّبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون غزوة وإسناده صحيح كما في فتح الباري [7/ 280] وأصله في الحديث الآتي عند مسلم ولعل زيد بن أرقم فاته ذكر ثنتين منها وهي غزوتا الأبواء وبواط لأنَّه جعل العشيرة أول الغزوات مع أنَّها ثالثها وكان الغزوتين الأوليين خفيتا عليه لصغره ويحتمل أن أول غزوة غزاها وأنا معه العشيرة وذكر النووي عن ابن سعد أن عدد غزواته صَلَّى الله عليه وسلم سبع وعشرون قاتل في تسع منها (قال) أبو إسحاق: (فقلت) له: (كم غزوت أنت معه) صَلَّى الله عليه وسلم يا زيد (قال) زيد: غزوت معه (سبع عشرة غزوة قال) أبو إسحاق: (فقلت) لزيد: (فما أول غزوة غزاها) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (قال) زيد أول غزوة غزاها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (العسير) بصيغة التصغير أي غزوة ذات العسير (أو) قال زيد غزوة ذات (العشير) بالتصغير أيضًا والشك عن أبي إسحاق وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى سنة (1 هـ) ورجع عنها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جمادى الآخرة وذكر ابن سعد في طبقات [2/ 9 و 10] أن المطلوب في هذه الغزوة هي عير قريش التي صدرت من مكّة إلى الشَّام بالتجارة ففاتتهم وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها فبسبب ذلك كانت وقعة بدر. وقوله (ذات العسير أو العشير) ووقع في رواية البُخاريّ العشير أو العسيرة وفي رواية التِّرمذيِّ أو العشير أو العسير بلا هاء فيهما وزاد البُخاريّ فذكرت لقتادة فقال العشيرة وقول قتادة هو الذي اتفق عليه أهل السير وهو الصواب وأمَّا غزوة العسير فهي غزوة تبوك كذا في الفتح. قال ابن سعد ثم غزوة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات العشيرة في جمادى الأخيرة على رأس ستة عشر شهرًا من مهاجره وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب وكان لواء أبيض واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي وخرج في خمس ومائة ويقال في مائتين من المهاجرين ممن انتدب ولم يكره أحدًا على الخروج وخرجوا على ثلاثين بعيرًا يعتقبونها خرج يعترض لعير قريش حين أبدأت إلى الشَّام وكان قد جاء به الخبر بفصولها من مكّة فيها أموال قريش فبلغ ذا العشيرة وهي لبني مدلج بناحية ينبع وبين ينبع والمدينة تسعة برد فوجد العير التي خرج لها قد مضت قبل ذلك بأيام وفي هذه الغزوة وادع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا اهـ.

4560 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدمَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زيدِ بْنِ أرْقَمَ، سَمِعَهُ مِنْهُ؛ أن رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةَ. وَحَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةَ لَمْ يَحُجَّ غَيرَهَا. حَجَّةَ الْوَدَاعِ. 4561 - (1763) (107) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ. أخْبَرَنَا أبُو الزُّبَيرِ؛ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في أول المغازي باب غزوة العشيرة [3949]، وفي أبواب آخر وأخرجه التِّرمذيُّ في الجهاد باب ما جاء في غزوات النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وكم غزا [1676] وأخرجه المؤلف أيضًا في كتاب الحج باب بيان عدد عمر النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وزمانهن ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4560 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا يَحْيَى بن آم) بن سليمان الأموي الكوفيّ ثقة، من (9) (حدَّثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفيّ ثقة، من (7) (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن زيد بن أرقم) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة زهير بن معاوية لشعبة بن الحجاج (سمعه) أي سمع هذا الحديث أبو إسحاق (منه) أي من زيد بن أرقم وقوله (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) إلخ بدل من مفعول سمعه (غزا تسع عشرة غزوة وحج بعدما هاجر حجة لم يحج بعدها) وقوله (حجة الوداع) بدل من حجة بدل كل من كل ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زيد بن أرقم بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4561 - (1763) (107) (حدَّثنا زهير بن حرب حدَّثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسَّان القيسي البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا زكرياء) بن إسحاق المكيِّ ثقة، من (6) روى عنه في (6) (أخبرنا أبو الزُّبير) المكيِّ محمَّد بن مسلم بن تدرس الأسدي (أنَّه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته (غزوت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة) وهذا صريح في أن غزواته صَلَّى الله

قَال جَابرٌ: لَمْ أَشهَد بَدرًا وَلَا أُحُدًا. مَنَعَنِي أَبِي. فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ الله يَوْمَ أُحُدٍ، لَمْ أَتَخَلَّف عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غَزوَةٍ قَطُّ. 4562 - (1764) (108) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ الْحُبَابِ. ح وَحَدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْميُّ. حَدَّثنَا أبُو تُمَيلَةَ. قَالا جَمِيعًا: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم ليست مختصرة في تسع عشرة بل زائدة عليها وإنَّما مراد زيد بن أرقم وبريدة بقولهما تسع عشرة غزوة أن منها تسع عشرة غزوة أفاده النووي (قال جابر) رضي الله عنه (لم أشهد) معه (بدرًا) أي غزوته قال الحافظ في الإصابة [1/ 214] وروى البُخاريّ في تاريخه بإسناد صحيح عن أبي سفيان عن جابر قال: كنت أمسح أصحابي الماء يوم بدر وأنكر الواقدي رواية أبي سفيان عن جابر المذكورة وقد أيد الذهبي في تاريخه الواقدي في إنكاره لرواية أبي سفيان ورجح رواية مسلم رحمه الله تعالى كما في حاشية سير أعلام النبلاء [3/ 191] (ولا أحدًا) أي ولم أشهد معه أحدًا (منعني أبي) عبد الله بن عمرو من حضور غزوة أحد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء [3/ 190] أنَّه منعه لأجل أخواته (فلما قتل) والدي (عبد الله) بن عمرو (يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة) غزاها (قط) أي عوض أي في زمن من الأزمنة المستقبلة لأنَّ قط هنا بمعنى عوض وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بن أرقم بحديث بريدة بن الخصيب رضي الله عنه فقال. 4562 - (1764) (108) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا زيد بن الحباب) بضم أوله المهمل وبموحدتين أبو الحسين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف الكوفيّ صدوق من (9) (ح وحدثنا سعيد بن محمَّد) الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء نسبة إلى جرم بن ريان بن ثعلبة الكوفيّ صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدَّثنا أبو تميلة) بضم التاء مصغرًا يَحْيَى بن واضح الأنصاري مولاهم المروزي روى عن الحسين بن واقد في الجهاد وفليح بن سليمان والأوزاعي ويروي عنه (عم) وسعيد بن محمَّد الجرمي وأحمد وإسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم قال أحمد وابن معين والنَّسائيُّ لا بأس به وقال ابن سعد وابن معين في رواية ثقة وقال أبو حاتم ثقة وقال في التقريب ثقة من كبار التاسعة مشهور بكنيته (قالا: جميعًا) أي قال زيد بن الحباب وأبو

حَدَّثَنَا حُسَينُ بن وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: غَزَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ عَشْرَةَ غَزوَةَ. قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنهُنَّ. وَلَمْ يَقُل أَبُو بَكرٍ: مِنْهُنَّ. وَقَال فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ بُرَيدَةَ. 4563 - (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تميلة (حدَّثنا حسين بن واقد) القرشي مولاهم أبو عبد الله المروزي قاضي مرو روى عن عبد الله بن بريدة في الجهاد ومطر الورَّاق في صفة أهل الجنَّة وأهل النَّار ويروي عنه (م عم) يزيد بن الحباب وأبو قميلة والفضل بن موسى وابن المبارك وخلق قال أبو داود والنَّسائيُّ لا بأس به ووثقه ابن معين وقال في التقريب ثقة له أوهام من السابعة مات سنة (159) تسع وخمسين ومائة (عن عبد الله بن بريدة) بن الخصيب الأسلمي المروزي قاضيها ثقة من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) بريدة بن الحصيب: (غزا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة قاتل) بنفسه (في ثمان منهن) أي من تلك الغزوات التسع عشرة (ولم يقل أبو بكر) في روايته لفظة منهن وقال أبو بكر (في حديثه) أي في روايته (حدثني عبد الله بن بريدة) بصيغة السماع قال ابن حجر وقال النووي قد اختلف أهل المغازي في عدد غزواته صَلَّى الله عليه وسلم وسراياه فذكر ابن سعد وغيره عدد من مفضلات على ترتيبهن فبلغت سبعًا وعشرين غزوة وستًا وخمسين سرية قالوا: قاتل في تسع منها وهي بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر والفتح وحنين والطائف فعدوا الفتح فيها وهذا على قول من يقول فتحت مكّة عنوة اهـ فلا ينافي حديث بريدة (قاتل في ثمان منهن) ولعلّه أسقط غزوة الفتح لاعتقاده أنَّها فتحت صلحًا قاله الأبي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في المغازي باب كم غزا النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم [4473]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4563 - (00) (00) (وحدثني أحمد) بن محمَّد (بن حنبل) الشيباني المروزي نزيل بغداد الإمام الأعظم في الحديث والفقه الحجة فيهما من (10) وهذا أحد الأحاديث الأربعة التي أخرجها مسلم من شيوخ أخرجها البُخاريّ من أنفسهم بواسطة فأخرج البُخاريّ هذا الحديث عن أحمد بن حنبل بواسطة أحمد بن الحسن فحصل لمسلم العلو بدرجة على البُخاريّ (حدَّثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان التَّيميُّ البصري ثقة، من (9)

عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أنَّهُ قَال: غَزَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةَ. 4564 - (1765) (109) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي عُبَيدٍ) قَال: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ. وَخَرَجْتُ، فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ، تِسْعَ غَزَوَاتٍ. مَرَّةَ عَلَينَا أبُو بَكْرٍ. وَمَرَّةَ عَلَينَا أسَامَةُ بْنُ زَيدٍ. 4565 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن كهمس) بن الحسن التميمي أبي الحسن البصري ثقة، من (5) (عن) عبد الله (بن بريدة عن أبيه) بريدة بن الحصيب رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة كهمس بن الحسن لحسين بن واقد فائدتها تقوية السند الأوَّل (أنَّه) أي أن بريدة (قال: غزا) هو أي بريدة (مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة) وهذا لا يعارض ما تقدم لأنَّه ذكر هنا عدد الغزوات التي شهدها هو بنفسه ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث زيد بن أرقم بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال. 4564 - (1765) (109) (حدَّثنا محمَّد بن عباد) بن الزبرقان المكيِّ نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدَّثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري أبو إسماعيل المدني صدوق من (8) (عن يزيد وهو ابن أبي عبيد) الحجازي أبي خالد الأسلمي مولاهم سلمة بن الأكوع (قال) يزيد: (سمعت سلمة) بن الأكوع الأسلمي المدني (يقول) وهذا السند من رباعياته (غزوت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سبع غزوات وخرجت فيما يبعث) أي فيما يرسله (من) السرايا و (البعوث) أي الجيوش إلى العدو (تسع غزوات مرَّة) أمَّر (عليها أبو بكر) الصِّديق ومرَّة أمَّر (علينا أسامة بن زيد) بن حارثة حب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ أخرجه في المغازي باب بعث النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة [4270 و 4127 و 4273]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سلمة رضي الله عنه فقال. 4565 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقفيّ البلخي (حدَّثنا

حَاتِمٌ، بِهذَا الإِسنَادِ، غَيرَ أنَّهُ قَال، فِي كِلتَيهِمَا: سَبْعَ غَزَوَاتٍ. 4566 - (1766) (110) حدَّثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الله بْنُ بَرَّادٍ الأشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ (وَاللَّفْظُ لأبِي عَامِرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ عَنْ بُرَيدِ بْنِ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ. وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ. بَينَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ. قَال: فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا. فَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أظْفَارِي. فُكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ. فَسُمِّيَتْ غَزْوَة ذَاتِ الرِّقَاعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حاتم) بن إسماعيل (بهذا الإسناد) يعني عن يزيد عن سلمة غرضه بيان متابعة قتيبة لمحمد بن عباد (غير أنَّه) أي لكن أن قتيبة (قال في كلتيهما) أي في كل من غزوة النبي صَلَّى الله عليه وسلم وبعث البعوث (سبع غزوات) وأمَّا محمَّد بن عباد قال في البعوث تسع غزوات بتقديم التاء على السِّين ثم استدل المؤلف على الجزء الثَّاني من الترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال. 4566 - (1766) (110) (حدَّثنا أبو عامر عبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) الكوفيّ (ومحمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفيّ (واللفظ) الآتي (لأبي عامر قالا: حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفيّ ثقة، من (9) (عن بريد) بن عبد الله (بن أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن) جده أبي بردة عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى: (خرجنا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في غزاة) أي في غزوة وهي غزوة ذات الرقاع (ونحن ستة نفر) أي أنفار (بيننا بعير) واحد (نعتقبه) أي نتعاقب عليها في الركوب واحدًا بعد واحد أي نتناوب في ركوبه فيركبه أحدنا لمدة ثم ينزل فيركب الآخر من العقبة كغرفة وهي النوبة يقال اعتقبوا على الراحلة ويتعاقبوا إذا ركب كل واحد عقبة أي نوبة (قال) أبو موسى: (فنقبت أقدامنا) بفتح النون وكسر القاف من باب فرح يقال نقب خف البعير أي تخرق أو رقت أخفافه كما في القاموس أي رقت جلودها وتخرقت من المشي وقرحت من الحفاء (فنقبت) أي قرحت (قدماي وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا) أي على أقدامنا (الخرق) جمع خرقة (فـ) ـبسبب ذلك (سميت) تلك الغزوة (غزوة ذات الرقاع) هذا هو القول الصَّحيح في سبب

لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنَ الخِرَقِ. قَال أَبُو بُرْدَةَ: فَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بهذَا الْحَدِيثِ. ثُمَّ كَرِهَ ذلِكَ. قَال: كَأنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. قَال أَبُو أُسَامَةَ: وَزَادَنِي غَيرُ بُرَيدٍ: وَاللهُ يُجْزِي بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تسميتها وقيل: سميت بذلك بجبل هناك فيه بياض وسواد وحمرة وقيل باسم شجرة هناك وقيل لأنَّه كانت في ألويتهم رقاع ويحتمل أنَّها سميت بالمجموع اهـ نووي أي فسميت بذلك (لما كُنَّا نعصب) بفتح النون وكسر الصاد المخففة كذا ضبطه الحافظ في الفتح [7/ 421] أي لأجل ما نربطه على أرجلنا (من الخرق) جمع خرقة وهو الثوب البالي (قال أبو بردة: فحدث أبو موسى) الأشعري رضي الله عنه (بهذا الحديث ثم كره) أبو موسى (ذلك) لما فيه من تزكية النَّفس أي إفشاء ما حصل لهم فيها من المشاق والمتاعب من الاعتقاب كل بعير ولف الخرق على الأقدام أي كره أن يكون فيه إفشاء حسناته فيلزم منه رياء وفيه بيان ما كانت الصّحابة عليه رضوان الله تعالى عليهم من الإشراف على أنفسهم والخوف عليها من الرذائل الباطنة الكامنة في الصدور فيعالجونها أحسن علاج وإنَّما حدث بهذا الحديث مع أنَّه كان يكرهه خشية الرياء لئلا يلزم كتمان العلم والله أعلم. (قال) أبو بردة (كأنه) أي كأن أبا موسى (كره أن يكون) ذلك الحديث (شيئًا من عمله أفشاه) أي شيئًا أفشاه من عمله فيكون رياء وسمعة (قال أبو أسامة) بالسند السابق (وزادني غير بريد) ممن سمعت منه هذا الحديث لفظة (والله يجزي به) أي والحال أن الله يجزي به أي بذلك العمل وقوله (أن يكون شيئًا) إلخ هكذا هو في جميع النسخ التي بأيدينا شيئًا بالنصب على أنَّه خبر كان واسمها محذوف أي كره أن يكون مدلول هذا الحديث شيئًا أفشاه وقد جاء بالرَّفع في كل ما وقفنا عليه من نسخ البُخاريّ ووجهه ظاهر وإنما كره الإفشاء لأنَّ كتم عمل البر وما أصيب به الإنسان في ذات الله أفضل وأدنى أن لا يداخله العجب الذي يحبط العمل قال النووي فيه استحباب إخفاء الأعمال الصالحة وأن لا يظهر شيئًا من ذلك إلَّا لمصلحة مثل بيان حكم ذلك الشيء أو التَّنبيه على الاقتداء به ونحو ذلك وعلى هذا يحمل ما وجد من السلف من الأخبار بذلك قوله (والله يجزي) روي بفتح الياء وضمها وهما لغتان صحيحتان قال في المصباح ونقلهما الأخفش بمعنى

4567 - (1767) (112) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مالِكٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الْفُضَيلِ بْنِ أبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ نِيَارٍ الأسْلَمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد فقال الثلاثي بغير همز لغة الحجاز والرباعي المهمز لغة تميم. واختلف أهل السير في تاريخ هذه الغزوة فقيل إنَّها وقعت في سنة (4) هـ وهو قول ابن إسحاق وقيل: وقعت في محرم سنة (5) هـ وهو قول ابن سعد ورجح البُخاريّ في صحيحه أنَّها وقعت بعد غزوة خيبر لأنَّ أبا موسى رضي الله عنه شهدها وإنه جاء من الحبشة بغير خيبر. وكان سبب هذه الغزوة أنَّه قد بلغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن بني محارب وبني ثعلبة من غطفان يجمعون كتائب لمحاربته صَلَّى الله عليه وسلم فتوجه النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ومعه أربعمائة من الصّحابة فلقي جمعًا عظيمًا من غطفان ولم يكن بينهم حرب وقد أخاف النَّاس بعضهم بعضًا حتَّى صَلَّى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالنَّاس صلاة الخوف ثم انصرف بالنَّاس راجع سيرة ابن هشام والزرقاني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في المغازي باب غزوة ذات الرقاع [4128] ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله عنها فقال. 4567 - (1767) (112) (حدثني زهير بن حرب حدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسَّان الأزدي البصري ثقة، من (9) (ح وحدثنيه أبو الطَّاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي البصري (واللفظ له حدثني عبد الله بن وهب) القرشي المصري (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني الإمام الأعظم في الفروع والحديث (عن الفضيل بن أبي عبد الله) مولى المهري بفتح فسكون المدني روى عن عبد الله بن نيار في الجهاد والقاسم بن محمَّد ويروي عنه (م د ت س) ومالك بن أنس وبكير بن الأشج قال أبو حاتم: لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من السادسة (عن عبد الله بن نيار) بالنون المكسورة وبالتحتانية بن مكرم الأسلمي المدني روى عن عروة بن الزُّبير في الجهاد وأبي هريرة وسلمان بن ربيعة ويروي عنه (م عم) وفضيل بن أبي عبد الله (عن عروة بن الزُّبير) الأسدي المدني (عن عائشة زوج النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند

أنَّهَا قَالتْ: خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْر. فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ. قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأةٌ وَنَجْدَةٌ. فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ. فَلَمَّا أَدرَكَهُ قَال لِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: جِئتُ لأتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ. قَال لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تُؤمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ " قَال: لَا. قَال: "فَارْجِعْ. فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشرِكٍ". قَالتْ: ثُمَّ مَضَى. حَتّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من سباعياته (أنَّها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة) وهو موضع على أربعة أميال من المدينة قال القاضي عياض: ضبطناه عن شيوخنا بفتح الباء وضبطه بعضهم بإسكانها (أدركه) صَلَّى الله عليه وسلم رجل أي لحقه في الطَّريق رجل اسمه حبيب بن يساف قاله الواقدي في مغازيه عن مشايخه وذكره ابن بشكوال وقد أسلم هذا الرجل (قد كان يذكر منه جرأة) أي شجاعة وهي شدة الإقدام على العدو (ونجده) أي شدة وقوة وهي بمعنى ما قبله إلَّا أن الأولى في القلب والثانية في الجسم أي يذكره النَّاس بالجرأة والنجدة ويصفونه بهما (فـ) ـلما رأوه (فرح أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه) ذلك الرجل (قال) الرجل (لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك) ما تصيب من الغنيمة أي آخذ معك ما تأخذه من الكفارف فـ (ـقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم): هل (تؤمن بالله ورسوله قال) الرجل: (لا) أؤمن بهما (قال) له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إذًا: (فارجع فلن أستعين بمشرك) قال النووي: قد جاء في الحديث الآخر أنَّه استعان بصفوان بن أميَّة قبل إسلامه وقد أخذت طائفة من العلماء بالحديث على إطلاقه أي لم يجيزوا الاستعانة بمشرك على أي حال وقال آخرون: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به وحملوا الحديثين على هذين الحالين ثم إذا حضر المشرك القتال مع المسلمين بالإذن هل يضرب له بسهم كسهم المقاتلين الجمهور على أنَّه لا يضرب له بسهم المقاتلين بل يرضخ له أي يعطى الرضخ وهو عطاء دون السهم وقال الزُّهريّ والأوزاعي بل يسهم له كذا استفيد من النووي والله أعلم (قالت) عائشة: (ثم مضى) الرجل وذهب (حتَّى إذا كُنَّا بالشجرة) أي عند الشجرة التي في ذي الحليفة قال النووي: هكذا هو في النسخ (حتَّى إذا كنا) فيحتمل أن

أَدرَكَهُ الرَّجُلُ. فَقَال لَهُ كَمَا قَال أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَقَال لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَال أَولَ مَرَّةٍ. قَال: "فَارْجِعْ فَلَنْ أَستَعِينَ بِمُشرِكٍ". قَال: ثُمَّ رَجَعَ فَأدْرَكَهُ بِالبَيدَاءِ. فَقَال لَهُ كَمَا قَال أَولَ مَرَّةٍ: "تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولهِ؟ " قَال: نَعَم. فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَانْطَلِقْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة كانت مع المودعين فرأت ذلك ويحتمل أنَّها أرادت بقولها: (كنا) حتَّى إذا كان المسلمون والله أعلم (أدركه) صَلَّى الله عليه وسلم (الرجل) ثانيًا (فقال) الرجل (له) صَلَّى الله عليه وسلم (كما قال) له (أول مرَّة) يعني قوله جئت لأتبعك وأصيب معك (فقال) له (النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم كما قال) له (أول مرَّة) يعني قوله تؤمن بالله ورسوله قال لا (قال فارجع فلن أستعين بمشرك قال) الراوي يعني عائشة (ثم رجع) الرجل (فأدركه) صَلَّى الله عليه وسلم ثالثًا بعدما رجع (بالبيداء) التي بعد ذي الحليفة (فقال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (له) أي للرجل (كما قال أول مرَّة) يعني قوله (تؤمن بالله ورسوله قال) الرجل: (نعم) آمنت بالله ورسوله (فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) إذًا (فانطلق) معنا والحاصل من مجموع الأحاديث أن الأمر في الاستعانة بالمشركين موكول إلى مصلحة الإسلام والمسلمين فإن كان يؤمن عليهم من الفساد وكان في الاستعانة بهم مصلحة فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى إذا كان حكم الإسلام هو الظاهر ويكون الكفار تبعًا للمسلمين عنهم غنى أو كانوا هم القادة والمسلمون تبعًا لهم أو يخاف منهم الفساد فلا يجوز الاستعانة بهم وأمَّا حديث الباب فقد اعتذر عنه من قال بالجواز بأن غزوة بدر كانت أول غزوة غزاها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وكانت هي الفرقان بين الحق والباطل فكره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يستعين فيها بمشرك وأراد أن تقع هذه الغزوة الأولى بأيدي المسلمين خالصة لهم وذكر الحافظ في الفتح [6/ 180] عن بعض العلماء أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم تفرس في الذي قال له لن أستعين بمشرك الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه والله سبحانه وتعالى أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب في المشرك يسهم له [2732]، والترمذي في السير باب ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم [1558]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأوَّل: حديث زيد بن أرقم ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثَّاني: حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جابر ذكره للاستشهاد والثالث: حديث بريدة ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد به ثالثًا والخامس: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة والسادس: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلت إلى هنا في هذا الشَّرح في تاريخ يوم الخميس وقت الضحوة في اليوم الثَّاني من شهر ذي الحجة من سنة 2/ 12 / 1425 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصَّلاة وأزكى التحية وعلى آله وصحابته ذوي المقامات السنية فقلت. * * *

كتاب الإمارة

بسم الله الرحمن الرحيم (33) - كتاب الإمارة ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب الإمارة والإمارة بكسر الهمزة وقيل بفتحها والأول أفصح وأنكر اللغويون فتح الهمزة وقالوا هو لا يعرف كذا في تاج العروس [3/ 18] وهي الإمارة العظمى والولاية الكبرى. وفي نسخة شرح الأبي رحمه الله تعالى: كتاب الإمامة. والإمامة ولاية عامة في الدين والدنيا توجب طاعة موصوفها في غير منهي لا بمعجزة فبعامة يخرج القضاء ونحوه ولا بمعجزة يخرج النبوة ثم قال الآمدي شروط الإمام المتفق عليها ثمانية. الأوَّل أن يكون مجتهدًا في الأحكام الشرعيّة ليستقل بالفتوى وإثبات الأحكام نصًّا واستنباطًا. الثَّاني: أن يكون بصيرًا بأمر الحرب وتدبير الجيوش وسد الثغور إذ بذلك يتم حفظه بيضة الإسلام ولهذا لما انهزم المسلمون كلهم ثبت النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وقال مرتجزًا: أنا النَّبيُّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب الثالث: أن يكون له من قوة النفس ما لا تهوله إقامة الحدود وضرب الرقاب وانصاف المظلوم من الظالم. الرابع: أن يكون عدلًا ثقة ورعًا حتَّى يوثق بما يصدر عنه ولأنَّه أحفظ لبيت المال وصرفه في مصارفه. الخامس: أن يكون بالغًا.

633 - (26) باب اشتراط نسب قريش ـــــــــــــــــــــــــــــ السادس: أن يكون ذكرًا. السابع: أن يكون حرًّا لشغل العبد بحقوق سيده ولاحتقار النَّاس له والأنفة من الدخول تحت حكمه. الثامن: أن يكون نافذ الحكم مطاعًا قادرًا على من خرج من طاعته. فإن قيل: يلزم أن يكون عثمان رضي الله عنه قد خرج عن الإمامة حين حصر في داره لأنَّه لم يكن حينئذٍ قادرًا على الزجر أجيب بأنه كان نافذ الحكم شرقًا وغربًا وقادرًا على الزجر ولكنها هامش عليه أوباش من النَّاس وقصد تسكين الفتنة وأخذ الأمر باللين ولم يعلم ما يؤول الأمر إليه اهـ ما ذكره الآمدي اهـ منه. * * *

633 - (26) باب اشتراط نسب قريش في الخلافة وجواز ترك الاستخلاف

في الخلافة وجواز ترك الاستخلاف 4568 - (1768) (113) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِيَانِ الْحِزَاميَّ). ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ زُهَيرٍ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال عَمْرُو: رِوَايَةً: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ فِي هذَا الشَّأنِ. مُسْلِمُهُم لِمُسلِمِهِم وَكَافِرُهُم لِكَافِرِهِم" ـــــــــــــــــــــــــــــ 633 - (26) باب اشتراط نسب قريش في الخلافة وجواز ترك الاستخلاف 4568 - (1768) (113) (حدَّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقة، من (9) (وقتيبة بن سعيد قالا: حدَّثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام وهذا الجد هو المنسوب إليه في قوله (يعنيان الحزامي) أي القرشي الأسدي الحزامي بكسر الحاء وبالزاي المدني ثقة، من (7) (ح وحدثنا زهير بن حرب وعمرو) بن محمَّد بن بكر (الناقد) البغدادي (قالا: حدَّثنا سفيان بن عيينة كلاهما) أي كل من الحزامي وابن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) الدوسي المدني رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفي حديث زهير) وروايته لفظة (يبلغ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم) أي قال أبو هريرة حالة كونه يوصل قوله ويسنده إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أراد به الدلالة على أن الحديث مرفوع وكذلك المراد بقوله رواية في قوله (وقال عمرو) الناقد في روايته قال أبو هريرة (رواية) عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (النَّاس تبع) أي تابعون جمع تابع كخدم وخادم (لقريش في هذا الشأن) أي في الخلافة (مسلمهم) أي مسلم النَّاس عربًا وعجمًا تبع (لمسلمهم) أي لمسلم قريش (وكافرهم) أي كافر النَّاس في الجاهلية يعني خصوص العرب تبع (لكافرهم) أي لكافر قريشٌ قال الأبي قوله (في هذا الشأن) إشارة لقوله في الحديث الآخر (في الخير والشر)

4569 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنبهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثنَا أبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ فِي هذَا الشَّأنِ. مُسلِمُهُم تبَعٌ لِمسلمِهِم. وَكَافِرُهُم تَبَعٌ لِكَافِرِهِم" ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله سبحانه وكانت الجاهلية تنتظر إسلامهم فلما أسلموا وفتحت مكّة تبعهم النَّاس وجاءت وفود العرب من كل جهة وكذلك حكمهم في الإسلام في تقديمهم للخلافة ذنبه صَلَّى الله عليه وسلم أنَّه كما كان كفار النَّاس تبعًا لقريش في الجاهلية في الخير والشر كذلك يجب أن يتبع مسلمهم لمسلمهم فيكون مسلمهم هو المقدم عليهم وأشعر أن هذا الحكم ما بقيت الدُّنيا وبقي من النَّاس اثنان وقد ظهر ما قاله صَلَّى الله عليه وسلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 242]، والبخاري [3495]، والترمذي [3903]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة فقال. 4569 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدَّثنا عبد الرَّزاق) بن همام الصنعاني (حدَّثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل الصنعاني (قال) همام: (وهذا) الحديث الذي سأذكره لكم (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام للأعرج (النَّاس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم) بتكرار لفظة تبع في موضعين قال القرطبي قوله (في هذا الشأن) يعني به شأن الولاية والإمارة وذلك أن قريشًا كانت في الجاهلية رؤساء العرب وقادتها لأنهم أهل البيت والحرم حتَّى كان العرب تسميهم أهل الله وإليهم كانوا يراجعون في أمورهم ويعتمدون عليهم فيما ينوبهم ولذلك توقف كثير من الإعراب عن الدخول في الإسلام قبل أن تدخل فيه قريش فلما أسلموا ودخلوا فيه أطبقت العرب على الدخول في الدين بحكم أنهم كانوا لهم تابعين ولإسلامهم منتظرين كذا ذكره ابن إسحاق وغيره فهذا معنى تبعية الناس لهم في الجاهلية ثم لما جاء الإسلام استقر أمر الخلافة والملك في قريش شرعًا ووجودًا ولذلك قالت قريش يوم السقيفة

4570 - (1769) (114) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ للأنصار نحن الأمراء فانقادوا لذلك ولم يخالف فيه أحد وهو إجماع السلف والخلف ولا اعتبار بقول النظام إبراهيم بن يسار بن هانئ أبي إسحاق البصري من أئمة المعتزلة توفي سنة (321 هـ) ولا بقول ضرار بن عمرو وأهل البدع من الخوارج وغيرهم إذ قالوا بجواز صحتها لغير قريش لأنهم إمَّا مكفرون وإما مفسقون. ثم إنهم مسبوقون بإجماع السلف ومحجوبون بهذه الأحاديث الكثيرة الشهيرة ويعني بالخير في حديث جابر الآتي ولاية في الإسلام اهـ من المفهم. والقريش هم ولد النضر بن كنانة وقيل هم ولد فهو بن مالك بن النضر وقيل غير ذلك وهذان القولان هما المشهوران المعروفان عند النسابين والفقهاء ويشهد للأول ما روي أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم سئل عن قريش فقال ولد النضر بن كنانة ويشهد للثاني ما نقله الزُّبير بن بكار من إجماع النسابين من قريش وغيرهم على أن قريشًا إنما تفرقت عن فهو ويستأنس له بقول الشَّاعر يذكر جمع قصي لقبائل قريش: قصي لعمري كان يدعى مجمعًا ... به جمع الله القبائل من فهر قال في المصباح وأصل القرش الجمع يقال: تقرشوا إذا تجمعوا وبذلك سميت قريش وقوله في هذا الشأن أي في الخلافة والإمرة لفضلهم على غيرهم كما في القسطلاني وغيره ثم جملة الحديث كان كانت خبرية لكنها بمعنى الأمر أي ائتموا بقريش وكونوا تبعًا لهم يدل عليه قوله صَلَّى الله عليه وسلم في رواية أخرى قدموا قريشًا ولا تقدموها أن ذهني ثم هذا كله إذا وجد في قريش من هو أهل للخلافة أما إذا لم يوجد فيهم من استجمع الشروط المعتبرة في الإمامة المذكورة سابقًا فلا خلاف في جواز عقد الخلافة لغير القرشي وكذلك أظن فيما إذا ضيع النَّاس أنسابهم بحيث لا يتيقن كون الرجل من قريش أو غيرها ثم هذه الشروط إنَّما تعتبر عند عقد الخلافة من قبل أهل الحل والعقد أما إذا تغلب رجل مسلم وصار إمامًا بتغلبه فإنَّه يأخذ أحكام الإمامة ولو فقدت فيه هذه الشروط فتنفذ تصرفاته وتصح التولية من قبله فيجوز تقلد القضاء منه كما صرح به الفقهاء راجع شرح الأشباه والنظائر للحموي [2/ 267]، ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال. 4570 - (1769) (114) (وحدثني يَحْيَى بن حبيب) بن عربي (الحارثي)

حَدَّثَنَا روْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي أبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبدِ الله يَقُولُ: قَال النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ". 4571 - (1770) (115) وحدّثنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أبِيهِ. قَال: قَال عَبْدُ الله: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ هذَا الأَمْرُ فِي قُرَيشٍ، مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثنَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو زكرياء البصري ثقة من العاشرة (حدَّثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكيِّ ثقة، من (6) (حدثني أبو الزُّبير) الأسدي محمَّد بن مسلم بن تدرس المكيِّ (أنَّه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (يقول قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: النَّاس تبع لقريش في الخير) أي في الإسلام (والشر) أي في الكفر وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى من أصحاب الأمهات ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4571 - (1770) (115) (وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفيّ ثقة، من (10) (حدَّثنا عاصم بن محمَّد بن زيد) هذا هو الصواب وفي بعض النسخ عن عاصم بن محمَّد بن يزيد بالياء وهو خطأ لأن من اسمه يزيد ليس في أولاد ابن عمر الاثني عشر (عن أبيه) محمَّد بن زيد (قال) أبوه محمَّد جدِّي (عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر) أي أمر الخلافة دائرًا (في قريش) قال ابن حجر: يعني لا يزال الذي يليها قرشيًّا (ما بقي من النَّاس اثنان) هكذا هو رواية مسلم وفي رواية البُخاريّ ما بقي منهم اثنان قال في الفتح وليس المراد حقيقة العدد وإنَّما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش واستشكل بأن ظاهر الحديث يدل على بقاء هذا الأمر في قريش وانتفائه عن غيرهم مع أنَّه قد خرج عنهم واستقر في غيرهم فكيف يكون خبره مطابقًا للواقع وقد أجيب بعدة أجوبة أوردها في الفتح منها أن المراد بالحديث الأمر وإن كان لفظه لفظ الخبر والمعنى لا تعتقدوا الإمامة الكبرى إلَّا لقرشي فلا يدل على انتفائها لغيره وهذا ما استظهره ابن حجر ويقرب منه ما قاله القرطبي من أن الخبر فيه إخبار عن المشروعية أي فلا تستحق الإمامة شرعًا إلَّا لقريش فلا ينافي وقوعها لغيرهم وشارك المؤلف في رواية

4572 - (1771) (116) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَينٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثَمِ الْوَاسِطِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الله الطَّحَّانَ) عَنْ حُصَينٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: دَخَلْتُ مَعَ أبِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ هذَا الأَمرَ لَا يَنقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثنَا عَشَرَ خَلِيفَة" ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث البُخاريّ أخرجه في المناقب باب مناقب قريش [3501]، وفي الأحكام باب الأمراء من قريش [7140]، ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4572 - (1771) (116) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفيّ ثقة، من (8) (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفيّ ثقة، من (5) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة بضم الجيم بعدها نون السوائي بضم المهملة وبالمد الكوفيّ الصحابي ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته (قال) جابر: (سمعت النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم أبو سعيد (الواسطيِّ) مقبول من (10) لم يرو عنه غير مسلم (واللفظ له حدَّثنا خالد يعني ابن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطيِّ (الطحان) ثقة، من (8) (عن حصين) بن عبد الرحمن التميمي (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) جابر: (دخلت مع أبي) سمرة (على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسمعته) صَلَّى الله عليه وسلم (يقول أن هذا الأمر) يعني أمر الخلافة (لا ينقضي) أي إن عزة الإسلام وقوة الدين وصلاح حال المسلمين لا ينتهي ولا يضعف كما تدل عليه الرِّوايات التالية من قوله صَلَّى الله عليه وسلم لا يزال أمر النَّاس ماضيًا وقوله لا يزال الإسلام عزيزًا وقوله لا يزال هذا الدين عزيزًا (حتَّى يمضي) ويمر (فيهم اثنا عشر خليفة) وقد تردد العلماء في المعنى المراد بهذا فقالوا يحتمل أن يكون المراد بالاثني عشر خليفة مستحقي الخلافة من أئمة العدل ويحتمل أن يكون المراد اجتماعهم في زمن واحد يفترق النَّاس عليهم فتتبع كل طائفة واحدًا منهم قالوا ويعضد هذا التأويل حديث مسلم الآتي سيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأوَّل فالأول ويحتمل أن يكون المراد بالاثني عشر الذين يكون معهم إعزاز الخلافة وسياسة إمارة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام واجتماع النَّاس كلهم على كل واحد منهم ويؤيد هذا ما وقع في رواية أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمة اهـ من النووي والأبي وهذا الحديث حديث عده بعض العلماء من المشكلات لعدم تعين مصداقه فاختلف في تفسيره أقوال الشراح وإليكم خلاصة ما قالوا والتفسير الذي رجحه الحافظ في الفتح [13/ 210] بعد كلام طويل هو ما ذكره بقوله وينتظم من مجموع ما ذكره ابن الجوزي والقاضي عياض أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي وهو أن المراد أن يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقول بالخلافة لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة كلهم يجتمع عليه النَّاس وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمي معاوية يومئذٍ بالخليفة ثم اجتمع النَّاس على معاوية عند صلح الحسن ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزُّبير ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثَّاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع النَّاس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليها فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذٍ ولم يتفق أن يجتمع النَّاس على خليفة بعد ذلك لأنَّ يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمَّد بن مروان ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان (يعني الحمار) ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة إلَّا الاسم في بعض البلاد بعد أن كانوا في أيَّام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقًا وغربًا وشمالًا ويمينًا مما غلب عليه المسلمون ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلَّا بأمر الخليفة ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا

قَال: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلامٍ خَفِيَ عَلَيَّ. قَال: فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟ قَال: "كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ". 4573 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَزَالُ أَمرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثنَا عَشَرَ رَجُلًا". ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون المراد بقوله يكون الهرج يعني القتل الناشئ من الفتن وقوعًا فاشيًا ويستمر ويزداد على مدى الأيَّام وكذا كان والله المستعان اهـ (قال) جابر: (ثم تكلم) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (بكلام خفي عليَّ) ولم أفهمه (قال) جابر: (فقلت لأبي ما) ذا (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين أسر بكلامه (قال) أبي قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين أسر (كلهم) أي كل من الاثني عشر (من قريش) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الأحكام باب الاستخلاف [7222 و 7223] وأبو داود في كتاب المهدي [4279 و 4280] والترمذي في الفتن [2223]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4573 - (00) (00) (حدَّثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبي عمر القبطي الكوفيّ ثقة، من (2) (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لحصين بن عبد الرحمن (قال) جابر: (سمعت النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر النَّاس) وسياسة المسلمين في دينهم ودنياهم (ماضيًا) أي عزيزًا قويًّا نافذًا (مَّا وليهم اثنا عشر رجلًا) من الخلفاء قيل: هذا إخبار عن الولايات الواقعة بعده صَلَّى الله عليه وسلم وبعد أصحابه وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أميَّة ثم عدد هذا القائل ملوكهم فقال أولهم يزيد بن معاوية ثم أتبعه معاوية بن يزيد بن معاوية قالوا: ولم يذكر ابن الزُّبير لأنَّه صحابي ولا مروان لأنَّه غاصب لابن الزُّبير ثم عبد الملك ثم الوليد ثم سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد بن الوليد ثم إبراهيم بن الوليد ثم مروان بن محمَّد فهؤلاء اثنا عشر رجلًا ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس اهـ من المفهم (ثم تكلم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بكلمة

خَفِيَتْ عَلَيَّ. فَسَألتُ أَبِي: مَاذَا قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: "كُلُّهُم مِنْ قُرَيش". 4574 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "لَا يَزَالُ أَمرُ النَّاسِ مَاضِيًا". 4575 - (00) (00) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأزْدِي. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا يَزَالُ الإسلامُ عَزِيزًا إِلَى اثنَي عَشَرَ خَلِيفَةَ" ثُمَّ قَال كَلِمَةً لَم أَفهَمهَا. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ خفيت عليَّ فسألت أبي ماذا قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) حين خفض كلامه (فقال) أبي قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين أسر (كلهم من قريش) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4574 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدَّثنا أبو عوانة) الوضّاح بن عبد الله اليشكري الواسطيِّ (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفيّ صدوق من (4) (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته أيضًا غرضه بيان متابعة سماك بن حرب لمن روى عن جابر بن سمرة (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وساق سماك (بهذا الحديث) السابق (ولم يذكر) سماك لفظة (لا يزال أمر النَّاس ماضيًا) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4575 - (00) (00) (حدَّثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي (الأزدي) أبو خالد البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (8) (عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لأبي عوانة (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام) أي دينه (عزيزًا) أي قويًّا نافذ الحكم (إلي) مضي (اثني عشر خليفة) قال جابر: (ثم قال كلمة لم أفهمها) أي لم أفهم معناها لخفض الصوت بها (فقلت لأبي) سمرة بن جنادة (ما) ذا (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم

فَقَال: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيشٍ". 4576 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: قَال النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ هذَا الأَمْرُ عَزِيزًا إِلَى اثنَي عَشَرَ خَلِيفَةً". قَال: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيءٍ لَم أَفْهَمْهُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟ فَقَال: "كُلُّهُم مِنْ قُرَيشٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حين خفض صوته (فقال) أبي قال (كلهم من قريش) ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4576 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري أبي بكر البصري ثقة، من (5) (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) الكوفيّ ثقة، من (3) (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الشعبي لمن روى عن جابر (قال) جابر (قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر) أي هذا الدين (عزيزًا إلي) مضي (اثني عشر خليفة قال) جابر (ثم تكلم) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (بشيء) أي بكلام (لم أفهمه) أي لم أفهم معناه (فقلت لأبي) سمرة (ما) ذا (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين خفض صوته (فقال) أبي قال (كلهم من قريش) قال القاضي عياض قد توجه هنا سؤالان أحدهما أنه قد جاء في الحديث الآخر الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة فإنَّه لم يكن في ثلاثين سنة إلَّا الخلفاء الراشدون الأربعة والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي قال: والجواب عن هذا أن المراد في حديث الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاء مفسرًا في بعض الرِّوايات خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا ولم يشترط هذا في الاثني عشر والسؤال الثَّاني أنَّه قد ولي أكثر من هذا العدد قال: هذا اعتراض باطل فإنَّه صَلَّى الله عليه وسلم لم يقل لا يلي إلَّا اثنا عشر خليفة وإنما قال يلي وقد ولي هذا العدد ولا يضرهم كونه وجد بعدهم غيرهم ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين ويحتمل أن المراد من يعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال.

4577 - (00) (00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِي الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَزْهَرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: انْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي أَبِي. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَا يَزَالُ هَذَا الدينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إلَى اثنَي عَشَرَ خَلِيفَةً" فَقَال كَلِمَةً صَمَّنِيهَا النَّاسُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَا قَال؟ قَال: "كُلْهُم مِنْ قُرَيشٍ". 4578 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4577 - (00) (00) (حدَّثنا نصر بن علي) بن نصر (الجهضمي) البصري (حدَّثنا يزيد بن زريع) التَّيميُّ العيشي أبو معاوية البصري ثقة، من (8) (حدَّثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني أبو عون البصري ثقة ثبت من (6) (ح وحدثنا أحمد بن عثمان النوفلي) البصري ثقة، من (11) (واللفظ له حدَّثنا أزهر) بن سعد السمان الباهلي البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما وهذان السندان من خماسياته غرضه بسوقهما بيان متابعة ابن عون لداود بن أبي هند (قال) جابر: (انطلقت) أي ذهبت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أبي) سمرة (فسمعته) صَلَّى الله عليه وسلم (يقول: لا يزال هذا الدين) الإسلامي (عزيزًا) أي قويًّا بانتصاره (منيعًا) أي ممتنعًا من أعدائه (إلي) مضي (اثني عشر خليفة فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أي تكلم (كلمة صمنيها) أي أصمني عن سماعها (النَّاس) لكثرة كلامهم وارتفاع أصواتهم يعني جعلوني أصم بالنسبة إليها فلم أسمعها قال في المصباح لا يستعمل الثلاثي متعديًا ونقل ابن الأثير في النهاية الحديث هكذا أصمنيها النَّاس أي شغلوني عن سماعها فكأنهم جعلوني أصم بالنسبة لها (فقلت لأبي ما) ذا (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (قال) أبي قال في تلك اللحظة (كلهم من قريش) ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4578 - (00) (00) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدَّثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) العبدري المدني صدوق من (8) (عن المهاجر بن مسمار) أخي بكير بن مسمار الزُّهريّ مولاهم مولى سعد بن أبي وقاص المدني روى عن عامر بن

عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَال: كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، مَعَ غُلامِي نَافِعٍ: أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيءٍ سَمِعْتَهُ مِن رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَكَتَبَ إِليَّ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِيُّ، يَقُولُ: "لَا يَزَالُ الدينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. أَوْ يَكُونَ عَلَيكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً. كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيشٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد بن أبي وقاص في الجهاد والحوض وعن عائشة بنت سعيد ويروي عنه (م) وحاتم بن إسماعيل وابن أبي ذئب وموسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول من السابعة (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزُّهريّ المدني ثقة، من (3) (قال) عامر: (كتبت إلى جابر بن سمرة) رسالة أرسلتها إليه (مع غلامي نافع) وهو ابن عمة عامر بن سعد لأنَّ والدة جابر بن سمرة خالدة بنت أبي وقاص أخت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم كما في الإصابة كتب هذه المذكورات لأنَّه يحتمل أنَّها التي حضرته ويحتمل أنَّها التي حل الحال على الحاجة إليها اهـ من الأبي أي كتبت إليه بـ (ـأن) أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في حياته وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة عامر بن سعد لمن روى عن جابر بن سمرة (قال) عامر: (فكتب إلي) جابر بأني (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم) أي قتل فيه بالحجارة حدًّا ماعز بن مالك (الأسلمي) وهذا معارض لما رواه أحمد في مسنده من رواية الشعبي من أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال هذا الكلام في حجة الوداع ولكن الظاهر أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم قاله مرتين مرَّة في حجة الوداع ومرَّة يوم رجم ماعز بن مالك رضي الله عنه لأنَّ سياق الروايتين مختلف فحملهما على تعدد الواقعتين غير بعيد وأفادت هذه الرِّواية أن رجم ماعز وقع يوم الجمعة والله أعلم أي سمعته صَلَّى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول لا يزال) هذا الدين الإسلامي (قائمًا) أي مستقيمًا على نهجه وإقامة حدوده وتنفيذ أحكامه (حتَّى تقوم الساعة) أي حتَّى يقرب قيامها لأن القيامة لا تقوم إلَّا على لكع بن لكع (أو يكون) ويمضي (عليكم) اثنا عشر خليفة أي لا يزال قائمًا ثابتًا إلى أن يمر عليكم اثنا عشر خليفة (كلهم من قريش) قال القرطبي قوله (قائمًا) أي عزيزًا ممتنعًا كما جاء مفسرًا في الرِّواية الأخرى وقوله (أو يكون عليكم) ضبطناه على من يوثق بضبطه بالنصب وتكون (أو) بمعنى (إلى أن) كقول امرئ القيس:

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "عُصَيبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيتَ الأَبْيَضَ. بَيتَ كِسْرَى. أَوْ آل كِسْرَى". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِن بَينَ يَدَي السَّاعَةِ كَذَّابِينَ فَاحْذَرُوهُمْ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِذَا أَعْطَى اللهُ أَحَدَكُمْ خَيرًا فَليَبْدَأ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيتِهِ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَنا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فقلت له لا تبك عينك إنَّما ... نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا وقد دلت على هذا المعنى الرِّواية الأخرى وهي قوله لا يزال هذا الأمر قائمًا عزيزًا إلى اثني عشر خليفة من قريش يعني به أنَّه لا تزال عزة دين الإسلام قائمة إلى اثني عشر خليفة من قريش اهـ من المفهم (وسمعته) صَلَّى الله عليه وسلم أيضًا (يقول عصيبة) تصغير عصبة وهي الجماعة القليلة من النَّاس قيل: أقلهم أربعون ويحتمل أن يكون هذا التصغير للمفتتحين لقلة من يباشر فتح البيت أي بيت كسرى وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله (من المسلمين) وخبره جملة قوله (يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو) قال بيت (آل كسرى) بالشك من الراوي والبيت الأبيض لقب لقصر كسرى وكسرى لقب لكل من ملك الفرس ووصفه بالأبيض لأنَّه كان مبنيًّا بالجص ومزخرفًا بالفضة وهذا من معجزاته صَلَّى الله عليه وسلم الظاهرة فإن المسلمين قد فتحوا بلاد فارس واستولوا على مملكة كسرى في زمن عمر رضي الله عنه وقد كانوا قليلًا بالنسبة إلى جيوش الفرس ولعلّه صَلَّى الله عليه وسلم أراد بالبيت الأبيض قصر الأكاسرة المشهور وكان من العجائب (وسمعته يقول: إن بين يدي الساعة) أي قدام الساعة (كذابين) دجالين (فاحذروهم) أي احذروا واجتنبوا عن اتباعهم فيضلوكم (وسمعته يقول: إذا أعطى الله أحدكم خيرًا) أي مالًا (فليبدأ) في الإنفاق (بنفسه وأهل بيته) أي زوجته (وسمعته يقول أنا الفرط) أي السابق لكم إلى الآخرة المنتظر لكم (على الحوض) لسقيكم منه قوله (يفتتحون البيت الأبيض) وقد افتتحت قصور كسرى في خلافة عمر بيد سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما ويروى أن سعد بن أبي وقاص خاض دجلة وهي مطلع إلى دار كسرى فما بلغ الماء إلى حزام الفرس وما ذهب معه من المسلمين إلى شيء ووجدوا قبابًا مملوءة سلالًا فيها آنية الذَّهب والفضة ووجدوا كافورًا كثيرًا فظنُّوه ملحًا فعجنوا به فوجدوا مرارته وكان في بيوت كسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف دينار ثلاث مرات قوله (إن بين يدي الساعة كذابين) يفسره الحديث الآخر الذي قال فيه (لا تقوم الساعة حتَّى يخرج ثلاثون كذابون

4579 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي فُدَيكٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئبٍ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ أرْسَلَ إِلَى ابْنِ سَمُرَةَ الْعَدَويِّ: حَدَّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: سمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلهم يزعم أنَّه نبي وأنا خاتم النبيين) ذكره الهيتمي في مجمع الزوائد [5/ 315] وقوله (إذا أعطى الله أحدكم خيرًا) والظاهر أن المراد منه المال وهذا كقوله صَلَّى الله عليه وسلم في الحديث الآخر (إبدأ بنفسك ثم بمن تعول) أخرجه النَّسائيّ وابن حبان وكقوله في حديث آخر أيضًا (إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته عليه) ذكره ابن عبد البر في التمهيد ومعنى هذا الأمر الابتداء بالأهم فالأهم والأولى فالأولى كما مر في كتاب الزكاة ويحتمل أن يكون المراد كل خير من العلم وغيره فيكون المقصود الأمر ببداية الدعوة والتبليغ بنفسه وعياله والله أعلم قوله (إنا الفرط على الحوض) والفرط بفتحتين من يسبق من القافلة إلى الماء ليهيئه ويصلحه ويهيئ جميع ما يحتاجون إليه من الدلاء والأرشية ويقال له الفارط أيضًا من الفرط بسكون الراء وهو السبق والتقدم والمعنى أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم يسبق أمته إلى الحوض وينتظر هناك ورودهم عليه ليسقيهم منه والله سبحانه وتعالى أعلم وهذه الرِّواية شارك المؤلف في روايتها أحمد في مسنده [5/ 89]، ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4579 - (00) (00) (حدَّثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حدَّثنا) محمَّد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي مولاهم المدني صدوق من (8) (حدَّثنا) محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي المدني ثقة، من (7) (عن مهاجر بن مسمار) الزُّهريّ مولاهم المدني (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (إنَّه أرسل) رسالة مع غلامه نافع (إلى) جابر بن سمرة العدوي هذا تصحيف من النساخ لأنَّ جابر بن سمرة ليس عدويًا إنَّما هو عامري سوائي حليف بني زهرة فلعل أحد النساخ حرف العامري إلى العدوي غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي ذئب لحاتم بن إسماعيل أي كتب إليه بأن (حدَّثنا) بصيغة الأمر (مَّا سمعت من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال) جابر: (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول): الحديث (فذكر) ابن أبي ذئب (نحو حديث حاتم) بن إسماعيل والله أعلم.

4580 - (1772) (117) حدَّثنا أبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: حَضَرْتُ أبِي حِينَ أُصِيبَ. فَأثْنَوْا عَلَيهِ. وَقَالُوا: جَزَاكَ اللهُ خَيرًا. فَقَال: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4580 - (1772) (117) (حدَّثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفيّ (عن هشام بن عروة) بن الزُّبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزُّبير (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر: (حضرت أبي) أي شهدت عنده حين أصيب وطعن يعني حين جرح بيد أبي لؤلؤة فيروز النصراني غلام المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وكان قد سأل عمر رضي الله عنه تخفيف خراجه فقال عمر رضي الله عنه ليس خراجك بكثير في جنب ما تحسن من الأعمال فانصرف ساخطًا ثم مر بعمر يومًا آخر وهو قاعد قال له عمر: ألم أحدث أنك قلت لو شئت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت فالتفت العبد إلى عمر ساخطًا وقال: لأضعن لك رحى يتحدث بها المشرق والمغرب فلما ولى العبد قال للرهط الذين معه توعدني العبد ثم اشتمل العبد على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه وكمن في زاوية من زوايا المسجد حتَّى خرج عمر رضي الله عنه يوقظ النَّاس لصلاة الفجر وكان رضي الله عنه يفعل ذلك فلما دنا عمر رضي الله عنه وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته وطعن أبيضًا ثلاثة عشر رجلًا من أهل المسجد فمات منهم سبعة وبقي ستة فأقبل رجل من بني تميم يقال له حطان بن مالك فألقى عليه كساء ثم احتضنه فلما رأى العبد أنَّه مأخوذٌ نحر نفسه بخنجره فمات إلخ ما في الأبي (فأثنوا) أي فأثنى النَّاس (عليه) أي على عمر ومدحوه بأعماله الصالحة في خدمة الإسلام والمسلمين (وقالوا) له: (جزاك الله) سبحانه وتعالى على حسناتك (خيرًا) كثيرًا وثوابًا جسيمًا قال الأبي: الثّناء في الحضرة إنَّما يمتنع في حق من لا يؤمن عليه وأمَّا في مثل عمر ولا سيما في مشارفة الموت فلا اهـ. (فقال) عمر للنَّاس حين أثنوا عليه (راغب وراهب) بالرَّفع على أنَّه خبر لمحذوف تقديره أنا راغب فيما عند الله تعالى من النعيم في الآخرة راج فيه وراهب خائف من

قَالُوا: استَخلِف. فَقَال: أَتَحَمَّلُ أَمرَكُم حَيًّا وَمَيِّتًا؟ لَوَدِدتُ أَنَّ حَظِّي مِنهَا الكَفَافُ. لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَإِن أَستَخْلِف ـــــــــــــــــــــــــــــ عذابه فلا أعول على ما أثنيتم عليَّ وقيل مبتدأ خبره محذوف أي منكم راغب ومنكم راهب أي منكم من رغب في الثّناء علي لغرض له ومنكم من رهب منه لما يخاف منه وقيل راغب في الخلافة لنيل منصبها وراهب منها لعظم حقوقها وشدتها وقيل أنا راغب في الاستخلاف لئلا يضيع المسلمون وراهب منه لئلا يفرط المستخلف ويقصر فيما يجب عليه من الحقوق وكل محتمل اهـ قرطبي (قالوا) له: (استخلف) أي عين لنا خليفة يقوم مقامك (فقال) عمر لهم: (أتحمل أمركم حيًّا وميتًا) هذا استفهام إنكاري على حذف أداته أي هل أتحمل أموركم وشؤونكم أيها المسلمون حيًّا وميتًا أي لا أتحمل أموركم بعد مماتي كما تحملته في حياتي أما تحمله أمور المسلمين في حياته فظاهر وأمَّا تحمله بعد وفاته فمراده أنني لو استخلفت أحدًا لكانت عهدة ما يفعله في عنقي وأنا ميت وهذا ينبيء عن كيفيته النفسية في شدة شعوره بمسؤولية الخلافة رضي الله عنه. قال الأبي فيه أن المستخلف لأحد مؤاخذ بما يفعل ذلك الأحد وهذا إذا لم يبالغ المستخلف في الاجتهاد في المصححات للاستخلاف فإن (قلت) عمر لا يقصر في الاجتهاد لو اجتهد فكان يجتهد ويستخلف (قلت) الإنسان في اجتهاده قد لا يصيب كما قال هو في اجتهاد نفسه إن يكن صوابًا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشَّيطان مع أنَّه عارضه أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم لم يستخلف اهـ من الأبي. والله (لوددت) أي لأحببت وتمنيت (أن حظي) ونصيبي منها أي من الخلافة (الكفاف) أي عدم الثواب وعدم العقاب والكفاف في الأصل مقدار الحاجة من المال من غير زيادة ولا نقص وفسره هنا بقوله (لا علي) العقاب بسببها (ولا لي) الثواب عليها وهذا يقول لشدة ورعه وقيل إن قوله لوددت أن حظي الكفاف يحتمل معنيين الأوَّل أن يكون المراد من الكفاف ما كان يأخذه عمر رضي الله عنه من بيت المال لقضاء حوائجه والمقصود أني عملت بالاحتياط البالغ في أمر الخلافة في حياتي فكيف أثق على أحد أنَّه يحتاط بمثل ذلك بعد موتي والاحتمال الثَّاني أن يكون المراد من الكفاف الأجر في الآخرة والمقصود أنني أستكثر لنفسي أن أتخلص من حساب الخلافة في الآخرة بدون وزر ولا أجر وهذا من شدة ورعه وخشيته رضي الله عنه (فإن أستخلف) واحدًا منكم

فَقَدِ استَخْلَفَ مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي (يَعنِي أَبَا بَكرٍ). وإن أَتْرُككُم فَقَد تَرَكَكُمْ مَن هُوَ خَيرٌ مِنِّي، رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال عَبْدُ الله: فَعَرَفتُ أَنَّهُ، حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، غَيرُ مُستَخلِفٍ. 4581 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ (قَال إِسْحَاقُ وَعَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ). أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مقامي (فـ) ـلا بدع ولا غرابة في استخلافه لكم لأنَّه (قد استخلف) فيكم (من هو خير) وأفضل (مني يعني أبا بكر) رضي الله عنه استدل عمر رضي الله عنه على جواز الاستخلاف بفعل أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه فإنَّه استخلف عمر رضي الله عنه وعلى جواز الاستخلاف انعقد الإجماع (وإن أترككم) فوضى بلا استخلاف مني (فقد ترككم) فوضى بلا استخلاف من هو خير مني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فلا بدع ولا غرابة في ترككم بلا استخلاف (قال عبد الله) بن عمر راوي الحديث (فعرفت أنَّه) أي أن عمر (حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف) خبر إن يعني أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ترك الاستخلاف وجعل الأمر شورى وهذا من أوضح الدلائل على أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم يوص لأحد بالخلافة صراحة فقول الشيعة إنَّه صَلَّى الله عليه وسلم عهد لعلي رضي الله عنه بالخلافة قول مردود ليس له قائمة في الأحاديث والآثار الصحيحة ثم إن عمر سلك طريقًا بين طريقتين جمعت له الاقتداء بهما فاقتدى برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في أنَّه لم ينص على واحد بعينه فصدق عليه أنَّه غير مستخلف واقتدى بأبي بكر من حيث إنَّه لم يترك أمر المسلمين مهملًا فإنَّه جعل الأمر شورى في ستة ممن يصلح للخلافة وفوض التعيين لاختيارهم اهـ من المفهم مع زيادة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ [4108]، وأبو داود [2939]، والترمذي [2226]، ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4581 - (00) (00) (حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم و) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (ومحمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (وألفاظهم متقاربة قال إسحاق وعبد أخبرنا وقال الآخران: حدَّثنا عبد الرَّزاق أخبرنا معمر) بن راشد (عن

الزهْرِيّ. أخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى حَفصَةَ فَقَالت: أَعَلِمْتَ أن أبَاكَ غَيرُ مُستَخْلِفٍ؟ قَال: قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ. قَالت: إِنَّهُ فَاعِل. قَال: فَحَلَفْتُ أَنِّي أُكَلِّمُهُ فِي ذلِكَ. فَسَكَت. حَتَّى غَدَوْتُ. وَلَمْ أُكَلِّمهُ. قَال: فَكُنتُ كَأنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلًا. حَتَّى رَجَعْتُ فَدَخَلتُ عَلَيهِ. فَسَألَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزُّهريّ أخبرني سالم) بن عبد الله بن عمر (عن) أبيه (بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عمر: (دخلت على) شقيقتي (حفصة) بنت عمر زوج النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (فقالت) لي حفصة: (أعلمت) أي هل علمت (أن أباك غير مستخلف) أي غير مريد الاستخلاف (قال) ابن عمر (قلت) لها (ما كان) أبي عمر (ليفعل) ذلك أي ترك الاستخلاف بنصب الفعل بعد اللام لأنها لام جحود مسبوقة بكان المنفية بما كما قال بعضهم: فكل لام بعد ما كانا ... أو لم يكن فبالجحود بانا يعني ما كان ليترك الاستخلاف (قالت) حفصة: (إنَّه) أي إن أباك (فاعل) ذلك أي ترك الاستخلاف تعني أنَّه لا يستخلف أحدًا (قال) ابن عمر: (فحلفت) أي أقسمت على (أني كلمه في ذلك) أي في طلب الاستخلاف منه (فسكت) بتشديد التاء لأنَّه أدغمت تاء الكلمة في تاء المتكلم أي سكت عن تكليمه في هذا اليوم (حتَّى غدوت) وذهبت إليه في الغد قال الذهني أي حتَّى ذهبت إليه غدوة هذا هو الأصل في معنى الكلمة ثم أكثر استعمالها حتَّى استعملت في الذهاب والانطلاق أي وقت كان كما أفاده في المصباح والغدوة ما بين صلاة الصبح وطلوع الشَّمس أي فسكت في اليوم الأوَّل الذي أقسمت فيه حتَّى غدوت وبكرت إليه في اليوم الثَّاني لأكلمه (ولم أكلمه) حين غدوت إليه للتكليم هيبة منه (قال) ابن عمر: (فكنت) بعد قسمي (كأنما أحمل) فوق رأسي (بـ) ـسبب (يميني) وقسمي (جبلًا) من جبال الأرض يعني ثقل عليه أن يكلمه فيه حتَّى كأنه يحمل جبلًا يعني كان يشق عليه أن يتكلم عند عمر رضي الله عنه في هذا الأمر إما لأن الموضوع خطير ومكالمة الفاروق في ذلك مهيب وإما لأنه كان الحض على الاستخلاف في موضع تهمة فربما يخيل إلى بعض النَّاس أن يطمع هو في استخلاف نفسه ولم أزل كذلك (حتَّى رجعت) إليه ثانيًا (فدخلت عليه فسألني عن حال النَّاس) هل هم متفقون في شؤونهم

وَأَنا أُخْبِرُهُ. قَال: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالةً. فَآلَيتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ. زَعَمُوا أنَّكَ غَيرُ مُسْتَخْلِفٍ. وإنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَم ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا رَأَيتَ أن قَد ضَيَّعَ. فَرِعَايَةُ النَّاسِ أشَدُّ. قَال: فَوَافَقَهُ قَوْلِي. فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ إِليَّ. فَقَال: إِن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحفَظُ دِينَهُ. وَإِني لَئِنْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الدينية والدنيوية أم مختلفون (وأنا) أي والحال أني (أخبره) عن أحوال النَّاس (قال) ابن عمر (ثم قلت له) أي لعمر (إني سمعت النَّاس يقولون مقالةً) ويتحدثونها فيما بينهم (فـ) ـلما سمعتها (آليت) أي حلفت وأقسمت من الإيلاء وهو الحلف أي أقسمت على (أن أقولها) وأخبرها (لك) وأن أسألك عنها (زعموا) أي زعم النَّاس وقالوا (إنك) يا والدي (غير مستخلف) أي غير مريد الاستخلاف أي استخلاف أحد مقامك (و) أنا أقول لك يا والدي (لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم) أو للتفصيل والتنويع لا للشك (ثم جاءك) ذلك الراعي (و) الحال أنه قد (تركها) أي ترك تلك المواشي فوضى بلا راع وذكر جواب لو بقوله هل (رأيت أن قد ضيع) من التضييع أي هل علمت أنَّه قد ضيع تلك المواشي أي جعلها ضائعة يأكلها السباع ويأخذها من شاء يعني أنك هل تؤاخذ الراعي بأنه ضيع المواشي بتركها بلا راع (فـ) ـكذلك (رعاية النَّاس) وإصلاح أمورهم (أشد) أي أهم من رعاية المواشي فكيف تترك النَّاس فوضى بلا خليفة. والمعنى إذا كان راعي المواشي يعد مقصرًا بتركه لها دون أن يستخلف عليها من يقوم على حفظها فالإمام الذي يترك النَّاس غير مستخلف عليهم أحدًا أجدر أن يكون مهملًا مقصرًا لأنَّ الأمر في حفظ النَّاس ورعايتهم أشد وآكد وقوله (ضيع) هي هنا بمعنى فرط وأهمل قوله (فرعاية النَّاس) أي سياستهم وتدبير شؤونهم (قال) ابن عمر (فوافقه) أي فوافق عمر (قولي) وقبله مني ورضيه (فوضع رأسه) على مخدة (ساعة) أي زمنًا قليلًا ليفكر في قولي هذا ويرد لي الجواب (ثم) بعد ساعة (رفعه) أي رفع رأسه (إلى فقال) لي: (إن الله عزَّ وجل يحفظ دينه) لا يضيعه قال الأبي يعني أن الفرق بين ما ذكرت من قضية الراعي وبين قضيتنا أن رب الغنم لا يقدر على حفظها إذا تركها الراعي لغيبته عنها والله سبحانه يحفظ دينه وإني تركت الاستخلاف لما وعد به من ذلك في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} وإذا ظهر الفرق بين القضيتين فلي في عدم الاستخلاف أكبر أسوة وأعظم احتجاج وهو فعله صَلَّى الله عليه وسلم ثم قال عمر: (وإني لئن لا

أسْتَخْلِف فَإِن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَم يَسْتَخْلِف. وإنْ أَستَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ. قَال: فَوَ اللهِ، مَا هُوَ إلا أَن ذَكَرَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا. وَأنَّهُ غَيرُ مُسْتَخْلِفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أستخلف) فلي أسوة حسنة (فإن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم يستخلف وإن أستخلف) فلي قدوة أيضًا (فإن أبا بكر قد استخلف قال) ابن عمر: (فوالله ما هو) أي الشأن (إلَّا أن ذكر) عمر (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأبا بكر) رضي الله عنه قال ابن عمر (فعلمت) من ذكره لهما (أنَّه) أي أن عمر (لم يكن ليعدل) بالنصب لأنَّ اللام لام جحود ليساوي (برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا) من النَّاس (وعلمت) من كلامه (أنَّه غير مستخلف) فكان الأمر كذلك ثم إن عمر رضي الله عنه اختار أمرًا بين أمرين فلم يستخلف أحدًا بعينه ولا ترك الأمر دون إرشاد وإنما فوض تعيين الخليفة إلى ستة من العشرة المبشرة فاتفقوا على عثمان رضي الله عنه وقد حصل من هذا الحديث أن نصب الإمام لا بد منه وأن لنصبه طريقين أحدهما اجتهاد أهل الحل والعقد والآخر النَّصُّ إمَّا على واحد بعينه وإما على جماعة بأعيانها ويفوض التخيير إليهم في تعيين واحد منهم وهذا مما أجمع عليه السلف الصالح ولا مبالاة بخلاف أهل البدع في بعض هذه المسائل فإنهم مسبوقون بإجماع السلف وأيضًا فإنهم لا يعتد بخلافهم فإنهم إمَّا مكفرون وإما مفسقون مبدعون ومن كان كذلك لا يعتد بخلافه كما قال بعضهم: وليس كل خلاف جاء معتبرًا ... إلا خلافًا له حظ من النظر والمسألة إجماعية قطعية والله أعلم اهـ من المفهم وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأوَّل: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثَّاني: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة والثالث: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا والرابع: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه سبع متابعات والخامس: حديث ابن عمر الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء العشرون دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ- 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية دار طوق النجاة بيروت- لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهُ اللهُ الله ... يا كل مقصودي اللهُ يا برد فؤادي الله ... بكأس ودادي الله فوضت أموري إليك ... دنيا ودينًا عمومًا من شاء أن يحتوي آماله جملا ... فليتخذ ليله في دركها جملا أقلل طعامك كي تحظى به سهرا ... إن شئت يا صاحبي أن تبلغ الكملا

634 - (27) باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها وفضل الإمام المقسط وإثم القاسط

634 - (27) باب النَّهي عن طلب الإمارة والحرص عليها وفضل الإمام المقسط وإثم القاسط 4582 - (1773) (118) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَمُرَةَ. قَال: قَال لِي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يا عَبدَ الرَّحْمنِ! لَا تَسْألِ الإمَارَةَ. فَإنَّكَ إِنْ أُعطِيتَهَا، عَنْ مَسألَةٍ، أُكِلْتَ إلَيهَا. وإنْ أُعطِيتَهَا، عَنْ غيرِ مَسألَة، أُعِنْتَ عَلَيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 634 - (27) باب النَّهي عن طلب الإمارة والحرص عليها وفضل الإمام المقسط وإثم القاسط 4582 - (1773) (118) (حدَّثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدَّثنا جرير بن حازم) بن زيد الأزدي البصري ثقة، من (6) (حدَّثنا الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري مولاهم أبو سعيد البصري ثقة، من (3) (حدَّثنا عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس العبشمي أبو سعيد البصري الصحابي الجليل من مسلمة الفتح رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) عبد الرحمن: (قال) لي (رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة) أي لا تطلب الولاية على عمل من أعمال هذا الدين من الإمام أو ممن دونه (فإنك إن أعطيتها عن مسألة) أي بسبب مسألتك أو بعد مسألتك فعن هنا بمعنى الباء السببية أو بمعنى بعد على حد قول العجاج: (ومنهل وردته عن منهل) أي بعد منهل أفاده القسطلاني (وكلت إليها) أي تركت إليها ولم تعن عليها قال في المرقاة نقلًا عن الطيبي ولا شك أنَّها (أي الإمارة) أمر شاق لا يقوم بها أحد بنفسه من غير معاونة من الله إلَّا أوقع نفسه في ورطة خسر فيها دنياه وعقباه (وإن أعطيتها من غير مسألة) وطلب (أعنت عليها) أي بالتوفيق والعناية من الله تعالى قال القرطبي قوله (لا تسأل الإمارة) هو نهي وظاهره التحريم وعلى هذا يدل قوله (إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدًا يسأله أو حرص عليه) وسببه أن سؤالها والحرص عليها مع العلم بكثرة آفاتها وصعوبة التخلص منها دليل على أنَّه يطلبها لنفسه ولأغراضه ومن كان هكذا أوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك وهذا معنى قوله وكل إليها ومن أباها لعلمه بآفاتها ولخوفه من التقصير في حقوقها وفر منها ثم إن ابتلي بها فيرجى له أن لا تغلب عليه نفسه للخوف الغالب عليه فيتخلص من آفاتها وهذا معنى قوله أعين عليها هذا كله

4583 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُونس ـــــــــــــــــــــــــــــ محمول على ما إذا كان هنالك جماعة ممن يقوم بها ويصلح لها فأمَّا إذا لم يكن هنالك ممن يصلح لها إلَّا واحد تعين ذلك عليه ووجب أن يتولاها ويسأل ذلك ويخبر بصفاته التي يستحقها بها من العلم والكفاية وغير ذلك كما قال يوسف عليه السَّلام لملك مصر {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف / 55] اهـ من المفهم. ومع ذلك فلا يخفى أن من تعاطى الإمارة وسولت له نفسه أنَّه قائم بذلك الأمر فإنَّه يخذل فيه في أغلب الأحوال لأنَّ من سأل الإمارة لا يسألها إلَّا وهو يرى نفسه أهلًا لها إلَّا من عصمه الله تعالى ومن دعي إلى عمل أو إمامة في الدين فقصر نفسه عن تلك الحقوق وهاب أمر الله رزقه الله المعونة قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: من تواضع لله رفعه الله فمن كان على قدم التواضع مع سؤاله الإمارة كما هو شأن الأنبياء والكمل من الأولياء يجوز سؤالها وطلبها ومن لم يقدر على الجمع بينهما لم يجز له إرادتها ولا طلبها ولا الحرص عليها فضلًا عن سؤالها باللسان والاستعانة عليها بالشفعاء فتبين بهذا أن ما يفعله النَّاس اليوم في الانتخابات الديمقراطية من ترشيح أنفسهم لشتى المناصب ودعوة الناس إلى التصويت في حقهم ليس من الإسلام في شيء لأنَّ المقصود بذلك في الغالب هو طلب المنصب والرئاسة والشرف على ما يصحبه من مدح الرجل نفسه والنيل من أعراض مخالفيه واشتراء الأصوات بالرشوة وما إلى ذلك من المفاسد الظاهرة فينبغي إن عقدت الانتخابات بطريقة شرعية أن لا يكون الرجل مرشحًا لنفسه ولا داعيًا إلى ترشيحه أو التصويت في حقه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 62 و 63] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأحكام [7147]، وأبو داود [2929]، والنَّسائيُّ [8/ 225] وقد مر هذا الحديث عند المصنف بهذا السند بعينه في كتاب الإيمان باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها إلخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما فقال. 4583 - (00) (00) (وحدثنا يَحْيَى بن يَحْيَى) التميمي (حدَّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان المزني أبو الهيثم الواسطيِّ ثقة، من (8) (عن يونس) بن عبيد بن

ح وَحَدَّثَنِي عَلِي بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، عَنْ يُونُسَ وَمَنْصُورٍ وَحُمَيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيةَ ويونُسَ بْنِ عُبَيدٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. كُلُّهُمْ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِير. 4584 - (1774) (119) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ بُرَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. أَنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ دينار العبدي مولاهم أبو عبيد البصري ثقة، من (5) (ح وحدثني علي بن حجر السعدي) المروزي ثقة، من (9) (حدَّثنا هيثم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي الواسطيِّ ثقة، من (7) (ومنصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عتاب الكوفيّ ثقة، من (5) (وحميد) بن أبي الحميد الطَّويل البصري ثقة، من (5) (ح وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدَّثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (عن سماك بن عطية) البصري المربدي بكسر الميم وسكون الراء نسبة إلى المربد موضع بالبصرة ثقة، من (6) (ويونس بن عبيد) البصري (وهشام بن حسَّان) الأزدي القردوسي البصري ثقة، من (6) (كلهم) أي كل من هؤلاء المذكورين من يونس ومنصور وحميد وهشام رووا (عن الحسن) البصري غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة المذكورين لجرير بن حازم في الرِّواية عن الحسن (عن عبد الرحمن بن سمرة عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وساقوا (بمثل حديث جرير) بن حازم ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الرحمن بن سمرة بحديث أبي موسى رضي الله عنهم فقال. 4584 - (1774) (119) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) أبو كريب (محمَّد بن العلاء) الهمداني (قالا: حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفيّ الهاشمي (عن بريد بن عبد الله) بن أبي بردة الأشعري الكوفيّ (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفيّ رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى: (دخلت على النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أنا) تأكيد لضمير الفاعل ليعطف عليه (ورجلان من بني عمي) قال في تنبيه المعلم

فَقَال أَحَدُ الرَّجُلَينِ: يَا رَسُولَ الله، أَمِّرنَا على بعض مَا وَلَّاكَ الله عَزَّ وَجَلَّ. وَقَال الآخَرُ مِثْلَ ذلِكَ. فَقَال: "إِنَّا، وَاللهِ! لَا نُوَلي عَلَى هذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَألَهُ. وَلَا أَحَدًا حَرَص عَلَيهِ". 4585 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم (وَاللَّفْظُ لابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم أر من ذكر اسم الرجلين (فقال أحد الرجلين يا رسول الله أمرنا) بتشديد الميم من التأمير أي اجعلنا أميرين وولنا (على بعض ما ولاك الله عزَّ وجل) من أعمال الدين (وقال) الرجل (الآخر مثل ذلك) أي مثل ما قال الرجل الأوَّل من طلب الإمارة وتعبيره بضمير المتكلم ومعه غيره مع أن القائل أحد الرجلين يدل على أن كلًّا منهما طلب الإمارة لنفسه ولصاحبه اهـ ذهني (فقال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: (إنا والله لا نولي) ولا نؤمر (على هذا العمل) الديني (أحدًا سأله) أي طلبه (ولا أحدًا حرص عليه) أي رغب فيه أشد الرغبة أما منع من سأله منه فلما تقدم في الحديث قبله حديث ابن سمرة من أن من سأل الولاية وكل إليها ولم يعن عليها ومن كان كذلك كان غير كفء لها ومنع غير الأكفاء من الأعمال مما تقتضيه الحكمة وتدعو إليه المصلحة وأمَّا منع من حرص فلأن معنى الحرص على الشيء هو الرغبة فيه رغبة مذمومة ولا تكون الرغبة مذمومة إلَّا إذا كان الراغب غير أهل للولاية أوكان هناك من هو أحق بها منه أو نحو ذلك أما إذا رغبها رغبة محمودة كمن يرغب القيام بالأمر خشية ضياع أو خشية أن يتولاه من يفسده فلا يعد حريصًا عليها اهـ محمد ذهني. قوله (حرص عليه) يقال حرص بفتح الراء وكسرها من بأبي فرح ونصر والفتح أفصح وبه جاء القرآن قال الله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} اهـ نووي وقال المهلب لما كان طلب العمالة دليلًا على الحرص ابتغى أن يحترس من الحريص كذا في فتح الباري [5/ 441] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ [4341 و 4342] وأبو داود [4354 أو 4357] والنَّسائيُّ [1/ 10] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال. 4585 - (00) (00) (حدَّثنا عبيد الله بن سعيد) بن يَحْيَى اليشكري النسابوري ثقة، من (10) (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (واللفظ لابن

حَاتِمٍ). قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ. قَال: قَال أَبُو مُوسَى: أَقبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي رَجُلانِ مِنَ الأَشْعَرِيَّينَ. أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِي. فَكِلاهُمَا سَألَ الْعَمَلَ. وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ. فَقَال: "مَا تَقُولُ يَا أبا مُوسَى! أَوْ يَا عَبْدَ الله بْنَ قَيسٍ! " قَال: فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَق، مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا. وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ. قَال: وَكَأنِّي أنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتَ شَفَتِهِ، وَقَدْ قَلَصَتْ. فَقَال: "لَنْ، أَوْ لَا نَسْتعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حاتم قالا: حدَّثنا يَحْيَى بن سعيد) بن فروخ (القطان) التميمي البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا قرة بن خالد) السدوسي البصري ثقة، من (6) (حدَّثنا حميد بن هلال) العدوي أبو نصر البصري ثقة، من (3) (حدثني أبو بردة) عامر بن أبي موسى (قال) أبو بردة: (قال أبو موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حميد بن هلال لبريد بن عبد الله (أقبلت) أي ذهبت (إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري فكلاهما) أي فكل منهما (سأل) أي طلب (العمل) والولاية من النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم (والنبي صَلَّى الله عليه وسلم) أي والحال أنه صَلَّى الله عليه وسلم (يستاك) أسنانه (فقال) لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (مَّا تقول يا أبا موسى أو) قال ما تقول (يا عبد الله) والشك من الراوي في أي الكلمتين قال: قال القرطبي استفهام عما عنده من إرادته العمل أو من معونته لهما على استدعائهما العمل فأجابه بما يقتضي أنَّه لم يكن عنده إرادة العمل ولا خبر من إرادة الرجلين (قال) أبو موسى: (فقلت) له صَلَّى الله عليه وسلم (والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت) أي علمت (أنَّهما يطلبان العمل) وفي رواية أبي العميس فاعتذرت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مما قالوا وقلت لم أدر ما حاجتهم فصدقني واعذرنى ذكرها الحافظ في الفتح [12/ 274] في استتابة المرتدين قال أبو بردة (قال) أبو موسى: (وكأني أنظر) الآن (إلى سواكه تحت شفته). (و) الحال أنَّه (قد قلصت) أي انقبضت وانزوت عن أسنانه وقوله (ما أطلعاني) اعتذر بهذا عن قولهما وطلبهما (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (لن أو) قال: (لا نستعمل على عملنا من أراده) وطلبه حرصًا عليه والشك من الراوي فلما تحقق النَّبيُّ

وَلكِنِ اذْهَبْ أَنتَ، يَا أبا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ الله بْنَ قَيسٍ" فَبَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ. ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيهِ قَال: انْزِلْ. وَأَلْقَى لَهُ وسَادَةً. وإذا رَجُل عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَال: مَا هذَا؟ قَال: هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى الله عليه وسلم ما عند أبي موسى من عدم حرصه على الولاية ولاه العمل إذ لم يسأله ولا حرص عليه ومنعه الرجلين لحرصهما وسؤالهما على ما تقرر آنفًا من أن الحريص عليه مخذول والكاره لها معان ومما جرى من الكلام بهذا المعنى مجرى المثل (الحرص على الأمانة دليل الخيانة) (وقوله قلصت شفته) أي تقبضت وقصرت وكأن السواك كان فيه قبض أو يكون النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم قبض شفته ليتمكن من تسويك أسنانه اهـ من المفهم ثم قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لأبي موسى: (ولكن أذهب أنت يا أبا موسى أو) قال: (يا عبد الله بن قيس فبعثه) أي فبعث أبا موسى وولاه (على اليمن ثم أتبعه) أي أتبع أبا موسى وألحقه (معاذ بن جبل) رضي الله عنهما ظاهر هذا الكلام أن بعث معاذ كان بعد بعث أبي موسى ويعارضه في الظاهر ما أخرجه البُخاريّ في المغازي بعث النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن فقال يسرا ولا تعسرا ويحمل على أنَّه أضاف معاذًا إلى أبي موسى بعد سبق ولايته لكن قبل توجهه فوصاهما عند التوجه بذلك ويمكن أن يكون المراد أنَّه وصى كلًّا منهما واحدًا بعد أخر كذا في فتح الباري [12/ 274] وقال القرطبي: ظاهر هذا أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم ولى معاذًا على أبي موسى ولم يعزل أبا موسى وعلى هذا يدل تنفيذ معاذ الحكم بقتل المرتد وإمضائه ويحتمل أن يكون صَلَّى الله عليه وسلم ولى كل واحد منهما على عمل غير عمل الآخر فإما في الجهاد وإما في الأعمال وهذا هو الصَّحيح بدليل ما وقع في صحيح البُخاريّ أن النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ولى معاذًا على مخلاف من اليمن وأبا موسى على مخلاف رواه البُخاريّ [4341 و 4342]، والمخلاف واحد المخاليف وهي الكور والكور: جمع الكورة وهي الصقع والبقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال اهـ من المفهم (فلما قدم) معاذ (عليه) أي على أبي موسى (قال) له أبو موسى: (انزل) يا معاذ واجلس (وألقى) أبو موسى ووضع (له) أي لمعاذ (وسادةً) أي مخدة وقيل فراشًا (وإذا رجل) مرتد كائن (عنده) أي عند أبي موسى (موثق) أي مشدود بالوثاق بفتح الواو وكسرها القيد والحبل ونحوهما (قال) معاذ: (ما) شأن (هذا) الرجل الموثوق (قال) أبو موسى: (هذا) الرجل

كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ. ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ، دِينَ السَّوْءِ. فَتَهَوَّدَ. قَال: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ. قَضَاءُ الله وَرَسُولِهِ. فَقَال: اجْلِسْ. نَعَمْ. قَال: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ. قَضَاءُ الله وَرَسُولِهِ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَأمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كان يهوديًّا) أولًا (فأسلم) أي دخل في دين الإسلام (ثم راجع) واسترد (دينه) الأول وقوله (دين السوء) أي دين القبح والفحش وهو اليهودية بدل مما قبله (فتهود) أي صار يهوديًّا قوله (فلما قدم عليه) ذكر الحافظ في المغازي في استتابة المرتدين من الفتح أن كلًّا منهما كان على عمل مستقل وأن كلًّا منهما إذا سار في أرضه فقرب من صاحبه أحدث به عهدًا وزاره اهـ قوله (وألقى له وسادة) الوسادة المخدة وقد ألقاها ليجلس عليها مبالغة في إكرامه وهي عادة للعرب في تعظيم الضيف والعناية به وفسرها بعضهم بالفراش ولكن رده الحافظ بأن من عادة العرب أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه اهـ قوله وإذا رجل عنده موثق وزاد الطّبرانيّ بالحديد كما ذكره في الفتح قوله (دين السوء) بفتح السِّين مصدر من ساءه إذا فعل به أو قال له ما يكرهه ومعناه القبح فمعنى دين السوء دين القبح ويطلق أيضًا على الفساد والشر والسوء بضم السِّين اسم منه وهو كل ما يغم الإنسان اهـ ذهني (قال) معاذ لأبي موسى حين قال له انزل (لا أجلس حتَّى يقتل) هذا المرتد لأنَّ عقوبة المرتد القتل بالإجماع وقد انعقد الإجماع على ذلك (قضاء الله ورسوله) بالرَّفع خبر مبتدأ محذوف يعني هذا قضاء الله ورسوله ويجوز النصب على كونه مفعولًا له لقوله يقتل (فقال) أبو موسى: (اجلس) يا معاذ (نعم) نقلته يعني أنَّه واجب القتل فلا جرم نقتله ولكن اجلس (قال) معاذ: (لا أجلس حتَّى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات) أي قال معاذ هذا الكلام ثلاث مرات (فأمر به) أي أمر أبو موسى بقتله (فقتل) الرجل ووقع في رواية الطّبرانيّ فأتى بحطب فألهب فيه النَّار فكتفه وطرحه فيها وجمع بينهما الحافظ في الفتح [12/ 274] بأنه ضرب عنقه ثم ألقي في النَّار ثم قال الحافظ ويؤخذ منه أن معاذًا وأبا موسى كانا يريان جواز التعذيب بالنار وإحراق الميت بالنار مبالغة في إهانته وترهيبًا عن الاقتداء به. وفي الحديث وجوب قتل المرتد وقد أجمعوا على قتله لكن اختلفوا هل يستتاب قبل ذلك أم لا فقال أهل الظاهر وبعض العلماء لا يستتاب ولو تاب تنفعه توبته عند الله تعالى ولا يسقط قتله لقوله صَلَّى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه وقال الجمهور من

ثُمَّ تَذَاكَرَا الْقِيَامَ مِنَ اللَّيلِ. فَقَال أحَدُهُمَا، مُعَاذٌ: أَمَّا أَنا فَأنامُ وَأَقُومُ وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي. 4586 - (1775) (120) حدَّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، شُعَيبُ بْنُ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلف والخلف يستتاب ونقل ابن القصار المالكي إجماع الصّحابة عليه ثم اختلفوا في الإستتابة هل هي واجبة أو جائزة والجمهور على وجوبها اهـ ملخصًا من النووي (ثم تذاكرا) أي تذاكر أبو موسى ومعاذ (القيام من الليل) أي الصَّلاة فيه أي فضل القيام في الليل هل الأفضل قيامه كله أو قيام بعضه (فقال أحدهما) وقوله (معاذ) بدل مما قبله وتفسير له (أمَّا أنا فأنام) بعضه (وأقوم) بعضه (وأرجوفي نومتي) من الثواب (ما أرجو في قومتي) أي في صلاتي معناه أني أنام بنيَّة القوة وإجماع النَّفس للعبادة فأرجو في ذلك الأجر كما أرجوه في قومتي أي صلاتي قال القرطبي إنَّما رجا ذلك لأنَّه كان ينام ليقوم أي يقصد بنومه الاستعانة على قيامه والتنشيط عليه والتفرغ من شغل النوم على فهم القرآن وتدبره فكان نومه عبادة يرجو فيها من الثواب ما برجوه في القيام ولا يتفطن لمثل هذا إلَّا مثل معاذ الذي يسبق العلماء يوم القيامة برتوة أي برمية قوس كما قاله صَلَّى الله عليه وسلم وعلى هذا فما من مباح إلَّا ويمكن أن يقصد فيه وجه من وجوه الخير فيصير قربة بحسب القصد الصَّحيح والله تعالى أعلم فكأن أبا موسى ذهب إلى أن قيامه كله لمن قوي عليه أفضل وهذا كما وقع لعبد الله بن عمرو في حديثه المتقدم وكان معاذًا رأى أن قيام بعضه ونوم بعضه أفضل وهذا كما أشار إليه صَلَّى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بقوله إنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ونفهت نفسك وكما قاله في حديث البُخاريّ أما أنا فأقوم وأنام وقال في آخره (فمن رغب عن سنتي فليس مني) اهـ من المفهم ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث عبد الرحمن بن سمرة بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال. 4586 - (1775) (120) (حدَّثنا عبد الملك بن شعيب بن اللَّيث) بن سعد الفهمي المصري ثقة، من (11) (حدثني أبي شعيب بن اللَّيث) الفهمي المصري ثقة، من (10) (حدثني اللَّيث بن سعد) الفهمي المصري ثقة، من (7) (حدثني يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبو رجاء المصري عالمها ثقة، من (5) (عن

بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَميِّ، عَنِ ابْنِ حُجَيرَةَ الأكْبَرِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَلا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي. ثُمَّ قَال: "يَا أبا ذَرٍّ! إِنَّكَ ضَعِيف. وَإنَّهَا أَمَانَة ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر بن عمرو) المعافري المصري إمام جامع مصر روى عن الحارث بن يزيد الحضرمي في الجهاد وبكير بن الأشج ويروي عنه (خ م د ت س) ويزيد بن أبي حبيب وحيوة بن شريح ويحيى بن أيوب له في (خ) فرد حديث ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من السادسة (عن الحارث بن يزيد الحضرمي) أبي عبد الكريم المصري روى عن عبد الرحمن بن حجيرة الأكبر في الجهاد وجبير بن نفير وجماعة ويروي عنه (م د س ق) وبكر بن عمرو والأوزاعي والليث وثقه أحمد وأبو حاتم وقال في التقريب ثقة ثبت عابد كان يصلِّي كل يوم ستمائة ركعة من الرابعة مات في مدينة برقة في ليبيا سنة (130) ثلاثين ومائة (عن) عبد الرحمن (بن حجيرة الأكبر) بضم المهملة وفتح الجيم مصغرًا الخولاني أبي عبد الله المصري قاضيها روى عن أبي ذر في الجهاد وابن مسعود ويروي عنه (م عم) والحارث بن يزيد الحضرمي وابنه عبد الله وثقه النَّسائيّ وقال العجلي مصري تابعي ثقة وقال في التقريب ثقة من الثَّالثة مات سنة ثلاث وثمانين (83) (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة الربذي رضي الله عنه وهذا السند من ثمانياته (قال) أبو ذر: (قلت يا رسول الله ألا تستعملني) أي ألا تجعلني عاملًا واليًا على عمل من أعمال الدين ألا هنا للعرض وهو الطلب برفق ولين أي أطلب إليك أن تجعلني عاملًا (قال) أبو ذر (فضرب) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة (على منكبي) ضرب لطف وإيناس وتحبب والمنكب ما بين الظهر والعنق (ثم قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر أنك ضعيف) عن حمل الأحمال الثقيلة (وإنَّها) أي وإن الولاية (أمانة) أي والأمانة ثقيلة لا ينهض بها إلَّا الأقوياء بها فلا تصلح لك. قال القرطبي قوله (إنك ضعيف) أي ضعيف عن القيام بما يتعين على الأمير من مراعاة مصالح رعيته الدينية والدنيوية ووجه ضعف أبي ذر عن ذلك أن الغالب عليه كان الزهد واحتقار الدُّنيا وترك الاحتفال بها ومن كان هذا حاله لم يعتني لمصالح الدُّنيا ولا بأموالها اللذين بمراعاتهما تنتظم مصالح الدين ويتم أمره وقد كان أبو ذر أفرط في الزهد في الدُّنيا حتَّى انتهى به الحال أن يفتي بتحريم الجمع للمال وإن أخرجت زكاته وكان

وَإِنَّهَا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ. إلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيهِ فِيهَا". 4587 - (1776) (121) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنِ الْمُقْرِئِ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ يرى أنَّه الكنز الذي توعد الله عليه بكي الوجوه والجنوب والظهور وقد قدمنا ذلك في كتاب الزكاة فلما علم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم منه هذه الحالة نصحه ونهاه عن الإمارة وعن ولاية مال الأيتام وأكد النصيحة له بقوله (وإني أحب لك ما أحب لنفسي) وغلظ الوعيد بقوله (وإنها) أي الإمارة (يوم القيامة خزي) أي ذل وهوان وحزن وأسف على من ضعف عن أداء حقها ولم يقم لرعيته برعايتها (وندامة) على تقلدها وعلى تفريطه فيها ومفهومه أن من لم يكن ضعيفًا عن أداء حقها لا تكون عليه كذلك وقد صرح به بقوله (إلَّا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) وفي هذا إشارة لطيفة إلى أنَّها إمَّا أن تكون عليه أو لا تكون عليه أما إذا كانت له فلا بأس ولكن الأولى تركها إلَّا لضرورة كذا في المرقاة قال النووي: وهذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائفها وأمَّا الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلًا لها أو كان أهلًا ولم يعدل فيها وأمَّا من كان أهلًا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث سبعة يظلم الله في ظله والحديث الذي يلي إن المقسطين على منابر من نور وغير ذلك ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم منها اهـ باختصار وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات ثم استشهد ثالثًا لحديث عيد الرحمن بن سمرة بحديث آخر لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال. 4587 - (1776) (121) (حدَّثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما) رويا (عن المقري) بضم الميم على صيغة اسم الفاعل عبد الله بن يزيد القصير مولى آل عمر أبي عبد الرحمن المصري نزيل مكّة ثقة، من (9) (قال زهير) في روايته (حدَّثنا عبد الله بن يزيد) المقري بصريح الاسم (حدَّثنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم أبو يَحْيَى المصري ثقة ثبت من (7) (عن عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني (القرشي) مولاهم أبي بكر المصري ثقة، من (5) (عن سالم بن أبي

سَالِم الْجَيشَانِيٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ أن رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يَا أبا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا. وَإِنِّي أُحِبُّ لكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي. لَا تَأمَّرَنَّ عَلَى اثْنَينِ. وَلَا تَوَلَّيَن مَال يَتيم". 4588 - (1777) (122) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو (يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ)، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. قَال ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ زُهَيرٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إن الْمُقسِطِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سالم) سفيان بن هانئ (الجيشاني) بفتح المعجمتين بينهما ياء ساكنة نسبة إلى جيشان قبيلة باليمن وليس لسالم الجيشاني هذا عندهم إلَّا هذا الحديث الواحد روى عن أبيه أبي سالم المصري في الجهاد وعبد الله بن عمرو يروي عنه (م د س) وعبيد الله بن أبي جعفر ويزيد بن أبي حبيب وثقه ابن حبان له عندهم فرد حديث وقال في التقريب مقبول من (4) (عن أبيه) أبي سالم الجيشاني سفيان بن هانئ المصري تابعي مخضرم ثقة، من (2) (عن أبي ذر) الغفاري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سباعياته (يا أبا ذر أني أراك ضعيفًا) عن تحمل أعباء الإمارة (وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن) بحذف إحدى التاءين أي لا تتأمرن (على اثنين) أي فضلًا عن أكثر منهما فإن العدل والتسوية بينهما أمر صعب وكذلك قوله (ولا تولين مال يتيم) بحذف إحدى التاءين أي لا تتولين مال يتيم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2868]، والنَّسائيُّ [6/ 255] ثم استدل المؤلف على الجزء الثَّاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال. 4588 - (1777) (122) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدَّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو يعني ابن دينار) الجمحي المكيِّ (عن عمرو بن أوس) بن أبي أوس الثَّقفيُّ الطائفي تابعي كبير من (2) (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما (قال ابن نمير وأبو بكر يبلغ) عبد الله بن عمرو (به) أي بهذا الحديث ويصل به (النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وفي حديث زهير قال) عبد الله بن عمرو (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: إن المقسطين)

عِنْدَ الله، عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ. عَنْ يَمِينِ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكِلْتَا يَدَيهِ يَمِينٌ؛ الذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلخ وهذا السند من خماسياته وفيه التحديث والمقارنة والعنعنة والمقسطون جمع مقسط اسم فاعل من أقسط الرباعي يقال أقسط إذا عدل في الحكم ومنه قوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] ويقال قسط إذا جار واسم الفاعل أنَّه قاسط ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} [الجن: 15] وقد فسر المقسطين في آخر الحديث فقال: (الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) (عند الله) عندية تشريف (على منابر من نور) جمع منبر سمي بذلك لارتفاعه عن الأرض يقال نبر الجرح أي ارتفع وانتفح يعني به مجلسًا رفيعًا يتلألأ نورًا (عن يمين الرحمن عزَّ وجل) واليمين صفة ثابتة لله تعالى نثبته ونعتقده ولا نكيفه ولا نمثله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وضده الشمال وهي أيضًا صفة ثابتة لله تعالى نثبته أو نعتقدها ولا نمثلها ولا نكيفها كما في حديث إن الله يقبض السموات بيمينه والأرض بشماله واليمين مشتق من اليمن بمعنى البركة والشمال من الشؤم وهو ضد البركة وقوله (وكلتا يديه يمين) أي كل منهما مباركة تحرز من توهم نقص وضعف فيما أضافه إلى الحق سبحانه وتعالى مما قصد به الإكرام والتشريف وذلك أنَّه لما كانت اليمين في حقنا يقابلها الشمال وهي أنقص منها رتبة وأضعف حركة وأثقل لفظًا جسم توهم مثل هذه في حق الله تعالى فقال وكلتا يديه يمين أي كل ما نسب إليه من ذلك شريف محمود لا نقص يتوهم فيه ولا قصور اهـ من المفهم والمعنى إن العادلين في حكمهم بين الرعية مقربون إلى الله تعالى ومكرمون لديه ومرتفعون على أماكن ساطعة النور حتَّى كأنها مخلوقة من النور وهو كناية عن حسن حالهم هناك وعلو مراتبهم (الذين يعدلون) أي يفعلون العدل صفة كاشفة للمقسطين (في حكمهم) بين الرعية (و) في قسمهم بين (أهليهم) المبيت (و) فيـ (ـما ولوا) عليه أي وفي جميع ما تولوا عليه أي في جميع ما كانت لهم عليه ولاية كالأرقاء والدواب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 160]، والنَّسائيُّ [8/ 221] ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث عبد الله بن عمرو بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال.

4589 - (1778) (123) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِي. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شُمَاسَةَ. قَال: أَتَيتُ عَائِشَةَ أَسْألُهَا عَنْ شَيءٍ. فَقَالتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصرَ. فَقَالتْ: كَيفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هذِهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4589 - (1778) (123) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر ثقة، من (10) (حدَّثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري ثقة، من (9) (حدثني حرملة) بن عمران بن قراد التجيبي بضم المثناة وكسر الجيم بعدها ياء ساكنة ثم موحدة أبو حفص المصري المعروف بالحاجب روى عن عبد الرحمن بن شماسة في الجهاد والفضائل ويزيد بن حبيب وأبي يونس مولى أبي هريرة ويروي عنه (م د س ق) وابن وهب وجرير بن حازم وثقه ابن معين وقال في التقريب ثقة، من (7) السابعة وهو جد حرملة بن يَحْيَى مات سنة (160) ستِّين ومائة وله (80) ثمانون سنة عن عبد الرحمن بن شماسة بضم المعجمة وفتحها وكسرها وتخفيف الميم بعدها مهملة المهري المصري ثقة، من (3) (قال) عبد الرحمن: (أتيت عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته حالة كوني (أسألها) أي أسأل عائشة (عن شيء) أي عن أمر من أمور الدين (فقالت) لي عائشة (ممن أنت) أي أنت من أي أهل بلدة (فقلت) لها أنا (رجل من أهل مصر فقالت) لي عائشة: (كيف كان صاحبكم) أي أميركم (لكم) قيل هو عمرو بن العاص وقيل معاوية بن خديج وكان سيد تجيب ورأس اليمانية بمصر وهو الذي عنت عائشة بقولها هذا اهـ من الأبي وقال القرطبي قوله كيف كان لكم صاحبكم اختلف في اسم هذا الصاحب من هو فقيل عمرو بن العاص قاله خليفة بن خياط وقيل معاوية بن خديج مصغرًا التجيبي فيما قاله الهمداني واختلف في كيفية قتل محمَّد بن أبي بكر فقيل قتل في المعركة وقيل جيئ به أسيرًا فقتل وقيل دخل بعد الهزيمة خربة فوجد فيها حمارًا ميتًا فدخل في جوفه فأحرق فيه انظر سير أعلام النبلاء [3/ 481] اهـ من المفهم أي على أي حال كان لكم أميركم (في غزاتكم هذه) التي وقعت بين علي ومعاوية أي هل هو مشدد عليكم في هذه الغزوة أم مسهل عليكم وكان أمير هذه الغزاة أمير الجيش الذي وجهه معاوية أيَّام فتنته إلى مصر لقتال محمَّد بن أبي بكر حين كان محمَّد أميرًا بها أي بمصر من قبل علي فقتله هذا الأمير بها أي بمصر واختلف في صفة قتله فقيل: قتل في

فَقَال: مَا نَقِمْنَا مِنْهُ شَيئًا. إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ، فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ. وَالْعَبْدُ، فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ. ويحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ، فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ. فَقَالتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخِي، أَنْ أُخْبرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي بَيتِي هذَا: "اللَّهم مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيئًا فَشَقَّ عَلَيهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيهِ. وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ". 4590 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعركة وقيل أُتي به أسيرًا فقتل وقيل دخل بعد الهزيمة في خربة فوجد بها حمارًا ميتًا فدخل في جوفه فأحرق فيه راجع الأبي (فقال) عبد الرحمن بن شماسة لعائشة: (مَّا نقمنا) وكرهنا (منه) أي من هذا الأمير (شيئًا) في أمورنا أو ما عيبنا عليه شيئًا (إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إنَّه قد (كان) الشأن والحال (ليموت للرجل منا البعير فيعطيه) أي فيعطي ذلك الأمير الرجل منا (البعير) بدل الذي مات (و) يموت (العبد) من الرجل منا (فيعطيه) ذلك الأمير (العبد) بدل الذي مات منه (ويحتاج) الواحد منا (إلى النفقة) والقوت لنفسه أو أهله (فيعطيه) ذلك الأمير (النفقة) وما يحتاج (فقالت) عائشة لما أخبرتها حال الأمير (أما) حرف تنبيه واستفتاح أي انتبه واستمع ما أقول لك (إنَّه) أي إن الشأن والحال (لا يمنعني) ولا يزجرني الفعل السيء (الذي فعل) ذلك الأمير (في محمَّد بن أبي بكر) الصِّديق من (أن أخبرك ما سمعت) أي أن أخبرك الحديث الذي سمعته (من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) مما يوجب مدح ذلك الأمير سمعته صَلَّى الله عليه وسلم حالة كونه (يقول في بيتي هذا) واسم الإشارة بدل من بيتي تعني حجرتها (اللَّهم من ولي) وملك (من أمر أمتي) وشأنهم (شيئًا فشق عليهم) أي أدخل عليهم المشقة أي أوقعهم في المشقة والشدة (فاشقق) أي فاشتدد (عليه) أموره (ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم) أي عاملهم باللطف والرفق خلاف العنف أي سهل أمورهم عليهم (فارفق به) أموره أي عامله بالرفق والسهولة وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن رواه أحمد [6/ 93] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال. 4590 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين البغدادي صدوق من (9) (حدَّثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسَّان الأزدي مولاهم

حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حَرْمَلَةَ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 4591 - (1779) (124) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "أَلا كُلكُمْ رَاع. وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولْ عَنْ رَعِيِّتِهِ. فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا جرير بن حازم) بن زيد الأزدي البصري (عن حرملة) بن عمران (المصري عن عبد الرحمن بن شماسة عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (عن عائشة عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وساق جرير بن حازم (بمثله) أي بمثل ما حدث ابن وهب غرضه بيان متابعة جرير لعبد الله بن وهب في رواية هذا الحديث عن حرملة بن عمران ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4591 - (1779) (124) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثَّقفيُّ البلخي (حدَّثنا ليث) بن سعد المصري الفهمي (ح وحدثنا محمَّد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (حدَّثنا اللَّيث) بن سعد (عن نافع) مولى ابن عمر (عن) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما وهذان السندان من رباعياته (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أنَّه قال ألا) حرف تنبيه واستفتاح أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (كلكم) أيها المؤمنون والمؤمنات (راع) أي حافظ لمن استرعي عليه ومؤتمن عليه (وكلكم مسؤول عن رعيته) قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته اهـ نووي وقال في النهاية قوله صَلَّى الله عليه وسلم (كلكم راع) إلخ أي حافظ مؤتمن والرعية كل من شمله حفظ الراعي ونظره أن (فالأمير الذي على الناس راع) أي الإمام كما هو لفظ رواية البُخاريّ أو هو شامل للإمام الأعظم ولمن ينصب من قبله من الأمراء قال الخطابي: اشتركوا أي الإمام والرجل ومن ذكر في التّسمية أي في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وإيصال حقوقهم إليهم ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك ورعاية الخادم وكذا العبد حفظه ما تحت

وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيِّتِهِ. وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنهُمْ. وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بيتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ. وَهِيَ مَسؤُولَةٌ عَنْهُمْ. وَالعَبدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلا فَكُلُّكُمْ رَاع. وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيِّتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يده من المال والقيام بما يجب عليه من الخدمة اهـ من الفتح (وهو) أي الأمير (مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها) أي: زوجها (وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه) وقوله ثانيًا (ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) توكيد لفظي لما ذكر أولًا والفاء عليه للإفصاح واقعة في جواب شرط مقدر تقديره إذا كان الأمر كذلك وعرفتم أن الرِّعاية على كل أحد فأقول لكم كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالتزموا الرِّعاية بما رعيتم به أفاده الذهني. قال القرطبي قوله (كلكم راع ومسؤول عن رعيته) قد تقدم أن الراعي هو الحافظ للشيء المراعي لمصالحه وكل من ذكر في هذا الحديث قد كلف ضبط ما أسند إليه من رعيته وأتُمن عليه فيجب عليه أن يجتهد في ذلك وينصح ولا يفرط في شيء من ذلك فإن وفي ما عليه من الرِّعاية حصل له الحظ الأوفر والأجر الأكبر وإن كان غير ذلك طالبه كل واحد من رعيته بحقه فكثر مطالبوه وناقشه محاسبوه ولذلك قال صَلَّى الله عليه وسلم: (ما من أمير عشرة فما فوقهم إلَّا ويؤتى به يوم القيامة مغلولًا فإما أن يفكه العدل أو يوبقه الجور) رواه أحمد [2/ 43]، وقد تقدم قوله صَلَّى الله عليه وسلم (من استرعي رعية فلم يجتهد لهم ولم ينصح لم يدخل معهم الجنَّة) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 5 و 54 - 55]، والبخاري [2554]، وأبو داود [2928]، والترمذي [1705]. قال الطيبي: إن الراعي ليس مطلوبًا بذاته وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك فينبغي أن لا يتصرف إلَّا بما أذن الشارع فيه وهو تمثيل ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه فإنَّه أجمل أولًا ثم فصل وأتى بحرف التنبيه مكررًا والفاء في قوله ألا فكلكم واقعة في جواب شرط محذوف وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل اهـ وقال غيره دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد فإنَّه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتَّى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلًا ونطقًا واعتقادًا

4592 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي الْقَطَّانَ). كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ. جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي فُدَيك. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ)، ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثنَا ابْنُ وَهْب. حَدَّثَنِي أسَامَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فجوارحه وقواه وحواسه رعيته ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعيًا أن لا يكون مرعيًا باعتبار آخر حكاه الحافظ في الفتح ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنه فقال. 4592 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا محمَّد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفيّ ثقة، من (9) (ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا أبي ح وحدثنا ابن المثني حدَّثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري ثقة، من (8) (ح وحدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يَحْيَى اليشكري النيسابوري (حدَّثنا يَحْيَى) بن سعيد (يعني القطان كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني محمَّد بن بشر وخالد بن الحارث ويحيى القطان رووا (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني (ح وحدثنا أبو الرَّبيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري كلاهما (قالا: حدَّثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب حدَّثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن سهم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (جميعًا) أي كل من حماد بن زيد وإسماعيل بن علية رووا (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي البصري (ح وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حدَّثنا) محمَّد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بالفاء مصغرًا يسار الديلي المدني صدوق من (8) (أخبرنا الضَّحَّاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي المدني صدوق من (7) (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي حدَّثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني أسامة) بن زيد

كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيثِ، عَنْ نَافِعٍ. قَال أَبُو إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ عُبَيدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِهذَا، مِثْلَ حَدِيثِ اللَّيثِ عَنْ نَافِعٍ. 4593 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى ويحْيَى بن أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. كلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ الليثي المدني صدوق من (7) (كل هؤلاء) الأربعة المذكورين يعني عبيد الله بن عمر وأيوب السختياني والضَّحَّاك بن عثمان وأسامة بن زيد رووا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وساقوا (مثل حديث اللَّيث عن نافع) وهذه الأسانيد الأربعة من خماسياته غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الأربعة لليث بن سعد (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمَّد بن سفيان النيسابوري تلميذ الإمام مسلم وراوي صحيحه عنه ومقصوده بسوق هذا السند بيان استخراجه حديث الباب من غير طريق المؤلف (وحدثنا) أيضًا أي كما حدَّثنا مسلم (الحسن بن بشر) السلمي النيسابوري قاضيها صدوق من (11) مات سنة (244) (حدَّثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر بهذا) الحديث المذكور حالة كونه (مثل حديث اللَّيث عن نافع) في اللفظ والمعنى ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4593 - (00) (00) (وحدثنا يَحْيَى بن يَحْيَى) التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي العابد (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة رووا (عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة، من (8) (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن دينار لنافع (قال) ابن عمر (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ح وحدثني حرملة بن يَحْيَى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري أخبرني يونس بن يزيد الأيلي الأموي (عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزُّهريّ المدني (عن سالم بن عبد الله) بن

عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: قَال: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَدْ قَال: "الرَّجُلُ رَاعٍ، فِي مَالِ أَبِيهِ، وَمَسْؤُول عَنْ رَعِيِّتِهِ". 4594 - (00) (00) وحدّثني أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمِّي، عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي رَجُلٌ سَمَّاهُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ. حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال) ابن عمر: (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول): ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الحديث وساق سالم (بمعنى حديث نافع عن ابن عمر) لا لفظه (وزاد) يونس (في حديث الزُّهريّ) وروايته لفظة (قال) ابن عمر: (وحسبت أنَّه) صَلَّى الله عليه وسلم (قد قال الرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4594 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) بن مسلم القرشي المصري صدوق من (11) ولكن أجمع المصريون على- ضعفه لم يرو عنه غير مسلم من أصحاب الأمهات ولكن لا يقدح في صحيحه لأنَّه إنَّما ذكره في المتابعة قال: (أخبرني عمي عبد الله بن وهب أخبرني رجل سماه) أي ذكر عمي اسمه ولعلّه أنَّه عبد الله بن لهيعة ولم يذكر الراوي اسمه لما فيه من الكلام المعروف في جرحه ولم يقدح في صحيحه لأنَّه ذكره على سبيل المقارنة والمتابعة وقوله (وعمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم أبو أميَّة المصري ثقة، من (7) بالرَّفع معطوف على رجل (عن بكير) بالتصغير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري ثقة، من (5) (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني ثقة، من (2) أنَّه (حديثه) أي أن بسرًا حدث بكيرًا (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة بسر لنافع (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بهذا المعنى) أي بمعنى هذا الحديث الذي رواه نافع لا لفظه والله أعلم ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عبد الله بن عمر بحديث معقل بن يسار رضي الله عنهم فقال.

4595 - (1780) (125) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ. قَال: عَادَ عُبَيدُ الله بْنُ زِيَادٍ، مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزَنِيَّ. فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. فَقَال مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدَّثكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثتُكَ. إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ الله رَعِيَّةَ، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلا حَرَّمَ الله عَلَيهِ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4595 - (1780) (125) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدَّثنا أبو الأشهب) جعفر بن حيان التميمي السعدي العطاردي البصري الأعمى ثقة، من (6) (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري الأنصاري مولاهم ثقة، من (3) (قال) الحسن (عاد) أي زار (عبيد الله بن زياد) بن أبي زياد الأموي أمير البصرة قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (معقل بن يسار المزني) أبا علي البصري الصحابي المشهور من أصحاب الشجرة رضي الله عنه (في مرضه) أي في مرض معقل (الذي مات) معقل (فيه) أي بسببه وهذا السند من رباعياته (فقال معقل) الصحابي (إنِّي محدثك) يا عبيد الله (حديثًا سمعته من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لو علمت أن لي حياةً) بعد هذا المرض (ما حدثتك) بهذا الحديث إنَّما فعل معقل بن يسار هذا الكتمان لأنَّه علم قبل ذلك أن عبيد الله بن زياد ممن لا ينفعه الوعظ كما ظهر منه مع غيره ثم خاف معقل من كتمان الحديث ورأى تبليغه أولى وقيل: كان يخشى في حياته بطشه فلما نزل به الموت أراد أن يكف بذلك بعض شره عن المسلمين ثم قال معقل: (إنِّي سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول ما من عبد) من هنا زائدة لتأكيد العموم وكذلك هي في قوله ما من أمير في الرّواية الآتية (يسترعيه الله رعية) أي يستحفظه الله إياها ويطلب منه رعايتها (يموت يوم يموت وهو) أي والحال أنه (غاش لرعيته) أي مظهر لهم خلاف ما يضمر ومزين لهم غير مصلحتهم (إلَّا حرم الله عليه الجنَّة) أي دخولها أصلًا إذا كان مستحلًا للغش أو هو محمول على المقيد في الرّواية الآتية وهو قوله لم يدخل معهم إن لم يستحله فلا ينافي أنَّه يدخلها بعدهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ أخرجه عن أبي نعيم عن أبي الأشهب عن الحسن في الأحكام وفي غيرها ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال.

4596 - (00) (00) وحدَّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ. قَال: دَخَلَ ابْنُ زِيَادٍ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَهُوَ وَجِعٌ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي الأَشْهَبِ. وَزَادَ: قَال: ألا كُنْتَ حَدَّثْتَنِي هذَا قَبْلَ الْيَوْمِ؟ قَال: مَا حَدَّثْتُكَ. أَوْ لَمْ أَكُنْ لأُحَدِّثَكَ. 4597 - (00) (00) وحدّثنا أبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ). حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4596 - (00) (00) (وحدثناه يَحْيَى بن يَحْيَى أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي البصري ثقة، من (8) (عن يونس) بن عبيد بن دينار القيسي البصري ثقة، من (5) (عن الحسن) البصري (قال) الحسن: (عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني) البصري (وهو) أي والحال أن معقلًا (وجع) أي مريض وساق يونس (بمثل حديث أبي الأشهب) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يونس لأبي الأشهب (و) لكن (زاد (يونس لفظة (قال) عبيد الله: (ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام حرف تحضيض وهو الطلب بعنف وشدة أي هلَّا (كنت) يا معقل (حدثتني هذا) الحديث (قبل) هذا (اليوم) ومراده لومه على ترك تحديثه لأنَّ أداة التحضيض إذا دخلت على الماضي كان المراد بها التوبيخ على ترك الفعل وإذا دخلت على المضارع كان المراد بها التشدد والمبالغة في طلب الفعل (قال) معقل في جوابه (ما حدثتك أو) قال معقل في جوابه: (لم أكن لأحدثك) بنصب الفعل بعد لام الجحود أي لم أكن مريدًا لتحديثك والشك من الحسن أو ممن دونه ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه فقال. 4597 - (00) (00) (وحدثنا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري ثقة، من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن المثني) العنزي البصري (قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدَّثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري صدوق من (9) (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أبي الخطاب البصري ثقة، من (4) (عن أبي المليح)

أَنَّ عُبَيدَ الله بْنَ زِيَادٍ دَخَلَ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ. فَقَال لَهُ مَعْقِل: إِنِّي مُحَدِّثُكَ بحَدِيثٍ لَولا أَنِّي فِي الْمَوْتِ لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهِ. سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إلا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ". 4598 - (00) (00) وحدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ. أَخْبَرَنِي سَوَادَةُ بْنُ أَبِي الأسْوَدِ. حَدَّثَنِي أبِي؛ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارِ مَرِضَ. فَأتَاهُ عُبَيدُ الله بْنُ زِيادٍ يَعُودُهُ، نَحْوَ حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ مَعْقِلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهذلي عامر بن أسامة البصري ثقة، من (3) (إن عبيد الله بن زياد دخل على معقل بن يسار في مرضه) الذي مات به وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي المليح للحسن البصري (فقال له) أي لعبيد الله (معقل إنِّي محدثك بحديث لولا أني في) مقدمة (الموت لم أحدثك به سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول ما من أمبر يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم) أي لا يستفرغ وسعه وطاقته لأجلهم (و) لا (ينصح) لهم أي لا يخلص ولا يصدق في ولايتهم ولا يريد بهم الخير في ولايتهم (إلَّا لم بدخل معهم الجنَّة) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث معقل رضي الله عنه فقال. 4598 - (00) (00) (وحدثنا عقبة بن مكرم العمي) البصري ثقة، من (11) (حدَّثنا يعقوب بن إسحاق) بن زيد الحضرمي مولاهم أبو محمَّد المقرئ النّحوي البصري صدوق من (9) روى عنه في (3) أبواب (أخبرني سوادة بن أبي الأسود) مسلم أر عبد الله بن مخراق القطان البصري روى عن أبيه أبي الأسود في الجهاد والحسن وشهر بن حوشب ويروي عنه (م) ويعقوب بن إسحاق وأبو داود الطَّيالسيُّ وأبو نعيم وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي وابن حبان وقال في التقريب ثقة من السابعة وليس له في الأمهات الست إلَّا هذا الحديث الواحد في مسلم فقط (حدثني أبي) مسلم بن مخراق العبدي القري بضم القاف وكسر الراء المهملة المشددة مولاهم مولى بني قرة أبو الأسود القطان البصري صدوق من (4) روى عنه في (2) بابين (أن معقل بن يسار مرض) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي الأسود للحسن وأبي المليح (فأتاه عبيد الله بن زياد) حالة كونه (يعوده) من مرضه وساق أبو الأسود (نحو حديث الحسن عن معقل) ثم

4599 - (1781) (126) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ؛ أن عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى عُبَيدِ الله بْنِ زِيادٍ. فَقَال: أَي بُنَيَّ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ شرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ". فَإيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ" فَقَال لَهُ: اجْلِسْ. فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ استشهد المؤلف رابعًا لحديث عبد الله بن عمر بحديث عائذ بن عمرو رضي الله عنهم فقال. 4599 - (1781) (126) (حدَّثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حدَّثنا جرير بن حازم) بن زيد الأزدي البصري ثقة، من (6) (حدَّثنا الحسن) البصري (أن عائذ بن عمرو) بن هلال المزني أبا هبيرة البصري (وكان من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) ومن ساداتهم وممن بايعه تحت الشجرة سكن البصرة وله بها دار له سبعة أحاديث اتفقا على واحد رضي الله عنه وذكر عن أبي بكر رضي الله عنه في الفضائل يروي عنه (خ م س) والحسن بن أبي الحسن في الجهاد ومعاوية بن قرة وأبو عمران الجوني مات في إمرة عبيد الله بن زياد في أيَّام يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين (61) وهذا السند من رباعياته (دخل على عبيد الله بن زياد فقال) عائذ لعبيد الله (أي بني) أي يا بني تصغير شفقة (إنِّي سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول إن شر الرعاء) وأقبحهم وأخسهم ويقال فيه الرعاة جمع راع كقاض وقضاة ورام ورماة والراعي هو المراعي للشيء والقائم بحفظه أي إن أسوأ رعاة المواشي وأضرهم بها (الحطمة) بضم الحاء وفتح الطاء بوزن همزة ولمزة من صيغ المبالغة ويقال فيه الحطم بلا تاء وهو الراعي الظلوم للماشية يهشم بعضها ببعض وقال في النهاية الحطمة هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار يلقى بعضها على بعض ويعسفها ولا يرحمها ضربه مثلًا لوالي السوء الذي يظلم الرعية ولا يرحمهم وفي المرقاة نقلًا عن الطيبي إنَّه لما استعار للوالي والسلطان لفظ الراعي أتبعه بما يلائم المستعار منه من صفة الحطم فالحطمة ترشيح للاستعارة اهـ (فإياك) أي باعد نفسك يا بني من (أن تكون منهم) أي من الحطمة (فقال) عبيد الله (له) أي لعائذ بن عمرو (اجلس) معنا أيها الشَّيخ (فإنما أنت من نخالة أصحاب محمَّد صَلَّى الله عليه وسلم) أي من سقطهم ورذائلهم يعني لست من أفاضلهم وعلمائهم وأهل

فَقَال: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المراتب منهم والنخالة هنا استعارة من نخالة الدقيق وهي قشوره التي تبقى في المنخل والنخالة والحثالة والحفالة بمعنى واحد اهـ نووي (فقال) له عائذ بن عمرو: (وهل كانت لهم) أي لأصحاب محمَّد نخالة أي حثالة وقشور استفهام إنكاري بمعنى النفي (إنَّما كانت النخالة) ووجدت (بعدهم) أي بعد أصحاب محمَّد (وفي غيرهم) قال النووي هذا من جزل الكلام وفصيحه وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم فإن الصّحابة كلهم رضي الله عنهم قدوة عدول وصفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة وجاء التخليط ممن بعدهم أن قلت وفيه تعريض لطيف بابن زياد يتضمن تبكيتًا وتقريعًا له. قال القرطبي وهذا الكلام من عائذ بن عمرو وعظ ونصيحة وذكرى لو صادفت من تنفعه الذكرى لكنها صادفت غليظ الطبع والفهم ومن إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فلقد غلب عليه الجفاء والجهالة حتَّى جعل فيمن اختاره الله تعالى لصحبة نبيه صَلَّى الله عليه وسلم الحثالة ونسبهم إلى النخالة والرذالة فهو معهم على الكلمة التي طارت منه وحلت فيه بدائها وانسلت ولقد أحسن عائذ في الرد عليه حيث أسمعه من الحق ما ملأ قلبه وأصم أذنيه فقال ولم يبال بهجرهم وهل كانت الحثالة إلَّا بعدهم وفي غيرهم وحثالة الشيء ورذالته وسقطه: شراره اهـ من المفهم وانفرد المؤلف بهذا الحديث من أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [5/ 64]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأوَّل: حديث عبد الرحمن بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثَّاني: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد له وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث أبي ذر ذكره أيضًا للاستشهاد والرابع: حديث أبي ذر الثَّاني ذكره للاستشهاد والخامس: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة والسادس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسابع: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثامن: حديث معقل بن يسار ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والتاسع: حديث عائذ بن عمرو ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.

635 - (28) باب غلظ تحريم الغلول وتحريم هدايا العمال ووجوب طاعة الأمراء في غير معصية

635 - (28) باب غلظ تحريم الغلول وتحريم هدايا العمال ووجوب طاعة الأمراء في غير معصية 4600 - (1782) (127) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ. فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ. ثُمَّ قَال: "لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ، عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرْ لَهُ رُغَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 635 - (28) باب غلظ تحريم الغلول وتحريم هدايا العمال ووجوب طاعة الأمراء في غير معصية 4600 - (1782) (127) (وحدثني زهير بن حرب حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم) الأسدي البصري المعروف بابن علية (عن أبي حيان) يَحْيَى بن سعيد بن حيان التَّيميُّ من تيم الرباب الكوفيّ المدني ثقة، من (6) (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفيّ ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قام فينا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات يوم) أي يومًا من الأيَّام ولفظ ذات مقحم أو من إضافة الشيء إلى نفسه (فذكر) صَلَّى الله عليه وسلم (الغلول) بضمتين والغلول والإغلال الخيانة والسرقة من الغنيمة قبل القسمة وكل من خان في شيء خفية فقد غل وأغل وقيل الغلول الخيانة في الغنيمة خاصة والإغلال الخيانة مطلقًا اهـ ذهني وقال القاضي عياض: الغلول لغة هو الخيانة وعرفًا الخيانة من المغنم قال نفطويه سمي بذلك لأنَّ الأيدي مغلولة ومحبوسة عنه يقال: غل غلولًا وأغل إغلالًا أي ذكر حكم الغلول وحرمته (فعظمه) أي عده ذنبًا عظيمًا (وعظم أمره) أي عظم عقوبته (ثم قال) صَلَّى الله عليه وسلم: (لا ألفين) بضم الهمزة وكسر الفاء من ألفى الرباعي من أخوات ظن أي لا أجدن (أحدكم) مفعول أول (يجيء) مفعول ثان (يوم القيامة) متعلق بيجيء أو بألفي لا أجدن أحدكم يوم القيامة يجيء إليَّ طالبًا للشفاعة حالة كونه (على رقبته) وعنقه (بعير لي رغاء) أي صوت والمعنى لا يأخذن أحدكم شيئًا من المغنم فأجده يوم القيامة على تلك الحال وهذا مثل قول العرب (لا أرينك ها هنا) أي لا تكن ها هنا فأراك قال النووي ومعناه لا تعملوا عملًا أجدكم بسببه على هذه الصفة قال الذهني قوله (لا ألفين أحدكم) نهى نفسه عن أن يجدهم على هذه الحالة والمراد المبالغة

يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله! أَغثْنِي. فَأقولُ: لَا أَملِكُ لَكَ شَيئًا. قَد أَبلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى رَتَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَة. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله! أَغثْنِي. فَأقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيئًا. قَدْ أَبْلَغتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةْ لَهَا ثُغاءٌ. يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغثْنِي. فَأقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيئًا. قَدْ أَبلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى رَقَبَتِهِ نَفسٌ لَهَا صُيَاحٌ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغثْنِي. فَأقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيئًا. قَدْ أَبلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعْ تَخْفِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في نهيهم من أن يكونوا على تلك الصفة ورواه العذري (لا ألقين) بفتح الهمزة والقاف من اللقاء وله وجه وجاء في الحديث الآخر (لا أعرفن) رواه ابن ماجة والمعنى متقارب وبعض الرواة يقوله (لأعرفن) بغير مد اللام على أن تكون لام القسم وفيه بعد والأول أوجه وأحسن اهـ من المفهم (والرغاء) بضم الراء وبالمد صوت للإبل كما مر آنفًا و (الثغاء) فيما سيأتي بضم المثلثة وبالمد للغنم يقال: ثغت الشَّاةِ تثغو (والنهيق) للحمير (والنعاق) للغراب (والتيعار) للمعز خاصة ومنه شاة تيعر (والحمحمة) للفرس (والصياح) للإنسان كل ذلك أصوات من أضيفت إليه اهـ من المفهم حالة كونه (يقول: يا رسول الله أغثني) من الإغاثة وهي الإعانة والنصر قالوا: والمراد بها هنا الشفاعة (فأقول) له: (لا أملك لك) من دفع عذاب الله عنك (شيئًا) من الغوث والإعانة فإني (قد أبلغتك) يعني أنني قمت عليك الحجة بإبلاغك ما في الغلول من الإثم فأبيت إلَّا ارتكابه فجنيت بذلك على نفسك ما حل بك اليوم من العذاب والفضيحة وقال أيضًا: (لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة) وهي صوت الفرس عند العلف وهي دون الصهيل (فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئًا) من الإغاثة (قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء) صوت الغنم مطلقًا كما مر حالة كونه (يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس) أي إنسان يعني رقيق (لها صياح) هو صوت الإنسان كما مر (فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع) جمع رقعة وهي الخرقة والمراد بها الثياب (تخفق) أي تضطرب

فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغثنِي. فَأقُولُ: لَا أَملِكُ لَكَ شَيئًا. قَد أَبلَغْتُكَ. لَا أُلفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ الْقِيَامَةِ، عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ. فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله، أَغثنِي. فَأقولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيئًا. قَدْ أَبلَغتُكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وتتحرك كما تضطرب الراية بالرياح وقيل المراد من الرقاع الحقوق المكتوبة في الرقاع واستبعده ابن الجوزي لأنَّ الحديث سيق لذكر الغلو الحسي كذا في الفتح [6/ 176] (فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت) أي مال ساكت والمراد من الصَّامت الذَّهب والفضة (فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك) والمعنى أن كل شيء يغله الغال يجيء يوم القيامة حاملًا له ليفتضح به على رؤوس الأشهاد سواء كان هذا المغلول حيوانًا أو إنسانًا أو ثيابًا أو ذهبًا وهذا تفسير وبيان لما أجمله قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران / 161] أي يأت به معذبًا بحمله وثقله ومرعوبًا بصوته وموبخًا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد وهذا يدل على أن الغلول كبيرة من الكبائر وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد الغلول إلى المقاسم قبل أن يفترق النَّاس فأمَّا إذا تفرقوا ففات الرد فذهب معظمهم إلى أنَّه يدفع خمس ما غل للإمام ويتصدق بالباقي وهو قول الحسن ومالك والأوزاعي والثوري والليث وروي معناه عن معاوية وابن مسعود وابن عباس وأحمد بن حنبل وقال الشَّافعي ليس له الصدقة بمال غيره ثم اختلفوا فيما يفعل بالغال فالجمهور على أنَّه يعزر بقدر اجتهاد الإمام عقوبة الغال ولا يحرق رحله ولم يثبت عندهم ما رُوي عن ابن عمر من أنَّه يحرق رحله ويحرم سهمه لأنَّه مما انفرد به صالح بن محمَّد عن سالم وهو ضعيف لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي وجد عنده الخزرة والعباءة وقال قوم بمقتضى ذلك الحديث يحرق رحله ومتاعه كله وهو قول مكحول والأوزاعي وقال إلَّا سلاحه وثيابه التي عليه وقال الحسن إلَّا الحيوان والمصحف قال الطحاوي ولو صح حديث ابن عمر لحمل على أنَّه كان ذلك حين كانت العقوبة في الأموال وذلك منسوخ وقوله (لا أملك شيئًا قد أبلغتك) أي لا أملك لك مغفرة ولا شفاعة إلَّا إذا أذن الله له في الشفاعة فكأن هذا القول منه أبرزه غضب وغيظ ألا ترى قوله قد أبلغتك أي ليس لك عذر بعد الإبلاغ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 426] والبخاري [3073]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال.

4601 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أبِي حَيَّانَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ أبِي حَيَّانَ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَيانَ. 4602 - (00) (00) وحدّثني أحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4601 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني المروزي نزيل الكوفة ثقة، من (8) (عن أبي حيان) يَحْيَى بن سعيد بن حيان التَّيميُّ الكوفيّ ثقة، من (6) (ح وحدثني زهير بن حرب حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفيّ ثقة، من (8) (عن أبي حيان) يَحْيَى بن سعيد (وعمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفيّ ثقة، من (6) (جميعًا) أي كلاهما (عن أبي زرعة عن أبي هريرة بمثل حديث إسماعيل عن أبي حيان) غرضه بسوق هذين المسندين بيان متابعة عبد الرحيم وجرير بن عبد الحميد لإسماعيل بن إبراهيم وفي هذا الحديث ما يدل على أن العقوبات في الآخرة تناسب الذنوب المكتسبة في الدُّنيا وقد تكون على المقابلة كما يحشر المتكبرون أمثال الذر في صور الرجال. ثم إنَّه صَلَّى الله عليه وسلم بما قد جبله الله تعالى عليه من الرأفة والرحمة والخلق الكريم لا يزال يدعو الله تعالى ويرغب إليه في الشفاعة فيشفع في جميع أهل الكبائر من أمته حتَّى تقول خزنة النَّار يا محمَّد ما تركت لربك في أمتك من نقمةكما قد صح عنه رواه ابن أبي الدُّنيا في كتاب الأهوال كما في النهاية لابن الأثير [2/ 204 - 205] اهـ مفهم ثم إن ما يتضمنه هذا الحديث من الوعيد كما يلحق الغالين من الغنيمة فكذلك يلحق الظلمة من الولاة والأمراء بطريق الأولى لأنَّه إذا لحق المال مع أنَّه له شركة في الغنيمة فالغاصب الذي لا شركة له أحرى أن يلحقه ومن ثم ناسب إيراده في هذا الموضع على سبيل الاستطراد وإلا فمحله باب الغنيمة اهـ ذهني ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4602 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر) بن سليمان بن سعيد بن قيس بن عبد الله (الدَّارميُّ) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم المروزي ثقة، من (11) (حدَّثنا سليمان بن حرب) الأزدي البصري ثقة، من (9) (حدَّثنا حماد يعني ابن

زيدٍ) عَنْ أيُّوبَ، عَنْ يحيى بن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرعَةَ بْنِ عَمرِو بْنِ جَرِيرٍ؛ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: ذَكَرَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. قَال حَمَّاد: ثُمَّ سَمِعتُ يَحيَى بعدَ ذلِكَ يُحَدِّثُهُ. فَحَدَّثَنَا بِنَحْو مَا حَدَّثَنَا عَنْهُ أَيُّوبُ. 4602 - (00) (00) وحدّثني أحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدَّثَنَا أبُو مَعْمَرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْو حَدِيثهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني ثقة، من (5) (عن يَحْيَى بن سعيد) بن حيان أبي حيان التَّيميُّ الكوفيّ ثقة، من (6) (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفيّ ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة أيوب لإسماعيل بن إبراهيم (قال) أبو هريرة: (ذكر رسول الله الغلول) أي حكم الأخذ من الغنيمة قبل القسمة (فعظمه) أي جعله ذنبًا عظيمًا حيث ذكر فيه وعيدًا شديدًا (واقتصَّ) أيوب (الحديث) السابق بمثل حديث إسماعيل بن إبراهيم لفظًا ومعنى (قال حماد) بن زيد بالسند السابق (ثم) بعد ما سمعت هذا الحديث عن يَحْيَى بواسطة أيوب (سمعت يَحْيَى) بن سعيد (بعد ذلك) أي بعد ما حدثناه أيوب عنه حالة كون يَحْيَى (يحدثه) لنا بلا واسطة (فحدثنا) يَحْيَى (بنحو ما حدَّثنا عنه أيوب) فعلا سندنا بدرجة والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4603 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن الحسن بن خراش) بكسر المعجمة وتخفيف الراء الخراساني البغدادي صدوق من (11) (حدَّثنا أبو معمر) عبد الله بن أبي الحجاج اسمه ميسرة التميمي المنقري مولاهم البصري الحافظ ثقة، من (10) (حدَّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري ثقة، من (8) (عن يَحْيَى بن سعيد بن حيان) التَّيميُّ الكوفيّ (عن أبي زرعة) الكوفيّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة عبد الوارث لحماد بن زيد وساق عبد الوارث (بنحو حديثه) أي بنحو حديث حماد عن أيوب وفي بعض النسخ بل في أكثرها بنحو حديثهم وهو تحريف من النساخ إلَّا أن يقال المتابعة بين مشايخ المؤلف وهو بعيد عن اصطلاحاته والصَّواب ما قلناه ثم

4604 - (1783) (128) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لأبِي بَكْرٍ). قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ، قَال: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأسْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ (قَال عَمْرُو وَابْنُ أَبِي عُمَرَ: عَلَى الصَّدَقَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ استدل المؤلف على الجزء الثَّاني من الترجمة بحديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه فقال. 4604 - (1783) (128) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكر بن شابور البغدادي (الناقد و) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (واللفظ لأبي بكر قالوا: حدَّثنا سفيان بن محيينة عن الزُّهريّ عن عروة) بن الزُّبير (عن أبي حميد) الأنصاري (الساعدي) عبد الرحمن بن سعد المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو حميد: (استعمل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي جعل (رجلًا من الأسد) بفتح الهمزة وسكون السِّين لغة في الأزد وهم أزد شنوءة عاملًا على الصدقة ووقع في الرّواية الآتية التصريح بالأزد ووقع في رواية للبخاري في الأحكام (رجلًا من بني أسد) فأوهم أنَّه بفتح السِّين نسبة إلى أسد بن خزيمة القبيلة المشهورة أو إلى بني أسد ابن عبد العزى بطن من قريش وليس كذلك والعرب لا تستعمل الأزد أو الأسد بسكون السِّين إلَّا بالألف واللام أما بنو أسد بفتح السِّين فيستعمل بغير الألف واللام فلما وقع في رواية البُخاريّ بغير الألف واللام أوهم أنَّه من بني أسد بن خزيمة أو من بني أسد بن عبد العزى ولكن ذكر الحافظ في الفتح [13/ 165] أن في الأزد بطنًا يقال لهم بنو أسد بالتحريك ينسبون إلى أسد بن شريك بالمعجمة مصغرًا فيصح أن يقال فيه الأزدي والأسدي بسكون السِّين وبفتحها من بني أسد بن شريك وعلى هذا فيجوز فتح السِّين أيضًا والله أعلم أي جعل عاملًا على الصدقة رجلًا من بني الأسد (يقال له) عبد الله (بن اللتبية) بضم اللام وسكون التاء وكسر الموحدة وتشديد الياء المفتوحة نسبة إلى بني لتب بضم اللام وسكون التاء حي من أحياء العرب كما في المفهم هذه هي الرّواية المعروفة هنا ووقع في رواية هشام عند المصنف ابن الأتبية بالهمزة المفتوحة أو المضمومة بدل اللام المضمومة وهي صحيحة أيضًا وضبطه بعضهم بفتح اللام والتاء وهو خطأ كما حققه النووي (قال عمرو): الناقد (وابن أبي عمر على الصدقة) وسيأتي في رواية هشام على

فَلَمَّا قَدِمَ قَال: هذَا لَكُمْ. وَهذَا لِي، أُهدِيَ لِي. قَال: فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. وَقَال: "مَا بَالُ عَامِل أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هذَا لَكُمْ وَهذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلا قَعَدَ فِي بَيتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهدَى إِلَيهِ أَمْ لَا. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدِ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنهَا شَيئًا إلا جَاءَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدقات بني سليم معين المبعوث عليهم وذكر العسكري أنَّه بعث إلى بني دبيان حكاه الحافظ في الزكاة [3/ 366] وقال: فلعله كان عاملًا على القبيلتين ووقع في رواية لأبي عوانة بعث مصدقًا إلى اليمن معين المكان المبعوث إليه (فلما قدم) الرجل بما أخذه من الصدقات (قال) ذلك الرجل (هذا) الذي دفعته إليكم حق (لكم) أي ما أخذته لكم (وهذا لي) لأنَّه (أهدي لي قال) أبو حميد: (فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) خطيبًا (على المنبر) وفي رواية أبي الزناد عند أبي نعيم فصعد المنبر وهو مغضب ذكره الحافظ في الفتح (فحمد الله) تعالى بتنزيهه من النقائص (وأثنى عليه) تعالى باتصافه بالكمالات (وقال) أي ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (ما بال) أي ما شأن (عامل أبعثه) أي أرسلته لأخذ الزكوات (فيقول) لنا بعدما جاء بالمال (هذا) المال المأخوذ (لكم وهذا) الذي أبقيته (أُهدي الي أفلا قعد) أي هذا قعد وجلس كما هو في بعض الرِّواية (في بيت أبيه أو) قال الرسول صَلَّى الله عليه وسلم أو الراوي والشك من الراوي أو ممن دونه ويحتمل أن تكون للتنويع أو بمعنى الواو كما يدل عليه ما سيأتي (في بيت أمه حتَّى ينظر) ويجرب (أُيهدى إليه) لمنزلته (أم لا) يهدى إليه قال القرطبي: يعني أن الذي يستخرج الهدايا من النَّاس للأمير إنَّما هو رهبة منه أو رغبة فيما في يديه أو في يدي غيره ويستعين به عليه فهي رشوة وهذا الحديث يدل دلالة صحيحة واضحة على أن هدايا الأمراء والقضاة وكل من ولي أمرًا من أمور المسلمين العامة لا تجوز وأن حكمها حكم الغلول في التغليظ والتحريم لأنَّها أكل المال بالباطل ورشًا وهو قول مالك وغيره اهـ من المفهم قال ابن المنير يؤخذ من قوله (هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه) جواز قبول الهدية ممن كان يهاديه قبل ذلك وأعقبه الحافظ في الفتح [13/ 167] بقوله ولا يخفى أن محل ذلك إذا لم يزد على العادة اهـ. (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (نفس محمَّد) وروحه (بيده) المقدسة (لا ينال) أي لا يأخذ (أحد منكم) أيها الولاة (منها) أي من الهدايا (شيئًا) ولو قليلًا (إلَّا جاء به)

يَومَ القِيَامَةِ يَحمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ. أَوْ بَقَرَة لَهَا خُوَارٌ. أَوْ شَاةٌ تَيعِرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ حَتَّى رَأَينَا عُفْرَتَي إِبْطَيهِ. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ؟ " مَرَّتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بالشيء الذي أخذه يوم القيامة حالة كونه (يحمله على عنقه) فضيحة له على رؤوس الأشهاد فالمحمول له إمَّا (بعير له رغاء) والرغاء بوزن الغراب صوت الإبل أي صوت إن كان المأخوذ له بعيرًا (أو بقرة لها خوار) إن كان المأخوذ له بقرة والخوار بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو هو صوت البقرة (أو شاة تيعر) أي تصيح إن كان المأخوذ له شاة وقوله تيعر بوزن تسمع وتضرب أي تصيح وتصوت صوتًا شديدًا وهو فعل من اليُعار بوزن الغراب وهو الصوت الشديد للشاة والعنزة وفي بعض الرِّواية أو شاة يعار (ثم رفع) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يديه) رفعًا بليغًا (حتَّى رأينا عفرتي إبطيه) بالتثنية فيهما والعفرة بضم العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء بياض الإبط المشوب بالسمرة والإبط الموضع المنخفض تحت الكتف أي حتَّى رأينا لمبالغة رفعه بياض إبطيه قال الأصمعي وآخرون عفرة الإبط هي البياض ليس بالناصع بل فيه شيء كون الأرض قالوا وهو مأخوذٌ من عفر الأرض وهو وجهها (ثم) بعد رفع يديه (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (اللَّهم هل بلغت) يا رب ما أمرتني بتبليغه إليهم استفهام تقريري قالها (مرتين) والمعنى بلغت حكم الله إليكم امتثالًا لقوله تعالى له: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ} وإشارة إلى ما يقع في القيامة من سؤال الأمم هل بلغهم أنبياؤهم ما أرسلوا به إليهم قاله الحافظ اهـ من العون. قال النووي في هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول لأنَّ من قبلها يكون قد خان في ولايته وأمانته ولهذ ذكر في عقوبته حمله ما أهدي إليه يوم القيامة كما ذكر مثله في المال وقد بين صَلَّى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية وأنها بسبب الولاية بخلاف الهدية لغير الولاة فإنها مستحبة وفي الحديث من الفوائد أن الإمام يخطب في الأمور المهمة واستعمال أما بعد في الخطبة كما وقع في رواية آتية ومشروعية محاسبة المؤتمن وفيه على أن من رأى متاولًا أخطأ في تأويل يضر من أخذ به أن يشهر القول للنَّاس ويبين خطأه ليحذر من الاغترار به وفيه جواز توبيخ المخطئ واستعمال المفضول في الإمارة مع وجود من هو أفضل منه والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ [6979]، وأبو داود [2946]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي حميد رضي الله عنه فقال.

4605 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. حَاثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أبِي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ. قَال: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ابْنَ اللُتْبِيَّةِ، رَجُلًا مِنَ الأزْدِ، عَلَى الصَّدَقَةِ. فَجَاءَ بِالْمَالِ فَدَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: هذَا مَالُكُم. وَهذِهِ هَدِيَّةٌ أهْدِيَتْ لِي. فَقَال لَهُ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَنهِ وَسَلَّمَ: "أَفَلا قَعَدتَ فِي بَيتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَتَنظُرَ أَيُهدَى إِلَيكَ أَم لَا؟ " ثُمَّ قَامَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4605 - (00) (00) (حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: أخبرنا عبد الرَّزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي (عن الزُّهريّ عن عروة عن أبي حميد الساعدي) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (قال: استعمل النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ابن الأتبية) بالهمزة المضمومة بدل اللام والمشهور ما في الرّواية الأولى وقوله (رجلًا) اسمه عبد الله بدل من الابن وقوله (من الأزد) صفة لرجلًا أي اتخذه عاملًا (على الصدقة) المفروضة وهي الزكاة يأخذها من أرباب الأموال ويأتي بها إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم (فجاء) الرجل (بالمال فدفعه إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فقال) الرجل للنبي صَلَّى الله عليه وسلم: (هذا مالكم) بضم اللام على الخبرية يعني مال الزكاة (وهذه) البقية (هدية أُهديت لي فقال له النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك) أي هذا قعدت في بيتهما (فتنظر أيهدي إليك أم لا ثم) بعد محاسبته (قام النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم) على المنبر (خطيبًا) أي واعظًا للنَّاس (ثم) بعد هذا (ذكر) معمر (نحو حديث سفيان) بن عيينة ودل الحديث على أن العامل لا يجوز له قبول الهدية أثناء عمله إلَّا ممن كان يهدي إليه قبل أن يتولى العمل فإن الظاهر أن من يهدي إليه بصفة كونه عاملًا لا يفعل ذلك إلَّا تقربًا إليه واستغلالًا ومن طبيعة البشر أنَّه يلين لمن يهدي إليه هدية فربما يؤدي ذلك إلى المداهنة في الأعمال فتكون هذه الهدية كالرشوة أما من تبيّن منه أنَّه لا يهدى إليه إلَّا حبًّا لذاته ولا يبتغى بذلك إلَّا وجه الله فالظاهر أنَّه لا يدخل في وعيد هذا الحديث إن شاء الله تعالى ويكون مثل هؤلاء المخلصين قليلًا نادرًا والنفاق ربَّما يتزيا بزي الإخلاص كان الاجتناب من قبولها في جميع الأحوال أولى وأسلم اهـ من التكملة ثم ذكر المؤلف

4606 - (00) (00) حدَّثنا أبُو كرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ. قَال: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيمٍ. يُدْعَى ابْنَ الأتْبيَّةِ. فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ. قَال: هذَا مَالُكُمْ. وَهذَا هَدِيَّةٌ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تأتيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِن كُنْتَ صَادِقًا؟ " ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعدُ. فَإنِّي أَسْتَعمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُم عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي الله. فَيَأتي فَيَقُولُ: هذا مَالُكُم وَهذَا هَدِيَّةٌ أُهدِيتْ لِي. أَفَلا جَلَسَ فِي بَيتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تأتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، إِنْ كَانَ صَادِقًا. وَاللهِ، لَا يَأخُذُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه فقال. 4606 - (00) (00) (حدَّثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) الهمداني (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (حدَّثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزُّبير (عن أبي حميد الساعدي) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة هشام للزهري (قال) أبو حميد: (استعمل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رجلًا من الأزد) أي اتخذه عاملًا (على صدقات بني سليم) وزكواتهم (يدعى) أي يسمى ذلك الرجل (ابن الأتبية) بالهمزة المضمومة بدل اللام هكذا وقع في أكثر النسخ وقد تقدم آنفًا أنَّه ابن اللتبية باللام وهو الصواب (فلما جاء) ذلك الرجل من عمالته (حاسبه) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أي أخذ منه حساب ما أخذ من الصدقة فيه محاسبة العمال ليعلم ما قبضوه وما صرفوه اهـ نووي أو المعنى أعطى الرجل حساب ما أخذ (قال) الرجل في محاسبته (هذا) الذي دفعته إليكم (مالكم) أي مالكم وزكاتكم أيها المسلمون (وهذا) الباقي بيدي (هدية) أهديت لي (فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) له: (فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتَّى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا) في أنَّه هدية لك وهذا تحضيض على الجلوس والمراد به توبيخه (ثم) بعد محاسبته (خطبنا محمَّد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم) أي أتخذه عاملًا (على العمل مما ولاني الله) سبحانه عليه (فيأتي) ذلك الرجل الذي وليته على العمل (فيقول) لي: (هذا) المدفوع (مالكم) أي زكاتكم (وهذا) الباقي (هدية أهديت لي) أيقول ذلك (أفلا جلس) أي فهلا جلس (في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا) فيما يقول (والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لا يأخذ

أَحَدٌ مِنْكُم مِنهَا شَيئًا بِغَيرِ حَقِّهِ، إلا لَقِيَ اللهَ تَعَالى يَحمِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ. فَلأَغرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ. أَوْ بَقَرَةَ لَهَا خُوَار. أَوْ شَاةً تَيعَرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ إِبْطَيهِ. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ هَل بلَّغت؟ " بَصُرَ عَينِي وَسَمِعَ أُذُنِي. 4607 - (00) (00) وحدّثنا أبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا عَبْدَةُ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد منكم) أيها العمال (منها) أي من الهدايا (شيئًا) أي قليلًا ولا كثيرًا أو شيئًا من الأموال التي تهدى إليكم (بغير حقه) أي بغير استحقاقه (إلَّا لقي الله تعالى) حالة كونه (يحمله يوم القيامة) فضيحة له على رؤوس الأشهاد (فلأعرفن) هكذا هو في بعض النسخ (فلأعرفن) بلا مد ألف لا على أنَّها لام قسم وفي بعضها (فلا أعرفنه) بالمد على النفي قال القاضي هذا أشهر وأصوب والأول هو رواية أكثر رواة صحيح مسلم والله أعلم أي فلا أعرفن (أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر) أي ترفع صوتها (ثم) بعد هذه الخطبة (رفع) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يديه) رفعًا بليغًا (حتَّى رؤي بياض إبطيه) المشوب بالعفرة والعفرة هي البياض يخالطه لون كلون التُّراب وكذلك لون باطن الإبط فلذلك سمي عفرة كما مر (ثم) بعد رفع يديه (قال: اللَّهم هل بلغت) ما أمرتني بتبليغه قال أبو حميد الساعدي: (بصر عيني) ذات رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين خطب قائمًا (وسمع أذني) خطبته وهذا من قول الراوي أتى به لتأكيد روايته ومعناه أعلم هذا الكلام يقينًا وأبصرت عيني النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم تكلم به وسمعته أذني فلا شك في علمي به والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه فقال. 4607 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء (حدَّثنا عبدة) بن سليمان الكلاعي الكوفيّ ثقة، من (8) قيل: اسمه عبد الرحمن (و) عبد الله (بن نمير وأبو معاوية) محمَّد بن خازم الضَّرير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني أو الطَّائي المروزي نزيل الكوفة (ح وحدثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (كلهم) أي كل هؤلاء الخمسة المذكورين

عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسنَادِ. وَفِي حَدِيثِ عَبدَةَ وَابْنِ نُمَيرٍ: فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ. كَمَا قَال أَبُو أُسَامَةَ. وَفِي حَدِيثِ ابنِ نُمَيرٍ: "تَعْلَمُنَّ وَاللهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا يَأخُذُ أَحَدُكُم مِنهَا شَيئًا". وَزَادَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ قَال: بَصُرَ عَينِي وَسَمِعَ أُذُنَايَ. وَسَلُوا زيدَ بْنَ ثَابِتٍ. فَإِنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعِي. 4608 - (00) (00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشِّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذَكْوَانَ (وَهُوَ أبُو الزِّنَادِ)، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من عبدة وابن نمير وأبي معاوية وعبد الرحيم وسفيان بن عيينة رووا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن أبي حميد (مثله) أي مثل ما روى أبو أسامة عن هشام غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لأبي أسامة (وفي حديث عبدة وابن نمير) لفظة (فلما جاء حاسبه كما قال أبو أسامة وفي حديث ابن نمير) زيادة لفظة (تعلمن والله) جزاء هداياكم أيها الولاة يوم القيامة (والذي) أي أقسمت لكم بالإله الذي (نفسي بيده) المقدسة (لا يأخذ أحدكم) أيها الولاة (منها) أي من الهدايا (شيئًا) قال النووي قوله والذي نفسي بيده هو بعد قوله والله توكيد لليمين وفيه توكيد اليمين بذكر اسمين أو أكثر من أسماء الله تعالى وتعلمن مضارع بمعنى الأمر (وزاد) ابن أبي عمر (في حديث سفيان) وروايته (قال) أبو حميد الساعدي (بصر عيني وسمع أذناي) بصيغة التثنية هنا (وسلوا) أي اسألوا أيها المستمعون الكرام عن هذا الحديث (زيد بن ثابت) بن الضَّحَّاك الأنصاري النجاري المدني كاتب الوحي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم استثباتًا له (فإنَّه) أي فإن زيد بن ثابت (كان حاضرًا معي) في تلك الواقعة قال النووي قوله وسلوا إلخ فيه استشهاد الراوي أو القائل بقول من يوافقه ليكون أوقع في نفس السامع وأبلغ في طمأنينته ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي حميد رضي الله عنه فقال. 4608 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفيّ ثقة، من (8) (عن) أبي إسحاق (الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفيّ ثقة، من (5) (عن عبد الله بن ذكوان) الأموي مولاهم (وهو أبو الزناد) المدني ثقة، من (5) (عن عروة بن الزُّبير أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على الصدقة) هكذا هو في أكثر النسخ عن عروة أن رسول الله صَلَّى الله

فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِيرٍ. فَجَعَلَ يَقُولُ: هذَا لَكُم. وَهذَا أُهدِيَ إِلي، فَذَكَرَ نَحوَهُ. قَال عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لأَبِي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ: أَسَمِعتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: مِن فِيهِ إِلَى أُذُنِي. 4609 - (1784) (129) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أبِي حَازِمٍ، عَنْ عَدِي بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم ولم يذكر أبا حميد وكذا نقله القاضي هنا عن رواية الجمهور ووقع في بعض النسخ عند جماعة عن عروة بن الزُّبير عن أبي حميد وهذا واضح والأول أيضًا متصل لقوله في الأخير قال عروة فقلت لأبي حميد أسمعته من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال من فيه إلى أذني فهذا تصريح من عروة بأنه سمعه من أبي حميد فاتصل الحديث ومع هذا فهو متصل بالطرق الكثيرة السابقة غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الله بن ذكوان لهشام بن عروة في الرِّواية عن عروة (فجاء) ذلك الرجل (بسواد كثير) أي بأشياء كثيرة وأشخاص بارزة من حيوان وغيره والسواد يقع على كل شخص وذات (فجعل) أي شرع الرجل (يقول هذا لكم وهذا أهدي إلي فذكر) عبد الله بن ذكوان (نحوه) أي نحو حديث هشام بن عروة قال أبو الزناد (قال) لنا (عروة) بن الزُّبير: (فقلت لأبي حميد الساعدي أسمعته) أي أسمعت هذا الحديث (من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال) أبو حميد: (من فيه إلى أذني) أي صدر هذا الكلام من فيه متوجهًا إلى أذني يريد به تأكيد سماعه من نفس النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم بدون واسطة ثم استشهد المؤلف لحديث أبي حميد بحديث عدي بن عميرة رضي الله عنه فقال. 4609 - (1784) (129) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا وكيع بن الجراح) بن مليح الرؤاسي الكوفيّ ثقة، من (9) (حدَّثنا إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفيّ ثقة، من (4) (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي الكوفيّ ثقة مخضرم من (2) (عن عدي بن عميرة) بفتح العين المهملة مكبرًا قال القاضي ولا يعرف من الرجال أحد يقال له عميرة بضمها بل كلهم بالفتح ووقع في النساء الأمران أفاده النووي (الكندي) الحضرمي أبي زرارة الكوفيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه قيس بن أبي حازم في الإمارة ويروي عنه (م د س ق) وابناه عدي

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ استَعمَلنَاهُ مِنكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غلُولًا يَأتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَال: فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ، مِنَ الأَنْصَارِ. كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَيهِ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله! اقْبَل عَنِّي عَمَلَكَ. قَال: "وَمَا لكَ؟ " قَال: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. قَال: "وَأَنا أَقُولُهُ الآنَ. مَنِ اسْتَعمَلنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. فَمَا أُوتي مِنْهُ أَخَذَ. وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ والعرس وقيل بن أبي حازم له عشرة أحاديث انفرد له مسلم بحديث مات في خلافة معاوية في الجزيرة سنة (40) وهذا السند من خماسياته (قال) عدي: (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول من استعملناه) ووليناه (منكم على عمل) من أعمال الدين كأخذ الزكوات والفيء والخراج (فكتمنا) أي فكتم وأخفى منا (مخيطًا) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء الإبرة وما يخاط به كالمسلة (فما فوقه) أي فما فوق المخيط (كان) ذلك الكتمان (غلولًا) أي كالغلول والأخذ من الغنيمة السابق حكمه (يأتي) ذلك الكاتم (به) أي بما كتمه (يوم القيامة) حاملًا على رقبته (قال) عدي بن عميرة (فقام إليه) صَلَّى الله عليه وسلم (رجل أسود من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (كأني أنظر) الآن (إليه) أي إلى ذلك الرجل (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله أقبل عني عملك) وولايتك يعني استقال من عمله خوفًا من أن يدخل في الوعيد فـ (ـقال) له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (وما لك) أي وأي عذر لك أيها الرجل في رد عملي علي وانخلاعك منه وفي رواية أبي داود وما ذلك يعني ما هو السبب في استقالتك (قال) الرجل: (سمعتك) يا رسول الله (تقول كذا وكذا) من قوله من استعملناه فكتم مخيطًا إلخ (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (وأنا أقوله) أي أقول ذلك القول (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر يعني أنا ثابت على قولي السابق (من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره) أي بقليل ما أخذ بولايته وكثيرة وهذا يدل على أنَّه لا يجوز له أن يقتطع منه شيئًا لنفسه لا أجرة ولا غيرها ولا لغيره إلَّا أن يأذن له الإمام الذي تلزمه طاعته اهـ مفهم (فما أوتي) وأعطي (منه) أي مما جاء به يعني أجرة عمالته (أخذ) واستلم (وما نهي عنه) أي عن أخذه انتهى منه وهو باقي ما أتى به غير عمالته يعني ما آتاه الإمام من ذلك القليل والكثير أجرة على عمله أو جائزة له فليأخذه وما أمسك عنه أو نهاه أن يأخذ فليتركه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في الأقضية باب هدايا العمال [3581].

4610 - (00) (00) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 4611 - (00) (00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فائدة) قال القرطبي وليس لأحد أن يتمسك في استباحة هدايا الأمراء بأن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا بما روي أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أباح لمعاذ الهدية حين وجهه إلى اليمن أما الجواب عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فمن وجهين أحدهما أنه كان لا يقبل الهدية إلَّا ممن يعلم أنَّه طيب النَّفس بها ومع ذلك فكان يكافئ عليها بأضعافها غالبًا والثاني أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم معصوم عن الجور والميل الذي يخاف منه على غيره بسبب الهدية وأمَّا الجواب عن حديث معاذ فلأنه لم يجئ في الصَّحيح ولو صح فكان ذلك مخصوصًا بمعاذ لما علم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من حاله وتحققه من فضله ونزاهته ما لا يشاركه فيه غيره ولم يبح ذلك لغيره بدليل هذه الأحاديث الصحاح وقد ذكر حديث معاذ هذا ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي [6/ 82] وقال قد روي أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم لما قدم معاذًا على اليمن قال لي قد علمت الذي دار عليك في مالك وقد طيبت لك الهدية ثم عقب عليه بقوله ولم يصح سندًا ولا معنى والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عدي رضي الله عنه فقال. 4610 - (00) (00) (وحدثناه محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا أبي) عبد الله (ومحمد بن بشر) العبدي الكوفيّ (ح وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفيّ ثقة، من (9) (قالوا) أي قال كل من عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر وأبي أسامة (حدَّثنا إسماعيل) بن خالد (بهذا الإسناد) يعني عن قيس بن أبي حازم عن عدي بن عميرة (بمثله) أي بمثل ما حدث وكيع عن إسماعيل غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لوكيع ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عدي رضي الله عنه فقال. 4611 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا الفضل بن موسى) الرَّازي المروزي ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدَّثنا

إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. أَخبَرَنَا قَيسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. قَال: سَمِعتُ عَدِي بْنَ عَمِيرَةَ الكِنْدِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بِمِثلِ حَدِيثِهِمْ. 4612 - (1785) (130) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. قَالا: حَدَّثنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: نَزَلَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ـــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي الكوفيّ (أخبرنا قيس بن أبي حازم) الأحمسي الكوفيّ (قال: سمعت عدي بن عميرة الكندي) الكوفيّ (يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الفضل بن موسى لوكيع وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر وأبي أسامة وساق الفضل بن موسى (بمثل حديثهم) لفظًا ومعنى أي بمثل حديث هؤلاء الأربعة المذكورة آنفًا ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4612 - (1785) (130) (حدثني زهير بن حرب وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمال بالمهملة ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (قالا: حدَّثنا الحجاج بن محمَّد) المصيصي الأعور نزيل بغداد ثم المصيصة ثقة، من (9) (قال) حجاج: (قال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز الأموي المكيِّ ثقة، من (6) روى عنه في (16) بابا وأسند هذا الحديث إلى ابن عباس في آخره كما سيأتي فالحديث مسند أي قال ابن جريج (نزل) قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} قال في الفتح أي أطيعوا الله فيما نص عليكم في القرآن {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فيما بين لكم من القرآن وما ينصه لكم من السنة وفيه نقلًا عن الطيبي أنَّه أعاد الفعل في قوله وأطيعوا الرسول إشارة إلى استقلال الرسول صَلَّى الله عليه وسلم بالطاعة ولم يعده في أولي الأمر ليؤذن أنهم لا استقلال لهم بالطاعة وأنهم إنَّما تجب طاعتهم إذا وافقوا الحق الذي يأمر به الله ورسوله اهـ. ({وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}) وقد اختلف العلماء في المراد بأولي الأمر في هذه الآية والأكثرون على أنهم الأمراء وقيل هم العلماء لأنَّ أمرهم ينفذ على الأمراء ويشهد لقول الأكثرين الآية قبلها وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَينَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} فإنها في الولاة والكلام بعدها متصل بها فإنَّه بعد أن

فِي عَبْدِ الله بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيسِ بْنِ عَدِي السَّهْمِيِّ. بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ. أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أمر الولاة بالعدل أمر النَّاس بطاعتهم ليشعر أن الطاعة لهم وإنَّما تجب بعدالتهم قيل ويشهد للقول الثَّاني ورود أولي الأمر بمعنى العلماء في قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وإيراد مسلم هذا الحديث في هذا الباب مع ما فيه من بيان أن الآية نزلت في عبد الله بن حذافة وقد بعث أميرًا على سرية يدل على أن مذهبه في أولي الأمر مذهب الأكثرين. أي نزلت هذه الآية (في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي) القرشي (السهمي) أبي حذافة من قدماء المهاجرين هاجر إلى الحبشة وشهد بدرًا وأرسله النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى كسرى له أحاديث انفرد له (م) بحديث ويروي عنه (م س) وأبو وائل وسليمان بن يسار مات بمصر في خلافة عثمان رضي الله عنه (بعثه النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم في سرية) قال القرطبي هذا كلام غير تام وتتمته أن عبد الله بن حذافة أمرهم بأمر فخالف بعضهم وأنف على عادة العرب أنهم كانوا يأنفون من الطاعة قال الشَّافعي فكانت العرب تأنف من الطاعة للأمراء فلما أطاعوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الأمراء قال ابن جريج: (أخبرنيه) أي أخبرني هذا الحديث (يعلى بن مسلم) بن هرمز البصري ثم المكيِّ روى عنه في (2) ثقة، من (6) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفيّ ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته. وقوله (بعثه في سرية) إشارة إلى ما رواه علي عند المؤلف في هذا الباب وعند البُخاريّ وغيره أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن حذافة على سرية فأمرهم أن يوقدوا نارًا فيدخلوها فهموا أن يفعلوا ثم كفوا فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال إنما الطاعة في المعروف واستشكل الداودي أن تكون آية الإطاعة نزلت في هذه القصة لأنَّ الآية تأمر بإطاعة الأمير وحاصل القصة أن الصّحابة أقروا على مخالفة أميرهم وأجاب عنه الحافظ في الفتح [8/ 254] بأن المقصود من الآية ها هنا قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} لأنَّ الصّحابة تنازعوا في امتثال ما أمرهم به عبد الله بن حذافة وسببه أن الذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النَّار فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله وإلى رسوله أي إن تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه

4613 - (1786) (131) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْحِزَاميُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ أَطَاعَنى فَقَد أَطَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فارجعوا إلى الكتاب والسنة ثم إن المراد من أولي الأمر في الآية الأمراء وهو أرجح الأقوال في تفسير الآية وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد العلماء وبعضهم إلى أن المراد الصّحابة وآخرون إلى أنهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما خاصة راجع تفسير ابن جرير لتفصيل هذه الأقوال. (فائدة) وعبد الله بن حذافة هو أبو حذافة أو أبو حذيفة هو الذي وجهه عمر رضي الله عنه في جيش إلى الروم فأسروه فقال له ملك الروم تنصر أشركك في ملكي فأبى فأمر به فصلب وأمر برميه بالسهام فلم يجزع فأنزل وأمر بقدر فصب فيها الماء وأغلي عليه وأمر بإلقاء أسير فيها فإذا عظامه تلوح فأمر بإلقائه إن لم يتنصر فلما ذهبوا إليه بكى قال ردوه فقال لم بكيت قال تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في الله فعجب فقال قبل رأسي فأنا أخلي عنك فقال وعن جميع أسارى المسلمين قال نعم فقبل رأسه فخلى بينهم فقدم بهم على عمر فقام عمر فقبل رأسه أخرجه البيهقي وابن عساكر وغيرهما راجع الإصابة [2/ 288] وحديث ابن عباس هذا شارك المؤلف في روايته البُخاريّ في تفسير سورة النساء باب أطيعوا الله وأطيعوا الرسول إلخ [4584]، وأبو داود في الجهاد باب في الطاعة [2624]، والترمذي في الجهاد باب ما جاء في الرجل يبعث وحده سرية [7123]، والنَّسائيُّ في البيعة باب قوله تعالى وأولي الأمر منكم [4194]، ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال. 4613 - (1786) (131) (حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى) التميمي النيسابوري (أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله القرشي الأسدي (الحزامي) بكسر الحاء وبالزاي نسبة إلى جده حزام المدني ثقة من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال من أطاعني فقد أطاع الله) تعالى هذا مقتبس من قوله تعالى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ

اللهَ وَمَنْ يَعصِنِي فَقَد عَصَى اللهَ. وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي. وَمَنْ يَعصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَاني". 4614 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "وَمَنْ يَعصِ الأَمِيرَ فَقَد عَصَاني" ـــــــــــــــــــــــــــــ أَطَاعَ اللَّهَ} أي لأني لا آمر إلَّا بما أمر الله به فمن فعل ما أمره به فإنما أطاع الله الذي أمرني أن آمره اهـ من الفتح وكذا قال في المعصية (ومن يعصني) بالجزم بمن الشّرطيّة أي عصاني وخالفني بعدم قبول أمري (فقد عصى الله) سبحانه (ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن بعض الأمير فقد عصاني) قال القرطبي ووجهه أن أمير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إنَّما هو منفذ أمره ولا يتصرف إلَّا بأمره فمن أطاعه فقد أطاع أمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وعلى هذا فكل من أطاع أمير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقد أطاع الرسول ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله فينتج أن من أطاع أمير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقد أطاع الله وهو حق صحيح وليس هذا الأمر خاصًّا بمن باشره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بتولية الإمارة بل هو عام في كل أمير للمسلمين عدل ويلزم منه نقيض ذلك في المخالفة والمعصية اهـ مفهم وذكر الخطابي سبب اهتمام النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم بشأن الأمراء حتى قرن طاعتهم إلى طاعته فقال: كانت قريش ومن يليهم من العرب لا يعرفون الإمارة ولا يدينون لغير رؤساء قبائلهم فلما كان الإسلام وولي عليهم الأمراء أنكرت ذلك نفوسهم وامتنع بعضهم عن الطاعة فأعلمهم صَلَّى الله عليه وسلم أن طاعتهم مربوطة بطاعته ومعصيتهم بمعصيته حثًا لهم على طاعة أمرائهم لئلا تتفرق الكلمة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 244 و 342] والبخاري [2957]، والنَّسائيُّ [1547]، وابن ماجة في المقدمة (3) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4614 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدَّثنا ابن عيينة عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة ابن عيينة لمغيرة بن عبد الرحمن (و) لكن (لم يذكر) ابن عيينة لفظة (ومن يعص الأمير فقد عصاني) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال.

4615 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَهُ قَال: حَدَّثَنَا أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أنَّهُ قَال: "مَن أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ. ومَن عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ. ومَن أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَد أَطَاعَنِي. ومَن عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَاني". 4616 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مَكيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب؛ أَنَّ أبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ أخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 4615 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يَحْيَى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أخبره) أي أخبر ابن شهاب ليونس فـ (ـقال) له: (حدَّثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) الزُّهريّ المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لعبد الرحمن الأعرج (عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنَّه قال: من أطاعني) فيما أمرته به (فقد أطاع الله) لأني لا آمره إلَّا بأمر الله (ومن عصاني) فيما نهيته عنه (فقد عصى الله) تعالى (ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني) وفي الرّواية السابقة (ومن يطع الأمير) ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد فإن كل من يأمر بحق وكان عادلًا فهو أمير الشارع لأنَّه تولى بأمره وشريعته وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر أنَّه المراد وقت الخطاب ولأنَّه سبب ورود الحديث وأمَّا الحكم فالعبرة فيه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر عن القرطبي اهـ فتح الباري [13/ 112]، ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4616 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدَّثنا مكي بن إبراهيم) بن بشير التميمي الحنظلي أبوالسكن البلخي ثقة، من (9) روى عنه في (2) بابين الصَّلاة والإمارة (حدَّثنا ابن جريج) الأموي المكيِّ ثقة، من (6) (عن زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني أبي عبد الرحمن المكيِّ ثقة ثبت من (6) قال ابن عيينة كان أثبت أصحاب الزُّهريّ روى عنه في (8) أبواب (عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أنَّه سمع أبا هريرة يقول) رضي الله عنه وهذا السند

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِهِ. سَوَاءً. 4617 - (00) (00) وحدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ. قَال: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ. سَمِعَ أبَا عَلْقَمَةَ. سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثهِما ـــــــــــــــــــــــــــــ من سباعياته غرضه بيان متابعة زياد بن سعد ليونس بن يزيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): الحديث وساق زياد بن سعد (بمثله) أي بمثل حديث يونس بن يزيد حالة كون ذلك المثل (سواء) أي مساويًا مماثلًا لحديث يونس بن يزيد لفظًا ومعنى وهي حال مؤكدة لمعنى صاحبها ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا فقال. 4617 - (00) (00) (وحدثني أبو كامل الجحدري) فضل بن حسين البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) روى عنه في (19) بابا (عن يعلى بن عطاء) الليثي الطائفي نزيل واسط ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي علقمة) المصري الهاشمي مولاهم وقيل حليفهم وقيل حليف الأنصار لم يعرف له اسم إلا هذه الكنية وثقه ابن حبان وقال العجلي ثقة تابعي مصري من (3) روى عنه في (3) أبواب قال أبو علقمة: (حدثني أبو هريرة) حال كونه مشافهًا (من فيه إلى في) أي واصلًا من فمه إلى فمي يعني بلا واسطة وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي علقمة للأعرج وأبي سلمة (قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثني عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (قالا) أي قال معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر (حدشا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن يعلى بن عطاء) الليثي الطائفي (سمع أبا علقمة) المصري (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة لأبي عوانة وساق أبو علقمة (نحو حديثهما) أي نحو حديث الأعرج وأبي سلمة وفي أكثر النسخ (نحو حديثهم) بضمير الجمع وهو تحريف من النساخ لأن المتابع اثنان فقط ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا فقال.

4618 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثهِمْ. 4619 - (00) (00) وحدّثني أبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيوَةَ؛ أن أَبَا يُونُسَ، مَوْلَى أَبِي هُرَيرَةَ حَدَّثَهُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِذلِكَ. وَقَال: "مَنْ أَطَاعَ الأمَيرَ" وَلَمْ يَقُل: "أَمِيرِي". وَكَذلِكَ فِي حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. 4620 - (00) (00) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4618 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل الصنعاني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق همام (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث الأعرج وأبي سلمة وأبي علقمة ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا فقال. 4619 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا ابن وهب عن حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي المحصري ثقة، من (7) (أن أبا يونى مولى أبي هريرة) اسمه سليم بن جبير الدوسي المصري ثقة، من (3) (حدثه) أي حدث لحيوة بن شريح (قال) أبو يونس: (سمعت أبا هريرة يقول) ويروي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك) الحديث السابق يعني قوله من أطاعني فقد أطاع الله الخ (و) لكن (قال) أبو يونس في روايته (من أطاع الأمير ولم يقل) أبو يونس في روايته من أطاع (أميري) بالإضافة إلى الياء (وكذلك في حديث همام) بن منبه وروايته (عن أبر هريرة) رضي الله عنه لفظة من أطاع الأمير بأداة التعريف وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي يونس لمن روى عن أبي هريرة رضي الله عنه ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهم فقال. 4620 - (1787) (132) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني

وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ. قَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيكَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ. فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ. وَمَنْشَطِكَ وَمَكرَهِكَ. وَأَثَرَةٍ عَلَيكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نزيل مكة ثقة، من (15) روى عنه في (15) بابا (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (كلاهما عن يعقوب) بن عبد الرحمن (قال سعيد) بن منصور في روايته عنه (حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري بتشديد الياء نسبة إلى قارة حي من أحياء العرب المدني ثقة، من (8) (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني القاص الزاهد ثقة، من (5) (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) القيسي المدني ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك) جار ومجرور خبر مقدم لقوله (السمع والطاعة) بالرفع واسم فعل أمر ناصب ما بعده على رواية النصب أي الزم السمع لما يقول أميرك والزم الإطاعة والاتباع له في غير معصية الله (في عسرك) أي فيما يشقه عليك وتكرهه نفسك ويصعب عليك (ويسرك) أي وفيما يسهل عليك وتحبه نفسك (و) في حال (منشطك) أي نشاطك (و) في حال (مكرهك) أي كراهتك وتعبك وهما مصدران أو ظرفان ميميان من النشاط والكراهة والمراد وجوب السمع والطاعة في كل ما يأمر به الأمير رضيه المأمور أو سخطه ما لم يكن معصية (و) في حال (أثرة عليك) بفتحتين وبضم الهمزة وفتحها مع سكون الثاء فيهما وهي أن يؤثر غيرك عليك في العطايا والهبات ونحوها أو يستبد بالمنافع والدنيا بنفسه والمراد أن السمع والطاعة في غير المعصية لا يسقطان بعذر أن الأمير لا يعدل مع المامور أو يفضل فيها البعض على البعض أو يختار نفسه بها قال الذهني قوله (عليك السمع والطاعة) الخ رويا مرفوعين أي هما واجبان عليك ومنصوبين أي الزمهما والمنشط والمكره مصدران ميميان أو اسما زمان أو مكان والأثرة بفتحتين وبضم الهمزة وكسرها مع سكون الثاء فيهما اسم من الاستئثار وهو الاختصاص والاستبداد والمعنى يجب عليك السمع والطاعة أو الزم السمع والطاعة في حالتي الشدة والرخاء والضراء والسراء وفي حال استئثار الولاة عليك بالمنافع واختصاصهم بها دونك أو إيثار غيرك بها وتقديمه عليك فيها اهـ وشارك المؤلف في

4621 - (1788) (133) وحدّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ وَأبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ. 4622 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية هذا الحديث النسائي في البيعة باب البيعة على الأثرة [4155]، وأحمد [2/ 381]، ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عباس بحديث أبي ذر رضي الله عنهم فقال. 4621 - (1788) (133) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن براد الأشعري وأبو كريب) محمد بن العلاء الكوفي (قالوا: حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة فقيه، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن شعبة) بن الحجاج البصري ثقة، من (7) روى عنه في (30) بابا (عن أبي عمران) الجوني عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري مشهور بكنيته ثقة، من (4) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة، من (3) (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري الربذي المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو ذر: (إن خليلي) وحبيبي محمدًا صلى الله عليه وسلم (أوصاني) وأمرني (أن أسع) الأمير فيما يأمر به (وأطيع) فيما ينهى عنه (وإن كان) ذلك الأمير (عبد مجاع الأطراف) أي مقطع الأعضاء والتشديد للتكثير ومعناه أوصاني بالسمع والطاعة لمن ولي الأمر ولو كان غاية في ضعة النسب وقلة الخطر وتشوه الخلقة وفي هذا الحديث وما تقدمه ما ترى من الحث على الانقياد للولاة تحرزًا مما يثير الفتنة ويؤدي إلى اختلاف الكلمة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [431]، والترمذي [136]، والنسائي [2/ 75] وابن ماجه في الجهاد باب طاعة الإمام [2892]، وقد مر عند المؤلف ذكره في كتاب الصلاة باب تأخير الصلاة عن وقتها المختار ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4622 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي نزيل مرو وشيخها ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من محمد بن جعفر والنضر بن

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَقَالا فِي الْحَديثِ: عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ. 4623 - (00) (00) وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، كَمَا قَال ابْنُ إِدْرِيسَ: عَبْدًا مُجدَّعَ الأَطْرَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــ شميل رويا (عن شعبة عن أبي عمران) الجوني (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة محمد بن جعفر والنضر بن شميل لعبد الله بن إدريس (وقالا) أي قال محمد بن جعفر والنضر بن شميل (في الحديث عبدًا حبشيًّا مجاع الأطراف) وزاد حبشيًّا لزيادة نقصه بالسواد وإن كان مرغوبًا فيه لقوته قال القرطبي الجاع القطع وأصله في الأنف والأطراف الأصابع وهذا مبالغة في وصف هذا العبد بالضعة والخسة وذلك أن العبد إنما تنقطع أطرافه من كثرة العمل والمشي حافيًا وهذا منه صلى الله عليه وسلم على جهة الإعياء على عادة العرب في تمكينهم المعاني وتأكيدها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بنى مسجدًا لله ولو مثل مفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتًا في الجنة) رواه ابن حبان والبيهقي في السنن ومفحص قطاة لا يصلح لمسجد إنما هو تمثيل للصغير على جهة الإعياء فكأنه قال أصغر ما يكون من المساجد وعلى هذا التأويل لا يكون فيه حجة لمن استدل به على جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى وهم بعض أهل الظاهر فيما أحسب فإنه قد اتفق على أن الإمام الأعظم لا بد أن يكون حرًّا قلت وأمير الجيش والحرب في معناه فإنها مناصب دينية يتعلق بها تنفيذ أحكام شرعية فلا يصلح لها العبد لأنه ناقص بالرق محجور عليه ولا يستقل بنفسه ومسلوب أهلية الشهادة والتنفيذ فلا يصلح للقضاء ولا للإمارة وأظن أن جمهور علماء المسلمين على ذلك وقد ورد ذكر العبد في هذا الحديث مطلقًا وقد قيده في الحديث التالي حيث قال ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اهـ من المفهم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال. 4623 - (00) (00) (حدثناه عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا شعبة عن أبي عمران بهذا الإسناد) يعني عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لابن إدريس وقال معاذ في حديثه (كما قال) عبد الله (بن إدريس) يعني قوله (عبدًا مجدع الأطراف) ولم

4624 - (1789) (134) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَينٍ. قَال: سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَهُوَ يَقُولُ: "وَلَو اسْتُعْمِلَ عَلَيكُمْ عَبدْ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". 4625 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "عَبْدًا حَبَشِيًّا". 4626 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر لفظ حبشيًّا ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث ابن عباس بحديث أم حصين فقال. 4624 - (1789) (134) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يحيى بن حصين) البجلي الأحمسي ثقة، من (4) (قال سمعت جدتي) أم الحصين بنت إسحاق الأحمسية المدنية رضي الله عنها ولم يكن لها اسم إلا هذه الكنية وهذا السند من خماسياته (تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بخطب في حجة الوداع وهو) صلى الله عليه وسلم أي سمعته والحال أنه صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: (ولو استعمل) وولي (عليكم) أيها المسلمون (عبد يقودكم) أي يأمركم (بكتاب الله) أي بحكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (فاسمعوا له) ما يقول (وأطيعوا) أمره وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الجهاد [1706]، والنسائي في البيعة [4192]، وابن ماجه في الجهاد [2891]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4625 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (بن بشار حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن يحيى عن جدته (وقال) محمد بن بشار في روايته (عبدًا حبشيًّا) أي ولو استعمل عليكم عبد حبشي أي زاد لفظ حبشي غرضه بيان متابعة محمد بن بشار لمحمد بن المثنى ثم ذكر المتابعة فيه ثانيًا فقال. 4626 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن

شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَقَال: "عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا". 4627 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا". وَزَادَ: أَنَّهَا سَمِعَت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى، أَوْ بِعَرَفَاتٍ. 4628 - (00) (00) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثنَا مَعْقِلٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَينٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَينِ. قَال: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ. قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ أُمِّرَ عَلَيكُمْ عَبدٌ مُجَدَّعٌ (حَسِبْتُهَا قَالتْ) ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة بهذا الإسناد) يعني عن يحيى عن جدته (و) لكن (قال) وكيع في روايته (عبدًا حبشيًّا مجدعًا) غرضه بيان متابعة وكيع لمحمد بن جعفر ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثالثًا فقال. 4627 - (00) (00) (وحدثنا عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي أبو محمد النيسابوري ثقة، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة، من (9) (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن يحيى عن جدته (ولم يذكر) بهز (حبشيًّا مجدعًا وزاد) بهز (أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أو عرفات) أو للتفصيل غرضه بيان متابعة بهز لمحمد بن جعفر ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا فيه فقال. 4628 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة، من (11) ت (247) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني وقد ينسب إلى جده صدوق من (9) ت (210) (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله العبسي بالموحدة الحراني صدوق من (8) ت (166) (عن زيد بن أبي أُنيسة) بالتصغير اسمه زيد أيضًا الغنوي الجزري ثقة، من (6) ت سنة (124) (عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال) يحيى: (سمعتها) أي سمعت جدتي (تقول حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع قالت) جدتي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا كثيرًا) من الأوامر والنواهي (ثم سمعته يقول إن أُمّر) بالبناء للمجهول (عليكم عبد مجدع) قال يحيى: (حسبتها) أي حسبت جدتي (قالت) لفظة

أَسْوَدُ، يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ. فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". 4629 - (1790) (135) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا لَيثٌ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ. فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ. إِلَّا أَن يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ. فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أسود يقودكم) أي يأمركم (بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوه). وأخرج ابن منده من طريق أبي نعيم عن يونس ابن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث قال: سمعت الأحمسية يعني أم الحصين تقول رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردًا قد التحف به من تحت إبطه يقول: يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام عليكم كتاب الله تعالى نقله الحافظ في الإصابة [4/ 424] في ترجمة أم الحصين ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث ابن عباس بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال. 4629 - (1790) (135) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال على المرء المسلم السمع والطاعة) للأمير (فيما أحب) ورضي ووافق هواه (و) فيما (كره) وسخط كالجهاد (إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) عليه في تلك الحال لأن الطاعة إنما تجب في المعروف كما جاء في الحديث الآتي والمعصية منكر فليس فيها سمع ولا طاعة بل تحرم الطاعة على من كان قادرًا على الامتناع. قال القرطبي قوله (على المرء المسلم السمع والطاعة) ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولًا واحدًا ثم إن كانت تلك المعصية كفرًا وجب خلعه على المسلمين كلهم وكذلك لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين كإقام الصلاة وصوم رمضان وإقامة الحدود ومنع من ذلك وكذلك لو أباح شرب الخمر والزنا ولم يمنع منها لا يختلف في وجوب خلعه فأما لو ابتدع بدعة ودعا الناس إليها فالجمهور على أنه يخلع وذهب البصريون إلى أنه لا يخلع تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم (إلا أن تروا كفرًا

4630 - (00) (00) وحدّثناه زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4631 - (1791) (136) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) ـــــــــــــــــــــــــــــ بواحًا عندكم من الله فيه برهان) رواه مسلم [1709]، وهذا يدل على استدامة ولاية المتأول وإن كان مبتدعًا. فأما لو أمر بمعصية مثل أخذ مال بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق فلا يطاع في ذلك ولا ينفذ أمره ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله إذ ليس دم أحدهما ولا ماله بأولى من دم الآخر ولا ماله وكلاهما يحرم شرعًا إذ هما مسلمان ولا يجوز الأقدام على واحد منهما لا للآمر ولا للمأمور لقوله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما ذكره الطبري ولقوله ها هنا فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة فأما قوله في حديث حذيفة اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فهذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام والانقياد وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك وبحتمل أن يكون ذلك خطابًا لمن يفعل به ذلك بتأويل يسوغ للأمير بوجه يظهر له ولا يظهر ذلك للمفعول به وعلى هذا يرتفع التعارض بين الأحاديث ويصح الجمع والله تعالى أعلم اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [7144]، وأبو داود [2626]، والترمذي [1707]، والنسائي [7/ 160]، وابن ماجه [2864]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4630 - (00) (00) (وحدثناه زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي كلاهما) أي كل من يحيى وعبد الله بن نمير رويا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر غرضه بيان متابعة عبد الله ويحيى لليث بن سعد وساقا (مثله) أي مثل حديث ليث بن سعد ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث ابن عباس بحديث علي رضي الله عنهم فقال. 4631 - (1791) (136) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى

قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيشًا وَأَمَّرَ عَلَيهِمْ رَجُلًا. فَأَوْقَدَ نَارًا. وَقَال: ادْخُلُوهَا. فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا. وَقَال الآخَرُونَ: إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال، لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: "لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زبيد) مصغرًا بن الحارث اليامي أبي عبد الرحمن الكوفي ثقة، من (6) (عن سعد بن عبيدة) مصغرًا السلمي بضم السين أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي ثقة، من (3) (عن أبي عبد الرحمن) السلمي عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي ثقة، من (2) (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا) للغزو (وأمَّر عليهم رجلًا) أي جعل رجلًا منهم أميرًا عليهم قيل هو عبد الله بن حذافة السهمي ويعارض هذا القول قوله في الرواية التالية رجلًا أنصاريًا فإن عبد الله بن حذافة قرشي مهاجري ولذا قال بعضهم بتعدد القصة وجزم بعضهم بان لفظ أنصاري وقع وهمًا من بعض الرواة (فأوقد) ذلك الرجل (نارًا) أي أمرهم بإيقاد نار (و) لما اتقدت النار والتهبت (قال) الرجل لهم: (ادخلوها) أي ادخلوا هذه النار فإن طاعتي واجبة عليكم لعله فعل ذلك امتحانًا ليرى مبلغ طاعته له أو مبلغ فهمهم لمغزى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بطاعته وقيل بل فعله مزحًا وملاطفة فقد نقل أنه كانت في عبد الله هذا دعابة لكن ما جاء في الرواية التالية من أنهم أغضبوه فأمرهم بدخول النار ينافي هذين الاحتمالين والله أعلم اهـ ذهني (فأراد) أي قصد (ناس) أي فريق منهم (أن يدخلوها) نظرًا إلى عموم وجوب طاعة الأمير (وقال) الفريق (الآخرون) منهم (إنا قد فررنا منها) بإسلامنا أي إنما أسلمنا فرارًا من عذاب النار فكيف ندخلها باختيار منا (فذكر) بالبناء للمجهول (ذلك) الذي جرى بينهم وبين الأمير وبين الفريقين من الاختلاف في طاعة الأمير (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) حين رجعوا إليه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (للذين أرادوا أن يدخلوها لو دخلتموها لم تزالوا) ماكثين (فيها إلى يوم القيامة) ولم هنا بمعنى لن التي لنفي الاستقبال لأن المقام لها قال النووي هذا مما علمه صلى الله عليه وسلم بالوحي قال القرطبي وهذا ظاهر في أنه تحرم الطاعة في المعصية المأمور بها وأن المطيع فيها يستحق العقاب اهـ وهذا التقييد بيوم القيامة مبين

وَقَال لِلآخَرِينَ قَوْلا حَسَنًا. وَقَال: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ. إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ للرواية التالية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها وذلك لأن دخول الرجل النار باختيار منه حرام لأنه قتل للنفس بغير حق (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (للأخرين) الذين أبوا من دخولها (قولًا حسنًا) أي قال لهم أصبتم في امتناعكم من دخولها (وقال) لهم (لا طاعة) لمخلوق (في معصية الله) تعالى (أنما الطاعة) أي إنما وجوب طاعة المخلوق (في المعروف) شرعًا قال في التحفة فيه أن الأمر المطلق لا يعم جميع الأحوال لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى حال الغضب وحال الأمر بالمعصية فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية اهـ. قال القرطبي قوله (وقال للآخرين قولًا حسنًا) يدل على مدح المصيب في المجتهدات كما أن القول الأول يدل على ذم المقصر المخطئ وتعصيته مع أنه ما كان تقدم لهم في مثل تلك النازلة نص لكنهم حيث لم ينظروا في قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها المعلومة الجلية (قوله إنما الطاعة في المعروف) (إنما) هذه للتحقيق والحصر فكأنه قال لا تكون الطاعة إلا في المعروف ويعني بالمعروف هنا ما ليس بمنكر ولا معصية فيدخل فيها الطاعات الواجبة والمندوب إليها والأمور الجائزة شرعًا فلو أمر بجائز لصارت طاعته فيه واجبة ولما حلت مخالفته فلو أمر بما زجر الشرع عنه زجر تنزيه لا تحريم فهذا مشكل والأظهر جواز المخالفة تمسكًا بقوله إنما الطاعة في المعروف وهذا ليس بمعروف إلا أن يخاف على نفسه منه فله أن يمتثل والله تعالى أعلم اهـ مفهم. قوله أولًا (بعث جيشًا) وكان سبب ذلك على ما ذكره ابن سعد أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن ناسًا من الحبشة تراآهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ربيع الآخر في سنة تسع في ثلاثمائة فانتهى إلى جزيرة إلى البحر فلما خاض البحر إليهم هربوا فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم فأمر عبد الله بن حذافة على من تعجل وذكر ابن إسحاق أن هذه القصة أن وقاص بن مجزز كان قتل يوم ذي قرد فأراد علقمة بن مجزز أن يأخذ بثأره فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السرية راجع فتح الباري [8/ 59] قوله (وأمَّر عليهم رجلًا) هو عبد الله بن حذافة كما مر وتفصيل القصة ما أخرجه ابن ماجه في الجهاد باب لا طاعة في معصية [2893] عن أبي سعيد الخدري

4632 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. وَتَقَارَبُوا فِي اللَّفْظِ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً. وَاسْتَعْمَلَ عَلَيهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ ويطِيعُوا. فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيءٍ. فَقَال: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا. فَجَمَعُوا لَهُ. ثُمَّ قَال: أَوْقِدُوا نَارًا. فَأَوْقَدُوا. ثُمَّ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن مجزز على بعث وأنا فيهم فلما انتهى إلى رأس غزاته أوكان ببعض الطريق استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم وأمَّر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي فكنت فيمن غزا معه فلما كان ببعض الطريق أوقد القوم نارًا ليصطلوا أو ليصطنعوا عليها صنيعًا فقال عبد الله وكانت فيه دعابة أليس لي عليكم السمع والطاعة قالوا: بلى قال فما أنا آمركم بشيء إلا صنعتموه قالوا نعم قال فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم هذه النار فقام ناس فتحجزوا فلما ظن أنهم واثبون قال أمسكوا على أنفسكم فإنما كنت أمزح معكم فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد في [1/ 94]، والبخاري [7257]، وأبو داود [2825]، والنسائي [7/ 109]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4632 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة، من (10) (وتقاريوا في اللفظ قالوا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لزبيد اليامي (قال) علي: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية) أي قطعة جيش لغزاة (واستعمل) أي أمَّر (عليهم رجلًا من الأنصار) وهو عبد الله بن حذافة السهمي وقوله (من الأنصار) وهم من بعض الرواة (وأمرهم) أي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية (أن يسمعوا له) فيما يقول (ويطيعوا) أمره (فافضبوه) أي فأدخلوا عليه الغضب في قلبه بسبب مخالفته (في شيء) مما أمرهم به (فقال) الرجل: (اجمعوا لي حطبًا فجمعوا له) الحطب (ثم قال) لهم: (أوقدوا) عليه (نارًا فأوقدوا) عليه نارًا (ثم) بعد إيقادها (قال)

أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى. قَال: فَادْخُلُوهَا. قَال: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. فَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ. فَكَانُوا كَذلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ. وَطُفِئَتِ النَّارُ. فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا. إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم: (ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي) قولي (وتطيعوا) أمري (قالوا: بلى قال) الرجل لهم إذًا (فادخلوها قال) الراوي: (فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) باتباعه لننجوا (من النار) فلا ندخلها أي إنما آمنا بالرسولى صلى الله عليه وسلم لننجو من عذاب النار فهو لا يأمرنا بطاعة الأمير فيما يسقطنا في مثلها في الجملة أوفيما يوجب علينا دخولها لأنهم لو امتثلوا أمر الأمير بدخولها لكان فسقًا وعصيانًا يستحقون به العذاب يعني أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لنا بطاعة الأمير مقصور على طاعته في المعروف فلا يتناولى ما كان معصية اهـ ذهني (فكانوا) أي كان القوم (كذلك) أي متوقفين عن دخولها ينظر بعضهم إلى بعض وقوله (وسكن غضبه) أي غضب الرجل معطوف على جملة كان (وطفئت النار) من باب تعب أي انطفأت (فلما رجعوا) إلى رسولى الله صلى الله عليه وسلم (ذكروا ذلك) الذي جرى بينهم وبين الأمير (للنبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لو دخلوها ما خرجوا منها) إلى يوم القيامة (إنما الطاعة) أي إنما وجوب طاعة الأمير (في المعروف) شرعًا لا في المنكر الذي هو قتل النفس هنا وقوله لو دخلوها ما خرجوا منها هكذا الرواية هنا بلا قيد يوم القيامة وفي رواية البخاري منها إلى يوم القيامة وكذلك الرواية التي قبل هذه على ما تقدم والمعنى أنهم كانوا لا يخرجون منها لأنها تحرقهم فتميتهم والميت لا يقع منه الخروج أو أن الضمير في دخولها للنار التي أوقدوها وفي قوله ما خرجوا منها لنار الآخرة لأنهم ارتكبوا ما نهوا عنه من قتل أنفسهم مستحلين قتلها لطاعة الأمير وعلى هذا ففي الكلام استخدام وهذا الوجه إنما يستقيم على هذه الرواية إذا تركت على إطلاقها أما إذا حملت على المقيد بقوله إلى يوم القيامة في الرواية السابقة فينبغي أن يكون الوجه الأولى هو المتعين اهـ ذهني. (تنبيه) وهذه الرواية مخالفة لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي نقلناه

4633 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 4634 - (1792) (136) حدَّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن ماجه آنفًا في أمور الأول أن هذه الرواية صرحت بكون الأمير أنصاريًا وجزم الراوي في حديث أبي سعيد بأنه عبد الله بن حذافة وهو قرشي سهمي والثاني أن رواية الباب وجهت بدخول النار بأنهم أغضبوه في أمر من الأمور ومر في حديث أبي سعيد أنه فعل ذلك على وجه المزاح والدعابة والثالث أنه وقع في رواية الباب أنه أمرهم ببم الحطب وإيقاد النار ليأمرهم بدخول النار وذكر في حديث أبي سعيد أن القوم أوقدوا النار بأنفسهم ليصطلوا أو يصطنعوا عليها صنيعًا والرابع أنه يظهر من رواية الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر هذا الأمير الذي أمر بدخول النار منذ بداية خروجهم وقد وقع في حديث أبي سعيد أن الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علقمة بن مجزز ثم أمر هو عبد الله بن حذافة على طائفة من الجيش ونظرًا إلى هذا الاختلاف في الحديثين مال الحافظ في الفتح [8/ 59] إلى تعدد القصتين فكأن قصة الباب لم تقع لعبد الله بن حذافة وإنما وقعت لرجل آخر من الأنصار والذي وقع لعبد الله بن حذافة هو ما رواه أبو سعيد الخدري وإليه جنح ابن القيم أيضًا. ولكن ذهب ابن الجوزي إلى أن قوله من الأنصار وهم من بعض الرواة ويؤيده حديث ابن جريج في أول الباب أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} نزل في عبد الله بن حذافة وقد مر غيره أن الرواة الثقات ربما يعتنون بأصل القصة ولا يهتمون بجزئياتها الجانبية فيقع منهم أوهام في بيانها والحمل على التعداد أبعد من حمل بعض الجزئيات على وهم بعض الرواة ولأن القصة الأساسية في الحديثين واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال. 4633 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي (نحوه) أي نحو ما حدث محمد بن عبد الله بن نمير غرضه بيان متابعة ابن أبي شيبة لمحمد بن نمير ثم استشهد المؤلف ثامنًا لحديث ابن عباس بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهم فقال. 4634 - (1792) (136) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن

إِدْرِيسَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قَال: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ. فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ. وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَينا. وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَينَمَا كُنَّا. لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني ثقة، من (5) (وعبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني ثقة، من (5) (عن عبادة بن الوليد بن عبادة) بن الصامت الأنصاري المدني ثقة، من (4) (عن أبيه) الوليد بن عبادة الأنصاري المدني ثقة، من (2) ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (عن جده) عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول إله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة) للأمير (في) حالة (العسر) والشدة (و) في حالة (اليسر) والرخاء (و) في (المنشط والمكره) أي في حالتي السراء والضراء (وعلى أثرة علينا) أي ومع اختيار الأمراء أنفسهم علينا بالمنافع والمصالح والدنيا واختصاصهم بها يعني بايعنا على السمع والطاعة للأمير وإن آثر نفسه أو غيرنا علينا في العطايا والهبات والمناصب (و) بايعناه (على أن لا ننازع الأمر أهله) أي على أن لا نخاصم من كان أهلًا للإمارة في إمارتهم ولا نطلب نزعها منهم وهو تقرير وبيان لقوله وعلى أثرة علينا لأن ترك المنازعة معناء الصبر على الأثرة (و) بايعناه (على أن نقول بالحق أينما كنا) وفي أي شخص كان ولو أميرًا أو قريبًا لنا وهذا بمثابة الاستدراك على ما عساه يفهم من الصبر على الأثرة وترك المنازعة فكأنه يقول إن ترك منازعة الأمراء والصبر على استئثارهم لا يبلغ أن يوجب السكوت على المنكر أو الكف عن القول بالحق بل يجب مع ذلك قول الحق من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأمراء وغيرهم بلا خوف من ملامة لائم أو جزع من إذاية ظالم اهـ ذهني وهذا بمعنى قوله إلا نخاف) من قول الحق (في) حقوق (الله لومة لائم) ولا عذل عاذل ولا إذاية ظالم والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 316]، والبخاري [7199]، والنسائي [7/ 138]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال.

4635 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ (يَعْنِي ابْنَ إِدْرِيسَ) حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلانَ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4636 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ يَزِيدَ (وَهُوَ ابْنُ الْهَادِ)، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنِي أَبِي قَال: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ. 4637 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَهْب بْنِ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4635 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا عبد الله يعني ابن إدريس) الأودي الكوفي (حدثنا) محمد (بن عجلان) القرشي المدني صدوق من (5) (وعبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني (ويحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن عبادة بن الوليد في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن أبيه عن جده غرضه بيان متابعة محمد بن نمير لأبي بكر بن أبي شيبة وساق محمد بن نمير (مثله) أي مثل ما حدث ابن أبي شيبة ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال. 4636 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد المدني (يعني الدراوردي عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة الليثي المدني (وهو ابن الهاد) أي المعروف بيزيد بن الهاد بالنسبة إلى جده الأعلى ثقة، من (5) (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه) الوليد بن عبادة قال الوليد: (حدثني أبي) عبادة بن الصامت (قال) عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق الدراوردي (بمثل حديث ابن إدريس) غرضه بيان متابعة الدراوردي لعبد الله بن إدريس ولكنها متابعة ناقصة ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال. 4637 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم) القرشي

حَدَّثَنَا عَمِّي، عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنِي بُكَيرٌ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَال: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا، أَصْلَحَكَ اللهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ. فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَينَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا ويسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَينَا. وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري صدوق من (11) مات سنة (264) (حدثنا عمي عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة، من (9) (حدثنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري ثقة، من (7) (حدثني بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري ثقة، من (5) (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني ثقة، من (2) (عن جنادة بن أبي أمية) كثير الدوسي الشامي قال العجلي تابعي ثقة مخضرم من (2) (قال) جنادة: (دخلنا على عبادة بن الصامت) رضي الله عنه (وهو مريض) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة جنادة بن أبي أمية لوليد بن عبادة قال جنادة (فقلنا) لعبادة: (حدثنا أصلحك الله) أي جعلك الله من عباده الصالحين جملة دعائية (بحديث) متعلق بحدثنا (ينفع الله) لنا وللمسلمين حذف المفعول إيذانًا بالعموم (به) أي بذلك الحديث والجملة الفعلية صفة أولى لحديث وكذا جملة قوله (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) صفة ثانية له (فقال) عبادة: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام أي طلبنا للمبايعة (فبايعناه) على أشياء من أمور الدين (فكان فيما أخذ) وجعل (علينا) من المبايعة (أن بايعنا) هـ أي مبايعتنا إياه (على السمع) للأمراء (والطاعة) لهم (في منشطنا) وسرائنا (ومكرهنا) وضرائنا (ومحسرنا) أي ضيقنا وفقرنا (وبسرنا) أي رخائنا وسعتنا (و) في (أثرة) أي وفي حال اختيارهم أنفسهم (علينا) بالدنيا والمناصب واستبدادهم بها (و) على (أن لا ننازع) ونخاصم (الأمر) أي الإمارة والولاية (أهله) أي على من كان أهلًا لها من أئمة العدل ومن على شاكلتهم من الأمراء أو المراد بأهله كل من ولي الإمارة والمعنى وأن لا ننازع الأمير في إمارته وزاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة وإن رأيت أن لك في الأمر حقًّا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة وزاد في رواية حبان أبي النضر عند ابن حبان وأحمد وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك كما في فتح

قَال: "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا. عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الباري [13/ 8] والمعنى (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنازعوا في الأمر أهله (إلا أن تروا) منهم (كفرًا بواحًا) أي صريحًا ظاهرًا لا شك فيه كجحد الصلاة والصوم واستحلال شرب الخمر والزنا وقوله (بواحًا) بفتح الباء والواو من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحًا وبواحًا إذا أذاعه وأظهره ووقع في بعض الروايات براحًا بالراء بدل الواو وهو قريب من معنى بواحًا وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان يقال: برح الخفاء إذا ظهر ووقع عند الطبراني في هذا الحديث كفرًا صراحًا بصاد مضمومة ثم راء هذا ملخص ما في فتح الباري [13/ 8] (عندكم من الله فيه) أي في كفره (برهان) أي حجة تعلمونها من دين الله تعالى قال النووي ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وسبب هذا التحريم ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين هذا ما عليه جمهور العلماء بل ادعى أبو بكر بن مجاهد فيه الإجماع وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسين وابن الزبير وأهل المدينة علي بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث اهـ باختصار. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أحد عشر الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني: حديث أبي حميد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والثالث: حديث عدي بن عميرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والرابع: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ست متابعات والسادس: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والسابع حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد، وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث أم الحصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والتاسع: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد والعاشر حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والحادي عشر: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات. ***

636 - (29) باب الإمام جنة ووجوب الوفاء لبيعة الأول فالأول والصبر عند ظلم الولاة ووجوب طاعتهم وإن منعوا الحقوق

636 - (29) باب الإمام جنة ووجوب الوفاء لبيعة الأول فالأول والصبر عند ظلم الولاة ووجوب طاعتهم وإن منعوا الحقوق 4638 - (1793) (138) حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ, عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ. يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ. ويُتَّقَى بِهِ. فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 636 - (29) باب الإمام جنة ووجوب الوفاء لبيعة الأول فالأول والصبر عند ظلم الولاة ووجوب طاعتهم وإن منعوا الحقوق 4638 - (1793) (138) وفي بعض النسخ زيادة (حدثنا إبراهيم عن مسلم) وعليها فقائلها محذوف تقديره قال بعض من روى هذا الجامع عن إبراهيم بن محمد (حدثنا إبراهيم) بن محمد بن سفيان أبو إسحاق النيسابوري راوي هذا الجامع عن الإمام مسلم رحمه الله (عن مسلم) بن الحجاج القشيري النيسابوري أنه قال: (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ثقة، من (10) وهذا أول المواضع الثلاثة التي فات فيها إبراهيم بن محمد سماعها عن مسلم بل رواه عنه بالإجازة ولذلك قال عن مسلم بالعنعنة (حدثنا شبابة) بن سوار المدني الفزاري ثقة، من (9) (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري الكوفي صدوق من (7) (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته بالنظر إلى أصله (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما الإمام) الأعظم أو إمام الجيش (جُنّة) الجنة بضم الجيم وفتح النون المشددة الوقاية يعني أن الإمام بمثابة الوقاية والسترة التي يتقى بها عما يؤذي لأنه يقي المسلمين من أذى الأعداء ويقي الناس من أن يعدو بعضهم على بعض ويحمي بيضة الإسلام ويتقيه الناس ويخافون سطوته وقوله (يقاتل من ورائه) كالتفسير لقوله جنة أي كما أن الجنة والدرقة يقاتل من ورائها فكذلك الإمام يقاتل من ورائه وقيل المراد بالوراء هنا الإمام على حد قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} أي أمامهم قالوا لأنه لا ينبغي للإمام أن يتقدم أمام الجيش لئلا يقع فيه ما يوجب هزيمة المسلمين ويكون المعنى يقاتل من وراء حكمه وأمره معنى وإن كان ينبغي أن يقاتل من أمامه حسًّا (ويتقى به) أي يستحصن من شر العدو وشر أهل الفساد والظلم مطلقًا والتاء في يتقى مبدلة من الواو لأنه من الوقاية (فإن أمر) الإمام الناس (بتقوى الله عزَّ وجلَّ وعدل) في حكمه بين الناس وقرن

كَانَ لَهُ بِذلِكَ أَجْرٌ. وَإِنْ يَأمُرْ بِغَيرِهِ، كَانَ عَلَيهِ مِنْهُ". 4639 - (1794) (139) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أبِي حَازِمٍ. قَال: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ. كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ. وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي. وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بين العدل والأمر بتقوى الله ليدل على أن استحقاقه للأجر لا يكفي فيه مجرد أمره بالتقوى بل لا بد أن يكون مع ذلك في نفسه عادلًا (كان له) أي للإمام بذلك الأمر والعدل (أجر) عظيم (وإن يأمر بنيره) أي بغير ما ذكرنا من التقوى بأن أمر بالفساد والظلم (كان عليه) وزر (منه) أي بأمره بغير التقوى ومن هنا بمعنى الباء السببية. ولم يذكر العدل مع قوله وإن يأمر بغيره أي بغير المذكور من التقوى ليشعر أنه لا يمكن أن يكون الآمر بغير تقوى الله عادلًا لأنه يخرج بأمره بالفساد عن العدالة والمعنى إن أمر بالتقوى وعدل في حكمه كان له أجر عظيم وإن أمر بغير التقوى كان عليه وزر كبير وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [2957]، وأبو داود فيه أيضًا [2757]، والنسائي في البيعة [4196]، ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4639 - (1794) (139) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فرات) بن أبي عبد الرحمن (القزاز) التميمي أبي محمد البصري ثم الكوفي ثقة، من (5) وليس في مسلم من اسمه فرات إلا هذا الثقة (عن أبي حازم) الكوفي سلمان الأشجعي مولى عزة ثقة، من (3) (قال) أبو حازم: (قاعدت أبا هريرة) أي جالسته لأخذ الحديث عنه (خمس سنين) وهذا السند من سداسياته (فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم) أي تقوم بسياستهم وتدبير أمورهم وتحصيل مصالحهم (الأنبياء) أي أنبياؤهم كما تتولى الأمراء والوزراء بسياسة الرعية وتدبير مصالحهم والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه اهـ نهاية (كلما هلك) ومات (نبي) منهم (خلفه) أي استخلف عن الذي مات (نبي) آخر في سياستهم وتدبير أمورهم (و) أما أنا فـ (ـإنه لا نبي بعدي) يكون خليفة عني (و) لكن (ستكون) وتوجد بعدي (خلفاء) يقومون بسياسة أمتي (فتكثر) الخلفاء بعدي يعني أنه لا نبي بعدي فيفعل ما كان

قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَال: "فُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ. وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ. فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يفعله أنبياء بني إسرائيل وهذا من أوضح الأدلة على أن النبوة قد انتهت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ونفي جنس النبوة بعده صلى الله عليه وسلم يعم كل نوع من أنواع النبوة سواء كانت بشريعة جديدة أولًا وقد أجمعت الأمة على أن من ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم فإنه كافر كذاب (قالوا) أي قال الأصحاب (فما) ذا (تأمرنا) به حينئذٍ أي حين إذ كثرت الخلفاء (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوا) فعل أمر من الوفاء أي أتموا (ببيعة) الخليفة (الأول فالأول) والمعنى أنه إذا بويع الخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة تجب الوفاء بها بالسمع والطاعة له وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها سواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أو جاهلين وسواء كانا في بلدين أو بلد أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره قال النووي هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء وقيل تكون لمن عقدت له في بلد الإمام وقيل يقرع بينهما وهذان فاسدان لمعارضته الحديث ولمخالفته ما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث والله أعلم (وأعطوهم) أي وأعطوا الخلفاء بعدي وأدوهم (حقهم) من السمع والطاعة والذب عنهم عرضًا ونفسًا والاحترام والنصرة لهم على من بغى عليهم وقوله (فإن الله سائلهم عما استرعاهم) جواب لشرط محذوف تقديره وأعطوهم حقهم من الطاعة وعدم الخروج عليهم وإن لم يعطوكم حقكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم من حقوقكم. وفي هذا إشارة إلى أن كل مسلم يجب أن يهتم بأداء ما عليه من الحقوق دون أن يهمل واجبه ويتصدى للآخرين في أداء ما عليهم فيجب على الشعب أن يهتموا باداء ما عليهم من حق أميرهم ويجب على الأمير أن يهتم بما عليه من حقوقهم لا أن يطالب كل أحد الآخر بما له عليه من الحق ويغفل عما يجب عليه من حق الآخر وهكذا يؤكد الإسلام على أداء الواجب قبل مطالبة الحقوق فلو أدى كل واحد واجبه سلمت حقوق الجميع والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3455]، وابن ماجه [2901]، ثم ذكر المتابعة فيه فقال.

4640 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ. قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ فُرَاتٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4640 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن براد الأشعري) الكوفي (قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس) الأودي الكوفي (عن الحسن بن فرات) القزاز التميمي الكوفي روى عن أبيه في الجهاد ويروي عنه (م ت ق) وعبد الله بن إدريس وابنه زياد وأبو نعيم وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من (7) (عن أبيه) فرات القزاز التميمي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي حازم عن أبي هريرة وساق الحسن بن فرات (مثله) أي مثل ما حدث شعبة عن فرات غرضه بيان متابعة الحسن بن الفرات لشعبة بن الحجاج وعبارة القرطبي في هذا الحديث (قوله كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي) إسرائيل هو يعقوب - عليه السلام - وبنوه أولاده وهم الأسباط وهم كالقبائل في أولاد إسماعيل قال ابن (إسرا) هو عبد (إيل) هو الله تعالى فمعناه عبد الله وفيه لغات وقيل هو عبري اسم واحد بمعنى يعقوب ويعني بهذا الكلام أن بني إسرائيل كانوا إذا ظهر فيهم فساد أو تحريف في أحكام التوراة بعد موسى بعث الله تعالى لهم نبيًّا يقيم لهم أمرهم ويصلح لهم حالهم ويزيل ما غير وبدل من التوراة وأحكامها فلم يزل أمرهم كذلك إلى أن قتلوا يحيى وزكرياء عليهما السلام فقطع الله تعالى ملكهم وبدد شملهم ببختنصر وغيره ثم جاءهم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وسلم فكذبوهما {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة / 90] وهو في الدنيا ضرب الجزية ولزوم الصغار والذلة {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} [الرعد / 34] ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء بعثًا وكتابه لا يقبل التغيير أسلوبًا ونظمًا وقد تولى الله تعالى كلامه صيانة وحفظًا وجعل علماء أمته قائمين ببيان مشكله وحفظ حروفه وإقامة أحكامه وحدوده كما قال صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين رواه ابن عدي والقرطبي في تفسيره ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) ولكن قال السيوطي وابن حجر لا أصل له ولما كان أمر هذه الأمة كذلك اكتفى بعلمائها عما كان من توالي الأنبياء هنالك قوله (وإنه لا نبي بعدي) هذا النفي عام في الأنبياء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرسل لأن الرسول نبي وزيادة وقد جاء نصًّا في كتاب الترمذي قوله لا نبي بعدي ولا رسول وقد قال الله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب / 40] ومن أسمائه في الكتب القديمة وفيما أطلقته هذه الأمة خاتم الأنبياء ومما سمى به نفسه العاقب والمقفي فالعاقب هو الذي يعقب الأنبياء والمقفي هو الذي يقفوهم أي يكون بعدهم وعلى الجملة هو أمر مجمع عليه معلوم من دين هذه الملة فمن ادعى أن بعده نبيًّا أو رسولًا فإن كان مسرًا لذلك واطلع عليه بالشهادة المعتبرة قتل قتلة زنديق فإن صرح بذلك فهو مرتد يستتاب فإن تاب فذلك وإلا قتل قتلة مرتد فيسبى ماله وقوله (وستكون خلفاء فتكثر) هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن غيب وقع على نحو ما أخبر به ووجد كذلك في غير ما وقت فمن ذلك مبايعة الناس لابن الزبير بمكة ولمروان بن هشام ولبني العباس بالعراق ولبني مروان بالأندلس ولبني عبيد بمصر ثم لبني عبد المؤمن بالمغرب وقوله (فوا بيعة الأول فالأول) دليل على وجوب الوفاء ببيعة الأول وسكت في هذا الحديث عما يحكم به على الآخر وقد نص عليه في الحديث الآتي حيث قال فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر وفي رواية فاضربوه بالسيف كائنًا من كان وهذا الحكم مجمع عليه عند تقارب الأقطار وإمكان استقلال واحد بأمور المسلمين وضبطها وأما لو تباعدت الأقطار وخيف ضيعة البعيد من المسلمين ولم يتمكن الواحد من ضبط أمور من بعد عنه فقد ذكر بعض الأصوليين أنهم يقيمون لأنفسهم واليًا يدبرهم ويستقل بأمورهم وقد ذكر أن ذلك مذهب الشافعي في الأم. (قلت): ويمكن أن يقال إنهم يقيمون من يدبر أمورهم على جهة النيابة عن الإمام الأعظم لا أنهم يخلعون الإمام المتقدم حكمًا ويولون هذا بنفسه مستقلًا هذا ما لا يوجد نصًّا عن أحد ممن يعتبر قوله والذي يمكن أن يفعل مثل هذا إذا تعذر الوصول إلى الإمام الأعظم أن يقيموا لأنفسهم من يدبرهم ممن يعترف للإمام الأعظم بالسمع والطاعة فمتى أمكنهم الوصول إلى الإمام فالأمر له في إبقاء ذلك أو عزله ثم للإمام أن يفوض لأهل الأقاليم البعيدة التفويض العام ويجعل للوالي عليهم الاستقلال بالأمور كلها لتعذر المراجعة عليهم كما قد اتفق لأهل الأندلس وأقصى بلاد العجم فأما لو عقدت البيعة لإمامين معًا في وقت واحد في بلدين متقاربين فالإمامة لأرجحهما وهل قرابة أحدهما من الإمام المتوفى موجبة للرجحان أم لا اختلفوا فيه فمنهم من قال يقدم الأقرب به نسبًا

4641 - (1795) (140) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأقرب كولاية النكاح ومنهم من لا يعتبر ذلك وفرق بين الولايتين والفرق واضح فأما لو تساويا من كل وجه فيقرع بينهما والفرض في اثنين أن يكون كل واحد منهما كامل أهلية الولاية باجتماع الشروط المعتبرة المنصوص عليها في كتب أئمتنا المتكلمين اهـ من المفهم ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال. 4641 - (1795) (140) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي ثقة، من (7) (ووكيع ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي (حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (كلهم) أي كل من أبي الأحوص ووكيع وأبي معاوية وعيسى بن يونس رووا (عن الأعمش ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن الأعمش محن زيد بن وهب) الجهني الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذه الأسانيد كلها من خماسياته (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها) أي إن القصة (ستكون) أي ستوجد (بعدي أثرة) بفتح الهمزة والثاء على الراجح كما مر أي استئثار الأمراء أنفسهم بأموال بيت المال واستبدادهم بها (وأمور تنكرونها) كترك فعل المأمورات وارتكاب المنهيات هذا من معجزات النبوة وقد وقع متكررًا ووجد مخبره متكررًا (قالوا: يا رسول الله كيف تأمر) أي بأي حال وبأي شيء تأمر (من أدرك منا

ذلِكَ؟ قَال: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيكُمْ. وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ". 4753 - (46) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ. قَال: دَخَلْتُ الْمسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ. وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيهِ. فَأَتَيتُهُمْ. فَجَلَسْتُ إِلَيهِ. فَقَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ. فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك) الزمن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تؤدون الحق الذي) وجب لهم (عليكم) من السمع والطاعة (وتسألون الله) تعالى إخراج الحق (الذي) وجب (لكم) عليهم بأن يلهمهم إنصافكم أو يبدلكم خيرًا منهم قاله الحافظ في الفتح [13/ 6] وقال النووي وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالمًا عسوفًا فيعطي حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المناقب [3603 و 7052]، والترمذي في الفتن [2285]، ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم فقال. 4642 - (1796) (141) (حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي (عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة) الصائدي بمهملتين أو العائذي بذال. معجمة الكوفي روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الإمارة ويروي عنه (م د س ق) وزيد بن وهب والشعبي وجماعة قال العجلي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات ليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة (قال) عبد الرحمن: (دخلت المسجد) الحرام (فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي المدني رضي الله عنهما (جالس في ظل الكعبة والناس) أي والحال أن الناس (مجتمعون) واقفون (عليه فأتيتهم فجلست إليه) أي جنبه (فقال) عبد الله بن عمرو: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) من أسفاره ولم أر من عين هذا السفر من الشراح (فنزلنا) في سفرنا ذلك (منزلًا) للاستراحة من تعب السفر (فمنا من يصلح خباءه)

وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ. إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: الصَّلاةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ. وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي خيمته ويبنيها (ومنا من ينتضل) أي يرمي بالسهام تدربًا ومداومةً والمناضلة المراماة بالسهام يقال انتضلوا وتناضلوا إذا تراموا بالسهام تدربًا (ومنا من هو في جشره) بفتح الجيم والشين وهي الدواب التي ترعى في مكانه ولا ترجع إلى أهلها بالليل بل تبيت مكانها وقال أبو عبيد: الجشر القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم لا يأوون البيوت يقال جشر الدواب يجشرها من باب نصر جشرًا بسكون الشين إذا خرج الرجل بدوابه يرعاها أمام بيته كما في تاج العروس أي ومنا من كان مع دوابه ليرعاها حول المنزل (إذ نادى) وإذ هنا بمعنى إذا الفجائية مع تقدير الفاء العاطفية على نزلنا أي فنزلنا منزلًا فافترق القوم في حوائجهم ففاجأنا نداء (منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ينادي بقوله (الصلاة جامعة) بنصب الجزأين الأول على الإغراء والثاني على الحال أي أدركوا الصلاة حالة كونها جامعة للناس قال القرطبي وكأنه كان وقت صلاة فلما جاؤوا وصلوا معه وسكت الراوي عن ذلك وإلا فمن المحال أن ينادي منادي الصادق بالصلاة ولا صلاة قال الأبي الأظهر أن المراد بالصلاة الصلاة لغة أي الدعوة جامعة وهو كلام جرى العرف فيه في نداء القوم لأمر مهم وكان الشيخ ابن عرفة يحمله على أنها صلاة الفرض فأخذ منه جواز ما يفعله المؤذنون اليوم من التحضير عند فراغهم من الأذان وأنه ليس ببدعة خلاف ما ذهب إليه بعض متأخري التونسيين من أنه بدعة وكان الشيخ يستحسن هذا الأخذ وفيه نظر لأنه وإن سلم أنها صلاة الفرض فإنه لم يتكرر ذلك وإنما يستعمل في الدعاء لأمر مهم اهـ من الأبي ويمكن أيضًا أن يكون هذا قبل مشروعية الأذان وقد ثبت أن المسلمين قبل نزول الأذان كانوا ينادون الصلاة جامعة (فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم) أي حقًّا واجبًا عليه لأن ذلك من طريق النصيحة والاجتهاد في التبليغ والبيان (وينذرهم) أي يخوفهم (شر ما يعلمه وإن أمتكم هذه) يعني المحمدية (جعل عافيتها) أي سلامتها من الفتن واستقامتها واجتماع كلمتها

فِي أَوَّلِهَا. وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا. وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَتَجِيءُ الْفِتنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ. وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هذِهِ هذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (في أولها) يعني بأول الأمة أزمانه وزمان الخلفاء الثلاثة إلى قتل عثمان فهذه الأزمنة كانت أزمنة اتفاق هذه الأمة واستقامة أمرها وعافية دينها فلما قتل عثمان هاجت الفتن كموج البحر وتتابعت كقطع الليل المظلم ثم لم تزل ولا تزال متوالية إلى يوم القيامة (وسيصيب آخرها بلاء) أي فتن واختلاف (وأمور تنكرونها) من البدع والخرافات وعلى هذا المعنى الذي ذكرنا آنفًا فأول آخر هذه الأمة المعنى في هذا الحديث مقتل عثمان وهو آخر بالنسبة إلى ما قبله من زمان الاستقامة والعافية وقد دل على هذا قوله وأمور تنكرونها والخطاب لأصحابه فدل على أن منهم من يدرك أول ما سماه آخرًا وكذلك كان اهـ من المفهم (وتجيء فتنة) أي فتن كثيرة فيهم (فيرقق) بضم الياء أولاهما مشددة مكسورة من الترقيق (بعضها بعضًا) أي يصير بعضها بعضًا رقيقًا أي خفيفًا لعظم ما بعده أي فالثاني يجعل الأول خفيفًا قال القاضي هذه رواية الجمهور وفي رواية (يرفق) بفاء ثم قاف على وزن ينصر أي يمد بعضها بعضًا من قولهم رفقه إذا نفعه وأعانه وفي رواية الطبري عن الفارسي (فيدفق) بدال ثم فاء ثم قاف على وزن يضرب أي يدفع ويصب من الدفق وهو الدفع ومنه الماء الدافق يعني أنها كموج البحر الذي يدفع بعضه بعضًا (وتجيه الفتنة) من تلك الفتن (فيقول المومن هذه) الفتنة (مهلكتي) أي معدمتي (ثم تنكشف) وتنفرج عنه تلك الفتنة التي خاف منها الهلاك (وتجيء الفتنة) الأخرى (فيقول المؤمن هذه) الثانية هي (هذه) أي مهلكتي قاله القرطبي شبه المؤمن في هذه الفتن بالعائم الغريق بين الأمواج فإذا أقبلت عليه موجة قال هذه مهلكتي ثم تروح عنه تلك فتأتيه أخرى فيقول (هذه هذه) إلى أن يغرق بالكلية وهذا تشبيه واقع حسًّا وقيل معنى (هذه هذه) أي هذه مهلكتي هذه مهلكتي كرره للتأكيد ووقع ذلك صريحًا في رواية النسائي ولفظه (فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف ثم تجيء فيقول: هذه مهلكتي ثم تنكشف). (فمن أحب أن يزحزح) بالبناء للمجهول أي ينحى ويبعد (عن النار) الأخروية ويؤخر منها (ويدخل الجنة) بالبناء للمجهول أيضًا من الإدخال (فلتأته منيته) وفي رواية

وَهُوَ يُؤمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيهِ. وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ. فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ". فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ! آنْتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ النسائي موتته والمعنى واحد (وهو) أي والحال أنه (يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس) أي وليبذل إلى الناس وليفعل بهم الأمر (الذي يحب أن يؤتى إليه) أي أن يبذل إليه ويفعل معه من النصيحة والخير قال القرطبي: وليجئ إلى الناس بحقوقهم من النصح والنية الحسنة بمثل الذي يحب أن يجاء إليه به وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) والناس هنا الأئمة والأمراء فيجب عليه لهم السمع والطاعة والنصرة والنصيحة مثل ما لو كان هو الأمير لكان يحب أن يجاء له به اهـ قال النووي هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع حكمه وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها وأن الإنسان يلزمه أن لا يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوه معه (ومن بايع إمامًا) أي عاهده على الإمامة له (فأعطاه) في بيعته (صفقة يده) أي صفحة كفه في معاهدته والتزام طاعته (وثمرة قلبه) أي صدق نيته في البيعة يعني بايعه بيده وأحبه بقلبه (فليطعه إن استطاع) وقدر على طاعته والمعنى فيما استطاع حسًّا وشرعًا. قال القرطبي: وهذا الحديث يدل على أن البيعة لا يكتفى فيها بمجرد عقد اللسان فقط بل لا بد من الضرب باليد كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} [الفتح / 10] ولكن ذلك للرجال فقط على ما يأتي ولا بد من التزام البيعة بالقلب وترك الغش والخديعة فإنها وتر من أعظم العبادات فلا بد فيها من النية والنصيحة (والصفقة) أصلها الضرب بالكف على الكف وهو التصفيق وقد تقدم في كتاب الصلاة (فإن جاء) وظهر رجل (آخر ينازعه) أي ينازع الأول ويخاصمه ويعارضه في الإمامة (فاضربوا عنق) ذلك الآخر معناه ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله كذا في شرح النووي. قال عبد الرحمن: (فدنوت) أي قربت (منه) أي من عبد الله بن عمرو (فقلت له) أي لعبد الله: (أنشدك الله) أي أسألك حالفًا بالله (آنت سمعت هذا) أي هل أنت سمعت هذا الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) واستحلاف عبد الرحمن لعبد الله بن

فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيهِ. وَقَال: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَقُلْتُ لَهُ: هذَا ابنُ عَمِّكَ مُعَاويةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالنَا بَينَنَا بِالْبَاطِلِ. وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا. وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]. قَال: فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَال: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو زيادة في الاستيثاق لا أنه كذّبه ولا اتهمه قال عبد الرحمن: (فأهوى) عبد الله وأشار (إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته) صلى الله عليه وسلم (أذناي) وأنّث الفعل لأن الأذن مؤنث معنوي أي سمعت أذناي هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تكلم به (ووعاه) أي وعى هذا الحديث وحفظه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن: (فقلت له) أي لعبد الله بن عمرو (هذا) الذي يدعي الخلافة مبتدأ (ابن عمك) بدل منه أو عطف بيان له وكذا قوله (معاوية) بدل ثان أو عطف بيان خبره قوله (يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل) أي بغير حق (ونقتل أنفسنا) أي يقتل بعضنا بعضًا بغير حق (والله) سبحانه وتعالى (يقول) في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] (قال) عبد الرحمن: (فسكت) عبد الله عن جواب سؤالي (ساعةً) أي قطعة قليلة من الزمان (ثم قال) عبد الله: (أطعه) أي أطع أميرك معاوية (في طاعة الله واعصه) أي خالفه (في معصية الله) لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله وهذا مثل ما قاله صلى الله عليه وسلم (فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) قال القرطبي وما ذكره عبد الرحمن عن معاوية إغياء في الكلام على حسب ظنه وتأويله وإلا فمعاوية رضي الله عنه لم يعرف من حاله وسيرته شيء مما قاله له وإنما هذا كما قالت طائفة من الأعراب إن ناسًا من المصدقين يظلموننا فسموا أخذ الصدقة ظلمًا حسب ما وقع ويمكن أيضًا أن يكون هذا الكلام صدر من عبد الله رضي الله عنه بعد شهادة علي وكان معاوية إذ ذاك خليفة حق والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4348]، والنسائي [7/ 153]. قال النووي قوله (هذا ابن عمك معاوية) الخ المقصود بهذا الكلام أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة

4643 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالُوا: حَدَّثنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 4644 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول وأن الثاني يقتل اعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية لمنازعته عليًّا رضي الله عنه وكانت بيعة علي قد سبقت فرأى هذا أن نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب علي ومنازعته ومقاتلته إياه من أكل المال بالباطل ومن قتل النفس بغير حق لأنه قتال بغير حق فلا يستحق أحد مالًا في مقاتلته فاتضح بتفسير النووي رحمه الله تعالى أنه ليس مراد القائل أن معاوية رضي الله عنه كان يخون في بيت المال والعياذ بالله أو يقتل الناس بغير حق ولا اجتهاد كما زعم بعضهم فإنه لم يثبت ذلك عنه بطريق موثوق له وهو من فضلاء الصحابة رضي الله عنهم والله أعلم. وقوله (أطعه في طاعة الله) قال النووي فيه دليل على وجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد واستشكله الأبي بأن عليًّا رضي الله عنه انعقدت له الخلافة قبل معاوية فيصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم (فإن جاء آخر ينازعه) فكيف تجب طاعته وإنما تجب إطاعة المتغلب إذا لم يكن هناك إمام ولعل مراد النووي رحمه الله أنه باجتهاده رضي الله عنه تغلب بعد التحكيم على الشام فكان حكمه حكم المتغلب في حق أهل الشام ويمكن أيضًا أن يكون هذا الكلام صدر من عبد الله رضي الله عنه بعد شهادة علي رضي الله عنه وكان معاوية إذ ذاك خليفة حق كما مر آنفًا والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال. 4643 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي (قالوا: حدثنا وكيع حح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلاهما) أي كل من وكيع وأبي معاوية رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن زيد عن عبد الرحمن عن عبد الله وساقا (نحوه) أي نحو حديث جرير بن عبد الحميد غرضه بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال. 4644 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو

الْمُنْذِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِشحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ، قَال: رَأَيتُ جَمَاعَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. 4645 - (1797) (142) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ المنذر إسماعيل بن عمر) الواسطي نزيل بغداد روى عن يونس بن أبي إسحاق الهمداني في الجهاد وداود بن قيس في الصيد ويروي عنه (م د س ق) ومحمد بن رافع وأحمد بن حنبل وثقه ابن المديني وأبو بكر الخطيب قيل: كان يصلي حتى تورمت قدماه وقال في التقريب كان ثقة من التاسعة مات بعد مائتين (حدثنا يونس بن أبي إسحاق الهمداني) السبيعي أبو إسرائيل الكوفي روى عن عبد الله بن أبي السفر في الجهاد وأبيه وأنس وأبي بردة وأبي بكر ابني أبي موسى الأشعري والشعبي وعدة ويروي عنه (م عم) وأبوالمنذر إسماعيل بن عمر الواسطي وابنه عيسى والثوري وابن المبارك والقطان وآخرون وثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق لا يحتج به وقال في التقريب صدوق يهم قليلًا من الخامسة مات سنة (152) اثنتين وخمسين ومائة على الصحيح (حدثنا عبد الله بن) سعيد (أبي السفر) بفتحتين ورُوي بإسكان الفاء بن محمد أو ابن يحمد الكوفي روى عن عامر الشعبي في الجهاد والصيد والدعاء وأبي بكر بن أبي موسى في الدعاء ويروي عنه (خ م د س ق) ويونس بن أبي إسحاق وشعبة وسفيان وثقه أحمد وابن معين وقال في التقريب ثقة من السادسة مات في خلافة مروان بن محمد (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي الإمام العلم ثقة من (3) قال أدركت خمسمائة من الصحابة (عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي) أو العائذي الكوفي ثقة، من (3) (قال) عبد الرحمن: (رأيت جماعةً عند الكعبة) المشرفة زادها الله تعالى شرفًا وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن أبي السفر لسليمان الأعمش في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن ولكنها متابعة ناقصة لأن ابن أبي السفر روى عن عبد الرحمن بواسطة عامر وروى الأعمش عنه بواسطة زيد بن وهب (فذكر) عبد الله بن أبي السفر نحو حديث الأعمش ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أسيد بن حضير رضي الله عنه فقال. 4645 - (1797) (142) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيدِ بْنِ حُضيرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَلا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: أَلا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلانًا؟ فَقَال: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً. فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْني عَلَى الْحَوْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما بن سماك بن عتيك بفتح العين المهملة الأنصاري الأشهلي أبي يحيى المدني الصحابي الشهير رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون إلا أسيد بن حضير وفيه رواية صحابي عن صحابي (أن رجلًا من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خلا به عن الناس والرجل هو أسيد بن حضير الراوي (فقال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تستعملني) أي ألا تجعلني عاملًا على العمل من أعمال الدين من الصدقة أو البلدة وتوليني عليه (كما استعملت) ووليت (فلانًا) عليه وفلانًا هو عمرو بن العاص ذكره في تنبيه المعلم على مبهمات مسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم) يا معاشر الأنصار (ستلقون) أي سترون (بعدي أثرة) أي استبداد الولاة واختصاصهم بالولايات والدنيا (فاصبروا) على استئثارهم أنفسهم وأدوا حقهم (حتى تلقوني على الحوض) ولا تنازعوهم في ذلك غاية للصبر وهو كناية عن الموت قوله (ألا تستعملني) ألا أداة عرض وهو الطلب برفق ولين أي ألا تجعلني عاملًا على الصدقة أو على بلد لم أقف على تصريح اسمه في الروايات وذكر الحافظ في مقدمة الفتح أن السائل أسيد بن حضير والمستعمل عمرو بن العاص رضي الله عنه ولكن قال في مناقب الفتح [7/ 118] ولا أدري من أين نقلته. قال الأبي: ولعل هذا الحديث قبل النهي عن سؤال الإمارة أو بعده ولم يبلغه ولم ينكر عليه سؤاله الإمارة كما أنكر على غيره فلعله رأى أن الحامل له على السؤال إنما هو عدم الصبر على الأثرة قوله (أثرة) بفتحتين كما مر والمراد أن غيركم يؤثر عليكم في العطاء وغيره وهو يتضمن الإخبار بأن الأمر سيصير إلى غير الأنصار ووقع كما قال صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ في فتن الفتح [13/ 8] والسر في جوابه عن طلب الولاية بقوله (سترون بعدي أثرة) إرادة نفي ظنه أنه آثر الذي ولاه عليه فبين له أن ذلك لا يقع في

4646 - (00) (00) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيب الْحَارِثيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ عَنْ أُسَيدِ بْنِ حُضَيرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَلًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 4647 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ زمانه وأنه لم يخصه بذلك لذاته بل لعموم مصلحة المسلمين وأن الاستئثار للحظ الدنيوي إنما يقع بعده وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر اهـ. قال القرطبي وفي قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار (اصبروا حتى تلقوني على الحوض) بشارة عظيمة لهم بأنهم يردون عليه الحوض ولعلهم المشار إليهم بقوله صلى الله عليه وسلم (إني لأذود الناس عن حوضي بعصاي لأهل اليمن) رواه أحمد ومسلم وابن حبان فإن المدينة يمانية وأهلها سباق أهل اليمن إلى الإسلام وهم الأنصار اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مناقب الأنصار [3793]، والترمذي في الفتن [2284]، والنسائي في آداب القضاة [5383]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أسيد بن حضير رضي الله عنه فقال. 4646 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري ثقة ثبت من (8) (حدثنا شعبة بن الحجاج) العتكي البصري ثقة، من (7) (عن قتادة) بن دعامة (قال) قتادة: (سمعت أنسًا يحدث عن أسيد بن حضير) الأنصاري المدني (أن رجلًا من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لمحمد بن جعفر وساق خالد (بمثله) أي بمثل حديث محمد بن جعفر ثم ذكر المتابعة فيه ثانيًا فقال. 4647 - (00) (00) (وحدثنيه عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس عن أسيد غرضه بيان

وَلَمْ يَقُلْ: خَلا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4648 - (1798) (143) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيتَ إِنْ قَامَتْ عَلَينَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة معاذ لمحمد بن جعفر (و) لكن (لم يقل) معاذ لفظة (خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث سلمة الجعفي رضي الله عنه فقال. 4648 - (1798) (143) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي صدوق من (4) (عن علقمة بن وائل) بن حجر الكندي (الحضرمي) ثم الكوفي صدوق من (3) (عن أبيه) وائل بن حجر بن سعد الحضرمي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) وائل بن حجر: (سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال المرزباني وقدم هو وأخوه لأمه قيس بن سلمة بن شراحيل فأسلما واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم قيسًا علي بني مروان وكتب له كتابًا كذا في الإصابة [2/ 67] (فقال) له في سؤاله (يا نبي الله أرأيت) أي أخبرني (إن قامت علينا) أي وليت علينا (أمراء يسألوننا حقهم) من السمع والطاعة (ويمنعونا حقنا) من الفيء والحقوق المالية (فما تأمرنا) أي فهل ننازعهم ونخلعهم أم لا هكذا في أكثر النسخ يسألونا ويمنعونا بنون واحدة على حذف نون الوقاية وهو جائز في مثل هذا الفعل وبعضهم يرى أن المحذوف نون الرفع والأرجح أنه نون الوقاية لأنها منشأ الثقل ولا معنى لها في الكلام وفي بعض النسخ بنونين وهو ظاهر والمعنى يطلبون منا حقهم من الطاعة والخدمة ولا يعطونا حقنا من العدل والتسوية ونحوهما اهـ ذهني. (فأعرض عنه) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يجب له سؤاله يحتمل أن يكون هذا الإعراض انتظارًا ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شعر من لهجة السائل وكيفية سؤاله أنه يريد الاستئذان في الخروج على مثل هؤلاء الأئمة فكان الإعراض

ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيسٍ. وَقَال: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا. فَإِنَّمَا عَلَيهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ". 4649 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا شَبَابَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إنكارًا عليه وبكونه صلى الله عليه وسلم بين الأمر في نفس المجلس لا يرد عليه التأخير في الجواب عن مسألة من المسائل الشرعية وقال القرطبي وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن السائل حتى كرر السؤال ثلاثًا يحتمل أن يكون لأنه كان ينتظر الوحي أو لأنه كان يستخرج من السائل حرصه على مسألته واحتياجه إليها أو لأنه كره تلك المسألة لأنها لا تصدر في الغالب إلا من قلب فيه تشوف لمخالفته الأمراء والخروج عليهم اهـ مفهم (ثم سأله) سلمة مرة ثانية عن ذلك (فأعرض عنه) ثانيًا (ثم سأله) ثالثًا وقوله (في الثانية أو في الثالثة) بالشك متعلق بقوله (فجذبه) أي جذب سلمة بن يزيد منعًا له من تكرار السؤال (الأشعث بن قيس) بن معدي كرب الكندي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه يعني لما رأى الأشعث إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن جوابه هذا السؤال جذب السائل إلى نفسه ليمنعه عن الإصرار على سؤاله مخافة أن يسخط النبي صلى الله عليه وسلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عند ذلك بما في المتن وقوله (وقال) معطوف على قوله فقال يا نبي الله يعني على السؤال أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جذبه الأشعث (اسمعوا وأطيعوا) أيها المسلمون أمراءكم وقوله (فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم) تعليل لقوله اسمعوا وأطيعوا وإنما أمرتم بالسمع والطاعة للأمراء لأنه يجب عليهم ما كلفوا به من إقامة العدل وإعطاء حق الرعية فإن لم يفعلوا فعليهم الوزر والوبال ويجب عليكم ما كلفتم به من السمع والطاعة وأداء الحقوق فإن أقمتم بما عليكم يكافئكم الله سبحانه بحسن المثوبة اهـ من الأبي قال القرطبي يعني أن الله تعالى كلف الولاة بالعدل وحسن الرعاية وكلف المولى عليهم بالطاعة وحسن النصيحة فأراد أنه إن عصى الأمراء بما أمرهم الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم فلا تعصوا الله أنتم وقوموا بحقوقهم فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [2200]، ثم ذكر المتابعة فيه فقال. 4649 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَقَال: فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيسٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا. فَإِنَّمَا عَلَيهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدائني ثقة، من (9) (حدثنا شعبة عن سماك) بن حرب (بهذا الإسناد) يعني عن علقمة عن أبيه (مثله) أي مثل ما حدث محمد بن جعفر غرضه بيان متابعة شبابة لمحمد بن جعفر (و) لكن (قال) شبابة في روايته (فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) أي أتى بالفاء بدل الواو في قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد والرابع: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والخاص: حديث أسيد بن حضير ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين والسادس: حديث وائل بن حجر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

637 - (30) باب وجوب ملازمة الجماعة وتحريم الخروج عنهم وحكم من فرق بينهم وحكم ما إذا بويع لخليفتين ووجوب الإنكار على الأمراء فيما خالف الشرع

637 - (30) باب وجوب ملازمة الجماعة وتحريم الخروج عنهم وحكم من فرق بينهم وحكم ما إذا بويع لخليفتين ووجوب الإنكار على الأمراء فيما خالف الشرع 4650 - (1799) (144) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ حُذَيفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيرِ. وَكُنْتُ أسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ. مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 637 - (30) باب وجوب ملازمة الجماعة وتحريم الخروج عنهم وحكم من فرق بينهم وحكم ما إذا بويع لخليفتين ووجوب الإنكار على الأمراء فيما خالف الشرع 4650 - (1799) (144) (حدثني محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم) الأموي مولاهم أو الهاشمي الدمشقي (حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي أبو عنبسة الدمشقي ثقة، من (7) (حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي) الشامي ثقة، من (4) (أنه سمع أبا إدريس الخولاني) عائذ الله بن عبد الله بن عمرو الشامي الدمشقي ثقة، من (3) روى عنه في (8) (يقول: سمعت حذيفة بن اليمان) العبسي أبو عبد الله الكوفي الصحابي الجليل رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته حالة كونه (يقول: كان الناس) غيري (يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله) صلى الله عليه وسلم (عن الشر مخافة أن يدركني) ويأخذني ذلك الشر ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح قال القرطبي وقول حذيفة (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير) إلخ يعني أنه كان أكثر مسائل الناس عن الخير وكانت مسائله عن الشر وإلا فقد سأل غيره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثير من الشر وقد كان حذيفة أيضًا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثير من الخير اهـ مفهم. والخير والشر المعنيان في هذا الحديث إنما هو استقامة أمر دين هذه الأمة والفتن الطارئة عليها بدليل باقي الحديث وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك وقوله مخافة أن يدركني يدل على حزم حذيفة وأخذه بالحذر وذلك أنه كان يتوقع موت النبي صلى الله عليه وسلم فيتغير

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ. فَجَاءَنَا اللهُ بِهذَا الْخَيرِ. فَهَلْ بَعْدَ هذَا الْخَيرِ شَرٌّ؟ قَال: "نَعَمْ" فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيرٍ؟ قَال: "نَعَمْ. وَفِيهِ دَخَنٌ" قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال وتظهر الفتن كما اتفق وفيه دليل على فرض المسائل والكلام عليها قبل وقوعها إذا خيف موت العالم اهـ من المفهم. (فقلت: يا رسول الله إنا كنا) في حياتنا الأولى (في جاهلية وشر) أي في ضلالة وشرك (فجاءنا الله) سبحانه وتعالى (بهذا الخير) العظيم يعني به الإسلام والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش وما يتصل به من الخصال والعقائد والأفعال الحسنة (فهل بعد هذا الخير شر قال نعم) يعني به الفتن الطارئة بعد انقراض زمان الخليفتين والصدر من زمان عثمان (فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير قال نعم) بعده خير (و) لكن (فيه) أي في ذلك الخير الذي بعد الشر (دخن) بفتحتين أي فساد باطن والدخن في الأصل مصدر دخنت النار على وزن علمت إذا ألقي عليها حطب رطب فكثر دخانها أو أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد ويستعمل في الفساد الباطن وهو المراد هنا والحق يشير إلى أن الخير الذي بعد الشر لا يكون خيرًا خالصًا بل فيه كدر وقيل: المراد بالدخن الدخان ويشير بذلك إلى كدر الحال وقيل: الدخن كل أمر مكروه. قال القرطبي: والأولى أن الإشارة بذلك الخير إلى مدة خلافة معاوية فإنها كانت تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وهي مدة الهدنة التي كان فيها الدخن لأنه لما بايع الحسن معاوية واجتمع الناس عليه كره ذلك كثير من الناس بقلوبهم وبقيت الكراهة فيهم ولم تمكنهم المخالفة في مدة معاوية ولا إظهارها إلى زمن يزيد بن معاوية فأظهره كثير من الناس ومدة خلافة معاوية كان الشر فيها قليلًا والخير غالبًا فعليهم يصدق قوله صلى الله عليه وسلم تعرف منهم وتنكر وأما خلافة ابنه أول الشر الثالث فيزيد وأكثر ولاته ومن بعده خلفاء بني أمية هم الذين يصدق عليهم أنهم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فإنهم لم يسيروا بالسواء ولا عدلوا في القضاء يدل على ذلك تصفح أخبارهم ومطالعة سيرهم ولا يعترض على هذا بمدة خلافة عمر بن عبد العزيز بأنها كانت خلافة عدل لقصرها وندورها في بني أمية فقد كانت سنتين وخمسة أشهر فكأن هذا الحديث لم يتعرض لها والله تعالى أعلم اهـ من المفهم قال حذيفة (قلت وما دخنه) أي وما فساد

قَال: "قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيرِ سُنَّتِي. وَيَهْدُونَ بِغَيرِ هَدْيِي. تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذلِكَ الْخَيرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَال: "نَعَمْ. دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ. مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! صِفْهُمْ لَنَا. قَال: "نَعَمْ. قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك الخير يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الخير (قوم يستنون) يتبعون ويأخذون (بغير سنتي) أي بغير طريقتي (ويهدون) أي يدعون الناس ويأمرونهم (بغير هديي) أي بسيرة غير سيرتي قال النووي: الهدي الهيئة والسيرة والطريقة (تعرف منهم) أي تقبل منهم المعروف شرعًا (وتنكر) عليهم المنكر شرعًا (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (هل بعد ذلك الخبر) الذي فيه دخن (من شر قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) بعده شر فيه (دعاة) جمع داع كقضاة وقاض واقفون (على أبواب جهنم) يدعون الناس إليها (من أجابهم إليها) أي إلى دخول أبواب جهنم (قذفوه) أي رموه (فيها) أي في جهنم يعني ذلك أن من وافقهم على آرائهم واتبعهم على أهوائهم كانوا قائديه إلى النار أي هم دعاة إلى الشر والفساد المؤدي بصاحبه إلى دخول جهنم والكلام تمثيل لتسويلهم وتزيينهم للناس الأعمال التي تستوجب العذاب فكأنهم إذ يدعونهم إلى تلك الأعمال وقوف على أبواب جهنم يدعونهم إلى الدخول بها قال النووي قال العلماء: هؤلاء هم من كان من الأمراء يدعون إلى بدعة أو ضلال آخر كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة وفي حديث حذيفة لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال بغير حق وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية وفيه معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي هذه الأمور أخبر بها وقد وقعت كلها اهـ (فقلت يا رسول الله صفهم) أي اذكر (لنا) صفة أولئك الدعاة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) أصفهم لكم هم (قوم من جلدتنا) بكسر الجيم وسكون اللام وجلدة الشيء ظاهره وهي في الأصل غشاء البدن قال في النهاية أي من أنفسنا وعشيرتنا وقيل معناه من أهل ملتنا وقيل من أبناء جنسنا (ويتكلمون بألسنتنا) أي بلغتنا اللغة العربية وقيل معناه يتكلمون بلسان الشريعة وبما قال الله ورسوله وليس في قلوبهم شيء من الخير يعني أنهم ينتمون إلى نسبه صلى الله عليه وسلم فإنهم من قريش ويتكلمون بكلام العرب وكذلك كانت أحوال بني أمية اهـ مفهم

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذلِكَ؟ قَال: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَال: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا. وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت: يا رسول الله فما) ذا (ترى) وتقول لي: (أن أدركني ذلك) الزمن الذي فيه أولئك الدعاة (قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) يعني أنه متى اجتمع المسلمون على إمام فلا يخرج عليه وإن جار كما تقدم وكما قال في الرواية الأخرى (فاسمع وأطع) وعلى هذا فتشهد مع أئمة الجور الصلوات والجماعات والجهاد والحج وتجتنب معاصيهم ولا يطاعون فيها اهـ مفهم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تكن لهم) أي للمسلمين (جماعة) مستقيمة (ولا إمام) منصوب (قال) صلى الله عليه وسلم: إذًا (فاعتزل) أي فانفصل عن (تلك الفرق) المختلفة (كلها) وابتعد منهم ولا تختلط بهم لئلا يغرقك أمواج الفتن. قال القرطبي قوله (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام) هذه إشارة إلى مثل الحالة التي اتفقت للناس عند موت معاوية بن يزيد بن معاوية فإنه توفي لخمس بقين من ربيع الأول سنة أربع وستين ولم يعهد لأحد وبقي الناس بعده بقية ربيع الأول وجمادين وأيامًا من رجب من السنة المذكورة لا إمام لهم حتى بايع الناس بمكة لابن الزبير وفي الشام لمروان بن الحكم قوله (فاعتزل تلك الفرق كلها) هذا أمر بالاعتزال عند الفتن وهو على جهة الوجوب لأنه لا يسلم الدين إلا بذلك وهذا الاعتزال عبارة عن ترك الانتماء إلى من لم تتم إمامته من الفرق المختلفة فلو بايع أهل الحل والعقد لواحد موصوف بشروط الإمامة لانعقدت له الخلافة وحرمت على كل أحد المخالفة فلو اختلف أهل الحل والعقد فعقدوا لإمامين كما اتفق لابن الزبير ومروان لكان الأول هو الأرجح اهـ من المفهم. (ولو) حصل لك الاعتزال بـ (ـــأن تعض على أصل شجرة) وساقها قال البيضاوي المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة أفاده ابن حجر كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم أر المراد اللزوم كلقوله في الحديث الآخر عضوا عليها بالنواجذ وقال بعضهم والذي يظهر من معنى هذا الحديث أن المعتزل إذا لم يجد شيئًا يأكله بسبب عزلته حتى اضطر إلى أكل أصول الأشجار فليفعل ولا يمنعه ذلك عن الاعتزال أي ولو

حتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذلِكَ". 4651 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. ح وَحَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ). حَدَّثنَا مُعَاويَةُ (يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ). حَدَّثنَا زَيدُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ. قَال: قَال حُذَيفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أمكن لك الاعتزال بأكل قشور أصول الشجرة وسوقها لفقدك الطعام لأجل الاعتزال عن الناس (حتى يدركك) ويأتيك الموت (وأنت) أي والحال أنك (على ذلك) العض وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المناقب باب علامات النبوة [3606 و 3607]، وفي الفتن باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة [7084]، وابن ماجه في الفتن باب العزلة [4027]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال. 4651 - (00) (00) (وحدثني محمد بن سهل بن عسكر التميمي) مولاهم البخاري نزيل بغداد ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يحيى بن حسان) بن حيان التنيسي بكسر المثناة فوق والنون المشددة المكسورة وسكون التحتية ثم مهملة البكري أبو زكرياء البصري سكن تنيس ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) (أخبرنا يحيى وهو ابن حسان حدثنا معاوية يعني ابن سلّام) بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي ثقة، من (7) (حدثنا زيد بن سلَّام) بن أبي سلّام ممطور الحبشي الدمشقي ثقة، من (4) (عن أبي سلَّام) ممطور الأسود الحبشي الأعرج الدمشقي وقيل النوبي ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) أبو سلَّام (قال حذيفة بن اليمان) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي سلَّام لأبي إدريس الخولاني. قال الدارقطني: هذا عندي مرسل لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة وهو كما قال الدارقطني لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول وإنما أتى مسلم بهذا متابعة كما ترى وقد قدمنا أن الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلًا تبينا به صحة المرسل وجاز الاحتجاج به ويصير في المسألة حديثان صحيحان اهـ نووي. أي قال حذيفة: (قلت: يا

رَسُولَ اللهِ! إِنّا كُنَّا بِشَرٍّ. فَجَاءَ اللهُ بِخَيرٍ. فَنَحْنُ فِيهِ. فَهَل مِنْ وَرَاءِ هذَا الْخَيرِ شَرٌّ؟ قَال: "نَعَمْ" قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذلِكَ الشَّرِّ خَيرٌ؟ قَال: "نَعَمْ" قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذلِكَ الْخَيرِ شَرٌّ؟ قَال: "نَعَمْ" قُلْتُ: كَيفَ؟ قَال: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتي. وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ" قَال: قُلْتُ: كَيفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ؟ قَال: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ. وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ. وَأُخِذَ مَالُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله إنا كنا) في حياتنا الأولى ملتبسين (في شر) أي بشرك وضلالة (فجاء الله) لنا (بخير) عظيم الذي هو التوحيد والإسلام فنحن فيه أي في ذلك الخير الآن (فهل من وراء هذا الخير) وعقبه (شر قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) وراءه شر قال حذيفة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (هل وراء ذلك الشر) الثاني (خير قال نعم) بعده خير قلت فهل وراء ذلك الخير الثاني (شر قال) صلى الله عليه وسلم: (نعم) بعده شر قال حذيفة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (كيف) يكون ذلك الشر بعد الخير الثاني (قال) صلى الله عليه وسلم: (يكون بعدي) وبعد خلفائي الراشدين (أئمة) وأمراء (لا يهتدون) أي لا يتكلمون (بهداي) وشريعتي (ولا يستنون) أي لا يعتقدون (بسنتي) أي بعقيدتي التي هي عقيدة أهل السنة (وسيقوم) أي سيظهر (فيهم) وسيوجد في زمن أولئك الأئمة (رجال) أي أمراء (قلوبهم قلوب الشياطين) أي كقلوب الشياطين في تمردها وجفائها وتزيينها الباطل للناس والكلام على التشبيه البليغ أي كقلوب الشياطين التي وضعت وجعلت وخلقت (في جثمان إنس) أي في جسم بشر يعني صورتهم صورة إنسان وقلبهم قلب شيطان وهذا إخبار عن أمر مغيب وقع موافقًا لمخبره فيكون دليلًا على صحة رسالته وصدقه صلى الله عليه وسلم (والشياطين) جمع شيطان وهو المارد من الجن الكثير الشر وهل هو مأخوذ من شطن أي بعد عن الخير والرحمة فالنون أصلية لأنها لام الكلمة فينصرف واحده أو من شاط يشيط كباع يبيع إذا احتد واحترق غيظًا فهي غير أصلية فلا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون والجثمان والشخص والآل والطلل كلها الجسم على ما حكاه اللغويون اهـ من المفهم (قال) حذيفة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك) الزمن (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك) ظلمًا (وأخذ مالك) بغير حق ببناء الفعل

فَاسْمَعْ وَأَطِعْ". 4652 - (1800) (145) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). حَدَّثَنَا غَيلانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي قَيسِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى القَهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للمجهول في الموضعين وهما شرط جوابه (فاسمع وأطع) له في غير معصية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال. 4652 - (1800) (145) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدثنا جرير يعني ابن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (حدثنا غيلان بن جرير) الأزدي المعولي بفتح الميم وكسرها وسكون ثانيه وفتح ثالثه نسبة إلى معولة بطن من الأزد البصري ثقة، من (5) (عن أبي قيس) زياد (بن رياح) بكسر الراء وبالمثناة التحتية القيسي بالقاف البصري أو المدني روى عن أبي هريرة في الجهاد والفتن ويروي عنه (م س ق) وغيلان بن جرير والحسن بن أبي الحسن قال العجلي: تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الثالثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) وهذا السند من خماسياته (من خرج عن الطاعة) أي عن طاعة الأمير (وفارق الجماعة) أي الجماعة المتفقة على بيعة الإمام أي من خرج عن طاعة الإمام وفارق جماعة الإسلام (فمات) على تلك الحال (مات ميتة جاهلية) أي على هيئة موت أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يطيعون أميرًا ولا ينضمون إلى جماعة واحدة بل كانوا فرقًا وعصائب يقاتل بعضهم بعضًا (ومن قاتل تحت راية عمِّية) أي أعمي المراد منها وجهل المقصد من الاجتماع تحتها هل هو لنصر الحق كالقتال لإعلاء كلمة الله أو لنصر الباطل كالقتال للعصبية أو الوطنية بلا قصد نصر من معه الحق والعمية بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان والميم مشددة والياء مشددة أيضًا قالوا هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه كذا قال النووي (قلت): وقد ضبطها في القاموس على هذا الوجه وفسرها بالكبر والضلال وزاد قوله والعمية كغنية ويضم: الغواية واللجاج ولكن لم يرد في نسخ مسلم إلا الضبط الذي ذكره النووي وقد وصف بها الراية والمراد وصف من اجتمع تحتها من الناس والمعنى من قاتل تحت راية اجتمع

يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا. وَلَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أهلها على أمر مجهول لا يعرف أنه حق أو باطل يدعون الناس إليه ويقاتلون لأجله من غير بصيرة فيه ولا حجة عليه حالة كونه (يغضب لعصبة) أي لأهل قبيلته أو أهل وطنه أو أهل لسانه من غير أن ينظر إلى من معه الحق أي يغضب لأجل مظلمتهم (أو) حالة كونه (يدعو) غيره (إلى) نصر (عصبة) وقبيلة له (أو) حالة كونه (ينصر عصبة) له بقتاله قال النووي: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب سموا بذلك لأنهم يعصبونه أي يحيطون به عند الشدائد كإحاطة العصابة بالرأس ويعتصب بهم أي يشتد بهم على أعدائه والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره إلى ذلك لا لنصرة الحق والدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه كما يقاتل أهل الجاهلية فإنهم إنما كانوا يقاتلون لمحض العصبية والوطنية والجنسية (فقتل) لأجل ذلك بالبناء للمجهول (فقتله) خبر المحذوف وقوله (جاهلية) صفة لقتلة والقتلة بكسر القاف اسم هيئة من القتل والمراد من القتلة الهيئة التي يكون عليها الإنسان عند القتل والتقدير فقتلته كقتلة أهل الجاهلية والمعنى من قاتل عصبية فمات وهو على ذلك مات على هيئة كانت الجاهلية تموت عليها في كونهم يقاتلون للعصبة لا للحق. (ومن خرج) من الجماعة المنتظمة المسلمة حالة كونه جانبًا ومتعديًا (على) أفراد (أمتي) حالة كونه يضرب ويقتل ويؤذي (برها) أي تقيها (وفاجرها) أي عاصيها والبر هنا التقي المجتنب للمناهي والفاجر المنبعث في المعاصي وفيه دليل على أن ارتكاب المعاصي والفجور لا يخرج من الأمة اهـ مفهم أي لا يبالي بما يفعل فهو يوقع أذاه على من تمكن منه بدون تفرقة بين تقي وشقي وقد أكد هذا المعنى بقوله (ولا يتحاش) أي والحال أنه لا يتحاشى أي لا يستحي (من) قتل (مؤمنها) أي لا يأبه به ولا يقدر له ولا يكترث بما يفعله به ولا يتباعد عن إيذائه وأصل التحاشي التباعد والتنحي عن الشيء مأخوذ من حاشية الشيء وجانبه وهي ناحيته والمراد أنه لا يكترث ولا يبالي في قتل المؤمنين وهو في الرواية التالية وفي بعض النسخ لهذه الرواية مرسوم بالياء وفي بعضها بدونها وكلاهما صحيح وحذفت الألف المقصورة ها هنا للتخفيف. (ولا يفي لذي عهد) وبيعة يعني الإمام (عهده) أي بيعته بالسمع والطاعة قال

فَلَيسَ مِني وَلَسْتُ مِنْهُ". 4653 - (00) (00) وحدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ غَيلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ رِيَاحٍ الْقَيسِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِنَحْو حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي يعني به عهد البيعة والولاية اهـ من المفهم وقال في المرقاة يعني ينقض عهد أهل الذمة بقتلهم وأخذ أموالهم وهاتان الجملتان كالبيان لما سبق اهـ (فليس مني) أي ليس من أمتي كما جاء في الرواية الآتية أو ليس هو على طريقتي وسنتي (ولست) أنا (منه) أي ليست طريقتي مثل طريقته جملة مؤكدة لما قبلها قال القاضي عياض هو تبر من أفعاله وأمره إلى مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له لا أنه ليس من الأمة حقيقة كذا في شرح الأبي قال القرطبي وهذا التبري ظاهره أنه ليس بمسلم وهذا صحيح إن كان معتقدًا لحلية ذلك وإن كان معتقدًا لتحريمه فهو عاص من العصاة مرتكب كبيرة فأمره إلى الله تعالى ويكون معنى التبري على هذا أي ليست له ذمة ولا حرمة بل إن ظفر به قتل أو عوقب بحسب حاله وجريمته ويحتمل أن يكون معتاه ليس على طريقتي ولست أرضى طريقته كما تقدم أمثال هذا وهذا الذي ذكره في هذا الحديث هي أحوال المقاتلين على الملك والأغراض الفاسدة والأهواء الركيكة وحمية الجاهلية وقد أبعد من قال إنهم الخوارج فإنهم إنما حملهم على الخروج الغيرة للدين لا شيء من العصبية والملك لكنهم أخطأوا التأويل وحرفوا التنزيل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 296]، والنسائي [7/ 123]، وابن ماجه [3948]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4653 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة (القواريري) الجشمي مولاهم أبو شعيب البصري ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني العنزي البصري ثقة، من (5) (عن غيلان بن جرير) الأزدي البصري ثقة، من (5) (عن زياد بن رياح القيسي) البصري ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أيوب لجرير بن حازم (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): الحديث وساق أيوب (بنحو حديث جرير وقال) أيوب في روايته:

"لَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا". 4654 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ، عَنْ غَيلانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيادِ بْنِ رَياحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ، ويقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، فَلَيسَ مِنْ أُمَّتِي. وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا، فَلَيسَ مِنِّي" ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا يتحاشى من مؤمنها) بألف مقصورة بدل رواية جرير (ولا يتحاش) بحذفها ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4654 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي المعولي البصري ثقة، من (6) (عن غيلان بن جرير عن زياد بن رياح عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مهدي بن ميمون لجرير بن حازم (من خرج عن الطاعة) أي عن طاعة الإمام (وفارق الجماعة) أي جماعة المسلمين (ثم مات) على تلك الحال (مات ميتةً جاهلية) أي مات موتًا كموت الجاهلية (ومن قتل تحت راية عمِّية) أي التي جهل مقصد من اجتمع تحتها حالة كونه يغضب للعصبة والقبائل والجملة الفعلية حال مؤكدة (ويقاتل للعصبة) أي لشهوته ونصرة عصبته قال الطيبي وفيه أن من قاتل تعصبًا لا لإظهار دين ولا لإعلاء كلمة الله تعالى هو على باطل (فليس من أمتي) أي لم يهتد بهديها ولم يستن بسنتها (ومن خرج من أمتي) متعديًا (على أمتي) حالة كونه (يضرب برها) أي تقيها (وفاجرها) أي عاصيها (لا يكترث) ولا يستحي (من) قتل (مؤمنها ولا يفي) العهد (بذي عهدها) أي عهد أمتي أي لا يفي البيعة للإمام الذي بايعه (فليس مني) أي من أمتي حقيقة إن استحل ذلك أو من أهل هديي إن لم يستحل ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال.

4655 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ غَيلانَ بْنِ جَرِيرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا ابْنُ المُثَنَّى فَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ. وَأَمَّا ابْنُ بَشَّارٍ فَقَال فِي رِوَايَتِهِ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. 4656 - (1801) (146) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنِ الْجَعْدِ، أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَرْويهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيئًا يَكرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ. فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4655 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن فيلان بن جرير بهذا الإسناد) يعني عن زياد بن رياح عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة شعبة لمهدي بن ميمون (أما ابن المثنى فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وأما ابن بشار فقال في روايته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث وساق شعبة (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث جرير بن حازم وأيوب السختياني ومهدي بن ميمون ثم استشهد المؤلف لحديث حذيفة ثانيًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال. 4656 - (1801) (146) (حدثنا حسن بن الربيع) البجلي الكوفي الحصار الخشاب ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الكوفي ثقة، من (8) (عن الجعد) بن دينار اليشكري (أبي عثمان) الصيرفي البصري ثقة، من (4) (عن أبي رجاء) العطاردي عمران بن ملحان البصري مشهور بكنيته ثقة مخضرم من (2) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته حالة كون ابن عباس (يرويه) أي يروي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفعه إليه (قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى من أميره شيئًا يكرهه) لمخالفته الشرع أو هواه قال ابن الملك فيه وجوب لزوم الجماعة والصبر على ما يكره من الأمير سواء كان مما لا يخالف الشرع أو يخالفه كالزنا إلا إذا قتل نفسًا بغير حق اهـ. (فليصبر) عليه أي فليصبر على ذلك المكروه ولا يخرج عن الطاعة (فإنه) أي فإن الشأن والحال (من فارق الجماعة شبرًا) أي قدر شبر كنى عن الخروج على السلطان ولو

فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ". 4657 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا الْجَعْدُ. حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيهِ. فَإِنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاس خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا، فَمَاتَ عَلَيهِ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". 4658 - (1802) (146) حدَّثنا هُرَيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ بأدنى نوع من أنواع الخروج أو بأقل سبب من أسباب الفرقة (فمات) على ذلك (فـ) ـــميتته (ميتة جاهلية) هذا بيان لهيئة الموت وحالته التي يكون عليها أي مات كما يموت عليه أهل الجاهلية من الضلالة والفرقة وفقد الإمام المطاع اهـ من ذهني قال ابن أبي جمرة المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر كذا في فتح الباري [13/ 7] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن [7053]، وفي الأحكام [7143]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4657 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري ثقة، من (8) (حدثنا الجعد) بن دينار أبي عثمان البصري (حدثنا أبو رجاء العطاردي عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الوارث لحماد بن زيد (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه) أي على ذلك المكروه ولا يخرج عن الطاعة (فإنه) أي فإن الشأن والحال (ليس أحد من الناس خرج من) طاعة (السلطان شبرًا) أي قدر شبر (فمات عليه) أي على ذلك الخروج (إلا مات ميتة جاهلية) أي موتًا كموت الجاهلية في الضلالة والفرقة وفقد الإمام المطاع ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث حذيفة بحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه فقال. 4658 - (1802) (146) (حدثنا هريم بن عبد الأعلى) بن الفرات الأسدي أبو حمزة البصري ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي أبو محمد البصري ثقة، من (9) (قال سمعت أبي) سليمان بن طرخان

يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ جُنْدُبٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ". 4659 - (1803) (147) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ زَيدٍ) عَنْ زَيدٍ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التيمي البصري ثقة، من (4) (يحدث عن أبي مجلز) لاحق بين حميد بن سعيد السدوسي البصري ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جندب بن عبد الله) بن سفيان (البجلي) أبي عبد الله الكوفي ثم البصري ثم المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) جندب: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل تحت راية عمِّية) حالة كونه (يدعو) غيره (عصبية) أي إلى نصر عصبية وقبيلة (أو ينصر) بنفسه (عصبية) فقتل في ذلك (فـ) ــقتلته (قتلة جاهلية). ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث حذيفة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال. 4659 - (1803) (147) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ (العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا عاصم وهو ابن محمد بن زيد) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة، من (7) (عن) جده (زيد بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثقة، من (7) (عن نافع) مولى بن عمر (قال) نافع: (جاء عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (إلى عبد الله بن مطيع) بن الأسود القرشي العدوي كان ممن خلع يزيد بن معاوية وخرج عليه وكان يوم الحرة قائد قريش كما كان عبد الله بن حنظلة قائد الأنصار إذ خرج أهل المدينة لقتال مسلم بن عقبة المري الذي بعثه يزيد لقتال أهل المدينة وأخذهم بالبيعة له فلما ظفر أهل الشام بأهل المدينة انهزم عبد الله بن مطيع ولحق بابن الزبير بمكة وشهد معه الحصر الأول وبقي معه إلى أن حصر الحجاج ابن الزبير فقاتل ابن مطيع معه يومئذٍ وهو يقول: أنا الذي فررت يوم الحرة ... والحُر لا يفر إلا مرة

حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرٍ الْحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاويَةَ. فَقَال: اطرَحُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ وسَادَةً. فَقَال: إِنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ. أَتَيتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا حُجَّةَ لَهُ. وَمَنْ مَاتَ وَلَيسَ فِي عُنُقِهِ بَيعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ يا حبذا الكرّة بعد الفرّة ... لأجزين فرَّة بكرة (حين كان من أمر الحرة) وفتنتها (ما كان زمن يزيد بن معاوية) بن أبي سفيان (فـ) ـــلما جاء عبد الله بن عمر إلى ابن مطيع (قال) ابن مطيع: (اطرحوا) أي ضعوا (لأبي عبد الرحمن) كنية عبد الله بن عمر (وسادة) أي مخدة ليتكأ عليها تكرمةً له (فقال) عبد الله لابن مطيع (إني لم آتك لأجلس) معك إني (أتيتك لأحدثك حديثًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله) فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خلع يدًا) أي نزع يده (من طاعة) الأمير ونكر الطاعة ليفيد ويشعر أن المقصود أي طاعة كانت قليلة أو كثيرة وكنى بخلع اليد عن الخروج عن طاعة الإمام ونقض بيعته لأن وضع اليد كناية عن العهد وإنشاء البيعة لجريان العادة بوضع اليد على اليد حال المعاهدة (لقي الله يوم القيامة لا حجة له) في فعله ولا عذر له ينفعه اهـ نووي (ومن مات وليس في عنقه بيعة) وعهد للإمام (مات ميتةً جاهلية). قال السنوسي وفي هذا دليل على أن مذهب عبد الله بن عمر كمذهب الأكثرين في منع القيام على الإمام وخلعه إذا حدث فسقه أما إذا كان فاسقًا قبل عقدها فاتفقوا على أنها لا تنعقد له لكن إذا انعقدت له تغلبًا أو اتفاقًا ووقعت كما اتفق ليزيد صار بمنزلة من حدث فسقه بعد انعقادها له فيمتنع القيام عليه ويدل على ذلك ذكر ابن عمر الحديث في سياق الإنكار على ابن مطيع في قيامه على يزيد وقد احتج من أجاز القيام بخروج الحسين وابن الزبير وأهل المدينة علي بني أمية واحتج الأكثر على المنع بأنه هو الظاهر من الأحاديث كما ترى وبأن القيام ربما أثار فتنة وقتالًا وانتهاك حرم كما اتفق ذلك في وقعة الحرة اهـ ملخصًا. قال القرطبي وتحديث ابن عمر ابن مطيع الحديث الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ليبين له أنه لم ينكث بيعة يزيد ولم يخلعها من عنقه مخافة هذا

4660 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيرٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ أَتَى ابْنَ مُطِيعٍ. فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. 4661 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو ـــــــــــــــــــــــــــــ الوعيد الذي تضمنه هذا الحديث والله تعالى أعلم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [2/ 97] ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4660 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير) القرشي المخزومي مولاهم أبو زكرياء المصري روى عن الليث في الجهاد ويعقوب بن عبد الرحمن في الدعاء والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي في النفاق والفتن وحماد بن زيد والدراوردي ويروي عنه (خ م ق) ومحمد بن نمير وأبو زرعة الرازي وأبو بكر بن إسحاق وحرملة بن يحيى وابن معين ضعفه النسائي ووثقه ابن حبان فأصاب وقال في التقريب ثقة في الليث من كبار العاشرة مات سنة (231) إحدى وثلاثين ومائتين (حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني مولاهم أبي بكر المصري ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن بكير بن عبد الله بن الأشج) المخزومي مولاهم المدني ثم المصري ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة بكير بن الأشج لزيد بن محمد (أنه أتى ابن مطيع) بضم الميم (فذكر) بكير بن عبد الله (عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أي نحو ما حدث زيد بن محمد عن نافع ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4661 - (00) (00) (حدثنا عمرو بن علي) بن بحر بن كنيز بنون وزاي مصغرًا أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن عمرو) بن عباد بن

بْنِ جَبَلَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جبلة بن أبي رواد العتكي البصري صدوق من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا بشر بن عمر) بن الحكم الأزدي البصري ثقة، من (9) (قالا) أي قال كل من عبد الرحمن بن مهدي وبشر بن عمر حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية عن هشام (حدثنا هشام بن سعد) القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم أبو عباد المدني صدوق من (7) (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدني ثقة، من (3) (عن أبيه) أسلم العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب من سبي عين التمر وقيل حبشي ثقة مخضرم من (2) (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أسلم العدوي لنافع في الرواية عن ابن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أسلم العدوي الحديث (بمعنى حديث نافع عن ابن عمر). (تتمة) وخلاصة وقعة الحرة على ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى أن جمعًا من أهل المدينة أرادوا خلع يزيد بن معاوية عن الخلافة وبعث عامل يزيد منهم وفدًا إلى يزيد بن معاوية فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة الحضرمي والمنذر بن الزبير ورجال كثير من أشراف أهل المدينة فقدموا على يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم وعظم جوائزهم ثم انصرفوا راجعين إلى المدينة إلا المنذر بن الزبير فإنه سار إلى صاحبه عبيد الله بن زياد بالبصرة ولما رجع وفد المدينة إليها أظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر وتعزف عنده القينات بالمعازف وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه فتابعهم الناس على خلعه وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على الموت وأنكر عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ورجع المنذر بن الزبير من البصرة إلى المدينة فوافق أولئك على خلع يزيد وأخبرهم عنه أنه يشرب الخمر ويسكر حتى ترك الصلاة وعابه أكثر مما عابه أولئك فلما بلغ ذلك يزيد قال اللهم إني آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت فأدركه وانتقم. ثم إن يزيد بعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم عما صنعوا ويحذرهم غبَّ ذلك ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم الجماعة فسار إليهم ففعل ما أمره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد وخوفهم الفتنة وقال لهم إن الفتنة وخيمة وقال لا طاقة لكم بأهل الشام فقال له عبد الله بن مطيع ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من أمرنا فقال له النعمان أما والله لكأني وقد تركت تلك الأمور التي تدعو إليها قامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحى الموت بين الفريقين وكأني بك قد ضربت جنب بغلتك إليَّ وخلفت هؤلاء المساكين يعني الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وأبواب دورهم. قال ابن كثير رحمه الله تعالى وعصاه الناس فلم يسمعوا منه فانصرف وكان الأمر والله كما قال سواء وولى الناس على قرييش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر ثم اجتمعوا على إخراج عامل يزيد من بين ظهورهم وعلى إجلاء بني أمية من المدينة فاجتمعت بنو أمية في دار مروان بن الحكم وأحاط بهم أهل المدينة يحاصرونهم واعتزل الناس علي بن الحسين زين العابدين وكذلك عبد الله بن عمر أنكر على أهل المدينة في مبايعتهم لابن مطيع وابن حنظلة على الموت وكذلك لم يخلع يزيد أحد من بني عبد المطلب وقد سئل محمد بن الحنفية في ذلك فامتنع أشد الامتناع وناظرهم وجادلهم في يزيد ورد عليهم ما اتهموا يزيد به من شرب الخمر وتركه بعض الصلوات وكتب بنو أمية إلى يزيد بما هم فيه من الحصر والإهانة والجوع والعطش فبعث يزيد إليهم جيشًا في عشرة آلاف فارس وقيل اثني عشر وقيل خمسة عشر ألفًا ونهاه النعمان بن بشير رضي الله عنه عن ذلك واقترح عليه أن يبعث واليًا عليهم فيكفيه إياهم فلم يقبل منه يزيد ذلك وقال لمسلم بن عقبة ادع القوم ثلاثًا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم وكف عنهم وإلا فاستعن بالله وقاتلهم وإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثًا فنزل مسلم بن عقبة شرقي المدينة في الحرة ودعا أهلها ثلاثة أيام فأبوا إلا القتال فاقتتلوا قتالًا شديدًا وقد قتل من الفريقين خلق من السادات والأعيان حتى انهزم عبد الله بن مطيع ومن معه فأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد وقتل خلقًا كثيرًا من أشرافها وقرائها وقتل فيها عدة من بقية الصحابة من أبناء المهاجرين والأنصار وعطلت الصلاة والآذان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأيام وانتهب أموالًا كثيرة منها ووقع شر عظيم وفساد عريض هذا ملخص ما في البداية والنهاية لابن كثير [8/ 216 إلى 220] والله سبحانه وتعالى أعلم.

4662 - (1804) (148) حدّثني أَبُو بَكْرٍ بْنُ نَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (قَال ابْنُ نَافِعٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. وَقَال ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، قَال: سَمِعْتُ عَرْفَجَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هذِهِ الأُمَّةِ، وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عرفجة بن شريح رضي الله عنه فقال. 4662 - (1804) (148) (حدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من صغار (10) (ومحمد بن بشار) العبدي البصري (قال ابن نافع: حدثنا غندر وقال ابن بشار: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري ثقة إمام من (7) (عن زياد بن علاقة) بكسر العين وتخفيف القاف الثعلبي بالمثلثة أبي مالك الكوفي ثقة، من (3) (قال) زياد: (سمعت عرفجة) بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الفاء والجيم ابن شريح أو ابن شراحيل أو شريك أو ضريح الأشجعي الكوفي رضي الله عنه صحابي له (10) أحاديث انفرد له (م) بحديث واحد يروي عنه (م د س) وزياد بن علاقة وأبو حازم الأشجعي وقال في التقريب صحابي اختلف في اسم أبيه على أربعة أقوال وهذا السند من خماسياته (قال) عرفجة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه) أي إن الشأن والحال (ستكون هنات وهنات) أي فتن وفساد وشرور والتكرار للتأكيد وهي جمع هنة والهنة كلمة يكنى بها عن كل شيء يستقبح التصريح به كالفرج والدبر والمراد بها هنا الفتن الحادثة أي ستكون فتن وأمور حادثة وفسادات فاحشة متتابعة ووقع في رواية النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في خطبته على المنبر (فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة) وبيضتها (وهي جميع) أي مجتمعة على إمام واحد متفقة عليه أي مجتمعة الكلمة على رجل واحد كما جاء في الرواية الآتية (فاضربوه بالسيف كائنًا من كان) وفي الرواية الأخرى فاقتلوه معناه إذا لم يندفع إلا بذلك قال النووي فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك وإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدرًا وقوله (كائنًا من كان) يعني يجب قتله وإن كان ذا جاه

4663 - (00) (00) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيبَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْخَثْعَمِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ. ح وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ. حَدَّثنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُخْتَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو منصب أوصيت حسن إذا تحقق منه أنه خرج على الإمام دون مرخص شرعي وزاد النسائي بعده في رواية يزيد بن مردانية عن زياد (فإن يد الله على الجماعة فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض) قال القرطبي أي لا يحترم لشرفه ولنسبه ولا يهاب لعشيرته ونسبه بل يبادر بقتله قبل شرارة شره واستحكام فساده وعدوى عره (العرة بضم العين وتشديد الراء الجرب) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 24]، وأبو داود [4762]، والنسائي [7/ 93]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عرفجة بن شريح رضي الله عنه فقال. 4663 - (00) (00) (وحدثنا أحمد) بن الحسن (بن خراش) نسب إلى جده لشهرته به بكسر الخاء المعجمة الخراساني أبو جعفر البغدادي صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا حبان) بن هلال الباهلي أبو حبيب البصري ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي اليشكري ثقة، من (7) (ح وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي الطحان ثقة، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي أبو محمد الكوفي ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البغدادي ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا المصعب بن المقدام الخثعمي) بخاء معجمة وثاء مثلثة ثم عين مهملة مولاهم أبو عبد الله الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو يوسف الكوفي ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف (بابن الشاعر) أبو محمد البغدادي ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عارم بن الفضل) هو لقب محمد بن الفضل السدوسي أبو الفضل البصري ثقة، من (9) روى عنه في تسعة أبواب (9) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة، من (8) (حدثنا عبد الله بن المختار)

وَرَجُلٌ سَمَّاهُ. كُلُّهُمْ عَنْ زِيادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ عَرْفَجَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ، غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا "فَاقْتُلُوهُ". 4664 - (00) (00) وحدّثني عُثْمَان بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَرْفَجَةَ، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أتَاكُمْ، وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ، عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري لا بأس به من (7) روى عنه في (2) (ورجل سماه) لنا حماد وهو من كلام عارم أي قال عارم حدثنا حماد بن زيد فقال لنا: حدثنا عبد الله بن المختار وحدثنا رجل ذكر لنا حماد اسم ذلك الرجل فنسيته (كلهم) أي كل من أبي عوانة وشيبان وإسرائيل وعبد الله بن المختار رووا (عن زياد بن علاقة عن عرفجة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما روى شعبة عن زياد بن علاقة غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لشعبة بن الحجاج (غير أن في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الأربعة وروايتهم (جميعًا فاقتلوه) بدل رواية شعبة فاضربوه ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عرفجة رضي الله عنه فقال. 4664 - (00) (00) (وحدثني عثمان بن أبي ثيبة حدثنا يونس بن أبي يعفور) بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء اسم أبيه وقدان بالقاف وقيل واقد العبدي روى عن أبيه في الجهاد وأخيه عبد الله والزهري وغيرهم ويروي عنه (م ق) وعثمان بن أبي شيبة وجعفر بن حميد ويحيى بن بكير قال أبو حاتم صدوق وضعفه ابن معين وقال في التقريب صدوق يخطئ كثيرًا من الثامنة (8) (عن أبيه) أبي يعفور وقدان العبدي الكوفي الكبير مشهور بكنيته أبي يعفور وقيل: اسمه واقد ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عرفجة) بن شريح رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة أبي يعفور لشعبة بن الحجاج (قال) عرفجة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أتاكم وأمركم جميع) أي متفق مجتمع (على رجل واحد) أي على بيعة إمام واحد (يريد) أي يقصد ذلك الآتي (أن يشق عصاكم) ويفرق جماعتكم كما تفرق العصا المشقوقة وهو عبارة عن تفرق الكلمة واختلافها وتنافر النفوس (أو) قال الراوي يريد أن (يفرق جماعتكم فاقتلوه) يقال شق العصا إذا فارق الجماعة كذا فسره في النهاية وقد

4665 - (1805) (149) وحدّثني وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا بُويعَ لِخَلِيفَتَينِ، فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ فسره في الأساس بقوله شق عصا المسلمين إذا فرق جماعتهم وعلى التفسير الأول فأو في قوله (أو يفرق جماعتكم) للتنويع فإن التفريق غير المفارقة وإن كان بينهما ملازمة في الغالب وأما على التفسير الثاني فهي لعطف المرادف ويحتمل أن تكون للشك أي إن الراوي شك فذكر الجملتين وهو يريد إحداهما غير معينة والجملة مثل للتفرق أو للتفريق شبه اجتماع الناس واتفاقهم على رجل واحد بالعصا غير متفرقة وافتراقهم أو خروج واحد أو أكثر عن جماعته بشقها اهـ ذهني ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال. 4665 - (1805) (149) (وحدثني وهب بن بقية) بن عثمان أبو محمد (الواسطي) ويقال له وهبان روى عن خالد بن عبد الله في الجهاد وهشيم وحماد بن زيد وغيرهم ويروي عنه (م د س) وأبو زرعة الرازي وبقي بن مخلد وآخرون وثقه النسائي وابن معين والخطيب وقال في التفريق ثقة من العاشرة مات سنة (239) تسع وثلاثين ومائتين وله خمس أو ست وتسعون سنة (96) (حدثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن بن يزيد المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة، من (8) (عن) سعيد بن إياس (الجريري) بضم الجيم أبو مسعود البصري ثقة، من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة بضم القاف وكسرها مع سكون الطاء فيهما العبدي البصري ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بويع) أي إذا بايع وعاهد الناس على الخلافة (لخليفتين) في عصر واحد (فاقتلوا الآخر منهما) أي فادفعوا الآخر بالقتل إذا لم يمكن دفعه بدونه ومقتضاه أنه لا يجوز عقد البيعة لخليفتين في زمن واحد وإلا لما جاز قتل الآخر منهما قال النووي واتفق العلماء على أنه لا يجوز عقدها لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا وقال إمام الحرمين وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد وهذا مجمع عليه فإن بعد ما بين الإمامين فللاحتمال فيه مجال وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث اهـ باختصار قال

4666 - (1806) (150) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "سَتَكُونُ أُمَرَاءُ. فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ. فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ. وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ. وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" قَالُوا: أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَال: "لَا. مَا صَلَّوْا" ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي فيه من الفقه تسمية الملوك بالخلفاء وإن كانت الخلافة الحقيقية إنما صحت للخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم وفيه أنه لا يجوز نصب خليفتين كما تقدم وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أم سلمة رضي الله عنها فقال. 4666 - (1806) (150) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي (الأزدي) أبو خالد البصري ويلقب بهداب ثقة، من (9) (حدثنا همام بن يحيى) بن دينار الأزدي العوذي البصري ثقة، من (7) حدثنا قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري ثقة، من (4) (عن الحسن) البصري ثقة، من (3) (عن ضبة بن محصن) العنزي البصري روى عن أم سلمة في الجهاد وعمر وأبي موسى ويروي عنه (م د ت) والحسن البصري وقتادة وجماعة وثقه ابن حبان له عندهم فرد حديث صدوق من الثالثة (عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ستكون أمراء) بعدي (فـ) ـيعملون أعمالًا منها ما (تعرفون) كونه معروفًا فتقبلونه (و) منها ما تعرفون كونه منكرًا (تنكرونـ) ــه قال الذهني أي فتستحسنون بعض أفعالهم وتستقبحون بعضها (فمن عرف) المنكر ولم يشتبه عليه فقد (برئ) أي فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه فإن عجز فليكرهه بقلبه (ومن أنكر سلم) أي ومن لم يقدر على تغييره بيده أو بلسانه فأنكر ذلك بقلبه وكرهه سلم من مشاركتهم في إثمه (ولكن من رضي) بقلبه بفعلهم (وتابعـ) ــهم عليه في العمل وهو مبتدأ حذف خبره ولكن من رضي وتابع لم يبرأ أو لم يسلم وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضا به أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه وفي المفهم والمعنى أي من رضي المنكر وتابع عليه هو المؤاخذ والمعاقب عليه وإن لم يفعله (قالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) نتركهم على ذلك (فلا نقاتلهم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابهم (لا) تقاتلوهم (ما صلوا) أي ما داموا على

4667 - (00) (00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. جَمِيعًا عَنْ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي غَسَّانَ). حَدَّثَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ، الدَّسْتَوَائِيُّ). حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيكُمْ أُمَرَاءُ. فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ. فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ. وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ. وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَال: "لَا. مَا صَلَّوْا" (أَي مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إقامة الصلاة المفروضة ففيه أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام اهـ ذهني قال القاضي عياض معنى ما صلوا ما داموا على الإسلام فالصلاة إشارة إلى ذلك وخلاصته أن الصلاة كانت لازمة في ذلك الزمان فاستعير اللازم للملزوم اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [4760 و 4761]، والترمذي [2367]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4667 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري (ومحمد بن بشار) العبدي (جميعًا) أي كلاهما (عن معاذ واللفظ لأبي غسان) قال أبو غسان: (حدثنا معاذ وهو ابن هشام الدستوائي حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن قتادة حدثنا الحسن عن ضبة بن محصن) بكسر الميم وفتح الصاد (العنزي) بفتح العين والنون منسوب إلى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وهو من تابعي أهل البصرة (عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لهمام بن يحيى (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: إنه) أي إن الشأن والحال (يستعمل عليكم) أي يجعل عاملًا عليكم (أمراء فتعرفون) أي وتجدون المعروف منهم (وتنكرون) أي وتجدون المنكر منهم (فمن كره) المنكر بقلبه (فقد برئ) من المؤاخذة عليه (ومن أنكر) بيده أو بلسانه ولم يتابعهم عليه (فقد سلم) من مشاركتهم في إثمه (ولكن) المؤاخذ المعاقب (من رضي) بقلبه (وتابعـ) ــهم في عملهم (قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا) وقوله (أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه) قد صرح أبو داود في روايته أن هذا التفسير من قتادة ثم

4668 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زيدٍ). حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ وَهِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ؛ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْو ذلِكَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ. وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ". 4669 - (00) (00) وحدّثناه حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ الْبَجَلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4668 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) الأزدي البصري (حدثنا المعلي بن زياد) القردوسي بضم القاف والدال بينهما راء ساكنة نسبة إلى بطن من الأزد تسمى القراديس واسم محلة لهم بالبصرة أبو الحسن البصري روى عن الحسن بن أبي الحسن في الجهاد والفتن ومعاوية بن قرة وحنظلة السدوسي وغيرهم ويروي عنه (م عم) وحماد بن زيد وهشام بن حسان وغيرهم وثقه أبو حاتم وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق قليل الحديث زاهد من السابعة (وهشام) الدستوائي (عن الحسن) البصري (عن ضبة بن محصن عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معلى بن زياد لقتادة وساق المعلَّى (بنحو ذلك) أي بنحو ما روى قتادة عن الحسن (غير أنه) أي غير أن المعلَّى (قال) في روايته (ومن أنكر) عليهم بيده أو بلسانه (فقد برئ) من المؤاخذة بإثم عدم إنكار المنكر (ومن كره) بقلبه فيما إذا لم يقدر على إنكاره بيده أو بلسانه (فقد سلم) من إثم عملهم المنكر ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4669 - (00) (00) (وحدثناه حسن بن الربيع البجلي) أبو علي الكوفي ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة، من (8) (عن هشام) الدستوائي (عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها غرضه بيان متابعة عبد الله بن المبارك لمعاذ بن هشام (قالت) أم سلمة: (قال رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثلَهُ. إِلَّا قَوْلَهُ: "وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ" لَمْ يَذكُرْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: فذكر) عبد الله بن المبارك (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن هشام (إلا قوله) صلى الله عليه وسلم (ولكن من رضي وتابع لم يذكره) أي لم يذكر هذا اللفظ عبد الله بن المبارك وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث الأول: حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث جندب بن عبد الله ذكره للاستشهاد والخامس: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسادس: حديث عرفجة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والسابع: حديث أبي سعيد ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والثامن: حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

638 - (31) باب خيار الأئمة وشرارهم واستحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان

638 - (31) باب خيار الأئمة وشرارهم واستحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان 4670 - (1807) (151) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابرٍ، عَنْ رُزَيقِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُم ويُحِبُّونَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 638 - (31) باب خيار الأئمة وشرارهم واستحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان 4670 - (1807) (151) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، من (8) (حدثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي ثقة، من (8) (عن بزيد بن يزيد بن جابر) الأزدي الدمشقي روى عن رزيق بن حيان في الجهاد وبسر بن عبد الله الحضرمي ووهب بن منبه ومكحول ويروي عنه (م دت ق) والأوزاعي والسفيانان وحسين بن علي الجعفي وآخرون وثقه ابن معين والنسائي وأبو داود وقال في التقريب ثقة فقيه من السادسة مات سنة (134) أربع وثلاثين ومائة (عن رزيق) بالتصغير وتقديم الراء على الزاي (بن حيان) بالمهملة والياء المشددة الفزاري مولاهم أبي المقدام الدمشقي قيل اسمه سعيد ورزيق لقبه روى عن مسلم بن قرظة في الجهاد وعمر بن عبد العزيز ويروي عنه (م) ويزيد بن يزيد بن جابر وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من السادسة مات سنة (105) خمس ومائة عن ثمانين سنة (80) (عن مسلم بن قرظة) بفتحات وبالظاء المشالة الأشجعي الشامي ابن عم عوف بن مالك روى عن ابن عمه عوف بن مالك في الجهاد ويروي عنه (م) ورزيق بن حيان وربيعة بن يزيد ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة (عن عوف بن مالك) الأشجعي الغطفاني الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خبار أئمتكم) أيها المسلمون وأحاسنهم هم (الذين تحيونهم) يعني من أجل دينهم وعدلهم وحسن قيامهم بالأمور (ويحبونكم) أي يرفقون بكم ويعدلون بينكم فتودونهم وتطيعونهم لأجل ذلك وهم كذلك يودونكم لأنهم

ويُصَلُّونَ عَلَيكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيهِمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبغِضُونَهُمْ وَيُبغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيفِ؟ فَقَال: "لَا. مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاة وَإِذَا رَأَيتُمْ مِنْ وُلاتِكُمْ شَيئًا تَكرَهُونَهُ، فَاكرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يرون آثار عدلهم بادية عليكم ونتائج أعمالهم الصالحة ظاهرة فيكم ومن شأن الإنسان أن يحب مشاهدة آثار نفسه فيحب من تجلى فيه تلك الآثار لأن ظهورها وبقاءها به وببقائه (ويصلون عليكم وتصلون عليهم) والمراد بالصلاة هنا الدعاء قال الأبي ويدل عليه قوله في قسيمه (وتلعنونهم ويلعنونكم) أي يدعون لكم وتدعون لهم وقيل المراد يصلون عليكم إذا متم وتصلون عليهم إذا ماتوا ورجحه الطيبي فالمعنى تحبونهم ويحبونكم ما دمتم أحياء فإذا جاء الموت ترحم بعضكم على بعض وذكر بعضكم بعضًا بخير اهـ (وشرار أئمتكم) أي خبائثهم وأرذالهم هم (الذين تبغضونهم) بضم التاء من أبغض الرباعي أي تمقتونهم وتسخطونهم لظلمهم وجورهم وفسقهم (ويبغضونكم) أي يمقتونكم لعدم سمعكم وطاعتكم إياهم في المعاصي (وتلعنونهم) لظلمهم وفسقهم (ويلعنونكم) أي لمخالفتكم إياهم في المعاصي قال في النهاية وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله ومن الخلق السب والدعاء أي يسبونكم لعدم السمع والطاعة في المعاصي وتسبونهم لجورهم وفسقهم (قيل) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله أ) نتركهم على حالهم (فلا ننابذهم) ونفارقهم مخالفةً وعداوةً لهم ونجاهرهم ونتصدى لهم إلى محاربتهم بالسيف والمعنى أفلا نجاهرهم بالحرب ونكاشفهم إياها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تنابذوهم ولا تجاهروهم بالسيف (ما أقاموا فيكم الصلاة) أي مدة إقامتهم الصلاة فيما بينكم لأنها علامة اجتماع الكلمة وفي المرقاة قال الطيبي فيه إشعار بتعظيم أمر الصلاة وإن تركها موجب لنزع اليد عن الطاعة أي لنقض العهد وفسخ البيعة (وإذا رأيتم من ولاتكم) وأئمتكم (شيئًا تكرهونه) شرعًا كالزنا وشرب الخمر أو لحظوظ أنفسكم كالجور وعدم التسوية بينكم (فاكرهوا عمله) أي عمل ذلك الشيء أي عملهم لذلك الشيء (ولا تنزعوا يدًا) لكم (من طاعة) لهم ما لم يأمركم بمعصية وفيه النهي عن الخروج على الأمراء الفاسقين. قال القرطبي قوله (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم) أي تدعون لهم في المعونة على القيام بالحق والعدل ويدعون لكم في الهداية

4671 - (00) (00) حدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. أَخْبَرَنِي مَوْلَى بَنِي فَزَارَةَ (وَهُوَ رُزَيقُ بْنُ حَيَّانَ)؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُسْلِمَ بْنَ قَرَظَةَ، ابْنَ عَمِّ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والإرشاد وإعانتكم على الخير وكل فريق يحب الآخر لما بينهم من المواصلة والتراحم والشفقة والقيام بالحقوق كما كان ذلك في زمن الخلفاء الأربعة وفي زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم ونقيض ذلك في الشرار لترك كل فريق منهما القيام بما يجب عليهم من الحقوق للآخر ولاتباع الأهواء والجور والبخل والإساءة فينشأ عن ذلك التباغض والتلاعن وسائر المفاسد وقوله (أفلا ننابذهم بالسيف) أي أفلا ننبذ إليهم عهدهم أي ننقضه كما قال تعالى: {فَانْبِذْ إِلَيهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [لأنفال / 58] ونخرج إليهم بالسيف فيكون المجرور متعلقًا بمحذوف دل عليه المعنى وحذف إيجازًا واختصارًا (وقوله لا ما أقاموا فيكم الصلاة) ظاهره ما حافظوا على الصلوات المعهودة بحدودها وأحكامها وداموا على ذلك وأظهروه وقيل معناه ما داموا على كلمة الإسلام كما قد عبر عن المصلين بالمسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم: (نهيت عن قتل المصلين) أي المسلمين ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [1/ 296]، والأول أظهر وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه أحمد [6/ 24]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه فقال. 4671 - (00) (00) (حدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي ثقة، من (10) (حدثنا الوليد يعني ابن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي ثقة، من (8) (حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي أبو عتبة الدمشقي ثقة، من (7) (أخبرني مولى بني فزارة وهو زريق بن حيان) الدمشقي أبو المقدام الفزاري مولاهم صدوق من (6) وهو بتقديم الراء على الزاي مصغرًا وهو الأكثر وهو في الموطأ بتقديم الزاي على الراء قال أبو عبيد أهل العراق يقدمون الراء المهملة وأهل المدينة يقدمون الزاي المعجمة اهـ من الأبي (أنه سمع مسلم بن قرظة) بن أبي مالك الأشجعي الشامي مقبول من (3) (ابن عم عوف بن مالك) بن أبي مالك (الأشجعي) حالة كون مسلم بن قرظة (يقول: سمعت عوف بن مالك) بن أبي مالك طارق بن أشيم بوزن أكرم بن مسعود

الأَشْجَعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ. وَتُصَلُّونَ عَلَيهِمْ ويُصَلُّونَ عَلَيكُمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ. وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ" قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذلِكَ؟ قَال: "لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ. لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ. أَلا مَنْ وَلِيَ عَلَيهِ وَالٍ، فَرَآهُ يِأْتِي شَيئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ". قَال ابْنُ جَابِرٍ: فَقُلْتُ (يَعْنِي لِرُزَيقٍ)، حِينَ حَدَّثَنِي بِهذَا الْحَدِيثِ: آللهِ، يَا أَبَا الْمِقدَامِ! لَحَدَّثَكَ بِهذَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الأشجعي) حالة كون عوف (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يزيد ليزيد بن يزيد بن جابر في رواية هذا الحديث عن رزيق بن حيان (خيار أئمتكم) وأفاضلهم (الذين تحبونهم) لدينهم وعدالتهم (ويحبونكم) لسمعكم وطاعتكم إياهم (وتصلون عليهم) صلاة الجنازة (ويصلونـ) ــها (عليكم) أي يواصلونكم وتواصلونهم أحياء وأمواتًا (وشرار أئمتكم) جمع شرير وهو صاحب الشر والضرر هم (الذين تبغضونهم) لنفاقهم (ويبغضونكم) لعدم السمع والطاعة في المعاصي (وتلعنونهم ويلعنونكم قالوا: قلنا) هكذا هو في بعض النسخ والأولى حذف قلنا كما هو ساقط من بعضها (يا رسول الله أفلا ننابذهم) أي أفلا ننابذ عهدهم وننقضه (عند ذلك) أي عند ظهور شرار الأئمة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تنابذوهم (ما أقاموا فيكم الصلاة) المفروضة وكرره بقوله هنا (لا ما أقاموا الصلاة) للتأكيد (ألا) أي انتبهوا واسمعوا ما أقول لكم (من ولي عليه وال فرآه يأتي) ويفعل (شيئًا من معصية الله) تعالى (فليكره) بقلبه (ما يأتي) ويفعل ذلك الوالي (من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة) له أي لا ينقض عهده ولا يفسخ بيعته بمجرد ارتكاب المعصية ما لم يظهر كفرًا (قال) عبد الرحمن بن يزيد (بن جابر) بالسند السابق (فقلت: يعني) بن جابر بقوله فقلت: قلت (لرزيق) وقائل هذه العناية الوليد بن مسلم (حين حدثني) رزيق (بهذا الحديث آلله) أصله أو الله أبدلوا عن واو القسم همزة وأدخلوا عليها همزة الاستفهام فقلبوا الثانية مدة فقالوا: آالله نشده بالله توثيقًا لما رواه من الحديث وقوله (يا أبا المقدام) كنية رزيق أي أنشدك بالله يا أبا المقدام (لحدثك بهذا) الحديث

أَوْ سَمِعْتَ هذَا، مِنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَال: إِي. وَاللهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، لَسَمِعْتُهُ مِنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4672 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثنَا ابْنُ جَابِرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: رُزيقٌ مَوْلَى بَنِي فَزَارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم بن قرظة (أو) قال ابن جابر فقلت لرزيق: (سمعت هذا) الحديث (من مسلم بن قرظة يقول: سمعت عوفًا) بن مالك (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) والشك في قوله أوسمعت من الوليد بن مسلم فيما قال ابن جابر لرزيق (قال) ابن جابر: (فجثا) رزيق أي جلس (على ركبتيه) حين سألته عن سماعه عوف بن مالك اهتمامًا منه برواية الحديث وإظهارًا لما في قلبه من خطورة رواية الحديث وعظمته وقد جاء في أكثر النسخ مرسومًا بالياء جثى من باب رمى وفي بعضها مرسومًا بالألف جثا من باب دعا وكلاهما صحيحان لأنه يقال جثا على ركبتيه يجثو وجثى يجثي جثوًا وجثيًا فيهما وأجثاه غيره وتجاثوا على الركب وهم جُثىً وجِثىً أي جلس عليهما ورُوي جذا على ركبتيه بالذال المعجمة وهو هنا بمعنى جثا ويأتي بمعنى ثبت قائمًا وقيل هو الجلوس على أطراف أصابع الرجلين ناصب القدمين كما في القاموس ويقال إن الجاذي أشد استيفازًا للقيام من الجاثي وقال أبو عمرو: هما لغتان كذا في شرح النووي مع زيادة (واستقبل) رزيق أي توجه (القبلة فقال إي والله) أي نعم والله (الذي لا إله إلا هو لسمعته من مسلم بن قرظة يقول: سمعت عوف بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عوف فقال. 4672 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار من الأوس أبو موسى المدني ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي (حدثنا) عبد الرحمن (بن جابر بهذا الإسناد) يعني عن مسلم بن قرظة عن عوف بن مالك غرضه بيان متابعة إسحاق بن موسى لداود بن رشيد (و) لكن (قال) إسحاق بن موسى لفظة (رزيق مولى بني فزارة) بدل قول داود أخبرني مولى بني فزارة بزيادة زريق.

قَال مُسْلِمٌ: وَرَوَاهُ مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 4673 - (1808) (152) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثُ بْنُ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد راوي المؤلف وتلميذه (قال) لنا (مسلم) بن الحجاج تعليقًا (ورواه) أي وروى لنا هذا الحديث المذكور (معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا الحضرمي الحمصي قال في التقريب صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن ربيعة بن يزيد) الدمشقي أبي شعيب الأيادي القصير فقيه أهل دمشق مع مكحول ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن مسلم بن قرظة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق ربيعة (بمثله) أي بمثل حديث رزيق بن حيان غرضه بيان متابعة ربيعة بن يزيد لرزيق بن حيان وهذا السند من الأسانيد المعلقة ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال. 4673 - (1808) (152) (حدثنا قتيبة بن سعيدحدثنا ليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر: (كنا معاشر الصحابة يوم الحديبية) وهي على عشرة أميال من مكة وفي المفهم الحديبية ماء قريب إلى مكة نزله النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد العمرة فصدته قريش فوجه إليهم عثمان بن عفان ليخبرهم بأنه جاء معتمرًا ولم يجئ لقتال فأبطأ عليه فأرجف بأنه قتل فبايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هذه البيعة المسماة بيعة الرضوان اهـ أي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية (ألفًا وأربعمائة) وفي رواية ألفًا وخمسمائة وفي رواية ألفًا وثلاثمائة وقد ذكر البخاري ومسلم هذه الروايات الثلاث في صحيحيهما وأكثر روايتهما ألف وأربعمائة ويمكن الجمع بينها بأن يكون الواقع أربعمائة وكسرًا فمن قال وأربعمائة لم يعتبر الكسر ومن قال خمسمائة اعتبره ومن قال وثلاثمائة ترك بعضها لأنه لم يتحقق العدد أو غير ذلك اهـ نووي قال الأبي والأولى الجمع بين هذه الطرق

فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَهِيَ سَمُرَةٌ. وَقَال: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ. وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المختلفة العدد أنه باختلاف تقدير المقدر فمرة زاد ومرة نقص اهـ قال القرطبي وإنما اختلف قول جابر في العدد لأن ذلك العدد كان عنده ظنًّا وتخمينًا لا تحقيقًا إن لم يكن غلطًا من بعض الرواة اهـ مفهم (فبايعناه) صلى الله عليه وسلم (وعمر) بن الخطاب رضي الله عنه (آخذ بيده) المشرفة صلى الله عليه وسلم لئلا تزاحم عليها أيدي الناس وقوله (تحت الشجرة) متعلق ببايعناه (وهي سمرة) واحدة السمر على وزن رجل وهو من تمام كلام جابر رضي الله عنه وفي تاج العروس السمرة بفتح السين وضم الميم شجرة معروفة صغيرة الورق قصيرة الشوك ولها ثمرة صفراء يأكلها الناس وليس في العضاه شيء أجود خشبًا منها ينقل إلى القرى فتسقف به البيوت اهـ منه. (وقال) جابر رضي الله عنه: (بايعناه) صلى الله عليه وسلم (على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت) وفي رواية سلمة أنهم بايعوه يومئذٍ على الموت وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم وفي رواية مجاشع بن مسعود بايعناه على الهجرة وفي أخرى بايعناه على الإسلام والجهاد وفي حديث ابن عمر وعبادة بايعناه على السمع والطاعة. وأن لا ننازع الأمر أهله وفي رواية ابن عمر في غير صحيح مسلم البيعة على الصبر قال العلماء هذه الرواية الأخيرة تجمع المعاني كلها وتبين مقصود كل الروايات فالبيعة على أن لا نفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل وهو معنى البيعة على الموت أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت لا أن الموت مقصود في نفسه وكذا البيعة على الجهاد أي وعلى الصبر فيه والله أعلم. قال الأبي: (قلت): جعل البيعة على الموت ترجع إلى البيعة على أن لا نفر يلزم منه التنافي في الطريق لأنه يصير الكلام بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على أن لا نفر ويجاب عنه بأنا نمنع أنها على الموت ترجع إلى ذلك بل التي لا نفر أعم لأن عدم الفرار يحصل معه إحدى ثلاث التي هي الظفر بالعدو أو القتل أو الأسر والبيعة على الموت إنما يحصل معها الظفر أو الموت اهـ منه. وجمع الحافظ في الفتح [6/ 118 و 7/ 450]، بينهما بأن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت والذي يثبت إما

4674 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: لَمْ نُبَايِعْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْتِ. إِنَّمَا بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يغلب وإما أن يؤسر والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تؤول إليه وجمع الترمذي بينهما بأن بعضًا بايع على الموت وبعضًا بايع على أن لا يفر والظاهر ما قاله الحافظ لأن عدة من الصحابة والتابعين نفوا البيعة على الموت وقد ثبت أن ابن عمر رضي الله عنه قد أنكر على عبد الله بن مطيع وابن حنظلة على أنهما يأخذان البيعة على الموت في وقعة الحرة كما مر في باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 396]، والبخاري [4153 و 4154]، والترمذي في السيرة [1639]، والنسائي [7/ 140 و 141]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4674 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن عيينة ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزبير عن جابر) وهذان السندان من رباعياته غرضه بيان متابعة ابن عيينة لليث بن سعد (قال) جابر: (لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت إنما بايعناه على أن لا نفر) وقد مر آنفًا بيان كيفية الجمع بين الروايات المختلفة هنا. (تتمة) وسبب هذه البيعة أنه صلى الله عليه وسلم وصل مكة ليعتمر فصده المشركون ولما نزل الحديبية وظهر صد المشركين أرسل إليهم خداشًا الخزاعي يعرفهم أنه لا يريد الحرب وإنما جاء معتمرًا فعقروا به الجمل وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش والأحابيش اسم لأخلاط العشائر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأراد بعث عمر فقال: يا رسول الله قد علمت فظاظتي على قريش وهم يبغضونني وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني ولكن ابعث عثمان فلقيه أبان بن عثمان بن العاص فنزل له عن دابته وحمله عليها وأجاره حتى لقي قريشًا فأخبرهم فقالوا يا عثمان إن شئت أن تطوف فطف وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه فقال ما كنت لأطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرخ صارخ في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتل عثمان فحمي

4675 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَن ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ. سَمِعَ جَابِرًا يُسْأَلُ: كَمْ كَانُوا يَوْمَ الْحُدَيبِيَةِ؟ قَال: كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ. فَبَايَعْنَاهُ. وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَهِيَ سَمُرَةٌ. فَبَايَعْنَاهُ. غَيرَ جُدِّ بْنِ قَيسٍ الأَنْصَارِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فقالوا إن يكن حقًّا فلا نبرح حتى نلقى القوم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة ونادى مناديه أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فما تخلف عن البيعة إلا الجد بن قيس الأنصاري المنافق كما ذكر في الحديث وحينئذٍ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده وقال هذه يد عثمان وهي خير من يد عثمان ثم جاء عثمان بعد ذلك ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4675 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا حجاج) بن محمد الأعور البغدادي المصيصي ثقة، من (9) (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي ثقة، من (6) (أخبرني أبو الزبير) الأسدي المكي (سمع جابرًا يسأل) بالبناء للمجهول (كم) من عدد (كانوا) أي كانت الصحابة (يوم الحديبية) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة (قال) جابر: (كنا) معاشر أهل الحديبية (أربع عشرة مائة فبايعناه) صلى الله عليه وسلم (و) الحال أن (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (آخذ بيده) صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة التي بالحديبية (وهي سمرة) اسم لشجر من أشجار البوادي (فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري) بضم الجيم وتشديد الدال ذكر الأبي أنه كان من المنافقين وذكر أصحاب السير أنه كان سيد بني سلمة فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤدده وسود عليهم بشر بن البراء بن المعرور ويمكن أن يكون ذلك هو السبب في حقده على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الواقدي في مغازيه [2/ 59] عن أبي قتادة لما نزلنا على الحديبية والماء قليل سمعت الجد بن قيس يقول ما كان خروجنا إلى هؤلاء القوم بشيء نموت من العطش عن آخرنا فقلت لا تقل هذا يا أبا عبد الله فلم خرجت قال: خرجت مع قومي قلت: فلم تخرج معتمرًا قال لا والله ما أحرمت قال أبو قتادة: ولا نويت العمرة قال لا ودعا النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم فأمره بوضع سهم في قعر البئر فجاشت بالماء وتوضأ رسول الله صلى الله

اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطنِ بَعِيرِهِ. 4676 - (00) (00) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدِ الأَعْوَرُ، مَوْلَى سُلَيمَانَ بْنِ مُجَالِدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يُسْأَلُ: هَلْ بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيفَةِ؟ فَقَال: لَا. وَلكِنْ صَلَّى بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم في الدلو ومج فاه فيه ثم رده في البئر فجاشت البئر بالرواء أي فبايع الناس كلهم مع رسول الله غير جد بن قيس فلم يبايع معه صلى الله عليه وسلم لأنه (اختبأ) واختفى من الناس (تحت بطن بعيره) وذكر ابن هشام في سيرته فكان جابر يقول: والله لكأني أنظر إليه لاصقًا بإبط ناقته قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس وكان جد هذا ممن يظن به النفاق وفيه نزل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم في غزوة تبوك: اغزوا الروم تنالوا بنات الأصفر فقال جد بن قيس قد علمت الأنصار أني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى افتتن فنزلت وقيل إنه تاب بعد ذلك وحسنت توبته اهـ ذهني ومات الجد في خلافة عثمان فلما مرض ونزل به الموت لزم أبو قتادة بيته فلم يخرج حتى مات ودفن فقيل له في ذلك والله ما كنت لأصلي عليه وقد سمعته يقول يوم الحديبية كذا وكذا وقال في غزوة تبوك وكذا واستحييت من قومي يرونني خارجًا ولا أشهده ذكره الواقدي في مغازيه ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4676 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حجاج بن محمد الأعور مولى سليمان بن مجالد) البغدادي المصيصي ثقة، من (9) (قال) الحجاج: (قال ابن جريج): حدثني غير أبي الزبير (وأخبرني) أيضًا (أبو الزبير أنه سمع جابرًا) بن عبد الله (يسأل هل بايع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فقال) جابر: (لا) أي ما بايع فيها وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة إبراهيم بن دينار لمحمد بن حاتم (ولكن صلى بها) أي بذي الحليفة عند الشجرة سنة الإحرام (ولم يبايع عند شجرة) ذي الحليفة أو عند أي شجرة من الأشجار إلا الشجرة أي إلا عند الشجرة (التي بالحديبية) وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى (قال ابن جريج) أيضًا (وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن

وَلَمْ يُبَايِعْ عِنْدَ شَجَرَةٍ، إِلَّا الشَّجَرَةَ الَّتِي بِالحُدَيبِيَةِ. قَال ابْنُ جُرَيجٍ: وَأَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِئْرِ الْحُدَيبِيَةِ. 4677 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ وَسُويدُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ (وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ) (قَال سَعِيدٌ وَإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ. قَال: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. فَقَال لنَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيرُ أَهْلِ الأَرْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله يقول: دعا النبي صلى الله عليه وسلم على) ماء (بئر الحديبية) بالبركة فجاشت فيه إشارة إلى ما ظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم من معجزة فوران الماء في بئر الحديبية بعدما أصبحت يابسة وسيأتي تفصيلها قريبًا إن شاء الله تعالى ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4677 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشجعي) نسبة إلى أحد أجداده أبو عثمان الكوفي ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول من (10) روى عنه في (7) أبواب (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قال سعيد) بن عمرو وإسحاق بن إبراهيم أخبرنا وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن جابر) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير المكي (قال) جابر: (كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض) قال الحافظ في الفتح [7/ 443] وهذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال لما كان بالحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا توقدوا نارًا بليل فلما كان بعد ذلك قال: أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ومدكم وقال الأبي: إن كانوا خير أهلها لأجل الإيمان فمن لم يحضرها ممن كان آمن يشاركهم في خير أهل الأرض وإن كانوا خير أهلها لأجل هذه البيعة فلا

وَقَال جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ لأَرَيتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ. 4678 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ. قَال: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَال: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا. كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يشاركهم في ذلك من لم يحضرها والله سبحانه وتعالى أعلم (وقال جابر: لو كنت أبصر) بضم الهمزة وكسر الصاد من الإبصار أي لو لم أكن فقدت بصري وكان. رضي الله عنه قد عمي في آخر عمره (لأريتكم) أي لأبصرتكم (موضع) تلك (الشجرة) ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4678 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي الجملي أبي عبد الله العمي الكوفي ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (قال) سالم: (سألت جابر بن عبد الله عن أصحاب الشجرة) أي عن عدتهم وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سالم بن أبي الجعد لأبي الزبير وعمرو بن دينار في رواية هذا الحديث عن جابر (فقال) لي جابر: (لو كنا مائة ألف) رجل (لكفانا) ذلك الماء ولكن (كنا ألفًا وخمسمائة) هذا مختصر من الحديث الصحيح في بئر الحديبية ومعناه أن الصحابة لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرها إنما تنز مثل الشراك فبصق النبي صلى الله عليه وسلم فيها ودعا فيها بالبركة فجاشت فهي إحدى المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكأن السائل في هذا الحديث علم أصل الحديث والمعجزة في تكثير الماء وغير ذلك مما جرى فيها ولم يعلم عددهم فقال له جابر: كنا ألفًا وخمسمائة ولو كنا مائة ألف أو أكثر لكفانا. وأخرج البخاري قصة فوران الماء في حديبية معجزةً له صلى الله عليه وسلم مفصلة في [4152] من طريق حصين عن سالم عن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا

4679 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثَمِ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطَّحَّانَ). كِلاهُمَا يَقُولُ: عَنْ حُصينٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا. كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ نشرب إلا ما في ركوتك قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا فقلت لجابر: كم كنتم يومئذٍ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة وظاهر هذا الحديث أن المعجزة وقعت بفوران الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن وقع في حديث البراء بن عازب عند البخاري في [4151] ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صب ماء وضوئه في البئر فكثر الماء في البئر وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع مرتين ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من بين أصابعه ويده في الركوة وتوضؤوا كلهم وشربوا أمر حينئذٍ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة عند البيهقي في دلائل النبوة أنه صلى الله عليه وسلم أمر بسهم فوضع في قعر البئر فجاشت بالماء هذا ملخص ما في فتح الباري [7/ 442]، ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4679 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم الواسطي أبو سعيد مقبول من (10) (حدثنا خالد) بن عبد الله المزني أبو الهيثم الواسطي (يعني الطحان) ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من عبد الله بن إدريس وخالد الطحان (يقول) ويروي (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي الكوفي ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة حصين بن عبد الرحمن لعمرو بن مرة (قال) جابر: (لو كنا) معاشر الحديبيين (مائة ألف لكفانا) ذلك الماء ولكنا (كنا خمس عشرة مائة) رجل ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في هذا الحديث فقال.

4680 - (00) (00) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) عَنِ الأَعْمَشِ. حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ. قَال: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَال: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. 4681 - (1809) (153) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو (يَعْنِي ابْنَ مُرَّةَ). حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَال: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلاثَمِائَةٍ. وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4680 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، من (5) (حدثني سالم بن أبي الجعد قال) سالم: (قلت لجابر) بن عبد الله رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لحصبن بن عبد الرحمن وعمرو بن مرة (كم كنتم يومئذٍ) أي يوم صدوكم بالحديبية (قال) جابر: كنا (ألفًا وأربعمائة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقال. 4681 - (1809) (153) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن عمرو يعني ابن مرة) المرادي الجملي الكوفي ثقة، من (5) (حدثني عبد الله بن أبي أو في) علقمة بن خالد الأسلمي أبو إبراهيم الكوفي الصحابي بن الصحابي شهد بيعة الرضوان رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن أبي أوفى (كان أصحاب) بيعة (الشجرة ألفًا وثلاثمائة وكانت أسلم) أي قومهم يعني قبيلته (ثمن المهاجرين). قال عبد الله بن أبي أوفى غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ست غزوات نأكل الجراد شهد الحديبية وحنينًا ونزل الكوفة سنة أربع وثمانين وكان آخر من مات بها من الصحابة قوله وكانت أسلم أي أسلم وإنما خصهم بالذكر لكونهم قبيلته وكأنه افتخر بأن

4682 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4683 - (1810) (154) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عدد قومه الذين شهدوا بيعة الرضوان كثير قوله (ثمن المهاجرين) بضم الميم وبسكونها، قال الحافظ في الفتح (7/ 444) ولم أعرف عدد من كان من المهاجرين خاصة ليعرف عدد الأسلميين إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة. (تتمة) وإيضاح للجمع بين الروايات واعلم أنك قد عرفت أنه جاء في بعض الروايات أنهم كانوا ألفًا وخمسمائة وفي بعضها ألفًا وثلاثمائة وفي أكثرها ألفًا وأربعمائة قالوا: ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن يكون الواقع ألفًا وأربعمائة وكسرًا فمن قال أربعمائة لم يعتبر الكسر ومن قال خمسمائة اعتبره ومن قال ثلاثمائة ترك بعضها لعدم تحقق العدد لديه قال محمد الذهني في تعليقه على المتن وقد مر هذا الجمع وأعدناه إيضاحًا للطالب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب الحديبية [4155]، بنفس الطريق الذي أخرجه المؤلف به ثم ذكر المتابعة فيه فقال. 4682 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي ثقة، من (9) روى في (9) أبواب (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي أوفى وساقا (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن معاذ غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنهما فقال. 4683 - (1810) (154) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا يزيد بن زريع) التيمي

عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَعْرَجِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. قَال: لَقَدْ رَأَيتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ، وَأنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِن أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَال: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ. وَلكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ. 4684 - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4685 - (1811) (155) وحدّثناه حَامِدُ بْنُ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العيشي البصري ثقة، من (5) (عن الحكم بن عبد الله بن الأعرج) البصري ثقة، من (3) (عن معقل بن يسار) المزني أبي علي البصري الصحابي المشهور من أصحاب الشجرة رضي الله عنه مات بعد الستين (60) وهذا السند من خماسياته (قال) معقل والله (لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (يوم) البيعة عند (الشجرة) التي كانت في الحديبية (والنبي صلى الله عليه وسلم) أي والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم (يبايع الناس) على أن لا يفروا عند لقاء العدو (وأنا) أي والحال أني (رافع غصنًا من أغصانها) أي من أغصان تلك الشجرة (عن رأسه) صلى الله عليه وسلم لئلا تؤذيه (ونحن) معاشر المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أربع عشرة مائة قال) معقل (لم نبايعه) صلى الله عليه وسلم (على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر) وحديث معقل هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم ذكر المتابعة فيه فقال. 4684 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث معقل بن يسار (يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (بهذا الإسناد) يعني عن الحكم بن عبد الله عن معقل بن يسار غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يونس بن عبيد لخالد الحذاء ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث جابر بحديث مسيب بن حزن رضي الله عنه فقال. 4685 - (1811) (155) (وحدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن

حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. قَال: كَانَ أَبِي مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ. قَال: فَانْطَلَقنَا فِي قَابِلٍ حَاجِّينَ. فَخَفِيَ عَلَينَا مَكَانُهَا. فَإِنْ كَانَتْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي بكرة الثقفي البكراوي أبو عبد الرحمن البصري ثقة، من (10) وفي بعض النسخ حدثناه حامد بن عمر بضمير الغيبة وهو تحريف من النساخ لأنه لا مرجع له (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة، من (7) (عن طارق) بن عبد الرحمن البجلي الكوفي روى عن سعيد بن المسيب في الجهاد وقيس بن أبي حازم وابن أبي أوفى ويروي عنه (ع) وأبو عوانة والثوري وشعبة وابن المبارك وثقه ابن معين وقال في التقريب صدوق له أوهام من الخامسة (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (قال: كان أبي) مسيب بن حزن المخزومي المدني رضي الله عنه له ولأبيه حزن صحبة (ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الشجرة) وهذا السند من خماسياته (قال) أبي مسيب: (فانطلقنا) أي ذهبنا إلى مكة في عام (مقبل) أي قادم حالة كوننا (حاجين) أي معتمرين عمرة القضاء فمررنا عليها (فخفي علينا مكانها) أي مكان تلك الشجرة وفي الرواية الآتية (فنسوها في العام المقبل) وفي رواية للبخاري (فعميت علينا) وأخبر بمثله ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري في الجهاد [2958]، قال (رجعنا في العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله) قال النووي والحكمة في خفائها لئلا يحصل للناس افتنان بها لأنها لو بقيت ظاهرة معلومة لخيف أن يفتن بها الجهال من الناس لما جرى تحتها من الخير ونزول الرضوان والسكينة فلو ظهرت لخيف تعظيم الجهال والأعراب إياها وعبادتهم لها فكان خفاؤها رحمةً من الله تعالى عليهم (فإن كانت) أي فلو كانت تلك الشجرة تبينت أي ظهرت وعلمت (لكم) أيها المسلمون (فأنتم أعلم) بما تفعلون بها من تعظيمها والتبرك بها حتى يفضي بكم ذلك إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدًا فيما هو دونها وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب الحديبية [4162 و 4165]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه فقال.

4686 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ. قَال: وَقَرَأْتُهُ عَلَى نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ. عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ الشَّجَرَةِ. قَال: فَنَسُوهَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ. 4687 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 4686 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث المسيب بن حزن (محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري مولاهم الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال) المؤلف رحمه الله تعالى (وقرأته) أي وقرأت هذا الحديث (على نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري الجهضمي ثقة ثبت من (10) حالة كونه راويًا لنا (عن أبي أحمد) المذكور قال: (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة حجة إمام من (7) (عن طارق بن عبد الرحمن) البجلي الأحمسي الكوفي (عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني (عن أبيه) مسيب بن حزن رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي عوانة (أنهم) أي أن الصحابة (كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عام) بيعة الرضوان عند (الشجرة قال) مسيب بن حزن: (فنسوها) أي فنسوا تلك الشجرة وجهلوا موضعها حين مروا عليها (من) أي في (العام المقبل) أي في العام القادم الثاني لذلك العام الذي وقعت فيه البيعة أخفاها الله سبحانه وتعالى لئلا يفتتن بها العوام من الناس ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المسيب بن حزن رضي الله تعالى عنهما فقال. 4687 - (00) (00) (وحدثني حجاج بن) يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بابن (الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة، من (11) (قالا: حدثنا شبابة) بن سوار المدائني ثقة، من (9) (حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه) المسيب بن حزن رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة قتادة لطارق بن عبد الرحمن (قال)

لَقَدْ رَأَيتُ الشَّجَرَةَ. ثُمَّ أَتَيتُهَا بَعْدُ. فَلَمْ أَعْرِفْهَا. 4689 - (1812) (156) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ، مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ. قَال: قُلْتُ لِسَلَمَةَ: عَلَى أَيِّ شَيءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيبِيَةِ؟ قَال: عَلَى الْمَوْتِ. 4690 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدَّثنَا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسيب بن حزن: والله (لقد رأيت الشجرة) في السنة الأولى وعرفتها (ثم أتيتها) أي أتيت موضعها من الحديبية (بعد) أي بعد العام الأول يعني في العام الثاني (فلم أعرفها) أي فلم أعرف تلك الشجرة أي رفع علمها عن الناس مصلحة لهم في دينهم لأنهم ربما يفتنون بعبادتها كالجاهلية ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث جابر بن عبد الله بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال. 4689 - (1812) (156) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني صدوق من (8) روى عنه في (12) بابا (عن يزيد بن أبي عبيد) الحجازي الأسلمي (مولى سلمة بن الأكوع) ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (قال) يزيد: (قلت لسلمة) بن الأكوع رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال) سلمة بايعناه (على) الصبر إلى حصول (الموت) أو الظفر بالعدو وقد مر في أول الباب عن جابر ما يعارضه مع بيان كيفية الجمع هناك وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2960]، والترمذي [1952]، والنسائي [7/ 141]، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال. 4690 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (حدثنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد الصري ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد) بن أبي عبيد الحجازي الأسلمي (عن سلمة) بن الأكوع رضي الله عنه وهذا السند أيضًا من رباعياته غرضه بيان متابعة حماد بن مسعدة لحاتم بن إسماعيل وساق حماد (بمثله) أي بمثل ما روى حاتم بن إسماعيل ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث جابر بحديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله تعالى عنهم فقال.

4691 - (1813) (157) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيدٍ. قَال: أَتَاهُ آتٍ فَقَال: هذَاكَ ابْنُ حَنْظَلَةَ يُبَايعُ النَّاسَ. فَقَال: عَلَى مَاذَا؟ قَال: عَلَى الْمَوْتِ. قَال: لَا أبَايِعُ عَلَى هذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4691 - (1813) (157) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا المخزومي) مغيرة بن سلمة أبو هشام القرشي البصري روى عنه في (6) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي الحسن المازني المدني سبط عبد الله بن زيد بن عاصم ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن عبَّاد بن تميم) بن غزية بفتح فكسر ففتح مع التشديد الأنصاري المازني المدني ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الله بن زيد) بن عاصم الأنصاري المازني أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عبَّاد بن تميم: (أتاه) أي أتى عبد الله بن زيد (آت) وجاءه إنسان ولم أر من ذكر اسم هذا الآتي (فقال) ذلك الآتي لعبد الله بن زيد (هذاك) الرجل مبتدأ عبد الله (بن حنظلة) بدل من المبتدأ أو عطف بيان أي انتبه هذا الرجل عبد الله بن حنظلة الأنصاري كان ممن خلع يزيد بن معاوية وبايع لعبد الله بن الزبير على قتال الجيش الذي بعثه يزيد يوم الحرة لقتال أهل المدينة بقيادة مسلم بن عقبة المري وكان عبد الله بن حنظلة قائد الأنصار وقد كسر جفن سيفه يومئذٍ وقاتل حتى قتل وخبر المبتدأ قوله (يبايع الناس) يعني الأنصار على قتال أهل الشام (فقال) عبد الله بن زيد للآتي الذي أخبر له خبر ابن حنظلة (على ماذا) يبايع ابن حنظلة الناس (قال) له الرجل الآتي يبايع (على الموت) أي على الصبر حتى يموتوا أو يغلبوا العدو (قال) عبد الله بن زيد: (لا أبايع على هذا) أي على الموت (أحدًا) من الناس (بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا الكلام يحتمل معنيين الأول أننا لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت فلا نبايع عليه أحدًا بعده والثاني أننا بايعناه على الموت ولكننا لا نبايع أحدًا عليه بعده فالأول يريد حديث جابر والثاني حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما والله سبحانه وتعالى أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الجهاد باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا [2959]، وفي المغازي باب غزوة الحديبية [4167].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول: حديث عوف بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثالث: حديث ابن أبي أوفى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث معقل بن يسار ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والخاص: حديث المسيب بن حزن ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسادس: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسابع: حديث عبد الله بن زيد ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

639 - (32) باب تحريم استيطان المهاجر وطنه والمبايعة على الإسلام والجهاد بعد فتح مكة وبيان معنى لا هجرة بعد الفتح وبيان كيفية مبايعة النساء

639 - (32) باب تحريم استيطان المهاجر وطنه والمبايعة على الإسلام والجهاد بعد فتح مكة وبيان معنى لا هجرة بعد الفتح وبيان كيفية مبايعة النساء 4692 - (1814) (158) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي عُبَيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَال: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ! ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 639 - (32) باب تحريم استيطان المهاجر وطنه والمبايعة على الإسلام والجهاد بعد فتح مكة وبيان معنى لا هجرة بعد الفتح وبيان كيفية مبايعة النساء 4692 - (1814) (158) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم المدني صدوق من (8) (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولاهم المدني (عن سلمة بن الأكوع) الأسلمي رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أنه) أي أن سلمة (دخل على الحجاج) بن يوسف الثقفي الأمير المشهور وكان ذلك لما ولي الحجاج إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير فسار من مكة إلى المدينة وذلك في سنة أربع وسبعين كذا في فتح الباري [13/ 41] (فقال) له الحجاج: (يا بن الأكوع ارتددت) ورجعت (على عقببيك) تثنية عقب والعقب مؤخر القدم والمعنى رجعت على طريق عقبيك وهي الطريق التي خلفه يريد رجوعه إلى حالته الأولى فكأنه إذا فعل ذلك قد رجع إلى ورائه قال ابن الأثير في النهاية كان من رجع بعد هجرته إلى موضعه من غير عذر يعذرونه كالمرتد وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما عد الكبائر فذكر جملتها (والمرتد بعد هجرته أعرابيًّا) كما أخرجه البخاري في الحدود وأخرج النسائي حديث ابن مسعود مرفوعًا (لعن الله آكل الربا وموكله) الحديث (والمرتد بعد هجرته أعرابيًّا) وقال القاضي عياض: أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابيًّا من الكبائر ولهذا أشار الحجاج إلى أن أعلمه سلمة أن خروجه إلى البادية إنما هو بإذن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولعله رجع إلى غير وطنه أو لأن الغرض في ملازمة المهاجر أرضه التي هاجر إليها وفرض ذلك عليه إنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته أو ليكون معه أو لأن ذلك إنما كان قبل فتح مكة فلما كان الفتح وأظهر الله تعالى الإسلام على الدين كله وأذل الكفر وأعز المسلمين سقط

تَعَرَّبْتَ؟ قَال: لَا. وَلكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِي فِي الْبَدْو ـــــــــــــــــــــــــــــ فرض الهجرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح وقال: مضت الهجرة لأهلها أي الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم قبل فتح مكة لمواساة النبي صلى الله عليه وسلم وموازرته ونصرة دينه وضبط شريعته اهـ ومعنى (تعربت) أي استوطنت البادية وصرت أعرابيًّا بدويًا بعد هجرتك (قال) سلمة للحجاج: (لا) أي لم أسكن البادية رجوعًا عن هجرتي (ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو) أي في الخروج إلى البادية وسكونها لا استيطانها. وقد أخرج الإسماعيلي برواية حماد بن سلمة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البداة فأذن له وزاد البخاري في حديث الباب عن يزيد بن أبي عبيد قال لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة ولدت له أولادًا فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال نزل المدينة فاعترض عليه الحجاج واتهمه بالرجوع عن هجرته ويقال إنه أراد قتله فبين الجهة التي يريد أن يجعله مستحقًا للقتل بها وكان ذلك من جفاء الحجاج حيث خاطب هذا الصحابي الجليل بهذا الخطاب القبيح من قبل أن يستكشف عن عذره. وقد وقع لسلمة في ذلك قصة أخرى مع غير الحجاج أخرجها أحمد عن إياس بن سلمة قال: وقدم سلمة المدينة فلقيه بريدة بن الخصيب فقال ارتددت عن هجرتك فقال معاذ الله إني في إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: أبدوا يا أسلم يعني القبيلة المشهورة التي منها سلمة وبريدة قالوا: إنا نخاف أن يقدح ذلك في هجرتنا قال أنتم مهاجرون حيث كنتم وله شاهد من رواية عمرو بن عبد الرحمن بن جرهد قال: سمعت رجلًا يقول لجابر: من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع فقال رجل أما سلمة فقد ارتد عن هجرته فقال: لا تقل ذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأسلم: ابدوا قال إنا نخاف أن نرتد بعد هجرتنا قال أنتم مهاجرون حيث كنتم وسند كل واحد منهما حسن كما في فتح الباري. ثم إن سلمة بن الأكوع كانت له أعذار متعددة في سكونه البادية الأول ما ذكره هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له ولقبيلته والثاني أنه إنما سكن البادية فرارًا من الفتنة

4693 - (1815) (159) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ. حَدَّثَنِي مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ. قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. فَقَال: "إِنَّ الْهِجرَةَ قَدْ مَضَتْ لأَهْلِهَا. وَلكِنْ عَلَى الإِسْلامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كما تقدم وقد أخرج الطبراني من حديث جابر بن سمرة رفعه ما ذكره النووي عن القاضي وغيره أن وجوب ملازمة أرض الهجرة إنما كان مخصوصًا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته فأما بعده فلا بأس بالقيام في غير أرض الهجرة والله سبحانه وتعالى أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [7087]، والنسائي في البيعة [4186]، ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث مجاشع فقال. 4693 - (1815) (159) (حدثنا محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا (أبو جعفر) الرازي ثم البغدادي البزاز صاحب السنن ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الأسدي الكوفي صدوق من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن أبي عثمان النهدي) عبد الرحمن بن ملٍّ بن عمرو الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (11) بابا (حدثني مجاشع بن مسعود) بن ثعلبة (السلمي) الصحابي الجليل له في البخاري ومسلم فرد حديث في الجهاد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (خ م د ق) وأبو عثمان النهدي وعبد الملك بن عميرة وكليب بن شهاب وغيرهم قتل يوم الجمل مع علي سنة ست وثلاثين (36) وليس في الرواة من اسمه مجاشع إلا هذا الصحابي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) مجاشع: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) لـ (ــأبايعه على الهجرة فقال) لي: (إن الهجرة) الممدوحة الفاضلة التي تثبت لأصحابها المزية (قد مضت) وحصلت (لأهلها) أي لمن وفق لها قبل الفتح (ولكن) أبايعك (على الإسلام والجهاد والخير) أي على أن تفعل هذه الأمور قال القاضي عياض أهلها هم الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم قبل الفتح لمؤازرته صلى الله عليه وسلم ونصرته وضبط شريعته ولم يختلف في وجوب الهجرة قبل الفتح على أهل مكة وأما غيرهم فقيل إنها واجبة عليهم وحكى أبو عبيد في كتاب الأموال أنها ليست بواجبة للحديث الآتي ولقوله للأعرابي الذي سأله عن شأن الهجرة إن شأن الهجرة لشديد

4694 - (00) (00) وحدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. قَال: أَخْبَرَنِي مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ. قَال: جِئْتُ بِأَخِي، أَبِي مَعْبَدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْفَتْحِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَايِعْهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. قَال: "قَدْ مَضَتِ الْهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا" قُلْتُ: فَبِأَيِّ شيءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَال: "عَلَى الإِسْلامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيرِ". قَال أَبُو عُثْمَانَ: فَلَقِيتُ أَبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وحضه على أن يلزم إبله وأيضًا فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر الوفود عليه قبل الفتح بأن يهاجروا وقيل إنها واجبة على من أسلم دون أهل بلده لئلا يبقى في طوع أحكام الشرك وخوف أن يفتن في دينه كذا في شرح الأبي والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم أبي أن يبايعه على الهجرة لأن وجوب الهجرة قد انقطع بعد فتح مكة ولكن عرض عليه أن يبايعه على الإسلام والجهاد والخير وفيه مشروعية المبايعة على الخير والأعمال الحسنة وترك المعاصي وتقوى الله في السر والعلن ومعنى الحديث ولكن بايعني على ملازمة الإسلام والجهاد وفعل الخير دائمًا أبدًا كذا في المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 438]، والبخاري في مواضع كثيرة [4305 و 4306]، ثم ذكر المؤلف التابعة في حديث مجاشع رضي الله عنه فقال. 4694 - (00) (00) (وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني صدوق من (10) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي قاضي الموصل ثقة، من (8) (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري عن أبي عثمان النهدي الكوفي (قال) أبو عثمان: (أخبرني مجاشع بن مسعود السلمي) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لإسماعيل بن زكرياء (قال) مجاشع: (جئت بأخي أبي معبد) بدل من أخي أو عطف بيان وأبو معبد كنية لأخي مجاشع واسمه مجالد كذا في فتح الباري (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح) أي بعد فتح مكة (فقلت يا رسول الله بايعه على الهجرة) فـ (ــقال) لي: (قد مضت الهجرة بأهلها) الموفقين لها قبل الفتح قال مجاشع: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله (فبأي شيء) أي فعلى أي شيء (تبايعه) أي تبايع أخي أبا معبد (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبايعه (على الإسلام والجهاد والخير قال أبو عثمان) النهدي بالسند السابق (فلقيت) أي رأيت (أبا

مَعْبَدٍ فَأَخبَرْتُهُ بِقَوْلِ مُجَاشِعٍ، فَقَال: صَدَقَ. 4695 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: فَلَقِيتُ أَخَاهُ. فَقَال: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. وَلَمْ يَذْكُرْ: أَبَا مَعْبَدٍ. 4696 - (1816) (150) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ "لَا هِجرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معبد) أخا مجاشع (فأخبرته بقول مجاشع) وحديثه (فقال) أبو معبد: (صدق) مجاشع فيما أخبرك من قصتي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث مجاشع رضي الله عنه فقال. 4695 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (عن عاصم) الأحول بهذا الإسناد يعني عن أبي عثمان النهدي عن مجاشع (قال) أبو عثمان: (فلقيت أخاه) أي أخا مجاشع (فقال) أخوه: (صدق مجاشع ولم يذكر) محمد بن فضيل لفظة (أبا معبد) بل قال بدله لفظة أخاه وهذا بيان لمحل الاختلاف بين الروايتين ثم استشهد المؤلف لحديث مجاشع بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4696 - (1816) (150) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (قالا: أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثمان الكوفي ثقة، من (5) (عن مجاهد) بن جبر بفتح فسكون المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي المقرئ المفسر ثقة، من (3) (عن طاوس) بن كيسان الحميري مولاهم أبي عبد الرحمن اليماني ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن فيه رواية تابعي عن تابعي (قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة) عطف بيان لما قبله (لا هجرة) قال الحافظ والحكمة في وجوب الهجرة قبل الفتح على من أسلم ليسلم من أذى ذويه فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وهذه الهجرة باقية في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها وقال في موضع آخر

وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ [6/ 19] لا هجرة بعد الفتح أي فتح مكة أو المراد ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها فلا تجب الهجرة من بعد أن فتحه المسلمون أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين ثلاثة الأول قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فالهجرة منها واجبة والثاني قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين بها ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم الثالث عاجز لعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج أجر. وقال البغوي في شرح السنة [10/ 372] إن الهجرة كانت مندوبة في أول الإسلام غير مفروضة فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمروا بالهجرة والانتقال إلى حضرته وقطع الله الولاية بين من هاجر من المسلمين وبين من لم يهاجر فلما فتحت مكة عاد أمر الهجرة منها إلى الندب والاستحباب اهـ فالحاصل أن النفي في حديث الباب ليس نفيًا لمشروعية الهجرة بعد فتح مكة ولا لوجوبها على من لم يقدر على إظهار دينه في بلد الكفار ولكنه نفي لفريضتها على أهل مكة فإن الهجرة قبل الفتح كانت علامة لإيمانهم ومدارًا لقبوله وإلى ذلك وقع الإشارة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} أما مطلق الهجرة لأسباب مشروعية فباقية إلى يوم القيامة وذلك لما أخرجه أبو داود في الجهاد [2479]، وأحمد [4/ 99]، عن معاوية مرفوعًا لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وله شاهد جيد في مجمع الزوائد [5/ 250] معزيًا إلى أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو. (ولكن جهاد ونية) باقيان أي نية في الجهاد أو في فعل الخيرات وهذا يدل على أن استمرار حكم الجهاد إلى يوم القيامة وأنه لم ينسخ لكنه يجب على الكفاية وإنما يتعين إذا داهم العدو بلدًا من بلاد المسلمين فيتعين على كل من تمكن من نصرتهم اهـ مفهم قال النووي معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة وقال الطيبي هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك حكاه

وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". 4697 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْن رَافِعٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ. حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ (يَعْنِي ابْنَ مُهَلْهِلٍ) ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائيلَ. كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4698 - (1817) (151) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ في الفتح [6/ 39] (وإذا استفرتم) بالبناء للمجهول أي طلب منكم الخروج إلى الجهاد (فانفروا) أي فاخرجوا من وطنكم للجهاد أي إذا طلب منكم الإمام النفير وهو الخروج إلى الجهاد فاخرجوا أي فيتعين الخروج على من استنفره الإمام لنص هذا الحديث على ذلك وهو أمر مجمع عليه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 226]، والبخاري [1834]، وأبو داود [2480]، والترمذي [1590]، والنسائي [7/ 146]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4697 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري (و) محمد (بن رافع) القشيري (عن يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي ثقة، من (9) (حدثنا مفضل بعني ابن مهلهل) السدي الكوفي ثقة، من (7) (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة، من (9) (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبي يوسف الكوفي ثقة، من (7) (كلهم) أي كل من سفيان ومفضل بن مهلهل وإسرائيل رووا (عن منصور بهذا الإسناد) يعني عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس (مثله) أي مثل ما روى جرير عن منصور ثم استشهد ثانيًا لحديث مجاشع بحديث عائشة فقال. 4698 - (1817) (151) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت) الكوفي الأسدي مولاهم واسم أبي ثابت قيس وروى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في الجهاد وسعيد بن جبير وطاوس ويروي عنه (م) وعبد الله بن نمير ووكيع وأبو أحمد الزبيري وثقه ابن معين وابن

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي حُسَينٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْهِجْرَةِ؟ فَقَال: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". 4699 - (1818) (152) وحدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ. حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نمير وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة، من (6) السادسة (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين) بن الحارث بن عامر بن نوفل القرشي النوفلي المكي ثقة، من (5) (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبي محمد اليماني نزيل مكة ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأن (الهجرة) هل هي واجبة أم لا ولم أر من ذكر اسم هذا السائل (فقال لا هجرة) مطلوبة (بعد الفتح) أي بعد فتح مكة (ولكن جهاد) في سبيل الله (ونية) صالحة باقيان إلى يوم القيامة (وإذا استنفرتم) أي طلبتم بالخروج إلى الجهاد (فانفروا) أي فاخرجوا وجوبًا والمعنى إن تحصيل الخير الذي سببه الهجرة قد انقطع بفتح مكة وفاز به من وفق له قبل الفتح ولكن بقي الخير الذي سببه الجهاد في سبيل الله والنية الصالحة فعليكم أن تحصلوه بهما وإذا طلب الإمام منكم الخروج إلى الجهاد فاخرجوا ثم قيل: المراد بالهجرة المنفية هنا الهجرة من مكة إلى المدينة لأنها صارت بعد الفتح دار إسلام وقيل الهجرة التي ثبتت لأصحابها المزية الظاهرة التي لا يشاركهم فيها غيرهم أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فوجوبها باق إلى قيام الساعة اهـ ذهني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع في الجهاد [3080]، وفي فضائل الصحابة [3900]، وفي المغازي [4312]، ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث مجاشع بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4699 - (1818) (152) (وحدثنا أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي عالمها ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي) الدمشقي ثقة، من (7) (حدثني ابن شهاب الزهري حدثني عطاء بن يزيد

اللَّيثِيُّ؛ أَنّهُ حَدَّثَهُمْ قَال: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْهِجْرَةِ؟ فَقَال: "وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ. فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَهَلْ تُؤتِي صَدَقَتَهَا؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَاعْمَلْ مِنْ ورَاءَ الْبِحَارِ. فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الليثي) الجدعي بضم الجيم أبو يزيد المدني ثقة، من (3) (أنه) أي أن عطاء بن يزيد حدثهم أي حدث للزهري ومن معه (قال) عطاء في تحديثهم: (حدثني أبو سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن أعرابيًّا) أي أن شخصًا من سكان البوادي ولم أر من ذكر اسمه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) شأن (الهجرة) والمراد بالهجرة التي سأل عنها هذا الأعرابي مفارقة الأهل والوطن وسكنى المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم كأنه أراد ذلك وأحبه أفاده النووي (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك) ويح كلمة ترحم وتوجع أي ألزمك الله الرحمة وقد تأتي بمعنى المدح والتعجب (إن شأن الهجرة لشديد) أي إن أمرها صعب وشروطها عظيمة وسؤال هذا الأعرابي عن الهجرة إنما كان عن وجوبها فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إن شأنها لشديد ثم أخبره بعد ذلك بما يدل على أنه ليست واجبة عليه اهـ مفهم يعني إن أمرها شاق يوشك أن لا تطيقه قاله صلى الله عليه وسلم إشفاقًا على الأعرابي ورحمةً له وكان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا (فهل لك من إبل قال) الأعرابي: (نعم) فـ (ـــقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فهل تؤتي) أي تؤدي وتدفع (صدقتها) أي زكاتها إلى مستحقها (قال) الأعرابي: (نعم) أدفع زكاتها فـ (ــقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاعمل) عبادة ربك واعبده في وطنك ولو كان وطنك من وراء البحار أي وراء القرى بعيدًا عنها والبحار هنا جمع بحرة أو بحيرة وهي القرية أو البلدة قال في النهاية والعرب تسمي المدن والقرى البحار أي اعمل بالخير في وطنك أي في البادية والمعنى افعل الخير حيثما كنت فهو ينفعك ففيه حسن ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم حين علم أنه لا يقدر على الهجرة أرشده إلى عمل صالح غيرها ويؤخذ منه أن الشيخ أو كبير القوم إذا رأى أحدًا يعجز عن عمل ينبغي له أن يدله على ما هو أيسر عليه (فإن الله) سبحانه وتعالى (لن يترك) بفتح الياء وكسر التاء نظير يعدك مضارع من الوتر وهو النقص والمعنى أن الله تعالى لا ينقص (من) أجر (عملك شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا بسبب ترك الهجرة قال

4700 - (00) (00) وحدّثناه عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "إِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيئًا". وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ قَال: "فَهَلْ تَحْلُبُهَا يَوْمَ ورْدِهَا؟ " قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي ومعنى ذلك أنه إذا قام بما يتعين عليه من الحقوق وبما يفعله من الخير فإن الله تعالى يثيبه على ذلك ولا يضيع شيئًا من عمله أينما كان من الأرض ولا بعد في أن يحصِّل الله له ثواب مهاجر بحسن نيته وفعله الخير والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 14]، والبخاري [1452]، وأبو داود [2477]، والنسائي [7/ 143]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4700 - (00) (00) (وحدثناه عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي ثقة، من (11) (حدثنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد الترك نزيل قيسارية مدينة من مدائن فلسطين ثقة، من (9) (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي بهذا الإسناد يعني عن ابن شهاب عن عطاء عن أبي سعيد الخدري غرضه بيان متابعة محمد بن يوسف للوليد بن مسلم وساق محمد بن يوسف (مثله) أي مثل ما روى الوليد بن مسلم (غير أنه) أي لكن أن محمد بن يوسف (قال) في روايته: (إن الله لن يترك من عملك شيئًا) ولم يذكر لفظة (فاعمل من وراء البحار) (وزاد) محمد بن يوسف (في الحديث) لفظة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (فهل تحلبها) أي فهل تحلب إبلك (يوم وردها) أي يوم ورودها الماء فتصدق بلبنها على المحتاجين (قال) الأعرابي: (نعم) أي أحلبها وأتصدق بلبنها والورد بكسر الواو وسكون الراء اسم مصدر من ورد الماء يرده ورودًا إذا بلغه ووافاه وكانت العرب إذا اجتمعت عند ورود المياه تحلب مواشيها فيسقون المحتاجين المجتمعين عند المياه اهـ من الأبي وأخرجه البخاري من طريق علي بن عبد الله وزاد فيه (قال فهل تمنح منها قال نعم قال فتحلبها يوم ورودها قال نعم) ودل الحديث على أن من كانت عنده مواشي أو دواب يستحب له أن يعير ظهرها ويمنح لبنها من يحتاج إلى ذلك ولا يكتفي بأداء زكاتها الواجبة ثم استدل على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة فقال.

4701 - (1819) (153) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ. قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ، إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يُمْتَحَنَ بِقَوْلِ اللهِ عَز وَجَل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهذَا مِنَ الْمُؤمِنَاتِ، فَقَدْ أَقرَّ بِالْمِحْنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4701 - (1819) (153) (حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأموي الأيلي (قال) يونس: (قال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة: (كانت المؤمنات إذا هاجرن) من مكة إلى المدينة قبل الفتح (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن) أي يختبرن ويبتلى صدقهن في الهجرة (بـ) ــما تضمنه (قول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ}) (إلى آخر الآية 13) من سورة الممتحنة أي بما تضمنته هذه الآية من نفي الشرك وما بعده وهذا مذهب عائشة وفريق من العلماء وقيل: بل كانت المهاجرة تمتحن بأن تستحلف أنها ما هاجرت بغضًا لزوج ولا لأدنى من حظ الدنيا وإنما هاجرت حبًّا لله ورسوله والدار الآخرة قالت عائشة فمن أقر واعترف (بهذا) المذكور في هذه الآية من الشروط وعاهد على قبوله (من المؤمنات فقد أقر بالمحنة) أي فقد قبل بالاختبار وبايع البيعة الشرعية ونجح في الامتحان وحاصله أن من عرف منها الإيمان انتهت محنتها قال الحافظ وأوضح من هذه ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: (كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله) وظاهره أن امتحانهن كان مجرد النطق بالشهادتين وهذا يعارض بظاهره ما أخرجه الطبري والبزار وغيرهما عن ابن عباس قال: كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج والله ما خرجت رغبة من أرض إلى أرض بالله ما خرجن التماس دنيا وبالله ما خرجت إلا حبًّا لله ورسوله ذكره ابن كثير في تفسيره [4/ 350]، والحافظ في طلاق الفتح [9/ 425]، وذكر في التفسير [8 /

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ، قَال لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "انْطَلِقْنَ. فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ" وَلَا. وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ. غَيرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلامِ. قَالت عَائِشَةُ: وَاللهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ، إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالى. وَمَا مَسَّتْ كَفٌّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةِ قَطُّ. وَكانَ يَقُولُ لَهُنَّ، إِذَا أَخَذَ عَلَيهِنَّ: "قَدْ بَايَعْتُكُنَّ"، كَلامًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 637]، أن عبد بن حميد أخرج عن مجاهد نحوه وزاد ولا خرج بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك. ولكن الجمع بينهما سهل لأن مقصود عائشة وابن عباس في رواية العوفي أن الامتحان كان لحصول الطمأنينة بصدقهن في الإسلام والحلف بالأشياء الكثيرة إنما كانت للتثبت في هذا الغرض ويتضح ذلك بما أخرجه الطبري وغيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ولفظه فاسألوهن عما جاء بهن فإن كان من غضب على أزواجهن أو سخطه أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن ومن طريق قتادة كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن نشوز وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله فإن قلن ذلك قبل منهن ذكرهما الحافظ في الفتح [9/ 425] فتبين أن الاستحلاف في الأمور المتعددة إنما كان للتثبت في معرفة إيمانهن وصدقهن في الهجرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لو ظهر من امرأة أنها إنما خرجت لغرض دنيوي ظهر أنها ليست صادقة في هجرتها والله سبحانه أعلم. قالت عائشة: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن) وقبلن (بذلك) المذكور في الآية (من قولهنَّ) أي بقولهن ذلك ونطقهن (قال لهنَّ رسول إله صلى الله عليه وسلم انطلقن) أي اذهبن (فقد بايعتكن ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهنَّ بالكلام قالت عائشة والله ما أخذ) أي ما جعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) العهد والبيعة (على النساء قط إلا) بالنطق (بما أمره الله تعالى به) في الآية (وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأةٍ قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهنَّ) العهد بالكلام انطلقن فـ (ــقد بايعتكن كلامًا) لا مصافحةً. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في التفسير [4891]، وفي الطلاق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [5288]، وفي الأحكام [7214]، وأخرجه الترمذي في تفسير سورة الممتحنة [3361]، وابن ماجه في الجهاد باب بيعة النساء [2905]. وقولها (ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط) قالوا فيه إن بيعة النساء إنما كانت بالكلام من غير أخذ كف وإن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام وقط ظرف زمان لاستغراق الماضي وتختص بالنفي فتقول ما فعلت هذا قط أي فيما مضى من عمري أو فيما انقضى من الزمان قال النووي وفيها خمس لغات فتح القاف وتشديد الطاء مضمومة ومكسورة وضمهما والطاء مشددة وفتح القاف مع تخفيف الطاء ساكنة ومكسورة وتولها: (ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء) مفعول أخذ محذوف أي ما أخذ عليهن البيعة كما بيناه في الحل (وقولها إلا بما أمره الله) أي في الآية المذكورة آنفًا تعني به آية المبايعة المذكورة يتلوها عليهن ولا يزيد شيئًا آخر من قبله اهـ من المفهم. ويوافق قولها ما أخرجه الترمذي في السير والنسائي وغيره عن أميمة بنت رقيقة قالت: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال لنا فيما استطعتن أو أطقتن قلت: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا فقلت يا رسول الله بايعنا قال سفيان: تعني صافحنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ويعارضه في الظاهر ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبزاز وغيرهم كما نقل عنهم الحافظ في الفتح عن أم عطية في قصة المبايعة وفيها فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال: اللهم اشهد وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه (قبضت امرأة منا يدها) فإنه يشعر بأنهن كن بايعنه بأيديهن ويمكن الجواب عنه بوجهين. الأول أن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة والمراد بقبض اليد في الحديث الثاني التأخر عن القبول. الثاني أن مبايعة النساء كانت تقع بحائل ويؤيده ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن الشعبي (أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال لا أصافح النساء) وأخرج عبد الرزاق نحوه مرسلًا عن إبراهيم النخعي اهـ من الفتح. وسبب هذا الامتحان أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح المشركين يوم الحديبية

4702 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَال هَارُونُ: حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ). حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ بَيعَةِ النِّسَاءِ. قَالتْ: مَا مَسَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ. إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيهَا. فَإِذَا أَخَذَ عَلَيهَا فَأَعْطَتْهُ، قَال: "اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن لا يأتيه منهم أحد إلا رده عليهم فوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهده في الرجال ثم جاءته عدة من نساء مكة وطالب المشركون بردهن أيضًا فأنزل الله تعالى قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} الآية وكان هذا الحكم مقصورًا على النساء اللاتي لم يهاجرن إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يمتحنهن في ذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال. 4702 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر ثقة من (10) (وأبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (قال أبو الطاهر أخبرنا وقال هارون: حدثنا ابن وهب حدثني مالك) بن أنس الإمام الأعظم في الفروع (عن ابن شهاب عن عروة) بن الزبير (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مالك ليونس بن يزيد (أخبرته) أي أخبرت عروة (عن) قصة (بيعة النساء قالت) عائشة في إخبارها عن قصة بيعة النساء (ما مسَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (امرأةً) أجنبية (قط إلا أن يأخذ عليها) البيعة وهذا الاستثناء منقطع وتقدير هذا الكلام ما مس امرأة قط لكن يأخذ عليها البيعة بالكلام (فإذا أخذ عليها) البيعة بالكلام (فأعطته) أي فأعطت البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قبلتها (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهبي) إلى منزلك (فقد بايعتك) بالكلام قال القرطبي وما قالته عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مست يده يد امرأة (إلا امرأة يملكها) وإنما يبايع النساء بالكلام هو الحق والصدق وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع من ذلك كان غيره أحرى وأولى بالامتناع منه فيبطل قول من قال إن عمر كان يأخذ بأيدي النساء عند هذه المبايعة وليس بصحيح لا نقلًا ولا عقلًا وفيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التباعد من النساء ما أمكن وإن كلام المرأة فيما يحتاج إليه من غير تزين ولا تصنع ولا رفع صوت ليس بحرام ولا مكروه. وحكى أهل التفسير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة جلس على الصفا وبايع النساء فتلا عليهن الآية فجاءت هند امرأة أبي سفيان متنكرة فلما سمعت (ولا يسرقن) قالت: قد سرقت من مال هذا الشيح قال أبو سفيان: ما أصبت فهو لك ولما سمعت (ولا يزنين) قالت: وهل تزني الحرة فقال عمر: لو كانت قلوب نساء العرب على قلب هند ما زنت امرأة منهن ولما سمعت (ولا يقتلن أولادهن) قالت: ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارًا ولما سمعت (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) قالت: والله إن البهتان لأمر قبيح ما نأمر إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ولما سمعت (ولا يعصينك في معروف) قالت: ما جلسنا هنا وفي أنفسنا نعصيك في شيء والمعروف هنا الواجبات الشرعية التي يعصي من تركها اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول: حديث سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث مجاشع ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث عائشة ذكره للاستشهاد والخامس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس: حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

640 - (33) باب البيعة فيما استطاع وبيان سن البلوغ والنهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار

640 - (33) باب البيعة فيما استطاع وبيان سن البلوغ والنهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار 4703 - (1820) (154) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَيُّوبَ) قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ). أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنَّا نُبَايِعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ. يَقُولُ لنَا: "فِيمَا اسْتَطَعْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 640 - (33) باب البيعة فيما استطاع وبيان سن البلوغ والنهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار 4703 - (1820) (154) (حدثنا يحيى بن أيوب) البغدادي المقابري ثقة، من (10) (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (واللفظ لابن أيوب قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة، من (8) (أخبرني عبد الله بن دينار) العدوي المدني (أنه سمع عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من رباعياته (كنا نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ونعاهده (على السمع) للأمير (والطاعة) له حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول لنا) بايعتك (فيما استطعت) بفتح التاء للخطاب ورُوي ضمها والمعنى حينئذٍ حالة كوننا نقول له بايعتك يا رسول الله فيما استطعت أو يقول هو قل فيما استطعت على سبيل التلقين والمعنى واحد قال الشارح وهذا من كمال رأفته صلى الله عليه وسلم بأمته حيث يلقنهم أن يقول كل واحد منهم فيما استطعت لئلا يدخل في عموم بيعته ما لا يطيقه وفيه أنه إذا رأى الإنسان يلتزم ما لا يطيقه ينبغي أن يقول له لا تلتزم ما لا تطيق وقال القرطبي وهذا رفع لما يخاف من التحرج بسبب مخالفة تقع غلطًا أو غلبة فإن ذلك كله غير مؤاخذ به ولا يفهم من هذا تسويغ المخالفة فيما يشق ويثقل مما يأمر به الإمام فإنه قد نص في الأحاديث المتقدمة على خلافه حيث قال: (على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره في المنشط والمكره والعسر واليسر) وقال: فاسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فلا مشقة أكبر من هذه اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 9]، والبخاري [7202]، وأبو داود [2940]، والنسائي [7/ 152]، ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال.

7404 - (1821) (155) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَال: عَرَضَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ. وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَلَمْ يُجِزْنِي. وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَأَجَازَنِي. قَال نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ. فَحَدَّثْتُهُ هذَا الْحَدِيثَ. فَقَال: إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَينَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ كَانَ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي الْعِيَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7404 - (1 182) (155) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوي المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر: (عرضني) أي اختبرني ونظر إلي (رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال) من قولهم عرض الأمير الجند إذا اختبر أحوالهم ونظر في هيئتهم وترتيب منازلهم قبل مباشرة القتال (وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني) أي لم يأذن لي في القتال فالمراد بالإجازة إعطاء الإذن له في القتال والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم استصغره كما صرح به في الرواية التالية فلم يدخله في المقاتلة ولم يجر عليه حكم الرجال (وعرضني) أي اختبرني (يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) أي أذن لي في القتال أي جعله رجلًا له حكم الرجال المقاتلين (قال نافع) بالسند السابق (فقدمت على عمر بن عبد العزيز) الأموي المدني (وهو) أي عمر (يومئذٍ) أي يوم إذ قدمت عليه (خليفة) المسلمين وأمير المؤمنين (فحدثته) أي فحدّثت لعمر (هذا الحديث) الذي سمعته من ابن عمر (فقال) عمر بن عبد العزيز: (إن هذا) السن يعني خمس عشرة سنة (لحد) أي لوقت وسن فاصل أي مميز (بين الصغير والكبير) أي بين الصبي والبالغ (فكتب) عمر بن عبد العزيز (إلى عماله) أي إلى عملائه ووزرائه في الآفاق رسالة بـ (ــأن يفرضوا) من فرض من باب ضرب أي بأن يقدروا ويقروا رزقًا وراتبًا في ديوان الجند والعسكر (لمن كان ابن خمس عشرة سنة) وكملها (ومن كان دون ذلك) السنن (فاجعلوه في العيال) أي فاكتبوا اسمه في الديوان الذي يكتب فيه أسماء العيال وكانوا يفرقون بين المقاتلة وغيرهم في العطاء وهو الرزق الذي يجمع في بيت المال ويفرق على مستحقيه.

4705 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ) جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَاسْتَصْغَرَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة) استشكله يزيد بن هارون بأن بين أحد والخندق سنتين فينبغي أن يكون في الخندق ابن ست عشرة سنة وهذا الإشكال مبني على ما ذكره ابن إسحاق من أن غزوة الخندق وقعت سنة خمس واتفقوا على أن أحدًا كانت في شوال سنة ثلاث فالجواب الصحيح عنه ما ذكره البيهقي وغيره من أن قول ابن عمر عرضت يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة أي دخلت فيها وأن قوله عرضت يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة أي تجاوزتها فألغى الكسر في الأولى وجبره في الثانية وهو شائع مسموع في كلامهم اهـ من فتح الباري [5/ 278]، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4097]، وفي الشهادات [2664]، وأبو داود في الحدود [4406 و 4407]، والترمذي في الجهاد [1673]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4705 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة، من (8) (وعبد الرحيم بن سليمان) الكناني أو الطائي أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (جميعًا) أي كل من عبد الله بن إدريس وعبد الرحيم بن سليمان وعبد الوهاب رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن نمير (غير أن في حديثهم) أي لكن في حديث هؤلاء الثلاثة لفظة (وأنا ابن أربع عشرة سنة فاستصغرني) أي فعدني صغيرًا بدل قوله في الراوية الأولى فلم يجزني وقوله في هذا الحديث (إن هذا لحد بين الصغير والكبير) استدل به من جعل سن البلوغ خمس عشرة سنة في الغلام والجارية جميعًا وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى كما في المغني لابن قدامة [4/ 514] وبه قال ابن وهب وأصبغ وعبد الملك بن ماجشون وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل

4706 - (1822) (156) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ. قَال: نَهى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة واختاره ابن العربي كما في تفسير القرطبي [5/ 35] وهو المفتى به عند المشايخ الحنفية وقال داود الظاهري لا حد للبلوغ من السن وعليه فلا يعتبر الرجل بالغًا عنده حتى ينزل أو يحبل بالغًا من السن وهو رواية عن مالك رحمه الله وقال أصحابه سبع عشرة أو ثماني عشر وقال أبو حنيفة هو في الغلام ثماني عشرة سنة وقيل تسع عشرة وفي الجارية سبع عشرة كما في كتاب الحجر من الهداية مع الفتح [8/ 201] وهذا كله إذا لم تظهر أمارات البلوغ فإن ظهرت فلا عبرة بالسن بالإجماع وأمارات البلوغ منها ما اتفق عليها الفقهاء وهو الإنزال أو الإحبال في الغلام والحيض في الجارية قال ابن المنذر وأجمعوا على أن الفرائض من الصلاة وغيرها والأحكام تجب على المحتلم العاقل وعلى المرأة بظهور الحيض منها كما في المغني ومأخذ ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} الآية والحلم الاحتلام وهو لغة ما يراه النائم والمراد به هنا خروج المني من نوم أو يقظة بجماع أو غيره وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فإن بلوغ النكاح كناية من أهلية الجماع وهي بالإنزال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتم بعد احتلام) أخرجه أبو داود في الوصايا [2873]، وسكت عليه وغير ذلك ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4706 - (1822) (156) (حدثني يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) ابن عمر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهي كراهة كما في العون (أن يسافر بالقرآن) أي بالمصحف (إلى أرض العدو) قال النووي فيه النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث يعني في الروايات الآتية وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته فإن أُمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة ولا منع منه حينئذٍ لانتفاء العلة المذكورة هذا هو الصحيح وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقًا وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقًا والصحيح عنه ما سبق انتهى المراد منه. أما أن يكتب إلى

4707 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ رُمْحٍ. أخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أنْ يُسَافَرَ بِالْقرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. مَخَافَةَ أَنْ يَنَالهُ الْعَدُوُّ. 4708 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَأبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفار كتاب فيه آية من القرآن العظيم أو آيات فقد نقل الشارح اتفاق العلماء على جوازه والحجة فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فقد جاء في آخره {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ} الآية (فإن قلت) لم يكن المصحف مكتوبًا حينئذٍ فلعله من الإخبار بالمغيب أو لعله كان مكتوبًا في رقاع فيصح ويصدق النهي عن السفر به بالقليل والكثير منه لا سيما على القول بأن القرآن اسم جنس يصدق على القليل والكثير وأما على القول بأنه اسم للجميع فيتعلق النهي بالقليل لمشاركته الكل في العلة فإن حرمة القليل منه كالكثير والحاصل أن وقوع المصحف في أيدي الكفار إنما يمنع منه إذا خيف منهم إهانته أما إذا لم يكن مثل هذا الخوف فلا بأس بذلك لا سيما لتعليم القرآن وتبليغه والله سبحانه وتعالى أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [2990]، ، وأبو داود [2610]، وابن ماجه [2909 و 2910]، كلاهما في الجهاد ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 4707 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا ليث) بن سعد (وحدثنا) محمد (بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذان السندان من رباعياته غرضه بسوقهما بيان متابعة الليث لمالك (عن رسول الله على الله عليه وسلم أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله) ويأخذه (العدو) ويهينه قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه واختلفوا في الكبير المأمون عليه فمنع مالك أيضًا مطلقًا وفصل أبو حنيفة وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجودًا وعدمًا اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال. 4708 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) فضيل بن حسين البصري (قال: حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي

عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرآنِ. فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالهُ الْعَدُوُّ". قَال أَيوبُ: فَقَد نَالهُ الْعَدُوُّ وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ. 4709 - (00) (00) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ). ح وَحَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ وَالثَّقَفِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ أيُّوبَ. ح وَحدَّثنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكِ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. فِي حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالثَّقَفِيِّ "فَإِنِّي أَخَافُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسافروا) أيها المسلمون (بالقرآن) الكريم (فإني لا آمن) مضارع أمن من باب سمع مسند إلى ضمير المتكلم (أن يناله) ويأخذه (العدو) فيهينه (قال أيوب) السختياني (فقد ناله العدو) الآن (وخاصموكم) أي جادلوكم (به) أي بما في القرآن من المتشابهات ولعله وقع في عهده فأشار إلى ذلك تنبيهًا على أن ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم قد وقع فعلًا بترك الامتثال بأمره ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4709 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم الأسدي البصري (يعني ابن علية) بضم أوله اسم أمه اشتهر بها (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (و) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (كلهم) أي كل من إسماعيل وسفيان والثقفي رووا (عن أيوب) السختياني غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لحماد بن زيد (ح وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني صدوق من (8) (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي المدني صدوق من (7) (جميعًا) أي كل من أيوب والضحاك بن عثمان رويا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعتهما لمالك وليث بن سعد ولكن (في حديث ابن علية والثقفي) لفظة (فإني أخاف) بدل قول حماد

وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَحَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ: "مَخَافَةَ أَنْ يَنَالهُ الْعَدُوُّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإني لا آمن) (وفي حديث سفيان وحديث الضحاك بن عثمان) لفظة (مخافة أن يناله العدو) كرواية ليث وهذا بيان قال المخالفة بين الروايات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول: حديث عبد الله بن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث ابن عمر الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

641 - (34) باب المسابقة بين الخيل وتضميرها وأن الخير في نواصيها وما يكره من صفاتها

641 - (34) باب المسابقة بين الخيل وتضميرها وأن الخير في نواصيها وما يكره من صفاتها 4710 - (1823) (157) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأُتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بِالْخَيلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ. وَكَانَ أمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ. وَسَابَقَ بَينَ الْخَيلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ، مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 641 - (34) باب المسابقة بين الخيل وتضميرها وأن الخير في نواصيها وما يكره من صفاتها 4710 - (1823) (157) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل) أي أذن في المسابقة بين الخيل أو أمر وأباح المسابقة بينها وفيه نسبة الفعل إلى الأمر به قاله الحافظ في الفتح ورده العيني في العمدة [6/ 621]، وقال لا معنى للعدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير داع ضروري (التي قد أضمرت) بضم الهمزة وسكون الضاد وكسر الميم على صيغة المبني للمجهول من الإضمار وإضمار الفرس وتضميرها أن يقلل علفها وتدخل بيتًا وتغشى بالجلال حتى تحمى فتعرق فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري وفي الحديث جواز ذلك وجواز معاملة البهائم عند الحاجة بما يكون تعذيبًا لها في غير الحاجة كالإجاعة والإجراء أي بين الخيل التي عولجت بإكثار العلف عليها ثم علفها قدر القوت حتى دقت وقل لحمها يقال ضمرت الفرس وأضمرته إذا صيرته ضامرًا قليل اللحم على هذا الوجه (من الحفياء) بفتح الحاء وبالمد أو القصر مكان خارج المدينة من جهة سافلتها عند غابة الزبير بن العوام رضي الله عنه وبينه وبين المدينة خمسة أميال أو ستة على ما رُوي عن سفيان بن عيينة وقيل: ستة أو سبعة كما رُوي عن موسى بن عقبة (وكان أمدها) أي غاية إجرائها ونهاية ركضها (ثنية الوداع) وهي موضع معروف بالمدينة سميت بذلك لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها وبينه وبين الحفياء نحو ستة أميال والمعنى أن مبدأ السباق كان من الحفياء ومنتهاه ثنية الوداع (وسابق) أي أمر بالسباق (بين الخيل التي لم تضمر من التثنية) أي من ثنية الوداع المذكورة آنفًا (إلى مسجد بني زريق) بتقديم الزاي المضمومة

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِها. 4711 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زيدٍ) عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ على الراء المفتوحة مصغرًا وبينها وبين مسجد بني زريق الذي هو غاية السباق ميل واحد ونحوه ذكره الأبي عن القاضي ودل الحديث على جواز أن يقال: مسجد فلان أو مسجد بني فلان على أن تكون الإضافة للتعريف وقد عقد البخاري لذلك بابا في الصلاة واستدل على ذلك بهذا الحديث وفي النووي إن في هذا الحديث جواز المسابقة بين الخيل وجواز تضميرها قال: وهما مجمع عليهما للمصلحة في ذلك وتدريب الخيل ورياضتها وتمرنها على الجري وإعدادها لذلك لينتفع بها عند الحاجة في القتال كرًا وفرًا (وكان ابن عمر فيمن سابق بها) أي بالخيل قال النووي: واختلف العلماء في أن المسابقة بينها مباحة أو مستحبة ومذهب أصحابنا أنها مستحبة لما ذكرناه وأجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض بين جميع أنواع الخيل قويها مع ضعيفها وسابقها مع غيره سواء كان معهما ثالث أم لا فأما المسابقة بعوض فجائزة بالإجماع لكن يشترط أن يكون العوض من غير المتسابقين أو يكون بينهما ويكون معهما محلل وهو ثالث على فرس مكافئ لفرسيهما ولا يخرج المحلل من عنده شيئًا ليخرج هذا العقد عن صورة القمار وليس في هذا الحديث ذكر عوض في المسابقة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها باب الجهاد [2868]، وأبو داود في الجهاد [2575 و 2576 و 2577]، والترمذي في الجهاد [1751]، ، والنسائي [3584]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4711 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (وقتيبة بن سعيد) كلهم رووا (عن الليث بن سعد ح وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البزار البغدادي المقرئ (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الثلاثة (حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا

زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عن أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يحيى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ الله. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي أُسَامَةُ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). كُل هؤُلاءِ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن علية (عن أيوب ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (ح وحدثنا محمد بن المثنى وعببد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري ثقة، من (10) (قال: حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان جميعًا) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة ويحيى القطان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (ح وحدثني علي بن حجر) السعدي المروزي وأحمد بن عبدة بن موسى الضبي البصري (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الثلاثة (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المكي ثقة، من (6) (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي ثقة، من (6) (أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني ثقة، من (5) (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني أسامة يعني ابن زيد) الليثي المدني صدوق من (7) كل هؤلاء) المذكورين من ليث بن سعد وأيوب السختياني وعبيد الله بن عمر بن حفص وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة وأسامة بن زيد رووا (عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع) وهذه الأسانيد كلها من خماسياته إلا سند الليث عن نافع فإنه من رباعياته وإلا سند موسى بن عقبة عن نافع من سداسياته غرضه بسوقهما بيان متابعة هؤلاء الستة المذكورين

وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ، مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ وَابْنِ عُلَيَّةَ: قَال عَبْدُ الله: فَجِئْتُ سَابِقًا. فَطَفَّفَ بِي الْفَرَسُ الْمَسْجِدَ. 4712 - (1824) (158) حدّثثا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْخَيلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لمالك بن أنس (و) لكن (زاد) نافع (في حديث أيوب من رواية حماد وابن علية) لفظة (قال) لنا (عبد الله) بن عمر: (فجئت) أنا مسجد بني زريق حالة كوني (سابقًا) لغيري من المتسابقين معي (فطفف) بتشديد الفاء من التطفيف أي وثب (بي الفرس) وعلا (المسجد) أي مسجد بني زريق الذي هو نهاية المسابقة أي ارتفع وعلا حتى كاد يساوي المسجد وكان جداره قصيرًا وهذا بعد مجاوزته الغاية لأن الغاية هي المسجد. وقوله (فجئت سابقًا) أي سبقت جميع المتسابقين فأحرزت الدرجة الأولى في المسابقة والسابق هو الذي يسبق الجميع ثم المصلي وهو الذي يحرز الدرجة الثانية ثم المجلي أو المسلي أو المقفي ثم العاطف ثم المرتاح ثم المرمر ثم الحطي ثم المؤمل ثم اللطيم ثم السكيت ولم تكن عند العرب درجة بعد ذلك راجع فقه اللغة للثعالبي وقوله (فطفف بي الفرس) إلخ يعني وثب وعلا على مسجد بني زريق الذي جُعل غاية والطف والتطفيف العلو وإناء طفَّان إذا على ما فيه ولم يملأ ومنه التطفيف في الكيل إذا لم يكمل ملؤه واقتصر فيه على ارتفاعه ومقاربته حكاه الأبي عن القاضي عياض رحمهما الله تعالى ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال. 4712 - (1824) (158) (حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل) أي جنس الخيل والمراد بها ما يتخذ للغزو بأن يقاتل عليه أو ربطه لأجل ذلك (في نواصيها) جمع ناصية وهي مقدم الرأس أو شعر مقدم الرأس المسترسل على الجبهة قيل: كني بها عن ذوات الخيل لأنها أول ما يبدو منها إذا أقبلت كما تقول فلان مبارك الناصية وأنت تريد مبارك الذات (الخير) أي معقود في نواصيها الخير (إلى يوم القيامة) وقد فسر الخير في حديث جرير وعروة البارقي الآتيين بالأجر

4713 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حدَّثنَا عَليُّ بْنُ مُسْهِرِ وَعَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغنم وبهذا التفسير ظهر أن المراد بالخيل ما يتخذ للغزو عليه وقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعًا (الخيل في نواصيها الخير معقود إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتسابًا كان شبعها وريها وظمؤها وأرواثها وأبو الها فلاحًا في موازينه يوم القيامة) ذكره الحافظ في الفتح [6/ 55]، قال النووي وفي رواية الخير معقوص بنواصي الخيل وفي رواية البركة في نواصي الخيل والمعقود والمعقوص بمعنى واحد ومعناه ملوي مضفور فيها وفي هذه الأحاديث استحباب رباط الخيل وانتقائها للغزو وقتال أعداء الله وأن فضلها وخيرها باق إلى يوم القيامة وقوله (إلى يوم القيامة) فيه إشارة إلى أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وأن الخيل لا يستغنى عنها في الجهاد إلى يوم القيامة كما هو مشاهد في عصرنا حيث إن الخيل يحتاج إليها في الجبال والفلوات على رغم من توفر الطائرات والدبابات وسائر آلات الحرب المعاصرة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد في باب الخيل معقود في نواصيها الخير [2849]، وفي المناقب [3644]، والنسائي في الخيل باب فتل ناصية الفرس [3573]، وابن ماجه في الجهاد باب ارتباط الخيل في سبيل الله عزَّ وجلَّ [2814]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4713 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة) بن سعيد (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر (عن الليث بن سعد) عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة الليث لمالك بن أنس (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (وعبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (ابن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (كلهم) أي كل من علي بن مسهر وعبد الله بن نمير ويحيى القطان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص

ح وَحدَّثَنَا هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ. 4714 - (1825) (159) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَليٍّ الْجَهْضَميُّ وَصَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ. جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ. قَال الْجَهْضَمِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيدٍ. عَنْ عَمرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَلْوي نَاصِيَةَ فَرَسٍ بِإِصْبَعِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العمري المدني (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي حدثنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم المصري (حدثني أسامة) بن زيد الليثي المدني (كلهم) أي كل من ليث بن سعد وعبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد رووا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (عن النبي على الله عليه وسلم بمثل حديث مالك عن نافع) غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس لكن السند الأول منها من رباعياته كما بيناه عند تقريره والسندان الأخيران من خماسياته والله أعلم ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال. 4714 - (1825) (159) (وحدثنا نصر بن علي الجهضمي) البصري (وصالح بن حاتم بن وردان) البصري صدوق من (10) روى عنه في (2) الصلاة والجهاد (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن يزيد) بن زريع التيمي العيشي البصري ثقة، من (8) (قال الجهضمي حدثنا يزيد بن زريع) بصيغة السماع (حدثنا يونس بن عبيد) بن دينار العبدي البصري ثقة، من (5) (عن عمرو بن سعيد) القرشي البصري ثقة، من (5) (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير بن عبد الله) بن جابر بن مالك بن نصر اليماني البجلي الكوفي تابعي ثقة، من (3) (عن) جده (جرير بن عبد الله) البجلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) جرير: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي) من باب رمى أي يفتل (ناصية فرسي بأصبعه) وفي رواية النسائي يفتل وكلاهما بمعنى والمراد بالناصية هنا شعر مقدم الرأس المسترسل على الجبهة والمراد يعطفها ويميلها من

وَهُوَ يَقُولُ: "الْخَيلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ". 4715 - (00) (00) وحدّثني زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4716 - (1826) (160) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ جانب إلى جانب (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول الخيل معقود) أي مربوط (بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) وقوله (الأجر والغنيمة) بدل من الخير أو عطف بيان له ذكره تفسيرًا للخير والمعنى أي ملازم لها أشد الملازمة حتى كأنه مربوط بها وقوله إلى يوم القيامة كناية عن أن الخير لا ينفك عنها في زمن من الأزمان قلت وقوله (إلى يوم القيامة) أي إلى قرب يوم القيامة فلا ينافي استغناء الناس عنها في هذا العصر الحديث بالدبابات والطائرات والله أعلم وقوله (الأجر والغنيمة) تفسير وبيان للخير الملازم لنواصي الخيل ولعل المراد بالأجر الأجر في ارتباطها واقتنائها بنية الجهاد عليها وبالغنيمة الغنيمة في استعمالها في ملازمة العدو ولأنها تكون سبب النصر المؤدي إلى الغنيمة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في باب فتل ناصية الفرس [3574]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4715 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) الأسدي أبو بشر البصري المعروف بابن علية ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) بن سعيد الثوري (كلاهما) أي كل من إسماعيل وسفيان رويا (عن يونس) بن عبيد (بهذا الإسناد) عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة عن جرير (مثله) أي مثل ما روى عن يزيد بن زريع عن يونس غرضه بسوقهما بيان متابعتهما ليزيد بن زريع ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث عروة البارقي رضي الله عنهم فقال. 4716 - (1826) (160) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي ثقة، من (6) (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن

عُرْوَةَ الْبَارِقيِّ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْخَيلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالْمَغنَمُ". 4717 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَينٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْخَيرُ مَعْقُوصٌ بِنَوَاصِي الْخيل" قَال فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ الله، بِمَ ذَاكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ عروة) بن الجعد وقيل ابن أبي الجعد وقيل اسم أبيه عياض الأسدي بإسكان المهملة (البارقي) بالموحدة والقاف نسبة إلى ذي بارق بن مالك بطن من همدان وقيل اسم جبل نزله الأزديون الصحابي المشهور رضي الله عنه نزل الكوفة وهو أول قاض بها له ثلاثة عشر حديثًا (13) اتفقا على حديث يروي عنه (ع) والشعبي في الجهاد وشبيب بن غرقدة في الجهاد والعيزار بن حريث في الجهاد. وهذا السند من خماسياته (قال) عروة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخيل معقود) أي مربوط (في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) وقوله (الأجر والمغنم) بيان وتفسير للخير والمغنم هو بمعنى الغنيمة وهما اسمان لما يغتنم وكذلك الغنم كقفل والأصل في معنى هذه المادة إصابة الشيء ونيله بلا بدل ولا مقابل ولا مشقة ولا تعب وذكر في النهاية أن الغنيمة والغنم والمغنم هو ما أصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون الخيل والركاب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2849]، والنسائي [3573]، وابن ماجه [2814]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عروة البارقي رضي الله عنه فقال. 4717 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (و) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي ثقة ثقة، من (8) كلاهما (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ثقة، من (5) (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) ثقة، من (3) (عن عروة) بن عياض بن أبي الجعد (البارقي) الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة حصين بن عبد الرحمن لزكرياء بن أبي زائدة (قال) عروة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخير معقوص) بالصاد في آخره مأخوذ من عقص الشعر بمعنى عقده وضفره فهو بمعنى معقود المذكور في الرواية الأولى (قال) عروة: (فقيل له) صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله بم ذاك) أي بأي سبب كان الخيل كذاك أي معقودًا في

قَال: "الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 4718 - (00) (00) وحدّثناه إسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَينٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ. 4719 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. جَمِيعًا عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ، عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرِ "الأجْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نواصيه الخير أو بأي شيء كان ذلك الخير (قال) صلى الله عليه وسلم: أي بسبب أن يكون (الأجر والمغنم) معقودًا في ناصيته (إلى يوم القيامة) أو ذلك الخير (الأجر والمغنم) في ناصيته (إلى يوم القيامة) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال. 4718 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن حصين) بن عبد الرحمن (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن عروة غرضه بيان متابعة جرير لمحمد بن فضيل وعبد الله بن إدريس (غير أنه) أي لكن جريرًا قال في روايته (قال عروة بن الجعد) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسبته إلى الجعد وبتصريح صيغة السماع ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4719 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وخلف بن هشام) بن ثعلب البغدادي المقرئ (وأبو بكر بن أبي شيبة جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي الأحوص) سلام بن سليم الخفي الكوفي ثقة، من (7) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (كلاهما) رويا (عن سفيان) بن عيينة (جميعًا) أي كل من أبي الأحوص وسفيان (عن شبيب بن فرقدة) بفتح المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة السلمي الكوفي ثقة، من (4) وليس في مسلم من اسمه شبيب إلا هذا الثقة (عن عروة البارقي) وهذان السندان من رباعياته غرضه بيان متابعة شبيب لعامر الشعبي (عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم بذكر) شبيب في روايته لفظة (الأجر

وَالْمَغْنَمُ". وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: سَمِعَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ. سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4720 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحدَّثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَيزَارِ بْنِ حُرَيثِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا. وَلَمْ يَذْكُرِ "الأجْرَ وَالْمَغْنَمَ". 4721 - (1827) (161) وحدّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثنَا أَبِي. ح وَحَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والمغنم وفي حديث سفيان) بن عيينة وروايته لفظة (سمع عروة البارقي سمع النبي صلى الله عليه وسلم) بتصريح السماع في موضعين ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عروة البارقي رضي الله عنه فقال. 4720 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر كلاهما) أي كل من ابن جعفر ومعاذ بن معاذ رويا (عن شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي (عن العيزار بن حريث) مصغرًا العبدي الكوفي روى عن عروة بن الجعد في الجهاد والحسن وابن عباس ويروي عنه (م د ث س) وأبو إسحاق السبيعي وابنه الوليد ويونس بن أبي إسحاق وعدة وثقه النسائي وقال أبو زرعة صدوق ثقة وقال في التقريب ثقة من الثالثة مات سنة عشر ومائة (110) زمن ولاية خالد على العراق وليس من اسمه العيزار من الرواة إلا هذا الثقة (عن عروة بن الجعد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا) الحديث (و) لكن (لم يذكر) العيزار (الأجر والمغنم) وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة العيزار للشعبي وشبيب بن غرقدة ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4721 - (1827) (161) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان البصري (كلاهما) أي كل من معاذ ويحيى بن سعيد رويا (عن شعبة) بن

عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيلِ". 4722 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وَحدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. سَمِعَ أَنسًا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِما. 4723 - (1828) (162) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثنَا وَكِيعٌ) عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجاج بن الورد العتكي (عن أبي التياح) الضبعي يزيد بن حميد البصري ثقة، من (5) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة) أي الخير معقودة (في نواصي الخيل) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2851]، والنسائي [3571]، ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4722 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري ثقة، من (8) (ح وحدثني محمد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي البصري الملقب بحمدان (حدثنا محمد بن جعفر قالا) أي قال خالد ومحمد (حدثنا شعبة عن أبي التياح سمع أنسًا يحدث عن النبي على الله عليه وسلم) وساقا أي محمد بن جعفر وخالد بن الحارث (بمثلهما) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد غرضه بيان متابعة الأخيرين للأولين وفي أكثر النسخ (بمثله) بالإفراد والصواب ما قلناه ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4723 - (1828) (162) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب قال يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن سلم بن عبد الرحمن) النخعي الكوفي روى عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي في الجهاد وورَّاد كاتب المغيرة ويروي عنه (م عم) والثوري وشريك وثقه يحيى بن معين

عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ الشِّكَال مِنَ الْخَيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو حاتم صالح وقال النسائي ليس به بأس وقال العجلي والدارقطني ثقة وقال في التقريب صدوق من (6) له حديث واحد في الكتب الستة (عن أبو زرعة) هرم بن عمرو (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل) والشكل بكسر الشين فسره في الرواية الآتية بأن يكون الفرس في رجله اليمنى ويده اليسرى بياض أو على العكس وهذا أحد الأقوال في تفسير الشكال ولكن ذكر ابن سيده في المخصص [2/ 156] عن الأصمعي قال: فإذا ابيضت اليد والرجل التي من شقها قيل به شكال فإذا ابيضت رجله من شقه الأيمن ويده من شقه الأيسر قيل به شكال مخالف وفرس مشكول وذو شكال فإذا كان محجل الرجل واليد من الشق الأيمن فهو ممسك الأيامن مطلق الأياسر وهم يكرهونه فإذا كان محجل الرجل واليد من الشق الأيسر فهو ممسك الأياسر مطلق الأيامن وهم يستحسنونه اهـ وقد ذكر النووي رحمه الله تعالى عدة أقوال أخرى في تفسير الشكال وفي النهاية الشكال في الخيل هو أن تكون ثلاث قوائم منها محجلة وواحدة مطلقة تشبيهًا بالشكال الذي تشد به الخيل هو حبل تشد به قوائمها لأنه يكون في ثلاث قوائم غالبًا وقيل هو أن تكون الواحدة محجلة والثلاث مطلقة وقيل هو أن تكون إحدى رجليه وإحدى يديه من خلاف محجلتين اهـ من تلخيص النهاية قلت وهذا القول الأخير في معنى الشكال هو عين ما فسره به في الرواية التالية قالوا وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم لأنه على صورة المشكول وقيل يحتمل أن يكون جرب ذلك الجنس فلم يجد فيه نجابة قال النووي قال بعض العلماء إذا كان مع ذلد أغر زالت الكراهة لزوال شبه الشكال وقال القرطبي يحتمل أنه إنما كرهه لما يقال إن حوافر المشكل وأعضائه ليس فيها من القوة ما في غير المشكل حكاه الأبي ثم قال فالكراهة على هذا هي بمعنى النفرة لا الكراهة التي هي أحد الأحكام الخمسة ويدل على ذلك أن تلك متعلقها الأفعال ومتعلق هذه الشكال والشكال ليس بفعل والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2547]، والترمذي [1749]، والنسائي [3566 و 3567]، وابن ماجه [2817]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال.

4724 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. ح وَحدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَالشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَى بَيَاضٌ وَفِي يَدِهِ الْيُسْرَى. أَوْ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى. 4725 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ النَّخَعيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4724 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن نمير حدثنا أبي (ح) وحدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي النيسابوري ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من عبد الله بن نمير وعبد الرزاق بن همام رويا (عن سفيان) الثوري (بهذا الإسناد) يعني عن سلم بن عبد الرحمن عن أبي زرعة عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى وكيع عن سفيان الثوري غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة ابن نمير وعبد الرزاق بن همام لوكيع بن الجراح (و) لكن (زاد) ابن بشر (في حديث عبد الرزاق) لفظة (والشكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى) بياض (أو) يكون في يده اليمنى ورجله اليسرى بياض وهذا تفسير من بعض الرواة للشكال قال القاضي عياض قال أبو عمرو والمطرزي قيل الشكال بياض الرجل اليمنى واليد اليمنى وقيل بياض الرجل اليسرى واليد اليسرى وقيل بياض اليدين وقيل بياض الرجلين وقيل بياض الرجلين ويد واحدة ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4725 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثني وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من محمد بن جعفر ووهب بن جرير رويا (عن شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن يزيد النخعي) الكوفي ولم أر من بين طبقته فوضعت له رمز مهمل اهـ خلاصة قال أحمد صوابه (عن سلم بن عبد الرحمن) فأخطأ شعبة في اسمه (عن أبي زرعة عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ. وَلَمْ يَذْكُرِ النَّخَعيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة لسفيان الثوري في الرواية عن سلم بن عبد الرحمن لأن الصواب كما قال أحمد بن حنبل أن يقال عن شعبة عن سلم بن عبد الرحمن عن أبي زرعة فتكون المتابعة تامةً وإن تركنا عبارة المصنف على ظاهرها فتكون المتابعة ناقصة لأن شيخ سفيان سلم بن عبد الرحمن وشيخ شعبة عبد الله بن يزيد ولكن الصواب أن عبد الله بن يزيد خطأ من شعبة كما قال أحمد راجع إكمال المعلم فإنه يبين أن الصواب ما قاله أحمد (عن النبي على الله عليه وسلم) وساق شعبة (بمثل حديث سفيان) وقوله في أكثر النسخ (بمثل حديث وكيع) تحريف من النساخ والصواب كما كتبنا (وفي رواية وهب) بن جرير (عن عبد الله بن يزيد ولم يذكر) وهب لفظة (النخعي) بل الذي ذكره هو محمد بن جعفر وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث: حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث عروة البارقي ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

642 - (35) باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله وفضل الشهادة فيها وفضل الغدوة والروحة فيها

642 - (35) باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله وفضل الشهادة فيها وفضل الغدوة والروحة فيها 4726 - (1829) (163) وَحدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ (وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ) عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "تَضَمَّنَ الله لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي. وإيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 642 - (35) باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله وفضل الشهادة فيها وفضل الغدوة والروحة فيها 4726 - (1829) (163) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن عمارة وهو ابن القعقاع) بن شُبرُمة الضبي الكوفي ثقة، من (6) (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال: قال رسول الله على الله عليه وسلم: تضمَّن الله) سبحانه وتعالى وفي رواية آتية (تكفل الله) ومعناهما أوجب الله تعالى على نفسه بمقتضى وعده وفضله وكرمه وإحسانه الجنة (لمن خرج في سبيله) أي في الجهاد لإعلاء كلمته وقوله (لا يخرجه إلا جهادًا في سبيلي وإيمانًا بي وتصديقًا برسلي) بالنصب في الثلاثة على الاستثناء من أعم الأغراض أي حالة كونه لا يخرجه غرض من الأغراض إلا غرض الجهاد في سبيلي وإلا غرض الإيمان بي وإلا غرض التصديق برسلي أي لا يخرجه إلا محض الإيمان بي والإخلاص لي وفي شرح الذهني قوله (صلى الله عليه وسلم تضمن الله) هو بمعنى قوله في الرواية الآتية تكفل أي التزم وتكفل ومعناهما أوجب الله سبحانه له ذلك ووعد فالتضمن والتكفل عبارة عن أن هذا الجزاء لا خلف فيه ولا بد منه فضلًا منه سبحانه وتعالى قوله (لا يخرجه) فيه حذف القول والاكتفاء بالمقول أي تضمن الله له ما سيأتي حالة كونه تعالى قائلًا لا يخرجه أي لا يخرج ذلك الخارج شيء من الأغراض إلا جهادًا في سبيلي إلخ أي إلا غرض جهاد في سبيلي أي في طاعتي لإعلاء كلمتي وغرض إيمان وتصديق بوعدي وغرض تصديق بأمر رسلي وهذا الحذف معهود في الكلام الفصيح ومنه قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ} أي قائلين ربنا وسعت ويحتمل أن يكون قوله (تضمَّن الله) من باب وضع

فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذي خَرَجَ مِنْهُ. نَائِلًا مَا نَال مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! مَا مِنْ كَلْمٍ يُكلَمُ فِي سَبِيلِ الله، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر موضع المضمر ويكون أصله تضمنت من خرج في سبيلي حالة كونه لا يخرجه غرض من الأغراض إلا غرض الجهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي وقوله (فهو عليَّ ضامن) جملة معترضة مقدمة على محلها وقوله (أن أدخله الجنة) إلخ مفعول تضمنت أي تضمنت ووعدت له أن أدخله الجنة في حال موته إن مات شهيدًا (أو) أن (أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه) للجهاد حالة كونه (نائلًا) أي فائزًا (ما طال) وفاز (من أجر) الجهاد وثوابه إن لم يغنم (أو) من أجر و (غنيمة) إن غنم (فهو) أي فذلك المذكور من إدخال الجنة أو إرجاعه إلى مسكنه بأجر أو أجر وغنيمة (ضامن) أي مضمون له عليَّ ملتزم لي واجب له على مقتضى وعدي لأني لا أخلف الميعاد فالكلام على التقديم والتأخير كما بيناه فضامن فاعل بمعنى مفعول كماء دافق أي مدفوق وعيشة راضية أي مرضية وقيل معناه ذو ضمان أفاده الشارح قوله (أو أن أرجعه إلى مسكنه) قال النووي معناه أن الله سبحانه ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيرًا بكل حال فإما أن يستشهد فيدخل الجنة وإما أن يرجع بأجر وإما أن يرجع بأجر وغنيمة (والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله) أي ما يكلم ويجرح أحد منكم في سبيل الله وطاعته كلمًا أي جرحًا ولو قليلًا (إلا جاء) ذلك المكلوم (يوم القيامة كهيئته) أي على صفته (حين كلم) وجرح (لونه) أي لون ما يخرج منه (لون دم وريحه مسك) والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى اهـ نووي (والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين) أي لولا مخافة إدخال المشقة على المسلمين (ما قعدت) وجلست في بيتي (خلاف سرية) أي بعد خروج جيش (تغزو) وتجاهد (في سبيل الله) وطاعته وقوله (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان متعلق بالقعود المنفي أي ما قعدت في زمن من الأزمان المستقبلة وهم خارجون للجهاد بل أخرج مع كل سرية لأنال فضيلة الجهاد وفيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم

وَلكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأحْمِلَهُمْ. وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً. وَيَشُقُّ عَلَيهِم أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أغْزُو فِي سَبِيلِ الله فَأقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ. ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ". 4727 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الشفقة على المسلمين والرأفة وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق بهم وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها وفيه مراعاة الرفق بالمسلمين والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم (ولكن لا أجد سعةً) من المال فأشتري به دواب (فأحملهم) عليها فيكونون معي إذا خرجت (ولا يجدون) هم (سعةً) من المال فيه حذف يدل عليه ما ذكر قبله ولا يجدون سعة من المال يشترون بها من الدواب ما يحملهم ليتبعوني ويكونوا معي إذا خرجت كل مرة (و) إذا لم يكن عندي ما أحملهم عليه ولم يكن عندهم ما يركبون عليه وخرجت أنا مع كل سرية (يشق عليهم أن يتخلفوا عني) أي يوقعهم تأخرهم عني في المشقة يعني يصعب عليهم ذلك وفسر هذه المشقة فيما بعد بأنه صلى الله عليه وسلم إن خرج بنفسه في كل سرية ما وسع أحدًا من الصحابة أن يتخلف عنه وصعب ذلك عليهم لقلة المراكب. (والذي نفس محمد بيده لوددت) أي لأحببت (أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو) مرةً ثانيةً (فأُقتل ثم أغزو) مرةً ثالثةً (فأُقتل) فيه فضيلة الغزو والشهادة وفيه تمني الشهادة والخير وتمني ما لا يمكن في العادة من الخيرات قاله النواوي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في الجهاد [2787 و 2798]، والنسائي في الجهاد [3122 و 3123 و 3124]، وفي مواضع أخرى وابن ماجه في الجهاد [2779]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4727 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (عن عمارة) بن القعقاع الضبي الكوفي ثقة، من (6) (بهذا الإسناد) يعني عن أبي زرعة عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة ابن فضيل لجرير بن عبد الحميد.

4728 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "تَكَفَّلَ الله لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ. لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيتِهِ إِلَّا جِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ. بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، مَعَ مَا نَال مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4728 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي) بكسر الحاء وتخفيف الزاي من ولد حكيم بن حزام ثقة من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي زرعة (عن النبي على الله عليه وسلم قال: تكفل الله) أي التزم الله تعالى (لمن جاهد في سبيله) حالة كونه (لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته) أي كلمة الشهادتين وقيل تصديق كلام الله تعالى في الإخبار بما للمجاهد من عظيم ثوابه وجملة لا يخرجه حال من ضمير جاهد وقوله (بأن يدخله الجنة) متعلق بتكفل أي تكفل له بأن يدخله الجنة قال القاضي عياض: يحتمل أن يدخله الجنة عند موته كما قال في الشهداء {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ويحتمل أن يريد به أنه يدخلها مع السابقين الذين لا حساب عليهم ولا مؤاخذة بذنب وتكون الشهادة مكفرة لذنبه حكاه الأبي ثم قال فعلى هذا الاحتمال لا يدخل الشهداء الجنة من حين الموت وإنما يدخلونها من حين الحساب كما قال ابن شهاب إن الشهداء لا يدخلونها إلى يوم القيامة كغيرهم وتكون فائدة الشهادة تكفير الذنوب اهـ (أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال) وأصاب (من أجر أو غنيمة) وهذا ترديد على منع الخلو لا منع الجمع فلو حصل الغازي على غنيمة لا يمنعه ذلك من حصول الأجر نعم إن من لم يغنم مالًا يزداد أجره على أجر من غنم شيئًا وسيأتي عند مسلم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما مرفوعًا (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) وسيأتي الكلام على ذلك

4729 - (00) (00) حدثنا عمرٌو النَّاقِدُ وَزُهيرُ بْنُ حربٍ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعرَج، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا يُكلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ الله، وَاللهُ أَعلَمُ بِمَن يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إلا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجُرحُهُ يَثعَبُ، اللوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالريحُ رِيحُ مِسكٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم إن شاء الله تعالى ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4729 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يكلم أحد) منكم ولا يجرح (في سبيل الله) تعالى وظاهر هذا أن هذه الفضيلة لا تختص بالشهيد بل هي حاصلة لكل من جرح في طاعة الله ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل اندماله لا ما يندمل في الدنيا ولا ينفي ذلك أن يكون له فضل في الدنيا ذكره الحافظ في الفتح [6/ 20] في [2803]، وأيده برواية لابن حبان وقوله (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) جملة معترضة بين المستثنى والمستثنى منه أُتي بها لتفخيم شان من يكلم في سبيل الله ونظيره قوله تعالى: {قَالتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} فإن قوله والله أعلم بما وضعت معترض بين كلامي أم مريم والمعنى والله أعلم بالشيء الذي وضعت وما علق به من عظائم الأمور أفاده في المرقاة (إلا جاء) ذلك المكلوم (يوم القيامة وجرحه) أي والحال أن جرحه (يثعب) أي يجري دمًا كثيرًا بضم الجيم اسم كالجراحة بكسرها والمصدر جرح بفتحها ويثعب بفتح العين المهملة. بعد المثلثة من باب ذهب أي يجري دمه بكثرة وهو بمعنى قوله تفجر دمًا في الرواية التالية وإسناد الثعب إلى الجرح مع أن الذي يثعب في الحقيقة إنما هو دمه لإفادة المبالغة على حد قوله تعالى: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} فإن الذي يفيض إنما هو الدمع لا العين ولكن جعل العين تفيض مبالغةً (اللون) أي لون ما يجري منه الون دم والربح) أي ريح ما يجري منه (ريح مسك) ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال.

4730 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حدَّثَنَا عَبْدُ الرَزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعمَرٌ، عَنْ همامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حدَّثنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْها: وَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "كُل كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المسلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ تَكُونُ يومَ القِيَامَةِ كهيئَتِها إِذَا طُعِنَت تَفَجَّرُ دَمًا. اللونُ لَوْنُ دَمٍ وَالعرفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4730 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا) الحديث الذي أمليه عليكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرةً (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أيضًا كل كلم إلخ وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام بن منبه لأبي زرعة وللأعرج (كل كلمٍ يكلمه المسلم) أي كل جرح يجرح به المسلم هكذا جاء في نسخ مسلم وفي معظم نسخ البخاري ونقل في الفتح أنه وقع في رواية القابسي ورواية ابن عساكر كل كلمة بالتأنيث والكلم مصدر بمعنى الجرح أي كل جرح يجرحه المسلم وأصله يكلم به فحذف الجار ووصل الضمير بالفعل توسعًا وقوله (كل كلمٍ) مبتدأ خبره جملة تكون في قوله (ثم تكون يوم القيامة) لأن ثم زائدة هنا لا معنى لها قال الذهني قوله (ثم تكون يوم القيامة) إلخ هكذا هو في عامة النسخ ولا يظهر لُثم هنا معنى ولعلها جاءت زائدة فقد جوز الأخفش والكوفيون تجردها عن معنى العطف ومجيئها زائدة وحملوا على ذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلا إِلَيهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِمْ} أي حتى إذا ضاقت إلخ تاب عليهم وقوله ثم تكون يوم القيامة (كهيئتها) الضمير يعود على الكلم باعتبار أنه بمعنى الكلمة أو الجراحة وقوله (إذا طعنت) هكذا هو في عامة النسخ بالألف بعد الذال قال القسطلاني وهي هنا لمجرد الظرفية أو هي بمعنى إذ وقد يتقارضان أوعبر بإذا لاستحضار سورة الطعن لأن الاستحضار كما يكون بصريح لفظ المضارع نحو {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} يكون بما في معنى المضارع فيما نحن فيه اهـ أي كلمة وجرحة يجرح بها المسلم تكون يوم القيامة كهيئتها وصفتها إذ طعنت أي وقت طعنها حالة كونها (تفجر دمًا) أي تسيل دمًا كثيرًا وتفجر من باب تفعل حذفت منه إحدى التائين (اللون) أي لون ما يسيل منها (لون دم) أي كلون دم (والعرف) أي عرف ما يسيل منها

عَرفُ الْمسكِ". وَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ، لولا أَنْ أَشُقَّ عَلَى المُؤمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ الله. وَلكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأحمِلَهُم. وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيتبِعُونِي وَلَا تَطِيبُ أنفُسُهُم أَن يَقعُدُوا بَعدِي". 4731 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لولا أَن أَشُقَّ عَلَى الْمُؤمِنِينَ مَا قَعدتُ خِلافَ سَرِيةٍ" بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي رائحته (عرف المسك) أي رائحة المسك أي كرائحته وأصل العرف الرائحة مطلقًا وأكثر استعماله في الرائحة الطيبة اهـ نووي وخص المسك لحديث: (المسك أطيب الطيب) اهـ أبي وقوله (كهيئتها إذا طعنت) يعني تجيء بعين الصورة التي كانت حين طعنت ليظهر كون الرجل مظلومًا ولتتجه إليه رحمة الله تعالى اهـ تكملة. (وقال رسول الله على الله عليه وسلم) أيضًا (والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المؤمنين) أي لولا مخافة إدخال المشقة على المؤمنين (ما قعدت) وجلست في المدينة (خلف سرية) أي بعد خروج سرية (تغزو في سبيل الله ولكن لا أجد سعة) من المال فاشتري به دواب (فأحملهم) عليها (ولا يجدون) هم (سعة) من المال فيشترون الدواب ويركبونها (فيتبعوني و) الحال أنهم (لا تطيب) ولا ترضى (أنفسهم أن يقعدوا) في المدينة (بعدي) أي بعد خروجي إلى الغزو ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4731 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي زرعة وهمام بن منبه في رواية قوله صلى الله عليه وسلم لو أن أشق على المؤمنين إلخ (قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله على الله عليه وسلم يقول لولا أن أشق على المومنين ما قعدت خلاف سرية) وساق الأعرج (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث أبي زرعة وهمام في قوله لولا أن أشق إلخ وفي عامة النسخ (بمثل حديثهم) بلفظ الجمع وهو تحريف من النساخ.

وَبِهذَا الإِسْنَادِ "والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوَدِدتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ أُحيي" بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي زرعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. 4732 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ (يَعنِي الثقَفِيَّ). ح وَحَذَثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَثنَا مروَانُ بْنُ مُعَاويَةَ. كُلُهُم عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمتِي لأحَبَبْتُ أَنْ لَا أتخلفَ خَلْفَ سَرِيةٍ" نحوَ حَدِيثِهِم. 4733 - (00) (00) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سهيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) روى الأعرج عن أبي هريرة (بهذا الإسناد) يعني عن ابن أبي عمر عن سفيان عن أبي الزناد قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيى) إلخ وساق الأعرج (بمثل حديث أبو زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه) ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة فقال. 4732 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبو شيبة حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا ابن أبو عمر حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث الفزاري الكوفي ثقة، من (8) (كلهم) أي كل هؤلاء المذكورين من عبد الوهاب وأبي معاوية ومروان بن معاوية رووا عن يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني ثقة، من (5) (عن أبو صالح) ذكوان السمان القيسي مولاهم المدني ثقة، من (3) (عن أبو هريرة) رضي الله عنه وهذه الأسانيد من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح لأبي زرعة والأعرج وهمام بن منبه (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف خلف سرية) وساق أبو صالح (نحو حديثهم) أي نحو حديث هؤلاء الثلاثة المذكورين ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4733 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة، من (8) (عن سهيل بن أبو صالح عن أبيه) أبي صالح السمان (عن

أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "تَضَمَّنَ الله لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ" إِلَى قَولِهِ: "مَا تَخَلَّفْتُ خِلافَ سَريةٍ تغْزُو فِي سَبِيلِ الله تَعَالى". 4734 - (1830) (164) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالدٍ الأحمرُ، عَنْ شُعبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ؛ وَحُمَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالك، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "مَا مِنْ نَفسٍ تَمُوتُ. لَها عِندَ الله خَيرٌ. يَسُرُّها أنها تَرجِعُ إِلَى الدنيَا. وَلَا أَن لَها الدنيَا وَمَا فِيها ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سهيل ليحيى بن سعيد الأنصاري (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله على الله عليه وسلم: تضمّن الله لمن خرج) من بيته مجاهدًا (في سبيله) وساق سهيل الحديث (إلى قوله) صلى الله عليه وسلم (ما تخلفت خلاف سرية تغزو في سبيل الله تعالى) ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4734 - (1830) (164) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي صدوق من (8) (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) عن أنس رضي الله عنه (و) يروي أبو خالد عن (حميد) الطويل (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه فلأبي خالد سندان سند عن شعبة عن قتادة عن أنس وسند عن حميد عن أنس قال أبو علي الغساني ظاهر هذا الإسناد أن شعبة يرويه عن قتادة وحميد جميعا عن أنس قال وصوابه أن أبا خالد يرويه عن حميد عن أنس ويرويه أبو خالد أيضًا عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: وهكذا قاله عبد الغني بن سعيد قال القاضي فيكون حميد معطوفًا على شعبة لا على قتادة اهـ من الأبي وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من نفس تموت لها عند الله خير) وأجر وما مهملة لاقترانها بمن الزائدة ونفس مبتدأ وجملة تموت صفة أولى لها وجملة لها عند الله خير صفة ثانية لها وجملة (يسرُّها) خبر لها ولكنه خبر سببي وجملة (أنها ترجع إلى الدنيا) فاعل ليسر وجملة قوله (ولا أن لها الدنيا وما فيها) معطوف على جملة أن الأولى والتقدير أي ما منفس تموت لها عند الله خير سار إياها رجوعها إلى الدنيا ولا كون الدنيا وما فيها لها أي لا يسرها رجوعها إلى الدنيا ولا يسرها أنها تملك الدنيا وما فيها وجاء في نسخة وأن لها الدنيا بحذف لا فالواو على هذه النسخة حالية والمعنى لا يسرها رجوعها إلى الدنيا حالة كونها مالكة

إلا الشهِيدُ. فإنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرجِعَ فَيُقتَلَ فِي الدنْيَا. لِمَا يَرى مِنْ فَضْلِ الشهادَةِ". 4735 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالك يُحَدِّثُ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للدنيا وما فيها ولعل هذه النسخة على انفرادها أقرب إلى الصواب لأنها أشبه بالكلام وأليق بمعناه وقوله (إلا الشهيد) رُوي بالرفع بدلًا من نفس باعتبار محلها لأن محلها الرفع على الابتداء وبالنصب على الاستثناء والشهيد من قتله الكفار في المعركة فعيل بمعنى مفعول وسمي شهيدًا لأنه حيُّ فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار السلام وأرواح غيرهم إنما تشهدها يوم القيامة كذا قال النضر بن شميل وقال ابن الأنباري إن الله تعالى وملائكته يشهدون له بالجنة وقيل لأنه شهد عند خروج روحه ما أعده الله تعالى له من الثواب والكرامة وقيل لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيأخذون روحه وقيل لأنه يشهد بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله وقيل لأن عليه شاهدًا بكونه شهيدًا وهو الدم وقيل لأنه يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم وعلى هذا القول يشاركهم غيرهم في هذا الوصف هذا ملخص ما في شرح النووي (فإنه) أي فإن الشهيد (يتمنى) ويود (أن يرجع) إلى الدنيا (فيقتل في الدنيا لـ) أجل (ما يرى من فضل الشهادة) وثوابها وورد تفصيلًا عند النسائي والحاكم ولفظهما (يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله تعالى يا ابن آدم كيف وجدت منزلك فيقول أي رب خير منزل فيقول سل وتمن فيقول ما أسألك وأتمنى أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات) ووقع عند ابن أبي شيبة مرسلٌ لسعيد بن جبير وفيه أن المخاطب بذلك حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ووقع عند الترمذي أن ذلك وقع لعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنه اهـ فتح الباري [6/ 32]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [2817]، والترمذي في الجهاد [1694]، والنسائي في الجهاد [3106]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4735 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك يحدث عن

النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَدخُلُ الجنة. يُحب أن يرجِعَ إِلَى الدنْيَا، وَأَن لَهُ مَا عَلَى الأرضِ مِنْ شَيءٍ. غَيرُ الشهِيدِ. فَإنهُ يَتَمَنَّى أن يرجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَراتٍ. لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ". 4736 - (1831) (165) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله الْوَاسِطِي، عَنْ سُهيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: مَا يَعدِلُ الْجِهادَ فِي سَبِيلِ الله عَز وَجَل؟ قَال: "لَا تَسْتَطِيعُوه" ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لأبي خالد الأحمر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يدخل الجنة) فأحد مبتدأ خبره قوله (يحب أن يرجع إلى الدنيا و) الحال (أن له) جميع (ما على الأرض من شيء) من نعيمها وملكها وقوله (غير الشهيد) بالرفع بدل من المستثنى منه وهو فاعل يحب وبالنصب على الاستثناء والفاء في قوله (فإنَّه) تعليلية كما هو القاعدة في الفاء الواقعة بعد الاستثناء أي فإن الشهيد (يتمنى أن يرجع) إلى الدنيا (فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة) أي من كرامة الشهادة وفضلها ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال. 4736 - (1831) (165) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني نزيل مكة ثقة، من (10) (حدثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني أبو الهيثم (الواسطي) الطحان ثقة، من (8) (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان المدني صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ما يعدل) أي أي شيء يعدل ويساوي (الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ) ويماثله في الأجر والفضيلة قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسم هذا السائل ولعله سأله جماعة من الصحابة بدليل الجواب الآتي وقيل قائل ذلك من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث به وهم من الصحابة كابن عمر وأنس وأبي هريرة وجابر وأبي ذر وابن مسعود وحذيفة وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في جواب السائلين: (لا تستطيعوه) أي لا تستطيعون أن تفعلوا ما يعادل الجهاد يعني أن الأعمال التي تساوي وتعادل الجهاد لا

قَال: فَأَعَادُوا عَلَيهِ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. كُلُّ ذلِكَ يَقُولُ: "لَا تَستَطِيعُونَهُ". وَقَال فِي الثالِثَةِ: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ الصائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ الله. لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاصلاة. حَتَّى يَرجِعَ المجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله تَعَالى" ـــــــــــــــــــــــــــــ تستطيعون القيام بها لأنها كثيرة شاقة وقوله (لا تستطيعوه) هكذا هو في أكثر النسخ بحذف النون من غير جازم ولا ناصب وهي لغة فصيحة كما بيانها مرارًا وفي بعضها لا تستطيعونه بإثبات النون على اللغة المشهورة والأولى أيضًا صحيحة (قال) أبو هريرة: (فأعادوا عليه) صلى الله عليه وسلم السؤال (مرتين أو ثلاثًا كل ذلك) بالرفع على عامة النسخ أي كل ذلك السؤال المتكرر ويجوز نصبه على الظرفية أي في كل ذلك المذكور من المرات (يقول) في جوابه (لا تستطيعونه) أي لا تستطيعون القيام بذلك المعادل لأنه كثير شاق (وقال) في جوابهم (في) المرة (الثالثة) أو الثانية (مثل المجاهد في سبيل الله) وطاعته لإعلاء كلمة الله وطلب مرضاته أي صفته في الأجر الكثير والفضل الكبير (كمثل الصائم) جميع نهاره (القائم) جميع ليله بالصلاة (القانت) أي القارئ (بآيات الله) القرآنية آناء الليل والنهار أو المطيع المتمسك بها بامتثال مأموراتها واجتناب منهياتها (لا يفتر) ولا يترك شيئًا (من صيام ولاصلاة) ولا يقطعه في ساعاته ولا لحظاته (حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى) من الغزو إلى وطنه. يعني أن من لم يوفق للخروج إلى الجهاد ويريد أن ينال مثل ثواب المجاهد فعليه أن يصوم نهاره ويقوم ليله ويداوم على الطاعة لا يفتر عن ذلك شيئًا والقنوت يطلق على معان فيطلق على السكوت وعليه جاء حديث زيد بن أرقم (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت فقوموا لله قانتين فأمسكنا عن الكلام) في الصلاة ويطلق على الخشوع وعلى الطاعة ونحوها قوله (حتى يرجع المجاهد) أي يواظب ويداوم على هذه الحال لا يقصر فيها ولا يفتر عنها لحظة إلى أن يعود المجاهد ولا ريب أن هذه الحال لا يستطيعها بشر وهو معنى قوله لا تستطيعونه لما سألوا عما يعادل الجهاد في ثوابه وفضيلته اهـ ذهني وزاد النسائي من هذا الوجه (الخاشع الراكع الساجد) وفي الموطأ وابن حبان (كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع) ولأحمد والبزار من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله) وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل الثواب في كل حركة وسكون لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعةً من العبادة فأجره مستمر وكذلك المجاهد لا

4737 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويةَ. كُلُّهُم عَنْ سُهيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحوَهُ. 4738 - (1832) (166) حدّثني حَسَنُ بْنُ عَلِي الْحُلْوَانِي. حَدَّثَنَا أبُو تَوْبَةَ. حَدَثَنَا مُعَاويةُ بْنُ سَلامِ، عَنْ زَيدِ بْنِ سَلَّامِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سلامِ قَال: حَدَّثَنِي النُّعمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَال: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال رَجُلٌ: مَا أبَالِي أَنْ لَا أَعمَلَ عَمَلًا بَعدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب كذا في فتح الباري [6/ 7]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [2787 و 2785] والترمذي في الجهاد [1669]، والنسائي في الجهاد [3127]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4737 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية كلهم) أي كل من أبي عوانة وجرير بن عبد الحميد وأبي معاوية رووا (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما روى خالد الطحان عن سهيل غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لخالد بن عبد الله ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما فقال. 4738 - (1832) (66 1) (حدثني حسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) المكي ثقة، من (11) (حدثنا أبو توبة) الطرسوسي الربيع بن نافع الحلبي ثقة، من (10) (حدثنا معاوية بن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي ثقة، من (7) (عن) أخيه (زيد بن سلَّام) بن أبي سلام الحبشي الدمشقي ثقة، من (4) (أنه) أي أن زيدًا (سمع) جده (أبا سلَّام) ممطورًا الحبشي الدمشقي الأسود الأعرج ثقة، من (3) (قال) أبو سلَّام: (حدثني النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي أبو عبد الله المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) النعمان: (كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل) من المسلمين (ما أبالي) ولا أكترث (أن لا أعمل عملًا بعد

الإِسْلامِ. إلا أَنْ أَسْقِيَ الحاج. وَقَال آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعمَلَ عَمَلًا بَعدَ الإِسلامِ. إلا أن أعمُرَ المَسْجِدَ الحَرَامَ. وَقَال آخَرُ: الْجِهادُ فِي سَبِيلِ الله أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتم. فَزَجَرَهم عُمَرُ وَقَال: لَا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم عِندَ مِنْبَرِ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. وَهُوَ يَومُ الجُمُعَةِ. وَلكِن إِذَا صَليتُ الْجُمُعَةَ دَخلتُ فَاستَفتَيتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُم فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسلام إلا أن أسقي الحاج) وهذا كناية عن كون سقاية الحاج أفضل الأعمال عنده كأنه لا يحتاج إلى عمل آخر بعده وهذا الرجل هو العباس بن عبد المطلب قاله الخطيب اهـ من مبهمات مسلم (وقال آخر ما أبالي أن لا أعمل عملًا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام) وأخدمه وهذا الرجل هو عثمان بن طلحة أو شيبة بن عثمان وهما صحابيان من بني عبد الدار وكانا يليان حجابة البيت وقد ذكر أنهما تكلما جميعًا في ذلك قاله الخطيب أيضًا (وقال آخر: الجهاد أفضل مما قلتم) وهذا الثالث هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم قاله الخطيب أيضًا اهـ من مبهمات مسلم وقال الحافظ في الفتح [6/ 4] لم أقف على اسمه فارتفعت أصواتهم في المسجد (فزجرهم) أي فزجر هؤلاء الثلاثة (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه عن رفع أصواتهم في المسجد النبوي. (وقال) عمر في زجرهم: (لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أن هذا اليوم (يوم الجمعة) قال الذهني قوله (ما أبالي) أي لا أهتم ولا أكترث (أن لا أعمل) أي بعدم العمل بعد أن فزت بنعمة الإسلام (إلا أن أسقي) أي إلا عمل سقاية الحاج فإني أهتم إن لم أعمله وقد روي اسقي بضم الهمزة وفتحها ومعناهما هنا واحد وقوله (فزجرهم عمر) أي منعهم ونهاهم قوله (وهو يوم الجمعة) هو من كلام عمر رضي الله عنه قاله تأكيدًا لنهيهم عن رفع الصوت في المسجد زيادةً على قدر إسماع المخاطب خصوصًا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصوصًا يوم الجمعة حيث يجتمع الناس للصلاة ويحتمل أن يكون من كلام الراوي أراد به تعيين اليوم الذي حصل فيه هذا الكلام قال عمر: (ولكن إذا صليت الجمعة دخلت) على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاستفتيته) أي فسألته (فيما اختلفتم) أي عما اختلفتم فيه قال القاضي عياض فيه كراهية التحدث ورفع الصوت في المساجد عند اجتماع الناس وانتظارهم الصلاة كان كان في الخير لأن منهم المتنفل فيشغلهم ذلك وقال الأبي رفع الصوت هو ما زاد على

فَأَنْزَلَ الله عَز وَجَل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 19] الآيَةَ إِلَى آخِرِها. 4739 - (0) (0) وَحدَّثَنِيهِ عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحمن الدَّارِمي. حَدَّثَنَا يحيى بْنُ حَسانَ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ. أَخْبَرَنِي زَيدٌ؛ أنَّهُ سَمِعَ أبَا سَلَّامٍ قَال: حَدَثَنِي النُّعمَانُ بْنُ بَشِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قدر إسماع المخاطب وقوله (ولكن إذا صليت الجمعة دخلت) وفي رواية يحيى بن أبي كثير عند ابن جرير في تفسيره [10/ 96] (ولكن إذا صلَّى الجمعة دخلنا عليه). فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 19] إلى آخرها أي أجعلتم سقاية الحاج كمن امن أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن بالله ويؤيده الوجه الأول قراءة من قرأ (أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام) واستشكل بأن الآية نزلت قبل ذلك مبطلة لما افتخر به المشركون من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وسدانة الكعبة ويدل على كون نزولها في المشركين ما في آخر الآية من قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} واستشكل أيضًا بأن الثلاثة المذكورين هنا لم يزعموا أن السقاية والعمارة أفضل من الإيمان والجهاد وإنما اختلفوا في أيها أفضل بعد الإيمان قال الأبي وإذا أشكل أن الآية نزلت عند اختلافهم فيحل الإشكال بأن يكون بعض الرواة تسامح في قوله فأنزل الله الآية وإنما الواقع أنه صلى الله عليه وسلم قرأها على عمر حين سأله مستدلًا بها على أن الجهاد أفضل مما قاله أولئك فظن الراوي أنها نزلت حينئذٍ وقد تقرر في أصول التفسير أن الرواة ربما يقولون نزلت في كذا بمعنى أنه داخل في عموم الآية لا أنه سبب لنزولها والله أعلم وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث النعمان رضي الله عنه فقال. 4739 - (0) (0) (وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) (حدثنا يحيى بن حسان) بن حيان بتحتانية البكري البصري (حدثنا معاوية) بن سلام (أخبرني زيد) بن سلام (أنه سمع أبا سلام) ممطورًا الحبشي (قال) أبو سلام (حدثني النعمان بن بشير) رضي الله عنه وهذا السند من

قَال: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي تَوْبَةَ. 4740 - (1833) (167) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قعنَبِ. حَدَثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ الله أَوْ رَوحَةٌ، خَيرٌ مِنَ الدنْيَا وَمَا فِيها" ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته غرضه بيان متابعة يحيى بن حسان لأبي توبة (قال) النعمان بن بشير كنت عند منبر رسول الله على الله عليه وسلم) وساق يحيى بن حسان (بمثل حديث أبي توبة) ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4740 - (1833) (167) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني ثم البصري (حدثنا حماد بن سلمة) البصري (عن ثابت) بن أسلم البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله على الله عليه وسلم لغدوة) أي لمرة من الغدو وهو السير أول النهار إلى الزوال (في سبيل الله) أي في الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى (أو روحة) في سبيل الله تعالى أي لمرة من الرواح وهو السير من الزوال إلى آخر النهار وأو هنا للتقسيم لا للشك (خير من الدنيا وما فيها) من النعيم ومعناه أن الغدوة أو الروحة يحصل بها هذا الثواب ومعنى هذا الحديث أن فضل الغدوة أو الروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا لو ملكها إنسان وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باق اهـ ذهني. قال ابن دقيق العيد هذا الحديث يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل الغيب منزلة المحسوس تحقيقًا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع فلذلك وقعت المفاضلة بها لمالا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تغالى حكاه الحافظ في الفتح (6/ 14) ويؤيد هذا الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا فيهم عبد الله بن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث

4741 - (1834) (168) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعدٍ السَّاعِدِي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "وَالغدوَةَ يَغدُوها العَبْدُ فِي سَبِيلِ الله، خَير مِنَ الدنيَا وَمَا فِيها". 4742 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهيرُ بْنُ حَربٍ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعدٍ الساعِدِي، عَنِ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "غدوَة أَوْ رَوْحَة فِي سَبِيلِ الله، خَيرٌ مِنَ الدنيَا وَمَا فِيها" ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري في الجهاد (2892) وفي غيره والترمذي (1699) وابن ماجه (2783). ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. 4741 - (1834) (168) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني صدوق من (8) (عن أبيه) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني ثقة من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) أبي العباس المدني رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والغدوة) أي المرة الواحد من الغدو التي (يغدوها) ويمشيها (العبد في سبيل الله) تعالى أي ثوابها (خير من) ثواب التصدق بـ (ـالدنيا وما فيها) من النعيم لو أمكن ملكها والتصدق بها وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها في الجهاد (2794 و 2892) والترمذي في الجهاد (1700) والنسائي في الجهاد (3118) وابن ماجه (2782) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقال. 4742 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قال حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني (عن سهل بن سعد) بن مالك (الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لعبد العزيز بن أبي حازم وفائدة هذه المتابعة تقوية السند الأول (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (غدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها) ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال.

4743 - (1835) (169) - حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مروَانُ بْنُ مُعَاويةَ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ذَكْوَانَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لولا أَن رِجَالًا مِنْ أُمَّتِي" وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَقَال فِيهِ: "وَلَروحَة فِي سَبِيلِ الله أَوْ غدوَة، خَير مِنَ الدنيَا وَمَا فِيها". 4744 - (1836) (170) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4743 - (1835) (169) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث الفزاري الكوفي نزيل مكة ثقة من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني ثقة من (5) (عن كوان) القيسي (أبي صالح) السمان المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن رجالًا من أمتي) لا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا (وساق) أبو هريرة (الحديث) السابق في باب فضل الجهاد وهو ما كملناه هنا أو ساق حديث سهل فيكون متابعة في الشاهد ويكون قوله وقال تفسيرًا لساق (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا وهو معطوف على قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من كلام أبي هريرة أي قال أبو هريرة (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (فيه) أي في هذا الحديث (ولروحة في سبيل الله أو غدوة) فيها أي ولخرجة واحدة في الجهاد من آخر النهار أو أوله. وقوله ولروحة مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة تخصيصه بالصفة وهي قوله في سبيل الله والتقدير ولروحة كائنة في سبيل الله واللام في لروحة للتأكيد وقال ابن حجر للقسم ومعنى (خير من الدنيا وما فيها) أي ثواب ذلك الزمن القليل في الجنة خير من الدنيا وما اشتملت عليه قاله تزهيدًا في الدنيا وتصغيرًا لها وترغيبًا في الجهاد فينبغي أن يغتبط صاحب الغدوة والروحة بغدوته وروحته أكثر مما يغتبط أن لو حصلت له الدنيا بحذافيرها نعيمًا محضًا غير محاسب عليه مع أن هذا لا يتصور اهـ قسطلاني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (2793) وابن ماجه (2781) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنهما فقال. 4744 - (1836) (170) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم)

وَزهيرُ بْنُ حَربٍ (وَاللفْظُ لأبِي بَكْرٍ وَإِسْحَاقَ) (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَثَنَا الْمُقْرِئُ عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ. حَدّثَنِي شُرَحبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أبِي عَبْدِ الرحمن الْحُبْلِي. قَال: سَمِعْتُ أَبَا أَيوبَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "غَدوَةٌ فِي سَبِيلِ الله أَوْ رَوْحَةٌ، خَيرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيهِ الشمسُ وَغَرَبَت". 4745 - (0) (0) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحنظلي (وزهير بن حرب واللفظ لأبي بكر وإسحاق وقال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد) القصير أبو عبد الرحمن المصري نزيل مكة ثقة من (9) (عن سعيد بن أبو أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم أبي يحيى المصري ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (حدثني شرحبيل بن شريك المعافري) أبو محمد المصري صدوق من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي عبد الرحمن الحبلي) بضمتين وبضمة فسكون اسمه عبد الله بن يزيد نسبة إلى حي من اليمن يدعى بني الحبلي ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (قال) أبو عبد الرحمن (سمعت أبا أيوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري النجاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة في سبيل الله أو روحة) فيها (خير مما طلعت عليه الشمس وغريت) وللمتكلمين في حقيقة الدنيا قولان أحدهما أنها ما على الأرض من الهواء والجو والثاني أنها كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة والحاصل من أحاديث هذا الباب تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنّه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف بمن حصل له منها أعلى الدرجات اهـ قسط وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الجهاد (3119) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي أيوب رضي الله عنه فقال: 4745 - (0) (0) (حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ) بضم القاف وبسكون الهاء ثم زاي بعدها ألف أبو جابر المروزي ثقة من (11) مات سنة (262) وروى عنه مسلم أحد عشر حديثًا ولم يخرج حديثه أحد من أصحاب الأمهات غير الإمام مسلم.

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عن عَبْدِ الله بْنِ الْمُبَارَكِ، أخْبَرَنَا سعِيدُ بْنُ أَبِي أَيوبَ وَحَيوَةُ بْنُ شُرَيحٍ. قَال كُل وَاحِدٍ مِنهُمَا: حَدّثَنِي شُرَحبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن الْحُبْلِي؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أيوبَ الأَنْصَارِي يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِهِ سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا علي بن الحسن) بن شقيق العبدي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي ثقة من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) (حدثنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي المصري ثقة من (7) (وحيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي المصري ثقة من (7) (قال كل واحد منهما حدثني شرحبيل بن شريك) المعافري المصري (عن أبي عبد الرحمن الحبلي أنه سمع أبا أيوب الأنصاري) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن المبارك لعبد الله بن يزيد المقرئ في رواية هذا الحديث عن سعيد بن أبي أيوب (يقول) أبو أيوب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق عبد الله بن المبارك (بمثله) أي بمثل حديث المقرئ حالة كون ذلك المثل (سواءً) أي مساويا لحديث المقرئ لفظًا ومعنًى وهذا تأكيد لمعنى المماثلة والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثاني حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث النعمان بن بشير ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث أنس بن مالك الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والسادس حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد والثامن حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعةً واحدةً. ***

643 - (37) باب ما أعد للمجاهد في الجنة وتكفير خطاياه إذا قتل إلا الدين وأن أرواح الشهداء في الجنة وبيان فضل الجهاد والرباط وبيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة

643 - (37) باب ما أُعد للمجاهد في الجنة وتكفير خطاياه إذا قتل إلا الدين وأن أرواح الشهداء في الجنة وبيان فضل الجهاد والرباط وبيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة 4746 - (1837) (170) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أبُو هانِئٍ الْخَوْلاني، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحمنِ الْحُبْلي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدري؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَا أَبا سَعِيدٍ! مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمدٍ نَبِيا، وَجَبَت لَهُ الجنة" فَعَجِبَ لَها أَبُو سَعِيدٍ. فَقَال: أعِدها عَلَيَّ. يَا رَسُولَ اللهِ، فَفَعَلَ. ثُمَّ قَال: "وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 643 - (37) باب ما أُعد للمجاهد في الجنة وتكفير خطاياه إذا قتل إلا الدين وأن أرواح الشهداء في الجنة وبيان فضل الجهاد والرباط وبيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة 4746 - (1837) (170) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني نزيل مكة ثقة من (10) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9) (حدثني أبو هانئ) حميد بن هانئ (الخولاني) المصري لا باس به من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد المعافري المصري ثقة من (3) (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا سعيد من رضي بالله ربًا) أي من اعتقد بقلبه وأقر بلسانه بكون الله سبحانه ربًا ومالكًا (وبالإسلام) أي واعتقد بقلبه وأقر بلسانه بكون دين الإسلام (دينًا) له (وبـ) ـكون (محمد) صلى الله عليه وسلم (نبيًّا) ورسولًا له ومات على ذلك (وجبت له الجنة) فلا بد له من دخول الجنة قطعًا ولو دخل النار في كبائر عليه فمآله إلى الجنة على كل حال (فعجب لها) أي لهذه المقالة أي تعجب من حسنها (أبو سعيد فقال) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أعدها) أي أعد هذه المقالة (علي يا رسول الله) لأحفظها يعني استعاد هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم ليحفظه ويستبشر به (ففعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طلبه منه أبو سعيد من إعادتها عليه (ثم) بعدما أعادها له (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد (و)

أُخرَى يُرفَعُ بِها الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجنةِ. مَا بَينَ كُل دَرَجَتَينِ كمَا بَينَ السمَاءِ وَالأرضِ" قَال: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "الْجِهادُ فِي سَبِيلِ الله. الْجِهادُ فِي سَبِيلِ الله". 4747 - (1838) (171) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ بقيت عندي خصلة (أخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة) قال السندي في حواشي النسائي والمعنى عندي خصلة أخرى أو أعلمك خصلة أخرى اهـ قال القرطبي والدرجة المنزلة الرفيعة ويراد بها غرف الجنة ومراتبها التي أعلاها الفردوس كما جاء في الحديث ولا يظن من هذا أن درجات الجنة محصورة بهذا العدد بل هي أكثر من ذلك ولا يعلم حصرها وعددها إلا الله تعالى ألا تراه قد قال في الحديث الآخر (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أحمد (2/ 192) وأبو داود (1464) والترمذي (2914) فهذا يدل على أن في الجنة درجات على عدد أي القرآن وهي تنيف على ستة آلاف آية (6000) فإذا اجتمعت للإنسان فضيلة الجهاد مع فضيلة القرآن جمعت له تلك الدرجات كلها وهكذا كما زادت درجاته والله أعلم (ما بين) أي بعد ما بين (كل درجتين) منها (كما بين) أي كبعد ما بين (السماء والأرض) قال القرطبي قال شيخنا أبو محمد عبد العظيم المنذري قوله (مائة درجة) يحتمل أن يكون الحديث على ظاهره وأن الدرجات المنازل التي بعضها أرفع من بعض في الظاهر وكذلك منازل الجنة كما جاء في أصحاب الغرف أنهم يراهم من هو أسفل منهم كالكوكب الدري ويحتمل أن يكون المراد الرفعة المعنوية من كثرة النعم وعظم الإحسان بما لا يخطر على قلب بشر وأن أنواع النعم على المجاهد وثوابه يتفاضل تفاضلًا كثيرًا ومثل ذلك التفاضل في البعد بما بين السماء والأرض من البعد ورجح بعضهم الأول اهـ من المفهم (قال) أبو سعيد (وما هي) أي وما تلك الأخرى (يا رسول الله قال) هي (الجهاد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله) كرره للتأكيد وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 14) والنسائي في الجهاد (6/ 19) ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال. 4747 - (1838) (171) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن سعيد بن أبي سعيد) عن كيسان المقبري المدني ثقة من (3) (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري

أَنهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ قَامَ فِيهِم فَذَكَرَ لَهُم: "أَن الْجِهادَ فِي سَبِيلِ الله وَالإِيمَانَ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعمَال" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيتَ إِنْ قُتِلتُ فِي سَبِيلِ الله تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَال لَهُ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "نَعَم. إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ الله وَأَنتَ صَابِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني أبي إبراهيم المدني ثقة من (2) (عن أبي قتادة) الأنصاري السلمي بفتح السين واللام فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن ربعي المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن عبد الله بن أبي قتادة (سمعه) أي سمع قتادة (يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم (قام فيهم) أي في الصحابة خطيبًا (فذكر) صلى الله عليه وسلم (لهم) أي للصحابة (أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله) هما (أفضل الأعمال) الصالحة قال القرطبي الإيمان هنا هو المذكور في حديث جبريل ولا شك أنه أفضل الأعمال فإنه راجع إلى معرفة الله ورسوله وما جاء به وهو المصحح لأعمال الطاعات كلها المتقدم عليها في الرتبة والمرتبة وإنما قرن به الجهاد هنا في الأفضلية وإن لم يجعله من جملة مباني الإسلام التي ذكرها في حديث ابن عمر لأنه لم يتمكن من إقامة تلك المباني على تمامها وكمالها ولم يظهر دين الإسلام على الأديان كلها إلا بالجهاد فكأنه أصل في إقامة الدين والإيمان أصل في تصحيح الدين فجمع بين الأصلين في الأفضلية والله تعالى أعلم وقد حصل من مجموع هذه الأحاديث أن الجهاد أفضل من جميع العبادات العملية ولا شك في هذا عند تعينه على كل مكلف قدر عليه كما كان كذلك في أول الإسلام وكما قد تعين في هذه الأزمان إذ قد استولى على المسلمين أهل الكفر والطغيان فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وأما إذا لم يتعين فحينئذ تكون الصلاة أفضل منه على ما جاء في حديث أبي ذر إذ سال عن أفضل الأعمال فقال الصلاة على مواقيتها متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود اهـ من المفهم. (فقام رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (فقال يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إن قتلت في سبيل الله) هل (تكفر) وتمحى (عني خطاياي) وذنوبي بسبب قتلي في سبيل الله (فقال له) أي لذلك الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) تكفر عنك خطاياك (إن قتلت في سبيل الله وأنت) أي والحال أنك (صابر) على الآلام والجراح

مُحتَسِبٌ، مُقبِلٌ غيرُ مُدبِرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (محتسب) أجرك على الله تعالى قال النووي المحتسب هو المخلص لله تعالى فإن قاتل لعصبية أو غنيمة أو للصيت أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره (مقبل) على العدو (غير مدبر) هارب عنهم فقوله (أتكفر عني خطاياي) هذا بحكم عمومه يشمل جميع الخطايا ما كان من حقوق الله تعالى وما كان من حقوق الآدميين فجوابه بـ (ـنعم) مطلقًا يقتضي تكفير جميع ذلك لكن الاستثناء الوارد بعد ذا يبين أن هذا الخبر ليس على عمومه وإنما يتناول حقوق الله تعالى خاصة لقوله صلى الله عليه وسلم (إلا الدين) وذكره الدين تنبيه على ما في معناه من تعلق حقوق الغير بالذمم كالغصب وأخذ المال بالباطل وقتل العمد وجراحه وغير ذلك من التبعات فإن كل هذا أولى بأن لا يغفر بالجهاد من الدين لكن هذا كله إذا امتنع من أداء الحقوق مع تمكنه منه وأما إذا لم يجد للخروج من ذلك سبيلًا فالمرجو من كرم الله تعالى إذا صدق في قصده وصحت توبته أن يرضي الله تعالى خصمه عنه كما قد جاء نصًّا في حديث أبي سعيد الخدري المشهور في هذا وقد دل على صحة ما ذكرناه قوله صلى الله عليه وسلم لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة الحديث رواه أحمد ومسلم والترمذي وسيأتي إن شاء الله تعالى ولا يلتفت إلى قول من قال إن هذا الذي ذكره من الدين إنما كان قبل قوله صلى الله عليه وسلم (من ترك دينًا أو ضياعًا فعلي) الحديث متفق عليه يشير بذلك إلى أن ذلك المعنى منسوخ فينه قول باطل منسوخ فإن المقصود من هذا الحديث بيان أحكام الديون في الدنيا وذلك أنه كان من أحكامها دوام المطالبة وإن كان الإعسار وقال بعض الرواة إن الحروإن يباع في الدين وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على من مات وعليه دينار ولم يجد وفاء له فهذه الأحكام وأشباهها هي التي يمكن أن تنسخ والحديث الأول لم يتعرض لهذه الأحكام وإنما تعرض لمغفرة الذنوب فقط هذا إذا قلنا إن هذا ناسخ فأما إذا حققنا النَّظر فيه فلا يكون ناسخًا وإنما غايته أن تحمل النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى كرم خلقه عن المعسر دينه وسد ضيعة الضائع وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعينه (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فعلى هذا يكون هذا التحمل مخصوصًا به أو من جملة تبرعاته لما وسع الله عليه وعلى المسلمين وقد قيل في معنى هذا الحديث إن معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بذلك من مال الخمس والفيء ليبين أن للغارمين ولأهل الحاجة حقًّا في بيت مال المسلمين وإن

ثُمَّ قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "كَيفَ قُلتَ؟ " قَال: أرَأيتَ إِنْ قُتِلتُ فِي سَبِيلِ الله أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَاي؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "نَعَم. وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيرُ مدْبِرٍ. إلا الدَّيْنَ. فَإِن جِبْرِبلَ، عَلَيهِ السَّلامُ، قَال لِي ذلِك". 4748 - (0) (0) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ. أَخْبَرَنَا يحيى (يَعنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ. فَقَال: أَرَأيتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ الله؟ بِمَعنى حَدِيثِ اللَّيْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناظر لهم يجب عليه القيام بذلك لهم والله أعلم وفيه من الفقه جواز تأخير الاستثناء قدرًا قليلًا لأنه أطلق أولا فلما ولى دعاه فذكر له الاستثناء وقد يجاب عنه بأنه لما أراد أن يستثني أعاد اللفظ الأول ووصل الاستثناء به في الحال فلا يجوز التأخير ويدل على ذلك أن الاستثناء والتخصيص وغيرهما الصادرة عنه صلى الله عليه وسلم كل من عند الله لا من عند النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد وقد تقدم الخلاف في هذا الأصل اهـ من المفهم (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت قال أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي فقال رسول الله على الله عليه وسلم نعم) تكفر عنك (وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل - عليه السلام - قال لي ذلك) الذي قتله لك وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي (1712) والنسائي (6/ 34). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال. 4748 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى قال حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي ثقة من (9) (أخبرنا يحيى يعني بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني ثقة من (5) (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) المدني ثقة من (3) (عن عبد الله بن أبي قتادة) ثقة من (3) (عن أبيه) أبي قتادة رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لليث بن سعد (قال) أبو قتادة (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت إن قتلت في سبيل الله) وساق يحيى بن سعيد (بمعنى حديث الليث) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال.

4749 - (0) (0) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ قَيسٍ. ح قَال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَقَال: أرَأيتَ إِنْ ضَرَبْتُ بِسَيفِي. بِمَعنى حَدِيثِ الْمَقْبُرِيِّ. 4750 - (1839) (172) حدثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يحيى بْنِ صَالِحٍ الْمِصرِيُّ. حَدَّثنَا الْمُفَضَّلُ (يَعني ابْنَ فَضَالةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 4749 - (0) (0) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني نزيل مكة ثقة من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن ينار) الجمحي المكي (عن محمد بن قيس) الأموي مولاهم المدني أرسل عن الصحابة وروى عن أبيه وأبي بردة وأبي هريرة وأبي سلمة وعبد الله بن أبي قتادة في الجهاد ويروي عنه (م ت س ق) وعمرو بن دينار وابن عجلان والليث وابن أبي ذئب وثقه أبو داود وقال في التقريب ثقة من السادسة (ح قال) سفيان بن عيينة (وحدثنا محمد بن عجلان) القرشي المدني صدوق من (5) فهو معطوف على عمرو بن دينار فإن سفيان روى في السند الأول عن محمد بن قيس بواسطة عمرو بن دينار وفي هذا بواسطة محمد بن عجلان فلسفيان سندان (عن محمد بن قيس عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن قيس لسعيد بن أبي سعيد حالة كون كل من عمرو ومحمد بن عجلان (يزيد أحدهما على صاحبه أن رجلًا أتى النبي على الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (على المنبر) النبوي (فقال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (أرأيت) أي أخبرني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن ضريت) بضم التاء للمتكلم (بسيفي) الكافر فقتلته أتكفر خطاياي وساق محمد بن قيس (بمعنى حديث المقبري) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي قتادة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فقال. 4750 - (1839) (172) (حدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح) بن يعقوب الحرسي القضاعي أبو يحيى (المصري) ثقة من (10) روى عنه في (2) بابين الجهاد والنذور (حدثنا المفضل يعني ابن فضالة) بن عبيد بن ثمامة الرعيني القتاني بكسر القاف وسكون

عن عَيَّاشٍ (وَهُوَ ابنُ عَباسٍ الْقِتبَانِيُّ) عن عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ أَبِي عَبْدِ الرحمن الحُبلِيِّ، عن عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بْنِ العَاصِ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "يُغْفَرُ لِلشهِيدِ كُل ذَنبٍ، إلا الدينَ". 4751 - (0) (0) وحدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي أَيوبَ. حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْقِتْبَاني عَنْ أبِي عَبْدِ الرحمن الْحُبْلِي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "القَتْلُ فِي سَبِيلِ الله يُكَفِّرُ كُل شَيءٍ، إلا الدينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المثناة بعدها أبو معاوية المصري ثقة من (8) روى عنه في (3) أبواب. (عن عياش وهو ابن عباس) بموحدة ومهملة (القتباني) بكسر القاف وسكون المثناة فوق نسبة إلى قتبان بطن من رعين الحميري المصري ثقة من (6) (عن عبد الله بن يزيد) المكنى بـ (ـأبي عبد الرحمن) كنية لعبد الله (الحبلي) بضم المهملة والموحدة وبسكونها نسبة إلى حي من اليمن يدعى بني الحبل المعافري المصري ثقة من (3) (عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القتل في سبيل الله يكفر كل شيء) من الخطايا (إلا الدين) وجميع حقوق الآدميين كما قال الذهني وفي هذا تنبيه على ما في معناه من حقوق الآدميين أفاده النووي واستثناؤه صلى الله عليه وسلم الدين بعد أن قال للسائل عن تكفير الجهاد للخطايا نعم محمول على أنه أوحي إليه بذلك في الحال ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم فإن جبريل قال لي ذلك ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال. 4751 - (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الله بن يزيد) القصير مولى آل عمران أبو عبد الرحمن المصري (المقرئ) ثقة من (9) (حدثنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي أبو يحيى المصري ثقة من (7) (حدثني عياش بن عباس القتباني) نسبة إلى بطن من رعين (عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن أيوب للمفضل بن فضالة (أن النبي على الله عليه وسلم قال القتل في سبيل الله يكفر كل شيء) من الحقوق (إلا الدين) وما في معناه من الحقوق ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال.

4752 - (1840) (173) حدَّثنا يحيى بْنُ يحيى وَأبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ أبِي مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ. جَمِيعًا عَنِ الأعمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ (وَاللَّفُظْ لَهُ). حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ وَأَبُو مُعَاوَيةَ. قَالا: حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: سألْنَا عَبْدَ اللَّهِ (هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ) عَنْ هذِهِ الآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] قَال: أَمَا إِنَا قَدْ سَألْنَا عَنْ ذلِكَ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 4752 - (1840) (173) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة كلاهما عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (وعيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن الأعمش ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا أسباط) بن محمد بن عبد الرحمن مولى السائب بن يزيد الكوفي ثقة من (9) (وأبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة) الهمداني الكوفي ثقة من (3) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي ثقة من (2) (قال) مسروق (سألنا عبد الله هو ابن مسعود عن) معنى (هذه الآية) يعني قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} [آل عمران: 169] وهذه الأسانيد من سداسياته (قال) عبد الله بن مسعود (أما أنا قد سألنا). أما حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم أيها المخاطبون إنا معاشر الصحابة سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن ذلك) أي عن معنى هذه الآية وتأويلها فيكون الحديث مرفوعًا يدل على ذلك قرينة الحال فإن ظاهر حال الصحابي أن يكون سؤاله من النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في تأويل آية كهذه اهـ من المرقاة وعبارة القرطبي قوله (أما إنا سألنا عن ذلك فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالنا كذا صحت الرواية ولم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هو المراد منها قطعًا ألا ترى قوله (فقال) وأسند الفعل إلى ضميره وإنما سكت عنه للعلم به فهو مرفوع وليس هذا المعنى الذي في هذا الحديث مما يتوصل إليه بعقل ولا قياس وإنما يتوصل إليه بالوحي فلا يقال هو موقوف على عبد الله بن مسعود اهـ من المفهم.

"أَروَاحُهم فِي جَوْفِ طَيرٍ خُضرٍ. لَها قَنَادِيلُ مُعَلَّقَة بِالْعرشِ. تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيثُ شَاءَتْ. ثُمَّ تَأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ. فَاطَّلَعَ إِلَيهِم رَبهُمُ اطِّلاعَةً. فَقَال: هلْ تَشْتَهُونَ شَيئًا؟ قَالُوا: أَي شَيءٍ نَشْتَهِي؟ وَنَخنُ نَسْرَحُ مِنَ الجنة حَيثُ شِئنَا. فَفَعَلَ ذلِكَ بِهِم ثَلاثَ مَرات. فَلَما رَأَوْا أَنهُم لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يسأَلُوا، قَالُوا: يَا رَب، نُرِيدُ أَنْ تَردَّ أَروَاحَنَا فِي أَجسَادِنَا حَتَّى نقتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرة أُخْرَى. فَلَما رَأَى أَن لَيسَ لَهُم حَاجَةٌ تُرِكُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أرواحهم) أي أرواح الذين قتلوا في سبيل الله محفوظة (في جوف طير خضر) مكرمة ومنعمة فيه والمراد بجوفه الحوصلة والحوصلة للطير كالكرش لسائر الحيوان أي مكرمة منعمة في حوصلتها كما في الحديث الآخر "في حواصل طير خضر" والطير جمع طائر والخضر جمع أخضر كحمر جمع أحمر أي مستقرة في حواصلها صيانة لتلك الأرواح ومبالغة في إكرامها لإطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف الذي لا يحجب عما وراءه (لها) أي لتلك الأرواح (قناديل معلقة بالعرش) الله أعلم بحقيقتها غير أن ما جاء به الحديث هو أن هذه القناديل لأرواح الشهداء بمنزلة الأوكار للطائر فإنها تاوي إليها تغدو من تلك القناديل و (تسرح) أي ترتع وتأكل (من) نعيم (الجنة ثم) تروح و (تأوي) أي ترجع (إلى تلك القناديل) لأنها مستقرها ومنزلها إلى يوم القيامة (فأطلع إليهم) أي إلى الذين قتلوا في سبيل الله أي نظر إليهم (ربهم اطلاعة) أي نظرة أي اطلاعًا يليق بجلاله سبحانه وتعالى نثبته ونعتقده لا نكيفه ولا نمثله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وعبارة القرطبي أي تجلى لهم برفع حجبهم وكلمهم مشافهة بغير واسطة مبالغة في الإكرام وتتميمًا للإنعام اهـ (فقال) لهم ربهم (هل تشتهون) وتحبون (شيئًا) من النعيم غير ما كنتم عليه (قالوا أي شيء نشتهي) ونحب (ونحن) أي والحال أنا (نسرح) ونأكل (من) نعيم (الجنة حيث شئنا) أي من أي مكان شئنا (ففعل ذلك) السؤال (بهم) ربهم (ثلاث مرات فلما رأوا) وأيقنوا (أنهم لن يتركوا من أن يسألوا) ويجيبوا (قالوا يا رب يزيد أن ترد أرواحنا في أجسادنا) ونكون في الدنيا (حتى) نجاهد و (نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى) وعلم ربهم (أن) أي أنه (ليس لهم حاجة) إلى سؤال نعيم آخر (تركوا) على ما هم عليه. قوله (فلما رأى أن ليس لهم حاجة) أي في دار الجزاء وأما ما ذكروه من الرجوع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الدنيا والقتل مرة أخرى فليس مما سئلوا عنه لأنه يتعلق بدار العمل التي انقضى أجلها ولم يكن هذا السؤال إلا إكرامًا لهم وزيادةً في الإنعام ليعطوا ما يشتهونه في هذا العالم لا في العالم الماضي ولم يكن جوابهم إلا اعترافًا بنهاية من الإكرام وشكرًا عليه وأنهم ليس لهم حاجة ممكنة إلا وقد قضاها الله تعالى لهم اهـ تكملة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في التفسير (4098) وابن ماجه في الجهاد (2828) قال القرطبي ومعنى حياة الشهداء أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم بأن جعلت في جوف طير كما في هذا الحديث أو في حواصل طير خضر في الحديث الآخر صيانة لتلك الأرواح ومبالغة في إكرامها لإطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف الذي لا يحجب عما وراءه ثم يدركون في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله تعالى لهم ثم إن أرواحها بعد سرحها في الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضع مكرمة مشرفة منورة عبر عنها بالقناديل لكثرة أنوارها وشدتها والله أعلم وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية وهذا الحديث. وأما حديث مالك الذي قال فيه (إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في ثمر الجنة) رواه في الموطأ (1/ 240) فالمراد بالمؤمن فيه الشهيد والحديثان واحد في المعنى من باب حمل المطلق على المقيد وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر (إذا مات الإنسان عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه إلى يوم القيامة) رواه أحمد (5/ 51) والبخاري (6515) والنسائي (4/ 107) وابن ماجه (4270) فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يعرض عليه مقعده من الجنة وهو في موضعه من القبر أو الصور أو حيث شاء الله تعالى غير سارح في الجنة ولا داخل فيها وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد فينه يباشر ذلك ويشاهده وهو فيها على ما تقدم وكذلك أرواح الكفار تشاهد ما أعد الله لها من العذاب عند عرض ذلك عليه كما قال تعالى في آل فرعون {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 46] وعند هذا العرض تدرك روح الكفار من الألم والتخويف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحزن والعذاب بالانتظار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فنسأل الله العافية منها كما أنه يحصل للمؤمن عند عرض الجنة من الفرح والسرور والتنعم بانتظار المحبوب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فإذا أعيدت الأرواح إلى الأجساد استكمل كل فريق منهم ما أعد الله له وبهذا الذي ذكرناه تلتئم الأحاديث وتتفق والله الموفق وقد حصل من مجموع الكتاب والسنة أن الأرواح باقية بعد الموت وأنها منعمة أو معذبة إلى يوم القيامة. وقد اختلف الناس في الأرواح قديمًا وحديثًا ما هي وعلى أي حال هي اختلافًا كثيرًا واضطربوا فيها اضطرابًا شديدًا الواقف عليه يتحقق أن الكل منهم على غير بصيرة منها وإنما هي أقوال صادرة عن ظنون متقاربة ولا يشك أنه مما انفرد الله تعالى بعلم حقيقته وعلى هذا المعنى حمل أكثر المفسرين قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] فليقطع العاقل طمعه من علم حقيقته ولينظر هل ورد في الأقوال الصادقة ما يدل على شيء من صفته وعند تصفح ذلك واستقراء ما هناك يحصل للباحث أن الروح أمر ينفخ في الجسد ويقبض ويتوفى بالنوم والموت ويؤمن ويكفر ويعلم ويجهل ويفرح ويحزن ويتنعم ويتألم ويخرج ويدخل والإنسان يجد من ذاته بضرورته قابلًا للعلوم وأضدادها وللفكر وأضداده ولغير ذلك من المعاني فيحصل من مجموع تلك الأمور على القطع بأن الروح ليس من قبيل الأعراض لاستحالة كل ما ذكر عليها فيلزم أن يكون الروح من قبيل ما يقوم بنفسه وأنه قابل للإعراض وهل متحيز أو ليس بمتحيز ذهبت طوائف من الأوائل ومن نحا نحوهم من الإسلاميين إلى أنه قائم بنفسه غير متحيز وذهب أكثر أهل الإسلام إلى أن ذلك من أوصاف الحق سبحانه وتعالى الخاصة به وأنه لا تصح مشاركته في ذلك لأدلة تذكر في علم الكلام وأن الروح قائم بنفسه متحيز فهو من قبيل الجواهر اهـ من المفهم. قوله (أرواحهم في جوف طير) هذا أحد ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيين مستقر أرواح الشهداء وها هنا مباحث الأول في مستقر الأرواح بعد الموت وقد اختلف العلماء فيه قديمًا وحديثًا وقد محمد ابن القيم في ذلك نحوًا من سبعة عشر قولًا منها أن أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم وهذا مذهب أبي هريرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم ومنها أنهم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها ومنها أن الأرواح مستقرها أفنية قبورها ومنها أنها مرسلة تذهب حيث شاءت ومنها أن أرواح الشهداء في الجنة وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم وما إلى ذلك من الأقوال وقد بسط ابن القيم في كتاب الروح على هذه المسألة ثم لخص ما وصل إليه كما يلي الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهي أرواح الأنبياء صلواته وسلامه عليهم وهم مفتاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم بل من الشهداء من تحبس روحه من دخول الجنة لدين عليه أو غيره ومنهم من يكون محبوسًا على باب الجنة ومنهم من يكون محبوسًا على قبره ومنهم من يكون مقره باب الجنة ومنهم من يكون محبوسًا في الأرض لم تعل روحه إلى الملأ الأعلى فإنها كانت روحًا سفلية أرضية ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد بل روح في أعلى عليين وروح أرضية سفلية لا تصعد من الأرض. وأنت إذا تأملت السنن والآثار في هذا الباب وكان لك بها فضل اعتناء عرفت حجة ذلك ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضًا فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضًا لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأنًا غير شأن البدن وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه وهي أسرع شيء حركة وانتقالًا وصعودًا أو هبوطًا وإنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير فهناك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة وهنالك اللذة والراحة والنعيم والإطلاق وما أشبه حالها في هذا البدن بحال البدن في بطن أمه وحالها لها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار فلهذه الأنفس أربع دور كل دار أعظم من التي قبلها الدار الأولى في بطن الأم وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث والدار الثانية هي الدار التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاوة والدار الثالثة دار البرزخ وهي أوسع من هذه الدار وأعظم بل نسبتها إليها كنسبة

4753 - (1841) (174) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَال: "رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ" قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الدار إلى الأولى والدار الرابعة دار القرار وهي الجنة والنار فلا دار بعدها والله ينقلها في هذه الدور طبقًا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها ولا يليق بها سواها وهي التي خلقت لها وهيئت للعمل الموصل إليها ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الدار الأخرى فتبارك الله فاطرها ومنشؤها ومميتها ومحييها ومسعدها ومشقيها اهـ من الروح لابن القيم من ص (143 إلى 145) ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4753 - (1841) (174) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي ثقة من (10) (حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي الدمشقي ثقة من (8) (عن محمد بن الوليد) بن عامر (الزبيدي) بالزاي وبالموحدة مصغرًا أبي الهذيل الحمصي القاضي ثقة من (7) (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عطاء بن يزيد الليثي) الجندعي أبي يزيد المدني نزيل الشام ثقة من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي) أفراد (الناس أفضل) أي أعظم درجة عند الله وأكثر ثوابًا (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل السائل أفضلهم (رجل يجاهد في سبيل الله) ومرضاته لا لعصبية ولا لوطنية ولا لحمية بل يقاتل في طاعة الله تعالى لطلب مرضاته (بماله) أي بصرفه في مؤنة الجهاد (و) بـ (ــنفسه) بخروجه إلى الجهاد قال الحافظ في الفتح (6/ 6) وفي رواية للحاكم (أي الناس أكمل إيمانًا) وكأن المراد بالمؤمن من قام بما يتعين عليه القيام به ثم حصل هذه الفضيلة وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية اهـ (قال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد المجاهد (من) أفضل الناس يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال الرجل أفضلهم بعد المجاهد (مؤمن) دخل (في شعب من الشعاب) بكسر الشين فيهما والشعب ما انفرج بين جبلين أو

يَعْبُدُ الله رَبَّهُ، وَيدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الطريق أو الطريق في الجبل والناحية والمراد موضع العزلة كما هو مصرح في الرواية الآتية قال النووي وليس المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشعب مثالًا لأنه خال عن الناس غالبًا وقال ابن عبد البر إنما أوردت هذه الأحاديث بذكر الشعب والجبل لأن ذلك في الأغلب يكون خاليًا من الناس فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى كذا في فتح الباري (يعبد الله ربه ويدع الناس) أي يتركهم (من شره) وضرره لهم قال النووي وفي الحديث دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفي ذلك خلاف مشهور فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف من العلماء أن الاعتزال أفضل وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هوفيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك وما ذكره النووي رحمه الله تعالى من حمل الحديث على زمن الفتن يؤيده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الصحيحين (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) ثم إن العزلة المحمودة في هذا الحديث ليست الرهبانية المذمومة في القرآن لأن الرهبانية تتضمن إهمال الحقوق الواجبة للنفس والأهل والعباد بخلاف هذه العزلة فإن المقصود منها ترك الاختلاط مع الناس مع أداء حقوق النفس والأهل في العزلة والله سبحانه وتعالى أعلم. وعبارة القرطبي هنا قوله (أي الناس أفضل) أي أي الناس المجاهدين بدليل أنه أجابه بقوله رجل مجاهد بنفسه وماله ثم ذكر بعده من جاهد نفسه بالعزلة عن الناس إذ كل واحد من الرجلين مجاهد فالأول للعدو الخارجي والآخر للداخلي الذي هو النفس والشيطان فجاهدهما بقطع المألوفات والمستحسنات من الأهل والقرابات والأصدقاء والأوطان والشهوات المعتادات وكل ذلك فرارًا بدينه وخوفًا عليه وهذا هو الجهاد الأكبر الذي من وصل إليه فقد ظفر بالكبريت الأحمر غير أن العزلة إنما تكون مطلوبة إذا كفى المسلمون عدوهم وقام بالجهاد بعضهم فأما مع تعين الجهاد فليس غيره بمراد ولذلك بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث في بيان أفضلية الجهاد على العزلة اهـ من

4754 - (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهْرِي، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الليثِي، عَنْ أبِي سَعِيدٍ. قَال: قَال رَجُل: أَيُّ النَّاسِ أفْضَلُ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ الله" قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ. يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ". 4755 - (0) (0) وحدّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرِّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. فَقَال: "وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ" وَلَمْ يَقُلْ: "ثُمَّ رَجُلٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المفهم وشارك المؤلف في رواية هذ الحديث أحمد (3/ 37) والبخاري (2786) وأبو داود (2485) والترمذي (1660) والنسائي (6/ 11) وابن ماجه (3978) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4754 - (0) (0) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لمحمد بن الوليد (قال) أبو سعيد (قال) رجل من المسلمين (أي الناس أفضل) أي أكثر أجرًا عند الله تعالى وأعظم منزلة عنده (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه أفضلهم (مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال) الرجل (ثم من) أفضلهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أفضلهم (رجل معتزل) أي مبتعد مفارق للناس (في شعب) أي في ثنية (من الشعاب) أي من الثنايا حالة كونه (يعبد ربه ويدع الناس) أي يتركهم (من) إيصال (شره) إليهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال. 4755 - (0) (0) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) (أخبرنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد ترك ثقة من (9) (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي ثقة من (7) (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن أبي سعيد غرضه بيان متابعة الأوزاعي لمعمر بن راشد (فقال) الأوزاعي في روايته لفظة (ورجل في شعب ولم يقل) الأوزاعي لفظة (ثم رجل) كما قال لها معمر ثم استشهد

4756 - (1842) (175) حدَّثنا يحيى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْجَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "مِنْ خَيرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ الله. يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف لحديث أبي سعيد بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال. 4756 - (1842) (175) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني صدوق من (8) (عن أبيه) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني ثقة من (5) (عن بعجة) بفتح الباء وسكون العين بن عبد الله بن بدر الجهني كان يقيم بالمدينة أحيانًا وبالبادية أحيانًا ومات بالمدينة قبل القاسم بن محمد سنة (100) مائة ومات القاسم سنة (101) إحدى ومائة روى عن أبي هريرة في الجهاد وعن عقبة بن عامر في الضحايا ويروي عنه (خ م ت س ق) وأبو حازم سلمة بن دينار وأسامة بن زيد ويحيى بن أبي كثير وابناه عبد الله ومعاوية وعدة وثقه النسائي وقال في التقريب ثقة من (3) مات على رأس المائة وليس في رجال مسلم من اسمه بعجة إلا هذا الثقة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله على الله عليه وسلم أنه قال من خير معاش الناس) أي من أفضل مكاسب الناس وقوله (لهم) متعلق بخير قال النووي المعاش هو العيش وهو الحياة تقديره والله أعلم من خير أحوال عيشهم وقال القرطبي المعاش مصدر بمعنى المعيشة أو بمعنى العيش أي من أشرف طرق المعاش الجهاد ففيه دليل على جواز نية أخذ المغانم والاكتساب بالجهاد لكن إذا كان أصل النية في الجهاد أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله: (رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله) وبقوله: (يبتغي القتل مظانه) والجار والمجرور في قوله: (من خير معاش الناس) خبر مقدم على مبتدأه وهو قوله: (رجل ممسك) على صيغة اسم الفاعل (عنان فرسه) مفعول به لممسك والكلام على تقدير مضاف تقديره من أفضل مكاسب الناس لهم كسب رجل ممسك. أي آخذ بعنان بكسر العين أي لجام فرسه وأما بفتحها فهو ما ظهر من السماء كالسحاب والجو يعني متأهب للجهاد ومنتظر له واقف بنفسه للجهاد (في سبيل الله) تعالى (يطير) أي يسرع جدًّا راكبًا (على متنه) أي على ظهر فرسه حتى كأنه

كُلَّمَا سَمِعَ هَيعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيهِ. يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ. أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هذِهِ الشَّعَفِ. أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هذِهِ الأَوْدِيَةِ. يُقِيمُ الصَّلاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ. وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ. لَيسَ مِنَ النَّاسِ إلا فِي خَيرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يطير ومتن الفرس وغيره ظهره (كلما سمع هيعةً) بفتح الهاء وسكون الياء الصوت الذي يفزع منه ويخاف من عدو يقال هاع يهيع هيعة وهيوعًا وهيعانًا إذا جبن وفزع وهاع إذا جاع وأكثر ما تستعمل الهيعة في الصوت عند حضور العدو أي كما سمع هيعة أي صوت عدو (أو فزعة) أي استغاثة أي صوت استغاثة واستنصار من المسلمين على عدوهم والفزعة المرة من فزع إذا خاف أو نهض للإغاثة وملاقاة العدو وقوله (طار عليه) جواب كلما أي أسرع إلى ملاقاة العدو أو لإغاثة المسلمين راكبًا على فرسه كأنه يطير والطيران هنا وفي الجملة التي قبلها كناية عن المسارعة إلى لقاء العدو حالة كونه (يبتغي) ويطلب (القتل) أي قتل العدو له (والموت) في سبيل الله بلا قتل عدو له (مظانه) بالنصب على الظرفية أو بنزع الخافض جمع مظنة بكسر الظاء أي في المواضع التي يظن ويطمع فيها الموت في سبيل الله والمراد على الظرفية الشهادة في المواضع التي يرجى فيها الموت رغبة منه في أن يجود نفسه لله تعالى (أو رجل) معطوف على رجل مذكور أولًا أي من أفضل مكاسب الناس كسب رجل نازل (في غنيمة) بضم الغين تصغير غنم قطعة منها يعني قد أقنع نفسه بعدد يسير من الغنم يعيش بها أي كسب رجل راع غنيمة قليلة (في رأس شعفة) بفتح الشين والعين المهملة رأس الجبل أي في رأس شعفة كائنة (من هذه الشعف) التي تسرعون فيها مواشيكم وهو بفتحتين جمع شعفة أي يرعى تلك الغنيمة في موضع خال من الناس كشعفة من هذه الشعف (أو) كـ (ــبطن واد من هذه الأودية) التي ترعون فيها أغنامكم والوادي المكان المتسع بين الجبلين حالة كونه (يقيم الصلاة) أي يؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها (ويؤتي) أي ويصرف (الزكاة) المفروضة في مصاوفها الثمانية (ويعبد ربه) بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (حتى يأتيه اليقين) ويأخذه الموت واليقين بمعنى المتيقن حالة كونه (ليس من) معاشرة (الناس) ومعاملتهم (إلا في خير) ومعاملة حسنة بالإحسان إليهم وبالصفح عن إساءتهم إليه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 443) وابن ماجه (3977). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال.

4757 - (0) (0) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَيَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ). كِلاهُمَا عَنْ أبِي حَازِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ بَدْرٍ. وَقَال: "فِي شِعْبَةٍ مِنْ هذِهِ الشِّعَابِ" خِلافَ رِوَايَةِ يَحْيَى. 4758 - (0) (0) وحدّثناه أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ، عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ الله الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ بَعْجَةَ. وَقَال: "فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ". 4759 - (1843) (186) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِي عُمرَ الْمَكِّيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4757 - (0) (0) (وحدثناه قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء مع تخفيف الراء نسبة إلى قارة قبيلة مشهورة من العرب المدني ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من عبد العزيز ويعقوب بن عبد الرحمن رويا (عن أبي حازم بهذا الإسناد) يعني عن بعجة عن أبي هريرة رضي الله عنه غرضه بيان متابعة قتيبة ليحيى بن يحيى (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن يحيى (و) لكن (قال) قتيبة في روايته (عن بعجة بن عبد الله بن بدر وقال) قتيبة أيضًا (في شعبة من هذه الشعاب خلاف رواية يحيى) أي مخالفًا لرواية يحيى في ذلك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4758 - (0) (0) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كربب قالوا حدثنا وكيع عن أسامة بن زيد) الليثي المدني (عن بعجة بن عبد الله الجهني) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أسامة بن زيد لأبي حازم وساق أسامة بن زيد (بمعنى حديث أبي حازم عن بعجة و) لكن (قال) أسامة (في شعب من الشعاب) ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4759 - (1843) (186) (حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر المكي) العدني

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَينِ. يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ" فَقَالُوا: كَيفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "يُقَاتِلُ هذَا فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَيُسْتَشْهَدُ. ثُمَّ يَتُوبُ الله عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْلِمُ. فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُسْتَشْهَدُ". 4760 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالُوا: حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله) سبحانه وتعالى ضحكًا يليق به نثبته ونعتقده لا نكيفه ولا نمثله ولا نعطله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ناظرًا (إلى رجلين) عداه بإلى لتضمينه معنى نظر أي ينظر إليهما ضاحكًا منهما وللنسائي (إن الله ليعجب من رجلين) وقوله (يقتل أحدهما الآخر) صفة لرجلين ولكنها صفة سببية وكذا قوله: (كلاهما يدخل الجنة فقالوا) أي فقال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف) يدخل كلاهما الجنة (يا رسول الله قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقاتل هذا) المسلم (في سبيل الله عزَّ وجلَّ فيستشهد) أي فيقتل شهيدًا فيدخل الجنة إن لم يكن عليه دين (ثم يتوب الله على) الكافر (القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عزَّ وجلَّ فيستشهد) أيضًا. قال ابن عبد البر يستفاد من الحديث أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (2826) والنسائي (6/ 38) وابن ماجه (191) ثم ذكر المؤلف المتابعة فقال. 4760 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب قالوا حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة وساق سفيان الثوري (مثله) أي مثل حديث سفيان بن عيينة غرضه بيان متابعة الثوري لابن عيينة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال.

4761 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّام بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَضْحَكُ الله لِرَجُلَينِ. يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ". قَالُوا: كَيفَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "يُقْتَلُ هذَا فَيَلِجُ الْجَنَّةَ. ثُمَّ يَتُوبُ الله عَلَى الآخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَى الإِسْلامِ. ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله فيُستَشْهَدُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4761 - (0) (0) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النسيابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (قال) همام (هذا ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام للأعرج (فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أيضًا (يضحك الله) تعالى (لـ) ـشأن (رجلين يقتل أحدهما) وهو كافر (الآخر) وهو مسلم (كلاهما يدخل الجنة قالوا كيف يا رسول الله قال يقتل هذا) المسلم شهيدًا (فيلج) أي يدخل (الجنة ثم يتوب الله على الآخر) الذي قتل مسلمًا (فيهديه إلى الإسلام ثم) بعد إسلامه (يجاهد) هذا الآخر (في سبيل الله فيستشهد) أي فيقتل شهيدًا فيلج الجنة أيضًا وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث أبي قتادة الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس حديث أبي سعيد الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين والسادس حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعتين والسابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

644 - (37) باب من قتل كافرا ثم سدد وفضل من تصدق في سبيل الله وفضل إعانة الغازي وتغليظ حرمة نساء المجاهدين على القاعدين وسقوط فرض الجهاد عن المعذورين

644 - (37) باب من قتل كافرًا ثم سدد وفضل من تصدق في سبيل الله وفضل إعانة الغازي وتغليظ حرمة نساء المجاهدين على القاعدين وسقوط فرض الجهاد عن المعذورين 4762 - (1844) (117) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبدًا". 4763 - (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَوْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 644 - (37) باب من قتل كافرًا ثم سدد وفضل من تصدق في سبيل الله وفضل إعانة الغازي وتغليظ حرمة نساء المجاهدين على القاعدين وسقوط فرض الجهاد عن المعذورين 4762 - (1844) (117) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون) به إسماعيل (ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع كافر) قتل على كفره (وقاتله) المسلم الذي واظب على الإسلام وإن دخل النار لكبيرة عليه (في النار أبدًا) أي أصلًا واستشكل هذا بمن قتل كافرًا وارتكب الكبائر فالظاهر أنه يعاقب على ما ارتكب من الكبائر وأجاب عنه بعض العلماء بأن من قتل كافرًا لمرضاة ربه سبحانه فإنه يكفر عنه جميع ذنوبه حتى الكبائر فلا يدخل النار أبدًا وقال آخرون إن هذا ليس عامًا لكل من قتل كافرًا وإنما هو لمن قتله بنية مخصوصة أو في حال مخصوصة وقيل إنه يعاقب على كبيرته ولكن موضعه من النار غير موضع النار للكفار فلا يجتمعان حتى يعيره الكافر على دخول النار بأنه لم ينفعك قتلي وهذا الأخير يؤيده لفظ الرواية الآتية يعني قوله: (لا يجتمعان في النار اجتماعًا يضر أحدهما الآخر) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد (2495) والنسائي (2409) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4763 - (0) (0) (حدثنا عبد الله بن عون) بن أمير مصر أبي عون عبد الملك بن

الْهِلالِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ. إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ اجْتِمَاعًا يَضُرُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ" قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ". 4764 - (1845) (178) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد (الهلالي) أبو محمد البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد) بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح لعبد الرحمن بن يعقوب (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في النار اجتماعًا يضر أحدهما الآخر قيل من هم يا رسول الله قال مؤمن قتل كافرًا ثم سدد) أي واظب ذلك القاتل على الطريقة المثلى. فقوله: (اجتماعًا يضر أحدهما الآخر) يدل على أن اجتماعهما ممكن ولكن هذا اجتماع لا يضر به أحدهما الآخر بأن يعير الكافر المؤمن بأنه لم ينفعك قتلي وذلك بأن يختلف زمان دخول كل منهما أو مكانه واستشكل بعض الناس بعموم الرواية الأولى بأنها تدل على أنهما لا يجتمعان أبدًا وأجاب عنه العلماء بأن الرواية الأولى المطلقة محمولة على هذه المقيدة ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال. 4764 - (1845) (178) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة من (5) (عن أبي عمرو الشيباني) سعد بن إياس الكوفي عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرعى إبلًا لأهلي بكاظمة وشهد القادسية وهو ابن أربعين سنة وعاش مائة وعشرين سنة ثقة مخضرم من (2) مات سنة خمس أو ست وتسعين (96) (عن أبي مسعود الأنصاري) البدري عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته

قَال: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ. فَقَال: هذِهِ فِي سَبِيلِ الله. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لَكَ بِهَا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ. سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ. كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ". 4765 - (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) أبو مسعود (جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (بناقة مخطومة) أي عليها خطامها أي زمامها اهـ مفهم أي مربوط فمها بخطام أي بحبل (فقال) الرجل (هذه) الناقة صدقة مصروفة (في سبيل الله) أي في طريق الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى (فقال) له (رسول الله على الله عليه وسلم لك بها) أي بسبب هذه الناقة (يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) قال النووي رحمه الله تعالى يحتمل أن المراد له أجر سبعمائة ويحتمل أن يكون على ظاهره ويكون له في الجنة بها سبعمائة كل واحدة منهن مخطومة يركبهن حيث شاء للتنزه كما جاء في خيل الجنة ونجبها وهذا الاحتمال أظهر والله أعلم قال القرطبي هذه الحسنة مما ضوعف إلى سبعمائة ضعف وهو أقصى الأعداد المحصورة التي تضاعف الحسنات إليها وهذا كما قال تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] وبقي بعد هذه المضاعفة من غير حصر ولا حد وهي مفهومة من قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 121) والنسائي (6/ 49) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي مسعود هذا رضي الله عنه فقال. 4765 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة من (9) (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي ثقة من (7) (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى علم الفرائض والصواب الفرضي أبو محمد البصري ثقة من (10) (حدثنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري يعني غندرًا (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (كلاهما) أي كل من زائدة وشعبة رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن الشيباني عن أبي مسعود غرضه بيان متابعة زائدة وشعبة لجرير بن عبد الحميد ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي مسعود رضي الله عنه فقال.

4766 - (1846) (179) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي. فَقَال: "مَا عِنْدِي" فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَبْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4766 - (1846) (179) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب و) محمد بن يحيى (بن أبو عمر) العدني المكي (واللفظ لأبي كريب قالوا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن) سليمان (الأعمش عن أبي عمرو الشيباني) سعد بن إياس الكوفي (عن أبي مسعود الأنصاري) الخزرجي عقبة بن عمرو الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو مسعود (جاء رجل) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له الرجل (إني أبدع بي) بضم الهمزة وكسر الدال على صيغة الرباعي المبني للمجهول أي أهلكت راحلتي وانقطع بي سفري يقال لمن هلكت دابته وفرسه وكل ركابه وبقي مقطوعًا (أبدع به) ووقع في بعض النسخ (بدع بي) بضم الباء وتشديد الدال على صيغة فعل المضعف المبني للمجهول وهو بمعنى الأول وليس بمعروف قال القاضي والأول هو الصواب (فاحملني) يا رسول الله أي أعطني ما أتحمل عليه أي أحمل رحلي وأرتحل عليه (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما عندي) ما أحملك عليه (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه أيضًا (يا رسول الله أنا أدله) أي أدل هذا المبدع (على من يحمله) أي على من يعطي الحمولة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دل) ذا الحاجة (على) فاعل (خير فله) أي فلذلك الدال (مثل أجر فاعله) أي فاعل ذلك الخير أي له ثواب مثل ثواب من أعطاه وإن اختلفا قدرًا والحديث يشمل بعمومه بتعليم العلم والمماثلة في أصل الأجر لا في مقداره اهـ ذهني قال النووي فيه فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم والمراد بمثل أجر فاعله أن له ثوابًا بتلك الدلالة كما أن لفاعله ثوابًا بذلك الفعل ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء اهـ.

4767 - (0) (0) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القرطبي ظاهر هذا اللفظ أن للدال من الأجر ما يساوي أجر الفاعل المنفق وقد ورد مثل هذا في الشرع كثيرًا كقوله (من قال مثل ما يقول المؤذن كان له مثل أجره) رواه أحمد (2/ 352) والنسائي (2/ 24) والحاكم (1/ 204) وابن حبان بلفظ (من قال مثل ما قال هذا يقينًا دخل الجنة) وكقوله فيمن توضأ وخرج إلى الصلاة فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها أخرجه أبو داود (564) والنسائي (2/ 111) وهو ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [/] وهذا لمعنى يمكن أن يقال فيه ويصار إليه بدليل أن الثواب على الأعمال إنما هو تفضل من الله تعالى فيهبه لمن يشاء على أي شيء صدر منه وبدليل أن النية هي أصل الأعمال فإذا صحت في فعل طاعة فعجز عنها لمانع منع منها فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل أو يزيد عليه وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم (نية المؤمن خير من عمله) رواه الطبراني في الكبير ولقوله صلى الله عليه وسلم (إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم العذر) رواه أحمد (3/ 103) والبخاري (2839) وأبو داود (2508) وابن ماجه (2764) إلى غير ذلك من الأحاديث اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 273) وأبو داود (5129) والترمذي (2671) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي مسعود هذا رضي الله عنه فقال. 4767 - (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي البصري (أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان) الثوري (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة من عيسى وشعبة وسفيان رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي عمرو عن أبي مسعود غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي معاوية ثم استشهد المؤلف لحديث أبي مسعود بحديث أنس رضي الله عنه فقال.

4768 - (1847) (180) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثنَا بَهْزٌ. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثنَا ثَابِتٌ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَال: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُرِيدُ الْغَزْوَ وَلَيسَ مَعِي مَا أَتَجَهَّزُ. قَال: "ائْتِ فُلانًا فَإنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ. فَأَتَاهُ فَقَال: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ: أَعْطِنِي الَّذي تَجَهَّزْتَ بِهِ. قَال: يَا فُلانَةُ، أَعْطِيهِ الَّذِي تَجَهَّزُتُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4768 - (1847) (180) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفار ثقة من (10) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (واللفظ له حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) (حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس بن مالك) وهذا السند أيضًا من خماسياته (أن فتًى) أي أن شابًّا (من) قبيلة (أسلم) قبيلة مشهورة من العرب لم أر من ذكر اسم هذا الفتى (قال يا رسول الله إني أريد الغزو) أي الخروج له (وليس معي ما أتجهز) به أي ما أتهيأ به للغزو وجهاز الغازي ما يحتاج إليه في غزوه من العدة والسلاح والنفقة وغير ذلك اهـ من المفهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للفتى (ائت فلانًا) واذهب إليه وخذ منه جهازه الذي تجهز به لم أر من ذكر اسم فلان هذا (فإنه) أي فإن فلانًا هذا (قد) كان (تجهز) وتهيأ للغزو (فمرض) مرضًا يمنعه من الخروج إلى الغزو (فأتاه) أي فأتى الفتى فلانًا (فقال) له (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك) أي يقرأ عليك (السلام ويقول أعطني) أي يأمرك أن تعطيني الجهاز (الذي تجهزت) وهيأت (به) للخروج إلى الغزو (قال) ذلك الفلان يا (فلانة) لم أر من ذكر اسمها (أعطيه) أي أعط هذا الفتى الجهاز (الذي تجهزت) وهيأت (به) للخروج إلى الغزو وخاطب به زوجته أو أمته وأمرها أن تعطيه جميع جهازه وفيه أن ما نوى الإنسان صرفه في جهة بر فتعذرت تلك الجهة يستحب له أن يبذله في جهة أخرى من البر ولا يلزمه ذلك ما لم يلتزمه بالنذر قاله النووي قال في المجمع تجهيز الغازي تحميله وإعداد ما يحتاج إليه في غزوه وقال

وَلَا تَحْبِسِي عَنْهُ شَيئًا. فَوَاللهِ، لَا تَحْبِسِي مِنْهُ شَيئًا فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ". 4769 - (1848) (181) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. وَقَال سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأَشّجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنيِّ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزَا ـــــــــــــــــــــــــــــ في القاموس جهاز المسافر ما يحتاج إليه وقد جهزه تجهيزًا فتجهز (ولا تحبسي) أي لا تمسكي عندك ولا تمنعي (عنه) أي عن هذا الفتى (شيئًا) مما جهزته (فوالله لا تحبسي منه) أي مما جهزته (شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا (فيبارك) الله (لك فيه) أي في الشيء الذي حبستيه عنه بنصب يبارك بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي والتقدير لا يكون منك حبس شيء منه فبركة الله لك فيه وفي رواية أبي داود فيبارك الله لك فيه بزيادة لفظ الجلالة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (2780) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي مسعود بحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما فقال. 4769 - (1848) (181) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني نزيل مكة ثقة من (10) (وأبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (قال أبو الطاهر أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9) (وقال سعيد حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المدني ثم المصري ثقة من (5). (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني ثقة من (2) (عن زيد بن خالد الجهني) المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من جهز غازيًا في سبيل الله) تعالى بأن هيأ له أسباب سفره من ماله أو من مال الغازي (فقد غزا) فله مثل أجر الغازي وإن لم يغز حقيقة من غير أن ينقص من أجر الغازي شيء لأن الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكون ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو ولكنه يضاعف الأجر لمن جهزه من ماله ما لا يضاعف لمن دله أو أعانه إعانة مجردة عن بذل المال نعم من تحقق عجزه عن الغزو

وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيرٍ فَقَد غَزا". 4770 - (0) (0) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيع الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). حَدَّثَنَا حُسَينٌ الْمُعَلِّمُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ. قَال: قَال نَبِيُّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنَ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَد غَزَا. وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وصدقت نيته ينبغي أن لا يختلف أن أجره يضاعف كأجر العامل المباشر لما مر فيمن نام عن حزبه (ومن خلفه) أي خلف الغازي في سبيل الله (في أهله) ومن يتركه (بخير) بأن ناب عنه في مراعاتهم وقضاء مآربهم زمان غيبته (فقد غزا) أي شاركه في الأجر من غير أن ينقص من أجره شيء لأن فراغ الغاز له وانشغاله به بسبب قيامه بأمر عياله فكأنه مسبب من فعله. فإن قلت: هل من جهز غازيًا على الكمال ويخلفه بخير في أهله له أجر غازيين أو غاز واحد أجاب ابن أبي جمرة بأن ظاهر اللفظ يفيد أن له أجر غازيين لأنه صلى الله عليه وسلم جعل كل فعل مستقلًا بنفسه غير مرتبط بغيره اهـ قسطلاني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 115) والبخاري (2483) وأبو داود (2509) والترمذي (1628) والنسائي (6/ 46) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه فقال. 4770 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) التيمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة من (8) (حدثنا حسين) بن ذكوان (المعلم) المكتب العوذي البصري ثقة من (6) (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح ابن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5) (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن بسر بن سعيد) الحضرمي المدني ثقة من (2) (عن زيد بن خالد الجهني) المدني رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لبكير بن الأشج (قال) زيد بن خالد (قال نبي الله على الله عليه وسلم من جهز غازيًا فقد غزا ومن خلف غازيًا في أهله فقد غزا) والظاهر أن الرجل يكتب في الغزاة ثم إن الغزاة يختلفون في الأجر على قدر أعمالهم في الغزو وتحملهم المشاق واقتحامهم الأخطار فلا يستلزم هذا أن يكون ثوابه مساويًا لثواب من باشر القتال بنفسه وإنما يثاب كل على قدر عمله بعد اشتراكهم في حصول أجر مطلق الجهاد والله أعلم ثم استشهد المؤلف ثالثًا

4771 - (1849) (182) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ. حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى الْمَهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لِحْيَانَ، مِنْ هُذَيلٍ. فَقَال: "لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَينِ أَحَدُهُمَا. وَالأَجْرُ بَينَهُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ لحديث أبي مسعود بحديث أبي سعيد رضي الله عنهما فقال. 4771 - (1849) (182) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ــابن علية) اسم أمه كما مر مرارًا (عن علي بن المبارك) الهنائي البصري ثقة من (7) (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل (حدثني أبو سعيد) سالم بن عبد الله (مولى المهري) بفتح الميم وسكون الهاء كما في المغني وقد ذكر النووي أن له ألقابًا كثيرة ونسبًا كثيرة وهو من الثقات التابعين روى عن أبي سعيد وأبي ذر ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي كثير وابنه سعيد وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول من (3) وأما المهري فاسمه رشدين بكسر الراء وسكون المعجمة بن سعد مولى مفلح المهري بفتح الميم وسكون الهاء أبو الحجاج المصري ضعيف رجح عليه أبو حاتم ابن لهيعة وقال ابن يونس كان صالحًا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث من السابعة اهـ تقريب وراجع التهذيب أيضًا (12/ 111 و 112) روى عنه المؤلف في (2) الحج والجهاد (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا) أي أرسل جيشًا من العساكر والبعوث هم السرايا والعساكر الذين يبعثهم الإمام للغزو (إلى بني لحيان) بفتح اللام وكسرها مع سكون الحاء كما مر في القسامة هم بطن (من هذيل) مصغرًا قبيلة كبيرة مشهورة من العرب لأن لحيان هم بطن من هذيل بن مدركه بن إلياس بن مضر بطن ينسب إليهم نفر من أهل العلم ويقال في النسب إليه اللحياني اهـ من المفهم وكان بنو لحيان كفارًا في ذلك الوقت (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للجيش الذين أرسلهم (لينبعث) أي لينهض وليقم (من كل رجلين) منكم (أحدهما) والآخر يتخلف عن صاحبه لمصالحه (و) يكون (الأجر بينهما) وهذا خطاب للبعث الذي بعثهم إلى بني لحيان والمراد أن يخرج من كل قبيلة نصف عددهم قال النووي اتفق العلماء على أن بني لحيان كانوا كفارًا في ذلك الوقت فبعث إليهم بعثًا يغزو بهم وقال لذلك البعث ليخرج من كل

4772 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ) قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ: حَدَّثَنَا الْحُسَينُ، عَنْ يَحْيَى. حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى الْمَهْرِيِّ. حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا، بِمَعْنَاهُ. 4773 - (0) (0) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ الله (يَعْنِي ابْنَ مُوسَى) عَنْ شَيبَانَ، عَنْ يَحْيَى، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4774 - (0) (0) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبيلة نصف عددها وهو المراد من كل رجلين أحدهما اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 35 و 49 و 55) وأبو داود في الجهاد باب ما يجزئ من الغزو (2510) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4772 - (0) (0) (وحدثنيه إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج (أخبرنا عبد الصمد يعني ابن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري صدوق من (9) (قال) عبد الصمد (سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري ثقة من (8) أي سمعته حالة كونه (يحدث) لنا الحديث قال في تحديثه لنا (حدثنا الحسين) بن ذكوان المعلم العوذي البصري ثقة من (6) (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل ثقة من (5) (حدثني أبو سعيد مولى المهري حدثني أبو سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة حسين المعلم لعلي بن المبارك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا) أي أرسل جيشًا للغزو وساق حسين المعلم (بمعناه) أي بمعنى حديث علي بن المبارك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال. 4773 - (0) (0) (حدثني إسحاق بن منصور) الكوسج (أخبرنا عبيد الله يعني ابن موسى) العبسي الكوفي ثقة من (9) (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم البغدادي ثقة من (7) (عن يحيى) بن أبي كثير (بهذا الإسناد) يعني عن المهري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه غرضه بيان متابعة شيبان لعلي بن المبارك وساق شيبان (مثله) أي مثل حديث علي بن المبارك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4774 - (0) (0) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن عشبة الخراساني ثقة من (10)

حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى الْمَهْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ: "لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَينِ رَجُلٌ" ثُمَّ قَال لِلْقَاعِدِ: "أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيرٍ، كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارجِ". 4775 - (1850) (183) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري ثقة من (9) (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها ثقة من (5) (عن يزيد بن أبي سعيد مولى المهري) المدني مقبول من (6) (عن أبيه) أبي سعيد مولى المهري اسمه سالم بن عبد الله المدني صدوق من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة يزيد بن أبي سعيد ليحيى بن أبي كثير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث) أي أرسل جيوشًا (إلى) حرب (بني لحيان) وهم يومئذ كفار ثم قال للجيش (ليخرج) بالجزم على أنها لام الأمر وبالنصب على أنها لام كي أي ليخرج أيها المسلمون للجهاد أو بعثتكم ليخرج (من كل رجلين) منكم (رجل) واحد والآخر يخلفه في أهله (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (للقاعد) منهما ليخلف عن الخارج في أهله (أيكم) أيها القاعدون (خلف الخارج) للجهاد أي خلف عنه (في أهله وماله بخير) أي بمصالحهم (كان له) أي لذلك القاعد (مثل نصف أجر الخارج) للجهاد. واستشكل بعضهم كون أجر القاعد نصف أجر الخارج وزعم أنه معارض لما مر من أن من جهز غزيًا فقد غزا أوكان له مثل أجره حتى ادعى القرطبي أن لفظ النصف مقحم من أحد الرواة وقال الحافظ في الفتح (6/ 50) والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر فلا تعارض بين الحديثين اهـ ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فقال. 4775 - (1850) (183) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان)

عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ، كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ، فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إلا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ. فَمَا ظَنُّكُمْ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الثوري (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي ثقة من (6) (عن سليمان بن بريدة) مصغرًا بن الحصيب مصغرًا أيضًا الأسلمي المروزي ثقة من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي المروزي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) بريدة (قال رسول الله على الله عليه وسلم حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم) عليهم يعني أنه يجب على القاعدين من احترامهن والكف عن أذاهن والتعرض لهن ما يجب عليهم في أمهاتهم اهـ من المفهم وهذا مبالغة في اجتناب نسائهم ومراعاة حقوقهن قال النووي وهذا الاحترام في شيئين أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك والثاني في برهن والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يتوصل بها إلى ريبة ونحوها اهـ (وما من رجل من القاعدين يخلف رجلًا من المجاهدين في أهله فيخونه) أي فيخون ذلك القاعد المجاهد (فيهم) أي في أهله (إلا وقف) ذلك القاعد (له) أي للمجاهد (يوم القيامة فيأخذ) المجاهد (من) حسنات (عمله) أي عمل القاعد (ما شاء) كلًّا أو بعضًا وخيانته فيهم تكون بوجهين إما بالتعرض بنظر محرم وأمثاله وإما بعدم دفع احتياجاتهم وبالتساهل في تدبير مصالحهم وهما حرام (فما ظنكم) في أخذه من عمله قال النووي معناه ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستكثار منها في ذلك المقام أي لا يبقى منها شيئًا إن أمكنه اهـ قال القرطبي يعني أن المخون في أهله إذا مكن من أخذ حسنات الخائن لم يبق له منها شيئًا ويكون مصيره إلى النار وظهر من هذا الحديث أن خيانة الغازي في أهله أعظم من كل خيانة لأن ما عداه لا يخير في أخذ كل الحسنات وإنما يأخذ بكل خيانة قدرًا معلومًا من حسنات الخائن وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 352) وأبو داود (2496) والنسائي (6/ 50) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فقال.

4776 - (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال (يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) بِمَعْنَى حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ. 4777 - (0) (0) وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَعْنَبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ "فَقَال: فَخُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 4776 - (0) (0) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي ثقة من (9) (حدثنا مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة بضم العين الهلالي الكوفي ثقة من (7) (عن علقمة بن مرتد عن) سليمان (بن بريدة عن أبيه) بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مسعر بن كدام لسفيان الثوري (قال) بريدة (قال يعني) بريدة بقوله قال (النبي صلى الله عليه وسلم) وساق مسعر (بمعنى حديث الثوري) يعني سفيان بن سعيد ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال. 4777 - (0) (0) (وحدثناه سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن قعنب) بسكون العين ثم نون آخره موحدة بن عتاب بن الحارث التميمي الكوفي كان من خيار الناس له عندهم هذا الحديث فقط حديث بريدة بن الحصيب روى عن علقمة بن مرثد وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ويروي عنه (م د س) وابن عيينة ووثقه وقال في التقريب صدوق من السادسة وليس من الرواة من اسمه قعنب إلا هذا وفيه يقول جرير يفخر على الفرزدق: - قل لخفيف القصبات الجوفان ... جيئوا بمثل قعنب والعلهان اهـ تاج العروس. وفي القاموس ومعنى القعنب في الأصل الشديد الصلب من كل شيء والأسد والذكر من الثعلب وجد عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي القعنبي أبي عبد الرحمن المدني اهـ (عن علقمة بن مرثد بهذا الإسناد) يعني عن سليمان بن بريدة عن أبيه غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة قعنب لسفيان الثوري (فقال) قعنب في روايته إلا وقف له يوم القيامة (فـ) ـيقال للمجاهد (خذ من حسناته) أي من حسنات القاعد (ما شئت) قال

فَالْتَفَتَ إِلَينَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ فَقَال: "فَمَا ظَنُّكُمْ؟ ". 4778 - (1851) (184) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ فِي هذِهِ الآيَةِ: {لَا يَسْتَوي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... } { ... وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] فَأمَرَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَيدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ يَكْتُبُهَا. فَشَكَا إِلَيهِ ابْنُ أُمَّ مَكْتُومٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بريدة بن الحصيب (فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند قوله فيقال له خذ من حسناته ما شئت (فقال ما ظنكم) في ذلك المجاهد هل تظنون أنه يأخذ جميع حسناته أو يترك له بعضها بل يأخذ جميعها ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال. 4778 - (1851) (184) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي (أنه سمع البراء) بن عازب رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (يقول) أي البراء (في) نزول (هذه الآية) يعني قوله تعالى: {لَا يَسْتَوي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ} {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]. لما كاد أن تنزل هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه كاتب الوحى له صلى الله عليه وسلم قجاءه زيد (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا) بأن يأتيه بدواة وكتف (فجاء) هـ زيد (بكتف) أي بعظم كتف الجمل ودواة فأخذه الوحي فلما سري عنه أملاها على زيد وأمره أن (يكتبها) فكتبها زيد بلا استثناء غير أولي الضرر في كتف والكتف بفتح الكاف وكسر التاء الفوقية عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس وفي الحديث جواز كتابة القرآن على الكتف والألواح ونحوهما وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عند أحمد وأبي داود (إني لقاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أوحي إليه وغشيته السكينة فوضع فخذه على فخذي قال زيد فلا والله ما وجدت شيئًا قط أثقل منها فصرح خارجة بأن نزولها كان بحضرة زيد) فبين هذه الرواية وبين رواية الباب معارضة فيحمل قوله في رواية الباب دعا زيدًا فكتبها على أنه لما كادت أن تنزل كما مر في حلنا (فشكا إليه) صلى الله عليه وسلم عمرو أو عبد الله بن زائدة القرشي العامري (ابن أم مكتوم) كنية

ضَرَارَتَهُ. فَنَزَلَت: {لَا يَسْتَوي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. قَال شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ، فِي هذِهِ الآيَةِ: {لَا يَسْتَوي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ. وَقَال ابْنُ بَشَّارٍ فِي رِوَايَتهِ: سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أمه واسمها عاتكة (ضرارته) بفتح الضاد المعجمة أي عماه وذهاب بصره أي أخبره على سبيل الشكوى أنه أعمى فلا أقدر على الجهاد (فنزلت) الآية مرة ثانية مع الاستثناء حيث قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ} أي غير أصحاب العذر بالرفع صفة للقاعدين لأنه لم يقصد به قوم بأعيانهم أو بدل منه وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على الحال والاستثناء وقرئ بالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه وعن زيد بن ثابت أنها نزلت ولم يكن فيها غير أولي الضرر فقال ابن أم مكتوم كيف وأنا أعمى فغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه الوحي فوقعت فخذه على فخذي فخشيت أن ترضها ثم سري عنه فقال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر اهـ بيضاوي. (قال شعبة) بالسند السابق (وأخبرني) أيضًا كما أخبرني أبو إسحاق (سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن رجل) يحتمل أنه أبوه إبراهيم بن عبد الرحمن كما تشير إليه الرواية الآتية (عن زيد بن ثابت في هذه الآية) متعلق بأخبرني يعني قوله تعالى: {لَا يَسْتَوي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله (بمثل حديث البراء) متعلق بأخبرني أيضًا ويكون استشهادًا لحديث البراء قال المؤلف (وقال ابن بشار في روايته) وأخبرني (سعد بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم وقوله (عن رجل) لعله بدل غلط عما قبله أو تحريف من النساخ والله أعلم (عن زيد بن ثابت) رضي الله عنه. قوله (فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) فإن قلت لم كرر الراوي لا يستوي القاعدون من المؤمنين وهلا اقتصر على قوله غير أولي الضرر أجاب ابن المنير بأن الاستثناء والنعت لا يجوز فصلهما عن أصل الكلام فلا بد أن تعاد الآية الأولى حتى يتصل بها الاستثناء من أو النعت وقال السفاقسي إن كان الوحي نزل بقوله غير أولي الضرر فقط فكان الراوي رأى إعادة الآية من أولها حتى يتصل الاستثناء بالمستثنى منه وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها فقد حكى الراوي صورة الحال قال ابن حجر والأول أظهر

4779 - (0) (0) وحدّثنا أبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: لَمَّا نَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]. كَلَّمَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. فَنَزَلَتْ: {غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] ـــــــــــــــــــــــــــــ لرواية سهل بن سعد فأنزل الله تعالى غير أولي الضرر وقال ابن الدماميني متعقبًا لابن المنير في قوله إن الاستثناء والوصف لا يجوز فصلهما إلخ ليس هذا فصلًا ولا يضر ذكره مجردًا عما قبله لأن المراد حكاية الزائد على ما نزل أولًا فيقتصر عليه لأنه هو الذي تعلق به الغرض ولذا قال في الطريق الثانية عن زيد فأنزل الله تعالى غير أولي الضرر فماذا يعتذر به عن زيد بن ثابت مع كونه لم يصل الاستثناء أو النعت بما قبله والحق أن كلا الأمرين جائز سائغ. ثم إن استثناء أولي الضرر يفهم التسوية بين القاعدين للعذر وبين المجاهدين إذ الحكم المتقدم عدم الاستواء فيلزم ثبوت الاستواء لمن استثني ضرورة أنه لا واسطة بين الاستواء وعدمه اهـ من القسطلاني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (4593) والترمذي (1670) والنسائي (6/ 10) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال. 4779 - (0) (0) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي (عن مسعر) بن كدام الهلالي الكوفي (حدثني أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن البراء) بن عازب رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة مسعر لشعبة (قال) البراء (لما نزلت) آية (لا يستوي القاعدون من المؤمنين كلمه) صلى الله عليه وسلم عبد الله (بن أم مكتوم فنزلت) بسببه كلمة (غير أولي الضرر) وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أبي مسعود الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به والخامس حديث زيد بن خالد الجهني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والسادس حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والسابع حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثامن حديث البراء بن عازب ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

645 - (38) باب ثبوت الجنة للشهيد وبيان من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ومن قاتل للرياء والسمعة

645 - (38) باب ثبوت الجنة للشهيد وبيان من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ومن قاتل للرياء والسمعة 4780 - (1852) (185) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمرٍو الأشْعَثِيُّ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ). أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَال رَجُلٌ: أَينَ أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ قُتِلْتُ؟ قَال: "فِي الْجَنَّةِ" فَأَلْقَى تَمَراتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ. ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَفِي حَدِيثِ سُوَيدٍ: قَال رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ أُحُدٍ. 4781 - (1853) (186) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 645 - (38) باب ثبوت الجنة للشهيد وبيان من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ومن قاتل للرياء والسمعة 4780 - (1852) (185) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي ثقة من (10) (وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني صدوق من (10) (واللفظ لسعيد أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (سمع جابرًا) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (يقول قال رجل) زعم الخطيب وغيره أنه عمير بن الحمام الأنصاري الذي تأتي قصته في حديث أنس الآتي بعد رواية واحدة ولكن رده الحافظ في الفتح بأن قصة عمير بن الحمام إنما وقعت في غزوة بدر بخلاف قصة حديث جابر هذا فإنما وقعت في غزوة أحد كما هو مصرح في رواية سويد وفي رواية البخاري فالظاهر أنهما قصتان متغايرتان والله سبحانه وتعالى أعلم. (أين أنا يا رسول الله إن قتلت قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت تكون (في الجنة فألقى) الرجل (تمرات كن في يده) أي مبادرة إلى الشهادة وسعادة دخول الجنة وليس هذا عمير بن الحمام كما مر آنفًا فإن حديثه سيأتي قريبًا اهـ ذهني (ثم قاتل حتى قتل وفي حديث سويد) وروايته (قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (أحد) فصرح بواقعة القصة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في المغازي باب غزوة أحد (4046) والنسائي في الجهاد باب ثواب من قتل في سبيل الله (3154) ثم استشهد المؤلف لهذا الحديث بحديث البراء رضي الله عنه فقال. 4781 - (1853) (186) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن

عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّبِيتِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ الْمِصِّيصِيُّ. حَدَّثَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّبِيتِ -قَبِيلِ مِنَ الأَنْصَارِ- فَقَال: أَشْهدُ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللهُ، وأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَمِلَ هذَا يَسِيرًا، وَأُجِرَ كَثِيرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة الهاشمي الكوفي ثقة من (9) (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي ثقة من (6) (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي ثقة من (3) (عن البراء) بن عازب الأنصاري الأوسي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) البراء (جاء رجل من بني النبيت) بفتح النون وكسر الموحدة بعدها ياء ساكنة قبيلة من الأنصار (إلى النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثني أحمد بن جناب) بفتح الجيم وتخفيف النون بن المغيرة (المصيصي) بكسر الميم والصاد المشددة المكسورة ويقال بفتح الميم وتخفيف الصاد وجهان معروفان الأول أشهر نسبة إلى مصيصة مدينة على ساحل البحر قاله النووي أبو الوليد الحدثي بفتح المهملتين صدوق من (10) (حدثنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي ثقة من (8) (عن زكرياء) بن أبي زائدة (عن أبي إسحاق عن البراء) بن عازب رضي الله عنه هذا السند أيضًا من خماسياته (قال) البراء (جاء رجل) واستظهر الحافظ في الفتح (6/ 25) أن هذا الرجل هو عمرو بن ثابت بن وقش المعروف بأصرم بن عبد الأشهل اهـ (من بني النبيت قبيل من الأنصار فقال) ذلك الرجل (أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ثم تقدم) الرجل للقتال (فقاتل حتى قتل فقال النبي على الله عليه وسلم عمل هذا) الرجل عملًا (يسيرًا وأجر) أي أثيب أجرًا (كثيرًا) بالبناء للفاعل في الأول من الفعلين وللمفعول في الثاني وفيه شهادة منه صلى الله عليه وسلم له بإحرازه المرتبة العظمى والدرجة القصوى وهذا قد يوجد في بعض الأعمال مثل كلمة التوحيد فإنها لا يزنها شيء من الأعمال اهـ ذهني ولفظ البخاري من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل أو أسلم قال أسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عملًا قليلًا وأجر كثيرًا).

4782 - (1854) (187) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدَّثنَا هاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثنَا سُلَيمَانُ (وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: بَعَثَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بُسَيسَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرج ابن إسحاق في المغازي بإسناد صحيح عن أبي هريرة أنه كان يقول (أخبروني عن رجل دخل الجنة ولم يصل صلاة ثم يقول هو عمرو بن ثابت) وقصته على ما رواه ابن إسحاق عن محمود بن لبيد أنه كان يأبى الإسلام فلما كان يوم أحد بدا له فأخذ سيفه حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس فقاتل حتى وقع جريحًا فوجده قومه في المعركة فقالوا ما جاء بك أشفقة على قوم أم رغبة في الإسلام قال بل رغبة في الإسلام قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابني ما أصابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من أهل الجنة وروى أبو داود والحاكم قصته وفي آخرها ثم مات فدخل الجنة وما صلى صلاة وكان هذا الرجل من بني عبد الأشهل ويجمع بينه وبين كونه من بني النبيت بأنه كان له إلى بني النبيت نسبة ما فإنهم إخوان بني عبد الأشهل والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد (2808). ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث جابر بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4782 - (1854) (187) (حدثنا أبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر بن أبي النضر) هاشم بن القاسم البغدادي الليثي ثقة من (11) وأكثر ما يرويه عن جده أبي النضر (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال ثقة من (10) (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11) (وألفاظهم متقاربة) كلهم (قالوا حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي مشهور بكنيته ثقة من (9) (حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة من (7) (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري ثقة من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة) بضم الباء مصغرًا قال القاضي هكذا هو في جميع النسح قال والمعروف في كتب السيرة بسبس بموحدتين بوزن زلزل وهو بسبس بن عمرو ويقال ابن بشر الأنصاري الخزرجي ويقال حليف لهم قال النووي ويجوز

عَينًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ. فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيتِ أَحَدٌ غَيرِي وَغَيرُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ (قَال: لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى بَعْضَ نِسَائهِ) قَال: فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ. قَال: فَخَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ فَتَكَلَّمَ. فَقَال: "إِنَّ لَنَا طَلِبَةً. فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا" فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلْو الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون أحد اللفظين اسمًا له والآخر لقبًا حالة كونه (عينًا) أي متجسسًا مباحثًا وهو الجاسوس سمي بذلك لأنه يعاين فيخبر مرسله بما يراه فكأنه عينه (ينظر) ويبحث (ما صنعت) وفعلت (عير أبي سفيان) صخر بن حرب الأموي أبي معاوية والعير بكسر العين الدواب التي تحمل الطعام وغيره من الأمتعة للتجارات قال في المشارق ولا تسمى عيرًا إلا إذا كانت كذلك وقال الجوهري في الصحاح العير الإبل تحمل الميرة جمعها عيرات والمراد بها هنا العير التي أقبل بها أبو سفيان من الشام وفيها أموال عظيمة لقريش وتجارة من تجاراتهم وفيها ثلاثون رجلًا من قريش أو أربعون منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص كما في سيرة ابن هشام والظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بسيسة لتفقد أحوال العير قبل أن يخرج من المدينة المنورة قال أنس (فجاء) بسيسة (وما في البيت) أي في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحد) من الناس غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثابت (لا أدري) ولا أعلم (ما استثنى) أنس (بعض نسائه) صلى الله عليه وسلم وما هنا مصدرية والظاهر أن هذه المقالة لثابت والمعنى لا أدري هل استثنى بعض نسائه أم لا (قال) أنس (فحدثه) أي حدث وأخبر بسيسة النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث) أي بما رأى من أحوال عير أبي سفيان وأنه مقبل من الشام (قال) أنس (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته (فتكلم) مع من رآه من الناس (فقال) لهم في تكليمهم (إن لنا طلبة) بفتح الطاء وكسر اللام وهو ما يطلب يعني أن لنا حاجة مطلوبة والمراد الإغارة على العير وفيه استحباب التورية في الحرب وألّا يبين الإمام جهة خروجه لئلا يشيع ذلك فينتبه العدو (فمن كان ظهره) أي مركوبه والظهر الدواب التي تركب (حاضرًا) أي قريبًا (فليركب) ظهره وليمش (معنا فجعل) أي شرع (رجال) من الصحابة (يستأذنونه) أي يطلبون الإذن منه صلى الله عليه وسلم (في) إحضار (ظهرانهم) أي مركوباتهم التي (في علو المدينة) ليركبوها ويخرجوا معه إلى جهة قصده

فَقَال: "لَا. إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا" فَانْطَلَقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ. وَجَاءَ الْمُشرِكُونَ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُقدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ" فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ" قَال: يَقُولُ عُمَيرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الله، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَال: "نَعَمْ" قَال: بَخٍ بَخٍ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والظهران بضم الظاء جمع الظهر وقيل جمع ظهير كقضيب وقضبان وكثيب وكثبان وهو البعير الذي ركب ظهره اهـ مفهم يعني أنهم استأذنوه صلى الله عليه وسلم للإتيان ببعض المراكب من عوالي المدينة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم (لا) أذن في الإتيان بها والذهاب معي (إلا من كان ظهره حاضرًا) أي موجودًا عنده (فانطلق) أي ذهب (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) الذين كانت مراكبهم حاضرةً (حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون) بعدهم أي وصلوا بدرًا بعد نزول المسلمين فيها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدمن) أي لا يستقدمن (أحد منكم إلى شيء) من مقابلة المشركين (حتى أكون أنا دونه) أي قدامه متقدمًا في ذلك الشيء والمراد أنه نهى الصحابة من أن يتقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يفوتهم شيء من المصالح التي لا يعلمونها وقال الأبي والمراد أن لا يتقدمه أحد في الرأي (فدنا المشركون) إلى المسلمين (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا) الآن أيها المسلمون (إلى جنة) أي إلى سبب نيل جنة (عرضها) أي سعتها (السموات والأرض) أي كعرضهما وسعتهما شبه الجنة بسعة السموات والأرض وإن كانت الجنة أوسع منهما مخاطبة لهم بما يشاهدون إذ لم يشاهدوا أوسع من السموات والأرض وهذا أشبه ما قيل في هذا المعنى اهـ من المفهم (قال) أنس (يقول عمير بن حمام) بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم (الأنصاري) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله) هنا (جنة عرضها السموات والأرض قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له (نعم) هنا جنة عرضها السموات والأرض (قال) عمير (بخٍ بخٍ) أي حسن حسن فيه لغتان إسكان الخاء وكسرها منونًا وهي كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير (فقال رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ" قَال: لَا. وَاللهِ، يَا رَسُولَ الله، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَال: "فَإنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا" فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ. فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنْهُنَّ. ثُمَّ قَال: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هذِهِ، إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَويلَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم) لعمير (ما يحملك) ويبعثك (على قولك بخٍ بخٍ قال) عمير (لا) أي ما حملني (والله يا رسول الله) على قولي بخ بخ شيء من الأشياء (إلا رجاءة أن أكون من أهلها) أي إلا رجاء كوني من أهلها بسبب شهادتي في سبيل الله قال القرطبي روي بنصب من غير تاء تأنيث والأولى فيه الرفع على أن يكون فاعلًا بفعل مضمر يدل عليه قوله ما يحملك على قولك بخ بخ لأن جوابه أي لا يحملني على قولي بخ بخ إلا رجاء أن أكون من أهل الجنة وقد رواه كثير من المشايخ إلا رجاة بتاء التأنيث وهو مصدر كالرجاء لكنه محدود قال المبرد تقول العرب فعلته رجاتك أي رجاك من الرجا وهو الطمع في تحصيل ما فيه غرض ونفع اهـ من المفهم قال النووي قوله (إلا رجاة) هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة رجاءة بالمد ونصب التاء. وفي بعضها رجاء بلا تنوين وفي بعضها بالتنوين وكله صحيح معروف في اللغة ومعناه والله ما فعلته لشيء إلا رجاء أن أكون من أهلها اهـ. قال بعضهم فهم عمير رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم توهم أن ذلك صدر عنه من غير نية وروية شبيهًا يقول من سلك مسلك الهزل والمزاح فنفى عمير عن نفسه ذلك بقوله لا والله يا رسول الله إلخ قاله ملا علي اهـ فـ (ـقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنك من أهلها) أي من أهل الجنة (فأخرج) عمير (تمرات) قلائل (من قرنه) بقاف وراء مفتوحتين ثم نون أي من جعبة النشاب أي كيس السهام (فجعل) أي شرع (يأكل منهن ثم قال لئن أنا حبيت) وبقيت بفتح الحاء وكسر الياء الأولى أي عشت واللام موطئة للقسم وإن شرطية وأنا فاعل فعل مضمر يفسره ما بعده أي والله لئن عشت (حتى آكل تمراني هذه إنها) أي إن حياتي (لحياة طويلة) يعني والأمر أسرع من ذلك شوقًا إلى الشهادة وذوقًا إلى الشهود وهو جواب القسم واكتفى به عن جواب الشرط قال الطيبي ويمكن أن يذهب إلى مذهب أهل المعاني فيقال إن الضمير المنفصل قدم للاختصاص وهو على منوال قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} فكأنه وجد نفسه مختارةً للحياة على الشهادة فأنكر عليها ذلك الإنكار وإنما قال ذلك استبطاء للانتداب

قَال: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. 4783 - (1855) (188) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثنَا. وَقَال يَحْيَى: أخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ) عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: سَمِعْتُ أَبِي، وَهُوَ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بما ندب به من قوله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى الجنة أي سارعوا إليها ومما ارتجز بها عمير يومئذ قوله: ركضًا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعادي والصبر في الله على الجهاد ... فكل ذا عرضة النفاد إلا التقى والبر والرشاد اهـ من شرح المشكاة لملا علي. (قال) أنس (فرمى) عمير (بما كان معه من التمر ثم قاتلهم) أي قاتل الكفار (حتى قتل) رضي الله عنه وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم من الأئمة الستة ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثالثًا لحديث جابر بحديث أبي موسى عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4783 - (1855) (188) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وقتيبة بن سعيد واللفظ ليحيى قال قتيبة حدثنا وقال يحيى أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي أبو سليمان البصري صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الأزدي الكندي (الجوني) بفتح الجيم نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد كما في اللباب ثقة من (4) روى عنه في (12) بابا (عن أبي بكر) عمرو (بن عبد الله بن قيس) أبي موسى الأشعري وهو أسن من أخيه أبي بردة بن أبي موسى ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب روى أبو بكر (عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو بكر (سمعت أبي) أبا موسى الأشعري (وهو) أي والحال أن أبي (بحضرة العدو) بفتح الحاء وضمها وكسرها ثلاث لغات أي في مقاومة العدو ومقاتلة الكفار (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف)

فَقَامَ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيئَةِ. فَقَال: يَا أَبَا مُوسَى، آنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هذَا؟ قَال: نَعَم ـــــــــــــــــــــــــــــ قال العلماء معناه أن الجهاد وحضور معركة القتال طريق إلى الجنة وسبب لدخولها قاله النووي وفي المبارق يعني كون المجاهد في القتال بحيث يعلوه سيوف الأعداء سبب الجنة حتى كأن أبوابها حاضرة معه أو المراد بالسيوف سيوف المجاهدين وهذا كناية عن الدنو إلى العدو في الضراب وإنما خص السيوف بالذكر لأنها أكثر سلاح العرب اهـ وفي المناوي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله تعالى أو المراد أن الجهاد مصيره الجنة فهو تشبيه بليغ كزيد بحر اهـ. قال القرطبي قوله: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) من الاستعارة البديعة والألفاظ السهلة البليغة التي لا ينسج على منواله ولا يقدر بليغ أن يأتي بمثلها يعني بذلك أن من خاض غمرات الحروب وباشر حال المسايفة كان له جزاء الجنة وهذا من باب قوله (الجنة تحت أقدام الأمهات) رواه ابن عدي (1/ 325) والقضاعي في الشهاب (82) والخطيب في الجامع (2/ 289) أي من تذلل لهن وأطاعهن وصل إلى الجنة ودخلها وفي هذين الحديثين دليل على جواز استقتال الرجل نفسه في طلب الشهادة وإن علم أنه يقتل وقد فعله كثير من الصحابة والسلف وغيرهم وروي عن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما وهو قول مالك ومحمد بن الحسن غير أن العلماء كرهوا فعل ذلك لرئيس الكتيبة لأنه إن هلك هلك جيشه وقد روي عن عمر أيضًا كراهية الاستقتال وقال لأن أموت على فراشي أحب إلي من أقتل بين يدي صف يعني مستقتلًا ورأى بعض العلماء هذا الفعل من إلقاء اليد إلى التهلكة المنهي عنه. قلت: وفي هذا بعد من وجهين أحدهما أن أحسن ما قيل في الآية يعني بها قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أنها فيمن ترك الاتفاق في الجهاد وثانيهما أن عملًا يفضي صاحبه إلى الشهادة ليس بتهلكة بل التهلكة الإعراض عنه وترك الرغبة فيه ودل على ذلك الأحاديث المتقدمة كلها فلا يعدل عنها اهـ مفهم. (فقام رجل) لم أر من ذكر اسمه (رث الهيئة) والثياب أي باليها وخلقها قال في القاموس يقال رث الهيئة أي باذها وخلقها ويقال في هيئته رثاثة أي بذاذة (فقال) ذلك الرجل (يا أبا موسى آنت) أي هل أنت (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا) الكلام يعني قوله (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوت) (قال) أبو موسى (نعم)

قَال: فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: أَقْرَأُ عَلَيكُمُ السَّلامَ. ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيفِهِ فَأَلْقَاهُ. ثُمَّ مَشَى بِسَيفِهِ إِلَى الْعَدُوِّ. فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ. 4784 - (1856) (189) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. أخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِلَيهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ. فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ. يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك (قال) أبو بكر (فرجع) الرجل (إلى أصحابه) ورفقته (فقال) لهم (أقرأ عليكم السلام) سلام التوديع (ثم كسر) الرجل (جفن سيفه) بفتح الجيم وسكون الفاء وبالنون أي غمده وغلافه (فألقاه) أي فألقى جفن سيفه (ثم مشى بسيفه) الصلت (إلى) جهة (العدو فضرب به) أي بسيفه (العدو) ضربات كثيرة (حتى قتل) شهيدًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 396) والترمذي (1659) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث جابر بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال. 4784 - (1856) (189) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري البصري ثقة من (10) (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) (أخبرنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني البصري ثقة من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (جاء ناس) من الأعراب وهم رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان كما صرح به في رواية قتادة عن أنس عند البخاري في الجهاد (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا) أي فقال أولئك الناس للنبي صلى الله عليه وسلم (أن ابعث) أن زائدة لأن مقول القول لا يكون إلا جملة أي قالوا ابعث (معنا رجالًا) من أصحابك (يعلمونا) بحذف نون علامة الرفع لتوالي الأمثال أو مجزوم بالطلب السابق أي إن بعثتهم معنا يعلمونا (القرآن والسنة) أي الحديث ولفظ البخاري من طريق قتادة فزعموا أنهم أسلموا واستمدوه على قومهم قال أنس (فبعث إليهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام) بن ملحان وهو أخ لأم سليم رضي الله تعالى عنهما (يقرؤون القرآن) في المدينة المنورة وهو بيان لوجه تلقيبهم بالقراء جمع قارئ كعاذل

وَيتَدَارَسُونَ بِاللَّيلِ يَتَعَلَّمُونَ. وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ. وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ، وَلِلْفُقَرَاءِ. فَبَعَثَهُمُ النّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَيهِمْ. فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ. قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ. فَقَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنِّا نَبِيَّنَا؛ أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعذال أي يقرؤون القرآن (ويتدراسون) العلم ويتذاكرونه (بالليل) أي في الليل. أي يقرؤون القرآن ويتدارسون السنة (يتعلمون) أي حالة كونهم يريدون تعلمها (وكانوا بالنهار) أي في النهار (يجيئون) أي يأتون (بالماء) من الآبار (فيضعونه) أي يضعون الماء (في المسجد) النبوي الشريف ليشرب منه المحاويج والغرباء ويتوضؤا منه (ويحتطبون) أي يأخذون الحطب في النهار من الجبال والغابة (فيبيعونه) في الأسواق (ويشترون به) أي بالحطب أي بثمنه (الطعام) أي المأكول والمشروب (لأهل الصفة والفقراء) والمحاويج والصفة بيت في المسجد مقتطع عنه وفيه دليل على جواز استيطان الغرباء والفقراء مكانًا من المسجد وعلى وضع الماء فيه للشرب وغيره وعلى الاجتماع لقراءة القرآن ومدارسة العلم وعلى أن المتفرغ للعبادة وطلب العلم لا يخل بحاله ولا ينقص توكله اشتغال بالنظر في مطعمه ومشربه وحاجته كما يذهب إليه بعض جهال المتزهدة وفيه دليل على أن أيدي الفقراء غير المتفرغين للعبادة فيما يكسبه بعضهم ينبغي أن تكون واحدة ولا يستاثر بعضهم على الآخر بشيء اهـ من المفهم. (فبعثهم) أي فبعث (النبي على الله عليه وسلم) أولئك القراء وأرسلهم (إليهم) أي إلى أولئك الناس الذين طلبوهم (فعرضوا) أي فعرض أولئك الناس وظهروا (لهم) أي لأولئك القراء في الطريق (فقتلوهم) أي فقتل أولئك الناس القراء ببئر معونة (قبل أن يبلغوا) أي قبل أن يبلغ أولئك القراء ويصلوا (المكان) الذي أرسلوا إليه (فقالوا) أي فقال أولئك القراء متضرعين إلى ربهم (اللهم) أي يا إلهنا (بلغ) أي أوصل (عنا نبينا) محمدًا صلى الله عليه وسلم (أنا قد لقيناك) يا ربنا بالموت في سبيل الله (فرضينا عنك) يا ربنا ما أعطيتنا من الأجر الجزيل (و) أنت يا ربنا (رضيت عنا) أي قبلت عنا أعمالنا الصالحة وقولهم (إنا قد لقيناك) أي قد أوصلنا إلى ما أنعمت به علينا من الجنة والكرامة ومنزلة الشهادة لأن لقاء الله ليس على ما تعارفنا من لقاء بعضنا لبعض والصحيح أن لقاء الله صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها وقوله (فرضينا عنك) أي بما

وَرَضِيتَ عَنَّا. قَال: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا، خَال أَنَسٍ، مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ. فَقَال حَرَامٌ: فُزْتُ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: "إِن إِخوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا. وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا؛ أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ. وَرَضِيتَ عَنَّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أوصلتنا إليه من الكرامة والمنزلة الرفيعة (ورضيت عنا) أي أحللتنا محل من ترضى عنه فأكرم غاية الإكرام وأحسن إليه غاية الإحسان وعلى هذا فيكون رضا الله تعالى من صفات الأفعال ويصح أن يعبر بالرضا في حق الله تعالى عن إرادة الإكرام والإحسان فيكون من صفات الذات اهـ من المفهم والقول الصحيح السليم الذي عليه السلف الأعلم أن يقال إن الرضا صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (قال) ثابت عن أنس (وأتى رجل) من المشركين (حراما) بن ملحان (خال أنس) بن مالك (من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه) أي حتى أنفذ وأخرج ذلك الرجل رمحه من قدامه (فقال حرام) بن ملحان حينما طعنه الرجل (فزت) وظفرت بالشهادة (ورب الكعبة) أي أقسمت برب الكعبة ومالكها لقد فزت بما أعد الله للشهداء وظاهره أنه عاين منزلته في الجنة في تلك الحالة ويحتمل أن يقول ذلك محققًا لوعد الله ورسوله الحق الصادق فصار كأنه عاين والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه) الذين معه في المدينة (إن إخوانكم) القراء (قد قتلوا وإنهم قالوا) لربهم (اللهم بلغ) أي أخبر (عنا نبينا أنا قد لقيناك) يا ربنا (فرضينا عنك ورضيت عنا) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها في الجهاد (2801) وفي المغازي (4088 و 4092) وحاصل قصتهم على ما ذكره ابن إسحاق أنه قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام وقال يا محمد لو بعثت رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى عليهم أهل نجد قال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو وأخا بني ساعدة في أربعين رجلًا من أصحابه من خيار المسلمين فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين

4785 - (1857) (190) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ. قَال: قَال أَنَسٌ: عَمِّيَ الَّذِي سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا. قَال: فَشَقَّ عَلَيهِ. قَال: أوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غُيِّبْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أرض بني عامر وحرة بني سليم فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقال لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدًا وجوارًا فاستصرخ عليهم قبائل بني سليم عصية ورعل وذكوان فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين اهـ سيرة ابن هشام (2/ 174). قوله (فزت ورب الكعبة) هذا مظهر عظيم لحبه للشهادة في سبيل الله وتحقيره لحطام الدنيا وشوقه إلى لقاء الله عزَّ وجلَّ حيث لم يعبأ بما أصابه من جرح وإنما اغتنمه وفرح به لكونه سببًا للوصول إلى الله تعالى فرضي الله تعالى عنه وأرضاه قوله (إن إخوانكم قد قتلوا) فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث بلغه ربه ما أصيبوا به من القتل وما تكلموا به في آخر حياتهم اهـ ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث جابر بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله عنهما فقال. 4785 - (1857) (190) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) (قال) ثابت (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عمي الذي سميت) بالبناء للمجهول (به) أي باسمه يعني أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه (لم يشهد) أي لم يحضر (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا) أي غزوة بدر (قال) أنس بن مالك (فشق عليه) أي على عمي أنس بن النضر أي ثقل عليه عدم حضوره غزوة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) عمي أنس بن النضر (أول) بالرفع على الابتداء (مشهد) أي أول معركة (شهده رسول الله على الله عليه وسلم غيبت) بالبناء

عَنهُ. وإن أَرَانِيَ الله مَشهدًا، فِيمَا بعدُ، مَعَ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، لَيَرَانِيَ الله مَا أَصنَعُ. قَال: فَهابَ أَن يَقُولَ غَيرها. قَال: فَشَهِدَ مَعَ رِسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَوْمَ أُحُدٍ. قَال: فَاستَقْبَلَ سعدُ بْنُ مُعَاذٍ. فَقَال لَهُ أنسٌ: يَا أَبَا عَمرٍو، أَينَ؟ فَقَال: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنةِ. أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ للمجهول من التغييب خبر المبتدأ أي صرت غائبًا (عنه) أي عن ذلك المشهد بقدر الله تعالى وحكمه (و) الله (إن أراني الله) عزَّ وجلَّ بفضله وتوفيقه أي إن أحضرني الله (مشهدًا) أي معركة (فيما بعد) أي فيما يستقبل من الزمان (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراني الله) سبحانه في ذلك المشهد (ما أصنع) مع الكفار قال النووي هكذا هو في أكثر النسخ ليراني بالألف وهو صحيح ويكون ما أصنع بدلًا من الضمير في يراني يعني ياء المتكلم أي ليرى الله ما أصنع مع الكفار (قال) أنس بن مالك (فهاب) عمي أي خاف (أن يقول غيرها) أي غير هذه الكلمة أي خشي أن يلتزم شيئًا آخر فيعجز عنه ولهذا أبهم وعرف من السياق أن مراده أن يبالغ في القتال معهم وأن لا يفر منهم. قال القرطبي قوله (ليراني الله ما أصنع) وفي رواية (فليرين الله ما أصنع) وهذا الكلام تضمن أنه ألزم نفسه إلزامًا مؤكدًا وهو الإبلاء في الجهاد والانتهاض فيه والإبلاغ في بذل ما يقدر عليه منه ولم يصرح بذلك مخافة ما يتوقع من التقصير في ذلك وتبرؤًا من حوله وقوته ولذلك قال (فهاب أن يقول غيرها) ومع ذلك فنوى بقلبه وصمم على ذلك فصح قصده ولذلك سماه الله عهدًا في الآية حيث قال: {منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ} [الأحزاب: 23] (قال) أنس بن مالك (فشهد) عمي (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (أحد قال) أنس بن مالك (فاستقبلـ) ـه (سعد بن معاذ) بن النعمان الأنصاري الأشهلي أبو عمرو وسيد الأوس شهد بدرًا واستشهد من سهم أصابه بالخندق ومناقبه كثيرة رضي الله عنه روى عنه البخاري أي فاستقبل أنسًا وهو متقدم للقتال سعد بن معاذ وهو فار من المشركين (فقال له) أي لسعد (أنس) بن النضر (يا أبا عمرو) كنية سعد (أين) تفسير من المشركين وقال له سعد وأنت إلى أين تتقدم (فقال) له أنس إلى المشركين (واهًا) أي عجبًا (لريح الجنة أجده) أي أجد ذلك الريح فالريح يذكر ويؤنث مكانًا (دون أحد) أي في مكان أقرب إلي من أحد (وواهًا) اسم فعل مضارع بمعنى أعجب عجبًا لريح الجنة وقد تأتي للترحم والتلهف والتأسف والاستهانة وقوله (أجده) الضمير عائد

قَال: فَقَاتَلَهم حَتى قُتِلَ. قَال: فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضعٌ وَثَمَانُونَ. مِنْ بَينِ ضربَةٍ وَطَعنَةٍ وَرَميَةٍ. قَال: فَقَالت أُخْتُهُ، عمَّتِيَ الربيعُ بِنتُ النضرِ: فَمَا عَرَفتُ أَخِي إلا ببَنَانِهِ. وَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]، ـــــــــــــــــــــــــــــ للريح لأنه يذكر ويؤنث كا مر آنفا قال القرطبي ظاهره الحمل على أنه وجده حقيقة كما جاء في الحديث الآخر (إن ريح الجنة توجد على مسيرة خمسمائة عام) رواه أبو نعيم في صفة الجنة (194) والحلية (2/ 307) ويحتمل أن يكون قاله على معنى التمثيل أي إن القتل دون أحد موجب لدخول الجنة ولإدراك ريحها ونعيمها اهـ. (قال) أنس بن مالك (فقاتلهم) أي فقاتل عمي المشركين (حتى قتل) شهيدًا ظاهره أنه قاتلهم وحده فيكون فيه دليل على جواز الاستقتال بل على ندبيته كما تقدم (قال) أنس بن مالك (فوجد في جسده بضع وثمانون) جرحًا (من بين ضربة) بسيف (وطعنة) برمح (ورمية) بسهم والبضع ما بين العقود من العدد وزاد في رواية البخاري (ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه) زاد البخاري قبل ذلك (قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع) (قال) أنس بن مالك (فقالت أخته) أي أخت أنس بن النضر (عمتي الربيع بنت النضر) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة وقد مرت قصته في كتاب القسامة والديات (فما عرفت أخي إلا ببنانه) أي إلا بأصابعه ومنه قوله تعالى: {عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 4]. قال أنس بن مالك (ونزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23] أي وفى بنذره يقال نحب ينحب من باب نصر إذا نذره ومنه قوله الشاعر: إذا نحبت كلب على الناس إنهم ... أحق بتاج الماجد المتكرم وقيل قضى أجله على ما عاهد عليه قال ذو الرمة: عشية فر الحارثيون بعدما ... قضى نحبه في ملتقى الجيش هوبر هو هوبر بن يزيد الحارثي اهـ. ({وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}) أي الوفاء بما نذر الموت على ما عاهدوا ({مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}

قَال: فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّها نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصحَابِهِ. 4786 - (1858) (191) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ عَمرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ أبَا وَائِلٍ قَال: حَدَّثنَا أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ؛ أَنَّ رَجُلا أعرَابِيًّا أَتَى النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، الرَجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ. وَالرَجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ ليُرَى مَكَانُهُ. فَمَنْ فِي سَبِيلِ الله؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي استمروا على ما التزموا ولم يقع منهم نقض لما أبرموا (قال) ثابت (فكانوا) أي فكانت الصحابة (يرون) أي يعتقدون (أنها) أن هذه الآية (نزلت فيه) أي في أنس بن النضر (وفي أصحابه) أي وفي أشباهه. قال القرطبي وقوله فكانوا يرون إلخ هذا القائل هو ثابت والله تعالى أعلم ويعني به أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يظنون أنها نزلت فيمن ذكر وقيل نزلت في السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم فوفوا بذلك قاله الكلبي وقد قيل غير ذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد (5 280) وفي المغازي (4048) وفي التفسير (478) والترمذي في تفسير الأحزاب (3253 و 3254) ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال. 4786 - (1858) (191) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي أبي عبد الله الكوفي ثقة من (5) (قال) عمرو (سمعت أبا وائل) شقيق سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم من (2) (قال) أبو وائل (حدثنا أبو موسى الأشعري) الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رجلًا أعرابيًّا) لم أر من ذكر اسمه (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله الرجل) منا (يقاتل للمغنم) أي لطلب الغنيمة (والرجل) الآخر (يقاتل ليرى) ويحمد بين الناس بكثرة الجهاد ونصر الدين والذب عنه (والرجل) الآخر (يقاتل ليرى) الناس (مكانه) أي قوته وقدرته على القتال ومرتبته من الشجاعة أي ليظهر شجاعته عند الناس ويتكلموا بها وهو الرياء (فمن في سبيل الله) أي فمن الذي يقاتل في سبيل الله من هؤلاء الثلاثة أي فقتال من في

فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "من قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله أَعلى فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله". 4787 - (0) (0) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ (قَال إِسْحَاقُ: أخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاوَيةَ) عَنِ الأعمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سبيل الله فالكلام على حذف مضاف (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ) ـقتال (من قاتل لتكون كلمة الله) يعني كلمة التوحيد (أعلى) وأعز من كلمة البهتان (فهو) أي فقتال ذلك المقاتل هو (في سبيل الله) تعالى ففي الكلام حذف مضاف أيضًا وتقديم هو على ما بعده يفيد الاختصاص فيفهم منه أن من قاتل للدنيا فليس في سبيل الله في الحقيقة ولا يكون له ثواب الغزاة واعلم أن من قاتل لأجل الجنة من غير خطور بباله إعلاء الكلمة فهو في حكم المقاتل للإعلاء لأن المرجع فيهما واحد وهو رضا الله تعالى ولو كان القتال للجنة شاملًا للإخلاص لما رغب إليها النبي في الجهاد وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال في غزوة بدر قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض اهـ مبارق وقال النووي فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل الله يختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 392) والبخاري في الجهاد (2810) وفي الخمس (3126) وفي العلم (123) وفي التوحيد (7458) وأبو داود (2517) والترمذي في الجهاد (1697) والنسائي (6/ 23) وابن ماجه في الجهاد (2810) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال. 4787 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) أبو كريب (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لعمرو بن مرة (قال) أبو موسى (سئل رسول الله على الله عليه وسلم

عَنِ الرجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعةً، ويقَاتِلُ حَمِيةً، ويقَاتِلُ رَياءً، أَيُّ ذلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ العليَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله". 4788 - (0) (0) وحدثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الرجل يقاتل شجاعة) أي لأجل إظهار شجاعته بين الناس ويذكر بها (ويقاتل حمية) أي تعصبًا وغضبًا لأهله وعشيرته أو قومه وشعبه ونصرًا لهم ودفاعًا عنهم (ويقاتل رياء) أي ليرى الناس شجاعته ويتكلموا بها قوله (ويقاتل حمية) قال النووي الحمية هي الأنفة والغيرة والمحاماة عن عشيرته اهـ وقوله (ويقاتل رياء) والرياء لغة إظهار الشيء على خلاف ما هو عليه وعند البعض هو طلب المنزلة في القلوب بأراءة الفضائل مطلقًا مشتق من الرؤية وعرفًا إرادة نفع الدنيا بعمل الآخرة أو دليله كذبول الشفتين وخفض الصوت واصفرار اللهجة أو إعلام العمل أحدًا من الناس من غير إكراه ملجئ وفي حياة القلوب اعلم أن حقيقة الرياء هي طلب المنزلة في قلوب الناس بالعبادات وأعمال الخير وهي من خبائث أفعال القلوب وهي في العبادات استهزاء بالله تعالى اهـ وضده الإخلاص وهو القصد إلى الله تعالى مجردًا عما ذكر وفي شرح الأشباه للحموي الإخلاص سر بينك وبين ربك لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيضله ولا هوى فيميله قال بعض العرفاء المخلص من لا يحب أن يحمده الناس على شيء من أعماله قال النووي وفي الحديث دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته يوم القيامة وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصًا وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصًا له اهـ. (أي ذلك) المذكورين (في سبيل الله) تعالى (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل) أي قتال من قاتل (لتكون كلمة الله هي العليا) وكلمة الشرك هي السفلى (فهو) أي فقتاله (في سبيل الله) تعالى ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال. 4788 - (0) (0) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) السبيعي

حَدَّثنَا الأعمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: أتَينَا رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ مِنَّا شَجَاعَةً، فَذكرَ مِثْلَهُ. 4790 - (0) (0) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أبِي وَائلٍ، عَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِي؛ أَنَّ رَجُلًا سَألَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَال: الرجُلُ يُقَاتِلُ غَضَبًا ويقَاتِلُ حَميَّةً. قَال: فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَيهِ. وَمَا رَفَعَ رأسَهُ إِلَيهِ إِلا أَنَّهُ كَانَ قَائمًا- ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا الأعمش عن شقيق عن أبي موسى) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لأبي معاوية (قال) أبو موسى (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلنا) له (يا رسول الله الرجل يقاتل منا) أي الرجل منا يقاتل (شجاعةً) أي لأجل إظهار شجاعته للناس (فذكر) عيسى بن يونس (مثله) أي مثل حديث أبي معاوية ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال. 4790 - (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي (عن أبي وائل عن أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة منصور للأعمش (أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال) والجهاد (في سبيل الله عزَّ وجلَّ فقال) السائل في سؤاله (الرجل) منا (يقاتل غضبًا) لحظ نفسه (ويقاتل حمية) أي غيرة لأهله أو قومه قال الحافظ في الفتح (6/ 28) فالحاصل من رواياتهم أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء طلب المغنم واظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب وكل منها يتناوله المدح والذم فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي اهـ (قال) أبو موسى (فرفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه إليه) أي إلى الرجل السائل (وما رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه) الشريفة (إليه) أي إلى الرجل السائل (إلا أنه) أي إلا أن الرجل السائل (كان قائمًا) في حالة سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم قال القرطبي فيه دليل على جواز سؤال القائم السائل للعالم وهو قاعد إذا دعت إلى ذلك حاجة أو عذر وإلا فالأولى للسائل الجلوس والتثبت كما فعل جبريل حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم.

فَقَال: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُليَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله". 4791 - (1859) (192) حدَّثنا يحيى بْنُ حَبِيب الْحَارِثي. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثنَا ابْنُ جُرَيج. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ. قَال: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. فَقَال لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) أي فقتاله في سبيل الله وعليه جزاؤه وقوله (لتكون كلمة الله) يعني (بكلمة الله) دين الإسلام وأصله أن الإسلام ظهر بكلام الله تعالى الذي أظهره على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ويفهم من هذا الحديث اشتراط الإخلاص في الجهاد وكذلك هو شرط في جميع العبادات لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] والإخلاص مصدر من أخلصت العمل وغيره إذا صفيته وأفردته من شوائب كدوره أي خلصته منها فالمخلص في عباداته هو الذي يخلصها من شوائب الشرك والرياء وذلك لا يتأتى له إلا بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله تعالى وابتغاء ما عنده فأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أغراض الدنيا فلا يكون عبادة بل يكون مصيبة موبقة لصاحبها فإما كفر وهو الشرك الأكبر وإما رياء وهو الشرك الأصغر ومصير صاحبه إلى النار كما جاء في حديث أبي هريرة في الثلاثة المذكورين فيه هذا إذا كان الباعث على تلك العبادة الغرض الدنيوي وحده بحيث لو فقد ذلك الغرض لترك العمل إلى آخر ما ذكره القرطبي راجع المفهم ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4791 - (1859) (192) (حدثنا يحيى بن حببب) بن عربي (الحارثي) البصري ثقة من (10) (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري ثقة من (8) (حدثنا ابن جريج حدثني يونس بن يوسف) بن حماس بكسر المهملة وتخفيف الميم آخره مهملة المدني ثقة من (6) (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني ثقة من (3) (قال) سليمان بن يسار (تفرق الناس عن أبي هريرة) رضي الله عنه بعد اجتماعهم عنده وهذا السند من سداسياته والمراد بتفرق الناس عنه أنهم كانوا مجتمعين عند أبي هريرة ثم نهضوا من مجلسه (فقال له) أي لأبي هريرة (ناتل) بالنون في أوله وبالمثناة فوق ثالثه بن قيس الجزامي الشامي رئيس (أهل الشام) قال النووي وفي الرواية الأخرى (فقال له ناتل

أيها الشيخُ، حَدَّثْنَا حَدِيثًا سَمِعتَهُ مِنْ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: نَعَم. سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "إِن أولَ الناسِ يُقضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ. فَأُتِيَ بِهِ فَعرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفها. قَال: فَمَا عَمِلْتَ فِيها؟ قَال: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهدتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشامي) من أهل فلسطين وهو تابعي وكان أبوه صحابيًّا وكان ناتل كبير قومه وقال المازري الناتل في أصله المتقدم على الشيء يقال نتل الرجل إذا تقدم ومنه سمي الرجل ناتلًا ووقع في رواية خالد عند النسائي (فقال له قائل من أهل الشام) وفي رواية عقبة بن مسلم عند الترمذي أن شفيًا الأصبحي حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا فقالوا أبو هريرة فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له أسألك بحق وبحق لما حدثتني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته فقال أبو هريرة أفعل لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم أفاق ومسح وجهه وقال أفعل لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارًا على وجهه فاسندته طويلًا ثم أفاق فقال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن إلى آخر الحديث. وهذا يدل على أن مخاطب أبي هريرة بهذا الحديث وسائله عنه هو شفي الأصبحي فإما أن يكون شفي اسمه وناتل لقبه وقد ترجم الحافظ في التهذيب لشفي بن ماتع ولم يذكر ناتلًا وإما أن يكون سأله كل واحد منهما وإما أن تكون قصة الباب مغايرة لهذه القصة والله سبحانه وتعالى أعلم. (أيها الشيخ حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم) أحدثكم أني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد) أي قتل شهيدًا في المعركة (نأتى به) الله أي بذلك الرجل (فعرفه) الله تعالى أو الملك بإذنه تعالى لكن الظاهر الأول أي عدد عليه (نعمه) التي أنعمها عليه وبذلها له (فعرفها) أي فعرف الرجل النعم التي عددها الله عليه أي أقرها فـ (ـقال) الله عزَّ وجلَّ له (فما عملت فيها) أي في تلك النعم وفي أي شيء أنفقتها (قال) الرجل (قاتلت فيك) أي صرفتها في الجهاد في سبيلك وأنفقتها فيه (حتى استشهدت) أي

قَال: كَذبْتَ. وَلكِنَّكَ قَاتَلتَ لأن يُقَال جَرِيءٌ. فَقَد قِيلَ. ثم أُمِرَ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى ألقِيَ فِي النارِ. وَرَجُلٌ تَعَلمَ العلمَ وَعلمَهُ وقَرَأَ القرآن. فَأتِيَ بِهِ. فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفها. قَال: فَمَا عَمِلتَ فِيها؟ قَال: تَعلمتُ العلم وَعَلمتهُ وقَرَأتُ فِيكَ الْقُرآنَ. قَال: كَذَبْتَ. وَلكنَّكَ تَعلمتَ الْعِلْمَ لِيُقَال عَالِمٌ. وَقَرَأتَ القرآن لِيُقَال هُوَ قَارِئٌ. فَقَد قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتى ـــــــــــــــــــــــــــــ قتلت شهيدًا في سبيلك فـ (ـقال) الله عزَّ وجلَّ لذلك الرجل (كذبت) أيها الرجل فيما قلت (ولكنك قاتلت لأن يقال) فيك إنه لـ (جرئ) أي شجاع شديد الإقدام على العدو والجرئ بالهمزة هو المقدام على الشيء لا ينثني عنه وإن كان هائلًا مأخوذ من الجرأة (فقد قيل) فيك ذلك فلا جزاء لك عندي يعني تحدث الناس بما أردته فقد استوفيت أجرك فلا أجر لك الآن (ثم أمر به) أي أمر الله سبحانه بسحب ذلك الرجل (فسحب على وجهه) أي جر على وجهه (حتى ألقي) وأسقط (في النار) لأنه أشرك في جهاده بالرياء. قال القرطبي وليس هذا الحديث بمعارض لحديث (أول ما يحاسب عليه العبد المسلم من عمله الصلاة) ولا لحديث (أول ما يقضى فيه الدماء) لاختلاف أنواع ما أسندت الأولية إليه فالمعنى في هذا أول ما يحاسب به فاعله من نوع ما انتشر به صيت فاعله هذه الثلاثة والمعنى في الثاني أول ما يحاسب به من نوع أركان الدين الصلاة والمعنى في الثالث أول ما يحاسب به من نوع المظالم الدماء وإنما تتوهم المعارضة لو كانت الأولية في الجميع مسندة إلى نوع واحد كذا في شرح الأبي اهـ من المفهم. (و) الثاني (رجل تعلم العلم وعلمه) الناس (وقرأ القرآن) وأقرأه الناس (فأتى به) الرب جل جلاله (فعرفه) أي فعرف الله الرجل (نعمه) التي أنعم بها عليه وعددها عليه (فعرفها) الرجل وأقرها ولم ينكرها (قال) الله سبحانه (فما عملت) لأجلي (فيها) أي في تلك النعم (قال) الرجل (تعلمت العلم) يا رب (وعلمته) الناس لأجلك (وقرأت فيك) أي في ابتغاء مرضاتك (القرآن) وأقرأته (قال) الله له (كذبت) أيها الرجل فيما قلت (ولكنك تعلمت العلم ليقال) فيك هو (عالم وقرأت القرآن ليقال) فيك (هو قارئ فقد قيل) فيك ذلك الذي قصدته فذلك جزاؤك على عملك فلا جزاء لك عندي (ثم أمر به) أي أمر الله سبحانه وتعالى ملائكته بسحبه وجره (فسحب) وجر (على وجهه) إلى النار (حتى

أُلقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ وَأَعطَاهُ مِن أَصْنَافِ المَالِ كُلِّهِ. فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَال: فَمَا عَمِلتَ فِيهَا؟ قَال: مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقتُ فِيهَا لَكَ. قَال: كَذَبتَ. وَلكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَال هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ. ثُم أُلقِيَ فِي النارِ. 4792 - (0) (0) وحدّثناه عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أخْبَرَنَا الْحَجاجُ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ) عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ. قَال: تَفَرَّجَ النَّاسُ عَنْ أبِي هُرَيرَةَ. فَقَال لَهُ نَاتِلٌ الشَّاميُّ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ألقي) وأسقط (في النار و) الثالث (رجل وسع الله عليه) المال بجميع أنواعه (وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به) الرب جل جلاله (فعرفه نعمه) التي أنعمها عليه أي عددها عليه (فعرفها) أي أقر الرجل تلك النعم المعدودة عليه (قال) الله تعالى له (فما عملت) أي فأي شيء عملت لأجلي (فيها قال) الرجل في جواب سؤال الرب جل جلاله (ما تركت من سبيل تحب) وترضى (أن ينفق فيها) بالبناء للمجهول (إلا أنفقت فيها لك) أي لطلب مرضاتك (قال) له الرب جل جلاله (كذبت) فيما قلت أيها الرجل (ولكنك فعلت) وأنفقت ذلك (ليقال) فيك (هو جواد) كثير العطاء (فقد قيل) فيك ذلك فهو جزاؤك (ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي) ورمي (في النار) ليعذب بها على عمله لأنه أشرك بالرياء والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 322) والترمذي في الزهد (2383) والنسائي (3137) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4792 - (0) (0) (وحدثناه علي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال المروزي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا الحجاج يعني ابن محمد) الأعور البغدادي المصيصي ثقة من (9) (عن ابن جريج) قال (حدثني يونس بن يوسف) بن حماس المدني ثقة من (6) (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حجاج بن محمد لخالد بن الحارث (قال) سليمان بن يسار (تفرج) أي تفرق (الناس عن أبي هريرة فقال له) أي لأبي هريرة (ناتل) بن قيس (الشامي) الحديث (واقتص) أي ذكر الحجاج بن محمد (الحديث) السابق (بمثل حديث خالد بن الحارث) لفظًا ومعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن الرياء حرام والمرائي عند الله ممقوت وقد شهدت لذلك الآيات والأخبار والآثار أما الآيات فمنها قوله تعالى: {فَوَيلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} إلى غير ذلك من الآيات وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال يا رسول الله فيم النجاة فقال أن لا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس الحديث وأما الآثار فيروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلًا يطأطأ رقبته فقال يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخضوع في الرقاب وقال علي رضي الله عنه للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان مع الناس ويزيد في العمل إذا أثني عليه وينقص إذا ذم إلخ وقال بعض أهل المعرفة الرياء ترك العبد عمله المعتاد خوفًا من أن يقول الناس مراء وأما العمل للناس فشرك والعياذ منه بالله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث الأول حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث البراء ذكره للاستشهاد والثالث حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد والرابع حديث، بي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد والخامس حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد والسادس حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد والسابع حديث أبي موسى الأشعري الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثامن حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

646 - (39) باب الغنيمة نقصان من الأجر وكون الأعمال بالنيات وفضل من تمنى الشهادة وذم من مات ولم يغز وثواب من حبسه مرض عن الغزو وفضل الغزو في البحر

646 - (39) باب الغنيمة نقصان من الأجر وكون الأعمال بالنيات وفضل من تمنى الشهادة وذم من مات ولم يغز وثواب من حبسه مرض عن الغزو وفضل الغزو في البحر 4793 - (1860) (193) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حدَثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ، أَبُو عَبْدِ الرحمنِ. حَدَثَنَا حَيوَةُ بْنُ شُرَيحٍ عَنْ أَبِي هانِئٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمنِ الْحُبْلِي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمرٍو؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَا مِنْ غَازِيةٍ تَغزُو فِي سَبِيلِ الله فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ، إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أَجرِهم مِنَ الآخِرَةِ. وَبَبقَى لَهُمُ الثلُثُ. وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تمَّ لَهُم أَجرُهُم" ـــــــــــــــــــــــــــــ 646 - (39) باب الغنيمة نقصان من الأجر وكون الأعمال بالنيات وفضل من تمنى الشهادة وذم من مات ولم يغز وثواب من حبسه مرض عن الغزو وفضل الغزو في البحر 4793 - (1860) (193) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري (حدثنا عبد الله بن يزيد أو عبد الرحمن) المصري المقرئ نزيل مكة ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي المصري ثقة من (7) (عن أبي هانئ) حميد بن هانئ الخولاني المصري لا باس به من (5) (عن أبي عبد الرحمن الحبلي) بضمتين أو بضم ففتح المعافري عبد الله بن يزيد المصري ثقة من (3) (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرضي السهمي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله على الله عليه وسلم قال ما من غازية) هو صفة لموصوف محذوف للعلم به أي ما من جماعة أو سرية (تغزو في سبيل الله) بالتأنيث والإفراد راجع إلى لفظ غازية (فيصيبون) أي يحصلون ويغنمون (الغنيمة) بالتذكير والجمع راجع إلى معناها (إلا تعجلوا بثلثي أجرهم من) أجورهم المدخرة لهم في (الآخرة وببقى لهم الثلث) أي ثلث أجورهم مدخرًا لهم في الآخرة (وإن لم يصيبوا) ولم يأخذوا (غنيمة تم لهم أجرهم) أي ادخر لهم أجرهم تامًّا غير ناقص قال القاضي عياض وفي هذا الحديث من غزا الكفار فرجع سالمًا غانمًا فقد تعجل واستوفى ثلثي أجره وهما السلامة والغنيمة في الدنيا وبقي له ثلث الأجر يناله في الآخرة بسبب ما قصد بغزوه محاربة أعداء الله تعالى اهـ.

4794 - (0) (0) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمي. حدَّثَنَا ابْنُ أبِي مريَمَ. أخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة) ظاهره أن من غنم من المجاهدين انتقص أجره بقدر الثلثين من المجاهد الذي لم يغنم شيئًا واستشكله بعضهم بأن الغنيمة نعمة من الله تعالى أحلت لهذه الأمة فكيف ينتقص بها أجر الجهاد ولو كانت منقصة للأجر لما تناولها الصحابة والتابعون الذي كانوا يطمعون في زيادة الأجر أكثر مما يطمعون في التمتع بالغنائم ولو كانت الغنيمة ينقص بها الأجر لما فضل أصحاب بدر على أصحاب أحد ولهذا الإشكال ذهب بعض هؤلاء إلى تضعيف هذا الحديث بسبب أبي هانئ مع أنه ثقة احتج به مسلم وغيره وذهب بعضهم إلى تأويلات أخرى كلها ضعيفة بسطها ورد عليها القاضي عياض والنووي والحافظ في الفتح. والحق أنه لا إشكال في حديث الباب لأن الأجر على قدر المشقة والمصيبة ولا شك أن من لم يسلم أو لم يغنم مصيبته أكثر ممن سلم وغنم فكان بثوابه أعظم وقد ذكر الحافظ في الفتح (6/ 10) عن بعض المتأخرين حكمة لطيفة بالغة للتعبير بثلثي الأجر وذلك أن الله أعد للمجاهدين ثلاث كرامات دنيويتين وأخروية فالدنيويتان السلامة والغنيمة والأخروية دخول الجنة فإذا رجع سالمًا غانمًا فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث كان رجع بغير غنيمة عوضه الله من ذلك ثوابًا في مقابلة ما فاته وكان معنى الحديث أنه يقال للمجاهد إذا فات عليك شيء من أمر الدنيا عوضتك عنه ثوابًا وأما الثواب المختص بالمجاهد فهو حاصل للفريقين معًا وهذا توجيه وجيه لا يدع مجالًا للإشكال اهـ من التكملة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 169) وأبو داود (2497) والنسائي (6/ 17 و 18) وابن ماجه (2785) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال. 4794 - (0) (0) (حدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البخاري ثم البغدادي ثقة من (11) (حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمد (بن أبي مريم) الجمحي المصري ثقة من (10) (أخبرنا نافع بن يزيد) الكلاعي بفتحتين وتخفيف اللام أبو يزيد المصري روى عن أبي هانئ الخولاني في الجهاد والقدر وهشام بن عروة وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم ويروي عنه (م د س ق) وابن أبي مريم وابن وهب وطائفة وثقه

حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ. حَدَّثَنِي أَبُو عَبدِ الرَّحْمنِ الْحُبلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ غَازَيةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إلا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أُجُورِهِمْ. وَمَا مِنْ غَازِيةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إلا تَمَّ أُجُورُهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العجلي والحاكم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة عابد من السابعة مات سنة (168) ثمان وستين ومائة (حدثني أبو هانئ) الخولاني حميد بن هانئ المصري (حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي) المعافري عبد الله بن يزيد المصري (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة نافع بن يزيد لحيوة بن شريح (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من) جماعة (غازية أو سرية) وهي مائة رجل وفي ذكرهما إشارة إلى أن الحكم ثابت في القليل والكثير من الغزاة فأو للتنويع وقيل أو للشك من الراوي قاله ملا علي (تغزو) أفرد وأنث نظرًا إلى لفظ سارية وكذلك في قوله (فتغنم وتسلم) وجمع في قوله (إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم) نظرًا إلى معناها كما مر في الرواية الأولى (وما من غازية أو سرية تخفق) أي لم تغنم ولم تحصل على غنيمة (وتصاب) بالجراح من العدو والمعنى لم تغنم ولم تسلم (إلا تم أجورهم) أي إلا أعطيت أجورهم كاملًا تامًّا غير ناقص لأنهم لم يحصلوا على فائدة من الغنيمة ولم يسلموا من العدو وقوله (تخفق) بضم التاء الفوقية وكسر الفاء من الإخفاق قال أهل اللغة الإخفاق أن يغزوا فلا يغنموا شيئًا وكذلك كل طالب حاجة إذا لم تحصل فقد أخفق وأما معنى الحديث فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم أر سلم ولم يغنم وإن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المرتب على الغزو وتكون الغنيمة من جملة الأجر وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله منا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها اهـ نووي. قوله (إلا تم أجورهم) قال القاضي المعنى من غزا وأصيب في نفسه بقتل أو جرح ولم يصادف غنيمة فأجره باق بكماله لم يستوف منه شيئًا فيوفر عليه بتمامه في الآخرة اهـ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة فقال.

4795 - (1861) (194) حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4795 - (1861) (194) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقة من (9) (حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي المدني ثقة من (4) (عن علقمة بن وقاص) بتشديد القاف الليثي المدني ثقة من (2) (عن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته وفيه لطيفة من لطائف الإسناد فإنه رواه ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض يحيى ومحمد وعلقمة (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال) أقوالها وأفعالها أي إنما صحتها أو كمالها (بالنية) والقصد وإنما أدخل المؤلف رحمه الله تعالى هذا الحديث الذي هو ربع الإسلام في هذا المقام إشارة إلى أن الغزو يحتاج إلى النية كسائر الأعمال فإن فإن بلا نية فلا ثمرة بقي هنا بحث وهو أن هذه النية هل يشترط مقارنتها بساعة الشروع في القتال أو تكفي عند التوجه إليه أجيب القصد الثاني كاف لأنه ثبت في الصحيح أن من حبس فرسًا لأن يغزو به فله ثواب بمقدار ما يشرب ويأكل ويستن ذلك الفرس والحال أن نية الغزو به في كل وقت يطعمه ويرسله ويتحرك معدومة ولأن أول القتال حال دهشة ولو كان القصد شرطًا فيه لكان حرجًا والله أعلم قال القسطلاني قوله (إنما الأعمال بالنيات) هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام قال أبو داود يكفي الإنسان لدينه أربع أحاديث إنما الأعمال بالنيات ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولا يكون مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه والحلال بيِّن والحرام بيِّن اهـ. قال النووي أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وصحته قال الشافعي وآخرون هو ثلث الإسلام وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا من الفقه وقال آخرون هو ربع الإسلام وقال عبد الرحمن بن مهدي وغيره ينبغي لمن صنف كتابًا أن يبدأ فيه بهذا الحديث تنبيهًا للطالب على تصحيح النية ونقل الخطابي هذا عن الأئمة مطلقًا وقد فعل ذلك البخاري وغيره فابتدؤوا به أول كل شيء وذكره البخاري في سبعة مواضع

وَإنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى ـــــــــــــــــــــــــــــ من كتابه قال الحفاظ ولم يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر بن الخطاب ولا عن عمر إلا من رواية علقمة بن وقاص ولا من علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم التيمي ولا عن محمد إلا من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري وعن يحيى انتشر فرواه عنه أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة ولهذا قال الأئمة ليس هو متواترًا وإن كان مشهورًا عند الخاصة والعامة لأنه فقد شرط التواتر في أوله و (النية) كما فسرها البيضاوي عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالًا أو مآلًا والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله تعالى وامتثال حكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فإنه تفصيل لما أجمل ولفظة إنما موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما سواه فتقدير هذا الحديث أن الأعمال تحسب إذا كانت نية ولا تحسب إذا كانت بلا نية والمعنى إنما الأعمال تثاب بالنية فلا يثاب الرجل على عمل صالح إلا إذا أراد به وجه الله والمراد من الأعمال الأعمال المشروعة كما دل عليه تمثيلها بالهجرة فالأعمال غير المشروعة لا يثاب عليها وإن باشرها المرء بنية صالحة أما الأعمال المشروعة سواء كانت واجبة أو مسنونة أو مباحة فيؤجر عليها بحسب النية فالأمور المباحة لا ثواب عليها ولا عقاب ولكن إذا أتى بها الإنسان بنية حسنة أثيب عليها مثل أكل الطعام فإنه مباح ولكن إذا أكل الرجل بنية التقوي على الحسنات أثيب عليه أيضًا. ومقصود الحديث التأكيد على إخلاص الأعمال الصالحة لله وتطهيرها من شوائب الرياء والسمعة والأغراض الدنيوية وقد أطال العلماء رحمهم الله تعالى الكلام في بيان حقيقة النية والإخلاص وأحكام ما يشوبها من الشوائب (وإنما لامرئ ما نوى) أي جزاء ما نواه قال النووي قال العلماء فائدة ذكره بعد قوله إنما الأعمال بالنية بيان أن تعيين المنوي شرط فلو كان على الإنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهرًا أو غيرها ولولا اللفظ الثاني لاقتض الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك اهـ وذكر السمعاني في أماليه ما يفيد أن اللفظ الأول يعني قوله إنما الأعمال بالنية ينبيء عن اشتراط الإخلاص في ثواب الطاعات واللفظ الثاني يعني قوله (وإنما لكل امرئ ما نوى) لبيان أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا

فَمَنْ كَانَتْ هِجرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ كَانَتْ هِجرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نوى بها فاعلها القربة كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة وهذا أوضح ما قيل في الفرق بين الجملتين اهـ فتح الباري (1/ 14) (فمن كانت هجرته) من مكة أو غيرها إلى المدينة (إلى الله ورسوله) أي لطلب رضا الله ورسوله فإلى بمعنى اللام (فهجرته) أي فجزاء هجرته (إلى الله ورسوله) أي على الله سبحانه وتعالى بمقتضى وعده فإلي بمعنى على وقال ابن دقيق العيد في تفسير هذه الجملة أي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا ونحو هذا في التقدير قوله (فمن كانت هجرته لدنيا) أي لغرض دنيا يريد أن (يحصلها) ويكتسبها بالغنيمة أو بالعمل (أو) نكاح (امرأة) يريد أن (يتزوجها فـ) ـجزاء (هجرته إلى ما هاجر إليه) أي ما هاجر له من الدنيا والمرأة فإلى زائدة لئلا يتحد الشرط والجزاء فلا بد من تغايرهما اهـ قسطلاني وقوله (فهجرته إلى ما هاجر إليه) هذا تعبير يعم منوع من النية ليتبين أن حكم كل هجرة بحسب نيتها ولا يستلزم ذلك أن تكون الهجرة للمرأة موجبة للعقاب وإنما المراد أنها لا تستحق الأجر وإن كانت مباحة ولو كانت النية مخلوطة بالقربة والغرض الدنيوي فالعبرة للباعث القوي كما مر والله أعلم وقال ابن دقيق العيد إنما خصت المرأة بالذكر لكون الحديث ورد في قصة مهاجر أم قيس وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور عن عبد الله بن مسعود قال (من هاجر يبتغي شيئًا فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس) رواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ (كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس) قال الحافظ في الفتح (1/ 10) وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري رواه في سبعة أبواب كما مر في الإيمان وبدأ الوحي وفي العتق وفي مناقب الأنصار في (3898) إلى غير ذلك وأبو داود في الطلاق (2210) والترمذي في فضائل الجهاد (1698) والنسائي في الطهارة (4280) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال.

4796 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ). ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا أبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ، سُلَيمَانُ بْنُ حَيَّانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ) وَيزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِإِسْنَادِ مَالِكٍ؛ وَمَعْنَى حَدِيثهِ. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يُخبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4796 - (0) (0) (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا أبو الربيع العتكي) سليمان بن داود الزهراني البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان) الأزدي الكوفي صدوق من (8) (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) (وبزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) (ح وحدثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (كلهم) أي كل هؤلاء المذكورين من الليث وحماد بن زيد وعبد الوهاب وأبي خالد الأحمر وحفص بن غياث ويزيد بن هارون وابن المبارك وسفيان بن عيينة رووا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (بإسناد مالك) يعني قوله عن محمد بن إبراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب (ومعنى حديثه) أي معنى حديث مالك لا لفظه غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء المذكورين لمالك (و) لكن (في حديث سفيان) بن عيينة وراويته (سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم) بصيغة

4797 - (1862) (195) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا، أُعْطِيَهَا، وَلَوْ لَمْ تُصِبهُ". 4798 - (1863) (196) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ). حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيحٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإخبار وزيادة لفظة (على المنبر) ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4797 - (1862) (195) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) الربعي البصري (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب الشهادة) أي أن يكون شهيدًا في سبيل الله تعالى (صادقًا) أي بنية صادقة (أعطيها) بالبناء للمجهول والضمير المستتر فيه عائد لمن والبارز للشهادة يعني أعطي الطالب ثواب الشهادة (ولو لم تصبه) تلك الشهادة ومات على فراشه كذا في المبارق يعني ولو لم يستشهد في الظاهر ويوضحه الحديث الآتي وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وفي الرواية الأخرى من سأل الشهادة بصدق معنى الرواية الأولى مفسر من الرواية الثانية ومعناهما جميعًا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير اهـ نووي ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث أنس بحديث سهل بن حنيف رضي الله عنه فقال. 4798 - (1863) (196) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ لحرملة قال أبو الطاهر أخبرنا وقال حرملة حدثنا عبد الله بن وهب حدثني أبو شريح) عبد الرحمن بن شريح بن عبيد الله المعافري بفتح الميم والمهملة الإسكندراني روى عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في الجهاد وعبد الكريم بن الحارث في الجهاد وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن في العلم ويروي عنه (ع) وعبد الله بن وهب وابن المبارك وثقه أحمد وابن معين

أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ". وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الطَّاهِرِ فِي حَدِيثِهِ "بِصِدْقٍ". 4799 - (1864) (197) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسائي وقال العجلي مصري ثقة وقال أبو حاتم لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة فاضل من السابعة مات سنة سبع وستين ومائة (167) (أن سهل بن أبي أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) الأنصاري المدني نزيل مصر روى عن أبيه أبي أمامة في الجهاد وأنس ويروي عنه (م عم) وأبو شريح عبد الرحمن بن شريح والمصريون له عندهم حديثان وثقه العجلي وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الخامسة مات بالإسكندرية (حدثه) أي حدث لأبي شريح (عن أبيه) أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف معروف بكنيته الأنصاري المدني معدود في الصحابة له رؤية لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه في (7) أبواب (عن جده) سهل بن حنيف بن واصل بن غنم بن ثعلبة الأنصاري الحارثي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سأل الله الشهادة بصدق) أي بنية صادقة جازمة (بلغه الله) تعالى أي أوصله وأعطاه (منازل الشهداء) ودرجاتهم (وإن مات على فراشه) لمانع وعذر منعه منها (ولم يذكر أبو الطاهر في حديثه بصدق). قال القرطبي وفي الحديث دلالة على أن من نوى شيئًا من أعمال البر ولم يتفق له عمله لعذر كان بمنزلة من باشر ذلك العمل وعمله اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب في الاستغفار (1520) والترمذي في فضائل الجهاد باب فيمن سأل الشهادة (1705) والنسائي في الجهاد باب مسألة الشهادة (6/ 36 - 37) وابن ماجه (2797) ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4799 - (1864) (197) (حدثنا محمد بن عبد الرحمن) بن حكيم (بن سهم الأنطاكي) نسبة إلى أنطاكية اسم بلدة في العجم مات بها سنة (243) وثقه الخطيب وقال في التقريب ثقة يغرب من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا عبد الله بن المبارك) بن

عَنْ وُهَيبٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) (عن وهيب) بن الورد بفتح الواو وسكون الراء بن أبي الورد القرشي المخزومي مولاهم أبي عثمان (المكي) الزاهد -اسمه عبد الوهاب ووهيب لقبه- أخي عبد الجبار بن الورد روى عن عمر بن محمد بن المنكدر وعطاء بن أبي رباح وحميد بن قيس الأعرج وداود بن شابور والثوري وغيرهم ويروي عنه (م د ت س) وابن المبارك وفضيل بن عياض وعبد المجيد بن أبي رواد وآخرون وثقه ابن معين والنسائي وقال في التقريب ثقة عابد من كبار السابعة (عن عمر بن محمد بن المنكدر) القرشي التيمي المدني روى عن سُمي في الجهاد وعن أبيه ويروي عنه (م د س) ووهيب بن الورد المكي وسعد بن الصلت ويحيى بن سليم وعدة ذكره ابن حبان في الثقات وذكر أنه كان من العباد وأنه مات من قرآن قرئ عليه له عندهم حديث واحد وقال في التقريب ثقة من السابعة (عن سمي) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان القيسي المدني ثقة ثبت من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يغز) أي لم يجاهد يومًا في عمره (ولم يحدث به) أي بالجهاد (نفسه) بالنصب على المفعولية أي لم يوجه همته إليه ولم يتمن مباشرة الغزو يعني مع القدرة عليه (مات على شعبة) بضم الشين وسكون العين أي على خصلة (من نفاق) قال الذهني قوله (ولم يحدث) بالتشديد أي لم يكلم (به) أي بالغزو (نفسه) بالنصب على أنه مفعول به أو بنزع الخافض أي في نفسه وفي نسخة بالرفع على أنه فاعل. والمعنى لم يعزم على الجهاد ولم يقل في نفسه يا ليتني كنت مجاهدًا وقيل معناه ولم يرد الخروج وعلامته في الظاهر إعداد آلته قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} ويؤبده قوله صلى الله عليه وسلم (مات على شعبة من نفاق) أي على نوع من أنواع النفاق أي من مات على هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد ومن تشبه بقوم فهو منهم وقيل كان هذا مخصوصًا بزمنه صلى الله عليه وسلم والأظهر أنه عام ويجب على كل مؤمن أن ينوي الجهاد إما بطريق

قَال ابْنُ سَهْمٍ: قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: فَنُرَى أَنَّ ذلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4800 - (1865) (198) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرض الكفاية أو على سبيل فرض العين إذا كان التفسير عامًّا ويستدل بظاهره لمن قال الجهاد فرض عين مطلقًا وفي رواية أبو داود عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من لم يغز ولم يخلف غازيًا في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة أي بشدة من الشدائد وبلية من البلايا (قال) محمد بن عبد الرحمن (بن سهم) شيخ المؤلف (قال) لنا (عبد الله بن المبارك فنرى) بضم النون على البناء للمجهول أي نظن (أن ذلك) الوصف أي كونه على شعبة من شعب النفاق (كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل وقال غيره إنه عام والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق وفي هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها وقد اختلف العلماء فيمن تمكن من الصلاة في أول وقتها فأخرها بنية أن يفعلها في أثنائه فمات قبل فعلها أو آخر الحج بعد التمكن إلى سنة أخرى فمات قبل فعله هل يأثم أم لا والأصح عندهم أنه يأثم في الحج دون الصلاة لأن مدة الصلاة قريبة فلا ينسب إلى تفريط بالتأخير بخلاف الحج وقيل يأثم فيهما وقيل لا يأثم فيهما وقيل يأئم في الحج الشيخ دون الشاب والله أعلم اهـ نووي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 324) وأبو داود في الجهاد في كراهية ترك الغزو (2502) والنسائي في الجهاد باب التشديد في ترك الجهاد (6/ 3097) ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال. 4800 - (1865) (198) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي نزيل واسط (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة) من غزواته لم أر من عين تلك الغزوة

فَقَال: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إلا كَانُوا مَعَكُمْ. حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ". 4801 - (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: "إلا شَرِكُوكُمْ فِي الأجرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن بالمدينة لرجالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا) من الأودية (إلا كانوا) أي إلا كان أولئك الرجال (معكم) أي في الثواب من أجل نيتهم وفيه أن من نوى طاعة وحبسه عذر فإنه يثاب على نيته قال الأبي المعية والشركة بدلان على أن له مطلق أجر لا على المساواة وانظر العكس لو خرج محاربون وتخلف بعضهم لمانع وتأسف على عدم الخروج هل يأثم بنيته وما طاب قلبه أو يقال البابان مختلفان لأنه ثبت التضعيف في الحسنات دون السيئات ويشهد لعدم المؤاخذة حديث إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها (حبسهم المرض) من الخروج معكم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الجهاد باب من حبسه العذر عن الجهاد (2791) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4801 - (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو معاوية) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة من (10) (قالا حدثنا وكيع ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة المذكورين من أبي معاوية ووكيع وعيسى بن يونس رووا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لجرير بن عبد الحميد (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر (غير أن) أي لكن أن (في حديث وكيع) وروايته (إلا شركوكم في الأجر) أي في أجر الجهاد وثوابه بسبب نيتهم له وتأسفهم على فواته إياهم قال أهل اللغة شركه بكسر الراء بمعنى شاركه وفي هذا الحديث فضيلة النية بالخير وأن من نوى الغزو أو غيره من الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته وأنه كما أكثر من التأسف على فوات ذلك وتمنى كونه مع الغزاة ونحوهم كثر ثوابه والله أعلم اهـ نووي ويؤيده ما روي عن

4802 - (1866) (199) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالْ قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ. وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. فَدَخَلَ عَلَيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم فيمن غلبه النوم عن صلاة الليل أنه يكتب له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4802 - (1866) (5199) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن) عمه لأمه (أنس بن مالك) بن النضر رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه) الطعام وزاد البخاري في الاستئذان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام فأفاد أن بيتها كان في قباء. وأم حرام اسمها الرميصاء وهي خالة أنس أخت أم سليم أم أنس وكانت خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع وقيل خالة لأبيه أو لجده لأن أم عبد المطلب كانت أنصارية من بني النجار ذكره النووي والأبي عن القاضي عياض رحمهم الله تعالى (وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي شهد العقبتين وهو أحد النقباء فيهما رضي الله عنه وظاهر هذا الكلام أنها كانت زوجة لعبادة عند قصة المنام ولكن سيأتي في الرواية الآتية أن عبادة تزوجها بعد هذه القصة فخرج بها إلى البحر وهو الصحيح كما حققه الحافظ في الفتح فالجملة ها هنا معترضة لا علاقة لها بقصة المنام. (فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فأطعمته) مما في بيتها من الطعام فيه جواز مثل هذا من إذن المرأة لذي المحرم وإن لم يحضر الزوج وفيه جواز تقديم المرأة الطعام لضيفها من مالها أو من مال الزوج لأن الغالب أن ما في البيت من طعام إنما هو من مال الزوج إذا علم أنه لا يكره أن يؤكل ما في بيته وفيه جواز ذلك للوكيل والمتصرف في ماله إذا علم أنه لا يكره ذلك ومعلوم سرور زوج أم حرام بذلك

ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ. فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ. يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هذَا الْبَحْرِ. مُلُوكًا عَلَى الأسَرَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكانوا يحبون أن يدخل بيوتهم ويأكل طعامهم (ثم جلست) أم حرام جنبه صلى الله عليه وسلم حالة كونها (تفلي) وتسرح له صلى الله عليه وسلم (رأسه) أي شعر رأسه وهو بفتح التاء وكسر اللام من باب رمى أي تفتش ما فيه من قمل أو نحوه وفيه جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره مما ليس بعورة وجواز الخلوة والنوم عندها قال القسطلاني وإنما كانت تفلي رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أم عبد المطلب كانت من بني النجار وقيل إنها كانت إحدى خالاته من الرضاعة كما مر آنفًا قال ابن عبد البر فأي ذلك كان قام حرام محرم منه صلى الله عليه وسلم ونقل النووي الإجماع على ذلك وإنما اختلفوا هل ذلك من النسب أو الرضاع وصوب بعضهم أنه لا محرمية بينهما كما بينه الدمياطي في جزء أفرده لذلك قال وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعل ذلك كان مع ولد أو زوج أو خادم أو تابع والعادة تقتضي المخالطة بين المخدوم وأهل الخادم لا سيما إذا كن مسنِّات مع ما ثبت له صلى الله عليه وسلم من العصمة أو هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم اهـ منه. (فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم) عندها وسيأتي في الروايات الآتية أنه صلى الله عليه وسلم نام قريبًا منها (ثم استيقظ) أي انتجه من نومه (وهو) - صلى الله عليه وسلم - (يضحك) أي يبتسم غاية التبسم فرحًا وسرورًا لكون أمته تبقى بعده متظاهرةً بأمور الإسلام قائمةً بالجهاد حتى في البحر والجملة حالية. (قالت) أم حرام (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (ما يضحكك يا رسول الله قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكني (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر) الأخضر الملح بمثلثة وبموحدة مفتوحتين فجيم أي وسطه أو معظمه أو ظهره أو هوله أقوال اهـ قسط قال الأصمعي ثبج كل شيء وسطه وقال أبو علي في أماليه قيل ظهره وقيل معظمه وقيل هوله وقال أبو زيد في نوادره ضرب ثبج الرجل بالسيف أي وسطه وقيل ما بين كتفيه قال الحافظ بعد ما سرد هذه الأقوال والراجح أن المراد به هنا ظهره كما وقع التصريح به في الطريق التي أشرت إليها وهي طريق مسلم وستأتي في الرواية الآتية (والمراد أنهم يركبون السفن التي تجري على ظهره) (ملوكًا على الأسرة) حال من فاعل يركبون أي يركبون

أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ" (يَشُكُّ أَيَّهُمَا قَال) قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا. ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ. ثُمَّ اسْتَيقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتي عُرِضُوا عَلَي غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ" كَمَا قَال فِي الأُولَى. قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سفن هذا البحر حالة كونهم راكبين على كراسيها مثل ركوب الملوك على أسرة ملكهم أي مطمئنين عليها لا يخافون البحر وهوله (أو) قال أنس يركبون ثبج هذا البحر حالة كونهم في الطمأنينة عليه (مثل الملوك على الأسرة) والشك من إسحاق فيما قاله أنس وفي رواية البخاري (شك إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة قيل هذا الكلام إخبار عما يحصل لهم في الآخرة من أجر غزوهم فيجلسون على الأسرة مثل الملوك ورجحه الحافظ وقيل هو إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا بعد الغزو فيغنمون ويتوسعون في الركوب على مراكب الملوك والجلوس على أسرتهم ورجحه النووي قال الراقم ويحتمل أيضًا أن يكون إخبارًا عن طمأنينتهم عند ركوب البحر والمراد أنهم يركبون السفن فيجلسون فيها كما يجلس الملوك على الأسرة لا يخافون البحر وأهواله وهذا المعنى أنسب برواية من رواه ملوكًا على الأسرة فإنه حال من قوله يركبون كما مر آنفًا والله أعلم. (يشك) إسحاق بن عبد الله (أيهما) أي أي اللفظين قال أنس كما هو مصرح في رواية البخاري. (قالت) أم حرام (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله ادع الله) لي (أن يجعلني منهم) أي من أولئك الناس الذين يركبون ثبج هذا البحر (فدعا) الله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلها منهم (ثم) بعدما دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (وضع رأسه) الشريف ثانيًا على الأرض (فنمام ثم استيقظ وهو) صلى الله عليه وسلم (يضحك) أي يتبسم قال أنس (قالت) أم حرام (فقلت) له صلى الله عليه وسلم ثانيًا (ما يضحكك يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكني (ناس من أمتي عرضوا علي) حال كونهم (غزاة في سبيل الله) تعالى ثم قال (كما قال في) المرة (الأولى) يعني يركبون صحراء هذا البر ملوكًا على الأسرة لما سيأتي من أن ركوبهم في المرة الثانية في البر (قالت) أم حرام (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله ادع

اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَال: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ". فَرَكِبَتْ أمُّ حَرَامٍ بِنْت مِلْحَانَ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاويةَ. فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ. فَهَلَكَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله) لي (أن يجعلني منهم) أي من أولئك الأناس (قال) لها (أنت) تكونين (من الأولين) الذين يركبون ثبج هذا البحر أي من الزمرة التي رآها أولًا وهذا يدل على أن المرئيين ثانيًا ليسوا من الأوليين وكانت الطائفة الأولى غزاة أصحابه في البحر والثانية غزاة التابعين فيه والله أعلم اهـ من المفهم قال أنس (فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن) إمارة (معاوية) بن أبي سفيان بالشام من قبل عثمان أي ركبت مع زوجها في أول غزوة كانت إلى الروم مع معاوية أمير الجيش في زمن خلافة عثمان بن عفان سنة ثمان وعشرين وهذا قول أكثر أهل السير وقال البخاري ومسلم في زمان معاوية فعلى الأول يكون المراد زمان غزوة معاوية البحر لا زمان خلافته اهـ من القسطلاني قال القرطبي وفيه دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صدقه فإنه قد وقع ما أخبر عنه من الغيب على نحو ما أخبر به اهـ من المفهم قوله (فصرعت) معطوف على ركبت أي سقطت (عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) أي ماتت في الطريق لما رجعوا من غزوهم بغير مباشرة للقتال وقد قال صلى الله عليه وسلم من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد رواه مسلم وفي رواية البخاري في باب غزوة المرأة في البحر (فلما قفلت ركبت دابتها فوقصت بها فسقطت عنها فماتت) والذي استخلصه الحافظ من جميع الروايات في هذا الباب أنه لما وصلوا إلى جزيرة قبرص بادرت المقاتلة وتأخرت الضعفاء كالنساء فلما غلب المسلمون وصالحوهم طلعت أم حرام من السفينة قاصدة البلد لتراها وتعود راجعة إلى الشام فقدمت إليها بغلة شهباء لتركبها فركبتها فوقصت بها وماتت وذكر ابن حبان أن قبرها بجزيرة في بحر الروم يقال لها قبرص وذكر الطبري في تاريخه أن الناس يستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة اهـ وهذا الحديث قد اختلف فيه عن أنس فمنهم من جعله من مسنده ومنه من جعله من مسند أم حرام وحقق الحافظ في الفتح (11/ 72) أن أوله من مسند أنس وقصة المنام من مسند أم حرام فإن أنسًا إنما حمل قصة المنام عنها اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 361) والبخاري (2799) وأبو دا ود (2491) والترمذي (1645) والنسائي

4853 - (0) (0) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ، وَهِيَ خَالةُ أَنَسٍ. قَالتْ: أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا. فَقَال عِنْدَنَا. فَاسْتَيقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَال: "أُرِيتُ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ. كالمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ" فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَال: "فَإِنَّكِ مِنْهُمْ" قَالتْ: ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيقَظَ أَيضًا وَهُوَ يَضْحَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (6/ 40 - 41) وابن ماجه (2776) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4853 - (0) (0) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البزار البغدادي المقرئ ثقة من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الباء الموحدة بن منقذ بن عمرو الأنصاري المدني ثقة من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن أنس بن مالك عن أم حرام وهي خالة أنس) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة محمد بن يحيى لإسحاق بن عبد الله وفيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي. (قالت) أم حرام (أتانا النبي صلى الله عليه وسلم) في بيتنا (يومًا) من الأيام (فقال) أي نام نوم القيلولة (عندنا فاستيقظ) من نومه (وهو) صلى الله عليه وسلم (يضحك) أي يتبسم قالت أم حرام (فقلت) له (ما يضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي) أي أنت مفدي بأبي وأمي من كل مكروه فـ (قيل) لي في جواب سؤالي (أريت) بالبناء للمجهول أي رأيت في هذا المنام (قومًا من أمتي يركبون) في سبيل الله (ظهر) هذا (البحر) الأخضر الملح حالة كونهم مطمئنين على كرسي السفن (كـ) ـإطمنان (الملوك على الأسرة) أي على أسرة ملكهم غير خائفين جمع سرير قالت أم حرام (فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أدع الله) لي (أن يجعلني منهم قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنك) يا أم حرام (منهم) أي من هؤلاء القوم الذين يركبون ظهر هذا البحر (قالت) أم حرام (ثم) بعدما أجاب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استفهامي (نام) ثانيًا (فاستيقظ) من نومه (أيضًا) أي كما استيقظ من النوم الأول (وهو يضحك) والجملة الإسمية حال من فاعل استيقظ وجملة أيضًا معترضة

فَسَأَلْتُهُ. فَقَال مِثْلَ مَقَالتِهِ. فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَال: "أَنْتِ مِنَ الأَوْلِينَ". قَال: فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، بَعْدُ. فَغَزَا فِي الْبَحْرِ فَحَمَلَهَا مَعَهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ. فَرَكِبَتْهَا. فَصَرَعَتْهَا. فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا. 4804 - (0) (0) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ وَيحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. عَنِ ابْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ خَالتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلحَانَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي. ثُمَّ اسْتَيقَظَ يَتَبَسَّمُ. قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَضْحَكَكَ؟ قَال: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتي عُرِضُوا عَلَيَّ. يَرْكَبُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فسألته) أيضًا عن ضحكه (فقال) لي في جواب سؤالي (مثل مقالته) في السؤال الأول يعني أريت قومًا من أمتي إلخ (فقلت) له (ادع الله) لي يا رسول الله (أن يجعلني منهم) أي من القوم الذين رآهم في المنام الثاني ليتضاعف أجرها فـ (ـقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت من الأولين) الذين رأيتهم في المنام الأول (قال) أنس بن مالك (فتزوجها عبادة بن الصامت بعد) أي بعد ذلك المنام (فغزا) عبادة (في البحر فحملها معه) في تلك الغزوة (فلما أن جاءت) ورجعت من تلك الغزوة ونزلت في الجزيرة (قربت لها بغلة) شهباء لتركبها (فركبتها فصرعتها) أي أسقطتها الدابة على الأرض (فاندقت) انكسرت (عتقها) فماتت وقبرت هناك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4804 - (0) (0) (وحدثناه محمد بن رمح بن المهاجر) المصري (ويحيى بن يحيى) التميمي (قالا أخبرنا الليث) بن سعد (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن) محمد بن يحيى (بن حبان) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الليث لحماد بن زيد (أنها قالت نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) في بيتنا مكانًا (قريبًا مني) بالنصب على الظرفية متعلق بنام (ثم استيقظ) حالة كونه (يتبسم قالت) أم حرام (فقلت) له (يا رسول الله ما أضحكك قال) يضحكني (ناس من أمتي عرضوا علي يركبون

ظَهْرَ هذَا الْبَحْرِ الأَخْضَرِ". ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. 4805 - (0) (0) وحدّثني يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ابْنَةَ مِلْحَانَ، خَالةَ أَنَسٍ. فَوَضعَ رَأْسَهُ عِنْدَهَا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ظهر هذا البحر الأخضر) قال الحافظ في الفتح قال الكرماني هي صفة لازمة للبحر لا مخصصة اهـ ويحتمل أن تكون مخصصة لأن البحر يطلق على الملح والعذب فجاء لفظ الأخضر لتخصيص الملح بالمراد قال والماء في الأصل لا لون له وإنما تنعكس الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه وقال غيره إن الذي يقابله السماء وقد أطلقوا عليها أنها الخضراء لحديث (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء) والعرب تطلق الأخضر على كل لون ليس بأبيض ولا أحمر قال الشاعر: - وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من نسل العرب يعني أنه ليس بأحمر كالعجم اهـ (ثم ذكر) الليث (نحو حديث حماد بن زيد) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4805 - (0) (0) (وحدثني يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) (عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن معمر الأنصاري النجاري أبي طوالة بضم الطاء وفتح الواو المخففة المدني ثقة من (5) روى عنه في (5) أبواب (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من رباعياته غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الله بن عبد الرحمن لإسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى كما سيصرحه قريبًا (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع على الفاعلية أم حرام (ابنة ملحان خالة أنس) بالنصب على المفعولية أي أتاها في بيتها في قباء (فوضع رأسه) الشريف (عندها) في بيتها فنام واستيقظ وهو يضحك (وساق) عبد الله بن عبد الرحمن أي ذكر (الحديث) السابق (بمعنى حديث إسحاق) بن عبد الله (بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى بن حبان) والله سبحانه وتعالى أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والرابع حديث سهل بن حنيف ذكره للاستشهاد والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والسادس حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسابع حديث أنس بن مالك الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. ***

647 - (40) باب فضل الرباط وكم الشهداء وقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم} وقوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق

647 - (40) باب فضل الرباط وكم الشهداء وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق 4806 - (1866) (200) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ بَهْرَامٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسيُّ. حَدَّثَنَا لَيثٌ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ خَيرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرِ وَقِيَامِهِ. وَإِنْ مَاتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 647 - (40) باب فضل الرباط وكم الشهداء وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق 4806 - (1866) (200) (حدثنا عبد الله بن بهرام) بكسر الباء وفتحها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن فضل بن بهرام (الدارمي) أبو محمد السمرقندي الحافظ صاحب المسند ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا أبو الوليد الطيالسي) هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم الحافظ البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا ليث يعني ابن سعد) الفهمي المصري ثقة إمام حجة من (7) (عن أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي أبي موسى المكي ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن مكحول) النوبي الهذلي مولاهم أبي عبد الله الشامي ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن شرحبيل) بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء وكسر الباء (بن السمط) بكسر السين وسكون الميم ويقال بفتح السين وكسر الميم الكندي أبي السمط الشامي مختلف في صحبته (عن سلمان) الفارسي أبي عبد الله المدائني ويقال له سلمان الخير وسلمان ابن الإسلام رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قال) سلمان (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رباط) بكسر الراء أي حراسة قدر (يوم وليلة) أطراف بلدان المسلمين أي ثوابه (خير) أي أفضل وأكثر (من) ثواب (صيام) أيام (شهر) كله (وقيامه) أي قيام ليالي شهر بالصلاة والرباط مصدر رابط يرابط رباطًا إذا قام في ثغر من ثغور الإسلام حارسًا له من العدو وأصله من ربط الخيل فيها (وإن مات) في حالة

جَرَى عَلَيهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الرباط (جرى عليه) أي كتب له (عمله) أي ثواب عمله (الذي كان يعمله) في حال رباطه وأجر رباطه والرباط في اللغة الحبس والمراد به في أحاديث الجهاد الإقامة في الثغر للحراسة وأصله من ارتباط الخيل في الثغر للحرس كما في مجمع البحار وقال أبو عمر شرع الجهاد لسفك دماء المشركين وشرع الرباط لصون دماء المسلمين وصون دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين وهذا يدل على أن الرباط أفضل عنده من الجهاد وقد اختلف في ذلك فقيل الجهاد أفضل وقيل الرباط أفضل اهـ قوله (وإن مات جرى عليه عمله) قال القاضي هذه فضيلة مختصة بالرباط وقد جاء مفسرًا في غير مسلم (كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمو عمله إلى يوم القيامة) وقال الأبي يعني أن الثواب المرتب على رباط اليوم والليلة يجري له دائمًا ولا يعارض هذا الحديث حديث "إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث" إما بأنه لا مفهوم للعدد الثلاث هاما بأن يرجع هذا إلى إحدى الثلاث وهو صدقة جارية. قال المناوي قوله (من صيام شهر) أي تطوعًا بدليل قوله (وقيام ليله) ولا يعارض هذا ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها) لأن فضل الله متوال في كل وقت وكذلك لا يعارضه قوله (خير من ألف يوم) لاحتمال إعلامه بالزيادة أو لاختلاف العاملين اهـ. قوله (وأجري عليه رزقه) يعني به والله تعالى أعلم أنه يرزق في الجنة كما يرزق الشهداء الذين تكون أرواحهم في حواصل الطير تأكل من ثمر الجنة كما تقدم في الشهيد (وأمن) بفتح فكسر وفي رواية بضم الهمزة وزيادة واو (أومن) بالبناء للمجهول (الفتان) بفتح الفاء وتشديد التاء أي فتنة القبر وروي (فتاني القبر) وروي بضم الفاء جمع فاتن وهو من إطلاق الجمع على اثنين اهـ مناوي قال القرطبي (وأمن الفتان) يروى عن الأكثر من الراوة بضم الفاء جمع فاتن ويكون للجنس أي يؤمن كل ذي فتنة ورواه الطبري بفتح الفاء يعني به فتان القبر وكذلك رواه أبو داود في سننه (2500) (أومن من فتان القبر) وهذا مفسر يوضح أن المراد من الفتان من يفتن الميت في القبر اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 440) والترمذي (1665) والنسائي في الجهاد باب فضل الرباط (3167 و 3168) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمان رضي الله عنه فقال.

4807 - (0) (0) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شُرَيحٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْخَيرِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ اللَّيثِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى. 4808 - (1867) (201) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "بَينَمَا رَجُلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4807 - (0) (0) (حدثني أبو الطاهر أخبرنا) عبد الله (بن وهب عن عبد الرحمن بن شريح) بن عبيد الله المعافري أبي شريح الإسكندراني ثقة من (7) (عن عبد الكريم بن الحارث) بن يزيد الحضرمي أبي الحارث المصري روى عن أبي عبيدة بن عقبة في الجهاد والمستورد بن شداد القرشي في الفتن والزهري وجماعة ويروي عنه (م س) وعبد الرحمن بن شريح وبكر بن مضر وابن لهيعة وثقه النسائي والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة عابد من السادسة وروايته عن المستورد منقطعة وقال ابن يونس مات سنة ست وثلاثين ومائة (136) (عن أبي عبيدة) مرة (بن عقبة) بن نافع الفهري المصري روى عن شرحبيل بن السمط في الجهاد وعن أبيه وأخيه عياض ويروي عنه (م س) وعبد الكريم بن الحارث وأبو عقيل وغيرهم ذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب مقبول من الثالثة مات سنة (107) سبع ومائة (عن شرحبيل بن السمط عن سلمان الخير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن شريح لليث بن سعد ولكنها متابعة ناقصة وساق عبد الرحمن (بمعنى حديث الليث عن أيوب بن موسى) ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4808 - (1867) (201) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن سمي) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني ثقة من (6) (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل) ممن قبلكم ولم يعينه ابن حجر في الفتح وقد يفهم من كلامه أنه أبو برزة ولكن مع بعد أو إلغاز والله

يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيق. فَأَخَّرَهُ. فَشَكَرَ اللهُ لَهُ. فَغَفَرَ لَهُ". وَقَال: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أعلم اهـ تنبيه المعلم (يمشي بطريق) أي في طريق من الطرق (وجد غصن) شجر (شوك) منبسطًا (على الطريق) أي في هواء الطريق المسلوك بحيث يؤذي المارة (فأخره) معطوف على وجد أي فأخر الرجل ذلك الغصن أي أزاله ونحاه عن الطريق (فشكر الله) سبحانه وتعالى (له) أي لذلك المؤخر أي رضي فعله ذلك وأثابه عليه بالأجر والثناء الجميل (فغفر) الله سبحانه وتعالى (له) أي لذلك المؤخر صغائر ذنوبه لأن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة وفيه فضيلة إماطة الأذى عن الطريق وهو كل مؤذ وهذه الإماطة أدنى شعب الإيمان كما مر في كتاب الإيمان وهنا انتهى حديث واحد حدث به أبو هريرة رضي الله عنه ثم ذكر حديثًا آخر فقال (الشهداء خمسة) وكل منهما حديث مستقل لا علاقة بينهما ويتضح هذا بما أخرجه البخاري في الأذان من طريق هذا الحديث فإنه ذكر حديث إماطة الغصن أولًا وأتبعه بقوله (ثم قال) فذكر حديث الشهداء. (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (الشهداء خمسة) هذا العدد لم يقصد منه الحصر لأنه قد ورد في أحاديث أخرى أنواع أخرى من الشهداء وورد في حديث جابر بن عتيك عند مالك الشهداء سبعة وورد في عدة أحاديث أنواع تزيد على هذه السبعة قال الحافظ في الفتح (6/ 43) والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ثبم فصل تلك الخمسة بقوله (المطعون) وهو الذي يموت في الطاعون أي الوباء ولم يرد المطعون بالسنان لأنه شعهيد في سبيل الله والطاعون مرض عام فيفسد له الهواء فتفسد الأمزجة والأبدان (والمبطون) وهو الذي مات بالإسهال قال القاضي وقيل هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقبل هو الذي يشتكي بطنه وقيل هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا (والغرق) بكسر الراء بلا ياء كحذر ويروى بالياء كعليم وهما للمبالغة وهو الذي يموت غريقًا في الماء (وصاحب الهدم) وهو الذي يموت تحت الهدم يعني من انهدم عليه جدار أو نحوه فمات وقال ابن الجوزي بفتح الدال المهملة وهو اسم لما يقع ويسقط قال ابن الأثير الهدم بالتحريك البناء المهدوم وهؤلاء الثلاثة إنما حصلت لهم مرتبة الشهادة لأجل تلك الأسباب لأنهم لم يغرروا بأنفسهم ولا فرطوا في التحرز ولكن أصابتهم تلك الأسباب بقضاء الله وقدره

وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". 4809 - (0) (0) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَعُدُّونَ الشهِيدَ فِيكُمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. قَال: "إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما من غرر أو فرط في التحرز حتى أصابه شيء من ذلك فمات فهو عاص وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذب وإن شاء عفا اهـ مفهم (والشهيد) أي القتيل (في سبيل الله عز وجل) يعني من قتل مجاهدًا في سبيل الله تعالى وهذا الأخير هو شهيد في أحكام الدنيا والآخرة فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن في ثيابه. قال الطيبي (فإن قلت) قوله خمسة خبر المبتدأ الذي هو الشهداء والمعدود هذا بيان له فكيف يصح له في الخامس فإنه حمل الشيء على نفسه فكأنه قال الشهيد هو الشهيد (قلت) هو من باب أنا أبو النجم وشعري شعري وقال الكرماني الأولى أن يقال المراد بالشهيد القتيل فكأنه قال الشهيد كذا وكذا والقتيل في سبيل الله اهـ عيني فإن قلت الشهداء في الصحيح خمسة وفي رواية مالك سبعة زاد وصاحب ذات الجنب والحريق والمرأة تموت بجمع وفي ابن ماجه ثمانية وفي رواية تسعة وفي رواية عشرة وفي رواية أحد عشر (قلت) لا تتناقض بينها لأن الاختلاف في العدد بحسب اختلاف الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم اهـ ذهني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في الأذان (652 و 653) والترمذي (1958) وابن ماجه (2682) وأحمد (2/ 533) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4809 - (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سهيل لسمي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعدون) وتحسبون (الشهيد) أي أي شيء تحسبون الشهيد (فيكم) وتظنون من هو فيكم (قالوا) أي قال الحاضرون (يا رسول الله) نظن أنه (من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن شهداء أمتي إذًا) بالتنوين لقطعها عن الإضافة أي إذا

لَقَلِيلٌ" قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ". قَال ابْنُ مِقْسَمٍ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ، فِي هذَا الْحَدِيثِ؛ أَنَّهُ قَال: "وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ". 4810 - (0) (0) وحدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانِ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثنَا خَالِدٌ، عَنْ سُهَيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ: قَال سُهَيلٌ: قَال عُبَيدُ اللَّهِ بن مِقْسَمٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كانوا من قتل في سبيل فقط (لقليل قالوا) أي قال الحاضرون (فمن هم) أي شهداء أمتك (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل) مجاهدًا (في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله) أي في طاعته سفر طلب العلم وسفر الحج (فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات في) مرض (البطن) كالإسهال والإستسقاء والزحير (فهو شهيد قال) عبيد الله (بن مقسم) القرشي المدني ثقة من (4) لسهيل بن أبي صالح (أشهد على أبيك) أبي صالح السمان (في هذا الحديث) الذي رواه عن أبي هريرة (أنه) أي أن أباك (قال) أي زاد على ما رويته عنه لفظة (والغريق شهيد) وحاصل هذا الكلام أن هذا الحديث رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح ورواه أيضًا عبيد الله بن مقسم عن أبي صالح فلما روى سهيل هذا الحديث بمحضر من ابن المقسم خاطب ابن المقسم سهيلًا بهذا القول فقال له أشهد على أبيك يعني على أبي صالح في هذا الحديث أنه قال والغريق شهيد وأضاف إلى الحديث زيادة لم يذكرها سهيل ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4810 - (0) (0) (وحدثني عبد الحميد بن بيان) بن زكرياء اليشكري أبو الحسن (الواسطي) العطار صدوق من (10) (حدثنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة خالد لجرير بن عبد الحميد (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة وساق خالد (مثله) أي مثل ما حدث جرير عن سهيل (غير أن) أي لكن أن (في حديثه) أي في حديث خالد (قال) لنا (سهيل) بن أبي صالح (قال) لي (عبيد الله بن مقسم

أَشْهَدُ عَلَى أَخِيكَ أنَّهُ زَادَ فِي هذَا الْحَدِيثِ: "وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ". 4811 - (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِ: قَال: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ مِقْسَمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. وَزَادَ فِيهِ: "وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ". 4812 - (1868) (02 2) حدَّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ). حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ. قَالتْ: قَال لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: بِمَ مَاتَ يَحْيى بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أشهد على أخيك) كذا في النسخ الموجودة عندنا وذكر القاضي أنه وقع في رواية ابن ماهان (على أبيك) وهو الصواب كما سبق في رواية زهير (أنه) أي أن أخاك زاد في هذا الحديث لفظة (ومن غرق فهو شهيد) وأخوه هو عبد الله بن ذكوان أو صالح بن ذكوان ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4811 - (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) (حدثنا سهيل) بن أبي صالح غرضه بيان متابعة بهز لجرير بن عبد الحميد (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (و) لكن (في حديثه) أي في حديث بهز (قال) وهيب (أخبرني عبيد الله بن مقسم عن أبي صالح وزاد) عبيد الله (فيه) أي في الحديث لفظة (والغرق) بكسر الراء (شهيد) وهذا بيان لمحل المخالفة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنه فقال. 4812 - (1868) (202) (حدثنا حامدبن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الئقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (10) (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم البصري ثقة من (8) (حدثنا عاصم) بن سليمان الأحول التميمي أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (4) (عن حفصة بنت سيرين) أم الهذيل الأنصارية البصرية ثقة من (3) (قالت) حفصة (قال لي أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (بم مات يحيى بن

أَبِي عَمْرَةَ؟ قَالتْ: قُلْتُ: بِالطَّاعُونِ. قَالتْ: فَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". 4813 - (0) (0) وحدّثناه الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي عمرة) تريد أخاها يحيى بن سيرين وهو أخو محمد بن سيرين وأبو عمرة كنية لوالدهم سيرين تابعي ثقة قليل الحديث وروي عن هشام بن حسان أنه أفضل من أخيه محمد وأخته حفصة راجع التهذيب (11/ 228) أي بأي شيء من الأمراض مات أخوك يحيى بن سيرين (قالت) حفصة (قلت) لأنس مات أخي (بالطاعون) وهو طاعون وقع بالبصرة بعد سكنى الحجاج بلدة واسط في حدود التسعين كما في التهذيب (قالت) حفصة (فقال) لي أنس بن مالك (قال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون شهادة) أي سبب إلى) شهادة (كل مسلم) ومسلمة أي يكون الميت به شهيدًا وظاهره يشمل الفاسق اهـ مناوي قال العيني قيل الطاعون هو الذي أصابه الطعن وهو الوجع الغالب الذي ينطفئ به الروح كالذبحة ونحوها قال النووي الشهداء ثلاثة أقسام شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم المذكورون في الحديث المتقدم وشهيد في الدنيا وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبرًا قوله (الطاعون شهادة لكل مسلم) كذا وقع في هذا الحديث مطلقًا وهو مقيد بثلاثة قيود في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند البخاري في الطب (5734) ولفظه (فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله إلا كان له مثل أجر الشهيد) والطاعون كما عرفه الأطباء ومنهم ابن سينا مادة سمية تحدث ورمًا قتالًا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن، وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة، وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد، يستحيل إلى جوهر سمّي، يفسد العضو ويغير لون ما يليه، وربما رشح دمًا وصديدًا ونحوه، ويؤدي كيفية رديئة إلى القلب من طريق الشرايين، فيحدث القيء والغشي والخفقان، وأطلق بعضهم الطاعون على كل وباء عام، ولكنه مجاز كما حققه الحافظ في الفتح (10/ 180 و 181)، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الجهاد (2830) وفي الطب (5732). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4813 - (0) (0) (وحدثناه الوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس الكندي أبو همام

فائدة في الشهداء

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (عن عاصم) بن سليمان الأحول (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن حفصة عن أنس بن مالك (بمثله) أي بمثل ما حدث به عبد الواحد عن عاصم غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لعبد الواحد بن زياد. فائدة في الشهداء وقد وردت روايات أخرى ألحقت كثيرًا من الأنواع بهؤلاء الأربعة في أحكام الآخرة وكونهم مأجورين أجر الشهداء وعدهم الحافظ ابن حجر عشرين وعدهم السيوطي نحو ثلاثين وهي من مات بالبطن أو الغرق أو الهدم أو بذات الجنب وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد ثم تنفتح في الجنب أو بالجمع بضم الجيم وسكون الميم بمعنى المجموع كالدخر بمعنى المدخور والمعنى أنها ماتت من شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو غيره أو بالسل وهو داء يصيب الرئة أو في الغربة أو بالصرع أو بالحمى أو دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة أو بالعشق مع العفاف والكتم وإن كان سيئة حرامًا أو بالشرق أو بافتراس السبع أو بحبس سلطان ظلمًا أو بالضرب أو متواريًا أو لدغة هامة أو مات على طلب العلم الشرعي أو مؤذنًا محتسبًا أو تاجرًا صدوقًا ومن سعى على امرأته وولده وما ملكت يمينه يقيم فيهم أمر الله تعالى ويطعمهم من حلال والمائد في البحر أي الذي حصل له غثيان والذي يصيبه القيئ ومن ماتت صابرة على الغيرة ومن قال كل يوم خمسًا وعشرين مرة اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت ثم مات على فراشه ومن صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر سفرًا ولا حضرًا والمتمسك بالسنة عند فساد الأمة ومن قال في مرضه أربعين مرة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ذكره ابن عابدين في رد المختار (3/ 253) ثم قال وقد نظمها العلامة الشيخ علي الأجهوري المالكي وشرحها شرحًا لطيفًا وذكر نحو الثلاثين أيضًا لكنه زاد على ما هنا من مات بالطاعون كما مر أو بالحرق أو مرابطًا أو يقرأ كل ليلة سورة يس ومن صرع من دابة فمات ومن بات على طهارة فمات ومن عاش مداريًا أخرجه الديلمي ومن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة أخرجه الطبراني ومن سأل القتل في سبيل الله صادقًا رواه الحاكم ومن جلب طعامًا إلى مصر من أمصار المسلمين رواه الديلمي ومن مات يوم الحجة وسئل الحسن عن رجل اغتسل

4814 - (1869) (203) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالثلج فأصابه البرد فمات فقال يا لها من شهادة وأخرج الترمذي عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا أو من قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة حتى يصبح وبذلك زادت الأنواع على الأربعين وقد عدها بعضهم أكثر من خمسين وذكره الرحمتي منظومة اهـ من التكملة ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال. 4814 - (1869) (203) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (عن أبي علي) المصري (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم (بن شفي) بضم المعجمة وفتح الفاء مصغرًا وتشديد التحتانية الهمداني وثقه النسائي وقال في التقريب ثقة من (3) (أنه سمع عقبة بن عامر) الجهني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) قائم (على المنبر يقول) في تفسير قوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (ألا إن القوة) أي انتبهوا واسمعوا ما أقول لكم إن القوة التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاستعداد بها للكفار هي (الرمي) أي تعلم الرمي بالسهام والرمي بالرماح وتكرارها بقوله (ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي) للتأكيد قال القرطبي القوة التقوي بما يحتاج إليه من الدروع والمجان والسيوف والرماح والرمي وسائر آلات الحرب إلا أنه لما كان الرمي أنكأها في العدو وأنفعها فسرها وخصصها بالذكر وأكدها بذكرها ثلاثًا ولم يرد أنها كل العدة بل أنفعها ووجه أنفعيتها أن النكاية بالسهام تبلغ الأعداء من الشجاع وغيره بخلاف السيف والرمح فإنه لا تحصل النكاية بهما إلا من الشجعان

4815 - (1870) (204) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَتُفْتَحُ عَلَيكُمْ أَرَضُونَ. وَيَكْفِيكُمُ اللهُ. فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الممارسين للكر والفر وليس كل أحد كذلك ثم إنها أقر مؤونة وأيسر محاولة وإنكاء ألا ترى أنه قد يرمي رأس الكتيبة فينهزم أصحابه إلى غير ذلك مما يحصل منه من الفوائد والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قال النووي وفيه وفي الأحاديث بعده فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى وكذلك المثاقفة وسائر أنواع استعمال السلاح وكذلك المسابقة بالخيل وغيره والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ورياضة الأعضاء بذلك اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (2514) والترمذي (3083) وابن ماجه (2883) ثم استشهد المؤلف لحديث عقبة هذا بحديث آخر له بهذا السند رضي الله عنه فقال. 4815 - (1870) (204) (وحدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي علي) ثمامة بن شفي (عن عقبة بن عامر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته وهو عين السند الذي قبله حرفًا بحرف (قال) عقبة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ستفتح عليكم أرضون) من أراضي العدو وتغلبون عليها (ويكفيكم الله) عزَّ وجلَّ شرهم بأن يدفعهم عنكم وتغنموهم (فلا يعجز) بفتح الجيم وكسرها على المشهور وبالرفع على النفي وبالجزم على النهي وفي الأصول النهي عن الشيء يستلزم وجوب ضده وهو التلعب بالسهام هنا ليكون حاذقًا فيه والمعنى فلا يغفل (أحدكم) عن (أن يلهو) ويتلعب ويرتمي (بأسمهمه) أي بنباله لئلا ينساه قال القرطبي (قوله ويكفيكم الله) أي أمر العدو بالظهور عليهم وبالتمكين منهم وقد كان كل ذلك وهذا من دلائل صحة نبوته صلى الله عليه وسلم قوله: (فلا يعجز أن يلهو أحدكم بأسهمه) أي فليجعل الرمي بدلًا من اللهو فيندرج عليه ويشغل به حتى لا ينساه ولا يغفل عنه فيأثم على ما جاء في حديث عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير ومنبله والرامي

4816 - (0) (0) وحدّثناه دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرٍو بن الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ. قَال: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 4817 - (1871) (205) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ به وأن تراموا أحب إلي من أن تركبوا ليس من الله إلا ثلاث تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنما نعمة تركها أو قال كفرها أخرجه أبو داود (1513) والترمذي (1637) والنسائي (6/ 28) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 157) والترمذي (3083) وفي رواية الترمذي (فلا يعجزن) قال الأبي كأنه قيل إن الله سيفتح عليكم الروم قريبًا وهم رماة وسيكفيكم الله شرهم بواسطة الرمي فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه ولا عليكم أن تهتموا بالرمي حتى إذا حاربتم الروم تكونون متمكنين منه وإنما أخرج مخرج اللهو إمالة للنفوس على ما تعلمه فإن النفوس مجبولة على ميلها إلى اللهو اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4816 - (0) (0) (وحدئناه داود بن رشيد) بالتصغير الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي ثقة من (10) (عن الوليد) بن مسلم القرشي الدمشقي ثقة من (8) (عن بكر بن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة أبي عبد الملك المصري ثقة من (8) (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن أبي علي) ثمامة بن شفي (الهمداني قال سمعت عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة بكر بن مضر لعبد الله بن وهب وساق بكر بن مضر (بمثله) أي بمثل حديث بن وهب ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عقبة بن عامر بحديث آخر له أيضًا فقال. 4817 - (1871) (205) (حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن الحارث بن يعقوب) مولى قيس بن سعد بن عبادة أبو عمرو المصري الأنصاري مولاهم روى عن عبد الرحمن بن شماسة في الجهاد ويعقوب بن عبد الله الأشج في الدعاء ويروي عنه (م ت س) والليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وابنه عمرو وبكر بن مضر وثقه ابن معين وقال النسائي ليس به بأس وكان

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ شُمَاسَةَ؛ أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ قَال لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَينَ هذَينِ الْغَرَضَينِ، وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيكَ. قَال عُقْبَة: لَوْلَا كَلامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لَمْ أُعَانِيهِ. قَال الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لابْنِ شُمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَال: إِنهُ قَال: "مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيسَ مِنَّا، أَوْ قَدْ عَصَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ عابدًا يقوم الليل كله وقال في التقريب ثقة عابد من الخامسة مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن عبد الرحمن بن شماسة) بضم المعجمة وتخفيف الميم بعدها مهملة بوزن ثمامة المهري بفتح الميم وسكون الهاء أبو عمرو المصري ثقة من (3) (أن فقيمًا اللخمي) بتقديم الفاء على القاف مصغرًا لم أر من ترجم له (قال لعقبة بن عامر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفة أن رجاله كلهم مصريون إلا عقبة بن عامر (نختلف) بتقدير همزة الاستفهام أي أتختلف وتتردد يا عقبة بن عامر (بين هذين الغرضين) أي بين هذين الهدفين والاختلاف الذهاب والمجيئ مرة بعد أخرى والغرض هو الهدف الذي يرمى إليه وكان عقبة بن عامر يمارس الرمي ليحتفظ على تمرنه به مع كونه شيخًا كبيرًا فسأله ذلك لما رأى من شدة اهتمامه به (وأنت كبير) السن أي والحال أنك كبير السنن (يشق عليك) هذا التردد والاختلاف بين الهدفين (قال عقبة) لفقيم اللخمي (لولا كلام) وحديث (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه) أي لم أحاول وأعالج هذا الاختلاف بين الغرضين مع كبر سني ولم أتحمل مشقته بحذف الياء للجازم لأنه من عانى يعاني وهو الفصيح وفي معظم النسخ (لم أعانيه) بإثبات الياء مع الجازم وهي لغة معروفة كقوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي كما مر في أوائل الكتاب قال الليث بن سعد (قال) لنا الحارث بن يعقوب (فقلت لابن شماسة وما ذاك) الكلام الذي سمعه عقبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شماسة (قال) عقبة (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال من علم الرمي) أي تعلمه (ثم تركه) ونسيه (فليس) عمله (منا) أي من عملنا وهدينا (أو) قال عقبة أو من دونه من بعض الرواة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم الرمي ثم تركه فـ (ـقد عصى) وأثم وأذنب ففيه تشديد عظيم على من نسي الرمي بعد علمه وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عذر وسبق تفسير قوله (فليس منا) في كتاب الإيمان والله أعلم قال القرطبي قوله

4818 - (1872) (206) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا حَمَّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زيدٍ) عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ. لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أو قد عصى) شك من بعض الرواة في أي اللفظين قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر في ذم من ترك الرمي بعد أن علمه وسبب هذا الذم أن هذا الذي تعلم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دين الله والغناء فيه والنكاية في العدو فقد تعين لأن يقوم بوظيفة الجهاد فإذا ترك ذلك حتى يعجز عنه فقد فرط في القيام بما يتعين عليه فذم على ذلك وهذا مثل ما تقدم في كتاب الصلاة فيمن تعلم القرآن فنسيه قوله (فليس منا) أي ليس على طريقتنا ولا سنتنا وهو مثل قوله: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب وليس منا من دعا بدعوى الجاهلية ومن غشنا فليس) وهو ذم بلا شك وأما قوله: (فقد عصى) فهو نص في الوجوب وقوله (لم أعانه) أي لم أكابده ولم أقاسيه اهـ من المفهم قال المناوي (ثم تركه) أي رغبة عن السنة (ليس منا) أي ليس متصلًا بنا ولا عاملًا بأمرنا قال في المبارق (ثم تركه) كلمة ثم ها هنا للتراخي في الرتبة يعني مرتبة الترك متراخية عن مرتبة العلم فلا يؤثر عليه وليست للتراخي في الزمان لأن التارك عقيب العلم يكون تاركًا للسنة أيضًا اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 148) وابن ماجه (2814) ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث ثوبان رضي الله عنه فقال. 4818 - (1872) (206) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني نزيل مكة ثقة من (10) (وأبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري ثقة من (10) (وقتيبة بن سعيد قالوا حدثنا حماد وهو ابن زيد) الأزدي البصري ثقة من (8) (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي أسماء) الدمشقي عمرو بن مرثد الرحبي بفتح المهملتين نسبة إلى رحبة دمشق قريبة بينها وبين دمشق ميل ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن ثوبان) بن بجدد الشامي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) ثوبان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة) أي جماعة (من أمتي ظاهرين) أي منصورين (على الحق) قاهرين لعدوهم (لا

يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ. حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذلِكَ"، وَلَيسَ فِي حَدِيثِ قُتَيبَةَ: "وَهُمْ كَذلِكَ". 4819 - (1873) (206) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ. كِلاهُمَا عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يضرهم من خذلهم) أي من خالفهم ولم ينصرهم على الحق وقوله (حتى يأتي أمر الله) غاية لظاهرين فسره جماعة بقيام الساعة ويؤيده حديث جابر بن سمرة الآتي يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة وقد يشكل بحديث عبد الله بن عمرو الآتي أن القيامة لا تقوم إلا على شرار الخلق ولكن وجه الجمع بينهما مذكور في حديث عبد الله بن عمرو نفسه كما سيأتي وهو أن هذه الطائفة لا تزال ظاهرة حتى يبعث الله ريحًا كريح المسك لا تترك نفسًا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة فكأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب حتى يأتي أمر الله هبوب الريح المذكورة وأما حديث جابر بن سمرة لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة فالمراد منه الزمان القريب من قيام الساعة لأن هبوب تلك الريح قريب من يوم القيامة وهذا الجمع رجحه الحافظ في الفتح (13/ 94) وقيل معنى (ظاهرين) أي غالبين على من خالفهم حاملين الحق وغلبتهم إما بالقوة أو بالحجة وقيل المراد من الظاهرين أنهم غير مستورين أو هم على حق واختلفت أقوال العلماء في المراد بهذه الطائفة فقيل هم أهل الحديث وقيل هم المتفقهة وقيل هم المجاهدون إلى غير ذلك من الأقوال وقال النووي إن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر إلى غير ذلك وقوله (وهم كذلك) أي والحال أنهم ظاهرون على الحق جملة حالية من مفعول يأتي المحذوف أي حتى يأتيهم أمر الله والحال أنهم ظاهرون على الحق (وليس في حديث قتيبة) وروايته لفظة (وهم كذلك) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (4252) والترمذي (2177) وابن ماجه في المقدمة (9) ثم استشهد المؤلف لحديث ثوبان بحديث المغيرة رضي الله تعالى عنهما فقال. 4819 - (1873) (206) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا وكيع وعبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي ثقة من (8) (عن

إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيِّ) عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَنْ يَزَال قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَأتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ". 4820 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيسٍ. قَال: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَرْوَانَ سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الكوفي ثقة من (4) (ح وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ له حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (يعني الفزاري) أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) بن أبي حازم البجلي الأحمسي واسم أبي حازم عوف بن عبد الحارث بن عوف ثقة من (2) (عن المغيرة) بن شعبة الثقفي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) المغيرة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لن لتوكيد الحكم لتطمين قلوبهم والترغيب لإعداد أسباب الظفر والغلبة وهذه الغلبة والظفر لا يختص بقوم دون قوم وبزمان دون زمان ومكان دون مكان والله تعالى أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاعتصام (7311) وفي التوحيد (7459) وفي المناقب (3640) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال. 4820 - (0) (0) (وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (حدثني إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) بن أبي حازم (قال سمعت المغيرة بن شعبة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي أسامة لمروان بن معاوية وساق أبو أسامة (بمثل حديث مروان) حالة كون حديثهما (سواءً) أي متساويين لفظًا ومعنى والمماثلة في قوله لن يزال وقوله على الناس وقوله وهم ظاهرون والله أعلم اهـ ذهني ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ثوبان بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال.

4821 - (1874) (207) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَفَدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "لَنْ يَبْرَحَ هذَا الدِّينُ قَائِمًا، يُقَاتِلُ عَلَيهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ". 4822 - (1875) (208) حدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ 4821 - (1874) (207) وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي صدوق من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يبرح) أي لن يزال (هذا الدين) الإسلامي (قائمًا) أي ثابتًا على حاله بلا تحريف ولا تبديل (يقاتل عليه عصابة من المسلمين) هذه الجملة مستأنفة سيقت لبيان الجملة الأولى وعداه بعلى بتضمنه معنى يظاهر يعني لم يزل هذا الدين قائمًا بسبب مقاتلة هذه العصابة وفيه بشارة عظيمة بظهور هذه الأمة على جميع الأمم إلى قرب الساعة كذا في المناوي لعل دوام هذه الغلبة على جميع الأمم بالحجة وهو ظاهر والله أعلم (حتى تقوم الساعة) وإنما لا يبرح قائمًا غير معوج لأنه يقاتل لأجل إقامته جماعة من المسلمين إلى قرب قيام الساعة وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ثوبان بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال. 4822 - (1875) (208) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ط بن الشاعر) ثقة من (11) (قالا حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور نزيل بغداد ثقة من (9) (قال) حجاج بن محمد (قال) لنا (بن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (سمعت رسول الله صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 4823 - (1876) (209) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ؛ أَنَّ عُمَيرَ بْنَ هَانِئٍ حَدَّثَهُ. قَال: سَمِعْتُ مُعَاويةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةَ بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم يقول لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق) أي لأجل الحق والعدل (ظاهرين) أي غالبين على من عاداهم (إلى) قرب (يوم القيامة) لأنها لا تقوم حتى لا يقال في الأرض الله وذلك لأن الله تعالى يحمي إجماع هذه الأمة عن الخطأ حتى يأتي أمره قال النووي وأما هذه الطائفة فقال البخاري هم أهل العلم وقال أحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم قال القاضي إنما زاد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث اهـ وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات أيضًا ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث ثوبان بحديث معاوية رضي الله تعالى عنهما فقال. 4823 - (1876) (209) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي البغدادي ثقة من (10) (حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي أبي عتبة الدمشقي الداراني ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (أن عمير بن هانئ) العنسي بسكون النون ومهملتين أبا الوليد الدمشقي الداراني ثقة من (4) روى عنه في (2) بابين (حدثه) أي حدث لعبد الرحمن بن يزيد (قال) عمير (سمعت معاويه) بن أبي سفيان الأموي أمير المؤمنين رضي الله عنه حالة كونه قائمًا (على المنبر) النبوي حالة كونه (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله) ودينه القويم يعني أهل السنة حالة كونهم (لا يضرهم من خذلهم) أي من عاداهم أي أراد خذلانهم ومعاداتهم (أو) قال معاوية من (خالفهم) والشك من عمير أو ممن دونه (حتى يأتي أمر الله) أي إلى قرب قيام الساعة (وهم

وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ". 4824 - (0) (0) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثنَا جَعْفَرٌ (وَهُوَ ابْنُ بُرْقَانَ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ. قَال: سَمِعْتُ مُعَاويةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. لَمْ أَسْمَعْهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِنْبَرِهِ حَدِيثًا غَيرَهُ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرا يُفَقهْهُ فِي الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهرون) أي غالبون (على الناس) الذين خالفوهم بالحجة أو بالسيف وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في المناقب باب (28) (2641) وابن ماجه في المقدمة (8) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال. 4824 - (0) (0) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة من (11) (أخبرنا كثير بن هشام) الكلابي أبو سهل الرقي ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا جعفر وهو ابن برقان) الكلابي مولاهم أبو عبد الله الرقي صدوق من (7) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية أبو عوف البكائي الكوفي نزيل الرقة أمه برزة أخت ميمونة أم المؤمنين يقال له رؤية ثقة من (3) روى عنه في (6) أبواب (قال) يزيد (سمعت معاوية بن أبي سفيان) رضي الله تعالى عنهما حالة كون معاوية (ذكر حديثًا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال يزيد (لم أسمعه) أي لم أسمع معاوية (روى عن النبي صلى الله عليه وسلم على منبره حديثًا غيره) أي غير هذا الحديث قال صاحب التكملة مراده أن معاوية رضي الله عنه كما ذكر حديثًا على منبره فإن ذلك كان معروفًا لدي من قبل مسموعًا من غيره سوى هذا الحديث الواحد فإنه ذكره على منبره ولم أكن سمعته قبل ذلك اهـ وهذا المعنى فيه تكلف لا حاجة إليه فإن المعنى كما قلنا ظاهر واضح (قال) معاوية (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرًا) كاملًا وهو الإيمان مع الفقه لأن التنوين يدل على الكمال (يفقهه) بالجزم على كونه جواب شرط لمن أي يصيره فقيهًا عالمًا (في) أحكام (الدين) الإسلامي أي يهبه الفقه في الدين أي في العلوم الشرعية وما كان آلة لها يقال فقه من باب علم إذا فهم وفقه بفتحها من باب فتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بضمها إذا صار

وَلَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 4825 - (1877) (210) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ وَهْب. حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ. قَال: كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفقه له سجية أفاده الحافظ في الفتح (1/ 164) قال المناوي قوله يفقهه أي يلهمه أسرار أمر الشارع ونهيه بنور رباني وفيه شرف العلم وفضل العلماء وأن الفقه في الدين علامة حسن الخاتمة اهـ وفي الحديث فضيلة ظاهرة للتفقه في الدين وليس ذلك علمًا بالألفاظ والنقوش ولا حفظًا للروايات والمرويات ولكنه ملكة راسخة ومذاق سليم يدرك بهما الرجل لب الشريعة الإسلامية ومغزاها ولا يكاد يحصل ذلك إلا بصحبة أهل هذه الملكة ولا يكفي في ذلك قراءة الكتب ودراستها بل العمل والتتبع بما علم فيها (ولا تزال عصابة) أي جماعة (من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين) أي غالبين (على من ناوأهم) أي عاداهم قال النووي هو بالهمزة بعد الواو مأخوذ من ناء إليهم وناؤوا إليه أي نهضوا للقتال (إلى) قرب (يوم القيامة) وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ثوبان بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فقال. 4825 - (1877) (210) (حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) بن مسلم القرشي المصري صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عمي عبد الله بن وهب) المصري ثقة من (9) (حدثنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) (حدثني يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها ثقة من (5) (حدثني عبد الرحمن بن شماسة المهري) المصري ثقة من (3) (قال) عبد الرحمن (كنت عند مسلمة بن مخلد) بوزن محمد الأنصاري من صغار الصحابة توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين كان واليًا على مصر أيام معاوية رضي الله عنه نحوًا من ست عشرة سنة ثم رجع إلى المدينة ومات بها وحديثه عند أبي داود فقط (وعنده) أي والحال أن عند مسلمة (عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي

فَقَال عَبْدُ اللهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا عَلَى شِرَارِ الخَلْقِ. هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. لَا يَدْعُونَ اللهَ بِشَيءٍ إلا رَدَّهُ عَلَيهِمْ. فَبَينَمَا هُمْ عَلَى ذلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ. فَقَال لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ، اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللهِ. فَقَال عُقْبَةُ: هُوَ أَعْلَمُ. وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَزَالُ عِصَابَة مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالفَهُمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ، وَهُمْ عَلَى ذلِكَ". فَقَال عَبْدُ اللهِ: أَجَلْ. ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ. مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ. فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإِيمَانِ إلا قَبَضَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني الصحابي المهشور رضي الله عنه (فقال عبد الله بن عمرو) بن العاص (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر) أي هم أشر وأقبح حالًا وكفرًا (من أهل الجاهلية) السابقة قبل الإسلام (لا يدعون الله) تعالى (بشيء) من الحوائج (إلا رده) الله (عليهم) دعوتهم فلا يستجيب دعاءهم لقبح حالهم وسوء صنيعهم (فبينما هم) أي عبد الله بن عمرو ومسلمة بن مخلد مع من كان معهم (على ذلك) أي على مذاكرة ذلك الحديث (أقبل) إليهم وجاء (عقبة بن عامر) الجهني رضي الله عنه (فقال له) أي لعقبة (مسلمة) بن مخلد (يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله) بن عمرو (فقال عقبة هو) أي عبد الله بن عمرو (أعلم) مني بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه من السابقين إلى الإسلام ثم قال عقبة (وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله) أي لأجل إقامة دين الله (قاهرين) أي غالبين (لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة) أي حتى قرب إتيان الساعة (وهم على ذلك) أي على القتال لدين الله (فقال عبد الله) بن عمرو (أجل) أراد عبد الله بن عمرو بهذا الكلام أن يوفق بين الحديثين الذي رواه هو والحديث الذي ذكره عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما أي نعم سمعت ذلك الذي ذكرته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ذلك العصابة (يبعث الله) سبحانه وتعالى على أهل الأرض (ريحًا) هابة من اليمن أو الشام رائحتها (كريح المسك) أي كرائحة المسك طيبًا (مسها) لمن تمر عليه (مس الحرير) أي كمس الحرير لينًا (فلا تترك) في الأرض (نفسًا) أي شخصًا (في قلبه مثقال حبة) أي وزن حبة (من الإيمان إلا قبضته) أي قبضت روحه

ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، عَلَيهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ. 4826 - (1878) (211) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ، عَنْ أبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي تكون سببًا في قبض روحه (ثم) بعد قبض أرواح المؤمنين (يبقى) على الأرض (شرار الناس) وأخساؤهم حتى لا يقال في الأرض الله الله (عليهم) أي على أولئك الشرار (تقوم الساعة) أي القيامة وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث ثوبان بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال. 4826 - (1878) (211) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثقة من (7) (عن داود بن أبي هند) دينار القشيري مولاهم أبي بكر البصري ثقة من (5) (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل الكوفي ثقة مخضرم من (2) (عن سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب بن عبد مناف زهرة المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) سعد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أهل الغرب ظاهرين) أي غالبين (على) الناس في نصر (الحق) والدين (حتى تقوم الساعة) أي إلى قرب قيام الساعة لحديث عبد الله بن عمرو ذكر عن علي بن المديني أنه فسر أهل الغرب بالعرب وقال إن المراد بالغرب الدلو الكبير وإن العرب يستعملونه فلقبوا من أجل ذلك بأهل الغرب وقيل المراد جهة الغرب والمقصود من أهل الغرب أهل الشام وذكر الحافظ في الفتح (13/ 295) أنه وقع في بعض طرق هذا الحديث (أهل المغرب) وهو يؤيد من فسره بجهة المغرب. وقيل المراد بالغرب أهل القوة والجد في الجهاد يقال في لسانه غرب بسكون الراء أي حدة وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني (يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة) وهذا يؤيد من فسر أهل الغرب بأهل الشام ولكن كون الشام في غرب الحجاز لا يتضح إلا بتكلف. وذكر الحافظ في الفتح عن بعضهم تفسيرًا آخر وهو أن هذا الحديث ليس منقبة لأهل الغرب وإنما هو مذمة لهم والمراد بكونهم ظاهرين على الحق أنهم يغلبون على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الحق فيصير الحق بين أيديهم كالميت وجعل الحافظ هذا التفسير بعيدًا (قلت) وهذا التفسير هو الصواب الواضح لأنه شوهد الآن من أهل الغرب الغلبة على أهل الحق واستعباد المسلمين والسيطرة على تأسيس نظامهم الذي هو ضد الحق والشرع وإغراء العداوة بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فيا لها مصيبة على المسلمين فإنا لله وإنا إليه راجعون وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا الأول حديث سلمان الفارسي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث عقبة بن عامر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس حديث عقبة بن عامر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس حديث عقبة بن عامر الثالث ذكره للاستشهاد والسابع حديث ثوبان ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والثامن حديث المغيرة بن شعبة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد والعاشر حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد والحادي عشر حديث معاوية بن أبي سفيان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثاني عشر حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد والثالث عشر حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

648 - (41) باب مراعاة مصلحة الدواب في السفر والنهي عن التعريس في الطريق واستحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته والنهي عن طروق المسافر أهله ليلا

648 - (41) باب مراعاة مصلحة الدواب في السفر والنهي عن التعريس في الطريق واستحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته والنهي عن طروق المسافر أهله ليلًا 4827 - (1879) (212) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ. وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيهَا السَّيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 648 - (41) باب مراعاة مصلحة الدواب في السفر والنهي عن التعريس في الطريق واستحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته والنهي عن طروق المسافر أهله ليلًا 4827 - (1879) (212) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسم إذا سافرتم في) بلاد (الخصب) هو بكسر الخاء وسكون الصاد كثرة العشب والمرعى وهو ضد الجدب بفتح الجيم وهو المراد بالسنة اهـ نووي (فأعطوا الإبل حظها) أي نصيبها (من) عشب (الأرض) قال القرطبي أي ارفقوا بها في الرعي حتى تأخذ منه ما يمسك قواها ويرد شهوتها ولا تعجلوها فتمنعوها المرعى مع وجوده فيجتمع عليها ضعف القوى مع ألم كسر شهوتها (وإذا سافرتم في السنة) أي في سنة القحط والجدب وقلة العشب ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} أي بالقحوط (فأسرعوا عليها السير) أي السير بها وإنما أمر بالإسراع بها في الجدب لتقرب مدة سفرها فتبقى قوتها الأولى فإنه إذا رفق بها طال سفرها فهزلت وضعفت إذ لا تجد مرعى تتقوى به وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله بادروا بها نقيها والنقي مخ العظام وهو بكسر النون والمراد من إعطاء الإبل حظها من الأرض أن يقلل من سيرها وتترك في بعض النهار ترعى من العشب وكذلك في أثناء السير إن أرادت أن ترعى فلا تمنع وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين فعلمنا آداب ركوب الدواب ومراعاة مصالحها وأن لا تحمل من العناء ما هو

وَإذا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيلِ، فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ. فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيلِ". 4828 - (0) (0) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ فوق طاقتها وإذا كان هذا من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم في الدواب والحيوانات فما بالك بالسواق الذين يسوقون السيارات لمن استأجرهم على ذلك فمراعاة مصالحهم في الطعام والشراب والراحة أولى بالاعتناء وقل من الناس ولا سيما من أصحاب الثروة من يعتني بها قوله (فأسرعوا عليها السير) أي لتصلوا إلى مقصدكم وفي الدواب بقية من قوتها إذا قللتم من سيركم في الأرض المجدبة لا تجد الدواب ما ترعاه فتضعف وربما كلت ووقفت (وإذا عرستم) أي نزلتم (بالليل) أي في آواخر الليل في أثناء السفر أي أردتم النزول في آخر الليل للنوم والراحة من التعريس وهو النزول آخر الليل للاستراحة من تعب السفر (فاجتنبوا الطريق) أي فابتعدوا من الطريق أي لا تنزلوا على الطريق بل اعدلوا عنها إلى أرض غير مسلوكة وعلله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية بقوله (فإنها) أي فإن الطريق (مأوى الهوام) والحشرات أي منزلها (بالليل) أي في الليل فإنها تخرج بالليل من مكامنها وأجحارها لتلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه ولأن السير عليها في الليل أسهل فلو نزلتم في الطريق فلا يؤمن من أن يلحق بكم ضرر من قبلها كالعقارب والحيات وهذه علة واحدة وهناك علة أخرى أشير إليها في الرواية الآتية بقوله صلى الله عليه وسلم (فإنها طريق الدواب) وهو أن الطريق حق المارة فلو نزل أحد بالطريق لضيق المرور على على المارة ومن هذا يؤخذ أن الاحتراز من إيذاء المارة واجب على كل إنسان فلا يجوز إيقاف السيارات والمراكب في أمكنة يضيق بها الطريق على الناس ويمنعهم من الخروج ومن هذا يؤخذ وجوب الالتزام بنظام المرور فإنه وضع لصيانة الطريق من التضييق والتوسعة ويجب على الناس طاعتهم في نظامهم وغرم عقوبتهم فيما نظموا على المخالفة. قال القرطبي وهذه الأوامر من باب الإرشاد إلى المصالح والندب إليها وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 337) وأبو داود (2569) والترمذي (2858) ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4828 - (0) (0) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الجهني المدني المعروف بالدراوردي (عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخَصْبِ، فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأرْضِ. وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ، فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا. وَإِذَا عَرَّسْتُمْ، فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ. فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ، وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيلِ". 4829 - (1880) (123) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيسٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد العزيز لجرير بن عبد الحميد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها قبل نقيها) والنقي بكسر النون وسكون القاف مخ العظام كما مر قال ابن الملك قوله (في السنة) أي في القحط وانعدام نبات الأرض من يبسها (فبادروا بها) أي بالإبل أي بالوصول بها إلى المقصد (نقيها) أي قبل ذهاب نقيها وانعدام قوتها أي أسرعوا في السير بالإبل لتصلوا إلى المقصد وفيها بقية من قوتها إذ ليس في الأرض ما يقويها على السير اهـ والمراد أسرعوا في السير بها لتخرجوا من الأرض المجدبة قبل أن يذهب نقي الدواب ومخها بالجوع وقال النووي ومعنى الحديث الحث على الرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها فإن سافرتم في الخصب قللوا السير واتركوها ترعى في بعض النهار وإن سافرتم في القحط عجلوا السير لتصلوا المقصد وفيها بقية من قوتها اهـ باختصار (وإذا عرستم) أي نزلتم في آخر الليل للاستراحة وقال بعضهم لا يختص بآخره بل نزوله في أي وقت شاء منه لكن المراد ها هنا هو الأول والله أعلم (فاجتنبوا الطريق) أي النزول فيها (فإنها) أي فإن الطريق (طرق الدواب) أي طرق دواب المارين أو المراد حشرات الأرض ودوابها من ذوات السموم والسباع فإنها تمشي ليلًا لتلتقط منها ما سقط من مأكول ونحوه (ومأوى الهوام بالليل) أي منزلها في الليل والهوام بتشديد الميم جمع هامة بتشديدها أيضًا وهي كل ذات سم ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا فقال. 4829 - (1880) (123) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني ثقة من (9) (وإسماعيل) بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله (بن أبي أويس) بالتصغير المدني صدوق من (10) (وأبو مصعب الزهري) أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني

وَمَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ (وَاللَّفْظُ لَهُ). قَال: قُلْتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ سُمَيٌّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "السَّفَرُ قِطعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ. يمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَلْيُعَجِّل إِلَى أَهْلِهِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ قاضيها روى عن مالك بن أنس في الجهاد هذا الحديث الواحد في صحيح مسلم فقط ويروي عنه (ع) لكن (س) بواسطة ومطين محمد بن عبد الله وخلق وقال في التقريب صدوق عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي من العاشرة مات سنة (242) اثنتين وأربعين ومائتين عن (90) تسعين سنة فأكثر له في (م) فرد حديث حديث السفر قطعة من العذاب بطوله (ومنصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (وقتيبة بن سعيد قالوا حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (ح وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (واللفظ له قال) يحيى (قلت لمالك) بن أنس أ (حدثك) يا مالك بتقدير همزة الاستفهام أي هل أحدثك وأخبرك يا مالك (سمي) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبو عبد الله المدني ثقة من (6) (عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب) أي جزء منه والمراد بالعذاب الألم الناشئ من المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف والاستعراض للشمس والبرد والخوف إلى غير ذلك (يمنع أحدكم نومه) أي يمنع كماله لا أصله وقد وقع عند الطبراني بلفظ (لا يهنأ أحدكم بنومه ولا طعامه ولا شرابه) ذكره الحافظ في الفتح (3/ 623) وهذا جار على الأكثر والمقصود أن لا يسافر الرجل إلا لحاجة. وعبارة القرطبي (السفر قطعة من العذاب) أي لما فيه من المشقات والإنكار ومكابدة الأضداد والامتناع من الراحات واللذات (فإذا قضى أحدكم) وأدى (نهمته) بفتح النون وسكون الهاء أي حاجته (من وجهه) أي من مقصده (فليعجل) أي فليسرع الرجوع (إلى أهله) ليزول عذابه ويطيب له طعامه وشرابه وتزول مشقته قال الحافظ في الفتح (3/ 623) قال ابن عبد البر زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك (وليتخذ لأهله هدية وإن لم يجد

قَال: نَعَمْ. 4830 - (1881) (214) حدّثني أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيلًا. وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا حجرًا) يعني حجر الزناد قال وهي زيادة منكرة وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة (قال) مالك في جواب سؤال يحيى بن يحيى (نعم) حدثني سمي هذا الحديث عن أبي صالح عن أبي هريرة إلخ قال ابن بطال ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث ابن عمر مرفوعًا (سافروا تصحوا) فإنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة فصار كالدواء المر المعقد للصحة وإن كان في تناوله الكراهة. (استطراد) سأل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه لم كان السفر قطعة من العذاب فأجاب على الفور (لأن فيه فراق الأحباب). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 236) والبخاري (1804) وابن ماجه (2882) ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه. 4830 - (1881) (214) (حدثني أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) (عن همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري ثقة من (7) (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق) ولا يأتي (أهله ليلًا) إذا جاء من سفر ويطرق من باب دخل من الطروق بضم الطاء وهو المجيئ ليلًا ويقال آت ليلًا طارق ولا يقال بالنهار إلا مجازًا وقال بعض أهل اللغة أصل الطروق الدفع والضرب وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها وسمي الآتي بالليل طارقًا لأنه يحتاج غالبًا إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل ليسكن فيه سمي الآتي فيه طارقًا كذا في فتح الباري (9/ 340) وسيأتي وجه عدم طروقه أهله ليلًا في الحديث التالي إن شاء الله (وكان يأتيهم غدوةً) أي أول

أَوْ عَشِيَّةً. 4831 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثنَا هَمَّامٌ. حَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: كَانَ لَا يَدْخُلُ. 4832 - (1882) (215) حدّثني إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَال: "أَمْهِلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ النهار (أو عشية) أي آخر النهار وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4831 - (0) (0) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري صدوق من (9) (حدثنا همام) بن يحيى (حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة عبد الصمد ليزيد بن هارون وساق عبد الصمد (بمثله) أي بمثل حديث يزيد بن هارون (غير أنه) أي لكن أن عبد الصمد (قال) في روايته (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل) على أهله بدل قول يزيد لا يطرق أهله ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال. 4832 - (1882) (215) (حدثني إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثقة من (7) (أخبرنا سيار) بن وردان العنزي الواسطي ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له حدثنا هشيم عن سيار عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ثقة من (3) (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة) من غزواته ولم أر من عين تلك الغزوة (فلما قدمنا المدينة) أي قاربناها (ذهبنا) أي قصدنا (لندخل) أي دخولها (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمهلوا) أي أخروا الدخول الآن

حَتَّى نَدْخُلَ لَيلًا (أَي عِشَاءً) كَي تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ". 4833 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيلًا فَلا يَأتِيَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حتى ندخل ليلًا) أي كي ندخل ليلًا (أي عشاء) أي في ظلام أوائل الليل وهو تفسير من بعض الرواة (كي تمتشط) أي تسرح (الشعثة) أي التي تلبد وتوسخ شعرها بالمشط (وتستحد) أي تزيل بالحديد والموسى (المغيبة) أي التي غاب زوجها عانتها قوله (حتى ندخل ليلًا أي عشاء) تبين بهذا أن النهي ليس عن خصوص الليل أو النهار وإنما المقصود النهي عن مفاجأتهن بعد طول الغياب وعلقه النبي صلى الله عليه وسلم بأن الزوجة إن كانت على غفلة من قدوم زوجها لا تستعد للتزين له وتبقى في حالة مبتذلة وربما يورث ذلك كراهة في قلب الزوج ونفرة عنها فتسوء المعاشرة بينهما وبهذا ظهر أن الزوج لو آذنها بقدومه أو لم تطل غيبته عنها فلا بأس حينئذ بأن يطرقها ليلًا لأنها قد وجدت وقتًا تتأهب فيه لاستقبال الزوج في حالة مرضية. قوله (وتستحد المغيبة) المغيبة بضم الميم وكسر الغين المرأة التي غاب عنها زوجها والاستحداد استعمال الحديد وهو الموسى في إزالة الشعر والمراد هنا حلق عانتها وقال الأبي المراد أن تعالج إزالة نبات عانتها بالمعتاد عند النساء في ذلك ولم يرد به استعمال الحديد فإن ذلك غير مستحسن في حقهن ودل الحديث على أن المرأة ينبغي لها أن تتزين عند قدوم زوجها من سفر وتزيل عنها ما يكرهه الزوج من تفرقة شعرها وتوسخ ثيابها ووفور الشعر في عانتها ودل الحديث أيضًا على أن المرأة ينبغي لها أن تكون مبتذلة في بيتها عند ما غاب عنها زوجها وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 299) والبخاري (5243) وأبو داود (2776) والترمذي (2712) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4833 - (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث (حدثنا شعبة عن سيار) بن وردان (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لهشيم بن بشير (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم أحدكم) من سفره (ليلًا فلا يأتين

أَهْلَهُ طُرُوقًا. حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ. وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ". 4834 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثنَا سَيَّارٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. 4835 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أهله طروقًا) أي ليلًا (حتى تستحد) أي تستعمل الحديدة في إزالة الشعر (المغيبة) أي التي غاب عنها زوجها بضم الميم وكسر الغين اسم فاعل من أغابت المرأة فهي مغيبة (وتمتشط) أي تسرح الشعر بالمشط (الشعثة) بفتح الشين وكسر العين وهي التي علاها الشعث وهو الغبار والوسخ في الشعر يعني بذلك أن المرأة في حال غيبة زوجها مبتذلة لا تمتشط ولا تدهن ولا تنظف فلو بغتها زوجها من سفره وهي على تلك الحال استقذرها ونفرت نفسه عنها وربما يكون ذلك سبب فراقها فإذا قدم نهارًا سمعت بخبر قدومه فأصلحت من شأنها وتهيأت له فحسنت الحال وأمنت النفرة المذكورة وفي الحديث من الفقه أن المرأة ينبغي لها أن تتحسن وتتزين وتتطيب وتتصنع للزوج بما أمكنها وتجتهد في أن لا يرى منها زوجها ما تنفر نفسه منها بسببه من الشعث والوسخ وغير ذلك وأما نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث جابر عن الطروق فلمعنى آخر وهو أن يظن بهن خيانة في أنفسهن أو فيما في أيديهن مما أمنهن عليه وهو ظن لا يحل وتخمين منهي عنه فصار النهي عن طروق الرجل أهله معللًا بعلتين بالأولى والثانية والله تعالى أعلم اهـ من المفهم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4834 - (0) (0) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري ثقة من (9) (حدثنا شعبة حدثنا سيار بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن جابر غرضه بيان متابعة روح بن عبادة لعبد الصمد وساق روح (مثله) أي مثل حديث عبد الصمد ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4835 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر) غندرًا (حدثنا شعبة عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي أبي عبد الرحمن البصري ثقة من

عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَطَال الرَّجُلُ الْغَيبَةَ، أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ طُرُوقًا. 4836 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4837 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيلًا. يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (4) (عن الشعبي عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عاصم لسيار بن وردان (قال) جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهي إرشاد إلى المصالح وقال النووي نهي تنزيه (إذا أطال الرجل الغيبة) بفتح الغين وسكون الياء أي السفر والغياب عن أهله (أن يأتي أهله طروقًا) أي ليلًا أو فجأة ولو نهارًا ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4836 - (0) (0) (وحدثنيه يحيى بن حبيب حدثنا روح حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عاصم عن الشعبي عن جابر غرضه بيان متابعة روح لمحمد بن جعفر في رواية النهي المذكور عن شعبة عن عاصم ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4837 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن محارب) بن دثار بكسر الدال وتخفيف المثلثة السدوسي الكوفي القاضي ثقة من (4) وليس عندهم محارب إلا هذا الثقة (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة محارب للشعبي (قال) جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق) أي يأتي (الرجل أهله ليلًا) أي مفاجأة حالة كونه (يتخونهم) أي يتجسس خيانتهم ويكشف عوراتهم ويبحث هل خانوا أم لا ومعنى هذه الروايات كلها أنه يكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلًا بغتة (أو) قال محارب بن دثار (يلتمس عثراتهم) أي هفواتهم وزلاتهم بدل يتخونهم والشك من سفيان الثوري فيما قال محارق ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال.

4838 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال عَبْدُ الرَّحْمنِ: قَال سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي هذَا فِي الْحَدِيثِ أَمْ لَا. يَعْنِي أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ. 4839 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِكَرَاهَةِ الطُّرُوقِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4838 - (0) (0) (وحدثنيه محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (حدثنا سفيان) الثوري (بهذا الإسناد) يعني عن محارب عن جابر غرضه بيان متابعة عبد الرحمن لوكيع ولكن (قال عبد الرحمن) في روايته (قال) لنا (سفيان) الثوري (لا أدري) ولا أعلم هل (هذا) المذكور بعد لفظة ليلًا هو مذكور (في الحديث) مرفوعًا (أم لا) أي أم لم يكن في الحديث فأدخل الشك في الحديث (يعني) سفيان بقوله هذا لفظة (أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم) وقائل يعني هو عبد الرحمن بن مهدي فعلم من هذا أن الشك فيما سبق من سفيان ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4839 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (قالا) أي قال معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر (جميعًا) أي مجتمعين في الرواية عن شعبة (حدثنا شعبة عن محارب عن جابر) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي حدثنا شعبة عن محارب (بكراهة الطروق) والدخول على أهله ليلًا (و) لكن (لم يدكر) شعبة عن محارب لفظة (يتخونهم أو يلتمس عثراتهم) فيكون هذا اللفظ مما انفرد به سفيان في روايته عن محارب. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه سبع متابعات. ***

كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ (18) - كتاب: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ـــــــــــــــــــــــــــــ (18) كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان والصيد في الأصل مصدر قياسي لصاد يصيد صيدًا من باب باع أطلق هنا بمعنى اسم المفعول أي فالصيد هنا بمعنى المصيد لأنه المناسب للأحاديث الآتية وأفرد ولم يجمع كالذبائح لأنه يطلق بلفظه على القليل والكثير ويصح إبقاؤه على مصدريته فيكون بمعنى الاصطياد والصيد بمعنى المصدر ذكاة في الحيوان المتوحش طبعًا غير المقدور عليه المأكول نوعه فالصيد بمعنى المصيد هو الذي يقدر على ذكاته تارة ولا يقدر على ذكاته تارة أخرى. والأصل في جواز الصيد الكتاب والسنة وإجماع الأمة فأما الكتاب فكقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} أي صيد ما علمتم وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ} وأما السنة فصحيحها الأحاديث الآتية وأما الإجماع فمعلوم. والذبائح جمع ذبيحة بمعنى مذبوحة وجمعها لاختلاف أنواعها كإبل وبقر وغنم ولأنه يكون ذبحها بالسكين والسهام وبالجوارح وأركانها أربعة ذابح وذبيح وذبح بالمعنى المصدري وهو الفعل وآلة ومعنى كونها أركانًا له أنه لا بد لتحققه منها وإلا فليست أجزاء كما قاله الشبراملسي. ***

649 - (41) باب الصيد بالجوارح والسهام وحكم ما إذا غاب الصيد ثم وجده

649 - (41) باب الصيد بالجوارح والسهام وحكم ما إذا كتاب الصيد ثم وجده 4840 - (1883) (216) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرْسِلُ الْكِلابَ الْمُعَلَّمَةَ. فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ. وَأذْكُرُ اسْمَ اللهِ عَلَيهِ. فَقَال: "إِذَا أَرسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيهِ، فَكُلْ" قلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 649 - (41) باب الصيد بالجوارح والسهام وحكم ما إذا غاب الصيد ثم وجده 4840 - (1883) (216) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن همام بن الحارث) بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي ثقة من (2) (عن عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي الجواد بن الجواد أبي طريف الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عدي (قلت يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة) كيفية الإصطياد إلى الصيد لتمسكه لي (فيمسكن) تلك الكلاب الصيد (علي) أي لأجلي (واذكر اسم الله عليه) أي على الكلب الذي أرسلته (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أرسلت كلبك المعلم) إلى الصيد (وذكرت اسم الله عليه) أي على الكلب المعلم حين إرساله بأن تقول باسم الله اجر أو بسم الله الرحمن الرحيم اجر (فكل) من الصيد الذي أمسكه لك وإن مات لأن إمساكه ذكاة له. ومعنى تعليم الكلب وغيره مما يصاد به هو تأديبه على الاصطياد بحيث يأتمر إذا أمر وينزجر إذا زجر ولا يختلف في هذين الشرطين في الكلاب وما في معناها من سباع الوحوش كالفهود والثعالب واختلف فيما يصاد به من الطير كالصقور والبازي فالمشهور أن ذلك مشترط فيها وذكر ابن حبيب أنه لا يشترط فيها أن تنزجر إذا زجرت فإنه لا يتأتى فيها ذلك غالبًا فيكفي أنها إذا أمرت أطاعت (قلت) والوجود يشهد للجمهور بل الذي لا ينزجر نادر فيها وقد شرط الشافعي وجمهور من العلماء في التعليم أن يمسك لصاحبه

وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَال: "وَإِنْ قَتَلْنَ. مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كلْبٌ لَيسَ مَعَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يأكل منه شيئًا ولم يشترطه مالك في المشهور عنه وقد ألحق الجمهور بالكلب كل حيوان معلم يتأتى به الاصطياد تمسكًا بالمعنى وبما رواه الترمذي عن عدي بن حاتم قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال ما أمسك عليك فكل رواه الترمذي (1467) على أن في إسناده مجالدًا ولا يعرف إلا من حديثه وهو ضعيف والمعتمد النظر إلى المعنى وذلك أن كل ما يتأتى من الكلب يتأتى من الفهد مثلًا فلا فارق إلا فيما لا مدخل له في التأثير وهذا هو القياس في معنى الأصل كقياس السيف على المدية التي ذبح بها النبي صلى الله عليه وسلم وقياس الأمة على العبد في سراية العتق وقد خالف في ذلك قوم وقصروا الإباحة على الكلاب خاصة ومنهم من يستثني الكلب الأسود وهو الحسن والنخعي وقتادة لأنه شيطان كما قال صلى الله عليه وسلم متمسكين بقوله تعالى {مُكَلِّبِينَ} أو بأنه ما وقع في الصحيح إلا ذكر الكلاب وهذا لا حجة لهم فيه لأن ذكر الكلاب في هذه المواضع إنما كان لأنها الأغلب والأكثر اهـ من المفهم. قال عدي (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم آكله (وإن قتلن) الكلاب الصيد (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كله (وإن قتلنـ) ـه (ما لم يشركها) بفتح الراء من باب سمع أي ما يشرك الكلاب التي أرسلتها (كلب ليس معها) في إرسالك إياه أي ما لم يكن معها كلب معلم لغيرك وفي رواية (فإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل) وفي أخرى (وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتلها) هذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها فمعناها واحد وهذا الاختلاف يدل على أنهم كانوا ينقلون بالمعنى وتفيد هذه الروايات أن سبب إباحة الصيد الذي هو عقر الجارح له لا بد أن يكون محققًا غير مشكوك ومع الشك لا يجوز الأكل وهذا الكلب المخالط محمول على أنه غير مرسل من صائد آخر وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بطبعه ونفسه ولا يختلف في هذا فأما لو أرسله صائد آخر على ذلك الصيد فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين يكونان شريكين فلو أنفذ أحد الكلبين مقاتله ثم جاء الآخر فهو للذي أنفذ مقاتله اهـ من المفهم قوله (إذا أرسلت كلبك) فيه ما يدل على أن الإرسال لا بد أن يكون من جهة الصائد ومقصودًا له لأن صيغة أفعل يدل على فعل الفاعل كأخرج وأكرم ثم هو فعل عاقل فلا بد أن يكون مفعولًا لغرض صحيح وفيه مسألتان الأولى أن يكون الصائد عند الإرسال قصد التذكية والإباحة وهذا لا يختلف فيه فلو قصد مع ذلك اللهو فكرهه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك وأجازه ابن عبد الحكم وهو ظاهر قول الليث (ما رأيت حقًّا أشبه بباطل منه) يعني الصيد فأما لو فعله بغير نية التذكية فهو حرام لأنه من باب الفساد وإتلاف نفس حيوان بغير منفعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكله. الثانية لا بد أن يكون انبعاث الكلب بإرسال من يد الصائد بحيث يكون زمامه بيده (فيخلي عنه ويغريه عليه فينبعث أو يكون الجارح ساكنًا مع رؤية الصيد فلا يتحرك له إلا بإغراء الصائد فهذا بمنزلة ما زمامه بيده) فأطلقه مغريًا له على أحد القولين فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال ولا إغراء فلا يجوز صيده ولا يحل أكله لأنه إنما صاد لنفسه وأمسك عليها ولا صنع للصائد فيه فلا ينسب إليه إرساله لأنه لا يصدق عليه (إذا أرسلت كلبك المعلم) ولا خلاف في هذا فيما علمته. قوله (وذكرت اسم الله عليه) وفي أخرى (واذكر اسم الله) على الأمر وظاهر هذا أنه لا بد من التسمية بالقول عند الإرسال فلو لم توجد على أي وجه كان لم يؤكل الصيد وهو مذهب أهل الظاهر وجماعة أهل الحديث ويعضدهم ظاهر قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيهِ} [الأنعام: 121] وذهب طائفة من المالكية وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاد المسلم وذبحه فإن ترك التسمية عمدًا وحملوا الأمر بالتسمية على الندب وكأنهم حملوا هذه الظواهر على ذكر اسم الله بالقلب وهو لا يخلو عنه المسلم غالبًا فإنه إذا نوى التذكية فقد ذكر الله تعالى بقلبه فإن معنى ذلك القصد إلى فعل ما أباحه الله تعالى على الوجه الذي شرعه الله وهذا كما قاله بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) رواه أبو داود (101 و 102) أي لمن لم ينو وأصل هذا أن الذكر إنما هو التنبه بالقلب للمذكور ثم سمي القول الدال على الذكر ذكرًا ثم اشتهر ذلك حتى صار السابق إلى الفهم من الذكر القول اللساني فأما الآية فمحمولة على أن المراد بها ذبائح المشركين كما هو أشهر أقوال المفسرين وأحسنها وذهب مالك في المشهور عنه إلى الفرق بين ترك التسمية عمدًا أو سهوًا فقال لا تؤكل مع العمد وتؤكل مع السهو وهو قول كافة فقهاء الأمصار وأحد قولي الشافعي ثم اختلف أصحاب مالك في تأويل قوله لا يؤكل فمنهم من قال تحريمًا ومنهم من قال كراهة ووجه الفرق أن الناسي غير مكلف بما نسيه ولا مؤاخذة عليه فلا يؤثر نسيانه بخلاف العامد. وفي المبارق قوله (إذا أرسلت كلبك) إلخ فيه بيان أن إرسال الصائد الكلب شرط

قُلْتُ لَهُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيدَ، فَأُصِيبُ، فَقَال: "إِذَا رَمَيتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ. فَكُلْهُ. وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ، فَلَا تَأْكُلْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في حل صيده حتى لو جرحه الكلب المعلم بنفسه من غير إرسال لا يحل أكله وأن كون الكلب معلمًا شرط أيضًا وهو أن يترك الأكل ثلاث مرات وأن ذكر اسم الله تعالى وقت الإرسال شرط قوله (وذكرت اسم الله عليه) أي إذا ذكرت اسم الله عليه حالة إرسالك إذ الإرسال بمنزلة الرمي وإمرار السكين فلا بد له من التسمية عنده أما لو تركه ناسيًا فيحل لأن حال المؤمن لا يخلو عن ذكر اسم الله وأما لو تركه عامدًا لا يحل عند الحنفية خلافًا للشافعية اهـ قوله (وإن قتلن) هذا لا يختلف فيه أن قتل الجوارح للصيد ذكاة إذا كان قتلها بتخليب أو تنييب فأما لو قتله صدمًا أو نطحًا فلا يؤكل عند ابن القاسم وبه قال أبو حنيفة وقال أشهب يؤكل وهو أحد قولي الشافعي وسبب الخلاف هل صدم الجارح له أو نطحه كالمعراض إذا أصاب بعرضه أم لا فشبهه ابن القاسم به فمنع وفرق الآخرون بأن الجوارح حيوان وقد أمسك على صاحبه وقد قال الله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ} [المائدة: 4] وليس كذلك المعراض فإنه لا يقال فيه أمسك عليك (قلت) وهذا الفرق لفظي لا فقه فيه فإن المعراض وإن لم يقل فيه أمسك عليك لكنه يقال فيه أمسك مطلقًا لأنه لما أصاب الصيد وقتله فقد أمسكه والأفقه قول ابن القاسم والله أعلم وأما لو مات الصيد فزعًا أو دهشًا ولم يكن للجوارح فيه فعل فلا يختلف في أنه لا يؤكل فيما عملت اهـ من المفهم. قال عدي بن حاتم (قلت له) صلى الله عليه وسلم (فإني أرمي) أنا (بالمعراض) أي بالسهم الذي لا ريش فيه ولا نصل قاله أبو عبيد كذا في النهاية وفي القاموس المعراض كمحراب سهم بلا ريش رقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده اهـ. وقيل خشبة ثقيلة أو عصا غليظة في طرفها حديدة وقد تكون بغير حديدة غير أنه محدد طرفها وهذا التفسير أولى من تفسير أبي عبيدة وأشهر اهـ مفهم (الصيد) مفعول أرمي (فأصيبـ) ـه وأقتله (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رميت بالمعراض فخزق) المعراض بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف خرق ونفذ بمعنى جرح (فكله) أي فكل ذلك الصيد (وإن أصابه) أي وأن أصاب الصيد المعراض (بعرضه) والعرض خلاف الطول (فلا تأكله) أي فلا تأكل ذلك الصيد (قوله فإني أرمي بالمعراض) أيضًا قال ابن منظور في لسان العرب (9/ 42) والمعراض بكسر الميم سهم يرمى به بلا ريش ولا نصل يمضي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عرضًا فيصيب بعرض العود لا بحده وقال غيره هو من العيدان دقيق الطرفين غليظ الوسط كهيئة العود الذي يحلج به القطن فإذا رمى به الرامي ذهب مستويًا ويصيب بعرضه دون حده وربما كانت إصابته بوسطه الغليظ فكسر ما أصابه وهشمه فكان كالموقوذة وإن قرب الصيد منه أصابه بموضع النصل منه فجرحه ومنه حديث عدي بن حاتم. قوله فخزق الخزق الطعن وخزق السهم وخسق إذا أصاب الرمية ونفذ فيها ومنه قول الحسن لا تأكل من صيد المعراض إلا أن يخزق معناه ويسيل الدم لأنه ربما قتل بعرضه ولا يجوز (قوله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله) قال الموفق بن قدامة في المغني (11/ 25) قال أحمد المعراض يشبه السهم يحذف به الصيد فربما أصاب الصيد بحده فخرق وقتل فيباح وربما أصاب بعرضه فقتل بثقله فيكون موقوذًا فلا يباح وهذا قول علي وعثمان وعمار وابن عباس وبه قال النخعي والحكم ومالك والثوري والشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وقال الأوزاعي وأهل الشام يباح ما قتله بحده وعرضه وقال ابن عمر ما رمى من الصيد بجلاهق أو معراض فهو من الموقوذة وبه قال الحسن واستدل ابن قدامة على قول الجمهور بحديث الباب وبان ما قتله بحده بمنزلة ما طعنه برمحه أو رماه بسهمه ولأنه محدد خرق وقتل بحده وما قتل بعرضه إنما يقتله بثقله فهو موقوذ كالذي رماه بحجر أو بنقدة طين اهـ. وقال الشوكاني في فتح القدير (2/ 9) وأما البنادق المعروفة الآن وهي بنادق الحديد التي يجعل فيها البارود والرصاص ويرمى بها فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة والذي يظهر لي أنه حلال لأنها تخزق وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من الجانب الآخر وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح السابق (إذا رميت بالمعرض فخزق فكله) فاعتبر الخزق في تحليل الصيد اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 258) والبخاري في أحد عشر موضعًا منها في باب الصيد والذبائح (5475) وأبو داود في الصيد (2847) والترمذي (1465) والنسائي (7/ 180) وابن ماجه (395) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال.

4841 - (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ بَيَان، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: إِنَا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهذِهِ الْكِلابِ. فَقَال: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيهَا، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكَ، وَإِنْ قَتَلْنَ. إلا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ. فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكلْ. فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ خَالطَهَا كِلابٌ مِنْ غَيرِهَا، فَلَا تَأْكُلْ". 4842 - (0) (0) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4841 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (20) بابا (عن بيان) بن بشر الأحمسي الكوفي ثقة من (5) روى عنه المؤلف في (8) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (19) بابا (عن عدي بن حاتم) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الشعبي لهمام بن الحارث (قال) عدي (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فـ (ـقلت) في سؤاله (إنا قوم نصيد بهذه الكلاب) المعلمة فهل يحل لنا أكل صيده أم لا (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي (إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها فكل مما أمسكن عليك) أي لك (وإن قتلن) الصيد بالتخليب أو بالتنبيب (إلا أن يأكل الكلب) من الصيد (فإن أكل) الكلب من الصيد (فلا تأكل) ذلك الصيد (فإني أخاف) وأظن (أن يكون) ذلك الكلب (إنما أمسك) الصيد (على نفسه) أي لغرض نفسه (وإن خالطها) وصاحبها أي صاحب كلابك في أخذ الصيد (كلاب من غيرها) أي من غير كلابك (فلا تأكل) من ذلك الصيد فإنك إنما سميت على كلبك لا على كلب غيرك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال. 4842 - (0) (0) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر) بفتح السين والفاء ويروى بإسكان الفاء سعيد بن يحمد ويقال أحمد الهمداني الثوري الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن الشعبي عن عدي بن حاتم) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه

قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِعْرَاضِ؟ فَقَال: "إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ. وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلَا تَأْكُلْ". وَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلْب؛ فَقَال: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ. فَإِنْ أكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ. فَإنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، قُلْتُ: فَإِنْ وَجَدْتُ مَعَ كَلْبِي كَلْبًا آخَرَ، فَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ؟ قَال: "فَلَا تَأْكُلْ. فَإِنَّمَا سَمَّيتَ عَلَى كَلْبِكَ. وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيرِهِ". 4843 - (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة عبد الله بن أبي السفر لبيان بن بشر في رواية هذا الحديث عن الشعبي (قال) عدي (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) صيد (المعراض) هل يجوز أكله أم لا والمعراض سهم عريض لا ريش له ولا نصل كما بسطنا الكلام عليه في الرواية الأولى (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أصاب) المعراض الصيد (بحده) فقتله (فكل) ذلك الصيد (وإذا أصاب) المعراض الصيد (بعرضه فقتلـ) ـه بثقله (فإنه) أي فإن ذلك الصيد (وقيذ) أي كالحيوان الموقوذ في حرمة أكله والموقوذ هو الحيوان الذي قتل بغير محدد كالعصا والحجر والخشب وغيرها (فلا تأكل) منه لحرمته (و) قال عدي أيضًا (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) صيد (الكلب) المعلم (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أرسلت كلبك) المعلم وأغريته على الصيد (و) الحال أنك قد (ذكرت اسم الله) في حال إرساله أي ذكرت التسمية بأقلها أو بكمالها (فكل) الصيد الذي أخذه ذلك الكلب إن لم يأكل من لحم الصيد شيئًا فلا يضر لعق دمه فإنه حلال لتوفر شروط الاصطياد به (فإن أكل منه فلا تأكل) ذلك الصيد (فإنه) أي لأن ذلك الكلب (إنما أمسكـ) ـه (على نفسه) أي لغرض أكله قال عدي (قلت) له صلى الله عليه وسلم (فإن وجدت) ورأيت (مع كلبي كلبًا آخر فـ) ـأشكل الأمر علي و (لا أدري) أي والحال أني لا أدري ولا أعلم (أيهما) أي أي الكلبين (أخذه) أي أخذ ذلك الصيد فهل آكله أم أتركه فـ (ـقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي (فـ) ـاتركه و (لا تأكل) منه (فـ) ـإنك (إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) أي على غير كلبك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4843 - (0) (0) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدثنا) إسماعيل بن

ابْنُ عُلَيَّةَ. قَال: وَأَخبَرَنِي شُعْبَةُ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ. قَال: سَمِعْتُ الشَّعْبِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ المِعْرَاضِ، فَذَكَرَ مِثلَهُ. 4844 - (0) (0) وحدّثني أبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أبِي السَّفَرِ. وَعَنْ نَاسٍ ذَكَرَ شُعْبَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ. قَال: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِعْرَاضِ، بِمِثْلِ ذلِكَ. 4845 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ـابن علية) اسم أمه (قال) إسماعيل أخبرني غير شعبة (وأخبرني شعبة) أيضًا (عن عبد الله بن أبي السفر) الهمداني الكوفي (قال سمعت الشعبي يقول سمعت عدي بن حاتم يقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) صيد (المعراض) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن علية لمعاذ بن معاذ (فذكر) ابن علية (مثله) أي مثل حديث معاذ بن معاذ ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث عدي رضي الله عنه فقال. 4844 - (0) (0) (وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (10) (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري ربيب شعبة (حدثنا شعبة حدثنا عبد الله بن أبي السفر) قوله (وعن ناس ذكر شعبة) أسماءهم معطوف في المعنى على حدثنا شعبة وهو من كلام غندر أي قال غندر حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وحدثنا شعبة أيضًا عن ناس آخرين ذكر شعبة أسماءهم لنا فنسيتهم رووا له (عن الشعبي قال سمعت عدي بن حاتم) وهذا السند من سداسياته غرضه بين متابعة غندر لمعاذ بن معاذ كما تابعه ابن علية وقال صاحب التكملة قوله (وعن ناس ذكر شعبة) لعل المراد أن شعبة رواه عن عبد الله بن أبي السفر وعن ناس آخرين غيره ذكرهم شعبة كلهم يرويه عن الشعبي والله أعلم اهـ (قال) عدي بن حاتم (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) صيد (المعراض) وساق غندر (بمثل ذلك) أي بمثل ما حدثه معاذ بن معاذ ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه فقال. 4845 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيدِ المِعْرَاضِ؟ فَقَال: "مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ. وَمَا أَصَابَ بعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ". وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيدِ الْكَلْبِ؟ فَقَال: "مَا أَمْسَكَ عَلَيكَ وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ فَكُلْهُ. فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ. فَإِنْ وَجَدْتَ عِنْدَهُ كَلْبًا آخَرَ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ، وَقَدْ قَتَلَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الأعمى أبو يحيى الكوفي (عن عامر) بن شراحيل الشعبي الكوفي عن عدي بن حاتم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة زكرياء بن أبي زائدة لعبد الله بن أبي السفر (قال) عدي (سألت رسول الله صى الله عليه وسلم عن صيد المعراض) هل يحل أكله أم لا (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي (ما أصاب بحده فكله وما أصاب بعرضه) أي بغير المحدد منه فلا تأكله (فهو وقيذ) أي لأنه موقوذ أي مقتول بغير محدد قال عدي أيضًا (وسألته) صلى الله عليه وسلم (عن صيد الكلب فقال) لي (ما أمسك) أي الصيد الذي أمسكه الكلب (عليك) أي لأجلك (ولم يأكل منه فكله) ومفهومه أنه إن أكل منه فلا تأكل كما هو مصرح به في رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي فيما سبق وهو معارض بحديث أبي ثعلبة الخشني حيث قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل فإن أكل منه) أخرجه أبو داود وغيره وقد روى مثل حديث أبي ثعلبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وروي أيضًا من طرق متعددة عن عدي بن حاتم مثله ولكن الأشهر عنه الحديث الأول وقد رام بعض المالكية الجمع بين حديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة بأن حملوا حديث النهي على التنزيه والورع وحديث الإباحة على الجواز وقالوا إن عديًا كان موسعًا عليه فأفتاه بالكف ورعًا وأبو ثعلبة كان محتاجًا فأفتاه بالجواز والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (فإن ذكاته) أي فإن ذكاة ذلك الصيد وذبحه (أخذه) أي أخذ الكلب إياه وقتله قال النووي والمعنى أن أخذ الكلب الصيد وقتله إياه ذكاة شرعية بمنزلة ذبح الحيوان الإنسي وهذا مجمع عليه ولو لم يقتله الكلب لكن تركه في حالة لم تسبق في حياة مستقرة أو بقيت ولم يبق زمان يمكن فيه صاحبه لحاقه وذبحه فمات حل لهذا الحديث (فإن ذكاته أخذه) اهـ ما قاله في شرحه (فإن وجدت عنده كلبًا آخر) غير كلبك (فخشيت) أي ظننت (أن يكون) ذلك الآخر (أخذه) أي أخذ الصيد وأمسكه (معه) أي مع كلبك (وقد قتله)

فَلَا تَأْكُلْ. إِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَى كَلْبِكَ. وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيرِهِ". 4846 - (0) (0) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4847 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ. حَدَّثنَا الشَّعْبِيُّ. قَال: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ (وَكَانَ لَنَا جَارًا وَدَخِيلًا وَرَبِيطًا بِالنَّهْرَينِ) أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي كَلْبًا قَدْ أَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي والحال أن الكلب الآخذ المجهول لك قتل ذلك الصيد (فلا تأكل) ذلك الصيد لأنك (إنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره) ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا فقال. 4846 - (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) ابن أبي إسحاق السبيعي (حدثنا زكرياء بن أبي زائدة بهذا الإسناد) يعني عن عامر عن عدي غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لعبد الله بن نمير ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث عدي رضي الله عنه فقال. 4847 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن الوليد بن عبد الحميد) القرشي العامري البصري (حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعيد بن مسروق) الثوري (حدثنا الشعبي قال سمعت عدي بن حاتم) قال الشعبي (وكان) عدي بن حاتم (لنا جارًا) في المنزل (و) كان (دخيلًا) أي كثير الدخول علينا قال النووي قال أهل اللغة الدخيل هو الذي يداخل الإنسان ويخالطه في أموره (و) كان (ربيطًا) أي مرابطًا نفسه على العبادة وملازمًا لها وحابسًا نفسه عن طلب الدنيا متجردًا للعبادة قال النووي أيضًا الربيط هنا بمعنى المرابط وهو الملازم والرباط الملازمة قالوا والمراد هنا ربط نفسه على العبادة وعن الدنيا وأما قوله (بالنهرين) فبيان للموضع الذي ربط فيه نفسه للعبادة قيل هو اسم قرية من قرى اليمن من أعمال ذمار وقيل اسم قرية بين واسط وبغداد اهـ من التاج. (أنه) أي أن عديًا (سأل النبي صلى الله عليه وسلم) فـ (ـقال) عدي في سؤاله (أرسل) أنا يا رسول الله (كلبي) إلى الصيد (فأجد مع كلبي كلبًا) آخر (قد أخذ) وأمسك

لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ. قَال: "فَلَا تَأْكُلْ. فَإنَّمَا سَمَّيتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيرِهِ". 4848 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ ذلِكَ. 4849 - (0) (0) حدّثني الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاع السَّكُونِيُّ. حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِم، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ. فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيكَ فَأَدْرَكْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ معه الصيد والحال أني (لا أدري) ولا أعلم (أيهما) أي أي الكلبين (أخذ) الصيد أهو كلبي أو ذلك الكلب الآخر فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) ـإذًا (لا تأكل) ذلك الصيد (فإنما سميت) أنت (على كلبك ولم تسم على غيره) أي على غير كلبك لاحتمال أن آخذ الصيد هو ذلك الكلب الآخر ثم ذكر المؤلف المتابعة ثامنًا في حديث عدي رضي الله عنه فقال. 4848 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي البصري (حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة من (5) (عن الشعبي عن عدي بن حاتم) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الحكم لسعيد بن مسروق وساق الحكم (مثل ذلك) أي مثل ما حدث سعيد بن مسروق ثم ذكر المؤلف المتابعة تاسعًا فقال. 4849 - (0) (0) (حدثني الوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس (السكوني) نسبة إلى سكون محلة في بغداد الكندي أبو همام الكوفي نزيل بغداد ثقة من (10) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري ثقة من (4) روى عنه في (17) بابا (عن الشعبي عن عدي بن حاتم) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عاصم لمن روى عن الشعبي (قال) عدي (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك) أي أردت إرساله (فاذكر اسم اللَّه) عليه (فإن أمسك) الكلب الصيد (عليك) أي لك بأن لم يأكل منه (فأدركته) أي أدركت

حَيًّا فَاذْبَحْهُ. وَإِنْ أَدْرَكتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ. وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيرهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ. فَإنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ. وَإنْ رَمَيتَ سَهْمَكَ فَاذكُرِ اسْمَ اللهِ. فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِد فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْ إِنْ شِئْتَ. وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك الصيد (حيًّا) حياة مستقرة (فاذبحه) أي فاذبح ذلك الصيد لتمكنك من ذبحه. قال النووي هذا تصريح بأنه إذا أدرك ذكاته وجب ذبحه ولم يحل إلا بالذكاة وهو مجمع عليه وما نقل عن الحسن والنخعي خلافه فباطل لا أظنه يصح منهما وأما إذا أدركه ولم تبق فيه حياة مستقرة بأن قطع حلقومه أو مرته أو أجافه أو خرق أمعاءه أو أخرج حشوته فيحل من غير ذكاة بالإجماع قال أصحابنا وغيرهم ويستحب إمرار السكين على حلقومه ليريحه (وإن أدركته) أي وإن أدركت الصيد و (قد قتلـ) ـه الكلب (و) الحال أن الكلب (لم يأكل منه) أي من الصيد شيئًا (فكله) أي فكل ذلك الصيد فإن أخذه ذكاته (وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره) أي غير كلبك الذي أرسلته (وقد قتل) الكلب الصيد (فلا تأكل) من ذلك الصيد (فإنك لا تدري) ولا تعلم (أيهما) أي أي الكلبين (قتله) أي قتل الصيد وفي هذا بيان قاعدة مهمة وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل لأن الأصل تحريمه وهذا لا خلاف فيه وفيه تنبيه على أنه لو وجده حيًّا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل ولا يضر كونه اشترك في إمساكه كلبه وكلب غيره لأن الاعتماد في الإباحة على تذكية الآدمي لا على إمساك الكلب اهـ نووي (وإن رميت سهمك) أي وإذا أردت رمي سهمك إلى الصيد (فاذكر اسم الله) تعالى مع ابتداء رميك (فإن) أصاب السهم الصيد ثم (غاب عنك) الصيد بعدما أصيب (يومًا) أو أكثر منه كما سيأتي في حديث ثعبة (فـ) ـوجدته بعدما غاب عنك ميتًا و (لم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل) منه (إن شئت) أكله ولم تعفه وفي هذا دليل لمن يقول إذا أثر جرحه فغاب منه فوجده ميتًا وليس فيه أثر غير سهمه حل وهو المشهور في مذهب أحمد ورواية عن مالك كما في المغني لابن قدامة (11/ 19 و 20) ورجحه النووي والأصح عند الشافعية أنه لا يحل وقال أبو حنيفة إذا لم يزل الصائد في طلبه حل له أكله وإن قعد عن طلبه ثم أصابه ميتًا لم يحل كما في الهداية وروي عن مالك أنه لا يحل إن بات ليلة وإن لم يبت حل كما في شرح الأبي (وإن وجدته) أي وجدت ذلك الصيد (غريقًا في الماء) أو ساقطًا في حفيرة أو مترديًا من قلة

فَلَا تَأْكُلْ". 4850 - (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّيدِ؟ قَال: "إِذَا رَمَيتَ سَهْمَكَ فَاذكُرِ اسْمَ اللهِ. فَإِن وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكُلْ. إلا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي، الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ جبل (فلا تأكل) منه علله النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الآتية بقوله (فإنك لا تدري هل الماء قتله أو سهمك) ويؤخذ منه أن ما تردد موته بين سببين أحدهما مبيح والآخر محرم فالحكم للمحرم منهما ثم ذكر المؤلف المتابعة عاشرًا في حديث عدي رضي الله عنه فقال. 4850 - (0) (0) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدثنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) (أخبرنا عاصم) بن سليمان الأحول عن الشعبي عن عدي بن حاتم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن المبارك لعلي بن مسهر. (قال) عدي (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (الصيد) فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله) في حالة رميك (فإن) أصبت الصيد بسهمك فغاب عنك ثم (وجدته) أي وجدت الصيد (قد قتلـ) ـه السهم (فكل) منه (إلا أن تجده) أي تجد ذلك الصيد (قد وقع) وسقط ذلك الصيد (في ماء) فمات فيه فلا تأكله حينئذ (فإنك لا تدري) أن (الماء قتله أو سهمك) قتله. قال القرطبي فيه دليل على أن المشاركة في قتل الصيد لا تضر إذا تحقق أن سهمه أو جارحه قتله وكذلك إذا أصابه السهم في الهواء فسقط أو تردى من جبل لكن هذا إنما يتحقق إذا وجد السهم أو الجارح قد أنفذ مقاتله فحينئذ لا تضر المشاركة فلو لم يعلم ذلك حرم الأكل على نص هذا الحديث خلافًا للشافعي فإنه قال فيما رمي في الهواء فسقط ميتًا ولم يدر مم مات إنه يؤكل وقاله أبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن المنذر وروى ابن وهب عن مالك نحو قول هؤلاء قلت والصحيح الأول وهو المشهور من قول مالك وهو قول الجمهور وهو الذي يظهر من هذا الحديث اهـ من المفهم ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عدي بن حاتم بحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه فقال.

4851 - (1884) (217) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيوَةَ بْنِ شُرَيحٍ. قَال: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمشْقِيِّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أبُو إِدْرِيسَ، عَائِذُ اللَّهِ قَال: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ. وَأَرْضِ صَيدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4851 - (1884) (217) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) (عن حيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي أبي زرعة المصري ثقة من (7) (قال) حيوة (سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي) أبا شعيب الأيادي القصير فقيه أهل دمشق مع مكحول ثقة من (4) حالة كونه (يقول أخبرني أبو إدريس) الخولاني (عائد الله) بن عبد الله بن عمرو الشامي ثقة من (3) (قال) أبو إدريس (سمعت أبا ثعلبة) الصحابي المشهور بكنيته رضي الله عنه (الخشني) بضم الخاء المعجمة وفتح الشين بعدها نون اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا قيل جرثوم بن عمرو وقيل جرهم بن ناشم وقيل لاشق بن جرهم منسوب إلى خشين بن النمر بن وبرة بن ثعلبة كان ممن بايع تحت الشجرة أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فأسلموا وسكن الشام ونزل بداريا وقبره معروف بها له أربعون حديثًا اتفقا على ثلاثة وانفرد (م) بواحد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح ويروي عنه (ع) وأبو إدريس الخولاني في الصيد وجبير بن نفير في الصيد ومكحول في الصيد وغيرهم شهد حنينًا ومات وهو ساجد سنة (75) وقيل في إمرة معاوية. وهذا السند من سداسياته أي سمعت أبا ثعلبة (يقول أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) له (يا رسول الله إنا) معاشر الخشنيين (بأرض قوم من أهل الكتاب) يعني بالشام وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهز وبطون من قضاعة منهم بنو خشين آل أبي ثعلبة كذا في فتح الباري (9/ 606) (نأكل في آنيتهم) الآنية جمع إناء ويجمع هو على الأواني فالأواني جمع الجمع وفي رواية لأبي داود في كتاب الأطعمة (إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر) وبه يتضح منشأ السؤال (و) إنا أيضًا بـ (ـأرض صيد) كثير والإضافة فيه لأدنى ملابسة أي بأرض فيه صيد (أصيد) أنا (بقوسي) تارة (وأصيد

بِكَلْبِيَ الْمُعَلَّمِ. أَوْ بِكَلْبِيَ الَّذِي لَيسَ بِمُعَلَّم. فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِل لَنَا مِنْ ذلِكَ؟ قَال: "أمَّا مَا ذَكَرْتَ أنَّكُمْ بأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، تأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ. فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيرَ آنِيَتِهِمْ، فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا. وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أنَّكَ بِأَرْضِ صَيدٍ، فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ. وَمَا أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُل. وَمَا أَصَبْتَ بكَلْبكَ الَّذِي لَيسَ بِمُعلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بكلبي المعلم) تارة أخرى (أو) أصيد (بكلبي الذي ليس بمعلم) وأو للتنويع لا للشك (فأخبرني) يا رسول الله (ما الذي يحل لنا من ذلك) المذكور الذي سألتك عنه فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي (أما ما ذكرتـ) ـه لي وسألتني عنه من قولك (أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب تأكلون في آنيتهم فـ) ـأقول لك في جوابه (إن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها) أي في آنيتهم لعدم الضرورة إليها (وإن لم تجدوا) غيرها (فاغسلوها ثم) بعد غسلها (كلوا فيها) والظاهر المستفاد من الحديث إذا وجد غير آنيتهم لا يجوز الأكل منها وإن غسلت مع أن الفقهاء قالوا يجوز الأكل من آنيتهم إذا غسلت والجمع بينهما المستفاد من الحديث على طريق الاحتياط والتنزه من استعمال ظروفهم المستعملة في أيديهم ولو بعد الغسل والتنفير عن مخالطتهم بطريق المبالغة وهذا هو التقوى وما قاله الفقهاء هو الفتوى اهـ من المرقاة باختصار وقوله (فاغسلوا) أي وجوبًا إن كان هناك غلبة الظن على نجاستها وندبًا إن كان غير ذلك والله أعلم (وأما ما ذكرتـ) ـه لي وسألتني عنه من قولك (أنك بأرض صيد فـ) ـأقول لك في جوابه (ما أصبت) وطعنت (بقوسك) أي ما أردت إصابته بقوسك (فاذكر اسم الله) عند رمي السهم وعند إرادة أكله (ثم كل وما أصبت) وأخذت (بكلبك المعلم فاذكر اسم الله) عند إرسال الكلب وعند إرادة أكله (ثم كل وما أصبت) وأخذت (بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته) أي تمكنت من ذكاته بأن أدركته حيًّا بحياة مستقرة (فـ) ـذكه ثم (كل) بعد تذكيته وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل منه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 195) والبخاري (5478) وأبو داود (2855) والترمذي (1464) والنسائي (7/ 181) وابن ماجه (3207) ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال.

4852 - (0) (0) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا الْمُقْرِئُ. كِلاهُمَا عَنْ حَيوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. غَيرَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: صَيدَ الْقَوْسِ. 4853 - (1885) (218) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ. حَدَّثَنَا أبُو عَبْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ مُعَاوَيةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4852 - (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا المقرئ) عبد الله بن يزيد القصير مولى آل عمر أبو عبد الرحمن المصري نزيل مكة ثقة فاضل من (9) أقرأ القرآن (73) سنة (كلاهما) أي كل من ابن وهب وعبد الله المقرئ رويا (عن حيوة) بن شريح (بهذا الإسناد) يعني عن ربيعة عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة (نحو حديث ابن المبارك) غرضه بيان متابعتهما لعبد الله بن المبارك (غير أن حديث ابن وهب لم يذكر) ابن وهب (فيه) أي في حديثه وروايته (صيد القوس) وهذا بيان لمحل المخالفة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه فقال. 4853 - (1885) (218) (حدثنا محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون الهاء الجمال بالجيم أبو جعفر (الرازي) ثقة حافظ من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو عبد الله) القرشي (حماد بن خالد الخياط) البصري نزيل بغداد روى عن معاوية بن صالح في الصيد وأفلح بن حميد ويروي عنه (م عم) ومحمد بن مهران الرازي وأحمد وابن معين وعمرو الناقد وثقه ابن معين والنسائي وابن عمار وقال أبو حاتم صالح ثقة وقال في التقريب ثقة أمي من التاسعة (عن معاوية بن صالح) بن حدير بالمهملة مصغرًا الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الرحمن بن جبير) بن نفير بالتصغير فيهما الحضرمي أبي حميد الشامي ثقة من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن أبيه) جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي ثعلبة) الخشني جرثوم بن عمرو الشامي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (عن

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا رَمَيتَ بِسَهْمِكَ، فَغَابَ عَنْكَ، فَأَدْرَكتَهُ، فَكُلْهُ. مَا لَمْ يُنْتِنْ". 4854 - (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنِي مُعَاويَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رميت) الصيد (فغاب عنك) ومات (فأدركته) وهو ميت (فكله) أي فكل ذلك الصيد الذي غاب عنك ثم وجدته (ما لم ينتن) أي مدة عدم إنتانه وعفونته وتغير رائحته مفهومه أنه أن أنتن لا يؤكل قال النووي هذا النهي عن أكل المنتن محمول على التنزيه لا على التحريم وكذا سائر اللحوم والأطعمة المنتنة يكره أكلها ولا يحرم إلا أن يخاف منها الضرر خوفًا معتمدًا اهـ. وقوله (ما لم ينتن) بضم الياء من أنتن الرباعي وبفتحها وكسر التاء من نتن الشيء وفي الصحاح نتن الشيء ككرم فهو نتين كقريب ونتن كضرب وفرح قال الأحناف وهذا على طريق الاستحباب وإلا فالنتن لا أثر له في الحرمة قال ابن الملك وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أكل متغير الريح اهـ من المرقاة. وقال بعض اللغويين يقال أنتن اللحم إذا تغير بعد طبخه وصل وأصل إذا تغير وهو نيئ قلت وهذا الحديث الصحيح يرد ما قاله هذا اللغوي بل يقال أنتن اللحم نيئًا ومطبوخًا ويقال في غير اللحم أنتن أيضًا كما يقال أنتن الأنف اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (2861) والنسائي (3/ 430) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4854 - (0) (0) (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي ثقة من (10) (حدثنا معن بن عيسى) بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني ثقة من (10) (حدثنا معاوية) بن صالح بن حدير الحضرمي الشامي (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير) الحضرمي الحمصي (عن أبيه) جبير بن نفير الحضرمي الشامي (عن أبي ثعلبة) الخشني رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة معن بن عيسى لحماد بن خالد أنه قال (في)

الَّذِي يُدْرِكُ صَيدَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ: "فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ". 4855 - (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوَيةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَدِيثَهُ فِي الصَّيدِ. ثُمَّ قَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاويةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرٍ، وَأَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصائد (الذي يدرك) ويجد (صيده) الذي رماه (بعد ثلاث) ليال ميتًا خذه (فكله ما لم ينتن) أي مدة عدم إنتانه ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ثعلبة الثاني رضي الله عنه فقال. 4855 - (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن معاوية بن صالح عن العلاء) بن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي أبي وهب الدمشقي روى عن مكحول في الصيد وأبي الأشعث ويروي عنه (م عم) ومعاوية بن صالح والأوزاعي ويحيى بن حمزة وغيرهم وثقه ابن معين وابن المديني وأحمد وقال في التقريب صدوق فقيه لكن رمي بالقدر وقد اختلط من الخامسة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة (70) (عن مكحول) النوبي الهذلي مولاهم أبي عبد الله الشامي ثقة فقيه مشهور من (5) (عن أبي ثعلبة الخشني) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن مهدي لحماد بن خالد أو غرضه بيان متابعة مكحول لجبير بن نفير أي حدثنا مكحول عن أبي ثعلبة (حديثه) أي حديث أبي ثعلبة الوارد (في) حكم (الصيد ثم) بعدما روى محمد بن حاتم بهذا السند المذكور (قال) محمد (بن حاتم حدثنا ابن مهدي عن معاوية) بن صالح (عن عبد الرحمن بن جبير وأبي الزاهرية) الشامي الحمصي حدير بن كريب بالتصغير فيهما الحضرمي ويقال الحميري روى عن جبير بن نفير في الصيد ويروي عنه (م دس ق) ومعاوية بن صالح وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان والنسائي وقال أبو حاتم والدارقطني لا بأس به إن حدث عنه ثقة كثير الحديث وقال ابن سعد كان ثقة إن شاء الله تعالى وقال في التقريب صدوق من الثالثة مات على رأس المائة كلاهما رويا (عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة

الْخُشَنِيِّ، بِمِثْلِ حَدِيثِ الْعَلاءِ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ نُتُونَتَهُ. وَقَال، فِي الْكَلْبِ: "كُلْهُ بَعْدَ ثَلاثٍ إلا أَنْ يُنْتِنَ. فَدَعْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخشني بمثل حديث العلاء) بن الحارث عن مكحول غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن جبير وأبي الزاهرية للعلاء بن الحارث ولكنها متابعة ناقصة. (غير أنه) أي لكن أن أبا الزاهرية (لم يذكر) أي في صيد السهم (نتونته) وعفونته كما ذكره العلاء وعبد الرحمن بن جبير (وقال) أبو الزاهرية (في) صيد (الكلب كله) أي كل الصيد الذي أمسك لك الكلب ولو (بعد ثلاث) ليال (إلا أن ينتن) ذلك الصيد (فدعه) أي فاترك أكله إن أنتن وخفت منه الضرر غرضه بيان مخالفة أبي الزاهرية لرواية غيره والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الترجمة ثلاثة أحاديث الأول حديث عدي بن حاتم ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه عشر متابعات والثاني حديث أبي ثعلبة الخشني الأول ذكره للاستشهاد به لحديث عدي وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أبي ثعلبة الخشني الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين. ***

650 - (42) باب النهي عن أكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير وإباحة أكل ميتة البحر

650 - (42) باب النهي عن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير وإباحة أكل ميتة البحر 4856 - (1886) (319) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِي عُمَرَ (قَال إِسْحَاقُ: أخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ. قَال: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أكْلِ كُل ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 650 - (42) باب النهي عن أكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير وإباحة أكل ميتة البحر 4856 - (1886) (319) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قال) إسحاق (أخبرنا وقال الآخران حدثنا سميان بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس) الخولاني عائذ الله بن عبد الله الشامي (عن أبي ثعلبة) الخشني جرثوم بن عمرو الشامي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو ثعلبة (نهى رسول الله) صلى الله عليه وسأنهي تحريم (عن أكل كل) حيوان (ذي ناب) أي صاحب ناب قوي (من السبع) والمراد من ذي ناب أن يكون له ناب يصطاد به وكذا من ذي المخلب وإلا فالحمامة لها مخلب والبعير له ناب وقوله من السبع قيد خرج به البعير لأنه له نابًا لا يصطاد به والناب واحد الأنياب وهي مما يلي الرباعيات من الإنسان قال القرطبي ذهب الجمهور من السلف وغيرهم إلى الأخذ بهذا الظاهر في تحريم السباع وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك في أحد قوليه وهو الذي صار إليه في الموطأ وقال فيه هو الأمر عندنا وروى عن العراقيين الكراهة وهو ظاهر المدونة وبه قال جمهور أصحابه. تنبيه: هذا الخلاف إنما هو في السباع العادية المفترصة كالأسد والنمر والذئب والكلب وأما ما ليس كذلك فجل أقوال الناس فيه الكراهة وحيث صار أحد من العلماء إلى تحريم شيء من هذا النوع. فإنما ذلك لأنه ظهر للقائل بالتحريم أنه عاد وذلك كاختلافهم في الضبع والثعلب والهر وشبهها فرآها قوم من السباع فحكموا بتحريمها وأجاز أكلها الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو قول علي وجماعة من الصحابة وكرهها مالك حكى ذلك القاضي عياض اهـ من المفهم.

زَادَ إِسْحَاقُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِمَا: قَال الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ نَسْمَعْ بِهذَا حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والسر في تحريم هذه السباع أن طبيعتها مذمومة شرعًا فيخشى أن يتولد من أكل لحمها في الإنسان سيئ طباعها فيحرم إكرامًا لبني آدم كما أنه يحل ما أكل إكرامًا اهـ رد المختار (6/ 4 و 3). تنبيه: إنما عدل القائلون بالكراهة عن ظاهر التحريم المتقدم لأنهم اعتقدوا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ مَيتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] ووجه ذلك أنهم حملوا قوله {فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} على عموم وحي القرآن والسنة وقالوا إن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة في حجة الوداع فهي متأخرة عن تلك الأحاديث والحصر فيها ظاهر فالأخذ بها أولى لأنها إما ناسخة لما تقدمها أو راجحة على تلك الأحاديث وأما القائلون بالتحريم فظهر لهم وثبت عندهم أن سورة الأنعام مكية نزلت قبل الهجرة وأن هذه الآية قصد بها الرد على الجاهلية في تحريمهم البحرية والسائبة والوصيلة والحامي ولم يكن في ذلك الوقت محرم في الشريعة إلا ما ذكره في الآية ثم بعد ذلك حرم أمورًا كثيرة كالحمر الإنسية والبغال وغيرها كما رواه الترمذي عن جابر قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير رواه أبو داود (1478) وذكر أبو داود عن جابر أيضًا قال ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل رواه (3789). "قلت" والصحيح ما ذهب إليه الجمهور والله أعلم (زاد إسحاق وابن أبي عمر في حديثهما) أي في روايتهما قال ابن عيينة (قال) لنا (الزهري ولم نسمع بهذا) الحديث (حتى قدمنا الشام) وسمعناه من أبي إدريس الخولاني وكان من فقهاء الشام يعني لم نسمع هذا من علمائنا بالحجاز حتى قدمنا الشام فسمعناه منه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 194) والبخاري (5530) وأبو داود (3802) والترمذي (1477) والنسائي (7/ 200) وابن ماجه (3232) ثم ذكر المتابعة فيه فقال.

4857 - (0) (0) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ؛ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ ذلِكَ مِنْ عُلَمَائِنَا بِالْحِجَازِ. حَتَّى حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ. وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الشَّامِ. 4858 - (0) (0) وحدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْرٌو (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. 4859 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أنَسٍ وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4857 - (0) (0) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع أبا ثعلبة الخشني يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع قال ابن شهاب ولم أسمع ذلك) يعني الحديث الدال على حرمة أكل كل ذي ناب من السباع كالأسد والذئب وأمثالهما وذي مخلب من الطير كالشاهين والصقر والبازي وأمثالها (من علمائنا بالحجاز حتى حدثني أبو إدريس وكان من فقهاء أهل الشام) غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيبنة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي ثعلبة هذا رضي الله عنه فقال. 4858 - (0) (0) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) بفتح الهمزة ثقة من (10) حدثنا ابن وهب (أخبرنا عمرو يعني ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (أن ابن شهاب حدثه عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث ليونس بن يزيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن كل كل ذي ناب من السباع) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه فقال. 4859 - (0) (0) (وحدثنيه أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس و)

ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ويونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيرُهُمْ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا يُوسُفُ بنُ الْمَاجِشُونِ. ح وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ وَعَمْرٍو. كُلُّهُمْ ذَكَرَ الأَكلَ. إلا صَالِحًا ويوسُفَ. فَإِنَّ حَدِيثَهُمَا: نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ. 4860 - (1887) (220) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي المدني ثقة من (7) (وعمرو بن الحارث) بن يعقوب المصري (وبونس بن يزيد) الأيلي (وغيرهم) غرضه بيان متابعة هؤلاء لسفيان بن عيينة (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي كلاهما (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يوسف) بن يعقوب (بن) أبي سلمة (الماجشون) أبو سلمة المدني ثقة من (8) (ح وحدثنا) الحسن بن علي (الحلواني) المكي (وعبد بن حميد) الكسي (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (كلهم) أي كل من معمر بن راشد وابن الماجشون وصالح بن كيسان أي كل هؤلاء الثلاثة رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن إدريس عن أبي ثعلبة (مثل حديث يونس) بن يزيد (و) حديث (عمرو) بن الحارث غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لهذين (كلهم) أي كل من روى عن الزهري (ذكر الأكل إلا صالحًا) بن كيسان (ويوسف) بن الماجشون (فإن حديثهما) أي فإن حديث صالح ويوسف لفظه (نهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن كل ذي ناب من السبع) ولم يذكر لفظ الأكل وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايات. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي ثعلبة الخشني بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال. 4860 - (1887) (220) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن يعني ابن

مَهْدِيٍّ) عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "كُل ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، فَأَكْلُهُ حَرَامٌ". 4861 - (0) (0) وَحَدَّثنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4862 - (1889) (221) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (عن مالك) بن أنس المدني (عن إسماعيل بن أبي حكيم) الأموي مولى عثمان المدني ثقة من (6) (عن عبيدة) بفتح أوله مكبرًا (بن سفيان) بن الحارث الحضرمي المدني روى عن أبي هريرة في الصيد وزيد بن خالد ويروي عنه (م عم) وإسماعيل بن أبي حكيم وابنه عمرو وبسر بن سعيد ومحمد بن عمرو بن علقمة وجماعة قال ابن سعد كان شيخًا قليل الحديث وقال العجلي تابعي مدني ثقة وليس له عند مسلم إلا هذا الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل ذي ناب من السباع) كأسد ونمر وذئب وفهد (فأكله حرام) وهذا أصرح دلالة على التحريم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي (1479) والنسائي (7/ 200) وابن ماجه (3233) ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4861 - (0) (0) (وحدثنيه أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس بهذا الإسناد) يعني عن إسماعيل عن عبيدة عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى ابن مهدي عن مالك غرضه بيان متابعة ابن وهب لابن مهدي ثم استشهد المؤلف ثانيًا بحديث ابن عباس لحديث أبي ثعلبة رضي الله عنهم فقال. 4862 - (1889) (221) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي (عن ميمون بن مهران) الأسدي مولاهم ويقال النصري أبي أيوب الجزري الرقي نشأ بالكوفة ثم نزل الرقة كان مملوكًا لامرأة بالكوفة فأعتقته حديثه في أهل الجزيرة كان مولده سنة أربعين ومات سنة

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ. 4863 - (0) (0) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثنَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سبع عشرة ومائة (117) روى عن ابن عباس في الصيد وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ويروي عنه (م عم) والحكم وأبو بشر وحميد وأيوب وقال في التقريب ثقة فقيه من الرابعة وثقه أحمد والنسائي والعجلي وابن سعد قال أبو المليح ما رأيت أفضل منه ومن كلامه (من أساء سرًّا فليتب سرًّا ومن أساء علانية فليتب علانية فإن الناس يعيرون ولا يغفرون والله يغفر ولا يعير) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عباس (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم (عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب) بكسر الميم (من الطير) والمخلب ظفر كل سبع من الماشي والطير كما في القاموس والمراد هنا ذو مخلب يصيد بمخلبه كالصقر والشاهين فخرجت الحمامة. قال القرطبي وقد تقرر أن ذلك النهي محمول على التحريم في السباع وقوله "وعن كل ذي مخلب من الطير" معطوف على قوله عن كل ذي ناب فليزم منه تحريم كل ذي مخلب من الطير لأن الواو تقتضي المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه في الإعراب والمعنى لأنها للجمع وقد صار إلى تحريم كل ذي مخلب من الطير طائفة تمسكًا بهذا الظاهر وممن قال بذلك أبو حنيفة والشافعي وأما مذهب مالك فحكى عنه ابن أويس كراهة أكل كل ذي مخلب من الطير وجل أصحابه ومشهور مذهبه على إباحة ذلك متمسكين بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية وقد تقدم الكلام عليها والظاهر التمسك بما قررناه من ظاهر هذا الحديث وتقييد الطير بذي مخلب يقتضي من أكل سباع الطير العادية كالعقاب والغراب والشاهين والبازي وما أشبهها ولا يتناول الخطاف وما أشبهها والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 244) وأبو داود (3805) والنسائي (7/ 206) وابن ماجه (3234) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4863 - (0) (0) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن الحجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سهل بن حماد) العنبري أبو عتاب الدلال البصري روى عن شعبة في الصيد وهمام بن يحيى ومرة بن

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. 4864 - (0) (0) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. حَدَّثَنَا الْحَكَمُ وَأبُو بِشْرٍ، عَنْ مَيمُونٍ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيرِ. 4865 - (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ. ح وَحَدَّثنَا أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثنَا هُشَيمٌ. قَال أَبُو بِشْرٍ: أَخْبَرَنَا عَنْ مَيمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ خالد ويروي عنه (م عم) وحجاج بن الشاعر وابن المثنى وعمرو بن علي والدارمي وثقه العجلي وأبو بكر البزار وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد لا بأس به وقال في التقريب صدوق من التاسعة مات سنة (208) ثمان ومائتين وقيل قبلها (حدثنا شعبة) غرضه بيان متابعة سهل لمعاذ بن معاذ (بهذا الإسناد) يعني عن الحكم عن ميمون عن ابن عباس (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن معاذ عن شعبة ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4864 - (0) (0) (وحدثنا أحمد بن حنبل) الشيباني المروزي (حدثنا سليمان بن داود) بن الجارود أبو داود الطيالسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (14) (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) (حدثنا الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة من (5) (وأبو بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي المعلم كللاهما رويا (عن ميمون بن مهران) الأسدي الرقي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي عوانة لشعبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال. 4865 - (0) (0) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن أبي بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي (ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم قال) هشيم (أبو بشر) مبتدأ خبره جملة (أخبرنا عن ميمون بن مهران عن ابن عباس)

قَال: نَهَى. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو كامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مَيمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ. 4866 - (1890) (222) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنهما (قال) ابن عباس (نهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (ح وحدثني أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن ميمون بن مهران عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (قال) ابن عباس (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق أبو بشر (بمثل حديث شعبة عن الحكم) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة أبي بشر للحكم بن عتيبة في رواية هذا الحديث عن ميمون بن مهران فالصواب أن يقال (بمثل حديث الحكم عن ميمون) والله أعلم. قال العيني واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فذهب الكوفيون والشافعي إلى أن النهي فيه للتحريم ولا يؤكل ذو الناب من السباع ولا ذو المخلب من الطير واستثنى الشافعي منه الضبع والثعلب خاصة لأن نابهما ضعيف قلت هذا التعليل في مقابلة النص فهو فاسد والحاصل في هذا الباب أن عطاء بن أبي رباح ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق أباحوا أكل الضبع وهو مذهب الظاهرية وقال الحسن البصري وسعيد بن المسيب والأوزاعي والثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وصاحباه لا يؤكل الضبع وحجتهم فيه الحديث المذكور فإنه بعمومه يتناول كل ذي ناب والضبع ذو ناب وما روي عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أجاز أكل الضبع ليس بمشهور وهو محلل فالمحرم يقضي على المحلل احتياطًا اهـ وعلة حرمة أكلها أنها تأكل الجيفة والله أعلم وقوله صلى الله عليه وسلم (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام) هذا دليل صريح على أن النهي الوارد في الأحاديث المذكورة في هذا الباب للتحريم والله سبحانه وتعالى أعلم ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4866 - (1890) (222) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) التميمي الكوفي ثقة من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي ثقة من (7) (حدثنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي

ح وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَينَا أَبَا عُبَيدَةَ. نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيشٍ. وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيرَهُ. فَكَانَ أَبُو عُبَيدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرةً. قَال: فَقُلْتُ: كَيفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عنهما. (ح وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو خيمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمقابلة العدو وتسمى تلك السرية سرية الخبط أو سرية سيف البحر لما سيأتي وذكرها ابن سعد في سنة ثمان واعترض عليه الحافظ في الفتح (8/ 78) بأن تلك السنة كانت زمن الهدنة ومال إلى أنها وقعت سنة ست أو قبلها قبل صلح الحديبية (وأمر علينا) من التأمير بوزن التفعيل أي جعل (أبا عبيدة) بن الجراح القرشي الفهري عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه أي جعله أميرًا علينا قال النووي فيه أن الجيوش لا بد لها من أمير يضبطها وينقادون لأمره ونهيه وأنه ينبغي أن يكون الأمير أفضلهم أو من أفضلهم قال ويستحب للرفقة من الناس وإن قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم وينقادوا له اهـ وتأمير أبي عبيدة عليهم هو المحفوظ في أكثر الروايات ووقع في رواية أبي حمزة الخولاني عند ابن أبي عاصم في الأطعمة (تأمر علينا قيس بن سعد بن عبادة) وكأن أحد رواتها ظن من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزوة ما صنع من نحر الإبل التي اشتراها أنه كان أمير السرية كذا في الفتح أي بعثنا حالة كوننا (نتلقى) ونستقبل (عيرًا لقريش) والعير هي الإبل التي تحمل الطعام وغيره وقد ذكر ابن سعد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدًا ويمكن الجمع بينه وبين رواية الباب بأنهم أرادوا كلا الأمرين ويقويه ما سيأتي عند المؤلف من طريق عبيد الله بن مقسم (بعث رسول الله بعثًا إلى أرض جهينة) (وزودنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (جرابًا من تمر) والجراب بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح وعاء من جلد (لم بجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزوده (لنا غيره) أي غير ذلك الجراب قال جابر (فكان أبو عبيدة يعطينا) أي يقسم لنا من ذلك الجراب (تمرة تمرة) أي حبة حبة (قال) أبو الزبير (فقلت) لجابر (كيف كنتم تصنعون بها) أي بتلك التمرة وفي رواية

قَال: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ. ثُمَّ نَشرَبُ عَلَيهَا مِنَ الْمَاءِ. فَتَكفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للبخاري في المغازي فقلت ما تغني عنكم تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت (قال) جابر (نمصها) أي نمص تلك الحبة بفتح الميم وضمها والفتح أفصح وأشهر أي نمص ما عليها مصًا (كما يمص الصبي) ثدي أمه (ثم نشرب عليها) أي على تلك الحبة بعد مصها (من الماء فتكفينا) تلك الحبة غذاء (يومنا إلى) دخول (الليل) فلا نجد غيرها. قال القرطبي (قوله لم يجد لنا غيره) اختلفت ألفاظ الرواة في هذا المعنى فمنها ما ذكرناه وفي رواية (فكنا نحمل أزوادنا على رقابنا) وفي أخرى (ففني زادهم) وفي الموطأ (فكان مزودي تمر) وفي أخرى (فكان يعطينا قبضة قبضة ثم أعطانا تمرة تمرة) ويلتئم شتات هذه الروايات بأن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم زادهم ذلك المزود أو المزودتين إلى ما كان عندهم من زاد أنفسهم الذي كانوا يحملونه على رقابهم ثم إنهم لما اشتدت بهم الحال جمع أبو عبيدة ما كان عندهم إلى المزود الذي زادهم النبي صلى الله عليه وسلم فكان يفرقه عليهم قبضة قبضة إلى أن أشرف على النفاد فكان يعطيهم إياه تمرة تمرة إلى أن فني ذلك. وجمع أبي عبيدة الأزواد وقسمتها بالسوية إما أن يكون حكمًا حكم به لما شاهد من ضرورة الحال ولما خاف من تلف من لم يكن معه زاد فظهر له أنه قد وجب على من معه زاد أن يحيى من ليس له شيء أو يكون ذلك عن رضا من كان له زاد رغبة في الثواب وفيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم (في الأشعريين من أنهم إذا قل زادهم جمعوه فاقتسموه بينهم بالسوية قال رسول الله فهم مني وأنا منهم) رواه مسلم (2500) وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولذلك قال بعض العلماء إنه سنة اهـ من المفهم. قال الحافظ في الفتح وظاهر قوله (لم يجد لنا غيره) أنه لم يكن عندهم غير هذا الزاد ولكن وقع في رواية وهب بن كيسان عند البخاري في المغازي (فخرجنا وكنا ببعض الطريق ففني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلًا قليلًا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة) وظاهر هذا السياق أنهم كان لهم زاد بطريق العموم وأزواد بطريق الخصوص فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأي أبي

وكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الخَبَطَ. ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاء فَنَأكُلُهُ. قَال: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ. فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ. فَأَتَينَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرُ. قَال: قَال أَبُو عُبَيدَةَ: مَيتَةٌ. ثمَّ قَال: لَا. بَل نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص لقصد المساواة بينهم في ذلك ففعل فكان جميعه مزودًا واحدًا ويمكن الجمع بين الروايتين بأن الزاد العام كان قدر جراب فلما نفد وجمع أبو عبيدة الزاد الخاص اتفق أنه كان أيضًا قدر جراب وبكون كل من الراويين ذكر ما لم يذكره الآخر وأما تفرقة الزاد تمرة تمرة فكان في ثاني الحال فاختصر الراوي في حديث الباب وفصله في رواية البخاري هذا محصل ما في فتح الباري (8/ 79) قال جابر (وكنا نضرب بعصينا) بكسر العين وتشديد الياء المكسورة والصاد قبلها جمع عصا نظير قسي جمع قوس (الخبط) بفتح الخاء والباء اسم لما يخبط فيتساقط من ورق الشجر وبسكون الباء المصدر (ثم نبله) أي ثم نبل الخبط (بالماء فنأكله) وتبليلهم الخبط بالماء ليلين للمضغ وإنما صاروا لأكل الخبط عند فقد التمرة الموزعة عليهم وهذا كله يدل على ما كانوا عليه من الجد والاجتهاد والصبر على الشدائد العظام والمشقات الفادحة إظهارًا للدين وإطفاء لكلمة المبطلين رضي الله تعالى عنهم أجمعين (قال) جابر (وانطلقنا) أي ذهبنا مع أبي عبيدة (على ساحل البحر) وطرفه لطلب العدو وساحل البحر وسيفه وسطه كل ذلك بمعنى واحد أي على طرفه (فرفع لنا) بالبناء للمفعول أي ظهر لنا وكشف (على ساحل البحر) وطرفه شيء (كهيئة) أي مثل صفة (الكثيب) أي الرمل المجتمع (الضخم) أي الغليظ العظيم و (الكثيب) بفتح الكاف وكسر المثلثة وبالموحدة آخره الرمل المستطيل المحدودب وقيل الجبل الصغير وقيل ما نتأ من الحجارة والأول أصح و (الضخم) المرتفع الغليظ والمعنى رفع لنا شخص مثل الرمل المجتمع (فأتيناه) أي فأتينا ذلك الكثيب (فإذا هي) أي ذلك الكثيب أنث الضمير نظرا للخبر أو أعاده إلى الهيئة وإذا فجائية أي تلك الهيئة (دابة تدعى) تسمى (العنبر) أي أتينا ذلك الكثيب ففاجأنا كونه عنبرًا والعنبر هو السمك الذي يسمى البال قال القسطلاني طوله خمسون ذراعًا وإنما سمي بالعنبر لأن العنبر وهو الطيب المعروف يستخرج من أمعائه وهو أكبر أنواع السمك جسامة (قال) جابر (قال أبو عبيدة) أمير الجيش هذه الدابة (ميتة) فهي حرام أكلها فلا نأكل منها (ثم) بعدما قال أولًا هي ميتة فلا نأكلها (قال لا) أي ليست حرامًا علينا (بل نحن رسل رسول

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي سَبِيلِ اللهِ. وَقَدِ اضطُرِرْتُمْ فَكُلُوا. قَال: فَأَقَمْنَا عَلَيهِ شَهْرًا. وَنَحْنُ ثَلاثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صلى الله عليه وسلم و) سفرنا (في سبيل الله) وطاعته أي لإعلاء كلمة الله بالجهاد (وقد اضطررتم) بالبناء للمجهول أي احتجتم إلى أكلها حاجة شديدة (فكلوا) منها فكأن أبا عبيدة تردد في أكلها لكونها ميتة فكأنه لم يعلم حينئذ أن ميتة البحر حلال. قال القرطبي قول أبي عبيدة (ميتة) أي هي ميتة فلا تقرب لأنها حرام بنص القرآن العام ثم إنه أضرب عما وقع له من ذلك لما تحقق من الضرورة المبيحة له ولذلك قال (لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا) وهذا يدل على جواز حمل العموم على ظاهره والعمل به من غير بحث عن المخصصات فإن أبا عبيدة حكم بتحريم ميتة البحر تمسكًا بعموم القرآن ثم إنه استباحها بحكم الإضطرار مع أن عموم القرآن في الميتة مخصص بقوله صلى الله عليه وسلم (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة قال النووي إنه قال أولًا باجتهاد إن هذا ميتة وهي حرام فلا يحل لكم أكلها ثم تغير اجتهاده فقال بل هو حلال لكم وعلل حله بكونهم في سبيل الله وقد اضطروا وهو مباح بنص القرآن اهـ باختصار (قال) جابر (فأقمنا عليه) أي على أكل ذلك العنبر (شهرًا) كاملًا (ونحن) معاشر الجيش (ثلاثمائة) نفر فأكلناه (حتى سمنا) بتشديد النون أولاهما لام الكلمة وثانيهما نون الضمير أي أكلنا منها شهرًا فسمنا من أكلها بعدما هزلنا بالخبط والمراد بقوله سمنا أي تقوينا وزال ضعفنا كما قال في الرواية الأخرى (حتى ثابت إلينا أجسامنا) أي رجعت إلينا قوتنا وإلا فما كانوا أسمانًا قط اهـ من المفهم قوله (وأقمنا عليه ونحن ثلاثمائة) يعني كان هؤلاء الثلاثمائة يشبعون منه كل يوم إلى شهر ولا يبعد ذلك بالنظر إلى ما ذكرنا من كبر هذا النوع من السمك وقال القاضي عياض مثل هذه المدة يفسد فيها اللحم فعدم فساد هذا إما لكثرة شحمه ودسمه كما ذكر أنهم كانوا يغترفون الدهن بالقلال وكثرة الشحم والودك مما يصون اللحم من التغير أو يكون لكبره وعظمه يطرح منه ما فسد ويؤخذ مما تحته مما لم يصبه الهواء لأن فساد الطعام وما فيه رطوبة إنما يكون غالبًا من مداخلة الهواء فإذا صين من الهواء تماسك كما هو مشاهد الآن في الثلاجات العصرية وقد يكون هذا الحوت ألقاه البحر إلى ساحله ميتًا لكن شخصه في الماء بحيث يصونه الماء ويحفظه ببرده من الفساد ومثل هذا موجود فيمن يدفن في الأرض البارحة الباردة الندية فإنه لا يتغير ثم إن مدة

قَال: وَلَقَدْ رَأَيتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقبِ عَينِهِ، بِالْقِلالِ، الدُّهْنَ. وَنقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ (أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ) فَلَقَذ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيدَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا. فَأَقعَدَهُمْ فِي وَقبِ عَينِهِ. وَأَخَذَ ضِلْعا مِنْ أَضْلاعِهِ. فَأَقَامَهَا. ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا. فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أكلهم من ذلك شهر في هذه الرواية ووقع في رواية وهب (فأكل منه القوم ثمان عشرة ليلة) وفي رواية عمرو بن دينار فأكلنا نصف شهر وجمع النووي بين الروايات بترجيح رواية الباب لكونها مثبتة للزيادة وبأن من روى الأقل فإنه لا ينفي الأكثر اهـ. (قال) جابر (و) الله الذي لا إله غيره (لقد رأيتنا) أي لقد رأيت أنفسنا (نغترف) ونأخذ (من وقب عينه) أي من حفرة ونقرة عينه أي عين ذلك العنبر (بالقلال) أي بالجرار الكبيرة (الدهن) أي الدسم وهذا مما يدل على كبر جسمه وعظمه وقوله (وقب عينه) الوقب بفتح الواو وسكون القاف قال القاضي وقب العين داخلها ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أي إذا دخل في الظلمة ووقب العين أيضًا حفرتها والوقبة الحفرة في الحجر قوله (بالقلال) بكسر القاف جمع قلة بضمها وهي الجرة الكبيرة التي يقلها الرجل بين يديه أي يحملها والمراد أننا كنا نستخرج الدهن من عينه بالقلال (و) كنا (نقتطع منه) أي من ذلك العنبر (الفدر) بكسر الفاء وفتح الدال جمع فدرة وهي القطعة أي نقتطع منه قطعات اللحم أو الشحم (كالثور) أي قطعات مثل ما تقطع من لحم الثور والثور الذكر الكبير من البقر (أو) نقتطع منه قطعات كقدر الثور) في العظم بفتح القاف وسكون الدال أي نقتطع منه قطعات مثل الثور في العظم قال النووي روي بوجهين مشهورين في نسخ بلادنا أحدهما بقاف مفتوحة ودال ساكنة أي مثل الثور والثاني فدر بكسر الفاء جمع فدرة والمعنى مثل قطعات الثور (فـ) ـوالله (لقد أخذ منا) معاشر الجيش (أبو عبيدة) أميره (ثلاثة عثر رجلًا فأقعدهم) أي أمرهم بالقعود (في وقب عينه) أي في حفرة عينه فقعدوا فيه جميعًا (و) لقد (أخذ) أبو عبيدة (ضلعًا من أضلاعه) أي عظمًا من عظام جنبه (فأقامها) أي فأقام تلك الضلع مثل القوس (ثم رحل أعظم بعير منا) أي أمر بوضع رجل وقتب على ظهر أكبر بعير معنا (فمر) البعير مع رحله (من تحتها) أي من تحت تلك الضلع التي أقامها. وقوله (ضلعًا) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وقد تسكن واحد الأضلاع اهـ سندي.

وَتَزَوَّذنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرْنَا ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "هُوَ رِزق أَخرَجَهُ اللهُ لَكُمْ. فَهَل مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ قَال: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ. فأَكَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (ثم رحل) بفتح الحاء يقال رحل البعير رحلًا من الباب الثالث إذا حط عليه الرحل اهـ قاموس قوله (فمر من تحتها) فيه اختصار وإجمال وفصله عمرو بن دينار في الرواية الآتية ولفظها (ثم نظر إلى أطول رجل في الجيش وأطول جمل فحمله عليه فمر تحته) (وتزودنا من لحمه وشائق) أي جعلنا قدائد من لحمه زادًا لنا قال أبو عبيدة الوشائق بالشين المعجمة اللحم يغلي إغلاءة ولا ينضج ويحمل في السفر اهـ أبي والمستفاد من بعض اللغات يغلي قليلًا قليلًا ويجعل قديدًا وحينئذ يجلس أيامًا لا ينتن قلت الوشائق جمع وشيقة كوثائق جمع وثيقة وهي اللحم يؤخذ فيغلى إغلاء ولا ينضج ويحمل في الأسفار وفي الحضر عن العزائم يقال وشقت اللحم فاتشق والوشيقة القديد في الأرميا (وَقَالِمَ). قال جابر (فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا) أي أخبرنا (ذلك) أي أكلنا من العنبر وتزودنا منه (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو) أي ذلك الحوت (رزق أخرجه الله) تعالى (لكم) أي لأجل طعمتكم من البحر (فهل) بقي (معكم من لحمه شيء) فاضل عنكم (فتطعمونا) أي تعطونا منه طعمة (قال) جابر (فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه) أي من لحم ذلك الحوت (فأكله) صلى الله عليه وسلم قال النووي وأما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من لحمه وأكله ذلك فإنما أراد به المبالغة في تطييب نفوسهم في حله وأنه لا شك في إباحته وأنه يرتضيه لنفسه أو أنه قصد التبرك به لكونه طعمة من الله تعالى خارقة للعادة أكرمهم الله تعالى بها وفي هذا دليل على أنه لا بأس بسؤال الإنسان من مال صاحبه ومتاعه إدلالًا عليه وليس هو من السؤال المنهي عنه إنما ذاك في حق الأجانب للتمول ونحوه وأما هذه فللمؤانسة والملاطفة والإدلال وفيه أنه يستحب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتي إذا لم يكن فيه مشقة على المفتي وكان فيه طمأنينة للمستفتي اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 311) والبخاري في الصيد (5493 و 5494) وفي مواضع غيره وأبو داود في الأطعمة (3840)

4867 - (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. قَال: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ ثَلاثُمائَةِ رَاكِبٍ. وَأَمِيرُنَا أبُو عُبَيدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيشٍ. فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ. فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ. حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ. فَسُمِّيَ جَيشُ الْخَبَطِ. فَأَلْقَى لنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ. فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ. وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهَا حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا. قَال: فَأَخَذَ أبُو عُبَيدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلاعِهِ فَنَصَبَهُ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيشِ، وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيهِ. فَمَرَّ تَحْتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنسائي في الصيد (4351 و 4352 و 4353 و 4354) وابن ماجه في الصيد (3288) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4867 - (0) (0) (حدثنا عبد الجبار بن العلاء) بن عبد الجبار الأنصاري مولاهم المقرئ العطار المكي وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب لا بأس به من صغار (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة (قال) سفيان (سمع عمرو) بن دينار (جابر بن عبد الله) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من رباعياته. (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) في سرية الخبط (ونحن ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد) أي نرقب (عيرًا لقريش) أي إبل ميرة لقريش لنأخذها من رصد إذا قعد له على طريق رقيبًا من باب نصر (فأقمنا بالساحل) أي جلسنا على ساحل البحر لمراقبتها (نصف شهر) قد تقدم الجمع بين الروايات المختلفة في مدة جلوسهم في الساحل (فأصابنا) أي أخذنا (جوع شديد حتى أكلنا الخبط) أي ورق السلم أو ورق الأشجار لشدة الجوع (فـ) ـلأجل ذلك (سمي) جيشنا ذلك (جيش الخبط فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها) أي من لحمها (نصف شهر وادهنا) أي تمسحنا (من ودكها) أي من شحمها والودك بفتحتين دسم اللحم (حتى ثابت) ورجعت (أجسامنا) إلى حالتها الأولى ورجعت إليها قوتها (قال) جابر (نأخذ أبو عبيدة ضلعًا) أي عظمًا (من أضلاعه) أي من عظام جنبه (فنصبه) أي أقام ذلك العظم قال النووي كذا هو في النسخ (فنصبه) والضلع مؤنث ووجه التذكير أنه أراد العضو أو العظم (ثم نظر) أبو عبيدة (إلى أطول رجل في الجيش و) إلى (أطول جمل) فيهم (فحمله) أي فحمل ذلك الرجل على الجمل الأطول أي أركبه (عليه فمر) الرجل (تحته) أي تحت ذلك الضلع الذي أقامه

قَال: وَجَلَسَ فِي حَجَاجِ عَينِهِ نَفَرٌ. قَال: وَأَخْرَجْنَا مِنْ وَقْبِ عَينِهِ كَذَا وَكَذَا قُلَّةَ وَدَكٍ. قَال. وَكَانَ مَعَنَا جِرَابٌ مِنْ تَمْرٍ. فَكَانَ أبُو عُبَيدَةَ يُعْطِي كُل رَجُلٍ مِنَّا قَبْضَةً قَبْضَةً. ثمَّ أعْطَانَا تَمْرَةً تَمْرَةً. فَلَمَّا فَنِيَ وَجَدْنَا فَقْدَهُ. وحدّثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ. قَال: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا يَقُولُ، فِي جَيشِ الْخَبَطِ: إِنَّ رَجُلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) جابر (وجلس في حجاج عينه) أي في وقب عينه وحفرتها بأمر أبي عبيدة (نفر) أي جماعة ثلاثة عشر رجلًا كما في الرواية الأولى (والحجاج) بالحاء المهملة مفتوحة ومكسورة لغتان مشهورتان ثم الجيم المخففة عظم مستدير حول العين ينبت عليه الجفن وقيل بل هو الأعلى تحت الحاجب كذا في تاج العروس (3/ 18) وهو غار العين الذي تكون فيه حدقتها (قال) جابر (وأخرجنا من وقب عينه كذا وكذا) كناية عن العدد المبهم (قلة ودك) بدل من كذا وكذا والقلة بضم القاف وتشديد. اللام الجرة الكبيرة والودك هو دسم اللحم (قال) جابر (وكان معنا جراب من تمر) أي وعاء منه (فكان أبو عبيدة يعطي كل رجل منا قبضة قبضة) أي كفة كفة يعني يعطينا أولًا هكذا (ثم) لما تقلل (أعطانا تمرة تمرة فلما فني وجدنا فقده) يعني فلما فنيت التمرات وجدنا فقدها والمراد شعرنا بفائدة تلك التمرة الواحدة حين فقدناها وتذكير الضمير بتأويل التمرة بالزاد والله أعلم وفي البخاري (حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة فقلت ما تغني عنكم تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت) ثم ذكر المؤلف الأثر الموقوف على جابر بن عبد الله خلال المتابعات في حديثه بالسند السابق فقال (وحدثنا عبد الجبار بن العلاء) الأنصاري المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (قال) سفيان (سمع عمرو) بن دينار (جابرًا) بن عبد الله الأنصاري المدني الصحابي أي سمع عمرو جابرًا (يقول في) خلال قصة (جيش الخبط إن رجلًا) من المسلمين وهذا الرجل قيس بن سعد بن عبادة وذكر البخاري في المغازي عن عمرو بن دينار مرسلًا وهو موصول عند الحميدي في مسنده (أن قيس بن سعد قال لأبيه كنت في الجيش فجاعوا قال انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قال انحر قال نحرت قال ثم جاعوا قال انحر قال نحرت ثم جاعوا قال انحر قال نهيت) أي نهاه أبو عبيدة وزاد ابن خزيمة لما قدموا ذكروا شأن قيس فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت يعني أهل بيت سعد بن عبادة الذي كان معروفًا بالجود وإكرام

نَحَرَ ثَلاثَ جَزَائِرَ. ثُمَّ ثَلاثًا. ثُمَّ ثَلاثًا. ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيدَةَ. 4868 - (0) (0) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ) عَنْ هِشَام بْنِ محُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: بَعَثنا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ ثَلاثُمِائَةٍ. نَحْمِلُ أزْوَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا. 4869 - (0) (0) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي نُعَيمٍ، وَهْبِ بْنِ كَيسَانَ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، ثَلاثَمِائَةٍ. وَأمَّرَ عَلَيهِمْ أَبَا عُبَيدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَفَنِيَ زَادُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضيوف اهـ فتح (8/ 81) (نحر ثلاث جزائر) عندما جاعوا جمع جزور وهو البعير ذكرًا كان أو أنثى كذا في العيني (ثم) جاعوا فنحر (ثلاثًا ثم ثلاثًا ثم) بعد المرة الثالثة (نهاه) أي نهى ذلك الرجل عن النحر (أبو عبيدة) بن الجراح ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4868 - (0) (0) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة يعني ابن سليمان) الكلابي الكوفي ثقة من (8) (عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان) القرشي الأسدي مولاهم أبي نعيم المدني المعلم المكي ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة وهب بن كيسان لعمرو بن دينار (قال) جابر (بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن ثلاثمائة) رجل حالة كوننا (نحمل أزوادنا على رقابنا) وهذا يشعر أن لهم أزوادًا غير ما زودهم النبي صلى الله عليه وسلم من عند أنفسهم ومما منحهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال. 4869 - (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (عن أبي نعيم وهب بن كيسان أن جابر بن عبد الله أخبره) أي أخبر لوهب بن كيسان وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة مالك بن أنس لهشام بن عروة (قال) جابر (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية) أي جيشًا (ثلاثمائة) بدل من سرية أو عطف بيان له (وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح) أي جعله أميرًا عليهم (نفني زادهم)

فَجَمَعَ أَبُو عُبَيدَةَ زَادَهُمْ فِي مِزْوَدٍ. فَكَانَ يُقَوِّتُنَا. حَتَّى كَانَ يُصِيبُنَا، كُلَّ يَوْمٍ، تَمْرَةٌ. 4880 - (0) (0) وحدّثنا أبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ (يَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ). قَال: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيسَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، أَنَا فِيهِمْ، إِلَى سِيفِ الْبَحْرِ. وَسَاقُوا جَمِيعًا بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. كَنَحْو حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِي الزُّبَيرِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ كَيسَانَ: فَأَكَلَ مِنْهَا الْجَيشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي زودهم النبي صلى الله عليه وسلم (فجمع أبو عبيدة زادهم) أي بقايا زادهم مما تزودوا لأنفسهم (في مزود) كان عنده والمزود ما يتخذ لحمل الزاد فيه (فكان) أبو عبيدة (يقوتنا) من التقويت أي يوزع قوتنا وغذاءنا من ذلك المزود قبضة قبضة فما دونها (حتى كان يصيبنا) وينالنا (كل يوم تمرة) تمرة لفناء الزاد أصلًا. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4870 - (0) (0) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (حدثنا الوليد يعني ابن كثير) القرشي المخزومي مولاهم المدني سكن الكوفة صدوق من (6) روى عنه في (9) أبواب (قال) الوليد (سمعت وهب بن كيسان يقول سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الوليد بن كثير لهشام بن عروة ومالك بن أنس (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيهم إلى سيف البحر) بكسر السين المهملة وسكون الياء أي ساحله قال العيني بينه وبين المدينة خمس ليال اهـ. قوله (وساقوا جميعًا) تحريف من النساخ والصواب (وساق) وهب بن كيسان (بقية الحديث كنحو حديث عمرو بن دينار وأبي الزبير غير أن) أي لكن أن (في حديث وهب بن كيسان) لفظة (فكل منها الجيش) أي من تلك الدابة يعني العنبر (ثماني عشرة ليلة) وقد بسطنا الكلام في بيان كيفية الجمع بين هذه الروايات المختلفة في العدد في الرواية الأولى فراجعها إن شئت ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال.

4871 - (0) (0) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ الْقَزَّازُ. كِلاهُمَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيسٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا إِلَى أَرْضِ جُهَينَةَ. وَاسْتَعْمَلَ عَلَيهِمْ رَجُلًا، وَساقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4871 - (0) (0) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمد البخاري البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو المنذر القزاز) إسماعيل بن عمر الواسطي نزيل بغداد ثقة من (9) روى عنه في (2) (كلاهما) أي كل من عثمان بن عمر وأبي المنذر رويا (عن داود بن قيس) الفراء الدباغ أبو سليمان القرشي مولاهم المدني ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عبيد الله بن مقسم) المدني القرشي مولاهم ثقة من (4) زوى عنه في (6) أبواب (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبيد الله بن مقسم لأبي الزبير وعمرو بن دينار ووهب بن كيسان في رواية هذا الحديث عن جابر (قال) جابر (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا) أي جيشًا (إلى أرض جهينة واستعمل عليهم رجلًا) هو أبو عبيدة بن الجراح أي أمره عليهم قوله (إلى أرض جهينة) ظاهره معارض لما سبق من الأحاديث قال العيني لا تعارض لأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرًا لقريش ويقصدون حيًّا من جهينة اهـ (وساق) عبيد الله بن مقسم (الحديث) السابق (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث أبي الزبير وعمرو بن دينار ووهب بن كيسان والنحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه والباء زائدة لتأكيد معنى نحو والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث أبي ثعلبة الخشني ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني حديث أبي هريرة ذكره- للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

651 - (43) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية والأمر بإكفاء القدور منها وإباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

651 - (43) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية والأمر بإكفاء القدور منها وإباحة لحوم الخيل وحمر الوحش 4872 - (1819) (223) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ، ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيبَرَ. وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 651 - (43) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية والأمر بإكفاء القدور منها وإباحة لحوم الخيل وحمر الوحش 4872 - (1819) (223) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي) بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية نسبة إلى أمه قال ابن سعد وأما عبد الله بن محمد بن الحنفية الهاشمي أبو هاشم المدني ثقة قليل الحديث وقال في التقريب ثقة قرنه الزهري بأخيه الحسن فقال حدثنا عبد الله والحسن ابنا محمد بن علي وكان الحسن أرضاهما من الرابعة مات سنة (99) بالشام روى عنه المؤلف في النكاح والصيد وقد ذكرنا ترجمته في كتاب النكاح وأما الحسن بن محمد بن علي الهاشمي أبو محمد ابنُ ابنِ الحنفية الفقيه ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيهما) محمد بن علي المعروف بابن الحنفية الهاشمي المدني أبي القاسم ثقة من (2) روى عنه في الوضوء والنكاح (عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية) المشهور كسر الهمزة وسكون النون نسبة إلى الإنس المقابل للجن والمراد الأهلية وروي بضم الهمزة وسكون النون وهو أيضًا خلاف المتوحش اهـ سندي على ابن ماجه وأما متعة النساء فقد مر الكلام عليها في كتاب النكاح وقوله (يوم خيبر) قال بعض العلماء إنه وقع في هذه الرواية تقديم وتأخير فكان في الأصل (نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الإنسية يوم خيبر) وكان يوم خيبر ظرفًا لتحريم الحمر فقط فغيره أحد الرواة وجعل يوم خيبر ظرفًا للنهي عن متعة النساء وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول قوله يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة وذكر السهيلي أن ابن عيينة رواه عن الزهري بلفظ

4873 - (0) (0) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم) وذكر الحافظ في الفتح (9/ 168) أنه لم يجد هذه الرواية عن ابن عيينة ولكن أخرج الحميدي في مسنده قولًا لابن عيينة (يعني أنه نهى عن لحوم الحمر زمن خيبر ولا يعني نكاح المتعة) وأيده السهيلي بأن تحريم المتعة في خيبر شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر ولكن الرويات الدالة على تحريم المتعة في خيبر كثيرة ويحتمل أن تكون رخصة المتعة وتحريمها تكررت في غزوات شتى إلى أن تأبدت حرمتها في غزوة الفتح وإليه يظهر ميل النووي وهو الذي اختاره كثير من أهل العلم توفيقًا بين الروايات والله أعلم. قوله (وعن لحوم الحمر الإنسية) وإنما قرن علي رضي الله عنه بين النهي عن الحمر والنهي عن المتعة لأن ابن عباس كان يرخص في الأمرين معًا فرد عليه علي في الأمرين كذا في نكاح فتح الباري وفي هذا الحديث دليل لمذهب جمهور الفقهاء في تحريم الحمر الأهلية وإنما قيد بالإنسية لكون الوحشية من الحمر حلالًا بالإجماع وروي عن ابن عباس أنه كان يقول بحلية الحمر الأهلية أيضًا وهو قول مالك في رواية وفي أخرى أنها مكروهة وفي ثالثة أنها محرمة وهذه الرواية هي الصحيحة المشهورة وعليها أجمع المسلمون إلا من شذ واستدل على حلية الحمر الأهلية بحديث غالب بن أبجر وهو حديث ضعيف قال النووي والحافظ إن سند ذلك الحديث ضعيف والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة فلا اعتماد عليه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب غزوة خيبر (4216) وفي النكاح وفي مواضع كثيرة والترمذي في نكاح المتعة (1130) والنسائي في النكاح (3365) وابن ماجه في النهي عن نكاح المتعة (1969) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال. 4873 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير وزهير بن حرب قالوا حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري

وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَعَنْ أَكلِ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. 4874 - (1892) (224) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أبَا ثَعْلَبَةَ قَال: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدثنا إسحاق) بن راهويه الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل هؤلاء المذكورين من سفيان وعبيد الله ويونس ومعمر رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن ابني محمد عن أبيهما عن علي غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك بن أنس (و) لكن (في حديث يونس) وروايته لفظة (وعن أكل لحوم الحمر الأهلية) بزيادة لفظة أكل وبلفظ الأهلية بدل الإنسية والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث علي بحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنهما فقال. 4874 - (1892) (224) (وحدثنا الحسن بن علي الحلواني) أبو علي الخلال المكي (وعبد بن حميد) الكسي (كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب أن أبا إدريس) الخولاني عائذ الله بن عبد الله الشامي (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن أبا ثعلبة) الخشني جرثوم بن عمرو الشامي رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الذبائح والصيد (5527) والنسائي في الصيد (4341 و 4342). قال القرطبي قوله (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية) وفي الروايات الأخرى (نهى) والأول نص في تحريمها وهي مفسرة للنهي الوارد في الروايات

4875 - (1893) (225) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ. حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَسَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر وبالتحريم للحمر الأهلية قال جمهور العلماء سلفًا وخلفًا وفي مذهب قول بالكراهة المغلظة والصحيح الأول لما تقدم لا يقال كيف يجزم بتحريم أكلها مع اختلاف الصحابة في تعليل النهي الوارد فيها على أقوال فمنهم من قال نهى عنهما لأنها لم تخمس ومنهم من قال لأنها كانت حمولتهم ومنهم من قال لأنها كانت تأكل الجلة وهي العذرة كما ذكره أبو داود ومنهم من قال لأنه رجس وهذه كلها ثابتة بطرق صحيحة وهي متقابلة فلا تقوم بواحد منها حجة فكيف يجزم بالتحريم وإذا لم يجزم بالتحريم فأقل درجات النهي أن يحمل على الكراهة لأنا نجيب عن ذلك بأن الصحابي قد نص على ذلك التحريم كما ذكرناه آنفًا وبأن أولى العلل ما صرح به منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (أن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها رجس من عمل الشيطان) والرجى النجس فلحومها نجسة لأنها هي التي عاد عليها ضمير (إنها رجس) وهي التي أمر بإراقتها من القدور وغسلها منها وهذا حكم النجاسة فظهر أن هذه العلة أولى من كل ما قيل فيها وأما التعليل الذي ذكره أبو داود من حديث غالب بن أبجر وهو الذي قال فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إنما حرمتها عليكم من أجل جوال القرية) رواه أبو داود (3809) فحديثه لا يصح لأنه يرويه عن عبد الله بن عمرو بن لويم وهو مجهول وقد رواه رجل يقال له عبد الرحمن بن بشر وهو أيضًا مجهول على ما ذكره أبو محمد عبد الحق وأما ما عدا ذلك من العلل التي ذكرناها فمتوهمة مقدرة لا يشهد لها دليل فصح ما قلناه والله أعلم ثم استشهد المؤلف لحديث علي ثانيًا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم فقال. 4875 - (1893) (225) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (حدثني نافع وسالم) بن عبد الله (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (4218) والنسائي (7/ 203) ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال.

4876 - (0) (0) وحدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخْبَرَنِي نَافِعٌ قَال: قَال ابْنُ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الأهْلِيِّ يَوْمَ خَيبَرَ. وَكَانَ النَّاسُ احْتَاجُوا إِلَيهَا. 4877 - (1894) (226) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ. قَال: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 4876 - (0) (0) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزاز الحمال بالمهملة ثقة من (10) (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني صدوق من (9) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي ثقة من (6) (أخبرني نافع قال) نافع (قال ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن جريج لعبيد الله بن عمر (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا أبي) يحيى بن أبي عمر العدني المكي والد محمد بن يحيى بن أبي عمر قيل كنيته أبو عمر روى عن مالك بن أنس في الذبائح ومحمد بن عبد الملك بن جريج ويروي عنه (م) وابنه محمد روى عنه (م) حديثًا واحدًا قرنه بآخر في تحريم الحمار الأهلي يوم خيبر وقال في التقريب مقبول من العاشرة (ومعن بن عيسى) بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى القزاز المدني ثقة من (10) كلاهما رويا (عن مالك بن أنس عن نانع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته أيضًا غرضه بيان متابعة مالك بن أنس لعبيد الله بن عمر (قال) ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الحمار الأهلي يوم خيبر وكان الناس احتاجوا إليها) يومئذ لجوعهم. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما فقال. 4877 - (1894) (226) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أبي إسحاق الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (14) بابا (قال) الشيباني (سألت عبد الله بن أبي أوفى)

عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ؟ فَقَال: أَصَابَتنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيبَرَ. وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَصَبْنَا لِلْقَوْمِ حُمُرًا خَارِجَةً مِنَ الْمَدِينَةِ. فَنَحَرْنَاهَا. فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغلِي. إِذ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنِ اكفَئُوا الْقُدُورَ وَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيئًا فَقُلْتُ: حَرَّمَهَا تَحْرِيمَ مَاذَا؟ قَال: تَحَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ علقمة بن خالد الأسلمي أبا إبراهيم الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته أي سألته (عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) هل يحرم أم لا (فقال) عبد الله بن أبي أوفى (أصابتنا) أي أخذتنا معاشر الصحابة (مجاعة) أي جوع شديد (يوم خيبر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصبنا للقوم حمرًا) أي أخذنا وغنمنا حمرًا أهليًا كائنة للقوم من اليهود (خارجة من المدينة) أي من مدينة خيبر (فنحرناها) أي ذبحناها لأنها مما قصر عنقها قال الحافظ في الفتح (7/ 483) وقد ذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين كذا رواه بالشك (فـ) ـأوقدنا عليها النيران و (إن قدورنا) وأسطالنا (لتغلي) من باب رمى أي لتفور بلحومها وإذ في قوله (إذ نادى) فجائية أي والحال أن قدورنا لتغلي فاجانا نداء (منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو أبو طلحة أو عبد الرحمن بن عوف بـ (ـأن اكفؤا القدور) أي كبوها وأقلبوها بما فيها (ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئًا) قليلًا أو كثيرًا. وقوله (إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال أبو مسعود هذا الحديث معلول وهو مرسل وهذا مما ينظر لأنه لم يعين المنادي ولا أسند ما نادى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الأظهر أن النداء في الجيش لا يخفى على الإمام اهـ من الأبي وقوله (أن اكفئوا القدور) الرواية المشهورة بوصل الهمزة وفتح الفاء من كفات القدر ثلاثيًّا إذا قلبتها وقد رويت بقطع الهمزة وكسر الفاء من أكفأت رباعيًّا قال ابن السكيت وابن قتيبة هما لغتان بمعنى واحد وقال الأصمعي كفأت الإناء وكل شيء قلبته ثلاثيًّا ولا يقال أكفأت رباعيًّا وقيل كفأت القدر ثلاثيًّا كببتها ليخرج ما فيها وأكفأتها رباعيًّا أملتها قال الشيباني (فقلت) لابن أبي أوفى (حرمها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تحريم ماذا) أي أي تحريم حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم هل حرمها تحريمًا قطعيًّا لا تردد فيه أم تحريمًا غير قطعي فيه تردد (قال) ابن أبي أوفى في جواب الشيباني (تحدثنا) نحن معاشر الصحابة فيما

بَينَنَا فَقُلْنَا: حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ. وَحَرَّمَهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. 4878 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ). حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الشَّيبَانِيُّ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أوْفَى يَقُولُ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيبَرَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بيننا) وتحدثنا بسكون المثلثة لأنه ماض اتصل بضمير الفاعل (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض (حرمها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألبتة) أي حرمها تحريمًا قطعيًّا لا تردد فيه (و) قلنا أيضًا فيما بيننا (حرمها من أجل أنها لم تخمس) أي من أجل أن تلك الحمر لم يؤخذ منها خمس الفيء. وفي التكملة قوله (حرمها ألبتة) معناه القطع يقال لا أفعله ألبتة لكل أمر لا رجعة فيه والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها على سبيل التأبيد ولم يمنع منها لأمر عارض والهمزة في ألبتة للوصل كما رجحه الحافظ في الفتح وجزم الكرماني بأنها همزة قطع على خلاف القياس ولكن قال الحافظ لم أر ما قاله الكرماني في كلام أحد من أهل اللغة وقوله (من أجل أنها لم تخمس) قال القرطبي والتعليل بأنها لم تخمس لا يصح لأن الأكل من طعام الغنيمة قبل القسم جائز وقال الأبي لعل هذا كان قبل مشروعية الأكل وجعلوا عدم التخميس مانعًا قلت إن الذي يباح أخذه قبل القسمة هو الطعام ولم تكن الحمر عند أخذهن طعامًا بل كانت حيوانًا حيًّا فلا يرد ما أورده القرطبي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب غزوة خيبر (4222 و 4224) وفي الصيد والذبائح باب لحوم الحمر الإنسية (5526) والنسائي في الصيد باب تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية (4339) وابن ماجه في الذبائح باب لحوم الحمر الأهلية (3231). ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة في حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه فقال. 4878 - (0) (0) (وحدثنا أبو كامل) الجحدري (فضيل بن حسين) البصري (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة من (8) (حدثنا سليمان) بن أبي سليمان (الشيباني) أبو إسحاق الكوفي (قال) الشيباني (سمعت عبد الله بن أبي أوفى) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبد الواحد لعلي بن مسهر (أصابتنا مجاعة) شديدة (ليالي) أيام (خيبر فلما كان يوم خيبر) أي حصل

وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا. فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنِ اكْفَئُوا الْقُدُورَ. وَلَا تَأكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيئًا. قَال: فَقَال نَاسٌ: إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. وَقَال آخَرُونَ: نَهَى عَنْهَا أَلْبَتَّةَ. 4879 - (1895) (227) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ). قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أبِي أَوْفَى يَقُولانِ: أَصَبْنَا حُمُرًا، فَطَبَخْنَاهَا. فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اكْفَئُوا الْقُدُورَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يومها ودخلنا فيه وأصبحنا (وقعنا في) أخذ (الحمر الأهلية) وغنمناها من أهل خيبر (فانتحرناها) أي ذبحناها وسلخنا الجلد عنها وقطعنا لحومها وجعلناها في القدور لطبخها (فلما غلت) وفارت (بها) أي بلحوم الحمر (القدور) أي قدور القوم (نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو أبو طلحة الأنصاري كما سيأتي للمؤلف في حديث أنس وفي النسائي أنه عبد الرحمن بن عوف فلعلهما ناديا معًا اهـ من تنبيه المعلم أي نادى مناديه صلى الله عليه وسلم في الناس بـ (ـأن اكفئوا القدور) وكبوا ما فيها على الأرض وأن هنا مفسرة وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه وهي جملة نادى (ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئًا) أي لا قليلًا ولا كثيرًا (قال) عبد الله بن أبي أوفى (فقال ناس) من الصحابة (إنما) أمرهم بكب القدور لأنه (نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس) أي لم يؤخذ منها الخمس (وقال) قوم (آخرون) من الصحابة (نهى عنها) أي عن أكل لحومها نهيًا (ألبتة) أي نهيًا قطعيًّا جازمًا لا تردد فيه ثم استشهد المؤلف رحمه الله رابعًا لحديث علي بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال. 4879 - (1895) (227) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (قال) عدي (سمعت البراء) بن عازب (وعبد الله بن أبي أوفى) رضي الله تعالى عنهما (يقولان أصبنا) أي غنمنا (حمرًا) أهليًا يوم خيبر (فطبخناها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفئوا القدور) أي

4880 - (0) (0) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: قَال الْبَرَاءُ: أَصَبْنَا يَوْمَ خَيبَرَ حُمُرًا. فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أنِ اكْفَئُوا الْقُدُورَ. 4881 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: نُهِينَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ. 4882 - (0) (0) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كبوها بما فيها وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي (4221) وفي الصيد (5525) والنسائي في الصيد (4338) وابن ماجه في الذبائح (3233). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال. 4880 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي (قال) أبو إسحاق (قال البراء) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي إسحاق لعدي بن ثابت (أصبنا يوم خيبر حمرًا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن) أي (اكفئوا القدور) بزيادة يوم خيبر وأن المفسرة على الرواية الأولى ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4881 - (0) (0) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (قال أبو كريب حدثنا) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي (عن مسعر) بن كدام الهلالي الكوفي ثقة من (7) (عن ثابت بن عبيد) الأنصاري الكوفي ثقة من (3) (قال) ثابت (سمعت البراء) بن عازب رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ثابت لعدي وأبي إسحاق (يقول نهينا) بالبناء للمجهول والناهي هو النبي صلى الله عليه وسلم (عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4882 - (0) (0) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري ثقة من (4) (عن)

الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَال: أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنْ نُلْقِيَ لُحُومَ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، نِيئَةً وَنَضِيجَةً. ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ. 4883 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ أبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ) عَنْ عَاصِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 4884 - (0) (0) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأزْدِيُّ. حَدَّثَنَا عُمرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثنَا أَبِي، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) الكوفي ثقة من (3) (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الشعبي لمن روى عن البراء (قال) البراء (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يوم خيبر (أن نلقي لحوم الحمر الأهلية نيئة) بكسر النون وفتح الهمزة مع تخفيف الياء الساكنة أي غير مطبوخة بدل من لحوم بدل تفصيل من مجمل (ونضيجة) أي مطبوخة أي أمرنا أن نرميها نيئها ومطبوخها (ثم) بعدما أمرنا بإلقائها (لم يأمرنا بأكله) أي بأكل لحمها أي لم يرخص لنا في أكله فصار تحريمها على التأبيد ثم ذكر المتابعة رابعًا فقال. 4883 - (0) (0) (وحدثنيه أبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي ثقة من (10) (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) (عن عاصم) الأحول (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن البراء (نحوه) أي نحو ما حدث جرير عن عاصم غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لجرير بن عبد الحميد. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4884 - (1896) (228) (وحدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي النيسابوري المعروف بحمدان ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي ثقة من (7) (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري (عن عامر) بن شراحيل الشعبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي

قَال: لَا أَدْرِي. إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ. فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ. أَوْ حَرْمَهُ فِي يَوْمِ خَيبَرَ. لُحُومَ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ. 4885 - (1897) (229) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي عُبَيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عباس (لا أدري) ولا أعلم (إنما نهى) وفي نسخة القرطبي أنهى بهمزة الاستفهام بدل إنما وهي أوضح وأصوب والضمير في (عنه) عائد إلى لحم الحمر الأهلية والمعنى قال ابن عباس لا أدري ولا أعلم جواب استفهام أنهى (رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن لحمها (من أجل أنه) أي أن الحمار (كان حمولة الناس) بفتح الحاء المهملة أي حاملة أمتعة الناس (فكره أن تذهب) تقل (حمولتهم أو حرمه في يوم خيبر) لنجاسته والمعنى لا أدري لأجل أي هذين السببين حرم (لحوم الحمر الأهلية) وقوله (لحوم) تفسير وبيان للضمير في قوله نهى عنه وحرمه يعني إما أن يكون نهى عنه خشية نفاد المراكب أو حرمه لأجل نجاسته قال محمد الذهني قوله (أو حرمه في يوم خيبر) يعني أو حرمه من أجل أنها نجس كما صرح به في الحديث الآتي والله أعلم والتعاليل في هذا الباب حسبما دلت عليه الأحاديث ثلاث إما من أجل أنها لم تخمس أو خوف نفاد الظهر أو كونها جوال القرية والتعليل بأنه لم تخمس لا يصح لأن الأكل من طعام الغنيمة قبل القسم جائز كذا في الأبي وفي الجوهرة وفي رواية لا يشترط الاحتياج لما وجد العسكر من الأموال بل يجوز تناولها للغني والفقير لقوله صلى الله عليه وسلم في طعام خيبر (كلوا واعلفوا ولا تحملوا) وكذا لا يبيعون بذهب ولا فضة اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (4227) ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال. 4885 - (1897) (229) (وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (4) أبواب (وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) المدني أبو إسماعيل العبدري مولاهم صدوق من (8) روى عنه في (12) بابا (عن يزيد بن أبي عبيد) الحجازي الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة بن الأكوع) الأسلمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من

قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيبَرَ. ثُمَّ إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيهِمْ. فَلَمَّا أمْسَى النَّاسُ، الْيَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا هذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيءٍ تُوقِدُونَ؟ " قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَال: "عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ " قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَهْرِيقُوهَا وَاكسِرُوهَا" فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَو نُهرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا. قَال: "أَوْ ذَاكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رباعياته (قال) سلمة بن الأكوع (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة (إلى خيبر ثم) بعدما حاصرناها أيامًا (إن الله) سبحانه وتعالى (فتحها) أي فتح خيبر (عليهم) أي على المسلمين (فلما أمسى الناس اليوم) أي دخل الناس من المسلمين مساء اليوم (الذي فتحت) خيبر (عليهم) والمساء ما بعد الزوال (أوقدوا) أي أوقد المسلمون (نيرانًا كثيرة فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم ما) سبب (هذه النيران) التي أوقدتموها (على أي شيء) من الطعام (توقدونها قالوا) أي قال الأصحاب نوقدها يا رسول الله (على لحم قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (على أي لحم) توقدونها (قالوا) نوقدها (على لحم حمر إنسية) الظاهر أن إنسية صفة حمر قال العيني بكسر الهمزة وسكون النون وكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف نسبة للحمر إلى الإنس مقابل الجن كما مر ومعناه الحمر الأهلية وفي المطالع الإنسية بفتح الهمزة وفتح النون كذا ذكره البخاري عن ابن أبي أويس (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوها) قال العيني في شرح البخاري بسكون الهاء وجاز حذف الهمزة أو الهاء والياء ونهريقها بفتح الهاء وحذف الياء اهـ أي أريقوا ما في القدور من اللحوم والمرق (واكسروها) أي واكسروا القدور (فقال رجل) من الحاضرين وفي تنبيه المعلم قال شيخنا يحتمل أن يكون عمر اهـ (يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها) أي بل نريق ما في القدور ونغسلها بلا كسر لها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أو) افعلوا (ذاك) الذي قلتم من الإراقة والغسل وهذا صريح في نجاستها وتحريمها ويؤيده الرواية الأخرى فإنها رجس وفي الأخرى رجس أو نجس وفيه وجوب غسل ما أصابته النجاسة وأن الإناء النجس يطهر بالغسل مرة واحدة ولا يحتاج إلى سبع إذا كانت غير نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما مع الحيوان الآخر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور اهـ نووي

4886 - (0) (0) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ وَصَفْوَانُ بْنُ عِيسَى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ، بِهذَا الإِسنَادِ. 4887 - (1898) (230) وحدّثنا ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومذهب الحنفية يطهر كل متنجس بالغسل ثلاثًا كما بين في الفقه وقال النووي وأما أمره صلى الله عليه وسلم أولًا بكسرها فيحتمل أنه كان بوحي أو باجتهاد ثم نسخ وتعين الغسل ولا يجوز اليوم الكسر لأنه إتلاف مال وفيه دليل على أنه إذا غسل الإناء النجس فلا بأس باستعماله اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4714) والبخاري (2477) وفي مواضع كثيرة وأبو داود (2538) والنسائي في الجهاد (3150) وابن ماجه (3234) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سلمة رضي الله عنه فقال. 4886 - (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (وصفوان بن عيسى) القرشي الزهري القسام أبو محمد البصري روى عن يزيد بن أبي عبيد في الذبائح ويروي عنه (م عم) وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن عمرو بن علي وابن بشار قال أبو حاتم صالح وقال ابن سعد كان ثقة صالحًا وقال العجلي بصري ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب كان ثقة من التاسعة مات سنة (200) مائتين وقيل سنة (198) ثمان وتسعين ومائة (ح وحدثنا أبو بكر) محمد أو أحمد وقيل اسمه كنيته (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغدادي ثقة من (11) (حدثنا أبو عاصم النبيل) الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني البصري ثقة ثبت من (9) (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة من حماد وصفوان وأبي عاصم رووا (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولاهم (بهذا الإسناد) يعني عن سلمة بن الأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذان السندان من رباعياته غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لحاتم بن إسماعيل ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال. 4887 - (1898) (230) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيية (عن أيوب) السختياني (عن محمد) بن سيرين البصري (عن

أَنَسٍ. قَال: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَيبَرَ، أَصَبْنَا حُمُرًا خَارِجًا مِنَ الْقَرْيَةِ. فَطَبَخْنَا مِنْهَا. فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَلا إِن اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا. فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ. فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا. وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِمَا فِيهَا. 4888 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، الضَّرِيرُ. حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيبَرَ جَاءَ جَاءٍ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (لما فتح) وغلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصبنا) أي أخذنا وغنمنا (حمرًا خارجًا) أفرد الوصف لأنه وصف غير عاقل وذكره نظرًا إلى مفرده (من القرية) أي من قرية من قرى خيبر (فـ) ـذبحناها و (طبخنا منها) أي من لحومها كثيرًا (فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو أبو طلحة الأنصاري كما هو مصرح به في الرواية الآتية (ألا) أي تنبهوا واستمعوا (إن الله) عزَّ وجلَّ (ورسوله) صلى الله عليه وسلم (ينهيانكم) أيها المسلمون (عنها) أي عن أكل لحوم الحمر الأهلية (فإنها) أي فإن لحومها (رجس) أي نجس ذبحها وطبخها وأكلها (من عمل الشيطان) وتسويله فلا تأكلوها قال أنس (فأكفئت القدور) أي كبت وقلبت (بما فيها) أي مع ما فيها (وإنها) أي والحال إن القدور (لتفور) وتغلي (بما فيها) من لحوم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5528) والنسائي (7/ 204) وابن ماجه (3196) ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال. 4888 - (00) (00) (حدثنا محمد بن منهال الضرير) التميمي المجاشعي أبو عبد الله البصري ثقة من (10) (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة من (8) (حدثنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي أبو عبد الله البصري ثقة من (6) (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر بن أبي عمرة البصري ثقة من (3) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة هشام بن حسان لأيوب السختياني (قال) أنس (لما كان) وحصل (يوم) فتح (خيبر جاء) بصيغة الماضي (جاء) اسم فاعل، فاعل جاء بوزن قاض أصله جائي عومل معاملة قاض وجملة جاء جواب لما الرابطة وجملة لما مقول قال (فقال) معطوف على جاء قال في تنبيه المعلم لا

يَا رَسُولَ اللهِ، أُكِلَتِ الْحُمُرُ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَلْحَةَ فَنَادَى: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ. فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجِسٌ. قَال: فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا. 4889 - (1899) (231) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَجْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أعرف اسم هذا الجائي ولا الآخر المذكور بعده أي قال هذا الجائي (يا رسول الله أكلت الحمر ثم جاء آخر) بعده فقال هذا الآخر أيضًا (يا رسول الله أفنيت الحمر) أي أعدمت بذبحها وطبخها (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة) الأنصاري بالنداء في الناس (فنادى) أبو طلحة فيهم (إن الله ورسوله ينهيانكم عن) أكل (لحوم الحمر) الأهلية (فإنها) أي فإن لحومها (رجس أو) قال أنس أو من دونه (نجس) بالشك من أحد الرواة ومعناهما واحد (قال) أنس (فـ) ـبعدما نادى أبو طلحة (أكفئت القدور بما فيها) من اللحوم وقد صرحت هذه الرواية بأن المنادي بالتحريم أبو طلحة ووقع في رواية (أن المنادي بلال) وفي أخرى عند النسائي أنه عبد الرحمن بن عوف وقال الحافظ في الفتح (9/ 655) ولعل عبد الرحمن نادى أولًا بالنهي مطلقًا ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك وهي قوله (فإنها رجس) اهـ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال. 4889 - (1899) (231) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (واللفظ ليحيى قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن محمد) الباقر (بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته وقوله (عن محمد بن علي) كذا أدخل حماد بن زيد بين عمرو بن دينار وبين جابر في هذا الحديث محمد بن علي وأسقطه النسائي والترمذي ووافق حمادًا على

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيبَرَ، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيلِ. 4895 - (0) (0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ إدخال الواسطة ابن جريج لكنه لم يسمه أخرجه أبو داود وقد قيل إن عمرو بن دينار لم يسمع من جابر فإن ثبت سماعه منه فتكون رواية حماد من المزيد في متصل الأسانيد وإلا فرواية حماد بن زيد هي المتصلة ولئن سلمنا وجود التعارض من كل جهة فللحديث طرق أخرى عن جابر غير هذه فهو صحيح على كل حال اهـ قسطلاني. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية وأذن) أي رخص (في) أكل (لحوم الخيل) فهي حلال فلم ينسخ. قوله (وأذن في لحوم الخيل) به استدل الشافعي والحنابلة على أن لحم الخيل حلال دون كراهة وبه قال أكثر العلماء وممن قال به عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء ابنة أبي بكر وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وداود وغيرهم وكرهها طائفة منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة وقال أبو حنيفة يأثم بأكله ولا يسمى حرامًا اهـ من شرح المهذب (9/ 4). ولعل أبا حنيفة رحمه الله تعالى جمع بين الأحاديث بأنه ليس حرامًا لنجاسة لحمه وإنما هو مكروه لاحترامه ولكونه من آلات الجهاد وقال في الدر المختار قيل إن أبا حنيفة رجع عن حرمته قبل موته بثلاثة أيام اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الذبائح (5520) وفي غيرها وأبو داود في الأطعمة (3788 و 3789) والترمذي في الأطعمة (1853) والنسائي في الصيد (4327) وابن ماجه في الذبائح (3230) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4890 - (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري صدوق من (9) (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي ثقة من (6) (أخبرنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي الزبير

أَكَلْنَا، زَمَنَ خَيبَرَ، الْخَيلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ. وَنَهَانَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ. 4891 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. ح وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أبُو عَاصِمٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4892 - (1900) (232) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ لمحمد بن علي (أكلنا زمن) حصار (خيبر الخيل وحمر الوحش) يعني أنهم صادوها ولا خلاف في جواز أكلها فيما علمته لأنها من جملة الصيد أباحه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم وفي إعلاء السنن عن ابن إسحاق أن جابرًا لم يشهد خيبر وصحح أن الثابت عنه هو الرخصة على الإطلاق لا المقيدة بيوم خيبر ويحتمل أن يكون قوله أكلنا أراد به عامة المسلمين ومثل ذلك في الأحاديث كثير اهـ من التكملة (ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم) نهي تحريم (عن الحمار الأهلي) والخيل جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه أو مفرده خائل سميت بذلك لاختيالها في المشية ويكفي في شرفها أن الله تعالى أقسم بها في قوله {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} اهـ زرقاني وأول من ركبها إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام جائزة له على مساعدته أباه في بناء البيت أخذه من غابة أجياد كما بسطنا الكلام عليه في حدائق الروح والريحان ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال. 4891 - (0) (0) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (ح وحدثني يعقوب) بن إبراهيم بن كثير (الدورقي) العبدي البغدادي (وأحمد بن عثمان) بن عبد النور (النوفلي) البصري ثقة من (11) (قالا) أي قال كل من يعقوب وأحمد (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري ثقة ثبت من (9) (كلاهما) أي كل من ابن وهب وأبي عاصم رويا (عن ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن بكر البرساني. ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم فقال. 4892 - (1900) (232) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله

وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَوَكيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أسْمَاءَ، قَالتْ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَلْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وحفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي ثقة من (8) (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة من (9) (عن هشام) بن عروة بن الزبير الأسدي المدني (عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوام ثقة من (3) روى عنها في (4) أبواب (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته (قالت) أسماء (نحرنا) في المدينة (فرسًا) يطلق على الذكر والأنثى (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه) قولها (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمنه ونحن بالمدينة وضمير الفاعل يعود على الذي باشر النحر منهم وإنما أتى بضمير الجمع لكونه عن رضا منهم قوله (فأكلناه) زاد الدارقطني نحن وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك والصحابي إذا قال كنا نفعل كذا على عهده صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع على الصحيح لأن الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره وإذا كان هذا في مطلق الصحابي فكيف بآل أبي بكر الصديق مع شدة اختلاطهم به صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقتهم له اهـ من الإرشاد. وقولها (نحرنا فرسًا) واختلف فيه على هشام فروى بعضهم عنه نحرنا وروى الآخرون ذبحنا والروايتان في صحيح البخاري ومال النووي رحمه الله للجمع بينهما إلى تعدد القصتين ولكنه بعيد جدًّا لاتحاد الحديث ومخرجه ورجح الحافظ في الفتح (9/ 649) أنه من تصرف الرواة في روايتهم بالمعنى والمستفاد من ذلك جواز الأمرين عندهم وقيام أحدهما في التذكية مقام الآخر والقول بتعيين أحدهما لم يتحر لوقوع التساوي بين الرواة المختلفين في ذلك وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 345) والبخاري في الصيد باب النحر والذبح (5510) وفي باب لحوم الخيل (5519) والنسائي في الضحايا باب نحر ما يذبح (4420 و 4421) وابن ماجه في الذبائح باب لحوم الخيل (3229) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال.

4893 - (0) (0) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا أبُو أُسَامَةَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4893 - (0) (0) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة كلاهما) أي كل من أبي معاوية وأبي أسامة (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء غرضه بيان متابعتهما لعبد الله بن نمير وحفص بن غياث ووكيع عن هشام بن عروة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الترجمة من الأحاديث عشرة الأول حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي ثعلبة ذكره للاستشهاد والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة والخاص حديث البراء ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه أربع متابعات والسادس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا والسابع حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والعاشر حديث أسماء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

652 - (44) باب إباحة الضب والجراد والأرنب

652 - (44) باب إباحة الضب والجراد والأرنب 4894 - (1901) (233) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّبِّ؟ فَقَال: "لَسْتُ بِآكلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 652 - (44) باب إباحة الضب والجراد والأرنب 4894 - (1901) (233) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخلي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي كلهم رووا (عن إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) (قال يحيى بن يحيى) في روايته (أخبرنا إسماعيل بن جعفر) بصيغة السماع وبذكر نسبه (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر بن الخطاب أبي عبد الرحمن المدني (أنه سمع ابن عمر يقول) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة حيوان بري يشبه الورل ولحمه فيما قيل يذهب العطش اهـ قسط وفي الفتح الضب دويبة تشبه الجردون لكنه أكبر من الجردون ويكنى أبا حسل بمهملتين مكسورة ثم ساكنة ويقال للأنثى ضبة وبه سميت القبيلة وبالخيف من منى جبل يقال له ضب والضب أيضًا داء في خف البعير ويقال إن لأصل ذكر الضب فرعين ولهذا يقال له ذكران وذكر ابن خالويه أن الضب يعيش سبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يومًا قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل أسنانه قطعة واحدة وحكى غيره أن أكل لحمه يذهب العطش ومن الأمثال لا أفعل كذا حتى يرد الضب يقوله من أراد أن لا يفعل الشيء لأن الضب لا يرد بل يكتفي بالنسيم وبرد الهواء ولا يخرج من جحره في الشتاء اهـ فتح. أي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الضب هل هو من الحلال أو من الحرام أكله (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (لست) أنا بنفسي (بآكله) أي بآكل لحم الضب لأنه ليس من طعام قومي ولست متمرنًا على أكله ولا متعودًا أكله في صغري فلذلك أعافه ولا أحبه (ولا) بـ (ـحرمه) على من أكله لأنه مما استطابته العرب فدل الحديث على أنه حلال ولم أر من ذكر اسم هذا السائل ولعل هذا السائل هو خزيمة بن جزء

(4895) - (0) (0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدل عليه ما رواه ابن ماجه من حديث خزيمة بن جزء قلت يا رسول الله ما تقول في الضب فقال لا آكله ولا أحرمه قال فقلت فإني آكل ما لم تحرمه وسنده ضعيف وعند مسلم والنسائي من حديث أبي سعيد قال رجل يا رسول الله إنا بارض مضبة فماذا تأمرنا قال ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه وفي مسلم كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي فكل هذه الروايات صريحة في الإباحة فيحل أكله بالإجماع ولا يكره عندنا خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة وحكى القاضي عياض تحريمه عن قوم قال النووي ما أظنه يصح عن أحد اهـ من القسطلاني قال القرطبي و"قوله صلى الله عليه وسلم في الضب لست بآكله ولا محرمه" و"قول خالد أحرام الضب يا رسول الله! فقال لا" دليل على أنه ليس بحرام وهي تبطل قول من قال بتحريمه حكاه المازري عن قوم ولم يعينهم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه النهي عن أكله والجمهور من السلف والخلف على إباحته لما ذكرناه وقد كرهه آخرون فمنهم من كرهه استقذارًا ومنهم من كرهه مخافة أن يكون مما مسخ وقد جاء في هذه الأحاديث التنبيه على هذين التعليلين وقد جاء في غير كتاب مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كرهه لرائحته فقال إني يحضرني من الله حاضرة رواه مالك في الموطأ (2/ 967) يريد الملائكة فيكون هذا كنحو ما قال في الثوم إني أناجي من لا تناجي رواه البخاري (855 و 564) قلت ولا بعد في تعليل كراهة الضب بمجموعها اهـ من المفهم وحمل الحافظ أحاديث المنع على ابتداء الإسلام وأحاديث الإباحة على ما آل إليه الأمر فزعم أنها ناسخة لأحاديث المنع اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (2/ 62 و 74) والبخاري (5536) والترمذي (1790) والنسائي (7/ 197) وابن ماجه (3242) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4895 - (0) (0) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثني محمد بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر) وهذان السندان من رباعياته غرضه بيان متابعة نافع لعبد الله بن دينار (قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (أكل

الضَّبِّ؟ فَقَال: "لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ". 4896 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: سَألَ رَجُل رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ؟ فَقَال: "لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ". 4897 - (0) (0) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِمِثْلِهِ. فِي هذَا الإِسْنَادِ. 4898 - (0) (0) وحدّثناه أَبُو الرَّبِيعِ وَقُتَيبَةُ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّاد. ح وَحَدَّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الضب) أحرام هو أم لا (فقال) صلى الله عليه وسلم (لا آكله) أنا بنفسي (ولا أحرمه) لأني لم أرمر بتحريمه وقال النووي الضب حيوان من الزحافات شبيه بالجرذون ذنبه كثير العقد اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4896 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد (قال) ابن عمر (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم قائم (على المنبر عن) حكم (أكل الضب فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا آكله ولا أحرمه) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديثه فقال. 4897 - (0) (0) (وحدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى بن برد اليشكري أبو قدامة النيسابوري مات سنة (241) ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص غرضه بيان متابعة يحيى لعبد الله بن نمير وساق يحيى (بمثله) أي بمثل حديث عبد الله بن نمير (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن نافع عن ابن عمر ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4898 - (0) (0) (وحدثناه أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة) بن سعيد (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثني

زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَال: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي الضَّبِّ، بِمَغنَى حَدِيثِ اللَّيثِ، عَنْ نَافِعٍ. غَيرَ أَن حَدِيثَ أَيُّوبَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بابن علية كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا مالك بن مغول) البجلي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (7) (ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي ثقة من (10) (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري صدوق من (9) (أخبرنا ابن جريج ح وحدثنا هارون بن عبد الله) البغدادي (حدثنا شجاع بن الوليد) بن قيس أبو بدر الكوفي السكوني سكن بغداد روى عن موسى بن عقبة في الذبائح وهاشم بن هاشم في الأطعمة وزياد ولعله زياد بن عبد الواحد وأبي خيثمة في الحوض ويروي عنه (ع) وهارون بن عبد الله وإسحاق الحنظلي وأحمد وابنه الوليد قال العجلي كوفي ليس به بأس وقال أبو زرعة لا باس به وقال ابن سعد كان ورعًا كثير الصلاة ووثقه ابن نمير وقال في التقريب صدوق ورع له أوهام من التاسعة مات سنة (204) أربع ومائتين له في (خ) فرد حديث. (قال) شجاع (سمعت موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتانية مشددة ومعجمة الأسدي المدني ثقة من (5) (ح وحدثنا هارون بن سيد) بن الهيثم (الأيلي) أبو جعفر التميمي نزيل مصر ثقة من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني أسامة) بن زيد الليثي المدني صدوق يهم من (7) (كلهم) أي كل هؤلاء الخمسة المذكورين من أيوب ومالك بن مغول وابن جريج وموسى بن عقبة وأسامة بن زيد رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في) حكم (الضب) وساقوا (بمعنى حديث الليث عن نافع) غرضه بسوق هذه التحويلات بيان متابعة هؤلاء الخمسة لليث بن سعد في الرواية عن نافع (غير) أي لكن (أن حديث أيوب) لفظه (أتي رسول الله صلى الله عليه

وَسَلَّمَ بِضَبٍّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ. وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ قَال: قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ. 4899 - (1902) (234) وحدّثنا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ. سَمِعَ الشَّعْبِيَّ. سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ سَعْدٌ. وَأُتُوا بِلَحْمِ ضَبٍّ. فَنَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ. فَقَال رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُلُوا، فَإِنَّهُ حَلالٌ. وَلكِنَّهُ لَيسَ مِنْ طَعَامِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم) بضم الهمزة على صيغة المبني للمجهول (بضب فلم يأكله ولم يحرمه وفي حديث أسامة قال) ابن عمر (قام رجل في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الرواة ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال. 4899 - (1902) (234) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حد ثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (عن توبة) بن كيسان بن أبي الأسد (العنبري) مولاهم لأنه كان مولى لعنبر جد عباس بن عبد العظيم السجستاني ثم البصري أبي المورع بصيغة اسم الفاعل روى عن الشعبي في الذبائح وأنس وأبي العالية وعدة ويروي عنه (خ م د س) وشعبة والثوري قال ابن المديني له نحو ثلاثين حديثًا وثقه أبو حاتم والنسائي وابن معين وقال الأزدي منكر الحديث وقال في التقريب ثقة من الرابعة مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة وليس في مسلم من اسمه توبة إلا هذا الثقة (سمع) توبة (الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي (سمع) الشعبي (ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه أناس من أصحابه فيهم سعد) بن أبي وقاص (وأتوا) بضم الهمزة على صيغة المجهول أي أتي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (بلحم ضب فنادت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم) وأزواجه وسيأتي أنها ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها سنة سبع رضي الله تعالى عنها فقالت المرأة في ندائها (إنه) أي إن هذا اللحم الحم ضب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده (كلوا) هذا اللحم وأنا لا آكله (فإنه) أي فإن الضب (حلال ولكنه ليس من طعامي) أي من طعام تعودت أكله فأنا أعافه وشارك

4900 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ. قَال: قَال لِي الشَّعْبِيُّ أَرَأَيتَ حَدِيثَ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَينِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ رَوَى عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَيرَ هذَا. قَال: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (7267) أخرجه في أخبار الآحاد باب خبر المرأة الواحدة ووقع في الرواية الآتية ما يدل على أنها أرادت أن يخبره غيرها بكون اللحم لحم ضب فلما لم يخبروا بادرت هي فأخبرت وفيه وفور عقل ميمونة أم المؤمنين وعظيم نصيحتها للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها فهمت مظنة نفوره عن أكله بما استقذرت منه فخشيت أن يكون ذلك كذلك فيتأذى بأكله لاستقذاره له فصدقت فراستها ويؤخذ منه أن من خشي أن يتقذر شيئًا لا ينبغي أن يدلس له لئلا يتضرر به وقد شوهد ذلك من بعض الناس اهـ فتح الباري (9/ 667) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله عنهما فقال. 4900 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (حدثنا شعبة عن توبة) بن كيسان (العنبري قال) توبة (قال لي الشعبي) غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ (أرأيت) أي أخبرني يا توبة (حديث الحسن) بن أبي الحسن البصري أي أخبرني عن حديث الحسن الذي رواه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) مرسلًا (وقاعدت) هذا من كلام الشعبي أي وجالست أنا (ابن عمر) زمًا (قريبًا من سنتين أو) قال الشعبي جالسته زمنًا قريبًا من (سنة ونصف) من سنة لآخذ الحديث منه والشك من توبة فيما قاله الشعبي وقوله (فلم أسمعه) معطوف على قاعدت أي جالست ابن عمر تلك المدة فلم أسمع ابن عمر (روى عن النبي صلى الله عليه وسلم) في تلك المدة حديثًا (غير هذا) الحديث يعني حديث الضب تورعًا من الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عمر في رواية هذا الحديث (كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه وساق محمد بن جعفر (بمثل حديث معاذ) بن معاذ. ومقصود الشعبي من قوله "أرأيت حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم" أنه

1 490 - (1903) (235) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ بْنِ حُنَيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَيتَ مَيمُونَةَ. فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان الحسن البصري رحمه الله تعالى يكثر الإرسال عن النبي صلى الله عليه وسلم فزعم الشعبي أن الحامل له على ذلك حبه لكثرة التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لاقتصر على الموصول فاعترض على صنيعه وقارنه بصنيع ابن عمر وذكر أنه جالس ابن عمر رضي الله عنهما مدة ولم يسمع منه إلا حديثًا واحدًا وهذا يدل على أنه كان يحتاط في التحديث ويقل منه هذا ملخص ما قاله الحافظ في الفتح (13/ 241 و 242) في شرح هذه الكلمة ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر الأول بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال. 1 490 - (1903) (235) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن ابن شهاب عن أبي أمامة) اسمه أسعد وقيل سعد وقيل قتيبة (بن سهل بن حنيف) معدود في الصحابة له رؤية لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه (عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) ابن عباس (دخلت أنا وخالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي ميف الله يكنى أبا سليمان الصحابي المشهور أسلم في صفر سنة ثمان وشهد غزوة مؤتة وكان الفتح على يديه له ثمانية عشر حديثًا اتفقا على حديث وانفرد (خ) بحديث موقوف عليه مات بحمص سنة إحدى وعشرين وأوصى إلى عمر بن الخطاب فدفن في قرية على ميل من حمص روى عنه ابن عباس في الذبائح ويروي عنه (خ م د س ق) وابن عباس وقيس بن أبي حازم وعلقمة وجبير بن نفير وقال في التقريب كان من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ولكن جعل الحديث في هذه الرواية من مسند ابن عباس ويكون سنده من خماسياته (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة) بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها (فأتي) بضم الهمزة النبي صلى الله عليه وملم (بضب محنوذ) أي مشوي وقيل المحنوذ هو المشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة اهـ نووي قال في

فَأَهْوَى إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. فَقَال بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيتِ مَيمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأكُلَ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ. فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "لَا. وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي. فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ". قَال خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأكَلْتُهُ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ القاموس الحنذ بفتح الحاء المهملة وسكون النون والتحناذ على وزن التذكار تشوية مثل الجذعة والعجل يقال حنذ الشاة من باب سمع حنذًا وتحناذًا إذا شواها وجعل فوقها حجارة محماة لتنضجها اهـ وقال البيضاوي في قوله تعالى {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} أي مشوي بين حجرين اهـ (فأهوى) أي مد وبسط (إليه) أي إلى ذلك الضب (رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة) للرجال الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبروا) أيها الرجال (بما) أي بجنس طعام (يريد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يأكلـ) ـه فأخبروه صلى الله عليه وسلم إن هذا اللحم لحم ضب (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كف (يده) الشريفة عن أخذ اللحم ورفعه للأكل قال خالد بن الوليد (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (أحرام هو) أي هل الضب حرام (يا رسول الله قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي ليس حرامًا بل هو حلال ثم اعتذر عن تركه الأكل (و) قال (لكنه) أي لكن هذا الضب (لم يكن) موجودًا (بأرض قومي) يعني بأرض قريش يعني مكة وما أكلته قط (فأجدني) أي فاجد نفسي (أعافه) أي أكرهه طبعًا تقذرًا ولا ينافي ذلك وجود الضباب في غير مكة من مناطق الحجاز يقال عفت الشيء أعافه عيفًا إذا كرهته وعفته أعيفه عيافة من الزجر وعاف الطير يعيف إذا حام على الماء ليشرب وقوله "بأرض قومي" ظاهره أنه لم يكن موجودًا فيها وقد حكي عن بعض العلماء أن الضب موجود عندهم بمكة غير أنه قليل وأنهم لا يأكلونه والله أعلم اهـ من المفهم (قال خالد) بن الوليد (فاجتررته) أي فاجتررت الضب وسحبته أي سحبت إنائه إلى (فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أي والحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينظر) إلي وأنا آكله ولو كان حرامًا لنهاني عنه وهذا تقرير منه صلى الله عليه وسلم على جواز أكله ولو كان حرامًا لم يقر عليه ولا أكل على مائدته ولا بحضرته فثبت أنه حلال مطلق لعينه وإنما كرهه لأمور خارجة عن عينه كما

4902 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سهْلِ بْنِ حُنَيفٍ الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ: سَيفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ خَالتُهُ وَخَالةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا. قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ نص عليه فيما ذكرناه آنفًا اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري من مواضع منها في (5537) وأبو داود (3794) والنسائي (7/ 197 و 198) وابن ماجه (3241) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4902 - (0) (0) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة جميعًا عن ابن وهب قال حرملة أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف الأنصاري أن عبد الله بن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الدي يقال له سيف الله أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاث من الصحابة يروي بعضهم عن بعض (وهي) أي ميمونة (خالته) أي خالة خالد بن الوليد (وخالة ابن عباس) رضي الله عنهما فاسم أم خالد لبابة الصغرى واسم أم ابن عباس لبابة الكبرى وكانت تكنى أم الفضل هما أختا ميمونة بنت الحارث والثلاث بنات الحارث بن حزن بفتح الحاء وسكون الزاي الهلالي (فوجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عندها) أي عند ميمونة (ضبًا محنوذًا) أي مشويًا (قدمت) وجاءت بخفيف الدال المسكورة (به) أي بذلك الضب (أختها) أي أخت ميمونة التي أسمها (حفيدة بنت الحارث من نجد) وكانت تزوجت الأعراب أي سكان البوادي وحفيدة بضم الحاء مصغرًا وقيل اسمها هزيلة مصغرًا وبهذا الاسم ذكرها الحافظ في الإصابة (4/ 406) وكنيتها أم حفيد كما سيأتي في الرواية الآتية قال القرطبي قوله "أم حفيد" مصغرًا بغير هاء كذا صوابه لأنه الأشهر واسمها هزيلة وهكذا ذكره أبو عمر في الصحابة وهي رواية النسفي في البخاري وما عدا هذه الرواية فاضطراب من الرواة فمنهم من قال حفيدة ومنهم من قال أم حفيدة ومنهم من قال أم حفيد وعند بعض رواة البخاري أم حذيفة وفي رواية أبي بكر بن أبي

فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ قلَّمَا يُقَدَّمُ إِلَيهِ طَعَامٌ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ. فَأَهْوَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ. فَقَالتِ امْرَأَة مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ؛ أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ. قُلْنَ: هُوَ الضَّبُّ. يَا رَسُولَ اللهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ. فَقَال خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "لَا. وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي ـــــــــــــــــــــــــــــ النضر أم حميد وفي بعضها حميدة وكلها بضم الحاء مصغرًا والصواب الأول يعني أم حفيد والله تعالى أعلم اهـ من المفهم وهي التي أهدت الأقط والسمن والأضب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل من السمن والأقط ولم يأكل من الأضب وأكلت على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقدمت) ميمونة بتشديد الدال المفتوحة من التقديم (الضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان) الشأن. وكان شأنية و (قلما) من الأفعال الأربعة المكفوفة عن الفاعل بما الكافة لاستغنائها عنه بالجملة المذكورة بعدها وهي قلما وكثرما وقصرما وطالما (يقدم) بضم الياء وتشديد الدال المفتوحة على صيغة المبني للمفعول (إليه) صلى الله عليه وسلم (طعام) نائب فاعل ليقدم والمعنى وكان الشأن قل تقديم طعام إليه صلى الله عليه وسلم ليأكله (حتى يحدث) ويخبر بالبناء للمفعول (به) أي بجنس ذلك الطعام (ويسمى له) أي يذكر له باسمه (فـ) ـلما قدمته ميمونة إليه (أهوى) ومد (رسول الله صلى الله عليه وسلم يده) الشريفة (إلى الضب) ليأكله (فقالت امرأة من النسوة الحضور) أي الحاضرات عند ميمونة لم أر من ذكر اسم المرأة ووصف النسوة بالحضور الذي هو جمع حاضر مع أن المطابقة بين الصفة والموصوف في التذكير والتأنيث وغيرهما شرط لأنه لوحظ فيهما صورة الجمع (أخبرن) أيتها النسوة (رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له) صلى الله عليه وسلم والتعبير هنا بضمير المخاطبات وفي الرواية الأولى بضمير المخاطبين لتغليب الذكور على الإناث في الرواية الأولى ولتغليب الإناث على الذكور هنا لأن المأمور بإخباره جميع الحاضرين والحاضرات فلا معارضة بين الروايتين فـ (ـقلن) له صلى الله عليه وسلم (هو) أي الطعام الذي قدم لك هو (الضب يا رسول الله فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده) الشريفة من الطعام (فقال خالد بن الوليد أحرام الضب يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي ليس الضب حرامًا (ولكنه لم يكن) الضب (بأرض قومي) قريش يعني

فَأجِدُنِي أَعَافُهُ". قَال خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ. وَرَسُولُ اللهِ يَنْظُرُ. فَلَمْ يَنْهَنِي. 4903 - (0) (0) وحدَّثني أبُو بَكْرِ بن النَّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ). حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة (فأجدني) أي أجد نفسي (أعافه) أي أكرهه طبعًا ويدل عليه ما ذكره في وجه الكراهة والحديث صريح في أنه حلال لكنه مستقذر طبعًا لا يوافق كل ذي طبع شريف فلذلك من يقول بحرمته يقول كان هذا قبل نزول قوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِثَ} والضب من جملتها لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتقذره والله أعلم اهـ سندي على ابن ماجه (قال خالد) بن الوليد (فاجتررته) أي فاجتررت إناء الضب إلي (فأكلته ورسول الله) صلى الله عليه وسلم (ينظر) إلي (فلم ينهني) ولو كان حرامًا لنهاني وفي البخاري فاجتززته بزايين من الجز وهو القطع أي فاقتطعت لحمه. وهذا الحديث اختلف فيه على الزهري ومالك فروي عنهما ما يدل على أن الحديث من مسند ابن عباس وروي عنهما أيضًا ما يدل على أنه من رواية ابن عباس عن خالد فيكون من مسند خالد والجمع بين الطريقين على ما ذكره الحافظ في الفتح (9/ 664) أن ابن عباس كان حاضرًا للقصة في بيت خالته ميمونة وكأنه استثبت خالد بن الوليد في شيء منه لكونه باشر السؤال عن حكم الضب وباشر أكله فكان ابن عباس ربما رواه عنه فالحديث واحد وإن اختلف الصحابي الذي أسند إليه لأن القصة واحدة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال. 4903 - (0) (0) (حدثني أبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغدادي ثقة من (11) روى عنه في (7) أبواب (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد أخبرني وقال أبو بكر حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن صالح بن كيسان) الغفاري المدني (عن ابن شهاب عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل) بن حنيف الأنصاري (عن ابن عباس أنه) أي أن ابن عباس (أخبره) أي أخبر لأبي أمامة (أن

خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى مَيمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. وَهِيَ خَالتُهُ. فَقُدِّمَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَحْمُ ضَبٍّ، جَاءَتْ بِهِ أُمُّ حُفَيدٍ بنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ. وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَعْفَرٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَا يَأكُلُ شَيئًا حَتى يَعْلَمَ مَا هُوَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَحَدَّثَهُ ابْنُ الأصَمِّ، عَنْ مَيمُونَةَ. وَكَانَ فِي حَجْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ خالد بن الوليد أخبره) أي أخبر لابن عباس (أنه) أي أن خالدًا (دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث) بن حزن الهلالية (وهي) أي ميمونة (خالته) أي خالة خالد بن الوليد كما أنها خالة ابن عباس وهذا السند من ثمانياته غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد قال خالد (فقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم ضب جاءت به) أي بذلك اللحم (أم حفيد) مصغرًا (بنت الحارث من نجد وكانت) أم حفيد (تحت رجل من بني جعفر) اسم قبيلة في نجد ولم أر من ذكر اسم هذا الرجل (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل شيئًا) من الطعام (حتى يعلم) ويخبر (ما هو) أي جواب ما هذا الطعام ما استفهامية في محل الرفع خبر مقدم للزومها الصدارة والضمير مبتدأ مؤخر وجوبًا والجملة سادة مسد المفعول الثاني ليعلم ولكن الكلام على حذف مضاف كما قدرناه قال ابن بطال كان سؤاله صلى الله عليه وسلم لأن العرب كانت لا تعاف شيئًا من الأطعمة لقلتها عندهم فلذلك كان يسأل قبل الأكل منه اهـ والتعبير بلفظ كان يشعر أنه كان يداوم السؤال وهذا من كمال تنزهه صلى الله عليه وسلم والله أعلم (ثم ذكر) صالح بن كيسان باقي الحديث (بمثل حديث يونس) بن يزيد (و) لكن (زاد) صالح على يونس لفظة (وحدثه) أي وحدث هذا الحديث يزيد (بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي الكوفي أمه برزة بنت الحارث بن حزن أخت ميمونة أم المؤمنين يقال له رؤية وثقه النسائي والعجلي وأبو زرعة وقال في التقريب ثقة من (3) مات سنة (103) روى عنه في (6) أبواب (عن) خالته (ميمونة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (وكان) يزيد بن الأصم (في حجرها) أي في حجر ميمونة وتربيتها وحمايتها ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال.

4904 - (0) (0) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَيتِ مَيمُونَةَ بِضَبَّينِ مَشْويَّينِ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ: يَزِيدَ بْنَ الأَصَمِّ، عَنْ مَيمُونَةَ. 4905 - (0) (0) وحدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ؛ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4904 - (0) (0) (وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لمن روى عن الزهري. (قال) ابن عباس (أتي النبي صلى الله عليه وسلم ونحن) معه (في بيت ميمونة بضبين مشويين) والاختلاف في العدد لا يوجب المعارضة لأن الأقل لا ينافي الزيادة وساق معمر (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث مالك ويونس وصالح غرضه بيان متابعة معمر لهؤلاء الثلاثة كما مر آنفًا (ولم يذكر) معمر في روايته عن ابن شهاب رواية (يزيد بن الأصم عن ميمونة) كما ذكره صالح بن كيسان ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال. 4905 - (0) (0) (وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري (حدثنا أبي عن جدي حدثني خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبو عبد الرحيم المصري ثقة من (6) روى عنه في (8) أبواب (حدثني سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبو العلاء المصري وقيل مدني الأصل صدوق من (6) روى عنه في (11) بابا (عن) محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي أبي عبد الله المدني ثقة فاضل من (3) روى عنه في (11) بابا (أن أبا أمامة) أسعد (بن سهل) بن حنيف (أخبره) أي أخبر لابن لمنكدر (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من ثمانياته غرضه بيان متابعة محمد بن المنكدر للزهري (قال) ابن عباس (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم

وَهُوَ فِي بَيتِ مَيمُونَةَ. وَعِنْدَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، بِلَحْمِ ضَبٍّ. فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. 4906 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَال ابْنُ نَافِعٍ: أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَهْدَتْ خَالتِي أُمُّ حُفَيدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا. فَأَكَلَ مِنَ السَّمْنِ وَالأَقِطِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا. وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4907 - (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو في بيت ميمونة وعنده خالد بن الوليد بلحم ضب) متعلق بأتي (فذكر) ابن المنكدر (بمعنى حديث الزهري) ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا فقال. 4906 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن بشار وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (قال ابن نافع أخبرنا غندر حدثنا شعبة عن أبي بشر) بيان بن بثر الأحمسي الكوفي المعلم ثقة من (5) (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي الفقيه ثقة ثبت فقيه من (3) روى عنه في (7) أبواب (قال) سعيد (سمعت ابن عباس يقول) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن جبير لأبي أمامة (أهدت خالتي أم حفيد) مصغرًا اسمها هزيلة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمنًا) زيد اللبن بعد تصفيته من المخيض بالنار (وأقطًا) قال الأزهري يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل ومصل اللبن أن يجعل في وعاء خوص أو خزف ليقطر ماؤه وقال القرطبي الأقط اللبن المجبن المجفف اهـ (وأضبًا) جمع ضب (فأكل) النبي صلى الله عليه وسلم (من السمن والأقط وترك الضب) أي لم يأكله (تقذرًا) أي استقذارًا لها لا تحريمًا (و) لكن (أكل) الضب (على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان) الضب (حرامًا ما كل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على قصعته. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا فقال. 4907 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي

عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ. قَال: دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ. فَقَرَّبَ إِلَينَا ثَلاثَةَ عَشَرَ ضَبًّا. فَآكِلٌ وَتَارِكٌ. فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسِ مِنَ الْغَدِ. فَأَخبَرْتُهُ. فَأَكثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ. حَتى قَال بَعْضُهُمْ؛ قَال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا آكُلُهُ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ، وَلَا أُحَرِّمُهُ". فَقَال ابْنُ عَبَّاسِ: بِئْسَ مَا قُلْتُم. مَا بُعِثَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلا مُحِلًّا وَمُحَرِّمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي ثقة من (8) (عن) سليمان بن أبي سليمان (الشيباني) أبي إسحاق الكوفي واسم أبي سليمان فيروز أو خاقان ثقة من (5) روى عنه في (14) بابا (عن يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي أبي عوف الكوفي ثقة من (3) (قال) يزيد بن الأصم (دعانا) دعوة الوليمة (عروس بالمدينة) المنورة والعروس بفتح العين قريب العهد بالتزوج يوصف به الرجل والمرأة اهـ سنوسي وفي هذا دلالة على أن وليمة العرس تكون بعد الدخول لا قبله كما بسطنا الكلام عليه في محله (فقرب) العروس (إلينا) من طعام الوليمة (ثلاثة عشر ضبًا) وهذا دليل على أن أكلهم للضباب كان فاشيًا عندهم معمولًا به في الحاضرة وفي البادية ولذلك قال عمر رضي الله عنه إنه طعام عامة الرعاء ولو كان عندي طعمته قال يزيد (فآكل وتارك) أي فمنا من أكله إباحة له ومنا من ترك الأكل منه تقذرًا قال يزيد بن الأصم (فلقيت ابن عباس من الغد) من يوم الوليمة والغد اسم لليوم الذي يلي يومك (فأخبرته) أي فأخبرت لابن عباس خبر افتراقنا في أكل الضب (فأكثر القوم) الجالسون (حوله) أي حول ابن عباس الكلام في شأن الضب (حتى قال بعضهم) أي بعض الحاضرين عند ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في شأن الضب (لا أكله) أنا بنفسي استقذارًا له (ولا أنهى عنه) أي عن أكله لعدم الوحي إلي بالنهي عنه (ولا أحرمه) لعدم الأمر بتحريمه وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام لشمول النهي نهي الكراهة (فقال ابن عباس) للقائلين بهذه المقالة المذكورة التي حدثوها عن الرسول صلى الله عليه وسلم (بئس) وقبح (ما قلتم) أيها القائلون وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة يزيد بن الأصم لأبي أمامة ومحمد بن المنكدر (ما بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا محللًا) للشيء أي مظهرًا لحليته أ (ومحرمًا) أي مظهرًا لتحريمه وإنكار ابن عباس على الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه إنما كان لأنه فهم من الناقل أنه اعتقد أن النبي صلى الله

إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بَينَمَا هُوَ عِندَ مَيمُونَةَ، وَعِنْدَهُ الفَضلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى. إِذ قُرِّبَ إِلَيهِمْ خِوَانٌ عَلَيهِ لَحْمٌ. فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ قَالت لَهُ مَيمُونَةُ: إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ. فَكَفَّ يَدَهُ. وَقَال: "هذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ". وَقَال لَهُمْ: "كُلُوا" فَأَكَلَ مِنْهُ الْفَضْلُ وَخَالِدٌ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْمَرْأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم لم يحكم في الضب بشيء ولذلك قال بئس من قلتم ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا محرمًا ومحللًا ثم بين له بعد ذلك الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم أباحه فذكر الحديث اهـ من المفهم فقال (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو عند ميمونة) بنت الحارث أي بينما أوقات جلوسه عند ميمونة (و) الحال أن (عنده الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى) غير ميمونة يعني أختها أم حفيد (إذ قرب إليهم خوان عليه لحم) وكلمة إذ حرف فجاة رابطة لجواب بينما أي فاجأهم تقريب خوان إليهم (فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل) منه (قالت له) صلى الله عليه وسلم (ميمونة إنه) أي إن هذا اللحم (لحم ضب) يا رسول الله (فكف) أي أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم (يده) الشريفة عن اللحم (وقال) لمن عنده (هذا) اللحم يعني لحم الضب (لحم لم آكله قط) أي فيما مضى من عمري ولفظ قط بفتح القاف وتشديد الطاء المضمومة ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي (وقال لهم) أي لمن عنده من الرجال والنساء (كلوا فأكل منه) أي من لحم الضب (الفضل) بن عباس (وخالد بن الوليد والمرأة) الأخرى وهي أم حفيد قوله "إذ قرب إليهم خوان" والخوان بكسر الخاء وضمها لغتان فيه والكسر أفصح وأشهر مما يجعل عليه الطعام عند الأكل ولكن يسمى بذلك إذا لم يكن عليه طعام وإذا وضع عليه طعام يسمى مائدة يجمع على أخونه وخون وفيه دليل على جواز اتخاذ الأخونة والأكل عليها فإنه صلى الله عليه وسلم قد كان له خوان وأكل عليه بحضرته على ما اقتضاه ظاهر هذا الحديث وما روي من أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لم تكن لهم موائد ومن الحديث المشهور أنه صلى الله عليه وسلم ما أكل على خوان قط فذلك بالنظر إلى أغلب أحوالهم أو المراد بالخوان هنا السفرة والله أعلم اهـ من القرطبي بزيادة وتصرف.

وَقَالتْ مَيمُونَةُ: لَا آكُلُ منْ شَيءٍ إلا شَيءٍ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4908 - (1904) (236) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ. فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. وَقَال: "لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الَّتي مُسِخَتْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقات ميمونة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنه (لا آكل من شيء إلا شيء) بالجر على البدلية من المستثنى منه أي ما آكل من شيء إلا من شيء (يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم) والإستثناء هنا من المنفي التام فيجوز فيه الإبدال والنصب على الإستثناء وفي بعض النسخ "إلا شيئًا يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهو الصواب وكذا الجر على البدلية كما ذكرناه وما وجد في أغلب النسخ من رفعه فمن تحريف جهلة النساخ فلا وجه له فليتأمل ويا عجبًا لشراح مسلم أعرضوا عن بيان مثل هذا الإشكال مع كونه مهمًا ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بحديث جابر رضي الله عنه فقال. 4908 - (1904) (236) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (يقول) جابر (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فأبى) وامتنع (أن يأكل منه وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان سبب إبائه من أكله (لا أدري) ولا أعلم ما حقيقته (لعله) أي لعل هذا الضب هو (من) أهل (القرون) الماضية من الأمم (التي مسخت) وحولت صورتها إلى الضب والخنازير والقردة غضبًا من الله تعالى عليهم فيكون أكلهم حرامًا لكونهم من بني آدم. وقوله صلى الله عليه وسلم "لا أدري " إلخ لعل هذا القول منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم له صلى الله عليه وسلم من قبله تعالى أن الممسوخ لا يعيش فوق ثلاثة أيام وفي حياة الحيوان للدميري اختلف العلماء في الممسوخ هل يعقب أم لا على قولين أحدهما نعم وهو قول الزجاج والقاضي أبي بكر بن العربي المالكي وقال الجمهور لا يكون ذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يدش ممسوخ قط أكثر من ثلاثة أيام ولا يأكل ولا يشرب اهـ وهذا

9 490 - (1905) (237) وحدَّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ. قَال: سَألْتُ جَابِرًا عَنِ الضَّبِّ؟ فَقَال: لَا تَطْعَمُوهُ. وَقَذِرَهُ. وَقَال: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمْهُ. إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل يَنْفَعُ بِهِ غَيرَ وَاحِدٍ. فَإِنَّمَا طَعَامُ عَامَّةِ الرِّعَاءِ مِنْهُ. وَلَوْ كَانَ عِنْدِي طَعِمْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من ابن عباس لا يمكن أن يقول بعقل لأنه لا يدرك به فعلى هذا يكون من قبيل الحديث المرفوع حكمًا كما في أصول الحديث والله تعالى أعلم اهـ من الذهني وأخرج أبو داود رقم (3795) عن ثابت بن وديعة في قصة ضب مشوي مرفوعًا "إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وإني لا أدري أي الدواب هي" وأخرج أحمد وابن حبان والطحاوي عن عبد الرحمن بن حسنة مرفوعًا إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون هذه فاكفئوها" وقال الطبري ليس في الحديث الجزم بان الضب مما مسخ وإنما خشي أن يكون منهم فتوقف عنه وإنما قال ذلك قبل أن يعلم الله تعالى نبيه أن الممسوخ لا ينسل وبهذا أجاب الطحاوي ثم أخرج من طريق المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسح قال "إن الله لم يهلك قومًا أو يمسخ قومًا فيجعل لهم نسلًا ولا عاقبة" كذا في الفتح وحديث جابر هذا مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شارك أحمد (3/ 323 و 380) ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فقال. 4909 - (1905) (237) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة من (11) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان الحراني صدوق من (9) (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي الحراني صدوق من (8) (عن أبي الزبير) المكي (قال) أبو الزبير (سألت جابرًا) بن عبد الله (عن) حكم الضب حلال أم حرام (فقال) جابر (لا تطعموه) أي لا تأكلوه قال أبو الزبير (وقذره) جابرًا أي عده قذرًا (وقال) جابر لكن (قال عمر بن الخطاب إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرمه) وهذا السند من سداسياته ففيه رواية صحابي عن صحابي و (إن الله عزَّ وجلَّ ينفع به) أي بالضب (غير واحد) أي كثيرًا من الناس (فإنما طعام عامة الرعاء) للمواشي وأكثرهم يكون (منه) أي من الضب وقال عمر أيضًا (ولو كان) الضب (عندي طعمته) أي لأكلته

4910 - (1906) (238) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ. قَال: قَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ مَضَبَّةٍ. فَمَا تَأْمُرُنَا؟ أَوْ فَمَا تُفْتِينَا؟ قَال: "ذُكِرَ لِي أَنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ" فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ. قَال أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ، قَال عُمَرُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَنْفَعُ بِهِ غَيرَ وَاحِدٍ. وَإنَّهُ لَطَعَامُ عَامَّةِ هذِهِ الرِّعَاءِ. وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لَطَعِمْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث أيضًا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال. 4910 - (1906) (238) (وحدثني محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة من (9) (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري البصري ثقة من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العوقي بفتح المهملة والواو ثم قاف البصري ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد) الخدري الأنصاري سعد بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (قال) رجل من المسلمين لم أر من ذكر اسم الرجل (يا رسول الله إنا بأرض مضبة) فيها لغتان مشهورتان إحداهما بفتح الميم والضاد والثانية ضم الميم وكسر الضاد والأولى أشهر وأفصح أي ذات ضباب كثيرة اهـ نووي قال الأبي ومعناه كثيرة الضباب ومثله أرض مسبعة وماسدة أي كثيرة السباع والأسود وذكر سيبويه أن مفعلة بالهاء والفتح للتكثير اهـ (فما تأمرنا) في ضبابها يا رسول الله هل نأكلها أم نتركها (أو) قال الرجل (فما تفتينا) أي فما تجيبنا فيها يا رسول الله والشك من الراوي أو ممن دونه فيما قال الرجل أوفيما قاله أبو سعيد فـ (ـقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذكر لي) من الناس (أن أمة من بني إسرائيل مسخت) ضبابًا قال أبو سعيد (فلم يأمر) النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بأكله (ولم ينهـ) ـه عن أكله بل توقف وسكت عنه (قال أبو سعيد) الخدري (فلما كان) الزمن (بعد ذلك) الزمن الذي توقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم وولي عمر الخلافة (قال عمر) بن الخطاب (إن الله عزَّ وجلَّ لينفع به) أي بهذا الضب (غير واحد) أي كثيرًا من الناس (وإنه) أي وإن هذا الضب (لطعام) أي لقوت (عامة هذه الرعاء) الذين يرعون المواشي (ولو كان) ذلك الضب (عندي لطعمته) أي لأكلته.

إِنَّمَا عَافَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4911 - (0) (0) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا أبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي فِي غَائِطٍ مَضَبَّةٍ. وَإِنَّهُ عَامَّةُ طَعَامِ أَهْلِي. قَال: فَلَمْ يُجِبْهُ. فَقُلْنَا: عَاودْهُ. فَعَاوَدَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ. ثَلاثًا. ثُمَّ نَادَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَال: "يَا أَعْرَابِيُّ، إِن اللهَ لَعَنَ أَوْ غَضِبَ عَلَى سِبْطِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَمَسَخَهُمْ دَوَّابَّ يَدِبُّونَ فِي الأرضِ. فَلَا أَدْرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنما عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكرهه تقذرًا ولم يحرمه وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال. 4911 - (0) (0) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري (حدثنا أبو عقيل) مكبرًا بشير بن عقبة الناجي نسبة إلى بني ناجية قبيلة كبيرة من سامة بن لؤي (الدورقي) البصري ثقة من (7) روى عنه في بابين البيوع والذبائح (حدثنا أبو نضرة) المنذر بن مالك البصري (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي عقيل لداود بن أبي هند. (أن أعرابيًّا) لم أر من ذكر اسمه (أتى) وجاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له الأعرابي (إني في غائط) أي في أرض مطمئنة منخفضة (مضبة) أي كثيرة الضباب (وإنه) أي وإن هذا الضب (عامة طعام أهلي) أي أغلب قوت عيالي (قال) أبو سعيد (فلم يجبه) أي فلم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي باذن فيه ولا نهي عنه قال أبو سعيد (فقلنا) معاشر الجالسين هناك للأعرابي (عاوده) أي أعد سؤالك وكرره (فعاوده) أي فأعاد الأعرابي سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم (فلم يجبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (ثم ناداه) أي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي (في الثالثة فقال) له (يا أعرابي إن الله) عزَّ وجلَّ (لعن) أي طرد عن رحمته (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو سعيد والشك من الراوي أو ممن دونه إن الله سبحانه (غضب) أي سخط (على سبط) أي على قبيلة (من) أسباط (بني إسرائيل فمسخهم) أي حولهم (دواب يدبون) أي يمشون (في الأرض فلا أدري) ولا أعلم حقيقة

لَعَلَّ هذَا مِنْهَا. فَلَسْتُ آكُلُهَا وَلَا أَنْهَى عَنْهَا". 4912 - (1907) (239) حدَّثنا أبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى. قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ. نَأْكُلُ الْجَرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الضب (لعل هذا) الضب (منها) أي من تلك الدواب التي مسخت بها بنو إسرائيل (فلست آكلها) أي آكل هذه الدواب (ولا أنهى عنها) لأني لا أعلم حقيقتها قال القرطبي وهذا توقع منه صلى الله عليه وسلم وخوف لأن يكون الضب من نسل ما مسخ من الأمم ومثله ما ذكره في الفأرة لما قال "فقدت أمة من بني إسرائيل لا أدري ما فعلت ولا أراها إلا الفأر" كان هذا منه صلى الله عليه وسلم ظنًّا وحدسًا قبل أن يوحى إليه "إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلًا" وقد تقدمت النصوص بإباحة أكل الضب وأما الفار فلا يؤكل لا لأنه مسخ بل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخبثه كما استخبث الوزغ وأمر بقتله وسماه فويسقًا وأما الهر فقد تناوله عموم تحريم كل ذي ناب فإنه من ذوات الأنياب وقد صح فيه حديث النهي عن أكل الهر وبيعه أخرجه أبو داود (3480) من حديث جابر بن عبد الله عن أكل الهر وأكل ثمنه والترمذي (1280) وابن ماجه (3250) والله أعلم ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه فقال. 4912 - (1907) (239) (حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي اليشكري (عن أبي يعفور) وقدأن العبدي الكوفي الكبير مشهور بكنيته وقيل اسمه واقد ثقة من (4) روى عنه في (3) أبواب وليس المراد بأبي يعفور هنا الأصغر عبد الرحمن بن عبيد لأن الأصغر كما قال ابن أبي حاتم لم يسمع من ابن أبي أوفى بخلاف الأكبر فلا تغتر بما ذكره النووي هنا لأنه سبق قلم راجع القسطلاني ورجال الأصبهاني والله أعلم (عن عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبي إبراهيم الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من رباعياته (قال) ابن أبي أوفى (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات) وفي البخاري "أو ستًّا" بالشك وحمله الحافظ ابن حجر على أن أبا يعفور كان جزم مرة بالسبع ثم شك فجزم بالست إذ هي المتيقن حالة كوننا (نأكل الجراد) قال في

4913 - (0) (0) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: سَبْعَ غَزَوَاتٍ. وَقَال إِسْحَاقُ: سِتَّ. وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح عن شعبة "كنا نأكل معه" صلى الله عليه وسلم وزاد أبو نعيم في الطب "ويأكل معنا" وقد نقل النووي الإجماع على جل أكل الجراد وخصه ابن العربي بغير جراد الأندلس لما فيه من الضرر المحض وفي حديث سلمان عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجراد فقال لا آكله ولا أحرمه لكن الصواب أنه مرسل وعن أحمد إذا قتله البرد لم يؤكل وملخص مذهب مالك إن قطعت رأسه حل وإلا فلا وعند البيهقي من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن مريم ابنة عمران سألت ربها أن يطعمها لحمًا لا دم له فأطعمها الجراد وفي الحلية في ترجمة يزيد بن ميسرة كان طعام يحيى بن زكريا عليهما السلام الجراد وقلوب الشجر الذي ينبت في وسطها غضًا طريًا قبل أن يقوى وكان يقول من أنعم منك يا يحيى وطعامك الجراد وقلوب الشجر اهـ من الإرشاد ثم الجمهور على أنه حلال وإن مات حتف أنفه وبه يقول أبو حنيفة وحجة الجمهور عموم ما رواه ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحل لي ميتتان الحوت والجراد ودمان الكبد والطحال أخرجه أحمد (2/ 97) وابن ماجه (2314 و 3218) على أنه لا يصح لأنه من رواية عبد الله وعبد الرحمن ابني زيد بن أسلم ولا يحتج بحديثهما اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 357) والبخاري (5495) وأبو داود (3812) والترمذي (1832) والنسائي (7/ 210) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما فقال. 4913 - (0) (0) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن ابن عيينة عن أبي يعفور بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن أبي أوفى وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة ابن عيينة لأبي عوانة (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (في روايته سبع غزوات) بالجزم (وقال إسحاق ست) غزوات بالجزم (وقال ابن أبي عمر ست أو سبع) غزوات بالشك وقد مر تحقيقه آنفًا ثم ذكر المتابعة ثانيًا فقال.

4914 - (0) (0) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: سَبْعَ غَزَوَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4914 - (0) (0) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (ح وحدثنا ابن بشار عن محمد بن جعفر) الهذلي البصري (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر رويا (عن شعبة عن أبي يعفور بهذا الإسناد) يعني عن ابن أبي أوفى (وقال) شعبة في روايته (سبع غزوات) بالجزم وهذان السندان من خماسياته. "تتمة" قال أهل اللغة فيما نقله الدميري الجراد مشتق من الجرد لأنه يجرد الأرض من النبات قالوا والاشتقاق في أسماء الأجناس قليل جدًّا وهو بري وبحري وبعضه أصفر وبعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه كبير الجثة وبعضه صغيرها وإذا أراد أن يبيض التمس لبيضه المواضع الصلدة والصخور الصلبة التي لا يعمل فيها المعول فيضربها بذنبه فتنفرج له ثم يلقي بيضه في ذلك الصدع فيكون له كالأفحوص ويكون حاضنًا له ومربيًا وللجراد ستة أرجل يدان في صدرها وقائمتان في وسطها ورجلان في مؤخرها وطرفا رجليها منشاران قال وفي الجراد خلقة عشرة من جبابرة الحيوان وجه فرس وعينا فيل وعنق ثور وقرنا أيل وصدر أسد وبطن عقرب وجناحا نسر وفخذا جمل ورجلا نعامة وذنب حية وليس في الحيوان أكثر إفسادًا لما يقتاته الإنسان من الجراد وقد أحسن القاضي محيي الدين الشهرزوري في وصف الجراد بذلك حيث قال: لها فخذا بكر وساقا نعامة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبتها أفاعي الرمل بطنًا وأنعمت ... عليها جياد الخيل بالرأس والفم قال الأصمعي أتيت البادية فإذا أعرابي زرع برًا له فلما قام على سوقه وجاد بسنبله أتاه رجل جراد فجعل الرجل ينظر إليه ولا يعرف كيف الحيلة فأنشد: - مر الجراد على زرعي فقلت له ... لا تأكلن ولا تشغل بإفساد فقام منهم خطيب فوق سنبلة ... إنا على سفر لا بد من زاد ولعابه سم على الأشجار لا يقع على شيء إلا أحرقه اهـ قسطلاني ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال.

4915 - (1908) (240) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: مَرَرْنَا فَاسْتَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. فَسَعَوْا عَلَيهِ فَلَغَبُوا. قَال: فَسَعَيتُ حَتَّى أَدْرَكْتُهَا. فَأَتَيتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ. فَذَبَحَهَا. فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَيتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَبِلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4915 - (1908) (240) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري ثقة من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (مررنا) في بعض أسفارنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران (فاستنفجنا) أي أثرنا وأزعجنا ونفرنا (أرنبًا) لنصطادها ونحن (بمر الظهران) كما هو في رواية البخاري وهنا متعلق بمررنا كما قدرناه أولًا (فسعوا عليه) أي فسعى القوم وأجروا خلفه غلبة عليه ليصطادوه (فلغبوا) أي عجزوا عن إدراكه وأعيوا أشد الإعياء (قال) أنس (فسعيت) أنا وأجريت خلفه (حتى أدركتها). أي لحقتها فأخذتها (فأتيت بها أبا طلحة) الأنصاري هو زوج أم أنس رضي الله تعالى عنهم (فذبحها) أبو طلحة وأنث الضمير هنا وفيما قبله وذكره في قوله فسعوا عليه لأن الأرنب يذكر ويؤنث نظرًا إلى أنه يكون سنة ذكرًا وسنة أنثى ويحيض كما سيأتي (فبعثـ) ـني أبو طلحة (بوركها) والورك أصل الفخذ (وفخذيها) بالتثنية وفي رواية البخاري "بوركيها أو قال بفخذيها" بالتثنية فيهما والشك من الراوي والفخذ ما بين الورك والركبة (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال أنس (فأتيت بها) أي بذلك الورك والفخذين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله) أي فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أهدي له مني وفي رواية البخاري (فقبلها) أي الهدية زاد البخاري في الهبة "وأكل منه" وهو مذهب الأئمة الأربعة وحكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى الكراهة وحديث الباب حجة للجمهور في الإباحة قوله "فاستنفجنا" من باب استفعل نفج الأرنب أو انتفج إذا ثار وعدا والإنفاج والاستنفاج إثارته وازعاجه من موضعه وقيل الانتفاج الاقشعرار فكأن المعنى جعلناها تنتفج بطلبنا لها "بمر الظهران" بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بالظاء المعجمة بلفظ التثنية وهو من العلم المركب من المضاف والمضاف إليه فيجرى الإعراب على الأول وهو مر والثاني

4916 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ يَحْيى: بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مجرور أبدًا بالإضافة وكونه بالألف لأنه على صورة المثنى المرفوع وليس مثنى حقيقة أو أنه جاء على لغة من يلزم المثنى الألف دائمًا وربما سمي باللفظ الأول فقط وهو مر وربما سمي بالثاني وهو الظهران فقط لأن مر قرية ذات مياه ونخل وزرع وثمار والظهران اسم للوادي ومر الظهران اسم موضع قريب من مكة على مرحلة منها قال الدميري هو حيوان يشبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين عكس الرزافة يطأ على مؤخر قدميه يكون عامًا ذكرًا وعامًا أنثى قوله "فلغبوا" بفتح اللام وكسر الغين المعجمة وبفتحها أيضًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5535) وأبو داود في الأطعمة (3791) والترمذي فيها (1849) والنسائي (432) وابن ماجه (3284) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4916 - (0) (0) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من يحيى وخالد رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أنس غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (و) لكن (في حديث يحيى) وروايته (بوركها أو فخذيها) بالشك. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث الأول حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والثاني حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به وذكر فيه ست متابعات والرابع حديث جابر ذكره للاستشهاد والخامس حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد والسادس حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسابع حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثامن حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

653 - (45) باب النهي عن الخذف والأمر بإحسان الذبح والقتلة والنهي عن صبر البهائم

653 - (45) باب النهي عن الخذف والأمر بإحسان الذبح والقتلة والنهي عن صبر البهائم 4917 - (1909) (241) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ قَال: رَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ رَجُلًا مِنْ أصْحَابهِ يَخْذِفُ. فَقَال لَهُ: لَا تَخْذِفْ. فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ أَوْ قَال- يَنْهَى عَنِ الْخَذْفِ، فَإِنَّهُ لَا يُصْطَادُ بِهِ الصَّيدُ، وَلَا يُنْكَأُ بِهِ الْعَدُوُّ وَلكِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 653 - (45) باب النهي عن الخذف والأمر بإحسان الذبح والقتلة والنهي عن صبر البهائم 4917 - (1909) (241) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا كهمس) بن الحسن التميمي أبو الحسن البصري ثقة من (5) (عن) عبد الله (بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة من (3) (قال) ابن بريدة (رأى عبد الله بن المغفل) على صيغة اسم المفعول بن عبيد بن نهم المزني أبو عبد الرحمن البصري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (رجلًا من أصحابه) أي من أقربائه وسيأتي أنه كان قريبًا له (يخدف) أي يرمي الناس بالحصاة والخذف هو رمي الإنسان بحصاة أو نواة أو نحوهما يجعلها بين أصبعيه السبباتين أو الإبهام والسبابة أو على ظهر الوسطى وباطن الإبهام والظاهر أنه كان لعبًا يلعب به أهل العرب ولم أر من ذكر اسم الرجل (فقال) عبد الله بن مغفل (لا تخذف) أي لا ترم أيها الرجل رمي الخذف (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره) الخذف (أو قال) عبد الله بن بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينهى عن الخذف) بالشك من كهمس بن الحسن فيما قاله ابن بريدة وفي رواية أحمد عن وكيع نهى عن الخذف بغير شك وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك وبين أن الشك من كهمس اهـ من الإرشاد وقوله (فإنه) تعليل للنهي أي فإن الخذف (لا يصطاد به الصيد) لأنه يقتل بقوة الرامي لا بحد الحصى فكل ما قتل بها حرام باتفاق إلا من شذ (ولا ينكأ) أي لا يؤذى (به العدو) بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف مهموزًا ولغير أبي ذر "ولا ينكى" بضم الياء وفتح الكاف بلا همز لكن قال القاضي عياض الرواية بفتح الكاف وهمزة في اخره وهي لغة والأشهر بكسر الكاف بغير همزة ومعناه المبالغة في الأذى أي لا يؤذي ولا يدفع به عدو (ولكنه) أي ولكن

يَكْسِرُ السِّنَّ وَيفْقَأُ العَينَ. ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذلِكَ يَخذِفُ. فَقَال لَهُ: أُخبِرُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ، أَوْ يَنْهَى عَنِ الْخَذفِ، ثُمَّ أَرَاكَ تَخْذِفُ! لَا أُكَلِّمُكَ كَلِمَةً. كَذَا وَكَذَا. 4918 - (0) (0) حدّثني أَبُو دَاوُدَ، سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أخْبَرَنَا كَهْمَسٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخذف (يكسر السن) إن أصابها (ويفقأ) أي يشدخ (العين) إن أصابها (ثم رآه) أي رأى ابن مغفل ذلك الرجل الخاذف أولًا (بعد ذلك) أي بعدما نهاه عن الخذف (يخذف) مرة ثانية (فقال) ابن مغفل (له) أي لذلك الخاذف (أخبرك) أنا وأحدثك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره) الخذف (أو) قال ابن بريدة (ينهى عن الخدف) بالشك من كهمس (ثم) بعدما أخبرتك النهي عن الرسول صلى الله عليه وسلم (أراك تخذف) مرة ثانية فلا عذر لك إلا العناد بالسنة والله (لا كلمك كلمة) واحدة ولا أكثر منها كذا وكذا) مدة وسيأتي في الرواية الأخيرة لا أكلمك أبدًا وإنما فعل ذلك لأنه خالف السنة وفيه جواز هجر الرجل لارتكاب معصية أو بدعة أو مخالفة سنة وليس ذلك من الهجران الممنوع فإنه الهجران لأجل حظ النفس والمعنى في النهي عن الخذف لما فيه من التعريض للحيوان بالتلف من غير مأكلة وهو منهي عنه ولو أدرك ذكاة ما رمى بالخذف فذكاه يحل أكله ومن ثم اختلف العلماء في جوازه فصرح مجلي في الذخائر بمنعه وبه أفتى ابن عبد السلام وجزم النووي بحله لأنه طريق إلى الاصطياد والتحقيق التفصيل فإن كان الأغلب من حال الرامي ما ذكر في الحديث امتنع وإلا جاز اهـ من الإرشاد وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5479) وأبو داود (5270) والنسائي في القسامة (4815) وابن ماجه في الصيد (3266 و 3267) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مغفل رضي الله عنه فقال. 4918 - (0) (0) (حدثني أبو داود بن سليمان بن معبد) بن كوسجان بجيم بعد المهملة النحوي المروزي الرحال السنجي بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا كهمس) بن الحسن البصري (بهذا الإسناد) يعني عن ابن بريدة عن ابن مغفل (نحوه) أي نحو ما

4919 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمّضدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. قَالا: حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ الْخَذْفِ. قَال ابْنُ جَعْفَرِ فِي حَدِيثِهِ: وَقَال: إِنَّ لَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيدَ. وَلكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأُ الْعَينَ. وَقَال ابْنُ مَهْدِيٍّ: إِنَّهَا لَا تَنْكَأُ الْعَدُوَّ. وَلَمْ يَذْكُرْ: تَفْقَأُ الْعَينَ. 4920 - (0) (0) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ؛ أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حدث معاذ بن معاذ عن كهمس غرضه بيان متابعة عثمان بن عمر لمعاذ بن معاذ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن مغفل رضي الله عنه فقال. 4919 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (قالا حدثنا شعبة عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن عقبة بن صهبان) بضم الصاد وسكون الهاء بعدها موحدة الأزدي البصري روى عن عبد الله بن المغفل في الذبائح وعائشة ويروي عنه (خ م د ق) وقتادة وعلي بن زيد بن جدعان وثقه أبو داود وقال في التقريب ثقة من الثالثة مات بعد السبعين في ولاية الحجاج على العراق. (عن عبد الله بن مففل) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عقة لابن بريدة (قال) عبد الله بن مغفل (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخدف قال ابن جعفر في حديثه) أي في روايته (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن الخذف (لا ينكأ العدو) ولا ينكله (ولا يقتل الصيد ولكنه) أي ولكن الخذف (يكسر السن ويفقأ العين) ويقلعها (وقال ابن مهدي) في روايته معطوف على قال ابن جعفر (إنها) أي إن الرمية بالحصى (لا تنكأ) ولا تؤذي (العدو ولم يذكر) ابن مهدي لفظة (تفقأ العين) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين عن شعبة يعني أن ابن مهدي وافق ابن جعفر في جميع الحديث إلا في هذا اللفظة والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن مغفل رضي الله عنه فقال. 4920 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب) السختياني (عن سبد بن جبير) الوالبي الكوفي ثقة من (3) (أن قريبًا لعبد الله بن مغفل

خَذَفَ. قَال: فَنَهَاهُ وَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَال: "إنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيدًا وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا. وَلكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفقَأُ الْعَينَ" قَال: فَعَادَ فَقَال: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ! لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا. 4921 - (0) (0) وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ خذف) أي رمى بالخذف (قال) سعيد (فنهاه) أي فنهى عبد الله بن مغفل ذلك القريب عن الخذف (وقال) له ابن مغفل في نهيه وجملة القول مفسرة لجملة النهي (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال) النبي صلى الله عليه وسلم في تعليل نهيه (إنها) أي إن الرمية بالحصا (لا تصيد صيدًا ولا تنكأ عدوًا) أي لا تدفعه ولا تنكله (ولكنها) أي الرمية بالحصا (تكسر السن) إن أصابتها (وتفقأ العين) وتشدخ الحدقة يعني أنها لا مصلحة فيها ويخاف فسادها ويلحق به كل ما شاركه في هذا المعنى والمقصود النهي عن إيذاء المسلمين بكل وجه (قال) سعيد بن جبير (فعاد) أي رجع ذلك القريب إلى الخذف بعد نهيه (فقال) له عبد الله (أحدثك) أي أخبرك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (ـأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه) أي عن الخذف (ثم تخذف) أي ترمي الخذف والله (لا أكلمك أبدًا) والأبد ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان وهذا صدر منه على وجه الزجر لعدم انزجاره بالنهي لأنه لا يحل هجر المسلم نوق ثلاثة أيام كما ورد في الحديث والله أعلم قال النووي فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه لا يجوز هجرانه دائمًا والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم يجوز دائمًا وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال. 4921 - (0) (0) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن ابن مغفل (نحوه) أي نحو ما حدث ابن علية عن أيوب غرضه بيان متابعة الثقفي لابن علية ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث شداد بن أوس رضي الله عنه فقال.

4922 - (1910) (242) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. قَال: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. فَإذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4922 - (1910) (242) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد) بن مهران المجاشعي (الحذاء) أبي المنازل البصري ثقة من (5) روى عنه في (14) بابا (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الحرمي البصري ثقة من (3) (عن أبي الأشعث) شراحيل بن آدة بالمد وتخفيف الدال الصنعاني صنعاء دمشق وقيل اليمن ثقة من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن شداد بن أوس) بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن كعب بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ابن أخي حسان بن ثابت أبي يعلى الشامي نزل بيت المقدس ومات بها الصحابي بن الصحابي رضي الله تعالى عنهما له خمسون حديثًا انفرد له (خ) بحديث و (م) بآخر ويروي عنه أبو الأشعث الصنعاني كان في عداد الشاميين وهذا السند من سداسياته (قال) شداد بن أوس (ثنتان) أي خصلتان من خصال الإسلام (حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهما الإحسان في القتلة والإحسان في الذبحة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله عزَّ وجلَّ (أكتب) أي أمر وطلب (الإحسان على كل شيء) أي في كل شيء أي أمر بالإحسان وحض عليه وأصل كتب أثبت وجمع ومنه قوله تعالى {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22] أي أثبته وجمعه "والإحسان" هنا بمعنى الإحكام والإكمال والتحسين في الأعمال المشروعة فحق من شرع في شيء منها أن يأتي به على غاية كماله ويحافظ على آدابه المصححة والمكملة له إذا فعل ذلك قبل عمله وكثر ثوابه و"على" هنا بمعنى "في" كما في قوله تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيمَانَ} [البقرة: 102] أي في ملكه ويقال كان كذا على عهد فلان أي في عهده حكاه القتبي اهـ مفهم والمعنى أمركم بالإحسان في كل شيء من الأعمال المشروعة برعاية آدابها وشروطها (فإذا قتلتم) قصاصًا أو حدًّا كما يقتل تارك الصلاة عمدًا عند الشافعي ومالك وأحمد إذ لا قتل في الشرع حدًّا غير ذلك (فأحسنوا القتلة) بكسر القاف هي الرواية وهي هيئة القتل و"القتلة" بالفتح مصدر قتل المحدود وكذلك الركبة والمشية الكسر للاسم والفتح للمصدر أي

وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ. وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ. فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ". 4923 - (0) (0) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ. ح وَحَدَّثنَا أبُو بَكْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأحسنوا هيئة قتل المقتول وصفة الإحسان فيها اختيار أسهل الطرق وأقلها إيلامًا وأما قتل قطاع الطرق بالصلب والزاني المحصن بالرجم فمستثنى من هذا الحديث لأن التشديد فيهما ورد من الشارع (وإذا ذبحتم) الذبيحة أي أردتم تذكية المذكاة (فأحسنوا الذبح) أي قطع الحلقوم ونحر اللبة وعطف قوله (وليحد أحدكم شفرته) أي وليجعل سكينه حادة قاطعة وليعجل إمرارها (فليرح) أي فليعط (ذبيحته) الراحة من الألم من عطف السبب على المسبب والبيان على المبين. قوله "الذبح" بفتح الذال وكسرها وسكون الموحدة بلا هاء ذبح الذبيحة إذا قطع حلقومها أو نحر لبتها وأصله الشق والقطع وإحسان الذبح في البهائم الرفق بالبهيمة فلا يصرعها بعنف ولا يجرها من موضع إلى موضع وإحداد الآلة وتعجيل إمرارها وإحضار نية الإباحة والقربة وتوجيهها إلى القبلة والتسمية والإجهاز وقطع الودجين والحلقوم وإراحتها وتركها إلى أن تبرد والإعتراف لله تعالى بالمنة والشكر له على النعمة بأنه سخر لنا ما لو شاء لسلطه علينا وأباح لنا ما لو شاء لحرمه علينا وقال ربيعة من إحسان الذبح أن لا تذبح بهيمة وأخرى تنظر إليها وحكي جوازه عن مالك والأول أولى وقال النووي ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يجرها إلى مذبحها قوله "وليحد أحدكم شفرته" والشفرة بفتح الشين وسكون الفاء السكين العظيم المعد للذبح أي ليجعلها حادة غير كالة وليعجل في إمرارها قوله "فليرح ذبيحته" أي فليتركها حتى تستريح وتبرد وهذان الفعلان كالبيان للإحسان في الذبح لا يقال هذا معارض لقوله صلى الله عليه وسلم "من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه" لأنه محمول على السياسة اهـ مبارق بعبارته وكل طريق أدى الحيوان إلى تعذيب أكثر من اللازم لإزهاق روحه فهو داخل في النهي ومأمور بالاجتناب عنه كما مر آنفًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 123) وأبو داود (2815) والترمذي (1409) والنسائي (7/ 227) وابن ماجه (1370) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث شداد رضي الله عنه فقال. 4923 - (0) (0) (وحدثناه يحيى بن يحيى حدثنا هشيم) بن بشير الواسطي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ح وحدثنا أبو بكر)

بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ. كلُّ هؤُلاءِ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ، بِإسْنَادِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وَمَعْنَى حَدِيثِهِ. 4924 - (1911) (243) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، قَال: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ زيدِ بْنِ أنَسِ بْنِ مَالِكِ قَال: دَخَلْتُ مَعَ جَدِّي، أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، دَارَ الْحَكَمِ بْنِ أيُّوبَ. فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ نَصَبْوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (حدثنا غندر) محمد بن جعفر (حدثنا شعبة ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو الفضل السمرقندي ثقة متقن من (11) (أخبرنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد الترك ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (محن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي الكوفي (كل هولاء) الخمسة المذكورين من هشيم والثقفي وشعبة والثوري ومنصور رووا (عن خالد الحذاء بإسناد حديث ابن علية) يعني عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد (ومعنى حديثه) أي معنى حديث بن علية غرضه بيان متابعة هؤلاء الخمسة لإسماعيل بن علية والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4924 - (1911) (243) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال) شعبة (سمعت هشام بن زيد بن أنس بن مالك) الأنصاري البصري ثقة من (5) روى عنه في (7) أبواب (قال) هشام (دخلت مع جدي أنس بن مالك دار الحكم بن أيوب) بن أبي عقيل الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف ونائبه على البصرة وزوج أخته زينب بنت يوسف وكان يضاحي ابن عمه الحجاج بن يوسف في الجور وليزيد الضبي معه قصة طويلة تدل على ذلك أوردها أبو يعلى في مسند أنس له كذا في الفتح والقسطلاني (فإذا) الفاء عاطفة وإذا فجائية (قوم) من الفتيان لم أر من ذكر أسماءهم (قد نصبوا) وربطوا (دجاجة يرمونها) بالسهام يلعبون بها والمعنى دخلنا دار الحكم ابن أيوب ففاجأنا

قَال: فَقَال أَنَسٌ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ. 4925 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا أبُو أُسَامَةَ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 4926 - (1912) (244) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ رؤية قوم نصبوا دجاجة ليرموا إليها (قال) هشام (فقال) لهم جدي (أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر) بضم الفوقية وسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة أي تحبس وتربط (البهائم) والطيور لترمى حتى تموت وصبر البهائم حبسها لترمى حتى تموت أي نهى عن ذلك نهي تحريم ولعن فاعله لما فيه من تعذيب الحيوان من غير حاجة قال السندي وصبر البهائم هو أن تمسك وتجعل هدفًا يرمى إليه حتى تموت ففيه تعذيب لها وتصير ميتة لا يحل أكلها ويخرج جلدها عن الانتفاع به اهـ منه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5513) وأبو داود (2816) والنسائي في الضحايا (4439) وابن ماجه في الذبائح (3225) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4925 - (0) (0) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (وعبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة من (8) (ح وحدثنا أبو كلريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من يحيى وعبد الرحمن وخالد بن الحارث وأبي أسامة رووا (عن شعبة) بن الحجاج (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أنس غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء لمحمد بن جعفر ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4926 - (1912) (244) (وحدثنا عبد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن عدي) بن ثابت الأنصاري الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي البصري (عن ابن عباس) رضي الله تعالى

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَتَّخِذُوا شَيئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا". 4927 - (0) (0) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4928 - (1913) (245) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأبُو كَامِلٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ). قَالا: حَدَّثنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ. عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تتخذوا شيئًا فيه الروح) أيا كان وهو الحيوان (غرضًا) ترمون إليه لا تتخذوا الحيوان الحي هدفًا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها وهذا النهي للتحريم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر التي بعد هذه "لعن من فعل هذا" ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه وتضييع لماليته وتفويت لذكاته إن كان مذكى ولمنفعته إن لم يكن مذكى اهـ نووي قال في المبارق الغرض هو الهدف المرمى بالسهام ونحوها للتدريب اهـ وإن مات بدون ذكاة في هذه الحالة لم يحل أكله لأن ذكاته بعد الحبس اختيارية وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (1/ 280) وأبو داود في الجهاد باب في التحريش بين البهائم (2562) والترمذي في الجهاد باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم (1760 و 1761) وابن ماجه (3187) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال. 4927 - (0) (0) (وحدثناه محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن سعيد عن ابن عباس (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن معاذ عن شعبة غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي لمعاذ بن معاذ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بن مالك بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4928 - (1913) (245) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (وأبو كامل) الجحدري البصري سليمان بن داود (واللفظ) الآتي (لأبي كامل) لا لشيبان (قالا) أي قال كل من شيبان وأبي كامل (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) (عن أبي بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي ثقة من (5) (عن

سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِنَفَرٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَتَرَامَونَهَا. فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَتهَا. فَقَال ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَن فَعَلَ فذَا. 4929 - (0) (0) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ. وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (قال) سعيد (مر ابن عمر بنفر) أي على جماعة (قد نصبوا) وربطوا (دجاجة يترامونها) أي يرمون إليها بالسهام واحدًا بعد واحد (فلما رأوا) أي رأى أولئك النفر (ابن عمر تفرقوا) أي افترقوا عنها وتركوا رميها خوفًا من توبيخه لهم على ما فعلوا (فقال) ابن عمر على سبيل الاستفهام (من فعل هذا) يعني نصب الدجاجة ورميها ثم قال ابن عمر (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا) يعني صبر الحيوان للرمي إليه. وهذا الحديث سنده من خماسياته وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5515) والترمذي في الصيد (1502) والنسائي في الضحايا (4443) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4929 - (0) (0) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (أخبرنا أبو بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي (عن سعيد بن جبير قال مر ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة هشيم لأبي عوانة (بفتيان) أي بشباب (من قريش قد نصبوا) وربطوا (طيرًا) أي طائرًا والمراد بالطير الجنس الصادق بالواحد أي دجاجة بدليل الرواية الأولى (وهم) أي والحال أن أولثك الفتية يجعلون ذلك الطائر هدفًا و (يرمونه) بالسهام (و) الحال أنهم (قد جعلوا لصاحب الطير) أي لصاحب الدجاجة (كل) نبلة (خاطئة) أي لم تصب المرمى والهدف الذي هو الدجاجة (من نبلهم) أي من نبالهم وسهامهم فكأنهم وعدوا صاحب الطير بأن كل سهم لم يصب الغرض فهو له وخاطئة لغة والأفصح مخطئة يقال لمن قصد شيئًا فأصاب غيره غلطًا أخطأ فهو مخطئ وحكى الجوهري أن يقال فيه خطأ فهو خاطئ فجاء ما في هذا الحديث على تلك اللغة قاله السنوسي وكذا قاله النووي قال القرطبي وظاهره أن الذي

فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا. فَقَال ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هذَا؟ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هذَا. إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ، شَيئًا فِيهِ الرُّوحُ، غَرَضًا. 4930 - (1914) (246) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيرِ؛ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنْ يُقْتَلَ شَيءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل لصاحب الطير أن يأخذه هو السهم ويحتمل أن يكون الذي جعل له جعلًا غير ذلك على المخطئ كلما أخطأ وكل ذلك قمار لا يجوز اهـ من المفهم (فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر) مناديًا لهم (من فعل هذا) الفعل السيئ على سبيل الاستفهام وقوله (لعن الله من فعل هذا) دعاء على فاعله وقوله (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا) أي هدفًا يرمى إليه تعليل اللعنة لهم ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أنس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال. 4930 - (1914) (246) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز (حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور البغدادي ثقة من (9) (قال) حجاج (قال) لنا (ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته حالة كون جابر (يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من الدواب) أي من الحيوان الذي يدب على الأرض (صبرًا) أي حالة كونه مصبورًا محبوسًا يرمى إليه هدفًا وقتل الإنسان صبرًا أن يشد الرجل ثم يرمى إليه بالسهام حتى يموت وهو ممنوع بهذا الحديث وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الذبائح باب النهي عن صبر البهائم وعن المثلة (3227) وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الترجمة ستة أحاديث الأول حديث عبد الله بن مغفل ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فيه أربع متابعات والثاني حديث شداد بن أوس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والخاص حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم إلى هنا تم شرح أحاديث كتاب الصيد والذبائح ويليه أحاديث كتاب الأضاحي ومن فضل الله سبحانه نرجو أن يوفقنا إكمال شرح هذا الجامع المبارك إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير. ***

كتاب الأضاحي

بسم الله الرحمن الرحيم (18) - كتاب: الأضاحي 653 - (46) باب وقتها ـــــــــــــــــــــــــــــ 18 - كتاب الأضاحي 653 - (46) باب وقتها الأضاحي بفتح الهمزة وتشديد الياء وتخفيفها جمع أضحية بضم الهمزة على الأشهر وقد تكسر في غيره والياء فيهما مخففة أو مثددة فهذه أربعة ويقال في مفردها أيضًا ضحية بفتح الضاد وجمعها ضحايا كعطية وعطايا فهاتان ثنتان ويقال فيها ضحاة بفتح الهمزة وكسرها وجمعها أضحى بالتنوين كأرطاة وأرطى فهاتان ثنتان أيضًا فمجموع اللغات في مفردها ثمان وهي اسم لما يذبح من النعم الثلاثة التي هي الإبل والبقر والغنم يوم عيد النحر بعد طلوع الشمس ومضي قدر ركعتين وخطبتين إلى آخر أيام التشريق مع لياليها وإن كان الذبح في الليل مكروهًا تقربًا إلى الله تعالى وأول طلبها كان في السنة الثانية من الهجرة وأول من ذبحها إبراهيم الخليل - عليه السلام - فداء لولده إسماعيل بكبش هابيل الذي رعى في الجنة وأول من قربها هابيل وكانت شريعة مستمرة في جميع الملل والأديان من لدن آدم إلى موسى عليهما السلام وبعده اليهود وهي عبادة تتعلق بالحيوان فاختصت بالنعم لقوله تعالى {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يكفي فيها إراقة الدم ولو من دجاج أو إوز كما قاله الميداني وكان شيخنا يأمر الفقير بتقليده ويقيس على الأضحية العقيقة ويقول من ولد له مولود عق بالديكة على مذهب ابن عباس والحاصل أن القيود في الأضحية ثلاثة كونها من النعم وكونها في يوم العيد وأيام التشريق ولياليها وكونها تقربًا إلى الله تعالى وسميت باسم مشتق مما اشتق منه اسم أول وقتها وهو الأضحى والأصل فيها قوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} أي صل صلاة العيد وانحر الأضحية بناء على أشهر الأقوال أن المراد بالصلاة صلاة العيد وبالنحر ذبح الأضحية والأحاديث

4931 - (1915) (247) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا الأسْوَدُ بْنُ قَيسٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أبُو خَيثَمَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ. حَدَّثَنِي جُنْدَبُ بْنُ سُفْيَانَ. قَال: شهِدْتُ الأضْحَى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يَعْدُ أنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ، سَلَّمَ. فَإذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِيَّ قَدْ ذُبِحَتْ، قَبْلَ أنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الآتية في الباب اهـ من البيجوري على الغزي فالأضحية في اللغة الشاة التي تذبح ضحوة وفي عرف الفقهاء ذبح حيوان مخصوص في وقت مخصوص تقربًا إلى الله تعالى كما في الدر المختار. 4931 - (1915) (247) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي ثقة من (7) (حدثنا الأسود بن قيس) البجلي أبو قيس الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (حدثنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن الأسود بن قيس حدثني جندب) بن عبد الله (بن سفيان) البجلي أبو عبد الله الكوفي وربما نسب إلى جده كما في مسلم الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب وهذان السندان من رباعياته (قال) جندب (شهدت) أي حضرت عيد (الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعد) رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكون العين وضم الدال من عدا يعدو من باب دعا أي فلم يتجاوز وهذا إنما يقال إذا فعل الرجل شيئًا عقبه فعل آخر فورًا أي فلم يتجاوز (أن صلى وفرغ من صلاته سلم) يعني أنه سلم على الناس بعد الفراغ من صلاته فورًا وفي رواية القرطبي فلما أن صلى وفرغ من صلاته سلم فإذا هو يرى لحم أضاحي ذبحت إلخ وهذه الرواية واضحة مفسرة لما في نسخة مسلم والصواب في عبارة مسلم أن يقال إن لم بمعنى لما ويعد زائدة وأن زائدة أيضًا بعد لما والتقدير فلما أن صلى وفرغ من صلاته سلم على الناس فإذا هو يرى أي راء لحم أضاحي إلخ هكذا ظهر للفهم السقيم والله أعلم والفاء في (فإذا) عاطفة على سلم وإذا فجائية وقوله (هو يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته) جملة اسمية معطوفة على جملة سلم والمعنى فلم يشرع عقب فراغه من صلاة العيد في شغل آخر إلا أن سلم على الناس ففاجأه رؤية لحم أضاحي ذبحت قبل فراغه

فَقَال: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ -أَوْ نُصَلِّيَ- فَلْيَذبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى. وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذبَحْ، فَلْيَذبَحْ بِاسْمِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من صلاة العيد (فقال) للناس (من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي) ذلك الذابح (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن (نصلي) ونحن شك من الراوي كما في السنوسي (فليذبح) جواب من الشرطية (مكانها) أي بدلها شاة (أخرى) فإن الأولى لا تجزئه لوقوع ذبحها قبل دخول وقته (ومن كان لم يذبح) قبل الصلاة (فليذبح على اسم الله) تعالى أي قائلًا باسم الله أي ذاكرًا للتسمية بأن يقول بسم الله الرحمن الرحيم فعلى بمعنى الباء فهو بمعنى رواية فليذبح باسم الله وهذا هو الصحيح في معناه قوله "فليذبح مكانها أخرى" الفاء رابطة لجواب الشرط واللام لام الأمر وأخرى صفة لمحذوف تقديره شاة أخرى وأخرى تأنيث آخر قوله "ومن لم يذبح فليذبح" قائلًا باسم الله للتبرك أو للوجوب ولم لنفي الزمان الماضي المنقطع من زمان الحال والجواب جاء مستقبلًا على قاعدته ويذبح مجزوم بلم لا بمن لأن لم لا تدخل إلا على الفعل المستقبل ومن تدخل على الماضي وذهب بعضهم إلى أن التنازع يجري في سائر العوامل. والصحيح الأول وقد استدل بهذا الأمر في قوله فليذبح مكانها أخرى من قال بوجوب الأضحية وهو معارض بالأدلة على عدم الوجوب فيحمل الأمر على الندب اهـ قسطلاني وفي الحديث دلالة على أن وقت الأضحية يدخل بعد مضي قدر صلاة ركعتين وخطبتين من طلوع الشمس سواء صلى الإمام صلاة العيد أم لا ويستوي فيه أهل القرى والأمصار وهو مذهب الشافعي وابن المنذر وداود وهو رواية الخرقي عن أحمد وقيل يدخل وقتها بعد صلاة الإمام في الأمصار وبعد طلوع الفجر الصادق في القرى وهو مذهب الحنفية والحسن والأوزاعي وإسحاق كما في المغني وقيل يدخل وقتها بذبح الإمام فإن ذبح قبله أعاد وهو مذهب مالك كما في الشرح الصغير (1/ 99) وأما آخر وقتها عند الشافعي آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة وحكاه النووي عن الأوزاعي وداود ومكحول أيضًا وهو اختيار ابن القيم في زاد المعاد (1/ 296) وقيل آخر وقتها الثاني عشر من ذي الحجة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وأما الشافعي فقد استدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله "كل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح" أخرجه أحمد والدارقطني وابن حبان والبيهقي كما في نيل الأوطار واستدل الجمهور بما أخرجه مالك في الموطأ أن عبد الله بن عمر قال الأضحة يومان بعد يوم الأضحى وقال مالك إنه بلغه

4932 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو الأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيمٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ. قَال: شَهِدْتُ الأضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ بِالنَّاسِ، نَظَرَ إِلَى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ. فَقَال: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَلْيَذبَحْ شَاةً مَكَانَهَا. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ". 4933 - (0) (0) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن علي بن أبي طالب مثله وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 312) والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأضاحي باب من ذبح قبل الصلاة أعاد (5562) والنسائي في الضحايا باب ذبح الأضحية قبل الإمام (4398) وابن ماجه في الأضاحي باب النهي عن ذبح الأضحية قبل الصلاة (3190) والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه فقال. 4932 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم) الحنفي الكوفي ثقة من (7) (عن الأسود بن قيس) البجلي الكوفي (عن جندب) بن عبد الله (بن سفيان) البجلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة أبي الأحوص لزهير بن معاوية ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) جندب (شهدت) عيد (الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى) وأتم (صلاته بالناس نظر إلى) لحم (غنم قد ذبحت فقال من ذبح) أضحيته (قبل الصلاة) أي قبل صلاتنا العيد (فليذبح شاة) أخرى (مكانها) أي بدل التي ذبحها قبل الصلاة لأنها لا تجزئ عنه لوقوع ذبحها قبل الوقت (ومن لم يكن ذبح) قبل الصلاة ممن يريد التضحية (فليذبح) الآن بعد الصلاة (على اسم الله) مع ذكر اسم الله تعالى وجوبًا كما عند الأحناف أو ندبًا كما عند غيرهم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جندب رضي الله عنه فقال. 4933 - (0) (0) (وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (عن ابن عيينة

كِلاهُمَا عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيسٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: عَلَى اسْمِ اللهِ، كَحَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ. 4934 - (0) (0) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ، سَمِعَ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ قَال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ أَضْحَى. ثُمَّ خَطَبَ، فَقَال: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ، فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كلاهما) أي كل من أبي عوانة وابن عيينة رويا (عن الأسود بن قيس بهذا الإسناد) يعني عن جندب بن عبد الله وهذان السندان من رباعياته غرضه بيان متابعة أبي عوانة وسفيان بن عيينة لزهير بن معاوية (و) لكن (قالا) أي قال أبو عوانة وسفيان بن عيينة لفظة (على اسم الله كحديث أبي الأحوص) المذكور قبل هذا السند يعني هما خالفا زهيرًا في هذه اللفظة لأن زهيرًا قال في روايته باسم الله بالباء بدل على ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديثه فقال. 4934 - (0) (0) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة بن الأسود) بن قيس (سمع جندبًا) بن عبد الله (البجلي) الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة شعبة لزهير بن معاوية (قال) جندب (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) العيد حالة كونه صلى الله عليه وسلم قد (صلى) صلاة العيد (يوم أضحى) وهو اليوم العاشر من ذي الحجة قال النووي أضحى مصروف أي على أنه مذكر في لغة قيس ومقتضاه أنه غير مصروف في لغة تميم على أنه مؤنث والله أعلم (ثم خطب) الناس ووعظهم وهذا صريح في أن الخطبة في العيد بعد الصلاة وهو مجمع عليه (فقال) صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ من صلاته وخطبته أيها الناس (من كان) منكم (ذبح) أضحيته (قبل أن يصلي) صلاة العيد (فليعد) بضم الياء وكسر العين من الإعادة أي فليعد ويكرر ذبحه بذبح شاة أخرى (مكانها) أي بدل التي ذبحها قبل الصلاة لأنها لا تجزئ عن أضحيته لوقوع ذبحها قبل دخول وقت الأضحية (ومن لم يكن) قد (ذبح) قبل الصلاة (فليذبح) الآن متبركًا (باسم الله) تعالى فقال شعبة كما قال زهير في روايته وقال الكتاب من أهل العربية إذا قيل باسم تعين كتبه بالألف وإنما يحذف الألف إذا كتب بسم الله الرحمن الرحيم بكمالها اهـ نووي ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث جندب رضي الله عنه فقال.

4935 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4936 - (1916) (248) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4935 - (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن الأسود عن جندب وساق محمد بن جعفر (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن معاذ عن شعبة غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ وقوله (فليعد مكانها شاة) ظاهره أن الأضحية واجبة ولو كانت سنة لما أمرنا بإعادتها واختلف العلماء من السلف والخلف في وجوب الأضحية على الموسر فهي عند سعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والشافعي غير واجبة لا يأثم تاركه وذلك هو المروي عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود وقال مالك لا يتركها فإن تركها فبئس ما صنع وحكي عن النخعي أنه قال الأضحية واجبة على أهل الأمصار ما خلا الحجاج وعند محمد بن الحسن واجبة على المقيم في الأمصار والمشهور عن أبي حنيفة أنه يوجبها على حر مقيم يملك نصابًا اهـ باختصار من الشراح قال العيني وتحرير مذهبنا ما قاله صاحب الهداية الأضحية واجبة على كل مسلم حر مقيم موسر في يوم الأضحى عن نفسه وعن أولاده الصغار اهـ ودليل القائلين بالسنية ما رواه الجماعة غير البخاري عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رأى هلال ذي الحجة منكم وأراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب وحجة القائلين بالوجوب ما رواه ابن صاجه عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب اهـ من العيني باختصار وفصل النووي غاية التفصيل في هذا الباب فراجعه إن شئت اهـ محمد ذهني ثم استشهد المؤلف لحديث جندب بن سفيان بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما فقال. 4936 - (1916) (248) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني الواسطي الطحان ثقة من (8) (عن مطرف) بن طريف

عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: ضَحَّى خَالِي، أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ" فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنَ الْمَعْزِ. فَقَال: "ضَحِّ بِهَا. وَلَا تَصْلُحُ لِغَيرِكَ". ثُمَّ قَال: "مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلاةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ. وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحارثي أبي بكر الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن عامر) بن شراحيل الشعبي الحميري الكوفي ثقة من (3) (عن البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي الصحابي الشهير رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) البراء (ضحى) أي ذبح الأضحية (خالي) أخو أمي (أبو بردة) هانئ بن نيار بكسر النون وتخفيف الياء بن عمرو البلوي حليف الأنصار شهد بدرًا وما بعدها ومات في خلافة معاوية سنة (61 أو 62 أو 65) كما في الإصابة رضي الله عنه أي ذبحها (قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك) الذبيحة التي ذبحتها قبل الصلاة (شاة لحم) أي شاة ذبحتها لأكل لحمها لا للتقرب يعني لن تقع أضحية وإنما صارت مذبوحة لأكل لحمها (فقال) أبو بردة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إن عندي جذعة) بفتحات (من المعز) أي من العنز فهل تجزئ لي إن ذبحتها أضحية والجذعة ابن ستة أشهر أو أقل وهو يجوز في الأضحية إن كان من الضأن أما من المعز فلا تجوز وإنما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة الجذعة خصوصية له كما هو مصرح في الحديث (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (ضح بها) أي بالجذعة (ولا تصلح) أي لا تجزئ (لـ) ـأحد (غيرك ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ضحى) أي ذبح الأضحية (قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد (فإنما ذبحـ) ـها (لىـ) ـأكل (نفسه) وعياله لا لتقرب إلى الله تعالى (ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه) أي ذبحه باستكمال آدابه وقبلت ذبيحته (وأصاب) أي وافق (سنة المسلمين) أي طريقتهم في قرابينهم. قال القرطبي قوله "إن عندي جذعة من المعز" وفي رواية "عناق" وفي أخرى "عتودًا" وكلها بمعنى واحد واختلف في سن الجذعة من الضان فأقل ما قيل في ذلك ست أشهر وأقصى ما قيل في ذلك سنة تامة وفي الصحاح الجذع قبل الثني والجمع جذعان وجذاع والأنثى جذعة والجمع جذعات يقال منه لولد الشاة في السنة الثانية

4937 - (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ أَنَّ خَالهُ، أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هذَا يَوْمٌ، اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ. وَإِنِّي عَجَّلْتُ نَسِيكَتِي لأُطْعِمَ أَهْلِي وَجِيرَانِي وَأَهْلَ دَارِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَعِدْ نُسُكًا" فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة وللإبل في السنة الخامسة أجذع والجذع اسم له في زمن وليس بسن تنبت ولا تسقط وقد قيل في ولد النعجة إنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر وذلك جائز في الأضحى اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 303) والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأضاحي باب سنة الأضحية (5545) وباب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة ضح بالجذع من المعز إلخ (5556) وأبو داود في الضحايا (2800 و 2801) والترمذي في الأضاحي باب في الذبح بعد الصلاة (1544) والنسائي في الضحايا باب ذبح الأضحية قبل الإمام (4394 و 4395) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4937 - (0) (0) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري البصري ثقة من (5) (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة داود لمطرف (أن خاله أبا بردة) هانئ (بن نيار) الأنصاري مولاهم (ذبح) شاة للأضحية (قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم) أضحيته (فقال) أبو بردة (يا رسول الله إن هذا) اليوم (يوم اللحم فيه) مشتاق إليه في أول النهار لقلة اللحم في أوله (مكروه) فيه اللحم في آخره لكثرة لحوم الأضاحي (وإني عجلت) يا رسول الله (نسيكتي) أي ذبح ذبيحتي في أول النهار في الوقت الذي تشتاق النفوس إلى اللحم لقلته وهو أول النهار لعدم ذبح الناس أضاحيهم فيه (لأطعم) لحمها (أهلي) أي زوجتي (وجيراني وأهل داري) أي أهل بيتي يعني عيالي من الأولاد والخدم والأرقاء في الوقت الذي هم فيه مشتاقون إلى اللحم لقلته فيه والنسيكة الذبيحة تجمع على نسك ونسائك (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم أعد) أمر من الإعادة (نسكًا) جمع نسيكة أي أعد مرة ثانية ذبح نسيكة أخرى للأضحية لأن الأولى لم تقع في وقتها (فقال) أبو بردة

يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ. هِيَ خَيرٌ مِنْ شَاتَي لَحْمٍ. فَقَال: "هِيَ خَيرُ نَسِيكَتَيكَ. وَلَا تَجزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدِ بَعدَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت (يا رسول الله أن عندي عناق لبن) أي أنثى صغيرة من المعز قريبة العهد إلى ارتضاع اللبن من أمها (هي) أي تلك العناق هي (خير) لطيب لحمها (من شاتي لحم) أي من شاتين كبيرتين ذواتي لحم كثير فهل تجزئ لي في الأضحية (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (هي) أي تلك العناق (خير) لك من (نسيكتيك) التي ذبحتها أولًا لإجزائها عنك (و) لكن (لا تجزئ) أي لا تكفي (جذعة) ولا عناق (عن أحد بعدك) فإن إجزائها في الأضحية خصوصية لك اهـ. قوله "إن هذا يوم اللحم فيه مكروه" اضطرب أقوال الشراح في تفسير هذه الجملة وأحسن ما قيل فيها ما ذكرناه أولًا في حلنا وحاصله أن يوم النحر يكثر فيه اللحم بعد صلاة العيد فيمله الناس ويكرهونه فعجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني قبل أن يكثر عندهم اللحم وقبل أن يملوا من أكله وهذا أولى ما قيل فيها ولكن يشكل عليه ما سيأتي عند المؤلف في حديث أنس من هذه القصة (إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم، وظاهره معارض للفظ حديث الباب بالتفسير الذي ذكرناه ويؤيده أي يؤيد حديث أنس الآتي ما وقع في بعض نسخ مسلم هنا هذا يوم اللحم فيه مقروم" بالقات والراء والقرم اشتهاء اللحم وهو بمعنى المشتهى ويمكن الجمع بين الروايتين بأن أبا بردة ذكر كلا الأمرين بالنسبة إلى حالين مختلفتين كأنه قال هذا يوم يشتهى فيه اللحم في أول النهار ويكره في آخره فعجلت ضحيتي ليكون لحمي مشتهى لا مكروهًا فذكر بعض الرواة جزءًا وبعضهم جزءًا اخر والله أعلم قوله "عناق لبن" قال القاضي هي الأنثى من ولد المعز بنت خمسة أشهر ونحوها قال الأبي يشير بذلك إلى صغرها وأنها ترضع بعد وقال في تاج العروس (7/ 27) العناق الأنثى من ولد العنز زاد الأزهري إذا أتت عليها سنة وقال ابن الأثير العناق الأنثى من ولد المعز ما لم يتم لها سنة اهـ. قوله "هي خير من شاتي لحم" يعني لسمنها وطيب لحمها تفضل على شاتين يراد بهما لحم "قوله هي خير نسيكتيك" سمي ما ذبح قبل الصلاة نسيكة بحسب توهم الذابح وزعمه وذلك أنه إنما ذبحها في ذلك الوقت بنية النسك وبعد ذلك بين له النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليست نسكًا شرعيًّا لما قال "من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء" اهـ من المفهم قوله "ولا تجزي جذعة" الرواية هنا بفتح التاء على وزن ترمي ومعناه لا تكفي نظير قوله تعالى {وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ

4938 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَال: "لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ" قَال فَقَال خَالِي: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هذَا يَوْمٌ، اللَّحْمُ فِيهِ مَكرُوهٌ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ هُشَيمٍ. 4939 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَدِهِ} وفيه أن جذعة المعز لا تجزي في الأضحية وهذا متفق عليه لأن المراد بالجذعة جذعة من المعز حملًا للمطلق على المقيد في بعض الرواية قال العيني أما جذعة الضأن فتجوز قال أبو عبد الله الزعفراني الجذع من الضأن ما تمت له سبعة أشهر وطعن في الشهر الثامن ويجوز في الأضحية إذا كان عظيم الجثة وأما الجذع من المعز فلا يجوز إلا ما تمت له سنة وطعنت في الثانية اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4938 - (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم السلمي البصري ثقة من (9) (عن داود) بن أبي هند القشيري (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن أبي عدي لهشيم بن بشير (قال) البراء (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال) في خطبته (لا يذبحن أحد) منكم أضحيته (حتى يصلي) صلاة العيد (قال) البراء (فقال خالي) أبو بردة (يا رسول الله إن هذا) اليوم يعني العيد (يوم اللحم فيه) أي في أوله مشتاق إليه (مكروه) اللحم فيه أي في آخره لكثرة لحم ما يذبحه الناس من الأضاحي (ثم ذكر) ابن أبي عدي الحديث (بمعنى حديث هشيم) بن بشير ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثالثًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4939 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي ثقة من (6) (عن فراس) بن يحيى الهمداني الكوفي صدوق من (6) (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (عن البراء) بن عازب رضي الله عنه وهذا

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى صَلاتنَا، وَوَجَّهَ قِبْلَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَلَا يَذبَحْ حَتَّى يُصَلِّيَ" فَقَال خَالِي: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ نَسَكْتُ عَنِ ابْنٍ لِي. فَقَال: "ذَاكَ شَيءٌ عَجَّلْتَهُ لأَهْلِكَ" فَقَال: إِنَّ عِنْدِي شَاةً خَيرٌ مِنْ شَاتَينِ. قَال: "ضَحِّ بِهَا، فَإِنَّهَا خَيرُ نَسِيكَةٍ". 4940 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيدٍ الإِيَامِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته غرضه بيان متابعة فراس بن يحيى لداود بن أبي هند (قال) البراء (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاتنا) الخمس (ووجه قبلتنا) أي واستقبل في صلاته قبلتنا الكعبة (ونسك نسكنا) أي أراد أن يذبح ذبيحتنا هذه يعني الأضحية (فلا يذبحـ) ـها (حتى يصلي) صلاة العيد لأن وقتها بعد صلاته قال البراء (فقال خالي) هانئ بن نيار (يا رسول الله قد نسكت) أي ذبحت أضحيتي قبل الصلاة (عن ابن لي) أي لأجل إطعام أبناء وأهل وجيران لي لأنهم مشتاقون إلى اللحم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك) الذبح (شيء عجلته) وقدمته (لأهلك) أي لإطعام أهلك يعني ليس من العبادة فلا ثواب لك فيه بل هو لحم ينتفع به أهلك والله أعلم (فقال) خالي (إن عندي شاة) أي جذعة من المعز كما صرح في الرواية الأخرى إطلاقًا للعام على بعض ما يتناوله اهـ ذهني هي (خير) أي أفضل وأحسن لسمنها وطيب لحمها (من شاتين) كبيرتين فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له (ضح بها) أي بتلك الجذعة التي عندك (فإنها خير نسيكة) أي فإن هذه الجذعة خير من نسيكتك التي نسكتها قبل الصلاة لأن هذه وقعت عبادة لك فيها ثواب وتلك وقعت طعمة لك فليس فيها ثواب عبادة والله أعلم ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا فقال. 4940 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن زبيد) مصغرًا بن الحارث اليامي ويقال له (الأيامي) أيضًا لكوفي ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن الشعبي عن البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة زبيد بن الحارث لفراس بن يحيى (قال) البراء (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما نبدأ به في

فِي يَوْمِنَا هذَا، نُصَلِّي ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ. فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا. وَمَنْ ذَبَحَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ. لَيسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيءٍ" وَكَانَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَدْ ذَبَحَ. فَقَال: عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَال: "اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". 4941 - (0) (0) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيدٍ. سَمِعَ الشَّعْبِيَّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يومنا هذا) الحاضر أن (نصلي) العيد (ثم نرجع) من المصلى إلى بيوتنا (فننحر) الأضاحي أو نذبحها (فمن فعل ذلك) النحر بعد الرجوع (فقد أصاب) ووافق (سنتنا) أي طريقتنا وعملنا فنسكه مقبول (ومن ذبح) قبل الصلاة (فإنما هو) أي ذبحه (لحم قدمه) وعجله قبل الناس (لـ) ـطعمة (أهله ليس من النسك) والعبادة (في شيء وكان أبو بردة) هانئ (بن نيار قد ذبح فقال) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (عندي جذعة) من المعز (خير) وأفضل لسمنها وطيب لحمها (من مسنة) هي الثنية وهي أكبر من الجذعة بسنة فكانت هذه الجذعة أجود منها لسمنها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة (اذبحها) أي اذبح تلك الجذعة في أضحيتك (و) لكن (لن تجزي) أي لا تكفي تلك الجذعة في الأضحية (عن أحد بعدك) فهي رخصة خاصة بك. قوله "عندي جذعة" أي من المعز حملًا للمطلق على المقيد قال العيني فجذعة معز كانت لا تجوز وأما الجذعة من الضأن فتجوز يقال الجذعة وصف لسن معين من بهيمة الأنعام فمن الضأن ما أكمل السنة وهو قول الجمهور وقيل دونها فقيل ستة أشهر وقيل ثمانية وقيل عشرة وحكى الترمذي عن وكيع أنه ستة أشهر أو سبعة أشهر وأما الجذع من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية ومن البقر ما أكمل الثالثة ومن الإبل ما دخل في الخامسة انتهى وكذلك في الجوهرة شرح القدوري اهـ دهني ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال. 4941 - (0) (0) (حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن زبيد) بن يحيى (سمع الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه ببان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر وساق معاذ بن معاذ (مثله) أي مثل ما حدث محمد بن جعفر ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال.

4942 - (0) (0) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأحْوَصِ. ح وَحَدَّثنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا، عَنْ جَرِيرٍ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاةِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثهِمْ. 4943 - (0) (0) وحدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ). حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4942 - (0) (0) (حدثنا قتيبة بن سعيد وهناد بن السري) بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي ثقة من (10) (قالا) أي قال كل من قتيبة وهناد (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الواسطي (ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعًا) أي كلاهما رويا (عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من أبي الأحوص وجرير بن عبد الحميد وريا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا تقريبًا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته غرضه بسوقهما بيان متابعة منصور لمطرف وداود بن أبي هند وفراس بن يحيى وزبيد بن الحارث في الرواية عن الشعبي (قال) البراء (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر) في المدينة (بعد الصلاة) أي بعد صلاة العيد (ثم ذكر) منصور بن المعتمر (نحو حديثهم) أي نحو حديث أولئك الأربعة المذكورين الذين بيناهم ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في هذا الحديث فقال. 4943 - (0) (0) (وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا (حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل) اسمه محمد بن الفضل وعارم لقبه السدوسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم أبو بشر البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عاصم) بن سليمان التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (4) روى عنه في (17) بابا (عن الشعبي) قال (حدثني البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة

قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ نَخْرٍ. فَقَال: "لَا يُضَحِّيَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ" قَال رَجُلٌ: عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ هِيَ خيرٌ مِنْ شَاتَي لَحْمٍ. قَال: "فَضَحِّ بِهَا. وَلَا تَجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". 4944 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أبِي جُحَيفَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَال: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَبْدِلْهَا" فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عاصم الأحول لمن روى عن الشعبي (قال) البراء (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالمدينة (في يوم نحر فقال) في خطبته (لا يضحين) بضم الياء وتشديد الحاء المكسورة من التضحية أي لا يذبحن (أحد) منكم الأضحية (حتى يصلي) صلاة العيد (قال رجل) من الحاضرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بردة بن نيار (عندي عناق لبن) والعناق الأنثى من أولاد المعز أي عندي عناق قريبة عهد بارتضاع لبن أمها وهذا كناية عن صغر سنها (هي) أي تلك العناق (خير) أي أفضل وأحسن لسمنها وطيب لحمها (من شاتي لحم) أي من شاتين كبيرتين تذبحان لأكل لحمها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسم لذلك الرجل (فضح بها) أي فاذبح بها لأضحيتك (و) لكن (لا تجزي جذعة) أي لا تكفي جذعة من المعز (عن أحد بعدك) فإجزاؤها في الأضحية رخصة خاصة بك. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثامنًا في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال. 4944 - (0) (0) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر حدثنا شعبة عن سلمة) بن كهيل الحضرمي أبي يحيى الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (12) بابا (عن أبي جحيفة) مصغرًا وهب بن عبد الله السوائي بضم المهملة ومد الواو الكوفي مشهور بكنيته ويقال له وهب الخير من صغار الصحابة رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي جحيفة للشعبي ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) البراء (ذبح) خالي (أبو بردة) بن نيار الأضحية (قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد (فقال) له (النبي صلى الله عليه وسلم أبدلها) أي اذبح بدلها فإن ذبيحتك قبل الصلاة لا تجزئ في الأضحية (فقال)

يَا رَسُولَ اللهِ، لَيسَ عِنْدِي إلا جَذَعَةٌ (قَال شُعْبَةُ: وَأَظُنُّهُ قَال) وَهِيَ خَيرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلْهَا مَكَانَهَا. وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". 4945 - (0) (0) وحدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّكَّ فِي قَوْلِهِ: هِيَ خَيرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. 4946 - (0) (0) وحدَّثني يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَعَمْرٌو ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو بردة (يا رسول الله ليس عندي إلا جذعة) من المعز (قال شعبة وأظنه) أي وأظن سلمة بن كهيل (قال) عندما روي لي هذا الحديث لفظة (وهي) أي تلك الجذعة (خير) أي أفضل (من مسنة) أي من كبيرة كمل لها سنة لسمنها وطيب لحمها وفي هذا حجة لمالك وأصحابه في أن المعتبر في الضحايا طيب اللحم لا كثرته فشاة سمينة خير من شاتي لحم (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلها) أي اجعل تلك الجذعة واذبحها (مكانها) أي بدل تلك الذبيحة التي ذبحتها قبل الصلاة (ولن تجزي) جذعة (عن أحد بعدك) فالأضحية بها خاصة بك ثم ذكر المؤلف المتابعة تاسعًا فقال. 4945 - (0) (0) (وحدثناه ابن المثنى حدثني وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو العباس البصري ثقة من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر العقدي) عبد الملك بن عمرو القيسي البصري ثقة من (9) كلاهما قالا أي كل من وهب بن جرير وأبي عامر العقدي قال (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن أبي جحيفة عن البراء غرضه بيان متابعة وهب وأبي عامر لمحمد بن جعفر (و) لكن (لم يذكرا) أي لم يذكر وهب ولا أبو عامر (الشك) أي شك شعبة (في قوله) أي في قول سلمة لفظة (هي خير من مسنة) كما ذكر محمد بن جعفر وفي أغلب نسخ المتن ولم يذكر بالإفراد فالضمير يرجع حينئذ إلى الأول من المتقارنين وهو وهب بن جرير أو إلى الثاني لأنه أقرب مذكور وهو الذي يقتضيه عبارة الذهني فيما كتبه على الهوامش فإنه قال يعني أن أبا عامر لم يذكر في روايته عن شعبة قال شعبة وأظنه قال إلخ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جندب بن عبد الله بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4946 - (1917) (249) (وحدثني يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وعمرو) بن

النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو) قَال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ النَّحْرِ: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبلَ الصَّلاةِ، فَلْيُعِذ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، فذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ. وَذَكَر هَنَةً مِنْ جِيرَانِهِ. كَان رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَدَّقَهُ. قَال: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَي لَحْمٍ. أَفأذْبَحُهَا؟ قَال: فَرَخَّصَ لَهُ. فَقَال: لَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ رُخْصَتُهُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ـابن علية واللفظ) الآتي (لعمرو) الناقد (قال) عمرو (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي (عن أيوب) السختياني (عن محمد) بن سيرين البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر) بالمدينة (من كان ذبح) أضحيته (قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد (فليعد) ذبحه مرة ثانية بعد الصلاة لأن الأولى لن تجزئ له لأنها وقعت قبل وقتها (فقام رجل) من المسلمين هو أبو بردة بن نيار خال البراء السابق ذكره في حديثه (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله هذا يوم يشتهى فيه اللحم) في أول النهار لقلة اللحم فيه ويكره فيه اللحم في آخره لكثرته فعجلت أضحيتي لتكون طعمة لأهلي وجيراني (وذكر) ذلك الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (هنة) أي فقرًا وحاجة (من جيرانه) إلى اللحم أي ذكر له أن جيرانه يحتاجون إلى اللحم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) قبل عذره و (صدقه) فيما أخبره من حاجة جيرانه ثم (قال) ذلك الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (وعندي) يا رسول الله (جدعة) من المعز (هي أحب إلي) أي عندي (من شاتي لحم) لسمنها وطيب لحمها (أ) تجزئ عن تلك الجذعة (فأذبحها) في أضحيتي أم لا (قال) أنس (فرخص) أي فأذن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة (له) وتسهيلًا عليه في ذبحها (فقال) أنس (لا أدري) ولا أعلم (أبلغت) وشملت "رخصته" أي رخصة النبي صلى الله عليه وسلم له في ذبح الجذعة (من سواه) من المسلمين (أم لا) أي أم لم تبلغ ولم تشمل غيره فتكون خاصة ولكن صرح في حديث البراء أنها خاصة به حيث قال "ولا تجزي جذعة عن أحد

قَال: وَانْكَفَأ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَينِ فَذَبَحَهُمَا. فَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيمَةٍ. فَتَوَزَّعُوهَا. أَوْ قَال: فَتَجَزَّعُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدك" وكأن أنسًا لم يطلع على أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح لأبي بردة أن جواز الجذعة خصوصية له وليس حكمًا عامًّا لجميع المسلمين (قال) أنس (وانكفأ) أي مال وانعطف (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورجع من المصلى (إلى كبشين) تثنية كبش وهو ذكر الضأن وفحله (فذبحهما) بيده الشريفة (فقام الناس) الذين معه (إلى غنيمة) مصغرًا (فتوزعوها) أي اقتسموها بينهم (أو قال) أنس (فتجزعوها) شك من الراوي ومعنى كليهما واحد والتوزع التفرق والتجزع من المجزع وهو القطع والمراد أنهم اقتسموها فيما بينهم والغنيمة تصغير غنم صغيرها إشارة إلى قلتها يعني أن الناس عمدوا إلى قطيع من المغنم فاقتسموها بينهم لعلهم يضحوا بها. قوله "من كان ذبح قبل الصلاة فليعد" قال النووي أما وقت الأضحية فينبغي أن يذبحها بعد صلاته مع الإمام وحينئذ تجزئه بالإجماع قال ابن المنذر وأجمعوا على أنها لا تجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر واختلفوا فيما بعد ذلك فقال الشافعي وآخرون يدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر الصلاة وخطبتين سواء صلى الإمام وذبح أم لا وصلى المضحي أم لا وهذا سواء في أهل الأمصار والقرى وقال أبو حنيفة وعطاء يدخل وقتها في حق أهل القرى إذا طلع الفجر الثاني ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب فإن ذبح قبل ذلك لم يجزه وقال مالك لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه وقال أحمد لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام اهـ باختصار وبقية المباحث يطلب من الفقه قال ابن ملك استدل بهذا الحديث أبو حنيفة على أن الأضحية واجبة ووقتها بعد الصلاة في المصر وقال الشافعي إنها سنة ووقتها بعد ارتفاع الشمس صلى الإمام أو لا والحديث حجة عليه اهـ ذهني. "قوله أحب من شاتي لحم" فإن قلت كيف تكون واحدة خيرًا من أضحيتين بل العكس أولى كما في صورة الإعتاق فإن إعتاق رقبتين خير من إعتاق واحدة ولو كانت أنفس منهما "أجيب" بأن المقصود من الضحايا طيب اللحم وكثرته فشاة سمينة أفضل من هزيلتين وأما العتق فالمقصود منه التقرب إلى الله تعالى بفك رقبة فيكون عتق الإثنين أفضل من عتق الواحدة نعم إن عرض للواحد وصف يقتضي رفعته على غيره كالعلم

4947 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. حَدَّثنَا أَيُّوبُ وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ أَنْ يُعِيدَ ذِبْحًا. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. 4948 - (0) (0) وحدَّثني زِيَادُ بْنُ يَحْيى ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنواع الفضل المتعدي فذهب بعض المحققين إلى أنه أفضل لعموم نفعه للمسلمين اهـ من الإرشاد. قوله "وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبشين" إلخ فيه من الفقه استحباب العدد في الأضاحي ما لم يقصد المباهاة وأن المضحي يلي ذبح أضحيته بنفسه لأنه المخاطب بذلك ولأنه من باب التواضع وكذلك الهدايا ولو استتاب مسلمًا جاز اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في الأضاحي باب سنة الأضحية (5546) والنسائي في الضحايا (4396) وابن ماجه في الأضاحي (3189) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4947 - (0) (0) (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب (الغبري) بضم المعجمة وفتح الموحدة المخففة نسبة إلى غبر بن غنم أبي قبيلة ثقة من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) (حدثنا أيوب) السختياني (وهشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري ثقة من (6) (عن محمد) بن سيرين (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لابن علية في الرواية عن أيوب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى) العيد (ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحًا) بكسر الذال وسكون الموحدة فهو فعل بمعنى مفعول نظير قوله تعالى {وَفَدَينَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} كما قال ابن مالك في لاميته "والنسي عن وزن مفعول وما عملا" أي وأمر من ذبح قبل الصلاة أن يعيد ويبدل ذبيحته الأولى حيوانًا يذبحه في أضحيته (ثم ذكر) حماد بن زيد (بمثل حديث ابن علية) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4948 - (0) (0) (وحدثني زياد بن يحيى) بن زياد بن حسان النكري بضم أوله

الْحَسَّانِيُّ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ (يَعْنِي ابْنَ وَرْدَانَ). حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أَضْحَى. قَال: فَوَجَدَ رِيحَ لَحْمٍ. فَنَهَاهُم أَنْ يَذبَحُوا. قَال: "مَنْ كَانَ ضَحَّى، فَلْيُعِدْ" ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون ثانيه نسبة إلى نكرة بطن من بطون العرب (الحساني) نسبة إلى جده المذكور أبو الخطاب العدني ثقة من (10) (حدثنا حاتم يعني ابن وردان) السعدي أبو صالح البصري ثقة من (8) (حدثنا أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة حاتم بن وردان لإسماعيل بن علية وحماد بن زيد (قال) أنس (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى) أي يوم النحر (قال) أنس (فوجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ريح لحم) مطبوخ (فنهاهم) أي نهى الناس (أن يذبحوا) أضحيتهم قبل الصلاة ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان ضحى) أي من كان ذبح أضحيته قبل الصلاة (فليعد) تضحيته بذبح ذبيحة أخرى بعد الصلاة (ثم ذكر) حاتم بن وردان (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث ابن علية وحماد بن زيد وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث جندب بن سفيان ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والثاني حديث البراء بن عازب ذكره للاستشهاد وذكر فيه تسع متابعات والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

654 - (47) باب سن الأضحية واستحباب ذبحها بنفسه والتسمية والتكبير وجواز الذبح بكل ما أنهر الدم

654 - (47) باب سن الأضحية واستحباب ذبحها بنفسه والتسمية والتكبير وجواز الذبح بكل ما أنهر الدم 4949 - (1918) (250) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَذبَحُوا إلا مُسِنَّةً. إلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيكُمْ. فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضأْنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 654 - (47) باب سن الأضحية واستحباب ذبحها بنفسه والتسمية والتكبير وجواز الذبح بكل ما أنهر الدم 4949 - (1918) (250) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) التميمي الكوفي (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي (حدثنا أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أيها الناس (لا تذبحوا إلا مسنة) قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال اهـ نووي قال ابن ملك الثنية من الضأن والمعز بنت سنة ومن البقر بنت سنتين ومن الإبل بنت خمس سنين اهـ. وقال في الأزهار النهي في قوله لا تذبحوا للحرمة في الأجزاء وللتنزيه في العدول إلى الأدنى وهو المقصود في الحديث بدليل قوله (إلا أن يعسر) ويشق (عليكم) ذبح المسنة والعسر قد يكون لغلاء ثمنها وقد يكون لفقدها وعزتها اهـ من المرقاة (فتذبحوا) إذا عسر عليكم مسنة من الضأن (جذعة من الضأن) وقد أجمع الفقهاء على أن الجذع إنما يجزئ من الضان ولا يجزئ في المعز والبقر والإبل وإنما يجب فيها الثني لا غير وقال إبراهيم الحربي إنما أجزأ الجذع من الضأن دون الجذع من المعز لأنه ينزو فيلقح وأما الجذع من المعز فلا يلقح حتى يكون ثنيًا حكاه ابن قدامة في المغني (8/ 623). ثم اختلف الفقهاء في تفسير الجذع والثني فالجذع من الضان والمعز عند الحنفية والحنابلة ابن ستة أشهر والثني منهما ما تم له سنة ودخل في الثانية وأما عند الشافعي رحمه الله تعالى فالجذع من الضأن والمعز ما استكمل سنة وطعن في الثانية ولو أجذع قبل تمام السنة أي سقطت أسنانه أجزأ كما في الإقناع للخطيب الشربيني (2/ 259) وما ذهب إليه الشافعي في تفسير الجذع هو المشهور عند المالكية كما في شرح الأبي (5 /

4950 - (1919) (251) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ. فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا. وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَحَرَ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ، أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ. وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4951 - (1920) (252) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 294) وأما الجذع والثني من البقر والإبل فلا خلاف فيهما فالثني من البقر ما تم له سنتان ومن الإبل ما تم له خمس سنين وما دون ذلك جذع وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الضحايا (2797) والنسائي في الضحايا (4378) وابن ماجه في الأضاحي (3179) ثم استشهد المؤلف لحديث جابر هذا بحديث آخر له فقال. 4950 - (1919) (251) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري (أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته أي سمع جابرًا (يقول صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر) صلاة العيد (بالمدينة فتقدم) عليه (رجال) من أصحابه (فنحروا) أضاحيهم قبل النبي صلى الله عليه وسلم (و) الحال أنهم قد (ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر) أضحيته (فـ) ـلما سمعهم النبي صلى الله عليه وسلم (أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله) صلى الله عليه وسلم (أن يعيد) نحره (بنحر) حيوان (آخر) غير التي ذبحها أولًا (و) أمرهم أن (لا ينحروا) في المستقبل والجملة معطوفة على قوله أن يعيد (حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا مما يحتج به مالك في أنه لا يجزي في الذبح إلا بعد ذبح الإمام كما سبق في مسألة اختلاف العلماء في ذلك والجمهور يتأولونه على أن المراد زجرهم عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل الوقت اهـ نووي وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4951 - (1920) (252) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا

مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا. فَبَقِيَ عَتُودٌ. فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "ضَحِّ بِهِ أَنْتَ". قَال قُتَيبَةُ: عَلَى صَحَابَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء المصري عالمها ثقة فقيه من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبي الخبر) مرثد بن عبد الله الحميري اليزني المصري ثقة فقيه من (3) (عن عقبة بن عامر) الجهني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه) أي سلم لعقبة (غنمًا يقسمها) أي يوزعها (على أصحابه) صلى الله عليه وسلم ليضحوا بها (ضحايا) والغنم يشمل الضأن والمعز ويحتمل أن تكون من مال النبي صلى الله عليه وسلم وأن تكون من الغنيمة ومال القرطبي إلى الثاني والضمير في يقسمها يحتمل أن يكون عائدًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى عقبة قلت ورجح العيني الأول قوله "يقسمها ضحايا" قال ابن المنير يحتمل أن يكون المراد أنه أطلق عليها ضحايا باعتبار ما يؤول إليه الأمر ويحتمل أن يكون عينها للأضحية ثم قسمها بينهم ليحوز كل واحد نصيبه فيؤخذ منه جواز قسمة لحم الأضحية بين الورثة ولا يكون ذلك بيعًا وهي مسألة خلاف عند المالكية كذا في فتح الباري (5/ 10) (فبقي) بعد قسمتها بينهم في يد عقبة (عتود) والعتود بفتح العين صغير ولد المعز وهو في سن الجذع وفي الرواية الآتية تصريح بكونه جذعًا وفي النهاية العتود بفتح العين المهملة الصغير من أولاد المعز إذا قوي وأتى عليه حول وعلى هذا تضحيته به موافق لمذهب الحنفية كذا في المرقاة ولكن زاد البيهقي في روايته بهذا الحديث "ولا رخصة لأحد فيها بعدك" وهي تشعر أنه لم يبلغ درجة الإجزاء فعلى هذا يختص بعقبة والله أعلم (فدكره) أي فذكر ذلك العتود (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقبة (ضح به) أي بذلك العتود (أنت) يا عقبة أي اذبحها أضحية لك وكانت هذه رخصة لعقبة بن عامر كما كان مثلها رخصة لأبي بردة بن نيار المذكور في حديث البراء بن عازب (قال قتيبة) بن سعيد في روايته لفظة (على صحابته) والذي قال "على أصحابه" هو

4952 - (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ بَعْجَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ. قَال: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِينَا ضَحَايَا، فَأَصَابَنِي جَذَعٌ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ أَصَابَنِي جَذَعٌ. فَقَال: "ضَحِّ بِهِ". 4953 - (0) (0) وحدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ). أَخْبَرَنَا مُعَاويَةُ (وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ). حَدَّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن المهاجر وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (4/ 449) والبخاري (5555) والترمذي (1500) والنسائي (7/ 218) وابن ماجه (3138) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عقبة رضي الله عنه فقال. 4952 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) البصري ثقة من (7) (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5) (عن بعجة) بفتح الموحدة وسكون العين بن عبد الله بن بدر (الجهني) المدني روى عنه في (2) وله عند البخاري هذا الحديث الواحد فقط كما في فتح الباري (10/ 4) وذكره مسلم في الطبقة الأولى من أهل المدينة ثقة من (3) (عن عقبة بن عامر الجهني) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة بعجة لأبي الخير (قال) عقبة (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا) معاشر الصحابة (ضحايا) فيه مجاز الأول (فأصابني) أي حصل لي في القسم (جذع) من المعز (فقلت يا رسول الله إنه) أي إن الشأن والحال (أصابني) في هذا القسم (جذع) أي صغير من ولد المعز فهل يجزئ لي في الأضحية به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ضح به) أنت خاصة ولن يجزئ عن أحد بعدك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال. 4953 - (0) (0) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) (حدثنا يحيى يعني ابن حسان) بن حيان البكري أبو زكرياء البصري ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا معاوية وهو ابن سلام) بن أبي سلام ممطور الحبشي أبو سلام الدمشقي الحمصي ثقة من (7) (حدثني

يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. أَخْبَرَنِي بَعْجَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ أَخبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ ضَحَايَا بَينَ أَصْحَابِهِ. بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. 4954 - (1921) (253) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَينِ أَمْلَحَينِ أَقْرَنَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى بن أبي كثير أخبرني بعجة بن عبد الله) بن بدر الجهني (أن عقبة بن عامر) الجهني رضي الله عنه (أخبره) أي أخبر لبعجة وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معاوية بن سلام لهشام الدستوائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم ضحايا بين أصحابه) وساق معاوية بن سلام (بمثل معناه) أي بمثل معنى حديث هشام الدستوائي ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال. 4954 - (1921) (253) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين) تثنية كبش وهو الذكر الفحل من الضأن إذا أثنى أو إذا خرجت رباعيته وفيه إشارة إلى أن الذكر أفضل من الأنثى فإن لحمه أطيب اهـ مرقاة وهو قول أحمد وحكى الرافعي فيه قولين عن الثافعي أحدهما عن نصه في البويطي الذكر لأن لحمه أطيب وهذا هو الأصح والثاني أن الأنثى أولى قال الرافعي وإنما يذكر ذلك في جزاء الصيد عند التقويم والأنثى أكثر قيمة فلا يفدى بالذكر أو أراد الأنثى التي لم تلد اهـ قسطلاني. (أملحين) تثنية أملح قال ابن الأعرابي وغيره الأملح هو الأبيض الخالص البياض وبه تمسك الشافعية في تفصيل الأبيض في الأضحية وقال الأصمعي هو الأبيض ويشوبه شيء من السواد وقيل هو الذي يعلو بياضه حمرة وقال الخطابي هو الأبيض الذي في خلال صوفه طبقات سود وقيل هو الأبيض الذي بياضه كبياض الملح وقيل هو الذي ينظر في سواد ويأكل في سواد ويبرك في سواد أي إن هذه المواضع منها سود وما عداها أبيض واختار ذلك لحسن منظره وشحمه وطيب لحمه لأنه نوع يتميز عن جنسه اهـ من الإرشاد ففيه ما يدل على أن المضحي ينبغي أن يختار الأفضل نوعًا والأكمل خلقًا والأحسن شية اهـ مفهم. (أقرنين) لكل واحد منهما قرنان حسنان قال العلماء فيستحب الأقرن اهـ نووي

ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ. وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. 4955 - (0) (0) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأقرن هو الطويل القرن وهو أفضل ولا خلاف في جواز الأجم وهو الذي لا قرن لي خلقة واختلف في المكسورة القرن فالجمهور على الجواز إلا أن يبلغ الكسر إلى المخ فإنه لا يجوز لأنه يؤدي إلى خلل في الدماغ وأخرج أبو عوانة هذا الحديث من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة فزاد فيه السمينين وفيه استحباب التضحية بالسمين وعلق البخاري عن أبي أمامة بن سهل "كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون" ووصله أبو نعيم في المستخرج (ذبحهما) أي ذبح النبي صلى الله عليه وسلم الكبشين (بيده) الشريفة وفيه استحباب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بنفسه إذا أحسن الذبح ولا يوكل في ذبحها إلا لعذر وحينئذ يستحب له أن يشهد ذبحها وإن استناب فيها مسلمًا جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيًّا أجزأه ويكره عند الحنفية والشافعية ولا يجوز استنابة المجوسي ولا يجزئ ذبحه عن الأضحية لأنه ليس له كتاب معلوم وإن أقر بالجزية كما في رد المحتار (6/ 328) بتصرف (وسمى وكبر) أي قال باسم الله والله أكبر كما يأتي التصريح به في الرواية الآتية قريبًا قال في المرقاة الواو في وكبر لمطلق الجمع فإن التسمية من قبل الذبح ثم اعلم أن التسمية شرط عند الأحناف والتكبير مستحب عند الكل اهـ وفي النووي فيه إثبات التسمية على الضحية وسائر الذبائح وهذا مجمع عليه لكن هل هو شرط أم مستحب فيه خلاف اهـ وهو شرط عند الحنفية ومستحب عند الشافعية والله أعلم (ووضع) النبي صلى الله عليه وسلم (رجله) أي قدمه الشريفة يعني القدم اليسرى (على صفاحهما) أي على صفحة عنقهما وهي جانبه وإنما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه وفي المرقاة الصفاح جمع صفح يفتح فسكون وقيل جمع صفحة وهو عرض الوجه وقيل نواحي عنقها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 115) والجاري في مواضع كثيرة منها في الأضاحي (5554) وأبو داود في الضحايا (2793 و 2794) والترمذي في الأضحية (1527) والنسائي في الضحايا (4385 و 4388) وابن ماجه في الأضاحي (3157) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4955 - (0) (0) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا وكيع عن شعبة عن

قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَينِ أَمْلَحَينِ أَقْرَنَينِ. قَال: وَرَأَيتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ. وَرَأَيتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. قَال: وَسَمَّى وَكَبَّرَ. 4956 - (0) (0) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أخْبَرَنِي قَتَادَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. قَال: قُلْتُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ قتادة عن أنس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة (قال) أنس (ضحى) بتشديد الحاء المهملة من التضحية (رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحبن أقرنبن قال) أنس (ورأينه) صلى الله عليه وسلم (يدبحهما بيده) الشريفة (ورأيته) صلى الله عليه وسلم (واضعًا قدمه) الأيسر (على صفاحهما) أي على صفحة أعناقهما أي جانبيهما وصفحة كل شيء جانبه وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له ولئلا يضطرب الكبش وتذهق يد الذابح وهذا أصح من الحديث الذي ورد بالنهي عن ذلك هـ من الأبي وفي هذا الحديث إشارة إلى المضحي يستحب له أن يذبح ضحيته بيده إن كان يعرف آداب الذبح ويقدر عليه وإلا فليحضر عند الذبح للخبر الحسن فيه (قال) أنس (وسمى) النبي صلى الله عليه وسلم (وكبر) أي قال بسم الله والله أكبر ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال. 4956 - (0) (0) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الجهيمي بضم ففتح فسكون أبو عثمان البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا شعبة أخبرني قتادة قال) قتادة (سمعت أنسًا يقول) رضي الله عنه وهذ السند من خماسياته غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لوكيع بن الجراح (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق خالد (بمثله) أي بمثل حديث وكيع (قال) شعبة (قلت) لقتادة (آنت سمعته) أي هل أنت سمعت هذا الحديث (من أنس قال) قتادة لشعبة (نعم) سمعته من أنس سأله شعبة استثباتًا لأن قتادة كان مدلسًا ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال.

4957 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيرَ أنَّهُ قَال: ويقُولُ: "بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكَبَرُ". 4958 - (1922) (254) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ. قَال: قَال حَيوَةُ: أخْبَرَنِي أبُو صَخْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أقْرَنَ، يَطَأُ فِي سَوَادٍ، ويبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4957 - (0) (0) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة من (9) (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري ثقة من (6) (عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج وساق سعيد (بمثله) أي بمثل حديث شعبة (غير أنه) أي لكن أن سعيدًا (قال) في. روايته لفظة (ويقول) النبي صلى الله عليه وسلم لفظة (باسم الله والله أكبر) وهذا بيان لمحل المخالفة بين سعيد وشعبة ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال. 4958 - (1922) (254) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (قال) ابن وهب (قال حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (أخبرني أبو صخر) حميد بن زياد المدني الخراط صدوق يهم من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن يزيد) بن عبد الله (بن قسيط) مصغرًا الليثي المدني الأعرج ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن عروة بن الزبير عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر) أن يؤتى (بكبش أقرن) أي أمر من عنده أن يأتوه من ماله بكبش ذي قرن لكونه أفضل من الأجم (يطأ) ذلك الكبش أي يدب ويمشي (في سواد) أي في عضو ذي سواد فيه إشارة إلى سواد رجليه (ويبرك) من البروك وهو الجلوس على الركبتين أي يبرك ويضطجع على عضو ذي سواد فيه إشارة إلى سواد ركبتيه (في سواد وينظر) أي يبصر (في سواد) أي في عضو ذي سواد فيه إشارة إلى سواد ما حول عينيه قال القرطبي ومعنى "يطأ في سواد" أي أسود

فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ. فَقَال لَهَا: "يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ". ثُمَّ قَال: "اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" فَفَعَلَتْ. ثُمَّ أَخَذَهَا. وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ. ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَال: "بَاسْمِ اللهِ. اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ. وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ" ثُمَّ ضَحَّى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القوائم "ويبرك في سواد" أي في بطنه سواد "وينظر في سواد" أي ما حول عينيه أسود اهـ وقال النووي ومعنى هذا الكلام أن قوائمه وبطنه وما حول عينه أسود والله أعلم أي أمر أن ينتخب له كبش على هذه الشية لأنها أحسن الشيات (فأتي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي بالكبش الذي على تلك الشية وقوله (ليضحي به) متعلق بيؤتى المقدر أي أمر بأن يؤتى بكبش أقرن ليضحي به عن نفسه وأهله (فقال) صلى الله عليه وسلم (لها) أي لعائشة (يا عائشة هلمي) أي هاتي (المدية) أي السكين والمدية بضم الميم وكسرها يجمع على مدى كغرفة وغرف وعلى مدى كقربة وقرب (ثم) بعدما أتت بالسكين (قال) لها (اشحذيها) أي حديها (بحجر) السن وفيه جواز الإستعانة بالغير في الذبح أي اجعلي المدية حادة بالحجر وهو بفتح الحاء المهملة وكسر الذال من الشحذ وهو الحد ومنه قوله: - قيا حجر الشحذ حتى متى ... تسن الحديد ولا تقطع وفيه الأمر بحد آلة الذبح كما قال في الحديث الآخر "إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" وهو من باب الرفق بالبهيمة بالإجهاز عليها وترك التعذيب فلو ذبح بسكين كالة أو بشيء له حد وإن لم يكن مجهزًا بل معذبًا فقد أساء ولكنه إن أصاب سنة الذبح لم تحرم الذبيحة وبئس ما صنع إلا إذ لم يجد إلا تلك الآلة اهـ من المفهم (ففعلت) عائشة ما أمرها به من شحذ المدية (ثم) أتته بها فـ (ـأخذها) منها (وأخذ الكبش) أي أمسكه (فأضجعه) على الأرض على جنبه الأيسر (ثم ذبحه ثم قال باسم الله) فيه تقديم وتأخير والأصل فأخذ الكبش فاضجعه ثم ذبحه قائلًا باسم الله (اللهم تقبل من محمد ويل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى) أي نوى التضحية (به) أي بذلك الكبش ولفظة ثم مؤولة هنا على ما ذكرته بلا شك وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق بها وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع المسلمون عليه واتفق العلماء وعمل المسلمين على أن إضجاعها على جانبها الأيسر لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار اهـ نووي

4959 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو الْعَدُوِّ غَدًا. وَلَيسَتْ مَعَنَا مُدًى. قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَعْجِلْ، أَوْ أَرْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ "قلت" ليس في الكلام تقديم ولا تأخير بل الكلام على موضعه ولكن لفظة ثم في قوله "ثم قال" وقوله "ثم ضحى به" ليست على بابها بل هي في الموضعين بمعنى الواو حالية والمعنى أخذ الكبش فأضجعه ثم شرع في ذبحه حالة كونه قائلًا بلسانه بسم الله اللهم تقبل إلخ وناويًا بقلبه التضحية به هكذا ظهر للفهم السقيم والله أعلم وشارك المؤلف في رواية هذ الحديث أحمد (6/ 78) وأبو داود (2792) ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال. 4959 - (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري قال سفيان (حدثني أبي) سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن عباية) بفتح العين المهملة والياء المخففة (بن رفاعة) بكسر الراء (بن رافع بن خديج) الأنصاري الزرقي أبي رفاعة المدني ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن) جده (رافع بن خديج) بن رافع بن عدي بن يزيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته قال رافع بن خديج (قلت يا رسول الله إنا) معاشر الصحابة (لاقوا العدو) أي ملتقوا الكفار للقتال (غدًا) اسم لليوم الذي بعد يومك الذي أنت فيه أي نحن عازمون على لقاء العدو غدًا ومصيبو نهب إبل وغنم (وليست معنا مدى) أي سكاكين ذبح ونحر إلا السيوف والأسنة فإذا استعملنا آلة الحرب في التذكية ربما كلت وخرجت على صلاحيتها للقتال فهل يجوز لنا الذبح بغير محدد السلاح كالقصب والحجر والخشب فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي الجواز حيث (قال صلى الله عليه وسلم) لهم في جواب سؤالهم نعم يجوز الذبح بمحدد يقطع غير السلاح كالحجر والقصب ولكن (أعجل) بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أسرع الذبح به وإمراره على المذبح لئلا يموت حتفًا والمعنى أن لك أن تختار للذبح شيئًا غير السكين مما يعجل به الذبح (أو) قال (أرني) بفتح الهمزة وسكون الراء للتحقيق وكسر النون مع

مَا أَنْهَرَ الدَّمَ. وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُل. لَيسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ. وَسَأُحَدِّثُكَ. أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ. وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادة الياء في آخره كما في رواية مسلم وأو للشك كما قاله القرطبي وروي "أرن" بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون وروي "أرن" بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر النون بلا ياء قال الخطابي صوابه (أأرن) على وزن أعجل وهو بمعناه وهو من النشاط والخفة أي أعجل ذبحها بغير السلاح لئلا تموت حتفًا (ما أنهر الدم) في الكلام حذف مضاف أي ذبحة ما أسال الدم وصبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر يقال نهر الدم وأنهرته (وذكر اسم الله) قال النووي هكذا هو في النسخ كلها وفيه محذوف أي وذكر اسم الله عليه أو معه فما اسم موصول في محل الرفع على الابتداء وجملة ذكر معطوف على أنهر ويصح كونها في محل النصب على أنها مفعول مقدم لكل ويصح كونها شرطية والفاء في قوله (فكل) رابطة الخبر بالمبتدأ لما في المبتدأ من العموم أو للجواب بشرطه أي ذبيحة ما أنهر الدم وذكر اسم الله معه فكلها (ليس) ذلك المنهر (السن والظفر) منصوبان على الاستثناء بليس (وسأحدثك) عن حكمة منع الذبح بهما فأقول (أما السن فعظم) كسائر العظام قال البيضاوي هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم والتقدير أما السن فعظم وكل عظم لا يحل الذبح به وطوى النتيجة لدلالة الاستثناء عليه وقال النووي معنى الحديث لا تذبحوا بالعظام فإنه تنجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيسها لأنها زاد إخوانكم من الجن (وأما الظفر فمدى الحبشة) أي سكينهم وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بالكفار قاله ابن الصلاح وتبعه النووي. "قوله أولًا إنا لاقوا العدو غدًا وليست معنا مدى" ومعنى هذا السؤال أنهم لما كانوا عازمين على قتال العدو صانوا ما عندهم من السيوف والأسنة وغير ذلك عن استعمالها في الذبح لأن ذلك ربما يفسد الآلة أو يعيبها أو نقص قطعها ولم تكن لهم سكاكين صغار معدة للذبح فسألوا هل يجوز لهم الذبح بغير محدد السلاح فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي الجواز ودخل في عموم الجواب أن كل آلة تقطع ذبحًا أو نحرًا فالذكاة بها مبيحة للذبيحة والحديد المجهز أولى ولا يستثنى من الآلات شيء إلا السن والظفر على ما سيأتي اهـ من المفهم ويحتمل أن يكون مراده بهذا السؤال أنهم إذا لقوا العدو صاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه وكرهوا أن يذبحوا بسيوفهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لئلا يضر ذلك بحدها فسأل الذي يجزئ في الذبح بغير السكين والسيف فلذلك زاد في رواية للبخاري "أفنذبح بالقصب" "قوله ليست معنا مدى" جمع مدية وهو السكين كما مر "قوله أعجل" أي أعجل ذبحها بكل ما يقطع أيًا كان والمراد أن لك أن تختار للذبح شيئًا غير السكين مما يعجل به الذبح سواء كان من تصب أو حجر أو مروة أو غيرها قوله "أو أرني" اختلف الشراح في ضبط هذه الكلمة وتفسيرها إختلافًا كثيرًا نذكره فيما يلي الأول منها "أرن" بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون بوزن أطع أمر من الإرانة وهو الهلاك يقال أران القوم إذا هلكت مواشيهم فيكون معناه أهلكها بكل ما يقطع ذبحًا أو نحرًا ولكن حمله على هذه اللغة فيه بعد وتعسف لأن الإرانة لازم والفعل هنا متعد إلا أن يقال ضمنها معنى أهلك الثاني "أرن" بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر النون على وزن أعط وهو أمر من رنا يرنو إذا أدام النظر إلى شيء والمعنى أدم الحز والذبح بكل ما يقطع ولا تفتر فيه. والثالث "أرني" بفتح الهمزة وكسر الراء ونون الوقاية أمر من الإراءة والمعنى أرني ما تريد أن تذبح به الحيوان لأخبرك عن حكمه هل يجوز به الذبح أولًا وهو اختيار الأصيلي كما حكى عنه الحافظ في الفتح قال القرطبي وعلى ضبط الأصيلي يبعد أن تكون أو للشك بل الجمع بمعنى الواو على المذهب الكوفي فإنه طلب الاستعجال وأن يريه دم ما ذبح والرابع "أرني" بسكون الراء وأصله أرني بكسر الراء فهو بمعنى ما قبله إلا أنه أسكنت فيه الراء للتخفيف والخامس "إأرن" بوزن إفهم من أرن يأرن من باب فهم إذا نشط وخف جسمه في العمل والمعنى انشط وأعجل في الذبح بكل ما يقطع لئلا تقتلها خنقًا وذلك أن غير الحديد لا يمور في الذكاة موره ولكن هذا الوجه لا تساعده الرواية على أنه مخالف للقياس الصرفي أيضًا لأن القياس أن يقال إيرن بقلب الهمزة الثانية ياء والسادس أصله "أزز" وقع فيه تصحيف إلى أرن والمعنى شد يدك على النحر والذبح بكل ما يقطع ولا تكن يدك ضعيفة فيه ذكره الخطابي وجعله أقرب الجميع ولكن اعترض عليه العلماء بأنه مخالف للرواية هذا خلاصة ما في شرح النووي وفتح الباري وجامع الأصول لابن الأثير. قوله "ما أنهر الدم" أي أساله وصبه بكثرة والرواية الصحيحة المشهورة "أنهر" بالراء وذكر أبو ذر الخشني "أنهز" بالزاي من النهز والنهز بمعنى الدفع وهذا تصحيف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر فلا يلتفت إليه وقوله "وذكر اسم الله" وهذا ظاهر قوي في كون التسمية شرطًا في الإباحة لأنه قرنها بالذكاة المشترطة وعلق الإباحة عليهما فقد صار كل واحد منهما شرطًا أو جزء شرط في الإباحة وقد تقدم هذا. وقوله "ليس السن والظفر" ليس هنا للاستثناء بمعنى إلا وظاهر هذا أنه لا تجوز الذكاة بهما على كل حال سواء كانا متصلين بالمذكي أو منفصلين عنه قال القاضي أبو الحسن وهو الظاهر من قول مالك من رواية ابن المواز عنه وروى ابن وهب عنه بالجواز مطلقًا وقيل بالفرق بين المتصل منهما فلا تجوز الذكاة به وبين المنفصل فتجوز الذكاة به قاله ابن حبيب فالأول تمسك بالعموم والثاني نظر إلى المعنى لأنه يحصل بهما الذبح وهو ضعيف لأنه تعطيل للاستثناء المذكور في الحديث والثالث تمسك بان الظفر المتصل خنق والسن المتصل نهش وربما جاء ذلك في بعض الحديث والمنفصل ليس كذلك فجازت الذكاة به والصحيح الأول وما عداه فليس عليه معول اهـ من المفهم. وقوله أيضًا "ليس السن والظفر" منصوبان على الاستثناء بليس كما مر ويجوز الرفع أيضًا أي ليس السن والظفر مباحين الوجه الأول أولى لأنه مؤيد بروايات أخرى جاء فيها "إلا سنًّا وظفرًا" والله أعلم قوله "وسأحدثك" إلخ والصحيح أنه مرفوع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وجزم أبو الحسن ابن القطان في الوهم والإيهام بأنه مدرج من رافع بن خديج ورده الحافظ في الفتح وهذا تنبيه على تعليل منع التذكية بالسن لكونه عظمًا فيلزم على هذا تعدية المنع من السن إلى كل عظم من حيث إنه عظم متصلًا كان أو منفصلًا وإليه ذهب النخعي والحسن بن صالح والليث والشافعي وفقهاء أصحاب الحديث وهو أحد أقوال مالك وروي عن مالك التفريق بين السن والعظم فأجازها بالعظم وكرهها بالسن وهو مشهور مذهبه. "قوله أما الظفر فمدى الحبشة" يعني أن الحبشة يذبحون بأظفارهم ولا يستعملون السكاكين في الذبح فمنعنا الشرع من ذلك لئلا نتشبه بهم فقيل إنهم يغرزون أظفارهم في موضع الذبح فتختنق الذبيحة بها وعلى هذا فيكون محل المنع إنما هو الظفر المتصل ويكون حجة لما صار إليه ابن حبيب من ذلك اهـ من المفهم وقد علل بعض العلماء منع الذبح بالسن والظفر بأنه فيه تعذيبًا للحيوان وحاصل جميع هذه العلل أن الذبح بهما مكروه ولكن لو فعل ذلك أحد حصلت الذكاة مع الكراهة إذا كان السن والظفر منفصلين

قَال: وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ. فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ. فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ لِهذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كأَوَابِدِ الْوَحْشِ. فَإذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيءٌ، فَاصْنَعُوا بِهِ هكَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا كانا متصلين لم تحصل بهما الذكاة لأن الموت حينئذ يحصل بالخنق اهـ رد المحتار (5/ 208) (قال) رافع بن خديج (وأصبنا) أي أخذنا (نهب إبل وكنم) أي غنيمة من إبل وغنم وزاد البخاري في الذبائح "وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس" وفي رواية أبي الأحوص "وتقدم سرعان الناس فأصابوا من المغانم" والحاصل أن بعض الصحابة تعجلوا فأصابوا إبلًا وغنمًا كغنيمة من العدو (فند) أي شرد وهرب (منها) أي من تلك الإبل المنهوبة (بعير) واحد فارًا ونافرًا منا (فرماه رجل) من المسلمين (بسهم) وفي تنبيه المعلم الرجل هو رافع بن خديج راوي الحديث ودليله في (خ) وفي (م) بعد هذا من حديثه "فرميناه" وقال الحافظ في الفتح (9/ 627) في (5498) لم أقف على اسم هذا الرامي اهـ. (فحبسه) أي أثبته وأوقفه بسهمه ومنعه من التحرك والنهب هنا بمعنى الغنيمة ومنه قول عباس بن مرداس أتجعل نهبي ونهب العبيد أي حظي من الغنيمة و"ند" بمعنى نفر وشذ عن الإبل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لهذه الإبل أوابد) أي شوارد من الناس (كأوابد) وشوارد (الوحش) من الناس والأوابد جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة وهي التي نفرت من الإنس وتوحشت فصارت غريبة متوحشة ويقال أبدت البقرة تأبد وتأبد من بابي ضرب وقتل وتأبدت الديار إذا توحشت من سكانها والأوابد الوحش وظاهر هذا الحديث أن ما ند من الإنس ولم يقدر عليه جاز أن يذكى بما يذكى به الطير وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا يؤكل إلا بذكاة الإنس بالنحر أو الذبح استصحابًا لمشروعية ذكاته ولأنه كان كان قد لحق بالوحش في الامتناع فلم يلحق بها لا في النوع ولا في الحكم ألا ترى أن ملك مالكه باق عليه وقد اعتذر أصحابنا عن هذا الحديث بمنع ظهور ما ادعي ظهوره من ذلك إذ لم يقل فيه إن السهم قتله وإنما قال حبسه ثم بعد أن حبسه فقد صار مقدورًا عليه فلا يؤكل إلا بالذبح أو النحر ولا فرق بين أن يكون وحشيًّا أو إنسيًّا (فإذا غلبكم منها) أي من هذه الإبل (شيء) وعجزتم عن تذكيته بالنحر (فاصنعوا به) أي بذلك الناد (هكذا) أي مثل ما صنع الرجل بهذا الناد من حبسه

4960 - (0) (0) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيفَةِ مِنْ تِهَامَةَ. فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا. فَعَجِلَ الْقَوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسهم قال القرطبي ونقول بموجبه أن نرميه ونحبسه فإن أدركناه حيًّا ذكيناه وإن تلف بالرمي فهل نأكله أم لا ليس في الحديث تعيين أحدهما فلحق بالمجملات فلا ينهض حجة وحينئذ يبقى متمسك مالك واضح الحجة والله أعلم. وقد استدل المخالف بما رواه الترمذي وأبو داود عن أبي الشعراء عن أبيه "قال قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة قال لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك" رواه أبو داود (2825) والترمذي (1481) قال يزيد بن هارون هذا في الضرورة وقال أبو داود لا يصلح هذا إلا في المتردية والنافرة والمستوحش اهـ من المفهم وأبو العشراء اسمه أسامة بن فهطم ويقال اسمه يسار بن بزر ويقال بلز ويقال اسمه عطارد نسب إلى جده فهذا سند مجهول وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 463) والبخاري (2507) وفي مواضع كثيرة وأبو داود (2821) والترمذي (1491) والنسائي (7/ 226) وابن ماجه (3137) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال. 4960 - (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وكيع حدثنا سفيان بن سعيد بن مسروق) الثوري الكوفي (عن أبيه) سعيد بن مسروق (عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة وكيع ليحيى القطان (قال) رافع (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة) قال الحافظ في الفتح (9/ 625) وذو الحليفة هذا مكان غير ميقات المدينة لأن الميقات في طريق الذاهب إلى المدينة ومن الشام إلى مكة وهذه بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كذا جزم به أبو بكر الحازمي وياقوت ووقع للقابسي أنه الميقات المشهور وكذا ذكر النووي قالوا وكان ذلك عند رجوعهم من الطائف ستة ثمان وتهامة اسم لكل ما نزل من بلاد الحجاز اهـ. (فأصبنا) أي أخذنا (غنمًا وإبلًا) غنيمة من كفار (فعجل القوم) أي استعجل قوم من الصحابة في شأن تلك الغنيمة فذبحوها ونحروها

فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ. فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ. ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ. وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ كَنَحْو حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأغلوا بها القدور) أي أوقدوا عليها القدور (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم بإراقة ما فيها من اللحوم (فكفئت) تلك القدور بالبناء للمجهول أي قلبت وأريق ما فيها وهذه الرواية الصحيحة يقال كفأت الإناء قلبته وكببته وزعم ابن الأعرابي أن أكفأته لغة فيه. واختلفوا في سبب أمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور فقيل فيه أقوال كثيرة أشبهها قولان أحدهما أنهم انتهبوها متملكين لها من غير قسمة ولم يأخذوها بجهة القسمة العادلة وعلى وجه الحاجة لأكلها ويشهد لهذا قوله في بعض الروايات "فانتهباها" ثانيهما أن ذلك إنما كان لتركهم النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم واستعجالهم للنهب ولم يخافوا من مكيدة العدو فحرمهم الشرع ما استعجلوه عقوبة لهم بنقيض قصدهم كما منع القاتل من الميراث قاله المهلبي قلت ويشهد لهذا التأويل مساق حديث أبي داود فإنه قال فيه "وتقدم سرعان الناس فتعجلوا فأصابوا من الغنائم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الناس" رواه أبو داود برقم (2821). (ثم) قسم صلى الله عليه وسلم باقي الغنيمة بينهم فـ (ـعدل) أي قوم (عشرًا من الغنم) لكونها غير نفيسة (بجزور) أي ببعير واحد لنفاسته يعني أنه صلى الله عليه وسلم قسم ما بقي من الغنيمة على الغانمين فجعل عشرة من الغنم بإزاء جزور ولم يحتج إلى القرعة لرضا كل منهم بما صار إليه من ذلك ولم يكن بينهم تشاح في شيء من ذلك والله تعالى أعلم وكأن هذه الغنيمة لم يكن فيها إلا الإبل والغنم ولو كان فيها غيرهما لقوم جميع الغنيمة ولقسم على القيم اهـ من المفهم قلت وهذا محمول على أن هذه الغنيمة كانت الإبل فيها نفيسة دون الغنم بحيث كانت قيمة البعير الواحد عشر شياه فلا يكون ما هنا مخالفًا لقاعدة الشرع في باب الأضحية من إقامة البعير مقام سبع شياه لأن هذا هو الغالب في قيمة الشياه والإبل المعتدلة وأما هذه القسمة فكانت قضية اتفق فيها ما ذكرناه من نفاسة الإبل دون الغنم وفيه أن قسمة الغنيمة لا يشترط فيها قسمة كل نوع على حدة والله أعلم (وذكر) وكيع (باقي الحديث كنحو حديث يحيى بن سعيد) القطان والكاف فيه زائدة ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال.

4961 - (0) (0) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ. ثُمَّ حَدَّثَنِيهِ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ. قَال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لاقُو الْعَدُوِّ غَدًا. وَلَيسَ مَعَنَا مُدًى. فَنُذَكِّي بِاللِّيطِ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ. وَقَال: فَنَذَّ عَلَينَا بَعِيرٌ مِنْهَا. فَرَمَينَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ. 4962 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 4961 - (0) (0) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل بن مسلم) العبدي البصري ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن سعيد بن مسروق) الثوري (عن عباية عن جده رافع) بن خديج رضي الله عنه قال ابن عيينة (ثم) بعدما حدثني إسماعيل بن مسلم (حدثنيه عمر بن سعيد بن مسروق) الثوري أخو سفيان وهو ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) سعيد بن مسروق (عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده) رافع بن خديج رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة إسماعيل بن مسلم وعمر بن سعيد لسفيان الثوري (قال) رافع بن خديج (قلنا يا رسول الله أنا لاقوا العدو غدًا وليس معنا مدى) نذبح بها (فـ) ـهل لنا أن (نذكي) ونذبح (بالليط) أي بقشور القصب ونحوها من كل قاطع ككسر الحجر والخشب والليط بكسر اللام قشور القصب وليط كل شيء قشوره والواحدة ليطة والكلام على حذف حرف الاستفهام التقريري كما قدرناه وهو بمعنى الرواية الآتية "أفنذبح بالقصب" ووقع في رواية لأبي داود "أفنذبح بالمروة" وهي الحجارة البيضاء وهو محمول على أنهم سألوا عن كليهما فذكر أحد الرواة ما لم يذكره الآخر (وذكر) إسماعيل بن مسلم (الحديث) السابق (و) لكن (قال) إسماعيل في روايته (فند) أي غلب (علينا بعير منها) أي من تلك النهبة (فرميناه بالنبل) وهو سهم العرب (حتى وهصناه) أي أسقطناه على الأرض وقيل رميناه رميًا شديدًا وقيل شدخناه وفي بعض الشخ "أرهصناه" بالراء أي حبسناه ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال. 4962 - (0) (0) (وحدثنيه القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي ثقة من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم

عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ بِتَمَامِهِ. وَقَال فِيهِ: وَلَيسَتْ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ. 4963 - (0) (0) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ؛ أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ. إِنَّا لاقُو الْعَدُوِّ غَدًا. وَلَيسَ مَعَنَا مُدًى، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأمَرَ بِهَا فَكُفِئَتْ، وَذَكَرَ سَائِرَ الْقِصَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن سعيد بن مسروق) أبي سفيان الثوري الكوفي ثقة من (6) (بهذا الإسناد) المذكور يعني عن عباية عن رافع (الحديث) السابق (إلى آخره بتمامه) أي بلا نقص شيء منه لا في أوله ولا في وسطه ولا في آخره (و) لكن (قال) زائدة (فيه) أي في روايته لهذا الحديث لفظة (وليست معنا مدى أفنذبح بالقصب) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة زائدة لسفيان الثوري ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال. 4963 - (0) (0) (وحدثنا محمد بن الوليد بن عبد الحميد) القرشي العامري أبو عبد الله البصري الملقب بحمدان ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة محن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع عن رافع بن خديج) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري (أنه) أي أن رافع بن خديج (قال يا رسول الله إنا لاقوا العدو) أي ملاقوهم (غدًا وليس معنا مدى) نذبح بها إذا أردنا الذبح (وساق) شعبة (الحديث) السابق (و) لكن (لم يذكر) شعبة لفظة (فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها فكفئت وذكر) شعبة (سائر القصة) السابقة أي جميعها أو باقيتها لأن لفظ سائر يفسر بمعنيين والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول حديث جابر الأول ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد والثالث حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والرابع حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فيه ثلاث متابعات والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد والسادس حديث رافع بن خديج ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

655 - (48) باب النهي عن كل لحوم الأضاحي فوق ثلاث وبيان الرخصة في ذلك وبيان الفرع والعتبرة

655 - (48) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث وبيان الرخصة في ذلك وبيان الفرع والعتيرة 4964 - (1924) (256) حدّثني عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أبِي عُبَيدٍ. قَال: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ. فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أنْ نَأْكُلَ مِنْ لُحُومِ نُسُكِنَا بَعْدَ ثَلاثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 655 - (48) باب النهي عن كل لحوم الأضاحي فوق ثلاث وبيان الرخصة في ذلك وبيان الفرع والعتبرة 4964 - (1924) (256) (حدثني عبد الجبار بن العلاء) بن عبد الجبار الأنصاري المكي ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثنا الزهري عن أبي عبيد) مصغرًا سعد بن عبيد الزهري مولاهم مولى عبد الرحمن بن عوف ويقال له مولى عبد الرحمن بن أزهر لأنهما ابنا عم المدني ثقة من (2) مات سنة (98) وقيل له إدراك روى عنه في (4) أبواب (قال) أبو عبيد (شهدت العيد) أي حضرت مصلى العيد (مع علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (فبدأ) علي (بالصلاة) أي بصلاة العيد (قبل الخطبة) أي قبل أن يخطب الناس (وقال) علي في خطبته (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا) أي أضاحينا (بعد ثلاث) ليال حديث عبيد مولى ابن أبي أزهر وابن عمر يدلان على أن عمر وعليًّا وابن عمر كانوا يرون بقاء حكم النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث وأن ذلك ليس بمنسوخ ولا مخصوصًا بوقت ولا بقوم وكأنهم لم يبلغهم شيء من الأحاديث المذكورة الدالة على نسخ المنع أو على أن ذلك المنع كان لعلة الدافة التي دفت عليهم وإنما لم تبلغهم تلك الأحديث الرافعة لأنها أخبار آحاد لا متواترة وما كان كذلك صح أن يبلغ بعض الناس دون البعض وأجاب الطحاوي والعيني عما روي عن علي بأنه قال ذلك حين أصاب الناس الجهد متأولًا بأن الإجازة محمولة على الرخاء دون الجهد واستدل الطحاوي على ذلك بما رواه هو من أن عليًّا إنما خطب بهذا وعثمان محصور وكان أهل البوادي ألجأتهم الفتنة إلى المدينة فأصابهم الجهد ورجحه الحافظ في الفتح (10/ 28) وظاهر النهي عن الادخار التحريم وقيل كان محمولًا على الكراهة واختلف في أول الثلاثة

4965 - (0) (0) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيدٍ، مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ؛ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ معَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَال: ثُمَّ صَلَّيتُ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأيام التي كان الادخار فيها جائزًا فقيل أولها يوم النحر فمن ضحى فيه جاز له أن يمسك يوم النحر ويومين بعده ومن ضحى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة الأيام من يوم النحر وقيل أولها يوم يضحي فيه فلو ضحى في آخر أيام النحر لكان له أن يمسك ثلاثة أيام بعده وهذا هو الظاهر من حديث سلمة بن الأكوع فإنه قال فيه فمن ضحى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيء اهـ من المفهم. قال القرطبي ويظهر من بعض ألفاظ أحاديث النهي ما يوجب قولًا ثالثًا وهو أن في حديث أبي عبيد فوق ثلاث ليال وهذا إلغاء اليوم الذي ضحى فيه من العدد وتعتبر ليلته وما بعدها وكذلك حديث ابن عمر فإن فيه فوق ثلاث يعني الليالي وكذلك حديث سلمة فإن فيه بعد ثالثة وأما حديث أبي سعيد ففيه ثلاثة أيام وهذا يقتضي اعتبار الأيام دون الليالي اهـ. قال القاضي لهذا الحديث من رواية سفيان عند أهل الحديث علة في رفعه لأن الحفاظ من أصحاب سفيان لم يرفعوه ولهذا لم يروه البخاري من رواية سفيان ورواه من غير طريقه قال الدارقطني هذا مما وهم فيه عبد الجبار بن العلاء لأن علي بن المديني وأحمد بن حنبل والقعنبي وأبا خيثمة وإسحاق وغيرهم رووه عن ابن عيينة موقوفًا قال ورفع الحديث عن الزهري صحيح من غير طريق سفيان فقد رفعه صالح ويونس ومعمر والزبيدي ومالك من رواية جويرية كلهم رووه عن الزهري مرفوعًا هذا كلام الدارقطني والمتن صحيح بكل حال والله أعلم كذا في شرح النووي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (1990) وأبو داود (2416) والترمذي (771) ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال. 4965 - (0) (0) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب حدثني أبو عبيد) سعد بن عبيد (مولى) عبد الرحمن (بن أزهر) الزهري المدني ويقال له مولى ابن عوف كما مر مع بيان العلة (أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب) في زمن خلافته (قال) أبو عبيد (ثم) بعدما مضى عهد عمر (صليت) العيد (مع

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَال: فَصَلَّى لَنَا قَبلَ الْخُطبَةِ. ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ. فَلَا تَأكُلُوا. 4966 - (0) (0) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ. ح وَحَدَّثنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثنَا أَبي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة (قال) أبو عبيد (فصلى) علي بن أبي طالب صلاة العيد إمامًا لنا قبل الخطبة ثم) بعد فراغه من الصلاة (خطب الناس) أي وعظهم وذكرهم وهذا تصريح في تقديم الصلاة على الخطبة على عكس الجمعة من تقديم الخطبة على الصلاة فما فعله مروان من تقديم الخطبة على الصلاة خوف المشروع المسنون (فقال) علي في خطبته (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم) أيها الناس من (أن تأكلوا لحم نسككم) وأضاحيكم (فوق ثلاث ليال) إذا سمعتم حديثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأردتم النصيحة لكم (فـ) ـأقول لكم (لا تأكلوا) ها فوق ثلاث انتهاء بنهيه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال. 4966 - (0) (0) (حدثني زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب (ابن أخي) محمد (بن شهاب) الزهري المدني صدوق من (6) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثنا حسن) بن علي (الحلواني) المكي الخلال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين يعني ابن أخي ابن شهاب وصالح بن كيسان ومعمر بن راشد رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي عبيد عن علي بن أبي طالب (مثله) أي مثل ما روى يونس عن ابن شهاب غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليونس بن يزيد ثم استشهد

4967 - (1925) (257) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "لَا يَأْكُل أَحَدٌ مِنْ لَحْمِ أضحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ". 4968 - (0) (0) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ)، كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف رحمه الله تعالى لحديث علي بحديث ابن عمر رضي الله عنه فقال. 4967 - (1925) (257) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثني محمد بن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يأكل أحد) منكم (من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام) والمقصود منه النهي عن ادخاره كما جاء صريحًا في الحديث والترغيب في التصدف بما بقي والله أعلم قال القاضي يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبحها ويحتمل من يوم النحر وإن تأخر ذبحها إلى أيام التشريق قالوا هذا أظهر اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأضاحي (5574) والترمذي في الأضاحي (1545) والنسائي في الضحايا (4423) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4968 - (0) (0) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان (عن) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) بالفاء مصغرًا يسار الديلي المدني (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني صدوق من (7) كلاهما) أي كل من ابن جريج والضحاك بن عثمان رويا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق (بمثل حديث الليث) غرضه بيان متابعتهما لليث بن سعد ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنه فقال.

4969 - (0) (0) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا. وَقَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِي بَعْدَ ثَلاثٍ. قَال سَالِمٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأكُلُ لُحُومَ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاثٍ. وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: بَعْدَ ثَلاثٍ. 4970 - (1926) (258) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. حَدَّثنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَاقِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 4969 - (0) (0) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قال ابن أبي عمر حدثنا وقال عبد أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي) بفتح الهمزة وتشديد الياء وتخفيفها جمع أضحية (بعد ثلاث) ليال وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال سالم) بالسند السابق (فكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث) من الليالي (وقال ابن أبي عمر بعد ثلاث) الظاهر منه أن الناسخ لم يبلغه كما مر عن القرطبي وإلا فكيف يترك العمل به أو عدم أكله لمواساة الفقراء والله أعلم ثم استشهد المؤلف لحديث علي بن أبي طالب ثانيًا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال. 4970 - (1926) (258) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري ثقة من (9) (حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أبي محمد المدني ثقة من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الله بن واقد) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا في النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث وقيل فيه بالشك عن ابن عمر وعن ابن عمر في اللباس ويروي عنه (م د ق) وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعمر بن محمد بن زيد والزهري ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب تابعي مقبول من

قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ. قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكرٍ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالت: صَدَقَ. سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الأَضْحَى، زَمَنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ادَّخِرُوا ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابعة مات سنة تسع عشرة ومائة (119) (قال) عبد الله بن واقد على طريق الإرسال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث) ليال (قال عبد الله بن أبي بكر) بن حزم (فذكرت ذلك) الحديث الذي سمعته من عبد الله بن واقد العمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة من (3) (فقالت) عمرة (صدق) ابن واقد فيما أخبرك فإني (سمعت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته (تقول) أي سمعت عائشة حالة كونها تقول (دف أهل أبيات من أهل البادية) أي جاؤوا بطيئين في سيرهم ضعفاء في مشيتهم لشدة الجوع بهم (حضرة الأضحى) أي مجلس عيد الأضحى ومصلاه (زمن) حياة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعرضين للصدقة من الناس لجهد أصابهم. قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جماعة سيرًا خفيفًا ضعيفًا يقال دف يدف من باب خف يخف دفوفًا سار سيرًا خفيفًا ودافة الأعراب من يرد منهم الأمصار لطلب الصدقة والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب طلبًا للمواساة من الناس "حضرة الأضحى" هو بتثليث الحاء وسكون الضاد فيها كلها وحكي فتحها وهو ضعيف وإنما تفتح إذا حذفت الهاء يقال بحضر فلان أي بحضرته ومجلسه والمراد بحضرة يوم الأضحى أي بمحضره. وعبارة القرطبي الدفيف الدبيب وهو المسير الخفي اللين والدافة الجيش الذين يدبون إلى أعدائهم وكان هؤلاء ناس ضعفاء فجاؤوا دافين لضعفهم من الحاجة والجوع وقوله "حضرة الأضاحي لما الرواية المعروفة بسكون الضاد وهو منصوب على الظرف أي زمن حضور العيد ومشاهدته وقيده بعضهم حضرة بفتح الضاد وفي الصحاح يقال كلمته بحضرة فلان وبمحضره أي بمشهد منه وحكى يعقوب كلمته بحضر فلان بالتحريك من غير هاء وكلمته بحضرة فلان وحُضرته وحِضرته اهـ من المفهم (فـ) ـلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء حالهم وشدة فاقتهم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للناس (ادخروا) واتخذوا لحوم الأضاحي في بيوتكم لأكلها (ثلاثًا) من

ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ" فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأسقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَما ذَاكَ؟ " قَالُوا: نَهَيتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ. فَقَال: "إِنَّمَا نَهَيتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الّتِي دَفَّتْ. فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الليالي (ثم) بعد مضي ثلاث ليال (تصدقوا) على الفقراء وعلى الدافة (بما بقي) في بيوتكم ولا تدخروها عن الفقراء (فلما كان) أي حصل وجاء العام المقبل (بعد ذلك) العام الذي نهاهم فيه عن ادخار لحمها فوق ثلاث ليال وأمرهم بالتصدق سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم جلودها وشحومها و (قالوا يا رسول الله إن الناس) أي إن بعض الناس (يتخذون) ويصلحون (الأسقية) أي أوعية الماء (من) جلود (ضحاياهم) والأسقية جمع سقاء كالأخبية جمع خباء (ويجملون) بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها من بابي ضرب ونصر ويقال بضم الياء وكسر الميم من أجمل الرباعي يقال جملت الدهن أجمله بكسر الميم وأجمله بضمها جملًا وأجملته إجمالًا أذبته أي يذيبون (منها) أي من شحوم ضحاياهم (الودك) بفتحتين الدسم والشحم المذاب وفي القاموس الودك بفتحتين شحم اللحم اهـ وينتفعون به (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك) السؤال يعني أي بأس ترون في ذلك فتسألون عنه (قالوا نهيت) في العام الماضي عن (أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث) ليال فهل جلودها وشحومها كاللحم كأنهم رأوا أن اتخاذ الأسقية من جلود الأضاحي وإذابة شحومها ممنوع قياسًا على النهي عن أكل لحومها قال ابن المنير وكأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الرأفة على الدافة وإذا ورد العام على سبب خاص حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم صلى الله عليه وسلم أنه خاص بذلك السبب اهـ من الإرشاد. (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما نهيتكم) عن ادخار لحومها في ذلك العام (من أجل) ترغيبكم في التصدق على (الدافة) أي على دافة الأعراب وفقرائهم (التي دفت) وجاءت إليكم ماشين مشيًا ضعيفًا يظهر منه أثر فاقتهم وجوعهم (فـ) ـالآن (كلوا) من لحومها ما شئتم (وادخروا) أي اقتنوا منها ما شئتم (وتصدقوا) منها ما شئتم فارتفع حكم نهيي لكم بارتفاع سببه وهو الرأفة على الدافة. قوله "إنما نهيتكم من أجل

4971 - (1927) (259) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ. ثُمَّ قَال بَعْدُ: "كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الدافة" إلخ وهذا نص صريح منه صلى الله عليه وسلم على أن ذلك المنع كان لعلة ولما ارتفعت ارتفع المتقدم لارتفاع موجبه لا لأنه منسوخ وهذا يبطل قول من قال إن ذلك المنع إنما ارتفع بالنسخ لا يقال فقد قال صلى الله عليه وسلم "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فادخروا" وهذا رفع لحكم الخطاب الأول بخطاب متأخر عنه وهذا هو حقيقة النسخ لأنا نقول هذا لعمر الله ظاهر هذا الحديث مع أنه يحتمل أن يكون ارتفاعه بأمر آخر غير النسخ فلو لم يرد لنا نص بأن المنع من الادخار ارتفع لارتفاع علته لما عدلنا عن ذلك الظاهر وقلنا هو نسخ كما قلناه في زيارة القبور وفي الانتباذ في الحنتم المذكورين معه في حديث بريدة المتقدم في باب الجنائز لكن النص الذي في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في التعليل بين أن ذلك الرفع ليس للنسخ بل لعدم العلة فتعين ترك ذلك الظاهر والأخذ بذلك الاحتمال لعضد النص له والله تعالى أعلم. "تنبيه" الفرق بين رفع الحكم بالنسخ ورفعه لارتفاع علته أن المرفوع بالنسخ لا يحكم به أبدًا والمرفوع لارتفاع علته يعود الحكم لعود العلة فلو قدم على أهل بلدة ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقاتهم إلا الضحايا لتعين عليهم أن لا يدخروها فوق ثلاث كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (6/ 127 و 128) والبخاري (5423) وأبو داود (2/ 28) والترمذي (1511) والنسائي (7/ 235) ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث علي بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال. 4971 - (1927) (259) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث) ليال (ثم) بعد نهيه عن أكلها بعد ثلاث في العام الأول (قال بعد) أي في العام الثاني (كلوا) ما شئتم منها (وتزودوا) ما شئتم منها أي اتخذوه زادًا لسفركم (وادخروا) ما شئتم منها أي اتخذوها قنية لحوائجكم المستقبلة فلا منافاة بين الأكل والادخار والتزود قال ابن بطال في

4972 - (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كُنَّا لَا نَأكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاثِ مِنًى. فَأَرْخَصَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "كُلُوا وَتَزَوَّدُوا". قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَال جَابِرٌ: حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث رد على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادخار الطعم لغد وأن اسم الولاية لا يستحق لمن ادخر شيئًا ولو قل وأن من ادخر أساء الظن بالله وفي هذه الأحاديث كفاية في الرد على من زعم ذلك كذا في فتح الباري (9/ 553) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5567) والنسائي (4426) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4972 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) (ح وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدثنا ابن عيينة كلاهما) أي كل من علي بن مسهر وابن عيينة رويا (عن ابن جريج عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر) بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (واللفظ له حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج حدثنا عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول) وهذه الأسانيد كلها من خماسياته غرضه بيان متابعة عطاء لأبي الزبير (كنا) أولًا (لا نأكل من لحوم بدننا) جمع بدنة بفتحتين وهو الحيوان من الإبل والبقر المسوق لمكة المكرمة ليتقرب به هناك لأنه إذا كان الهدي المسوق إلى مكة من جنس الغنم يسمى ضحية هاذا كان من جنس الإبل والبقر يسمى بدنة كما يستفاد من القاموس ومنه قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا} الآية (نوق ثلاث) ليالي (منى) يعني فوق أيام التشريق الثلاثة التي يقام فيها بمنى (فأرخص) أي جوز (لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) في أكلها بعد ثلاث منى (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إرخاصه لنا (كلوا) ما شئتم منها (وتزودوا) ما شئتم سفركم إلى المدينة قال ابن جريج (قلت لعطاء) بن أبي رباح هل (قال جابر) لك فأكلنا منها (حتى جئنا المدينة قال) عطاء (نعم)

4973 - (0) (0) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: كُنَّا لَا نُمْسِكُ لُحُومَ الأَضَاحِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال لي جابر فأكلنا منها حتى جئنا المدينة قوله "قلت لعطاء هل قال جابر حتى جئنا المدينة" أصله أن عمرو بن دينار روى عن عطاء حديث جابر بلفظ كنا نتزود لحوم الهدي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كما أخرجه المؤلف بعد رواية وكان ابن جريج أخذه عن عطاء بدون زيادة إلى المدينة فلما اطلع على رواية عمرو سأل عطاء هل قال جابر حتى جئنا المدينة وقوله "قال نعم" هكذا ذكره المصنف رحمه الله تعالى ولكن قال البخاري في الأطعمة "قال ابن جريج قلت لعطاء أقال حتى جئنا المدينة قال: لا" فتعارضت روايتا الشيخين فيما بينهما قال الحافظ في الفتح (9/ 553) والذي وقع عند البخاري هو المعتمد فإن أحمد أخرجه في مسنده عن يحيى بن سعيد كذلك وكذلك أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد ونبه على اختلاف البخاري ومسلم في هذه اللفظة الحميدي في جمعه وتبعه عياض ولم يذكرا ترجيحًا وأغفل شراح البخاري ذلك أصلًا فيما وقفت عليه ثم ليس المراد بقوله لا نفي الحكم بل مراده أن جابرًا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء "كنا نتزود لحوم الهدي إلى المدينة" أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة اهـ وقال النواوي في الجمع بينهما يحتمل أنه نسي في وقت فقال لا وذكر في وقت فقال نعم اهـ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4973 - (0) (0) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحعى الكوفي ثقة من كبار (10) روى عنه في (8) أبواب (عن عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبي وهب الجزري الرقي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) اسمه زيد الغنوي الجزري ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عطاء بن أبي رباح) اسمه أسلم القرشي مولاهم المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة زيد بن أبي أنيسة لابن جريج (قال) جابر (كنا) أولًا (لا نمسك) ولا ندخر (لحوم

فَوْقَ ثَلاثٍ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَزَوَّدَ مِنْهَا. وَنَأْكُلَ مِنْهَا (يَعْنِي فَوْقَ ثَلاثٍ). 4974 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرِو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: كُنَّا نَتَزَوَّدُهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 4975 - (1928) (260) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثنَا سَعِيدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأضاحي فوق ثلاث) ليال (فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتزود منها) أي من لحوم الأضاحي لسفرنا (ونأكل منها) قال عطاء (يعني) جابر بقوله ونأكل منها الأكل منها (فوق ثلاث) ليال لا الأكل فيها لأنه معلوم جوازه ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال. 4974 - (0) (0) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار (عن عطاء) بن أبي رباح (عن جابر) بن عبد الله وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عمرو لزيد بن أبي أنيسة (قال) جابر (كنا نتزودها) يعني لحوم الهدي في الحج ونأكلها (إلى) أن نقدم (المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا من قبيل الحديث المرفوع كما بين في أصول الحديث اهـ ذهني ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال. 4975 - (1928) (260) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري ثقة من (5) روى عنه في (10) بابا (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ثقة من (3) (عن أبي سعيد) الأنصاري سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه وهذ السند من خماسياته (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، لَا تَأْكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاثٍ". (وَقَال ابْنُ المُثَنَّى: ثَلاثَةِ أَيَّامٍ). فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا. فَقَال: "كُلُوا وَأَطعِمُوا وَاحْبِسُوا أَو ادَّخِرُوا". قال ابْنُ المُثَنَّى: شَكَّ عَبْدُ الأَعْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة من (6) (عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذان السندان الأول منهما من خماسياته والثاني من سداسياته (قال) أبو سعيد الخدري (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث) ليال وهذه رواية ابن أبي شيبة (وقال ابن المثنى) في روايته (ثلاثة أيام) بدل ما قاله أبو بكر (فشكوا) أي فأظهر أهل المدينة الشكوى (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بـ (ـأنَّ لهم عيالًا) والعيال كل من تعوله من زوجة وأولاد صغار وأقارب محتاجين (وحشمًا) قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء والشين هم اللائذون بالإنسان يخدمونه ويقومون بأموره وقال الجوهري هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لأنهم يغضبون له والحشمة الغضب وتطلق على الاستحياء أيضًا ومنه قولهم فلان لا يحتشم أي لا يستحيي ويقال حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا خجلته فاستحيى لخجله وكان الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا بشأنه اهـ نووي (وخدمًا) جمع خادم وهو من يخدمك أو مستاجرًا فهؤلاء محتاجون إلى اللحم مشتاقون إليه (فقال) لهم رسول الله (كلوا) أنتم وعيالكم (وأطعموا) الفقراء والمساكين وتصدقوا عليهم (واحبسوا) أي ادخروا عندكم ما تحتاجون إليه لأنفسكم ولعيالكم قال عبد الأعلى (أو) قال لي سعيد بن أبي عروبة (ادخروا) بدل احبسوا (قال ابن المثنى شك عبد الأعلى) فيما قاله سعيد من اللفظين. قال القرطبي "قوله فكلوا وأطعموا وادخروا" هذه أوامر وردت بعد الحظر فهل تقدمه عليها يخرجه عن أصلها من الوجوب عند من يراه أو لا يخرجها اختلف الأصوليون فيه على قولين وقد بيناهما والمختار منهما في الأصول والظاهر من هذه الأوامر هنا إطلاق ما كان ممنوعًا بدليل اقتران الادخار مع الأكل والإطعام ولا سبيل إلى حمل الادخار على الوجوب بوجه فلا يجب الأكل ولا الصدقة من هذا اللفظ

4976 - (1929) (261) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أخْبَرَنَا أبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي عُبَيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ فِي بَيتِهِ، بَعْدَ ثَالِثَةٍ، شَيئًا". فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ المُقْبِلِ قالُوا: يَا رَسُولَ الله، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ أَوَّلَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجمهور العلماء على أن الأكل من الأضحية ليس بواجب وقد شذت طائفة فأوجبت الأكل منها تمسكًا بظاهر الأمر هنا وفي قوله تعالى {فَكُلُوا مِنْهَا} [البقرة: 58] ووقع لمالك في كتاب ابن حبيب أن ذلك على الندب وأنه إن لم يأكل مخطئ وقال أيضًا لو أراد أن يتصدق بلحم أضحيته كله كان له كأكله كله حتى يفعل الأمرين وقال الطبري جميع أئمة الأمصار على جواز أن لا يأكل منها إن شاء ويطعم جميعها وهو قول محمد بن المواز اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (3/ 85) والبخاري في الأضاحي (5568) وأخرجه النسائي في الأضاحي (4434) ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال. 4976 - (1929) (261) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري ثقة من (11) (أخبرنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري ثقة ثبت من (9) (عن يزيد بن أبي عبيد) مصغرًا الحجازي المدني أبو خالد الأسلمي مولاهم مولى سلمة بن الأكوع ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة) بن عمرو (بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ضحى منكم) أيها المسلمون (فلا يصبحن في بيته بعد) ليلة (ثالثة شيئًا) من لحمها أي فلا يتركن شيئًا منها في بيته بعد صباح ليلة ثالثة من أيام التشريق وقياسه رفع شيء على أنه فاعل لأصبح التامة والمعنى حينئذ فلا يصبحن شيء منها في بيته بعد ليلة ثالثة ولفظ البخاري "فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي في بيته منه شيء" والمعنى على هذا فلا يصبحن أحدكم بعد ليلة ثالثة وقد ترك في بيته شيئًا منها (فلما كان) الناس (في العام المقبل) من ذلك العام (قالوا يا رسول الله نفعل) في هذا العام (كما فعلنا عام أول) من إضافة الظرف إلى صفته ولم ينون لأنه غير مصروف للوصفية ووزن الفعل أي نفعل في أضحيتنا في هذا العام مثل ما فعلنا فيها في العام الأول من توزيع كلها على الفقراء والمساكين قوله "كما فعلنا عام أول" أي في العام الماضي قال ابن المنير وجه قولهم "هل نفعل كما كنا نفعل" مع أن

فَقَال: "لَا. إِنَّ ذَاكَ عَامٌ كَانَ النَّاسُ فِيهِ بِجَهْدٍ. فَأرَدْتُ أَن يَفْشُوَ فِيهِمْ". 4977 - (1930) (262) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثنَا مُعَاويةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ ثَوْبَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النهي يقتضي الاستمرار لأنهم فهموا أن ذلك النهي ورد على سبب خاص كذا في فتح الباري وهو يؤدي ما قلنا من أن النهي كان لعارض (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تفعلون في هذا العام مثل ما فعلتم في العام الماضي وجملة إن في قوله (إن ذلك عام) معللة للنفي أي وإنما قلت لكم لا لأن ذاك العام الذي مضى عام (كان الناس فيه) مصابين (بجهد) وجوع (فأردت) أي قصدت في ذلك العام (أن يفشوا) ويوزع (فيهم) لحم الأضاحي ويشيع فيهم وينتفع به المحتاجون بدفع جوعهم به ولفظ البخاري "أن تعينوا فيها" للناس من الإعانة والجهد بفتح الجيم المشقة وبضمها الجد والأول هو المراد هنا ومعنى "يفشو" يشيع وينشر فيهم لحم الأضاحي وينتفع به المحتاجون وما في مسلم أوجه من لفظ البخاري وقال في المشارق الوجهان صحيحان وما في البخاري أوجه اهـ وقال النووي الجهد بفتح الجيم المشقة والفاقة وقال العيني يقال جهد عيشهم أي نكد واشتد وبلغ غاية المشقة ففي الحديث دلالة على أن تحريم ادخار لحم الأضاحي كان لعلة فلما زالت العلة زال التحريم اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري (5569). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث ثوبان رضي الله عنهما فقال. 4977 - (1930) (262) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا معن بن عيسى) بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي الحمصي صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزاهرية) حدير بن كريب بالتصغير فيهما الحضرمي الحمصي روى عن جبير بن نفير في الصيد ويروي عنه (م د س ق) ومعاوية بن صالح وثقه ابن معين والعجلي والنسائي وقال في التقريب صدوق من الثالثة مات على رأس المائة (100) سنة (عن جبير بن نفير) بالتصغير فيهما بن مالك بن عامر الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي ثقة مخضرم من (2) أسلم في زمن أبي بكر ولأبيه صحبة فكأنه هو ما وفد إلا في عهد عمر (عن ثوبان) بن بجدد الهاشمي مولاهم مولى

قَال: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ ثُمَّ قَال: "يَا ثَوْبَانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هذِهِ" فَلَمْ أَزَل أُطعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. 4978 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَابْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ حُبَابٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ صَالِحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) ثوبان (ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته) في حجة الوداع كما هو مصرح به في الرواية الآتية (ثم قال) لي (ثوبان أصلح) لي (لحم هذه) الضحية أي افعل ما يصلحه ويمكن به إدخاره والمراد بإصلاحه أن يغلى قليلًا ثم يجعل بين حجرين حتى يصير قديدًا اهـ دهني قوله (فلم أزل أطعمه) صلى الله عليه وسلم فيه مجاز بالحذف والتقدير فأصلحته بما أراده صلى الله عليه وسلم فلم أزل أطعمه (منها) أي من تلك الضحية (حتى قدم المدينة) قال النووي فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وفيه أن الادخار والتزود في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج صاحبه عن التوكل وفيه أن التضحية مشروعة للمسافر كما هي مشروعة للمقيم وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وقال النخعي وأبو حنيفة لا أضحية على المسافر وروي هذا عن علي رضي الله عنه ويمكن التوفيق بينهما بأن ما قال الجماهير على طريق الاستحباب إنما ذبح النبي صلى الله عليه وسلم للاحتياج يشعر به التزود إلى المدينة وما نفياه على طريق الوجوب فلا منافاة بين المذهبين والله أعلم اهـ ذهني وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد (5/ 277) وأبو داود رواه في الأضاحي باب في المسافر يضحي (2814) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال. 4978 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبو شيبة و) محمد (بن رافع) القشيري النيسابوري (قالا حدثنا زيد بن حباب) بضم أوله المهمل وبموحدتين أبو الحسين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى بطن من تميم تسمى عكل الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (11) بابًا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) أي كل من زيد بن حباب وعبد الرحمن بن مهدي رويا (عن معاوية بن صالح)

بِهذَا الإِسْنَادِ. 4979 - (0) (0) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أبُو مُسْهِرٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ. حَدَّثَنِي الزُّبَيدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَصْلِحْ هذَا اللَّحْمَ" قَال: فَأَصْلَحْتُهُ. فَلَمْ يَزَلْ يَأكُلُ مِنْهُ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ. 4980 - (0) (0) وَحَدَّثَنِيهِ عَبدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بيان متابعتهما لمعن بن عيسى (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن ثوبان ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال. 4979 - (0) (0) (وحدثني إسحاق بن منصور) الكوسج (أخبرنا أبو مسهر) الغساني عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي ثقة فاضل من كبار (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (حدثني الزبيدي) مصغرًا محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصي القاضي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير) الحضرمي الشامي ثقة من (4) (عن أبيه) جبير بن نفير بن مالك الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي ثقة مخضرم من (1) (عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن جبير لأبي الزاهرية (قال) ثوبان (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أصلح) لي (هذا اللحم قال) ثوبان (فأصلحته) له (فلم يزل) النبي صلى الله عليه وسلم (يأكل منه) أي من ذلك اللحم (حتى بلغ المدينة) ووصل إليها ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال. 4980 - (0) (0) (وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) (أخبرنا محمد بن المبارك) بن يعلى القرشي أبو عبد الله الصوري ثم الدمشقي ثقة من كبار (10) روى عنه في (2) بابين الصلاة والضحايا

حَدَّثَنَا يَحيَى بن حَمزَةَ، بِهذا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَقُل: في حَجَّةِ الوَدَاعِ. 4981 - (1931) (263) حدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ المُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ فُضَيلٍ (قَال أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي سِنَانٍ. وَقَال ابْنُ المُثَنَّى: عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ) عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أبِيهِ. ح وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ فُضَيلٍ. حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، أبُو سِنَانٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أبِيهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَهَيتُكُم عَنْ زَيارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا يحيى بن حمزة) الحضرميّ الدِّمشقيّ (بهذا الإسناد) يعني عن الزبيدي عن عبد الرَّحْمَن عن أَبيه عن ثوبان غرضه بيان متابعة محمَّد بن المبارك لأبي مسهر (و) لكن (لم يقل) أي لم يذكر ابن المبارك لفظة (في حجة الوداع) ثم استشهد سابعًا لحديث علي بن أبي طالب بحديث بريدة رضي الله عنهما فقال. 4981 - (1931) (263) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمَّد بن المثنَّى قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن فضيل) بن غزوان الضَّبِّيّ الكُوفيّ صدوق من (9) روى عنه في (20) بابا (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (عن أبي سنان) بلفظ الكنية (وقال ابن المثنَّى عن ضرار) بكسر الضاد وتخفيف الراء بلفظ الاسم (ابن مرة) بضم الميم وتشديد الراء الكُوفيّ الشَّيبانِيّ ثِقَة ثبت من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن محارب) بن دثار السدوسي الكُوفيّ القاضي ثِقَة إمام زاهد من (4) وليس عندهم محارب إلَّا هذا روى عنه في (5) (عن) عبد الله (بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي أبو سهل المروزي ثِقَة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أَبيه) بريدة بن الحصيب بالتصغير فيهم ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي المدنِيُّ ثم البَصْرِيّ ثم المروزي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (ح وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا محمَّد بن فضيل) بن غزوان الضَّبِّيّ الكُوفيّ (حدثنا ضرار بن مرة أبو سنان) الشَّيبانِيّ الكُوفيّ (عن محارب بن دثار) الضَّبِّيّ الكُوفيّ (عن عبد الله بن بريدة عن أَبيه) بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهذا السند أَيضًا من سداسياته غرضه بهذا التحويل بيان كثرة طرقه (قال) بريدة بن الحصيب (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر والآن حيث استحكم الإِسلام وصرتم أهل التقوى (فزوروها) أي بشرط أن لا يقترن بذلك

وَنَهَيتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاثٍ، فَأمسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيتُكُمْ عنِ النبِيذِ إلا في سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا في الأَسْقِيَةِ كُلَّهَا. وَلا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا". 4982 - (0) (0) وحدثني حجاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تمسح بالقبر أو تقبيله فإنَّه كما قال السيكي بدعة منكرة اهـ مناوي قال النووي هذا الحديث مما صرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعًا قال العلماء يعرف نسخ الحديث تارة بنص كهذا الحديث وتارة بإخبار الصحابي ككان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النَّار وتارة بالتاريخ إذا تعذر الجمع كترك قتل شارب الخمر في المرة الرابعة والإجماع لا ينسخ لكن يدل على وجود ناسخ اهـ. (ونهيتكم عن) إمساك (لحوم الأضاحي فوق ثلاث) ليال لمساعدة الدافة ومواساتهم (ف) ـالآن (أمسكو) ها وادخروها (ما بدا) وظهر (لكم) الادخار فيه لزوال علة النهي (ونهيتكم عن) انتباذ (النَّبِيذ) وشربه (إلا في سقاء) وقربة والمراد بالنهي ما قاله لوفد عبد القيس من قوله لهم "وأنهاكم عن أربع عن الدباء والحنتم والمقير والنقير" وسبب النهي عن الانتباذ فيهن سرعة اشتداد ما انتبذ فيهن بخلاف السقاء أي القربة فإنَّها تبرد الماء الذي ألقي فيه التمر أو غيره فلا يشتد بسرعة ولهذا استثناها والله أعلم (ف) ـالآن (اشربوا) ما انتبذ (في الأسقية) والأوعية (كلها) سواء كانت من سقاء أو جرار أو نقير أو مقير (و) لكن (لا تشربوا مسكرًا) أيا كان الوعاء الذي انتبذ فيه واعلم أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين عن الشرب في ظروف الخمر كالدباء والحنتم والمزفت والنقير سدًا للذريعة فلما تقررت كراهية الخمر أجاز الشرب فيها ما لم يشرب المرء فيه مسكرًا وقد سبق هذا الحكم في كتاب الإيمان وسيأتي في الأشربة وهذا الحديث مما صرح فيه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالناسخ والمنسوخ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود (3698) والتِّرمذيّ (1546) والنَّسائيّ (4429) وابن ماجه (2032) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال. 4982 - (0) (0) (حدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثَّقَفيّ البغدادي المعروف بـ (ـابن الشَّاعر) ثِقَة من (11) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا الضحاك بن مخلد) بن الضحاك الشَّيبانِيّ أبو عاصم النَّبِيل البَصْرِيّ ثِقَة ثبت من (9) (عن سفيان) بن سعيد بن

عَنْ عَلقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "كُنْتُ نَهَيتُكُمْ". فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ. 4983 - (1932) (264) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيّ وَأبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدثَنِي محمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا فَرَعَ ولا عَتِيرَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مسروق الثَّوريّ الكُوفيّ ثِقَة حجة من (7) (عن علقمة بن مرثد) الحضرميّ الكُوفيّ ثِقَة من (6) (عن) عبد الله (بن بريدة) الأسلمي (عن أَبيه) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سفيان الثَّوريّ لضرار بن مرة ولكنها متابعة ناقصة (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال كنت نهيتكم) الحديث (فدكر) سفيان (بمعنى حديث أبي سنان) لا بلفظه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال. 4983 - (1932) (264) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِيّ) النَّيسَابُورِيّ (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) البغدادي (وزهير بن حرب قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزُّهْرِيّ عن سعيد) بن المسيّب بن حزن القُرشيّ المخزومي أبي محمَّد المدنِيُّ الأعور ثِقَة من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (ح) وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق أخبرنا معمر عن الزُّهْرِيّ عن ابن المسيّب عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فرع ولا عتيرة) قال الأبي الفرع وكذا الفرعة بفتح الفاء والراء فيهما أول ولد الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم رجاء البركة في الأم بكثرة النسل وقيل كان الرَّجل

زَادَ ابنُ رَافِعٍ في رِوَايَتِهِ: وَالفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنتَجُ لَهُم فَيَذبَحُونَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا بلغت إبله مائة يقدم ذكرًا يذبحونه لآلهتهم وأما العتيرة في غير الإِسلام فقد فسرها في الحديث الشريف بأنها شاة تذبح في رجب يتقربون بها لآلهتهم ويصبون دمها على رأس الصنم فلما جاء الإِسلام صاروا يذبحونها لله تعالى كما فسرها في الحديث ثم نسخ ذلك والعتر الذبح وقال في المرقاة العتيرة بفتح العين المهملة تطلق على شاة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب وعلى الذبيحة التي كانوا يذبحونها لأصنامهم ثم يصبون دمها على رؤوسها اهـ قال المؤلف رحمه الله (زاد ابن رافع في روايته) لفظة (والفرع) بفتحتين (أول النتاج) الذي (كان ينتج لهم) أي للعرب من إبلهم أي أول ما تنتجه ناقتهم (فيذبحونه) لآلهتهم رجاء البركة في الأم بكثرة نسلها قال في الأزهار قيل هذا التفسير من ابن شهاب وبه قال الخطابي في الإعلام وقيل من ابن رافع وهو المذكور في مسلم رحمه الله تعالى اهـ من المرقاة اهـ ذهني. "قوله أَيضًا لا فرع ولا عتيرة" أما الفرع بفتح الفاء والراء وكذلك الفرعة حكاه العيني في العمدة (9/ 716) عن أبي عبيد فهو أول نتاج كان أهل الجاهلية يذبحونه لأصنامهم والفرع أَيضًا ذبح كانوا إذا بلغت الإبل ما تمناه صاحبها ذبحوه وكذلك إذا بلغت الإبل مائة يعتر منها أي يذبح بعيرًا كل عام ولا يأكل منه هو ولا أهل بيته والفرع أَيضًا طعام يصنع لنتاج الإبل كالخرس للولادة كذا في فتح الباري (9/ 596) وأما العتيرة فهي فعلية من العتر وهو ذبح وهي النسيكة التي كانت تعتر أي تذبح في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية أَيضًا وجمهور العلماء على أن كلا من الفرع والعتيرة منسوخ غير مشروع اليوم استدلالًا بحديث الباب وقال الشَّافعيّ رحمه الله تعالى إنما المنسوخ وجوبهما وهما جائزان بل مستحبان واستدل بما أخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا "والفرع حق" وبما أخرجه أصحاب السنن من طريق أبي رملة عن مخنف بن محمَّد بن سليم قال كنا وقوفًا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعرفة فسمعته يقول: يَا أيها النَّاس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة هي التي يسمونها الرجبية وحسنه التِّرْمِذِيّ ولكن ضعفه الخطابي وأخرج النَّسائيّ وصححه الحاكم من حديث الحارث بن عمرو "أنَّه لقى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال رجل: يَا رسول الله "العتائر والفرائع" قال من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمل الشَّافعيّ حديث الباب على نفي الوجوب لا على نفي الجواز أو الاستحباب. وأما الجمهور فقالوا إن حديث الباب ناسخ لأحاديث الجواز أو الاستحباب لأن النهي لا يكون إلَّا عن شيء كان يفعل وما قال أحد إنه نهى عنهما ثم أذن في فعلهما ثم إنه لم ينقل عن أحد من الصَّحَابَة أنَّه فعلهما بعد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وذلك دليل على النسخ لأن الصَّحَابَة كانوا أسبق النَّاس إلى الخيرات وكذلك لم يفعلهما التابعون إلَّا ما حكي عن ابن سيرين والله أعلم اهـ تكملة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأول حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد والرابع حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والخامس حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد والسادس حديث سلمة ذكره للاستشهاد والسابع حديث ثوبان ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثامن حديث بريدة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله أعلم. ***

656 - (49) باب النهي عن إزالة الشعر والظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد التضحية وتحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله

656 - (49) باب النهي عن إزالة الشعر والظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد التضحية وتحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله 4984 - (933 1) (265) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ المَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ. سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يحدث، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "إِذَا دَخَلَتِ العَشرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَنْ يضَحِّيَ، فَلا يَمسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 656 - (49) باب النهي عن إزالة الشعر والظفر في عشر ذي الحجة لمن أراد التضحية وتحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله 4984 - (1933) (265) (حَدَّثَنَا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكيّ حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن عبد الرَّحْمَن بن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عوف) الزُّهْرِيّ المدني ثقة من (6) (سمع سعيد بن المسيّب) المخزومي المدنِيُّ. (يحدث عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية أم المُؤْمنين رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلت العشر) من ذي الحجة (وأراد أحدكم أن يضحى) في أيامها (فلا يمس) أي فلا يزيلن (من شعره) بفتح العين وتسكن (وبشره) بفتحتين (شيئًا) قال التوربشتي ذهب بعضهم إلى أن النهي ها هنا للتشبه بحجاج بيت الله الحرام المحرمين في بعض المحذورات لا في كلها كالنساء والأولى أن يقال المضحي يرى نفسه مستوجبة للعقاب وهو القتل ولم يؤذن له فيه ففداها بالأضحية وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه فلذلك نهي عن مس الشعر والبشر لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة وفيضان النور الإلهي ليتم له الفضائل ويتنزه عن النقائص اهـ مرقاة. قال الإِمام النووي قال أصحابنا المراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك وسواء شعر الإبط والشارب والعانة والرأس وغير ذلك من شعور بدنه قال أصحابنا والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النَّار اهـ قوله "وأراد أن يضحي" يعني ليجتنب المضحي عن إزالة شعره وأظفاره بوجه من الوجوه كالمحرم وإزالتهما حرام عند أَحْمد ومكروه كراهة تنزيه عند الشَّافعيّ وغير مكروه عند أبي حنيفة ومالك لما روي عن عائشة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يجتنب مما

قِيلَ لِسُفْيَانَ: فَإِن بَعْضَهُمْ لا يَرفَعُهُ. قَال: لكِني أَرْفَعُهُ. 4985 - (0) (0) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ. قَال: "إِذَا دَخَلَ العَشرُ، وَعِندَهُ أُضْحِيّةٌ، يُرِيدُ أن يُضَحِّيَ، فَلا يَأخُذَن شَعرًا وَلا يَقلِمَنَّ ظُفُرًا". 4986 - (0) (0) وحدثني حَجِّاج بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجتنبه المحرم حين أهدى هديه إلى مكة قال الطحاوي وحديثها جاء متواترًا ثم قال ولما رأينا الجماع الذي يفسد الحج لا يحرم على من دخل عليه العشر وأراد الأضحية وهو أغلظ كان أحرى وأولى أن لا يحرم عليه غيره ذلك اهـ من المفهم (قيل لسفيان) بن عيينة (فإن بعضهم) أي بعض المحدثين (لا يرفعه) أي لا يرفع هذا الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (قال) سفيان (لكني) أي لكن أنا (أرفعه) أي أرفع هذا الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما سمعته مرفوعًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد (6/ 301) وأبو داود في الأضاحي (2791) والتِّرمذيّ في الأضاحي (561 1) والنَّسائيّ في الضحايا في فاتحتها (1 436) وابن ماجه في الأضاحي (3187 و 3188) ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 4985 - (0) (0) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا سفيان) بن عيينة (حَدَّثني عبد الرَّحْمَن بن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عوف عن سعيد بن المسيّب عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها حالة كونها (ترفعه) أي ترفع هذا الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة إسحاق بن إبراهيم لابن أبي عمر. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي) أي أن يذبح بها في الأضحية (فلا يأخذن) أي لا يزيلن (شعرًا) بحلق أو قص أو نتف أو غير ذلك (ولا يقلمن) من باب فرح كما في القاموس أي لا يزيلن (ظفرًا) بقلم أر قص أو كسر أو غير ذلك ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4986 - (0) (0) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثَّقَفيّ البغدادي المعروف بـ (ـابن

الشَّاعِرِ. حَدثني يَحيَى بن كَثِيرٍ العَنبَرِيُّ، أَبُو غَسَّان. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ بن أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ بن مُسلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ؛ أَن النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِذَا رَأَيتُم هِلال ذِي الحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُم أن يُضَحِّيَ، فَليُمْسِك عَنْ شَعْرِهِ وَأَظفَارِهِ". 4987 - (0) (0) وحدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ الحَكَمِ الهَاشِمِيّ. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ أَوْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشَّاعر) الحافظ الرحال ثِقَة من (11) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثني يحيى بن كثير) بن درهم (العنبري) مولاهم (أبو غسان) البَصْرِيّ ثِقَة من (9) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (عن مالك بن أنس عن عمر بن مسلم) قال النووي كذا رواه مسلم بلفظ عمر بضم العين في كل هذه الطرق إلَّا طريق الحسن بن عليّ الحلواني ففيها عمرو بفتح العين وإلا طريق أَحْمد بن عبد الله بن الحكم ففيها عمر أو عمرو بالشك قال العلماء الوجهان منقولان في اسمه وذكره المزي فيمن اسمه عمرو بفتح العين وقال قيل عمرو هو عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة بالتصغير الليثيّ الجندعي بضم الجيم والدال المدنِيُّ وقد صرح بهذه النسبة في طريق حرملة بن يحيى كما سيأتي وهو ثِقَة راجع لترجمته في التهذيب (8/ 104) روى عن ابن مسيب في الضحايا ويروي عنه (م عم) ومالك ومحمَّد بن عمرو بن علقمة وسعيد بن أبي هلال وعدة وثقه ابن معين وقال مرة لا بأس به وقال في التقريب صدوق من السادسة (6) (عن سيد بن المسيّب عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عمر بن مسلم لعبد الرَّحْمَن بن حميد (أن النَّبِيّ صلى إلله عليه وسلم قال إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك شعره وأظفاره) أي عن إزالتهما بأي سبب من الإزالة ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال. 4987 - (0) (0) (وحدثنا أَحْمد بن عبد الله بن الحكم) بن أبي فروة (الهاشمي) أبو الحسين المعروف بابن الكردي البَصْرِيّ ثِقَة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) غندر (حَدَّثَنَا شعبة عن مالك بن أنس عن عمر أو عمرو بن مسلم) بالشك (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن المسيّب عن أم سلمة (نحوه) أي نحو ما روى

4988 - (0) (0) وحدثني عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ العَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ عَمْرٍو اللَّيثِيّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ أكَيمَةَ اللَّيثِيّ، قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أم سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "مَن كَانَ لَهُ ذِبحٌ يَذبَحُهُ. فَإِذَا أُهِل هِلالُ ذِي الحِجَّةِ، فَلا يَأخُذَن من شَعْرِهِ وَلا من أَظفَارِهِ شَيئًا، حَتَّى يُضَحِّيَ". 4989 - (0) (0) حَدَّثني الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحُلوَانِيّ. حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ. حَدَّثَنِي محمدُ بْنُ عَمْرٍو ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو غسان عن شعبة غرضه بيان متابعة غندر لأبي غسان في الرواية عن شعبة ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4988 - (0) (0) (وحدثني عبيد الله بن معاذ العنبري حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا محمَّد بن عمرو) بن علقمة بن وقَّاص الليثيّ المدنِيُّ روى له (خ) مقرونًا فرد حديث و (م) متابعة صدوق له أوهام من (6) روى عنه في (5) أبواب. (عن عمر بن مسلم بن عمار بن أكيمة) بضم الهمزة مصغرًا (الليثيّ) المدنِيُّ (قال سمعت سعيد بن المسيّب يقول سمعت أم سلمة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تقول) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة محمَّد بن عمرولمالك بن أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ذبح) بكسر الذال وسكون الموحدة فهو فعل بمعنى مفعول كحمل بمعنى محمول ومنه قوله تعالى: {وَفَدَينَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [الصافات: 107] أي من وإن له حيوان يريد أن (يذبحه) أضحية (فإذا أهل) بضم الهمزة وكسر الهاء بالبناء للمجهول هكذا تستعمله العرب أي أطلع الله سبحانه وأظهر (هلال) شهر (ذي الحجة) وهو القمر أول ظهور في مبدأ الشهر (فلا يأخدن) أي لا يزيلن (من شعره) شيئًا بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك وسواء شعر الإبط والعانة الرأس وغير ذلك من شعور بدنه (ولا من أظفاره شيئًا) بقلم أر كسر أو غيره (حتَّى يضحي) أي حتَّى يذبح أضحيته والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النَّار كما مر ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4989 - (0) (0) (حدثني الحسن بن عليّ الحلواني) المكيّ (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكُوفيّ (حَدَّثني محمَّد بن عمرو) بن علقمة بن وقَّاص الليثيّ

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارِ اللَّيثِي. قَال: كُنا في الحَمَّامِ قُبَيلَ الأَضحَى. فَاطَّلَى فِيهِ نَاس. فَقَال بَعْضُ أَهْلِ الحَمَّامِ: إِن سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَكرَهُ هذَا، أَو يَنْهَى عَنْهُ. فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ. فَقَال: يَا ابْنَ أَخِي، هذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ. حَدَّثَتْنِي أُمّ سَلَمَةَ، زَوْجُ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاذ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ عَمْرٍو. 4990 - (0) (0) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى وَأَحْمَدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدنِيُّ (حَدَّثَنَا عمرو بن مسلم بن عمار الليثيّ) المدنِيُّ (قال) عمرو بن مسلم كنا في الحمام) مذكر مشتق من الحميم وهو الماء الحار وهو مغتسل البدن (قبيل) عيد (الأضحى) وهو تصغير قبل (فاطَّلى فيه) أي في الحمام (ناس) من المغتسلين فيه أي أزالوا شعر العانة بالنورة وهو يدل على تعلق النهي عن إزالة الشعر بكل وجه من وجوه الإزالة اهـ أبي يعني لا على تعلقه باستعمال النورة لأن استعمالها جائز غير مكروه بلا شك اهـ ذهني قوله "فاطَّلى" بتشديد الطاء على أنَّه من باب الافتعال كما في لسان العرب (19/ 334) من الاطلاء وهو استعمال النورة لإزالة شعر العانة وأصله تلطيخ الجسم بشيء من الدهن وغيره (فقال بعض أهل الحمام إن سعيد بن المسيّب يكره هذا) الإطلاء يعني يكره إزالة الشعر في عشر ذي الحجة لمن يريد التضحية لا مجرد الإطلاء اهـ نووي (أو) قال ذلك البعض (ينهى) سعيد (عنه) أي عن الإطلاء والشك من عمرو بن مسلم فيما قاله ذلك البعض قال عمرو بن مسلم (فلقيت سعيد بن المسيّب فذكرت ذلك) الذي سمعته من بعض أهل الحمام (له) أي لسعيد (فقال) لي سعيد (يَا ابن أخي) يريد أخوة الدين (هذا) النهي الذي سمعوه مني (حديث قد نسي) عند النَّاس (وترك) العمل به عندهم وعطفه على ما قبله عطف تصير وذلك أني (حدثتني أم سلمة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق أبو أسامة (بمعنى حديث معاذ عن محمَّد بن عمرو) بن علقمة غرضه بيان متابعة أبي أسامة لمعاذ بن معاذ والله أعلم وهذا السند من سداسياته. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال. 4990 - (0) (0) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (وأَحمد بن

عَبْدِ الرَّحْمنِ، ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي حَيوَةُ. أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ الجُنْدَعِيِّ؛ أَن ابْنَ المُسَيَّب أَخْبَرَهُ؛ أَن أُمّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَخْبَرَتهُ. وَذَكَرَ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. 4991 - (934 1) (266) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنْ مَرْوَانَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوَيةَ الفَزَارِي. حَدَّثنَا مَنْصُورُ بْنُ حَبانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرَّحْمَن) بن وهب بن مسلم القُرشيّ المصري (ابن) بالرفع مع كتابة همزة الوصل لأنه صفة لأحمد فهو مفصول عن موصوفة (أخي) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب كلاهما (قالا حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري ثِقَة من (9) (أخبرني حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثِقَة من (7) روى عنه في (7) أبواب (أخبرني خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبو عبد الرَّحِيم المصري الإسكندراني ثِقَة فقيه من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد بن أبي هلال) الليثيّ مولاهم أبي العلاء المصري صدوق من (6) (عن عمر بن مسلم) بن عمار بن أكيمة الليثيّ (الجندعي) بضم الجيم وإسكان النُّون وبفتح الدال وضمها نسبة إلى جندع بطن من بني ليث اهـ نووي (أن) سعيد (ابن المسيّب أخبره أن أم سلمة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أخبرته وذكر) سعيد بن أبي هلال (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وذكر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كناية عن رفعه الحديث وساق سعيد بن أبي هلال (بمعنى حديثهما) أي بمعنى حديث مالك بن أنس ومحمَّد بن عمرو الليثيّ وفي أغلب النسخ "بمعنى حديثهم" وهو تحريف من النساخ والصواب ما قلناه وهذا السند من ثمانياته غرضه بيان متابعة ابن أبي هلال لمالك ومحمَّد بن عمرو ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال. 4991 - (1934) (266) (حدثنا زهير بن حرب وسريج) مصغرًا (بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي ثِقَة من (10) روى عنه في (11) بابا (كلاهما) رويا (عن مروان قال زهير حَدَّثَنَا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) الكُوفيّ نزيل مكة واسع الرواية ثِقَة من (8) (حَدَّثَنَا منصور بن حيان) بن حصين الأَزدِيّ الكُوفيّ

حَدَّثَنَا أبُو الطُفَيلِ، عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ. قَال: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَال: مَا كَانَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يُسِرُّ إِلَيكَ؟ قَال: فَغَضِبَ وَقَال: مَا كَانَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يُسِرُّ إلَيَّ شَيئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ. غَيرَ أئهُ قَدْ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ. قَال: فَقَال: مَا هُنَ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَال: قَال "لَعَنَ الله مَن لَعَنَ وَالِدَهُ. وَلَعَنَ الله مَن ذَبَحَ لِغيرِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن أبي الطفيل في الضحايا وسعيد بن جبير في الأشربة وعمرو بن ميمون والشعبي ويروي عنه (م د س) ومروان بن معاوية وأبو خالد الأحمر والثوري وشعبة وعدة وثقه أبو حاتم وابن معين والعجلي والنَّسائيّ قال أبو حاتم كان من أثبت النَّاس وذكره ابن حبان في الثِّقات وقال في التقريب ثِقَة من الخامسة (حَدَّثَنَا أبو الطفيل عامر بن واثلة) بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثيّ المكيّ ولد عام أحد وأثبت مسلم وابن عدي صحبته ورؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه وعمّر حتَّى مات سنة (110) مائة وعشر وهو آخر من مات من جميع الصَّحَابَة على الإطلاق (قال) أبو الطفيل (كنت) يومًا (عند علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي (فأتاه رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه ولعل السائل هو عامر بن واثلة (فقال) ذلك الرَّجل (ما كان) أي أي شيء كان (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يسر إليك) أي يخبرك سرًّا عن النَّاس (قال) أبو الطفيل (فغضب) علي عن سؤال الرَّجل وقوله فيه إبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة والإمامية من الوصية إلى علي وغير ذلك من اختراعاتهم وأي دليل أقوى على بطلانه من اعتراف علي بنفسه رضي الله عنه (وقال) علي في جوابه (ما) نافية أي ما كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يسر الي) أي لم يكن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يسر إلى (شيئًا يكتمه النَّاس) أي يخفيه عن النَّاس (غير أنَّه) أي لكن أنَّه صلى الله عليه وسلم (قد حَدَّثني بكلمات أربع قال) أبو الطفيل (فقال) الرَّجل لعلي (ماهن) تلك الكلمات أي أي شيء هن (يَا أمير المُؤْمنين قال) أبو الطفيل (قال) علي في بيان تلك الكلمات إحداها قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من لعن والده) أما لعن الوالد والوالدة إما بأن يلعن الرَّجل والديه صراحة وإما بأن يسب والدي غيره فيسب هو والديه انتقامًا منه وهو من الكبائر وسبق ذلك في كتاب الإيمان مبسوطًا (و) ثانيتها قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من ذبح لغير الله) تعالى وهذا موضع الترجمة أما الذبح لغير الله

وَلَعَنَ الله مَن آوَى مُحدِثًا. وَلَعَنَ الله مَن غَيَّرَ مَنَارَ الأَزضِ". 4992 - (0) (0) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ، سُلَيمَانُ بْنُ حَبانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أبِي الطُّفَيلِ، قَال: قُلنَا لِعَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ: أَخْبِرْنَا بِشَيءٍ أسَرَّهُ إِلَيكَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. فَقَال: مَا أسَرَّ إلَيَّ شَيئًا كَتَمَهُ النَاسَ، وَلكِني سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَعَنَ الله مَن ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ. وَلَعَنَ الله مَنْ آوَى مُحدِثًا. وَلَعَنَ الله مَن لَعَنَ وَالِدَيهِ. وَلَعَنَ الله مَن غيَّرَ المَنَارَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو الذبح باسم غير الله تعالى كالذبح باسم الصنم وباسم نبي من أنبياء الله أو بولي من أوليائه أو باسم الكعبة وكل هذا حرام يوجب الشِّرك إن قصد تعظيم ذلك الغير ولا تحل تلك الذبيحة سواء كان الذابح مسلمًا أو نصرانيًّا أو يهوديًّا (و) ثالثها قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من آوى) وحمى (محدثًا) أي مبتدعًا وحفظه ممن يتعرض له ونصره على بدعته وقد تقدم بسط الكلام في آخر كتاب الحج (و) رابعتها قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من غير منار الأرض) أي حدودها وعلاماتها التي يتميز ملك كل أحد عن ملك غيره فتغييره بنقل حدودها وادخالها في ملكه وهو بمعنى حديث "من غصب شبرًا من أرض طوقه من سبع أرضين" كذا في الأبي وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ أخرجه في الضحايا باب من ذبح لغير الله عَزَّ وَجَلَّ (4422) ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال. 4992 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان) الأَزدِيّ الكُوفيّ صدوق من (8) (عن منصور بن حيان) الأَزدِيّ الكُوفيّ (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة الليثيّ المدنِيُّ (قال) أبو الطفيل (قلنا لعلي بن أبي طالب) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لمروان بن معاوية (أخبرنا بشيء أسرَّه إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) علي (ما أسر إلي شيئًا كتمه النَّاس ولكن سمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثًا) أي مبتدعًا أحدث أمرًا ليس معروفًا في الشرع (ولعن الله من لعن والديه ولعن الله من غيَّر المنار) أي حدود الأرض. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال.

4993 - (0) (0) حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ المُثَنَّى ومحمدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال: سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ أَبِي بَزَّةَ يحدِّث، عَنْ أَبِي الطُفَيلِ، قَال: سُئِلَ عَلِيٌّ: أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ بِشَيءٍ؟ فَقَال: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِشَيءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَةً. إلَّا مَا كَانَ في قِرَابِ سَيفِي هذَا. قَال: فَأخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 4993 - (0) (0) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى ومحمَّد بن بشار واللفظ لابن المثنَّى قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة قال) شعبة (سمعت القاسم) بن نافع (بن أبي بزة) بفتح الباء الموحدة والزاي المشددة اسمه يسار فارس من همدان ويقال نافع مولى لبعض أهل مكة قال ابن أبي حاتم عن أَبيه مولى عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي أَبا عبد الله المكيّ القارئ ويقال أبو عاصم روى عن أبي الطفيل في الضحايا وسعيد بن جبير آخر الكتاب في التفسير ويروي عنه (ع) وشعبة وابن جريج ومسعر وثقه ابن معين والعجلي والنَّسائيّ وقال ابن سعد كان ثِقَة قليل الحديث وقال في التقريب ثِقَة من الخامسة مات بمكة سنة خمس عشرة ومائة (115) وقيل قبلها (يحدث عن أبي الطفيل قال) أبو الطفيل (سئل علي) بن أبي طالب رضي الله عنه ولعل السائل هو أبو الطفيل كما دلت عليه الرواية السابقة وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة القاسم بن أبي بزة لمنصور بن حيان أي سئل علي (أخصكم) أي هل خصكم أهل البيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء) من الوحي (فقال) علي والله (ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به النَّاس) أي بشيء لم يعمم به النَّاس حالة كونهم (كافة) أي جميعًا قال النووي هكذا تستعمل كافة حالًا وأما ما يقع في كثير من كتب المصنفين من استعمالها مضافة وبالتعريف كقولهم هذا قول كافة العلماء ومذهب الكافة فهو خطأ معدود من لحن العوام وتحريفهم اهـ وقال في اللسان الكافة الجماعة وقيل الجماعة من النَّاس يقال لقيتهم كافة أي كلهم اهـ (إلَّا ما كان) استثناء من قوله بشيء أي ما خصنا بشيء من الوحي إلَّا شيئًا كان (في قراب) أي في غلاف (سيفي) وهو وعاء من جلد ألطف من الجراب يدخل فيه السيف بغمده وما خف من الآلة اهـ سنوسي وقوله (هذا) نعت للقراب أو للسيف أو بدل منه (قال) أبو الطفيل (فأخرج) علي من قراب سيفه (صحيفة) أي ورقة (مكتوب فيها) بالرفع مبتدأ ليس له خبر بل له مرفوع سد مسد الخبر

"لَعَنَ الله مَنْ ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ. وَلَعَنَ الله مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرضِ. وَلَعَنَ الله مَن لَعَنَ وَالِدَهُ. وَلَعَنَ الله مَن آوَى مُحدِثًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قوله (لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من سرق منار الأرض) أي غير حدودها وأدخل حق النَّاس في ملكه (ولعن الله من لعن والده ولعن الله من آوى) أي حمى ونصر (محدثًا) أي مبتدعًا مظهرًا بما يخالف السنة وهذه الكلمات الأربع مرفوع محكى على كونها نائب فاعل لمكتوب سدت مسد خبره لأنه وصف اكتفى بمرفوعه عن الخبر وجملة الوصف مع مرفوعه في محل النصب صفة لصحيفة ولكنها صفة سبية والتقدير فأخرج صحيفة موصوفة بكونها مكتوبًا فيها هذه الكلمات الأربع والله أعلم اهـ من الفهمَّ السقيم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات والثاني حديث علي ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. وهذا آخر ما أكرمني الله عَزَّ وَجَلَّ بإتمامه من المجلد الحادي عشر في تاريخ 19/ 5 / 1426 قبيل الظهر بعد ما وفقني بابتدائه في تاريخ 7/ 12 / 1425 هـ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية وعلى آله السادات وصحبه القادات وتابعيهم إلى يوم القيامات آمين يَا رب البريات وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة من الأصول والشواهد مائتان وستة وستون حديثًاوجملة ما فيه من الأبواب تسعة وأربعون بابا. بعد ما عاقني منه العوائق وحالني منه المعائق لأن العوائق لمن في الدنيا شقائق وما أحسن قول من قال: محن الزمان كثيرة لا تنقضي .... وسروره يأتيك كالأعياد وآخر: العبد ذو ضجر والرب ذو قدر ... والدهر ذو دول والعلم مقسوم والخير أجمع فيما اختار خالقنا ... وفي اختيار سواه اللوم والشوم وآخر: لا تكشفن من مساوي النَّاس ما ستروا ... فيهتك الله سترًا عن مساويكا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدًا منهم بما فيكا وآخر: تسايي الكل منا في المساوي ... فأفضلنا فتيلًا ما يساوي هل الدنيا وما فيها جميعًا ... سوى ظل يزول مع النهار تم المجلد الحادي عشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج ويليه المجلد الثاني عشر وأوله كتاب الأشربة (1) ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الحادي والعشرون دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية بيروت - لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

كان الشعبيُّ وعبد الرَّحْمَن بن مهدي ينشدان رحمهما الله تعالى: دينُ النَّبِيّ محمدٍ أخبار ... نعم المطيَّة للفتى الآثارُ لا ترغبن عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهار قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: هنيئًا لأصحاب خير الورى ... وطوبى لأصحاب أخباره أولئك فازوا بتذكيره ... ونحن سعدنا بتذكاره وهم سبقونا إلى نصره ... وها نحن أتباع أنصاره ولما حُرِمْنَا لقا عينه ... عكفنا على حفظ آثاره عسى الله يجمعنا كلنا ... برحمته معه في داره

الحمدُ لله على جلاله وكماله، والشكر له على نعمه ونواله، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا مثيل له في ذاته ولا شريك له في صفاته ولا معين له في أفعاله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خصَّ من الإرسال الإلهي بعمومه وختامه وكماله ومن الحق المبين بصفوه ولبه وزلاله صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهُدَاة المهديين. أما بعد: فلما فرغت من كتابة المجلد الحادي عشر تفرغت الآن وتصديت لكتابة المجلد الثاني عشر، وأن أتغدَّى فيه بعد ما تفطَّرت في أوائل الكتاب راجيًا من الله سبحانه وتعالى أن أتعشَّى في أواخر الكتاب، وأن أشرب فيه مناهل الشراب بعد ما أكرمني بعلله في أوائله، وما أحسن قول أبي الظهير: إذا رمت أن تتوخى الهدى ... وأن تأتي الحق من بابه فدع كل قول ومن قاله ... لقول النَّبِيّ وأصحابه فلم تنج من محدثات الأمور ... بغير الحديث وأربابه قال الحافظ ابن عبد البر: مقالة ذي نصح وذات فوائد ... إذا من ذوي الألباب كان استماعها عليكم بآثار النَّبِيّ فإنَّها ... منَ أفضل أعمال الرجال اتباعها فقلت:

كتاب الأشربة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 19 - كتاب الأشربة ـــــــــــــــــــــــــــــ 19 - كتاب الأشربة أي حرامها وحلالها، خبائثها وطيباتها، والأشربة جمع شراب كأطعمة وطعام اسمٌ لما يُشرب وليس مصدرًا لأن المصدر هو الشرب بتثليث الشين اهـ من الإرشاد، وتقديم الخمر ونظائرها على غيرها من باب تقديم التخلية على التحلية، والأصل في تحريمها قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ} أي القمار {وَالْأَنْصَابُ} أي ما ينصب ليعبد من دون الله {وَالْأَزْلَامُ} أي القداح التي يضرب بها {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وكان شربها جائزًا في صدر الإِسلام ولو كانت القدر الذي يزيل العقل خلافًا لمن قال: المُباح شرب ما لا ينتهي إلى السكر المزيل للعقل لأن المزيل للعقل حرام في كل ملة حكاه القشيري في تفسيره عن القفال الشاشي، قال النووي في شرح مسلم: وهو باطل لا أصل له فالحق القول الأول، وحصل التحريم بعد ذلك في السنة الثالثة من الهجرة بعد أُحد، وهي مما تكرر النسخ لها كما ذكره السيوطي في قوله: وأربع تكرر النسخ لها ... جاءت بها النصوص والآثار فقبلة ومتعة وخمر ... كذا الوضو مما تمس النَّار ويروى حمر بدل خمر فإنَّها تكرر النسخ لها أَيضًا وبها تصير خمسة اهـ بيجوري على الغزي. ***

657 - (1) باب تحريم الخمر وما تكون منه وتحريم تخليلها والتداوي بها وبيان أن كل ما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرا

657 - (1) باب تحريم الخمر وما تكون منه وتحريم تخليلها والتداوي بها وبيان أن كل ما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرًا 4994 - (1935) (1) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيّ. أخْبَرَنَا حجاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيّ بْنِ حُسَينِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، حُسَينِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَال: أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ في مَغْنَمٍ، يَوْمَ بَدْرٍ. وَأعْطَانِي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَارِفًا أُخْرَى. فَأنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ. وَأنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيهِمَا إِذْخِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 657 - (1) باب تحريم الخمر وما تكون منه وتحريم تخليلها والتداوي بها وبيان أن كل ما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرًا 4994 - (1935) (1) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِيّ أخبرنا حجاج بن محمَّد) الأعور البغدادي المصيصي، ثِقَة، من (9) (عن ابن جريج حَدَّثني ابن شهاب عن علي) زين العابدين (بن حسين بن عليّ) بن أبي طالب (عن أَبيه حسين بن عليّ) رضي الله عنهما (عن) أَبيه (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) علي بن أبي طالب (أصبت) أي أخذت (شارفًا) أي ناقة مسنة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغنم) أي من غنيمة غنمها المسلمون (يوم بدر) والشارف بالشين المعجمة وبالفاء هي الناقة المُسنة تجمع على شرف بضم الراء وإسكانها اهـ نووي (وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفًا) أي مُسنة (أُخرى) من خمس يوم بدر على الصحيح (فأنختهما) أي أنخت المسنتين وأبركتهما (يومًا) من الأيام (عند باب) دار (رجل من الأَنصار (قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، ولم أر أحدًا من الشُرَّاح ذكر اسمه (و) الحال (أنا أريد) الذهاب إلى الجبل، و (أن أحمل عليهما إذخرًا) بكسر الهمزة والخاء المعجمة حشيش معروف طيب الرائحة يُسقف به البيوت ويسد به فرج اللحد، وما سيأتي في الرواية الآتية أوضح من هذا ولفظه (ولما أردت أن أبتني وأدخل بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلًا صواغًا من بني قينقاع يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي) وفيه جواز الاحتشاش للتكسب وبيعه وأنه لا ينقص المروءة، وفيه جواز بيع الوقود للصواغين

لأَبِيعَهُ، وَمَعِيَ صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَينُقَاعَ، فَأسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَليمَةِ فَاطِمَةَ. وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَشْرَبُ في ذلِكَ البَيتِ. مَعَهُ قَينَةٌ تُغَنِّيهِ. فَقَالتْ: أَلا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعاملتهم (لـ) آخذه من الجبل و (أبيعه) للصواغين ليوقدوا به النَّار عند الصياغة (ومعي) رجل لم أر من ذكر اسمه (صائغ) أي يعمل الصياغة (من بني قينقاع) بضم النُّون وكسرها وفتحها والضم أشهر وهم طائفة من يهود المدينة، ويجوز صرفه على إرادة الحي ومنعه من الصرف على إرادة القبيلة أو الطائفة، وفيه جواز الاستعانة باليهودي في الأعمال والأكساب، وفيه اتخاذ الوليمة للعرس سواء في ذلك من له مال كثير ومن دونه اهـ نووي، وقوله (فأستعين به) أي بالإذخر أي بثمنه فهو معطوف على قوله "فأبيعه" (على وليمة) الابتناء بـ (فاطمة) رضي الله تعالى عنها (و) عمي (حمزة بن عبد المطَّلب يشرب) الخمر، وذلك قبل تحريمها (في ذلك البيت) الذي أنخت عند بابه المسنتين، والحال أن (معه) أي مع حمزة (قينة) أي جارية مغنية، قال الأبي: القينة الجارية المغنية، ولعل هذا كان قبل المنع من الغناء اهـ (تغنيه) أي تغني حمزة وتمدحه (فقالت) في غنائها له أي قالت في جملة ما تغنت به (ألا يَا حمز للشرف النواء) وهذا هو الشطر الأول من الأشعار التي تغنت بها الجارية، وحكى الحافظ في الفتح [6/ 200] عن معجم الشعراء للمرزباني أن هذا الشعر لعبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي جد أبي السائب المخزومي وهو الذي أمر القينة أن تغني بها تثير همة حمزة لما عرف من كرمه على نحو الناقتين ليأكلوا من لحمها، وتمام الأشعار ما يلي: ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب ... قديدًا من طبيخ أو شواء قوله (ألا) حرفُ تنبيه واستفتاح (يَا حمز) منادى مفرد العلم مرخم حمزة يجوز فيه فتح الزاي على لغة من ينتظر المحذوف، وضمها على لغة من لا ينتظر (للشرف) باللام الجارة وضم الشين والراء جمع شارف على غير قياس، وذلك أن الشارف مؤنث لأنه اسم للناقة المسنة وهو في أصله صفة لها فكان حقه أن يجمع على (فواعل) أو (فعل) لأنهما مثالًا جمع فاعل إذا كان للمؤنث لكنه لما كان مذكر اللفظ أي ليس فيه علامة تأنيث حملوه على بازل الذي هو صفة للجمل المسن فجمعوه جمعه فقالوا: شرف كما

النِّوَاءِ. فَثَارَ إِلَيهِمَا حَمْزَةُ بِالسيفِ. فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا. ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. قُلتُ لابْنِ شِهَابِ: وَمِنَ السَّنَامِ؟ قَال: قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا. قَال ابْنُ شِهَابِ: قَال عَلِيٍّ: فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا بزل، والسلام حرف جر متعلق بمحذوف دل عليه الحال أي انتبه يَا حمزة وانهض للشرف أو قم لها، تحرضه على نحرها ولذلك قام حمزة فنحرها (النواء) بكسر النُّون وبالمد جمع ناوية وهي السمينة يقال نوت الناقة تنوي فهي ناوية وهو أَيضًا على غير قياس كما تقدم، والمعنى ألا يَا حمزة انهض وقم إلى نحر النوق السمينة، قال الخطابي: وقد روى ابن جرير الطبري بدل هذا اللفظ (ألا يَا حمز ذا الشرف النواء) بفتح الشين والراء في الشرف وفتح النُّون في النواء كأنه وصف حمزة بكونه شريفًا، والنواء حينئذ بمعنى النَّائِيّ وهو البعيد والمراد (ذا الشرف البعيد) أي مناله بعيد ولكنه رده الخطابي وقال إنه خطأ وتصحيف، ووقع في رواية القابسي والأصيلي (النوى) بالقصر وهو خطأ أَيضًا، وقوله (وهن معقلات) أي مشدودات مربوطات، والضمير للشوارف، وأتى بضمير الجمع مع أنهما كانتا اثنتين توسعًا و (الفناء) بكسر الفاء والمد جانب الدار (وضرجهن) أي لطخهن (بالدماء) السائلة منها من التضريج وهو التلطيخ (والأطايب) جمع الأطيب، والمراد عجل من أطيب لحمها (لشرب) بفتح الشين جمع شارب يعني عجل من أطيب لحمها لهؤلاء الندماء الذين يشربون الخمر و (القديد) المطبوخ من اللحم والطبيخ المطبوخ والشواء بكسر الشين المشوي (فثار) أي نهض وقام (إليهما) أي إلى الشارفين (حمزة بالسيف فجب) أي قطع (أسنمتهما) والجب الاستئصال في القطع والأسنمة جمع السنام والسنام بفتح السين حدبة على ظهر البعير (وبقر) أي شق (خواصرهما) جمع خاصرة وهي موضع الكلية بين الجنب والحقو (ثم أخذ من أكبادهما) جمع كبد، قال ابن جريج: (قلت لابن شهاب و) هل أخذ (من السنام) أَيضًا يعني سألته هل أخذ من السنام أَيضًا كما أخذ من الأكباد؟ فـ (قال) لي ابن شهاب: نعم (قد جب) وقطع (أسنمتهما) أَيضًا (فذهب بها، قال ابن شهاب: قال علي) بن أبي طالب (فنظرت إلى منظر) من الشارفين يعني إلى أسنمتهما وخواصرهما (أفظعني) أي أفزعني وأحزنني

فَأَتَيتُ نَبِي الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ وَعِنْدَهُ زَيدُ بْنُ حَارِثَةَ. فَأَخْبَرْتُهُ الخَبَرَ. فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيدُ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَدَخَلَ َعَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيهِ. فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ. فَقَال: هَل أَنْتُمْ إلا عَبِيدٌ لِآبَائِي؟ فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَج عَنْهُمْ. 4995 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنِي ابْن جُرَيج، ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك المنظر (فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده) صلى الله عليه وسلم (زيد بن حارثة) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه (فأخبرته) صلى الله عليه وسلم (الخبر) أي خبر ما وقع من حمزة (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم معي (ومعه) صلى الله عليه وسلم (زيد) بن حارثة (وانطلقت معه) صلى الله عليه وسلم إلى البيت الذي فيه حمزة (فدخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على حمزة فتغيظ) أي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على حمزة (فرفع حمزة بصره) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) حمزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل في قوله (هل أنتم) للاستفهام الإنكاري والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وزيد أي ما أنتم (إلا عبيد لأبائي) أي إلَّا كعبيد لأبي عبد المطَّلب! يريد والله أعلم أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطَّلب في الخضوع لحرمته والجد يدعى سيدًا وأنه أقرب إليه منهما فأراد الافتخار عليهم بذلك، وفي الرواية الآتية (لأبي) بالإفراد؛ والمراد به في الموضعين عبد المطَّلب، والجمع هنا للتعظيم (فرجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حمزة حالة كونه (يقهقر) أي يمشي القهقرى وهو المشي إلى الخلف، وكأنه فعل ذلك خشية أن يزداد عبث حمزة في حالة سكره فينتقل من القول إلى الفعل فأراد أن يكون ما يقع من حمزة بمرأى منه ليدفعه إن وقع منه شيء كذا في فتح الباري (حتَّى خرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنهم) أي من عند حمزة ومن معه من الشربة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ أخرجه في مواضع منها في الجهاد باب فرض الخمس برقم [3901] وأبو داود في الخراج برقم [2986]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 4995 - (0) (0) (وحدثنا عبد بن حميد أخبرني عبد الرَّزّاق أخبرني ابن جريج)

بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4996 - (00) (00) وحدثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. أخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيرٍ، أَبُو عُثْمَانَ المِصْرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَينِ بْنِ عَلِيٍّ؛ أَنَّ حُسَينَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَلِيًّا قَال: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ، يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الخُمْسِ يَوْمَئِذٍ. فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ، بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ، وَاعَدْتُ رَجُلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بيان متابعة عبد الرَّزّاق الحجاج بن محمَّد (بهذا الإسناد) يعني عن ابن شهاب إلى علي بن أبي طالب، وساق عبد الرَّزّاق (مثله) أي مثل حديث حجاج بن محمَّد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 4996 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني الخُرَاسَانِيّ الأصل البغدادي، ثِقَة ثبت، من (11) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا سعيد بن كثير بن عفير) بمهملة وفاء مصغرًا الأَنْصَارِيّ مولاهم (أبو عثمان المصري) روى عن ابن وهب في الضحايا والأشربة وسليمان بن بلال في الفضائل، والليث ومالك وطائفة، ويروي عنه (خ م س) وأبو بكر بن إسحاق وعثمان بن خرزاذ، قال أبو حاتم: لم يكن بالثبت، كان يقرأ من كتب النَّاس وهو صدوق، وقال ابن عدي: هو عند النَّاس صدوق ثِقَة، وقال النَّسائيّ: صالح، وقال ابن معين: ثِقَة لا بأس به، وقال الحاكم: يقال إن مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه، وقال في التقريب: صدوق عالم بالأنساب والأخبار والمناقب، من العاشرة، مات سنة (226) ست وعشرين ومائتين (حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) بن مسلم الفهمي المصري، ثِقَة، من (9) (حَدَّثني يونس بن يزيد) الأُموي الأيلي، ثِقَة، من (7) (عن ابن شهاب أخبرني علي بن حسين بن عليّ) بن أبي طالب (أن حسين بن عليّ) بن أبي طالب رضي الله عنه (أخبره أن عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه (قال) وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لابن جريج (كانت لي شارف) أي ناقة مسنة (من نصيبي) أي من سهمي (من المغنم يوم بدر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفًا من الخمس) أي من خمس الغنيمة التي غنموها (يومئذ) أي يوم غزوة بدر قال علي (فلما أردت) وقصدت (أن أبتني) وأدخل، والبناء الدخول بالزوجة وأصله أنَّهم كانوا من أراد ذلك بنوًا له قبة فخلا فيها بأهله (بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلًا)

صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَينُقَاعَ يَرْتَحِلُ مَعِيَ. فَنَأتِي بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ. فَأَسْتَعِينَ بِهِ في وَليمَةِ عُرْسِي. فَبَينَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالغَرَائِرِ وَالحِبَالِ. وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي عاهدت معه ولم أر من ذكر اسم الرَّجل (صواغًا) بفتح الصاد المهملة وتشديد الواو صفة رجلًا، والصواغ مبالغة في الصائغ؛ وهو الذي يصوغ الذهب والفضة (من بني قينقاع) بفتح القافين وضم النُّون على الأشهر وقد تفتح وتكسر، وقال في القاموس: هم شعب من اليهود كانوا بالمدينة، وقوله (يرتحل معي) أي يمشي معي إلى موضع الإذخر، صفة ثالثة لرجلًا، وفي رواية البُخَارِيّ (أن يرتحل معي) بزيادة أن المصدرية فتكون الجملة في تأويل مصدر منصوب على أنَّه مفعول ثان لواعد أي واعدته الارتحال معي (فنأتي بإذخر) بكسر الهمزة وذال معجمة ساكنة حشيشة طيبة الرائحة (أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به) بالنصب عطفًا على أبيعه أي أستعين بثمنه (في) شراء طعام (وليمة عرسي) بفاطمة، قال الجوهري: العرس بضم العين وسكون الراء طعام الوليمة ويقال أعرس الرَّجل إذا بني بأهله وكذلك إذا غشيها، وفي القاموس نحوه وبكسر العين امرأة الرَّجل، والوليمة طعام الزفاف وحينئذ فينبغي كسر العين أي طعام وليمة المرأة وإلا فيصير المعنى طعام وليمة وليمتي، وإنما سمي طعام الوليمة المعمول عند العرس عرسًا باسم سببه اهـ من الإرشاد. وفيه أن ما يجمعه الصواغ يكون ملكًا له فكيف يبيعه علي رضي الله عنه لنفسه؟ والجواب أن الصواغ وعده بأنه سيهب له ما يجمعه وذلك لما بينهما من صداقة أو تكون مصاحبة الصواغ لمجد الاستيناس به ويكون كل واحد منهما مالكًا لما يجمعه بنفسه ولا يبيع علي إلَّا ما هو ملك له والله أعلم اهـ من التكملة. (فبينا) بلا ميم وكذا مع الميم ظرف ملازم للإضافة إلى الجملة (أنا أجمع لشارفي) أي لشارفين لي هو مثنى أضيف إلى ياء المتكلم (متاعًا) يحتاج إليه في حمل الإذخر عليهما (من الأقتاب) جمع قتب وهو أداة الرحل، وقال النووي: وهو رحل يكون قدر السنام اهـ وقد يكون في موضع آخر بمعنى الأمعاء وهو وما بعده بيان للمتاع (والغرائر) بالغين المعجمة والراء المكررة جمع غرارة ما يوضع فيه الشيء من التبن وغيره وتسمى بالجوالق كما في النووي (والحبال) جمع حبل والمراد الحبال التي تربط بها الحمولة على القتب (وشارفاي) أي والحال أن شارفي (مناخان) أي مبروكتان هكذا هو في معظم

إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ. وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ. فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. فَلَمْ أَمْلِكْ عينَيَّ حِينَ رَأَيتُ ذلِكَ المَنْظَرَ مِنْهُمَا. قُلتُ: مَنْ فَعَلَ هذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ. وَهُوَ في هذَا البَيتِ في شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ. غَنَّتْهُ قَينَةٌ وَأَصْحَابُهُ. فَقَالتْ في غِنَائِهَا: ألا يَا حَمْزُ لِلشُرُفِ النِّوَاءِ. فَقَامَ حَمْزَةُ بِالسَّيفِ. فَاجْتَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ النسخ (مناخان) وفي بعضها (مناختان) بزيادة التاء وهما صحيحان فأنث باعتبار المعنى، وذكر باعتبار اللفظ يعني لفظ شارف (إلى جنب حجرة رجل من الأَنصار) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (وجمعت حين جمعت ما جمعت) من الأقتاب والغرائر وغيرها، وفي رواية (ورجعت) أي إليهما (حين جمعت ما جمعت) من الأمتعة وهي أوضح بل أصوب (فإذا) الفاء عاطفة، وإذا فجائية رابطة لجواب بينا أي فبينا أوقات جمعي ما جمعت من الأمتعة ورجوعي إليهما (شارفاي قد اجتبت) أي قد قطعت، وفي رواية للبخاري (قد اجتبت) وفي أخرى (قد جبت) وهي أوضح (أسنمتهما وبقرت) أي شقت (خواصرهما وأخذ من كبادهما) والمعنى فبينا جمعي ما جمعت ورجوعي إليهما فاجأني جب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ أكبادهما (فلم أملك عيني) بلفظ التثنية أي فلم أقدر إمساك عيني عن البكاء (حين رأيت ذلك المنظر) الفظيع (منهما) وإنما بكى علي رضي الله عنه خوفًا من تقصيره في حق فاطمة رضي الله تعالى عنها أو في تأخير الابتناء بها لا لمجرد ذوات الناقتين اهـ من الإرشاد. قال علي رضي الله عنه (قلت) لمن حولهما (من فعل هذا) الجب والبقر والأخذ من أكبادهما (قالوا) أي قال الحاضرون حولهما (فعله) أي فعل هذا الجب والبقر بهما (حمزة بن عبد المطَّلب وهو) أي حمزة جالس (في هذا البيت في شرب) أي مع شربه (من الأَنصار) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء جماعة يجتمعون على شرب الخمر اسم جمع عند سيبويه، وجمع شارب عند الأخفش كصحب وصاحب (غنته) أي مدحته وأطربته (قينة) أي جارية مغنية بقصيدة مطلعها ألا يَا حمز .. الخ (وأصحابه) بالنصب معطوف على ضمير غنته لوجود الفاصل أي غنته وأصحابه من الشربة معه جارية مغنية أي صاحبة غناء بتلك القصيدة (فقالت في غنائها ألا يَا حمز للشرف النواء فقام حمزة بالسيف فاجتب) حمزة أي جب وقطع فهو خماسي بمعنى الثلاثي زيد فيه إفادة للمبالغة

أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا. فَأخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. قَال عَلِيُّ: فَانْطَلَقْتُ حَتى أَدْخُلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيدُ بْنُ حَارِثَةَ. قَال: فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ في وَجْهِيَ الّذِي لَقِيتُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "مَا لكَ؟ " قلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ، مَا رَأَيتُ كَاليَوْمِ قَط ـــــــــــــــــــــــــــــ في المعنى (أسنمتهما وبقر خواصرهما فأخذ من أكبادهما. فقال علي) رضي الله عنه (فانطلقت) من عندهما (حتَّى أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهبت حتَّى دخلت عليه صلى الله عليه وسلم فيجوز فيه الرفع والنصب، ورجح ابن مالك النصب وعبر بصيغة المضارعة مبالغة في استحضار صورة الحال وإلا فكان الأصل أن يقول حتَّى دخلت على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (وعنده زيد بن حارثة قال) علي (فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين دخلت عليه (في وجهي) أثر (الذي لقيت) من اعتداء حمزة على شارفي (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك) يَا علي أي أي شيء ثبت لك فظهر أثره في وجهك فـ (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يَا رسول الله والله) أتى بالقسم لتأكيد الكلام (ما رأيت كاليوم قط) أي ما رأيت فيما مضى من عمري منظرًا أفظع مثل منظر اليوم، وقط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي، قال القرطبي: هذا كلام كثر عندهم حتَّى صار كالمثل، والكاف فيه نعت (يوم) محذوف تقديره ما رأيت يومًا مثل اليوم يهولني لما لقيت فيه، ويحتمل أن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي ما رأيت كربًا مثل كرب اليوم أو ما شاكل ذلك، ويدل على الأول ما أنشده ابن شبة من الزيادة في شعر القينة فقال: ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب ... قديدًا من طبيخ أو شواء (قلت) وعلى هذا فيكون فيه حجة على إباحة أكل ما ذبحه غير المالك تعديًا كالغاصب والسارق وهو قول جمهور العلماء مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وخالف في ذلك إسحاق وداود وعكرمة فقالوا: لا يؤكل وهو قول شاذ، وحجة الجمهور أن الذكاة وقعت من المتعدي على شروطها الخاصة بها وقيمة الذبيحة قد تعلقت بذمة المتعدي فلا موجب للمنع وقد وقع التفويت، وقد روى ابن وهب حديثًا

عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا. وَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل على جواز الأكل رواه أَحْمد [5/ 293] وأبو داود [3332] والدارقطني [4/ 286] من حديث عاصم بن كليب. ولم يقع في شيء من الصحيح أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ألزم حمزة غرامة الشارفين، لكن روى هذا الحديث عمر بن شبة في كتابه وزاد فيه من رواية أبي بكر بن عياش: فغرمهما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن حمزة. وهذه الرواية جارية على الأصول إذ لا خلاف في أن ما يتلف السكران من الأموال يلزمه غرمه وعلى تقدير أن لا تثبت هذه الزيادة فعدم النقل لا يدل على عدم المنقول ولو دل على ذلك لأمكن أن يقال إنما لم يحكم عليه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالغرامة لأن عليًّا رضي الله عنه لم يطلبها منه أو لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تحملها عنه والله تعالى أعلم. (قلت) وهذا الحديث يدل على أن شرب الخمر كان إذ ذاك مباحًا معمولًا به معروفًا عندهم بحيث لا ينكر ولا يغير وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أقر عليه وعليه يدل قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، وقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}، وهل كان يباح لهم شرب القدر الذي يسكر؟ ظاهر هذا الحديث يدل عليه فإن ما صدر من حمزة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم من القول الجافي المخالف لما يجب عليه من احترام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعزيره يدل على أن حمزة كان قد ذهب عقله بما يسكر ولذلك قال الراوي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه ثمل ثم إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم ينكر على حمزة ولا عنفه لا في حال سكره ولا بعد ذلك فكان ذلك دليلًا على إباحة ما يسكر عندهم، وقد احتج بهذا الحديث من لا يلزم طلاق السكران من جهة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ حمزة بما صدر منه من قوله وإليه ذهب المزني والليث وبعض أصحاب أبي حنيفة، وتوقف فيه أَحْمد بن حنبل، والجمهور من السلف والخلف وكافة الفقهاء على أن ذلك يلزمه لأن السكران بعد التحريم أدخل نفسه في السكر بمعصية الله تعالى فكان مختارًا لما يكون منه فيه ولم يكن حمزة كذلك بل كان شربه مباحًا كما مر آنفًا فصار ذلك بمثابة من سكر من شرب اللبن أو غيره من المباحات فإنَّه لا يلزمه شيء مما يجري منه من القول ويكون كالمغمى عليه والله أعلم اهـ من المفهم بتصرف. (عدا حمزة) أي تعدى (على ناقتي فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها) أي انتبه

هُوَ ذَا في بَيتٍ مَعَهُ شَرْبٌ. قَال: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَاهُ. ثُمّ انْطَلَقَ يَمْشِي. وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزيدُ بْنُ حَارِثَةَ. حَتى جَاءَ البَابَ الذِي فِيهِ حَمْزَةُ. فَاسْتَأذَنَ. فَأَذِنُوا لَهُ. فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ. فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ. فَإِذَا حَمْزَةُ مُحْمَرَّةٌ عَينَاهُ. فَنَظَرَ حَمْزَةُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. ثُمَّ صَعَّدَ النظَرَ فَنَظَرَ إلى رُكْبَتَيهِ. ثُمّ صَعَّدَ النظَرَ إلى سُرَّتِهِ. ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إلى وَجْهِهِ. فَقَال حَمْزَةُ: وَهَل أَنْتُمْ إلا عَبِيدٌ لأبَي؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا رسول الله (هو) أي حمزة (ذا) أي حاضر جالس (في بيت) لرجل من الأَنصار (معه) أي مع حمزة في ذلك البيت (شرب) بفتح الشين وسكون الراء جمع شارب أي معه شربة الخمر، اجتمعوا عليها (قال) علي (فدعا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) أي طلب (بردائه) فجيء به (فارتداه) فيه أن للإمام أن يمضي إلى بيت من بلغه أنَّهم على منكر ليغيره، وفيه أن للكبير في بيته أن يلقي رداءه تخفيفًا وأنه إذا أراد لقاء أتباعه يكون على أكمل هيئة كذا في فتح الباري (ثم انطلق يمشي) أي غير راكب (واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتَّى جاء الباب الذي فيه حمزة فاستأذن) في الدخول (فأذنوا له) صلى الله عليه وسلم، وفي رواية البُخَارِيّ (فأذنوا لهم) أي للثلاثة، قال الحافظ: فيه سنة الاستئذان في الدخول وأن الإذن للرئيس يشمل أتباعه لأن زيد بن حارثة وعليًّا دخلا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان استأذن فاذنوا له اهـ (فإذا هم) أي المجتمعون في البيت (شرب) أي شاربون للخمر (فطفق) بكسر الفاء أي جعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم) ويوبخ (حمزة فيما فعل) وعدا على ناقتي علي رضي الله عنهما (فإذا حمزة محمرة عيناه) لسكره (فنظر حمزة) رضي الله عنه (إلى) أسافل (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد) بفتح الصاد والعين المشددة المهملتين (النظر) أي البصر أي رفعه (إلي ركبتيه) صلى الله عليه وسلم، وفي رواية البُخَارِيّ (ركبته) بالإفراد (ثم صعد) بفتحتين مع التشديد أَيضًا أي رفع (النظر فنظر) حمزة (إلى سرته) صلى الله عليه وسلم (ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه) صلى الله عليه وسلم (فقال حمزة وهل أنتم إلَّا عبيد لأبي) عبد المطَّلب أي كالعبيد له؛ يريد والله أعلم أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطَّلب في الخضوع لحرمته، والجد أَيضًا يدعى سيدًا لأحفاده وأنه أقرب إليه منهما فأراد الافتخار عليهم

فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَنَّهُ ثَمِل. فَنَكَصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ َعَلَى عَقِبَيهِ القَهْقَرَى. وَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. 4997 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك كما مر (فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) من قوله ونظره (أنَّه) أي أن حمزة (ثمل) بفتح المثلثة مع كسر الميم ورفع اللام مع التنوين على صيغة اسم الفاعل من فعل المكسور يقال ثمل فهو ثمل أي سكران، وفي رواية البُخَارِيّ (أنَّه قد ثمل) بصيغة الماضي (فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رجع (على عقبيه) بلفظ التثنية أي وراءه رجوع (القهقرى) يقال نكص إذا تأخر و (القهقرى) الرجوع إلى وراء ووجهه إليك قاله الأخفش يقال منه تقهقر الرَّجل يتقهقر إذا فعل ذلك، وظاهر هذا أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجع إلى خلفه ووجهه إلى حمزة مخافة أن يصدر من حمزة شيء يكره فإنَّه قد كان السكر أذهب عقله، وقيل المعنى أنَّه خرج عنهم مسرعًا والأول أولى (وخرج) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من عندهم (وخرجنا) يريد علي نفسه وزيد بن حارثة (معه) صلى الله عليه وسلم. وإنما أورد الإِمام مسلم رحمه الله تعالى هذا الحديث أول كتاب الأشربة ليتبين به حكمة تحريم الخمر فإن الإنسان بعد شربها لا يملك نفسه فيعتدي على مال الغير ويرتكب ما فيه غضاضة له فإن حمزة رضي الله عنه مع كونه عمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أكثر النَّاس إجلالًا واحترامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان يتصور منه أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما خاطبه به في حالة السكر والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 4997 - (00) (00) (وحدثنيه محمَّد بن عبد الله بن قهزاذ) المروزي، ثِقَة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثني عبد الله بن عثمان) بن جبلة بن أبي رواد الأَزدِيّ العتكي أبو عبد الرَّحْمَن المروزي، الملقب بعبدان واسم أبي رواد أيمن مولى المهلب بن أبي صفرة، روى عن ابن المبارك في الأشربة والفضائل، وأبيه في المرء مع من أحب، وأبي حمزة السكري في الفتن ويروي عنه (خ م د ت س) ومحمَّد بن عبد الله بن قهزاذ ومحمَّد بن يحيى الذُّهليّ وأبو علي اليشكري، ومر البسط في ترجمته في المقدمة، ثِقَة،

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 4998 - (193) (2) حدّثني أَبُو الرَبِيعِ، سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ، يَوْمَ حُرِّمَتِ الخَمْرُ، في بَيتِ أَبِي طَلحَةَ. وَمَا شَرَابُهُمْ إلا الفَضِيخُ: البُسْرُ وَالتَّمْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) مات سنة (221) في شعبان (عن عبد الله بن المبارك) الحنظلي المروزي، ثِقَة، من (8) (عن يونس عن الزُّهْرِيّ بهذا الإسناد) يعني عن علي إلى علي (مثله) أي مثل ما حدث عبد الله بن وهب عن يونس، غرضه بيان متابعة ابن المبارك لابن وهب. وهذا السند من ثمانياته أَيضًا. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 4998 - (193) (2) (حَدَّثني أبو الرَّبيع) الزهراني (سليمان بن داود العتكي) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ (أخبرنا ثابت) بن أسلم البناني البَصْرِيّ (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة) الفضيخ كما هو مصرح به في رواية البُخَارِيّ وهو البسر الذي يشدخ ويصب عليه الماء ويترك حتَّى يغلي فيصير مسكرًا. والذي يتلخص من الروايات الآتية أن القوم كان فيهم أبو أَيُّوب وأبو طلحة وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وأبو دجانة وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب في رهط من الأَنصار رضي الله عنهم ووقع عند عبد الرَّزّاق أنَّهم كانوا أحد عشر رجلًا، وفي رواية للبخاري في الباب الثالث من الأشربة (كنت قائمًا على الحي أسقيهم عمومتي وأنا أصغرهم الفضيخ) (وما شرابهم) أي ما شراب النَّاس وقتئذ (إلَّا الفضيخ) وقال الحافظ في الفتح: أما الفضيخ فهو بفاء وضاد معجمتين بوزن عظيم اسم للبسر إذا شدخ ونبذ في الماء وقد يطلق الفضيخ على خليط البسر والرطب كما يطلق على خليط البسر والتَّمر وكما يطلق على البسر وحده وعلى التمر وحده، والظاهر أن الذي أراد أنس هنا هو الخليط من البسر والتَّمر ولذا فسره بقوله والفضيخ هو (البسر والتَّمر) المخلوطان يصب عليهما الماء فيتركان إلى غليانهما فيشربان، قال في القاموس: الفضخ بفتح الفاء وسكون الضاد شق الشيء يقال فضخ البطيخ أو الرأس فضخًا من الباب الثالث إذا كسره وشدخه اهـ وحينئذ

فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي. فَقَال: اخْرُجْ فَانْظُرْ. فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: "أَلَا إِن الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ". قَال: فَجَرَتْ في سِكَكِ المَدِينَةِ. فَقَال لِي أَبُو طَلحَةَ: اخْرُجْ فَأهْرِقها. فَهَرَقْتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضيخ المفضوخ أي المكسور والمشدوخ من البسر والتَّمر والله أعلم. وقال إبراهيم الحربي: الفضيخ أن يفضخ البسر ويصب عليه الماء ويتركه حتَّى يغلي، وقال أبو عبيد: هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسه نار فإن كان معه تمر فهو خليط، وفي هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تصريح بتحريم جميع الأنبذة المسكرة وأنها كلها تسمى خمرًا اهـ نووي. والفاء في قوله (فإذا) عاطفة وإذا فجائية (مناد) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة تقدم إذا الفجائية عليه، وجملة (ينادي) خبره، والجملة الاسمية معطوفة على جملة كنت والتقدير كنت ساقي القوم الفضيخ ففاجأنا نداء مناد ينادي، قال الحافظ: لم أقف على اسم هذا المنادي، وقد وقع في بعض الروايات (أن رجلًا من المسلمين دخل عليهم أخبرهم بتحريم الخمر) ويمكن الجمع بينهما بأنه وقع كل ذلك فنادى مناد وسمعه أحد من المسلمين ودخل عليهم فأخبرهم اهـ. (فقال) لي أبو طلحة ووقع التصريح بذلك فيما سيأتي من رواية سعيد عن قتادة (اخرج) يَا أنس من البيت (فانظر) من ينادي واستمع نداءه، قال أنس (فخرجت فإذا مناد ينادي) أي ففاجأني نداء مناد ينادي بقوله (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا أيها المسلمون واستمعوا ما أقول لكم (إن الخمر قد حرمت) أي حرم شربها فأريقوا ما بأيديكم منها (قال) أنس فأراقوها (فجرت) أي سالت الخمور التي أراقوها (في سكك المدينة) وزقاقها لكثرتها يعني توافق المسلمون على إراقتها فجرت في الأزقة بكثرتها، وفي رواية لابن مردويه (فانصبت حتَّى استنقعت في بطن الوادي) وفي رواية لعبد الرَّزّاق في مصنفه [9/ 212] (حتَّى كادت السكك أن تمنع من ريحها) ولم يبال المسلمون بما استلزم ذلك من تلوث الطرق لأنهم قصدوا إشاعة تحريمها فاحتملوا أخف المفسدتين لحصول المصلحة العظيمة الحاصلة من الاشتهار، قال أنس (فقال لي أبو طلحة اخرج) بها يَا أنس (فأهرقها) أي كبها على الأرض أصله "فأرقها" وزيدت فيه الهاء على خلاف القياس وأبدلت الهمزة كذلك بالهاء في قوله (فهرقتها) ولفظ البُخَارِيّ (فأهرقها فأهرقتها) وفي قول أبي طلحة له أهرقها العمل بخبر الواحد لأنهم بادروا بإهراقها حين سمعوا النداء. (قلت) خبر الواحد هنا صحبته القرينة لأن النداء على هذا الوجه لا يكون إلَّا

فَقَالُوا (أَوْ قَال بَعْضُهُمْ): قُتِلَ فُلانٌ، قُتِلَ فُلانٌ. وَهِيَ في بُطُونِهِمْ. (قَال فَلا أَدْرِي هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَل: {لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ـــــــــــــــــــــــــــــ صدقًا، والخلاف الذي في قبوله إنما هو عند التجرد عن القرائن اهـ أبي، قال أنس (فقالوا) أي قال النَّاس وتحدثوا فيما بينهم (أو) قال أنس (قال بعضهم) أي بعض النَّاس، وروى البَزَّار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود كما في فتح الباري [9/ 279] ويحتمل أن الذين بدأوا بهذا القول هم اليهود ثم عرضت هذا الشبهة لبعض المسلمين أَيضًا فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي (قتل فلان) كحمزة (وقتل فلان) كمصعب بن عمير قتلا يوم أحد قبل تحريم الخمر وقتل فلان وفلان (وهي) أي والحال أن الخمر (في بطونهم) يعني أنَّهم قد شربوا الخمر على أنها لم تحرم عليهم يومئذ وأن القرآن قد أخبر الآن بكونها رجسًا فإن هذا الرجس لم يزل في بطونهم فهل يعاقبون بذلك أم لا؟ وعبارة القرطبي هنا (قوله: قال بعضهم: قُتِل فلان، قُتِل فلان، وهي في بطونهم) هذا القول أصدره من قائله إما غلبة خوف وشفقة وإما غفلة عن المعنى وبيان ذلك أن الخمر كانت مباحة لهم كما قد صح أنَّهم كانوا يشربونها والنبي صلى الله عليه وسلم يقرهم عليها وهو ظاهر قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ومن فعل ما أبيح له حتَّى مات على فعله لم يكن له ولا عليه شيء لا إثم ولا مؤاخذة ولا ذم ولا أجر ولا مدح لأن المباح مستوى الطرفين بالنسبة للشرع كما يعرف من الأصول وعلى هذا فما ينبغي أن يتخوف ولا يسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت إباحتها فإما أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإباحة فلم يخطر له أو يكون لغلبة خوفه من الله تعالى وشفقته على إخوانه المُؤْمنين توهم مؤاخذة ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدم فإن الشفيق بسوء الظن مولع، فرفع الله ذلك التوهم بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} أي فيما شربوا اهـ من المفهم. (قال) بعض رواة هذا الحديث (فلا أدري) ولا أعلم أ (هو) أي هل هذا الآتي من ذكر نزول الآية (من حديث أنس) أم لا؟ يعني شك الراوي في أن حديث أنس قد انتهى على قوله وهي في بطونهم أو اشتمل على ما بعده من بيان نزول الآية في ذلك (فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ) في جواب سؤالهم {لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} أي فيما شربوا {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.

4999 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ أيوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيبٍ. قَال: سَالُوا أَنَسَ بْنَ مالك عَنِ الفَضِيخِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (فيما طعموا) قال القرطبي: معنى طعموا شربوا كقول طالوت في الماء {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} وأصل اللفظة في المطعوم لا في المشروب لكن قد يتجوز بها فتستعمل في المشروب، ومعنى (إذا ما اتقوا) أي شربها بعد (وآمنوا) أي بتحريمها (وعملوا الصالحات) أي التي تصد عنها (ثم اتقوا) أي داموا على اجتنابها (وآمنوا) أي بالوعيد عليها (ثم اتقوا) أي نسوا التأويل في تحريمها (وأحسنوا) أي في اجتنابها مراقبة لله تعالى اهـ من الأبي. وفي حديث أنس هذا أبواب من الفقه منها أن خبر الواحد كان معمولًا به عندهم معلومًا لهم ألا ترى أنَّهم لم يتوقفوا عند إخبار المخبر بل بادروا إلى إتلاف الخمر والامتناع مما كان مباحًا لهم، ومنها أن نداء المنادي عن الأمير ينزل في العمل منزلة سماع قوله. ومنها أن المحرم الأكل أو الشرب لا ينتفع به في شيء من الأشياء لا من بيع ولا من غيره، وفيه كسر أواني الخمر وعليه تخرج إحدى الروايتين عن مالك في كسرها لما داخلها من الخمر ولعسر غسلها وفي الأخرى إذا طبخ فيها الماء وغسلت جاز استعمالها وعلى هذا فإذا كانت الأواني مضراة في الخمر لا ينتفع بها في شيء من الأشياء تكسر على كل حال ولذلك شدد مالك في الزقاق فإن تعلق الرائحة بها عسر الانفكاك بل لا ينفك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [5582] وأبو داود [3673] والنَّسائيّ [8/ 287 و 288]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 4999 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري البغدادي، ثِقَة، من (10) (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البَصْرِيّ المعروف بـ (ابن عليّة) اسم أمه، ثِقَة، من (8) (أخبرنا عبد العزيز بن صهيب) البناني مولاهم البَصْرِيّ الأعمى، ثِقَة، من (4) (قال) عبد العزيز (سألوا) أي سأل النَّاس (أنس بن مالك عن الفضيخ) ما هو ولم أر من ذكر أسماء السائلين. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لثابت بن أسلم

فَقَال: مَا كَانَتْ لَنَا خَمْرٌ غَيرَ فَضيخِكُمْ هذَا الّذِي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ. إِنِّي لَقَائِمْ أَسْقِيهَا أَبَا طَلحَةَ وَأَبَا أَيوبَ وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، في بَيتِنَا. إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَال: هَل بَلَغَكُمُ الخَبَرُ؟ قُلنَا: لا. قَال: فَإِن الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَال: يَا أَنَس، أَرِقْ هذِهِ القِلال. قَال: فَمَا رَاجَعُوهَا وَلا سَأَلُوا عَنْهَا، بَعْدَ خَبَرِ الرّجُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) أنس في جوابهم إما كانت لنا) معاشر الصَّحَابَة (خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ) وهو الخمرة المتخذة من البسر المشدوخ (إنِّي لقائم) يومًا حالة كوني (أسقيها) أي أسقي الخمرة المتخذة من الفضيخ وأصبها لهم، والضمير عائد إلى الفضيخ ولكن أنثه نظرًا إلى كونه بمعنى الخمر، وذكره أولًا نظرًا إلى لفظ الفضيخ (أَبا طلحة) زوج أمي أم سليم الأَنْصَارِيّ اسمه زيد بن سهل (وأبا أَيُّوب) الأَنْصَارِيّ اسمه خالد بن زيد (ورجالًا) آخرين (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) كأبي عبيدة وأبي دجانة وأبي بن كعب كما مر (في بيتنا) بيت أم سليم (إذ جاء رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (فقال) الرَّجل (هل بلغكم الخبر) يعني خبر تحريم الخمر (قلنا لا؟ ) أي ما بلغنا (قال) ذلك الرَّجل (فإن الخمر قد حرمت) حرمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (فقال) لي أبو طلحة (يَا أنس أرق) أمر من الإراقة أي اكبب وأفرغ (هذه القلال) والجرار المملوءة بالخمر على الأرض، والقلال بكسر القاف جمع قلة بضمها وتشديد اللام وهي جرة كبيرة تسع مائتين وخمسين رطلًا اهـ نووي. (قال) أنس (فما راجعوها) أي ما رجعوا إلى شربها (ولا سألوا عنها) أي عن حرمتها أحدًا (بعد) سماع (خبر الرَّجل) بل اكتفوا به لوجود القرينة الدالة على صدقه وهو نداء المنادي كما مر (قوله فما راجعوها ولا سألوا عنها) ضمير المؤنث هنا إما إلى القلال أو إلى الخمر؟ والمراد أنَّهم امتثلوا بأمر الله تعالى دون أن يعتريهم في ذلك شك أو شوق إلى ما ألفوه طول عمرهم، وبه يظهر ما كان عليه الصَّحَابَة من الاستسلام الكامل لأوامر الله ورسوله حيث تركوا عادتهم الأليفة في شرب الخمر في لحظة واحدة ولم يمنعهم من ذلك حبهم الشديد لها وولوعهم بها مع ما كانت الخمر في مجتمع أهل العرب من عناصر حياتهم التي لا يعيشون بدونها رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، قوله (بعد خبر الرَّجل) فيه وجوب العمل بخبر الواحد بالقيد السابق.

5000 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. قَال: وَأَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ التَّيمِيِّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِك قَال: إِنِّي لَقَائِمٌ عَلَى الحَيِّ، عَلَى عُمُومَتِي، أَسْقِيهِمْ مِنْ فَضِيخٍ لَهُمْ. وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ سِنًّا. فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَال: إِنَهَا قَدْ حُرِّمَتِ الخَمْرُ. فَقَالُوا: أَكْفِئْهَا يَا أَنَسُ، فَكَفَأتُهَا. قَال: قُلتُ لأنَسٍ: مَا هُوَ؟ قَال: بُسْرٌ وَرُطَبٌ. قَال: فَقَال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٌ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5000 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري (حَدَّثَنَا ابن عليّة) إسماعيل بن إبراهيم (قال) ابن عليّة أخبرنا عبد العزيز بن صهيب (وأخبرنا) أَيضًا (سليمان) بن طرخان (التيمي) نزل في التيم فنسب إليهم، أبو المعتمر البَصْرِيّ أحد سادة التابعين علمًا وعملًا، روى عنه ابن عليّة، قال سليمان (حَدَّثَنَا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سليمان التَّيميّ لعبد العزيز وثابت بن أسلم (قال) أنس (اني لقائم على الحي) من الأَنصار وغيرهم، وقوله (على عمومتي) أي على أعمامي بدل من الجار والمجرور قبله بدل بعض من كل أو بدل غلط، حالة كوني (أسقيهم) وأصب لهم (من فضيخ) كان شرابًا (لهم وأنا أصغرهم سنًّا) وعمرًا (فجاء رجل) من المسلمين (فقال) لهم ذلك الرَّجل (أنها) أي إن القصة (قد حرمت الخمر) التي منها هذا الفضيخ الذي تشربونه، قال أنس (فقالوا) أي فقال لي أبو طلحة ومن معه من الشربة (أكفئها) بفتح الهمزة وكسر الفاء أمر من الإكفاء أي أفرغها وصبها على الأرض (يَا أنس) أي أفرغ هذه الخمرة التي تسمى بالفضيخ، أنث الضمير العائد إلى الفضيخ نظرًا إلى كونه بمعنى الخمر (فكفأتها) بفتح الفاء الثَّانية من باب فتح أي فأفرغتها على الأرض (قال) سليمان التَّيميّ (قلت لأنس) بن مالك (ما هو) أي ما الفضيخ الذي تشربونه يومئذ (قال) أنس الفضيخ هو (بسر ورطب) شدخا ثم صب عليهما الماء وترك حتَّى يغلي ثم يشرب (قال) سليمان التَّيميّ (فقال) لي (أبو بكر بن أنس) بن مالك (كانت) الفضيخ (خمرهم) بالنصب على الخبرية لكان، واسمها ضمير يعود على الفضيخ أنثه نظرًا إلى أنَّه بمعنى الخمر (يومئذ) أي يوم إذ

قَال سُلَيمَانُ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَال ذلِكَ أَيضًا. 5001 - (00) (00) حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال أَنَسٌ: كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الحيِّ أَسْقِيهِمْ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَس: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. وَأَنَسٌ شَاهِدٌ. فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ ذَاكَ. وَقَال ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى: حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: حَدثني بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعِي؛ أَنهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرمت الخمر (قال سليمان) التَّيميّ قال لي أبو بكر ذلك الكلام (وحدثني رجل) آخر أَيضًا (عن أنس بن مالك أنَّه) أي أن أنسًا (قال ذاك) الكلام الذي أخبرنيه أبو بكر (أَيضًا) راجع إلى حَدَّثني، أي وحدثني رجل آخر أَيضًا كما حَدَّثني أبو بكر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5001 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن عبد الأعلى) القيسي أبو عبد الله الصَّنْعانِيّ ثم البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا المعتمر) بن سليمان التَّيميّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (عن أَبيه) سليمان بن طرخان البَصْرِيّ (قال) أبوه سليمان بن طرخان (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته أَيضًا، غرضه بيان متابعة المعتمر لابن عليّة (كنت قائمًا على الحي) أي على حي الأَنصار والمهاجرين، حالة كوني (أسقيهم) أي أصب لهم الفضيخ، وساق المعتمر (بمثل حديث ابن عليّة غير أنَّه) أي لكن أن المعتمر (قال) في روايته (فقال أبو بكر بن أنس كان) الفضيخ (خمرهم) بتذكير لفظ كان (يومئذ) أي يوم إذ كنت ساقيهم (و) أبوه (أنس شاهد) أي حاضر عندنا (فلم ينكر أنس) على أبي بكر كلامه (ذاك) يعني قوله كان الفضيخ خمرهم يومئذ، يعني قال أبو بكر ما قال عند أَبيه أنس وهو لم ينكر عليه والله أعلم اهـ ذهني (وقال) محمَّد (بن عبد الأعلى) أَيضًا (حدثنا المعتمر عن أَبيه قال) أبوه (حَدَّثني بعض من كان معي) يوم إذ حَدَّثني أنس هذا الحديث (أنَّه) أي أن ذلك البعض (سمع أنسًا يقول كان) الفضيخ (خمرهم) أي خمر الحي (يومئذ) أي يوم إذ كنت ساقيهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5002 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. قَال: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلحَةَ وَأبَا دُجَانَةَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، في رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَدَخَلَ عَلَينَا دَاخِلٌ فَقَال: حَدَثَ خَبَرٌ. نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ. فَكَفَأنَاهَا يَوْمَئِذٍ. وإنَهَا لَخَلِيط البُسْرِ وَالتَّمْرِ. قَال قَتَادَةُ: وَقَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَقَدْ حُرِّمَتِ الخَمْرُ. وَكَانَتْ عَامَّةُ خُمُورِهِمْ، يَوْمَئِذٍ. خَلِيطَ البُسْرِ وَالتمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5002 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري (حَدَّثَنَا ابن عُليّة قال) ابن علية حَدَّثَنَا سليمان التَّيميّ (وأخبرنا) أَيضًا (سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لمن روى عن أنس (قال) أنس (كنت أسقي أَبا طلحة) زيد بن سهل الأَنْصَارِيّ (وأبا دجانة) بضم الدال وتخفيف الجيم اسمه سماك بن خرشة الأَنْصَارِيّ متفق على شهوده بدرًا استشهد يوم اليمامة اهـ من الإصابة (ومعاذ بن جبل) حالة كونهم (في رهط) أي مع جماعة (من الأَنصار) كأبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ (فدخل علينا) رجل (داخل) من المسلمين (فقال) ذلك الداخل (حدث) أي وقع اليوم أمر جديد في ديننا فيه (خبر) عظيم للمسلمين ومصلحة كبيرة لهم فإنَّه (نزل) اليوم (تحريم الخمر) قال أنس (فكفأناها) أي كببناها وقلبنا جرارها على الأرض (يومئذ) أي يوم إذ دخل علينا داخل فأخبرنا نزول تحريمها، قوله (فكفأناها) مأخوذ من الكفأ بفتح الكاف وسكون الفاء وهو كب الشيء وقلبه على الأرض يقال كفأه إذا كبه وقلبه من الباب الثالث كذا في القاموس أي وكببناها وأرقناها، وفي نسخة فاكفأناها من الإكفاء يقال كفأ وأكفأ بمعنى واحد أي فكفأناها (وإنها) أي والحال أنها يومئذ (لخليط البسر والتَّمر) أي لمخلوطهما مشدخين، والبسر هو البلح الذي شرع في مبادي النضج، قال سعيد بن أبي عروبة (قال قتادة) حدثنا أنس هذا الحديث السابق (وقال أنس بن مالك) أَيضًا في آخر الحديث (لقد حرمت) أتى بالقسم لتأكيد الكلام أي والله لقد حرمت (الخمر وكانت عامة خمورهم) أي أغلب خمور المسلمين (يومئذ) أي يوم إذ حرمت (خليط البسر والتمر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال:

5003 - (00) (00) وحدثنا أَبُو غَسَّانَ المِسْمَعِيّ ومحمدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: إِنِّي لأَسْقِي أَبَا طَلحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَسُهَيلَ بْنَ بَيضَاءَ مِنْ مَزَادَةٍ، فِيهَا خَلِيطُ بُسْرٍ وَتَمْرٍ، بِنَحْو حَدِيثِ سَعِيدٍ. 5004 - (00) (00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ؛ أَنَّ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ حَدّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ نَهَى أَنْ يُخْلَطَ التَّمْرُ وَالزهْوُ ثُمَّ يُشْرَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5003 - (00) (00) (وحدثنا أبو غسان المسمعي) نسبة إلى جده مسمع اسمه مالك بن عبد الواحد البَصْرِيّ، ثِقَة، من (15) روى عنه في (9) أبواب (ومحمَّد بن المثنَّى و) محمَّد (ابن بشار) البصريان (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (أخبرنا معاذ بن هشام) الدستوائي البَصْرِيّ نزيل اليمن، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (عن قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لسعيد بن أبي عروبة (قال) أنس (إنِّي لأسقي أَبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء من مزادة) أي قربة (فيها خليط بسر وتمر) والمزادة بفتح الميم ظرف للزاد، قال في القاموس: المزاد الراوية أو لا تكون إلَّا من جلدين تفأم بثالث بينهما لتتسع اهـ وساق هشام (بنحو حديث سعيد) بن أبي عروبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في هذا الحديث فقال: 5004 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر أَحْمد بن عمرو بن سرح) الأُموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأَنْصَارِيّ المصري، ثِقَة، من (7) (أن قتادة بن دعامة) السدوسي البَصْرِيّ (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أنَّه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لسعيد بن أبي عروبة (يقول) أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط التمر والزهو ثم يشرب) لإسكاره، والزهو

وَإِنَّ ذلِكَ كَانَ عَامَّةَ خُمُورِهِمْ، يَوْمَ حُرِّمَتِ الخَمْرُ. 5005 - (00) (00) وحدثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك؛ أَنَّهُ قَال: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ وَأَبَا طَلحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْب، شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ. فَأَتَاهُمْ آتٍ فَقَال: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرمَتْ. فَقَال أَبُو طَلحَةَ: يَا أَنَسُ! قُمْ إلى هذِهِ الجَرَّةِ فَاكْسِرْهَا. فَقُمْتُ إلى مِهْرَاسٍ لنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح الزاي وسكون الهاء وقد يضم الزاي البسر الملون الذي ظهر فيه الحمرة والصفرة اهـ عيني، والزهو في أصل اللغة المنظر الحسن، وسمي به البسر إذا حسن منظره بالتلون، وأما التمر فهو اليابس فكانوا يخلطون التمر بالبسر ويسمونه الخليط أو الخليطين (وإن ذلك) الخليط (كان عامة خمورهم) أي أغلبها (يوم) نزول آية (حرمت الخمر) أي آية تحريمها، والخليط أن يجمع بين مسكرين في الشرب أو في الانتباذ وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5005 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس) الأصبحي المدنِيُّ (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ (عن أنس بن مالك) الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لمن روى عن أنس (أنَّه) أي أن أنسًا (قال كنت) أنا (أسقي أَبا عبيدة بن الجراح) القُرشيّ الفهري عامر بن عبد الله بن الجراح المدنِيُّ (وأبا طلحة) الأَنْصَارِيّ زيد بن سهل المدنِيُّ (وأبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأَنْصَارِيّ الخزرجي المدنِيُّ رضي الله عنهم أجمعين أي أصب لهم (شرابًا من فضيخ) أي من بسر مشدوخ (وتمر) يابس أي شرابًا مخلوطين منهما (فأتاهم) أي أتى هؤلاء الشربة الكرام (آت) أي دخل عليهم داخل من الخارج (فقال) لهم ذلك الآتي ألا (أن الخمر قد حرمت) اليوم (فقال) لي (أبو طلحة) زوج أمي يَا أنس قم إلى هذه الجرة المملوءة بالفضيخ، والجرة بفتح الجيم وتشديد الراء إناء معمول من طين مشوي معد للشرب منه يجمع على جرار (فاكسرها) قال أنس (فقمت إلى مهراس لنا) والمهراس بكسر الميم وسكون الهاء الحجر الذي

فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ. حَتَّى تَكَسَّرَتْ. 5006 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر (يَعْنِي الحَنَفِيَّ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَر. حَدَّثَنِي أَبِي؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِك يَقُولُ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ الآيَةَ الَّتِي حَرَّمَ الله فِيهَا الخَمْرَ، وَمَا بِالمَدِينَةِ شَرَابٌ يُشْرَبُ إلا مِنْ تَمْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يهرس ويدق به، من الهرس وهو الدق العنيف ومنه الهريس والهريسة، والمهراس في الأصل الهاون الذي يهرس به وفيه الحب (فضربتها) أي فضربت تلك الجرة (بأسفله) أي بأسفل المهراس وهو المحل الذي لا يدق به من المهراس لا بأعلاه وهو الذي يدق به منه (حتَّى تكسرت) الجرة وصارت كسرًا كسرًا، والتفعل هنا للمبالغة في الكسر، قال النووي: وهذا الكسر محمول على أنَّهم ظنوا أنَّه يجب كسرها وإتلافها كما يجب إتلاف الخمر وإن لم يكن في نفس هذا واجبًا فلما ظنوه كسروها ولهذا لم ينكر عليهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعذرهم لعدم معرفتهم الحكم وهو غسلها من غير كسر وهذا هو الحكم اليوم في أواني الخمر وجميع ظروفه سواء الفخار والزجاج والنحاس والحديد والخشب والجلود فكلها تطهر بالغسل ولا يجوز كسرها اهـ منه. وهذه الرواية انفرد بها الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5006 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن المثنى حَدَّثَنَا أبو بكر يعني الحنفي) اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبد الله البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأَنْصَارِيّ أبو الفضل المدنِيُّ، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثني أبي) جعفر بن عبد الله بن الحكم الأَنْصَارِيّ الأوسي المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (أنَّه سمع أنس بن مالك يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة جعفر بن عبد الله لمن روى عن أنس أي سمعه حالة كونه يقول والله (لقد أنزل الله) عَزَّ وَجَلَّ (الآية التي حرم الله فيها الخمر و) الحال أنَّه (ما بالمدينة شراب يشرب) من الخمور (إلَّا من) فضيخ (تمرٍ) وبسرِ أي خليطهما بدليل الرواية السابقة، ففي هذه الرواية اختصار من الراوي، انفرد بها مسلم يعني بالآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ

5007 - (1937) (3) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ يَحْيي بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}، وهي نص في تحريم الخمر بمجموع كلماتها لا بآحادها وقد فهم منها الصَّحَابَة التحريم قطعًا ولذلك قال عمر رضي الله عنه عند سماع {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} انتهينا انتهينا. وقد سبق أن (الخمر) كل ما يخامر العقل (والميسر) القمار وهو لعب يؤكل به مال الغير بحيث لا يحصل به لا أجر ولا شكر، ومنه النرد والشطرنج حكى ذلك عن عثمان ومجاهد و (الأنصاب) كل ما ينصب ليعبد من دون الله تعالى ويذبح عنده كما كانت الجاهلية تفعل و (الأزلام) قداح يضربون بها عند العزم على الأمر في بعضها, لا تفعل وبعضها لا شيء فيه فإذا خرج هذا أعادوا الضرب وقيل كان في أحدهما أمرني ربي وفي الآخر نهاني ربي، والرجس النجس وهو المستخبث شرعًا، وقوله (من عمل الشيطان) أي يحمل عليه ويزينه وقيل هو الذي كان عمل مبادئ هذه الأمور بنفسه حتى اقتدي به فيها. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 5007 - (1937) (3) (حدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (أخبرنا عبد الرَّحْمَن بن مهدي) بن حسان الأَزدِيّ البَصْرِيّ (ح وحدثنا زهير بن حرب حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن) بن مهدي (عن سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ (عن) إسماعيل بن عبد الرَّحْمَن بن أبي كريمة (السدي) بضم المهملة وتشديد الدال نسبة إلى سدة المسجد الجامع بالكوفة كان يبيع بها المقانع، والسدة الباب والمقانع ما تلف به المرأة رأسها وهو السدي الكبير الأعور، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن يحيى بن عباد) بن شيبان الأَنْصَارِيّ السلمي أبي هبيرة الكُوفيّ يقال ابن بنت البراء بن عازب ويقال ابن بنت خباب بن الأرت، روى عن أنس في الأشربة، وجابر وأم الدَّرداء وسعيد بن جبير، ويروي عنه (م عم) والسدي وسليمان التَّيميّ ومسعر وغيرهم، وثقة النَّسائيّ، وقال يعقوب بن سفيان: كُوفِيّ ثِقَة، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من (4) مات سنة (120) مائة وعشرين (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من

أَن النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ سُئِلَ عَنِ الخَمرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ فَقَال: "لا" ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن) حكم (الخمر تتخذ) وتقتنى بقصد أن تجعل (خلًّا) ويشرب خلها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله (لا) يجوز اتخاذها, ولم أر من ذكر اسم هذا السائل وقيل أبو طلحة الأَنْصَارِيّ كما سيأتي في بيان سبب الحديث، وهذا الحديث دليل الشَّافعيّ والجمهور على أنَّه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل هذا إذا خللها بخبز حار أو بصل أو خميرة أو غيرها مما يلقى فيها لتعجيل تخللها فهي باقية على نجاستها ويتنجس ما ألقي فيه ولا يطهر هذا الخل أبدًا لا بغسل ولا بغيره أما إذا تخللت بنقلها من الشَّمس إلى الظل أو من الظل إلى الشَّمس ففي طهارتها وجهان للشافعية أصحهما تطهر. وهذا الذي ذكرناه من أنها لا تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها هو مذهب الشَّافعيّ وأَحمد والجمهور، وقال الأَوْزَاعِيّ والليث وأبو حنيفة: تطهر، وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت، والثانية حرام ولا تطهر، والثالثة حلال وتطهر وأجمعوا أنها إذا انقلبت بنفسها خلًا طهرت، وقد حكي عن سحنون المالكي أنها لا تطهر فإن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله والله أعلم اهـ نووي. واستدل المانعون من تخليل الخمر بحديث الباب وأجاب عنه المجوزون ومنهم الحنفية بأن المنع من تخليلها كان في مبدإ الأمر حين نزل التحريم ثم أبيح ذلك كما حرم في أول الأمر الانتباذ في ظروف الخمر ثم استقر الأمر على إباحته أما كون هذا النهي في بداية التحريم فيدل عليه ما أخرجه الدارقطني في سننه [4/ 265] من طريق إسرائيل عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس (أن يتيمًا كان في حجر أبي طلحة فاشترى له خمرًا فلما حرمت سئل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أيتخذ خلًا؟ قال لا) فهذا صريح في أن النهي في حديث الباب إنما وقع في ابتداء تحريم الخمر، وأما كونه أبيح بعد ذلك فالدليل عليه ما أخرجه البيهقي في المعرفة من حديث المغيرة بن زياد عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا (خير خلكم خل خمركم) وطعنه البيهقي بالمغيرة بن زياد أنَّه غير قوي ولكن قال البُخَارِيّ قال وكيع: كان ثِقَة، وعن يحيى بن معين: ليس به بأس، وروى الدُّوريّ وابن أبي خيثمة عنه: ثِقَة ليس به بأس، وقال العجلي وابن عمار ويعقوب: ثِقَة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [3/ 119] وأبو داود [3675] والتِّرمذيّ [1294].

5008 - (1938) (4) حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ المُثَنَّى ومحمدُ بْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ المُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الحَضْرَمِيّ؛ أن طَارِقَ بْنَ سُوَيدٍ الجُعْفِيّ سألَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنِ الخَمْرِ؟ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا. فَقَال: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَال: "إِنهُ لَيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث طارق بن سويد رضي الله عنه فقال: 5008 - (1938) (4) (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى ومحمَّد بن بشار واللفظ لابن المثنَّى قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذُّهليّ الكُوفيّ، صدوق، من (4) (عن علقمة بن وائل) بن حجر الحضرميّ الكُوفيّ، صدوق، من (3) (عن أَبيه وائل) بن حجر (الحضرميّ) الكُوفيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه (أن طارق بن سويد) أو سويد بن طارق صحابي له حديث واحد في الأشربة (الجعفي) ويقال له الحضرميّ الكُوفيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه له عند مسلم حديث واحد في الأشربة، روى عنه وائل بن حجر و (م د ت ق) وليس هو من رواة مسلم بل الذي روى سؤاله هو وائل بن حجر وليس له دخل في سلسلة السند ولذلك تركه الأَصْبهانِيّ وغيره، عده من رجال مسلم وإن كان سؤاله سبب الحديث فحينئذ سند هذا الحديث من سداسياته والله أعلم. ولفظ حديثه قال: قلت: يَا رسول الله إن بأرضنا أعنابًا نعتصرها أفنشرب منها؟ قال: لا، قلت: يَا رسول الله إنَّا نستشفى منها للمريض؟ قال: ليس بالشفاء ولكنه داء اهـ من الاستيعاب. أي أن طارق بن سويد (سأل النَّبِيّ صلى الله عليه رسلم عن) صناعة (الخمر) وعصرها ليتداوى بها (فنهاه) أي نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم طارق بن سويد أن يصنعها ويتخذها ليتداوى بها (أو) قال وائل بن حجر (كره) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أن يصنعها) طارق ويتخذها للتداوي، والشك من علقمة فيما قاله أبوه من أي اللفظين (فقال) طارق (إنما أصنعها) وأعصرها (للدواء) أي للتداوي بها وطلب الشفاء بها من مرض (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن ما ذكرته من الخمر (ليس

بِدَوَاءٍ. وَلكِنَّهُ دَاءٌ". 5009 - (1939) (5) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الحجاج بْنُ أَبِي عُثْمَانَ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ؛ أَنَّ أَبَا كَثِيرٍ حَدّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "الخَمْرُ من هَاتَينِ الشجَرَتَينِ: النخْلَةِ وَالعِنَبَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بدواء) للمرض (ولكنه) أي ولكن ما ذكرته من الخمر (داء) أي سبب داء ومرض لأنه يسكر والسكر من أنواع المرض لأنه يستر العقل، قال النووي: هذا دليل صريح في تحريم الخمر وتخليلها، وفيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوي بها اهـ منه ولا بما حرمه الله تعالى من النجاسات والميتات وغيرهما أكلًا ولا شربًا وبه قال كثير من أهل العلم اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3873] والتِّرمذيّ [2047] , وابن ماجه [3545]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5009 - (1939) (5) (حَدَّثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البَصْرِيّ المعروف بابن عليّة (أخبرنا الحجاج بن أبي عثمان) ميسرة أو سالم الكندي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثني يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطَّائيّ اليماميّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (16) بابا (أن أَبا كثير) يزيد بن عبد الرَّحْمَن بن أذينة الغبري السحيمي اليماميّ الأعمى، روى عن أبي هريرة في الإيمان والأشربة والفضائل، ويروي عنه (م عم) ويحيى بن أبي كثير والأوزاعي وعكرمة بن عمار وعقبة بن التوأم، وثقة أبو داود والنَّسائيّ وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة، من الثالثة (حدثه) أي حدّث ليحيى بن أبي كثير (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر) تكون (من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة) وهذا دليل على أن الأنبذة المتخذة من التمر والزهو والزبيب وغيرها تسمى خمرًا وهي حرام

5010 - (00) (00) وحدثنا محمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو كَثِيرٍ. قَال: سَمِعْتُ أبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَقُولُ: "الخَمْرُ مِنْ هَاتَينِ الشجَرَتَينِ: النخلَةِ وَالعِنَبَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا كانت مسكرة اهـ نووي، وقال العيني: إن مذهب أبي حنيفة أن الخمر هي ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد والخمر من غير العنب لا يسمى خمرًا حقيقة اهـ. قال القرطبي: وهذا الحديث حجة للجمهور على تسمية ما يعتصر من غير العنب بالخمر إذا أسكر ولا حجة فيه لأبي حنيفة على قوله حيث قصر الحكم بالتحريم على هاتين الشجرتين لأنه قد جاء في أحاديث أخر ما يقتضي تحريم كل مسكر، كقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام" وكقوله: "كل ما أسكر فهو حرام" وحديث معاذ حيث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب العسل والذرة والشعير، فقال: أنهى عن كل مسكر؟ ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [5/ 53] بنحوه، وإنما خص صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هاتين الشجرتين بالذكر لأن أكثر الخمر منهما أو أعلى الخمر عند أهلها والله أعلم، وهذا نحو قولهم المال الإبل أي أكثرها وأعمها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 526] وأبو داود [3678] والتِّرمذيّ [1875] وابن ماجه [3378]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5010 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكُوفيّ (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيّ) عبد الرَّحْمَن بن عمرو الشَّاميّ (حَدَّثَنَا أبو كثير) يزيد بن عبد الرَّحْمَن الغبري اليماميّ (قال) أبو كثير (سمعت أَبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأَوْزَاعِيّ ليحيى بن أبي كثير (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخمر) أي أغلبها (من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5011 - (00) (00) وحدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَوْزَاعيِّ وَعِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارِ وَعُقْبَةَ بْنِ التَوْأمِ، عَنْ أبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الخَمْرُ من هَاتَينِ الشجَرَتَينِ: الكرمة وَالنخْلَةِ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ: "الكَرْمِ وَالنخْلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5011 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب وأبو كُريب) محمَّد بن العلاء الهمداني (قالا حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح (عن الأَوْزَاعِيّ) عبد الرَّحْمَن بن عمرو (وعكرمة بن عمار) العجلي اليماميّ، صدوق، من (5) (وعقبة بن التوأم) بمثناة وهمزة مفتوحتين بينهما واو ساكنة، روى عن أبي كثير يزيد بن عبد الرَّحْمَن في الأشربة، ويروي عنه (م) ووكيع وعكرمة بن عمار موثق، وقال في التقريب: مقبول، من السابعة، كلهم رووا (عن أبي كثير) يزيد بن عبد الرَّحْمَن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لعبد الله بن نمير (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين الكرمة والنخلة وفي رواية أبي كُريب الكرم والنخل) بلا هاء، وقوله (الكرمة والكرم) يشكل مع قوله صلى الله عليه وسلم "لا تقولوا للعنب الكرم فإن الكرم قلب المؤمن" رواه أَحْمد [2/ 316] ومسلم [2247] (10) ويزول الإشكال بأن نقول إطلاق هذا كان قبل النهي ثم بعد ذلك ورد النهي أو يقال إنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل في هذا الخَطَّاب فإنَّه قال فيه ولا تقولوا فواجهنا به والمخاطب غير المخاطب كما تقرر في الأصول اهـ من المفهم والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث خمسة الأول حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والثالث حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديث طارق بن سويد ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين.

658 - (2) باب النهي عن الجمع بين شيئين في الانتباذ والنهي عن الانتباذ في بعض الأواني ثم نسخه 5012 - (1940) (6) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِم. سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ. حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأنْصَارِيُّ؛ أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ نَهَى أن يُخْلَطَ الزبِيبُ وَالتَّمْرُ، وَالبُسْرُ وَالتَّمْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 658 - (2) باب النهي عن الجمع بين شيئين في الانتباذ والنهي عن الانتباذ في بعض الأواني ثم نسخه 12 50 - (1940) (6) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير بن حازم) بن زيد الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (سمعت عطاء بن أبي رباح) أسلم القُرشيّ مولاهم المكيّ، ثِقَة، من (3) (حَدَّثَنَا جابر بن عبد الله الأَنْصَارِيّ) المدنِيُّ رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط الزبيب والتَّمر) أي أن يجمع بينهما في الانتباذ (و) كذا (البسر والتمر) نهى أن يجمع بينهما في الانتباذ. هذا الحديث والأحاديث التي بعده صريحة في النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما وسبب الكراهة فيه أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنَّه ليس مسكرًا ويكون مسكرًا، ومذهب الشَّافعيّ والجمهور أن هذا النهي لكراهة التنزيه ولا يحرم ما لم يسكر وبهذا قال جماهير العلماء وقال بعض المالكية: هو حرام، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية عنه: لا كراهة فيه ولا بأس به لأن ما حل مفردًا حل مخلوطًا، وأنكر عليه الجمهور وقالوا هذا منابذة لصاحب الشرع فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه فإن لم يكن حرامًا كان مكروهًا، واختلف أصحاب مالك في أن النهي هل يختص بالشرب أم يعمه وغيره والأصح التعميم، وأما خلطهما في الانتباذ بل في معجون وغيره فلا بأس به والله أعلم اهـ نووي. قال العيني: بعد ما حكى قول النووي قلت: هذه جرأة شنيعة على إمام أَجل من ذلك وأبو حنيفة لم يكن قال ذلك برأيه وإنما مستنده في ذلك أحاديث منها ما رواه أبو داود بسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينتبذ له زبيب فيلقى فيه تمر أو تمر فيلقى فيه زبيب، وروى أَيضًا عن زياد الحساني بسنده عن صفية بنت عطية عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة قالت: كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في الإناء فأمرسه ثم أسقيه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وروى محمَّد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن أبي إسحاق وسليمان الشَّيبانِيّ عن ابن زياد أنَّه أفطر عند عبد الله بن عمر فسقاه شرابًا فكأنه أخذ منه فلما أصبح غدا إليه فقال له ما هذا الشراب ما كدت أهتدي إلى منزلي؟ فقال ابن عمر: ما زدناك على عجوة وزبيب اهـ. قلت: هذه الأحاديث صريحة في أن الخليطين مباح ما لم يسكر وحمل بعض علمائنا حديث النهي على ابتدأء الإِسلام وزمن القحط، وممن جوز الخليطين قبل الإسكار الإِمام البُخَارِيّ حيث قال "باب من رأى أن لا يخلط البسر والتَّمر إذا كان مسكرًا وأن لا يجعل إدامين في إدام" وهذه الترجمة أَيضًا تشعر بما قال أئمتنا وكذلك قال بعض أصحاب مالك إن الخليطين حلال وقد احتج له بحديث عائشة المذكور آنفًا وما قال الأبي والسنوسي أن ما ذكر أبو حنيفة من أن ما حل منفردًا حل مجموعًا قياس فاسد الوضع، ويرد بالأختين فإنَّه يجوز نكاح كل واحدة منهما على انفرادها ويحرم الجمع بينهما اعتراض واهٍ لأن ما قال الإِمام أبو حنيفة قاعدة كلية لا قياس، وحرمة جمع الأختين مستثناة منه بنص مخصوص وكذلك خارجة عن سنن القياس والله أعلم، قال العيني: وممن يرى جواز الخليطين قبل الإسكار أبو حنيفة وأبو يوسف قالا وكل ما حل إذا طبخ على الانفراد كذلك حل إذا طبخ مع غيره، ويروى مثل ذلك عن ابن عمر والنخعي اهـ. (قلت) وما قاله النووي إن الكراهة في أحاديث النهي كراهة تنزيه يجمع به بين الروايات المتعارضة والأقوال المتخالفة فما ورد منها في إثبات الخلط فمحمول على الإباحة وأحاديث الباب محمولة على كراهة التنزيه وذلك خوفًا من الإسراع إلى الإسكار، وإن المكروه تنزيهًا قسم من المباحات فلا معارضة والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [3/ 294] والبخاري [5601] وأبو داود [3703] والتِّرمذيّ [1876] والنَّسائيّ [5554 و 5555] وابن ماجه [2437 و 2438]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5013 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَمْرُ وَالزبِيبُ جَمِيعًا. وَنَهَى أنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالبُسْرُ جَمِيعًا. 5014 - (00) (00) وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ومحمدُ بْنُ رَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ). قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَاقِ. أخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيج. قَال: قَال لِي عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "لا تَجْمَعُوا بَينَ الرُّطَبِ وَالبُسْرِ، وَبَينَ الزبِيبِ وَالتمْرِ، نَبِيذًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5013 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعدٍ المصري (عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله الأَنْصَارِيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ليث لجرير بن حازم (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعًا) أي مخلوطين (ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعًا) أي مجموعين في الانتباذ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5014 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطَّان (عن ابن جريج ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمَّد بن رافع) القشيري (واللفظ لابن رافع قالا حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق أخبرنا ابن جريج قال) ابن جريج (قال لي عطاء) بن أبي رباح (سمعت جابر بن عبد الله) الأَنْصَارِيّ رضي الله عنهما (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لجرير وليث بن سعد (لا تجمعوا بين الرطب والبسر و) لا (بين الزبيب والتَّمر) حالة كون كل منهما (نبيذًا) أي منبوذًا مبلولًا بالماء، وعلة النهي فيه إما إسكار كثير، وإما توقع الإسكار بالخلط سريعًا، وإما الإسراف والشره، وحمل علماؤنا النهي في الأخير في ابتداء الإِسلام اهـ محمَّد ذهني. ثم ذكر المتابعة فيه ثالثًا فقال:

5015 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ المَكِّيِّ، مَوْلَى حَكِيم بْنِ حِزَامٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيُّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الزَّبِيبُ وَالتمْرُ جَمِيعًا. وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ البُسْرُ وَالرُطَبُ جَمِيعًا. 5016 - (1941) (7) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنِ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أن النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ نَهَى عَنِ التَّمْرِ وَالزبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَينَهُمَا. وَعَنِ التَّمْرِ وَالبُسْرِ أنْ يُخْلَطَ بَينَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5015 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث ح وحدثنا محمَّد بن رمح) ابن المهاجر المصري (أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن أبي الزُّبير المكيّ) محمَّد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم (مولى حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزي ابن أخي خديجة رضي الله تعالى عنهما الأسدي المدنِيُّ (عن جابر بن عبد الله الأَنْصَارِيّ) رضي الله تعالى عنهما. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزُّبير لعطاء (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى أن ينبذ) ويبل ويطرح (الزبيب والتَّمر) في الماء (جميعًا) أي مجتمعين في إناء واحد خوفًا من إسراع الإسكار إليه (ونهى أن ينبذ البسر والرطب جميعًا) أي مجتمعين يعني نهى عن انتباذ النوعين مخلوطًا ولا يحرم الخلط عند الشرب فإذا انتبذ كل من التمر والزبيب مثلًا على حدة ثم خلط النبيذان عند الشرب فلا بأس بذلك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنهما فقال: 5016 - (1941) (7) (حدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (أخبرنا يزيد بن زريع) التَّمِيمِيّ العيشي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (عن) سليمان بن طرخان (التَّيميّ) البَصْرِيّ أبي المعتمر، ثِقَة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأَنْصَارِيّ الخُدرِيّ. وهذا السند من خماسياته (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما) في الانتباذ والشرب ولو لم يسكر (وعن التمر والبسر أن يخلط بينهما) فيهما كذلك وهذا النهي من

5017 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ، أبُو مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ، قَال: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أنْ نَخْلِطَ بَينَ الزبِيبِ وَالتَمْرِ. وَأَنْ نَخْلِطَ البُسْرَ وَالتَّمْرَ. 5018 - (00) (00) وحدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضلٍ) عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبيل سد الذرائع وذلك لأن الخليطين يسرع إليهما الشدة والإسكار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرْمِذِيّ في الأشربة [1938] والنَّسائيّ في الأشربة رقم [5550]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 5017 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أَيُّوب) البغدادي المقابري (حَدَّثَنَا) إسماعيل بن إبراهيم (ابن عليّة) الأسدي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا سعيد بن يزيد) بن مسلمة الأَزدِيّ (أبو مسلمة) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي سعيد) الخُدرِيّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن يزيد لسليمان التَّيميّ (قال) أبو سعيد (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخلط بين الزبيب والتَّمر) في الانتباذ والشرب (وأن نخلط البسر والتَّمر) فيهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 5018 - (00) (00) (وحدثنا نصر بن عليّ) بن نصر (الجهضمي) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرَّقاشيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن أبي مسلمة) سعيد بن يزيد البَصْرِيّ (بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد، غرضه بيان متابعة بشر بن المفضل لإسماعيل بن عليّة، وساق بشر (مثله) أي مثل ما حدّث ابن عليّة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال:

5019 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ العَبْدِيِّ، عَنْ أبِي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيّ، عَنْ أبِي سعيد الخُدْرِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "مَن شَرِبَ النَّبِيذَ مِنكُم، فَليَشرَبهُ زَبِيبًا فَردًا. أَو تَمرًا فَرْدًا. أَو بُسرًا فَردًا". 5020 - (00) (00) وحَدَّثَنِيهِ أبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ العَبْدِيُّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أنّ نَخْلِطَ بُسْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5019 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثَّقَفيّ البلخي (حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكُوفيّ (عن إسماعيل بن مسلم العبدي) أبي محمَّد البَصْرِيّ، قاضي جزيرة قيس، ثِقَة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبو المتوكل الناجي) علي بن داود البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخُدرِيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي المتوكل الناجي لأبي نضرة العبدي (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شرب النبيد) أي من أراد شرب النبيذ (منكم) والنبيذ ماء ألقي فيه تمر أو زبيب أو نحوهما (فليشربه) أي فليشرب ذلك النبيذ حالة كونه (زبيبًا فردًا) أي حالة كون الملقى في الماء زبيبًا منفردًا غير مخلوط بغيره، وفي لفظ فردًا إشارة إلى أن شرب الخليط من الأنبذة غير جائز وإن لم يشتد وهو مذهب مالك وأَحمد استدلا به وبما روي عن أبي قتادة الآتي قريبًا، وقالت الأحناف: لا بأس بشربه إن لم يشتد لأن ما حل منفردًا حل مخلوطًا، وما ورد من النهي عن شرب الخليط محمول على الشدة اهـ مبارق (أو تمرًا فردًا أو بسرًا فردًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 5020 - (00) (00) (وحدثنيه أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني الحافظ الخُرَاسَانِيّ ثم البغدادي، ثِقَة ثبت، من (11) (حَدَّثَنَا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا إسماعيل بن مسلم العبدي) البَصْرِيّ (بهذا الإسناد) يعني عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، غرضه بيان متابعة روح بن عبادة لوكيع بن الجراح (قال) أبو سعيد (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخلط) من بأبي ضرب ونصر (بسرًا

بِتَمْرٍ. أَوْ زَبِيبًا بِتَمْرٍ. أَوْ زَبِيبًا بِبُسرٍ. وَقَال: "مَن شَرِبَهُ مِنكُم"، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ. 5021 - (1942) (8) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "لا تَنْتَبِذُوا الزهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا. وَلا تنْتَبِذُوا الزبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا. وَانْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا عَلَى حدَتِهِ". 5022 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَثَنَا محمدُ بْنُ بِشْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بتمر أو زبيبًا بتمر أو زبيبًا ببسر وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شربه) أي من أراد شرب النبيذ (منكم) الحديث (فذكر) روح بن عبادة (بمثل حديث وكيع) بن الجراح. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جابر بحديث أبي قتادة الأَنْصَارِيّ رضي الله عنهما فقال: 5021 - (1942) (8) (حدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري (حَدَّثَنَا ابن عليّة حَدَّثَنَا هشام) بن أبي عبد الله سنبر (الدستوائي) البَصْرِيّ (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطَّائيّ اليماميّ (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ (عن أَبيه) أبي قتادة الأَنْصَارِيّ السلمي بفتح السين واللام الحارث بن ربعي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو قتادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنتبذوا الزهو والرطب جميعًا) أي معًا في إناء واحد لسرعة الإسكار إليه، والزهو هو بفتح الزاي وضمها لغتان مشهورتان، قال الجوهري: أهل الحجاز يضمون، والزهو هو البسر الملون الذي بدا فيه حمرة أو صفرة وطاب، يقال زهت النخل تزهو زهوًا وأزهت تزهي اهـ نووي (ولا تنتبذوا الزبيب والتَّمر جميعًا وانتبذوا) أي ألقوا (كل واحد منهما) في الماء (على حدته) أي على انفراده. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الأشربة [5603] وأبو داود في الأشربة [3704] والنَّسائيّ [5551] وابن ماجه [3440]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 5022 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمَّد بن بشر

العَبْدِيُّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أبِي كَثِيرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5023 - (00) (00) حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا عَلِي (وَهُوَ ابْنُ المُبَارَكِ) عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي قَتَادَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لا تنْتَبِذُوا الزهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا. وَلا تَنَتبِذُوا الرُّطَبَ وَالزبِيبَ جَمِيعًا. وَلكِنِ انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدِ عَلَى حِدَتِهِ". وَزَعَمَ يَحْيَى أَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ الله بْنَ أَبِي قَتَادَةَ فَحَدَّثهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمِثلِ هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ العبدي) الكُوفيّ (عن حجاج بن أبي عثمان) ميسرة الخياط الكندي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله عن أَبيه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حجاج بن أبي عثمان لهشام الدستوائي، وساق حجاج (مثله) أي مثل حديث هشام الدستوائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي قتادة الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه فقال: 5023 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا علي وهو ابن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النُّون ممدودًا البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ (عن أبي قتادة) الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لعبد الله بن أبي قتادة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تنتبذوا الزهو والرطب جميعًا) أي مجتمعين (ولا تنتبذوا الرطب والزبيب جميعًا) أي مجتمعين (ولكن انتبذوا كل واحد) منهما (على حدته) أي على انفراده خوفًا من سرعة الإسكار، قال علي بن المبارك (وزعم يحيى) بن أبي كثير (أنَّه) أي أن يحيى (لقي) ورأى (عبد الله بن أبي قتادة) بعد ما روى هذا الحديث عن أبي سلمة (فحدثه) أي فحدَّث عبد الله بن أبي قتادة ليحيى (عن أَبيه) أبي قتادة (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بمثل هذا) أي بمثل هذا الحديث الذي حدَّثه أبو سلمة.

5024 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينٌ المُعَلِّمُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذَينِ الإِسْنَادَينِ. غَير أَنَّهُ قَال: "الرُّطَبَ وَالزَّهْوَ. وَالتَّمرَ وَالزبِيبَ". 5025 - (00) (00) وحدثني أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا عَفَانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا أَبَانُ العَطَّارُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن نَبِيَّ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ نَهَى عَنْ خَلِيطِ التمْرِ وَالبُسْرِ. وَعَنْ خَلِيطِ الزبِيبِ وَالتَّمْرِ. وَعَنْ خَلِيطِ الزهْو وَالرُّطَبِ. وَقَال: "انْتَبِذُوا كُل وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 5024 - (00) (00) (وحدثنيه أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا حسين) بن ذكوان (المعلم) المكتب العوذي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (حَدَّثَنَا يحيى بن أبي كثير بهذين الإسنادين) يعني إسناد عبد الله بن أبي قتادة وإسناد أبي سلمة، غرضه بيان متابعة حسين المعلم لعلي بن المبارك (غير أنَّه) أي لكن أن حسينًا (قال) في روايته لا تبيعوا (الرطب والزهو والتَّمر والزبيب) فذكر التمر مع الزبيب بدل الرطب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 5025 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني، ثِقَة، من (11) (حَدَّثَنَا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأَنْصَارِيّ أبو عثمان الصفار البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا أَبان) بن يزيد (العطار) أبو يزيد البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (حَدَّثَنَا يحيى بن أبي كثير حَدَّثني عبد الله بن أبي قتادة عن أَبيه) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أَبان بن يزيد لعلي بن المبارك (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر والبسر، وعن خليط الزبيب والتَّمر، وعن خليط الزهو والرطب وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (انتبذوا كل واحد) من هذه الأنواع (على حدته) أي على

وحدثني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ، بِمِثْلِ هذَا الحَدِيثِ. 5026 - (1943) (9) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أبي كَثِيرٍ الحَنَفِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الزبِيبِ وَالتَّمْرِ. وَالبُسْرِ وَالتَمْرِ. وَقَال: "يُنبذُ كُل واحدٍ مِنهُمَا عَلَى حِدَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ انفراده خوفًا من سرعة الإسكار، قال يحيى بن أبي كثير (وحدثني أبو سلمة بن عبد الرَّحْمَن عن أبي قتادة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الحديث) الذي حدثنيه عبد الله بن أبي قتادة. وقوله (وحدثني أبو سلمة بن عبد الرَّحْمَن) الخ .. قائله يحيى بن أبي كثير كما أشرنا إليه في الحل فإنَّه في هذه الطريق روى عن عبد الله بن أبي قتادة بلا واسطة ثم ذكر أن أَبا سلمة حدثه أَيضًا بلا واسطة عن أبي قتادة وليس هذا من كلام المؤلف وليست رواية مستقلة كما يتوهم من ليس له خبرة باصطلاحات مسلم فإن بين أبي سلمة وبين مسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث جابر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5026 - (1943) (9) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب وأبو كُريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكُوفيّ (واللفظ لزهير قالا حَدَّثَنَا وكيع عن عكرمة بن عمار) العجلي اليماميّ (عن أبي كثير الحنفي) الغبري يزيد بن عبد الرَّحْمَن اليماميّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) خلط (الزبيب والتَّمر) في الانتباذ (و) عن خلط (البسر والتَّمر) فيه خوفًا من سرعة الإسكار إذا نبذا معًا (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينبذ) أي يلقى في الماء (كل واحد منهما) أي من النوعين (على حدته) أي على انفراده للعلة المذكورة.

5027 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أُذَينَةَ (وَهُوَ أبُو كَثِيرٍ الغُبَرِيُّ). حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 5028 - (1944) (10) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ في الأشربة [5570] وابن ماجه في الأشربة [3439]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 5027 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حَدَّثَنَا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثيّ مولاهم أبو النضر البغدادي، ثِقَة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا عكرمة بن عمار حَدَّثَنَا يزيد بن عبد الرَّحْمَن بن أذينة وهو أبو كثير الغبري) بضم الغين وفتح الباء نسبة إلى بني غبر وهم بطن من يشكر، وكان أعمى وينسب بالسحيمي وبالحنفي أَيضًا، وفي اسم أَبيه خلاف فقيل عبد الله وقيل عبد الرَّحْمَن وكذلك في جده فقيل أذينة وقيل غفيلة (حَدَّثني أبو هريرة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هاشم بن القاسم لوكيع (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق هاشم (بمثله) أي بمثل حديث وكيع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث جابر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5028 - (1944) (10) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القُرشيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن) أبي إسحاق (الشَّيبانِيّ) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن حبيب) ابن أبي ثابت قيس الأسدي مولاهم أبي يحيى الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عباس (نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن

يُخْلَطَ التمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا. وَأنْ يُخْلَطَ البُسْرُ وَالتمرُ جَمِيعًا. وَكَتَبَ إلى أَهلِ جُرَشَ يَنْهَاهُمْ عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالزبِيبِ. 5529 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ وَهبُ بْنُ بَقِيّةَ. أَخبَرَنَا خَالِدٌ (يعني الطَّحَّانَ) عَنِ الشيبَانِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. في التَّمرِ وَالزبِيبِ. وَلَمْ يَذْكُرِ: البُسْرَ وَالتمْرَ. 5030 - (1945) (11) حدثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يخلط التمر والزبيب جميعًا) في الانتباذ والشرب (وأن يخلط البسر والتَّمر جميعًا وكتب) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (إلى أهل جرش) بضم الجيم وفتح الراء بلد باليمن، وذكر الحموي أنها مدينة عظيمة باليمن وولاية واسعة من مخاليف اليمن من جهة مكة وفتحت سنة عشر من الهجرة صلحًا ونسب إليه بعض المحدثين، وأما جرش بفتح الجيم والراء فهي مدينة قديمة ببلقاء الأردن وليست مرادة هنا راجع معجم البلدان [5/ 126]. حالة كونه (ينهاهم عن) شرب (خليط التمر والزبيب) أي مخلوطيهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النَّسائيّ في الأشربة [5559]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5529 - (00) (00) (وحدثنيه وهب بن بقية) بن عثمان الواسطيّ أبو محمَّد ويقال له وهبان، ثِقَة، من (10) روى عنه في (2) الجهاد والأشربة (أخبرنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن المزني أبو الهيثم الواسطيّ (يعني الطَّحَّان) ثِقَة، من (8) (عن) سليمان بن أبي سليمان (الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ (بهذا الإسناد) يعني عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "مثله" غرضه بيان متابعة الطَّحَّان لعلي بن مسهر (في التمر والزبيب و) لكن (لم يذكر) الطَّحَّان (البسر والتَّمر). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث جابر بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5030 - (1945) (11) (حَدَّثني محمَّد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ انهُ كَانَ يَقُولُ: قَد نُهِيَ أَنْ يُنبَذَ البُسرُ وَالرطَبُ جَمِيعًا. وَالتَّمْرُ وَالزبِيبُ جَمِيعًا. 5031 - (00) (00) وحدثني أبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ قَال: قَدْ نُهِيَ أنْ يُنْبَذَ البُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا. وَالتَّمْرُ وَالزبِيبُ جَمِيعًا. 5032 - (1946) (12) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ انَهُ أخْبَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أنَّه) أي أن ابن عمر (كان يقول قد نهي) بالبناء للمجهول ومثل هذا في حكم الرفع كما هو معلوم عندهم أي نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أن ينبذ البسر والرطب) أي أن يلقيا (جميعًا) أي معًا في ماء في إناء واحد (و) أن ينبذ (التمر والزبيب جميعًا) لسرعة الإسكار إليهما بسبب جمعهما في الانتباذ. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5031 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني (حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة روح لعبد الرَّزّاق (أنَّه) أي أن ابن عمر (قال قد نهي أن ينبذ البسر والرطب جميعًا والتمر والزبيب جميعًا) المخالفة بين الروايتين بزيادة لفظة (كان يقول) في الرواية الأولى. ثم استدل المؤلف رحمه الله على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5032 - (1946) (12) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أنَّه أخبره) أي أخبر أنس لابن شهاب

أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ، أن يُنبَذَ فِيهِ. 5033 - (00) (00) وحدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَان بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن) الانتباذ في (الدباء) بضم الدال وتشديد الباء الموحدة وبالمد وقد يقصر وقد تكسر وهو اليقطين اليابس أي الوعاء المتخذ منه وهو القرع وهو جمع واحدة دباءة وليس المراد النهي عن أكله وإنما كان أهل العرب يستخدمون غلاف الدباء في أواني الخمر وكذلك الظروف الآتية من المزفت والحنتم والنقير وكانت هذه الظروف مختصة بالخمر فلما حرمت الخمر حرم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم استعمال هذه الظروف إما لأن في استعمالها تشبهًا بشارب الخمر وتذكيرًا لشربها وإما لأن هذه الظروف كانت فيها أثر الخمر فلما مضت مدة أباح النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم استعمال هذه الظروف كما سيأتي في أحاديث الباب فإن أثر الخمر زال منها أو لأن الشيء إذا حرم فإن اللائق بتحريمه أن يبالغ في التحريم ويشدد في الأمر ليتركه النَّاس مرة فهذا تركوه واستقر التحريم يزول التشديد بعد حصول المقصود فأباح لهم استعمال تلك الأواني (و) عن الانتباذ في (المزفت) أي في الإناء المطلي بالزفت وهو القار ويسمى المزفت بالمقير والزفت وكذا القار نوع من المعادن تطلى به السفن مع شحم الحوت لئلا يتخرق خشبها وهو الآن (بويا حق الخشب) وقوله (أن ينبذ فيه) أي في المذكور من الدباء والمزفت بدل اشتمالي مما قبله لأنه في تأويل مصدر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الأشربة [5587] والنَّسائيّ في الأشربة [5629]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5033 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمَّد (النَّاقد) البغدادي (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزُّهْرِيّ عن أنس بن مالك) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان لليث بن سعد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه) أي في المذكور من الإناءين، والمخالفة بين الروايتين أنَّه قال في الأولى (أن

5034 - (1947) (13) قَال: وَأَخْبَرَهُ أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "لا تَنْتَبِذُوا في الدباءِ وَلا في المُزَفَّتِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ: وَاجْتَنِبُوا الحَنَاتِمَ. 5035 - (00) (00) حدثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينبذ) من نبذ الثلاثي، وفي الثَّانية (أن ينتبذ) من انتبذ الخماسي والافتعال فيه لمبالغة معنى الثلاثي كما علم في محله. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5034 - (1947) (13) (قال) سفيان بن عيينة بالسند السابق (وأخبره) أي وأخبر لابن شهاب (أبو سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (أنه) أي أن أَبا سلمة (سمع أَبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنتبذوا في الدباء ولا في المزفت ثم يقول أبو هريرة) كأنه سمعه من غيره لا من الرسول (واجتنبوا الحناتم) أي الانتباذ فيها، قوله (قال وأخبره أبو سلمة) الظاهر أن قائله سفيان بن عيينة، وضمير الفاعل في قال وكذا ضمير المفعول في (أخبره) عائد إلى الزُّهْرِيّ، والمراد أن الزُّهْرِيّ روى لسفيان أولًا عن أنس ثم رواه عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا السند من خماسياته. قوله (واجتنبوا الحناتم) جمع حنتم بفتح الحاء المهملة وسكون النُّون وفتح الفوقية، قال أبو هريرة: هي الجرار الخضر، وقال ابن عمر: هي الجرار كلها، وقال أنس بن مالك: هي جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الأجواف وقالت عائشة: هي جرار حمر أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر اهـ عيني، وقال ابن أبي ليلى: هي جرار أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف، وقال عطاء: هي جرار كانت تعمل من طين وشعر وأدم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في الأشربة [3693] والنَّسائيّ فيها [5630] وابن ماجه فيها [3444]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5035 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا بهز) بن

حَدَّثَنَا وُهَيب، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ؛ أَنَّهُ نَهَى عَنِ المُزَفتِ وَالحَنْتَمِ وَالنقِيرِ. قَال: قِيلَ لأبِي هُرَيرَةَ: مَا الحَنْتَمُ؟ قَال: الجِرَار الخُضْرُ. 5036 - (00) (00) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيّ الجَهْضَمِيّ. أخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ قَيسٍ. حَدَّثنا ابْنُ عَوْنٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أسد العمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهليّ مولاهم أبو بكر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان، صدوق، من (6) (عن أَبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزَّيات، ثِقَة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لأبي سلمة (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن) الانتباذ في (المزفت) وهو الإناء المطلي بالزفت كما مر من أي نوع كان من خشب أو حديد أو نحاس مثلًا (و) عن الانتباذ في (الحنتم) وهو الجرة المعمولة من طين حتَّى صار فخارًا (و) عن الانتباذ في (النقير) بفتح النُّون وكسر القاف جذع ينقر وسطه وينتبذ فيه اهـ فتح الباري، قال سفيان (قال) أبو سلمة: (قيل لأبي هريرة: ما الحنتم قال) أبو هريرة الحنتم هي (الجرار) بكسر الجيم جمع جرة بفتحها وهو الإناء المعمول من طين مشوي (الخضر) جمع أخضر أو خضراء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5536 - (00) (00) (حدثنا نصر بن عليّ) بن نصر (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة اسم لمحلة في البصرة البَصْرِيّ (أخبرنا نوح بن قيس) بن رباح الأَزدِيّ أبو روح البَصْرِيّ، روى عن ابن عون في الأشربة، وأخيه خالد بن قيس في اللباس، وأيوب وثمامة بن عبد الله بن أنس، ويروي عنه (م عم) ونصر بن عليّ وقتيبة ومسدد وأبو كامل وغيرهم، وثقة أَحْمد وابن معين وأبو داود، وقال في التقريب: رمي بالتشيع، من الثامنة، مات سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومائة [3 أو 184] وليس في مسلم من اسمه نوح إلَّا هذا (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المزني أبو عون

عَنْ مُحَمَّد، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أن النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال لِوَفدِ عَبْدِ القَيسِ: "أَنْهَاكمْ عَنِ الدُّباءِ وَالحَنْتَمِ وَالنقِيرِ وَالمُقَيَّرِ -وَالحَنْتَم المَزَادَة المَجْبُوبَةُ- وَلكِنِ اشْرَبْ في سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت، من (6) (عن محمَّد) بن سيرين الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن سيرين لمن روى عن أبي هريرة (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس) والوفد الجماعة المختارة الوافدون على الملوك (أنهاكم عن) الانتباذ في (الدباء) أي في أواني الدباء وهي القرع اليابس وهي كثيرة في الأرميا تسمى عندهم (بقي) (و) عن الانتباذ في (الحنتم) رهط الجرار المعمولة من الطِّين المشوي (و) عن الانتباذ في (النقير) وهو الخشب المنقور وسطه وهي برميل الأخشاب (و) عن الانتباذ في (المقير) وهو الإناء المطلي بالقار ويسمى بالمزفت كما مر وهو بضم الميم وفتح القاف والياء المشددة المفتوحة على صيغة اسم المفعول ما طلبي بالقار ويقال له التفسير والزفت قيل هو نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت اهـ قسطلاني، فعلم من كلامه أن القار اسم لرماد النبات والزفت نوع من المعدن. قال القاضي زكريا الأَنْصَارِيّ: المراد بالجميع الأوعية والنهي عن الانتباذ فيها لأن الشراب فيها يسرع إليه التخمير فيصير مسكرًا من غير شعور به وهذا كما قال الثَّوريّ منسوخ بخبر (كنت نهيتكم عن الانتباذ إلَّا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا) خلافًا للإمامين مالك وأَحمد اهـ ذهني. (والحنتم المزادة المجبوبة) وهذا تفسير آخر للحنتم والمزادة كما مر ظرف من الجلد يحمل فيه المسافر زاده والمجبوبة هي المقطوعة رأسها فصارت كهيئة الدن وليست لها عزلاء من أسفلها يتنفس الشراب منها فيكون شرابها مسكرًا ولا يدري به والعزلاء بوزن الحمراء الدبر والاست والمراد به هنا الثقب في أسفل الزق يؤخذ منه الماء وهو غير الفم كذا في القاموس (ولكن اشرب) شرابك (في سقائك) أي في قربتك (وأوكه) أي أوك سقاءك أي اربط فمه لئلا يتنفس منه الشراب فيكون مسكرًا، قال العلماء: معناه أن السقاء إذا أوكي وربط فمه أمنت مفسدة الإسكار لأنه متى تغير نبيذه واشتد وصار مسكرًا شق الجلد الموكى فما لم يشقه لا يكون مسكرًا بخلاف الدباء والحنتم والمزادة المجبوبة

5037 - (1948) (14) حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ. ح وَحَدثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ شُعْبَةَ. كُلهُمْ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنِ الحَارِثِ بْنِ سُوَيدٍ، عَنْ عَلِيٍّ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أنْ يُنْتَبَذَ في الدباءِ وَالمُزَفَّتِ. هذَا حَدِيثُ جَرِيرٍ. وَفِي حَدِيثِ عَبْثَرٍ وَشُعْبَةَ؛ أن ـــــــــــــــــــــــــــــ والمزفت وغيرها من الأوعية الثخينة فإنَّه قد يكون ما فيها مسكرًا ولا يعلم والإيكاء جعل الوكاء وهو الحبل على فم القربة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث علي رضي الله عنهما فقال: 5037 - (1948) (14) (حَدَّثَنَا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) الكُوفيّ، ثِقَة، من (10) (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (أخبرنا محمَّد يعني ابن جعفر عن شعبة كلهم) أي كل من عبثر وجرير وشعبة رووا (عن الأَعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكُوفيّ (عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) نسبة إلى تيم الرباب أبي أسماء الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) (عن الحارث بن سويد) التَّيميّ أبي عائشة الكُوفيّ، روى عن علي بن أبي طالب في الأشربة، وعبد الله بن مسعود في كفارة المرض وغيره، ويروي عنه (ع) وإبراهيم التَّيميّ وعمارة بن عمير وأشعث بن أبي الشعثاء، عظم أَحْمد شأنه، ووثقه ابن معين والعجلي، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: ثِقَة ثبت، من الثَّانية، مات بعد سبعين (70) (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذه الأسانيد الأولان منها من سداسياته والأخير من سباعياته (قال) علي (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتبد) أي أن يلقى النبيذ (في الدباء والمزفت هذا) المذكور لفظ (حديث جرير) وروايته (و) لفظه (في حديث عبثر وشعبة) وروايتهما (أن

النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ. 5038 - (1949) (15) وحدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ. قَال: قُلتُ لِلأَسْوَدِ: هَل سَألتَ أمَّ المُومِنِينَ عَمَّا يُكْرَهُ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ؟ قَال: نَعَمْ. قُلتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ. قَالتْ: نَهَانَا، أَهْلَ البَيتِ، أَنْ نَنْتَبِذَ في الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ. قَال: قُلتُ لَهُ: أَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن) الانتباذ في (الدباء والمزفت) بصيغة أن وترك لفظ الانتباذ وبيان مثل هذه المخالفة الدقيقة من شدة حفظه وإتقانه وتورّعه من الكذب رحمه الله تعالى وجزاه الله عنا خيرًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ [5594] وأبو داود [3697] والنَّسائيّ [5627]. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5038 - (1949) (15) (وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ (قال زهير حَدَّثَنَا جرير عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب بتاء مثناة ثقيلة بعدها موحدة الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (11) بابا (قال) إبراهيم (قلت للأسود) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ أبي عمرو الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم فقيه، من (2) روى عنه في (5) أبواب (هل سألت) يَا أسود (أم المؤمنين) عائشة رضي الله تعالى عنها (عما) أي عن الأواني التي (يكره أن ينتبذ فيه) أي يكره الانتباذ فيها لسرعة إسكار ما فيها. وهذا السند من سداسياته (قال) الأسود (نعم) سألتها فـ (قلت) لها في سؤالي (يَا أم المومنين أخبريني عما) أي عن الإناء الذي (نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتبذ فيه؟ ) أي عن إلانتباذ فيه، والجملة الفعلية بدل من ضمير عنه (قالت) عائشة (نهانا) رسول الله صلى الله عليه وسلم أخص (أهل البيت) أي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ننتبذ) أي أن نلقي النبيذ (في) إناء (الدباء و) في الإناء (المزفت، قال) إبراهيم (قلت له) أي للأسود (أما) الهمزة فيه

ذَكَرَتِ الحَنْتَمَ وَالجَرَّ؟ قَال: إِنما أُحَدِّثُكَ بِمَا سَمِعتُ. أَأُحَدِّثُكَ مَا لَمْ أَسمَع؟ 5039 - (00) (00) وحدثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ. 5040 - (00) (00) وحدثني محمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ القَطَّانُ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ. قَالا: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَسُلَيمَانُ وَحَمَّادٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستفهام الاستخباري، وما نافية أي أما (ذكرت) أم المُؤْمنين (الحنتم والجر) مرادف لما قبله على التفسير الأول لأبي هريرة أي ألم تذكرهما لك؟ (قال) الأسود لإبراهيم (إنما أحدثك بما سمعت) منها (أأحدثك) الاستفهام فيه للإنكار بمعنى النفي أي ما أحدثك (ما لم أسمع) منها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الأشربة [5594] والنَّسائيّ في الأشربة [5590 إلى 5594]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5039 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) الكُوفيّ (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي الكُوفيّ (عن الأَعمش عن إبراهيم) النَّخَعيّ (عن الأسود) بن يزيد النَّخَعيّ (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأَعمش لمنصور بن المعتمر (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 5040 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد بن فروخ التَّمِيمِيّ البَصْرِيّ (وهو القطَّان) ثِقَة، من (9) (حدثنا سفيان) الثَّوريّ (وشعبة) بن الحجاج كلاهما (قالا حَدَّثَنَا منصور) بن المعتمر السلمي الكُوفيّ (وسليمان) بن مهران الأَعمش (وحماد) بن أبي سليمان الأَشْعريّ مولاهم مقرون بمنصور والأعمش واسم أبي سليمان مسلم مولى إبراهيم بن أبي موسى

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَن عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمِثلِهِ. 5041 - (00) (00) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا القَاسِمُ (يَعْنِي ابْنَ الفَضْل). حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ القُشَيرِيُّ. قَال: لَقِيتُ عَائِشَةَ فَسألتُهَا عَنِ النَّبِيذِ؛ فَحَدَثَتْنِي؛ أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيسِ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ النَّبِيذِ؛ فَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْتَبِذُوا في الدُّبَّاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأَشْعريّ أبو إسماعيل الكُوفيّ الفقيه، كان الأَعمش يسيء الرأي فيه، روى عن إبراهيم النَّخَعيّ في الأشربة، وأنس وأبي وائل وابن المسيّب، ويروي عنه (م عم) والثوري وشعبة وابنه إسماعيل ومغيرة وأبو حنيفة ومسعر، قال أَحْمد: مقارب، وقال ابن معين: حماد ثِقَة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال العجلي: كُوفِيّ ثِقَة، وقال في التقريب: فقيه، صدوق له أوهام، من الخامسة، رمي بالإرجاء، مات سنة (120) عشرين ومائة، وعلق له البُخَارِيّ قوله (عن إبراهيم) النَّخَعيّ (عن الأسود عن عائشة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان وشعبة لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن منصور بن المعتمر وساقا (بمثله) أي بمثل حديث جرير عن منصور. ثم ذكر المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5041 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا القاسم يعني ابن الفضل) بن معدان الأَزدِيّ أبو المغيرة البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا ثمامة) بضم المثلثة وفتح الميم المخففة (بن حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي آخره نون (القشيري) البَصْرِيّ، روى عن عائشة في الأشربة، وعمر وعثمان وعدة، ويروي عنه (م ت س) والقاسم بن الفضل وداود بن أبي هند والجريري، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال في التقريب: ثِقَة، مخضرم، من الثَّانية، أسلم في حياته صلى الله عليه وسلم ولم يره، وفد على عمر بن الخَطَّاب، وله (35) خمس وثلاثون سنة (قال) ثمامة (لقيت عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ثمامة للأسود بن يزيد (فسألتها عن) حكم (النبيد) أهو حلال أم حرام؟ (فحدثتني) معطوف على سألتها (أن وفد عبد القيس) وجماعتهم (قدموا على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسألوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن النبيذ فنهاهم) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أن ينتبذوا) أي أن يتخذوا النبيذ في الدباء

وَالنقِيرِ وَالمُزَفَّتِ وَالحَنتَمِ. 5042 - (00) (00) وحدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيدٍ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ. 5043 - (00) (00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهابِ الثقَفِيّ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. إلا أَنَّهُ جَعَلَ -مَكَانَ المُزَفَتِ-: المُقَيَّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنقير والمزفت). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5042 - (00) (00) (وحدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي الدورقي أبو يوسف البغدادي، ثِقَة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا) إسماعيل بن إبراهيم ابن مقسم الأسدي البَصْرِيّ المعروف ب (ابن عليّة) اسم أمه، ثِقَة، من (8) (حَدَّثَنَا إسحاق بن سويد) بن هبيرة العدوي، نسبة إلى عدي بن كعب التَّمِيمِيّ البَصْرِيّ، وثقه أَحْمد وابن معين والنَّسائيّ وابن سعد والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن معاذة) بنت عبد الله العدوية أم الصهباء البصرية امرأة صلة بن أشيم، ثِقَة، من (3) روى عنها في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معاذة لمن روى عن عائشة (قالت) عائشة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) الانتباذ في (الدباء والحنتم والنقير والمزفت). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 5043 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عبد الوهَّاب) بن عبد المجيد (الثَّقَفيّ) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا إسحاق بن سويد) التَّمِيمِيّ البَصْرِيّ (بهذا الإسناد) يعني عن معاذة عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الوهَّاب لابن عليّة (إلا أنَّه) أي لكن أن عبد الوهَّاب (جعل) أي ذكر (مكان المزفت) أي بدله (المقير) ومعناهما واحد.

5044 - (1950) (16) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ح وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَباسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: "أَنهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالنقِيرِ وَالمُقَيرِ". وَفِي حَدِيثِ حَمَّادٍ، جَعَلَ -مَكَانَ المُقَيرِ-: المُزَفَّتَ. 5045 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5044 - (1950) (16) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (أخبرنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي أبو معاوية البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي جمرة) البَصْرِيّ نصر بن عمران بن عصام الضبعي، ثِقَة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب البَزَّار أبو محمَّد البغدادي، ثِقَة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (عن أبي جمرة) نصر بن عمران (قال) أبو جمرة (سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من رباعياته أَيضًا (قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنهاكم عن) الانتباذ في (الدباء والحنتم والنقير والمقير وفي حديث حماد) وروايته (جعل) خلف بن هشام (مكان المقير المزفت). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في أبواب كثيرة منها في الجهاد باب أداء الخمس [95 30] وأبو داود في الأشربة [3692 أو 3694 و 3696] والنَّسائيّ في الأشربة [5692] والتِّرمذيّ في الإيمان [2741]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5045 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القُرشيّ

عَنِ الشيبَانِي، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفتِ وَالنقِيرِ. 5046 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ حَبِيبِ ابْنِ أبِي عَمْرَةَ، عَنْ سعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ. وَأَنْ يُخْلَطَ البَلَحُ بِالزَّهْو ـــــــــــــــــــــــــــــ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن) أبي إسحاق (الشَّيبانِيّ) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى له في (14) بابا (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس الأسدي مولاهم أبي يحيى الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن جبير لأبي جمرة (قال) ابن عباس (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5046 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمَّد بن فضيل) بن غزوان الضَّبِّيّ الكُوفيّ، صدوق، من (9) (عن حبيب بن أبي عمرة) الأسدي الحماني القصاب، ويقال اللحام أبي عبد الله الكُوفيّ، روى عن سعيد بن جبير في الأشربة وأم الدَّرداء، ويروي عنه (خ م) ومحمَّد بن فضيل وعبد الواحد بن زياد، وثقه ابن معين والنَّسائيّ، وقال جرير بن عبد الحميد: كان ثِقَة، وقال أَحْمد: شيخ ثِقَة، قال ابن المدينيّ: له نحو خمسة عشر حديثًا، وقال في التقريب: ثِقَة، من السادسة، مات سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) رضي الله عنهما، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حبيب بن أبي جمرة لحبيب بن أبي ثابت في الرواية عن سعيد بن جبير (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير و) نهى (أن يخلط البلح بالزهو) وهو زيادة زادها ابن أبي عمرة في روايته، والبلح بفتحتين البسر الملون إلَّا أن تلوينه قليل

5047 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى البَهْرَانِيِّ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ. ح وَحَدثنَا محمدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالنَقِيرِ وَالمُزَفَّتِ. 5048 - (1951) (17) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بخلاف الزهو اهـ دهني، وقيل البلح تمر غير ناضج فيه خضرة، والزهو تمر ظهر منه بعض التلون دون كامله أي نهى أن يخلط البلح والزهو في إناء واحد ويشرب لإسكاره إذا اشتد، وسبق عن النووي أن الزهو هو البسر الملون الذي بدًا فيه حمرة أو صفرة وطاب أكله اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5047 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى) العنزي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدي) بن حسان الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن شعبة عن يحيى) بن عبيد بلا إضافة (البهراني) بفتح الموحدة وسكون الهاء أبو عمر الكُوفيّ، روى عن ابن عباس في الأشربة، ويروي عنه (م د س ق) وشعبة والأعمش وزيد بن أبي أنيسة، وثقه ابن معين، وقال أبو زرعة: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال في التقريب: صدوق، من الرابعة (قال) يحيى (سمعت ابن عباس ح وحدثنا محمَّد بن بشار حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن يحيى) بن عبيد (أبي عمر) البهراني هذا هو الصواب بالكنية، ووقع في بعض النسخ (ابن أبي عمر) بزيادة لفظة ابن، وهو تحريف من النساخ (عن ابن عباسٌ) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى البهراني لأبي جمرة وسعيد بن جبير (قال) ابن عباس (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والنقير والمزفت). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أنس بحديث أبي سعيد رضي الله عنهما فقال: 5048 - (1951) (17) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (أخبرنا يريد بن زريع)

عَنِ التيمِيِّ. خ وَحَدْثَنَا يَحيَى ابن أيوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. اخبَرَنَا سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ. عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ نَهَى عَنِ الجَرّ أنْ يُنْبَذَ فِيهِ. 5049 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ أيوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبي نَضْرَةَ، عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالنَقِيرِ وَالمُزفَّتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التَّمِيمِيّ العيشي البَصْرِيّ (عن) سليمان بن طرخان (التَّيميّ) البَصْرِيّ (ح وحدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري (حَدَّثَنَا) إسماعيل (بن عليّة) الأسدي البَصْرِيّ (أخبرنا سليمان) بن طرخان (التَّيميّ) البَصْرِيّ (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي سعيد) الخُدرِيّ رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجر) بفتح الجيم وتشديد الراء هو بمعنى الجرار الواحدة جرة اهـ نووي أي نهى (أن ينبذ فيه) أي أن يلقى فيه النبيذ وهذا يدخل فيه جميع أنواع الجرار من الحنتم وغيره وهو منسوخ كما سبق اهـ نووي، والجر والجرار جمع جرة وهو الإناء المعروف من الفخار وأراد بالنهي الجرار المدهونة لأنها أسرع في الشدة اهـ نووي. وهذا الحديث مر عند المصنف في كتاب الإيمان باب الأمر بالإيمان باللهِ تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشاركه في روايته النَّسائيّ في الأشربة [5633] وابن ماجه في الأشربة [3446]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 5049 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن أَيُّوب) المقابري (حَدَّثَنَا ابن عليّة أخبرنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك (عن أبي سعيد الخُدرِيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لسليمان التَّيميّ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت).

5055 - (00) (00) وحدَّثناه مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أبي، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذا الإِسْنَادِ؛ أَن نَبِي الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أنْ يُنْتَبَذَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 5051 - (00) (00) وحدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنِي أبي. حَدَّثَنَا المُثَنَّى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ أبِي المُتَوَكِّلِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ الشُرْبِ في الحَنْتَمَةِ وَالدُّباء وَالنَّقِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 5050 - (00) (00) (وحدثناه محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البَصْرِيّ (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخُدرِيّ. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هشام لسعيد بن أبي عروبة في الرواية عن قتادة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتبذ) في الدباء والحنتم. الخ (فذكر) هشام (مثله) أي مثل ما روى سعيد بن أبي عروبة لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 5051 - (00) (00) (وحدثنا نصر بن عليّ الجهضمي) البَصْرِيّ (حَدَّثني أبي) علي بن نصر بن عليّ بن صهبان بضم المهملة وسكون الهاء الأَزدِيّ الجهضمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا المثنَّى يعني ابن سعيد) الضبعي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (عن أبي المتوكل) الناجي علي بن داود البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد) الخُدرِيّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي المتوكل لأبي نضرة (قال) أبو سعيد (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في الحنتمة) أي الجرة (والدباء والنقير). ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أنس بحديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فقال:

5052 - (1952) (18) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ قَال: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَهُمَا شَهِدَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ. 5053 - (00) (00) حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ). حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ. قَال: سَألتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ؟ فَقَال: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَبِيذَ الجَر. فَأتَيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلتُ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 5052 - (1952) (18) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي، ثِقَة، من (10) روى عنه في (11) بابا (واللفظ لأبي بكر قالا حَدَّثَنَا مروان بن معاوية) بن الحارث الفزاري الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن منصور بن حيان) بتحتانية ابن حصين الأَزدِيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (2) بابين (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكُوفيّ (قال) سعيد (أشهد على ابن عمر وابن عباس) وهذا السند من خماسياته (أنهما شهدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والمقير). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأشربة باب في الأوعية برقم [3619] والنَّسائيّ في الأشربة باب النهي عن نبيذ الجر مفردًا برقم [5619] وباب ذكر الدلالة على النهي للموصوف من الأوعية [5643]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثهما رضي الله تعالى عنهما فقال: 5053 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير يعني ابن حازم) بن زيد بن عبد الله الأَزدِيّ أبو النضر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (حدثنا يعلى بن حكيم) الثَّقَفيّ مولاهم المكيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن سعيد بن جبير) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يعلى بن حكيم لمنصور بن حيان (قال) سعيد (سألت ابن عمر عن نبيذ الجر) أي الجرار (فقال) ابن عمر (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر) أي الانتباذ في الجر، قال سعيد (فأتيت ابن عباس فقلت) له (ألا تسمع) يَا ابن عباس (ما يقول ابن عمر) فـ (قال) ابن عباس

وَمَا يَقُولُ؟ قُلتُ: قَال: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ نَبِيذَ الجَرِّ. فَقَال: صَدَقَ ابْنُ عُمَرَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ نَبِيذَ الجَرِّ. فَقُلتُ: وَأَيُّ شَيء نَبِيذُ الجَرِّ؟ فَقَال: كُل شَيءٍ يُصْنَعُ مِنَ المَدَرِ. 5054 - (1953) (19) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ َعَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ خَطَبَ النَاسَ في بَعْضِ مَغَازِيهِ. قَال ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وما يقول؟ ) ابن عمر (قلت) لابن عباس (قال) ابن عمر (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر، فقال) ابن عباس (صدق ابن عمر) فيما حدّث لأنه (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر) أي الانتباذ في الجر، قال سعيد (فقلت) لابن عباس (وأي شيء نبيذ الجر) أي وأي شيء الجر الذي حرم الانتباذ فيه (فقال) ابن عباس في جواب سؤالي الجر (كل شيء) وإناء (يصنع) ويعمل (من المدر) أي من التُّراب المتحجر، والمدر بفتحتين قطع الطِّين اليابس أو العلك الذي لا رمل فيه واحدته مدرة كذا في القاموس، قال النووي: وهذا تصريح من ابن عباس بأن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التُّراب اليابس اهـ، وبهذا الحديث استدل بعض العلماء مثل مالك في رواية عنه على أن الانتباذ في هذه الظروف ممنوع حتَّى الآن والنهي عنه محكم لم ينسخ وذلك لأن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ذكر الحرمة بعد وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يذكرا أن ذلك منسوخ، ولكن الأحاديث الآتية التي ورد فيها التصريح بالنسخ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة عليهم، وأما ابن عمر وابن عباس فإما أنهما ذكرًا حكايته لحكم منسوخ أوكانا لم يعلما بالنسخ والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث أنس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5054 - (1953) (19) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس في بعض مغازيه) أي بعض غزواته، ولم أر من عين تلك الغزوة (قال ابن

عُمَرَ: فَأَقْبَلتُ نَحْوَهُ. فَانصَرَفَ قَبْلَ أَنْ أَبلُغَهُ. فسألتُ: مَاذَا قَال؟ قَالُوا: نَهَى أن يُنْتَبَذَ في الدُّبَّاءِ وَالمُزَفتِ. 5055 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدثنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ. خ وَحَدثنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر) رضي الله عنهما (فأقبلت) أي ذهبت (نحوه) صلى الله عليه وسلم أي جهته لاستماع خطبته (فانصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فرغ من خطبته وأتمها (قبل أن أبلغه) أي قبل وصولي إليه (فسألت) من حضر خطبته من النَّاس فقلت له (ماذا قال: ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته (قالوا) أي قال النَّاس الذين سالتهم (نهى) رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته (أن ينتبذ في الدباء والمزفت). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأشربة باب في الأوعية [3690 أو 3691] والتِّرمذيّ في الأشربة باب ما جاء في نبيذ الجر [1929] والنَّسائيّ في الأشربة باب ذكر الأوعية التي نهي عن الانتباذ فيها [5614 و 5615]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5055 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة) بن سعيد (و) محمَّد (بن رمح عن الليث بن سعد) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ليث لمالك (ح وحدثنا أبوالرَّبيع) الزهراني سليمان بن داود البَصْرِيّ (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البَصْرِيّ (قالا حَدَّثَنَا حماد) بن زيد بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ (ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل) ابن عليّة (جميعًا) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أَيُّوب) السختياني عن نافع عن ابن عمر، وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أَيُّوب لمالك (ح وحدثنا) محمَّد (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا عبيد الله) ابن عمر بن حفص العمري عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك (ح وحدثنا ابن المثنَّى و) محمَّد (بن أبي عمر) العدني المكيّ

عَنِ الثَّقَفِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ح وَحَدْثَنَا مُحَمَّد بن رَافِع. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ). ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ الأيلِي. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ. كُل هؤُلاءِ عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَلَمْ يَذْكُرُوا: في بَعْضِ مَغَازِيهِ. إلا مَالِكٌ وَأُسَامَةُ. 5056 - (00) (00) وحدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ. قَال: قُلتُ لابْنِ عُمَرَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ؟ قَال: فَقَال: قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلاهما رويا (عن) عبد الوهَّاب (الثَّقَفيّ عن يحيى بن سعيد) الأَنْصَارِيّ عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لمالك بن أنس (ح وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا) محمَّد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدنِيُّ (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي المدنِيُّ، صدوق، من (7) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند أَيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة الضحاك لمالك (ح وحدثني هارون) بن سعيد بن الهيثم التَّمِيمِيّ (الأيلي) نزيل مصر، ثِقَة، من (10) (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري، ثِقَة، من (9) (أخبرني أسامة) بن زيد الليثيّ المدنِيُّ، صدوق، من (7) عن نافع عن ابن عمر. وهذا السند أَيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة أسامة لمالك بن أنس (كل هؤلاء) المذكورين من ليث وأيوب وعبيد الله ويحيى والضَّحَاك وأسامة رووا (عن نافع عن ابن عمر) وساقوا (بمثل حديث مالك ولم يذكروا) لفظة في بعض مغازيه إلَّا مالك وأسامة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5056 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن ثابت) بن أسلم البناني البَصْرِيّ (قال) ثابت (قلت لابن عمر نهى) أي أنهى (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ثابت لنافع (قال) ثابت (فقال) ابن عمر (قد

زَعَمُوا ذَاكَ. قُلتُ: أنهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ؟ قَال: قَدْ زَعَمُوا ذَاكَ. 5057 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أيوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ التَّيمِيِّ، عَنْ طَاوُسِ. قَال: قَال رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: أَنَهَى نَبِيُّ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ؟ قَال: نَعَمْ. ثُمَّ قَال طَاووسٌ: وَاللهِ، إِني سَمِعْتُهُ مِنْهُ. 5058 - (00) (00) وحدثني محمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ زعموا) أي قد قال النَّاس (ذاك) النهي وأخبروه قال ثابت (قلت) له (أنهى عنه) أي عن نبيذ الجر (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) ابن عمر (قد زعموا ذاك) أي قالوا ذاك النهي وأخبروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظاهر هذا الكلام إنكار منه نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وسيأتي في الرواية الآتية أنَّه قال نعم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين الروايتين معارضة فالتوفيق بينهما بأن يقال إن ابن عمر نسي أولًا فأنكر ثم تذكر فأقر وقال نعم والله أعلم اهـ من ذهني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5057 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري (حَدَّثَنَا ابن عليّة حَدَّثَنَا سليمان) بن طرخان (التَّيميّ) البَصْرِيّ (عن طاوس) بن كيسان اليماني (قال) طاوس (قال رجل) من الحاضرين (لابن عمر) والقائل هو ثابت بن أسلم كما هو ظاهر الرواية السابقة. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لنافع وثابت (أنهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن نبيد الجر، قال) ابن عمر (نعم) نهى عنه (ثم قال طاوس: والله إنِّي سمعته) أي سمعت قوله نعم نهى عنه نبي الله صلى الله عليه وسلم (منه) أي من ابن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5058 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا ابن جريج أخبرني) عبد الله (بن طاوس عن أَبيه) طاوس بن

عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَجُلًا جَاءَهُ فَقَال: أَنَهَى النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَنْ يُنْبَذَ في الجَرِّ وَالدُّبَّاءِ؟ قَال: نَعَمْ. 5059 - (00) (00) وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَمَ نَهَى عَنِ الجَرِّ وَالدُّبَّاءِ. 5060 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ إبراهيم بن ميسرة؛ أنَّه سمع طاوسًا يقول: كُنت جالسًا عند ابن عمر. فجاءه رجلٌ فقال: أَنهى رسُول الله صلى الله ـــــــــــــــــــــــــــــ كيسان (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته , غرضه بيان متابعة ابن طاوس لسليمان التيمي (أن رجلًا) لعله ثابت بن أسلم (جاءه) أي جاء ابن عمر (فقال) الرجل له (أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبذ) أي يلقى النبيذ (في الجر والدباء قال) ابن عمر للرجل (نعم) نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الجر والدباء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعة خامسًا فقال: 5059 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهليّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (حَدَّثَنَا عبد الله بن طاوس عن أَبيه) طاوس (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وهيب لابن جريج (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجر والدباء). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 5060 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير بن سابور البغدادي (النَّاقد حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة) الطَّائِفِيِّ نزيل مكة، ثِقَة، من (5) (أنه سمع طاوسًا يقول كنت جالسًا عند ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن ميسرة لعبد الله بن طاوس، قال طاوس (فجاءه) أي فجاء ابن عمر (رجل) هو ثابت بن أسلم (فقال) الرَّجل لابن عمر (أنهى رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسلمَ عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالمُزَفتِ؟ قَال: نَعَم. 5061 - (00) (00) حدثنا محمدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنِ الحَنْتَمِ وَالدباءِ وَالمُزَفَّتِ. قَال: سَمِعْتُهُ غَيرَ مَرَّةٍ. 5062 - (00) (00) وحدثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنِ الشَّيبَانِيُّ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم عن نبيذ الجر والدباء والمزفت قال) ابن عمر (نعم) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال: 5061 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى وابن بشار قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) غندر (حَدَّثَنَا شعبة عن محارب) بصيغة اسم الفاعل (ابن دثار) بكسر الدال المهملة وتخفيف المثلثة السدوسي أبي مطرف الكُوفيّ القاضي، قال أبو زرعة: ثِقَة مأمون، وقال في التقريب: ثِقَة إمام زاهد، من (4) روى عنه في (5) أبواب (قال) محارب (سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محارب بن دثار لطاوس بن كيسان (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) الانتباذ في (الحنتم) أي في الجرار (والدباء والمزفت، قال) محارب (سمعته) أي سمعت ابن عمر يقول ذلك (غير مرة) أي يقوله مرات كثيرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5062 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكُوفيّ، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا عبثر) بن القاسم الزبيدي الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) (عن) أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشَّيبانِيّ) الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) (عن محارب بن دثار عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان

عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمِثْلِهِ. قَال: وَأُرَاهُ قَال: وَالنَّقِيرِ. 5063 - (00) (00) حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيثٍ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنِ الجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ. وَقَال: "انْتَبِذُوا في الأَسْقِيَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة الشَّيبانِيّ لشعبة (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وساق الشَّيبانِيّ (بمثله) أي بمثل حديث شعبة. (قال) الشَّيبانِيّ (وأراه) أي وأظن شيخي محاربًا (قال) أي زاد بعد المزفت لفظة (والنقير) والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5063 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى وابن بشار قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن عقبة بن حريث) مصغرًا التغلبي بمثناة الكُوفيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (3) (قال) عقبة (سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عقبة بن حريث لمن روى عن ابن عمر (يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجر والدباء والمزفت وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوف على نهى (انتبذوا) أي ألقوا النبيذ (في الأسقية) أي في أوعية الجلود أمرهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالانتباذ في الأسقية مع نهيهم عن الانتباذ في الجر والدباء والمزفت لأن ما فيها إذا اشتد لا يعلم فيظن الشارب أنَّه غير مسكر وهو مسكر، وأما الأسقية فتبرد ما فيها فلا يسرع الشدة وإذا اشتد تنشق فيعلم أنَّه مسكر فلهذا أرخص الانتباذ فيها والله أعلم اهـ ذهني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

5064 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يحدث قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحَنْتَمَةِ. فَقُلتُ: مَا الحنْتَمَةُ؟ قَال: الجَرَّةُ. 5065 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. حَدَّثَنِي زَاذَانُ. قَال: قُلتُ لابْنِ عُمَرَ: حَدِّثْنِي بِمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ. وَفَسِّرْهُ لِي بِلُغَتِنَا. فَإِنَّ لَكُمْ لُغَةً سِوَى لُغَتِنَا. فَقَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5064 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن جبلة) بجيم وفتحات ابن سحيم بمهملتين مصغرًا التَّيميّ أبي سويرة الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما (يحدث) للنَّاس. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جبلة لمن روى عن ابن عمر (قال) ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) الانتباذ في (الحنتمة) أي في الجرة، قال جبلة (فقلت) لابن عمر (ما الحنتمة؟ ) فـ (قال) لي ابن عمر الحنتمة هي (الجرة) المعمولة من طين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5065 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) العنبري البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي الأعمى الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثني زاذان) أبو عمر الكندي مولاهم البزَّاز الكُوفيّ، شهد خطبة عمر بالجابية، صدوق، من (2) روى عنه في (2) بابين ملك اليمين والأشربة (قال) زاذان (قلت لابن عمر) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زاذان لمن روى عن ابن عمر (حَدَّثني) يَا ابن عمر (بما نهى عنه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الأشربة بلغتك) العربية الفصيحة (وفسره) أي فسر ما نهى عنه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (لي بلغتنا) المستعجمة الغير الفصيحة (فإن لكم) معاشر العرب (لغة) فصيحة (سوى لغتنا) المستعجمة (فقال) له ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه

وَسلمَ عَنِ الحَنْتَمِ، وَهِيَ الجَرَّةُ. وَعَنِ الدباءِ، وَهِيَ القَرعَةُ. وَعَنِ المُزفتِ، وَهُوَ المُقَيَّرُ. وَعَنِ النَّقِيرِ، وَهِيَ النخْلَةُ تُنسَحُ نَسْحًا، وَتُنقَرُ نَقرًا. وَأَمَرَ أَن يُنْتَبَذَ في الأَسْقِيَةِ. 5066 - (00) (00) وحدَّثناه محمدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْن بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا أبُو دَاودَ. حَدَّثنَا شُعْبَة. في هذَا الإِسْنَادِ. 5067 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الخَالِقِ بْنُ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم عن) الانتباذ في (الحنتم وهي الجرة وعن الدباء وهي القرعة) اليابسة (وعن المزفت وهو المقير وعن النقير وهي النخلة) التي (تنسح) بالبناء للمجهول وبسين وحاء مهملتين (نسحًا) بفتح فسكون مصدر مؤكد لعامله أي يقشر ظاهرها تقشير أو يصفى من القشور، وفي بعض النسخ (تنسج نسجًا) بسين وجيم من النساجة، وهو تصحيف من بعض الرواة (وتنقر نقرًا) بالبناء للمجهول أَيضًا أي ينقر ويقور باطنها وتجعل إناء كالبرميل (وأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ينتبذ) أي أن يلقى ويبل النبيذ بالماء (في الأسقية) أي في أوعية الجلود جمع سقاء وهي القربة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثاني عشرها فقال: 5066 - (00) (00) (وحدثناه محمَّد بن المثنَّى وابن بشار قالا حَدَّثَنَا أبو داود) الطَّيالِسيّ سليمان بن داود بن الجارود البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن عمرو بن مرة عن زاذان عن ابن عمر، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي داود لمعاذ بن معاذ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالث عشرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5067 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا عبد الخالق بن سلمة) بفتح اللام وكسرها الشَّيبانِيّ أبو روح البَصْرِيّ، روى عن سعيد بن

قَال: سَمِعتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعتُ عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يَقُولُ عِنْدَ هذَا المِنبَرِ، وَأَشَارَ إلى مِنبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الأشرِبَةِ. فَنَهَاهُم عَنِ الدُّبَّاءِ والنقِيرِ وَالحَنْتَمِ. فَقُلتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد، وَالمُزَفَّتِ؟ وَظَنَنا أَنهُ نَسِيَهُ. فَقَال: لَمْ أسْمَعهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبدِ اللهِ بن عُمَرَ. وَقَد كَانَ يَكْرَهُ. 5068 - (1954) (20) وحدثنا أحْمَدُ بن يُونسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أبُو الزبَيرِ. ح وَحَدثنَا يَحْيى بْنُ يَحْيى. أَخْبَرَنَا أبو ـــــــــــــــــــــــــــــ المسيّب في الأشربة، ويروي عنه (م س) ويزيد بن هارون وشعبة وحماد بن زيد، وثقه أَحْمد وابن معين وأبو داود والنَّسائيّ، وقال في التقريب: ثِقَة مقل، من السادسة (قال) عبد الخالق (سمعت سعيد بن المسيّب) بن حزن المخزومي المدنِيُّ (يقول سمعت عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن المسيّب لمن روى عن ابن عمر (يقول عند هذا المنبر و) الحال أن ابن المسيّب (يشير إلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي سمعت ابن عمر يقول (قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه) صلى الله عليه وسلم (عن الأشربة) ماذا أحل لهم (فنهاهم عن) الانتباذ في (الدباء والنقير والحنتم) قال عبد الخالق (فقلت له) أي لسعيد بن المسيّب (يَا أَبا محمَّد) كنية سعيد بن المسيّب (و) هل قال ابن عمر نهاهم عن (المزفت) أَيضًا (وظننا أنَّه) أي أن ابن عمر (نسيه) أي نسي المزفت (فقال) لنا سعيد (لم أسمعه) أي لم أسمع المزفت (يومئذ) أي يوم إذ حَدَّثَنَا هذا الحديث (من عبد الله بن عمر) متعلق بلم أسمعه (و) لكن (قد كان) ابن عمر (يكره) الانتباذ في المزفت وإن كنت لم أسمعه منه يومئذ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث أنس بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5068 - (1954) (20) (وحدثنا أَحْمد) بن عبد الله (بن يونس) التَّمِيمِيّ الكُوفيّ (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكُوفيّ، ثِقَة، من (7) (حَدَّثَنَا أبو الزُّبير) المكيّ محمَّد بن مسلم الأسدي مولاهم (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (أخبرنا أبو

خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ، أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ نَهَى عَنِ النقِيرِ وَالمُزَفتِ وَالدُّبَّاءِ. 5069 - (00) (00) وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أبُو الزُبَيرِ، أَنَّه سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الجَرّ وَالدُّبَّاءِ وَالمُزَفَّتِ. قَال أَبُو الزُّبَيرِ: وَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ عَنِ الجَرِّ وَالمُزَفَّتِ وَالنقِيرِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، إِذَا لَمْ يجد شَيئًا يُنْتَبَذُ لَهُ فِيهِ، نُبِذَ لَهُ في تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزُّبير عن جابر) بن عبد الله (وابن عمر) رضي الله عنهم. وهذان السندان من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النقير والمزفت والدباء) وهذا الحديث لم أر من ذكره إلَّا الإِمام مسلمًا رحمه الله تعالى بالنسبة إلى كونه من مسند جابر، وأما بالنسبة إلى كونه من مسند ابن عمر فقد ذكره لمتابعة أبي الزُّبير لمن روى عن ابن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5069 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) الصَّنْعانِيّ (أخبرني ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لزهير بن معاوية حالة كون ابن عمر (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الجر والدباء والمزفت) و (قال أبو الزُّبير) أَيضًا بالسند المذكور (وسمعت جابر بن عبد الله) معطوف على قوله (سمع ابن عمر) (يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجر والمزفت والنقير و) سمعت جابرًا يقول (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يجد شيئًا) من الأواني (ينتبذ له فيه نبذ) أي بل (له) النبيذ (في تور من حجارة) والتور بفتح التاء وسكون الواو قدح كبير كالقدر يتخذ تارة من حجارة وتارة من نحاس وغيره وفي رواية (في تور من برام) والمعنى واحد.

5070 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ في تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. 5071 - (00) (00) وحدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزبَيرِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: كَانَ يُنْتَبَذُ لِرَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في سِقَاءٍ. فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا سِقَاءً ينتبِذَ لَهُ في تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث جابر في هذه الرواية شارك المؤلف في روايته أبو داود في الأشربة باب في الأوعية برقم [3702] والنَّسائيّ في الأشربة باب الإذن في الانتباذ التي خصها بعض الروايات [5647 أو 5649] وابن ماجه في الأشربة باب صفة النبيذ وشربه برقم [3443] وفي هذه الرواية التصريح بنسخ النهي عن الانتباذ في الأوعية الكثيفة كالدباء والحنتم والنقير وغيرها لأن تور الحجارة أكثف من هذه كلها وأولى بالنهي عنها فلما ثبت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم انتبذ له فيه دل على النسخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5070 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطيّ، ثِقَة، من (7) (عن أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي عوانة لابن جريج (أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في تور) أي في قدح كبير كالقدر منحوت (من حجارة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5071 - (00) (00) (وحدثنا أَحْمد) بن عبد الله (بن يونس) التَّمِيمِيّ الكُوفيّ (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكُوفيّ (حَدَّثَنَا أبو الزبير ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزببر عن جابر) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة زهير لأبي عوانة (قال) جابر (كان ينتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء) بكسر المهملة بوزن وعاء وهو إناء من جلد (فإذا لم بجدوا سقاء) أي إناء من جلد (نبذ له في تور) أي في قدح منحوت (من حجارة)

فَقَال بَعْضُ القَوْمِ -وَأَنا أَسْمَعُ لأَبِي الزُّبَيرِ-: مِنْ بِرَامٍ؟ قَال: مِنْ بِرَامٍ. 5072 - (1955) (21) حدثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ ومحمدُ بن المُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ فُضَيل (قَال أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي سِنَان. وَقَال ابْنُ المُثَنَّى: عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ) عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَير. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ فُضَيل. حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، أَبُو سِنَان، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو خيثمة (فقال بعض القوم) الحاضرين عند أبي الزُّبير (وأنا) أي والحال أني (أسمع) قولهم له، وقوله (لأبي الزُّبير) متعلق بقال أي قالوا له قل يَا أَبا الزُّبير (من برام) بدل قولك من حجارة لأن الحديث كذلك فـ (قال) أبو الزُّبير في تور (من برام) موافقة لهم فيما قالوا وأمروه به، والبرام بكسر الباء الموحدة جمع برمة بضمها وتجمع على بروم، وفي النهاية هي إناء من صفر أو حجارة كالأجانة وقد يتوضأ منه اهـ مرقاة، وفي رواية القرطبي (فقال بعض القوم لأبي الزُّبير من برام فقال من برام) وهي أوضح. وشارك المؤلف في هذه الرواية من حديث جابر أبو داود [3702] والنَّسائيّ [8/ 309 - 310] وابن ماجه [3400] اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث بريدة رضي الله عنه فقال: 5072 - (1955) (21) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبو شيبة ومحمَّد بن المثنَّى قالا حَدَّثَنَا محمَّد بن فضيل) بن غزوان الضَّبِّيّ الكُوفيّ، صدوق، من (9) (قال أبو بكر عن أبي سنان) بالكنية (وقال ابن المثنَّى عن ضرار بن مرة) بالاسم الكُوفيّ أبي سنان الشَّيبانِيّ، ثِقَة ثبت، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن محارب) بن دثار السدوسي أبي مطرف الكُوفيّ القاضي، ثِقَة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن) عبد الله (بن بريدة) الأسلمي المروزي، ثِقَة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أَبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (ح وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا محمَّد بن فضيل) بن غزوان (حَدَّثَنَا ضرار بن مرة أبو سنان) الشَّيبانِيّ (عن محارب بن دثار عن عبد الله بن بريدة عن أَبيه) بريدة بن الحصيب. وهذا السند من

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "نَهَيتُكُمْ عَنِ النبِيذِ إلا في سِقَاءٍ. فَاشْرَبُوا في الأَسْقِيَةِ كُلَّهَا. وَلا تَشرَبُوا مُسْكِرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته (قال) بريدة بن الحصيب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهيتكم عن النبيذ) أي عن الانتباذ (إلا في سقاء) أي إلَّا في قربة من جلد (فاشربوا) أي فانتبذوا الآن (في الأسقية كلها) أي في الأوعية كلها سواء كانت من جلد أو خشب أو حجر أو حديد أو رصاص أو نحاس (و) لكن (لا تشربوا مسكرًا) من الأشربة لأن كل مسكر خمر وكل خمر حرام. وهذا الحديث وما يذكر بعده صريح في نسخ ما تقدم من الأحاديث المصرحة بالنهي عن الانتباذ في الحنتم وأمثاله ويستنبط من هذه الأحاديث أن مدار النهي الإسكار سواء كان النبيذ منفردًا أو مخلوطًا وما لم يسكر كيف ما كان لم يكن منهيًا عنه ولا اعتبار بذوات الظروف ولا الخلط وهو ظاهر فكيف يعترض على أبي حنيفة وغيره من المجوزين بشرب الخليط إذا لم يسكر وهذا الاعتراض لم ينشأ إلَّا من التعصب المذهبي والله أعلم اهـ دهني. وقوله (نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء) وفي الرواية الثَّانية (نهيتكم من الظروف وإن الظروف أو ظرفًا لا يحل شيئًاولا يحرمه وكل مسكر حرام) وفي الرواية الثالثة (كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرًا) قال القاضي هذه الرواية الثالثة فيها تغيير من بعض الرواة، وصوابه كنت نهيتكم عن الأشربة إلَّا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء فحذف لفظة إلَّا الاستثنائية ولا بد منها، قال: والرواية الثَّانية فيها تغيير أَيضًا، وصوابها فاشربوا في الأوعية كلها لأن الأسقية وظروف الأدم لم تزل مباحة مأذونًا فيها وإنما نهى عن غيرها من الأوعية كما قال في الرواية الأولى كنت نهيتكم عن الانتباذ إلَّا في سقاء، والحاصل أن صواب الروايتين الأخيرتين كنت نهيتكم عن الانتباذ إلَّا في سقاء فانتبذوا واشربوا في كل وعاء وما سوى هذا تغيير من الرواة اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأشربة باب في الأوعية رقم [3698] والتِّرمذيّ في الأشربة باب الرخصة في أن ينبذ في الظروف رقم [1931] والنَّسائيّ في الأشربة باب الإذن في شيء منها رقم [5651 إلى 5654] وابن ماجه في

5073 - (00) (00) وحدثنا حجاجُ بْنُ الشَاعِرِ. حَدَّثَنَا ضَحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "نَهَيتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ. وإِن الظرُوفَ-أَوْ ظَرْفًا- لا يُحِل شَيئًا وَلا يُحَرِّمُهُ. وَكُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ". 5074 - (00) (00) وحدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُعَرِّفِ بْنِ وَاصِلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشربة رقم [3448]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث بريدة رضي الله عنه فقال: 5073 - (00) (00) (وحدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثَّقَفيّ البغدادي المعروف بـ (ابن الشَّاعر) ثِقَة، من (11) (حَدَّثَنَا ضحاك بن مخلد) بن الضحاك الشَّيبانِيّ أبو عاصم النَّبِيل البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ، ثِقَة حجة، من (7) (عن علقمة بن مرثد) الحضرميّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (6) (عن) عبد الله (بن بريدة) الأسلمي (عن أَبيه) بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة علقمة بن مرثد لمحارب بن دثار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهيتكم عن) الانتباذ في (الظروف) والأوعية غير الأسقية (وإن الظروف) نفسها (أو) قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أو الراوي إن (ظرفًا) من الظروف، والشك من الراوي أو ممن دونه (لا يحل شيئًا) من الأشربة (ولا يحرمه) بل الذي يحله ويحرمه الإسكار وعدمه (وكل مسكر حرام) ولو انتبذ في الأسقية وهذا صريح في أن النهي لم يكن لحرمة في عين الظروف وإنما كان لعارض الإسكار فحيث زال العارض انتسخ الحكم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث بريدة رضي الله عنه فقال: 5074 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا وكيع عن معرف) بوزن معلم (بن واصل) السعدي أبي بدل الكُوفيّ، روى عن محارب بن دثار في الأشربة، وإبراهيم النَّخَعيّ والأعمش وعمرو بن دينار وغيرهم، ويروي عنه (م د) ووكيع وأَحمد بن يونس وطائفة، وثقة أَحْمد وابن معين والنَّسائيّ، وذكره ابن حبان في الثِّقات، وقال

عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ؛ "كُنْتُ نَهَيتُكُمْ عَنِ الأَشْرِبَةِ في ظُرُوفِ الأَدَمِ. فَاشْرَبُوا في كُل وعَاءٍ. غَيرَ أَنْ لا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا". 5075 - (1956) (22) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أبي عُمَرَ) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ مُجَاهِد، عَنْ أبي عِيَاض، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو قَال: لَمَّا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنِ النَّبِيذِ في الأَوْعِيَةِ قَالُوا: لَيسَ كُل النَّاسِ يَجِدُ. فَأَرْخَصَ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ في التقريب: ثِقَة، من (6) (عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أَبيه) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معرف لضرار بن مرة (قال) بريدة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن) انتباذ (الأشربة في) كل أوعية إلَّا في (ظروف الأدم) وأسقية الجلد (فـ) الآن انتبذوا و (اشربوا) ما انتبذتم (في كل أوعية غير أن لا تشربوا) أي لكن لا تشربوا (مسكرًا) ولو انتبذ في أسقية الأدم فعلة النهي الإسكار لا الوعاء. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث بريدة بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم فقال: 5075 - (1956) (22) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكيّ (واللفظ لابن أبي عمر قالا حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) المكيّ خال ابن أبي نجيح قيل اسم أَبيه عبد الله، ثِقَة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن مجاهد) بن جبر المخزومي المكيّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي عياض) عمرو بن الأسود العنسي بالنُّون وقد يصغر أو الهمداني الدِّمشقيّ، ثِقَة مخضرم عابد، من كبار التابعين مات في خلافة معاوية من (2) روى عنه في (2) بابين الصوم والأشربة (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القُرشيّ السهمي المدنِيُّ رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله بن عمرو (لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) انتباذ (النبيذ في الأوعية) غير الأسقية (قالوا) أي قال المسلمون أي الصَّحَابَة (ليس كل الناس يجد) أسقية الأدم (فأرخص) أي جوز (لهم) رسول الله صلى

في الجَرِّ غَيرِ المُزَفَّتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم الانتباذ (في الجر غير المزفت) أي غير المطلي بالزفت، وهذا محمول على أنَّه رخص فيه أولًا ثم رخص لهم في جميع الأوعية كما هو في حديث بريدة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الأشربة [5593] وأبو داود في الأشربة [3700]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة عشر حديثًا الأول حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلالث متابعات، والثاني حديث أبي سعيد الخُدرِيّ ذكره للاستشهاد به وذكر فيه أربع متابعات، والثالث حديث أبي قتادة ذكره للاستشهاد به وذكر فيه خمس متابعات، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والسابع حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والتاسع حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والعاشر حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلالث متابعات، والحادي عشر حديث أبي سعيد الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثاني عشر حديث ابن عمر وابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث عشر حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث عشرة متابعة، والرابع عشر حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس عشر حديث بريدة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس عشر حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

659 - (3) باب كل مسكر خمر وحرام وبيان عقوبة من شربه إذا لم يتب منه وبيان المدة التي يشرب إليها النبيذ

659 - (3) باب كل مسكر خمر وحرام وبيان عقوبة من شربه إذا لم يتب منه وبيان المدة التي يشرب إليها النبيذ 5076 - (957 1) (23) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ البِتْعِ؟ فَقَال: "كُل شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَام" ـــــــــــــــــــــــــــــ 659 - (3) باب كل مسكر خمر وحرام وبيان عقوبة من شربه إذا لم يتب منه وبيان المدة التي يشرب إليها النبيذ 076 5 - (1957) (23) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ (عن عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (البتع) أهو حرام أم لا؟ والبتع بكسر الموحدة وسكون الفوقية ثم عين مهملة، وقال الجوهري ويقال فيه أَيضًا بفتح التاء الفوقانية كقمع وقمع وهو نبيذ العسل وكان شراب أهل اليمن ولم أر من ذكر اسم هذا السائل، وقال في تنبيه المعلم: وفي (م) ما يرشد إلى أن السائل هو أبو موسى الأَشْعريّ اهـ يعني حديث أبي موسى الأَشْعريّ الآتي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل (كل شراب أسكر فهو حرام) خمرًا كان أو غيره وهذا من جوامع كلمة صلى الله عليه وسلم وفيه أنَّه يستحب للمفتي إذا رأى بالسائل حاجة إلى غير ما سأل عنه أن يضمه في الجواب إلى المسؤول عنه اهـ نووي، ونظير هذا الحديث حديث (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) واستدل الجمهور بحديث الباب على أن القليل والكثير من كل مسكر حرام، واعتذر عنه أبو حنيفة بأن المراد أن القدر المسكر منه حرام والراجح مذهب الجمهور في حرمة تناول الجميع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [6/ 190] والبخاري [5585] وأبو داود [3682] والتِّرمذيّ [1863] والنَّسائيّ [8/ 298] وابن ماجه [3386]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5077 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِي. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عَنِ البِتْعِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُل شَرَاب أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَام". 5078 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الحُلوَانِيّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ قَالا: أخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5077 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم الفهمي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرَّحْمَن أنَّه سمع عائشة تقول) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لمالك بن أنس (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شراب أسكر فهو حرام). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5078 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) النَّيسَابُورِيّ (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخُرَاسَانِيّ، نزيل مكة، ولد بجوزجان، ونشأ ببلخ، وكان حافظًا جوالًا (وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) البغدادي (وزهير بن حرب كلهم) رووا (عن) سفيان (بن عيينة) الهلالي الكُوفيّ ثم المكيّ (ح وحدثنا حسن) بن عليّ (الحلواني) المكيّ (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدنِيُّ (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البصري (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورة يعني ابن عيينة وصالح بن

عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَصَالِح: سُئِلَ عَنِ الْبِتْع؟ وَهُوَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُل شَرَابٍ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". 5079 - (1958) (23) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ) قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ. فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ شَرَابا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كيسان ومعمر بن راشد رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس (و) لكن (ليس في حديث سفيان وصالح) أي في روايتهما لفظة (سئل عن البتع وهو) أي قوله سئل عن البتع مذكور (في حديث معمر) وروايته (وفي حديث صالح) بن كيسان وروايته لفظة (أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل شراب مسكر حرام). ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5079 - (1958) (23) (وحدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لقتيبة قالا حدثنا وكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) عامر بن أبي موسى، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن) عبد الله بن قيس (أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو موسى (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن) لتعليم الدين، وقد تقدم في الجهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل معاذًا على الجهة العليا إلى صوب عدن وأبا موسى على الجهة السفلى، قال أبو موسى (فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إن شرابًا يصنع) وينتج (بأرضنا) أرض اليمن ويشرب فيها (يقال له المزر) فما حكمه هل هو حرام أم لا؟ (والمزر) بكسر الميم وسكون الزاي، ذكر النووي أنه شراب يتخذ من الذرة أو الشعير أو الحنطة اهـ.

مِنَ الشَّعِيرِ. وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ: الْبِتْعُ مِنَ العَسَلِ. فَقَال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". 5080 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَال لَهُمَا: "بَشِّرَا وَيسِّرَا. وَعَلِّمَا وَلَا تُنَفِّرَا" وَأُرَاهُ قَال: "وَتَطَاوَعَا" قَال: فَلَمَّا وَلَّى رَجَعَ أَبُو مُوسَى فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لَهُمْ شَرَابًا مِنَ الْعَسَل ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (من الشعير) متعلق بيصنع (و) في أرضنا أيضًا (شراب يقال له البتع) يصنع (من العسل فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه (كل مسكر حرام) من أي نوع كان قليلًا كان أو كثيرًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 417]، والبخاري [6124]، وأبو داود [3684]، والنسائي [8/ 299]، وابن ماجه [3433]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 5080 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة الأعور الكوفي (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي أنه (سمعه) أي أن عمرًا سمع الحديث الآتي (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لشعبة بن الحجاج (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذًا إلى اليمن فقال لهما) رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التوديع (بشرا) لمن آمن بالجنة (ويسرا) في الأوامر ولا تشددا (وعلّما) فرائض الإسلام وآدابه (ولا تنفرا) الناس عن الدخول في الإسلام بالتشديد والترهيب، قال أبو موسى أو أبو بردة (وأراه) صلى الله عليه وسلم أو أبا موسى (قال وتطاوعا) فيما أمرتما به ونهيتما عنه ولا تختلفا (قال) أبو موسى على أن في الكلام التفاتًا أو قال أبو بردة حاكيًا عن أبي موسى (فلما ولى) وأدبر وذهب أبو موسى من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التوديع (رجع أبو موسى) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له (يا رسول الله) وأصل الكلام على الالتفات، قال أبو موسى: فلما وليت وأدبرت رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله (إن لهم) أي إن لأهل اليمن (شرابًا) يصنعونه (من العسل

يُطْبَخُ حَتَّى يَعْقِدَ. وَالْمِزْرُ يُصْنَعُ مِنَ الشَّعِيرِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مَا أَسْكَرَ عَنِ الصَّلاةِ فَهُوَ حَرَامٌ". 5081 - (00) (00) (وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي خَلَفٍ) قَالا: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ (وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو) عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيسَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يطبخ) العسل ويسخن على النار (حتى يعقد) العسل أي يشتد طبخه, قوله (حتى يعقد) بفتح الياء وكسر القاف من باب ضرب يقال عقدت العسل ونحوه وأعقدته إذا أغليته حتى غلظ ولعل المراد الإفراط في غلظه حتى تحدث فيه عقد (و) إن لهم شرابًا هو (المزر يصنع) أي يتخذ (من الشعير) وغيره (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما أسكر) أي كل شراب أسكر وصد (عن الصلاة فهو حرام) شربه، وقيد الصلاة لا مفهوم له أي ما صد عنها بما فيه من السكر كما قال تعالى: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} اهـ أبي، والحاصل أن ذكر الصلاة ليس للاحتراز بل هو تخصيص بعد التعميم في الروايات الأخرى، وقال الأبي: وليس هذا من تعارض المطلق والمقيد حتى يلزم من قاعدة رد المطلق إلى المقيد أن لا يحرم إلَّا ما صد عن الصلاة، وإنما هو من تعارض العام والمفهوم والعام مقدم على المفهوم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 5081 - (00) (00) (وحدثنا (سحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن أحمد بن أبي خلف) اسمه محمد السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (واللفظ لابن أبي خلف قالا حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي نزيل بغداد، ثقة، من (10) (حدثنا عبيد الله وهو ابن عمرو) ابن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي، ثقة فقيه ربما وهم، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أبي أنيسة) بالتصغير اسمه زيد الغنوي أبي أسامة الجزري، ثقة، من (6) (عن سعيد بن أبي بردة حدثنا أبو بردة عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة زيد بن أبي أنيسة

قَال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ. فَقَال: "ادْعُوَا النَّاسَ. وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا" قَال: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفْتِنَا فِي شَرَابَينِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ: الْبِتْعُ، وَهُوَ مِنَ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ. وَالْمِزْرُ، وَهُوَ مِنَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ. قَال: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ بِخَوَاتِمِهِ فَقَال: "أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصَّلاةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لشعبة بن الحجاج (قال) أبو موسى (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذًا إلى اليمن فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ادعوا) أمر للمثنى المخاطب أي ادعوا (الناس) إلى توحيد الله وإقام الصلاة (وبشرا) الناس أو المؤمنين بفضل الله تعالى وثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته، وكذا المعنى في قوله (ولا تنفرا) يعني بذكر التخويف وأنواع الوعيد فيتألف من قرب إسلامه بترك التشديد عليهم وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان ومن بلغ وتاب من المعاصي اهـ عيني (ويسرا) أمر من التيسير لا يقال الأمر بالشيء نهي عن ضده فما الفائدة في قوله (ولا تعسرا) لأنا نقول لا نسلم ذلك ولئن سلمنا فالغرض التصريح بما لزم ضمنًا للتأكيد ويقال لو اقتصر على قوله يسرا وهو مطلق لصدق ذلك على من يسر مرة وعسر في معظم الحالات فإذا قال: ولا تعسرا انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع الوجوه اهـ عيني (قال) أبو موسى (فقلت يا رسول الله أفتنا) أي بين لنا حكم الله (في شرابين كلنا نصنعهما باليمن) أهما حلال أم حرام؟ أحدهما (البتع وهو) متخذ (من العسل ينبذ) العسل ويطبخ (حتى يشتد) ويعقد ويغلظ ويسكر (و) ثانيهما (المزر وهو) أي المزر مصنوع (من الذرة والشعير) ونحوهما كالحنطة (ينبذ) في الأواني (حتى يشتد) ويعقد ويغلظ وشكر (قال) أبو موسى (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم) أي الكلمات البليغة الوجيزة الجامعة للمعاني الكثيرة وقد جاء هذا اللفظ ويراد به القرآن في غير هذا الحديث (بخواتمه) أي مع حسن خواتمها ومقاطعها يعني أنه يختم كلامه بمقطع وجيز بليغ كما بدأه بمبدإ وجيز بليغ، ويعني بجملة هذا الكلام والله أعلم أن كلامه من مبدئه إلى خاتمته كله بليغ وجيز ولذلك كانت العرب الفصحاء تقول له ما رأينا الذي هو أفصح منك فيقول وما يمنعني وقد أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين ذكره القاضي عياض في الشفاء [1/ 177 - 178] اهـ من المفهم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب استفتائي (أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة) أي صد عنها بما فيه من

5082 - (1959) (24) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ أَبِي الزَّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيشَانَ (وَجَيشَانُ مِنَ الْيَمَنِ) فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهمْ مِنَ الذُّرَةِ يِقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ؟ فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟ " قَال: نَعَمْ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُل مُسْكِرٍ حَرَامٌ. إِنَّ علَى اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السكر كما أشار الله تعالى إليه حيث قال: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 5082 - (1959) (24) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (يعني الدراوردي) الجهني المدني، صدوق، من (8) (عن عمارة بن غزية) بن الحارث ابن عمرو الأنصاري المازني المدني، لا بأس به، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الزبير) الأسدي مولاهم المكي محمد بن مسلم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) هو ديلم بن أبي ديلم، قال ابن عبد البر: هو ديلم الحميري ويقال ديلم بن أبي ديلم وقيل ديلم بن فيروز وقيل ديلم بن الهوسع، روى عنه مرثد اليزني اهـ من تنبيه المعلم على مبهمات مسلم (قدم من جيشان وجيشان) بفتح الجيم موضع (من اليمن) وهو تفسير مدرج من بعض الرواة أي قدم من جيشان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن) حكم (شراب يشربونه) أي يشربه أهل اليمن (بأرضهم) أي في بلدانهم يصنع (من الذرة) الشامية (يقال له) أي لذلك الشراب (المزر فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم أو مسكر هو) قال القرطبي: الرواية التي لا يعرف غيرها هي بفتح الهمزة وفتح الواو والهمزة للاستفهام عن صفة النبيذ المسؤول عنه داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف وهي بمعنى أو والتقدير أغير مسكر ذلك المزر أو مسكر هو وهذا حجة على من يعلق التحريم على وجود الإسكار بالشارب من غير اعتبار وصف المشروب وهم الحنفية وهذا نص في أن المعتبر شرعًا إنما هو المعنى الذي في الخمر الذي يعبر عنه الفقهاء بالشدة المطرية والمسكرة اهـ من المفهم مع زيادة (قال) الرجل السائل (نعم) هو مسكر يا رسول الله فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام إن على الله

عَزَّ وَجَلَّ، عَهْدًا، لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ، أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَال: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ". 5083 - (1960) (25) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا، لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عزَّ وجلَّ عهدًا) أي التزامًا بقوله ووعيده حسب ما سبق في علمه (لمن يشرب المسكر أن يسقيه) في الآخرة (من طينة الخبال قالوا) أي قال الأصحاب الحاضرون عنده (يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال) رسول الله في جواب سؤالهم هي (عرق أهل النار) الذي يسيل منهم لشدة حر جهنم (أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي (عصارة أهل النار) أي صديدهم بالشك من الراوي أو ممن دونه، وفي حديث آخر (صديد أهل النار) وسمي ذلك بطينة الخبال لأنها تخبل عقل شاربها وتفسد حاله مأخوذ من الخبل في العقل والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 361]، والنسائي [8/ 327]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5083 - (1960) (25) (حدثنا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد بن زيد) الأزدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر) وكل خمر حرام ينتج (وكل مسكر حرام) فذكر المقدمة الصغرى والنتيجة وحذف الكبرى لعلمها منهما (ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو) أي والحال أنه (يدمنها) من أدمن الرباعي بمعنى يداوم أي يداوم شربها ويواظب عليه، حالة كونه (لم يتب) منها أي غير تائب منها بشروط التوبة الثلاثة (لم يشربها في الآخرة) جواب من الشرطية عقوبة له على شربها في الدنيا لأن من استعجل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه كوارث قتل مورثه استعجالًا لإرثه لا يرثه.

5084 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. كِلاهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل عدم شربها في الآخرة كناية عن عدم دخول الجنة لأن من دخلها يشربها منها فيؤول الحديث بالمستحل أو أنه لا يشتهيه وإن عفي عنه ودخلها لأنه استعجل بما أخر الله له والله أعلم. قال الزرقاني في شرح الموطإ: قال ابن العربي: ظاهر الحديث أنه لا يشربها في الجنة وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته كالوارث إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه لاستعجاله اهـ، قال في المبارق: قيل جعل محرومًا في الواقع بأن ينسى شهوتها أو بأن لا يشتهيها وإن ذكرها لأن ما يشتهى من النعم حاصلة لأهل الجنة بدلالة قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} وهذا نقص عظيم لحرمانه من أشرف نعم الجنة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأشربة رقم [5575]، وأبو داود في الأشربة رقم [3679]، والترمذي في الأشربة رقم [1973]، والنسائي في الأشربة رقم [5582 إلى 5586]، وابن ماجه في الأشربة رقم [3461 و 3430]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5084 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي نزولًا (كلاهما عن روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لأيوب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر خمر) وكل خمر حرام ينتج (وكل مسكر حرام). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

5085 - (00) (00) وحدَّثنا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ السُّلَمِيُّ. حَدَّثَنَا مَعْنٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5086 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: (وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) قَال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ. وَكُلُّ خَمْرِ حَرَامٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5085 - (00) (00) (وحدثنا صالح بن مسمار السلمي) أبو الفضل المروزي الكشميهني بالضم والسكون والكسر وتحتية ساكنة وفتح الهاء ونون نسبة إلى كشميهن قرية بمرو، صدوق، من (10) روى عنه في (2) (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم المدني، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عبد العزيز بن المطلب) بن عبد الله بن حنطب المخزومي أبو طالب المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لابن جريج، وساق عبد العزيز (مثله) أي مثل ما حدث ابن جريج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5086 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (قالا حدثنا يحيى) بن سعيد التميمي (وهو القطان) البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (أخبرنا نافع عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لموسى بن عقبة (قال) نافع (ولا أعلمه) أي ولا أظن ابن عمر روى هذا الحديث (إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم) وجملة ولا أعلمه. الخ معترضة بين القول ومقوله وهي من زيادة عبيد الله (قال) ابن عمر، وجملة القول مقول لقال الأول أي قال نافع قال ابن عمر (كل مسكر خمر وكل خمر حرام). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

5087 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ". 5088 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ فَلَمْ يُسْقَهَا". قِيلَ لِمَالِكٍ: رَفَعَهُ؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5087 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة مالك لأيوب السختياني المذكور في الرواية الأولى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا حرمها) بالبناء للمجهول (في الآخرة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5088 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة متقن، من (9) (حدثنا مالك) بن أنس (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن مسلمة ليحيى بن يحيى (قال) ابن عمر (من شرب الخمر في الدنيا فلم يتب منها حرمها) أي منعها (في الآخرة فلم يسقها) تأكيد لما قبله (قيل) لم أر من ذكر اسم القائل (لمالك هل رفعه) نافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قال) مالك (نعم) رفعه نافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقفه على ابن عمر والله أعلم. قوله (عن نافع عن ابن عمر قال من شرب الخمر) الخ ظاهره أن الحديث موقوف على ابن عمر رضي الله عنهما إلَّا أنه لا يقال مثل هذا برأي ولا سبيل للعقل في دركه لأنه من أمور الآخرة فحينئذ من قبيل الحديث المرفوع ضمنًا وقول مالك للسائل عن رفعه نعم يدل على أنه مرفوع إلَّا أنه لم يصرح رفعه والله أعلم. قال النووي: معناه أنه يحرم شربها في الجنة وإن دخلها وإنها فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصي بشربها في الدنيا، قيل إنه ينسى شهوتها لأن الجنة فيها كل ما يشتهى، وقيل لا يشتهيها وإن ذكرها

5089 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ. إِلَّا أَنْ يَتُوبَ". 5090 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ الْمَخْزُومِيَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون هذا نقص نعيم في حقه تمييزًا بينه وبين تارك شربها، وفي الحديث دليل على أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وهو مجمع عليه واختلف متكلموا أهل السنة في أن تكفيرها قطعي أو ظني وهو الأقوى والله أعلم اهـ. أقول هذا مذهب الشافعي وأما عند الأحناف فالتكفير قطعي بمقتضى وعده تعالى حيث قال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الآية فإنه لا يخلف الميعاد والله أعلم، قال في البريقة: وقبول التوبة من الكفر قطعي ومن المعاصي قطعي أيضًا عند الأحناف وعند الشافعي ظني، وفي البيضاوي عن علي رضي الله عنه التوبة اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذاية النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء بدل كل ضحك ضحكته اهـ ذهني. ثم ذكر المؤل 2 5089 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمالك عن نافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلَّا أن يتوب). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال: 5090 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا هشام يعني ابن سليمان) بن عكرمة بن خالد (المخزومي) المكي، مقبول، من

عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) روى عنه في (3) أبواب (عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبيد الله، وساق موسى بن عقبة (بمثل حديث عبيد الله) بن عمر. قال القرطبي: قوله (من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة) أو (حرمها في الآخرة) ظاهره تأبيد التحريم وإن دخل الجنة فشرب جميع أشربة الجنة من ماء وعسل ولبن ولا يشرب الخمر ومع ذلك فلا يتألم لعدم شربها ولا يتنغَّص من فقدها ولا يحسد من يشربها فإن الجنة محل مطهر منزه عن ذلك كله وإنما يكون حال هذا مع فقد شرب الخمر كحاله مع المنازل التي رفع بها غيره عليه مع علمه برفعتها وبأن صاحبها أعلى منه درجة وأفضل منه عند الله تعالى ومع ذلك فلا يحسده ولا يتألم بفقد شيء من ذلك استغناء بالذي أعطي وغبطة به ولأن الله قد طهرهم من كل نقص وصفة مذمومة ألا ترى قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} وقال بهذا المعنى جماعة من العلماء وقيل ينسى خمر الجنة وقيل لا يشتهيها وكل ذلك محتمل والأولى الوجه الأول والله تعالى أعلم. وقيل معنى الحديث أن حرمانه الخمر إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار ويسقى من طينة الخبال فإذا خرج من النار بالشفاعة أو بالزحمة العامة المعبر عنها في الحديث بالقبضة أدخل الجنة ولم يحرم شيئًا منها لا خمرًا ولا حريرًا ولا غيرهما قال هذا القائل فإن حرمان شيء من لذات الجنة لمن كان في الجنة نوع عقوبة ومؤاخذة فيها والجنة ليست دار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه والله تعالى أعلم، وكذلك القول في قوله صلى الله عليه وسلم (فمن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة يجري فيهما كل ما ذكرناه هنا اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن

5100 - (1961) (26) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيدٍ، أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيِّ، قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيلِ، فَيَشْرَبُهُ، إِذَا أَصبَحَ، يَوْمَهُ ذلِكَ، وَاللَّيلَةَ الَّتِي تَجِيءُ، وَالْغَدَ وَاللَّيلَةَ الأُخْرَى، وَالْغَدَ إِلَى الْعَصْرِ. فَإِنْ بَقِيَ شَيءٌ، سَقَاهُ الْخَادِمَ؛ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 5100 - (1961) (26) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة عن يحيى بن عبيد) بلا إضافة (أبي عمر البهراني) بفتح الموحدة وسكون الهاء نسبة إلى بهران اسم لبلدة قرب أصبهان، وقيل اسم لقبيلة باليمن اهـ قاموس، الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في الأشربة (قال) يحيى (سمعت ابن عباس يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له) أي يبل ويلقى لأجله الرطب أو التمر مثلًا في الإناء بالماء (أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء) وتأتي بعد ذلك (والغد) لليوم الأول (والليلة الأخرى) يعني الليلة الثالثة للأول (والغد) أي اليوم الذي بعد الليلة الأخرى (إلى) نهاية (العصر فإن بقي شيء) من ذلك النبيذ بعد عصر اليوم الثالث (سقاه الخادم أو أمر) الخادم (به) أي بصب ذلك الباقي على الأرض وكبه (فصب) ذلك الباقي على الأرض لكونه رديئًا. قوله (والغد إلى العصر) فيه جواز الانتباذ ودوام شربه ما دام حلوًا لم يتغير ولا خلاف في اليومين وأما بعد الثلاث فلا يؤمن أن تدخلها داخلة فلذلك تحراه صلى الله عليه وسلم ولم يشربه وسقاه غيره, قوله (سقاه الخادم أو أمر به فصب) قال النووي: معناه تارة يسقيه الخادم وتارة يصبه وذلك الاختلاف لاختلاف حال النبيذ فإن كان لم يظهر فيه تغير ونحوه من مبادئ الإسكار سقاه الخادم ولا يريقه لأنه مال تحرم إضاعته ويترك شربه تنزهًا، وإن كان قد ظهر فيه شيء من مبادئ الإسكار والتغير أراقه لأنه إذا أسكر صار حرامًا. قال الأبي: وفيه إراقة ما فسد أو غش من اللبن والعسل وإراقة المسك الذي لا رائحة له مخافة أن يغش به اهـ، قال المظهر: وإنما لم يشربه لأنه كان رديئًا ولم يبلغ حد

5091 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَحْيَى الْبَهْرَانِيِّ. قَال: ذَكَرُوا النَّبِيذَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُنْتَبَذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ. قَال شُعْبَةُ: مِنْ لَيلَةِ الاثْنَينِ، فَيَشْرَبُهُ يَوْمَ الاثْنَينِ وَالثَّلاثَاءِ إِلَى الْعَصْرِ. فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيءٌ، سَقَاهُ الْخَادِمَ، أَوْ صَبَّهُ. 5092 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسكار فإذا بلغ صبه وهذا يدل على جواز شرب المنبوذ ما لم يكن مسكرًا وعلى جواز أن يطعم السيد مملوكه طعامًا أسفل ويطعم ما هو أعلى اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأشربة رقم [3713]، والنسائي في الأشربة رقم [5738 و 5739]، وابن ماجه في الأشربة رقم [3442]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5091 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يحيى) بن عبيد (البهراني) أبي عمر الكوفي. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ (قال) يحيى (ذكروا النبيذ عند ابن عباس فقال) ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ) أي يبل (له) النبيذ (في سقاء) أي في وعاء من جلد (قال شعبة من) أول (ليلة الاثنين فيشربه يوم الاثنين والثلاثاء إلى العصر فإن فضل منه شيء) بعد العصر (سقاه الخادم) إن لم يسكر ولم يتغير (أو صبه) وكبه على الأرض إن أسكر وتغير وقدر المدة التي يشربها في هذه الرواية يومان وليلتان وفي الأولى ثلاث ليال فظاهر هاتين الروايتين أنهما مرتان أما الأولى فإنه لم يظهر فيه ما يقتضي إراقته وإتلافه لكن ألقاه في خاصة نفسه أخذًا بغاية الورع وسقاه الخادم لأنه حلال جائز كما قال في أجرة الحجام "أعلفه ناضحك" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5092 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي كُرَيبٍ - (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ. فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ. ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهَرَاقُ. 5093 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ لأبي بكر وأبي كريب قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش عن أبي عمر) يحيى البهراني الكوفي، وفي بعض النسخ عن أبي عمرو وهو تحريف من النساخ (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لشعبة (قال) ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقع) أي يبل (له الزبيب) في سقاء (فيشربه اليوم) الذي نقع في ليلته كما تدل عليه الرواية السابقة (والغد) من ذلك اليوم (وبعد الغد إلى مساء) يوم الليلة (الثالثة ثم) بعد مسائه (يأمر) الخادم (به) أي بسقيه غيره (فيسقى) به غيره إن لم يتغير ولم يسكر (أو يهراق) أي يراق ذلك النبيذ ويصب على الأرض إن تغير أو أسكر. قوله (ينقع له الزبيب) النقيع ما يجعل من الزبيب أو التمر في سقاء أو تور ويصب عليه الماء ويترك حتى يخرج طعمه إلى الماء ثم يشرب كذا استفيد من القاموس، قال المهلب: النقيع حلال ما لم يثتد فإذا اشتد وغلى حرم، وشرط الحنفية أن يقذف بالزبد (قلت) لم يشترط القذف بالزبد إلَّا أبو حنيفة في عصير العنب وعند صاحبيه لا يشترط القذف فبمجرد الغليان والاشتداد يحرم اهـ عيني, قوله (إلى مساء الثالثة) قال النووي: يقال مساء بضم الميم وكسرها لغتان والضم أرجح اهـ وفي القاموس المساء على وزن سماء يطلق على زمان من بعد الظهر إلى صلاة المغرب اهـ ولم يذكر كسر الميم وضمها، قوله (فإن فضل شيء أهراقه) يقال بفتح الضاد وكسرها اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5093 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ. فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ. فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ. فَإِنْ فَضَلَ شَيءٌ أَهَرَاقَهُ. 5094 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ زَيدٍ، عَنْ يَحْيَى، أَبِي عُمَرَ النَّخَعِيِّ. قَال: سَأَلَ قَوْمٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيعِ الْخَمْرِ وَشِرَائِهَا وَالتِّجَارَةِ فِيهَا؟ فَقَال: أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش عن يحيى) بن عبيد النخعي (أبي عمر) الكوفي البهراني، وفي بعض النسخ (عن يحيى بن أبي عمر) بزيادة لفظة ابن وهو تحريف من النساخ، والصواب حذفها كما هو محذوف من نسخة الأبي والسنوسي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية (قال) ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبذ له الزبيب في السقاء) أي في القربة (فيشربه يومه) أي يوم الليلة التي نبذ فيها (والغد) من ذلك اليوم (و) اليوم الذي (بعد الغد فإذا كان مساء) يوم الليلة (الثالثة شربه) بنفسه (وسقاه) الخادم (فإن فضل شيء أهراقه) أي أراقه وصبه على الأرض لتغيره وإسكاره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5094 - (00) (00) (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي البغدادي (حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي الكوفي، ثقة، من كبار (10) (حدثنا عبيد الله) بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولاهم الجزري الرقي، ثقة، في تقريب التهذيب من الثامنة (عن زيد) بن أبي أنيسة زيد الغنوي الجزري، ثقة، من (6) (عن يحيى) بن عبيد البهراني الكوفي (أبي عمر النخعي قال) يحيى (سأل قوم) من المسلمين لم أر من ذكر أسماءهم وعينهم من الشراح وغيرهم (ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زيد بن أبي أنيسة لشعبة والأعمش أي سألوه (عن) حكم (بيع الخمر وشرائها والتجارة فيها) والتجارة هي تقليب المال لغرض الربح (فقال) لهم ابن عباس (أمسلمون أنتم) أي هل أنتم مسلمون استفهام تعجب عن سؤالهم

قَالُوا: نَعَمْ. قَال: فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَيعُهَا وَلَا شِرَاؤُهَا وَلَا التِّجَارَةُ فِيهَا. قَال: فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيذِ؟ فَقَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ. ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ نَبَذَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَنَاتِمَ وَنَقِيرٍ وَدُبَّاءٍ. فَأَمَرَ بِهِ فَأُهَرِيقِ. ثُمَّ أَمَرَ بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ. فَجُعِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن هذا الحكم الواضح إن كانوا مسلمين. قوله (أمسلمون أنتم) قال القرطبي: استفهام لهم عن دخولهم في الإسلام لأنهم سألوا عن بيع الخمر والتجارة فيها وهذا الحكم كان معلومًا عند المسلمين بحيث لا يجهله من دخل في الدين وطال مقدمه فيه وكأن هؤلاء السائلين كانوا حديثي عهد بالإسلام أو كانوا من الأعراب، وفتيا ابن عباس بقوله لا يصلح إنما معناه أن ذلك حرام لنصوص السنة بالتحريم كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" رواه مسلم [1579]، وقوله (إن الله إذا حرم على قوم شيئًا حرم عليهم ثمنه) رواه أبو داود [3488]، وهذا كله مفهوم من الأمر بإراقتها وباجتنابها فإنه إذا لم ينتفع بها فأخذ المال عوضًا عنها أكل للمال بالباطل اهـ من المفهم. (قالوا نعم) نحن مسلمون فـ (قال) لهم ابن عباس في جواب سؤالهم (فإنه) أي فإن الشأن والحال (لا يصلح) ولا يجوز (بيعها ولا شراؤها ولا التجارة فيها) لأن الله عز وجل حرم شربها والتجارة فيها (قال) يحيى النخعي (فسألوه) أي فسأل أولئك القوم أيضًا ابن عباس (عن) حكم (النبيذ فقال) لهم ابن عباس (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من المدينة (في سفر) من أسفاره (ثم رجع) من سفره (وقد نبد) أي بل وألقى (ناس من أصحابه) الزبيب (في حناتم) جمع حنتم وهو الجرة من طين (و) في (نقير) هو الجذع المنقور فجعل برميلًا (و) في إناء (دباء) وهو القرع اليابس (فأمر) هم رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي بإراقة ذلك النبيذ المنبوذ في الحناتم والنقير والدباء مخافة كونه مسكرًا (فأهريق) أي أراقوه على الأرض لكونه مسكرًا وصنيعهم هذا إما قبل وصول نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الأوعية المذكورة إليهم وإما بعد ترخيصه إلَّا أنه تقارب الشدة ولم يشعروا ولهذا أمر به فأهريق اهـ ذهني والله أعلم (ثم أمر) هم (بـ) الانتباذ في (سقاء) أي في إناء من جلد لأنه لتبريد ما فيه لا يخاف منه الشدة والإسكار (فجعل فيه) أي في السقاء (زبيب وماء فجعل) ذلك الزبيب والماء في السقاء

مِنَ اللَّيلِ فَأَصْبَحَ. فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ ذلِكَ وَلَيلَتَهُ الْمُسْتَقْبِلَةَ. وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى أَمْسَى. فَشَرِبَ وَسَقَى. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَأُهَرِيقَ. 5095 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ (يَعْنِي ابْنَ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيَّ). حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ (يَعْنِي ابْنَ حَزْنٍ الْقُشَيرِيَّ) قَال: لَقِيتُ عَائِشَةَ. فَسَأَلْتُهَا عَنِ النَّبِيذِ؟ فَدَعَتْ عَائِشَةُ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً فَقَالتْ: سَلْ هذِهِ. فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالتِ الْحَبَشِيَّةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (من) أوائل (الليل فأصبح) النبي صلى الله عليه وسلم (فشرب منه) أي من ذلك النبيذ (يومه ذلك) يعني يوم الليلة التي ألقي فيها (وليلته) أي وليلة ذلك اليوم (المستقبلة ومن الغد) من ذلك اليوم (حتى أمسى) النبي صلى الله عليه وسلم أي دخل في مساء ذلك الغد (فشرب) منه في ذلك المساء (وسقى) غيره (فلما أصبح) النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة المستقبلة لذلك المساء (أمر بـ) إراقة (ما بقي منه) أي من ذلك النبيذ لإسكاره (فأهريق) ذلك الباقي فصب على الأرض لكونه مسكرًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 5095 - (1961) (26) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا القاسم يعني ابن الفضل) بن معدان الأزدي (الحداني) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية المشددة منسوب إلى بني حدان ولم يكن من أنفسهم بل كان نازلًا فيهم فنسب إليهم وإلا فهو من بني الحارث بن مالك اهـ نووي، أبوالمغيرة البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا ثمامة يعني ابن حزن) بوزن سهل (القشيري) البصري، ثقة مخضرم، من (2) أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم (قال) ثمامة (لقيت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من رباعياته (فسألتها عن) حكم (النبيد فدعت عائشة) أي نادت وطلبت (جارية حبشية) قال المزي: لعلها بريرة كذا قاله الذهبي اهـ تنبيه المعلم، فجاءت الجارية (فقالت) لي عائشة (سل) يا ثمامة (هذه) الجارية عن كيفية الانتباذ (فإنها كانت تنبذ) من باب ضرب أي تبل النبيذ (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الحبشية) لي في بيانها

كُنْتُ أَنْبِذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ مِنَ اللَّيلِ. وَأُوكِيهِ وَأُعَلِّقُهُ. فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ. 5096 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ. يُوكَى أَعْلاهُ. وَلَهُ عَزْلاءُ. نَنْبِذُهُ غُدْوَةً، فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً. وَنَنْبِذُهُ عِشَاءً، فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ كنت) أنا (أنبذ) أي ألقي الزبيب مع الماء (له) صلى الله عليه وسلم (في سقاء من) أوائل (الليل) أي في أوائله (وأوكيه) أي أربط فم ذلك السقاء وأشده بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة (وأعلقه) أي وأعلق ذلك السقاء على جدار البيت لئلا تمر عليه الهوام (فإذا أصبح) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دخل في الصباح (شرب منه) أي من ذلك النبيذ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأشربة رقم [3711 و 3718]، والترمذي في الأشربة رقم [5680]، وابن ماجه في الأشربة رقم [3441]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5096 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى العَنَزي) البصري (حدثنا عبد الوهاب) ابن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة إمام، من (3) (عن أمه) خيرة مولاة أم سلمة، روت عنها في الفتن، وعن عائشة في الأشربة، ويروي عنه (م عم) وابناها الحسن وسعيد ابنا أبي الحسن وحفصة بنت سيرين وغيرهم، وثقها ابن حبان، وقال في التقريب: مقبولة، من الثانية (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة خيرة أم الحسن لثمامة بن حزن (قالت) عائشة (كنا) أهل البيت (ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى) بالقصر أي يشد (أعلاه) أي رأسه وفمه (وله عزلاء) أي ثقب في أسفله (ننبذه) له (غدوة) أي أول النهار (فيشربه عشاء) أي أول الليل (وننبذه عشاء فيشربه غدوة).

5097 - (1962) (27) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَال: دَعَا أَبُو أُسَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (يوكى) بالبناء للمجهول وبالقصر يعني بالألف المقصورة، وأما (يوكأ) بالهمزة فخطأه النووي, قوله (وله عزلاء) هو بفتح العين المهملة وسكون الزاي وبالمد وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة, قوله (فننبذه غدوة فيشربه عشاء) .. الخ هذا ليس معارضًا لما مر من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب إلى ثلاثة أيام إما لأن الشرب في يوم لا يمنع الزيادة وإما لأن الأمرين محمولان على أوقات مختلفة فيحتمل أن يكون حديث عائشة في الصيف حيث يخشى فساده بعد يوم لشدة الحر وحديث ابن عباس في الشتاء حيث يؤمن فيه التغير قبل ثلاث، وقيل حديث عائشة محمول على نبيذ قليل يفرغ في يومه وحديث ابن عباس في كثير لا يفرغ فيه والله أعلم. وقول عائشة (ننبذه غدوة فيشربه عشاء) يدل على أقصى زمان يشرب فيه فإنه لا تخرج حلاوة التمر أو الزبيب في أقل من ليلة أو يوم اهـ مفهم والحاصل من هذه الأحاديث أنه يجوز شرب النبيذ ما دام حلوًا غير أنه إذا اشتد الحر أسرع إليه التغير في زمان الحر دون زمان البرد فليتق الشارب هذا ويختبره قبل شربه إذا أقام يومين أو نحوهما برائحته أو تغيره أو ابتداء نشيشه فإن رابه شيء فعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال: 5097 - (1962) (27) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني الفقيه، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) سهل (دعا أبو أسيد) بضم الهمزة مصغرًا وقيل بفتح الهمزة، وذكر ابن معين أن الضم أصوب مالك بن ربيعة، واشتهر بكنيته شهد بدرًا وأحدًا وما بعدهما، وكان معه راية بني ساعدة يوم الفتح، قال الواقدي: كان قصيرًا أبيض الرأس واللحية كثير الشعر،

السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسِهِ. فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ. وَهِيَ الْعَرُوسُ. قَال سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيلِ فِي تَوْرٍ. فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. 5098 - (00) (00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان قد ذهب بصره، ومات سنة (80) ثمانين وهو آخر البدريين موتًا كذا في الإصابة [3/ 7630] (الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في) وليمة (عرسه) وزواجه (فكانت امرأته) أم أسيد اسمها سلامة بنت وهيب (يومئد خادمهم وهي العروس، قال سهل) أ (تدرون) وتعلمون (ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنقعت) أي بلت (له) صلى الله عليه وسلم (تمرات من) آناء (الليل في تور) أي في قدح من حجر (فلما أكل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فرغ من أكله (سقته) صلى الله عليه وسلم (إياه) أي النبيذ الذي نبذته في تور. قوله (في عرسه) قال في القاموس: العرس بضم العين والعرس بضمتين طعام الوليمة اهـ، وفي البخاري المشكل مضبوط بضمتين فقط, قوله (فكانت امرأته يومئذ خادمهم) يعني أنها خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنفسها، وقد صرح في رواية البخاري بأن أبا أسيد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والظاهر أن هذا وقع قبل نزول الحجاب ويبعد أن تكون مستورة عند خدمة الأضياف, قوله (وهي العروس) العروس على وزن صبور صفة تطلق على الزوج والزوجة ما داما في زمان الوليمة وما يطلق على الزوج جمعه عرس بضمتين، وما يطلق على الزوجة جمعه عرائس كذا في القاموس, قوله (في تور) تقدم أنه قدح كبير من حجارة أو من نحاس أو صفر قد يتوضأ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 498]، والبخاري في أبواب كثيرة منها في الأشربة برقم [5591]، وابن ماجه [1917]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 5098 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن)

عَنْ أَبِي حَازِمٍ. قَال: سَمِعْتُ سَهْلًا يَقُولُ: أَتَى أَبُو أُسيدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَدَعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. 5099 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي أَبَا غَسَّانَ). حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَقَال: فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ. تَخُصُّهُ بِذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن محمد بن عبد الله القاري بتشديد الياء الزهري حليفهم المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (قال) أبو حازم (سمعت سهلًا) ابن سعد الساعدي. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة يعقوب لعبد العزيز حالة كون سهل (يقول أتى أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم) لوليمة عرسه، وساق يعقوب (بمثله) أي بمثل ما حدّث عبد العزيز (ولم يقل) يعقوب أي لم يذكر في حديثه لفظة (فلما أكل سقته إياه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل رضي الله عنه فقال: 5099 - (00) (00) (وحدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البخاري نزيل بغداد، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) سعيد بن الحكم ابن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا محمد) بن مطرف بن داود بن مطرف التيمي (يعني أبا غسان) المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي غسان لعبد العزيز بن أبي حازم وساق أبو غسان (بهذا الحديث) المذكور (و) لكن (قال) أبو غسان (في تور من حجارة فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من) أكل (الطعام أماثته) أي أماثت الزبيب وعصرته وأخرجت خلاصته (فسقته) صلى الله عليه وسلم حالة كونها (تخصه) صلى الله عليه وسلم (بذلك) النبيذ لقلته وعدم كفايته للناس كلهم.

5100 - (1963) (28) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ (قَال أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ سَهْلٍ: حَدَّثنَا) ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (وَهُوَ ابْنُ مُطَرِّفٍ، أَبُو غَسَّانَ). أَخْبَرَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَال: ذُكِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (أماثته) أي عركته ومرسته واستخرجت قوته وأذابته يعني أن التمرات كانت مبلولة في التور فعركتها بيدها ليحصل النبيذ ثم المذكور في أكثر الروايات (أماثته) من باب الإفعال وروي ماثته بدون الهمزة في أوله وهذا الأخير اقتصر عليه كثير من أهل اللغة يقال ماثه يموثه من باب قال ويميثه من باب باع، ولذلك البعض رواية أماثته ولكن ذكر الحافظ في الفتح [9/ 251] أن الهروي أثبت اللغتين ماثته وأماثته، وذكر القاضي عياض أن بعضهم رووه أماتته بالتاء المثناة دون الثاء المثلثة وهو بمعنى الأول, قوله (تخصه بذلك) وفيه جواز تخصيص صاحب الطعام بعض الحاضرين بفاخر من الطعام والشراب إذا لم يتأذ الباقون لإيثارهم المخصص لعلمه أو صلاحه أو شرفه أو غير ذلك كما كان الحاضرون هناك يؤثرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسرّون بإكرامه، وإنما شربه النبي صلى الله عليه وسلم لعلتين إحداهما إكرام صاحب الشراب وإجابته التي لا مفسدة فيها وفي تركها كسر قلبه والثانية بيان الجواز كذا في شرح النووي. (فائدة) قلت: وفي هذا الحديث دلالة على أن وليمة العرس التي تجب الإجابة فيها عند الجمهور هي التي تكون بعد الدخول كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في زينب بنت جحش وصفية بنت حيي، وكما أمر بها عبد الرحمن بن عوف لا الوليمة التي يجتمع الناس لها في أعصارنا هذا فإنها تسمى وليمة إملاك كما في الفروع لا وليمة عرس والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عباس بحديث آخر لسهل بن سعد رضي الله عنهم فقال: 5100 - (1963) (28) (حدثني محمد بن سهل التميمي) البغدادي (وأبو بكر) محمد (ابن إسحاق) الصاغاني البغدادي (قال أبو بكر أخبرنا وقال ابن سهل حدثنا) سعيد بن الحكم (بن أبي مريم) الجمحي المصري (أخبرنا محمد وهو ابن مطرف) بن داود (أبو غسان) التيمي المدني (أخبرني أبو حازم) سلمة بن دينار المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ذكر) بالبناء للمجهول

لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ. فَأَمَرَ أَبَا أُسَيدٍ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيهَا. فَأَرْسَلَ إِلَيهَا. فَقَدِمَتْ. فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهَا. فَدَخَلَ عَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وصفت له بجمالها ونسبها (امرأة من العرب) اسمها أميمة مصغر أمة بضم الهمزة وتشديد الميم بنت النعمان بن شراحيل، وربما يقال أميمة بنت شراحيل فتنسب إلى جدها، وقيل اسمها أسماء ولقبها أميمة (فأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبا أسيد) الساعدي (أن يرسل إليها) لتحضر المدينة (فأرسل إليها) أبو أسيد، ظاهر هذا اللفظ أنه أرسل إليها أحدًا غيره والمصرح في رواية ابن سعد أنه ذهب بنفسه ولم أر من تعرض لهذا التعارض، ويحتمل أن يكون الراوي توسع في استعمال لفظ الإرسال والله أعلم (فقدمت) المرأة المدينة (فنزلت) المرأة (في أجم بني ساعدة) هو بضم الهمزة والجيم الحصن يجمع على آجام، وهو بناء يشبه القصر وهو من حصون المدينة كما في فتح الباري [10/ 99] (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من بيته (حتى جاءها فدخل عليها) لينظر إليها ليخطبها على ما ذكره مسلم أر ليبني بها لأنها مزوجة له على ما ذكره ابن سعد وتفصيله ما سنذكره أنه أخرج ابن سعد في الطبقات [8/ 143] من طريق الواقدي عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي، قال قدم النعمان بن أبي الجون الكندي وكان ينزل وبني أبيه نجدًا مما يلي الشربة فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا فقال: يا رسول الله ألا أزوجك أجمل أيم في العرب كانت تحت ابن عم لها فتوفي عنها وتأيمت وقد رغبت فيك وخطبت إليك؟ فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اثنتي عشرة أوقية ونش، فقال: يا رسول الله لا تقصر بها في المهر، فقال رسول الله: ما أصدقت أحدًا من نسائي فوق هذا ولا أصدق أحدًا من بناتي فوق هذا، فقال النعمان: ففيك الأسى قال: فابعث يا رسول الله إلى أهلك من يحملهم إليك فأنا خارج مع رسولك فمرسل أهلك معه، فبعث رسول الله معه أبا أسيد الساعدي رضي الله عنه فلما قدما عليها جلست في بيتها وأذنت له أن يدخل عليها فقال أبو أسيد: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يراهن أحد من الرجال، فقال أبو أسيد وذلك بعد أن نزل الحجاب فأرسلت إليه فأرشدني لأمري، قال: حجاب بينك وبين من تكلمين من الرجال إلَّا ذا محرم منك ففعلت، قال أبو أسيد: فأقمت ثلاثة أيام ثم تحملت معي على

فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا. فَلَمَّا كَلَّمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ. قَال: "قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي" فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هذَا؟ فَقَالتْ: لَا. فَقَالُوا: هذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. جَاءَكِ لِيَخْطُبَكِ. قَالتْ: أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذلِكَ. قَال سَهْلٌ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جمل ظعينة في محفة فأقبلت بها حتى قدمت المدينة .. الخ (فإذا) هي (امرأة منكسة) أي مطأطئة (رأسها) لا تنظر إلى أحد يقال نكس رأسه بتخفيف الكاف من باب نصر فهو ناكس ونكس بالتشديد فهو منكس إذا طأطأه (فلما كلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أعوذ بالله منك) فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد أعذتك مني) أي قد أجرتك وتركتك وتركه صلى الله عليه وسلم تزوجها لأنها لم تعجبه إما لصورتها هاما لخلقها وإما لغير ذلك، وفيه دليل على جواز نظر الخاطب إلى من يريد نكاحها، وفي الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استعاذكم بالله فأعيذوه" فلما استعاذت بالله تعالى لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بدًا من إعاذتها وتركها ثم إذا ترك شيئًا لله تعالى لا يعود فيه والله أعلم اهـ نووي. قال القرطبي: وقول هذه المرأة "أعوذ بالله منك" يدل على أنها لم تعرفه ولم تعرف ما يراد منها ولذلك قالت لما أخبرت بمن هو وما أريد بها أنا كنت أشقى من ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم "قد أعذتك مني" جواب لقولها وموافقة لها على قصدها وذلك أنه فهم منها كراهية من قولها ومن حالها إذ كانت معرضة عمن يكلمها ولعلها لم تعجبه خلقًا ولا خلقًا اهـ من المفهم. (فقالوا لها أتدرين) وتعلمين (من هذا؟ ) الذي كلمك (فقالت لا) أعلمه (فقالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءك ليخطبك) أو ليبني بك على ما قاله ابن سعد (قالت أنا كنت أشقى) وأحرم (من ذلك) الذي أراده مني، وأفعل التفضيل ليس على بابه، وإنما مرادها إثبات الشقاء لها لما فاتها من التزوج برسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ نووي. (قال سهل) بن سعد بالسند السابق (فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ) أي يوم إذ كلم المرأة وتوجه إلى سقيفة بني ساعدة وجاء (حتى جلس في سقيفة بني ساعدة)

هُوَ وَأَصْحَابُهُ. ثُمَّ قَال: "اسْقِنَا" لِسَهْلٍ. قَال: فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ هذَا الْقَدَحَ فَأَسْقَيتُهُمْ فِيهِ. قَال أَبُو حَازِمٍ: فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا فِيهِ. قَال: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ، بَعْدَ ذلِكَ، عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَهَبَهُ لَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ: قَال: "اسْقِنَا يَا سَهْلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ومظلتهم (هو وأصحابه ثم قال اسقنا لسهل) أي قال لسهل اسقنا ما وجد من الشراب، والجار والمجرور متعلق بقال لا بقوله أسقنا ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة، وأصل الكلام ثم قال لي اسقنا يا سهل ما عندك كما في رواية ابن إسحاق (قال: فأخرجت لهم) أي لسقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بيتي (هذا القدح) أي هذا الكأس الحاضر عندنا (فأسقيتهم فيه) أي في هذا القدح ما عندي من النبيذ، وهذا موضع الترجمة من الحديث (قال أبو حازم) الراوي عن سهل بالسند السابق (فأخرج لنا) يومًا (سهل) بن سعد (ذلك القدح) الذي شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم (فشربنا فيه) أي في ذلك الكأس (قال) أبو حازم (ثم استوهبه) أي طلب هبة ذلك القدح من سهل بن سعد (بعد ذلك) أي بعدما شربنا فيه (عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو حفص المدني أمير المؤمنين (فوهبه له) سهل رضي الله عنه (وفي رواية أبي بكر بن إسحاق قال) النبي صلى الله عليه وسلم لسهل (اسقنا يا سهل) بدل قول ابن سهل (ثم قال اسقنا لسهل) وهذه أوضح منها والله تعالى أعلم. قال القرطبي: وفي قوله صلى الله عليه وسلم لسهل (اسقنا يا سهل) دليل على التبسط مع الصديق واستدعاء ما عنده من طعام أو شراب وهذا لا خلاف فيه إذا كان الصديق ملاطفًا طيب النفس وعلم من حاله ذلك وهذا هو الذي قاله الله تعالى فيهم: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5637]. قال القرطبي: واستيهاب عمر بن عبد العزيز القدح من سهل إنما كان على جهة التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزل ذلك دأب الصحابة والتابعين وأتباعهم والفضلاء في كل عصر فكان أصحابه يتبركون بوضوئه وشرابه وبعرقه ويستشفون بجبته ويتبركون بآثاره ومواطنه ويدعون ويصلون عندها وهذا كله عمل بمقتضى الأمر بالتعزير

5101 - (1964) (29) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَقَدْ سَقَيتُ رَسُولَ اللهِ، بِقَدَحِي هذَا، الشَّرَابَ كُلَّهُ. الْعَسَلَ وَالنَّبِيذَ وَالْمَاءَ وَاللَّبَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتعظيم ونتيجة الحب الصحيح رزقنا الله الحظ الأكبر من تعظيمه ومحبته وحشرنا في زمرته صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عباس بحديث أنس رضي الله عنهم فقال: 5101 - (1964) (29) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا عفان) بن مسلم الأنصاري البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن سلمة) الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس والله (لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا) الذي ترونه (الشراب كله) أي جميع أنواعه (العسل والنبيذ والماء واللبن) وفيه دليل على استعمال الحلاوة والأطعمة اللذيذة وتناولها ولا يقال إن ذلك يناقض الزهد ويباعده لكن إذا كان ذلك من وجهه ومن غير سرف ولا إكثار اهـ مفهم. وقوله (لقد سقيت) ظاهره أن أنسًا سقاه صلى الله عليه وسلم بنفسه ويعارضه ما أخرجه النسائي من طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمة ولفظه (عن أنس قال كان لأم سليم قدح من عيدان فقالت سقيت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الشراب الماء والعسل واللبن والنبيذ) فاختلف عفان وأسد بن موسى في الرواية عن حماد، وعفان بن مسلم أثبت من أسد بن موسى كما يظهر من مراجعة كتب الرجال ويمكن أن يكونا جميعًا سقياه من هذا القدح والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 247]، والبخاري [5638]، والنسائي في الأشربة المباحة رقم [5753]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه سبع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعات، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والسادس حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث سهل الثاني ذكره للاستشهاد، والتاسع حديث أنس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

660 - (4) باب جواز شرب اللبن وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين وجواز شرب النبيذ والحث على تخمير إنائه والأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب وإطفاء النار عند النوم

660 - (4) باب جواز شرب اللبن وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين وجواز شرب النبيذ والحث على تخمير إنائه والأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب وإطفاء النار عند النوم 5102 - (1965) (30) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: قَال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ. وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ. فَأَتَيتُهُ بِهَا. فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 660 - (4) باب جواز شرب اللبن وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين وجواز شرب النبيذ والحث على تخمير إنائه والأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب وإطفاء النار عند النوم 5102 - (1965) (30) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله (عن البراء) بن عازب الأنصاري رضي الله عنه (قال) البراء (قال أبو بكر الصديق) رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (لما خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة) في طريق هجرته (إلى المدينة مررنا براع) غنم وحارسها قيل هو عبد الله ابن مسعود، قال الحافظ في الفتح: لم أقف على تسميته وعلى تسمية صاحب الغنم وصرح ببطلان قول من عينه بعبد الله بن مسعود اهـ من تنبيه المعلم بتصرف. (وقد عطش رسول الله صلى الله عليه وسلم) عطشًا شديدًا (قال) أبو بكر (فحلبت له) صلى الله عليه وسلم من تلك الغنم (كثبة من لبن) والكثبة بضم الكاف وسكون المثلثة هو الشيء القليل، قال المهلب: إنه كان بالمعنى المتعارف عندهم في ذلك على سبيل المكرمة وكأن صاحب الغنم قد أذن للراعي أن يسقي من يمر به اهـ (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (بها) أي بتلك الكثبة (فشرب) منها رسول الله صلى الله عليه وسلم شربًا يسد عطشه (حتى رضيت) أي شرب حتى علمت أنه شرب حاجته وكفايته، وعبارة القرطبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي حتى روي فرضيت رِيَّهُ وكأنه شق عليه ما كان فيه من الحاجة إلى اللبن فلما شرب وزال عنه ذلك رضي به، وفي رواية أخرى (فأرضاني) والمعنى واحد. قوله (فشرب حتى رضيت) تعبير لطيف من الصديق رضي الله عنه عما طبع عليه من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد أنه صلى الله عليه وسلم شرب من اللبن ما يكفيه فسكن به اضطراب الصديق رضي الله عنه الذي حدث له بما رأى عليه صلى الله عليه وسلم من أثر الجوع فإن المحب الصادق يرتاح براحة الحبيب أكثر مما يرتاح بها الحبيب فعبر عن راحة قلبه بذلك بالرضى تجوزًا. قال القرطبي: وقد يشكل هنا بأنه كيف أقدم أبو بكر على حلب ما لم يؤذن له في حلبه؟ وكيف شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اللبن ولم يكن مالكه حاضرًا ولا أذن له في ذلك مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن مثل هندا بقوله "لا يحلبن أحد ماشية أحد إلَّا بإذنه" قد أجيب عن ذلك بأجوبة: أحدها: أن ذلك اللبن كان تافهًا لا قيمة له لا سيما مع بعده عن العمارة فكأنه إن لم يشرب هو شربه غير مالكه وإلا تلف فيكون هذا من قولهه في الشاة "هي لك أو لأخيك أو للذئب". (قلت) وهذا ليس بشيء لأن الحبة من مال اللغير لا تحل إلَّا بطيب نفس منه وتشبيهها باللقطة فاسد فإن اللبن في الضرع محفوظ كالطعام في المشربة ثم لم يكن على بعد من العمران بدليل إدراك سراقة لهم حين سمع أخبارهم من مكة وخرج من فوره فأدركهم يومه ذلك على ما تدل عليه قصته في كتب السير. وثانيها: أن عادة العرب جارية بذلك فعملا على العادة وذلك قبل ورود النهي المذكور عن ذلك. وثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم كان في حاجة وضرورة إلى ذلك ولا خلاف في جواز مثل ذلك عند الضرورة إذا أمن على نفسه وهل يلزمه قيمة ذلك أو لا؟ قولان لأهل العلم. ورابعها: أن ذلك كان مالًا لكافر والأصل في أموالهم الإباحة، (قلت) وقد يمنع هذا الأصل لاسيما على مذهب من يقول إن الكافر له شبهة ملك، وقد تقدم الخلاف في هذا في الجهاد.

5103 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى) قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتْبَعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ. قَال: فَدَعَا عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَاخَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وخامسها: أنهما علما لمن هي له فإما أن يكون قد أباح لهما ذلك أو علما من حاله أنه يطيب قلبه بذلك وهذا أشبهها وأبعدها عن الاعتراض إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 3]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأشربة باب شرب اللبن برقم [5607]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5103 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت) عمرو بن عبد الله (أبا إسحاق الهمداني) السبيعي (يقول سمعت البراء) بن عازب (يقول) أي يحدث عن أبي بكر الصديق أنه قال (لما أقبل) وتوجه (رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة) مهاجرًا إليها. وهذا السند من سداسياته لأنه من مسند أبي بكر، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ، والفاء في قوله (فأتبعه) زائدة في جواب لما أي لحقه (سراقة بن مالك ابن جعشم) بضم الجيم والشين بينهما مهملة ساكنة، وقيل بفتح الشين، والأول أصح، الكناني وكان من حديثه أن الله تعالى أذن لرسوله في الهجرة وخرج صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر وجعلت قريش لمن رده عليهم مائة ناقة فخرج سراقة في أثره ليرده فكان في أمره ما ذكر في الحديث .. إلخ اهـ سنوسي، وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسراقة هذا أسلم يوم الفتح وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا لبست سواري كسرى فلما أتي عمر بسواري كسرى دعا سراقة فألبسه وكان رجلًا أزب أي كثير شعر الساعدين فقال له: ارفع يديك، وقل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة الأعرابي كذا في الإصابة [2/ 19] (قال) البراء عن أبي بكر (فدعا عليه) أي على سراقة برده عنهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت

فَرَسُهُ. فَقَال: ادْعُ اللهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ. قَال: فَدَعَا اللهَ. قَال فعَطِشَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ. قال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كُثْبَة مِنْ لَبَنٍ. فَأَتَيتُهُ بِهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. 5104 - (1966) (31) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّادٍ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَال: قَال ابْنُ الْمُسَيِّبِ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، بِإِيلِيَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فرسه) بالسين المهملة وبالخاء المعجمة أي نزلت في الأرض وانخسفت رجلاها في الأرض وقَبَضَتها وكان في جلد من الأرض كما في الرواية الأخرى، وكانت معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال سراقة مخاطبًا لأبي جهل: أبا حكم والله لو كنت شاهدًا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدًا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه (فقال) سراقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ادع الله لي ولا أضرك، قال) البراء عن أبي بكر (فدعا الله) له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنجاة مما نزل به (قال) البراء كذلك (فعطش رسول الله صلى الله عليه وسلم فمروا براعي غنم، قال أبو بكر الصديق: فأخدت فدحًا) أي كأسًا من مزادتنا (فحلبت فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثبة من لبن فأتيته به فشرب حتى رضيت) وفرحت بشربه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي بكر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5104 - (1966) (31) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (وزهير بن حرب واللفظ لابن عباد قالا حدثنا أبو صفوان) عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي الدمشقي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري قال قال) سعيد (بن المسيب قال أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي) بالبناء للمجهول أي أتاه آت من ربه وهو الملك (ليلة أسري) أي ذهب (به بإيلياء) أي ذهب به من مكة

بِقَدَحَينِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ. فَنَظَرَ إِلَيهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ. فَقَال لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ. لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ، غَوَتْ أُمَّتُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى إيلياء قرية بيت المقدس وهو ممدود بهمزة التأنيث ولأجلها منع من الصرف، ويقال إيليا مقصورًا ويقال أليا بوزن عليا ففيه ثلاث لغات ومعناه بيت الله (بقدحين) أي أتى بكأسين مملوءين أحدهما مملوء (من خمر و) ثانيهما مملوء من (لبن) وفي هذه الرواية محذوف تقديره أتي بقدحين فقيل له اختر أيهما شئت (فنظر اليهما فأخذ اللبن) كما جاء مصرحًا به في البخاري، وقد ذكره مسلم في كتاب الإيمان أول الكتاب بلفظ "فألهمه الله تعالى اختيار اللبن" لما أراده سبحانه وتعالى توفيق هذه الأمة واللطف بها فلله الحمد والمنة (فقال له جبريل - عليه السلام - الحمد لله الذي هداك) وفقك (للفطرة) أي لفطرة دين الإسلام (لو أخذت) يا محمد (الخمر) أي قدح الخمر (كوت) وضلت (أمتك) وانهمكت في الشر، فاللبن علامة الهداية والخمر علامة الغواية. قوله (فأخذ اللبن) قال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نفر من الخمر لأنه تفرس أنها ستحرم، وقال الحافظ في الفتح [10/ 33]: ويحتمل أن يكون نفر منها لكونه لم يعتد شربها فوافق بطبعه ما سيقع من تحريمها بعد حفظًا من الله ورعاية واختار اللبن لكونه مألوفًا سهلًا طيبا طاهرًا سائغًا للشاربين سليم العاقبة بخلاف الخمر في جميع ذلك، قال القرطبي: وقول جبريل (الحمد لله الذي هداك للفطرة) يعني فطرة دين الإسلام كما قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا} ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} وقيل جعل الله ذلك علامة لجبريل على هداية هذه الأمة لأن اللبن أول ما يغتذيه الإنسان ويدخل بطن المولود ويشق أمعاءه وهو قوت خلي من المفاسد به قوام الأجسام ولذلك آثره صلى الله عليه وسلم على الخمر، ودين الإسلام كذلك هو أول ما أخذ علي بني آدم وهم كالذر ثم هو قوت الأرواح به قوامها وحياتها الأبدية، وصار اللبن عبارة مطابقة لمعنى دين الإسلام من جميع جهاته والخمر على النقيض من ذلك في جميع جهاتها، فكان العدول إليها لو كان ووقع علامة على الغواية وقد أعاذ الله من ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم طبعًا وشرعًا والحمد لله تعالى، ويفهم من نسبة الغواية إلى الخمر تحريمها لكن ليس بصريح ولذلك لم يكشف النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في التحريم حتى قدم المدينة فشربوها زمانًا حتى أنزل الله فيها التحريم اهـ من المفهم.

5105 - (00) (00) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: بِإِيلِيَاءَ. 5106 - (1967) (32) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثنَا الضخَاكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث صريح في أن عرض الخمر واللبن وقع في بيت المقدس وورد في حديث مالك بن صعصعة في المعراج عند البخاري أنه وقع بعد الوصول إلى سدرة المنتهى، ووفق الحافظ بينهما بأن لفظ ثم في حديث مالك وقع على غير معناها من الترتيب أو يكون العرض وقع مرتين راجع فتح [7/ 216]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 282]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأشربة برقم [5576 و 5603]، والترمذي في التفسير [5137]، والنسائي في الأشربة [5657]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5105 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الرحمن النيسابوري، نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري الحراني أبو عبد الله العبسي مولاهم، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسيانه، غرضه بيان متابعة معقل ليونس (يقول أتي رسول الله صلى الله عليه وسم) وساق معقل (بمثله) أي بمثل حديث يونس (و) لكن (لم يذكر) معقل لفظة (بإيلياء). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني الحث على تخمير الإناء بحديث أبي حميد رضي الله عنه فقال: 5106 - (1967) (32) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبد بن حميد كلهم عن أبي عاصم) النبيل (قال ابن المثنى حدثنا الضحاك) بن مخلد بن الضحاك

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيدٍ السَّاعِدِيُّ قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ. لَيسَ مُخَمَّرًا. فَقَال: "أَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيهِ عُودًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيباني أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) (أخبرني ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول أخبرني أبو حميد) عبد الرحمن بن سعد بن المنذر الأنصاري (الساعدي) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو حميد (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع) بفتح النون موضع من ناحية العقيق على عشرين فرسخًا من المدينة حكاه الحافظ عن القرطبي، وقيل هو الموضع الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعي النعم، وقيل غيره وكان واديًا يجتمع فيه الماء والماء الناقع هو المجتمع، وقيل واد تعمل فيه الآنية، وقيل هو الباع حكاه الخطابي، وعن الخليل هو الوادي الذي يكون فيه الشجر ورواه بعضهم من البقيع بالباء الموحدة وهو تصحيف اهـ من فتح الباري [10/ 72]. (ليس) ذلك القدح (مخمرًا) أي مغطى بثوب أو غيره اسم مفعول من التخمير وهو التغطية، ومنه الخمر لتغطيتها على العقل، وخمار المرأة لتغطية رأسها (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) بتشديد اللام للتحضيض وهو الطلب بحث وإزعاج أي هلا (خمرته) أي خمرت هذا القدح وغطيته (ولو تعرض) بضم الراء على رواية الجمهور من باب نصر وأجاز أبو عبيد كسرها من باب ضرب، والصحيح الأول، وهو مأخوذ من العرض ضد الطول أي ولو كان تخميره بأن تضع (عليه) أي على فم ذلك القدح (عودًا) عرضًا لا طولًا وهذا عند عدم ما يغطيه به كما ذكره في الرواية بعده. قال في المرقاة: والمعنى هلا تغطيه بغطاء فإن لم تفعل فلا أقل من أن تعرض عليه عودًا اهـ أي تضع عليه عودًا بعرضه على رأس الإناء، وقوله (ألا خمرته) بتشديد اللام أي هلا، قال الطيبي: ألا حرف تحضيض دخل على الماضي للوم على الترك واللوم إنما يكون على مطلوب ترك وكان الرجل جاء بالإناء مكشوفًا غير مخمر فوبخه اهـ مرقاة، قال الحافظ: وأظن السر في الاكتفاء بعرض العود أن تعاطي التغطية أو العرض يقترن بالتسمية فيكون العرض علامة على التسمية فتمتنع الشياطين من الدنو إليه، والمراد

قَال أَبُو حُمَيدٍ: إِنَّمَا أُمِرَ بِالأَسْقِيَةِ أَنْ تُوكَأَ لَيلًا. وَبِالأَبْوَابِ أَنْ تُغْلَقَ لَيلًا. 5107 - (00) (00) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدَّثنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجِ وَزَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيدِ السَّاعِدِيُّ؛ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ، بِمِثْلِهِ. قَال: وَلَمْ يَذْكُرْ زكَرِيَّاءُ قَوْلَ أَبِي حُمَيدٍ: بِاللَّيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحض على تغطية الإناء وفيه شيء من المطعومات أو المشروبات اهـ. (قال أبو حميد) الساعدي بالسند السابق (إنما أمر) بالبناء للمجهول والآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم فهو في حكم المرفوع أي إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم (بالأسقية) جمع سقاء وهي القربة المتخذة من جلد أي إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الأسقية المشتملة على المشروبات (أن توكأ) أفواه تلك الأسقية وتربط بالوكاء، والوكاء حبل يربط به فم القربة وأمثالها (ليلًا) وكذا نهارًا (و) أمر (بالأبواب) أي في شأنها (أن تغلق) أي أن تصك بالغلق الذي يدخل في الحلق (ليلًا) فقط تحفظًا من دخول الطوارق والسراق وكذا في النهار إن خيف منهم وهذا بيان من أبي حميد لأحكام أخرى تناسب الباب لا تفسير وتخصيص للحديث كما زعمه النووي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي حميد رضي الله عنه فقال: 5107 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج وزكرياء بن إسحاق) المكي، ثقة، من (6) (قالا أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرني أبو حميد الساعدي) غرضه بيان متابعة روح بن عبادة للضحاك بن مخلد (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن) وساق روح (بمثله) أي بمثل حديث الضحاك (قال) روح بن عبادة (و) لكن (لم يذكر زكرياء) ابن إسحاق (قول أبي حميد بالليل) والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي حميد الساعدي بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:

5108 - (1968) (33) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ). قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَسْقَى. فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلا نَسْقِيكَ نَبِيذًا؟ فَقَال: "بَلَى" قَال: فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَسْعَى. فَجَاءَ بِقَدَحِ فِيهِ نَبِيذٌ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيهِ عُودًا." قَال: فَشَرِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5108 - (1968) (33) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح) السمان ذكوان الزيات (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم السقيا (فقال رجل) من الحاضرين هو أبو حميد الساعدي كما يدل عليه الحديث الذي قبله اهـ من تنبيه المعلم بتصرف (يا رسول الله ألا نسقيك نبيذًا فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلى) أسقوني (قال) جابر (فخرج الرجل) من عندنا حالة كونه (يسعى) أي يجري ويعدو مسرعًا (فجاء) الرجل (بقدح نبيذ فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) أي هلا (خمرته) وغطيته (ولو تعرض عليه عودًا) أي ولو كان تخميرك إياه بأن تضع على فم الإناء عودًا عرضًا (قال) جابر (فشرب) رسول الله صلى الله عليه وسلم النبيذ الذي جاء به الرجل. قال الحافظ في الفتح [10/ 72] والذي يظهر أن قصة اللبن المذكورة في الحديث السابق كانت لأبي حميد وأن جابرًا حضرها وأن قصة النبيذ المذكورة في هذا الحديث حملها جابر عن أبي حميد وأبهم أبو حميد صاحبها، ويحتمل أن يكون هو أبا حميد راويها أبهم نفسه، ويحتمل أن يكون غيره وهو الذي يظهر لي اهـ. وهذا الاحتمال مخالف لما نقلناه آنفًا عن تنبيه المعلم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأشربة [5605/ 5606]، وأبو داود في الأشربة [3734] كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي حميد بحديث آخر لجابر رضي الله عنهما فقال:

5109 - (1969) (34) وحدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ؛ وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حُمَيدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيهِ عُودًا". 5110 - (1970) (35) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "غَطُّوا الإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5109 - (1969) (34) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (وأبي صالح) السمان (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (جاء رجل يقال له أبو حميد) الساعدي (بقدح من لبن) وقوله (من النقيع) موضع قريب من العقيق متعلق بجاء (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا خمرته ولو تعرض عليه عودًا). وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري كما في تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة أعني الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء .. الخ بحديث آخر لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 5110 - (1970) (35) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري، ثقة عالم، من (7) (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: غطوا الإناء) المشتمل على المشروبات واستروا فمه لئلا تدخله الهوام أمر من التغطية لأنه من باب زكى أصله غطيوا استثقلت الضمة ثم نقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركته فالتقى ساكنان ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار غطوا، وهذا الأمر وما بعده من الأوامر النبوية لإرشاد أمته صلى الله عليه وسلم على صيانة أنفسهم والله أعلم (وأوكوا السقاء) أمر من الإيكاء وهو أن يشد فم السقاء بوكاء وهو الخيط (وأغلقوا الباب) أمر من الإغلاق، قال ابن دقيق العيد: في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح

وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ. فَإِنَّ الشَّيطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءَ، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُودًا، وَيَذْكُرَ اسْمَ اللهِ، فَلْيَفْعَلْ. فَإِنَّ الْفُوَيسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيتِ بَيتَهُمْ". وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيبَةُ فِي حَدِيثِهِ "وَأَغْلِقُوا الْبَابَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد ولا سيما الشياطين (وأطفئوا السراج) بهمزة قطع وفاء مكسورة فهمزة مضمومة أمر من الإطفاء وهو إعدام لهبها كإطفاء الشموع، وقوله (فإن الشيطان لا يحل) بضم الحاء أي لا يفك ولا يفتح (سقاء) أوكي وشد فمه (ولا يفتح بابا) مغلقًا (ولا يكشف إناء) غطي إشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان وخصه بالتعليل تنبيهًا على ما يخفى مما لا يطلع عليه إلَّا من جانب النبوة، واللام في الشيطان للجنس إذ ليس المراد فردًا بعينه كذا في فتح الباري [11/ 87] قال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وليس هو الأمر الذي قصد به الإيجاب، وغايته أن يكون من باب الندب بل قد جعله كثير من الأصوليين قسمًا منفردًا بنفسه عن الوجوب والندب اهـ (فإن لم يجد أحدكم) ما يغطي به الإناء ولم يتمكن منه (إلَّا أن يعرض) بضم الراء على الأفصح (على إنائه عودًا) أي إلَّا من وضع عودًا على فم إنائه عرضًا (و) أن (يذكر اسم الله) أي وإلا من ذكر اسم الله حين وضعه والمراد بذكر الله هنا التسمية (فليفعل) ذلك الذي تمكن منه من الوضع والذكر، وقوله (فإن الفويسقة) تصغير فاسقة والمراد بها هنا الفأرة تعليل للأمر بإطفاء النار سميت بذلك لخروجها من جحرها للإفساد على الناس (تضرم) وتحرق (على أهل البيت بيتهم ولم يذكر قتيبة في حديثه) أي في روايته لفظة (وأغلقوا الباب). قوله (تضرم على أهل البيت بيتهم) من الإضرام هو والتضريم والاستضرام إيقاد النار وإشعالها، يقال أضرم النار وضرمها واستضرمها إذا أوقدها كذا في القاموس، ويقال ضرمت النار بكسر الراء أي أحرقت سريعًا، ووقع في رواية عطاء عند البخاري في الاستئذان (فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت) وهو تعليل للأمر بإطفاء السراج كما مر، وقال القرطبي: في هذه الأحاديث أن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره وفيه نار فعليه أن يطفئها قبل نومه أو يفعل بها ما يؤمن معه الاحتراق وكذا إن كان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في البيت جماعة فإنه يتعين على بعضهم وأحقهم بذلك آخرهم نومًا فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفًا ولأدائها تاركًا. ثم أخرج الحديث الذي أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: (جاءت فأرة فجرت الفتيلة فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نمتم فأطفؤوا سراجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم" وقال ابن دقيق العيد: إذا كانت العلة في إطفاء السراج الحذر من جر الفويسقة الفتيلة فمقتضاه أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليها الفأرة لا يمنع إيقاده كما لو كان على منارة من نحاس أملس لا يمكن للفأرة الصعود إليه أو يكون مكانه بعيدًا عن موضع يمكنها أن تثب منه إلى السراج، قال: وأما ورود الأمر بإطفاء النار مطلقًا كما سيأتي في آخر الباب في حديث أبي موسى فقد يتطرق منه مفسدة أخرى غير جر الفتيلة كسقوط شيء من السراج على بعض متاع البيت وكسقوط المنارة فينثر السراج إلى شيء من المتاع فيحرقه فيحتاج إلى الاستيثاق من ذلك فإذا استوثق بحيث يؤمن معه الإحراق فيزول الحكم بزوال علته كذا في فتح الباري. والحاصل أن إطفاء السراج أو النار معلل بالأمن من الاحتراق ومن الإسراف وإضاعة المال ويؤخذ منه حكم إطفاء نور الكهرباء فإن لزم منه إضاعة المال منع منه وإن كان لحاجة فلا بأس، وقال الحافظ في الفتح [11/ 87] وهذه الأوامر تتنوَّع بحسب مقاصدها فمنها ما يحمل على الندب وهو التسمية على كل حال، ومنها ما يحمل على الندب والإرشاد كإغلاق الأبواب من أجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح بابا مغلقًا لأن الاحتراز عن مخالطة الشيطان مندوب إليه وإن كان تحته مصالح دنيوية كالحراسة وكذا إيكاء السقاء وتخمير الإناء والله أعلم قال القرطبي: ومع هذه الأفعال كلها لا بد من ذكر الله تعالى كما جاء في الحديث الآخر بعد هذا فيذكر الله تعالى وببركة اسمه تندفع المفاسد ويحصل تمام المصالح فمطلق هذه الكلمات مردود إلى مقيدها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 355]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأشربة باب تغطية الإناء برقم [5623 و 5624]، وأبو داود في الأشربة

5111 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَأَكفِئُوا الإِنَاءَ أَوْ خَمِّرُوا الإِنَاءَ". وَلَمْ يَذْكُرْ: تَعْرِيضَ الْعُودِ عَلَى الإِنَاءِ. 5112 - (00) (00) وحدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في إيكاء الآنية برقم [3731 و 3732 و 3733 و 3743]، والترمذي في الأطعمة باب ما جاء في تخمير الإناء .. الخ برقم [1812]، وابن ماجه في الأشربة باب تخمير الإناء برقم [3453] وفي الآداب باب إطفاء النار عند المبيت برقم [3816]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5111 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال ترأت على مالك عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة مالك لليث بن سعد (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق مالك (بهذا الحديث) الذي ساقه الليث (غير أنه) أي لكن أن مالكًا (قال) في روايته (وأكفئوا الإناء) بقطع الهمزة من الإفعال، والإكفاء قلب الشيء على وجهه يقال أكفأ الإناء إذا قلبه وكبه أي أسقطه ووضعه على وجهه أي اقلبوا الإناء على وجهه منكبًا على فمه إن شئتم (أو خمروا الإناء) أي ضعوا على فمه غطاء ساترًا إن شئتم، وأو هنا للتخيير بين الإكفاء والتغطية لا للشك والله أعلم اهـ ذهني (و) غير أنه (لم يذكر) أي مالك في روايته (تعريض العود على الإناء) يعني لم يذكر قوله (فإن لم يجد أحدكم إلَّا أن يعرض على إنائه عودًا) قال النووي: هكذا هو في أكثر الأصول، وفي بعضها تعرض فأما هذا فظاهر، وأما تعريض ففيه تسمح في العبارة والوجه أن يقول ولم يذكر عرض العود لأنه المصدر الجاري على تعرض والله أعلم اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5112 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَغْلِقُوا الْبَابَ لا. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَخَمِّرُوا الآنِيَةَ". وَقَال: "تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيتِ ثِيَابهُمْ". 5113 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. وَقَال: "وَالْفُوَيسِقَةُ تُضْرِمُ الْبَيتَ عَلَى أَهْلِهِ". 5114 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة زهير لليث بن سعد (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أغلقوا الباب فذكر) زهير باقي الحديث (بمثل حديث الليث) لفظًا ومعنى (غير أنه) أي لكن أن زهيرًا (قال) في روايته لفظة (وخمروا الآنية) بدل قول ليث غطوا الإناء (وقال) زهير أيضًا في روايته فإن الفويسقة (تضرم) أي تحرق (على أهل البيت ثيابهم) بدل قول ليث (بيتهم) فقوله صلى الله عليه وسلم: (وخمروا الآنية) أي غطوا رؤوس الآنية، قال النووي: وذكر العلماء للأمر بالتغطية فوائد منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث وهما: صيانته من الشيطان فإن الشيطان لا يكشف غطاءً ولا يحل سقاءً، وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السماء، والفائدة الثالثة صيانته من النجاسة والمقذرات، والرابعة صيانته من الحشرات والهوام فربما وقع شيء فيه فشربه وهو غافل أو في الليل فيتضرر به والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5113 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمن روى عن أبي الزبير أعني بهم ليثًا ومالكًا وزهيرًا وساق سفيان (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث هؤلاء الثلاثة (و) لكن (قال) سفيان لفظة (والفويسقة تضرم البيت على أهله) بدل قولهم (تضرم على أهل البيت ليتهم أو ثيابهم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5114 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي

أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيلِ - أَوْ أَمْسَيتُمْ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ. فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ. فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيلِ فَخَلُّوهُمْ. وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ. وَاذْكُرُوا اسمَ اللهِ. فَإِنَّ الشَّيطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابا مُغْلَقًا. وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ. وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ. وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ. وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ. وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيهَا شَيئًا. وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النيسابوري، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني عطاء) بن أبي رباح (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء لأبي الزبير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان) وحصل (جنح الليل) وظلامه، وجنح الليل بضم الجيم وكسرها ظلامه يقال أجنح الليل واستجنح إذا أقبل ظلامه والمراد أقبل أول الليل بغروب الشمس (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو جابر أو من دونه، والشك من الراوي أو ممن دونه أي أو قال (أمسيتم) أي إذا دخلتم في المساء والمراد بالمساء هنا ما بعد الغروب فقط (فكفوا صبيانكم) جمع صبي أو صبية أي ضموهم معكم وامنعوهم من الخروج في ذلك الوقت (فإن الشيطان) أي جنسه (ينتشر) أي يبعث ويتفرق ويتجول (حينئذ) أي إذ كان جنح الليل ويخاف على الصبيان من إيذاء الشياطين وقتئذ لكثرتهم في ذلك الوقت (فإذا ذهب) ومضى (ساعة) أي قطعة، وذكر الفعل نظرًا إلى كون الساعة بمعنى حين وزمن (من) ساعات (الليل) أي من قطع الليل (فخلوهم) أي فاتركوهم في البيت لأن هذا الأمر مصحوب بأمر إغلاق الباب، ويحتمل أن يكون عامًا - للأمن من الشياطين. بعد تلك الساعة كما سيأتي أن انبعاث الشياطين معلق بذهاب فحمة العشاء (وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله) تعالى عليها (فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقًا) أي مصكوكًا بغلق (وأوكوا قربكم) أي شدوا أفواه قربكم وأسقيتكم بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به أفواه القرب (واذكروا اسم الله) تعالى على شدها (وخمروا) أي غطوا (آنيتكم واذكروا اسم الله) على تخميرها (ولو) كان تخميرها بـ (أن تعرضوا) وتضعوا (عليها) عرضًا أي على أفواهها (شيئًا) من الأعواد (وأطفئوا) أي وأخمدوا (مصابيحكم) أي سرجكم خوفًا من الفويسقة.

5115 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [3304]. قوله (فكفوا صبيانكم) أي امنعوهم من الخروج من البيت خوفًا عليهم من إيذاء الشياطين ومردة الجن لهم، قال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبًا والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالبًا والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به فلذلك خيف على الصبيان، والحكمة من انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره وكذلك كل سواد، ويقال إن الشياطين تستعين بالظلمة وتكره النور وتتشاءم به كذا في عمدة القاري [7/ 275]، وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بتخلية الصبيان بعد ذهاب ساعة من الليل ولو كان الظلام المطلق سببًا لانتشار الشياطين لاستمر الحكم بكف الصبيان إلى الفجر فالظاهر أن لوقت غروب الشمس دخلًا في تأثير الشياطين كما سيأتي في الرواية الآتية (فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء) اهـ. قال القرطبي: وقد تضمنت جملة هذه الأحاديث أن الله تعالى قد أطلع نبيه صلى الله عليه وسم على ما يكون في هذه الأوقات من المضار من جهة الشياطين والفأر والوباء، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يتقى به ذلك فليبادر الإنسان إلى فعل تلك الأمور ذاكرًا لله تعالى ممتثلًا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وشاكرًا لله تعالى على ما أرشدنا إليه وأعلمنا به ولنبيه صلى الله عليه وسلم على تبليغه ونصحه فمن فعل ذلك لم يصبه من شيء من ذلك ضرر بحول الله تعالى وقوته وببركة امتثال أوامره صلى الله عليه وسلم جازاه الله تعالى عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته فلقد بلغ ونصح اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5115 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) الكوسج (أخبرنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (أنه سمع جابر عن عبد الله)

يَقُولُ نَحْوًا مِمَّا أَخْبَرَ عَطَاءٌ. إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقُولُ: "اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ". 5116 - (00) (00) وحدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الْحَدِيثِ، عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. كَرِوَايَةِ رَوْحٍ. 5117 - (1971) (26) وحدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنهما (يقول) هذا الحديث وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لعطاء بن أبي رباح، قال ابن جريج: وساق عمرو بن دينار (نحوًا) أي حديثًا قريبًا في اللفظ والمعنى (مما) أي من الحديث الذي (أخبر) هـ (عطاء) عن جابر بن عبد الله وسبق في أوائل شرحنا هذا أن النحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض ألفاظه ومعناه فجدد العهد به (إلَّا أنه) أي لكن أن عمرًا (لا يقول) أي لا يذكر في حديثه لفظة (اذكروا اسم الله عزَّ وجلَّ) وعلا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 5116 - (00) (00) (وحدثنا أحمد بن عثمان) بن أبي عثمان عبد النور (النوفلي) أبو عثمان البصري، ثقة، من (11) (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا ابن جريج بهذا الحديث) المذكور آنفًا (عن عطاء وعمرو بن دينار كرواية روح) بن عبادة، غرضه بيان متابعة أبي عاصم لروح بن عبادة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر المذكور بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5117 - (1971) (26) (وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي (حدثنا أبو الزبير عن جابر) رضي الله عنه (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترسلوا) ولا تطلقوا (فواشيكم) أي مواشيكم أي لا تتركوها مرسلة ماشية حيث شاءت في الليل، والفواشي بالفاء كالمواشي وزنًا ومعنى،

وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ. فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ". 5118 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْو حَدِيثِ زُهَيرٍ. 5119 - (1972) (37) وحدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثنَا اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع فاشية، والفاشية كل ما فشا وانتشر من الأموال كالإبل والغنم والبقر، قال ابن الأعرابي: يقال أفشى وأمشى وأوشى بمعنى واحد إذا كثرت مواشيه اهـ من المفهم (و) كذا (صبيانكم إذا غابت) وغربت (الشمس حتى تذهب) وتمضي (فحمة العشاء) أي ظلمة أول الليل وسواده وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه، وكذا ذكره صاحب نهاية الغريب قال: ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة وللتي بين العشاء والفجر العسعسة اهـ نووي (فإن الشياطين تنبعث) وتنتشر (إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء) أي ظلام أول الليل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 312 و 386 و 395]، وأبو داود [3733] ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5118 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (حدثنا سفيان) الثوري (عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لأبي خيثمة، قال عبد الرحمن: وساق سفيان (بنحو حديث زهير). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5119 - (1972) (37) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن سابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي، ثقة، من (9) (حدثنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة،

حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، اللَّيثِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَم، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولَ: "غَطُّوا الإِنَاءَ. وَأَوْكُوا السِّقَاءَ. فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيلَةَ يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ. لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيسَ عَلَيهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيسَ عَلَيهِ وكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ الْوَبَاءِ". 5120 - (00) (00) وحدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من (7) (حدثني بزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي) المدني، ثقة، من (5) (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) (عن جعفر بن عبد الله بن الحكم) بن رافع الأنصاري الأوسي المدني، ثقة، من (3) (عن القعقاع بن حكيم) الكناني المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من ثمانياته (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول غطوا الإناء) أي خمروا فم الإناء الذي فيه المشروب (وأوكوا السقاء) أي شدوا بالوكاء السقاء أي فم القربة التي فيها الماء أو الشراب (فإن في) ليالي (السنة ليلة ينزل فيها وباء) أي مرض عام يفضي إلى الموت، والوباء يمد ويقصر لغتان حكاهما الجوهري وغيره، والقصر أشهر قال الجوهري: جمع المقصور أوباء وجمع الممدود أوبية، قالوا: والوباء مرض عام يفضي إلى الموت غالبًا اهـ نووي، قال الأبي: الوباء المفسر بما ذكره الجوهري هو الوباء المعروف، والأظهر أنه ليس المراد في الحديث ويأتي الكلام عليه وإنما هو وباء آخر والنزول حقيقة إنما هو في الأجسام المتحيزة ففيه أن هذا الشيء الذي ينزل متحيز والله أعلم بحقيقته اهـ. (لا يمر) ذلك الوباء (بإناء ليس عليه غطاء أو) على (سقاءٍ ليس عليه وكاء إلا نزل فيه) أي في ذلك الإناء أو السقاء (من ذلك الوباء) شيء. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5120 - (00) (00) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر (الجهضمي) البصري، ثقة، من (10) (حدثني أبي) علي بن نصر بن علي الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا

لَيثُ بْنُ سَعْدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَإِنَّ فِي السَّنَةِ يَوْمًا يَنْزِلُ فِيهِ وَبَاءٌ". وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: قَال اللَّيثُ: فَالأَعاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذلِكَ فِي كَانُونَ الأَوَّلِ. 5121 - (1973) (38) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ليث بن سعد) المصري (بهذا الإسناد) يعني عن يزيد عن يحيى عن جعفر عن القعقاع عن جابر، غرضه بيان متابعة علي بن نصر لهاشم بن القاسم، وساق علي بن نصر (بمثله) أي بمثل ما حدث هاشم بن القاسم (غير أنه) أي لكن أن عليًّا (قال) في روايته لفظة (فإن في السنة يومًا ينزل فيه وباء) وفي الرواية السابقة ليلة فلا منافاة بينهما إذ ليس في أحدهما نفي الآخر فهما ثابتان (وزاد) علي على هاشم (في آخر الحديث) لفظة (قال الليث فالأعاجم) الذين كانوا مقيمين (عندنا في مصر يتقون ذلك) اليوم أي يتوقعون ويخافون وقوع ذلك اليوم الذي ينزل فيه الوباء (في كانون الأول) أي في الشهر الذي يسمى عندهم بكانون الأول وكانون الأول: اسم لشهر معروف وهو شهر ديسمبر وهو الشهر السابع من شهور سنتهم الموافق لبرج سرطان وهو الشهر الرابع من السنة الشمسية الشهر الأول من فصل الصيف وليس في توقعهم حجة للمسلمين وإنما المذكور في الحديث يوم أو ليلة ولا سبيل إلى تعيينهما والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5121 - (1973) (38) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد وزهير بن حرب قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون) موقدة مشعلة لا فحمًا في التنور، قال النووي: هذا الحديث عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها ونور الكهرباء فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء وإن

5122 - (1974) (39) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ وأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي عَامِرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: احْتَرَقَ بَيتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيلِ. فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَأْنِهِمْ قَال: "إِنَّ هذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ. فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم فإذا انتفت العلة زال المنع اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 8]، والبخاري في الاستئذان [6293]، وأبو داود في الأدب [5246]، والترمذي في الأطعمة [1813]، وابن ماجه في الآداب [3814]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث جابر الأول بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5122 - (1974) (39) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) (وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو عامر الأشعري) عبد الله بن براد الكوفي ابن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشحري، صدوق، من (10) (وأبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ لأبي عامر قالوا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبي بردة الصغير الكوفي، ثقة، من (6) (عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى الأشعري، ثقة، من (3) (عن أبي موسى) الأشعري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (احترق بيت على أهله بالمدينة من الليل) ولم أر من ذكر أسماء أهل ذلك البيت (فلما حدث) وأخبر (رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم) أي باحتراقهم في البيت (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن هذه النار) الدنيوية التي تنتفعون بها في مطابخكم وفي سائر حوائجكم (فإنما هي عدو لكم) أي مؤذية لكم محرقة لكم إن لم تحتاطوا لها وتحترزوا منها (فإذا نمتم) بوزن خفتم أي إذا أردتم النوم وهي موقدة (فأطفئوها) أي فأخمدوها (عنكم) ولا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تشعلوها عند النوم طلبًا للسلامة والأمن لأنفسكم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 399]، والبخاري في الاستئذان [6294]، وابن ماجه في الآداب [3770]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث عشرة الأول منها حديث أبي بكر الصديق ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والئاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي حميد الساعدي ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد، والخامس حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد، والسادس حديث جابر الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والسابع حديث جابر التالي ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث جابر المذكور بعده ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والعاشر حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

كتاب آداب الأطعمة والأشربة

20 - كتاب آداب الأطعمة والأشربة 661 - (5) باب آداب الطعام والشراب والنهي عن الأكل بالشمال والأمر بالأكل باليمين وكراهية الشرب والأكل قائمًا والشرب من زمزم قائمًا 5227 - (102) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي حُذَيفَةَ، عَنْ حُذَيفَةَ قَال: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيدِيَنَا، حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعَ يَدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 20 - كتاب آداب الأطعمة والأشربة 661 - (5) باب آداب الطعام والشراب والنهي عن الأكل بالشمال والأمر بالأكل باليمين وكراهية الشرب والأكل قائمًا والشرب من زمزم قائمًا 5123 - (1975) (40) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح أوله وسكون ثانيه الجعفي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب وليس في مسلم من اسمه خيثمة إلَّا هذا الثقة (عن أبي حذيفة) الهمداني الأرحبي نسبة إلى بطن من همدان، يقال لهم بنو أرحب سلمة بن صهيب الكوفي، ويقال له ابن صهيب أو ابن صهبة أو ابن أصهب، روى عن حذيفة بن اليمان في الأطعمة، وعلي وابن مسعود، ويروي عنه (م د ت س) وخيثمة بن عبد الرحمن وأبو إسحاق وابن الأقمر وله في الكتب ثلاثة أحاديث، وثقه ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن حذيفة) بن اليمان العبسي أبي عبد الله الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) حذيفة (كنا) دائمًا (إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا) أي مجلس طعام ودعينا إليه وقرب لنا الطعام (لم نضع أيدينا) أي أكفنا على الطعام (حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) بوضع اليد على الطعام (فيضع يده) على الطعام، قال النووي: فيه بيان هذا الأدب وهو أنه يبدأ الكبير والفاضل

وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ، مَرَّةً، طَعَامًا. فَجَاءَتْ جَارَيةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ. فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا. ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيُّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ. فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في غسل اليد للطعام وفي الأكل اهـ، قال الأبي: من آداب الأكل والشرب وغسل الأيدي للطعام أن يبدأ المعظَّم إلَّا أن يحضرها صاحب الطعام، ويستحب أن يكون هو البادئ في الثلاث لينشطهم وعكس ذلك في رفع اليد عن الطعام، والغسل لئلا يظهر منه في البداءة الحرص على رفع أيديهم اهـ. قال القرطبي: قوله (لم نضع أيدينا) .. الخ هذا تأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك ينبغي أن يتأدب مع الفضلاء والعظماء والعلماء فلا يبدأ بطعام ولا شراب ولا أمر من الأمور التي يشاركون فيها قبلهم اهـ من المفهم (وإنا حضرنا معه) صلى الله عليه وسلم حضورًا (مرة) فهو منصوب على المصدرية أو حضورًا في مرة من المرات فهو منصوب على الظرفية (طعامًا) أي إلى طعام دعينا إليه (فجاءت جارية) الجارية في النساء كالغلام في الذكور وهو من دون البلوغ (كأنها تدفع) وتطرد لشدة سرعتها أي يدفعها دافع يعني أنها جاءت مسرعة كما قال في الرواية الأخرى (كأنما تطرد) وكذلك فعل الأعرابي الآتي وكل ذلك إزعاج من الشيطان لهما ليسبقا إلى الطعام قبل النبي صلى الله عليه وسلم وقبل التسمية فيصل إلى غرضه من الطعام، ولما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك أخذ بيديهما ويدي الشيطان منعًا لهم من ذلك اهـ من المفهم. قال السنوسي: قوله (كأنها تدفع) بضم التاء أي يدفعها دافع ودافعها الشيطان ليسبق إلى الطعام قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل التسمية ليصل إلى غرضه فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أخذ بيدها ويد الشيطان منعًا لهما من ذلك اهـ منه (فذهبت) الجارية وقصدت (لتضع يدها في) قصعة (الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها) أي أمسكها قبل وضعها اليد في الطعام، ولم أر من ذكر اسم هذه الجارية وكذلك اسم الأعرابي المذكور في قوله (ثم جاء أعرابي) أي شخص من سكان البوادي ليأكل من الطعام (كأنما يدفع) ويدف من ورائه (فأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده) أي بيد الأعرابي منعًا له من الأكل قبل التسمية (فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان) أراد به الشيطان القرين للإنسان لأنه جاء في رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال بعد ما أخذ يد الجارية: احتبس شيطانها (يستحل الطعام) أي يعتقد حله

أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيهِ. وَإِنَّهُ جَاءَ بِهذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا. فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا. فَجَاءَ بِهذَا الأَعْرَابِي لِيَسْتَحِلَّ بِهِ. فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن يجعله منسوبًا إليه لأن التسمية تكون مانعة عنه فيكون كالشيء المحرم عليه، وقيل المراد به تطيير البركة عنه بحيث لا يشبع من أكله كذا قاله الشيخ الكلاباذي، وقال النواوي: الصواب أن يحمل الحديث على ظاهره ويكون الشيطان آكلًا حقيقة لأن النص لما ورد به والعقل لا يحيله لأنه جسم نام حساس متحرك بالإرادة وجب قبوله اهـ مبارق، قال النووي: معنى يستحل يتمكن من أكله ومعناه أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى، وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن وإن كان جماعة فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه اهـ؛ أي يجعل الطعام كالحلال له بسبب (أن لا يذكر اسم الله عليه) أي على الطعام فيتمكن من أكله إذا لم يذكر اسم الله عليه (وإنه) أي وإن الشيطان (جاء بهذه الجارية ليستحل بها) الطعام (فأخذت بيدها) عن الطعام (فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والدي نفسي بيده) المقدسة (إن يده) الخبيثة (في يدي) هذه (مع يدها) أي مع يدي الجارية، وفي رواية أبي داود (مع يدهما) بالتثنية ورواية الإفراد أيضًا صحيحة، والضمير المؤنث عائد إلى الجارية وإن إثبات يدها لا ينافي يد الأعرابي؛ والمراد أن يد الشيطان مقبوضة بيدي مع يد الجارية والأعرابي، وقال القاضي عياض: إن الوجه التثنية، قال النووي: وفي هذا الحديث فوائد منها جواز الحلف من غير استحلاف، ومنها استحباب التسمية في ابتداء الطعام والشراب، واستحباب جهرها ليسمع غيره وينبهه عليها والجنب والحائض وغيرهما سواء في استحبابها وكذلك إذا ذكرها الناسي يسمي في أثناء أكله ويقول: بسم الله أوله وآخره لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر الله في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره" رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وفي التسمية يكفي أن يقول باسم الله وإن قال بتمامها فهو أحسن كذا قالوا والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 383]، وأبو داود [3766]. وقال القرطبي: واختلف فيما جاءت به الآثار الكثيرة من أكل الشيطان فحملها كثير من السلف على الحقيقة إذ لا يحيلها العقل، وهم وإن كانوا أجسامًا لطيفة روحانية فلا

5124 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي حُذَيفَةَ الأَرْحَبِيِّ، عَنْ حُذَيفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. قَال: كُنَّا إِذَا دُعِينَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَعَامٍ فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. وَقَال: "كَأَنَّمَا يُطْرَدُ" وَفِي الْجَارِيَةِ "كَأَنَّمَا تُطْرَدُ" وَقَدَّمَ مَجِيءَ الأَعْرَابِيِّ فِي حَدِيثِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْجَارِيةِ. وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللهِ وَأَكَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يبعد أن تكون تتغذى بلطيف رطوبات بعض الأغذية وروائحها، قيل وقد يكون لهم طعام خاص من الأنجاس والأقذار ويشاركون الناس فيما نبهت عليه الآثار من الروائح والطعام والأرواث وما لم يذكر اسم الله عليه وما بات غير مغطى وما أكل بالشمال ونحوه، وقيل إن ذلك كله استعارة لموافقة الشيطان فيما أراد من رفع البركة بترك التسمية ومخالفة السنة، وقيل إنما أكلهم شم لأن المضغ والبلع إنما يكون لذوات الأجسام والأمعاء وآلات الأكل، وقد جاء أن منهم ذا جسم وحياة ومنهم جنان البيوت ومن لا يتهيأ منهم الأكل والشرب إن كانوا على خلقتهم الأصلية أو في الوقت الذي يردهم الله سبحانه وتعالى إلى ذلك الخلق، وعن وهب بن منبه قال: هم أجناس تأكل وتشرب وتتناكح وتتوالد ومنهم السعالي والغيلان والقطاربة اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 5124 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (أخبرنا الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن) الجعفي الكوفي (عن أبي حذيفة) سلمة بن صهيب (الأرحبي) الكوفي (عن حذيفة بن اليمان) العبسي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لأبي معاوية (قال) حذيفة (كنا إذا دعينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام فذكر) عيسى بن يونس (بمعنى حديث أبي معاوية) لا بلفظه (وقال) عيسى في روايته في الأعرابي (كأنما يطرد) أي يدفع الأعرابي (وفي الجارية كأنما تطرد وقدم) عيسى أي ذكر (مجيء الأعرابي في حديثه) أي في روايته (قبل مجيء الجارية وزاد) عيسى في روايته (في آخر الحديث) لفظة (ثم ذكر) النبي صلى الله عليه وسلم (اسم الله) تعالى على أكله (وأكل) الطعام وأكلنا معه، قال النووي: ووجه الجمع بين الروايتين أن المراد بقوله

5125 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَدَّمَ مَجِيءَ الْجَارِيَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الأَعْرَابِيِّ. 5126 - (1976) (41) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ) عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الثانية قدم مجيء الأعرابي أنه قدمه في اللفظ بغير حرف ترتيب فذكره بالواو، والواو لا تقتضي ترتيبًا، وأما الرواية الأولى فصريحة في الترتيب والله أعلم. ومقصود الحديث الاهتمام بتسمية اسم الله تعالى على الطعام وهو مستحب بالإجماع وهو اعتراف من العبد بأن هذا الطعام إنما رزقه الله تعالى بفضله، ولم يكن المرء ليحصل عليه إلَّا برزق منه، ومتى فعل ذلك صار الأكل كله طاعة وعبادة وأصبح سببًا لإحكام العلاقة بالله سبحانه وتعالى، وحكم التسمية عام لكل مطعوم أو مشروب، وينبغي أن يسمي كل واحد من الآكلين على حدته فإن سمى واحد منهم حصل أصل السنة نص عليه الشافعي كما في شرح النووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 5125 - (00) (00) (وحدثنيه أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7) (عن الأعمش) غرضه بيان متابعة سفيان لأبي معاوية (بهذا الإسناد) يعني عن خيثمة عن أبي حذيفة عن حذيفة (وقدم) سفيان في رواية (مجيء الجارية قبل مجيء الأعرابي) كما فعل أبو معاوية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5126 - (1976) (41) (وحدثنا محمد بن المثنى العنزي حدثنا الضحاك) بن مخلد بن الضحاك الثيباني (يعني أبا عاصم) النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) (عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من

أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَال الشَّيطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَال الشَّيطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَال: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالعَشَاءَ". 5127 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا دخل الرجل بيته) وكذا المرأة بيتها (فذكر الله) وسماه سبحانه وتعالى بالتسمية (عند دخوله) بيته (وعند) أكله (طعامه قال الشيطان) لإخوانه وأعوانه ورفقته (لا مبيت) ولا مرقد (لكم) في هذا البيت (ولا عشاء) لكم من هذا الطعام فإنكم حرمتم منهما بتسمية صاحبه وذكره لله تعالى، وفي هذا استحباب ذكر الله تعالى عند دخول البيت وعند أكل الطعام لأنه يطرد الشيطان والمعنى لا يمكن لكم أن تبيتوا وتتعشوا في هذا المكان وذلك ببركة اسم الله تعالى (وإذا دخل) الرجل بيته (فلم يذكر الله) تعالى (عند دخوله قال الشيطان) لإخوانه ورفقته (أدركتم المبيت) والمرقد (وإذا لم يذكر الله) الرجل (عند) أكل (طعامه) وعشائه وكذا غداؤه (قال) الشيطان لرفقته (أدركتم) أي حصلتم (المبيت) هذا مكرر مع ما قبله ومقتضى السياق أن يقال أدركتم (والعشاء) بلا ذكر المبيت وكأنه من تصحيف بعض الرواة وزيادته، وفي هذا استحباب ذكر الله تعالى عند دخول البيت وعند الطعام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 283]، وأبو داود [3765]، وابن ماجه [3887]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5127 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة روح بن عبادة لأبي عاصم (يقول إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول) هذا الحديث، وساق روح بن عبادة (بمثل حديث أبي

عَاصِمٍ. إِلَّا أَنَّهُ قَال: "وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عِنْدَ طَعَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عِنْدَ دُخُولِهِ". 5128 - (1977) (42) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عاصم إلَّا أنه) أي لكن أن روحًا (قال) في روايته (وإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه) بزيادة لفظ اسم (وإذا لم يذكر اسم الله عند دخوله) بزيادة لفظ اسم الله أيضًا. وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لجابر رضي الله عنه فقال: 5128 - (1977) (42) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر (أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السندان من رباعياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تأكلوا) أيها المسلمون (بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال) فلا تشبهوا به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الأطعمة باب الأكل باليمين برقم [2310] وأخرجه المؤلف أيضًا في اللباس باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ولم أجده عند غيرهما من الأئمة الستة. قوله (لا تأكلوا بالشمال) .. إلخ قال الكلاباذي: الشيطان جسم يجوز أن يكون له يمين لكن لا يأكل بيمينه لأنه معكوس مقلوب الخلقة فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا كفعله ويجوز أن يقال شمال الإنسان مشؤوم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم عينه للاستنجاء، وأن الكافر يعطى به كتابه يوم القيامة فيكون يدا الشيطان كلتاهما شمالًا لأنه نفسه مشؤوم فكره النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن أن يأكل بشماله لئلا يذهب بركة الطعام، ويجوز أن يقال النهي عن الأكل بالشمال لأن فيه استهانة بنعمة الله لأن الشيء إذا حقر يتناول بالشمال عادة اهـ مبارق. قال النووي: فيه وفيما بعده استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال

5129 - (1978) (43) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك ككونه أقطع اليمين أو أشلها فلا كراهة في الشمال، وفيه أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشياطين وأن للشيطان يدين اهـ قوله (فإن الشيطان يأكل بشماله) أي بشمال نفسه فيكون النهي للتشبه به، ويحتمل أن الهاء عائدة على شمال الأكل اهـ سنوسي. قال التوربشتي: المعنى أنه يحمل أولياءه من الإنس على ذلك الصنيع ليضاد به عباد الله الصالحين ثم إن من حق نعمة الله والقيام بشكرها أن تكرم ولا يستهان بها ومن حق الكرامة أن تتناول باليمين ويميز بين ما كان من النعمة وبين ما كان من الأذى اهـ مرقاة. قوله (فإن الشيطان يأكل بالشمال) حمله الطيبي على أنه يأمر أولياءه بالأكل بالشمال ولعله فسر الحديث بذلك لما رأى من البعد في أكل الشيطان بيده ولكن تعقبه الحافظ في الفتح [9/ 522] وقال فيه عدول عن الظاهر والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة لأن العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر هذا بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5129 - (1978) (43) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (واللفظ لابن نمير قالوا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن أبي بكر) قال أبو حاتم: يعني لا يذكر له اسم اهـ يعني أن كنيته اسمه (بن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب القرشي العدوي المدني (عن جده) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما، روى عن جده عبد الله بن عمر في الأطعمة، وعمه سالم، ويروي عنه (م د ت س) والزهري، قال أبو زرعة: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات بعد الثلاثين ومائة (130) وهذا السند من

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ. وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ. فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَأكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم) أي أراد الأكل (فليأكل ليمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله وبشرب بشماله). قال العيني في عمدة القاري [9/ 654] قال شيخنا العراقي: الأمر بالأكل مما يليه والأكل باليمين حمله أكثر أصحابنا على الندب وبه صرح الغزالي والنووي، وقد نص الشافعي في الأم على وجوبه، وزعم القرطبي أن الأكل باليمين محمول على الندب، ورجح الحافظ في الفتح [9/ 522] الوجوب لما في أحاديث مسلم من الوعيد على الأكل بالشمال، وقال الأبي: يتعين أن النهي للتحريم للعلة المذكورة ولقوله في الآخر (لا استطعت) ولم أجد في كتب الحنفية حكم الأكل بالشمال والظاهر أنه مكروه تحريمًا، وقال القاضي عياض: نهى عن الأكل بالشمال وأمر بالأكل باليمين لما تظاهرت به الأحاديث من حبه صلى الله عليه وسلم التيامن في كل شيء ولما فيه من لفظ اليمن ولثنائه تعالى على أصحاب اليمين بأخذهم كتبهم بأيمانهم وكونهم عن يمين الرحمن تشريفًا بذلك وكونهم عن يمين العرش ولما فيها من القوة ولإضافة العرب كل خير إليها وضد ذلك في الشمال اهـ من الأبي. قال القرطبي: قوله (فليأكل بيمينه) .. الخ هذا الأمر على جهة الندب لأنه من باب تشريف اليمين على الشمال وذلك لأنها أقوى في الغالب وأسبق للأعمال وأمكن في الأشغال ثم هي مشتقة من اليمن والبركة، وقد شرف الله تعالى أهل الجنة بأن نسبهم إليها كما ذم أهل النار حين نسبهم إلى الشمال فقال: {فَأَصْحَابُ الْمَيمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيمَنَةِ (8)} [الواقعة: 8] وقال: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} [الواقعة: 90 - 91] وقال عكس هذا في أصحاب الشمال. بالجملة فاليمين وما نسب إليها وما اشتق عنها محمود لسانًا وشرعًا ودنيا وآخرة، والشمال على النقيض من ذلك حتى قد قال شاعر العرب: أبيني أفي يمنى يديك جعلتني ... فأفرح أم صيرتني في شمالِكا وإذا كان الأمر هكذا فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة وإن احتيج في شيء منها

5130 - (00) (00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). كِلاهُمَا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ سُفْيَانَ. 5131 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: أَخْبَرَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الاستعانة بالشمال فبحكم التبعية، وأما إزالة الأقذار والأمور الخسيسة فبالشمال لما يناسبها من الحقارة والاسترذال اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأطعمة باب الأكل باليمين رقم [3776] , والترمذي في الأطعمة [1799]، والنسائي في الكبرى [6748]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5130 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى وهو القطان كلاهما) أي كل من عبد الله بن نمير ويحيى القطان (عن عبيد الله) بن عمر ابن حفص (جميعًا) أي كل من مالك وعبيد الله بن عمر رويا (عن الزهري بإسناد سفيان) ابن عيينة يعني عن أبي بكر عن ابن عمر، غرضه بيان متابعتهما لسفيان بن عيينة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5131 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى) المصريان (قال أبو الطاهر أخبرنا وقال حرملة حدثنا عبد الله بن وهب حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر القرشي العدوي المدني العسقلاني، روى عن القاسم بن عبيد الله في الأطعمة، وروى عن ابن وهب، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (حدثني القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العمري المدني، روى عن سالم بن عبد الله بن عمر في الأطعمة، وأبيه ويروي عنه (م س) وعمر بن محمد بن زيد، وثقه ابن

حَدَّثَهُ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ. وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا. فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا". قَال: وَكَانَ نَافِعٌ يَزِيدُ فِيهَا: "وَلَا يَأْخُذُ بِهَا وَلَا يُعْطِي بِهَا". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الطَّاهِرِ: "لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حبان، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات زمن مروان في حدود الثلاثين ومائة (حدثه) أي حدث القاسم لعمر بن محمد (عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لأبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يأكلنَّ أحد منكم) أيها المسلمون (بشماله ولا يشربنَّ بها) أي بشماله (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها قال) القاسم بن عبيد الله بالسند السابق (وكان نافع) مولى ابن عمر (يزيد فيها) أي في الشمال لفظة (ولا يأخذ) أحد منكم (بها) أي بشماله ما أعطي من المعطي له (ولا يعطي) أحد منكم ما أراد إعطاءه للغير (بها) أي بشماله ويأخذ ويعطي بالرفع على الإخبار ولكنه خبر بمعنى النهي، قال المؤلف الإمام مسلم رحمه الله تعالى (وفي رواية أبي الطاهر) لفظة (لا يأكلن أحدكم) بإضافة كلمة أحد إلى ضمير المخاطبين وحذف من الجارة من بينهما. قوله (وكان نافع يزيد فيها) قال الأبي: انظر هل يزيد ذلك مرفوعًا مسندًا، وأظن أن عبد الحق ذكر ذلك مرفوعًا لكن من غير طريق نافع. (قلت) قد أخرج ابن حبان عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يعطي الرجل بشماله شيئًا أو يأخذ بها. راجع الإحسان بترتيب ابن حبان [7/ 329]. قوله (ولا يأخذ بها ولا يعطي) يعني كان لا يستعمل اليد اليسرى في الأخذ والإعطاء وإنما كان يفعل ذلك بيمينه وهو الأدب وهذا كله كما ذكرناه سابقًا نقلًا عن النووي إذا لم يكن عذر يمنع استعمال اليمين في الأكل والشرب والأخذ والإعطاء فإن كان هناك عذر فلا بأس باستعمال الشمال، وفي بعض الهوامش قوله (وكان نافع يزيد فيها ولا يأخذ) .. الخ، إن كان مرفوعًا مسندًا يلزم الجزم فيهما عطفًا على النهيين السابقين لكن جميع النسخ الموجودة من المطبوعة وغيرها مكتوب بالرفع كما ترى ولهذا أبقيناهما على حالهما والله أعلم، وروى الحسن بن سفيان بسنده عن أبي هريرة ولفظه

5132 - (1979) (44) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَجُلا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ. فَقَال: "كُلْ بِيَمِينِكَ" قَال: لَا أَسْتَطِيعُ. قَال: "لَا اسْتَطَعْتَ" مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله) اهـ مرقاة اهـ من ذهني. وهذه الرواية انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال: 5132 - (1979) (44) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب) بضم المهملة وبموحدتين العكلي بضم المهملة وسكون الكاف نسبة إلى بطن من تميم تسمى عكل الخراساني الأصل ثم الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (عن عكرمة بن عمار) العجلي اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع) الأسلمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سلمة بن عمرو بن الأكوع، اسم الأكوع سنان بن عبد الله الأسلمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن أباه) أي أن أبا إياس (حدثه) أي حدث لإياس (أن رجلًا) اسمه بسر بن راعي العير الأشجعي كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني، وابن ماكولا وآخرون وهو صحابي مشهور عده هؤلاء في الصحابة رضي الله عنهم (أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال) له رسول الله (كل) أيها الرجل (بيمينك، قال) الرجل (لا أستطيع) أن آكل باليمين فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا استطعت) أي لا تستطع الأكل باليمين أبدًا وهذا دعاء عليه لأه كان معارضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراوي (ما منعه) الأكل باليمين (إلا الكبر) أي التكبر ورد الحق وعناده فلذلك دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الاستطاعة، قال القرطبي: قوله (فقال لا أستطيع فقال لا استطعت) دعاء منه صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن له في ترك الأكل باليمين عذر وإنما قصد المخالفة وكأنه كان منافقًا والله تعالى أعلم. ولذلك قال الراوي سلمة بن الأكوع (ما منعه) من الأكل باليمين

قَال: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. 5133 - (1980) (45) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيسَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلَّا الكبر) ورد الحق والمخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أجاب الله تعالى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: لا استطعت، كما (قال) سلمة (فما رفعها) أي رفع ذلك الرجل يمينه (إلى فيه) أي إلى فمه بعد ذلك اليوم حتى شلت يمينه. وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل حال حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه اهـ نووي, قوله (أن رجلًا أكل) كذا وقع هنا غير مسمى، وسماه أبو الوليد الطيالسي عند الدارمي في سننه [2/ 24] فقال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر بن راعي العير يأكل بشماله .. الخ, قوله (لا استطعت) دعاء عليه بأن لا يتمكن أبدًا من استخدام اليمين ولعله صلى الله عليه وسلم دعا عليه لما علم بالوحي أو غيره بأنه كذب في هذا الاعتذار ولم يحمله على ذلك إلَّا الكبر، وجزم القاضي عياض بأنه كان منافقًا، وتعقبه النووي بأن بسر بن راعي العير عده أبو نعيم وابن منده من الصحابة، ولكن قال الحافظ في الإصابة [1/ 153]: "في هذا الاستدلال نظر لأن كل من ذكره لم يذكر له مستندًا إلَّا هذا الحديث، فالاحتمال قائم، ويمكن الجمع أنه كان في تلك الحالة لم يسلم ثم أسلم بعد ذلك" وما قاله الحافظ أوجه، وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات إلَّا أنه أخرجه أحمد [4/ 45]، والدارمي في سننه في الأطعمة باب الأكل باليمين برقم [2038]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث جابر بحديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهم فقال: 5133 - (1980) (45) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كل منهما رويا (عن سفيان) بن عيينة (قال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن وهب بن كيسان) القرشي الأسدي

سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قَال: كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ. فَقَال لِي: "يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ. وَكُلْ بِيَمِينِكَ. وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم أبي نعيم المدني المعلم المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (سمعه) أي سمع وهب بن كيسان هذا الحديث الآتي (من عمر بن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومي ربيب النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الصغير رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) عمر ابن أبي سلمةأكنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) وتربيته، والحجر بفتح الحاء وسكون الجيم الحضانة وبالكسر الاسم، ومنه حجر الثوب والحجر بالكسر أيضًا الحرام اهـ مفهم، وفي رواية للبخاري كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر ابن عبد البر أنه ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة ورده الحافظ في الفتح [9/ 521] بأنه كان أكبر من عبد الله بن الزبير بسنتين فيكون مولده قبل الهجرة، والحجر بفتح الحاء وسكون الجيم مصدر بمعنى التربية والحضانة، والحجر بكسر الجيم بمعنى الحضن، والثوب وكلاهما محتمل ها هنا (وكانت يدي) عند الأكل (تطيش) بوزن تطير أي تتحول وتنتقل (في) نواحي (الصحفة) وجوانبها تلتقط منها الطعام وتأخذه للأكل منه، ووقع في رواية البخاري (فجعلت آكل من نواحي الصحفة) وهو يفسر المراد هنا، والصحفة إناء يسع طعامًا قدر ما يشبع خمسة، والقصعة قدر ما يشبع عشرة، وقيل الصحفة كالقصعة وزنًا ومعنى وجمعها صحاف كقصعة وقصاع (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا غلام سم الله) تعالى أي اذكر اسم الله أي قل بسم الله الرحمن الرحيم أو بسم الله (وكل بيمينك وكل مما بليك) أي من الطعام الذي في الجانب الذي يليك من الصحفة ولا تأكل من جانب غيرك، قال النووي: لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة فقد يتقذره صاحبه لا سيما في الأمراق وشبهها فإن كان تمرًا أو أجناسًا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه والذي ينبغي تعميم النهي حملًا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص (قلت) قد ثبت دليل مخصص وهو حديث عكراش بن ذؤيب عند الترمذي في الأطعمة باب التسمية على الطعام رقم [1848] في قصة طويلة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه (فأتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر فأقبلنا نأكل منها فخطت بيدي في نواحيها وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى ثم قال: "يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد" ثم أتينا بطبق فيه ألوان التمر أو الرطب شك عبيد الله فجعلت آكل من بين يدي وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق فقال: "يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد" وقد ذكر الترمذي أنه تفرد به العلاء بن الفضل، ولكن قال فيه الذهبي في الميزان [3/ 104]: صدوق إن شاء الله. وبهذا الحديث تبين أيضًا الجواب عما تساءل به الأبي ها هنا بقوله: وانظر هل اختلاف آحاد المصنف الواحد بالجودة بمنزلة اختلاف الأنواع فيجوز أن يأخذ جيدًا من بين يدي غيره. فإن الذي أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل من حيث شاء كان تمرًا كله غير أنه كان ألوانًا فظهر أنه يجوز والله سبحانه وتعالى أعلم، قال النووي: وفي هذا الحديث بيان ثلاث سنن من سنن الأكل وهي التسمية والأكل باليمين والأكل مما يليه، قال القرطبي: وفي الحديث تعليم الصبيان ما يحتاجون إليه من أمور الدين وآدابه وهذه الأوامر كلها على الندب لأنها من المحاسن المكملة والمكارم المستحسنة والأصل فيما كان من هذا الباب الترغيب والندب. وقوله (كل مما يليك) سنة متفق عليها وخلافها مكروه شديد الاستقباح لكن إذا كان الطعام نوعًا وسبب ذلك الاستقباح: أن كل آكل كالحائز لما يليه من الطعام فأخذ الغير له تعد عليه مع ما في ذلك من تقذر النفوس ما خاضت فيه الأيدي والأصابع، ولما فيه من إظهار الحرص على الطعام والنهم ثم هو سوء أدب من غير فائدة إذا كان الطعام نوعًا واحدًا، وأما إذا اختلفت أنواع الطعام فقد أباح ذلك العلماء إذ ليس فيه شيء من تلك الأمور المستقبحة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة رقم [5379 و 5377 و 5378]، وأبو داود في الأطعمة رقم [3777]، والترمذي في الأطعمة [1858]، وابن ماجه في الأطعمة [3309]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما فقال:

5134 - (00) (00) وحدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ قَال: أَكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَقَمَ. فَجَعَلْتُ آخُذُ مِنْ لَحْمٍ حَوْلَ الصَّحْفَةِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُلْ مِمَّا يَلِيكَ". 5135 - (00) (00) وحدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَال: نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5134 - (00) (00) (وحدثنا الحسن بن علي بن محمد الحلواني) الخلال المكي الهذلي، ثقة، من (11) (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) (قالا حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم المصري، ثقة، من (10) (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم أخو إسماعيل المدني، ثقة، من (7) (أخبرني محمد بن عمرو بن حلحلة) الديلي المدني، ثقة، من (6) (عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن عمرو بن حلحلة للوليد بن كثير (أنه) أي أن عمر ابن أبي سلمة (قال أكلت يومًا) من الأيام (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت) أي شرعت أن (آخذ من لحم) كان (حول الصحفة) أي جانبها أي في الجانب الآخر غير ما يليني (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم كل) يا غلام (مما يليك) أي من الجانب الذي يليك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث جابر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5135 - (1981) (46) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني، الأعمى، الفقيه أحد السبعة (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية) أي عن لف رؤوس القرب وطيها ليشرب منها الماء أو اللبن بفمه،

5136 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّهُ قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ: أَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَفْوَاهِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والاختناث بخاء معجمة ثم تاء مثناة من فوق ثم نون ثم مثلثة وفسره في الرواية الآتية بقوله (واختناثها أن يقلب رأسها حتى يشرب منه) وأصل هذه الكلمة التكسر والانطواء ومنه سمي الرجل المتشبه بالنساء في طبعه وكلامه وحركاته مخنثًا واتفقوا على أن النهي عن اختناثها نهي تنزيه لا تحريم، ثم قيل سببه أنه لا يؤمن أن يكون في السقاء ما يؤذيه فيدخل جوفه ولا يدري كالعلق ويؤيده ما ذكره الحافظ في الفتح [10/ 90] عن مسند ابن أبي شيبة في أول هذا الحديث (شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه جنان فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) .. إلخ وكذا أخرجه الإسماعيلي، وقيل سبب النهي أنه يقذره على غيره وقيل إنه ينتنه أو لأنه مستقذر، وقد روى الترمذي وغيره عن كبشة بنت ثابت وهي أخت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنهما قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من قربة معلقة قائمًا فقمت إلى فيها فقطعته، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقطعها لفم القربة فعلته لوجهين: أحدهما أن تصون موضعًا أصابه فم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتذل ويمسه كل أحد والثاني أن تحفظه للتبرك به والاستشفاء والله أعلم. فهذا الحديث يدل على أن النهي ليس للتحريم اهـ نووي مع زيادة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأشربة [5625 و 5626]، وأبو داود في الأشربة [3720]، والترمذي في الأشربة [3463]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5136 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) الهذلي (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية) ولف فمها لأجل (أن يشرب من أفواهها).

5137 - (00) (00) وحدّثناه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: وَاخْتِنَاثُهَا أَنْ يُقْلَبَ رَأْسُهَا ثُمَّ يُشْرَبَ مِنْهُ. 5138 - (00) (00) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 5137 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن أبي سعيد، غرضه بيان متابعة معمر ليونس، وساق معمر (مثله) أي مثل ما روى يونس (غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) وزاد لفظة (واختناثها أن يقلب) ويلف ويطوى (رأسها) أي فمها (ثم يشرب) الماء (منه) أي من رأسها والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 5138 - (1982) (47) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي أبو عبد الله البصري (حدثنا قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر) ونهى (عن الشرب) أي شراب كان، حالة كون الشارب (قائمًا) وفي رواية نهى عن الشرب قائمًا حمل العلماء هذا الزجر والنهي على كراهة التنزيه بقرينة شربه صلى الله عليه وسلم قائمًا بيانًا لجوازه، وفي البخاري أتى علي رضي الله عنه على باب الرحبة فشرب قائمًا فقال: إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت، وفي الأبي: أو تحمل أحاديث النهي على أن في الشرب قائمًا ضررًا فاحتاط لأمته بالنهي وفعله لأمنه منه اهـ فعلى هذا فالنهي لأمر طبي لا ديني والله أعلم اهـ ذهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأشربة باب في الشرب قائمًا رقم [3717]، والترمذي في الأشربة باب ما جاء في النهي عن الشرب قائمًا رقم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1879] , وابن ماجه في الأشربة باب الشرب قائمًا رقم [3467]. "واعلم" أن الأحاديث مختلفة في باب الشرب قائمًا فمنها أحاديث تدل على النهي كأحاديث الباب حتى ورد الأمر بالاسّتقاء لمن شرب قائمًا في حديث أبي هريرة الآتي وأخرجه أحمد من وجه آخر وصححه ابن حبان من طريق أبي صالح عنه بلفظ (لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لاستقاء) ولأحمد من وجه آخر عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يشرب قائمًا فقال: "قه" قال: لمه؟ قال: "أيسرك أن يشرب معك الهر" قال: لا، قال: "قد شرب معك من هو شرٌّ منه الشيطان" وفي إسناده أبو زياد الطحان لا يعرف اسمه وقد وثقه يحيى بن معين كما في فتح الباري [10/ 82]، وأخرج الترمذي عن الجارود بن المعلى (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا). وهناك أحاديث آخر تدل على الجواز فمنها ما سيأتي في آخر الباب (من شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماء زمزم قائمًا) ومنها ما مر قريبًا من حديث كبشة عند الترمذي وقد ثبت فيه شربه صلى الله عليه وسلم قائمًا من فم القربة، ومنها ما أخرجه البخاري في الأشربة رقم [5615] عن علي رضي الله عنه أنه أتي على باب الرحبة بماء فشرب قائمًا .. الحديث كما مر آنفًا، ومنها ما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام) وأخرج الترمذي أيضًا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائمًا وقاعدًا) وقال الترمذي: حسن صحيح، وذكر أن في الباب أحاديث عن علي وسعد وعبد الله بن عمرو وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، ومنها ما أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الجامع منه ص (714) بلاغًا أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قيامًا، ومنها ما أخرجه عن ابن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسًا، ومنها ما أخرجه عن أبي جعفر القاري أنه قال: (رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائمًا) وأخرج عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائمًا، واختلفت آراء العلماء في دفع التعارض بين هذه الأحاديث والآثار على (7) أقوال: (1) الأول: ترجيح أحاديث الجواز على أحاديث النهي لأن أحاديث الجواز أثبت

5139 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثنَا سَعِيدٌ, ـــــــــــــــــــــــــــــ مما يخالفها وهذا قول أبي بكر الأثرم واستدل على ما قاله بما أسنده عن أبي هريرة قال: (لا بأس بالشرب قائمًا) فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة وإلا لما قال لا بأس به. ويدل على وهاء أحاديث النهي أيضًا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب قائمًا أن يستقيء كذا نقله الحافظ عنه في الفتح [10/ 84] وإليه يظهر ميل القاضي عياض فيما حكى عنه الأبي. (2) القول الثاني: أن أحاديث النهي منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين القائلين بالجواز وإلى هذا القول جنح ابن شاهين والأثرم كما في الفتح. (3) القول الثالث: أن أحاديث الجواز منسوخة بأحاديث النهي وإليه ذهب ابن حزم متمسكًا بأن الجواز على وفق الأصل وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت باحتمال. (4) والرابع: أن أحاديث النهي متعلقة بالقيام بمعنى المشي لا بمجرد القيام قاله أبو الفرج الثقفي. (5) والخامس: أن يجمع بين الأحاديث بأن النهي للتنزيه فلا يعارض أحاديث الجواز وهو الذي اختاره أكثر الفقهاء من المذاهب الأربعة. (6) والسادس: أن يحمل النهي على الضرر الطبي وأحاديث الجواز على الإباحة الشرعية وإليه جنح الطحاوي. (7) والسابع: أن أحاديث النهي محمولة على ما إذا تيسر له الجلوس وأحاديث الجواز محمولة على ما إذا لم يتيسر له الجلوس كما إذا كان عند زمزم فإنه ربما يصعب عليه الجلوس لكثرة الزحام والطين اهـ من التكملة بزيادة وتصرف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5139 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا. قَال قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالأَكْلُ؟ فَقَال: ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ اليشكري البصري (حدثنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهمام بن يحيى (أنه) صلى الله عليه وسلم (نهى أن يشرب الرجل قائمًا قال قتادة فقلنا) لأنس (فالأكل) قائمًا نهى عنه أيضًا (فقال) لنا أنس نعم (ذاك) أي الأكل قائمًا (أشر) أي أقبح من الشرب قائمًا (أو) قال أنس ذاك أي الأكل قائمًا (أخبث) أي أخس من الشرب قائمًا، شك قتادة أي اللفظين قال أنس ومعناهما واحد، وقوله (أشر) هكذا وقع في الأصول أشر بالألف والمعروف في العربية شر بغير ألف وكذلك خير قال الله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا} وقال تعالى: {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} ولكن هذه اللفظة وقعت ها هنا على الشك فإنه قال: أشر وأخبث، فشك قتادة أن أنسًا قال أشر أو قال أخبث فلا يثبت عن أنس أشر بهذه الرواية فإن جاءت هذه اللفظة بلا شك وثبتت عن أنس فهو عربي فصيح فهي لغة وإن كانت قليلة الاستعمال ولهذا نظائر مما لا يكون معروفًا عند النحاة ولا جاريًا على قواعدهم وقد صحت به الأحاديث فلا ينبغي رده إذا ثبت بل يقال هذه لغة قليلة الاستعمال ونحو هذا من العبارات وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب ولهذا يمنع بعضهم ما ينقل غيره عن العرب كما هو معروف اهـ نووي. وعلى كل حال فالرواية دالة على أن الأكل قائمًا أشنع من الشرب قائمًا، لكن قال القاضي عياض: لم يختلف في جواز الأكل قائمًا، وإن قال قتادة إنه أشر وأخبث ولعله استند في ذلك على ما ذكرناه من حديث ابن عمر (كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام) أخرجه الترمذي ولكن كيف يصح دعوى الاتفاق على الجواز وقد ثبت عن أنس (لا عن قتادة) أن الأكل قائمًا أخبث من الشرب قائمًا، فإما أن يجمع بين الحديثين بعين ما ذكرناه في مسألة الشرب وذلك أن حديث أنس محمول على الكراهة التنزيهية وحديث ابن عمر على الجواز، وإما بأن يقال إن حديث ابن عمر محمول على أكل لقمة أو لقمتين وأكل أشياء لا يهتم لها بالمائدة وحديث أنس محمول على الطعام الذي يؤكل على المائدة وهذا أوجه والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال:

5140 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ قَتَادَةَ. 5141 - (1983) (48) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي عِيسَى الأُسْوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5140 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا وكيع عن هشام) الدستوائي (عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لسعيد بن أبي عروبة، وساق هشام (بمثله) أي بمثل حديث سعيد بن أبي عروبة (و) لكن (لم يذكر) هشام (قول قتادة) لأنس فالأكل كذلك .. الخ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5141 - (1983) (48) (وحدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار البصري (حدثنا قتادة عن أبي عيسى الأسواري) بضم الهمزة نسبة إلى الأساورة قوم من بني تميم نزلوا البصرة، وأما الأسواري بفتح الهمزة فهو منسوب إلى قرية بأصبهان وأبو عيسى هذا بضم الهمزة كذا حققه الذهبي في المشتبه (ص / 23) قال الطبراني: بصري ثقة، لم أر من ذكر اسمه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن المديني: هو مجهول لم يرو عنه إلَّا قتادة، وخالفه أبو بكر البزار فزعم أنه مشهور كذا في التهذيب [12/ 196]، وفي الخلاصة: وأما أبو عيسى الأسواري البصري، روى عن أبي سعيد الخدري في النهي عن الشرب قائمًا وابن عمر وأبي العالية، ويروي عنه (م) وقتادة وثابت البناني وعاصم الأحول، روى له (م) حديث أبي سعيد الخدري في النهي عن الشرب قائمًا (قلت) هو متابعة يعني استشهادًا. (عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائمًا) قد

5142 - (00) (00) وحدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ وَابْنِ الْمُثَنَّى) قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي عِيسَى الأُسْوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائمًا. 5143 - (1984) (49) حدّثني عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي الْفَزَارِيَّ). حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ. أَخْبَرَنِي أَبُو غَطَفَانَ الْمُرِّيُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم بسط الكلام في هذا الحديث في حديث أنس رضي الله عنه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم يروه غيره من أصحاب الأمهات اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5142 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لزهير وابن المثنى قالوا حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لهمام بن يحيى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا) تقدم بسط الكلام فيه آنفًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5143 - (1984) (49) (حدثني عبد الجبار بن العلاء) بن عبد الجبار الأنصاري مولاهم، المقرئ المكي، لا بأس به، من (10) (حدثنا مروان) بن معاوية (يعني الفزاري) الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا عمر بن حمزة) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ضعيف، من (6) روى عنه في (4) أبواب (أخبرني أبو غطفان) بفتحات الحجازي المدني سعد بن طريف بن مالك (المري) وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من كبار الثالثة، روى عنه في (3) أبواب (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشربن أحد منكم قائمًا

فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فمن نسي) هذا النهي وشرب قائمًا (فليستقئ) أي فليخرج ما شربه من جوفه قيئًا، والأمر فيه للإرشاد إلى المصالح، وفيه إشارة إلى أن الناسي إذا كان مأمورًا بطلب قيء ما شربه ناسيًا فالشارب عامدًا يكون مأمورًا به بالطريق الأولى. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. قوله (فمن نسي فليستقئ) أجمعوا على أن هذا الأمر ليس للوجوب وبه استدل القاضي على ضعف هذا الحديث وأعلّه بعمر بن حمزة، وتعقبه النووي بأن الأمر يمكن أن يحمل على الاستحباب، وأما عمر بن حمزة فقد قال فيه الحافظ ابن حجر أنه مختلف في توثيقه ومثله يخرج له مسلم في المتابعات، وقد ذكر الأبي عن بعض المشايخ أن الأصح أنه موقوف على أبي هريرة. وقد طعن القاضي عياض في أحاديث الباب الثلاثة يعني باب كراهية الشرب قائمًا وقال: لم يخرج مالك ولا البخاري أحاديث النهي لعدم صحتها عندهما وإنما خرّجا أحاديث الإباحة، وذكر مسلم من أحاديث النهي ثلاثة كلها معلولة؛ الأول حديث قتادة عن أنس وهو معنعن وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لم يقل فيه حدثنا. الثاني حديث قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري قالوا أبو عيسى هذا غير مشهور. والثالث حديث عمر بن حمزة عن أبي غطفان أنه سمع أبا هريرة وعمر بن حمزة لا يحتمل منه مثل هذا الحديث لمخالفته غيره له مع أن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة كذا في شرح الأبي [5/ 37] ولكن رد عليه الحافظ في الفتح [10/ 83] فقال: فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسًا وقد عنعنه فيجاب عنه بأنه صرح في نفس السند بما يقتضي سماعه له من أنس فإن فيه قلنا لأنس فالأكل، وأما تضعيفه حديث أبي سعيد بأن أبا عيسى غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني لأنه لم يرو عنه إلَّا قتادة لكن وثقه الطبري وابن حبان، ومثل هذا يخرج في الشواهد، وأما تضعيفه لحديث أبي هريرة بعمر بن حمزة فهو مختلف في توثيقه ومثله يخرج له مسلم في الشواهد والمتابعات، وقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة فالحديث بمجموع طرقه صحيح، دماذا ثبتت أحاديث النهي فالقول الخامس أولى وهو أن تحمل على كراهة التنزيه ولا يعارضه حديث عليٍّ في نفي الكراهة لأنه يحتمل أن يكون أراد

5144 - (1985) (50) وحدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: سَقَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ. فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ. 5145 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكراهة التحريمية وربما يستشكل القول بكراهة التنزيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل المكروه ولو تنزيهًا. وأجاب عنه الأبي في شرحه بأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعله للبيان فليس بمكروه بل هو واجب عليه لوجوب التبليغ وهذا مثل ما توضأ مرة مرة وطاف راكبًا مع الإجماع على أن الوضوء ثلاثًا والطواف ماشيًا أفضل اهـ من التكملة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 5144 - (1985) (50) (وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البزاز، ثقة، من (7) (عن عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع أي صببت له (من) ماء (زمزم فشرب) ـــه (وهو) صلى الله عليه وسلم (قائم) غير جالس، قد مر ما فيه أنه لبيان الجواز. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 369]، والبخاري في الحج برقم [1637]، وفي الأشربة [5617]، والترمذي في الأشربة برقم [1882]، والنسائي في الحج [2964]، وابن ماجه [3422]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5145 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لأبي

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ، مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَائِمٌ. 5146 - (00) (00) وحدَّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ. ح وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ (قَال إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال يَعْقُوبُ: حَدَّثنَا) هُشَيمٌ. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَمُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ. 5147 - (00) (00) وحدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عوانة (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم) فمن زائدة أو تبعيضية أي شرب ماء زمزم (من دلو) أي من إناء مملوء (منها) أي من بئر زمزم أنث الضمير العائد على زمزم نظرًا إلى أنها بمعنى البئر أو بمعنى البقعة (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (قائم) في حالة شربه لبيان الجواز. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 5146 - (00) (00) (وحدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (أخبرنا عاصم) بن سليمان (الأحول ح وحدثني يعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) البغدادي، ثقة، من (10) (وإسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قال إسماعيل أخبرنا وقال يعقوب حدثنا هشيم) بن بشير (حدثنا عاصم) بن سليمان (الأحول ومغيرة) بن مقسم الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الفقيه الأعمى، ثقة، من (6) روى عنه في (8) كلاهما رويا (عن الشعبي عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة هشيم لأبي عوانة وسفيان بن عيينة (أن رسول إله صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 5147 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان بن الحر بن مالك التميمي العنبري البصري (حدثنا شعبة عن عاصم) الأحول

سَمِعَ الشَّعْبِيَّ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَال: سَقَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ. فَشَرِبَ قَائِمًا. وَاسْتَسْقَى وَهُوَ عِنْدَ الْبَيتِ. 5148 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: فَأَتَيتُهُ بِدَلْوٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمع الشعبي سمع ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لمن روى عن عاصم (قال) ابن عباس (سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من) ماء (زمزم فشربـ) ـــه قائمًا و) الحال أنه قد (استسقى) أي طلب ما يشربه، والجملة حال من الرسول وكذا جملة قوله (وهو) صلى الله عليه وسعلم (عند البيت) أي عند الكعبة حال من فاعل استسقى فتكون حالًا متداخلة. (فإن قلت) إن هذا الحديث يعارض الحديث السابق من قوله (لا يشربن أحدكم قائمًا) فكيف التوفيق بينهما (قلت) إن النهي للتنزيه لئلا يضره الشرب وشربه صلى الله عليه وسلم قائمًا يكون لبيان الجواز أو يقال إنه مخصص بماء زمزم لكونه مباركًا غير مضر شربه قائمًا فمن زعم نسخًا بين الحديثين فقد غلط لأن الجمع بينهما ممكن مع أن التاريخ غير معلوم اهـ من المبارق. فإن قيل إذا صح حمل النهي على التنزيه فالشرب قائمًا مرجوح وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل مرجوحًا: أجيب أنه إذا فعله للبيان فليس بمرجوح بل هو واجب عليه لوجوب التبليغ عليه اهـ سنوسي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 1548 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر ووهب بن جرير رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عاصم عن الشعبي عن ابن عباس، غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ (و) لكن (في حديثهما) أي في روايتهما زيادة لفظة (فأتيته بدلو) أي واستسقى وهو عند البيت فأتيته بدلو من ماء زمزم فسقيته والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أحد عشر حديثًا الأول منها حديث حذيفة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد، والسادس حديث عمر بن أبي سلمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والتاسع حديث أبي سعيد الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والحادي عشر حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

662 - (6) باب النهي عن التنفس في الإناء واستحبابه خارجه ومناولة الشراب الأيمن فالأيمن ولعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة الساقطة ومن دعي إلى الطعام فتبعه غيره

662 - (6) باب النهي عن التنفس في الإناء واستحبابه خارجه ومناولة الشراب الأيمن فالأيمن ولعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة الساقطة ومن دعي إلى الطعام فتبعه غيره 5149 - (1986) (51) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الإِنَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 662 - (6) باب النهي عن التنفس في الإناء واستحبابه خارجه ومناولة الشراب الأيمن فالأيمن ولعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة الساقطة ومن دعي إلى الطعام فتبعه غيره 5149 - (1986) (51) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثففي عن أيوب) السختياني (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري أبي إبراهيم المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) أبي قتادة الأنصاري السلمي بفتح السين واللام الحارث بن ربعي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس) بصيغة المجهول أي نهى عن أن يخرج الشارب نفسه (في) داخل (الإناء) عند الشرب منه لئلا يتقذر الماء أو اللبن مثلًا ببزاق يخرج من الفم أو بريح كريهة تتعلق بالماء أو بالإناء، وعلى هذا فإذا لم يتنفس في الإناء فليشرب في نفس واحد ما شاء قاله عمر بن عبد العزيز، وأجازه جماعة منهم ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس، وكره ذلك قوم منهم ابن عباس وطاوس وعكرمة وقالوا: هو شرب الشيطان، والقول الأول أظهر لقوله صلى الله عليه وسلم للذي قال إنه لا يروي من نفس واحد: "ابن القدح عن فيك ثم تنفس" رواه مالك وأبو داود والترمذي، وظاهره أنه أباح له الشرب في نفس واحد إذا كان يروى منه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5630]، والترمذي في الأشربة [1890]، والنسائي في الطهارة [1/ 43]، وابن ماجه في الطهارة [313]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

5150 - (1987) (52) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5150 - (1987) (52) (وحدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا وكيع عن عزرة بن ثابت) بن أبي زيد عمرو بن أخطب (الأنصاري) ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن ثمامة بن عبد الله بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري قاضيها، روى عن جده أنس بن مالك في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وعزرة بن ثابت في الأطعمة، وابن عون وأبو عوانة ومعمر، وثقه أحمد والنسائي والعجلي، وقال ابن عدي: وأرجو أن لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق، من الرابعة، وفي الخلاصة الخزرجية: مات بعد عشر ومائة (110) (عن) جده (أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس) أي يقطع نفسه (في الإناء) ويتنفس خارجه (ثلاثًا) قال المازري أي يقطع شربه بأن يبين القدح من فيه لا أنه يتنفس داخل الإناء لأنه صحت الأحاديث بالنهي عن ذلك وعن النفخ في الطعام والشراب، وحمل بعضهم هذا الحديث على ظاهره وهو أن يتنفس في الإناء ثلاثًا، وقال فعل ذلك لبيان الجواز، ومنهم من علل جواز ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم بأنه لم يكن يتقذر منه شيء بل الذي يتقذر من غيره يستطاب منه فإنهم كانوا إذا بزق أو تنخع تدلكوا بذلك، وإذا توضأ اقتتلوا على فضل وضوئه إلى غير ذلك مما في هذا المعنى. (قلت) وحمل هذا الحديث على هذا ليس بصحيح بدليل بقية الحديث فإنه قال: "إنه أروى وأبرأ وأمرأ" وهذه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب في ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق ويحصل تقذير الماء وقد لا يروى إذا سقط من بزاقه شيء أو خالطه من رائحة نفسه إن كانت هنالك رائحة كريهة، وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور وهو الصواب إن شاء الله تعالى نظرًا إلى المعنى ولبقية الحديث ولقوله للرجل "ابن القدح عن فيك" ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق ومن باب النظافة، وما كان صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء من مكارم الأخلاق ثم لا يفعله اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5631]، وأبو داود [3727]، والترمذي [1885].

5151 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: "إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5151 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان العنبري البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا عبد الوارث) العنبري (عن أبي عصام) المزني البصري، روى عن أنس في التنفس في الإناء في باب الأشربة، ويروي عنه (م د ت س) وعبد الوارث بن سعيد وشعبة وهشام الدستوائي، قيل اسمه ثمامة، وقال البخاري في التاريخ: اسمه خالد بن عبيد، وقال اللالكائي: أبو عصام اسمه خالد بن عبيد العتكي كان شيخًا نبيلًا، وكذا قال النووي في شرحه اسمه خالد بن عبيد، روى عن أنس ثلاثة أحاديث، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من الخامسة (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي عصام لثمامة بن عبد الله (قال) أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثًا) أي في خارج الشراب (ويقول إنه) أي إن التنفس خارج الإناء ثلاثًا (أروى) بالقصر اسم تفضيل من الري وهو زوال العطش بالماء أي أكثر وأبلغ إزالة للعطش لأنه إذا شرب في نفس واحد فقد يقطع التنفس تمام شربه فلا يروى (وأبرأ) بهمز آخره اسم تفضيل من البرء أي أكثر وأبلغ براءة وسلامة وخلاصًا من ألم العطش، وقيل معنى أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد (وأمرأ) بهمز آخره أيضًا اسم تفضيل من مرؤ الشراب إذا سهل مرورًا في المرئ أي أسرع وأسهل انسياغًا ومرورًا في المرئ نظير قوله تعالى: {هَنِيئًا مَرِيئًا} أي هنيئًا سائغًا غير منغص لأنه إذا شرب في نفس واحد فقد يغص ويشرقه ويضر به ويولد أدواء اهـ من الأبي، قال القرطبي: إنهما بمعنى واحد أي أحسن وأسهل شربًا، والباء قد تبدل ميمًا في مواضع كثيرة يقال استمرأت الطعام إذا استحسنته واستطبته وعلى هذا المعنى الذي صار إليه الجمهور يكون الشراب المذكور بمعنى الشرب مصدرًا لا بمعنى الشراب الذي هو المشروب فتأمله فإنه حسن معنى

قَال أَنَسٌ: فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا. 5152 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ أَبِي عِصَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ وَقَال: فِي الإِنَاءِ. 5153 - (1988) (53) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ. وَعَنْ يَمِينهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفصيح لغة يقال شرب شربًا وشرابًا بمعنى واحد اهـ من المفهم. (قال أنس) بالسند السابق (فأنا أتنفس في الشراب) أي في شرب المشروب، فالشراب مصدر بمعنى الشرب أي أتنفس في حالة الشرب (ثلاثًا) أي ثلاث مرات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5152 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن أبي عصام عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لعبد الوارث بن سعيد وساق هشام (بمثله) أي بمثل ما حدّث عبد الوارث (و) لكن (قال) هشام كان يتنفس (في الإناء) بدل في الشراب. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 5153 - (1988) (53) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي) أي أتاه آت (بلبن قد شيب) أي خلط ومزج (بماء) ليبرد، والآتي باللبن هو أنس بن مالك، وفي الحديث جواز خلط اللبن بالماء إذا لم يقصد به الغش والمقصود به هنا إبراد اللبن أو إكثاره (وعن يمينه) صلى الله عليه وسلم (أعرابي) أي شخص من سكان البادية لم أر من ذكر اسمه (وعن يساره أبو بكر) الصديق رضي الله عنه

فَشَرِبَ. ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ وَقَال: "الأَيمَنُ فَالأَيمَنُ". 5154 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ. وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ. وَكُنَّ أُمَّهَاتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (فشرب) رضي الله عنه من ذلك اللبن (ثم) بعد شربه (أعطى الأعرابي) ما فضل منه (و) قال له عمر أعط يا رسول الله أبا بكر فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأيمن فالأيمن) يجوز فيهما الرفع والنصب فالرفع على الابتداء والخبر محذوف جوازًا تقديره الأيمن أحق أو مقدم أي من على جهة اليمين أحق بالإعطاء لشرفه بشرف الجهة والنصب فعلى كونه مفعولًا لفعل محذوف جوازًا تقديره أعط الأيمن فالأيمن أو قدم الأيمن أو آثر الأيمن، وقوله في الرواية الآتية الأيمنون بالرفع يرجح رواية الرفع هنا، وفيه أن الأيمن يقدم في إعطاء الشراب وإن كان مفضولًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي على أبي بكر مع فضله على الأعرابي، قال القرطبي: وإنما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي لأنه كان عن يمينه فبيّن أن ذلك سنة ولذلك قال الأيمن فالأيمن أي أعط الأيمن وابدأ به، وقيل أيضًا إنه قصد استئلافه فإنه كان من كبراء قومه فلذلك جلس عن يمينه صلى الله عليه وسلم والأول أظهر ولا يبعد قصد المعنى الثاني اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 113]، والبخاري في الأشربة [5619]، وفي غيرها وأبو داود في الأشربة [3726]، والترمذي في الأشربة أيضًا [1893]، وابن ماجه في الأشربة [3428]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5154 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لزهير قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك بن أنس (قال) أنس (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة) مهاجرًا من مكة (وأنا) وقتئذ غلام (ابن عشر) سنوات (ومات) النبي صلى الله عليه وسلم (وأنا) وقتئذ شاب (ابن عشرين) سنة (وكن أمهاتي) جار على لغة أكلوني

يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَتِهِ. فَدَخَلَ عَلَينَا دَارَنَا. فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ. وَشِيبَ لَهُ مِنْ بِئْرِ فِي الدَّارِ. فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهُ عُمَرُ - وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ -: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ البراغيث يعني بهن أمه أم سليم وخالته أم حرام وغيرهما من محارمه فاستعمل لفظ الأمهات في حقيقته ومجازه توسعًا لأن الخالة بمنزلة الأم، وقوله: (وكن أمهاتي) جار على لغة أكلوني البراغيث فالنون في كن علامة تأنيث المسند إليه وجمعه وإلا فالقياس أن يقال وكانت أمهاتي (يَحثُثْنني) مضارع مسند إلى نون الإناث وفيه نون الوقاية أي يَحضُضْنني ويحرضنني ويرغبنني (على خدمته) صلى الله عليه وسلم وكان أنس من الخزرج ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتت به أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت هذا أنس غلام يخدمك فقبله (فدخل) صلى الله عليه وسلم (علينا دارنا) يومًا ومعه بعض أصحابه (فحلبنا له) أي لأجل شربه صلى الله عليه وسلم لبنًا (من شاة داجن) أي معلوفة في البيت لا تخرج إلى المرعى آلفة له، والداجن بكسر الجيم هي التي تعلف في البيت، ويطلق الداجن على كل ما يألف البيت من طير وغيره (وشيب) أي خلط اللبن ومزج (له) صلى الله عليه وسلم بماء (من بئر) أي من خزان أو بئر عميقة حفرت (في) ساحة (الدار) أي في دارنا، قال النووي: قال العلماء: والحكمة في شوبه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع اهـ (فشرب) من ذلك اللبن المشوب بالماء (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) صلى الله عليه وسلم (عمر وأبو بكر) أي والحال أن أبا بكر (عن شماله) صلى الله عليه وسلم أو الجملة الاسمية معترضة بين القول ومقوله وهو (يا رسول الله أعط) ما فضل عنك (أبا بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما. قال الخطابي: العادة جارية لملوك الجاهلية ورؤسائها بتقديم الأيمن في الشرب حتى قال عمرو ابن كلثوم في قصيدة له: وكان الكأس مجراها اليمينا فخشي عمر لذلك أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي على أبي بكر في الشرب فنبه عليه لأنه احتمل عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر تقديم أبي بكر على تلك العادة فتصير السنة تقديم الأفضل في الشرب على الأيمن فبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله أن تلك العادة لم تغيرها السنة وأنها مستمرة وأن الأيمن يقدم على

فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ. وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الأَيمَنُ فَالأَيمَنُ". 5155 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ، أَبِي طُوَالةَ الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ. قَال: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِنَا. فَاسْتَسْقَى. فَحَلَبْنَا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأفضل في ذلك ولا يلزم من ذلك حط رتبة الأفضل نقله الحافظ في الفتح [10/ 76]. (فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشراب (أعرابيًّا) كان (عن يمينه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيمن فالأيمن) أي قدموا الأيمن فالأيمن في الشراب، وذكر ابن التين أن الأعرابي هو خالد بن الوليد رضي الله عنه ورده الحافظ في مساقاة الفتح [5/ 31] وبين منشأ شبهته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 5155 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم أبي طوالة) بضم الطاء المهملة وفتح الواو المخففة (الأنصاري) النجاري المدني قاضيها، ثقة، من (5) روى له في (5) أبواب، وليس عندهم من كنيته أبو طوالة إلَّا هذا الثقة (أنه) أي أن أبا طوالة (سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه (ح وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي المدني البصري (واللفظ) الآتي (له) أي لعبد الله بن مسلمة لا ليحيى بن أيوب (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن معمر (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه. حالة كونه (يحدث) الحديث الآتي. وهذان السندان من رباعياته (قال) أنس (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا فاستسقى) أي طلب سقيا الشراب (فحلبنا له) صلى الله

شَاةً. ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِي هذِهِ. قَال: فَأَعْطَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ وجَاهَهُ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ شُرْبِهِ. قَال عُمَرُ: هذَا أَبُو بَكْرٍ. يَا رَسُولَ اللهِ، يُرِيهِ إِيَّاهُ. فَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الأَعْرَابِيَّ. وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الأَيمَنُونَ، الأَيمَنُونَ، الأَيمَنُونَ". قَال أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ، فَهِيَ سُنَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (شاة) أي لبنًا من شاة داجن، قال أنس (ثم شبته) بوزن قلته لأنه أجوف واوي أي مزجت اللبن (من ماء) أي بماء (بئر) أهلـ (ـــي هذه) الموجودة الآن بإضافة ماء إلى البئر مع إضافة البئر إلى ياء المتكلم، والإضافة لأدنى ملابسة، واسم الإشارة صفة للبئر أي بماء من بئر أهلنا الموجودة تلك البئر الآن في ساحتهم (قال) أنس (فأعطيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذلك اللبن المشوب (فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم) من ذلك اللبن قدر كفايته (وأبو بكر) جالس (عن يساره وعمر) بن الخطاب جالس (وجاهه) أي تلقاء وجهه صلى الله عليه وسلم وقدامه، قال في القاموس: الوجاه والتجاه بالحركات الثلاث في الواو والتاء التلقاء يقال قعدت وجاهك أو تجاهك أي تلقاء وجهك وقدامه اهـ. وقال النووي: الوجاه بضم الواو وكسرها لغتان أي قدامه مواجهًا له صلى الله عليه وسلم (وأعرابي) من الأعراب جالس (عن يمينه) صلى الله عليه وسلم (فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شربه) أي من شرب قدر كفايته من اللبن (قال عمر هذا) الجالس عن يسارك (أبو بكر يا رسول الله) حالة كون عمر (يريه) أي يري ويبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياه) أي أبا بكر يعني يريد عمر أن ينبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجود أبي بكر في المجلس ليقدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقي اللبن وذلك من شدة حب عمر لأبي بكر رضي الله عنه وفرط تعظيمه له (فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي وترك أبا بكر وعمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيمنون) مبتدأ خبره محذوف تقديره أحق بالإعطاء (الأيمنون الأيمنون) توكيد لفظي للأول يعني الأيمنون أحقاء بالإعطاء والتقديم وإن كانوا مفضولين (قال أنس) بالسند السابق (فهي سنة فهي سنة فهي سنة) بالتكرار ثلاثًا للتأكيد يعني مناولة

5156 - (1989) (54) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ. فَشَرِبَ مِنْهُ. وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشراب الأيمن فالأيمن طريقة شرعية وهل تجري هذه السنة في غير الشراب كالمأكول والملبوس وغيرهما من جميع الأشياء، قال المهلب وغيره: نعم، وقال مالك: إن ذلك في الشراب خاصة، قال أبو عمر: ولا يصح ذلك عن مالك، قال القاضي عياض: ويشبه أن يكون معنى قول مالك إن ذلك في الشراب خاصة أنه فيه جاءت السنة بتقديم الأيمن فالأيمن وغيره إنما هو من باب الاجتهاد والقياس اهـ من المفهم قال النووي: في هذه الأحاديث بيان هذه السنة الواضحة وهو موافق لما تظاهرت عليه دلائل الشرع من استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وفيه أن الأيمن في الشراب وغيره يقدم وإن كان صغيرًا أو مفضولًا لأنه صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر رضي الله عنه وأما تقديم الأفاضل والكبراء فهو عند التساوي في باقي الأوصاف، ولهذا يقدم الأفقه والأقرأ على الأسن النسيب في إمامة الصلاة اهـ، وقال الحافظ في الفتح [10/ 76]: وفي الحديث من الفوائد غير ما ذكر منها أن من سبق إلى مجلس رئيس لا ينحى منه لمجئ من هو أولى منه بالجلوس في الموضع المذكور بل يجلس الآتي حيث انتهى به المجلس لكن إن آثره السابق جاز، ومنها أن الجلساء شركاء فيما يقرب إليهم على سبيل الفضل لا اللزوم للإجماع على أن المطالبة بذلك لا تجب قاله ابن عبد البر، وفيه دخول الكبير بيت خادمه وصاحبه ولو كان صغير السن اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال: 5156 - (1989) (54) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن أبي حازم) سلمة بن دينار التمار الأعرج المدني، ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب) لبن، والآتي به هي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها (فشرب) النبي صلى الله عليه وسلم (منه) أي من ذلك الشراب (وعن يمينه) صلى الله عليه وسلم (غلام) والغلام هو

وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ. فَقَال لِلْغُلامِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هؤُلاءِ؟ " فَقَال الْغُلامُ: لَا. وَاللهِ! لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. قَال: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عباس (وعن يساره) صلى الله عليه وسلم (أشياخ) فيهم خالد بن الوليد (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (للغلام أتأذن لي) يا غلام (أن أعطي) هذا الشراب (هؤلاء) الأشياخ (فقال الغلام لا والله لا أوثر) ولا أختار (بنصيبي) من بركة الشراب (من) فضل شرابـ (ـــك أحدًا) من الناس (قال) سهل الراوي (فتله) أي فتل الشراب وألقاه (رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده) أي في يد الغلام ليشربه، والتل بفتح التاء وتشديد اللام إلقاء شخص على الأرض أو إلقاؤه على وجهه يقال تل فلان تلًا من باب خرَّ إذا صرعه أو ألقاه على عنقه وكذلك يقال تل الشيء في يده إذا دفعه إليه أو ألقاه على يده كذا في القاموس وهو المراد ها هنا والله أعلم اهـ ذهني، قال الأبي: جاء في مسند ابن أبي شيبة أن الغلام هو ابن عباس، ومن الأشياخ خالد بن الوليد، وشح ابن عباس على نصيبه من بركة الشرب من فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على نصيبه من المشروب اهـ والمراد هنا الوضع بشدة. قوله: (والله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا) قال القرطبي: وهذا قول أبرز به ما كان عنده من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته واغتنام بركته مع صغر سنه، وقوله (فتله في يده) قال ابن الأعرابي: والتل الصب يقال تل يتل بكسر التاء من باب خر إذا صب، وقال غيره: التل الصرع والدفع، ومنه قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي صرعه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 333]، والبخاري في مواضع كثيرة منها الأشربة [5620] وفي المساقاة وفي المظالم والهبة. "تتمة" ذكر النووي عن مسند ابن أبي شيبة أن هذا الغلام عبد الله بن عباس وكان في الأشياخ خالد بن الوليد رضي الله عنهم اهـ. (قلت) وأخرج أحمد في مسنده [1/ 225] قصته عن ابن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين

5157 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. ح وَحَدَّثنَاهُ قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله تعالى عنها فقالت: ألا نطعمكم من هدية أهدت لنا أم غفيق! قال: "فجيني" قال: فجاءت بضبين مشويين فتبرق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له خالد: كأنك تقذره؟ قال: "أجل" قالت: ألا أسقيكم من لبن أهدته لنا؟ فقال: بلى، قال: "فجيني" قال: فجاءت بإناء من لبن فشوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عن يمينه وخالد عن شماله فقال لي: "الشربة لك وإن شئت آثرت بها خالدًا" فقلت: ما كنت لأوثر بسؤرك علي أحدًا، فقال: "من أطعمه الله طعامًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن" وأخرجه الترمذي في الدعوات باب ما يقول إذا أكل طعامًا رقم [3455] أيضًا ولم يذكر فيه قصة الضب وإهداء أم غفيق وقال: هذا حديث حسن. قوله (وعن يساره أشياخ) إن كانت هذه القصة وقصة حديث ابن عباس واحدة فلا مانع أن يكون مع خالد غيره من الأشياخ, قوله (أتأذن لي أن أعطي هؤلاء) إنما استأذنه لكونه أحق بالشربة لمكانه في يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان أصغر من غيره سنًّا، واستأذن هنا ولم يستأذن الأعرابي في الحديث السابق لأنه كان يثق بابن عباس أنه لا يكره هذا الاستئذان لكونه ابن عمه ومن خاصة أصحابه، أما الأعرابي فكان حديث الإسلام فلم يأمن منه أن يكره الاستئذان، وقيل إنما استأذن ابن عباس لكون خالد بن الوليد حديث الإسلام فخشي منه أن يحدث في قلبه شيء إذا بدأ بابن عباس، وأما في قصة الأعرابي فكان مقابله أبو بكر رضي الله عنه وإن رسوخ قدمه في الإسلام يقتضي طمأنينته بجميع ما يقع من النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لا يتأثر لشيء من ذلك أفاده الحافظ في الفتح، وفيه فضيلة ظاهرة للصديق رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 5157 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني، صدوق، من (8) (ح وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء المدني، ثقة، من (8)

كِلاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَقُولا: فَتَلَّهُ. وَلكِنْ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: قَال: فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. 5158 - (1990) (55) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلاهما) أي كل من عبد العزيز ويعقوب رويا (عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز ويعقوب لمالك بن أنس وساقا (بمثله) أي بمثل حديث مالك (و) لكن (لم يقولا) أي لم يقل عبد العزيز ويعقوب أي لم يذكرا لفظة (فتله، ولكن في رواية يعقوب) لفظة (قال) سهل (فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الغلام (إياه) أي الشراب بدل قوله في رواية مالك (فتله في يده). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة يعني لعق الأصابع وما معه بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5158 - (1990) (55) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وابن أبي عمر قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبي محمد الجندي اليماني ثم المكي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعامًا) أي مطعومًا (فلا يمسح يده) أي فلا يمسح الطعام عن يده بنحو خرقة أو منديل (حتى يلعقها) بنفسه بفتح الياء والعين ثلاثيًّا من باب فرح من اللعق، قال في المبارق: اللعق اللحس أي المص بالشفتين أي حتى يلعق أصابعه بنفسه هذا إذا فرغ من الطعام وأما قبل الفراغ فلا يلعقها ولا يمسحها بشيء (أو) حتى (يلعقها) بضم الياء وكسر العين رباعيًّا من الإلعاق، ويحتمل أن تكون أو للتنويع والمعنى حينئذ فلا يمسح يده بشيء حتى يلعقها بنفسه أو يلعقها غيره ممن لا يتقذر به

5159 - (00) (00) حدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كزوجته أو أمته أو ولده أو تلميذه أو خادمه أو حيوانًا من الحيوان الأليفة كالشاة وبهذا أي كون أو للتنويع جزم النووي، ويحتمل أن تكون أو للشك من الراوي وعليه فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال إحدى الكلمتين والمراد من الإلعاق على هذا التقدير أن يلعق الرجل أصابعه فمه فيكون بمعنى اللعق بنفسه لا أن يلعقها غيره، والاحتمال الأول أوضح وأولى ذكره الحافظ في الفتح نقلًا عن البيهقي، والمسح بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللعق كسرًا للنفس اهـ من المبارق. والحديث دل على استحباب مسح اليد بعد الطعام، قال القاضي عياض: محله فيما لا يحتاج فيه إلى الغسل مما ليس فيه غمر ولزوجة مما لا يذهبه إلَّا الغسل لما جاء في الحديث من الترغيب في غسلها والحذر من تركه كحديث أبي هريرة أخرجه الترمذي مرفوعًا "من نام وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلَّا نفسه" أخرجه الترمذي برقم [1859] بلفظ "من بات" وقال: حسن غريب، وقد ذهب قوم إلى استحباب غسل اليد قبل الطعام وبعده لما رواه الترمذي من حديث سلمان أنه صلى الله عليه وسلم قال "بركة الطعام الوضوء قبله وبعده" أخرجه برقم [1846] وروى الطبراني في الأوسط أنه قال "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم" ولكن فيه نهشل بن سعيد وهو متروك فالحديثان ضعيفان. والحديث يدل على استحباب لعق الأصابع إذا تعلق بها شيء من الطعام كما قدمناه لكنه في آخر الطعام كما نص عليه لا في أثنائه لأنه يمس بأصابعه بزاقه في فيه إذا لعق أصابعه ثم يعيدها فيه فيصير كأنه يبصق في الطعام وذلك مستقذر مستقبح اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة برقم [5456]، وأبو داود في الأطعمة برقم [3847]، وابن ماجه في الأطعمة برقم [3311]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5159 - (00) (00) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، المعروف بالحمّال (حدثنا حجاج بن محمد) البغدادي المصيصي الأعور، ثقة، من (9) (ح وحدثنا

عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو عَاصِمٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا". 5160 - (1991) (56) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد بن حميد) الكسي (أخبرني أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) (جميعًا) أي كل من حجاج بن محمد وأبي عاصم رويا (عن ابن جريج ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج قال سمعت عطاء) بن أبي رباح (يقول سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول) وهذه الأسانيد الثلاثة من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لعمرو بن دينار (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كل أحدكم من الطعام) الذي يعلق بالأصابع (فلا يمسح يده) أي أصابعه بنحو منديل (حتى يلعقها) بنفسه أي يلعق يده ويلحسها بنفسه (أو يلعقها) غيره ممن لا يتقذره كزوجة مثلًا، قال الحافظ في الفتح [9/ 578] وفي الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذارًا، نعم يحصل ذلك لو فعله في أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه. قال الخطابي: على قوم أفسد عقلهم الترفه فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق بالأصابع أو الصحفة جزء من أجزاء ما أكلوه وإذا لم يكن سائر أجزائه مستقذرًا لم يكن الجزء اليسير منه مستقذرًا وليس في ذلك أكبر من مص أصابعه بباطن شفتيه ولا يشك عاقل في أن لا بأس بذلك فقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه ثم لم يقل أحد إن ذلك قذارة أو سوء أدب اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث كعب بن مالك رضي الله عنهم فقال: 5160 - (1991) (56) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (قالوا حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان

عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: رَأَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ مِنَ الطَّعَامِ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ حَاتِمٍ: الثَّلاثَ. وَقَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَعْبٍ. عَنْ أَبِيهِ. 5161 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَعْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن) عبد الرحمن (بن كعب بن مالك) الأنصاري أبي الخطاب المدني ثقة، من كبار التابعين، ويقال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة سليمان بن عبد الملك، روى عن أبيه في الأطعمة والفضائل، ويروي عنه (ع) وسعد بن إبراهيم وعبد الرحمن بن سعد وأبو أمامة بن سهل والزهري وهشام بن عروة (عن أبيه) كعب بن مالك الأنصاري السلمي بفتح السين واللام الصحابي المشهور أحد الثلاثة الذين خلفوا رضي الله عنهم. وهذا السند من سداسياته (قال) كعب (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلعق أصابعه الثلاث من الطعام) الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام، وأخرج الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها ويلعق الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [3/ 18] وقال: وفيه الحسين بن إبراهيم الأذني ومحمد بن كعب بن عجرة ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد أيضًا في الطبقات [1/ 381] من طريق آخر (ولم يذكر ابن حاتم) لفظة (الثلاث، وقال ابن أبي شيبة في روايته عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 454]، وأبو داود في الأطعمة [3848]، والترمذي في الشمائل [140 و 143]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: 5161 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن سعد) المدني مولى

عَنِ ابْنِ كَعْب بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِثَلاثِ أَصَابعَ. وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا. 5162 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - أَوْ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ - أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ كَعبٍ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ؛ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ بِثَلاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسود بن سفيان، روى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك في الأطعمة أو عبد الله بن كعب أو عنهما، ويروي عنه (م د ق) وهشام بن عروة، قال النسائي: ثقة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن ابن كعب بن مالك عن أبيه) كعب بن مالك رضي الله عنه. هذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن ابن سعد لإبراهيم بن سعد (قال) كعب (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع) الإبهام والتي تليها والوسطى (ويلعق يده قبل أن يمسحها) بنحو منديل، ودل هذا الحديث على استحباب الأكل بالأصابع الثلاث، وعلى استحباب لعقها قبل المسح، قال الحافظ في الفتح: ويؤخذ من حديث كعب بن مالك أن السنة الأكل بثلاث أصابع وإن كان الأكل بأكثر منها جائزًا، قال عياض: والأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقمة ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمعه اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث فإن اضطر إلى ذلك لخفة الطعام وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة، وقد أخرج سعيد بن منصور من مرسل ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أكل بخمس فجمع بينه وبين حديث كعب باختلاف الحال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث كعب رضي الله عنه فقال: 5162 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا هشام) بن عروة (عن عبد الرحمن بن سعد) المدني مولى الأسود بن سفيان (أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أو عبد الله بن كعب) بن مالك (أخبره عن أبيه كعب) ابن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي معاوية (أنه) أي أن كعبًا (حدثهم) أي حدث لعبد الرحمن ومن معه أو حدث لعبد الله ومن معه أو حدث لأولاده (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث

أَصَابعَ. فَإِذَا فَرَغَ لَعِقَهَا. 5163 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ حَدَّثَاهُ - أَوْ أَحَدُهُمَا - عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصابع فإذا فرغ) من أكله (لعقها) أي لعق الأصابع الثلاث قبل مسحها أو غسلها إن احتيج إليه، قال القرطبي: وكونه صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع أدب حسن وسنة جميلة لأنها تشعر بعدم الشره في الطعام وبالاقتصار على ما يحتاج إليه من غير زيادة عليه وذلك أن الثلاث الأصابع يستقل به الظريف الخبير وهذا فيما يتأتى فيه ذلك من الأطعمة وأما ما لا يتأتى ذلك فيه استعان عليه بما يحتاج إليه من أصابعه، ولعقه أصابعه الثلاث وأمره بذلك يدل على أنه سنة مستحبة، وقد كرهه بعض العامة واستقذره (وقوله بالكراهة والاستقذار أولى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومعنى هذا الكلام أن قول من أنكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهها واستقذرها قوله هذا أولى بالكراهة والاستقذار بعدم سماعه وترك التمسك به، وفائدة اللعق احترام للطعام واغتنام للبركة ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والقصعة وقال: "فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" ومعناه والله أعلم أن الله قد يخلق الشبع في الأكل عند لعق الأصابع أو القصعة فلا يترك شيء من ذلك احتقارًا له ومثل هذا يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: 5163 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب حدثنا ابن نمير حدثنا هشام عن عبد الرحمن بن سعد أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وعبد الله بن كعب حدثاه) أي حدثا جميعًا لعبد الرحمن بن سعد (أو) حدثه (أحدهما) أي أحد ابني كعب (عن) أبيهما أو (عن أبيه كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل ما حدث محمد بن نمير عن أبيه، غرضه بيان متابعة أبي كريب لمحمد بن نمير.

5161 - (1992) (57) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ. وَقَال: "إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ". 5162 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا. فَلْيُمِطْ مَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 5161 - (1992) (57) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة) أي القصعة (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان حكمة الأمر باللعق (إنكم) أيها المسلمون (لا تدرون) أي لا تعلمون (في أيه) أي في أي الطعام (البركة) أي الخير، قال النووي: معناه والله أعلم أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله أوفيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به والمراد هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم به عاقبته من أذى جوع وألمه ويقويه على طاعة الله تعالى وغير ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الأطعمة برقم [1802]، وابن ماجه في الأطعمة برقم [1313]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5162 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقعت لقمة أحدكم) أي سقطت على الأرض مثلًا (فليأخذها) أي فليأخذ ندبًا تلك اللقمة الساقطة (فليمط) فليزل عنها أمر من الإماطة بمعنى الإزالة (ما كان) أصاب

بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا. وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ. وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ. فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (بها) أي بتلك اللقمة (من أذى) ووسخ وقذر غير نجس، والمراد بالأذى هنا المستقذر من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك اهـ نووي، والظاهر أن المراد بالأذى مثل التراب ونحوه مما هو طاهر يمكن إزالته أما إذا اختلطت اللقمة بما هو نجس ولا يمكن إزالته أو كان مضرًا فالظاهر أن الحكم لا يتعلق به وحينئذ يطعمه الحيوان والله أعلم (وليأكلها ولا يدعها) أي لا يتركها (للشيطان) إنما صار تركها للشيطان لأن فيه إضاعة نعمة الله واستحقارها أو لأن المانع عن تناول تلك اللقمة هو الكبر غالبًا وكلاهما منهيان اهـ من المبارق، وفي السنوسي: معناه لا يترك أكلها كبرًا واستهانة باللقمة فإن الذي يحمله على الكبر وترفيع نفسه الشيطان، ويحتمل أن يكون في تركها غذاء للشيطان، والأول أوجه، قال الأبي: فاللام على الأول للتعليل وعلى الثاني للملك اهـ (ولا يمسح يده) بعد الأكل (بالمنديل) هو ما يتمسح به من أثر الطعام ومن المخاط والبزاق كما هو معروف، قال ابن فارس في المجمل: لعله مأخوذ من الندل وهو النقل، قال أهل اللغة يقال تندلت بالمنديل أي تمسحت ونقلت الوسخ به، قال الجوهري: ويقال أيضًا تمندلت قال: وأنكر الكسائي تمندلت اهـ نووي (حتى يلعق أصابعه) أو يلعقها كما مر (فإنه) أي فإن الأكل (لا يدري) ولا يعلم (في أي) أجزاء (طعامه البركة) أفي الذي أكل أوفيما بقي على أصابعه فليحفظ تلك البركة في محتملاتها، وفي رواية "في أيتهن البركة" وفي هذه الرواية ترغيب إلى لعق كل الأصابع فإن فعل الآكل ذلك فقد برئ من الكبر، وأصل البركة النماء والزيادة وثبوت الخير ولعل المراد منها هنا ما يحصل به التغذية والتقوية على طاعة الله تعالى، وفي الأبي: وفيه جواز مسح اليد بعد الطعام وهذا والله أعلم فيما يكفي فيه المسح وأما ما فيه غمر أو لزوجة فإنه يغسل لما جاء من الترغيب في الغسل والتحذير من تركه ففي الترمذي وأبي داود "من نام وفي يده غمر فلم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلَّا نفسه" اهـ، والغمر بفتحتين رائحة اللحم أو السمك والمراد هنا مطلق الرائحة الكريهة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5163 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: "وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا" وَمَا بَعْدَهُ. 5164 - (00) (00) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5163 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا أبو داود الحفري) بفتحتين نسبة إلى الحفر موضع بالكوفة اسمه عمر بن سعد بن عبيد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق كلاهما) أي كل من أبي داود وعبد الرزاق رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (بهذا الإسناد) المذكور سابقًا يعني عن أبي الزبير عن جابر وساقا (مثله) أي مثل ما روى عبد الله بن نمير عن سفيان، غرضه بسوقهما بيان متابعتهما لعبد الله بن نمير (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث أبي داود وعبد الرزاق لفظة (ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها) بنفسه (أو يلعقها) غيره (و) ساقا (ما بعده) أي ما بعد اللعق من قوله "فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5164 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي بالموحدة الكوفي أخو أبي بكر وهو أكبر منه بسنتين (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع التمار المدني (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير (قال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) وأموره، قال القرطبي: فائدة هذا الكلام أن يحضر الإنسان هذا المعنى عند إرادته فعلًا من الأفعال كائنًا ما كان فيتعوذ بالله من الشيطان ويسمي الله تعالى فإنه يكفى مضرة الشيطان ووسوسته كما قد جاء في حديث الجماع الذي ذكرناه في النكاح وكما يأتي في

حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ. فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذَى. ثُمَّ لْيَأْكُلْهَا. وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ. فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ. فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ". 5165 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الدعوات إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. وفيه تنبيه على أن الإنسان بمعرض من إغواء الشيطان كل حين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان يجري من بني آم مجرى الدم" فلا ينبغي للمسلم مهما بلغ من التقوى بمكان أن يصير غافلًا عن إغواء الشيطان وإنه ربما يبتدئ بمثل هذه الأشياء التي لا يهتم بها المرء فيحمله على ترك هذه الآداب ثم يتدرج إلى ما هو أشد منه ولئن لم ينتبه الرجل بذلك يقع فريسةً لإضلاله شيئًا فشيئًا أعاذنا الله تعالى من شره ونفثه ونفخه (حتى يحضره عند طعامه) وأكله (فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط) أي فليزل وليمح (ما كان) علق (بها من أذى) ووسخ عنها، حكى أبو عبيد ماطه وأماطه إذا نحاه، وقال الأصمعي: أماطه لا غير ومنه إماطة الأذى ومطت أنا عنه أي تنحيت اهـ صحاح (ثم) بعد إماطة الأذى عنها (ليأكلها ولا يدعها) أي لا يترك تلك الساقطة (للشيطان) هذا أمر على جهة الاحترام لتلك اللقمة فإنها من نعم الله تعالى لم تصل إلى الإنسان حتى سخر الله فيها أهل السماوات والأرض، وقوله (ولا يدعها للشيطان) يعني أنه إذا تركها ولا يرفعها فقد مكن الشيطان منها إذ قد تكبر عن أخذها ونسي حق الله تعالى فيها وأطاع الشيطان في ذلك وصارت تلك اللقمة مناسبة للشيطان إذ قد تكبر عليها وهو متكبر فصارت طعامه وهذا كله ذم لحال التارك وتنبيه على تحصيل غرض الشيطان من ذلك اهـ مفهم (فإذا فرغ) من أكله (فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي) أجزاء (طعامه تكون البركة). ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 5165 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن أبي معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر. غرضه بيان متابعة أبي

"إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ" إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ الْحَدِيثِ: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ". 5166 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي ذِكْرِ اللَّعْقِ. وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ اللُّقْمَةَ، نَحْوَ حَدِيثهِمَا. 5167 - (1993) (588) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية لجرير بن عبد الحميد (إذا سقطت لقمة أحدكم) وساق أبو معاوية (إلى آخر الحديث) السابق (و) لكن (لم يذكر) أبو معاوية (أول الحديث) ومبدأه يعني به قوله (أن الشيطان يحضر أحدكم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 5166 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان الغطفاني (وأبي سفيان) طلحة بن نافع كلاهما (عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن فضيل لجرير وأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح وأبي سفيان جميعًا عن جابر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي تابعهما (في ذكر اللعق) وروايته عنهما (و) في روايته (عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر) محمد بن فضيل في روايته عن أبي سفيان (اللقمة) فقط ثم ساق محمد بن فضيل (نحو حديثهما) أي نحو حديث جرير وأبي معاوية أي قريبه في بعض الألفاظ وبعض المعاني. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عباس بحديث أنس رضي الله عنهم فقال: 5167 - (1993) (58) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري (قالا حدثنا

بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ. قَال: وَقَال: "إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَذَى. وَلْيَأْكُلْهَا. وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ" وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ. قَال: "فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ". 5168 - (1994) (59) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثنَا سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث) الإبهام والمسبحة والوسطى بعد الأكل بها، وكونه يأكل بثلاث أصابع أدب حسن وسنة جميلة لأنها تشعر بعدم الشره في الطعام وبالاقتصار على ما يحتاج إليه من غير زيادة عليه ولعقه أصابعه الثلاث وأمره بذلك يدل على أنه سنة مستحبة كما مر عن القرطبي (قال) أنس بالسند السابق (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة) ونمسحها ونتثبع ما بقي فيها من الطعام ونصفيها منه وهو بضم اللام من باب نصر من السلت وهو تتبع ما بقي فيها من الطعام (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان حكمة الأمر بسلت القصعة (فإنكم) أيها الآكلون (لا تدرون) أي لا تعلمون (في أي) أجزاء (طعامكم البركة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3845]، والترمذي [1803]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 5168 - (1994) (59) (وحدثني محمد بن حاتم) السمين البغدادي (حدثنا بهز) ابن أسد العمي البصري (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم البصري، ثقة، من (7) (حدثنا سهيل) بن أبي صالح، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله

عَلَيهِ وَسلمَ. قَال: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ. فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي في أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَةُ". 5169 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ) قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَلْيَسْلُتْ أَحَدُكُمُ الصَّحْفَةَ". وَقَال: "في أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ، أَوْ يُبَارَكُ لَكُمْ". 5170 - (1995) (60) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. وَتَقَارَبَا في ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم) طعامًا يعلق بيده (فليلعق أصابعه فإنه لا يدري) ولا يعلم (في أيتهن) أي في آية أجزاء طعامه (البركة) وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ من تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5169 - (00) (00) (وحدثنيه أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (حدثنا حماد) بن سلمة الربعي البصري، ثقة، من (8) (بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أنس. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن مهدي لبهز بن أسد في رواية هذا الحديث عن حماد بن سلمة (غير أنه) أي لكن أن عبد الرحمن (قال) في روايته (وليسلت أحدكم الصحفة) بدل قول بهز (وأمرنا أن نسلت القصعة) (وقال) عبد الرحمن أيضًا (في أي) أجزاء (طعامكم البركة أو) قال حماد في أي طعامكم (يبارك لكم) بالشك من عبد الرحمن في أي اللفظين قال حماد بدل قول بهز (في أي طعامكم البركة) بلا شك. واعلم أن هذه المتابعة في حديث أنس بن مالك لا في حديث أبي هريرة وتأخيرها عن حديث أبي هريرة تحريف من النساخ، والصواب تقديمها على حديث أبي هريرة، ولم أر أحدًا من الشراح نبه على ذلك؛ تدبر! ؟ . ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي مسعود رضي الله عنه فقال: 5170 - (1995) (60) (حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة وتقاربا في

اللَّفْظِ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ. قَال: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيبٍ. وَكَانَ لَهُ غُلامٌ لَحَّامٌ. فَرَأَى رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فَعَرَفَ في وَجْهِهِ الْجُوعَ. فَقَال لِغُلامِهِ: وَيحَكَ، اصْنَعْ لَنَا طَعَامًا لِخَمْسَةِ نَفَرٍ. فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ. قَال: فَصَنَعَ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فَدَعَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي البصري، ثقة، من (8) (عن الأعمش عن أبي وائل) الأسدي شقيق بن سلمة الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة (الأنصاري) البدري الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو مسعود (كان رجل من الأنصار يقال له أبو شعيب) لا يوجد له ذكر في غير هذا الحديث ولا يعرف عنه سوى أنه كان من أنصار الصحابة ولم يقف الحافظ على اسمه ولا على اسم غلامه اللحام (وكان له) أي لذلك الأنصاري (غلام) أي عبد (لحام) أي يبيع اللحم، وفيه جواز صنعة الجزارة وأكل مالها اهـ من الأبي، وقال ابن بطال: وإن كان في الجزارة شيء من الضعة لأنه يمتهن فيها نفسه وإن ذلك لا ينقصه ولا يسقط شهادته إن كان عدلًا اهـ عيني. ووقع للبخاري في البيوع "قصاب" وهو بمعنى اللحام (فرأى) أبو شعيب (رسول الله - صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية، ورأى هنا بصرية (فعرف) أبو شعيب (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (الجوع) أي أثر الجوع وعلامته (فقال لغلامه ويحك) يا غلام أي ألزمك الله بالرحمة (اصنع لنا) أي أصلح لنا (طعامًا) يكفي (لخمسة نفر) أي لخمسة أشخاص (فإني أريد أن أدعو النبي - صلى الله عليه وسلم) لطعام حالة كونه صلى الله عليه وسلم (خامس خمسة) حال من النبي أي واحدًا من خمسة أو جاعل أربعة خمسة، قال العيني: قال الدراوردي: يجوز أن يقال خامس خمسة وخامس أربعة أي جاعل أربعة خمسة، وعن المهلب: إنما صنع طعام خمسة لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم يتبعه من أصحابه غيره، وفي المبارق: قال بعض الشراح: فيه دليل على أن حضور الرجل إلى ضيافة خاصة لم يدع إليها لا يحل له اهـ (قال) أبو مسعود (فصنع) الغلام طعامًا (ثم أتى) أبو شعيب (النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه) أي فدعا أبو شعيب النبي صلى الله عليه

خَامِسَ خَمْسَةٍ. وَاتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ. فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "إِنَّ هذَا اتَّبَعَنَا. فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ. وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ" قَال: لَا. بَلْ آذَنُ لَهُ. يَا رَسُولَ اللهِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم، حالة كونه (خامس خمسة واتبعهم) أي واتبع النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الخمسة الأنفار (رجل) لم أر من ذكر اسمه (فلما بلغ) الرجل (الباب) أي باب بيت أبي شعيب الداعي وإنما لم يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من الاتباع قبل وصوله إلى الباب لأنه غير محظور لاحتمال رجوعه وإنما المحظور هو الحضور للطعام الذي لم يدع إليه ولهذا لم يسكت النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء وقت الحضور بل أعلم صاحب الطعام واستأذن له والله أعلم اهـ ذهني (قال النبي صلى الله عليه وسلم) لأبي شعيب (إن هذا الرجل) الزائد على الخمسة الأنفار (اتبعنا) أي لحقنا وصحبنا بلادعوة منك (فإن شئت أن تأذن له) في الدخول أذنت له ودخل معنا أو أذن له فالجواب محذوف (وإن شئت) أن لا تأذن له في الدخول أو رجوعه (رجع) ولم يدخل (قال) أبو شعيب (لا) أريد أن يرجع (بل آذن له) في الدخول (يا رسول الله) قال النووي: ويستفاد منه أنه لا يجوز للمدعو أن يدخل معه غيره بغير الاستئذان لصاحب الطعام وكذلك يستحب لصاحب الطعام أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤدي الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزريًا بهم لشهرته بالفسق ونحو ذلك فإن خيف من حضوره شيء من هذه الأمور لم يأذن له وينبغي أن يتلطف في رده ولو أعطاه شيئًا من الطعام إن كان يليق به ليكون ردًّا جميلا كان حسنًا اهـ منه. قوله (وإن شئت رجع) دل الحديث على أن الذي تبع المدعو من غير دعوة فإن المدعو يستأذن له الداعي قبل أن يدخل، وأخرج أبو داود عن ابن عمر مرفوعًا "من دخل بغير دعوة دخل سارقًا وخرج مغيرًا" وضعفه الحافظ في الفتح [10/ 560] ودل الحديث أيضًا على أن من تطفل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه، وقد جمع الخطيب في أخبار الطفيليين جزءًا فيه عدة فوائد؛ منها أن الطفيلي منسوب إلى رجل كان يقال له طفيل من بني عبد الله بن غطفان أكثر منه الإتيان إلى الولائم بغير دعوة فسمي طفيل العرائس فسمي من اتصف بعد بصفته طفيليًا وكانت العرب "تسميه الوارش وتقول لمن يتبع المدعو بغير دعوة (ضيفن) بنون زائدة،

5171 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمِ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ. كُلُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الكرماني أن في هذه التسمية مناسبة اللفظ للمعنى في التبعية من حيث إنه تابع للضيف والنون متابعة للكلمة. قوله (بل آذن له) يعني إذا اصطحب المدعو معه رجلًا غير مدعو فإن ذلك يسمى تطفيلًا وذلك يجوز بشرط أن يكون بينه وبين الداعي انبساط أوكان المتطفل في حاجة إلى ذلك ويغلب على الظن أن الداعي لا يكرهه، وفي الحديث فوائد أخرى ذكرها الحافظ في الفتح وسوف نبينها إن شاء الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الأطعمة برقم [5434]، والترمذي في النكاح برقم [1099]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال: 5171 - (00) (00) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن أبي معاوية ح وحدثناه نصر بن علي) بن نصر (الجهضمي) البصري (وأبو سعيد الأشج) الكوفي عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة ح وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران، ويقال ابن بهرام (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي، نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد الترك، ثقة فاضل، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سفيان) بن سعيد الثوري (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين من أبي معاوية أولًا وأبي أسامة ثانيًا وشعبة ثالثًا وسفيان الثوري رابعًا رووا

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، بِهذَا الْحَدِيثِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْو حَدِيثِ جَرِيرٍ. قَال نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ في رِوَايَتِهِ لِهذَا الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. 5172 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ. حَدَّثَنَا عَمَّارٌ (وَهُوَ ابْنُ رُزَيقٍ) عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري (بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقوا (بنحو حديث جرير) بن عبد الحميد. ولكن (قال نصر بن علي) الجهضمي (في روايته لهذا الحديث حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة حدثنا أبو مسعود الأنصاري) بصيغة السماع والتحديث بدل العنعنة المذكورة في المواضع الثلاثة الأخيرة (وساق) أي ذكر نصر (الحديث) بلفظه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه فقال: 5172 - (00) (00) (وحدثني محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد) الباهلي العتكي مولاهم أبو جعفر البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا أبو الجواب) الأحوص بن جواب الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عمار وهو ابن رزيق) الضبي أبو الأحوص الكوفي، لا بأس به، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث السابق. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمار بن رزيق لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن الأعمش. وهذا السند بيان للمتابعة في الشاهد (ح وحدثني سلمة بن شببب) المسمعي النيسابوري، نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا

"تتمة"

الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، بِهذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي مولاهم أبو محمد الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي (حدثنا الأعمش عن شقيق) بن سلمة (عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زهير لجرير، وهذه المتابعة متابعة في أصل الحديث (و) حدثنا زهير أيضًا (عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر) بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (بهذا الحديث) السابق وهذه المتابعة متابعة من زهير في الشاهد والله سبحانه وتعالى أعلم. " تتمة" وقال الحافظ في الفتح: وفي هذا الحديث من الفوائد جواز الاكتساب بصنعة الجزارة واستعمال العبد فيما يطيق من الصنائع وانتفاعه بكسبه منها، وفيه مشروعية الضيافة وتأكد استحبابها لمن غلبت حاجته لذلك، وفيه أن من صنع طعامًا لغيره فهو بالخيار بين أن يرسله إليه أو يدعوه إلى منزله وأن من دعا أحدًا استحب أن يدعو معه من يرى من أخصائه وأهل مجالسته، وفيه الحكم بالدليل لقوله إني عرفت في وجهه الجوع وأن الصحابة كانوا يديمون النظر إلى وجهه تبركًا به صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع أحيانًا، وفيه إجابة الإمام والشريف والكبير دعوة من دونهم وأكلهم طعام ذي الحرفة غير الرفيعة كالجزار، وأن تعاطي مثل تلك الحرفة لا يضع قدر من يتوقى فيها ما يكره ولا تسقط بمجرد تعاطيها شهادته وأن من صنع طعامًا لجماعة فليكن على قدرهم إن لم يقدر على الأكثر ولا ينقص من قدرهم مستندًا إلى أن طعام الواحد يكفي الاثنين وفيه أن المدعو لا يمتنع من الإجابة إذا امتنع الداعي من الإذن لبعض من صحبه. وأما قصة عائشة في الحديث الآتي فسيأتي الجواب عنها وفي قوله صلى الله عليه وسلم "إنه اتبعنا رجل لم يكن معنا حين دعوتنا" إشارة إلى أنه لو كان معهم حالة الدعوة لم يحتج إلى الاستئذان عليه فيؤخذ منه أن الداعي لو قال لرسوله: اح فلانًا وجلساءه

5173 - (996 1) (1 6) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا حَمادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ جَارًا، لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَارِسيًّا. كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ. فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ. ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ. فَقَال: "وَهذِهِ؟ " لِعَائِشَةَ. فَقَال: لَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ جاز لكل من كان جليسًا له أن يحضر معه، وفيه أنه لا ينبغي أن يظهر الداعي الإجابة وفي نفسه الكراهة لئلا يطعم ما تكرهه نفسه ولئلا يجمع الرياء والبخل وصفة ذي الوجهين، وفي قوله صلى الله عليه وسلم "اتبعنا رجل" فأبهمه ولم يعينه أدب حسن لئلا ينكسر خاطر الرجل، وأما ما وقع لمسلم إن هذا اتبعنا فيمكن أنه أبهمه لفظًا وعيّنه إشارة، وفيه نوع رفق به بحسب الطاقة اه منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي مسعود بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 5173 - (1996) (61) وحدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرني حماد ابن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن جارًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيًا) أي منسوبًا إلى جيل فارس، وفارس أبو قبيلة كبيرة وهو أحد أولاد سام بن نوح - عليه السلام - الثلاثة الذين طلعوا معه على السفينة، ولم أر من ذكر اسم ذلك الجار (كان) ذلك الجار (طيب المرق) والإدام أي كان يصنع مرقًا طيبًا، فيه جواز اتخاذ الأمراق الطيبة وألوان الطعام الحسنة واستعمال ما أخرج الله سبحانه لعباده من طيبات الرزق اهـ أبي، وجملة كان خبر أن (فصنع) ذلك الجار طعامًا (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لدعوته (ثم جاء) الفارسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه يريد أن (يدعوه) للعزومة، وفي رواية بهز عند النسائي "فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعنده عائشة فأومأ إليه بيده أن تعال" (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للفارسي (و) هل تدعو (هذه) القرينة معي مشيرًا (لعائشة فقال) الفارسي (لا) أدعوها (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) أجيب

فَعَادَ يَدْعُوهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَهذِهِ؟ " قَال: لَا. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا". ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَهذِهِ؟ " قَال: نَعَمْ. في الثَّالِثَةِ. فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ دعوتك إلا معها (فعاد) أي رجع الفارسي ثانيًا حالة كونه (يدعوه) صلى الله عليه وسلم إلى طعام (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) هل تدعو (هذه) القرينة معي (قال) الفارسي (لا) أدعوها ف (قال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم لا) أجيب دعوتك حتى تدعوها معي (ثم عاد) الفارسي ثالثًا حالة كونه (يدعوه) صلى الله عليه وسلم (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) هل تدعو (هذه) الصاحبة معي (قال) الفارسي (نعم) أدعوها معك (في) المرة (الثالثة فقاما) أي قام النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة مجيبين للدعوة حالة كونهما (يتدافعان) أي يمشي كل واحد منهما في إثر صاحبه اهـ نووي، أو المعنى يتماشيان معًا كل واحد منهما جنب صاحبه (حتى أتيا) وجاءا (منزله) أي منزل الفارسي. قال النووي: وهذه قضية أخرى محمولة على أنه كان هناك عذر يمنع وجوب إجابة الداعي فكان مخيرًا بين إجابته وتركها فاختار أحد الجائزين وهو تركها إلا أن يأذن لعائشة معه لما كان بها من الجوع أو نحوه فكره صلى الله عليه وسلم الاختصاص بالطعام دونها وهذا من جميل المعاشرة وحقوق المصاحبة وآداب المجالسة المؤكدة فلما أذن لها اختار الجائز الآخر لتجدد المصلحة وهو حصول ما كان يريده من إكرام جليسه وإيفاء حق معاشره ومواساته فيما يحصل، ولعل الفارسي إنما لم يدع عائشة أولًا لكون الطعام قليلًا فأراد توفيره على رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ منه، وقال القاضي: يحتمل أنه إنما صنع له قدر ما يكفيه لما به من الجوع فرأى أن حضور غيره معه مما يضر به في سد خلته فامتنع صلى الله عليه وسلم من الإجابة لكرم خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته مع ما كانت عليه عائشة من المنزلة لديه، ومثل هذا قول مالك: من أراد أن يكرم رجلًا فليبعث به إليه فإنه يقبح بالرجل أن يأكل دون أهله اهـ، وقال الحافظ في الفتح [9/ 561]: فالمستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو معه كما فعل اللحام بخلاف الفارسي فلذلك امتنع من الإجابة إلا أن يدعوها أو علم حاجة عائشة لذلك الطعام بعينه أو أحب أن تأكل معه منه لأنه كان موصوفًا بالجود ولم يعلم مثله في قصة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللحام فلا معارضة بين القصتين كما مرت الإشارة إليه هناك. قال القرطبي: قوله (كان طيب المرق) فيه دليل على جواز تطييب الأطعمة والاعتناء بها ولا خلاف في جواز ذلك بين الأئمة، وامتناع الفارسي من الإذن لعائشة رضي الله تعالى عنها أولى ما قيل فيه أنه إنما كان صنع من الطعام ما يكفي النبي صلى الله عليه وسلم وحده للذي رأى عليه من الجوع فكأنه رأى أن مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك يجحف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من إجابة الفارسي عند امتناعه من إذن عائشة إنما كان والله أعلم لأن عائشة كان بها من الجوع مثل الذي كان بالنبي صلى الله عليه وسلم فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستأثر عليها بالأكل دونها وهذا تقتضيه مكارم الأخلاق وخصوصًا مع أهل بيت الرجل ولذلك قال بشر بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة: وكلهم قد نال شبعًا لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه وقد نبه مالك على هذا المعنى حين سئل عن الرجل يدعو الرجل يكرمه؟ قال: إذا أراد فليبعث بذلك إليه يأكله مع أهله، وفي هذين الحديثين أبواب من الفقه من تتبعها ظفر بها أه كما ذكرها الحافظ فيما مر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 123] والنسائي في الطلاق برقم [3436]، والله تعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أحد عشر حديثًا الأول حديث أبي قتادة ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث سهل بن سعد الساعدي ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث كعب بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات، والثامن حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة مفصولة عنه بسبب تحريف النساخ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتاسع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والعاشر حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد والله تعالى أعلم. ***

663 - (7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه وجعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحباب أكل الدباء ووضع النوى خارج التمر وأكل القثاء بالرطب

663 - (7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه وجعل الله تعالى قليل الطعام كثيرًا ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحباب أكل الدباء ووضع النوى خارج التمر وأكل القثاء بالرطب 5174 - (1997) (62) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيلَةٍ. فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَال: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هذِهِ السَّاعَةَ؟ " قَالا: الْجُوعُ. يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: "وَأَنَا. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 663 - (7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه وجعل الله تعالى قليل الطعام كثيرًا ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحباب أكل الدباء ووضع النوى خارج التمر وأكل القثاء بالرطب 5174 - (1997) (62) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خلف بن خليفة) بن صاعد الأشجعي البغدادي، صدوق، من (8) (عن يزيد بن كيسان) اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي، مولى عزة، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو) قال أبو هريرة خرج ذات ليلة) والشك من أبي حازم أو ممن دونه، وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد) (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم راءٍ (بأبي بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب رضي الله عنهما وإذا فجائية، والجملة معطوفة على جملة خرج أي خرج من بيته ففاجأه رؤيتهما (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أخرجكما) أي أي شيء وأي سبب أخرجكما يا عمران (من بيوتكما) في (هذه الساعة) التي لا يخرج فيها إنسان من بيته (قالا) أي قال العمران أخرجنا من بيوتنا (الجوع يا رسول الله) أي ألم الجوع (قال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنا) أيضًا (والذي نفسي) أي أقسمت لكما بالإله الذي روحي (بيده) المقدسة (لأخرجني) من بيتي الجوع (الذي أخرجكما) من بيوتكما، قال النووي: فيه جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم ونحوه لا على سبيل التشكي وعدم الرضاء بل للتسلية والتصبر كفعله صلى الله عليه وسلم

قُومُوا" فَقَامُوا مَعَهُ. فَأَتَي رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. فَإِذَا هُوَ لَيسَ في بَيتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هنا ولالتماس دعاء أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض فهذا كله ليس بمذموم إنما يذم ما كان تشكيًا وتسخطًا وتجزعًا أه منه. قال القرطبي: وهذا يدل على شدة حالهم في أول أمرهم وسبب ذلك أن أهل المدينة كانوا في شظفٍ من العيش عندما قدم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم مع المهاجرين وكان المهاجرون فروا بأنفسهم وتركوا أموالهم وديارهم فقدموا فقراء على أهل شدة وحاجة مع أن الأنصار رضي الله عنه واسوهم "فيما كان عندهم" وشركوهم فيما كان لهم ومنحوهم وهادوهم غير أن ذلك ما يسد خلاتهم ولا يرفع فاقاتهم مع إيثارهم الضراء على السراء والفقر على الغنى ولم يزل ذلك دأبهم إلى أن فتح الله عليهم وادي القرى وخيبر وغير ذلك فردوا عليهم منائحهم واستغنوا بما فتح الله عليهم ومع ذلك فلم يزل عيشهم شديدأوجهدهم جهيدًا حتى لقوا الله تعالى مؤثرين بما عنده تعالى صابرين على شدة عيشهم معرضين عن الدنيا وزهرتها ولذاتها مقبلين على الآخرة ونعيمها وكراماتها فحماهم الله تعالى ما رغبوا عنه وأوصلهم إلى ما رغبوا فيه حشرنا الله تعالى في زمرتهم واستعملنا بسنتهم. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوموا) بنا وهذا أمر بالقيام لطلب العيش عند الحاجة وهو دليل على ما رسمناه في الترجمة (فقاموا معه) صلى الله عليه وسلم، هكذا هو في الأصول بضمير الجمع وهو جائز بلا خلاف، ولكن الجمهور يقولون إطلاقه على الاثنين مجاز وآخرون يقولون حقيقة اهـ نووي (فأتى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جاء وهما معه (رجلًا من الأنصار) أي بيت رجل من الأنصار، وهذا الرجل الأنصاري هو أبو الهيثم بن التيهان على ما جاء مفسرًا في رواية أخرى، وقيل هو أبو أيوب الأنصاري واسمه مالك بن التيهان بفتح التاء وكسر الياء المشددة كما هو مصرح في رواية مالك والترمذي، وفيه جواز الإدلال على الصاحب الذي يوثق به واستتباع جماعة إلى بيته، وفيه منقبة لأبي الهيثم بن التيهان الأنصاري إذ جعله النبي صلى الله عليه وسلم أهلًا لذلك وكفى به شرفًا (فهذا هو) أي الرجل الأنصاري (ليس) موجودًا (في بيته) والفاء عاطفة وإذا فجائية، والتقدير فأتى بيت رجل من الأنصار ففاجأه عدم وجدانه في بيته، وفي رواية الترمذي (فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري، وكان رجلًا كثير النخل والشاء ولم يكن له خدم فلم يجدوه فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء فلم يلبثوا أن جاء أبو

فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "أَينَ فُلان؟ " قَالتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ. إِذْ جَاءَ الأنصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ وَصَاحِبَيهِ. ثُمَّ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ. مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ الهيثم بقربة يزعبها -أي يحملها- بمشقة فوضعها ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطًا ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلا تنقيت لنا من رطبه" فقال: يا رسول الله إني أردت أن تختاروا أو قال تخيروا من رطبه وبسره) (فلما رأته) صلى الله عليه وسلم (المرأة) أي مرأة الرجل الأنصاري، قال في تنبيه المعلم: إن كان الرجل أبا الهيثم فامرأته لا أعرفها وإن كان أبا أيوب فامرأته هي أم أيوب وهي بنت قيس بن عمرو بن امرئ القيس من الخزرج ولا أعرف اسمها ولعل اسمها كنيتها اهـ (قالت) له صلى الله عليه وسلم (مرحبًاوأهلًا) كلمتان معروفتان عند العرب منصوبان بعامل محذوف وجوبًا تقديره صادفت يا رسول الله مكانًا رحبًا واسعًا وأهلًا تأنس بهم، فيه جواز سماع كلام الأجنبية عند الحاجة، وجواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت علمًا محققًا أنه لا يكرهه بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة، وفيه أيضًا استحباب إكرام الضيف بهذا القول وشبهه وإظهار السرور بقدومه اهـ أبي. (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان) يريد زوجها (قالت) المرأة (ذهب) أي انطلق حالة كونه (يستعذب لنا من الماء) أي يطلب لنا الماء العذب، وفيه دليل على جواز الميل للمستطابات طبعًا من الماء وغيره، وإذ في قوله (إذ جاء الأنصاري) فجائية أي قالت المرأة ذهب ففاجاهم مجيء الأنصاري (فنظر) الأنصاري (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه) أبي بكر وعمر (ثم قال الحمد لله) على ضيافتكم عندي (ما أحد اليوم) أي ليس اليوم أحد (أكرم) وأشرف (أضيافًا مني) فما حجازية تعمل عمل ليس لتوفر شرطها، قال القرطبي: قول الرجل هذا قول صدق ومقال حق إذ لم تقل الأرض ولا أظلت السماء في ذلك الوقت أفضل من أضيافه فإنهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفتاه أبو بكر وعمر ولما تحقق الرجل عظيم هذه النعمة قابلها بغاية مقدور الشكر فقال الحمد لله اهـ من المفهم.

قَال: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ. فَقَال: كُلُوا مِنْ هذِهِ. وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ" فَذَبَحَ لَهُمْ. فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ. وَمِنْ ذلِكَ الْعِذْقِ. وَشَرِبُوا. فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) الراوي أبو هريرة (فانطلق) الأنصاري من عندهم (فجاءهم بعذق) بكسر العين وسكون الذال أي بغصن من النخل، والعذق من الرطب بمنزلة العنقود من العنب، وقال القرطبي: والعذق بكسر العين الكباسة وهي العرجون، والعذق بفتح العين النخلة وإنما قدم لهم هذه العرجون لأنه الذي تيسر له بغير كلفة لا سيما مع تحققه حاجتهم ولأن فيه ألوانًا من التمر والبسر والرطب فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا ولأن الابتداء بما يتفكه به من الحلاوة أولى من حيث إنه أقوى للمعدة؛ لأنه أسرع هضمًا، وفيه دليل على استحباب تقديم أكل الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما (فيه) أي في ذلك العذق (بسر وتمر ورطب فقال) الأنصاري لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصاحبيه (كلوا من هذه) الثمار المختلفة الألوان (وأخذ المدية) بضم الميم وسكون الدال أي السكين (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك) منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا. لنيابة المعطوف منابه (والحلوب) بفتح الحاء فعول بمعنى مفعول كركوب ونحوه الشاة التي تحلب لبنًا كثيرًا أي باعد نفسك عن ذبح الحلوب ذات اللبن وإنما نهاه عنها لأن ذبحها تضييع للبنها مع أن غير ذات اللبن تتنزل منزلتها عند الضيف ويحصل بها المقصود، وفي رواية الترمذي (لا تذبحن ذات اللبن) (فذبح لهم فأكلوا من) لحم (الشاة ومن) تمر (ذلك العذق) وفيه دليل على جواز جمع طعامين فأكثر على مائدة واحدة (وشربوا) عليه الماء، وفي رواية (حتى شبعوا ورووا) وفيه دليل على جواز الشبع من الحلال وما ورد مما يدل على كراهة الشبع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف إنما ذلك في الشبع المثقل للمعدة المبطيء بصاحبه عن الصلوات والأذكار المضر للإنسان بالتخم وغيرها الذي يفضي صاحبه إلى البطر والأشر والنوم والكسل فهذا هو المكروه، وقد يلحق بالمحرم إذا كثرت آفاته وعمت بلياته والقسطاس المستقيم ما قاله صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطن بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" رواه أحمد [4/ 133] والترمذي [2380] (فلما أن) أن زائدة بعد لما (شبعوا) من الطعام (ورووا)

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتُسْالُنَّ عَنْ هذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ. ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هذَا النَّعِيمُ". 5175 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشراب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا) إليها (حتى أصابكم) ونالكم (هذا النعيم) العظيم من الشبع والري. قوله (لتسألن) أي سؤال عرض لا سؤال مناقشة وسؤال إظهار التفضل والمنن لا سؤالًا يقتضي المعاتبة والمحن، و (النعيم) كل ما يتنعم به أي يستطاب ويتلذذ به وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا استخراجًا للشكر على النعم وتعظيمًا لذلك والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وزاد في رواية الترمذي "ظل بارد ورطب طيب وماء بارد" وهو إشارة إلى قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) وفي الحديث دلالة على أن الرجل كما أصابته نعمة أو لذة فعليه أن يشكره تعالى ويتذكر أنه يسئل يوم القيامة عن أداء حقها. ومن تتمة هذه القصة فيما أخرجه الترمذي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك خادم؟ " قال: لا، قال: "فإذا أتانا سبي فأتنا" فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهما" فقال: يا نبي الله اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المستشار مؤتمن خد هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفًا" فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يبعث نبيًّا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالًا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي أخرجه في الزهد برقم [2370]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5175 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي

أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ (يَعْنِي الْمُغِيرَةَ بْنَ سَلَمَةَ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ. حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: بَينَا أَبُو بَكْرٍ قَاعِدٌ وَعُمَرُ مَعَهُ، إِذْ أَتَاهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَال: "مَا أَقْعَدَكُمَا ههُنَا؟ " قَالا: أَخْرَجَنَا الْجُوعُ مِنْ بُيُوتِنَا. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ. 5176 - (1998) (63) حدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، مِنْ رُقْعَةٍ عَارَضَ لِي بِهَا، ثُمَّ قَرَأَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النيسابوري، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا أبو هشام يعني المغيرة بن سلمة) القرشي المخزومي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا يزيد) بن كيسان اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) (حدثنا أبو حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) (قال سمعت أبا هريرة يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الواحد لخلف بن خليفة، قال الأبي: قوله (عن أبي هاشم عن يزيد) كذا وقع هذا السند لابن ماهان وللرازي عن الجلودي بزيادة رجل بين أبي هاشم ويزيد والرجل هو عبد الرحمن بن زياد، وقال الجياني: لا بد من زيادته وبه يتصل السند وإسقاطه خطأ بيّن اهـ من الأبي (بينا أبو بكر قاعد وعمر) حاضر (معه إذ أتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذ فجائية رابطة لجواب بينا أي بينا أوقات قعود أبي بكر وعمر فاجأهما إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أقعدكما ها هنا) هذه الساعة أي أي سبب جعلكما قاعدين ها هنا في هذا الوقت (قالا أخرجنا الجوع) أي ألمه (من بيوتنا والدي بعثك بالحق) أي أقسمنا لك بالإله الذي بعثك بالحق أخرجنا الجوع (ثم ذكر) عبد الواحد (نحو حديث خلف بن خليفة) والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5176 - (998 1) (63) (حدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي، ثقة، من (11) (حدثني الضحاك بن مخلد) بن الضحاك الشيباني، أبو عاصم النبيل البصري، ثقة، من (9) (من رقعة) أي من ورقة (عارض لي) أي أظهر لي (بها) أي بتلك الرقعة (ثم) بعد عرضها علي (قرأه) أي قرأ هذا

عَلَيَّ. قَال: أَخْبَرَنَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ خَمَصًا. فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي. فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ شَيءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا. فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث (علي، قال) الضحاك في قراءته علي (أخبرناه) أي أخبرنا هذا الحديث المكتوب في هذه الرقعة التي عرضتها عليك (حنظلة بن أبي سفيان) الأسود بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6) (حدثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم ومد النون أبو الوليد المكي أو المدني مولى البختري بن أبي ذباب، ثقة، من (3) (قال سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته حالة كون جابر (يقول لما حفر الخندق) أي الحفيرة التي حفرت يوم غزوة الأحزاب لمنع وصول المشركين إلى المدينة حين تحزبوا على الهجوم عليها واستئصال المسلمين (رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصًا) بفتحتين أي جوعًا شديدًا، والخمص خلاء البطن من الطعام اهـ أبي، قال القرطبي: الخمص الجوع وأصله من خمص البطن وهو ضموره ولما كان الجوع يضمر البطن سمي به اه مفهم أي رأيته جائعًا وذلك بعد ما عرضت كدية في الخندق لم يستطع الصحابة كسرها فضربها النبي صلى الله عليه وسلم بمعول كما هو مصرح في رواية أيمن عن جابر عند البخاري ولفظها (ثم قام صلى الله عليه وسلم) وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبًا أهيل أو أهيم فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي .. إلخ. قال جابر (فانكفأت) أي انقلبت ورجعت (إلى) بيتي عند (امرأتي) بعد الاستئذان من النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته اسمها سهيلة بنت مسعود، وقيل سهيمة بنت مسعود بن أوس الظفرية بايعت وولدت لجابر بن عبد الله عبد الرحمن فيما ورد وذكر ابن الأثير أنها بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره ابن حبيب اهـ تنبيه المعلم (فقلت لها) أي لامرأتي (هل عندك شيء) من الطعام (فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصًا) أي جوعًا (شديدًا فأخرجت لي) من خزانة البيت (جرابًا) بكسر الجيم وفتحها والكسر أشهر أي وعاء من جلد معروف (فيه) أي في ذلك الجراب (صاع من

شَعِيرٍ. وَلَنَا بُهَيمَةٌ دَاجِنٌ. قَال: فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ. فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي. فَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا. ثُمَّ وَلَّيتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ. قَال: فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولِ اللهِ إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيمَةً لَنَا. وَطَحَنَتْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا. فَتَعَال أَنْتَ فِي نَفَرٍ مَعَكَ. فَصَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَال: "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ! إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ شعير ولنا بهيمة) تصغير بهمة، والجمع بهم وهي الصغيرة من أولاد الضأن وتطلق على الذكر والأنثى (داجن) والداجن الحيوان الملازم للبيت وألف به ولا يخرج إلى المرعى وإنه يسمن عادة من دجن في كذا إذا قام فيه، وزاد في رواية (قال) جابر (فذبحتها) أي ذبحت تلك البهيمة (وطحنت) امرأتي ذلك الصاع (ففرغت) امرأتي من طحن الشعير (الي فراغي) من شغلي الذبح (فقطعتها) من التقطيع أي قطعت لحم البهيمة قطعًا صغارًا فجعلتها أي جعلت لحمها المقطع (في برمتها) أي في قدرها والبرمة بضم الباء قدر صغير (ثم وليت) أي رجعت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) امرأتي عندما وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تفضحني) يا جابر (بـ) إحضار (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) جميع (من معه) صلى الله عليه وسلم لأن طعامنا قليل لا يكفيهم إنما خشيت أن يدعو جابر رجالًا كثيرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكفيهم الطعام فتلحق بها منه الفضيحة (قال) جابر (فجئته) صلى الله عليه وسلم (فساررته) أي كلمته سرًّا بحيث لا يسمع الناس، قال النووي: فيه جواز المساررة بحضرة الجماعة للحاجة وإنما النهي أن يتناجى اثنان دون ثالث (فقلت) له صلى الله عليه وسلم سرًّا (يا رسول الله إنا) معاشر أهل بيتي (قد ذبحنا بهيمة) صغيرة كائنة (لنا وطحنت) امرأتي (صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت) أي احضر أنت إلينا في بيتنا (في نفر) أي مع جماعة ممن (معك) من المسلمين، وفي رواية أيمن عند البخاري (طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال: "كم هو؟ " فذكرت له، فقال: "كثير طيب") وفيه أن من أدب الدعوة أن يذكر الداعي طعامه بصيغة التصغير (فصاح) أي نادى (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الناس (وقال) في ندائه (يا أهل الخندق) أي يا أصحاب الحفيرة المشغولين بحفرها (إن جابرًا) ابن عبد الله رضي الله عنهما (قد صنع) أي أصلح وهيأ

لَكُمْ سُورًا فَحَيَّهَلا بِكُمْ" وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَتَكُمْ، حَتَّى أَجِيءَ" فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ. حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي. فَقَالت: بِكَ. وَبِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لكم) لأجل إطعامكم (سورًا) بضم السين أي طعامًا أي اتخذ طعامًا لدعوة الناس، والسور بضم السين وإسكان الواو من غير همز وهو الصنيع من الطعام الذي يدعى إليه، وقيل الطعام مطلقًا وهي كلمة فارسية، وقيل حبشية، وفيه جواز التكلم بالفارسية وأما ما أخرجه الحاكم في المستدرك مرفوعًا "من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته" و"من أحسن العربية فلا يتكلمن بالفارسية فإنه يورث النفاق" فسند كل منهما واه كما ذكره الحافظ في الفتح [6/ 184] وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تكلم بألفاظ غير العربية فيدل على جوازه (فحيهلا بكم) بتنوين هذا وقيل بلا تنوين وهي كلمة استدعاء فيها حث أي هلموا وأقبلوا مسرعين إلى طعامه، قال الهروي: "حي" كلمة على حدة ومعناها هلم و"هلا" كلمة على حدة فجعلا كلمة واحدة، قال غيره: فيها ست لغات يقال حيَّ هَلْ، وحَيَّ هَلَ، وحَّيَّ هَلا، وحَيَّ هَلًا، وحَيَ هَلَ، وحَي هَلْ، وهي عند أبي عبيد بمعنى عليك بكذا أي ادع به (وقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسم لا تنزلن) بنون التوكيد الثقيلة وضم اللام من الإنزال نهي مسند إلى الجماعة أي لا ترفعن (برمتكم) أي قدركم عن النار (ولا تخبزن) بضم الزاي وتشديد النون أي لا تدخلن (عجينتكم) في المخبز (حتى أجيء) وآتي إليكم، قال جابر (فجئت) أنا قبله إلى بيتي (وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) عقبى مع الناس (يقدم الناس) أي يمشي قدام الناس وهذا يخالف للذي نقل في سيرته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من أنه كان لا يتقدمهم ولا يوطأ عقبه وإنما كان يمشي بين أصحابه أو يقدمهم وإنما تقدمهم في هذا الموضع لأنه هو الذي دعاهم فكان دليلهم إلى الموضع الذي دعاهم إليه اهـ من المفهم. وتقدمت أنا إلى البيت (حتى جاءت امرأتي) وأخبرتها خبر مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس (فقالت) لي امرأتي (بك) لحقت الفضيحة لا أنا (و) يلحق (بك) الذم لا أنا حيث جمعت الناس على طعام قليل، قال النووي: ذمته ودعت عليه أي ألحق الله بك الفضيحة وجعل عليك الذم واللوم، وقال القرطبي: "هذا عتب عتبت عليه وكأنها قالت له فعلت هذا برأيك وسوء نظرك وتسببك

فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لِي. فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ. ثُمَّ عَمَدَ إلى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ. ثُمَّ قَال: "ادْعِي خَابِزَة فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني دعاءه للناس كلهم وظنت أنه لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر الطعام، ويحتمل أن يكون معناه بك تنزل الفضيحة وبك يقع الخجل، ويحتمل أن يكون دعاء عليه أي أوقع الله بك الفضيحة أو الخجل أو نحوهذا اهـ من المفهم. وإنما قالت ذلك لما ظنت أن جابرًا هو الذي دعا هؤلاء جميعًا وكانت منعته ذلك خشية الفضيحة ووقع تفصيل القصة في رواية يونس ذكرها الحافظ في الفتح [7/ 398] (قال فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عزَّ وجل وقلت: جاء الخلق على صاع من شعير وعناق فدخلت على امرأتي أقول: افتضحت جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق أجمعين، فقالت: هل كان سألك: كم طعامك؟ فقلت: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم، ونحن قد أخبرناه بما عندنا فكشفت عني غمًا شديدًا) وجمع الحافظ بين الروايات بأنها أوصته أولًا بأن يعلمه الصورة فلما قال لها إنه جاء بالجميع ظنت أنه لم يعلمه فخاصمته فلما أعلمها أنه أعلمه سكن ما عندها لعلمها بإمكان خرف العادة ودل ذلك على وفور عقلها وكمال فضلها اهـ من التكملة. قال جابر (فقلت) لها (قد فعلت) وأخبرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر (الذي قلت لي) أَخبِرْه صلى الله عليه وسلم يعني أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بما عندنا من قلة الطعام فهو أعلم بالمصلحة (ف) لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخرجت) امرأتي وقربت (له) صلى الله عليه وسلم (عجينتنا) القليلة (فبصق فيها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وبارك) عليها أي دعا بالبركة فيها (ثم عمد) وقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى) الدعاء في (برمتنا) وقدرنا (فبصق فيها وبارك) عليها أي دعا بالبركة فيها فاستجيبت له على الفور وظهرت معجزاته وبركاته لما أكل من صاع الشعير والبهيمة ذلك العدد الكثير ثم بقي الطعام على حاله كما كان أول مرة وعلى هذا لو كانوا مائة ألف لكفاهم، وما أحسن وأكرم ريقه صلى الله عليه وسلم وكان الصحابة يحكون به وبنخامته وجوههم إذ كل شيء منه أطيب من كل طيب اهـ سنوسي (ثم) بعد الدعاء عليهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأتي (ادعي) أي اطلبي من جاراتك (خابزة فلتخبز) من باب ضرب أي فلتجعل وتصلح الخبز (معك) مساعدة لأن

وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا"ـ وَهُمْ أَلْفٌ". فَأُقْسِمُ بِالله، لأكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا. وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ. وَإِنَّ عَجِينَتَنَا -أَوْ كَمَا قَال الضَّحَّاكُ- لَتُخْبَزُ كَمَا هُوَ. 5177 - (1999) (64) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأُتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضيف كثير (واقدحي من برمتكم) أي اغرفي المرق منها بالمقدحة وهي المغرقة على الخبز، وفيه إدلال الضيف والصديق في دار صديقه وأمره بما يراه اهـ أبي، يقال قدحت المرق أقدحه بفتح الدال من باب فتح غرفته (ولا تنزلوها) أي ولا ترفعوا برمتكم عن النار، قال جابر: فأكلوا من ذلك الطعام (وهم ألف، فأقسم) أي أحلف (بالله) الذي يفعل ما يشاء من الخوارق إنهم (لأكلوا حتى) شبعوا و (تركوه) على حاله (وانحرفوا) أي انصرفوا ومالوا عنه (وإن برمتنا) أي والحال أن برمتنا (لتغط) بكسر الغين أي لتغلي وتفور ويسمع صوت غليانها وغطيط القدر صوت فورانها وهي كانت (كما هي) عليه أولًا لم تنقص شيئًا من الغطيط واللحم (وإن عجينتنا أو) القول كما قال الضحاك) بن مخلد شك الحجاج بن الشاعر فيما قاله الضحاك هل قال لفظ عجينتنا أو لفظ خميرتنا أو لفظ عجيننا مثلًا أي والحال إن عجينتنا (لتخبز) أي لتجعل خبزًا والعجين كان (كما) كان (هو) أولًا لم ينقص منه شيء بالخبز، والضمير في هو يعود إلى العجين كما قدرناه في حلنا وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة أحدهما: تكثير الطعام القليل، والثاني: علمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم يكثر فيكفي ألفًا وزيادة فدعا له ألفًا قبل أن يصل إليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3070]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 5177 - (1999) (64) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك بن أنس) إمام الفروع (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري زيد ابن سهل أبي يحيى المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (أنه) أي أن إسحاق (سمع) عمه للأم (أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته حالة كون أنس

يَقُولُ: قَال أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيمٍ: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ ضَعِيفًا. أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ. فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيءٍ؟ فَقَالتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ: ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا. فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي. وَرَدَّتْنِي. بِبَعْضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يقول قال أبو طلحة) الأنصاري زوج أمي رضي الله عنه (لـ) والدتي (أم سليم) رضي الله تعالى عنها بنت ملحان أخت أم حرام الأنصارية اسمها سهلة أو رميلة أو رميثة أو أنيسة أو مليكة وهي الغميصاء أو الرميصاء اشتهرت بكنيتها (قد سمعت) اليوم (صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه) أي في ذلك الصوت (الجوع) أي أثر الجوع وعلامته (فهل عندك) يا أم سليم (من شيء) من الطعام. وسيأتي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا يتلقب ظهرًا لبطن وأنه وجده صلى الله عليه وسلم جالسًا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة، ووقع عند أبي نعيم (مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرًا من جوع) ولا منافاة بين هذه الروايات إذ آنس أبو طلحة بمجموع ما رأى أو سمع أنه صلى الله عليه وسلم أصابه الجوع، ووقع عند أبي يعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس (أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام فذهب فآجر نفسه بصاع من شعير يعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به) ذكره الحافظ في الفتح [61/ 588]. (فقالت) أم سليم (نعم) عندنا شيء من طعام (فأخرجت) أم سليم من خزانتها (أقراصًا) أي خبزًا (من شعير) والأقراص جمع قرص بضم القاف وهو الرغيف (ثم أخذت خمارًا لها) والخمار ما تستر به المرأة رأسها (فلفت) أي طوت وخمرت (الخبز ببعضه) أي ببعض الخمار، فيه أن من أدب الهدية ولا سيما الطعام أن يكون مخمرًا (ثم دسته) أي دست الخبز الملفوف بالخمار وأدخلته (تحت ثوبي) أي تحت قميصي، كذا في كتاب مسلم عند سائر رواته، وفي الموطإ تحت يدي أي إبطي، والدس وضع الشيء في خفية ولطافة اه مفهم يقال دس الشيء يدسه بضم الدال من باب شد إذا أدخله بقوة وقهر (وردتني ببعضه) أي جعلت بعض الخمار كالرداء عليّ من التردية وهو إلباس الرداء وإكساؤه والمراد أنها لفت الخبز ببعض الخمار وردته ببعضه، وفيه تجميل الرسول

ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا في الْمَسْجِدِ. وَمَعَهُ النَّاسُ. فَقُمْتُ عَلَيهِم. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ " قَال: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَال: "أَلِطَعَامٍ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا" قَال: فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَينَ أَيدِيهِمْ. حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ. فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيمٍ! قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالهدية، وقيل من الرد بمعنى الصرف؛ والمعنى أنها ردت جوعي ببعض الخبز، وفيه مناولة الخادم من طعام مخدومه لكي تنكسر شهوته لا سيما الصبيان ومن يتعلق قلبه بالطعام ذكره الأبي، ولكن الوجه الأول أولى فقد وقع في رواية البخاري (وَلاثَتْنِي ببعضه) (ثم أرسلتني) بذلك الخبز الملفوت بالخمار (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظاهره أن أم سليم أرسلت بالأقراص إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر الروايات تدل على أن أبا طلحة وأم سليم دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتهما وجمع بينهما الحافظ ابن حجر في الفتح [6/ 589] بأنهما أرادا إرسال الخبز مع أنس فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حوله صلى الله عليه وسلم استحيا وظهر له أن يدعوه صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل، ويحتمل أن يكون ذلك على رأي أنه حين أرسله عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده (قال) أنس (فذهبت به) أي بذلك الخبز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم) أي عندهم (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أ (أرسلك أبو طلحة) بتقدير همزة الاستفهام (قال) أنس (فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) أرسلني أبو طلحة (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ) أرسلك (ل) دعوة (طعام فقلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أرسلني لدعوة طعام (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا) بنا إلى الدعوة (قال) أنس (فانطلق) أي ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم معي وانطلقوا معه (وانطلقت) أنا (بين أيديهم) أي قدامهم إلى بيتنا (حتى جئت) بيتنا ووصلت إليه، ورأيت (أبا طلحة فأخبرته) أي أخبرت أبا طلحة خبر مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس (فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس) أي

وَلَيسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ. يَا أُمَّ سُلَيمٍ؛ " فَأَتَتْ بِذلِكَ الْخُبْزِ. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ. وَعَصَرَتْ عَلَيهِ أُمُّ سُلَيمٍ عُكَّةَ لَهَا فَأَدَمَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ معهم (وليس عندنا ما نطعمهم) وهذا قول على مقتضى العادة (فقالت) أم سليم (الله ورسوله أعلم) بشأنهم وما يطعمهم، وهذا قول أخرجه نظرها إلى إمكان خرق العادة ورجاء بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي كان اه مفهم. كأنها عرفت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك عمدًا لتظهر المعجزة في تكثير الطعام القليل ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها. (قال) أنس (فانطلق أبو طلحة) من البيت لاستقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أخبرته الخبر (حتى لقي) ورأى أبو طلحة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وصل إلى البيت (معه) أي مع أبي طلحة (حتى دخلا) أي دخل أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم البيت والناس جلسوا خارج البيت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأم سليم (هلمي) أي هاتي (ما عندك) من الطعام (يا أم سليم) والمشهور أن هلم لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع كما في قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا} ولكن فيه لغة حجازية مثل ما في الحديث كما بسطنا الكلام عليه في حاشيتنا على كشف النقاب فراجعه (فأتت) أم سليم (بذلك الخبز) الذي أرسلتني به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر به) أي أمر بفت ذلك الخبز وتقطيعه قطعًا قطعًا كالثريد (رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت) ذلك الخبز وقطع قطعًا صغارًا ليجعلوه ثريدًا، والفت كسر الخبز وجعله قطعًا كما يفعل في الثريد (وعصرت عليه) أي على ذلك الخبز المقطع (أم سليم عكة لها) أي بقايا ما فيها من السمن، والعكة بضم العين وتشديد الكاف إناء صغير من جلد مستدير يجعل فيها السمن غالبًا والعسل والنحي أكبر منه (فأدمته) أي جعلت ما في العكة إدامًا لذلك الخبز أي صيرت ما عصرته من العكة إدامًا له (وأدمته) بمد الألف وقصرها لغتان يقال آدمته رباعيًّا وأدمته ثلاثيًّا أي جعلت فيه إدامًا اهـ نووي، أي جعلت السمن في الخبز وهو الإدام فصار الخبز مأدومًا

ثُمَّ قَال فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ قَال: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ قَال: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ قَال: "ائْذَنْ لِعَشَرَةِ" حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا. وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ قرطبي (ثم) بعد ما أدمته أم سليم (قال) ودعا (فيه) أي في ذلك الخبز (رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله) سبحانه (أن يقول) ويدعوفيه أي دعا فيه بالبركة، ووقع في مسند أحمد برواية مبارك بن فضالة (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم: "هل من سمن؟ " فقال أبو طلحة: قد كان في العكة سمن فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى خرج ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ، وقال: "بسم الله" فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع) (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (ائذن لعشرة) من الناس ليدخلوا فيأكلوا، دعاهم عشرة عشرة ليتسع لهم المكان حول الصحفة ولئن اجتمعوا جميعًا ما تمكنوا من الجلوس حولها، وقال النووي: إنما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فإن القصعة التي فت فيه تلك الأقراص لا يتحلق عليها أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعدها عنهم والله أعلم اهـ، قال القرطبي: فيه استحباب اجتماع هذا العدد على جفنة واحدة عند كثرة الناس لكن هذا إذا لم تحمل الجفنة أكثر من ذلك فلو كانت كجفنة الركب- هم أصحاب الإبل في السفر- لأكل عليها أكثر من هذا العدد (فأذن) أبو طلحة (لهم) أي لعشرة منهم فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (ائدن لعشرة) منهم (فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة) وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك لأبي طلحة وأبو طلحة يأذن لهم (حتى أكل لقوم كلهم وشبعوا، والقوم) أي جملتهم (سبعون رجلًا أو) قال أنس (ثمانون) رجلًا والشك من إسحاق بن عبد الله فيما قاله أنس (قوله فأكلوا حتى شبعوا) فيه دليل على جواز الشبع خلافًا لمن كرهه مطلقًا وهم قوم من المتزهدة لكن الذي يكره منه ما يزيد على الاعتدال وهو الأكل بكل البطن حتى لا يترك للماء ولا للنفس مساغًا وقد ينتهي هذا إلى تجاوز الحد فيحكم عليه بالتحريم كما تقدم، وكونه صلى الله عليه وسلم أكل بعدهم إنما كان ذلك لأنه هو الذي أطعمهم ببركة دعائه فكان آخرهم أكلًا

5178 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَدْعُوَهُ. وَقَدْ جَعَلَ طَعَامًا. قَال: فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قال في الشراب: "ساقي القوم آخرهم شربًا" رواه أحمد ومسلم والترمذي، وأيضًا فليحصل على درجة الإيثار فإنه صلى الله عليه وسلم كان أشدهم جوعًا لأنه كان قد شد على بطنه بحجرين ومع ذلك قدمهم عليه وآثرهم بالأكل قبله وشد البطن بالحجر يسكن سورة الجوع وذلك أنه يلصق البطن بالأمعاء والأمعاء بالبطن فتلتصق المعدة بعضها باب فيقل الجوع، وقيل إنما يفعل ذلك ليقوى من الضعف الذي يجده الجوع والأول أبين، وفي الحديث أبواب من الفقه لا تخفى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 218] والبخاري [5450]، والترمذي [3630]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5178 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا سعد بن سعيد) ابن قيس بن عمرو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد المدني، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (حدثني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة سعد بن سعيد وإسحاق بن عبد الله (قال) أنس (بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه) صلى الله عليه وسلم إلى طعام (و) الحال أنه (قد جعل) ووضع أبو طلحة (طعامًا) لأجله صلى الله عليه وسلم. قال الأبي: هذه وضع قضية أخرى بلا شك، وفيها ما سبق في الحديث الأول وزيادة هذا العلم الآخر من أعلام النبوة وهو إخراج ذلك الشيء من بين أصابعه الكريمة اه نووي، وفي الحديث أن من استحق شيئًا مع غيره فيما يصح قسمته بالاعتدال لا بأس أن يبدأ بمن شاء كالمكيل والموزون إذا كان قسمتهم له على القرب والفور اه إكمال المعلم (قال) أنس (فأقبلت) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت إليه (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أي

مَعَ النَّاسِ. فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيتُ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَال لِلنَّاسِ: "قُومُوا" فَقَال أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّما صَنَعْتُ لَكَ شَيئًا. قَال: فَمَسَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ. ثُمَّ قَال: "أَدْخِلْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِي، عَشَرَةً" وَقَال: "كُلُوا" وَأَخْرَجَ لَهُمْ شَيئًا مِنْ بَينِ أَصَابِعِهِ. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. فَخَرَجُوا. فَقَال: "أَدْخِلْ عَشَرَةً" فَأَكَلُوا حَتى شَبِعُوا. فَمَا زَال يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أحدٌ إلا دَخَلَ، فَأَكَلَ حَتَّى شَبعَ. ثُمَّ هَيَّأَهَا. فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والحال أنه جالس (مع الناس فنظر إلي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاستحييت) عن إخبار حال الطعام الذي أدعوه إليه يعني عن إخبار قلته (فقلت) على الإجمال (أحب أبا طلحة) يا رسول الله لطعام صنعه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (للناس) الذين كانوا عنده (قوموا) بنا إلى دعوة أبي طلحة فوصلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه إلى بيت أبي طلحة (فقال أبو طلحة) فزعًا (يا رسول الله إنما صنعت) وأصلحت (لك شيئًا) قليلًا من الطعام فلا يكفي الناس (قال) الناس (فمسها) أي فمس تلك الطعمة القليلة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيده الشريفة (ودعا فيها) أي في تلك الطعمة (بالبركة ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (أدخل) على (نفرًا من أصحابي) ورفقتي الذين جاؤوا معي (عشرة) أنفار (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للداخلين عليه كلوا وأخرج لهم شيئًا) قليلًا من الطعام (من بين أصابعه) الشريفة، بينه في الآخر بقوله فوضع فيه يده وسمى عليه وذلك ببركة يده وأنهم أكلوا ما خرج من بين أصابعه كما نبع الماء بوضع يده فيه من بين أصابعه اهـ أبي (فأكلوا) أي فأكل أولئك العشرة من ذلك الشيء القليل (حتى شبعوا فخرجوا فقال) لأبي طلحة (أدخل) أيضًا (عشرة) أخرى (فأكلوا حتى شبعوا فما زال) صلى الله عليه وسلم (يدخل عشرة ويخرج عشرة) بضم الياء فيهما من الإدخال والإخراج (حتى لم يبق منهم) أي من أصحابه الذين جاؤوا معه (أحد إلا دخل فأكل حتى شبع ثم هيأها) أي جمع ما بقي من تلك الطعمة (فإذا هي) أي تلك البقية المجموعة (مثلها) أي مثل تلك الطعمة (حين أكلوا منها) أي حين ابتدأوا الأكل منها لم ينقص منها شيء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5179 - (00) (00) وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَويُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ. ثُمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ. قَال: فَعَادَ كَمَا كَانَ فَقَال: "دُونَكُمْ هذَا". 5180 - (00) (00) وحدّثني عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرُّقِّيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5179 - (00) (00) (وحدثني سعيد بن يحيى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي) البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثني أبي) يحيى ابن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا سعد بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، صدوق سيئ الحفظ، من (4) (قال سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لعبد الله بن نمير، وقد (قال) أنس (بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق) يحيى بن سعيد (الحديث) السابق (بنحو حديث) عبد الله (بن نمير غير أنه) أي لكن أن يحيى بن سعيد (قال في آخره) أي في آخر الحديث (ثم أخذ) النبي صلى الله عليه وسلم (ما بقي) من الآكلين (فجمعه) أي فجمع ذلك الباقي (ثم دعا فيه) أي في ذلك الباقي (بالبركة قال) أنس (فعاد) أي صار ذلك الباقي المجموع (كما كان) أي على ما كان عليه أولًا قبل الأكل منه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت أبي طلحة (دونكم) أي خذوا (هذا) الباقي لأنفسكم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5180 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن غيلان الأموي مولاهم أبو عبد الرحمن (الرقي) ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (15) بابا (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمِّ سُلَيمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لِنَفْسِهِ خَاصَّةَ. ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَيهِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَسَمَّى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا. فَقَال: "كُلُّوا وَسَمُّوا اللهَ" فَأَكَلُوا. حَتَّى فَعَلَ ذلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا. ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذلِكَ وَأَهْلُ الْبَيتِ. وَتَرَكُوا سُؤْرًا. 5181 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأوسي الكوفي، ثقة، من (2) روى له في (9) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي ليلى وإسحاق بن عبد الله وسعد بن سعيد (قال) أنس (أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع) وتصلح (للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا لنفسه) صلى الله عليه وسلم حالة كونه (خاصة) أي مخصوصًا بذلك الطعام (ثم أرسلني) أبو طلحة (إليه) صلى الله عليه وسلم لأدعوه (وساق) ابن أبي ليلى (الحديث) السابق (وقال) ابن أبي ليلى أي زاد (فيه) أي في الحديث لفظة (فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده) الشريفة في الطعام (وسمى) أي ذكر اسم الله (عليه) أي على ذلك الطعام (ثم قال) صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (ائذن لعشرة فأذن) أبو طلحة (لهم) أي لعشرة (فدخلوا فقال) لهم النبي صلى الله عليه وسلم (كلوا وسموا الله) أي اذكروا اسم الله عليه (فأكلوا حتى فعل) النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) الإدخال والإخراج (بثمانين رجلًا ثم أمالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك) أي بعد الفراغ من إطعامهم (و) أكل (أهل البيت) أي أهل بيت أبي طلحة (وتركوا) بعد ما أكلوا (سؤرًا) بالهمز أي بقية فاضلة عنهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5181 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي البصري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني، صدوق، من (8) (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (6) (عن أبيه) يحيى بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (3) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن عمارة لابن

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بِهذِهِ الْقِصَّةِ، فِي طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال فِيهِ: فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ. حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللهِ صّلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ. فَقَال لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنمَا كَانَ شَيءٌ يَسِيرٌ. قَال: "هَلُمَّهُ. فَإِنَّ اللهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ". 5182 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِيُّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي طَلْحَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي ليلى، وساق يحيى بن عمارة (عن أنس بن مالك بهذه القصة) التي رواها ابن أبي ليلى المذكورة تلك القصة (في طعام أبي طلحة) المنقولة تلك القصة (عن النبي صلى الله عليه وسلم و) لكن (قال) يحيى بن عمارة (فيه) أي في طعام أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم لفظة (فقام أبو طلحة على الباب) أي على باب بيت أبي طلحة واستمر على الباب (حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) صلى الله عليه وسلم أبو طلحة (يا رسول الله إنما كان) ووجد عندنا (شيء يسير) وطعام قليل لا يكفي الناس ف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (هلمه) أي هلم ذلك الشيء اليسير وأحضره عندي وهاته (فإن الله) عزَّ وجلَّ (سيجعل فيه) أي في ذلك اليسير (البركة) والبركة زيادة الخير معنى لا حسًّا، وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5182 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (حدثنا خالد بن مخلد البجلي) مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني، صدوق، من (15) روى عنه في (9) أبواب (حدثني محمد بن موسى) بن أبي عبد الله الفطري مولاهم المدني، روى عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة في الأطعمة والمقبري ويعقوب بن سلمة الليثي وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وخالد بن مخلد وابن مهدي وابن أبي فديك ومعن بن عيسى وغيرهم، وثقة الترمذي وابن حيان، وقال أحمد بن صالح: محمد بن موسى الفطري شيخ ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة (حدثني عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري النجاري أبو يحيى

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَقَال فِيهِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيتِ وَأَفْضَلُوا مَا أَبْلَغُوا جِيرَانَهُمْ. 5182 - (00) (00) وحدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ زَيدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني، وكان أصغر من أخيه إسحاق، وكان معه في دار أبي طلحة، روى عن أنس بن مالك في الأطعمة، وعن أبيه، ويروي عنه (م س) ومحمد بن موسى الفطري ومحمد بن عمارة، وثقه النسائي والعجلي وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (134) أربع وثلاثين ومائة (عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن عبد الله لابن أبي ليلى ويحيى بن عمارة، وساق عبد الله بن عبد الله (بهذا الحديث) المذكور الذي ساقه ابن أبي ليلى (و) لكن (قال) عبد الله (فيه) أي في الحديث لفظة (ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت) أي أهل بيت أبي طلحة (وأفضلوا) أي وأفضل أهل بيت أبي طلحة أي تركوا إما أبلغوا) أي فضلة يهدونها (جيرانهم) أي أبقوا بقية يهدونها لجيرانهم بعد أكلهم وشبعهم، وفي قوله (ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم) .. الخ دلالة على أنه يستحب لصاحب الطعام وأهله أن يكون أكلهم بعد فراغ الضيفان والله أعلم اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5183 - (00) (00) (وحدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) أبو علي المكي، ثقة، من (11) (حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) جرير بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (قال) أبي جرير بن حازم (سمعت جرير بن زيد) بن عبد الله الأزدي أبا سلمة البصري عم جرير بن حازم، روى عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة في الأطعمة، والشعبي وعامر بن سعد، ويروي عنه (خ م س) وابن أخيه جرير بن حازم، قال أبو حاتم: لا بأس به، قرنه (خ) بآخر، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة (يحدث عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري، روى عن أنس بن مالك في

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ. يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ. فَأَتَى أُمِّ سُلَيمٍ فَقَال: إِنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا في الْمَسْجِدِ. يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنِ وَأَظُنُّهُ جَائِعًا، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمُّ سُلَيمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ. فَأَهْدَينَاهُ لِجِيرَانِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأطعمة وابن الزبير، ويروي عنه (م) وجرير بن زيد وابن إسحاق وجماعة، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الرابعة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن عبد الله لابن أبي ليلى ومن قبله من رواة أنس (قال) أنس (رأى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في المسجد) النبوي (يتقلب ظهرًا لبطن) أي يتحول عن ظهر إلى بطن ومن بطن إلى ظهر يعني لا يستقر على حالة لألم جوعه، وفي الرواية الآتية (وقد عصب بطنه بعصابة) فلا مخالفة بينهما لأن إحداهما تبين الأخرى (فأتى أم سليم فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في المسجد يتقلب ظهرًا لبطن وأظنه) صلى الله عليه وسلم (جائعًا وساق) أي ذكر عمرو بن عبد الله (الحديث) السابق الذي ذكره ابن أبي ليلى (وقال) عمرو (فيه) أي في الحديث لفظة (ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس بن مالك وفضلت فضلة) أي بقيت بقية بعد أكلهم (فأهديناه) أي أهدينا الباقي (لجيراننا) وفي هذا أن المضيف يأكل آخر الناس والنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان هو المدعو فقد صا رنا ظرًا في الطعام بما ظهر من بركته وفي أكله صلى الله عليه وسلم مع أبي طلحة أكل المضيف مع الضيف لأنه أبسط له، وأما أكله مع أم سليم فاجاز العلماء أن تأكل المرأة مع الأجنبي على وجه لا يعرف من أكل المرأة من الرجل لأن الوجه والكفين منها ليسا بعورة فيباح نظرهما للأجنبي بغير لذة ولا مداومة نظر لتأمل المحاسن، وقد يحتمل أن تكون أم سليم ذات محرم منه صلى الله عليه وسلم فإنه ذكر أن أختها أم حرام خالته من الرضاعة فتكون أم سليم مثلها اهـ من الأبي باختصار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال:

5184 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ؛ أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأنْصَارِيَّ حَدّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جِئْتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَوْما. فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ، وَقَدْ عَضَبَ بَطنَهُ بِعِصَابَةٍ -قَال أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكُّ- عَلَى حَجَرٍ. فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لِمَ عَصَّبَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ بَطْنَهُ؟ فَقَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 5184 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني أسامة) بن زيد الليثي المدني، صدوق، من (7) (أن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري) روى عن عمه أنس بن مالك في الأطعمة، ويروي عنه (م) وأسامة بن زيد الليثي وعبد الله بن بكر بن حزم، وثقه أبو زرعة، وقال النسائي: مشهور الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، له عند (م) حديث واحد في الأطعمة، وقال أبو زرعة: لم يرو عنه إلا أسامة بن زيد الليثي (حدثه) أي حدث يعقوب لأسامة (أنه) أي أن يعقوب (سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يعقوب لمن روى عن أنس حالة كون أنس (يقول جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فوجدته جالسًا مع أصحابه يحدثهم) حديثًا (و) الحال أنه صلى الله عليه وسلم (قد عصب) بتشديد الصاد المهملة من التعصيب، وبتخفيفها يقال عصب مخففًا وعصب مشددًا وهو كناية عن شدة الحال والجوع، وقيل حقيقة وهي عادتهم في الحجاز لأن برد الحجر يصل إلى باطن الأحشاء فتبرد حرارة الجوع أو لأن عادتهم عند ضمور البطن شد الحجارة عليها لتعتمد، وقيل إنما فعله موافقة لأصحابه وليعلمهم أنه ليس عنده ما يستأثر به عليهم وإن كان بخلافهم لقوله صلى الله عليه وسلم "إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" اهـ من الأبي، أي رأيته وقد عصب أي شد وربط (بطنه بعصابة) والعصابة بكسر العين ما يشد به الرأس عند الصداع أو الجرح أو البطن عند الجوع، وقيل ثوب كالعمامة (قال أسامة) بن زيد بالسند السابق (وأنا أشك) هل قال يعقوب لفظة (على حجر) أم لا؟ أي عصب بطنه بعصابة فوق حجر، قال أنس (فقلت لبعض أصحابه) صلى الله عليه وسلم (لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه) بعصابة أي مسألة استثباتًا (فقالوا) لي

مِنَ الْجُوعِ. فَذَهَبْتُ إلى أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيم بِنْتِ مِلْحَانَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ! قَدْ رَأَيتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ عَضَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ. فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمي. فَقَال: هَلْ مِنْ شَيءٍ؟ فَقَالتْ: نَعَمْ. عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ. فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ وَحْدَهُ أشْبَعْنَاهُ. وَإِنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَل عَنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ بِقِصَّتِهِ. 5185 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثنَا حَرْبُ بْنُ مَيمُونٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عصبه (من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج أم سليم بنت ملحان) والدتي اسمها سهلة أو سهيلة (فقلت) لأبي طلحة (يا أبتاه) أصله يا أبتي والهاء للسكت وتحريكه خطأ راجع رسالتنا هدية أولى العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف إن أردت اليقين في إعرابه، وإنما خاطبه بهذا اللفظ لأنه كان ربيبًا لأبي طلحة (قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه) صلى الله عليه وسلم عن سبب تعصيبه بطنه، ولم أر من ذكر اسم هذا البعض (فقالوا) لي عصبه (من الجوع فدخل أبو طلحة على أمي) أم سليم (فقال) لها (هل) عندك (من شيء) من الطعام (فقالت) أمي لأبي طلحة (نعم) عندي شيء قليل (عندي كسر من خبز) جمع كسرة أي قطع منها (وتمرات) قليلة (فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده) أي منفردًا عن غيره (أشبعناه) بما عندنا (وإن جاء) شخص (آخر معه قل) طعامنا (عنهم) أي عن الجائين معه فلا يكفيهم (ثم ذكر) يعقوب بن عبد الله (سائر الحديث) أي باقي الحديث السابق في رواية إسحاق بن عبد الله (بقصته) أي مع قصته من إدخالهم عشرة عشرة وأكلهم ما بقي من الضيفان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5185 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر حدثنا يونس بن محمَّد) بن مسلم البغدادي أبو محمَّد المؤدب، ثقة، من (9) (حدثنا حرب بن ميمون) الأنصاري مولاهم مولى النضر بن أنس بن مالك أبو عبد الله

عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ، في طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 5293 - (144) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِن خَياطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ إلى ذلِكَ الطَّعَامِ. فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ. وَمَرَقأ فِيهِ دُبَّاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري الأكبر، روى عن النضر بن أنس في الأطعمة، وعطاء وأيوب، ويروي عنه (م ت) ويونس بن محمَّد المؤدب وحرمي بن عمارة وعبد الله بن رجاء، قال الخطيب في المتفق والمفترق: كان ثقة، وقال الساجي في حرب بن ميمون الأصغر: ضعيف الحديث، وقال في التقريب: صدوق رمي بالقدر، من السابعة، مات في حدود الستين ومائة (160) (عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري أبي مالك البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن) أبيه (أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة النضر بن أنس لجميع من روى عن أنس بن مالك (عن النبي صلى الله عليه وسلم في) قصة (طعام أبي طلحة) وساق النضر (نحو حديثهم) أي نحو حديث إسحاق بن عبد الله وسعد بن سعيد وابن أبي ليلى ويحيى بن عمارة وعبد الله بن عبد الله وعمرو بن عبد الله ويعقوب بن عبد الله أي نحو حديث هؤلاء السبعة. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5186 - (2000) (65) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول) وهذا السند من رباعياته (أن خياطًا) لم أر من ذكر اسمه، وفي رواية ثمامة عند البخاري رقم [5433] أنه كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن صنعة الخياطة لا دناءة فيها ولا غضاضة في دعوة الخياط (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه) قال إسحاق بن عبد الله (قال) لنا (أنس بن مالك فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزًا من شعير ومرقًا فيه دباء

وَقَدِيدٌ. قَال أَنَسٌ: فَرَأَيتُ رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالي الصَّحْفَةِ. قَال: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقديد) والشعير حب مقتات معروف يكون في قشره، والمرق إدام فيه دسومة اللحم، والدباء هو اليقطين وهو القرع، وقيل إنه خاص بالمستدير منه والواحدة دباءة، وفي الأنوار ليوسف الأردبيلي من كتب الشافعية: الدباء شجر يشبه ثمره ثمر الليف ولكنه أكبر منه، والقديد بفتح القاف اللحم المقطع بقدر ما يمضغ. قوله (فقرب إليه) .. إلخ؛ وفي رواية النضر بن شميل عند البخاري برقم [5435] (قال فأقبل الغلام على عمله) ومنه استدل البخاري على أنه لا يتحتم على الداعي أن يأكل مع المدعو وهذا إذا كان بين الداعي والمدعو انبساط وإلا فأكل الداعي مع المدعو أبسط لوجهه وأذهب لاحتشامه. (قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء) أي يتفحص ويطلب الدباء (من حوالي الصحفة) أي من جوانب القصعة لحبه إياه (قال) أنس (فلم أزل) أنا (أحب) أكل (الدباء منذ يومئذ) أي من يوم إذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبعها اتباعًا له في محبتها. قوله (يتتبع الدباء من حوالي الصحفة) ظاهره معارض لما مر من الأمر بالأكل مما يليه ووجهه بعضهم بأن ذلك الأمر متعلق بما إذا كان الطعام من نوع واحد وهنا كان أنواعًا من المرق والدباء والقديد، ووجهه البخاري بأنه إذا علم رضا من يأكل معه فلا بأس بتتبع ما في حوالي الصحفة لأن علة الكراهية استقذار صاحبه فينتفي الحكم عند إنتفاء العلة، ونقل ابن بطال عن مالك أن المواكل لأهله وخدمه يباح له أن يتتبع شهوته حيث رآها إذا علم أن ذلك لا يكره منه، وقال ابن التين: إذا أكل المرء مع خادمه وكان في الطعام نوع منفرد جاز له أن ينفرد به هذا ملخص ما في فتح الباري [9/ 525] قال النواوي: وفي الحديث فوائد منها إجابة الدعوة وإباحة كسب الخياط وإباحة المرق وفضيلة أكل الدباء وأنه يستحب أن يحب الدباء وكذلك كل شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه وأن يحرص على تحصيل ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في أبواب كثيرة منها في الأطعمة [5379] , وأبو داود في الأطعمة [3782] , والترمذي في الأطعمة [1849] , وابن ماجه في الأطعمة [3345 و 3346]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5187 - (00) (00) حدثنا محمدُ بْنُ الْعَلاءِ، أبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَال: دَعَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ رَجُلٌ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَجِيءَ بِمَرَقَةِ فِيهَا دُبَّاءٌ. فَجَعَلَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَأكُلُ مِنْ ذلِكَ الدُّبَّاءِ وَيُعْجِبُهُ. قَال: فَلَمَّا رَأيتُ ذلِكَ جَعَلْتُ ألْقِيهِ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5187 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن العلاء أبو غريب حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لإسحاق بن عبد الله (قال) أنس (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) من المسلمين وهو الخياط المذكور في الرواية الأولى (فانطلقت) أي ذهبت (معه) صلى الله عليه وسلم (فجيء) أي أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بمرقة فيها دباء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء وبعجبه) أي يحب صلى الله عليه وسلم الدباء (قال) أنس (فلما رأيت ذلك) الحب منه صلى الله عليه وسلم (جعلت ألقيه إليه) أي فلما رأيت محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم للدباء شرعت ألقي الدباء من جانبي إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرميه إليه ليأكله، قال النووي: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل مما يلي الإنسان لئلا يتقذر جليسه وهو صلى الله عليه وسلم لا يتقذره أحد بل يتبركون بآثاره وكانوا يدلكون ببصاقه ونخامته وجوههم. قوله (فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه) فيه دليل على جواز مناولة بعض المجتمعين على الطعام بعضهم بعضًا شيئًا من الطعام مما بين يديه لأن جميعه لهم ولا ينكر على من فعل ذلك، وإنما يكره أن يناول ما أمام غيره لآخر لأن فيه الجمع بين سوء الأدب والأكل مما يلي الغير اهـ من الأبي، أو يتناول من على مائدة من مائدة أخرى فقد كرهه ابن المبارك، وفي رواية للبخاري (فجعلت أجمع الدباء بين يديه) وفي رواية حميد (فجعلت أجمعه فأدنيه منه) واحتج به البخاري على أن الأضياف يجوز لهم أن يقدم بعضهم شيئًا إلى بعض، قال ابن بطال: إنما جاز أن يناول بعضهم بعضًا في مائدة واحدة لأن ذلك الطعام قدم لهم بأعيانهم فلهم أن يأكلوه كله وهم فيه شركاء، وقد تقدم الأمر بأكل واحد مما يليه فمن ناول صاحبه مما بين يديه فكأنه آثره بنصيبه مع ماله فيه معه من المشاركة وهذا بخلاف من كان على مائدة أخرى فإنه وإن كان للمتناول حق فيما بين

ولا أَطْعَمُهُ. قَال: فَقَال أَنَسٌ: فَمَا زِلْتُ، بَعْدُ، يُعْجِبُني الدُّبَّاءُ. 5188 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَاعِرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَعَاصِم الأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلًا خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ. وَزَادَ: قَال ثَابِتٌ: فَسَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: فَمَا صُنِعَ لِي طَعَامٌ، بَعْدُ، أَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُصْنَعَ فِيهِ دُئاءٌ إِلَّا صُنِعَ. 5189 - (2001) (66) حدّثني محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يديه لكن لا حق للآخر في تناوله منه إذ لا شركة له فيه. قلت: والظاهر أن المنع من المناولة من المائدة الأخرى مقيد بما إذا لم يعلم رضا المضيف بذلك أما إذا علم رضاه فلا إشكال في جوازه. (ولا أطعمه) أي ولا أطعم الدباء ولا آكله بنفسي بل أجمعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ثابت (فقال أنس: فما زلت بعد) أي بعد ذلك اليوم (يعجبني الدباء) وأحب أكله. وهذا من أنس رضي الله عنه للتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم والاقتداء بآثاره صلى الله عليه وسلم وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يحب موافقته في كل شيء وهي جدير للمؤمن أن تكون غاية المطلب والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 5188 - (00) (00) (وحدثني حجاج بن الشاعر وعبد بن حميد جميعًا عن عبد الرزاق أخبرنا معمر) بن راشد (عن ثابت البناني وعاصم) بن سليمان التميمي البصري (الأحول) ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معمر لسليمان بن المغيرة (أن رجلًا خياطًا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد) معمر (قال ثابت فسمعت أنسًا يقول فما صنع لي طعام بعد) أي بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الدباء (أقدر على أن يصنع) لي (فيه دباء إلا صنع) لي فيه الدباء. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه فقال: 5189 - (2001) (66) حدثني محمَّد بن المثنى العنزي حدثنا محمَّد بن جعفر

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُسْرٍ. قَال: نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ عَلَى أَبِي. قَال: فَقَرَّبْنَا إِلَيهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً. فَأَكَلَ مِنْهَا. ثُمّ أُتِيَ بِتَمْرِ فَكَانَ يَأكُلُهُ وَيُلْقِي النوَى بَينَ إِصْبَعَيهِ وَيجْمَعُ السَّبَابَةَ وَالْوُسْطَى ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير) بمعجمة مصغرًا ابن يزيد الرحبي الهمداني أبي عمرو الحمصي، صدوق، من (5) (عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني السلمي أبي صفوان، وقيل أبو بسر، الصحابي الصغير ولأبيه صحبة، له أحاديث انفرد له (خ) بحديث و (م) بآخر، الشامي وهو آخر من مات بها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو يتوضأ فجأة سنة ثمان وثمانين، وله (100) سنة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأطعمة، وعن أبيه بسر، ويروي عنه (ع) ويزيد بن خمير ومحمد بن زياد الألهاني وحريز بن عثمان وغيرهم. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن بسر (نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي) بسر بن أبي بسر المازني والد عبد الله بن بسر له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابنه عبد الله في الأطعمة وهو هذا الحديث، ويروي عنه (م س) وابنه عبد الله (قال) عبد الله بن بسر (فقربنا) إليه صلى الله عليه وسلم (طعامًا ووطبة) بفتح الواو وإسكان الطاء وبعدها تاء موحدة، وهكذا رواه النضر بن شميل راوي هذا الحديث عن شعبة والنضر إمام من أئمة اللغة، وفسره النضر فقال: الوطبة الحيس يجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن اهـ نووي، وقال السنوسي: وفي بعض النسخ (رطبة) براء مضمومة وفتح الطاء قيل وهو تصحيف من الرواة، ونقل القاضي من رواية بعضهم (وطئة) بفتح الواو وكسر الطاء وبعدها همزة وادعى أنها الصواب، والوطئة بالهمزة عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر كالحيس اهـ وعطف رطبة على طعام من عطف الخاص على العام (فأكل منها) أي من تلك الوطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم أتي) صلى الله عليه وسلم (بتمر) خالص (فكان يأكله) أي يأكل التمر (وبلقي النوى) أي يمسكه ويجعله (بين إصبعيه وبجمع السبابة والوسطى) لإلقاء النوى عليهما، قال النووي: فسره الأكثرون بأنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع النوى بين إصبعيه السبابة والوسطى لقلتها ولا يلقيها في إناء التمر كي لا يختلط بالتمور ولا يرميها على الأرض محافظة على نظافة المكان، وفسره ابن المنذر بأنه كان يجمعها بين أصابعه ليرميها بعد ذلك في محل مناسب اهـ.

(قَال شُعْبَةُ: هُوَ ظَنِّي. وَهُوَ فِيهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، إِلْقَاءُ النوَى بَينَ الإِصْبَعَينِ). ثم أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ. ثُمّ نَاوَلَهُ الذِي عَنْ يَمِينِهِ. قَال: فَقَال أَبِي، وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابتِهِ: ادْعُ الله لَنَا. فَقَال: "اللهم بَارِكْ لَهُمْ في مَا رَزَقْتَهُمْ. وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ". 5190 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا يَحْيى بْنُ حَمَّادٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال محمَّد بن جعفر (قال شعبة) بالسند السابق (هو) أي ذكر إلقاء النوى بين إصبعيه (ظني) أي الأمر الذي أظنه (وهو) أي الحديث (فيه إن شاء الله القاء النوى) أي ذكر إلقاء النوى (بين الأصبعين) يعني تردد شعبة هل ذكر إلقاء النوى بين إصبعين موجود في هذا الحديث أو لا, ولم يشك في الرواية الآتية في ذلك واليقين مقدم على الشك. (ثم أتي) صلى الله عليه وسلم (بشراب فشربه ثم ناوله) أي أعطى الشراب بعد ما شربه الشخص (الذي عن يمينه) تقديمًا للأيمن (قال) عبد الله بن بسر (فقال) له صلى الله عليه وسلم (أبي) بسر بن أبي بسر بعد ما ركب للذهاب (و) قد (أخذ) أبي (بلجام دابته) صلى الله عليه وسلم واللجام على وزن كتاب شيء يجعل في فم الدابة جمعه لجم ككتب وهو معرب عن كلام فارسي اهـ قاموس (ادع الله لنا فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه (اللهم بارك لهم) أي لآل بسر (في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم) وفيه طلب الدعاء من أرباب الفضل ودعاؤهم لصاحب الطعام بتوسعة الرزق والعفو والمغفرة والرحمة وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة والله أعلم اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأشربة [3729] , والترمذي في الدعوات [3576]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5190 - (00) (00) وحدثنا محمَّد بن بشار حدثنا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنيه محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا يحيى بن حماد) بن أبي زياد الشيباني مولاهم أبو بكر البصري ختن أبي عوانة، وراويته ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي ويحيى بن حماد رويا (عن شعبة

بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَشُكَّا في إِلْقَاءِ النَّوَى بَينَ الإِصْبَعَينِ. 5191 - (2002) (67) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلالِيُّ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا) إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ. قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَأكُلُ الْقِثاءَ بِالرُّطَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذا الإسناد) يعني عن يزيد بن خمير عن عبد الله بن بسر، غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (ولم يشكا) أي لم يشك ابن أبي عدي ويحيى بن حماد (في) ذكر (إلقاء النوى بين الإصبعين) كما شك محمَّد بن جعفر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5191 - (2002) (67) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وعبد الله بن عون) بن أمير مصر أبي عون عبد الملك بن يزيد (الهلالي) أبو محمَّد البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا وقال ابن عون حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني (عن أبيه) سعد بن إبراهيم (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب الهاشمي المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) عبد الله بن جعفر (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء) بكسر القاف وضمها والكسر أشهر بوزن فعال وهمزته أصلية، قال الفيومي: وهو اسم لما يسميه الناس الخيار والعجور والفقوس الواحدة قثاءة أي يأكله (بالرطب) وعلله بعضهم بأن برودة القثاء تطفئ حرارة الرطب، وفي الحديث: "اكسر حر هذا ببرد هذا" رواه أبو داود [3826] وفيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب. وأخرج النسائي عن عائشة قالت: لما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم عالجوني بغير شيء فأطعموني القثاء بالتمر فسمنت عليه كأحسن الشحم. ذكره الحافظ في الفتح [9/ 573] وفي الحديث جواز الجمع بين النوعين من الطعام وجواز التوسع في المطاعم، وفيه دليل على جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه الأليق بها كما يقوله الأطباء، وقد أورد الحافظ هنا عدة أحاديث جمع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعًا من المطعومات ولا خلاف بين العلماء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في جواز ذلك، وما نقل عن السلف من خلاف هذا فمحمول على الامتناع من اعتياد التوسع والترفه والاستكثار أو على المجاهدة على سبيل العلاج لا على أنه ممنوع منه شرعًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة [5440] , وأبو داود في الأطعمة [3825] , والترمذي في الأطعمة [1844] , وابن ماجه في الأطعمة [3368]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثماني متابعات، والرابع حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث عبد الله بن بسر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث عبد الله بن جعفر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله أعلم. ***

664 - (8) باب صفة قعود الآكل، ونهيه عن قرن تمرتين عند أكله مع الجماعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوع أهل بيت عندهم تمر"، وفضل تمر المدينة، وفضل الكمأة، وفضل الكباث، وفضل التأدم بالخل

664 - (8) باب صفة قعود الآكل، ونهيه عن قرن تمرتين عند أكله مع الجماعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوع أهل بيت عندهم تمر"، وفضل تمر المدينة، وفضل الكمأة، وفضل الكباث، وفضل التأدم بالخل 5192 - (2003) (68) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. كِلاهُمَا عَنْ حَفْصٍ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ مُصْعَب بْنِ سُلَيمٍ. حَدَّثنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَال: رَأَيتُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُقْعِيًا، يَأكُلُ تَمْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 664 - (8) باب صفة قعود الآكل، ونهيه عن قرن تمرتين عند أكله مع الجماعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوع أهل بيت عندهم تمر"، وفضل تمر المدينة، وفضل الكمأة، وفضل الكباث، وفضل التأدم بالخل 5192 - (2003) (68) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (كلاهما عن حفص) بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (قال أبو بكر حدثنا حفص بن غياث عن مصعب بن سليم) مصغرًا الأسدي مولاهم مولى الزبير بن العوام الكوفي، روى عن أنس بن مالك في الأطعمة وأبي بكر بن أبي موسى ومحمد بن أيوب، ويروي عنه (م د س) وحفص بن غياث وابن عيينة ومروان بن معاوية، وثقة النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (5) (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعيًا) أي جالسًا على أطراف أليتيه ناصبًا ساقيه من الإقعاء وهي جلسة المستوفز على أطراف أليتيه وهي هيئة متواضعة للجلوس مأخوذة من إقعاء السبع، حالة كونه (يأكل تمرًا) وإنما كان يأكل كذلك لعدم نهمه وقلة مبالاته بأكله إذ لم تكن همته فيما يجعل في بطنه وإنما كان يأكل القليل من الطعام عند الحاجة وعلى جهة التواضع ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فلا آكل متكئًا ولكن آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" رواه أحمد [4/ 308 و 309] والبخاري [5399] , وأبو داود [3769] , والترمذي [1830] , وابن ماجه [3262]. وفي الحديث دلالة على أن المرء ينبغي له أن يجلس على الطعام جلوسًا

5193 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيم، عَنْ أَنَسٍ. قَال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ بِتَمْرٍ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ متواضعًا ويجتنب هيئة المتكبرين ولذلك ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فلا آكل متكئًا" أخرجه البخاري وغيره والمتكئ هنا هو المعتمد على الوطاء الذي تحته وكل من استوى قاعدًا على وطاء فهو متكئ والاتكاء افتعال مأخوذ من الوكاء فالمتكئ هو الذي أوكى مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الذي تحته، والمعنى أني إذا أكلت لم أقعد متمكنًا على الأوطية والوسائد فعل من يريد أن يستكثر من الأطعمة ويتوسع في الألوان ولكني آكل علقة وآخذ من الطعام بلغة فيكون قعودي مستوفزًا له". والحاصل أن الأكل متكئًا إن كان للتكبر فهو ممنوع مطلقًا وإن كان لعذر فهو جائز بدون كراهة وإن كان للارتياح والتمكن من استكثار الطعام فهو خلاف الأولى، وذكر العلماء أن أدب الأكل أن يجلس الرجل جاثيًا على ركبته وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى ذكره العيني في العمدة والحافظ في الفتح [9/ 542] أما الجلوس متربعًا بلا إسناد الظهر إلى ما خلفه أو الميلان على أحد الشقين فالظاهر أنه جائز بدون كراهة لعدم ما يدل على كراهته، أما ما ذكره الخطابي من إدخاله في الاتكاء فلم أره عند غيره ولئن صح فإنه يمكن أن يكون هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 180] , وأبو داود في الأطعمة [3771]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5193 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن سفيان) بن عيينة (قال ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن مصعب بن سليم) الأسدي الكوفي (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لحفص بن غياث (قال) أنس (أتي) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم) أي

يَقْسِمُهُ وَهُوَ مُحْتَفِرٌ. يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلًا ذَرِيعًا. وَفِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ: أكلًا حَثِيثًا. 5194 - (2004) (69) حدثنا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ جَبَلَةَ بْنَ سُحَيمٍ قَال: كَانَ ابْنُ الزبَيرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ. قَال: وقَدْ كَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمئِذٍ جَهْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ شرع (يقسمه) أي يقسم التمر بين الناس (وهو) صلى الله عليه وسلم (محتفز) بالحاء المهملة وبالزاي أي مستعجل مستوفز أي متهيء للقيام غير متمكن في جلوسه وهو بمعنى قوله مقعيًا، وهو معنى قوله في الحديث الآخر في صحيح البخاري وغيره "لا آكل متكئًا" على ما فسره الإِمام الخطابي فإنه قال المتكئ هنا هو المتمكن في جلوسه من التربع وشبهه المعتمد على الوطاء تحته .. إلخ اهـ نووي، لا ما يحسبه أكثر العامة من أن المتكئ هو المائل المعتمد على أحد شقيه متوسدًا لا يعرفون غيره، حالة كونه (يأكل منه) أي من ذلك التمر (أكلًا ذريعًا) أي سريعًا مستعجلًا غير متباطئ فيه وكان استعجاله صلى الله عليه وسلم في أكله لاستيفازه واستعداده لشغل آخر هو أهم من الأكل فأسرع الأكل ليقضي حاجته منه ويرد الجوعة ثم يذهب في ذلك الشغل (وفي رواية زهير) ابن حرب (أكلًا حثيثًا) بمثلثتين بينهما ياء ساكنة بدل قول ابن أبي عمر (أكلًا ذريعًا) وهما بمعنى واحد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو الإقران بين تمرتين فأكثر عند الأكل مع الجماعة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5194 - (2054) (69) (حدثنا محمَّد بن المثنى حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت جبلة) بفتحات (بن سحيم) بمهملتين مصغرًا التيمي أبا سويرة الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) جبلة (كان) عبد الله (بن الزبير) رضي الله عنهما في عهد خلافته في الحجاز (يرزقنا) أي يعطينا (التمر) في أرزاقنا، وهو القدر الذي يصرف لهم كل سنة من مال الخراج وغيره بدل النقد تمرًا لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت كذا في فتح الباري [9/ 575] (قال) جبلة (وقد كان) الشأن كان إما شائية أو زائدة أي وقد (أصاب الناس يومئذ) أي يوم إذ يرزقنا ابن الزبير تمرًا (جهد) بفتح الجيم أي مشقة وشدة ومجاعة وبضمها بمعنى الجد والاجتهاد في الشيء وليس مرادًا هنا والمراد بالمشقة هنا القحط كما هو مصرح في رواية البخاري في الأطعمة

وَكُنَّا نَأْكُلُ فَيَمُرُّ عَلَينَا ابْنُ عُمَرَ وَنَحْنُ نَأْكُلُ. فَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا. فَإِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ نَهَى عَنِ الإِقْرَانِ. إلا أَنْ يَسْتأْذِنَ الرَجُلُ أَخَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولفظها "أصابنا عام سنة مع ابن الزبير فرزقنا تمرًا" قال جبلة (وكنا) معاشر الأجناد (نأكل) التمر جماعة جماعة (فيمر علينا) عبد الله (ابن عمر ونحن نأكل) تمرًا (فيقول) لنا (لا تقارنوا) ولا تجمعوا في أكلكم تمرتين فأكثر، والمراد الجمع بين تمرتين في لقمة واحدة إذا كان الرجل مع جماعة (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران) والجمع بين تمرتين في لقمة واحدة (إلا أن يستأذن الرجل) الذي يريد الإقران بينهما (أخاه) الذي يأكل معه أي إلا أن يطلب المقرن الإذن في الإقران من صاحبه فيأذن له فيه. قوله (الإقران) هكذا هو في الأصول، والمعروف في اللغة القرآن يقال قرن بين الشيئين يقرن بضم الراء وكسرها من بابي نصر وضرب لغتان أي جمع ولا يقال أقرن، وأما الإقران من أقرن الرباعي فهو في اللغة الإطاقة كما في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} وحكى ابن الأثير أن الإقران يأتي بمعنى القرآن، قال النووي: واختلف العلماء في أن هذا النهي للتحريم أو للكراهة والأدب والصواب التفصيل فإن كان الطعام مشتركًا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده فإن قرن بغير رضاه فحرام، ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولا يجب، وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القرآن ثم إن كان في الطعام قلة فحسن أن لا يقرن لتساويهم وإن كان كثيرًا بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه لكن الأدب مطلقًا التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستعجلًا ويريد الإسراع لشغل آخر اهـ. قال القرطبي: وعلل الجمهور النهي بعلتين إحداهما أن ذلك يدل على كثرة الشره والنهم وثانيتهما إيثار الإنسان نفسه بأكثر من حقه على مشاركه وحكمهم في ذلك التساوي. قوله (إلا أن يستأذن الرجل أخاه) قال الخطابي: إن ذلك النهي إنما كان في زمنهم لما كانوا عليه من الضيق فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن، ورد النووي وغيره قول الخطابي بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، قال القرطبي: وقول الخطابي فيه نظر وذلك أن الطعام إذا قدم إلى قوم فقد تشاركوا فيه وإذا كان كذلك

قَال شُعْبَةُ: لَا أُرَى هذِهِ الْكَلِمَةَ إلا مِنْ كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ. يَعْنِي الاسْتِئذَانَ. 5195 - (00) (00) وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فليأكل كل واحد منهم على الوجه المعتاد على ما تقتضيه المروءة والنصفة من غير أن يقصد اغتنام زيادة على الآخر فإن فعل وكان الطعام شركة بحكم الملك فقد أخذ ما ليس له وإن كان إنما قدمه لهم غيرهم فقد اختلف العلماء فيما يملكون منه فإن قلنا إنهم يملكونه بوضعه بين أيديهم فكالأول وإن قلنا إنما يملك كل واحد منهم ما رفع إلى فيه فهذا سوء أدب وشره ودناءة فعلى الوجه الأول يكون محرمًا وعلى الثاني مكروهًا لأنه يناقض مكارم الأخلاق والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (قال شعبة) بالسند السابق (لا أرى) ولا أظن (هذه الكلمة) الأخيرة من الحديث (إلا من كلمة ابن عمر) رضي الله عنهما (يعني) شعبة بالكلمة كلمة (الاستئذان) لأخيه في القرآن. وقد صرح شعبة بما قاله أن هذا الاستثناء إدراج من ابن عمر وأطال في تحقيقه في الفتح [9/ 570] ووصل إلى أن هذا الاستثناء مروي عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا فتارة رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة أفتى به وقد صح هذا الاستثناء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا في غير حديث ابن عمر، ومنه حديث أبي هريرة عند البزار (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرًا بين أصحابه فكان بعضهم يقرن فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن إلا بإذن أصحابه) اهـ من الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة [5446] , وأبو داود في الأطعمة [3834] , والترمذي في الأطعمة [1815] , وابن ماجه [3374]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5195 - (00) (00) (وحدثناه عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (ح وحدثنا محمَّد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من معاذ بن معاذ وعبد

عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ في حَدِيثِهِمَا، قَوْلُ شُعْبَةَ. وَلَا قَوْلُهُ: وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ. 5196 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيمِ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَقَمَ أَنْ يَقْرِنَ الرَجُلُ بَينَ التَّمْرَتَينِ. حَتَّى يَسْتَأذِنَ أَصْحَابَهُ. 5197 - (2005) (70) حدّثني عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثنَا سُلَيمَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرحمن بن مهدي (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر (و) لكن (ليس في حديثهما قول شعبة) يعني قوله (لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر) (ولا قوله) أي قول جبلة بن سحيم (وقد كان أصاب الناس يومئذ جهد). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5196 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا عبد الرحمن) ابن مهدي (عن سفيان) الثوري (عن جبلة بن سحيم) التيمي الكوفي (قال سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة بن الحجاج (يقول) ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن) ويجمع (الرجل بين التمرتين) في لقمة واحدة (حتى يستأذن) ويستأمر (أصحابه) الذين يأكلون معه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة أعني قوله "لا يجوع أهل بيت فيه تمر" بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5197 - (2005) (75) (حدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان بتحتانية التنيسي البكري أبو زكرياء البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا سليمان بن

بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "لَا يَجُوعُ أَهْلُ بَيتٍ عِندَهُمُ التمْرُ". 5198 - (00) (00) حدثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ طَحْلاءَ، عَنْ أَبِي الرِّجالِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بلال) التيمي مولاهم أبو محمَّد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يجوع) أي لا يأخذ الجوع (أهل بيت عندهم التمر) فيه وفي الحديث الثاني إشارة إلى فضيلة التمر وجواز الادخار للعيال والحث عليه، قال المناوي: هذا ورد في بلاد غالب قوتهم التمر كأهل الحجاز في ذلك الزمن اهـ وقال في المبارق: وفي الحديث حث على القناعة وتنبيه على جواز ادخار القوت للعيال فإنه أسكن للنفس وأحصن عن الملال اهـ قال الأبي: لا يختص ذلك بالتمر بل كل غالب قوت شأنه ذلك فيقال في بلد غالب قوتهم البر بيت لا بر فيه جياع أهله، وفيه جواز ادخار الأقوات اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 105] , وأبو داود [3831] , والترمذي [1815] , وابن ماجه [3327]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5198 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي، ثقة، من (9) (حدثنا يعقوب بن محمَّد بن طحلاء) بمهملتين ثانيتهما ساكنة الليثي مولاهم أبو يوسف المدني، ويقال محمَّد بن طحلاء مولى جويرية بنت الحارث، روى عن أبي الرجال محمَّد بن عبد الرحمن الأنصاري في الأطعمة وبلال بن أبي هريرة إسحاق بن يسار وغيرهم، ويروي عنه (م) والقعنبي ومالك وابن مهدي وابن أبي الزناد وابن المبارك وعدة، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من كبار السابعة، مات سنة (162) اثنتين وستين ومائة (عن أبي الرجال محمَّد بن عبد الرحمن) بن حارثة، وقيل اسم جده عبد الله الأنصاري مشهور

عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "يَا عَائِشَةُ! بَيتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ، جِيَاعٌ أَهْلُهُ. يَا عَائِشَةُ! بَيتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ -أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ-" قَالهَا مَرَّتَينِ، أَوْ ثَلاثًا. 5199 - (2006) (71) حدثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سعْدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذه الكنية لأنه ولد له عشرة أولاد فكملوا فلم يمت منهم أحد، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أمه) عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، ثقة، من (3) روى عنها في (6) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرة لعروة بن الزبير (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله) جمع جائع (يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عمرة لعروة بن الزبير (أو) قالت عمرة (جاع أهله) قالت عائشة (قالها) أي قال هذه الكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرتين أو) قالها (ثلاثًا) من المرات، والشك الأول من أبي الرجال فيما قالت عمرة، والثاني من عائشة فيما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وهذا الحديث عنى به النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومن كان على حالهم ممن غالب قوتهم التمر وذلك أنه إذا خلا البيت عن غالب القوت في ذلك الموضع كان عن غير الغالب أخلى فيجوع أهله إذ لا يجدون شيئًا ويصدق هذا القوت على كل بلد ليس فيه إلا صنف واحد أو يكون الغالب فيه صنفًا واحدًا فيقال على بلد ليس فيه إلا البر بيت لا بر فيه جياع أهله. ويفيد هذا التنبيه على مصلحة تحصيل القوت وادخاره فإنه أسكن للنفس غالبًا وأبعد عن التشويش اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع أعني فضل تمر المدينة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 5199 - (2006) (71) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن معمر الأنصاري النجاري أبي طوالة بضم الطاء وفتح الواو المدني قاضيها، ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عامر بن سعد بن

أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَراتٍ، مِمَّا بَينَ لابَتَيهَا، حِينَ يُصْبِحُ، لَمْ يَضُرَّهُ سُم حَتَّى يُمْسِيَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي وقاص) الزهريّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهريّ المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل سبع تمرات) أي سبع حبات كائنات تلك السبع (مما) أي من التمر الذي (بين لابتيها) أي بين حرتيها (حين يصبح) أي يدخل في الصباح (لم يضره سم) أي إذا أصيب به في ذلك اليوم (حتى يمسي) أي يدخل في المساء فتكون له أمانًا وحرزًا في ذلك اليوم بإذن الله تعالى لوصول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثمار المدينة بالبركة، وأما تخصيص السبع والسم فمما يفوض علمه إلى الشارع كذا في المبارق. قوله (بين لابتيها) أي لابتي المدينة وإعادة الضمير إليها بدون ذكرها لعلمها من السياق ولحضورها في الذهن واللابتان الحرتان، قال ابن الأثير: المسندينة ما بين حرتين عظيمتين، قال الأصمعي: الحرة هي الأرض التي ألبستها حجارة سود، واللابتان هما الحرتان: واقم والوبرة أولاهما في شرق المدينة والثانية في غربها (لم يضره سم) بتثليث السين والفتح أفصح، قال في المنجد: والسم هو كل مادة إذا دخلت الجوف عطلت الأعمال الحيوية أو أوقفتها تمامًا، يجمع على سمام وسموم بوزن فلوس. قال القرطبي: ومطلق حديثي الباب مقيد بالآخر فحيث أطلق العجوة هنا إنما أراد بها عجوة المدينة وكذلك في حديث عائشة حين أطلق العالية فمراده بها عالية المدينة وجهاتها، والعجوة هي أجود نوع من التمر بالمدينة غرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة كما ذكره الحافظ في الفتح [2/ 238] وهي أكبر من الصيحاني تضرب إلى السواد فيها لين. قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر، وقال "بعضهم: إنه كان خاصًّا بنخل بالمدينة لا يعرف الآن، وقيل كان خاصًّا بزمنه صلى الله عليه وسلم، والأصح أنه عام لكل عجوة بالمدينة، وأما تقييده بسبع تمرات فلا يعلم سره إلا الله تعالى، ومن ذكر لذلك سرًّا فلا يعدو أن يكون ظنًّا وتخمينًا والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ.

5200 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ. قَال: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: سمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ، عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ ذلِكَ الْيَوْمَ سُم وَلَا سِحْرٌ". 5201 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا مَرْوَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 168 و 181] والبخاري في أبواب كثيرة منها في الأطعمة برقم [5445] , وأبو داود في الطب [3875 و 3876]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5200 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هاشم بن هاشم) بن عتبة بن أبي وقاص الزهريّ المدني، ويقال هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة، وهو أصح لأن هاشم بن عتبة قتل بصفين سنة سبع وثلاثين، فيبعد أن يكون صاحب الترجمة ابنه لبعد ما بين وفاتهما، روى عن عامر بن سعد في الأطعمة وسعيد بن المسيب وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص وغيرهم، ويروي عنه (ع) وأبو أسامة ومروان الفزاري وأبو بدر شجاع بن الوليد ومالك، وطائفة، وثقه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: مدني ثقة، وقال أحمد والبزار: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (147) سبع وأربعين ومائة (قال سمعت عامر بن سعد بن أبي وقاص يقول سمعت سعدًا) ابن أبي وقاص (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هاشم بن هاشم لعبد الله بن عبد الرحمن، وفيه فائدة تصريح السماع في ثلاثة مواضع (من نصبح) أي من تفطر في الصباح (بسبع تمرات) أي حبات (عجوة) منصوب على أنه تمييز للذات المبهمة أي من عجوة (لم يضره) أي لم يصبه بضرر (ذلك اليوم سم ولا سحر) تقدم البحث فيه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 5201 - (00) (00) (وحدثناه) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر حدثنا مروان بن

مُعَاوَيةَ الْفَزَارِيُّ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ. كِلاهُمَا عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، مِثْلَهُ. وَلَا يَقُولانِ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. 5202 - (2007) (72) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أيوبَ وَابْنُ حُجْرٍ (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَّمَ قَال: "إِن في عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا أبو بدر شجاع بن الوليد) الكوفي السكوني، صدوق، من (9) روى عنه في (3) أبواب (كلاهما) أي كل من مروان وشجاع بن الوليد رويا (عن هاشم بن هاشم) الزهريّ المدني (بهذا الإسناد) يعني عن عامر عن سعد (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعتهما لأبي أسامة وساقا (مثله) أي مثل حديث أبي أسامة (ولا يقولان) أي ولم يقل مروان بن معاوية وشجاع بن الوليد لفظة (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) كما قاله أبو أسامة بل قالا عن النبي صلى الله عليه وسلم بالعنعنة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 5202 - (2007) (72) وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال الآخران: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن شريك وهو) ابن عبد الله (بن أبي نمر) المدني القرشي أو الليثي، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الله بن أبي عتيق) وهو عبد الله بن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، صدوق، من (3) روى عنه في (2) بابين (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في عجوة العالية شفاء) من السم والسحر أو من

أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ، أَوَّلَ الْبُكْرَةِ". 5203 - (2008) (73) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَعَمْرُو ـــــــــــــــــــــــــــــ كل مرض، والعالية ما كان من الحوائط والقرى والعمارات من جهة المدينة العليا مما يلي نجدًا والسافلة من الجهة الأخرى مما يلي تهامة، قال القاضي: وأدنى العالية ثلاثة أميال وأبعدها ثمانية من المدينة، والعجوة نوع جيد من التمر (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنها) أي إن عجوة العالية (ترياق) أي دواء إذا أكلت (أول البكرة) أي أول الصباح بنصب أول على الظرفية لمحذوف كما قدرناه وهو بمعنى حديث سعد "من تصبح"، (والترياق) بكسر التاء وقد تضم دواء مركب معلوم ينفع من السموم، ويقال درياق وطرياق وترياق أهـ مفهم. فأطلق على العجوة اسم الترياق تشبيهًا لها به. وظاهر هذه الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر وهذا كما توجد بعض الأدوية مخصوصة ببعض المواضع وببعض الأزمان ثم هل ذلك مخصوص بزمان نطقه صلى الله عليه وسلم أو هو في كل زمان كل ذلك محتمل، والذي يرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة فإن وجدنا ذلك كذلك في هذا الزمان علمنا أنها خاصة دائمة وإن لم نجده مع كثرة التجربة علمنا أن ذلك مخصوص بزمان ذلك القول أهـ من المفهم. وقد وقع في رواية لحديث سعد عند البخاري في الطب لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل) فأفاد أن أكل العجوة يظل مفيدًا طول النهار وظاهره أن تأثيره ينقطع بدخول الليل اهـ من التكملة. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ولكن رواه أحمد [6/ 77]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة أعني فضل الكمأة بحديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 5203 - (2008) (73) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير وعمر) بضم العين وفتح الميم، ووقع تحريفه إلى عمرو بالواو في النسخ التي بأيدينا، ووقع تحريفه

ابْنُ عُبَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُميرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ. قَال: سَمِعْتُ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى عمر بن عبيد الله في كتاب الأصفهاني، والصواب عمر (بن عبيد) بن أبي أمية بن أبي لبيبة بفتح اللام الإيادي الطنافسي بفتح الطاء والنون وبعد الألف فاء مكسورة ثم سين مهملة، أبو حفص الكوفي أخو يعلى ومحمد، روى عن سماك بن حرب في الصلاة، وعبد الملك بن عمير في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وإسحاق بن إبراهيم وخلق، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (8) روى عنه في (2) كلاهما (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي الكوفي، ثقة مدلس مختلط، من (3) روى عنه في (15) بابا، وقد جاوز مائة سنة (عن عمرو بن حريث) بن عمرو القرشي المخزومي أبي سعيد الكوفي، صحابي صغير رضي الله عنه (عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) العدوي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة والمهاجرين الأولين رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) سعيد بن زيد (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم وجمعه كمأ نظير شجرة وشجر، وعكس ابن الأعرابي فقال الكمأ مفرد والكمأة جمع على خلاف القياس، وقيل الكمأة قد تطلق على الواحد وعلى الجمع، وقد جمعوها على أكمؤ كفلس وأفلس كما قال الشاعر: ولقد جَنَيتك أكمؤًا و (عساقلا) ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر وهي نبات لا ورق لها ولا ساق توجد في أرض النجد غالبًا وقت الربيع والخريف في الأرميا (قندالي) والعساقل الكبار البيض التي يقال لها شحمة الأرض في الأرميا (حنهدي) وهي تؤكل بعد القلي بالملح، وبنات الأوبر صغارها مرة وهي سامة لا تؤكل، وقوله (من المن) ومن هنا بمعنى الكاف التشبيهية والمعنى الكمأة كالمن الذي أنزل على بني إسرائيل بمعنى أنها تشبهه من حيث إن الكمأة تطلع من عند الله تعالى من غير كلفة منا ببذر ولا حرث ولا سقي كما أن السنن ينزل عليهم فضلًا من الله تعالى من غير سبب منهم، والمن شيء مثل السكر أنزله الله تعالى علي بني إسرائيل في التيه على أشجارهم، ويقال له الترنجبين فيتناولونه ويأكلونه وإنما نالت الكمأة هذا الثناء لأنها من الحلال الذي ليس في اكتسابه شبهة (وماؤها شفاء للعين) قال القاضي: قال بعض أهل العلم

5204 - (00) (00) وحدّثنا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ. قَال: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيثٍ. قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ يَقُولُ: "الْكَمْاةُ مِنَ الْمَنِّ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالطب في معنى هذا الحديث إما لتبريد العين من بعض ما يكون فيها من الحرارة فتستعمل بنفسها مفردة وإما لغير ذلك فمركبة مع غيرها اهـ مفهم. قال الخطابي في شرحه للبخاري [3/ 1800] قوله وماؤها شفاء للعين بأن يربى به الكحل أو التوتيا أو نحوهما مما يكتحل به فينتفع بذلك وليس بأن يؤخذ بحتًا فيكتحل ويتداوى به لأن ذلك يؤدي العين ويقذيها وهو الذي اختاره ابن الجوزي، ويؤيده ما حكاه الحافظ من قول الغافقي في المفردات ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الأثمد واكتحل به فإنه يقوي الجفن ويزيد البصر قوة ويدفع عنها النوازل، واختار النووي أن ماءها مجردًا شفاء للعين مطلقًا فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه اهـ. وسبب هذا الحديث ما أخرجه الطبري من طريق ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع قوم من أكلها وقالوا: هي جدري الأرض فبلغه ذلك فقال: "إن الكمأة ليست من جدري الأرض ألا إن الكمأة من المن" ذكره الحافظ في فتح الباري [1/ 163 و 164] وأخرج الترمذي [2068] عن أبي هريرة: أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إن الكمأة جدري الأرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من "المن" اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4478] , والترمذي [2068] , وابن ماجه [3454]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 5204 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن المثنى حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير قال سمعت عمرو بن حريث قال سمعت سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد وعمر بن عبيد، وفيه

5205 - (00) (00) وحدّثنا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: وَأخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيدٍ، عَنِ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فائدة تصريح السماع في ثلاثة مواضع، قال في المنجد: الكمأة هو نبات يقال له أيضًا شحم الأرض يوجد في الربيع تحت الأرض وهو أصل مستدير كالقلقاس لا ساق له ولا عرق لونه يميل إلى الغبرة، قال في اللسان: واحدها كمء على غير قياس وهو من النوادر، وقال سيبويه: ليست الكمأة بجمع كمء لأن فعلة ليس مما يكسر عليه فعل إنما هو اسم للجمع. قوله (من المن) قال أبو عبيد وكثيرون: شبهها بالمن الذي كان ينزل علي بني إسرائيل لأنه كان يحصل لهم بلا كلفة ولا علاج ولا زرع ولا سقي ولا غيره، وقيل هي من المن "أي من بقايا" المن الذي أنزل علي بني إسرائيل حقيقة عملًا بظاهر اللفظ (وماؤها شفاء للعين) يعني ماؤها مجردًا شفاء للعين مطلقًا فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى: وقد رأيت وغيري في زمننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الله الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادًا في الحديث وتبركًا به والله أعلم اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 5205 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن المثنى حدثني محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة قال) شعبة حدثني عبد الملك بن عمير (وأخبرني الحكم بن عتيبة) الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (عن الحسن) بن عبد الله (العرني) بضم العين وفتح الراء بعدها نون نسبة إلى عرينة بطن من بجيلة، روى عن عمرو بن حريث في الأطعمة، ويحيى بن الجزار في الإيمان, وابن عباس مرسلًا وعلقمة، ويروي عنه (خ م د س ق) والحكم بن عتيبة وعزرة بن عبد الرحمن وسلمة بن كهيل، وثقه ابن سعد والعجلي وأبو زرعة، وقال ابن معين: صدوق ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة

قَال شُعْبَةُ: لَما حَدثني بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ. 5206 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسن العرني لعبد الملك بن عمير (قال شعبة) بالسند السابق (لما حدثني به) أي بهذا الحديث (الحكم) بن عتيبة (لم أنكره) أي لم أنكر ما حدثته (من حديث عبد الملك) بن عمير مع كون عبد الملك مدلسًا مختلطًا لأنه تابعه الحسن العرني فقدى حديثه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 5206 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن مطرف) بن طريف الحارثي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن الحكم) بن عتيبة (عن الحسن) العرني (عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) رضي الله عنه (قال) سعيد. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة مطرف لشعبة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن) أي مثل السنن (الذي أنزل الله تبارك وتعالى علي بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين) ثم إن هذا الكلام إنما كان من حيث الأسباب الظاهرة، ولكن لا يخفى أن الشفاء الحقيقي ليس إلا بيد الله سبحانه وتعالى، وإنما الأدوية أسباب محضة ليست تنفع بنفسها ولا تضر بنفسها، فإن اعتقد رجل أن قول النبي صلى الله عليه وسلم عام لكل كمأة ولكل مرض ولكل إنسان فاستعمل ماء الكمأة في مرض لا يراها الأطباء نافعة فيه ونوى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وحصول الشفاء بها بقوة اعتقاده فلا يبعد أن يجعل الله سبحانه شفاء له خاصة على الرغم مما يقوله الأطباء لأنهم لا يتكلمون إلا عن الأسباب الظاهرة وإن قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته فوق هذه الأسباب بكثير ومن هنا قال ابن القيم رحمه الله تعالى: استعمال كل ما وردت به السنة

5207 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيدٍ، عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الذِي أَنْزَلَ الله عَلَى مُوسَى. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَينِ". 5208 - (00) (00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ. قَال: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيثٍ يَقُولُ: قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيدٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ الذِي أَنْزَلَ اللهُ، عَز وَجَلَّ، عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بصدق ينتفع به من يستعمله ويدفع الله عنه الضرر بنيته والعكس بالعكس، حكاه الحافظ في الفتح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 5207 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن مطرف) بن طريف الحارثي (عن الحكم بن عتيبة عن الحسن) بن عبد الله (العرني عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة جرير لعبثر بن القاسم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (الكمأة من المن الذي أنزل الله) سبحانه وتعالى (على موسى) بن عمران عليه السلام (وماؤها شفاء للعين). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 5208 - (00) (00) (حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العرني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (قال سمعت عمرو بن حريث يقول قال) عمرو بن حريث (سمعت سعيد بن زيد يقول) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لجرير بن عبد الحميد وعمر بن عبيد وشعبة بن الحجاج (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكمأة من المن الذي أنزل الله عز وجل على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين).

5209 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثيُّ. حَدَّثنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَبِيبٍ. قَال: سَمِعْتُهُ مِنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ. فَسَأَلْتُهُ. فَقَال: سَمِعْتُهُ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ. قَال: فَلَقِيتُ عَبْدَ الْمَلِكِ. فَحَدَّثَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيدٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ. وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه فقال: 5209 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا محمَّد بن شبيب) الزهراني البصري، روى عن شهر بن حوشب سمعه منه أولًا ثم سمعه من عبد الملك بن عمير في الأطعمة، وعن الشعبي والحسن وغيرهم، ويروي عنه (م س) وحماد بن زيد ومعمر وشعبة وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (قال) ابن شبيب (سمعته) أي سمعت هذا الحديث (من شهر بن حوشب) مولى أسماء بنت يزيد بن السكن الأشعري أبي سعيد الشامي، روى عن عبد الملك بن عمير في الأطعمة حديث الكمأة من المن ومولاته أسماء وابن عباس وعائشة وأم سلمة وجابر وطائفة، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن شبيب حديث الكمأة من المن وقتادة وثابت والحكم وعاصم بن بهدلة، وثقه ابن معين وأحمد، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في التقريب: صدوق كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة (112) اثنتي عشرة ومائة، قال محمَّد بن شبيب (فسألته) أي فسألت شهرًا فقلت له عمن سمعت هذا الحديث (فقال) لي شهر (سمعته) أي سمعت هذا الحديث (من عبد الملك بن عمير قال) محمَّد بن شبيب (فلقيت عبد الملك) بن عمير (فحدثني) عبد الملك (عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن شبيب وكذا شهر لسفيان بن عيينة (قال) سعيد بن زيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكمأة من السنن وماؤها شفاء للعين). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة أعني فضل

5210 - (2009) (74) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ بِمَرِّ الظَهْرَانِ. وَنَحْنُ نَجْنِي الْكَبَاثَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: "عَلَيكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ" قَال: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، كَأَنكَ رَعَيتَ الْغَنَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكباث بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 0 521 - (2009) (74) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب عن يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) جابر (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء موضع معروف على مرحلة من مكة (ونحن نجني) ونقتطف من شجر الأراك (الكباث) أي النضيج من ثماره، والكباث بفتح الكاف وتخفيف الباء هو النضيج من تمر الأراك قاله الأصمعي وما يبس منه فهو برير بوزن حرير، وقال غيره: الصواب أن الكباث هو الذي لم ينضج، و (المرد) هو الذي نضج واسود، وأنشد أبو ذؤيب: وغير ماء المرد فاها فلونه ... كلون النؤور وهي أدماء سارها أي سائرها وقد حكي هذا عن الأصعمي أيضًا، وحكي عن ابن الأعرابي أن الذي لم يسود هو الكباث والأسود هو البرير وجماعه، وعن مصعب أن المرد هو إذا ورد فإذا اخضر فهو الكباث فإذا اسود فهو البرير اهـ من المفهم، وفسره البخاري بورق الأراك ولكن خطأه في ذلك الأكثرون وقالوا: هو ثمر الأراك، وقال أبو زياد: يشبه التين يأكله الناس والإبل والغنم، وقال أبو عمرو: هو حار كان فيه ملحًا ذكره الحافظ في الفتح [9/ 576] (فقال) لنا (النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بالأسود منه) أي الزموا باجتناء الأسود منه؛ أي من الكباث، فإنه الأحسن من ثمر الأراك (قال) جابر (فقلنا) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله كأنك رعيت الغنم) في البوادي فإن الرعاة هم الذين يعرفون أحسن الثمار؛

قَال: "نَعَمْ. وَهَلْ مِنْ نبيٍّ إلا وَقَدْ رَعَاهَا" أَوْ نَحْوَ هذَا مِنَ الْقَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني معرفتك بأطيب نوع من الكباث تدل على أنك رعيت الغنم لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار لطلب المرعى منها والاستظلال تحتها فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) رعيت الغنم لأهل مكة على قراريط (وهل من نبي) من الأنبياء، فالاستفهام إنكاري بمعنى النفي أي ما من نبي من الأنبياء (إلا وقد رعاها) أي إلا وقد رعى الغنم، وأخرج النسائي من حديث نصر بن حزن قال: افتخر أهل الإبل وأهل الغنم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا أرعى غنم أهلي بجياد" والحكمة في رعي الأنبياء الغنم قبل النبوة أن يتدربوا على التواضع ويتمرنوا على ما يكلفون به في المستقبل من القيام بأمر أمتهم ولأن بمخالطتها يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا لضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها, ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر كذا في إجارة فتح الباري [4/ 441]. (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال جابر (نحو هذا) المذكور (من القول) كقوله "وما من نبي إلا وهو راعي الغنم" والشك من جابر أو ممن دونه، وقال القرطبي: والحكمة في ذلك أن الله تعالى درب الأنبياء على رعاية الغنم وسياستها ليكون ذلك تدريجًا إلى سياسة الأمم إذ الراعي يقصد مصلحة الغنم ويحملها على مراشدها ويقوم بكلفها وسياستها ومن تدرب على هذا وأحكمه كان متمكنًا من سياسة الخلق ورحمتهم والرفق بهم وكانت الغنم بهذا أولى لما خص به أهلها من السكينة وطلب العافية والتواضع وهي صفات الأنبياء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "السكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الإبل" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3820] , والترمذي [1840 - 1843] , والنسائي [7/ 14] , وابن ماجه [3317].

5211 - (2010) (75) حدّثني عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "نِعْمَ الأدُمُ، أَو الإِدَامُ، الْخَلُّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة أعني التأدم بالخل بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5211 - (2010) (75) حدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمَّد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان بالتحتانية البكري أبو زكريا البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم الأدم) بضمتين جمع إدام كإهاب وأهب وكتاب وكتب، والأدم بفتح الهمزة وسكون الدال بمعنى الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به من الأبازير والمرق واللحم، يقال آدم الخبز يأدمه بكسر الدال من باب ضرب أي صبغه أو خلطه بما يؤكل به (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي نعم (الإدام) بلفظ المفرد والمخصوص بالمدح (الخل) فيه مدح للخل وأنه من أفضل أنواع الإدام، وذهب الخطابي والقاضي عياض إلى أن المقصود من هذا الحديث الحث على الاقتصار في المأكل على أبسط أنواعه ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة فتقدير الحديث ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن. ولكن تعقبهما النووي بأن قصد الحديث مدح للخل بنفسه ولذلك قال جابر: فما زلت أحب النحل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم. فهو يقول أنس: ما زلت أحب الدباء، وتأويل راوي الحديث أولى بالقبول من تأويل غيره، قال القرطبي: الإدام بوزن كتاب كل ما يؤتدم به أي يؤكل به الخبز مما يطيبه سواء كان مما يصطبغ به كالأمراق والمائعات أو مما لا يصطبغ به كالجامدات من اللحم والبيض والجبن والزيتون وغير ذلك، وشذ أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف فقالا في البيض واللحم المشوي وشبه ذلك مما لا يصطبغ به ليس شيء من ذلك بإدام ويتبين على هذا الخلافِ الخلافُ فيمن حلف على أن لا يأكل إدامًا فأكل شيئًا من هذه الجامدات فحنثه الجمهور ولم يحنثه أبو حنيفة ولا صاحبه،

5212 - (00) (00) وحدّثناه مُوسَى بْنُ قُرَيشِ بْنِ نَافِعٍ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "نِعْمَ الأدُمُ" وَلَمْ يَشُكَّ. 5213 - (2011) (76) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ سَأَلَ أَهْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح ما صار إليه الجمهور بدليل قوله صلى الله عليه وسلم وقد وضع تمرة على كسرة وقال: "هذه إدام هذه" رواه أبو داود [3259] وبدليل قوله أيضًا وقد سئل عن إدام أهل الجنة أول ما يدخلوها فقال: "زيادة كبد الحوت" رواه أحمد والبخاري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3820] , والترمذي [1840 - 1843] , والنسائي [7/ 14] , وابن ماجه [3317]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5212 - (00) (00) (وحدثناه موسى بن قريش بن نافع التميمي) البخاري، مقبول، من (11) روى عنه في (2) بابين (حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي) بضم الواو أبو زكرياء الحمصي، صدوق، من (9) (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي المدني (بهذا الإسناد) يعني عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن صالح ليحيى بن حيان (و) لكن (قال) يحيى بن صالح (نعم الأدم ولم يشك) كما شك يحيى بن حيان. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5213 - (2011) (76) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن أبي بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي، ثقة، من (5) (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الإسكاف الواسطي، صدوق، من (4) (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله) أي بعض أهله ولم أقف على من

الأدُمَ. فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إلا خَلٌّ. فَدَعَا بِهِ. فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيقُولُ: "نِعْمَ الأدُمُ الْخَل. نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ". 5214 - (00) (00) حدّثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيةَ) عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ نَافِع؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عينها ولعلها عائشة (الأدم) بضمتين أي قال لهم هل عندكم إدام يؤكل به (فقالوا) له عبّر عنهم بضمير جمع المذكور تعظيمًا لهم واحترامًا (ما عندنا) إدام (إلا خل فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي بالخل أي طلب منهم إحضاره له فأحضروه (فجعل) النبي صلى الله عليه وسلم أي شرع (يأكل به) أي بالخل (وبقول) في حالة أكله (نعم الأدم النحل نعم الأدم النحل) مكررًا مرتين، والإدام ما يؤكل به الطعام وأل في النحل للجنس فهو حجة في أن ما خلل من الخمر حلال طاهر اهـ مناوي، قال النووي: في الحديث دلالة على فضيلة النحل وأنه يسمى أدمًا وأنه أدم فاضل جيد، وفيه أيضًا استحباب الحديث على الأكل تأنيسًا للآكلين اهـ منه. وفي الجوهرة: ولو حلف لا يأتدم فالإدام كل شيء يصطبغ به الخبز ويؤكل معه مختلطًا به كاللبن والخل والزيت والعسل، وأما ما لا يصبغ به فليس بإدام عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا أن ينويه مثل الشواء والجبن والبيض واللحم غير المطبوخ، وقال محمَّد: هو إدام وإن لم ينوه والملح إدام بالإجماع لأنه لا يؤكل بانفراده بخلاف اللحم وما يضاهيه فإنه يؤكل وحده اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [3820] , والترمذي [1840 - 1843] , والنسائي في الأيمان [3796] , وابن ماجه في الأطعمة [3317]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5214 - (00) (00) (حدثني يعقوب بن إبراهيم (العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية عن المثنى بن سعيد) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة، نزل فيهم أبي سعيد البصري القصير، ثقة، من (6) (حدثني طلحة بن نافع) القرشي أبو سفيان الواسطي، من (4) (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان

يَقُولُ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ بِيَدِي، ذَاتَ يَوْمٍ، إلى مَنْزِلِهِ. فَأَخْرَجَ إِلَيهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ. فَقَال: "مَا مِنْ أُدُمٍ؟ " فَقَالُوا: لَا. إلا شَيءٌ مِنْ خَلٍّ. قَال: "فَإِنَّ الْخَل نِعْمَ الأُدُمُ". قَال جَابرٌ: فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَل مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِي الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، وَقَال طَلْحَةُ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَل مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ. 5215 - (00) (00) حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنِي أبي. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ نَافِع. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة مثنى بن سعيد لأبي بشر (يقول أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم) أي يومًا من الأيام أي أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيدي) يومًا فذهب بي متماشيين (إلى منزله) صلى الله عليه وسلم فيه أخذ الرجل بيد صاحبه في تماشيهما (فأخرج) الخادم أو غيره (إليه) صلى الله عليه وسلم (فلقًا) أي كسرًا (من خبز) ويحتمل عود الضمير في أخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والضمير في إليه إلى جابر على سبيل الالتفات من التكلم إلى الغيبة، والمعنى فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ فلقًا من خبز، والفلق بكسر الفاء وفتح اللام جمع فلقة بسكون اللام ككسرة وكسر وزنًا ومعنى، قال في القاموس: الفلقة بكسر الفاء كسرة الشيء يقال هذا فلقته أي كسرته اهـ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله (ما من أدم) أي ما عندكم شيء من الإدام (فقالوا) له (لا) أي ما عندنا شيء من إدام (إلا شيء) قليل (من خل) فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوه (فإن النحل) إدام يقال فيه (نعم الأدم، قال جابر) بالسند المذكور (فما زلت أحب النحل منذ سمعتها) أي بعد ما سمعت هذه المقالة (من نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال طلحة) بن نافع الراوي عن جابر عندما حدث هذا الحديث (ما زلت أحب النحل منذ سمعتها) أي بعد ما سمعت هذه المقالة (من جابر) رضي الله عنه. وهذا شبيه بالمسلسلات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5215 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي الجهضمي) البصري (حدثني أبي) علي بن نصر البصري (حدثنا المثنى بن سعيد) الضبعي البصري (عن طلحة بن نافع حدثنا

جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَخَذَ بِيَدِهِ إلى مَنْزِلِهِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. إلى قَوْلِهِ: "فَنِعْمَ الأدُمُ الْخَلُّ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 5216 - (00) (00) وحدّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي زينَبَ. حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، طَلْحَةُ بْنُ نَافِع. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَال: كُنْتُ جَالِسًا في دَارِي. فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسلَمَ. فَأَشَار إِلَيَ. فَقُمْتُ إِلَيهِ. فَأخَذَ بِيَدِي. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى ـــــــــــــــــــــــــــــ جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة علي بن نصر لإسماعيل ابن عليه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده) أي بيد جابر ومشى به (إلى منزله) صلى الله عليه وسلم وساق علي بن نصر (بمثل حديث ابن علية إلى قوله) صلى الله عليه وسلم (فنعم الأدم النحل و) لكن (لم يذكر) علي (ما بعده) أي ما بعد قوله فنعم الأدم من قوله "قال جابر فما زلت أحب النحل .. الخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5216 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا حجاج بن أبي زينب) السلمي أبو يوسف الواسطي الصيقل، روى عن أبي سفيان طلحة بن نافع في الأطعمة وأبي عثمان النهدي، ويروي عنه (م د س ق) ويزيد بن هارون وهشيم وابن مهدي وغيرهم، قال أحمد: أخشى أن يكون ضعيف الحديث، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به فيما يرويه، وقد أخرج له مسلم حديثًا واحدًا وهو حديث "نعم الإدام النحل" وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من السابعة (حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال سمعت جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حجاج بن أبي زينب لبيان بن بشر وإسماعيل ابن عليه (قال) جابر (كنت جالسًا في داري) ومنزلي (فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تعال، قال جابر (فقمت) ومشيت (إليه) صلى الله عليه وسلم (فأخذ) أي أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيدي فانطلقنا) أي ذهبنا متماشيين (حتى أتى) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه

بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ. فَدَخَلَ. ثُمَّ أَذِنَ لِي. فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيهَا. فَقَال: "هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟ " فَقَالُوا: نَعَمْ. فَأُتِيَ بِثَلاثَةِ أَقْرِصَةٍ. فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِي. فَأَخَذَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيهِ. وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيَّ. ثُمّ أَخَذَ الثالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَينِ. فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَينَ يَدَيهِ وَنِصْفَهُ بَينَ يَدَيَّ. ثُمَّ قَال: "هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟ " قَالُوا: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (بعض حجر) أي بيوت (نسائه) صلى الله عليه وسلم ولم أر من عين ذلك البعض، قال في تنبيه المعلم: رواية عائشة للشطر الأخير من هذا الحديث يرجح أنها هي المرادة هنا والله أعلم اهـ (فدخل) النبي صلى الله عليه وسلم تلك الحجرة (ثم أذن لي) في الدخول (فدخلت) حتى رأيت (الحجاب) الذي جعل (عليها) ولكن لم أرها، قال النووي: معناه دخلت الحجاب إلى الموضع الذي فيه المرأة وليس فيه أنه رأى بشرتها فيحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب ويحتمل أن يكون بعده وتكون قد استترت في جهة منه كذا قال القاضي عياض (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجرة (هل) عندكم (من غداء) وهو ما يؤكل وسط النهار (فقالوا) أي فقال أهله صلى الله عليه وسلم (نعم) عندنا غداء فقال: "قربوه" (فأتي) صلى الله عليه وسلم (بثلاثة أقرصة) أي أرغفة جمع قرص وهو الرغيف (فوضعن) بالبناء للمجهول مسندًا إلى ضمير الإناث أي فوضعت تلك الأقراص (على نبي) كذا وقع هنا بفتح النون وكسر الباء وتشديد الياء معناه هنا على مائدة من خوص، قال ثعلب: النبي شيء مدور من خوص، وضبطه الصدفي والأسدي (بني) بموحدة مفتوحة وفوقية مشددة مكسورة وتحتانية مشددة منونة. (قلت) والبت كساء من وبر أو صوف قال الشاعر: من كان ذا بت فهذا بتي ... مصيف مقيظ مشتي وكأن الذي وضعت عليه القرصة منديل من صوف وكذلك عند ابن ماهان غير أنه فتح التاء، وعند الطبري بني بضم الباء بعدها نون مكسورة مشددة وياء مشددة، قال الكناني: وهو الصواب وهو طبق من خوص، قال ابن وضاح (البني) طبق أو مائدة من خوص أو حلفاء (فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرصًا) من تلك الأقراص الثلاثة (فوضعه بين يديه وأخذ قرصًا آخر فوضعه بين يدي ثم أخذ الثالث فكسره باثنين فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي ثم قال) لأهله (هل) عندكم شيء (من آدم؟ قالوا لا) أي

إِلا شَيءٌ مِنْ خَلٍّ. قَال: "هَاتُوهُ. فَنِعْمَ الأدُمُ هُوَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ما عندنا شيء منه (إلا شيء من خل، قال: هاتوه) أي قربوه لنا (فنعم الأدم هو) أي النحل والمخصوص بالمدح النحل، قال القرطبي: وقسمة النبي صلى الله عليه وسلم الأقراص الثلاثة نصفين يدل على جواز فعل مثل ذلك مع الضيف بل يدل على كرم أخلاق فاعله وإيثاره للضيف عند قلة الطعام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذي قدم إليه كان غداء فإن أقرصتهم صغار لا سيما في مثل ذلك الوقت ومع ذلك فشرك فيه الغير وفاء بقوله صلى الله عليه وسلم: "طعام الواحد كافي الاثنين وطعام الاثنين كافي الثلاثة" رواه أحمد ومسلم والترمذي. وشارك المؤلف في هذه الرواية ابن ماجه [3318]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأول حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد، والسادس حديث سعيد بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والسابع حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة، والثامن حديث عائشة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية

665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية 5217 - (2012) (77) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي أيوبَ الأَنْصَارِيِّ. قَال: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ، أَكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَيَّ. وإنَّهُ بَعَثَ إِلَيَّ يَوْمًا بِفَضْلَةٍ لَمْ يَأكُلْ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية 5217 - (2012) (77) (حدثنا محمَّد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي، الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما (عن أبي أيوب الأنصاري) النجاري خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو أيوب (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضله) أي بما فضل منه (إليّ) لآكله (وكان ذلك أثناء إقامته) صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب في أوائل هجرته، واستدل به القاضي عياض على أن من أدب الأكل والشرب أن يبقي الآكل والشارب بقية ولكنه مقيد بما إذا كان غيره ينظر أكله ولا سيما من يتبرك بفضله وربما يبعث المضيف إلى الضيف جميع ما عنده ويريد أن لا يطعم أهله إلا مما يفضل بعد أكل الضيف وحينئذ ينبغي للضيف أن يبقي لهم من طعامه، وأما إذا خيف على البقية ضياعها وإسرافها كما هو المعروف في زماننا عند المترفهين فالأحسن أن لا يبقي في الإناء بقية، وهو محمل أحاديث لعق الإناء كما مر، وفيه دلالة على جواز التبرك بفضلة أهل الورع وآثارهم اهـ (وانه بعث إلي يومًا بفضلة) أكل منها غيره ممن كان معه من الخدم ورفيقه أبي بكر ولكن (لم يأكل منها) رسول الله

وإن فِيهَا ثُومًا. فَسَأَلْتُهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَال: "لَا. وَلكِنِّي أكرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ". قَال: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا كَرِهْتَ. 5218 - (00) (00) وحدّثنا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، في هذَا الإِسْنَادِ. 5219 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (لأن فيه ثومًا فسألته) صلى الله عليه وسلم عن سبب ترك أكله فقلت له (أحرام هو؟ ) أي الثوم فـ (قال) لي (لا) أي ليس بحرام أكله (ولكني كرهه) أي أكره أكله (من أجل ريحه) الكريه (قال) أبو أيوب (فإني أكره ما كرهت) يا رسول الله، وهذا صريح في عدم حرمته وأصرح منه ما أخرج البخاري في الصلاة [855] عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا" أو قال "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" وإن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحًا فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال: "كل فإني أناجي من لا تناجي" فأفاد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجنب الثوم من أجل كراهته الطبيعية لريحه، ومن أجل أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يناجي ربه أو يخاطب ملائكته وفي فيه رائحة ثوم أو بصل وإلى هذا أشار الراوي في آخر الرواية الآتية "وكان صلى الله عليه وسلم يؤتى"، قال النووي: وهذا الحديث صريح في إباحة الثوم وهو مجمع عليه لكن يكره لمن أراد حضور المسجد أو حضور جمع في غير المسجد أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة، وقد سبقت المسألة مستوفاة في كتاب الصلاة والله أعلم اهـ نووي. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أيوب رضي الله عنه فقال: 5218 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن المثنى حديثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن سماك عن جابر عن أبي أيوب، غرضه بيان متابعة يحيى القطان لمحمد بن جعفر. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 5219 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف

ابْنُ الشاعِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ (وَاللَّفْظُ مِنْهُمَا قَرِيبٌ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ. حَدَّثَنَا ثَابِت (في رِوَايَةِ حَجَّاجٍ: ابْنُ يَزِيدَ أبُو زَيدٍ الأَحْولُ). حَدَّثَنَا عَاصِمُ عنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَفْلَحَ، مَوْلَى أَبِي أيوبَ، عَنْ أبي أيوبَ؛ أَن النبيَّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ نَزَلَ عَلَيهِ. فَنَزَلَ النبي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ في السفْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (وأحمد بن سعيد بن صخر) الدارمي أبو جعفر النيسابوري، ثقة، من (11) (واللفظ) من كل (منهما قريب) إلى لفظ الآخر (قالا حدثنا) محمَّد بن الفضل السدوسي (أبو النعمان) البصري الملقب بعارم، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا ثابت) بن يزيد (في رواية حجاج) بن الشاعر حدثنا ثابت (بن يزيد) البصري (أبو زيد الأحول) روى عن عاصم الأحول في الأطعمة، وسليمان التيمي وهلال بن خباب، ويروي عنه (ع) وأبو النعمان عارم بن الفضل وعبد الصمد وصفان وأبو داود، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وزاد أبو حاتم: أوثق من عبد الأعلى وأحفظ من عاصم الأحول، وقال النسائي وأبو زرعة: ليس به بأس، وقال ابن عبد البر: صدوق، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة (169) تسع وستين ومائة (حدثنا عاصم) بن سليمان الأحول البصري التميمي، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا منها أنه روى عن عبد الله بن الحارث في الأطعمة، ويروي عنه ثابت بن يزيد أبو زيد الأحول (عن عبد الله بن الحارث) الأنصاري أبي الوليد البصري نسيب محمَّد بن سيرين، روى عنه في (4) أبواب منها أنه روى عن أفلح مولى أبي أيوب في الأطعمة، ويروي عنه عاصم الأحول (عن أفلح مولى أبي أيوب) الأنصاري كنيته أبو يحيى ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو كثير المدني، كان من سبي عين التمر الذي سبى خالد بن الوليد له دار بالمدينة، قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين (63) روى عن مولاه أبي أيوب الأنصاري في الأطعمة، وزيد بن ثابت، ويروي عنه (م) وعبد الله بن الحارث وثقه العجلي وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، من (2) مات سنة (63) ثلاث وستين (عن أبي أيوب) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة أفلح مولى أبي أيوب لجابر بن سمرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه) أي علي أبي أيوب في داره مقدمه المدينة (فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل) بضم السين وكسرها مع سكون الفاء أي في سفل دار أبي أيوب أي في الدور الأرضي، وإنما نزل

وَأَبُو أَيوبَ في الْعُلْو. قَال فَانْتَبَهَ أبُو أيوبَ لَيلَةً فَقَال: نَمْشِي فَوْقَ رأسِ رَسُولِ الله صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ! فَتَنَحَّوْا. فَبَاتُوا في جَانِب. ثُمَّ قَال للنَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "السُّفْلُ أَرْفَقُ" فَقَال: لَا أعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا. فَتَحَوَّلَ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ في الْعُلْو وَأَبُو أيوبَ في السُّفْلِ. فَكَانَ يَصْنَعُ للنَّبيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ طَعَامًا. فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ. فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم أولًا في السفل لأنه أرفق له صلى الله عليه وسلم وبالزائرين له كما في النووي (وأبو أيوب) ساكن (في العلو) أي في علو داره (قال) أفلح مولى أبي أيوب (فانتبه) أي استيقظ (أبو أيوب) من نومه اليلة) من الليالي (فقال) أبو أيوب (نمشي) بأرجلنا (فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحوا) أي تنحى أبو أيوب وأهله وتباعدوا وتحولوا عن مرقدهم فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فباتوا) أي ناموا في الليل (في جانب) أي في طرف من العلو بعيد عن مقابل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ما أصبح (قال) أبو أيوب (للنبي صلى الله عليه وسلم) اطلع أنت يا رسول الله إلى العلو ونحن ننزل إلى السفل (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لأبي أيوب (السفل أرفق) أي أسهل بنا يعني بذلك من جهة الصعود إلى العلو وبما يلحق في تكرار ذلك من المشقة ومع ذلك فتجشمها النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى صدق أبي أيوب في احترامه وعزمه على أن لا يسكن العلو بوجه فلو لم يجبه إلى ذلك لانتقل منه أبو أيوب إلى موضع آخر وربما تكثر عليه المشقة والحرج فآثر موافقته على المشقة اللاحقة في الصعود اهـ من المفهم (فقال) أبو أيوب (لا أعلو سقيفة) أي لا أنزل علو سقف (أنت تحتها) يا رسول الله (فتحول النبي صلى الله عليه وسلم) أي انتقل من السفل الذي كان فيه ونزل (في العلو وأبو أيوب) نزل (في السفل فكان) أبو أيوب (يصنع) أي يطبخ ويصلح (للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا) فيأكل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من ذلك الطعام ويتركون لأبي أيوب بقية (فإذا جيء به) أي بذلك الطعام الفاضل (إليه) أي إلى أبي أيوب (سأل) من أتى إليه بذلك الفاضل (عن موضع أصابعه) صلى الله عليه وسلم أي عن موضع أصابه أصابع النبي صلى الله عليه وسلم عند أكلهم منه (فـ) إذا أخبره الآتي بالطعام موضع أصابعه صلى الله عليه وسلم (يتتبع) ويطلب (موضع أصابعه)

فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ. فَلَمَّا رُدَّ إِلَيهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابعِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأكُل. فَفَزعَ وَصَعِدَ إِلَيهِ. فَقَال: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَال النبي صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: "لَا. وَلكِنِّي أَكْرَهُهُ" قَال: فَإِني أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ. قَال: وَكَانَ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يُؤْتَى ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم فيأكل منه يعني إذا أتى إلى أبي أيوب بفضلة الطعام الذي أكل منه النبي صلى الله عليه وسلم يسأل رضي الله عنه عن موضع أصابعه الشريفة ويأكل منه تبركًا به ففيه التبرك بآثار أهل الخير في الطعام وغيره والله أعلم اهـ نووي. (فصنع) أبو أيوب (له) صلى الله عليه وسلم يومًا (طعامًا فيه ثوم فلما رد) بضم الراء رد الطعام الفاضل بعد أكل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه (إليه) أي إلى أبي أيوب (سأل) أبو أيوب (عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم) عند الأكل منه (فقيل له) أي لأبي أيوب (لم يأكل) منه النبي صلى الله عليه وسلم (ففزع) أبو أيوب وفجع عن عدم أكله صلى الله عليه وسلم لخوفه أن يكون حدث منه أمر أوجب الامتناع من طعامه (وصعد) أبو أيوب (إليه) صلى الله عليه وسلم في العلو (فقال) أبو أيوب للنبي صلى الله عليه وسلم (أحرام هو؟ ) أي الثوم أم لا، فلم تركت أكل الطعام؟ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا) أي ليس الثوم حرامًا أكله (ولكني) أي ولكن أنا (أكرهه) أي أكره أكل الثوم فـ (قال) أبو أيوب (فإني كره ما تكره) يا رسول الله (أو) قال أبو أيوب فإني أكره (ما كرهت) يا رسول الله، والشك من أفلح أو ممن دونه ففيه منقبة عظيمة لأبي أيوب رضي الله عنه فإنه مشعر بكمال اتباع محبوبه ومن حق المحب أن يتبع محبوبه فيما يحب ويكره كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} الآية (قال) أبو أيوب (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى) بالبناء للمجهول أي تأتي إليه الملائكة والوحي كما جاء في الحديث الآخر (فإني أناجي من لا تناجي وإن الملائكة تتأذى بما يتأذى به بنو آدم) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يترك الثوم دائمًا لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كل ساعة اهـ نووي فيخاطبهم فيكره أن تكون رائحة الثوم في فيه. وقال العيني في العمدة [3/ 216] والذي ذكرنا من كراهة دخول المسجد بعد أكل الثوم، في الثوم النبي لأجل رائحته، وأما الثوم المطبوخ منه فلا يكره لما روى

5220 - (2013) (78) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِم الأشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي مَجْهُودٌ. فَأرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا عِنْدِي إلا مَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو داود عن علي رضي الله عنه قال: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخًا، ورُوي أيضًا من حديث معاوية بن قرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين وقال: "من أكلهما فلا يقربن مسجدنا" وقال: "إن كنتم لا بد أكليهما فأميتوهما طبخًا" فظهر أن أكله نيئًا يكره للجميع ويكره معه دخول المسجد، أما إذا كان مطبوخًا فلا بأس بأكله اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني إكرام الضيف. بإيثاره بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5220 - (2013) (78) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير بن عبد الحميد) الضبي الكوفي (عن فضيل بن غزوان) بن جرير الضبي الكوفي (عن أبي حازم) سلمان (الأشجعي) الكوفي مولى عزة، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (إني مجهود) أي مصاب بالجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع، قال ابن الملقن: إن في المعجم الأوسط للطبراني أنه أبو هريرة راوي الحديث اهـ تنبيه المعلم (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى بعض نسائه) لم أر من ذكر اسمها واسم التي بعدها فقال لها: هل عندكم شيء من طعام؟ (فقالت) تلك المرأة (والذي بعثك بالحق) أي أقسم لك بالإله الذي أرسلك بالدين الحق (ما عندي) شيء من الطعام (إلا ماء) نشربه (ثم أرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى أخرى) من نسائه (فقالت) هذه الثانية (مثل ذلك) أي مثل ما قالت الأولى يعني قولها ما عندي إلا ماء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع نسائه واحدة بعد واحدة (حتى قلن كلهن مثل ذلك) أي مثل ما قالت الأولى يعني قولها (لا) أي ما عندي شيء (والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء) كررت أداة النفي للتأكيد، قال القرطبي: "وقول

ثُمَّ أَرْسَلَ إلى أُخْرَى. فَقَالتْ مِثْلَ ذلِكَ. حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذلِكَ: لَا. وَالذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إلا مَاءٌ. فَقَال: "مَنْ يُضِيفُ هذَا، اللَّيلَةَ، رَحِمَهُ الله" فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصَارِ فَقَال: أنا. يَا رَسُولَ الله، فَانْطَلَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس عندنا إلا ماء" يدل على شدة حالهم وضيق معيشتهم وكان هذا والله أعلم في أول الأمر، وأما بعد ذلك لما فتحت خيبر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبس لأهله قوت سنتهم، ويحتمل أن يكون بعد ذلك وأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يتصدقن بما كان عندهن ويؤثرن غيرهن بذلك ويبقين على ما يفتح الله تعالى ولا يطلبن من النبي صلى الله عليه وسلم لسقوط ذلك عنه بالذي دفع لهن اهـ من المفهم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يضيف هذا) المجهود، من أضاف الرباعي أي من يعطي الضيافة لهذا الرجل المجهود هذه (الليلة) المستقبلة، فمن اسم موصول في محل الرفع على الابتداء خبره جملة (رحمه الله) تعالى أي جازاه على إحسانه إليه بالرحمة الواسعة، بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وأهله فلما لم يجد في بيته شيئًا يواسيه به رغب غيره في مساعدته وهذا حكم المواساة في الشدائد أن يساعد الرجل المجهودين بنفسه فإن لم يستطع حولهم إلى غيره (فقام رجل من الأنصار) قال الخطيب: هذا الرجل ثابت بن قيس بن شماس، وقيل أبو طلحة ولا أراه أبا طلحة زيد بن سهل بل رجل آخر يكنى أبا طلحة، وفي (م) فيما سيأتي أن الرجل يقال له أبو طلحة وقيل عبد الله بن رواحة اهـ تنبيه المعلم، والصواب كما سيأتي في رواية ابن فضيل أنه أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه ولفظها: فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، واستظهر الخطيب كما حكى عنه الحافظ في الفتح أنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور وفإنّه استبعد ذلك من وجهين؛ أحدهما أن أبا طلحة زيد بن سهل رجل مشهور لا يحسن أن يقال فيه فقام رجل يقال له أبو طلحة، والثاني أن سياق القصة يشعر بأنه كان من المعسرين حتى احتاج إلى إطفاء السراج مع أن أبا طلحة زيد بن سهل كان من أكثر الأنصار مالًا. ويمكن الجواب عن الأول أن شهرة أبي طلحة لا تمنع من أن يقال فيه رجل من الأنصار، وعن الثاني بأن المال غادٍ ورائح فلا يمنع كون أبي طلحة من المياسير أن تمر عليه ليلة وفي طعامه قلة والله سبحانه وتعالى أعلم (فقال) ذلك الرجل القائم (أنا) مضيفه (يا رسول الله فانطلق) أي ذهب هذا الرجل القائم

بِهِ إلى رَحْلِهِ. فَقَال لامْرَأَتِهِ: هَل عِنْدَكِ شَيءٌ؟ قَالتْ: لَا. إلا قُوتُ صبْيَانِي. قَال: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيءِ. فَإذَا دَخَلَ ضَيفُنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ. فَإِذَا أَهْوَى لِيَأكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتى تُطْفِئِيهِ. قَال: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (به) أي بذلك المجهود (إلى رحله) أي منزله ورحل الإنسان هو منزله من حجر أو مدر أو شعر أو وبر اهـ نووي (فقال) الرجل المضيف (لامرأته) إن كان الرجل المضيف أبا طلحة زيد بن سهل وهو الصواب كما مر آنفًا فامرأته هي أم سليم سهلة بنت ملحان أم أنس بن مالك، وإن كان أبا طلحة الثاني فذكرت المختلعات منه في التوضيح وإن كان عبد الله بن رواحة فلا أعرف اسم زوجته اهـ من التنبيه (هل عندك شيء) من الطعام (قالت) امرأته (لا) أي ما عندنا شيء منه (إلا قوت صبياني) وعشاؤهم (قال) الرجل لامرأته (فعلليهم) أي فعللي الصبيان (بشيء) من العلل والأسباب أي اذكري لهم سببًا يهيجهم ويحثهم على النوم كقولها لهم جاء عندنا هذه الليلة ضيف عظيم يحترم أو هائل يضرب الصبيان أو لم أهيئ لكم العشاء فناموا حتى أهيئ لكم العشاء وهذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل بحيث يضرهم ترك الأكل إذ لو كانوا محتاجين لوجب تقديمهم على الضيف ويدل على ذلك ثناء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، وأما الرجل والمرأة فرضيا بذلك وآثرا على أنفسهما اهـ من الأبي (فهذا دخل ضيفنا) البيت (فاطفئي السراج) والصواب ما في رواية البخاري (فأصبحي السراج) أي أوقدي السراج (وأريه) أي أري الضيف من الإراءة أي أريه (أنا نأكل) معه، وذلك لأن الضيف إن علم أن مضيفه لا يأكل ربما امتنع من الأكل أو أكل قليلًا وذلك من فرط إيثاره رضي الله عنه وحسن سياسته (فهذا أهوى) الضيف يده ومدها وأمالها إلى الطعام (ليأكلـ) ـه، وفي اللغة يقال أهوى بيده أمالها لشيء يأخذه (فقدمي إلى السراج حتى تطفئيه) وفي رواية للبخاري (هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونؤمت صبيانها ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين) (قال) أبو هريرة راوي الحديث (فقعدوا) أي فقعد الرجل وامرأته والصواب (فقعدا) بألف التثنية كما تدل عليه رواية البخاري وسياق الكلام أو المراد بالجمع ما فوق الواحد أي جلسنا معه بلا أكل (وأكل الضيف

فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا عَلَى النبي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال: "قَدْ عَجِبَ الله من صَنِيعِكُمَا بِضَيفِكُمَا اللَّيلَةَ". 5221 - (00) (00) حدثنا أبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أبي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ بَاتَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلما أصبح) الرجل المضيف (غدا) أي بكر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد عجب الله) سبحانه وتعالى عجبًا يليق به عَزَّ وَجَلَّ، والعجب هنا صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (من صنيعكما بضيفكما الليلة) أي البارحة، والمقصود أن الله تعالى رضي عملكما وجازاكما عليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3798] , وأبو داود [3748] , والترمذي [1976] , وابن ماجه [3675]. قال النووي: وهذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة منها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته من الزهد في الدنيا والصبر على الجوع وضيق حال الدنيا، ومنها أنه ينبغي لكبير القوم أن يبدأ في مواساة الضيف ومن يطرقهم بنفسه فيواسيه من ماله أولًا بما يتيسر إن أمكنه ثم يطلب له على سبيل التعاون على البر والتقوى من أصحابه، ومنها المواساة في حال الشدائد، ومنها فضيلة إكرام الضيف وإيثاره، ومنها منقبة لهذا الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما، ومنها الاحتيال في إكرام الضيف إذا كان يمتنع منه رفقًا بأهل المنزل لقوله أطفئي السراج وأريه فإنه لو رأى قلة الطعام وأنهما لا يأكلان لامتنع من الأكل إلى غير ذلك اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5221 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي (عن فضيل بن غزوان) بن جرير الضبي الكوفي (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن فضيل بن غزوان (أن رجلًا من الأنصار) هو أبو طلحة زيد بن سهل كما مر (بات به) أي عنده

ضَيفٌ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ. فَقَال لامْرَأَتِهِ: نَوِّمِي الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَقَرِّبِي لِلضَّيفِ مَا عِنْدَكِ. قَال: فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]. 5222 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِيُضِيفَهُ. فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُضِيفُهُ. فَقَال: "أَلا رَجُلٌ يُضِيفُ هذَا، رَحِمَهُ اللهُ" فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ. فَانطَلَقَ بِهِ إلى رَحْلِهِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَذَكَرَ فِيهِ نُزُولَ الآيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ وَكِيعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ضيف) من فقراء المسلمين (فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته) أم سليم (نومي الصبية) جمع صبي وصبية (وأطفئي السراج وقربي) أي قدمي (للضيف ما عندك) من الطعام (قال) أبو هريرة (فنزلت هذه الآية) المذكورة فيه وفي امرأته يعني قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5222 - (00) (00) (وحدثناه أبو غريب حدثنا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان (عن أبيه) فضيل بن غزوان (عن) سلمان الأشجعي (أبي حازم) الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن فضيل لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو هريرة (جاء رجل) مجهود (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفه) أي ليطعمه (فلم يكن عنده) صلى الله عليه وسلم (ما يضيفه) أي ما يطعمه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده (ألا) حرف استفتاح وتنبيه (رجل) مبتدأ (يضيف) أي يطعم (هذا) المجهود خبره (رحمه الله) تعالى كما مر أو الهمزة للاستفهام ولا نافية أي أما فيكم رجل يضيف هذا فيرحمه الله تعالى: (فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة) زيد بن سهل فأخذه (فانطلق) أي ذهب (به إلى رحله وساق) أي ذكر محمَّد بن فضيل (الحديث) السابق (بنحو حديث جرير وذكر) محمَّد بن فضيل (فيه) أي في الحديث (نزول الآية) السابقة (كما ذكره) أي كما ذكر نزول الآية (وكيع) بن الجراح،

5223 - (2014) (79) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فنزلت هذه الآية السابقة مدحًا للأنصاري وامرأته وثناء عليهما حيث نوما صبيانهما لعدم احتياجهم وإن كانوا طالبين الطعام على عادة الصبيان فعلى هذا لم يتركا الواجب عليهما بل أحسنا وأجملا رضي الله تعالى عنهما، وأما الضيف فآثراه على أنفسهما مع احتياجهما وخصاصتهما وهذه منقبة عظيمة لهما ولهذا مدحهما الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ففيه فضيلة الإيثار والحث عليه، وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من أمور الدنيا وحظوظ النفس، وأما القربات فالأفضل أن لا يؤثر بها لأن الحق فيها لله تعالى والله أعلم اهـ ذهني. وقوله (فنزلت هذه الآية) وهذا هو الأصح في سبب نزول هذه الآية، وعند ابن مردويه من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أهدي لرجل رأس شاة فقال إن أخي وعياله أحوج منا إلى هذا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجعت إلى الأول بعد سبعة بنزلت الآية) ويحتمل أن تكون الآية نزلت بسبب ذلك كله، وقوله: {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي حاجة وهو من خصاص البيت وهو ما بين عيدانه من الفرج والفتوح كما في روح المعاني وذلك يدل على إفلاس صاحب البيت اهـ والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنهما فقال: 5223 - (2014) (79) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار) المدائني الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم البصري، ثقة، من (4) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن المقداد) بن الأسود البهراني الكندي حلفًا، وكان في الأصل ابنًا لعمرو بن ثعلبة وقد لحق أبوه بحضرموت وقدم المقداد إلى مكة فتبناه الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه فلما نزلت (ادعوهم لآبائهم) قيل له المقداد بن عمرو، واشتهرت شهرته بابن الأسود، أسلم

قَال: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي. وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ. فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَلَيسَ أَحَدْ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا. فَأَتَينَا النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَانْطَلَقَ بنَا إلى أَهْلِهِ. فَإِذَا ثَلاثَةُ أَعْنُزٍ. فَقَال النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "احْتَلِبُوا هذا اللبَنَ بَينَنَا". قَال: فَكُنا نَحتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُل إِنْسَانٍ منا نَصِيبَهُ. وَنَرْفَعُ لِلنَّبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ نَصِيبَهُ. قَال: فَيَجِيءُ مِنَ الليلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قديمًا، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) المقداد (أقبلت) أي جئت (أنا وصاحبان لي) لم أر من ذكر اسمهما إلى مجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا) أي ضعفت حتى قاربت الذهاب (من الجهد) بفتح الجيم بمعنى المشقة والتعب والجوع أي قاربت الذهاب لأجل شدة الجوع وذهاب الأسماع والأبصار كناية عن شدة الجوع، والمراد كاننا لا نسمع ولا نرى شيئًا لأجل شدة الجوع (فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نتعرض لهم ليطعمونا وذلك لشدة ما بهم من الجوع والضعف (فليس أحد منهم يقبلنا) أي يطعمنا لكونهم مقلين لا يجدون ما يواسونهم به، قال القرطبي: وظاهر حالهم أن ذلك الامتناع ممن تعرضوا له إنما كان لأنهم ما وجدوا شيئًا يطعمونهم إياه كما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم حيث طلب من جميع بيوت نسائه فلم يجد عندهن شيئًا وإن الوقت كان شديدًا عليهم (فأتينا) معاشر الثلاثة (النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق) أي ذهب (بنا) النبي صلى الله عليه وسلم (الي أهله) ومنزلهم (فإذا ثلاثة أعنز) حاضرة جمع عنز نظير كنزٍ وأكنزٍ وهو الأنثى من المعز ويجمع أيضًا على عنوز وعناز بكسر العين كذا في القاموس (فقال) لنا (النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا) لنا هذه الأعنز واقسموا (هذا اللبن) الذي حلبتموه منها (بيننا) أي بيني وبينكم لكل على حدة (قال) المقداد (فكنا) معاشر الثلاثة (نحتلب) اللبن من تلك الأعنز (فيشرب كل إنسان منا نصيبه ونرفع) أي نخبؤ وندخر (للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه) من اللبن بعد القسمة (قال) المقداد (فيجيء) النبي صلى الله عليه وسلم (من) المسجد بعد صلاة العشاء في أوائل (الليل فيسلم) علينا عند الدخول (تسليمًا) متوسطًا بين الرفع والمخافتة بحيث

لَا يُوقِظُ نَائِمًا. وَيُسْمِعُ الْيَقظَانَ. قَال ثُمَّ يَأتِي الْمسْجِدَ فَيُصَلِّي. ثُمَّ يَأتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ. فَأَتَانِي الشيطَانُ ذَاتَ لَيلَةٍ، وَقَدْ شَرِبتُ نَصِيبِي. فَقَال: مُحَمَّدٌ يَأْتِي الأنصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، ويصِيبُ عِنْدَهُمْ. مَا بِهِ حَاجَة إلى هذِهِ الْجُرْعَةِ. فَأَتَيتُهَا فَشَرِبْتُهَا. فَلَمَّا أَنْ وَغَلَت ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان) أي المتيقظ، وهذا فيه آداب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام أو من في معناهم وأنه يكون سلامًا متوسطًا بين الجهر والمخافتة بحيث يسمع الأيقاظ ولا يهوش على غيرهم، قال القرطبي: فيه دليل على مشروعية السلام عند دخول البيت وقد استحبه مالك وأن ذلك مما ينبغي أن يكون برفق واعتدال (قال) المقداد (ثم) بعد السلام علينا (يأتي) النبي صلى الله عليه وسلم (المسجد) أي مصلاه في البيت (فيصلي) ما قدر له (ثم يأتي شرابه) الذي خبأنا له (فيشربـ) ـه، قال المقداد (فأتاني الشيطان ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (و) الحال أني (قد شربت نصيبي) من اللبن المقسوم بيننا (فقال) الشيطان في وسوسته لي (محمَّد يأتي الأنصار) أي يذهب إلى بيوتهم بعد العشاء (فيتحفونه) أي فيتحف الأنصار محمدًا صلى الله عليه وسلم أي يكرمونه ويضيفونه (ويصيب) أي يصيب ويشرب ويطعم (عندهم) أي عند الأنصار يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما يتحفه الأنصار بشيء يسد جوعه فلو شربت نصيبه أمكن له أن يعالج جوعه ويدفعه بما يتحفه الأنصار و (ما به) أي بمحمد (حاجة إلى هذه الجرعة) القليلة، هي بضم الجيم وفتحها حكاهما ابن السكيت وغيره والفعل منه جرعت بفتح الجيم وكسر الراء من باب سمع اهـ أبي، وقال القرطبي: الجرعة بضم الجيم الشربة الواحدة وبالفتح المصدر المحدود اهـ (فأتيتها) أي فأتيت تلك الجرعة التي خبانا له صلى الله عليه وسلم (فشربتها فلما أن وغلت) أن زائدة بعد لما ووغلت بالغين المعجمة المفتوحة من باب وعد، وقال في القاموس: الوغول على وزن الدخول، الدخول في الشيء والاختفاء فيه يقال وغل في الشيء وغولًا إذا دخل فيه اهـ فكل من دخل في شيء فهو واغل فيه، ومنه قول امرئ القيس: فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثمًا من الله ولا واغل يقال وغلت أغل وغولًا ووغلًا وهو ثلاثي، فأما أوغل رباعيًّا فهو بمعنى السير

في بَطنِي، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيسَ إِلَيهَا سَبِيلٌ. قَال نَدَّمَنِي الشيطَانُ. فَقَال: ويحَكَ، مَا صَنَعْتَ؟ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ؟ فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيكَ فَتَهْلِكُ. فَتَذهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ. وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ. إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَي خَرَجَ رَأْسِي، وإذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ. وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النومُ. وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ. قَال: فَجَاءَ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فسلمَ كَمَا كَانَ يُسَلمُ. ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى. ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشديد والإمعان فيه قاله الأصمعي ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق" أي فسر فيه برفق رواه أحمد [3/ 199] أي فلما دخلت تلك الجرعة (في بطني) وتمكنت فيها (وعلمت أنه) أي أن الشأن والحال (ليس) لي (إليها) أي إلى إخرا بها (سبيل) أي طريق (قال) المقداد (ندمني) أي أدخل علي بوسوسته (الشيطان) الندامة على شرب تلك الجرعة (فقال) لي الشيطان في وسوسته (ويحك) يا مقداد أدركك الله بالرحمة والعفو والغفران (ما صنعت) أي أي شيء صنعت، صنعت شيئًا عظيمًا (أشربت شراب محمَّد) ونصيبه من اللبن (فيجيء) أي فيأتي من المسجد (فلا يجده) أي فلا يجد شرابه (فيدعو عليك) بالهلاك (فتهلك فتذهب دنياك و) تحبط (آخرتك) فتكون ممن خسر الدنيا والآخرة (و) كانت (علي شملة) أي كساء صغير وفوطة صغيرة، قال القرطبي: الشملة كساء صغير يشتمل به أي يلتحف به على كيفية مخصوصة قد ذكرناها في كتاب الصلاة اهـ من المفهم. (إذا وضعتها) أي وضعت تلك الشملة (على قدمي) بتشديد الياء مثنى قدم أي على قدمين لي (خرج رأسي) من تحتها (وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي) لفرط صغرها (وجعل) بمعنى كان الثانية أي وكان الشأن (لا يجيئني النوم) أي لا يأتيني ولا يأخذني لشدة ندامتي أو لبرودة جسمي لفقد اللباس الذي يعمه ويشمله (وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت) من شرب نصيب النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن (قال) المقداد (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم) بعد ما تأخر في المسجد بعد العشاء لتعليم الناس فدخل البيت (فسلم) علينا (كما كان يسلم) علينا في بقية الليالي أي تسليمًا متوسطًا لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان (ثم أتى المسجد) قال القرطبي: يعني به والله أعلم مسجد بيته أي حيث كان يصلي النوافل اهـ أي أتى مصلاه في البيت (فصلى) ما قدر له من صلاة الليل (ثم أتى شرابه) أي موضعه الذي نخبؤ له فيه نصيبه

فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيئًا. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلتُ: الآنَ يَدْعُو عَلَي فَأَهْلِكُ. فَقَال: "اللهم أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي. وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي" قَال: فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَيَّ. وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأعنُزِ أَيهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُول ِالله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَإِذَا هِيَ حَافِلَةٌ. وإذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُن. فَعَمَدْتُ إلى إِنَاءٍ لِآلِ محمدٍ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتلِبُوا فِيهِ. قَال: فَحَلبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رُغْوَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فكشف عنه) أي كشف الغطاء عن إناء شرابه (فلم يجد فيه) أي في إنائه (شيئًا) من اللبن (فرفع رأسه إلى السماء فقلت) في قلبي (الآن) أي في هذا الوقت الحاضر (يدعو علي فأهلك) بدعائه (فقال) في دعائه (اللهم أطعم من أطعمني) أي يطعمني (وأسق من أسقاني) أي يسقيني، قال النووي: فيه الدعاء للمحسن والخادم ولمن يفعل خيرًا، وفيه دلالة على ما جبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العفو والحلم والصبر وإحسان القول وترك الانتقام فإنه لم يسأل عن اللبن ولا ذكر من شربه بسوء (قال) المقداد (فعمدت) أي قصدت (إلى) "تشمير (الشملة) التي علي (فشددتها علي) أي ربطتها على حقوي (وأخذت الشفرة) بفتح المعجمة وسكون الفاء أي السكين (فانطلقت إلى) موضع (الأعنز) لأنظر (أيها أسمن فاذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هي) أي السمينة منها (حافلة) أي مملوء ضرعها باللبن، وجمعها حفل كما سيأتي وذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصل الحفل الاجتماع يقال حفل الماء أو اللبن إذا اجتمع، والضرع الحافل ما اجتمع فيه اللبن (وإذا هن) أي الأعنز (حفل) جمع حافلة أي مملوءات الضروع باللبن (كلهن) أي جميعهن، والمعنى لما فهم المقداد منه صلى الله عليه وسلم الدعاء وطلب أن يفعل الله ذلك معه في الحال عرف أن الله يجيبه ولا يرد دعوته لا سيما عند شدة الحاجة والفاقة فقدم لينظر له شيئًا تكون به إجابة دعوته فوجد الأعنز حفلًا أي ممتلئات الضروع باللبن كما قال (فعمدت) أي قصدت (إلى إناء لآل محمَّد صلى الله عليه وسلم) أي لأهله (ما كانوا يطمعون) أي يرجون (أن يحتلبوا فيه) لكبره مع قلة اللبن عندهم (قال) المقداد فأخذت ذلك الإناء (فحلبت) اللبن (فيه) أي في ذلك الإناء (حتى علته) أي علت ذلك الإناء وارتفعت على فيه (رغوة) أي زيد لملئه من اللبن، والرغوة بفتح الراء وكسرها وضمها مع سكون الغين المعجمة ثلاث لغات مشهورات زيد اللبن

فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: "أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيلَةَ؟ " قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي. فَلَمَّا عَرَفتُ أَن النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَدْ رَويَ، وَأَصَبْتُ دعْوَتَهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى ألْقِيتُ إِلَى الأرضِ. قَال فَقَال النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "إِحْدَى سَوآتِكَ يَا مِقْدَادُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي يعلوه عند الحلب أو الصب ويقال له الرغاوة أو الرغاية أيضًا (فجئت) باللبن المحلوب (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أشربتم شرابكم الليلة) فقلت له: نعم (قال) المقداد: فـ (قلت يا رسول الله اشرب) هذا اللبن (فشرب) منه (ثم ناولني) أي أعطاني الفاضل منه (فقلت) له (يا رسول الله اشرب) منه مرة ثانية (فشرب) منه مرة ثانية (ثم ناولني) أي أعطاني الفاضل (فلما عرفت) وتيقنت (أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي) وشبع من اللبن، يقال روي يروى من باب رضي يرضى إذا كان في الشرب، وروى يروي من باب رمى يرمي إذا كان في إخبار الحديث وروايته، وفي هذا الحديث من دلائل النبوة ما لا يخفى أي فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي من اللبن (وأصبت) أي وفقت وحصلت (دعوته) بقوله وأسق من أسقاني (ضحكت) ضحكًا كثيرًا فرحًا بما فعلت ووفقت (حتى ألقيت) أي رميت (إلى الأرض) وسقطت عليها لكثرة ضحكي، وقوله (حتى ألقيت) بالبناء للمفعول في أكثر النسخ، وفي بعضها (القيت إلى الأرض) بالبناء للفاعل أي حتى ألقيت نفسي إلى الأرض من شدة الضحك، وسبب ضحكه سروره وزوال حزنه وذلك أنه كان عنده حزن شديد خوفًا من أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أذهب نصيبه وتعرض لأذاه فلما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي وكان قبل ذلك دعا لمن أرواه بقوله: "اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني" تبين للمقداد أنه صار معرضًا لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له لا عليه ففرح بذلك وضحك لانقلاب ما كان يخافه إلى ما يسره ولظهور معجزة النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك كره ذلك وقال له إحدى .. إلخ (قال) المقداد (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم إحدى سوآتك يا مقداد) وإحدى خبر لمبتدإ محذوف تقديره أي فقال لي النبي صلى الله

فقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، كَانَ مِنْ امْرِي كَذَا وَكَذَا. وَفَعَلْتُ كَذَا. فَقَال النَّبيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "مَا هذِهِ إلا رَحْمَة مِنَ الله. أَفَلا كُنْتَ آذَنْتَنِي، فَنُوقِظَ صَاحِبَينَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا" قَال فَقُلتُ: وَالذي بَعَثَكَ بِالْحَق، مَا أُبَالِي إِذَا أَصَبْتَهَا وَأصَبْتُهَا مَعَكَ، مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم هذه الضحكة الشديدة حالة سيئة من جملة حالاتك التي تسوء وتعيب لك يا مقداد منكرًا لها عليه لأن كثرة الضحك تميت القلب كما قاله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أخرجه الترمذي [4217] قال المقداد (فقلت) له صلى الله عليه وسلم في جواب ما قاله لي (يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا) من شرب نصيبه من اللبن (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه إلا رحمة) ونعمة صادرة (من الله) تعالى أي فلما أخبره المقداد بما جرى له وبما أجاب الله من دعوته قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما هذه إلا رحمة من الله" معترفًا بفضل الله تعالى وشاكرًا لنعمته ومقرًا بمنته فله الحمد أولًا وآخرًا وباطنًا وظاهرًا اهـ من المفهم. وحاصل ما في هذا المقام من قوله: (ضحكت حتى سقطت على الأرض إلى قوله هذه رحمة من الله) أن ضحكه رضي الله عنه كان من كمال سروره وزوال حزنه لأنه لما شرب نصيبه صلى الله عليه وسلم خاف أشد الخوف من دعائه صلى الله عليه وسلم ولما قال صلى الله عليه وسلم: اللهم أطعم من الخ، وعلم رضي الله عنه أن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب زال حزنه وخوفه وسر أشد سرور ولهذا ضحك إلى أن يسقط على الأرض، ولما قال صلى الله عليه وسلم: إحدى سوآتك يا مقداد؛ أي إنك فعلت سوأة من الفعلات السيئة فما هي أي فما سببها أخبره خبره فقال صلى الله عليه وسلم: "ما هذه إلا رحمة من الله تعالى" اهـ خلاصة ما قاله الشراح والله أعلم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (أ) وقعت لك هذه النعمة العظيمة من درور اللبن من الأعنز الهزال (فلا كنت آذنتني) أي أعلمتني هذه النعمة (فنوقظ صاحبينا) النائمين (فيصيبان) أي فيشربان (منها) أي من هذه النعمة نعمة اللبن معنا (قال) المقداد (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (والذي بعثك بالحق ما أبالي) ولا أكترث (إذا أصبتها) أي شربتها أنت (وأصبتها) أي شربتها أنا (معك من أصابها) أي لا أبالي من شربها ومن لم يشربها (من الناس) إذا شربت أنت وأنا أي ما يسرني شرب غيرك ولا يحزنني عدم شربه.

5224 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 5225 - (2015) (80) وحدّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ ومحمدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى. جَمِيعًا عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيمَانَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ). حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ (وَحَدَّثَ أَيضًا)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 3] , والترمذي في الاستئذان باب كيف السلام [9/ 27]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5224 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، نزيل مرو، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان ابن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) (بهذا الإسناد) يعني عن ثابت، عن ابن أبي ليلى، عن المقداد (مثله) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة النضر بن شميل لشبابة بن سوار. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فقال: 5225 - (2015) (80) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) أبو عبد الرحمن البصري قاضي كرمان، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن المعتمر بن سليمان) التيمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (واللفظ لابن معاذ) قال ابن معاذ (حدثنا المعتمر حدثنا أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا، قال المعتمر بن سليمان: حدثنا أبي سليمان بن طرخان، عن أبي عثمان النهدي (وحدث) أبي سليمان بن طرخان عن غير أبي عثمان (أيضًا) أي كما حدث عن أبي عثمان (عن عبد الرحمن بن أبي بكر)

قَال: كُنا مَعَ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ ثَلاثِينَ وَمِائَةَ. فَقَال النبي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ " فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامِ أَوْ نَحْوُهُ. فَعُجِنَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، مُشْرِكٌ مُشْعَانٌ طَويلٌ، بِغَنَمِ يَسُوقُهَا. فَقَال النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أَبيعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ -أَوْ قَال- أَمْ هِبَةٌ؟ " فَقَال: لَا. بَل بَيعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةٌ. فَصُنِعَتْ. وَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِسَوَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصديق التيمي المدني رضي الله عنهما شقيق عائشة رضي الله تعالى عنها، كنيته أبو محمَّد وقيل أبو عبد الله، كان اسمه عبد الكعبة فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد الرحمن أخر إسلامه إلى ما قبيل الفتح، وقيل أسلم في هدنة الحديبية وشهد اليمامة والفتوح، وكان شجاعًا راميًا، له ثمانية أحاديث اتفقا على ثلاثة سمع النبي صلى الله عليه وسلم في الأطعمة، وعن أبي بكر في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وأبو عثمان النهدي في الأطعمة، وعمرو بن أوس في الحج، وابنه عبد الله وابن أخيه القاسم بن محمَّد، مات سنة (53) ثلاث وخمسين في طريق مكة فجأة وحمل إلى مكة ودفن فيها (قال) عبد الرحمن (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة) نفر (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لمن عنده (هل مع أحد منكم) أيها الحاضرون (طعام) يطعمه لنا (فهذا مع رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (سماع من طعام) أي من دقيق (أو نحوه) أي أو نحو صاع أي قريبه، وأو للتنويع لا للشك (فعجن) ذلك الصالح أي خلط عجينًا ليخبز (ثم جاء رجل مشرك مشعان) بضم الميم وسكون الشين وتشديد النون اسم فاعل من اشعان الشعر اشعينانًا إذا انتفش وتفرق؛ أي منتفش الشعر ومتفرقه لعدم تعهده (طويل) جدًّا فوق الطول المعتاد، وقوله (بغنم) متعلق بجاء أي جاء مع غنم (يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لصاحب الغنم (1) هي (بيع) أي مبيعات تبيعها لنا (أم عطية) أي معطيات تعطيها لنا (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي (أم) هي (هبة) أي موهوبات تهبها لنا بدل قوله أم عطية (قال) الرجل (لا) أي ليست عطية أو هبة (بل) هي (بيع) لمن يشتريها، وقوله (أم عطية أو هبة) استدل به البخاري على جواز قبول الهدية من المشرك لأن الظاهر من هذا السؤال أن الرجل إن جعله عطية قبلها النبي صلى الله عليه وسلم منه وإلا لما سأله عن كونها عطية (فاشترى منه) أي من الرجل النبي صلى الله عليه وسلم (شاة فصنعت) الشاة أي ذبحت وطبخت (وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد

الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى. قَال: وَايمُ الله، مَا مِنَ الثلاثِينَ وَمِائَةٍ إلا حَزَّ لَهُ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ حُزَّةً حُزة مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا. إِنْ كَانَ شَاهِدًا، أَعْطَاهُ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، خَبَأَ لَهُ. قَال وَجَعَلَ قَصْعَتَينِ. فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ. وَشَبِعْنَا. وَفَضَلَ في الْقَصْعَتَينِ. فَحَمَلْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ البطن) وسواد البطن الكبد أو كل ما في البطن من كبد وغيرها وفيه بعد، وجملة قوله (أن يشوى) بدل من سواد البطن أي أمر بشيها وقليها (قال) عبد الرحمن بن أبي بكر (وأيمن الله) أي اسم الله قسمي، قال القرطبي: قوله (وأيمن) قسم بيمن الله وبركته، وألفه ألف وصل وفيه لغات قد ذكرت فيما مر وهذا قول سيبويه، وقال الفراء: ألفه ألف قطع وهي عنده جمع يمين والذي قاله سيبويه أولى سماعًا وقياسًا بدليل الحذف الذي دخل الكلمة في اللغات التي رويت فيها اهـ من المفهم (ما) من أحد (من الثلاثين ومائة إلا حز) أي قطع (له رسول الله صلى الله عليه وسلم حزة حزة) أي قطعة قطعة (من سواد بطنها) أي من كبدها، يقال حز يحز من باب شد وذب إذا قطع، والحزة بضم الحاء المهملة وتشديد الزاي القطعة، وفي هذا الحديث معجزتان للنبي صلى الله عليه وسلم أحدهما في الكبد والثاني في الشاة وفي تكثير الطعام اهـ مفهم (أن كان) أحد منهم (شاهدًا) أي حاضرًا وقت التوزيع (أعطاه) النبي صلى الله عليه وسلم نصيبه (وإن كان غائبًا خبا له) أي أخفاه له أي لذلك الغائب والمراد عزل نصيبه والاحتفاظ به حتى يجيء ويحضر ذلك الغائب، قال الأبي: وفي الحديث معجزتان إحداهما تكثير سواد البطن حتى وسع عددهم والأخرى تكثير الصالح ولحم الشاة حتى وسعهم أجمعين فشبعوا اهـ أقول ولم يفن بل بقي وفضل حتى حمل على البعير سبحان من أظهر المعجزة على يد حبيبه صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضًا مواساة الرفقة فيما يعرض لهم من طرفة وغيرها والله أعلم (قال) عبد الرحمن (وجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام (قصعتين) أي جفنتين (فأكلنا منهما) أي من القصعتين كلهم (أجمعون وشبعنا) يحتمل أن يكونوا اجتمعوا على قصعتين فيكون فيه معجزة أخرى لكونهما وسعتا أيدي القوم، ويحتمل أن يريد أنهم أكلوا كلهم في الجملة أعم من الاجتماع والافتراق كذا في فتح الباري [5/ 232] (وفضل) عنهم (في القصعتين) شيء فاضل (فحملته) أي فحملت ذلك الفاضل

عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَال. 5226 - (2016) (81) حدثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيسِيُّ. كُلُّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ (وَاللَّفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ) حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ قَال: قَال أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ؛ أَنَّهُ حَدّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ. وإنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال مَرَّةً: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (على البعير) أي على بعيري (أو) القول (كما قال) عبد الرحمن هذا شك من أبي عثمان النهدي فيما قال عبد الرحمن كقوله فوزعته على الناس والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 197] , والبخاري في الأطعمة [5382]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال: 5226 - (2016) (81) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وحامد بن عمر البكراوي ومحمد بن عبد الأعلى القيسي كلهم عن المعتمر واللفظ لابن معاذ حدثنا المعتمر بن سليمان قال) المعتمر (قال أبي) سليمان بن طرخان (حدثنا أبو عثمان أنه) أي أن أبا عثمان (حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته وهو بنفس السند السابق وإن كان الحديثان مختلفين (أن أصحاب الصفة) وسكانها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصفة سقيفة مظللة في مؤخر المسجد النبوي كانت منزلًا للغرباء والمهاجرين وكانوا ضيف الإِسلام وكانوا يحتطبون في النهار ويسوقون الماء لأبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرؤون القرآن في الليل ويصلون هكذا وصفهم البخاري وغيره، وقال غيره: إن الصفة كانت مكانًا في مؤخر المسجد النبوي مظللًا أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر، وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا على المائة كانوا ناسًا فقراء) لا مال ولا أهل ولا منزل (وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرة) أي يومًا من الأيام (من كان عنده طعام اثنين

فَلْيَذْهَبْ بِثَلاثةٍ. وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، بِسَادِسٍ". أَوْ كَمَا قَال، وَإِن أَبَا بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فليذهب بثلاثة) كذا في جميع نسخ مسلم، والصواب ما في رواية البخاري (فليذهب بثالث) لموافقتها لسياق باقي الحديث إذ قال (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس) وقال القرطبي: إن حمل ما في رواية مسلم على ظاهره فسد المعنى لأن الذي عنده طعام اثنين إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم بخلاف ما إذا ذهب بواحد فإنه يأكله في ثلاثة ويتحمَّل الاثنان أكله ولا يجحف بهما، قال النووي: وللذي في مسلم وجه أيضًا وهو محمول على موافقة البخاري تقديره فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة أو بتمام ثلاثة اهـ. والحاصل أن الراوي أخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يوزع أصحاب الصفة لكونهم فقراء على الصحابة ويقول لهم من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، الحديث معناه أن طعام الاثنين يغدي الثلاثة ويزيل الضعف عنهم لا أنه يشبعهم فإن الشبع مذموم كما قال صلى الله عليه وسلم: "أكثركم شبعًا في الدنيا أطولكم جوعًا يوم القيامة" والمقصود من الطعام أن يكون غذاء كما قال صلى الله عليه وسلم: "بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه" قال بعض العرفاء: الطعام ينبغي أن يحمل الإنسان لا أن يحمله الإنسان اهـ من المبارق (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس) ومن كان عنده طعام خمسة فليذهب (بسادس) على سياق ما قبله أو المعنى من كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس إن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك وإلا فليذهب بسادس مع خاص (أو) الحديث (كما قال) النبي صلى الله عليه وسلم إن كان الشك من عبد الرحمن أو كما قال عبد الرحمن إن كان الشك من أبي عثمان مثلًا كقوله من كان عنده طعام خمسة فليذهب بسادس، ومن كان عنده طعام ستة فليذهب بسابع. قال القرطبي: وفي ذلك كانت المواساة واجبة لشدة الحال والحكم كذلك مهما وقعت شدة بالمسلمين والله الكافي والواقي اهـ من المفهم. وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليتمرنوا على المواساة فيما بينهم ولم يزد كل رجل على واحد لأن الناس كانوا في قلة المال فلو أدخل معهم أكثر من واحد ربما ضاق عليهم الأمر، وفيه أن الأمير يجوز له أن يفعل مثل ذلك لسد حاجة الجائعين ولا خلاف في أن إطعام الجائع فرض على كل من استطاع ذلك فلو تطوع بذلك الأثرياء فبها ونعمت وإن لم يتطوعوا جاز للأمير أن يكرههم على ذلك، قال عبد الرحمن (وإن) والدي (أبا بكر)

جَاءَ بِثَلاثَةٍ. وَانْطلَقَ نَبِي الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِعَشَرَةٍ. وَأَبُو بَكْرِ بِثَلاثَةٍ. قَال: فَهُوَ وَأَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -وَلَا أَدْرِي هَلْ قَال: وَامْرَأتِي وَخَادِمٌ بَينَ بَيتِنَا وَبَيتِ أَبِي بَكْرٍ- قَال: وَإِن أَبَا بَكْرٍ تَعَشى عِنْدَ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. ثُمَّ لَبِثَ حَتى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ. ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضى مِنَ الليلِ مَا شَاءَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ الصديق رضي الله عنه (جاء) إلى بيتنا (بثلاثة) أنفار (وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة) وفي هذا بيان لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأخذ بأفضل الأمور والسبق إلى السخاء والجود فإن عيال النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قريبًا من عدد ضيفانه هذه الليلة وقد أخذ معه أضعاف من أخذه أصحابه من الأضياف (و) انطلق (أبو بكر بثلاثة) كرر هذا مع ذكره آنفًا توطئة لما بعده (قال) عبد الرحمن (فهو) ضمير شأن في محل الرفع مبتدأ أول (وأنا) مبتدأ ثان والواوفيه تحريف من النساخ (وأبي وأمي) معطوفان على أنا وخبر المبتدإ الثاني محذوف لدلالة السياق عليه تقديره فهو أي فالشأن أنا وأبي وأمي أهل بيتنا، قال أبو عثمان النهدي (ولا أدري) أي لا أعلم (هل قال) عبد الرحمن وزاد على المذكورين (وامرأتي وخادم) خدمته مشتركة (بين بيتنا وبيت أبي بكر) فيكون أهل دار أبي بكر مع هذين خمسة (قال) عبد الرحمن (وإن أبا بكر) الصديق (تعشى) أي أكل العشاء بفتح العين وهو ما يؤكل أوائل الليل وأواخر النهار (عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث) أبو بكر أي مكث عند النبي صلى الله عليه وسلم (حتى صليت العشاء ثم) بعد صلاة العشاء (رجع) أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم (فلبث) عنده (حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء) إلى بيته (بعد ما مضى من الليل ما شاء الله) تعالى مضيه هذا التأويل الذي ذكرناه أوضح ما في المقام، وقيل في كلامه هنا تكرار فذكر أولًا أن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى العشاء ثم رجع أي إلى بيته ثم ذكر نفس الواقعة مرة ثانية لإيضاح مدة لبثه عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لبث إلى أن نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى من الليل ما شاء الله، ووقع في بعض الشروح اضطراب في تفسيره راجع فتح الباري [6/ 596] قال النووي: وفي هذا جواز ذهاب من عنده ضيفان إلى أشغاله ومصالحه إذا كان له من يقوم بأمورهم ويسد مسده كما كان لأبي بكر هنا عبد الرحمن رضي الله عنهما وفيه ما كان

قَالتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ قَالتْ: ضَيفِكَ؟ قَال: أَوَ مَا عَشيتِهِمْ؟ قَالتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ. قَدْ عَرَضُوا عَلَيهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. قَال: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ. وَقَال: يَا غُنْثَرُ، فَجَدَّعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه أبو بكر من الحب للنبي صلى الله عليه وسلم والانقطاع إليه وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل والأولاد والضيفان وغيرهم اهـ منه. قوله (وإن أبا بكر تعشى) إلخ وفي رواية سعيد الجريري عند البخاري في الأدب (إن أبا بكر تضيف رهطًا فقال لعبد الرحمن دونك أضيافك فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأفرغ من قراهم قبل أن أجيئ فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده فقال اطعموا فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيئ رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه، فعرفت أنه يجد علي فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه (قالت له) أي لأبي بكر (امرأته) أي زوجته هي أم رومان بضم الراء وفتحها حكاه السهيلي وابن عبد البر في الاستيعاب واسمها دعد ويقال زينب اهـ تنبيه المعلم (ما حبسك) ومنعك (عن) الرجوع إلى (أضيافك أو قالت) عن (ضيفك) بالشك فيما قالته من اللفظين إما من عبد الرحمن أو ممن دونه (قال) أبو بكر (أ) تقول لي ما حبسك (وما عشيتهم) بكسر التاء خطابًا لها أي أتسالني عن تأخري والحال أنك ما أعطيتهم العشاء (قالت) امرأته أعطيتهم العشاء فـ (أبوا) أي امتنعوا من أكله (حتى تجيء) أنت وتأكل معهم فإنه (قد عرضوا) أي قد عرض الخدم أو الأهل طعام العشاء (عليهم) وقربوا إليهم (فـ) أبوا حتى (غلبوهم) أي غلب أضيافك الخدم في الإباء من أكل العشاء حتى تحضر تعني عرضوا عليهم الطعام فابوا وغلبوا عليهم (قال) عبد الرحمن (فذهبت أنا) من عند الأضياف (فاختبأت) أي اختفيت عنه خوفًا من أن يغضب علي أو يسبني أو يضربني وفي رواية الجريري عند البخاري (فقال: يا عبد الرحمن! فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن! فسكت، فقال: يا غنثر! أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت) وسيجيء تمام الكلام في الرواية الآتية (وقال) أبو بكر (يا غنثر) بضم الغين وسكون النون وفتح المثلثة وحكي ضم المثلثة أيضًا وحكى عياض عن بعض شيوخه فتح الغين والثاء ومعناه الثقيل الوخم وقيل الجاهل وقيل السفيه وقيل اللئيم وقيل هو ذباب أزرق شبهه به لتحقيره مأخوذ من الغثر ونونه زائدة، ورواه الخطابي عنتر بالعين المهملة والتاء المثناة وهو الذباب (فجدعـ) ـني أي دعا علي بالجدع وهو قطع الأنف وغيره من

وَسبَّ. وَقَال: كُلُوا. لَا هَنِيئًا. وَقَال: وَاللهِ، لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. قَال: فَايمُ الله، مَا كُنا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أكْثَرُ مِنْهَا. قَال: حَتى شَبِعْنَا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذلَكَ. فَنَظَرَ إِلَيهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعضاء (وسبـ) ـني أي شتمني وإنما فعل أبو بكر هذا لما ظن أن عبد الرحمن قصر في حق الأضياف، وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير (وقال) أبو بكر للضيفان (كلوا) أكلًا (لا هنيئًا) أي غير هنيئ ولا طيب ولا سهل حيث قصر أهلي بتأخير عشائكم أو حيث أفرطتم وتعديتم على أهل المنزل بالتحكم عليهم بالإباء من العشاء حتى يأتي رب المنزل والمعنى فلما تبين لأبي بكر أنه لم يكن من عبد الرحمن تقصير في حق الضيفان وأنه إنما كان ذلك امتناعًا من الأضياف أدبهم بقوله لهم كلوا لا هنيئًا وحلف لا يطعمه (وقال والله لا أطعمه أبدًا) وذلك أن هؤلاء الأضياف تحكموا على أهل المنزل ولا يلزم حضور رب المنزل مع الضيف إذا أحضر ما يحتاجون إليه فقد يكون في مهم من أشغاله لا يمكنه تركه فهذا منهم جفاء لكن حملهم على ذلك صدق رغبتهم في التبرك بمؤاكلته وحضوره معهم فأبوا حتى يجيء وانتظروه فجاء فصدر منه ذلك فتكدر الوقت وتشوش الحال عليهم أجمعين وكانت نزغة شيطان فازال الله تعالى ذلك النكد بما أبداه من الكرامة والبركة في ذلك الطعام فعاد ذلك النكد سرورًا وانقلب الشيطان مدحورًا، وعند ذلك عاد أبو بكر رضي الله عنه إلى مكارم الأخلاق فأحنث نفسه وأكل مع أضيافه وطيب قلوبهم وحصل مقصودهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه اهـ من المفهم. (قال) عبد الرحمن (فايم الله) أي اسم الله قسمى (ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا) وازداد (من أسفلها أكثر منها) أي من تلك اللقمة المأخوذة، بنصب أكثر على الحالية من أسفل إذا قلنا إنه فاعل الربا ومن زائدة أي إلا ربا أسفل منها حالة كونه أكثر منها وبرفعه على الفاعلية، وفيه كرامة للصديق رضي الله عنه وأن كرامات الأولياء حق (قال) عبد الرحمن وأكلنا منها (حتى شبعنا وصارت (تلك الجفنة (أكثر) طعامًا (مما كانت) عليه (قبل ذلك) أي قبل الأكل منها، قال عبد الرحمن (فنظر إليها أبو بكر) رضي الله عنه (فإذا هي) أي تلك القصعة (كما هي) أي كائنة على ما هي عليه قبل الأكل منها (أو) هي

أَكْثَرُ. قَال لامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ! مَا هذَا؟ قَالتْ: لَا. وَقُرَّةِ عَينِي، لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذلِكَ بِثَلاثِ مِرَارٍ. قَال: فَأكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرِ وَقَال: إِنمَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أكثر) مما كانت عليه قبل الأكل ثم (قال) أبو بكر (لامرأته) أم رومان (يا أخت بني فراس) بن غنم بن مالك بن كنانة خاطبها بذلك لأنها من نسله (ما هذا) الأمر الخارق للعادة من زيادة الجفنة وعدم نقصانها بالأكل منها (قالت) امرأته في جواب سؤاله و (لا) إما نافية أي لا أدري ما سبب هذا الأمر الخارق (و) أقسمت بـ (قرة عيني) ومسرة قلبي (لهي) أي هذه القصعة (الآن) أي بعد الأكل منها (أكثر) طعامًا (منها) أي من طعامها (قبل ذلك) أي قبل الأكل منها، وقوله (بثلاث مرار) وثلاثة أضعاف متعلق بأكثر وإما زائدة لتأكيد القسم كقوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} وما في معناه وكقول امرئ القيس: فلا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم أني أفر قال القرطبي: والأولى أن يقال إنها أقسمت بما رأت من قرة عينها ومسرة قلبها بكرامة الله تعالى لزوجها وقرة العين ما يسر به الإنسان مأخوذ من القر وهو البرد اهـ منه، قال النووي: قال أهل اللغة قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه قيل إنما قيل ذلك لأن عينه تقر لبلوغه أمنيته فلا يستشرف لشيء فيكون مأخوذًا من القرار وقيل مأخوذ من القر بالضم وهو البرد أي أن عينه باردة لسرورها وعدم مقلقها، قال الأصمعي وغيره: أقر الله عينه أي أبرد دمعته لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة ولهذا يقال في ضده أسخن الله عينه والمراد قسمها بإكرام الله إياهم بهذه البركة العظيمة فكأنها قالت أقسم بإكرام الله إيانا بهذه البركة الذي من لازمه قرة عيننا ومسرة قلبنا لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات والمقسم به إكرام الله إياهم بهذه البركة فيكون المقسم به صفة من صفات الله تعالى فلا يعارضه حديث النهي عن الحلف بغير الله تعالى، وقيل إنها أرادت بقرة العين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحمل على أن ذلك كان قبل النهي عن الحلف بالمخلوق أو على أنه جرى ذلك على لسانها كعادة العرب بلا قصد يمين والله أعلم. (قال) عبد الرحمن (فأكل منها) أي من الجفنة (أبو بكر) في البداية لأجل تحليلهم شيئًا لأنهم حلفوا أيضًا على أن لا يأكلوا حتى يأكل أبو بكر (وقال) أبو بكر (إنما كان

ذلِكَ مِنَ الشيطَانِ. يعني يَمِينَهُ. ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقمَةً. ثُمَّ حَمَلَهَا إلى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. قَال: وَكَانَ بَينَنَا وَبَينَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الأَجَلُ. فَعَرَّفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. مَعَ كُل رَجُلٍ مِنْهُم أُنَاسٌ. الله أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك) القسم الذي وقع مني نزغة (من الشيطان يعني) أبو بكر بقوله إنما كان ذلك (يمينه) على أن لا يأكل (ثم) لما رأى البركة الظاهرة عاد إلى الأكل و (أكل منها لقمة) لتحصل له تلك البركة كذا فسره في فتح الباري (ثم) بعد ما أكل منها مرة ثانية للتبرك (حملها) أي حمل تلك الجفنة أبو بكر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت) الجفنة (عنده) صلى الله عليه وسلم، ولعلهم لم يأكلوها في الليل لكون ذلك وقع بعد مضي مدة من الليل، وفيه عرض الطعام الذي ظهرت فيه البركة على الكبار وقبولهم ذلك، قال النووي: قوله (فأكل منها أبو بكر فقال إنما كان ذلك من الشيطان .. إلخ) فيه أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فعل ذلك وكفر عن يمينه كما جاءت به الأحاديث الصحيحة, وفيه حمل المضيف المشقة على نفسه في إكرام ضيفانه وإذا تعارض حنثه وحنثهم حنث نفسه لأن حقهم عليه آكد اهـ (قال) عبد الرحمن (وكان بيننا) أي بين المسلمين (وبين قوم) من المشركين (عقد) هدنة ومصالحة على ترك القتال مدة (فمضى الأجل) أي قرب مضي أجل المدة وتمامه (فعرفنا) بفاء ثم عين ثم راء ثم فاء من التعريف أي فرقنا العسكر اثنتي عشرة فرقة فجعلنا (اثنا عشر رجلًا) عرفاء ورؤساء لهم، والمراد أنه لما انقضى أجل الهدنة تجهزوا لقتالهم فجعلنا اثنى عشر رجلًا عرفاء لهم لتنظيم العسكر وضبطه وكان (مع كل رجل منهم) أي من العرفاء (أناس الله) لا غيره (أعلم كم مع كل رجل) منهم أي من العرفاء هكذا (فعرفنا) من التعريف في أكثر النسخ، ووقع في بعض النسخ (ففرقنا) بدل عرفنا وهو رواية البخاري في المناقب، ومعناه واضح أي فرقنا العسكر على اثنتي عشرة فرقة برئاسة اثني عشر رجلًا، وفيه جواز تفريق العرفاء على العساكر ونحوهم. وفي النهاية "العرافة حق والعرفاء في النار" والعرفاء جمع عريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منهم أحوالهم فعيل بمعنى فاعل، سموا عرفاء لأنهم يعرفون الإِمام بأحوال جماعتهم ونقباء لأنهم ينقبون عن أخبار أصحابهم اهـ مفهم. والعرافة عمله، وقوله العرافة حق أي فيها مصلحة

إِلَّا أَنهُ بَعَثَ مَعَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمعُونَ. أَوْ كَمَا قَال. 5227 - (00) (00) حدّثني محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا سَالِمُ بْنُ نُوع الْعَطَّارُ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ للناس ورفق في أمورهم وأحوالهم، وقوله العرفاء في النار تحذير من التعرض للرياسة لما في ذلك من الفتنة وأنه إذا لم يقم بحقه آثم واستحق النار، قوله (اثنا عشر رجلًا) هكذا في أكثر النسخ بالألف على لغة من يلزم المثنى بالألف في الأحوال الثلاثة ويعربه إعراب المقصور كقوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} على قراءة تشديد نون إن، وكقوله: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وفي قليل منها (اثني عشر رجلًا) بالياء على اللغة المشهورة (قال) عبد الرحمن كما هو موجود في رواية القرطبي (إلا أنه بعث معهم) استدراك على قوله فأصبحت عنده أي فأصبحت الجفنة عنده صلى الله عليه وسلم لم يأكلوا منها لكن أنه صلى الله عليه وسلم بعثها معهم أي مع الخدم إلى أولئك الجيش الذين فرقوا اثنتي عشرة فرقة (فأكلوا منها) أي من تلك الجفنة كلهم (أجمعون أو) القول (كما قال) عبد الرحمن نحو قوله فأكل منها معظمهم أو أكثرهم أو أغلبهم أو بعضهم والشك من أبي عثمان النهدي فيما قاله عبد الرحمن، قال الحافظ: وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم لأن الذي وقع فيها في بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كلهم فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 197] , والبخاري [3581]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال: 5227 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن المثنى حدثنا سالم بن نوح) بن أبي عطاء (العطار) أبو سعيد البصري، صدوق له أوهام، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي عثمان) النهدي (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الجريري لسليمان بن طرخان.

قَال: نَزَلَ عَلَينَا أَضْيَافٌ لَنَا. قَال: وَكَانَ أبي يَتَحَدَّثُ إلى رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ مِنَ الليلِ. قَال: فَانْطَلَقَ وَقَال: يَا عَبدَ الرَّحْمن، افْرُغْ مِنْ أَضْيَافِكَ. قَال: فَلَمَّا أَمْسَيتُ جِئْنَا بِقِرَاهُمْ. قَال: فَأَبَوْا. فَقَالُوا: حَتى يَجِيءَ أَبُو مَنْزِلِنَا فَيَطْعَمَ مِنْهُ. قَال: فَقُلْتُ لَهُمْ: إنهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ. وَإِنَّكُمْ إن لَمْ تَفْعَلُوا خِفْتُ أَنْ يُصِيبَنِي قَال: فَأبَوْا. فَلَمَّا جَاءَ لَمْ يَبْدَأْ بِشَيءٍ أوَّلَ مِنْهُمْ. فَقَال: أَفَرَغْتُم مِنْ أَضْيَافكم؟ قَال قَالُوا: لَا. وَاللهِ! مَا فَرَغْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عبد الرحمن (نزل علينا) معاشر أهل بيت أبي بكر (أضياف لنا قال) عبد الرحمن (وكان أبي) أبو بكر دائمًا (يتحدث) ويسمر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عنده صلى الله عليه وسلم (من) أوائل (الليل قال) عبد الرحمن (فانطلق) أبي وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال) لي عند الذهاب (يا عبد الرحمن أفرغ) أي كن فارغًا (من) أداء قرى (أضيافك) وعشائهم قبل رجوعي إلى البيت أي عشهم وأكمل حقوقهم قبل رجوعي من عند النبي صلى الله عليه وسلم (قال) عبد الرحمن (فلما أمسيت) أي دخلت في المساء وهو ما بين صلاة العصر إلى نصف الليل (جئنا) إلى الأضياف (بقراهم) والقرا بكسر القاف مقصورًا ما يصنع للضيف من مأكول ومشروب اهـ سنوسي، وفي القاموس: القرى بوزن رضا والقراء بوزن سحاب إضافة الشخص يقال قرى الضيف قرى وقراء من الباب الثاني اهـ (قال) عبد الرحمن (فأبوا) علينا القرى وامتنعوا من أكله (فقالوا) لا نأكل (حتى يجيء أبو منزلنا) وصاحبه (فيطعم معنا) يريدون التبرك بمؤاكلته والمؤانسة به (قال) عبد الرحمن (فقلت لهم) أي للأضياف (إنه) أي إن رب المنزل (رجل حديد) أي حار أي فيه قوة وصلابة ويغضب لانتهاك الحرمات والتقصير في حق الضيف ونحوه اهـ نووي (وإنكم) أيها الأضياف (أن لم تفعلوا) الأكل ولم تقبلوا القرى منا حتى يحضر رب المنزل (خفت) أنا في نفسي (أن يصيبني) وينالني (منه) أي من رب المنزل (أذى) من سب وتجديع ودعاء علي (قال) عبد الرحمن (فأبوا) على الاعتذار إليهم وقبول عذري (فلما جاء) أبو بكر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم يبدأ) في كلامه (بشيء أول منهم) أي من سؤاله عن قراهم وعشائهم (فقال) لنا أبو بكر في سؤاله عنهم (أفرغتم) أي هل فرغتم يا أهل البيت (من) تعشية (أضيافكم) وأداء قراهم (قال) عبد الرحمن (قالوا) أي قال أهل البيت (لا والله مما فرغنا) من عشائهم

قَال: أَلمْ آمُرْ عَبْدَ الرَّحْمنِ! قَال: وَتَنَحَّيتُ عَنْهُ. فَقَال: يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ. قَال: فَتَنَحَّيتُ. قَال: فَقَال: يَا غُنْثَرُ، أَقْسَمْتُ عَلَيكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي إِلا جِئْتَ. قَال: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: وَاللهِ، مَا لِي ذَنْبٌ. هؤُلاءِ أَضْيَافُكَ فَسَلْهُمْ. قَدْ أَتَيتُهُمْ بِقِرَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يَطْعَمُوا حَتى تَجِيءَ. قَال: فَقَال: مَا لكُمْ أَلا تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأداء حقوقهم (قال) أبو بكر لأهل البيت (ألم آمر) أنا (عبد الرحمن) بالفراغ من تعشيتهم قبل رجوعي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت (قال) عبد الرحمن (وتنحيت) أنا أي اختفيت واستترت في ناحية البيت (عنه) أي عن أبي بكر خوفًا من سبه وجدعه وجعل يناديني (فقال يا عبد الرحمن قال) عبد الرحمن (فتنحيت أي اختفيت منه في ناحية البيت (قال) عبد الرحمن فجعل يسبني ويجدعني (فقال) أبو بكر في سبه لي (يا غنثر) أي يا لئيم أو يا سفيه (أقسمت عليك) أي أقسمت بالله لأجل حضورك إلى (أن كنت تسمع صوتي) على أن لا تفعل شيئًا من الاختفاء والشرود (إلا جئت) أي إلا مجيئك إلى وإجابة ندائي (قال) عبد الرحمن (فجئت) حين أقسم على (فقلت) له يا والدي (والله ما لي ذنب) ولا تقصير في حقهم (هؤلاء) الحاضرون (أضيافك فسلهم) عن قراهم هل قرب إليهم أم لا؟ وإني والله (قد أتيتهم بقراهم فأبوا) علي (أن يطعموا) عشاءهم (حتى تجيء) وتحضر معهم (قال) عبد الرحمن (فقال) أبو بكر للأضياف (ما لكم) أي أي شيء ثبت لكم في إبائكم من قبول القرى وأي سبب أحوجكم إلى (أن لا تقبلوا عنا قراكم) وعشاءكم (قال) عبد الرحمن (فقال أبو بكر فوالله لا أطعمه) أي لا أطعم ولا آكل هذا الطعام (الليلة) أي في هذه الليلة (قال) عبد الرحمن (فقالوا) أي فقال الأضياف (فوالله لا نطعمه حتى تطعمه) معنا (قال) أبو بكر (فما رأيت) والكاف في قوله (كالشر) بمعنى مثل، وفي قوله (كالليلة) بمعنى في الظرفية، و (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ضد عوض؛ والمعنى فما رأيت مثل الشر الواقع بنا في هذه الليلة في زمن من الأزمنة الماضية علينا (ويلكم) أيها الأضياف أي ألزمكم الويل والهلاك (مالكم) أي أي شيء ثبت لكم في إبائكم من القرى وأي سبب أحوجكم إلى (أن لا تقبلوا عنا قراكم) أي إلى عدم قبوله، قال القاضي عياض: فعلوا ذلك الإباء أدبًا ورفقًا بأبي بكر لأنهم ظنوا أن لا يفضل له شيء من عشاء إذا أكلوا، والحق على الضيف أن لا يمتنع مما أراده المضيف من تعجيل الطعام أو تكثيره وغير ذلك من أموره إلا أن يعلم أنه

قَال: فَقَال أبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ، لَا أَطْعَمُهُ الليلَةَ. قَال: فَقَالُوا: فَوَاللهِ، لَا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ. قَال: فَمَا رَأَيتُ كَالشرِّ كَالليلَةِ قَطُّ. وَيلَكُمْ، مَا لكُمْ أَنْ لَا تَقْبَلُوا عَنا قِرَاكُمْ؟ قَال: ثُمَّ قَال: أمَّا الأُولَى فَمِنَ الشيطَانِ. هَلُمُّوا قِرَاكُمْ. قَال: فَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَسَمَّى فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. قَال: فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله! بَرُّوا وَحَنِثْتُ. قَال: فَأَخْبَرَهُ فَقَال: "بَلْ أَنْتَ أبَرُّهُمْ وَأَخْيَرُهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تكلف فيمنعه برفق، ومتى شك لم يتعرض له فقد يكون للمضيف عذر لا يمكنه إبداؤه فتلحقه المشقة لمخالفة الأضياف كما جرى في قضية أبي بكر هذه اهـ (قال) عبد الرحمن (ثم قال) أبو بكر (أما) اليمين (الأولى) يعني يمين نفسه يعني قوله (فوالله لا أطعمه الليلة) والثانية يمين الأضياف بعد يمينه (فمن) نزغة (الشيطان) ووسوسته، قال القاضي عياض: وقيل معناه أما اللقمة الأولى فلقمع الشيطان وإرغامه ومخالفته في مراده باليمين وهو إيقاع الوحشة بينه وبين أضيافه فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير اهـ نووي، ثم قال لأهله (هلموا) أي احضروا وقربوا (قراكم) أي قرى أضيافكم وعشاءهم (قال) عبد الرحمن (فجيء) أبو بكر وأتي (بالطعام) الذي أعد للأضياف (فسمى) الله أي ذكر التسمية أي فقال بسم الله الرحمن الرحيم (فأكل) هو (وأكلوا) أي أكل الأضياف (قال) عبد الرحمن (فلما أصبح) أبو بكر (غدا) أي بكر (على النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له (يا رسول الله بروا) أي بر الأضياف في يمينهم على أن يطعموا حتى تطعم (وحنثت) أنا في يميني (قال) عبد الرحمن (فأخبره) أي فأخبر أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم خبر ما جرى بينه وبين الأضياف (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (بل أنت أبرهم) أي أكثرهم برًا وخيرًا (وأخيرهم) أي أكثرهم خيرًا وطاعة، قال النووي: معناه (بروا) في أيمانهم لأنهم لم يأكلوا حتى أكل معهم فبروا في يمينهم (وحنثت) في يميني حيث أكل معهم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (بل أنت أبرهم) أي أكثرهم طاعة وخير منهم لأنك حنثت في يمينك حنثًا مندوبًا إليه محثوثًا عليه فأنت أفضل منهم أي لم يكن حنثك إلا لرعاية حق الضيف، وقد مر في الأيمان: أن الرجل إذا حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرًا منها فالذي ينبغي له أن يحنث ويكفر عن يمينه، وفيه فضيلة ظاهرة للصديق رضي الله عنه، وقوله (وأخيرهم) هكذا هو في جميع النسخ بالألف وهي لغة غير

قَال: وَلَمْ تَبلُغْنِي كفَّارةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فصيحة استعمالًا وفصيحة قياسًا. (قال) أبو عثمان أو غيره من الرواة (ولم تبلغني كفارة) أي تكفير أبي بكر عن يمينه تلك بعد حنثه أو قبله والمعنى أنني لم أطلع على أن الصديق رضي الله عنه كفر عن يمينه ولا يلزم منه أنه رضي الله عنه لم يكفر في نفس الأمر فلا يصح الاستدلال به على عدم وجوب الكفارة في يمين اللجاج والغضب ولا ما ذكر بعضهم أن القصة وقعت قبل نزول الكفارة راجع فتح الباري [6/ 600]. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [1/ 197 - 198]، والبخاري [6140]، وأبو داود [3271]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث المقداد بن الأسود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ذكره للاستشهاد، والخامس حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

666 - (10) باب طعام الاثنين يكفي الثلاثة والمؤمن يأكل في معى واحد والكافر في سبعة أمعاء، وأن الطعام لا يعيب، والنهي عن أكل والشرب في آنية الذهب والفضة

666 - (10) باب طعام الاثنين يكفي الثلاثة والمؤمن يأكل في معىً واحد والكافر في سبعة أمعاء، وأن الطعام لا يعيب، والنهي عن أكل والشرب في آنية الذهب والفضة 5228 - (2017) (82) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامُ الاثْنَينِ كَافِي الثلاثةِ. وَطَعَامُ الثلاثةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 666 - (10) باب طعام الاثنين يكفي الثلاثة والمؤمن يأكل في معىً واحد والكافر في سبعة أمعاء، وأن الطعام لا يعيب، والنهي عن أكل والشرب في آنية الذهب والفضة 5228 - (2017) (82) حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام الاثنين) أي أن الطعام الذي يشبع الاثنين (كافي الثلاثة) أي يكفي قوت الثلاثة (وطعام الثلاثة كافي الأربعة) أي أن الطعام الذي يشبع الثلاثة يكفي قوت الأربعة، وسيأتي في حديث جابر طعام الاثنين يكفي الأربعة ومرجع الأول الثلث ومرجع الثاني النصف، وبينهما معارضة ويجمع بينهما بأن المعنى مطلق الطعام القليل يكفي الكثير لكن أقصاه الضعف وكونه يكفي مثله لا ينفي أن يكفي دونه وقد وقع في حديث عمر لابن ماجه بلفظ "طعام الواحد يكفي الاثنين، وإن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وإن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة" وقال المهلب: المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية وإنما المراد المواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضًا بحسب من يحضر، وفي الحديث إشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت البركة معها فتعم الحاضرين، وفيه أنه لا ينبغي للمرء أن يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء، وقد وقع في حديث لابن عمر عند الطبراني ما قد يرشد إلى العلة في حكم حديث الباب وأوله "كلوا جميعًا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين" فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع اهـ من كلام الحافظ في الفتح [9/ 535].

5229 - (2018) (83) حدَّثنا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدًّثنَا رَوْحٌ. حَدَّثنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَينِ وَطَعَامُ الاثْنَينِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ. وَطَعَامُ الأَربَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ". وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. لَمْ يَذْكُرْ: سَمعتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة [5392]، والترمذي في الأطعمة [1820]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5229 - (2018) (83) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا روح) بن عبادة (حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول) وهذان السندان من خماسياته (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طعام الواحد) أي طعام يشبع الواحد (يكفي) قوت (الاثنين وطعام) يشبع (الاثنين يكفي) قوت (الأربعة وطعام) يشبع (الأربعة يكفي) قوت (الثمانية) وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي هريرة آنفًا فراجعه (وفي رواية إسحاق) بن إبراهيم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر) إسحاق في روايته لفظة (سمعت) بل الذي ذكر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يحيى بن حبيب فالاختلاف بينهما اختلاف لفظي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 382]، والترمذي [1820]، وابن ماجه [3245]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5230 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيجٍ. 5231 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَينِ. وَطَعَامُ الاثْنَينِ يَكفِي الأَرْبَعَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5230 - (00) (00) (حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا سفيان) الثوري (ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (عن سفيان) الثوري (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لابن جريج، وساق سفيان (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث ابن جريج). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5231 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم قال أبو بكر وأبو كريب حدثنا وقال الآخران أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير (قال) جابر (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة) قال السنوسي: تقدم في حديث أبي هريرة طعام الاثنين كافي الثلاثة على نقص الثلث، وفي حديث جابر طعام الواحد يكفي الاثنين على نقص النصف من القوت فحقيقة الكفاية في الحديثين مختلفة، والأظهر في الجمع بينهما أن الكفاية مقولة بالتفاوت فأقلها كفاية طعام الواحد للاثنين وأعلاها كفاية طعام الاثنين الثلاثة وهذه الكفاية المذكورة هنا إنما هي من باب المواساة والتفضل، وأما في باب أداء الواجب فلا ولو وجب طعام أجيرين فليس للمستأجر أن يدخل عليهما ثالثًا اهـ منه. وقال الأبي: المراد بالحديث التغذي ورد كلب الجوع لا الشبع أي طعام الواحد يغذي

5230 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال: "طَعَامُ الرَّجُلِ يَكْفِي رَجُلَينِ. وَطَعَامُ رَجُلَينِ يَكْفِي أَرْبَعَة. وَطَعَامُ أَربَعَة يَكفِي ثَمَانِيَةً". 5233 - (2019) (84) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال: "الْكَافِرُ يَأكلُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاثنين إذ فائدة الطعام إنما هي التغذي وحفظ القوة اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5232 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة قالا حدثنا جرير) ابن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال طعام الرجل) مقتضى الظاهر والسياق أن يقال طعام رجل كما كان في الجملة الثانية فحينئذ تحمل اللام على الجنسية كما في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} فلا تفيد تعريفًا فيكون مدخولها بمنزلة النكرة (يكفي) قوت (رجلين وطعام رجلين يكفي) قوت (أربعة وطعام أربعة يكفي) قوت (ثمانية). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5233 - (2019) (84) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالوا أخبرنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان) بن فروخ التميمي البصري، ثقة إمام، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكافر يأكل في سبعة أمعاء) جمع معى بكسر الميم والتنوين وتثنيته معيان وهي

وَالمُؤْمِنُ يَأكلُ في مِعًى وَاحِدٍ". 5234 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثنَا أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ المصارين، قال أبو حاتم: إنه مذكر ولم أسمع أحدًا أنث المعى، وحكى ابن سيده في المحكم لغة بسكون العين وتحريك الياء، وحكى القاضي عياض عن أهل الطب والتشريح أنهم زعموا أن أمعاء الإنسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة؛ البواب، والصائم، والرقيق وهي كلها رقاق ثم ثلاثة غلاظ؛ الأعور والقولون، والمستقيم، وطرفه الدبر، وقيل أسماء الأمعاء السبعة الاثنا عشرى، والصائم، والقولون، واللفانفي، والمستقيم، والأعور، فالمؤمن يكفيه ملأ أحدها والكافر لا يكفيه إلا ملأ كلها كذا في عمدة القاري [667/ 9] وقيل المراد بالسبعة أمعاء صفات سبع؛ الحرص والشره، وبعد الأمل، والطمع، وسوء الطبع، والحسد، وحب السمن، وقيل شهوات الطعام سبع، شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن وشهوة الأنف وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي بها يأكل المؤمن، وقيل إن ذلك في واحد مخصوص وهو الذي سيأتي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه اهـ مفهم. (والمؤمن يأكل في معىً واحد) يعني أن المؤمن الذي يعلم أن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويقوى به على عبادة الله تعالى ويخاف من الحساب على الزائد على ذلك يقل أكله ضرورة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطن، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" رواه أحمد والترمذي وابن حبان كما في الإحسان. وعلى هذا فقد يكون أكل المؤمن المذكور إذا نسب إلى أكل الكافر سبعًا فيصير الكافر كان له سبعة أمعاء يأكل فيها والمؤمن له معى واحد وهذا أحد تأويلات الحديث وهو أحسنها عندي اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 43 و 74]، والبخاري [5359]، والترمذي في الأطعمة [1818]، وابن ماجه في الأطعمة [3298]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 5234 - (00) (00) وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي ح وحدثنا أبو

بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَاقِ. قَال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ. كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِهِ. 5235 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا قَال: رَأى ابْنُ عُمَرَ مِسْكِينًا. فَجَعَلَ يَضَعُ بَينَ يَدَيهِ. وَيضَعُ بَينَ يَدَيهِ. قَال: فَجَعَلَ يَأُكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا. قَال: فَقَال: لَا يُدْخَلَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة وابن نمير قالا) أي قال أبو أسامة وعبد الله بن نمير في هذا السند، والسند الأول (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري، ثقة، من (11) كلاهما (عن عبد الرزاق) الصنعاني (قال) عبد الرزاق (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن أيوب) السختياني كلاهما) أي كل من عبيد الله وأيوب رويا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعبيد الله وساق أيوب (بمثله) أي بمثل حديث عبيد الله عن نافع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5235 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة عن واقد بن محمد بن زيد) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (أنه) أي أن واقدًا (سمع نافعًا قال) نافع (رأى ابن عمر مسكينًا) وهو أبو نهيك الآتي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة واقد لعبيد الله بن عمر بن حفص (فجعل) ابن عمر (يضع) الطعام (بين يديه) فيأكل (ويضعـ) ــه (بين يديه) ثانيًا فيأكل (قال) نافع (فجعل) المسكين (يكل كلًّا كثيرًا) وأخرج البخاري رواية عمرو بن دينار وفيها: كان أبو نهيك رجلًا أكولًا فقال له ابن عمر .. الخ، ويحتمل أن يكون هو المراد في حديث الباب (قال) نافع (فقال) ابن عمر (لا يدخلن

هذَا عَلَيَّ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِن الْكَافِرَ يَأكُلُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا) الرجل (علي) مرة ثانية ببناء الفعل للمجهول (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء) وهذا يدل على أن ابن عمر حمل الحديث على ظاهره ولعله كره دخوله عليه لما رآه متصفًا بصفة وصف بها الكفار، وفي رواية نافع عند البخاري كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه فأدخلت رجلًا يأكل معه فأكل كثيرًا، فقال: يا نافع لا تدخل هذا علي. "تتمة" واختلف العلماء في تأويل معنى هذا الحديث على ستة أقوال: (الأول) أنه ليس المراد في الحديث حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل وعن أسباب ذلك بالأمعاء. (والثاني) المعنى أن المؤمن يأكل الحلال، والكافر يأكل الحرام، والحلال أقل من الحرام في الوجود نقله ابن التين. (الثالث) المراد منه كثرة أكل الكافر وقلة أكل المؤمن وإنما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل بعينه ولم يرد بيان أصل كلي، فاللام في الكافر والمؤمن للعهد الذهني. (والرابع) أن الحديث خرج مخرج الغالب وليست حقيقة العدد مرادة، وتخصيص السبعة للمبالغة في التكثير؛ والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل عن الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولخشيته أيضًا من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لنفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام فصار أكل المؤمن إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه، ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا إما بحسب العادة، أو لعارض يعرض له من مرض باطن، أو لغير ذلك، ويكون في الكافر من يأكل قليلًا إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة على رأي الرهبان، وإما لعارض

5236 - (2020) (85) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابرٍ وَابْنِ عُمَرَ؛ أن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "الْمُؤْمِنُ يَأكلُ في مِعًى وَاحِدٍ. وَالكَافِرُ يَأكلُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". 5237 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كضعف المعدة، قال الطيبي: ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث. (والخامس) أن المراد إثبات البركة في طعام المؤمن ونفيها من طعام الكافر وذلك لأن المؤمن يسمي الله عند أكله فلا يشركه الشيطان، والكافر لا يسمي فيشركه الشيطان فلا يكفيه القليل أو لأن المؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفي مأكله فيشبع من القليل، والكافر طامح البصر إلى المأكل كالأنعام فلا يشبعه القليل. (والسادس) ما نقلناه عن القرطبي آنفًا من أن شهوات الطعام سبع؛ شهوة الطبع، وشهوة النفس .. الخ، والسابع شهوة الجوع؛ وهي التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع، وبمثله ذكر ابن العربي أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس فالمؤمن يأكل للحاجة فقط بخلاف الكافر اهـ من فتح الباري [538/ 9] إلى [540]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 5236 - (2020) (85) (حدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير عن جابر وابن عمر) رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن يأكل في معىً واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء") تقدم بسط الكلام على معنى هذا الحديث قريبًا. وهذا الحديث انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5237 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ: ابْنَ عُمَرَ. 5238 - (2021) (86) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا بُرَيدٌ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَال: "الْمُؤْمِنُ يَأكلُ في مِعًى وَاحِدٍ. وَالْكَافِرُ يَأكلُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". 5239 - (2022) (87) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ) عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لعبد الرحمن بن مهدي (و) لكن الم يذكر) عبد الله بن نمير (ابن عمر) مع جابر في آخر السند. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي موسى رضي الله عنهم فقال: 5238 - (2021) (86) حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد) بن عبد الله بن أبي بردة أبو بردة الصغير الكوفي (عن جده) أبي بردة الكبير عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن يأكل في معىً واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الأطعمة برقم [3299]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 5239 - (2022) (87) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز (يعني ابن محمد) ابن عبيد الدراوردي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لنافع وأبي الزبير وأبي بردة في رواية هذا

بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. 5240 - (2023) (88) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع. حَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَافَهُ ضَيفٌ، وَهُوَ كَافِرٌ، فَأمَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ. فَشَرِبَ حِلابَهَا. ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ. ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ. حَتَّى شَرِبَ حِلابَ سَبْعِ شِيَاهٍ. ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ. فَأمَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن أبي هريرة ولكنها متابعة في الشاهد وهي متابعة ناقصة وساق عبد الرحمن (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث هؤلاء الثلاثة المذكورين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 5240 - (2023) (88) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا إسحاق بن عيسى) بن نجيح أبو يعقوب البغدادي، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني إمام الفروع (عن سهيل بن أبي صالح) السمان، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضافة) صلى الله عليه وسلم أي نزل عنده صلى الله عليه وسلم (ضيف) وصار ضيفه يقال أضفته أنزلته وضفت الرجل نزلت به، والضيف اسم للواحد والجمع والمذكر والمؤنث يعامل معاملة المصدر كما يقال زور وعدل ورضا، ويجمع على أضياف وضيوف وضيفان (وهو) أي والحال أن ذلك الضيف (كافر فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة) أي بحلب لبن شاة (فحلبت) الشاة له (فشرب) ذلك الضيف (حلابها) أي اللبن المحلوب من الشاة، والحلاب هنا بكسر الحاء مصدر بمعنى المحلوب وهو اللبن وقد يطلق على المحلب حلاب وهو الإناء الذي يحلب فيه كما تقدم في الطهارة وليس المعنى هنا كما قاله النووي (ثم) أمر له بشاة (أخرى) ثانية فحلبت له (فشربه) أي اللبن المحلوب (ثم) أمر له بشاة (أخرى) ثالثة فحلبت له (فشربه حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه) أي إن ذلك الضيف (أصبح) عنده صلى الله عليه وسلم (فأسم فأمر له رسول الله - صلى الله عليه

وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلابَهَا. ثُمَّ أَمَرَ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا. فَقَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ في مِعًى وَاحِدٍ. وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". 5241 - (2023) (89) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال زُهَيرٌ: حَدَّثنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم بشاة) فحلبت له (فشرب حلابها ثم أمر) له (بـ) شاة (أخرى) ثانية (فلم يستتمها) أي لم يتمكن من شرب حلاب الثانية بتمامه بل ترك فضلًا وذلك ببركة إسلامه رضي الله عنه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معى واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء) والمراد بالمعى في هذه الأحاديث المعدة لا المصارين اهـ من هامش المفهم، واختلف في اسم هذا الضيف، قيل هو أبو بصرة واسمه حميل بضم الحاء المهملة، وقيل جميل بفتح الجيم قاله الدراوردي وغيره، قال البخاري: وهو وهم وصوابه بالحاء المهملة، وقال ابن بشكوال قيل (وهو الأكثر) أنه جهجاه الغفاري ذكره ابن أبي شيبة والبزار، وقيل نضلة بن عمرو الغفاري ذكره قاسم بن ثابت وعبد الغني، وقيل أبو غزوان، وقيل أبو بصرة ذكره عبد الغني، وقيل ثمامة بن أثال ذكره ابن إسحاق، وقال الخطيب: فيه روايتان إحداهما أنه نضلة بن عمرو الغفاري والأخرى أنه أبو بصرة حميل بن بصرة الغفاري بضم الحاء المهملة ثم روى بإسناده إلى الطحاوي أنه قال في هذا الحديث أن هذا الكافر مخصوص، وقيل بصرة بن أبي بصرة، وقيل ثمامة بن أثال اهـ لفظ الشيخ ولي الدين العراقي. وقال أحمد في المسند: حدثنا يحيى بن إسحاق، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي بصرة الغفاري، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث اهـ من تنبيه المعلم على مبهمات مسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة [5396]، والترمذي [1819]، وابن ماجه [3297]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5241 - (2023) (89) (حدثنا يحيى بن يحيى وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال زهير حدثنا وقال الآخران أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن

الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ. كَانَ إِذَا اشتَهَى شَيئًا أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعمش عن أبي حازم) الأعرج التمار سلمة بن دينار المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (ما عاب) أي ما عيب ونقص (رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا) أي حلالًا أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (كان) صلى الله عليه وسلم (إذا اشتهى) وأحب (شيئًا) من الطعام (أكله وإن كرهه تركه) قال النووي: هذا من آداب الطعام المتأكدة، وعيب الطعام كقوله مالح قليل الملح حامض رقيق غليظ غير ناضج ونحو ذلك، وأما حديث ترك الضب فليس هو من عيب الطعام إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا أشتهيه اهـ نووي، وذكر القاضي أن عدم العيب من آداب الطعام وأنت تعرف أن ترك الأدب مكروه وقد يحرم العيب إذا جعل متعلقه الخلقة وعيب الطعام هو أن يفوت بعض مستحسناته الموجودة في غيره وهو أعم من أن يكون من صنعة أو غير ذلك اهـ أبي، قال العيني: ما عاب طعامًا من الأطعمة المباحة وأما الحرام فكان يذمه ويمنع تناوله وينهى عنه اهـ وفصل بعضهم في ذلك فقال: إن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره، لكن قال الحافظ في الفتح [9/ 548] والذي يظهر التعميم فإن فيه كسر قلب الصانع. قال القرطبي: قوله (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط) هذا من أحسن آداب الطعام وأهمها وذلك أن الأطعمة كلها نعم الله تعالى وعيب شيء من نعم الله تعالى مخالف للشكر الذي أمر الله تعالى به عليها وعلى هذا فمن استطاب طعامًا فليأكل ويشكر الله تعالى إذ مكنه منه وأوصل منفعته إليه وإن كرهه فليتركه وشكر الله تعالى إذ مكنه منه وأعفاه عنه ثم قد يستطيبه أو يحتاج إليه في وقت فيأكله فتتم عليه النعمة ويسلم ما يناقض الشكر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة [5409] وفي غيرها، وأبو داود في الأطعمة [3764]، والترمذي في البر والصلة [2031]، وابن ماجه في الأطعمة [3300 و 3301]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5242 - (00) (00) وحدّثنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الأَعْمَشُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5243 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، أبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 5244 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ 5242 - (00) (00) (وحدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا سليمان) بن مهران الكاهلي (الأعمش) الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي حازم عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة زهير لجرير وساق زهير (مثله) أي مثل ما حدث جرير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5243 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (وعبد الملك بن عمرو) القيسي أبو عامر العقدي البصري، ثقة، من (9) (وعمر بن سعد) بن عبيد (أبو داود الحفري) بفتحتين نسبة إلى الحفر، موضع بالكوفة، الحافظ الكوفي، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي حازم عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة سفيان لجرير وساق سفيان (نحوه) أي نحو حديث جرير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5244 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (ومحمد بن المثنى وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (واللفظ لأبي كريب

قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي يَحْيَى، مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَابَ طَعَامًا قَط. كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ سَكَتَ. 5245 - (00) (00) وحدّثناه أبُو كُرَيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي يحيى مولى آل جعدة) بن هبيرة المخزومي المدني، روى عن أبي هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط الحديث، ويروي عنه (م ق) والأعمش، وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي يحيى لأبي حازم (قال) أبو هريرة (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعامًا قط كان) صلى الله عليه وسلم (إذا اشتهاه أكله وإن لم يشتهه سكت) ولم يعبه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه رابعًا فقال: 5245 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم لأبي يحيى في رواية هذا اللفظ يعني لفظة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أبو حازم (بمثله) أي بمثل حديث أبي يحيى. قوله (عن أبي يحيى مولى آل جعدة) وليس له عند المؤلف إلا هذا الحديث الواحد وانتقد الدارقطني على مسلم من أجل إخراج هذا الحديث عن أبي يحيى بأن سائر تلامذة الأعمش يروونه عن الأعمش عن أبي حازم وتفرد أبو معاوية بروايته من طريق الأعمش عن أبي يحيى، وأجاب عنه القاضي عياض بأنه من الأحاديث المعللة التي ذكر مسلم في مقدمته أنه يوردها ويبين علتها وهنا بين العلة بذكر اختلاف الطرق، لكن ذكر الحافظ رحمه الله تعالى في فتح الباري أن التحقيق أنه لا مطعن فيه على مسلم لأن أبا معاوية نفسه رواه من طريقين جميعًا عن الأعمش عن أبي حازم، وعن الأعمش عن أبي يحيى،

5246 - (2024) (90) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الَّذِي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الْفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارُ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كان أبو معاوية اقتصر على روايته عن أبي يحيى لكان للطعن وجه لكون روايته حينئذ شاذة أما بعد أن وافق أبو معاوية الجماعة في روايته عن أبي حازم فتكون روايته عن أبي يحيى زيادة محضة حفظها أبو معاوية دون بقية أصحاب الأعمش وهو من أحفظهم عنه فيقبل، وحاصل كلام الحافظ أن الأعمش رواه عن كلا الرجلين أبي حازم وأبي يحيى فلم يبق وجه للطعن في أي من الطريقين والله تعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة أعني النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة بحديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فقال: 5246 - (2024) (90) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك) بن أنس الإمام (عن نافع) مولى عبد الله بن عمر (عن زيد بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني، روى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في الأطعمة، ويروي عنه (خ م س ق) ونافع مولى ابن عمر، ولد في خلافة جده عمر بن الخطاب، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) التيمي المدني، روى عن أم سلمة في الأطعمة، وأبيه وعمته أسماء، ويروي عنه (خ م س ق) وزيد بن عمر وابنه طلحة، وهو مقل، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة مقبول، من الثالثة، مات بعد السبعين (عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في آنية الفضة) والذهب من باب أولى كما هو مذكور في الرواية الآتية (إنما يجرجر) من باب زلزل أي فكأنما يشرب (في بطنه نار جهنم) يروى برفع نار ونصبه فمن رفع حمل يجرجر على يصوت والجرجرة الصوت المتراجع كصوت حركة اللجام في فم الفرس يقال جرجر الفرس إذا حرك فمه باللجام، وفي النووي: والجرجرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صوت البعير عند الضجر ولكنه جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها جرجرة نار جهنم في بطنه من طريق المجاز هذا وجه رفع نار ويكون قد ذكر يجرجر بالياء للفصل بينه وبين النار ومن نصبه حمله على معنى يتجرع فالشارب هو الفاعل والنار مفعوله، يقال جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعًا متواترًا له صوت فالمعنى فكأنما يتجرع نار جهنم، وقال في المبارق: الجرجرة صوت البعير في حنجرته والمراد به هنا صوت يسمع في حلق الإنسان عند تجرعه الماء اهـ. وهذا الحديث دليل على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والتكحل وما شابه ذلك وبتحريم ذلك قال جمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وروي عن بعض السلف إباحة ذلك وهو خلاف شاذ مطرح للأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا الباب، ثم اختلف العلماء في تعليل المنع فقيل إن التحريم راجع إلى عينهما وهذا يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: "هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" وقيل ذلك معلل بكونهما رؤوس الأثمان وقيم المتلفات فإذا اتخذ منهن الأواني قلت في أيدي الناس فيجحف ذلك بهم وهذا كما حرم فيهما ربا الفضل، وقد حسن الغزالي هذا المعنى فقال: إنهما في الوجود كالحكام الذين حقهم أن يتصرفوا في الأقطار ليظهروا العدل فلو منعوا من التصرف والخروج للناس لأخل ذلك بهم ولم يحصل عدل في الوجود، وصياغة الأواني من الذهب والفضة حبس لهما عن التصرف الذي ينتفع به الناس، وقيل إن ذلك معلل بالسرف والتشبه بالأعاجم. [قلت] وهذا التعليل ليس بشيء لأنه يلزم عليه أن يكون اتخاذ تلك الأواني واستعمالها مكروهًا لأن غاية السرف والتشبه بالأعاجم أن يكون مكروهًا والتهديد الذي اشتمل عليه الحديث المتقدم مفيد للتحريم لا للكراهة وكل ما ذكرناه من التحريم إنما هو في الاستعمال. وأما اتخاذ الأواني من الذهب والفضة من غير استعمال فمذهب مالك ومذهب جمهور العلماء أن ذلك لا يجوز، وذهبت طائفة من العلماء إلى جواز اتخاذها دون استعمالها، وفائدة هذا الخلاف بناء الخلاف عليه في قيمة ما أفسد منها وجواز الاستئجار على عملها فمن جوز الاتخاذ قوم الصياغة على مفسدها وجوز أخذ الأجرة

5247 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ الليثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ. قالا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا الْفُضَيلُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها ومن منع الاتخاذ منع هذين الفرعين، فأما ما ضبب من الأواني بذهب أو فضة أو كانت فيه حلقة من ذهب أو فضة فذهب الجمهور إلى كراهة استعمال ذلك، وأجازه أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق إذا لم يجعل فمه على القضيب أو الحلقة، وروي أيضًا مثله عن بعض السلف قالوا وهي كالعلم في الثوب، والخاتم في اليد يشرب به، وقد استحب بعض العلماء الحلقة دون التضبيب والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 300]، والبخاري [5634]، وابن ماجه [3413]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 5247 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة) بن سعيد (ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (عن الليث بن سعد) المصري عن نافع .. الخ (ح وحدثنيه علي بن حجر السعدي) المروزي (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم الأسدي البصري (يعني ابن علية عن أيوب) السختياني عن نافع .. الخ (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي عن عبيد الله (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد) القطان عن عبيد الله (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة والوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس الكندي الكوفي (قالا) أي قال كل من أبي بكر والوليد بن شجاع (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، كل من محمد بن بشر ويحيى بن سعيد وعلي بن مسهر رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني عن نافع (ح وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) الثقفي البصري (حدثنا الفضيل بن سليمان) النميري البصري، صدوق، من (8) (حدثنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة،

ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بن فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ السَّرَّاج كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. بِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ. وَزَادَ في حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ: "أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشرَبُ في آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَب". وَلَيسَ في حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذِكْرُ الأكْلِ وَالذَّهَبِ. إِلَّا في حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ. 5248 - (00) (00) وحدّثني زَيدُ بن يَزِيدَ، أَبو مَعْنِ الرَّقَّاشِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من (5) عن نافع (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جربر يعني ابن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) (عن عبد الرحمن) بن عبد الله (السراج) بفتح السين وتشديد الراء البصري، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي عن نافع (كل هولاء) الخمسة المذكورين من الليث بن سعد فسنده من سداسياته، ومن أيوب السختياني وسنده من سباعياته، ومن عبيد الله وسنده من سباعياته، ومن موسى بن عقبة وسنده من سباعياته، ومن عبد الرحمن السراج وسنده من سباعياته، (عن نافع) مولى ابن عمر، وساقوا (بمثل حديث مالك بن أنس بإسناده) أي بإسناد مالك (عن نافع) يعني عن زيد بن عبد الله عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أم سلمة، غرضه بسوق هذه الأسانيد الخمسة بيان متابعة هؤلاء الخمسة لمالك بن أنس في روايتهم عن نافع (و) لكن (زادا) أي زاد أبو بكر بن أبي شيبة والوليد بن شجاع (في حديث علي بن مسهر) وروايته (عن عبيد الله) أي زاد لفظة الأكل والذهب على غيرهما حيث قالا (أن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب و) الحال أنه (ليس في حديث أحد منهم) أي من هؤلاء الذين رووا عن هؤلاء الخمسة المذكورين (ذكر الأكل والذهب إلا في حديث) علي (بن مسهر) وروايته عن عبيد الله تأمل بدقة نظر فإن في هذه التحويلات غموضًا وبالبحث عن فرائدها يزداد الغموض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 5248 - (00) (00) (وحدثني زيد بن يزيد) الثقفي (أبو معن الرقاشي) البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو عاصم) النبيل البصري الضحاك بن

عَنْ عُثمَانَ (يَعْنِي ابْنَ مُرَّةَ) حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ خَالتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَرِبَ في إنَاءِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مخلد الشيباني، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن عثمان يعني ابن مرة) القرشي مولاهم البصري، روى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في الأطعمة، ويروي عنه (م س) وأبو عاصم النبيل ويحيى القطان، قال ابن معين: صالح، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: لا بأس به، من السابعة (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق (عن خالته) لعلها خالته من الرضاعة (أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عثمان بن مرة لزيد بن عبد الله (قالت) أم سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر) أي يتجرع (في بطنه نارًا من جهنم) والمراد بالنار المهل والحميم الذي يسقاه ويوصف بأنه نار ويكون مما العقوبة فيه بجنس الذنب كما جاء في عقاب شارب الخمر اهـ من الأبي. قوله (من جهنم) قال يونس وأكثر النحويين هي عجمية لا تنصرف للعلمية والعجمة وسميت بذلك لبعد قهرها يقال بئر جهنام إذا كانت عميقة القعر، وقال بعض اللغويين: مشتقة من الجهومة وهي الغلظ سميت بذلك لغلظ أمرها في العذاب اهـ نووي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد، والسادس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والثامن حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والتاسع حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب اللباس والزينة

21 - كتاب اللباس والزينة 667 - (11) باب تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء 5249 - (2025) (91) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيميُّ. أَخْبَرَنَا أبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أبِي الشَّعْثَاءِ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَشْعَثُ. حَدَّثَنِي مُعَاويةُ بْنُ سُوَيدِ بْنِ مُقَرِّنِ قَال: دَخَلْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ. وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ. أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 21 - كتاب اللباس والزينة 667 - (11) باب تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء 5249 - (2025) (91) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، ثقة، من (6) (ح وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي (حدثنا زهير) بن معاوية (حدثنا أشعث) بن أبي الشعثاء (حدثني معاوية بن سويد بن مقرن) بصيغة اسم الفاعل من التقرين المزني أبو سعيد الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (قال) معاوية (دخلت على البراء بن عازب) الأنصاري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (فسمعته) رضي الله عنه (يقول أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع) خصال (ونهانا عن سبع) خصال (أمرنا بعيادة المريض) أي زيارته لما فيها من المواصلة والموادة، قال القسطلاني: الأصل في عيادة عوادة لأنه من عاده يعوده فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها اهـ، قال القرطبي: عيادة المريض زيارته وتفقده يقال عاد المريض يعوده عيادة إذا زاره اهـ والمريض من أخذه المرض، وهو ضد الصحة، والمرض يكون في الجسم والقلب كالجهل والجبن

وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، أَو الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ. وَنَهَانَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل، وإطلاق المرض على ذلك مجاز؛ والمراد هنا هو الأول وهو الحقيقي اهـ قسطلاني (واتباع الجنازة) إلى محل الدفن وهو سنة بالإجماع، قال الأبي: قال ابن بزيزة: واتباعها آكد من عيادة المريض وجنازة القريب والبعيد في ذلك سواء وتقدم في الجنازة اهـ (وتشميث العاطس) أي الدعاء له بالرحمة إذا حمد الله بأن يقال له: رحمك الله، قال النووي: وتشميت العاطس فرض كفاية، والتشميت أن يقال له يرحمك الله، وشرطه أن يسمع العاطس بقول الحمد لله. قال الأبي: ويقول العاطس لمن شمته يغفر الله لكم أو يقول يهديكم الله ويصلح بالكم. قال ابن بزيزة: وهذا أفضل من الأول وإن تكرر العطاس سقط التشميت وليقل في الثالثة أو الرابعة إنك مضنوك أو مزكوم. قال القرطبي (وتشميت العاطس) بالشين المعجمة وهو الدعاء له إذا عطس وحمد الله تعالى فعلى السامع أن يقول له يرحمك الله. وسمي الدعاء تشميتًا لأنه إذا استجيب للمدعو له فقد زال عنه الذي يشمت به عدوه لأجله، وقد يقال بالسين المهملة قال ابن الأنباري: يقال شمت فلانًا وسمت عليه فكل داع بالخير يقال له مسمت ومشمت اهـ (وإبرار القسم) وهو أن يباشر المرء ما أقسم عليه ويبر في يمينه، وهذا سنة كقوله: والله لأدخلن هذا البيت، وهذا سنة ما لم يخف في الإبرار ضررًا فحينئذ يجوز الحنث كما مر في الإيمان (أو) قال البراء أو من دونه: وإبرار (المقسم) عليك في قسمه أي جعله بارًا في قسمه بفعل المقسم عليه ما لم يخف مفسدة، والشك من الراوي أو ممن دونه، وإبرار المقسم تصديق من أقسم عليك وهو أن يفعل ما سأله الملتمس، وقال الطيبي: يقال المقسم الحالف ويكون المعنى أنه لو حلف أحد علي أمر يستقبل وأنت تقدر علي تصديق يمينه كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل وأنت تستطيع فعله فافعل كيلا يحنث في يمينه كذا في عمدة القاري [4/ 7] قال القرطبي: وإبرار المقسم هو إجابته إلى ما حلف عليه ولا يحنث لكن إذا كان على أمر جائز (ونصر المظلوم) أي إعانته على ظالمه وتخليصه منه اهـ من المفهم. فهو واجب على الكفاية بشرط القدرة على نصره خصوصًا إذا كان على كافر (وإجابة الداعي) إلى وليمة أو غيرها من الطعام لكن أوكد الدعوات الوليمة وذلك إذا لم يكن عذر كما مر في بابها (وإفشاء السلام) أي إشاعته وإكثاره وأن يبذله لكل مسلم بأن لا يخص به من يعرف دون من لا يعرف (ونهانا

عَنْ خَوَاتِيمَ، أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عن) لبس (خواتيم) الذهب (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي أو من دونه نهانا (عن تختم بالذهب) والشك من الراوي أو ممن دونه أي نهانا عن لبس خاتم الذهب نهى عن تحريم فهو حرام على الرجال دون النساء، وهو موضع الترجمة من الحديث (و) نهانا (عن شرب بالفضة) أي نهانا عن استعمال أواني الفضة وكذا الذهب بالأولى في الشرب والأكل نهي تحريم كما ذكر في حديث أم سلمة قبيل هذا الباب، وهذا عام في الرجال والنساء (و) نهانا (عن) لبس (المياثر) واتخاذها جمع مئثرة بكسر الميم بعدها همزة ساكنة وقد تخفف بإبدالها ياء وهي مفعلة بكسر الميم من الوثارة وهي اللين والنعمة، يقال وثر وثارة من باب نظف فهو وثير أي وطيء لين، وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها كما في ميزان وميقات وميعاد من الوزن والوقت والوعد، وأصلها موزان وموقات وموعاد. والميثرة وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج وكان من مراكب العجم ويكون من الحرير ويكون من الصوف وغيره، وقيل أغشية للسروج تتخذ من الحرير، وقيل سروج من الديباج، وقيل هي شيء كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، وعلى كل تقدير فالميثرة إن كانت من حرير فالنهي فيها كالنهي عن الجلوس على الحرير وقد تقدم، وإن كانت من غير حرير فالنهي فيها للزجر عن التشبه بالأعاجم فيكون النهي نهي إرشاد لمصلحة دينية لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهية. قال في النهاية: نهى عن ميثرة الأرجوان والأرجوان بفتح الهمزة وضم الجيم صبغ أحمر، قال الشراح: قيد الأرجوان قيد وقوعي فلا مفهوم له والله أعلم، وقيل هي جلود السباع. قال القرطبي: فإن كانت الميثرة حريرًا فوجه النهي واضح وهو تحريم الجلوس عليها فإنها حرير ولباس ما يفرش: الجلوس عليه، وعلى هذا جماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم خلافًا لعبد الملك من أصحابنا فإنه أجازه ولم ير الجلوس على الحرير لباسًا وهذا ليس بشيء فإن لباس كل شيء بحسبه، وأما من كانت عنده الميثرة من جلود السباع فوجه النهي عنها أنها مكروهة لأنها لا تعمل فيها الذكاة وهو أحد القولين فيها

وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرقِ وَالدِّيبَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عند أصحابنا أو لأنها لا تذكى، وأما من كانت عنده من الأرجوان الأحمر فوجه النهي عنها أنها تشبه الحرير (و) نهانا (عن القسي) بفتح القاف وتشديد السين المكسورة وهذا هو الصحيح المشهور، وقد أخطأ من كسر القاف نسبة إلى القس وهي قرية من قرى مصر مما يلي الفرما على شاطئ البحر قريب إلى تنيس يقال لها القس بفتح القاف، وقال العيني رحمه الله تعالى: القس كانت بلدة على ساحل البحر الملح بالقرب من دمياط كان ينسج فيها الثياب من الحرير واليوم خربة، وذكر المهلبي المصري أن القس لسان خارج من البحر عنده حصن يسكنه الناس بينه وبين الفرما عشرة فراسخ من جهة الشام راجع عمدة القاري [10/ 251] وبالجملة فالثوب القسي نهي عنه لكونه حريرًا اهـ. وهي ثياب من كتان مضلعة بحرير، قال البخاري: فيها حرير أمثال الأترنج، وقيل إنها القز أبدلت الزاي سينًا فقالوا قسي (و) نهانا (عن لبس الحرير) يعني نهي الرجال دون النساء وهذا موضع الترجمة أيضًا وهو ما ينسجه دود شجر التوت وهو اسم عام لما رق منه وما غلظ (و) نهانا عن لبس (الإستبرق) وهو اسم فارسي عربته العرب وهو بكسر الهمزة ثخين الديباج على الأشهر، وقيل رقيقه، وقال النسفي: في قوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} السندس ما رق من الحرير والديباج، والإستبرق ما غلظ منه وعلى هذا فقوله (والديباج) أي نهانا عن الديباج عطف مرادف على الإستبرق، والإستبرق معرب استبرك وإذا عرب خرج من أن يكون عجميًّا لأن معنى التعريب أن يجعل عربيًّا بالتصرف فيه وتغييره عن منهاجه وإجراء أوجه الإعراب عليه، وأما الديباج فبكسر الدال فارسي معرب، وقال ابن الأثير: الديباج الثياب المتخذة من الإبريسم وقد تفتح داله ويجمع على دبابيج كذا في عمدة القاري [4/ 8] وقال القرطبي: والديباج جنس من الحرير، الإستبرق والسندس من أنواعه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في أبواب كثيرة منها في اللباس باب لبس القسي [5838]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر [2809]، والنسائي في الزينة باب ذكر النهي عن الثياب القسية [5309]، وابن ماجه في اللباس باب كراهية لبس الحرير [3634]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال:

5250 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ شلَيمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلهُ. إلَّا قَوْلَهُ: وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَو الْمُقْسِمِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هذَا الْحَرْفَ في الْحَدِيثِ. وَجَعَلَ مَكَانَهُ: وَإِنْشَادِ الضَّالِّ. 5251 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ زُهَيرٍ. وَقَال: إِبْرَارِ القَسَمِ. مِنْ غَيرِ شَكٍّ. وَزَادَ في الْحَدِيثِ: وَعَنِ الشُّرْبِ في الْفِضَّةِ. فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا في الذُّنْيَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5250 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) الزهراني (العتكي) سليمان بن داود البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن أشعث بن سليم) المحاربي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن معاوية بن سويد عن البراء، غرضه بيان متابعة أبي عوانة لأبي خيثمة، وساق أبو عوانة (مثله) أي مثل حديث أبي خيثمة (إلا قوله) أي إلا قول أبي خيثمة في روايته (وإبرار القسم أو المقسم فإنه) أي فإن أبا عوانة (لم يذكر هذا الحرف) أي هذه الكلمة يعني إبرار القسم (في الحديث وجعل) أبو عوانة أي ذكر (مكانه) أي بدل هذا الحرف لفظة (وإنشاد الضال) أي وأمرنا بإنشاد الحيوان الضال أي الذي ضل وضاع عن صاحبه أي طلبه مع صاحبه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 5251 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي كلاهما) أي كل من علي وجرير رويا (عن) أبي إسحاق (الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن أشعث) بن سليم (أبي الشعثاء) المحاربي الكوفي، غرضه بسوقهما بيان متابعة الشيباني لأبي خيثمة (بهذا الإسناد) يعني عن معاوية بن سويد عن البراء، وساق (مثل حديث زهير) بن معاوية (و) لكن (قال) الشيباني في روايته (إبرار القسم من غير) ذكر (شك) بقوله أو المقسم (وزاد) الشيباني (في الحديث) أي في روايته بعد قوله (و) نهانا (عن الشرب في) آنية (الفضة) أي زاد لفظة (فإنه) أي فإن الشأن والحال (من شرب فيها) أي في آنية الفضة (في الدنيا،

لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا في الآخِرَةِ. 5252 - (00) (00) وحدَّثناه أَبو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيبَانِيُّ وَلَيثُ بْنُ أَبِي سُلَيمٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. بإِسْنَادِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ زِيادَةَ جَرِيرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يشرب) فيها (في الآخرة) لأن من استعجل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 5252 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب حدثنا) عبد الله (بن إدريس) الأودي الكوفي، ثقة، من (8) (أخبرنا أبو إسحاق الشيباني) سليمان بن أبي سليمان الكوفي (وليث بن أبي سليم) أيمن بن زنيم مصغرًا القرشي مولاهم أبو بكر الكوفي، أصله من أبناء فارس، وكان مولده بالكوفة، وكان معلمًا بها، وكان من العلماء العباد ولكن اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به، روى عن أشعث بن أبي الشعثاء في اللباس، وقارنه مع أبي إسحاق الشيباني، ويروي عنهما عبد الله بن إدريس، وروى ليث أيضًا عن عكرمة ومجاهد وطبقته، ويروي عنه أيضًا (م عم) ومعمر وشعبة والثوري وخلق، وقال أحمد: مضطرب الحديث، وقال الفضيل بن عياض: ليث أعلم أهل الكوفة بالمناسك، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وقال ابن سعد: كان رجلًا صالحًا عابدًا وكان ضعيفًا في الحديث، وقال في التقريب: صدوق اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة، مات سنة (148) ثمان وأربعين ومائة كلاهما رويا (عن أشعث بن أبي الشعثاء بإسنادهم) أي بإسناد زهير وأبي عوانة وعلي بن مسهر وجرير يعني عن معاوية بن سويد عن البراء بن عازب، غرضه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لهؤلاء الأربعة ولكنها متابعة ناقصة في الأولين وتامة في الأخيرين (و) لكن (لم يذكر) عبد الله بن إدريس في روايته (زيادة جرير) بن عبد الحميد (و) علي (بن مسهر) يعني قوله "فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة" (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثنا إسحاق بن

إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنِي بَهْزٌ. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشعَثَ بْنِ سُلَيمٍ بِإِسْنَادِهِمْ، وَمَعْنَى حَدِيثِهِمْ، إلا قَوْلَهُ: وَإِفْشَاءِ السَّلامِ. فإِنَهُ قَال بَدَلَهَا: وَرَدِّ السَّلامِ. وَقَال: نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَهَبِ أَوْ حَلْقَةِ الذَّهَبِ. 5253 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدمَ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا أبو عامر العقدي) عبد الملك بن عمرو القيسي البصري، من (9) (ح وحدثنا عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا (حدثني بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (قالوا جميعًا) أي قال كل من محمد بن جعفر ومعاذ بن معاذ وأبي عامر وبهز بن أسد (حدثنا شعبة عن أشعث بن سليم بإسنادهم) يعني عن معاوية بن سويد عن البراء؛ أي روى شعبة بإسناد زهير وأبي عوانة والشيباني وليث بن أبي سليم، غرضه بيان متابعة شعبة لهؤلاء الأربعة المذكورين (و) بـ (معنى حديثهم) أي بمعنى حديث هؤلاء الأربعة المذكورين (إلا قوله) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم (وافشاء السلام فإنه) أي فإن شعبة (قال بدلها) أي بدل هذه اللفظة أعني لفظة إفشاء السلام (و) أمرنا بـ (رد السلام) على المسلم وجوبًا إن لم يكن له عذر (وقال) شعبة أيضًا لفظة (نهانا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن خاتم الذهب أو) قال الراوي نهانا عن (حلقة الذهب) وهي بمعنى الخاتم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 5253 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) (وعمرو بن محمد) العنقزي بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاي نسبة إلى العنقز وهو المرزنجوش، وقيل الريحان كان يبيعه أو يزرعه كما في اللباب، القرشي مولاهم أبو سعيد الكوفي، روى عن سفيان الثوري في اللباس وأبي حنيفة وأسباط بن نصر وعيسى بن طهمان، ويروي عنه (م عم) وإسحاق

قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ. بِإِسْنَادِهِمْ. وَقَال: وَإفْشَاءِ السَّلامِ وَخَاتَمِ الذهَبِ. مِنْ غَيرِ شَكٍّ. 5254 - (2026) (92) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيسٍ قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. سَمِعْتُهُ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُكَيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحنظلي وقتيبة وأبو سعيد الأشج وعدة، وثقه النسائي وأحمد، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال العجلي: ثقة جائز الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من التاسعة، مات سنة (199) تسع وتسعين ومائة (قالا حدثنا سفيان) الثوري (عن أشعث بن أبي الشعثاء) غرضه بيان متابعة سفيان لمن روى عن أشعث بن سليم وهم الأربعة المذكورون سابقًا أعني زهيرًا وأبا عوانة والشيباني وشعبة وساق سفيان الحديث (بإسنادهم) يعني عن معاوية بن سويد عن البراء (و) لكن (قال) سفيان (وإفشاء السلام) كما قاله غير شعبة بدل رد السلام (و) قال نهانا عن (خاتم الذهب من غير شك) فيه وفي حلقة الذهب كما شك شعبة في ذلك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فقال: 5254 - (2026) (92) (حدثنا سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس) الكندي الأشعثي أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (قال) سعيد (حدثنا سفيان بن عيينة) قال سعيد بن عمرو (سمعته) أي سمعت ابن عيينة (يذكره) أي يذكر هذا الحديث ويرويه (عن أبي فروة) مسلم بن سالم النهدي ويقال الجهني، وكان نازلًا في جهينة فعرف بهم أبي فروة الأصغر التابعي الكوفي، روى عن عبد الله بن عكيم الجهني في اللباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى وخلق، ويروي عنه (خ م د س ق) وسفيان بن عيينة وزياد البكائي وأبو عوانة وشعبة، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مشهور بكنيته، صدوق، من السادسة (أنه) أي أن أبا فروة (سمع عبد الله بن عكيم) مصغرًا الجهني أبا معبد الكوفي أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له

قَال: كُنَّا مَعَ حُذَيفَةَ بالْمَدَائِنِ. فَاسْتَسْقَى حُذَيفَةُ. فَجَاءَهُ دِهْقَانٌ بِشَرَاب في إِنَاء مِنْ فِضَةٍ. فَرَمَاهُ بِهِ. وَقَال: إِني أُخْبِرُكُمْ أَني قَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَسْقِيَنِي فِيهِ. فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لَا تَشْرَبُوا في إِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلَا تَلْبَسُوا الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ. فَإِنَّهُ لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَهُوَ لَكُمْ في ـــــــــــــــــــــــــــــ سماع صحيح، روى عن حذيفة بن اليمان في اللباس، وأبي بكر وعمر، ويروي عنه (م عم) وأبو فروة الجهني مسلم بن سالم وابن أبي ليلى والقاسم بن مخيمرة وهلال الوزان، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من الثانية، مات في إمرة الحجاج له عند (م) حديث "لا تشربوا في آنية الذهب" (قال) عبد الله بن عكيم (كنا مع حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (بالمدائن) هي اسم مدينة كسرى قريب من بغداد، بناها أنوشروان ولكبرها سميت بصيغة الجمع وهي الآن خربة كذا في القاموس، وقال في العيني: هي مدينة عظيمة على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ وكانت مسكن ملوك الفرس وبها إيوان كسرى المشهور، وكان فتحها على يد سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر سنة ست عشرة اهـ وكان حذيفة عاملًا عليها في خلافة عمر وعثمان إلى أن مات بها وقبره هناك مشهور يزار اهـ تكملة (فاستسقى حذيفة) أي طلب سقيا الماء (فجاءه) أي فجاء حذيفة (دهقان) بكسر الدال وسكون الهاء على المشهور، وحكي ضمها فيما حكاه صاحبا المشارق والمطالع، وحكاهما القاضي في الشرح عن حكاية أبي عبيد، ووقع في نسخ صحاح الجوهري أو بعضها مفتوحًا، وهذا غريب وهو زعيم فلاحي العجم، وقيل زعيم القرية ورئيسها، وهو بمعنى الأول وهو عجمي معرب اهـ نووي (بشراب في إناء من فضة فرماه) أي فرمى حذيفة الدهقان (به) أي بذلك الإناء (وقال) حذيفة في بيان علَّة رميه بالإناء (إني أخبركم) أيها الحاضرون (أني قد أمرته) أي قد أمرت هذا الدهقان (أن لا يسقيني فيه) أي في إناء الفضة، وفي رواية أحمد (ما يألوا أن يصيب به وجهه) وزاد في رواية للبخاري في الأشربة (إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته) وفي رواية لأحمد (لولا أني تقدمت إليه مرة أو مرتين لم أفعل به هذا) وهذا كله منه اعتذار عن رميه على وجهه وبيان لسبب الرمي والتعزير لأنه كان نهى عنه أولًا مرتين ولم ينته اهـ ذهني (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تشربوا في إناء الذهب والفضة ولا تلبسوا الديباج والحرير) وهذا موضع الترجمة (فإنه لهم في الدنيا وهو لكم في

الآخِرَةِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 5255 - (00) (00) وحدّثناه ابنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الْجُهَنِيِّ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيمٍ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيفَةَ بِالْمَدَائِنِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ في الْحَدِيثِ "يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخرة يوم القيامة) وعطف الحرير على الديباج من عطف العام على الخاص لأنه يشمل الديباج وهو ما غلظ من ثياب الحرير، والسندس وهو ما رق منها كما مر. قال النووي: وفيه تحريم الشرب في إناء الفضة وتعزير من ارتكب معصية لاسيما إن كان قد سبق نهيه عنها كقضية الدهقان مع حذيفة، وفيه أنه لا بأس أن يعزر الأمير بنفسه بعض مستحقي التعزير، وفيه أن الأمير والكبير إذا فعل شيئًا جائزًا في نفس الأمر ولا يكون وجهه ظاهرًا فينبغي أن ينبه على دليله وسبب فعله ذلك اهـ. قوله (وهو لكم في الآخرة يوم القيامة) جمع بينهما دفعًا لما قد يظن أنه بمجرد موته صار في حكم الآخرة في هذا الإكرام فبين أنه إنما هو في يوم القيامة وبعده في الجنة أبدًا اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة وفي اللباس [5631]، وأبو داود في الأشربة باب الشراب في آنية الذهب والفضة [1878]، والنسائي في الزينة باب النهي عن لبس الديباج [5301]، وابن ماجه في الأشربة باب الشرب في آنية الفضة [3457]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 5255 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي فروة) مسلم بن سالم (الجهني قال سمعت عبد الله بن عكيم) الجهني (يقول كنا عند حذيفة بالمدائن) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي عمر لسعيد بن عمرو (فذكر) ابن أبي عمر (نحوه) أي نحو ما حدث سعيد بن عمرو (ولم يذكر) ابن أبي عمر (في الحديث) لفظة (يوم القيامة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فقال:

5256 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَوَّلًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ حُذَيفَةَ. ثُمَّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ أَبِي لَيلَى عَنْ حُذَيفَةَ. ثُمَّ حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُكَيمٍ. فَظَنَنْتُ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيلَى إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ عُكَيمٍ. قَال: كُنَّا مَعَ حُذَيفَةَ بِالْمَدَائِنِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَقُلْ: "يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5256 - (00) (00) (وحدثني عبد الجبار بن العلاء) بن عبد الجبار الأنصاري مولاهم المكي، لا بأس به، من صغار العاشرة، روى عنه في (5) أبواب (حدثنا سفيان) ابن عيينة، قال سفيان: (حدثنا) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار المكي أبو يسار الثقفي مولاهم، ثقة، من (6) (أولًا) أي قبل سماعي من أبي فروة (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي، ثقة، من (3) (عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) يسار الأنصاري أبي عيسى الكوفي، ثقة، من (2) (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي ليلى لعبد الله بن عكيم، قال سفيان بن عيينة (ثم) بعدما حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى (حدثنا يزيد) بن أبي زياد الهاشمي مولاهم أبو عبد الله الكوفي، روى عن ابن أبي ليلى في اللباس، وأبي صالح السمان ومجاهد وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وسفيان بن عيينة في اللباس، وزائدة وشعبة وزهير بن معاوية وأبو عوانة وجماعة، قال ابن معين: ليس بالقوي، وقال: مرة ضعيف، وقال العجلي: جائز الحديث، وقال في التقريب: ضعيف كبر فتغير فصار يلقن، وكان شيعيًا، من الخامسة، مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة (سمعه) أي سمع يزيد هذا الحديث (من) عبد الرحمن (بن أبي ليلى عن حذيفة) رضي الله عنه (ثم) بعدما حدثنا يزيد (حدثنا أبو فروة) مسلم بن سالم الكوفي المعروف بالجهني (قال سمعت) عبد الله (ابن عكيم) قال سفيان (فظننت أن ابن أبي ليلى إنما سمعه من ابن عكيم) وجملة الظن معترضة بين سند ابن أبي ليلى وبين متنه، وظنه هذا وهم غير صحيح، والصحيح أن ابن أبي ليلى سمع من حذيفة بلا واسطة ابن عكيم كما يدل عليه السياق ولم يظهر لي من أين أخذه هذا الظن والله أعلم. (قال) ابن أبي ليلى (كنا مع حذيفة بالمدائن فذكر) ابن أبي ليلى (نحوه) أي نحو ما حدث عبد الله بن عكيم (و) لكن (لم يقل) أي لم يذكر ابن أبي ليلى لفظة (يوم القيامة)

5257 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ؛ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ أبِي لَيلَى) قَال: شَهِدْتُ حُذَيفَةَ اسْتَسْقَى بالْمَدَائِنِ. فَأتَاهُ إِنْسَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ. فَذَكَرَهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيمٍ، عَنْ حُذَيفَةَ. 5258 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بيان متابعة ابن أبي ليلى لابن عكيم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث حديفة بن اليمان رضي الله عنهما فقال: 5257 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (أنه سمع عبد الرحمن يعني ابن أبي ليلى قال) عبد الرحمن (شهدت) أي حضرت (حذيفة) أي عنده حالة كونه قد (استسقى) أي طلب سقيا الشراب (بالمدائن) أي حالة كونه بالمدائن (فأتاه) أي فأتى حذيفة (إنسان) هو الدهقان المذكور في الرواية الأولى ولم أر من ذكر اسمه (بإناء) أي بشراب في إناء (من فضة فذكره) أي فذكر الحديث ابن أبي ليلى (بمعنى حديث ابن عكيم عن حذيفة) غرضه بيان متابعة الحكم لمجاهد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 5258 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (ح وحدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي النيسابوري (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري (كلهم) أي كل من وكيع ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي وبهز بن أسد رووا (عن شعبة) غرضه

بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَإسْنَادِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ في الْحَدِيثِ: شَهِدْتُ حُذَيفَةَ. غَيرُ مُعَاذٍ وَحْدَهُ. إِنَّمَا قَالُوا: إِنَّ حُذَيفَةَ استَسقَى. 5259 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابنِ عَوْنٍ. كِلاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ حُذَيفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمعاذ بن معاذ وساقوا (بمثل حديث معاذ) ابن معاذ (و) ساقوا (إسناده) أي بإسناد معاذ بن معاذ يعني عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن حذيفة (ولم يذكر أحد منهم) أي من هؤلاء الأربعة (في الحديث) لفظة (شهدت حذيفة غير معاذ) بن معاذ، بل ذكر معاذ بن معاذ لفظة شهدت حذيفة حالة كونه (وحده) أي حالة كون معاذ منفردًا بذكره (إنما قالوا) أي قال هؤلاء الأربعة (إن حذيفة استسقى) أي طلب السقيا من الشراب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فقال: 5259 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم البصري (كلاهما) أي كل من منصور وابن عون رويا (عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنهم (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة منصور وابن عون لشعبة، ولكنها متابعة ناقصة لأنهما رويا عن عبد الرحمن بواسطة مجاهد، وشعبة روى عن عبد الرحمن بواسطة الحكم وساقا (بمعنى حديث من ذكرنا) يعني به شعبة عن الحكم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فقال:

5260 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَيفٌ. قَال: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ أَبِي لَيلَى قَال: اسْتَسْقَى حُذَيفَةُ. فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ في إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةِ. فَقَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ. وَلَا تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلَا تَأْكلُوا في صِحَافِهَا. فَإِنَّهَا لَهُمْ في الدُّنْيا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5260 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا سيف) بن سليمان المخزومي مولاهم المكي نزيل البصرة، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (5) أبواب (قال) سيف (سمعت مجاهدًا يقول سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال) أي عبد الرحمن (استسقى حذيفة) بن اليمان رضي الله عنهما؛ أي طلب سقيا الماء من الحاضرين، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سيف بن سليمان لمنصور وابن عون، قال ابن أبي ليلى (فسقاه) أي فسقى حذيفة رجل (مجوسي) وهو الدهقان السابق في الرواية الأولى، ولم أر من ذكر اسم هذا المجوسي (في إناء من فضة) أي سقاه مجوسيٌّ بشراب في إناء من فضة (فقال) حذيفة (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) أي في صحاف الفضة، والصحاف بكسر الصاد جمع صحفة وهي التي تشبع خمسة، قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة وهي التي تشبع ما فوق العشرة، ثم القصعة تليها وهي التي تشبع العشرة (فإنها) أي فإن هذه المذكورة من الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة (لهم) أي مستعملة لهم (في الدنيا) وإن كانت حرامًا عليهم أيضًا، ولكم في الآخرة. قال في النهاية: الديباج هو الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب وقد تفتح داله ويجمع على ديابيج بالياء ودبابيج بالباء لأن أصله دباج بتشديد الباء اهـ. قوله (ولا تأكلوا في صحافها) جمع صحفة وهي دون القصعة، قال الجوهري: قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تليها تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المكيلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحفة تشبع الرجل اهـ نووي، قال العيني: وهذا الحديث يدل على تحريم استعمال الحرير والديباج، وعلى حرمة الشراب والأكل من إناء الذهب والفضة وذلك للنهي المذكور وهو نهي تحريم عند كثير من المتقدمين وهو قول الأئمة الأربعة، وقال الشافعي: إن النهي فيه نهي كراهة تنزيه في قوله القديم حكاه أبو علي

5261 - (2027) (94) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَو اشْتَرَيتَ هذِهِ فَلَبِسْتَهَا لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَللْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا يَلْبَسُ هذِهِ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ في الآخِرَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السنجي من رواية حرملة اهـ. قال القسطلاني: نهي النبي صلى الله عليه وسلم لبس الحرير نهي تحريم على الرجال، وعلة التحريم إما الفخر والخيلاء أو كونه ثوب رفاهية وزينة يليق بالنساء لا بالرجال أو التشبه بالمشركين أو السرف، وقد حكى القاضي عياض أن الإجماع قد انعقد بعد ابن الزبير وموافقيه على تحريم الحرير على الرجال اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث البراء بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5261 - (2027) (94) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن) أباه (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (رأى حلة سيراء) تباع (عند باب المسجد) النبوي (فقال) عمر (يا رسول الله لو اشتريت هذه) الحلة، لو هنا للتمني أو شرطية جوابها محذوف لكان أحسن وأليق بك (فلبستها لـ) ـــلخروج إلى (الناس يوم الجمعة، ولـ) قدوم (الوفد إذا قدموا عليك فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس) مثل (هذه) الحلة (من لا خلاق) ولا نصيب (له) من الحلل المعدة للمتقين (في) دار (الآخرة). قوله (حلة سيراء) الحلة بضم الحاء وتشديد اللام إزاء ورداء إذا كانا من جنس واحد، وحكى عياض أن أصل تسمية الثوبين حلة أنهما يكونان جديدين كما حل طيها، وقيل لا يكون الثوبان حلة حتى يلبس أحدهما فوق الآخر فإذا كان فوقه فقد حل عليه، والأول أشهر (والسيراء) بكسر السين وفتح الياء ممدودة الثوب المخطط بالحرير، وقال الأصمعي: السيراء ثياب فيها خطوط من حرير أو قز، وإنما قيل لها سيراء لتيسير المخطوط فيها، وقال الخليل: ثوب مضلع بالحرير، وقيل ثوب مختلف الألوان فيه خطوط ممتدة كأنها السيور، وقال ابن سيده: هو ضرب من البرود وقيل ثوب مسيّر فيه خطوط يعمل من القز، وقيل ثوب يجلب من اليمن كذا في فتح الباري [10/ 297]

ثمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنهَا حُلَلٌ. فَأعْطَى عُمَرَ مِنْهَا حُلَّة. فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَسَوْتَنِيهَا. وَقَدْ قُلْتَ في حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلفوا في حلة سيراء هل هو مركب وصفي أو إضافي فجزم القرطبي والخطابي بأنه مركب وصفي بتنوين حلة ونصب سيراء على أن تكون صفة للحلة كأنه قال حلة مسيرة كما قالوا جبة طيالسة أي غليظة، قال الخطابي: حلة سيراء كقولك ناقة عشراء، وبعضهم لا ينون الحلة ويضيفها إلى سيراء من إضافة الشيء إلى نفسه كقولهم ثوب خز وخاتم حديد، على أن سيبويه قال: لم يأت فعلاء صفة وإنما سيراء ينزل منزلة مسيرة اهـ من المفهم مع زيادة وتصرف، قوله (عند باب المسجد) سيأتي أنها كانت عند عطارد بن حاجب وكان يبيعها عند باب المسجد، وأخرج الطبراني عن حفصة بنت عمر "أن عطارد بن حاجب جاء بثوب من ديباج كساه إياه كسرى" حكاه الحافظ في الفتح [298/ 10]. قوله (فلو لبستها للناس يوم الجمعة) فيه دليل على أن لبس أحسن الثياب مطلوب يوم الجمعة، وأخرج مالك في الموطإ عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعة سوى ثوبي مهنته". قوله (وللوفود إذا قدموا) فيه دليل على جواز التجمل للوفود وللخروج في مجامع المسلمين التي يقصد بها إظهار جمال الإسلام والإغلاظ على العدو لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عمر إلا كون اللباس حريرًا فثبت تقريره على نفس التجمل، قوله (من لا خلاق له في الآخرة) الخلاق بفتح الخاء وتخفيف اللام النصيب أو الحظ أو القدر ويعني بذلك أنه لباس الكفار والمشركين في الدنيا وهم الذين لا حظ لهم في الآخرة، ويحتمل أن يراد بمن لا خلاق له كل من لبس الحرير في الدنيا قاله الطيبي، وهذا كما مر في حديث البراء "من شرب فيها في الدنيا لم يشرب في الآخرة". (ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) أي من جنس تلك الحلة (حلل) جمع حلة، وقد مر تفسيرها آنفًا أي حلل كثيرة من المغانم (فأعطى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمر) بن الخطاب (منها) أي من تلك الحلل التي جاءت (حلة) واحدة بعث بها إليه (فقال عمر: با رسول الله كسوتنيها) أي ألبستنيها (و) الحال أنك (قد قلت في حلة عطارد ما قلت) يعني قوله إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة (فقال رسول الله

- صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَمْ أكسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا" فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا، بِمَكَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم إني لم أكسكها) أي لم أعطكها (لتلبسها) بنفسك. قوله (في حلة عطارد) يعني الذي كان يبيع حلة سيراء عند باب المسجد النبوي وهو عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس يكنى أبا عكرشة كان من جملة وفد بني تميم في الجاهلية كذا في فتح الباري. وفيه جواز البيع والشراء قدام أبواب المساجد والمدارس والربط؛ أي لم أعطكها لتلبسها بنفسك بل لتلبسها حرمك ولتهديها لمن يجوز له لبسها (فكساها) أي فكسا (عمر) تلك الحلة وأعطاها (أخًا له مشركًا) كان (بمكة) قال الحافظ في الفتح [2/ 374] اسمه عثمان بن حكيم وكان أخا عمر من أمه ذكره النسائي، وقيل غير ذلك وقد اختلف في إسلامه، وفيه ما يدل على جواز صلة القريب المشرك وما يدل على أن عمر رضي الله عنه لم يكن من مذهبه أن الكفار يخاطبون بالفروع إذ لو كان كذلك ما كساه إياها وهي تحرم عليه اهـ من المفهم، وقال النووي: وفي هذا كله دليل على جواز صلة الأقارب الكفار والإحسان إليهم وجواز الهدية إلى الكفار، وفيه جواز إهداء ثياب الحرير إلى الرجال لأنها لا تتعين للبسهم وقد يتوهم متوهم أن فيه دليلًا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير وهذا وهم باطل لأن الحديث إنما فيه الهدية إلى كافر وليس فيه الإذن له في لبسها، ومذهب النووي أن الكفار مخاطبون بالفروع، أما على مذهب من يقول إنهم غير مخاطبون بالفروع فيجوز لبسه للكافر ولكن الظاهر أنه لا يجوز لمسلم أن يعينه في ذلك فيهديه للبسه فالظاهر أن عمر رضي الله عنه إنما أهدى إليه الحرير ليلبسه بعض نسائه والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في أبواب كثيرة منها في اللباس باب الحرير للنساء [5841] وفي الأدب باب صلة الأخ المشرك [5981]، وأبو داود في اللباس باب ما جاء في لبس الحرير [4040]، والترمذي [2810]، والنسائي في الزينة [5295]، وابن ماجه في اللباس [3636]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5262 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. ح وَحَدَّثَنِي سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. بِنَحْو حَدِيثِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5262 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) البصري (حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة ويحيى القطان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (ح وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي ثم الحدثاني (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) (كلاهما) أي كل من عبيد الله وموسى بن عقبة رويا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث مالك) غرضه بيان متابعتهما لمالك. "تتمة" واختلف العلماء في لبس الحرير فمن مانع ومن مجوز على الإطلاق، وجمهور العلماء على منعه للرجال وإباحته للنساء وهو الصحيح لهذا الحديث وما في معناه وهو كثير، وأما إباحته للنساء فيدل عليها قوله في هذا الحديث "إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرًا بين نسائك" ولما أخرجه النسائي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا في يمينه وذهبًا في شماله ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حلٌّ لأناثها" أخرجه النسائي، قال علي بن المديني: حديث حسن ورجاله معروفون. وهذا كله في الحرير الخالص المصمت، فأما الذي سداه حرير ولحمته غيره فكرهه مالك هاليه ذهب ابن عمر، وأجازه ابن عباس. وأما الخز فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: الحظر، والإباحة، والكراهة، وجل المذاهب على الكراهة، واختلف فيه ما هو فقيل ما سداه حرير، قال ابن حبيب: ليس بين الخز وبين ما سداه حرير ولحمته قطن أو غيره فرق إلا الاتباع فإنه حكي إباحة الخز عن خمسة وعشرين من الصحابة منهم عثمان بن عفان وسعيد بن زيد وعبد الله بن عباس وخمسة عشر تابعيًّا،

5263 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ. وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ. فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي رَأَيتُ عُطَارِدًا يُقِيمُ في السُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ. فَلَو اشْتَرَيتَهَا فَلَبِسْتَهَا لِوُفُودِ الْعَرَبِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيكَ، وَأَظُنُّهُ قَال: وَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ في الدُّنْيَا مَن لَا خَلاقَ لَهُ في ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان عبد الله بن عمر يكسو بنيه الخز، وقيل في الخز إنه يشبه الحرير وليس به ويكره لشبهه بالحرير وللسرت اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5263 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حدثنا جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) (حدثنا نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة جرير لمالك (قال) ابن عمر (رأى عمر عطاردًا) ابن حاجب بن زرارة أبا عكرشة (التميمي يقيم بالسوق) أي يعرض في السوق (حلة سيراء) للبيع ويسعرها (وكان) عطارد (رجلًا بغشى الملوك) أي يأتي الملوك ويدخل عليهم (ويصيب) أي ينال (منهم) الجوائز ويأخذها (فقال عمر يا رسول الله إني رأيت عطاردًا بقيم) أي يسعر (في السوق حلة سيراء) ويعرضها للبيع (فلو اشتريتها) أنت لنفسك (فلبستها لوفود العرب) أي عند حضور وفد العرب (إذا قدموا عليك) قال ابن عمر أو من دونه (وأظنه) أي وأظن عمر أنه (قال) مع هذه الكلمات لفظة (ولبستها يوم الجمعة) عند الصلاة بالناس، وفيه جواز التجمل للجمع والأعياد والمحافل وجميع مجامع الإسلام لأن فيه إظهار الإسلام وإعزازه وجماله وإغاظة الكفار وإذلالهم إلا أن تكون المجامع لحوادث مخوفة كالكسوت والزلازل والاستسقاء فليس موضع تجمل بل موضع تضرع وإظهار فاقة ومسكنة، وقال النووي: فيه لبس أنفس ثيابه يوم الجمعة والعيد وعند لقاء الوفود ونحوهم وعرض المفضول على الفاضل والتابع على المتبوع ما يحتاج إليه من مصالحه التي قد لا يذكرها اهـ (فقال له) أي لعمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق) ولا نصيب (له في) حرير

الآخِرَةِ" فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ آُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحُلَلِ سِيَرَاءَ. فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ. وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيدِ بِحُلَّةٍ. وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً. وَقَال: "شَقِّقْهَا خُمُرًا بَينَ نِسَائِكَ" قَال: فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ يَحْمِلُهَا. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، بَعَثْتَ إِليَّ بِهذِهِ. وَقَدْ قُلْتَ بِالأَمْسِ في حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ. فَقَال: "إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيكَ لِتَلْبَسَهَا. وَلكِنِّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيكَ لِتُصِيبَ بِهَا" وَأَمَّا أُسَامَةُ فَرَاح ـــــــــــــــــــــــــــــ (الآخرة) يعني من لا نصيب له في اعتقاد الآخرة هذا في حق الكفار ظاهر، وأما في حق المؤمن فلعدم جريانه على موجب اعتقاده ويجوز أن يراد به من لا نصيب له من لبس الحرير في الآخرة فيكون عدم نصيبه منه كناية عن عدم دخوله الجنة لقوله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} وهذا في حق الكافر ظاهر، وأما في حق المؤمن فمحمول على التغليظ والله أعلم اهـ مبارق. وقال الزرقاني: وهذا الحديث على سبيل التغليظ وإلا فالمؤمن العاصي لا بد من دخوله الجنة فله خلاق في الآخرة كما أن عمومه مخصوص بالرجال لقيام الأدلة على إباحة الحرير للنساء اهـ (فلما كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد ذلك) اليوم (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء فبعث التي عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة وقال) صلى الله عليه وسلم لعلي (شققها) أي شقق هذه الحلة وقطعها واجعلها (خمرًا) موزعة (بين نسائك) أي بين حرمك، والخمر بضمتين ويجوز إسكان الميم جمع خمار وهو ما يوضع على رأس المرأة، وفيه دليل على جواز لبس النساء الحرير وهو مجمع عليه اليوم، وقد قدمنا أنه كان فيه خلاف لبعض السلف وزال اهـ نووي (قال) ابن عمر (فجاء عمر بحلته يحملها فقال يا رسول الله) أ (بعثت) بتقدير همزة الاستفهام أي أبعثت (إلي بهذه) الحلة (وقد قلت بالأمس) وهو اسم لليوم الذي قبل يومك سواء كان بعيدًا أم قريبًا (في حلة عطارد ما قلت) من قوله إنما يلبس الحرير .. الخ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر (اني لم أبعث بها إليك لتلبسها) بنفسك (ولكني بعثت بها إليك لتصيب بها) أي لتحصل بأثمانها مالًا من المواشي أو العقار وتملكه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعمر مثل ما قال لعلي وأسامة لتشققها خمرًا بين نسائك ولو سمع ذلك عمر لما سمع منه منع النساء من الحرير اهـ مفهم (وأما أسامة فراح) أي فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم

في حُلَّتِهِ. فَنَظَرَ إِليهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرًا عَرَفَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَنْكَرَ مَا صَنَعَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَنْظُرُ إِليَّ! فَأَنْتَ بَعَثْتَ إِليَّ بِهَا. فَقَال: "إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيكَ لِتَلْبَسَهَا. وَلكِنِّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَينَ نِسَائِكَ". 5264 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ) قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَن ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَال: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّةَ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ بِالسُّوقِ. فَأخَذَهَا فَأتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقت الرواح وهو ما بعد الزوال أي جاء إليه وقت المساء مشتملًا (في حلة) لابسًا لها (فنظر إليه) أي إلى أسامة (رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرًا عرف) منه أسامة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكر) عليه وكره (ما صنع) أسامة من لبسه الحلة (فقال) أسامة (يا رسول الله ما تنظر إلي) ما نظرك إلي (فانت بعثت إلي بها فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لم أبعثـ) ــها (إليك لثلبسها ولكني بعثت بها إليك لتشققها) وتقطعها وتجعلها (خمرًا) موزعة (بين نسائك) أي حرمك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5264 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ لحرملة قالا أخبرنا ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (حدثني سالم بن عبد الله) بن عمر العدوي المدني (أن) أباه (عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال) ابن عمر (وجد عمر بن الخطاب حلة من إستبرق) وهو ما رق من ثياب الحرير (تباع بالسوق) قدام المسجد النبوي (فأخذها) أي فأخذ عمر بتلك الحلة من صاحبها (فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليريه حسنها (فقال) عمر (يا رسول الله ابتع هذه) الحلة واشتر بها من

فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَللْوَفْدِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا هذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ" قَال: فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللهُ. ثُمَّ ارْسَلَ إِلَيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِجُبِّةِ دِيبَاجٍ. فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ: "إِنَّمَا هذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ". أَوْ "إِنَّمَا يَلْبسُ هذِهِ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ". ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِليَّ بِهذِهِ؟ فَقَال لَه رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَبِيعُهَا وَتُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ". 5265 - (00) (00) وحدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحبها (فتجمل) أي تزين (بها) أي بهذه الحلة (للعيد) أي عند الخروج إلى مصلى العيد (وللوفد) أي وعند وفود وفد العرب وحضورهم عليك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمر (إنما) أمثال (هذه) الحلة من ثياب الحرير (لباس من لا خلاق له) في الآخرة (قال) ابن عمر (فلبث) أي مكث (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (ما شاء الله) تعالى من الزمن (ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج) أي بجبة من ديباج، والجبة قميص أي قباء طويل محشو يلبس للبرد (فأقبل) أي جاء (بها) أي بتلك الجبة (عمر) رضي الله عنه (حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي دخل بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له عمر (يا رسول الله) أ (قلت إنما هذه) الحلة (لباس من لا خلاق له) في الآخرة (أو) قال عمر والشك من الراوي أقلت لي (إنما يلبس هذه من لا خلاق له) في الآخرة (ثم أرسلت إلي بهذه) الجبة (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم أرسلها إليك لتلبسها بل و (تبيعها وتصيب) أي تقضي (بها) أي بثمنها (حاجتك) من حوائج الدين والدنيا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5265 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير، نزيل بغداد (حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن ابن شهاب) غرضه بيان متابعة عمرو ليونس (بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن ابن عمر، وساق عمرو (مثله) أي مثل حديث يونس.

5266 - (00) (00) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ. أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْص، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ. فَقَال لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَو اشْتَرَيتَهُ. فَقَال: "إِنَّمَا يَلْبَس هذَا مَن لَا خَلاقَ لَهُ" فَأُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةٌ سِيَرَاءُ. فَأَرْسَلَ بِهَا إِليَّ. قَال: قُلْتُ: أَرْسَلْتَ بِهَا إِليَّ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ، قَال: "إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيكَ لِتَسْتَمْتِعَ بهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5266 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة أخبرني أبو بكر) عبد الله (بن حفص) بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني مشهور بكنيته، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن سالم) بن عبد الله (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي بكر لابن شهاب (أن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (رأى على رجل من آل عطارد) بن حاجب التميمي (قباء) وهو القميص المفتوح من قدام (من ديباج) أي من حرير غليظ (أو) قال الراوي أو من دونه من (حرير) والشك من الراوي، وقوله (على رجل من آل عطارد) يقال في هذا مثل ما قيل في قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} فإنه قيل فيه إن المراد بالآل داود نفسه فيكون ما هنا من هذا الباب اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم ص (359) في كتاب اللباس. (فقال) عمر (لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو اشتريته فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر (إنما يلبس هذا من لا خلاق له، فأهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء) قال عمر (فأرسل بها) أي بتلك الحلة (إلي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) عمر (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أرسلت بها) أي بهذه الحلة (إلي وقد سمعتك قلت فيها) أي في مثل هذه الحلة (ما قلت) يعني قوله إنما يلبس هذا من لا خلاق له ف (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت بها) أي بهذه الحلة (إليك لتستمتع) أي لتبيعها وتنتفع (بها) أي بثمنها وتقضي به حاجتك، وفيه جواز ملك الرجل المسلم للحرير وبيعه وشرائه والانتفاع به وإن كان لبسه حرامًا على الرجال اهـ ذهني.

5267 - (00) (00) وحدَّثني ابنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا، وَلَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيكَ لِتَلْبَسَهَا". 5268 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ قَال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَال: قَال لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ في الإِسْتَبْرَقِ. قَال: قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5267 - (00) (00) (وحدثني) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة حدثنا أبو بكر) عبد الله (بن حفص) بن عمر بن سعد (عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة روح ليحيى بن سعيد (أن عمر بن الخطاب رأى على رجل من آل عطارد) وساق روح (بمثل حديث يحيى بن سعيد غير أنه) أي لكن أن روحًا (قال) في روايته (إنما بعثت بها إليك لتنتفع بها) بدل قوله لتستمتع بها، وزاد عليه قوله: (ولم أبعث بها إليك لتلبسها). ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا فقال: 5268 - (00) (00) (حدثني محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري (قال) عبد الصمد (سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد (يحدث) حديث الباب (قال) أبي في تحديثه (حدثني يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (قال) يحيى (قال لي سالم بن عبد الله) بن عمر (في) سؤاله إياي عن معنى الإستبراق ما (الأستبرق) أي ما حقيقته وما معناه (قال) يحيى (قلت) لسالم في بيان معنى الإستبرق الإستبرق هو (ما غلظ من الديباج وخشن منه) قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم، وفي كتاب البخاري والنسائي (قال لي سالم ما الإستبرق) .. إلخ، وهذا معنى رواية سالم لكنها

فَقَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ. فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِم. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال: "إِنمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ مختصرة ومعناها قال لي سالم في الإستبرق ما هو فقلت هو ما غلظ .. الخ فرواية مسلم صحيحة لا قدح فيها، وقد أشار القاضي إلى تغليطها وأن الصواب رواية البخاري وليست بغلط كما أوضحناه اهـ نووي. قوله (ما غلظ) قال في القاموس: الغلظة بتثليث الغين والغلاظة ككتابة والغلظ ضد الرقة يقال غلظ الشيء غلظة وغلاظة وغلظًا ضد رق. قوله: (وخشن منه) قال في القاموس: يقال خشن الشيء خشانة وخشونة ضد لان اهـ. (فقال) سالم (سمعت عبد الله بن عمر يقول رأى عمر) بن الخطاب (على رجل) من المسلمين (حلة من إستبرق فأتى) عمر (بها) أي بتلك الحلة (النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي إسحاق لأبي بكر بن حفص وابن شهاب في الرواية عن سالم (فذكر) يحيى بن أبي إسحاق (نحو حديثهما) أي نحو حديث ابن شهاب وحديث أبي بكر بن حفص، وفي أكثر نسخ مسلم نحو حديثهم وهو تحريف من النساخ لأن الذي روى عن سالم فيما سبق اثنان فقط (غير أنه) أي لكن أن يحيى بن أبي إسحاق (قال) في روايته (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لعمر (إنما بعثت بها إليك لتصيب) أي لتكتسب (بها) أي بثمن تلك الحلة (مالًا) تموله. وحديث ابن عمر هذا في رواية سالم عنه معارضة بين رواياته بعضها قيدت بإستبرق وبعضها قيدت بديباج وهما ضدان فتساقطتا وبقيت الرواية المطلقة وهي رواية نافع فرجحت. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث البراء بن عازب ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد وذكر فيه ست متابعات، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه سبع متابعات. ***

668 - (12) باب ما يرخص فيه من الحرير وحجة من يحرم الحرير على النساء ومن لبس حريرا سهوا أو غلطا نزعه أول ما علم أو تذكر وحرمان من لبسه في الدنيا من لبسه في الآخرة والرخصة في لبس الحرير للعلة

668 - (12) باب ما يرخَّص فيه من الحرير وحجة من يحرم الحرير على النساء ومن لبس حريرًا سهوًا أو غلطًا نزعه أوَّل ما علم أو تذكَّر وحرمان من لبِسه في الدنيا من لُبْسهِ في الآخرة والرخصة في لُبْس الحرير للعلَّة 5269 - (2028) (94) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ خَال وَلَدِ عَطَاءٍ. قَال: أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. فَقَالتْ: بَلَغَنِي أَنَكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلاثَةَ: الْعَلَمَ في الثَّوْبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 668 - (12) باب ما يرخَّص فيه من الحرير وحجة من يحرم الحرير على النساء ومن لبس حريرًا سهوًا أو غلطًا نزعه أوَّل ما علم أو تذكَّر وحرمان من لبِسه في الدنيا من لُبْسهِ في الآخرة والرخصة في لُبْس الحرير للعلَّة 5269 - (2028) (94) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا خالد بن عبد الله) الطحان المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الله) بن كيسان القرشي التيمي مولاهم (مولى أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنها (وكان) عبد الله هذا (خال ولد عطاء) بن أبي رباح وصهر عطاء أبي عمر المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) الحج واللباس (قال) عبد الله مولى أسماء (أرسلتني) مولاتي (أسماء) بنت أبي بكر (إلى عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (فقالت) لي أسماء قل لابن عمر (بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة) لم يحرمها غيرك. وقوله (العلم) بالنصب بدل من أشياء أو من ثلاثة بدل تفصيل من مجمل أي تحرم العلم من الحرير (في الثوب) وهو رقعة من الحرير يخالف لونها لون الثياب يخاط على مواضع الظهور من البدن كالكتف والعضد والرأس كشرطة العسكر وبعض عمال أهل الشركة وإنما منع عبد الله بن عمر العلم من الحرير في الثوب تمسكًا بعموم النهي عن لبس الحرير وكأنه لم يبلغه حديث عمر رضي الله عنه الذي رواه عنه سويد بن غفلة الآتي في آخر الباب، والصواب إعمال ذلك المخصص في النهي العام ولأجل هذا

وَمِيثَرَةَ الأُرْجُوَانِ، وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلَّهِ. فَقَال لِي عَبْدُ اللهِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَيفَ بِمَنْ يَصومُ الأَبَدَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْعَلَمِ في الثَّوْبِ، فَإِني سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لا إِنمَا يَلبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلاقَ لَهُ" فَخِفْتُ أن يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ. وَأَمَّا مِيثَرَةُ الأُرجُوَانِ، فَهذِهِ مِيثَرةُ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المخصص، قال ابن حبيب: إنه يرخص في لبس العلم والصلاة فيه وإن عظم (قلت) ويعني بقوله وإن عظم إذا بلغ أربع أصابع الذي هو غاية الرخصة المذكورة اهـ من المفهم (و) تحرم (ميثرة الأرجوان) والميثرة كما مر بسط الكلام فيه مركب من مراكب العجم يعمل من حرير يتخذ كالفراش الصغير ويحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته على الرحال فوق الجمال، والأرجوان بفتح الهمزة وضم الجيم صبغ أحمر؛ والمعنى والميثرة المصبوغة بصبغ أحمر (و) تحرم (صوم) شهر (رجب كله) قال عبد الله بن كيسان رسول أسماء إلى عبد الله بن عمر (فقال لي عبد الله) بن عمر في جواب سؤالي (أما ما ذكرت من) تحريمي صوم شهر (رجب) فكلام مكذوب علي لأني إذا حرمته (فكيف) تحريمي (بـ) صوم (من يصوم الأبد) أي فتحريمي بصوم الأبد من باب أولى مع أنه جائز بالنص الصريح، قال القرطبي: معنى هذا الكلام أنه إذا كان صوم الأبد جائزًا فكيف لا يكون صوم رجب كله جائزًا فتحريم صوم رجب كله مكذوب علي أنا ما قلته وهذا تكذيب لمن نقل عنه ذلك وإبطال لقول من يقول ذلك، وهذا منه رضي الله عنه إنكار بما بلغ إلى أسماء من تحريمه وإخبار منه أنه يصومه كله والله أعلم. وقد تقدم في كتاب الصيام الاختلاف في صوم الأبد اهـ من المفهم (وأما ما ذكرت من) تحريم (العلم) من الحرير (في الثوب فـ) حجتي في ذلك (إني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما يلبس الحرير من لا خلاق له) في الآخرة (فخفت أن يكون العلم منه) أي أن يكون حكمه حكم الحرير، يستفاد منه أنه لم يحرم العلم ولكن خاف أن يدخل في عموم النهي عن الحرير وتركه تورعًا لا تحريمًا والله أعلم (وأما ميثرة الأرجوان فـ) لست أحرمها فتحريمها مكذوب علي لأن (هذه) الميثرة التي تراها (ميثرة عبد الله) بن عمر، فيه التفات يركب عليها فكيف يحرمها مع استعماله إياها، وهذا منه أيضًا إنكار ما بلغها من التحريم وقال مؤيدًا بعدم تحريمه فهذه ميثرة عبد الله يريد نفسه والله أعلم، قال عبد الله بن كيسان مولى أسماء:

فَإِذَا هِيَ أُرْجُوَانٌ. فَرَجَعْتُ إِلَى أَسْمَاءَ فَخَبَّرْتُهَا فَقَالتْ: هذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَأخْرَجَتْ إِليَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كَسْرَوَانِيَّةَ. لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ. وَفَرْجَيهَا مَكْفُوفَينِ بِالدِّيبَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فنظرت إلى تلك الميثرة الحاضرة (فإذا هي) أي تلك الميثرة (أرجوان) أي ميثرة أرجوان أي سجادة صغيرة من حرير محشوة بقطن مصبوغة بصبغ أحمر، قال القرطبي: معناه إنه كان يستعمل ميثرة الأرجوان فكيف يحرمها وهذا يبطل قول من فسر الميثرة المنهي عنها بأنها من أرجوان اهـ من المفهم. وقيل المعنى إنها حمراء وليست من حرير بل من صوف أو غيره، وقد سبق أنها تكون من حرير وقد تكون من صوف .. الخ اهـ نووي. قال عبد الله بن كيسان (فرجعت) من عند ابن عمر (إلى) مولاتي (أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (فخبرتها) بتشديد الباء من التخبير أي أخبرتها بما قال ابن عمر (فقالت) أسماء منكرة على ابن عمر تحريم العلم في الثوب ومحتجة على جوازه (هذه) الجبة المحفوظة عندي (جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجت إلي) من خزانتها (جبة طيالسة) أي غليظة كأنها من طيلسان وهو الكساء الغليظ اهـ مفهم. بنصب طيالسة على أنها صفة لجبة بمعنى غليظة، وبجرها على إضافة جبة إليها كثوب خز وهي بكسر اللام جمع طيلسان بفتحها على المشهور، قال جماهير أهل اللغة: لا يجوز فيه غير فتح اللام وعدوا كسرها من تصحيف العوام (كسروانية) بكسر الكاف وفتحها وسكون السين وفتح الراء نسبة إلى كسرى ملك الفرس صاحب العراق بزيادة الألف والنون وهي منصوبة على أنها صفة ثانية لجبة، وقيل مجرورة على أنها صفة لطيالسة على رواية الإضافة فيها كذا في المرقاة، وروي (خسروانية) بالخاء المنقوطة من فوق وهي رواية ابن ماهان، والمعنى واحد (لها) أي لتلك الجبة (لبنة) بكسر اللام وسكون الموحدة فنون رقعة توضع في جيب القميص والجبة على ما في النهاية (ديباج) بالجر بإضافة لبنة إليه أي لها لبنة من ديباج أي من حرير، ووقع في بعض الروايات (وفرجيها) مكفوفين؛ منصوبين على إضمار فعل أي ورأيت فرجي تلك الجبة وشقيها اللذين من قدام ووراء مكفوفين أي مخيطين بكفة حرير، وعند الخشني وغيره مرفوعين على الابتداء والخبر والواو حالية اهـ من المفهم بزيادة. قوله وفرجيها بضم الفاء وفي كثير من النسخ بفتحها أي شقيها شق من خلف وشق من قدام (مكفوفين) أي مخيطين (بالديباج) أي مكفوفين

فَقَالتْ: هذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ. فَلَمَّا قُبِضَتْ قبَضْتُهَا. وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَلبَسُهَا. فَنَحنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بكفة من حرير أي مخيطين بخرقة من حرير كذا في المرقاة، وفي النووي: ومعنى المكفوف أنه جعل لها كفة بضم الكاف وتشديد الفاء وهو ما يكف به جوانبها ويعطف عليها وبكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمين اهـ. وإنما أخرجت أسماء جبة النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكفوفة بالحرير لترى أن الثوب والجبة والعمامة ونحوها إذا كان مكفوف الطرف بالحرير جاز ما لم يزد على أربع أصابع فإن زاد فهو حرام لما سيأتي من حديث عمر رضي الله عنه (فقالت) معطوف على أخرجت أي أخرجت فقالت (هذه) الجبة التي أخرجتها إليك (كانت عند) أختي (عائشة) رضي الله تعالى عنها مدة حياتها (حتى قبضت) وماتت عائشة (فلما قبضت) وماتت عائشة (قبضتها) أي أخذتها وحفظتها عندي (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها) في حال حياته (فنحن نغسلها) الآن (للمرضى) حالة كونها (يستشفى بها) يطلب الشفاء من الأمراض بشرب غسالتها والتمسح بها ففيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: (قول أسماء هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) تحتج بذلك على جواز العلم من الحرير فإن الجبة كانت فيها لبنة من حرير وكانت مكفوفة بالحرير، ووجه الاحتجاج بذلك أنه إذا كان القليل من الحرير المصمت المخيط في الثوب جائزًا كان العلم بالجواز أولى ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك الحرير وضع في الجبة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان كذلك لما احتجت به أسماء ولكان الواضع معروفًا عندهم فإن الاعتناء بتلك الجبة كان شديدًا وتحفظهم بها كان عظيمًا لأنها من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم المتداولة عندهم للتذكر والتبرك والاستشفاء فيبعد ذلك الاحتمال بل يبطل بدليل قولها هذه كانت عند عائشة رضي الله تعالى عنها إلى آخر الكلام فتأمله فإنه يدل على ذلك دلالة واضحة اهـ من المفهم. وحديث أسماء هذا سنده من خماسياته لأن مولاها عبد الله بن كيسان رواه عنها، وغرضه بسوقه الاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. وشارك المؤلف في روايته أبو داود أخرجه في اللباس باب الرخصة في العلم في الثوب [4054]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فقال:

5270 - (2029) (95) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، أَبِي ذُبْيَانَ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: أَلا لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمُ الْحَرِيرَ. فَإِني سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَلبَسُوا الْحَرِيرَ. فَإنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ في الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5270 - (2029) (95) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد بن سعيد) بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن شعبة) ابن الحجاج (عن خليفة بن كعب) التميمي (أبي ذبيان) بكسر الذال وضمها البصري، روى عن عبد الله بن الزبير في اللباس، والأحنف بن قيس، ويروي عنه (خ م س) وشعبة وجعفر بن ميمون، وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (4) (قال) خليفة (سمعت عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي المكي ثم المدني أول مولود في الإسلام بعد الهجرة رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته؛ أي سمعته حالة كونه (يخطب) الناس ويعظهم حالة كونه (يقول) في خطبته (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول (لا تلبسوا) بضم أوله من الإلباس (نساءكم الحرير فإني سمعت عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تلبسوا) بفتح أوله من اللبس (الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) لأن من استعجل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. قوله: (لا تلبسوا نساءكم الحرير) الخ هذا مذهب ابن الزبير أن الحرير لا يجوز حتى للنساء روي ذلك عن علي وابن عمر وحذيفة وأبي موسى والحسن وابن سيرين أيضًا كما في فتح الباري [10/ 285] وأجمعوا بعد ابن الزبير على إباحته للنساء وحديث الباب يدل بظاهره أن ابن الزبير إنما استدل على مذهبه بحديث عمر فحمله على العموم ولم يكن عنده ما يحرم الحرير للنساء بصراحة وقد مر في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لعمر وأسامة وغيرهما أن يشققوا لباس الحرير خمرًا للنساء، وروي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا وذهبًا فقال: "هذا حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم" أخرجه أصحاب السنن وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم، وهذا حديث دل صراحة على جوازه للنساء فيحمل حديث عمر على اختصاصه بالرجال والله أعلم.

5271 - (530 2) (96) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. قَال: كَتَبَ إِلَينَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ: يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ، إِنَهُ لَيسَ مِنْ كَدِّكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب في لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه [5833]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في كراهية الحرير والديباج [2817]، والنسائي في الزينة باب التشديد في لبس الحرير [5304]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسماء بحديث عمر رضي الله عنهما فقال: 5271 - (2030) (96) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي أبو عبد الله الكوفي (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي (حدثنا عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل -بتثليث الميم ولام مشددة- ابن عمرو بن عدي الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة مخضرم، من (2) (قال) أبو عثمان (كتب إلينا عمر) ابن الخطاب في زمن خلافته (ونحن بأذربيجان) مع عتبة بن فرقد أمير الجيش وأذربيجان إقليم معروف وراء العراق، وفي ضبطه وجهان مشهوران أشهرهما وأفصحهما أذربيجان بفتح الهمزة بدون مد وسكون الذال وفتح الراء وكسر الباء، وثانيهما آذربيجان بفتح الباء وما قبلها. وهذا السند من خماسياته، قال النووي: وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخاري ومسلم وقال: هذا الحديث لم يسمعه أبو عثمان عن عمر بل أخبر به عن كتاب عمر، وهذا الاستدراك باطل فإن الصحيح الذي عليه جماهير المحدثين ومحققو الفقهاء والأصوليين جواز العمل بالكتاب وروايته عن الكاتب سواء قال في الكتاب: أذنت لك في رواية هذا عني أو أجزتك رواية عني أو لم يقل شيئًا اهـ. وقال عمر في كتابه ذلك (يا عتبة بن فرقد) وهو صحابي مشهور شهد خيبر وكان أميرًا لعمر رضي الله عنهما في فتوح بلاد الجزيرة وهو الذي افتتح الموصل مع عياض بن غنم رضي الله عنهما، وكان قد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على بطنه وظهره فعبق به الطيب من يومئذ ونزل عتبة بعد ذلك الكوفة ومات بها كذا في الإصابة [2/ 448] (إنه) أي إن هذا المال الذي جعلناه في يدك لتنفقه في أرزاق المسلمين (ليس) ذلك المال (من كدك) أي من كسبك الذي حصلته بالتعب والكد والمشقة، والكد التعب والمشقة

وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ. فَأَشْبعِ الْمُسْلِمِينَ في رِحَالِهِمْ، مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ في رَحْلِكَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لَبُوسِ الْحَرِيرِ. قَال إلا هكَذَا. وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيهِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ وَضَمَّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد هنا إن هذا المال الذي عندك ليس هو من كسبك ومما تعبت فيه ولحقتك الشدة والمشقة في تحصيله (ولا) هو (من كد أبيك ولا من كد أمك) فورثته عنهما بل هو مال المسلمين فشاركهم فيه ولا تختص عنهم بشيء منه (فأشبع المسلمين) منه أي أعطهم ما يشبعهم (في رحالهم) ومنازلهم (مما تشبع منه في رحلك) في الجنس والقدر والصفة ولا تؤخر أرزاقهم عنهم ولا تحوجهم يطلبونها منك بل أوصلها إليهم وهم في منازلهم بلا طلب منهم اهـ نووي. وكتب عمر رضي الله عنه إليهم (وإياكم والتنعم) أي باعدوا أنفسكم عن التنعم والتبسط والترفه في مآكلكم ومشاربكم (وزي أهل الشرك) أي وباعدوا أنفسكم عن زي وهيئة أهل الشرك في ملابسكم وزينتكم، وحاصل المعنى أن عمر أمر عتبة بن فرقد رضي الله عنهما أن يسوي بين نفسه وبين الناس فيما يأخذه من مال المسلمين ثم نهاه وحذره عن التنعم وهو الترفُّهُ والتوسع وعن زي أهل الشرك يعني بهم المجوس إذ لا يعني به مشركي العرب فإن زي العرب كله واحد مشركهم ومسلمهم، والزي ما يتزيَّى الإنسان به أي يتزين وذلك يرجع إلى الهيئات وكيفية اللباس كما قال: "خالفوا المشركين فإنهم لا يفرقون" وفي آخر "فإنهم لا يصبغون" متفق عليه، وفي آخر "خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأوفوا اللحى" متفق عليه، ومن هنا كره مالك رحمه الله تعالى ما خالف زي العرب جملة واحدة (و) باعدوا أنفسكم (لبوس الحرير) أي لباسه يقال لبس الثوب لباسًا ولبوسًا بمعنى واحد اهـ من المفهم. قال في القاموس: اللبوس بوزن صبور، واللباس بوزن كتاب الثوب الذي يلبس، يقال عليه لبوس فاخر أي لباس حسن فعلى هذا فالإضافة بيانية والله أعلم اهـ ذهني (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير) واستثنى في نهيه و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في استثنائه (إلا هكذا) أي إلا ما كان قدر هذا مشيرًا إلى المستثنى بإصبعيه (ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه) الشريفتين (الوسطى والسبابة) في بيان ما استثناه من الحرير المنهي عنه (و) الحال أنه قد (ضمهما) أي قد ضم إحداهما إلى الأخرى عند الإشارة بهما يعني

قَال زُهَيرٌ: قَال عَاصِمٌ: هذَا في الْكِتَابِ. قَال: وَرَفَعَ زُهَيرٌ إِصْبَعَيهِ. 5272 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمستثنى الأعلام وهذا موضع الترجمة من الحديث، قال أحمد بن عبد الله (قال زهير) ابن معاوية عندما حدث لنا هذا الحديث (قال) لنا (عاصم) الأحول بعدما حدث لنا هذا الحديث (هذا) المذكور من الاستثناء ورفع الإصبعين مكتوب (في الكتاب) الذي كتبه عمر إلى عتبة بن فرقد (قال) أحمد بن عبد الله شيخ المؤلف (ورفع زهير) بن معاوية (إصبعيه) عندما حدث لنا هذا الحديث ويكون من شبه المسلسل بالرفع والله أعلم. قوله: (ورفع لنا إصبعيه الوسطى والسبابة) ظاهره أنه لا يجوز من الحرير إلا موضع إصبعين ولكن سيأتي في خطبة عمر بالجابية رضي الله عنه "إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع" ووقع حديث الباب عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا إصبعين وثلاثة وأربعة" فظهر بهذا أن ما وقع في هذه الرواية من ذكر الإصبعين فقط إنما هو من أجل أن الأقل لا ينفي الأكثر، ولأن جواز قدر أربع أصابع ثبت بما ذكرنا فالجمهور على أن قدر أربع أصابع مستثنى من النهي والله أعلم. وقد جاء في هذا الحديث زيادة في مسند أبي عوانة الإسفرائيني وغيره بإسناد صحيح، وقال أبو عثمان: فيه (أتانا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد قال فيه: أما بعد فاتزروا وارتدوا وألقوا الخفاف والسراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم وزي الأعاجم، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب وتمعددوا واخشوشنوا واخلولقوا واقطعوا الركب وابرزوا وارموا الأغراض) نقله النووي في شرحه، وذكره الحافظ في الفتح [10/ 286]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب لبس الحرير للرجال [5830]، وأبو داود في اللباس باب ما جاء في لبس الحرير [4042]، والترمذي في اللباس باب ما جاء في الحرير والذهب [1721]، والنسائي في الزينة باب الرخصة في لبس الحرير [53121 و 5313]، وابن ماجه في اللباس باب الرخصة في العلم في الثوب [3638]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 5272 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير بن عبد الحميد) الضبي

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الْحَرِيرِ، بِمِثْلِهِ. 5273 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَهُوَ عُثْمَانُ) وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ (وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ). أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. قَال: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ. فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ إلا مَنْ لَيسَ لَهُ مِنْهُ شَيءٌ في الآخِرَةِ إلا هكَذَا". وَقَال أَبُو عُثْمَانَ بِإِصْبَعَيهِ اللَّتَينِ تَلِيَانِ الإِبْهَامَ. فَرُئِيتُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) أي كل من جرير بن عبد الحميد وحفص بن غياث رويا (عن عاصم) الأحول، غرضه بيان متابعتهما لزهير بن معاوية (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم في) لبس (الحرير) وساقا (بمثله) أي بمثل ما حدث زهير بن معاوية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 5273 - (00) (00) (وحدثنا ابن أبي شيبة وهو عثمان وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (كلاهما) أي كل من عثمان وإسحاق رويا (عن جرير) بن عبد الحميد (واللفظ) الآتي (لإسحاق) بن إبراهيم قال إسحاق (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (عن أبي عثمان) النهدي عن عمر بن الخطاب. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان التيمي لعاصم الأحول (قال) أبو عثمان (كنا مع عتبة بن فرقد) رضي الله عنه باذربيجان (فجاءنا كتاب عمر) بن الخطاب الخليفة في ذلك الوقت رضي الله عنه أي كتب إلينا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يلبس الحرير إلا من ليس له منه شيء في الآخرة إلا) من لبس (هكذا) أي قدر هذا فإنه حلال له ليس مؤاخذًا به، قال سليمان التيمي (وقال) أي أشار، وفيه إطلاق القول على الفعل وهو شائع وهذه الإشارة للتفهم بقدر المستثنى (أبو عثمان) النهدي (بإصبعيه اللتين تليان الأبهام) يعني السبابة والوسطى لبيان قدر المستثنى الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم، قال سليمان التيمي (فرئيتهما) بضم الراء وكسر الهمزة بالبناء

أَزْرَارَ الطَّيَالِسَةِ، حِينَ رَأَيتُ الطَّيَالِسَةَ. 5274 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثنَا أَبُو عُثْمَانَ. قَال: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 5275 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ قَال: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِأذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ للمجهول أي فأريت الإصبعين (أزرار الطيالسة) أي مثل أزرارها أي ألقي في رويتي وفكري كونهما مثل أزرار الطيالسة أي ألقي في فكري كون قدرهما قدر أزرار الطيالسة وبفتح الراء بالبناء للفاعل أي فرأيت كوني قدرهما قدر أزرار الطيالسة أي علمت ذلك وتيقنته (حين رأيت الطيالسة) والرؤية الأولى علمية والثانية بصرية والمراد أن هذا القدر المستثنى من حرمة الحرير رأيته في أزرار الطيالسة والأزرار جمع زر بكسر الزاي وتشديد الراء وهو ما يزرر به الثوب بعضه على بعض ومنه زررت على قميصي والمراد به هنا أطواق الثوب وأطراف الطيالسة وهي جمع طيلسان وهو الكساء أو الثوب الذي له علم وكأنها كانت لها أعلام من حرير اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 5274 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) (حدثنا المعتمر بن سليمان) التيمي البصري، ثقة، من (9) (عن أبي) سليمان بن طرخان التيمي (حدثنا أبو عثمان) غرضه بيان متابعة المعتمر لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو عثمان (كنا مع عتبة بن فرقد) وساق المعتمر (بمثل حديث جرير) ابن عبد الحميد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 5275 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أبا عثمان النهدي قال جاءنا كتاب عمر) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لعاصم الأحول وسليمان التيمي (ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد أو) قال أبو عثمان ونحن

بِالشَّامِ: أَمَّا بَعْدُ. فَإِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ إِلَّا هكَذَا. إِصْبَعَينِ. قَال أَبُو عُثْمَانَ: فَمَا عَتَّمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي الأَعْلامَ. 5276 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ). حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بالشام) شك قتادة فيما قاله أبو عثمان من أي اللفظين فإذا فيه أي في كتاب عمر (أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا) أي إلا قدر هذا يعني باسم الإشارة (إصبعين قال أبو عثمان فما عتمنا) أي فما توقفنا في معرفة (أنه) أي أن عمر (يعني) ويقصد بالاستثناء في قوله إلا هكذا (الأعلام) في الثوب جمع علم وقد مر بيانه، قوله (عتمنا) العتم بوزن الكتم التأخر والإبطاء يقال عتم قراه من الباب الثاني إذا أبطأ وهو ها هنا مضبوط بالتشديد من التعتيم فمعناه فما توقفنا وما أبطانا في معرفة مراد عمر رضي الله عنه بالاستثناء أنه أراد الأعلام اهـ ذهني، والمعنى ما أبطأنا في معرفة أن عمر إنما أراد بالاستثناء استثناء الأعلام في الثوب وأنه يجوز أن يكون الثوب معلمًا بالحرير بهذا القدر، ووقع في رواية آدم عند البخاري (فما علمنا إلا أنه يعني الأعلام) أي الذي حصل في علمنا أن المراد بالمستثنى الأعلام وهو أوضح وكذا رواه قاسم بن أصبغ وهو الذي أشار إليه القاضي عياض، وغلطه النووي ولكن جزم النووي بتغليطه فيه نظر لأنه ثابت في رواية البخاري، وأما حديث سويد بن غفلة الذي قال فيه "إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع" فذكر الدارقطني أنه لم يرفعه عن الشعبي إلا قتادة وهو مدلس وقط رواه جماعة من الأئمة الحفاظ موقوفًا على عمر قوله اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عمر رضي الله عنه فقال: 5276 - (00) (00) (وحدثنا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) (ومحمد بن المثنى قالا حدثنا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة) غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لشعبة بن الحجاج (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن عمر وساق هشام (مثله) أي مثل حديث

وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي عُثْمَانَ. 5277 - (2031) (97) حدَّثنا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سُوَيدِ بْنِ غَفَلَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَظَّابِ خَطَبَ بِالْجابِيَةِ فَقَال: نَهَى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ. إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَينِ، أَوْ ثَلاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ شعبة (و) لكن (لم يذكر) هشام في روايته (قول أبي عثمان) يعني قوله (وقال أبو عثمان فما عتمنا .. إلخ). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا، لحديث أسماء بحديث آخر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: 5277 - (2031) (97) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو سعيد (القواريري) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (وأبو فسان المسمعي وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى وابن بشار قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن عامر) بن شراحيل الحميري (الشعبي) الكوفي (عن سويد بن غفلة) بفتحات الجعفي أبي أمية الكوفي، ثقة مخضرم، من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم وكان مسلمًا في حياته صلى الله عليه وسلم، روى عنه في (4) أبواب (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته (خطب) الناس أي وعظهم وذكرهم (بالجابية) بكسر الموحدة وتخفيف الياء المثناة تحت قرية من أعمال دمشق ثم من عمل الجيدور من ناحية الخولان قرب صرح الصقر في شمال حوران، بها خطب عمر خطبته هذه وهي مشهورة، وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع كذا في معجم البلدان [5/ 91] (فقال) عمر في خطبته (نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين) أي قدرهما (أو) قدر (ثلاث) من الأصابع (أو) قدر (أربع) منها، وقال النووي: وفي هذا الحديث إباحة العلم من الحرير

5278 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5279 - (2032) (98) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَيحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ - وَاللَّفْظُ لابْنِ حَبِيبٍ - (قَال إِسْحَاقُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ في الثوب إذا لم يزد على أربع أصابع وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور اهـ، قال قاضيخان: روى بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه لا بأس بالعلم من الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع أو دونها ولم يحك فيها خلافًا اهـ مرقاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه موقوفًا على عمر في الزينة [5313]. وقد استدرك الدارقطني هذا الحديث على مسلم بأن الصواب أنه موقوف على عمر كما رواه الثقات ولم يرفعه إلا قتادة وهو مدلس، ولكن رد عليه النووي بأن الرفع زيادة وهي من الثقة مقبولة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمر هذا رضي الله عنه فقال: 5278 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله الرزي) بضم المهملة وكسر الزاي المشددة نسبة إلى الرز وهو الأرز، وربما يقال الأرزي أيضًا بفتح الهمزة وسكون المهملة قبل الزاي أبو جعفر البصري، نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف العجلي مولاهم أبو نصر البصري، نزيل بغداد، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن سويد عن عمر، غرضه بيان متابعة سعيد لهشام وساق سعيد بن أبي عروبة (مثله) أي مثل حديث هشام الدستوائي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5279 - (2032) (98) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ويحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (وحجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (واللفظ لابن حبيب قال إسحاق

أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَبِسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجِ أُهْدِيَ لَهُ. ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ. فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَال: "نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ" فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، كَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيتَنِيهِ، فَمَا لِي؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرنا وقال الآخرون حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا ابن جريج) الأموي عبد الملك بن عبد العزيز المكي، ثقة، من (6) قال (أخبرني أبو الزبير) الأسدي مولاهم المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته حالة كونه (يقول لبس النبي صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (قباء) وهو ثوب ضيق الكمين ضيق الوسط مشقوق من خلفه مفتوح من قدامه يتشمر فيه للحرب والأسفار وكذلك الفروج اهـ ط. وكان هذا اللبس منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم الحرير ثم لما لبسه أعلم بالتحريم فخلعه مسرعًا، وقد دل على هذا قوله: "نهاني عنه جبريل" اهـ من المفهم (من ديباج) وهو ما غلظ من الحرير (أهدي) ذلك الديباج (له) صلى الله عليه وسلم والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور صفة الديباج (ثم) بعد لبسه (أوشك) وأسرع إلى (أن نزعه) وخلعه من جسمه، قال في القاموس: الوشك بفتح الواو وسكون الشين والوشاكة السرعة يقال وشك الأمر وشكًا ووشاكة إذا أسرع، والإيشاك المشي بسرعة، ومنه أوشك الأمر أن يكون كذا فعلى هذا معنى أوشك أن نزعه أي أسرع إلى نزعه، قال الأبي: يرد هذا على الأصمعي في قوله إنه لا يأتي من يوشك ماض وإنما يأتي منه المستقبل، وذكر الخليل وغيره أنه يأتي منه الماضي اهـ (فأرسل به) أي بعث بذلك القباء (إلى عمر بن الخطاب فقيل له) صلى الله عليه وسلم (قد أوشك ما نزعته) أي قد أسرع نزعك وخلعك إياه من جسمك؛ والمعنى على الاستفهام بدليل الجواب كأنه قيل ما أوشك أن نزعته أي أي شيء أسرع نزعك إياه (يا رسول الله فقال نهاني عنه جبريل) - عليه السلام - (فجاءه) صلى الله عليه وسلم (عمر) بن الخطاب حالة كونه (يبكي) ويتأسف (فقال) عمر (يا رسول الله كرهت أمرًا) أي شيئًا من اللباس (وأعطيتنيه فمالي) أي فأي شيء ثبت لي ترسله إليّ فـ (قال)

"إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ. إِنَّمَا أَعطَيتُكَهُ تَبِيعُهُ" فَبَاعَهُ بِأَلْفَي دِرْهَمٍ. 5387 - (17) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيّ). حَدُّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحِ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيٍّ. قَال: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ سِيَرَاءَ. فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ. فَلَبِسْتُهَا. فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ في وَجْهِهِ. فَقَال: "إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيكَ لِتَلْبَسَهَا. إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيكَ لِتُشَقِّقَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر (إني لم أعطكه لتلبسه إنما أعطيتكه تبيعه) أي لتبيعه وتنتفع بثمنه، قال جابر (فباعه) عمر (بالفي درهم) ودلالة الحديث على مقتضى الترجمة واضحة وهذه الواقعة مخالفة لقصة ما مر في حلة سيراء لما بينهما من التباين الظاهر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 383]، والنسائي في الزينة باب نسخ لبس الديباج [5303]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال: 5280 - (2033) (99) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (حدثنا شعبة عن أبي عون) محمد بن عبيد الله بن سعيد الأعور الثقفي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (قال) أبو عون (سمعت أبا صالح) عبد الرحمن بن قيس الحنفي الكوفي، روى عن علي بن أبي طالب في اللباس وابن مسعود، ويروي عنه (م د س) وأبو عون الثقفي وبيان بن بشر وإسماعيل بن أبي خالد، قال ابن معين: ثقة، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة من خيار التابعين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، حالة كون أبي صالح (يحدث) ويروي (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) علي (أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء) بالاتصال والانفصال لكن المحققون ومتقنو العربية على الاتصال كما مر فيكون كثوب خز وباب ساج (فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بها) أي بحلة منها (إلي فلبستها) ورآني وأنا لابس لها (فعرفت الغضب) أي أثر الغضب والكراهية (في وجهه) الشريف (فقال) لي (إني لم أبعث بها إليك لتلبسها) بنفسك و (إنما بعثت بها إليك لتشققها) وتقطعها وتجعلها

خُمُرًا بَينَ النِّسَاءِ". 5281 - (00) (00) حدّثناه عُبيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. في حَدِيثِ مُعَاذِ: فَأَمَرَنِي فَأَطَرْتُهَا بَينَ نِسَائِي. وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: فَأَطَرْتُهَا بَينَ نِسَائِي. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَأَمَرَنِي. 5282 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (خمرًا) موزعة (بين النساء) من حرمك، والخمر جمع خمار وهي ما تستر بها المرأة رأسها كما مر. وفي الحديث دلالة واضحة على الترجمة لأنه لبسها جهلًا بحرمتها على الرجال أو سهوًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في اللباس باب الحرير للنساء [5840]، وفي الهبة والنفقات، وأبو داود في اللباس باب ما جاء في لبس الحرير [4043]، والنسائي في الزينة باب الرخصة للنساء في لبس السيراء [5298]، وابن ماجه في اللباس باب لبس الحرير والذهب للنساء [3641]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 5281 - (00) (00) (حدثناه عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر) غندرًا (قالا) أي قال معاذ ومحمد (حدثنا شعبة عن أبي عون) محمد بن عبيد الله الثقفي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن علي، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر لعبد الرحمن بن مهدي ولكن (في حديث معاذ) وروايته (فأمرني) بالقسم بين نسائي (فأطرتها) أي شققتها وقسمتها (بين نسائي) أي بين حرمي من قولهم طار لي في القسمة كذا أي صار لي فأطرتها بمعنى قسمتها اهـ من الأبي (وفي حديث محمد بن جعفر) وروايته (فأطرتها بين نسائي) أي قسمتها بينهن (ولم يذكر) محمد لفظة (فأمرني). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 5282 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وزهير بن حرب

وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ - (قَال أَبُو كُرَيبٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَن أُكَيدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبَ حَرِيرٍ. فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا. فَقَال: "شَقِّقْهُ خُمُرًا بَينَ الْفَوَاطِمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واللفظ لزهير قال أبو كريب أخبرنا وقال الآخران حدثنا وكيع عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي عون) محمد بن عبيد الله (الثقفي) الكوفي (عن أبي صالح الحنفي) عبد الرحمن بن قيس الكوفي (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مسعر لشعبة (أن أكيدر) بضم الهمزة وفتح الكاف تصغير أكدر وهو أكيدر بن عبد الملك كان رئيسًا لدومة الجندل فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد من تبوك فصالحه، ووقع في بعض الروايات أنه أسلم بعد ذلك، ولكن المحققون على أنه قتل نصرانيًّا في عهد أبي بكر بيد خالد بن الوليد رضي الله عنهما لنقضه عهده والله سبحانه وتعالى أعلم. (دومة) بضم الدال وفتحها هي مدينة لها حصن عادي في برية في أرض ذات نخل وزرع يسقون بالنواضح وحولها عيون قليلة وغالب زرعهم الشعير وهي عن المدينة على نحو ثلاث عشرة مرحلة، وعن دمشق على نحو عشر مراحل اهـ نووي (أهدى) أكيدر (إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحرير (عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين أعطاه (شققه) أي قطعه قطعًا قطعًا واجعله (خمرًا) موزعة (بين الفواطم) الثلاثة التي تحت رعايتك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي وفاطمة بنت حمزة الشهيد، وروى أبو عمر بن عبد البر وعبد الغني الحافظ هذا الحديث، وقالا فيه قال علي فشققت منها أربعة أخمرة وقسمتها بين الفواطم الأربع خمارًا لفاطمة بنت أسد أم علي وخمارًا لفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وخمارًا لفاطمة بنت حمزة رضي الله عنهم، قال يزيد بن أبي زياد: ونسيت الرابعة، قال بعض المتأخرين: الرابعة فاطمة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عقيل بن أبي طالب لاختصاصها بعلي بالصهر وقربها بالمناسبة، وقيل فاطمة بنت الوليد

وَقَال أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ: بَينَ النِّسْوَةِ. 5283 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيسَرَةَ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ. عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَال: كَسَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةَ سِيَرَاءَ. فَخَرَجْتُ فِيهَا. فَرَأَيتُ الْغَضَبَ في وَجْهِهِ. قَال: فَشَقَقْتُهَا بَينَ نِسَائِي. 5284 - (2034) (100) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو كَامِلٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ) قَالا: حَدَّثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الأَصَمِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عتبة، وقيل فاطمة بنت عتبة اهـ من المفهم (وقال أبو بكر وأبو كريب) في روايتهما فقال: شققه خمرًا (بين النسوة) اللاتي تحت رعايتك بدل قول غيرهما (بين الفواطم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 5283 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة) الهلالي الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زيد بن وهب لأبي صالح الحنفي (قال) علي أكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت) من البيت إلى المسجد مشتملًا (فيها فرأيت الغضب) أي أثره (في وجهه) الشريف وهو حمرة وجهه بعد بياضه فأمرني أن أشققها وأقسمها بين حرمي فـ (قال) علي (فشققتها) أي فشققت تلك الحلة وقسمتها (بين نسائي) أي بين حرمي يعني الفواطم الثلاث أو الأربع رضي الله تعالى عنهن. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5284 - (2034) (100) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (وأبو كامل) الجحدري سليمان بن داود البصري (واللفظ لأبي كامل قالا حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن عبد الرحمن بن الأصم) أو ابن عبد الله بن الأصم، ويقال ابن عمرو بن الأصم العبدي أو الثقفي أبي بكر

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عُمَرَ بِجُبَّةِ سُنْدُسِ. فَقَال عُمَرُ: بَعَثْتَ بِهَا إِلي وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَال: "إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيكَ لِتَلْبَسَهَا. وَإِمَّا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيكَ لِتَنْتَفِعَ بِثَمَنِها". 5285 - (2035) (101) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ في الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدائني مؤذن الحجاج الجائر، روى عن أنس بن مالك في اللباس وأبي هريرة، ويروي عنه (م س) وأبو عوانة وابن سيرين، وثقه ابن معين وقال: كان يرى القدر، وقال أبو حاتم: صدوق ما بحديثه بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عمر بجبة سندس) والجبة قباء طويل محشو يلبس للبرد والسندس ما رق من ثياب الحرير كما مر (فقال عمر) لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ (بعثت) بتقدير همزة الاستفهام أي هل بعثت (بها) أي بهذه الجبة (إلي) يا رسول الله (وقد قلت فيها) أي في ثياب الحرير (ما قلت) من قوله من لبسها في الدنيا لا خلاق له في الآخرة، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لم أبعث بها إليك لتلبسها) بنفسك (وإنما بعثت بها إليك لـ) تبيعها و (تنتفع بثمنها) وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول بحديث آخر له رضي الله عنهما فقال: 5285 - (2035) (101) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا إسماعيل وهو ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب) مصغرًا البناني مولاهم البصري الأعمى، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة).

5286 - (2036) (102) وحدَّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ. أَخْبَرَنَا شُعَيبُ بن إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنِ الأَوْزَاعيِّ. حَدَّثَنِي شَدَّادٌ، أَبُو عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ في الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ". 5287 - (2037) (103) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري في اللباس [5832]، وابن ماجه في اللباس [3633]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول بحديث أبي أمامة رضي الله عنهما فقال: 5286 - (2036) (102) (وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق الفراء الصغير (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي، مولاهم البصري، ثم (الدمشقي) ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة، من (7) (حدثني شداد) بن عبد الله القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية (أبو عمار) الدمشقي (حدثني أبو أمامة) بن سهل بن حنيف اسمه أسعد، وقيل سعد، وقيل اسمه قتيبة، معروف بكنيته الأنصاري المدني الصحابي المشهور له رؤية لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فحديثه هنا مرسل لأنه روى عن أنس. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنهما ولو قدم هذا الحديث على حديث أنس وذكره بعد حديث علي لكان أنسب وأوفق لاصطلاحاته لأنه شاهد ثان لحديث جابر وكان هذا التأخير من تحريف النساخ فقال: 5287 - (2037) (103) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي أبي رجاء

عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنًهُ قَال: أُهْدِيَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرُّوجُ حَرِيرٍ. فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ. ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا. كَالْكَارِهِ لَهُ. ثُمَّ قَال: "لَا يَنْبَغِي هذَا لِلْمُتَّقِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري عالمها، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله الحميري اليزني الفقيه المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عقبة بن عامر) الجهني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن عقبة (قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير) بفتح الفاء وضمها وهو المعروف وتشديد الراء المضمومة لا غير، وقد تخفف الراء وهو القباء المفرج أي المفتوح من خلف، والذي أهدى له هو أكيدر دومة، وقيل ملك ذي يزن كما في المستدرك اهـ تنبيه المعلم بتصرف (فلبسه) أي فلبس ذلك الفروج النبي صلى الله عليه وسلم (ثم صلى فيه ثم انصرف) وفرغ من الصلاة (فنزعه) أي خلع ذلك الفروج (نزعًا شديدًا) أي بقوة ومبادرة إلى نزعه على خلاف عادته في الرفق والتأني وهذا مما يؤكد أن التحريم إنما وقع حينئذ (كالكاره له ثم قال لا ينبني هذا) أي لبسه (للمتقين) أي للممتثلين أوامر الله ونواهيه، وفي المفهم أي للمؤمنين فإنهم هم الذين خافوا الله تعالى واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له اهـ. قال ابن بطال: يمكن أن يكون نزعه لكونه حريرًا صرفًا، ويمكن أن يكون نزعه لأنه من جنس لباس الأعاجم، وقد ورد في حديث ابن عمر "من تشبه بقوم فهو منهم" قال الحافظ بعد نقل كلام ابن بطال: وهذا التردد مبني على تفسير المراد بالمتقين فإن كان المراد به مطلق المؤمن حمل على الأول، وإن كان المراد به قدرًا زائدًا على ذلك حمل على الثاني والله أعلم اهـ. وظاهر هذا الحديث أن لبسه صلى الله عليه وسلم هذا الثوب وصلاته فيه كان قبل تحريم لبس الحرير ويدل على ذلك حديث جابر الذي مر قريبًا: لبس النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قباء من ديباج أهدي له ثم أوشك أن نزعه فأرسل به إلى عمر بن الخطاب فقيل له قد أوشك ما نزعته يا رسول الله فقال: "نهاني عنه جبريل". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الصلاة [375] وفي اللباس [5801]، والنسائي [72/ 2]، وأحمد [4/ 143]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة رضي الله عنه فقال:

5288 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ (يَعْنِي أَبَا عَاصمٍ). حَدَّثنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيب، بِهذَا الإِسْنَادِ. 5289 - (2038) (104) حدَّثنا أَبُو كُرَيب، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنْبَأَهُمْ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيرِ بْنِ الْعَوَّامِ في الْقُمُصِ الْحَرِيرِ. في السَّفَرِ. مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا. أَوْ وَجَع كَانَ بِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5288 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا الضحاك) بن مخلد الشيباني (يعني أبا عاصم) النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9) (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري المدني، صدوق، من (6) (حدثني يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد) يعني عن أبي الخير عن عقبة بن عامر، غرضه بيان متابعة عبد الحميد لليث بن سعد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5289 - (2038) (104) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (حدثنا قتادة) بن دعامة الأعمى السدوسي البصري، ثقة، من (4) (أن أنس بن مالك) رضي الله عنه (أنباهم) أي أخبر لقتادة ومن معه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص) أي جوز (لعبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (والزبير بن العوام) الأسدي المدني (في قمص) بضمتين جمع قميص وهو ثوب له جيب وطوق يستر معظم البدن أي في لبس قمص (الحرير في السفر) وكذا في الحضر لأن السفر ليس بقيد لأنه واقعة عين فلا يفيد التخصص (من حكة) وهي الجرب اليابس أي لأجل حكة (كانت بهما أو) قال أنس لأجل (وجع كان بهما) والشك من الراوي أو ممن دونه. قال القرطبي: ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن والزبير في لباس الحرير للحكة أو للقمل يدل على جواز ذلك للضرورة وبه قال جماعة من أهل العلم وبعض أصحاب مالك، وأما مالك فمنعه في الوجهين والحديث واضح الحجة عليه إلا أن يدَّعى الخصوصية بهما ولا يصح أو لعل الحديث لم يبلغه اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (في القمص الحرير) كذا في جميع النسخ التي بأيدينا بإدخال اللام على الكلمتين وبالجر فيهما ويمكن توجيه الجر في الثاني بأنه بالإضافة على كون اللام زائدة والأول للمشاكلة فلا تمنع الإضافة أو على كونه بدلًا أو عطف بيان من الأول، وذكره النووي في شرحه (في قمص الحرير) على طريق الإضافة وهو واضح لا إشكال فيه، وقوله (في السفر) قيد لا مفهوم له لأن الترخيص سائر مع وجود العلة لا مع وجود السفر أو يقال خرج مخرج الغالب. قوله (من حكة كانت بهما) وسيأتي في رواية همام شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل فبين الروايتين معارضة قلنا لا معارضة لأنه يمكن أن تكون الحكة بسبب القمل فذكر هنا المسبب وهناك السبب، والحكة هي الجرب اليابس وهي الحساسية في الجلد، واستدل الجمهور بحديث الباب على أن استعمال الحرير للرجال يجوز في الجرب ولمرض كالحكة وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: إنما الجائز في الجرب ما كان لحمته من حرير وسداه من غيره، وإنه يكره في غير الحرب والمرض، فأما الحرير الخالص فلا يباح للرجال إلا عند الاضطرار، وحمل أبو حنيفة حديث الباب على الاضطرار حيث لم يتيسر في السفر إلا الحرير الخالص أو على أنه صلى الله عليه وسلم إنما أباح لهما الملحم يعني ما كان لحمته من حرير وسداه من غيره، دون الحرير الخالص أو على أنه كان خصوصية لهما، ومما دل على الخصوصية ما أخرجه ابن عساكر عن ابن سيرين أن عمر رأى على خالد ابن الوليد قميص حرير فقال: ما هذا؟ فذكر له خالد قصة عبد الرحمن بن عوف فقال: وأنت مثل عبد الرحمن أو لك مثل ما لعبد الرحمن، ثم أمر من حضره فمزقوه ذكره الحافظ في الفتح [6/ 101] وقال: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا. وأخذ أبو حنيفة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها" وأما الجمهور وأبو يوسف ومحمد فأخذوا بإطلاق حديث الباب حيث لم يقيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرخصة بالاضطرار ولا بالملحم ولا بالخصوصية. وقال في إعلاء السنن [17/ 348] فقول أبي حنيفة في الباب أورع وأحوط، وقولهم أوسع وأقوى وأضبط والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في روايته البخاري في اللباس [5839]، وأبو داود في اللباس [4056]، والنسائي في الزينة [5310 و 5311]، وابن ماجه في اللباس [3637].

5290 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثنَا سَعِيدٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: في السَّفَرِ. 5291 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، أَوْ رُخِّصَ، لِلزبَيرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ في لُبْسِ الْحَرِيرِ. لِحِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا. 5292 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5290 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس، غرضه بيان متابعة محمد بن بشر لأبي أسامة (و) لكن (لم يذكر) محمد بن بشر لفظة (في السفر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5291 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لسعيد بن أبي عروبة (قال) أنس (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالبناء للفاعل (أو) قال أنس أو من دونه (رخص) بالبناء للمفعول، والشك من قتادة فيما قاله أنس أو من شعبة فيما قاله قتادة، والمعنى واحد أي رخص النبي صلى الله عليه وسلم (للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة) أي لأجل حكة (كانت بهما) رضي الله عنهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5292 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لوكيع، وساق محمد بن جعفر (مثله) أي مثل ما روى وكيع عن شعبة.

5293 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيرَ بْنَ الْعَوَّامِ شَكَوَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقَمْلَ. فَرَخَّصَ لَهُمَا في قُمُصِ الْحَرِيرِ. في غَزَاةٍ لَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 5293 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفار البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) (حدثنا قتادة أن أنسًا) رضي الله عنه (أخبره) أي أخبر لقتادة. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لشعبة وابن أبي عروبة (أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام) رضي الله عنهما (شكوا) أي شكا كل منهما (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأخبراه على سبيل الشكوى (القمل) أي كثرة القمل بهما وإذايته لهما، والقمل حيوان يتولد من عرق الإنسان ووسخه يكون على لون ما تولد فيه أنثاه أكبر من ذكره، قال في المرقاة (شكوا) بالواو أفصح من شكيا بالياء، قال في القاموس: شكيت لغة في شكوت والشكوى إخبار ما بك من الضرر للغير على سبيل الاستغاثة به، وقد تقدم الجمع بين رواية الحكة ورواية القمل آنفًا فجدد العهد به (فرخص) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لهما في) لبس (قمص الحرير في غزاة لهما) وهو بمعنى قوله "في السفر" في الرواية الأولى ولم أر من عين تلك الغزاة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أحد عشر حديثًا، الأول حديث أسماء ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث عبد الله بن الزبير ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد به لحديث أسماء المذكور أولًا وذكر فيه خمس متابعات، والرابع حديث عمر ابن الخطاب الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والسادس حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد لحديث جابر وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث أنس بن مالك الأول ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث جابر، والثامن حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به على الجزء الرابع من الترجمة، والتاسع حديث أبي أمامة ذكره للاستشهاد، والعاشر حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد به ثالثًا لحديث جابر راجع الشرح هنا وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر حديث أنس الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

669 - (13) باب النهي عن المعصفر، وفضل لبس ثياب الحبرة، وفضل التواضع في اللباس والفراش وغيرهما، والاقتصار على الغليظ منهما، وجواز اتخاذ الأنماط وكراهة ما زاد على الحاجة في الفراش واللباس

669 - (13) باب النهي عن المعصفر، وفضل لبس ثياب الحبرة، وفضل التواضع في اللباس والفراش وغيرهما، والاقتصار على الغليظ منهما، وجواز اتخاذ الأنماط وكراهة ما زاد على الحاجة في الفراش واللباس 5401 - (27) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ ابْنَ مَعْدَانَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ جُبَيرَ بْنَ نُفَيرٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 669 - (13) باب النهي عن المعصفر، وفضل لبس ثياب الحبرة، وفضل التواضع في اللباس والفراش وغيرهما، والاقتصار على الغليظ منهما، وجواز اتخاذ الأنماط وكراهة ما زاد على الحاجة في الفراش واللباس 5294 - (2039) (105) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن سنبر الدستوائي الربعي (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن محمد بن إبراهيم بن الحارث) بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (11) بابا (أن) خالد (بن معدان) بفتح الميم وسكون المهملة ابن أبي كريب الكلاعي بفتح أوله وثانيه نسبة إلى ذي الكلاع بطن من قبائل اليمن نزلت حمص بالشام، أبا عبد الله الحمصي، حكي أنه قال لقيت سبعين رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال سلمة بن شبيب: كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة فلما مات ووضع ليغسل جعل إصبعه كذا يحركها، وكان من خيار عباد الله، روى عن جبير بن مطعم في اللباس، ومعاوية وابن عمر وعبد الله بن عمرو وثوبان وعدة، ويروي عنه (ع) ومحمد بن إبراهيم التيمي وحسان بن عطية وصفوان بن عمرو، وكان من فقهاء التابعين وأعيانهم، قال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة عابد يرسل كثيرًا، من الثالثة، مات سنة (103) ثلاث ومائة (أخبره) أي أخبر لمحمد بن إبراهيم (أن جبير بن نفير) بالتصغير فيهما ابن مالك الحضرمي الحمصي، ثقة مخضرم، من (2) (أخبره) أي أخبر لخالد بن معدان (أن

عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ. قَال: رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيَّ ثَوْبَينِ مُعَصْفَرَينِ. فَقَال: "إِن هذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفارِ، فَلَا تَلبَسْهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل السهمي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنهما (أخبره) أي أخبر لجبير بن نفير. وهذا السند من ثمانياته (قال) عبد الله بن عمرو (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين) أي مصبوغين بزهر العصفر، والعصفر بضم العين والفاء بينهما مهملة ساكنة نبت كانوا يصبغون بزهره الثياب فيكون لونها أصفر وبزره يسمى القرطم بوزن زبرج بالأرميا (صوفي) ومن خواصه أنه يلين اللحم الغليظ إذا طرح فيه شيء منه عند الطبخ، والعصفر الذي يصبغ به منه ريفي ومنه بري وكلاهما ينبت بأرض العرب يقال عصفر ثوبه إذا صبغه به فتعصفر كذا في تاج العروس (فقال) لي (إن هذه) الثياب المعصفرة (من ثياب الكفار) أي من لباسهم (فلا تلبسها) حذرًا من التشبه بهم. وهذا يدل على أن علة النهي عن لباسها التشبه بالكفار، وقوله في الرواية الأخرى "أمك أمرتك بهذا؟ يشعر بأنه إنما كرهها لأنها من لباس النساء، وظاهرهما أنهما علتان في المنع، ويحتمل أن تكون العلة مجموعهما، قال النووي: اختلف العلماء في الثياب المعصفرة فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك لكنه قال: غيرها أفضل منها اهـ. وفي الجوهرة لا يجوز للرجال لبس المعصفر والمزعفر والمصبوغ بالورس أشار إلى ذلك في الكرخي في باب الكفن اهـ. والصحيح أن علة الكراهة في ذلك أنه صبغ النساء وطيب النساء وقد قال صلى الله عليه وسلم "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه" رواه الترمذي [2788]، والنسائي [151/ 8] اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في اللباس باب في الحمرة [4066] إلى [4068]، والنسائي في الزينة باب ذكر النهي عن لبس المعصفر [5316 و 5317]، وابن ماجه في اللباس باب كراهة المعصفر للرجال [3648]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:

5295 - (00) (00) وحدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ. كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ. 5296 - (00) (00) حدَّثنا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيمَانَ الأحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5295 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا هشام) الدستوائي (ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن علي بن المبارك) الهنائي -بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا- البصري، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من هشام وعلي بن المبارك رويا (عن يحيى بن أبي كثير) وهذان السندان من ثمانياته، غرضه بسوق السند الأول بيان متابعة يزيد بن هارون لمعاذ بن هشام، وبسوق السند الثاني بيان متابعة وكيع لمعاذ ولكنها متابعة ناقصة (بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن إبراهيم عن خالد بن معدان عن جبير عن عبد الله (و) لكنهما أي ولكن يزيد بن هارون ووكيع (قالا) في روايتهما (عن خالد بن معدان) بذكر اسم خالد بدل قول معاذ (إن ابن معدان). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 5296 - (00) (00) (حدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عمر بن أيوب) العبدي أبو حفص (الموصلي) روى عن إبراهيم بن نافع في اللباس، وجعفر بن برقان وابن أبي ليلى، ويروي عنه (م د س ق) وداود بن رشيد وأحمد وعلي بن حرب وابن معين، وثقه أحمد وابن معين وأبو داود، وقال أبو حاتم: صالح، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة (188) ثمان وثمانين ومائة، له في (م) فرد حديث (حدثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن سليمان) ابن أبي مسلم (الأحول) المكي خال عبد الله بن أبي نجيح، قيل اسم أبيه عبد الله، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن طاوس) بن كيسان الحميري مولاهم الفارسي

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. قَال: رَأَى النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَينِ مُعَصْفَرَينِ. فَقَال: "أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهذَا؟ " قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا. قَال: "بَلْ أَحْرِقْهُمَا". 5297 - (2040) (106) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل أبي عبد الرحمن اليماني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص السهمي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة طاوس لجبير بن نفير (قال) عبد الله بن عمرو (رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثويين معصفرين) فـ (قال) لي (أأمك) بهمزتين أولاهما همزة الاستفهام الإنكاري أي هل (أمرتك) أمك (بهذا) اللباس يعني أن هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن، قال عبد الله (قلت) يا رسول الله (أغسلهما) أي أغسل صبغهما عنهما فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغسلهما (بل أحرقهما) قيل الأمر بإحراقهما هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل كذا في النووي، وقال الأبي: قيل إنما أراد بالإحراق إعدامهما ببيع أو هبة، واستعار لذلك لفظ الإحراق مبالغة في الإنكار عليه، وقيل بل أراد حقيقة الإحراق ويدل على هذا أن عبد الله أحرقها ثم لما أتى قال: "ما فعلت يا عبد الله؟ " فأخبره فقال: "أفلا كسوتهما بعض أهلك فإنها لا بأس بها للنساء" وإنما أحرقها عبد الله لما رأى من شدة كراهيته لذلك ولم يعز الأبي هذه القصة إلى أحد من كتب الحديث والله أعلم. قال القرطبي: قوله (بل أحرقهما) مبالغة في الردع والزجر، ومن باب جواز العقوبة في الأموال، ولم أسمع أحدًا قال بذلك اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال: 5297 - (2040) (106) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن نافع) العدوي مولاهم مولى ابن عمر (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي مولاهم أبي إسحاق المدني، ثقة، من (3) (عن أبيه) عبد الله بن حنين مصغرًا الهاشمي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من التابعين نافع ومن بعده

أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ. وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ. وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ في الرُّكُوعِ. 5298 - (00) (00) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُنَينِ؛ أَن أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: نَهَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْقِرَاءَةِ وَأَنَا رَاكِعٌ، وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ وَالْمُعَصْفَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي) أي نهى عن لبى الثياب القسية بفتح القاف وتشديد السين المكسورة منسوبة إلى القس قرية من قرى مصر مما يلي الفرما؛ وهي ثياب مضلعة بالحرير وقد تقدم بسط الكلام فيها فراجعها (و) عن لبس الثوب (المعصفر) أي المصبوغ بالعصفر وهذا محل الاستدلال (وعن تختم الذهب) أي اتخاذ الخاتم من الذهب يعني لبسه للرجال دون النساء، وفي المناوي: نهى عن خاتم الذهب وعن خاتم الحديد لأنه حلية أهل النار، والنهي عن الذهب للتحريم وعن الحديد للتنزيه اهـ. وأما اتخاذه ولبسه من الفضة فيجوز، قال في الذخيرة: وينبغي أن يكون قدر فضة الخاتم مثقالًا ولا يزاد عليه اهـ (وعن قراءة القرآن في الركوع) لأنه ليس محل قراءة لعدم ورودها فيه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في اللباس [4044]، والترمذي في اللباس [1725]، وابن ماجه في اللباس [3647]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 5298 - ). (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين) الهاشمي المدني (أن أباه) عبد الله بن حنين المدني، ثقة، من (3) (حدثه) أي حدث لإبراهيم (أنه) أي أن عبد الله بن حنين (سمع علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لنافع (يقول نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القراءة وأنا راكع وعن لبس الذهب والمعصفر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال:

5299 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَينٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَال: نَهَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ. 5300 - (00) (00) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. قَال: قُلْنَا لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَيُّ اللِّبَاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-، أَوْ أَعْجَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَال: الْحِبَرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5299 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (حدثنا عبد الرزاق) ابن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس بن يزيد (قال) علي (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود) لعدم ورودها فيهما وذكرهما هنا لتمام الحديث (وعن لباس المعصفر). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 5300 - (2041) (107) (حدثنا هداب بن خالد) ويقال له هدبة بن خالد بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا همام) ابن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة) ابن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (قال) قتادة (قلنا لأنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو) قال قتادة قلنا لأنس أي اللباس (أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) والشك من همام (قال) أنس أعجب اللباس أي أكثره أعجوبة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحبرة) بكسر الحاء وفتح الباء، قال الجوهري: الحبرة بوزن عنبة برد يماني ذو ألوان من التحبير وهو التزيين والتحسين وذلك لأنه ليس فيها كبير الزينة أو لأنها أكثر احتمالًا للوسخ أو للينها وموافقتها لبدنه، وقال الهروي: موشية مخططة وقال الداودي: لونها

5300 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحِبَرَةُ. 5302 - (2042) (108) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا لسُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثنَا حُمَيدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخضر لأنها لباس أهل الجنة، وقال ابن بطال: هي من برود اليمن تصنع من قطن وكانت أشرف الثياب عندهم كذا في فتح الباري، وقال النووي: هي ثياب من كتان أو قطن محبرة أي مزينة، والتحبير التزيين والتحسين ويقال ثوب حبرة على الوصف وثوب حبرة على الإضافة وهو أكثر استعمالًا، والحبرة مفردة والجمع حبر وحبرات اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 124]، والبخاري [5813]، وأبو داود في اللباس [4060]، والترمذي في اللباس [1787]، والنسائي في الزينة [5315]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5301 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة عن أنس) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لهمام (قال) أنس كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة) بالنصب والرفع اهـ مرقاة، وفيه أيضًا قال ميرك وللرواية على ما صححه الجزري في تصحيح المصابيح رفع الحبرة على أنها اسم كان مؤخرًا وأحب خبرها مقدمًا ويجوز أن يكون بالعكس وهو الذي صححوه في أكثر نسخ الشمائل. قلت: وهو الظاهر المتبادر اهـ والأول أرجح لأن أحب وصف فهو أولى بكونه محكومًا به والله أعلم اهـ ذهني. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5302 - (2042) (108) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي، صدوق، من (9) (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) (حدثنا حميد) بن هلال بن هبيرة العدوي الهلالي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9)

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَينَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ. وَكِسَاء مِنَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُلَبَّدَةَ. قَال: فَأَقْسَمَتْ بِاللهِ؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُبِضَ في هذَينِ الثَّوْبَينِ. 5303 - (00) (00) حدّثني عَلِي بْنُ حُجْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) أبو بردة (دخلت على عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (فأخرجت) عائشة (إلينا إزارًا غليظًا) أي ثخينًا (مما) أي من القماش الذي (يصنع) وينسج (باليمن) والإزار ثوب يستر به أسافل البدن من غير خياطة، والرداء ما يستر به أعالي البدن وأول من لبسها إسماعيل - عليه السلام -، كما مر في خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (و) أخرجت أيضًا إلينا (كساء) أي لحافًا (من) الأكسية (التي يسمونها الملبدة) بضم الميم وتشديد الموحدة المفتوحة من التلبيد، قال القرطبي: والملبد هو الذي تركب خمله حتى صار كاللبد اهـ، قال النووي: قال العلماء الملبد بفتح الباء المشددة هو المرقع يقال لبدت القميص ألبده بالتخفيف فيهما، ولبدته ألبده بالتشديد كذلك، وقيل هو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبد اهـ. وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في غاية الزهادة ونهاية الإعراض عن الدنيا وأمتعتها والرضاء بأقل مما يكون من أمرها والله أعلم (قال) أبو بردة (فأقسمت) عائشة (بالله) الذي لا إله إلا هو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض) روحه وتوفي (في هذين الثوبين) تعني الإزار والكساء تعني توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لابس هذين الثوبين، والمراد التنبيه على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سذاجة العيش وبساطته وتواضعه في اللباس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب الأكسية والخمائص [58/ 8]، وأبو داود في اللباس [4036]، والترمذي في اللباس [1723]، وابن ماجه في اللباس [3596]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 5303 - (00) (00) (حدثني علي بن حجر) بتقديم الحاء المهملة، ابن إياس

السَّعْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَيعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال ابْن حُجْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قَال: أَخْرَجَتْ إِلَينَا عَائِشَةُ إِزَارًا وَكِسَاءَ مُلَبَّدًا. فَقَالتْ: في هذَا قُبِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. قَال ابْنُ حَاتِمٍ في حَدِيثِهِ: إِزَارًا غَلِيظًا. 5303 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: إِزَارًا غَلِيظًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (السعدي) المروزي، ثقة، من (9) (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (ويعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي الدورقي أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري، المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، أبي بشر البصري، ثقة، من (8) (قال ابن حجر حدثنا إسماعيل عن أيوب) السختياني العنزي البصري (عن حميد بن هلال) العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لسليمان بن المغيرة (قال) أبو بردة (أخرجت إلينا عائشة) رضي الله تعالى عنها من خزانتها (إزارًا وكساءً ملبدًا) أي ملزقًا مجمعًا من رقاع (فقالت) عائشة (في هذا) اللباس الذي أخرجته إليكم (قبض) أي توفي (رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن حاتم في حديثه: إزارًا غليظًا) أي ثخينًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5304 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) (بهذا الإسناد) يعني عن حميد بن هلال عن أبي بردة عن عائشة، غرضه بيان متابعة معمر لإسماعيل ابن علية، وساق معمر (مثله) أي مثل حديث ابن علية (و) لكن خالف معمر لإسماعيل ابن علية فـ (قال) أي معمر في روايته (إزارًا غليظًا) أي لم يقل إزارًا وكساء ملبدًا كما قاله ابن علية.

5305 - (3043) (109) وحدّثني سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أبِيهِ. ح وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ غَدَاةٍ، وَعَلَيهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 5 530 - (3043) (109) (وحدثني سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني مولاهم أبو سعيد الكوفي، ثقة متقن، من كبار (9) روى عنه في (12) بابا (عن أبيه) زكرياء بن أبي زائدة، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (خ وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي، ثقة، من (10) (حدثنا) يحيى بن زكرياء (بن أبي زائدة) الهمداني الكوفي (ح وحدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني المروزي الإمام في الحديث والفروع، ثقة إمام حجة، من (10) (حدثنا يحيى بن زكرياء) ابن أبي زائدة، قال يحيى في السندين الأخيرين جميعًا (أخبرني أبي) زكرياء بن أبي زائدة (عن مصعب بن شيبة) بن جبير بن شيبة بن عثمان بن طلحة الحجبي المكي، قال أحمد: روى أحاديث مناكير، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: لا يحمدونه وليس بالقوي، وقال في التقريب: لين الحديث، من (5) روى عنه في (3) أبواب، ولا يقدح في مسلم روايته عنه إنما روى عنه في الشواهد لا في الأصول (عن صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية لها رؤية، روى عنها في (5) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذه الأسانيد من سداسياته (قالت) عائشة (خرج النبي صلى الله عليه وسلم) من بيته إلى المسجد (ذات غداة) بكرة من البكور، والغداة أول النهار ولفظ ذات مقحم كقولهم ذات يوم أو ذات ليلة (وعليه) صلى الله عليه وسلم (مرط مرحل) منسوج (من شعر أسود) أما (المرط) فبكسر الميم وإسكان الراء يجمع على مروط وهو كساء مربع يكون تارة من صوف وتارة من شعر أو كتان أو خز، قال الخطابي: هو كساء يؤتزر به وقال النضر: لا يكون المرط إلا درعًا ولا يلبسه إلا النساء ولا يكون إلا أخضر

5306 - (2044) (110) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ وسَادَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، الَّتِي يَتَّكِئُ عَلَيهَا، مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث يرد عليه، وأما قوله (مرحل) فهو بفتح الراء وفتح الحاء المهملة المشددة هذا هو الصواب الذي رواه الجمهور وضبطه المتقنون ومعناه عليه صورة رحال الإبل ولا بأس بهذه الصورة وإنما يحرم تصوير الحيوان اهـ نووي. وقال الخطابي: المرحل الذي فيه خطوط وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا رغبة له بفاخر الثياب في الدنيا ويكتفي بما يحصل المقصود والله أعلم. وحكى القاضي أن بعضهم رواه مرجل بالجيم وهو الذي عليه صورة الرجال، وقيل الذي عليه صورة المراجل وهو القدور ومنه قالوا مرط مراجل بالإضافة والصواب الأول. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 162]، وأبو داود [4032]، والترمذي [2814]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 5306 - (2044) (110) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا، نسبة إلى كلاب إخوة رؤاس من قيس غيلان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (كان وسادة) وفي رواية وساد بالتذكير (رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يتكئ عليها) صفة كاشفة للوسادة لأن الوسادة ما يتوسد عليه أي يتكأ عليه ويجعل تحت الرأس اهـ مفهم (من أدم) أي من جلد مدبوغ (حشوها) أي حشو تلك الوسادة أي ما يحشى ويملأ فيها (ليف) أي ليف النخل وهو قشره وخيطه الذي ينشق عن أغصان النخل تعني كانت وسادته محشوة بالليف، وفي الحديث اتخاذ الوسائد والاتكاء عليها واتخاذ الفرش المحشوة للنوم عليها واستعمال الأدم وهي الجلود، وفيه إيذان بكمال زهده صلى الله عليه وسلم اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا [6456]، وأبو داود في

5307 - (00) (00) وحدّثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، الَّذِي يَنَامُ عَلَيهِ، أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ. 5308 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَقَالا: ضِجَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ اللباس في الفرش [4146 و 4147]، والترمذي في اللباس باب ما جاء في فراش النبي صلى الله عليه وسلم [1771]، وابن ماجه في الزهد باب ضجاع آل محمد صلى الله عليه وسلم [4203]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5307 - (00) (00) (وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) المروزي، ثقة، من (9) (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي قاضي الموصل، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لعبدة بن سليمان (قالت) عائشة (إنما) أداة حصر بمعنى ما النافية، وإلا المثبتة أي ما (كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه) إلا (أدمًا) أي جلدًا مدبوغًا، والأدم بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوغ (حشوه) أي محشو ذلك الفراش (ليف) أي قشور النخل، وقيل الليف شجر يشبه ثمره ثمر الخيار إذا يبس يخرج منه خيوط تجعل حشو مخدة أو غطاء إناء أي إبريق يصب منه ماء الشرب كإبريق اليمانيين الذين يبيعون ماء زمزم في الحرمين في العصر الأول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 5308 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (كلاهما) أي كل من ابن نمير وأبي معاوية رويا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعتهما لعلي بن مسهر (و) لكن (قالا) أي قال ابن نمير وأبو معاوية في روايتهما (ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل

في حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ: يَنَامُ عَلَيهِ. 5309 - (2045) (111) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌ والنَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو - (قَال عَمْرٌو وَقُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، لَمَّا تَزَوَّجْتُ "أتَخَذْتَ أَنمَاطًا؟ " قُلْتُ: وَأنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَال: "أَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قول ابن مسهر فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضًا (في حديث أبي معاوية) وروايته لفظة (ينام عليه) بدل قول ابن مسهر الذي ينام عليه يعني ذكر الصلة بلا ذكر الموصول، والضجاع بكسر الضاد ما يضجع ويرقد عليه وهو الفراش، وقول ابن عباس المتقدم في الصلاة فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها معناه أنهم وضعوا رؤوسهم على الوسادة على تلك الصفة وعبر عن ذلك بالاضطجاع اهـ مفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5309 - (2045) (111) (حدثنا قتيبة بن سعيد وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ لعمرو) الناقد (قال عمرو وقتيبة حدثنا وقال إسحاق أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير ابن عبد العزى القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجت أتخذت) بفتح همزة الاستفهام الاستخباري، وحذف همزة الوصل كما في قوله تعالى: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} والله أعلم، وفي رواية البخاري والترمذي (هل لكم من أنماط) أي هل اتخذت وهيأت لزواجك (أنماطًا) جمع نمط بفتح النون والميم وهو ظهارة الفراش يسمى الآن شرشفًا، وقيل ظهر الفراش، ويطلق أيضًا على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل سترًا كذا في شرح النووي، والظهارة ضد البطانة، قال جابر (قلت) له صلى الله عليه وسلم في جواب استفهامه (وأنى لنا أنماط) أي من أين يكون لنا أنماط، والاستفهام لاستبعاد حصول الأنماط لهم فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك

إِنَّهَا سَتَكُونُ". 5310 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: لَمَّا تَزَوَّجْتُ قَال لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتخَذْتَ أَنْمَاطًا؟ " قُلْتُ: وَأَنى لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَال: "أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ". قَال جَابِرْ: وَعِنْدَ امْرَأَتِي نَمَطٌ. فَأنَا أَقُولُ: نَحِّيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (إنها) أي إن الأنماط (ستكون) وتوجد لكم وتتمتعون بها حين فتحت عليكم الدنيا. وفي قوله (إنها ستكون) علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر عن غيب فوجد كما أخبر والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 294]، والبخاري في مواضع منها في النكاح في باب الأنماط ونحوها للنساء [5161]، وأبو داود في اللباس، باب في الفروش [4145]، والترمذي في الأدب، باب الرخصة في الأنماط [2774]، والنسائي في النكاح، باب الأنماط [3386]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5310 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن محمد بن المنكدر) التيمي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة (قال) جابر (لما تزوجت قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتخذت) أي هل اتخذت وجعلت لزواجك (أنماطًا) والأنماط جمع نمط، قال الخليل: هو ظهارة الفراش، وقال ابن دريد: هو ما يستر به الهودج وهو في حديث عائشة ثوب سترت بها سهوتها وهو القرام أيضًا كما جاء في حديث عائشة وقد يكون من حرير وغيره، وقد يسمى نمرقة في بعض طرق حديث عائشة، وقد عبر عنه بالستر في حديثها وهذا كله يدل على أنها أسماء لمسمى واحد وسيأتي حديث عائشة قريبًا إن شاء الله تعالى: قال جابر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (وأنى لنا أنماط قال أما إنها ستكون) وفيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم (قال جابر: وعند امرأتي نمط) قد تقدم ذكر اسمها (فأنا أقول) لها (نحيه) أي بعديه

عَنِّي. وَتَقُول: قَدْ قَال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنهَا سَتَكُونُ". 5311 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَّنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ: فَأَدَعُهَا. 5419 - (41) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عني) وأخرجيه من بيتي، إنما كره جابر اتخاذ الأنماط تنزهًا لكونها من زينة الدنيا (وتقول) هي (قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستكون) فهي حلال، وبهذا استدلت امرأة جابر على جواز اتخاذ الأنماط، واعترض عليه الحافظ في الفتح [6/ 630] بأن الإخبار بأن الشيء سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استدل المستدل به على التقرير فيقول أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقر اهـ. وعبارة القرطبي هنا (وقول جابر لامرأته نحي نمطك عني) فإنما كان ذلك كراهة له مخافة الترفة في الدنيا والميل إليها لا لأنه حرير لأنه ليس في الحديث ما يدل عليه واستدلالها عليه بقوله صلى الله عليه وسلم أما إنها ستكون هو استدلال بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على اتخاذ الأنماط لأنه لما أخبر بأنها ستكون ولم ينه عن اتخاذها دل ذلك على جواز الاتخاذ اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5311 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري (حدثنا سفيان) الثوري (بهذا الإسناد) يعني عن ابن المنكدر عن جابر، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن لوكيع (و) لكن (زاد) عبد الرحمن على وكيع لفظة (فأدعها) بتقدير همزة الاستفهام المحذوفة مع مدخولها أي ألا تنحيها فأدعها أي فأتركها على حالها فأنا لا أتركها حتى تزيلها وتنحيها عنا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 5312 - (2046) (112) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم الفهمي المصري (حدثني أبو هانئ)

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ يَقُولُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال لَهُ: "فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ. وَفِرَاشٌ لا مْرَأَتِهِ. وَالثَّالِثُ لِلضَّيفِ. وَالرَّابعُ لِلشيطَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الخولاني حميد بن هانئ المصري، لا بأس به، من (5) روى عنه في (4) أبواب (أنه سمع أبا عبد الرحمن) الحبلي المعافري عبد الله بن يزيد المصري (يقول) أي يحدث (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا جابرًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له "فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف والرابع للشيطان") قال القرطبي: وهذا دليل على جواز اتخاذ الإنسان من الفرش والآلة ما يحتاج إليه ويترفه به، وهذا الحديث إنما جاء مبينًا لعائشة ما يجوز للإنسان أن يتوسع فيه ويترفه من الفرش لأن الأفضل أن يكون له فراش يختص به ولامرأته فراش فقد كان صلى الله عليه وسلم لم يكن له إلا فراش واحد في بيت عائشة، وكان فراشًا ينامان عليه في الليل ويجلسان عليه في النهار، وأما فراش الضيف فيتعين للمضيف إعداده له لأنه من باب إكرامه والقيام بحقه ولأنه لا يتأتى له شرعًا الاضطجاع ولا النوم مع المضيف وأهله على فراش واحد. ومقصود هذا الحديث أن الرجل إذا أراد أن يتوسع في الفرش فغايته ثلاث والرابع لا يحتاج إليه فهو من باب السرف. وفقه هذا الحديث ترك الإكثار من الآلات والأمور المباحة والترفه بها وأن يقتصر على حاجته، ونسبة الرابع للشيطان ذم له لكن لا يدل على تحريم اتخاذه وإنما هذا من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يستحل الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه" ولا يدل ذلك على التحريم لذلك الطعام والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله (فراش للرجل) سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بصفة محذوفة دل عليها قوله والثالث للضيف والرابع للشيطان تقديرها فراش واحد كاف للرجل أفاده الطيبي. قوله (والرابع للشيطان) أي لأنه يرتضيه ويأمر به فكأنه له أو لأنه إذا لم يحتج إليه كان مبيته ومقيله وهو الأولى فإنه مع إمكان الحقيقة لا وجه للعدول إلى المجاز اهـ مرقاة، وقال النووي: وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في اللباس باب في الفراش [4142]، والنسائي في النكاح باب الفرش [3385]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية، الأول حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد، والسادس حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

670 - (14) باب إثم من جر ثوبه خيلاء وإثم من تبختر في مشيه، وتحريم خاتم الذهب على الرجال، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله واتخاذه لما أراد أن يكتب إلى العجم

670 - (14) باب إثم من جر ثوبه خيلاء وإثم من تبختر في مشيه، وتحريم خاتم الذهب على الرجال، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده خاتمًا من ورق نقشه محمد رسول الله واتخاذه لما أراد أن يكتب إلى العجم 5313 - (3047) (113) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِع وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيدِ بْنِ أَسْلَمَ. كُلُّهُمْ يُخْبِرهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 670 - (14) باب إثم من جر ثوبه خيلاء وإثم من تبختر في مشيه، وتحريم خاتم الذهب على الرجال، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده خاتمًا من ورق نقشه محمد رسول الله واتخاذه لما أراد أن يكتب إلى العجم 5313 - (3047) (113) حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع وعبد الله بن دينار) المدنيين كلاهما مَوْلَيَانِ لابن عمر (وزيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب المدني كلهم) أي كل من الثلاثة (يخبره) أي يخبر مالك بن أنس (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله) سبحانه وتعالى نظر رحمة (إلى من جر) وسحب (ثوبه) وقميصه وكذا الإزار والسراويل على الأرض (خيلاء) أي تكبرًا وإعظامًا لنفسه على غيره، قال النووي: ومعنى لا ينظر الله إليه أي لا ينظر إليه نظر رحمة بل ينظر إليه نظر غضب ومقت وسخط، قال العلماء: الخيلاء بالمد والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد وهو حرام يقال خال خالًا واختال اختيالًا إذا تكبر وهو رجل خال أي متكبر وصاحب خال أي صاحب كبر اهـ نووي. فعلى هذا المعنى فالحديث محمول على المستحل أو على الزجر، ويحتمل أن يراد به لا ينظر إليه نظر لطف وعناية والله أعلم. قال السنوسي: لا فرق في ذلك بين الثوب والإزار والقميص والعمامة وإنما خص الإزار في بعض الأحاديث لأنه أكثر ما كان الجر فيه في عهده صلى الله عليه وسلم والمنع إنما هو في حق الرجل خاصة اهـ منه. وقوله (خيلاء) بضم الخاء، وقيل بكسرها وفتح الياء وبالمد فيهما أي تكبرًا

5314 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ). كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثنَا هَارُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإعجابًا بنفسه، وقال الراغب: الخيلاء التكبر ينشأ عن فضيلة يتراآها الإنسان من نفسه والتخيل تصوير خيال الشيء في النفس كذا في فتح الباري [10/ 253]، وهذا الحكم عام للرداء والإزار والقميص والسراويل والعمامة ولا يجوز جر شيء منها، والجر في كل منها بحسبه كما هو مبين عندهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 69]، والبخاري أخرجه في أبواب كثيرة منها في اللباس [5791]، وأبو داود في اللباس [4085]، والنسائي في الزينة [5327 و 5328]، وابن ماجه في اللباس [3614]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5314 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة مأمون، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا) أي قال كل من ابن المثنى وابن سعيد (حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان) ثقة، من (9) (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة ويحيى القطان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) ابن علية (كلاهما) أي كل من حماد وإسماعيل رويا (عن أيوب) السختياني (ح حدثنا قتيبة) بن سعيد (و) محمد (ابن رمح عن الليث بن سعد) المصري (ح وحدثنا هارون) بن سعيد بن

الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ. كُلُّ هؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادُوا فِيهِ "يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 5315 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثِيَابَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ، لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الهيثم التميمي (الأيلي) أبو جعفر نزيل مصر (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثنا أسامة) بن زيد الليثي المدني (كل هولاء) أي كل من عبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وليث بن سعد وأسامة بن زيد رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد كلها من خماسياته إلا سند ليث بن سعد فإنه من رباعياته، وغرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك بن أنس وساقوا كلهم (بمثل حديث مالك) بن أنس لفظًا ومعنى (و) لكن (زادوا فيه) أي في ذلك المثل أي في آخره لفظة (يوم القيامة) يعني قالوا (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء يوم القيامة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5315 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمر بن محمد) ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثم العسقلاني، ثقة، من (6) (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني، ثقة، من (3) (و) عن (سالم بن عبد الله) بن عمر، ثقة، من (3) (و) عن (نافع) مولى ابن عمر كل من الثلاثة رووا (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن محمد لمالك في الرواية عن نافع وفي الرواية عن عبد الله بن عمر بالنسبة إلى روايته عن أبيه، وعن سالم ولكنها متابعة ناقصة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الذي يجر ثيابه) على الأرض (من) أجل (الخيلاء) والتكبر (لا ينظر الله إليه يوم القيامة) نظر رحمة بل ينظر إليه نظر غضب.

5316 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كِلاهُمَا عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَجَبَلَةَ بْنِ سُحَيمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. 5317 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا حَنْظَلَةُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (من الخيلاء) إشارة إلى علة التحريم فيستفاد منه أنه إن لم يكن الإسبال من الخيلاء لم يكن حرامًا لكنه مكروه لوجوه؛ منها السرف، ومنها عدم الأمن من التنجس والله أعلم. قال النووي: أجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن لهن ذراعًا والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5316 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (عن) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أبي إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة كلاهما) أي كل من الشيباني وشعبة بن الحجاج رويا (عن محارب بن دثار) السدوسي الكوفي، ثقة، من (4) (و) عن (جبلة بن سحيم) بمهملتين مصغرًا التيمي أبي سويرة الكوفي، ثقة، من (3) كلاهما رويا (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة محارب وجبلة لمن روى عن ابن عمر وساقا (بمثل حديثهم) أي بمثل حديث نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم ومحمد بن زيد وسالم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5317 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (قال) حنظلة

سَمِعْتُ سَالِمًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 5318 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: ثِيَابَهُ. 5319 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَنَّاقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت سالمًا) ابن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حنظلة لعمر بن محمد في روايته عن سالم (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5318 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا إسحاق بن سليمان) القيسي مولاهم أبو يحيى الكوفي الرازي، ثقة، من (9) (حدثنا حنظلة بن أبي سفيان قال) حنظلة (سمعت سالمًا قال: سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) الحديث المذكور. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن سليمان لعبد الله بن نمير ولكن في هذا السند علو، وساق إسحاق بن سليمان (مثله) أي مثل ما حدث عبد الله بن نمير عن حنظلة (غير أنه) أي لكن أن إسحاق بن سليمان (قال) في روايته من جر (ثيابه) بصيغة الجمع بدل قول ابن نمير من جر ثوبه بالإفراد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5319 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة قال سمعت مسلم بن يناق) بفتح الياء وتشديد النون آخره قاف الخزاعي، ويقال له مسلم بن يسار أبا الحسن المكي والد الحسن بن مسلم، روى عن ابن عمر في

يُحَدّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجُرُّ إِزَارَهُ. فَقَال: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ. فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيثٍ. فَعَرَفَهُ ابْنُ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِأُذُنَيَّ هَاتَينِ، يَقُولُ: "مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ، لَا يُرِيدُ بِذلِكَ إِلَّا الْمَخِيلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ اللباس وابن عباس وغيرهما، ويروي عنه (م س) وشعبة وعبد الملك بن أبي سليمان وأبو يونس القشيري وغيرهم، له عندهما فرد حديث، وثقه النسائي وأبو زرعة، وقال ابن معين: مشهور، وقال ابن سعد: قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (يحدّث عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مسلم بن يناق لمن روى عن ابن عمر (أنه) أي أن ابن عمر (رأى رجلًا يجر إزاره) لم أر أحدًا من الشراح عين اسم هذا الرجل، ووقع في مسند أبي عوانة [5/ 479] أنه من بني بكر، ولعل القصة تعددت ففي هذه أنه من بني ليث اهـ تنبيه المعلم (فقال) ابن عمر للرجل (ممن أنت) أيها الرجل أي من أي قبيلة أنت؟ (فانتسب له) أي فذكر الرجل نسبه لابن عمر (فإذا) هو (رجل من بني ليث) قبيلة مشهورة من العرب (فعرفه) أي فعرف (ابن عمر) ذلك الرجل أي عرف نسبه فـ (قال) له ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني) بتشديد الياء تثنية أذن (هاتين يقول من جر إزاره) على الأرض، قال المناوي: أي بسبب الخيلاء أي العجب والتكبر في غير حالة قتال الكفار اهـ وأما عنده فالتكبر جائز لأن هذا التكبر لكسر شوكتهم وإيقاع الخوف والرعب والمهابة عليهم، وكذا التكبر عند الصدقة مستثنى من هذا لأن التكبر عندها إظهار لعدم قدر ما بذله لأخيه عنده، وفي سنن أبي داود عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل عند القتال واختياله عند الصدقة" اهـ حالة كونه (لا يريد بذلك) الجر (إلا المخيلة) أي إلا الخيلاء والتكبر، والمخيلة بوزن عظيمة كما في فتح الباري [10/ 253] وقال ابن التين: بوزن مفعلة ولعلها بفتح العين (فإن الله) سبحانه (لا ينظر إليه يوم القيامة) نظر رحمة لأنه تعرض ونازع لما هو مخصوص بالله تعالى، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: الكبر ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار".

5320 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثنَا عَبْدُ الْمَلِكِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيمَانَ). ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ نَافِعٍ). كُلُّهُمْ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّ في حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ: عَنْ مُسْلِمٍ، أَبِي الْحَسَنِ. وَفِي رِوَايَتِهِمْ جَمِيعًا "مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ" وَلَمْ يَقُولُوا: ثَوْبَهُ. 5321 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5320 - (00) (00) (وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبد الملك يعني ابن أبي سليمان) ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا أبو يونس) حاتم بن أبي صغيرة مسلم القشيري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) اسم أبي خلف أيضًا محمد السلمي مولاهم نسبة إلى بني سليم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر -بفتح النون وسكون المهملة - القيسي العبدي أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (9) (حدثني إبراهيم يعني ابن نافع) المخزومي أبو إسحاق المكي، ثقة، من (7) (كلهم) أي كل من عبد الملك وأبي يونس وإبراهيم بن نافع رووا (عن مسلم بن يناق) الخزاعي المكي (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد الثلاثة من خماسياته، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لشعبة، وساقوا (بمثله) أي بمثل حديث شعبة (غبر أن) أي لكن أن (في حديث أبي يونس) وروايته (عن مسلم أبي الحسن) بزيادة أبي الحسن (وفي روايتهم جميعًا من جر إزاره) كما قاله شعبة (ولم يقولوا ثوبه) كما قاله غير شعبة ممن سبق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5321 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي،

وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَمَرْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ، مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عُمَرَ. قَال: وَأَنَا جَالِسٌ بَينَهُمَا: أَسَمِعْتَ، مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الَّذِي يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ، شَيئًا؟ قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (10) (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (و) محمد بن أحمد (ابن أبي خلف) محمد السلمي البغدادي (وألفاظهم متقاربة) لا متماثلة وهو بمعنى قوله نحوه (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا ابن جريج قال سمعت محمد بن عباد بن جعفر) بن رفاعة بن أمية المخزومي المكي، ثقة، من (3) (يقول أمرت مسلم بن يسار) المصري أبا عثمان الطنبذي -بكسر المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة - وفي القاموس: طنبذ كقنفذ بلدة بمصر منها مسلم بن يسار الطنبذي تابعي محدث اهـ، ويقال له الإفريقي (مولى نافع بن عبد الحارث) الأنصاري كان رضيع عبد الملك بن مروان، مات سنة (100) مائة، وكان يعد خامس خمسة من فقهاء أهل البصرة، أي أمرته (أن يسأل ابن عمر قال) محمد بن عباد (وأنا جالس بينهما) أي بين ابن عمر وبين مسلم بن يسار أي أمرته أن يسأل ابن عمر عن جر الإزار فسأله فقال له في سؤاله (أسمعت) أي هل سمعت يا ابن عمر (من النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يجر إزاره من الخيلاء) أي لأجل الخيلاء والتكبر (شيئًا) من الوعيد (قال) ابن عمر في جوابه نعم (سمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول لا ينظر الله إليه يوم القيامة) نظر رحمة. "فائدة" مسلم بن يسار هذا روى عن ابن عمر وأبي هريرة وسفيان بن وهب الخولاني، ويروي عنه (من د ت ق) وبكر بن عمرو وشراحيل بن يزيد وحميد بن هانئ وغيرهم، قال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: رجل صالح، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال ابن سعد: قالوا: كان ثقة فاضلًا عابدًا ورعًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من الرابعة كما تقدم في أوائل هذا الشرح في المقدمة. وهذا السند من

5322 - (2048) (114) حدّثني أَبو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ. فَقَال: "يَا عَبْدَ اللهِ، ارْفَعْ إِزَارَكَ" فَرَفَعْتُهُ. ثُمَّ قَال: "زِدْ" فَزِدْتُ. فمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: إِلَى أَينَ؟ فَقَال: أَنْصَافِ السَّاقَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن عباد لمن روى عن ابن عمر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5322 - (2048) (114) (حدثني أبو الطاهر حدثنا ابن وهب أخبرني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ثقة، من (6) (عن عبد الله بن واقد) بن عبد الله بن عمر العمري المدني، مقبول، من (4) (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاوزته وهو جالس (و) الحال أن (في إزاري استرخاء) أي نزول وطول (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عبد الله ارفع إزارك) أي شمرها إلى فوق (فرفعته) أي شمرته ورجعته إلى فوق (ثم) بعدما رفعته (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (زد) يا عبد الله في رفعه (فزدت) في رفعه وتشميره قال القرطبي: قوله ارفع إزارك يدل على أن هذا الاسترخاء منكر لا يقر عليه بل ينكر وإن أمكن أن يكون من فاعله غلطًا أو سهوًا. وقوله (زد) حمل له على الأحسن والأولى وهذا كما بينه في حديث آخر إذ قال "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعب وما أسفل من ذلك ففي النار" رواه أحمد [3/ 6]، وأبو داود [4093]، وابن ماجه [3472] قال ابن عمر (فما زلت أتحراها) أي أقصد الهيئة التي أمرني بها النبي صلى الله عليه وسلم (بعد) أي بعد ذلك اليوم وأتحفظ عليها وأعتني بها يعني بها أزرته إلى نصف ساقيه كما قال في بقية الحديث اهـ من المفهم. قال عبد الله بن واقد (فقال بعض القوم) الحاضرين عند ابن عمر لم أر من ذكر أسماءهم أي قالوا لابن عمر (إلى أين) رفعته أي إلى أي محل رفعته (فقال) ابن عمر في جواب سؤالهم رفعته إلى (أنصاف الساقين) جمع النصف مع كونه اثنين للرجلين فرارًا من كراهة إضافة تثنية إلى تثنية لما فيه من الثقل أو

5323 - (2049) (115) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ محَمَّدٍ (وَهوَ ابْن زِيَادٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ من كراهة جمع تثنيتين فيما هو كالكلمة. قال السنوسي: إنما قال في الحديث (أنصاف الساقين) بصيغة الجمع ليشعر بالتوسعة لا التضييق فجعل النصف الحقيقي وما يقرب منه كل واحد منهما نصفًا من كل واحد من الساقين فجمع بحسب ذلك ليؤذن بأن فضيلة المستحب تحصل بالنصف وما يقرب منه، ويحتمل أن يكون جمع باعتبار جعل كل جزء من أجزاء النصف الحقيقي نصفًا تسمية للجزء باسم الكل وتكون نكتة العدول عن الحقيقة التي هي التشبيه على هذا الوجه إلى الجمع الذي هو مجاز لتضمن المضاف إليه المضاف فكره الجمع بين التثنيتين فيما هو كالشيء الواحد والوجه الأظهر اهـ. قوله (وإزارة) في حديث "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه" قال بعضهم: هو بكسر الهمزة بمعنى الحالة والهيئة كالجلسة أي الحالة والهيئة التي يرتضي بها في الائتزار هي أن يكون على هذه الصفة يقال ائتزر إزرة حسنة، والضمير فيما بينه راجع إلى ذلك الحد الذي تنتهي إليه الإزرة وما في قوله "وما أسفل من ذلك فهو في النار" موصولة صلتها محذوفة وهي كان وأسفل منصوب على أنه خبر لكان، ويجوز أن يرفع أسفل أي الذي هو أسفل من الإزار من الكعبين اهـ منه. قال النووي: أما القدر المستحب فيما ينزل إليه طرف القميص والإزار فنصف الساقين كما في حديث ابن عمر المذكور، وفي حديث أبي سعيد "أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل من ذلك فهو في النار" فالمستحب نصف الساقين، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين فما نزل من الكعبين فهو ممنوع فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلا فمنع تنزيه. وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد بها ما كان للخيلاء لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر الأول ثانيًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 5323 - (2049) (115) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري (حدثنا أبي حدثنا شعبة عن محمد وهو ابن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة،

قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ، وَرَأَى رَجُلًا يَجُرُّ إِزَارَهُ، فَجَعَلَ يَضرِبُ الأَرْضَ بِرِجْلِهِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَحْرَينِ، وَهُوَ يَقُولُ: جَاءَ الأمَيرُ، جَاءَ الأمَيرُ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا". 5324 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا فحَمَّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحَدَّثنَاة ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا ابْن أَبِي عَدِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (3) (قال سمعت أبا هريرة) وهذا السند من خماسياته (و) الحال أن أبا هريرة قد (رأى رجلًا يجر إزاره) على الأرض (فجعل) أي فلما رأى الرجل أبا هريرة جعل (الرجل) أي شرع (يضرب الأرض برجله) كالعسكر الذي قابل الأمير (وهو) أي والحال أن أبا هريرة (أمير على البحرين) ولاه عمر عليها، والبحران اسم بلدة معروفة بين البصرة وعمان لفظه لفظ التثنية (وهو) أي والحال أن الرجل (يقول جاء الأمير جاء الأمير) يريد أبا هريرة فقال أبو هريرة حين رآه يجر إزاره (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرًا) أي كفرًا لنعمته وكبرًا، والبطر الأشر وهو عدم القيام بشكر النعمة وينجر معه الكبر، قال القسطلاني: وقوله (بطرًا) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين على وزن فرح منصوب على أنه مفعول لأجله أي لأجل البطر والتكبر وبكسر الطاء منصوب على الحالية اهـ. حالة كونه ذا بطر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في اللباس بدون ذكر قصة الرجل [5788]. قوله (وهو أمير على البحرين) استعمله عليها عمر رضي الله عنه وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين (أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف درهم فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال فمن أين لك؟ قال أبو هريرة: خيل نتجت، وأعطية تتابعت، وخراج رقيق لي. فنظر فوجدها كما قال، ثم دعا ليستعمله، فأبى، فقال: لقد طلب العمل من كان خيرًا منك، قال: إنه يوسف نبي الله ابن نبي الله، وأنا أبو هريرة ابن أميمة وأخشى ثلاثًا أن أقول بغير علم أر أقضي بغير حكم ويضرب ظهري ويشتم عرضي وينزع مالي) اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5324 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار) البصري (حدثنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري غندرًا (ح وحدثناه ابن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي)

كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: كَانَ مَرْوَانُ يَسْتَخْلِفُ أَبَا هُرَيرَةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى: كَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُسْتَخْلَفُ عَلَى الْمَدِينَةِ. 5325 - (2050) (116) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "بَينَمَا رَجُلٌ يَمْشِي، قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْض، ـــــــــــــــــــــــــــــ السلمي أبو عمرو البصري (كلاهما) أي كل من ابني جعفر وإبراهيم رويا (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة ابن جعفر وابن أبي عدي لمعاذ بن معاذ (و) لكن (في حديث ابن جعفر كان مروان) بن الحكم الأموي أمير المدينة (يستخلف أبا هريرة) على المدينة (وفي حديث ابن المثنى كان أبو هريرة يستخلف على المدينة) بالبناء للمفعول، وهذا بيان لمخالفة الرواة في موضع إمارة أبي هريرة، ورواية معاذ بن معاذ هي الراجحة لأن لها شاهدًا مما أخرجه عبد الرزاق عن ابن سيرين كما ذكرناه آنفًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5325 - (2050) (116) (حدثنا عبد الرحمن بن سلام) - بتشديد اللام - ابن عبيد الله بن سالم (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا الربيع يعني ابن مسلم) الجمحي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما) تقدم البحث عن بينما في أوائل الكتاب في مواضع كثيرة وهو نفس بين الذي وضع ظرفًا للزمان زيدت فيه ما أو الألف تلازم الإضافة إلى الجمل وتطلب جوابًا مقرونًا بإذا الفجائية (رجل) مبتدأ (يمشي) صفة له، وجملة (قد أعجبته جمته وبرداه) أي بردان له خبر لرجل، والجملة الاسمية مضاف إليه لبينما (إذ) فجائية رابطة لجواب بينما حرف لا محل لها من الإعراب، وجملة (خسف به الأرض) جواب بينما، وبينما متعلق به والمعنى بينما أوقات مشية رجل قد

فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ حَتى تَقُومَ السَّاعَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أعجبته نفسه وبرداه فاجأه انخساف الأرض به (فهو) أي فذلك الرجل الآن (يتجلجل) أي يغوص (في الأرض) مقدارًا من المسافة (حتى تقوم الساعة). قوله (بينما رجل) أي من الأمم السابقة كما سيأتي مصرحًا به في رواية أبي رافع في المتابعة الأخيرة من هذا الحديث، وذكر السهيلي في مبهمات القرآن أن اسمه (الهيزن) وأنه من أعراب فارس، وأخرجه الطبري في تاريخه وجزم الكلاباذي في معاني الأخبار بأنه قارون وكأن المستند في ذلك ما أخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث أبي هريرة وابن عباس بسند ضعيف جدًّا قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث الطويل وفيه "ومن لبس ثوبًا فاختال فيه خسف به من شفير جهنم فيتجلجل فيها لأن قارون لبس حلة فاختال فيها فخسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" كذا في فتح الباري [10/ 265]. قوله (أعجبته جمته وبرداه) وإعجاب الرجل بنفسه أو جمته أو ثوبه هو ملاحظته لها بعين الكمال واستحسانها مع نسيان منة الله تعالى فإن رفعها على الغير واحتقره فهو الكبر المذموم، و (الجمة) -بضم الجيم وبتشديد الميم- من شعر الرأس ما سقط على المنكبين أو إلى أكثر، وأما الذي لا يتجاوز الأذنين فهو الوفرة (وبرداه) والبردان الرداء والإزار وهذا على طريقة تثنية العمرين والقمرين اهـ من المفهم (فهو يتجلجل في الأرض) أي يخسف به مع تحرك واضطراب قاله الخليل وغيره، والتجلجل والجلجلة الحركة مع صوت، وقال ابن دريد: كل شيء خلطت بعضه ببعض جلجلته، وقال ابن فارس: التجلجل أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق فالمعنى فهو يتجلجل في الأرض أي ينزل فيها مضطربًا متدافعًا، قال الحافظ: ومقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسد هذا الرجل فيمكن أن يلغز به فيقال كافر لا يبلى جسده بعد الموت اهـ. قال القرطبي: ويفيد هذا الحديث ترك الأمن من تعجيل العقوبة والمؤاخذة على الذنوب وأن عجب المرء بنفسه وثوبه وهيئته حرام وكبيرة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس [5789]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5326 - (00) (00) وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْو هذَا. 5327 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ) عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "بَينَمَا رَجُل يَتَبَخْتَرُ، يَمْشِي فِي بُرْدَيهِ، قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5326 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ح وحدثنا محمد بن بشار عن محمد بن جعفر ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم السلمي البصري (قالوا) أي قال كل من الثلاثة من معاذ ومحمد بن جعفر ومحمد بن إبراهيم حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين على التحديث عن شعبة (حدثنا شعبة عن محمد بن زياد) الجمحي المدني ثم البصري، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة للربيع بن مسلم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق شعبة (بنحو هذا) الحديث ساقه الربيع بن مسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5327 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي (يعني الحزامي) نسبة إلى حزام جده المذكور المدني لقبه قصي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني أخي أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لمحمد بن زياد (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يتبختر) أي يختال ويتكبر صفة أولى لرجل (يمشي في برديه) أي في ردائه وإزاره صفة ثانية لرجل، وقوله (قد أعجبته نفسه) خبر لرجل أي قد أعظمته نفسه من غير علم بسببه لأن الإنسان إنما يتعجب عن الشيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه

فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الأَرْضَ. فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 5328 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ بنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بَينَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَينِ"، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سببه لأن التعجب لغة مطلق الانفعال أي التحرك، وفي اصطلاح النحاة انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر خفي سببه ولذلك قالوا: إذا ظهر السبب بطل العجب. والفاء في قوله (فخسف الله به الأرض) نائبة مناب إذ الفجائية، والجملة الفعلية جواب بينما وجملة (فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) معطوفة على جملة خسف؛ والمعنى بينما أوقات مشية رجل في برديه متبخترًا قد أعجبته نفسه فاجأ خسف الله به الأرض وتجلجله فيها إلى يوم القيامة، قال بعضهم: من التكبر الترفع في المجالس، والتقدم في الطرق، والغضب إذا لم يبدأ بالسلام، وجحد الحق إذا ناظر، والنظر إلى العامة كأنه ينظر إلى البهائم وغير ذلك فهذا كله يشمله الوعيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5328 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لعبد الرحمن الأعرج (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما رجل) من الأمم السابقة (يتبختر) أي يتمايل بعطفيه (في بردين) أي في ردائه وإزاره اللتين كانتا من البرود اليمانية (ثم ذكر) همام (بمثله) أي بمثل حديث الأعرج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال:

5329 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبلَكُمْ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةٍ". ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِمْ. 5330 - (2051) (117) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5329 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري البصري، ثقة، من كبار (10) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) (عن أبي رافع) نفيع بن رافع الصائغ المدني مولى ابنة عمر بن الخطاب، نزيل البصرة، ثقة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي رافع لمحمد بن زياد والأعرج وهمام بن منبه (قال) أبو هريرة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن رجلًا ممن كان قبلكم) من الأمم (يتبختر في حلة) له أي في إزار ورداء له (ثم ذكر) أبو رافع (مثل حديثهم) أي مثل حديث هؤلاء الثلاثة المذكورين آنفًا. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5330 - (2051) (117) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري أبي مالك الأنصاري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن بشير بن نهيك) بالتكبير فيهما السدوسي أو السلولي أبي الشعثاء البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى) الرجال نهي تحريم (عن) لبس (خاتم الدهب) والخاتم بفتح التاء بمعنى الطابع وهو ما يختم به وبكسرها اسم فاعل وإسناد الختم إليه مجاز، وقد أجمع العلماء شرقًا وغربًا

5331 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى. قَال: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ. 5332 - (2052) (118) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على تحريم اتخاذ الخاتم من الذهب للرجال دون النساء، وأما اتخاذه من فضة فمباح كذا قال الشراح، وروي في سنن الترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 468]، والبخاري [5864]، والنسائي في الزينة باب حديث أبي هريرة والاختلاف على قتادة [5186]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5331 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن النضر عن بشير عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ (وفي حديث ابن المثنى) وروايته (قال) قتادة (سمعت النضر بن أنس) ففيه تصريح سماع قتادة عن النضر فأزال به إيهام تدليسه فيما إذا روى بالعنعنة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5332 - (2052) (118) (حدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البخاري نزيل بغداد، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة، من (10) (أخبرني محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (7) (أخبرني إبراهيم بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من

عَنْ كُرَيبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ. فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَال: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ" فَقِيلَ لِلرَّجُلِ، بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَال: لَا. وَاللهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا. وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (6) (عن كريب) بن أبي مسلم رشدين (مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل) لم أر من ذكر اسمه (فنزعه) أي فنزع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتم من يد الرجل (فطرحه) أي طرح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتم ورماه، قال في المرقاة: وهذا أبلغ في باب الإنكار ولذا قدمه في قوله: "إذا رأى أحد منكم منكرًا فليغيره بيده .. "الحديث. قال النووي: فيه إزالة المنكر باليد لمن قدر عليها اهـ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزعه وطرحه من يد الرجل أ (يعمد أحدكم) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري وبكسر الميم من باب ضرب وفتحها من باب ضرب أي أيقصد أحدكم أيها المسلمون (إلى جمرة) وشعلة (من نار فيجعلها) أي فيلبس تلك الشعلة (في يده) قال الطيبي: فيه من التأكيد أنه أخرج الإنكاري مخرج الإخباري وعمم الخطاب بعد نزع الخاتم من يده وطرحه فدل على غضب شديد وتهديد فظيع كذا في المرقاة. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم بعد نزع الخاتم من يد الرجل وطرحه "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار" يدل على تغليظ التحريم وأن لباس خاتم الذهب من المنكر الذي يجب تغييره على من قدر (فقيل للرجل) أي لصاحب الخاتم أي قال بعض الحاضرين له (بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خد خاتمك) المطروح من الأرض و (انتفع به) بغير اللبس كبيع وهبة للنساء وهذا يدل على أنهم علموا أن المحرم إنما هو لبسه لا اتخاذه ولا الانتفاع به وهذا لا يختلف فيه في الخاتم فإن لباسه للنساء جائز وهذا بخلاف أواني الذهب والفضة فإن اتخاذها غير جائز لأنه لا يجوز استعمالها لأحد من النساء والرجال (قال) الرجل صاحب الخاتم (لا) آخذ ولا أنتفع به (والله لا آخذه أبدًا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا مبالغة من صاحب الخاتم في اجتناب المنهي عنه إذ لو أخذه لجاز ولكن تركه تورعًا لمن أخذه من الضعفاء لأنه إنما

5333 - (2053) (119) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبِ. فَكَانَ يَجْعَلُ فَضَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نهاه عن لبسه خاصة لا عن التصرف فيه بغير اللبس اهـ من الأبي. قال القرطبي: وفي إبائه من أخذه مبالغة في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الرجل قد نوى أن يدفع لمن يستحقه من المساكين لا أنه أضاعه فإنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إضاعة المال اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الخمس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5333 - (2053) (119) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح) المصري (قالا أخبرنا الليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهم. وهذان السندان من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسم اصطنع) أي صلح لنفسه (خاتمًا من ذهب) له فص ولبسه، وزاد في رواية البخاري ونقش فيه محمد رسول الله (فكان) صلى الله عليه وسلم (يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه) أي إذا لبس الخاتم، والفص بتثليث الفاء ما يركب في الخاتم من الحجارة النفيسة كاللؤلؤ والزبرجد والمرجان، والفتح فيها أفصح والموتدون يسمونه قلب الخاتم يجمع على فصوص وفصاص والفص. قال القرطبي: واصطناع النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب ولبسه إياه كان ذلك قبل التحريم فهو من باب النسخ كما يدل عليه مساق الحديث، وهو مجمع على تحريمه على الرجال إلا ما روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن وخباب وهو خلاف شاذ مردود بالنصوص وكل منهما لم يبلغه التحريم والله تعالى أعلم. وقوله (فكان يجعل فصه في باطن كفه) لأنه أبعد عن الزهو وأصون للفص ولنقشه من التغير، ويجوز أن يجعل فصه من ظاهر الكف، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وجعله للخاتم في يده اليمنى يدل على جوازه وقد روي من حديث أنس أنه

فَصَنَعَ النَّاسُ. ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ. فَقَال: "إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هذَا الْخَاتَمَ وَأَجْعَلُ فَضَّهُ مِنْ دَاخِلٍ" فَرَمَى بِهِ. ثُمَّ قَال: "وَاللهِ، لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا" فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِيَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ تختم في الخنصر من اليد اليسرى رواه مسلم [2095] وكل جائز إلا أن مالكًا رأى أن التختم في الأيسر أولى لأن لباس الخاتم من الأفعال التي تُنَاوَلُ باليمين فيجعله في الشمال باليمين إذ ليس من الأفعال الخسيسة بل يتناوله قوله صلى الله عليه وسلم "إذا لبستم وتوضأتم فابدؤوا بأيمانكم" اهـ من المفهم. (فصنع) أي فاصطنع (الناس) الخواتيم لأنفسهم (ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (جلس) يومًا (على المنبر فنزعه) أي فخلع ذلك الخاتم من يده (فقال إني كنت ألبس هذا الخاتم) الذي اصطنعه من الذهب (وأجعل فصه من داخل) الكف، ففيه تنبيه على أن جعل الفص من داخل أولى لبعده عن التكبر كما مر آنفًا، وقوله (فرمى به) معطوف على قوله فنزعه (ثم) بعد نزعه ورميه (قال والله لا ألبسه أبدًا) ولا شك أن اصطناعه صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب ولبسه قبل أن يعلم له صلى الله عليه وسلم حرمته ثم لما أعلم أن لبسه حرام نزعه ونبذه وحلف أن لا يلبسه أبدًا. وفي الزرقاني طرحه لتحريم لبس الذهب حينئذ على الرجال أو لكراهة مشاركتهم له أو لما رأى من زهوهم بلبسه اهـ وجعل فصه في باطن كفه لأنه أبعد من الإعجاب والزهو والله أعلم (فنبذ) أي طرح (الناس خواتيمهم .. ولفظ الحديث) المذكور (ليحيى) بن يحيى، وأما محمد بن رمح وقتيبة فرويا نحوه. قوله (وأجعل فصه من داخل) قال السنوسي: ليس في لبسه على هذا الوجه أمر منه صلى الله عليه وسلم لكن الاقتداء به حسن فيجوز جعل الفص في البطن والظهر وعمل السلف بالوجهين وممن جعله في الظهر ابن عباس، وقيل لمالك: أيجعل الفص في باطن اليد؟ قال: لا، يعني أنه ليس بلازم اهـ. قال في المرقاة: لعل وجه بعض السلف في المخالفة عدم بلوغهم الحديث المقتضي للمتابعة اهـ. قوله (فنبذ الناس خواتيمهم) قال النووي: فيه بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من المبادرة إلى امتثال أمره صلى الله عليه وسلم ونهيه والاقتداء بأفعاله اهـ. والخواتيم هنا بالياء، قال في القاموس: الخاتم بفتح التاء وكسرها جمعه خواتم وخواتيم اهـ.

5334 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ، فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ: وَجَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب خواتيم الذهب [5865] وباب خاتم الفضة [5866] وفي مواضع كثيرة، وأبو داود في الخاتم باب ما جاء في اتخاذ الخاتم [4218 و 4219 و 4220] والترمذي في اللباس باب ما جاء في لبس الخاتم باليمين [1741]، والنسائي في الزينة باب خاتم الذهب [5164] وفي مواضع أيضًا، وابن ماجه في اللباس باب النهي عن خاتم الذهب [3687]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5334 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (ح وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي نسبة إلى هجيم بن عمرو كما في المغني أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي العسكري، نزيل الري، ثقة، من (10) (حدثنا عقبة بن خالد) ابن عقبة السكوني نسبة إلى سكون بوزن صبور، حي من أحياء العرب، أبو مسعود الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (5) أبواب (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين من محمد بن بشر ويحيى بن سعيد وخالد بن الحارث وعقبة بن خالد رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأربعة بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد، وساق عبيد الله (بهذا الحديث) الذي ذكره ليث بن سعد (في خاتم الذهب و) لكن (زاد) عبيد الله على ليث (في حديث عقبة بن خالد) وروايته لفظة (وجعله في يده اليمنى) يعني قال في روايته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا من ذهب (وجعله في يده اليمنى) .. إلخ.

5335 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسٌ (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ) عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ الأيلِيُّ. حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أُسَامَةَ. جَمَاعتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ، نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5335 - (00) (00) (وحدثنيه أحمد بن عبدة) بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) (ح وحدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي (المسيبي) -بضم الميم وفتح الياء المشددة نسبة إلى جده الأعلى المسيب بن أبي السائب- أبو عبد الله المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا أنس يعني ابن عياض) بن ضمرة الليثي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حاتم) ابن إسماعيل الحارثي مولاهم أبو إسماعيل المدني كوفي الأصل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا هارون) بن سعيد بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (كلاهما) أي كل من حاتم بن إسماعيل وعبد الله بن وصب، وفي أغلب النسخ (كلهم) وهو تحريف من النساخ، رويا (عن أسامة) بن زيد الليثي المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (جماعتهم) أي جميعهم أي كل من هؤلاء الثلاثة المذكورين من أيوب في السند الأول وموسى بن عقبة في السند الثاني، وأسامة بن زيد في السند الأخير رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في خاتم الذهب) وساق كل من هؤلاء الثلاثة (نحو حديث الليث) بن سعد المصري، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة

5336 - (2054) (120) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ. ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ. ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ. حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. نَقْشُهُ - مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ -. قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَتَّى وَقَعَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ هؤلاء الثلاثة أعني أيوب وموسى وأسامة لليث بن سعد تأمل فإن في المقام دقة وتحريفًا من النساخ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5336 - (2054) (120) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته (قال) ابن عمر (اتخد) أي اصطنع (رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ورق) أي من فضة، وقد أجمع المسلمون على جواز خاتم الفضة للرجال، وكره بعض علماء الثام المتقدمين لبسه لغير ذي سلطان، ورووا فيه أثرًا وهذا شاذ مردود بالنصوص الصحيحة، قال الخطابي: ويكره للنساء خاتم الفضة لأنه من شعار الرجال، قال: فإن لم تجد خاتم ذهب فلتصفره بزعفران وشبهه وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل لا أصل له، والصواب أنه لا كراهة في لبسها خاتم الفضة اهـ نووي (فكان) ذلك الخاتم (في يده) صلى الله عليه وسلم الشريفة مدة حياته (ثم كان في يد أبي بكر) الصديق رضي الله عنه مدة خلافته (ثم كان في يد عمر ثم كان في يد عثمان) رضي الله عنهما مدة خلافتهما (حتى وقع) ذلك الخاتم أي سقط (منه) أي من عثمان (في بئر أريس) -بفتح الهمزة وكسر الراء وبالسين المهملة مصروف- وقال القسطلاني: لا ينصرف على الأصح للعلمية والتأنيث المعنوي؛ وهي حديقة بالقرب من مسجد قباء (نقشه) أي نقش ذلك الخاتم وكتابته وهو مبتدأ خبره قوله (محمد رسول الله) على الحكاية؛ الله سطر أول، ورسول سطر ثان، ومحمد سطر أسفل (قال) محمد (بن نمير) في روايته (حتى وقع في

بِئْرِ. وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهُ. 5337 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لأبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: اتَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا مِنْ ذَهَبٍ. ثُمَّ أَلْقَاهُ. ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ. وَنَقَشَ فِيهِ. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ- وَقَال: "لَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي هذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بئر ولم يقل) ابن نمير لفظة (منه) بل قاله يحيى بن يحيى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله عنهما فقال: 5337 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (ومحمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد (و) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لأبي بكر) بن أبي شيبة (قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي أبي موسى الكوفي الفقيه، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (اتخذ) أي اصطنع (النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب) فلبسه، وذلك قبل أن يوحى إليه بحرمته (ثم) بعد أن أوحي إليه بتحريمه (ألقاه) أي خلعه ورماه (ثم اتخذ خاتمًا من ورق) أي من فضة (ونقش فيه) بالبناء للفاعل أي أمر بالنقش فيه (محمد رسول الله) مفعول به محكي لنقش، قال في المرقاة: قوله (ونقش فيه) بصيغة المجهول فنائب الفاعل محمد رسول الله بجملته، وفي بعض النسخ بصيغة الفاعل بمعنى أمر بالنقش فيه، فالجملة مفعوله في محل النصب أو الرفع على حكاية ما كان منقوشًا فيه اهـ، وفي البخاري كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر اهـ وفيه جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحبه وجواز نقش اسم الله تعالى والله أعلم (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينقش أحد) منكم (على نقش خاتمي هذا) وإنما منع أن ينقش أحد على نقش خاتمه لأنه إذا نقش غيره مثله اختلطت الخواتم وارتفعت الخصوصية وحصلت المفسدة العامة، وقد بالغ أهل الشام فمنعوا الخواتم لغير

وَكَانَ إِذَا لَبِسَهُ جَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ. وَهُوَ الَّذِي سَقَطَ، مِنْ مُعَيقِيبٍ، فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. 5338 - (2055) (121) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادٍ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ السلطان ثم إذا نقش اسم الله تعالى عليه وجعله في شماله فهل يدخل به الخلاء ويستنجي بشماله خففه سعيد بن المسيب ومالك وبعض أصحابه، وروي عنه الكراهة وهي الأولى اهـ مفهم والحامل له صلى الله عليه وسلم على اتخاذ الخاتم السبب الذي ذكره أنس من أنه أراد أن يكتب كتابًا إلى كسرى وقيصر والنجاشي، وقيل له إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا مختومًا اتخذ الخاتم ليختم به هذا هو المقصود الأول فيه (وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه) حفظًا وصيانة له من أن يتوصل إليه غيره (وهو) أي ذلك الخاتم الذي اتخذه من ورق ونقش فيه هو (الذي سقط من معيقيب) مولى سعيد بن أبي العاص (في بئر أريس) وفي رواية سقط الخاتم من يد عثمان كما مر ويمكن الجمع بينهما بأن الخلفاء رضي الله عنهم لبسوه تبركًا أحيانًا وفي أكثر الأوقات كان عند معيقيب ولما أراد عثمان أن يختم شيئًا طلب منه وحين التعاطي سقط الخاتم فلذا نسب سقوطه إليهما هكذا يستفاد من الشراح والله أعلم. وكون الخلفاء تداولوا خاتم النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذلك تبركًا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم واقتداء به واستصحابًا لحاله حتى كأنه حي معهم ولم يزل أمرهم مستقيمًا متفقًا عليه في المدة التي كان ذلك الخاتم فيهم فلما فقد اختلف الناس على عثمان رضي الله عنه وطرأ من الفتن ما هو معروف ولا يزال الهرج إلى يوم القيامة اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أنس رضي الله عنهم فقال: 5338 - (2055) (121) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وخلف بن هشام) بن ثعلب- بالمثلثة والمهملة- البغدادي المقرئ، ثقة، من (10) (وأبو الربيع العتكي) الزهراني، سليمان بن داود البصري (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن حماد قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن

عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ. وَنَقَشَ فِيهِ -مُحمَّدٌ رَسُولُ اللهِ- وَقَال لِلناسِ: "إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ فِضَةٍ. وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَلَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد العزيز بن صهيب) البناني مولاهم البصري الأعمى، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ) أي اصطنع (خاتمًا من فضة ونقش) بالبناء للفاعل أي أمر بالنقش والكتابة (فيه) أي في ذلك الخاتم، والفرق بين النقش والكتابة أن النقش الكتابة بالصياغة، والكتابة ما يكون بالقلم الناشف أو السائل أو بالحبر والقلم اليابس. وقوله (محمد رسول الله) مفعول به لنقش محكي (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم اللناس إني اتخذت خاتمًا من فضة ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقش أحد) منكم (على نقشه) أي على مثل نقشه وكتابته، قد تقدم بسط الكلام على هذا الحديث في حديث ابن عمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب خاتم الفضة [5868] وفي أبواب كثيرة، وأبو داود في الخاتم [4214 إلى 4217] والترمذي في الاستئذان باب ما جاء في ختم الكتاب [2718] وفي مواضع كثيرة، والنسائي في الزينة باب صفة خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ونقشه [5277] وفي مواضع كثيرة، وابن ماجه في اللباس باب نقش الخاتم [3684 و 3685] وهذا الحديث أورده الإمام مسلم رحمه الله بطرقه المختلفة في عدة أبواب آتية متوالية، وقد سبق منه ذكره في المساجد باب وقت العشاء وتأخيرها. "تتمة" قوله (اتخذ خاتمًا) قال الحافظ في الفتح [10/ 325] جزم أبو الفتح اليعمري أن اتخاذ الخاتم كان في السنة السابعة، وجزم غيره بأنه كان في السادسة ويجمع بينهما بأنه كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبة الملوك كما تقدم، وكان إرساله إلى الملوك في مدة الهدنة، وكان في ذي القعدة سنة ست ورجع إلى المدينة في ذي الحجة، ووجه الرسل في المحرم من السابعة، وكان اتخاذه الخاتم قبل إرساله الرسل إلى الملوك اهـ منه. وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5339 - (00) (00) وحدّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. 5340 - (2056) (122) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ: قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَال: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ، قَال: قَالُوا: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَؤُونَ كِتَابًا إلا مَخْتُومًا. قَال: فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا مِنْ فِضةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5339 - (00) (00) (وحدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني المروزي ثم البغدادي، إمام الأئمة في الحديث والفروع (وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ابن علية لحماد، وساق ابن علية (بهذا) الحديث الذي رواه حماد بن زيد (و) لكن (لم يذكر) ابن علية (في الحديث) الذي ساقه لفظة (محمد رسول الله). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5340 - (2056) (122) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم من البصريين (قال) أنس الما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقصد (أن يكتب) كتاب الدعوة إلى الإسلام (إلى الروم قال) أنس (قالوا) أي قال الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم (إنهم) أي إن أهل الروم (لا يقروون) ولا يقبلون (كتابًا) كتب إليهم ولا يعملون بمقتضاه (إلا) إذا كان (مختومًا) أي مطبوعًا بخاتم المرسل (قال) أنس (فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صاغ (خاتمًا من فضة) أي أمر بصوغه وسبكه وصبه في قالبه فصنع له فلبسه، قال

كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِه فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. نَقْشُهُ - مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ -. 5341 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ أرَادَ أنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعَجَمَ لَا يَقْبَلُونَ إلا كِتَابًا عَلَيهِ خَاتَمٌ. فَاصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ. قَال: كأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنس: و (كأني) الآن (أنظر إلى بياضه) أي إلى بياض خاتمه صلى الله عليه وسلم حالة كونه ملبوسًا (في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقشه محمد رسول الله). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5341 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لشعبة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان) يحتمل كونها زائدة (أراد أن يكتب) كتاب الدعوة (إلى) ملوك (العجم) ككسرى وقيصر (فقيل له) صلى الله عليه وسلم والقائلون له هم جماعة من الحاضرين ولم أر من عين أسماءهم كما في تنبيه المعلم (أن العجم) أي إن ملوكهم (لا يقبلون) ما كتب إليهم من الرسائل ولا يقرؤونها بل ولا يفتحون (إلا كتابًا) كتب (عليه) أي على ظاهره (خاتم) المرسل وطبع عليه (فاصطنع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (خاتمًا من فضة) أي أمر بصناعته له وصياغته، والحاصل أن الغرض الحامل له على اصطناع الخاتم من الفضة الكتابة إلى الملوك برسائل الدعوة إلى الإسلام (قال) أنس بن مالك بالسند السابق (كأني أنظر) الآن (إلى بياضه) أي إلى بياض ذلك الخاتم ولمعانه (في يده) صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال:

5342 - (00) (00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيسٍ، عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ. فَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلا بِخَاتِمٍ. فَصَاغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَةً فِضَّةً. وَنَقَشَ فِيهِ - مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ 5342 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) ثقة ثبت، من (10) (حدثنا نوح بن قيس) بن رباح الأزدي أبو روح البصري، صدوق، من (8) (عن أخيه خالد بن قيس) بن رباح الأزدي البصري، صدوق، من (7) (عن قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد بن قيس لشعبة وهشام (أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى) ملك الروم (وقيصر) ملك الفرس (والنجاشي) ملك الحبشة (فقيل) للنبي صلى الله عليه وسلم (إنهم) أي إن الأعاجم (لا يقبلون كتابًا) أي رسالة (إلا) إذا كان مختومًا (بخاتم فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا) أي أمر بصوغ خاتم له في قالبه، قوله (حلقة فضة) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ (حلقة فضة) بنصب حلقة على البدل من خاتمًا وليس فيها هاء الضمير، والحلقة ساكنة اللام على المشهور، وفيها لغة شاذة ضعيفة حكاها الجوهري وغيره بفتحها اهـ، وقوله فضة بالنصب على أنه تمييز لخاتمأ والله أعلم (ونقش فيه) أي أمر بالنقش في ذلك الخاتم أي في فصه لفظة (محمد رسول الله) والله أعلم. وفي الحديث مخالقة الناس بأخلاقهم واستئلافهم بما لا يضر اهـ أبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث، الأول حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثمان متابعات، والثاني حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والخامس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والسابع حديث ابن عمر الثالث ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث ابن عمر الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.

671 - (15) باب طرح الخواتم والفص الحبشي ولبس الخاتم في الخنصر والنهي عن التختم في الوسطى والتي تليها والانتعال وآدابه والنهي عن اشتمال الصماء ومنع الاستلقاء على الظهر

671 - (15) باب طرح الخواتم والفص الحبشي ولبس الخاتم في الخنصر والنهي عن التختم في الوسطى والتي تليها والانتعال وآدابه والنهي عن اشتمال الصماء ومنع الاستلقاء على الظهر 5343 - (2057) (123) حدّثني أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ؛ أنَّهُ أَبْصَرَ فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، يَوْمًا وَاحِدًا. قَال: فَصَنَعَ النَّاسُ الْخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ فَلَبِسُوهُ. فَطَرَحَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتِمَهُ. فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 671 - (15) باب طرح الخواتم والفص الحبشي ولبس الخاتم في الخنصر والنهي عن التختم في الوسطى والتي تليها والانتعال وآدابه والنهي عن اشتمال الصماء ومنع الاستلقاء على الظهر 5343 - (2057) (123) (حدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد) الخراساني نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) وهذا السند من رباعياته (أنه) أي أن أنس بن مالك (أبصر في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ورق) أي فضة (يومًا واحدًا قال) أنس (فصنع الناس الخواتم من ورق فلبسوه فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتمهم) من ورق، قال القاضي: قال جميع أهل الحديث هذا الحديث وهم من ابن شهاب فوهم من خاتم الذهب إلى خاتم الورق، والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذه صلى الله عليه وسلم خاتم فضة ولم يطرحه وإنما طرح خاتم الذصب كما ذكره مسلم في باقي الأحاديث، ومنهم من أول حديث ابن شهاب وجمع بينه وبين الروايات فقال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم تحريم خاتم الذهب اتخذ خاتم فضة فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس في ذلك اليوم ليعلمهم إباحته ثم طرح خاتم الذهب وأعلمهم بتحريمه فطرح الناس خواتمهم من الذهب، فيكون قوله فطرح الناس خواتمهم أي خواتم الذهب وهذا التأويل هو الصواب الصحيح وليس في

5344 - (00) (00) حدثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي زِيَادٌ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ؛ أَن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتِمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا. ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اضْطَرَبُوا الْخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث ما يمنعه اهـ نووي. وفي الجوهرة: لا يجوز للرجال التحلي بالذهب والفضة وكذا اللؤلؤ لأنه حل للنساء إلا الخاتم من الفضة لا غير، ثم الخاتم منها إنما يباح للرجل إذا ضرب على صفة ما يلبسه الرجال أما إذا ضرب على صفة خواتم النساء فمكروه، وفي الجامع الصغير لا يتختم إلا بالفضة وهذا نص على أن التختم بالصفر والصفر بضم الصاد وكسرها مع سكون الفاء فيهما النحاس الجيد والحجر حرام، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتمًا من صفر فقال: "مالي أجد منك رائحة الأصنام" ورأى على آخر خاتمًا من حديد فقال: "ما لي أرى عليك حلية أهل النار" وفي الخجندي: التختم بالحديد والصفر والنحاس والرصاص مكروه للرجال والنساء لأنه زي أهل النار اهـ باختصار اهـ ذهني. قال القرطبي: هذا الحديث من رواية ابن شهاب عن أنس وهم من ابن شهاب عند جميع أهل الحديث، وإنما اتفق ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في خاتم الذهب كما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 160]، والبخاري [5868]، وأبو داود [4225]، والنسائي [8/ 195]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5344 - (00) (00) (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (أخبرني ابن جريج أخبرني زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني أبو عبد الرحمن المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (أن ابن شهاب أخبره أن أنس بن مالك أخبره) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زياد بن سعد لإبراهيم بن سعد (أنه) أي أن أنسًا (رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ورق يومًا واحدًا ثم إن الناس اضطربوا) أي اصطنعوا وصاغوا (الخواتم من ورق) وهو افتعال من ضرب فأصله اضترب فقلبت تاء الافتعال طاء إثر

فَلَبِسُوهَا. فَطَرَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ. فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ. 5345 - (00) (00) حدَّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5346 - (2058) (124) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ الْمِصْرِيُّ أخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثنِي أَنَسُ بْنُ مَالِك قَال: كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرِقٍ. وَكَانَ فَصحهُ حَبَشِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــ مطبق فصار اضطربوا بمعنى ضربوا وصاغوا (فلبسوها فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتمهم) اقتداء به. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5345 - (00) (00) (حدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول (العمي) بفتح العين وتشديد الميم أبو عبد الملك البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو عاصم) النبيل الشيباني الضحاك بن مخلد بن الضحاك البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج) الأموي المكي (بهذا الإسناد) يعني عن زياد بن سعد عن ابن شهاب عن أنس، غرضه بيان متابعة أبي عاصم لروح بن عبادة، وساق أبو عاصم (مثله) أي مثل ما حدّث روح عن ابن جريج. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 5346 - (2058) (124) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري بفتح الميم والقاف أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي (المصري) ثقة، من (9) (أخبرني يونس بن يزيد) الأموي الأيلي (عن ابن شهاب حدثني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق) أي من فضة (وكان فصه) بتثليث الفاء والفتح أفصح، ويسميه المولدون عين الخاتم ويكون من أنواع الأحجار النفيسة كالعقيق والياقوت (حبشيًّا) أي فصًا من حجر يجلب من الحبشة أي فصًا من جزع أو عقيق فإن معدنهما بالحبشة واليمن، وقيل معناه فصًا لونه كلون الحبشة أي أسود، وفي المرقاة قيل صانعه

5347 - (00) (00) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى. قَالا: حَدَّثنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى (وَهُوَ الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الزُّرَقِيُّ) عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو صانع فصه أو صانع نقشه حبشي أو أتى به من الحبش، وفي القاموس الجزع بكسر الجيم خرز يماني، وأخرج البخاري عن أنس: "كان خاتمه من فضة وكان فصه منه" أي من الورق وهذا بظاهره معارض لحديث الباب، وجمع بينهما النووي بتعدد الخواتم فكان له صلى الله عليه وسلم في وقت خاتم فصه منه وفي وقت خاتم فصه حبشي، وذكر الحافظ في الفتح [10/ 322] احتمالًا آخر وهو أن الفص كان من الورق ولكنه نسب إلى الحبشة لصفة فيه إما الصياغة هاما النقش اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 209]، وأبو داود [4216]، والترمذي [1739]، والنسائي [8/ 182]، وابن ماجه [3641]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 5347 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وعباد بن موسى) الختلي -بضم المعجمة وفتح المثناة المشددة- نسبة إلى ختل كورة خلف جيحون، أبو محمد البغدادي، روى عن طلحة بن يحيى الأنصاري في اللباس ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم بن سعد في الفضائل، وهشيم وخلف بن خليفة وغيرهم، ويروي عنه (م د) و (خ) و (س) بواسطة وأبو يعلى، وثقه ابن معين وأبو زرعة وصالح بن محمد، وقال ابن معين مرة: ليس به باس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاثين ومائتين (230) على الصحيح كلاهما (قالا حدثنا طلحة بن يحيى) بن النعمان بن أبي عياش (وهو الأنصاري ثم الزرقي) المدني نزيل بغداد، روى عن يونس بن يزيد في اللباس وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومحمد بن أبي بكر الثقفي وجماعة، ويروي عنه (خ م دس ق) وعباد بن موسى وعثمان بن أبي شيبة، له في (خ) فرد حديث، قال أحمد: مقارب الحديث، ووثقه ابن معين، وقال أبو داود: لا بأس به، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال في التقريب: صدوق يهم، من السابعة (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة طلحة بن يحيى

أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةِ فِي يَمِينِهِ. فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ. كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ. 5348 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُويسٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ لعبد الله بن وهب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي) بطن (كفه) الشريف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 5348 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثني إسماعيل بن أبي أويس) اسمه عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله بن أبي أويس المدني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (عن يونس بن يزيد بهذا الإسناد) يعني ابن شهاب عن أنس بن مالك، غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لطلحة بن يحيى، وساق سليمان (مثل حديث طلحة بن يحيى). "تنبيه " قوله في هذا الحديث (لبس خاتم فضة في يمينه) هكذا وقع في أكثر الروايات أنه صلى الله عليه وسلم لبس الخاتم في يده اليمنى، ووقع في بعضها أنه تختم في يساره فرجح الداودي روايات اليسار وذكر أن عليه عمل الناس ولكن تعقبه الحافظ في الفتح [10/ 326] وساق أحاديث كثيرة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه وذكر أن روايات اليسار أقل، وجمع البيهقي بين الروايات بأن الذي لبسه صلى الله عليه وسلم في يمينه هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر وقد مر في باب تحريم خاتم الذهب وفيه (وجعله في يده اليمنى) والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة، وأما رواية الباب فيمكن أن يكون الزهري وهم في ذكر اليمين أيضًا كما وهم في ذكر طرح خاتم الفضة. وجمع آخرون بين الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم تختم أولًا في يمينه ثم حوله إلى يساره ويدل عليه ما أخرجه أبو الشيخ وابن عدي عن ابن عمر أن النبي صلى

5349 - (2059) (125) وحدَّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي هذِهِ. وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصِرِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم تختم في يمينه ثم حول إلى يساره فلو صح كان قاطعًا للنزاع ولكن سنده ضعيف، ويمكن الجمع أيضًا بين الروايات بحملها على أحوال مختلفة، والظاهر أنه صلئ الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه كما تدل عليه أكثر الروايات ولكنه ربما تختم في يساره لحاجة أو لبيان الجواز والله أعلم. وذكر الحافظ في الفتح أن التختم إن كان للزينة فالأفضل لبسه في اليمين، وأما إذا كان لحاجة الختم فوضعه في اليسار أولى ليكون نزعه باليمين هذا ملخص ما في فتح الباري. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 5349 - (2059) (125) (وحدثني أبو بكر) البصري محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه) الإصبع (وأشار) أنس عند قوله في هذه (إلى الخنصر من يده اليسرى) وقوله (كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم) أي في آخر الأمرين، قوله (وأشار إلى الخنصر) وهو أصغر أصابع اليد، قال القرطبي: ولا خلاف بين العلماء ولا في الاثار أن اتخاذ خاتم الرجال في الخنصر أولى لأنه أحفظ له من المهنة ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها بخلاف غيرها من الأصابع، والبنصر من الإصبع هي التي بين الوسطى والخنصر ويقال خنصر بفتح الصاد وكسرها وكذلك البنصر وهي أصغر الأصابع اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث علي رضي الله عنه فقال:

5350 - (2060) (126) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ (وَاللفْظُ لأبِي كُرَيبٍ). حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. قَال: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ كُلَيبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ. قَال: نَهَانِي، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هذِهِ. أَو الَّتِي تَلِيهَا - لَمْ يَدْرِ عَاصِمٌ فِي أَيِّ الثِّنْتَينِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ 5350 - (2060) (126) (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب جميعًا عن) عبد الله (ابن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي بسكون الواو أبي محمد الكوفي، ثقة فقيه من (8) روى عنه في (18) بابا (واللفظ لأبي كريب) قال أبو كريب (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بصيغة السماع (قال) عبد الله بن إدريس (سمعت عاصم بن كليب) بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، روى عن أبي بردة بن أبي موسى في اللباس والدعاء وتشميت العاطس، ومحمد بن كعب وعدة، ويروي عنه (م عم) وعبد الله بن إدريس وسفيان بن عيينة وشعبة وأبو الأحوص سلام بن سليم والقاسم بن مالك والثوري وزائدة وعدة، وثقه ابن معين والعجلي والنسائي وابن سعد، وقال أبو حاتم: صالح، وقال في التقريب: صدوق، رمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة (137) سبع وثلاثين ومائة (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن علي) بن أبي طالب الهاشمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) علي (نهاني يعني) علي بالناهي (النبي صلى الله عليه وسلم أن أجعل خاتمي في هذه) يشير إلى الوسطى (أو) في الإصبع (التي تليها) أي تلي الوسطى يعني المسبحة، وأو هنا للتنويع كما في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} لا لترديد الراوي وشكه، وفسره في الرواية الآتية بقوله (فأومأ إلى الوسطى والتي تليها) فظهر أن المراد السبابة والوسطى. وذكر النووي أن النهي هنا للتنزيه. وقد مر في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في خنصره، والحكمة في ذلك كما مر أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد لكونه طرفًا ولأنه لا يشغل عما تتناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر. قال عبد الله بن إدريس (لم يدر) ولم يعلم شيخي (عاصم) بن كليب (في أي الثنتين) من الأصابع نهاه النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يعلم عاصم تعيين أحدهما ولم يعين لنا لعدم علمه فرواه لنا بالتردد في قوله في هذه أو التي تليها، قال علي أيضًا

وَنَهَانِي عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ. وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَى الْمَيَاثِرِ. قَال: فَأَمَّا الْقَسِّيُّ فَثِيَابٌ مُضلَّعَةٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ فِيهَا شِبْهُ كَذَا. وَأَمَّا الْمَيَاثِرُ فَشَيءٌ كَانَتْ تَجْعَلُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ، كَالْقَطَائِفِ الأُرْجُوَانِ. 5351 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيبٍ، عَنِ ابْنٍ لأَبِي مُوسَى قَال: سَمِعْتُ عَلِيًّا. فَذَكَرَ فذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (ونهاني) النبي صلى الله عليه وسلم (عن لبس القسي) وهو ثوب مضلع بالحرير، وقيل هو الخز نسبة إلى القس قرية من قرى مصر كما فسره الراوي قريبًا (و) نهاني (عن جلوس على المياثر) جمع ميثرة وهي فراش صغير محشو بقطن أو صوف يجعله الراكب تحته على الرحل فوق الجمل ويدخل فيه مياثر السرج. قال أبو بردة: فسألت علي بن أبي طالب عن القسي والمياثر فـ (قال) لي علي في جواب سؤالي (فأما القسّي فثياب مضلعة) أي مشبعة بالحرير (يؤتى بها من مصر والشام فيها) أي في تلك الثياب من التصاوير والنقوش (شبه كذا) أي مثل الأترنج (وأما المياثر فشيء) فبساط صغير (كانت تجعله النساء لبعولتهن) أي لأزواجهن (على الرحل) للبعير والسرج للفرس كالقطائف الأرجوان) أي مثل القطائف الحمر، والقطائف جمع قطيفة وهي كساء محشو له خمل والأرجوان صبغ أحمر، وقد مر بسط الكلام على القسي والميثرة والأرجوان في باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة فراجعها هناك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الخاتم باب ما جاء في خاتم الحديد برقم [4225]، والترمذي في اللباس باب كراهية التختم في إصبعين برقم [1786]، والنسائي في الزينة باب النهي عن الخاتم في السبابة [5210 إلى 5212]، وابن ماجه في اللباس باب التختم في الإبهام [3692]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 5351 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) ابن عيينة (عن عاصم بن كليب) الجرمي الكوفي (عن) أبي بردة (ابن لأبي موسى) الأشعري الكوفي (قال) أبو بردة (سمعت عليًّا) ابن أبي طالب. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لعبد الله بن إدريس (فذكر) سفيان (هذا

الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوهِ. 5352 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيبٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ قَال: لسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَال: نَهَى، أَوْ نَهَانِي، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 5353 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قَال: قَال عَلِيٌّ: نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هذِهِ أَوْ هذِهِ. قَال: فَأَوْمأَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث) الذي رواه عبد الله بن إدريس (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق سفيان (بنحوه) أي بمقارب ما رواه عبد الله بن إدريس لفظًا ومعنى لا بمماثله فيهما. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 5352 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم بن كليب) الكوفي (قال سمعت أبا بردة قال سمعت علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن إدريس (قال) علي (نهى أو) قال علي (نهاني) والشك من شعبة في أي اللفظين، قال عاصم (يعني) على بالناهي (النبي صلى الله عليه وسلم فذكر) شعبة (نحوه) أي نحو حديث ابن إدريس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 5353 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن عاصم بن كليب) الجرمي الكوفي (عن أبي بردة قال) أبو بردة (قال علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الأحوص لعبد الله بن إدريس (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم) أي أن ألبس الخاتم (في إصبعي هذه) يعني الوسطى (أو هذه) يعني السبابة (قال) أبو بردة (فأومأ) علي رضي الله عنه أي أشار عند

إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا. 5354 - (2061) (127) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فِي غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا: "اسْتكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ. فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله هذه أو هذه (إلى الوسطى والتي تليها) أي تلي الوسطى من جهة الإبهام يعني المسبحة، وأو هنا للتنويع لا للشك من الراوي كما مر. قال النووي: روي في غير مسلم هذا الحديث: السبابة والوسطى، وأجمع المسملون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر، وأما المرأة فإنها تتخذ في أصابعها، ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها لهذا الحديث وهي كراهة تنزيه اهـ. ثم استدل المؤلف خامسًا على الجزء الخاص من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5354 - (2061) (127) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الرحمن النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان الحراني، صدوق، من (9) (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي الجزري أبو عبد الله الحراني، صدوق، من (8) (عن أبي الزبير) الأسدي المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في غزوة غزوناها) معه ولم أر من عين تلك الغزوة (استكثروا) بصيغة الأمر للجماعة من الاستفعال، والسين والتاء زائدتان أي أكثروا (من) لبس (النعال فإن الرجل لا يزال راكبًا ما انتعل) أي مدة انتعاله، فما مصدرية ظرفية والظرف متعلق بلا يزال أي لا يزال كالراكب مدة لبسه النعل والمعنى أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة عليه وقلة تعبه وسلامة رجله مما يعرض لها في الطريق من خشونة وشوك وأذى ونحو ذلك كالرمضاء، وفيه استحباب الاستظهار في السفر بالنعال وغيرها مما يحتاج إليه المسافر، وفيه أيضًا استحباب وصية الأمير بذلك اهـ من شرح النووي بزيادة. قال القرطبي: وهذا كلام بليغ ولفظ فصيح بحيث لا ينسج على منواله ولا يؤتى بمثاله وهو إرشاد إلى المصلحة وتنبيه على ما يخفف المشقة فإن الحافي المديم للمشي يلقى من الآلام والمشقات بالعثار والوجى- يقال وَجِيَ يَوْجَى وجىً؛ رقت قدمه من كثرة

5355 - (2062) (128) حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ)، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى. وَإذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المشي- ما يقطعه عن المشي ويمنعه من الوصول إلى المقصد بخلاف المنتعل فإنه لا يحصل له ذلك فيدوم مشيه فيصل إلى مقصده كالراكب فلذلك شبهه بالراكب حيث قال: (لا يزال الرجل راكبًا ما انتعل). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في اللباس باب الانتعال [4133]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على آداب الانتعال بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5355 - (2062) (128) (حدثنا عبد الرحمن بن سلام) بتشديد اللام ابن عبيد الله بن سالم (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا الربيع بن مسلم) الجمحي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن محمد يعني ابن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتعل أحدكم) أي أراد الانتعال (فليبدأ) في انتعاله (باليمنى) أي بالرجل اليمنى احترامًا لها بتقديمها (وإذا خلع) أي أراد خلع النعل ونزعه من الرجل (فليبدأ) في خلع النعل (بالشمال) إبقاءً للكرامة لليمنى بتأخير الخلع عنها فإنه إذا بدأ باليمنى في الانتعال فقد قدمها في الصيانة على اليسرى، وكذلك إذا خلعها أخيرًا فقد أبقى عليها كرامتها وصيانتها اهـ من المفهم. قال الحليمي: وجه الابتداء بالشمال عند الخلع أن اللبس كرامة لأنه وقاية للبدن فلما كانت اليمنى أكرم من اليسرى بدئ بها في اللبس وأخرت في الخلع لتكون الكرامة لها أدوم وحظها منها أكثر، وقال ابن عبد البر: من بدأ بالانتعال في اليسرى أساء لمخالفته السنة، ولكن لا يحرم عليه لبس نعله. وقال غيره: ينبغي له أن ينزع النعل من اليسرى ثم يبدأ باليمنى ويمكن أن يكون مراد ابن عبد البر ما إذا لبسهما معًا فبدأ باليسرى فإنه لا يشرع له أن ينزعهما ثم يلبسهما على الترتيب المأمور به إذ قد فات محله، ونقل عياض

وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا. أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره الإجماع على أن الأمر فيه للاستحباب اهـ فتح الباري [10/ 312] (ولينعلهما جميعًا) بضم الياء وكسر العين أمر من الإفعال واللام لام الأمر للغائب أي وليلبس النعلين جميعًا أي كلًّا منهما (أو ليخلعهما جميعًا) أي أو لينزعهما جميعًا أي كلًّا منهما أي فلا يلبس إحداهما وينزع الأخرى لأن ذلك لبسة الشيطان، قال الخطابي: الحكمة في النهي عن ذلك أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض من شوك أو نحوه فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك من سجية مشيه ولا يأمن مع ذلك العثار، وقيل لأنه لم يعدل بين جوارحه وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي أو ضعفه. وقال ابن العربي: قيل العلة فيه أنها مشية الشيطان، وقيل لأنها خارجة عن الاعتدال. وقال البيهقي: الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار إلى من ترى منه ذلك، وقد نهي عن الشهرة في اللباس اهـ فتح الباري [10/ 31]. وقال القرطبي: وقوله (ولينعلهما جميعًا أو ليخلعهما جميعًا) هذا خطاب لمن انقطع شسع إحدى نعليه فنهاه أن يمشي في نعل واحدة لأن ذلك من باب التشويه والمثلة ولأنه مخالف لزي أهل الوقار وقد يخل بالمشي وهذا كما جاء في الحديث المفسر بعد هذا ويجيء حديث أبي هريرة الذي قال فيه: "إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها" وقد اختلف علماؤنا في ذلك فقال مالك بظاهر هذا الحديث: إن من انقطع نعله لم يمش في الأخرى ولا يقف فيها وإن كان في أرض حارة ليحفها ولا بد حتى يصلح الأخرى من الوقوف الخفيف والمشي اليسير، وقد رخص بعض السلف في المشي في نعل واحدة وهو قول مردود بالنصوص المذكورة، ولا خلاف في أن أوامر هذا الباب ونواهيه إنما هي من الآداب المكملة وليس شيء منها على الوجوب ولا الحظر عند كل معتبر قوله من العلماء والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 465]، والبخاري في اللباس باب ينزع نعله اليسرى [5856]، وأبو داود في اللباس باب الانتعال [4139]، والترمذي في اللباس باب ما جاء بأي رجل يبدأ إذا انتعل [1779]، وابن ماجه في اللباس باب لبس النعال وخلعها [366]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5356 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ. لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا". 5357 - (2063) (129) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ). قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ. قَال: خَرَجَ إِلَينَا أَبُو هُرَيرَةَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَال: أَلا إِنَّكُمْ تَحَدَّثونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِتَهْتَدُوا وَأَضِلَّ. أَلا وَإِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ 5356 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لمحمد بن زياد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعًا أو ليخلعهما جميعًا) وهذا فيما إذا انقطع سمع إحدى النعلين كما مر آنفًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5357 - (2063) (129) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة مدلس، من (5) (عن أبي رزين) مسعود بن مالك الأسدي مولاهم مولى أبي وائل شقيق بن سلمة، ثقة فاضل، من (2) روى عنه في (3) أبواب، مات سنة (85) خمس وثمانين (قال) أبو رزين (خرج إلينا أبو هريرة) رضي الله عنه من منزله. وهذا السند من خماسياته (فضرب) أي وضع (بيده على جبهته فقال ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنكم) أيها الحاضرون (تحدّثون) بصيغة المبني للمجهول أي تخبرون (أني) يريد نفسه (أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أنسب الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنقله منه (لتهتدوا) أي لكي تهتدوا بذلك الكذب (وأضل) أنا بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الكذب عليه من الكبائر أي تسمعون من الناس أن أبا هريرة يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لإرشاد الناس مع إضلاله نفسه بذلك الكذب (ألا) أي انتبهوا واستمعوا (وإني

أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَمْشِ فِي الأُخْرَى حَتى يُصْلِحَهَا". 5358 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أشهد) وأقسم بالله إني (لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا انقطع شسع) إحدى نعلي (أحدكم فلا يمش في) (الأخرى) التي لم ينقطع شسعها (حتى يصلحها) أي حتى يصلح شسع تلك الإحدى التي انقطع شسعها لما في المشي في إحداهما من التشبه بالشيطان لأن تلك المشية مشية الشيطان (والشسع) بشين معجمة مكسورة ثم سين مهملة ساكنة هو أحد سيور النعال وهو الذي يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع وجمعه شسوع اهـ نووي. قوله (إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الأخرى) قال الحافظ: هذا لا مفهوم له حتى يدل على الإذن في غير هذه الصورة وإنما هو تصوير خرج مخرج الغالب ويمكن أن يكون من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا منع مع الاحتياج فمع عدم الاحتياج أولى. وقد روي عن بعض الصحابة مثل عائشة وعلي وابن عمر رضي الله عنهم أنهم لم يروا باسًا بالمشي في نعل واحدة، قال ابن عبد البر: لم يأخذ أهل العلم برأي عائشة في ذلك، وقد ورد عن علي وابن عمر أيضًا أنهما فعلا ذلك وهو إما أن يكون بلغهما النهي فحملاه على التنزيه أو كان زمن فعلهما يسيرًا بحيث يؤمن معه المحذور أو لم يبلغهما النهي اهـ فتح الباري [10/ 315]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 424]، والنسائي [8/ 217]، وابن ماجه [3617]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 5358 - (00) (00) (وحدثنيه علي بن حجر السعدي) المروزي (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (أخبرنا الأعمش عن أبي رزين) مسعود بن مالك

وَأبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِهذَا الْمعْنَى. 5359 - (2064) (130) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ -فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ- عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ. وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وأبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى) أي بمعنى هذا الحديث المذكور، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لعبد الله بن إدريس والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5359 - (2064) (130) (وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل) وكذا المرأة (بشماله) لما فيه من التشبه بالشيطان لأن الشيطان يأكل بشماله ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شؤونه كلها (أو) تنويعية بمعنى الواو أي وأن (يمشي) الرجل وكذا المرأة (في نعل واحدة) لئلا يكون إحدى الرجلين أرفع من الأخرى ويكون سببًا للعثار ويقبح في المنظر ويعاب فاعله اهـ نهاية. وقال النووي: ويكره المشي في نعل واحدة أو خف واحد أو مداس واحد إلا لعذر ودليله هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم، قال العلماء: وسببه أن ذلك تشويه ومثلة ومخالف للوقار ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه وربما كان سببًا للعثار اهـ (و) نهى (أن يشتمل) أي أن يلبس الرجل الشملة (الصماء) أي اللبسة المسدودة التي لا منفذ لها لليد والصماء بالمد فسرها اللغويون بأن يجلل جسده بثوب واحدة أي يلفه عليه بحيث لا يبقى فيه فرجة يخرج منها يده وسميت بذلك لأنه سد المنافذ كالصخرة الصماء التي لا خرق فيها، وفسرها الفقهاء بأن يشتمل بثوب ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه على كتفه فعلة النهي على الأول خوف عدم دفع بعض الهوام المهلكة عنه، وعلته على الثاني ما فيه من كشف العورة كذا قال الأبي (و) نهى (أن يحتبي) الرجل (في ثوب واحد كاشفًا عن فرجه) والاحتباء بالمد أن يقعد

5360 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثنَا زُهَيرٌ. حَدَّثنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ- "إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ أَحدِكُمْ -أَوْ مَنِ انْقَطَعَ شِسعُ نَعْلِهِ- فَلَا يَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةِ حَتى يُصْلِحَ شِسْعَهُ. وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإنسان على أليتيه وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه كالحزام اليماني أو بيد وهو عادة العرب في مجالسهم فإن انكشف معه شيء من عورته فهو حرام والله أعلم. قال في المرقاة: والنهي إنما هو بقيد الكشف وإلا فهو جائز بل مستحب في غير حالة الصلاة اهـ. وقال القرطبي: كانت عادة العرب أن يحتبي الرجل بردائه فيشده على ظهره وعلى ركبتيه كان عليه إزار أو لم يكن فإن لم يكن انكشف فرجه مما يلي السماء لمن كان متطلعًا عليه متشبعًا وقد تقدم البحث عنه في كتاب الصلاة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 38]، وأبو داود [4865]، والترمذي [2767]، والنسائي [8/ 210]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5360 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (15) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة زهير بن معاوية لمالك بن أنس (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو) قال جابر أو أبو الزبير (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) والشك من أبي الزبير أو من زهير بن معاوية (إذا انقطع شسع) نعل (أحدكم) وسيره الذي يدخل بين الأصابع (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم فالشك من جابر أو قال جابر فيكون الشك من أبي الزبير (من انقطع شسع نعله) وسيره (فلا يمش في نعل واحدة) مخافة السقوط من مشيه كذلك لارتفاع الرجل المنتعلة من الرجل الحافية (حتى يصلح شسعه) المنقطع ويعيده إلى النعل (و) من تخرق أحد خفيه فـ

لَا يَمْشِ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ. وَلَا يَأْكُلْ بِشِمَالِهِ. وَلا يَحْتَبِي بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ. وَلَا يَلْتَحِفِ الصَّمَّاءَ". 5361 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيهِ عَلَى الأُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا يمش في خف واحد) حتى يصلح المخروق (ولا يأكل) أحدكم (بشماله ولا يحتبي) أي ولا يجمع أحدكم ظهره وساقيه (بالثوب الواحد) وكان مقتضى السياق أن يقول (ولا يحتب) بالجزم ولكن النسخ المتعددة الموجودة عندنا من المتون والشروح يحتبي بعدم الجزم وإثبات حرف العلة، ولعله أجرى المعتل مجرى الصحيح فأعربه بسكون مقدر على حرف العلة منع من ظهوره اشتغال المحل بالسكون الأصلي أو خبر بمعنى الإنشاء (ولا يلتحف) أحدكم أي لا يتلفف الالتفافة (الصماء) أي التي لا منفذ لها لإخراج اليد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5361 - (00) (00) (حدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة الليث لمالك بن أنس وزهير بن معاوية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء) أي عن الشملة الصماء أي عن اللبسة التي ليس لها مخرج لليد عند الحاجة إلى إخراجها لدفع الهوام مثلًا، وقد تقدم تعريفه عند اللغويين وعند الفقهاء فراجعه (و) نهى أيضًا عن (الاحتباء) والتلفف (في ثوب واحد) وقد تقدم تعريفه أيضًا (و) نهى أيضًا عن (أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو) أي والحال أنه (مستلق) أي مضطجع (على ظهره) ذكر أكثر الشراح أن وجه المنع في هذا مظنة انكشاف العورة فإذا أمن انكشافها فلا بأس به كما روي ذلك الرفع منه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في رواية عم عتاد بن تميم بن غزيَّة وهو عبد الله بن زيد، وعليه فيختص النهي بما إذا كان الرجل لابس الإزار ولا يتعدى إلى لابس السراويل فإنه لا يخشى عليه انكشاف العورة، ويحتمل أن يكون النهي لقبح المنظر أو

5362 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا) مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ. وَلَا تَحْتَبِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ. وَلَا تَأْكُلْ بِشِمَالِكَ. وَلَا تَشْتَمِلِ الصَّمَّاءَ. وَلَا تَضَعْ إحْدَى رِجْلَيكَ عَلَى الأُخرَى، إذَا اسْتَلْقَيتَ". 5363 - (00) (00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي الأَخْنَسِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ لظهور هيئة العورة وإن لم يقع انكشافها بالكلية وعليه فيعم النهي لابس السراويل أيضًا والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5362 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (قال إسحاق أخبرنا وقال ابن حاتم حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق. من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يحدّث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) هذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمن روى عن أبي الزبير، أي قال لجابر (لا تمش) يا جابر (في نعل واحد) وفي هذه الرواية والتي سبقت دلالة على أن النعل يذكر تارة ويؤنث أخرى (ولا تحتب) أي ولا تجمع ساقيك إلى ظهرك (في إزار واحد) ليس عليه غيره وكذا الرداء الواحد (ولا تأكل بشمالك) إلا لضرورة ككون اليمين مقطوعة أو شلاء أو مريضة (ولا تشتمل) أي ولا تلبس الشملة (الصماء) أي التي لا مخرج فيها لليد عند الحاجة (ولا تضع إحدى رجليك على الأخرى إذا استلقيت) أي إذا اضطجعت مستلقيًا على ظهرك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5363 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) (أخبرنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثني عبيد الله يعني ابن أبي الأخنس) النخعي الكوفي أو

عَنْ أبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَسْتَلْقِيَنَّ أَحَدُكُمْ ثُمَّ يَضَعُ إِحدَى رِجْلَيهِ عَلَى الأُخْرَى". 5364 - (2065) (131) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ؛ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيهِ عَلَى الأُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، صدوق، من (7) (عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لمن روى عن أبي الزبير (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستلقين) أي لا يضطجعن (أحدكم) على ظهره (ثم يضع إحدى رجلبه على الأخرى) خوفًا من انكشاف العورة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه فقال: 5364 - (2065) (131) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبّاد بن تميم) بن غزية بفتح فكسر ففتح مع التشديد الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عمه) عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب، وهذا السند من خماسياته (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيًا) أي مضطجعًا على ظهره (في المسجد) النبوي (واضعًا إحدى رجليه على الأخرى) زاد الإسماعيلي في روايته "وإن أبا بكر كان يفعل ذلك وعمر وعثمان " ذكره الحافظ في الفتح [10/ 399] وهذا بظاهره يعارض النهي المتقدم فذكر الخطابي أن النهي منسوخ بهذا الحديث ولكن القول بالنسخ فيه بعد، وجمع الآخرون بينهما بأن النهي مختص بما إذا خيف على كشف العورة، وفعله صلى الله عليه وسلم مختص بما يؤمن منه ذلك ويمكن الجمع بينهما بأن المكروه وضع الرجل على الأخرى إذا كانتا قائمتين، وفيه يمكن مظنة كشف العورة وقبح الهيئة أما إذا كانت الرجلان ممدودتين على الأرض ثم وضع إحداهما على الأخرى فلا بأس فيه لعدم المانع ويحمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك والله أعلم.

5365 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة القرطبي: والأولى الجمع بين الحديثين فيحمل النهي على ما إذا لم يكن على عورته شيء يسترها ويحمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها على أنه كان مستور العورة ولا شك أنها استلقاء استراحة إذا كان مستور العورة وقد أجازها مالك وغيره لذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 349]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في اللباس باب الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى [5969]، وأبو داود في الأدب باب الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى مستلقيًا [3765]، والترمذي [2767]، والنسائي في المساجد باب الاستلقاء في المسجد [721]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال: 5365 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة المذكورين رووا (عن ابن عيينة ح وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى التجيبي (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد) الكسي (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة المذكورين يعني ابن عيينة ويونس بن يزيد ومعمر بن راشد رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبَّاد بن تميم عن عبد الله بن زيد، فهذه الأسانيد الثلاثة الأول منها من خماسياته، والأخيران من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس وساقوا (مثله) أي مثل حديث مالك لفظًا ومعنى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأول حديث أنس بن مالك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والسادس حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والتاسع حديث عبد الله بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة

672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة 5366 - (2065) (131) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقتَيبَةُ بن سَعِيدٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا حَمَّادٌ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ. قَال قتَيبَةُ: قَال حَمَّادٌ: يَعْنِي لِلرِّجَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة 5366 - (2065) (131) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (وقال الآخران حدثنا حماد عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلنم نهى) الرجل (عن التزعفر) أي عن صبغ الثوب بالزعفران لأنه من صبغ النساء (قال قتيبة) في روايته (قال حماد يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التزعفر النهي والمنع اللرجال) والأصح أن النهي للتنزيه لا للتحريم، والزعفران شجر معروف صبغه أحمر، وقد سبقت هذه المسألة في هذا الكتاب في باب نهي الرجل عن الثوب المعصفر وهي أن العلماء اختلفوا في لبس الثياب المصبوغة بعصفر فجمهورهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أباحوا وهو مذهب الأحناف والشافعي ومالك وفي موظَئه: عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران، وفي شرحه للزرقاني عملًا بما رواه أعني ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته أخرجه أبو داود، ورواه أيضًا عن أم سلمة ولا يعارضه حديث الصحيحين عن أنس نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل، مر في أن النهي للونه أو لرائحته تردد لأنه للكراهة وفعله لبيان الجواز أو أن النهي محمول على تزعفر الجسد لا على الثوب أو

5367 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ. 5368 - (2066) (132) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ، أَوْ جَاءَ، عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على المحرم بحج أو عمرة لأنه من الطيب وقد نهي المحرم عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب النهي عن التزعفر للرجال [5846]، وأبو داود في الترجل باب في الخلوق [4179]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في كراهية التزعفر والخلوق للرجال [2815]، والنسائي في الزينة باب التزعفر [5256 و 5257]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5367 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد (بن نمير وأبو كريب قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس) رضي الله عنه (قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) نهي تنزيه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل ابن علية لحماد بن زيد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5368 - (066 2) (132) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر (أتي) بالبناء للمفعول أي جيء (بأبي قحافة) بضم القاف والد الصديق رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم (أو) قال جابر (جاء) أبو قحافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (عام الفتح أو يوم الفتح) والشك من أبي الزبير، وأبو قحافة اسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم، أسلم يوم فتح مكة، وله صحبة، ومات في المحرم سنة أربع

وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامِ أَو الثَّغَامَةِ. فَأمَرَ، أوْ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ، قَال: "غَيِّرُوا هذَا بِشَيءٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة من الهجرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة بعد وفاة ابنه أبي بكر الصديق بأشهر (ورأسه) أي أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم والحال أن رأسه (ولحيته) بيضاوان (مثل الثغام أو) قال جابر مثل (الثغامة) والثغام وكذا الثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة مثل سحاب وسحابة نبت ثمره وزهره شديد البياض في الأرميا (وإن أدي) شبه بياض الشيب به قاله أبو عبيد، وقال ابن الأعرابي: شجرة تبيض كانها الثلجة والملح. وأسند الفاكهي عن ابن مسعود قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار ذهبت أستخبر وأنظر هل أحد يخبرني عنه فأتيت دار أبي بكر فوجدت أبا قحافة فخرج علي ومعه هراوة فلما رآني اشتد نحوي وهو يقول هذا من الصباة الذين أفسدوا علي ابني، وجاء به أبو بكر رضي الله عنه يوم الفتح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلا تركت الشيخ في بيته حتى آتيه" فقال: يمشي هو إليك يا رسول الله أحق من أن تمشي، وأجلسه بين يديه ثم مسح على صدره فقال: "أسلم تسلم" كذا في الإصابة [2/ 453]. (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم (أو) قال جابر (فأمر به) أي بالمشي به (إلى نسائه) أي إلى محارمه أو زوجاته، والشك من أبي الزبير والآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (غيروا هذا) الشيب الذي نبت به (بشيء) من الخضاب يعني بالحمرة أو الصفرة كما تدل عليه الرواية الآتية وهذا أمر بتغيير الشيب قال به جماعة من الخلفاء والصحابة لكن لم يصر أحد إلى أنه على الوجوب، وإنما هو مستحب، وقد رأى بعضهم أن ترك الخضاب أفضل وبقاء الشيب أولى من تغييره متمسكين في ذلك بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغيير الشيب على ما ذكروه وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه ولا اختضب. قلت: وهذا القول ليس بشيء أما الحديث الذي ذكروه فليس بمعروف ولو كان معروفًا فلا يبلغ في الصحة إلى هذا الحديث، وأما قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب فليس بصحيح بل قد صح عنه أنه خضب بالحناء وبالصفرة على ما مضى،

5369 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: أُتِيَ بِأَبي قُحَافَةَ يَوْم فَتْحِ مَكَّةَ. وَرَأسُهُ وَلحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "غَيِّرُوا هذَا بِشَيءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويأتي إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. وقد ورد في بعض الأحاديث كراهية تغيير الشيب؛ فروى شعبة بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره تغيير الشيب، وروى الطبراني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة إلا أن ينتفها أو يخضبها" وذكر العيني في عمدة القاري [10/ 289] عن المحب الطبري أنه جمع بين الأحاديث بحمل أحاديث استحباب التغيير على من كانت له شيبته خالصة كشيبة أبي قحافة وحمل أحاديث النهي على من كان أشمط وجمع بينهما الطحاوي بحمل أحاديث النهي على النسخ. وشارك المؤلف في رواية الحديث أحمد [3/ 316]، وأبو داود في الترجل باب في الخضاب [4204]، والنسائي في الزينة باب النهي عن الخضاب بالسواد [5076]، وابن ماجه في اللباس باب الخضاب بالسواد [3668]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5369 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لأبي خيثمة (قال) جابر (أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته) أي شعرهما (كالثنامة بياضًا)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا هذا) البياض (بشيء) من الحمرة أو الصفرة (واجتنبوا) في تغييره (السواد) أي عن السواد أي عن الخضاب الأسود. وهذا أمر باجتناب السواد وكرهه جماعة منهم علي بن أبي طالب ومالك. قلت: وهو الظاهر من هذا الحديث وقد علل ذلك بأنه من باب التدليس على النساء وبأنه سواد في الوجه فيكره لأنه تشبه بسيما أهل النار وقد روى أبو داود

5370 - (2067) (123) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ -وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثنَا) سُفْيَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها" أخرجه برقم [4212] غير أنه لم يسمع أن أحدًا من الصحابة قال بتحريم ذلك بل قد روي عن جماعة كثيرة من السلف أنهم كانوا يصبغون بالسواد منهم عمر وعثمان والحسن والحسين وعقبة بن عامر ومحمد بن علي وعلي بن عبد الله بن عباس وعروة بن الزبير وابن سيرين وأبو بردة في آخرين، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: هو أشكر للزوجة وأرهب للعدو. (قلت) ولا أدري عذر هؤلاء عن حديث أبي قحافة ما هو فأقل درجاته الكراهة كما ذهب إليه مالك. (قلت) وأما الصباغ بالحناء بحتًا وبالحناء والكتم (والكتم بالتحريك نبت يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود، وقال الزهري الكتم نبت فيه حمرة) فلا ينبغي أن يختلف فيه لصحة الأحاديث بذلك غير أنه قال بعض العلماء إن الأمر في ذلك محمول على حالين أحدهما عادة البلد فمن كانت عادة موضعه ترك الصبغ فخروجه عن المعتاد شهرة تقبح وتكره، وثانيهما اختلاف حال الناس في شيبهم فرب شيبة نقية هي أجمل، أجمل بيضاء منها مصبوغة وبالعكس فمن قبحه الخضاب اجتنبه ومن حسنه استعمله. وللخضاب فائدتان إحداهما تنظيف الشعر مما يتعلق به من الغبار والدخان، والأخرى مخالفة أهل الكتاب لقوله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصبغون". (قلت) ولكن هذا الصباغ بغير السواد تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "اجننبوا السواد، والله تعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5370 - (2067) (123) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب واللفظ ليحيى قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن

عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ. فَخَالِفُوهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عيينة عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (وسليمان بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة المدني كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون) من باب نصر أي لا يخضبون لحاهم وشعورهم (فخالفوهم) أيها المسلمون بخضاب لحاكم وشعوركم إذا شاب وابيضَّ أي اصبغوا لحاكم مما ليس بسواد لقوله صلى الله عليه وسلم؛ "واجتنبوا السواد" وخلاصة ما قال النووي في هذا الباب في الخضاب أقوال، أصحها أن خضاب الشيب للرجل والمرأة بالحمرة والصفرة مستحب وبالسواد حرام، قال صاحب المحيط: هذا في حق غير الغزاة، وأما من فعل ذلك من الغزاة ليكون أهيب في عين العدو لا للتزين فغير حرام، ولعل ما روي أن عثمان والحسن والحسين خضبوا لحاهم بالسواد كان للمهابة لا للزينة والله أعلم اهـ. وحاصل الكلام في ذلك أن الخضاب بالسواد يختلف حكمه باختلاف الأغراض على أقوال: الأول: أن يكون الخضاب بالسواد من الغزاة ليكون أهيب في عين العدو وهذا جائز بالاتفاق. والثاني: أن يفعله الرجل للغش والخداع وليري نفسه شابًّا وليس بشاب فهذا ممنوع بالاتفاق، لاتفاق العلماء على تحريم الغش والخداع. والثالث أن يفعله للزينة فهذا فيه اختلاف بين العلماء فأكثرهم على كراهته تحريمًا وروي عن أبي يوسف أنه قال: كما يعجبني أن تتزين لي يعجبها أن أتزين لها. وحديث الباب حجة المانعين لأن الأمر بالاجتناب ها هنا عام مطلق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 240]، والبخاري في اللباس باب الخضاب [5899]، وأبو داود في الترجل باب الخضاب [4203]، والترمذي في اللباس باب ما جاء في الخضاب [1851]، والنسائي في الزينة باب الإذن في الخضاب [5069 إلى 5072]، وابن ماجه في اللباس باب الخضاب بالحناء [3665]. "دقيقة" وإنما ذكروا الخضاب في كتاب اللباس لأن الخضاب لباس الشعر يمنعه من

5371 - (2068) (134) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: وَاعَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ، فِي سَاعَةٍ يَأتِيهِ فِيهَا. فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ. وَفِي يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ. وَقَال: "مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ، وَلَا رُسُلُهُ" ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوسخ والغبار كما أن الثياب لباس البشرة تمنعه من الوسخ والغبار فبينهما مناسبة. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5371 - (2068) (134) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي حازم المخزومي سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (قالت واعد) أي عاهد (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية (جبريل - عليه السلام -) بالرفع على الفاعلية أي واعده أن يأتيه (في ساعة) عيّنها له صلى الله عليه وسلم أن (يأتيه فيها فجاءت) أي مضت (تلك الساعة ولم يأته) صلى الله عليه وسلم جبريل فيها (وفي يده) صلى الله عليه وسلم (عصا فألقاها من يده) أي فألقى النبي صلى الله عليه وسلم تلك العصا ورماها تأسفًا على تخلف جبريل عن الميعاد، ويستفاد من هذا أن الإنسان إذا واعد آخر وأخلف لعذر شرعي فلا يلام عليه (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يخلف الله) تعالى (وعده) أي ما يترك وفاء ما وعده لعباده (ولا) يخلف (رسله) من الإنس والملائكة وفاء وعدهم لمن وعدوه فكيف أخلفني جبريل وعده، قال الأبي: لا يقال يدل هذا على وجوب الوفاء بالوعد لأن الوجوب على القول به مشروط بانتفاء المانع (ثم) بعدما رمى عصاه وقال ذلك (التفت) النبي صلى الله عليه وسلم في نواحي البيت (فإذا جرو كلب) أي ولده مختف (تحت سريره) صلى الله عليه وسلم والجرو بكسر الجيم وفتحها وضمها مع سكون الراء فيها

فَقَال: "يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هذَا الْكَلْبُ ههُنَا؟ " فَقَالتْ: وَاللهِ، مَا دَرَيتُ. فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. فَجَاءَ جِبْرِيلُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ". فَقَال: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيتِكَ. إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاث لغات مشهورات فيها هو الصغير من أولاد الكلب وسائر السباع يجمع على أَجْرٍ وجراء، وجمع الجراء أجرية (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (يا عائشة متى دخل هذا الكلب هاهنا) أي تحت السرير (فقالت) عائشة (والله ما دريت) ولا علمت في أي وقت دخل هاهنا (فأمر) صلى الله عليه وسلم (به) أي بإخراج ذلك الجرو من البيت (فأخرج) الجرو من البيت (فجاء جبريل) - عليه السلام - (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدتني) الإتيان (فجلست) انتظارًا (لك فلم تأت) إليّ فلم أخلفتني موعدي (فقال) جبريل - عليه السلام - (منعني) أي حجزني عن الإتيان إليك يا محمد (الكلب الذي كان في بيتك إنا) معاشر الملائكة (لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) حيوان، وظاهر الحديث يدل على عموم الملائكة فيؤخذ منه أنه لا يدخل أي ملك في البيت الذي فيه كلب أو صورة، وقيل يستثنى من ذلك الحفظة فإنهم لا يفارقون الشخص في حال من الأحوال وبذلك جزم ابن وضاح والخطابي وآخرون، لكن قال القرطبي: الظاهر العموم والمخصص يعني الدال على كون الحفظة لا يمتنعون من الدخول ليس نصًّا، قال الحافظ: ويؤيده أنه من الجائز أن يطلعهم الله تعالى على عمل العبد ويسمعهم قوله وهم بباب الدار التي هوفيها مثلًا، وحمله بعضهم على ملائكة الرحمة، وذهب الداودي وابن وضاح إلى أن المراد ملائكة الوحي فقط وعلى هذا يلزم اختصاص النهي بعهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الوحي انقطع بعده وبانقطاعه انقطع نزولهم وهذا قول شاذ، هذا ملخص ما في فتح الباري. قوله (لا ندخل بيتًا فيه كلب) قال الحافظ في الفتح [10/ 381] والمراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك، والظاهر العموم في كل كلب لأنه نكرة في سياق النهي، وذهب الخطابي وطائفة إلى استثناء الكلاب التي أذن في اتخاذها وهي كلاب الصيد والماشية والزرع، وجنح القرطبي إلى ترجيح العموم وكذا قال النووي واستدل لذلك بقصة الجرو قال فامتنع جبريل من دخول البيت الذي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان فيه الجرو مع ظهور العذر فيه، قال: فلو كان العذر لا يمنعهم من الدخول لم يمتنع جبريل من الدخول اهـ ويحتمل أن يقال لا يلزم من التسوية بين ما علم به أو لم يعلم فيما لم يؤمر باتخاذه أن يكون الحكم كذلك فيما أذن في اتخاذه اهـ، قال القرطبي: واختلف في المعنى الذي في الكلب حتى منع الملائكة من دخول البيت الذي هو فيه، فقيل لكونها نجسة العين ويتأيد ذلك بما ورد في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم فأمر بنضح موضع الكلب، وقيل لكونها تأكل النجاسات أو لأنها من الشياطين والملائكة أضداد لهم أو لقبح رائحته لأجل النجاسة التي تتعلق بها فإنها تكثر أكل النجاسات وتتلطخ بها. وأما الصورة فيراد بها التماثيل من ذوات الأرواح ويستثنى من ذلك الصورة المرقومة كما نص عليه في الحديث على ما يأتي وإنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه التمثال لأن متخذها في بيته قد تشبه بالكفار الذين يتخذون الصور في بيوتهم ويعظمونها فكرهت الملائكة ذلك منه فلم تدخل بيته هجرانًا له وغضبًا عليه اهـ من المفهم. قال النووي: قوله (ولا صورة) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقًا على حائط أو ثوبًا ملبوسًا أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنًا فهو حرام ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له هذا ملخص ما في مذهبنا، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، وإن كان في بساط يداس أو مخدة أو وسادة أو نحوها مما يمتهن فليس بحرام، ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة في ذلك البيت، فيه كلام تذكره قريبًا، وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة، وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقمًا في ثوب أو غير رقم وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملًا بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم رحمه الله تعالى وهذا مذهب قوي، وقال آخرون:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز منها ما كان رقمًا في ثوب سواء امتهن أم لا وسواء علق في حائط أم لا، وكرهوا ما كان له ظل أوكان مصورًا في الحيطان وشبهها سواء كان رقمًا أو غيره واحتجوا بقوله في بعض أحاديث الباب (وإلا ما كان رقمًا في ثوب) وهذا مذهب القاسم بن محمد وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره، قال القاضي: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث. وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام وكذلك اتخاذ ما فيه ذلك والله أعلم اهـ نووي. هذا حكم الصورة في الأصل أما اتخاذ الصورة الشمسية للضرورة أو الحاجة كحاجتها في جواز السفر وفي التأشيرات وفي البطاقات الشخصية أو مواضع يحتاج فيها إلى معرفة هوية المرء فينبغي أن يكون مرخصًا فيه فإن الفقهاء رحمهم الله تعالى استثنوا مواضع الضرورة من الحرمة، قال الإمام محمد في السير الكبير: كان تحققت له الحاجة إلى استعمال السلاح الذي فيه تمثال فلا بأس باستعماله، وأعقبه السرخسي في شرحه [2/ 278] بقوله لأن مواضع الضرورة مستثناة من الحرمة، كما في تناول الميتة، وذكر السرخسي أيضًا أن المسلمين يتبايعون بدراهم الأعاجم التي فيها التماثيل بالتيجان وبالنوط العصري الذي فيه تماثيل الملوك ولا يمنع أحد عن المعاملة بذلك، وقال في موضع آخر من شرحه [3/ 212] لا بأس بأن يحمل الرجل في حال الصلاة دراهم العجم التي فيها صورة ملكهم أو صورة حيوان كالأسد والنمر وكذا النوط العصري كالفئات السعودية العصرية لضرورة الاستعمال هان كان فيها تمثال ملكهم على سريره وعليه تاجه، وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز لعائشة رضي الله تعالى عنها اللعب بالبنات، وإن الفقهاء أباحوا للمرأة أن تكشف عن وجهها عند أداء الشهادة التي عليها. وأما التلفزيون والفيديو فلا شك في حرمة استعمالها بالنظر إلى ما يشتملان عليه من المنكرات الكثيرة من الخلاعة والمجون والكشف عن النساء المتبرجات أو العاريات وإلى غير ذلك من أسباب الفسوق اللاتي يشتملان عليها ولأنهما من أكبر الملاهي

5372 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، عَنْ أبي حَازِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يُطَوِّلْهُ كَتَطْويلِ ابْنِ لأبِي حَازِمٍ. 5373 - (2069) (135) حدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المحرمة التي ألهت الناس عن عباداتهم وأشغالهم الدنيوية حتى سهروا فيها طول الليل وناموا عن صلاة الصبح وهما من أكبر المصائب والآفات الدينية والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 142]، وابن ماجه في اللباس باب الصور في البيت [3695]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5372 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا) المغيرة بن سلمة القرشي (المخزومي) أبو هشام البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب، مات سنة (200) مائتين (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وهيب بن خالد لعبد العزيز بن أبي حازم (أن جبريل وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فذكر) وهيب بن خالد (الحديث) السابق (ولم يطوله) أي ولم يطول وهيب الحديث كتطويل) عبد العزيز (بن أبي حازم). ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث ميمونة بنت الحارث رضي الله تعالى عنهما فقال: 5373 - (2069) (135) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري

عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسِ قَال: أَخْبَرَتْنِي مَيمُونَةُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا. فَقَالتْ مَيمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيلَةَ. فَلَمْ يَلْقَنِي. أَمَ وَاللهِ، مَا أَخْلَفَنِي" قَال: فَظَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَهُ ذلِكَ عَلَى ذلِكَ. ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن) عبيد (بن السباق) بمهملة وموحدة مشددة الثقفي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الزكاة واللباس (أن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (قال أخبرتني) خالتي (ميمونة) بنت الحارث الهلالية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يومًا واجمًا) أي حزينًا مهمومًا ساكتًا، قال أهل اللغة: الواجم هو الساكت الذي يظهر عليه أثر الهم والكأبة، وقيل هو الحزين، وفي النهاية الواجم الذي أسكته الهم وعلته الكآبة يقال وجم يجم وجومًا إذا حزن واهتم (فقالت ميمونة يا رسول الله) والله (لقد استنكرت) أي أنكرت (هيئتك) وحالك وشأنك وصفتك (منذ اليوم) أي في هذا اليوم ومنذ هنا حرف جر بمعنى في متعلق باستنكرت لوقوعها بعد الماضي فـ (قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جوابها (أن جبريل) - عليه السلام - (كان وعدني أن يلقاني) ويأتيني (الليلة) أي في هذه الليلة البارحة (فلم يلقني) أي فلم يأتني (أم) وفي نسخة المشارق (أما) بإثبات الألف وحذفت الألف منها هنا للتخفيف في سرعة الكلام وهي حرت تنبيه واستفتاح أي انتبهي واستمعي ما أقول لك (والله ما أخلفني) في وعده قط قبل هذا فلذلك أخذني الهم أو المراد أن هذا ليس إخلافًا منه للوعد بل لا بد أن يكون وعده مقيدًا بامر فقد وإلا فلا يتصور منه إخلاف في الوعد (قال) ابن عباس قالت ميمونة (فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أو (قال) الراوي يعني ميمونة (فظل رسول الله) أي دام (يومه) أي طول نهاره (ذلك على ذلك) الهم (ثم وقع في نفسه) الشريفة أي خطر في قلبه (جرو كلب) أي كون ولد كلب (تحت فسطاط لنا) أي تحت ستارة بيتنا، وأصل الفسطاط عمود الأخبية التي يقام عليها، والمراد به هنا بعض حجال البيت وستائره التي تجعل على السرير، وفي

فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءَ فَنَضَحَ مَكَانَهُ. فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ. فَقَال لَهُ: "قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ" قَال: أَجَلْ. وَلكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صورَةٌ. فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَئِذٍ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلابِ. حَتى إِنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية ابن وهب عند أبي داود (تحت بساط لنا)، وفي رواية شعيب عند النسائي "تحت نضد لنا" وهو بفتح الضاد السرير الذي تنضد عليه الثياب أي يجعل بعضها فوق بعض وهو أيضًا متاع البيت المنضود كذا فسره السيوطي في زهر الربى، ومعنى الروايات الثلاث متقارب فإنه يحتمل أن يكون البساط مصنوعًا مما يصنع منه الفسطاط وهو الخباء الكبير فصح عليه إطلاق البساط والفسطاط والنضد اهـ من التكملة، فرأى الجرو تحت الفسطاط (فأمر به) أي أمر بإخراج الجرو (فأخرج) الجرو من البيت (ثم أخذ) صلى الله عليه وسلم (ليده ماء فنضح) أي رش الماء (مكانه) أي مكان الجرو، استدل بهذا من قال بأن الكلب نجس العين ولكن الحديث ليس صريحًا في ذلك لأن النضح يمكن أن يكون احتياطًا لما يخاف من الكلب أنه بال أو أصاب المكان شيء من لعابه (فلما أمسى) صلى الله عليه وسلم أي دخل مساء ذلك اليوم (لقيه) صلى الله عليه وسلم (جبريل) الأمين - عليه السلام -، وهذا الحديث صريح في أن إتيان جبريل تأخر يومًا كاملًا والذي يظهر من حديث عائشة السابق ولا سيما من رواية ابن ماجه أن الجرو أخرج في نفس اليوم ولقيه جبريل - عليه السلام - فورًا بعد إخراجه فإما أن تكون قصة حديث عائشة وقصة حديث ميمونة مختلفتين واما أن يكون أحد الرواة وهم في تفصيل القصة وقد مر غير مرة أن وهم الراوي في مثل هذه الجزلْيات لا يقدح في صحة أصل الحديث والله أعلم (فقال له) أي لجبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد كنت) يا جبريل (وعدتني) أي أخبرتني (أن تلقاني) أي أن تأتيني (البارحة) أي الليلة الماضية قريبًا فأين ميعادك يا جبريل (قال) جبريل - عليه السلام - (أجل) أي نعم وعدتك الإتيان إليك في البارحة (ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) حيوان وفي بيتك كلب ولذلك أخلفتك (فأصبح) أي دخل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الصباح (يومئذ) أي يوم إذ جاءه جبريل فأخبره بوجود الكلب في بيته صلى الله عليه وسلم وهو اليوم الثاني من يوم التخلف (فأمر بقتل الكلاب حتى إنه) صلى الله عليه وسلم كان (يأمر بقتل كلب الحائط الصغير).

وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير) عبّر بالمضارع دون الماضي لقصد المبالغة بتصور تلك الحال الماضية حتى تكون نصب الفكر كأنها مشاهدة في الحال ليكون ذلك حاملًا على الامتثال. وقوله يترك معطوف على يأمر على معنى أنه لم يأمر بقتل كلب الحائط الكبير وهو مستفاد من وصف الحائط بالصغير وفيه دليل لمن عمل بالمفهوم وفيه نظر اهـ سنوسي. والمراد بالحائط هنا البستان. (ويترك كلب الحائط الكبير) وفرّق بينهما لأن الكبير تدعو الحاجة إلى حفظ جوانبه لسعته ولا يتمكن الناظور من المحافظة على ذلك بخلاف الصغير، والأمر بقتل الكلاب منسوخ وسبق إيضاحه في كتاب البيوع حيث بسط مسلم أحاديثه هناك اهـ نووي. قال القرطبي: (قوله فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب) كذا رواه جميع الرواة "فأصبح فأمر" مرتبًا بفاء التسبيب فيدل ذلك على أن أمره بقتل الكلاب في ذلك اليوم كان لأجل امتناع جبريل من دخول بيته، ويحتمل أن يكون ذلك لمعنى آخر غير ما ذكرناه وهو أن ذلك إنما كان لينقطعوا عما كانوا ألفوه من الإنس بالكلاب والاعتناء بها واتخاذها في البيوت والمبالغة في إكرامها وإذا كان كذلك كثرت وكثر ضررها بالناس من الترويع والجرح وكثر تنجيسها للديار والأزقة فامتنع جبريل من الدخول لأجل ذلك ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقتل الكلاب فانزجر الناس عن اتخاذها وعما كانوا اعتادوه منها والله أعلم، وفيه من الفقه أن الكلاب يجوز قتلها لأنها من السباع لكن لما كان في بعضها منفعة وكانت من النوع المستأنس سومح فيما لا يضر منها اهـ من المفهم. قوله (حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير) .. الخ هذا يدل على جواز اتخاذ ما ينتفع به من الكلاب في حفظ الحوائط وغيرها ألا ترى أن الحائط الكبير لما كان يحتاج إلى حفظ جوانبه ترك له كلبه ولم يقتله بخلاف الحائط الصغير منها فإنه أمر بقتل كلبه لأنه لا يحتاج الحائط الصغير إلى كلب فإنه ينحفظ من غير كلب لقرب جوانبه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 335]، وأبو داود في اللباس [4157]، والنسائي في الصيد [4283].

5374 - (2070) (136) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ (قَال يَحْيَى وإسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائكَةُ بَيتًا فِيهِ كلْبٌ وَلَا صُورَةٌ". 5375 - (00) (00) حدّثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 5374 - (2070) (136) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد) ابن محمد بن بكير بن سابور أبو عثمان البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال يحيى وإسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الأعمى أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة) حيوان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب من كره القعود على الصور [5859] وفي غيره، وأبو داود في اللباس باب في الصور [4153] إلى 4155]، والترمذي في الأدب [2804]، والنسائي في الزينة [5347 إلى 5355]، وابن ماجه في اللباس باب الصور في البيت 3693 []. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي طلحة رضي الله عنه فقال: 5375 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني (أنه سمع ابن عباس يقول سمعت أبا طلحة يقول سمعت رسول الله صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ كَلْبْ وَلَا صُورَةٌ". 5376 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ، وَذِكْرِهِ الأَخْبَارَ فِي الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه فقال: 5376 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة، غرضه بيان متابعة معمر ليونس وساق معمر (مثل حديث يونس وذكره) بالجر معطوف على حديث، والضمير عائد على يونس وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، وقوله (الأخبار) مفعول به للذكر، وقوله (في الإسناد) متعلق بالذكر والمعنى: وساق معمر الحديث مثل ما ساق يونس، وذكر الأخبار أي السماع والعنعنة في الإسناد مثل ما ذكرهما يونس في آخر السند أي ذكر معمر العنعنة والسماع في الموضع الذي ذكرهما فيه يونس والمعنى: وساق معمر الحديث مثل ما ساقه يونس متنًا وسندًا والله أعلم. وفي قوله الأخبار اكتفاء قال النووي: قال العلماء: سبب امتناع الملائكة من دخول بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب كثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطانًا كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشيطان، وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار .. إلخ اهـ نووي.

5377 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إنَّ الْمَلائكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ". قَال بُسْرْ: ثُمَّ اشْتَكَى زيدٌ بَعْدُ. فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ. قَال: فَقُلْتُ لِعُبَيدِ اللهِ الْخَوْلانِيِّ، رَبِيبِ مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي طلحة رضي الله عنه فقال: 5377 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن بسر بن سعيد) الحضرمي مولاهم المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن خالد) الجهني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه (صاحب) أي ملازم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) سفرًا وحضرًا وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زيد بن خالد لابن عباس، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (أنه) أي أن أبا طلحة (قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) حيوان، قال بكير بن الأشج (قال) لنا (بسر) ابن سعيد (ثم اشتكى) ومرض (زيد) بن خالد (بعد) أي بعدما روى لنا هذا الحديث قال بسر (فعدناه) أي فعدنا زيدا من مرضه (فإذا على بابه) أي على باب دار زيد (ستر فيه صورة) حيوان (قال) بسر (فقلت لعبيد الله) بن الأسود (الخولاني) وهو معي (رببب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها، قال الحافظ في التهذيب [7/ 3] المراد بقوله (ربيب ميمونة أنها ربته فقيل كان مولاها لا أنه ابن زوجها) أخرج عنه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه اهـ. أي قلت لعبيد الله بن الأسود حين رأينا على بابه صورة حيوان (ألم يخبرنا زيد) بن

عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَال عُبَيدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَال: إلا رَقْمًا فِي ثَوْبِ. 5378 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ زَيدَ بْنَ خَالِدِ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ، وَمَعَ بُسْرِ عُبَيدُ اللهِ الْخَوْلانِيُّ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خالد النهي (عن الصور يوم الأول) بالإضافة من إضافة الموصوف إلى صفته أي في اليوم الأول والوقت الماضي فكيف يجعل سترًا فيه صورة على بابه (فقال) لي (عبيد الله) بن الأسود (ألم تسمعه) يا بسر أي ألم تسمع زيدًا (حين قال) لنا في تحديثه لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة" (إلا رقمًا) ونقشًا (في ثوب) فإنه جائز أي إلا إن كانت تلك الصورة رقمًا وكتابة في ثوب، قال النووي: وهذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقمًا مطلقًا وجوابنا وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم صورة وغيره مما ليس بحيوان وقد قدمنا أن هذا جائز عندنا اهـ أقول ترد ما قاله المحتج الأحاديث المروية الآتية عن عائشة رضي الله تعالى عنها فانظر، ومن المعلوم أن مسلك مسلم رحمه الله تعالى أن يأتي بالحديث المنسوخ أولًا ثم بناسخه والله أعلم اهـ. وقال الطحاوي: يحتمل قوله إلا رقمًا في ثوب أراد به رقمًا يوطأ ويمتهن كالبسط والوسائد اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي طلحة رضي الله عنه فقال: 5378 - (00) (00) (حدثنا أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكير) ابن عبد الله (ابن الأشج) المخزومي المصري (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن بسر بن سعيد) الحضرمي المدني (حدثه) أي حدّث لبكير (أن زيد بن خالد الجهني حدّثه) أي حدّث لبسر بن سعيد (ومع بسر) بن سعيد (عبيد الله) بن الأسود (الخولاني) نسبة إلى خولان قبيلة أي حدث زيد لبسر (أن أبا طلحة) الأنصاري (حدثه) أي حدث لزيد بن خالد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة) حيوان غير ممتهنة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد

قَال بُسْرٌ: فَمَرِضَ زيدُ بْنُ خَالِدٍ. فَعُدْنَاهُ. فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاويرُ. فَقُلْتُ لِعُبَيدِ اللهِ الْخَوْلانِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاويرِ؟ قَال: إِنَّهُ قَال: إلا رَقْمًا فِي ثَوْبِ. أَلَمْ تَسْمَعْهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَال: بَلَى. قَدْ ذَكَرَ ذلِكَ. 5379 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَبِي الْحُبَابِ، مَوْلَى بَنِي النَّجَّارِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأنْصَارِيِّ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ كلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ". قَال فَأَتَيتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال بسر) بن سعيد (فمرض زيد بن خمالد) بعد ما حدثنا هذا الحديث (فعدناه) من مرضه ومعي عبيد الله الخولاني (فإذا نحن) راؤون (في بيته بستر فيه تصاوير) حيوان (فقلت لعبيد الله الخولاني ألم يحدثنا) زيد بن خالد النهي (في التصاوير) فكيف يتركها في بيته (قال) عبيد الله (إنه) أي إن زيدًا (قال) في حديثه (إلا رقمًا في ثوب ألم تسمعه) أي ألم تسمع زيدًا حين قال ذلك (قلت) لعبيد الله (لا) أي ما سمعته قال ذلك (قال) عبيد الله (بلى قد ذكر) زيد (ذلك) الاستثناء يعني إلا رقمًا في ثوب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه فقال: 5379 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن سعيد بن يسار أبي الحباب) كنية لسعيد بدل أول من سعيد، وقوله (مولى بني النجار) بدل ثان منه المدني، وقيل مولى ميمونة، وقيل مولى شقران مولى عثمان، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن زيد بن خالد الجهني) المدني رضي الله عنه (عن أبي طلحة الأنصاري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن يسار لبسر بن سعيد (قال) أبو طلحة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تماثيل) أي صور حيوان. (قال) سعيد بن يسار (فأتيت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فقلت) لها (إن هذا)

يُخْبِرُنِي؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائكَةُ بَيتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ" فَهَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ذلِكَ؟ فَقَالتْ: لَا. وَلكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ مَا رَأَيتُهُ فَعَلَ، رَأَيتُهُ خَرَجَ فِي غَزَاتِهِ. فَأَخَذْتُ نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ. فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ، عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ. فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ. وَقَال: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني زيد بن خالد الجهني (يخبرني) عن أبي طلحة الأنصاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تماثيل فهل سمعت) بالكسر خطابًا لمؤنث (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك) الذي حدثنيه زيد بن خالد عن أبي طلحة (فقالت) عائشة لسعيد بن يسار (لا) أي ما سمعته صلى الله عليه وسلم حدث ذلك الذي ذكرته (ولكن سأحدثكم) أيها الحاضرون عندي من سعيد ومن معه (ما رأيته) صلى الله عليه وسلم (فعل) في مثل هذه التماثيل (رأيته خرج) من المدينة (في) بعض (غزاته) وهي غزوة تبوك كما رواه (ذ) لما خرج (أخذت نمطًا) كان عندي، وهو ضرب من البسط له خمل رقيق لأزين به البيت استعدادًا لقدومه من السفر (فسترته) أي فجعلت ذلك النمط ستارة (على الباب) قال القرطبي: أي سترت به الباب أو جعلته سترًا على الباب اهـ مفهم. وهذا النمط هو الذي عبّر عنه في الرواية الأخرى بـ (الدرنوك) ويقال بضم الدال وفتحها وهو الستر الذي كان فيه تماثيل الخيل ذوات الأجنحة، وقوله (على الباب) يراد بالباب هنا باب السهوة المذكورة في الرواية الأخرى وهي بيت صغير يشبه المخدع، وقال الأصمعي: هي شبه الطاق يجعل فيه الشيء، وقيل شبه الخزانة الصغيرة وهذه الأقوال متقاربة اهـ من المفهم (فلما قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره (فرأى النمط) على الباب (عرفت الكراهية) والغضب (في وجهه) الشريف (فجذبه) أي جذب النمط وأخذه بسرعة وشدة (حتى هتكه) أي حتى قطعه وأتلف الصورة التي فيه وهو بمعنى قطعه (أو) قالت عائشة حتى (قطعه) والشك من الراوي عنها أي حتى قطع ما فيه من الصور قطعًا قطعًا، وهذا يدل على أن ما صنع على غير الوجه المشروع لا مالية له ولا حرمة وأن من كسر شيئًا منها وأتلف تلك الصورة لم يلزمه ضمان اهـ من المفهم (وقال) صلى الله عليه وسلم (إن الله) سبحانه وتعالى (لم يأمرنا أن نكسو الحجارة

وَالطِّينَ" قَالتْ: فَقَطَعْنَا مِنهُ وسَادَتَينِ وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا. فَلَمْ يَعِبْ ذلِكَ عَلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ والطين) كسوة أي المركب منهما وهو الجدران وغيرها، قال النووي: استدلوا بهذا على أنه يمنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم هذا هو الصحيح، وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي من أصحابنا: هو حرام وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب ولا يقتضي التحريم اهـ (قالت) عائشة (فقطعنا) معاشر أهل البيت (منه) أي من ذلك النمط (وسادتين) أي مخدتين (وحشوتهما) أي ملأت جوفهما (ليفًا) أي ليف النخل أو ليف الشجر المعروف بهذا الاسم (فلم يعب) من عاب يعيب عيبأ من باب باع أي لم يعب صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي قطعه واتخاذ الوسادتين منه (علي) أي لم يعده ممنوعًا فسكت عني واستدل به على جواز اتخاذ الوسائد اهـ. قوله (فلما رأى النمط عرفت الكراهية في وجهه) إنما عرفت الكراهية في وجهه لأنه تلون وجهه ووقف ولم يدخل كما جاء في الطريق الآخر (ولما رأت تلك الحال خافت فقدمت في اعتذارها التوبة، ثم سألت عن الذنب فإنها لم تعرفه فعند ذلك جبذ النمط فهتكه) فحصل من مجموع هذه القرائن أن اتخاذ الثياب التي فيها التماثيل حرام رقمًا كان فيها أو صبغًاوهو مذهب ابن شهاب فإنه منع الصور على العموم واستعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه رقما كانت أو غيره في ثوب أو حائط يمتهن أو لا يمتهن تمسكًا بعمومات هذا الباب وبما ظهر من هذا الحديث وذهب آخرون إلى جواز كل ما كان رقمًا في ثوب يمتهن أو لا معلقًا كان أو لا وهو مذهب القاسم بن محمد تمسكًا بحديث زيد بن خالد حين قال (إلا ما كان رقمًا في ثوب) وذهب آخرون إلى كراهة ما كان منها معلقًا وغير ممتهن لأن ذلك مضاهاة لمن يعظم الصور ويعبدها كالنصارى وكما كانت الجاهلية تفعل. والحاصل من مذاهب العلماء في الصور أن كل ما كان منها ذا ظل فصنعته واتخاذه حرام ومنكر يجب تغييره ولا يختلف في ذلك إلا ما ورد في لعب البنات لصغار البنات وفيما لا يبقى من الصور كصور الفخار ففي كل واحد منهما قولان غير أن المشهور في لعب البنات جواز اتخاذها للرخصة في ذلك لكن كره مالك شراء الرجل لها لأولاده لأنه ليس من أخلاق أهل المروءات والفضل غير أن المشهور فيما لا يبقى المنع، وأما ما كان رقمًا أو صبغًا مما ليس له ظل فالمشهور فيه الكراهة اهـ من المفهم.

5381 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ لنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ. وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قول عائشة: (فقطعنا منه وسادتين) .. إلخ يحتمل أن يكون هذا التقطيع أزال شكل تلك الصورة وأبطلها فيزول الموجب للمنع ويحتمل أن تكون تلك الصور أو بعضها باقيًا لكنها لما امتهنت بالقعود عليها سامح فيها وقد ذهب إلى كل احتمال منهما طائفة من العلماء والحق أن كل ذلك محتمل وليس أحد الاحتمالين بأولى من الآخر ولا معين لأحدهما فلا حجة في الحديث على واحد منهما، وإنما الذي يفيده هذا الحديث جواز اتخاذ النمارق والوسائد في البيوت اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في اللباس باب ما وطئ من التصاوير [5954 و 5955]، وأبو داود [4154]، والنسائي في الزينة باب التصاوير [5352 إلى 5355] وفي غيره، وابن ماجه في اللباس باب الصور فيما يوطأ [3697]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5381 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن حميد بن عبد الرحمن) الحميري البصري الفقيه، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعد بن هشام لسعيد بن يسار (قالت) عائشة (كان لنا) أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (ستر) على باب سهوة (فيه) أي في ذلك الستر (تمثال طائر) أي صورة طائر أي صورة خيل لها أجنحة كما في بعض الروايات، قال النووي: وهذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذها فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة اهـ (وكان الداخل) في بيتنا (إذا دخله) أي إذا دخل البيت (استقبله) أي استقبل الداخل ذلك الستر تعني يراه

فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "حَوِّلِي هذَا. فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا" قَالتْ: وَكَانَتْ لَنَا قَطِيفَةٌ كُنَّا نَقُولُ عَلَمُهَا حَرِيرٌ. فَكُنَّا نَلْبَسُهَا. 5382 - (00) (00) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الأعْلَى، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أول ما يرى من البيت (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حوِّلي) أي انقلي (هذا) الستر عن هذا المكان إلى مكان آخر (فإني كلما دخلت) البيت (فرأيته) أي فرأيت هذا الستر (ذكرت الدنيا) أي تذكرت زخارف الدنيا وزينتها حتى تميل قلبي إليها (قالت) عائشة فحولته عن ذلك المكان (وكانت لنا) أيضًا (قطيفة) أي كساء له زئبر، والزئبر ما يعلو الثوب الجديد مثل ما يعلو الخز اهـ مفهم (كنا نقول) فيما بيننا (علمها) الذي خيط على أطرافها (حرير) أي خرقة حرير (فكنا) أهل البيت (نلبسها) أي نلبس تلك القطيفة، وفيه جواز لبس الثوب الذي فيه علم من حرير. واعلم أنه قد وقع في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله تعالى عنها بتحويل الستر، ووقع في بعضها أنه صلى الله عليه وسلم تقدم بنفسه فنزعه، ويجمع بينهما بأنه عليه الصلاة والسلام أمر عائشة أولًا بالتحويل ثم بدا له فتقدم ونزعه بنفسه، أما قول عائشة في بعض الروايات فأمرني فنزعته فيمكن أن يكون من باب التوسع حيث استعدت للنزع بعدما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك فعبرت عن استعدادها بالنزع فعلًا ومثل هذه الاختلافات كثير في الأحاديث المروية عن عدة من الرواة ولا يلزم بذلك ترك أصل الحديث ولا حمله على تعدد الواقعات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5382 - (00) (00) (حدثنيه محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (وعبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا، كلاهما رويا (بهذا الإسناد) يعني عن داود، عن عزرة، عن حميد، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي عدي وعبد الأعلى لإسماعيل ابن علية

قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: وَزَادَ فِيهِ -يُرِيدُ عَبْدَ الأَعْلَى- فَلَمْ يَأْمُرْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَطعِهِ. 5383 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ. وَقَدْ سَتَرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ. فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الرواية عن داود (قال ابن المثنى وزاد فيه) أي في الحديث (يريد) ابن المثنى بقوله وزاد زاد (عبد الأعلى) على إسماعيل ومحمد بن أبي عدي لفظة قالت عائشة (فلم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعه) أي بتقطيع ذلك الستر قطعًا قطعًا بل أمرنا بتحويله عن مكانه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5383 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة بن الزبير لسعد بن هشام (قالت) عائشة (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر) وكان ذلك السفر سفر تبوك كما رواه البيهقي، وقد ورد عند النسائي وأبي داود أنه كان سفر تبوك أو خيبر كذا نقله الحافظ في الفتح (وقد سترت على بابي) أي باب سهوتي (درنوكًا) بضم الدال والنون، وحكي فتح الدال مع ضم النون حكاهما القاضي وآخرون، والمشهور ضمهما أي جعلت درنوكًا ستارة على بابي، قال في القاموس: الدرنوك بوزن عصفور ضرب من الثياب أو البسط له خمل قمير يجمع على درانيك (فيه) أي في ذلك الدرنوك (الخيل ذوات الأجنحة) أي صورتها (فأمرني) أي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزعها (فنزعته) أي فنزعت ذلك الدرنوك عن الباب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5384 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ عَبْدَةَ: قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ. 5385 - (00) (00) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُتَسَترَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ. ثمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5384 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثناه أبو كريب حدثنا وكيع) كلاهما رويا (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أبيه عن عائشة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبدة ووكيع لأبي أسامة (وليس في حديث عبدة) وروايته لفظة (قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سفر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5385 - (00) (00) (وحدثني منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الزهري عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لمن روى عن عائشة (قالت) عائشة (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متسترة بقرام) أي متخذة سترًا من قرام على باب سهوتي، وفي بعض النسخ (مستترة) والقرام بكسر القاف وتخفيف الراء هو الستر الرقيق، وقيل القرام ثوب من صوف غليظ جدًّا يفرش في الهودج كذا في لسان العرب [12/ 474] وفي النهاية القرام الستر الرقيق، وقيل الصفيق من صوف ذي ألوان، وقيل القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ (فيه) أي في ذلك القرام (صورة) حيوان (فتلون) أي تغير لون (وجهه) صلى الله عليه وسلم من البياض إلى الحمرة (ثم تناول) أي أخذ (الستر فهتكه) أي قطعه قطعًا قطعًا (ثم قال) صلى الله عليه وسلم (إن من أشد

النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللهِ". 5386 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ؛ أن عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيهَا. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: ثُمَّ أهْوَى إِلَى الْقِرَامِ فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ. 5387 - (00) (00) حدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس) وأقبحهم (عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون) صناعتهم (بخلق الله) تعالى أي بمخلوقه من الحيوان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها سادسًا فقال: 5386 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (حدثته) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لإبراهيم بن سعد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها) وساق يونس (بمثل حديث إبراهيم بن سعد غير أنه) أي لكن أن يونس (قال) في روايته لفظة (ثم أهوى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مال ومد بيده (إلى القرام) فأخذه (فهتكه) أي قطعه (بيده) الشريفة صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5387 - (00) (00) (حدثناه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن ابن عيينة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر) كلاهما أي كل من سفيان ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن القاسم عن عائشة، وهذان السندان الأول منهما من

وَفِي حَدِيثِهِمَا: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا" لَمْ يَذْكُرَا: مِنْ. 5388 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ. فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة ابن عيينة ومعمر لإبراهيم بن سعد (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث سفيان ومعمر لفظة (إن أشد الناس عذابًا) و (لم يذكرا) أي ولم يذكر سفيان ومعمر لفظة (من) كما قال إبراهيم بن سعد (إن من أشد الناس) .. إلخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5388 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن ابن عيينة واللفظ لزهير) قال زهير (حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (4) (عن أبيه) القاسم بن محمد (أنه سمع عائشة تقول) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن القاسم للزهري (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي) قال النووي: السهوة بفتح السين المهملة، قال الأصمعي: هي شبيهة بالرف أو الطاق يوضع عليه الشيء، قال أبو عبيد: وسمعت غير واحد من أهل اليمن يقولون السهوة عندنا بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع من الأرض يشبه الخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع، قال أبو عبيد: وهذا عندي أشبه ما قيل في السهوة، وقال الخليل: هي أربعة أعواد أو ثلاثة يعرض بعضها على بعض ثم يوضع عليها شيء من الأمتعة، وقال ابن الأعرابي: هي الكوة بين الدارين، وقيل بيت صغير يشبه المخدع، وقيل هي كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل شبيه دحلة في جانب البيت والله أعلم اهـ (بقرام) أي بستر رقيق (فيه تماثيل) أي صور حيوان (فلما رآه) أي فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القرام (هتكه) أي قطعه قطعًا (وتلون وجهه) أي تغير لونه (وقال) لي

"يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ". قَالتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وسَادَة أَوْ وسَادَتَينِ. 5389 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ. قَال: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاويرُ. مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةِ. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَيهِ. فَقَال: "أَخِّرِيهِ عَنِّي". قَالتْ: فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا عائشة أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة) هم (الذين يضاهون) أي يشبهون صناعتهم (بخلق الله) تعالى أي يصورون الحيوان، قال في النهاية: المضاهاة المشابهة وقد يهمز قرئ بهما اهـ والمراد المصورون صور ذوي الأرواح فإنهم يعملون عملًا يوهم أنهم يخلقون صورهم. فقوله صلى الله عليه وسلم (يا عائشة أشد الناس) .. الح قال في المبارق: قال النووي: هذا محمول على من فعل الصورة أو على من قصد بها مضاهاة خلق الله واعتقد ذلك فهو كافر يزيد بزيادة قبح كفره وإلا فمن لم يقصد ذلك فهو صاحب كبيرة فكيف يكون أشد الناس عذابًا إلى هنا كلامه لكن الأولى أن يحمل على التهديد لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "عند الله" تلويح إلى أنه يستحق أن يكون كذا لكنه محل العفو اهـ. (قالت عائشة: فقطعناه) أي شققنا ذلك القرام (فجعلنا منه) أي من ذلك القرام المشقوق (وسادة أو) قالت عائشة فجعلنا منه (وسادتين) والشك من الراوي عنها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا فقال: 5389 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم قال) عبد الرحمن (سمعت) والدي (القاسم) بن محمد (يحدث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان بن عيينة (أنه) أي أن الشأن والحال (كان لها ثوب فيه تصاوير) حيوان (ممدود إلى سهوة) أي مسدول على باب سهوة (فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه) أي متوجهًا إلى ذلك الثوب (فقال) يومًا لعائشة (أخريه) أي أخرى هذا الثوب وأزيليه (عني) فإنها تشغلني عن صلاتي (قالت) عائشة (فأخرته) أي أخرت ذلك الثوب وأخذته عن موضعه فقطعته (فجعلته وسائد) جمع وسادة وهي المخدة فلا يعارض ما مر

590 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ آنفًا من قوله (فجعلنا منه وسادة أو وسادتين) ما هنا من قوله وسائد لأن المراد بالوسادة الجنس الصادق بالواحد وما فوق. قوله (فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه) قال القرطبي: وهذا الستر هو الذي كان يصلي إليه وكانت صورة تعرض له في صلاته كما قال البخاري "فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي" ويفيد مجموع هذه الروايات أن هتك الستر إنما كان بعد تكرار دخول النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته له وصلاته إليه فلما بين له حكمه امتنع مرة من دخول البيت حتى هتكه، وقد فعل سلمان الفارسي رضي الله عنه نحو هذا لما تزوج الكندية وجاء ليدخل بها فوجد حيطان البيت قد سترت فلم يدخل وقال منكرًا لذلك: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة؟ فازيل كل ذلك. ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى سترًا على الجدار فقال: ما هذا؟ فقال: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لك طعامًا، فرجع. ذكره البخاري تعليقًا [9/ 249] وقد أفاد حديث عائشة رضي الله تعالى عنها المنع من ستر حيطان البيوت ومما يجر إلى الميل إلى زينة الدنيا ومن اتخاذ الصور المرقومة ومن الصلاة إلى ما يشغل عنها اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5390 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم وعقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول العمي البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب كلاهما (عن سعيد بن عامر) الضبعي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر) القبسي (العقدي) عبد الملك بن عمرو البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (جميعًا) أي كل من سعيد وأبي عامر رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر.

5391 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَدْ سَتَرْتُ نَمَطًا فِيهِ تَصَاويرُ. فَنَحَّاهُ. فَاتَّخَذْتُ مِنْهُ وسَادَتَينِ. 5392 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَن بُكَيرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا نَصَبَتْ سِتْرًا فِيهِ تَصَاويرُ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة حادي عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5391 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لشعبة بن الحجاج (قالت) عائشة (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي) في بيتي (وقد سترت نمطًا فيه تصاوير) حيوان على سهوة بيتي (فنحاه) أي فنحى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النمط الذي جعلته ستارة على سهوة بيتي أي بعده وأزاله ورفعه عن محله ورماه (فـ) أخذته وقطعته (اتخذت) أي جعلت (منه) أي من ذلك النمط (وسادتين) يتكئ إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والنمط بالتحريك ستر رقيق فيه تصاوير الخيل ذوات الأجنحة كما مر. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثاني عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5392 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب حدثنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبا عبد الله المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه) أي حدث لبكير (أن أباه) القاسم بن محمد (حدثه) أي حدث لعبد الرحمن (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة بكير لمن روى عن عبد الرحمن بن القاسم (أنها نصبت) أي مدت ووضعت (سترًا فيه تصاوير) حيوان على باب سهوتها (فدخل) عليها (رسول الله صلى الله عليه وسلم

فَنَزَعَهُ. قَالتْ: فَقَطَعْتُهُ وسَادَتَينِ. فَقَال رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ حِينَئِذٍ، يُقَالُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَطَاءٍ، مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ: أَفَمَا سَمِعْتَ أَبَا مُحَمَّدٍ يَذْكُرُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَرْتَفِقُ عَلَيهِمَا؟ قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا. قَال: لكِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ. يُرِيدُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ. 5393 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ فنزعه) أي أخذ ذلك الستر بعنف وسرعة عن باب السهوة ورماه على الأرض (قالت) عائشة (فـ) أخذت ذلك الستر الذي رماه على الأرض و (قطعته) قطعتين، وجعلته (وسادتين) قال بكير بن عبد الله (فقال رجل في المجلس) أي في مجلس عبد الرحمن بن القاسم (حينئذ) أي حين إذ حدث لنا عبد الرحمن بن القاسم هذا الحديث (يقال له) أي لذلك الرجل (ربيعة بن عطاء مولى بني زهرة) أي قال لعبد الرحمن بن القاسم (أفما سمعت) أباك (أبا محمد) كنية القاسم بن محمد (يذكر أن عائشة قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق) أي ينتفع ويتكئ (عليهما) أي على الوسادتين، والارتفاق الاتكاء والاعتماد عليهما يقال ارتفق الرجل إذا اتكأ على مرفق يده أو على المخدة والمراد هنا الأخير والله أعلم (قال) عبد الرحمن (ابن القاسم) للرجل السائل (لا) أي لم أسمع أبي يقول هذه الجملة (قال) الرجل الكني) أنا (قد سمعته) أي سمعت أباك يذكر هذه الجملة (يريد) ذلك الرجل السائل بقوله سمعته يعني بضميره (القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق والد عبد الرحمن بن القاسم والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالث عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5393 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (عن القاسم بن محمد عن عائشة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة نافع لعبد الرحمن بن القاسم (أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء ويقال بكسرهما، ويقال بضم النون وفتح الراء ثلاث لغات ويقال لها نمرق بلا هاء وهي وسادة صغيرة، وقيل هي مرفقة وجمعها نمارق اهـ نووي، قال القرطبي: يجوز أن تكون أرادت

فيِهَا تَصَاويرُ. فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ. فَعَرَفْتُ، أَوْ فَعُرِفَتْ، فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وإِلَى رَسُولِهِ. فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ هذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ " فَقالتِ: اشْتَرَيتُها لَكَ. تَقْعُدُ عَلَيهَا وَتَوَسَّدُهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنمرقة هنا الستر الذي تقدم ذكره وسمته نمرقة لأنه آل أمره إلى النمرقة كما يسمى العنب خمرًا نظرًا إلى مآله والنمارق في أصل الوضع الوسائد والمرافق، ومنه قوله تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)} وقول الشاعر: كهول وشبان حسان وجوههم ... على سرر مصفوفة ونمارق غير أن هذا التأويل يبعده قولها في بقية الخبر لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال هذه النمرقة؟ فقالت مجيبة: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها" فهذا يصرح بأن هذه النمرقة غير الستر وأن هذا حديث آخر غير ذلك وحينئذ يستفاد منه أن الصورة لا يجوز اتخاذها في الثياب وإن كانت ممتهنة وهو أحد القولين كما قدمناه اهـ من المفهم، أي اشترت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نمرقة (فيها تصاوير) حيوان (فلما رآها) أي رأى تلك النمرقة (رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل) البيت، قالت عائشة (فعرفت) بضمير المتكلم (أو) قال القاسم (فعرفت) بالبناء للمجهول مع تاء التأنيث الساكنة (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (الكراهية) والغضب أي أثرها وهو تغير لون الوجه من البياض إلى الحمرة (فقالت) عائشة (يا رسول الله أتوب إلى الله) تعالى من ذنبي (و) أعتذر (إلى رسوله) صلى الله عليه وسلم من سوء أدبي أي أرجع من المخالفة إلى رضاهما، وفي إعادة الجار دلالة على استقلال الرجوع إلى كل منهما (فماذا أذنبت) أي فأي ذنب ارتكبت يا رسول الله، وفيه أدب عظيم من عائشة رضي الله تعالى عنها حيث بدأت بالتوبة قبل السؤال عن الذنب وذلك لأنها تيقنت من أسارير وجهه صلى الله عليه وسلم أن هناك شيئًا ساءه فبادرت إلى التوبة أولًا ثم سألت عن الذنب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال هذه النمرقة) التي عليها تصاوير حيوان (فقالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها) أي تتوسدها بحذف إحدى التاءين، مضارع توسد من باب تفعل أي تتكئ عليها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"إِنَّ أَصْحَابَ هذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُم" ثُمَّ قَال: "إِن الْبَيتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلائكَةُ". 5394 - (00) (00) وحدّثناه قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إن أصحاب هذه الصور يعذبون) يوم القيامة وهم يشملون من يعملها ومن يستعملها ولكن يؤيد الأول قوله ويقال لهم أحيوا ما خلقتم (ويقال لهم) من جهة الله تعالى أي تقول لهم ملائكة العذاب (أحيوا ما خلقتم) وهذا أمر تعجيز نظير قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} أي انفخوا الروح فيما صورتم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن البيت الذي فيه الصور) أي صور الحيوان (لا تدخله الملائكة) أي ملائكة الرحمة على الأصح كما مر. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابع عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5394 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة) بن سعيد (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر المصري (عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (حدثنا أيوب) السختياني (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث التميمي العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني أسامة بن زيد) الليثي المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني أبو بكر) محمد (ابن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8)

حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَخِي الْمَاجِشُونِ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَبَعْضُهُمْ أتَمُّ حَدِيثًا لَهُ مِنْ بَعْضٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَخِي الْمَاجِشُونِ: قَالتْ فَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُهُ مِرْفَقَتَينِ. فَكَانَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا فِي الْبَيتِ. 5395 - (2072) (138) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا يَحْيَى ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (حدثنا أبو سلمة) منصور بن سلمة بن عبد العزيز بن صالح (الخزاعي) الحافظ البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا عبد العزيز بن) عبد الله (أخي) أبي سلمة (الماجشون) أبو عبد الله التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ثقة، من (5) (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين يعني ليث بن سعد في السند الأول وسنده من خماسياته، وأيوب في السند الثاني وهو من سداسياته، والثالث وهو من سباعياته، وأسامة بن زيد في الرابع، وهو من سداسياته وعبيد الله بن عمر في الخامس، وهو من سباعياته رووا (عن نافع عن القاسم) بن محمد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (بهذا الحديث) السابق الذي رواه مالك عن نافع، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك بن أنس (وبعضهم) أي وبعض هؤلاء الأربعة المتابعين لمالك (أتم) أي أطول (حديثًا له) (من) حديث (بعض) آخر منهم (وزاد) الخزاعي (في حديث) عبد العزيز (بن أخي الماجشون) لفظة (قالت) عائشة (فأخذنه) أي أخذت ذلك الستر الذي هو النمرقة (فـ) قطعته و (جعلته مرفقتين) أي مخدتين (فكان) صلى الله عليه وسلم (يرتفق بهما) أي يتكئ عليهما (في البيت) بمرفقه، وفيه دليل على أن الثوب الذي فيه صورة إذا اتخذ منه ما يفرش في موضع ممتهن فإنه يجوز استعماله وهو قول جمهور أهل العلم اهـ تكملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5395 - (2072) (138) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ

(وَهُوَ الْقَطَّانُ). جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ يُعَذَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". 5396 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التميمي البصري (وهو القطان) ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من علي ويحيى رويا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع أن ابن عمر أخبره) وهذان السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذين يصنعون) أي يفعلون صناعة (الصور يعدبون يوم القيامة) حالة كونهم (يقال لهم) في حالة تعذيبهم (أحيوا ما خلقتم) وصورتم أي انفخوا فيه الروح ليكون حيًّا وهم لا يقدرون على ذلك، وهذا الأمر لإظهار عجزهم وتقريعهم وإخزائهم عند أهل المحشر لا لأنه يمكن لهم إحياء ما صوروا والله أعلم. قال في المرقاة: (أحيوا) أي انفخوا الروح فيما صورتم فعدل إليه تهكمًا بهم وبمضاهاتهم الخالق في إنشاء الصور والأمر بأحيوا تعجيز لهم كما مر آنفًا فدل على أن التصوير حرام وهو مشعر بأن استعمال الصور ممنوع لأنه سبب ذلك وباعث عليه مع ما فيه من أنه زينة الدنيا اهـ. قال الكرماني: قوله (ويقال لهم أحيوا ما خلقتم) ظاهره أنه من تكليف ما لا يطاق وليس كذلك وإنما القصد طول تعذيبه وإظهار عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس [5951] وفي التوحيد [7559]، والنسائي في الزينة [5361]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5396 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم (يعني ابن علية ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا)

الثَّقَفِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 5397 - (2073) (139) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ". وَلَمْ يَذكُرِ الأَشَجُّ: إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري كلهم) أي كل من حماد وإسماعيل وعبد الوهاب رووا (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أيوب (بمثل حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم). ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما فقال: 5397 - (2073) (139) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (ح وحدثني أبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) ابن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) روى له في (11) بابا (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون) صورة حيوان تام الأعضاء لأن الأوثان التي كانت تعبد كانت بصورة الحيوان التام (ولم يذكر) أبو سعيد (الأشج) في روايته لفظة (إن) المفيدة لتأكيد الكلام وإسقاطها أولى قياسًا لأن الكلام إنما يلقى هنا إلى خالي الذهن لا إلى

5398 - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاك ولا إلى المنكر فليس المقام مقام التأكيد كما هو معلوم عند أهل المعاني يعني أن رواية جرير عن الأعمش بزيادة كلمة إن، وأما الأشج فروى عن شيخه بغير زيادتها والله أعلم. قال القرطبي: قوله (أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون) مقتضى هذا الكلام أن لا يكون في النار أحد يزيد عذابه على المصورين وهذا يعارضه النصوص الكثيرة من القرآن والأحاديث منها قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" رواه الطبراني في المعجم الكبير [1/ 182 - 183]، والبيهقي في الشعب [1778]، وانظر الترغيب والترهيب برقم [222]، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم "أشد الناس عذابًا يوم القيامة إمام ضلالة" رواه أحمد [3/ 22]، والترمذي [1329] عن أبي سعيد الخدري بلفظ "أشد الناس عذابًا يوم القيامة إمام جائر" وفي إسناده عطية العوفي وهو ضعيف ومثل هذا كثير ووجه الجمع بينها أن الناس الذين أضيف إليهم أشد العذاب لا يراد بهم كل نوع من الناس بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد المدعين للإلهية عذابًا ومن يقتدي به في ضلالة كفر أشد ممن يقتدى به في ضلالة بدعة ومن صور صور ذوات الأرواح أشد عذابًا ممن يصور ما ليس بذي روح إن جرينا على قول من رأى تحريم تصوير ما ليس بذي روح وهو مجاهد وإن لم نجر عليه فيجوز أن يعني بالمصورين الذين يصورون الأصنام للعبادة كما كانت الجاهلية تفعل وكما تفعل النصارى فإن عذابهم يكون أشد ممن يصورها لا للعبادة وهكذا يعتبر هذا الباب والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب عذاب المصورين يوم القيامة [5950]، والنسائي في الزينة باب أشد الناس عذابًا [5364]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 5398 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب كلهم عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من أبي

عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى وَأَبِي كُرَيبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاويةَ: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ أَهْلِ النَّارِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَذَابًا، الْمُصَوِّرُونَ". وَحَدِيثُ سُفْيَانَ كَحَدِيث وَكِيعٍ. 5399 - (00) (00) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيحٍ. قَال: كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِي بَيتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية وسفيان بن عيينة رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي الضحى عن مسروف عن ابن مسعود، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة أبي معاوية وسفيان بن عيينة لجرير بن عبد الحميد ووكيع بن الجراح (و) لكن (في رواية يحيى) بن يحيى (وأبي كريب عن أبي معاوية) لفظة (أن من أشد أهل النار يوم القيامة عذابًا المصورون) بزيادة من الجارة وبلفظ أهل النار (وحديث سفيان) بن عيينة وروايته (كحديث وكيع) وروايته بلا فرق بينهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 5399 - (00) (00) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) ثقة ثبت، من (10) (حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن) أبي الضحى (مسلم بن صبيح) الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) (قال) مسلم بن صبيح (كنت مع مسروق) بن الأجدع الهمداني، ثقة مخضرم (في بيت فيه تماثيل مريم) بنت عمران أي صورها، وورد عند البخاري من رواية سفيان أن البيت كان ليسار بن نمير المدني الكوفي، وكانت التماثيل في صفته، ويسار بن نمير كان مولى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وخازنه، وله رواية عن عمر وغيره، روى عنه أبو وائل وأبو إسحاق السبيعي وهو موثق كما في فتح الباري [10/ 383] فإن قيل كيف تحمل هذه التماثيل في بيته فالجواب أن الظاهر أنه اشترى هذا البيت من نصراني صنع هذه التماثيل ويمكن أن يكون قد محا وجوهها وبقي

فَقَال مَسْرُوقٌ: هذَا تَمَاثِيلُ كِسْرَى. فَقُلْتُ: لَا. هذَا تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَال مَسْرُوقٌ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ". 5400 - (2074) (140) قَال مُسْلِمٌ: قَرَاتُ عَلَى نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سائر الجسد فرآه أبو الضحى ومسروق ويمكن أيضًا أنه تحمل هذه التماثيل لكونها في موضع ممتهن فإنها كانت في الصفة، والاحتمال الثالث أن تكون التماثيل منقوشة على الصفة غير متجسدة وكان يسار بن نمير يرى جوازها كما يراه القاسم بن محمد والله تعالى أعلم (فقال مسروق هذا) أي هذا المصور الذي نراه (تماثيل كسرى) أي صور كسرى وهو لقب كل من ملك الفرس، والتماثيل جمع تمثال بكسر التاء وسكون الميم وهو الصورة والمراد هنا صورة الحيوان، وقوله (هذا تماثيل كسرى) كذا وقع في النسخ الموجودة لدينا بتذكير اسم الإشارة ولكن نقله الحافظ في الفتح [10/ 383] (هذه تماثيل كسرى) بالتأنيث وهو القياس في الاستعمال ويمكن تأويله كما أولناه آنفًا، قال أبو الضحى (فقلت) لمسروق (لا) أي ليست هذه تماثيل كسرى بل (هذا) الذي نراه (تماثيل مريم) أم عيسى المسيح عليهما السلام (فقال مسروق أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (إني سمعت عبد الله بن مسعود يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة منصور للأعمش (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون) الذين يصورون أشكال الحيوانات التي تعبد من دون الله فيحكونها بتخطيط أو تشكيل عالمين بالحرمة قاصدين ذلك لأنهم يكفرون به فلا يبعد دخولهم مدخل فرعون، أما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصيًا بتصويره فقط اهـ من الإرشاد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5400 - (2074) (140) قال أبو إسحاق النيسابوري إبراهيم بن محمد بن سفيان راوية المؤلف رحمه الله تعالى (قال) لنا الإمام أبو الحسين النيسابوري (مسلم) بن الحجاج القشيري مؤلف هذا الجامع (قرأت على نصر بن علي الجهضمي) البصري وهو

عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي الْحَسَنِ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَال: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هذِهِ الصُّوَرَ. فَأَفْتِنِي فِيهَا. فَقَال لَهُ: ادْنُ مِنِّي. فَدَنَا مِنْهُ. ثُمَّ قَال: ادْنُ مِنِّي. فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ. قَال: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ. يَجْعلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى أخبرني نصر بن علي الجهضمي (عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد بن أبي الحسن) يسار أخي الحسن البصري الأنصاري، مولاهم مولى زيد بن ثابت، مات قبل الحسن بسنة، ومات الحسن سنة عشر ومئة (110) روى عن ابن عباس في اللباس، وأمه خيرة في الفتن، وأبي هريرة ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي إسحاق وخالد الحذاء وأخوه الحسن وسليمان التيمي، وثقه أبو زرعة والنسائي. وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وقال الذهبي: مات سنة (100) على الصحيح (قال) سعيد بن أبي الحسن (جاء رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (إلى ابن عباس فقال) له الرجل (إني رجل أصور هذه الصور) الحيوانية (فأفتني) أي فأجبني (فيها) أي في حكم صناعتها هل هي حلال أم حرام؟ (فقال) ابن عباس (له) أي للرجل المستفتي (ادن مني) أي اقرب مني أمر من دنا يدنو من باب دعا إذا قرب إلى الشيء (فدنا) أي قرب الرجل (منه) أي من ابن عباس (ثم قال) ابن عباس للرجل مرة ثانية (ادن مني فدنا) الرجل منه أي بالغ في الدنو إليه (حتى وضع) ابن عباس (يده على رأسه) أي على رأس الرجل، قال القرطبي: وقول ابن عباس لمستفتيه عن الصور ادن مني ثلاثًا ووضعه يده على رأسه مبالغة في استحضار ذهنه وفهمه وفي تسميعه وتعظيمه لأمر ما يلقيه إليه، وفيه أن من ابتلي بمنكر وجاء يستفتي فيه فإنه يعامل برفق وشفقة. فـ (قال) له ابن عباس (أنبئك) أي أخبرك (بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مصور) بكسر الواو المشددة أي كل مصور صور ذوات الأرواح بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم" (في النار) أي في العذاب الأخروي (يجعل) الله سبحانه وتعالى بفتح الياء على

لَهُ، بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا، نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ". وَقَال: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ. فَأقَرَّ بِهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ البناء للفاعل وفاعله الضمير العائد على الله تعالى وأضمر مع عدم سبق المرجع لعلمه أي يخلق الله سبحانه (له) أي لأجل تعذيب ذلك المصور (بـ) ـعدد (كل صورة صورهما) في الدنيا (نفسًا) مفعول يجعل بمعنى يخلق ولهذا تعدى إلى مفعول واحد هنا (فتعدبه) أي فتعذب ذلك المصور النفس المخلوقة لأجل تعذيبه (في) نار (جهنم) والعياذ بالله تعالى منها بأن يخلق له على صورة حيات وعقارب تأكله، قال القاضي عياض: يحتمل أن الصورة التي صورها هي التي تعذبه بعد أن يجعل فيها روح فالباء بمعنى في، ويحتمل أن يجعل له بعدد ما صور في الدنيا شخص يعذبه فالباء للسبب كذا في شرح الأبي اهـ. (وقال) له ابن عباس (إن كنت لا بد) ولا غنى لك من أن تكون (فاعلًا) للتصوير لحاجتك إلى مؤنة نفسك وعيالك (فاصنع) أي فصور (الشجر وما لا نفس) أي لا روح (له) من الجمادات كالأحجار والعمائر والبيوت، وفي رواية البخاري في البيوع "فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح"، وقوله (فأقر به) أي بهذا الحديث (نصر بن علي) حين قرأت عليه ولم ينكره معطوف على قوله أولًا قرأت على نصر بن علي فهذه الجملة مقول أيضًا لقوله قال مسلم الإمام والله سبحانه وتعالى أعلم. ودل الحديث على جواز تصوير ما ليس فيه روح وهو حجة على مجاهد رحمه الله تعالى في تحريمه لصورة شجر أيضًا وقيد هو الجواز بشجر غير مثمر ولكن قول ابن عباس "وما لا نفس له وكل شيء ليس فيه روح" يدل على عموم الجواز في كل غير ذي روح والذي يدل عليه من الحديث المرفوع ما رواه أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى قول جبرئيل - عليه السلام - "إنها ثلاث لن يلج ملك ما دام فيها أبدًا واحد منها كلب أو جنابة أو صورة روح" اهـ تكملة. وعبارة النووي: قوله (يجعل له) هو بفتح الياء والفاعل هو الله تعالى أضمر للعلم به، قال القاضي في رواية ابن عباس: يحتمل أن معناها أن الصورة التي صورها هي تعذبه بعد أن يجعل فيها روح وتكون الباء في (بكل) بمعنى في قال: ويحتمل أن يجعل

5401 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَجَعَلَ يُفْتِي وَلَا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى سَألَه رَجُلٌ فَقَال: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هذِهِ الصُّوَرَ. فَقَال لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: ادْنُهْ. فَدَنَا الرَّجُلُ. فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَيس بِنَافِخٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ له بعدد كل صورة ومكانها شخص يعذبه وتكون الباء بمعنى لام السبب وهذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم اهـ. وفي المرقاة (يجعل) بصيغة المبني للمفعول فعلى هذه يلزم أن يكون نفسًا مرفوعًا كما وقع في بعض نسخ المصابيح والله أعلم. قوله (فتعذبه) بصيغة التأنيث أي تلك النفس وإسناد التعذيب إليها مجاز لأنها السبب والباعث على تعذيبه والله أعلم. قال في المرقاة: وفي بعض النسخ بالياء أي فيعذبه الله اهـ ذهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في اللباس [5963]، والنسائي في الزينة [5358]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5401 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن النضر بن أنس بن مالك) الأنصاري أبي مالك البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) النضر كنت جالسًا عند ابن عباس فجعل يفتي) ويجيب للناس استفتاءهم (ولا يقول) في فتواه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لا يرفع فتواه ولا يسندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة النضر بن أنس لسعيد بن أبي الحسن (حتى سأله) أي حتى سال ابن عباس (رجل) مصور (فقال) الرجل له (إني رجل أصور هذه الصور) الحيوانية (فقال له ابن عباس ادنه إلي) أمر من الدنو، والهاء للسكت كما في قه أمر من الوقاية أي اقرب إلي (فدنا الرجل) إلى ابن عباس (فقال) له (ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة) ذي روح بقرينة قوله حتى ينفخ .. الخ (في الدنيا كلف) أي أجبر (أن ينفخ فيها) أي في تلك الصورة (الروح يوم القيامة وليس بنافخ) أي بقادر على النفخ فيها،

5402 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المشارق أي وليس بنافخ فيها أبدًا، قال ابن فرشته: هذا يدل على أن تصويرها حرام بل الوعيد فيها أشد مما في القتل لأنه ذكر في القتل فجزاؤه جهنم خالدًا فيها والخلود مؤول بطول المدة عند أهل السنة وها هنا لا يستقيم ذلك لأنه غيا العذاب بما لا يمكن وهو نفخ الروح فيها فيكون محمولًا على المستحيل أو على استحقاقه العذاب المؤبد اهـ. وأجاب عنه الحافظ في الفتح [10/ 394] بأنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعذاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد وهذا في حق العاصي بذلك، وأما من فعله مستحيلًا فلا إشكال فيه. قلت: ويمكن تأويل رواية سعيد بن أبي الحسن بان المراد من قوله (حتى ينفخ فيها) حتى يأمره بنفخ الروح كما هو مصرح في الروايات الأخرى وهذا الأمر يكون للتعجيز كما تقدم، وليس المراد أن عذابه يستمر إلى أن يقع منه نفخ الروح فعلًا وهو لا يستطيع ذلك فيستمر إلى الأبد والله سبحانه أعلم. قال القرطبي: قوله (كلف أن ينفخ فيها) من هنا رأى ابن عباس أن تصوير ما ليس له روح يجوز هو والاكتساب به وهو مذهب جمهور السلف والخلف وخالفهم في ذلك مجاهد فقال: لا يجوز تصوير شيء من ذلك كله سواء كان له روح أو لم يكن متمسكًا في ذلك بقول الله تعالى في الحديث القدسي "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة وليخلقوا شعيرة" فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله تعالى، وقد دل هذا الحديث على أن الذم والوعيد إنما علق بالمصورين من حيث تشبهوا بالله تعالى في خلقه وتعاطوا مشاركة فيما انفرد الله تعالى به من الخلق والاختراع وهذا يوضح حجة مجاهد اهـ من المفهم. وقوله أيضًا (كلف أن ينفخ فيها) أي ألزم ذلك وطوقه ولا يقدر على الامتثال فيعذب على كل حال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 5402 - (00) (00) (حدثنا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام)

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ. فَذَكَرَ عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 5403 - (2075) (141) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدستوائي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) (عن النضر بن أنس أن رجلًا أتى ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لسعيد بن أبي عروبة (فذكر) ابن عباس الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق قتادة (بمثله) أي بمثل ما حدّث سعيد بن أبي عروبة عن النضر بن أنس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله سابعًا لحديث عائشة الأول بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5403 - (2075) (141) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء (وألفاظهم متقاربة قالوا حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) رأى عليًّا يروي عنه (ع) وعمارة بن القعقاع وإبراهيم النخعي وخلق (قال) أبو زرعة (دخلت مع أبي هريرة في دار مروان) بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي، وفي الرواية الآتية "دخلت أنا وأبو هريرة دارًا تبنى بالمدينة لسعيد بن العاص أو لمروان، قال: فرأى مصورا يصور في الدار" وسعيد هذا هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي صحابي صغير، ولد قبل بدر، وكان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم (9) تسع سنين، وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة المدينة لمعاوية رضي الله عنهما ولعل صاحب الدار سواء كان مروان أو سعيد بن العاص لا يرى حرمة الصورة المنقوشة في الجدار التي ليس لها ظل وليس في فعل أحدهما حجة

فَرَأَى فِيهَا تَصَاويرَ. فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقوا ذَرَّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا حبَّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً". 5404 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أمام الأدلة المذكورة سابقًا في هذا الباب (فرأى) أبو هريرة (فيها) أي في سقف تلك الدار (تصاوير) جمع تصوير بمعنى مصور. وهذا السند من خماسياته (فقال) أبو هريرة زجرًا لهم عن صناعة التصوير (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل) في حديثه القدسي (ومن أظلم) أي ومن أشد ظلمًا (ممن ذهب) وقصد أن (يخلق خلقًا) ويصور (كخلقي) أي على مثال مخلوقي أي فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه إذ لا قدرة لأحد على خلق مثل خلقه تعالى فالتشبيه في الصورة وحدها، وظاهره يتناول ماله ظل وما ليس له ظل فلذا أنكر أبو هريرة رضي الله عنه ما نقش في سقف البيت اهـ قسطلاني (فليخلقوا) أي فليوجدوا إن قدروا (ذرة) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء؛ أي نملة صغيرة أي فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى، وتحتمل الذرة أن تكون بمعنى الجزء الصغير من الشيء الذي يظهر في الشمس الداخلة من الكوة (أو ليخلقوا) وأو هنا وفيما بعده للتنويع أو بمعنى الواو أي وليوجدوا (حبة) من قمح بقرينة، وقوله (أو ليخلقوا شعيرة) وهو قرينة تدل على أن المراد هنا حبة من قمح اهـ إرشاد، قال النووي: معناه فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى كذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعيرة فليوجدوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله تعالى وهذا أمر تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وتارة بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم عليه اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب نقض الصور [5953] وفي التوحيد باب قول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [7559]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5404 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط

عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيرَةَ دَارًا تُبْنَى بِالْمَدِينَةِ، لِسَعِيدٍ أَوْ لِمَرْوَانَ. قَال: فَرَأَى مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فِي الدَّارِ. فَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً". 5405 - (2076) (142) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بلالٍ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائكَةُ بَيتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاويرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الضبي الكوفي (عن عمارة) بن القعقاع الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (قال) أبو زرعة (دخلت أنا وأبو هريرة دارًا تبنى بالمدينة لسعبد) بن العاص (أولمروان) بن الحكم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لابن فضيل (قال) أبو زرعة (فرأى) أبو هريرة شخصًا (مصورًا) بكسر الواو المشددة (يصور) صورة حيوان (في) سقف (الدار فقال) أبو هريرة زجرًا له عن التصوير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث وساق جرير (بمثله) أي بمثل حديث ابن فضيل (و) لكن (لم يذكر) جرير لفظة (أو ليخلقوا شعيرة) والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5405 - (2076) (142) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطوانن نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، صدوق، من كبار (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان القيسي مولاهم أبي يزيد المدنن، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل) أي صور ذوات الأرواح المعبودة كصورة عيسى ومريم (أو) قال أبو هريرة بيتًا فيه (تصاوير) حيوان عبدت أم لا؟ والشك من الراوي أو ممن دونه، ويحتمل كون أو بمعنى الواو العاطفة ويكون من عطف العام على الخاص. قال القرطبي: (قوله بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل أن يكون هذا شكًّا من بعض الرواة، ويحتمل أن يريد بالتماثيل ما كان قائم الشخص وبالصور ما كان رقمًا وتكون (أو) بمعنى الواو أو تكون للتنويع والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ من تحفة الأشراف. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب اثنا عشر حديثًا، الأول حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ميمونة بنت الحارث ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة، والسادس حديث أبي طلحة ذكره للاستشهاد له ثانيًا وذكر فيه خمس متابعات، والسابع حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديثها الأول ثالثًا وذكر فيه أربع عشرة متابعة، والثامن حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به رابعًا لحديثها الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد به خامسًا لحديثها الأول وذكر فيه متابعتين، والعاشر حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به سادسًا لحديثها وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به سابعًا لحديثها الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد به ثامنًا لحديثها الأول والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

673 - (17) باب كراهية صحبة الكلب والجرس في السفر وكراهية القلائد والوتر في أعناق الدواب وكراهية ضرب الحيوان ووسمه في الوجه وجواز وسم غير الآدمي في غير الوجه وكراهية القزع والنهي عن الجلوس في الطرقات

673 - (17) باب كراهية صحبة الكلب والجرس في السفر وكراهية القلائد والوتر في أعناق الدواب وكراهية ضرب الحيوان ووسمه في الوجه وجواز وسم غير الآدمي في غير الوجه وكراهية القزع والنهي عن الجلوس في الطرقات 5406 - (2077) (143) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّل. حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَصْحَبُ الْمَلائكَةُ رُفْقَةَ فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 673 - (17) باب كراهية صحبة الكلب والجرس في السفر وكراهية القلائد والوتر في أعناق الدواب وكراهية ضرب الحيوان ووسمه في الوجه وجواز وسم غير الآدمي في غير الوجه وكراهية القزع والنهي عن الجلوس في الطرقات 5406 - (2077) (143) (حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري) البصري (حدثنا بشر بعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصحب الملائكة) والمراد ملائكة الرحمة والمعاونة لا الحفظة فإنهم لا يفارقونهم لأنهم مأمورون بحفظ أفعالهم وأحوالهم والله أعلم (رفقة فيها كلب ولا جرس) والرفقة بحركات الراء وسكون الفاء، والرفاقة على وزن ثمامة جماعة يصاحبون في الطريق، والرفقة يجمع على رفاق على وزن كتاب وأرفاق على وزن أصحاب ورفق على وزن صرد تقول خرجت مع رفقة مثلث الراء، ورفاقة وهي جماعة ترافقهم كذا في القاموس. قال القرطبي: قوله (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس) يفهم من هذا الحديث ومما تقدم أن مقصود الشرع مباعدة الكلاب وأن لا تتخذ في حضر ولا سفر وذلك للعلل التي تقدم ذكرها وهو حجة لمن منع اتخاذ الكلب لحراسة الدواب والأمتعة

5407 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ من السراق في الأسفار وهو قول أصحاب مالك، وأجاز هشام بن عروة اتخاذها لحراسة البقر من السليلة من سل الشيء إذا سرقه والسال السارق والسلة بضم السين السرقة الخفية. قلت: والظاهر أن المراد بالكلب هنا غير المأذون في اتخاذه كما تقدم لأن المسافر قد يحتاج إلى حفظ ماشية دوابه دمابله وغير ذلك فيضطر إلى اتخاذها كما يضطر إليها في الحضر لزرعه وضرعه. (والجرس) بفتحتين هو ما يعلّق في أعناق الإبل مما له صلصلة والذي يضرب به يجمع على أجراس، فأما الجرس بفتح الجيم وكسرها وسكون الراء فهو الصوت الخفي. وفيه ما يدل على كراهة اتخاذ الأجراس في الأسفار وهو قول مالك وغيره وينبغي أن لا تقصر الكراهة على الأسفار بل هي مكروهة في الحضر أيضًا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "الجرس مزامير الشيطان" ومزامير الشيطان مكروهة سفرًا وحضرًا ثم هذا يعم الجرس الكبير والصغير منها وقد فرق بعض الشاميين وأجازوا الصغير ومنعوا الكبير ووجه الفرق أن الكبير به يقع التشويش في سفرهم وحضرهم اهـ من المفهم. قال النووي: وسبق بيان الحكمة في مجانبة الملائكة بيتًا فيه كلب، وأما الجرس فقيل سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالناقوس أو لأنه من المعاليق في العنق المنهي عنها، وقيل سببه كراهة صوتها، ويؤيده رواية مزمار الشيطان وهذا الذي ذكرناه من كراهة الجرس على الإطلاق هو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين وهي كراهة تنزيه اهـ. وقال في بذل المجهود: وهذا أي كراهة صحبة الكلب والجرس إذا خليا من المنفعة وأما ما احتيج إليه منهما فمرخّص اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد في باب تعليق الأجراس برقم [2555 و 2556]، والترمذي في الجهاد باب ما جاء فيما يستعمل في الحرب [1702]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5407 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي

ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ). كِلاهُمَا عَنْ سُهَيلٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 5408 - (2078) (144) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيطَانِ". 5409 - (2079) (145) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (يعني الدراوردي) أبو محمد الجهني مولاهم المدني، صدوق، من (8) (كلاهما) أي كل من جرير وعبد العزيز رويا (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لبشر بن المفضل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5408 - (2078) (144) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة بطن من جهينة المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجرس مزامير الشيطان) جمع مزمار وهي الآلة التي يزمر أي يتغنى فيها وهي من كبار آلات الملاهي واستعمالها حرام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 372]، وأبو داود [2556]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه فقال: 5409 - (2079) (145) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أبي محمد المدني، ثقة، من

عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ؛ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. قَال فَأرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا -قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَال: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ- "لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلادَةٌ، إِلَا قُطِعَتْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) روى عنه في (11) بابًا (عن عباد بن تميم) بن غزية الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (أن أبا بشير الأنصاري) الساعدي المازني المدني الصحابي المشهور بالكنية رضي الله عنه، قيل إن اسمه قيس بن عبيد بن عمر بن الجعد ممن شهد الخندق، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم له ثلاثة أحاديث، اتفقا على حديث، ويروي عنه (خ م دس) وعباد بن تميم في اللباس وضمرة بن سعيد وغيرهما وليس في الصحابة أبو بشير غيره، قال الواقدي: مات بعد الحرة، وكان قد عمر وجاوز المائة، وقال غيره: مات سنة (40) أربعين والأول أصح (أخبره) أي أخبر لعباد بن تميم. وهذا السند من خماسياته (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) لم أر من عين ذلك السفر (قال) أبو بشير (فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا) إلى الناس لم أر من ذكر اسم ذلك الرسول، وقال ابن عبد البر في رواية روح بن عبادة عن مالك: أرسل مولاه زيدًا، قال ابن عبد البر: وهو زيد بن حارثة فيما يظهر لي كذا في فتح الباري [6/ 141] قال مالك بن أنس (قال عبد الله بن أبي بكر حسبت) أي أظن (أنه) أي أن عباد بن تميم (قال) حين ما حدثني هذا الحديث لفظة (والناس في مبيتهم) أي أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم رسولًا، والحال أن الناس نازلون في منزلهم الذي باتوا فيه يعني لم يتحركوا عنه أي أرسل إليهم بأن ينادي فيهم بقوله (لا يبقين في رقبة بعير) وعنقه (قلادة من وتر) أي من وتر قوس (أو) قال الراوي (قلادة) بلا ذكر وتر (إلا قطعت) منه، وأو للشك من الراوي، وقيل للتنويع فيكون من باب التعميم بعد التخصيص فعلى الأول يجوز إبقاء ما كان من غير وتر وعلى الثاني لا يجوز إبقاؤها من أي شيء كانت ولهذا اختلف العلماء في هذا الباب، قال في المبارق: قيل سبب النهي خوف اختناق الإبل بها عند شدة الركض أو عند تشبث الوتر بالشجر، وقيل إنهم كانوا يقلدون الإبل الأوتار لئلا يصيبها العين فنهاهم عن ذلك إعلامًا بأن الأوتار لا ترد شيئًا من القدر، وأما من فعل ذلك

قَال مَالِكٌ: أُرَى ذلِكَ مِنَ الْعَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ للزينة فلا بأس به اهـ. قال النووي: قوله (قلادة من وتر أو قلادة) هكذا هو في جميع النسخ قلادة من وتر أو قلادة فقلادة الثانية مرفوعة معطوفة على قلادة الأولى؛ ومعناه أن الراوي شك هل قال قلادة من وتر أو قال قلادة فقط ولم يقيدها بالوتر (قال مالك) بن أنس أحد رواة الحديث (أرى ذلك) النهي وأظنه لمن فعل ذلك التقليد (من العين) أي لأجل دفع إصابة عين الناس للإبل، وأما من فعله لغير ذلك من زينة أو غيرها فلا بأس به. قال القرطبي: قوله (قلادة من وتر) .. الخ يعني بالوتر وتر القوس ولا معنى لقول من قال إنه يعني بذلك الوتر الذي هو الذحل وهو طلب الثأر لبعده لفظًا ومعنى (وقول مالك أرى ذلك من العين) يعني أنهم كانوا يتعوذون بتعليق أوتار قسيهم في أعناق إبلهم من العين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها لأجل توقع ذلك وظاهر قول مالك خصوصية ذلك بالوتر ولذلك أجازه ابن القاسم بغير الوتر، وقال بعض أصحابنا: فيمن قلد بعيره شيئًا ملونًا فيه خرز إن كان للجمال فلا بأس به. واختلف العلماء في تقليد البعير وغيره من الحيوان والإنسان ما ليس بتعاويذ قرآنية مخافة العين فمنهم من نهى عنه ومنعه قبل الحاجة وأجازه عند الحاجة إليه، ومنهم من أجازه قبل الحاجة وبعدها كما يجوز الاستظهار بالتداوي قبل حلول المرض، وقال غير مالك: إن الأمر بقطع الأوتار إنما كان مخافة أن يختنق به البعير عند الرعي أو يحتبس بغصن من أغصان الشجرة كما اتفق لناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدها ثم وجدها قد حبستها شجرة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قوله (قلادة من وتر) بفتح الواو والتاء وهو وتر القوس، قال ابن الجوزي: وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي لئلا تصيبها العين بزعمهم فأمروا بقطعها إعلامًا بأن الأوتار لا ترد من أمر الله تعالى شيئًا، وهذا هو الذي اختاره الإمام مالك كما هو مصرح في آخر الحديث. الثاني: لئلا تختنق الدابة بها عند الركض ويحكى ذلك عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وعن أبي عبيد ما يرجحه فإنه قال نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك ويضيق عليها نفسها ورعيها وربما تعلقت بشجرة فاختنقت أو تعوقت عن السير. الثالث: أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس ويدل عليه تبويب البخاري.

5410 - (2080) (146) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا البخاري في الجهاد [3005]، وأبو داود في الجهاد [2552]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5410 - (2080) (146) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه) قال السنوسي: نهى عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي وغيره إلا أنه في الآدمي أشد، وخص الوجه لأنه مجمع المحاسن وأقل أثر فيه يشينه وربما آذى البصر مع ما فيه من إهانة الصورة التي كرم الله تعالى بها بني آدم وخلق أباهم عليها، وظاهره النهي عن ضربه حتى في القتال، والأولى إذا أمكن غيره أن لا يضرب فيه لأن الإمام قد يرى استرقاقه اهـ. قال القرطبي: ونهيه صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم فيه يدل على احترام هذا العضو وتشريفه على سائر الأعضاء الظاهرة وذلك لأنه الأصل في خلقة الإنسان وغيره من الأعضاء خادم له لأنه الجامع للحواس التي تحصل بها الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة ولأنه أول الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث والقصد ولأنه مدخل الروح ومخرجه ولأنه مقر الجمال والحسن ولأن به قوام الحيوان كله ناطقه وغير ناطقه، ولما كان بهذه المثابة احترمه الشرع ونهى أن يتعرض له بإهانة ولا تقبيح ولا تشويه، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يضرب عبده فقال: "اتق الوجه، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته" متفق عليه رواه البخاري برقم [2559]، ومسلم برقم [2612]، وأحمد [2/ 347] أي على صورة المضروب ومعنى ذلك والله أعلم أن المضروب من ولد آدم ووجهه كوجهه في أصل الخلقة ووجه آدم عليه السلام مكرم مشرف إذ قد شرفه الله تعالى بأن خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأقبل عليه

5411 - (00) (00) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكلامه وأسجد له ملائكته، وإذا كان هذا الوجه يشبه ذلك الوجه فينبغي أن يحترم كاحترامه، ولما سمع ذلك الصحابي النهي عن الوسم وفهم ذلك المعنى قال: والله لا اسمه مبالغة في الامتثال والاحترام اهـ من المفهم. (و) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن الوسم في الوجه) والوسم الكي والحرق بالنار، وأصله العلامة يقال وسم الشيء يسمه إذا أعلمه بعلامة يعرف بها ومنه السيماء أي العلامة، قال النووي: وقال أهل اللغة: الوسم أثر كيَّةٍ يقال بعير موسوم، وقد وسمه يسمه وسمًا وسمة، والميسم الشيء الذي يوسم به، والوسم بالسين المهملة هو الصحيح المعروف في الروايات وكتب الحديث، وقد رواه بعضهم بالشين المعجمة وهو وهم لأن الوشم إنما هو غرز الشفاه والأذرع بالإبرة وتسويدها بالنؤور وهو الكحل أو ما شابهه، والوسم الكي فكيف يجعل أحدهما مكان الآخر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد [2564]، والترمذي في الجهاد [1710]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 5411 - (00) (00) (وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور نزيل بغداد، ثقة، من (9) (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا محمد بن بكر) البرساني (كلاهما) أي كل من حجاج ومحمد بن بكر رويا (عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساقا أي ساق كل من حجاج ومحمد بن بكر (بمثله) أي بمثل ما حدث علي بن مسهر، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لعلي بن مسهر والله أعلم. قدت: والوسم في الوجه منهي عنه بالإجماع للحديث ولما ذكر في الضرب فيه،

5412 - (2081) (146) وحدَّثني سَلمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ. فَقَال: "لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ". 5413 - (2082) (147) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ نَاعِمًا، أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما وسم الآدمي فحرام لكرامته ولعدم الحاجة إليه، وأما وسم غيره في الوجه فغير جائز وأما في غير الوجه فجائز وفي غنم الزكاة والجزية فمستحب لا ينهى عنه كذا في الشرح. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5412 - (2081) (146) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي أبو عبد الرحمن النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي مولاهم الحراني صدوق، من (9) (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله العبسي مولاهم، صدوق، من (8) (عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وسم) أي علم بالكية (في وجهه فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله) تعالى وطرد من رحمته (الذي وسمه) أي وسم وجه هذا الحمار، واللعن يدل على حرمته. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ من تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5413 - (2082) (147) (حدثنا أحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي المصري عالمها، ثقة، من (5) (أن ناعمًا) ابن أُجيل بضم الهمزة وفتح الجيم مصغرًا الهمداني (أبا عبد الله) المصري (مولى أم سلمة) رضي الله تعالى عنها، روى عن ابن عباس في

حَدَّثهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسِ يَقُولُ: وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذلِكَ. قَال: فَوَاللهِ لَا أَسِمُهُ إلا فِي أَقْصَى شَيءٍ مِنَ الْوَجْهِ. فَأَمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ فَكُويَ فِي جَاعِرَتَيهِ. فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ اللباس، وعبد الله بن عمرو في البر، وعثمان وعلي وأبي هريرة وغيرهم، ويروي عنه (م عم) ويزيد بن أبي حبيب والأعرج والحارث بن يزيد وغيرهم، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة (80) ثمانين (حدثه) أي حدث ليزيد بن أبي حبيب (أنه) أي أن ناعمًا (سمع ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (يقول) وهذا السند من سداسياته (ورأى) في بعض النسخ إسقاط الواو وإسقاطه أوضح أي أن ناعمًا سمع ابن عباس يقول رأى (رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا موسوم الوجه) أي محروق الوجه بالميسم (فأنكر) أي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) الوسم الذي رآه في وجه الحمار أي ظهر أثر إنكاره وكراهية ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم (قال) ابن عباس حين رأى إنكار النبي صلى الله عليه وسلم (فوالله لا اسمه) أي لا اسم الحمار أبدًا (إلا في) مكان كان (أقصى) أي أبعد (شيء من الوجه) من سائر بدنه (فأمر) ابن عباس (بـ) كي (حمار له فكوي) بالبناء للمجهول أي فوسم ذلك الحمار بأمر ابن عباس (في جاعرتيه) أي في جاعرتي ذلك الحمار أي في طرفي وركيه (فهو) أي ابن عباس (أول من كوى) ووسم (الجاعرتين) من الحيوان، والجاعرتان هما حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر وسميا بذلك لأن الجعر وهو البعر يقع عليهما اهـ. وفي النهاية هما لحمتان تكتنفان أصل الذنب وهما من الإنسان في موضع رقمتي الحمار. قال القرطبي: ظاهر مساق هذا الحديث في كتاب مسلم أن القائل هو ابن عباس راوي الخبر وليس كذلك لما صح من رواية البخاري في التاريخ، وفي رواية أبي داود في مصنفه أن القائل هو العباس والد عبد الله وهو أول من كوى في الجاعرتين لا ابنه والله أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات كما في تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

5414 - (2083) (148) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيمٍ قَالتْ لِي: يَا أَنَسُ، انْظُرْ هذَا الْغُلامَ. فَلَا يُصِيبَنَّ شَيئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ. قال فَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْحَائِطِ. وَعَلَيهِ خَمِيصَةٌ جَوْنِيَّةٌ. وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5414 - (2083) (148) (حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم البصري، ثقة ثبت، من (6) (عن محمد) بن سيرين الأنصاري البصري، ثقة، من (3) (عن أنس) ابن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (قال) أنس (لما ولدت أم سليم) والدتي (قالت لي يا أنس انظر هذا الغلام) الذي ولدته وهو عبد الله بن أبي طلحة كما صرح به المؤلف في باب تحنيك المولود، والبخاري في الزكاة، وهو ولد ولد لأم سليم وأبي طلحة بعد وفاة ابنهما الذي أخفت أم سليم أمره على زوجها حتى واقعها في الليلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سليم: "بارك الله في ليلتكما" وأخرج المؤلف ها هنا ما يوافق الترجمة فقط لإتمام الحديث (فلا يصيبن) هذا الغلام أي لا يأكلن (شيئًا) من الطعام (حتى تغدو) وتبكر (به إلى النبي صلى الله عليه وسلم) لـ (يحنكه) أي ليحنك هذا الغلام النبي صلى الله عليه وسلم فتناله بركة ريقه صلى الله عليه وسلم، والتحنيك مضغ التمر أو نحوه ثم دلكه بحنك الصبي يقال حنك الصبي إذا مضغ تمرًا أو غيره فدلكه بحنكه اهـ قاموس. قال النووي: فيه حمل المولود عند ولادته إلى واحد من أهل الصلاح والفضل يحنكه بتمرة ليكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين فيتبرك به اهـ. (قال) أنس (فغدوت) أي بكرت بذلك الغلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم موجود (في الحائط) أي في البستان، وفي رواية للبخاري في اللباس "في حائط له" كما ذكره الحافظ في الفتح [9/ 590] (وعليه) صلى الله عليه وسلم (خميصة) وهي كساء من صوف أو خز أو نحوهما مربع له أعلام (جونية) صفة لخميصة أي سوداء. وفي النهاية (وعليه بردة جونية) بفتح الجيم وسكون الواو منسوبة إلى بني الجون قبيلة من الأزد والله أعلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (يسم) ويكوي (الظهر) أي

الَّذِي قَدِمَ عَلَيهِ فِي الْفَتْحِ. 5415 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثنَا شُعْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الإبل (الذي قدم عليه) من الغنيمة (في الفتح) أي في يوم فتح مكة سميت الإبل بالظهر لأنها تحمل الأثقال على ظهورها. قوله (وعليه خميصة) الخميصة كساء أسود مربع، وقال الأصمعي: الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة كانت من لباس الناس. واختلفت الروايات والنسخ في ضبط (حوتنية) فرواها العذري بالحاء المهملة المفتوحة والواو الساكنة ثم الفوقانية المفتوحة بعدها نون مكسورة، ورواها الهروي (حونية) بضم الحاء وكسر النون بعد الواو، ورواها الفارسي (خوينية) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون التحتانية إلى غير ذلك، وقال القاضي في المشارق: هذه الروايات كلها تصحيف إلا روايَتَي (جونية) بالجيم المفتوحة منسوبة إلى الجون قبيلة من الأزد لكونها من صناعتهم أو منسوبة إلى الجون وهو من الألوان يقع على الأسود والأبيض والأحمر، والمعنى خميصة سوداء أو بيضاء أو حمراء فهي منسوبة إلى لونها لأن العرب تسمي كل لون من هذه الألوان جونًا، (وخريثية) بالخاء المعجمة مصغرًا نسبة إلى خريث رجل من قضاعة وهو الذي صنعها وهي رواية البخاري ورجح الحافظ في الفتح هاتين الروايتين وأن المراد من الجونية السوداء، ومن الخريثية نسبتها إلى صانعها رجل من قضاعة يسمى خريثًا وغيرهما تصحيف كما قاله القاضي اهـ. قال القرطبي: ومع هذا الاضطراب لم نحصل من هذه اللفظة على تحقيق معنى لها وأشبه ما فيها رواية البخاري والله أعلم اهـ من المفهم. قوله (وهو يسم الظهر) أي الإبل وفي بعض الروايات (كان يسم غنمًا) فبينهما معارضة وجمع الحافظ بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يسم الإبل والغنم جميعًا فصادفه أنس أول دخوله وهو يسم غنمًا ثم رآه يسم الإبل اهـ فتح الباري [9/ 172] بتصرف. أخرج المؤلف هذا الحديث في أبواب كثيرة وشاركه في روايته البخاري [5470]، وأبو داود في الجهاد باب في وسم الدواب [2563]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5415 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة

عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ؛ أَنَّ أُمَّهُ حِينَ وَلَدَتِ، انْطَلَقُوا بِالصَّبيِّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ. قَال: فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مِرْبَدٍ يَسِمُ غَنَمًا. قَال شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَال: فِي آذَانِهَا. 5416 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زيدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِرْبَدًا وَهُوَ يَسِمُ غَنَمًا قَال: أَحْسِبُهُ قَال: فِي آذَانِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، روى عن جده، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (قال) هشام (سمعت) جدي (أنسًا) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لمحمد (يحدث أن أمه) أم سليم (حين ولدت) أخاه عبد الله بن أبي طلحة (انطلقوا) أي انطلق أنس ومن معه من أقاربهم (بالصبي) المولود (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) لي (يحنكه قال) أنس فأتيناه صلى الله عليه وسلم (فإذا النبي صلى الله عليه وسلم) مشغول (في مربد يسم غنمًا، قال شعبة وأكثر علمي) أي أغلب ظني (أنه) أي أن هشامًا (قال) لي عندما حدّث لي هذا الحديث يسم غنمًا (في آذانها) والله أعلم. قوله (في مربد) بكسر الميم وسكون الراء، وفتح الموحدة موضع تحبس وتجمع فيه الإبل وهو مثل الحظيرة للغنم، ويمكن أن يكون أنس رضي الله عنه أطلق المربد على حظيرة الغنم أو يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج الغنم إلى المربد للوسم، وأما ما وقع في الرواية السابقة من أنه صلى الله عليه وسلم كان في حائط حينما قدم أنس رضي الله عنه فيحمل على أن يكون المربد في قطعة من الحائط. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5416 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (عن شعبة حدثني هشام بن زيد) بن أنس (قال سمعت أنسًا) ابن مالك رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لمحمد بن جعفر (دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مربدًا وهو) صلى الله عليه وسلم (يسم غنمًا) أي يحرقها بالميسم تمييزًا لها عن غيرها (قال) شعبة (أحسبه) أي أحسب هشامًا (قال) عندما حدّث لي هذا الحديث يسمها (في آذانها).

5417 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَيَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمنِ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5418 - (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: رَأَيتُ فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمِيسَم. وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 5417 - (00) (00) (وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد) بن جعفر غندر (ويحيى) بن سعيد القطان (وعبد الرحمن) ابن مهدي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أنس (و) ساق شعبة (مثله) أي مثل ما حدّث ابن عون عن ابن سيرين، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن عون ولكنها متابعة ناقصة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5418 - (00) (00) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الشامي (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن) عمه (أنس بن مالك) رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لمحمد بن سيرين وهشام بن زيد (قال) أنس (رأيت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الميسم وهو) صلى الله عليه وسلم (يسم إبل الصدقة) أي الزكاة والميسم الحديدة التي توسم بها الدابة أصله موسم بكسر الميم قلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة، وفيه جواز وسم الحيوان، قال النووي: يستحب وسم نعم الزكاة والجزية وهو مذهبنا ومذهب الصحابة كلهم رضي الله عنه وجماهير العلماء بعدهم، ونقل ابن الصباغ وغيره إجماع الصحابة عليه، وقال أبو حنيفة: هو مكروه لأنه تعذيب ومثلة وقد نهي عن المثلة الخ اهـ ذهني. وقال الحافظ في زكاة الفتح [3/ 367] وفي حديث

5419 - (2084) (149) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب حجة على من كره الوسم من الحنفية بالميسم لدخوله في عموم النهي عن المثلة وقد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه مخصوص من العموم المذكور للحاجة كالختان للآدمي، وقال العيني في العمدة [4/ 461] قلت ذكر أصحابنا يعني الحنفية في كتبهم لا بأس بكي البهائم للعلامة لأن فيه منفعة ولا بأس بكي الصبيان إذا كان لداء أصابهم لأن ذلك مداواة فظهر أنه لا خلاف في هذه المسألة بين الحنفية والشافعية. وقال العيني أيضًا: قال قوم من الشافعية الكي مستحب في نعم الزكاة والجزية وجائز في غيرها، والمستحب أن يسم الغنم في آذانها، والإبل والبقر في أصول أفخاذها، وفائدته تمييز الحيوان بعضه من بعض وليرده من أخذه ومَن التقطه يعرفه وإذا تصدق به لا يعود إليه، ويستحب أن يكتب في ماشية الزكاة زكاة أو صدقة، ونقل ابن الصباغ إجماع الصحابة على ذلك اهـ. وقال القرطبي: وهذه الأحاديث كلها تدل على جواز كي الحيوان لمصلحة العلامة في كل الأعضاء إلا في الوجه وهو مستثنى من تعذيب الحيوان بالنار لأجل المصلحة الراجحة وإذا كان كذلك فينبغي أن يقتصر منه على الخفيف الذي يحصل به المقصود ولا يبالغ في التعذيب ولا التشويه وهذا لا يختلف فيه الفقهاء إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. "فائدة" وكونه صلى الله عليه وسلم يسم الإبل والغنم بيده يدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم وعلى أن الفضل في امتهان الرجل نفسه في الأعمال التي لا تزري بالإنسان شرعًا وخصوصًا إذا كان ذلك في مصلحة عامة كما وسم صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة بيده، ويحتمل أن يكون مباشرته للكي بيده ليرفق بالبهائم في الوسم ولا يبالغ في ألمها والله أعلم. ثم استدل على الجزء الخامس من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5419 - (2084) (149) (حدثني زهير بن حرب حدثني يحيى يعني ابن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني عمر بن نافع) مولى

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ. قَال: قُلْتُ لِنَافِعٍ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَال: يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، أخو أبي بكر بن نافع، روى عن أبيه نافع في اللباس وذكر الجان، ويروي عنه (خ م د س ق) وعبيد الله بن عمر وعثمان الغطفاني وروح بن القاسم وإسماعيل بن جعفر ومالك، وثقه النسائي وأحمد، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات في خلافة المنصور (عن أبيه) نافع مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع) وفي الصحاح القزع بفتحتين أن يحلق رأس الصبي في مواضع ويترك الشعر في مواضع متفرقًا وقد نهي عنه، ويقال قزع رأسه تقزيعًا إذا حلق شعره وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه ورجل مقزع أي رقيق شعر الرأس متفرقه، والقزع في الأصل قطع من السحاب رقيقة الواحدة قزعة اهـ. (قلت) لا خلاف أنه إذا حلق من الرأس مواضع وأبقيت مواضع أنه القزع المنهي عنه لما عرف من اللغة كما نقلناه آنفًا ولتفسير نافع له بذلك كما ذكره المؤلف بقوله (قال) عمر بن نافع (قلت لنافع وما القزع؟ قال) نافع القزع أن (يحلق) بالبناء للمجهول (بعض رأس الصبي ويترك بعض) آخر، واختلف فيما إذا حلق جميع الرأس وترك منه موضع كشعر الناصية أو فيما إذا حلق موضع وحده وبقي أكثر فمنع ذلك مالك ورآه من القزع المنهي عنه، قال النووي: وهذا الذي فسره به نافع أو عبيد الله هو الأصح وهو أن القزع حلق بعض الرأس مطلقًا، ومنهم من قال هو حلق مواضع متفرقة منه، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به، وأما ما ذكر في صحيح البخاري من قوله إذا حلق الصبي وترك ها هنا شعرة وههنا شعرة فالظاهر أنه تمثيل بفرد من أفراد القزع وليس تعريفًا له، ثم قال النووي: وأجمع العلماء على كراهة القزع إلا أن يكون مداواة ونحوها وهي كراهة تنزيه، وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقًا، وقال بعض أصحابه: لا بأس به في القصة والقفا للغلام، ومذهبنا كراهته مطلقًا للرجل والمرأة لعموم الحديث، والقصة بضم القاف المراد بها ها هنا شعر الصدغين وبالقفا شعر القفا والحاصل منه أن القزع مخصوص بشعر الرأس وليس شعر الصدغين والقفا من الرأس. قال العلماء: والحكمة في كراهته أنه تشويه للخلق، وقيل لأنه زي اليهود وقد جاء هذا في رواية أبي داود والله أعلم.

5420 - (00) (00) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَجَعَلَ التَّفْسِيرَ، فِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، مِنْ قَوْلِ عُبَيدِ اللَّهِ. 5421 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْغَطَفَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب القزع [5920 و 5921]، وأبو داود في الترجل [4193]، والنسائي في الزينة [5050 و 5051]، وابن ماجه في اللباس [3681 و 3682]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5420 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي قالا حدثنا عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة وعبد الله بن نمير ليحيى القطان (و) لكن (جعل) الراوي يعني ابن أبي شيبة (التفسير) أي تفسير القزع (في حديث أبي أسامة) وروايته (من قول عبيد الله) بن عمر لا من قول عمر بن نافع، ووقع في رواية ابن جريج عند البخاري: (قال عبيد الله قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله قال: إذا حلق الصبي وترك ها هنا شعرة وههنا وههنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه، قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري هكذا قال: الصبي، قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر وليس فيه غيره وكذلك شق رأسه هذا وهذا) والقصة والقفا تقدم تفسيرهما آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5421 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عثمان الغطفاني) أو الكلابي أبو عمرو البصري قاضيها، روى عن عمر بن نافع في اللباس وزيد بن أسلم وعلي بن جدعان، ويروي عنه (م د س) ومحمد بن المثنى وأحمد ونعيم بن حماد وزيد

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ. ح وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامِ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ. بِإِسْنَادِ عُبَيدِ الله. مِثْلَهُ. وَأَلْحَقَا التَّفْسِيرَ فِي الْحَدِيثِ. 5422 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أخزم، قال أحمد: ثقة، ووثقه ابن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه، وقال البخاري: مضطرب الحديث، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم (حدثنا عمر بن نافع ح وحدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) التميمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن عمر بن نافع بإسناد عبيد الله) بن عمر يعني عن عمر عن نافع عن ابن عمر. وهذان السندان الأول منهما من خماسياته، والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عثمان بن عثمان وروح بن القاسم لعبيد الله بن عمر، وساقا (مثله) أي مثل حديث عبيد الله (و) لكن (ألحقا) أي ألحق عثمان بن عثمان وروح بن القاسم أي أدخلا (التفسير) أي تفسير القزع يعني قوله (يحلق بعض رأس الصبي). الخ (في الحديث) أي جعلاه من نفس الحديث لا من تفسير الراوي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5422 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) أبو محمد البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر، ثقة، من (11) روى عنه في (12) بابا كلهم رووا (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (عن معمر) بن راشد (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا أبو جعفر الدارمي) عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ السَّرَّاجِ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِذلِكَ. 5423 - (2085) (150) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطرُقَاتِ" قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ مهران السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (حدثنا أبوالنعمان) محمد بن الفضل السدوسي البصري، الملقب بعارم، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن عبد الرحمن) بن عبد الله (السراج) البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (كلاهما) أي كل من أيوب وعبد الرحمن السراج رويا (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك) الحديث السابق الذي رواه عمر بن نافع. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أيوب والسراج لعمر بن نافع، وفي أغلب النسخ (كلهم) بضمير الجمع وهو تحريف من النساخ والصواب ما كتبناه والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5423 - (2085) (150) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب المدني، ثقة، من (3) (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة بنت الحارث الهلالية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، أبي محمد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان المدني الصحابي الشهير رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم) أيها الناس (والجلوس) بالنصب عطفًا على المحذر أي باعدوا أنفسكم أيها الناس عن الجلوس (في الطرقات) المسلوكة للمارة لا المهجورة (قالوا) أي قال

يَا رَسُولَ الله، مَا لنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصحاب (يا رسول الله ما لنا بد) ولا غنى (من مجالسنا) على الطرقات، قال الحافظ في الفتح [5/ 113] القائل ذلك هو أبو طلحة وهو بين من روايته عند مسلم، وأشار به الحافظ إلى حديث لأبي طلحة أخرجه المصنف في السلام "باب من حق الجلوس على الطريق رد السلام" ولفظه (كنا قعودًا بالأفنية نتحدث فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فقال مالكم والمجالس الصعدات) الحديث. قوله صلى الله عليه وسلم (إياكم والجلوس) .. الخ قال النووي: هذا الحديث كثير الفوائد وهو من الأحاديث الجامعة وأحكامه ظاهرة وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث ويدخل في كشف الأذى اجتناب الغيبة وظن السوء واحتقار بعض المارين وتضييق الطريق وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون أو يخافون منهم ويمتنعون من المرور في الطريق في أشغالهم بسبب ذلك لكونهم لا يجدون طريقًا إلا ذلك الموضع اهـ. قوله (ما لنا بد من مجالسنا) أي ليس لنا فراق عن مجالسنا وغنى عنها. فإن (قلت) ما لهم أبوا أن ينتهوا ولم يقبلوا نهيه صلى الله عليه وسلم وهو عال عن منصبهم؟ (قلت) إنهم فهموا أن نهيه ليس للتحريم بل حملوه على التنزيه فلذا التمسوا منه الرخصة فعليه وسع - عليه السلام - الأمر عليهم بشرط أداء حق الطريق وعلمهم آداب الجلوس فيه والله أعلم. وقال القاضي عياض: وقولهم ما لنا بد من مجالسنا فيه دليل على أن أمره صلى الله عليه وسلم ليس للوجوب وإنما كان على طريق الترغيب والأولى إذ لو فهموا الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة وقد يحتج به من لا يرى الأوامر على الوجوب، قال الحافظ في الفتح [11/ 11] بعد حكاية قول القاضي عياض رحمهما الله تعالى (قلت) ويحتمل أن يكونوا رجوا وقوع النسخ تخفيفًا لما شكوا من الحاجة إلى ذلك، ويؤيده أن في مرسل يحيى بن يعمر أي عند سعيد بن منصور "فظن القوم أنها عزمة ويحتمل أيضًا أن الصحابة رضي الله عنهم شعروا بأن هذا النهي ليس لعينه وإنما هو من قبيل سد الذرائع لصونهم عن الوقوع في محظور، ويؤيده أن أبا طلحة رضي الله عنه قال: إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتذاكر ونتحدث. وثبت فيما بعد أن الصحابة أصابوا في فهمهم

نَتَحَدَّثُ فِيها. قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَإِذَا أَبَيتُم إلا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَال: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ولذلك أجاز النبي صلى الله عليه وسلم جلوسهم بشروط. نحن (نتحدث) ونتذاكر (فيها) أي في مجالسنا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبيتم إلا المجلس) أي إلا الجلوس في مجالسكم (فأعطوا الطريق حقه، قالوا وما حقه؟ قال غض البصر) أي منعه عما لا يحل نظره (وكف الأذى) أي كف النفس ومنعها عن إذاية المارة (ورد السلام) على المسلم من المارة (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عند القدرة عليهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المظالم [2465]، وفي الاستئذان [6229] وأبو داود في الأدب باب في الجلوس في الطرقات [5815]. قوله (غض البصر) .. إلخ ووقع في حديث أبي طلحة المذكور زيادة (وحسن الكلام) وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان (وإرشاد السبيل وتشميت العاطس إذا حمد) وفي حديث عمر عند أبي داود (وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال) وفي حديث البراء عند أحمد والترمذي (وأعينوا المظلوم وأفشوا السلام) وفي حديث ابن عباس عند البزار (وأعينوا على الحمولة) وفي حديث سهل بن حنيف عند الطبراني (ذكر الله كثيرًا) وفي حديث وحشي بن حرب عند الطبراني (وأهدوا الأغبياء) ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدبًا وقد نظمها الحافظ في الفتح [11/ 11] بقوله: جمعت آداب من رام الجلوس على الط ... ـريق من قول خير الخلق إنسانا أفش السلام وأحسن في الكلام وشمَـ. مِتْ عاطسًا وسلامًا رد إحسانا في الحمل عاون ومظلومًا أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلًا واهد حيرانا بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى ... وغض طرفًا وأكثر ذكر مولانا ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

5529 - (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ. ح وَحَدَّثنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ). كِلاهُمَا عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5424 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني (المدني) صدوق، من (8) (ح وحدثناه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (أخبرنا هشام يعني ابن سعد) المدني أبو سعد القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم، صدوق، من (7) (كلاهما) أي كل من عبد العزيز وهشام بن سعد رويا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني، ثقة، من (3) (بهذا الإسناد) يعني عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، غرضه بيان متابعة عبد العزيز وهشام بن سعد لحفص بن ميسرة، وساقا (مثله) أي مثل ما روى حفص بن ميسرة والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي بشير الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد، والخامس حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد ثانيًا، والسادس حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والسابع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الخاص من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكرهر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

674 - (18) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ونظائرهما وذم النساء الكاسيات العاريات والنهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط

674 - (18) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ونظائرهما وذم النساء الكاسيات العاريات والنهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط 5530 - (115) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: جَاءَتِ امْرأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِن لِي ابْنَة عُرَيِّسًا. أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعَرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 674 - (18) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ونظائرهما وذم النساء الكاسيات العاريات والنهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط 5425 - (2086) (151) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوام زوجة هشام بن عروة الأسدية المدنية، ثقة، من الثالثة، روى عنها في (4) أبواب (عن) جدتها (أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قالت) أسماء (جاءت امرأة) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذه المرأة ولا اسم ابنتها (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت) له (يا رسول الله إن لي ابنة عريسًا) هو تصغير عروس قلبت الواو ياء وزيد عليها ياء التصغير وأدغمت إحداهما في الأخرى، ويقال للذكر والأنثى عروس عند الدخول بها يقال رجل عروس ورجال عرس وامرأة عروس ونساء عرائس، والعرس بالكسر امرأة الرجل ولبوة الأسد "شعر رقبته" والجمع أعراس، وقال مالك بن خويلد الخناعي: ليث هزبر مدل حول غابته ... بالرقمتين له أجر وأعراس كذا في اللسان وفي الصحاح (عند خيسته) بدل (حول غابته) و (أجر) جمع جرو (أصابتها) أي أخذتها وطلعت بها (حصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين ويقال بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات، والإسكان أشهر، وهي بثر تخرج في الجلد تشبه الجدري أو هي هو، ووقع في رواية فاطمة بنت المنذر عند الطبراني (فأصابتها الحصبة أو الجدري) يقال حصب جلده بكسر الصاد يحصب من باب فرح (فتمرق شعرها) أي

أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَال: "لَعَنَ الله الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تساقط وانتتف شعرها وتمزق، وفي رواية (تمرط) وكلاهما بمعنى واحد يقال مرق الصوف عن الإهاب يمرق مرقًا من باب فرح، وتمرق وأمرق بمعناه ويقال مرط شعره يمرطه إذا نتفه، والمراطة ما سقط منه وتمرط شعره يتمرط تمرطًا إذا تساقط، ووقع في بعض الروايات (تمزق) ومعناه تقطع (أ) يجوز لي أن أصل شعرها بشعر آخر (فأصله) به فالهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، ووصل الشعر هو أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به اهـ مفهم. وللطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر (فأصابتها الحصبة أو الجدري فسقط شعرها وقد صحت وزوجها يستحثنا وليس على رأسها شعر أفنجعل على رأسها شيئًا نجملها به) (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالها لا يجوز لك وصل شعرها بشعر آخر لأنه (لعن الله) سبحانه وتعالى وطرد عن رحمته (الواصلة) أي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر (والمستوصلة) أي التي تطلب من يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة أيضًا اهـ نووي، وقال محمد ذهني: الواصلة هي التي توصل شعرها بشعر آخر زورًا وكذبًا وهي أعم من أن تفعل بنفسها أو تأمر غيرها بأن يفعله (والمستوصلة) هي التي تطلب هذا الفعل من غيرها وتأمر من يفعل بها ذلك وهي تعم الرجل والمرأة، فالتاء إما باعتبار النفس أو لأن الأكثر أن المرأة هي الآمرة أو الراضية اهـ، قال في المبارق: الرجل والمرأة في ذلك سواء هذا إذا كان المتصل شعر الآدمي لكرامته، وأما غيره فلا بأس بوصله فيجوز اتخاذ النساء القراميل من الوبر اهـ والقراميل جمع قرمل على وزن زبرج وهو ما تربط به النساء شعرهن. قال القرطبي: وهذا الحديث نص صريح في تحريم وصل الشعر بالشعر وبه قال مالك وجماعة من العلماء ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخرق أو غيرها لأن ذلك كله في معنى وصله بالشعر ولعموم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة شعرها، وقد شذ الليث بن سعد فأجاز وصله بالصوف والخرق وما ليس بشعر وهو محجوج بما تقدم، وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس وقالوا إنما نهى عن الوصل خاصة وهذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى، وقد شذ قوم فأجازوا الوصل مطلقًا وتأولوا الحديث على غير وصل الشعر وهو أن تكون المرأة بغية في شبيبتها فإذا

5426 - (00) (00) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي وَعَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أسنت وصلته بالشعر الأسود وهو قول باطل، وقد روي عن عائشة ولم يصح عنها ولا يدخل في هذا النهي ما ربط من الشعر بخيوط الحرير الملونة وما لا يشبه الشعر ولا يكثر وإنما يفعل ذلك للتجمل والزينة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب وصل الشعر [5935 و 5936] وباب الموصولة [5941]، والنسائي في الزينة [5350]، وابن ماجه في النكاح [1997]. وقد دل الحديث على أن وصل المرأة شعرها كبيرة تستحق به اللعن، وقد اختلف العلماء في تفصيل هذا الحكم على أقوال: الأول أنه يحرم الوصل مطلقًا سواء كان بشعر آدمي أو شعر غير آدمي وسواء كان بخرقة أو صوف وهذا القول جعله النووي الظاهر المختار وهو الذي ذكره الحافظ في الفتح كمذهب الجمهور. والثاني الوصل بشعر الآدمي حرام لحرمته وكرامته وكذلك الوصل بشعر نجس من غير الآدمي، وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فيجوز الوصل به بإذن الزوج أو السيد وهو قول لبعض الشافعية كما حكى عنهم النووي. الثالث الوصل بالشعر ممنوع مطلقًا لما فيه من التزوير سواء كان بشعر الآدمي أو بشعر حيوان آخر ولكن لا بأس بوصله بصوف أو خرق أو غيرها وهو قول الليث بن سعد. والرابع الوصل بغير الشعر إنما يحل إذا لم يلتبس بالشعر بحيث لا يظن الناظر أنه من الشعر أما إذا وقع به الالتباس فلا وهو الذي قواه الحافظ في الفتح [10/ 375] والذي يظهر من كتب الحنفية أن الراجح عندهم القول الثاني وهو تخصيص الحرمة بشعر الآدمي اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: 5426 - (00) (00) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (وعبدة) بن سليمان الكلابي (ح وحدثنا

أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. أَخْبَرَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. غَيرَ أَنَّ وَكِيعًا وَشُعْبَةَ فِي حَدِيثِهِمَا: فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا. 5427 - (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّ امْرأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: إِنِّي زَوَّجْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (أخبرنا أسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن الملقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (كلهم) أي كل من عبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير ووكيع وشعبة رووا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء (نحو حديث أبي معاوية) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأبي معاوية (غير أن) أي لكن أن (وكيعًا وشعبة في حديثهما) لفظة (فتمرط شعرها) بدل قول أبي معاوية فتمرق شعرها والمعنى واحد كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 5427 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم النيسابوري، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا حبان) بفتح المهملة وشد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري، ثقة ثبت حجة مأمون، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا منصور) بن عبد الرحمن بن طلحة ابن الحارث العبدري الحجبي المكي ابن صفية بنت شيبة، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنها في (5) أبواب (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة صفية بنت شيبة لفاطمة بنت المنذر (أن امرأة أتت) وجاءت (النبي صلى الله عليه وسلم فقالت) له صلى الله عليه وسلم (إني زوجت

ابْنَتِي. فَتَمَرَّقَ شَعْرُ رَأْسِهَا. وَزَوْجُهَا يَسْتَحْسِنُهَا. أَفَأَصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَهَاهَا. 5533 - (117) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابنتي) أي أردت تزويج ابنتي (فتمرق) انتتف (شعر رأسها) بمرض الحصبة (وزوجها يستحسنها) فلا يصبر عنها ويطلب تعجيلها إليه ولا ينتظر إلى نبات شعرها فنريد أن نبعثها إليه موصولة الشعر فهل يجوز وصل شعرها بشعر آخر كذا فسره النووي، ويحتمل أن يعود ضمير يستحسنها إلى شعور المرأة والمعنى أنه يريد ويستحسن كثرة شعورها ونريد أن نصل شعرها بشعر آخر (أ) يجوز وصل شعرها (فأصلـ) ـه بشعر آخر (يا رسول الله، فنهاها) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وصل شعر بنتها. قوله (وزوجها يستحسنها) هكذا وقع في كثير من النسخ بإسكان الحاء وبعدها سين مكسورة ثم نون من الاستحسان، والمعنى أي يستحسنها فلا يصبر عنها ويطلب تعجليها إليه، ووقع في كثير منها (يستحثنيها) بكسر الحاء وبعدها شاء مثلثة ثم نون ثم ياء مثناة من تحث من الحث وهو سرعة المشي، وفي بعضها (يستحثها) بعد الحاء ثاء مثلثة فقط والله أعلم. وفي هذا الحديث أن الوصل حرام سواء كان لمعذورة أو عروس أو غيرهما كما في النووي اهـ ذهني. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسماء بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5428 - (2087) (152) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر القيسي العبدي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي الجملي أبو عبد الله الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (قال) عمرو (سمعت الحسن بن مسلم) بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون آخره

يُحَدِّثُ، عَنْ صَفيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ جَارِيةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ. وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا. فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهُ. فَسَأَلُوا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ؟ فَلَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. 5429 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ. أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قاف المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (يحدّث عن صفية بنت شيبة) بن عثمان العبدرية المدنية (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من سباعياته (أن جارية) أي بنتًا شابة (من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمرط شعرها) من باب تفعل الخماسي وثلاثيه مرط على وزن نصر من المرط وهو نتف الشعر يقال مرط الشعر مرطًا من الباب الأول إذا نتفه كذا في القاموس معناه هنا تساقط وتمزق والله أعلم اهـ ذهني (فأرادوا) أي فأراد أهلها (أن يصلوه) أي أن يصلوا شعرها بشعر آخر (فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (ذلك) أي عن حكم وصل شعرها بشعر آخر (فلعن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الواصلة والمستوصلة) تقدم بسط الكلام فيهما آنفًا فدل لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهما على حرمة الوصل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب الوصل في الشعر [5934] وفي النكاح باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية [5205]، والنسائي في الزينة باب المستوصلة [5097] وباب المتنمصات [5101]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5429 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا زيد بن الحباب) بضم أوله المهمل وبموحدتين أبو الحسين العكلي نسبة إلى عكل بطن من تميم الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (عن إبراهيم بن نافع) المخزومي أبي إسحاق المكي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (أخبرني الحسن بن مسلم بن يناق) بفتح القاف غير مصروف للعلمية والعجمة، ويحتمل كونه صيغة مبالغة من الأنيق وهو الشيء الحسن المعجب فسهلت همزته ياء وعلى هذا اسم عربي مصروف (عن صفية بنت شيبة) العبدرية

عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَة لَهَا. فَاشْتَكَتْ فَتَسَاقَطَ شَعْرُهَا. فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ فَقَالت: إِنَّ زَوْجَهَا يُرِيدُهَا. أَفَأَصِلُ شَعَرَهَا؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لُعِنَ الْوَاصِلاتُ". 5430 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَقَال: "لُعِنَ الْمُوصِلاتُ". 5431 - (2088) (153) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن نافع لعمرو بن مرة (أن امرأة من الأنصار زوجت ابنة لها) لم أر من ذكر اسمها واسم زوج البنت (فاشتكت) البنت أي مرضت (فتساقط شعرها فأتت) المرأة (النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن زوجها يريدها) أي يريد استلامها (أفأصل شعرها، فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلات) أي لعن الله الواصلات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5430 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن صفية عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن لزيد بن الحباب (و) لكن (قال) عبد الرحمن (لعن الموصلات) اسم فاعل من أوصل الرباعي، بدل قول زيد لعن الواصلات اسم فاعل وصل الثلاثي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أسماء بحديث ابن عمر مع الاستدلال به على الواشمة والمستوشمة رضي الله عنهما فقال: 5431 - (2088) (153) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لزهير قال حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان) التميمي البصري كلاهما أي كل من ابن نمير ويحيى القطان رويا (عن عبيد الله)

أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذان السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة) أي التي تفعل الوشم في نفسها أو في غيرها (والمستوشمة) أي الآمرة بفعل الوشم فيها أو في غيرها، والوشم أن تغرز إبرة أو نحوها في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة أو النيلة أو الحبر فيخضر ويفعل ذلك لنقش صور أو نقوش، وفاعلة هذا تسمى واشمة، والمفعول بها ذلك موشومة فإن طلبت فعل ذلك بها أو بغيرها كبنتها الصغيرة فهي مستوشمة، والوشم حرام بنص هذا الحديث على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له وقد يفعل بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلة ولا تأثم البنت لعدم تكليفها حينئذ كذا في شرح النووي. والحديث حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه لأن دلالة اللعن علي التحريم من أقوى الدلالات، وأما ما أخرجه الطبري بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم قال: (دخلت مع أبي على أبي بكر الصديق فرأيت يد أسماء موشومة). فأجاب عنه الطبري بأنها صنعته قبل النهي فاستمر في يدها ولا يظن أنها فعلته بعد النهي لثبوت النهي عن ذلك، وأجاب عنه الحافظ في الفتح [1/ 3770] بأنه يحتمل أنها لم تسمع النهي وإنما روي عنها في الحديث السابق النهي عن الوصل فقط وليس في حديثها ذكر الوشم أو كانت بيدها جراحة فداوتها فبقي الأثر مثل الوشم في يدها، ثم ذكر النووي أن الموضع الذي وشم يصير نجسًا فإن أمكن إزالته بعلاج أو بجرح وجب إزالته إلا إذا خيف منه التلف أو فوات عضو أو منفعته أو شين فاحش في عضو ظاهر فلا يجب إزالته وإذا تاب لم يبق عليه إثم وإن لم يخف شيئًا من ذلك لزمه إزالته ويعصي بتأخيره اهـ من المرقاة، ولكن هذا مذهب الشافعية أما الحنفية فقالوا إذا جمد الدم والتأم الجرح بقي محله أخضر فإذا غسل طهر لأنه أثر يشق زواله لأنه لا يزول إلا بسلخ الجلد أو جرحه فإذا كان لا يكلف بإزالة الأثر الذي يزول بماء حار أو صابون أو أشنان فعدم التكلف هنا من باب أولى فإن ادعى أن بقاء اللون دليل على بقاء العين رد بأن الصبغ والاختضاب كذلك فيلزم عدم طهارته ولما جرح صلى الله عليه وسلم في أحد جاءت فاطمة رضي الله تعالى عنها فأحرقت حصيرًا وكمدت به حتى التصق بالجرح فاستمسك

5432 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ بَزِيعٍ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 5433 - (2089) (154) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدم كذا في رد المحتار لابن عابدين، وقال أبو داود في السنن: الواشمة هي التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد والمستوشمة المعمول بها اهـ وذكر الوجه للغالب وأكثر ما يكون في الشفة اهـ عيني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب وصل الشعر [5937] وباب الموصولة [5940] و [5942] وباب المستوشمة [5947]، وأبو داود [4168]، والترمذي [2784]، والنسائي في الزينة باب لعن الواشمة [5251]، وباب لعن الواصلة [5249] وباب المستوصلة [5095]، وابن ماجه في النكاح باب الواصلة والواشمة [1996]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5432 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن عبد الله بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بالقاف مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا صخر بن جويرية) التميمي مولاهم أبو نافع البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما، غرضه بيان متابعة صخر لعبيد الله بن عمر، وساق صخر (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل حديث عبيد الله بن عمر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا على باقي الجزء الأول من الترجمة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 5433 - (2089) (154) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة واللفظ

لإِسْحَاقَ). أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لإسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) ابن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن مسعود (لعن الله) تعالى (الواشمات) أي الفاعلات للوشم (والمستوشمات) أي المفعولات بهن الوشم (والنامصات) أي الناتفات لشعور الوجه من الناس (والمتنمصات) أي الطالبات لنتف شعور وجوههن كلاهما من النمص بفتح النون وسكون الميم وهو نتف الشعر يقال نمصت المرأة الشعر أي نتفته والنامصة هي التي تنتف شعر الوجه من غيرها كما في القاموس وتاج العروس، والمتنمصة هي التي تأمر غيرها بنتف شعر وجهها عنها وأكثر ما تفعله النساء في الحواجب وأطراف الوجه ابتغاء الجمال والزينة، وقال محمد ذهني: والنامصة هي التي تقلع الشعر بالمنماص من الوجه، والمنماص ما يقلع به الشعر والمتنمصة هي التي فعل بها ذلك باختيارها وطلبها، وفي النهاية النامصة هي التي تنتف الشعر من وجهها والمتنمصة هي التي تأمر من يفعل بها ذلك، وفي الدر النثير: هي التي تنتف الشعر من الجبين اهـ. والحاصل كلاهما منهي عنهما حرام بنص هذا الحديث لأن الشارع لعنهما واللعن منه إما دعاء عليهما وإما بيان لاستحقاقهما له والله أعلم. قال النووي: إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب أهـ، أما إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب أو عنفقة فأخذها حلال عند الحنفية والشافعية ونقل النووي عن الطبري أنه حرمه أيضًا. (والمتفلجات) جمع متفلجة وهي المرأة التي تبرد بالمبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات لتحدث انفراجًا بين أسنانها المصمتة المنضمة إيهامًا للناس بأنها صغيرة السن من الفلج وهي الفرجة بين الثنايا والرباعيات وكانت العجائز ومن قاربتهن في السن يفعلنه لإظهار صغرهن لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار فإذا تفلجت امرأة كبيرة السن أوهمت أنها صغيرة في السن، ويقال له أيضًا (الوشر) أي لعن

لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. قَال: فَبَلَغَ ذلِكَ امْرأَةَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ. يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ. وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَأَتَتْهُ فَقَالتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ؛ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَقَال عَبْدُ الله: وَمَا لِيَ لَا أَلعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله هذه المذكورات الفاعلات ما ذكر طلبًا (للحسن) والجمال (المغيرات خلق الله) أي صورتهن التي خلقهن الله عليها (قال) علقمة (فبلغ ذلك) أي لعن عبد الله لهذه المذكورات (امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب) قال العيني: لم يدر اسمها ومراجعتها عبد الله بن مسعود تدل على أن لها إدراكًا لكن لم يذكرها أحد في الصحابيات اهـ (وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت) له أي قالت أم يعقوب لعبد الله (ما حديث بلغني عنك) يا عبد الله من (أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) وصورتهن التي خلقهن الله تعالى عليها (فقال عبد الله) بن مسعود للمرأة السائلة المعترضة عليه لعنه لهذه المذكورات (ومالي) أي وأي شيء ثبت لي حالة كوني (لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم) إياهن (وهو) أي والحال أن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيما فعل وفيما ترك الذي من جملته لعن هذه المذكورات مذكور (في كتاب الله) عزَّ وجلَّ يعني القرآن كما سي سيشرحه قريبًا بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} أراد به أن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو نهى عنه فإنه من جملة أوامر الله تعالى ونواهيه لأن كتاب الله أمرنا بإطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، قال القرطبي: وقول ابن مسعود للمرأة (ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم) دليل على جواز الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاق اللعن علي من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم معينًا كان أو غير معين لأن الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يلعن إلا من يستحق ذلك غير أن هذا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم ما من مسلم سببته أو جلدته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له كفارة وطهورًا" رواه مسلم [2601]، وهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم قد يلعن من ليس بأهل للعنة وقد أشكل هذا على كثير من العلماء وراموا الانفصال عن ذلك بأجوبة متعددة ذكرها القاضي عياض

فَقَالتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَينَ لَوْحَي الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَال: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. قَال الله عَزَّ وَجَلِّ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. فَقَالتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيئًا مِنْ هذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الآنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في كتاب الشفاء وأشبه ما ينفصل به عن ذلك أن قوله ليس لذلك بأهل في علم الله وأعني بذلك أن هذا الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لعنه لسبب صدر منه يقتضي إباحة لعنه لكنه قد يكون منهم من يعلم الله تعالى من مآل حاله أنه يقلع عن ذلك السبب ويتوب منه بحيث لا يضره فهذا هو الذي يعود عليه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ولعنه له بالرحمة والطهور والكفارة ومن لا يعلم الله ذلك منه فإن دعاءه صلى الله عليه وسلم زيادة في شقوته وتكثير للعنته والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله (وهو في كتاب الله) فهمت المرأة من هذا القول أن لعن المذكورات في الحديث منصوص عليه في القرآن (فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف) أي دفتيه وجلديه في الجانبين (فما وجدته) أي ما وجدت لعن هذه المذكورات في كتاب الله (فقال) لها عبد الله (لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه) بإشباع كسرة التاء في الموضعين إلى تولد الياء عنها وهي لغة معروفة فيما إذا اتصل بتاء خطاب الواحدة المؤنثة ضمير غائب وهي الرواية هنا ومعنى قرأتيه تدبرتيه اهـ مفهم، وقال الطيبي: اللام الأولى موطئة للقسم، والثانية لجواب القسم الذي سد مسد جواب الشرط والمعنى لو قرأتيه بالتدبر والتأمل لعرفت ذلك اهـ مرقاة. وإنما قلت لك ذلك لأنه قد (قال الله عزَّ وجلَّ): في كتابه العزيز ({وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}) ولو كنت تأملت هذه الآية لعرفت ما قلته لك، قال القرطبي: ووجه استدلاله على ذلك بالآية أنه فهم منها تحريم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به وينهى عنه، وأن مخالفه مستحق للعنة وهؤلاء المذكورات في الحديث مستحقات للعنة اهـ من المفهم (فقالت المرأة) لعبد الله (فإني أرى شيئًا من هذا) الأمر الذي لعنت عليه (على امرأتك الآن) أي في هذا الزمن القريب تعني أنها رأت على امرأته في وقت قريب من وقت كلامها معه حتى كأنه في حكم الوقت الحاضر المعبّر عنه بـ الآن (شيئًا) من تلك الأمور المذكورات في الحديث وأقرب ما يكون ذلك الشيء التنميص وهو الذي يزول بنبات الشعر عن قريب ولو كان ذلك وشمًا أو تفليجًا لما زال، وامرأة عبد الله اسمها زينب بنت عبد الله بن معاوية

قَال: اذْهَبِي فَانْظُرِي. قَال: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الله فَلَمْ تَرَ شَيئا. فَجَاءَتْ إِلَيهِ فَقَالتْ: مَا رَأَيتُ شَيئًا. فَقَال: أَمَا لَوْ كَانَ ذلِكَ، لَمْ نُجَامِعْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقفية قاله الذهبي (قال) عبد الله للمرأة (اذهبي) إلى امرأتي (فانظري) ذلك عليها إن رأيتيه يعني أنه لما رأى على امرأته شيئًا من ذلك نهاها فانتبهت عنه وسعت في إزالته حتى زال (قال) علقمة (فدخلت) أم يعقوب (على امرأة عبد الله) اسمها زينب بنت عبد الله الثقفية (فلم تر) أم يعقوب على امرأة عبد الله (شيئًا) من ذلك المنكر، فصدق قوله فعله (فجاءت) أم يعقوب (إليه) أي إلى عبد الله (فقالت) له (ما رأيت) على أهلك (شيئًا) من ذلك، وهكذا يتعين على الرجل أن ينكر على زوجته مهما رأى عليها شيئًا محرمًا ويمتنع من وطئها كما قال علقمة (فقال) عبد الله لأم يعقوب (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهي واستمعي يا أم يعقوب ما أقول لك (لو كان ذلك) المنكر على امرأتي (لم نجامعها) أي لم نطأها ولم نستمتع بها، وهذا ظاهر هذا اللفظ، ويحتمل بمعنى لم نجتمع معها في دار ولا بيت فإما بهجران أو بطلاق كما قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} وإذا كان هذا لأجل حق الزوج فلأن يكون لحق الله تعالى أحرى وأولى اهـ من المفهم، قال النووي: قوله (لم نجامعها) قال جماهير العلماء: معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن ولا هي بل كنا نطلقها ونفارقها، قال القاضي: ويحتمل أن معناه لم أطأها وهذا ضعيف، والصحيح ما سبق فيحتج به على أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما ينبغي له أن يطلقها والله أعلم اهـ نووي، حتى قال بعضهم: وإن كان فقيرًا لا يقدر أن يعطي مهرها والموت مدينًا أهون من أن يعاشر معها والله أعلم اهـ ذهني، قال محمد ذهني: أيضًا قوله - عليه السلام -: "والمتفلجات" .. الخ بكسر اللام المشددة جمع متفلجة؛ وهي التي تطلب الفلج وهو بالتحريك فرجة ما بين الثنايا والرباعيات والفرق بين السنين على ما في النهاية، والمراد بهن النساء اللاتي تفعل ذلك بأسنانهن رغبة للتحسين، وقال بعضهم: هي التي تباعد ما بين الثنايا والرباعيات بترقيق الأسنان بالمبرد، وقال القرطبي: والمتفلجات جمع متفلجة وهي التي تفعل الفلج في أسنانها أي تعانيه حتى ترجع المصمتة خلقة فلجاء صنعة، وفي غير كتاب مسلم (الواشرات) وهي جمع واشرة وهي التي تشر أسنانها أي تصنع فيها أشرًا؛ وهي التحزيزات التي تكون في أسنان الشبان تفعل ذلك المرأة الكبيرة تشبهًا بالشابة، وقد وقع في رواية الهوزني أحد رواة مسلم مكان

5434 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (وَهُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثنَا مُفَضَّلٌ (وَهُوَ ابْنُ مُهَلْهِلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الواشمة والمستوشمة (الواشية والمستوشية) بالياء المثناة تحت مكان الميم وهي من الوشي أي تشي المرأة نفسها بما تفعله فيها من التنميص والتفليج والأشر وغير ذلك وبالميم أشهر وهذه الأمور كلها قد شهدت الأحاديث بلعن من يفعلها وبأنها من الكبائر، واختلف في المعنى الذي لأجله نهى عنها فقيل لأنها من باب التدليس، وقيل من باب تغيير خلق الله الذي يحمل الشيطان عليه ويأمر به كما قال تعالى مخبرًا عنه: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} وهو الذي أومأ إليه في الحديث بقوله المغيرات خلق الله، وفيه تصريح بأن الوصل والوشم والنمص وغيرها من جملة تغيير خلق الله الذي يفعله الإنسان بإغواء من الشيطان والذي نهى الله عنه في كتابه المجيد، وقال القرطبي في تفسيره [5/ 392] ثم قيل هذا المنهي عنه إنما هوفيما يكون باقيًا لأنه من باب تغيير خلق الله تعالى فأما ما لا يكون باقيًا كالكحل والتزين به للنساء فقد أجازه العلماء مالك وغيره، وكرهه مالك للرجال وأجاز مالك أيضًا أن تشي المرأة يديها بالحناء. والحاصل أن كل ما يفعل في الجسم من زيادة أو نقص من أجلالزينة بما يجعل الزيادة أو النقصان مستمرًا مع الجسم وبما يبدو منه أنه كان في أصل الخلقة هكذا فإنه تلبيس وتغيير منهي عنه، وأما ما تزينت به المرأة لزوجها من تحمير الأيدي أو الشفاة أو العارضين بما لا يلتبس بأصل الخلقة فإنه ليس داخلًا في النهي عند جمهور العلماء. وأما قطع الإصبع الزائدة ونحوها فإنه ليس تغييرًا لخلق الله وإنه من قبيل إزالة عيب أو مرض فأجازه أكثر العلماء خلافًا لبعضهم كالطبري اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5939]، وأبو داود [4169]، والنسائي [5098]، وابن. ماجه [1998]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5434 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن وهو ابن مهدي حدثنا سفيان) الثوري (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي (حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل) السعدي الكوفي،

كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ. وَفِي حَدِيثِ مُفَضَّلٍ: الْوَاشِمَاتِ وَالْمَوْشُومَاتِ. 5435 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. مُجَرَّدًا عَنْ سَائِرِ الْقِصَّةِ. مِنْ ذِكْرِ أُمِّ يَعْقُوبَ. 5436 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من سفيان ومفضل رويا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، وفي بمعنى الباء عدل إليها فرارًا من ثقل تكرار حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سفيان ومفضل لجرير بن عبد الحميد كما ذكره بقوله وساقا (بمعنى حديث جرير) بن عبد الحميد (غير) أي لكن (أن في حديث سفيان) وروايته لفظة (الواشمات والمستوشمات) كحديث جرير (وفي حديث مفضل الواشمات والموشومات) بدل المستوشمات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 5435 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور) بن المعتمر، غرضه بيان متابعة شعبة لجرير أيضًا (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، وساق شعبة (الحديث) السابق بلفظه حالة كونه (عن النبي صلى الله عليه وسلم مجردًا عن سائر القصة) وجميعها حالة كون القصة (من ذكر أم يعقوب). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 5436 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير يعني ابن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى

حدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. 437 5 - (2090) (155) وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَليٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (19) بابا (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور، وقوله (بنحو حديثهم) بضمير الجمع تحريف من النساخ، والصواب (بنحو حديثه) بالإفراد أي ساق الأعمش بنحو حديث منصور. قال النووي: وهذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: الصحيح عن الأعمش إرساله قال ولم يسنده عنه غير جرير وخالفه أبو معاوية وغيره فرووه عن الأعمش عن إبراهيم مرسلًا قال: والمتن صحيح من رواية منصور عن إبراهيم يعني كما ذكره في الطرق السابقة وهذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم جرير والأعمش وإبراهيم وعلقمة وقد رأى جرير رجلًا من الصحابة وسمع أبا الطفيل وهو صحابي والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أسماء بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 437 5 - (2090) (155) (حدثني الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) أبو علي المكي، ثقة، من (11) (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) المكي (أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (يقول) جابر (زجر) أي نهى (النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها) أي بشعر رأسها (شيئًا) من الشعور سواء كان من آدمي أو من غيره كالصوف والوبر وسواء كان شعرًا أو غيره

5438 - (2091) (156) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاويَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةَ مِنْ شَعَرِ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ. يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ كخيوط الحرير، وحديث جابر هذا مطلق محمول على ما تقدم من المقيد وهو الوصل بشعر الآدمي فلا يمتنع الوصل بالوبر أو الصوف أو الخرقة أو اتخاذ القرامل وهي خيوط من حرير لأن جواز ذلك مروي عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم منهم ابن عباس وأم سلمة وعائشة رضي الله عنهم نقله العيني في عمدة القاري [10/ 302] وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أسماء بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم فقال: 5438 - (2091) (156) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عام حج) معاوية أي في عام حج فيه آخر حجة حجها في خلافته، ووقع في رواية سعيد بن المسيب عند البخاري في الأنبياء (قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها .. الخ) وذكر الحافظ في الفتح [9/ 516] أن ذلك كان في سنة إحدى وخمسين (51) وهي آخر حجة حجها في خلافته (وهو) أي والحال أن معاوية قائم (على المنبر) النبوي خطيبًا (و) قد (تناول) ورفع بيده (قصة) أي حزمة وقطعة (من شعر) تصل بها النساء شعورهن (كانت) تلك القصة (في يد حرسي) أي شرطي من أعوانه، والقصة بضم القاف وتشديد الصاد شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، وقيل شعر الناصية، وقال العيني في العمدة [7/ 467] والمراد منها هنا قطعة وقبضة من شعر مأخوذ من قصصت الشعر إذا قطعته (والحرسي) الشرطي منسوب إلى الحرس بفتح الحاء والراء وهو واحد الحراس، وزاد الطبراني هنا من طريق عروة عن معاوية (وجدت هذه عند أهلي وزعموا أن النساء يزدنه في شعورهن) ذكره الحافظ في لباس الفتح [10/ 375] وفي رواية سعيد بن المسيب الآتية (ما كنت أرى أن أحدًا يفعله إلا اليهود) أي سمع حميد معاوية حالة كونه (يقول)

يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَينَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَنْهى عَنْ مِثْلِ هذِهِ. وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هذِهِ نِسَاؤُهُم" ـــــــــــــــــــــــــــــ على المنبر النبوي (يا أهل المدينة أين علماءكم) قال النووي: هذا السؤال من معاوية للإنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره، وفي حديث معاوية هذا اعتناء الخلفاء وسائر ولاة الأمور بإنكار المنكر وإشاعة إزالته وتوبيخ من أهمل إنكاره ممن توجه ذلك عليه اهـ قال القرطبي: وقول معاوية هذا رضي الله عنه على جهة التذكير لأهل المدينة بما يعلمونه واستعانة على ما رام تغييره من ذلك لا على جهة أن يعلمهم بما لم يعلموا فإنهم أعلم الناس بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في ذلك العصر، ويحتمل أن يكون ذلك فيه لأن عوام أهل المدينة أول من أحدث الزور كما قال في الرواية الأخرى (إنكم قد أحدثتم زي سوء) يعني الزور فنادى أهل العلم ليوافقوه على ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك فينزجر من أحدث ذلك من العوام، وقد فسر معاوية الزور المنهي عنه في هذا الحديث بالخرق التي يكثر النساء بها شعورهن بقوله (ألا وهذا الزور) وزاده قتادة وضوحًا و (الزور في غير هذا الحديث) قول الباطل والشهادة بالكذب وأصل التزوير التمويه بما ليس بصحيح اهـ من المفهم. وذكر الحافظ في الفتح [6/ 516] أن الصحابة كانوا قليلين في المدينة إذ ذاك ومن بقي منهم أو التابعون إنما سكتوا عن الإنكار إما لعدم بلوغهم الخبر أو لأنهم رأوا في ذلك كراهة تنزيه كذا قال الحافظ، ويحتمل أيضًا أن يكون بعضهم قد وقع منه الإنكار ولكنه لم يشتهر ثم استظهر الحافظ في الفتح أن خطبة معاوية هذه وقعت في غير يوم الجمعة لأن قوله أين علماؤكم يدل على أنهم كانوا غائبين حينئذ ويبعد من العلماء أن يغيبوا يوم الجمعة. ولكن فيه نظر لأن قوله أين علماؤكم لا يدل على كونهم غائبين وإنما يقال مثل هذا للتنبيه والتوبيخ وإن كانوا حاضرين والله أعلم اهـ (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن) اتخاذ النساء (مثل هذه) القصة ووصلها بشعورهن (و) سمعته صلى الله عليه وسلم أيضًا (يقول إنما هلكت) وعذبت (بنو إسرائيل حين اتخذ هذه) القصة (نساوهم) ووصلنها بشعورهن ويظهر من هذا المذكور أن ذلك كان محرمًا عليهم وأن نساءهم ارتكبوا ذلك المحرم فأقرهن على ذلك رجالهم فاستوجب الكل العقوبة والهلاك بذلك وبما ارتكبوه من المعاصي العظائم اهـ مفهم، وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 87]، والبخاري في اللباس [5932

5439 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: "إِنَّمَا عُذِّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ". 5445 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. قَال: قَدِمَ مُعَاويَةُ الْمَدِينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ و5938] وفي الأنبياء [3468 و 3488]، وأبو داود في الترجل [4167]، ، والنسائي في الزينة [5092 و 5093]، والترمذي [2781]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال: 5439 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان بن عيينة (ح) وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي ((ح) وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من سفيان ويونس ومعمر رووا (عن الزهري) وساقوا (بمثل حديث مالك غير) أي لكن (أن في حديث معمر) وروايته لفظة (إنما عذب بنو إسرائيل) بدل قول مالك إنما هلكت بنو إسرائيل، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معاوية رضي الله عنه فقال: 5440 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر (عن شعبة (ح) وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله المرادي الكوفي، ثقة، من (5) (عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أبي محمد المدني، ثقة، من (2) سيد التابعين (قال) سعيد (قدم معاوية المدينة) آخر قدمة قدمها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن

فَخَطَبَنَا وَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ. فَقَال: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلا الْيَهُودَ. إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ فَسَمَّاهُ الزُّورَ. 5441 - (00) (00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ). حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ مُعَاويَةَ قَال ذَاتَ يَوْمِ: إِنَّكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسيب لحميد بن عبد الرحمن (فخطبنا) معاوية على المنبر النبوي بدليل الرواية السابقة (وأخرج) معاوية وهو قائم على المنبر (كبة) أي خصلة وحزمة مجموعة (من شعر) أي أخذها من يد حرسيٍّ وأظهرها للناس رافعًا بها يده، والكبة بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة الشعر المكفوف بعضه على بعض، وفي اللغة الكبة بضم الكاف الجماعة، وفي النهاية ومنه حديث ابن مسعود أنه رأى جماعة ذهبت فرجعت فقال إياكم وكبة السوق فإنها كبة الشيطان أي جماعة السوق اهـ والمراد هنا قطعة من شعر والله أعلم. وفي الأبي: الكبة من الشعر الملتف بعضه على بعض اهـ ذهني (فقال) معاوية (ما كنت) أولًا (أرى) وأظن (أن أحدًا) من الناس (يفعله) أي يفعل هذا الشعر المجموع الموصول بشعور النساء (إلا اليهود) أي إلا نساءهم ذ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه) أي بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل هذا الشعر المجموع بشعور النساء (فسماه) أي فسمى النبي صلى الله عليه وسلم وصله بـ (الزور) بضم الزاي أي الكذب لأن المرأة تريد بذلك أن تظهر ما ليس بواقع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث معاوية رضي الله عنه فقال: 5441 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن المثنى قال أخبرنا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن سعيد بن المسيب أن معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لعمرو بن مرة (قال) معاوية (ذات يوم) أي يومًا من الأيام فلفظ ذات مقحم زائد للتأكيد (إنكم) يا أهل المدينة

قَدْ أَحْدَثْتُمْ زِيَّ سَوْءٍ. وَإِنَّ نَبِيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الزُّورِ. قَال: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ. قَال مُعَاويَةُ: أَلا وَهذَا الزُّورُ. قَال قَتَادَةُ: يَعْنِي مَا يُكَثِّرُ بِهِ النِّسَاءُ أَشْعَارهُنَّ مِنَ الْخِرَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قد أحدثتم) وابتدعتم واخترعتم (زي سوء) بفتح السين وسكون الواو والزي بكسر الزاي وتشديد الياء الهيئة والصفة والسوء مصدر بمعنى اسم الفاعل والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى صفته أي إنكم أحدثتم هيئة سيئة وصفة شنيعة في نسائكم (وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن) هذا (الزور) والتلبيس الذي فعلتموه أي نساؤكم، وفي النهاية الزور الكذب والباطل والتهمة، وفي الدر الزور الكذب والباطل قلت وفسر قوله ونهى عن الزور بوصل الشعر (قال) سعيد بن المسيب (وجاء رجل) أي دخل المسجد وهو يخطب (بعصا على رأسها خرقة) ملفوفة عليها فـ (قال معاوية) رضي الله عنه (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي قال معاوية للناس انتبهوا وانظروا إلى هذا الداخل (وهذا) الذي فعله الرجل بعصاه هو (الزور) أي الباطل والتلبيس مثل وصل المرأة شعرها بشعر آخر (قال قتادة) عن سعيد (يعني) معاوية بقوله (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور) (ما يكثر) بضم الياء وتشديد المثلثة المكسورة من التكثير (به النساء أشعارهن) أي وصلًا توهم به النساء كثرة شعورهن (من الخرق) أي من خرق الحرير والخز والصوف التي توصلها بشعرها تلبيسًا على الناس (وقوله يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق) احتج به من منع الوصل بغير الشعر أيضًا لكن قال الحافظ في الفتح [10/ 375]، وذهب الليث ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي، وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: لا بأس بالقرامل. وبه قال أحمد، والقرامل جمع قرمل بضم القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به الشعر من غير الشعر مستورًا بعد عقده مع الشعر بحيث يظن أنه من الشعر وبين ما إذا كان ظاهرًا فمنع الأول قوم فقط لما فيه من التدليس وهو قوي. [قلت] وبه تجتمع الأحاديث ويؤيده تسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياه بالزور فدل على أن العلة التدليس والله أعلم اهـ تكملة.

5442 - (2092) (157) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِها النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو ذم الكاسيات العاريات بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5442 - (2092) (157) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان) أي نوعان من الناس وسوّغ الابتداء بالنكرة وصفه بصفة محذوفة كما قدرناه كائنان (من أهل النار) يعذبان بها في الآخرة لشدة جريمتهم (لم أرهما) الآن، قال المناوي: أي لم يوجدا في عصري لطهارة ذلك العصر بل حدثا بعده اهـ أي وجدا بعد عصره صلى الله عليه وسلم وهذا لا شك من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار عما سيقع قبل وقوعه وهو كما أخبر وقع والله أعلم اهـ ذهني. وعبارة القرطبي هنا قوله (لم أرهما) أي لم يوجد في عصره صلى الله عليه وسلم منهما أحد لطهارة أهل ذلك العصر الكريم ويتضمن ذلك أن ذينك الصنفين سيوجدان وكذلك كان فإنه خلف بعد تلك الأعصار قوم يلازمون السياط المؤلمة التي لا يجوز أن يضرب بها في الحدود قصدًا لتعذيب الناس فإن أمروا بإقامة حد أو تعزير تعدوا المشروع في ذلك في الصفة والمقدار، وربما أفضى بهم الهوى وما جبلوا عليه من الظلم إلى هلاك المضروب أو تعظيم عذابه وهذا أحوال الشرط بالمغرب والعوانية في هذه البلاد، وبالجملة فهم سخط الله عاقب الله بهم شرار خلقه غالبًا نعوذ بالله من سخطه في الدنيا والآخرة اهـ من المفهم كما ذكره بقوله أحدهما (قوم) ظلمة فسقة من الولاة (معهم سياط) جمع سوط وهو آلة للضرب معروف (كأذناب البقر) في طولها وغلظها كما هي في الحبشة معروفة من جلود مقددة مضفورة لها لسانان فأكثر تشق الجلد وتخرج الدم في أول مرة (يضربون بها) أي بتلك السياط (الناس) ظلمًا في أصلها أو بالزيادة فيها قدرًا وصفة في الحدود والتعزيرات، قال الساعاتي في بلوغ الأماني [17/ 302] تسمى تلك

وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السياط في ديار الغرب بالمقارع جمع مقرعة وهي جلد طرفها مشدود عرضها كالإصبع، قوله (يضربون بها الناس) ممن اتهم في شيء ليصدق في إقراره، وقيل هم أعوان والي الشرطة المعروفون بالجلادين فإذا أمروا بالضرب تعدوا المشروع في الصفة والمقدار، وقيل المراد بهم في الحديث الطوافون على أبواب الظلمة ومعهم المقاريع يطردون بها الناس وكل ذلك حصل في زماننا نسأل الله السلامة من شرهم، قال القاضي عياض: يحتمل أن ضربهم الناس ظلمًا هو السبب في تعذيبهم بالنار، ويحتمل أن تعذيبهم لمعاص أخر من كفر وغيره وذكر ضربهم كالصفة والتعريف لهم اهـ من الأبي [5/ 411]. (و) ثانيهما (نساء كاسيات) أي ساترات بعض أبدانهن (عاريات) أي كاشفات بعضها لإظهار جمالها وزينتها للناس وإمالة لقلوبهم إليها، وقيل (كاسيات) أي لابسات ثيابًا رقيقة لا تستر لون جسمها (عاريات) أي كاشفات لون جسمها لأن ثيابها لا تمنع إدراك لونهن، وقيل (كاسيات) للأثواب الظاهرة (عاريات) عن لباس التقوى، وقيل (كاسيات) لنعم الله تعالى (عاريات) عن شكرها. قال القرطبي: قيل في هذا الكلام قولان أحدهما: أنهن كاسيات بلباس الأثواب الرقاق الرفيعة التي لا تستر حجم عورتها أو تبدي من محاسنها مع وجود الأثواب الساترة عليها ما لا يحل لها أن تبديه كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق. وثانيهما: أنهن كاسيات من الثياب عاريات عن لباس التقوى الذي ذكره الله تعالى بقوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيرٌ}. [قلت] ولا بعد في إرادة القدر المشترك بين هذين النوعين إذ كل واحد منهما عرو وإنما يختلفان بالإضافة اهـ من المفهم. (مميلات) إليهن قلوب الرجال بما تظهره من جمالهن وزينتهن (مائلات) في مشيتهن يمنة ويسرة متبخترات فيها، قال القرطبي: كذا جاءت الرواية في هاتين الكلمتين (مميلات مائلات) بتقديم مميلات على مائلات وكلاهما من الميل بالمثناة من تحت ومعنى ذلك أنهن يملن في أنفسهن تثنيًا وتصنعًا وتبخترًا ليملن إليهن قلوب الرجال فيميلون إليهن ويفتنهم وعلى هذا فكان حق مائلات أن يقدم على مميلات لأن ميلهن في أنفسهن مقدم في الوجود على إمالتهن قلوب الرجال إليهن، ولكن صح ذلك لأن

رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصفات المجتمعة لا يلزم ترتيبها ألا ترى أنها تعطف بالواو، والواو جامعة غير مرتبة إلا أن الأحسن تقديم مائلات على مميلات لأنه سببه كما ذكر آنفًا وليكون الوضع موافقًا للطبع اهـ من المفهم مع زيادة. وقيل (مائلات) يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا، و (مميلات) يمشطن غيرهن تلك المشطة، وقيل (مميلات) قلوب الرجال إلى الفحشاء، و (مائلات) إلى ارتكاب الزنا أو دواعيه، وفسره ابن حبان بقوله المائلات من التبختر والمميلات من السمن. إلى غير ذلك من الأقوال (رؤوسهن) أي شعورهن مبتدأ خبره (كأسنمة البخت) وقوله (المائلة) بالجر صفة للأسنمة أي يعظمن شعورهن بالخرق حتى تشبه أسنمة الإبل كذا في المناوي. والأسنمة جمع سنام، وسنام كل شيء أعلاه. والبخت بضم الباء وسكون الخاء جمع بخت وهي جمال طوال الأعناق كما في النهاية لابن الأثير اهـ مفهم، قال النووي: والمعنى أنهن يكبرن رؤوسهن ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما عليها، وقد ظهرت في عصرنا هذا الفاسد بتتبع اليهود والنصارى نساء يعقدن شعورهن المسترسلة على أقفيتهن أو في أوساط رؤوسهن بما يشابه سنام البعير سواء بسواء كأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه رؤوسهن بأسنمة البخت وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم إذ وقع من النساء ما أخبر به قبل أربعة عشر قرنًا. وقريب من هذا الخبر بل أوضح منه ما أخرجه أحمد والحاكم والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات" هذا لفظ أحمد في مسنده [2/ 223]، ولا يبعد أن يكون المراد من الذين يركبون على سروج ينزلون على أبواب المساجد هم الذين يركبون السيارات وينزلون منها على أبواب المساجد للصلاة والله سبحانه تعالى أعلم اهـ تكملة. (لا يدخلن) أولئك النساء (الجنة) أصلًا إن استحللن ذلك وإلا فبعد المجازاة على فعلهن لأنه من الكبائر إن لم يتبن (ولا يجدن ريحها) أي رائحة الجنة (وإن ريحها) أي والحال أن رائحتها (ليوجد من مسيرة كذا وكذا) أي من مسافة كذا وكذا من الأسماء

5443 - (2093) (158) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَقُولُ: إِنَّ زَوْجِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِنِي؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَم يُعْطَ، كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المبهمة المركبة في محل جر مضاف إليه مبني على جر الجزأين منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي بني الأول لافتقاره إلى الثاني والثاني لوقوعه موقع عشر من الأعداد المركبة اهـ شيخنا. وذكر الفعل لأن الريح تذكر وتؤنث. وقوله (من مسيرة كذا وكذا) أي من مسيرة أربعين عامًا كما في بعض الرواية، وفي الموطإ "ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة" اهـ ذهني. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات وسيذكره أيضًا في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها في: (باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء). ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5443 - (2093) (158) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع وعبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) كلاهما (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته (أن امرأة قالت يا رسول الله أقول) لضرتي مثلًا (إن زوجي أعطاني) ذاكرًا لـ (ما لم يعطني) إغاظة وإغارة لضرتي، والمرأة هي أسماء بنت أبي بكر الصديق وزوجها الزبير بن العوام، وضرتها في حفظي أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قاله شيخنا اهـ من مبهمات مسلم، فهل يجوز لي ذلك أم لا؟ (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبع) أي المتكبر المفتخر الذي يظهر شبعه (بما لم يعط كلابس ثوبي زور) فلا يجوز لك ذلك القول. قوله (أقول إن زوجي) الخ، ويظهر من حديث أسماء الآتي أنها تخاطب بذلك القول ضرتها لتظهر أنها أكثر قدرًا وحظوة عند زوجها منها فتقول لها إن زوجي أعطاني كذا مع أنه لم يعطه إياها. (قوله المتشبع بما لم يعط) بالبناء للمجهول، قال الزمخشري في الفائق: المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للمتحلي بفضيلة لم يرزقها، وقال النووي: معناه المكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده من علم أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جاه أو مال يستكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم. وقال أبو عبيدة "المتشبع" أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها، وكذلك هذا في الرجال ويدخل فيه كل من يظهر خصلة لا توجد فيه (كلابس ثوبي زور) أي كمن يزور على الناس فيلبس لباس ذوي التقشف ويظهر بزي أهل الصلاح وليس منهم وأضيف الثوبان إلى الزور لأنهما ليسا لأجله وثني باعتبار الرداء والإزار، وقال بعضهم: أما تثنية الثوبين فلأن الحلة ثوبان فإذا لبس ثوبي زور فكأنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه. وقال الداودي: في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك، ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان فقدان ما يتشبع به وإظهار الباطل هذا ملخص ما في شرح النووي وفتح الباري [9/ 318] وقال ابن التين: معناه أن المرأة تلبس ثوب وديعة أو عارية ليظن الناس أنهما لها فلباسها لا يدوم وتفتضح بكذبها. وقال الداودي: أيضًا إنما كره ذلك لأنها تدخل بين الضرة وزوجها البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه اهـ عيني. والحاصل أن التشبع لا يخلو عن الرياء والنفاق وإلحاق الغم والقلق والإضجار والأذى لضرتها وهذه الخصال كلها حرام والله أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. وقال الدارقطني: في العلل حديث هشام عن أبيه عن عائشة إنما يرويه هكذا معمر ومبارك بن فضالة ويرويه غيرهما عن فاطمة عن أسماء وهو الصحيح، قال: وإخراج مسلم حديث هشام عن أبيه عن عائشة لا يصح والصواب حديث عبدة ووكيع وغيرهما عن هشام عن فاطمة عن أسماء حكاه النووي. ولكن لِمَ لا يجوز أن يكون الحديث مرويًّا عن عائشة وأسماء جميعًا لا سيما إذا كان رواة كل من الطريقين ثقات وإخراج مسلم كلا الحديثين دليل على أن كليهما صحيح عنده، وذكر الحافظ في الفتح [9/ 318] أن معمرًا ومبارك بن فضالة لهما متابع عند الجوزقي ويظهر من كلام الحافظ أنه يرجح تصحيح كلا الحديثين وأنه رواه عبدة بكلا الوجهين والله سبحانه وتعالى أعلم.

5444 - (2094) (159) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ: إِنَّ لِي ضَرَّةً. فَهلْ عَلَيِّ جُنَاحٌ أَنْ أَتَشَبَّعَ مِنْ مَالِ زَوْجِي بِمَا لَمْ يُعْطِنِي؟ فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَم يُعْطَ، كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أسماء رضي الله تعالى عنهما فقال: 5444 - (2094) (159) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبدة) بن سليمان (حدثنا هشام) بن عروة (عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، قالت أسماء (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وتلك المرأة هي أسماء نفسها راوية الحديث كما مر في حديث عائشة (فقالت) تلك المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم (إن لي ضرة) أي زوجة زوجي وشريكتي فيه، سميت بذلك لاستضرار كل منهما بالأخرى يقال تزوجت المرأة على ضرة بضم الضاد وكسرها إذا تزوجتها على أخرى اهـ من الأبي (فهل علي جناح) أي ذنب في (أن أتشبع) أي أن أتكبر وأفتخر وأتكثر بالأخذ (من مال زوجي بما لم يعطني) هو أم لا (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) نعم عليك جناح لأني أقول لك (المتشبع) أي المتكثر والمتزين والمتجمل (بما لم يعط كلابس ثوبي زور) قال القرطبي: سألته هل يجوز لها أن تظهر لضرتها أن زوجها قد مكنها أو أعطاها من ماله أكثر مما تستحقه أو أكثر مما أعطى ضرتها افتخارًا عليها وإيهامًا لها أنها عنده أحظى منها فأجابها صلى الله عليه وسلم بما يقتضي المنع فقال: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" وأصل التشبع تفعل من الشبع وهو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان وكثيرًا ما تأتي هذه الصيغة بمعنى التعاطي كالتكبر والتصنع. ويفهم من هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن أن تتظاهر وتتكاثر بما لم يعطها زوجها لأنه شبه فعلها ذلك بما يُنتهى عنه وهو أن يلبس الإنسان ثوبين زورًا واختلف المتأولون هل الثوبان محمولان على الحقيقة أو على المجاز؟ على قولين فعلى الأول يكون معناه أنه شبهها بمن أخذ ثوبين لغيره بغير إذنه فلبسهما مظهرًا أن له ثيابًا ليس مثلها للمظهر له وقيل: بل شبهها بمن يلبس ثياب الزهاد وليس بزاهد.

5445 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والحاصل من التأويلات الجارية في هذا الحديث وفي الذي قبله أن تشبع المرأة على ضرتها بما لم يعطها زوجها محرم، لأنه شبه بمحرم وإنما كان ذلك محرمًا لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ورياء وأذى للضرة من نسبة الزوج إلى أنه آثرها عليها وهو لم يفعل وكل ذلك محرم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 345]، والبخاري [5219]، وأبو داود [4997]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 5445 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو معاوية كلاهما) أي كل من أبي أسامة وأبي معاوية رويا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء، غرضه بيان متابعتهما لعبدة بن سليمان. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول حديث أسماء الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد والاستدلال به على بعض الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث أسماء الأول، والسادس حديث معاوية ذكره للاستشهاد له وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثامن حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والتاسع حديث أسماء الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلت إلى هنا في تاريخ 29/ 9 / 1426 هـ ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الثاني والعشرون دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية دار طوق النجاة بيروت - لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

كان الشعبيُّ وعبد الرحمن بن مهدي ينشدان رحمهما الله تعالى: دينُ النبي محمدٍ أخبار ... نعم المطيَّة للفتى الآثارُ لا ترغبن عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهار قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: هنيئًا لأصحاب خير الورى ... وطوبى لأصحاب أخباره أولئك فازوا بتذكيره ... ونحن سعدنا بتذكاره وهم سبقونا إلى نصره ... وها نحن أتباع أنصاره ولما حُرِمْنَا لقا عينه ... عكفنا على حفظ آثاره عسى اللَّه يجمعنا كلنا ... برحمته معه في داره

كتاب الآداب

22 - كتاب الآداب ـــــــــــــــــــــــــــــ 22 - كتاب الآداب جمع أدب نظير آراب وأرب، قال الأبي: يعني أدب النفس وآداب الدين، قال أبو زيد: الأدب يقع على رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل. وقال الطيبي: الأدب أدب النفس وأدب الدرس، وفي المنجد الأدب الظرف، والتهذيب يجمع على آداب، ويقال أدب من باب ظرف أدبًا إذا كان ذا أدب فهو أديب أي متضلع من اللغة، والآداب مثقف ثقافة عالية، يجمع على أدباء نظير شريف وشرفاء، ويقال أدبه إذا علمه الأدب وتأدب إذا تعلم الأدب يجمع على آداب، والآداب تطلق على العلوم والمعارف عمومًا أو على المستظرف منها فقط، ويطلقونها على ما يليق بالشيء أو الشخص ويقال آداب الدرس وآداب القاضي وآداب الوضوء مثلًا، وعلم الأدب هو علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظًا وكتابة اهـ. وقال القسطلاني: الأدب الأخذ بمكارم الأخلاق، أو استعمال ما يحمد قولًا وفعلًا، أو هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك أو الوقوف مع المستحسنات اهـ. وقال بعضهم: الأدب التخلق بأخلاق توجب لصاحبها محمدة في الدين أو الدنيا. ***

675 - (19) باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان أحب الأسماء إلى الله تعالى، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، والنهي عن تسمية الرقيق بنافع مثلا، واستحباب تغيير الأسماء القبيحة إلى حسن، وتحريم التسمي بملك الأملاك مثلا

675 - (19) باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان أحب الأسماء إلى اللَّه تعالى، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، والنهي عن تسمية الرقيق بنافع مثلًا، واستحباب تغيير الأسماء القبيحة إلى حسن، وتحريم التسمي بملك الأملاك مثلًا 5446 - (2095) (160) حدّثني أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (قَال أَبُو كُرَيبٍ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا) وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيَّ) عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: نَادَى رَجُلٌ رَجُلًا بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيهِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ. إِنَّمَا دَعَوْتُ فُلانًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 675 - (19) باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان أحب الأسماء إلى اللَّه تعالى، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، والنهي عن تسمية الرقيق بنافع مثلًا، واستحباب تغيير الأسماء القبيحة إلى حسن، وتحريم التسمي بملك الأملاك مثلًا 5446 - (2095) (160) (حدثني أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (و) محمد (بن أبي عمر) العدني الكوفي (قال أبو كريب أخبرنا وقال ابن أبي عمر حدثنا واللفظ) الآتي (له) أي لابن أبي عمر (قالا حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث ابن أسماء أبو عبد الله الكوفي (يعنيان الفزاري) ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن حميد) الطويل ابن أبي حميد تير أبي عبيدة البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (نادى رجل رجلًا بالبقيع) بقوله (يا أبا القاسم) لم أر من ذكر اسم الرجلين (فالتفت إليه) أي إلى الرجل المنادي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظانًّا أنه يناديه (فقال) الرجل المنادي (يا رسول الله إني لم أعنك) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وكسر النون لأنه مضارع مسند إلى المتكلم ناقص يائي من باب رمى مجزوم بحذف الياء أي لم أقصدك بالنداء أي يقول يا أبا القاسم، بل (إنما دعوت فلانًا) لم أر من ذكر اسمه أيضًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي) أي اجعلوا اسمي اسمًا لكم (ولا تكنوا بكنيتي) أي ولا تجعلوا كنيتي كنية لكم، في هذا التركيب عطف المنفي على المثبت،

5447 - (2596) (161) حدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ (وَهُوَ الْمُلقَّبُ بِسَبَلانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــ والأمر والنهي هنا ليسا للوجوب والتحريم كذا في القسطلاني. وللعلماء هنا أقوال كثيرة منهم من يجوز التكنية والتسمية مطلقًا، ومنهم من لم يجوزهما مطلقًا، ومنهم من فرق بينهما حيث جوز التسمية ولم يجوز التكني، ومنهم من خص النهي بحال حياته صلى الله عليه وسلم قال في المرقاة: وهو الصحيح. قال بعضهم: والفرق بين التسمي باسمه حيث جاز والتكني حيث منع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يناديه أحد باسمه بأن يقول: يا محمد، أما المسلمون فكانوا ينادونه بقولهم: يا رسول الله، وأما الكفار فكانوا ينادونه بقولهم: يا أبا القاسم، فلو تسمى أحد باسمه لم يقع منه التباس إذا ناداه أحد باسمه بخلاف كنيته أبي القاسم فإنه صلى الله عليه وسلم كان ينادى بذلك فلو تكنى رجل بهذه الكنية وقع به الالتباس عند النداء ولكن في هذا الفرق نظر لأن علة النهي مصرحة في حديث جابر الآتي رضي الله عنه يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنما أنا قاسم أقسم بينكم" ثم اختلف العلماء في هذا الحكم على أقوال كثيرة (1) منها أن النهي كان خاصًّا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لوقوع الالتباس حينئذ أما بعده صلى الله عليه وسلم فيجوز التكني بأبي القاسم لكل أحد مطلقًا وهذا القول حكاه النووي عن مالك، وقال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء واستدلوا عليه بحديث الباب فإنه يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التكني حيث وقع الالتباس. ومنها (2) أن النهي باق إلى اليوم على إطلاقه فلا يجوز لأحد التكني بأبي القاسم وهو قول أهل الظاهر. ومنها (3) أنه يختص النهي عن التكني بمن اسمه محمد فإن كان اسمه محمدًا لم يجز له التكني بأبي القاسم وإن لم يكن اسمه محمدًا جاز له أن يتكنى بأبي القاسم، راجع شرح النووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 248]، والبخاري [3539]، وأبو داود [4965]، والترمذي [2844]، وابن ماجه [3735]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5447 - (2096) (161) (حدثني إبراهيم بن زياد وهو الملقب بسبلان) بفتح

أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عُمَرَ وَأَخِيهِ عَبْدِ اللهِ. سَمِعَهُ مِنْهُمَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. يُحَدِّثَانِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى الله عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة والموحدة أبو إسحاق البغدادي، روى عن عباد بن عباد في الأدب له في كتاب مسلم هذا الحديث الواحد، وحماد بن زيد وهشيم وغيرهم، ويروي عنه (م د) وأبو يعلى وأحمد بن الحسن الصوفي وأبو زرعة وجماعة كثيرة، وثقه ابن معين وأبو زرعة وصالح جزرة، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، وقال موسى بن هارون: مات ببغداد في ذي الحجة سنة (228) ثمان وعشرين ومائتين (أخبرنا عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب العتكي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني، ثقة، من (5) (وأخيه عبد الله) بن عمر بن حفص العمري أبي عبد الرحمن المدني، روى عن نافع في الحدود والأدب مقرونًا بأخيه عبيد الله بن عمر، وزيد بن أسلم وأخيه عبيد الله، ويروي عنه (م عم) وعباد بن عباد وابنه عبد الرحمن وابن وهب ووكيع، قال أحمد وابن معين وابن عدي: لا بأس به في روايته، صدوق، وقال الخليلي: ثقة، غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه، وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ثقة في حديثه اضطراب، وضعفه النسائي، وقال في التقريب: ضعيف عابد، من السابعة، مات سنة (171) إحدى وسبعين ومائة، ولكن حديثه هنا صحيح اعتمادًا على أخيه عبيد الله لأنه ثقة (سمعه) أي سمع الحديث الآتي عباد بن عباد (منهما) أي من عبيد الله وعبد الله ابني عمر بن حفص (سنة أربع وأربعين ومائة) من الهجرة المصطفية حالة كونهما (يحدثان) هذا الحديث (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحب أسمائكم) أيها المسلمون (إلى الله) أي عند الله تعالى (عبد الله وعبد الرحمن) أي إن أرضى أسمائكم عند الله تعالى هذان الاسمان لأن في الأول اعترافًا بالعبدية والتذلل والخضوع وفي الثاني اعترافًا بالرحمة العامة الشاملة لكل مخلوق برها وفاجرها علويها وسفليها دنيويها وأخرويها، وأيضًا في الأول تفاؤل بأن يكون المسمى عابدًا له تعالى، وفي الثاني مظهرًا للرحمة الإلهية والله أعلم. قال في المرقاة: وروى الحاكم في الكنى، والطبراني عن أبي زهير الثقفي مرفوعًا "إذا سميتم فعبدوا" أي انسبوا عبوديتهم إلى أسماء

5448 - (2097) (162) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَال عُثْمَانُ: حَدَّثنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ. فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا. فَقَال لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى فيشمل عبد الرحيم وعبد الملك وغيرهما، ومن حديث ابن مسعود رفعه "أحب الأسماء إلى الله تعالى ما تعبد به" وفي إسناد كل منهما ضعف كذا في فتح الباري [10/ 570] ولا يرد أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يفعل الأفضل ولم يسم أحدًا من أولاده بذلك فالجواب بأنه فعل تشريعًا للأمة وبيانًا للجواز والله أعلم. قال القرطبي: إنما كانت هذه الأسماء أحب إلى الله تعالى لأنها تضمنت ما هو وصف واجب للحق تعالى وهو الإلهية والرحمانية وما هو وصف الإنسان وواجب له وهو العبودية والافتقار إلى الله تعالى ثم أضيف العبد الفقير إلى الله الغني إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء الأصلية وشرفت بهذه الإضافة التركيبية فحصلت لهما هذه الأفضلية الأحبية ويلحق بهذين الاسمين كل ما كان مثلهما مثل عبد الملك وعبد الصمد وعبد الغني اهـ من المفهم. ولعل وجه كونهما أحب الأسماء دلالتهما على عبدية المرء لله تعالى والعبدية أفضل أوصاف المرء كما قال عياض: ومما زادني شرفًا وتيهًا ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صيرت أحمد لي نبيّا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب [4949]، والترمذي في الأدب [2833]، وابن ماجه في الآداب [3773]. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس السابق بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5448 - (2097) (162) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال عثمان حدثنا وقال إسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (ولد لرجل) قال الحافظ لم أقف على تسمية هذا الرجل (منا) أي من الأنصار (غلام) أي ولد ذكر (فسماه) أي فسمى الرجل الغلام المولود (محمدًا) قد اختلفت الروايات في أنه سماه محمدًا أو سماه القاسم، وسيأتي من رواية محمد بن المنكدر أنه

قَوْمُهُ: لَا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَ بِابْنِهِ حَامِلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ. فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَقَال؛ يَا رَسُولَ الله، وُلدَ لِي غُلامٌ. فَسَمَّيتُهُ مُحَمَّدًا. فَقَال لِي قَوْمِي: لَا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي. فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ. أَقْسِمُ بَينَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سماه القاسم وقد أخرجه البخاري في فرض الخمس بكلا الطريقين وذكر أن أبا الوليد روى عن شعبة فأراد أن يسميه محمدًا، ورواه عمرو بن دينار عن شعبة فأراد أن يسميه القاسم، وقد جمع الحافظ في آداب الفتح [10/ 58] طرق الحديث، ورجح رواية من روى أنه سماه القاسم ورجحه من جهة المعنى أيضًا حيث وقع عليه الإنكار من أجل أنه سيكنى بأبي القاسم وهو كنية النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم أيد الأنصار بقوله: "أحسنت الأنصار سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي" كما سيأتي في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عند المؤلف فلو كان قد سماه محمدًا لما أيد النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار لأنه قد أجاز التسمية باسمه والله أعلم. (فقال له) أي للرجل (قومه) أي جيرانه وعشيرته (لا ندعك) أي لا نتركك على أن (تسمي) غلامك (باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) حتى تأذنه وتأمره صلى الله عليه وسلم، قال جابر (فانطلق) الرجل أي ذهب ملتبسًا (بابنه) وغلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (حامله) أي حامل الغلام (على ظهره فأتى) الرجل (به) أي بغلامه (النبي صلى الله عليه وسلم) فأخبره القصة التي جرت بينه وبين قومه (فقال) الرجل في إخبارها (يا رسول الله ولد في كلام فسميته محمدًا) وقد آنفًا أن الرواية الراجحة رواية (فسميته قاسمًا) كما يدل عليه آخر الحديث (فقال لي قومي لا ندعك) أي لا نتركك على أن (تسمي) غلامك (باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي باسم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكنيك بكنية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل ولمن معه (تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي) فعلى هذه الرواية يعارض آخر الحديث أوله أعني قوله (سميته محمدًا) (فإنما أنا قاسم) أي ليس من يستحق كنية أبي القاسم إلا أنا، ويدل على هذا التأويل رواية (فإني أنا أبو القاسم أقسم بينكم) وإنما خصصت بهذه الكنية لأن الله خصصني بأن (أقسم بينكم)

5449 - (00) (00) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ حُصَينٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ عطاياه، وفي الرواية الأخرى (فإنما بعثت إليكم قاسمًا) يعني أنه هو الذي يبين قسم الأموالى في المواريث والغنائم والزكوات والفيء وغير ذلك من المقادير فيبلغ عن الله حكمه ويبين قسمه وليس ذلك لأحد إلا له صلى الله عليه وسلم فلا يطلق هذا الاسم في الحقيقة إلا عليه صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3538]، وأبو داود [4965]، والترمذي [2845]، وابن ماجه [3736]. "تنبيه" الأصل في الكنية أن يكون للرجل ابن فيكنى باسم ابنه ذلك ولذلك كني النبي صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم فإنه كان له ولد يسمى القاسم من خديجة رضي الله تعالى عنها وكأنه كان أولى ذكور أولاده، وعلى هذا فلا ينبغي أن يكنى أحد حتى يكون له ولد يكنى باسمه لكن قد أجاز العلماء خلاف هذا الأصل فكنوا من ليس له ولد لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم (كل صواحباتي لهن كنى وليس لي كنية فقال: "اكتني بابن أختك عبد الله" فكانت تكنى بأم عبد الله) رواه البخاري في الأدب المفرد [850 و 851]، وابن سعد [8/ 63 و 64]، والطبراني [23/ 36 و 37] وقد كنى النبي صلى الله عليه وسلم الصغير فقال: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " متفق عليه ورواه أحمد والترمذي وقد قال عمر رضي الله عنه (عجلوا بكنى أبنائكم وأولادكم لا تسرع إليهم ألقاب السوء) اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5449 - (00) (00) (حدثنا هناد بن السري) بن مصعب التميمي الدارمي أبوالسري الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبثر) بن القاسم الزبيدي مصغرًا الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن حصين) مصغرًا ابن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي الكوفي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حصين بن عبد الرحمن لمنصور بن المعتمر

قَال: وُلدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا. فَقُلْنَا: لَا نَكْنِيكَ بِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَسْتأْمِرَهُ. قَال فَأَتَاهُ. فَقَال: إِنَّهُ وُلدَ لِي غُلامٌ فَسَمَّيتُهُ بِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَإِنَّ قَوْمِي أَبَوْا أَنْ يَكْنُونِي بِهِ. حَتَّى تَسْتَأْذِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "سَمُّوا بِاسْمِي. وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي. فَإِنَّمَا بُعِثْتُ قَاسِمًا. أَقْسِمُ بَينَكُمْ". 5450 - (00) (00) حدَّثنا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثمِ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطَّحَّانَ) عَنْ حُصَينٍ، بِهذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) جابر (ولد لرجل منا) يعني الأنصار (غلام فسماه محمدًا) والراجح أن يقال قاسمًا كما مر آنفًا، قال جابر (فقلنا) لذلك الرجل (لا نكنيك) أي لا نسميك (بـ) كنية (رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني بأبي القاسم (حتى تستأمره) صلى الله عليه وسلم وتستأذنه في تسميتنا إياك بكنية رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) جابر (فأتاه) أي فأتى الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره القصة الجارية بينه وبين قومه (فقال) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إخبارها له (إنه) أي إن الشأن والحال (ولد لي كلام) أي ولد ذكر يا رسول الله (فسميته برسول الله) أي باسم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي باسم القاسم (وإن قومي) وعشيرتي (أبوا) أي امتنعوا من (أن يكنوني به) أي أن يسموني بكنية رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أبا القاسم (حتى تستأذن) وتستأمر (النبي صلى الله عليه وسلم) في تسميتنا إياك بكنية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (سموا) أنفسكم وأولادكم (باسمي) محمد وأحمد (ولا تكتنوا) أي ولا تسموا أنفسكم ولا أولادكم (بكنيتي) يعني بأبي القاسم (فإنما بعثت) أنا إليكم حالة كوني (قاسمًا أقسم) عطايا الله سبحانه الظاهرة والباطنة كالعلوم والمعارف (بينكم) فلي تخصص بهذه الكنية للحكمة المذكورة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5450 - (00) (00) (حدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم أبو سعيد (الواسطي) مقبول، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي (يعني الطحان) ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن حصين) بن عبد الرحمن، غرضه بيان متابعة الطحان لعبثر بن القاسم (بهذا

الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ "فَإِنَّمَا بُعِثْتُ قَاسِمًا. أَقْسِمُ بَينَكُمْ". 5451 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَسمّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكنَّوْا بِكُنْيَتِي. فَإِنِّي أَنَا أَبو الْقَاسِمِ. أَقْسِمُ بَينَكُمْ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: "وَلَا تَكْتَنُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد) يعني عن سالم عن جابر (و) لكن (لم يذكر) الطحان لفظة (فإنما بعثت قاسمًا أقسم بينكم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5451 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش ح وحدثني أبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي (الأشج) الحافظ ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لحصين بن عبد الرحمن ومنصور بن المعتمر، ومن لطائفهما أن رجالهما كلهم كوفيون إلا جابر بن عبد الله (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي) محمد (ولا تكنوا بكنيتي) أبي القاسم (فإني أنا أبو القاسم) حقيقة لأني (أقسم بينكم) الحظوظ الواردة لكم من الله. قوله (ولا تكنوا) بفتح التاء وتشديد النون المفتوحة وحذف إحدى التاءين لتوالي المثلين، أصله تتكنوا بإثبات التاءين إحداهما تاء المضارعة وثانيتهما تاء المطاوعة لأنه من باب تفعل الخماسي (وفي رواية أبي بكر) بن أبي شيبة (ولا تكتنوا) بفتح التاءين بينهما كاف ساكنة وضم النون الخفيفة من باب افتعل الخماسي وبناؤه أيضًا للمطاوعة ولكن كلاهما هنا لمبالغة الثلاثي لا للمطاوعة. وقوله (فإنما أنا أبو القاسم) .. إلخ فيه إشارة إلى وجهين للنهي عن التكني بأبي القاسم؛ أولهما أن هذه الكنية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ينادى بها فلو تكنى أحد غيره بنفس الكنية وقع الالتباس. وثانيهما أن القاسم وصف للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه يقسم الغنائم والأموال والعلم والخيرات،

5452 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَينَكم". 5453 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثنَا شُعبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وصار هذا الوصف بمنزلة اسم له فلو تكنى أحد بأبي القاسم أوهم ذلك سوء الأدب في جنابه صلى الله عليه وسلم اهـ تكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5452 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش) غرضه بيان متابعة أبي معاوية لوكيع (بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن جابر (و) لكن (قال) أبو معاوية أي زاد على وكيع لفظة (إنما جعلت) وبعثت (قاسمًا أقسم بينكم) الحظوظ الواردة لكم من الله تعالى أي جعلني الله قاسمًا بينكم أي جعلني مبلغًا إليكم حكمه في القسم بينكم. قوله (فإنما بعثت قاسمًا أقسم بينكم) حذف مفعول القسم إفادة للعموم أي أقسم بينكم العلم والغنيمة ونحوهما، وقيل البشارة للصالح والنذارة للطالح ويمكن أن تكون قسمة الدرجات والدركات مفوضة إليه صلى الله عليه وسلم ولا منع من الجمع كما يدل عليه حذف المفعول لتذهب أنفسهم كل المذهب ويشرب كل واحد من ذلك المشرب، وهذا المعنى غير موجود حقيقة في حقكم بل مجرد اسم لفظًا أو سورة في شأنكم وشأن أولادكم، والحاصل أني لست أبا القاسم بمجرد أن ولدي كان مسمى بقاسم بل لوحظ معنى القاسمية باعتبار القسمة الأزلية في الأمور الدينية والدنيوية فلست كأحدكم لا في الذات ولا في الأسماء ولا في الصفات اهـ من المرقاة. وفي السنوسي: وهذا القول يشير إلى أن العلة الموجبة للتكنية لا توجد في غيره لأن معنى كونه قاسمًا أنه الذي قسم المواريث والغنائم والزكاة والفيء وغير ذلك من المقادير بالتبليغ عن الله تعالى اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5453 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت قتادة) بن دعامة (عن سالم) بن أبي الجعد (عن جابر بن

عَبْدِ الله؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ وُلدَ لَهُ غُلامٌ. فأرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحمَّدًا. فأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَسَألَهُ. فَقَال: "أَحسَنَتِ الأَنصَارُ. سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". 5454 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمدِ بْنِ جَعفرٍ، عَنْ شُعبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمرِو بْنِ جَبَلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لمنصور وحصين والأعمش (أن رجلًا من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه في حلنا كما مر (ولد له غلام فأراد أن يسميه محمدًا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) أي فسأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم تسمية ولده باسم محمد بعدما أخبر قصة ما جرى بينه وبين قومه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل (أحسنت الأنصار) أي وافقت الصواب في امتناعهم عن تكنيتك بكنيتي، ثم قال (سموا) أي سموا أنفسكم وأولادكم (باسمي) محمد (ولا تكتنوا بكنيتي) أي لا تسموا أنفسكم ولا أولادكم بكنيتي أبي القاسم. وقوله (ولا تكتنوا) مضارع مجزوم بلا الناهية من اكتنى الخماسي من باب افتعل. وقوله صلى الله عليه وسلم (أحسنت الأنصار) وفي البخاري عن جابر قال (ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقالت الأنصار: لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله وُلد في غلام فسميته القاسم، فقالت الأنصار: لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحسنت الأنصار سموا باسمي .. إلخ" ورواية البخاري أوفق لقوله أحسنت من رواية مسلم وهي الصواب فينبغي حمل رواية مسلم على رواية البخاري بالتأويل كما مر في حلنا مرارًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5454 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى كلاهما عن محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (ح وحدثني محمد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة) بن أبي رواد العتكي البصري، صدوق، من (11) روى عنه في

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ (يعنِي ابْنَ جعفَرٍ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ شُعبَةَ، عَنْ حُصَينٍ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ (يعنِي ابْنَ جَعفَرٍ). حدَّثَنَا شعبَةُ، عَنْ سُلَيمَانَ. كُلهُم عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجعدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَليُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصورٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثَنَا شعبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَمَنْصُورٍ وَسُلَيمَانَ وَحُصَينِ بْنِ عَبْدِ الرحمن ـــــــــــــــــــــــــــــ (11) بابا (حدثنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري غندر (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى حدثنا) محمد (بن) إبراهيم بن (أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر وابن أبي عدي رويا (عن شعبة عن حصين) ابن عبد الرحمن السلمي (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (2) بابين (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر حدثنا شعبة عن سليمان) الأعمش (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني منصورًا في السند الأول من أسانيد شعبة، وحصينًا في السند الثاني منها، وسليمان في السند الثالث منها رووا (عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة شعبة لجرير في الرواية عن منصور في السند الأول ولعبثر وخالد الطحان في الرواية عن حصين في السند الثاني ولوكيع وأبي معاوية في الرواية عن سليمان الأعمش في السند الثالث (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وإسحاق بن منصور) الكوسج (قالا أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي نزيل مرو وشيخها، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا شعبة عن قتادة ومنصور وسليمان) الأعمش (وحصين بن عبد الرحمن) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة النضر بن شميل لمن روى عن شعبة يعني محمد بن جعفر وابن أبي عدي. وقوله (عن قتادة) كما في هذا السند (ومنصور) كما في سند أبي بكر (وسليمان) كما في سند بشر (وحصين) كما في سند ابن المثنى والله أعلم اهـ محمد ذهني. وقوله (من قبل) أي من قبل هذه الأسانيد. قوله (وفي حديث النضر) يعني المؤلف رحمه الله تعالى أي وفي حديثه عن شعبة زيادة حيث قال النضر: وزاد في الحديث حصين .. إلخ، ولم يرو غير النضر من الرواة عن شعبة هذه الزيادة أو قال شعبة وزاد فيه حصين .. الخ لأنه يروي عنهما يعني ولم يذكر هذه الزيادة من شيوخي غيرهما وهما زادا

قَالُوا: سَمِعنَا سَالِمَ بْنَ أبِي الْجَعدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِنَحو حَدِيثِ مَنْ ذَكَرنَا حَدِيثَهُم مِنْ قَبْلُ. وَفِي حَدِيثِ النَّضْرِ، عَنْ شُعبَةَ، قَال: وَزَادَ فِيهِ حُصَينٌ وَسُلَيمَانُ. قَال حُصَينٌ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنمَا بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَينَكم". وَقَال سُلَيمَانُ: "فَإنمَا أَنا قَاسِم أَقْسِمُ بَينَكم". 5455 - (00) (00) حدَّثنا عَمرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال عمرٌو: حَدَّثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ على قتادة ومنصور هذه الزيادة وهذا أحسن كما فهم من عبارة العيني والله أعلم اهـ من ذهني أيضًا. (قالوا) أي قال كل من قتادة ومنصور وسليمان وحصين (سمعنا سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق شعبة عن منصور وحصين بن عبد الرحمن وسليمان الأعمش (بنحو حديث من ذكرنا حديثهم من قبل) أي من قبل أسانيد شعبة أي ساق شعبة بنحو حديث جرير عن منصور وبنحو حديث عبثر وخالد الطحان عن حصين وبنحو حديث وكيع وأبي معاوية عن سليمان فالمراد بمن ذكرنا جرير وعبثر وخالد ووكيع وأبو معاوية، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة لجرير في الرواية عن منصور وعبثر وخالد الطحان في الرواية عن حصين ووكيع وأبي معاوية في الرواية عن سليمان فتدبر فإن في المحل دقة وغموضًا (و) لكن (في حديث النضر) وروايته (عن شعبة) لفظة (قال) لنا شعبة (وزاد فيه) أي في الحديث (حصين وسليمان) على غيرهما ممن شاركهما في الرواية عن سالم لأنه (قال حصين) في روايته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت قاسمًا أقسم بينكم وقال سليمان) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنما أنا قاسم أقسم بينكم) وهذا بيان قال المخالفة بين النضر وبين محمد بن جعفر وابن أبي عدي في الرواية عن شعبة بأن هذه الزيادة موجودة في رواية النضر بن شميل عن شعبة دون رواية محمد بن جعفر وابن أبي عدي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5455 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير بن سابور (الناقد ومحمد بن عبد الله بن نمير جميعًا عن سفيان قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا) محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في

أنه سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: وُلدَ لِرَجُلِ مِنَا غُلامٌ. فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ. فَقُلْنَا: لا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ. وَلَا نُنْعِمُكَ عَينا. فَأتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ. فَقَال: "أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرحمن". 5456 - (00) (00) وحدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعنِي ابْنَ زُريعٍ). ح وَحدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعنِي ابْنَ عُلَيةَ). كِلاهُمَا عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، . . . . . ... ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (11) بابا (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة محمد بن المنكدر لسالم بن أبي الجعد (يقول وُلد لرجل منا كلام فسماه القاسم فقلنا) له معاشر الأنصار (لا نكنيك) من غنى الثلاثي من باب رمى أي لا نسميك ولا نناديك بقولنا يا (أبا القاسم ولا ننعمك) أي لا نبردك (عينًا) ولا نبشرك قلبًا بتكنيك بأبي القاسم، وقوله (ننعمك) بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر العين من أنعم الرباعي أي لا نجعلك تقر عيناك بهذه الكنية الشريفة، وقد وقع في رواية صدقة بن الفضل عند البخاري (ولا كرامة) أي لا نكرمك كرامة بهذه الكنية، وعبارة القسطلاني هنا أي لا نكرمك ولا نقر عينك بذلك اهـ والمعنى أي لا نجعلك قرير العين ومسرور القلب بمناداتك يا أبا القاسم (فأتى) الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك) أي ما جرى بينه وبين قومه وما قالوا له (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (اسم ابنك) بهمزة قطع مفتوحة مع سكون السين أمر من أسمى الرباعي أي اجعل اسم ابنك (عبد الرحمن) وفي بعض النسخ (اسم ابنك) بحذف الهمزة، وفي أخرى (فقال اسم ابنك عبد الرحمن). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5456 - (00) (00) (وحدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) مصغرًا التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثني علي بن حجر) بن إياس السعدي أبو الحسن المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (كلاهما) أي كل من يزيد وإسماعيل رويا (عن روح بن القاسم) التميمي

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابر، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر: وَلَا نُنْعِمُكَ عَينًا. 5457 - (2098) (163) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعمرٌو النَّاقِدُ وَزُهيرُ بْنُ حربٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال أبُو الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنوْا بِكُنْيَتِي". قَال عَمرو: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. وَلَم يَقُلْ: سمعت ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي غياث البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن محمد بن المنكدر) التيمي المدني (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة روح بن القاسم لسفيان بن عيينة وساق روح (بمثل حديث ابن عيينة غير أنه) أي لكن أن روح بن القاسم (لم يذكر) لفظة (ولا ننعمك عينًا) وهذا بيان المخالفة بينهما. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس المذكور أول الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5457 - (2098) (163) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين قال سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: تسموا باسمي) محمد بفتح التاء المثناة فوق وفتح الميم المشددة لأنه من باب تفعل الخماسي لأن أصله تتسموا حذفت منه إحدى التاءين لتوالي المثلين (ولا تكنوا) بحذف إحدى التاءين لأنه من تفعل الخماسي كما نظيره أي لا تسموا أنفسكم ولا أولادكم (بكنيتي) أبي القاسم (قال عمرو) الناقد في روايته لفظة (عن أبي هريرة) بالعنعنة (ولم يقل) عمرو لفظة (سمعت) بل الذي قالها هو أبو بكر بن أبي شيبة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة منها في الأدب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي [6188]، وأبو داود في الأدب باب الرجل يتكنى بأبي القاسم [4965]، وابن ماجه في الآداب باب الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته [3780].

5458 - (2099) (164) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ وَأبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزيُّ (وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيرٍ). قَالُوا: حَدَّثنَا ابْنُ إِدريس، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرب، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِل، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ. قَال: لَمَّا قَدِمتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي. فَقَالُوا: إِنَّكُم تَقْرَؤُونَ: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28] وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: 5458 - (2099) (164) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي (ومحمد بن المثنى العنزي) البصري (واللفظ لابن نمير قالوا حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابا (عن أبيه) إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبي عبد الله الكوفي، والد عبد الله بن إدريس، روى عن أبان بن تغلب في الإيمان، وسماك بن حرب في الأدب، وقيس بن مسلم في التفسير، ويروي عنه (ع) وابنه عبد الله ووكيع ومحمد ويعلى ابنا عبيد، وثقة النسائي وأبو داود وابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة، وليس من رجال مسلم من اسمه إدريس إلا هذا الثقة (عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن علقمة بن وائل) بن حجر بضم المهملة وسكون الجيم الكندي الحضرمي ثم الكوفي، صدوق، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبي محمد الكوفي الصحابي المشهور أسلم زمن الخندق رضي الله عنه، روى عنه في (7) أبواب. وهذا السند من سداسياته (قال) المغيرة (لما قدمت نجران) اسم بلدة معروفة بين الحجاز واليمن والشام (سألوني) أي سألني أهل نجران من النصارى المقيمين فيها (فقالوا) أي قالت في نصارى نجران (إنكم) أيها المسلمون (تقرؤون) في كتابكم في قصة مريم وعيسى (يا أخت هارون) أي يا شبيهة هارون في العبادة والعفة (و) هارون بن عمران الذي هو أخو (موسى) بن عمران موجود (قبل) مريم و (عيسى) ابنها (بكذا وكذا) من الزمان أي بسنين كثيرة

فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ. فَقَال: "إِنَّهم كَانُوا يُسَمُّونَ بِأنبِيَائِهم وَالصالِحِينَ قَبلَهُم". 5459 - (2100) (165) حدَّثنا يحيى بْنُ يَحيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ (قَال أَبُو بَكر: حَدَّثنَا مُعتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنِ الرُّكَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعوام وفيرة فكيف تكون مريم أم عيسى أخت هارون أخي موسى بن عمران مع أن بين عصريهما ألوفًا كثيرة فهذا كلام باطل لا يصح اشتمل عليه كتابكم، قال شعبة (فلما قدمت) المدينة ووقفت (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) واجتمعت معه (سألته) صلى الله عليه وسلم (عن) جواب (ذلك) السؤال الذي سالوني (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنهم) أي إن بني إسرائيل (كانوا) في عادتهم (يسمون) أولادهم). (بـ) أسماء (أنبيائهم و) بأسماء (الصالحين) الذين سبقوا (قبلهم) كآصف وعزير ولقمان فهارون الذي أضيفت مريم إليه وشبهت به ليس بهارون النبي الذي هو أخو موسى بن عمران عليهما السلام، بل هو رجل صالح ذو عفة وعبادة كان موجودًا في زمن مريم وعيسى عليهما السلام، ومعنى الآية يا شبيهة هارون الذي كان في زمنها في العفة والعبادة وخدمة بيت المقدس فهذا الرجل الصالح سمي باسم هارون النبي - عليه السلام - فدل حديث المغيرة على جواز التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين فطابق الجزء الثالث من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في التفسير في سورة مريم [3154]. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه فقال: 5459 - (2100) (165) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة قال أبو بكر حدثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من كبار (9) وليس عندهم معتمر إلا هذه الثقة (عن الركين) مصغرًا ابن الربيع بن عميلة مكبرًا الفزاري أبي الربيع الكوفي، روى عن أبيه في الأدب وابن عمر ويحيى بن يعمر، ويروي عنه (م عم) ومعتمر

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ. وقَال يحيى: أَخْبَرَنَا الْمُعتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَال: سَمِعْتُ الرُّكَينَ يُحدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ) قَال: نَهانَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأربَعَةِ أَسْمَاءٍ: أَفْلَحَ، وَرَبَاحٍ، ويسَارٍ، وَنَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سليمان وشعبة والثوري، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن حبان، وقال أبو حاتم: صالح، وقال يمعقوب بن سفيان: كوفي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (131) إحدى وثلاثين ومائة، وليس في مسلم من اسمه ركين إلا هذا الثقة (عن أبيه) الربيع بن عميلة بفتح المهملة الفزاري أبي ركين الكوفي، روى عن سمرة بن جندب في الأدب، وابن مسعود وعمارة بن رؤيبة، ويروي عنه (م عم) وابنه الركين وعبد الملك ابن عمير، قال ابن معين: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات (عن سمرة) بن جندب (وقال يحيى أخبرنا المعتمر بن سليمان قال سمعت الركين يحدث عن أبيه عن سمرة بن جندب) بن هلال الفزاري أبي سعيد البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر: كان سمرة غلامًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض غلمان الأنصار فمر به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه سمرة فرده فقال: لقد أجزت هذا ورددتني ولو صارعته لصرعته، قال: فدونكه، فصارعه سمرة فأجازه ونزل سمرة البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها إذا سار إلى الكوفة، وكان شديدًا على الخوارج فكانوا يطعنون فيه، وقال ابن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير، ومات سمرة قبل سنة ستين، قال ابن عبد البر: سقط في قدر مملوء ماء حارًا فكان ذلك تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة ولأبي محذورة "آخركم موتًا في النار" اهـ من الإصابة [3/ 77 و 78] روى عنه في (5) أبواب (قال) سمرة (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي رقيقنا) أي عبيدنا (بأربعة أسماء) بإضافة أربعة إلى أسماء، وتنوين أسماء لأنه مصروف لكون مدته أصلية لأنها بدل من لام الكلمة، قال القرطبي: وإنما خص العبيد بالذكر لأن هذه الأسماء كانت فيهم أغلب اهـ. وقوله (أفلح) مأخوذ من الفلاح بمعنى الفوز (ورباح) من الربح (ويسار) من اليسر (ونافع) من النفع بدل من أربعة بدل تفصيل من مجمل، وأنث اسم العدد لأن المعدود

5460 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الرُّكَينِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تُسَمِّ غُلامَكَ رَبَاحًا، وَلَا يَسَارًا، وَلَا أَفْلَحَ، وَلَا نَافِعًا". 5461 - (00) (00) حدثنا أَحمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ مذكر وعلة هذا النهي مصرحة في رواية هلال بن يساف الآتية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "فإنك تقول أثم هو فلا يكون" والمراد أن قول القائل ليس عندي أفلح أو ليس عندي نافع مثلًا فيه نوع من الشؤم، وربما أوقع بعض الناس في شيء من الطيرة ولكن هذا النهي عند الجمهور للتنزيه لا للتحريم فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له غلام اسمه رباح ومولى اسمه يسار فإقراره صلى الله عليه وسلم هذين الاسمين يدل على الجواز، ولهذا سمى ابن عمر رضي الله عنهما مولاه نافعًا وهو محدِّث مشهور، قال النووي: ولا تختص الكراهية بهذه الأربعة وحدها بل تكون في كل ما في معناها كنجيج ونجاح وفائز وفواز، وعلة الكراهة ما سبق آنفًا. وفي الأبي: وعلتها أن التسمية بذلك تؤدي إلى أن يسمع ما يكره كما قال في الرواية الآتية لأنك تقول: أثم هو؟ ولا يكون، فيقول المجيب: لا، عكس ما أراد المسمي بهذه الأسماء من حسن الفأل اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب [4958]، والترمذي في الأدب [2838]، وابن ماجه في الأدب [3775]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سمرة رضي الله عنه فقال: 5460 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الركين بن الربيع عن أبيه عن سمرة بن جندب) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لمعتمر بن سليمان (قال) سمرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسم) أيها المخاطب (غلامك رباحًا ولا يسارًا ولا أفلح ولا نافعًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سمرة رضي الله عنه فقال: 5461 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن

حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ عُمَيلَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الْكَلامِ إِلَى الله أَربع: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمدُ لِلهِ، وَلَا إِله إلا الله، وَاللهُ أكبَرُ. لَا يَضُركَ بِأيهِن بَدَأْتَ. وَلَا تُسَميَن ـــــــــــــــــــــــــــــ حديج مصغرًا الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن هلال بن يساف) بكسر المثناة تحت، وقيل بفتحها وبه جزم المؤلف في أسمائه، وفي القاموس: هلال بن يساف بالكسر وقد يفتح تابعي كوفي اهـ والياء فيه أصلية فيتعين الصرف فيه ثم مهملة ثم فاء، ويقال فيه ابن إساف الأشجعي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن ربيع ابن عميلة عن سمرة بن جندب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هلال بن يساف لركين بن الربيع (قال) سمرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الكلام) أي كلام البشر فالمراد بالكلام كلام البشر لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الذكر بعد كتاب الله سبحان الله والحمد لله .. " إلخ. قال القرطبي: أي أحقه قبولًا وأكثره ثوابًا ويعني بالكلام المتضمن للأذكار والدعاء والقرب من الكلام (إلى الله) أي عند الله سبحانه (أربع) وهي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) وإنما كانت هذه الأربع أحب الكلام عند الله تعالى لاشتمالها على جملة أنواع الذكر من التنزيه والتحميد والتوحيد والتمجيد. وعبارة القرطبي: لأنها تضمنت تنزيهه عن كل ما يستحيل عليه ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كماله وانفراده بوحدانيته واختصاصه بعظمته وقدمه المفهومين من أكبريته ولتفصيل هذه الجمل علم آخر (لا يضرك) في الثواب والقبول (بأيهن بدأت) أي لا يضرك بدايتهن بأية واحدة منهن شئت بنقص الثواب في البداية بها أو بعدم قبولها، قال القرطبي: يعني أن تقديم بعض هذه الكلمات على بعض لا ينقص ثوابها ولا يوقف قبولها لأنها كلها كلمات جامعات طيبات مباركات اهـ وفي المبارق إلا يضرك بايهن بدأت) لأن المعنى المقصود لا يتوقف على هذا النظم لاستقلال كل واحدة من الجمل، قال أهل التحقيق: حقيق أن يراعى هذا النظم المتدرج في المعارف يعرف الله أولا بتنزيه ذاته عما يوجب نقصًا، ثم بالصفات الثبوتية التي يستحق بها الحمد، ثم يعلم أن من هذا شأنه لا يستحق الألوهية غيره فينكشف له من ذلك أنه تعالى أكبر وأعظم اهـ منه (ولا تسمين) بضم التاء وكسر الميم

غُلامَكَ يَسَارًا، وَلَا رَبَاحًا، وَلَا نَجِيحًا، وَلَا أَفلَحَ، فَإِنكَ تَقُولُ: أَثم هُو؟ فَلَا يَكُون. فَيَقُولُ: لَا". إِنَّمَا هُنَّ أربع. فَلَا تَزِيدُن عَلَيَّ. 5462 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنِي جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَام. حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع ـــــــــــــــــــــــــــــ المشددة وبنون التوكيد الثقيلة لأنه من سمى الرباعي أي لا تجعل يا سمرة اسم (غلامك يسارًا ولا رباحًا ولا نجيحًا ولا أفلح) وهذا نهي صريح عن تسمية العبد بهذه الأسماء لكنه على جهة التنزيه بدليل قول جابر في الحديث الآتي (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بمقبل وببركة وبأفلح .. الخ) يعني أراد أن ينهى عن ذلك نهي تحريم وإلا فقد صدر النهي عنه على ما تقدم لكنه على وجه الكراهة التي معناها أن ترك المنهي عنه أولى من فعله لأن التسمية بتلك الأسماء تؤدي إلى أن يسمع ما يكرهه كما نص عليه بقوله (فإنك تقول أثم هو) أي فلا (فلا يكون) أي فلا يوجد المسؤول عنه (فيقول) المسؤول (لا) أي ليس موجودًا هنا، ففيه شؤم بفقدان اليسر والربح والنجاح والفلاح، قال سمرة بن جندب (إنما هن) أي ما الأسماء اللاتي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التسمية بهن إلا (أربع) يعني يسارًا ورباحًا ونجيحًا وأفلح (فلا تزيدن علي) بضم الدال لأن أصله تزيدونن بثلاث نونات الأولى منها نون علامة الرفع فحذفها الجازم وحذفت واو الجماعة لالتقاء الساكنين أي لا تزيدوا أيها المخاطبون على هذه الأربع التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكونون من الكاذبين عليه، قال النووي: ومعناه الأسماء التي سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم أربع كلمات وكذا رويتها لكم بلا زيادة عليها فلا تزيدوا علي في الرواية عني ولا تنقلوا عني غير الأربع وليس فيه منع القياس على الأربع وأن يلحق بها ما في معناها اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سمرة رضي الله عنه فقال: 5462 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرني جرير) بن عبد الحميد (ح وحدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التميمي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8)

حَدَّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِم). ح وَحَدَّثَنَا مُحمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفَرٍ. حَدَّثَنَا شعبَةُ. كُلُهم عَنْ مَنْصُورٍ، بِإِسْنَادِ زُهيرٍ. فَأمَا حَدِيثُ جَرِيرٍ وَرَوْحٍ، فَكَمِثْلِ حَدِيثِ زُهيرٍ بِقصَّتِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ شُعبَةَ فَلَيسَ فِيهِ إِلَّا ذِكْرُ تَسْمِيَةِ الْغُلامِ. وَلَم يَذْكُرِ الْكَلامَ الأربَعَ. 5463 - (00) (00) حدثنا مُحَمَدُ بْنُ أحمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَرَادَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ يَنهى ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (12) بابا (حدثنا روح وهو ابن القاسم) التميمي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة كلهم) أي كل من جرير وروح وشعبة رووا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (بإسناد زهير) بن معاوية يعني عن هلال بن يساف عن الربيع بن عميلة عن سمرة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لزهير بن معاوية (فأما حديث جرير وروح فكمثل حديث زهير) فمثل هنا تأكيد لمعنى الكاف (بقصته) أي في اشتماله على قصة حديث زهير يعني بقصته قوله (أحب الكلام إلى الله أربع .. الخ) (وأما حديث شعبة فليس فيه إلا ذكر نسمية الغلام) يعني قوله (ولا تسمين غلامك يسارًا .. الخ) (ولم يذكر) شعبة (الكلام الأربع) من الأذكار وهذا تصريح بما علم مما قبله. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سمرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5463 - (2101) (166) (حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم البغدادي القطيعي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (16) بابا (أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) روى عنه في (9) أبواب (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى) نهي تحريم فلم ينهه وإلا فقد نهى

عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعلَى، وَبِبَرَكَةَ، وَبِأفْلَحَ، وَبِيَسَارٍ، وَبِنَافِعٍ. وَبِنَحو ذلِكَ. ثُم رَأَيتُهُ سَكَتَ بعدُ عَنْها. فَلَم يَقُلْ شَيئًا. ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَلَم يَنْهَ عَنْ ذلِكَ. ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنهى عَنْ ذلِكَ. ثُمَّ تَرَكَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ نهي كراهة في حديث سمرة فلا معارضة بين الحديثين أي أراد أن ينهى نهي تحريم (عن أن يسمى) الرجل بالبناء للمجهول (بـ) اسم (يعلى) هكذا هو في أكثر النسخ وهو المشهور رواية، ووقع في بعض النسخ (بمقبل) كما في نسخة التلخيص للقرطبي ورجحه القاضي، وتعقبه النووي. وقال القرطبي في شرح تلخيصه بعد قوله (بمقبل): هكذا صحيح الرواية وهو في بعض النسخ (بيعلى) وكأنه تصحيف والأول أولى رواية ومعنى (و) أن يسمى (ببركة وبأفلح وبيسار وبنافع) وأشار جابر بقوله (وبنحو ذلك) أي وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بنحو ذلك المذكور من الأسماء أي بنظائره كنجاح ونجيح وسالم وغانم إلى أن الكراهة لا تختص بالعبيد بل تتعدى إلى الأحرار ولا بهذه الأسماء الأربعة بل تتعدى إلى ما في معناها (ثم رأيته) صلى الله عليه وسلم (سكت بعد) أي بعدما أراد أن ينهى عنها نهي تحريم (عنها) أي عن هذه الأسماء الأربعة أي عن النهي نهي تحريم (فلم يقل) فيها أي في هذه الأسماء الأربعة وغيرها (شيئًا) من تحريم التسمية بها (ثم) بعدما سكت عنها في حياته (قبض) أي توفي (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (لم ينه عن ذلك) المذكور من الأسماء نهي تحريم (ثم أراد عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في زمن خلافته (أن ينهى عن ذلك) المذكور من الأسماء نهي تحريم (ثم تركه) عمر أي ترك النهي عنها نهي تحريم والله أعلم. ثم في قول جابر رضي الله عنه (وبنحو ذلك) دليل على أن النهي لا يختص بالأسماء الأربعة بل يعم الأسماء الأخرى التي في معناها كما ذكرناه آنفًا اهـ تكملة. (وقوله ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك) به استدل بعضهم على أن حديث جابر ناسخ لحديث سمرة ولكن المحققين على أن حديث سمرة محمول على التنزيه، والمراد من النهي في حديث جابر نهي تحريم والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهى عن هذه الأسماء تحريمًا فلم يفعل إلى أن قبض صلى الله عليه وسلم أما الكراهة التنزيهية فقد صرح بها في حديث سمرة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب تغيير الأسماء [3961].

5464 - (2102) (167) حدثنا أَحمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزهيرُ بْنُ حرب وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَثَنَا يحيى بْنُ سَعِيد عَنْ عُبَيدِ الله. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صلَى الله عَلَيهِ وَسَلمَ غيرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَال: "أَنْتِ جَمِيلَةُ". قَال أَحمَدُ -مَكَانَ أَخْبَرَنِي- عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5464 - (2102) (167) (حدثنا أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني المروزي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (15) روى عنه في (8) أبواب (ومحمد بن بشار قالوا حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري القطان، ثقة، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر حفص العمري المدني، ثقة، من (5) (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم) من اسمها (عاصية) إلى جميلة (وقال) لها (أنت) اسمك (جميلة) وسيأتي في الرواية الآتية أنها كانت بنتًا لعمر بن الخطاب، قال الأبي: ولعلها كان كذلك جميلة اهـ. قال المؤلف (قال) لنا (أحمد) عند روايته لنا (مكان أخبرني) نافع (عن) نافع بالعنعنة، والمؤلف لشدة حفظه وإتقانه وضبطه يبين مثل هذا الاختلاف فجزاه الله خيرًا. وفي المرقاة لعل تلك البنت سميت بها في الجاهلية ويمكن أن لا يكون من العصيان بل من العيص وهو بكسر أوله اسم للشجر الكثير الملتف ويطلق على المنبت، ومنه عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام وكأنه لما أبدلت الياء ألفًا فتحت العين، ومنه العاص وأبو العاص، والحاصل أن عاصية مؤنث العاص لا تأنيث العاصي لكن لما كان يتبادر منه هذا المعنى غيرها اهـ لأن المسلم ليس من شأنه أن يكون عاصيًا. قال القرطبي: تبديل النبي صلى الله عليه وسلم اسم عاصية إلى جميلة، والعاص بن الأسود بمطيع ونحو ذلك سنة ينبغي أن يقتدى به فيها فإنه كان يكره قبيح الأسماء ولا يتطير به ويحب حسن الأسماء ويتفاءل به، وفي كتاب أبي داود عن بريدة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث عاملًا سأل عن

5465 - (00) (00) حدثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن ابْنَةَ لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَها عَاصِيَةُ. فَسَمَّاها رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ جَمِيلَةَ. 5466 - (2103) (168) حدثنا عمرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِعَمرٍو). قَالا: حَدَّثنَا سُفْيَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اسمه فإن أعجبه اسمه فرح به ورئي بشر ذلك في وجهه وإن كره رئي كراهة ذلك في وجهه) رواه أحمد [1/ 257]، وأبو داود [3920]، وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع يا راشد يا نجيح) رواه الترمذي [1616]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود أخرجه في الأدب باب تغيير الاسم القبيح [4952]، والترمذي في الأدب أيضًا باب ما جاء في تغيير الأسماء [2840]، وابن ماجه في الآداب باب تغيير الأسماء رقم [3778]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5465 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي أو التميمي أو القرشي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة ثبت، من كبار (8) روى عنه في (16) بابا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة ليحيى بن سعيد (أن ابنة لعمر) بن الخطاب كانت يقال لها) في الجاهلية (عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة) قال الأبي: فلعلها كانت جميلة كما مر عنه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5466 - (2103) (168) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (واللفظ لعمرو) الناقد (قال حدثنا سفيان) بن عيينة

عَنْ مُحَمدِ بنِ عَبْدِ الرَّحمنِ، مَوْلى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَتْ جُوَيرِيَةُ اسْمُها بَرَّةُ. فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اسْمَها جُوَيرِيَةَ. وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَال: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ كُرَيبٍ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ. 5467 - (2104) (169) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ. سَمِعْتُ أَبَا رَافِعٍ يُحدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد الكوفي القرشي التيمي مولاهم (مولى آل طلحة) بن عبيد الله التيمي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس أبي رشدين المدني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (كانت جويرية) بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أي كان (اسمها) في الجاهلية (برة) بفتح الموحدة والراء المشددة (فحول رسول الله على الله عليه وسلم) أي غير (اسمها) من برة إلى (جويرية) تصغير جارية (وكان يكره أن يقال) له إذا كانت المسماة بهذا الاسم زوجته وهي التي سماها جويرية (خرج من عند برة، وفي حديث ابن أبي عمر) وروايته (عن كريب قال) كريب (سمعت ابن عباس) بصيغة السماع، وفي رواية عمرو الناقد عن ابن عباس بالعنعنة، وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [1503]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 5467 - (2104) (169) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالوا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة) منيع مولى أنس بن مالك أبي معاذ البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (سمعت أبا رافع) الصائغ المدني نفيع بن رافع مولى ابنة عمر بن الخطاب، نزيل البصرة، ثقة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (يحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من

ح وحَدَّثنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيمُونَةَ. عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ زَينَبَ كَانَ اسْمُها بَرَّةَ. فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَها. فَسَمَّاها رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ زينَبَ. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِهؤُلاءِ دُونَ ابْنِ بَشَّارٍ. وَقَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ: حدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ، عَنْ شُعبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سداسياته (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا أيضًا من سداسياته (أن زينب) بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (كان اسمها) في الجاهلية (برة) والظاهر من الحديث الآتي أن المراد من زينب هنا بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سيأتي أن زينب بنت جحش أم المؤمنين كان اسمها أيضًا فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها إلى زينب فيحتمل أن تكون هي المرادة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أما قصة زينب بنت أبي سلمة فستأتي من روايتها (فقيل) فيما بين الناس أنها (تزكي) أي تطهر وتفضل (نفسها) على غيرها بتسمية نفسها برة لأن هذا الاسم يدل على التزكية لأنه في أصله اسم علم لجميع خصال البر كما أن فجار اسم علم للفجور ولذلك قال النابغة الذبياني: أنَّا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار اهـ من المفهم. (فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب) ومعنى زينب في الأصل المرأة السمينة يقال زَنِب كفرح إذا سمن والأزنب السمين وبه سميت المرأة زينب أو من زنابى العقرب لزُبَاناها أو من الزينب لشجر حسن المنظر طيب الرائحة، أو أصله زين أب وزينب بنت أم سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوها زُنَاب بالضم اهـ قاموس (فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب) ويظهر من عبارة القرطبي أنه صلى الله عليه وسلم إنما غير اسمها لكونها زوجته أو ربيبته وكره أن يكون في اسمها تزكية لنفسها، وكان القرطبي يشير إلى أن مثل هذه الأسماء يجوز لغيرها إذا سمي بها تفاؤلًا لا تزكية للنفس اهـ. (ولفظ) هذا (الحديث) المذكور (لهؤلاء) المشايخ الذين روى عنهم المؤلف (دون ابن بشار) فإنه إنما روى معناه لا لفظه (وقال ابن أبي شيبة) في روايته (حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة) أي بصيغة العنعنة وغيره قال حدثنا شعبة بصيغة السماع، قال محمد

5468 - (2105) (170) حدثني إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمرِو بْنِ عَطَاءٍ. حَدَّثَتْنِي زينَبُ بِنْتُ أمِّ سَلَمَةَ. قَالتْ: كَانَ اسْمِي بَرَّةَ. فَسَمَّانِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ زينَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذهني: قوله (ولفظ الحديث لهؤلاء) يعني أن اللفظ لابن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن معاذ (دون ابن بشار) ولفظه غير هذا وكذلك ابن أبي شيبة يخالف لغيره في روايته بقوله عن شعبة وغيره قالوا حدثنا شعبة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه رقم [6192]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث زينب بنت أم سلمة رضي الله عنهم فقال: 5468 - (2105) (170) (حدثني إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة قال) أي قال عيسى بن يونس وأبو أسامة (حدثنا الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبو محمد المدني، سكن الكوفة، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثني محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي العامري أبو عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (حدثتني زينب بنت أم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة، المخزومية الصحابية، ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، روى عنها في (9) أبواب (قالت) زينب (كان اسمي) أولًا (برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب) أي غير اسمي برة إلى زينب و (قالت) أيضًا زينب بنت أم سلمة (ودخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (زينب بنت جحش) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (واسمها برة) أي تزوجها والحال أن اسمها برة (فسماها زينب) أي غير اسمها إلى زينب أيضًا أي غير اسمها إلى زينب كما غير اسمي إلى زينب والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب تغيير الاسم القبيح [4953].

قَالتْ: وَدَخَلَتْ عَلَيهِ زَينَبُ بِنْتُ جَحشٍ، وَاسْمُها بَرَّةُ. فَسَماها زَينَبَ. 5469 - (00) (00) حدثنا عَمرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا هاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمرِو بْنِ عَطَاءٍ. قَال: سَمَّيتُ ابْنَتِي بَرَّةَ. فَقَالتْ لِي زَينَبُ بِنْتُ أبِي سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نهى عَنْ هذَا الاسْمِ. وَسُميتُ بَرَّةَ. فَقَال رَسُولُ الله صلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ، اللهُ أعلَمُ بِأهْلِ الْبِرِّ مِنْكُم" فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيها؟ قَال: "سَمُّوها زَينَبَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: المغير اسمه من برة ثلاث نسوة جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها زوجته صلى الله عليه وسلم أيضًا، وزينب بنت أم سلمة رضي الله تعالى عنها ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكون الأحاديث ثلاثة في ثلاث نسوة واضح من صحيح مسلم بحيث لا يتوهم أنها في امرأة واحدة أهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث زينب بنت أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5469 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (15) بابا (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي مولاهم أبي رجاء المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي المدني، ثقة، من (3) (قال) محمد بن عمر (سميت ابنتي برة فقالت في زينب بنت أبي سلمة) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يزيد بن أبي حبيب للوليد بن كثير (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم) أي عن التسمية باسم برة (و) ذلك أني (سميت) أولًا (برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزكوا) أي لا تفضلوا (أنفسكم) على غيركم بنسبتها إلى البر والخير (الله) سبحانه وتعالى (أعلم) أي عالم (بأهل البر) والخير والتقوى (منكم) أي دونكم (فقالوا) أي فقال أهلي وأقاربي له صلى الله عليه وسلم (بم نسميها) أي باي اسم نسميها يا رسول الله (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (سموها زينب) أي اجعلوا اسمها زينب فإنه أحسن من

5470 - (2106) (171) حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَمرٍو الأشْعَثِيُّ وَأَحمَدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ برة لعدم دلالته على تزكية النفس كالبرة. قال القرطبي: أما تغييره صلى الله عليه وسلم برة فلوجهين؛ أحدهما أنه كان يكره أن يقال خرج من عند برة إذا كانت المسماة بهذا الاسم زوجته وهي التي سماها جويرية، وزينب أي بنت جحش. والثاني لما فيه من تزكية الإنسان نفسه فهو مخالف لقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] ويجري هذا المجرى في المنع ما قد أكثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية كزي الدين ومحيى الدين وبهاء الدين وشمس الدين وجلال الدين وأقبح من هذا كله مجدد الدين وما أشبه ذلك من الأسماء الجارية في هذه الأزمان التي يقصد بها المدح والتزكية لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه الأسماء في هذا الزمان ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها فصارت لا تفيد شيئًا من أصل موضوعاتها بل ربما يبقى منها في بعض المواضع أو في بعض الأشخاص نقيض موضوعها فيصير الحال فيها كالحال في تسمية العرب المهلكة بالمفازة، والحقير بالجليل، تجملًا بإطلاق الاسم مع القطع باستقباح المسمى، ومن الأسماء ما غيره الشرع مع حسن معناه وصدقه على مسماه لكن منعه الشرع حماية واحترامًا لأسماء الله تعالى وصفاته جل وعز عن أن يتسمى بها أحد ففي كتاب أبي داود عن هانئ بن يزيد أنه لما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله عزَّ وجلَّ هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم" قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن هذا" قال: "ما لك من الولد؟ قال لي: شريح ومسلم وعبد الله، قال": فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، قال: "فأنت أبو شريح" رواه أبو داود [4955] وقد غير اسم حكيم وعزيز لما فيهما من التشبه بأسماء الله تعالى اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5470 - (2106) (171) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (15) روى عنه في (5) أبواب (وأحمد) بن محمد (بن

حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ -وَاللَّفْظُ لأحمَدَ- (قَال الأَشْعَثِيُّ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِن أَخْنَع اسمِ عِندَ الله رجل تَسمَّى مَلِكَ الأَملاكِ". زَادَ ابْنُ أَبِي شَيبَةَ فِي رِوَايَتِه "لَا مَالِكَ إلا الله عَز وَجَل". قَال الأَشْعَثِى: قَال سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهانْ شَاهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حنبل) الشيباني المروزي، ثقة حجة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لأحمد قال الأشعثي أخبرنا وقال الآخران حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) الهاشمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخنع اسم) أي إن أقبح اسم وأذله وأوضعه وأخبثه (عند الله) سبحانه وتعالى يوم القيامة (رجل) أي اسم رجل، فالكلام على حذف مضاف لتحصل المطابقة في الإخبار. قال العيني: أما أخنع فهو من الخنوع وهو الذل، وقد فسره الحميدي عند روايته به بقوله الأخنع الأذل اهـ، وفسر أبو عمرو بأوضع كما في المتن يعني هو اسم وضيع أشد وضاعة، وفي النووي: هذا التفسير الذي فسره أبو عمرو مشهور عنه وعن غيره قالوا معناه أشد ذلًا وصغارًا يوم القيامة، والمراد صاحب الاسم، وتدل عليه الرواية الثانية (أغيظ رجل) ويستدل به على أن الاسم هو المسمى وفيه الخلاف المشهور، قال القسطلاني: والتقييد بيوم القيامة مع أن حكمه في الدنيا كذلك للإشعار بترتب ما هو مسبب عنه من إنزال الهوان وحلول العقاب يكون فيه. والمعنى إن أخبث أصحاب اسم وأهونهم وأحقرهم وأشدهم عذابًا عند الله يوم القيامة رجل (تسمى ملك الأملاك) أي سمى نفسه بهذا الاسم الخبيث أو سماه غيره به فرضي به واستمر عليه (زاد) أبو بكر (بن أبي شيبة في روايته لا مالك) للملوك ولا الأملاك كلاهما جمع ملك بمعنى السلطان (إلا الله عزَّ وجلَّ قال) سعيد بن عمرو (الأشعثي قال سفيان) بن عيينة قولهم ملك الأملاك (مثل شاهان شاه) بالفارسية في المعنى، وفي البخاري وشرحه قال سفيان يقول غير أبي الزناد تفسير ملك الأملاك بالفارسية (شاهان) بشين معجمة مفتوحة فألف فنون ساكنة (شاه) بشين معجمة فألف فهاء

وَقَال أحمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَألتُ أَبَا عَمرٍو عَنْ أَخنَعَ؟ فَقَال: أَوْضَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ساكنة وليست هاء تأنيث اهـ. ومراد سفيان بهذا التنبيه على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه غير منحصر بملك الأملاك بل كل ما أدى إلى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم ولهذا يحرم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد فيه، ويلحق به ما في معناه كأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين كذا في الشراح والله أعلم. قيل ويلتحق به أيضًا من تسمى بشيء من أسماء الله الخاصة كالرحمن والقدوس والجبار وبه ظهر أن ما تعورف في عصرنا من تلخيص اسم عبد الرحمن إلى الرحمن، وتلخيص عبد القدوس إلى القدوس لا يجوز شرعًا ولا يجوز النداء أو الخطاب به والله أعلم. وزعم بعضهم أن الصواب شاه شاهان بالتقديم والتأخير وليس كذلك لأن قاعدة المعجم تقديم المضاف إليه على المضاف فإذا أرادوا قاضي القضاة بلسانهم قالوا موبذان موبذ فموبذ هو القاضي والموبذان جمعه كذا في الشراح اهـ ذهني. (وقال أحمد بن حنبل سألت أبا عمرو عن) معنى (أخنع فقال) أبو عمرو في تفسيره هو بمعنى (أوضع) أي أشد وضاعة وحقارة وهوانًا عند الله، قال النووي: وأبو عمرو هذا هو إسحاق بن مرار بكسر الميم على وزن قتال، وقيل مرار بفتحها وتشديد الراء كعمار، وقيل بفتحها وتخفيف الراء كغزال وهو أبو عمرو اللغوي النحوي الشيباني الكوفي نزيل بغداد، روى عن أبي عمرو بن العلاء النحوي وركين الشامي، ويروي عنه (م) وابنه عمرو وأحمد بن حنبل وغيرهم، وليس هو بابي عمرو بن العلاء المراد للنحاة عند الإطلاق الذي اختلفوا في اسمه على أحد وعشرين قولًا أصحها أن اسمه زبان لأن ذاك تابعي توفي قبل ولادة أحمد بن حنبل بطريق الشام سنة أربع، وقيل سنة تسع وخمسين ومائة، لأن ولادة أحمد سنة (164) أربع وستين ومائة تقريبًا، وقد بسطت الكلام على ذلك في حاشيتي على كشف النقاب فراجعه، وفي قول النووي هنا وليس بأبي عمرو الشيباني نظر راجع كتب الرجال. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب [6206]، وأبو داود في الأدب [4961]، والترمذي في الأدب [2839]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5471 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنْ همامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْها: وَقَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَغيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ وَأغْيَظُهُ عَلَيهِ، رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَملاكِ. لَا مَلِكَ إلَّا اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5471 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام للأعرج (فذكر) لنا أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة قوله (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيظ رجل) أي أشده غيظًا ومقتًا (على الله) أي عند الله (يوم القيامة وأخبثه) أي أشده خبثًا وأفحشه عملأ عند الله تعالى (وأغيظه) أي أشده غيظًا وغضبًا (عليه) أي عنده تعالى (رجل كان يسمى ملك الأملاك لا ملك) للملوك ولا للملاك ولا للأملاك (إلا الله) سبحانه وتعالى. قوله (أغيظ رجل) قال في المرقاة: اسم تفضيل بني للمفعول أي أكثر مَنْ يغضب عليه ويعاقب، والغيظ المضاف إلى الله عبارة عن غضبه وغضب الله سبحانه صفة ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله وكمثل صفاته شيء أثرها الانتقام ممن غضب عليه. قوله (وأخبثه) أي أشده خبثًا عند الله من الخبث وهو الاسترذال والخسة والرداءة، ووقع في هذه الرواية في جميع النسخ (وأغيظه) بالتكرار عطفًا على قوله أغيظ رجل، قال القاضي عياض: ولا وجه للتكرار هنا وهو وهم من الرواة لأن الوهم إما في التكرير وإما بتغير اللفظ حتى قال بعضهم لعله (وأغنظه) بالنون والظاء المشالة، والغنظ شدة الكرب والمعنى وأشده غنظًا أي كربًا، وجاء في النهاية في مادة غيظ ولعله (وأغنظه) بالنون والظاء المشالة من الغنظ وهو شدة الكرب وهذا هو الصحيح. قال القرطبي: فذهب بعض العلماء إلى أن قوله (وأغيظه) وهم من الرواة، والصواب (وأغنطه) بالنون والطاء المهملة أي أشده غنطًا والغنط شدة الكرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [قلت] والصواب التمسك بالرواية وتطريق الوهم إلى الأئمة الحفاظ وهم في نفسه لا تنبغي المبادرة إليه ما وجد للكلام وجه ويمكن أن يحمل على إفادة تكرار العقوبة على المسمى بذلك الاسم وتعظيمها كما قال تعالى في حق اليهود: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} أي بما يوجب العقوبة بعد العقوبة وكذلك فعل الله تعالى بهم عاقبهم في الدنيا بأنواع من العقوبات ولعذاب الآخرة أشق. وحاصل هذا الحديث أن المسمى بهذا الاسم قد انتهى من الكبر إلى الغاية التي لا ينبغي لمخلوق وأنه قد تعاطى ما هو خاص بالإله الحق إذ لا يصدق هذا الاسم بالحقيقة إلا على الله تعالى فعوقب على ذلك من الإذلال والإخساس والاسترذال بما لا يعاقب به أحد من المخلوقين. وقوله (ملك الأملاك) والملك بكسر اللام من له الملك بسكونها (والمالك) من له الملك بكسر الميم وسكون اللام (والملك) بكسر اللام أمدح، والمالك أخص وكلاهما واجب لله تعالى (والأملاك) جمع ملك بفتح الميم وكسر اللام، قال في الصحاح: الملك مقصور من مالك أو عليك والجمع الملوك والأملاك والاسم الملك بكسر اللام اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب اثنا عشر حديثًا، الأول حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث أنس المذكور أول الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والرابع حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد له، والخامس حديث مغيرة بن شعبة ذكره للاستشهاد له، والسادس حديث سمرة ذكره للاستدلال به للجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد لحديث سمرة، والثامن حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد له، والعاشر حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والحادي عشر حديث زينب بنت أم سلمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد الله وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة

676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد اللَّه وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة 5472 - (2107) (172) حدثنا عَبْدُ الأعلى بْنُ حَمَّادٍ. حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: ذَهبْتُ بِعَبْدِ الله بْنِ أبِي طَلْحَةَ الأَنْصَاري إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ وُلدَ. وَرَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي عَبَاءَةٍ يَهْنأ بَعِيرًا لَهُ. فَقَال: "هل مَعَكَ تَمرٌ؟ " لا فَقُلْتُ: نَعَم ـــــــــــــــــــــــــــــ 676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد اللَّه وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة 5472 - (2107) (172) (حدثنا عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري المعروف بالنرسي، نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (ذهبت بـ) أخ في من الأم (عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بمهملة بن عمرو النجاري المدني مشهور بكنيته رضي الله عنهم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليحنكه (حين ولد) عبد الله فوصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مشتمل (في عباءة) لابس لها متلفف بها، والعباءة بفتح العين وبالمد هي كساء فيه خطوط سود واسعة تجمع على عباءآت حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يهنأ) أي يطلي (بعيرًا له) بالهناء لجربه والهناء بكسر الهاء وبالمد هو القطران يقال هنات البعير أهنؤه إذا طليته بالقطران لكونه أجرب أهـ أبي. وفيه اعتناء الإمام بمعالجة المال وتوليها بنفسه، وفيه مباشرة أعمال المهنة وترك الاستنابة فيها للرغبة في زيادة الأجر ونفي الكبر كذا في الزكاة من فتح الباري [3/ 367] (فقال) في رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل معك) يا أنس (تمر فقلت) له (نعم) معي

فَنَاوَلتُهُ تَمَرَاتٍ. فَأَلْقَاهُنَّ فِي فِيهِ. فَلاكَهُنَّ. ثُمَّ فَغَرَ فَا الصبِيِّ فَمَجَّهُ فِي فِيهِ. فَجَعَلَ الصبِي يَتَلَمَّظُهُ. فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "حُب الأنصَارِ التمرُ" وَسَمَّاهُ عَبْدَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ تمر، فقال لي: "ناولنيه" (فناولته) صلى الله عليه وسلم (تمرات) ثلاثًا أو ما فوقها لأن أقل الجمع ثلاث (فألقاهن في فيه) أي فألقى النبي صلى الله عليه وسلم تلك التمرات في فمه الشريف (فلاكهن) أي فلاك النبي صلى الله عليه وسلم تلك التمرات ومضغهن من اللوك وهو مضغ الشيء الصلب، والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم مضغ التمرات ليلقيها في فم الصبي وهو التحنيك (ثم فغر فا الصبي) أي فتح النبي صلى الله عليه وسلم فم الصبي (فمجه) أي فمج النبي صلى الله عليه وسلم التمر وطرحه (في فيه) أي في فم الصبي (فجعل الصبي) أي شرع الصبي (يتلمظه) أي يطلب التمر بلسانه في فمه وشفتيه مأخوذ من التملظ وهو تحريك اللسان على أطراف الفم والشفتين تنقية للفم من بقايا الطعام وأكثر ما يفعل ذلك في شيء يستطاب ويقالمالذلك الشيء الباقي في الفم لماظة بضم اللام، ويقال تلمظ يتلمظ تلمظًا من باب تفعل الخماسي، ولمظ يلمظ لمظًا من باب نصر. قال النووي: واتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فبما في معناه أو قريب منه من الحلوفيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود فيضعها فيه ويدلك حنكه بها ليدخل شيء منه جوفه ويسحب أن يكون المحنك من الصالحين وممن يتبرك به رجلًا كان أو امرأة، فإن لم يكن عند المولود حمل إليه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فعلم مما ذكر أن التحنيك هنا هو جعل مضغ التمر في حنك الصبي اهـ مفهم (فقال رسول الله صلى الله عليه هوسلم حب الأنصار) بكسر الحاء بمعنى المحبوب وهو مبتدأ خبره (التمر) أي محبوب الأنصار التمر وبضمها مصدر مضاف إلى فاعله، والتمر مفعوله والخبر محذوف والتقدير حب الأنصار التمر واضح معلوم ولذلك يتلمظه هذا المولود (وسماه) أي سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الولد (عبد الله) أي جعل اسمه عبد الله وسماه به، قال النووي (حب الأنصار التمر) روي بضم الحاء وكسرها فعلى الكسر بمعنى المحبوب كالذبح بمعنى المذبوح، فعلى هذا فالحب مبتدأ خبره التمر أي محبوب الأنصار التمر وعلى ضم الحاء فهو مصدر وفي إعرابه وجهان النصب وهو الأشهر والرفع والتقدير على نصبه انظروا

5473 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ ابْن لأبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي. فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ. فَقُبِضَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَجَعَ أبُو طَلْحَةَ قَال: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالتْ أمُّ سُلَيمٍ: هُوَ أسْكَنُ مِمَّا كَانَ. فَقَرَّبَتْ إِلَيهِ الْعَشَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حب الأنصار التمر فينصب التمر أيضًا، ومن رفعه قال هو مبتدأ حذف خبره أي حب الأنصار لازم أو هكذا أو عادة من صغرهم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف وقد بعض أطراف هذا الحديث في اللباس والزينة باب جواز وسم الحيوان غير الآدمي في غير الوجه وقد تخريجه هناك وسوف يأتي الحديث مفصلًا في كتاب الفضائل باب من فضائل أبي طلحة إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5473 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن سيرين لثابت بن أسلم (قال) أنس (كان) ولد صغير (ابن لأبي طلحة) الأنصاري زوج أمي أم سليم رضي الله عنهم (يشتكي) أي يمرض أي أصابه ما يشتكي منه وهو المرض لا أنه صدرت عنه شكوى هذا أصله لكنه أكثر تسمية المرض بذلك (فخرج أبو طلحة) من البيت لبعض حوائجه (فقبض الصبي) أي توفي في حال خروجه (فلما رجع أبو طلحة) إلى البيت في الليل (قال) لأم سليم (ما فعل ابني) اليوم هل هو دنف أو متَحسِّن (فالت) له (أم سلبم هو) أي الولد اليوم (أسكن) جسمًا وأسكت بكاء (مما كان) عليه أولًا من الاضطراب والأنين، وهذا من المعاريض المغنية عن الكذب عند الحاجة فإنها أوهمته أن الصبي سكن ما به من المرض بلفظ يصلح إطلاقه على ما عندها من موته وعلى ما فهمه أبو طلحة من سكون مرضه وتحصنه وهذا كله لئلا تفاجئه بالإعلام بالمصيبة فيتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه وقته فلما حصلت راحته من تعبه وطاب عيشه بإصابة لذته التي ارتجت بسببها أن يكون لهما عوض وخلف مما فاته عرفته بذلك فبلغها الله أمنيتها وأصلح ذريتها كما بينه بقوله (فقربت إليه العشاء)

فَتَعَشَّى. ثُمَّ أصَابَ مِنْها. فَلَما فَرغَ قَالتْ: وَارُوا الصَّبِي. فَلَما أصبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فأخْبَرَهُ. فَقَال: "أَعْرَسْتُمُ الليلَةَ؟ " قَال: نَعَم. قَال: "اللهم بَارِكْ لَهُمَا" فَوَلَدَتْ غُلامًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو ما يؤكل أوائل الليل أو أواخر النهار (فتعشى) أي أكل عشاءه (ثم) تزينت وتطيبت له فـ (أصاب منها) أي جامعها (فلما فرغ) أبو طلحة من عشائه وإصابتها (قالت) له (واروا الصبي) أي ادفنوه أمر من المواراة وهو إخفاء الشيء وستره (فلما أصبح أبو طلحة) أي دخل في الصباح (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي أخبر أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم موت الولد وما فعلته أم سليم من سترها ميت الولد في جانب البيت. قولها (هو أسكن مما كان) وفي رواية للبخاري (هدأت نفسه) والمعنى أن النفس كانت قلقة منزعجة بعارض المرض فسكنت بالموت وظن أبو طلحة أن مرادها أنها سكنت بالنوم لوجود العافية، وزاد في رواية للبخاري في الجنائز (وأرجو أن يكون قد استراح) ولم تجزم بذلك على سبيل الأدب مع وجود رجائها بأنه استراح من نكد الدنيا. قوله (ثم أصاب منها) وفي رواية سليمان عن ثابت (ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها). قوله (فلما فرغ) وفي رواية سليمان عن ثابت (فقالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني) اهـ وهذا الحديث يدل على فضل أم سليم وتثبتها وصبرها عند الصدمة الأولى وكمال عقلها وحسن تبعلها لزوجها اهـ من المفهم (فقال) لأبي طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعرستم الليلة) بفتح الهمزة وسكون العين، من الإعراس وهو كناية عن الجماع يقال أعرس الرجل باهله إذا بنى ودخل بها وكذلك إذا غشيها ولا يقال فيه عرس من التعريس والعامة تقولها، وقد تقدم أن العرس بكسر العين وسكون الراء الزوجة، والعروس يقال على كل واحد من الزوجين أي أأعرستم الليلة بتقدير همزة الاستفهام أي هل جامعتم الليلة (قال) أبو طلحة (نعم) أعرسنا يا رسول الله فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك لهما) في إعراسهما (فولدت) أم سليم (غلامًا) أي ولدًا ذكرًا ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم لهما هو عبد الله بن أبي طلحة المذكور، وقال سفيان بعد روايته عند البخاري في الجنائز (فقال رجل من الأنصار فرأيت لهما تسعة أولاد

فَقَال لِي أَبُو طَلْحَةَ: احمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَى الله عَلَيهِ وَسلمَ. وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ. فَأَخَذَهُ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: "أَمَعَهُ شَيءٌ؟ " قَالُوا: نَعَم. تَمَرَاتٌ. فَأَخَذها النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَمَضَغها. ثُمَّ أَخَذها مِنْ فِيهِ. فَجَعَلها فِي فِي الصبِيِّ. ثُمَّ حَنَّكَهُ، وَسمَّاهُ عَبْدَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ كلهم قد قرأ القرآن) وفي هذا ما يدل على إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عظم مكانته وكرامته عند الله تعالى: وكم لها منها وكم حتى قد حصل بذلك العلم القطعي واليقين الضروري وذلك أنه لما دعا لأم سليم وزوجها ولدت له من ذلك الغشيان عبد الله وكان من أفاضل الصحابة، ثم ولد له عدة من الفضلاء الفقهاء العلماء إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وإخوته العشرة كما هو مذكور في الاستيعاب اهـ من المفهم. قال أنس (فقال لي أبو طلحة احمله) أي احمل هذا الغلام (حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به) أي بالغلام أنس (النبي صلى الله عليه وسلم) أو أتى به أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا حامله وعلى المعنى الأول فيه التفات لأن العبارة أن يقال فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم على صيغة التكلم (وبعثت) أم سليم (معه) أي مع الغلام (بتمرات) ليحنك بها (فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم) أي أخذ الغلام مني (فقال) في النبي صلى الله عليه وسلم (أمعه) أي هل مع هذا الغلام (شيء) يحنك به (قالوا) أي قال الحاضرون عنده (نعم) معه (تمرات) يحنك بها (فأخذها) أي فأخذ تلك التمرات (النبي صلى الله عليه وسلم) مني (فمضغها) النبي صلى الله عليه وسلم أي لاكها في فمه الشريف (ثم أخذها) النبي صلى الله عليه وسلم (من فيه) أي من فمه الشريف وهي مضيغة (فجعلها) أي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم التمرات المضيغة (في في الصبي) أي في فم الصبي (ثم حنكه) أي دلك حنك الصبي بتلك التمرات الممضوغة لتصل إلى جوفه فينال بركة بزاقه صلى الله عليه وسلم (وسماه عبد الله). وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [5470] قال: وأحاديث هذا الباب كلها متواردة على أن إخراج الصغار عند ولادتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتحنيكهم بالتمر

5474 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَدٍ، عَنْ أنَسٍ، بِهذِهِ الْقِصةِ، نَحوَ حَدِيثِ يَزِيدَ. 5475 - (2108) (173) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبْدُ الله بْنُ بَرَادٍ الأَشْعَرِي وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كان سنة معروفة معمولًا بها فلا ينبغي أن يعدل عن ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واغتنامًا لبركة الصالحين ودعائهم، وقال النووي: في هذه الأحاديث المروية هنا فوائد؛ منها تحنيك المولود عند ولادته وهو سنة بالإجماع كما سبق، ومنها أن يحنكه صالح من رجل أو امرأة، ومنها التبرك بآثار الصالحين وريقهم وكل شيء منهم، ومنها كون التحنيك بتمر وهو مستحب ولو حنك بغيره حصل التحنيك ولكن التمر أفضل، ومنها جواز لبس العباءة، ومنها التواضع وتعاطي الكبير أشغاله بنفسه وأنه لا ينقص ذلك مروءته، ومنها استحباب التسمية بعبد الله، ومنها استحباب تفويض التسمية إلى صالح فيختار له اسمًا يرتضيه، ومنا جواز تسميته يوم ولادته اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5474 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6) (عن محمد) بن سيرين (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وذكر حماد بن مسعدة (بهذه القصة) الواقعة بين أبي طلحة وأم سليم، وساق (نحو حديث يريد) بن هارون، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد بن مسعدة ليزيد بن هارون. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي موسى رضي الله عنهما فقال: 5475 - (2108) (173) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالوا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى

عَنْ أَبِي بُردَةَ، عَنْ أبِي مُوسَى، قَال: وُلدَ لِي غُلام. فَأَتَيتُ بِهِ النَّبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَماهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمرَةٍ. 5476 - (2109) (174) حدثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا شُعَيبٌ (يَعنِي ابْنَ إِسْحَاقَ). أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. حَدَّثَنِي عُروَةُ بْنُ الزُّبَيرِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ، حِينَ هاجَرَتْ، وَهِيَ حُبْلَى بِعَبْدِ الله بْنِ الزبَيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشعري أبي بردة، الصغير الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى الأشعري (ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم) ليحنكه وليسميه (فسماه) النبي صلى الله عليه وسلم (إبراهيم وحنكه بتمرة) وزاد إسحاق بن نصر في روايته عند البخاري (ودعا له بالبركة ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى) واستدل بالحديث على جواز تسمية الولد يوم ولد، وقد ثبتت عدة روايات في التسمية في اليوم السابع ذكرها الحافظ في أوائل العقيقة من الفتح [9/ 589] وأنها محمولة على أن التسمية لا تؤخر بعد سبعة أيام من الولادة لا على أنه لا تجوز التسمية قبله. وشارك المؤلف في رواية حديث أبي موسى البخاري في العقيقة باب تسمية المولود غداة ولد برقم [5467]، وأحمد [3/ 194]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم فقال: 5476 - (2109) (174) (حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (أبو صالح) القنطري، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا شعيب يعني ابن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي البصري، ثم الدمشقي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (أخبرني هشام بن عروة حدثني والدي عروة بن الزبير و) زوجتي (فاطمة بنت المنذر بن الزبير أنهما قال: خرجت) من مكة (أسماء بنت أبي بكر) الصديق (حين هاجرت) إلى المدينة (وهي حبلى) أي حاملة (بعبد الله بن الزبير) رضي الله تعالى عنهم

فَقَدِمَتْ قُبَاءً. فَنُفِسَتْ بِعَبدِ الله بِقُبَاءٍ. ثُمَّ خَرَجَت حِينَ نُفِسَتْ إِلَى رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لِيُحَنِّكَهُ فَأَخَذَهُ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ مِنْها فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ. ثُمَّ دَعَا بِتَمرَةٍ. قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: فَمَكَثنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُها قَبْلَ أنْ نَجِدَها. فَمَضَغَها. ثُمَّ بَصَقها فِي فِيهِ. فَإِن أَوَّلَ شَيءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَمَ. ثُمَّ قَالتْ أَسْمَاءُ: ثُمَّ مَسَحَهُ وصلى عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجمعين. وهذا السند من خماسياته (فقدمت قباء) وقباء موضع معروف بالمدينة المنورة فيه أول مسجد أسس على التقوى (فنفست) بالبناء للمجهول لأنه من الأفعال الملازمة للمجهول مع كونها للمعلوم كجن أي فولدت (بعبد الله) بن الزبير أو خرج منها دم النفاس بسبب ولادتها لعبد الله بن الزبير (بقباء) قبل وصولها إلى المدينة، والمراد أنها ولدت عبد الله فخرج منها دم النفاس (ثم خرجت) من قباء (حين نفست) أي بعد ما ولدت وذهبت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو بالمدينة (ليحنكه) والتحنيك أن يمضغ تمر ويلقى في فم الصبي (فأخذه) أي فأخذ عبد الله (رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) أي من أسماء (فوضعه) أي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله (في حجره) أي على مقدم بدنه (ثم) بعدما وضعه على حجره (دعا) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بتمرة) يحنكه بها (قال) عروة (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا يدل على أن هذا الحديث تلقاه عروة بن الزبير من كل من أمه أسماء وخالته عائشة، وسيأتي حديث عائشة استقلالًا بعد هذا الحديث (فمكثنا) أي جلسنا (ساعة) أي زمنًا حالة كوننا (نلتمسها) أي نطلب التمرة (قبل أن نجدها) أي قبل أن نحصل التمرة متعلق بمكثنا، وفي حديث عائشة الآتي (فطلبنا تمرة فعز علينا طلبها) وذلك إما لشيوع الفقر أو لكونه زمنًا لا يتوفر فيه التمر فوجدناها فاتينا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها (فمضغها) أي لاكها في فمه الشريف (ثم بصقها) أي بصق التمرة الممضوغة (في فيه) أي في فم المولود وطرحها في فمه لتصل إلى جوفه (فـ) كان الولد فائزًا مباركًا لـ (إن أول شيء دخل بطنه لريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت أسماء ثم مسحه) أي مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم جسده (بيده) الشريفة عند الدعاء له كما كان صلى الله عليه وسلم يمسح بيده عند الرقى، ففيه دليل على استحباب ذلك وفعله على جهة التبرك رجاء الاستشفاء وقبول الدعاء، ومعنى قوله (وصلى عليه) أي صلى على المولود دعا له بالخير

وَسمَّاهُ عَبْدَ الله. ثُمَّ جَاءَ، وَهُوَ ابنُ سَبْعِ سِنِينَ أو ثَمَانٍ، لِيُبَايعَ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. وَأَمَرَهُ بِذلِكَ الزبَيرُ. فَتَبَسمَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ حِينَ رآهُ مُقْبِلًا إِلَيهِ. ثُمَّ بَايَعَهُ. 5477 - (00) (00) حدثنا أَبُو كُرَيب، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ . . . . .. ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والبركة كما جاء في الرواية الأخرى مفسرًا، وقد ظهرت بركة ذلك كله على عبد الله بن الزبير فإنه كان من أفضل الناس وأشجعهم وأعدلهم في خلافته وقتل شهيدًا رضي الله عنه (وسماه عبد الله ثم) بعدما كبر (جاء) عبد الله بن الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو ابن سبع سنين أو ثمان) بالشك من الراوي (ليبايع رسول الله على الله عليه وسلم) على الإسلام (وأمره) أي أمر عبد الله (بذلك) أي بالمبايعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والده (الزبير) بن العوام (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ضحكًا يليق به (حين رآه) أي حين رأى عبد الله (مقبلًا) أي متوجهًا (إليه) صلى الله عليه وسلم سرورًا وفرحًا بإقباله إليه (ثم بايعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه بيعة تبرك وتشريف لا بيعة تكليف لأنه كان غير بالغ اهـ أبي. فيه جواز البيعة للصغر، والظاهر أنه للتبرك والتفاؤل اهـ تكملة. وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ومبايعته له فرح به وإنهاض له حيث ألحقه بنمط الكبار الحاصلين على تلك البيعة الشريفة والمنزلة المنيفة، ففيه جواز مبايعة من يعقل من الصغار وتمرينهم على ما يخاطب به الكبار اهـ مفهم. ويحتمل أن يكون تبسمه تعجبًا مما سيقع له في المستقبل لأنه بعد الثمان سنين من خلافته حصره الحجاج بمكة وقتله وصلبه ومر به ابن عمر وهو كذلك فقال لقد كنت أنهاك اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في العقيقة باب تسمية المولود غداة الولادة [4569]، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [3903]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: 5477 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن أسماء) بنت أبي

أَنها حَمَلَتْ، بِعَبْدِ الله بْنِ الزبَيرِ، بِمَكةَ. قَالتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنا مُتِمٌّ. فَأَتَيتُ الْمَدِينَةَ. فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ. فَوَلَدتُهُ بِقُبَاءٍ. ثُمَّ أَتَيتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ. ثُمَّ دَعَا بِتمرَةٍ فَمَضَغَها. ثُم تَفَلَ فِي فِيهِ. فَكَانَ أوّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. ثُمَّ حنَّكَهُ بِالتمرَةِ. ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَركَ عَلَيهِ. وَكَانَ أوّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لشعيب بن إسحاق (أنها) أي أن أسماء (حملت) أي حبلت (بعبد الله بن الزبير) رضي الله عنهما (بمكة) المكرمة حملًا تامًّا قريب الوضع (قالت) أسماء (فخرجت) من مكة (وأنا) أي والحال أني (متم) مدة حملي قويبة الولادة، والمتم بضم الميم الأولى وكسر التاء وتشديد الثانية وهي المرأة التي كان وقت ولادتها وقد أتمت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر (فأتيت المدينة) أي قاربت المدينة (فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم) دخلت المدينة و (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ) أخذه مني و (وضعه في حجره) أي على مقدم بدنه (ثم دعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بتمرة) أي طلبها فأتى بها (فمضغها) أي لاكها في فمه (ثم تفل) أي بصق ريقه (في فيه) أي في فم عبد الله (فكان أول شيء) بالنصب على أنه خبر مقدم لكان (دخل جوفه) والجملة في محل جر صفة لشيء (ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه) أي دلك حنكه (بالتمرة) ليصل طعمها إلى جوفه (ثم دعا له) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بكل خير (وبرك عليه) بتشديد الراء من التبريك أي دعا له بالبركة في دينه ودنياه (وكان) عبد الله (أول مولود ولد) للمهاجرين في المدينة (في الإسلام) رضي الله تعالى عنه وعن جميع الصحابة والمسلمين، وذلك أن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم هاجرت من مكة إلى المدينة وهي حامل به فولدته في سنة اثنتين من الهجرة لعشرين شهرًا من التاريخ، وقيل في السنة الأولى من الهجرة هكذا حكاه أبو عمرو، وروي عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال سميت باسم جدي أبي بكر وكنيت بكنيته، قال أبو عمر كان شهمًا ذكرًا -في اللسان يقال رجل ذكر إذا كان قويًّا شجاعًا أنفًا أبيًا- شريفًا ذا أنفة وكانت له لسانة وفصاحة وكان أطلس لا لحية له ولا شعر في وجهه، وحكى أبو عمر عن مالك أنه قال كان ابن الزبير أفضل من مروان وأولى بالأمر من مروان وابنه اهـ من المفهم.

5478 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنها هاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ الله صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَهِيَ حُبْلَى بِعَبْدِ الله بْنِ الزبَيرِ، فَذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ أَبِي أسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد البخاري في العقيقة (ففرحوا به فرحًا شديدًا لأنه قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم ولا يولد لكم) وأخرج ابن سعد في الطبقات من رواية أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال (لما قدم المهاجرون المدينة أقاموا لا يولد لهم فقال سحرتنا يهود حتى كثرت في ذلك القالة فكان أول مولود بعد الهجرة عبد الله بن الزبير فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرًا) ذكره الحافظ في الفتح [9/ 589]، وقال الحافظ في فضائل الفتح [7/ 248] (فأما من ولد بغير المدينة من المهاجرين فقيل عبد الله بن جعفر بالحبشة، وأما من الأنصار بالمدينة فكان أول مولود ولد لهم بعد الهجرة مسلمة بن مخلد كما رواه ابن أبي شيبة، وقيل النعمان بن بشير) وفي الحديث أن مولد عبد الله بن الزبير كان في السنة الأولى من الهجرة وهو المعتمد بخلاف ما جزم به الواقدي ومن تبعه بأنه ولد في السنة الثانية كما عن القرطبي والله أعلم بالصواب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: 5478 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن علي بن مسهر) بصيغة اسم الفاعل القرشي، أبي الحسن الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لأبي أسامة (أنها) أي أن أسماء (هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى) أي حاملة (بعبد الله بن الزبير فذكر) علي بن مسهر (نحو حديث أبي أسامة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:

5479 - (2110) (175) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ (يَعنِي ابْنَ عُرْوَةَ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يؤتَى بِالصبْيَانِ. فَيُبَركُ عَلَيهِم، ويحَنِّكهُم. 5480 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحَمرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ. قَالتْ: جِئْنَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبَيرِ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ. فَطَلَبْنَا تَمرَةً. فَعَزَّ عَلَينَا طَلَبها ـــــــــــــــــــــــــــــ 5479 - (2110) (175) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام يعني ابن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك) أي يدعو بالبركة (عليهم ويحنكهم) أول ولادتهم أي يدلك حنكهم بالتمر بعد مضغه فيكون أول ما يدخل جوفهم ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستفاد من قولها (كان يؤتى بالصبيان) أن دأب الأصحاب رضي الله عنهم كان دائمًا إذ ولد لهم ولد يأتون به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه تبركًا، ولذلك إذا ولد لإنسان ولد يستحب أن يأتي به إلى رجل صالح أو امرأة صالحة ليحنكه ويبركه اقتفاءً بأثرهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [3910]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5480 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لعبد الله بن نمير (قالت) عائشة (جئنا بعبد الله بن الزبير) مع والدته أسماء من قباء (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وهو صلى الله عليه وسلم في المدينة لـ (يحنكه فطلبنا تمرة) واحدة لتحنيكه (فعز) أي صعب (علينا طلبها) أي طلب التمرة وتحصيلها، يحتمل ذلك لشدة فقرهم أو لكون الوقت غير وقت التمر كما، قيل إن عزة تمر تحنيكه إشارة إلى تعسر أمره كما اتفق في خلافته لمن نظرها اهـ سنوسي.

5481 - (2111) (176) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالا: حدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مريَمَ. حَدَّثَنَا مُحَمدٌ (وَهُوَ ابْنُ مُطَرِّفٍ، أَبُو غَسانَ). حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعدٍ. قَال: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أسَيدٍ إِلَى رَسُولِ الله صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حِينَ وُلدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ويسفاد من قول عائشة رضي الله تعالى عنها: جئنا بعبد الله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة، أنها هاجرت مع آل أبي بكر لأنها لم تسلم للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس بن مالك بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال: 5481 - (2111) (176) (حدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي نزولًا، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال حدثنا) سعيد بن الحكم بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمد وهو ابن مطرف) بن داود بن مطرف التيمي (أبو غسان) المدني نزيل عسقلان، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني، الصحابي المشهور، له ولأبيه صحبة رضي الله عنهم، روى عنه في (3) أبواب (قال) سهل (أتي بالمنذر بن أبي أسيد) ببناء أتي للمجهول وأبو أسيد بضم الهمزة وفتح السين وياء التصغير كذا قاله عبد الرزاق ووكيع، قال ابن حنبل وهو الصواب، وحكى ابن مهدي عن سفيان الثوري أنه بفتح الهمزة وكسر السين بوزن أمير اسمه مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون، والبدن هو عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الخزرجي الساعدي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته، أي أتي بالمنذر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد) المنذر، ولم أر من ذكر اسم الآتي به إلى رسول الله صلى

فَوَضَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللًهُ عَلَيهِ وَسلمَ عَلَى فَخِذِهِ. وَأَبُو أُسَيد جَالِسٌ. فَلَهِيَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَيءٍ بَينَ يَدَيهِ. فأمَرَ أَبُو أُسَيدٍ بِابْنِهِ فَاحتُمَلَ مِنْ عَلَى فَخِذِ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فأَقْلَبُوهُ. فَاسْتَفَاقَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَينَ الصَّبِي؟ " فَقَال أَبُو أُسَيدٍ: أَقْلبنَاهُ. يَا رَسُولَ الله. فَقَال: "مَا اسْمُهُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم (فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه) ليحنكه (وأبو أسيد) والد المنذر (جالس) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلهي النبي صلى الله عليه وسلم) أي شغل عن تحنيكه (بشيء) كان (بين يديه) صلى الله عليه وسلم، ويقال لهي بفتح اللام وكسر الهاء يلهى بفتح الهاء لهيًا ولهيانا من باب رضي إذا اشتغل وهي لغة الأكثرين وهي الفصيحة، ويقال لها بثميء بفتح الهاء يلهي بكسرها من باب رمى بمعنى شغل بشيء وهو لغة طيء، وأما لها يلهو من باب دعا فهو بفتح الهاء في الماضي لا غير فهو مأخوذ من اللهو، والمشهور في الرواية اللغة الأولى وهي الفصيحة لأنها لغة الأكثرين وكلاهما ثلاثي وأما ألهاني كذا فرباعي فمعناه شغلني ومنه قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (فأمر أبو أسيد) والد المنذر من عنده (بـ) أخذ (ابنه) من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاحتمل) الولد وأخذه (من على فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من فوق فخذه صلى الله عليه وسلم إراحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقله وتخفيفًا عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولًا عن تحنيكه بشيء كان قدامه، وعلى هنا اسم بمعنى، فوق مجرور بمن وعلامة جره كسرة مقدرة منع من ظهورها التعذر لأنه اسم مقصور أو في محل الجر مبني على السكون لشبهه بالحرت شبهًا وضعيًا (فأقلبوه) بصيغة الماضي الرباعي أي ردوه ورجعوه إلى البيت كذا جاءت الرواية في هذا الحرت رباعيًّا من الإقلاب على وزن الإفعال، واستشكله بعضهم بأن اللغة الفصيحة (قلبوه) ثلاثيًّا بدون همزة قطع بل هو الصواب يقال قلبت الشيء رددته وقلبت الصبي صرفته، قال الأصمعي: ولا يقال أقلبته (فاستفاق) أي فرغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما شغل به وانتبه وفكر الذي كان فيه أولًا (فقال أين الصبي) الذي كان على فخذي أولًا (فقال أبو أسيد) والد الصبي (أقلبناه) أي رددناه ورجعناه (يا رسول الله) إلى البيت لأنك كنت مشغولًا عنه بأشغال مهمة وأردنا أن لا نتعبك به (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اسمه) أي ما اسم الصبي الذي

قَال: فُلانٌ. يَا رَسُولَ الله. قَال: "لَا. وَلَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِر" فَسَمَّاهُ، يَوْمَئِذٍ، الْمُنْذِرَ. 5482 - (2112) (177) حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّياحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ أحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ سميتموه به أولًا (قال) أبو أسيد اسمه الذي سميناه أولًا (فلان يا رسول الله) لم أر من عين الاسم الذي غنى عنه بفلان (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي لا تسموه فلان (ولكن اسمه المندر فسماه) أي فسمى ذلك الصبي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ أتي إليه بصبي ووضع على فخذه ثم حمل عنه وهو مشغول (المنذر) فكان بعد ذلك اليوم يسمى المنذر أي ليس هذا الاسم الذي سميتموه به اسمه الذي يليق به بل هو المنذر، قال الداودي: سماه المنذر تفاؤلًا بأن يكون له علم ينذر به حكاه الحافظ في الفتح [10/ 576] وقال النووي: قالوا وسبب تسمية النبي صلى الله عليه وسلم هذا الولد بالمنذر لأن ابن عم أبيه المنذر بن عمرو كان قد استشهد ببئر معونة وكان أميرهم فتفاءل بكونه خلفًا عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب تحويل اسم إلى اسم آخر منه برقم [6191]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 5482 - (2112) (177) (حدثنا أبو الربيع) البصري (سليمان بن داود العتكي) الزهراني (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو التياح) الضبعي يزيد بن حميد البصري، ثقة، من (5) (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (واللفظ له) أي لشيبان (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن أبي التياح عن أنس بن مالك) وهذا السند أيضًا من رباعياته أيضًا (قال) أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا) فمن تأمل أفعاله

وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيرٍ. قَال: أحسِبُهُ قَال: كَانَ فَطِيمًا. قَال: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَرآه قَال: "أَبا عُمَيرٍ! مَا فَعَل النغَير؟ " قَال: فَكَانَ يَلعَبُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلية وأحواله السنية لا يشك في أنه في ذروة الأخلاق المرضية، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان خلقه القرآن، وقال سبحانه في شأنه العلي {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ومن أصدق من الله قيلا، قال أنس: (وكان لي أخ) لأم اسمه كبشة (يقال له أبو عمير) تصغير عمر أو عمرو وهذا محل الاستدلال (قال) أبو التياح (أحسبه) أي أظن أنسًا (قال كان) ذلك الأخ (فطيمًا) أي مفطومًا من الرضاع يعني لم يكن غلامًا رضيعا (قال) أنس (فكان) الشأن (إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى بيت أم سليم (فرآه) أي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبا عمير ما فعل النغير) بالتصغير فيهما (قال) أنس (فكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يلعب به) أي يلعب مع ذلك الأخ ويمزح به أو المعنى فكان ذلك الأخ يلعب به أي يلعب بالنغير، وفي قوله أبا عمير ما فعل النغير دليل على جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفًا، فأما مع التكلف فهو من باب التنطع والتشدق المكروهين في الكلام، وعمير تصغير عمر أو عمرو، النغير تصغير نغر، والنغر بضم أوله وفتح ثانيه على وزن صرد طير كالعصافير أصغر منها حمر المناقير وتجمع على نغران كصرد وصردان ومؤنثه نغرة على وزن همزة. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة أوصلها بعضهم إلى ستين، منها جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الطفل الصغير وأنه ليس كذبًا وجواز المزاح فيما ليس إثمًا، وجواز تصغير بعض المسميات وجواز لعب الصبي بالعصفور وتمكين ولي الصبي إياه من ذلك وجواز السجع بالكلام الحسن بلا كلفة وملاطفة الصبيان وتانيسهم وبيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع .. الخ اهـ نووي. والظاهر أن عميرًا تصغير لعمر وهو اسم علم مشهور وإنما غنى به تفاؤلًا وأما كونه تصغيرًا للعمر بضم العين وسكون الميم إشارة على قلة عيش الصبي فقد رده علي القاري في جمع الوسائل [2/ 25] بأنه ليس من دأبه صلى الله عليه وأخلاقه الحسنة أن يقول لولد صغير عبارة مشعرة بأن عمره قصير، وأجمع سياق ذكر في هذا الحديث ما ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد في مسنده [3/ 188] من طريق حميد الطويل عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة يكنى أبا عمير وكان يمازحه فدخل عليه فرآه حزينًا فقال: "ما لي أرى أبا عمير حزينًا؟ " فقالوا: مات نُغَرُهُ الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: "أبا عمير ما فعل النغير؟ " وأخرجه في مسنده [3/ 190] من طريق موسى بن سعيد عن أبي التياح عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أم سليم ولها ابن صغير يقال إله أبو عمير وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " قال: نغر يلعب به. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم أحيانًا ويتحدث عندها فتدركه الصلاة فيصلي على بساط وهو حصير ينضحه بالماء. وقوله (وكان لي أخ) وحكى علي القاري في جمع الوسائل [2/ 21] عن جامع الأصول: أن اسمه كبشة وهو أخو أنس لأمه فإن أمه أم سليم وأباه أبو طلحة الأنصاري، وذكر العيني في العمدة [10/ 412] أنه كان قد مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد ذلك صريحًا في رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس بزيادة أنه كان الولد الذي مات فلم تخبر أم سليم زوجها بموته في الليلة حتى جامعها كما مر قريبًا في أوائل هذا الباب. قوله (يقال له أبو عمير) هذا صريح في أن الصبي كان مشتهرًا بهذه الكنية ففيه رد لمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه به في هذا القول وأن عميرًا تصغير للعمر فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه لا يعمر إلا قليلًا وقد سبق رد هذا القول. واستدلت الحنفية بهذا الحديث على جواز صيد المدينة وهو قول خالفوا فيه الجمهور ونص نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد المدينة كما نهى عن صيد مكة كما قدمناه ولا حجة فيه إذ ليس فيه ما يدل على أن ذلك الطير صيد في حرم المدينة بل نقول إنه صيد في الحل وأدخل في الحرم ويجوز للحلال أن يصيد في الحل ويدخله في الحرم ولا يجوز له أن يصيد في الحرم، فيفرق بين ابتداء صيد وبين استصحاب إمساكه كما مر في الحج، وفيه جواز لعب الصبي بالطير الصغير لكن الذي أجاز العلماء من ذلك أن يمسك له وأن يلهو بحسنه وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكلة، وفيه ما يدل على جواز المزاح مع

5483 - (2113) (178) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَريُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَال لِي رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَا بُني" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصغير لكن إذا قال حقًّا، وفيه ما يدل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ولطافة معاشرته وألفاظه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 115]، والبخاري في الأدب باب الانبساط إلى الناس [6219]، وباب الكنية للصبي [6303]، وأبو داود في الأدب باب ما في الرجل يتكنى وليس له ولد [4969]، والترمذي في الصلاة باب في الصلاة على البسط [333]، وفي البر والصلة باب ما جاء في المزاح [1989] وابن ماجه في الأدب باب الرجل يتكنى قبل أن يولد له [375]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 483 5 - (2113) (178) (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة نسبة إلى غبر بن غنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن أبي عثمان) النهدي الكوفي عبد الرحمن بن مل، ثقة مخضرم، من (2) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال قال لي رسول الله على الله عليه وسلم يا بني) مصغرًا بفتح الياء المشددة وكسرها وقرئ بهما في السبع والأكثرون بالكسر وبعضهم بإسكانها، ففيه جواز قول الرجل للصغير والشاب يا بني ويا ولدي، والمعنى فيه إنك في السن والشفقة بمنزلة ولدي وكذا يقال لمن في سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه وإذا قصد التلطف كان مستحبًا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كذا في شرح النووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في الرجل يقول لابن غيره يا بني [4964]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في يا بني [2833]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال:

5484 - (2114) (179) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ). قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ. قَال: مَا سألَ رَسُولَ الله صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ عَنِ الدّجَالِ أَكْثَرَ ممَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. فَقَال لِي: "أَي بُنَي، وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْه؟ إِنهُ لنْ يَضرَّكَ" قَال: قُلْتُ: إِنهم يَزْعُمُونَ أَن مَعَهُ أَنْهارَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5484 - (2114) (179) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالا حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) (عن قيس بن أبي حازم) عوف البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) المغيرة (ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد) من أصحابه (عن) شأن (الدجال) الذي يكون من أشراط الساعة سؤالًا (أكثر) وأبلغ (مما سألته عنه) أي من السؤال الذي أنا سألته صلى الله عليه وسلم عن الدجال، وسؤالي المغيرة عن الدجال إنما كان لما سمع من عظيم فتنته وشدة محنته فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكره بقوله (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال (أي بني) أي من حروف النداء لنداء القريب أي يا بني (وما ينصبك منه) بضم الياء وكسر الصاد من أنصب الرباعي من النصب وهو التعب والمشقة أي أي شيء يصيبك من الدجال أي أي شيء من النصب والتعب والمشقة يصل إليك ويصيبك من الدجال فتكثر السؤال عنه والاستفهام للإنكار بمعنى النفي أي لا يتعبك ولا يضرك (إنه) أي إن الدجال (لن يضرك) بفتنته فإنك لا تدرك زمانه أو معصوم من فتنته، قال القرطبي: يحتمل أن يريد لأنك لا تدرك زمان خروجه، ويحتمل أن يكون إخبارًا منه بأنه يعصم من فتنته ولو أدرك زمانه والله ورسوله أعلم اهـ من المفهم. وهكذا رواية الكافة (وما ينصبك) وعند الهوزني (وما ينضيك) بالضاد المعجمة والياء المثناة من تحت من قولهم (جمل نضو) أي هزيل (وأنضاه السير) أي أهزله، والأول أصح رواية ومعنى اهـ من المفهم (قال) المغيرة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (إنهم) أي إن الناس (يزعمون) أي يقولون (أن معه أنهار

الْمَاءِ وَجِبَال الْخُبْزِ. قَال: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ ذلِكَ". 5485 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ. كُلُهم عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهذَا الإِسْنَادِ وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ الماء وجبال الخبز، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو) أي الدجال (أهون) أي أحقر (على الله) أي عند الله (من) أن يكون له (ذلك) الذي قالوه من أنهار الماء وهذا يدل على أن المغيرة كان قد سمع هذا الأمر عن الدجال من غير النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحققه فعرض ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بقوله: "هو أهون على الله من ذلك" وظاهر هذا الكلام أن الدجال لا يمكن من ذلك لهوانه على الله وخسة قدره غير أن هذا المعنى قد جاء ما يناقضه في أحاديث الدجال الآتية فيحتمل أن يكون هذا القول صدر عنه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه بما في تلك الأحاديث، ويحتمل أن يعود الضمير إلى تمكين الدجال من أنهار الماء وجبال الخبز أي فعل ذلك على الله هين سهل والأول أسبق إلى الفهم والثاني لا يمتنع أيضًا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 246]، والبخاري في الفتن [7122] وابن ماجه في الفتن [4073]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال: 5485 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قال حدثنا وكيع ح وحدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من وكيع وهشيم وجرير وأبي أسامة رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي (بهذا الإسناد) يعني عن قيس عن المغيرة، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليزيد بن هارون (و) لكن (ليس في حديث أحد منهم) أي من هؤلاء

قَوْلُ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لِلْمُغِيرَةِ: "أَي بُنَيَّ" إلا فِي حَدِيثِ يَزِيدَ وَحْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأربعة (قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة أي بني إلا في حديث يزيد) بن هارون حالة كون يزيد (وحده) أي منفردًا بهذا القول لم يشاركه فيه أحد من الأربعة المتابعين له والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أسماء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد، والسادس حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسابع حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثامن حديث المغيرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

677 - (21) باب الاستئذان وكيفيته وعدده وكراهية قول المستأذن: أنا إذا قيل له: من هذا؟ وتحريم النظر في بيت غيره ونظر الفجأة

677 - (21) باب الاستئذان وكيفيته وعدده وكراهية قول المستأذن: أنا إذا قيل له: من هذا؟ وتحريم النظر في بيت غيره ونظر الفجأة 5486 - (2115) (180) حدّثني عَمْرُو بْنُ مُحَمدِ بْنِ بُكَيرٍ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثنَا، وَاللهِ، يَزِيدُ بْنُ خُصَيفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدرِديَّ يَقُول: كُنْتُ جَالِسًا بِالْمَدِينَةِ فِي مَجْلِسِ الأَنْصَارِ. فأتَانَا أَبُو مُوسَى فَزِعًا أَوْ مَذْعُورًا. قُلْنَا: مَا شَأنُكَ؟ قَال: إِنَّ عُمَرَ أرسَلَ إِليَّ أَنْ آتِيَهُ. فَأتَيتُ بَابَهُ فَسَلَّمتُ ثَلاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 677 - (21) باب الاستئذان وكيفيته وعدده وكراهية قول المستأذن: أنا إذا قيل له: من هذا؟ وتحريم النظر في بيت غيره ونظر الفجأة 5486 - (2115) (180) (حدثني عمرو بن محمد بن بكير) بن سابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا والله يزيد) بن عبد الله (بن خصيفة) بمعجمة ثم مهملة مصغرًا ابن عبد الله بن يزيد الكندي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب، وأتى بالقسم تأكيدًا لسماعه كأنه شك أولًا في سماعه من يزيد ثم تيقن سماعه منه فأتى بالقسم تأكيدًا له والله أعلم (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني، من (2) روى عنه في (8) أبواب (قال) بسر (سمعت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه راويًا عن أبي موسى الحديث الآتي. وهذا السند من سداسياته مع أبي موسى ففيه رواية صحابي عن صحابي، حالة كونه (يقول كنت جالسًا بالمدينة في مجلس الأنصار) ومجتمعهم (فأتانا أبو موسى) الأشعري حالة كونه (فزعًا) أي مشفقًا بفتح الفاء وكسر الزاي اسم فاعل من فزع الثلاثي من باب فرح من الفزع بمعنى الخوف والرعب (أو) قال أبو سعيد أتانا (مذعورًا) بالشك كلاهما بمعنى واحد لأن الذعر بضم الذال الفزع، وأو هنا للشك من بعض الرواة (قلنا) له معاشر الأنصار (ما شأنك) وحالك يا أبا موسى كنت فزعًا (قال) أبو موسى (إن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أرسل إلي) رسولًا يأمرني بـ (أن آتيه فـ) أجبت دعوته و (أتيت بابه) أي عند بابه (فسلمت) عليه سلام الاستئذان (ثلاثًا) من المرات، قال القرطبي: ليس هذا مناقضا لقوله في الأخرى إنه استأذن ثلاثًا لأن أبا موسى رضي الله عنه كان قد جمع بين السلام والاستئذان ثلاثًا كما قد جاء منصوصًا عليه في الرواية الثالثة اهـ مفهم. قال الأبي: الاستئذان مشروع

فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ. فَرَجَعتُ فَقَال: مَا مَنَعَكَ أنْ تَأْتِيَنَا؟ فَقُلْتُ: إِني أَتَيتُكَ. فَسَلَّمتُ عَلَى بَابِكَ ثَلاثًا. فَلَم يَردُّوا عَلَيَّ. فَرَجَعتُ. وَقَد قَال رَسُولُ الله صلَى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا اسْتَأذَنَ أَحَدُكم ثَلاثًا فَلَم يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيرجِع" ـــــــــــــــــــــــــــــ وصورته أن يقول السلام عليكم، وإن شاء زاد هذا فلان على ما سيأتي اهـ. وقال الطيبي: وأجمعوا على أن الاستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة، والأفضل أن يجمع بين السلام والاستئذان، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام أو الاستئذان، والصحيح تقديم السلام فيقول: السلام عليكم أأدخل؟ وعن الماوردي: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام وإلا قدم الاستئذان. [قلت] وهو بظاهره يخالف ما سبق من حديث السلام قبل الكلام اهـ (فلم يرد) على عمر السلام (فرجعت) إلى بيتي. واختلفت الروايات في وجه عدم الرد فأخرج البخاري في البيوع ما يدل على أن عمر رضي الله عنه كان مشغولًا بامر، وأخرج البخاري في الأدب المفرد أن عمر أراد تأديبه لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس حال إمرته بالكوفة، ولفظ البخاري في الأدب المفرد (يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس على بابي، اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك) ولا منافاة بين الوجهين فيمكن أن يكون عمر رضي الله عنه أراد التأديب وكان مع ذلك في شغل اهـ تكملة. فدعاني مرة ثانية فأتيته (فقال) في عمر (ما منعك؟ ) أي أي شيء وأي سبب من العذر منعك وحجزك من (أن تأتينا) حين أرسلت إليك وأمرتك أن تأتينا؟ قال أبو موسى (فقلت) له في الاعتذار (إني أتيتك) أي أتيت إلى دارك (فسلمت) واقفًا (على بابك) فالجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره أي فسلمت عليك حال كوني واقفًا على بابك والله أعلم (ثلاثًا) منصوب على المفعولية المطلقة بسلمت أي سلمت عليك ثلاث تسليمات (فلم يردوا) أي فلم يرد (علي) السلام أهل بيتك (فرجعت) إلى بيتي (وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يوذن له فليرجع) ظاهره أن صاحب المنزل إذا سمع ولم يأذن له فليرجع والنظم القرآني يؤيده حيث قال تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} وأما إذا لم يسمع فالأولى تكرار الاستئذان حتى يسمع كما قاله بعضهم فقوله (فليرجع) أي لأن عدم الإجابة من صاحب البيت ثلاث مرات تصريح منه بعدم الإذن، ويدل عليه قوله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} وبه ظهر أن الرجل إذا لم يأذن له صاحب

فَقَال عُمَرُ: أَقِمْ عَلَيهِ البَيِّنَةَ. وَإِلأ أَوْجعتُكَ. فَقَال أُبَيُّ بْنُ كَعبٍ: لَا يَقُومُ مَعَهُ إلا أَصغَرُ الْقَوْمِ. قَال أَبُو سَعِيدٍ: قلت: أَنَا أَصغَرُ الْقَوْمِ. قَال: فَاذهبْ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البيت لشغل أو نحوه فليس للزائر أن يسخط على صاحب البيت ولا أن يضيق بذلك ذرعًا لأنه يمكن أن يكون في حالة لا يتيسر له فيها الخروج أو إكرام الزائر وليس للإنسان أن يكره الآخر على لقائه. واعلم أن ما ذكر من الاستئذان بالكلام إذا كان صاحب البيت يسمع صوته أما إذا علم أنه لا يسمع صوته في داخل البيت فيكتفي بالاستئذان بقرع الباب أو بضغط زر الجرس الموضوع في زماننا على أبواب أكثر البيوت ولكن الأدب في قرع الباب أو دق الجرس أن يكون خفيفًا بحيث يسمع ولا يزعج في ذلك، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير رواه الخطيب في جامعه كما في تفسير القرطبي [12/ 217]. (فقال عمر) لأبي موسى (أقم عليه) أي على ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث (البينة) أي من يشهد لك على هذا الحديث (وإلا) أي وإن لم تقم عليه البينة (أوجعتك) أي ضربتك بالدرة وجعلتك عظة لغيرك، فلما أتاه بالبينة قال: إنما أحببت أن أتثبت فيه (فقال أبي بن كعب) بن قيس الأنصاري سيد القراء كاتب الوحي إلا يقوم معه) أي مع أبي موسى للشهادة له عند عمر (إلا أصغر القوم) منا (قال أبو سعيد) الخدري (قلت) لأبي بن كعب (أنا أصغر القوم) المجتمعين في هذا المجلس (قال) أبي بن كعب لأبي موسى (فاذهب به) أي بأبي سعيد الخدري إلى عمر ليشهد لك على سماع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال أبي لا يقوم معه إلا أصغر القوم ليتبين لعمر رضي الله عنهم أن الحديث معروف عند جماعة من الصحابة حتى عند الصغار والله أعلم. يعني لما طلب عمر من أبي موسى شاهدًا على روايته وقال أبي بن كعب لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: أنا أصغر القوم، يعني أنا أشهد له عنده. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 31]، والبخاري في الاستئذان باب التسليم والاستئذان ثلاثًا [6245]، ، وأبو داود [5180]، والترمذي [2690]، وابن

5487 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ: قَال أبُو سَعِيدٍ: فَقُمتُ مَعَهُ، فَذَهبْتُ إِلَى عُمَرَ، فَشَهِدتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ماجه [3706]، قال القرطبي: وحاصل هذه الأحاديث أن دخول منزل الغير ممنوع كان ذلك الغير فيها أو لم يكن إلا بعد الإذن وهذا الذي نص الله تعالى عليه بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} ثم قال بعد ذلك {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا} وهذا لا بد منه لأن دخول منزل الغير تصرف في ملكه ولا يجوز بغير إذنه لأنه يطلع منه على ما لا يجوز الاطلاع عليه من عورات البيوت فكانت هذه المصلحة في أعلى رتبة المصالح الحاجية. ولما تقرر هذا شرعًا عند أبي موسى استأذن أبو موسى على عمر رضي الله عنهما ولما كان عنده علم بكيفية الاستئذان وعدده عمل على ما كان عنده من ذلك فلما لم يؤذن له رجع، وأما عمر رضي الله عنه فكان عنده علم بالاستئذان ولم يكن عنده علم من العدد فلذلك أنكره على أبي موسى إنكار مستبعد من نفسه أن يخفى عليه ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرًا ملازمة لم تكن لأبي موسى ولا لغيره وإنكار من يسد باب الذريعة في التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك أغلظ على أبي موسى بقوله: أقم عليه البينة وإلا أوجعتك ولأجعلنك عظة. فلما أتاه بالبينة قال: إنما أحببت أن أتثبت. اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 5487 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن يزيد بن خصيفة بهذا الإسناد) يعني عن بسر عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة قتيبة وابن أبي عمر لعمرو الناقد (و) لكن (زاد ابن أبي عمر في حديثه) أي في روايته أي زاد على عمرو الناقد لفظة (قال أبو سعيد) الخدري (فقمت معه) أي مع أبي موسى (فذهبت إلى عمر) ابن الخطاب (فشهدت) بذلك الحديث عند عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

5488 - (00) (00) حدَّثني أبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيرِ بْنِ الأشَجِّ؛ أن بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ؛ أنَّهُ سمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. فَأتَى أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ مُغْضَبًا حَتَّى وَقَفَ. فَقَال: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الاسْتئذَانُ ثَلاثٌ. فَإِنْ أُذِنَ لَكَ. وَإِلا فارْجِعْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5488 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو (أخبرني عبد الله بن وهب) القرشي المصري (حدثني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري، ثقة، من (5) (أن بسر بن سعيد) المدني، ثقة، من (2) (حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة بكير بن الأشج ليزيد بن خصيفة كنا في مجلس) من الأنصار (عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبًا) بصيغة اسم المفعول أي غضبان فزعًا بما طلب منه عمر من إقامة البينة على الحديث (حتى وقف) على رؤوس القوم، غاية لأتى (فقال) أبو موسى لأهل المجلس (أنشدكم الله) أي أسالكم حالة كوني حالفًا بالله (هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان) من رب المنزل أي طلب الإذن منه في الدخول (ثلاث) مرات أي قدر عدده ثلاث فقط لا زيادة فيه (فإن أذن لك) في الدخول بعد ثلاث مرات أو بما دونها فادخل (وإلا) أي وإن لم يؤذن لك بعد الثلاث (فارجع) أيها المستأذن عن الدخول وانصرف إلى حوائجك ولا تقم على بابه، ففي الحديث دلالة على أن الاستئذان لا بد أن يكون ثلاثًا فإن لم يؤذن له بعد الثلاث فهل يزيد عليها أو لا؟ قولان لأصحابنا الأولى أن لا يزيد لقوله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فإن أذن وإلا فارجع وهذا نص في عدم الزيادة وإنما خص الثلاث بالذكر لأن الغالب أن الكلام إذا كرر ثلاثًا سمع وفهم ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه وإذا سلم على قوم سلّم عليهم ثلاثًا وإذا كان الغالب هذا فإن لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر أن رب المنزل لا يريد الإذن أو لعله يمنعه من الجواب عذر لا يمكنه قطعه فينبغي للمستأذن أن ينصرف لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل وربما يضره الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشتغلًا به كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه حين استأذن عليه فخرج مستعجلًا

قَال أُبَيٌّ: وَمَا ذَاكَ؟ قَال: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمْسِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ. ثُمَّ جِئْتُهُ الْيَوْمَ فَدَخَلْتُ عَلَيهِ. فَأَخْبَرْتُهُ؛ أَنِّي جِئْتُ أَمْسِ فَسَلَّمْتُ ثَلاثًا. ثُمَّ انْصَرَفْتُ. قَال: قَدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ عَلَى شُغْلٍ. فَلَوْ مَا اسْتَأْذَنْتَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَال: اسْتَأْذَنْتُ, كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَوَاللَّهِ, لأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: "لعلنا أعجلناك" متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري. (قال أبي) بن كعب لأبي موسى (ومما ذاك؟ ) أي وما سبب سؤالك عمن سمع هذا الحديث (قال) أبو موسى (استأذنت) طلبت الإذن في الدخول (على عمر بن الخطاب أمس) متعلق بالاستئذان أي استأذنته في الدخول عليه في اليوم الذي قبل هذا اليوم (ثلاث مرات فلم يؤذن لي) في الدخول عليه (فرجعت) أي فانصرفت من بابه (ثم جئته) أي جئت عمر (اليوم) أي في هذا اليوم الحاضر الذي نحن فيه (فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس) على بابك (فسلمت) عليكم (ثلاثًا) من المرات فلم يؤذن لي (ثم انصرفت) أي انقلبت إلى بيتي. وقوله (استأذنت على عمر أمس) هو ظاهر في أن قصة الاستئذان ورجوع أبي موسى وقعت في يوم واعتراض عمر على ذلك ومطالبته بالبينة وقع في اليوم التالي بعده، وظاهر سياق الروايات الأخرى أن الأمرين وقعا في يوم واحد، وجمع الحافظ بينهما في الفتح [11/ 28] بأن عمر لما فرغ من الشغل الذي كان فيه تذكره فسأل عنه فأخبر برجوعه فأرسل إليه فلم يجده الرسول في ذلك الوقت وجاء هو إلى عمر في اليوم الثاني والله أعلم (قال) عمر لأبي موسى (قد سمعناك) أي قد سمعنا استئذانك يا أبا موسى (ونحن حينئذ) أي حين إذ طلبت منا الإذن في الدخول مقبلون (على شغل) مهم (فلوما استأذنت) أي هلا استأذنت مرارًا (حتى يؤذن لك) فلوما هنا حرف تحضيض بمعنى هلا حضه بها على الاستئذان مرارًا والتحضيض هو الطلب بحث وإزعاج (قال) أبو موسى (استأذنت) منكم (كما سمعت) من (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي استأذنت منكم استئذانًا كالاستئذان الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تأذنوا لي فرجعت لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع" (قال) عمر: ائتني بمن يشهد لك على هذا الحديث فإن أتيت به فذاك وإلا (فوالله لأوجعن ظهرك) أي لأوقعن الوجع والألم على ظهرك بالضرب

وَبَطْنَكَ. أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا. فَقَال أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: فَوَاللَّهِ, لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَحْدَثُنَا سِنًّا. قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ , فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيتُ عُمَرَ؛ فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (وبطنك) أي ولأوقعن الوجع على بطنك وقلبك بالتقريع والتوبيخ (أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا) الحديث وأو هنا بمعنى إلا وأن مضمرة بعدها وجوبًا والفعل منصوب بها محلًا واللام زائدة زيدت لتأكيد اللام الأولى، والتقدير والله لأوجعن ظهرك وبطنك إلا أن تأتيني بمن يشهد لك على هذا الحديث. وظاهر هذا تهديد لأبي موسى وحقيقته زجر غيره لأن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو سمعها وإن كان في قلبه مرض وأراد أن يصنع حديثًا بترويج مرامه الفاسد ينزجر ويخاف ولا يجترئ على وضع حديث وإلا فكيف يظن بعمر أنه ظن في حق أبي موسى أنه صنع لمرامه حديثًا وأنه أجل وأعلى عند عمر من ذلك والله أعلم (فقال أبي بن كعب) لأبي موسى (فوالله لا يقوم معك) ولا يشهد لك على هذا الحديث (إلا أحدثنا) أي إلا أصغرنا وأقلنا (سنًّا) أي عمرًا، ثم قال لي أبي بن كعب (قم) معه (يا أبا سعيد) لتشهد له عند عمر، قال أبو سعيد (فقمت) مع أبي موسى (حتى أتيت عمر) بن الخطاب (فقلت) لعمر أشهد أني (قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا) الحديث، ومراد عمر رضي الله عنه بطلب البينة من أبي موسى حماية الشرائع والسنن أن يزاد فيها أو ينقص وحسم مادة التقول على النبي صلى الله عليه وسلم وسد بابه عن الناس لا أنه شك في صدقه وظن أن أبا موسى تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يقله، وأبو موسى كان عالمًا بكيفية الاستئذان وعدده فاستأذن بمثل ما علم وعمر وإن كان عالمًا بمشروعيته ولكن خفي عليه العدد فلذا أنكر على أبي موسى واستبعد وطلب البينة، ومراد أبي بن كعب أن الحديث مشهور عندهم وإن خفي على عمر حتى يعرفه أصغرهم والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

5489 - (00) (00) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ, عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ أَبَا مُوسَى أَتَى بَابَ عُمَرَ. فَاسْتَأْذَنَ. فَقَال عُمَرُ: وَاحِدَةٌ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ الثَّانِيَةَ. فَقَال عُمَرُ: ثِنْتَانِ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ الثَّالِثَةَ. فَقَال عُمَرُ: ثَلاثٌ. ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَتْبَعَهُ فَرَدَّهُ. فَقَال: إِنْ كَانَ هَذَا شَيئًا حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَا. وَإِلَّا, فَلأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً. قَال أَبُو سَعِيدٍ: فَأَتَانَا فَقَال: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ؟ ". قَال: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ. قَال: فَقُلْتُ: أَتَاكُمْ أَخُوكُمُ الْمُسْلِمُ قَدْ أُفْزِعَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5489 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي الجهضمي) البصري، ثقة ثبت، من (10) (حدثنا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا سعيد بن يزيد) بن مسلمة الأزدي أبو مسلمة البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي نضرة لبسر بن سعيد (أن أبا موسى) الأشعري (أتى باب عمر) بن الخطاب (فاستأذن) في الدخول عليه (فقال عمر) هذه التسليمة مرة (واحدة ثم استأذن) أبو موسى المرة (الثانية فقال عمر) هاتان (ثنتان) مع الأولى (ثم استأذن) أبو موسى المرة (الثالثة فقال عمر) تلك (ثلاث) مع السابقتين (ثم انصرف) ورجع أبو موسى (فأتبعه) عمر (فرده فقال) عمر لأبي موسى (إن كان هذا) الاستئذان (شيئًا حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فها) أي فهات البينة على ما رويته (وإلا) أي وإن لم تأت بالبينة (فلأجعلنك) أي فلأجعل ضربك وتعزيرك (عظة) أي اعتبارًا يعتبر به الناس (قال أبو سعيد فأتانا) أبو موسى (فقال ألم تعلموا) أيها القوم ولم تسمعوا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاستئذان ثلاث) مرات (قال) أبو سعيد (فجعلوا) أي فشرع القوم الجالسون (يضحكون) بأبي موسى تعجبًا من فزع أبي موسى وذعره من العقوبة مع أنهم قد أمنوا أن تناله عقوبة أو غيرها لقوة حجته وسماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليه عمر (قال) أبو سعيد (فقلت) للقوم (أتاكم أخوكم المسلم) و (قد أفزع) أي والحال أنه قد أوقع به الفزع والخوف من عمر وأنتم

تَضْحَكُونَ؟ انْطَلِقْ فَأَنَا شَرِيكُكَ فِي هَذِهِ الْعُقُوبَةِ. فَأَتَاهُ. فَقَال: هَذَا أَبُو سَعِيدٍ. 5490 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ. قَالا: سَمِعْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. بِمَعْنَى حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُفَضَّلٍ, عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (تضحكون) به فقلت لأبي موسى (انطلق) بنا إلى عمر (فأنا شريكك في هذه العقوبة) التي هددك بها عمر (فأتاه) أي فأتى أبو موسى عمر وأنا معه (فقال) أبو موسى لعمر (هذا) الجائي معي (أبو سعيد) الخدري فهو يشهد لي بما رويته لك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 5490 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي مسلمة) البصري سعيد بن يزيد الأزدي، ثقة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك (عن أبي سعيد) الخدري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لبشر بن المفضل (ح وحدثنا أحمد بن الحسن بن خراش) الخراساني أبو جعفر البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) غرضه بيان متابعة شبابة لمحمد بن جعفر (عن) سعيد بن إياس (الجريري) أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (وسعيد بن يزيد) أبي مسلمة البصري (كلاهما) أي كل من الجريري وسعيد بن يزيد رويا (عن أبي نضرة قالا) أي قال الجريري وسعيد (سمعناه) أي سمعنا أبا نضرة (يحدث عن أبي سعيد الخدري) وساق شعبة في السندين (بمعنى حديث بشر بن مفضل عن أبي مسلمة) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة لبشر بن المفضل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

5491 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ؛ أَنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلاثًا. فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا. فَرَجَعَ. فَقَال عُمَرُ: أَلَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيسٍ. ائْذَنُوا لَهُ. فَدُعِيَ لَهُ. فَقَال: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ. قَال: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. قَال: لَتُقِيمَنَّ عَلَى هَذَا بَيِّنَةً أَوْ لأَفْعَلَنَّ. فَخَرَجَ فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا. فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ فَقَال: كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ 5491 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج حدثنا عطاء) بن أبي رباح اسمه أسلم القرشي مولاهم اليماني نزيل مكة، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي المكي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (7) أبواب (أن أبا موسى) الأشعري (استأذن) في الدخول (على عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبيد بن عمير لأبي سعيد الخدري (ثلاثًا فكأنه) أي فكأن أبا موسى (وجده) أي وجد عمر (مشغولًا) بشغل (فرجع) أبو موسى بعد الاستئذان ثلاثًا ولم يؤذن له (فقال عمر) لمن عنده (ألم تسمع صوت) أبي موسى (عبد الله بن قيس) الأشعري انظروه و (ائذنوا له) في الدخول علي (فدعي) أبو موسى (له) أي لعمر فجاء أبو موسى (فقال) له عمر (ما حملك) وحثك (على ما صنعت) يا أبا موسى من الاستئذان ثلاثًا ثم الرجوع (قال) أبو موسى لعمر (إنا كنا) معاشر الصحابة (نؤمر بهذا) الذي صنعته من الاستئذان ثلاثًا ثم الرجوع إن لم يؤذن، أي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (قال) عمر لأبي موسى والله (لتقيمن على هذا) الحديث الذي زعمته (بينة أو لأفعلن) بك كذا وكذا من العقوبة (فخرج) أبو موسى من عند عمر لطلب الشاهد على ذلك الحديث (فانطلق) أي ذهب أبو موسى بعدما خرج من عند عمر (إلى مجلس) ومجتمع (من الأنصار) فطلب منهم الشهادة له على هذا الحديث (فقالوا) أي فقالت الأنصار له هذا الحديث مشهور عندنا فـ (لا يشهد لك على هذا) الحديث (إلا أصغرنا) سنًّا فذهب معه أبو سعيد إلى عمر (فقام أبو سعيد) قدام عمر (فقال) أبو سعيد له (كنا) معاشر المسلمين (نؤمر بهذا) الاستئذان ثلاثًا ثم الرجوع (فقال

عُمَرُ: خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. 5492 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر) لعله (خفي علي هذا) الاستئذان حالة كونه (من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من مأموراته صلى الله عليه وسلم فإنه قد (ألهاني) وشغلني (عنه) أي عن سماع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصفق بالأسواق) أي التجارة والمعاملة في الأسواق، سميت المعاملة صفقًا لأن كلًّا من المتعاقدين يصفق أي يضرب بيده على يد الآخر. قوله (خفي عليّ هذا) هذا اعتراف منه واعتذار مما وقع منه في حق أبي موسى وبيان بسبب كون الحديث المعروف بينهم خفيًّا عليه. ومعنى (ألهاني عنه الصفق) أي شغلني عن ذلك الحديث أمر التجارة والمعاملة في الأسواق، نظير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ} الآية، قال البيضاوي: معنى الآية لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها اهـ من ذهني وقوله (خفي عليّ هذا) .. إلخ قاله عمر عاتبًا على نفسه وناسبًا لها إلى التقصير ثم بين عذره بقوله (ألهاني الصفق بالأسواق) وفي البخاري يعني الخروج إلى التجارة (وألهاني) شغلني يقال ألهاه إذا جعله في غفلة، والصفق بفتح الصاد وسكون الفاء وقيل بفتحها أيضًا جمع الصفقة وهي العقد وسمي بذلك لأنهم يتواجبون البيع بالأيدي فيصفق كل واحد منهما بيد صاحبه ومنه قيل للبيعة صفقة اهـ مفهم. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [2063]، وأبو داود [5182]. ومعنى كلام عمر رضي الله عنه أنني بقيت مشغولًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجارة في الأسواق فلم أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم أشياء تعلمها غيري. وفيه تواضع من عمر رضي الله عنه واعتراف منه بالتقصير، وفيه أن الحاكم أو الكبير لا يخجل من الاعتراف بعدم علمه أمام أصاغره اهـ تكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 5492 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم) النبيل البصري الضحاك بن مخلد الشيباني، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا

حُسَينُ بْنُ حُرَيثٍ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ (يَعْنِي ابْنَ شُمَيلٍ) قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ النَّضْرِ: أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. 5493 - (00) (00) حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ حُرَيثٍ, أَبُو عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ، يَحْيَى, عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَال: جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَال: السَّلامُ عَلَيكُمْ. هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيسٍ. فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ. فَقَال: السَّلامُ عَلَيكُمْ. هَذَا أَبُو مُوسَى. السَّلامُ عَلَيكُمْ. هَذَا الأَشْعَرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ حسين بن حريث) بن الحسن بن ثابت مولى عمران بن حصين الخزاعي المروزي، ثقة، من (10) (حدثنا النضر يعني ابن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي نزيل مرو، ثقة، من (9) (قالا جميعًا) أي قال كل من أبي عاصم والنضر بن شميل (حدثنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي موسى، غرضه بيان متابعتهما ليحيى القطان وساقا (نحوه) أي نحو حديث يحيى القطان (و) لكن (لم يذكر) حسين بن حريث (في حديث النضر) وروايته عنه لفظة (ألهاني عنه الصفق بالأسواق). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 5493 - (00) (00) (حدثنا حسين بن حريث) بن الحسن الخزاعي (أبو عمار) المروزي (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي أبو عبد الله المروزي، ثقة، من (9) (أخبرنا طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (3) (عن أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي بردة عبيد بن عمير (قال) أبو بردة (جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فقال) أبو موسى لعمر بن الخطاب (السلام عليكم هذا) المسلم عليكم (عبد الله بن قيس) الأشعري (فلم يأذن له) عمر (فقال) أبو موسى (السلام عليكم هذا) المسلم عليكم (أبو موسى) ثم قال (السلام عليكم هذا) المسلم عليكم الرجل (الأشعري) يستفاد منه أن المسلم يبين نفسه من هو ولا يكتفي بالسلام فقط لأن صوت المستأذن يمكن أن لا

ثُمَّ انْصَرَفَ. فَقَال: رُدُّوا عَلَيَّ. رُدُّوا عَلَيَّ. فَجَاءَ فَقَال: يَا أَبَا مُوسَى, مَا رَدَّكَ؟ كُنَّا فِي شُغْلٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ. فَإِنْ أُذِنَ لَكَ, وَإِلَّا فَارْجِعْ" قَال: لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ. وَإِلَّا فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ. فَذَهَبَ أَبُو مُوسَى. قَال عُمَرُ: إِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً تَجِدُوهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ عَشِيَّةً. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً فَلَمْ تَجِدُوهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ بِالْعَشِيِّ وَجَدُوهُ. قَال: يَا أَبَا مُوسَى, مَا تَقُولُ؟ أَقَدْ وَجَدْتَ؟ قَال: نَعَمْ. أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون معروفًا عند رب المنزل، قال السنوسي: وخالف بين ألفاظ التعريف عن نفسه طلبًا للتعريف خوف أن يكون لم يعرف بعضها فيعرف بالآخر اهـ ذهني (ثم) بعدما سلم على عمر ثلاث مرات (انصرف) أبو موسى أي ذهب (فقال) عمر (ردوا) أي أرجعوا أبا موسى (علي ردوا علي) بالتكرار مرتين فردوه عليه (فجاء فقال) له عمر (يا أبا موسى ما ردك) ورجعك عن بابنا بعد الاستئذان ثلاث مرات لأنا (كنا) مشغولين (في شغل) أي في أشغال مهمة (قال) أبو موسى إنما رجعت بعد الاستئذان ثلاث مرات لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان) المشروع في شرعنا (ثلاث) مرات (فإن أذن لك) في الدخول بعد ثلاث مرات أو دونها فادخل (وإلا) أي وإن لم يؤذن لك (فارجع قال) عمر لأبي موسى رضي الله عنهما: والله (لتأتيني على هذا) الحديث (ببينة) أي بشاهد يشهد معك على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك (والا) أي وإن لم تأت بها (فعلت) بك أشد العقوبة (وفعلت) بك أشد تعزير يكون عظة لغيرك حفظًا للسنة المطهرة عن الزيادة فيها ونكالًا له (فذهب أبو موسى) لطلب البينة (قال عمر) لمن عنده (إن وجد) أبو موسى (بينة) تشهد له على ما قال (تجدوه) أي تجدوا أبا موسى أيها المخاطبون (عند المنبر) النبوي (عشية) أي في آخر النهار (وإن لم يجد بينة فلم تجدوه) عند المنبر بل يختفي خوفًا من أن تناله عقوبة (فلما أن جاء) عمر ومن معه المسجد (بالعشي) وأن بعد لما زائدة لأن ذلك قاعدة مطردة عند النحاة (وجدوه) أي وجدوا أبا موسى عند المنبر حاضرًا قبلهم ليشهد عند المنبر لأنه أشرف بقاع المدينة فينبغي الإشهاد هناك، ثم (قال) له عمر (يا أبا موسى ما تقول) وتصنع (أقد وجدت) البينة (قال) أبو موسى (نعم) وجدت البينة (أبي بن كعب) الأنصاري (قال) عمر لأبي

عَدْلٌ. قَال: يَا أَبَا الطُّفَيلِ, مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! فَلَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: سُبْحَانَ اللَّهِ, إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيئًا. فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ. 5494 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى: هو (عدل) يعني عمر أبي بن كعب، عدل مقبول عندنا إن شهد لك يا أبا موسى، ثم (قال) عمر (يا أبا الطفيل) هو كنية عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المدني، كان عند عمر وقتئذ (ما يقول هذا) الحاضر مع أبي موسى يعني أبي بن كعب هل يشهد له أم لا فـ (قال) أبي بن كعب (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك) الحديث الذي يرويه أبو موسى، ثم قال أبي بن كعب لعمر (يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابًا) أي مشددًا (على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القرطبي: (وقول أبي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تكونن عذابًا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يدل على ما كانوا عليه من القوة في دين الله وعلى قول الحق ومن قبوله والعمل به فإن أبيا أنكر على عمر تهديده لأبي موسى فقام بما عليه من الحق ولما تحقق عمر الحق قبله واعتذر عما صدر منه فـ (قال) عمر (سبحان الله) أي تنزيهًا لله عما لا يليق به من الخطأ (إنما سمعت) أنا (شيئًا) أي طرفًا من هذا الحديث (فأحببت أن أتثبت) فيه وأتيقنه فاعذروني عن هذا الإنكار. قوله (فأحببت أن أتثبت) فيه أن أتحقق وأتاكد من صحته وقد مر أنه أراد سد باب الإكثار من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون التثبت في ذلك ولم يكن ليتهم أبا موسى بالكذب فلا يعارض ما هنا من أنه أخبره أبي بن كعب ما سبق من أنه أخبره أبو سعيد الخدري لأنه أخبره بذلك كلاهما أبو سعيد أتاه أولًا فأخبره في منزله وأبي ثانيًا حتى اجتمع به عمر في المسجد وهذا كله يدل على شهرة الحديث عندهم ومع ذلك فلم يعرفه عمر ولا يستنكر هذا فإنه من ضرورة أخبار الآحاد وشارك المؤلف في هذه الرواية أبو داود [5181]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 5494 - (00) (00) (وحدثناه عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان) بن صالح بن

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى, بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ, آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَال: نَعَمْ. فَلَا تَكُنْ, يَا ابْنَ الْخَطَّابِ, عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ: سُبْحَانَ اللَّهِ , وَمَا بَعْدَهُ. 5495 - (2116) (181) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَال: أَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَدَعَوْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمير الأموي الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (4) (حدثنا علي بن هاشم) بن البريد مكبرًا العابدي مولاهم الكوفي، الخزاز، صدوق، من (8) روى عنه في (2) بابين (عن طلحة بن يحيى) التيمي المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة علي بن هاشم للفضل بن موسى (غير أنه) أي لكن أن علي بن هاشم (قال) في روايته (فقال) عمر لأبي بن كعب (يا أبا المنذر) كنية أبي بن كعب (آنت) أي هل أنت (سمعت هذا) الحديث الذي رواه أبو موسى (من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) أبي (نعم) سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تكن يا ابن الخطاب عذابًا) أي مشددأ (على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر) علي بن هاشم في روايته (من قول عمر) أي لم يذكر قول عمر (سبحان الله وما بعده) يعني إنما سمعت شيئًا .. إلخ. فمن زائدة في مفعول يذكر والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5495 - (2116) (181) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا التيمي المدني، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) في منزله (فدعوت) أي فاستأذنت في الدخول عليه كما في

فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا؟ ". قُلْتُ: أَنَا. قَال: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا أَنَا! ! " ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية الآتية (فقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذا) المستأذن؟ قال جابر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (أنا) المستأذن (قال) جابر (فخرج) إلي النبي صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أنه (يقول) تقول (أنا أنا) مبهمًا نفسك. قال النووي: زاد في رواية (كرهها) قال العلماء: إذا استأذن فقيل له: من أنت؟ أو من هذا؟ كره أن يقول: أنا. لهذا الحديث ولأنه لم يحصل بقوله (أنا) فائدة ولا زيادة بل الإبهام باق بل ينبغي أن يقول فلان باسمه وإن قال أنا فلان فلا بأس به كما قالت أم هانئ حين استأذنت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذه؟ فقالت: أنا أم هانئ. ولا بأس بقوله أنا أبو فلان .. الخ اهـ ولا أنا الشيخ فلان أو القارئ فلان والقاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا بذلك يعني أن المقصود تعريف المستأذن نفسه وإزالة الإبهام عنها فبأي شيء يحصل ذلك يلزم عليه أن يورده والله أعلم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم "أنا أنا" بالتكرير توبيخ لجابر لعدم إفادة قوله المقصود، قال الأبي: وقيل إنما كره ذلك لأنه دق الباب كما جاء في غير مسلم فأنكر عليه الاستئذان بالدق وبغير السلام اهـ ذهني. قوله (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم) وزاد البخاري (في دين كان على أبي فدققت الباب) وبه ظهر أن المراد من قوله فدعوت أي استأذنت بدق الباب. قوله (فخرج وهو يقول أنا أنا) هذا يحتمل وجهين الأول أنه أنه كرر لفظ جابر إنكارًا منه عليه. والثاني أنه قال إن لفظ أنا يستعمل لكل متكلم فلا يحصل به التعريف. وبالجملة ففيه كراهة لمثل هذا الجواب فإن المستأذن عليه أن يعرف نفسه بوضوح وإن هذا الجواب ليس فيه فائدة جديدة لمن لا يعرف الصوت وإن كان الآخر يعرف الصوت فإن كلمة أنا مختصرة جدًّا لا تتضح بها مميزات الصوت ثم إن في هذا القول إيهامًا بالكبر حيث يزعم الإنسان أنه غني عن التعريف وهذا وإن كان منتفيًا في حق جابر في ذلك المقام ولكنه تعليم عام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 320]، والبخاري في الاستئذان [6250]، وأبو داود في الأدب [5187]، والترمذي في الاستئذان [2712]، وابن ماجه في الأدب في باب الاستئذان [3753].

5496 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ - (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا) وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَال: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "مَنْ هَذَا؟ ". فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " أَنَا أَنَا! ! ". 5497 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمْ: كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5496 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لأبي بكر قال يحيى أخبرنا وقال أبو بكر حدثنا وكيع عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لعبد الله بن إدريس (قال) جابر (استأذنت) في الدخول (على النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (من هذا) المستأذن (فقلت أنا) المستأذن يا رسول الله (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) تقول (أنا أنا) مبهمًا نفسك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5497 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا النضر بن شميل) المازني البصري، ثقة، من (9) (وأبو عامر العقدي) عبد الملك بن عمرو البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثني وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم العبدي النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (2) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة من أبي عامر ووهب وبهز رووا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن ابن المنكدر عن جابر غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد الله بن إدريس ووكيع (و) لكن (في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الثلاثة لفظة (كأنه) صلى الله عليه وسلم (كره ذلك) الاستئذان من جابر يعني أنا أنا.

5498 - (2117) (182) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا اللَّيثُ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى). ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما فقال: 5498 - (2117) (182) (حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح) بن المهاجر المصري (قالا أخبرنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (واللفظ ليحيى ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب أن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) أبا العباس المدني الصحابي المشهور، له ولأبيه صحبة رضي الله تعالى عنهما (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن رجلًا) من المسلمين هو الحكم بن أبي العاص والد مروان بن الحكم كما في مبهمات مسلم، وقيل سعد بن عبادة، وقال الحافظ ابن جحر: والصواب أنه أحد الأعراب أو المنافقين. وهذان السندان من رباعياته (اطلع) أي نظر (في جحر) أي في ثقب (في باب) بيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والجحر بضم الجيم وسكون الحاء ثقب مستدير في حائط أو أرض، وفي الأبي: الجحر بضم الجيم وإسكان الحاء واحد الجحرة على وزن عنبة وهي مكامن الوحش ولما كانت ثقبًا في الأرض شبه الثقب في الباب بها (ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى) بكسر الميم وسكون الدال في آخره ألف مقصورة وهي حديدة يسوى بها شعر الرأس، وقيل هو شبه المشط، وقيل أعواد محددة وتجعل شبه المشط، وقيل هو عود تسوي به المرأة شعرها، والكلمة تذكر وتؤنث ومؤنثها مدراة وجمعها مدارى، وأوضح من هذا وأصح قول النضر بن شميل وابن كيسان أنه عود أو عاج تنشر به المرأة شعرها وتجعده، قال امرؤ القيس: غدائره مستشزِرَات إلى العلا ... تضل المدارى في مثنى ومرسل وقد عبر عنه في الرواية الأخرى بمشقص وبمشاقص .. إلخ ما في المفهم (يحك به رأسه) أي يسرح به شعر رأسه، وفي بعض الروايات (يرجل) ولا منافاة بينهما لأن

فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَينِكَ" وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ". 5499 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيِّ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الترجل ربما يسبقه الحك، وفيه استحباب الترجيل وجواز استعمال المدرى قال العلماء: فالترجيل مستحب للنساء مطلقًا وللرجل بشرط أن لا يفعله كل يوم أو كل يومين ونحو ذلك اهـ نووي. (فلما رآه) أي رأى ذلك الرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أعلم أنك) أيها الرجل (تنظرني) وفي بعض الروايات (تنتظرني) وهو بمعنى الأول (لطعنت به في عينك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإذن) أي شرع الاستئذان (من أجل البصر) أي النظر، معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرام فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا غيره مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية، وفي هذا الحديث رمي المتطلع بشيء خفيف فلو رماه بخفيف ففقأها فلا ضمان إذا كان قد نظر في بيت ليس فيه امرأة محرم والله أعلم اهـ ذهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 330]، والبخاري في الاستئذان [6241] وفي غيره، والترمذي في الاستئذان [2709]، والنسائي في القسامة باب في العقول [4859]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 5499 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الأنصاري) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يونس لليث بن سعد (أخبره) أي أخبر سهل لابن شهاب (أن رجلًا) من اليهود أو المنافقين (اطلع) أي نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جحر) أي من ثقب أو

فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ, طَعَنْتُ بِهِ فِي عَينِكَ. إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الإِذْنَ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ". 5500 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ خرق كائن (في باب) بيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في وقت نظره إليه (مدرى) أي أعواد محددة مشدود بعضها إلى بعض بخيط وهي في الأرميا (فلا) (يرجل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يسرح (به) أي بذلك المدرى (رأسه) أي شعر رأسه، وهذا يدل لمن قال إنه مشط أو شبه مشط، وترجيل الشعر تسريحه ومشطه وتكسيره (فقال له) أي لذلك الرجل المطلع عليه (رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أعلم أنك تنظر) إلي (طعنت به) أي بهذا المدرى (في عينك) أي في بصرك (إنما جعل الله الإذن من أجل البصر) يعني أن الاستئذان إنما شرع لوقاية صاحب البيت عن نظر الأجانب فلو استأذن الرجل صاحب البيت وهو يشاهد ما في بيته فإن الاستئذان لا معنى له حينئذ، وأخرج أبو داود عن عبد الله بن بسر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور. وفي الحديث دليل على صحة التعليل القياسي فهو حجة للجمهور على نفاة القياس، وفيه أيضًا دليل على استحباب إصلاح الشعر وإكرامه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له جمة فليكرمها" رواه مالك في الموطإ ولكن لا ينتهي بذلك إلى أن يخرج إلى الترفه والسرف المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه فضالة بن عبيد رضي الله عنه حيث قال (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثير من الإرفاه وأمرنا أن نحتفي أحيانًا) رواه أحمد وأبو داود والنسائي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سهل رضي الله عنه فقال: 5500 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر قالوا حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا

أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ... نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيثِ وَيُونُسَ. 5501 - (2118) (183) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كَامِلٍ, فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى وَأَبِي كَامِلٍ - (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ إِلَيهِ بِمِشْقَصٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من سفيان ومعمر رويا (عن الزهري عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان الأول منهما من رباعياته، والثاني من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سفيان ومعمر لليث بن سعد ويونس بن يزيد كما ذكره المؤلف بقوله وساقا أي وساق سفيان ومعمر (نحو حديث الليث ويونس). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سهل بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 5501 - (2118) (183) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كامل فضيل بن حسين وقتيبة بن سعيد واللفظ ليحيى وأبي كامل قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا حماد بن زيد) ابن درهم الأزدي البصري (عن عبيد الله بن أبي بكر) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رجلًا) لم أر من ذكره ولعله هو الرجل الذي ذكر في حديث سهل بن سعد وعبر هنا عن المدرى بالمشقص تشبيهًا به لأن المدرى قد يكون من حديد فكلاهما واحد كما يستفاد من المفهم (اطلع) على النبي صلى الله عليه وسلم ونظر إليه (من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم) قال القسطلاني: الحجر بضم الحاء وفتح الجيم بلفظ الجمع جمع حجرة بمعنى البيت (فقام إليه) أي إلى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم (بمشقص) بكسر الميم وفتح القاف وهو نصل السهم إذا كان

أَوْ مَشَاقِصَ. فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ. 5502 - (2119) (174) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: "مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيتِ قَوْمٍ بِغَيرِ إِذْنِهِمْ, فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَينَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ طويلًا غير عريض قاله الحافظ في الفتح [11/ 25] وقال النووي: هو نصل عريض للسهم (أو مشاقص) شك من الراوي في أن شيخه روى الكلمة مفردة أو جمعًا قال أنس (فكأني) الآن (انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يختله) بفتح الياء وكسر التاء من باب ضرب أي يراوغه ويتغفله، والختل تفويق السهم أو الرمح إلى من هو غافل عن الرامي (ليطعنه) بضم العين وفتحها، والضم أشهر أي ليطعن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الناظر إليه غفلة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاستئذان [6900] وفي غيره، وأبو داود في الأدب باب الاستئذان [5171]، والترمذي في الاستئذان [2709]، والنسائي في القسامة باب في العقول [4858]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سعد بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5502 - (2119) (174) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اطلع) ونظر (في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) وقوله من اطلع في بيت .. الخ المراد به أن ينظر في بيت من شق باب أو كوة وكان الباب غير مفتوح (فقد حل لهم أن يفقئوا) أي أن يشدخوا عينه أي حدقة عينه في محلها أو أن يخرجوا حدقتها إلى الخارج، قال القرطبي: وهذا نص في الإباحة والتحليل وعلى هذا فلا يلزم ضمان ولا دية إذا وقع ذلك ولا يستبعد هذا من الشرع فإنه عقوبة على جناية سابقة غير أن هذا خرج مخرج التعزيرات لا مخرج الحدود ألا ترى قوله (فقد حل) ولم يقل (فقد وجب) وإنما مقصود هذا الحديث إسقاط القود والمؤاخذة بذلك إن وقع ذلك اهـ من المفهم. والظاهر أنه

5503 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيكَ بِغَيرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ, فَفَقَأْتَ عَينَهُ, مَا كَانَ عَلَيكَ مِنْ جُنَاحٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمول على من لم يمتنع من النظر في البيت إلا به ومن حق الرجل أن يدافع عن نفسه وعن أهل بيته وعن التدخل في خلواته ويجوز له القتال على ذلك فالمراد والله أعلم أنه يجوز لصاحب البيت أن يدفع عنه المطلع بما أمكن له ولو أدى ذلك إلى فقإِ عينه اهـ فتح الباري [12/ 245] وقال في المبارق: عمل الشافعي بهذا الحديث وأسقط عنه ضمان العين قيل هذا عنده إذا فقأها بعد أن زجره فلم ينزجر، وأصح قوليه أنه لا ضمان مطلقًا لإطلاق الحديث، وقال أبو حنيفة: عليه الضمان لأن النظر ليس فوق الدخول ومن دخل بيت غيره بغير إذنه لا يستحق فقأ عينه فبالنظر أولى فالحديث محمول على المبالغة في الزجر اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الديات [6887 و 6888] وباب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له [6902]، وأبو داود في الأدب باب في الاستئذان [5172]، والنسائي في القسامة باب من اقتص وأخذ حقه دون السلطان [4860 و 4861]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5503 - (00) (00) (حدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني الأموي (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي صالح السمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن رجلًا اطلع عليك) ونظر في بيتك (بغير إذن) منك (فخذفته) أي رميته (بحصاة) من بين إصبعيك (ففقأت) أي شدخت (عينه ما كان عليك من جناح) أي ذنب فلا ضمان عليك بقود ولا دية، قال القرطبي: وهذا ظاهر قوي في الذي قررناه، ويفيد أيضًا أن هذا الحكم جار فيمن اطلع على عورة الإنسان وإن لم يكن من باب فإن قوله اطلع عليك يتناول كل مطلع كيفما كان ومن أي جهة كان بل يتعين أن يقال إن الشرع إذا علق هذا الحكم على الاطلاع في البيت لأنه مظنة الاطلاع على العورة فلأن يعلق على نفس الاطلاع على

5504 - (2120) (175) حَدَّثَنِي قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ. كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ. فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ العورة أحرى وأولى وهذا نظر راجح غير أن أصحابنا حكوا الإجماع على أن من اطلع على عورة رجل بغير إذنه ففقأ عينه أنه لا يسقط عنه الضمان كما ذكرناه فإن صح هذا الإجماع فهو واجب الاتباع وإن وجد خلاف فما ذكرناه هو الإنصاف والله أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 5504 - (2120) (175) (حدثني قتيبة بن سعيد حدثنا يزيد بن زريع) التميمي العيشي البصري، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل ابن علية كلاهما) أي كل من يزيد وإسماعيل (عن يونس) بن عبيد بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (أخبرنا يونس) ابن عبيد البصري (عن عمرو بن سعيد) القرشي مولاهم أبي سعيد البصري، روى عن رواد مولى المغيرة في الصلاة، وسعيد بن جبير في الصلاة، وأبي زرعة بن عمرو بن جرير في الجهاد وفي الأدب، وحميد بن عبد الرحمن الحميري في الوصايا، وأنس بن مالك في المناقب، ويروي عنه (م عم) ويونس بن عبيد وابن عون وداود بن أبي هند وأيوب السختياني، وثقة النسائي، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي، ثقة، من (3) (عن) جده (جرير بن عبد الله) بن جابر البجلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) جرير (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (نظر الفجاءة) والبغتة هل يؤاخذ بها أم لا؟ (فأمرني أن أصرف) وأكف (بصري) وأمنعه عن استدامة النظر، والفجاءة بضم الفاء والمد والهمز مصدر فجائي الأمر يفجؤني فجاءة إذا صادفك بغتة من غير قصد ويقال

5505 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فاجأني يفاجئني مفاجأة وفجاء وهما لغتان وهي البغتة ومعنى نظر الفجاءة أن يقع نظره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك فيجب عليه أن يصرف بصره في الحال فإن صرف في الحال فلا إثم عليه وإن استدام النظر أثم، قال القاضي: وقال العلماء: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي كحالة الشهادة عليها والمداواة لها وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة معها بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع ذلك بقدر الحاجة دون ما زاد اهـ نووي. قال القرطبي: وإنما أمره أن يصرف بصره عن استدامة النظر إلى ما وقع عينه عليه أول مرة ولم يتعرض لذكر النظرة الأولى لأنها لا تدخل تحت خطاب تكليف إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصودًا فلا تكون مكتسبة فلا يكون مكلفًا بها فأعرض عما ليس مكلفًا به ونهاه عما يكلف به لأن استدامة النظر مكتسبة للإنسان إذ قد يستحسن ما وافقه بصره فيتابع النظر فيحصل المحظور وهو النظر إلى ما لا يحل ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب "لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليس لك الثانية" رواه الحاكم [2/ 194] وفي الأبي: فإن استدام وتأمل المحاسن واللذة أثم ولذا قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه "لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى" وقد أمر بغض البصر كما أمر بحفظ الفرج، وقال: "العين تزني" وفي الجامع الصغير "العينان تزنيان واليدان تزنيان والفرج يزني" (حم) عن ابن مسعود اهـ ذهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 385]، وأبو داود في النكاح باب ما يؤمر من غض البصر [2148]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في نظر الفجاءة [2777]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جرير رضي الله عنه فقال: 5505 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (وقال إسحاق) بن إبراهيم أيضًا (أخبرنا وكيع) بن الجراح (حدثنا سفيان) الثوري

كِلاهُمَا عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلاهما) أي كل من عبد الأعلى وسفيان رويا (عن يونس) بن عبيد (بهذا الإسناد) يعني عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة عن جرير بن عبد الله (مثله) أي مثل ما روى هشيم عن يونس، وإنما أعدنا الضمير إلى هشيم لأنه أقرب مذكور والضمير مفرد، ولو قال (مثلهم) بضمير الجمع لكان أصوب وأوفق لاصطلاجاته لأن المتابعين بفتح الباء ثلاثة يزيد وإسماعيل وهشيم والمتابعان بكسر الباء اثنان عبد الأعلى وسفيان، ولعل (ما) هنا تحريف من النساخ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثماني متابعات، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث سهل بن سعد ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه تعالى. ووصلنا في كتابة هذا الشرح إلى آخر باب الاستئذان في تاريخ 14/ 10 / 426 اهـ من الهجرة النبوية [5/ 11 / 2005 م] على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم وأرجو الله سبحانه أن يمن علينا بإتمامه بتوفيقه سبحانه.

672 - (16) باب تسليم الراكب على الماشي وحق الطريق وحقوق المسلم على المسلم والنهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على الصبيان وجواز جعل الإذن رفع الحجاب

672 - (16) باب تسليم الراكب على الماشي وحق الطريق وحقوق المسلم على المسلم والنهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على الصبيان وجواز جعل الإذن رفع الحجاب 5506 - (2121) (176) حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي زِيَادٌ؛ أَنَّ ثَابِتًا، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيدٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي, ـــــــــــــــــــــــــــــ 672 - (16) باب تسليم الراكب على الماشي وحق الطريق وحقوق المسلم على المسلم والنهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على الصبيان وجواز جعل الإذن رفع الحجاب 5506 - (2121) (176) (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه العمي بفتح العين أبو عبد الملك البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج ح وحدثنا محمد بن) محمد بن (مرزوق) بن بكير بن بهلول الباهلي أبو عبد الله البصري ابن بنت مهدي بن ميمون وسبطه، صدوق، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج) قال (أخبرني زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني أبو عبد الرحمن المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (أن ثابتًا) ابن عياض بن الأحنف الأعرج العدوي مولاهم (مولى عبد الرحمن بن زيد) المدني، وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة، من (3) روى عنه في (2) الأطعمة والسلام (أخبره) أي أخبر ثابت بن عياض لزياد بن سعد (أنه) أي أن ثابتًا (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) الحديث الآتي. وهذا السند من سداسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسلم الراكب على الماشي) أي ليسلم الراكب على

وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ, وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الماشي .. الخ، فالجملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى وهذا أدب من آداب السلام، والحكمة في ابتداء الراكب بالسلام على ما قاله المهلب أن لا يتكبر الراكب بركوبه فيرجع إلى التواضع، وقال أبو الفضل المازري: أمر الراكب لأن له مزية على الماشي فعوض الماشي بأن يبدأ الراكب بالسلام احتياطًا على الراكب بالزهو لو حاز الفضيلتين (و) يسلم (الماشي على القاعد) وفي رواية للبخاري (والمار على القاعد) وهو أشمل لأن المار أعم من أن يكون ماشيًا أو راكبًا، وحكمة ابتدائه بالسلام على ما ذكره المهلب أن المار له شبه بالداخل على أهل المنزل، وقال المازري: إن القاعد ربما يخاف من المار بعض الشر ولاسيما إذا كان راكبًا فإذا ابتدأ بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه أو لأن المار مشغول بحاجته وفي التصرف في الحاجات نوع من الامتهان فصار للقاعد مزية فأمر الماشي بالابتداء أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم، فسقطت البداية عنهم للمشقة بخلاف المار فإنه لا مشقة عليه اهـ فتح الباري [11/ 17] (و) يسلم (القليل على الكثير) لأن للكثير مزية ولأن توجه الأمر بالسلام إلى القليل أخف وأسهل من توجهه إلى الكثير، وقال أبو الليث: إذا دخل جماعة على قوم فإن تركوا السلام فكلهم آثمون في ذلك وإن سلم واحد منهم كفى عنهم جميعًا وإن سلم كلهم فهو أفضل وإن تركوا الجواب فكلهم آثمون وإن رد واحد منهم أجزأهم وبه ورد الأثر وإن أجاب كلهم فهو أفضل اهـ تكملة. وقال الماوردي: لو دخل شخص مجلسًا فإن كان الجمع قليلًا يعمهم سلام واحد فسلم كفاه فإن زاد فخصص بعضهم فلا بأس ويكفي أن يرد منهم واحد فإن زاد فلا بأس وإن كانوا كثيرًا بحيث لا ينتشر فيهم فيبتدئ أول دخوله إذا شاهدهم وتتأدى سنة السلام في حق جميع من يسمعه ويجب على من سمعه الرد على الكفاية وإذا جلس سقط عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين اهـ فتح الباري [11/ 14]. وذكر الماوردي أيضًا أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على البعض لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لأجله ولخرج به عن العرف حكاه الحافظ في الفتح [11/ 17] ثم قال: ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب قال كنت أغدو مع ابن عمر إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السوق فلا يمر على بياع ولا على أحد إلا سلم عليه فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع؟ قال: إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا. لأن مراد الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والأثر المذكور ظاهره أنه في من خرج لقصد تحصيل ثواب السلام اهـ. قال القرطبي: قوله (يسلم الراكب على الماشي) .. الخ قد تقدم الأمر بالسلام وبإفشائه في كتاب الإيمان ولا خلاف بين العلماء في أن الابتداء بالسلام سنة لأنه إكرام للمسلم عليه وتحية له وأن الرد واجب لأنه مجازاة ومكافأة للمسلم على إكرامه للمسلم عليه ثم إن الناس في الابتداء بالسلام إما أن تتساوى أحوالهم أو تتفاوت فإن تساوت فخيرهم الذي يبدأ صاحبه بالسلام كالماشي على الماشي والراكب على الراكب غير أن الأولى مبادرة ذوي المراتب الدينية كأهل العلم والفضل احترامًا لهم وتوقيرًا وأما ذوو المراتب الدنيوية المحضة فإن سلموا يرد عليهم وإن ظهر عليهم إعجاب أو كبر فلا يسلم عليهم لأن ذلك معونة لهم على المعصية وإن لم يظهر ذلك عليهم جاز أن يبدؤوا، وابتداؤهم هم بالسلام أولى بهم لأن ذلك يدل على تواضعهم وإن تفاوتت فالحكم فيه على ما يقتضيه هذا الحديث فيبدأ الراكب بالسلام على الماشي لعلو مرتبته لأن ذلك أبعد له من الزهو، وأما الماشي فقد قيل فيه مثل ذلك وفيه بُعد إذ الماشي لا يزهي بمشيه غالبًا، وقيل هو معلل بأن القاعد قد يقع له خوف من الماشي فإذا بدأ بالسلام أمن من ذلك وهذا أيضًا بعيد إذ لا خصوصية للخوف بالقاعد فقد يخاف الماشي من القاعد وأشبه من هذا أن يقال إن القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية على الماشي بذلك لأن حاله على العكس من ذلك وأما ابتداء القليل بالسلام على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم. وقد زاد البخاري في هذا الحديث (ويسلم الصغير على الكبير) وهذه المعاني التي تكلف العلماء إبرازها هي حكم تناسب المصالح المحسّنة والمكفلة ولا نقول إنها نصبت نصب العلل الواجبة الاعتبار حتى لا يجوز أن يعدل عنها فنقول إن ابتداء القاعد للماشي غير جائز وكذلك ابتداء الماشي الراكب بل يجوز ذلك لأنه مظهر للسلام ومفش له كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم من حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة [54] وبقوله "إذا لقيت أخاك فسلّم عليه" رواه أبو داود، وإذا تقرر هذا فكل واحد من الماشي والقاعد مأمور بأن يسلم على أخيه إذا لقيه غير أن مراعاة تلك المراتب أولى والله أعلم. ثم هذا السلام المأمور به هو أن يقول السلام عليكم أو سلام عليكم إذ قد جاء اللفظان في الكتاب والسنة أو السلام عليكم ورحمة الله أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولا يزاد على البركة فإن الزيادة بدعة كما في الموطإ، والسلام في الأصل بمعنى السلامة كاللذاذ واللذاذة كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} أي فسلامة، فعلى هذا يكون معنى قول المسلم "سلام عليك " أي سلامة لك مني وأمان ولذلك قال: صلى الله عليه وسلم في السلام أمان لذمتنا وتحية لملتنا" رواه الطبراني في الصغير، والخطيب في تاريخه، وابن الجوزي في الموضوعات [3/ 79] وفيه عصمة بن محمد الأنصاري، قال ابن معين: عصمة كذاب يضع الحديث. والسلام أيضًا اسم من أسماء الله تعالى كما قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيمِنُ} ومعناه في حق الله تعالى أنه المنزه عن النقائص والآفات التي تجوز على خلقه وعلى هذا فيكون معنى قول المسلم "السلام عليك " أي الله مطلع عليك وناظر إليك فكأنه يذكره باطلاع الله تعالى ويخوفه ليأمن منه ويسلمه من شره فإذا دخلت الألف واللام على المعنى الأول كان معناه السلامة كلها لك مني وإذا أدخلت على اسم الله تعالى كانت تفخيمًا وتعظيمًا أي الله العظيم السليم من النقائص والآفات المسلم لمن استجار به من جميع المخلوقات ولا يقل المبتدئ عليك السلام لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه النسائي وأبو داود من حديث جابر بن سليم قال (لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: "عليك السلام تحية الميت، السلام عليك ثلاثًا" رواه أبو داود [5209]، والترمذي [2723]، والنسائي [9694] في الكبرى أي هكذا فقل، وقوله (عليك السلام تحية الميت) يعني أنه الأكثر في عادة الشعراء كما قال: عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما لا أن ذلك اللفظ هو المشروع في حق الموتى لأنه صلى الله عليه وسلم قد سلم على الموتى كما سلم على الأحياء فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" رواه أحمد

5507 - (2122) (177) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ ومسلم والنسائي وابن ماجه ويتأكد تقديم لفظ السلام إذا تنزلنا على أن اسم السلام من أسماء الله تعالى فإن أسماء الله تعالى أحق بالتقديم. وأما المراد فالواجب عليه أن يرد ما سمعه والمندوب أن يزيد إن أبقى له المبتدئ ما يزيد فلو انتهى المبتدئ بالسلام إلى غايته التي هي (السلام عليك ورحمة الله وبركاته) لم يزد المراد على ذلك شيئًا لأن السلام انتهى بالبركة كما قال ابن عباس وقد أنكر ابن عمر على من زاد على ذلك شيئًا وهذا كله مستفاد من قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء: 86] أي يحاسب على الأقوال كما يحاسب على الأفعال اهـ من المفهم. وقد بسطنا الكلام على السلام بترجمة مستقلة في تفسيرنا الحدائق عند هذه الآية فراجعه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 510]، والبخاري في الاستئذان [6231 و 6233] وفي غيره، وأبو داود [5198 و 5199]، والترمذي [2704 و 2705]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه فقال: 5507 - (2122) (177) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عثمان بن حكيم) ابن عباد بن حنيف بالمهملة والنون مصغرًا الأنصاري الأوسي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه حنكه النبي صلى الله عليه وسلم وسماه أخي أنس لأمه، روى عن أبيه في الأدب وأخيه أنس، ويروي عنه (م س) وابنه إسحاق في الأدب، قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، مات سنة (84) أربع وثمانين، أن أباه (قال قال)

أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا قُعُودًا بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَينَا. فَقَال: "مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ" فَقُلْنَا: إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيرِ مَا بَأسٍ. قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ. قَال: "إِمَّا لا ـــــــــــــــــــــــــــــ لي والدي (أبو طلحة) الأنصاري زيد بن سهل المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وولد عن والد (كنا) يومًا (قعودًا) أي قاعدين (بالأفنية) أي في أفنية الدور وجوانبها على ما كان في عادتنا من القعود في جوار بيوتنا للتحدث، والأفنية جمع فناء نظير أسقية وسقاء والفناء هو ما حول الدار من الفضاء حالة كوننا (نتحدث) فيما بيننا (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مر علينا (فقام علينا) في مروره علينا (فقال: "مالكم ولمجالس الصعدات ") أي ولمجالس الطرقات جمع مجلس اسم لمكان الجلوس، والصعدات بضم الصاد والعين المهملتين جمع صعيد كطريق وطرقات وزنًا ومعنى أي أي علقة بينكم وبين هذه المجالس وأي حاجة لكم إليها، وفي القرطبي: والصعدات جمع صعيد وهو الطريق مطلقًا، وقيل الطريق الذي لا نبات فيه مأخوذ من الصعيد وهو التراب على قول الفراء، أو وجه الأرض على قول ثعلب، ويجمع صعدًا وصعدات كطرق وطرقات وقد جاء الصعيد في الرواية الأخرى مفسرًا بالطريق (اجتنبوا مجالس الصعدات) أي ابتعدوا عنها واتركوا الجلوس فيها لأن لها حقوقًا من غض البصر وكف الأذى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنتم لا تقدرون على القيام بها، قال أبو طلحة (فقلنا) للنبي صلى الله عليه وسلم (إنما قعدنا) فيها (لغير ما بأس) ما زائدة والمعنى ما قعدنا فيها لشيء فيه بأس ومنع بل للتحدث والتذكر كما ذكره بقوله بل (قعدنا) فيها حالة كوننا (نتذاكر) العلم والحديث (ونتحدث) فيها أحاديث مباحة فيما بيننا، قال القرطبي: وهذا الحديث إنكار للجلوس على الطرقات وزجر عنه لكن محمله على ما إذا لم ترهق إلى ذلك حاجة كما قالوا ما لنا من ذلك بد نتحدث فيها لكن العلماء فهموا أن ذلك المنع ليس على جهة التحريم وإنما هو من باب سد الذرائع والإرشاد إلى الأصلح ولذلك قالوا (إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتذاكر ونتحدث) أي نتذاكر العلم والدين ونتحدث بالمصالح والخير ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك وتحقق حاجتهم إليه أباح لهم ذلك ثم نبههم على ما يتعين عليهم في مجالسهم تلك من الأحكام فـ (قال إما لا) بد ولا غنى

فَأَدُّوا حَقَّهَا: غَضُّ الْبَصَرِ, وَرَدُّ السَّلامِ, وَحُسْنُ الْكَلامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لكم عن الجلوس فيها (فـ) اجلسوا فيها و (أدوا حقها) أي افعلوا حق تلك المجالس وذلك الحق (غض البصر) عن الأجنبيات (ورد السلام) على من سلم عليكم من المارة (وحسن الكلام) مع المارة كأن تجيبوا لمن سألكم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وقوله (إما لا) هي إن الشرطية المكسورة الهمزة زيدت عليها (ما) فأدغمت نونها في ميم ما، وما زائدة لتأكيد معنى الشرط و (لا) عبارة عن الإباية والامتناع والمعنى إن أبيتم وامتنعتم من ترك مجالس الصعدات ولا بد من إبايتكم ولا غنى لكم عن قعودكم فيها فأعطوا الطريق حقها، قال الأبي: وقد أشار إلى علة النهي عن التعرض للفتن والإثم بمرور النساء والتعرض لحقوق الله تعالى وحقوق المسلمين التي لا تلزمه لو قعد في بيته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ترك القيام به معصية وكذلك قد يكثر المار فيعجز عن رد السلام على كل مار به ورد سلام الإنسان واجب والإنسان مأمور بأن لا يعرض نفسه للفتن وأن لا يلزم نفسه ما لعله لا يقوم به فندبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ترك هذا كله فلما أعلموه أنه لا بد لهم من ذلك لما يقصده الإنسان من مجالسة الجيران والأصحاب من إراحة قلوبهم وقضاء حوائجهم والسؤال عن أحوالهم قال لهم إما لا أي إن لم تتركوها فأدوا حقها اهـ من الأبي. قال القرطبي: فلما سمعوا لفظ الحق وهو مجمل سألوا عن تفصيله ففصله لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وهذه الحقوق كلها واجبة على من قعد على طريق ولما كان القعود على الطريق يفضي إلى أن تتعلق به هذه الحقوق ولعله لا يقوم ببعضها فيتعرض لذم الله تعالى ولعقوبته كره القعود فيها وغلظ بالزجر المتقدم والإنكار فإن دعت إلى ذلك حاجة كالاجتماع في مصالح الجيران وقضاء حوائجهم وتفقد أمورهم إلى غير ذلك قعد على قدر حاجتهم فإن عرض له شيء من تلك الحقوق وجب القيام به عليه. قوله (وكف الأذى) يعني به لا يؤذي بجلوسه أحدًا من جلسائه بإقامته من مجلسه ولا بالقعود فوقه ولا بالتضييق عليه ولا يجلس قبالة دار جاره فيتأذى بذلك وقد يكون كف الأذى بأن يكف بعضهم عن بعض إلا أن هذا يدخل في قسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحمله على المعنى الأول أولى.

5508 - (2123) (178) حَدَّثَنَا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ, مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَبَيتُمْ إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (وحسن الكلام) يريد أن من جلس على الطريق فقد تعرض لكلام الناس فليحسن لهم كلامه ويصلح شأنه اهـ من المفهم. وقال القاضي عياض: قوله (وحسن الكلام) هذا ندب إلى حسن معاملة الناس فإن الجالس في الطريق يمر به من يسأله عن وجهته فيجب أن يرشده ويتلقاه بالجميل لا بالضجر وخشونة اللفظ ولعل هذا من كف الأذى المتقدم اهـ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [4/ 3]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي طلحة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5508 - (2123) (178) (حدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني، ثقة، من (8) (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر المدني، ثقة، من (3) (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم) في محل النصب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا لقيام المعطوف مقامه (والجلوس بالطرقات) معطوف على الضمير، والتقدير: باعدوا أنفسكم عن الجلوس في الطرقات، وفي بعض النسخ في الطرقات (قالوا) أي قال الأصحاب (يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا) أي ما لنا فراق ولا غنى عنها، قال القسطلاني: فيه دليل على أن أمره لهم لم يكن للوجوب بل عن طريق الترغيب والأولى إذ لو فهموا الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة قاله القاضي عياض، وإنما قلنا لا بد لنا منها لأنا (نتحدث فيها) أي في مجالسنا في الطرقات بمصالحنا ومصالح جيراننا ومصالح ديننا ودنيانا فـ (قال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أبيتم) وامتنعتم، وفي بعض النسخ (فإذا أبيتم) (إلا

الْمَجْلِسَ, فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَال: "غَضُّ الْبَصَرِ, وَكَفُّ الأَذَى, وَرَدُّ السَّلامِ, وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ". 5509 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ المجلس) بفتح اللام مصدر ميمي لأنه من باب ضرب أي إلا الجلوس في مجالسكم وهو الأوفق، وأما المتون التي بأيدينا فبكسرها فيكون ظرفًا ميميًا أي فإن أبيتم إلا الاستمرار في مكان جلوسكم على الطرقات، وإنما قلنا ذلك لأن جلس من باب ضرب فقياس مصدره الفتح وظرفه الكسر والكسر في المصدر شاذ كما أن الفتح شاذ في الظرف كما بسطنا الكلام على ذلك في مناهل الرجال فراجعه في باب المفعل والمفعل. (فأعطوا الطربق حقه قالوا وما حقه قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الطريق (غض البصر) أي خفض النظر عن الأجنبيات (وكف الأذى) أي كف نفسك ومنعها عن إذاية الناس يدًا ولسانًا (ورد السلام) على من سلم عليكم (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) شرعًا، قال النووي: والمقصود من هذا الحديث أنه يكره الجلوس على الطرقات لحديث ونحوه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى علة النهي عن التعرض للفتن والإثم بمرور النساء وغيرهن وقد يمتد نظر إليهن أو فكر فيهن أو ظن سوء فيهن أو في غيرهن من المارين ومن أذى الناس باحتقار من يمر أو غيبة أو غيرهما أو إهمال رد السلام في بعض الأوقات أو إهمال الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ونحو ذلك من الأسباب التي لو خلا في بيته سلم منها اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 36]، والبخاري [2465]، وأبو داود [4815]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5509 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الجهني مولاهم الدراوردي (المدني) صدوق، من (8) (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي

فُدَيكٍ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ , كِلاهُمَا عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5510 - (2124) (179) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ".ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (عن هشام يعني ابن سعد) القرشي المدني يتيم زيد بن أسلم، صدوق، من (7) (كلاهما) أي كل من عبد العزيز وهشام بن سعد رويا (عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن أبي سعيد الخدري، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد العزيز وهشام بن سعد لحفص بن ميسرة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5510 - (2124) (179) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من كبار التابعين، من (2) (أن أبا هريرة قال) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق المسلم على المسلم خمس) أي الحقوق المشتركة بين المسلمين عند ملابسة بعضهم بعضًا، والحق لغة هو الثابت ونقيضه هو الباطل، والحق في الشريعة يطلق على الواجب وعلى المندوب المؤكد كما قال: "الوتر حق " رواه أحمد [5/ 418]، وأبو داود [1422]، والنسائي [3/ 238] لأن كل واحد منهما ثابت في الشرع فإنه مطلوب مقصود قصدًا مؤكدًا غير أن إطلاقه على الواجب أول وأولى وقد أطلق في هذا الحديث على القدر المشترك بين الواجب والمندوب فإنه جمع فيه بين واجبات ومندوبات، وقد تقدم أن الابتداء بالسلام سنة، وأما إجابة الدعوة فواجبة في الوليمة كما تقدم، وفي غيرها مندوب إليها، وأما النَصيحة فواجبة عند الاستنصاح وفي غيره تفصيل على ما تقدم في كتاب الإيمان وأما تشميت العاطس فاختلف فيه على ما يأتي، وأما عيادة المريض فمندوب إليها إلا أن يخاف ضياعه فيكون تفقده وتمريضه واجبًا على الكفاية، وقد تقدم الكلام على اتباع الجنائز في بابها اهـ من المفهم. (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ, عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ, وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ, وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ, وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ, وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ". قَال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ مَعْمَرٌ يُرْسِلُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَأَسْنَدَهُ مَرَّةً عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من سداسياته، وغرض هذا التحويل بيان متابعة معمر ليونس، وفائدتها تقوية السند الأول (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس تجب) وجوبًا حقيقيًّا أو مجازيًا (للمسلم على أخيه) المسلم أحدها (رد السلام) ما لم يكن في حال يمتنع معها رده ككونه في مستراح أو جماع أو خلاء أو نحوها (و) ثانيهما (تشميت العاطس) أي الدعاء له بالرحمة إن حمد الله كما يجيء في حديث آخر (و) ثالثها (إجابة الدعوة) أي دعوة الداعي وجوبًا إن كانت إلى وليمة عرس ما لم يكن هناك لهو ومزامير ونحوهما من المحرمات أو المكروهات وندبًا إلى غيرها (و) رابعها (عيادة المريض) بشرط أن لا يطيل الجلوس عنده (و) خامسها (اتباع الجنائز) إلى أن يصلي عليها وإن اتبع إلى الدفن فهو أفضل والله أعلم. (قال عبد الرزاق) بالسند السابق (كان) شيخي (معمر) بن راشد (يرسل هذا الحديث) المذكور حالة كونه راويًا (عن الزهري) بإسقاط الصحابي والتابعي (وأسنده) أي أسند معمر هذا الحديث (مرة) أي تارة أخرى أي ذكر سنده متصلًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (عن ابن المسيب عن أبي هريرة) عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يضره إرساله لأنه أسنده في رواية وأسنده غيره أيضًا والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز [1240]، وأبو داود في الأدب باب في العطاس [5030]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في تشميت العاطس [2738]، والنسائي في الجنائز باب النهي عن سب الأموات [7038]، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في عيادة المريض [1434]. قوله (رد السلام) قال النووي: نقل ابن عبد البر إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة لأنه إكرام وإحسان إلى المسلم وأن رده واجب لأنه مكافاة ومجازاة، وأقل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السلام أن يقول السلام عليكم إن كان المسلم عليه جماعة فإن كان واحدًا فأقله السلام عليك، والأفضل أن يقول السلام عليكم ليتناوله وملكيه الكاتبين أعماله وأكمل منه أن يزيد ورحمة الله ثم الأكمل منه أن يزيد وبركاته ولو قال سلام عليكم أجزاه، واستدل العلماء لزيادة ورحمة الله وبركاته بقوله تعالى إخبارًا عن سلام الملائكة بعد ذكر السلام (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) وبقول المصلي في التشهد "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وأما صفة الرد فالأفضل الأكمل أن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويأتي بالواو فإن حذفها جاز وكان تاركًا للأفضل، ولو اقتصر على وعليكم السلام أو على عليكم السلام أجزأ ولو اقتصر على عليكم لم يجزئه بلا خلاف ولو قال وعليكم بالواو ففي إجزائه وجهان عند أصحابنا وأقل السلام ابتداء وردًا أن يسمع صاحبه ولا يجزئه ما دون ذلك ويشترط كون الرد على الفور ولو أتاه سلام من غائب مع رسول أو في ورقة وجب الرد على الفور وقد جمعت في كتاب الأذكار نحو كراستين في الفوائد المتعلقة بالسلام اهـ نووي. وقوله (وتشميت العاطس) حكى النووي عن ثعلب أن أصله التسميت بالسين المهملة ومعناه الدعاء له بهدايته إلى السمت فقلبت السين شينًا وتشميت العاطس وتسميته أن يدعو له بالرحمة، واختلفوا في حكمه قيل هو سنة على الكفاية وهو الذي اختاره النووي من الشافعية، وقيل إنه فرض عين وهو الذي اختاره جماعة من الشافعية، وقيل إنه واجب على الكفاية وهو مذهب الحنفية وجمهور الحنابلة، ثم إن التشميت إنما يجب أو يسن إذا حمد العاطس كما مر وكما سيأتي في حديث أبي هريرة (وإذا عطس فحمد الله فسمته) فأما إذا لم يحمد العاطس لا يجب أو لا يسن التشميت وكذلك الكافر لا يجب ولا يسن تشميته لكن يستحب أن يدعى له بالهداية كما ورد في حديث أبي موسى عند أبي داود (كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول "يهديكم الله ويصلح بالكم ") وهل يسمى ذلك تشميتًا فيه خلاف فمن جعل التشميت خاصًّا بالدعاء بالرحمة لم يجعله تشميتًا ومن عممه لكل دعاء سماه تشميتًا. وقال النووي في الأذكار: إذا تكرر العطاس متتابعًا فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات روينا في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع

5511 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) , عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس عنده رجل فقال له "يرحمك الله" ثم عطس أخرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل مزكوم". قوله (وإجابة الدعوة) وهي سنة وقيل واجبة لورود صيغة الأمر في الرواية الآتية ولكنه مقيد بما إذا لم يكن عذر وعلى كلا القولين لا ينبغي التخلف عن إجابة الدعوة العامة كدعوة العرس والختان ونحوهما وإذا أجاب فقد فعل ما عليه أكل أو لم يأكل وإن لم يأكل فلا بأس عليه والأفضل أن يأكل إن كان غير صائم ومن دعي إلى وليمة فوجد ثمة لعبًا أو غناء فلا بأس أن يقعد ويأكل فإن قدر على المنع منعهم وإن لم يكن يقدر صبر وهذا إذا لم يكن مقتدى به أما إذا كان مقتدى به ولم يقدر على منعهم فإنه يخرج ولا يقعد معهم. قوله (وعيادة المريض) قال النووي: أما عيادة المريض فسنة بالإجماع سواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه والقريب والأجنبي، وجزم البخاري بالوجوب ووجهه الداودي وابن بطال بأنه واجب على الكفاية والجمهور على كونها سنة مندوبة وذكر الطبري أنها تتأكد في حق من ترجى بركته، وفي الكافر خلاف كذا في فتح الباري [10/ 112]. قوله (واتباع الجنائز) وهو سنة بالإجماع أيضًا وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما وقد مر بسط الكلام فيها في كتاب الجنائز. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5511 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لسعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حق المسلم على المسلم ست) خصال.

قِيلَ: مَا هُنَّ؟ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ. وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ. وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ. وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ". 5512 - (2125) (180) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فإن قلت) هنا ذكر ستًّا وفي الأولى خمسًا فبين الروايتين معارضة من حيث العدد. [قلت] لا معارضة لأن العدد الزائد لا ينفي الأقل وبأنه يمكن أن يوحى إليه أولًا العدد الأقل ثم الزائد فيخبره. (قيل) له صلى الله عليه وسلم ولم أر من ذكر أسماء القائلين (ما هن) أي ما تلك الست (يا رسول الله قال) صلى الله عليه وسلم في بيانها (إذا لقيته) أي إذا لقيت أخاك المسلم (فسلم عليه) أي إكرامًا وتحية له (وإذا دعاك) إلى وليمة (فأجبه) أي فأجب دعوته بالحضور وإن لم تأكل (وإذا استنصحك) أي طلب منك النصيحة في أموره (فانصح له) أي أظهر له النصيحة والخير ولا تداهنه ولا تغشه عن بيان النصيحة، والنصيحة إرادة الخير للغير وإظهاره له ليتمسك به (وإذا عطس فحمد الله فسمته) أي فادع له بقولك يرحمك الله، وفي النهاية: التشميت بالشين المعجمة والسين المهملة الدعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما دلالة يقال شمت فلانًا وشمت عليه تشميتًا واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى وقيل معناه أبعدك الله من الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك اهـ (وإذا مرض فعده) أي زره عيادة له عن مرضه والدعاء له بالعافية (وإذا مات فاتبعه) أي فاتبع جنازته حاملًا له إلى موضع الصلاة عليه، والأفضل اتباعه إلى موضع الدفن إن لم يكن له عذر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 5512 - (2125) (180) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) (عن عبيد الله بن أبي بكر) بن أنس بن مالك الأنصاري أبي معاذ البصري (قال) عبيد الله (سمعت) جدي (أنسًا) ابن مالك الأنصاري البصري

يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثني إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر عن جده أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا أيضًا إسناد رباعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب) أي اليهود والنصارى الكائنون من أهل الذمة (فقولوا) في رد سلامهم (وعليكم) ذاك الذي قلتم بإثبات الواو العاطفة أو عليكم بحذفها وأكثر الروايات بإثباتها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد المسلم عليهم بقوله (وعليكم) فقط ولا يقول (وعليكم السلام) وقال بعض المالكية يقول في جوابهم (السلام عليكم) بكسر السين وهو بمعنى الحجارة، وحكى ابن عبد البر عن ابن طاوس قال يقول (علاكم السلام) بالألف أي ارتفع، وذهب بعض السلف إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم (عليكم السلام) كما يرد على المسلم واحتجوا بقوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} وحكاه الماوردي وجهًا عن بعض الشافعية لكن لا يقول ورحمة الله، وروي عن ابن عباس وعلقمة أنه يجوز عند الضرورة، وعن الأوزاعي قال (إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد تركوا) وعن طائفة من العلماء لا يرد عليهم أصلًا، وعن بعضهم التفرقة بين أهل الذمة وأهل الحرب والراجح من هذه الأقوال كلها ما دل عليه حديث الباب وهو أن يكتفي بقوله (وعليكم) اهـ فتح الباري [11/ 45]. وقد روي هذا الجواب هنا (وعليكم) بإثبات الواو أو (عليكم) بدونها، ووقع في بعض الروايات (عليك) وكلا الجوابين جائز فأما بإثبات الواو فمعناه أن السام وهو الموت لا يختص بنا بل هو وارد عليكم في أوانه كما أنه وارد علينا في أواننا وهو معنى صحيح وقيل إن الواو للاستئناف والتقدير وعليكم ما تستحقونه من الذم وهذه المعاني ظاهرة في جواب من خاطب مسلمًا بقوله (السام عليكم) أما إذا خاطب الكافر مسلمًا بقوله (السلام عليكم) فالظاهر من عموم لفظ الحديث أن جوابه (وعليكم) فقط أيضًا والمعنى حينئذ وعليكم ما تستحقونه من الذم.

5513 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ) , قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ, وَاللَّفْظُ لَهُمَا , قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أصْحابَ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَينَا. فَكَيفَ نَرُدُّ عَلَيهِمْ؟ قَال: "قُولُوا وَعَلَيكُمْ". 5514 - (2126) (181) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاستئذان في باب كيف يرد السلام على أهل الذمة [6258] وفي غيره، وأبو داود في الأدب باب في السلام على أهل الذمة [5207] والترمذي في التفسير باب ومن سورة المجادلة [3296]، وابن ماجه في الأدب باب رد السلام على أهل الذمة [3741]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5513 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (قالا) أي قال كل من خالد بن الحارث ومعاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لهما قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال) شعبة (سمعت قتادة) ابن دعامة (يحدث عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة قتادة لعبيد الله بن أبي بكر (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم) السلام (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قولوا) لهم (وعليكم). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5514 - (2126) (181) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب)

وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى - (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) , إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيكُمْ, يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيكُمْ. فَقُلْ: عَلَيكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المقابري (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (واللفظ ليحيى بن يحيى قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر المدني (أنه سمع ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (يقول) وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم) في تسليمه عليكم (السام) أي الموت (عليكم فقل) أنت يا عبد الله إذا سلم عليك أحدهم في الرد عليه أو أيها المسلم (عليك) ذلك السام يعني يدعو الخبيث على المسلم بالهلاك والموت، والسام بفتح السين وبالألف وهو المشهور في الروايات معناه الموت، وقيل إنه السام مهموز الوسط مصدر سامه سامًا ومعناه عليكم أن تساموا وتنكلوا عن دينكم حتى تتركوه وتعرضوا عنه، وقد جاءت الأحاديث في مسلم بحذف الواو وإثباتها والأكثر بالإثبات، ويحتمل أن يكون للعطف وأن تكون للاستئناف كما مر، واختار بعضهم الحذف لأن العطف يقتضي التشريك وتقريره أن الواو في مثل هذا التركيب تقتضي تقرير الجملة الأولى وزيادة الثانية عليها كمن قال زيد كاتب فقلت وشاعر فإنه يقتضي ثبوت الوصفين لزيد، قال النووي: والصواب أن الحذف والإثبات جائزان والإثبات أجود ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر فيه، وقال البيضاوي: في العطف شيء مقدر أي وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس عطفًا على عليكم في كلامهم وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم، ولذا قال فقل عليك بغير واو وقد روي بالواو أيضًا، قال الطيبي: سواء عطف على عليكم أو على الجملة من حيث هي لأن المعنى يدور مع إرادة المتكلم فإذا أردت الاشتراك كان ذلك وإن لم ترد حملت على معنى الحصول والوجود كأنه قيل حصل منهم ذاك ومني هذا اهـ من القسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 19]، والبخاري في الاستئذان [6257] وفي غيره، وأبو داود في الأدب باب في السلام على أهل الذمة [5206]،

5515 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَقُولُوا وَعَلَيكَ". 5516 - (2127) (182) وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) , قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ, عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتِ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والترمذي في السير باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب [1603]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5515 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد الله ابن دينار) مولى ابن عمر (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لإسماعيل بن جعفر، وساق سفيان (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل بن جعفر (غير أنه) أي لكن أن سفيان (قال) في روايته (فقولوا) بصيغة الجمع (وعليك) بإثبات الواو والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 5516 - (2127) (182) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن سابور (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (استأذن رهط) أي طلب جماعة (من اليهود) الإذن في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم) أي الموت أو السامة من الدين (عليكم) يا أهل البيت. قوله (رهط من اليهود) قال الحافظ: لم أر من ذكر أسماءهم لكن أخرج الطبراني بسند ضعيف عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ

فَقَالتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ, إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" قَالتْ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَال: "قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيكُمْ". 5517 - (00) (00) حَدَّثَنَاهُ حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقبل رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث، فقال: السام عليك يا محمد فقال: "وعليكم" فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون أحد الرهط المذكورين وكان هو الذي باشر الكلام عنهم كما جرت العادة من نسبة القول إلى جماعة والمباشر له واحد منهم (فقالت عائشة) رضي الله تعالى عنها مستعجلة لما فطنت كلامه لا علينا ما ذكرت (بل عليكم السام واللعنة) أي الطرد من رحمة الله، وفي رواية للبخاري في الاستئذان (فقالوا السام عليك ففهمتها فقلت عليكم السام) .. إلخ، وظاهر هذا اللفظ أن عائشة رضي الله تعالى عنها فهمت كلامهم بفطنتها فأنكرت عليهم وظنت أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أنهم تلفظوا بلفظ السلام فبالغت في الإنكار عليهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله) سبحانه وتعالى (يحب الرفق) والسهولة والتيسير والمسامحة (في الأمر كله) إذا كان من حقوق العباد فيما بينهم لا في حقوق الله تعالى، وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم وكمال حلمه، وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة (قالت) عائشة (ألم تسمع) يا رسول الله (ما قالوا) فإنهم قالوا السام عليكم فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (قد قلت) وأجبت لهم بقولي (وعليكم) ذلك السام ففيه كفاية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 37]، والبخاري في مواضع منها في الاستئذان باب كيف يرد على أهل الذمة السلام [6256]، والترمذي في الاستئذان باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة [2702]، وابن ماجه في الأدب باب رد السلام على أهل الذمة [3742]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5517 - (00) (00) (حدثناه حسن بن علي) الخلال (الحلواني) المكي أبو محمد

وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ, حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قُلْتُ: عَلَيكُمْ". وَلَمْ يَذْكُرُوا الْوَاوَ. 5518 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكَ, يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الهذلي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (جميعًا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من صالح ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعتهما لسفيان بن عيينة (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث صالح ومعمر (جميعًا) لفظة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قلت) لهم في جواب قولهم (عليكم) ما قلتم، ففيه الكفاية في الرد عليهم (ولم يذكرا) أي ولم يذكر صالح ومعمر حرف (الواو) العاطفة قبل عليكم، وفي هذا بيان لمحل المخالفة بينه وبينهما، وفي أغلب النسخ (ولم يذكروا) بواو الجمع وهو تحريف من النساخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5518 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني مولاهم الكوفي، ثقة، من (4) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مسروق لعروة (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (أتى النبي صلى الله عليه وسلم أناس من اليهود) لم أر من ذكر أسماءهم أي دخلوا عليه وهو في بيتي (فقالوا) له (السام عليك يا أبا القاسم قال) النبي صلى الله عليه وسلم في

"وَعَلَيكُمْ" قَالتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ, لَا تَكُونِي فَاحِشَةً" فَقَالتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَال: "أَوَلَيسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيهِمُ الَّذِي قَالُوا؟ قُلْتُ: وَعَلَيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب قولهم (وعليكم قالت عائشة) فـ (قلت) أنا مجيبة لهم لا علينا السام (بل عليكم السام والذام) هو بالذال المعجمة وتخفيف الميم ويقال بالهمز أيضًا وهو الذم ضد المدح والأشهر ترك الهمزة وألفه منقلبة عن واو، والذام والذيم والذم بمعنى العيب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة لا تكوني فاحشة) في الجواب أي لا تكوني قائلة بالكلام الفاحش بل عليك بالرفق، والفحش هو القبيح من القول والفعل، وقيل الفحش مجاوزة الحد في الكلام، وفي الأبي: أي لا يصدر منك كلام فيه جفاء وهذا منه صلى الله عليه وسلم أمر لعائشة بالتثبت والرفق وعدم الاستعجال وتأديب لها لما نطقت به من الكلام واللعنة وغيرهما، وكان صلى الله عليه وسلم يستألف الكفار بالأموال الطائلة فكيف بالكلام الحسن اهـ منه. (فقالت) عائشة فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ (ما سمعت ما قالوا) لك يا رسول الله (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (أ) تركتهم بلا رد عليهم (وليس) الشأن (قد رددت عليهم الذي قالوا) من السام بل رددت عليهم و (قلت) لهم (وعليكم) ذاك السام الذي قلتم لا علينا. قال النووي: وفي هذا الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسدة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل، ودل الحديث أيضًا على استحباب اللين من الكلام سواء كان المخاطب كافرًا أو معاندًا اهـ. قول عائشة (بل عليكم السام والذام) الذام بتخفيف الميم، الرواية المشهورة فيه بالذال المعجمة وهو العيب ومنه المثل (لا تعدم الحسناء ذامًا) أي عيبًا، ويهمز ولا يهمز يقال ذأمه يذأمه مثل دأب عليه يدأب واسم المفعول مذؤوم مهموزًا، ومنه {مَذْءُومًا مَدْحُورًا} ويقال ذامه يذومه مخففًا كرامه يرومه، قال الأخفش: الذام أشد العيب وقد وقع للعذري هذا الحرف (الهام) بالهاء يعني هامة القتيل وصداه التي كانت العرب تتحدث بها وهي من أكاذيبها كما تقدم وتعني بذلك عائشة على هذا القتل دعت عليه بالموت والقتل، وقال ابن الأعرابي: بالدال المهملة وفسره بالدائم،

5519 - (00) (00) حَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيدٍ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَهْ. يَا عَائِشَةُ, فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والصواب الأول إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5519 - (00) (00) (حدثناه إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا يعلى بن عبيد) ابن أبي أمية اللحام الإيادي الحنفي الطنافسي مولاهم أبو يوسف الكوفي، روى عن الأعمش في الأدب، وزكرياء بن أبي زائدة في الفضائل، ويحيى بن سعيد وفضيل بن غزوان وجماعة، ويروي عنه (ع) وإسحاق الحنظلي وابن أبي شيبة وهارون بن عبد الله الحمال وعبد بن حميد والذهلي وآخرون، ضعفه ابن معين في الثوري، ووثقه في غيره وقال أحمد: صحيح الحديث وقال في التقريب: ثقة إلا في حديثه عن الثوري، من كبار التاسعة، قال البخاري: مات سنة (209) تسع ومائتين (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران (بهذا الإسناد) يعني عن مسلم عن مسروق عن عائشة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يعلى بن عبيد لأبي معاوية (غير أنه) أي لكن أن يعلى بن عبيد (قال) في روايته (ففطنت) أي فهمت بفطنتها (بهم) أي بمقالتهم (عائشة) رضي الله تعالى عنها (فسبتهم) أي سبت عائشة أولئك اليهود القائلين ذلك السام وشتمتهم. قال النووي: ففيه جواز الانتصار من الظالم وفيه الانتصار لأهل الفضل ممن يؤذيهم اهـ. قال القرطبي: قوله (ففطنت بهم) صحيح الرواية بفاء وطاء مهملة ونون من الفطنة والفهم أي فهمت عنهم ما قالوه، ولابن الحذاء (فقطبت) بقاف وباء موحدة من التقطيب وهو العبسة والغضب، وقد جاء مفسرًا في الرواية الأخرى (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعائشة (منه يا عائشة) منه اسم فعل أمر بمعنى اكففي وانزجري وأمسكي عما تقولين، وقيل حرف استفهام بمعنى ما والهاء للوقف والمعنى عليه ما هذا الذي تقولين وهو استفهام إنكار (فإن الله) سبحانه (لا يحب) ولا يرضى من عباده (الفحش) بضم الفاء وسكون الحاء والفحش ما يستفحش من الأقوال والأفعال غير أنه كثر إطلاقه على الزنا وهو غير مراد هنا قطعًا، وقيل هو مجاوزة الحد في كل شيء، وقال في المبارق: هو اسم لكل

وَالتَّفَحُّشَ".وَزَادَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة: 8] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. 5520 - (2128) (183) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَلَّمَ نَاسٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكَ, يَا أَبَا الْقَاسِمِ, فَقَال: "وَعَلَيكُمْ " فَقَالتْ عَائِشَةُ, وَغَضِبَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ خصلة قبيحة (والتفحش) أي التكلف في فعل الفاحشة (وزاد) يعلى بن عبيد في روايته على أبي معاوية لفظة (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) بسبب ذلك أي بسبب تحية اليهود التي قالتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ({وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} إلى آخر الآية) يعني قوله: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 5520 - (2128) (183) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمّال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) أبو محمد البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا كلاهما (قالا حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور أبو محمد البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (قال) حجاج بن محمد (قال) لنا (ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته (سلم ناس من يهود) لم أر من من ذكر أسماءهم (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا) في سلامهم عليه صلى الله عليه وسلم (السام عليك يا أبا القاسم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد عليهم (وعليكم) ما قلتم لي لا عليّ (فقالت عائشة) رضي الله تعالى عنها (و) الحال أنها قد (غضبت) لما قالت اليهود، وفي هذا الكلام تقديم وتأخير، ومن المعلوم أن الواو لا تدل على الترتيب، والأصل فغضبت فقالت ما قالت فلما زجرها النبي صلى الله عليه

أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَال: "بَلَى, قَدْ سَمِعْتُ, فَرَدَدْتُ عَلَيهِمْ. وَإِنَّا نُجَابُ عَلَيهِمْ وَلَا يُجَابُونَ عَلَينَا". 5521 - (2129) (184) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلامِ. فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم قالت (ألم تسمع) يا رسول الله (ما قالوا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلى) أي ليس الأمر عدم سماعي بل (قد سمعت) ما قالوا (فرددت عليهم) ما قالوا بقولي وعليكم (وإنا) معاشر المسلمين (نجاب) من جهة الله تعالى في الدعاء (عليهم) لكوننا على الحق (و) هم (لا يجابون) من جهة الله تعالى في الدعاء (علينا) لكونهم على الباطل فلا يضرنا دعاؤهم علينا بالسام فلا حاجة بنا في الإقذاع في الكلام. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [3/ 383]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال: 5521 - (2129) (184) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) ابن محمد بن عبيد الجهني المدني (يعني الدراوردي عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام) لأن الابتداء بالسلام إكرام للمسلم عليه وليسوا من أهله (فإذا لقيتم أحدهم) أي تلاقيتم مع أحد منهم واجتمعتم (في طريق) واحد (فاضطروه) أي ألجئوا أحدهم (إلى أضيقه) أي إلى أضيق الطريق بحيث لو كان في الطريق جدار يلتصق بالجدار وإلا فيأمره ليعدل عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه جزاءً وفاقًا لما عدلوا عن الصراط المستقيم كذا في المرقاة. وقوله (لا تبدؤوا اليهود) .. الخ قيل النهي فيه للتنزيه وضعفه النووي وقال: الصواب أن ابتداءهم بالسلام حرام لأنه إعزاز لهم ولا يجوز إعزاز الكفار وهذا النهي إذا

5522 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ "إِذَا لَقِيتُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يكن للمسلم حاجة إلى الذمي وإلا فلا بأس عليه، وقال الطيبي: المختار أن المبتدع لا يبدأ بالسلام ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذميًا أو مبتدعًا يقول استرجعت سلامي تحقيرًا له وأما إذا سلموا على المسلم فقد جاء في حديث آخر أنه يرد عليهم بقوله وعليكم ولا يزيد عليه ولكن الدعاء لهم بمقابلة إحسانهم غير ممنوع لما روي أن يهوديًّا حلب للنبي صلى الله عليه وسلم نعجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم جمله" فبقي اسوداد شعره إلى قريب من سبعين سنة اهـ من المبارق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 436]، وأبو داود في الأدب [5205]، والترمذي في الاستئذان باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة [2701]. قال القرطبي: قوله (لا تبدؤوا اليهود) .. الخ إنما نهى عن ذلك لأن الابتداء بالسلام إكرام والكافر ليس أهلًا لذلك فالذي يناسبهم الإعراض عنهم وترك الالتفاف إليهم تصغيرًا لهم وتحقيرًا لشأنهم حتى كأنهم غير موجودين، وقوله (فاضطروه إلى أضيقه) أي لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى والعطف وليس معنى ذلك أنا إذا لقيناهم في طريق واسع أننا نلجئهم إلى حرفه حتى نضيق عليهم لأن ذلك أذى منا لهم من غير سبب وقد نهينا عن أذاهم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5522 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (كلهم) أي كل من شعبة وسفيان وجرير رووا (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة شعبة وسفيان وجرير لعبد العزيز الدراوردي، وفائدتها تقوية السند الأول (و) لكن (في حديث وكيع) لفظة (إذا لقيتم

الْيَهُودَ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَال: فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ "إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ" وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. 5523 - (2130) (185) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ اليهود وفي حديث ابن جعفر عن شعبة) لفظة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) شأن (أهل الكتاب وفي حديث جرير) لفظة (إذا لقيتوهم ولم يسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يذكر (أحدًا من المشركين) بأسمائهم أي لم يذكر أحدًا من الفريقين يعني اليهود والنصارى بأسمائهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث أنس بن مالك الثاني رضي الله عنه فقال: 5523 - (2130) (185) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن سيار) بن وردان العنزي أبي الحكم الواسطي، ثقة، من (6) (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري، ثقة، من (4) (عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان) أي صبيان (فسلم عليهم) أي على الغلمان. قال ابن بطال: في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب، قال أبو سعيد المتولي في التتمة: من سلم على صبي لم يجب عليه الرد لأن الصبي ليس من أهل الفرض وينبغي لوليه أن يأمره بالرد ليتمرن على ذلك ولو سلم على جمع فيهم صبي فرد الصبي دونهم لم يسقط عنهم الفرض، وكذا قاله شيخه القاضي حسين ورده المستظهري. وقال النووي: الأصح لا يجزئ ولو ابتدأ الصبي بالسلام وجب على البالغ الرد على الصحيح حكاه الحافظ في الفتح [11/ 33] ثم قال: ويستثنى من السلام على الصبي ما لو كان وضيئًا وخشي من السلام عليه الافتنان فلا يشرع ولاسيما إذا كان مراهقًا منفردًا اهـ. قال القرطبي: وكونه صلى الله عليه وسلم يسلم على الصبيان إنما كان ليبين لهم مشروعية ذلك ويفشي السلام ولينالوا بركة تسليمه عليهم وليعلمهم كيفية التسليم وسنته فيألفوه ويتمرنوا عليه اهـ من المفهم.

5524 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5525 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ. قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ. فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ. وَحَدَّثَ ثَابِتٌ؛ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ أَنَسٍ. فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ. وَحَدَّثَ أَنَسٌ؛ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6237] في الاستئذان، وأبو داود في الأدب [5202]، والترمذي في الاستئذان [2697]، وابن ماجه في الأدب في السلام على الصبيان والنساء [3744]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5524 - (00) (00) (وحدثنيه إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا هشيم أخبرنا سيار بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أنس، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن سالم ليحيى بن يحيى في الرواية عن هشيم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5525 - (00) (00) (وحدثني عمرو بن علي) بن يحيى الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (ومحمد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي البصري الملقب بحمدان، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سيار قال) سيار (كنت أمشي مع ثابت) بن أسلم (البناني فمر) ثابت (بصبيان) يلعبون (فسلم عليهم) ثابت (وحدث ثابت أنه) أي أن ثابتًا (كان يمشي مع أنس) بن مالك (فمر) أنس (بصبيان فسلم عليهم) أنس (وحدث أنس أنه) أي أن أنسًا (كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بصبيان فسلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليهم) أي على الصبيان. فهذا الحديث من أنواع المسلسل يسمى المسلسل بالسلام على الصبيان.

5526 - (2131) (186) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ) , حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (فمر بصبيان) قال النووي: بكسر الصاد على المشهور وبضمها، ففيه استحباب السلام على الصبيان المميزين والندب إلى التواضع وبذل السلام للناس كلهم، وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته على العالمين اهـ، وقال العيني: وسلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان من خلقه العظيم وأدبه الشريف، وفيه تدريب لهم على تعليم السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة ليبلغوا متأدبين بآدابها، وقيل لا يسلم على صبي وضيء إذا خشي الافتنان من السلام عليه ولو سلم الصبي على البالغ وجب عليه الرد على الصحيح اهـ، وأما النساء الأجنبية فلا يسلم على غير العجوز التي لا تشتهى منهن، وأما المحارم فيستحب السلام عليهن والله أعلم، قال النووي: وقال الكوفيون: لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن فيهن محرم، وقال العيني: وهو ليس مذهب الحنفية اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 5526 - (2131) (186) (حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (وقتيبة بن سعيد كلاهما عن عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (واللفظ) الآتي (لقتيبة) قال قتيبة (حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إبراهيم بن سويد) النخعي الكوفي الأعور، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (قال) إبراهيم (سمعت عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أبا بكر الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عبد الرحمن بن يزيد (سمعت ابن مسعود) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سداسياته (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذنك) في الدخول (علي) أي علامة إذني لك في الدخول علي في بيتي (أن يرفع

الْحِجَابُ، وَأَنْ تَسْتَمِعَ سِوَادِي، حَتَّى أَنْهَاكَ". 5527 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجاب) وتكشف الستور المسدولة على باب البيت، والفعل مبني للمجهول لا غير أي أن يكشف الحجاب عن الباب فإذا رأيت بابي مكشوفًا عن الستارة فادخل علي بلا استئذان بالقول فإن رفع الحجاب علامة الإذن لك في الدخول (و) لك (أن تستمع) وتصغي (سوادي) أي مناجاتي ومساررتي ومحادثتي مع الغير (حتى أنهاك) وأزجرك عن الاستماع، والسواد بكسر السين الشخص والمراد به السرار وهو السر والمساررة مع الغير والمناجاة معه يقال ساودت الرجل سوادًا ومساودة إذا ساررته قالوا وهو مأخوذ من إدناء سوادك من سواده عند المساررة أي شخصك من شخصه اهـ نووي. والمعنى إذا رأيت حجاب بيتي مرفوعًا فإن ذلك علامة لكونك مأذونًا له في الدخول عليّ، وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الدخول، قال القرطبي: هذا إذن خاص جعله لابن مسعود أنه إذا جاء بيت النبي صلى الله عليه وسلم ووجد الستر قد رفع دخل بغير إذن بالقول ولهذا كانت الصحابة تذكر هذا في فضائل ابن مسعود ويقولون كان يؤذن له إذا حجبنا وكان له من التبسط في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن لغيره لما علمه صلى الله عليه وسلم من حاله وخلقه وإلفه ببيته. قوله (وأن تستمع سوادي) هكذا رواية مسلم وعند القرطبي في الخلاصة (وأن تسمع) من السماع وهو بمعنى الأول (سوادي) أي مسارتي وهذه خصوصية أخرى لابن مسعود رضي الله عنه حيث أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم باستماع مسارته إلى أن ينهاه عن ذلك، والسواد بكسر السين مصدر من ساوده مساودة وسوادًا استعير للمساررة لأن من يسار أحدًا فإنه يدني سواده من سواده أي شخصه من شخصه اهـ. ويستفاد من هذا الحديث أن رب المنزل لو جعل رفع ستر بيته علامة على الإذن في الدخول إليه لاكتفى بذلك عن الاستئذان بالقول اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 404]، وابن ماجه [139] في المقدمة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5527 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) , عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيدِ اللَّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن الحسن بن عبيد الله) النخعي الكوفي، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة عبد الله بن إدريس لعبد الواحد بن زياد (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبد الرحمن عن ابن مسعود، وساق عبد الله بن إدريس (مثله) أي مثل ما حدث عبد الواحد بن زياد. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أحد عشر حديثًا: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي طلحة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث أبي طلحة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عائشة ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث أنس وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن حديث جابر ذكره للاستشهاد به ثالثًا لحديث أنس، والتاسع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد به رابعًا لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث أنس بن مالك الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

673 - (17) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان وتحريم الخلوة بالأجنبية ودفع ما يوقع في التهم وظن السوء

673 - (17) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان وتحريم الخلوة بالأجنبية ودفع ما يوقع في التهم وظن السوء 5528 - (2132) (187) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ, بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيهَا الْحِجَابُ, لِتَقْضِيَ حَاجَتَهَا. وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً تَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمًا, لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 673 - (17) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان وتحريم الخلوة بالأجنبية ودفع ما يوقع في التهم وظن السوء 5528 - (2132) (187) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (خرجت سودة) بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما ليلة من الليالي (بعدما ضرب) وفرض (عليها) وعلى غيرها من أمهات المؤمنين (الحجاب) أي الاحتجاب من الرجال بترك الخروج من البيت (لتقضي) متعلق بخرجت أي خرجت من بيتها لتقضي وتخرج (حاجتها) حاجة الإنسان من بول وغائط في الصحراء لأن البيوت وقتئذ خالية من الكنف (وكانت) سودة (امرأة جسيمة) أي كبيرة الجسم طويلته (تفرع النساء) بفتح التاء والراء وإسكان الفاء وبالعين المهملة أي تطولهن (جسمًا) فتكون أطول منهن، والفارع المرتفع العالي اهـ نووي، أي تفوقهن من جهة كبر الجسم وطوله والمراد أن سودة رضي الله تعالى عنها كانت جسيمة أطول من عامة النساء فتعرف بذلك، ولذلك قال (لا تخفى على من يعرفها) أولًا يعني أنها لا تخفى على من يعرفها وإن كانت متلففة في ثياب لانفرادها بهذه القامة، وقوله هنا (بعدما ضرب عليها الحجاب) صريح في أن قصة سودة مع عمر رضي الله عنهما وقعت بعد نزول الحجاب، وسيأتي من طريق الزهري عن عروة ما يخالفه فإن فيه (كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاءً وكانت امرأة طويلة فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة. حرصًا على أن ينزل الحجاب) فهذا صريح في أن القصة وقعت قبل نزول الحجاب فهذا يعارض ما هنا من قوله (بعدما

فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَال: يَا سَوْدَةُ, وَاللَّهِ مَا تَخْفَينَ عَلَينَا. فَانْظُرِي كَيفَ تَخْرُجِينَ. قَالتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيتِي. وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ. فَدَخَلَتْ فَقَالتْ: يَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب الحجاب عليها) وطريق الجمع بين الروايتين رواية هشام ورواية الزهري أن قصة سودة مع عمر وقعت مرتين قبل نزول الحجاب كما في الرواية الآتية من رواية ابن شهاب وأخرى بعد نزوله كما في رواية هشام هنا. قال الحافظ في الفتح [8/ 531] والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام احجب نساءك وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كن مستترات فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج ومما يزيد هذا الجمع أن عمر رضي الله عنه نادى سودة في المرة الأولى بقوله قد عرفناك يا سودة، وناداها في المرة الثانية بعد نزول الحجاب بقوله (يا سودة والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين) فكأنه رضي الله عنه لم يكتف بضرب الحجاب على أمهات المؤمنين وإنما أراد أن يمنعن من الخروج أصلًا ولم يقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك اهـ. (فرآها) أي فرأى سودة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنهما حالة خروجها ليلًا (فقال) عمر لها أي ناداها (يا سودة والله ما تخفين علينا) بتلففك في ثيابك وبظلام الليل بل نعرفك (فانظري) يا سودة أي فكري في شأنك وفي منزلتك (كيف تخرجين) من بيتك فيطلع عليك البر والفاجر وأنت من أمهات المؤمنين (قالت) عائشة (فانكفأت) سودة من الانفعال أي انقلبت وانصرفت من طريقها قبل قضاء حاجتها حالة كونها (راجعة) إلى بيتها ومنزلها (ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أي والحال أنه (في بيتي وإنه) صلى الله عليه وسلم (ليتعشى) أي ليأكل العشاء (وفي يده) صلى الله عليه وسلم (عرق) أي عظم عليه لحم، والعرق بفتح العين وسكون الراء، قال صاحب العين: العراق بضم العين العظم الذي لا لحم عليه وإن كان عليه لحم فهو العرق بفتح العين وسكون الراء يقال تعرقت العظم وأعرقته إذا تتبعت ما عليه اهـ من الأبي. وهذا المعنى هو المشهور، وقيل العرق هو القذر من اللحم وهو شاذ ضعيف (فدخلت) سودة علينا في بيتي (فقالت يا

رَسُولَ اللهِ, إِنِّي خَرَجْتُ. فَقَال لِي عُمَرُ: كَذَا وَكَذَا. قَالتْ: فَأُوحِيَ إِلَيهِ. ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ. فَقَال: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: يَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمُهَا. زَادَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ: فَقَال هِشَامٌ يَعْنِي الْبَرَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله إني خرجت) من بيتي لقضاء حاجة الإنسان (فقال لي عمر) بن الخطاب كذا وكذا) كناية عما قال لها عمر من الكلام السابق وهو اسم إشارة مركب كني به عن المبهم في محل النصب مقول قال مبني على السكون (قالت) عائشة (فأوحي إليه) صلى الله عليه وسلم (ثم رفع) وكشف (عنه) ما يجده من شدة الوحي (و) الحال (إن العرق في يده ما وضعه) على الأرض، وجملة إن حال من نائب فاعل أوحي ورفع وهو الجار والمجرور فيهما (فقال إنه) أي إن الشأن والحال (قد أذن لكن) يا نساء النبي صلى الله عليه وسلم (أن تخرجن لحاجتكن) أي لقضاء حاجتكن حاجة الإنسان. قال الأبي: لا خلاف أن للمرأة أن تخرج فيما تحتاج إليه من أمورها الجائزة لكن على حال بذاذة وخشونة ملبس، والحاصل أنها تخرج على حالة لا يمتد إليها فيها الأعين وما أعدم اليوم الأمر لما يظهرن من الزينة والطيب والتخير من الملابس الحسان وذلك معصية ظاهرة اهـ منه، وقال ابن بطال: في هذا الحديث دليل على أن النساء يخرجن لكل ما أبيح لهن الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم وغير ذلك مما تمس الحاجة إليه وذلك في حكم خروجهن إلى المساجد، وفيه خروج المرأة بغير إذن زوجها إلى المكان المعتاد للإذن العام فيه، وفي الفقه الحنفي يخرجن بغير إذن أزواجهن في ستة مواضع فقط لا غير فالتفصيل يطلب منه اهـ. (وفي رواية أبي بكر) بن أبي شيبة (يفرع النساء جسمها) أي يفوق جسمها جسم النساء طولًا وعظمًا بدل قول أبي كريب (تفرع النساء جسمًا) (زاد أبو بكر في حديثه) أي في روايته على أبي كريب لفظة قال أبو أسامة (فقال هشام يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أن تخرجن لحاجتكن (البراز) أي الخروج للغائط، والبراز بفتح الباء على ما هو المشهور في الرواية هو الموضع الواسع البارز الظاهر وكان يختار مثل هذا المكان لقضاء الحاجة ففسر هشام الحاجة التي أذن للنساء الخروج من أجلها بأن المراد هو الخروج إلى البراز، وقال الجوهري في الصحاح: البراز بكسر الباء وهو الغائط، وقال

5529 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, وَقَال: وَكَانَتِ امْرَأَةً يَفْرَعُ النَّاسَ جِسْمُهَا. قَال: وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى. 5530 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5531 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ النووي: وهذا هو الأشبه بأن يكون هو المراد هنا فإن مراد هشام بقوله يعني البراز تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن " فقال هشام المراد بحاجتهن الخروج للغائط لا لكل حاجة من أمور المعايش اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الوضوء باب خروج النساء إلى البراز [146 أو 147]، وفي التفسير [4795] وفي مواضع أخر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5529 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) غرضه بيان متابعة ابن نمير لأبي أسامة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (وقال) ابن نمير في روايته (وكانت) سودة (امرأة يفرع) بفتح الياء وسكون الفاء (الناس) عامة أي يفوق (جسمها) جسم الناس طولًا وعرضًا (قال) ابن نمير أيضًا (وإنه) صلى الله عليه وسلم (ليتعشى) أي ليأكل العشاء كرواية أبي أسامة مراده بهذا أن ابن نمير لم يذكر لفظة وفي يده عرق كما ذكره أبو أسامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 5530 - (00) (00) (وحدثنيه سويد بن سعيد) بن سهل الهروي، صدوق، من (10) (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لأبي أسامة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 5531 - (00) (00) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي نسبة

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيلِ, إِذَا تَبَرَّزْنَ, إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: احْجُبْ نِسَاءَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى فهم بن عمرو مولاهم المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (10) (عن جدي) الليث بن سعد الفهمي المصري، ثقة حجة، من (7) (حدثني عقيل بن خالد) ابن عقيل بفتح العين الأموي مولاهم مولى عثمان الأيلي ثم المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لهشام بن عروة (أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن) في عادتهن (يخرجن بالليل) أي في الليل (إذا تبرزن) أي أردن الخروج لقضاء الحاجة (إلى المناصع) جمع منصع كمقعد ومقاعد وهذه المناصع مواضع، قال الأزهري: أراها مواضع خارج المدينة وهو مقتضى قولها في الحديث (وهو صعيد أفيح) أي أرض متسعة، والأفيح بالفاء المكان الواسع وهو تفسير مدرج من ابن شهاب أو من قول عائشة، وكذا البراز الفضاء الواسع وهو بفتح الباء ويكنى به عن الحاجة، قال الخطابي: وأكثر الرواة يقولون بكسر الباء وهو غلط لأن البراز بالكسر مصدر بارزت الرجل مبارزة وبرازًا، والمناصع بفتح الميم وكسر الصاد جمع منصع بوزن مقعد وهي أماكن معروفة من ناحية البقيع، قال الداودي: سميت بذلك لأن الإنسان ينصع فيها أي يخلص كذا في فتح الباري [1/ 249]، وقال ابن الجوزي: هي المواضع التي يتخلى فيها للحاجة حكاه العيني في العمدة [2/ 283] وعلى كل حال فهذه المواضع كانت تستعمل لقضاء الحاجة قبل أن تتخذ الكنف في البيوت ثم لما اتخذت الكنف في البيوت أغنتهن عن الخروج لقضاء الحاجة وكانوا لا يتخذونها استقذارًا فكانت النساء يخرجن بالليل إلى خارج البيوت ويبعدن عنها إلى هذا الموضع وقد نصت على هذا عائشة اهـ مفهم (وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نساءك) يا رسول الله أي امنعهن عن الخروج وهذه مصلحة ظهرت لعمر فأشار بها ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن تلك المصلحة خفيت عليه لكنه كان ينتظر الوحي في ذلك ولذلك لم يوافق عمر

فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ, زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيلَةً مِنَ اللَّيَالِي, عِشَاءً, وَكَانَتِ امْرَأَةً طَويلَةً. فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ! حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزِلَ الْحِجَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على ذلك حين أشار إليه به لاسيما قد كانت عادة نساء العرب أن لا يحتجبن لكرم أخلاق رجالهم وعفاف نسائهم غالبًا ولذلك قال عنترة: وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها فلما لم يكن هنالك ريبة تركهن ولم ينههن استصحابًا للعادة وكراهة لابتداء أمر أو نهي فإنه كان يحب التخفيف عن أمته، ففيه من الفقه الإشارة على الإمام بالرأي وإعادة ذلك إن احتاج إليها وجواز إشارة المفضول على الفاضل وجواز إعراض المشار عليه وتأخير الجواب إلى أن يتبين له وجه يرتضيه أهـ من المفهم (فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) ذلك أي حجب نسائه عن الخروج ومنعهن منه انتظارًا للوحي (فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء) أي وقت عشاء قبل المناصع (وكانت) سودة (امرأة طويلة) تفرع النساء طولًا (فـ) لما رآها عمر (ناداها عمر) بقوله (ألا) أي انتبهي يا سودة وفكري في شأنك (قد عرفناك يا سودة) إلى أين تخرج أي ناداها (حرصًا على أن ينزل الحجاب) ورغبة في نزوله، والحرص شدة الرغبة في الشيء. قال العيني: قوله (على أن ينزل الحجاب) بصيغة المجهول، وقال القسطلاني: وفي نسخة في الفرع بصيغة المعلوم وفي هذا منقبة عظيمة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه تنبيه أهل الفضل والكبار على مصالحهم ونصيحتهم وتكرار ذلك عليهم اهـ نووي، قال العيني: ثم اعلم أن الحجاب كان في السنة الخامسة في قول قتادة، وقال أبو عبيد في الثالثة، وقال ابن إسحاق بعد أم سلمة، وعند ابن سعد في الرابعة في ذي القعدة اهـ قال القرطبي: وقول عمر في هذا الحديث (ألا قد عرفناك يا سودة) يقتضي أن ذلك كان من عمر رضي الله عنه قبل نزول الحجاب لأن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فيه حرصًا على أن ينزل الحجاب فأنزل الحجاب والرواية الأخرى تقتضي أن ذلك كان بعد نزول الحجاب فالأولى أن يحمل ذلك على أن عمر قد تكرر منه هذا القول قبل نزول الحجاب وبعده ولا بعد فيه، ويحتمل أن يحمل ذلك على أن بعض الرواة ضم قصة

قَالتْ عَائِشَةُ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَز وَجَل الْحِجَابَ. 5532 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى أخرى والأول أولى فإن عمر بن الخطاب وقع في قلبه نفرة عظيمة وأنفة شديدة من أن يطلع أحد على حرم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صرح له بقوله احجب نساءك فإنهن يراهن البر والفاجر ولم يزل ذلك عنده إلى أن نزل الحجاب وبعده فإنه كان قصده أن لا يخرجن أصلًا فأفرط في ذلك فإنه مفض إلى الحرج والمشقة والإضرار بهن فإنهن محتاجات إلى الخروج ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما تأذت بذلك سودة "قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن". (قالت عائشة فأنزل الله عزَّ وجلَّ الحجاب) أي آية الحجاب وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] كذلك روي عن أنس وابن مسعود رضي الله عنهما غير أن هذا يتوجه عليه إشكال وهو أن حديث أنس وابن مسعود يقتضي أن سبب نزولها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أعرس بزينب اجتمع عنده رجال فجلسوا في بيته وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فأطالوا المجلس حتى ثقلوا عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية رواه مسلم [1428]، وحديث عائشة يقتضي أن الحجاب إنما نزل بسبب قول عمر احجب نساءك ويزول ذلك الإشكال بأن يقال إن الآية نزلت عند مجموع السببين فيكون قد تقدم قوله احجب نساءك وكرر ذلك عليه إلى أن اتفقت قصة بناء زينب فصدقت نسبة نزول الآية لكل واحد من ذينك السببين. [قلت] وهذا الحجاب الذي أمر به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخصص به هو في الوجه والكفين، قال القاضي عياض: لا خلاف في فرضه عليهن في الوجه والكفين الذي اختلف في ندب غيرهن إلى ستره، قالوا: ولا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها ولا ظهور أشخاصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج إلى البراز وقد كن إذا خرجن جلسن للناس من وراء حجاب وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5532 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا

يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, نَحْوَهُ. 5533 - (2133) (188) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا) هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلا لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب بهذا الإسناد نحوه) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة صالح لعقيل بن خالد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 5533 - (2133) (188) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى أخبرنا وقال ابن حجر حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (ح وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي، ثقة، من (10) (وزهير بن حرب قالا حدثنا هشيم) بن بشير (أخبرنا أبو الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون) ذلك الرجل (ناكحًا) أي متزوجًا لها (أو ذا محرم) أي أو يكون ذا رحم محرم لها أي صاحب قرابة لها يحرم نكاحها عليه، قال القرطبي: هذا الحديث لا مفهوم له لأن الخلوة بالأجنبية بكرًا كانت أو ثيبًا ليلًا أو نهارًا محرمة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" رواه أحمد والترمذي، وبقوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان" رواه أحمد ومسلم، وبقوله صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم " إياكم والدخول على المغيبات " رواه أحمد والترمذي، وبالجملة فالخلوة بالأجنبية حرام بالاتفاق في كل الأوقات وعلى كل الحالات وإنما خص المبيت عند الثيب بالنهي لأن الخلوة بالثيب في الليل هي التي تمكن غالبًا فإن الأبكار يتعذر الوصول إليهن غالبًا للمبالغة في التحرز بهن ولنفرتهن عن الرجال ولأن الخلوة بالنهار تندر فخرج النهي على المتيسر غالبًا اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قوله (عند امرأة ثيب) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: خص الثيب لأن عادة الأبكار أن يحتجبن عن الرجال فكيف يدخل عليهن أو يبيت عندهن، وقال النووي: هو من باب التنبيه لأنه إذا نهى عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة فالبكر أولى. قوله (إلا أن يكون ناكحًا) يعني إذا كان زوجًا لها وهذا واضح وقد ذكره عياض بالتاء (إلا أن تكون ناكحًا) بصيغة المؤنث الغائب والمعنى أن تكون المرأة ذات زوج حاضر ويكون مبيته بحضرة زوجها، ورد النووي هذه الرواية والتفسير، وصحح الرواية المذكورة في المتن، وقال: المعنى لا يبت رجل عند امرأة إلا زوجها أو ذو محرم منها. قوله (أو ذا محرم) قال النووي: إن المحرم هو كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد لسبب مباح لحرمتها فقولنا على التأبيد احتراز من أخت امرأته وعمتها وخالتها ونحوهن وعن بنتها قبل الدخول بالأم وقولنا لسبب مباح احتراز عن أم الموطوءة بشبهة وبنتها فإنه حرام على التأبيد لكن لا لسبب مباح فإن وطأ الشبهة لا يوصف بأنه مباح ولا محرم ولا بغيرهما من أحكام الشرع الخمسة لأنه ليس فعل مكلف، وقولنا لحرمتها احتراز عن الملاعنة فهو حرام على التأبيد لا لحرمتها بل تغليظًا عليهما وكذلك أم المزنية وبنتها عند بعض الحنفية وإن كانت محرمة على التأبيد ولكن تحريمها لم يحصل بسبب مباح فلا تسمى محرمًا في حق الحجاب، وقد صرح الزيلعي به نقلًا عن بعض الفقهاء الحنفية ولكن صحح أنها في حكم المحرم في حق النظر، راجع رد المحتار [6/ 367] فصل في النظر والمس اهـ تكملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنهما فقال:

5534 - (2134) (189) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" فَقَال رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَرَأَيتَ الْحَمْوَ؟ قَال: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5534 - (2134) (189) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) ابن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها، ثقة، من (5) (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري، ثقة، من (3) (عن عقبة بن عامر) الجهني المدني ثم المصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والدخول على النساء) المغيبات كما في بعض الرواية أي باعدوا أنفسكم عن الدخول عليها (فقال رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه قاله الحافظ (يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ ) وهو قريب زوج المرأة كأخيه وابن عمه أي أخبرني عن حكم دخوله على المرأة هل هو حرام أم مباح؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) أي في الكلام تشبيه بليغ أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلفهم لذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة عادة وخرج هذا مخرج قول العرب الأسد الموت والحرب الموت أي لقاؤه يفضي إلى الموت وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه اهـ من المفهم. قوله (وإياكم والدخول على المغيبات) هذا تحذير شديد ونهي وكيد كما يقال إياك والأسد، وإياك والشر أي اتق ذلك واحذره، والمنصوبان مفعولان بفعلين مقدرين يدل عليهما المعنى (والمغيبات) جمع مغيبة وهي التي غاب عنها زوجها يقال غاب الزوج فهو غائب وأغابت زوجته في حال غيبته فهي مغيبة بصيغة اسم المفعول اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 149] , والبخاري [5232]، والترمذي [1171].

5535 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَيوَةَ بْنِ شُرَيحٍ وَغَيرِهِمْ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ حَدَّثَهُمْ, بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْتُ اللَّيثَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: الْحَمْوُ أَخُ الزَّوْجِ. وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ. ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: وفي هذه الأحاديث تحريم الخلوة بالأجنبية وإباحة الخلوة بمحارمها وهذان الأمران مجمع عليهما اهـ. قوله (أفرأيت الحمو) يعني أخبرني يا رسول الله هل يجوز دخول الحمو على المرأة؟ وهو على ما فسره الليث أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج وابن العم ونحوه. وقوله صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) يعني أن الخلوة معه مؤدية إلى الهلاك في الدين، قال القاضي: معنى هذا الحديث الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد التغليظ اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 5535 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (والليث بن سعد) الفهمي المصري (وحيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (وغيرهم) كمالك بن أنس وأسامة بن زيد الليثي والثوري (أن يزيد بن أبي حبيب حدثهم) أي حدث لهؤلاء المذكورين من عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح ومالك بن أنس والثوري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الخير عن عقبة بن عامر وساقوا (مثله) أي مثل ما حدث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب. غرضه بيان متابعة هؤلاء لليث بن سعد في الرواية عن يزيد بن أبي حبيب، ثم ذكر المؤلف تفسيرًا مدرجًا من الليث وغيره فقال (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب قال) ابن وهب وسمعت غير الليث كحيوة بن شريح وأسامة الليثي ومالك (وسمعت) أيضًا (الليث بن سعد يقول الحمو أخ الزوج وما أشبهه) أي وما أشبه الأخ (من أقارب الزوج) وقوله (ابن العم ونحوه) كابن الأخ بالرفع بدل من قوله (وما

5536 - (2135) (190) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيرٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيسٍ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ, وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ, فَرَآهُمْ. فَكَرِهَ ذَلِكَ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: لَمْ أَرَ إِلَّا خَيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أشبهه) بدل تفصيل من مجمل وهذا تفسير مدرج من الليث ليس من المتابعة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم فقال: 5536 - (2135) (190) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري (ح وحدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث) المصري (أن بكر بن سوادة) بن ثمامة بضم المثلثة وفتح الميم المخففة الجذامي المصري، ثقة، من (3) (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن عبد الرحمن بن جبير) المصري المؤذن العامري، ثقة فقيه، عالم بالفرائض، من (3) (حدثه) أي حدث لبكر بن سوادة (أن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم بن سعيد مصغرًا القرشي السهمي أحد السابقين إلى الإسلام رضي الله عنهما (حدثه) أي حدث لعبد الرحمن بن جبير. وهذان السندان من سداسياته (أن نفرًا من بني هاشم) لم أو من ذكر أسماءهم (دخلوا على أسماء بنت عميس) زوجة جعفر بن أبي طالب (فدخل أبو بكر الصديق وهي) أي أسماء (تحته) أي تحت أبي بكر الصديق أي زوجته تزوجها بعد موت جعفر بن أبي طالب عنها (يومئذ) أي يوم إذ دخل عليها نفر من بني هاشم (فرآهم) أي فرأى أبو بكر أولئك النفر (فكره) أبو بكر (ذلك) أي دخولهم عليها (فذكر) أبو بكر (ذلك) أي دخولهم عليها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال) أبو بكر ولكن (لم أر) منهم (إلا خيرًا) وكان دخولهم عليها في غيبة أبي بكر رضي الله عنه لكنه كان في الحضر لا في السفر وكان على وجه ما يعرف من أهل الصلاح والخير مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والريب كما قدمناه، ولعل هذا

فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَال: "لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ, بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ, إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَو اثْنَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كان قبل نزول الحجاب وقبل أن يتقدم لهم في ذلك بأمر ولا نهي غير أن أبا بكر رضي الله عنه أنكر ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية والدينية كما وقع لعمر رضي الله عنه في الحجاب ولما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول عليها حين قال لم أر منهم إلا خيرًا يعني على الفريقين فإنه علم أعيان الجميع لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم ثم خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بالشهادة لها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد برأها) أي قد برأ الله أسماء (من ذلك) أي مما وقع في نفس أبي بكر فكان ذلك منقبة عظيمة من أشرف مناقبها وفضيلة جسيمة من أعظم فضائلها ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جمع الناس وصعد المنبر (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر) فنهاهم عن ذلك وعلمهم ما يجوز منه (فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة) أي على المرأة التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد (إلا ومعه رجل أو اثنان) سدًا لذريعة الخلوة ودفعًا لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم لأن التهمة كانت ترتفع بذلك القدر فأما اليوم فلا يكتفى بذلك القدر بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد وخبث المقاصد، ورحم الله مالكًا لقد بالغ في هذا الباب حتى منع فيه ما يجر إلى بعيد التهم والارتياب حتى منع خلوة المرأة بابن زوجها والسفر معه وإن كانت محرمة عليه لأنه ليس كل أحد يمتنع بالمانع الشرعي إذا لم يقارنه مانع عادي فإنه من المعلوم الذي لا شك فيه أن موقع امتناع الرجل من النظر بالشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه وأخته هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذلك قد أنست به النفس الشهوانية فلا بد مع المانع الشرعي في هذا من مراعاة الذرائع العادية اهـ من المفهم. وقول القرطبي (ولعل هذا الدخول كان قبل نزول الحجاب) لا يصح لأن أسماء بنت عميس إنما تزوجها أبو بكر رضي الله عنهما يوم حنين كما صرح به الحافظ في

5537 - (2136) (191) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ. فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ. فَجَاءَ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الإصابة وذلك بعد نزول الحجاب يقينًا فالظاهر أنهم دخلوا عليها بمراعاة أحكام الحجاب ولكن أبا بكر رضي الله عنه إنما كره ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية مع التصريح بأنه لم ير إلا خيرًا. وقوله (مغيبة) بضم الميم وكسر الغين وهي المرأة التي غاب عنها زوجها وأكثر ما يستعمل لمن سافر زوجها إلى خارج البلد ولكن ربما يطلق على من ليس زوجها في بيتها كما وقع لأسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها. قوله (إلا ومعه رجل أو اثنان) وقوله أو اثنان قال في المبارق: شك من الراوي، وفي قوله اثنان دون رجلان إشارة إلى أن المراد بهما العدد صغيرين أو كبيرين، قال النووي: ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية والمشهور عند أصحابنا تحريمه فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك اهـ منه. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [1868]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 537 5 - (2136) (191) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أحد نسائه) وهي صفية بنت حيي كما سيأتي التصريح بها في روايتها (فمر به) صلى الله عليه وسلم (رجل) اسمه أسيد بن حضير أو عباد بن بشر كما سيأتي في الرواية شرحه، ومعه صلى الله عليه وسلم المرأة (فدعاه) أي فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (فجاء فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم

"يَا فُلانُ! هَذِهِ زَوْجَتِي فُلانَةُ" فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ, فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ". 5538 - (2137) (191) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ, (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ) , قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا فلان) كناية عن اسم الرجل (هذه) المرأة (زوجتي فلانة) كناية عن اسمها (فقال) الرجل (يا رسول الله من) الذي (كنت أظن به) السوء (فلم أكن) أنا (أظن بك) السوء يا رسول الله وأنت معصوم فكيف أظن بك السوء (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل (إن الشيطان يجري) بوسوسته (من الإنسان مجرى الدم). وقوله (يا فلان هذه) .. الخ فيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة اهـ نووي. وقوله (من كنت أظن به) .. الخ هذا بيان منه أنه برئ من سوء الظن في حقه صلى الله عليه وسلم. قوله (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) قال القاضي عياض وغيره: قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان في مجاري دمه، وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه الدم، وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل وسوسته إلى القلب اهـ نووي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكنه شاركه في جزئه الأخير أبو داود في السنة باب ذراري المشركين رقم [4719] والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث صفية رضي الله عنهما فقال: 5538 - (2137) (191) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (وتقاربا في اللفظ قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي الحسين زين العابدين المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن) أم المؤمنين (صفية بنت حيي)

قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا. فَأَتَيتُهُ أَزُورُهُ لَيلًا فَحَدَّثْتُهُ. ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ. فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي, وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ, فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته (قالت) صفية كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا) في المسجد، قد تقدم الكلام على الاعتكاف لغة وشرعًا في كتابه (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (أزوره) أي حالة كوني أريد زيارته، وقوله (ليلًا) متعلق بأتيته (فحدثته) أي فتحدثت معه صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: فيه دليل على جواز زيارة المعتكف والتحدث معه غير أنه يكره الإكثار من ذلك لئلا يشتغل عما دخل إليه من التفرغ لعبادة الله تعالى، وأما على أنه لا تكره له الخلوة مع أهله في معتكفه ولا الحديث معها وإنما الممنوع المباشرة لكن هذا للأقوياء ومن يخاف على نفسه غلبة شهوة فلا يجوز له لئلا يفسد اعتكافه وقد كان كثير من الفضلاء يجتنبون دخول منازلهم في نهار رمضان مخافة الوقوع فيما يفسد الصوم أو ينقص ثوابه اهـ من المفهم. قالت صفية (ثم قمت) من عنده صلى الله عليه وسلم (لأنقلب) وأرجع إلى بيتي (فقام) النبي صلى الله عليه وسلم (معي ليقلبني) بفتح الباء وكسر اللام من باب ضرب أي ليصرفني ويردني ويشيعني ويرجعني إلى بيتي، ووقع في رواية علي بن حسين عند البخاري في الاعتكاف (كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فرحن فقال لصفية بنت حيي "لا تعجلي حتى أنصرف معك" وكان بيتها في دار أسامة بن زيد) والذي يظهر أن اختصاص صفية بذلك لكون مجيئها تأخر عن رفقتها فأمرها بتأخير التوجه ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن عنده أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها فخشي النبي صلى الله عليه وسلم عليها أوكان مشغولًا فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله ويشيعها قاله الحافظ في الفتح [4/ 278]. قوله (وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد) قال الحافظ أيضًا: أي في الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها صفية وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد (فمر) علينا (رجلان من الأنصار) وقد مر في حديث أنس (فمر به رجل) بصيغة الإفراد ولا تعارض بينهما فإن العدد الأقل لا ينفي الأكثر ويمكن أن يكون أحدهما تابعًا للآخر فاستقل المتبوع بالذكر ودخل التابع فيه ضمنًا وبما أن هذا

فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى رِسْلِكُمَا. إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ" فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ الاختلاف لا يتعلق بأصل القصة فلا يبعد أن يكون قد وقع فيه وهمٌ من أحد الرواة، ثم ذكر الحافظ أنه لم يقف على تسمية هذين الرجلين وذكر أنه زعم ابن العطار في شرح العمدة أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستندًا والله أعلم. وفي تنبيه المعلم: قال ابن حجر في الفتح [4/ 279] رقم [2035] على الرواية التي فيها مر رجلان لم أقف على تسميتهما في شيء من كتب الحديث إلا أن ابن العطار قال في شرح العمدة: أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستندًا، ثم قال على رواية (فمر به رجل) ووفق بينها وبين الرواية التي بعدها بقوله إن أحدهما كان تبعًا للآخر فحيث أفرد ذكر الأصل وحيث ثنى ذكر الصورة وضعف احتمال تعدد القصة اهـ منه. (فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا) في مشيهما، وفي رواية للبخاري [2035] فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حبان (فلما رأياه استحييا فرجعا) فأفاد سبب رجوعهما وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردهما بل لما رأى أنهما تركا مقصدهما ورجعا ردهما (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لهما (على رسلكما) بكسر الراء وسكون السين أي على هينتكما في المشي فليس هنا شيء تكرهانه، وهو متعلق بمحذوف تقديره امشيا على هينتكما، قال القرطبي: والرسل بكسر الراء الرفق واللين وليس فتح الراء فيه معروفًا (والرسل) بالكسر أيضًا اللبن وقد جاء أرسل القوم صار لهم اللبن في مواشيهم والرسل بفتح الراء والسين القطيع من الخيل والإبل والغنم وجمعه أرسال يقال جاءت الخيل أرسالًا أي قطيعًا قطيعًا (إنها) أي إن المرأة (صفية بنت حيى) وفي رواية إنما هي صفية (وإنما) هنا لتحقيق المتصل بها وتمحيق المنفصل عنها كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي أن الإلهية متحققة له منفية عن غيره فكأنه قال هذه صفية لا غيرها حسمًا لذريعة التهم وردًا لتسويل الشيطان ووسوسته كما قد نص عليه وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتقي مواقع التهم عند قيام الأدلة القاطعة على عصمته كان غيره أولى بذلك (فقالا) أي فقال الرجلان (سبحان الله) أي تنزيهًا لله وبراءة

يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ. وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا" أَوْ قَال: "شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ له من كل سوء (يا رسول الله قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف) أي خفت أن يلقي ويرمي (في قلوبكما شرًّا) أي سوء ظن بي (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي أن يقذف في قلوبكما (شيئًا) بدل شرًّا أي شيئًا مما يضر في إيمانكما من سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: قول الرجلين (سبحان الله) معنى هذه الكلمة في أصلها البراءة لله من السوء لكنها قد كثر إطلاقها عند التعجب والتفخيم أو الإنكار كما قال تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} وكقوله صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن لا ينجس" ومثله كثير وهذا الموضع منها فكأنهما قالا البراءة لله تعالى من أن يخلق في نفوسنا ظن سوء بنبيه صلى الله عليه وسلم ولذلك قال في الرواية الأخرى (ومن كنت أظن به فلم أكن أظن بك) اهـ من المفهم. وقوله (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) حمله بعضهم على ظاهره فقال إن الله تعالى جعل للشيطان قوة وتمكنًا من أن يرى في باطن الإنسان ومجاري دمه والأكثر على أن معنى هذا الحديث الإخبار عن ملازمة الشيطان للإنسان واستيلائه عليه بوسوسته وإغواثه وحرصه على إضلاله وإفساد أحواله فيجب الحذر منه والتحرز من حيله وسد طرق وسوسته وإغوائه وإن بعدت وقد بين ذلك في آخر الحديث بقوله: "إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا فتهلكا" وخصوصًا في مثل هذا الذي يفضي بالإنسان إلى الكفر فإن ظن السوء والشر بالأنبياء كفر، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: في هذا الحديث من الفقه أن من قال في النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذا أو جوزه عليه فهو كافر مستباح الدم. قوله: (أن يقذف في قلوبكما شرًّا) أي يرمي ومنه القذف أي الرمي والقذافة الآلة التي ترمى بها الحجارة، والشر هنا هو الكفر الذي ذكرناه وهو في غير مسلم فتهلكا أي بالكفر الذي يلزم عن ظن السوء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذكر في الرواية الأخرى أنه كان رجلًا واحدًا، فيحتمل أن يكون هذا في مرتين، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أحدهما بالقول بحضرة الآخر فتصبح نسبة القصة إليهما جمعًا

5539 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَينٍ؛ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ, فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ, فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً. ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ. وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْلِبُهَا , ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَعْمَرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ" وَلَمْ يَقُلْ: "يَجْرِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ وإفرادًا والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 237]، والبخاري [3281]، وأبو داود [2470 و 2471]، وابن ماجه [1779]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5539 - (00) (00) (وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) (عن الزهري أخبرنا علي بن حسين أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي حدثت لعلي بن حسين. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب لمعمر (أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد) النبوي (في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت) من عنده حالة كونها (تنقلب) وترجع إلى بيتها (وقام النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها) إلى بيتها (ثم ذكر) شعيب (بمعنى حديث معمر) لا لفظه (غير أنه) أي أن شعيبًا (قال) في روايته (فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ولم يقل) شعيب لفظة (يجري) كمعمر. وهذا الحديث دل على فوائد كثيرة فمنها جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة وزيارة المرأة للمعتكف وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإثم، وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار، قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيًا نفيًا للتهمة، ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه وقد عظم البلاء على المسلمين بهذا المصنف كذا في فتح الباري والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث جابر، والخاص حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والسادس حديث صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها ذكره للاستشهاد به لحديث أنس رضي الله عنه وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم. ***

674 - (18) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم وتحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه وإذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ومنع المخنث عن الدخول على النساء الأجانب

674 - (18) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم وتحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه وإذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ومنع المخنث عن الدخول على النساء الأجانب 5540 - (2138) (192) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ, عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيثِيِّ؛ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَينَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ. إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاثَةٌ. فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَذَهَبَ وَاحِدٌ. قَال: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 674 - (18) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم وتحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه وإذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ومنع المخنث عن الدخول على النساء الأجانب 5540 - (2138) (192) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أبا مرة) يزيد الهاشمي مولاهم (مولى عقيل بن أبي طالب) ويقال مولى أم هانئ بنت أبي طالب الحجازي المدني مشهور بكنيته، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (أخبره) أي أخبر أبو مرة لإسحاق بن عبد الله (عن أبي واقد الليثي) اسمه الحارث بن مالك المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد) النبوي (والناس) جالسون (معه) صلى الله عليه وسلم متحلقين حوله (إذ أقبل) وجاء (نفر ثلاثة) لم أر من ذكر أسماء هؤلاء الثلاثة، وفيه دلالة على أن أقل ما يطلق عليه نفر ثلاثة، إذ لا يقال نفر اثنان ولا نفر واحد اهـ من المفهم. والمعنى أي أقبلوا أولًا من الطريق فدخلوا المسجد مارين به (فأقبل) أي جاء (اثنان) منهم (إلى) مجلس (رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) ولم يلتفت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبو واقد الليثي رضي الله عنه (فوقفا) أي فوقف الاثنان (على) مجلس (رسول الله

صلى الله عليه وسلم. فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا. وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال "أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما) أي أحد الاثنين (فرأى) أي فوجد (فرجة) أي خللًا ومحلًا فاضيًا (في الحلقة) أي في صف الدور (فجلس فيها) أي في تلك الفرجة، والفرجة بضم الفاء وفتحها مع سكون الراء الخلل بين الشيئين ويقال لها أيضًا فرج ومنه قوله: {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} جمع فرج بسكون الراء مع فتح الراء، وأما الفرجة بمعنى الراحة من الغم فذكر الأزهري فيها فتح الفاء وضمها وكسرها وقد فرج له في الحلقة والصف ونحوهما بتخفيف الراء يفرج بضمها اهـ نووي. قوله (في الحلقة) قال القسطلاني: هي بإسكان اللام لا بفتحها على المشهور وحكي فتحها وهو نادر، قال العسكري: هي كل مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتح الحاء واللام اهـ. وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم، وفيه أن من سبق إلى موضع كان أحق به (وأما الآخر) من الاثنين (فجلس خلفهم) أي خلف أهل الحلقة ووراءهم (وأما الثالث) من النفر الثلاثة (فأدبر) أي ولى عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (ذاهبًا) أي خارجًا عن المسجد (فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) مما كان مشغولًا به، قال الحاضرون: أخبرنا عن شأن هؤلاء النفر يا رسول الله فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) أي انتبهوا واستمعوا مني خبر هؤلاء الثلاثة (أخبركم عن) شأن (النفر الثلاثة أما أحدهم) أي أحد الثلاثة (فأوى إلى الله) أي لجأ وانضم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فآواه الله) أي جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه وإيواء الله لعبده صفة ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها الرضا عنه والإحسان إليه، قال القرطبي: الرواية الصحيحة بقصر الأول وهو ثلاثي غير متعد ومد الثاني وهو رباعي متعد وهو قول الأصمعي وهي لغة القرآن قال الله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} أي انضموا إلى الكهف ونزلوا فيه، وقال في الثاني: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} أي فضمك إليه، وقال أبو زيد: آويته أنا إيواء وأويته إذا أنزلته بك فعلت وأفعلت بمعنى اهـ من المفهم. وفيه استحباب الأدب في مجالس الذكر والعلم وفضل سد خلل الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن

وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا, فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ. وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ, فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خشي الإيذاء استحب الجلوس حيث ينتهي المجلس كما فعل الثاني من الثلاثة، وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير كذا في فتح الباري، قال القرطبي: ومعنى ذلك أن هذا الرجل الأول لما انضم إلى الحلقة ونزل فيها جازاه الله تعالى على ذلك بأن ضمه إلى رحمته وأنزله في جنته وكرامته، والحق ما قلناه أولًا من معنى الإيواء ففيه الحض على مجالسة العلماء ومداخلتهم والكون معهم فإنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، وفيه التحلق لسماع العلم في المسجد حول العالم والحض على سد خلل الحلقة لأن القرب من العالم أرلى لما يحصل من ذلك من حسن الاستماع والحفظ والحال في حلق الذكر كالحال في صفوف الصلاة يتم الصف الأول فالأول (وأما الآخر) من الاثنين (فاستحيا) أي استحيا من مزاحمة الناس قاله القاضي عياض (فاستحيا الله منه) أي جازاه على استحيائه بأن رحمه ولم يعاقبه، وفي استعمال لفظ الاستحياء مشاكلة والحق أن استحياء الله لعبده صفة ثابتة له نعتقدها ونثبتها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها الصفح والعفو عما وقع منه والإحسان إليه مع ما وقع منه، قال القرطبي: كأن هذا الثاني كان متمكنًا من المزاحمة إذ لو شرع فيها لفسح له لأن التفسح في المجلس مأمور به مندوب إليه لكن منعه من ذلك الحياء فجلس خلف الصف الأول ففاتته فضيلة التقدم لكنه جازاه الله على إصغائه للعلم واستحيائه بأن لا يعذبه وبأن يكرمه (وأما الآخر) يعني الثالث المدبر ذاهبًا (فأعرض) عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير عذر أو استكبارًا من أن يجلس وراء الناس (فأعرض الله عنه) أي سخط عليه، وفي التعبير بالإعراض مشاكلة أيضًا، والحق أن إعراض الله عن عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها السخط والتعذيب، قال الحافظ: ويمكن أن يكون هذا الثالث من المنافقين، وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة كذا في فتح الباري [1/ 157]. وقال القرطبي: إن كان هذا المعرض منافقًا فإعراض الله عنه تعذيبه في نار جهنم وتخليده فيها في الدرك الأسفل وإن كان مسلمًا وإنما انصرف من الحلقة لعارض عرض له فآثره فإعراض الله تعالى عنه منع ثوابه عنه وحرمانه مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم والاستفادة منه والخير الذي حصل لصاحبيه والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5541 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا حَرْبٌ (وَهُوَ ابْنُ شَدَّادٍ). ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ، أَبِي كَثِيرٍ؛ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَهُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ, بِمِثْلِهِ فِي الْمَعْنَى. 5542 - (2139) (193) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 219]، والبخاري في العلم [66] والجلوس في المسجد [474]، والترمذي [2724]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه فقال: 5541 - (00) (00) (وحدثنا أحمد بن المنذر) بن الجارود البصري أبو بكر القزاز، صدوق، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا حرب وهو ابن شداد) اليشكري البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبان) بن يزيد العطار البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب كلاهما (قالا جميعًا) أي قال كل من حرب وأبان (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (أن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثه) أي حدث ليحيى (في هذا الإسناد) يعني عن أبي مرة عن أبي واقد (بمثله) أي بمثل ما روى مالك عن إسحاق أي بمماثله (في المعنى) دون اللفظ، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمالك بن أنس والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابنه عمر رضي الله عنهما فقال: 5542 - (2139) (193) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثني

مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ, ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي (أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه) المباح (ثم يجلس) ذلك الأحد (فيه) أي في مجلس ذلك الرجل الذي أقامه، هذا النهي للتحريم فمن سيق إلى موضع مباح في المسجد أو غيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث إلا أن أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعًا يفتي فيه أو يقرأ قرآنًا أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه اهـ نووي، وفي الأبي: وقيل النهي فيه للكراهة لأنه غير مملوك له قبل الجلوس فكذلك بعده اهـ. وقال القرطبي: نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه وعلى هذا فيكون النهي على ظاهره من التحريم وقيل هو على الكراهة والأول أولى ويستوي في هذا المعنى أن يجلس فيه بعد إقامته أو لا يجلس غير أن هذا الحديث خرج على أغلب ما يفعل من ذلك فإن الإنسان في الغالب إنما يقيم الآخر من مجلسه ليجلس فيه وكذلك يستوي فيه يوم الجمعة وغيره من الأيام التي يجتمع فيها الناس لكن جرى ذكر يوم الجمعة في هذا الحديث لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الناس ويتنافسون فيه في المواضع القريبة من الإمام وعلى هذا فيلحق بذلك ما في معناه، ولذلك قال ابن جريج في يوم الجمعة وفي غيره اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 89]، والبخاري في الاستئذان برقم [6269] وفي الجمعة برقم [911]، وأبو داود [4828]، والترمذي [2749]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

5543 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهْوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ) , كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ) , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ. وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5543 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير ويحيى القطان وعبد الوهاب الثقفي رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (وأبو أسامة) حماد بن أسامة (و) عبد الله (بن نمير قالوا) أي قال كل من هؤلاء الثلاثة محمد بن بشر وأبي أسامة وابن نمير (حدثنا عبيد الله) ابن عمر (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد في الرواية عن نافع (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقيم الرجل الرجل من مقعده) المباح (ثم يجلس) الرجل الأول (فيه) أي في مقعد الرجل الثاني بالرفع في الفعلين فتكون الجملتان خبرًا بمعنى النهي (ولكن تفسحوا وتوسعوا) أي ولكن فليقل أيها الجالسون بعضكم لبعض تفسحوا للقائم فوقكم وتوسعوا له بالفعل فيكون التفسح بالقول والتوسع بالفعل أو هما بمعنى، ذكر الثاني تأكيدًا للأول بمرادفه. قال القرطبي: قوله (تفسحوا وتوسعوا) هذا أمر للجالسين بما يفعلون مع الداخل وذلك أنه لما نهى عن أن يقيم أحدًا من موضعه تعين على الجالسين أن يوسعوا له ولا يتركوه قائمًا فإن ذلك يؤذيه وربما يخجله وعلى هذا فمن وجد من الجالسين سعة تعين عليه أن يوسع له، وظاهر ذلك أنه على الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر وكان القائم يتأذى بذلك وهو مسلم وأذى المسلم حرام، ويحتمل أن يقال إن هذه آداب حسنة ومن مكارم

5544 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ) , كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْحَدِيثِ" وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا". وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيجٍ. قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخلاق فيحمل على الندب. وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} فقيل هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يزدحمون فيه تنافسًا في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل هو مجلس الصف في القتال، وقيل هو عام في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر وهذا هو الأولى إذ الألف واللام في المجلس للجنس على ما حررناه في الأصول اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5544 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني كلاهما) أي كل من روح وعبد الرزاق رويا (عن ابن جريج ح وحدثني ابن رافع حدثنا ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك مصغرًا يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن حزام الحزامي المدني، صدوق، من (7) (كلهم) أي كل من أيوب وابن جريج والضحاك بن عثمان رووا (عن نافع عن ابن عمر بمثل حديث الليث عن نافع) غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لليث بن سعد (ولم يذكروا) أي لم يذكر هؤلاء الثلاثة (في الحديث) لفظة (ولكن تفسحوا وتوسعوا) كما لم يذكره ليث (وزاد) ابن رافع (في حديث ابن جريج قلت) لابن

فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَال: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيرِهَا. 5545 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ثُمَّ يَجْلِسُ فِي مَجْلِسِهِ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ, إِذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ مَجْلِسِهِ, لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جريج ذلك (في يوم الجمعة قال) ابن جريج ذلك (في يوم الجمعة و) كذا في (غيرها) من مجامع المسلمين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5545 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) (عن معمر عن الزهري عن سالم) ابن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقيمن أحدكم أخاه) المسلم (ثم) هو (يجلس في مجلسه. وكان ابن عمر) في عادته (إذا قام) إكرامًا (له) أي لابن عمر (رجل) من المسلمين (عن مجلسه) أي عن موضع جلوس ذلك الرجل ليجلس فيه ابن عمر (لم يجلس) ابن عمر (فيه) أي في ذلك المجلس الذي قام عنه الرجل لإكرامه، قال النووي: هذا منه رضي الله عنه ورع منه وليس قعوده فيه حرامًا إذا قام له برضاه لكنه تورع عنه لوجهين؛ أحدهما: أنه ربما استحيى منه إنسان فقام له من مجلسه من غير طيب قلبه فسد ابن عمر الباب ليسلم من هذا. والثاني: أن الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى فكان ابن عمر يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروهًا أو خلاف الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به وشبه ذلك، قال أصحابنا: وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا دون القرب والله تعالى أعلم اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

5546 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, مِثْلَهُ. 5547 - (2140) (194) وَحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، (وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ اللَّهِ) , عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. ثُمَّ لْيُخَالِفْ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدَ فِيهِ. وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5546 - (00) (00) (وحدثناه عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر بهذا الإسناد) يعني عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وساق عبد الرزاق (مثله) أي مثل ما روى عبد الأعلى عن معمر، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لعبد الأعلى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 5547 - (2140) (194) (وحدثنا سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني نسبة إلى جده لشهرته به، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله) العبسي أبو عبد الله الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة) وكذا في غيره من مجامع المسلمين كيوم العيد وإنما خص يوم الجمعة بالذكر لكثرة وقوع مثل ذلك فيه، وإلا فالحكم عام كما صرح به نافع في الرواية السابقة (ثم ليخالف) أي ثم بعد إقامته يعاقب عنه ويبادر (إلى) الجلوس في (مقعده فيقعد فيه ولكن يقول) القادم للجالسين (افسحوا) لي فسح الله لكم في رحمته. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه فيه أحمد [3/ 295]. ثم إن النهي عن الجلوس في مجلس الغير إنما هو للقادم أما الجالس قبله فيستحب له أن يؤثر بمجلسه من كان أكبر منه سنًّا أو أكثر منه علمًا أو أفضل منه من ناحية أخرى والله سبحانه أعلم.

5548 - (2141) (195) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ. وَقَال قُتَيبَةُ أَيضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ) , كِلاهُمَا عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ: "مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهِ, فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال السرخسي في شرح السير الكبير: وكذا كل ما يكون المسلمون فيه سواء كالنزول في الرباطات والجلوس في المساجد للصلاة والنزول بمنى أو بعرفات أو بمزدلفة للجمع حتى لو ضرب فسطاطه في مكان كان ينزل فيه غيره فهو أحق به وليس للآخر أن يحوّله فإن أخذ موضعًا فوق ما يحتاجه فللغير أن يأخذ الزائد منه فلو طلب ذلك منه رجلان فأراد إعطاء أحدهما دون الآخر فله ذلك، ولو نزل فيه أحدهما فأراد الذي أخذه أولًا وهو غني عنه أن ينزل فيه آخر فلا لأنه اعترض على يده يدًا أخرى محقة لاحتياجها إلا إذا قال إنما كنت أخذته لهذا الآخر بأمره لا لنفسي فإذا حلف على ذلك له إخراجه حكاه ابن عابدين في رد المحتار [1/ 662] قبيل باب الوتر والنوافل، ثم نقل عن الخبير الرملي: ومثل المسجد مقاعد الأسواق التي يتخذها المحترفون من سبق لها فهو الأحق بها وليس لمتخذها أن يزعجه إذ لا حق له فيها ما دام فيها فإذا قام عنها استوى هو وغيره فيها ومذهب الشافعية بخلافه اهـ من التكملة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5548 - (2141) (195) (وحدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (وقال قتيبة أيضًا) أي كما حدث عن أبي عوانة (حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) الدراوردي المدني (كلاهما) أي كل من أبي عوانة والدراوردي رويا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم- وفي حديث أبي عوانة-) وروايته (من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) أي بمجلسه، قال النووي: قال أصحابنا هذا الحديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلًا ثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلًا

5549 - (2142) (196) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسيرًا ثم يعود لم يبطل اختصاصه بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث هذا هو الصحيح عند أصحابنا وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول، قال أصحابنا: ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك فيه سجادة ونحوها أم لا فهو أحق به في الحالين، قال أصحابنا وإنما يكون أحق في تلك الصلاة وحدها دون غيرها. قال ابن عابدين في رد المحتار [1/ 662] وينبغي تقييده أي كون كل موضع من المسجد مباحًا لكل أحد بما إذا لم يقم منه على نية العود بلا مهلة كما لو قام للوضوء مثلًا ولا سيما إذا وضع فيه ثوبه لتحقق سبق يده. وهذا كله إذا لم يطل غيابه عن ذلك الموضع فلا يدخل فيه ما يفعله بعض الناس من ترك سجادتهم بعد صلاة المغرب ليحجزوا مكانهم لصلاة العشاء فإن الحديث إنما يتعلق بمن قام من مجلسه ليعود بعد قليل في تلك الصلاة والله أعلم. وقد اختلف العلماء فيمن ترتب من العلماء والقراء بموضع من المسجد للفتيا أو للتدريس فحكي عن مالك أنه أحق به إذا عرف به، والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بواجب ولعله مراد مالك وكذلك قالوا فيمن قعد من الباعة جمع بائع في موضع من أفنية الطرق وأفضية البلاد غير المتملكة فهو أحق به ما دام جالسًا فيه فإن قام منه ونيته الرجوع إليه من غده فقيل هو أحق به حتى يتم غرضه حكاه الماوردي عن مالك قطعًا للتنازع، وقيل هو وغيره سواء والسابق إليه بعد ذلك أحق به اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 283] وأبو داود [4853] وابن ماجه [3717]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 5549 - (2142) (196) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا حدثنا وكيع ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد

ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ أَيضًا. (وَاللَّفْظُ هَذَا) , حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَهَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَيتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضبي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (كلهم) أي كل من وكيع وجرير وأبي معاوية رووا (عن هشام) بن عروة (ح وحدثنا أبو كريب أيضًا) أي كما حدث عن وكيع وأبي معاوية (واللفظ) أي ولفظ حديثه هو (هذا) الآتي وغيره إنما روى معناه (حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة ابن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته، ومن لطائفها أن فيها رواية صحابية عن صحابية ورواية بنت عن والدتها (أن مخنثًا) من المخنثين (كان عندها) أي عند أم سلمة (ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت) أي في بيت أم سلمة. والمخنث بكسر النون المشددة وفتحها من يشبه خلقه خلق النساء في حركاته وكلامه وغير ذلك فإن كان في أصل الخلقة لم يكن عليه لوم وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه وتكلف له فهو المذموم ويطلق عليه اسم المخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل، قال ابن حبيب: المخنث هو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف منه الفاحشة مأخوذ من التخنث وهو التكسر في المشي وغيره كذا في فتح الباري [9/ 334 و 335] وقال القرطبي: المخنث هو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء من التخنث وهو اللين والتكسر وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعًا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولي الإربة فكانوا لا يحجبونه إلى أن ظهر منه ما ظهر فحجبوه، واختلف في اسم هذا المخنث الذي كان عند أم سلمة، والأشهر أن اسمه هيت بياء ساكنة بعد الهاء مثناة من تحتها آخره مثناة فوقية، وقيل صوابه هنب بنون وباء موحدة أخيرًا والهنب الرجل الأحمق قاله ابن درستويه (اسمه عبد الله بن جعفر بن محمد بن درستويه من علماء اللغة) والأول هو الأصح وجمع بينهما أبو موسى المديني بأن

فَقَال لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ, إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيكُمُ الطَّائِفَ غَدًا, فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيلانَ. فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. قَال: فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما اسم له والآخر لقب، وقيل اسم هذا المخنث هو مائع بمثناة فوقية مولى أبي فاختة المخزومية، قيل وكان هو وهيت يدخلان في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فلما وقعت هذه القصة الآتية غربهما النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة فورد في بعضها أنه صلى الله عليه وسلم أجلاه إلى الحمى موضع رعي إبل الصدقة، وفي بعضها إلى حمراء الأسد، وفي بعضها إلى خاخ والله أعلم اهـ من المفهم. وقال أهل اللغة: المخنث بكسر النون وفتحها هو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته وسكناته وتارة يكون هذا خلقة من الأصل وتارة بتكلف الثاني هو الذي يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن وهو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنه وهو بمعنى الحديث الآخر "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال" بخلاف الأول وهو معذور لا إثم ولا عتب عليه لأنه لا صنع له في ذلك ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أولًا دخوله على النساء ولما ظهر أنه يعرف النساء أنكر دخوله عليهن كذا في النووي (فقال) ذلك المخنث (لأخي أم سلمة) أي لأخيها من أبيها وأمه عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، وكان قبل إسلامه شديدًا على المسلمين مخالفًا مبغضًا لهم وهو الذي قال: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الآية، وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه خرج مهاجرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه بالطريق بين السقيا والعرج وهو يريد مكة عام الفتح فتلقاه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة فدخل على أخته أم سلمة وسألها أن تشفع فشفعت له فشفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وأسلم وحسن إسلامه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة مسلمًا وشهد حنينًا والطائف ورمي يوم الطائف بسهم فقتله، ومات يومئذ رضي الله عنه كذا في عمدة القاري [9/ 518] (يا عبد الله بن أبي أمية إن فتح الله عليكم الطائف غدًا) وسبيتم نساءه (فإني أدلك علي بنت غيلان فإنها) إذا أقبلت إليك بوجهها (تقبل) إليك (بأربع) من طيات البطن (و) إذا أدبرت بظهرها إليك (تدبر بثمان) طيات (قال) الراوي يعني أم سلمة (فسمعه) أي فسمع قول هذا المخنث (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لمن عنده

"لَا يَدْخُلْ هَؤُلاءِ عَلَيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من المؤمنين (لا يدخل هولاء) المخنثون (عليكم) أي على نسائكم فإنهم من أولي الإربة. قوله (فقال لأخي أم سلمة) ثم إن هذا الحديث صريح في أن المخنث إنما قال هذه الكلمة لعبد الله بن أبي أمية، وأخرج المستغفري عن محمد بن المنكدر مرسلًا أنه قال ذلك لعبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأنه قال ذلك لكل واحد منهما. قوله (فإني أدلك علي بنت غيلان) اسمها بادية بنت غيلان بالياء وقيل بادنة بالنون والأول أصح، وأبوها غيلان بن سلمة وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا، وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر، وبادية بنته هي التي تزوجها عبد الرحمن بن عوف فقد ورد أنها استحيضت وسألت النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة. قوله (فإنها تقبل بأربع) عكن في بطنها (وتدبر بثمان) أطراف من العكن في جانبي البطن على كل جانب أربعة فتصير ثمانية في خاصرتيها أربعة على الخاصرة اليمنى وأربعة على الخاصرة اليسرى، وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يظهر لبطنها أربع عكن ولخاصرتيها ثمان وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء، وكانت العرب ترغب في من تكون بتلك الصفة، والعكن جمع عكنة وهي الطي الذي يكون في جانبي البطن من السمن، وفي تعليق محمد ذهني: والعكنة ما انطوت وتثنى من لحم البطن سمنًا والمراد أن أطراف العكن الأربع التي في بطنها تظهر ثمانية في جنبيها، قال الزركشي وغيره: وقال بثمان ولم يقل بثمانية والأطراف مذكرة لأنه لم يذكرها كما يقال هذا الثوب سبع في ثمان أي سبعة أذرع في ثمانية أشبار فلما لم يذكر الأشبار أنث لتأنيث الأذرع التي قبلها اهـ. وقوله (لا يدخل هؤلاء عليكم) وسيأتي وجه هذا النهي في الرواية الآتية في كلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال "ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا" وحاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن له في الدخول على النساء لما كان يظن به من أنه من غير أولي الإربة فلما عرف بكلامه هذا أنه يعرف محاسن النساء ويصفها للأجانب حرم دخوله عليهن.

5550 - (2143) (197) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُخَنَّثٌ. فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيرِ أُولِي الإِرْبَةِ. قَال: فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ. وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً. قَال: إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ. وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلا أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَا هُنَا. لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيكُنَّ" قَالتْ: فَحَجَبُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 290]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في اللباس برقم [5882]، وأبو داود [4929]، وابن ماجه في النكاح باب المخنثين [1909] وفي الحدود [2643]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم سلمة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 5550 - (2143) (197) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث) اسمه هيت (فكانوا) أي فكان المؤمنون (يعدونه) أي يحسبونه أنه (من غير أولي الأربة) والحاجة إلى النساء (قال) الراوي وهي عائشة (فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو) أي والحال أن ذلك المخنث (عند بعض نسائه) صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أن ذلك المخنث (ينعت) أي يصف (امرأة) يعني بنت غيلان لرجل من الحاضرين ويحثه على أخذها إن ظفروا على الطائف (قال) ذلك المخنث للرجل في وصفها له (إذا أقبلت) تلك المرأة وتوجهت إليك بوجهها (أقبلت) أي توجهت إليك (بأربع) عكن (وإذا أدبرت) أي استدبرت عنك بوجهها وجعلت دبرها إليك (أدبرت) أي ولت بدبرها إليك (بثمان) عكن (فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا) أي انتبهوا واسمعوا ما أقول لكم وذلك أني (أرى) وأظن أن (هذا) المخنث (يعرف ما هاهنا) أي ما استقر وثبت في جوانب النساء وعوراتهن من المحاسن فلذلك وصف المرأة للرجل ثم قال يا معشر النساء (لا يدخلن) هذا المخنث (عليكن) بعد اليوم (قالت) عائشة (فحجبوه) أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحجب المسلمون ومنعوا ذلك المخنث عن الدخول على النساء بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم. وزاد يونس في روايته عن الزهري عند أبي داود برقم [4101] وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم. وقوله (ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا) يدل على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئًا من أحوال النساء ولا يخطرن له بالبال، وسببه أن التخنيث كان فيه خلقة وطبعًا ولم يكن يعرف منه إلا ذلك ولذلك كانوا يعدونه من غير أولي الإربة أي ممن لا حاجة له في النساء، وقد قدمنا أن الإرب والإربة الحاجة فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم وصفه لتلك المرأة علم أنه عنده تشوف للنساء فحجب لذلك ثم بولغ في تنكيله وعقوبته ونفيه لما اطلع عليه من محاسن تلك المرأة وكشف من سترها ولم تكن عقوبته لنفس التخنيث فإن ذلك كان فيه خلقة ولم يكن مكتسبًا له ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. وأما من تخانث وتشبه بالنساء فقد أتى كبيرة من أفحش الكبائر لعنه الله عليها ورسوله ولا يقر عليها بل يؤدب بالضرب الوجيع والسجن الطويل والنفي حتى ينزع عن ذلك، ويكفي دليلًا على ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" رواه البخاري برقم [5885] وقال: (أخرجوهم من بيوتكم) رواه البخاري أيضًا برقم [5886] وأخرج فلانًا وأخرج فلانًا غير أنه لا يقتل لما رواه أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد خضب يديه ورجليه فقال": ما بال هذا؟ " فقيل يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع بالنون فقيل: يا رسول الله ألا نقتله؟ فقال: "إني نهيت عن قتل المصلين" رواه أبو داود برقم [4928] اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 152]، وأبو داود [4107 و 4108]، والنسائي في عشرة النساء [365]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث أبي واقد الليثي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر، والرابع حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والخامس حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ***

675 - (19) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه لا يغض من قدرها والنهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه

675 - (19) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه لا يغض من قدرها والنهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه 5551 - (2144) (198) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ, أَبُو كُرَيبٍ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ, غَيرَ فَرَسِهِ. قَالتْ: فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ. وَأَكْفِيهِ مَؤنَتَهُ, وَأَسُوسُهُ, وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ, وَأَعْلِفُهُ, وَأَسْتَقِي الْمَاءَ, وَأَخْرِزُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 675 - (19) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه لا يغض من قدرها والنهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه 5551 - (2144) (198) (حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة (أخبرني أبي) عروة بن الزبير (عن) والدته (أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قالت) أسماء (تزوجني الزبير) بن العوام الأسدي المدني رضي الله عنه قبل الهجرة بمكة (وماله في الأرض) أي في أرض المدينة (من مال) أي من نقود ومواش وأراض تزرع (ولا مملوك) أي من رقيق من العبيد والإماء. وقوله (ولا) من (شيء) غير ما ذكر من عطف العام على الخاص؛ والمراد ليس له شيء يذكر فلا ينافي ما لا بد منه من مطعم ومسكن (غير فرسه) الذي يجاهد عليه (ولا غير ناضحه) أي بعيره الذي يستقي عليه الماء كما يعلم مما سيأتي آنفًا (قالت) أسماء (فكنت) أنا (أعلف فرسه) أي أقوم بمؤنة فرسه من علف وسقي (وأكفيه) أي أكفي الزبير (مؤنته) أي مؤنة الفرس أي أغنيه عن الاهتمام بمؤنة فرسه بما ذكر (وأسوسه) من باب قال أي أقوم بسياسة فرسه وتدبير مصالحه وشؤونه من ربطه وعقله وحله ورعيه ومسح جسده وغسله ورحله عند السفر وحطه عند الرجوع وقيادته عند السفر معه وكان هذا كله بعد هجرتهما إلى المدينة (وأدق النوى) أي نوى التمر على المدق جمع نواة (لـ) علف (ناضحه) وهو الجمل الذي يستقى به الماء (وأعلفه) أي وأقوم بمؤنة علف ناضحه من خبط وأغصان شجر بجلبه من الجبال (وأستقي الماء) أي ماء الشرب والغسل وحاجات البيت من الآبار أي أحمله على رأسي أو على ناضحه إلى البيت (وأخرز) بتقديم الراء على الزاي من باب نصر أي أخيط ما

غَرْبَهُ, وَأَعْجِنُ. وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ. وَكَانَ يَخْبِزُ لِي جَارَاتٌ مِنَ الأَنْصَارِ. وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ. قَالتْ: وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى, ـــــــــــــــــــــــــــــ انخرق من (غربه) أي من دلوه، والغرب بفتح الغين وسكون الراء الدلو الكبير من الجلد وخرزه خياطة ما اخترق منه (وأعجن) بفتح الهمزة وكسر الجيم من باب ضرب أي أخلط العجين وأخمره (ولم أكن) أنا (أحسن) من الإحسان أي أعرف أن (أخبز) من باب ضرب أي أن أجعل العجين خبزًا وتسويته إياه (وكان) الشأن (يخبز لي) أي يجعل ذلك العجين خبزًا لي (جارات) جمع جارة أي نسوة ذوات جوار لي في المنزل كائنات (من الأنصار) أي من أهل المدينة (وكن) تلك الجارات (نسوة صدق) وإخلاص في الصداقة والمودة والمساعدة لي في شغلي. وهذا أي امتهان أسماء نفسها وابتذالها في خدمة زوجها وفرسه وناضحه يدل على ما كانوا عليه من شدة الحال في أول الأمر وضيقها وعلى أن المعتبر عندهم في الكفاءة إنما هو الدين والفضل لا المال والغنى كما قال صلى الله عليه وسلم: "فعليك بذات الدين تربت يداك" متفق عليه، وإنما كان كذلك لأن القوم كانت مقاصدهم في النكاح التعاون على الدين وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولأنهم علموا أن المال ظل زائل وسحاب حائل وأن الفضل باق إلى يوم التلاق فأما اليوم فقد انعكست الحال وعدل الناس عن الواجب إلى المحال وجمع الأموال، وفيه أيضًا ما يدل على ما كانوا عليه من تبذل المرأة في خدمة زوجها وبيته وفرسه وإن كانت شريفة لكن هذا كله فعلته متبرعة بذلك مختارة له راغبة لما علمت فيه من الأجر والثواب وعونًا لزوجها على البر والتقوى ولا خلاف في حسن ذلك ولا في أن كل ذلك ليس بواجب عليها إذ لا يجب أن تخرز الغرب ولا أن تخدم الفرس ولا أن تنقل النوى، وإنما اختلف في خدمة بيتها من عجين وطبخ وكنس وفرش فالشريفة ذات القدر التي رفع في صداقها لا يجب عليها أن تفعل شيئًا من ذلك ولا يحكم عليها به ولا يجب عليها عند مالك أن تأمر الخدم بذلك ولا تنهاهم وليس عليها إلا أن تمكن من نفسها، وقال بعض شيوخنا: عليها أن تأمرهم وتنهاهم بما يصلح حال زوجها إذ لا كلفة عليها في ذلك ولجريان العادة بمثله في الأشراف اهـ من المفهم. (قالت) أسماء (وكنت) أنا (أنقل) وأحمل (النوى) الساقطة من النخيل أو مما أكله

مِنْ أَرْضِ الزُّبَيرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم, عَلَى رَأْسِي. وَهْي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. قَالتْ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي. فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس ورموه ففيه جواز التقاط المطروحات رغبة عنها (من أرض الزبير التي أقطعه) أي أقطع الزبير وأعطاه إياه والموصول صفة للأرض، ففيه جواز إقطاع الإمام ما شاء لمن شاء من أرض الموات (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أحملها (على رأسي) من تلك الأرض (وهي) أي تلك الأرض من مسكنها بالمدينة (على ثلثي فرسخ) أي ثلثين من أثلاث الفرسخ وهما ميلان لأن الفرسخ ثلاثة أميال والميلان ثمانية آلاف خطوة بخطوة البعير والخطوة ذراع ونصف والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضات معتدلات والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون وتفصيلها في كتب الفروع فراجعها. قال القرطبي: قيل إن هذه الأرض المقطعة له من موات البقيع (أو النقيع) بالنون أقطعه من ذلك حضر فرسه (أي إسراعه في عدوه) فأجراه ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة فأعطاه ذلك كله، وفي البخاري عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير وليست هذه الأرض التي كانت أسماء تنقل منها النوى على رأسها لقولها، وهي على ثلثي فرسخ كما تقدم في القول الأول ففيه من الفقه ما يدل على جواز إقطاع الأرض لمن يراه من أهل الفضل والحاجة والمنفعة العامة كالعلماء والمجاهدين وغيرهم لكن تكون تلك الأرض المقطعة من موات الأرض أو من الأرض الموقوفة لمصالح المسلمين كما قدمناه في الجهاد، وفيه ما يدل على جواز الاستزادة من الحلال وإظهار الرغبة فيه كما فعل الزبير رضي الله عنه حيث أجرى فرسه فلما وقف رمى بسوطه رغبة في الزيادة والنبي صلى الله عليه وسلم يبصر ذلك كله ولم ينكره عليه وليس إقطاع الإمام تمليكًا للرقبة وإنما هو اختصاص بالمنفعة لكن لو أحيا الموات المقطع لكان للمحيي لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" رواه أحمد [3/ 313] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما اهـ من المفهم. (قالت) أسماء (فجئت) أنا (يومًا) من الأيام من تلك الأرض ذاهبة إلى المدينة (والنوى) محمولة (على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه) صلى الله

نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَدَعَانِي ثُمَّ قَال: "إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (نفر) أي جماعة (من أصحابه) رضي الله عنهم لم أر من ذكر أسماءهم ولكن في تنبيه المعلم هم جبير بن إياس الزرقي والحارث بن قيس وعمار وقيس بن محصن انظر فتح الباري [10/ 230] وذكر البخاري في فرض الخمس تعليقًا عن أبي ضمرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير" وكان ذلك في أوائل قدومه المدينة فيحتمل أن تكون هذه القصة قبل نزول الحجاب وهو الذي رجحه الحافظ [9/ 324] ويحتمل أن تكون أسماء رضي الله تعالى عنها خرجت إلى تلك الأرض مراعية لأحكام الحجاب والله أعلم. (فدعاني) أي ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي تعالي يا أسماء (ثم) بعدما جئته (قال) لبعيره ليبرك (إخ إخ) أي اضطجع اضطجع وهي بكسر الهمزة وسكون الخاء كلمة تقال للبعير لمن أراد أن ينيخه، وقال القرطبي: قوله (إخ إخ) تعني به أنه نوخ ناقة ليركبها عليها وهو صوت تنوخ به الإبل وظاهر هذا المساق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم عرض عليها الركوب وحدها فلم تركب لأنها استحيت كما قالت فيما سيأتي وعلى هذا فلا يحتاج إلى اعتذار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ركوبها معه فإنه يحتمل أنها لو اختارت الركوب وحدها تركها راكبة وحدها ولا يكون فيه من حيث هذا اللفظ دليل على جواز ركوب اثنين على بعير واحد فتأمله اهـ من المفهم. (ليحملني خلفه) قال في الفتح تحت قوله (ليحملني خلفه) فهمت ذلك من قرينة الحال وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما معها أحد ويركب هو شيئًا آخر غير ذلك البعير اهـ. وبقوله (ليحملني خلفه) استدل من ترجم عن هذا الحديث كالنووي بجواز ارتداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق ولعله أراد ارتدافها على البعير فقط لأن الراكب والرديف في البعير لا يلتقي جسماهما أما إذا كان الارتداف بالتقاء جسميهما فلا يجيزه أحد، وقال القاضي عياض: وهذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره فقد أمرنا بالمباعدة بين نفوس الرجال والنساء وكانت عادته صلى الله عليه وسلم مباعدتهن ليقتدي به أمته قال: وإنما كانت هذه خصوصية له صلى الله عليه وسلم لكونها بنت أبي بكر وأخت عائشة وامرأة للزبير فكانت كإحدى أهله ونسائه مع ما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه، وأما إرداف المحارم فجائز بلا خلاف على كل حال اهـ.

قَالتْ: فَاسْتَحْيَيتُ وَعَرَفْتُ غَيرَتَكَ. فَقَال: وَاللَّهِ! لَحَمْلُكِ النَّوَى عَلَى رَأْسِكِ أَشَدُّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ. قَالتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ, بَعْدَ ذَلِكَ, بِخَادِمٍ, فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ. فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَتْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالت) أسماء للزبير (فاستحييت) من الركوب معه صلى الله عليه وسلم (و) الحال أني قد (عرفت) وتذكرت (غيرتك) على حريمك أي شدتها، وفي الكلام حذف تقديره وإني ذكرت هذه القصة للزبير وقلت له: فاستحييت وعرفت غيرتك تعني ما جبل عليه من الغيرة وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يغار لأجله كما قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: وعليك أغار يا رسول الله. حين أخبره أنه صلى الله عليه وسلم رأى قصرًا من قصور الجنة فيه امرأة من نساء الجنة قال: "لمن أنت؟ " فقالت: لعمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فذكرت غيرتك " فتوقع النبي صلى الله عليه وسلم تحريك الغيرة بحكم الجبلة وإن لم يغر لأجله (فقال) الزبير لها (والله لحملك النوى على رأسك أشد) أي أثقل (من ركوبك معه) صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: ووجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير أن ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشأ منه كبير أمر من الغيرة لأنها أخت امرأته فهي في تلك الحالة لا يحل له تزوجها ولو كانت خلية من الزوج، قال القرطبي: وقول الزبير لها لحملك النوى أشد علي .. الخ يدل على أن الزبير لم يكلفها على شيء من ذلك وإنما فعلت هي ذلك لحاجتها إلى ذلك وتخفيفًا عن زوجها على عادة أهل الدين والفضل الذي لا التفات عندهم إلى شيء من زينة الدنيا وإلى شيء من أحوال أهلها فإنهم كانوا لا يعيبون على أنفسهم إلا ما عابه الشرع فكانوا أبعد الناس منه وأخرج هذا القول من الزبير فرط الاستحياء المجبول عليه أهل الفضل ويعني بذلك أن الحياء الذي لحقه من تبذلها بحمل النوى على رأسها أشد عليه من الغيرة التي كانت تلحقه عليها لو ركبت مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم ليس ممن يغار على الحريم لأجله والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قالت) أسماء فكنت أقوم بخدمة الزبير ومؤنة فرسه (حتى أرسل إلي) والدي (أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (بعد ذلك) أي بعد ما كنت حاملًا لتلك المؤنة الثقيلة (بخادم) أي بجارية تخدمني، ويقال للذكر والأنثى خادم بلا هاء (فكفتني) تلك الجارية أي حملت عني مشقة (سياسة الفرس) وتدبير شؤونه (فكأنما أعتقتني) تلك الجارية وحررتني من رقية العمل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وورطة الشغل، وروي أعتقتني بتاء بعد القاف ويكون فيه ضمير يعود على الخادمة وأعتقني بغير تاء وضميره يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه. وذلك لأنها لما استراحت من خدمة الفرس والقيام عليه بسبب الجارية التي بعث إليها أبو بكر صح أن ينسب الإعتاق لكل واحد منهما وهذا الكلام دليل على مكارم أخلاق القوم فإن أبا بكر رضي الله عنه علم ما كانت عليه ابنته من الضرر والمشقة ولم يطالب صهره بشيء من ذلك وكان مترقبًا لإزالة ذلك فلما تمكن منه أزاله من عنده اهـ من المفهم. وفي الرواية الآتية (جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأعطاها خادمًا قالت: فكفتني سياسة الفرس) فبين الروايتين معارضة فيجمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجارية أبا بكر ليرسلها إلى ابنته أسماء فصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها وصدق أيضًا أن أبا بكر أرسلها إليها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 347]، والبخاري في النكاح في باب الغيرة [5224] وفي الجهاد في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه [2151]. فصل: هل تجب على المرأة خدمة البيت أم لا؟ نظرًا إلى ظاهر هذا الحديث قال النووي: هذا الذي فعلته أسماء كله من المعروف والمروءات التي أطبق الناس عليها وهو أن المرأة تخدم زوجها بهذه الأمور المذكورة ونحوها من الطحن والعجن والخبز والطبخ وغسل الثياب وغير ذلك من مهنة البيت وكله تبرع من المرأة وإحسان منها إلى زوجها وحسن معاشرة وفعل معروف معه ولا يجب عليها شيء من ذلك بل لو امتنعت من جميع هذا لم تأثم ولم تكن ناشزة ويلزمه هو تحصيل هذه الأمور لها ولا يحل له إلزامها بشيء من ذلك وإنما تفعله المرأة تبرعًا وهذه عادة جميلة استمر عليها النساء من العصر الأول إلى الآن وإنما الواجب عليها تمكينها زوجها من نفسها وملازمة بيته اهـ. وهذا الذي ذكره النووي هو مذهب الشافعية فإنهم لا يرون هذه الأعمال واجبة على المرأة ديانة ولا قضاء، وأما المالكية والحنفية فيختلف الحكم عندهم باختلاف الأعمال واختلاف النساء فأما أعمال خارج البيت مثل سياسة الفرس وسقي المزارع

5552 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ؛ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالتْ: كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيرَ خِدْمَةَ الْبَيتِ. وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ. وَكُنْتُ أَسُوسُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمل النوى فلا تجب على المرأة مطلقًا، وأما أعمال داخل البيت كالخبز والطحن والطبخ فإن المرأة إن كانت من أناس لا يخدم نساؤهم أنفسهن وبيوتهن كبنات الملوك والأمراء لا تجب عليها هذه الأعمال لا ديانة ولا قضاء، وأما إن كانت المرأة من أسرة تتعارف نساؤها خدمة البيت فإن مثل هذه الأعمال تجب عليها ديانة ولكن صرح الحنفية بأنها لا تجبر عليها في القضاء. وذكر في الدر المختار أنه لو امتنعت المرأة من الطحن والخبز فإن كانت ممن لا تخدم نفسها أو كان بها علة فعليه أن يأتيها بطعام مهيأ وإلا بأن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليها ذلك ولا يجوز لها أن تأخذ الأجرة على ذلك لوجوبه عليها ديانة ولو شريفة لأنه صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي رضي الله عنه والداخل على فاطمة رضي الله تعالى عنها مع أنها سيدة نساء العالمين اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: 5552 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره باء موحدة (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة نسبة إلى غبر بن غنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) ابن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني، ثقة، من (5) (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي بكر المكي، ثقة فقيه، من (3) (أن أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي مليكة لعروة بن الزبير (قالت) أسماء (كنت أخدم) من باب نصر زوجي (الزبير) بن العوام الأسدي المدني (خدمة البيت) أي خدمة في أعمال البيت وأشغاله كالطحن والطبخ والغسل مثلًا (وكان له) أي للزبير (فرس) واحد يجاهد عليه (وكنت أسوسه) من باب قال أي أسوس ذلك الفرس وأدبر

فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْخِدْمَةِ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ. كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيهِ وَأَسُوسُهُ. قَال: ثُمَّ إِنَّهَا أَصَابَتْ خَادِمًا. جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْىٌ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا. قَالتْ: كَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ. فَأَلْقَتْ عَنِّي مَئُونَتَهُ. فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَال: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ! إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ, أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ شؤونه وأقوم بمصالحه من علف وسقي ومسح (فلم يكن من الخدمة) أي من خدمة الزبير (شيء أشد) وأثقل (علي) وأتعب لي (من سياسة الفرس) ورعاية مصالحه والقيام بمؤنته (وكنت أحتش له) أي لذلك الفرس أي أطلب له الحشيش والعشب من الجبل وأحمله منه (وأقوم عليه) أي على ذلك الفرس بمصالحه الناجزة من العلف والسقي والمسح (وأسوسه) أي أدبر أموره المستقبلة برعاية مصالحه (قال) ابن أبي مليكة (ثم) بعد قيامها بخدمة الزبير وخدمة فرسه (إنها) أي إن أسماء (أصابت) أي نالت وفازت (خادمًا) أي جارية تخدمها وسبب ذلك أي وسبب إصابتها خادمًا أنه (جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي) أي نساء مسبيات من الكفار وذراري (فأعطاها) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء من تلك السبايا (خادمًا) أي جارية تخدمها، قال القرطبي: هذه الرواية معارضة لقولها في الرواية السابقة (إن أبا بكر رضي الله عنه أرسلها إليها). [قلت] هذا لا بعد فيه لأنه يمكن الجمع بين الروايتين بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها لأبي بكر ليدفعها لها فأرسل بها أبو بكر إليها اهـ من المفهم. وقد مر لنا هذا الجمع في الرواية الأولى (قالت) أسماء فـ (كفتني) تلك الجارية وحملت عني (سياسة الفرس) أي تدبير أموره ورعاية مصالحه من العلف والسقي مثلًا أي كانت كافية لي عنها (فألقت) أي رمت (عني) وحملت (مؤنته) أي مؤنة الفرس ومصالحه وقامت بها فكنت مرتاحة في بيتي (فجاءني رجل) من فقراء المسلمين لم أر من ذكر اسمه (فقال) لي ذلك الرجل (يا أم عبد الله) كنية أسماء (إني رجل فقير) لا منزل لي ولا مقعد أقعد فيه لبيع بضاعتي فـ (أردت) أي قصدت (أن أبيع) بضاعتي (في ظل دارك) فأذني لي في أن أقعد فيه لبيع حوائجي. قال القرطبي: واستئذان الفقير لأم عبد الله وهي أسماء بنت أبي بكر في أن يبيع

قَالتْ: إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيرُ. فَتَعَال فَاطْلُبْ إِلَيَّ, وَالزُّبَيرُ شَاهِدٌ فَجَاءَ فَقَال: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ! إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ, أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ. فَقَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ في ظل دارها يدل على أن المقرر المعلوم من الشرع أن فناء الدار ليس لغير ربها القعود فيه للبيع إلا بإذنه فإذا أذن جاز ما لم يضر بغيره بتضييق طريق أو إطلاع على عورة منزل غيره ولرب الدار أن يمنعه لأن الأفنية حق لأرباب المنازل، لأن عمر رضي الله عنه قضى في الأفنية لأرباب الدور، قال ابن حبيب -هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان العباسي القرطبي المالكي فقيه مؤرخ نسابة أديب لغوي شاعر-: وتفسير هذا يعني لهم حق الانتفاع للمجالس والمرابط والمصاطب وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة وليس بأن ينحاز بالبنيان والتحظير. [قلت] وعلى هذا فليس لرب الدار التصرف في فنائها ببناء دكان أو غيره مما يثبت ويدوم لأنه من المنافع المشتركة بينه وبين الناس إذ للناس فيه حق العبور والوقوف والاستراحة والاستظلال وما أشبه هذه الأمور لكنه أحق به فيجوز له من ذلك ما لا يجوز لغيره من مرافقه الخاصة به كبناء مصطبة لجلوسه ومربط فرسه وحط أحماله وكنس مرحاضه وتراب بيته وغير ذلك مما يكون من ضروراته وعلى هذا فلا يفعل فيها ما لا يكون من ضرورات حاجاته كبناء دكان للباعة أو تحظيره عن الناس أو إجارته لمن يبيع فيه لأن ذلك كله منع الناس من منافعهم التي لهم فيه وليس كذلك الإذن في البيع الخفيف بغير أجرة لأن ذلك من باب الرفق بالمحتاج والفقير وأصل الطرق والأفنية للمرافق ولو جاز أن يحاز الفناء ببناء ونحوه للزم أن يكون لذلك البناء فناء ويتسلسل إلى أن تذهب الطرق وترتفع المرافق اهـ من المفهم. (قالت) أسماء فقلت للرجل (إني إن رخصت) وأذنت (لك) في الجلوس بلا استئذان الزبير (أبي) وامتنع (ذاك) الإذن (الزبير) ومنعك من الجلوس ولكني أنصح لك ببيان طريق الوصول إلى مرادك من الجلوس (فـ) أقول لك (تعال) أي أقبل إلينا واحضر (فاطلب) الإذن في جلوسك (إلي) أي مني (والزبير) أي والحال أن الزبير (شاهد) أي حاضر عندي في البيت، وهذا تعليم منها له الحيلة في استرضاء الزبير وهذا فيه حسن الملاطفة في تحصيل المصالح ومداراة أخلاق الناس والله أعلم كذا في النووي. قالت أسماء (فجاء) الرجل إلي (فقال) لي (يا أم عبد الله إني رجل فقير أردت) أي قصدت (أن أبيع) بضاعتي جالسًا (في ظل دارك فقالت) أسماء فقلت للرجل في جواب طلبه الإذن

مَا لَكَ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا دَارِي؟ فَقَال لَهَا الزُّبَيرُ: مَا لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَنْ كَسَبَ. فَبِعْتُهُ الْجَارِيَةَ. فَدَخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيرُ وَثَمَنُهَا فِي حَجْرِي. فَقَال: هَبِيهَا لِي. قَالتْ: إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مني (ما لك) أيها الرجل أي أي شيء ثبت لك في طلب الإذن مني في الجلوس في ظل داري وما (بالمدينة) دور لها ظل (إلا داري) فامش مني فلا آذن لك قالت أسماء (فقال لها) فيه التفات ومقتضى المقام أن يقال فقال لي (الزبير: مالك) أي، أي شيء ثبت لك وأي عذر لك يا أم عبد الله في (أن تمنعي رجلًا ففيرًا) يريد أن (يبيع) بضاعته تحت ظل دارك، قالت أسماء فأذنت له (فكان) ذلك الرجل (يبيع) بضاعته تحت ظل داري (إلى أن كسب) مكسبًا كثيرًا وربح أرباحًا كثيرة، قالت أسماء (فبعته) أي فبعت ذلك الرجل (الجارية) التي أرسلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدخل علي الزبير وثمنها) أي ونقود ثمنها (في حجري) أي في مقدم بدني (فقال) الزبير لي (هبيها) أي هبي هذه النقود (لي قالت) أسماء فقلت له (إني قد تصدقت بها) أي بهذه النقود أي نويت تصدقها على الفقراء المساكين فقد خرج عن ملكي فلا أقدر الهبة لك. وقول أسماء (مالك بالمدينة إلا داري) تكلمت أسماء بما يدل على كراهتها لأن يجلس الرجل في ظل دارها لئلا تقع في قلب الزبير آية شبهة فيجيز الرجل هو بنفسه ووقع كما قدرت وكان ذلك حيلة لاسترضاء الزبير ولمصلحة الرجل، قال القرطبي: وتوقف أسماء رضي الله تعالى عنها في الإذن للفقير إلى أن يأذن الزبير إنما كان مخافة غيرة الزبير أو يكون في ذلك شيء يتأذى به الزبير وحسن أدب وكرم خلق حتى لا تتصرف في شيء من مالها إلا بإذن زوجها وأمرها للفقير بأن يسألها ذلك بحضرة الزبير لتتخرج بذلك ما عند الزبير من كرم الخلق والرغبة في فعل الخير وليشاركها في الأجر وذلك كله منها حسن سياسة وجميل ملاطفة تدل على انشراح الصدور وصدق الرغبة في الخير اهـ من المفهم. قال الأبي: (قوله فبعته الجارية) يعني الجارية التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلها أبو بكر رضي الله عنه إليها ولعلها باعتها وتصدقت بثمنها لأنها استغنت عنها بغيرها، فيه دلالة على أن تصرف المرأة في البيع والابتياع بغير إذن زوجها نافذ وليس له أن يتحكم في مال الزوجة اهـ. وليس له منعها من ذلك إذا لم يضره ذلك

5553 - (2145) (199) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ, عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إِذَا كَانَ ثَلاثَةٌ, فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في خروجها ومشافهتها للرجال بالبيع والابتياع فله منعها مما يؤدي إلى ذلك. قوله (فقال هبيها لي) وسؤاله لها أن تهبه ثمن الجارية دليل على أن الزوج ليس له أن يتحكم عليها في مالها بأخذ ولا غيره إذ لا ملك له في ذلك وإنما له فيه حق التجمل وكفاية بعض المؤن ولذلك منعناها من إخراج كل مالها أو جله كما تقدم في النكاح. وصدقتها بثمن الجارية من غير إذنه دليل على جواز هبة المرأة بعض مالها بغير إذن الزوج لكن إن أجازه الزوج جاز وإن منعه فإن كان الثلث فما دون لم يكن له المنع وإن كان أكثر له منع الزائد على الثلث على ما تقدم هذا إذا وهبته لأجنبي فإن وهبته لزوجها فلا يفرق بين ثلث ولا غيره لأنها إذا طابت نفسها بذلك جاز ولأن الفرق بين الثلث وغيره إنما كان لحق الزوج لئلا يفوت عليه ما له فيه من حق التجمل ولئلا يمنعها أيضًا من إعطاء ما طابت به نفسها فينفذ عطاؤها في الثلث ويرد فيما زاد عليه، وقيل يرد الجميع وهو المشهور اهـ من المفهم. وهذه الرواية الأخيرة انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5553 - (2145) (199) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان ثلاثة) بالرفع على أنه فاعل كان وهي تامة بمعنى اجتمع ووجد، ووقع في رواية البخاري (إذا كانوا ثلاثة) بالنصب على أنه خبر كان الناقصة (فلا يتناجى) أي فلا يتحدث (اثنان) منهم سرًّا (دون) سماع (واحد) منهم لتلك النجوى من التناجي وهو التحادث سرًّا وهو خبر بمعنى النهي ووجه النهي مصرح فيما سيأتي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه من قوله (فإن ذلك يحزنه) أي مناجاتهما سرًّا يحزن الرجل الثالث لكونه منفردًا عن المتناجيين ولأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له، وهذا من حسن الأدب لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا ويدخل في هذا الحكم

5554 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما إذا تناجت جماعة كثيرة وتركت رجلًا واحدًا منفردًا، نعم يستثنى من هذا ما إذا أذن الرجل الواحد لأنه صاحب الحق. وفي الحديث بيان أدب المجالسة وإكرام الجليس، والرواية المشهورة (يتناجى) بالألف المقصورة ثابتة في الخط غير أنها تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين فإذًا هو خبر عن نفي المشروعية ويتضمن النهي عن ذلك، ووقع في بعض النسخ (فلا يتناج) بغير ألف على النهي وهي واضحة، وقد زاد في الرواية الأخرى زيادة حسنة فقال (حتَّى تختلطوا الناس) فبين غاية المنع وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه وقد نبه في هذه الزيادة على التعليل بقوله (فإن ذلك يحزنه) أي يوقع في نفسه ما يحزن لأجله وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره أو أنهم لم يروه أهلًا ليشركوه في حديثهم إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس وحصل ذلك كله من بقاءه وحده فإذا كان معه غيره أمن ذلك وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلًا لوجود ذلك المعنى في حقه بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع فيكون بالمنع أولى وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتأتى فيه ذلك المعنى. وظاهر هذا الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور، وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام لأن ذلك كان حال المنافقين دون المؤمنين فلما فشا الإسلام سقط ذلك، وقال بعضهم ذلك خاص بالسفر وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه فأما في حضر وبين العمارة فلا. [قلت] وكل ذلك تحكم وتخصيص لا دليل عليه والصحيح ما صار إليه الجمهور والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 375]، والبخاري في الاستئذان باب لا يتناجى اثنان دون ثالث [6288]، وأبو داود في الأدب باب في التناجي [4852]، وابن ماجة في الأدب باب لا يتناجى اثنان دون الثالث [3828]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5554 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن بشر) العبدي

وَابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحيى، (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللَّيثِ بنِ سَعْدٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبُ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَيُّوبُ بنَ مُوسَى. كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ. 5555 - (2146) (200) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السِّرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (و) عبد الله (بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري (قالا حَدَّثَنَا يحيى وهو ابن سعيد) القطان التميمي البصري (كلهم) أي كل من محمد بن بشر وعبد الله بن نمير ويحيى القطان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (ح وحدثنا قتيبة وابن رمح عن الليث بن سعد) المصري (ح وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حَدَّثَنَا حماد) بن زيد (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (قال) شعبة (سمعت أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (كل هولاء) الأربعة المذكورين من عبيد الله بن عمر وليث بن سعد وأيوب السختياني وأيوب بن موسى رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث مالك) لا بلفظه. وهذه الأسانيد الأول منها أعني أسانيد عبيد الله بن عمر بن حفص من خماسياته، والثاني منها أعني سند الليث بن سعد من رباعياته، والثالث أعني سند أيوب السختياني من خماسياته، والرابع أعني سند أيوب بن موسى من سداسياته، وغرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك بن أنس في الرواية عن نافع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فقال: 5555 - (2146) (205) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبو شيبة وهناد بن السري) -بفتح

قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَخْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحدَّثَنَا زُهَيرُ بن حَرْبٍ وَعُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفظُ لِزُهَيرٍ - (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَرِير عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةَ فَلَا يَتَنَاجَى اثنَانِ دُونَ الآخَرِ. حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ. مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السين وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة - ابن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (ح وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ (الآتي (لزهير قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران) يعني زهيرًا وعثمان (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن منصور) بن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة، من (2) (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي. وهذه الأسانيد من خماسياته (قال) ابن مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم) أيها المؤمنون أي إذا صرتم (ثلاثة) أنفار (فلا يتناجى) من باب تلاقى أي لا يتحدث (اثنان) منهم سرًّا (دون الآخر) أي دون الثالث منهم (حتَّى تختلطوا) وتجتمعوا (بالناس) أي مع الناس الآخرين ولو رابعًا فإنه يتحدث مع الثالث وعلل النفي بمعنى النهي بقوله (من أجل) مخافة (أن يحزنه) تناجيكما أي من أجل مخافة أن يوقع الحزن في قلب الآخر تناجيكما دونه فبين غاية المنع وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر وذلك أنَّه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتَّى دعا رابعًا فقال له وللأول تأخرا وناجى الرجل الطالب منه للمناجاة معه كما مر البحث عن هذه الغاية قريبًا بما لا مزيد له في حديث ابن عمر. والتناجي وكذا المناجاة المسارة وانتجى القوم وتناجوا أي سار بعضهم بعضًا. قوله (من أجل أن يحزنه) قال أهل اللغة: يقال حزنه وأحزنه وقرئ بهما في السبع وفي هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد وهو نهي تحريم كذا في النووي.

5556 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى وَأبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا)، أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةَ فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا. فَإِن ذلِكَ يُخزِنُهُ". 5557 - (00) (00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بن يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاستئذان باب إذا أكلوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة [6290]، وأبو داود في الأدب باب في التناجي [4851]، والترمذي في الأدب [2827]، وابن ماجة في الأدب [3820]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 5556 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ ليحيى قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك) أي تناجيهما دونه (يحزنه) أي يوقع في قلبه الحزن والهم وذلك إيذاء له هايذاء المسلم حرام فالنهي للتحريم، وحاصل الحكم أن التناجي إنما يمتنع إذا بقي في المجلس رجل منفردًا عن المتناجين أما إذا كان معه رجل آخر فلا بأس بتناجي الباقين لأنه يمكن له أن يستأنس بصاحبه وظاهر إطلاق الحديث أنَّه لا فرق في ذلك بين الحضر والسفر وهو قول الجمهور، وقد تقدم بيان اختلاف العلماء في ذلك في بحث حديث ابن عمر رضي الله عنهما نقلًا عن القرطبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 5557 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من عيسى وسفيان رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن عبد الله، غرضه بيان متابعتهما لأبي معاوية. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة: الأول حديث أسماء رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وذكر فيه متابعتين. * * *

676 - (20) باب الطب ورقية جبريل - عليه السلام - النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض

676 - (20) باب الطب ورقية جبريل - عليه السلام - النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض ـــــــــــــــــــــــــــــ 676 - (20) باب الطب ورقية جبريل - عليه السلام - النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض والطب بكسر المهملة وحكى ابن السيد تثليثها يطلق لغة بالاشتراك على المداوي وعلى التداوي وعلى الداء أيضًا فهو من الأضداد ويقال أيضًا للرفق والسحر ويقال للشهوة ولطرائق ترى في شعاع الشمس وللحذق بالشيء، والطبيب هو الحاذق بالطب ويقال له أيضًا طب بالفتح والكسر ومستطب وامرأة طب بالفتح ويقال استطب إذا تعاطى الطب واستطب إذا استوصفه والطبيب في الأصل الحاذق في كل شيء وخص به المعالج عرفًا وجمعه في القلة أطبة وفي الكثرة أطباء، وبسبب أن العرب ربما يعتقدون أن الأمراض سببها السحر وكثيرًا ما يداوونه بالسحر استعيرت كلمة الطب لمعنى السحر أيضًا ولأجل هذا ذكر في الحديث رجل مطبوب أي مسحور. وأما تعريف علم الطب اصطلاحًا فهو علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها زائلة ذكره ابن سينا في القانون [1/ 3]. ولم يزل علم الطب منذ الأزمان السالفة يعد شرفًا ولم يزل للطبيب مكانة كبيرة في أعين الناس حتَّى في عهد الجاهلية وكان أهل الجاهلية يرجعون إلى الكهان والسحرة لمعالجة أمراضهم وكان فيهم عدد قليل ممن تعلم الطب بطرق علمية وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع المسلمين من إتيان الكاهن ولكنه أمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين مرض أن يأتي الحارث بن كلدة طبيب العرب أخرجه أبو داود من طريق ابن أبي نجيح وذكره الحافظ في الإصابة [1/ 288] من طريق ابن منده أيضًا، والحارث بن كلدة هذا كان من أهل الطائف، وذكر ابن أبي حاتم أنَّه لا يصح إسلامه فدل الحديث على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب. واعلم أن ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعالجات ومن الحقائق

5558 - (2147) (201) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن أَبِي عُمَرَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ - (وَهُوَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهَا قَالت: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَقَاهُ جِبْرِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبية ليس جزءًا من الشريعة التي أمرنا بالإيمان والعمل بها، ولكن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم واجب علينا فيما يخبره قال ابن خلدون في مقدمته [1/ 493]، وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثًا عن مشايخ الحي وعجائز وربما يصح منه البعض إلَّا أنَّه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو رقية جبريل - عليه السلام - النبي صلى الله عليه وسلم بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5558 - (2147) (201) (حَدَّثَنَا محمد بن أبي عمر) العدني (المكي حَدَّثَنَا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (الدراوردي) الجهني المدني (عن يزيد وهو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليثي المدني (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي المدني، ثقة، من (4) (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أنها قالت كان) الشأن (إذا اشتكى) ومرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه) أي عالجه بالقراءة عليه (جبربل) الأمين - عليه السلام -. وقوله (إذا اشتكى) معناه إذا مرض لا أنَّه أخبر بما يجد من الآلام، والاستقراء يدل على أن تداويه صلى الله عليه وسلم أو أكثره إنما هو بالرقى لا بالأدوية لأنها إنما تستعمل في الأمراض التي من قبل فساد المزاج ومزاجه صلى الله عليه وسلم خير الأمزجة كذا في الأبي والله أعلم. قوله (رقاه صلى الله عليه وسلم جبريل الأمين) - عليه السلام - فيه جواز الرقية بضم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء وسكون القاف يقال رقى بالفتح في الماضي يرقي بالكسر في المضارع من باب رمى رقية وهو العلاج بالقراءة عليه ويقال رقيت فلانًا بكسر القاف أرقيه وهو بمعنى التعويذ والاسترقاء طلب الرقية، وأما رقي يرقى رقيًا من باب رضي فهو بمعنى الارتقاء الصعود إلى العلو كما سيأتي البسط فيه آنفًا، قال الحافظ في الفتح [10/ 195] أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه أو بصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى اهـ. قال النووي: (قوله رقاه جبريل) استقر الشرع على الإذن في الرقية بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيها بل هي سنة كما تفاد من هذه الأحاديث، وأما ما ورد في الحديث في الذين يدخلون الجنّة بغير حساب لا يرقون ولا يسترقون فمحمول على الرقية من كلام الكفار والألفاظ المجهولة المعاني لأنه يخاف من كونه كفرًا أو قريبًا منه، وجمع بعضهم بين الحديثين بأن المدح في ترك الرقية محمول على الأفضلية وبيان التوكل، وأما الفعل بالرقية فلبيان الجواز مع كون تركها أفضل واختلفوا في رقية أهل الكتاب فجوزها أبو بكر رضي الله عنه وكرهها مالك خوفًا من أن يكون مما بدلوه، ومن جوزها قال الظاهر أنهم لم يبدلوا الرقى فإن لهم فيها غرضًا بخلاف غيرها مما بدلوه والله أعلم. وإن تطلب زيادة التفصيل فراجع إلى شرح النووي. "تتمة" يقال رقى يرقي رَقْيًا ورُقِيًّا ورُقْيَةَ من باب رمى ورقاه وعليه استعمل الرقية نفعًا له أو إضرارًا به واسترقاه طلب منه أن يصنع له رقية وله طلب له من يرقيه والرقية أن يستعان للحصول على أمر بقوى تفوق القوى الطبيعية في زعمهم أو وهمهم تجمع على رقى ورقْيَات ورقَيَات، والراقي اسم فاعل منه يجمع على رقاة وراقين ومؤنثة راقية تجمع على رواق مثل جوار وجارية وهو من يصنع الرقية ويقال رجل راقية كما يقال راوية والتاء للمبالغة لا للتانيث، والرقاء الماهر في استعمال الرقية ويقال رقى الجبل وفيه وعليه وإليه يرقى رَقْيًا ورُقِيًا من باب رضي إذا صعد ورَقيَ في السلم إذا صعد فيها درجة درجة.

قَال: بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرٍّ حَاسِدِ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ (قال) جبريل في رقيته، فالجملة مفسرة لجملة فقال (باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين) قوله باسم الله يبريك والمراد بالاسم هنا المسمى أي الذات والباء زائدة والإضافة فيه حينئذ من إضافة الشيء إلى نفسه وهو مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف جر زائد، وجملة يبريك خبر المبتدأ والمعنى مسمى هو الله أي ذات الله يبرئك ويشفيك من كل مرض ويحتمل أن يكون الاسم على بابه فالإضافة فيه من إضافة الاسم إلى المسمى لأن اسم الله يتبرك به كما أنَّه يتبرك بذاته لأن ما ورد على المسمى فهو وارد على الاسم والمعنى اسم الله يشفيك الله ببركته. وقوله (يبرئك) بضم الياء من الإبراء بالهمزة وربما تخفف الهمزة فتبدل ياء أي اسم الله يبرئك من كل الأمراض ويعافيك من كل الآلام، والجار والمجرور في قوله (ومن كل داء) متعلق بقوله (يشفيك) قدم عليه لضرورة السجع، والجملة الفعلية معطوفة على جملة يبرئك أي واسم الله يشفيك ويعافيك من كل داء ومرض، والجار والمجرور في قوله (ومن شر حاسد) معطوف على الجار والمجرور في قوله (من كل داء) والظرف في قوله (إذا حسد) مجرد عن معنى الشرط متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله. وقوله (وشر كل ذي عين) بالجر معطوف على قوله وشر حاسد والمعنى واسم الله يحفظك من شر كل حاسد وضرره وقت حسده لك واسم الله يقيك من شر كل صاحب عين عائنة أي مضرة هذا ما ظهر للفهم السقيم في إعراب هذه الكلمات. وعبارة القرطبي هنا (قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى) .. الخ دليل على استحباب الرقية بأسماء الله تعالى وبالعوذ الصحيحة المعنى وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله تعالى ولا ينقصه إذ لو كان شيء من ذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم أحق الناس بأن يجتنب ذلك فإن الله تعالى لم يزل يرقي نبيه صلى الله عليه وسلم في المقامات الشريفة والدرجات الرفيعة إلى أن قبضه الله تعالى على أرفع مقام وأعلى حال وقد رقي في أمراضه حتَّى في مرض موته صلى الله عليه وسلم فقد رقته عائشة رضي الله تعالى عنها في مرض موته ومسحته بيدها وبيده الشريفة وهو مقر لذلك غير منكر

5559 - (2148) (202) حدَّثنا بِشْرُ بن هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن صُهَيبٍ، عَنْ أَبِي نَضرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَن جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! اشْتَكَيتَ؟ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ لشيء مما هنالك رواه البخاري [5751]. قوله (باسم الله يبريك) الاسم هنا يراد به المسمى وهو الذات العلية فكأنه قال الله يبرئك نظير قوله تعالى: {سَبِح اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)} أي سبح ربك فالاسم مقحم ولفظ الاسم في أصله عبارة عن الكلمة الدالة على المسمى والمسمى هو مدلولها غير أنَّه قد يتوسع فيوضع الاسم موضع المسمى مسامحة. وقوله (من كل داء يشفيك) دليل على جواز الرقى لما وقع في الأمراض ولما يتوقع وقوعه. وقوله (ومن شر كل حاسد إذا حسد) دليل على أن الحسد يؤثر في المحسود ضررًا يقع به إما في جسمه بمرض أو في ماله وما يختص به بضرر وذلك بإذن الله تعالى ومشيئته كما قد أجرى عادته وحقق إرادته فربط الأسباب بالمسببات وأجرى بذلك العادات ثم أمرنا بدفع ذلك بالالتجاء إليه والدعاء له وأحالنا على الاستعانة بالعوذ والرقى اهـ من المفهم. وانفرد المؤلف بهذا الحديث عن أصحاب الأمهات الخمس إلَّا أنَّه أخرجه أحمد [6/ 160]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي سعيد رضي الله عنهما فقال: 5559 - (2148) (202) (حدثنا بشر بن هلال) النميري مصغرًا أبو محمد (الصواف) البصري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري، ثقة، من (4) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن جبريل) الأمين - عليه السلام - (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) جبريل (يا محمد اشتكيت) بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري أي هل اشتكيت ومرضت يا محمد (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم

"نَعَمْ" قَال: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَينِ حَاسِدٍ الله يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ. 5560 - (2149) (203) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (نعم) اشتكى فـ (قال) له جبريل (باسم الله) أي بقراءة اسم الله عليك (أرقيك) أي أعالجك (من كل شيء يؤذيك) ويضرك، وقوله (من شر كل نفس) شريرة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي من شر (عين حاسد) متعلق بقوله (الله يشفيك) أي الله يشفيك ويقيك من ضرر كل نفس شريرة خبيثة أو قال من كل ضرر عين عائن حاسد يحميك. قال القرطبي: أو للشك من الراوي في أي اللفظين قال مع أن معناهما واحد فإن نفس النفس تطلق على الإصابة بالعين يقال أصابت فلانًا نفس أي عين والنافس العائن قاله القتبي وتطلق النفس على أمور أخر ليس شيء منها يراد بهذا الحديث والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله (باسم الله أرقيك) في آخر الحديث توكيد لفظي لما ذكره في أول الحديث. قال النووي: (وقوله باسم الله أرقيك) تصريح بالرقى بأسماء الله تعالى وفيه توكيد الرقية والدعاء وتكريره. وقوله (من شر كل نفس) قيل يحتمل أن المراد بالنفس نفس الآدمي، وقيل يحتمل أن المراد بها العين فإن النفس تطلق على العين ويقال رجل نفوس إذا كان يصيب الناس بعينه كما قال في الرواية الأخرى (من شر كل ذي عين) ويكون قوله (أو عين حاسد) من باب التوكيد بلفظ مختلف أو شكًّا من الراوي في لفظه والله أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 28]، والترمذي في الجنائز في باب التعوذ للمريض [972]، وابن ماجة في الطب باب ما عوذ به النبي صلى الله عليه وسلم وما عوذ به [3568]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة ثانيًا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5560 - (2149) (203) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (قال) همام (هذا) الحديث الَّذي

مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْعَينُ حَقٌّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أمليه عليكم من هذه الصحيفة (ما حَدَّثَنَا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث كثيرة منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين) أي إصابة عين العائن للمعيون أي ضررها له (حق) أي أمر ثابت موجود لا شك فيه. قال ذهني: قوله (العين حق) أي الإصابة بها ثابتة موجودة، وفي الحديث رد على طائفة من المبتدعة حيث أنكروا إصابتها لأن الشارع أثبت وأخبر بوقوعه مع كونها من مجوزات العقل فوجب اعتقاده ولا يجوز إنكاره والله أعلم. وفي حديث البزار عن أنس مرفوعًا قال: "من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلَّا بالله لم يضره" اهـ، والإصابة بالعين أن ينظر المرء إلى شخص فيعجبه ذلك فيحدث ضرر بالمنظور إليه بسبب نظره إليه وإعجابه به ويسمى الناظر بعد إصابة العين عائنًا والمنظور إليه معيونًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب العين حق [5740]، وأبو داود في الطب باب ما جاء في العين [3879]، وابن ماجة في الطب باب العين [3552]. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث وقالوا إن إصابة العين حق وأنكره طوائف من المبتدعة بغير دليل لأن كل شيء ليس محالًا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فهو من مجوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا لمانكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة حكاه الحافظ في الفتح [10/ 253]. وأما حقيقة إصابة العين فقد تكلم فيها العلماء كثيرًا، فقال الخطابي: قال المازري: زعم بعض الطبائعيين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد وهو كإصابة السم من نظر الأفاعي وأشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه وأن الَّذي يتمشى على طريق أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر وهل ثم جواهر خفية أو لا؟ هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا بنفيه، ومن قال ممن ينتمي إلى الإسلام من أصحاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطبائع بالقطع بأن جواهر لطيفة غير مرئية تنبعث من العائن فتتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق البارئ الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم فقد أخطأ بدعوى القطع ولكن جائز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة. وذكر ابن العربي عن الفلاسفة أن الإصابة بالعين صادرة عن تأثير النفس بقوتها فيه فأول ما تؤثر في نفسها ثم تؤثر في غيرها ثم رده بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الإصابة في كل حال والواقع خلافه، ثم ذو عن بعض العلماء كلامًا مثل ما نقل الخطابي عن المازري ورده أيضًا بما لا يصلح ردًّا، ثم قال: والحق أن الله يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أر هلكة وقد يصرفه قبل وقوعه إما بالاستعاذة أو بغيرها وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو الاغتسال أو بغير ذلك. وحكى الحافظ في الفتح [10/ 200] هذه الأقوال ثم قال: وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعف قواه وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات، ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة. والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورًا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجُّه الروح كالذي يحدث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيل فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن الَّذي لا وقاية له أثر فيه وإلا لم ينفذ السهم بل رد على صاحبه كالسهم سواء، وهذا كلام متين جدًّا ومن هنا قال ابن بطال أن من ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو، وقد نقل عن بعض من كان معيانًا أنَّه قال إذا رأيت شيئًا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني، ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ولو وضعتها بعد

5561 - (2150) (204) وحدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِميُّ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشاعِرِ، وأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، - (قَال عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) - مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَال: حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْعَينُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَينُ ـــــــــــــــــــــــــــــ طهرها لم يفسد، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5561 - (2150) (204) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي (وأحمد) بن الحسن (بن خراش) بكسر الخاء المعجمة الخراساني أبو جعفر البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال عبد الله) بن عبد الرحمن (أخبرنا وقال الآخران حَدَّثَنَا مسلم بن إبراهيم) الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (2) البيوع والطب (قال) مسلم (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني، ثقة، من (3) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق) أي إصابتها أمر ثابت موجود لا شك فيه (ولو كان شيء) من أسباب الإهلاك (سابق) أي غالب (القدر) بإهلاكه الشيء قبل حلول الأجل المقدر له (سبقته) أي سبقت القدر وغلبته (العين) أي إصابة العين بإهلاكها الشيء قبل حلول الأجل المقدر لها، وهذه الجملة كالمؤكدة لجملة قوله العين حق، وفيها تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الذات والمعنى ولو فرض أن شيئًا له قوة بحيث يسبق القدر كان ذلك الشيء السابق للقدر العين أي إصابتها لكنها لا تسبقه فكيف غيرها من الأسباب اهـ قسطلاني. ومعنى (سابق القدر) أي غالبه في السبق (سبقته العين) أي لغلبته العين والمعنى فلو أمكن أن يسبق القدر شيء فيؤثر في إفناء الشيء وإعدامه قبل

وَإِذَا اسْتُغسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أوانه المقدر له سبقت العين القدر اهـ مرقاة. والخطاب في قوله (وإذا استغسلتم فاغسلوا) لمن اتهم بأنه عائن أي وإذا طلب منكم أيها العائنون أولياء المعيون غسل أطرافكم وما تحت الإزار لتصب غسالتكم على المريض طلبًا لشفائه (فاغسلوا) أيها العائنون أطرافكم وأعطوا غسالتكم لأولياء المريض ليصبوها عليه طلبًا لشفائه من إصابة أعينكم إياه. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يمتنعوا عن الاغتسال إذا أريد منهم ذلك اهـ مرقاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [2063]. قال القرطبي: (قوله العين حق) أي ثابت موجود لا شك فيه وهذا قول علماء الأمة ومذهب أهل السنة، وقد أنكرته طوائف من المبتدعة وهم محجوجون بالأحاديث النصوص الصريحة الكثيرة الصحيحة وبما يشاهد من ذلك في الوجود فكم من رجل أدخلت العين القبر وكم من جمل ظهير أحلته القدر لكن ذلك بمشيئة الله تعالى وقدرته كما قال: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللهِ} ولا يلتفت إلى معرض عن الشرع والعقل يتمسك في إنكار ذلك باستبعاد ليس له أصل فإنا نشاهد من خواص الأحجار وتأثير السحر وسموم الحيوانات ما يقضي منها العجب ويتحقق أن كل ذلك فعل مسبب كل سبب ولا يلتفت أيضًا إلى قول من قال من المثبتين للعين إن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد كما تنبعث قوة سمية من الأفعى والعقرب تتصل باللديغ فتهلكه لأنا نقول لهؤلاء إن كنتم تريدون بالقوة أن هناك معنى يقتضي ذلك الضرر بذاته وأن ذلك ليس فعلًا لله تعالى فذلك كفر لأنه جحد لما علم من الشرع والعقل من أنَّه لا خالق إلَّا الله عزَّ وجلَّ ولا فاعل على الحقيقة إلَّا هو وإن كان يريد بذلك أن الله تعالى هو الفاعل للسبب والمسبب فهو الحق الصريح غير أن إطلاق لفظ القوة في هذا المعنى ليس بحسن عند المتشرعين ولا صحيح. قوله (ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين) هذا إغياء في تحقيق إصابة العين ومبالغة فيه تجري مجرى التمثيل لأنه يمكن أن يرد القدر شيء فإن القدر عبارة عن سابق علم الله تعالى ونفوذ مشيئته ولا راد لأمره ولا معقب لحكمه وإنما هذا خرج مخرج قولهم لأطلبنك ولو تحت الثرى أو لو صعدت إلى السماء ونحوه مما يجري هذا المجرى وهو كثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (وإذا استغسلتم فاغسلوا) هذا خطاب لمن يتهم بأنه عائن فيجب عليه ذلك ويقضى عليه به إذا طلب منه ذلك لاسيما إذا خيف على المعين الهلاك وهذا الغسل هو الَّذي سماه في بعض طرق حديث سهل بن حنيف بالوضوء وذلك أن عامر بن ربيعة نظر إلى سهل متجردًا فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فوعك سهل مكانه فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعامر "علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت، إن العين حق، توضأ له" فتوضأ عامر. رواه أبو داود [3880] وفي الطريق الأخرى زيادة كيفية الغسل قال: فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبته وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح فصب عليه. وصفته عند العلماء أن يؤتى من ماء ولا يوضع القدح على الأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى وبشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكف ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى ثم ركبته اليمنى ثم اليسرى على الصفة المذكورة والرتبة المتقدمة ولا يغسل ما بين الكعبين والركبتين وكل ذلك في القدح ثم داخلة الإزار وهو الطرف الَّذي يلي حقوه الأيمن وقد ذكر بعضهم أن داخلة الإزار يكنى به عن الفرج وجمهور العلماء على ما قلناه فإذا استكمل هذا صبه خلفه من على رأسه هكذا نقل أبو عبد الله المازري وقال هذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، قال القاضي عياض: وبه قال الزهري وأخبر أنَّه أدرك العلماء يصفونه ويستحسنه علماؤنا ومضى به العمل وزاد أن غسل وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى وكذلك سائر أعضائه وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغسل داخلة الإزار هو إدخاله وغسله في القدح ثم يقوم الَّذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع جسده يستغفله به وقيل يغسله بذلك ثم يكفأ الإناء على ظهر الأرض. وقد روي عن ابن شهاب أنَّه بدأ بغسل الوجه قبل المضمضة وأنه لا يغسل القدمين جميعها بل أطرافها من عند أصول أصابعه، وقيل في داخلة الإزار الموضع الَّذي تمسه داخلة الإزار وقيل أراد وركه إذ هو معقد الإزار، وقد روي في حديث سهل أن العائن غسل صدره مع ما ذكره وأنه صلى الله عليه وسلم أمره فحسا من الماء حسوات والمعتمد على ما رواه مالك والله تعالى أعلم.

5562 - (2151) (205) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُريقٍ. يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث سهل من الفقه أبواب فمنها خبر العائن على الوضوء المذكور على الوجه المذكور وقيل لا يجبر وأن من اتهم بأمر أحضر للحاكم وكشف عن أمره وأن العين قد تقتل لقوله: صلى الله عليه وسلم "علام يقتل أحدكم أخاه" كما مر آنفًا، وأن الدعاء بالبركة يذهب أثر العين بإذن الله تعالى وأن أثر العين إنما هو عن حسد كامن في القلب وأن من عرف بالإصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعًا لضرره، قال بعض العلماء: يأمره الإمام بلزوم بيته وإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به وكف أذاه عن الناس. [فرع] لو انتهت إصابة العين إلى أن يعرف بذلك ويعلم من حاله أنَّه كلما تكلم بشيء معظمًا له أو متعجبًا منه أصيب ذلك الشيء وتكرر ذلك بحيث يصير ذلك عادة له فما أتلفه بعينه غرمه وإن قتل أحدًا بعينه عامدًا لقتله قتل به كالساحر القاتل بسحره عند من لا يقتله كفرًا، وأما عندنا فيقتل على كل حال قتل بسحره أو لا لأنه كالزنديق كما سيأتي في مبحث السحر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على السحر بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5562 - (2151) (205) (حَدَّثَنَا أبو كريب حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير عن هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صنع به صناعة السحر (يهودي من يهود) المدينة (بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم). [قلت] قد صرح الراوي في هذه الرواية بأنه كان يهوديًّا، وقد وقع في رواية لابن عيينة عند البخاري [5765] (رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا) وبين الروايتين معارضة وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأن من أطلق أنَّه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ومن أطلق عليه منافقًا نظر إلى ظاهر أمره، ويحتمل أنَّه قيل له يهودي لكونه من حلفائهم لا أنَّه كان على دينهم وبنو زريق بطن من الأنصار مشهور من الخزرج وكان بين كثير من الأنصار واليهود حلف وإخاء قبل الإسلام فلما جاء الإسلام تبرأ الأنصار منهم،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة [7/ 92] من طريق عمرة عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم وكان تعجبه خدمته فلم تزل به يهود حتَّى سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر فيما أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل قال (لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم وكان حليفًا في بني زريق وكان ساحرًا فقالوا له يا أبا الأعصم أنت أسحرنا وقد سحرنا محمد فلم تصنع شيئًا ونحن نجعل لك جعلًا على أن تسحر لنا سحرًا ينكؤه فجعلوا له ثلاثة دنانير) ووقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي فأقام أربعين ليلة، وقال السهيلي لم أقف في شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها في السحر حتَّى ظفرت به في جامع معمر عن الزهري أنَّه لبث ستة أشهر وأيده الحافظ بحديث أخرجه أحمد في مسنده [6/ 63] بإسناد موصول صحيح راجع فتح الباري [10/ 226] والله سبحانه وتعالى أعلم، وفي مرسل يحيى بن يعمر عند عبد الرزاق سحر النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة أي حبس عنها سنة حتَّى كاد يغض بصره عنها. وهذا الحديث يدل على أن السحر موجود وأن له أثرًا في المسحور وقد دل على ذلك مواضع كثيرة من الكتاب والسنة بحيث يحصل بذلك القطع بأن السحر حق وأنه موجود وأن الشرع قد أخبر بذلك كقصة سحرة فرعون وبقوله تعالى فيها: {وَجَاءُوأ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحِرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} إلى غير ذلك مما تضمنته تلك الآيات من ذكر السحر والسحرة، وبالجملة فهو أمر مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن وجوده ووقوعه فمن كذب بذلك فهو كافر مكذب لله ولرسوله منكر لما علم مشاهدة وعيانًا ومنكر ذلك إن كان مستترًا به فهو الزنديق وإن كان مظهرًا فهو المرتد. والسحر لغة كل ما لطف وخفي، واصطلاحًا كل ما خفي سببه أو تخيل على غير حقيقته، وقد بسطنا الكلام عليه في تفسيرنا في مظانه فراجعه. والسحر عند علمائنا حيل صناعية يتوصل إليها بالتعلم والاكتساب غير أنها لخفائها

قَالتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيلَةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ودقتها لا يتوصل إليها إلَّا آحاد الناس فيندر وقوعها وتستغرب آثارها لندورها، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأزمان ذلك وأكثره تخيلات لا حقيقة لها وإبهامات لا ثبوت لها فتعظم عند من لا يعرفها وتثتبه على من لا يقف عليها ولذلك قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحِرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} مع أنَّه كان في عين الناظر إليه عظيمًا كما عبر تعالى عنه بقوله: {وَجَاءُوأ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} لأن الحبال والعصي لم تخرج عن حقيقتها وذلك بخلاف عصى موسى فإنها انقلبت ثعبانًا مبينًا خرقًا للعادة وإظهارًا للمعجزة ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب بالحب والبغض وبإلقاء الشرور حتَّى يفرق الساحر بين المرء وزوجه ويحول بين المرء وقلبه وبإدخال الالام وعظيم الأسقام إذ كل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة وعلى ما قررناه فالسحر ليس بخرق عادة بل هو أمر عادي يتوصل إليه من يطلبه غالبًا غير أنَّه يقل ويندر اهـ من المفهم. [قلت] رسمه الشيخ بأنه أمر خارق للعادة مسبب عن سبب معتاد كونه عنه قال فخرج المعجزة والكرامة اهـ أبي. (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها سحره يهودي (حتَّى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل) ويصوَّر (إليه) صلى الله عليه وسلم (أنَّه يفعل الشيء وما يفعله) أي والحال أنَّه لم يفعل ذلك الشيء حقيقة أي يزعم أنَّه فعل شيئًا لم يفعله أي كان يتخيل إليه أنَّه وطئ زوجاته وليس بواطئ وهذا التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل والقلب، بل السحر تسلط على جسده الشريف وظواهر جواهره اللطيفة لا على قلبه وعقله واعتقاده وهذا ما يدخل لبسًا على الرسالة، وفسر القاضي عياض هذا التخييل بقوله يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور (أنَّه يظهر له من نثاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على العطاء فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود) واستمر كذلك مسحورًا (حتَّى إذا كان ذات يوم) أي كان في يوم من الأيام، ولفظ ذات مقحم (أو) قالت عائشة، والشك من عروة أو ممن دونه (ذات ليلة) أي كان في ليلة من الليالي (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلب من الله تعالى الشفاء (ثم دعا) مرة ثانية (ثم

دَعَا. ثُمَّ قَال: "يَا عَائِشَةُ! أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ. فَقَال الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ، أَو الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ دعا) مرة ثالثة أي إظهارًا للعجز والافتقار وعلمًا منه بأن الله هو الكاشف للكروب والأضرار وقيامًا بعبادة الدعاء عند الاضطرار، وفيه دليل على استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله تعالى (ثم) بعدما دعا ثلاث مرات (قال) لي (يا عائشة أشعرت) بفتح همزة الاستفهام التقريري وفتح الشين المعجمة وكسر التاء خطابًا لعاششة أي أعلمت فالهمزة للاستفهام التقريري أي هل علمت (أن الله) تعالى (أفتاني فيما استفتيته فيه) أي أجابني فيما دعوته فسمى الدعاء استفتاء والجواب فتيا لأن الداعي طالب والمجيب مسعف فاستعير أحدهما للآخر اهـ مفهم. أي أجابني فيما سألته عنه، وفي رواية عمرة عند البيهقي في الدلائل (قد أنباني بوجعي) وذلك أنَّه (جاءني رجلان) في منامي ووقع في رواية عمرة عند البيهقي في الدلائل [7/ 92] (فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان) وهذا يدل على أن قصة إتيان الرجلين إنما وقعت في المنام وحمله الحافظ في الفتح على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان بصفة النائم وهو يقظان فتخاطبا وهو يسمع، وذكر أنَّه وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد بسند ضعيف جدًّا (فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان) وأخرج النسائي وابن سعد والحاكم وعبد بن حميد عن زيد بن أرقم (سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيامًا فاتاه جبريل فقال إن رجلًا من اليهود سحرك) .. الخ ودل ذلك على أن أحد الملكين كان جبريل، وذكر الحافظ أن الآخر ميكائيل ولم أقف على مأخذه والله أعلم (فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) بتشديد الياء على صيغة التثنية اهـ ومعنى (جاءني رجلان) أي ملكان في صورة رجلين وظاهره أن ذلك كان في اليقظة، ويحتمل أن يكون منامًا ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي اهـ مفهم (فقال) الرجل (الذي) هو جالس (عند رأسي لـ) لرجل (الَّذي) هو جالس (عند رجلي أو) قال (الَّذي عند رجلي للذي عند رأسي) والشك من الراوي (ما وجع) هذا (الرجل) أي ما مرضه، وفي رواية ابن عيينة عند البخاري ما بال الرجل؛ والحاصل أن أحدهما سأل الآخر عن وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا اللفظ يدل على أن

قَال: مَطبُوبٌ. قَال: مَنْ طَبَّهُ؟ قَال: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَم. قَال: في أَيِّ شَيءٍ؟ قَال: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَال: وَجُبِّ طَلْعَة ذَكَرٍ. قَال: فَأينَ هُوَ؟ قَال: في بِئرِ ذِي أَرْوَانَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان نوعًا من المرض حدث بسبب سحر فـ (قال) الآخر هو أن هذا الرجل (مطبوب) أي مسحور يقال طب الرجل بضم الطاء إذا سحر ويقال إنهم كنوا عن السحر بالطب تفاؤلًا كما قالوا للديغ سليم (قال) الآخر (من طبه) أي سحره (قال) طبه (لبيد بن الأعصم قال في أي شيء) طبه (قال) (في مشط) بضم الميم وسكون المعجمة الآلة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية وقد تكسر ميمه وقد تضم شينه أيضًا يجمع على أمشاط وقد يطلق على المشط على العظم العريض في الكتف وعلى سلاميات ظهر القدم، وعلى نبت صغير يقال له مشط الذنب، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون الَّذي سحر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحد هذه الأربع (و) في (مشاطة) بضم الميم وفتح المعجمة مخففة وبعد الألف طاء مهملة وهي الشعر الَّذي يسقط ويخرج من الرأس أو اللحية عند تسريحه وفي حديث ابن عباس من شعر رأسه ومن أسنان مشطه، ووقع في البخاري مثاقة بالقاف بدل الطاء وهي الواحدة من مشاق الكتان وهو ما سقط من الكتان والحرير ونحوها عند المشط وقيل هي المشاطة من الشعر (قال) الملك الثاني يعني السائل أي قال للمجيب على سبيل التلقين والتذكير بما تركه (و) طبه أيضًا في (جب) بضم الجيم وتشديد الموحدة وهو وعاء طلع النخل أي الغشاء الَّذي يكون عليه عند طلوعه، قال شمر: أراد بالجب داخل المطلعة إذا أخرج عنها الكفرى كما يقال لداخل الركية (أي البئر) من أسفلها إلى أعلاها جب، وقيل فيه إنه من القطع يعني به ما قطع من قشورها، وفي رواية (جف) بالفاء بدل الباء وهما بمعنى ويطلق على الذكر والأنثى فلذلك قيده في الحديث بإضافته إلى (طلعة) وبإضافة طلعة إلى (ذكر) أي طلعة نخل مذكر ورواه بعضهم بتنوين طلعة على أن قوله ذكر صفة لجب (قال) السائل منهما (فأين هو) أي في أي موضع هو أي ما طبه فيه من الأمور الثلاثة المذكورة (قال) المجيب هو مدفون (في بئر ذي أروان) هكذا في جميع نسخ مسلم (ذي أروان) بالهمز وكذا وقع في بعض روايات البخاري، وفي بعضها (بئر ذي ذروان) بالذال المفتوحة والراء الساكنة وكلاهما صحيح والأول أجود وأصح، وادعى ابن قتيبة أنَّه الصواب وهو قول الأصمعي وهي بئر في

قَالتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. ثَمَّ قَال: "يَا عَائِشَةُ! وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدينة في بستان بني زريق اهـ نووي، وذكر الحافظ أنَّه في الأصل (بئر ذي أروان) ثم سهلت الهمزة لكثرة الاستعمال فصارت ذروان، وفي رواية ابن عيينة عند البخاري (تحت راعوفة في بئر ذي أروان) والراعوفة حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي وقد يكون أسفل البئر (قالت) عائشة (فأتاها) أي فأتى تلك البئر وجاءها (رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس) أي مع أناس (من أصحابه) وهذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى البئر بنفسه، ووقع بنفسه في دلائل النبوة للبيهقي (فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغدا معه أصحابه إلى البئر) لكن وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد (فبعث إلى علي وعمار فأمرهما أن يأتيا إلى البئر) وعنده في مرسل ابن الحكم (فدعا جبير بن إياس الزرقي وهو ممن شهد بدرًا فدله على موضعه من بئر ذروان فاستخرجه) ويقال إن الَّذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي، قال في الفتح: ويجمع بأنه أعان جبيرًا على ذلك وباشره بنفسه فنسب إليه وأن النبي صلى الله عليه وسلم وجههم أولًا ثم توجه فشاهدها بنفسه والله أعلم (ثم) بعدما أتاها ورجع إلى عائشة (قال يا عائشة والله لكان ماءها نقاعة الحناء) فيه دليل على جواز الحلف وإن لم يستحلف، ونقاعة الحناء بضم النون الماء الَّذي يخرج فيه لونها إذا نقعت وبلت فيه، قال في المنجد: والحناء بكسر الحاء المهملة وبالمد نبت يتخذ ورقه للخضاب الأحمر المعروف وزهره أبيض كالعناقيد واحدتها حناءة وجمعه حنان بضم أوله يعني أن ماء تلك البئر أحمر كالذي ينقع فيه الحناء يعني أنَّه تغير لرداءته أو لما خالطه مما ألقي فيه (ولكأن نخلها) أي النخيل التي حولها (رؤوس الشياطين) في التناهي في كراهتها وقبح منظرها، وقيل الشياطين حيات عرفاء قبيحة المنظر هائلة جدًّا اهـ قسطلاني. يعني أنها مستكرهة مستقبحة المنظر والمخبر وهذا على عادة العرب إذا استقبحوا شيئًا شبهوه بأنياب الأغوال أو رؤوس الشياطين يعني والله أعلم أن هذه الأرض التي فيها النخل والبئر خراب لا تعمر لردائتها فبئرها معطلة ونخلها مشذبة (أي مقطوعة الأغصان ومقشرة اللحاء) بمهملة وتغير ماء البئر إما لطول إقامتها وإما لما خالطه مما ألقي فيه اهـ من المفهم. وفي رواية عمرة عند البيهقي في الدلائل (وإذا نخلها الَّذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين) ويحتمل أن يكون شبه طلعها برؤوس الشياطين لقبح منظرها،

قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلا أَحْرَقْتَهُ؟ قَال: "لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدَّ عَافَانِي اللهُ. وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحتمل أن يكون المراد بالشياطين الحيات وهناك شجر الزقوم شبهت فروعها برؤوس الشياطين فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل بالزقوم والله أعلم، زاد البيهقي في دلائل النبوة [7/ 94] في روايته عن أبي بكر بن محمد عن عمرة (قال فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة فإذا فيه مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مراطة رأسه وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيها إبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فأتاه جبريل - عليه السلام - بالمعوذتين فقال: يا محمد قل أعوذ برب الفلق وحل عقدة، من شر ما خلق وحل عقدة، حتَّى فرغ منها، ثم قال: قل أعوذ برب الناس وحل عقدة، حتَّى فرغ منها وحل العقد كلها، وجعل لا ينزع إبرة إلَّا وجد لها ألمًا ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد عافاني الله عزَّ وجلَّ وما وراءه من عذاب الله أشد" قال: فأخرجه (قالت) عائشة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أفلا أحرقته) كذا صحت الرواية والظاهر عليه أن الضمير راجع إلى ما أخرج من البئر مما عقد عليه السحر ومراد عائشة أن يحرق ذلك أمام الناس لاستئصال شافته وليكون عبرة للناس ويناسبه جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك يحتمل إثارة شر على الناس بإشاعة خبر السحر وتذكره وتعلمه، وذكر القرطبي: أن الضمير عائد إلى لبيد بن الأعصم واقترحت عائشة أن يحرق الرجل ليكون نكالًا للناس ويؤيده ما ذكرنا آنفًا من حديث عمرة في دلائل البيهقي ولفظه (فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي) وورد في الطريق الآتي (فأخرجه) مكان قولها هنا (أفلا أحرقته) ولعل المراد من الإخراج أن يعلم به الناس ويؤيده ما في مسند أحمد [6/ 96] (فأخرجته للناس) ووقع في رواية ابن عيينة عند البخاري (أفلا أي تنشرت) والنشر علاج السحر بالنشرة، والنشرة علاج لدفع مضرة السحر اهـ من التكملة. والهمزة في قوله (أفلا أحرقته) داخلة على محذوف وفيه حذف معطوف عليه قبل الإحراق والتقدير أتركته فلا أخرجته ولا أحرقته لأن الإحراق إنما يكون بعد الإخراج (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي لا أخرجته ولا أحرقته أي ما أظهرته للناس ولا أحرقته (أما أنا فقد عاناني الله) تعالى وشفاني (وكرهت أن أثير) وأظهر (على

النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ". 5563 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سُحِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ أَبُو كُرَيبٍ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُميرٍ. وَقَال فِيهِ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبِئْرِ. فَنَظَرَ إِلَيهَا وَعَلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس) وأنشر بينهم (شرًّا) أي ضررًا أي بإخراج السحر من البئر فلعله يعمل به أو يضر أحدًا ففيه ترك مصلحة لدفع مفسدة أعظم منها، وفيه جواز النشرة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجبها بأن النشرة لا تجوز وإنما علل امتناعه بإشارة فتنة والله أعلم اهـ منه (فأمرت بها) أي بالبئر أي بردمها وسدها (فدفنت) أي ردمت وسدت على السحر الَّذي فيها لما يخاف من ضرر السحر ومن ضرر ماء ذلك البئر، وذكر السمهودي في وفاء الوفاء [3/ 1138] أن الَّذي هورها وهدمها هو الحارث بن قيس وأصحابه قال (وحفروا بئرًا أخرى فأعانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفرها حتَّى استنبطوا ماءها ثم تهورت بعد) وراجع طبقات ابن سعد أيضًا [2/ 198]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 63]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الطب باب السحر [5763 و 5765 و 5766]، وابن ماجة في الطب باب السحر [3590]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5563 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو غريب حَدَّثَنَا أبو أسامة حَدَّثَنَا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لعبد الله بن نمير (قالت) عائشة (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقوله (وساق) ذكر (أبو غريب) تحريف من النساخ والصواب وساق أبو أسامة (الحديث) السابق (بقصته) أي بجميع ما فيه من القصة حالة كونه (نحو حديث ابن نمير) أي مقارب حديث عبد الله بن نمير لفظًا ومعنى (فقال) أبو أسامة (فيه) أي في ذلك النحو (فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البئر فنظر إليها وعليها) أي وعلى تلك البئر أي على جوانبها

نَخْلٌ. وَقَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَأَخْرِجْهُ. وَلَمْ يَقُل أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ؟ وَلَمْ يَذْكُرْ: فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ". 5564 - (2652) (206) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (نخل وقالت) عائشة فـ (قلت يا رسول الله فأخرجه) أي فأخرج ما في ذلك البئر من السحر (ولم يقل) أبو أسامة لفظة (أفلا أحرقته ولم يذكر) أبو أسامة في الحديث لفظة (فأمرت بها) أي بتهوير تلك البئر (ندفنت) أي هورت وسدت مع ما فيها من السحر. قال القرطبي: ووقع في رواية مسلم (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها قلت يا رسول الله (فأخرجته) تتفهمه أي هل كان منه إخراج له لأنه على تقدير همزة الاستفهام والرواية المتقدمة على العرض وهما متقاربان في المعنى وفي كل الروايات فجواب النبي صلى الله عليه وسلم لها واحد وهو أنَّه لم يفعل ذلك ولا وجد منه. [قلت] ويظهر لي أن رواية (أفلا أحرقته) أولى من غيرها لأنه يمكن أن تكون استفهمته عن إحراق لبيد بن الأعصم الَّذي صنع السحر فأجابها بالامتناع من ذلك لئلا يقع بين الناس شر بسبب ذلك فحينئذ يكون فيه حجة لمالك على قتل الساحر إذا عمل بسحره وإنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لما نبه عليه من خوف وقوع شر بين المسلمين واليهود لما كان بينهم من العهد والذمة فلو قتله لثارت فتنته ولتحدث الناس أن محمدًا يقتل من عاهده وأمنه وهذا نحو مما راعاه في الامتناع من قتل المنافقين حيث قال "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" كما في سيرة ابن هشام [2/ 291] فيكون ذلك منفرًا عن الدخول في دينه وفي عهده والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 5564 - (2652) (206) (حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا شعبة عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (5) (عن) جده (أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن امرأة يهودية) اسمها زينب

أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا. فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَهَا عَنْ ذلِكَ؟ فَقَالتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ. قَال: "مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ" قَال: أَوْ قَال: "عَلَيَّ" قَال: قَالُوا: أَلَا نَقْتُلهَا؟ قَال: "لَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بنت الحارث أخت مرحب اليهودي كما جاءت مسماة في مغازي موسى بن عقبة، وفي الدلائل للبيهقي اهـ تنبيه المعلم (أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة) أي بلحم شاة مخلوط بسم ظاهره أنها أتته بها على وجه الهدية فإنه كان يقبل الهدية ويثيب عليها، ويحتمل أن تكون ضيافة وأبعد ذلك أن تكون بيعًا، وفي غير كتاب مسلم أنَّه أخذ من الشاة الذراع فأكل منها هو وبشر بن البراء وأنه قال عند ذلك إن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة فأحضرت اليهودية فسئلت عن ذلك فاعترفت وقالت إنما فعلت ذلك لأنك إن كنت نبيًّا لم يضرك وإن كنت كاذبًا أرحت منك اهـ من المفهم (فأكل منها) أي من تلك الشاة أي من ذراعها (فجيء بها) أي فأتي باليهودية (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن ذلك) أي عن سبب تسميمها له صلى الله عليه وسلم (فقالت) اليهودية (أردت لأقتلك) فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لها (ما كان الله ليسلطك على ذاك) أي على قتلي الآن (قال) أنس أو من دونه (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو أنس ما كان الله ليسلطك (علي) أي على قتلي، والشك من الراوي أو ممن دونه فلم يضر ذلك السم رسول الله صلى الله عليه وسلم طول حياته غير ما أثر بلهواته وغير ما كان يعاوده في أوقات فلما حضر وقت وفاته أحدث الله ضرر ذلك السم في النبي صلى الله عليه وسلم فتوفي بسببه كما قال صلى الله عليه وسلم في مرضه الَّذي توفي فيه "لم تزل أكلة خيبر تعاودني فالآن أوان قطعت أبهري" فجمع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة مبالغة في الترفيع والكرامة، وأما بشر بن البراء فروي أنَّه مات من حينه، وقيل بل لزمه وجعه ذلك ثم توفي منه بعد سنة اهـ من المفهم (قال) أنس (قالوا) أي قال الحاضرون من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تقتلها) أي أتتركها ولا تقتلها قصاصًا لأن بشر بن البراء مات بسبب ذلك السم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أقتلها، قال القاضي عياض: واختلف الآثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فوقع في صحيح مسلم أنَّه قالوا ألا تقتلها؟ قال لا،

قَال: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُها في لَهَواتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 5565 - (00) (00) وحدَّثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا رَوحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ زَيدٍ. سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحدَّثُ؛ أَنَّ يَهُودِيَّةَ جَعَلَتْ سَمًّا في لَحْمٍ. ثُمَّ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله عن أبي هريرة وجابر، وعن جابر أيضًا من رواية أبي سلمة أنَّه صلى الله عليه وسلم قتلها وفي رواية ابن عباس أنَّه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور فكان أكل منها فمات بها فقتلوها، وقال القاضي أيضًا: وجه الجمع بين هذه الروايات أنَّه لم يقتلها أولًا حين اطلع على سمها فلما مات بشر سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصًا والله أعلم اهـ كلام القاضي. (قال) أنس (فما زلت أعرفها) أي أعرف أثر تلك الأكلة (في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) بتغيير لون أو تحفير أو نتو لحم أو غير ذلك، واللهوات بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك المشرفة على الحلق، وقيل هي أقصى الحلق وقيل ما يبدو من الفم عند التبسم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الهبة باب قبول الهدية من المشركين [2617]، وأبو داود في الديات باب فيمن سقى رجلًا سمًا أو أطعمه فمات أيقاد منه [2508]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5565 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال (حَدَّثَنَا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا شعبة سمعت هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (5) قال هشام (سمعت) جدي (أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة روح لخالد بن الحارث، حالة كون أنس (يحدث) لنا (أن يهودية) من يهود خيبر ذكر أصحاب السير أن اسمها زينب بنت الحارث وزوجها سلام بن مشكم، وذكر أبو داود في سننه أنها أخت مرحب كما مر (جعلت سمًا في لحم) شاة أي في كتفها (ثم أتت) اليهودية (به) أي بذلك اللحم المسموم (رسول الله صلى الله عليه وسلم)

بِنَحْو حَدِيثِ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وساق روح بن عبادة (بنحو حديث خالد) بن الحارث المذكور آنفًا، وتفصيل هذه القصة ما ذكره ابن هشام في سيرته [4/ 44] رواية عن ابن إسحاق قال: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم ثم سمت الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال: "إن هذه العظم ليخبرني أنَّه مسموم" ثم دعا بها فاعترفت فقال: "ما حملك على ذلك"؟ ؛ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت: إن كان ملكًا استرحت منه وإن كان نبيًّا فيخبر قال فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر من أكلته التي أكل. قال القرطبي: ففي هذا الحديث فوائد كثيرة أهمها ما أظهر الله تعالى من كرامات النبي صلى الله عليه وسلم حيث كلمه الجماد ولم يؤثر فيه السم وعلم ما غيب عنه من السم، وفيه أن السموم لا تؤثر بذواتها بل بإذن الله تعالى ومشيئته ألا ترى أن السم أثر في بشر ولم يؤثر في النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال، وفيه من العظة أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الَّذي يوجب القصاص وهو قول مالك إذا استكرهه على شربه فيقتل بمثل ذلك، وقال الكوفيون: لا قصاص في ذلك وفيه الدية على عاقلته قالوا: ولو دسه له في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته، وقال الشافعي: إذا فعل ذلك به وهو مكره ففيه قولان أحدهما عليه القود وهو أشبهها، والثاني لا قود عليه. وإن وضعه له فأخبره فأخذه الرجل فأكله فلا عقل ولا دية ولا كفارة اهـ من المفهم. قال الأبي: قوله ما كان ليسلطك على ذلك، قال القاضي لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. [قلت] هذا يعارضه قوله الآخر الآن حين قطعت أبهري فإنه يقتضي أنَّه مات بذلك ولذلك قال العلماء إن الله سبحانه قد جمع له بذلك بين كرم النبوة وفضل الشهادة، ويجاب بأن المعنى ما كان ليسلطك على قتلي الآن لأنه هو الَّذي أرادت ومعنى والله يعصمك من الناس قال القاضي: أي يعصمك من أذى الناس الَّذي يريدونه بك، وفي كفاية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم أمر السم المهلك لغيره

5566 - (2153) (207) حدَّثنا زُهَيرُ بن حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال زُهَيرٌ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ)، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ، مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ. ثُمَّ قَال: "أَذْهِبِ الْبَاسَ. رَبَّ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ معجزة وكذلك في إعلام الله تعالى له أن الشاة مسمومة وكذلك في كلام عضو ميت له فإنه مذكور في غير مسلم حيث قال: "إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة" اهـ منه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5566 - (2153) (207) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير واللفظ له حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى) ومرض (منا) أهل البيت (إنسان) أي شخص، وفي رواية إبراهيم عن مسروق عند البخاري "كان إذا أتى مريضًا أو أتي به إليه" وفي رواية مسلم عن مسروق عنده أيضًا "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ أهله يمسح بيده اليمنى" .. إلخ (مسحه) أي مسح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الإنسان المريض (بيمينه) أي مسح موضع الوجع بيده اليمنى، قال الطبري: هو على طريق التفاؤل لزوال الوجع ذكره الحافظ في الفتح [10/ 257] ومسحه صلى الله عليه وسلم بيمينه عند الرقى دليل على جواز ذلك وحكمته التبرك باليمين وأن ذلك غاية تمكن الراقي فكأنه مد يده لأخذ المرض وإزالته، ومن حكمته إظهار عجز الراقي عن الشفاء وصحة تفويض ذلك إلى الله تعالى ولذلك قال عند ذلك لا شفاء إلَّا شفاؤك اهـ من المفهم. (ثم) بعد مسحه موضع الوجع (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أذهب) وارفع عن هذا المريض (الباس) أي الضرر والمرض والألم بقلب همزته ألفًا لغرض السجع أو المؤاخاة كما في القسطلاني. يا (رب الناس) ومالكهم ومدبرهم ومصلحهم، وفيه دليل على جواز السجع في الدعاء والرقى إذا لم يكن مقصودًا ولا مكلفًا، وهو منادى مؤخر عن جوابه اهتمامًا

وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي. لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ. شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا". فَلَمَّا مَرِض رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ به (واشف) أي أوجد له الشفاء والعافية من مرضه وارزقه لأنك (أنت) يا رب (الشافي) أي أنت الإله الَّذي يوجد الشفاء والعافية من المرض، وفي رواية للبخاري "اشف وأنت الشافي "وفي أخرى "واشفه وأنت الشافي "بزيادة الهاء وهي إما ضمير يعود على المريض أو زائدة للسكت والألف واللام في الشافي موصولة بمعنى الَّذي وليس باسم علم لله تعالى إذا لم يكثر ذلك ولم يتكرر اهـ قرطبي، وفي القسطلاني: وفي قوله الشافي دلالة على جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن إذا كان له أصل فيه قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} ولم يوهم نقصًا (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح أي لا شفاء حاصل لنا أو للمريض (إلا شفاؤك) بالرفع بدل من موضع لا شفاء، وقال في المصابيح الكلام في إعرابه كالكلام في قولنا لا إله إلَّا الله ولا يخفى أنَّه بحسب صدر الكلام نفي لكل إله سواه تعالى وبحسب الاستثناء إثبات له ولألوهيته لأن الاستثناء من النفي إثبات لاسيما إذا كان بدلًا فإنه يكون هو المقصود بالنسبة، ولهذا كان البدل هو المختار في كل كلام تام غير موجب، قوله (شفاء لا يغادر) ولا يترك (سقمًا) ولا ألمًا منصوب على المفعولية المطلقة باشف أي اشف شفاءً ويجوز الرفع على أنَّه خبر لمحذوف والتقدير الشفاء المطلوب لنا شفاء لا يغادر سقمًا وعلى الوجه الأول فالجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق اهـ قسطلاني، ومعنى لا يغادر لا يترك، وفائدة تقييد الشفاء بذلك أنَّه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه فكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء قاله الحافظ في الفتح [10/ 1131] والتنوين في سقمًا للتقليل اهـ قسط. أي لا يترك سقمًا قليلًا ولا كثيرًا، والسقم بفتحتين وبضم السين وسكون القاف لغتان والمعروف في الرواية هو الأول، والجملة صفة لقوله: "شفاء" وفي الحديث استحباب الرقية بالأذكار والقرآن اهـ ذهني. وورد في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة "امسح الباس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلَّا أنت "أخرجه البخاري [5744] وسيأتي عند المؤلف بلفظ "اذهب البأس بدل امسح البأس وكأنه صلى الله عليه وسلم يدعو مرة بهذا ومرة بذاك والله أعلم (فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) وجعه الَّذي توفي فيه (وثقل) أي ضعف عن تحريك

أَخَذْتُ بَيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ. فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِن يَدِي. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى". قَالتْ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى ـــــــــــــــــــــــــــــ أعضائه لشدة المرض (أخذت بيده) الشريفة (لأصنع به) وأفعل (نحو) أي مثل (ما كان يصنع) بنفسه عند خفة مرضه وبغيره في حال صحته من القراءة على يده والمسح بها، وسيأتي في رواية عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الَّذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي" فكأنها جمعت بين المعوذات وبين هذا الدعاء (فانتزع) أي جذب وأخذ (يده) الشريفة (من يدي) كالكاره لأخذي إياها (ثم) بعدما انتزع يده من يدي (قال اللهم اغفر لي واجعلني) من المرافقين (مع الرفيق الأعلى) فسره بعض العلماء بأن المراد من الرفيق الأعلى المرافقون في المكان الأعلى وهو الجنّة أي اجعلني مع المرافقين في الجنّة من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، ويؤيده ما وقع عند ابن إسحاق "الرفيق الأعلى للجنة، وقيل المراد بالرفيق ما يشمل الواحد وما فوقه والمراد الأنبياء ومن ذكر معهم في قوله تعالى: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ونكتة الإتيان بهذه الكلمة بالإفراد الإشارة إلى أن أهل الجنّة يدخلونها على قلب رجل واحد نبه عليه السهيلي، وزعم بعض المغاربة أنَّه يحتمل أن يراد بالرفيق الأعلى الله عزَّ وجلَّ لأنه من صفاته كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق" أخرجه مسلم، قال القرطبي: وفيه بعد من جهة اللسان. وقد دلت الروايات الكثيرة على أن هذه الكلمة كانت آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم وقال السهيلي: الحكمة في اختتام كلام المصطفى بهذه الكلمة كونها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتَّى يستفاد منه الرخصة لغيره أنَّه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان لأن بعض الناس قد يمنعه من النطق مانع فلا يضره إذا كان قلبه عامرًا بالذكر. هذا ملخص ما في كتاب المغازي من فتح الباري [8/ 137 و 138]. (قالت) عائشة (فذهبت) أي شرعت وقصدت أن (انظر) إليه فنظرت إليه وأمعنت في نظري (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (قد قضى) وأتم وأدى حياته من الدنيا وارتحل

5567 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخبَرَنَا هُشَيمٌ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو بَكرِ بن خَلَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنْ سُفْيَانَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. في حَدِيثِ هُشَيمِ وَشُعْبَةَ: مَسَحَهُ بِيَدِهِ. قَال: وَفِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ: مَسَحَهُ بِيَمِينهِ. وَقَال في عَقِبِ حَديثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الرفيق الأعلى وهو كناية عن موته، وإذا فيه فجائية أي ذهبت انظر إليه فنظرته ففاجأني قضاؤه أي موته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 44]، والبخاري في أبواب كثيرة منها في الطب باب ما جاء في رقية النبي صلى الله عليه وسلم [5743 و 5744]، وابن ماجة في الجنائز [1619]، وفي الطب [3565]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5567 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا حَدَّثَنَا أبو معاوية ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر ح وحدثنا) محمد (بن بشار حَدَّثَنَا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر وابن أبي عدي رويا (عن شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو بكر) محمد (ابن خلاد) بن كثير الباهلي البصري، ثقة، من (10) (قالا حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد التميمي البصري (وهو القطان عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (كل هؤلاء) الأربعة المذكورين من هشيم وأبي معاوية وشعبة وسفيان رووا (عن) سليمان (الأعمش) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لجرير بن عبد الحميد (بإسناد جرير) يعني عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة ولكن (في حديث هشيم وشعبة) وروايتهما لفظة (مسحه بيده) بدل قول جرير "مسه بيمينه" (قال) أبو بكر بن أبي شيبة (وفي حديث الثوري) وروايته لفظة (مسحه بيمينه) كرواية جرير (وقال) أبو بكر أيضًا (في عقب حديث

يَحيى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ. قَال: فَحدَّثتُ بهِ مَنْصُورًا فَحَدَّثَنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. بِنَحْوهِ. 5568 - (00) (00) وحدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَادَ مَرِيضًا يَقُولُ: "أَذْهِب الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ. اشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ. شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى) القطان أي في آخر روايته (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش قال) الأعمش (فحدثت به) أي بهذا الحديث الَّذي سمعته عن أبي الضحى (منصورًا) ابن المعتمر بن عبد الله السلمي (فحدثني) منصور (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن مسروق عن عائشة) رضي الله عنها، وساق منصور (بنحوه) أي بنحو حديث أبي الضحى المذكور هنا سابقًا، غرضه بيان متابعة إبراهيم لأبي الضحى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 5568 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم لأبي الضحى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عاد مريضًا) وزاره (يقول) في الدعاء له (أذهب الباس) أي المرض والوجع والألم عن هذا المريض يا (رب الناس) ومالكهم (اشفه) بكسر الهاء أي اشف هذا المريض وأزل عنه مرضه (أنت الشافي) أي أنت القادر على شفائه (لا شفاء) وعافية حاصل لنا (إلا شفاؤك) بالرفع بدل من الضمير المستكن في خبر لا، اشفه (شفاء لا يغادر) ولا يترك (سقمًا) قليلًا فضلًا عن الكثير قد مر ما فيه في الرواية الأولى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5569 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بن حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى المَرِيضَ يَدْعُو لَهُ قَال: "أَذهِبِ الْبَاسَ. رَبَّ النَّاسِ. وَاشفِ أَنْتَ الشَّافِي. لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ. شِفَاءَ لَا يُغَادِرُ سَقَمًا". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: فَدَعَا لَهُ. وَقَال: "وَأَنْتَ الشَّافِي". 5570 - (00) (00) وحدَّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ وَمُسْلِمٍ بنِ صُبَيحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5569 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة جرير لأبي عوانة في الرواية عن منصور (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض) وزاره (يدعو له) بالعافية والشفاء. وقوله (قال) تفسير لقوله يدعو أو بدل من جواب إذا أي يدعو له فيقول في دعائه (أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا. وفي روايهْ أبي بكر فدعا له وقال وأنت الشافي) والفاء في قوله فدعا زائدة في جواب إذا، وقال معطوف على دعا على كونه جوابًا لإذا أي إذا أتى المريض دعا له، وقال في دعائه له: أذهب عنه الباس يا رب الناس، ويقول: واشف وأنت الشافي، بزيادة الواو وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5570 - (00) (0) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي الطحان، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن موسى) العبسي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، ثقة، من (7) (عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (ومسلم بن صبيح) معطوف على إبراهيم كلاهما رويا (عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من

قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ وَجَرِيرٍ. 5571 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْقِي بِهَذِهِ الرُّقْيَةِ "أَذْهِبِ الْبَاسَ. رَبَّ النَّاسِ. بِيَدِكَ الشِّفَاءُ. لَا كَاشِفَ لَهُ إلا أَنْتَ". 5572 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سباعياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لأبي عوانة وجرير (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث وساق إسرائيل (بمثل حديث أبي عوانة وجرير). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5571 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب واللفظ لأبي غريب قالا حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لمسروق (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي) من باب رمى يرمي أي يعالج المريض (بهذه الرقية) أي بهذه الأدعية والأذكار أي بقراءتها عليه، يعني قوله (أذهب الباس) والألم والأمراض عن هذا المريض يا (رب الناس) ومالك الناس (بيدك) المقدسة (الشفاء) والعافية لا بيد غيرك (لا كاشف) ولا مزيل (له) أي لهذا الباس والألم عن هذا المريض (إلا أنت) يا إلهي، وفي قوله (لا كاشف له) إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف بتقدير الله تعالى ومشيئته لا ينجع ولا ينفع اهـ عيني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5572 - (00) (00) (وحدثنا أبو غريب حَدَّثَنَا أبو أسامة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي أخو إسرائيل، ثقة، من

كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) (كلاهما) أي كل من أبي أسامة وعيسى رويا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة وساقا (مثله) أي ساق أبو أسامة وعيسى مثل حديث عبد الله بن نمير، غرضه بيان متابعة أبي أسامة وعيسى بن يونس لعبد الله بن نمير. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والرابع حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والخاص حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ست متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

677 - (21) باب رقية المريض بالمعوذات وترخيصها من العين والنملة والحمة والنظرة ما لم يكن فيها شرك وجواز أخذ الأجرة عليها إذا كانت بالقرآن ونحوه

677 - (21) باب رقية المريض بالمعوذات وترخيصها من العين والنملة والحمة والنظرة ما لم يكن فيها شرك وجواز أخذ الأجرة عليها إذا كانت بالقرآن ونحوه 5573 - (2154) (208) حدَّثني سُرَيجُ بن يُونُسَ وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبُ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بن عَبَّادِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، نَفَثَ عَلَيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 677 - (21) باب رقية المريض بالمعوذات وترخيصها من العين والنملة والحمة والنظرة ما لم يكن فيها شرك وجواز أخذ الأجرة عليها إذا كانت بالقرآن ونحوه 5573 - (2154) (208) (حدثني سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي النزول، ثقة، من (15) روى عنه في (11) بابا (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (15) روى عنه في (8) أبواب (قالا حَدَّثَنَا عباد بن عباد) بن حبيب ابن المهلب العتكي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث) أي نفخ (عليه) أي على ذلك الأحد نفخًا خفيفًا بلا ريق كما فسره النووي، وقال الحافظ: هو تفل بلا ريق أو مع ريق خفيف، وأخرج البخاري في الطب قول معمر بعد هذا الحديث قلت للزهري كيف ينفث قال: ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه (بالمعوذات) بكسر الواو المشددة أي مع قراءة المعوذات عليه، والمعوذات هي سورة الفلق وسورة الناس وجمع إما باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو باعتبار أن المراد بها الكلمات التي يقع التعوذ بها من السورتين، ويحتمل أن المراد بالمعوذات هاتان السورتان مع سورة الإخلاص ويؤيده ما أخرجه البخاري في فضائل القرآن كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما ثم يقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، وقال القرطبي: والمراد بالمعوذات قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ونحو قوله: {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} اهـ من المفهم. وقال النووي: وفي الحديث استحباب النفث في الرقية. وقد أجمعوا على جوازه واستحبه

فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَتْفُثُ عَلَيهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ. لأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِن يَدِي. وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبُ: بمُعَوِّذَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وإنما رقى بالمعوذات لأنها جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلًا ففيها الاستعاذة من شر ما خلق فيدخل فيه كل شيء ومن شر النفاثات في العقد ومن السواحر ومن شر الحاسدين ومن شر الوسواس الخناس اهـ نووي. قال القسطلاني: والرقية بالمعوذات هو الطب الروحاني وإذا كان على لسان الأبرار حصل به الشفاء، قال القاضي عياض: فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الَّذي يمسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر اهـ من القسطلاني وفي الحديث جواز الرقية والنفث بها لكن بشروط أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره وأن يعتقد أن الرقية غير مؤثرة بنفسها بل بتقدير الله تعالى، وقال الربيع سألت الشافعي عن الرقية، فقال: لا بأس أن يرقي بكتاب الله عزَّ وجلَّ وبما يعرف من ذكر الله، قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وذكر الله اهـ من الإرشاد. قالت عائشة (فلما مرض) رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرضه الَّذي مات فبه جعلت) أي شرعت (أنفث) من بابي نصر وضرب أي أنفخ (عليه) نفخًا لطيفًا بلا ريق (وأمسحه) أي أمسح جسمه الشريف (بيد نفسه) الشريفة (لأنها) أي لأن يده صلى الله عليه وسلم كانت أعظم بركة) أي أكثر خيرًا (من يدي وفي رواية يحيى بن أيوب بمعوذات) بلا إدخال أل عليها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 44]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الطب باب الرقى بالقرآن والمعوذات [5735]، وأبو داود في الطب باب كيف الرقى [3902]، والترمذي في الدعوات [3399]، وابن ماجة في الطب باب النفث في الرقية [3575]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5574 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ. وَيَنْفُثُ. فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيهِ وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ. رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. 5575 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وحدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعَمْرٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وحدَّثَنَا عُقبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5574 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مالك لعباد بن عباد (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى) ومرض (يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث) أي ينفخ نفخًا لطيفًا على جسده مع الرقية (فلما اشتد وجعه) أي مرضه الَّذي مات فيه كنت أقرأ عليه) أي على جسده (وأمسح عنه) أي على جسده بعد القراءة (بيده) الشريفة (رجاء بركتها) وخيراتها، وفيه إذا مرض الإنسان فعليه أن يتعوذ بالمعوذات على نفسه وينفث ويمسح بيده على ما وصلت إليه يده من بدنه ولكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5575 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (وحرملة) بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (ح وحدثني محمد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري (ح وحدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول العمي البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) (وأحمد بن

عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي زِيادٌ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بِإِسْنَادِ مَالِكٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَلَيسَ في حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ: رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. إلا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ. وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ وَزِيَادٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ. 5576 - (2155) (209) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان) بن أبي عثمان عبد النور بن عبد الله بن سنان (النوفلي) نسبة إلى أحد أجداده أبو عثمان البصري الناسك، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (قالا حَدَّثَنَا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا كلاهما) أي كل من روح بن عبادة وأبي عاصم رويا (عن ابن جريج) قال ابن جريج (أخبرني زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (8) أبواب (كلهم) أي كل من يونس بن يزيد ومعمر بن راشد وزياد بن سعد رويا (عن ابن شهاب بإسناد مالك) يعني عن عروة عن عائشة (نحو حديثه) أي قريب حديث مالك لفظًا ومعنى، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس (و) لكن (ليس في حديث أحد منهم) أي من هؤلاء الثلاثة المذكورين وروايتهم لفظة (رجاء بركتها إلا في حديث مالك) بن أنس (وفي حديث يونس وزياد) بن سعد لفظة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده) الشريفة بدل قول مالك يقرأ على نفسه بالمعوذات .. إلخ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة يعني الرقية من الحمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5576 - (2155) (209) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن) أبي إسحاق (الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي أبي حفص الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى

قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الرُّقيَةِ؟ فَقَالتْ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ بَيتٍ مِنَ الأَنْصَارِ، في الرَّقِّيَةِ، مِن كُلِّ ذِي حُمةٍ. 5577 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (5) أبواب (قال) الأسود (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (عن) حكم (الرقية) هل تجوز أم لا؟ (فقالت) عائشة في جواب سؤالي (رخص) أي سهل وجوَّز وأذن (رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار) وسيأتي عن المؤلف (رخص النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم) وسيأتي أيضًا (أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في رقية الحمية لآل عمرو) أي رخص لهم (في) عمل (الرقية) أي في العلاج بقراءة الأذكار وأسماء الله تعالى (من كل) لدغة ولسعة حيوان (ذي حمة) أي صاحب سم كالحيات والعقارب والزنابير، والحمة بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة السم والمعنى أذن في الرقية من كل ذوات سم اهـ نووي، وقال السنوسي: ويطلق أيضًا على إبرة العقرب للمجاورة لأن منها يخرج السم وأصلها حمي أو حمو بوزن صرد فالهاء فيها بدل من الواو أو الياء اهـ، وقال الحافظ: الحمة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم، قال ثعلب وغيره: هي سم العقرب، وقال القزاز: قيل هي شوكة العقرب وكذا قال ابن سيده إنها الإبرة التي تضرب بها العقرب والزنبور وكذا النحل، وقال الخطابي: الحمة كل هامة ذات سم من حية أو عقرب اهـ فتح الباري [10/ 156]. وعبارة القرطبي: قوله (من كل ذي حمة) أي من لسع كل دابة ذات سم والحمة السم والمشهور فيه ضم الحاء، قال بعضهم: وقد تفتح وهي مخففة الميم على كل حال اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب رقية الحية والعقرب رقم [5741]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5577 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواصطي (عن مغيرة) بن مقسم الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي الفقيه الأعمى، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من

عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ بَيتٍ مِنَ الأَنْصَارِ، في الرُّقْيَةِ، مِنَ الْحُمَةِ. 5578 - (2156) (210) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بن حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ - قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى الإِنْسَانُ الشَّيءَ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ. قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِإِصْبَعِهِ هَكذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم النخعي لعبد الرحمن بن الأسود (قالت) عائشة (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت من الأنصار) أي أذن لهم (في الرقية من الحمة) أي من لسعة دابة ذات سم كما مر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 5578 - (2156) (210) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالوا حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني أخي يحيى بن سعيد، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية، ثقة، من (3) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسان) منا (الشيء) أي العضو (منه أو كانت به) أي بذلك الإنسان (قرحة) والقرحة بفتح القاف وضمها مع إسكان الراء فيهما الجراحة المتقادمة التي اجتمع فيها القيح (أو) كان به (جرح) بفتح الجيم وضمها وسكون الراء فيهما مصدر جرح جرحًا يجمع على جروح أثر السلاح بالبدن إذا ترامى إلى الفساد وجرب شديد يهلك الفصلان - الأعضاء الصغار - كالأنامل اهـ منه، وقيل القرحة ما كانت من البثرة والجرح ما كان من طعن السلاح أو قطع السكين (قال النبي صلى الله عليه وسلم) أي وضع (بإصبعه) السبابة أي بأنملتها (هكذا) أي على الأرض، قال ابن أبي عمر

وَوَضَعَ سُفْيَانُ سَبَّابَتَهُ بِالأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَها-: "بِاسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا. بِرِيقَةِ بَعْضِنَا. لِيُشْفَى بِهِ سَقِيمُنَا. بِإِذْنِ رَبِّنَا". قَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ "يُشفَى"، وقَال زُهَيرٌ: "لِيُشْفَى سَقِيمُنَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ووضع سفيان) بن عيينة عندما روى لنا هذا الحديث (سبابته) أي أنملة سبابته أي مسبحته (بالأرض) أي على الأرض (ثم رفعها) أي رفع سفيان مسبحته عن الأرض أي وضعها ورفعها بيانًا لنا لكيفية وضع النبي صلى الله عليه وسلم إياها على الأرض ورفعه إياها. قوله (بسم الله) .. إلخ مقول محكي لحال محذوفة أي قالها ووضعها على الأرض حالة كونه قائلًا هذه الكلمات إلى آخرها ثم رفعها ووضعها على القرحة أو الجرح، والجار والمجرور في قوله باسم الله متعلق بمحذوف تقديره أي أتبرك باسم الله تعالى. وقوله (تربة أرضنا) مبتدأ (بريقة بعضنا) حال من التربة أي حالة كونها مصحوبة بريقة بعضنا، والريقة أخف من الريق وأنثها على معنى القطعة والبزقة، واللام في قوله (ليشفى) بالبناء للمجهول زائدة كما هي ساقطة في رواية البخاري، وفي بعض رواية مسلم أي يعافى (به) أي بما ذكر من التربة المصحوبة بالريقة أي يعافى بها (سقيمنا) أي مريضنا (بإذن ربنا) أي بإرادة ربنا ومشيئته، ويحتمل كون اللام أصلية متعلقة بمحذوف تقديره أخذناها أخذنا ليشفى بها سقيمنا (قال) أبو بكر (بن أبي شيبة يشفى) بإسقاط اللام (وقال زهير) بن حرب (ليشفى سقيمنا) بإثبات اللام وإسقاط الجار والمجرور، وفي بعض رواية البخاري (يشفي سقيمنا) بالبناء للفاعل ونصب سقيمنا على المفعولية والفاعل محذوف لعلمه أي يشفي الله سقيمنا. قال النووي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء فيمسح بها على الموضع الجريح والعليل ويتلفظ بهذه الكلمات في حال المسح، وقال النووي أيضًا: قيل المراد بأرضنا أرض المدينة خاصة لبركتها وببعضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرف ريقه ويكون ذلك مخصوصًا به صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: وفيه نظر، وفي المرقاة قال: جمهور العلماء المراد بأرضنا هنا جملة الأرض اهـ والمراد بريقنا ريق المؤمنين. وحاول بعض العلماء كما ذكر عنهم القرطبي أن يخرجوا هذا الطريق على أصول

5579 - (2157) (211) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُمَا -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسعَرٍ. حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بن خَالِدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ طبية فقالوا: إن السر فيه أن تراب الأرض لبرودته ويبسه يبرئ الموضع الَّذي به الألم ويمنع انصباب المواد إليه ليبسه مع منفعته في تجفيف الجراح واندمالها، وأما الريق فإنه يختص بالتحليل والإنضاج وإبراد الجرح والورم لاسيما من الصائم الجائع وكذلك ذكر البيضاوي أن للريق مدخلًا في النضج وتعديل المزاج ولتراب الوطن تأثيرًا في حفظ المزاج ودفع الضرر فقد ذكروا أنَّه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها ولكن تعقب القرطبي مثل هذه التوجيهات، وقال: إنما هذا من باب التبرك باسماء الله تعالى فلا يلزم تعقيده على أصول طبية وهو الظاهر، وقال التوربشتي: كان المراد من التربة الإشارة إلى فطرة آدم والريقة الإشارة إلى النطفة كأنه تضرع بلسان الحال أنك اخترعت الأصل الأول من التراب ثم أبدعته من ماء مهين فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته كذا في فتح الباري [10/ 258]. والباء في قوله (بريقة بعضنا) للمصاحبة وتربة أرضنا خبر لمحذوف ولعل تقدير العبارة على كون اللام أصلية هكذا (هذه تربة أرضنا مصحوبة بريقة بعضنا أخذناها ليشفى به سقيمنا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 93]، والبخاري [5745]، وأبو داود [3895]، وابن ماجة [3521]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 5579 - (2157) (211) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال أبو بكر وأبو غريب واللفظ لهما حَدَّثَنَا محمد بن بشر) ابن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة بضم العين الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا معبد بن خالد) بن مرين مصغرًا الجدلي

عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنَ العَينِ. 5580 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ. قَال: حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. 5581 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالث: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُنِي أنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي القاص، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن) عبد الله (بن شداد) بن الهاد واسمه أسامة بن عمرو بن عبد الله بن جابر الليثي الكوفي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرها أن تسترقي) أي أن تعالج بالقراءة (من) إصابة (العين) أو المعنى أي أمرها أن تطلب الرقية ممن يعرف الرقى من إصابة العين، وفيه مشروعية الرقية لمن أصابه العين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب رقية العين [5738]، وابن ماجة في الطب باب من استرقى من العين [2557]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5580 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن نمير قال حَدَّثَنَا أبي حَدَّثَنَا مسعر بهذا الإسناد) يعني عن معبد بن خالد عن ابن شداد عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لمحمد بن بشر وساق عبد الله بن نمير (مثله) أي مثل حديث محمد بن بشر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 5581 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (حَدَّثَنَا سفيان) الثوري (عن معبد بن خالد عن عبد الله بن شداد عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمسعر بن كدام (قالت) عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين).

5582 - (2158) (212) وحدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ يُوسُفَ بنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ، في الرُّقَى. قَال: رُخِّصَ في الْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ وَالْعَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما ولكن فيه الاستدلال به على النملة فقال: 5582 - (2158) (212) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن يوسف بن عبد الله) بن الحارث الأنصاري البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (في) بيان حكم (الرقى) جمع رقية نظير مدى ومدية وهي العلاج بالقراءة (قال رخص) بالبناء للمجهول أي رخص النبي صلى الله عليه وسلم وأذن (في) الرقية من (الحمة) أي من لسع كل دابة ذات سم كالعقرب والحية والزنبور كماو أي رخص في رقية الإنسان إذا أصابه شيء له حمة كالعقرب (و) في رقية الإنسان من (النملة) بفتح النون وسكون الميم، وحكاه الهروي أيضًا بضم النون، وأما النملة بكسر النون فهي المشية المتقاربة حكاها الفراء وهي قروح تخرج في الجنب، قال ابن قتيبة وغيره: كانت المجوس تزعم أن ولد الرجل من أخته إذا خط على النملة يشفى صاحبها وقد تكون النملة على غير الجنب (و) في الرقية من إصابة (العين) أي عين العائن المشهور بالإصابة، والإصابة الحاصلة من غير المشهور تسمى نظرة كما ستأتي. وفي هذه الأحاديث استحباب الرقية لهذه العاهات ومع هذا لا يستفاد منها أن الرخصة مخصوصة بهذه الثلاثة بل الترخيص ورد على السؤال ولو سئل عن غيرها لأذن فيه أيضًا، وقد ورد أنَّه صلى الله عليه وسلم رقى في غير هذه الثلاثة والله أعلم اهـ ذهني. (وقول عائشة: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحمة، وقول أنس: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحمة والنملة والعين) دليل على أن الأصل في الرقى كان ممنوعًا كما قد صرح به حيث قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى" رواه مسلم وإنما نهى عنها مطلقًا لأنهم كانوا يرقون في الجاهلية برقى هي شرك وبما لا يفهم وكانوا يعتقدون أن تلك الرقى تؤثر ثم إنهم لما

5583 - (00) (50) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ، (وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ)، كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الرُّقْيَةِ مِنَ العَينِ، وَالْحُمَةِ، وَالنَّمْلَةِ. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أسلموا وزال ذلك عنهم نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك عمومًا ليكون أبلغ في المنع وأسد للذريعة ثم إنهم لما سألوه وأخبروه أنهم ينتفعون بذلك رخص لهم في بعض ذلك وقال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" رواه مسلم وأبو داود فجازت الرقية من كل الآفات من الأمراض والجراح والقروح والحمة والعين والنملة وغير ذلك إذا كان الرقى بما يفهم ولم يكن فيه شرك ولا شيء ممنوع وأفضل ذلك وأنفعه ما كان باسماء الله تعالى وكلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 118]، وأبو داود في الطب باب ما جاء في الرقية [3889]، والترمذي في الطب [2556]، وابن ماجة في الطب [2561]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5583 - (00) (55) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا يحيى بن آم) بن سليمان الأموي مولاهم أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) (عن سفيان) الثوري (ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا حسن وهو ابن صالح) بن صالح بن مسلم بن حيان الهمداني الثوري الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب كلاهما) أي كل من حسن وسفيان (عن عاصم) بن سليمان الأحول (عن يوسف بن عبد الله بن أنس) ابن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سفيان وحسن بن صالح لأبي خيثمة (قال) أنس (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أذن للناس (في الرقية من العين والحمة والنملة وفي حديث سفيان) الثوري وروايته

يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ. 5584 - (2159) (213) حدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيمَانُ بن دَاوُدَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لِجَارِيةٍ، في بَيتِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظة (يوسف بن عبد الله بن الحارث) بزيادة الحارث قال ابن قتيبة (النملة) هي قروح تكون في الجنب وغير الجنب تزعم المجوس أن ولد الرجل إذا كان من أخته فخط على النملة شفي صاحبها وأنشد: ولا عيب فينا غير عُرْفٍ لمعشَرٍ ... كرام وأنا لا نخط على النمل أي لسنا بمجوس تنكح الأخوات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث أم سلمة رضي الله عنهما فقال: 5584 - (2159) (213) (حَدَّثَنَا أبو الربيع سليمان بن داود) الزهراني البصري (حَدَّثَنَا محمد بن حرب) الخولاني الحمصي الأبرش، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثني محمد بن الوليد) بن عامر (الزبيدي) مصغرًا الحمصي القاضي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة) المخزومية الصحابية ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (عن) والدتها (أم سلمة) بنت أبي أمية المخزومية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه رواية صحابية عن صحابية وبنت عن والدة وتابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) لم أر من ذكر اسم الجارية (رأى) النبي صلى الله عليه وسلم (بوجهها سفعة) بفتح السين وضمها وسكون الفاء فيهما والفتح أكثر، قال الأصمعي: السفعة حمرة يعلوها سواد، وقال الحربي: هي سواد في الوجه، وقال ابن قتيبة: هي لون يخالف لون الوجه، والأقوال كلها متقاربة، وحاصلها

فَقَال: "بِهَا نَظْرَةٌ، فَاسْتَرْقُوا لَهَا". يَعْنِي بِوَجْهِهَا صُفْرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ أن بوجهها موضعًا على غير لونه الأصلي وكان الاختلاف بحسب اللون الأصلي فإن كان أحمر فالسفعة سواد صرف وإن كان أبيض فالسفعة صفرة وإن كان أسمر فالسفعة حمرة يعلوها سواد، وذكر صاحب البارع في اللغة أن السفع سواد الخدين من المرأة الشاحبة أي الهزيلة هذا ملخص ما في شرح النووي والأبي وما في فتح الباري [10/ 202] (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (بها) أي بهذه الجارية (نظرة) النظرة هي العين وقيل هي من الشيطان وقيل هي عين الناظر الَّذي لم يشتهر بإصابة العين، وقال أبو عبيد: يقال رجل به نظرة أي عيب (فاسترقوا لها) أي عالجوها بالقراءة عليها، ومن العلماء من قصر النظرة على نظرة الجن، والصحيح العموم وفسرها الراوي بقوله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالنظرة أي (بوجهها صفرة) مخالفة للون وجهها وهو الحمرة مثلًا، قال القرطبي: وجميع أحاديث الرقية الواقعة في كتاب مسلم إنما تدل على جواز الرقى بعد وقوع الأسباب الموجبة للرقية من الأمراض والآفات وأما قبل وقوع ذلك ففي البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفه قل هو الله أحد والمعوذتين ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده، فكان هذا دليلًا على جواز استرقاء ما يتوقع من الهوام والطوارق وغير ذلك من الشرور وقد تقدم في الإيمان الخلاف فيه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الطب باب رقية العين رقم [5739]. ثم هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم واعترض عليه بكونه مسندًا موصولًا فإن عقيلًا رواه عن الزهري عن عروة مرسلًا ولم يذكر فيه زينب ولا أم سلمة وكذلك رواه مالك عن سليمان بن يسار عن عروة مرسلًا ولكن أخرجه الشيخان من طريق محمد بن الوليد الزبيدي موصولًا واعتمدا على رواية الزبيدي لسلامتها من الاضطراب، وقد روى الترمذي من طريق الوليد بن مسلم أنَّه سمع الأوزاعي يفضل الزبيدي على جميع أصحاب الزهري يعني في الضبط وذلك لأنه كان يلازمه حضرًا وسفرًا اهـ فتح الباري [10/ 202 و 203].

5585 - (2160) (214) حدَّثني عُقْبَةُ بن مُكرَمٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لآلِ حَزْمٍ في رُقْيَةِ الْحَيَّةِ. وَقَال لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيسٍ: "مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ" قَالتْ: لَا. وَلَكنِ الْعَينُ تُسْرعُ إِلَيهِمْ. قَال: "ارْقِيهِمْ" قَالتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيهِ. فَقَال: "ارْقِيهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة الأول بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5585 - (2160) (214) (حدثني عقبة بن مكرم العمي) البصري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) (عن ابن جريج قال) ابن جريج أخبرني غير أبي الزبير (وأخبرني) أيضًا (أبو الزبير) المكي (أنَّه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته؛ أي سمعت جابرًا حالة كونه (يقول رخص) أي أذن (النبي صلى الله عليه وسلم لآل) أي لبني عمرو بن (حزم في رقية) حمة (الحية) وسمها (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (لأسماء بنت عميس) وكانت أولًا تحت جعفر بن أبي طالب (ما لي) أي أي شيء ثبت لي (أرى) وأبصر (أجسام بني أخي) والمراد بأخيه جعفر بن أبي طالب لأنه ابن عمه صلى الله عليه وسلم وأبناؤه منها عبد الله ومحمد وعوف والذي عقب منهم عبد الله أي ما لي أرى أجسامهم (ضارعة) أي نحيفة هزيلة ضعيفة وأصل الضراعة الخضوع والتذلل أ (تصيبهم الحاجة) أي الجوعة، والكلام على تقدير همزة الاستفهام والمعنى هل بهم مجاعة فيحتاجون إلى غداء يقويهم (قالت) أسماء (لا) أي ليست بهم مجاعة (ولكن العين) أي إصابة عين الناس (تسرع إليهم) بالتأثير فيهم (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم إذًا فـ (ارقيهم) أمر المؤنثة المخاطبة أي عالجيهم بالرقية (قالت) أسماء (فعرضت عليه) صلى الله عليه وسلم الرقية التي أردت أن أرقيهم (فقال ارقيهم) بها فإنه لا بأس فيها. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وفي الزرقاني: وروى قاسم بن أصبغ عن جابر أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس: "ما شأن أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم حاجة؟ قالت: لا،

5586 - (2161) (215) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَرْخَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في رُقْيَةِ الْحَيَّةِ لِبَنِي عَمْرٍو. قَال أَبُو الزُّبَيرِ: وَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَدَغَت رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ. وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْقِي؟ قَال: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن تسرع إليهم العين أفنرقيهم؟ قال: "وبم ذا؟ فعرضت عليه فقال: "ارقيهم" اهـ، والحاجة الجوعة اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لجابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 5586 - (2161) (215) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، حالة كونه (يقول أرخص) أي أذن (النبي صلى الله عليه وسلم في رقية) لسعة (الحية لبني عمرو) بن حزم الأنصاري، فهذا الحديث بالنسبة إلى الصدر الأول للمتابعة أي لمتابعة روح بن عبادة لأبي عاصم. (قال أبو الزبير: وسمعت) أيضًا (جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول لدغت) أي ضربت (رجلًا منا) أي من الأنصار لم أر من ذكر اسمه (عقرب) بذنبها (ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل) من الجالسين معنا لم أر من ذكر اسمه أيضًا (يا رسول الله أرقي) من باب رمى أي أعرف الرقية من لدغة العقرب فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من استطاع) وقدر (منكم أن ينفع أخاه) المسلم ويعالجه (فليفعل) أي فليعالجه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 302]، وابن ماجة في الطب باب ما أرخص فيه من الرقى [3560].

5587 - (00) (00) وحدَّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَويُّ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَرْقِيهِ يَا رَسُولَ اللهِ. وَلَمْ يَقُلْ: أَرْقِي. 5588 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: كَانَ لِي خَالٌ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5587 - (00) (00) (وحدثني سعيد بن يحيى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي) البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا أبي) يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لروح بن عبادة وساق يحيى بن سعيد (مثله) أي مثل حديث روح بن عبادة (غير أنَّه) أي لكن أن يحيى بن سعيد (قال) في روايته لفظة (فقال رجل من القوم أرقيه يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم أي أرقي هذا اللديغ بالضمير (ولم يقل) يحيى لفظة (أرقي) بلا ضمير كما قال روح يا رسول الله أرقي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5588 - (00) (55) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي، ثقة، من (15) روى عنه في (6) أبواب (قالا حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي نزيل واسط، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (كان لي خال يرقي) ويعالج بالقراءة (من) لدغة (العقرب) وفي البخاري (شهد خالاي العقبة) خالاه، قال ابن عيينة: أحدهما البراء بن معرور، وقال الدمياطي: خالاه عمرو وثعلبة ابنا عنمة بعين مهملة ونون وميم مفتوحتان، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة جابر: أن أمه هي نسيبة بنت عقبة بن عدي بن سنان بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم اهـ من تنبيه المعلم على

فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى. قَال: فَأَتَاهُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ نَهَيتَ عَنِ الرُّقَى. وَأَنا أرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ. فَقَال: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَليَفْعَلْ". 5589 - (00) (00) وحدَّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مبهمات مسلم (فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) الناس (عن الرقى) وهذا النهي كان متوجهًا إلى رقى الجاهلية المشتملة على الشرك ولذلك سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أجاز له الرقية بعدما عرضها عليه ولم يجد فيها معنى من معاني الشرك، ورواية ابن ماجة صريحة في هذا ولفظها (فقالوا يا رسول الله إنك قد نهيت عن الرقى وإنا نرقي من الحمة، فقال لهم "اعرضوا علي" فعرضوها فقال" بأس بهذه هذه مواثيق") وذكر أبو القاسم القشيري في تفسيره أن في بعض التفاسير أن الحية والعقرب أتيا نوحًا - عليه السلام - فقالتا: احملنا فقال نوح: لا أحملكما فإنكما سبب الضرر فقالتا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدًا ذكرك اهـ من القسطلاني، قالوا: فمن قال عندما رًاهما {سَلَامُ عَلَى نُوْحٍ فِي العَالمَينَ (79)} لا تضراه (قال) جابر (فأتاه) أي أتى خالي النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) خالي (يا رسول الله إنك نهيت) الناس (عن الرقى وأنا أرقي من) لدغة (العقرب فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (من استطاع) وقدر منكم (أن ينفع أخاه) بالرقى (فليفعل) أي فليرقه، قال القرطبي: وفي هذا الحديث دليل على جواز الرقى والتطبب بما لا ضرر فيه ولا منع شرعًا مطلقًا وإن كان بغير أسماء الله تعالى وكلامه لكن إذا كان مفهومًا وفيه الحض على السعي في إزالة الأمراض والأضرار عن المسلمين بكل ممكن جائز من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5589 - (00) (00) (وحدثناه عثمان بن أبي شيبة قال حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر، غرضه بيان متابعة جرير لوكيع وساق جرير (مثله) أي مثل ما حدث وكيع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5590 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى. فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ. وَإِنَّكَ نَهَيتَ عَنِ الرُّقَى. قَال: فَعَرَضُوهَا عَلَيهِ. فَقَال: "مَا أَرَى بَأسًا. مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ". 5591 - (2162) (216) حدَّثني أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مُعَاوَيَةُ بْنُ صالِحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5590 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو كريب حَدَّثَنَا أبو معاوية حَدَّثَنَا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لوكيع بن الجراح (قال) جابر إنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى) بضم الراء وفتح القاف مع القصر جمع رقية (فجاء آل) أي بنو (عمرو بن حزم) الأنصاري الخزرجي النجاري (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنه) أي إن الشأن والحال (كانت عندنا رقية نرقي بها من) لسعة (العقرب وإنك) يا رسول الله (نهيت عن الرقى قال) جابر (فعرضوها) أي عرضوا رقاهم (عليه) صلى الله عليه وسلم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أرى) ولا أعلم بها (بأسًا) أي منعًا فهي جائزة (من استطاع) وقدر (منكم أن ينفع أخاه) بالرقى (فلينفعه) أي فليرقه، وقولهم (إنك نهيت عن الرقى قال فعرضوها) فيه حذف فإنهم لما قالوا كانت عندنا رقية نرقي بها .. إلخ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعرضوها عليّ" قال جابر: فعرضوها عليه .. إلخ. قوله (فلينفعه) أي ندبًا مؤكدًا وقد يجب، وحذف المنتفع به لإرادة التعميم اهـ مناوي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عوف بن مالك رضي الله عنه فقال: 5591 - (2162) (216) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني معاوية بن صالح) بن

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ. قَال: كُنَّا نَرْقِي في الْجَاهِليَّةِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ تَرَى في ذلِكَ؟ فَقَال: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ. لَا بَأسَ بَالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ". 5592 - (2163) (217) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حدير مصغرًا الحضرمي الحمصي، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الرحمن بن جبير) بن نفير بالتصغير فيهما الحضرمي الشامي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا (عن أبيه) جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي أبي عبد الرحمن الحمصي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن عوف بن مالك الأشجعي) الغطفاني الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من سداسياته (قال) عوف بن مالك (كنا) معاشر الصحابة (نرقي) بكسر القاف من باب رمى (في الجاهلية) أي قبل الإسلام أي كنا نعالج الناس بالقراءة عليه قبل الإسلام (فقلنا يا رسول الله كيف ترى) وتحكم (في ذلك؟ ) أي في رقانا تلك هل هي جائزة أم لا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم (أعرضوا علي رقاكم) تلك وأظهروها لي فعرضوها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا بأس) ولا منع (بالرقى) أي برقاكم هذه وبغيرها (ما لم يكن فيه) أي فيما ذكر من الرقى (شرك) وهذا هو الأصل في هذا الباب، ومن هنا منع من الرقى التي لا يفهم معناها لاحتمال كونها مشتملة على الشرك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطب باب ما جاء في الرقى برقم [3886]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5592 - (2163) (217) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي كما صرح به الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 454 - 455) وهو ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير، من (5) (عن أبي المتوكل) الناجي علي بن داوود البصري، ثقة، من (3) روى

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانُوا في سَفَرِ. فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ. فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ. فَقَالُوا لَهُمْ: هَل فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَإنَّ سَيِّدَ الحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ. فَقَال رَجُل مِنْهُمْ: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (2) تقريبًا (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر) أي في مسير وسفر من أسفارهم (فمروا) في مسيرهم (بحي) أي على حي وقبيلة (من أحياء العرب) أي من قبائلهم (فاستضافوهم) أي فطلب أولئك الأصحاب من أولئك الأحياء حق الضيافة (فلم يضيفوهم) أي لم يعط أولئك الحي حق الضيافة لأولئك الأصحاب لم أر من ذكر أسماء أولئك الأصحاب غير أبي سعيد الخدري ولا من بين أولئك الأحياء فلدغ سيد الحي ورئيسهم (فقالوا) أي فقال أولئك الحي (لهم) أي لأولئك الأصحاب لدغ منا سيدنا فـ (هل فيكم راق) يرقِيهِ لنا أي معالج يعالجه بالقراءة عليه (فإن سيد الحي) ورئيسهم (لديغ) أي ملدوغ لدغه العقرب وقد يسمى سليمًا تفاؤلًا كما جاء في الرواية الآتية (أو) قال السائل لهم فإن سيد الحي (مصاب) بلسعة العقرب، قوله (كانوا في سفر) ذكر الحافظ في الفتح [4/ 455] أنَّه لم يقف على تعيين هؤلاء الأصحاب ولا على تعيين هذا السفر ولكن وقع في رواية الأعمش عند ابن ماجة (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين راكبًا في سرية فنزلنا بقوم فسألناهم أن يقرونا فأبوا) فدلت هذه الرواية أن السفر كان لسرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلت على تعيين العدد أيضًا. قوله (فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة، وزاد الأعمش في رواية النسائي أن القصة وقعت بليل. قوله (لديغ) من اللاع وهو اللسع وزنًا ومعنى وهو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب وأكثر ما يستعمل في العقرب. قوله (أو مصاب) وفي رواية للنسائي (أو مصاب في عقله) وهذا شك من هشيم هل كان سيد الحي لديغًا أو مصابًا في عقله ولكن أكثر الروايات جازمة بأنه كان لديغًا (فقال رجل منهم) أي من الأصحاب (نعم) فينا راق وهو أبو سعيد الخدري، وفي رواية أبي عوانة عند البخاري في الإجارة فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لديغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء، فقال

فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. فَبَرَأ الرَّجُلُ فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. وَقَال: حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، واللهِ مَا رَقَيتُ إلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. فَتَبَسَّمَ وَقَال: "وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ! . ثُمَّ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم: نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتَّى تجعلوا لنا جعلًا فصالحوهم على قطيع من الغنم (فأتاه) أي فأتى ذلك الرجل الراقي اللديغ (فرقاه) أي فرقى الرجل وعالج اللديغ (بفاتحة الكتاب) وفي رواية أبي عوانة المذكورة: فانطلق يتفل عليه ويقرأ (الحمد لله رب العالمين) فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة، قال فأوفوهم جعلهم الَّذي صالحهم عليه (فبرأ الرجل) اللديغ من مرضه يعني سيد الحي (فأعطي) بالبناء للمجهول أي أعطي الرجل الراقي (قطيعًا من غنم) أي جماعة منها، والقطيع هي الطائفة من الغنم كأنها اقتطعت من طائفة كبيرة، وقال القرطبي: القطيع من الغنم هو الجزء المقتطع منها فعيل بمعنى مفعل وكانت ثلاثين شاة، وذكر بعضهم أن الغالب في القطيع أن يكون فيما بين العشرة والأربعين، وقيل ما بين خمس عشرة إلى خمس وعشرين، وجمعه أقطاع وأقطعة وأقاطيع كحديث وأحاديث والمراد بالقطيع المذكور في هذا الحديث ثلاثون شاة كما جاء مبينًا، وقد ورد في رواية الأعمش عند ابن ماجة أنهم أعطوهم ثلاثين شاة (فأبى) الراقي وامتنع وهو أبو سعيد (أن يقبلها) أي أن يقبل القطيع ويأخذها منهم، وفي الرواية المذكورة لأبي عوانة فقال بعضهم: اقسموا بيننا، فقال الَّذي رقى: لا تفعلوا حتَّى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الَّذي كان فننظر ما يأمرنا به (وقال) الراقي لا تقسموا بيننا (حتَّى أذكر ذلك) الَّذي جرى بيني وبين الحي (للنبي صلى الله عليه وسلم فأتى) الراقي (النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك) الأمر الَّذي جرى بينه وبين الحي (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) الراقي (يا رسول الله والله ما رقيته) أي ما عالجته وما قرأت عليه (إلا بفاتحة الكتاب فتبسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل قوله (وقال) له أي لأبي سعيد الراقي (وما أدراك) أي، أي شيء أعلمك يا أبا سعيد (أنها) أي أن الفاتحة (رقية) أي دواء، وزاد الدارقطني في روايته من طريق سليمان بن قتَّة (فقلت يا رسول الله شيء ألقي في روعي) وهو ظاهر في أنَّه لم يكن عنده علم بمشروعية الرقى بالفاتحة (ثم قال)

"خُذُوا مِنْهُمْ. وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا) الشياه (منهم) فاقتسموها بينكم فإنها حلال لكم (واضربوا) أي واجعلوا (لي بسهم) أي بنصيب (معكم). قوله (وما أدراك) .. الخ، قال القرطبي: أي أي شيء أعلمك أنها رقية تعجبًا من وقوعه على الرقى بها ولذلك تبسم النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله وما أدراك أنها رقية، وكان هذا الرجل علم أن هذه السورة قد خصت بأمور: منها أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن من حيث إنها تشتمل على الثناء على الله عزَّ وجلَّ بأوصاف كماله وجلاله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلَّا بإعانته تعالى وعلى الابتهال إلى الله تعالى في الهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين وعلى بيان عاقبة الجاحدين، وقيل إن موضع الرقية منها إنما هو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} ويظهر لي أن السورة كلها موضع الرقية لما ذكرناه ولقوله صلى الله عليه وسلم وما أدراك أنها رقية، ولم يقل إن فيها رقية. وقوله (اقتسموا واضربوا لي بسهم معكم) هذه القسمة إنما هي قسمة برضا الراقي لأن الغنم ملكه إذ هو الَّذي فعل العوض الَّذي به استحقها لكن طابت نفسه بالتشريك فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة وهي القرعة فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة، وإيقاف الصحابي قبول الغنم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عمل بما يجب من التوقف عند الإشكال إلى البيان وهو أمر لا يختلف فيه. وفي قوله (واضربوا لي بسهم معكم) مبالغة في تأنيسهم وتطييب قلوبهم وتعريفهم أنَّه حلال لا شبهة فيه، وقد فعل صلى الله عليه وسلم مثل ذلك في حديث العنبر وفي حديث أبي قتادة في حمار الوحش. وقوله (وما أدراك أنها رقية) فيه تصريح بأنها رقية فيستحب أن يقرأ بها على اللديغ والمريض وسائر أصحاب الأسقام والعاهات اهـ نووي. وقوله (صلى الله عليه وسلم خذوا منهم) فيه تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر وأنها حلال لا كراهة فيها وكذلك الأجرة على تعليم القرآن وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وآخرين من السلف ومن بعدهم، ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن وأجازها في الرقية .. إلخ اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 10]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الطب باب النفث في الرقية [5749] وباب الرقى بفاتحة الكتاب

5593 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكرِ بْنُ نَافِعٍ. كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ، مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ، ويجْمَعُ بُزَاقَهُ، وَيتْفُلُ. فَبَرَأَ الرَّجُلُ. 5594 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَخِيهِ، مَعْبَدِ بْنِ سِيرينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: نَزَلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ [5736]، وأبو داود في الطب باب كيف الرقى [3900]، والترمذي في الطب باب ما جاء في أخذ الأجرة على التعويذ [2064 و 2065]، وابن ماجة في التجارات باب أجر الراقي [2172]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5593 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن بشار وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (كلاهما عن غندر محمد بن جعفر) الهذلي البصري (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي كما صرح به الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 454 - 455) وهو ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير، من (5) (بهذا الإسناد) يعني عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، غرضه بيان متابعة شعبة لهشيم (و) لكن (قال) شعبة (في الحديث) لفظة (فجعل) أي شرع الراقي أبو سعيد (يقرأ أم القرآن ويجمع بزاقه) في الفم (ويتفل) بها من بأبي نصر وضرب أي يبزق بها على موضع الألم من اللديغ (فبرأ الرجل) اللديغ من ألمه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5594 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا هشام بن حسان) القردوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم البصري (عن أخيه معبد بن سيرين) البصري (عن أبي سعيد الخدري) غرضه بيان متابعة معبد بن سيرين لأبي الهمتوكل الناجي (قال) أبو سعيد (نزلنا) معاشر

منْزِلًا. فَأَتَتْنَا امْرَأَةٌ فَقَالتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ، لُدِغَ. فَهَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا. مَا كُنَّا نَظُنُّهُ يُحْسِنُ رُقْيَةً، فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ، فَأَعْطَوْهُ غَنَمًا وَسَقَوْنَا لَبَنًا فَقُلْنَا: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً؟ فَقَال: مَا رَقَيتُهُ إلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. قَال: فَقُلْتُ: لَا تُحَرِّكُوهَا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَينَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. فَقَال: "مَا كانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السرية (منزلًا) في طريق سفرنا (فأتتنا امرأة) من الحي (فقالت) المرأة (إن سيد) هذا (الحي) ورئيسهم (سليم) أي لديغ (لدغـ) ــه ذوات الإبر قالوا سمي سليمًا تفاؤلًا بالسلامة لكون غالب من يلدغ يعطب أو فعيل بمعنى مفعول لأنه أسلم للعطب واستعمال اللدغ في ضرب العقرب مجاز إذ الأصل أنَّه الَّذي يضرب بفيه والذي يضرب بمؤخره يقال له لسع وبأسنانه نهس بالمهملة وبالمعجمة وبأنفه نكز بنون وكاف وزاي وبنابه نشط وقد يستعمل بعضها مكان بعض تجوزًا اهـ من الإرشاد، واللديغ هنا بدال مهملة وغين معجمة الرجل الَّذي ضربته العقرب بذنبها اهـ منه (فهل فيكم) أيها النازلون (من راق) أي معالج يعالجه بالقراءة عليه، قال أبو سعيد (فقام معها رجل منا) أي من السرية (ما كنا نظنه يحسن رقية) أي يعرفها والرجل هو نفس أبي سعيد الخدري (فرقاه) أي رقى ذلك الرجل سيد الحي (بفاتحة الكتاب فبرأ) سيد الحي من ألمه (فأعطوه) أي فأعطى الحي الراقي (غنمًا) أي قطيع غنم (وسقونا) معاشر السرية (لبنًا فقلنا) معاشر السرية للرجل الراقي (كنت) أولًا (تحسن رقية) أي علاجًا (فقال) الرجل الراقي ما أعرفها أولًا ولكن (ما رقيته) أي ما رقيت سيد الحي (إلا بفاتحة الكتاب، قال) أبو سعيد (فقلت) للسرية (لا تحركوها) أي لا تحركوا هذه الغنم عن محلها ولا تحولوها بالقسمة (حتَّى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم) ونسأله عن حكمها أهي حلال لنا أم لا؟ قال أبو سعيد (فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك) الأمر الَّذي جرى بيننا وبين الحي (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الرجل الراقي وهو أبو سعيد تعجبًا من معرفته أنها رقية (ما كان) كان زائدة أي شيء (يدريه) أي، أي شيء يدري الراقي ويعلمه (أنها) أي أن الفاتحة (رقية) أي دواء للديغ تعجبًا لفهمه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم هي حلال لكم (اقسموا) بينكم (واضربوا لي) أي واجعلوا لي منها (بسهم) أي بنصيب يعين بالقرعة حالة كوني مشاركًا (معكم) في أخذها.

5595 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا. مَا كُنَّا نَأْبِنُهُ بِرُقْيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5595 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى حَدَّثَنَا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا هشام) ابن حسان القردوسي البصري، غرضه بيان متابعة وهب بن جرير ليزيد بن هارون (بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن سيرين عن أخيه عن أبي سعيد، وساق وهب (نحوه) أي نحو حديث يزيد (غير أنَّه) أي لكن أن وهبًا (قال) في روايته (فقام معها رجل منا ما كنا نأبنه) أي نظنه ونتهمه (برقية) أي بمعرفة رقية بدل قول يزيد نظنه. قوله (ما كنا نأبنه) بكسر الباء وضمها من بابي نصر وضرب وأكثر ما يستعمل هذا اللفظ بمعنى نتهمه ولكن المراد هنا بمعنى نظنه اهـ نووي، قال القرطبي: قوله (ما كنا نأبنه برقية) أي نتهمه بها يقال أبنت الرجل آبِنُه وآبنُهُ إذا رميته بخلة سوء، ومنه رجل مأبون أي معيب والأبنة العيب، ومنه عود مأبون إذا كان فيه أبنة تعينه أي عقدة قاله القتبي وغيره، وقد روي هذا الحرف (ما كنا نظنه) بدل (نأبِنُهُ) كما مر أي نتهمه اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث: الأول منها حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد لما قبله، والرابع حديث عائشة الرابع ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أنس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد، والسابع حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثامن حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والتاسع حديث عوف بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والعاشر حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

678 - (22) باب استحباب وضع اليد على موضع الألم عند الدعاء، والتعوذ من شيطان الصلاة، واستحباب التداوي من كل داء، والتداوي من الحمى، والتداوي باللدود، والتداوي بالعود الهندي، والتداوي بالحبة السوداء

678 - (22) باب استحباب وضع اليد على موضع الألم عند الدعاء، والتعوذ من شيطان الصلاة، واستحباب التداوي من كل داء، والتداوي من الحمى، والتداوي باللدود، والتداوي بالعود الهندي، والتداوي بالحبة السوداء 5596 - (2164) (218) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ؛ أَنهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا، يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ. وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا. وَقُلْ، سَبعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 678 - (22) باب استحباب وضع اليد على موضع الألم عند الدعاء، والتعوذ من شيطان الصلاة، واستحباب التداوي من كل داء، والتداوي من الحمى، والتداوي باللدود، والتداوي بالعود الهندي، والتداوي بالحبة السوداء 5596 - (2164) (218) (حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (أخبرني نافع بن جبير بن مطعم) النوفلي أبو محمد المدني، ثقة فاضل، من (3) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (عن عثمان بن أبي العاص) بن بشر بن عبد بن دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان (الثقفي) أبي عبد الله البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، مات في ولاية معاوية. وهذا السند من سداسياته (أنَّه) أي أن عثمان بن أبي العاص (شكا) أي أخبر على سبيل الشكوى (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا) أي ألمًا (يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك) أي كفك وأصبعك (على الَّذي) أي على الموضع الَّذي (تألم) وتوجع (من جسدك) وجسمك أو من جسد غيرك إذا رقيت غيرك (وقل) أتبرك (باسم الله) سبحانه (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (وتل) أيضًا (سبع مرات أعوذ) أي أتحصن وأتحفظ (بالله) أي بذات الله

وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ". 5597 - (2165) (219) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأسمائه (و) صفاته من (قدرته) وإرادته وجلاله وجماله وجميع كمالاته (من شر) وضرر وألم (ما أجد) هـ الآن في جسمي (و) من شر ما (أحاذر) وأخاف وقوعه في المستقبل. قال القرطبي: هذا أمر إرشاد وتعليم لما ينفع من وضع يد الراقي على المريض ومسحه بها وأن ذلك لم يكن مخصوصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم بل ينبغي أن يفعل ذلك كل راق وقد تأكد أمر ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ذلك بأنفسهم وبغيرهم كما قد ذكر في الأحاديث فلا ينبغي للراقي أن يعدل عنه إلى المسح بحديد أو بغيره فإن ذلك لم يفعله أحد ممن سبق ذكره ففعله تمويه لا أصل له. ومما ينبغي للراقي أن يفعله النفث والتفل وقد قلنا إنهما نفخ مع ريق وإن ريق التفل أكثر وقد قيل إن ريق النفث أكثر وقيل هما متساويان، والأول أصح عند أهل اللغة وقد كثر ذلك في الأحاديث المتقدمة وغيرها فلا يعدل عنه وكذلك تكرار التسمية ثلاثًا وتكرار العدد سبعًا كما جاء في هذا الحديث فينبغي للراقي أن يحافظ إذ قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به فكل ذلك فيه أسرار يدفع الله بها الأضرار اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطب باب كيف الرقى [3891]، والترمذي في الطب رقم الباب [29] رقم الحديث [2801]، وابن ماجة في الطب باب ما عوَّذ به النبي صلى الله عليه وسلم وما عوَّذ به [3567]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فقال: 5597 - (2165) (219) (حَدَّثَنَا يحيى بن خلف الباهلي) أبو سلمة البصري المعروف بالجوباري بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد) بن إياس (الجريري) مصغرًا، ثقة، من (5) روى عنه في

عَنْ أَبي الْعَلَاءِ؛ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الشَّيطَانَ قَدْ حَال بَينِي وَبَينَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي. يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ شَيطَانٌ يُقَال لَهُ: خِنْزِبٌ. فَإذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) أبواب (عن أبي العلاء) العامري يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري كما سيذكره باسمه في السند الأخير ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (أن عثمان بن أبي العاص) الثقفي البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال) وحجز بوسوسة (بيني وبين) إكمال (صلاتي وقراءتي) من عطف الجزء على الكل أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها حالة كونه (يلبسها) أي يخلط صلاتي وقراءتي (علي) أي يدخل فيها اللبس علي وشككني فيها وهو بكسر الباء من باب ضرب أي يخلطها ويحدث لي الالتباس والإشكال فيها بقوله هل ركعت أو سجدت أم لا؟ أو هل قرأت الفاتحة أم لا؟ حتَّى لا أدري كم ركعت وهل قرأت أم لا؟ قوله (جاء يلبسها علي) هو بكسر الباء لأن ماضيه لبس بفتحها كما قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} وهو الخلط وأما لبست الثوب فهو على العكس من ذلك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك) الَّذي يلبس على المصلي هو (شيطان يقال له خنزب) قال النووي: بخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة أو مفتوحة ويقال أيضًا بفتح الخاء والزاي حكاه القاضي ويقال أيضًا بضم الخاء وفتح الزاي حكاه ابن الأثير في النهاية وهو غريب اهـ وقال القرطبي: هو بالحاء المهملة وبفتحها عند الجياني وبكسرها عند الصدفي وفي الصحاح الخنزاب هو الغليظ القصير وأنشد قول الأغلب العجلي يهجو سجاح: قد أبصرت سجاح من بعد العمى ... تاح لها بعدك خنزاب وزى وجاء في حاشية اللسان مادة (وزى) قوله خنزاب بالخاء المعجمة كذا بالطبعات جميعها وهو تحريف صوابه حنزاب بالحاء المهملة كما في الصحاح والتهذيب، والخنزاب القصير الغليظ (والوزى) الشديد فيمكن أن يسمى الشيطان خنزبًا لأنه يتراءى غليظًا قصيرًا وحذفت الألف لما صار علمًا فكثيرًا ما تغير الأعلام عن أصولها اهـ من المفهم (فإذا أحسسته) وعلمته (فتعوذ) أي فتحصن ولذ (بالله) والتجئ إليه (منه) أي من

وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا" قَال: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذهَبَهُ اللهُ عَنِّي. 5598 - (00) (00) حدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ؛ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ في حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ: ثَلَاثًا. 5599 - (00) (00) .. وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسوسته وشره وضرره وتلبيسه عليك (واتفل) من بابي نصر وضرب أي وابزق (على يسارك ثلاثًا) تحقيرًا له (قال) عثمان بن أبي العاص (ففعلت ذلك) الَّذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأذهبه الله) سبحانه وتعالى أي ذلك الشيطان وطرده (عني) وكفاني وسوسته، وفيه استحباب التعويذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن يساره ثلاثًا والتفل نفخ لطيف مع ريق يسير، قال في النهاية: التفل نفخ معه أدنى بزاق وهو أكثر من النفث اهـ والنفث نفخ لطيف بلا ريق كذا قالوا والله أعلم اهـ من ذهني. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم أره لغيره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5598 - (00) (00) (حدثناه محمد بن المثنى حَدَّثَنَا سالم بن نوح) بن أبي عطاء العطار أبو سعد البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة كلاهما) أي كل من سالم وأبي أسامة رويا (عن) سعيد (الجريري) البصري، غرضه بيان متابعتهما لعبد الأعلى (عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري (عن عثمان بن أبي العاص) رضي الله عنه (أنَّه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا) أي فذكر سالم وأبو أسامة (بمثله) أي بمثل ما حدث عبد الأعلى، وفي بعض النسخ بل في أغلبها فذكر بالإفراد وهو تحريف (ولم يذكر) ابن المثنى (في حديث سالم بن نوح) وروايته لفظة (ثلاثًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فقال: 5599 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن عَبْدِ اللهِ بنِ الشّخِّيرِ، عَنْ عُثمَانَ بنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثهِمْ. 5600 - (2166) (220) حدَّثنا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي عَمْرٌو، (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ)، عَنْ عَبدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (11) (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن سعيد) ابن إياس (الجريري) البصري (حَدَّثَنَا يزيد بن عبد الله بن الشخير) بكسر المعجمتين ثانيتهما مشددة أبي العلاء العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عثمان بن أبي العاص الثقفي) البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لعبد الأعلى وسالم بن نوح وأبي أسامة (قال) عثمان (قلت يا رسول الله) الحديث (ثم ذكر) سفيان (بمثل حديثهم) أي حديث عبد الأعلى وسالم بن نوح وأبي أسامة والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 5600 - (2166) (220) (حَدَّثَنَا هارون بن معروف) المروزي نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وأبوالطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (15) (قالوا حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لكل داء) ومرض (دواء) وشفاء و (الداء) بفتح الدال لا غير المرض و (الدواء بفتح الدال ما يعالج به وقد تكسر داله وهي لغة الكلابيين

فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ كما نبه عليه النووي والفتح أفصح وهذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر من الصادق البشير عن الخالق القدير {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ الْلَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه على ما سبق به علمه فكل ذلك بقدر لا معدل عنه ولا وزر وما أحسن قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي عن أبي خزامة بن يعمر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: "هي من قدر الله" أخرجه الترمذي [2065، 2148] وقال: هذا حديث حسن صحيح. وکفي بهذا بيانًا لکن للبصراء لا للعميان اها من المفهم، وربما يستشکل هذا بأن كثيرًا من المرضى يداوون ولا يبرؤون، وأجاب عنه القاضي عياض رحمه الله تعالى بأن عدم البرء إنما يكون لعدم العلم بحقيقة المداواة لا لعدم الدواء وكذلك الأمراض التي يقال فيها إنها ليس لها علاج فإن ذلك لعدم العلم بطريق العلاج لا لأن الدواء غير موجود اهـ (فإذا أصيب) ووفق ووجد (دواء الداء) بالإضافة (برأ) الداء أي زال وانكشف ذلك الداء (بإذن الله عزَّ وجلَّ) وإرادته ومشيئته تعالى، قال القرطبي: ومعناه أن الله سبحانه وتعالى إذا شاء الشفاء يسر دواء ذلك الداء ونبه عليه مستعمله فيستعمله على وجهه وفي وقته فيشفى ذلك المرض وإذا أراد إهلاك صاحب المرض أذهل عن دوائه أو حجبه بمانع يمنعه فهللث صاحبه و کل ذلك بمشيئته وحکمنه کما سبق في علمه، ولقد أحسن من قال من الشعراء في شرح الحال: والناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدور اهـ من المفهم. وقال النووي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء وهو مذهب أصحابنا وجمهور السلف وعامة الخلق، وفيه رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية وقال كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، وحجة العلماء هذه الأحاديث ويعتقدون أن الله تعالى هو الفاعل وأن التداوي أيضًا من قدر الله وهذا كالأمر بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها ولا بد من وقوع المقدرات وقد وردت في الأمر بالتداوي أحاديث كثيرة من أصرحها ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن

5601 - (2167) (221) حدَّثنا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيرًا حدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بنَ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ حدَّثَهُ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَادَ الْمُقَنَّعَ ثُمَّ قَال: لَا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ فِيهِ شِفَاءً" ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة بن شريك الثعلبي قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: "نعم، يا عباد الله تداووا فإن الله عزَّ وجلَّ لم يضع داء إلَّا وضع له شفاء غير داء واحد "قالوا: وما هو؟ قال: "الهرم" اهـ فاستثنى الهرم من جملة الأدواء وإن لم يكن داء بنفسه لكن تلازمه الأدواء وهو مفض بصاحبه إلى الهلاك اهـ مفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لكنه أخرجه أحمد [3/ 335]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5601 - (1672) (221) (حَدَّثَنَا هارون بن معروف) المروزي (وأبو الطاهر) المصري (قالا حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث المصري (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري، ثقة، من (5) (حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأنصاري الأوسي أبا عمر المدني، ثقة، من (4) (حدثه) أي حدث لبكير (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عاد المقنع) بضم الميم وفتح القاف وتثديد النون المفتوحة على صيغة اسم المفعول ابن سنان التابعي، قال الحافظ ابن حجر: لا أعرفه إلَّا في هذا الحديث. أي زاره من مرضه (ثم قال) جابر (لا أبرح) أي لا أزال جالسًا عندك ولا أخرج من عندك (حتَّى تحتجم) أي حتَّى تخرج دمك الفاسد بالمحجم (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فبه) أي إن في الاحتجام (شفاء) أي عافية لمن زاد دمه وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال "إن أفضل ما تداويتم به الحجامة" وقد مر عن المؤلف في المساقاة وأخرجه البخاري أيضًا برقم [5696]، وقال الحافظ في الفتح [10/ 151]:

5602 - (2168) (222) حدَّثني نَضرُ بن عَلِيٍّ الجَهْضَمِي. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ. قَال: جَاءَنَا جَابِرُ بن عَبْدِ اللهِ، في أَهْلِنَا. وَرَجُلٌ يَشْتَكِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أهل المعرفة: الخطاب في هذا الحديث لأهل الحجاز ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وتميل إلى ظاهر الأبدان لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن ويؤخذ من هذا أن الخطاب لغير الشيوخ لقلة الدم في أبدانهم، وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال: إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم، قال الطبري: وذلك أنَّه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوة جسده فلا ينبغي أن يزيده وهيا بإخراج الدم اهـ وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتد به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الطب باب الحجامة من الداء [5697]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنه فقال: 5602 - (2168) (222) (حدثني نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصري (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة محلة في البصرة، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثني أبي) علي بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو الحسن البصري الجهضمي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن سليمان) بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري أبو سليمان المدني المعروف بابن الغسيل لأن جد أبيه حنظلة بن أبي عامر كسيل الملائكة، روى عن عاصم بن قتادة في الطب، وحمزة بن أبي أسيد وعكرمة، ويروي عنه (خ م د ق) وعلي بن نصر الجهضمي ووكيع وأبو نعيم، وثقه النسائي والدارقطني وابن معين وأبو زرعة، وقال النسائي في موضع آخر: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، مات (172) اثنتين وسبعين ومائة (عن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأوسي المدني، ثقة، من (4) (قال) عاصم (جاءنا جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (في أهلنا ورجل) منا لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (يشتكي) أي

خُرَاجًا بِهِ أَو جِرَاحًا. فَقَال: مَا تَشتَكِي؟ قَال: خُرَاجٌ بِي قَد شَقَّ عَلَيَّ. فَقَال: يَا غُلَامُ، ائْتِنِي بِحَجَّامِ. فَقَال لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِالْحجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَال: أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا. قَال: وَاللهِ، إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُني، أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ، فَيُؤذِينِي، وَيشُقُّ عَلَيَّ. فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنْ كَانَ فِي شَيءٍ مِن أَدْويَتِكُمْ خَيرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يمرض (خراجًا) كان (به) والخراج بضم الخاء وتخفيف الراء على وزن غراب هو ورم قرح يخرج بالبدن وهو يخرج بالدابة وبغيرها من الحيوان والجمع أخرجة وخرجان كذا في تاج العروس (أو) قال عاصم يشتكي ذلك الرجل (جراحًا) أي ألم جراحة كانت به، والشك من عبد الرحمن أو ممن دونه (فقال) له جابر (ما تشتكي) أي أي شيء تشتكي وتمرض يا رجل (قال) الرجل لجابر (خراج بي قد شق) واشتد (علي) ألمه (فقال) جابر لغلام عندنا (يا فلام ائتني بحجام فقال) الرجل المريض (له) أي لجابر (ما تصنع) وتستفيد (بالحجام يا أبا عبد الله) كنية جابر (قال) جابر (أريد أن أعلق) وأجعل (فيه) أي في خراجك (محجمًا) أي آلة حجامة والمحجم بكسر الميم وفتح الجيم هي الآلة تمص ويجمع بها موضع الحجامة (قال) الرجل (والله إن الذباب ليصيبني) ويأكلني إذا شق جسمي (أو يصيبني الثوب فيرذيني ويشق علي) تعليق المعجم علي يعني أنني أتالم من إصابة الذباب أو الثوب في موضع القرح فكيف أتحمل إن علقت فيها المعجم فإنه أكثر إيذاءً بالنسبة إلى الذباب والثوب (فلما رأى) جابر (تبرمه) أي تبرم الرجل وتضجره وسآمته ويأسه (من ذلك) أي من تعليق المعجم عليه (قال) جابر تشجيعًا له وتطميعًا في الحجامة (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن كان في شيء من أدويتكم) وعلاجكم (خير) أي شفاء (فـ) يكون ذلك الشفاء (في شرطة معجم) أي ففي شقة مشراط أي ففي شقة الحديدة التي يشق بها موضع الحجامة ليخرج منه الدم وهي الموسى والشرطة بفتح الشين وسكون الراء أي ضربة مشراط. قوله (أعلق فيه محجمًا) والمحجم بكسر الميم وفتح الجيم مع سكون الحاء هو الآلة التي يمص بها ويجمع بها موضع الحجامة اهـ سنوسي. قوله (إن الذباب ليصيبني) يعني إنه يعض أي يعض خراجي قبل الحجامة وكذلك الثوب يصيبني أي يصيب خراجي قبل الحجامة فيؤذيني الثوب وأنا غير متحمل إذاية الذباب والثوب وحدها فكيف أتحملها

أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ". قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَويَ" قَال: فَجَاءَ بِحَجَّامِ فَشَرَطَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مع إذاية الحجامة أي فأنا غير متحمل بعض الإذاية فكيف أتحملها مع إذاية الحجامة (فلما رأى) جابر وعلم (تبرمه) وملالته من الحجامة وكراهيته إياها يقال تبرم عن الشيء إذا مل منه وأعرض (من ذلك) أي من تعليق الحجامة. قوله (ففي شرطة معجم) أي فيكون ذلك الخير والشفاء في شرطة معجم أي في استفراغ الدم الفاسد بالحجم، والشرطة بفتح الشين ضربة مشراط أي ففي وضع المشراط والموسى على محل الحجم وشقه بها لإخراج الدم الفاسد، والمحجم هنا بفتح الميم موضع الحجامة وخص الحجامة بالذكر مع أن الفصد والعلق كذلك لأن غالب إخراجهم الدم يكون بالحجامة اهـ مناوي. وفي المرقاة: شرطة معجم بكسر الميم وفتح الجيم وهي الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص ويراد هنا الحديدة التي يشرط ويشق بها موضع الحجامة لإخراج الدم والشرطة فعلة من شرط الحاجم يشرط من باب نصر إذا نزع وهو الضرب على موضع الحجامة ليخرج الدم منه كذا ذكره الطيبي (أو) يكون في (شربة من عسل) ليس المراد المرة بل المصدر أي شرب عسل (أو) يكون في (لذعة بنار) أي كية بنار (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و) لكن (ما أحب) أنا (أن أكتوي) وأحرق جسمي (قال) عاصم بن عمر (فجاء) الغلام (بحجام فشرطه) أي فشرط الحجام ذلك الرجل (فذهب عنه) أي عن الرجل (ما يجد) أولًا من الألم وزال عنه فشفي. قوله (أو شربة من عسل) وسيأتي ما ورد في فوائد العسل والبحث فيه في باب التداوي بسقي العسل إن شاء الله تعالى. وقوله (أو لذعة بنار) بفتح اللام وسكون الذال المعجمة بعدها عين مهملة وهي المرة من اللذع وهو الخفيف من حرق النار، وقد فسره أكثر الشراح بالكي ويؤيده ما أخرجه البخاري عن ابن عباس "الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة معجم وكية نار" ويجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم "وما أحب أن كتوي" أو "أنهى أمتي عن الكي" أنَّه وإن كان طريقًا للعلاج والشفاء ولكنني لا أستحبه ولا أوصي أمتي بممارسته لما فيه من المضار والمفاسد. قال النووي: وهذا من بديع الطب عند أهله لأن الأمراض الامتلائية إما دموية أو

5603 - (2169) (223) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ أُمّ سَلَمَةَ اسْتَأذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الْحِجَامَةِ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَيبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا. قَال: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَال: كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم وإن كانت الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال بالمسهل المناسب لكل خلط منها اهـ نووي. فنبه صلى الله عليه وسلم بالحجامة على إخراج الدم ويدخل فيه الفصد ووضع العلق وغيرهما مما في معناهما اهـ أبي. قوله صلى الله عليه وسلم (وما أحب أن أكتوي) .. إلخ إشارة إلى أنَّه يؤخر العلاج به حتَّى تدعو الضرورة إليه اهـ سنوسي، والمعنى وما أحب أن أعالج المرض بالكي ومعنى المكي هو أن تحمى حديدة على النار ثم توضع على الموضع المصاب من الجسد وكان الأقدمون يباشرون المكي بقضبان حديدية تجهز بقبضة خشبية وبعد أن تحمى هذه القضبان على النار حتَّى تصير بلون أحمر مبيض أو أحمر قاتم تكوى بها النواحي المختلفة، ولقد أكثر العرب قبل الإسلام من استعمال المكي كواسطة علاجية ولاسيما من قبل الأعراب حيث تندر الأطباء والأدوية وكان أكثرهم يستعملون هذا الطريق بدون استطباب وبدون مراجعة الخبراء والأطباء كآخر حيلة للاستشفاء، ومن هنا ورد المثل العربي السائر: آخر الدواء المكي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب الدواء بالعسل [5683]، وباب من اكتوى أو كوى غيره [5754] لكنه أخرج الجزء المرفوع منه فقط. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًّا لحديث جابر الأول بحديث آخر لجابر أيضًا رضي الله عنه فقال: 5603 - (2169) (223) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه (أن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من رباعياته (استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة) غلامًا للأنصار غلام محيصة بن مسعود اسمه نافع، وقيل دينار، وقيل ميسرة (أن يحجمها) فحجمها (قال) أبو الزبير (حسبت أنَّه) أي أن جابرًا (قال كان) أبو طيبة (أخاها من الرضاعة أو) كان أبو طيبة

غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ. 5604 - (2170) (224) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَال يَحْيَى -وَاللَّفْظُ لَهُ-: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُبَيّ بنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ غلامًا لم يحتلم) أي لم يبلغ، قال القرطبي: واستئذان أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة دليل على أن المرأة لا ينبغي لها أن تفعل في نفسها شيئًا من التداوي أو ما يشبهه إلَّا بإذن زوجها لإمكان أن يكون ذلك الشيء مانعًا له من حقه أو منقصًا لغرضه منها وإذا كانت لا تشرع في شيء من التطوعات التي يتقرب بها إلى الله تعالى إلَّا بإذن منه كان أحرى وأولى أن لا تتعرض لغير القرب إلَّا بإذنه اللهم إلَّا أن تدعو إلى ذلك ضرورة من خوف موت أو مرض شديد فهذا لا يحتاج فيه إلى إذن لأنه قد التحق بقسم الواجبات المتعينة، وأيضًا فإن الحجامة وما يتنزل منزلتها مما يحتاج فيها إلى محاولة الغير فلا بد فيها من استئذان الزوج لنظره فيمن يصلح وفيما يحل من ذلك ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طيبة أن يحجمها لما علم بينهما من السبب المبيح كما قال الراوي حيث إنه كان أخاها من الرضاعة أو غلامًا لم يحتلم ولا شك في أن مراعاة هذا هي الواجبة متى وجد ذلك فإن لم يوجد من يكون كذلك ودعت الضرورة إلى معالجة الكبير الأجنبي جاز دفعًا لأعظم الضررين وترجيحًا لأخف الممنوعين. وفي هذا الحديث من الفقه ما يدل على أن ذا المحرم يجوز أن يطلع من ذات محرمه على بعض ما يحرم على الأجنبي وكذلك الصبي فإن الحجامة غالبًا إنما تكون من بدن المرأة فيما لا يجوز لأجنبي الاطلاع عليه كالقفا والرأس والساقين اهـ من المفهم. وشارك المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5604 - (2170) (224) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قال يحيى واللفظ له أخبرنا وقال الآخران حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن

كَعْبٍ طَبِيبًا. فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا. ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني رضي الله عنه (طبيبًا) لم أو من ذكر اسمه (فقطع) ذلك الطبيب (منه) أي من أبي (عرقًا ثم كواه) أي كوى ذلك الطبيب أبيًا (عليه) أي على ذلك العرق، وفي هذا الكلام تقديم وتأخير، والتقدير بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبًا حين رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله فرقأ الدم منه ثم كواه الطبيب عليه أي على أكحله فقطع منه أي من أبي عرقًا أي دم عرقه فبرأ، وفي الرواية الآتية إسقاط قوله (فقطع منه عرقًا) وهي أوضح وأصوب لأن الطبيب لم يقطع عرقه، ويحتمل أن يكون الكلام على حذف مضاف أي فقطع منه دم عرق أي أزال عنه بالغسل ثم كواه على فم العرق، والأكحل عرق معروف من المقاتل قال الخليل هو عرق الحياة يقال في كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة فإذا قطع في اليد لم يرقإ الدم، وقيل إنه يقال له في اليد أكحل وفي الفخذ النسا وفي الظهر الأبهر اهـ من المفهم. قال القرطبي: (وكونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي طبيبًا فكواه) دليل على أن الواجب في عمل العلاج أن لا يباشره إلَّا من كان معروفًا خبيرًا بمباشرته ولذلك أحال النبي صلى الله عليه وسلم على الحارث بن كلدة ووصف له النبي صلى الله عليه وسلم الدواء وكيفية العمل على ما يأتي (وكي النبي صلى الله عليه وسلم لأبي وسعد فيما سيأتي) دليل على جواز المكي والعمل به إذا ظن الإنسان منفعته ودعت الحاجة إليه فيحمل نهيه صلى الله عليه وسلم عن المكي على ما إذا أمكن أن يستغني عنه بغيره من الأدوية فمن فعله في محله وعلى شرطه لم يكن ذلك مكروهًا في حقه ولا منقصًا له من فضله ويجوز أن يكون من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب رواه أحمد ومسلم من حديث عمران بن حصين، كيف لا وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ الَّذي اهتز له عرش الرحمن وأبي بن كعب المخصوص بأنه أقرأ الأمة للقرآن، وقد اكتوى عمران بن حصين فمن اعتقد أن هؤلاء لا يصلحون أن يكونوا من السبعين ألفًا ففساد كلامه لا يخفى وعلى هذا البحث فيكون قوله صلى الله عليه وسلم في السبعين ألفًا أنهم هم الذين لا يكتوون إنما يعني به الَّذي يكتوي وهو يجد عنه غنى والله أعلم اهـ من المفهم.

5605 - (00) (00) وحدَّثنا عُثْمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا: فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا. 5606 - (00) (00) وحدَّثني بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنْ شُعْبَةَ. قَال: سَمِعْتُ سُلَيمَانَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. قَال: رُمِيَ أُبَيٌّ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ. فَكَوَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطب باب في قطع العرق وموضع الحجم [3864] وباب في المكي [3866]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5655 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري (أخبرنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري (كلاهما) أي كل من جرير وعبد الرحمن بن مهدي رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وسفيان لأبي معاوية (و) لكن (لم يذكرا) أي لم يذكر جرير وسفيان لفظة (فقطع منه عرقًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5606 - (00) (00) (وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا محمد يعني ابن جعفر عن شعبة قال) شعبة (سمعت سليمان) بن مهران الأعمش، غرضه بيان متابعة شعبة لمن روى عن الأعمش (قال) سليمان (سمعت أبا سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (قال) أبو سفيان (سمعت جابر بن عبد الله قال) جابر (رمي) بالبناء للمجهول نائب فاعله (أبي) بضم الهمزة وفتح الباء وبالياء المشددة أي رمي أبي بن كعب (يوم) غزوة (الأحزاب) يعني يوم الخندق بسهم عرب وطعن (على كحله) قال في المنجد: عرق في وسط الذراع يفصد ونضربه الأطباء العصريون بالإبرة عند العلاج (فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أمر بكيه. قوله (رمي أبي يوم الأحزاب)

5607 - (2171) (225) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح رواية هذه اللفظة أعني لفظة أبي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وياء التصغير ورواها العذري والسمرقندي أبي بفتح الهمزة وكسر الباء على إضافته إلى ياء المتكلم والأول هو الصحيح بدليل الرواية التي نص فيها على أنَّه أبي بن كعب ولأن أبا جابر لم يدرك يوم الأحزاب وإنما استشهد يوم أحد اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5607 - (2171) (225) (حَدَّثَنَا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية بن حديج بن الرحيل بالتصغير فيهما ابن زهير بن خيثمة أبو خيثمة الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا أبو الزبير عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو خيثمة) الجعفي (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (رمي) بالبناء للمفعول ونائبه (سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الأشهلي سيد الأوس، وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة ويكنى أبا عمرو شهد بدرًا باتفاق، ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرًا حتَّى حكم في بني قريظة وأجيبت دعوته في ذلك، ثم انتقض جرحه فمات، أخرج ذلك البخاري وذلك سنة خمس، وقال المنافقون لما خرجت جنازته: ما أخفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة حملته" وفي الصحيحين وغيرهما من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ وروى ابن إسحاق في قصة الخندق عن عائشة قالت: كنت في حصن بني حارثة وأم سعد بن معاذ معي فمر سعد بن معاذ علينا وعليه درع له مقلصة وقد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربته يرفل بها ويقول: لَبِّثْ قليلًا يشهد الهيجا حمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل

فِي أَكْحَلِهِ. قَال: فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ. ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ. 5608 - (2172) (226) حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقالت له أمه: الحق يا بني فقد تأخرت، فقلت: يا أم سعد لوددت أن درع سعد أسبغ مما هي قال: فأصابه السهم حيث خافت عليه، وقال الَّذي رماه: خذها وأنا ابن العرقة، فقال: عرق الله وجهك في النار، وابن العرقة اسمه حبان بن عبد مناف من بني عامر بن لؤي، والعرقة أمه وقيل إن الَّذي أصاب سعدًا أبو أمامة الجشمي اهـ من الإصابة أي رمي (في كحله قال) جابر (فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم) أي كواه ليقطع دمه وأصل الحسم القطع (بيده) الشريفة (بمشقص) متعلق بحسم أي بحديد طويل غير عريض كنصل السهم، وقيل هو سكين أو مقراض صغير (ثم ورمت) يده (فحسمه) أي كواه المرة (الثانية). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطب باب في المكي [3866]، والترمذي في السير باب ما جاء في النزول على الحكم [1582]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث جابر الأول بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5608 - (2172) (226) (حدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) أبو جعفر السرخسي ثم النيسابوري، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة (ابن هلال) الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) (حَدَّثَنَا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم) حجمه أبو طيبة غلام لمحيصة بن مسعود الأنصاري اسمه نافع على الصحيح، وقيل دينار، وقيل ميسرة، وذكر ابن الحذاء في رجال الموطأ أنَّه عاش مائة وثلاثًا وأربعين سنة راجع فتح الباري

وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ. وَاسْتَعَطَ. 5609 - (2173) (227) وحدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. (قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. وَقَال أَبُو كُرَيبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ)، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والإصابة [4/ 114 و 115] (وأعطى) النبي صلى الله عليه وسلم (الحجام أجره) أي أجرة حجمه. وقوله (واستعط) معطوف على احتجم أي استعمل السعوط في أنفه، والسعوط بفتح السين هو الدواء الَّذي يقطر في الأنف، قال النووي: بأن استلقى على ظهره وجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه الشريف وقطر في أنفه ما تداوى به ليصل إلى دماغه ليخرج ما فيه من الداء بالعطاس، وقال القرطبي: والسعوط بفتح السين دواء يصب في الأنف وقد أسعطت الرجل فاستعط هو بنفسه والمسعط بضم الميم والعين بينهما مهملة ساكنة هو الإناء الَّذي يجعل فيه السعوط اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في أبواب كثيرة منها في الطب باب أي ساعة يحتجم [5694] وباب الحجم في السفر والإحرام [5695]، وأبو داود في البيوع باب كسب الحجام [3423]، وابن ماجة في أبواب منها في التجارات باب كسب الحجام [2180] وقد مر للمؤلف في كتاب المساقاة باب حل أجرة الحجامة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث جابر الأول بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 5609 - (2173) (227) (وحدثنا أبو بكر بن أبو شيبة وأبو كريب قال أبو بكر حَدَّثَنَا وكيع وقال أبو غريب واللفظ له أخبرنا وكيع عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن عمرو بن عامر الأنصاري) الكوفي روى عن أنس بن مالك في الطب، ويروي عنه (ع) ومسعر وسفيان وشعبة، وثقه أبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (قال) عمرو (سمعت أنس بن مالك يقول احتجم رسول إله صلى الله عليه وسلم وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يظلم أحدًا) ممن استأجره أي لا ينقص (أجره) أي أجر عمله له بل يوفيه كاملًا.

5610 - (2174) (228) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الإجارة باب خراج الحجام [2280]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5610 - (2174) (228) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب ومحمد بن الْمُثَنَّى قالا حَدَّثَنَا يحيى "وهو ابن سعيد" القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى) بضم المهملة وفتح الميم المشددة وبالقصر (من فيح جهنم) أي من سطوع حر جهنم وفورانها حقيقة أرسلت إلى الدنيا نذيرًا للجاحدين وبشيرًا للمقرين لأنها كفارة لذنوبهم أو من باب التشبيه أي حرارتها شبيهة بحرارة جهنم شبه اشتعال حرارة الطبيعة في كونها مذيبة للبدن ومعذبة له بنار جهنم ففيه تنبيه للنفوس على شدة حر جهنم أعاذنا الله تعالى منها ومن سائر المكاره بمنه وكرمه آمين، والأول أولى قال الطيبي: من ليست بيانية حتَّى يكون تنبيهًا لقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فهي إما ابتدائية أي إن الحمى نشأت وحصلت من فيح جهنم وحرارتها أو تبعيضية أي إن الحمى بعض من فيح جهنم وحرارتها، قال: ويدل على هذا التأويل ما في الصحيح (اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف) وكما أن حرارة الصيف من فيحها كذلك الحمى، والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن، وهي قسمان عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القبض الشديد ونحوها، ومرضية وهي ثلاثة أنواع وتكون عن مادة ثم منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تقلع غالبًا في يوم ونهايتها إلى ثلاث وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهي أخطرها وإن كان تعلقها

فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ". 5611 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ ومُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "إِنَّ شِدَّةَ الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالأخلاط سميت عفنية وهي بعدد الأخلاط الأربعة وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب اهـ من الإرشاد. قوله (من فيح جهنم) وفيح جهنم شدة حرارتها وأصله من فاحت القدر إذا غلت وقد يعبر عنه بالفور كما جاء في الرواية الأخرى ولفح النار إصابة شدة حرها و (جهنم) اسم علم من أسماء نار الآخرة مؤنث ولذلك لم ينصرف (فابردوها) بهمزة وصل وبضم الراء يقال بردت الحمى أبردها بردًا من باب نصر وقتل أسكنت حرارتها وأطفات لهبها كما في الرواية الأخرى فأطفئوها بالماء، وقد أخطأ من قال أبردوها بقطع الهمزة، وذكر النووي وغيره عن الجوهري أنها لغة رديئة، وفي الرواية الأخرى فأطفئوها بالهمزة رباعيًّا من أطفأ أي أزيلوا حرارتها (بالماء) أي ببرودة الماء البارد والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 21]، والبخاري في الطب [5723]، وابن ماجة في الطب [3517]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5611 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر قالا حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر ليحيى القطان (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أن شدة) حرارة (الحمى من فيح جهنم) أي من شدة حرارة جهنم وغليانها (فابردوها) أي أزيلوا شدة حرارتها (بالماء) أي ببرودة الماء. وقوله (الحمى من فيح جهنم) الفيح بفتح الفاء وسكون الياء والفوح كلاهما بمعنى شدة الحرارة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسطوعها ووهجها أما كون الحمى من فيح جهنم فقد حمله بعض العلماء على الحقيقة وفسروا الحديث بأن اللهب الحاصل من جسم المحموم قطعة من جهنم قدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنّة أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة. وحمله الآخرون على التشبيه والمعنى أن حر الحمى شيه بحر جهنم تنبيهًا للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وقد ذكر الحافظ في الفتح كلا التفسيرين ورجح الأول، ويحتمل أن الحمى نوع من جزاء السيئات يجازى به المؤمن في حياته فتعجل له بها العقوبة فتكون كفارة لسيئاته فتكون قطعة من عذاب جهنم تعجل للمؤمن لئلا يصاب بها في الآخرة، ويؤيده ما أخرجه البزار عن عائشة مرفوعًا (الحمى حظ كل مؤمن من النار) وإسناده حسن كما في مجمع الزوائد [2/ 306] وقد ورد هذا اللفظ مقرونًا بلفظ حديث الباب فيما أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي ريحانة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمى من فيح جهنم وهي نصيب المؤمن من النار" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: ولكن فيه شهر بن حوشب وفيه مقال، ووثقه جماعة، وأخرج أحمد والطبراني في الكبير، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحمى كير من جهنم فما أصاب المؤمن منها كان حظه من جهنم" وفي إسناده أبو حصين الفلسطيني، قال فيه الهيثمي: لم أر له راويًا غير محمد بن مطرف، ولكنه يعضده ما سبق ذكره آنفًا من حديث عائشة وأبي ريحانة رضي الله عنهما والله أعلم. قوله (فأبردوها) بهمزة وصل في أوله وضم الراء على أنَّه أمر من برد يبرد من باب نصر وهو الضبط الراجح الَّذي اختاره النووي والقاضي عياض والقرطبي والحافظ ابن حجر وغيرهم، وقيل إنه بهمزة قطع مفتوحة وراء مكسورة من أبرد الرباعي ولكن ذكر النووي وغيره عن الجوهري أنها لغة رديئة بل خطأ القرطبي هذا الضبط باتًا فلا شك أن الأفصح هو الأول ويقول الحماسي: إذا وجدتُ لهيب الحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أبْتَرِد هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد (بالماء) ذكر المازري رحمه الله تعالى عن بعض أطباء عصره أنَّه حمل حديث

5612 - (00) (00) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكٌ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخبَرَنَا الضَّحَّاكُ، (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ)، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب على الاغتسال أو على الانغماس في الماء وجعل يستهزئ بحديث الباب والعياذ بالله بأن الأطباء أي أطباء ذلك العصر مجمعون على أن اغتسال المحموم بالماء البارد مهلك ثم رد عليه المازري بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاغتسال ولا بالانغماس وإنما قال ابردوها بالماء ولم يبين الصفة فيمكن أن يراد به رش الماء على جيب المحموم كما سيأتي في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها. ومن المعلوم أن استعمال الماء بصور مختلفة حتَّى في صورة الاغتسال أو السباحة مما قد اعترف الأطباء قديمًا وحديثًا بأنه نافع في كثير من الحميات وقد حقق كثير من الأطباء القدامى أن الماء البارد ينفع في كثير من أنواع الحمى كحمى اليوم وحمى الدق والحميات الصفراوية وأما الطب الحديث فقد أجمع خبراؤه اليوم على أن استعمال الماء البارد من أقوى الوسائل تأثيرًا في إزالة الحمى وأنهم يصفون للمحموم أن يرش الماء على جيبه أو توضع خرقات مبلولة على جبينه بل وأن يمسح جميع بدنه بمناشف مبلولة بماء مثلوج وقد ثبتت هذه الطرق من أنفع المعالجات لإزالة فورة الحمى، من الفتح [10/ 176]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5612 - (00) (00) (وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) ثم المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني مالك) بن أنس إمام الفروع (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي المدني، صدوق، من (8) (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني، صدوق، من (7) (كلاهما) أي كل من مالك والضحاك رويا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة مالك والضحاك لعبيد الله بن عمر (أن

رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَأَطْفِؤُهَا بِالْمَاءِ". 5613 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الْحَكَمِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى) أي حرارتها (من فيح جهنم) أي من غليان حرارة جهنم إذا حصلت لأحدكم (فاطفئوها) كما تطفأ حرارة النار (بالماء) البارد، قوله (فأطفئوها) بالهمزة رباعيًّا من أطفأ أي أسكنوا حرارتها بالماء البارد. قال الإمام المازري: واعلم أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجًا إلى التفصيل حتَّى إن المريض يكون الشيء الواحد دواءً له في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له من غضب يحمي مزاجه مثلًا فيتغير علاجه ومثل ذلك كثير فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء في حالة ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء المتقدم والتأثير المالوف وقوة الطباع ذكره الحافظ في الفتح [10/ 176] وحينئذ فلا شك في صحة ما قاله: صلى الله عليه وسلم أن الحمى تعالج بالماء ولكن الَّذي ينبغي لكل أحد في وقائع جزئية أن يرجع إلى طبيب حاذق فيعالج مرضه في ضوء مواصفاته الشخصية لأن المعالجات تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5613 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أحمد بن عبد الله بن الحكم) بن أبي فروة الهاشمي المعروف بابن الكردي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال، ثقة، من (15) روى عنه في (9) أبواب (واللفظ له حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا شعبة عن عمر بن محمد بن زيد) ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثم العسقلاني، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، ثقة، من (3) روى عنه في

عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَأَطْفِؤُهَا بِالْمَاءِ". 5614 - (2175) (229) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) أبواب (عن) جده عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة محمد بن زيد لنافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء) البارد. وقد وقع في بعض الطرق عن ابن عباس (فابردوها بماء زمزم) كما أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من طريق عفان عن همام، فزعم بعض العلماء مثل ابن حبان أن مطلق رواية الباب محمولة على هذا القيد وأن الحمى لا تبرد إلَّا بماء زمزم وتعقبه الحافظ في الفتح [10/ 1176] بأن ما ورد مقيدًا بماء زمزم خطاب لأهل مكة لتيسر ماء زمزم عندهم، وفيه من البركة ما ليس في غيره وما ورد في حديث الباب مطلق لغير أهل مكة اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال: 5614 - (2175) (229) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير عن هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) قد تقدم ما فيه من الكلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب [5723] والترمذي في الطب [2074]، وابن ماجة في الطب [3516]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5615 - (00) (00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا خَالِدُ بن الْحَارِثِ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5616 - (2176) (230) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ. فَتَدْعُو بِالْمَاءِ فَتَصُبَّهُ في جَيبِها. وَتَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَبْرُدُوهَا بِالْمَاءِ" وَقَال: "إِنَّهَا مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5615 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (وأخبرنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (وعبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (جميعًا) أي كل من خالد وعبدة رويا (عن هشام) بن عروة، غرضه بيان متابعة خالد وعبدة لعبد الله بن نمير (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، وساقا (مثله) أي مثل حديث عبد الله بن نمير. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم فقال: 5616 - (2176) (230) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي (عن هشام عن) زوجته وابنة عمه (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير التابعية المدنية، وكانت أكبر من زوجها بثلاث عشرة سنة كما في التهذيب [12/ 444] وماتت وقد قاربت التسعين (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن أسماء كانت توتى) بالبناء للمجهول (بالمرأة الموعوكة) أي المحمومة المضطربة لشدة حرارة الحمى بها، يقال وعك المرء بالبناء للمفعول إذا أصابته الحمى (فتدعو) أي تطلب أسماء (بالماء) البارد (فتصبه) أي فتصب ذلك الماء (في جيبها) أي في جيب المرأة الموعوكة، والجيب بفتح الجيم وسكون الياء هو ما ينفتح من النحر إلى أسفل الصدر (وتقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابردوها بالماء وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (إنها من فح جهنم) وهذا الَّذي فعلته هو طريق من طرق العمل بحديث الباب وقد ثبتت فائدته بالتجارب الحديثة.

5617 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: "صَبَّتِ الْمَاءَ بَينَهَا وَبَينَ جَيبِهَا" وَلَمْ يَذْكُرْ في حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: "أَنَّهَا مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ". قَال أَبُو أَحْمَدَ: قَال إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الطب باب الحمى من فيح جهنم [5724]، والترمذي في الطب باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء [2074]، وابن ماجة في الطب باب الحمى من فيح جهنم فأبردوها [3519]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال: 5617 - (00) (00) (وحدثنا أبو غريب حَدَّثَنَا ابن نمير وأبو أسامة عن هشام) غرضه بيان متابعة ابن نمير وأبي أسامة لعبدة بن سليمان (بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء (و) لكن (في حديث ابن نمير) وروايته لفظة (صبت) أسماء (الماء) البارد (بينها) أي بين جسم المرأة الموعوكة (وبين جيبها) أي وبين جيب قميصها وطوقه (ولم يذكر) أبو غريب (في حديث أبي أسامة) وروايته لفظة (أنها) أي أن الحمى (من فيح جهنم) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين (قال أبو أحمد) محمد بن عيسى الجلودي (قال) لنا (إبراهيم) بن محمد بن سفيان أبو إسحاق النيسابوري راويَةُ المؤلف (حَدَّثَنَا الحسن بن بشر) السلمي النيسابوري قاضيها، صدوق، من (11) الحادية عشرة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، لم يصح أن مسلمًا روى عنه قط، وإنما روى عنه تلميذه أبو إسحاق بن سفيان الراوي عن مسلم في مواضع علا فيها إسناده في الطلاق والوصايا والإمارة والطب وغيرها اهـ تقريب (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن فاطمة عن أسماء مثله، غرضه بيان متابعة الحسن بن بشر لأبي غريب فحصل له العلو في الإسناد لأنه كان في درجة الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث رافع بن خديج رضي الله عنهم فقال:

5618 - (2177) (231) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السِّرِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَص، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ بْنِ خَدِيجٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الْحُمَّى فَوْرٌ مِنْ جَهَنَّمَ. فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ". 5619 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ نَافِعٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمْنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5618 - (2177) (231) (حَدَّثَنَا هنَّاد بن السري) بن مصعب الدارمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) (حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن سعيد بن مسروق) الثوري والد سفيان الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عباية بن رفاعة) بن رافع بن خديج الأنصاري الزرقي أبي رفاعة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جده رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب (قال) رافع (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الحمى فور) أي غليان (من) نار (جهنم فابردوها بالماء) البارد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب الحمى من فيح جهنم [5226]، والترمذي في الطب باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء [2073]، وابن ماجة في الطب باب الحمى من فيح جهنم [3518]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 5619 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (قالوا حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن صفيان) بن سعيد الثوري، ثقة حجة، من (7) (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة، من (6) (عن عباية بن رفاعة) بن رافع

حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ. فَابْرُدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ". وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو بَكْرٍ: "عَنْكُمْ" وَقَال: قَال: أَخْبَرَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ. 5620 - (2178) (232) حدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: لَدَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثني) جده (رافع بن خديج) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي الأحوص (قال) رافع بن خديج (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحمى من فور جهنم) وغليانها (فابردوها) أي فابردوا حرارتها (عنكم) أيها المحمومون (بالماء) البارد (و) لكن (لم يذكر أبو بكر) بن أبي شيبة لفظة (عنكم وقال) أبو بكر لفظة (قال) عباية بن رفاعة (أخبرني رافع بن خديج) بدل قول غيره (حدثني رافع بن خديج). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث عائشة الثاني رضي الله تعالى عنها فقال: 5620 - (2178) (232) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني موسى بن أبي عائشة) المخزومي الهمداني مولاهم أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (2) الصلاة والطب (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني الأعمى، ثقة، من (3) أحد الفقهاء السبعة في المدينة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (لددنا) أي أسقينا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) الدواء في أحد جانبي فمه (في مرضه) الَّذي مات فيه، قال أهل اللغة: اللدود بفتح اللام هو الدواء الَّذي يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقاه أو يدخل هناك بإصبع وغيرها ويحنك به ويقال منه لددته ألده، وحكى الجوهري أيضًا ألدَدْتُهُ رباعيًّا، والتدت أنا، ويقال للدود أيضًا لديد بالياء اهـ من النووي، واللدود بفتح اللام هو الدواء الَّذي يصب في أحد جانبي فم المريض بغير اختياره والفعل منه اللدود بضم اللام، وأما سبب هذا اللد فمصرح به في حديث أخرجه ابن سعد من طريق محمد بن

فَأَشَارَ أَنْ لَا تَلُدُّونِي. فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. فَلَمَّا أَفَاق قَال: "لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إلا لُدَّ. غَيرُ الْعَبَّاسٍ. فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصباح عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه، وأخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أسماء بنت عميس قالت (إن أول ما اشتكى كان في بيت ميمونة فاشتد مرضه حتَّى أغمي عليه فتشاورن في لده فلدوه فلما أفاق قال: "هذا فعل نساء جئن من هنا" وأشار إلى الحبشة، وكانت أسماء منهن - وكانت هاجرت إلى الحبشة - فقالوا: كنا نتهم بك ذات الجنب فقال: "ما كان الله ليعذبني به، ذكر الروايتين الحافظ في الفتح [8/ 148] (فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا بيده الشريفة عندما أردنا لده بـ (أن لا تلدوني) أي لا تصبوا الدواء في أحد جانبي فمي قهرًا بلا اختياري (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض هذا الامتناع (كراهية المريض للدواء) أي لتناول الدواء، قال عياض: ضبطناه بالرفع فيكون خبر مبتدأ محذوف أي هذا الامتناع كراهية .. إلخ، ويحتمل نصبه على أنَّه مفعول لأجله لفعل محذوف والتقدير نهانا من لده لأجل كراهية المريض للدواء، ويحتمل نصبه على المصدرية لفعل محذوف أي كرهه كراهية المريض الدواء (فلما أفاق) من إغمائه بعدما لددناه (قال لا يبقى أحد منكم) أي ممن لدني الدواء (إلا لد) أي صب في فمه هذا الدواء (غير العباس) بن عبد المطلب (فإنه) لا يلد لأنه (لم يشهدكم) أي لم يحضر معكم حين لددتموني، قال الحافظ: والذي يظهر أنَّه أراد بذلك تأديبهم لئلا يعودوا إليه فكان ذلك تأديبًا لا قصاصًا ولا انتقامًا وهذا ظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن من دأبه الانتقام لنفسه فكان دأبه أن يعفو ويصفح ويؤخذ من هذا الحديث أن الإشارة المفهمة تعطى حكم اللفظ في الأوامر والنواهي، وأما سبب نهيه صلى الله عليه وسلم عن اللد مع أنَّه كان لا يمتنع من التداوي فالأصح أن اللدود غير ملائم لمرضه لأن أهل البيت ظنوا أن به ذات الجنب فأرادوا التداوي بما يلائمه مع أنَّه لم يكن به ذات الجنب وهو الَّذي حققه الحافظ ورجحه. "تتمة" إن امتناعه صلى الله عليه وسلم من اللدود لم يكن تحريمًا له ولا بيانًا لكراهيته الشرعية وإنما كان هذا الامتناع لأسباب خاصة في تلك الواقعة فلا يصح به الاستدلال

5621 - (2179) (232) حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على كراهية اللدود مطلقًا كما توهمه ترجمة من ترجم لهذا الحديث بكراهية اللدود ومن المعلوم أن التراجم في هذا الجامع ليست من وضع الإمام مسلم وإنما وضعها من بعده من الشراح والمصححين للمتن بحسب ما ظهر لهم وفهموه من الحديث والله أعلم. قال القرطبي: (قولها لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وضعنا في فمه اللدود بفتح اللام وهو ما يجعل في أحد جانبي الفم والوجور بفتح الواو هو ما يصب في وسط الفم. وقوله (لا تلدوني) نهي ظاهر في المنع فكان ينبغي لهم أن ينتهوا عن ذلك غير أنهم تأولوا أن ذلك من باب ما علم من أحوال المرضى من كراهتهم الدواء فخالفوه فعاقبهم بأن اقتص منهم ففعل بهم ما فعلوا به فكان فيه دليل على مشروعية القصاص في كل شيء يتأتى فيه القصاص كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194] وقال بعض أصحابنا: فيه ما يدل على قتل الجماعة بواحد لأنهم لما تمالئوا وتعاونوا على لده اقتص من جميعهم، وفيه بعد لإمكان مراعاة الفرق فإنه يمكن أن يقال جاز ذلك فيما لا إراقة دم فيه لخفته في مقصود الشرع ولا يجوز ذلك في الدماء لحرمتها وعظم أمرها في مقصود الشرع فلا يصح حمل أحدهما على الآخر وإنما الَّذي يستنبط منه أن الحاضر في الجناية المعين عليها كالناظور الَّذي هو الطليعة كالمباشر له فيقتص من الكل لكن فيما لا دم فيه على ما قررناه، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله: "إلَّا العباس فإنه لم يشهدكم" وفيه من الفقه منع إكراه المريض على الطعام والشراب والدواء كما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب" فإن الله تعالى يغذيهم" رواه الترمذي وابن ماجة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 53]، والبخاري في الطب باب اللدود [2/ 57]، وفي الديات باب قتل الرجل بالمرأة [6886]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث أم قيس بنت محصن رضي الله تعالى عنها فقال: 5621 - (2179) (232) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة

وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ - قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ قَيسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أُخْتِ عُكاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ. قَالتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ. فَبَال عَلَيهِ. فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ. قَالتْ: وَدَخَلْتُ عَلَيهِ بِابْنٍ لِي. قَدْ أَغْلَقْتُ عَلَيهِ مِنَ الْعُذْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعمرو) بن محمد بن بكير البغدادي أبو عثمان (الناقد وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لزهير قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني (عن أم قيس) أمية (بنت محصن) بكسر الميم وفتح الصاد الأسدية، أسلمت قديمًا، وهاجرت إلى المدينة، وبايعت (أخت عكاشة بن محصن) رضي الله عنهما. وأخرج النسائي عنها قالت توفي ابن لي فجزعت فقلت للذي يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله فذكر عكاشة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لها طال عمرها! قال: فلا نعلم امرأة عمرّت ما عمرت اهـ من الإصابة [4/ 463] وهذا السند من خماسياته (قالت) أم قيس (دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكل الطعام فبال) الابن (عليه) صلى الله عليه وسلم (فدعا) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بماء) ينضح على مصابه فأتي به (فرشه) أي فرش ذلك الماء على المحل الَّذي أصيب بالبول، وقد مر هذا الجزء من الحديث في الطهارة من هذا الجامع مع بيان معنى الرش وحكمه هناك والمقصود من الحديث هنا ما بعده، وهو قوله (قالت) أم قيس أيضًا (ودخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (بابن لي قد أعلقت) وغمزت وعصرت (عليه) أي على حلقه (من العذرة) أي لأجل إزالة العذرة عنه. قولها (قد أعلقت عليه) أي أزلت عنه العلوق وهي الآفة والدامية، والإعلاق معالجة عذرة الصبي. قوله (من العذرة) أي من أجل عذرته وهو وجع يحصل في الحلق يقال عذرت المرأة الغلام إذا كانت له عذرة أي غمزته بإصبعها وعصرته لإزالتها عنه، قال القسطلاني: العذرة بضم العين وسكون المعجمة وجع الحلق ويسمى سقوط اللهاة بفتح اللام وهي اللحمة التي في أقصى الحلق اهـ وهكذا فسره الحافظ أيضًا في الفتح [10/ 168] وفسره ابن الأثير في النهاية بقوله (وهي وجع الحلق يهيج من الدم) وقال الذهبي في كتابه الطب النبوي: العذرة وجع الحلق

فَقَال: "عَلَامَهْ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الْعلَاقِ؟ عَلَيكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ. مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ. يُسْعَطُ مِنَ الْعُذرَةِ، وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل العذرة دم يهيج في حلق الإنسان وتتأذى منه اللحمتان اللتان تسميهما الأطباء اللوزتين في أعلى الحلق على فم الحلقوم والنساء تسميها ببنات الأذن يعالجنها بالأصابع لترتفع إلى مكانها وهذه التفاسير كلها توافق في الطب أمراض الحلق التي تترافق باحتقان دموي سواء أكانت التهاب لوزات أم التهاب لهاة أم التهاب بلعوم، وأما الإعلاق فهو علاج العذرة بالعلاق بفتح العين وهو غمز اللهاة بالإصبع وكان أهل المدينة يلجاون في معالجة العذرة إلى غمز الحلق بالإصبع أو إلى فتل خرقة فتلًا شديدًا ثم تدخل في أنف المريض فتطعن البلعوم الأنفي فينفجر - منه دم وهو يسمى إعلاقًا وغمزًا وعذرًا ودغرًا وغدرًا (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (علامه) وما استفهامية والهاء للوقف أي لأجل ما (تدغرن) وتغمزن أيها النساء (أولادكن) أي حلوق أولادكن والدغر غمز الحلق بالإصبع وعصرها ليخرج منها الدم الفاسد لما فيه من إضرارهم بالالام، أي وقد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي (قد أعلقت عليه) أي قد غمزت وعصرت وحككت على حلقه لعلاجه من العذرة أي من وجع حلقه برفع حنكه بإصبعي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علامه" أي لأي شيء (تدغرن) بالدال المهملة والغين المعجمة خطاب للنسوة أي لم تغمزن حلوق أولادكن (بهذا العلاق) بكسر العين أي بهذا الغمز المؤلم لهم (عليكن) يا معشر النساء أي الزمن يا معشر النساء في معالجة أولادكن من العذرة (بهذا العود الهندي) أي باستعمال هذا العود في معالجتهم (فإن فيه) أي إن في هذا العود (سبعة أشفية) أي سبعة أدوية لأمراض سبعة (منها) أي من تلك الأمراض السبعة (ذات الجنب) أي مرض يسمى ذات الجنب ومنها العذرة (يسعط) أي يصب هذا العود في الأنف للعلاج (من العذرة ويلد) أي يصب هذا العود في هذا العود في أحد جانبي الفم للعلاج (من ذات الجنب) أي استعملن هذا العود في العلاج من العذرة ولا تؤلمن أولادكن بغمز حلوقهم. قوله (يسعط من العذرة) أي يستعمل استعاطًا بأن يدخل الدواء في الأنف (ويلد من ذات الجنب) أي يسقاه المريض في أحد شقي فمه، وهو تنبيه إلى طريقة لسقي المريض دواءه عندما لا يتمكن من الجلوس أو من تناوله بيده أو عندما يثير ذلك ألمًا شديدًا لديه وذلك بصب الدواء شيئًا فشيئًا في جانب فمه ليتمكن من بلع المقدار المطلوب من غير شرق أي استعملن هذا العود الهندي وهو خشب يؤتى به من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بلاد الهند طيب الرائحة قابض فيه مرارة يسيرة (وذات الجنب) هو التهاب غلاف الرئة فيعرض منه سعال وحمى ونخس في الجنب يزداد عند التنفس اهـ منجد، قال القسطلاني (منها ذات الجنب) أي قرحة صاحبة الجنب ومعناه باليونانية ورم الجنب من داخله وهو من الأمراض الخطرة لأنه يحدث بين القلب والكبد وهو من سيّئ الأسقام، وينقسم إلى قسمين حقيقي وغير حقيقي فالأول ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن الأضلاع ويعرض منه خمسة أشياء الحمى والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المنشاري (والنبض بسكون الباء وفتحها حركة القلب والعروق في الحيوان وتكون سريعة وبطيئة) اهـ منجد، والثاني ألم يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا قريبًا من ذات الجنب الحقيقي والعلاج المذكور في هذا الحديث إنما هو لهذا القسم الثاني لأن العود الهندي هو الَّذي يداوى به الريح الغليظ، قال المسيحي: العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة قال ويجوز أن ينفع من ذات الجنب الحقيقي إذا كانت ناشئة عن مادة بلغمية ولاسيما في وقت العلة وخص ذات الجنب بالذكر دون البواقي لأنه أصعبها لأنه قلما يسلم منه من ابتلي به اهـ منه. (والعود الهندي) هو خشب يؤتى به من بلاد الهند طيب الرائحة قابض فيه مرارة يسيرة وقشره كأنه جلد موشىً ويصلح إذا مضغ أو يمضمض بطبيخه لطيب النكهة وإذا شرب منه قدر مثقال نفع من لزوجة المعدة وضعفها وسكن لهيبها وإذا شرب بالماء نفع من وجع الكبد ووجع الجنب وقرحة الأمعاء .. الخ اهـ عيني. قوله (يسعط من العذرة) أي يدق دقًا ناعمًا ثم يسعط به، وهل يسعط به منفردًا أو مع غيره؟ يُسئل عن ذلك أهل الخبرة والتجربة ولا بد من النفع إذ لا يقول صلى الله عليه وسلم إلَّا حقًّا اهـ أبي. قال في المرقاة: بأن يؤخذ ماؤه فيسعط به لأنه يصل إلى العذرة فيقبضها فإنه حار ويابس اهـ. قال القرطبي (فإن فيه سبعة أشفية) بين منها في الحديث اثنين فقط ويسكت عن الخمسة وقد ذكر الأطباء في كتبهم أن فيه من الأشفية أكثر مما في هذا الحديث قال المازري: رأيت في كتبهم يعني الأطباء أنَّه يدر البول والطمث وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود وحب القرع إذا شرب بالعسل ويذهب بالكلف إذا طلي عليه وينفع من ضعف الكبد والمعدة وبردهما ومن حمى الورد والربع وينفع من النافض لطوخًا

5622 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ. قَال: أَخبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بالزيت قبل نفض الحمى ولمن به فالج واسترخاء وهو صنفان بحري وهندي فالبحري هو القسط الأبيض يؤتى به من بلاد المغرب ونص بعضهم على أن البحري أفضل من الهندي وهو أقل حرارة منه، قال إسحاق بن عمران: هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة والهندي أشد حرًّا في الجزء الثالث، وقال ابن سينا: القسط حار في الثالثة يابس في الثانية [قلت] ويسمى الكست كما قال الراوي وحينثذ يشكل هذا بما ذكر من قول الأطباء إن البحري من العود يسمى القسط يؤتى به من بلاد المغرب فكيف يكون هنديًا ويؤتى به من المغرب إلَّا أن يريدوا مغرب الهند. فإن قيل: فإذا كان في العود الهندي هذه الأدوية الكثيرة فما وجه تخصيص منافعه بسبع مع أنها أكثر من ذلك ولأي شيء لم يفصلها، فالجواب عن الأول بعد تسليم أن لأسماء الأعداد مفهوم مخالفة أن هذه السبع المنافع هي التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي وتحققها وغيرها من المنافع علمت بالتجربة فتعرض لما علمه بالوحي دون غيره وعن الثاني إنه إنما فصل منها ما دعت الحاجة إليه وسكت عن غيره لأنه لم يبعث لبيان تفاصيل الطب ولا لتعليم صفته وإنما تكلم بما تكلم به منه ليرشد إلى الأخذ فيه والعمل به وأن في الوجود عقاقير وأدوية ينتفع بها وعين منها ما دعت حاجتهم إليها في ذلك الوقت وبحسب أولئك الأشخاص والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب السعوط بالقسط الهندي والبحري [5692] وباب اللدود [5713]، وباب العذرة [5715] وباب ذات الجنب [5718]، وأبو داود في الطب باب في العلاق [3877]، والترمذي في الطهارة باب في نضح بول الغلام [711]، وابن ماجة في الطب باب دواء العذرة والنهي عن الغمز [3506 و 3507]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم قيس رضي الله تعالى عنها فقال: 5622 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد أن ابن شهاب أخبره قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي

أَن أُمّ قَيسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ أُختُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، أَحَدِ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيمَةَ. قَال: أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِابْني لَهَا، لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ، وَقَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيهِ مِنَ الْعُذرَةِ - (قَال يُونُسُ: أَعْلَقَتْ غَمَزَت، فَهِيَ تَخَافُ أَنْ يَكُونَ بِهِ عُذْرَة) قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَلَامَهْ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الإِعْلَاقِ؟ عَلَيكُمْ بِهذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ - (يَعْنِي بِهِ الْكُسْتَ) فَإن فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني (أن أم قيس بنت محصن) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة (وكانت) أم قيس (من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة) رضي الله عنهما، وهي التي ورد بسببها حديث من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها" فكان رجل تبعها في الهجرة وكان يسمى مهاجر أم قيس اهـ مرقاة (قال) عبيد الله (أخبرتني أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام وقد أعلقت) أي والحال أنها قد أعلقت وغمزت (عليه) أي على حلق ابن لها (من العذرة) أي لأجل علاج العذرة وسقوط اللهاة منه (قال يونس) بن يزيد بالسند السابق في تفسير أعلقت يقال (أعلقت) المرأة غلامها إذا (غمزت) وعصرت عذرته (فهي تخاف أن يكون) وتسقط (به) أي منه (عذرة) أي لهاة (قالت) أم قيس (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم علامه) أي لأي شيء ولأي فائدة (تدغرن) بفتح التاء وسكون الدال وفتح الغين المعجمة من باب فتح أي تغمزن حلوق (أولادكن) وتؤذينهم (بهذا الأعلاق) والغمز الَّذي كان عادة لكن (عليكم) أي الزموا في علاج عذرتهم (بـ) استعاط (هذا العود الهندي) في أنوفهم فإنه شفاء لعذرتهم، وذكر الضمير في قوله عليكم نظرأ إلى كونهن بمعنى الأشخاص وأنث في الرواية السابقة بقوله عليكن نظرًا إلى كونهن بمعنى الأنفس ذكره في القسطلاني، قال الراوي أو من دونه (يعني به) النبي صلى الله عليه وسلم بالعود الهندي (الكست) بضم الكاف وسكون السين المهملة (فإن فيه) أي إن في العود الهندي (سبعة أشفية) أي سبعة أدوية لسبعة أدواء (منها) أي من تلك السبع (ذات الجنب) أي قروح

قَال عُبَيدُ اللهِ: وَأَخبَرَتْنِي أَنَّ ابْنَهَا ذَاكَ بَال في حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى بَوْلِهِ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا. 5623 - (2180) (234) حدَّثِنا مُحَمَّدُ بن رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوداءِ شِفَاءَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ. إلا السَّامَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تحدث في داخل الجنب (قال عبيد الله) بن عبد الله بالسند السابق (وأخبرتني) أم قيس أيضًا (أن ابنها ذاك) الَّذي غمزت عذرته (بال في حجر) أي في مقدم ثوب (رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه) أي فنضح ذلك الماء ورشه (على بوله) أي على مصاب بوله رشًا خفيفًا بلا سيلان (ولم يغسله) أي لم يغسل مصاب بوله (غسلًا) مع سيلان لكون بوله نجاسة مخففة فاكتفى في تطهيره بالنضح والرش، وقد مر بيان معنى النضح والغسل في أوائل الكتاب والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5623 - (2180) (234) (حَدَّثَنَا محمد بن رمح بن المهاجر) المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد بن عقيل الأموي المصري (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وسعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أخبرهما) أي أخبر لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (أنَّه) أي أن أبا هريرة (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن في الحبة السوداء شفاء) أي عافية وتحصنًا (من كل داء) أي من كل مرض من الرطوبة والبلغم وذلك لأنه حار يابس فينفع في الأمراض التي تقابله اهـ. وفي العيني: هو الكمون الأسود ويسمى الكمون الهندي ومن منافعه أنَّه يجلو ويشفي من الزكام إذا قلي واشتم، ويقتل الدود إذا أكل على الريق وإذا شرب منه مثقال نفع من البهر (الدفع) وضيق النفس ويحدر الطمث المحتبس اهـ باختصار (إلا السام) أي

وَالسَّامُ: الْمَوْتُ. وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ. 5624 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيه أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وحدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَّا الداء الَّذي يكون عنه الموت في علم الله تعالى، وفي رواية لابن ماجة "إلَّا أن يكون الموت" (والسام) بتخفيف الميم (الموت والحبة السوداء الشونيز) بفتح الشين المعجمة، وحكى ضمها ويقال له الشينيز أيضًا وهو اسمها الفارسي ويقال إن أصله شش هينز وهو الكمون الأسود أو الخردل أو ثمرة البطم بضم الموحدة وسكون المهملة الحبة الصفراء والعرب تسمي الأصفر أسود، وفي العيني هو الخضراء والعرب تسمي الأخضر أسود والأسود أخضر اهـ[قلت] وهذا التفسير الَّذي فسروا به الحبة السوداء كله غير مطابق ولعله تفسير ممن لم يرها ولم يعرفها والتفسير الموافق لحقيقتها هي الحلبة السوداء نزرعها في فصل الخريف مع الحلبة ولها رائحة طيبة ومنافعها لا تحصى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وفي اللغة الأرمية الشرقية (حبسودا) وفي الغربية (أسمودي) وهي في الحبشة تزرع مع الحلبة كثيرًا كل سنة ولعل الشونيز لغة فارسية كما مر آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب الحبة السوداء [5687]، والترمذي في الطب باب ما جاء في الحبة السوداء [2041] وباب ما جاء في الكمأة والعجوة [2070]، وابن ماجة في الطب باب الحبة السوداء [3490]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5624 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لعقيل بن خالد (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن سابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي البصري (أخبرنا

عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وحدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ. كُلُّهُم عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثلِ حَدِيثِ عُقَيلٍ. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ ويونُسَ: الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ. وَلَمْ يَقُل: الشُّونِيزُ. 5625 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بن أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا مِن دَاءِ إلا فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ مِنْهُ شِفَاءٌ. إلا السَّامَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) كلهم) أي كل من سفيان ومعمر وشعيب رووا (عن الزهري) غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعقيل بن خالد (عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقوا (بمثل حديث عقيل) بن خالد (و) لكن (في حديث سفيان ويونس) وروايتهما (الحبة السوداء) شفاء من كل داء (ولم يقل) كل منهما أي لم يذكرا لفظة والحبة السوداء (الشونيز). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5625 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داء) ولا مرض (إلا) كان (في الحبة السوداء منه) أي من ذلك المرض (شفاء) أي دواء (إلا السام) أي إلَّا المرض الَّذي علم الله سبحانه وتعالى في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سابق علمه أنَّه يكون فيه السام أي الموت كما مر هذا التقدير في الرواية الأولى. "تتمة" قال القاضي عياض: ذكر جالينوس من منافع الشونيز أنَّه يحلل النفخ ويقتل ديدان البطن إذا أكل أو وضع على البطن ويشفي من الزكام إذا قلي وصر في خرقة واشتم وينفع من العلة التي يتقشر منها الجلد ويقلع الثآليل والخيلان جمع خال وهو شامة سوداء في البدن وقد تكون في الخد ويدر الطمث الكائن عن الأخلاط الغليظة اللزجة وينفع من الصداع إذا طلي به الجبين ويقلع البثور والجرب ويحلل الأورام البلغمية إذا شمه مع الخل وينفع من الماء العارض في العين إذا استعط مسحوقًا مع دهن الأريسا وينفع من انصباب النفس ويتمضمض به من وجع الأسنان ويدر البول واللبن وينفع من نهشة الدبيلى - الدبيلة؛ خراج ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبًا - وإذا بخر به طرد الهوام. وقال غير جالينوس: من خاصَّته إذهاب حمى البلغم والسوداء ويقتل حب القرع وإذا علق في عنق المزكوم نفعه وينفع من حمى الربع، قال بعضهم: ولا يبعد منفعة الحار من أدواء حارة لخواص فيها كوجود ذلك في أدوية كثيرة فيكون الشونيز منها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ويكون أحيانًا مفردًا وأحيانًا مركبًا. [قلت] وعلى هذا القول الآخر تحمل كلية الحديث على عمومها لماحاطتها ولا يستثنى من الأدواء شيء إلَّا الداء الَّذي يكون منه الموت في علم الله تعالى وعلى القول الأول يكون ذلك العموم محمولًا على الأكثر والأغلب والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف من الأحاديث في هذا الباب ستة عشر (16): الأول حديث عثمان بن أبي العاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديثه أيضًا ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديثه أيضًا ذكره للاستشهاد، والخامس حديثه أيضًا ذكره للاستشهاد، والسادس حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع حديث جابر أيضًا للاستشهاد، والثامن حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والتاسع حديث أنس ذكره للاستشهاد، والعاشر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والحادي عثر حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عثر حديث أسماء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث عثر حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع عشر حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والخامس عشر حديث أم قيس ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة، والسادس عشر حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين. ***

679 - (23) باب التلبينة والتداوي بالعسل وما جاء في الطاعون

679 - (23) باب التلبينة والتداوي بالعسل وما جاء في الطاعون 5626 - (2181) (235) حدثنا عَبدُ المَلِكِ بن شُعَيبِ بنِ الليثِ بْنِ سَعدٍ. حَدثَنِي أَبِي، عَن جَدي. حَدثَنِي عُقَيلُ بن خَالِد، عَنِ ابنِ شِهَاب، عَن عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، زَوجِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهَا كَانَت، إِذَا مَاتَ المَيتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النسَاءُ، ثُم تَفَرَّفنَ إلا أَهلَهَا وَخَاصَّتهَا- أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِن تَلبِينَةٍ فَطُبِخَت. ثُم صُنِعَ ثَرِيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 679 - (23) باب التلبينة والتداوي بالعسل وما جاء في الطاعون 5626 - (2181) (235) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (15) (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة حجة، من (7) (حدثني عقيل) بالتصغير (بن خالد) بن عقيل بالتكبير الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (أنها) أي أن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها) أي من أقاربها (فاجتمع لذلك) أي لموت أقارب عائشة أي لعزائها (النساء) بالرفع فاعل اجتمع أي اجتمعت النساء لعزاء عائشة (ثم تفرقن) أي ثم أردن النساء المجتمعات عندها التفرق والذهاب من عند عائشة والرجوع إلى منازلهن (إلا أهلها) أي إلا أهل عائشة أي أهل بيتها (وخاصتها) أي خاصة عائشة وأصدقاءَها (أمرت) عائشة من عندها من الخدم (ببرمة) أي بطبخ برمة وقدر (من تلبينة) ليشربنها قبل التفرق، والبرمة بضم الباء وسكون الراء القدر الصغير والتلبينة بفتح التاء وسكون اللام وكسر الباء وقد يقال تلبين بلا هاء أيضًا، قال الأصمعي: هي حساء يعمل من دقيق أو من نخالة ويجعل فيه عسل، وقال غيره: أو يجعل فيه لبن سميت تلبينة تشبيها لها باللبن في بياضها ورقتها، وقال ابن قتيبة: وعلى قول من قال يخلط فيها لبن سميت بذلك لمخالطة اللبن بها، وقال أبو نعيم في الطب: هو دقيق بحت، وقال قوم: فيه شحم، وقال الداودي: يؤخذ العجين من غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسوا فسيكون حساءا لم يخالطه شيء فلذلك كثر نفعه، وقال الموفق البغدادي: التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن وهو الدقيق النضيج لا الغليظ النيئ كذا في الفتح [10/ 146] (فطبخت ثم صنع) وطبخ (ثريد) وهو الخبز إذا قطع قطعًا صغارًا

فَصُبَّتِ التلبِينَةُ عَلَيهَا، ثُمَّ قَالتْ: كُلنَ مِنهَا. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "التلبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ. تُذهِبُ بَعضَ الحُزنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وبل بالإدام أو بالمرق (فصبت التلبينة عليها) أي على الأطعمة المصنوعة من الثريد أنث الضمير نظرًا إلى كونه بمعنى الأطعمة ولو قال (فصبت التلبينة عليه) لكان أوضح بلا حاجة إلى التأويل، قال النووي: وفيه استحباب التلبينة للحزن، وفي المبارق التلبينة مصدر لبن زيد القوم بتشديد الباء إذا سقاهم اللبن والمراد بها هنا ما يطبخ من ماء الشعير أو النخالة سميت بذلك لشبهها باللبن اهـ (ثم قالت) عائشة للنساء المجتمعات للحزن كلن منها) أي من هذه الأطعمة (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التلبينة مجمة) بفتح الميم والجيم على أنه مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل من جم يجم كذب يذب، وروي بضم الميم وكسر الجيم على أنه اسم فاعل من أجم الرباعي فالأول من الجم والثاني من الإجمام ومعناهما واحد وهو الإراحة يقال جم الفرس وأجم إذا أريح فلم يركب فيكون أدعى لنشاطه والمعنى أنها تريح فؤاد المريض والمحزون وتزيل عنه الهم وتنشطه لأنها غذاء لطيف سهل التناول على المريض اهـ من الأبي أي مريحة (لفؤاد المريض تذهب) عنه (بعض الحزن) قال الموفق البغدادي: والمراد بالفؤاد هنا رأس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة حكاه الحافظ في الفتح ويؤيده ما أخرجه النسائي عن عائشة مرفوعًا "والذي نفس محمد بيده إنه أي إن التلبينة لتغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء" وأخرج النسائي والترمذي وأحمد عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أي الحمى أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه، ثم قال: "إنه يرتو -أي يقوي- فؤاد الحزن ويسروا -أي يكشف- عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء" وأخرج البخاري عن عائشة أنها كانت تسمي التلبينة البغيض النافع وإنما سمته بذلك لأن المريض يبغضه مع كونه نافعًا له كسائر الأدوية، وقال القرطبي: التلبينة حساء من دقيق. قوله (مجمة) يروى بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم فعلى الأول هو مصدر أي جمام وعلى الثاني يكون اسم فاعل من أجم ومعناه أنها تقويه وتنشطه وذلك لأنها غذاء فيه لطافة سهل التناول على المريض

5627 - (2182) (236) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى وَمُحَمدُ بن بَشارٍ، (وَاللفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن قَتَادَةَ، عَنْ أبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: إِن أَخِي اسْتَطلَقَ بَطنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا استعمله المريض اندفع عنه الحرارة الجوعية وحصلت له القوة الغذائية من غير مشقة تلحقه فيسرى عنه بعض ما كان فيه ونشط وذهب عنه الضيق والحزن الذي كان يجده بسبب المرض وإنما كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تصنعها لأهل الميت وتثرد فيها لأن أهل الميت شغلهم الحزن عن الغذاء فاشتدت حرارة أحشائهم من الجوع والحزن فلما أطعمتهم التلبينة انكسرت عنهم حرارة الجوع فخف عنهم بعض ما كانوا فيه ولا يلزم من فعلها ذلك لهؤلاء أن يفعل بالمريض كذلك فيثرد له فيها وإنما ذلك بحسب الحال فإن احتاج المريض إلى تقوية غذاء التلبينة بلباب -اللباب طحين مرقق واللباب أيضًا خالص من كل شيء- يضاف إليها فحسن. وبالجملة فالتلبينة غذاء لطيف لا ضرر فيه غالبًا فلذلك نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب التلبينة للمريض [5689 و 5695] وفي الأطعمة باب التلبينة [5417]، وابن ماجه في الطب باب التلبينة [3488 و 3489]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة فقال: 5627 - (182 2) (236) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل) الناجي علي بن داود البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو سعيد (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل (أن أخي) قد (استطلق بطنه) بضم التاء وكسر اللام على ما ضبطه الحافظ في الفتح وهو مبني للمجهول من الاستطلاق وهو الإسهال وهو خروج ما في بطنه ومعناه أصيب بطنه بالإسهال، وقد عبر عنه في الرواية الأخرى (تعرب بطنه) من التفعل أي تغير من حال الصحة إلى هذا المرض كما يقال عربت معدته بكسر الراء إذا تغيرت وفسدت تعرب عربًا بفتح الراء فيهما من باب فرح، قال الحافظ في

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "اسْقِهِ عَسَلًا" فَسَقَاهُ. ثُم جَاءَهُ فَقَال: إِني سَقَيتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إلا اسْتِطْلاقًا. فَقَال لَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُم جَاءَ الرَّابِعَةَ، فَقَال: اسْقِهِ عَسَلًا. فَقَال: لَقَد سَقَيتُهُ فَلَمْ يَزِدهُ إلا استِطْلاقًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "صَدَقَ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح [10/ 168] رقم [5716] لم أقف على اسم هذا الرجل واسم أخيه اهـ (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلًا فسقاه ثم جاءه) مرة ثانية (فقال إني سقيته عسلًا فلم يزده إلا استطلاقًا) أي إسهالًا (فقال له) رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلًا (ثلاث مرات ثم جاء) الرجل المرة (الرابعة فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (اسقه عسلًا فقال) الرجل والله (لقد سقيته) عسلًا (فلم يزده إلا استطلاقًا) أي مشاء (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله) عزَّ وجلَّ حيث قال في كتابه العزيز: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} وهو العسل وهذا تصريح منه صلى الله عليه وسلم بان الضمير في قوله فيه شفاء يعود إلى الشراب الذي هو العسل وهو الصحيح بدليل هذا الحديث ولأنه ليس في الآية ذكر لغيره وهو قول ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة، وقال مجاهد: هو عائد إلى القرآن والأول أولى لما ذكرناه، قال القرطبي: ومقتضى الآية أن العسل فيه شفاء ما، لا كل شفاء لأن شفاء نكرة في سياق الإثبات ولا عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل الأصول لكن قد حملها طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع والأمراض وكانوا يستشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق والإيقان، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يشكو قرحة ولا شيئًا إلا جعل عليه عسلًا حتى الدمل إذا خرج عليه طلاه عسلًا فقيل له في ذلك فقال أليس الله سبحانه يقول: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} وروي أن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه مرض فقيل له ألا نعالجك؟ فقال: ائتوني بماء فإن الله تعالى يقول: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} ثم قال: ائتوني بعسل فإن الله يقول: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} ثم قال: ائتوني بزيت فإن الله تعالى يقول: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيتُونَةٍ} فجاؤوه بذلك كله فخلطه جميعًا ثم شربه فبرأ. وحكى النقاش عن أبي وجزَة أنه كان يكتحل بالعسل ويستمشي أي يستعمل العسل لإطلاق البطن وإسهاله ويتداوى به فهذا كله عمل بمطلق القرآن وأصله صدق النية وصحة الإيمان.

وَكَذَبَ بَطنُ أَخِيكَ" فَسَقَاهُ فَبَرَأ. 5628 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الْوَهابِ، (يعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ)، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أَبِي المُتَوكِّلِ الناجِيِّ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي؛ أن رَجُلا أتَى النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: إِن أَخِي عَرِبَ بَطنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصل معنى الآية أن العسل يكون سببًا للشفاء في كثير من الأمراض لا في جميعها. وقوله (وكذب بطن أخيك) بناء على عادة أهل الحجاز لأنهم يطلقون الكذب في موضع الخطإ كما قال الخطابي: يقال كذب سمعك أي زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "كذب بطن أخيك" إشارة إلى أن هذا الدواء نافع له وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء بل لقصور بطن أخيه لاشتماله على الكثير من المادة الفاسدة وأن مقدار الدواء النافع إنما يكون بحسب شدة المرض وخفته فإن كان المرض شديدًا فلا ينفع استعمال الدواء في مدة قليلة وإنما يحتاج إلى معاودة واستمرار فلذا أمره صلى الله عليه وسلم بمعاودة شرب العسل (فسقاه) المرة الرابعة (فبرأ) بفتح الراء بوزن قرأ على لغة أهل الحجاز وبكسرها بوزن علم على لغة غيرهم أي خلص من الإسهال وشفي منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 92]، والبخاري في الطب [5684]، والترمذي في الطب [2082]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5628 - (00) (00) (وحدثنيه عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي النيسابوري المقرئ الحافظ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء) الخفاف العجلي مولاهم أبو نصر البصري نزيل بغداد، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن قتادة عن أبي المتوكل) علي بن داود (الناجي عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج (أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي عرب) بوزن فرح أي تغير (بطنه) وفسدت معدته فما دواؤه يا رسول الله

فَقَال لَهُ: "اسقِهِ عَسَلًا". بِمَعنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال له) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اسقه عسلًا) فإنه شفاء له، وساق سعيد بن أبي عروبة (بمعنى حديث شعبة). قال القرطبي: (وقوله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلا) قد اعترض بعض زنادقة الأطباء على هذا الحديث فقال: قد أجمعت الأطباء على أن العسل يسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال. فجوابه أن يقال إن هذا الطعن صدر عن جهل بأدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم وبصناعة الطب أما الأول فلو نظر في معجزاته صلى الله عليه وسلم نظرًا صحيحًا لعلم على القطع أنه يستحيل عليه الكذب والخلف ومن حصل له هذا العلم فحقه شرعا وعقلا إذا وجد من كلامه ما يقصر عن إدراكه أن يعلم أن ذلك القول حق في نفسه وأن يضيف القصور إلى نفسه فإن أرشده هذا الصادق إلى فعل ذلك الشيء على وجه فيستعمله على الوجه الذي عينه وفي المحل الذي أمره بعقد نية وحسن طوبة فإنه يرى منفعته ويدرك بركته كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وإن لم يعين له كيفية ولا وجهًا فسبيل العاقل أن لا يقدم على استعمال شيء حتى يعرف كيفية العمل به فليبحث عن وجه العمل اللائق بذلك الدواء فإذا انكشف له ذلك فهو الذي أراده الصادق وهذا البحث إنما يكون مع العلماء بالطب من المسلمين الموثوق بعلمهم وصحة تجربتهم وأما جهل هذا الطاعن بصناعة الطب فقد جازف في النقل حيث أطلق في موضع التقييد وحكى إجماعًا لا يصح له وبيان ذلك بما قاله الإمام أبو عبد الله قال: ينبغي أن يعلم أن الإسهال يعرض من ضروب كثيرة فمنها الإسهال الحادث عن التخم والهيضات -جمع هيضة مرض من أعراض القيء الشديد والإسهال والهزال (الكوليرا) - والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلها وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية فأما حبسها فضرر فإذا وضح هذا قلنا فيمكن أن يكون هذا الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء هيضة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشرب العسل فزاده فزاده إلى أن فنيت تلك المادة فوقف الإسهال فوافقه شرب العسل فإذا خرج هذا على صناعة الطب أذن ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة قال: ولسنا نستظهر على قول نبينا بان يصدقه الأطباء بل لو كذبوه لكذبناهم وكفرناهم وصدقنا النبي صلى الله عليه وسلم فإن أوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوه فنفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخريجه على ما يصح إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب اهـ من المفهم.

5629 - (2183) (237) حدثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَأَبِي النضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَن أَبِيهِ؛ أَنهُ سَمِعَهُ يَسْألُ أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي الطاعُونِ؛ فَقَال أُسامَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 9 562 - (2183) (237) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا بن عبد العزى القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (وأبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم (مولى عمر بن عبيد الله) المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب كلاهما رويا (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (أنه) أي أن عامرًا (سمعه) أي سمع أباه سعد بن أبي وقاص، حالة كون أبيه (يسال أسامة بن زيد) بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه رضي الله عنهم أي يسال أسامة بقوله (ماذا سمعت) يا أسامة أي، أي شيء سمعت يا أسامة (من رسول الله صلى الله عليه وسلم في) شأن (الطاعون) هل يجوز الدخول في بلده أو الخروج منه؟ . وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي، وفيه المقارنة والتحديث والعنعنة والقراءة، قال النووي: الطاعون قروح تخرج في الجسد فتكون في المرافق أو الأباط أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن ويكون معه ورم وألم شديد وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان القلب والقيء، وقال القرطبي: الطاعون مرض عام يكون منه الموت العام ويسمى بالوباء اهـ أبي، وقال ابن سينا: وسببه دم رديء يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فتحدث القيء والغثيان والغشي ولردَاءَته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع اهـ وحاصله أنه ورم ينشأ من هيجان الدم وانصباب الدم إلى عضو فيفسده وهذا لا يعارض حديث "الطاعون وخز أعدائكم من الجن" إذ يجوز أن ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث المادة السمية ويهيج الدم بسببها والله أعلم اهـ من ذهني (فقال أسامة)

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "الطاعُونُ رِجز أَوْ عَذَاث أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَن كَانَ قَبْلَكُم، فَإذَا سَمِعتُمْ بِهِ بِأرْضِ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيهِ. وَإذَا وَقَعَ بِأرْضِ وَأَنْتُم بِهَا، فَلَا تَخرُجُوا فِرَارًا مِنْهُا. وَقَال أَبُو النضْرِ: "لا يُخْرِجُكُم إلا فِرَار مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لسعد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز) أي عذاب (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي الطاعون (عذاب) والمعنى واحد والشك من الراوي أو من دونه أي عذاب (أرسل علي بني إسراليل) وهم الذين أمرهم الله أن يدخلوا الباب سجدًا فخالفوا أمر الله فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم في ساعة سبعون ألفًا كذا قيل اهـ مبارق (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي عذاب أرسل (على من كان قبلكم) والشك من الراوي أو ممن دونه (فإذا سمعتم به) أي بالطاعون (بأرض) أي بكونه في بلدة (فلا تقدموا عليه) أي لا تدخلوا عليه لئلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا) منها (فرارًا منه) أي لأجل الفرار منه لئلا يكون معارضة للقدر فلو خرج لقصد آخر غير الفرار جاز ولئلا تضيع المرضى لعدم من يتعهدهم أو الموتى ممن يجهزهم فالأول تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم اهـ قسطلاني. قيل علة النهي مخافة الفتنة على الناس بأن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه وسلامة الفار إنما كان بفراره لا مخافة أن يصيبه غير المقدور (وقال أبو النضر) سالم بن أبي أمية في رواية إذا وقع بأرض وأنتم بها (لا بخرجكم إلا فرار منه) بالرفع وكلمة إلا زيادتها غلط من بعض الرواة أي لا يخرجكم منها فرار منه وبالنصب على الحال من فاعل محذوف تقديره لا تخرجوا منها حالة كونكم فارين منه. قال القرطبي: وقد أشكل هذا الكلام على كثير من العلماء الأعلام حتى قالت جماعة إن إدخال (إلا) فيه غلط، وقال بعضهم: إنها زائدة كما ق تزاد (لا) في مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} أي ما منعك أن تسجد، وقال بعض النحويين: إن (إلا) هنا للإيجاب لأنها توجب بعض ما نفاه من الجملة ونهى عنه من الخروج فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا وأباح الخروج لغرض آخر والأقرب أن تكون زائدة والصحيح إسقاطها كما صح في الروايات الأخر اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 206]، والبخاري في الطب باب

5630 - (00) (00) حدثنا عَبدُ اللهِ بن مَسلَمَةَ بنِ قَعْنَب وَقُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ قَالا: أَخْبَرَنَا المُغِيرَةُ، (وَنَسَبَهُ ابْنُ قَعنَبٍ فَقَال: ابنُ عَبدِ الرحمنِ القُرَشِي)، عَن أبِي النَّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَن أُسَامَةَ بْنِ زيد. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الطاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ. ابْتَلَى الله عَز وَجَل بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يذكر في الطاعون [5728] وفي غيره، والترمذي في الجنائز باب ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون [1065]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 5630 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قالا أخبرنا المغيرة ونسبه) أي ذكر نسب المغيرة عبد الله (بن قعنب) في روايته (فقال) ابن قعنب وذكر نسبه أخبرنا المغيرة (بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام (القرشي) الأسدي الحزامي بكسر الحاء وبالزاي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني (عن أسامة بن زيد قال) أسامة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة المغيرة بن عبد الرحمن لمالك بن أنس في الرواية عن أبي النضر (الطاعون آية الرجز) أي علامة العذاب وقد جاء هذا اللفظ مفسرًا في الرواية الأخرى حيث قال: إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم فقد فسر الطاعون بالمرض والرجز بالعذاب والطاعون زنة فاعول من الطعن غير أنه لما عدل به عن أصله وضع دالًا على الموت العام بالوباء على ما قاله الجوهري، وقال غيره: أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض، قال: وطاعون عمواس إنما كان طاعونًا وقروحا. [قلت] ويشهد لصحة هذا قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الطاعون؟ فقال: "غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط" وقال غير واحد من العلماء: تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله من البدن اهـ مفهم. (ابتلى الله عزَّ وجلَّ به) أي بالطاعون (ناسًا من عباده) الصالحين وغيرهم يرسله الله

فَإذَا سمْعتُمْ بهِ، فَلَا تدخُلُوا عليه. وَإِذَا وَقَعَ بِأرضٍ وَأَنتُمْ بِهَا. فَلَا تفِرُّوا مِنهُ". هَذَا حَدِيثُ الْقَعْنَبِي. وَقُتَيبَةَ نَحْوُهُ. 5631 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بن عَبدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن مُحَمدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إنَّ هَذَا الطاعُونَ رِجْزٌ سلَّطَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبلَكُمْ، أَوْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. فَإِذَا كَانَ بأرضٍ، فَلَا تَخرُجُو مِنهَا فِرَارًا مِنهُ. وَإِذَا كَانَ بِأرضٍ، فَلَا تَدخُلُوهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى نقمة وعقوبة لمن يشاء من عصاة عبيده وكفرتهم وقد يرسله شهادة ورحمة للصالحين من عباده (فإذا سمعتم به) بأرض (فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تفروا منه) قال المؤلف (هذا) اللفظ المذكور (حديث) عبد الله بن مسلمة (القعنبي) أي لفظ حديثه وروايته (و) لفظ حديث (قتيبة) بن سعيد (نحوه) أي نحو حديث القعنبي أي قريب منه لا مماثل له، وقد مر مرارًا في أوائل هذا الشرح أن النحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض لفظه ومعناه فجدد العهد به فإنه مهم في هذا الجامع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 5631 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن محمد بن المنكدر عن عامر بن سعد عن أسامة) بن زيد رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لمالك بن أنس في الرواية عن محمد بن المنكدر (قال) أسامة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الطاعون رجز) أي عذاب (سلط) أي أرسل (على من كان قبلكم) من الأمم (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أسامة أو من دونه سلط (على بني إسرائيل) والشك من الراوي أو ممن دونه (فإذا كان) هذا الطاعون واقعًا (بأرض) أنتم فيها (فلا تخرجوا منها فرارًا منه) لأنه لا مفر من الله إلا إليه (وإذا كان) هذا الطاعون واقعًا (بأرض) أنتم خارج عنها (فلا تدخلوها) لئلا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة،

5632 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ؛ أَن عَامِرَ بْنَ سَعْد أَخْبَرَهُ؛ أَن رَجُلا سَأل سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقاص عَنِ الطاعُونِ؛ فَقَال أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ: أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى ظاهر هذا الحديث عمل عمر بن الخطاب والصحابة معه رضي الله عنهم أجمعين حين رجعوا من سرغ حين أخبرهم بهذا الحديث عبد الرحمن بن عوف وإليه صاروا وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: الفرار من الوباء كالفرار من الزحف، وإنما نهي عن القدوم عليه أخذًا بالحزم والحذر والتحرز من مواضع الضرر ودفعا للأوهام الموسوسة لنفس الإنسان، وإنما نهي عن الفرار منه لأن الكائن في الموضع الذي كان الوباء فيه لعله قد أخذ بحظ منه لاشتراك أهل ذلك الموضع في سبب ذلك المرض العام فلا فائدة لفراره بل يضيف إلى ما أصابه من مبادئ الوباء مشقات السفر فيتضاعف الألم ويكثر الضرر فيهلكون بكل طريق ويطرحون في كل فجوة ومضيق ولذلك يقال قلما فر أحد من الوباء فسلم ويكفي في ذلك موعظة قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَال لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا} قال الحسن: خرجوا حذرًا من الطاعون فأماتهم الله تعالى في ساعة واحدة وهم أربعون ألفًا، وقيل غير هذا اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 5632 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (أن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (أخبره) أي أخبر لعمرو بن دينار (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (سأل) أباه (سعد بن أبي وقاص عن) حكم (الطاعون) هل يجوز الفرار منه أو الدخول عليه، والحال أن سعدًا بحضرة أسامة (فقال أسامة بن زيد) للرجل (أنا أخبرك عنه) أي عن حكم الطاعون الذي سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لمحمد بن المنكدر، فقال أسامة للرجل

قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "هُوَ عَذَابٌ أَوْ رِجْزٌ أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَى طَائِفَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ نَاسٍ كَانُوا قَبْلَكُمْ. فَإذَا سَمِعْتُم بِهِ بِأرْضٍ، فَلَا تَدخُلُوهَا عَلَيهِ. وَإِذَا دَخَلَهَا عَلَيكُمْ، فَلَا تَخْرُجُوا مِنهَا فِرَارًا. 5633 - (00) (00) وحدثنا أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيمَانُ بن دَاوُدَ وَقُتَيبَةُ بْنُ لسَعِيد قَالا: حَدَّثَنَا حَمادٌ، (وَهُوَ ابْنُ زيدٍ). ح وَحَدثَنَا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. كِلاهُمَا عَن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِإِسْنَادِ ابنِ جُرَيجٍ، نَحْوَ حَدِيثهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الطاعون (هم عذاب أو رجز أرسله الله) تعالى (على طائفة من بني إسرائيل أو) قال على (ناس كانوا قبلكم) والشك في الموضعين من الراوي أو ممن دونه (فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها عليه وإذا دخلها) الطاعون (عليكم فلا تخرجوا منها فرارًا) منه، قال الحافظ ابن حجر: وقد ذكر العلماء في النهي عن الخروج حكما منها أن الطاعون في الغالب يكون عاما في البلد الذي يقع فيه فإذا وقع فالظاهر مداخلة سببه لمن بها فلا يفيده الفرار لأن المفسدة إذا تعينت حتى لا يقع الانفكاك عنها كان الفرار عبثا فلا يليق بالعاقل، ومنها أن الناس لو تواردوا على الخروج لصار من عجز عنه بالمرض المذكور أو بغيره ضائع المصلحة لفقد من يتعهده حيًّا وميتًا وأيضًا فلو شرع الخروج فخرج الأقوياء لكان في ذلك كسر قلوب الضعفاء اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 5633 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع) الزهراني (سليمان بن داود) البصري (وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا سفيان بن عيينة كلاهما) أي كل من حماد وسفيان رويا (عن عمرو بن دينار) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة حماد وسفيان لابن جريج وساقا (بإسناد ابن جريج) يعني عن عامر عن أسامة (نحو حديثه) أي نحو حديث ابن جريج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال:

5634 - (00) (00) حدثني أَبُو الطاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى. قَالا: أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَاب. أَخبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعد، عَن أُسَامَةَ بْنِ زَيد، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ قَال: "إن هَذَا الوَجَعَ أَو السقَمَ رِجز عُذِّبَ بِهِ بَعضُ الأممِ قَبْلَكُمْ. ثُم بَقِيَ بَعْدُ بِالأَرْضِ. فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأتِي الأخرَى فَمَنْ سمِعَ بِهِ بِأرضٍ، فَلَا يَقدَمَنَّ عَلَيهِ. وَمَنْ وَقَعَ بِأرض وَهُوَ بِهَا، فَلَا يخْرِجَنهُ الفِرَارُ مِنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5634 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو) بن سرح الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عامر بن سعد عن أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لعمرو بن دينار (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن هذا الوجع) أي الألم (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أسامة أو من دونه إن هذا (السقم) أي المرض والشك من الراوي أو ممن دونه يعني أن هذا الطاعون (رجز) أي عذاب (عذب به بعض الأمم) التي (قبلكم ثم بقي) هذا السقم (بعد) أي بعد الأمم السابقة (بالأرض) أي في الأرض (فيذهب) هذا المرض وينعدم بحيث ينسى (المرة) من الزمان (ويأتي الأخرى) أي يرجع المرة الأخرى (فمن سمع به) أي بهذا الطاعون (بأرض) أي بناحية من نواحي الأرض (فلا يقدمن عليه) أي فلا يدخلن عليه في المكان الذي حصل فيه تحرزا من ضرره (ومن وقع) أي من كان (بأرض وهو) أي والحال أن الطاعون (بها فلا يخرجنه) من تلك الأرض (الفرار منه) أي من الطاعون، وقد تكرر كما ترى منع الفرار منه في هذه الأحاديث الواردة في هذا الباب، وكذلك في حديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها بإسناد حسن: "الطاعون شهادة أمتي ووخز أعدائكم من الجن غدة كغدة البعير تخرج في الآباط والمراق من مات فيه مات شهيدًا ومن أقام فيه كالمرابط في سبيل الله ومن فر منه كان كالفار من الزحف" قال المناوي في كونه ارتكب حرامًا والمراق أسفل البطن اهـ والوخز الطعن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال:

5635 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو كَامِلٍ الجَحدَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبدُ الوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ)، حَدَّثَنَا مَعمَرٌ، عَنِ الزهرِي، بإِسْنَادِ يُونُسَ. نَحوَ حَدِيثِهِ. 5636 - (00) (00) حَدثَنا مُحَمدُ بن الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ. قَال: كُنا بِالْمَدِينَةِ فَبَلَغَنِي أَن الطاعُونَ قَدْ وَقَعَ بالكُوفَةِ فَقَال لِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيرُهُ: إِن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إذَا كُنْتَ بِأرْضٍ فَوَقَعَ بِهَا، فَلَا تَخرُجْ مِنهَا. وَإِذَا بَلَغَكَ أنهُ بِأرضٍ، فَلَا تَدْخُلهَا" قَال: قُلتُ: عَمَّنْ؟ قَالُوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 5635 - (00) (00) (وحدثناه أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي البصري، ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري) غرضه بيان متابعة معمر ليونس، وساق معمر (بإسناد يونس) يعني عن عامر عن أسامة (نحو حديثه) أي نحو حديث يونس وقريبه في اللفظ والمعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 5636 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن شعبة) بن الحجاج البصري (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس بن دينار الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (قال) حبيب (كنا) مع رفقتي (بالمدينة) المنورة (فبلغني أن الطاعون قد وقع بالكوفة) بلدتنا (فقال لي عطاء بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة، من (3) (وغيره) أي غير عطاء ممن معه الجهالة فيه لا تضر لأنه ذكره على سبيل المقارنة (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنت بأرض) أي في ناحية من نواحي الأرض (فوقع) الطاعون (بها) أي في تلك الأرض (فلا تخرج منها) أي من تلك الأرض فرارًا منه (وإذا بلغك أنه) أي أن الطاعون وقع (بأرض) أي في ناحية من النواحي (فلا تدخلها) أي فلا تدخل تلك الأرض التي وقع فيها الطاعون (قال) حبيب بن أبي ثابت فـ (قلت) لعطاء ومن معه (عمن)؟ سمعت هذا الحديث (قالوا) أي قال عطاء

عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ يُحَدِّثُ بِهِ. قَال: فَأتَيتُهُ فَقَالُوا: غَائِبٌ قَال: فَلَقِيتُ أَخَاهُ إِبْراهِيمَ بْنَ سَعْدٍ فَسَألْتُهُ؟ فَقَال: شَهِدتُ أُسَامَةَ يُحَدِّثُ سَعدًا قَال: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِن هَذا الوَجَعَ رِجْزٌ أَو عَذَابٌ أَوْ بَقِيةُ عَذَابٍ، عُذِّبَ بهِ أُناسٌ مِنْ قَبْلِكُمْ. فَإِذَا كَان بِأرْضٍ وأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا بلَغَكُمْ أنهُ بَأرْضٍ، فَلَا تَدخُلُوهَا". قَال حَبِيبٌ: فَقُلتُ لإِبرَاهِيمَ: آنْتَ سَمِعتَ أُسَامَةَ يُحَدِّثُ سَعدًا وَهُو لَا يُنْكِرُ؟ قَال: نَعمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن معه سمعناه (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص حالة كونه (يحدث به) أي بهذا الحديث للناس (قال) حبيب بن أبي ثابت (فأتيته) أي فأتيت عامر بن سعد أي أتيت منزله (فقالوا) أي فقال لي أهله هو أي عامر (غالب) غير حاضر في البيت (قال) حبيب (فلقيت أخاه) أي أخا عامر بن سعد يعني (إبراهيم بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، روى عن أبيه في الطب والفضائل، وخزيمة بن ثابت في الطب، وأسامة بن زيد في الطب، ويروي عنه (خ م س ق) وحبيب بن أبي ثابت وأبو جعفر الباقر وابن أخته سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وخلق، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال العجلي: مدني تابعي، ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات بعد المائة (فسألته) أي فسألت إبراهيم بن سعد عن هذا الحديث (فقال) لي إبراهيم (شهدت أسامة) أي حضرت عنده حالة كونه (يحدث) والدي (سعدًا) ابن أبي وقاص (قال) أسامة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص لعامر بن سعد بن أبي وقاص (أن هذا الوجع) والألم (رجز) أي عذاب (أو) قال الراوي أو من دونه (عذاب أو) قال (بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم فإذا كان) هذا الوجع (بأرض) أي بناحية من نواحي الأرض (وأنتم) أي والحال أنكم (بها) أي نازلون في تلك الأرض (فلا تخرجوا منها) أي من تلك الأرض التي وقع فيها (وإذا بلغكم) أي وصل إليكم خبر (أنه) وقع (بأرض فلا تدخلوها، قال حبيب) بن أبي ثابت (فقلت لإبراهيم) بن سعد (آنت) أي هل أنت يا إبراهيم (سمعت أسامة) بن زيد (يحدث) هذا الحديث (سعدًا) ابن أبي وقاص (وهو) أي والحال أن سعدًا (لا ينكر) على أسامة هذا الحديث (قال) إبراهيم بن سعد (نعم) سمعت

5637 - (00) (00) وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أبِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، بِهذَا الإِسنَادِ. غَيرَ أَنّهُ لَمْ يَذكُرْ قِصةَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ في أَوَّلِ الْحَدِيثِ. 5638 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيم بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَخُزَيمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. قَالُوا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: بِمَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة يحدث هذا الحديث لسعد بن أبي وقاص وهو لا ينكر عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال: 5637 - (00) (00) (وحدثناه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن حبيب عن إبراهيم عن أسامة بن زيد، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لابن أبي عدي (غير أنه) أي لكن أن معاذ بن معاذ (لم يذكر قصة عطاء بن يسار في أول الحديث) يعني قوله فقال لي عطاء بن يسار وغيره .. إلخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 5638 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن حبيب) بن أبي ثابت (عن إبراهيم بن سعد) بن أبي وقاص (عن) أبيه (سعد بن) أبي وقاص (مالك) بن أهيب الزهري المدني رضي الله عنه (وخزيمة بن ثابت) بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري الخطمي أبي عمارة المدني، ذي الشهادتين شهد بدرًا وأحدًا، روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين، له ثمانية وثلاثون حديثًا، انفرد له (م) بحديث، روى عنه ابنه عمارة وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص في الطب، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو من كبار الصحابة، قتل مع علي بصفين سنة (37) سبع وثلاثين، وليس في مسلم من اسمه خزيمة إلا هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه (وأسامة بن زيد قالوا) أي قال كل من الصحابة الثلاثة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان لشعبة وساق سفيان (بمعنى حديث شعبة).

5639 - (00) (00) وحدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن حَبِيبٍ، عَنْ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَال: كَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيدٍ وَسَعْدٌ جَالِسَينِ يَتَحَدَّثَانِ. فَقَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: بِنَحْو حَدِيثهِمْ. 5640 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ وَهبُ بْنُ بَقِيَّةَ. أَخبَرَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي الطحَّانَ)، عَنِ الشَّيبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعْدِ بنِ مَالِكٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما فقال: 5639 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن حبيب) بن أبي ثابت (عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص قال) إبراهيم بن سعد (كان أسامة بن زيد و) والدي (سعد) بن أبي وقاص (جالسين) معًا حالة كونهما (يتحدثان فقالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث، وساق الأعمش عن حبيب (بنحو حديثهما) أي بنحو حديث شعبة وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الأعمش لشعبة وسفيان الثوري في الرواية عن حبيب بن أبي ثابت، وفي أغلب النسخ (بنحو حديثهم) بضمير الجمع وهو تحريف من النساخ، والصواب ما قلناه فتدبر فإنه شعاع لا سحاب عليه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة حادي عشرها في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 5640 - (00) (00) (وحدثنيه وهب بن بقية) بن عثمان الواسطي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد المزني مولاهم أبو الهثيم الواسطي (يعني الطحان) ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن) أبي إسحاق (الشيباني) سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد بن) أبي وقاص (مالك) بن أهيب

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِنَحْو حَدِيثهِم. 5641 - (2184) (238) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ زَيدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عبد مناف بن زهرة الزهري المدني (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الشيباني لشعبة وسفيان والأعمش في رواية هذا الحديث عن حبيب بن أبي ثابت، وساق الشيباني (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث هؤلاء الثلاثة المذكورة أعني شعبة وسفيان والأعمش. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة بن زيد بحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم فقال: 5641 - (2184) (238) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) بن نفيل القرشي العدوي أبي عمر الأعرج الجزري المدني، روى عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل في الطب، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص في فضائل عمر، وعن أبيه وعن ابن عباس، ويروي عنه (ع) والزهري والحكم بن عتيبة، وثقه العجلي والنسائي وابن خراش، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات بحران في خلافة هشام (عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل) بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبي يحيى المدني، قتله السموم بالأبواء مع سليمان بن عبد الملك سنة (99) تسع وتسعين، وصلى عليه سليمان بن عبد الملك، روى عن أبيه في الصلاة، وعبد المطلب بن ربيعة في الزكاة، وعبد الله بن عباس في الطب، ويروي عنه (خ م د س) وعبد الحميد بن عبد الرحمن والزهري وعاصم بن عبيد الله، قال النسائي: ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وقد تقدمت ترجمته في كتاب الصلاة من هذا الشرح، ولكن أعدناها هنا بأوضح مما هنالك (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما عن عبد الرحمن بن عوف الحديث الآتي. وهذا

أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغٍ لَقِيَهُ أَهْلُ الأَجْنَادِ. أَبُو عُبَيدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سباعياته، قال الدارقطني: كذا قال مالك في هذا الإسناد، وقال معمر ويونس (عن عبد الله بن الحارث) قال: والحديث صحيح على اختلافهم قال: وقد أخرجه مسلم من طريق يونس عن عبد الله بن الحارث، وأما البخاري فلم يخرجه إلا عن طريق مالك اهـ نووي، ومن لطائف هذا السند أنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وفيه رواية صحابي عن صحابي ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (خرج) من المدينة (إلى الشام) في ربيع الأول سنة ثماني عشرة كما في الفتوح لسيف بن عمر يتفقد فيها أحوال الرعية وكان الطاعون المسمى بطاعون عمواس بفتح العين المهملة والميم بعدها سين مهملة وسمي به لأنه عم واس ووقع بها أولًا في المحرم وفي صفر ثم ارتفع فكتبوا إلى عمر فخرج حتى إذا كان .. الخ كذا في القسطلاني، وكان هذا الخروج منه بعد ما فتح بيت المقدس سنة سبع عشرة على ما ذكره خليفة بن خياط وكان يتفقد أحوال رعيته وأحوال أمرائه وكان قد خرج قبل ذلك إلى الشام لما حاصر أبو عبيدة إيلياء وهي البيت المقدس عندما سأل أهلها أن يكون صلحهم على يدي عمر فقدم وصالحهم ثم رجع وذلك سنة ست عشرة من الهجرة أي خرج إلى الشام (حتى إذا كان) عمر (بسرغ) بفتح الراء وسكونها وهي قرية بتبوك قاله ابن حبيب قال ابن وضاح بينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة وقيل هي آخر عمل الحجاز اهـ من المفهم. وقال النووي: هي قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز يجوز صرفه وتركه اهـ (لقيه) أي لقي عمر واستقبله (أهل الأجناد) أي أمراء الأجناد والمراكز الخمسة. وقوله (أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه) وهم خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص، بدل من أهل الأجناد والمراد بالأجناد هنا مدن الشام الخمس وهي فلسطين والأردن ودمشق وقنسرين وحمص وبأهلها أمراؤها، قال النووي: هكذا فسروه واتفقوا عليه ومعلوم أن فلسطين اسم لناحية بيت المقدس والأردن اسم لناحية بيسان وطبرية وما يتعلق بهما ولا يضر إطلاق اسم المدينة عليه وكان عمر قسم الشام أجنادًا ومراكز الأردن جند وحمص جند ودمشق جند وفلسطين جند وقنسرين جند وجعل على كل جند أميرًا كذا في القسطلاني يعني قسم الشام على أربعة أمراء تحت كل واحد

فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَال عُمَرُ: ادْعُ لِيَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلينَ فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. فَاخْتَلَفُوا. فَقَال بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَال بَعضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصحَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم جند وناحية وهم أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان ومعاذ بن جبل ثم لم يمت عمر حتى جمع الشام لمعاوية. وفي خروجه إلى الشام بيان ما يجب على الإِمام من تفقد أحوال رعيته ومباشرة ذلك بنفسه والسفر إلى ذلك وإن طال، وفيه دليل على إباحة العمل والولاية لمن كانت له أهلية ذلك من العلم والصلاح إذا اعتقدوا أنهم متمكنون من العمل بالحق والقيام به فإذا عملوا بذلك حصل لهم أجر أئمة العدل. (فأخبروه) أي فأخبر أمراء الأجناد الذين استقبلوه لعمر (أن الوباء قد وقع بالشام) والوباء فيه لغتان مهموز مقصور ومهموز ممدود والقصر أفصح وأشهر، قال الخليل وغيره: هو الطاعون، وقال: هو كل مرض عام، والصحيح الذي قاله المحققون أنه مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض دون سائر الجهات اهـ نووي. وفي النهاية: الوباء الطاعون والمرض العام اهـ. والوباء الذي وقع بالشام في زمن عمر كان طاعونًا وهو طاعون عمواس وهي قرية معروفة بالشام (قال ابن عباس فـ) لما أخبروه بوقوع الوباء بالشام (قال عمر) لي (ادع لي) يا ابن عباس (المهاجرين الأولين) واجمعهم لي لأشاورهم فيما أشكل علي وهم من صلى إلى القبلتين، وأما من لم يسلم إلا بعد تحويل القبلة فلا يعد في الأولين اهـ من المفهم. قال ابن عباس (فدعوتهم) له فاجتمعوا عنده (فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام) فيه تقديم وتأخير أي دعوتهم له واجتمعوا عنده وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاستشارهم هل ندخلها مع هذا الوباء توكلًا على الله أم نرجع إلى المدينة حفظًا للنفس (فاختلفوا) في جواب مشورتهم (فقال بعضهم قد خرجت) من المدينة إلى الشام (لأمر) من أمور المسلمين ومصالحهم (ولا نرى) في رأينا (أن ترجع عنه) أي عن ذلك الأمر (وقال بعضهم معك بقية) من (الناس) أي بقية الصحابة السابقين إلى الإِسلام، قالوا ذلك تعظيمًا للصحابة كقولهم: "هم القوم كل القوم يا أم خالد" (و) معك (أصحاب) أي

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَا نَرَى أَن تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ. فَقَال: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُم قَال: ادْعُ لِيَ الأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُم. فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ. وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلافِهِمْ. فَقَال: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُم قَال: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ ها هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ. فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيهِ رَجُلانِ. فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ. فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ معظم أصحاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو عطف تفسير لما قبله (ولا نرى) في رأينا (أن تقدمهم) وتأتي بهم بضم التاء لا نرى أن تجعلهم قادمين (على هذا الوباء) الذي أخبروه (فـ) لما اختلفوا في أجوبة مشورتهم (قال) لهم عمر (ارتفعوا عني) أي ارجعوا عني إلى منازلكم وابتعدوا عني؛ أي أمرهم بالخروج فخرجوا (ثم قال) لي عمر (ادع لي الأنصار) قال ابن عباس (فدعوتهم) أي فدعوت الأنصار (له) أي لعمر فحضروا عنده (فاستشارهم) في ذلك أي في القدوم أو الرجوع (فسلكوا سبيل المهاجرين) فيما قالوا (واختلفوا) في ذلك (كاختلافهم) أي كاختلاف المهاجرين (فقال) لهم عمر (ارتفعوا عني) أي ارجعوا عني إلى مكانكم، قال ابن عباس (ثم قال) لي عمر (ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش) قال في القاموس: الشيخ والشيخون من استبانت فيه السن أو من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين وللشيخ أحد عشر جمعًا خمسة منها مبدوءة بالشين وخمسة بالميم وواحدة بالهمزة وهي أشياخ ونظمها الشيخ السجاعي في بيتين رحمه الله تعالى، وقد بسطنا الكلام في لفظ الشيخ وتفاصيل جمعه وتصغيره في كتابنا جواهر التعليمات على التقريظات فراجعه إن شئت الخوض فيه (من مهاجرة الفتح) بضم الميم وكسر الجيم وهم الذين هاجروا إلى المدينة قبل الفتح بيسير، وقيل هم مسلمة الفتح أو أطلق على من تحول إلى المدينة بعد الفتح مهاجرًا صورة وإن كان حكمها بعد الفتح قد انقطع احترازًا عن غيرهم ممن أقام بمكة ولم يهاجر أصلًا وإنما أخرهم عمر عن غيرهم لتأخرهم في الإِسلام والهجرة ولكن استشارهم لشيخهم ولكمال خبرتهم للأمور، قال ابن عباس (فدعوتهم) فحضروا عنده فاستشارهم (فـ) لما استشارهم (لم يختلف عليه) منهم (رجلان فقالوا) له (نرى) يا أمير المؤمنين (أن ترجع بالناس) إلى المدينة (ولا تقدمهم) بضم التاء وكسر الدال أي لا تجعلهم قادمين (على هذا الوباء) فترجح عنده رأيهم (فنادى عمر في الناس

إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيهِ. فَقَال أَبُو عُبَيدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرارًا مِن قَدَرِ اللهِ؟ فَقَال عُمَرُ: لَوْ غَيرُكَ قَالها يَا أَبَا عُبَيدَةَ، (وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلافهُ)، نَعَمْ. نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إني مصبح) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة المشددة أي مسافر في الصباح راكبًا (على ظهر) أي على ظهر الراحلة راجعًا إلى المدينة أو على ظهر طريق مرتحلًا إلى المدينة (فأصبحوا) بكسر الباء على صيغة الأمر في رواية مسلم، وفي البخاري بفتحها على صيغة الماضي وكلاهما صحيح أي فأصبحوا أيها الناس راكبين متأهبين للرجوع إليها (عليه) أي على الظهر، وهذا يدل على أنه إنما عزم على الرجوع لرأي أولئك المشيخة لما ظهر أنه أرجح من رأي غيرهم ممن خالفهم ووجه أرجحية هذا الرأي أنه جمع فيه بين الحزم والأخذ بالحذر وبين التوكل والإيمان بالقدر (فـ) بيان ذلك بحجة عمر على أبي عبيدة رضي الله عنهما حين (قال أبو عبيدة بن الجراح) لعمر (أ) ترجع يا عمر (فرارًا من قدر الله) وحكمه يعني الموت (فقال عمر) له (لو غيرك قالها) أي قال هذه الكلمة لي (يا أبا عبيدة) لأدَّبته لاعتراضه علي في مسألة اجتهادية اتفق عليها أكثر الناس من أهل الحل والعقد أو لكان أولى منك بذلك أو لم أتعجب منه ولكن أتعجب منك مع علمك وفضلك كيف تقول هذا؟ أو هي للتمني فلا تحتاج إلى جواب والمعنى أن غيرك ممن لا فهم له إذا قال ذلك يعذر، قال القرطبي: والحاصل أن أبا عبيدة ظهر له أن لا يرجع ويتوكل على الله ويسلم للقدر لأن ما قدر عليه لا ينجيه منه رجوع ولا فرار فأجابه عمر رضي الله عنه لو غيرك قالها أي ليت غيرك يقول ذلك القول فكأنه قال لا يليق بك هذا القول لعلمك وقدرك وإنما يليق ذلك بغيرك ممن قل علمه وقصر فهمه. وقوله (وكان عمر يكره خلافه) أي مخالفته جملة معترضة من الراوي وليس المراد أنه كان يكره أن ينتقد عليه أحد فكم ثبت عنه أنه عرض نفسه لانتقاد الناس ولكن المراد أنه كان يكره أن يخالفه أحد بعد ما استحكم عزمه على أمر اجتهادي وصل إليه بعد المشاورة الطويلة فأما قبل استحكام العزم فكان ذهنه مستفتحًا لرأي كل أحد ثم احتج عليه عمر بأن قال (نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله) أطلق عليه الفرار لشبهه به في الصورة وإن كان ليس فرارًا شرعيًّا، والمراد أن هجوم المرء على ما يهلكه منهي عنه ولو فعل لكان من قدر الله وتجنبه مما يؤذيه

إِلَى قَدَرِ اللهِ. أَرَأَيتَ لَوْ كَانَت لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ. إِحدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالأُخْرَى جَدِبَةٌ أَلَيسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيتَها بِقَدَرِ اللهِ، وإنْ رَعَيتَ الْجَدبَةَ رَعَيتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ قَال: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا في بَعْضِ حَاجَتِهِ. فَقَال: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذا عِلْمًا. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". قَال: فَحَمِدَ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مشروع وقد يقدر الله وقوعه فيما فر منه فلو فعله أو تركه لكان من قدر الله. ومحصل قوله إن اختيار أسباب الاحتياط والحذر ليس فرارًا من قدر الله في الحقيقة لأن الله تعالى علق النتائج في هذه الدنيا على الأسباب والتقدير المبرم غير معلوم فالفرار مما يخاف منه ليس فرارًا من التقدير المبرم لكونه غير معلوم وإنما هو فرار من سبب الهلاك الظاهر وهو جزء من التقدير المعلق فهو فرار من أحد شقي التقدير المعلق إلى الشق الآخر ولا يمكن لأحد أن يفر من التقدير المبرم والله أعلم. (أرأيت) أي أخبرني يا أبا عبيدة (لو كانت لك إبل فهبطت) أي نزلت بها (واديًا له عدوتان) بضم العين وكسرها وسكون الدال المهملتين أي شاطئان وحافتان وجانبان (إحداهما) أي إحدى العدوتين (خصبة) بفتح الخاء وكسر الصاد بعدها موحدة أي كثيرة المراعي والأشجار والحشائش والكلإ والعشب (والأخرى جدبة) بفتح الجيم وسكون الدال أي يابسة فارغة من تلك المذكورات (أليس) الشأن (إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله) وقضائه (وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله) تعالى (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان) عبد الرحمن (متغيبًا) أي غائبًا أولًا (في بعض حاجته) لم يشهد معهم المشاورة المذكورة (فقال) عبد الرحمن لعمر ومن معه (أن عندي من هذا) الذي اختلفتم فيه (علمًا) ونصًّا لأني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم به) أي بالطاعون (بأرض فلا تقدموا عليه) أي على الطاعون ليكون أسكن لأنفسكم وأقطع لوساوس الشيطان (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا) منها (فرارًا منه) لئلا يكون معارضة للقدر فلو خرج لقدر آخر جاز (قال) ابن عباس (فحمد الله)

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى (عمر بن الخطاب) على موافقة اجتهاده واجتهاد معظم الصحابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم انصرف) عمر راجعًا إلى المدينة لأنه أحوط ولرجحانه بكثرة القائلين به مع موافقة اجتهاده للنص المروي عن الشارع صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: واحتج عمر على أبي عبيدة بأن قال (نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله) إذ لا محيص للإنسان عما قدره الله عليه، لكن أمرنا الله بالتحرز من المخاوف والهلكات وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات والحذر وجلب المنافع ودفع الضرر ثم المقصر في ذلك ملوم عادة وشرعًا ومنسوب إلى التفريط عقلًا وسمعًا وإن زعم أنه المتوكل على الله المسلم لأمر الله ولما بين عمر ذلك المعنى بالمثال لاح الحق وارتفع الجدال ثم لم يبرح عمر من مكانه حتى جاءه الحق ببرهانه فحدثهم عبد الرحمن بن عوف بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فسر بذلك عمر رضي الله عنه سرورًا ظهر لديه فحمد الله تعالى وأثنى عليه حيث توافق الرأي والسمع وارتفع الخلاف وحصل الجمع فرجع من موضعه ذلك إلى المدينة سالمًا موفورًا وكان في سعيه ذلك مصيبًا مشكورًا. ومن أعظم فوائد هذا الحديث إجماع الصحابة رضي الله عنهم على العمل بالرأي والاجتهاد وقبول أخبار الآحاد كما بينا ذلك في الأصول اهـ من المفهم. قال النووي: واعلم أن في حديث عمر هذا فوائد كثيرة؛ منها خروج الإِمام بنفسه في ولايته في بعض الأوقات ليشاهد أحوال رعيته ويزيل ظلم المظلوم ويكشف كرب المكروب ويسد خلة المحتاج ويقمع أهل الفساد ويخافه أهل البطالة والأذى والولاة ويحذروا تجسسه عليهم ووصول قبائحهم إليه فينكفوا ويقيم في رعيته شعائر الإِسلام ويؤدب من رآهم مخلين بذلك ولغير ذلك من المصالح، ومنها تلقي الأمراء ووجوه الناس الإِمام عند قدومه وإعلامهم بما حدث في بلادهم من خير وشر ووباء ورخص وغلاء وشدة ورخاء وغير ذلك، ومنها استحباب مشاورة أهل العلم والرأي في الأمور الحادثة وتقديم أهل السابقة في ذلك، ومنها تنزيل الناس منازلهم وتقديم أهل الفضل على غيرهم والابتداء بهم في المكارم، ومنها جواز الاجتهاد في الحروب ونحوها كما يجوز في الأحكام، ومنها قبول خبر الواحد فإنهم قبلوا خبر عبد الرحمن، ومنها صحة القياس وجواز العمل به، ومنها ابتداء العالم بما عنده من العلم قبل أن يسأله كما فعل

5642 - (00) (00) وحدّثنا إِسحَاقُ بن إِبراهِيمَ وَمُحَمَّدُ بن رَافِعٍ وَعَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا وَقَال الآخَرَانِ: أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعمرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَزَادَ في حَدِيثِ مَعمَرٍ: قَال: وَقَال لَهُ أيضًا: أَرَأَيتَ أَنّهُ لَوْ رَعَى الْجَدِبَةَ وَتَرَكَ الْخَصِبَةَ أكُنتَ مُعَجِّزَهُ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَسِرْ إِذًا. قَال: فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ. فَقَال: لهذَا الْمَحَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن، ومنها اجتناب أسباب الهلاك، ومنها منع القدوم على الطاعون ومنع الفرار منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 194]، والبخاري في الطب [5729 و 5730]، وأبو داود في الجنائز باب الخروج من الطاعون [2219]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5642 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد قال ابن رافع حدثنا وقال الآخران أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر بهذا الإسناد) يعني عن الزهري عن عبد الحميد عن عبد الله عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة معمر لمالك بن أنس، وساق معمر (نحو حديث مالك وزاد) عبد الرزاق (في حديث معمر) وروايته لفظة (قال) ابن عباس بالسند السابق (وقال) عمر رضي الله عنه (له) أي لأبي عبيدة (أيضًا) أي كما قال له ما سبق (أرأيت) أي أخبرني (أنه) أي أن راعي الإبل (لو رعى) إبلك لناحية (الجدبة) أي الفارغة والخالية من الكلإ (وترك) رعيها العدوة (الخصبة كنت) أي هل كنت (معجزه) اسم فاعل من التعجيز أي ناسبًا له إلى العجز والحمق. قوله (معجزه) هو بفتح العين وتشديد الجيم أي تنسبه إلى العجز وتلومه على ذلك، ومقصود عمر أن الناس رعية لي استرعانيها الله تعالى فيجب عليَّ الاحتياط لها فإن تركته نسبت إلى العجز واستوجبْتُ العقوبة والله أعلم اهـ نووي (قال) أبو عبيدة (نعم) أنسبه إلى العجز والحمق ثم (قال) أبو عبيدة لعمر رضي الله عنه (فسر) أي فاذهب وانصرف إلى المدينة (إذًا) أي إذا كنت فارًا من قدر الله إلى قدر الله (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (فسار) عمر أي ذهب وانصرف إلى المدينة (حتى أتى) عمر (المدينة) ودخلها (فقال) عمر بعد ما دخل المدينة (هذا) البلد هو (المحل) لنا أي محل حلولنا ونزولنا لا نخرج منه إن شاء الله تعالى

أَوْ قَال: هَذَا الْمَنْزِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ. 5643 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلةُ بن يَحْيَى قَالا: أَخبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بهَذَا الإِسْنَادِ. غَير أَنَّهُ قَال: إِن عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ. وَلَمْ يَقُلْ: عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. 5644 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أو قال) عمر (هذا) أي هذا البلد يعني المدينة (المنزل) أي محل نزولنا وسكنانا لا نفارقه ولا نخرج منه (إن شاء الله) تعالى، قال القرطبي: قوله (هذا المحل) مبتدأ وخبر يعني المدينة يعني أنها المحل الذي لا يرغب عنه ولا يفضل غيره عليه وإن كثر خصب البلاد واتسع حال أهلها يقال بكسر الحاء وفتحها والفتح هو الأصل المطرد لأن ما كان من باب فعل يفعل كقعد وقتل القياس في المفعل منه فتح العين سواء أريد به المصدر أو المكان أو الزمان إلا ما شذ منه بسماع الكسر والفتح فيه كالمطلع والمفرق كما بسطنا الكلام على ذلك في مناهل الرجال على لامية الأفعال، قال النووي: هما أي المحل والمنزل بمعنى واحد وهو بفتح الحاء وكسرها والفتح أقيس لأن ما كان من باب فعل بالفتح يفعل بالضم كان مصدره وزمانه ومكانه مفعلًا بفتح العين كقعد يقعد ونظائره إلا أحرفًا شذت منه فجاءت بالوجهين منها المحل بالفتح على القياس والكسر على الشذوذ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 5643 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عبد الحميد عن عبد الله عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف. وهذا السند من ثمانياته أيضًا، غرضه بيان متابعة يونس لمالك (غير أنه) أي لكن أن يونس (قال) في روايته لفظة (أن عبد الله بن الحارث حدثه ولم يقل) يونس في روايته لفظة عن (عبد الله بن عبد الله) بتكرار كلمة عبد الله مجرورًا على الحكاية بإعرابه في السند السابق ولم يقل يونس عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بل قال عبد الله بن الحارث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 5644 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بنِ رَبيعَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ. فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. فَأخْبَرَهُ عَبْدُ الرحْمنِ بْنُ عَوْفٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِذَا سَمِعتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فَلَا تَقدَمُوا عَلَيهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ" فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ مِنْ سَرْغَ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عُمَرَ إِنَّما انْصَرَفَ بِالناسِ مِنْ حدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ عَوْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) بن عامر بن مالك العنزي الأصل العدوي مولاهم ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وله خمس سنين، ووثقه العجلي تقدم البسط في ترجمته في كتاب الصلاة (أن عمر) بن الخطاب (خرج إلى الشام فلما جاء سرغ) قرية على حدود الشام والحجاز كما مر (بلغه) أي بلغ عمر (أن الوباء قد وقع بالشام فأخبره) أي فأخبر عمر (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن عامر لابن عباس في رواية هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم به) أي بالوباء حالة كونه نازلًا (بأرض) أي بناحية من نواحي الأرض (فلا تقدموا عليه) أي فلا تدخلوا عليه تحرزًا من إهلاك النفس (وإذا وقع) الوباء (بأرض وأنتم) نازلون (بها) أي في تلك الأرض (فلا تخرجوا) منها (فرارًا) أي لأجل الفرار (منه) أي من الوباء لأنه لا مفر من القدر إلا إلى الله تعالى (فرجح عمر بن الخطاب من سرغ) إلى المدينة قبل دخول الشام عملًا بهذا الحديث (و) روى مالك بالسند السابق (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما (أن عمر إنما انصرف بالناس) ورجع إلى المدينة قبل دخول الشام (من حديث) أي لأجل العمل بحديث (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه. [تكميل] قال أبو عمر رحمه الله تعالى: لم يبلغني أن أحدًا من حملة العلم فر من الطاعون إلا ما ذكره ابن المديني أن علي بن زيد بن جدعان هرب من الطاعون من المدينة إلى السيالة -هي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة- فكان يجمع كل جمعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المدينة ويرجع إلى السيالة فكان إذا جمع صاحوا به فر من الطاعون فطعن فمات بالسيالة، وذكر أبو حاتم عن الأصمعي هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارًا له ومضى بأهله نحو سفوان -ماء على قدر مرحلة من باب المربد من البصرة- فسمع حاديًا يحدو خلفه: لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي منعة طيار إذ يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح الله أمام الساري وذكر المدائني قال: وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان فخرج هاربًا منه فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها سكر، فقدم عليه رسول لعبد الملك فقال له: ما اسمك؟ فقال: طالب بن مدرك، فقال: أوه، ما أراني راجعًا له إلى الفسطاط فمات في تلك القرية، وروى أبو عمر عن الأصمعي قال: لما وقع الطاعون الجارف بالبصرة فني أهلها -على ريح- وامتنع الناس من دفن موتاهم، فدخلت السباع البصرة على ريح الموتى وخلت سكة بني جربر فلم يبق الله فيها سوى جارية فسمعت صوت الذئب في سكتهم ليلًا فأنشأت تقول: ألا أيها الذئب المنادي بسحرة ... إلي أنبئك الذي قد بدا ليا بدا لي أني قد نعيت وأنني ... بقية قوم ورثوني البواكيا وإني بلا شك سأتبع من مضى ... ويتبعني من بعد من كان تاليا اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة الأول حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أسامة بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه إحدى عشرة متابعة، والرابع حديث عبد الرحمن بن عوف ذكره للاستشهاد به لحديث أسامة بن زيد وذكر فيه ثلاث متابعات.

680 - (24) باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح والفأل والشؤم

680 - (24) باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح والفأل والشؤم 5645 - (2185) (239) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بن يَحْيَى، (وَاللَّفْظُ لأَبِي الطَّاهِرِ)، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ. قَال ابْنُ شِهَابٍ: فحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، حِينَ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 680 - (24) باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح والفأل والشؤم 5645 - (2185) (239) (حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (واللفظ لأبي الطاهر قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) قال (قال ابن شهاب فحدثني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، والفاء في قوله فحدثني زائدة أو عاطفة بمعنى الواو والمعطوف عليه محذوف تقديره: قال ابن شهاب: حدثني غير أبي سلمة وحدثني أبو سلمة ويدل على هذا التقدير ما في البخاري بعد ما روى عن أبي سلمة من قوله وعن الزهري قال أخبرني سنان بن أبي سنان الدؤلي أن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال .. الخ وكما تدل عليه الرواية الآتية (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية تابعي عن تابعي، والظرف في قوله (حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا صفر ولا هامة) متعلق بقوله (فقال أعرابي) والفاء زائدة فلا يرد أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها هذا ما ظهر للفهم السقيم ولم أر أحدًا من الشراح بحث عن هذا الإعراب، والتقدير عن أبي هريرة أنه قال: قال أعرابي يا رسول الله .. الخ حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى ولا صفر ولا هامة .. الخ" ومعنى (لا عدوى) يعني أن المرض لا يتعدى من صاحبه إلى من يقاربه من الأصحاء فيمرض لذلك أي لا سراية لمرض من صاحبه إلى غيره من الأصحاء بمجاورة أو بمخالطة (ولا صفر) أي لا سراية لصفر وهو داء يأخذ في البطن يزعمون أن يعدي ويتجاوز وقيل هو دود في البطن تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها وكانت العرب تراها أنها أعدى من الجرب (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح المشهور عند الجمهور وقيل بتشديد الميم قالت

فَقَال أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ في الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِيءُ البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟ قَال: "فَمَن أَعْدَى الأَوَّلَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ جماعة أي لا تشاؤم بالبومة ولا حياة لهامة الموتى إذ كانوا يزعمون أن عظم الميتة يصير هامة ويحيا ويطير (فقال أعرابي) لم أر من ذكر اسمه أي قال رجل من سكان البوادي (يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء) بكسر المعجمة وبعدها موحدة فهمزة ممدودًا جمع ظبي حيوان معروف أي كأنها الظباء في النشاط والقوة والسلامة وصفاء بدنها، وجملة التشبيه حال من الضمير المستتر في خبر كان (فيجيء البعير الأجرب) أي صاحب الجرب (فيدخل فيها) أي في تلك الإبل (فيجربها كلها) بضم أوله أي يكون سببًا لوقوع الجرب بجميعها كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل على الأصحاء أمرضهم فنفى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأبطله فلما أورد الأعرابي الشبهة (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمن أعدى) وأجرب البعير (الأول) أي ممن سرى إليه الجرب فإن قالوا من بعير آخر لزم التسلسل وهو محال أو قال بسبب آخر فعليهم أن يبينوه وإن قالوا الفاعل في الأول هو الفاعل في الثاني ثبت المدعى وهو أن الذي فعل ذلك بالجميع هو الله سبحانه فالجواب في غاية الرشاقة والبلاغة اهـ من الإرشاد. وفي كتابنا مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى معرفة ابن ماجه قوله (لا عدوى) أي في الشرع أي لا مجاوزة للمرض ولا سراية من صاحبه إلى غيره بالمجاورة أو بالقرب منه (ولا صفر) في الشرع أي لا تشاؤم بدخول صفر، وفي سنن أبي داود عن محمَّد بن راشد أنهم كانوا يتشاءمون بدخول صفر أي لما يتوهمون أنه فيه تكثر الدواهي والفتن وقيل إن الصفر حية في البطن تهيج عند جوع صاحبها وربما قتلت صاحبها وكانت العرب ترى أنها أعدى من الجرب فنفى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "ولا صفر" كما مر آنفًا والمعنى عليه لا سراية لصفر من صاحبها إلى غيره كما تزعمه العرب (ولا هامة) في الشرع أي لا تشاؤم بنزول الهامة في القرى أو جنب الدار في الليل وصياحها لأنهم يزعمون أن ذلك يدل على موت صاحب القرية أو صاحب الدار، وقيل هي دابة تخرج من رأس القتيل ظلمًا أو تتولد من دمه فلا تزال تصيح في الليل جنب داره حتى يؤخذ بثأره كذا تزعمه العرب فكذبهم الشرع اهـ مناوي. وفي المرشد: الهامة بتخفيف الميم وجوز تشديدها هي دابة تظهر في الليل وتختفي في النهار من الطيور لها جناح كجناح

5646 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بن حَاتِمٍ وَحَسَنٌ الحُلوَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعدٍ)، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبدِ الرَّحْمنِ وَغَيرُهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيور ووجه كوجه الهرة، في الأرميا (أرنغو) اهـ منه. وقد نفى الإِسلام هذه العقائد الباطلة التي هي من عقائد الجاهلية فكذبهم الشرع اهـ مناوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 267]، والبخاري في الطب باب الطيرة [5754] وباب لا هامة [5770] وفي غيرهما، وأبو داود في الطب باب الطيرة [3911 إلى 3915]، وابن ماجه في المقدمة باب في القدر [75] وفي الطب باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة [3586]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5646 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (وحسن) بن علي (الحلواني) المكي (قالا حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وغيره) أي غير أبي سلمة كسنان بن أبي سنان الدؤلي كما في الرواية التالية (أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد (قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى) أي لا سراية لمرض عن صاحبه إلى غيره (ولا طيرة) أي لا تشاؤم بمرور الطير إلى جهة اليسار بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن وهو التشاؤم بالشيء والتقابح به وهو مصدر سماعي لتطير من باب تفعل الخماسي يقال تطير تطيرًا وطيرة وتخير خيرة ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما وأصله فيما قالوا أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرجوا لحاجة فإن رأوا الطير عن يمينهم أو الظباء تمر على يمينهم فرحوا به واستمروا في حاجتهم وإن طار عن يسارهم تشاءموا به ورجعوا وربما هيجوا الطير لتطير فيعتمدوا على ذلك فكان يصدهم ذلك عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر، قال البوصيري: والطيرة منشؤها عيافة الطير وزجرها فإن طارت تجاه اليمن تفاءلوا بالخير ومنه اشتقت كلمة التيامن وإن طارت باتجاه الشام كان فألًا رديئًا

وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ" فَقَال أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِمِثلِ حَدِيثِ يُونُسَ. 5647 - (00) (00) وحدّثني عَبدُ اللهِ بن عَبدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِميُّ. أَخبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيبٍ، عَنِ الزُّهرِيِّ. أَخْبَرَنِي سِنَانُ بن أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَليُّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَة قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه اشتقت كلمة التشاؤم وأصل التيامن أن أصل العرب من اليمن وكانت كل الهجرات باتجاه الشمال منه فما طار صوب الوطن الأصلي حصل معه الحب والحنين للموطن فكان فأل خير وما طار صوب مناطق الهجرة كان فيه إحساس الغربة فكان الفأل الرديء ثم نسي الناس أصل هذه الفكرة وبقيت العادة في عيافة الطير وزجره والتيامن والتشاؤم كل هذا منهي عنه لأن فيه الكهانة وادعاء معرفة الغيب وما سيكون ولا يعرف الغيب إلا الله وحده، وقد حرم الإِسلام العمل بهذه الأمور لأنها من أبواب السحر اهـ مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى حل وفك معاني ومباني ابن ماجه (ولا صفر) أي ولا تشاؤم بدخول صفر (ولا هامة) أي ولا تشاؤم بصياح الهامة والبومة في القرية ليلًا أو جنب الدار كما مر الكلام فيهما (فقال) رجل (أعرابي) أي من سكان البوادي (يا رسول الله) الحديث، وساق صالح (بمثل حديث يونس) بن يزيد السابق آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5647 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي صاحب المسند، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (عن شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبي بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (عن الزهري أخبرني سنان بن أبي سنان) يزيد بن أمية (الدؤلي) المدني، روى عن أبي هريرة في لا هامة، وجابر بن عبد الله في دلائل النبوة، ويروي عنه (خ م ت س) والزهري وزيد بن أسلم، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (105) خمس ومائة، وله (82) اثنتان وثمانون سنة (أن أبا هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي

"لَا عَدوَى" فَقَامَ أَعرَابِيٌّ، فَذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَصَالِحٍ. وعَن شُعَيبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال: حَدَّثَنِي السَّائِبُ بن يَزِيدَ ابنِ أُختِ نَمِرٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ". 5648 - (2186) (240) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرمَلَةُ، (وَتَقَارَبَا في اللَّفظِ)، قَالا: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ حَدَّثهُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ حمزة ليونس وصالح، ولكنها متابعة ناقصة لأن شيخ شيخ شعيب بن أبي حمزة سنان بن أبي سنان وشيخ شيخ يونس وصالح أبو سلمة ولو قال فيما سيأتي بمثل حديث أبي سلمة لكان أوضح وأوفق لقاعدته فكانت المتابعة تامة (لا عدوى) أي لا سراية لمرض عن صاحبه إلى غيره (فقام أعرابي. فذكر) شعيب بن أبي حمزة (بمثل حديث يونس وصالح) يعني قوله "ولا صفر ولا هامة .. إلخ" (و) أخبرنا أبو اليمان أيضًا بالسند السابق (عن شعيب) بن أبي حمزة (عن الزهري قال) الزهري (حدثني السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة بضم ففتح مع التخفيف الكندي المدني المعروف بـ (ابن أخت نمر) الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما حج به أبوه في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، مات سنة (91) إحدى وتسعين بالمدينة، وقيل (86) ست وثمانين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين تقدمت ترجمته في كتاب الصلاة مع البسط فيها، روى عنه في (8) أبواب (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا صفر ولا هامة) غرضه بسوق هذا التعليق الاستشهاد لحديث أبي هريرة رضي الله عنه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء المذكور قبيل الجزء الأخير من الترجمة أعني قوله ولا يورد ممرض على مصح بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5648 - (2186) (240) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة) بن يحيى (وتقاربا في اللفظ قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (حدثه) أي حدث لابن شهاب عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا عَدْوَى" ويحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يُورِدُ مُمرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ". قَال أَبُو سَلَمَةَ: كَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُحَدِّثُهُمَا كِلْتَيهِمَا عَن رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيرَةَ بَعدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ: "لَا عَدوَى" وَأَقَامَ عَلَى: "أَن لَا يُورِدُ مُمرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ويحدث) أبو سلمة أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يورد) بضم الياء وكسر الراء من أورد الرباعي أي لا يدخل (ممرض) بضم الميم الأولى وكسر الراء على صيغة اسم الفاعل ومفعول الإيراد محذوف تقديره إبله المراض (على مصح) بضم الميم وكسر الصاد وتشديد الحاء المهملة على صيغة اسم الفاعل والممرض صاحب الإبل المراض والمصح صاحب الإبل الصحاح، والمعنى لا يورد ولا يدخل صاحب الإبل المراض إبله على إبل صاحب الإبل الصحاح لأنه ربما أصابها المرض بفعل الله تعالى وقدره الذي أجرى به العادة لا بطبعها وتأثيرها فيحصل لصاحب الإبل الصحاح ضرر بمرضها وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاده العدوي بطبعها فيكفر والله أعلم اهـ نووي. وجملة الإيراد خبرية اللفظ إنشائية المعنى قصد بها النهي، وفي رواية للبخاري (لا يوردن) بزيادة نون التوكيد على صريح النهي والنهي هنا نهي إرشاد على سبيل الحذر والاحتياط ولا يستلزم الاعتقاد بالعدوى لأن العدوي هو الاعتقاد بكونه علة تامة في التأثير. (قال أبو سلمة) بالسند السابق (كان أبو هريرة يحدثهما) أي يحدث الحديثين يعني حديث لا عدوى وحديث لا يورد ممرض (كلتيهما) أي كلتا القصتين أنث لفظ التوكيد نظرًا لكون الحديثين بمعنى القصتين أو بمعنى الواقعتين وإلا فالصواب أن يقال كليهما بالتذكير لأن المؤكد مذكر أي كان أبو هريرة يحدث الحديثين كليهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صمت) أي سكت (أبو هريرة بعد ذلك) أي بعد أن كان يروي الحديثين (عن) رواية (قوله) صلى الله عليه وسلم (لا عدوى وأقام) أي استمر أبو هريرة (على) رواية حديث (أن لا يورد ممرض على مصح) وأن في قوله أن لا يورد مخففة من

قَال: فَقَال الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ - (وَهُوَ ابنُ عَمِّ أَبِي هُرَيرَةَ) -: قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُكَ، يَا أَبَا هُرَيرَةَ تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ. قَدْ سَكَتَّ عَنْهُ. كُنْتَ تَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا عَدوَى" فَأَبَى أَبُو هُرَيرَةَ أَن يَعْرِفَ ذَلِكَ. وَقَال: "لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ" فَمَا رآهُ الحَارِثُ في ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيرَةَ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ. فَقَال لِلْحَارِثِ: أَتَدْرِي مَاذَا قُلْتُ؟ قَال: لَا. قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قُلْتُ: أَبَيتُ. قَال أَبُو سَلَمَةَ: وَلَعَمْرِي، لَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقيلة (قال) أبو سلمة (فقال الحارث) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد (بن أبي ذباب) الدوسي المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (5) أبواب (وهو) أي الحارث (ابن عم أبي هريرة) أي قال الحارث لأبي هريرة (قد كنت) أنا (أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث) يعني حديث لا يورد ممرض على مصح (حديثًا آخر) يعني حديث لا عدوى، وجملة قوله (قد سكت عنه) أي عن ذلك الآخر صفة ثانية لحديثًا وذلك لأنك يا أبا هريرة (كنت تقول) لنا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى فأبى أبو هريرة) أي امتنع (أن يعرف ذلك) الحديث الآخر ويتذكره ويقره (وقال) أبو هريرة لهم إنما قلت لكم وحدثت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يورد ممرض على مصح) قال أبو سلمة (فما رآه الحارث) أي فما رأى (الحارث) بن أبي ذباب أبا هريرة مصيبًا (في ذلك) أي في إنكاره حديث لا عدوى فقال الحارث لأبي هريرة كلامًا شديدًا (حتى غضب أبو هريرة فرطن) أي تكلم (بالحبشية) أي باللغة العجمية أي كلمهم بكلام لا يعرفونه (فقال) أبو هريرة (للحارث) بن أبي ذباب (أتدري) وتعلم (ماذا قلت) لكم أي معنى ما قلته لكم (قال) الحارث لأبي هريرة (لا) نعرفه أي لا نعرف ما قلت ولا نفهمه (قال أبو هريرة قلت) لكم حين رطنت بالحبشة (أبيت) وامتنعت من معرفة ذلك الحديث وإقراره أي معنى ما رطنت به أبيت (قال أبو سلمة) الراوي عن أبي هريرة (ولعمري) أي ولحياتي قسمي (فإن قلت) كيف أقسم بحياته مع أن القسم بغير اسم الله وصفاته ما يجوز للنهي عنه في الحديث الصحيح (قلت) لم يقصد بذلك حقيقة القسم بل جرت على لسانه بغير قصد فهو من لغو اليمين، واللام في قوله (لقد) موطئة للقسم مؤكدة للأولى أي

كَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُحَدِّثُنَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا عَدوَى" فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أبُو هُرَيرَة، أوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَينِ الآخَرَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقسمت بحياتي لقد كان أبو هريرة يحدثنا) أولًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى فلا أدري) ولا أعلم (أنسي) أي هل نسي (أبو هريرة) الحديث الذي حدثناه يعني حديث لا عدوى (أو نسخ أحد القولين) أي أحد الحديثين يعني حديث لا يورد ممرض الحديث (الآخر) يعني حديث لا عدوى فلذلك أبي أبو هريرة عن تذكره، أما احتمال النسخ فإنما ذهب إليه أبو سلمة ظنًّا منه بأن الحديثين متعارضان فحديث لا عدوى ينفي تعديه الأمراض وحديث لا يورد ممرض .. الخ يثبته ولكن يجمع بينهما بأن المنفي في حديث لا عدوى كونه علة تامة مؤثرة والمثبت في حديث لا يورد ممرض كونه سببًا عاديًا من الأسباب فيحتمل أن يكون أبو هريرة نسي حديث لا عدوى، ويحتمل أيضًا أن يكون قد أمسك عن روايته لحكمة هو أعلم بها وعلى كونه قد نسي الحديث لا يقدح نسيانه في ثبوت الحديث لما تقرر في الأصول أن نسيان الراوي لا ينفي روايته إذا كان من روى عنه ثقة ولأن حديث لا عدوى مروي عن غير أبي هريرة أيضًا اهـ فتح الباري في باب لا هامة [10/ 242 و 243]. قال النووي: قال جمهور العلماء: الحديثان يعني حديث (لا عدوى) وحديث (لا يورد ممرض) هما صحيحان يجب الجمع بينهما قالوا وطريق الجمع بأن يقال إن حديث لا عدوى المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى وقدره وأما حديث لا يورد ممرض فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وكذا (فر من المجذوم فرارك من الأسد) فنفى في الحديث الأول العدوي بطبعها ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله وفعله وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله تعالى وإرادته وقدره فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب اهـ. قال القرطبي: في بحث هذا الحديث أعني حديث (لا يورد ممرض .. الخ) الورود هو الوصول إلى الماء يقال أورد إبله إذا أوصلها إليه فصاحب الإبل مورد والإبل موردة، و (ممرض) اسم فاعل من أمرض الرجل إذا أصاب ماشيته مرض قاله يعقوب، و (مصح) اسم فاعل من أصح إذا أصابت ماشيته عاهة ثم صحت قاله الجوهري، وقد جمع أبو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة رضي الله عنه في هذه الرواية بين قوله لا عدوى وبين قوله لا يورد ممرض على مصح وهو جمع صحيح لا بعد فيه إذ كلاهما خبر عن المشروعية لا خبر عن الوجود، فقوله (لا عدوى) أي لا يجوز اعتقادها، وقوله (لا يورد ممرض على مصح) أي لا يفعل ذلك فهما خبران يتضمنان النهي عن ذلك وإنما نهى عن إيراد الممرض على المصح مخافة الوقوع فيما وقع فيه أهل الجاهلية من اعتقاد ذلك أو مخافة تشويش النفوس وتأثير الأوهام وهذا كنحو أمره صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم فإنا وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي فإنا نجد من أنفسنا نفرة وكراهية لذلك حتى إذا أكره الإنسان نفسه على القرب منه وعلى مجالسته تألمت نفسه وربما تأذت بذلك ومرضت ويحتاج الإنسان في هذا إلى مجاهدة شديدة ومكابدة ثقيلة ومع ذلك فالطبع أغلب وإذا كان الأمر بهذا المثابة فالأولى بالإنسان أن لا يقرب شيئًا يحتاج الإنسان فيه إلى هذه المكابدة ولا يتعرض فيه إلى هذا الخطر والمتعرض لهذا الإثم زاعمًا أنه يجاهد نفسه حتى يزيل عنها تلك الكراهة هو بمنزلة من أدخل على نفسه مرضًا إرادة علاجه حتى يزيله ولا شك في نقص عقل من كان على هذا وإنما الذي يليق بالعقلاء ويناسب تصرف الفضلاء أن يباعد أسباب الآلام ويجانب طرق الأوهام ويجتهد في مجانبة ذلك بكل ممكن مع علمه بأنه لا ينجي حذر من قدر وبمجموع الأمرين وردت الشرائع وتوافقت على ذلك العقول والطبائع. وأما سكوت أبي هريرة عن قوله (لا عدوى) وإيراد حديث (لا يورد ممرض على مصح) بعد أن حدث بمجموعهما فلا يصح أن يكون من باب النسخ كما قدره أبو سلمة بن عبد الرحمن لأنهما لا تعارض بينهما إذ الجمع صحيح كما قدمناه بل الواجب أن يقال إنهما خبران شرعيان عن أمرين مختلفين لا متعارضين كخبر يتضمن حكمًا من أحكام الصلاة وآخر يتضمن حكمًا من أحكام الطهارة مثلًا، وقد بينا وجه تباين الخبرين وعلى هذا فسكوت أبي هريرة يحتمل أوجهًا أحدها النسيان المتقدم كما قال أبو سلمة، وثانيهما أنهما لما كانا خبرين متعارضين لا ملازمة بينهما جاز للمحدث أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة الحالية، وثالثهما أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين فسكت عن أحدهما حتى إذا أمن من ذلك حدث بهما جميعًا، ورابعها أن يكون حمل ذلك على وجه غير ما ذكرناه لم يطلع عليه أحدًا، وعلى

5649 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَحَسَنٌ الحُلوَانِيُّ وَعَبدُ بن حُمَيدٍ. قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ -يَعنُونَ ابنَ إِبرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا عَدْوَى" ويحَدِّثُ مَعَ ذَلِكَ: "لَا يُورِدُ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ" بِمِثلِ حَدِيثِ يُونُسَ. 5650 - (00) (00) حدّثناه عَبدُ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحمنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملة فكل ذلك محتمل غير أن الذي يقطع بنفيه النسخ على ما قررناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث يعني رواية الجمع بين الحديثين أحمد [2/ 434]، والبخاري [5771]، وأبو داود [3911]، وابن ماجه [3541]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5649 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (وحسن) بن علي (الحلواني) الخلال المكي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي البصري (قال عبد حدثني وقال الآخران حدثنا يعقوب يعنون ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري المدني (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد (يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى وبحدث مع ذلك) الحديث يعني مع حديث لا عدوى أي يحدث معه حديث (لا يورد الممرض) أي صاحب الإبل المراض أي لا يدخل إبله المراد (على المصح) أي على إبل صاحب الإبل الصحاح حذرًا من إضراره وسدًّا للذريعة، وساق صالح بن كيسان (بمثل حديث يونس) السابق. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث الأخير فقال: 5650 (00) - (00) (حدثناه عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران

الدَّارِميُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. حَدَّثَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهرِيِّ، بِهَذَا الإِسنَادِ، نَحْوَهُ. 5651 - (00) (00) حدَّثنا يَحيَى بن أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ وَلَا صَفَرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) (حدثنا شعيب) بن أبي حمزة دينار أبو بشر الأموي الحمصي، ثقة، من (7) (عن الزهري) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة ليونس بن يزيد، وساق شعيب (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو حديث يونس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة لحديث أول الباب فقال: 5651 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لأبي سلمة بن عبد الرحمن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى) في الشرع أي لا سراية لمرض من صاحبه إلى غيره (ولا هامة) في الشرع أي لا تطيُّر بصياح الهامة في القرية أو جنب الدار، وقد تقدم بسط الكلام عليهما في الحديث الأول (ولا نوء) في الشرع أي لا نسبة المطر إلى نوء من أنواء المنازل أي إلى وقت من أوقات المنازل الثمانية والعشرين التي تقدم لنا ذكرها في كتاب الإيمان, قال النووي: معناه لا تقولوا مطرنا بنوء كذا ولا تعتقدوه اهـ أي لا تنسبوا المطر إلى نوء من الأنواء لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعًا وتأثيرًا في ذلك فكفره كفر تشريك، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة والعادة فليس ذلك بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة (ولا صفر) في الشرع أي لا تطيُّر ولا تشاؤم بدخول صفر أو لا سراية لدود البطن وحياته من صاحبها إلى غيره، وقد تقدم الكلام عليها في أول الباب.

5652 - (2187) (241) حدَّثنا أَحمَدُ بن يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحيَى، أَخبَرَنَا أبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا عَدوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا غُولَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5652 - (2187) (241) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من رباعياته (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى) أي لا سراية لمرض من صاحبه إلى غيره (ولا طيرة) أي لا تشاؤم بمرور الطير (ولا غول) في الشرع والغول بالفتح مصدر غال يغول غولًا من باب قال يقال غاله غولًا إذا أخذه وأهلكه من حيث لا يحتسب ويقال غالته الخمر غولًا إذا شربها فذهبت بعقله أو بصحة بدنه ومنه قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} وبالضم الداهية أي الهلكة وحيوان لا وجود له أو مردة الجن تسكن في الصحاري يجمع على أغوال وغيلان اهـ منجد، كانت العرب تتحدث أن الغيلان تتراءى للناس في الفلوات فتتغول لهم تغولًا أي تتلون لهم تلونًا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، قال الجوهري: الغول بالضم من السعالي (وهي سكان الصحاري من الجن) في الأرميا غفلا، والجمع أغوال وغيلان وكل ما اغتال الإنسان وأهلكه فهو غول يقال غالته غول إذا وقع في مهلكة، ومقصود هذا الحديث إبطال ما كانت العرب تقوله وتعتقده في هذه وأن لا يلتفت إلى شيء من ذلك لا بالقلب ولا باللسان والله أعلم اهـ من المفهم. والمعنى لا وجود لغول ولا لتلونها وإضلالها الناس عن الطريق ولا لاختطافها وإهلاكها لهم بل ذلك كله أمر تزعمه جاهلية العرب لا حقيقة له في الخارج فلا يجوز اعتقاده ولا تكلمه باللسان. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم ولكنه شاركه أحمد [3/ 382].

5653 - (00) (00) وحدّثني عَبدُ اللهِ بن هَاشِم بنِ حَيَّانَ. حَدَّثَنا بَهزٌ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (وَهُوَ التُّسترِيُّ)، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَن جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا عَدوَى وَلَا غُولَ وَلَا صَفَرَ". 5654 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بن حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا رَوحُ بن عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبدِ اللهِ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5653 - (00) (00) (وحدّثني عبد الله بن هاشم بن حيان) بتحتانية العبدي النيسابوري، ثقة، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا يزيد) بن إبراهيم التميمي أبو سعيد البصري (وهو التستري) بضم المثناة الأولى وسكون المهملة وفتح المثناة الثانية ثم راء، ثقة، من (7) (حدثنا أبو الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يزيد التستري لزهير بن معاوية (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا غول ولا صفر) قال ذهني: والغول بالفتح مصدر ومعناه البعد والهلاك وبالضم الاسم وهو من السعالي بفتح المهملتين وهم سحرة الجن وجمعه غيلان وأغوال كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلاة وهي من جنس الشياطين تتغول أي تتلون للناس فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فأبطله الشرع، وقيل إنما أبطل تلونه لا وجوده اهـ مناوي. قال النووي: في حديث آخر "لا غول ولكن السعالي" قال العلماء: السعالي هم سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، وفي الحديث الآخر "إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان" أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى وهذا دليل على أنه ليس المراد نفي أصل وجودها اهـ وللعلماء في تفسير صفر والهامة والطيرة والنوء والغول أقوال كثيرة كما ذكرنا بعضها في مظانها فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع الشرح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 5654 - (00) (00) (وحدّثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابًا (حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لَا عَدوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا غُولَ". وَسَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيرِ يَذكُرُ؛ أَنَّ جَابِرًا فَسَّرَ لَهُم قَوْلَهُ: "وَلَا صَفَرَ" فقال أبو الزُّبَيرِ: الصَّفَرُ البَطْنُ. فَقِيل لِجَابِرٍ: كَيفَ؟ قَال: كَانَ يُقَالُ دَوَابُّ البَطْنِ. قَال: وَلَم يُفَسِّرِ الْغُولَ. قَال أَبُو الزُّبَيرِ: هَذِهِ الغُولُ الَّتِي تَغَوَّلُ. 5655 - (2188) (242) وحدثنا عَبدُ بن حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهريِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ عُتبَةَ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لَا طِيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لزهير بن معاوية ويزيد التستري (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى ولا صفر ولا غول) قال ابن جريج (وسمعت أبا الزبير يدكر أن جابرًا فسر لهم قوله) صلى الله عليه وسلم (ولا صفر فقال أبو الزبير) فقال لنا جابر في تفسيره (الصفر البطن) أي دوده، قال أبو الزبير (فقيل لجابر كيف) يكون الصفر بمعنى البطن (قال) جابر (كان) الشأن (يقال) الصفر (دواب البطن) وحياته ودوده (قال) أبو الزبير (ولم يفسر) لنا جابر (الغول) قال ابن جريج ولكن (قال أبو الزبير هذه الغول) التي ذكرت في هذا الحديث هي السعالي (التي) تـ (تغول) وتتلون للناس فتضلهم عن الطريق فتهلكهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الفأل بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5655 - (2188) (242) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني الأعمى، ثقة، من (3) (أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا طيرة) في الشرع أي لا تشاؤم بمرور الطير ولكن المراد بالطيرة هنا الفأل القبيح لأنها في مقابلة الفأل الصحيح وهي أن تسمع في حال طلب حاجتك من يقول يا محروم يا مصعب يا متعب يا عاص يا عيص أو ترى من يفعل فعلًا سيئًا وأمرًا قبيحًا كان ترى من يسرق أموال الناس أو يغصبها أو من يقتل

وَخَيرُهَا الفَألُ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْفَأْلُ؟ قَال: "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس ظلمًا أو يضربهم فلا تتطير بذلك وامض في حوائجك (وخيرها) أي خير الطيرة (الفأل) الصالح وهو أن تسمع في حال طلب الضالة مثلًا من يقول يا واجد يا غانم أو في طلب حاجتك يا ياسر يا فائز يا سهل يا سهيل أو ترى من يفعل الخيرات كتوزيع الأموال والتصديق بها وقسم الغنائم أو الفيء أو التركة، والمعنى (وخيرها) أي وخير أنواع الطيرة بالمعنى اللغوي الأعم من المأخذ الأصلي (الفأل) أي الفأل الحسن بالكلمة الطيبة لا المأخوذ من الطيرة، ولعل الشارح أراد دفع هذا الإشكال فقال أي الفأل خير من الطيرة اهـ، والمعنى أن الفأل محض خير كما أن الطيرة محض شر فالتركيب من قبيل قولهم (العسل أحلى من الخل، والشتاء أبرد من الصيف) اهـ مرقاة، وفي السنوسي: الضمير في وخيرها راجع إلى الطيرة ومعلوم أنه لا خير فيها فما تقتضيه المفاضلة من الشركة في الخير هو بالنسبة إلى زعمهم أو يكون من باب قولهم العسل أحلى من الخل اهـ، قال النووي: وأما الفأل فمهموز ويجوز ترك همزه وجمعه فؤول كفلس وفلوس وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الطيبة والصالحة والحسنة، قال العلماء: يكون الفأل فيما يسر وفيما يسوء والغالب في السرور والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء قالوا وقد يستعمل مجازًا في السرور ... الخ، وفي القاموس: الفأل ضد الطيرة كان يسمع مريض يا سالم أو يا طالب أو يا واجد، ويستعمل في الخير والشر والطيرة ما يتشاءم به من الفعل الرديء اهـ مرقاة (قيل) لم أر من ذكر اسم هذا القائل (يا رسول الله وما الفأل؟ قال) الفأل هو (الكلمة الصالحة) أي لأن يؤخذ منها الفأل الحسن الطيبة الحسنة (يسمعها أحدكم) أي على قصد التفاؤل بها كطالب ضالة يسمع يا واجد وكتاجر يا رزاق وأمثالها اهـ من ذهني، قال القرطبي: قوله (لا طيرة وخيرها الفأل) حاصل الطيرة أن يسمع الإنسان قولًا أو يرى أمرًا يخاف منه أن لا يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله والفأل نقيض ذلك وهو أن يسمع الإنسان قولًا حسنًا أو يرى شيئًا يستحسنه يرجو منه أن يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله وهذا معنى ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم الفأل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الطيرة ويعجبه الفأل، وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لحاجة يعجبه أن يسمع يا راشد يا نجيح وهو حديث حسن صحيح غريب، وروى أبو داود عن بريدة أن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلامًا سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به ورُئي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رُئي كراهية ذلك في وجهه وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإذا أعجبه اسمها فرح بها ورُئي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمها رُئي كراهية ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود [3920] وروى قاسم بن أصبغ عن بريدة بن حصيب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير ولكن يتفاءل فركب بريدة في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني سهم يتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنت"؟ فقال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: برد أمرنا وصلح، ثم قال: "ممن"؟ قال: من أسلم، قال لأبي بكر: "سلمنا" ثم قال: "ممن" قال: من بني سهم، قال: "خرج سهمنا" وذكر الحديث رواه ابن عبد البر في الاستيعاب [1/ 174] بهامش الإصابة وذكره ابن الأثير في أسد الغابة [1/ 396]. وإنما كان يعجبه الفأل لأنه تنشرح له النفس وتتبشر بقضاء الحاجة وبلوغ الأمل فيحسن الظن بالله عَزَّ وَجَلَّ، وقد قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي" وإنما كان يكره الطيرة لأنها من أعمال أهل الشرك ولأنها تجلب ظن السوء بالله تعالى كما روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطيرة شرك -ثلاثًا- وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" رواه أبو داود [3910] أي من اعتقد في الطيرة ما كانت الجاهلية تعتقده فيها فقد أشرك مع الله تعالى خالقًا آخر ومن لم يعتقد ذلك فقد تشبه بأهل الشرك ولذلك قال: "وما منا" أي ليس على سنتنا، وقوله "إلا" هي إلا الاستثنائية ومعنى ذلك أن المتطير ليس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يمضي لوجهه ويعرض عنها غير أنه قد لا يقدر على الانفكاك عنها بحيث لا تخطر له مرة واحدة فإن إزالة تأثيرها من النفوس لا تدخل تحت استطاعتنا ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن الحكم لما قال له ومنا رجال يتطيرون فقال: "ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم" وفي بعض النسخ "فلا يضرهم" لكنه إذا صح تفويضه إلى الله تعالى وتوكله عليه وداوم على ذلك أذهب الله تعالى عنه ذلك ولذلك قال: "ولكن الله يذهبه بالتوكل" رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وقد روى أبو أحمد بن عدي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تطيرتم فأمضوا وعلى الله

5656 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِميُّ. أَخْبَرَنَا أبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، كِلاهُمَا عَنِ الزُّهرِيِّ، بِهَذَا الإِسنَادِ، مِثلَهُ. وَفِي حَدِيثِ عُقَيلٍ: عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَلَم يَقُل: سَمِعْتُ. وَفِي حَدِيثِ شُعَيبٍ: قَال: سَمِعتُ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. كَمَا قَال مَعْمَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ فتوكلوا" رواه ابن عدي في الكامل ولكن في إسناده لين انظر الفتح [12/ 323] اهـ من هامش المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 266]، والبخاري في الطب [5755]، وابن ماجه في الطب [3586]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5656 - (00) (00) (وحدّثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شعيب بن الليث بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري، ثقة حجة، من (7) روى عنه في (15) بابا (حدثني عقيل) بالتصغير (بن خالد) بن عقيل بالتكبير الأموي المصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) نسبًا السمرقندي بلدًا، ثقة متقن، من (11) (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من عقيل وشعيب رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذان السندان الأول منهما من سباعياته والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عقيل وشعيب لمعمر بن راشد وساقا (مثله) أي مثل حديث معمر لفظًا ومعنى (و) لكن (في حديث عقيل) وروايته لفظة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالعنعنة (ولم يقل) عقيل لفظة (سمعت وفي حديث شعيب) وروايته لفظة (قال) أبو هريرة (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم كما قال معمر) كذلك.

5657 - (2189) (243) حدَّثنا هَدَّابُ بن خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامُ بن يَحيَى. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَن أَنسٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا عَدوَى وَلَا طِيَرَةَ، ويُعجِبُنِي الفَألُ: الْكَلِمَةُ الحَسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ". 5658 - (00) (00) وحدثناه مُحَمدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بِشَّارٍ. قَالا: أخبَرَنَا مُحَمدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَن أنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 5657 - (2189) (243) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة ويقال له هدبة بن خالد القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (حدثنا همام بن يحيى) بن دينار الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى) أي لا سراية لمرض عن صاحبه إلى غيره (ولا طيرة) أي ولا تشاؤم بالكلمة القبيحة والفعلة السيئة حتى تمنعه وتصده عن المضي في حاجته (ويعجبني) أي ينشطني ويهيجني على المضي في حاجتي (الفأل) أي اللفظ الحسن والفعل الطيب قيل له صلى الله عليه وسلم ما الفأل يا رسول الله قال: هو (الكلمة الحسنة) تسمعها عند بداية حاجتك كيا راشد ويا فائز ويا ناجح، وقوله (الكلمة الطيبة) عطف بيان لما قبله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب التفاؤل [5756] وباب لا عدوى [5776]، وأبو داود في الطب في باب الطيرة [3916]، والترمذي في السير باب ما جاء في الطيرة [1615]، وابن ماجه في الطب باب من كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة [3582]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5658 - (00) (00) (وحدثناه محمَّد بن المثنى وابن بشار قالا أخبرنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي صلى

الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "لَا عدوَى وَلَا طِيَرَةَ. وَيُعْجِبُنِي الْفَألُ" قَال: قِيلَ: وَمَا الْفَألُ؟ قَال: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ". 5659 - (2190) (244) وحدّثني حَجَّاجُ بن الشَّاعِرِ. حَدَّثَنِي مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُختَارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا عَدوَى وَلَا طِيَرَةَ وَأُحِبُّ الْفَألَ الصَّالِحَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لهمام بن يحيى (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا عدوى ولا طيرة ويعجبني) أي يحبني (الفأل) الحسن (قال قيل) له صلى الله عليه وسلم ولم أر من ذكر اسم القائل (وما) معنى (الفأل) يا رسول الله (قال) النبي صلى الله عليه وسلم هو الفأل (الكلمة الطيبة) واللفظ الحسن معنى كيا راشد ويا ناجح. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5659 - (2190) (244) (وحدّثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثني معلي بن أسد) العمي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد العزيز بن مختار) الأنصاري مولاهم مولى حفصة بنت سيرين الدباغ البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يحيى بن عتيق) الطفاوي بضم الطاء وتخفيف الفاء البصري، روى عن محمَّد بن سيرين في الطب ومجاهد والحسن، ويروي عنه (م د س) وعبد العزيز بن المختار وهمام بن يحيى وإسماعيل ابن علية، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي ومحمد بن سعد وقال: له أحاديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان ورعًا متقنًا، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات قبل أيوب وكان أصغر من أيوب (حدثنا محمَّد بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح) أي الطيب، قال العلماء: إنما أحب الفأل لأن الإنسان إذا أمل

5660 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا طِيَرَةَ. وأُحِبُّ الْفَألَ الصَّالح". 5661 - (2191) (245) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ، ابْنَي عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ كرم الله تعالى وفضله عند سبب قوي أو ضعيف فهو على الخير في الحال وإن غلط في جهة الرَّجاء فالرجاء له خير وأما إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى فإن ذلك شر له والطيرة فيهما سوء الظن وتوقع البلاء اهـ نووي. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 5660 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن محمَّد بن سيرين) الأنصاري البصري، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام ليحيى بن عتيق (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا هامة ولا طيرة وأحب الفأل الصالح) تقدم بسط الكلام في معناه ولفظه فراجعه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5661 - (2191) (245) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي البصري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا مالك بن أنس) الإِمام المشهور (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر) بن الخطاب (عن) والدهما (عبد الله بن عمر) بن الخطاب. وهذان

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "الشُّؤْمُ في الدَّارِ وَالمَرْأَةِ وَالفَرَسِ". 5662 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بن يَحيَى. قَالا: أَخبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ، ابْنَي عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ. وإِنَّمَا الشُّؤْمُ في ثَلاثةٍ: الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم) وهو ضد اليمن لو كان في شيء على عادة الجاهلية لكان في ثلاثة (في الدار) بأن تكون ضيقة سيئة الجيران (و) في (المرأة) بأن لا تلد وبأن تكون لسناء (و) في (الفرس) بأن لا يغزى عليه أو يكون حراثًا، قال القرطبي: يعني أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه ويسكن له خاطره ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه أو مع امرأة يكرهها بل قد فسح له في ترك ذلك كله لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعال لما يريد وليس لشيء من هذه الثلاثة أثر في الوجود وهذا على نحو ما ذكرناه في المجذوم (فإن قيل) فهذا يجري في كل متطير به فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر؟ فالجواب ما نبهنا عليه من أن هذه الثلاثة ضرورية في الوجود ولا بد للإنسان منها ومن ملازمتها غالبًا فأكثر ما يقع التشاؤم بها فخصها بالذكر لذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5753] و [5772]، وأبو داود [2922]، والترمذي [2825]، والنسائي [6/ 220]، وابن ماجه [86]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5662 - (00) (00) (وحدثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لمالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة) أي لا تشاؤم في شيء (وإنما الشؤم) لو كان وأمكن على عادة الجاهلية لكان (في ثلاثة المرأة والفرس والدار) ولكن

5663 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ، ابْنَي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ح وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ح وحدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكون الشؤم في شيء لأن الأمر كله بقضاء الله وقدره ولا تأثير لشيء ما، قال النووي: حمل بعض العلماء كمالك بن أنس وأمثاله هذه الأحاديث على ظاهرها وقالوا: قد يحصل الضرر من هذه الثلاثة بقضاء الله تعالى وقدره وقال الآخرون منهم إن شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم وبعدها إلى المسجد وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها لأنها آلة الجهاد وقال بعضهم شؤمها حرانها وغلاء ثمنها وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه وقيل المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5663 - (00) (00) (وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن سالم وحمزة ابني عبد الله) بن عمر (عن أبيهما) ووالدهما عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمالك ويونس. (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وعمرو) بن محمَّد بن بكير بن سابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب عن سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مشايخ المؤلف من يحيى بن يحيى ومن بعده لابن أبي عمر وإنما فصلهم عنه بسند مستقل لأن هؤلاء لم يرووا عن حمزة بل عن سالم فقط وهؤلاء رووا أيضًا عن سفيان بالعنعنة، وابن أبي عمر روى عنه بصيغة السماع أعني قوله حدثنا سفيان تأمل فهذا من دقائق الإِمام مسلم رحمه الله تعالى (ح وحدثنا عمرو) بن محمَّد (الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ وَحَمزَةَ، ابْنَي عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ح وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيب بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا بِشرُ بن المُفَضلِ، عَن عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ إِسْحَاقَ. ح وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِميُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، كُلْهُمْ عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. في الشُّؤْمِ، بِمْثلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. لَا يَذكُرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عوف (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان لمالك ويونس (ح وحدّثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل الأموي البصري (ح وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد الله بن الحارث بن كنانة القرشي العامري المدني، ويقال له عباد بن إسحاق، روى عن الزهري في الطب والمقبري وأبيه، ويروي عنه (م عم) وبشر بن المفضل ويزيد بن زريع وإبراهيم بن طهمان وابن علية، وثقه ابن معين، قال ابن عدي: أكثر أحاديثه صحاح وله ما ينكر، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، رمي بالقدر (ح وحدّثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي (كلهم) أي كل من عقيل وعبد الرحمن بن إسحاق وشعيب بن أبي حمزة رووا (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة عقيل وعبد الرحمن وشعيب لمالك بن أنس (عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشؤم) وساقوا (بمثل حديث مالك) بن أنس (لا يذكر أحد منهم) أي ممن تابع مالكًا من هؤلاء الثلاثة ومن

في حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: الْعَدْوَى وَالطِّيَرَةَ، غَيرُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ. 5664 - (2192) (246) وحدّثنا أَحْمَدُ بن عَبدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمدِ بْنِ زَيدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ قَال: "إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيءٌ حَقٌّ، فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرأَةِ وَالدَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قبلهم أي لا يذكروا (في حديث ابن عمر العدوي والطيرة غير يونس بن يزيد) الأيلي فإنه ذكرهما في روايته كما مر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر الأول بحديث آخر له رضي الله عنهما فقال: 5664 - (2192) (246) (وحدثنا أحمد بن عبد الله بن الحكم) بن أبي فروة الهاشمي البصري المعروف بابن الكردي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (حدثنا شعبة عن عمر بن محمَّد بن زيد) ابن عبد الله بن عمر (أنه سمع أباه) محمَّد بن زيد (يحدث عن) جده عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن زيد لسالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر (أنه قال إن يكن من الشوم شيء حق) أي ثابت على ما تزعمه الجاهلية (فـ) يكون (في الفرس والمرأة والدار) يعني لو كان الشؤم شيئًا ثابتًا لكان في هذه الثلاثة لكنه لم يكن ثابتًا فعلى هذا توافق هذه الأحاديث للأحاديث المتقدمة النافية للتطير والتشاؤم فلا يرد اعتراض بعض الملاحدة والله أعلم اهـ نووي، وفي النهاية: أي إن كان ما يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاثة وتخصيصه لها لأنه لما أبطل مذهب العرب في التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحوهما، قال: فإن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره ارتباطها فليفارقها بأن ينقل من الدار ويطلق المرأة ويبيع الفرس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5094]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله عنهما فقال:

5665 - (00) (00) وحدّثني هَارُونُ بن عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا رَوحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَمْ يَقُلْ: حَقٌّ. 5666 - (00) (00) وحدّثني أَبُو بَكْرِ بن إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ في شَيءٍ، فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5665 - (00) (00) (وحدّثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا شعبة) غرضه بيان متابعة روح بن عبادة لمحمد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن عمر بن محمَّد عن أبيه عن ابن عمر، وساق روح بن عبادة (مثله) أي مثل ما روى محمَّد بن جعفر (ولم يقل) روح أي لم يذكر روح لفظة (حق) كما ذكره ابن جعفر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر هذا رضي الله عنهما فقال: 5666 - (00) (00) (وحدّثني أبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) (حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمَّد (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم أبو محمَّد المصري، ثقة، من (10) (أخبرنا سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني عتبة بن مسلم) أبي عتبة التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (6) (عن حمزة بن عبد الله بن عمر) العدوي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حمزة بن عبد الله لمحمد بن زيد بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان الشؤم في شيء فـ) ـهو (في الفرس والمسكن والمرأة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر الأول ثانيًا بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال:

5667 - (2192) (246) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بن مَسلَمَةَ بْنِ قَعنَبٍ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَن سَهلِ بنِ سَعْدٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إنْ كَانَ، فَفِي الْمَرْأَةِ وَالفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ" يَعْنِي الشُّؤْمَ. 5668 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ دُكَينٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بن سَعْدٍ، عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهلِ بنِ سَعدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5667 - (2192) (246) (وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا مالك) بن أنس الإِمام (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني التمار، ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) سهل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان) الشؤم حقًّا ثابتًا (فـ) هو يكون (في المرأة والفرس والمسكن يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إن كان (الشؤم) وهذا تفسير من الراوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب ما يذكر من شؤم الفرس [2859] وفي النكاح باب شؤم المرأة [5095]، وابن ماجه في النكاح باب ما يكون فيه اليمن والشؤم [2003]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 5668 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبو شيبة حدثنا الفضل بن دكين) التَّيمي مولاهم أبو نعيم الملائي الكوفي مشهور بكنيته، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا هشام بن سعد) القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم أبو عباد المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، من (5) (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام بن سعد لمالك بن أنس (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق هشام (بمثله) أي بمثل حديث مالك.

5669 - (2193) (248) وحدّثناه إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يُخْبِرُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "إِنْ كانَ في شَيءٍ، فَفِي الرَّبْعِ وَالْخَادِمِ وَالْفَرَسِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر الأول بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 5669 - (2193) (248) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا عبد الله بن الحارث) بن عبد الملك المخزومي أبو محمَّد المكي، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا) ابن عبد الله رضي الله عنهما (يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن كان) الشؤم (في شيء فـ) هو (في الربع) أي المنزل (والخادم والفرس). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [6/ 220]. قوله صلى الله عليه وسلم (في شيء ففي الربع) .. إلخ مقتضى هذا المساق أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن محققًا لأمر الشؤم في هذه الثلاثة في الوقت الذي نطق بهذا الحديث لكنه تحققه بعد ذلك حين قال: "إنما الشؤم في ثلاثة" وقد بينا مراده بالشؤم في هذه الثلاثة فيما تقدم آنفًا والحمد لله. والمراد بالربع الدار كما قال في الرواية السابقة وقد يصح حمله على أعم من ذلك فيدخل فيه الدكان والفندق وغيرهما مما يصلح الربع له، والمرأة تتناول الزوجة تناولًا أوليًّا والمملوكة، والخادم يتناول الذكر والأنثى لأنه اسم جنس اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث عشرة: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة يعني قوله "لا يورد ممرض .. إلخ" وذكر فيه ثلاث متابعات ولكن المتابعة الثالثة للحديث الأول من حديثي أبي هريرة، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد لحديث أبي هريرة الأول وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أنس ذكره للاستشهاد لحديث أبي هريرة الثالث وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد لحديثه الأول وذكر فيه متابعتين، والتاسع حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الأول والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

681 - (25) باب النهي عن الكهانة وإتيان أهلها وما جاء في الخط ورمي النجوم للشياطين عند استراق السمع واجتناب المجذوم ونحوه وقتل الحيات ونحوها

681 - (25) باب النهي عن الكهانة وإتيان أهلها وما جاء في الخط ورمي النجوم للشياطين عند استراق السمع واجتناب المجذوم ونحوه وقتل الحيات ونحوها 5670 - (2194) (249) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مُعَاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا في الْجَاهِلِيَّةِ. كُنَّا نَأتِي الْكُهَّانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 681 - (25) باب النهي عن الكهانة وإتيان أهلها وما جاء في الخط ورمي النجوم للشياطين عند استراق السمع واجتناب المجذوم ونحوه وقتل الحيات ونحوها واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة بحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه فقال: 5670 - (2194) (249) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (عن معاوية بن الحكم السلمي) المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) معاوية بن الحكم (قلت يا رسول الله) أسألك (أمورًا) كثيرة (كنا نصنعها في الجاهلية) ونتدين بها هل نستمر عليها أم نتجنبها منها؟ أنا كنا في الجاهلية (نأتي الكهان) ونستخبرهم عن المغيبات ونصدقهم فيما أخبروا لنا فهل يجوز لنا ذلك أم لا؟ والكهان جمع كاهن ككتاب جمع كاتب من الكهانة بفتح الكاف وكسرها مصدر كهن الثلاثي من باب ذهب، والكاهن هو الذي يتعاطى الإخبار عما في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح ونحوهما كالموبذان فمنهم من كان يزعم أن له وليًّا من الجن يلقي إليه الأخبار ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل له على موافقتها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما

قَال: "فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ" قَال: قُلْتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ. قَال: "ذَاكَ شَيءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ في نَفْسِهِ، فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ". 5671 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنِي حُجَينٌ، (يَعْنِي ابنَ الْمُثَنَّى)، حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبراهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ كالناشزة، وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه اهـ من القسطلاني، فـ (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تأتوا الكهان) ولا تستخبروهم ولا تصدقوهم فيما أخبروكم (قال) معاوية بن الحكم (قلت) يا رسول الله ومنها أنا (كنا نتطير) ونتشاءم بمرور الطير قدامنا إذا سافرنا لحوائجنا ونرجع من سفرنا ونترك قضاء حوائجنا كراهية بمرورها قدامنا فـ (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك) التطير وتلك الكراهية (شيء يجده أحدكم في نفسه) وقلبه في العادة بل هو خيال لا يوجد في الخارج (فلا يصدنكم) أي لا يمنعنكم ذلك التطير عن قضاء حاجتكم ولا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل ذلك المرور الذي تطيرتم به، ومعنى فلا يصدنكم أن الطيرة أمر خيالي يقع في قلوبكم ولا أصل له في نفس الأمر فلا يصدنكم التطير عما أردتم فعله اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 443 و 5/ 447 و 449]، وأبو داود في الصلاة باب تشميت العاطس في الصلاة [390] وفي الطب باب في الخط وزجر الطير [3909]، والنسائي في السهو باب الكلام في الصلاة [8/ 12]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5671 - (00) (00) (وحدّثني محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثني حجين يعني ابن المثنى) اليمامي أبو عمرو البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد المصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (ح وحدثنا

أَبُو بَكرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا ابنُ أبِي ذِئْبٍ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بن عِيسى. أخْبَرَنَا مَالِكٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنادِ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ. غَيرَ أن مَالِكًا في حَدِيثِهِ ذَكَرَ الطِّيَرَةَ، وَلَيسَ فِيهِ ذِكْرُ الْكُهَّانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار) المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب، وليس في مسلم من اسمه شبابة إلا هذا الثقة (حدثنا) محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (ابن أبي ذئب) هشام بن شعبة القرشي العامري أبو الحارث المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدّثني محمَّد بن رافع أخبرنا إسحاق بن عيسى) بن نجيح البغدادي، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (كلهم) أي كل من عقيل ومعمر وابن أبي ذئب ومالك بن أنس رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن معاوية بن الحكم، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليونس بن يزيد، وفائدتها تقوية السند الأول وبيان كثرة طرقه وساقوا (مثل معنى حديث يونس) بن يزيد (غير أن مالكًا) أي لكن أن مالك بن أنس (في حديثه ذكر) أي في روايته (الطيرة وليس فيه) أي في حديث مالك (ذكر الكهان). قال القاضي أبو الفضل: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم. الثاني أن يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوها ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام. والثالث المنجمون وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب ومن هذا الفن العرافة وصاحبها العراف وهو الذي يستدل على الأمور بأسبابها ومقدمات يدعي معرفتها بها اهـ كلام القاضي. قال القرطبي: وإذا كان كذلك فسؤالهم عن غيب ليخبروا عنه حرام وما يأخذون على ذلك حرام ولا خلاف فيه لأنه حلوان الكاهن المنهي عنه والله أعلم اهـ من المفهم.

5672 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابنُ عُلَيَّةَ)، عَن حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا الأَوزَاعيُّ. كِلاهُمَا عَن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بنِ أَبِي مَيمُونَةَ، عَن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَن مُعَاويةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمَعنَى حَدِيثِ الزُّهرِيِّ، عَن أَبِي سَلَمَةَ، عَن مُعَاويةَ. وَزَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه فقال: 5672 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي صاحب السنن, ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (وهو ابن علية) اسم أمه وهي مولاة لبني أسد بن خزيمة، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (عن حجاج) بن أبي عثمان ميسرة أو سالم (الصواف) الخياط أبي الصلت الكندي مولاهم البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (كلاهما) أي كل من الحجاج والأوزاعي رويا (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي مولاهم اليمامي ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (عن هلال) بن علي بن أسامة (بن أبي ميمونة) القرشي العامري مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن معاوية بن الحكم السلمي) رضي الله عنه. وهذان السندان من سباعياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير للزهري ولكنها متابعة ناقصة لأن يحيى روى عن معاوية بواسطة هلال وعطاء، والزهري روى بواسطة أبي سلمة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق يحيى بن أبي كثير (بمعنى حديث الزهري عن أبي سلمة عن معاوية) بن الحكم لا بلفظه (وزاد) الراوي عن يحيى بن أبي كثير ولو قال (وزادا) بألف التثنية كما في بعض النسخ لكان أوضح وأسلم من التجوز لأن الذي روى عن يحيى اثنان حجاج

في حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَال: قُلتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَال: "كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصواف والأوزاعي أي وزاد الراوي (في حديث يحيى بن أبي كثير) وروايته لفظة (قال) معاوية بن الحكم (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ومنا) معاشر الجاهلية (رجال يخطون) أي يسطرون في الرمل بخطوط مخصوصة الأعداد ثم يمسحونها أشفاعًا أو أوتارًا ويستدلون بما بقي بعد المسح شفعًا كان أو وترًا على النجاح في حوائجهم أو على ضده فهل ذلك الخط عمله حلال أو حرام فـ (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (كان نبي من الأنبياء) عليهم السلام (يخط) أي يستدل بخط يخطه في الرمل على النجاح في حاجته أم لا؟ قيل ذلك النبي دانيال وقيل إدريس (فمن وافق خطه) منكم خط ذلك النبي (فذاك) الموافق خطه خط ذلك النبي عمله صحيح حلال ومن لم يوافق فلا فالموافقة وعدمها غير معلوم لنا فهو حرام لأنه نوع من أنواع الكهانة. قوله (فذاك) أي فذاك هو الذي يصيب وهو خبر عن الوقوع وعن وجه الإصابة فيه أحيانًا لا خبر عن الجواز كما أخبر أن علم النجوم كان آية لبعض الأنبياء ثم منع الشرع النظر فيه ودخل تحت هذا النهي عن الكهانة قيل فيه رخصة للنظر في الخط، وقد تقدم أول الكتاب الكلام على ذلك اهـ من الأبي. قوله (كان نبي) .. إلخ قيل دانيال وقيل إدريس عليهما السلام (يخط) بأمر إلهي أو علم لدني (فمن وافق خطه) بالنصب على أنه مفعول، وفي نسخة بالرفع على الفاعلية فالمفعول مقدر اهـ مرقاة، أقول وعلى الأول فالفاعل مقدر أي فمن وافق خطه خطه أي خط ذلك النبي - عليه السلام -. قوله (فمن وافق خطه فذاك) أي فهو مصيب وهذا كالتعليق بالمحال وحاصله أن النبي الذي كان يخط كان يفعل ذلك على طريق معجزة أوتيها ولا سبيل لأحد إلى أن يعرف طريق خطه وكيفيتها حتى يوافقه في ذلك فانعدم الشرط وبقي الحظر والمنع فأما ما يدعيه أصحاب الرمل اليوم فليس إلا تخمينًا ولا يفيد علمًا يقينًا كما أفاد ذلك النبي عليه السلام، وقد نهينا عن اتباع الظن والتخمين وعن الاشتغال بما لا يعنينا ومن ثم وقع النهي عن الاشتغال بهذه الأشياء. وذكر في كشف الظنون ناقلًا عن كتاب مصباح الرمل أن هذا العلم كان معجزة

5673 - (2195) (250) وحدّثنا عَبدُ بن حُمَيدٍ، أخْبَرَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهرِيِّ، عَنْ يَحيَى بنِ عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ قَالتْ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ الكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أعطيت لستة أنبياء عليهم السلام وهم آدم وإدريس ولقمان وأرميا وشعيا ودانيال صلى الله تعالى على نبينا وعليهم وسلم تسليمًا، وعلم الرمل عرفه حاجي خليفة في كشف الظنون [1/ 912] بقوله هو علم يعرف به الاستدلال على أحوال المسألة حين السؤال بأشكال الرمل وهي اثنا عشر شكلًا على عدد البروج وأكثر مسائل هذا الفن أمور تخمينية مبنية على التجارب فليس بتام الكفاية لأنهم يقولون كل واحد من البروج يقتضي حرفًا معينًا وشكلًا من أشكال الرمل فإذا سُئل عن المطلوب فحينئذ تقتضي وقوع أوضاع البروج شكلًا معينًا فيدل بسبب المدلولات وهي البروج على أحكام مخصوصة مناسبة لأوضاع تلك البروج لكن المذكورات أمور تقريبية لا يقينية اهـ، قال النووي: واختلف العلماء في معنى هذا الحديث والصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فمن وافق خطه فذاك" ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن النص يدخل فيه ذاك النبي الذي كان خط فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذلك النبي مع بيان الحكم في حقنا وهذا إشارة إلى علم الرمل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث معاوية بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5673 - (2195) (250) (وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر عن الزهري عن يحيى بن عروة بن الزبير) بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي أبي عروة المدني، روى عن أبيه عروة بن الزبير في الطب، ويروي عنه (خ م د) والزهري وابنه محمَّد وأخوه هشام وغيرهم، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (قالت) عائشة (قلت يا رسول الله إن الكهان كانوا يحدثوننا) في الجاهلية

بِالشَّيءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا. قَال: "تِلْكَ الكَلِمَةُ الحَقُّ. يَخطَفُهَا الجِنِّي فَيَقْذِفُها في أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ". 5674 - (00) (00) حدّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، (وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ اللهِ)، عَنِ الزُّهريِّ. أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ؛ أَنّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قَالتْ عَائِشَةُ: سَأَلَ أُناسٌ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنِ الْكُهَّانِ؟ فَقَال لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بالشيء) من المغيبات (فنجده) أي فنجد ذلك الشيء (حقًّا) أي صدقًا كما أخبروه أي ثابتًا واقعًا وليس معنى الحق بمعنى ضد الباطل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تلك الكلمة الحق) أي الصدق (يخطفها) أي يأخذها (الجني) بسرعة من كلام الملائكة (فيقذفها) أي يلقيها ويرميها الجني؛ أي يرمي تلك الكلمة الحقة (في أذن وليه) وصاحبه من الإنس وهو الكاهن ويسمعه إياها (ويزيد) الجني أو وليه (فيها) أي عليها أي على تلك الكلمة الحقة (مائة كذبة) أي فربما أصاب نادرًا وأخطأ غالبًا فلا تغتري بصدقهم في بعض الأمور. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 87]، والبخاري في الطب باب الكهانة [5762] وفي الأدب [3/ 62] وفي التوحيد [7561]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5674 - (00) (00) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) أبو علي الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله) الجزري الحراني أبو عبد الله العبسي مولاهم، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري أخبرني يحيى بن عروة أنه سمع عروة يقول قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة معقل بن عبيد الله لمعمر بن راشد (سأل أناس) من المسلمين وهم ربيعة بن كعب الأسلمي وقومه ومنهم عائشة كما في الرواية السابقة اهـ تنبيه المعلم أي سألوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) كهانة (الكهان) وإخباراتهم عن المغيبات هل هي صادقة أم كاذبة (فقال لهم) أي لأولئك

رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَيسُوا بِشَيءٍ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإنَّهُمْ يُحدِّثُونَ أَحيَانًا الشَّيءَ يَكُونُ حَقًّا. قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "تِلكَ الكَلِمَةُ مِنَ الجِنِّ يَخطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا في أُذُنِ وَليِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ. فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أكثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذبَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السائلين له (رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا) أي ليست إخباراتهم عن الغيب (بشيء) معتد به أي ليسوا على شيء معتد به بل أقوالهم باطلة كاذبة ولا حقيقة لها والله أعلم. قال القسطلاني: قد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية لكن بقي من يتشبه بهم وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم اهـ (قالوا) أي قال أولئك الأناس (يا رسول الله فإنهم) أي فإن الكهان (يحدثون) أي يخبرون لنا (أحيانًا) أي في بعض الأحيان والأزمان (الشيء) من الأشياء أي يخبرون لنا الخبر المتعلق بشيء من الأشباء فـ (يكون) خبرهم عن ذلك الشيء (حقًّا) وصدقًا فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهم (تلك الكلمة) المسموعة (من الجن) فالكلمة مبتدأ خبره، قوله (يخطفها) أي يأخذها (الجني) بسرعة من كلام الملائكة أي تلك الكلمة الحقة المسموعة من الجن هي التي يخطفها الجني من كلام الملائكة (فيقرها) قال النووي: هو بفتح الياء وضم القاف وتشديد الراء من قر الثلاثي من باب شد، وقال القسطلاني: بضم التحتية وكسر القاف من أقر الرباعي، قال أهل اللغة والغريب: القر ترديد الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه يقال قررته أقره قرًا إذا رددته وكررته ليفهم اهـ نووي، قوله (من الجن) هكذا هو في جميع النسخ التي ببلادنا (تلك الكلمة من الجن) بالجيم والنون أي الكلمة المسموعة من الجن أو التي تصح مما نقلته الجن بالجيم والنون، وذكر القاضي في المشارق أنه روي هكذا وروي أيضًا (من الحق) بالحاء المهملة والقاف أي تلك الكلمة الكائنة من الحق يخطفها من كلام الملائكة (فيقرها) أي يصبها ويرميها (في أذن وليه) وصاحبه الكاهن (قر الدجاجة) أي يقرها قرًا كقر الدجاجة أي صوتًا كصوت الدجاجة وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته اهـ نووي (فيخلطون) أي يخلط الكهان (فيها) أي في تلك الكلمة الحقة ويضيفون إليها عددًا (أكثر من مائة كذبة) والكذبة المرة من الكذب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5675 - (00) (00) وحدّثني أبُو الطَّاهِرِ. أَخبَرَنَا عَبدُ اللهِ بن وَهبٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمدُ بن عَمرٍو، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسنَادِ، نَحوَ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ، عَنِ الزُّهرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5675 - (00) (00) (وحدّثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني محمَّد بن عمرو) اليافعي بالتحتانية نسبة إلى يافع بن زيد بطن من حمير المصري، روى عن ابن جريج في الطب، والثوري، ويروي عنه (م د) وابن وهب فقط، له في (م) حديث واحد متابعة وهو هذا الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: له مناكير، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، من التاسعة (عن ابن جريج عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن يحيى عن عروة عن عائشة. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لمعقل بن عبيد الله وساق ابن جريج (نحو رواية معقل عن الزهري). قال القرطبي: قوله (تلك الكلمة يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه) أي يرميها في أذنه ويسمعه إياها، وفي الرواية الأخرى (فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة) أي يضعها في أذنه يقال قررت الخبر في أذنه أقره قرًا ويصح أن يقال ألقاها في أذنه بصوت يقال قر الطائر صوت (وقر الدجاجة) بكسر القاف حكايته صوتها، قال الخطابي: قرت الدجاجة تقر قرًا وقريرًا إذا رجعت قيل قرقرت قرقرة وقَرْ قَرِيرًا وأنشد ابن القطاع: وما ذات طوق فوق عود أراكة ... وإن قرقرت هاج الهوى قَرْ قَرِيرُها قال والمعنى أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فيتسامع بها الشياطين فيتناقلوها كما إذا صوتت الدجاجة فسمعها الدجاج فجاوبها. [قلت] والأشبه بمساق الحديث أن يكون معناه أن الجني يلقي إلى وليه تلك الكلمات بصوت خفي متراجع يزمزمه ويرجعه له كما يلقيه الكهان للناس فإنهم تسمع لهم زمزمة وإسجاع وترجيع على ما علم من حالهم بالمشاهدة والنقل ولم يختلف أحد من رواة مسلم أن الرواية في هذا اللفظ (قر الدجاجة) يعني به الطائر المعروف، واختلف فيه عن البخاري فقال بعض رواته (كقر الزجاجة) بالزاي، قال الدارقطني: هو مما صحفوا فيه، والصواب الدجاجة بالدال، وقيل الصواب الزجاجة بدليل ما قد رواه البخاري (فيقرها في أذنه كما تقر القارورة) وهي بمعنى الزجاجة أي كما يسمع صوت الزجاجة إذا حكت على شيء أو إذا ألقي فيها ماء أو شيء آخر اهـ من المفهم.

5676 - (2196) (251) حدَّثنا حَسَنٌ بن عَلِيٍّ الحُلوَانِيُّ وَعَبدُ بن حُمَيدٍ. (قَال حَسَنٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ. وَقَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي يَعقُوبُ بن إِبراهِيمَ بنِ سَعْدٍ)، حَدَّثَنَا أَبِي، عَن صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بن حُسَينٍ؛ أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ. قَال: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الأَنْصَارِ؛ أَنَّهُم بَينَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيلَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ رُمِيَ بِنَجْمِ فَاستَنَارَ. فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَاذَا كُنتُم تَقُولُونَ في الجَاهِليَّةِ، إِذَا رُمِيَ بِمثلِ هَذَا؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. كُنا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ. وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث معاوية بن الحكم بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 5676 - (2196) (251) (حدثنا حسن بن علي الحلواني) الخلال المكي الهذلي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال حسن حدثنا يعقوب وقال عبد حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب حدثني علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني الملقب بزين العابدين (أن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (قال) ابن عباس (أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار) رضي الله عنه، والجهالة في الصحابي لا تقدح لأنهم كلهم عدول. وهذا السند من ثمانياته (أنهم) أي أن الأصحاب (بينما هم جلوس) أي جالسون (ليلة) من الليالي (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رُمِيَ بنجم) أي ظهر في السماء ما يرى كأنه كوكب انقض (فاستنار) أي أضاء ذلك النجم (فقال لهم) أي للأصحاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا كنتم تقولون في الجاهلية) أي أي شيء تقولون في زمن الجاهلية (إذا رمي) وقذف (بمثل هذا) النجم الصوري من السماء إلى الأرض (قالوا) أي قال الأصحاب تأدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله ورسوله أعلم) بحقيقة هذا النجم وسبب سقوطه ولكنا (كنا نقول) في الجاهلية إذا رأينا مثل هذا النجم الساقط (ولد) هذه (الليلة رجل عظيم) القدر أ (ومات) هذه الليلة (رجل عظيم) القدر (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا تقولوا

"فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. وَلَكِنْ رَبُّنَا، تَبَارَكَ وَتَعَالى اسْمُهُ، إِذا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرش. ثُم سَبَّحَ أَهْلُ السَّماءِ الذِينَ يَلُونَهُم. حَتَّى يَبْلُغَ التَّسبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا. ثُم قَال الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرش لِحَمَلَةِ الْعَرش: مَاذَا قَال رَبُّكمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُم مَاذَا قَال. قَال: فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا. حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ولا تعتقدوه (فإنها لا يرمى بها) بالبناء للمجهول أي فإن هذه النجوم المنقضة لا يرمى بها (لموت أحد) من العظماء (ولا لحياته) أي ولا لولادته (ولكن ربنا تبارك) أي تزايد خيره وإحسانه (وتعالى) أي ترفع وتقدس (اسمه) عَزَّ وَجَلَّ عما لا يليق به (إذا قضى أمرًا) من الكائنات (سبح حملة العرش) أي سبحوا الله تعالى ونزهوه عما لا يليق تعظيمًا لأمره وخضوعًا لقضائه وتنزيهًا عن كل نقص وعيب (ثم سبح أهل السماء) أي نزهوه تعالى عما لا يليق به (الذين) اسم موصول لجمع المذكر في محل الرفع صفة لأهل السماء (يلونهم) أي يلون حملة العرش أي ثم بعد حملة العرش يسبحه أهل السماء السابعة ثم أهل السماء السادسة ثم الخامسة (حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم) بعد ما عم التسبيح أهل السموات (قال الذين يلون حملة العرش) وهم أهل السماء السابعة (لحملة العرش ماذا قال ربكم) يا أهل العرش حين قضى أمرًا (فيخبرونهم) أي يخبر أهل العرش لأهل السماء الذين يلونهم (ماذا قال) ربهم أي أي شيء قاله ربهم حين قضى أمرًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيستخبر بعض أهل السموات) التحتانية (بعضًا) من أهل السموات الفوقانية (حتى يبلغ الخبر) أي خبر ما قاله الرب سبحانه ويصل (هذه السماء الدنيا) أي أهلها. قال القرطبي: قوله (ولكن ربنا إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش) أي إذا أظهر قضاءه وما حكم به لملائكته لأن قضاءه إنما هو راجع إلى سابق علمه ونفوذ مشيئته وحكمه وهما أزليان فإذا اطلع حملة العرش على ما سبق في علمه خضعت الملائكة لعظمته وضجت بتسبيحه وتقديسه فيسمع ذلك أهل السماء التي تليهم وهكذا ينتهي التسبيح لملائكة سماء الدنيا ثم يتساءلون فيما بينهم ماذا قال ربكم على الترتيب المذكور في الحديث. ففيه ما يدل على أن حملة العرش أفضل الملائكة وأعلاهم منزلة، وأن فضائل

فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِم. وَيُرْمَوْنَ بِهِ. فَمَا جَاؤُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ. وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الملائكة على حسب مراتبهم في السموات وأن الكل منهم لا يعلمون شيئًا من الأمور إلا بأن يعلمهم الله تعالى به كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا (26) إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}. وفيه ما يدل على أن علوم الملائكة بالكائنات يستفيده بعضهم من بعض إلا حملة العرش فإنهم يستفيدون علومهم من الحق سبحانه وتعالى فإنهم هم المبدؤون بالإعلام أولًا ثم إن ملائكة كل سماء تستفيد من التي فوقها وفي هذا دليل على أن النجوم لا يعرف بها علم الغيب ولا القضاء ولو كان كذلك لكانت الملائكة أعلم بذلك وأحق به وكل ما يتعاطاه المنجمون من ذلك فليس شيء منه علمًا يقينًا وإنما هو رجم بظن وتخمين بوهم، الإصابة فيه نادرة والخطأ والكذب فيه غالب، وهذا مشاهد من أحوال المنجمين والمطلوب من العلوم النجوميات ما يهتدى به في الظلمات وتعرف به الأوقات وما سوى ذلك فمخارف وترهات ويكفي في الرد عليهم ظهور كذبهم واضطراب قولهم وقد اتفقت الشرائع على أن القضاء بالنجوم محرم مذموم والله أعلم اهـ من المفهم. (فتخطف الجن) أي تأخذ الجن بسرعة الكلام (السمع) أي المسموع لهم من الملائكة (فيقذفون) به أي يرمون به (إلى أوليائهم) وأصحابهم الكهنة (ويرمون) أي يرمى الجن عند استماعهم كلام الملائكة (به) أي بهذا النجم الساقط من السماء (فما جاؤوا به) أي فما جاء به الجن من الكلام لهم من الملائكة (على وجهه) وهيئته من غير خلط ولا تحريف (فهو حق) أي صدق لا كذب (ولكنهم) أي ولكن الجن (يقرفون) أي يخلطون (فيه) أي في الكلام المسموع لهم من الملائكة الكذب (ويزيدون) عليه مائة كذبة، قوله: (ويرمون به) بصيغة المجهول أي يرمى الجن بذلك النجم وهو الشهاب المرمى والله أعلم. قوله (فما جاؤوا به على وجهه) أي من غير تصرف فيه (فهو حق) أي ثابت وكائن أي فما أصابوا به موافقًا لما في الواقع فهو مسترق ومخطوف من السمع وما لم يصيبوا فهو المزيد من طرف أوليائهم الكهنة والمنجمين والله أعلم. قوله (ولكن يقرفون فيه) هذه اللفظة ضبطوها من رواية صالح على وجهين أحدهما بالراء، والثاني بالذال ومعنى يقرفون يخلطون فيه الكذب وهو بمعنى يقذفون كذا في النووي، ورواه

5677 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسلِمٍ. حَدَّثَنَا أبُو عَمرٍو الأَوْزَاعيُّ. ح وحَدَّثَنَا أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ. ح وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ (يعني ابْنَ عُبَيدِ اللهِ). كُلهُم عَنِ الزُّهريِّ، بِهَذَا الإِسنَادِ، غَيرَ أَنَّ يُونُسَ قَال: عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ. أَخبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أصحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يونس (يرقون) بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف وفي بعض النسخ (يرقون) بفتح الياء وتسكين الراء وتخفيف القاف أي يتقولون يقال رقي فلان على الباطل بكسر القاف أي تقوله وهو من الرقي وهو الصعود أي إنهم يقولون فوق ما سمعوا قاله عياض. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي أخرجه في التفسير باب ومن سورة سبإ [3222]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5677 - (00) (00) (وحدّثنا زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو عمرو الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (ح وحدّثنا أبو الطاهر) الأموي المصري (وحرملة) بن يحيى التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (ح وحدّثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل يعني ابن عبيد الله) الجزري أبو عبد الله العبسي الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة المذكورين يعني الأوزاعي ويونس ومعقل بن عبيد الله رووا (عن الزهري) وهذه الأسانيد الثلاثة من سباعياته، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لصالح بن كيسان (بهذا الإسناد) يعني عن علي بن حسين عن ابن عباس عن رجل من الصحابة (غير أن يونس) أي لكن أن يونس بن يزيد (قال) في روايته لفظة (عن عبد الله بن عباس أخبرني رجال من أصحاب رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَنْصَارِ. وَفِي حَدِيثِ الأَوْزَاعيِّ "وَلَكِن يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيزِيدُونَ". وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ: "وَلَكِنَّهُم يَرقَوْنَ فِيهِ وَيزيدُونَ". وَزَادَ في حَدِيثِ يُونُسَ: "وَقَال اللهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ: 23]. وَفِي حَدِيثِ مَعقِلٍ كَمَا قَال الأَوزَاعيُّ: "وَلَكِنَّهُم يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيزِيدُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم من الأنصار وفي حديث الأوزاعي) وروايته لفظة (ولكن يقرفون فيه ويزيدون) بدل قول صالح ولكنهم (وفي حديث يونس) وروايته لفظة (ولكنهم يرقون) بفتح الياء وسكون الراء وفتح القاف من رَقِيَ يَرْقَى من باب رَضِيَ بمعنى صعد من الرقيّ وهو الصعود يقال رقِي على الباطل بكسر القاف إذا تقوله بمعنى أنهم يقولون فوق ما سمعوا كما مر في الرواية الأولى أي يرقون (فيه ويزيدون) عليه وهو عطف تفسير لقوله (يرقون) (وزاد) ابن وهب (في حديث يونس) وروايته استشهادًا لهذا الحديث أي زاد فيه لفظة (وقال الله) عَزَّ وَجَلَّ: ({حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ}) [سبأ: 23] وقال الحسن بن أعين (وفي حديث معقل) وروايته (كما قال) أي مثل ما قال (الأوزاعي) في روايته يعني لفظة (ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون) بفتح الياء وسكون القاف وكسر الراء من باب ضرب بمعنى يكذبون فيه وهو بمعنى ما بعده كما مر البحث عنه في الرواية الأولى وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايات، قوله تعالى: ({حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} قرأه ابن عامر ويعقوب: {فَزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} بالبناء للفاعل، وفيه ضمير يعود على الله تعالى أي حتى إذا أزال الله عن قلوبهم الفزع والذعر والخوف نظير قولهم (مرضت المريض) أي عالجته وأزلت مرضه وقرأه الجمهور {فُزِّعَ} بضم الفاء مبنيًّا للمفعول أي حتى إذا أزيل عن قلوبهم الفزع وهو الذعر على كلتا القراءتين، قال كعب: إذا تكلم الله بلا كيف كلامًا يليق بجلاله ضربت الملائكة بأجنحتها وخرت فزعًا ثم قالوا فيما بينهم ماذا قال ربكم، وقوله (قالوا الحق) بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي قال القول الحق وهو مفعول مطلق لا مفعول به لأن القول لا يتعدى إلا إلى الجمل في أكثر قول النحويين، قوله (وهو العلي الكبير) أي العلي شأنه الكبير سلطانه. [قلت] وهذا التفسير هو الموافق لهذا الحديث فتعين أن يكون هو المراد من الآية، وللمفسرين أقوال أخر بعيدة عن معنى الحديث أضربت عنها هنا لذلك وقد بسطنا الكلام

5678 - (2197) (252) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى العَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا يَحيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ)، عَن عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعضِ أَزْوَاج النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسلمَ، عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَن شَيءٍ لَمْ تُقبَل لَهُ صَلاة أَربَعِينَ لَيلَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن أردت الخوض فيها. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث معاوية بن الحكم بحديث صفية امرأة عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فقال: 5678 - (2197) (252) (حدثنا محمَّد بن المثنى العنزي) البصري (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن صفية) بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية امرأة عبد الله بن عمر بن الخطاب، ثقة، من (2) روى عنها في (3) أبواب (عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) قال نافع مرة عن حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقال مرة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو كلتيهما ومرة قال عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما هنا، والشك في الصحابية لا يضر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (من أتى عرافًا) قال الخطابي وغيره: العراف هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق ومكان الضالة ونحوهما كالآبق، وقد تقدم أن العرّاف هو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها وقد يعتضد في ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهو ضرب من الكهانة أيضًا وإنما المحظور منه تصديق العراف والعمل بمقتضاه فإنه مجرد ظن وتخمين (نسأله عن شيء) من المغيبات عنه وصدقه فيما أخبر به (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) أي قبول كمال وإثابة عليها لا قبول إجزاء وإسقاط فرض فإنها تقبل منه وتسقط الفرض عن ذمته، وقيل إن العرّاف من يخبر عن المغيبات الماضية كالمسروق والضالة، والكاهن من يخبر عن المغيبات المستقبلة كوقت نزول المطر وحوادث الدهر الآتية، وأما تخصيص أربعين ليلة فإنه كما قال القاضي عياض رحمه الله: من أسرار الشريعة التي اختص الله سبحانه وتعالى بمعرفة حكمتها، وذكر بعض العلماء أن لأربعين يومًا دخلًا في التحويل من حال إلى أخرى والله أعلم. وقوله

5679 - (2198) (253) حدَّثنا يَحيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا شَرِيكُ بن عَبْدِ اللهِ وَهُشَيمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَن يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: كَانَ في وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنا قَد بَايَعْنَاكَ فَارْجِع" ـــــــــــــــــــــــــــــ (صلاة) بالرفع والتنوين فقوله (أربعين ليلة) ظرف له، وفي بعض النسخ بإضافة صلاة إلى أربعين أي من الأزمنة المستقبلة كذا في المرقاة. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى لم أجده عند غير المؤلف من الأئمة الستة والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث شريد بن سويد رضي الله عنه فقال: 5679 - (2198) (253) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي الواسطي نزيل بغداد، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (ح وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شريك بن عبد الله) بن أبي شريك، ويقال له شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي أبو عبد الله الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (وهشيم بن بشير) السلمي (عن يعلى بن عطاء) العامري الليثي الطائفي، نزيل واسط، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عمرو بن الشريد) بفتح المعجمة ابن سويد الثقفي أبي الوليد الطائفي، روى عن أبيه في الطب والشعر، وأبي رافع وسعد وطائفة، ويروي عنه (خ م د س ق) ويعلي بن عطاء وإبراهيم بن ميسرة وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي (عن أبيه) شريد بوزن طويل ابن سويد الثقفي أبي عمرو الطائفي الصحابي المشهور رضي الله عنه شهد بيعة الرضوان، له أحاديث انفرد له مسلم بحديثين، يروى عنه (م) وابنه عمرو في الطب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ويعقوب بن عاصم، وليس في مسلم من اسمه شريد إلا هذا الصحابي. وهذا السند من خماسياته (قال) الشريد (كان في وقد ثقيف) أي كان في القوم الوافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل ثقيف وكان شريد بن سويد مع أولئك الوفد (رجل مجذوم) أي مصاب بالجذام (فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم إنا قد بايعناك) بالكلام (فارجع) إلى مكانك واجلس فيه ولا تتحرك عنه يعني أنه صلى الله عليه وسلم بايعه بلا مصافحة.

5680 - (2199) (254) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدةُ بن سُلَيمَانَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا عَندَةُ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَن أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث موافق لحديث البخاري "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" وهذا الحديث لا يعارض حديث لا عدوى فإن الأمر بالاجتناب من المجذوم إنما وقع للاحتياط والحذر في درجة اختيار الأسباب وليس ذلك من العدوي المنفي في الحديث. قال محمَّد ذهني: قوله (إنا قد بايعناك) .. الخ هذا منه صلى الله عليه وسلم لحفظ الضعفاء وكذلك حديث البخاري "فر من المجذوم" الحديث وأما الأقوياء فلا يبالون بالاختلاط معه ومن هذا المقام ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم وقال له "كل ثقة بالله وتوكلًا عليه" رواه جابر، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان لي مولى مجذوم فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي، وقد ذهب عمر رضي الله عنه وغيره من السلف إلى الأصل معه والتوفيق بين الحديثين كالتوفيق والجمع الذي سبق آنفًا بين حديث لا عدوى وبين حديث لا يورد ممرض والله أعلم اهـ منه. ومن أجل هذا الحديث قال العلماء: إن المجذوم يمنع من المساجد ومن الاختلاط بالناس وهل يثبت لزوجته خيار فسخ النكاح؟ فيه خلاف وقد أثبت مالك والشافعي الخيار بخلاف الحنفية والتفصيل في كتب الفقه. وهذا الحديث قد شارك المؤلف في روايته النسائي أخرجه في البيعة باب بيعة من به عاهة [4182]، وابن ماجه في الطب باب الجذام [3589]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5680 - (2199) (254) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمَّد الكوفي اسمه عبد الرحمن، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (و) عبد الله (ابن نمير عن هشام) بن عروة (ح وحدّثنا أبو كريب حدثنا عبدة حدثنا هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته

قَالتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِقَتلِ ذِي الطُّفْيَتينِ. فَإِنَّهُ يَلْتَمِسُ البَصَرَ ويصِيبُ الحَبَلَ. 5681 - (00) (00) وحدّثناه إِسحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، بِهذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالت) عائشة (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل) الحيات (ذي الطفيتين) أي صاحب الخطين الأبيضين على ظهره أي بقتل الحية التي على ظهرها الخطان الأبيضان، والطفيان بضم الطاء المهملة وسكون الفاء مثنى الطفية والمراد من الطفيتين هنا الخطان الأبيضان على ظهر الحية وأصل الطفية خوصة المقل والجمع طفى كمدية ومدى يشبه الخطين على ظهرها بخوصتي المقل والخوص كل ورق طويل رقيق كورق النخل والنارجيل والمقل شجر يشبه ورقه ورق النخل له ثمر صغار يؤكل في الأرمياميتطي، وربما يستعمل في النخلة فلعل التشبيه إنما وقع في الطول والرقة (فإنه) أي لأن الطفيتين مضر مؤذ للإنسان أشد الإيذاء والضرر لأنه (يلتمس البصر) أي يطلب بصر الإنسان لأنه يطمس بصره إذا نظر بعينه عين الإنسان (ويصيب الحبل) أي يسقط حمل بني آدم إذا نظرته الحامل والمعنى أن هذه الحية تخطف البصر وتطمسه بمجرد نظرها إليه لخاصة جعلها الله تعالى في بصرها إذا وقع على بصر الإنسان وقيل معناه أنها تقصد البصر باللسع والنهش والتفسير الأول أصح وأشهر، قال العلماء: وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على عين إنسان مات من ساعته والله أعلم. (قوله ويصيب الحبل) معناه أن المرأة الحامل إذا نظرت إلى حية من هذا النوع وخافت منها أسقطت حملها غالبًا. وذكر مسلم في روايته عن الزهري أنه قال: يرى ذلك من سمها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في بدء الخلق باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال [3308 و 3309]، والنسائي في مناسك الحج باب قتل الوزغ [3831]، وابن ماجه في الطب باب قتل ذي الطفيتين [3579]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فقال: 5681 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه الحنظلي (أخبرنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (أخبرنا هشام) بن عروة (بهذا

الإِسْنَادِ، وَقَال: الأَبْتَرُ وَذُو الطُّفْيَتَينِ. 5682 - (2200) (255) وحدّثني عَمْرُو بْنُ محمد النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَينِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ ويلْتمِسَانِ الْبَصَرَ". قَال: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقتُلُ كُل حَيَّةٍ وَجَدَهَا. فَأَبْصَرَهُ أبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لعبدة بن سليمان وابن نمير (وقال) أبو معاوية في روايته أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل نوعين من الحية هما (الأبتر) وهو ما لا ذنب له أو ما ذنبه قصير (وذو الطفيتين) أي الخطين الأبيضين على ظهره. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 5682 - (2200) (255) (وحدّثني عمرو بن محمَّد) بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال (اقتلوا الحيات) كلها إلا ما سيأتي استثناؤه في الأحاديث الآتية، وقوله (و) اقتلوا (ذا الطفيتين و) اقتلوا (الأبتر) من عطف الخاص على العام اهتمامًا بشأنه أي اقتلوا هذين النوعين منها خاصة لأنهما أشد ضررًا من غيرهما وتقدم تفسيرهما في مبحث حديث عائشة آنفًا، وقوله (فإنهما) تعليل للأمر بقتلهما أي لأنهما (يستسقطان الحبل) والسين والتاء فيه زائدتان أي يسقطان الحبل أي الحمل من الحامل معناه أن المرأة الحامل إذا نظرت إليهما وفزعت أسقطت العمل غالبًا (ويلتمسان البصر) أي يطلبان طمس البصر بمجرد نظرهما إليه، وقد تقدم البحث فيهما في حديث عائشة. (قال) سالم بالسند السابق (فكان) والدي عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما (يقتل كل حية وجدها) أي رآها من أي نوع كانت (فأبصره) أي فأبصر ابن عمر (أبو لبابة) بضم اللام (بن عبد المنذر) اسمه بشير بفتح الباء ابن عبد المنذر بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي، استخلفه رسول الله صلى

أَوْ زَيْدُ بن الْخَطَّابِ، وَهُوَ يُطَارِدُ حَيَّةً. فَقَال: إِنَّهُ قَدْ نُهِيَ عَن ذَوَاتِ الْبُيُوتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إلى بدر وضرب له بسهمه وهم إخوة ثلاثة مبشر وبشير أبو لبابة ورفاعة، مات أبو لبابة في خلافة علي بن أبي طالب، وقيل بعد الخمسين، وله عقب، يروي عنه (خ م د ق) وابن عمر حديث الحية وابناه السائب وعبد الرحمن وجماعة، وله خمسة عشر (15) حديثًا اتفقا على واحد وهو الحديث المذكور اهـ من التقريب مع زيادة، وقال الحافظ ابن حجر: هو أوسي وكان أحد النقباء وشهد أحدًا ويقال شهد بدرًا، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، وكانت معه راية قومه يوم الفتح، ومات في أول خلافة عثمان رضي الله عنهما, وليس له في الصحيح إلا هذا الحديث كذا في فتح الباري [6/ 348 و 349]. (أو) عمه (زيد بن الخطاب) بن نفيل مصغرًا القرشي العدوي أخو عمر بن الخطاب، كان قديم الإِسلام أسلم قبل عمر وشهد بدرًا والمشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان معه راية المسلمين يوم اليمامة فقاتل حتى قتل، ولما جاء نعيه إلى عمر بكى وقال: أسلم قبلي وقتل قبلي. وله حديث واحد وهو هذا الحديث المذكور هنا يعني في الحية، يروي عنه (م د) وابن عمر في ذكر الجن، ق الذي التقريب: واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة رضي الله عنه. والشك من الراوي أو ممن دونه (وهو) أي والحال أن ابن عمر (يطارد حية) أي يطلبها ويتبعها ليقتلها (فقال) أبو لبابة أو زيد بن الخطاب لابن عمر اتركها ولا تطلبها فـ (إنه) أي إن الشأن والحال (قد نهي) بالبناء للمفعول أي قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن) قتل الحيات (ذوات البيوت) أي الملازمة لبيوت الناس وتسكنها. أما قوله (قد نهي) فيحتمل أن يكون مبنيًّا للمجهول كما ذكرنا ويحتمل أن يكون مبنيًّا للفاعل فضمير إنه وضمير الفاعل يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذوات البيوت فالمراد منها الحيات التي تسكن البيوت وفسرها الزهري في رواية للبخاري بقوله (وهي العوامر) أي يعني الجن التي تسكن البيوت فنهى عن قتل حيات البيت لاحتمال كونها من الجن وسيأتي تفصيله في حديث أبي سعيد "إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئًا فحرجوا عليه ثلاثًا فإن ذهب وإلا فاقتلوه" وقد روى الترمذي عن ابن المبارك في تفسير ذوات البيوت أنه قال (إنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 121]، والبخاري أخرجه في بدء الخلق باب قول الله تعالى وبث فيها من كل دابة [3297 إلى 3299] وفي غير هذا

5683 - (00) (00) وحدّثنا حَاجِبُ بْنُ الوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَربٍ، عَنِ الزُّبَيدِيِّ، عَنِ الزُّهرِيِّ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَأمُرُ بِقَتْلِ الْكِلابِ. يَقُولُ: "اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَالْكِلابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضع، وأبو داود [5252]، وابن ماجه في الطب [3535]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5683 - (00) (00) (وحدّثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي أبو محمَّد الأعور المؤدب نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (2) (حدثنا محمَّد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي الأبرش، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن الزبيدي) مصغرًا محمَّد بن الوليد بن عامر الزبيدي أبي الهذيل الحمصي القاضي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزبيدي لسفيان بن عيينة (قال) ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب) وقوله (يقول اقتلوا الحيات والكلاب) تفسير لقوله يأمر بقتل الكلاب. قال القرطبي: قوله (اقتلوا الحيات) هذا الأمر وما في معناه من باب الإرشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله كما قد أرشد إليه "اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يختطفان البصر ويسقطان الحبل" فخصهما بالذكر مع أنهما قد دخلا في العموم ونبه على أن ذلك بسبب عظم ضررهما وما لم يتحقق ضرره فما كان منها في غير البيوت قتل أيضًا لظاهر الأمر العام في هذا الحديث وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه رواه مسلم في صحيحه برقم [2234] ولأن نوع الحيات غالبه الضرر فيستصحب فيه ذلك ولأنه كله مشروع بصورته وبما في النفوس من النفرة منه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية" ذكره ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج ص 44، فشجع على قتلها وقال فيما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: "اقتلوا الحيات فمن خاف ثأرهن فليس مني" رواه أبو داود رقم [5249] وأما ما كان منها في

"تفسير ما جاء في أحاديث الحيات من الغريب"

وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البيوت فما كان بالمدينة فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام وصفة الإنذار هكذا (أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان بن داود أن لا تؤذونا ولا تظهرن لنا) اهـ نووي لقوله صلى الله عليه وسلم "إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام" وهل يختص ذلك الحكم بالمدينة لأنا لا نعلم هل أسلم من حسن غير أهل المدينة أحد أم لا وبه قال ابن نافع أو لا يختص وينهى عن قتل جنان جميع البلاد حتى يؤذن ثلاثة أيام وهو قول مالك وهو الأولى لعموم نهيه عن قتل الجنان التي تكون في البيوت ولقوله صلى الله عليه وسلم "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم" متفق عليه، وذكر فيهن الحية ولأنا قد علمنا قطعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة للنوعين وأنه قد آمن به خلق كثير من النوعين بحيث لا يحصرهم بلد ولا يحيط بهم عدد والعجب من ابن نافع كأنه لم تكن له أذن سامع وكأنه لم يسمع قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)} ولا قوله صلى الله عليه وسلم "إن وقد حسن نصيبين أتوني ونعم الجن هم فسألوني الزاد" الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي فهذه نصوص في أن من حسن غير المدينة من أسلم فلا يقتل شيء منها حتى يحرج عليه كما تقدم فتفهم هذا العقد وتمسك به فهو الذي يجمع بين أحاديث الباب المختلفة. " تفسير ما جاء في أحاديث الحيات من الغريب" والحيات جمع حية ويطلق على الذكر والأنثى كما قال طرفة بن العبد: أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد وإنما دخلت الهاء لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة على أنه قد روي عن العرب (رأيت حيًّا على حية) أي ذكرًا على أنثى والحيوت ذكر الحيات وأنشد الأصمعي: ويأكل الحية والحيوتا ... ويدمق الأغفال والتابوتا ويخنق العجوز أو تموتا ذكره في الصحاح. (واقتلوا ذا الطفيتين) ضرب من الحيات في ظهره خطان أبيضان وعنهما عبر بالطفيتين وأصل الطفية بضم الطاء خوص المقل أي ورق شجره كما مر فشبه الخط الذي

وَالأَبْتَرَ فَإنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الحَبَالى". قَال الزُّهْرِيُّ: وَنُرَى ذَلِكَ مِنْ سُمَّيهِمَا، واللهُ أَعْلَمُ. قَال سَالِمٌ: قَال عَبْدُ اللهِ بن عُمَرَ: فَلَبِثتُ لَا أَتْرُكُ حَيَّةً أَرَاهَا إلا قَتلتُهَا. فَبَينَا أنا أُطَارِدُ حَيَّةً يَوْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، مَرَّ بِي زيدُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَوْ أَبُو لُبَابَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على ظهر هذه الحية به، وربما قيل لهذه الحية طفية على معنى ذات طفية قال الهذلي: وهم يذلونها من بعد عزتها ... كما تذل الطفى من رقية الراقي أي ذاوت الطُّفى وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره فيكون مجازًا مرسلًا علاقته المجاورة، وقال الخليلي في ذي الطفيتين هي حية لينة خبيثة (والأبتر) هو الأفعى سميت بذلك لقصر ذنبها، وذكر الأفعى الأفعوان قال النضر بن شميل في الأبتر: إنه صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب (فإنهما يلتمسان البصر) أي يطلبان هذا أصل معناه ومعناه هنا يخطفان البصر كما جاء في الرواية الأخرى وقد روي (يلتمعان) و (يطمسان) وكلها بمعنى واحد (ويستسقطان الحبالى) أي يسقطان حمل النساء الحبالى جمع حبلى. (قال الزهري) بالسند السابق (ونرى) أي نظن (ذلك) أي إسقاطهما الحمل (من سميهما والله أعلم) بصيغة التثنية أي لأجل سُمَّي عينهما والمعنى أن المرأة الحامل إذا نظرت إليهما وخافت أسقطت العمل، قال القرطبي: وظاهر هذا أن هذين النوعين من الحيات لهما من الخاصية ما يكون عنهما ذلك ولا يستبعد هذا، فقد ذكر أبو الفرج الجوزي في كتابه المسمى بكشف المشكل لما في الصحيحين أن بعراق العجم أنواعًا من الحيات يهلك الرائي لها بنفس رؤيتها، ومنها من يهلك المرور على طريقها وذكر غير ذلك ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك بالترويع لأن ذلك الترويع ليس خاصًّا بهذين النوعين بل يعم جميع الحيات فتذهب خصوصية هذا النوع بهذا الاعتناء العظيم والتحذير الشديد ثم إن صح هذا في طرح الحبل فلا يصح في ذهاب البصر فإن الترويع لا يذهبه (قال سالم) بالسند السابق (قال عبد الله بن عمر فلبثت) زمانًا (لا أترك حية أراها إلا قتلتها فبينا أنا أطارد) وأطلب (حية يومًا من ذوات البيوت) أي من عوامر البيوت، قوله (مر بي زيد بن الخطاب) جواب بينا أي بينا أوقات مطاردتي حية فاجأني مرور زيد بن الخطاب (أو) قال ابن عمر مر بي (أبو لبابة) بن عبد المنذر الأنصاري الأوسي والشك

وَأَنَا أُطَارِدُهَا. فَقَال: مَهْلًا. يَا عَبْدَ اللهِ. فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِنَّ. قَال: إِن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَدْ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ. 5684 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بن حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَن صَالِحٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من سالم أو ممن دونه (وأنا) أي والحال أني (أطاردها) وأطلبها لأقتلها (فقال) لي أبو لبابة أو زيد بن الخطاب (مهلًا يا عبد الله) بن عمر أي أمهلني إمهالًا عن قتلها وأنظرني إنظارًا لأخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا في شأن الحية، قال ابن عمر (فقلت) لمن سألني الإمهال منهما لا أمهلك ولا أترك قتلها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن) أي بقتل الحيات فـ (قال) لي زيد بن الخطاب أو أبو لبابة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن) قتل (ذوات البيوت) أي عوامرها وهي التي تسكن البيوت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5684 - (00) (00) (وحدثنيه حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح وحدّثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح وحدّثنا حسن) بن علي (الحلواني) أبو علي الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (كلهم) أي كل من يونس ومعمر وصالح رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سالم عن ابن عمر، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة للزبيدي وسفيان بن عيينة، وهذه الأسانيد الأول منها من سداسياته بالنسبة إلى الحديث الأول يعني حديث ابن عمر، ومن سباعياته بالنسبة إلى الحديث الثاني أعني حديث أبي لبابة أو حديث زيد بن الخطاب، والسند الثاني كذلك في التفصيل المذكور،

غَيْرَ أَنَّ صَالِحًا قَال: حَتَّى رَآني أَبُو لُبَابَةَ بن عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَزَيدُ بن الخَطَّابِ. فَقَالا: إنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ. وَفِي حَدِيثِ يُونُسَ: "اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ" وَلَمْ يَقُلْ: "ذَا الطُّفْيَتَينِ وَالأَبْتَرَ". 5685 - (2201) (256) وحدّثني مُحَمَّدُ بن رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيث. ح وحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، (واللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا لَيث، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ كَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ لِيَفتَحَ لَهُ بَابًا في دَارِهِ، يَسْتَقْرِبُ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ. فَوَجَدَ الْغِلْمَةُ جِلْدَ جَانٍّ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: التَمِسُوهُ فَاقْتُلوهُ. فَقَال أَبُو لُبَابَةَ: لَا تَقْتُلُوهُ. فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَن قَتلِ الْجِنَّانِ الَّتِي في الْبُيُوتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والسند الثالث من سباعياته بالنسبة إلى الحديث الأول، ومن ثمانياته بالنسبة إلى الحديث الثاني، تأمل (غير أن صالحًا) ابن كيسان (قال) في روايته (حتى رأني أبو لبابة بن عبد المندر وزيد بن الخطاب) بالجمع بينهما بلا شك (فقالا) أي قال زيد وأبو لبابة (إنه) صلى الله عليه وسلم (قد نهى عن) قتل (ذوات البيوت، وفي حديث يونس) وروايته لفظة (اقتلوا الحيات ولم يقل) يونس لفظة (ذا الطفيتين والأبتر). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي لبابة رضي الله عنهما فقال: 5685 - (2201) (256) (وحدّثني محمَّد بن رمح أخبرنا الليث ح وحدّثنا قتيبة بن سعيد واللفظ له حدثنا ليث عن نافع) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة نافع لسالم (أن أبا لبابة) بشير بن عبد المنذر الأنصاري (كلم ابن عمر) وسأله (ليفتح) ابن عمر (له) أي لأبي لبابة (بابًا) أي خوخة (في داره) أي في دار أبي لبابة، حالة كون أبي لبابة (يستقرب) أي يطلب (به) أي بذلك الباب القرب (إلى المسجد) النبوي (فوجد الغلمة) جمع غلام أي رأى الغلمان الذين كانوا معهما لعمل الباب (جلد جان) أي جلدًا خرج من الحية وهو معروف (فقال عبد الله) بن عمر للغلمان (التمسوه) أي التمسوا هذا الجان الذي خرج من الجلد وشرد (فاقتلوه، فقال أبو لبابة) للغلمان (لا تقتلوه) أي هذا الجان إذا رأيتموه (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان) بتشديد النون الأولى جمع جان بتشديد النون أيضًا أي عن قتل الحيات (التي) تسكن (في البيوت)

5686 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا نَافِعٌ. قَال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ كُلَّهُنَّ. حَتَّى حَدَّثَنَا أَبُو لُبَابَةَ بن عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْبَدْرِيُّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها حسن تصورت بصورة الحية فيحتمل كونها مؤمنًا وقتل المؤمن حرام سواء كان جنًا أو إنسًا. قال القرطبي: والجنان بكسر الجيم وتشديد النون الأولى جمع جان وهو أبو الجن وهذا أصله والجنان في الحديث حية بيضاء صغيرة دقيقة خفيفة، قال الأبي: وقال ابن وهب: هي عوامر البيت تتمثل في صورة حية دقيقة بالمدينة وفي غيرها وهي التي نهي عن قتلها حتى تنذر ويقتل ما وجد منها في الصحاري بلا إنذار اهـ وصفة الإنذار هكذا أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان بن داود أن لا تؤذيننا ولا تظهرن لنا) كذا في النووي، قال القرطبي: والمراد من الجنان المذكور في الحديث الجان أي الحية الصغيرة الخفيفة (فإن قيل) فقد وصف الله الحية المنقلبة عن عصا موسى بأنها جان وأنها ثعبان مبين. فالجواب: أنه تعالى وصفها بكونها ثعبانًا عظيمًا نظرًا إلى عظم خلقتها وجثتها ووصفها بكونها جانًا نظرًا إلى خفتها وسرعتها ألا ترى إلى قوله تعالى: {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} قال عياض: وقيل الجنان ما لا يتعرض للإنسان والجنل ما يتعرضهم ويؤذيهم وأنشدوا: تنازع جِنَّانٌ وجِنٌّ وجِنَّلُ وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وعوامر البيت هي ما يعمره من الجن فيتمثل في صور الحيات وفي غيرها اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي لبابة رضي الله عنه فقال: 5686 - (00) (00) (وحدّثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (حدثنا نافع قال كان ابن عمر يقتل الحيات كلهن) جنان البيوت وغيرها. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة جرير بن حازم لليث بن سعد (حتى حدثنا أبو لبابة) بشير (بن عبد المنذر) الأنصاري الأوسي (البدري) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ البُيُوتِ، فَأَمسَكَ. 5687 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ؛ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا لُبَابَةَ يُخبِرُ ابْنَ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْ قَتلِ الْجِنَّانِ. 5688 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنصَارِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَن أَبِي لُبَابَةَ، عَنِ النَّبِي صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ح وَحَدَّثَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ مُحَمدِ بنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت) أي حياتها (فأمسك) ابن عمر عن قتلها بعد ذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي لبابة رضي الله عنه فقال: 5687 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنى حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (أخبرني نافع أنه) أي أن نافعًا (سمع أبا لبابة) الأنصاري (يخبر ابن عمر) رضي الله عنهم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان) أي عوامر البيوت وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لجرير بن حازم، والحديث من مسند أبي لبابة كالذي قبله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي لبابة رضي الله عنه فقال: 5689 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي، ثقة متقن، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبيد الله) ابن عمر بن حفص العمري (عن نافع عن عبد الله بن عمر عن أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أنس بن عياض ليحيى القطان (ح وحدّثني عبد الله بن محمَّد بن أسماء الضبعي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، صدوق، من

عَنْ نَافِعٍ، عَن عَبْدِ اللهِ؛ أن أَبَا لُبَابَةَ أخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الجِنَّانِ التِي في الْبُيُوتِ. 5690 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ، ) قَال: سَمِعْتُ يَحيَى بنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ؛ أن أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبدِ الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيَّ -وَكَانَ مَسْكَنُهُ بِقُبَاءَ فَانْتقَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ- فبَينَمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسًا مَعَهُ يَفْتَحُ خَوْخَةً لَهُ، إِذَا هُمْ بِحَيَّةٍ مِنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ. فَأرَادُوا قَتْلَهَا. فَقَال أَبُو لُبَابَةَ: إِنَّهُ قَد نُهِيَ عَنْهُنَّ، (يُرِيدُ عَوامِرَ الْبُيُوتِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ (7) روى عنه في (9) أبواب (عن نافع عن عبد الله) بن عمر (أن أبا لبابة أخبره) أي أخبر لابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي) تسكن (في البيوت) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جويرية لعبيد الله بن عمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي لبابة رضي الله عنه فقال: 5690 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (قال) عبد الوهاب (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري النجاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (يقول أخبرني نافع) مولى ابن عمر (أن أبا لبابة) بشير (بن عبد المنذر الأنصاري) الأوسي المدني وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى الأنصاري لعبيد الله بن عمر العمري (وكان مسكنه) أي مسكن أبي لبابة ومنزله (بقباء) موضع معروف بالمدينة المنورة (فانتقل) أبو لبابة من قباء (إلى المدينة) قرب المسجد النبوي (فبينما عبد الله بن عمر) كان (جالسًا معه) أي مع أبي لبابة حالة كون ابن عمر (يفتح خوخة) بفتحتين بينهما واو ساكنة وهي كوة بين دارين أو بيتين يدخل منها إلى الأخرى وقد تكون في حائط منفرد اهـ نووي، وفي النهاية: هي باب صغير كالنافذة الكبيرة وقد تكون بين بيتين ينصب عليها باب اهـ (له) أي لأبي لبابة متعلق بيفتح، وقوله (إذا هم) راؤون (بحية) كائنة (من عوامر) أي من حيات (البيوت) جواب بينما، وإذا فجائية رابطة لجواب بينما والمعنى فبينما أوقات جلوس ابن عمر مع أبي لبابة حالة كونه

وَأُمِرَ بِقَتْلِ الأَبْتَرِ وذِي الطُّفْيَتَينِ. وَقِيلَ: هُمَا اللَّذَانِ يَلتَمِعَانِ البَصَرَ وَيطرَحَانِ أَوْلادَ النِّسَاءِ. 5691 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَم. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ عِنْدَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَوْمًا عِنْدَ هَدْمٍ لَهُ. فَرَأَى وَبِيصَ جَانٍّ. فَقَال: اتَّبِعُوا هذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يفتح لأبي لبابة بابا صغيرًا يقربه إلى المسجد فاجأهم رؤية حية من حيات البيوت (فأرادوا) أي فأراد ابن عمر ومن معه من الغلمة (قتلها) أي قتل تلك الحية (فقال) لهم (أبو لبابة) لا تقتلوه (إنه) أي لأن الشأن والحال (قد نهي) بالبناء للمجهول أي قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عنهن) أي عن قتل عوامر البيوت (يريد) أبو لبابة بقوله عنهن (عوامر البيوت) وقوله (وأمر) بالبناء للمجهول أيضًا معطوف على قوله إنه قد نهي أي وإنه قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم (بقتل الأبتر) أي التي لا ذنب لها وهي الأفعى (و) بقتل (ذي الطفيتين) أي صاحبة الخطين الأبيضين على ظهرها (و) قد (قيل) أمر بقتلها لأنـ (ـهما اللذان يلتمعان) أي يطمسان (البصر ويطرحان أولاد) أي أحمال (النساء) الحبالى فهما مؤذيان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي لبابة رضي الله عنه فقال: 5691 - (00) (00) (وحدّثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا محمَّد بن جهضم) بن عبد الله الثقفي مولاهم البصري اليمامي، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عمر بن نافع) مولى ابن عمر العدوي مولاهم المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين اللباس وذكر الجان (عن أبيه) نافع مولى ابن عمر (قال) نافع كان عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (يومًا) من الأيام (عند هدم) أي عند بناء مهدوم كائن (له) أي لابن عمر (فرأى) ابن عمر (وبيص) أي جلد (جان) أي حية صغيرة خرجت منه أي من ذلك الجلد (فقال) ابن عمر لمن عنده من الغلمان (اتبعوا) أي اطلبوا (هذا

الْجَانَّ فَاقْتُلُوهُ. قَال أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نَهَى عَن قَتلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ في البُيُوتِ. إلا الأَبتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَينِ. فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخطِفَانِ البَصَرَ وَيتَتَبَّعَانِ مَا في بُطونِ النِّسَاءِ. 5692 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بن سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهبٍ. حَدَّثَنِي أُسَامَةُ؛ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ مَرَّ بِابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ عِندَ الأُطُمِ الَّذِي عِنْدَ دَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يَرصُدُ حَيَّةً. بِنَحْو حَدِيثِ اللَّيثِ بْنِ سَعدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجان) الذي خرج من هذا الجلد (فاقتلوه) إن رأيتموه فـ (قال) له (أبو لبابة الأنصاري إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون) أي تسكن (في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتتبعان) أي يسقطان (ما في بطون النساء) من الحمل، وأطلق عليه التتبع مجازًا مرسلًا من إطلاق السبب على المسبب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي لبابة رضي الله عنه فقال: 5692 - (00) (00) (وحدّثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني أسامة) بن زيد الليثي المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (أن نافعًا) مولى ابن عمر (حدثه) أي حدث لأسامة (أن أبا لبابة) بشير بن عبد المنذر الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أسامة لليث بن سعد (مر بابن عمر) رضي الله عنهما (وهو) أي والحال أن ابن عمر جالس (عند الأطم) والقصر (الدي عند دار عمر بن الخطاب) رضي الله عنهم أجمعين، والأطم بضم الهمزة والطاء القصر والعمارة يجمع على آطام نظير عنق وأعناق حالة كون ابن عمر (يرصد) أي يرقب (حية) غابت عنهم وينتظرها ليقتلها إذا خرجت. وساق أسامة بن زيد عن نافع (بنحو حديث الليث بن سعد) عن نافع المار في أول حديث أبي لبابة رضي الله عنه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال:

5693 - (2202) (257) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وأَبُو كُرَيبٍ. وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى- قَال يَحْيَى وإسْحَاقُ: أخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عن الأسْودِ، عن عَبْدِ اللهِ. قَال: كُنَّا مَعَ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ في غَارٍ. وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيهِ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} فَنَحْنُ نأْخُذُهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً. إِذْ خَرَجَتْ عَلَينَا حَيَّةٌ. فَقَال: "اقْتُلُوهَا" فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا. فَسَبَقَتْنَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَقَاهَا اللهُ شَرَّكم كَمَا وَقَاكُمْ شَرَّهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5693 - (2202) (257) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه (واللفظ ليحيى) بن يحيى (قال يحيى وإسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار) وزاد البخاري بمنى، ووقع عند الإسماعيلي من طريق ابن نمير أن ذلك كان ليلة عرفة كما ذكره الحافظ في الفتح [4/ 40] فتبين أنهم كانوا محرمين (و) الحال أنه (قد أنزلت عليه) صلى الله عليه وسلم سورة (والمرسلات عرفًا فنحن نأخدها من فيه) صلى الله عليه وسلم حالة كون تلك السورة (رطبة) جديدة في فمه صلى الله عليه وسلم أي نسمعها ونتلقاها منه ولم يجف ريقه بها، قال القرطبي: أي نأخذ تلك السورة من فمه الشريف مستطابة سهلة كالتمرة السهلة الجنى وقيل معناه نسمعها منه لأول نزولها كالشيء الرطب في أول أحواله، والأول أوقع تشبيهًا ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج "يقرؤون القرآن رطبًا لا يجاوز حناجرهم" متفق عليه أي يستطيبون تلاوته ولا يفهمون معانيه اهـ من المفهم (إذ خرجت) وطلعت (علينا) من نواحي الغار (حية فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (اقتلوها فابتدرناها) أي سارعنا إليها (لنقتلها فسبقتنا) أي شردت منا وغابت ولم ندركها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاها الله) تعالى أي حفظها (شركم) وضرركم وسلّمها من قتلكم (كما وقاكم) وحفظكم (شرها) أي من ضررها ولسعها، قال القرطبي: أي وقاها الله شركم أي قتلكم لها فإنه شر بالنسبة إليها وإن كان خيرًا بالنسبة

5694 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعمَشِ، في هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 5695 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ)، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى ـــــــــــــــــــــــــــــ إلينا كما وقاكم شرها أي لسعها، وفيه دلالة على صحة ما ذكرناه من استصحاب أصل الضرر في نوع الحيات اهـ من المفهم. ودل الحديث على جواز قتل الحية في الإحرام لأنهم محرمون وفي الحرم لأن منى من الحرم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 428]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في التفسير سورة والمرسلات [4930 و 4931]، والنسائي في مناسك الحج باب قتل الحية في الحرم [2883 و 2884]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5694 - (00) (00) (وحدّثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة قالا حدثنا جرير) ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش في هذا الإسناد) أي روى جرير عن الأعمش بهذا الإسناد يعني عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله، وغرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية وساق جرير (بمثله) أي بمثل حديث أبي معاوية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 5695 - (00) (00) (وحدّثنا أبو كريب حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لأبي معاوية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر محرمًا) أي جنس محرم كانوا معه في غار (بقتل حية) طلعت عليهم (بمنى) وهو موضع النحر بمكة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

5696 - (00) (00) وحدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأعمَشُ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: بَينَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ في غَارٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَأَبِي مُعَاويةَ. 5697 - (2203) (258) وحدّثني أَبُو الطَّاهرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أنسٍ، عَنْ صَيفِيٍّ، (وَهُوَ عِنْدَنَا مَولَى ابْنِ أَفْلَحَ)، أَخْبَرَنِي أَبُو السَّائِبِ، مَوْلى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5696 - (00) (00) (وحدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث (حدثنا الأعمش حدثني إبراهيم عن الأسود عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عمر بن حفص لأبي كريب (قال) عبد الله (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار) بمنى ليلة عرفة كما مر، وساق حفص بن غياث (بمثل حديث جرير) بن عبد الحميد (وأبي معاوية) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لهما. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 5697 - (2203) (258) (وحدّثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني مالك بن أنس) المدني (عن صيفي) بن زياد أبي زياد المدني الأنصاري مولاهم، قال مالك (وهو) أي صيفي بن زياد رجل معروف (عندنا) هو (مولى) عمر (بن أفلح) مولى أبي أيوب الأنصاري هكذا هو في مسلم (مولى ابن أفلح) واسم ابن أفلح عمر وقيل عمر بن كثير اهـ تهذيب، والصواب إسقاط لفظة ابن لأنه مولى أفلح كما في التهذيب ورجال مسلم للأصبهاني، روى عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة في ذكر الجن وأبي سعيد الخدري، ويروي عنه (م د ت س) ومالك ومحمد بن عجلان والمقبري وابن أبي ذئب، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (أخبرني أبو السائب) الأنصاري المدني اسمه عبد الله بن السائب (مولى هشام بن زهرة) ويقال مولى عبد الله

أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ في بَيتِهِ. قَال: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلاتَهُ. فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا في عَرَاجِينَ في نَاحِيَةِ الْبَيتِ. فَالتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ. فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا. فَأَشَارَ إِليَّ: أَنِ اجْلِسْ. فَجَلَسْتُ. فَلَما انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيتٍ في الدَّارِ. فَقَال: أَتَرَى هَذَا الْبَيتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَال: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن هشام بن زهرة ويقال مولى بني زهرة، روى عن أبي سعيد الخدري في ذكر الجان والصلاة، وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة، ويروي عنه (م عم) وصيفي مولى أفلح وأسماء بن عبيد والعلاء بن عبد الرحمن وبكير بن الأشج وغيرهم، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة مقبول النقل، وقد روى عن سعد بن أبي وقاص، ووقع في نوادر الأصول في الأصل الثامن والستين إنه جهني وإن اسمه عبد الله بن السائب اهـ من التهذيب، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وذكره ابن حبان في الثقات (أنه) أي أن أبا السائب (دخل على أبي سعيد الخدري في بيته) أي في بيت أبي سعيد. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو السائب (فوجدته) أي فوجدت أبا سعيد أي رأيته (يصلي) أي مصليًا (فجلست أنتظره) أي منتظرًا فراغه من الصلاة فانتظرته (حتى يقضي) ويتم (صلاته فسمعت) في حال انتظاره (تحريكًا) أي صوت تحريك محرك (في عراجين) أي في أعواد (في ناحية البيت) وجانبه أي في سقفه، قال النووي: العراجين جمع عرجون فعلول من الانعراج والانعطاف والواو والنون زائدتان أراد بها الأعواد التي في سقف البيت شبهها بالعراجين والعرجون عذق النخل إذا يبس واعوج أو عود الكباسة كما في القاموس قال أبو السائب (فالتفت) إلى ناحية الحركة (فإذا حية) طالعة (فوثبت) أي قمت بسرعة (لأقتلها فأشار إليّ) أبو سعيد وهو في صلاته بـ (أنِ اجلس) يعني منعه من الإقدام على قتل تلك الحية ويمكن أن تكون الإشارة خفيفة لا تستلزم العمل الكثير المفسد للصلاة وإنما جاز ذلك لصيانة الغير عما قد يؤدي إلى هلاكه (فجلست) إلى فراغه من الصلاة (فلما انصرف) وفرغ من صلاته (أشار) لي (إلى بيت) أي إلى غرفة (في الدار) والمراد بالبيت هنا الغرفة المقطوعة من الدار المعدة للنوم فيها ولوضع الأمتعة النفيسة فيها (فقال) لي أبو سعيد (أترى هذا البيت) أي هل ترى هذه الغرفة (فقلت) له (نعم) أراها وما شأنها (قال) أبو سعيد (كان) ساكنًا (فيه) أي في هذا البيت (فتى) أي شاب (منا) أي من الأنصار (حديث

عَهْدٍ بِعُرْسٍ. قَال: فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ إِلَى الْخَنْدَقِ. فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتأْذِنُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ. فَاسْتَأذَنَهُ يَوْمًا. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "خُذْ عَلَيكَ سِلاحَكَ. فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيكَ قُرَيظَةَ" فَأخَذَ الرَّجُلُ سِلاحَهُ. ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَينَ الْبَابَينِ قَائِمَةً. فَأَهْوَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عهد بعرس) أي قريب زمن بزواج (قال) أبو سعيد (فخرجنا) معاشر المؤمنين (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة (إلى الخندق) أي إلى محل حفر الخندق وهو الحفيرة التي حفروها لمنع الأحزاب من دخول المدينة من جهة جبل سلع (فكان ذلك الفتى) الذي كان حديث عهد بعرس (يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار) أي يطلب الإذن منه صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى أهله منتصف النهار ليؤانس أهله لأنه قريب عهد بالزواج، وأنصاف النهار بفتح الهمزة جمع نصف بمعنى منتصفه وكان وقت رجوعه زمنًا من آخر النصف الأول وزمنًا من أول النصف الثاني فجمعه لذلك قاله النووي، وجمان هذا الاستئذان امتثالًا لقوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} وأما رجوعه إلى أهله فليطالع حالهم ويقضي حاجتهم ويؤانس امرأته لأنها كانت عروسًا اهـ منه، وعبارة القرطبي هنا وكانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق وأنصاف جمع نصف كحمل وأحمال وعدل وأعدال وكان هذا الفتى كان عادته أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم من تلك الأيام في نصف النهار فيأذن له في الإنصراف إلى أهله، والباء في (بأنصاف) بمعنى في كما تقول جاء زيد بثيابه أي فيها ولم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا الفتى واسم زوجته. قوله (فيرجع إلى أهله) معطوف على يستأذن (فاستأذنه) أي فاستأذن ذلك الفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم (يومًا) من تلك الأيام (فقال له) أي الفتى (رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ) حاملًا (عليك سلاحك) أي عدة حربك (فإني أخشى) وأخاف (عليك) اليوم غيلة بني (قريظة) قوم من يهود المدينة (فأخذ الرجل سلاحه) يعني الرمح والسيف (ثم رجع) إلى أهله كعادته في ذلك الوقت (فإذا امرأته) حاضرة (بين البابين) أي بين الخشبتين المركزتين في جانبي الباب حالة كونها (قائمة) أي واقفة خائفة من شيء فقائمة منصوب على الحالية، أو مرفوع على كونه خبرًا لقوله امرأته، وإذا فجائية (فأهوى) أي

إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا بهِ. وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ. فَقَالتْ لَهُ: اكْفُفْ عَلَيكَ رُمْحَكَ، وَادْخُلِ الْبَيتَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي. فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَويَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ. فَأَهْوَى إِلَيهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا بِهِ. ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ في الدَّارِ. فَاضْطَرَبَتْ عَلَيهِ. فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا. الْحَيَّةُ أَمِ الْفَتَى؟ قَال فَجِئْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. وَقُلْنَا: ادْعُ اللهَ يُحْيِيهِ لَنَا. فَقَال: "اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ". ثُم قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ مد وأمال (إليها الرمح ليطعنها به) أي بالرمح، قال القرطبي: أماله إليها إرهابًا ومبالغة في الزجر وحمله على ذلك فرط المغيرة وما كان بالذي يطعنها (و) الحال أنه قد (أصابته غيرة) وحمية لخروجها من البيت ووقوفها على الباب لسوء الظن بها (فـ) لما رأت ذلك منه (قالت له اكفف عليك) أي أمسك (رمحك) عليك ولا تمده إلى (وادخل البيت حتى تنظر) وتبصر (ما الذي أخرجني) أي السبب الذي أخرجني من البيت (فدخل) الرجل البيت (فإذا) هو راءٍ (بحية عظيمة منطوية) أي ملتوية (على الفراش فأهوى) ورمى (إليها) أي إلى الحية (الرمح فانتظمها) أي طعنها (به) أي بالرمح يقال انتظم الصيد إذا طعنه أو رماه حتى ينفذه اهـ م ج (ثم خرج) الرجل من الدار (فركزه) أي فركز الشيء الذي طعنه وثبته بالرمح (في الدار) ومنعه من التحرك، وذكر الضمير نظرًا لكون الحية بمعنى الجن أو المعنى ركز رمحه عليها في الدار وخرج أي تركه مركوزًا على الحية (فاضطربت) الحية وتحركت تحركًا شديدًا ووثبت (عليه) أي على الرجل حتى تلفَّفَتْ عليه، أو ركز الرمح في الدار فتلففت على الرمح (فما يدرى) أي ما يعلم (أيهما) أي أي الرجل أو الحية (كان أسرع) وأعجل (موتًا) أي لا يدرى (الحية) أسبق موتًا (أم الفتى) أسبق موتًا، وقوله (الحية أم الفتى) بالرفع بدل من أي بدل تفصيل من مجمل يعني مات الفتى من ساعته حتى لا يدرى الحية ماتت قبله أو هو مات قبلها وذلك لأنه قتله الجن انتقامًا من قتله للحية التي كانت من الجن وجاءت على صورة الحية (قال) أبو سعيد (فجئنا) معاشر الأنصار (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك) أي كون الفتى مقتولًا بسبب قتله الحية (له) صلى الله عليه وسلم (وقلنا) له صلى الله عليه وسلم (ادع الله) سبحانه أن (يحييه لنا) أي أن يجعله لنا حيًّا (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (استغفروا لصاحبكم) فإنه مات موتًا حقيقيًّا لا إغماءً فلا يعود إلى الدنيا (ثم قال) لنا

"إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا. فَإِذَا رَأَيتُمْ مِنْهُمْ شيئًا فَآذِنُوهُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِك فَاقْتُلُوهُ. فَإِنَّمَا هُوَ شَيطَانٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا) مصورًا بصورة حية لأن الجن لكونه جسمًا لطيفًا يتشكل بصورة الحية (فآذنوه) بالهمزة الممدودة من الإيذان أي فآذنوا ذلك الشيء وأعلموه بالإنذار (ثلاثة أيام) وبينا لكم كيفية الإيذان فيما مر فراجعه (فإن بدا) أي ظهر (لكم بعد ذلك) أي بعد الإنذار والتخويف (فاقتلوه) أي فاقتلوا ذلك الشيء الذي بدا لكم بصورة الحية (فإنما هو) أي ما الشيء الذي بدا لكم إلا (شيطان) لا جن أسلمت وتصورت بصورة الحية، قال العلماء: معناه إذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنه ليس من عوامر البيت ولا ممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلا حرمة عليكم فاقتلوه ولن يجعل الله له سبيلًا للانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر ومن أسلم والله أعلم اهـ نووي. قوله (هو شيطان) سمي به لتمرده وعدم ذهابه بالإيذان فإن كل متمرد من الجن والإنس والدابة يسمى شيطانًا كذا في المبارق. قال القرطبي (وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم حين مات الفتى ادع الله أن يحييه لنا) هذا قول أخرجه منهم كثرة ما كانوا يشاهدون من إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم وعموم بركاته. قوله (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا) قد بينا أن بغير المدينة جنًّا قد أسلموا فتلزم التسوية بينها وبين غيرها في المنع من قتل الحيات إلا بعد الإذن. ولا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلمًا وأن الجن قتلته قصاصًا لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض وهذا الفتى لم يقصده ولم يتعمد قتل نفس مسلمة إذ لم يكن عنده علم من ذلك وإنما قصد إلى قتل ما سوغ له قتل نوعه شرعًا فهذا قتل خطأ فلا قصاص فيه فالأولى أن يقال إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدوانًا وانتقامًا وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا" إلى آخر الحديث ليبين طريقًا يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم ويتسلط على قتل الكافر منهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان" ولذلك قال مالك: أحب إلى أن ينذروا ثلاثة أيام، قال عيسى بن دينار: ينذر ثلاثة أيام وإن ظهر في اليوم مرارًا ولا يقتصر على إنذاره ثلاث مرار في يوم واحد حتى

5698 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ بْنَ عُبَيدٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ السَّائِبُ -وَهُوَ عِنْدَنَا أَبُو السَّائِبِ- قَال: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. فَبَينَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون في ثلاثة أيام. [قلت] وهذا تنبيه على أن من الناس من يقول إن الإيذان ثلاث مرات وهو الذي يفهم من قوله (فليؤذنه ثلاثًا) ومن قوله (فحرجوا عليه ثلاثًا) لأن ثلاثًا للعدد المؤنث فيظهر أن المراد ثلاث مرات والأولى ما صار إليه مالك لأن قوله ثلاثة أيام نص صريح مقيد لتلك المطلقات فلا يعدل عنه ويمكن أن يحمل تأنيث العدد على إرادة ليالي الأيام الثلاثة فغلب الليلة على عادة العرب في باب التاريخ فإنها تغلب فيها التأنيث اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في قتل الحيات [5256 و 5257]، والترمذي في الصيد باب ما جاء في قتل الحيات [1484]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5698 - (00) (00) (وحدّثني محمَّد بن رافع) القشيري (حدثنا وهب بن جرير بن حازم) الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبي) جرير بن حازم، ثقة، من (6) (قال سمعت أسماء بن عبيد) بن مخارق الضبعي أبا المفضل البصري، روى عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة في ذكر الحية والشعبي وابن سيرين وعدة، ويروي عنه (م) وجرير بن حازم وابنه جويرية وحماد بن سلمة وعدة، وثقه ابن معين، وله في (م) فرد حديث، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة، مات سنة (141) إحدى وأربعين ومائة، وليس في رجال مسلم من اسمه أسماء إلا هذا حالة كون أسماء بن عبيد (يحدث عن رجل يقال له) عبد الله بن (السائب) سمي باسم أبيه لشهرته به، قال جرير بن حازم (وهو) أي ذلك الرجل الذي سماه أسماء بالسائب معروف (عندنا) بأن كنيته (أبو السائب) واسمه عبد الله بن السائب مولى هشام بن زهرة، تقدم البسط في ترجمته في السند السابق (قال) ذلك الرجل (دخلنا على أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة جرير بن حازم لمالك بن أنس ولكنها متابعة ناقصة لأن شيخ مالك صيفي وشيخ جرير أسماء بن عبيد، قال أبو السائب (فبينما

نَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ سَمِعْنَا تَحْتَ سَرِيرِهِ حَرَكَةً. فَنَظَرْنَا فَإِذَا حَيَّةٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ صَيفِيٍّ. وَقَال فِيهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ. فَإِذَا رَأَيتُمْ شَيئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا علَيهَا ثَلاثًا. فَإِنْ ذَهَبَ، وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ. فَإِنَّهُ كَافِرٌ". وَقَال لَهُمُ: "اذْهَبُوا فَادْفِنُوا صاحِبَكُمْ". 5699 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نحن جلوس) عند أبي سعيد الخدري (إذ سمعنا تحت سريره) أي تحت سرير أبي سعيد الخدري، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما والتقدير فبينما أوقات جلوسنا عند أبي سعيد فاجأنا سماعنا تحت السرير (حركة) أي صوت حركة شيء من المتحركات (فنظرنا) تحت سريره (فإذا حية) عظيمة منطوية تحت سريره (وساق) جرير بن حازم أي ذكر (الحديث) السابق (بقصته نحو حديث مالك عن صيفي) أي قريبه في اللفظ والمعنى (و) لكن (قال) جرير (فيه) أي في ذلك النحو الذي ساقه أي زاد فيه لفظة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لهذه البيوت عوامر) أي جنانًا سواكن فيها مع أهلها الآدميين (فإذا رأيتم شيئًا منها) أي من تلك العوامر بصورتها المتشكلة إليها كالحيات والعقارب والطيور والسباع (فحرجوا) أي ضيقوا (عليها) أي على تلك العوامر بالقول (ثلاثًا) من الليالي أو الأيام، قال ابن الأثير: التحريج عليها هو أن يقول لها أنت في حرج وضيق منا إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل اهـ (فإن ذهب) ذلك الجني وانعدم فذاك المطلوب (وإلا) أي وإن لم يذهب وبدا لكم بعد ثلاثة أيام (فاقتلوه فإنه) أي فإن ذلك الذي بدا لكم بعد التحريج المطلوب جني (كافر) يريد إذايتكم، وزاد فيه جرير أيضًا لفظة (وقال لهم) أي للأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهبوا فادفنوا صاحبكم) يا معشر الأنصار يعني به الفتى المذكور. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5699 - (00) (00) (وحدّثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن) محمَّد (بن عجلان) القرشي مولاهم مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة أبي عبد الله

حَدَّثَنِي صَيفِيٌّ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: سَمِعْتُهُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا. فَمَنْ رَأَى شَيئًا مِنْ هذِهِ الْعَوامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاثًا. فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ. فَإِنَّهُ شَيطَانٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثني صيفي) مولى ابن أفلح (عن أبي السائب) عبد الله بن السائب مولى هشام بن زهرة (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن عجلان لمالك بن أنس (قال) أبو السائب (سمعته) أي سمعت أبا سعيد الخدري (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بالمدينة نفرًا من الجن قد أسلموا) أي إن جماعة من الجن أسلموا منهم شاصر، ماصر، ومنشى، وماشي، والأحقب، وسرق، وعمرو بن جابر، ومالك بن مالك، وزوبعة، وسمحج، والفارعة، ووردان، وهامة بن الهيثم، وعمرو بن طارق اهـ تنبيه المعلم على مبهمات مسلم (فمن رأى شيئًا من هذه العوامر) أي من هذه الحيات التي تسكن البيوت (فليؤذنه) أي فليعلم ذلك الشيء بقتله إن لم يذهب (ثلاثًا) من الأيام ذكر اسم العدد مع أن المعدود مذكر لحذف المعدود كما هو القاعدة عند النحاة، والظرف متعلق بالإيذان (فإن بدا) وظهر (له) أي لأحدكم (بعد) أي بعد ثلاثة أيام (فليقتله فإنه) أي فإن ذلك الشيء الذي بدا له (شيطان) متمرد يريد إذايته لا من العوامر التي تسكن بيوتكم. وفي هذه الأحاديث دلالة على أن الجن يتطورون ويتشكلون في صور مختلفة فيتصورون في صور الحيات والعقارب وفي صور الطيور والبهائم كما قد تتصور في صور بني آدم، وقال القاضي أبو يعلى: ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور وإنما يجوز أن يعلمهم الله تعالى كلمات وضربًا من ضروب الأفعال إذا فعله وتكلم به نقله الله تعالى من صورة إلى صورة فيقال إنه قادر على التصوير والتخييل على معنى أنه قادر على قول إذا قاله وفعله نقله الله تعالى من صورته إلى صورة أخرى بجري العادة، وأما أنه يصور نفسه فذلك محال لأن انتقالها عن صورة إلى صورة أخرى إنما يكون بنقض البنية وتفريق الأجزاء وإذا انتقضت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة وكيف تنقل نفسها، والقول في تشكيل الملائكة مثل ذلك كذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في آكام المرجان في أحكام الجان لبدر الدين الشبلي ص [19 ب 6] اهـ تكملة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث: الأول حديث معاوية بن الحكم ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذكره للاستشهاد، والخامس حديث شريد بن سويد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسادس حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث أبي لبابة ذكره للاستشهاد ثانيًا وذكر فيه ست متابعات، والتاسع حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد به ثالثًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والعاشر حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به رابعًا وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

682 - (26) باب الأمر بقتل الوزغ والنهي عن قتل النمل وقتل الهرة وفضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها

682 - (26) باب الأمر بقتل الوزغ والنهي عن قتل النمل وقتل الهرة وفضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها 5700 - (2204) (259) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَال إِسحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيرِ بنِ شَيبَةَ، عَن سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَن أُمِّ شَرِيكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوزَاغِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 682 - (26) باب الأمر بقتل الوزغ والنهي عن قتل النمل وقتل الهرة وفضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها 5700 - (2204) (259) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد (الناقد وإسحاق بن إبراهيم و) محمَّد (بن أبي عمر) العدني المكي (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة) بن عثمان بن طلحة العبدري الحجبي المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن سعيد بن المسيب) بن حزن بوزن سهل القرشي المخزومي أبي محمَّد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابًا (عن أم شريك) القرشية العامرية، وقيل الدوسية، وقيل الأنصارية اسمها غزية، ويقال غزيلة بنت دودان بن عمرو بن عامر، ويقال إنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم والتي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيتها أولًا ثم حولها إلى بيت ابن أم مكتوم كما مر في كتاب الطلاق رضي الله تعالى عنها، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنها (خ م ت س ق) وسعيد بن المسيب في الحيوان باب قتل الوزغ، وجابر بن عبد الله في الفتن. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ) حين استأمرته صلى الله عليه وسلم في قتلها وحث على قتلها ورغب فيه لكونها من المؤذيات، والأوزاغ جمع وزغة بفتحات وتجمع أيضًا على وزغان بكسر الواو وسكون الزاي، وهي دويبة معروفة وهي وسام أبرص جنس واحد ولكن سام أبرص كباره، وذكر الدميري في حياة الحيوان [2/ 381] أن الوزغ أصم ومن طبعه أنه لا يدخل بيتًا فيه رائحة الزعفران، وتألفه الحيات وهو يلقح بفيه ويبيض كما تبيض الحيات ويقيم في حجره زمن الشتاء أربعة أشهر لا يطعم شيئًا، قال النووي: اتفق العلماء على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي شيبَة: أَمَرَ. 5701 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيجٍ. ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو جمع وزغة بالتاء ويجمع على أوزاغ ووزغان وأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه ورغب فيه لكونه من المؤذيات، وأما سبب تكثير الثواب في قتله بأول ضربة ثم التي تليها فالمقصود به الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به اهـ، قال القرطبي: والوزغة دويبة مستخبثة مستكرهة وتجمع على وزغ وأوزاغ ووزغان وأمره صلى الله عليه وسلم بقتلها لما يحصل منها من الضرر والأذى الذي هي عليه من الاستقذار المعتاد والنفرة المألوفة التي قد لازمت الطباع ولما يتقى أن يكون فيها سم أو شيء يضر متناوله، ولما روي من أنها أعانت على وقود نار إبراهيم - عليه السلام - فإنها كانت تنفخ فيه ليشتعل وهذا من نوع ما روي في الحية أنها أدخلت إبليس إلى الجنة فعوقبت بأن أهبطت مع من أهبط وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم وشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: "ما سالمناهن مذ عاديناهن" رواه أحمد [2/ 432] من حديث أبي هريرة اهـ من المفهم (وفي حديث) أبي بكر (بن أبي شيبة) وروايته (أمر) بحذف ضمير أم شريك، وفيه العموم أي فأمر الناس بقتلها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 421]، والبخاري في الأنبياء باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [3359]، والنسائي في الحج باب قتل الوزغ [2885]، وابن ماجه في الصيد باب قتل الوزغ [3268]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم شريك رضي الله تعالى عنها فقال: 5701 - (00) (00) (وحدّثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن جريج ح وحدّثني محمَّد بن أحمد بن أبي خلف) السلمي البغدادي واسم أبي خلف محمَّد مولى بني سليم (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا ابن جريج ح وحدّثنا عبد بن حميد أخبرنا محمَّد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، ثقة،

أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيرِ بْنِ شَيبَةَ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا اسْتَأْمَرَتِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ في قَتْلِ الْوزْغَانِ. فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا. وَأُمُّ شَرِيكٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. اتَّفَقَ لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي خَلَفٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيدٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ قَرِيبٌ مِنْهُ. 5702 - (2205) (265) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النبِي صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ. وَسَمَّاهُ فُوَيسِقًا ـــــــــــــــــــــــــــــ من (9) (أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة أن سعيد بن المسيب أخبره أن أم شريك) رضي الله تعالى عنها (أخبرته أنها استأمرت) وشاورت (النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الوزغان) بكسر الواو وسكون الزاي جمع وزغة كما مر آنفًا (فأمر) ها (بقتلها) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة. قال المؤلف رحمه الله تعالى (وأم شريك) هذه هي (إحدى نساء بني عامر بن لوي) القرشية المدنية رضي الله تعالى عنها، وقال المؤلف أيضًا (اتفق لفظ حديث) محمَّد بن أحمد (بن أبي خلف و) لفظ حديث (عبد بن حميد و) أما (حديث ابن وهب) فـ (قريب منه) أي من حديث ابن أبي خلف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم شريك بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال: 5702 - (2205) (260) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته. (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ) لأنها مستقذرة مستخبثة (وسماه) أي وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الوزغ (فويسقًا) تصغير فاسق تصغير تحقير لها، قال النووي: أما تسميته فويسقًا فنظيره الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم، وأصل الفسق الخروج وهذه المذكورات خرجت من خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضرر

5703 - (2206) (261) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال لِلْوَزَغِ: "الْفُوَيسِقُ". زَادَ حَرْمَلَةُ: قَالتْ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأذى فيهما، قال القرطبي: إنما سمي بذلك لخروجه عن مواضعه أو عن جنس الحيوانات للضرر وقيل لأنها خرجت عن حكم الحيوانات المحترمة شرعًا بحل قتلها في الحل والحرم، وقد تقدم أن أصل الفسق في اللغة الخروج مطلقًا وأنه اسم مذموم في الشرع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 176]، وأبو داود في الأدب باب قتل الوزغ [5262]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أم شريك بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 5703 - (2206) (261) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ) هو (الفويسق) أي الخارج عن حكم سائر الحيوانات المحترمة بحل قتله في الحل والحرم أو بالضرر والأذى (وزاد حرملة) في روايته (قالت) عائشة (ولم أسمعه) صلى الله عليه وسلم (أمر بقتله) أي بقتل الوزغ، وهذا يعارض ما روى ابن ماجه عنها أنها قالت: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ، فيجمع بينهما بأن (ما) هنا محمول على أنها لم تسمع الأمر بنفسها، و (ما) هناك بأنها سمعت الأمر بقتله من غيرها من الصحابة، وقد صرحت في رواية للبخاري برقم [3306] أنها سمعت من سعد بن أبي وقاص. قال القرطبي: وعدم سماعها الأمر بالقتل لا حجة فيه على نفي القتل إذ قد نقل الأمر بقتله أم شريك وغيرها ومن نقل حجة على من لم ينقل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 87] والبخاري في بدء الخلق وفي الحج [3306] والنسائي في الحج باب قتل الوزغ [2886] وابن ماجه في الصيد باب قتل الوزغ [3270].

5704 - (2207) (262) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً. وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً. لِدُونِ الأُولَى. وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً. لِدُونِ الثَّانِيَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم شريك ثالثًا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5704 - (2207) (262) (وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح السمان، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل وزغة في أول ضربة) ورمية أي في الضربة الأولى (فله) أي فلذلك القاتل (كذا وكذا) اسمان مركبان جعلا كناية عن العدد المبهم فهما في محل الرفع مبتدأ مؤخر مبني على سكون الجزأين بني الجزء الأول لشبهه بالحرف شبهًا افتقاريًا، والثاني شبهًا معنويًا نظير قولهم له خمسة عشر درهمًا. وقوله (حسنة) منصوب على التمييز وناصبه الذات المبهمة أي فله كذا وكذا من جهة الحسنة والثواب كأنه قال فله مائة حسنة كما فسر بذلك في بعض الروايات (ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى) أي حالة كونه ذاكرًا حسنة دون حسنة المرة الأولى (وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية) أي حالة كونه ذاكرًا حسنة دون حسنة المرة الثانية. قال في المبارق: قوله (كذا وكذا) يحتمل أن يكون لفظ الراوي كأنه نسي الكمية فكنى بكذا وكذا عنها وأن يكون لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد بين المكنى عنه في حديث جابر رضي الله عنه (من قتل وزغة في أول ضربة كتبت له مائة حسنة وفي الثانية سبعون حسنة وفي الثالثة دون ذلك) وإنما كان الأقل ضربًا أكثر أجرًا لأن إعدامها مطلوب فلو أراد أن يضربها ضربات ربما هربت وفات قتلها المقصود، وروى البخاري في صحيحه عن أم شريك (أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغة وقال "كانت تنفخ نارًا على إبراهيم - عليه السلام - حين ألقي في النار") لعل هذا الحديث صدر بيانًا أن جبلتها الإساءة اهـ.

5705 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ, (يَعْنِي ابْنَ زَكَرِيَّاءَ)، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قوله (كذا وكذا) هذا عدد مبهم فسرته الرواية الأخرى التي قال فيها مائة حسنة أو سبعون ولم يقع تفسير للعدد الذي في الضربة الثانية ولا الثالثة غير أن الحاصل أن قتلها في أول ضربة فيه من الأجر أكثر مما في الثانية وما في الثانية أكثر مما في الثالثة، وقد قيل إنما كان ذلك للحض على المبادرة إلى قتلها والجد فيه وترك التواني لئلا تفوت سليمة. [قلت] ويظهر لي وجه آخر وهو أن قتلها وإن كان مأمورًا به لا تعذب بكثرة الضرب عليها بل ينبغي أن يجهز عليها في أول ضربة ويشهد لهذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان، وقوله "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح" رواه أحمد و (م) و (عم) والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب قتل الوزغ [5263 و 5264]، والترمذي في الصيد باب ما جاء في قتل الوزغ [1482]، وابن ماجه في الصيد باب قتل الوزغ [3269]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5705 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي اليشكري (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا إسماعيل يعني ابن زكرياء) بن مرة الأسدي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (كلهم) أي كل من أبي عوانة وجرير بن عبد الحميد وإسماعيل بن زكرياء وسفيان الثوري رووا (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح (عن أبي هريرة) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لخالد بن عبد الله الطحان (عن النبي صلى الله عليه وسلم)

بِمَعْنَى حَدِيثِ خَالِدٍ عَنْ سُهَيلٍ. إِلَّا جَرِيرًا وَحْدَهُ. فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ: "مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ. وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ". 5706 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ, (يَعْنِي ابْنَ زَكَرِيَّاءَ)، عَنْ سُهَيلٍ. حَدَّثَتْنِي أُخْتِي، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حَسَنَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ وساقوا أي ساق هؤلاء الأربعة (بمعنى حديث خالد عن سهيل إلا جريرًا وحده فإن في حديثه) أي في حديث جرير (من قتل وزغًا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك) المذكور من المائة كخمسين مثلًا (وفي الثالثة) كتب له (دون ذلك) المذكور في المرة الثانية كخمس وعشرين، قوله (وفي الثانية دون ذلك) .. الخ، قال السنوسي: تكثير أجر من قتلها بالضربة الأولى على أجر من قتلها بالضربة الثانية عكس ما ألف في الشريعة لأن العمل كلما كثر ازداد أجره فالله تعالى أعلم بحكمة ذلك ولعل الحكمة فيه الحض على المبادرة إلى قتلها والحض على تعجيله خوف أن تفوت اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5706 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي البغدادي (حدثنا إسماعيل يعني ابن زكرياء) بن مرة الأسدي الكوفي (عن سهيل) قال سهيل (حدثتني أختي) سودة بنت أبي صالح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سودة بنت أبي صالح لأبيها أبي صالح السمان في الرواية عن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أول ضربة سبعين حسنة) قال النووي: قوله (حدثتني أختي) هكذا وقع في أكثر النسخ (أختي) ووقع في بعضها (أخي) بالتذكير، وفي بعضها (أبي) وذكر القاضي الأوجه الثلاثة، قالوا ورواية أبي خطأ، ووقع في رواية أبي داود (أخي أو أختي) قال القاضي: أخت سهيل سودة وأخواه هشام وعباد اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5707 - (2208) (263) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ. فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيهِ: أن أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 5707 - (2208) (263) (حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن) ابن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نملة) من النمول (قرصت) أي لسعت ولدغت (نبيًّا من الأنبياء) عليهم السلام، قيل هذا النبي عزير - عليه السلام -، وروى الحكيم الترمذي في النوادر أنه موسى - عليه السلام - وبذلك جزم الكلاباذي في معاني الأخبار والقرطبي في التفسير كما في فتح الباري [6/ 358] قال النووي: وهذا الحديث محمول على أن شرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه جواز قتل النمل وجواز الإحراق بالنار ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق بل في الزيادة على نملة واحدة، وأما شرعنا فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان إلا إذا أحرق إنسانًا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص بإحراق الجاني اهـ (فأمر) ذلك النبي (بـ) إحراق (قرية النمل) وقرية النمل موضع اجتماعهن والعرب تفرق بين الأوطان فيقولون لمسكن الإنسان وطن ولمسكن الإبل عطن وللأسد عرين وغابة وللظبي كناس وللضب وجار وللطائر عش وللزنبور كور ولليربوع نافق وللنمل قرية كذا في فتح الباري (فأحرقت) قرية النمل (فأوحى الله) سبحانه (إليه) أي إلى ذلك النبي فقال له (أفي أن قرصتك) أي هل في قرصة (نملة) واحدة إياك (أهلكت أمة من الأمم تسبحـ) ـــني وتذكرني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 402]، والبخاري في بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه .. الخ [3319]، وأبو داود [5266]، والنسائي في الصيد باب قتل النمل [4358 إلى 4360]، وابن ماجه في الصيد باب ما ينهى عن قتله [3264]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5708 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ) , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ. فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ. فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيهِ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً". 5709 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله ـــــــــــــــــــــــــــــ 5708 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة يعني ابن عبد الرحمن) ابن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) بكسر الحاء وفتح الزاي نسبة إلى جده المذكور المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لسعيد بن المسيب وأبي سلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته) أي قرصته (نملة) واحدة من تلك النمول (فأمر) ذلك النبي - عليه السلام - (بجهازه) بفتح الجيم ويجوز كسرها أي بنقل متاعه من تلك الشجرة إلى شجرة أخرى (فأخرج) أي حول جهازه (من تحتها) أي من تحت تلك الشجرة ولعل المراد أن النمل كانت تحت المتاع أوفيما حوله فخشي أنه إذا أحرق النمل تحرق المتاع فأخرجه من تحت الشجرة ليقع الإحراق على النمل فقط (ثم) بعد نقل متاعه (أمر بها) أي بإحراق النمل (فأحرقت فأوحى الله إليه) أي إلى ذلك النبي (فهلا) عاقبت (نملة واحدة) قرصتك لأنها الجانية عليك، وأما غيرها فليس لها جناية عليك فهلا هنا حرف تحضيض، والتحضيض الطلب بحث وإزعاج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5709 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج (قال) همام (هذا) الحديث أمليه عليكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله

عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ. فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ. فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا. وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ. قَال: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيهِ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لعبد الرحمن الأعرج (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته) أي قرصته (نملة) واحدة (فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت في النار قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأوحى الله إليه فـ) قال له (هلا) عاقبت (نملة واحدة) الجانية عليك. استطرادية قال الدميري في حياة الحيوان [2/ 336] وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها والنمل لا يتزاوج ولا يتناكح إنما يسقط منه شيء حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيظًا حتى يتكون منه والبيض كله بالضاد المعجمة الساقطة إلا بيظ النمل فإنه بالظاء المشالة والنمل عظيم الحيلة في طلب الرزق فإذا وجد شيئًا أنذر الباقين ليأتوا إليه ومن طبعه أنه يحتكر قوته من زمن الصيف لزمن الشتاء وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره وأكثر ما يفعل ذلك ليلًا في ضوء القمر ويقال إن حياته ليست من قبل ما يأكله ولا قوامه منه وذلك لأنه ليس له جوف ينفذ فيه الطعام ولكنه مقطوع نصفين وإنما قوته إذا قطع الحب في استنشاق ريحه فقط وذلك يكفيه، وقال العيني في عمدة القاري [7/ 302] ويحكى أن سليمان - عليه السلام - سأل نملة: ما يكفيك من الأكل في سنة واحدة، قالت: حبة من القمح فأمر بها فحبست في قارورة ووضع معها حبة قمح فتركوها سنة، فطلبها ففتح فم القارورة فإذا فيها النملة ولم (تأكل إلا نصفها، فقال لها ما قلت: مأكولي حبة قمح في سنة، فقالت: يا نبي الله، نعم ولكن أنت ملك عظيم الشأن مشتغل بالأمور الكثيرة فخفت أن تنساني سنتين فأكلت نصف القمحة وادخرت نصفها للسنة الأخرى فتعجب سليمان - عليه السلام - من أمرها وإدراكها اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال:

5710 - (2209) (264) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ. لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا, إِذْ حَبَسَتْهَا. وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5710 - (2209) (264) (حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا جويرية بن أسماء) بن عبيد الضبعي البصري، صدوق، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن نافع عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عذبت امرأة) لم أر من ذكر اسمها (في هرة) وفي هنا بمعنى الباء السببية مجازًا أي بسبب هرة (سجنتها) أي حبستها (حتى ماتت) جوعًا يعني عذبت تلك المرأة إن كانت مؤمنة بسبب حبسها حتى تموت وازدادت عذابًا بسببها إن كانت كافرة والله أعلم، وفي القسطلاني: وهل كانت هذه المرأة مؤمنة أو كافرة، قال القرطبي: كلاهما محتمل، قال النووي: الصواب أنها مؤمنة وأنها دخلت النار بسبب الهرة كما هو ظاهر الحديث اهـ، قال السنوسي: ويلتحق بالهرة ما سواها من الحيوان وتقدم الكلام على حبس الطير في الأقفاص اهـ (فدخلت) المرأة (فيها) أي بسبب تلك الهرة (النار) الأخروية (لا هي) أي تلك المرأة (أطعمتها) أي أطعمت تلك الهرة قوتها (و) لا (سقتها) شرابها من الماء واللبن (إذ حبستها) أي وقت حبسها إياها (ولا هي) أي ولا تلك المرأة (تركتها) أي تركت تلك الهرة وفكتها وصيرتها (تأكل من خشاش الأرض) وهوامها بفتح الخاء المعجمة وكسرها وضمها حكاهن في المشارق، والفتح أشهر وأفصح وهي هوام الأرض وحشراتها اهـ نووي من فأرة ونحوها، وحكى النووي أنه روى بالحاء المهملة والمراد بها حينئذ نبات الأرض وهو ضعيف أو غلط. قال الحافظ في الفتح [6/ 357] لم أقف على اسمها ووقع في رواية أنها حميرية، وفي أخرى أنها يهودية من بني إسرائيل ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير كانوا قد دخلوا في اليهودية فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى وقد وقع ما يدل على ذلك في كتاب البعث للبيهقي وأبداه عياض احتمالًا اهـ منه، وقال القرطبي: وهذا الحديث نص على أن هذه المرأة إنما عذبت في النار بسبب قتل هذه الهرة بالحبس وترك الإطعام

5711 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, بِمِثْلِ مَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه المرأة التي تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها في النار وهي امرأة طويلة من بني إسرائيل وهل كانت كافرة أو لا؟ كل ذلك محتمل فإن كانت كافرة ففيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع ومعاقبون على تركها وإن لم تكن كافرة فقد تمحض أن سبب تعذيبها في النار حبس الهرة إلى أن ماتت جوعًا ففيه من الفقه أن الهرة لا تملك وأنه لا يجب إطعامه إلا على من حبسه، وفيه دليل على جواز اتخاذ الهرة ورباطها إذا لم يهمل إطعامها وسقيها اهـ من المفهم. وفيه أيضًا أن الخشاش بالفتح الهوام وصغار الطير وبالكسر الحشرات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 261]، والبخاري أخرجه في مواضع منها في بدء الخلق [3318]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5711 - (00) (00) (وحدثني نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) ثقة، من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لجويرية بن أسماء، وقوله (وعن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري) الليثي المدني واسم أبي سعيد كيسان معطوف على نافع يعني أن عبيد الله، روى عن نافع عن ابن عمر، وروى عبيد الله أيضًا عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلعبيد الله سندان عن نافع وسند عن سعيد المقبري (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لجويرية بن أسماء، وساق عبيد الله (بمثل معناه) أي بمثل معنى حديث جويرية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

5712 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, بِذَلِكَ. 5713 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ لَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا. وَلَمْ تَتْرُكْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5712 - (00) (00) (وحدثناه هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (وعبد الله بن جعفر) بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي من أهل البصرة سكن بغداد أبو محمد البغدادي، روى عن معن بن عيسى في الحيوان والفضائل والجامع وصفة الجنة والحشر وابن عيينة ووكيع وطائفة، ويروي عنه (م د) والفريابي، وثقه الدارقطني، ومسلمة، وقال في التقريب: ثقة، من الحادية عشرة (عن معن بن عيسى) بن يحيى الأشجعي مولاهم أبي يحيى القزاز المدني، ثقة ثبت، من كبار العاشرة، روى عنه في (10) أبواب (عن مالك) بن أنس (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مالك لجويرية بن أسماء، وساق مالك (بذلك) الحديث الذي رواه جويرية بن أسماء عن نافع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 5713 - (2210) (265) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عذبت امرأة) كانت ممن كان قبلكم (في هرة) أي بسبب هرة ربطتها (لم تطعمها) الطعام (ولم تسقها) الشراب إذ ربطتها (ولم تتركها) أي لم تفكها من ربطها فـ (تأكل من خشاش الأرض) وحشراتها وهوامها. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات كما في تحفة الأشراف.

5714 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا "رَبَطَتْهَا". وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ "حَشَرَاتِ الأَرْضِ". 5715 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. قَال: قَال الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, بِمَعْنَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 5714 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا هشام) بن عروة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة أبي معاوية وخالد بن الحارث لعبدة بن سليمان (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن أبي هريرة (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث أبي معاوية وخالد لفظة (ربطتها) لم تطعمها ولم تسقها (وفي حديث أبي معاوية) وروايته من (حشرات الأرض) بدل رواية عبدة من خشاش الأرض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5715 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي كلاهما، ثقتان، من (11) (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر) بن راشد (قال) معمر (قال الزهري) حدثني غير حميد بن عبد الرحمن (وحدثني) أيضًا (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة، ولكنها متابعة ناقصة وساق الزهري (بمعنى حديث هشام بن عروة) عن أبيه لا بلفظه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5716 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 5717 - (2211) (266) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ, عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ, عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "بَينَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ, اشْتَدَّ عَلَيهِ الْعَطَشُ. فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ. ثُمَّ خَرَجَ. فَإِذَا كَلْبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5716 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه) اليماني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة همام بن منبه لعروة بن الزبير وحميد بن عبد الرحمن والرجل الثالث الذي أبهمه الزهري ويصح على هذا التفسير الإتيان بضمير الجمع في قوله وساق همام (نحو حديثهم) أي بنحو حديث عروة وحميد والرجل الثالث الذي أبهمه الزهري، وإن لم نعتبر ذلك المبهم فالصواب أن يقال (نحو حديثهما) أي حديث عروة وحميد والله أعلم بمراد المؤلف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5717 - (2211) (266) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن سمي) مصغرًا (مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) القيسي مولاهم المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل) لم أر من ذكر اسمه (يمشي بطريق) أي في طريق، وفي رواية الدارقطني في الموطآت (يمشي بطريق مكة) ورجل مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة قصد الإبهام وجملة يمشي خبره، وجملة قوله (اشتد عليه العطش) جواب بينما (فوجد) الرجل (بئرًا) مطويًا معطوف على اشتد (فنزل فيها) أي في تلك البئر معطوف على وجد (فشرب منها) ماءًا (ثم خرج) الرجل من البئر (فإذا كلب)

يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ. فَقَال الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً. ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ. فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ. فَغَفَرَ لَهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ, وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لأَجْرًا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ مبتدأ وإذا فجائية (يلهث) أي يخرج لسانه لشدة العطش، والجملة صفة أولى لكلب، وجملة قوله (يأكل الثرى) أي التراب الندي أي الرطب صفة ثانية لكلب (من العطش) تنازع فيه الفعلان والخبر محذوف تقديره حاضر يقال لهث بفتح الهاء وكسرها يلهث بفتحها لا غير لهثًا بإسكانها والاسم اللهث بالفتح، واللهاث بضم اللام ورجل لهثان وامرأة لهثى كعطشان وعطشى وهو الذي أخرج لسانه من شدة العطش والحر، واللهث أيضًا ارتفاع النفس من الإعياء، وقال ابن التين: لهث الكلب أخرج لسانه من العطش وكذلك الطائر ولهث الرجل إذا أعيا اهـ، قوله (ويأكل الثرى) أي الأرض الندية يعني يكدم بفيه الأرض الندية (فقال الرجل) والله (لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب أي بلغ ووصل إلى هذا الكلب وقوله فيما سيأتي (مثل) بالرفع على الفاعلية لبلغ أي والله لقد بلغ ووصل إلى هذا الكلب (من العطش مثل) العطش (الذي كان بلغ) ووصل (مني) أي إلي أولًا، وقوله (بلغ هذا الكلب) ضبطه بعضهم بالنصب على أنه مفعول بلغ مقدم على فاعله، وفاعله (مثل الذي كان بلغ مني) فهو مرفوع يعني أن الكلب أصابه مثل ما أصابني من العطش وضبطه آخرون برفع الكلب على أنه فاعل بلغ ومفعوله (مثل الذي كان بلغ مني) فهو منصوب على المفعولية يعني أن هذا الكلب قد بلغ مبلغًا مثل الذي بلغ مني (فنزل) الرجل (البئر فملأ خفه ماءً ثم أمسكه) أي أمسك خفه (بفيه) أي بفمه (حتى رقي) بوزن رضي أي صعد وخرج من البئر وإنما احتاج إلى إمساك خفه بفمه لأنه كان يعالج ويحاول بيديه إلى إمساك جدار البئر ليصعد إلى أعلاها وهو يشعر بأن الصعود من البئر كان عسرًا (فسقى الكلب) الماء وأزال عطشه (فشكر الله) تعالى (له) أي لذلك الرجل أي جازاه بإحسانه على سقيه الكلب (فغفر) الله تعالى (له) أي لذلك الرجل وهو تفسير لقوله فشكر الله له أي أظهر الله ما جازاه به عند ملائكته وأثنى عليه عندهم وقد قدمنا أن أصل الشكر الظهور كما قالوا دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن أكثر مما تأكله من العلف اهـ من المفهم (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله وإن لنا في) نفع (هذه البهائم) المحترمة أي في سقيها وإطعامها (لأجرًا) أي

فَقَال: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". 5718 - (2212) (267) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ, ـــــــــــــــــــــــــــــ لثوابًا عند الله تعالى وكان من السائلين سراقة بن مالك بن جعشم كما وقع في رواية ابن ماجه وأحمد وابن حبان (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم (في) سقي (كل) حيوان ذي (كبد رطبة) يعني في نفع كل حيوان حي محترم (أجر) أي ثواب عند الله تعالى، والمراد من الرطبة هنا ذات حياة لأن الرطوبة من خواص الحياة وإذا مات الإنسان أو الحيوان جفت أعضاؤه، والمراد من الكبد ذو الكبد أو ذات الكبد، ومضاف كل كبد محذوف والتقدير في إرواء كل ذي كبد حي أجر وفي قضاء حاجة كل ذي كبد أجر، قال النووي: معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه أجر وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده. ففي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو كل ما لم يأمر الشارع بقتله فأما المأمور بقتله فيمتثل فيه أمر الشارع بقتله والمأمور بقتله كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورة في الحديث وما في معناها، وأما المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضًا بإطعامه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 375]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في المساقاة باب فضل سقي الماء [2362]، وفي الأدب باب رحمة الناس والبهائم [6009]، وأبو داود في الجهاد باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم [2550]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لهذا الحديث بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5718 - (2212) (267) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) الأزدي سليمان بن حيان الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك أبي بكر البصري، ثقة، من (3) روى عنه

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا, فِي يَوْمٍ حَارٍّ, يُطِيفُ بِبِئْرٍ, قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ, فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا. 5719 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَينَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ. إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَنَزَعَتْ مُوقَهَا, فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ, فَسَقَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة بغيًا) بفتح الباء وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء المثناة تحت أي زانية من البغاء بكسر الباء وهو الزنا أي أن امرأة زانية أو مومسة (رأت كلبًا في يوم حار يطيف) بضم الياء من أطاف الرباعي يقال طاف به وأطاف إذا دار حوله أي يدور (ببئر) حالة كون ذلك الكلب (قد أدلع) وأخرج (لسانه من) شدة (العطش) به يقال أدلع ودلع لغتان أي أخرجه لشدة العطش (فنزعت) البغي الماء وأخذته من البئر (له) أي لذلك الكلب (بموقها) أي بخفها وسقته (فغفر لها) فاحشتها بسبب استقائها الماء للكلب، والموق بضم الميم الخف كذا فسره بعضهم، ورد عليه العيني في العمدة [7/ 467] وفسره بما يلبس فوق الخف ويقال له الجرموق أيضًا وهو فارسي معرب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 507]، والبخاري [3467]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5719 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لهشام بن حسان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما كلب يطيف) ويدور (بركية) قال القسطلاني: الرَّكية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو أو طويت أي يطوف ببئر (قد كاد) وقرب ذلك الكلب أي (يقتله العطش إذ رأته) أي رأت ذلك الكلب (بغي) أي زانية (من بغايا) أي من زواني (بني إسرائيل فنزعت) أي خلعت (موقها) أي خفها من رجلها (فاستقت) أي أخذت (له) أي لذلك الكلب (به) أي بموقها (فسقته) أي فسقت الكلب

إِيَّاهُ, فَغُفِرَ لَهَا بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (إياه) أي الماء (فغفر لها) أي لتلك البغي ذنوبها (به) أي بسبب استقاء الماء في موقها وسقيه إياه أي أوحي الغفران لذنبها إلى نبي ذلك الزمان إعلامًا بتوسيع رحمة الله تعالى وتبشيرًا لها كما بشرت الكلب بسقيه قوله (فغفر لها) إن كان المراد منه غفران الصغائر لها فهو جار على الأصل العام المعروف وهو قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فليس خاصًّا بها وإن كان المراد منه غفران جميع ذنوبها صغائرها وكبائرها فإنه من رحمة الله التي وسعت كل شيء ولا يمكن القياس عليه وعلى كلا الاحتمالين لا دلالة في الحديث على الاجتراء على الذنوب بحجة أن حسنة مثل حسنة سقي الكلب يكفر الذنوب كلها ويغفر له بذلك وهذا ظاهر جدًّا والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول حديث أم شريك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد، والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد به ثانيًا، والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والتاسع حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

683 - (27) باب النهي عن سب الدهر وتسمية العنب كرما، وقول: يا عبدي يا أمتي، والنهي عن قول الإنسان: خبثت نفسي، وكون المسك أطيب الطيب، وكراهة رد هدية الطيب والريحان واستعمال البخور

683 - (27) باب النهي عن سب الدهر وتسمية العنب كرمًا، وقول: يا عبدي يا أمتي، والنهي عن قول الإنسان: خبثت نفسي، وكون المسك أطيب الطيب، وكراهة رد هدية الطيب والريحان واستعمال البخور 5720 - (2213) (268) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ. وَأَنَا الدَّهْرُ. بِيَدِيَ اللَّيلُ وَالنَّهَارُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 683 - (27) باب النهي عن سب الدهر وتسمية العنب كرمًا، وقول: يا عبدي يا أمتي، والنهي عن قول الإنسان: خبثت نفسي، وكون المسك أطيب الطيب، وكراهة رد هدية الطيب والريحان واستعمال البخور 5720 - (2213) (268) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال قال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) فيما يرويه عن ربه (قال الله عزَّ وجلَّ يسب ابن آدم الدهر) فيقول يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر (وأنا الدهر) أي وأنا رب الدهر ومالكه ومقلبه ومصرفه، ففيه حذف اختصارًا للفظ واتساعًا في المعنى ولهذا عقبه بقوله (بيدي) المقدسة (الليل والنهار) أي تصريفهما وتقليبهما وإنزال ما ينزل فيهما من الحوادث فإذا سب الدهر فكأنما سبني. قال الخطابي: كانت الجاهلية تضيف المصائب والنوائب إلى الدهر الذي هو الليل والنهار وهم في ذلك فرقتان فرقة لا تؤمن بالله ولا تعرف إلا الدهر الذي هو الليل والنهار اللذان هما محل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار فتنسب المكاره إليه على أنها من فعله ولا ترى أن لها مدبرًا غيره وهذه الفرقة هي الدهرية الذين حكى الله تعالى عنهم في كتابه العزيز بقوله: {وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ} وفرقة تعرف الخالق وتنزهه من أن تنسب إليه المكاره فتضيفها إلى الدهر والزمان وعلى هذين الوجهين كانوا يسبون الدهر ويذمونه فيقول القائل منهم يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر، فقال صلى الله عليه وسلم لهم مبطلًا

5721 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ - (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك: "لا يسبن أحد منكم الدهر فإن الله هو الدهر" أي لا تسبوا الدهر على أنه هو الفاعل لهذا الصنيع بكم، فالله هو الفاعل له فإذا سببتم الذي أنزل بكم المكاره رجع السبُّ إلى الله تعالى وانصرف إليه اهـ. قال القرطبي: ويراد بابن آدم هنا أهل الجاهلية ومن جرى مجراهم ممن يطلق هذا اللفظ ولا يتحرز منه فإن الغالب من أحوال بني آدم إطلاق نسبة الأفعال إلى الدهر فيذمونه ويسفهونه إذا لم تحصل لهم أغراضهم ويمدحونه إذا حصلت لهم، وأكثر ما يوجد ذلك في كلام الشعراء والفصحاء ولا شك في كفر من نسب تلك الأفعال أو شيئًا منها إلى الدهر واعتقد ذلك، وأما من جرت هذه الألفاط على لسانه ولا يعتقد صحة ذلك فليس بكافر ولكنه قد تشبه بأهل الكفر وبالجاهلية في الإطلاق وقد ارتكب ما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فليتب وليستغفر الله تعالى والدهر والزمان والأبد كلها بمعنى واحد وهو راجع إلى حركات الفلك وهي الليل والنهار فالدهر هو امتداد حركة الفلك إلى ما لا نهاية له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 272]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأدب باب لا تسبوا الدهر [6181]، وأبو داود في الأدب باب الرجل يسب الدهر [5274]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5721 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم و) محمد (بن أبي عمر) المكي العدني (واللفظ لابن أبي عمر قال إسحاق أخبرنا وقال ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينه (عن الزهري عن) سعيد (بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن المسيب لأبي سلمة بن عبد الرحمن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله عزَّ وجلَّ يوذيني ابن آدم) أي يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم اهـ نووي، قال القرطبي: معناه يخاطبني من القول بما يتأذى به

يَسُبُّ الدَّهْرَ, وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ". 5722 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ, عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَال اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن يصل إليه الأذى وإنما هذا من التوسع في دائرة الكلام، والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله، وقد ذكر بعض العلماء أن جميع الانفعالات التي نسبت إلى الله تعالى في القرآن أو السنة إنما يراد بها على سبيل المجاز نتائج تلك الانفعالات التي تترتب عليها في الحوادث عادة فمن آذى إنسانًا فإن المتأذي ينتقم منه أو يعاقبه عادة فالمراد من التأذي في حق الله تعالى هو العقاب والعذاب أعاذنا الله تعالى منه اهـ[قلت] وهذا الذي ذكره القرطبي وغيره هو مذهب المؤولين والمذهب الحق إجراء ما ورد من صفات الله تعالى في القرآن أو السنة على ظاهره وعدم تأويله فيقال هنا تأذي الله سبحانه من ابن آدم صفة ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. واعلم أنه لما كان اعتقاد الجاهلية أن الدهر هو الذي يفعل الأفعال ويذمونه إذا لم تحصل أغراضهم أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفعل كل شيء فإذا سبوا الدهر من حيث إنه الفاعل ولا فاعل إلا الله فكأنهم سبوا الله تعالى فلذلك قال الله تعالى (يسب) ابن آدم (الدهر وأنا الدهر) أي أنا الذي أفعل ما ينسبونه إلى الدهر لا الدهر فإنه ليل ونهار، وأنا (أقلب الليل والنهار) أي أتصرف فيهما بالإطالة والإقصار والإضاءة والإظلام وفيه تنبيه على أن ما يفعل ويتصرف فيه لا يصلح لأن يفعل وهذا المعنى هو الذي عبر عنه الحكماء بقولهم ماله طبيعة عدمية يستحيل أن يفعل فعلًا حقيقيًّا والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5722 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله

عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ, يَقُولُ: يَا خَيبَةَ الدَّهْرِ, فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيبَةَ الدَّهْرِ , فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ. أُقَلِّبُ لَيلَهُ وَنَهَارَهُ. فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا". 5723 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيبَةَ الدَّهْرِ , فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عزَّ وجلَّ يؤذيني ابن آدم) وذلك لأنه (يقول يا خيبة الدهر) ويا خسارة الدهر ويا سوء الدهر (فلا يقولن أحدكم) يا عبادي (يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر) أي مقلبه ومالكه (أقلب ليله) بالإطالة والإقصار والإظلام (ونهاره) بالزيادة والنقصان والإضاءة وفاعل ما فيهما (فإذا شئت) قبضهما إلي (قبضتهما). قوله (أنا الدهر) قال العلماء: فيه مجاز بالحذف لأن الدهر ليس من أسمائه تعالى لعدم ورود التوقيف فيه لأن المعنى أنا رب الدهر وخالقه ومالكه ومقلبه وفاعل جميع ما فيه، وسبب هذا الحديث أن العرب كان من شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو قحط أو غير ذلك فيقولون: يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر ونحو ذلك من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر، أي مالك الدهر وفاعل ما يقع فيه لأنه مخلوق مفعول لله تعالى فلا يكون المفعول فاعلًا، أي لا تسبوا فاعل النوازل والمصائب فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة مخلوقات الله تعالى فلا شركة لمخلوق مع الخالق اهـ نووي بتصرف وزيادة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 5723 - (00) (00) (حدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله الحزامي المدني، ثقة، من (7) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم) أيها المؤمنون (يا خيبة الدهر) ويا قبحه (فإن الله) سبحانه (هو الدهر) أي خالق الدهر وخالق ما يقع فيه من الحوادث، قوله (يا خيبة

5724 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ". 5725 - (2214) (269) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الدهر) قال الداودي: هو دعاء على الدهر بالخيبة وهو كقولهم قحط الله نوءها يدعون على الأرض بالقحط، وقال آخرون: هو ندبة كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه مما يكرهه فندبه متفجعًا عليه أو متوجعًا منه والمقصود منه سب الدهر، وقال الشيخ ابن أبي جمرة: لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب نفس الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معرفة خطره وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعًا ولغة إلى الذي جرى على يديه ويضاف إلى الله تعالى لكونه بتقديره فأفعال العباد من أكسابهم ولهذا ترتبت عليه الأحكام وهي في الابتداء خلق الله تعالى وتقديره، ومنها ما يجري بغير وساطة فهو منسوب إلى قدرة القادر وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير لا لغة ولا عقلًا ولا شرعًا وهو المعني في هذا الحديث ويلتحق بذلك ما يجري من الحيوان غير العاقل اهـ فتح الباري [1/ 565]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5724 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن هشام) بن حسان (عن ابن سيرين عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن سيرين للأعرج (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) أي خالقه وخالق ما يقع فيه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5725 - (2214) (269) (حدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا

مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ, عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَسُبُّ أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ. وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ: الْكَرْمَ. فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر) أي خالقه وخالق ما فيه (ولا يقولن أحدكم) أيضًا (للعنب الكرم) أي لا تسموه بالكرم، وفي المرقاة: سمت العرب العنبة كرمًا ذهابًا إلى أن الخمر تورث شاربها كرمًا فلما حرم الخمر نهاهم عن ذلك تحقيرًا للخمر وتأكيدًا لحرمتها وبين أن قلب المؤمن هو الكرم لأنه معدن التقوى اهـ، حيث قال (فإن الكرم الرجل المسلم) أي إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن لأن الكرم مشتق من الكرم بفتح الراء، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فسمى قلب المؤمن كرمًا لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى، قال النووي: ففي هذه الأحاديث كراهية تسمية العنب كرمًا بل يقال عنب أو حبلة، قال العلماء: سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب تطلقها على شجر العنب وعلى العنب وعلى الخمر المتخذة من العنب سموها كرمًا لكونها متخذة منه ولأنها تحمل على الكرم والسخاء فكره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك. وقوله أيضًا (لا يقولن أحدكم للعنب الكرم) بسكون الراء، وحكى ابن بطال عن ابن الأنباري أنهم سموا العنب كرمًا لأن الخمر المتخذة منه تحث على الكرم والسخاء ومكارم الأخلاق حتى قال شاعرهم: والخمر مشتقة المعنى من الكرم، فلذلك نهى عن تسمية العنب بالكرم حتى لا يسموا أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم وجعل المؤمن الذي يتقي شربها أحق بهذا الاسم، وحكى القرطبي عن المازري: أن السبب في النهي أنه لما حرمت عليهم الخمر وكانت طباعهم على الكرم كره صلى الله عليه وسلم أن يسمى هذا المحرم باسم تهيج طباعهم إليه عند ذكره فيكون ذلك كالمحرك لهم قوله (فإن الكرم الرجل المسلم) وقد أخرج الطبراني والبزار من حديث سمرة رفعه "إن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم من أجل ما أكرمه الله على الخليقة وإنكم تدعون الحائط من العنب الكرم".

5726 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَقُولُوا: كَرْمٌ. فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ". 5727 - (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الكرم قلب المؤمن [6183] وباب لا تسبوا الدهر [6182]، وأبو داود في الأدب باب في الكرم وحفظ المنطق [4974]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5726 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيب لمحمد بن سيرين (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقولوا) للعنب (كرم فإن الكرم) أي فإن المستحق بالتسمية باسم الكرم هو (قلب المؤمن) لما فيه من نور الهدى والإيمان واليقين، قال القرطبي: المعنى فإن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن وذلك لما حواه من العلوم والفضائل والأعمال الصالحة والمنافع العامة فهو أحق باسم الكريم والكرم، والنهي في قوله (لا تقولوا) نهي على جهة الإرشاد لما هو الأولى في الإطلاق نظير قوله صلى الله عليه وسلم "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل" متفق عليه، قال: "وتقول الأعراب هي العتمة" فمعنى هذا والله أعلم أن تسمية هذه الصلاة بالعشاء أولى من تسميتها بالعتمة لا أن إطلاق اسم العتمة عليها ممنوع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليها اسم العتمة حين قال: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا" رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه اهـ من المفهم. وهذا الرواية لم يروها غير مسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5727 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي

عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ. فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ". 5728 - (00) (00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ. حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: الْكَرْمُ. فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ". 5729 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (عن هشام) بن حسان القردوسي (عن) محمد (بن سيربن عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لأيوب ولو قدم هذه المتابعة على التي قبلها لكان أوضح وأولى (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم) والنهي فيه نهي إرشاد لما هو الأولى لا أنه ممنوع كما مر آنفًا عن القرطبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5728 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا علي بن حفص) المدائني أبو الحسن البغدادي، صدوق، من (9) روى عنه في (2) الزكاة والأدب (حدثنا ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري الكوفي، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لابن سيرين وسعيد بن المسيب (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم) للعنب هو (الكرم فإنما الكرم) هو (قلب المؤمن) أي لا يستحق التسمية بالكرم العنب إنما يستحقها قلب المؤمن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 5729 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (قال) همام (هذا ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته،

فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ, لِلْعِنَبِ, الْكَرْمَ. إِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ". 5730 - (2215) (270) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا عِيسَى، (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) , عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ, عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: "لَا تَقُولُوا: الْكَرْمُ. وَلَكِنْ قُولُوا: الْحَبَلَةُ". يَعْنِي الْعِنَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم للعنب الكرم) أي لا يسميه بالكرم (إنما الكرم الرجل المسلم). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث وائل بن حجر رضي الله عنهما فقال: 5730 - (2215) (270) (حدثنا علي بن خشرم) بوزن جعفر ابن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال الهلالي أبو الحسن المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن سماك بن حرب) بن أوس البكري الذهلي أبي المغيرة الكوفي أحد الأعلام التابعين، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن علقمة بن وائل) بن حجر الكندي الحضرمي ثم الكوفي، صدوق، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) وائل بن حجر بن سعد بن مسروق الحضرمي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا) لشجر العنب أو ثمره هو (الكرم ولكن قولوا) لثمره أو شجره هو (الحبلة يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله قولوا الحبلة سموا (العنب) بالحبلة لا بالكرم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

5731 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ. قَال: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَقُولُوا: الْكَرْمُ. وَلَكِنْ قُولُوا: الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ". 5732 - (2216) (271) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) , عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي. كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ 5731 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شعبة عن سماك قال سمعت علقمة بن وائل عن أبيه) وائل بن حجر رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عثمان بن عمر لعيسى بن يونس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقولوا) للعنب هو (الكرم ولكن قولوا) فيه (العنب والحبلة) بفتح الحاء والباء وهو الأشهر وحكي ضم الحاء وسكون الباء وهي شجرة العنب وقيل أصل الشجرة وقيل القضيب منها وهو أيضًا اسم ثمر السمر والعضاة والعنب يطلق على الثمر والشجر نهى عن ذلك تحقيرًا لها وتذكيرًا لحرمة الخمر اهـ مناوي، وفي البخاري (ويقولون الكرم) قال القسطلاني: الكرم مبتدأ محذوف الخبر أي الكرم شجر العنب ويجوز أن يكون خبرًا لمحذوف أي يقولون شجر العنب الكرم اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5732 - (2216) (271) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم) لعبده يا (عبدي و) لا لأمته يا (أمتي كلكم) أيها الأحرار والعبيد (عبيد الله) أي مملوكون لله ملكًا حقيقيًّا فلا تتكبروا

وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلامِي وَجَارِيَتِي, وَفَتَاى وَفَتَاتِي". 5733 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أيها الأسياد بالملك المجازي على أرقائكم (وكل نسائكم) أيها الرجال حرائر كن أم إماءً (إماء الله) أي مملوكون لله تعالى ملكًا حقيقيًّا فلا تترفعوا بالملك المجازي فإنه زائل (ولكن ليقل) أحدكم لمملوكه يا (كلامي و) يا (جاريتي و) يا (فتاي) في الغلام (و) يا (فتاتي) في الجارية، يعني لا يصف أحدكم رقيقه بكونه عبدًا له أو أمة لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله سبحانه وتعالى ولأن في تلك الكلمة تعظيمًا لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، قال الخطابي: المعنى في ذلك كله راجع إلى البراءة من الكبر والتزام الذل والخضوع لله عزَّ وجلَّ وهو الذي يليق بالمربوب اهـ. ثم إن هذا النهي عند جميع العلماء إنما يدل على الكراهة التنزيهية دون التحريم، واستشهد الإمام البخاري على ذلك بقول الله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وقوله تعالى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا} فإنه أطلق لفظ العبد في الآية على الرقيق وإنما أرشد الحديث على الأدب والتواضع في الكلام وحسن الخلق في العشرة والاجتناب عن الترفع والتعاظم ومخاطبة الرقيق بما فيه مداراة لهم وتسلية لخواطرهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 316]، والبخاري في العتق باب كراهية التطاول على الرقيق [2552]، وأبو داود في الأدب باب لا يقول المملوك ربي وربتي [4975 و 4976]. وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يقول غلامي وفتاي وفتاتي وجاريتي لأن هذه الألفاظ تطلق على الحر والعبد وليس فيها من معنى الملك ولا من التعاظم شيء مما في عبدي وأمتي وأصل الفتوة الشباب وهو من الفتاء بالمد ثم قد استعمل الفتى فيمن كملت فضائله ومكارمه كما قالوا: لا فتى إلا علي، وأصل الغلومية في بني آدم هي للصغير فيطلق على الصغير اسم الغلام من حين يولد إلى أن يبلغ فينقطع عنه ذلك الاسم وكذلك الجارية في النساء اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5733 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي. فَكُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ, وَلَكِنْ لِيَقُلْ: فَتَاى. وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ: رَبِّي. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: سَيِّدِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لعبد الرحمن بن يعقوب (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم) لعبده يا (عبدي فكلكم عبيد الله ولكن ليقل فتاي ولا يقل العبد) لسيده يا (ربي ولكن ليقل) يا (سيدي). قوله (ولا يقل العبد ربي) يعني لا يصف العبد سيده بكونه ربًا له ولا يخاطبه بقوله يا ربي فإن الربوبية من صفات الله تعالى لا يشاركه فيها غيره، وقد ذكر العلماء أنه لا يجوز لأحد أن يقول لأحد غير الله تعالى "رب" كما لا يجوز أن يقال له "إله" ولكن الذي يختص بالله تعالى هو إطلاق لفظ الرب بدون إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه كما في قولهم رب الدار ورب المال ورب الغلام ورب الثوب وكذلك ورد هذا اللفظ بالإضافة في قوله تعالى حكاية عن يوسف - عليه السلام - {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} وفي قوله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} وفي قوله تعالى: {فَأَنْسَاهُ الشَّيطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} وكذلك ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "أن تلد الأمة ربها أو ربتها" وكل ذلك يدل على أن النهي في حديث الباب إنما هو للتنزيه والإرشاد إلى ما هو الأولى كما سبق آنفًا في النهي عن قولهم عبدي وأمتي وإلى هذا ذهب كافة العلماء قوله (ولكن ليقل سيدي) فيه تصريح بجواز إطلاق لفظ السيد على غير الله تعالى كما يدل على الجواز قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} وقوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ: "قوموا إلى سيدكم" وفي سعد بن عبادة "اسمعوا ما يقول سيدكم" وفي الحسن بن علي رضي الله عنهما "إن ابني هذا سيد" وقوله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة "من سيدكم يا بني سلمة" قالوا: الجد بن قيس على أنا نبخله قال: "وأي داء أدوى من البخل، بل سيدكم عمرو بن الجموح" أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأشار إليه تعليقًا في باب كراهية التطاول على الرقيق فهذه النصوص كلها تدل على جواز استعمال لفظ السيد لغير الله تعالى. قال القرطبي: قوله (ولا يقل العبد ربي وليقل سيدي) إنما فرق بينهما لأن الرب من أسماء الله تعالى المستعملة بالاتفاق، واختلف في السيد هل هو من أسماء الله تعالى

5734 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا: "وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: مَوْلاى". وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ: "فَإِنَّ مَوْلاكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أم لا؟ فإذا قلنا ليس من أسمائه فالفرق واضح إذ لا التباس ولا إشكال يلزم من إطلاقه كما يلزم من إطلاق الرب، وإذا قلنا إنه من أسمائه تعالى فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيجعل الفرق بذلك وأما الفرق بينهما من حيث اللغة أن الرب أصله من رب الشيء والولد يربه من باب شد ورباه يربيه إذا قام عليه بما يصلحه ويكمله فهو رب وراب ولما كان ابتداء التربية وكمالها من الله تعالى بالحقيقة لا من غيره كان الأولى بالإنسان أن لا ينسب تربية نفسه إلا إلى من إليه الربوبية الحقيقية وهو الله تعالى فإن فعل ذلك كان متجوزًا في اللفظ مخالفًا للأولى. والسيد من السؤدد وهو التقدم يقال ساد قومه إذا تقدمهم ولا شك في تقدم السيد على غلامه فلما حصل الافتراق جاز الإطلاق اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5734 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من صغار (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا وكيع كلاهما) أي كل من أبي معاوية ووكيع رويا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث أبي معاوية ووكيع وروايتهما زيادة لفظة (ولا يقل العبد لسيده مولاي وزاد) الراوي (في حديث أبي معاوية) وروايته لفظة (فإن مولاكم) هو (الله عزَّ وجلَّ) لا غيره، وقوله (ولا يقل العبد لسيده مولاي) هذه زيادة زادها وكيع وأبو معاوية على رواية جرير عن الأعمش فإنه لم يذكرها وحذف هذه الزيادة أولى وأرجح لأنها معارضة لما سيأتي في رواية همام بن منبه من قوله (ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي مولاي) فإنه يدل على عدم كراهية استعمال لفظ المولى، وقد رجح المحدثون رواية همام بن منبه لأنه قد

5735 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اسْقِ رَبَّكَ, أَطْعِمْ رَبَّكَ, وَضِّئْ رَبَّكَ , وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: رَبِّي. وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي. مَوْلاى. وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي. أَمَتِي. وَلْيَقُلْ: فَتَاى. فَتَاتِي غُلامِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ اختلف الرواة عن الأعمش فمنهم من ذكر في الحديث لفظة (ولا يقل العبد لسيده مولاي) كأبي معاوية ووكيع، ومنهم من حذف هذه الزيادة كجرير بن عبد الحميد، وذكر المحدثون أن حذفها أصح، وأما حديث همام الآتي فخال عن التعارض فيترجح على غيره ولاسيما إذا وردت دلائل كثيرة على جواز استعمال لفظ المولى لغير الله تعالى، قال تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} وقال تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} وإن لفظ المولى له معان كثيرة فلا يكره استعماله لغير الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5735 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال) همام (هذا ما حدثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام بن منبه لأبي صالح السمان (فذكر) همام أو أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم) لعبده (اسق ربك أطعم ربك وضِّئ ربك) للصلاة (ولا يقل أحدكم) أيها العبيد لسيده يا (ربي وليقل) له يا (سيدي) ويا (مولاي ولا يقل أحدكم) أيها الأسياد لعبده يا (عبدي) يا (أمتي وليقل) أحدكم لعبده يا (فتاي) ولأمته يا (فتاتي) ولعبده إن شاء يا (غلامي) قال القرطبي: قوله في رواية همام (وليقل سيدي مولاي) هذا اللفظ متفق عليه عند أكثر الرواة، وفي الأم من رواية أبي معاوية ووكيع عن الأعمش مرفوعًا (ولا يقل العبد لسيده مولاي) وانفرد أبو معاوية فزاد: وإن الله مولاكم، وقد رواه عن الأعمش جرير ولم يذكر ذلك، وقد روي عن طرق متعددة مشهورة وليس ذلك مذكورًا فيها بل

5736 - (2217) (272) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي , وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ الأول فقط فظهر بهذا أن اللفظ الأول أرجح، وإنما صرنا للترجيح للتعارض بين الحديثين يعني بين حديث أبي صالح على رواية أبي معاوية ووكيع وبين حديث همام هذا أو بين رواية جرير وبين رواية أبي معاوية فإن الأول يعني رواية جرير يقتضي إباحة قول العبد مولاي كحديث همام والثاني يعني رواية أبي معاوية ووكيع يقتضي منعه من ذلك والجمع متعذر والعلم بالتاريخ مفقود فلم يبق إلا الترجيح كما ذكرناه وروايات حديث أبي هريرة كلها من باب الإرشاد إلى إطلاق الاسم الأولى لا أن إطلاق ذلك الاسم محرم ممنوع. [قلت] ومقصود الشرع الإرشاد إلى تعرف مواقع الألفاظ، واستعمال الأولى منها والأحسن ما أمكن من غير إيجاب ذلك واجتناب المشترك من الألفاظ وما يستكره منها وما لا تواضع فيه كعبدي وأمتي من غير تحريم ذلك ولا تحريجه والله أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5736 - (2217) (272) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة كلاهما) أي كل من سفيان وأبي أسامة رويا (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السندان من خماسياته (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم خبثت) من باب ظرف أي نجست (نفسي) أي قلبي (ولكن ليقل لقست) من باب فرح أي وسخت (نفسي) واللقس في اللغة امتلاء المعدة والغثيان ويقال لقست نفسه إلى الشيء إذا نازعته إليه وحرصت عليه، وفي الاستعمال هو أن اللقس والخبث سواء غير أن الخبث أعم وأقبح، قال الراغب: الخبث يطلق على الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبح في الفعال والخبث واللقس وإن كانا سواء في

هَذَا حَدِيثُ أَبِي كُرَيبٍ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ "لَكِنْ". وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5737 - (2218) (273) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى من حيث الاستعمال لكن لفظ الخبيث قبيح ويجمع أمورًا زائدة على المراد كما أنه يستعمل للسب أيضًا بخلاف اللقس فرجحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبًا في حسن الكلام، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الذي ينام عن الصلاة " فأصبح خبيث النفس كسلان " فقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن شخص مبهم مذموم الحال فلا يمتنع إطلاق هذا اللفظ عليه والنهي فيه للتنزيه اهـ. وعبارة القرطبي هنا قال أبو عبيد: معنى لقست وخبثت واحد لكن كره لفظ الخبث لشناعة اللفظ وعلمهم الأدب في المنطق، وقال الأصمعي: لقست نفسي أي غثت، وقال ابن الأعرابي: ضاقت وكسلت ولا يعترض هذا بقوله صلى الله عليه وسلم " فأصبح خبيث النفس كسلان " لأن محل النهي أن يضيف المتكلم الخبث إلى نفسه لا أن يتكلم بالخبث مطلقًا فإذا أخبر به عن غير معين جاز ولاسيما في معرض التحذير والذم للكسل والتكاسل عن الطاعات كما قد جاء في هذا الحديث ومن أوضح ما في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق ولكن إذا أحب أحدكم أن ينسك عن ولده بشاة فليفعل " فكره اسم العقوق اهـ من المفهم (هذا) المذكور لفظ (حديث أبي كريب وقال أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولم يذكر) أبو بكر لفظة (لكن) في الحديث (وحدثناه أبو كريب حدثنا أبو معاوية بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لأبي أسامة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب [6197]، وأبو داود في الأدب [4979]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث سهل بن حنيف رضي الله عنهما فقال: 5737 - (2218) (273) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن

وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيفٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي , وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". 5738 - (2219) (274) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ. حَدَّثَنِي خُلَيدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, قَال: "كَانَتِ امْرَأَةٌ, مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ, قَصِيرَةٌ. تَمْشِي مَعَ امْرَأَتَينِ طَويلَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) معروف بكنيته الأنصاري، معدود في الصحابة رضي الله تعالى عنه، له رؤية، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة (100) مائة، روى عنه في (7) أبواب (عن أبيه) سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي أبي ثابت المدني البدري رضي الله عنه، روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل أحدكم خبثت نفسي) أي صارت خبيثة نجسة (وليقل لقست نفسي) أي صارت ثقيلة بطيئة في العبادة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب لا يقل خبثت نفسي [6180]، وأبو داود في الأدب باب لا يقل خبثت نفسي [4978]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 5738 - (2219) (274) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن شعبة حدثني خليد) مصغرًا (بن جعفر) بن طريف الحنفي البصري، صدوق، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوقي بفتح المهملة والواو ثم قاف البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت امرأة من بني إسرائيل) لم أر من ذكر اسمها (قصيرة) بالرفع صفة ثانية لامرأة، وجملة قوله (تمشي) خبر كان، ومع في قوله (مع امرأتين طويلتين) بمعنى بين، ولم أر

فَاتَّخَذَتْ رِجْلَينِ مِنْ خَشَبٍ. وَخَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مُغْلَقٍ مُطْبَقٍ, ثُمَّ حَشَتْهُ مِسْكًا. وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ, ـــــــــــــــــــــــــــــ من ذكر اسم المرأتين أيضًا أي كانت امرأة قصيرة من بني إسرائيل ماشية في عادتها بين امرأتين طويلتين منهم فعرفت قصرها ونقصها عنهما وقبح مشيتها معهما (فاتخدت رجلين) لتطول قامتها فتكون متناسبة مع صاحبتيها أي صنعت لنفسها خفين (من خشب) فحشتهما بنحو قطن فلبستهما فصارت مساوية للمرأتين أو أطول منهما، وفي رواية لأحمد [3/ 40] فكانت تسير بين امرأتين طويلتين، وفي رواية له [3/ 46] ثم ذكر نسوة ثلاثًا من بني إسرائيل امرأتين طويلتين تعرفان وامرأة قصيرة لا تعرف فلما اتخذت الرجلين من الخشب صارت طويلة بين قصيرتين، ويمكن الجمع بينهما بأن المرأة القصيرة كانت تسير بين امرأتين طويلتين فلما اتخذت الرجلين من الخشب صارت طويلة بين قصيرتين ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الكبير عن سمرة بن جندب رفعه وفيه (حتى كانت المرأة القصيرة تتخذ خفين من خشب تحشوهما ثم تدخل فيهما رجليها ثم تعمد إلى المرأة الطويلة فتمشي معها فإذا هي قد سارت بها وكانت أطول منها. [قلت] ويشهد له ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد بإسناد صحيح على شرط مسلم من حديث أبي سعيد أو جابر رفعه وفيه (فذكرت امرأة من بني إسرائيل كانت قصيرة واتخذت رجلين من خشب وخاتمًا له غلق وطبق وحشته مسكًا وخرجت بين امرأتين طويلتين أو جسيمتين فبعثوا إنسانًا يتبعهن فعرف الطويلتين ولم يعرف صاحبة الرجلين من خشب والله أعلم اهـ من تنبيه المعلم على مبهمات مسلم. قال النووي: حكم اتخاذها رجلين في شرعنا أنها إن قصدت به مقصودًا صحيحًا شرعيًّا بأن قصدت ستر نفسها لئلا تعرف فتقصد بالأذى أو نحو ذلك فلا بأس به وإن قصدت به التعاظم أو التشبه بالكاملات تزويرًا على الرجال وغيرهم فهو حرام اهـ منه. (و) اتخذت أي صنعت لنفسها (خاتمًا من ذهب مغلق) بالجر صفة أولى لذهب (مطبق) بالجر صفة ثانية له، ووقع في بعض النسخ (مغلقًا مطبقًا) بالنصب على أنه صفة لخاتمًا وهو أوضح وأوفق وكونه بالجر صفة لذهب بناء على أنه صفة سببية له أي مغلق خاتمه مطبق خاتمه جائز صحيح معنى، والخاتم المغلق هو المربوط المشدود وسطه عند ملتقى الطرفين بغلق كغلق الباب والمطبق هو المجعول فصه كالطبق عليه (ثم حشته) أي حشت وملأت فصه (مسكًا) لأنه كان مجوفًا (وهو) أي والحال أن ذلك المسك (أطيب

فَمَرَّتْ بَينَ الْمَرْأَتَينِ. فَلَمْ يَعْرِفُوهَا. فَقَالتْ بِيَدِهَا هَكَذَا" وَنَفَضَ شُعْبَةُ يَدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيب) أي أحسنه وأجوده وأفوحه رائحة وأفضله طيبًا، وهذا موضع الترجمة، وفيه جواز استعمال المسك وقد انعقد عليه الإجماع، وقد حكي عن بعض الشيعة تحريمه ونجاسته لكون أصله دمًا أو عضوًا أبين من الحي ولكن المسك مستثنى من هذه القاعدة أو في معنى الجنين والبيض واللبن (فمرت) أي مشت تلك المرأة القصيرة (بين المرأتين) الطويلتين (فلم يعرفوها) أي فلم يعرفها الناس الذين يعرفونها أولًا لكونها طويلة الآن (فقالت) أي فأشارت تلك المرأة (بيدها) التي فيها الخاتم (هكذا) أي رافعة لها ليعرفها الناس، قال أبو أسامة (ونفض) أي رفع (شعبة يده) محركًا لها ليحكي لنا إشارتها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 45 و 46]، والنسائي في الزينة باب أطيب الطيب [5119] وباب ذكر أطيب الطيب [5264]. قال القرطبي: قوله (كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة) .. الخ يحتمل أن تكون هذه المرأة فعلت هذا لتستر قصرها عن الناس فلا ينظرون إليها ولعل قصرها كان خارجًا عن غالب أحوال القصار فإن كان هذا فلا إثم عليها لصحة قصدها وحسن تسترها وإن كانت فعلت ذلك لتتزين بإلحاقها نفسها بالطوال فذلك ممنوع منه فإنه من باب تغيير خلق الله تعالى كما تقدم، وأما اتخاذها خاتم الذهب فجائز للنساء على ما ذكرناه وأما اتخاذها المسك فمباح لها في بيتها ويلحق بالمندوب إذا قصدت به حسن التبعل للزوج، وأما إذا خرجت فإن قصدت أن يجد الرجال ريحها فهي زانية كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أعني في حديث "والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا" يعني زانية رواه الترمذي [2786] ومعناه أنها بمنزلة الزانية في الإثم وأما إذا لم تقصد ذلك فلا تسلم من الإثم كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا" رواه مسلم وقال: "ليخرجن وهن تفلات" رواه أبو داود أي غير متطيبات وكل ذلك هو شرعنا وهل كان كذلك في شرع بني إسرائيل أو لا؟ كل ذلك محتمل اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

5739 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُلَيدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْمُسْتَمِرِّ. قَالا: سَمِعْنَا أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَشَتْ خَاتَمَهَا مِسْكًا. وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5739 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (30) بابًا تقريبًا (عن خليد بن جعفر) الحنفي البصري (والمستمر) بن الريان الإيادي الزهراني البصري العابد رأى أنسًا، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الجهاد والطيب، كلاهما (قالا سمعنا أبا نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري (يحدث عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يزيد بن هارون لأبي أسامة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة من بني إسرائيل حشت) أي ملأت (خاتمها مسكًا) وكان خاتمها مجوفًا (و) قال (المسك أطيب الطيب) أي أحسن أنواع الطيب وأفضلها وأجودها وأعطرها رائحة، قال النووي: في الحديث أنه أطيب الطيب وأفضله وأنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ويجوز بيعه وهذا كله مجمع عليه، ونقل أصحابنا فيه عن الشيعة مذهبًا باطلًا وهم محجوجون بإجماع المسلمين وبالأحاديث الصحيحة في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له واستعمال أصحابه، قال أصحابنا وغيرهم: هو مستثنى من القاعدة المعروفة أن ما أبين من حي فهو ميت أو يقال إنه في معنى الجنين والبيض واللبن اهـ منه، وقال القرطبي: والحديث دليل واضح على طهارة المسك وإن كان أصله دمًا لكنه قد استحال إلى صلاح في مقره العادي فصار كاللبن، قال القاضي عياض: وقد وقع الإجماع على طهارته وجواز استعماله وما حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز من الخلاف في ذلك لا يصح فإن المعروف من السلف إجماعهم على جواز استعماله واقتداؤهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

5740 - (2220) (275) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كِلاهُمَا عَنِ الْمُقْرِئِ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عُرِضَ عَلَيهِ رَيحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ, فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5740 - (2220) (275) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب كلاهما) رويا (عن المقرئ) عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان المخزومي الأعور المدني (قال أبو بكر حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ) ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي المصري، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (5) أبواب (حدثني عبيد الله بن أبي جعفر) يسار الكناني مولاهم أبو بكر المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرض عليه) وأهدي له (ريحان فلا يرده) أي فهو لا يرده على من أهداه إليه (فإنه) أي فإن ذلك الريحان (خفيف المحمل) أي خفيف حمله غير ثقيل على حامله (طيب الريح) وعطرها، قوله (ريحان) وهو نبت معروف طيب الرائحة، وقال الخليل: كل بقلة طيبة الريح، وقال أهل اللغة وغريب الحديث في تفسير هذا الحديث: هو كل نبت مشموم طيب الريح، وقال القاضي عياض: ويحتمل عنده أن يكون المراد به في هذا الحديث الطيب كله لأن كله خفيف المحمل طيب الريح وقد وقع في رواية أبي داود في هذا الحديث (من عرض عليه طيب) والمحمل بفتح الميمين مصدر حمل من باب ضرب وبفتح الأول وكسر الثانية هو الزمان والمكان وليس مرادًا هنا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القول إلى العلة التي ترغب في قبول الطيب من المهدي وهي أنه لا مؤونة ولا منة تلحق في قبوله لجريان عادتهم بذلك ولسهولته عليهم ولنزارة ما يتناول منه عند العرض ولأنه مما يستطيبه الإنسان من نفسه ويستطيبه من غيره، وفيه من الفقه الترغيب في استعمال الطيب وفي عرضه على من يستعمله اهـ من المفهم (فلا يرده) برفع الدال على الأفصح على أن الجملة خبر لمبتدإ والجملة الاسمية جواب الشرط والمعنى لا يرده لأنه لا يشق حمله على المهدي إليه وكذلك لا يشق على المهدي

5741 - (2221) (276) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. (قَال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ بِالأَلُوَّةِ, غَيرِ مُطَرَّاةٍ, وَبِكَافُورٍ, يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوَّةِ. ثُمَّ قَال: هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ إهداؤه ففي رده من غير داع كسر لقلب المهدي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 320]، وأبو داود في الترجل باب في رد الطيب [4172]، والنسائي في الزينة باب الطيب [5259]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5741 - (2221) (276) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر (وأبو طاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري نسبة إلى تستر اسم بلدة لكونه يتجر فيها (قال أحمد حدثنا وقال الآخران أخبرنا ابن وهب أخبرني مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني، صدوق، من (7) (عن أبيه) بكير بن الأشج، ثقة، من (5) (عن نافع قال) نافع (كان ابن عمر إذا استجمر) وتبخر أي إذا أراد الاستجمار والتبخر على المجمرة، والاستجمار هنا استعمال الطيب والتبخر به مأخوذ من المجمر وهو البخور أي إذا أراد أن يستجمر ويتبخر بالطيب (استجمر) أي تبخر (بالألوة) أي بالعود الهندي الموضوع على المجمرة، والألوة بفتح الهمزة وضمها وضم اللام وتشديد الواو العود يتبخر به، وذكر الأصمعي أنها كلمة فارسية معربة، حالة كون الألوة (غير مطراة) أي غير مخلوطة بغيرها كالمسك والعنبر، قال التوربشتي (والمطراة) هي المرباة بما يزيد في الرائحة من الطيب، والمعنى استجمر بالألوة وحدها تارة (وبكافور يطرحه) أي يخلطه (مع الألوة) تارة أخرى اهـ من المرقاة (ثم) بعد ما تبخر كذلك (قال) ابن عمر (هكذا) أي مثل ما أنا تبخرت كان يستجمر) ويتبخر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ففي هذا الحديث استحباب الطيب للرجال كما هو مستحب للنساء لكن يستحب للرجال بما ظهر ريحه وخفي لونه، وأما المرأة فإذا أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره كره لها كل طيب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ له ريح، ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة والعيد وعند حضور مجامع المسلمين ومجالس الذكر والعلم وعند معاشرة زوجة ونحو ذلك والله أعلم كله من النووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الزينة باب البخور [5135]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثالث حديث وائل بن حجر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسادس حديث سهل بن حنيف ذكره للاستشهاد، والسابع حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد، والتاسع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

684 - (28) باب إنشاد الشعر وجواز استماعه إذا لم يكن فيه بأس وتحريم اللعب بالنردشير

684 - (28) باب إنشاد الشعر وجواز استماعه إذا لم يكن فيه بأس وتحريم اللعب بالنردشير 5742 - (2222) (277) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: رَدِفْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا. فَقَال: "هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيئًا؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "هِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 684 - (28) باب إنشاد الشعر وجواز استماعه إذا لم يكن فيه بأس وتحريم اللعب بالنردشير 5742 - (2222) (277) (حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد و) محمد (بن أبي عمر كلاهما عن ابن عيينة قال ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (عن إبراهيم بن ميسرة) الطائفي نزيل مكة، ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عمرو بن الشريد) بن سويد الثقفي الطائفي، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الطب والشعر (عن أبيه) شريد بن سويد الثقفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) شريد بن سويد (ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام أي ركبت خلفه على دابته (فقال) لي (هل معك) شيء (من شعر أمية بن أبي الصلت) فتنشدني منه (شيئًا) قال النووي: هكذا وقع في معظم النسخ (شيئًا) بالنصب وعلى هذه الرواية يقدر فيه محذوف يعمل فيه النصب كما قدرناه، وعلى رواية الرفع فهو مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر خبره الظرف المذكور أولًا وهذا هو الأوضح الأوفق لقواعد النحو دون النصب، وأمية ابن أبي الصلت شاعر جاهلي معروف وقد كان قرأ الكتب السماوية المتقدمة ورغب عن عبادة الأوثان وكان يخبر بأن نبيًّا يبعث في آخر الزمان وقد أظل زمانه وكان يرجو أن يكون ذلك النبي فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصته كفر حسدًا له، وكان يحكي في شعره قصص الأنبياء ويأتي بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب يأخذها من الكتب المتقدمة وبأحاديث من أحاديث أهل الكتاب ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره قال "آمن لسانه وكفر قلبه" اهـ من كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة [ص 277، (قال) شريد بن سويد (نعم) عندي من شعره شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسمعنيه" فأنشدت له شيئًا فـ (قال) لي (هيه) أي زدنيه، قال الأبي: بكسر الهاء

فَأَنْشَدْتُهُ بَيتًا. فَقَال: "هِيهِ" ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيتًا. فَقَال: "هِيهِ" حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى وسكون الياء والهاء الأخيرة كلمة استزادة معناها زدني منه شيئًا، وأصلها (إيه) بالهمزة المكسورة فإن نونتها فهي نكرة من أسماء الأفعال بمعنى زدني من أي حديث كان وإن كسرت الهاء الأخيرة ولم تنونها فهي اسم فعل أمر معرفة بمعنى زدني من حديث معهود بيننا فهي كمه وصه في تعريفها وتنكيرها وإعرابها (فأنشدته) أي قرأت له (بيتًا) واحدًا (فقال) لي مرة ثانية (هيه) أي زدني منه شيئًا (ثم أنشدت بيتًا) آخر (فقال) مرة ثالثة (هيه) فزدته (حتى أنشدته مائة بيت) من شعر أمية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الأدب باب الشعر [3803]. قوله (حتى أنشدته مائة بيت) فيه جواز إنشاد الشعر "وهو قراءة شعر الغير" وجواز إنشائه "وهو ابتداء الشعر وتأليفه من عند نفسه" ومما يدل على الجواز أيضًا ما أخرجه البخاري في الأدب عن أبي بن كعب رضي الله عنه برقم [6145] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن من الشعر حكمة" وقد ثبت سماع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر في غير ما حديث وكان يوضع المنبر في المسجد النبوي لحسان بن ثابت رضي الله عنه فينشد الأشعار ينافح بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودل على ذم الشعر والشعراء قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)} الآيات وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الآتي في هذا الباب "لأن يمتلئ جوف الرجل قيحًا يريه خير من أن يمتلئ شعرًا" ويجمع بين هذه النصوص المتعارضة بما ذكرته عائشة رضي الله تعالى عنها فيما أخرج عنها البخاري بسند حسن في الأدب المفرد قالت (الشعر منه حسن ومنه قبيح خذ الحسن ودع القبيح) وبما أخرجه أبو يعلى بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا "الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام". فالمذموم من الشعر ما اشتمل على الكفر أو على الفسق كالدعاوي الكاذبة لقوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)} أو على الكلام الفاحش أو التغزل بأجنبية معينة أو بالأمرد أو هجاء إنسان بغير حق أو هجاء قبيلة لأجل رجل منهم أو غير ذلك من المعاصي فلا يجوز إنشاء مثله أو إنشاده إلا استشهادًا في اللغة وكذلك يذم من الشعر ما غلب على الإنسان بحيث صده عن القرآن والعلم وذكر الله تعالى فإذا بلغ هذا المبلغ لم

5743 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيسَرَةَ, عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ, أَوْ يَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمٍ, عَنِ الشَّرِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجز وإن كان مشتملًا على معان مباحة وإلى هذا المعنى أشار البخاري في صحيحه حيث عقد ترجمة بقوله: "باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى جصده عن ذكر الله تعالى والعلم والقرآن". أما إذا اشتمل الشعر على معنى حسن كالتوحيد وحمد الله تعالى والثناء عليه ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر معاني البر والخير كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الأحكام الأصولية والفقهية والقواعد العربية فهو مثاب عليه إن شاء الله تعالى، وإذا اشتمل الشعر على معنى مباح فهو مباح وقد أخرج البغوي في معجم الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمالك بن عمير الأسلمي الشاعر رضي الله عنه أن يشبب بامرأته ويمدح راحلته كما سيأتي إن شاء الله تعالى وكذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع قصائد حسان وكعب رضي الله عنهما مع ما اشتملت عليه من التشبيب بامرأة مبهمة ولم ينكر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فدل ذلك على جواز التشبيب بامرأة غير معينة اهـ من التكملة بزيادة وتصرف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث شريد بن سويد رضي الله عنه فقال: 5743 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (جميعًا عن) سفيان (بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة) الطائفي (عن عمرو بن الشريد أو) قال إبراهيم بن ميسرة: عن (يعقوب بن عاصم) بن عروة بن مسعود الثقفي الطائفي، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الفتن، والشريد بن سويد أو عمرو بن الشريد في الشعر، ويروي عنه (م د س) وإبراهيم بن ميسرة والنعمان بن سالم ويعلي بن عطاء وآخرون، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة، والشك من سفيان هل روى عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن الشريد أو روى إبراهيم عن يعقوب عن الشريد (عن الشريد) بن سويد. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة زهير بن حرب وأحمد بن عبدة

قَال: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 5744 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ, عَنْ أَبِيهِ، قَال: اسْتَنْشَدَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيسَرَةَ. وَزَادَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ لعمرو الناقد وابن أبي عمر (قال) شريد بن سويد (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فذكر) أي الراوي المتابع بكسر الباء وهو زهير بن حرب وأحمد بن عبدة (بمثله) أي بمثل الراوي المتابع بفتح الباء وهو عمرو الناقد وابن أبي عمر، ولعل في هذا الكلام تحريفًا، والصحيح الموافق لاصطلاحاته أن يقال (فذكر بمثلهما) بألف التثنية وضميرها والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث شريد بن سويد رضي الله عنه فقال: 5744 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا المعتمر بن سليمان) ابن طرخان التيمي البصري، ثقة، من كبار (9) روى عنه في (10) أبواب، وليس عندهم معتمر إلا هذا (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) أي كل من المعتمر وعبد الرحمن رويا (عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن يعلى بن كعب الثقفي أبي يعلى (الطائفي) روى عن عمرو بن الشريد في الشعر وعطاء، ويروي عنه (م س ق) والمعتمر بن سليمان وعبد الرحمن بن مهدي والثوري، قال ابن معين: صالح، وقال مرة: ليس به بأس، وقال الدارقطني: طائفي يعتبر به، وقال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، يخطئ ويهم، من السابعة (عن عمرو بن الشريد عن أبيه) شريد بن سويد رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عبد الله بن عبد الرحمن لإبراهيم بن ميسرة (قال) شريد بن سويد (استنشدني) أي طلب مني (رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنشاد شعر أمية بن أبي الصلت، وساق عبد الله بن عبد الرحمن (بمثل حديث إبراهيم بن ميسرة و) لكن (زاد) عبد الله بن

قَال: "إِنْ كَادَ لَيُسْلِمُ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ قَال: "فَلَقَدْ كَادَ يُسْلِمُ فِي شِعْرِهِ". 5745 - (2223) (278) حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. جَمِيعًا عَنْ شَرِيكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن على إبراهيم بن ميسرة لفظة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن كاد) أي إن الشأن والحال كاد وقرب أمية بن أبي الصلت فإن مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها (ليسلم) في شعره بلسانه لا بقلبه حيث قال في شعره: مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد وقوله (تعنو) أي تخضع نظير قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} (وفي حديث ابن مهدي) وروايته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لفظة (فلقد كاد) أمية أي قارب أن (يسلم في شعره) حيث قال نحو قوله مليك على عرش السماء الخ ولكن إسلامه لساني لا اعتقادي والله أعلم. والمراد أن المعاني التي أتى بها أمية بن أبي الصلت في أشعاره معان صحيحة حكمية لا تصدر في الغالب إلا عن رجل مسلم فكاد أمية أن يسلم ولكنه لم يقدر له ذلك؛ أي قارب أن يسلم لأن أكثر أشعاره يشعر بالتوحيد، قال القسطلاني: كان من شعراء الجاهلية وأدرك مبادئ الإسلام بلغه خبر البعث لكنه لم يوفق للإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتعبد في الجاهلية وأكثر في شعره من التوحيد وكان غواصًا على المعاني معتنيًا بالحقائق ولذا استحسن صلى الله عليه وسلم شعره واستزاد من إنشاده اهـ، قال النووي: ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استحسن شعر أمية واستزاد من إنشاده لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث، وفي الحديث دلالة على جواز إنشاد الشعر الذي لا فحش فيه وسماعه سواء شعر الجاهلية وغيرهم وإن المذموم من الشعر الذي لا فحش فيه إنما هو الإكثار منه وكونه غالبًا على الإنسان فأما يسيره فلا بأس بإنشاده وسماعه وحفظه اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث شريد بن سويد بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5745 - (2223) (278) (حدثني أبو جعفر محمد بن الصباح) البغدادي البزاز صاحب السنن، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وعلي بن حجر السعدي) المروزي (جميعًا عن شريك) بن عبد الله بن أبي شريك سنان بن أنس، صدوق، من (8)

قَال ابْنُ حُجْرٍ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (8) أبواب (قال ابن حجر أخبرنا شريك) بصيغة السماع (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أشعر كلمة) والمراد بالكلمة القطعة من الكلام أي أبلغ كلمة (تكلمت بها العرب) شعرًا (كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) أي زائلٌ فانِ منعدم، قال العيني ولبيد هذا هو ابن ربيعة بن مالك العامري أبو عقيل الكوفي عاش مائة وأربعًا وخمسين سنة مات في خلافة عثمان رضي الله عنهم اهـ وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم أدرك الإسلام وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني كلاب فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم ثم قدم لبيد الكوفة فأقام بها إلى زمن معاوية حتى توفي بها وقد عمر مائة وعشرين سنة وقيل مائة وثلاثين وقيل مائة وأربعين منها تسعون سنة في الجاهلية وباقيتها في الإسلام وهو القائل هذا البيت: ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد ولما كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله في الكوفة سل لبيدًا والأغلب العجلي ما أحدثا من الشعر في الإسلام سأله العامل فقال لبيد: أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران فزاد عمر في عطائه ويقال إنه ما قال في الإسلام إلا بيتًا واحدًا فقيل هو قوله: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى كسان من الإسلام سربالا وقيل هو قوله: ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح وكان عطاؤه ألفين فزاد فيه عمر رضي الله عنه حتى صار ألفين وخمس مائة فلما تولى معاوية الخلافة سأله (هذان الفودان) فما بال (العلاوة) يعني بالفودين الألفين وبالعلاوة الخمسمائة، وأراد أن يحطه إياها فقال: أموت الآن وتبقى لك العلاوة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والفودان فرق له معاوية وترك عطاءه على حاله فمات بعد ذلك بيسير، وكان لبيد من أسخياء الناس، وكذلك أبوه ربيعة حتى كان يقال لأبيه ربيع المقترين، وكان لبيد قد حلف أن لا تهب الصبا إلا أطعم الناس، وفيه قال الوليد بن عقبة: أرى الجزار يشحذ شفرتيه ... إذا هبت رياح أبي عقيل أشم الأنف أصيد عامري ... طويل الباع كالسيف الصقيل قاله الحافظ في الإصابة [3/ 307] وابن قتيبة في الشعر والشعراء ص (123 و 124). وقوله (ألا كل شيء) .. الخ هو مبتدأ مضاف إلى النكرة مفيد للاستغراق وخبره (باطل) ومعناه فانٍ ومضمحل ولذا قال صلى الله عليه وسلم في حقه أصدق كلمة لموافقة هذا المصراع لِأصدق الكلام وهو قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ (26)} وقوله (ما خلا الله) بنصب الجلالة بخلا والمعنى كل شيء خلا الله وخلا صفاته تعالى فانٍ إلا ما شاء الله تعالى أو المعنى كل شيء سوى الله جائز عليه الفناء لذاته اهـ قسطلاني، والمراد أن الله تعالى هو المستقل بالوجود وليس في الكون ما يستقل بوجوده إلا الله تبارك وتعالى فإنه لا يحتاج إلى خالق موجد بخلاف جميع الأشياء فإنها تحتاج إلى مكون وموجد لها وهذا طرف من قصيدته المشهورة وفيها: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه ... قضى عملًا والمرءُ ما عاش عامل حبائله مبثوثة بسبيله ... ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل وكل امرئ يومًا سيعلم سعيه ... إذا كشفت عند الإله المحاصل ذكره ابن قتيبة في كتابه المذكور آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري ذكره في مواضع كثيرة منها في الأدب في باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء [3847]، والترمذي في الأدب [2849]، وابن ماجه في الأدب [3802]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5746 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالهَا شَاعِرٌ, كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ". 5747 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَصْدَقُ بَيتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5746 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي (حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشريك بن عبد الله، وفائدتها تقوية السند الأول (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها شاعر) من شعراء العرب (كلمة لبيد) أي قطعة قالها لبيد من الشعر وهي قوله (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) وكل نعيم لا محالة زائل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) بلسانه لا بقلبه حيث قال: مليك على عرش السماء مهيمن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5747 - (00) (00) (وحدثني) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زائدة لشريك بن عبد الله، وفائدتها تقوية السند الأول (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أصدق بيت) يعني شطر بيت أو مع الشطر

قَالهُ الشَّاعِرُ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ وَكَادَ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ". 5748 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: "أَصْدَقُ بَيتٍ قَالتْهُ الشُّعَرَاءُ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ " 5749 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني (قاله الشاعر) قول لبيد (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) وكل نعيم لا محالة زائل (وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) حيث قال: مليك على عرش السماء مهيمن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 5748 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرصه بيان متابعة شعبة لشريك بن عبد الله، وفائدتها أيضًا تقوية السند الأول (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أصدق بيت قالته الشعراء) قول لبيد (ألا كل شيء ما خلا الله باطل). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5749 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا يحيى بن زكرياء) بن أبي زائدة (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (قال) أبو سلمة (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لشريك بن عبد الله، وفائدتها تقوية

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ: "إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ" مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. 5750 - (2224) (279) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ الرَّجُلِ قَيحًا يَرِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السند الأول (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أصدق كلمة قالها شاعر) من الشعراء (كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، ما زاد) إسرائيل شيئًا من الكلام (على ذلك) أي على قوله (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) أي ما زاد تمام البيت، ولا مثل قول بعض الرواة (وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث شريد بن سويد بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5750 - (2224) (279) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص) بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلاهما) أو كل من حفص وأبي معاوية رويا (عن الأعمش ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يمتلئ جوف الرجل قيحًا) أي صديدًا (يريه) أي يرى ذلك القيح جوفه، وضمير الفاعل المستتر يعود على القيح، والضمير البارز في محل النصب مفعول به يعود على الجوف وبني على الكسر لوقوعه بعد الياء كما بسطنا الكلام فيه في تفسيرنا حدائق الروح، وجملة يمتلئ مع أن المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء،

خَيرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". قَال أَبُو بَكْرٍ: إِلَّا أَنَّ حَفْصًا لَمْ يَقُلْ: "يَرِيهِ". 5751 - (2225) (280) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والخبر قوله (خير من أن يمتلئ شعرًا) والتقدير لامْتِلَاءُ جوف الرجل قيحًا يفسده خير من امتلائه شعرًا أي أخف ضررًا لأن الشعر يهلكه هلاكًا أخرويًا، والوري أي الداء يهلكه هلاكًا دنيويًا وهو أخف من الهلاك الأخروي يقال ورى الداء الرجل يري وريًا من باب رمى إذا أصاب رئته وورى القيح جوفه إذا أفسده وأكله والاسم منه الوَرْي يقال وري الرجل إذا أصابه الوَرْي فهو مورُوٌّ وموريٌّ، والورى بسكون الراء مصدر وبفتحها اسم مصدر وهو قيح في الجوف أو قرح يقع في قصب الرئتين اهـ، والمراد أن يكون الشعر غالبًا عليه مستوليًا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى وهذا مذموم من أي شعر كان، وأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئًا شعرًا اهـ نووي (قال أبو بكر) بن أبي شيبة (إلا أن حفصًا) ابن غياث (لم يقل) لفظة (يريه) وإنما قالها أبو معاوية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر [6155] وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الشعر [5009]، والترمذي في الأدب [2851]، وابن ماجه في الأدب [3894]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث شريد بن سويد بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال: 5751 - (2225) (280) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير) الباهلي أبي غلاب بالمعجمة المفتوحة واللام المشددة بعدها موحدة البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن محمد بن سعد) بن أبي وقاص، ثقة، عن (3) روى عنه في (4) أبواب (عن) أبيه

سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيحًا يَرِيهِ خَيرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". 5752 - (2226) (281) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ يُحَنِّسَ، مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيرِ, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: بَينَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ, إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا الشَّيطَانَ, أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيطَانَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ (سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا يريه) أي يري ذلك القيح جوفه ويفسده ويأكله (خير) أي أخف وأسهل عقوبة (من أن يمتلئ شعرًا) بحيث يمنعه من تلاوة القرآن ودراسة العلوم الشرعية والحديث من أي شعر كان هجوآ كان أو غيره قد تقدم البسط في هذه الكلمات آنفًا فراجعها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الأدب [2852]، وابن ماجه في الأدب [3805]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث شريد بن سويد بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 5752 - (2226) (281) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل (الثقفي) البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني (عن يحنس) بضم الياء وتشديد النون المفتوحة ثم مهملة ابن عبد الله المدني الأسدي مولاهم (مولى مصعب بن الزبير) بن العوام، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج) بفتح العين المهملة وسكون الراء هي قرية جامعة من عمل الفرع على نحو ثمانية وسبعين ميلًا من المدينة (إذ عرض) وظهر لنا (شاعر ينشد) أي يقرأ شعرًا لغيره، وقد ذكرنا الفرق بين الإنشاد والإنشاء في أوائل الباب فراجعه (فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا الشيطان أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (أمسكوا الشيطان) والشك من الراوي والمعنى واحد يعني الشاعر ثم قال

لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيحًا, خَيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". 5753 - (2227) (282) حَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ, عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بُرَيدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ, فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا) وكأنه هجا المسلمين بشعره. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فقال: 5753 - (2227) (282) (حدثنا زهير حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) الثوري (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي، ثقة، من (3) (عن أبيه) بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنردشير) بفتح النون وسكون الراء وفتح الدال وكسر الشين كلمة فارسية معربة تستعمل في اللعب المعروف وهو في الأصل اسم ملك من الأعاجم سمي اللعب باسمه لكونه قد وضع له كما نقله ابن عابدين عن المهمات، والنرد جوالق واسع الأسفل مخروط الأعلى يتخذ من خوص النخل ولعبة وضعها ملوك الفرس وتعرفها العامة بلعب الطاولة وبالكعاب (فكأنما صبغ) وغمس (يده في لحم الخنزير) بالأكل منه (و) غمس يده في (دمه) أي في دم الخنزير بذبحه، قال ابن فرشته، قيل المراد به هنا الأكل منه لأن الغمس في اللحم يكون في حالة الأكل غالبًا فيكون اللعب به حرامًا لتشبيهه صلى الله عليه وسلم بالمحرم، وعليه اتفق العلماء .. إلخ، قال النووي: وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد، وقال أبو إسحاق المروزي من أصحابنا: يكره ولا يحرم، وأما الشطرنج فمذهبنا أنه مكروه وليس بحرام وهو مروي عن جماعة من التابعين، وقال مالك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأحمد: حرام اهـ ويقوي قولهما حديث الجامع الصغير (ملعون من لعب بالشطرنج والناظر إليها كالآكل لحم الخنزير) قال المناوي: وأكل لحم الخنزير حرام ومن ثم ذهب الأئمة الثلاثة إلى تحريم اللعب به، وقال الشافعي: يكره ولا يحرم وهذا إذا لم يقامر ولم يداوم ولم يخل بواجب وإلا فهو حرام بالإجماع اهـ ذهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب اللعب بالنرد [4939]، وابن ماجه في الأدب باب اللعب بالنرد [3808]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث شريد بن سويد ذكره للاستدلال على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والرابع حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والسادس حديث بريدة بن الحصيب ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

كتاب الرؤيا

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ 23 - كتاب الرؤيا 685 - (20) باب الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا والرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني" 5754 - (2228) (283) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ (وَاللَّفْظُ لا بْنِ أَبِي عُمَرَ) , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَال: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا. غَيرَ أَنِّي لَا أُزَمَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 23 - كتاب الرؤيا 685 - (20) باب الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا والرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني" 5754 - (2228) (283) (حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر جميعًا) أي كلاهما رويا (عن ابن عيينة واللفظ لابن أبي عمر) قال ابن أبي عمر (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال) أبو سلمة (كنت) أنا (أرى الرؤيا) والمنام (أعرى) بضم الهمزة وسكون العين وفتح الراء بوزن أرمى على البناء للمجهول أي أحم (منها) أي من تلك الرؤيا لخوفي من ظاهرها أي تصيبني الحمى لشدة فزعي وخوفي منها يقال عري الرجل بضم العين وكسر الراء بدون تشديد يعرى بضم الياء مبنيًّا للمجهول إذا أصابته الحمى أو الرعدة من الفزع أي كنت أرى الرؤيا حالة كوني معريًا أي محمومًا من أجل الفزع (غير أني) أي لكن أني (لا أزمل) أي لا ألفف ولا أغطى بالثياب كما يزمل

حَتَّى لَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الرُّؤْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المحموم هو بضم الهمزة وفتح الميم المشددة من التزميل أي لا أغطى بغطاء ولا ألفف برداء كما يلف المحموم، قال الأبي: قوله لا أزمل من التزميل وهو التدثير فالمعنى أرى الرؤيا أحم منها فزعًا غير أني لا أزمل أي لا ألف كما يلف المحموم والمراد أني كنت لشدة خوفي وفزعي من ظاهر ما أرى من الرؤيا أصير محمومًا ولا يبقى بيني وبين الرجل المحموم فرق إلا أن المحموم يزمل عادة وكنت لا أزمل، وقوله (حتى لقيت أبا قتادة) رضي الله عنه غاية لقوله أعرى اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي بفتحتين (فذكرت) أي أخبرت (ذلك) الذي أرى من الحمى عند الرؤيا (له) أي لأبي قتادة. قال المازري رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان فكأنه جعلها علمًا على أمور يخلقها في ثاني الحال كالغيم على المطر أو كان قد خلقها والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علمًا على ما يسر بغير حضرة الشيطان ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فينسب إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" لا على أن الشيطان يفعل شيئًا اهـ. (فقال) لي أبو قتادة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا) مقصورة مهموزة وهو مصدر رأى في المنام رؤيا على وزن فعلى وألفه للتأنيث ولذلك لم ينصرف والرؤية مصدر رأى بعينه في اليقظة رؤية هذا هو المعروف من لسان العرب، وقال في الكشاف: الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة فلا جرم فرق بينهما بألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق اهـ، وقال بعض العلماء: الرؤيا قد تجيء بمعنى الرؤية وحمل عليه قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} وقال إنما يعني بها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء لما أراه من عجائب السموات والملكوت وكان الإسراء من أوله إلى آخره في اليقظة اهـ أي سمعته صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة بشرى (من الله) تعالى يبشر بها لمن رآها أو رؤيت له أو تحذير وإنذار له عما لا يصلح له (والحلم) بضم الحاء

مِنَ اللَّهِ. وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيطَانِ. فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا. وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا, فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون اللام هو لغة مصدر حلم بفتح الحاء واللام إذا رأى في منامه رؤيا حسنًا كان أو مكروهًا وأراد به النبي صلى الله عليه وسلم هنا ما يكره أو ما لا ينتظم أي تخويف (من الشيطان) يعني ما يلقيه مما يهول أو يخوف أو يحزن به، قال الأبي: الحلم اسم لما يراه النائم لكن غلب اسم الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح وقد يستعمل كل منهما مكان الآخر اهـ منه، وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه بقوله صلى الله عليه وسلم (فإذا حلم) أي رأى (أحدكم) في نومه (حلمًا) أي منامًا (يكرهه) ويحزنه ويخوفه (فلينفث) أي فليتفل، والنفث وكذا التفل نفخ لطيف بلا ريق (عن يساره ثلاثًا) من المرات (وليتعوذ بالله) تعالى (من شرها) أي من شر وقوع ضررها (فإنها) أي فإن تلك الرؤيا (لن تضره) بوقوع ضررها، معناه أن الله تعالى جعل هذا سببًا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببًا لدفع البلاء كذا في النووي، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منها لأنها من تخييلات الشيطان وتشويشاته فإذا استعاذ الرائي منه صادقًا في التجائه إلى الله تعالى ونفث عن يساره ثلاثًا وتحوّل عن جنبه كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وصلى أذهب الله عنه ما أصابه وما يخافه من مكروه ذلك ولم يصبه منه شيء ببركة صدق الالتجاء إلى الله تعالى وامتثال أوامره صلى الله عليه وسلم وكان فعل هذه الأمور كلها مانعًا من وقوع ذلك المكروه كما يقال إن الدعاء يدفع البلاء والصدقة تدفع ميتة السوء وكل ذلك بقضاء الله تعالى وقدره ولكن الوسائط والأسباب عاديات (جمع عدوى وهي المعونة) لا موجدات، وفائدة أمره بالتحول عن جنبه الذي كان عليه ليتكامل استيقاظه وينقطع عن ذلك المنام المكروه، وفائدة الأمر بالصلاة أن تكمل الرغبة وتصح الطلبة فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد اهـ من المفهم بتصرف. وحاصل ما ورد في الحديث من أدب الرؤيا المكروهة أشياء: الأول: أن يتعوذ بالله تعالى من شرها. والثاني أن يتعوذ بالله من الشيطان. والثالث أن يتفل عن يساره ثلاثًا. والرابع أن لا يذكرها لأحد أصلًا. والخامس أن يقوم الرجل فيصلي وقد ورد عن أبي هريرة مرفوعًا "فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل" كما سيأتي في المتن.

5755 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ, وَعَبْدِ رَبِّهِ وَيَحْيَى, ابْنَيْ سَعِيدٍ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ, ـــــــــــــــــــــــــــــ والسادس أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه. وأن هذه الآداب الستة مذكورة في الأحاديث المختلفة، قال النووي رحمه الله تعالى: فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها فإذا رأى ما يكره نفث عن يساره قائلًا: أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها وليتحول إلى جنبه الآخر وليصل ركعتين فيكون قد عمل بجميع الروايات وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث، وأما حكمة النفث على اليسار فعلى ما ذكره القاضي عياض أنه أمر بالنفث ثلاثًا طردًا للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة وتحقيرًا له واستقذارًا به وخصت به اليسار لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوها واليمين ضدها وقد ورد في بعض الروايات فليتفل أو فليبصق مكان قوله هنا فلينفث ولكن جاءت أكثر الروايات بلفظ النفث وهو نفخ لطيف بلا ريق ويكون التفل والبصق محمولين عليه مجازًا، وتعقبه الحافظ في الفتح [12/ 371] بأن المقصود هنا طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره فالمناسب هنا أن تحمل الأحاديث كلها على التفل الذي هو نفخ معه ريق لطيف فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى الريق قيل له بصق والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 310]، والبخاري في ثمانية أبواب منها في باب الرؤيا من الله [6984]. وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الرؤيا [5021]، والترمذي في الرؤيا باب ما جاء إذا رأى في المنام ما يكره [2277]، وابن ماجه في تعبير الرؤيا [2955]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 5755 - (00) (00) (وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد التيمي مولاهم (مولى أبي طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (وعبد ربه ويحيى ابني سعيد) بن قيس الأنصاريين المدنيين كلاهما، ثقتان، من (5) روى عن عبد ربه في (5) أبواب وعن يحيى في (16) بابا (ومحمد بن عمرو بن علقمة) بن وقاص الليثي المدني، صدوق، من

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ أَبِي قَتَادَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِمْ قَوْلَ أَبِي سَلَمَةَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا, غَيرَ أَنِّي لَا أُزَمَّلُ. 5756 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: أُعْرَى مِنْهَا. وَزَادَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: "فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَارِهِ, حِينَ يَهُبُّ مِنْ نَوْمِهِ, ثَلاثَ مَرَّاتٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (6) روى عنه في (5) أبواب كل هؤلاء الأربعة رووا (عن أبي سلمة عن أبي قتادة) الأنصاري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن عبد الرحمن وعبد ربه ويحيى ابني سعيد ومحمد بن عمرو للزهري، وساق هؤلاء الأربعة (مثله) أي مثل حديث الزهري عن أبي سلمة (و) لكن (لم يذكر) سفيان بن عيينة (في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الأربعة وروايتهم (قول أبي سلمة) في أول الحديث (كنت أرى الرؤيا أعرى منها غير أني لا أزمل) بل إنما رواه عن الزهري فقط. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 5756 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما) أي كل من يونس ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي قتادة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة يونس ومعمر لسفيان بن عيينة (و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث يونس ومعمر لفظة (أعرى منها وزاد) ابن وهب (في حديث يونس) لفظة (فليبصق على يساره حين يهب) بفتح الياء وضم الهاء من باب شد أي حين يستيقظ (من نومه ثلاث مرات) منصوب بيبصق على المفعولية المطلقة مبين للعدد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال:

5757 - (00) (00) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ) , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ. وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيطَانِ. فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ, وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا. فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5757 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (يقول سمعت أبا قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري المدني رضي الله عنه (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد للزهري (الرؤيا) الصالحة بشرى (من الله) سبحانه وتعالى أو تحذير وإنذار منه، وقد تقدم كلام المازري في الرؤيا وقال غيره: إن لله تعالى ملكًا موكلًا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورًا محسوسة فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود وتارة تكون لمعان معقولة غير محسوسة وفي الحالتين تكون مبشرة ومنذرة. [قلت] وهذا القول مثل ما تقدم عن المازري في المعنى غير أنه زاد فيه قضية الملك ويحتاج في ذلك إلى توقيف من الشرع إذ يجوز أن يخلق الله سبحانه وتعالى تلك التمثيلات من غير ملك والحق تفويض علم حقيقتها إلى الله سبحانه وتعالى لأنها من المغيبات التي استأثر الله تعالى بعلمها إلا فيما ورد فيه التوقيف من الشرع والله أعلم (والحلم) أي الأخلاط والأضغاث المختلطة منها تشويش وتحزين وتخويف صادر (من الشيطان فإذا رأى أحدكم) من الحلم (شيئًا يكرهه) ويحزنه ويشوشه (فلينفث) أي فلينفخ نفخًا لطيفًا معه قليل ريق (عن يساره ثلاث مرات) تحقيرًا للشيطان المشوش (وليتعوذ بالله) تعالى ويلتجئ إليه سبحانه (من شرها) أي من وقوع الشر الذي تدل عليه (فإنها) أي فإن ما رأى في تلك الرؤيا من المخاوف والمشوشات (لن تضره) ولن تقع عليه ببركة الالتجاء إلى الله تعالى والمعنى جعل الله تعالى هذا الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم سببًا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة دافعة للبلاء والله أعلم.

فَقَال: إِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ جَبَلٍ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ, فَمَا أُبَالِيهَا. 5758 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ, (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ: قَال أَبُو سَلَمَةَ: فَإِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ اللَّيثِ وَابْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) أبو سلمة بالسند السابق (إن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إنه أي إن الشأن والحال (كنت) أنا فيما مضى قبل سماع هذا الحديث (لأرى الرؤيا أثقل) أي أشد ثقلًا (علي من) ثقل (جبل) ثقيل لو حملته (فما هو) أي فما الشأن (إلا أن سمعت بهذا الحديث) أي إلا سماعي بهذا الحديث (فـ) بعد سماعي لهذا الحديث (ما أباليها) أي ما أبالي تلك الرؤيا الثقيلة التي تشوشني وتحزنني ولا أكترث بها ولا أظن بوقوع ضررها علي بعدما فعلت ما أمر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال القرطبي: قوله (فما أباليها) أي ما التفت إليها ولا ألقي لها بالًا أي لا أخطرها على فكري ثقة بالله تعالى وبما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 5758 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح عن الليث بن سعد ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير كلهم) أي كل هؤلاء الثلاثة المذكورين من الليث وعبد الوهاب وابن نمير رووا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي قتادة مثل ما روى سليمان ابن بلال، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لسليمان بن بلال (و) لكن (في حديث) عبد الوهاب (الثقفي) وروايته لفظة (قال أبو سلمة فإن كنت لأرى الرؤيا) بزيادة حرف الفاء في قوله فإن كنت (وليس في حديث الليث وابن نمير)

قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَزَادَ ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: "وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ". 5759 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ, وَالرُّؤْيَا السَّوْءُ مِنَ الشَّيطَانِ. فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيئًا فَلْيَنْفِثْ عَنْ يَسَارِهِ, وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ, لَا تَضُرُّهُ. وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا. فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبْشِرْ. وَلَا يُخْبِرْ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وروايتهما (قول أبي سلمة إلى آخر الحديث وزاد ابن رمح في رواية هذا الحديث) لفظة (وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) أولًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه فقال: 5759 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني أخي يحيى (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي قتادة) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد ربه ليحيى بن سعيد (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة) أي الصادقة المنتظمة أو الصحيحة الواضحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة، صادرة (من الله والرؤيا السوء) بفتح السين وسكون الواو وضم الهمزة أي المسيئة المحزنة لصاحبها المشوشة له تخويف وتلاعب (من الشيطان فمن رأى رؤيا فكره منها شيئًا فلينفث عن يساره) تحقيرًا للشيطان (وليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره ولا يخبر بها أحدًا) من الناس لئلا يعبرها بتعبير غير مَرْضيِّ إما لحسده أو بجهله فتقع كذلك ويتضرر الرائي بها كما ورد في الحديث (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي) والله أعلم اهـ ذهني. (فإن رأى رؤيا حسنة) أي مبشرة (فليبشر) بضم المثناة التحتية وسكون الموحدة من البشارة أي فليسر بها وليفرح (ولا يخبر) بها (إلا) لـ (ـمن يحبـ) ـه ويفرح له.

5760 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَال: إِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي. قَال: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ. فَقَال: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي, حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ. فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ. وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفِلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا, وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيطَانِ وَشَرِّهَا, وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ". 5761 - (2229) (284) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 5760 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) البصري، ثقة، من (10) (وأحمد بن عبد الله بن الحكم) بن أبي فروة الهاشمي ابن الكردي البصري، ثقة، من (10) (قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (قال) أبو سلمة (إن) أي إنه (كنت لأرى الرؤيا تمرضني) بضم التاء وكسر الراء من أمرض الرباعي أي تأخذني بالمرض (قال) أبو سلمة (فلقيت أبا قتادة) الأنصاري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعمرو بن الحارث (فقال) لي أبو قتادة (وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة) بشرى (من الله) تعالى (فإذا رأى أحدكم ما يحبـ) ـه ويعجبه من الرؤيا (فلا يحدث) أي فلا يخبر (بها إلا من يحبـ) ـه (وإن رأى ما يكر هـ) ـه ويحزنه (فليتفل) أي فليبصق (عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شر الشيطان) ووسوسته (و) من (شرها) أي ومن شر ما يقع بعدها (ولا يحدث) بضم الياء وكسر الدال المشددة وبرفع المثلثة وبالجزم على النهي (بها أحدًا) من الناس (فإنها) أي فإن تلك الرؤيا (لن ثضره) بإذن الله تعالى وحفظه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي قتادة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 5761 - (2229) (284) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا) محمد (بن

رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ, عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا, وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ ثَلاثًا, وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ". 5762 - (2230) (285) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأى أحدكم الرؤيا) المشوشة التي (يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا) أمر بالبصق طردًا للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة وتحقيرًا له واستقذارًا لفعله وخص اليسار لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوها اهـ مرقاة (وليتعوذ بالله من الشيطان) أي فلا يلتفت إلى غيره سبحانه وليلتجئ إليه وليستعذ به (ثلاثًا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) أولًا للتفاؤل بتحول تلك الحال التي كان عليها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 350]، وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الرؤيا [5022]، وابن ماجه في تعبير الرؤيا باب من رأى رؤيا يكرهها [3954]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5762 - (2230) (285) (حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر المكي) العدني (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) بن أبي تميمة (السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اقترب الزمان) قال القرطبي: قيل في اقتراب الزمان قولان أحدهما تقارب الليل والنهار في الاعتدال وهو الزمان الذي تتفتق فيه الأزهار وتينع فيه الثمار وموجب صدق الرؤيا في ذلك الزمان اعتدال الأمزجة فيه فلا يكون في المنام أضغاث الأحلام فإن من موجبات التخليط فيها غلبة بعض

لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ. وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا. وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ. وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخلاط على صاحبها. وثانيهما أن المراد بذلك آخر الزمان المقارب للقيامة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن" أخرجه أحمد والترمذي. [قلت] ويعني والله أعلم آخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى - عليه السلام - بعد قتله الدجال المذكور في حديث عبد الله بن عمرو الذي قال فيه: (فيبعث الله عيسى ابن مريم ثم يمكث في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام فلا تبقي على وجه الأرض أحدًا في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته) أخرجه أحمد ومسلم. فكان أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة بعد الصدر المتقدم حالًا وأصدقهم أقوالًا وكانت رؤياهم لا تكذب كما قال صلى الله عليه وسلم: "أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا" وكما قال: "رؤيا الرجل الصالح جزء من النبوة" (لم تكد) أي لم تقرب (رؤيا المسلم) أن (تكذب) وتخطئ أي لم تقارب الكذب (وأصدقكم رؤيا) في المنام مبتدأ (أصدقكم حديثًا) في اليقظة خبر ويجوز العكس نحو قولهم صديقي حبيبي إنما كان كذلك لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة والاستقامة وأيضًا فإن من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقًا وعكس ذلك الكاذب والمخلط يفسد قلبه ويظلم فلا يرى إلا تخليطًا وأضغاثًا هذا غالب حال كل واحد من الفريقين وقد يندر فيرى الصادق ما لا يصح ويرى الكاذب ما يصح لكن ذلك قليل والأصل ما ذكرناه أولًا اهـ من المفهم، وقال الأبي: كان ذلك لأن غير الصادق يعتري الخلل في رؤياه من وجهين أحدهما أن تحديثه نفسه يجري في نومه على جري عادته من الكذب فتكون رؤياه كذلك. والثاني قد يحكي رؤياه ويسامح في زيادة أو نقص أو تحقير عظيم أو تعظيم حقير فتكذب رؤياه لذلك اهـ وهذا هو الظاهر من أحوال الناس غالبًا (ورؤيا المسلم) الكامل (جزء من خمس) وفي نسخة من خمسة (وأربعين جزءًا من النبوة والرؤيا ثلاثة) أقسام الرؤيا الصالحة والرؤيا المحزنة والرؤيا المختلطة (فرؤيا الصالحة) فيه إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع أي الرؤيا الحسن ظاهرها الصحيح معناها هي (بشرى من الله)

وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيطَانِ. وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ. فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ, فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ. وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ". قَال: "وَأُحِبُّ الْقَيدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى لعبده أي مبشرة بخير ومحذرة عن شر فإن التحذير عن الشر خير فتضمنه البشرى، وإنما قلنا ذلك هنا لأنه قد قال في حديث الترمذي "الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله" مكان بشرى من الله فأراد بذلك والله أعلم الرؤيا الصادقة المبشرة والمحذرة اهـ من المفهم (و) ثانيها (رؤيا تحزين) وتخويف صادرة (من الشيطان) ويلحق بالرؤيا المحزنة المفزعات المهولات وأضعاث الأحلام إذ كل ذلك مذموم لأنها من آثار الشيطان وكل ما ينسب إليه مذموم (و) ثالثها (رؤيا) كائنة (مما يحدث) به (المرء نفسه) يدخل فيه ما يلازمه المرء في يقظته من الأعمال والعلوم والأقوال (فإن رأى أحدكم) في منامه (ما يكره) من الرؤيا المحزنة المخوفة (فليقم) من نومه (فليصل) ركعتين وليس هذا مخالفًا لقوله في الرواية الأخرى "فلينفث عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شرها وليتحول عن جنبه الذي كان عليه" لأن الأمر بالصلاة زيادة في هذه الرواية فينبغي أن تزاد على ما في تلك الرواية فيفعل الجميع، ويحتمل أن يقال إنما اقتصر هنا على ذكر الصلاة وحدها لأنه إذا صلى تضمن فعله للصلاة جميع تلك الأمور لأنه إذا قام إلى الصلاة تحول عن جنبه وإذا تمضمض نفث وبصق وإذا قام إلى الصلاة تعوذ ودعا وتفرغ لله تعالى في ذلك في حال هي أقرب الأحوال إجابة (ولا يحدث بها) أي لا يخبر بتلك الرؤيا المكروهة (الناس) أي أحدًا من الناس أي لا يعلق نفسه بتأويلها إذ لا تأويل لها لأنها من ألقيات الشيطان التي يقصد بها التشويش على المؤمن إما بتحزين وإما بترويع أو بما أشبه ذلك وفعل ما ذكر كاف في دفع ذلك ومانع من أن يعود الشيطان لمثل ذلك وهذا هو الذي فهمه أبو سلمة من الحديث والله تعالى أعلم. ثم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (وأحب القيد) الذي يراه الإنسان في رجليه في المنام لأن القيد في الرجلين يثبت الإنسان في مكانه فإذا رآه من هو على حال ما على رجليه كان ذلك دليلًا على ثباته على تلك الحالة فإذا رآه من هو من أهل الدين والعلم كان ثباتًا على تلك الحال ولو رأى المريض قيدًا في رجليه لكان ذلك دليلًا على دوام مرضه اهـ من المفهم، وقال النووي: قال العلماء إنما أحب القيد لأنه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشرور وأنواع الباطل اهـ (وكره الغل) وهو الطوق أي رؤياه في

وَالْقَيدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ". فَلَا أَدْرِي هُوَ فِي الْحَدِيثِ أَمْ قَالهُ ابْنُ سِيرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المنام بأن يرى نفسه مغلولًا أي مربوطًا يداه إلى العنق في النوم لأنه إشارة إلى تحمل دين أو مظالم أو كونه محكومًا عليه كذا في المناوي، وقال النووي: إنما كرهه لأن موضعه العنق وهو صفة أهل النار قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} وقال أيضًا {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} وقال القرطبي: وإنما كره الغل لأنه لا يجعل إلا في الأعناق نكاية وعقوبة وقهرًا وإذلالًا فيسحب على وجهه ويجر على قفاه كما قال: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)} ومنه قوله تعالى: {غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} وقال: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)} وعلى الجملة فهو مذموم شرعًا وعادة فرؤيته في النوم دليل على وقوع حالة سيئة بالرائي تلازمه ولا ينفك عنها وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاص ارتكبها أو ديون وحقوق لازمة له وقد يكون ذلك في دنياه من شدائد تصيبه أو أنكاد تلازمه، وبالجملة فالمعتبر في أعظم أصول العبارة "يقال عبر الرؤيا عبرًا وعبارة إذا فسرها وأخبر بما يؤول إليه أمرها" النظر إلى أحوال الرائي واختلافهما فقد يرى الرائيان شيئًا واحدًا ويدل في حق أحدهما على خلاف ما يدل عليه في الآخر اهـ من المفهم (والقيد ثبات في الدين) أي وإنما أحببت رؤية القيد في المنام لأن رؤيته دليل على ثبات الرائي على الدين والعمل الصالح. قال عبد الوهاب الثقفي نقلًا عن أيوب السختياني (فلا أدري) ولا أعلم هل (وهو) أي هذا التعبير يعني قوله (والقيد ثبات في الدين) أي هل هو مذكور (في الحديث) فيكون مرفوعًا من تمام قول النبي صلى الله عليه وسلم (أم قاله) أي أم قال هذا التعبير محمد (بن سيرين) من عند نفسه فيكون موقوفًا عليه. وقد اختلف الرواة في تعيين قائل هذا التعبير فوقع في رواية معمر الآتية التصريح بكونه مقولًا لأبي هريرة رضي الله عنه ورواه قتادة عن ابن سيرين بما يدل على أنه من جملة كلام النبي صلى الله عليه وسلم وشك عبد الوهاب في روايتنا هذه فقال في آخر الرواية (فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين) والله أعلم بالصواب، وعلى كل فتعبير القيد بالثبات في الدين تعبير صحيح لكن قال الحافظ في الفتح [12/ 405] من رأى في المنام أنه مقيد ما يكون تعبيره؟ وظاهر إطلاق الخبر أنه يعبر بالثبات في الدين

5763 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ, وَقَال فِي الْحَدِيثِ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَيُعْجِبُنِي الْقَيدُ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ. وَالْقَيدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ. وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في جميع وجوهه لكن أهل التعبير خصوا ذلك بما إذا لم يكن هناك قرينة أخرى كما لو كان مسافرًا أو مريضًا فإنه يدل على أن سفره أو مرضه يطول، وكذا لو رأى في القيد صفة زائدة كمن رأى في رجله قيدًا من فضة فإنه يدل على أن يتزوج، وإن كان من ذهب فإنه لأمر يكون بسبب مال يتطلبه، وإن كان من صفر فإنه لأمر مكروه أو مال فات، وإن كان من رصاص فإنه لأمر فيه وهن، وإن كان من حبل فلأمر في الدين، وإن كان من خشب فلأمر فيه نفاق، وإن كان من حطب فلتهمة، وإن كان من خرقة أو خيط فلأمر لا يدوم اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 233 و 269]، والبخاري في التعبير [7017]، وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الرؤيا [5019]، والترمذي في الرؤيا [2270]، وابن ماجه في تعبير الرؤيا [3952] وباب الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له [3940]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5763 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد (عن أيوب) السختياني (بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر لعبد الوهاب الثقفي (وقال) معمر (في الحديث) أي في سوق الحديث (قال أبو هريرة فيعجبني القيد) أي يحبني (وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين) وجعل معمر في روايته التعبير من قول أبي هريرة ثم قال معمر في الحديث (وقال النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) بدل قول الثقفي (من خمس وأربعين جزءًا). أقول في هذه الرواية (من ستة وأربعين) وهذا هو الواقع في أكثر الروايات، وفي الرواية السابقة (من خمسة وأربعين) وفي رواية لابن عمر ستأتي عند المصنف (جزء من سبعين جزءًا) وفي رواية للطبراني (من ستة وسبعين) ولكن سندها ضعيف، وفي رواية

5764 - (00) (00) حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) , حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أنس (من ستة وعشرين جزءًا) أخرجها ابن عبد البر مرفوعًا، وفي رواية عن العباس بن عبد المطلب (جزء من خمسين جزءًا من النبوة) رواها أحمد، وفي رواية (جزء من أربعين جزءًا) رواها الترمذي والطبري من حديث أبي رزين العقيلي، وأخرج الطبري أيضًا عن ابن عباس (جزء من أربعين جزءًا) وأخرج أيضًا عن عبادة (جزء من أربعة وأربعين جزءًا) وأخرج أحمد أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (جزء من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة) وذكر القرطبي في المفهم بلفظ (سبعة وأربعين جزءًا) فتحصل مما ذكرناه عشر روايات، وفي روايات أخر لم نذكرها هنا غير ذلك. قال النووي: قال القاضي عياض: أشار الطبري إلى وجه الجمع بينها بأن الاختلاف راجع إلى الرائي فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءًا من ستة وأربعين جزءًا والفاسق جزءًا من سبعين جزءًا، وقيل المراد أن الخفي منها جزء من سبعين جزءًا والجليّ جزء من ستة وأربعين جزءًا اهـ. وفي المرقاة إنما قصر الأجزاء على ستة وأربعين لأن زمان الوحي كان ثلاثًا وعشرين سنة وكان أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة وذلك في ستة أشهر من سني الوحي ونسبة ذلك إلى سائرها نسبة جزء إلى ستة وأربعين جزءًا .. الخ، وفي المرقاة أيضًا وقيل المراد من هذا العدد المخصوص الخصال الحميدة أي كان للنبي صلى الله عليه وسلم ستة وأربعون خصلة والرؤيا الصالحة جزء منها، وفي المناوي: والمعنى أن الرؤيا جزء من أجزاء علم النبوة والنبوة غير باقية وعلمها باق وهذا هو الذي يؤول ويظهر أثره، وفيه أيضًا فإن قيل إذا كانت جزءًا منها فكيف كان للكافر منها نصيب، قلنا: هي وإن كانت جزءًا من النبوة فليست بانفرادها نبوة فلا يمتنع أن يراها الكافر كالمؤمن الفاسق اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5764 - (00) (00) (حدثني أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني

وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ , وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. 5765 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَدْرَجَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: وَأَكْرَهُ الْغُلَّ , إِلَى تَمَامِ الْكَلامِ. وَلَمْ يَذْكُرِ: "الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". 5766 - (2231) (286) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) كلاهما رويا (عن محمد) ابن سيرين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد للثقفي ومعمر (قال) أبو هريرة (إذا اقترب الزمان، وساق) حماد (الحديث) أي بقية حديث الثقفي (ولم يذكر) حماد (فيه) أي في الحديث (النبي صلى الله عليه وسلم) بل وقفه على أبي هريرة رضي الله عنه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5765 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لأيوب السختياني (وأدرج) قتادة (في الحديث) المرفوع (قوله) أي قول الحديث (وكره الغل إلى تمام الكلام) أي إلى قوله (والقيد ثبات في الدين) (ولم يذكر) قتادة في روايته (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عبادة رضي الله عنهما فقال: 5766 - (2231) (286) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر وأبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (ح وحدثني زهير بن

حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". 5767 - (2232) (287) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي كلهم) أي كل من محمد بن جعفر وأبي داود وعبد الرحمن بن مهدي رووا (عن شعبة ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (واللفظ) الآتي (له) أي لعبيد الله بن معاذ وغيره إنما روى معنى الحديث الآتي لا لفظه وأتى بهذه الجملة تورعأ من الكذب على بعض مشايخه (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي البدري أحد النقباء ليلة العقبة الصحابي المشهور رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته، وفيها رواية صحابي عن صحابي (قال) عبادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) قال النووي: وفي رواية لعبادة (أربعة وعشرون). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في التعبير [6987]، وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الرؤيا [5068]، والترمذي في الرؤيا [3271]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 5767 - (2232) (287) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن ثابت) بن أسلم (البناني عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق ثابت (مثل ذلك) أي مثل ما ساق قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لقتادة ولكنها متابعة في الشاهد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في التعبير [6983] وباب من رأى

5768 - (2233) (288) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ, عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". 5769 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام [6994]، وابن ماجه في تعبير الرؤيا [3939]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5768 - (2233) (288) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) قد تقدم تخريج هذا الحديث بأطول مما هنا بعد حديث جابر بقوله (وحدثني محمد بن أبي عمر المكي). فقد شارك المؤلف في روايته البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه كما قررناه هناك فراجعه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 5769 - (00) (00) (وحدثنا إسماعيل بن الخليل) الخزاز بمعجمات أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الأعمش ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (ابن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رُؤْيَا الْمُسْلِمِ يَرَاهَا, أَوْ تُرَى لَهُ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". 5770 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". 5771 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، (يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ صالح لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا المسلم يراها) هو لنفسه بالبناء للفاعل (أو ترى) بالبناء للمفعول أي يراها مسلم آخر (له) أي لأجله أو لأجل مسلم آخر كذا في الزرقاني (وفي حديث ابن مسهر) وروايته (الرؤيا الصالحة) أي الصادقة (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 5770 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، صدوق، من (8) روى عنه في (3) أبواب (قال) عبد الله بن يحيى (سمعت أبي) يحيى بن أبي كثير، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (يقول حدثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لسعيد بن المسيب وأبي صالح (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رؤيا الرجل الصالح) أي المراعي لحقوق الله وحقوق العباد وكذا المرأة الصالحة (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5771 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا علي يعني ابن المبارك)

ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا حَرْبٌ، (يَعْنِي ابْنَ شَدَّادٍ) , كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5772 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ, عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثنا أحمد بن المنذر) بن الجارود القزاز البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (5) أبواب، ولم يرو عنه غير مسلم من أصحاب الأمهات الست (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا حرب يعني ابن شداد) اليشكري أبو الخطاب البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (كلاهما) أي كل من علي بن المبارك وحرب بن شداد رويا (عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة علي بن المبارك وحرب بن شداد لعبد الله بن يحيى بن أبي كثير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5772 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام (حدثنا معمر) بن راشد (عن همام بن منبه) بن كامل (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة عبد الرزاق لعبد الله بن يحيى بن أبي كثير في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة لاختلاف مشايخها بدليل قوله وساق عبد الرزاق (بمثل حديث عبد الله بن يحيى ابن أبي كثير عن أبيه) يحيى بن أبي كثير ويحتمل كون المراد بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة ولكن يبعده قوله المذكور لأنه في اصطلاحاته إنما يذكر مثل هذا القول لبيان المتابع بفتح الباء. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

5773 - (2234) (289) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". 5774 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5775 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ, عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5773 - (2234) (289) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي) عبد الله (قالا) أي قال كل من أبي أسامة وعبد الله بن نمير (جميعًا حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في تعبير الرؤيا باب الرؤيا الصالحة يراها المسلم [3897]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5774 - (00) (00) (وحدثناه ابن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم السرخسي النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى القطان لأبي أسامة وعبد الله بن نمير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 5775 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة) بن سعيد (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر (عن الليث بن سعد) المصري. وهذا السند أعني سند الليث من رباعياته (ح وحدثنا)

ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ، أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ) , كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ اللَّيثِ: قَال نَافِعٌ: حَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَال: "جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". 5776 - (2235) (290) حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) , حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي, فَإِنَّ الشَّيطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد (بن رافع) القشيري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) دينار الديلي المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد الأسدي المخزومي أبو عثمان المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (كلاهما) أي كل من ليث بن سعد والضحاك بن عثمان رويا (عن نافع بهذا الإسناد) يعني عن ابن عمر، وسند الضحاك من خماسياته (وفي حديث الليث) وروايته (قال نافع حسبت) أي ظننت (أن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال) الرؤيا الصالحة (جزء من سبعين جزءًا من النبوة) بإدخال الشك فيه. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5776 - (2235) (290) (حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي) الزهراني البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (حدثنا أيوب) السختياني (وهشام) بن حسان القردوسي البصري، ثقة، من (6) (عن محمد) بن سيرين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني) قال الكرماني: فإن قلت الشرط والجزاء متحدان فما معناه؟ وأجاب بأنه في معنى الإخبار أي من رآني فأخبره بأن رؤيته حق ليست من أضغاث الأحلام، وقال في شرح المشكاة: أي من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها لا شبهة ولا ارتياب فيما رأى (فإن الشيطان لا يتمثل) ولا يتصور (بي) أي بصورتي، وفي أخرى "فإن الشيطان لا ينبغي أن يتشبه بي" وفي أخرى "لا ينبغي أن يتمثل بصورتي".

5777 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: كيف يكون ذلك وهو في المدينة والرائي في المشرق أو المغرب؟ أجيب بأن الرؤية أمر يخلقه الله تعالى ولا يشترط فيها عقلًا مواجهة ولا مقابلة ولا مقارنة ولا خروج شعاع ولا غيره ولذا جاز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس. (فإن قلت) كثيرًا يرى على خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين والجسم الواحد لا يكون إلا في مكان واحد. (أجيب) بأنه يعتبر في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة وإنما يشترط كونه موجودًا ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من صفاته المتخيلة لا المرئية اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 261 و 342]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في التعبير باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام [6993]، وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الرؤيا [5023]، والترمذي [2280]، وابن ماجه [3901 و 3904]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5777 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) ابن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي سلمة لمحمد بن سيرين (قال) أبو هريرة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) بفتح القاف رؤية خاصة في الآخرة بصفة القرب والشفاعة اهـ مناوي، وفي القاموس: اليقظة بفتحات اسم هو نقيض النوم، أقول: نعم يراه في الآخرة إن لم يكن الرائي من أهل زمانه صلى الله عليه وسلم وإن كان

أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ. لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيطَانُ بِي". 5778 - (2236) (291) وَقَال: فَقَال أَبُو سَلَمَةَ: قَال أَبُو قَتَادَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ منه فسيوفقه الله بالوصلة إليه صلى الله عليه وسلم فيتشرف برؤية جماله الشريف أو المعنى سيرى تفسير ما رآه لأنه حق والله أعلم (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم والشك من الراوي، من رآني في المنام "لكأنما رآني في البقظة) في كونها رؤية حقيقية لا خيالية واللام في قوله لكأنما بمعنى الفاء الرابطة كما في بعض الرواية لأنه (لا يتمثل) أي لا يتصور (الشيطان بي) أي بصورتي، وفي المبارق: اعلم أن هذا الحكم ليس مختصًا بنبينا صلى الله عليه وسلم بل جميع الأنبياء معصومون من أن يظهر الشيطان بصورهم في النوم واليقظة لئلا يشتبه الحق بالباطل، وأما رؤية الله سبحانه وتعالى في المنام فلم يجوزها الأكثرون وعند من جوزها يرى في أي صورة كانت لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى إذ ليس لها صورة اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنهما تعليقًا فقال: 5778 - (2236) (291) (وقال) ابن شهاب بالسند السابق (فقال أبو سلمة قال أبو قتادة) الأنصاري السلمي بفتح السين واللام رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآني فقد رأى الحق) أي الرؤية الصحيحة الحقة أي فقد رأى المنام الحق وهو الذي يريه الملك الموكل بضرب أمثال الرؤيا بطريق الحكمة بشارة أو نذارة أو معاتبة اهـ من المبارق، قال في المرقاة: المراد بالحق هنا ضد الباطل فما يتوهم من خلافه فهو الباطل، والأظهر أن المراد بالحق هنا الصدق اهـ منه، يعني رأى رؤيا صحيحة وليست بأضغاث أحلام ولا من تشبيه الشيطان فليست الرؤيا مما لا تفسير لها بل لها تفسير صحيح. وشارك المؤلف في رواية حديث أبي قتادة البخاري في مواضع كثيرة منها في التعبير [6995 و 6996]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثي أبي هريرة وأبي قتادة رضي الله عنهما فقال:

5779 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنَا عَمِّي. فَذَكَرَ الْحَدِيثَينِ جَمِيعًا بِإِسْنَادَيهِمَا, سَوَاءً. مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ. 5780 - (2237) (292) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ, عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي. إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِي صُورَتِي". وَقَال: "إِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يُخْبِرْ أَحَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5779 - (00) (00) (وحدثنيه) أي حدثني الحديث المذكور يعني حديث أبي هريرة وأبي قتادة (زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب (ابن أخي الزهري) صدوق، من (6) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا، قال محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري (حدثني عمي) محمد بن مسلم الزهري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أخي الزهري ليونس بن يزيد (فذكر) ابن أخي الزهري (الحديثين) أي حديث أبي هريرة وحديث أبي قتادة (جميعًا بإسناديهما) أي بالإسنادين للحديثين يعني عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عن أبي قتادة حالة كون الإسنادين (سواء) أي متساويين متحدين، وساق ابن أخي الزهري (مثل حديث يونس) السابق آنفًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 5780 - (2237) (292) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا ابن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رآني في النوم فقد رآني) حقًّا (إنه) أي إن الشأن والحال (لا ينبغي للشيطان أن يتمثل) ويتصور (في صورتي، وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حلم أحدكم) أي إذا رأى رؤيا يكرهها، وقد قدمنا أن الحلم أكثر ما يستعمل في الرؤيا المكروهة التي تكون من الشيطان (فلا يخبر أحدًا)

بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِهِ فِي الْمَنَامِ". 5781 - (00) (00) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي. فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيطَانِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ من الناس (بتلعب الشيطان) أي بتخويفه وتشويشه (به) أي بذلك الرائي (في المنام). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في تعبير الرؤيا باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام رقم [3948]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5781 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا زكريا بن إسحاق) المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله يقول) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة زكريا بن إسحاق لليث بن سعد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآني في النوم فقد رآني) حقًّا (فإنه لا ينبغي) ولا يليق (للشيطان أن يتشبه) ويتمثل (بي) أي بصورتي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول حديث أبي قتادة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والثاني حديث جابر ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والسادس حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث أبي قتادة الأخير ذكره للاستشهاد وذكر فيه وفي حديث أبي هريرة متابعة واحدة، والتاسع حديث جابر الأخير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة.

686 - (30) باب لا يخبر بتلعب الشيطان، وفي تأويل الرؤيا، وفيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

686 - (30) باب لا يخبر بتلعب الشيطان، وفي تأويل الرؤيا، وفيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه 5782 - (2238) (293) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ, عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال لأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَال: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ, فَأَنَا أَتَّبِعُهُ. فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَال: "لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 686 - (30) باب لا يخبر بتلعب الشيطان، وفي تأويل الرؤيا، وفيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه 5782 - (2238) (293) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا ابن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من رباعياته (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال لأعرابي جاءه) صلى الله عليه وسلم لم أر من ذكر اسم الأعرابي (فقال) الأعرابي في قص منامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني حلمت) أي رأيت في المنام (أن رأسي) أي رأس نفسي (قطع) مني وأخذ (فأنا أتبعه) أي أمشي وراءه ناظرًا إليه (فزجره) أي نهى (النبي صلى الله عليه وسلم) الأعرابي عن إخبار مثل منامه (وقال) له النبي صلى الله عليه وسلم في زجره (لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام) وتشويشه لك لأن الرؤيا تقع لأول تعبير تعبر به وقد ورد في ذلك أحاديث منها ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن عن أبي رزين العقيلي مرفوعًا "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت" ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة مرسلًا "الرؤيا تقع على ما يعبر به"، مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها" ولكن قيده البخاري بما إذا كان المعبر مصيبًا أما إذا أخطأ في التعبير فلا تقع الرؤيا على تعبيره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في تعبير الرؤيا باب من لعب به الشيطان في منامه فلا يحدث به الناس رقم [3958]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5783 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ, رَأَيتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ, فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَعْرَابِيِّ: "لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5783 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الإسكاف الواسطي، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير (قال) جابر (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب) أي قطع (فتدحرج) أي تردى من فوقي (فاشتددت) أي سعيت وجريت (على أثره) أي على عقبه أي وراءه لآخذه يعني رأيت نفسي راكضًا خلف رأسي المقطوع (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي لا تحدث الناس) أي لا تخبرهم (بتلعب الشيطان) وإرهابه (بك) وتخويفه إياك (في منامك). قال النووي: قال المازري: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحي أو بدلالة من المنام دلته على ذلك أو على أنه من المكروه الذي هو تحزين من الشيطان، وأما المعبرون فيتكلمون في كتبهم على قطع الرأس ويجعلونه دلالة على مفارقة الرائي ما هو فيه من النعم أو مفارقة من فوقه ويزول سلطانه ويتغير حاله في جميع أموره إلا أن يكون عبدًا فيدل على عتقه أو مريضًا فعلى شفائه أو مديونًا فعلى قضاء دينه أو من لم يحج فعلى أنه يحج أو مغمومًا على فرحه أو خائفًا فعلى أمنه والله أعلم اهـ، وقال القرطبي: وقيل إن الرائي أسقط من المنام ما لو ذكره لعلم أنه من الأضغاث وإلا فلأهل التعبير في قطع الرأس تأويلات، وقد ذكر ابن قتيبة في كتاب أصول العبارة أن رجلًا قال يا رسول الله إني رأيت أن رأسي قطع فجعلت انظر إليه بإحدى عيني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "بأيهما كنت تنظر إليه" فلبث ما شاء الله ثم قبض صلى الله عليه وسلم فعبر الناس أن الرأس كان النبي صلى الله عليه وسلم وأن النظر إليه كان اتباع سنته حكاه الأبي عن القرطبي.

وَقَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ, يَخْطُبُ فَقَال: "لَا يُحَدِّثَنَّ أَحَدُكُمْ بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِهِ فِي مَنَامِهِ". 5784 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ, رَأَيتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ. قَال: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَال: "إِذَا لَعِبَ الشَّيطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ, فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: "إِذَا لُعِبَ بِأَحَدِكُمْ" وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّيطَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقال) جابر رضي الله عنه أيضًا (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد) أي بعد ما أخبره الأعرابي منامه (يخطب) الناس ويعظهم (فقال) في خطبته (لا يحدثن) أي لا يخبرن (أحدكم) أحدًا من الناس (بتلعب الشيطان به) وتخويفه إياه (في منامه) النهي فيه نهي إرشاد إلى المصالح. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5784 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) (قالا حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي، صدوق، من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لجرير بن عبد الحميد (قال) جابر (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع) وأخذ مني (قال) جابر (فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به) أي بذلك المنام (الناس وفي رواية أبي بكر إذا لعب) بالبناء للمجهول (بأحدكم ولم يذكر) أبو بكر (الشيطان). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس أو أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:

5785 - (2239) (294) حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيدِيِّ. أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ أَبَا هُرَيرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ) , أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5785 - (2239) (294) (حدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني الأبرش الحمصي كاتب محمد بن الوليد الزبيدي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمد بن الوليد بن عامر (الزبيدي) بالزاي والموحدة مصغرًا أبي الهذيل الحمصي القاضي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب، قال الزبيدي (أخبرني) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني الأعمى أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (أن ابن عباس أو) قال عبيد الله أن (أبا هريرة) رضي الله عنهم والشك من الزهري فيما قاله عبيد الله، كذا وقع الشك في رواية الزبيدي وكذلك روي عن معمر أنه كان يقول أحيانًا عن أبي هريرة وأحيانًا يقول عن ابن عباس لكن انتهت روايته في الأخير إلى ابن عباس وكان يجزم بها وجزم أكثر أصحاب الزهري بكونه من مرويات ابن عباس وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية من جزم بكونه من مسندات ابن عباس لأنه ذكر هذا الحديث في الأيمان والنذور تعليقًا فقال: وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر فجزم بأن الراوي ابن عباس راجع فتح الباري [12/ 433] وليس هذا من الاضطراب الذي يقدح في صحة الحديث لأن أكثر المحققين رجحوا كونه مرويًّا عن ابن عباس وبعد الترجيح لا يبقى اضطراب ولأن جهالة الصحابي لا يضر في قبول الحديث لكون الصحابة كلهم عدولًا والله سبحانه وتعالى أعلم (كان) أحد الصحابيين (يحدث أن رجلًا) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (ح وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) المصري (واللفظ) الآتي (له) أي لحرملة، وأما حاجب بن الوليد فروى معناه (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم الفهمي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب) الزهري

أَنَّ عُبَيدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنِّي أَرَى اللَّيلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ. فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيدِيهِمْ. فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ. وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ. فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ, ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَعَلا, ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلا. ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) الهذلي المدني (أخبره) أي أخبر للزهري (أن ابن عباس) رضي الله عنهما ولم يذكر الشك هنا كما ذكر في السند الأول كان يحدث) عبيد الله (أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند أيضًا من سداسياته (فقال) الرجل (يا رسول الله إني أرى الليلة) أي رأيت في الليلة البارحة (في المنام ظلة) بضم الظاء المشالة أي سحابة تظلل من تحتها وكل ما أظل ما تحته من سقيفة ونحوها يسمى ظلة قاله الخطابي، وزاد ابن ماجه من طريق ابن عيينة (بين السماء والأرض) (تنطف) بكسر الطاء ويجوز ضمها أيضًا يقال نطف الماء إذا سال، والنطفة القطرة من الماء ومعناه أي تقطر (السمن والعسل) قليلًا قليلًا (فأرى الناس) أي فرأيت الناس (يتكففون) أي يأخذون (منها) أي من تلك الظلة (بأيديهم) أي بأكفهم من القطرات التي تقطرها، قال الخليل: يقال تكفف إذا بسط كفه ليأخذ، وفي رواية الترمذي "يستقون" قال القرطبي: ويحتمل أن يكون معناه "يأخذون من ذاك كفايتهم" وهذا أليق بقوله "فالمستكثر من ذلك والمستقل" وتعقبه الحافظ في الفتح [12/ 434] (فـ) من الناس (المستكثر) أي الآخذ من من ذلك كثيرًا (و) منهم (المستقل) أي الآخذ منه قليلًا وفي رواية لأحمد "فمن بين مستكثر ومستقل" (وأرى) أي ورأيت في تلك المنام (سببًا) أي حبلًا (واصلًا) أي ممدودًا فالواصل بمعنى الموصول (من السماء إلى الأرض فأراك) أي فرأيتك يا رسول الله (أخدت به) أي أمسكت بذلك السبب وتعلقت به (فعلوت) أي فصعدت وارتفعت إلى علوه (ثم أخذ) وتمسك (به) أي بذلك الحبل (رجل) من المسلمين (من بعدك فعلا) أي فصعد به ذلك الرجل وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ثم أخذ) واستمسك (به) أي بذلك الحبل (رجل آخر فعلا) أي صعد به إلى السماء وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ثم أخذ به رجل آخر) أي ثالث لهما فعلا به (فانقطع به)

ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلا. قَال أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ, بِأَبِي أَنْتَ. وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلأَعْبُرَنَّهَا. قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اعْبُرْهَا" قَال أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الإِسْلامِ. وَأَمَّا الَّذِي يَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَالْقُرْآنُ حَلاوَتُهُ وَلِينُهُ, وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ. وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيهِ. تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ بِهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحبل وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه (ثم وصل) الحبل المنقطع أي شد بعضه إلى بعض (له) أي لرجل آخر غير الثالث (فعلا) به ذلك الآخر وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي تنبيه المعلم قوله (ثم أخذ به رجل من بعدك) هو الصديق والآخر بعده هو عمر والثالث هو عثمان والرابع علي رضي الله عنهم اهـ (قال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (يا رسول الله بأبي) وأمي كما في بعض الرواية (أنت) مفديٌّ من كل مكروه (والله لتدعني) أي أقسمت لك بالله لتتركني واللام موطئة للقسم واقعة في جوابه (فلأعبرنها) بضم الباء من باب نصر، والفاء فيه عاطفة على ما قبلها ولا يصح ما قاله القرطبي هنا من أن الفاء زائدة واللام فيه لام كي إلا على رواية (فلأعبرها) بلا نون توكيد، وفيه من الفقه جواز الحلف على الغير وإبرار الحالف فإنه صلى الله عليه وسلم أجاب طلبته وأبر قسمه حيث (قال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم اعبرها) أي فسرها فـ (قال أبو بكر) في تفسيرها (أما الظلة) التي تنطف السمن والعسل (فـ) هي (ظلة الإسلام) وأحكامه النازلة من السماء (وأما الذي ينطف) ويمطر (من السمن والعسل فالقرآن حلاوته) من حيث المعنى فهو بدل من القرآن (ولينه) من حيث اللفظ أي سهولته (وأما ما يتكفف الناس) ويأخذون (من ذلك) الذي ينطف (فـ) هو ما يأخذه (المستكثر من القرآن والمستقل) منه (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فـ) هو (الحق الذي أنت عليه تأخذ به) أي بذلك الحق (فيعليك الله) تعالى (به) أي بذلك الحق الذي أخذته (ثم يأخذ به) أي بذلك الحق (رجل من بعدك فيعلو) الحق ويعز (به) أي بذلك الرجل وهو أبو بكر (ثم يأخذ به) أي بذلك الحق (رجل آخر) غير الأول (فيعلو) الحق (به) أي بذلك

ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ. فَأَخْبِرْنِي, يَا رَسُولَ اللهِ, بِأَبِي أَنْتَ, أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا" قَال: فَوَاللَّهِ, يَا رَسُولَ اللهِ, لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ؟ قَال: "لَا تُقْسِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل الثاني وهو عمر (ثم يأخذ به) أي بذلك الحق (رجل آخر) ثالث لهما وهو عثمان (فينقطع) ذلك الحق (به) أي بذلك الرجل الثالث أي يضعف الحق في يده لوقوع القتل عليه (ثم يوصل) ذلك الحق الذي انقطع في يد ثالث وضعف (له) أي رجل آخر رابع لهم (فيعلو) الحق ويعز (به) أي بذلك الرابع وهو علي رضي الله عنه، ثم قال أبو بكر (فأخبرني يا رسول الله بأبي) وأمي (أنت) مفدي من المكاره والمساوئ (أصبت) بتقدير همزة التعيين أي هل وافقت الصواب في تعبيري هذه الرؤيا (أم أخطات) أي أخطات عن الصواب أي عين لي موافقتي أو خطئي فـ (قال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا) أي وافقت الصواب في تفسير بعض الرؤيا وأخطات في ترك تفسير بعضها فإن الرائي قال (رأيت ظلة تنطف السمن والعسل) ففسر الصديق رضي الله عنه كلًّا من السمن والعسل بالقرآن حلاوته ولينه وهذا إنما هو تفسير العسل وترك تفسير السمن وتفسيره السنة فكان حقه أن يقول القرآن والسنة وإلى هذا أشار الطحاوي اهـ نووي. ثم (قال) الصديق (فوالله) أي فأقسمت لك بالله (يا رسول الله) إلا (لتحدثني ما الذي أخطات فيه) وما الذي أصبت فيه (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقسم) قال السنوسي: قال بعضهم: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم في الحديث الذي أخرجه مسلم فيما مر برقم [2069]، ولم يبر قسم أبي بكر لأن المعنى هنا لا تعد للقسم وما ذلك إلا لما رأى من المصلحة في ترك ذلك والإبرار إذا منع منه مانع خرج من الحض عليه اهـ وقال القرطبي: ففيه دلالة على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار المقسم ليس بواجب وإنما هو مندوب إليه إذا لم يعارضه ما هو أولى منه اهـ. قال النووي: وفي هذا الحديث جواز عبر الرؤيا وأن عابرها قد يصيب وقد يخطئ وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق وإنما ذلك إذا أصاب وجهها اهـ وقال القرطبي: وإنما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخطأ لأبي بكر لأن بيانه ليس من الأحكام التي أمر بتبليغها ولا أرهقت إليه حاجة ولعله لو عين ما أخطأ فيه لأفضى

5786 - (00) (00) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُنْصَرَفَهُ مِنْ أُحُدٍ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنِّي رَأَيتُ هَذِهِ اللَّيلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ , بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك إلى الكلام في الخلافة ومن تتم له ومن لا تتم له فتنفر لذلك نفوس وتتألم قلوب وتطرأ منه مفاسد، فسدّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الباب والله أعلم بالصواب اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في التعبير باب من لم ير الرؤيا لأول عابر [7046] وباب رؤيا الليل [7000]، وأبو داود في السنة باب في الخلفاء [4632] و 5633]، والترمذي في الرؤيا [2293]، وابن ماجه في الرؤيا باب تعبير الرؤيا [3964 و 3965]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5786 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان ليونس (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (جاء رجل النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه) صلى الله عليه وسلم (من) غزوة (أحد) أي وقت رجوعه من غزوة أحد (فقال) الرجل (يا رسول الله إني رأيت هذه الليلة) البارحة (في المنام ظلة تنطف السمن والعسل) فساق سفيان (بمعنى حديث يونس). قوله (منصرفه من أحد) بفتح الفاء على أنه ظرف أو منصوب بنزع الخافض والتقدير وقت انصرافه ورجوعه من أحد وهذا مما يدل على أن الحديث من مراسيل الصحابة سواء كان مرويًّا عن ابن عباس أو عن أبي هريرة لأن كلا منهما لم يكن في ذلك الوقت بالمدينة، أما ابن عباس فكان صغيرًا مع أبويه بمكة، وأما أبو هريرة فإنما قدم المدينة زمن خيبر سنة سبع من الهجرة والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:

5787 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ مَعْمَرٌ أَحْيَانًا يَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَحْيَانًا يَقُولُ: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنِّي أَرَى اللَّيلَةَ ظُلَّةً , بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ. 5788 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، وَهُوَ ابْنُ كَثِيرٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَ مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5787 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس أو) عن (أبي هريرة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس (قال عبد الرزاق كان معمر أحيانًا يقول عن ابن عباس وأحيانًا يقول عن أبي هريرة أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أرى الليلة ظلة) أي رأيت الليلة البارحة، وساق معمر (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث الزبيدي ويونس وسفيان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 5788 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا محمد بن كثير) العبدي أبو عبد الله البصري أخو سليمان بن كثير، روى عن أخيه سليمان بن كثير في الرؤيا وسفيان وشعبة والثوري، ويروي عنه (ع) وعبد الله الدارمي والذهلي والبلخي والبحراني وأبو حاتم وعلي بن المديني، قال ابن معين: لم يكن ثقة، وقال أحمد: ثقة، وقال ابن حبان: كان ثقة فاضلًا، له في (م) فرد حديث في الرؤيا، وقال في التقريب: ثقة، من كبار العاشرة، مات سنة (223) ثلاث وعشرين ومائتين عن مائة (100) سنة (حدثنا) أخي (سليمان وهو ابن كثير) العبدي أبو محمد العبدي، قال في التقريب: لا بأس به، من (7) روى عنه في (2) بابين (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا

فَلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا لَهُ" قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ, رَأَيتُ ظُلَّةً. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. 5789 - (2240) (295) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيتُ ذَاتَ لَيلَةٍ, فِيمَا يَرَى النَّائِمُ, كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ, فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فليقصها) أي فليخبرها علي (أعبرها) أنا (له) أي أفسر تلك الرؤيا لذلك الرائي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن كثير لمن روى عن الزهري (قال) ابن عباس (فجاء رجل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال يا رسول الله رأيت ظلة) الحديث، وساق سليمان بن كثير (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث الزبيدي ويونس وسفيان ومعمر. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5789 - (2240) (295) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ذات ليلة) أي ليلة من الليالي، ولفظ (ذات) مقحم أو مضاف إلى ما بعده من إضافة الشيء إلى نفسه (فيما يرى) أي في الرؤيا التي يراها (النائم) لا في اليقظة (كأنا) معاشر المسلمين مجتمعون (في دار عقبة بن رافع) وهو من أنصار الصحابة، وله حديث أخرجه أبو يعلى بسند فيه ابن لهيعة عن محمود بن لبيد عن عقبة بن رافع رفعه "إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا .. الخ" رواه غير ابن لهيعة فسمى الصحابي قتادة بن النعمان رضي الله عنه والله أعلم اهـ من الإصابة [2/ 482] (فأتينا) بضم الهمزة وكسر التاء على صيغة المبني للمجهول أي أتانا آت (برطب من رطب ابن طاب) قال النووي: هو نوع معروف من الرطب يقال له رطب ابن طاب وتمر ابن طاب

فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ, وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعذق ابن طاب وعرجون ابن طاب وهي مضاف إلى ابن طاب رجل من أهل المدينة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (فأولت الرفعة) أي ففسرت تلك الرؤيا بحصول الرفعة والعزة (لنا في الدنيا) وقوله (والعاقبة) بالنصب معطوف على الرفعة أي وأولتها بحسن العاقبة والخاتمة لنا (في الآخرة) بالفوز بجنات النعيم، قال القرطبي: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من لفظ عقبة العاقبة ومن رافع الرفعة (و) أولتها أيضًا بـ (أن ديننا قد طاب) أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده، وقال القاضي عياض: وتأول الرطب بالدين لأنه حلوفي القلوب سهل لأن الشريعة سمحة كملت بعد تدريج كما أن الرطب حلو سهل كمل بعد تدريج من الطلع إلى أن صار رطبًا، قال القرطبي: وتأويله صلى الله عليه وسلم دليل على أن تأويل الرؤيا وتفسيرها قد يؤخذ من اشتقاق كلماتها فإنه صلى الله عليه وسلم أخذ من عقبة حسن العاقبة ومن رافع الرفعة ومن رطب ابن طاب لذاذة الدين وكماله. وقد قال علماء أهل التعبير إن له أربعة طرق أحدها: ما يشتق من الأسماء كما ذكرناه آنفًا، وثانيها ما يعبر بمثاله ويفسر بشكله كدلالة معلم الكتاب على القاضي والسلطان وصاحب السجن ورئيس السفينة وعلى الوصي والوالد، وثالثها ما يفسره المعنى المقصود من ذلك الشيء المرئي كدلالة السفر على السفر وفعل السوق على المعيشة وفعل الدار على الزوجة والجارية، ورابعها التعبير بما تقدم له ذكر في القرآن أو السنة أو الشعر أو كلام العرب وأمثالها وكلام الناس وأمثالهم أو خبر معروف أو كلمة حكمة وذلك كنحو تعبير الخشب بالمنافق لقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} وكتعبير الفأر بفاسق لأنه صلى الله عليه وسلم سماه فويسقًا وكتعبير القارورة بالمرأة لقوله صلى الله عليه وسلم "رفقًا بالقوارير، يعني ضعفة النساء وتتبع أمثلة ما ذكر يطول اهـ من المفهم. وكتعبير رؤية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين مثلًا رضي الله تعالى عنهم أجمعين بما كان في أيامهم وخاص قصصهم كذا في شرح الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب ما جاء في الرؤيا [5025]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

5790 - (2241) (296) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ, فَجَذَبَنِي رَجُلانِ, أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ, فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا. فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ, فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5790 - (2241) (296) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن صهبان الأزدي أبو عمرو البصري (الجهضمي) ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (16) بابا (أخبرني أبي) علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي الكبير أبو الحسن البصري، ثقة، من كبار (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا صخر بن جويرية) التميمي مولاهم أبو نافع البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر حدثه) أي حدث لنافع وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أراني في المنام) أي أرى نفسي، وقوله (أتسوك) مضارع تسوك من باب تفعل الخماسي أي أرى نفسي في المنام مسوكًا (بسواك فجذبني) أي غمزني ودفعني (رجلان) من قدامي من الجانبين طلبًا للسواك مني (أحدهما أكبر من الآخر فناولت) أي أعطيت (السواك الأصغر منهما) أي من الرجلين دون الأكبر أي مددت وبسطت بيدي إلى الأصغر منهما لإعطاء السواك له (فقيل لي) في ذلك المنام والقائل له هو الملك (كبر) أي قدم الأكبر منهما في الإعطاء (فدفعته) أي دفعت السواك (إلى الأكبر) منهما وأعطيته له امتثالًا لأمر الملك، قال الأبي: فيه أن السنة تقديم الأكبر لأن رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق وقد أمر بذلك في اليقظة اهـ، وقال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام، وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن كذا في فتح الباري [1/ 357]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الوضوء باب دفع السواك إلى الأكبر [246] وسيذكره المؤلف أيضًا في الزهد باب مناولة الأكبر. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال:

5791 - (2242) (297) حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ, عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ, مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ , (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ) , قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ جَدِّهِ, عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "رَأَيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ. فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5791 - (2242) (297) (حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (وأبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى أبي بردة الصغير الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي بردة جده) عامر بن أبي موسى الأشعري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام أني أهاجر) وأنتقل (من مكة إلى أرض بها نخل) وهذا يدل على أن هذه الرؤيا وقعت له وهو بمكة قبل الهجرة وأن الله تعالى أطلعه بها على ما يكون من حاله وحال أصحابه يوم أحد وبأنهم يصاب من صدورهم معه وأن الله تعالى يثبتهم بعد ذلك ويجمع كلمتهم ويقيم أمرهم ويعز دينهم وقد كمل الله تعالى له ذلك بعد بدر الثانية وهي المرادة في هذا الحديث على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم (فذهب وهلي) بفتح الهاء أي وهمي وظني واعتقادي أي مال ظني (إلى أنها) أي إلى أن تلك الأرض (اليمامة) وهي المنطقة المعروفة من نجد أرض الحجاز وهي المسماة الآن بالرياض (أو هجر) بفتحتين وهي مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين وهي من مساكن عبد القيس وقد سبقوا غيرهم إلى الإسلام وأفاد ياقوت أن هجر أيضًا بلد باليمن فهذا أولى بالتردد بينهما وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة والمدينة كذا في مناقب فتح الباري [7/ 228] اهـ نووي، قوله (وهلي) والوهل بفتح الهاء ما يقع في خاطر الإنسان ويهم به وقد يكون في موضع آخر بمعنى الغلط وليس مرادًا هنا بوجه لأنه لم يجزم بأنها واحدة منهما وإنما جوز ذلك إذ ليس في المنام ما يدل على التعيين وإنما أُرِيَ أرضًا ذات نخل فخطر له ذانك الموضعان لكونهما من أكثر البلاد

فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ. وَرَأَيتُ فِي رُؤْيَاى هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيفًا. فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ. فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ نخلًا ثم إنه لما هاجر إلى المدينة تعينت له تلك الأرض فأخبر عنها بعد هجرته إليها بقوله (فإذا هي) أي تلك الأرض التي رأيتها في المنام (المدينة) المنورة (يثرب) بدل من المدينة أو عطف بيان لها أو صفة لها أي المسماة في الجاهلية بيثرب فسماها الله تعالى المدينة وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة لطيب قريحة أهلها وضمائرهم والله أعلم، وإذا فجائية دخلت على الجملة الاسمية والتقدير فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ففاجأني كون تلك الأرض المدينة يثرب، ففيه ما يدل على أن الرؤيا قد تقع موافقة لظاهرها من غير تأويل وأن الرؤيا قبل وقوعها لا يقطع الإنسان بتأويلها وإنما هي ظن وحدس إلا فيما كان منها وحيًا للأنبياء كما وقع لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله لابنه {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} فإن ذلك لا يكون إلا عن يقين يحصل لهم قطعًا خلافًا لمن قال من أهل البدع إن ذلك كان منه ظنًّا وحسبانًا وهو قول باطل لأنه لم يكن ليقدم على معصوم قطعًا محبوب شرعًا وطبعًا بمنام لا أصل له ولا تحقيق فيه اهـ من المفهم، ولكن ما رآه صلى الله عليه وسلم في المنام هو أنه سيهاجر إلى أرض بها نخل وكان هذا القدر قطعيًّا لكونه وحيًا وقد وقع ما أخبر به، أما تعيين تلك الأرض فلم يوح إليه في ذلك حينئذ شيء فأولها على طريق الظن والاجتهاد باليمامة أو بهجر فتبين بعد ذلك أنها غيرهما. قوله (يثرب) وهي اسم قديم للمدينة وقد ورد في الحديث النهي عن تسميتها بيثرب لكراهة لفظ التثريب ولأنه من تسمية الجاهلية فقيل يحتمل أن تسميته صلى الله عليه وسلم في حديث الباب بيثرب كان قبل النهي عنه، وقيل لبيان الجواز وإن النهي للتنزيه لا للتحريم وقيل خوطب به من يعرفها به ولهذا جمع بينه وبين اسمه الشرعي فقال المدينة يثرب اهـ من النووي. (ورأيت في رؤياى هذه) التي رأيت فيها الهجرة (أني هززت) أي حركت وسللت (سيفًا) أي سيفي ذا الفقار كما في طبقات ابن سعد مرسلًا عن عروة أني حركت وأردت إخراجه من غلافه (فانقطع صدره) أي ظبته ورأسه وطرفه الفوقاني في الغلاف (فإذا هو) أي انقطاع صدر السيف أي تأويله (ما أصيب من المؤمنين) بالقتل والجراح (يوم أحد ثم

هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ. فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَرَأَيتُ فِيهَا أَيضًا بَقَرًا, وَاللَّهُ خَيرٌ. فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَإِذَا الْخَيرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيرِ بَعْدُ, وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدُ, يَوْمَ بَدْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هززته) مرة (أخرى) أي حركته وأخرجته (فعاد) السيف أي صار (أحسن ما كان) عليه أولًا بلا انقطاع ولا ثلم (فإذا هو) أي عوده أحسن ما كان عليه تأويله (ما جاء) نا (الله به من الفتح) للبلاد (واجتماع المؤمنين) على الحق (ورأيت فيها) أي في تلك الرؤيا (أيضًا) أي كما رأيت هز السيف (بقرًا) تنحر كما في رواية أبي الأسود عن عروة (بقرًا تذبح) (فإذا) هي أي تلك البقرة المذبوحة تأويلها (هم النفر) أي الجماعة المقتولون (من المؤمنين يوم أحد). قوله (والله خير) مبتدأ وخبر أي ثواب الله خير للنفر المقتولين بالشهادة من بقائهم في الدنيا ولمن أصيب بهم بأجر المصيبة، وقيل المعنى صنع الله خير وهو قتلهم يوم أحد، وفي أكثر النسخ تقديم هذه الجملة على موضعها والحق ما ذكرناه من تأخيرها عما قبلها. قوله (والله خير) قال الأبي نقلًا عن القاضي عياض: هذه الجملة من بعض الرؤيا وأنها كلمة ألقيت إليه في ذلك المنام وسمعها في رؤياه بدليل قوله (وإذا الخير ما جاء الله به .. إلخ) وظاهره أنه رؤيا واحدة غير منفصلة ولعل هذه الكلمة إنما ألقيت إليه صلى الله عليه وسلم عندما رأى بقرًا تنحر لأن تأويل نحر البقر هو ما يصاب به المسلمون يوم أحد من الشهادة فأعقب الله تعالى رؤية البقر في ذلك المنام بكلمة فيها تسلية لخواطر المسلمين، وقد ورد في رواية لأبي إسحاق (وإني رأيت والله خيرًا رأيت بقرًا) فإن صحت هذه الرواية فهي أوضح وقد رجحها الحافظ في الفتح والله أعلم. والمعنى ورأيت فيها أي في تلك الرؤيا أي رأيت فيها بعيني بقرًا تذبح وسمعت بأذني في تلك الرؤيا لفظة "والله خير" (فإذا هم) ذكر الضمير باعتبار الخير أي فإذا البقر التي رأيتها في المنام هم النفر والجماعة الذين قتلوا من المؤمنين يوم أحد (وإذا الخير) الذي رأيته في ذلك المنام هو (ما جاء الله به من الخير) وأعطاه إياه (بعد) بالضم لقطعه عن الإضافة أي بعد يوم أحد (وثواب الصدق) بالرفع معطوف على ما الموصولة الواقعة خبرًا للخير عطف تفسير، والتقدير وإذا الخير الذي رأيته في المنام هو ما جاء الله به من الخير بعد يوم أحد وثواب صدق المؤمنين (الذي) صفة للثواب أي الذي (آتانا الله بعد يوم بدر) الثانية، وبالجر معطوف على قوله من الخير أي ومن ثواب الصدق يعني بذلك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخير والله أعلم ما صنع الله لهم بعد أحد وذلك أنهم لم يجبنوا عن الجهاد ولا ضعفوا ولا استكانوا لما أصابهم يوم أحد لكن جددوا نياتهم وقووا إيمانهم وعزماتهم واجتمعت على ذلك جماعاتهم وصحت في ذلك رغباتهم فخرجوا على ما بهم من الضعف والجراح فغزوا غزوة حمراء الأسد مستظهرين على عدوهم بالقوة والجلد ثم فتح الله تعالى عليهم ونصرهم في غزوة بني النضير ثم في غزوة ذات الرقاع ثم لم يزل الله تعالى يجمع المؤمنين ويكثرهم ويفتح عليهم إلى بدر الثانية وكانت في شعبان من السنة الرابعة من الهجرة وبعد تسعة أشهر ونصف شهر من أحد فما فتح الله عليهم به في هذه المدة هو المراد هنا اهـ من المفهم. ولا يصح حمل (بدر) في هذا الحديث على غزوة بدر الأولى الكبرى لتقدم بدر الكبرى على أحد بزمان طويل لأنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر الأولى في شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة وكانت أحد في السنة الثالثة في النصف من شوالها ولذلك قال علماؤنا إن يوم بدر في هذا الحديث هو يوم بدر الثاني وكان من أمرها أن قريشًا لما أصابت في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما أصابت وأخذوا في الرجوع نادى أبو سفيان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: موعدكم يوم بدر في العام المقبل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان العام المقبل وهي السنة الرابعة من الهجرة خرج في شعبانها إلى بدر الثانية فوصل إلى بدر وأقام هناك ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان ثم إنهم غلبهم الخوف فرجعوا واعتذروا بأن العام عام جدب وكان عذرًا محتاجًا إلى عذر فأخزى الله المشركين ونصر المؤمنين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل منصورًا وبما يفتح الله عليه مسرورًا إلى أن أظهر الله تعالى دينه على الأديان وأخمد كلمة الكفر والطغيان اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في التعبير باب تعبير الرؤيا [7033]، وابن ماجه في تعبير الرؤيا [3968]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:

5792 - (2243) (298) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَينٍ. حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَدِمَ مُسَيلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, الْمَدِينَةَ. فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5792 - (2243) (298) (حدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البغدادي الجوال، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) (عن عبد الله) بن عبد الرحمن (بن أبي حسين) بن الحارث بن عامر بن نوفل المكي النوفلي، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبو محمد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عباس (قدم مسيلمة) بضم الميم وكسر اللام مصغرًا (الكذاب) أي البالغ في الكذب نهايته لأنه يدعي النبوة (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر) أي أمر الخلافة (من بعده) أي من بعد محمد (تبعته) وآمنت به هذا هو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عثمان بن الحارث بن ذهل بن الدول بن حنيفة، قال ابن إسحاق: وكان من شأنه أنه تنبأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر وكان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ويزعم أنه شريك معه في نبوته، وقال سعيد بن المسيب: كان قد تسمى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله بن عبد المطلب أبوالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه قتل وهو ابن خمسين ومائة (155) قال سعيد بن جبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم قالت قريش إنما يعني مسيلمة، قال ابن إسحاق: وإنه تسارع إليه بنو حنيفة وإنه بعث برجلين من قومه بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله فسلام عليك أما بعد فإني أشركت معك في الأمر فلي نصف الأرض ولك نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب قال للرسولين: "ما تقولان أنتما؟ " قالا: نقول ما قال صاحبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الرسل لا تقتل

فَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ. فَأَقْبَلَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيسِ بْنِ شَمَّاسٍ. وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِطْعَةُ جَرِيدَةٍ. حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ. قَال: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيتُكَهَا. وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لقتلتكما" ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فـ {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} فلما انتهى الكتاب إليه أنكر بعض الإنكار، وقالت بعض الحنفية لا نرى محمدًا أقر بشركة صاحبنا في الأمر رواه أحمد [3/ 487]، وأبو داود [2761]. (فقدمها) أي فقدم مسيلمة المدينة (في بشر) أي مع خلق (كثير من قومه) بني حنيفة فنزل في دار بنت الحارث كما هو مصرح في رواية عبيد الله بن عتبة عند البخاري في باب قصة الأسود العنسي وهي رملة بنت الحارث وكانت في دارها عدة للوفود كما في فتح الباري [8/ 92] (فأقبل إليه) أي جاء إلى مسيلمة (النبي صلى الله عليه وسلم ومعه) صلى الله عليه وسلم (ثابت بن قيس بن شماس) بمعجمة وميم مشددة وآخره مهملة الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه خطيب الأنصار من كبار الصحابة بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة قاتل يوم اليمامة واستشهد فرآه بعض المسلمين وعليه درع فأخذها وأخفاها في قدر له وغطاها بالسرج وكان أمير القوم إذ ذاك خالد بن الوليد فأخبره ثابت في منامه بمكان الدرع وأوصاه أن يأخذه وأن يسلمه لأبي بكر وأن يطلب منه عتق عبيده وأن يبيع الدرع والأثاث ليؤدي بذلك دينه فأنفذ أبو بكر وصيته راجع الإصابة اهـ من التقريب، قال النووي: قال العلماء: إنما جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم تالفًا له ولقومه رجاء إسلامهم وليبلغ إليهم ما أنزل إليه، قال القاضي عياض: ويحتمل أن سبب مجيئه إليه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأة له، قال: وكان مسيلمة إذ ذاك يظهر الإسلام وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك (وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة) من نخل، قوله (حتى وقف على) رأس (مسيلمة في أصحابه) غاية لقوله فأقبل إليه فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو سألتني هذه القطعة) من الجريدة (ما أعطيتكها ولن أتعدى أمر الله فيك) مضارع تعدى الخماسي والهمزة فيه همزة المضارعة

وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ. وَإِنِّي لأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ. وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي" ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ أَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ للمتكلم، من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة ومن أني أبلغ ما أنزل إلي وأدفع أمرك بالتي هي أحسن، ووقع في رواية للبخاري (ولن تعدو أمر الله فيك) يعني لن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة وهلاكك دون ذلك أوفيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك (ولئن أدبرت) عن طاعتي والإيمان بي (ليعقرنك الله) أي ليقتلنك الله من العقر وهو القتل، ومنه قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} أي قتلوها وقتله الله تعالى يوم اليمامة وهذا من معجزات النبوة (وإني لأراك) أي لأظنك الشخص (الذي أريت) في المنام (فيك) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أي أريت فيه (ما أريت) وقوله وإني لأراك فهو بضم الهمزة بمعنى لأظنك، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أريت فيه ما أريت" فهو إشارة إلى الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي والمراد أني أظنك الشخص الذي أراني الله فيه الرؤيا (وهذا) الحاضر معي (ثابت) بن قيس (يجيبك) نيابة (عني ثم انصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رجع وذهب وأدبر (عنه) أي عن مسيلمة أي من عند مسيلمة إلى منزله ومسجده وإنما فوض صلى الله عليه وسلم الإجابة له عن سؤاله إلى ثابت بن قيس لأنه كان رجلًا خطيبًا يجاوب الوفود عن خطبهم وتشدقهم، قال الحافظ في الفتح [8/ 90] إنه كان خطيب الأنصار وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم فاكتفى بما قاله لمسيلمة وأعلمه أنه إن كان يريد الإسهاب في الخطاب فهذا الخطيب يقوم عني في ذلك، ويؤخذ منه استعانة الإمام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد. وشارك المؤلف في رواية حديث ابن عباس هذا البخاري في مواضع كثيرة منها في التعبير باب إذا طار الشيء في المنام برقم [7033]. (فقال ابن عباس) رضي الله عنهما بالسند السابق (فسألت) أبا هريرة رضي الله عنه (عن قول النبي صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث أي سألته عن الرؤيا التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في هذا الحديث (إنك) يا مسيلمة (أرى) وأظن

الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ" فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيرَةَ. 5793 - (2244) (299) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "بَينَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَينِ مِنْ ذَهَبٍ. فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا, فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا. فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَينِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كونك الشخص (الذي أريت فيك) أي فيه (ما أريت) من الرؤيا (فأخبرني أبو هريرة) رضي الله عنه فقال: 5793 - (2244) (299) أي ذكر لي أبو هريرة في بيان تلك الرؤيا (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدي) أي في ذراعين لي (سوارين من ذهب) وفي بعض النسخ (أسوارين) قال أهل اللغة يقال سوار بكسر السين وضمها وأسوار بضم الهمزة ثلاث لغات اهـ نووي، والسوار ما تجعله المرأة في ذراعها مما تتحلى به من الذهب والفضة ويجمع على أساورة فأما أساورة الفرس فقوادهم (فأهمني شأنهما) أي أدخل في قلبي الهم والغم وأحزنني شأنهما، وإنما أهمه شأنهما أعني السوارين لأنهما من حلية النساء ومما يحرم على الرجال، وفي التوضيح قوله (من ذهب) للتأكيد لأن السوار لا يكون إلا من ذهب فإن كان من فضة فهو قلب اهـ أي يسمى به (فأوحي إلي في المنام أن انفخهما) أي بأن انفخ بنفسك إلى السوارين (فنفختهما) أي فنفخت إلى السوارين (فطارا) أي فزالا وسقطا عني، قال العيني: وتأويل نفخهما أنهما قتلا بريحه أي أن الأسود ومسيلمة قتلا بريحه والذهب زخرف يدل على زخرفهما ودلا بلفظهما على ملكين لأن الأساورة هم الملوك، وفي النفخ دليل على اضمحلال أمرهما وكان كذلك اهـ (فأولتهما) أي فأولت السوارين كذابين يخرجان) أي يظهران (بعدي) أي بعد وفاتي أي يظهران شوكتهما ودعواهما النبوة بعد وفاتي وإلا فقد كانا موجودين في زمنه صلى الله عليه وسلم، وتعقبه الحافظ في الفتح بأن العنسي قد ظهرت شوكته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن المراد من قوله من بعدي أي بعد بعثتي والله أعلم اهـ قال المهلب: وإنما أول النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له، وأيضًا ففي كونهما من ذهب، والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب وأيضًا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه

فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ, صَاحِبَ صَنْعَاءَ. وَالآخَرُ مُسَيلِمَةَ, صَاحِبَ الْيَمَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا عنه فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام اهـ فتح الباري [12/ 421] (فكان أحدهما) أي أحد الكذابين الأسود (العنسي) بسكون النون نسبة إلى بني عنس قبيلة مشهورة واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضًا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل ذو الحمار بالحاء المهملة وسبب هذا اللقب على ما قاله ابن سحاق أنه لقيه حمار فعثر فسقط لوجهه فقال سجد لي الحمار فارتد عن الإسلام وادعى النبوة ومخرق على الجهال فاتبعوه وغلب على صنعاء اليمن ولذلك قيل له (صاحب صنعاء) وأخرج منها المهاجر بن أبي أمية المخزومي وكان عاملًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وانتشر أمره وغلب على امرأة مسلمة من الأساورة فتزوجها فدست إلى قوم من الأساورة أني قد صنعت سربًا يوصل منه إلى مرقد الأسود فدلتهم على ذلك فدخل منه قوم منهم فيروز الديلمي وقيس بن مكشوح فقتلوه وجاؤوا برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قاله ابن إسحاق، وقال وثيمة بن موسى بن الفرات المعروف بالوشاء ومنهم من يقول كان ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. [قلت] وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم يخرجان بعدي أي بعد وفاتي اهـ من المفهم (والآخر) من الكذابين (مسيلمة) الكذاب (صاحب اليمامة). قال القرطبي: ووجه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانا قد أسلما وكانا كالساعدين للإسلام فلما ظهر فيهما هذان الكذابان وتبهرجا لهما بترهاتهما وزخرفا أقوالهما فانخدع الفريقان بتلك البهرجة فكان البلدان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة يديه لأنه كان يعتضد بهما والسواران فيهما هما مسيلمة وصاحب صنعاء بما زخرفا من أقوالهما ونفخ النبي صلى الله عليه وسلم هو أن الله أهلكهما على أيدي أهل دينه. وأما مسيلمة فإنه بعد ما جاء المدينة رجع إلى اليمامة على حالته تلك واستقر عليها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم أمر مسيلمة وأطبق أهل اليمامة عليه وارتدوا عن الإسلام وانضاف إليهم بشر كثير من أهل الردة وقويت شوكتهم فكاتبهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه كتبًا كثيرة يعظهم ويذكرهم ويحذرهم وينذرهم إلى أن بعث

5794 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بَينَا أنا نَائِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم كتابًا مع حبيب بن عبد الله الأنصاري فقتله مسيلمة فعند ذلك عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم والمسلمون فأمر أبو بكر خالد بن الوليد رضي الله عنهما وتجهز الناس وعقد الراية لخالد وساروا إلى اليمامة فاجتمع لمسيلمة جيش عظيم وخرج إلى المسلمين فالتقوا وكانت بينهم حروب عظيمة لم يسمع بمثلها واستشهد فيها من قراء القرآن خلق كثير حتَّى خاف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أن يذهب من القرآن شيء لكثرة من قتل هناك من القراء ثم إن الله تعالى ثبت المسلمين وقتل الله تعالى مسيلمة اللعين على يدي وحشي قاتل حمزة ورماه بالحربة التي قتل بها حمزة ثم دفف عليه -أي جرحه جرحًا مميتًا وأجهز عليه - رجل من الأنصار فاحتز رأسه وهزم الله جيشه وأهلكهم وفتح الله اليمامة فدخلها خالد رضي الله عنه واستولى على جميع ما حوته من النساء والولدان والأموال وأظهر الله تعالى الدين وجعل العاقبة للمتقين، فالحمد لله الَّذي صدقنا وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا البخاري في مواضع كثيرة منها في المغازي باب وفد بني حنيفة [4374 و 4375]، والترمذي في الرؤيا باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم [2292]، وابن ماجة في تعبير الرؤيا باب تعبير الرؤيا [3969]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5794 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام (هذا ما حَدَّثَنَا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام بن منبه لابن عباس (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها أنَّه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم

أُتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ. فَوَضَعَ في يَدَيَّ أُسْوَارَينِ مِنْ ذَهَبٍ. فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي. فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا. فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا. فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَينِ اللَّذَينِ أَنَا بَينَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ". 5795 - (2245) (300) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أتيت) أي أعطيت (خزائن الأرض) وجميع كنوزها كذا وقع في بعض النسخ أتيت، وفي بعضها أوتيت بإثبات الواو، قال الخطابي: المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة، وقيل غيره بل يحمل على أعم من ذلك اهـ فتح الباري [12/ 424] (فوضع) بالبناء للفاعل أي فوضع ذلك الآتي بالخزائن (في يدي) بتشديد الياء على صيغة التثنية (أسوارين) بضم الهمزة لغة في السوار وفيها ثلاث لغات كما مر سوار ككتاب وسوار كغراب وأسوار كما هنا وهو ما يليس في الذراع كما مر (من ذهب) صفة كاشفة للأسوارين لأنها لا تكون إلَّا من ذهب كما مر أي ألبسنيهما في يدي (فكبرا) أي كَبُرَ الأسواران (علي) أي ثقل إلباسهما في يدي لأنهما من حلية النساء (وأهماني) شأنهما أي أحزنني إلباسهما في يدي (فأوحي إلي) في ذلك المنام (أن انفخهما) أي أن أزلهما بنفسك عن يديك (فنفختهما) أي فنفخت السوارين عن يدي (فذهبا) أي طارا عن يدي (فأولتهما) أي فسرت السوارين بـ (الكذابين اللذين أنا بينهما) الآن (صاحب صنعاء) الأسود العنسي (وصاحب اليمامة) مسيلمة الكذاب الحنفي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أنس بحديث سمرة بن جندب رضي الله عنهما فقال: 5795 - (2245) (300) (حَدَّثَنَا محمد بن بشار) العبدي البصري (حَدَّثَنَا وهب بن جرير) بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو العباس البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا أبي) جرير بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (عن أبي رجاء العطاردي) عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام أو ابن تيم البصري مشهور بكنيته، ثقة مخضرم، أسلم بعد فتح مكة معمر، مات سنة (105) خمس ومائة، وله مائة وعشرون سنة (120) روى عنه في (5) أبواب (عن سمرة بن جندب) بن

قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبحَ أَقبَلَ عَلَيهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَال: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤيا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ هلال الفزاري أبي عبد الله الكوفي حليف الأنصار الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح) أي فرغ من صلاتها (أقبل عليهم) أي على الناس (بوجهه) الشريف (فقال هل رأى أحد منكم البارحة) أي في الليلة الماضية (رؤيا) أي منامًا فإن أخبرها له أحد عبرها له، وفيه جواز إطلاق البارحة على الليلة الماضية وإن كان قبل الزوال اهـ نووي، وفي الحديث حجة على من كره تعبير الرؤيا قبل طلوع الشمس وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال: إلا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتَّى تطلع الشمس" وفي الحديث ما يرد عليهم بل قال المهلب تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها وقبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتاهب لذلك فربما كان في الرؤيا تحذير عن معصية فيكص عنها وربما كانت إنذارًا لأمر فيكون له مترقبًا اهـ فتح الباري [12/ 440]. وفي الحديث دليل على استحباب استقبال الإمام الناس بوجهه بعد صلاة الصبح وعلى جواز استدبار القبلة في جلوسه للعلم أر غيره وعلى أنَّه يستحب للإمام أن يستكشف عن أحوال أتباعه والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع عديدة منها في التعبير باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح [7547]، والترمذي في الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الميزان والدلو [2294]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث: الأول حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد، والسادس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والسابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث سمرة بن جندب ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ومنه نرجو حسن الختام وجميع الآراب. قد فرغنا من تسويد هذا المجلد الثاني عشر قبيل أذان العشاء من الليلة الثانية والعشرين من شهر صفر الخير في تاريخ 22/ 2 / 1427 هـ سنة ألف وأربعمائة وسبع وعشرين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية. وقد اشتمل هذا المجلد على شرح ثلاثمائة حديث من غير المكرر وعلى ثلاثين بابا من التراجم وهذا آخر ما يسر الله لنا بانتهائه بعدما وفقنا بابتدائه فله الحمد على هذه المنة والشكر له على كل النعمة حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ونسأله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة والفسحة لنا في العمر لخدمة العلوم الشرعية والأحاديث النبوية وما يتعلق بهما من علوم القواعد العربية بعدما عاقني من موالاته عوائق الدروس ومعائق النفوس ولله در من قال: ولا تقل عاقني شغل فليس يرى ... في الترك للعلم من عذر لمعتذر وأي شغل كمثل العلم تطلبه ... ونقل ما قدرووا عن سيد البشر ألهى عن العلم أقوامًا تطلبهم ... لذات دنيا غدوا منها على غرر فكن بصحب رسول الله مقتديًا ... فإنهم للهدى كالأنجم الزهر وقال الآخر: كرر عليّ حديثهم يا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر علي حديثهم فلربما ... لان الحديد بضربة الحدّاد الحمد لله الَّذي تتم به الصالحات، وتطلب منه جميع الحاجات، والشكر له على ما أكرمنا به من نشر العلومات، تعلمًا ودراسة تدريسًا وتصنيفًا وكتابة فإن الاشتغال بها من أفضل الطاعات، وأولى ما أنفقت نفائس الأوقات، والصلاة والسلام على من فضله على سائر الخليقات، سيدنا ومولانا محمد خير البريات، أفضل من أخذ قصب السبق في ميدان الرسالات ممن خص من بين الأرسال بالإسراء والمعراجات، وبالمكالمة مع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ربه والمناجات، حين عرج به من فوق سبع سماوات، وخوطب بفرضية خمس صلوات، عليه وعلى أمته أفضل الأمات، وعلى آله وصحبه السادات القادات، وعلى من تبعهم على هذه الملة الحنيفية إلى يوم القيامات، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين آمين آمين يا رب العالمين. شعر آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتَّى أكملها ألفين أمينا إلى هنا تم المجلد الثاني عشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج على مسلم بن الحجاج ويليه المجلد الثالث عشر وأولها كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته) (1). * * * * ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم المُسَمَّى الكَوْكَبَ الوَهَّاج وَالرَّوضَ البَهَّاج فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمْ بْنِ الحَجْاجِ جَمْع وَتأليف مُحمَّدٍ الأمِين بن عبَد اللهِ الأُرَمِيّ العَلَويّ الهَرَريّ الشَّافِعِيِّ نزيل مكَّة المُكَرَّمة والمجاور بها مراجعَة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستَشَار برَابطَةِ العالمِ الإسْلَاميِّ - مَكِّةَ المكرَمة الجزء الثَّالثُ والعِشْرُون دَارُ المِنْهَاجِ دَارُ طَوق النَّجَاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوطة للناشر دَارُ المِنْهَاجِ جدة - السعودية دَارُ طَوق النَّجَاة بيروت - لبنان

شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

شعر: - تفرج بالروضِ البَهَّاج ... واستضئ بالكوكب الوهّاج فإنه غُنْيَةُ المُحْتَاج ... إلى صحيح مسلم بن الحجاج فإنه مركز الابتهاج ... وأوضح المهَيْع الوهّاج

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين .. الحمد لله على كماله، والشكر له على نواله، شكرًا يوافي محصوله ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على نبيه، وآله وصحبه وأتباعه منبع حكمه وأحكامه، سيدنا محمد صاحب جوامع الكلم، مأخذ الدين القويم الأقوم، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين صلاة تحل بها العقد وتفك بها الكرب، وتبلّغ بها العبد غاية ما طلب، صلاة أرقى بها مراقي الإخلاص، وأنال بها غاية الاختصاص، صلاتك التي صليت عليه دائمة بدوامك باقية ببقائك عدد ما أحاط به علمك وجرى به قلمك آمين آمين يا رب العالمين. (أما بعد) فلما فرغت من تسويد المجلد الثاني عشر إلى آخر كتاب الرؤيا تفرغت لتسطير المجلد الثالث عشر أولُه كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه بما عندي من رشحات العلوم المنقولة والفيوضات المعقولة مستمدًا من الله التوفيق والهداية لأقوم الطريق. فقلت وقولي هذا:

كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 24 - كتاب فضلائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام 687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله 5796 - (2246) (1) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 24 - كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وفواضله عليه الصلاة والسلام والفضائل جمع فضيلة، والفضيلة النعم والمزايا اللازمة لصاحبها كالشجاعة والعلم لأن الاتصاف بهما لا يتوقف على تعدي أثرهما إلى الغير، والفواضل جمع فاضلة، والفاضلة النعم المتعدية إلى الغير كالإحسان والكرم والجود شوبري (فإن قلت) كل من الكرم والعلم إن أريد بهما الملكة كانا قاصرين وإن أريد بهما الأثر كانا متعديين (قلت) المراد بالمتعدية هي التي يتوقف تحقق معناها على وصول أثرها للغير والقاصرة نقيضها إذا عرفت ذلك علمت أن الشخص يتصف بالعلم وإن لم يُعلّم أحدًا ولا يتصف بالكرم إلَّا بعد الإعطاء اهـ حاشية سليمان البجيرمي على شرح منهج الطلاب لشيخ الإسلام قاضي زكريا الأنصاري. 687 - (1) باب كونه صلى الله عليه وسلم مختارًا من خيار الناس، وتسليم الحجر عليه وتفضيله على جميع الخلق، وبعض معجزاته، وتوكله 5796 - (2246) (1) (حَدَّثَنَا محمد بن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء الجمال بالجيم أبو جعفر (الرازي) ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب، روى عنه (خ م د)

وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ، جَمِيعًا عَنِ الْوَلِيدِ. قَال ابْنُ مِهْرَانَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا الاوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ، شَدَّادِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الأسقَعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ. وَاصْطَفى قُرَيشًا مِن كِنَانَةَ. وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيشٍ بَنِي هَاشِمٍ. وَاصْطَفَاني مِنْ بَنِي هَاشِمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مات (339) (ومحمد بن عبد "الرحمن) بن حكيم (بن سهم) الفزاري أبو إسحاق الأنطاكي، وثقه الخطيب، وقال في التقريب: ثقة يُغرب، من (10) روى عنه (م) يروي عنه في (4) أبواب مات (243) (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن الوليد قال ابن مهران حَدَّثَنَا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة، من (7) (عن أبي عمار شداد) بن عبد الله القرشي الأموي مولاهم مولى معاوية الدمشقي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (أنه سمع واثلة بن الأسقع) بن كعب الليثي الصحابي المشهور من أهل الصفة رضي الله عنه (يقول) أي واثلة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من خماسياته (إن الله اصطفى) واختار (كنانة) بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام (من ولد إسماعيل) - عليه السلام - بفتح الواو واللام على أنَّه اسم جمع أو بضم الواو وسكون اللام على أنَّه جمع لولد أي من أولاد إسماعيل (واصطفى قريشًا) أي نضر بن كنانة (من كنانة) أي من أولاده وكان لِكِنَانَة أولادْ غَيرُ النضر، واختلف النسابون من أين تقرشت قريش فقيل من فهر بن مالك، وقيل من النضر بن كنانة، والمشهور أنَّه من النضر (واصطفى من قريش) أي من أولاد النضر بن كنانة (بني هاشم) بن عبد مناف (واصطفاني من بني هاشم) فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 107]، والترمذي في المناقب (قوله اصطفى كنانة) أي اختار، وصفوة الشيء خياره ووزنه افتعل، والطاء فيه بدل من التاء في اصتفى اصتفاء لقرب مخرجيهما ومعنى اختيار الله تعالى لمن شاء من خلقه تخصيصُه إياه بصفاتِ كمالِ نوعِه وجَعْلُه إياه أصلًا لذلك النوع وإكرامُه له على ما سبق

5797 - (2247) (2) وحدَّثنا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في علمه ونافذِ حكمه من غير وجوب عليه ولا إجبار بل على ما قال: {وَربُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] وقد اصطفى الله تعالى من هذا الجنسِ الحيواني نوعَ بني آدم كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} [الإسراء: 70]، ويكفيك من ذلك كله أن الله تعالى خلق العالم كله لأجله أي لأجل هذا النوع الإنساني كما قد صرح بذلك عنه لما قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] ثم إن الله تعالى اختار من هذا النوع الإنساني من جعله معدن نبوته ومحل رسالته فأولهم آدم عليه السلام ثم إن الله تعالى اختار من نطفته أي من نطفة آدم نطفة كريمة فلم يزل ينقلها من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة فكان منها الأنبياء والرسل كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [آل عمران: 33، 34] ثم إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل وإسحاق كما قال: {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَينَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [النساء: 163] ثم إن الله تعالى اصطفى من ولد إسماعيل كنانة كما ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ثم إن الله تعالى ختمهم بختامهم وأفهم بإمامهم وشرفهم بصدر كتيبتهم وبيت قصيدتهم شمس ضحاها هلال ليلتها در تقاصيرها (جمع تقصارة وهي القلادة) زبرجدها وهو محمد صلى الله عليه وسلم أَخَّرَه عن الأنبياء زمانًا وقدَّمه عليهم رتبة ومكانًا جعله الله واسطةَ النظام وكفل بكماله أولئك الملأ الكرام وخصَّه من بينهم بالمقام المحمود في اليوم المشهود فهو شفيعهم إذا استشفعوا وقائدهم إذا وفدوا وخطيبهم إذا جمعوا وسيدهم إذا ذكروا فاقتبس من الخبر عيونه، فبيده لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه، ويكفيك أثرة وكرامة "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة". ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 5797 - (2247) (2) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حَدَّثَنَا يحيى بن أبي بكير)

عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ. حَدَّثَنِي سِمَاكُ بن حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قيس بن أسيد القيسي العبدي من عبد القيس أبو زكريا الكوفي، قاضي كرمان، ثقة، من (9) مات سنة (209) روى عنه في (6) أبواب (عن (براهيم بن طهمان) بن شعيب الهروي النيسابوري ثم المكي، وبها مات، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثني سماك بن حرب) بن أوس البكري الذهلي أبو المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة بضم الجيم السوائي بضم المهملة الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف) الآن كما سيأتي التصريح به في الحديث (حجرًا) كائنًا (بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث) يعني أنَّه كان يسلم عليه بالنبوة والرسالة قبل أن يشافهه الملك بالرسالة، وفي تسليم الحجر عليه قبل البعثة إرهاص، والإرهاص أمر خارق للعادة يظهر على يد من سيُنبأ، قال النووي: وفي هذا إثبات التمييز لبعض الجمادات (إني لأعرفه الآن) أي في هذا الزمن الحاضر يعني أنَّه كان وقت ما حدَّثهم بهذا الحديث يعرف الحجر معرفة من كان يشاهده، وذكر بعضهم أن الحجر الَّذي كان يسلم عليه صلى الله عليه وسلم هو الحجر الأسود كما في شرح الأبي، وقال الآخرون: هو حجر غيره والله أعلم. وفي رواية الترمذي: "ليالي بعثت" وهو محمول على التقريب ولو أخر المؤلف هذا الحديث إلى باب أحاديث معجزاته صلى الله عليه وسلم لكان أَنْسَبَ كما فعله القرطبي في تلخيصه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 89]، والترمذي في المناقب [3624]. ذكر علماء سير النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله أنَّه كان من لطف الله بنبيه صلى الله عليه وسلم أن قدَّم له مقدمات وخصه ببشائر وكرامات درَّجه بذلك إلى أطوار لينقطع بذلك عن مالونات الأغمار (جمع عُمر وهو الجاهل الَّذي لم يجرب الأمور) ويتأهل على تدريج لقبول ما يُلقى إليه، ولتسهيل مشافهة الملك عليه فكان صلى الله عليه وسلم يرى ضياءً وأنوارًا ويسمع تسليمًا وكلامًا ولا يرى أشخاصًا فيسمع الحجارة والشجر تناديه ولا

5798 - (2248) (3) حدَّثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا هقْلٌ، (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ)، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ. وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفعٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يرى أحدًا يناجيه إلى أن استوحش من الخلق ففر إلى الحق فحُبِّبت إليه الخلوة فكان سبب هذه الحبوة مشافهة الملك فقبل فملك، وقد قدمنا أن الصحيح من مذاهب أئمتنا أن كلام الجمادات راجع إلى أن الله تعالى يخلق فيها أصواتًا مقطعة من غير مخارج يُفهم منها ما يُفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم وذلك ممكن في نفسه والقدرة القديمة لا قصور فيها فقد أخبر بها الصادق فيجب له التصديق كيف لا وقد سمع من حضر تسبيح الحصى في كفه وحنين الجذع والمسجد قد غُص بأهله اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5798 - (2248) (3) (حدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (أبو صالح) القنطري، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا هقل يعني ابن زياد) السكسكي مولاهم أبو عبد الله الدمشقي، وهقل لقب غلب عليه واسمه محمد، ثقة، من (9) (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة، من (7) (حدثني أبو عمار) شداد بن عبد الله الأموي مولاهم مولى معاوية بن أبي سفيان الدمشقي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (حدثني عبد الله بن فروخ) القرشي التيمي مولاهم مولى عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ثقة، من (3) روى عنه في (2) (حدثني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم) أي سيد أولاده ورئيسهم (يوم القيامة) وملجأهم وشفيعهم في ذلك اليوم العظيم (وأول من ينشق) وينفتح (عنه القبر) يوم البعث (وأول شافع) لربه يوم القيامة (وأول مشفع) عند ربه يوم القيامة. قوله؛ (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) قال النووي: قال الهروي: السيد هو الَّذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الَّذي يُفزع إليه عن الشدائد والنوائب فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "يوم القيامة" مع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنَّه سيدهم في الدنيا والآخرة فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى منّاع ولا معاند ونحوه بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار وزعماء المشركين وهذا التقييد قريب من قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} مع أن الملك له سبحانه قبل ذلك لكن كان في الدنيا من يدعى الملك أو من يضاف إليه مجازًا فانقطع كل ذلك في الآخرة اهـ نووي. وأما لفظ السيد فهو اسم فاعل من ساد قومه يسود إذا تقدَّمهم بما فيه من خصال الكمال وبما يوليهم من الإحسان والإفضال وأصله يسود لأن ألف ساد منقلبة عن واو بدليل أن مضارعه يسود فقلبوا الواو ياءً وأدغموها في الياء فصار سيدًا وهذا نظير ميت وقد تبين للعقل والعيان ما به، كان محمد صلى الله عليه وسلم سيد نوع الإنسان وقد ثبت بصحيح الأخبار ماله من السؤدد في تلك الدار فمنها أنَّه قال: "أنا سيد ولد آدم" قال: "وتدرون بم ذاك" قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد" رواه مسلم (194) وذكر حديث الشفاعة المتقدم ومضمونه أن الناس كلهم إذا جمعهم موقف القيامة وطال عليهم وعظم كربهم طلبوا من يشفع لهم إلى الله تعالى في إراحتهم من موقفهم فيبدئون بآدم - عليه السلام - فيسألونه الشفاعة فيقول: نفسي نفسي لست لها وهكذا يقول من سئلها من الأنبياء حتَّى ينتهي الأمر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها" فيقوم في أرفع مقام ويُخص بما لا يحصى من المعارف والإلهام وينادي بألطف خطاب وأعظم إكرام "يا محمد قل: تُسمع، وسل تعطه واشفع تشفع" وهذا مقام لم ينله أحد من الأنام (الأنبياء) "ولا سُمع بمثله لأحد من الملائكة الكرام فنسأل الله تعالى باسمه العظيم وبوجهه الكريم أن يحيينا على شريعته وعلى ملته ويحشرنا في زمرته ولا يجعلنا ممن ذيد (طُرد) عنه وبُعد منه اهـ وزيد في الترمذي عن أبي سعيد الخدري وعن ابن عباس لفظ "ولا فخر" يعني أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يقول ذلك فخرًا وإعجابًا بنفسه أو استكبارًا على غيره والعياذ بالله بل قال ذلك بيانًا لحقيقة واقعة يجب أن يعتقدها كل مسلم فهو من قبيل تبليغ الرسالة وتحديث النعمة. وأما حديث "لا تفضّلوا بين أنبياء الله" فقال فيه النووي رحمه الله تعالى: جوابه من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خمسة أوجه أحدها: أنَّه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنَّه سيد ولد آدم فلما أُعلم قال ذلك، والثاني: قاله أدبًا وتواضعًا، والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول، والرابع: إنما نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصوصية والفتنة كما هو المشهور في سبب الحديث، والخامس: أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة فلا تفاضل فيها وإنما التفاضل في الخصائص وفضائل أخرى ولا بد من اعتقاد التفضيل فقد قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}. قوله: (وأنا أول من ينشق عنه القبر) يعني أنَّه أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصًا له بتعجيل جزيل إنعامه، ويعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنَّه أول من يُبعث فيجد موسى متعلقًا بساق العرش رواه مسلم [3/ 231] [160] وسيأتي هذا مبينأ في باب ذكر موسى - عليه السلام - إن شاء الله تعالى، قوله: (وأول شافع) أي أول من يطلب الشفاعة من الله تعالى والشفاعة في اصطلاحاتهم طلب الخير من الغير للغير (وأول مشفع) أي أول من تُقبل شفاعته عند الله تعالى وإنما صرح بذلك لأنه قد يشفع اثنان فيُشفع الثاني قبل الأول فالأولية في الشفاعة لا تستلزم الأولية في التشفيع ولذلك أفرد كلًّا منهما بالذكر، قال القرطبي: قد تقدم: القول في الشفاعة وأقسامها في الأيمان ومقصود هذا الحديث أن يبين أنَّه لا يتقدمه شافع لا من الملائكة ولا من النبيين ولا من المؤمنين في جميع أقسام الشفاعات على أن الشفاعة العامة لأهل الموقف خاصة لا تكون لغيره صلى الله عليه وسلم وهذه المنزلة أعظم المراتب وأشرف المناقب وهذه الخصائص والفضائل التي حدَّث بها النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه إنما كان ذلك منه لأنها من جملة ما أُمر بتبليغه لما يترتب عليها من وجوب اعتقاد ذلك وأنه حق في نفسه وليُرغِّب في الدخول في دينه وليتمسك به من دخل فيه وليعلم قدر نعمة الله عليه في أن جعله من أمة من هذا حاله ولتعظم محبته في قلوب متبعيه فتكثر أعمالهم وتطيب أحوالهم فيحشرون في زمرته وينالون الحظ الأكبر من كرامته، وعلى الجملة فيحصل له بذلك شرف الدنيا وشرف الآخرة لأن شرف المتبوع متعدٍّ لشرف التابع على كل حال فإن قيل كل هذا راجع إلى الاعتقاد وكيف يحصل القطع بذلك من أخبار الآحاد فالجواب أن من سمع شيئًا من تلك الأمور من النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة حصل له العلم بذلك كما حصل للصحابة السامعين منه ومن لم يشافهه فقد يحصل له العلم

5799 - (2249) (4) وحدَّثني أَبو الرَّبِيعِ، سُلَيمَانُ بن دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّاد، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ)، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَوَضَّؤُنَ، فَحَزَرْتُ مَا بَينَ السِّيتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ. قَال: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك من جهة التواتر المعنوي إذ كثُرت بذلك الظواهر وأخبار الآحاد حتَّى حصل لسامعها العلم القطعي بذلك المراد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في كتاب السنة باب ما جاء من التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [4763]، والترمذي في المناقب باب ما جاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلم [3611]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 5799 - (2249) (4) (وحدثني أبو الربيع) الزهراني (سليمان بن داود العتكي) البصري (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا، توفي (179) وله (81) سنة (حَدَّثَنَا ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس) بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا) أي طلب (بماء) يتوضأ (فأُتي) فجيء (بقدح) أي بكاس (رحراح) أي الواسع القصير الجدار، ورحراح بفتح الراء على وزن خلخال، قال الخطابي: الرحراح ويقال: رحرح بغير ألف وإناء أرّح وآنية رحاء كل ذلك بمعنى الواسع وهو الإناء الواسع الصحن القريب القعر القصير الجدار ومثله لا يسع الماء الكثير فهو أدل على المعجزة، وقال الحافظ في الفتح [1/ 304] وهذه الصفة شبيهة بالطست فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة في ذلك الإناء فجعل الماء ينبع فيه من بين أصابعه وحوله جماعة من الصحابة فأمرهم بأن يتوضؤوا من ذلك الماء (فجعل) أي شرع (القوم) الحاضرون (يتوضؤون) من ذلك الماء، قال أنس: (فحزرت) أي حرصت وقدرت، في المصباح خزرت الشيء خزرًا من بابي ضرب وقتل قدرته أي خرصت القوم الذين توضؤوا من ذلك الماء وجعلتهم في خرص (ما بين) فوق (الستين إلى) أن بلغوا (الثمانين قال) أنس: (فجعلت) أي شرعت (انظر إلى الماء)

يَنْبُعُ مِنْ بَينِ أَصَابِعِهِ. 5800 - (00) (00) وحدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهرِ. أَخبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الَّذي (ينبع) ويفور ويخرج (من بين أصابعه) الشريفة صلى الله عليه وسلم. قال النووي: وفي كيفية هذا النبع قولان حكاهما القاضي وغيره أحدهما ونقله القاضي عن المزني وأكثر العلماء أن معناه أن الماء كان يخرج من نفس أصابعه صلى الله عليه وسلم وينبع من ذاتها قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجر، والثاني: يحتمل أن الله كثر الماء في ذاته فصار يفور من بين أصابعه لا من نفسها وكلاهما معجزة ظاهرة وآية باهرة اهـ. قال القرطبي: وهذه المعجزة تكررت من النبي صلى الله عليه وسلم مرات عديدة في مشاهد عظيمة وجموع كثيرة بلغتنا بطرق صحيحة من رواية أنس وعبد الله بن مسعود وجابر وعمران بن حصين وغيرهم ممن يحصل بمجموع أخبارهم العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي وبهذا الطريق حصل لنا العلم بأكثر معجزاته الدالة على صدق رسالاته كما قد ذكرنا جملة ذلك في كتاب الإعلام، وهذه المعجزة أبلغ من معجزة موسى - عليه السلام - في نبع الماء من الحجر عند ضربه بالعصا إذ من المألوف نغ الماء من بعض الحجارة فأما نبعه من بين عظم ولحم وعصب ودم فشيء لم يُسمع بمثله ولا تحدث به عن غيره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 132]، والبخاري في مواضع كثيرة منها باب علامات النبوة في الإسلام [3572، إلى 35751]، والترمذي في المناقب [3631]، والنسائي في الطهارة [1/ 60]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5800 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) المدني ثم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وحدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا مالك) بن أنس الإمام الأصبحي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله

ابْنُ وَهْبٍ، عَن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. عَن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَت صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ. فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضؤُوا مِنْهُ. قَال: فَرَأَيتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (عن مالك بن أنس) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لثابت بن أسلم (أنَّه) أي أن أنسًا (قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و) قد (حانت) أي قربت (صلاة العصر) أي قرب دخول وقتها (فالتمس) أي طلب (الناس) أي الأصحاب (الوضوء) بفتح الواو أي الماء الَّذي يتوضؤون به (فلم يجدوه) أي لم يجدوا ماء الوضوء (فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء) أي بماء قليل ليتوضَّأ به في قدح رحراح (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء) الرحراح (يده) الشريفة (وأمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس) الحاضرين عنده (أن يتوضؤوا منه) أي من ذلك الماء القليل (قال) أنس: (فرأيت الماء ينبع) أي يخرج ويجري (من تحت) أي أسفل أصابعه صلى الله عليه وسلم (فتوضأ الناس) الحاضرون من ذلك الماء (حتَّى توضؤوا من) أولهم الذين يلون النبي صلى الله عليه وسلم (عند آخرهم) أي إلى آخرهم الذين كانوا بعيدين من النبي صلى الله عليه وسلم، فعند هنا حرف جر بمعنى إلى وهو لغة فيها دل على هذا المعنى ذكر من قبلها وآخرهم بعدها لأن من تقتضي إلى والآخر تقتضي الأول تأمل والمقصود من هذه الغاية أنَّه توضأ جميعهم حتَّى آخرهم، قال الكرماني: حتَّى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتَّى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم، وعند بمعنى في فكأنه قال: الذين هم في آخرهم، وقال التميمي: المعنى توضأ القوم حتَّى وصلت النوبة إلى الآخر، وذهب النووي إلى أن كلمة من هنا بمعنى إلى وتعقبه الكرماني وانتصر الحافظ للنووي، راجع فتح الباري [1/ 271].

5801 - (00) (00) حدَّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ)، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَة، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وأَصْحَابَهُ بِالزَّوْرَاءِ - (قَال: وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فِيمَا ثَمَّهْ) - دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ. فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَينِ أَصَابِعِهِ. فَتَوَضَّأ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ. قَال: قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ يَا أَبا حَمْزَةَ. قَال: كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5801 - (00) (00) (حدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا معاذ يعني ابن هشام) الدستوائي (حَدَّثَنَا أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (حَدَّثَنَا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت بن أسلم وإسحاق بن عبد الله (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) كانوا (بالزوراء قال) أنس: (والزوراء) بفتح الزاي وبالمد مكان معروف (بالمدينة) المنورة كان (عند السوق) المدني (والمسجد) النبوي معروف (فيما) أي في المكان الَّذي كان (ثمه) بفتح المثلثة، اسم إشارة للمكان البعيد، والهاء للسكت أي معروف في المكان الَّذي كان ثم أي عند المسجد والسوق قدام باب السلام كان بين الباب والسوق أدركنا ذلك المكان ورأيناه حين حججنا في سنة (1375 هـ) واشترينا كتبًا من مكاتب تلك السوق فلله الحمد على تعميرنا. قال أنس: (دعا) النبي صلى الله عليه وسلم أي طلب ماءً يتوضأ به، فأُتي صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الأولى (بقدح) رحراح (فيه) أي في ذلك القدح (ماء) قليل، ووقع في رواية لأبي نعيم عن أنس أنَّه هو الَّذي أحضر الماء وأحضره من بيت أم سلمة رضي الله تعالى عنهما ذكره الحافظ في الفتح [7/ 585 و 586] (فوضع) صلى الله عليه وسلم كفه) الشريفة (فيه) أي في ذلك القدح (فجعل) الماء (ينبع) أي يخرج (من بين أصابعه) أي من النقرة التي بين أصابعه فهو بمعنى الرواية التي قبلها (من تحت أصابعه) (فتوضأ) من ذلك الماء (جميع أصحابه) صلى الله عليه وسلم (قال) قتادة: (قلت) لأنس: (كم كانوا) أي كم جملة الأصحاب الذين كانوا توضؤوا من ذلك الماء (يا أبا حمزة) كنية أنس (قال) أنس: (كانوا) أي كان الذين توضؤوا من ذلك الماء (زهاء) أي قدر (الثلاثمائة) نفر، يقال: هم زهاء كذا،

5802 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولُهَاء كذا باللام بدل الزاي وضمها فيهما أي قدرها، وفي الرواية الأولى فحزرت ما بين الستين إلى الثمانين فبين رواية ثابت ورواية قتادة معارضة ولعدم إمكان الجمع بينهما ذهب النووي والحافظ إلى حمل الحديثين على واقعتين مختلفتين، ووقع الاختلاف في روايات أنس في تعيين المكان الَّذي وقع فيه ذلك فصرح في حديث الباب أنَّه صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة، ووقع في رواية الحسن عن أنس عند البخاري في علامات النبوة ما نصه خرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ومعه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة فلم يجدوا ماء يتوضؤون به .. الخ وهذا يدل على كون الواقعة في سفر ويبعد الجمع بينهما أيضًا والذي يظهر من الأحاديث أن قصة نبع الماء من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت مرات عديدة فلا يبعد أن يكون أنس رضي الله عنه أخبر في بعض الأحيان ما وقع في المدينة، وفي بعضها ما وقع في السفر وكان المتوضؤون في بعض هذه الواقعات زهاء ثمانين، وفي بعضها زهاء ثلاثمائة والله سبحانه أعلم. وقال الحافظ في الفتح [7/ 585] قصة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم جاءت من رواية أنس عند الشيخين وأحمد وغيرهم من خمسة طرق، وعن جابر من أربعة طرق، وعن ابن مسعود عند البخاري والترمذي، وعن ابن عباس عند أحمد والطبراني من طريقين، وعن ابن أبي ليلى عند الطبراني فعدد هؤلاء الأصحاب يكفي لكون الخبر مشهورًا وليس الأمر كما يفهم من كلام القرطبي والقاضي عياض اهـ. وهذه الرواية والتي بعدها انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5802 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة المعروف بغندر، ثقة، من (9) إلَّا أن فيه غفلة (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خمساسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهشام الدستوائي (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

بِالزَّوْرَاءِ. فَأُتِيَ بِإِنَاءِ مَاءٍ لَا يَغمُرُ أَصَابِعَهُ. أَو قَدْرَ مَا يُوَارِي أَصَابِعَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ هِشَامٍ. 5803 - (2250) (5) وحدَّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَن جَابِرٍ؛ أَنَّ أُمِّ مَالِكِ كَانَتْ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا. فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الُأدمَ. وَلَيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالزوراء فأُتي) بالبناء للمفعول أي أتاه آت وهو أنس بن مالك كما مر آنفًا (بإناء ماء لا يغمر) ذلك الماء أي لا يستر ولا يغطي (أصابعه) لقلته (أو) قال أنس أو قتادة: أُتي بإناء ماء (قدر ما يواري) ويستر ذلك الماء (أصابعه) والشك من سعيد أو من قتادة قال محمد بن جعفر: (ثم ذكر) سعيد (نحو حديث هشام) الدستوائي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5803 - (2250) (5) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي مولاهم الحراني، صدوق من (9) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا معقل) بن عبيد الله العبسي بالموحدة مولاهم الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن أبي الزبير) المكي الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن أم مالك) الأنصارية الصحابية رضي الله تعالى عنها اسمها كنيتها (كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنًا) أي زبدًا صفي من المخيض بالتسخين على النار، قال في القاموس: العُكة بضم العين وتشديد الكاف آنية السمن أصغر من القربة وجمعه عكك وزان غرف وغرفة، وذكر الحافظ في الإصابة [4/ 470] رواية لابن أبي عاصم ولابن أبي خيثمة جاء فيها أن أم مالك الأنصارية جاءت بعكة سمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالًا بعصرها ثم دفعها إليها فإذا هي مملوءة فجاءت فقالت: أنزل فيّ شيء؟ قال: "وما ذلك؟ " قالت: رددت علي هديتي فدعا بلالًا فسأله فقال: والذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتَّى استحييت، فقال: "هنيئًا لك هذه بركة يا أم مالك هذه بركة عجّل الله لك ثوابها" (فيأتيها بنوها فيسألونـ) ــها (الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال ما يؤكل به الخبز ويطيبه يجمع على إدام وأُدم (وليس

عِنْدَهُمْ شَيءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَت تُهْدِي فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا. فَمَا زَال يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "عَصَرْتِيهَا؟ " قَالتْ: نَعَمْ. قَال: "لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَال قَائِمًا". 5804 - (2251) (6) وحدَّثني سَلَمَةُ بن شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عندهم شيء) من الإدام (فتعمد) أي فتقصد (إلى) الإناء (الَّذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم) وهي العكة المذكورة (فتجد فيه سمنًا فما زال) الشأن (يقيم) ويدوم ويوجد (لها أدم بيتها) في ذلك الإناء (حتَّى عصرته) حتَّى عصرت ذلك الإناء وخلصته مما فيه ومسحته أي لم يزل ذلك الإناء يهيأ لها ما يكفي لائتدام أهل بيتها إلى أن عصرته فلم يبق فيه شيء (فأتت) أم مالك (النبي صلى الله عليه وسلم) فأخبرته حال عكتها بعد عصرها (فقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (عصرتيها) أي عصرت العكة وخلصتيها عما فيها من السمن (قالت) أم مالك: (نعم) عصرتها يا رسول الله فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركتيها) أي لو تركت العكة ولم تعصريها مما فيها من السمن (ما زال) أُدمك (قائمًا) أي موجودًا فيها مستمرًا. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر لجابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5804 - (2251) (6) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري (حَدَّثَنَا الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي الحراني (حَدَّثَنَا معقل) بن عبيد الله العبسي الحراني (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته فهو نفس السند الَّذي قبله حرفًا بحرف (أن رجلًا) ولم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا الرجل، وللبيهقي ما يفيد أنَّه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ولعلها حادثة أخرى مشابهة لها اهـ من مبهمات مسلم (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يستطعمه) أي يطلب منه صلى الله عليه وسلم الإطعام (فأطعمه) النبي صلى الله عليه وسلم أي فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا (شطر وسق شعير) أي طعامًا

فَمَا زَال الرَّجُلُ يأكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيفُهُمَا، حَتَّى كَالهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لأَكلْتُمْ مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نصف وسق شعير، والوسق ستون صاعًا والشطر ثلاثون صاعًا كما مر في كتاب الزكاة، وشطر بدل من طعامًا المقدر المفهوم من الفعل أو عطف بيان له (فما زال الرجل يأكل منه) أي من ذلك الشطر هو (وامرأته وضيفهما حتَّى كاله) أي حتَّى كال ذلك الطعام ليعلم قدره فلما كاله فني بسرعة (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم) فأخبره بحال الطعام من أكله زمانًا قبل الكيل، ومن فناءه بسرعة بعد الكيل (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو لم تكله) ولم تعلم قدره (كلتم منه) أي من ذلك الطعام بلا تقدير مدة (ولقام لكم) واستمر عندكم وثبت ودام لكم. قال القرطبي: ونماء سمن العكة وشطر وسق الشعير كل ذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم فيما لمسه أو تناوله أو تهمم به أو برّك عليه وكم له منها وكم، ورفع النماء من ذلك عند العصر والكيل سببه والله أعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله تعالى ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة وهذا نحو مما جرى لبني إسرائيل في التيه لما أنزل عليهم المن والسلوى وقيل لهم: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} [البقرة: 172] فأطاعوا حرص النفس فادخروا للأيام فختر اللحم وفسد الطعام. وقوله (لصاحبة العكة: "لو تركتيها ما زال قائمًا" ولصاحب الشطر: "لو لم تكله لقام لكم") يُستفاد منه أن من أُدرّ عليه رزق أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله تعالى ولا يحدث مغيرًا في تلك الحالة ويتركها على حالها ومعنى رؤية النعمة أن يعلم أن ذلك بمحض فضل الله وكرمه لا بحولنا ولا بقوتنا ولا استحقاقنا اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لكنه شاركه أحمد برقم [3/ 337 و 347]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما فقال:

5805 - (2252) (7) حدَّثنا عَبدُ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، (وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ)، عَن أَبِي الزُّبَيرِ الْمَكِّيِّ؛ أَنَّ أَبَا الطُّفَيلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ أَخبَرَهُ؛ أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ أَخبَرَهُ. قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاةَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَانمَغرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5805 - (2252) (7) (حَدَّثَنَا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا أبو علي الحنفي) عبيد الله بن عبد المجيد البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن مالك وهو ابن أنس) الإمام المدني (عن أبي الزبير المكي أن أبا الطفيل عامر بن واثلة) بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المكي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (10) أبواب (أخبره) أي أخبر عامر لأبي الزبير (أن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي المدني الصحابي الجليل، أسلم وهو ابن ثماني عشر سنة، وشهد بدرًا والمشاهد، له (157) مائة وسبعة وخمسون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد (خ) بثلاثة و (م) بواحد، مات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وله ثلاث وثلاثون سنة، وقُبر بغور بيسان في شرقيه رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي. (أخبره قال) معاذ: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة (عام غزوة تبوك) وهو موضع معروف بطريق الشام فيه ماء وهذه الغزاة آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة الروم فخرج فيها في شهر رجب سنة تسع من الهجرة في حر شديد لسفر بعيد وخرج معه أهل الصدق من المسلمين وتخلّف عنه جميع المنافقين وكانت غزوة أظهر الله فيها من معجزات نبيه صلى الله عليه وسلم وكرامته ما زاد الله المؤمنين به إيمانًا وأقام بذلك على الكافرين حجة وبرهانًا (فكان) صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة (يجمع الصلاة) إلَّا الصبح صورة عند الحنفية وحقيقة عند غيرهم على ما مر فيه من تفصيل الخلاف في كتاب الصلاة (فصلى الظهر والعصر جميعًا) في وقت الظهر يجمعهما جمع تقديم عند غير أبي حنيفة (و) صلى (المغرب والعشاء جميعًا) في وقت المغرب يجمعهما جمع تقديم، وهذا إشارة إلى جمع تقديم، واستمر على هذه

حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلاةَ. ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا. ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذلِكَ. فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. ثُمَّ قَال: "إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَينَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِن مَائِهَا شيئًا حَتَّى آتِيَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكيفية في صلاته كلها (حتَّى إذا كان) صلى الله عليه وسلم (يومًا) أي في يوم من الأيام (أخّر الصلاة) الأول عن وقتها (ثم) بعد تأخيرها ودخول وقت الثانية (خرج) من خيمته (فصلى الظهر والعصر جميعًا) في وقت صلاة العصر يجمعهما جمع تأخير (ثم دخل) خيمته وجلس فيها حتَّى وقت العشاء (ثم خرج) من خيمته (بعد ذلك) أي بعدما أخر المغرب إلى وقت العشاء (فصلى المغرب والعشاء جميعًا) في وقت صلاة العشاء يجمعهما جمع تأخير. وهذا الحديث مستند الشافعي في جواز الجمع بين الصلاتين تقديمًا وتأخيرًا في السفر، وأما عند الأحناف فلا يجوز الجمع بينهما إلَّا في عرفات ومزدلفة لا غير، وأجابوا عن هذا الحديث وأمثاله بأنه صلى الله عليه وسلم صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها فحصل الجمع بهذه الصورة لا بصورة تأخير الأول حتَّى يدخل وقت الثانية والله أعلم. قال العيني: وأحسن التأويلات في هذا الحديث وأقربها إلى القبول أنَّه يحمل على تأخير الأول إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ عنها دخلت الثانية فصلاها ويؤيد هذا التأويل ويبطل غيره ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها إلَّا بجمع فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها. وهذا الحديث يبطل العمل بكل حديث فيه جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء سواء كان في سفر أو حضر أو غيرهما اهـ. (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنكم ستأتون) أي تحضرون (غدًا) أي في اليوم التالي لهذا اليوم (أن شاء الله) تعالى إتيانكم (عين تبوك) أي ماءها القليل (وإنكم لن تأتوها) أي لن تأتوا تلك العين (حتَّى يضحي النهار) أي حتَّى يشتد حر النهار بدخول وقت الضحوة (فمن جاءها) أي جاء وحضر تلك العين (منكم) قبلي (فلا يمس) أي فلا يأخذ (من مائها) أي من ماء تلك العين (شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا (حتَّى آتي) أنا إياها وأحضرها لأدعو عليها بالبركة، ولم أقف على حكمة هذا النهي مصرحة في رواية

فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيهَا رَجُلَانِ. وَالْعَينُ مِثلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيءٍ مِنْ مَاءٍ. قَال: فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيئًا؟ " قَالا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَقَال لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا في كلام أحد من الشراح، ولعله صلى الله عليه وسلم بيان يريد أن تظهر في الماء البركة بحضوره صلى الله عليه وسلم إياها وكان يخشى إذا مسه أحد قبل حضوره أن ينقطع الماء، ثم رأيت الباجي رحمه الله تعالى قد ذكر في شرح الموطأ مثل هذا في بيان حكمة هذا النهي وزاد قائلًا: فيه دليل على أن للإمام له أن يمنع من الأمور العامة كالماء والكلأ من المنافع التي يشترك فيها المسلمون لما يراه من المصلحة اهـ من التكملة. وقال القرطبي: إنما نهاهم عن ذلك ليظهر انفراده بالمعجزة وتتحقق نسبتها إليه واختصاصه بها فإنه إذا شاركه غيره في مس ماءها لم يتمحض اختصاصه بها ولذلك لما وجد الرجلين عليها أمر أن يغرف له من مائها وكأنه كان أراد أن يباشر الماء وهو في موضعه لكن لما سبقه غيره إليها جمعوا له من مائها فغسل فيه يديه ووجهه ثم أمر أن يُعاد ذلك الماء فيها فلما فعلوا ذلك جاءت العين بماء منهمر وسُمع له حس كحس الصواعق اهـ من المفهم. قال معاذ بن جبل: (فجئناها) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد سبقنا إليها رجلان) من المسلمين، وروى أبو بشر الدولابي أنهما كانا من المنافقين قاله الزرقاني في شرح الموطأ، وقال ابن حجر في الفتح [3/ 345] ولم أقف على اسم الرجلين المذكورين اهـ من مبهمات مسلم (والعين مثل الشراك) أي مثل شراك النعل وسيرها الَّذي يجعل بين الإصبعين في قلة عرض الماء في العين (تبصر بشيء من ماء) الرواية المشهورة تبض بكسر الباء وبالضاد المعجمة أي تسيل بماء قليل رقيق مثل شراك النعل وقد رُوي بالصاد المهملة، وكذلك وقع في البخاري أي تبرق يقال بص يبص بصيصًا، ووبص يبص وبيصًا بمعناه أي تبرق وتلمع ويمكن تفسيره بالرشح أيضًا لأنه أحد معاني الكلمة كما في القاموس (قال) معاذ: (فسألهما) أي سأل الرجلين (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال لهما: (هل مسستما) وأخذتما (من مالها شيئًا؟ قالا: نعم) أخذنا من مائها وانتفعنا به، قال معاذ: (فسبهما) أي فسب وشتم الرجلين (النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما) رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبهما: (ما شاء الله أن يقول) رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قَال: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيدِيهِمْ مِنَ الْعَينِ قَلِيلًا قَلِيلًا. حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيءٍ. قَال: وَغَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَينُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ. أَوْ قَال غَزِيرٍ -شَك أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَال- حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لامهما وعاتبهما، قال عياض: فيه تأديب الحاكم بالقول والسب غير المقدح، وقال الباجي: لعله صلى الله عليه وسلم سألهما لما رأى من قلة الماء، ولعله أُوحي إليه أنَّه يكثر إذا شق إليه فأنكر قلته. وأما وجه مخالفتهما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه الباجي في المنتقى: لأنهما لم يعلما نهيه أو حملاه على الكراهة أو نسياه إن كانا مؤمنين ولم يوافق سبه إياهما محله وروى أبو بشر الدولابي أنهما كانا من المنافقين فقصدا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف السب محله، ويحتمل أنهما كانا غير منافقين ولم يعلما بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ويكون سبه لهما لم يصادف محلًا فيكون ذلك رحمة لهما وزكاة كما قاله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من لعنته أو سببته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له زكاة ورحمة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" رواه مسلم [2601]، (89). (قال) معاذ: (ثم غرفوا) أي غرف أصحابه صلى الله عليه وسلم أي اغترفوا (بأيديهم) أي بأكفهم (من) ماء (العين قليلًا قليلًا) أي شيئًا فشيئًا أي أخذوا الماء بأكفهم قليلًا قليلًا من تلك العين وصبوه في بعض أوانيهم (حتَّى اجتمع) الماء (في شيء) من تلك الأواني (قال) معاذ: (وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه) أي في ذلك الماء جمعوه في الإناء (يديه) أي كفيه (ووجهه ثم أعاده) أي أمر بإعادة ذلك الماء الَّذي غسل فيه وجهه ويديه (فيها) أي في تلك العين (فجرت) أي سالت (العين بماء منهمر) أي منفجر بشدة شديد التدفق والانفجار، قال المجد في القاموس: انهمر الماء انسكب وسال والهضار السحاب السيال، ووقع في رواية الموطأ بماء كثير (أو قال) مالك حين ما حَدَّثَنَا هذا الحديث فجرت العين بماء (فزير) والغزير بمعجمتين ثم براء آخره كالكثير وزنًا ومعنى، قال المؤلف: (شك أبو علي) الحنفي (أيهما) أي أي اللفظين (قال) مالك بن أنس: يعني لفظي منهمر وغزير والمعنى واحد، قال معاذ: فجرت العين بماء منهمر (حتَّى استقى الناس) أي أخذوا منها الماء في أسقيتهم (ثم قال) رسول الله صلى

"يُوشِكُ، يَا مُعَاذُ! إِنْ طَالتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا ههُنَا قَد مُلِئَ جِنَانًا". 5806 - (2253) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بن مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَن عَمْرِو بْنِ يَحِيَى، عَنْ عَبَّاسِ بنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم: (يوشك) أي يقرب (يا معاذ إن طالت بك حياة) أي إن أطال الله عمرك (أن نرى ما ها هنا) أي ما في حوالي هذه العين (قد مليء) وغُرس (جنانًا) أي بساتين وأشجارًا وعمائر مملوءة وهي جمع جنة، وذكر ابن عبد البر عن ابن وضاح قال: إني رأيت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانًا خضرة نضرة كذا في كشف المغطا شرح الموطأ. وقال القرطبي: والجنان البستان من النخل وغيره سُمي بذلك لأنه يجن أرضه وما تحته أي يستر ذلك وقد اشتمل هذا الحديث على معجزتين عظيمتين إحداهما: نبع الماء المذكور، والثانية: تعريفه بكثير من علم الغيب فإن تبوك من ذلك الوقت سُكنت لأجل ذلك الماء وغُرست بساتين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم أيضًا في صلاة المسافرين باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، وأخرجه أبو داود في الصلاة باب الجمع بين الصلاتين [1056] و 1208]، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين [553 و 554]، والنسائي في مواقيت الصلاة باب الوقت الَّذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر [587]، واين ماجة في إقامة الصلاة باب الجمع بين الصلاتين في السفر [1056]، ومالك في الموطأ في قصر الصلاة في السفر ولم يخرج غير مسلم ومالك إلَّا الجمع بين الصلاتين ولم يذكروا القصة بطولها وذكرها مالك ومسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس بحديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنهما فقال: 5806 - (2253) (حَدَّثَنَا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا سليمان بن بلال) التميمي مولاهم المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي) المدني، ثقة، من (4) روى

عَنْ أَبِي حُمَيدٍ. قَال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَأَتَينَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لامْرَأَةٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اخْرُصُوهَا" فَخَرَصْنَاهَا، وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَشرَةَ أَوسُقٍ. وَقَال: "أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيكِ، إِنْ شَاءَ اللهُ" وَانْطَلَقْنَا. حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "سَتَهُبُّ عَلَيكُمُ اللَّيلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (3) أبواب (عن أبي حميد) الأنصاري الساعدي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، قيل: اسمه عبد الرحمن بن سعد، وقيل: المنذر بن سعد بن المنذر، روى عنه في أربعة أبواب (4) وهذا السند من خماسياته (قال) أبو حميد (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المدينة في (غزوة تبوك فأتينا) أي جئنا في ذلك السفر (وادي القرى) وهي مدينة قديمة بين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم والشام فمررنا حين وصلنا إليها (على حديقة) وبستان (لامرأة) قال الحافظ: لم أقف على اسمها في شيء من الطرق (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده من الصحابة: (أخرصوها) بضم الراء وكسرها من بابي ضرب ونصر والضم أشهر أي احزروا وخمِّنوا كم يجيء ويخرج من ثمرها رطبًا وتمرًا، قال النووي: فيه استحباب امتحان العالم أصحابه واختبار المعلم تلميذه بمثل هذا التمرين ولعله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تمرينًا لهم على الخرص الَّذي يحتاج إليه المسلمون عند أخذ الصدقات وأمر المرأة بإحصاء الخارج منها ليتبين صحة الخرص وخطاه، قال أبو حميد (فخرصناها) أي فخمناها معاشر الحاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقذر كل منا ثمرها بحسب ظنه (وخرصها) أي خرص وخمّن وقدّر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثمرها (عشرة أوسق) جمع وسق، قال في النهاية: الوسق ستون صاعًا وهو ثلاثمائة وعشرون رطلًا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلأ عند أهل العراق (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة: (أحصيها) أي أحصي ثمر هذه الحديقة واضبطي عدد أوسقها (حتَّى نرجع إليك أن شاء الله) تعالى فتخبرينا عددها ليتبين لنا صحة خرصنا وخطاه (وانطلقنا) أي ذهبنا من وادي القرى (حتَّى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: (ستهب) وتعصف (عليكم) هذه (الليلة) المستقبلة (ريح شديدة) العصف

فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ. فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالهُ" فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَة. فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَي طَيًئٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ والهبوب حتَّى تأخذ من قام فيها (فلا يقم فيها أحد منكم) من مرقده احتراسًا من أخذها وتحفظًا من ضررها، وفي رواية لابن إسحاق في المغازي (ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلَّا ومعه صاحب له) وفيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة وجواز تعليم التدابير الوقائية وأخذ الاحتياطات اللازمة عندما يخشى الضرر (فمن كان له بعير) أي جمل (فليشد عقاله) أي فليقو عقاله وربطه لئلا يتحرك، قال أبو حميد: (فهبت) وعصفت (ريح شديدة) تلك الليلة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم (فقام رجل) من المسلمين لم أقف على من ذكر اسمه (فحملته) أي حملت (الريح) ذلك الرجل (حتَّى ألقته) ورمته (بجبل طيء) أي على أحد جبلين لطيء هما مشهوران يقال لأحدهما: (لَجَأ) بفتح اللام والجيم وبالهمز آخره والآخر يقال له: (سلمى) بفتح السين وسكون اللام وبالقصر، وطيء على وزن سيد هو أبو قبيلة من اليمن، قال صاحب التحرير: وطيء يُهمز ولا يُهمز لغتان اهـ نووي. وهي القبيلة المعروفة كانت مقيمة بين جبلين أحدهما أَجَا والآخر سلمى سُميا باسم رجل وامرأة كانت لهما قصة في ذلك الموضع ذكرها العيني في عمدة القاري [4/ 416] عن أسماء البلدان للكلبي وحاصلها أن أجا قد هرب بعشيقته سلمى وجاء إلى هذين الجبلين وأقام بهما فجاء إخوة سلمى في طلبها فأخذوا سلمى ونزعوا عينها ووضعوها على الجبل وكُتف أجأ ووضع على الجبل فسُمي بهما الجبلان فسُميت بلاد طيء بجبل طيء، وفي رواية لابن إسحاق في المغازي (فَفَعَل الناسُ ما أمرهم به إلَّا رجلَين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج آخر في طلب بعير له فأما الَّذي ذهب لحاجته فإنه خُنق على مذهبه، وأما الَّذي ذهب لطلب بعيره فاحتملته الريح حتَّى طرحته بجبل طيء فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم أنهكم أن يخرج الرجل إلَّا ومعه صَاحِبٌ له" ثم دعا على الَّذي أصيب على مذهبه فشُفي، وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك) كذا في فتح الباري [3/ 345] قال القرطبي: (قوله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها) فيه دليل على جواز الخرص إذا احتيج إليه وأنه طريق معتبر شرعًا وخروج ثمرة هذه الحديقة على مقدار ما خرصه رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على صحة حدسه وقوة إدراكه وإصابته وجه الصواب فيما كان يحاوله.

وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ، صَاحِبِ أَيلَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدى ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يعارض هذا بحديث تأبير النخل فإن الله تعالى قد أجرى عادة ثابتة متكررة في تأبير النخل لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أرى هذا يغني شيئًا، يعني التابير وصدق فإن الله تعالى هو الَّذي يمسك الثمرة ويطيبها إذا شاء لا التأبير ولا غيره بخلاف الوصول إلى المقادير بالخرص فإن الغالب فيه من الممارسين له التقريب لا التحقيق وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار ذلك على التحقيق فوجد ما أخبر فإن كان هذا منه على حدس وتخمين كان دليلًا على أنَّه قد خص من ذلك بشيء لم يصل إليه غيره وإن كان ذلك بالوحي كان ذلك من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم. وقوله: (ستهب عليكم ريح شديدة) هذا من المعجزات الغيبية وهي من الكثرة بحيث لا تحصى يحصل بمجموعها العلم القطعي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم كثيرًا من علم الغيب الَّذي لا يعلمه إلَّا الله أو من ارتضاه من الرسل فاطلعه الله عليه والنبي صلى الله عليه وسلم قد أطلعه الله عليه فهو رسول من أفضل الرسل. وقوله: (فلا يقم فيها أحد ومن كان له بعير فليشد عقاله) دليل على الأخذ بالحزم والحذر في النفوس والأموال ومن أهمل شيئًا من الأسباب المعتادة زاعمًا أنَّه متوكل فقد غلط فإن التوكل لا يناقض التحرز بل حقيقته لا تتم إلَّا لمن جمع بين الاجتهاد في العمل على سنة الله وبين التفويض إلى الله تعالى كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. (وجاء رسول ابن العَلْمَاء) بفتح العين المهملة وسكون اللام والمد وهو تأنيث الأعلم وهو المشقوق الشفة العليا والأفلح هو المشقوق الشفة السفلى (صاحب أيلة) بالجر صفة لابن العلماء وقوله صاحب أيلة يعني به مَلِكهَا، وأيلةُ بلد معروف بالشام وإِلَيهِ تُنْسَبُ عَقَبَةُ أَيلَةَ وهي بفتح الهمزة وسكون الياء بلدة قديمة على ساحل البحر وجاء في مغازي ابن إسحاق ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يُوحَنّا بن رَوْبةَ صاحبُ أيلة فصَالحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزيةَ، قال الحافظ: فاستفيد من ذلك اسمه واسم أبيه فلعل العَلْمَاء اسمُ أمه ولقَبها ويوحنّا بضم التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون، ورُوْبة بضم الراء وسكون الواو أي جاء ذلك الرسول (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب) أي برسالة من ابن العلماء (وأهدى) ابن العلماء

لَهُ بَغْلَةً بَيضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ عَن حَدِيقَتِهَا "كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟ " فَقَالت: عَشْرَةَ أَوْسُقٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي مُسْرِعٌ. فَمَنْ شَاءَ مِنْكُنم فَلْيُسْرِعْ مَعِيَ. وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ" فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَال "هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ. وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (له) صلى الله عليه وسلم (بنلة بيضاء فكتب إليه) أي إلى ابن العلماء (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) أي لابن العلماء (بُردًا) أي كِسَاءً مخططًا. قوله: (وأهدى له بغلة بيضاء) هذه البغلة قَبِلهَا النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت عنده زمانًا طويلًا ولم تكن له بغلة غيرها وكانت تسمى الدُلدُل، وفيه دليل على قبول هدية الكتابي وأما إهداؤه البُرد فمكافأة ومواصلة واستئلاف ليدخل في دين الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم لم يحضره شيء في ذلك الوقت إلَّا ذلك البرد والله أعلم اهـ من المفهم. قال أبو حميد: (ثم) بعدما أقمنا تبوك مدة قليلة (أقبلنا) أي رجعنا منه وأقبلنا إلى المدينة (حتَّى تدمنا وادي القرى) ووصلنا إليه (فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة) صاحبةَ الحديقة (عن) ثمر (حديقتها) فقال لها: (كم بلغ ثمرها فقالت) المرأة: بلغ ثمرها (عشرة أوسق) قدر ما خرص به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر به أولًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: (إني مسرع) ومستعجل إلى المدينة (فمن شاء منكم) الإسراع والاستعجال معي (فليُسرع معي) إليها وليستعجل (ومن شاء) أن يتأخر ويستريح (فليمكث) ها هنا حتَّى يستريح، قال أبو حميد: (فخرجنا) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من وادي القرى وذهبنا إلى جهة المدينة (حتَّى أشرفنا) وطلعنا (على المدينة فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه) البلدة مشيرًا إلى المدينة (طابة) أي بلدة طيبة بطيب سكانها بالإيمان، وطابة اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث اللفظي؛ ومعناها الطيبة وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم وكان اسمها أولًا يثرب باسم أول من سكنها رجل من العمالقة (وهذا) الجَبلُ (أُحدٌ هو) جَبَلٌ (يحبنا) أي يحبنا أهلُه وهم الأنصارُ (ونُحبه) أي نُحِب نحن أهلَه وهم الأنصار، والحاصل أن بعضَهم أوَّلُوه

ثُمَّ قَال: "إِنَّ خَيرَ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ. ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بأهلِ الجبل ومجاورِيه وهم الأنصارُ فإنهم كانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبهم، وحمله آخرون على حقيقته ولا مانع من أن يحب جبلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه رحمة للعالمين بما فيها من الشجر والحجر، وقد مر قريبًا في أوائل الباب أن حجرًا كان يسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن خير) وأفضل (دور) وبطون (الأنصار دار) وبطن (بني النجار) وإنما فضّل بني النجار لسبقهم إلى الإسلام وآثارهم الجميلة في الدين اهـ نووي يعني أن أسرتهم أفضل مرتبة من البيوت الأخرى للأنصار وبنو النجار هم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن والدة عبد المطلب منهم وعليهم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة فلهم مزية على غيرهم، والنجار لقب لتيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، قيل: سُمي النجار لأنه اختتن بقدُّوم، وقيل: بل نجر وجه رجل بالقدوم فسُمي النجار كذا ذكر العيني في العمدة [4/ 417] (ثم دار بني عبد الأشهل) هم من الأوس وعبد الأشهل هو ابن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصغر ابن عمرو وهو النبيت بن مالك بن الأوس، والأوس هو أحد جذمي الأنصار لأنهم جذمان الأوس والخزرج وهما أخوان وأمهما قيلة بنت الأرقم كما في العمدة، وبنو عبد الأشهل هم رهط سعد بن معاذ رضي الله عنه وذكرت فضيلتهم في حديث الباب بعد فضيلة بني النجار، ووقع في رواية لأبي هريرة تقديم بني عبد الأشهل علي بني النجار لكن رجح الحافظ في الفتح [7/ 116] حديث الباب وأن بني النجار مقدمون علي بني عبد الأشهل (ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج) كذا وقع للعذري والفارسي وهو وهم، والصواب ثم دار بني الحارث بن الخزرج بإسقاط لفظ عبد (ثم دار بني ساعدة) هم من الخزرج وهم رهط سعد بن عبادة، قال القرطبي: والحديث يدل على جواز تفضيل بعض المعينين على بعض من غير الأنبياء، وإن سمع ذلك المفضول، وقد تقدم القول في تفضيل الأنبياء (والدور) جمع دار وهو في الأصل المحلة والمنزل وعبّر به هنا عن القبائل وهذا نحو قوله: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة أي في القبائل والمحلات، وفيه أيضًا ما يدل على جواز المدح إذا قصد به الإخبار بالحق ودعت إلى

وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيرٌ" فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقَال أَبُو أُسَيدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ دُورَ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَنَا آخِرًا، فَأدْرَكَ سَعْدٌ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُول اللهِ، خَيَّرْتَ دُورَ الأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرًا. فَقَال: "أَوَلَيسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك حاجة وأمنت الفتنة على الممدوح (وفي كل دور) وقبائل (الأنصار خير) أي فضل ومرتبة وإن كان أخيرًا في التخيير، قال أبو حميد راوي الحديث (فلحقنا) معاشرَ الحاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلم (سعدُ بن عبادة) بن دُلَيم بن حارثة بن حرام بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري سيد الخزرج يكنى أبا ثابت وأبا قيس وأمه عمرة بنت مسعود لها صحبة وماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة خمس وشهد سعد العقبة وكان أحد النقباء اهـ من الإصابة [2/ 30] (فقال أبو أسيد) مالك بن ربيعة بن البَدَن بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون الأنصاري الخزرجي الساعدي (ألم تر) يا سعد أي ألم تعلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيّر) اليوم أي فاضل (دور الأنصار) وبطونهم أي فضل بعضهم على بعض (فجعلنا) معاشر بني ساعدة (آخرًا) أي آخر الأنصار في الفضل (فأدرك) أي لحق (سعد) بن عبادة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له سعد: (يا رسول الله خيّرت) اليوم (دور الأنصار) وبطونهم بعضهم على بعض (فجعَلْتنَا آخرًا) أي فجعَلْتَ بني ساعدة آخر الأنصار في الفضل وصيَّرتهم مفضولين لغيرهم، والظاهر أنَّه لم يقل هذا الكلام على سبيل الإنكار والاعتراض وإنما قاله على سبيل التثبت والتيقن (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ) تقول ذلك (وليس بحسبكم) أي بكافيكم في الفضل (أن تكونوا من الخيار) أي من بعض المختارين وإن لم تكونوا أفضلهم بل كافيكم ذلك، ويروى (من الأخيار) وكلاهما صحيح. وفي الحديث دليل على جواز المنافسة في الخير والدين والثواب كما قال سعد: يا رسول الله خيّرت دور الأنصار فجعلتنا آخرًا طلب أن يلحقهم بالطبقة الأولى فأجابه بأن قال: "أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار" وإنما يعني بذلك أن تفضيلهم إنما هو بحسب سبقهم إلى الإسلام وظهور آثارهم فيه وتلك الأمور وقعت في الوجود مُرتبةَ على حسب ما شاء الله تعالى في الأزل وإذا كان كذلك لم يتقدم متأخر منهم على منزلته كما

5807 - (00) (00) حدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. ح وَحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: "وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيرٌ" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. وَزَادَ في حَدِيثِ وُهَيبِ: فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يتأخر متقدم منهم عن مرتبته إذ تلك مراتب معلومة على قِسَم مقسومة وقد سبق لسعادتهم القضاء {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 74]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 424]، والبخاري في مواضع كثيرة منها باب فضل دور الأنصار [3791]، وأبو داود في الخزرج والإمارة باب إحياء الموات [3079]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي حميد رضي الله عنه فقال: 5807 - (00) (00) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري أبو عثمان الصفار البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي) أبو هشام البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (قالا) أي قال كل من عفان والمغيرة بن سلمة (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة وهيب بن خالد لسليمان بن هلال في الرواية عن عمرو بن يحيى، وساق وهيب (بهذا الإسناد) يعني عن عباس بن سهل عن أبي حميد (إلى قوله وفي كل دور الأنصار خير ولم يذكر) وهيب (ما بعده) أي ما بعد قوله وفي كل دور الأنصار خير (من قصة) لحوق (سعد بن عبادة) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله له ما ذكر (وزاد) أي كل من مغيرة بن سلمة وعفان بن مسلم ولو قال: (وزادا) بألف التثنية لكان أوضح (في حديث وهيب) وروايته لفظة (فكتب له) أي لابن العَلْمَاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم) أي بولاية بلدهم وقراهم (ولم يذكر) كل من الرَاوَيين ولو قال ولم يذكرا بألف

في حَدِيثِ وُهَيبٍ: فَكَتَبَ إِلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ. 5808 - (2254) (9) حدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ، مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيادٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التثنية لكان أوفق (في حديث وهيب) لفظة (فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأهدى له بُردًا. وهذا بيان لمحل المخالفة بين سليمان بن بلال وبين وهيب بن خالد. وقوله: (فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعلق بقصَة مَلِكِ أَيلَةَ الَّذي جاءه صلى الله عليه وسلم رسولُهُ بوادِي القُرى، والمراد بالبحر البلد وأهل العرب ربما يستعمِلُون كلمة البحر والبحرة بمعنى البلد والقرية أو المراد بأهلِ بحرهم لأنهم كانوا سكانًا بساحل البحر أي أقره عليهم بما التزموه من الجزية وقيل: البحرة الأرض كان صلى الله عليه وسلم أقطع هذا المَلِكَ من بلادِه قطَائعَ وفوَّض إليه حُكومتَها، وقد ذكر ابن إسحاق هذا الكتاب الَّذي كتَبَه مَلِكُ أيلةَ وهو بَعْد البسملة "هذه أمنة من الله ومن محمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة سُفُنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمةُ الله ومحمد النبي" وساق الكتاب اهـ من العمدة [4/ 416] وفتح الباري [3/ 346]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة أعني توكلَه صلى الله عليه وسلم بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 5808 - (2254) (9) (حَدَّثَنَا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام اليماني الحميري (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته (ح وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد) البغدادي الوركاني بفتحتين نسبة إلى وركان نسبة إلى محلة أو قرية تسمى وركان، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن جعفر (أخبرنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن) محمد بن مسلم (الزهري عن سنان بن أبي سنان) يزيد بن أبي مية (الدؤلي) المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه.

قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَل نَجْدٍ. فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ. فَعَلَّقَ سَيفَهُ بِغُصْنٍ مِن أَغْصَانِهَا. قَال: وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد) أي ناحية نجد، وسيأتي في رواية يحيى بن أبي كثير صراحة أنها كانت غزوة ذات الرقاع، والنجد المرتفع من الأرض لأنها ارتفعت عن البحر والغور المنخفض منها هذا أصلها ثم قد صارا بحكم العرف اسمين لجهتين مخصوصتين معروفتين، وصحيح الرواية ومشهورها (نجد) ووقع للعذري (أحد) اهـ من المفهم (فأدركنا) بفتح الكاف على أن الضمير مفعول به مقدم على الفاعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع على الفاعلية وعليه فيكونون قد تقدموا عليه صلى الله عليه وسلم إلى الوادي لمصلحة من مصالحهم ككونهم طليعة أو صيانة للنبي صلى الله عليه وسلم مما يخشى عليه وغير ذلك، ويحتمل أن يضبط بسكون الكاف على أن الضمير فاعل رسول الله بالنصب على أنَّه مفعول فيكون فيه ما يدل على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون كنحو ما اتفق له لما وقع الفزع بالمدينة فركب فرسًا فسبقهم فاستبرأ الخبر ثم رجع فلقي أصحابه خروجًا فقال لهم: "لم تراعوا" متفق عليه اهـ من المفهم. (في واد كثير العضاه) بكسر العين كل شجر من أشجار البوادي عظيم ذو شوك، وقيل هو العظيم من السمر مطلقًا، وقيل شجر أم غيلان (فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة) كثيرة الظلال (فعلَّق) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (سيفه بغصن من أغصانها قال: وتفرق الناس) أي الأصحاب أي صاروا متفرقين (في الوادي) حالة كونهم (يستظلون بالشجر) أي يقصدون الاستظلال بالشجر، فيه جواز افتراق العسكر في النزول إذا أمنوا على أنفسهم وكأنهم قد أجهدهم التعب والحر فقالوا -أي ناموا نومة القيلولة- مستظلين بالشجر، وفي رواية للزهري عند البخاري في المغازي (فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئنا فإذا عنده أعرابي جالس) (قال فقال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجلًا أتاني وأنا نائم) وذكر البخاري من طريق مسدد أن اسمه

فَأَخَذَ السَّيفَ فَاسْتَيقَظتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُر إلا وَالسَّيفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ. فَقَال لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَال: قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَال فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَال: قُلْتُ: اللهُ. قَال فَشَامَ السَّيفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غورث بن الحارث، ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة أن اسم الأعرابي دعثور وأنه أسلم لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين والله أعلم اهـ فتح الباري [7/ 428]، وقوله: (فأخذ السيف) معطوف على أتاني أي فأخذ الرجل سيفي (فاستيقظت) من نومي (وهو) أي والحال أن الرجل (قائم على رأسي فلم أشعر) أي فلم أعلم الرجل (إلا والسيف صلتًا في يده) أي فلم أشعر إلَّا والحال أن السيف كائن في يده حالة كون السيف صلتًا بفتح الصاد وبضمها، وذكر القتبي أنها تكسر في لغة أي مصلتًا مسلولًا مجردًا من غمده وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ذلك الوقت لا يحرسه أحد من الناس بخلاف ما كان عليه في أول أمره فإنه كان يُحرس حتَّى أنزل الله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فقال لمن كان يحرسه: "اذهبوا فإن الله قد عصمني من الناس" رواه الترمذي وقال: غريب، فمن ذلك الوقت لم يحرسه أحد منهم ثقة منه بوعد الله وتوكلًا عليه، وفيه جواز نوم المسافر إذا أمن على نفسه، وأما مع الخوف فالواجب التحرز والحذر اهـ من المفهم. (فقال لي) الرجل معطوف على أخذ أي فقال بعد أن أخذ السيف (من يمنعك مني) أي من يحفظك مني؟ أي من قتلي، وهذا استفهام مشرب بالنفي كأنه قال لا مانع ولا حافظ لك مني لأنك وحيد عن عسكرك فلم يبال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ولا عرج عليه ثقة منه بوعد الله وتوكلًا عليه وعلمًا منه بأنه ليس في الوجود فعل إلَّا لله تعالى فإنه أعلم الناس بالله تعالى وأشدهم له خشية، فأجابه بقوله: (الله) ثانية وثالثة كما (قال) صلى الله عليه وسلم: (قلت) له: (الله) يحفظني منك (ثم قال) الرجل (في) المرة (الثانية من يمنعك مني؟ قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (قلت) له: (الله) يحفظني منك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (فشام) الرجل (السيف) أي غمده ورده في غمده وغلافه (فها) أي انتبهوا (هو) أي الرجل الَّذي فعل بي ما ذُكر (ذا) أي هذا الحاضر الَّذي هو (جالس) معي وهذا من أعظم الخوارق للعادة فإنه عدو متمكن بيده سيف شاهر وموت حاضر ولا حال تغيرت ولا روعة حصلت، هذا محال في العادات فوقوعه من أبلغ

ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكرامات ومع اقتران التحدي به يكون من أوضح المعجزات اهـ قرطبي في المفهم. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فها هو ذا جالس) أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على ذلك الرجل وأخبر عنه وأشار إليه فكأنه قال: تنبهوا لهذا الرجل إذ مُنع مما هم به واستسلم لما يفعل فيه ثم تلافاه النبي صلى الله عليه وسلم بعفوه وحلمه وعاد عليه بعوائده الكريمة وصفحه (ثم) بعدما فعل الرجل ما فعل (لم يَعْرِضْ) مِن باب ضرب أي لم يتعرض (له رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم يطلبه بالتشفي منه ولم يعامله على سيئته، وفي هذا عظيم رحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته على العباد واستئلاف قلوب الكفار وترك الانتقام ممن أراده بسوء. ثم إن رواية الشيخين لا تذكر إلَّا أن الأعرابي أغمد سيفه ولم يتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن وقع في رواية لابن إسحاق بعد قوله صلى الله عليه وسلم الله فدفع جبريل في صدره فوقع السيف فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "من يمنعك أنت مني؟ " قال: لا أحد، قال: "قم فاذهب لشأنك" فلما ولى قال: أنت خير مني، ووقع فيها أيضًا أن الرجل أسلم بعد، ذكره الحافظ في الفتح [7/ 427 و 428]. وهناك رواية أخرى ذكرها ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق من طريق عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر أن رجلًا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان ومحارب (ألا أقتل لكم محمدًا قالوا: بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال: يا محمد انظر إلى سيفك هذا؟ قال: "نعم" وكان محلى بفضة فيما قال ابن هشام، قال: فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فَكَبَتَهُ اللهُ، ثم قال: يا محمد أما تخافني؟ قال: "لا وما أخاف منك! " قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: "لا، يمنعني الله منك" ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه. لكن مدار هذه الرواية على عمرو بن عبيد وقد ذكر السهلي في الروض الأنف [3/ 255] أنَّه متفق على وهن حديثه وترك الرواية عنه لما اشتهر من بدعته وسوء نحلته ولا شك أن ما رواه الشيخان هو الأصح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 311]، والبخاري في أبواب

5809 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيٌ. حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدِ. فَلَمَّا قَفَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ. فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ يَوْمًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَمَعْمَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كثيرة منها في باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة [2910]، والنسائي في صلاة الخوف [1545 إلى 1547]، وابن ماجة في باب ما في صلاة الخوف [1252]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5809 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) كلاهما (قالا: أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي البهراني الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري حدثني سنان بن أبي سنان الدولي وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لإبراهيم بن سعد ومعمر (وكان) جابر (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أي ممن يلازم النبي صلى الله عليه وسلم سفرًا وحضرًا من الصحابة (أخبرهما) أي أخبر لسنان وأبي سلمة (أنَّه) أي أن جابرًا (غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فزوة) تسمى بذات الرقاع كما هو مصرح به في الرواية التالية (قبل نجد) أي جهة نجد (فلما قفل) ورجع (النبي صلى الله عليه وسلم) من تلك الغزوة (قفل) ورجع جابر (معه) صلى الله عليه وسلم (فأدركتهم) أي أخذتهم (القائلة) أي القيلولة (يومًا) من الأيام في الطريق (ثم ذكر) شعيب بن أبي حمزة (نحو حديث إبراهيم بن سعد ومعمر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5810 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفانُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن جَابِر. قَال: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بذَاتِ الرِّقَاعِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. وَلَم يَذْكُرْ: ثُمَّ لَم يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5810 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم الصفار البصري (حَدَّثَنَا أبان بن يزيد) العطار البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن الزهري) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمن روى عن الزهري (و) لكن (لم يذكر) يحيى بن أبي كثير في روايته لفظة (ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث واثلة بن الأسقع ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والربع: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث معاذ بن جبل ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي حميد الساعدي ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث جابر الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها

688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها 5811 - (2255) (10) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي عَامِرٍ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 688 - (2) باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم وشفقته على أمته وذكر كونه خاتم النبيين وذكر إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها 5811 - (2255) (10) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عامر) عبد الله بن براد (الأشعري) الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (ومحمد بن العلاء) بن غريب أبو غريب (واللفظ) الآتي (لأبي عامر قالوا): أي قال كل من الثلاثة: (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة أبو بردة الصغير الكوفي، ثقة، من (6) (عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى، ثقة، من (2) (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: (أن مثل) وصفة (ما بعثني الله به عزَّ وجلَّ) في كونه أمرًا مشتركًا بين الناس فانتفع به بعضهم وحُرم منه الآخرون، والمثل هنا بفتحتين بمعنى الصفة العجيبة لا بمعنى المثل السائر، حالة كونه (من الهدى) والشريعة (والعلم) أي والفقه في الدين، وقال القسطلاني: هي الدلالة الموصلة إلى المقصود والعلم المراد به هنا الأدلة الشرعية (كمثل غيث) أي مطر أي كصفة مطر (أصاب أرضًا) أي نزل بجميع نواحي الأرض لم يخص بعضها عن بعض (فكانت منها) بيان مقدم أي فكانت (طائفة) أي قطعة (طيبة) أي منبتة منها أي من الأرض (قبلت الماء) أي شربت الماء أي ماء المطر وانتفعت به في نفسها. وقوله:

فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ. فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ. فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةَ مِنهَا أُخْرَى. إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قبلت) لم يختلف رواة مسلم فيه في كونه بالباء الموحدة وهو الصواب وفي رواية البخاري (قيلت) بالياء المشددة بدل الموحدة، قال الأصيلي: وهو تصحيف لا معنى له (فأنبتت) تلك الطائفة التي قبلت الماء وشربت (الكلأ) بالهمز بلا مد، يقال للنبات الرطب واليابس كليهما (والعشب الكثير) والعشب بضم العين وسكون الشين المعجمة فهو بمعنى النبات الرطب فقط، وذكره بعد الكلأ من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به (وكان منها) بيان مقدم أيضًا أي وكان (أجادب) منها جمع جدب بفتحتين وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب ولا يدخل فيها الماء ولا تشربه ولكن يجتمع عليها الماء كالبركة والمستنقع، قال الأصمعي: الأجادب من الأرض ما لا ينبت الكلأ ومعناه أنها جردة بارزة لا يسترها شيء أي وكانت أجادب منها (أمسكت) الماء وجمعته على ظهرها (فنفع الله) تعالى (بها) أي بالماء الَّذي جمعته على ظهرها (الناس فشربوا منها) أي من مائها بأنفسهم (وسقوا) به زرعهم (ورعوا) به أي بعشبه دوابهم، وهذا مثل الطائفة الثانية يعني الَّذي فقه الدين وعلم غيره ولم يعمل به إلَّا الفرائض (وأصاب) ذلك المطر (منها) طائفة (أخرى) أي غير الأوليين أي وأصاب طائفة أخرى منها (إنما هي) أي تِلْكَ الأخرى (قيعان) بكسر القاف وسكون الياء جمع قاع؛ وهي الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت ولا تجمع ماء يعني لا يستقر عليها الماء لاستوائه وملاسته فلم تنتفع بالماء لعدم دخول الماء فيها ولم تنفع غيرها لعدم جمعها الماء فينتفع به غيرها كما قاله في الحديث (لا تمسك ماء) فتنتفع به (ولا تنبت كلا) فتنفع غيرها، وهذا مثل الطائفة الثالثة التي بلغها الشرع فلم تؤمن به ولم تقبل (فذلك) المذكور من طوائف الأرض الثلاثة أمثال من بعثت إليهم بهذا الدين: الأولى منها وهي الأرض الطيبة التي قبلت الماء وأنبتت الكلأ (مثل من فقه) وعلم (في دين الله) أي صار فقيهًا فيه (ونفعه) الله تعالى (بـ) العمل بـ (ما بعثني الله به) ونفع غيره بتعليمه إياه (فـ) الثانية منها وهي الأجادب التي أمسكت الماء فنفع الله بها الناس مثل من (عَلِمَ) وفقه في دين الله (وعلّم) غيره فانتفع به الناس ولم

وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتفع هو به بالعمل بنواقله وآدابه إلَّا الفرائض (و) الثالثة منها وهي القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ (مثل من لم يرفع بذلك) أي بما بعثني الله به (رأسًا) له من الأرض أي لم يستمع إليه بإذنه ولم يبال به (ولم يقبل) بقلبه (هدى الله الَّذي) جئت و (أُرسلت به) يعني لم يستمع ولم يصغ إليه بإذنه الَّذي في الرأس ولم يصدقه بقلبه، فذكر في الحديث الأقسام الثلاثة من الناس ضمنًا كما ذكر الأقسام الثلاثة من الأرض صريحًا، وقال القرطبي: قوله: (فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعَلِم وعلّم) هذا مثل الطائفة الأولى من الأرض. وقوله: (ومثل من لم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به) مثل الطائفة الثالثة من الأرض وسكت عن مثل الطائفة الثانية من الأرض إما لأنها قد دخلت في الأولى بوجه لأنها قد حصل منها نفع في الدين وإما لأنه قد أخبر بالأهم فالأهم وهما الطائفتان المتقابلتان العليا والسفلى وترك الوسطى التي بينهما لفهمها من أقسام المشبه به المذكورة أولًا اهـ من المفهم. وقال في المبارق: قوله - عليه السلام - من فقه إلى قوله فعلم وعلّم مثل الطائفة الأولى من الأرض، وقوله: من لم يرفع بذلك رأسًا مثل الطائفة الثانية، وقوله: ولم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به مثل الطائفة الثالثة بتقدير ومثل من لم يقبل هدى الله. وقال الكرماني: قوله ونفعه صلة موصول محذوف معطوف على الموصول الأول فيكون الحديث هكذا: فذلك مثل من فقه في دين الله ومثل من نفعه الله .. إلخ فحينئذٍ تكون الأقسام الثلاثة من الأمة المذكورة إلَّا أنها غير مرتبة لأن من فقه في دين الله مثل للثاني ومن نفعه الله به فعلم وعلّم هو الأول ومن لم يرفع به .. إلخ هو الثالث، ومنهم من بيّن الأقسام الثلاثة من الأرض والأمة كالنووي إلَّا أنَّه لم يبتن أي جملة من جمل الحديث مثال لأي قسم من أقسام المشبه والله أعلم. قال القرطبي: ومقصود هذا الحديث ضرب مثل لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والدين ولمن جاءهم بذلك فشبَّه ما جاء به بالمطر العام الَّذي يأتي الناس في حال إشرافهم على الهلاك يحييهم ويغيثهم، ثم شبّه السامعين له بالأرض المختلفة فمنهم العالم العامل المعلّم فهذا بمنزلة الأرض الطيبة شربت الماء فانتفعت به في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع المعلّم الحافظ له المستغرق لزمانه في جمعه ووعيه غير أنَّه لم يتفرغ للعمل بنوافله ولا ليتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره كما سمعه فهذا بمنزلة

5812 - (2256) (11) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الأشعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ)، قَالا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ. فَقَال: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيتُ الْجَيشَ بِعَينَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض الصلبة التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس بذلك الماء فيشربون ويسقون، ومنهم من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الَّذي أُرسلت به ولم يؤمن به وكفر فهذا مثل الأرض القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ اهـ من المفهم باختصار وزيادة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 399]، والبخاري في العلم باب فضل من عَلِم وعلّم [97]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 5812 - (2256) (11) (حَدَّثَنَا عبد الله بن برّاد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) أبو عامر الكوفي، صدوق، من (10) (وأبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ لأبي غريب قالا: حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة (عن أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، وهو نفس السند الَّذي في الحديث قبله (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مثلي) وصفتي (ومثل) أي صفة (ما بعثني الله به) من الهدى والشريعة (كمثل رجل أتى قومه فقال) لهم: (يا قوم إني رأيت الجيش) أي جيش عدوكم (بعيني) هاتين. قال القرطبي: وهذا ضرب مثل لحاله في الإنذار ولأحوال السامعين لإنذاره فإنه أنذرهم بما علمه من عقاب الله وبما يتخوف عليهم من فجاته فمن صدَّقه نجا ومن أعرض عنه هلك وهذا بخلاف المثل في الحديث الأول فإن ذلك بالنسبة إلى تحصيل العلم والانتفاع به صمالى الإعراض عنه فهما مثلان مختلفان اهـ من المفهم. (وإني أنا) توكيد لياء المتكلم أو ضمير فصل (النذير) أي المنذر المخوِّف لكم عما يهلككم من عذاب الله تعالى إن عصيتموني (العريان) أي المخلص في إنذاركم لا يغشكم ولا يكذب فيما يقول لكم والنصيح المخلص في نصيحته لكم والكلام على التشبيه البليغ

الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ. وَمَثَلُ مَنْ عَصَاني وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أنا لكم كالنذير العريان لقومه من عدوهم قيل: كان أصله أن رجلًا معينًا سلبه العدو فانفلت منهم فأنذر قومه عريانًا، وقيل: كان الرجل من العرب إذا رأى ما يوجب إنذاره قومه تجرد من ثيابه وأشار إليهم بها ليعلمهم بما دهمهم وهذا أشبه وأليق بمقصود الحديث اهـ من المفهم. أي دماني أنا المنذر لكم المخلص في إنذاره (فـ) إن قبلتم إنذاري فـ (النجاء) بالمد بلا تكرار منصوب على الإغراء جوازًا لعدم التكرار ولو تكرر لوجب نصبه على الإغراء لقيام التكرار مقام العامل المحذوف أي فاطلبوا النجاة والسلامة لأنفسكم قبل هجوم العدو لكم (فأطاعه) أي قبل قوله وتحذيره (طائفة من قومه) أي جماعة منهم (فأدلجوا) أي ساروا من أول الليل إدلاجًا، من أدلج الرباعي كأكرم إكرامًا، والاسم الدلج والدلجة تفتح الدال فيهما وهو ظلام أول الليل ويقال: أدلج يدلج إدلاجًا بالتشديد من باب افتعل الخماسي والاسم الدلجة بضم الدال وهو آخر الليل (فانطلقوا) أي ذهبوا ومشوا (على مهلتهم) بضم الميم أي على راحتهم وهينتهم بلا إسراع ولا استعجال (وكذبت طائفة منهم) إنذار نذيرهم (فأصبحوا مكانهم) أي دخلوا وقت الصباح في مكانهم بلا تحرك (فصبَّحهم الجيش) أي أغار عليهم في الصباح جيش العدو (فأهلكهم) أي قتلهم (واجتاحهم) أي استأصلهم وأعدمهم بالكلية صغارًا وكبارًا رجالًا ونساءً وأخذ أموالهم، أصله من جاح يجوح بوزن قال: والاسم الجائحة (فذلك) المذكور من الطائفتين (مثل من أطاعني) وقبلني فيما أقول (واتبع) أي وامتثل (ما جئت به) من الهدى والشريعة وهذا مثل الطائفة الأولى (ومثل من عصاني) وخالفني فيما أمرتهم به (وكذب ما جئت به من الحق) والشريعة. وفيه إشارة إلى أن مطلق العصيان غير مستأصل بل العصيان مع التكذيب بالحق كذا في المبارق وهذا مثل الطائفة الثانية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق باب الانتهاء من المعاصي [6482] وفي الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم [7283]. قوله: (وإني أنا النذير العريان) قال النووي: قال العلماء: أصله أن الرجل إذا أراد

5813 - (2257) (12) وَحَدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدًا منهم ليخبرهم بما دهمهم وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم وهو طليعتهم ورقيبهم قالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبيَن للناظر وأغرب وأشنع منظرًا فهو بلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو. أما سبب هذه العادة الجارية فقد ذكروا فيها وجوهًا فمنها ما ذكره أبو بشر الآمدي أن زَنْبَر بن عمرو الخثعمي كان ناكحًا في آل زبيد فأرادوا أن يغزوا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة أنفار فصادف منهم غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوًا فأنذر قومه، وقال غيره: الأصل فيه أن رجلًا لقي جيشًا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش فسلبوني فرأوه عريانًا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقه لهذه القرائن. فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولما جاء به مثلًا بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبًا لإفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في الأمثال وهو عند أحمد أيضًا بسند جيد من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فنادى ثلاث مرات "أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوًا أن يأتيهم فبعثوا رجلًا يترايا لهم فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو فأقبل ليُنذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن يُنذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أُتيتم" ثلاث مرات. ذكره الحافظ في فتح الباري [11/ 317]. وقوله: (فالنجاء) بفتح النون ونصب الهمزة على الإغراء، ووقع في رواية البخاري فالنجاء النجاء مرتين أي: اطلبوا النجاء، والنجاء بمعنى النجاة والتخلص من الشر اهـ تكملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي موسى بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5813 - (2257) (12) (وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (حَدَّثَنَا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام (القرشي) الأسدي

عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا. فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الحزامي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مدنيون إلَّا قتيبة بن سعيد (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثلي) وصفتي (ومثل أمتي) أي صفتهم (كمثل رجل استوقد نارًا) أي أوقد نارًا، فالسين والتاء زائدتان أي كمثل رجل أوقد نارًا في ظلام الليل (فَجَعلت الدواب) أي الحشرات التي أَعْيُنُها ضعيفة كالنحل والبعوض وصرار الليل والضفادع، وقوله: (والفراش) من ذو الخاص بعد العام لأنه أسرع وقوعًا في النار لأنها تظن ضوء النار ضوء الصباح، والفراش بفتح الفاء اسم لنوع من حشرات الطير له أجنحة أكبر من جثته وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر وكذا أجنحته وهي التي تحب النور والنار فتفع فيها، شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بها الناسَ الذين يحبون الشهواتِ التي تأخذ بهم إلى النار أي شرعت حشرات الطير والهوام (يقعن) ويسقطن (فيه) أي في ضوء النار ولهبها لظنها أنها ضوء الصباح لضعف بصرها (فأنا آخذ) قال النووي: رُوي بوجهين أحدهما: اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال، والثاني: فهو مضارع بضم الخاء والذال بلا تنوين والأول أشهر، وكلاهما صحيح؛ أي أنا ممسك (بحجزكم) بضم الحاء وفتح الجيم وقيل بضمها بعدها زاي معجمة جمع حجزة وهي معقد الإزار ومن السراويل موضع التكة (وأنتم تقحّمون) بفتحات أصله تتقحمون فحُذفت إحدى التاءين من تقحم من باب تفعل الخماسي أي تدخلون (فيه) أي في سبب النار أي والحال أنكم تريدون أن تقحموا وتسقطوا وتدخلوا وتقدموا في النار أي في الشرك الَّذي يؤديكم إلى النار، والتقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور التي تضر من غير تثبت وتبين وذكر الضمير العائد إلى النار في الموضعين إشارة إلى أن النار تذكر وتؤنث كما يدل على ذلك ما سيأتي في الرواية الآتية حيث أنثه فيها أو ذكره في الموضع الأول بمعنى الضوء وفي الثاني بمعنى العذاب.

5814 - (00) (00) وحدَّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 5815 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الأنبياء باب {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [3426] وفي الرقاق في باب الانتهاء من المعاصي [6483]، والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله [2824]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5814 - (00) (00) (وحدثناه عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو ما حدَّث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، غرضه بيان متابعة سفيان لمغيرة بن عبد الرحمن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5815 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (قال) همام: (هذا) الحديث الَّذي أمليه عليكم من هذه الصحيفة (ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي) أي صفتي كمثل) أي كصفة (رجل استوقد نارًا) أي يُوقد نارًا لينتفع بها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة

فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا. وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحْمْنَ فِيهَا. قَال: فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ. أَنا آخِذ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ. هَلُمَّ عَنِ النَّارِ. هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا". 5816 - (2258) (13) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــ همام بن منبه للأعرج (فلما أضاءت) وأنارت النار (ما حولها) أي ما في جانبها من الظلام (جعل) أي شرع (الفراش وهذه الدواب) أي الحشرات كالذباب والنحل والبعوض والصرّار والضفادع، وهو من ذكر العام بعد الخاص لإفادة التعميم (التي) تقع (في النار) عادة وصلة الموصول محذوفة كما هي ثابتة في بعض النسخ، وجملة قوله: (يقعن فيها) خبر لجعل التي هي من أفعال الشروع أي فلما أضاءت النار الموقدة جعل الفراش وهذه الدواب الساقطة في النار عادة أي شرعت يقعن ويسقطن فيها أي في النار الموقدة للرجل (وجعل) أي شرع الرجل الموقد للنار (يحجزهن) ويمنعهن من الوقوع في النار (ويغلبنه) أي ويغلبن تلك الدواب الرجل الحاجز لهن من الوقوع في النار لكثرتها (فيقتحمن) أي فيسقطن (فيها) أي في النار الموقدة للرجل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذلكم) المذكور من الرجل الموقد للنار والدواب التي يقعن فيها (مثلي ومثلكم) أي شبهي وشبهكم أي أنا مثل الرجل الحاجز للدواب عن الوقوع في النار وأنتم مثل الدواب التي تقع في النار لأني (أنا آخذ بحجزكم) أي أنا ممسك بمعاقد أزركم مانعًا لكم (عن) الوقوع والسقوط في (النار) قائلًا لكم (هلم) إفي عباد الله أي أقبلوا إليَّ (عن) السقوط في (النار) وقوله: ثانيًا (هلم عن النار) توكيد لفظي للأول (فتغلبوني) أي تمتنعون من حجزي لكم عن النار وتغلبونني في الامتناع حالة كونكم (تقحّمون) وتسقطون (فيها) أي في النار، قال الأبي: شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تساقط العصاة في نار الآخرة لجهلهم عاقبة شهواتهم بتساقط الفراش في نار الدنيا بجهله وعدم تمييزه لما يقصد إليه اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي موسى بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5816 - (2258) (13) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان

حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا. وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا. وَأنا آخِذٌ بِحُجَزِكمْ عَنِ النَّارِ. وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا سليم) بفتح السين وكسر اللام مكبرًا ابن حيان بمهملة وتحتانية الهذلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) وروى المؤلف عنه في (6) أبواب، وليس في الصحيحين من اسمه سليم مكبرًا إلَّا هذا ومن عداه مصغر (عن سعيد بن ميناء) بكسر الميم ومد النون مولى البختري بن أبي ذُباب بوزن غراب أبي الوليد المكي أو المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثلكم) أي صفتي وصفتكم أيها الناس (كمثل رجل أوقد نارًا) في الليالي المظلمة للانتفاع بها (فجعل) أي شرع (الجنادب) جمع جندب بكسر الجيم وفتح الدال وجندب بضم الجيم وفتح الدال وجندب بضم الجيم والدال والجنادب هو الصرار الَّذي يشبه الجراد، وقال أبو حاتم: الجندب على خلقة الجراد له أربعة أجنحة كالجراد وأصغر منها يطير ويصر بالليل -أي يصيح - صرًا شديدًا كذا في شرح النووي (والفراش) قال الفراء: هو غوغاء الجراد وصغارها التي تنفرش وتتراكب، وقال غيره: هو الطير الَّذي يتساقط في النار وفي السراج (قلت): وهذا أشبه بما في الحديث (يقعن) أي يتساقطن (فيها) أي في تلك النار الموقدة (وهو) أي والحال أن صاحب النار (يذبّهن) أي يمنع تلك الجنادب والفراش (عنها) أي عن الوقوع والتساقط في النار (وأنا آخد) أي ممسك (بحجزكم) أي بمعاقد أزركم لأمنعكم (عن) التساقط في (النار) والحجز جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل المسمى بالحقو ويقال: تحاجز القوم إذا أخذ بعضهم بحجز بعض وإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه (وأنتم تفلّتون) بفتح التاء والفاء واللام المشددة من باب تفعل الخماسي أصله تتفلّتون بتاءين تاء المضارعة وتاء المطاوعة أسقطوا إحداهما لتوالي الأمثال، ورُوي (تُفلِتون) بضم التاء وسكون الفاء وكسر اللام من أفلت الرباعي كأكرم وكلاهما صحيح يقال: أفلت مني وتفلت إذا نازعك طلبًا للغلبة والهرب ثم غلب وهرب أي تخرجون (من يدي) بقوة وغلبة وتقعون في النار، وفي رواية

5817 - (2259) (14) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنبِيَاءِ كمَثَلِ رَجُل بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، فَجَعَلَ الناسُ يُطِيفُونَ بِهِ. يَقُولُونَ: مَا رَأَينَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا. إلا هَذِهِ اللَّبِنَةَ، فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (تقحّمون) والتقحم هو التهجم على الشيء من غير ترو ولا تبصر وهذا مثل لاجتهاد نبينا صلى الله عليه وسلم في نجاتنا وحرصه على تخليصنا من الهلكات التي بين أيدينا ولجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وظفر عدونا اللعين بنا حتَّى صرنا أحقر من الفراش والجنادب وأذل من الطين اللازب. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5817 - (2259) (14) (حَدَّثَنَا عمرو بن محمد) بن بكير بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي الأعور (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء) من قبلي أي صفتي وصفتهم (كمثل) بناء (رجل) ولبنة باقية منه (بنى) ذلك الرجل (بنيانًا) أي بناء من الدار مثلًا (فأحسنه) أي فأحسن ذلك الرجل - بنائه - أي بناء ذلك البنيان بتحسين وضع لبناته بعضها على بعض (وأجمله) أي أجمل ذلك البناء وزينه بتطيينه وتجصيصه (فجعل الناسه) أي شرعوا (يطيفون به) أي يطوفون ويدورون بذلك البناء لينظروا حسنه ويتعجبوا من تجميله، وهو من أطاف بمعنى طاف الثلاثي، حالة كونهم (يقولون) أي يقول بعضهم لبعض: (ما رأينا بنيانًا) أي بناء (أحسن) وضعًا وأساسًا (من هذا) البناء (إلا هذه اللبنة) أي إلَّا ما بقي منه من فرجه موضع هذه اللبنة الباقية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فكنت أنا تلك اللبنة) الباقية من البناء فختم الله عزَّ وجلَّ بي بناء دار النبوة وجعلني آخرَ لِبَنَاتِهَا فكنتُ خاتمَ النبيين فلا نبي بعدي.

5818 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (مثلي ومثل الأنبياء) قال القسطلاني: إن التشبيه هنا ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد بل هو تشبيه تمثيلي فيؤخذ وصف من جميع أحوال المشبه ويثبه بمثله من أحوال المشبه به فيقال شبه الأنبياء وما بعثوا به من الهدى والعلم وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بقصر أسس قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع لبنة فنبينا صلى الله عليه وسلم بُعث لتتميم مكارم الأخلاق كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار اهـ واللبنة بفتح اللام وكسر الباء هي القطعة من الطين تُعجن وتُيبس وتُعد للبناء، وتُسمى لبنة ما لم تُحرق وإن أُحرقت فهي أجرة، وقال القرطبي: اللبنة الطوبة التي يُبنى بها وفيها لغتان إحداهما: فتح اللام وكسر الباء وتُجمع على لبن غير أنك تسقط التاء من الجمع نظير نبقة ونبق والثانية: كسر اللام وسكون الباء وتُجمع على لبن بكسر اللام وفتح الباء كسدرة وسدر، ومقصود هذا المثل أن يبين أن الله تعالى ختم به النبيين والمرسلين وتمم به ما سبق في علمه إظهاره من مكارم الأخلاق وشرائع الرسل فبه كمل النظام وهو ختم الأنبياء والرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 398]، والبخاري في الأنبياء باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم [3534]، والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل النبي صلى الله عليه وسلم [2862]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5818 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري اليماني، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن همام بن منبه) اليماني (قال) همام: (هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام للأعرج (مثلي

وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَكمَلَهَا، إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاويةٍ مِنْ زَوَايَاهَا. فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ: أَلَّا وَضَعْتَ هَهُنَا لَبِنَةً! فَيَتِمَّ بُنْيَانُك" فَقَال مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ". 5819 - (00) (00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ وابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَن أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى) من باب افتعل الخماسي فهو بمعنى الثلاثي أي كمثل رجل بنى (بيوتًا) جمع بيت أي دورًا (فأحسنها) أي أحسن وضع أساسها وقواعدها (وأجملها) أي زيَّنها بتطيينها وتلبيسها (وأكملها) أي أكمل بنيانها بتركيب جميع لبناتها ووضعها في موضعها (إلا موضع لبنة) أي إلَّا فرجة يسدها وضع لبنة واحدة فيها كائنًا ذلك الموضع المنفرج (من زاوية من زواياها) أي من ركن من أركان تلك البيوت (فجعل) أي شرع (الناس يطوفون) ويدورون بتلك البيوت لينظروا إلى محاسنها (و) الحال أنَّه (يعجبهم البنيان) أي يورثهم العجب حُسن بنائها (فيقولون) لصاحبها (ألا) بتشديد اللام للتحضيض أي هلا (وضعت) أيها الباني (ها هنا) أي في هذا الموضع المنفرج (لبنة فيتم بنيانك) بالنصب بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التحضيض أي هلا يكن منك وضع لبنة واحدة في هذا الموضع فتمام بنيانك (فقال محمدصلى الله عليه وسلم: فكنت أنا) تلك (اللبنة) السادة للموضع المنفرج الَّذي حصل به نقص البنيان فكنت الدرة اليتيمة من عقد الرسالة وخاتم بنيانها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5819 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر المدني (عن أبي صالح السمان) المدني ذكوان

عَنْ أَبِي هُرَيرَة، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاويَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ! قَال: فَأَنَا اللَّبِنَةُ. وَأنا خَاتَمُ النَّبِيينَ". 5810 - (2260) (15) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلِي وَمَثَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزيات القيسي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح للأعرج ووهب بن منبه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله) بسد خلله وفرجه (إلا موضع) يسع لوضع البنة) واحدة كائنًا ذلك الموضع (من زاوية) أي من ركن كائن (من زواياه) أي من أركانه الأربعة (فجعل) أي شرع (الناس يطوفون به) أي بذلك البناء (و) الحال أنهم يَتعَجَّبُون له أي لذلك البناء أي من حسنه وجماله (وبقولون هلا وضعت) بالبناء للمجهول (هذه اللبنة) فتَسدَّ هذا الانفراجَ ولتكمل هذا النقصان القليل (قال: فأنا اللبنة وأنا) أيها الناس تلك اللبنة المكملة للبناء ولذلك كُنْتُ (خاتم النبيين) وآخِرَهم شبحًا وبعثًا وأولَهم قدرًا ومنزلة، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة، وكونُه صلى الله عليه وسلم خاتمَ النبيين لا نبي بعده ثابت بنصوص قطعية متواترة لا شبهة فيها وعقيدة ثبتت من الدين بالضرورة يكفر جاحدها بالإجماع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5810 - (2260) (15) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سعيد لأبي هريرة فتكون المتابعة بمعنى الشاهد أو بيان متابعة الأعمش لعبد الله بن دينار، ولكنها متابعة ناقصة لأن شيخ شيخهما مختلف لأنه في الأول أبو هريرة، وفي الثاني: أبو سعيد، وإن كان المتن واحدًا (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثلي ومثل

النَّبِيِّينَ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 5811 - (2261) (16) حدَّثَنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنبِيَاءِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ. فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ! " قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الأَنْبِيَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النبيين فذكر) أبو سعيد إنحوه) أي نحو حديث أبي هريرة، فهذه متابعة بمعنى الشاهد لأنها استشهاد لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد أو متابعة في السند واستشهاد في المتن ومثل هذا قليل في كلامه. وحديث أبي سعيد هذا انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الخمس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5811 - (2261) (16) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم الصفَّار الأنصاري البصري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا سليم) مكبرًا (بن حيان) الهذلي البصري، ثقة، من (7) (حَدَّثَنَا سعيد بن ميناء) المكي أو المدني، ثقة، من (3) (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل الأنبياء) قبلي (كمثل رجل بنى دارًا فأتمها) أي فأتم بناء جدرانها وسقوفها (وأكملها) بوضع جميع لبناتها (إلا موضع لبنة) أي إلَّا موضعًا يسد بوضع لبنة (فجعل النَّاس يدخلونها ويتعجبون منها) أي من حسنها وجمالها (ويقولون: لولا موضع) سد (اللبنة) موجود ما أحسنها وأجملها، وموضع بالرفع على أنَّه مبتدأ خبره محذوف أي لولا موضع يوهم النقص موجود لكان بناء الدار كاملًا كما في قوله: لولا زيد لكان كذا أي لولا زيد موجود لكان كذا، فلولا حرف امتناع لوجود، ويحتمل أن تكون لولا تحضيضية بمعنى هلا لا امتناعية وفعله محذوف تقديره لولا ترك موضع اللبنة أي هلا تركه أي لولا سوى موضع اللبنة أي هلا سواه اهـ عيني بزيادة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا موضع اللبنة جئت) وبُعثت بعدهم فسددت موضعها من بنيان النبوة وبيتها (فختمت الأنبياء) أي فكنت خاتمهم وآخرهم شبحًا وبعثًا وإن كنت أولهم منزلة وفضلًا وسيد ولد آدم.

5812 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال بَدَلَ - أَتَمَّهَا - أَحْسَنَهَا. 5813 - (2262) (17) قَال مُسْلِمٌ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنِي بُرَيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 361]، والبخاري في الأنبياء باب خاتم النبيين [3534]، والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل النبي صلى الله عليه وسلم [286]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله تعالى عنه فقال: 5812 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، ثقة، من (11) (حَدَّثَنَا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا سليم) بن حيان الهذلي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن ميناء عن جابر، غرضه بيان متابعة ابن مهدي لعفان بن مسلم، وساق ابن مهدي (مثله) أي مثل حديث عفان (و) لكن (قال) ابن مهدي: (بدل) قول عفان فـ (أتمها) لفظة فـ (أحسنها) والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فقال: 5813 - (2262) (17) (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى: (وحدثت عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (وممن روى) لي (ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري) الطبري أبو إسحاق البغدادي الحافظ صاحب المسند، ثقة، من (10) روى عنه في (2) بابين (حَدَّثَنَا أبو أسامة: حدثني بريد بن عبد الله) بن أبي بردة أبو بردة الصغير الكوفي (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى، ثقة، من (2) (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عزَّ وجلَّ إذا أراد رحمة أمة) أي بقاء أمة (من عباده) وحياتها وسلامتها (قبض نبيها) وأماته (قبلها) أي

فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَينَ يَدَيهَا، وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ، عَذَبَهَا، وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عَينَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل إهلاكها (فجعله) أي فجعل ذلك النبي (لها) أي للأمة (فرطًا) بفتحتين بمعنى الفارط والفارط المتقدم من الرفقة إلى الماء ليهيء لهم أسباب السقي من الدلاء والرشا والحياض يريد أنَّه شفيع متقدم لهم (وسلفًا) أي سابقًا (بين يديها) أي قدامها إلى الآخرة فهو بمعنى مطلق السابق لهم سواء هيأ لهم المصالح أم لا فعطفه على فرطا من عطف العام على الخاص للتأكيد أو من عطف المرادف، قال القرطبي: وإنما كان موت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أمته رحمة لهم لأن الموجب لبقائهم بعده إيمانهم به واتباعهم لشريعته ثم إنهم يصابون بموته فتعظم أجورهم بذلك إذ لا مصيبة أعظم من فقد الأنبياء فلا أجر أعظم من أجر من أصيب بذلك ثم يحصل لهم أجر التمسك بشريعته بعده فتتضاعف الأجور فتعظم الرحمة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "حياتي لكم رحمة ومماتي لكم رحمة" اهـ من المفهم ذكره الزبيدي في الإتحاف [9/ 176 و 177]، وابن حجر في المطالب العالية [3853]، وابن عدي في الكامل [3/ 945] وأما إذا أهلكها قبله فذلك لا يكون إلَّا لأنهم لم يؤمنوا به وخالفوه وعصوا أمره فإذا استمروا على ذلك من عصيانهم وتمردهم أبغضهم نبيهم فربما دعا عليهم فأجاب الله دعوته فأهلكهم فأقر عينه فيهم كما فعل بقوم نوح وغيره من الأنبياء اهـ من المفهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (وإذا أراد) الله تعالى (هلكة أمة) من الأمم وعذابها (عذبها) بنوع من عقوباته (و) الحال أن (نبيها حي) فيهم (فأهلكها وهو) أي والحال أن نبيهم (ينظر) إلى عذابها النازل بهم (فأقر) أي أبرد (عينه) أي عين النبي (بهلكتها) وأراحه من فسادهم وشركهم (حين كذبوه) فيما جاءهم به من عند الله تعالى (وعصوا أمره) فيما أمرهم به أي خالفوه في أوامرهم ونواهيه فأهلكهم بسبب عصيانهم لنصره عليهم، ومعنى فأقر عينه فرحه وبلغه أمنيته وذلك أن المبشر الضاحك يخرج من عينه ماء بارد يقر اهـ دهني. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم لم يروه غيره. قال القرطبي: وحديث أبي موسى هو من الأربعة عشر حديثًا المنقطعة الواقعة في كتاب مسلم لأنه قال في أول سنده حدثت عن أبي أسامة وممن روى عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حَدَّثَنَا أبو أسامة ثم ذكر السند متصلًا إلى أبي موسى رضي الله عنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اهـ من المفهم. وقال المازري: إن هذا الحديث من الأحاديث المنقطعة في صحيح مسلم لأنه قال: حدثت عن أبي أسامة لكن قال النووي: ليس هذا حقيقة انقطاع وإنما هو رواية عن مجهول، وقد وقع في بعض النسخ المعتمدة قال الجلودي: حَدَّثَنَا محمد بن المسيب الأرعياني، قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بن سعيد الجوهري بهذا الحديث عن أبي أسامة بإسناده فاتصل إسناده اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أبي موسى الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الثرجمة، والثاني: حديث أبي موسى الأشعري الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد به ثانيًا، والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة مع ذكر المتابعة في سنده، والسابع: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد به ثانيًا وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أبي موسى الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه

689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه 5814 - (2263) (18) حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زَائِدَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيرٍ. قَال: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 689 - (3) باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان قدره وصفته وكيزانه 5814 - (2263) (18) (حدثني أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي أبو عبد الله الكوفي، ثقة متقن، من كبار (10) ت سنة (227) وله (94) سنة، روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا زائدة) بن قدامة الثقفي أبوالصلت بفتح الصاد وسكون اللام الكوفي، ثقة ثبت صاحب سُنة، من (7) ت سنة (165) روى عنه في (10) أبواب، وليس في (م) من اسمه زائدة إلَّا هذا الثقة (حَدَّثَنَا عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي أبو عمر القبطي الكوفي، ثقة فقيه مختلط مدلس، من (3) مات سنة (136) وقد جاوز (100) سنة، روى عنه في (15) بابا (قال) عبد الملك: (سمعت جندبًا) أي جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي بفتحتين نسبة إلى علقة بن عبقر بن أنمار بطن من بجيلة أبا عبد الله الكوفي ثم البصري ثم المصري، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من رباعياته أي سمعت جندبًا حالة كونه (يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا فرطكم) أي فارطكم وسابقكم إلى الآخرة منتظركم (على الحوض) أي على حوضي لأسقيكم منه، قال أهل اللغة: الفرط والفارط هو الَّذي يتقدم الواردين ليُصلح لهم الحياض والدلاء والكويات ونحوها من أمور الاستقاء، فمعنى فرطكم على الحوض سابقكم إليه كالمهيئ له اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق باب في الحوض [6589] والحوض في اللغة مجتمع الماء يقال: استحوض الماء إذا اجتمع ويجمع على أحواض وحياض وشرعًا ماء أبيض من اللبن وأحلى من السكر ينصب عليه ميزابان من الجنّة من شرب منه لا يظما أبدًا ترد عليه أمة الإجابة فيسقيهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

5815 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْير. جَمِيعًا عَنْ مِسْعَرٍ. ح وَحدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُعاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في هذا الباب أحاديث كثيرة لإثبات حوض النبي صلى الله عليه وسلم وبيان صفاته وقدره وهذه الأحاديث حجة على من أنكر ثبوت الحوض من الخوارج والمعتزلة وقد ذكر المحدثون أن ثبوت حوض النبي صلى الله عليه وسلم متواتر، فقد ذكر القرطبي رحمه الله تعالى في المفهم أنَّه روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة ما ينيف على الثلاثين؛ منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين، وقد ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى خمسة وعشرين من الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض وزاد عليهم النووي ثلاثة، وقد ذكر الحافظ في فتح الباري [11/ 468 و 469] أسماءهم وأسماء الذين أخرجوا أحاديثهم ثم قال: زدت عليهم أجمعين قدر ما ذكروه سواء فزادت العدة على خمسين ولكثير من هؤلاء الصحابة في ذلك زيادة على الحديث الواحد كأبي هريرة وأنس بن مالك وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأحاديثهم بعضها في مطلق ذكر الحوض وفي صفته بعضها وفيمن يرد عليه بعضها وفيمن يدفع عنه بعضهم وبلغني أن بعض المتأخرين وصلها إلى ثمانين صحابيًّا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جندب رضي الله عنه فقال: 5815 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا أبو غريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (جميعًا) أي كل من وكيع وابن بشر رويا (عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب ت (153) وليس في مسلم من اسمه مسعر إلَّا هذا الثقة (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ بن حسان التميمي العنبري، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم أبو عبد الله المدني ربيب شعبة، ثقة، من (9) (تالا): أي قال معاذ بن معاذ

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ جُنْدَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 5816 - (2264) (19) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ. قَال: سَمِعْتُ سَهْلًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ. مَنْ وَرَدَ شَرِبَ. وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ؛ أَبَدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحمد بن جعفر (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبو بسطام البصري، ثقة إمام أئمة الجرح والتعديل، من (7) روى عنه في (30) بابا (كلاهما) أي كل من مسعر وشعبة رويا (عن عبد الملك بن عمير عن جندب) بن عبد الله رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقا (بمثله) أي ساق مسعر بن كدام وشعبة بن الحجاح بمثله أي بمثل حديث زائد بن قدامة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة مسعر وشعبة لزائدة بن قدامة في رواية هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جندب بحديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهما فقال: 5816 - (2264) (19) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) نسبة إلى قارة قبيلة من العرب المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (قال) أبو حازم: (سمعت سهلًا) بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبا العباس المدني، الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، له ولأبيه صحبة، له (188) حديثًا كما مر، قال أبو نعيم: مات سنة (91) له (150) سنة، روى عنه في (5) أبواب. وغذا السند من رباعياته حالة كون سهل (يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا فرطكم) أي سابقكم منتظرًا لكم (على الحوض) المصرّح باسمه وصفته وشرابه وآنيته في الأحاديث الكثيرة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي واليقين التواتري (من ورد) هـ (شرب) منه يعني أن الممنوع من شربه إنما هو من لم يرد عليه من الذين ذبُّوا عنه، وأما من ورد فإنه يشرب منه (ومن شرب) منه (لم يظمأ) أي لم يعطش (أبدًا) أي مدة حياته الأبدية التي لا موت

وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي. ثُمَّ يُحَالُ بَينِي وَبَينَهُمْ". قَال أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَ النَّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشِ وَأَنَا أُحدَّثُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ. فَقَال: هَكذَا سَمِعْتَ سَهْلًا يَقُولُ؟ قَال: فَقُلْتُ: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدها من الظمأ وهو مهموز ومقصور كما ورد به في القرآن وهو العطش يقال: ظمئ من باب فرح يظمأ ظمأ فهو ظمآن وهم ظماء بالمد كعطش يعطش عطشًا فهو عطشان وهم عطاش، قال القاضي: ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب والنجاة فهذا هو الَّذي لا يظمأ بعده اهـ نووي. يعني أنَّه لا يتحمل بعد ذلك أذى العطش وعناءه أما الشهوة إلى الشراب التي تُورث لذة في الشرب فالظاهر أنها غير منتفية من أهل الجنّة والله أعلم، وقيل: إنه لا يشرب منه إلَّا من لا يدخل النار لكن قال القاضي عياض: ظاهر الحديث أن الأمة كلها تشرب منه إلَّا من ارتد ثم من يدخل النار بعد الشرب فيحتمل أنَّه لا يُعذّب فيها بالعطش بل بغيره وهذا كما قيل: إن الأمة كلها تأخذ كتبها بأيمانها ثمّ يعاقب الله تعالى من شاء منهم، وقيل: إنما يأخذ كتابه بيمينه الناجون (و) الله الَّذي لا إله غيره (ليردن) أي لياتين (عليّ) على الحوض (أقوام أعرفهم) في الدنيا بأسمائهم وذواتهم (ويعرفوني) هم حاصله أن رجالًا من أمته صلى الله عليه وسلم يحاولون الورود على الحوض فيُمنعون من ذلك فيعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويريد أن يدعوهم إلى الحوض ويسمح لهم بالشرب منه ولكن يقال له عند ذلك إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك من الأعمال السيئة فيتبرأ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا لهم "سحقًا سحقًا" أي بعدًا وطردًا (ثم) بعدما وردوا علي (يُحال) ويُحجر (بيني وبينهم، قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش) زيد بن الصامت الأنصاري الزرقي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (وأنا أحدِّثهم هذا الحديث فقال) لي النعمان: (هكذا سمعت) يا أبا حازم (سهلًا) بن سعد (يقول قال) أبو حازم: (فقلت): لِلنُّعْمَانِ (نعم) سمعت سهلًا يقول هكذا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب في الحوض [6583]، وفي الفتن باب ما جاء في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ} [7050].

5817 - (2265) (20) قَال: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فَيَقُولُ: "إِنَّهُمْ مِنِّي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جندب بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5817 - (2265) (20) (قال) النعمان بن أبي عياش بالسند السابق أعني سند أبي حازم (وأنا أشهد) وأقسم (على أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك والله (لسمعته) أي لسمعت أبا سعيد (يزيد) على حديث سهل الَّذي منه لفظة (فيقول) النبي صلى الله عليه وسلم: ثم يحال بيني وبينهم فأقول للملائكة: لا تدفعوهم ولا تطردوهم (إنهم) أي إن هؤلاء الذين طردتموهم (مني) أي من أمتي (فيقال) لي من الله أو من جهة الملائكة لا تقل يا محمد إنهم مني فـ (إنك) يا محمد (لا تدري) ولا تعلم (ما عملوا) وأحدثوا (بعدك) أي بعد وفاتك من الارتداد والتبديل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأقول) للملائكة: اطردوهم (سحقًا سحقًا) أي بُعدًا بُعدًا عن رحمة الله وعن الحوض (لمن بدل) وغيّر وارتد عن ديني (بعدي) أي بعد وفاتي فإنهم ليسوا مني، وقوله: (سحقًا سحقًا) بضم السين وسكون الحاء منصوب على المفعولية المطلقة بعامل محذوف وجوبًا لنيابته عنه أي سحقه الله سحقًا وأبعدهم بعدًا، والتكرار فيه للتأكيد، والسحيق البعيد كما في التنزيل، واختلف العلماء في هؤلاء من هم؛ فقال بعضهم: إنهم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقاتلهم أبو بكر، وقال بعضهم: إنهم المنافقون الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الإسلام وإنما يُمنعون من الحوض أولًا عقوبة لهم ثم يُرحمون والصحيح منها القول الأول والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي سعيد البخاري كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن سعد وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال:

5818 - (00) (00) وحدَّثنا هَارُونُ بن سَعِيدٍ الأَيلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَن سَهْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يَعْقُوبَ. 5819 - (2266) (21) وحدَّثنا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضِّبِّيُّ. حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5818 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (أخبرني أسامة) بن زيد الليثي مولاهم المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي حازم عن سهل) بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أسامة بن زيد ليعقوب بن عبد الرحمن، وقوله: (وعن النعمان بن أبي عياش) معطوف على قوله عن أبي حازم أي حَدَّثَنَا هارون عن ابن وهب عن أسامة عن النعمان بن أبي عياش (عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق أسامة بن زيد بالسندين (بمثل حديث بعقوب) بن عبد الرحمن عن أبي حازم وعن النعمان بن أبي عياش. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فقال: 5819 - (2266) (21) (وحدثنا داود بن عمرو) بن زهير بن عمرو بن جميل بالجيم المفتوحة، وقيل بالحاء المهملة المضمومة (الضِبِّيُّ) بكسر المعجمة المُسَيِّبِيُّ أبو سليمان البغدادي مات ببغداد في ربيع الأول سنة - (228) ثمان وعشرين ومائتين، روى عن نافع بن عمر في دلائل النبوة وحماد بن زيد وأبي معشر، ويروي عنه (م) حديثين و (ث) والفضل بن سهل وابن ناجية والبغوي، قال ابن قانع: ثقة ثبت، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: منكر الحديث، وقال في التقريب: ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل (الجمحي) المكي، قال أحمد: ثقة ثبت صحيح الكتاب، وقال ابن

عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ. قَال: قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: قَال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ. وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ. وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من كبار (7) مات سنة (169) روى عنه في (2) بابين في الأحكام والفضائل (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي بكر المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (قال) ابن أبي مليكة: (قال عبد الله بن عمرو بن العاه) بن وائل القرشي السهمي أحد السابقين إلى الإسلام وأحد العبادلة الفقهاء رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): سعة (حوضي) قدر مسافة (مسيرة شهر وزواياه) أي أركانه وجوانبه الأربعة (سواء) أي مستويات. قال العلماء: معناه طوله كعرضه كما قال في حديث أبي ذر الآتي عرضه مثل طوله اهـ نووي؛ يعني أركانه معتدلة أي أن ما بين الأركان متساوٍ فهو معتدل التربيع اهـ مفهم. قال القاضي عياض: الزوايا الأركان فهو مربع مستوي الأضلاع لأن تساوي الزوايا تدل على تساوي الأضلاع، قال بعضهم: وهذا يدل على معرفته صلى الله عليه وسلم بسائر العلوم لأن هذا من علم الهندسة والتكسير والحساب وهو كما قال في الآخر طوله وعرضه سواء اهـ. قال الأبي: الزوايا هي الكائن بين خطين قام أحدهما على الآخر تنقسم إلى محدبة ومنفرجة قيل وكون زواياه سواء لا يدل على تساوي الأضلاع لولا قوله في الآخر طوله كعرضه وعلى ذلك فمسيرة الشهر لكل واحد من طوله وعرضه اهـ أبي. (وماؤه) وماء حوضي (أبيض) أي أشد بياضًا (من الورق) بكسر الراء أي من الفضة ووقع في رواية سعيد بن أبي مريم عند البخاري أبيض من اللبن وكلاهما متقاربان لأن المقصود بيان شدة بياضه، ثم قال المازري: مقتضى كلام النحاة أن يقال أشد بياضًا لأن اسم التفضيلى كفعل التعجب لا يُصاغ مما يدل على الألوان أو العيب كسود وحمر وبيض وعور ولا من الفعل الَّذي وصفه على وزن أفعل كسود أو أسود وعور فهو أعور إلَّا أن يقال هنا جاء على الشذوذ والقياس أن يقال هو أشد بياضًا من الورق، وقال الحافظ في الفتح [11/ 472] ويحتمل أن يكون ما هنا من تصرف الرواة فقد وقع في رواية أبي ذر عند مسلم بلفظ أشد بياضًا من اللبن، وكذا لابن مسعود عند أحمد، وكذا

وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ. وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يَظمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا. 5820 - (2267) (22) قَال: وَقَالتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ لأبي أمامة عند ابن أبي عاصم اهـ (وريحه أطيب من المسك) وسيأتي في حديث أبي ذر وثوبان (وأحلى من العسل) وجاء في حديث ابن عمر عند الترمذي (وماؤه أشد بردًا من الثلج) هذا ملخص ما في فتح الباري (وكيزانه كنجوم السماء) كثرة، والكيزان بكسر الكاف جمع الكوز بضم الكاف والمراد بيان كثرة عددها، قال النووي: والمختار الصواب أن هذا العدد للآنية على ظاهره وأنها أكثر عددًا من نجوم السماء ولا مانع عقليًا ولا شرعيًّا يمنع من ذلك ولا يعد كذبًا لأنه من قول الصادق المصدوق (فمن شرب منه فلا يظمأ بعده) أي بعد شربه (أبدًا) أي لم يعطش آخر ما عليه، وقد وقع هذا التعبير في صحيح مسلم برقم [2305] والمعنى حينئذِ لا يظمأ ما دام في الموقف للحساب اهـ من هامش المفهم، وظاهر هذا وغيره من الأحاديث أن الورود على هذا الحوض والشرب منه إنما يكون بعد النجاة من النار وأهوال القيامة لأن الوصول إلى ذلك المحل الشريف والشرب منه والوصول إلى موضع يكون فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُمنع منه من أعظم الإكرام وأجل الأنعام ومن انتهى إلى مثل هذا كيف يُعاد إلى حساب أو يذوق بعد ذلك تنكيل خزي وعذاب فالقول بذلك أوهى من السراب اهـ من المفهم. ولو أخر المؤلف هذا الحديث إلى أواخر الباب إلى موضع يذكر فيه أحاديث وردت في بيان قدره وصفاته لكان أنسب وأوضح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق باب في الحوض برقم [6579]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث جندب بحديث أسماء رضي الله عنهما فقال: 5820 - (2267) (22) (قال) ابن أبي مليكة بالسند السابق في حديث ابن عمرو فالحديث موصول سنده وقوله: (وقالت أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما معطوف على قوله: (قال عبد الله بن عمرو) فسند هذا الحديث أيضًا من رباعياته

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُم. وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ". قَال: فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ أَنْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني) واقف (على الحوض حتَّى أنظر) أي لكي أنظر (من يرد عليّ منكم) على الحوض (وسيؤخذ) ويدفع ويرد (أناس) من أمتي من (دوني) قبل الوصول إليَّ أي تدفعه الملائكة (فأقول يا رب) هؤلاء (مني) أي من أهل ديني (ومن أمتي) أي ومن أتباعي فينبغي أن يسمح لهم بالورود على الحوض (فيقال) لي: (أما شعرت) وعلمت يا محمد (ما عملوا) وأحدثوا (بعدك) أي بعد وفاتك (والله) نقسم لك يا محمد (ما برحوا) أي ما زال هؤلاء الذين دفعناهم عن الحوض (بعدك) أي بعد وفاتك وفراقك أي ما زالوا (يرجعون) بعدك عن دينهم الَّذي تركتهم عليه (على أعقابهم) أي على أدبارهم مرتدين فهم ليسوا من أمتك (قال) نافع بن عمر بالسند السابق (فكان) عبد الله (بن أبي مليكة يقول) بعدما حَدَّثَنَا هذا الحديث (اللهم إنا نعوذ) ونلوذ (بك) ونلتجئ إليك من (أن نرجع) ونرتد (على أعقابنا) وأدبارنا ونكفر بك وبنبيك محمد صلى الله عليه وسلم (أو) قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك من (أن نفتن) بالشرك والمعاصي (عن ديننا) الَّذي ارتضيته لنا دين الإسلام، والشك فيما قاله ابن أبي مليكة من نافع ابن عمر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق برقم [6593] من طريق سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر قال: حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء، وأخرجه أيضًا في الفتن باب قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} برقم [7541]، من طريق علي بن عبد الله حَدَّثَنَا بشر بن اليسري حَدَّثَنَا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء إلخ فذكر الحديث والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث حندب بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5821 - (2268) (23) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيمٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ أَبِي مُلَيكَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، وَهُوَ بَينَ ظَهْرَانَي أَصحَابِهِ: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ. أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَى مِنْكُمْ. فَوَاللهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُوني ـــــــــــــــــــــــــــــ 5821 - (2268) (23) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حَدَّثَنَا يحيى بن سليم) مصغرًا القرشي مولاهم الخراز بمعجمة ثم مهملة ثم زاي آخره الحذاء أبو محمد الطائفي المكي، وإنما قيل له الطائفي لأنه كان يختلف إليها، روى عن عبد الله بن عثمان بن خشيم في الفضائل، وإسماعيل بن أمية وإسماعيل بن كثير وابن جريج والثوري وعمران القصير وجماعة، ويروي عنه (ع) وابن أبي عمر ووكيع والشافعي وابن المبارك وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق وغيرهم، قال ابن معين وابن سعد: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ صالح محله الصدق، ولم يكن بالحافظ يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبد الله بن عمرو، وقال في التقريب: صدوق سيئ الحفظ، من التاسعة، مات سنة (193) ثلاث وتسعين ومائة بمكة، وله في البخاري فرد حديث (عن) عبد الله بن عثمان (بن خثم) بالمعجمة والمثلثة مصغرًا القاري من القارة حلفاء بني زهرة أبي عثمان المكي، روى عن ابن أبي مليكة في دلائل النبوة، وصفية بنت شيبة وأبي الطفيل، ويروي عنه (م عم) ويحيى بن سليم والسفيانان وبشر بن المفضل، وثقه ابن معين والعجلي وابن سعد، وقال في التقريب: صدوق، من الخامسة، مات سنة (132) اثنتين وثلاثين ومائة (عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) زهير بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) (أنَّه) أي أن ابن أبي مليكة (سمع عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو) أي والحال أنَّه صلى الله عليه وسلم جالس (بين ظهراني أصحابه) أي وسطهم ولفظ ظهراني بصيغة التثنية مقحم أو لتأكيد معنى بين (إني) واقف (على الحوض) يوم القيامة، حالة كوني (أنتظر) وأرقب (من يرد) ويأتي (علي منكم) أيتها الأمة (فوالله) أي فأقسم لكم بالإله الَّذي لا إله غيره (ليقتطعن) بالبناء للمجهول أي ليدفعن ويمنعن (دوني) وقبل الوصول إلى حوضي أي في أدنى مكان مني اهـ مبارق

رِجَالٌ. فَلأقُولَنَّ: أَي رَبِّ، مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ. مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ". 5822 - (2269) (24) وحدَّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ)، أَنَّ بُكَيرًا حدَّثَهُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاس الْهَاشِمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ. وَلَمْ أَسْمَعْ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (رجال) أعرفهم ويعرفوني كما في الرواية الأخرى (فـ) والله (لأقولن أي رب) أي يا رب هؤلاء الرجال المدفوعون عني (مني) أي من أهل ديني (ومن أمتي) أي ومن أتباعي (فيقول) الله عزَّ وجلَّ (إنك) يا محمد (لا تدري) ولا تعلم (ما عملوا بعدك) أي بعد وفاتك لأنهم (ما زالوا يرجعون على أعقابهم) أي على أدبارهم وهو عبارة عن ارتدادهم أعم من أن يكون من الأعمال الصالحة إلى السيئة أو من الإسلام إلى الكفر اهـ مبارق. ولم يشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحد من أصحاب الأمهات الخمس. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث جندب بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5822 - (2269) (24) (وحدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصدفي) أبو موسى المصري، ثقة، من (15) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكيرًا) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (حدَّثه) أي حدَّث لعمرو بن الحارث (عن القاسم بن عباس) بن محمد بن معتب بمثناة بن أبي لهب (الهاشمي) أبي العباس المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الصوم ودلائل النبوة (عن عبد الله بن رافع) المخزومي مولاهم (مولى أم سلمة) ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية المخزومية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (أنها) أي أن أم سلمة (قالت: كنت أسمع الناس) كثيرًا (يذكرون الحوض) فيما بينهم (ولم أسمع) أنا (ذلك)

مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِن ذَلِكَ. وَالْجَارِيةُ تَمْشُطُنِي. فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ" فَقُلْتُ لِلْجَارَيةِ: اسْتَأْخِرِي عَنِّي. قَالتْ: إِنَّمَا دَعَا الرِّجَال وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ. فَقُلْتُ: إِنِّي مِنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ذكر الحوض (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قط (فلما كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يومًا) أي في يوم كان (من ذلك) اليوم الَّذي كان نوبتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم (والجارية) أي والحال أن جاريتي وأمتي (تمشطني) من باب نصر أي تسرّح لي شعري، والجملة الإسمية حال مقدمة على صاحبها وهو تاء المتكلم من سمعت، والفاء في قوله: (فسمعت) زائدة في جواب لما أي فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من أيام نوبتي سمعت (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) على المنبر كما في الرواية الآتية والحال أن الجارية تُسرّح لي شعري (أيها الناس فقلت للجارية: استأخري) أي تأخري (عني) واتركي مشط شعري لأستمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أمرت الجارية بالكف عن الامتشاط لكي يمكن لها الإصغاء إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالت) الجارية: (إنما دعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم ونادى (الرجال) بقوله أيها الناس (ولم يدع) لم يناد (النساء) لأن لفظ الناس إنما يُطلق على الرجال فقط (فقلت) للجارية: (إني من الناس) الذين ناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن لفظ الناس يُطلق على النساء كما يُطلق على الرجال فليس خاصًّا بالرجال، قال النووي: لم يختلف في دخول النساء في الخطاب بالناس وإنما اختلف في دخولهن في خطاب المذكور ومذهبنا عدم دخولهن في خطاب المذكور، قال الأبي: وذلك كالخطاب بالمسلمين والمؤمنين، والمختار عدم دخولهن في خطاب المذكور بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إذ لو دخلن لم يحسن العطف ولا يحتج على عدم الدخول بقول الجارية إذ ليست من أهل اللسان العربي اهـ أبي. وفي قول أم سلمة: (إني من الناس) دلالة على كمال عقل أم سلمة رضي الله تعالى عنها ووفور علمها وفرط اشتياقها إلى استماع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب مطاوعتها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن قوله أيها الناس متضمن للأمر

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ. فَإِيَّايَ لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ عَنِّي كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ. فَأَقُولُ: فِيمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالاستماع وكانت تعرف أم سلمة أنَّه كلما خاطب القرآن أو رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة فإن النساء يدخلن في الخطاب كما يدخل الرجال فبادرت إلى مطاوعة الأمر والاستماع إلى قوله صلى الله عليه وسلم وإنما قالت أم سلمة: إني من الناس لأن الناس اسم جنس مأخوذ من النسيان كما قال الشاعر: وما سُمي الإنسان إلَّا لنسيه ... وما القلب إلَّا أنَّه يتقلب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لكم) أيتها الأمة المحمدية (فرط) أي كالفارط المهيئ للقافلة مصالحهم على الماء منتظرًا لكم (على الحوض) وقوله: (فإياي) مفعول مقدم لقوله: (لا يأتين أحدكم) لإفادة الحصر، والمعنى إني فرط لكم على الحوض فلا يأتين أحدكم إياي عند الحوض (فيذب) أي فيدفع (عني) بالرفع على الاستئناف أي فهو يذب ويدفع عني، وبالنصب بأن مضمرة على جعل الفاء عاطفة سببية على جملة النهي، والتقدير لا يكن إتيان أحدكم إياي فذبه عني، والكاف في قوله: (كما يذب) ويطرد (البعير الضال) أي الغريب الَّذي ليس معه صاحبه، وما مصدرية أي فيذب أحدكم ذبًا كذب البعير الضال عن الماء لئلا يشرب مع الإبل التي معها صاحبها، وقوله: (فأقول): أنا على الوجهين معطوف على قوله: (فيذب عني) فأقول أنا للملائكة بسبب ذبه وطرده (فيم هذا) الذب والدفع للواردين على لشرب الحوض فإنهم من أمتي، ولفظ في سببية وم اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الجر بفي بكسرة مقدرة على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة، والجار والمجرور خبر مقدم، واسم الإشارة مبتدأ مؤخر أي هذا الدفع والذب للواردين علي باي سبب فإنهم مني (فيقال) لي من جهة الله أو من جهة الملائكة في جواب استفهامي لا تستغرب يا محمد هذا الذب والطرد لهم فـ (إنك لا تدري) ولا تعلم (ما أحدثوا) وابتدعوا (بعدك) أي بعد وفاتك لأنهم ارتدوا عن دينك ورجعوا على أعقابهم (فأقول) عندئذٍ: سحقهم الله (سحقًا) وبُعدًا وطردهم من رحمته طردًا. حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها هذا انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى أيضًا عن أصحاب الأمهات الخمس.

5823 - (00) (00) وحدَّثني أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ وَأَبُو بَكرِ بن نَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، (وَهُوَ عَبْدُ المَلِكِ بن عَمْرٍو)، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن رَافِعٍ. قَال: كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تُحدِّثُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهِيَ تَمْتَشِطُ: "أَيُّهَا النَّاسُ" فَقَالت لِمَاشِطَتِهَا: كُفِّي رَأْسِي، بِنَحو حَدِيثِ بُكَيرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 5823 - (00) (00) (وحدثني أبو معن الرقاشي) زيد بن يزيد الثقفي البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي إمام حافظ، ثقة، من (11) روى عنه في (12) بابا (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حَدَّثَنَا أبو عامر وهو عبد الملك بن عمرو) القيسي العقدي بفتح المهملة والقاف البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا أفلح بن سعيد) الأنصاري المدني أبو محمد القبائي بضم القاف نسبة إلى قباء موضع معروف بالمدينة، وبه المسجد الَّذي أسس على التقوى كما قيل، روى عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة في دلائل النبوة وصفة النار، ومحمد بن كعب وجماعة، ويروي عنه (م س) وأبو عامر العقدي وابن المبارك، وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: شيخ صالح الحديث، وقال ابن حبان؛ يروي عن الثقات الموضوعات لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه، وقال في التقريب: صدوق، مات سنة (156) ست وخمسين ومائة، من السابعة (حَدَّثَنَا عبد الله بن رافع) المخزومي مولاهم مولى أبي سلمة المدني، ثقة، من (3) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أفلح بن سعيد القاسم بن عباس (قال) عبد الله بن رافع: كانت أم سلمة تحدّث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر وهي) أي والحال أنها (تمتشط) أي تُسرّح شعرها بواسطة الجارية أي سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: (أيها الناس فقالت لماشطتها: كفي رأسي) أي اجمعي شعر رأسي وضمي بعضه إلى بعض واربطيه لي لئلا ينتشر فيشوشني عن استماع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق أفلح بن سعيد (بنحو حديث القاسم بن عباس) وفي أغلب النسخ

5824 - (2270) (25) حدَّثَنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَن عُفبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ. فَقَال: "إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنا شَهِيدٌ عَلَيكُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (بنحو حديث بكير عن القاسم بن عباس) وهو تحريف من النساخ لأن بكيرًا لم يرو عن محمد بن رافع بل عن القاسم بن عباس فالقاسم ليس مذكورًا في هذا السند. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث جندب بن عبد الله بحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5824 - (2270) (25) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله الحميري اليزني المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عقبة بن عامر) الجهني الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا) إلى البقيع (فصلى) أي دعا (على أهل أحد) أي لأهل أحد وشهداءه (صلاته على الميت) أي دعاء كدعائه للميت يعني دعا لهم بدعاء الموتى وكأنه صلى الله عليه وسلم كان قد استقبل القبلة ودعا لهم واستغفر لهم وهذا كما فعل حيث أمره الله تعالى أن يستغفر لأهل البقيع فقام عليهم ليلًا واستغفر لهم ثم انصرف كما تقدم في الجنائز اهـ من المفهم، قال المازري: أي دعا لهم بمثل دعاء الميت لا يُحتج به للصلاة على الشهيد إذ لم يكن هذا عند قتلهم ودفنهم، وتقدم الكلام عليه في الجنائز، قال الأبي: أُخذ منه الصلاة على الشهيد وهو قول قيل، والجواب بأن المراد بالصلاة الدعاء خلاف الظاهر لأن الصلاة على الميت حقيقة شرعية فيُحمل عليها اهـ (ثم) بعدما دعا لهم (انصرف) أي رجع (إلى المنبر فقال) لمن عنده: (إني فرط) أي سابق مهيئ (لكم) أي لمصالحكم على الحوض (وأنا شهيد عليكم) أشهد عليكم بأعمالكم فكأنه باق معهم بل يبقى بعدهم حتَّى يشهد بأعمال آخرهم لأن أعمالهم تعرض عليه كل يوم الإثنين كما في الحديث الآخر، وفي حديث ابن مسعود عند البزار بإسناد جيد رفعه "حياتي خير لكم ووفاتي خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم فما رأيت من خير

وَإِنِّي، وَاللهِ، لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِيَ الآنَ، وَإِنِّي قَد أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَزضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ. وَإِنِّي، وَاللهِ، مَا أَخَافُ عَلَيكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلكِنْ أَخَافُ عَلَيكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ حمدت الله تعالى عليه وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم" كذا في القسطلاني اهـ دهني (وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن) قال العيني: هو على ظاهره وكأنه كشف له عنه في تلك الحالة، وقال النووي: هذا تصريح بأن الحوض حوض حقيقي على ظاهره وأنه مخلوق موجود اليوم، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم الشيء وتوكيده اهـ (واني قد أُعطيت) ومُلكت من جهة الله تعالى (مفاتيح خزائن الأرض) كلها، قال النووي: هكذا في جميع النسخ مفاتيح بالياء، قال القاضي: ورُوي مفاتح بحذفها فمن أثبتها فهو جمع مفتاح ومن حذفها فجمع مفتح وهما لغتان فيه، وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض وزخارفها وقد وقع ذلك وأنها لا ترتد جملة وقد عصمها الله تعالى من ذلك وأنها تتنافس في الدنيا وقد وقع ذلك اهـ عند افتتاح كنوز كسرى وقيصر، قال القرطبي: معناه أي بُشر بفتح البلاد وإظهار الدين وإعلاء كلمة المسلمين وتمليكه جميع ما كان في أيدي ملوكها من الصفراء والبيضاء والنفائش والذخائر فقد ملكه الله ديارهم ورقابهم وأراضيهم وأموالهم كل ذلك وفاء بمضمون قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] اهـ من المفهم (أو) قال: (مفاتيح الأرض) بلا ذكر لفظ خزائن، والشك من الراوي أو ممن دونه (واني والله ما أخاف عليكم) أيتها الأمة (أن تشركوا) بالله شيئًا جملة (بعدي) أي بعد وفاتي (ولكن أخاف عليكم أن) تُبسط عليكم الدنيا فـ (تتنافسوا) وترغبوا (فيها) أي في الدنيا وتعرضوا عن دينكم خدمة لها يعني أن الأمة المحمدية على صاحبها أفضل الصلوات والصلات وأزكى التحيات لن ترتد عن الإسلام جملة، وأما ارتداد بعض الآحاد أو الجماعات فلا ينافيه هذا الخبر، وذكر الأبي احتمالًا آخر وهو أن يكون الخبر متعلقًا بالمخاطب في ذلك الوقت فقط، وقوله: (أن تتنافسوا فيها) أي في خزائن الأرض أو في الدنيا فإنها ربما يُضمر لها بدون ذكر. والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر الأمة عن التنافس في الدنيا لأنه أكثر ما يسبب بين الناس التباغض والتحاسد ويورث العداوة والشحناء ويجرهم إلى فساد

5825 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا وَهبٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ)، حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبُ يُحدَّثُ، عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخلاق والأعمال ولم يُحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكنوز والاستمتاع بها لأن المال الحاصل بالوجه الحلال من جملة نعم الله تعالى ولكنه حذّر من الانهماك في طلب الأموال الَّذي ربما يؤدي إلى طلبها من غير وجهها والى التحاسد فيما بين المسلمين فالممنوع هو الانهماك في حبها وطلبها من طرق محظورة لا الحصول عليها بطرق شرعية وبما أن الإكثار من المال ربما يؤدي إلى هذه المفاسد فالاقتصار على قدر الحاجة أولى والله أعلم. ونقل عياض في المدارك عن يحيى بن يحيى أنَّه قال: طلب الدنيا من وجهها من الزهد فيها وفي الحديث: "نعم مطية المؤمن هي عليها يبلغ الخبر وبها ينجو من الشر" اهـ أبي. قوله: (خزائن الأرض) قال في نسيم الرياض: الخزائن جمع خزينة أو خزانة وهي ما يُدّخر فيه المال والأمور النفيسة لتحفظها والمراد ما في الأرض من الكنوز والأموال فإما أن يكون رأى في رؤيا نومه ملك الرؤيا وضع في يده مفاتيح حقيقة، وقال له هذه مفاتيح خزائن الأرض أرسلها الله إليك، ورؤيا الأنبياء وحي تقع بعينها تارة ويُعبّر بما يحكيها أخرى، وظاهر تعبيره أن أمته تملك الأرض ويجبى لهم أموالها إلخ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 149]، والبخاري في مواضع كثيرة منها باب ما يُحذر من زهرة الدنيا والتنافى فيها [6426]، وأبو داود [3223]، والنسائي [4/ 61]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال: 5825 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حَدَّثَنَا وهب يعني ابن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو العباس البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا أبي) جرير بن حازم أبو النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (قال) جرير: (سمعت يحيى بن أيوب) الغافقي بمعجمة ثم فاء بعد الألف ثم قاف أبا العباس المصري، صدوق، من (17) روى عنه في (7) أبواب، حالة كون يحيى (يحدّث عن بزبد بن أبي حببب) سويد الأزدي المصري عالمها، ثقة، من (5)

عَنْ مَرْثَدٍ، عَنْ عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ. قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ. ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَر كَالْمُوَدِّع لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. فَقَال: "إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَينَ أَيلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (11) بابا (عن مرثد) بن عبد الله اليزني المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عقبة بن عامر) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن أيوب لليث بن سعد (قال) عقبة بن عامر: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد) وشهداءه أي دعا لهم دعاء الميت (ثم) رجع إلى المسجد و (صعد المنبر كالمودّع للأحياء والأموات) قال النووي: معناه خرج إلى قتلى أحد ودعا لهم دعاء موح ثم دخل المدينة فصعد المنبر فخطب الأحياء خطبة مودِّع اهـ كما قال النواس بن سمعان قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع؟ وفيه معنى المعجزة اهـ. قال الحافظ في الفتح [7/ 349] وتوديع الأحياء ظاهر لأن سياقه يُشعر بأن ذلك كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وأما توديع الأموات فيُحتمل أن يكون الصحابي أراد بذلك انقطاع زيارته الأموات بجسده لأنه بعد موته وإن كان حيًّا فهي حياة أخروية لا تشبه حياة الدنيا والله أعلم. ويحتمل أن يكون المراد بتوديع الأموات ما أشار إليه في حديث عائشة من الاستغفار لأهل البقيع (فقال) معطوف على صعد المنبر (إني فرطكم) ومنتظركم (على الحوض و (إن عرضه) بفتح العين وسكون الراء أي وإن سعته، وأما العرض بضم العين وسكون الراء فهو أحد الأبعاض الثلاثة الطول والعرض والعمق في مساحة الشيء كما يذكره الفقهاء في باب القلتين من الماء نقلًا عن كتب المساحة فالطول هناك الامتداد المفروض أولًا والعُرض المفروض ثانيًا والعمق ثالثًا راجع كتبهم أي قدر سعته من كل الجهات (كما بين أيلة) أي مثل مسافة ما بين أيلة وما يليها (إلى الجحفة) أي لو كان في الدنيا يكون قدر ذلك قدره بذلك تقريبًا إلى أفهام المخاطبين كأنهم يعرفون مسافة ما بينهما. قال النووي: (وأيلة) مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ودمشق مصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق نحو ثنتي عشرة مرحلة وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل، قال

إِنِّي لَسْتُ أَخشَى عَلَيكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيكُمُ الدُّنْيَا أَن تَنَافَسُوا فِيهَا، وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا، كمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ". قَال عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحازمي: قيل هي آخر الحجاز وأول الشام (والجحفة) هي بنحو سبع مراحل من المدينة بينها وبين مكة اهـ. قال القرطبي: وقد اختلفت الألفاظ الدالة على مقدار الحوض كما هو مبين في الروايات المذكورة في مسلم وقد ظن بعض القاصرين أن ذلك اضطراب في الحديث يوجب ضعفه فلا يكون حجة في إثبات الحوض وليس كذلك وإنما تحدَّث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات عديدة وذوفيها تلك الألفاظ المختلفة إشعارًا بأن ذلك تقدير لا تحقيق وكلها تفيد أنَّه كبير متسع متباعد الجوانب والزوايا ولعل سبب ذكره للجهات المختلفة في تقدير الحوض أن ذلك إنما كان بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها والله أعلم، وهذا الجواب في الجمع بينها أوضح وأولى مما ذكره الحافظ في الفتح. (إني لست أخشى) وأخاف (عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخشى عليكم الدنيا) أي فتنتها، وقوله: (أن تنافسوا فيها) بدل اشتمال من الدنيا (وتقتتلوا) عليها (فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم) من الأمم السابقة (قال عقبة) بن عامر بالسند السابق (فكانت) رؤيتي تلك (آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر) أي آخر رؤيتي إياه على المنبر، وما مصدرية في قوله آخر ما رأيت والله أعلم. قال القرطبي: قوله: (إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي) يعني أنَّه أمن على جملة أصحابه أن يبدّلوا دين الإسلام بدين الشرك ولا يلزم من ذلك أن لا يقع ذلك من آحاد منهم فإن الخبر عن الجملة لا يلزم صدقه على كل واحد من آحادها دائمًا لأنه من باب الكل لا من الكلية كيف لا؟ وهو الَّذي أخبر بأن منهم من يرتد بعد موته صلى الله عليه وسلم كما جاء نصًّا في غير ما موضع من أحاديث الحوض وغيرها، وقد ظهر في الوجود ردة كثير ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه وجاهد ثم كفر بعد موته، وقد تقدم قول ابن إسحاق وحكايته أنَّه لم يبق بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مسجد من مساجد المسلمين إلَّا كان في أهله ردة إلَّا ما كان من ثلاثة مساجد وقتال أبي

5826 - (2271) (26) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ. وَلأُنَازِعَنَّ أَقْوَامًا ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بكر رضي الله عنه لأهل الردة معلوم متواتر وإذا كان كذلك فيتعين حمل هذا الحديث على ما ذكرناه. ويحتمل أن يكون هذا خبرًا عن خصوص أصحابه الذين أعلمه الله تعالى بمآل حالهم وأنهم لا في الون على هدي الإسلام وشرعه إلى أن يلقوا الله ورسوله على هديه إذ قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثير منهم بذلك وشوهدت استقامة أحوالهم حتَّى توفاهم الله تعالى عليه. ويحتمل أن يحمل هذا الخبر على جميع الأمة فيكون معناه الإخبار عن دوام الدين واتصال ظهوره إلى قيام الساعة وأنه لا ينقطع بغلبة الشرك على جميع أهله ولا بارتدادهم كما شهد بذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والأول أظهر من الحديث اهـ من المفهم. قوله: (ولكني أخشى أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا) هذا الَّذي توقعه النبي صلى الله عليه وسلم هو الَّذي وقع بعده فعمت الفتن وعظمت المحن ولم ينج منها إلَّا من عُصم ولا يزال الهرج إلى يوم القيامة فنسأل الله تعالى عاقبة خير وسلامة اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث جندب بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 5826 - (2271) (26) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالوا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (9) أبواب، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله (100) مائة سنة (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقوامًا) أي ولأدافعن وأخاصمن الملائكة عن أقوام ذبتهم الملائكة عن الحوض أي أنازع فيهم وأحتج لهم في المسامحة بورود الحوض ولكني أكون مغلوبًا بعد ذلك كما قال (ثم) بعد

لأُغْلَبَنَّ عَلَيهِمْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أَصْحَابِي، أَصْحَابِي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ". 5827 - (00) (00) وحدَّثناه عُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَن جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذكُرْ "أَصْحَابِي، أَصْحَابِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ منازعتي عنهم (لأغلبن) أنا بالبناء للمجهول (عليهم) أي على منازعتي لهم ومخاصمتي مع الملائكة لأجلهم أي لغلبتني الملائكة في المخاصمة بإقامة الحجة علي، وقوله: (فأقول): أنا في المخاصمة لهم تفسير للمنازعة معطوف على قوله لأنازعن أبي فأقول: (يا رب) هؤلاء المطرودون عن الحوض هم (أصحابي أصحابي) وأتباعي (فيقال) لي في إقامة الحجة علي هذا راجع إلى الغلبة (أنك) يا محمد (لا تدري) ولا تعلم (ما أحدثوا) وابتدعوا (بعدك) أي بعد وفاتك فإنهم ارتدوا عن الأعمال الصالحة أو عن الإسلام. والأصحاب جمع صاحب بمعنى الصحابي، قال الأبي: والصحابي عند المحدثين وبعض الأصوليين من رآه وهو مسلم، ويعرف كونه صحابيأ بالتواتر كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، وبالاستفاضة وبقول صحابي غيره أنَّه صحابي وبقوله على نفسه إني صحابي إذا كان عدلًا والصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم مطلقًا بظاهر الكتاب والسنة وإجماع من يُعتد بإجماعه وهم في الفضل متفاوتون على ما سيأتي في بابهم إن شاء الله تعالى اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب في الحوض [6575]، وفي الفتن [7049]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 5827 - (00) (00) (وحدثناه عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر أكبر منه بسنتين العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن عبد الله، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية (و) لكن (لم يذكر) جرير لفظة (أصحابي أصحابي).

5828 - (00) (00) حدَّثنا عُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. كِلَاهُمَا عَن جَرِيرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. جَمِيعًا عَنْ مُغِيرَةَ، عَن أَبِي وَائِلٍ، عَن عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِنَحْو حَدِيثِ الأَعْمَشِ. وَفِي حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَن مُغِيرَةَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ. 5829 - (2272) (27) وحدَّثناه سَعِيدُ بن عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ، أَخبَرَنَا عَبْثَرُ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، كِلَاهُمَا عَن حُصَينٍ، عَن أَبِي وَائِلٍ، عَن حُذَيفَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 5828 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم كلاهما عن جرير) بن عبد الحميد (ح وحدثنا ابن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (حَدَّثَنَا شعبة جميعًا) أي كل من جرير وشعبة رويا (عن مغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة مغيرة بن مقسم للأعمش، وساق مغيرة (بنحو حديث الأعمش و) لكن (في حديث شعبة) وروايته (عن منيرة) لفظة (سمعت أبا وائل). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث جندب بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما فقال: 5829 - (2272) (27) (وحدثناه) أي حَدَّثَنَا لفظ هذا الحديث السابق لا حديث ابن مسعود لأن الحديث الآتي لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه (سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي أبو زبيد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي ضيبة حَدَّثَنَا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (كلاهما) أي كل من عبثر وابن فضيل رويا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن حديفة) بن اليمان رضي الله عنه

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ وَمُغِيرَةَ. 5830 - (2273) (28) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَزِيعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَن مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "حَوْضُهُ مَا بَينَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل (نحو حديث الأعمش ومغيرة) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة حصين للأعمش ومغيرة، ولكنها متابعة في الشاهد وهي نادرة في كلامه وحديث حذيفة هذا لم أره في البخاري، وقد مر حديثه في الحوض عند المؤلف في الطهارة وبسياق مخالف لسياق حديث ابن مسعود راجع له في باب استحباب إطالة الغرة من صحيح مسلم، وأخرجه ابن ماجة أيضًا في الزهد في باب ذكر الحوض [4357]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص الَّذي استدل به على الجزء الثاني من الترجمة بحديث حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنهم ولو أخر حديث عبد الله بن عمرو إلى هنا لكان أنسب فقال: 5830 - (273 2) (28) (حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا) محمد (بن) إبراهيم (أبي عدي) السلمي مولاهم أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام البصري، ثقة إمام، من (7) روى عنه في (30) بابا (عن معبد بن خالد) بن مرير بمهملتين مصغرًا الجدلي نسبة إلى جديلة قيس الكوفي القاص، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن حارثة) بن وهب الخزاعي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، وليس في مسلم من اسمه حارثة إلَّا هذا الصحابي الجليل. وهذا السند من خماسياته (أنَّه) أي أن حارثة بن وهب (سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال) أي حالة كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حوضه) أي سعة حوضه صلى الله عليه وسلم قدر مسافة (ما بين صنعاء) اليمن (و) بين (المدينة) المنورة. وقال الأبي: صنعاء من بلاد اليمن وبالشام صنعاء أخرى لكن المراد بها هنا صنعاء اليمن وقد جاء في الآخر ما بين أيلة وصنعاء اليمن قاله القاضي اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق باب في

فَقَال لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: ألَمْ تَسْمَعْهُ قَال: "الأَوَانِي"؟ قَال: لَا. فَقَال الْمُسْتَوْرِدُ: "تُرَى فِيهِ الآنِيَةُ مِثْلَ الْكَواكِبِ". 5831 - (00) (00) وحدَّثني إِبْراهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ. حدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحوض [6591] (فقال له) أي لحارثة بن وهب (المستورد) بضم الميم وسكون السين وفتح التاء وسكون الواو وكسر الراء وهو ابن شداد بن عمرو القرشي الفهري الكوفي، صحابي بن صحابي، شهد فتح مصر وسكن الكوفة، ومات بالإسكندرية سنة (45) خمس وأربعين رضي الله عنه، له سبعة أحاديث، انفرد له (م) بحديثين، روى عن أبيه وعن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه المؤلف في (4) أبواب، وأبو عبد الرحمن الحبلي وجبير بن نفير وقيس بن أبي حازم ووقاص بن ربيعة وعبد الكريم بن الحارث وغيرهم. أي فقال المستورد لحارثة: (ألم تسمعه) بهمزة الاستفهام التقريري أي ألم تسمع يا حارثة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أي ذكر (الأواني) أي أواني الحوض التي يُشرب بها الحوض أي ذكرها مع ذكر الحوض حين سمعت حديث الحوض منه والأواني جمع آنية، والانية جمع إناء وهي جمع الجمع لكونها على صيغة منتهى الجموع (قال) الحارثة للمستورد: (لا) أي لم أسمعه ذكر الأواني بل إنما سمعت منه صلى الله عليه وسلم ذكر الحوض فقط (فقال المستورد) للحارثة: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض كما ذكرته ويقول أيضًا: (تُرى) بالبناء للمفعول وهي بصرية أي ترى (فيه) أي في الحوض أي ترى (الآنية) في حافتي الحوض حالة كونها (مثل الكواكب) أي مثل النجوم في الكثرة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث المستورد هذا البخاري وليس به في البخاري إلَّا هذا الحديث كذا في فتح الباري [11/ 475]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه فقال: 5831 - (00) (00) (وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة) بمهملات السامي بمهملة نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب القرشي أبو إسحاق البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا حرمي بن عمارة) بن أبي حفصة نابت، ويقال: ثابت

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بنِ خَالِدٍ؛ أَنهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، وَذَكَرَ الْحَوْضَ. بمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذكُرْ قَوْلَ الْمُسْتَوْرِدِ وَقَوْلَهُ. 5832 - (2274) (29) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ)، حَدَّثَنَا أيوبُ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَمَامَكُمْ حَوْضًا، مَا بَينَ نَاحِيَتَيهِ كَمَا بَينَ جَرْبَا وَأَذْرُحَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العتكي مولاهم، أبو روح البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج (عن معبد بن خالد) بن مرير الجدلي الكوفي (أنَّه سمع حارثة بن وهب الخزاعي) رضي الله عنه (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حرمي بن عمارة لابن أبي عدي (وذكر) حرمي بن عمارة (الحوض) وساق حرمي في ذكر الحوض (بمثله) أي بمثل ما ذكر ابن أبي عدي في الحوض يعني قوله: "حوضه ما بين صنعاء والمدينة" (و) لكن (لم يذكر) حرمي بن عمارة في روايته (قول المستورد) أي سؤال المستورد لحارثة بقوله: ألم تسمعه قال الأواني: (و) لم يذكر أيضًا حرمي بن عمارة (قوله) أي قول حارثة بن وهب وجوابه للمستورد بقوله: (لا) أي لم أصمعه صلى الله عليه وسلم يذكر الأواني. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص بحديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهم فقال: 5832 - (2274) (29) (حَدَّثَنَا أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (قالا: حَدَّثَنَا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا أيوب) بن أبي تميمة كيسان العنزي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن نافع) العدوي مولاهم مولى أبي عمر المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (12) بابا (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمامكم) أي قدامكم في الآخرة (حوضًا) لي (ما بين ناحيتيه) أي قدر بُعد ما بين جانبيه أي طرفيه طولًا وعرضًا (كما) أي كقدر بعد ما (بين جربا وأذرح) قال القرطبي: قوله بين جربا

5833 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بن حَربٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطانُ)، عَن عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ أَمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَينَ جَرْبَا وَأَذْرُحَ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ المُثَنَّى "حَوْضِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيح الرواية فيه بفتح الجيم وسكون الراء والمد، وقد وقع عند بعض رواة البخاري جربا بالقصر وهو خطأ (وأذرح) بفتح الهمزة وذال معجمة ساكنة وراء مضمومة وحاء مهملة وهو الصواب، ووقع في رواية العذري بالجيم وهو خطأ وقد فسرهما الراوي قريبًا في الصحيح بأنهما قريتان من قرى الثام بينهما مسيرة ثلاثة أيام وقال ابن وضاح: في أذرح إنها فلسطين وهذا يدل على صحة ما قلناه من أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يقدّر الحوض لكل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها فيقول: هذا لأهل الشام ويقول لأهل اليمن من صنعاء إلى عدن وتارة أخرى يقذره بالزمان فيقول: مسيرة شهر كما مر في حديث عبد الله بن عمرو اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 21]، والبخاري في الرقاق باب في الحوض [6577]، وأبو داود في السنة باب في الحوض [4745]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5833 - (00) (00) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب: (قالوا) أي قال كل من الثلاثة: (حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان) ثقة، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العدوي المدني، ثقة، من (5) قال: (أخبرني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر لأيوب السختياني (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إن إمامكم) أي قدامكم أيتها الأمة (حوضًا) لي (كما بين جربا وأذرح وفي رواية ابن المثنى حوضي) بإضافته إلى ياء المتكلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

5834 - (00) (00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَزَادَ: قَال عُبَيدُ اللهِ: فَسَأَلْتُهُ فَقَال: قَرْيَتَينِ بِالشَّأمِ، بَينَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثِ لَيَالٍ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بِشْرٍ: ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. 5835 - (00) (00) وحدَّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بن مَيسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5834 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب، كلاهما (قالا): أي كل من عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر قالا: (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما ليحيى القطان (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر وساقا (مثله) أي مثل ما روى يحيى القطان عن عبيد الله (و) لكن (زادا) أي زاد عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر على يحيى القطان لفظة (قال) لنا (عبيد الله) بن عمر (فسألته) أي فسألت نافعًا عن معنى ما بين جربا وأذرح (فقال) لي نافع: يعني النبي صلى الله عليه وسلم بجربا وأذرح (قريتين بالشام بينهما مسيرة) أي مسافة سير (ثلاث ليال، وفي حديث ابن بشر) وروايته بينهما مسيرة (ثلاثة أيام) والمعنى واحد، وفي أغلب النسخ (وزاد) بلا ألف التثنية أي زاد الراوي الَّذي هو هما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5835 - (00) (00) (وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا نسبة إلى عقيل بن كعب أبو عمر الصنعاني ثم العسقلاني، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ. 5836 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ أَمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَينَ جَرْبَا وَأَذْرُحَ، فِيهِ أَبَارِيقُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، لَمْ يَظمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث عبيد الله) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبيد الله بن عمر في الرواية عن نافع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 5836 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (حدثني عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن محمد لمن روى عن نافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أمامكم) في الآخرة (حوضًا) لي واسعًا بُعد مسافته (كـ) بُعد (ما بين جربا وأذرح فيه) أي في ذلك الحوض أي على جوانبه (أباريق) وكيزان كثرتها (كـ) كثرة (نجوم السماء من ورده) أي من ورد ذلك الحوض (فشرب منه لم يظمأ) أي لم يعطش (بعدها) أي بعد تلك الشربة (أبدًا) أي آخر ما عليه من الحياة ولفظ أبدًا كلمة موضوعة لاستغراق ما يستقبل من الزمان ضد قط ومثله عوض، قال القرطبي: له صلى الله عليه وسلم حوضان أحدهما في الموقف قبل الصراط، والثاني في الجنّة، وكلاهما يسمى كوثرًا، والكوثر في كلامهم الخير الكثير، ثم الصحيح أن الحوض قبل الميزان لأن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم فيُقدم الحوض قبل الميزان وكذا حياض الأنبياء في الموقف. (قلت) وفي الجامع "أن لكل نبي حوضًا وإنهم يتباهون أيهم أكثر وارده وإني أرجو أن أكون أكثرهم وارده" رواه الترمذي عن سمرة اهـ مرقاة، قوله: (من ورده فشرب منه) إلخ يعني أن الممنوع من شربه إنما هو من لم يرد عليه من الذين ذيدوا عنه، وأما من ورد فإنه يشرب منه قوله: (لم يظمأ) أي لم يعطش، وظاهر الحديث أن الأمة كلها تشرب منه إلَّا من ارتد ثم من يدخل منهم النار

5837 - (2275) (30) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ -وَاللَّفظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ- (قَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيُّ، عَن أَبِي عِفرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَن أَبِي ذَرٍّ، قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَواكِبِهَا، أَلا فِي اللَّيلَةِ الْمُظلِمَة الْمُصْحِيَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد فيحتمل أن لا يُعذب فيها بالعطش بل بغيره، وقيل: لا يشرب منه إلَّا من قُدِّر له السلامة من النار اهـ من سنوسي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث أبي ذر رضي الله عنهم فقال: 5837 - (2275) (30) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي واللفظ لابن أبي شيبة قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي) أبو عبد الله البصري، ثقة حافظ، من كبار (9) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري، مشهور بكنيته، والجوني بفتح الجيم نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد كما في اللباب، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة المدني الربذي، الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو ذر: (قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض) أي كم الآنية التي يُشرب بها عن الحوض فما هو هنا سؤال عن القدر لا عن الحقيقة بدليل الجواب بقوله: (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده) المقدسة (لآنيته) أي لآنية الحوض وكاساته التي يُشرب بها منه (كثر من عدد نجوم السماء) الصغار منها (وكواكبها) الكبار منها كالسبعة السيارة (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أزيد لك في الكلام مما لا بد منه أي أكثر من نجوم السماء النيرة (في الليلة المظلمة) أي ذات الظلام التي لا قمر فيها لأن وجود القمر يستر كثيرًا من النجوم خصوصًا في الليالي المقمرة (المصحية) أي

آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيهِ، يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثلُ طُولِهِ، مَا بَينَ عَمَّانَ إِلَى أَيلَةَ. مَاؤُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخالية من السحاب والضباب لأن وجودهما يستر كل النجوم حتَّى القمر إذا عما السماء وغطاها (آنية الجنّة) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي أي آنية الحوض التي يُشرب بها منه هي آنية الجنّة ويصحبه رفعه على أنَّه مبتدأ أول، والخبر الجملة التي بعدها، وبالنصب على أنَّه مفعول لفعل تقديره أعني بها أي بآنية الحوض التي هي أكثر من نجوم السماء آنية الجنّة (من شرب منها) أي من تلك الآنية (لم يظمأ) أي لم يعطش (آخر ما عليه) من الحياة وهو بمعنى أبدًا المذكور في الرواية الأخرى لأن أهل الجنّة لا يموتون ولا يُخرجون منها أبدًا (يشخب) بضم الخاء المعجمة من الباب الأول كنصر أو بفتحها من الباب الثالث كذهب من الشخب وهو السيلان وأصله ما يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمرة وعصرة لضرع الثاة أي يسيل وينصب (فيه) أي في الحوض (ميزابان من الجنّة) تثنية ميزاب وهو ما ينصب منه ماء المطر مثلًا من السطح لئلا يضره كميزاب الكعبة والميزاب المثعب بالمثلثة وهو فارسي معرب، قال الجوهري: وقد عُرِّب بالهمز وربما لم يُهمز يُجمع على مآزب إذا همزته وميازيب إذا لم يُهمز من وزب الشيء يزب وزوبًا من باب وعد إذا سال وانصب من فوق (من شرب منه) أي من الحوض (لم يظمأ) أي لم يعطش عطشًا يضره (عرضه) أي سعته عرضًا وهو الامتداد المفروض ثانيًا وهو أقصر الامتدادين في العادة (مثل طوله) أي مثل سعته طولًا وهو الامتداد المفروض أولًا وهو أطولهما في العادة، والحوض المخالف للعادة عرضه كطوله في السعة كما يعلم ذلك كله من مباحث فن المساحة لأن الجسم عندهم ما يقبل الانقسام في الأبعاض الثلاثة الطول والعرض والعمق بضم أوائلها، وقوله: (ما بين عمَّان) وحواليها (إلى أيلة) خبر ثان لعرضه إذا رفعنا مثل وخبر له إذا نصبناه أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أي قدر مسافته ما بين عثمان وأيلة (وعمَّان) ضبطه القاضي عياض بفتح العين وتشديد الميم وهو عثمان البلقاء عاصمة الأردن اليوم ولكن جزم الحافظ في الفتح بأنه عُمان بضم العين وتخفيف الميم وهو البلد المعروف بالخليج العربي اليوم الَّذي هو عَاصِمَتُهُ مُسْقَطُ وبذلك جزم البكري، ويظهر أنَّه الأصح لكون مسافة ما بين أيلة وعمان البلقاء قريبة بخلاف المسافة التي بينها وبين عثمان المسقط وأيلة بلدة معروفة على ساحل بحر الشام (ماؤه)

أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ". 5838 - (2276) (31) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ)، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ماء الحوض في اللون (أشد بياضًا من اللبن و) في الذوق أحلى أي أشد حلاوة (من العسل). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في باب ما جاء في أواني الحوض [2445]. [تتمة] قال الحازمي: قال ابن الأعرابي: يجوز أن يكون عثمان فعلان من عم يعم فلا ينصرف معرفة للعملية وزيادة الألف والنون، وينصرف نكرة لعدم إحدى العلتين، ويجوز أن يكون فعالًا من عمن يعمن من باب ذهب أو عمن يعمن من باب فرح أو عمن يعمن من باب ضرب يقال عمن بالمكان عمنًا إذا قام فيه فحينئذٍ ينصرف معرفة ونكرة إذا قصد به البلد والمعروف في روايات الحديث وغيرها ترك صرفها اهـ من النووي بزيادة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث ثوبان رضي الله عنهم فقال: 5838 - (2276) (31) (حَدَّثَنَا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب ومحمد بن المثنى العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) العبدي البصري المعروف ببندار (وألفاظهم متقاربة قالوا: حَدَّثَنَا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي الربعي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري الأكمه، ثقة، من (4) روى عنه في (25) بابا (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة (اليعمري) الشامي، ثقة، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن ثوبان) بن بجدد مولى رسول الله

أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لأَهْلِ الْيَمَنِ. أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيهِمْ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه أبو عبد الله الحمصي، روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من سباعياته (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لـ) قائم (بعقر) وطرف (حوضي) حالة كوني (أذود) وأطرد وأدفع (الناس) غير اليمنيين عن الحوض توسعة (لأهل اليمن) حتَّى يشربوا (والعقر) بضم العين وسكون القاف إذا أضيف إلى الحوض وهو موقف الإبل إذا وردته للشرب وقيل مؤخره، قال في النهاية: وعقر الحوض بالضم موضع الشاربة منه، وعقر الدار بفتح العين وسكون القاف أصلها ومعظمها ويُطلق العقر كالعقار على البناء المرتفع، قوله: (أذود الناس لأهل اليمن) قال القاضي عياض: يعني أنَّه يقدّم أهل اليمن في الشرب ويدفع عنه غيرهم حتَّى يشربوا إكرامًا لهم ومجازاة لتقدمهم على الناس في الإيمان، قال النووي: والأنصار من اليمن فيدفع غيرهم حتَّى يشربوا كما دفعوا في الدنيا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه والمكروهات (أضرب) الحوض (بعصاي) وأحركه أو أضر الناس غير أهل اليمن كما سيأتي عن القرطبي (حتَّى يرفض) الحوض ويسيل وينصب ماؤه (عليهم) أي على أهل اليمن يشربوا، قوله: (يرفض) بفتح الياء وسكون الراء وفتح الفاء وتشديد الضاد من الارفضاض وهو السيلان يعني أدفع الناس حتَّى يسيل الماء على أهل اليمن، قال أهل اللغة: أصل الارفضاض من الدمع يقال: ارفض الدمع من باب افعل كاحمرَّ إذا سال متفرقًا متتابعًا. قال القرطبي: قوله: (إني لبعقر حوضي) هو بضم العين وسكون القاف وهو مؤخره حيث تقف الإبل إذا وردته وتسكن قافه وتضم فيقال عُقْر وعُقُر كعسر وعسر قاله في الصحاح وقال غيره: عقر الدار بفتح العين وقد تضم أصلها. وقوله: (أذود الناس لأهل اليمن) يعني السابقين من أهل اليمن الذين نصره الله بهم في حياته وأظهر الدين بهم بعد وفاته، وقد تقدم أن المدينة من اليمن وأن أهلها أحق بهذا الإكرام من غيرهم لما ثبت لهم من سابق النصرة والأثرة ولذلك قال للأنصار: "اصبروا حتَّى تلقوني على الحوض" متفق عليه (وأذود) أي أدفع فكأنه يطرق لهم مبالغة في إكرامهم حتَّى يكونوا أول شارب كما يفعل بفقراء المهاجرين إذ ينطلق بهم إلى الجنّة

فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقال: مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ". وَسُئِلَ عَن شَرَابِهِ فَقَال: وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ. يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالآخَرُ مِن وَرِقٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فيدخلهم الجنّة قبل الناس كلهم كما قد ثبت في الأحاديث، ولا يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يلازم المقام عند الحوض دائمًا بل يكون عند الحوض تارة وعند الميزان أخرى وعند الصراط أخرى كما قد صح عنه أن رجلًا قال: أين أجدك يا رسول الله يوم القيامة؟ قال: "عند الحوض، فإن لم تجدني فعند الميزان، فإن لم تجدني فعند الصراط، فإني لا أخطئ هذه المواطن الثلاثة" رواه الترمذي [2433] وقال: حسن غريب وكأنه صلى الله عليه وسلم لا يفارق أصحابه ولا أمته في تلك الشدائد سعيًا في تخليصهم منها وشفقة عليهم صلى الله عليه وسلم ولا حال الله بيننا وبينه في تلك المواطن، قوله: (فأضرب بعصاي حتَّى يرفض) بفتح التحتانية لأنه خماسي من باب افعل كأحمر كما مر أي يضرب من أراد من الناس الشرب من الحوض قبل أهل اليمن ويدفعهم عنه حتَّى يصل أهل اليمن فيرفض الحوض عليهم أي يسيل يقال: ارفض الدمع إذا سال اهـ من المفهم. (فسئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن عرضه) أي عن عرض الحوض ولم أر من ذكر اسم هذا السائل (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل حوضي (من مقامي) هذا بضم الميم إن كان أقام الرباعي وبفتحها إن كان من قام الثلاثي وهو اللازم المتعين هنا كما هو معلوم في التصريف اسم مكان أي من موضع قيامي هذا يعني من المدينة (إلى عثمان) بفتح العين المهملة وتشديد الميم على وزن حسَّان قرية من عمل دمشق وهي من البلقاء، وقد جاء في الترمذي من عدن إلى عثمان البلقاء عاصمة الأردن (وسُئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر من ذكر هذا السائل أيضًا (عن) صفة (شرابه) أي شراب الحوض (فقال): هو (أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل يغت) أي ينصب (فيه ميزابان يمدانه) أي يكثرانه (من الجنّة أحدهما من ذهب والآخر من ورق) أي من فضة. قوله: (يغت فيه ميزابان) أي ينصب فيه ميزابان بضم الغين وبالتاء المشددة من باب شد وبكسرها من باب حن أي يدفقان فيه الماء دفقًا متابعًا شديدًا وأصله من اتباع الشيء

وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن مُوسَى. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. بِإِسْنَادِ هِشَامٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِه. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "أَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عِنْدَ عُقْرِ الْحَوْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيء والمعنى يصبان فيه الماء صبًا شديدًا متابعًا سريعًا وهذه هي الرواية المشهورة ومعناه الصب الدائم المتوالي، وقد رواه العذري (يعب) بضم العين المهملة وبالموحدة المشددة وكذا ذكره الحربي وفسره بالعب وهو شرب الماء جرعة جرعة، ورواه ابن ماهان (يثعب) بثاء مثلثة قبل العين المهملة ومعناه تتفجر وتسيل فيه ميزابان من الجنّة يمدان الحوض وتزيدان ماءه، ومنه الحديث "وجرحه يثعب دمًا" اهـ مفهم. قوله: (يمدانه من الجنّة) الأفصح فيه فتح الياء وضم الميم ثلاثيًّا من مد النهر ومده نهر آخر وأما الرباعي فقولهم أمددت الجيش بمدد وقد جاء الرباعي في الأول ومعناه الزيادة على الأول فيهما اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 280]، والترمذي في باب ما جاء في صفة أواني الحوض [2444]، وابن ماجة في الزهد باب ذكر الحوض [4358]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه فقال: 5839 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حَدَّثَنَا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب، ثقة، من (9) روى عنه في (15) أبواب (حَدَّثَنَا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي نسبة إلى نحو بن شمس بطن من الأزد لا إلى علم النحو أبو معاوية البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (بإسناد هشام) الدستوائي يعني عن سالم عن معدان عن ثوبان، غرضه بيان متابعة شيبان لهشام وساق شيبان (بمثله) أي بمثل حديث هشام الدستوائي (غير أنَّه) أي لكن أن شيبان (قال) في روايته: (أنا يوم القيامة عند عقر الحوض) هذا بيان لمحل المخالفة بينهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال:

5840 - (00) (00) وحدّثنا محمد بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ حمّادٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النبي - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ-. حَدِيثَ الْحَوْضِ. فَقُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ: هَذَا حَدِيث سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ. فَقَال: وَسَمِعْتُهُ أَيضا مِنْ شُعْبَةَ فَقُلْتُ: انْظُرْ لِي فِيهِ. فَنَظَرَ لِي فِيهِ فَحدثَنِي بِهِ. 841 - (2277) (32) حدَّثنا عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، (يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ)، عَنْ محمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5840 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا يحيى بن حماد) بن أبي زياد الشيباني مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا شعبة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان) بن أبي طلحة (عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لهشام الدستوائي، وساق يحيى بن حماد (حديث الحوض) عن شعبة، قال محمَّد بن بشار (فقلت ليحيى بن حماد هذا) الحديث الذي ذكرته لنا عن شعبة هو (حديث سمعته من أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي وحدثناه عنه فكيف تسنده إلى شعبة (فقال) يحيى بن حماد: سمعته من أبي عوانة (وسمعته أيضًا من شعبة) قال محمَّد بن بشار: (فقلت) ليحيى بن حماد: (انظر لي فيه) أي فكر لأجلي وتثبت في هذا الحديث الذي أسندته إلى شعبة هل هو متأكد عندك أم لا؟ قال ابن بشار (فنظر لي) يحيى بن حماد (فيه) أي في هذا الحديث الذي أسنده إلى شعبة فتثبت فيه (فحدثني به) عن شعبة مرة ثانية والله أعلم اهـ الفهم السقيم. ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- تاسعًا لحديث جندب بن عبد الله بحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما - فقال: 5841 - (2277) (32) (حدثنا عبد الرحمن بن سلام) بتشديد اللام بن عبيد الله بن سالم (الجمحي) مولاهم أبو حرب البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الربيع يعني ابن مسلم) الجمحي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن محمَّد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة، من

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لأذُودَنَّ عَنْ حَوْضِي رِجَالًا كلمَا تُذَادُ الغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ". 5842 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ زَيادٍ. سَمِعَ أبا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله -صلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ-: بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال): والله الذي لا إله غيره (لأذودن) أي لأطردن وأدفعن (عن حوضي) يوم القيامة (رجالًا) ممن ارتدوا بعدي (كما تذاد) وتطرد الناقة (الغريبة) التي ليس معها صاحبها وتمنع (من) الشرب مع (الإبل) التي قام معها صاحبها، قال النووي: معناه كما يذود الساقي الناقة الغريبة من إبله إذا أرادت الشرب مع إبله لئلا تزدحمها، والغريبة من الإبل هي الناقة الداخلة على إبل من يسقي إبله فيطردها حتى يسقي إبله فكذلك يطرد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حوضه رجالًا لا يستحقون الشرب منه ليتيسر الشرب لأمته بلا ازدحام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2367]، وابن ماجه في الزهد [4361]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 5842 - (00) (00) (وحدثنيه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان بن الحر بن مالك التميمي العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا شعبة عن محمَّد بن زياد سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم وسلم): غرضه بيان متابعة شعبة للربيع بن مسلم، وساق شعبة (بمثله) أي بمثل حديث الربيع بن مسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال:

5843 - (2278) (33) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثهُ؛ أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: "قَدْرُ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَبارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ". 5844 - (2279) (34) وحدّثني مُحَمَّد بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ صُهَيبٍ يُحَدِّثُ. قَال: حَدَّثَنَا أنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 5843 - (2278) (33) (وحدثني حرملة بن يحيى) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي، ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي، ثقة، من (7) (عن ابن شهاب أن أنس بن مالك) - رضي الله عنه - (حدّثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال): وهذا السند من خماسياته (قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاه من اليمن) وإن فيه أي وإن على حوضي (من الأباريق) والكاسات التي يُشرب بها عددًا (كعدد نجوم السماء). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 238] , والبخاري في الرقاق باب في الحوض [6580 أو 6582] , والترمذي في صفة القيامة [2442] , وابن ماجه في الزهد باب ذكر الحوض [4359 أو 4360]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث جندب بن عبد الله بحديث آخر لأنس بن مالك - رضي الله تعالى عنهما - فقال: 5844 - (2279) (34) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله (الصفّار) الأنصاري أبو عثمان البصري، ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (قال) وهيب: (سمعت عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (يُحدّث) لنا الحديث (قال) عبد العزيز في تحديثه لنا: (حدثنا أنس بن مالك) الأنصاري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال): والله

"لَيَرِدَنَّ َعَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي. حَتَّى إِذَا رَأَيتُهُمْ وَرُفِعُوا إِليَّ، اخْتُلِجُوا دُونِي. فَلأتولَنَّ: أَي رَبِّ، أُصَيحَابِي. أُصَيحَابِي. فَلَيُقَالنَّ لِي: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ". 5845 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ليردن علي) أي ليأتين عليَّ (الحوض) أي عند حوضي (رجال ممن صاحبني) في الدنيا وأسلموا معي ثم ارتدوا بعد وفاتي (حتى إذا) دنوا مني و (رأيتهم ورفعوا إليّ) أي قربوا إليّ وأظهروا لي (اختلجوا) بالبناء للمجهول أي اقتطعوا وأخذوا (دوني) أي في مكان أدنى مني وأُخرجوا من بين الواردين ورجعوا إلى ورائهم من الاختلاج بمعنى الانتزاع يقال: اختلج ولد الناقة إذا فُطم ويقال: ناقة خلوج إذا اختلج عنهها ولدها فقل لبنها كذا في القاموس، وقوله: (فلأقولن) معطوف على قوله ليردن علي أي فوالله لأقولن بعد اختلاجهم (أي رب) أي يا رب هؤلاء الذين اختلجوا دوني (أصيحابي أصيحابي) تصغير أصحاب على غير قياس كذا في المفهم، ووقع في الروايات مصغرًا مكررًا، وفي بعض النسخ أصحابي أصحابي مكبرًا مكررًا، قال القاضي: هذا دليل لصحة تأويل من أوّل أنهم أهل الردة ولهذا قال فيهم: "سحقًا سحقًا" ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمرهم اهـ نووي باختصار. وقوله: (فليقالن لي) من جهة الله أو من جهة الملائكة معطوف على قوله: فلأقولن أي فوالله ليقالن لي في جواب قولي ذلك (إنك) يا محمَّد (لا تدري) ولا تعلم (ما أحدثوا) وابتدعوا (بعدك) أي بعد وفاتك فإنهم ارتدوا وبدّلوا دينك فلا حق لهم من شرب الحوض ولا من نعيم الجنة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الرقاق في ذكر الحوض عن مسلم بن إبراهيم اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 5845 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالا: حدثنا علي بن مسهر) بصيغة اسم الفاعل من أسهر الرباعي القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء

حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. جَمِيعًا عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَس، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ -، بِهَذَا الْمَعْنَى. وَزَادَ: "آنِيَتُهُ عَدَدَ النُّجُومِ". 5846 - (2280) (35) وحدَّثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضرِ التَّيمِيُّ وَهُرَيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، (وَاللَّفْظُ لِعَاصِمٍ)، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. سَمِعْتُ أَبِي. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النبِيّ - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ-. قَال: "مَا بَينَ نَاحِيَتَي حَوْضِي كَمَا بَينَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمداني الكوفي (حدثنا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (جميعًا) أي كل من ابن مسهر وابن فضيل رويا (عن المختار بن فُلفُل) بفاءين مضمومتين بينهما لام ساكنة مولى عمرو بن حريث الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة المختار بن فُلفُل لعبد العزيز بن صهيب وساق المختار (بهذا المعنى) في العبارة قلب أي ساق بمعنى هذا الحديث الذي رواه عبد العزيز بن صهيب عن أنس وهو بمعنى قوله في موضع آخر وساق "بمعناه" (و) لكن (زاد) المختار على عبد العزيز لفظة (آنيته عدد النجوم). ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- سادسًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث آخر لأنس - رضي الله عنه - فقال: 5846 - (2280) (35) (وحدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (وهريم بن عبد الأعلى) بن الفرات الأسدي أبو حمزة البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ لعاصم) قالا: (حدثنا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25) بابا (عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما بين ناحيتي) أي جانبي وطرفي (حوضي) طولًا وعرضًا أي مسافة ما بين طرفيه (كما بين) أي مثل مسافة ما بين (صنعاء) اليمن (والمدينة) المنورة على من نورَّها أفضل الصلوات وأزكى التحيات.

5847 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيُّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ-، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنهُمَا شَكَّا فَقَالا: أَوْ مِثْلَ مَا بَينَ الْمَدِينَةِ وَعَمَّانَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ: "مَا بَينَ لابَتَي حَوْضِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى- اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا - رضي الله تعالى عنه- فقال: 5847 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي الربعي أبي بكر البصري، ثقة ثبت، من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثنا حسن بن علي) بن محمَّد الهذلي (الحلواني) أبو علي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو الوليد الطيالسي) هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (19) بابا (كلاهما) أي كل من هشام الدستوائي وأبي عوانة رويا (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) بن مالك (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة هشام وأبي عوانة لسليمان بن طرخان التيمي وساقا (بمثله) أي بمثل حديث سليمان بن طرخان (غير أنهما) أي لكن أن هشامًا وأبا عوانة (شكا) في الحديث (فقالا: أو) قال لنا قتادة ما بين ناحيتي حوضي (مثل ما بين المدينة وعمّان وفي حديث أبي عوانة) وروايته (ما بين لابتي حوضي) أي ناحيتيه وطرفيه إذ عليهما العطاش أي تحوم للورود، ولابتا المدينة جانباها لكثرة ما يصيب من فيهما من العطش لحرها وأصل اللابة الحرة وهي أرض أُلبست حجارة سودًا، زاد المطرز إذا كانت بين جبلين، الواحدة لابة ولوبة، وزاد أبو عبيد نوبة بالنون ولم يعرفه ابن الأعرابي والجمع باب ولوب ولابات في القليل، وقال الخليل: اللاب واللوب واللواب العطش اهـ من الأبي باختصار.

5848 - (00) (00) وحدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحَارِثِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الرُّزِّيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سعيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: قَال أَنَسٌ: قَال نَبِيُّ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ-: "تُرَى فِيهِ أَبَارِيقُ الذَّهَب وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُوم السَّمَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلاف الطرق في التعبير عن سعة الحوض ليس هو في حديث واحد حتى يكون اضطرابًا وإنما هو في أحاديث مختلفة من غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن متعددة فروى كل واحد ما سمع، واختلاف عبارته - صلى الله عليه وسلم - إنما هو بحسب ما سنح له من العبارة تقريبًا للأفهام فذكر ما بين كل بلدين من البعد لا على التقدير المحقق لما بينهما بل إعلام وكناية عن السعة، فبهذا يقع الجمع بين اختلاف هذه المقادير كما قال - صلى الله عليه وسلم - في آنيته: إنها عدد نجوم السماء فإنه إنما هو إشارة إلى المبالغة في الكثرة كما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} [الصافات: 147] اهـ من الأبي كما مر عن القرطبي. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثانيًا في حديث أنس هذا - رضي الله عنه - فقال: 5848 - (00) (00) (وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد بن عبد الله الرُّزّي) بضم المهملة وكسر الزاي المشددة أبو جعفر البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (قالا: حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبي النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة) بن دعامة (قال) قتادة: (قال أنس) بن مالك: (قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد لمن روى عن قتادة (تُرى) بالبناء للمفعول (فيه) أي في الحوض أي على جوانبه (أباريق الذهب والفضة) حالة كونها (كعدد نجوم السماء) كثرة ولعل اختلاف الجنسين باختلاف مراتب الشاربين من الأولياء والصالحين اهـ مرقاة. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثالثًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال:

5849 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ الله -صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ- قَال: مِثْلَهُ، وَزَادَ: "أَوْ أَكثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ". 5850 - (2281) (36) حدّثني الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ السَّكُونِيُّ. حَدَّثني أَبِي، (رَحِمَهُ الله)، حَدَّثَني زَيادُ بْنُ خَيثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5849 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شيبان لسعيد بن أبي عروبة (أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال): الحديث المذكور وساق شيبان (مثله) أي مثل ما حدّث سعيد (و) لكن (زاد) شيبان على سعيد لفظة (أو أكثر من عدد نجوم السماء) أي ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء أو أكثر أي بل أكثر منها، وأو هنا بمعنى بل الإضرابية مثل قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} [الصافات: 147]. ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- سابعًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث جابر بن سمرة -رضي الله عنهم- فقال: 5850 - (2281) (36) (حدثني الوليد بن شجاع بن الوليد) بن قيس الكندي أبو همام البغدادي (السكوني) نسبة إلى سكون محلة في بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شجاع بن الوليد بن قيس الكندي أبو بدر البغدادي السكوني، صدوق، من (9) روى عنه في (3) أبواب، وقوله: (رحمه الله) تعالى ترحم من الوليد لأبيه، وقع منه عندما حدّث الحديث للمؤلف نقله عنه مسلم محافظة على لفظ شيخه وهذا من شدة حفظه وضبطه وورعه، ساقط في بعض النسخ ولذا جعله بين قوسين، قال شجاع بن الوليد: (حدثني زياد بن خيثمة) الجعفي الكوفي، روى عن سماك بن حرب في الحوض ومجاهد والشعبي، ويروي عنه (م عم) وسماك بن حرب وزهير بن معاوية وهشيم ووكيع وثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال أبو داود: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة (عن سماك بن حرب) بن أوس البكري الذهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) روى

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله -صلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ- قَال: "أَلا إِنِّي فَرَط لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ. وَإِنَّ بُعْدَ مَا بَينَ طَرَفَيهِ كَمَا بَينَ صَنْعَاءَ وَأَيلَةَ. كَأَن الأَبَارِيقَ فِيهِ النُّجُومُ". 5851 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَال: كَتَبْتُ إلى جَابِر بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلامِي نَافِعِ: أَخْبِرْنِي بِشَيءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ-. قَال: فَكَتَبَ إِليَّ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إني فرط) أي فارطكم وسابقكم إلى الآخرة مهيئ (لكم) مصالحكم منتظركم (على الحوض) لأسقيكم منه ألا (وإن) معطوف على جملة إن الأولى أي ألا وإن (بُعد ما بين طرفيه كـ) بُعد (ما بين صنعاء) اليمن (وأيلة) ألا وكان الأباريق والكأسات التي يُشرب بها (فيه) أي عليه (النجوم) أي نجوم السماء في الكثرة. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى- عن أصحاب الأمهات الخمس. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنهما - فقال: 5851 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل) العبدري المدني كوفي الأصل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن المهاجر بن مسمار) الزهريّ مولاهم مولى سعد بن أبي وقاص المدني، مقبول، من (7) روى عنه في (2) بابين الجهاد والحوض، لم يرو عنه غير (م) (عن) مولاه (عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهريّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عامر: (كتبت) رسالة وأرسلت بها (إلي جابر بن سمرة) - رضي الله تعالى عنهما - (مع غلامي) وعبدي (نافع) بالجر بدل من غلامي. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عامر بن سعد لسماك بن حرب في الرواية عن جابر أي كتبت إليه بأن (أخبرني بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) عامر: (فكتب إلي) جابربـ (أني سمعته) - صلى الله عليه وسلم - (يقول: أنا الفرط) أي السابق المنتظر لكم (على الحوض) لأسقيكم به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف من هذا الباب في الأحاديث تسعة عشر: اثنا عشر راجع إلى الجزء الأول من الترجمة وسبعة إلى الجزء الثاني منها: الأول من تلك الأحاديث حديث جندب بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث سهل ذكره للاستشهاد لحديث جندب، والثالث: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد له أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستدلال على الجزء الثاني من الترجمة، والخاص: حديث أسماء بنت أبي بكر ذكره للاستشهاد به لحديث جندب، والسادس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث جندب، والسابع: حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد به لحديث جندب وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد به لحديث جندب وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد به لحديث جندب وذكر فيه متابعتين، والعاشر: حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد لحديث جندب، والحادي عشر: حديث حارثة بن وهب ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر فيه أربع متابعات، والثالث عشر: حديث أبي ذر الغفاري ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو، والرابع عشر: حديث ثوبان ذكره للاستشهاد لحديث عبد الله بن عمرو وذكر فيه متابعتين، والخامس عشر: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد لحديث جندب وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس عشر: حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو، والسابع عشر: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث جندب وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن عشر: حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو وذكر فيه ثلاث متابعات، والتاسع عشر: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو وذكر فيه متابعة واحدة. والحاصل أن الجزء الأول من الترجمة إثبات الحوض واستدل عليه بحديث جندب المذكور أولًا وذكر له عشر شواهد، والجزء الثاني تحديده واستدل عليه بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر له سبع شواهد، وشَتَّتَ المؤلفُ بين هذه الأحاديثِ، ورَجَّع أنّها الطالب كل حديث إلى محله بعد التدبر والتأمل في معانيها والله أعلم وهذا هو المهم في مسلم وغرضُه في كتابه. ***

690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقا، وما سئل شيئا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه

690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه 5852 - (2282) (37) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ بِشْر وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ. قَال: رَأَيتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ- وَعَنْ شِمَالِهِ يَوْمَ أُحُدِ، رَجُلَينِ عَلَيهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ. مَا رَأَيتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ- يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيلَ عَلَيهِمَا السَّلامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 690 - (4) - باب قتال الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشجاعته، وكونه أجود الناس، وكونه أحسنهم خلقًا، وما سُئل شيئًا وقال: "لا" قط، وكثرة عطائه 5852 - (2282) (37) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمَّد بن بشر) العبدي الكوفي (وأبو أسامة) حماد بن أسامة كلاهما (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني (عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن (عن سعد بن أبي وقاص) - رضي الله عنه-. وهذا السند من سداسياته (قال) سعد: (رأيت عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن شماله يوم) غزوة (أحد رجلين عليهما ثياب بياض) بالإضافة أي ثياب ذات بياض، قال سعد: (ما رأيتهما) أي ما رأيت الرجلين (قبل) أي قبل ذلك اليوم (ولا بعد) أي ولا بعد ذلك اليوم (يعني) سعد بالرجلين (جبريل وميكائيل عليهما السلام). وفي الحديث بيان كرامة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الله تعالى وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر وهذا هو الصواب خلافًا لمن زعم اختصاصه فإذا صريح في الرد عليه، وفي فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء بل يراهم بعض الصحابة والأولياء، وفيه منقبة عظيمة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة والله أعلم اهـ نووي. قال السنوسي: ذلك القتال على حسب المعتاد وإلا فأدنى حركة من الملك توجب هلاك الدنيا إذا أذن الله تعالى في ذلك كما اتفق في الأمم السابقة، وفي ذلك تقوية لقلوب المؤمنين وإرعاب للمشركين وكرامة عظيمة لنبينا محمَّد - صلى الله عليه وسلم -. والعلم بأنهما جبريل وميكائيل عليهما السلام لا يحصل إلا بإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه كرامة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال القرطبي: رؤية سعد

5853 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا سَعْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَال: لَقَدْ رَأَيتُ يَومَ أُحُدٍ، عَنْ يَمِينِ رَسُولِ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ يَسَارِهِ، رَجُلَينِ عَلَيهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ - رضي الله عنه - لهذين الملكين في ذلك اليوم كرامة من الله تعالى خصه بها كما قد خص عمران بن حصين بتسليم الملائكة عليه، وأسيد بن حضير برؤية الملائكة الذين تنزلوا لقراءة القرآن، وقتال الملائكة للكفار يوم بدر ويوم أحد لم يخرج عن عادة القتال المعتاد بين الناس ولو أذن الله تعالى لملك من أولئك الملائكة بأن يصيح صيحة واحدة لهلكوا في لحظة واحدة أو لخسف بهم موضعهم أو أسقط عليهم قطعة من الجبل المطل عليهم لكن لو كان ذلك لصار الخبر عيانًا والإيمان بالغيب مشاهدة فيبطل سر التكليف فلا يتوجه لوم ولا تعنيف كما قد صرح الله تعالى بذلك قولًا وذكرًا إذ قال: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيرًا} [الأنعام: 158] اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 171] , والبخاري في المغازي [4045] وفي اللباس باب لبس الثياب البيض [5826]. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث سعد - رضي الله عنه - فقال: 5853 - (00) (00) وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا) والدي (سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن سعد بن أبي وقاص) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لمسعر بن كدام (قال) سعد: والله (لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض) بالرفع صفة لثياب

يُقَاتِلانِ عَنْهُ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ. مَا رَأَيتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. 5854 - (2283) - (38) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَسعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ -وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى-، (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) حَمادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ الله -صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ. وَكَانَ أجْودَ النَّاسِ. وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع أبيض (يقاتلان) أي يدافعان الكفار (عنه) - صلى الله عليه وسلم - قتالًا (كأشد القتال) والكاف صفة لمصدر محذوف كما قدرناه (ما رأيتهما) أي ما رأيت الرجلين (قبل) أي قبل ذلك اليوم (ولا بعده). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو شجاعته - صلى الله عليه وسلم - وتقدمه للحرب بحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: 5854 - (2283) (38) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير (التميمي) النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (19) بابا (وسعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس) خُلقًا وخَلقًا (وكان أجود الناس) أي أكثرهم جودًا وسخاءً وهذا هو المعلولم من خُلقه - صلى الله عليه وسلم - فإنه ما سُئل قط شيئًا فمنعه إذا كان مما يصح بذله وإعطاؤه (وكان أشجع الناس) أي أشدهم إقدامًا على العدو. قال الحافظ في الفتح [10/ 457] اقتصار أنس على هذه الأوصاف الثلاثة من جوامع الكلم لأنها أمهات الأخلاق فإن في كل إنسان ثلاث قوى إحداها: الغضبية وكمالها الشجاعة، وثانيها: الشهوانية وكمالها الجود، وثالثها: العقلية وكمالها النطق بالحكمة، وقد أشار أنس إلى ذلك بقوله: أَحْسنَ الناسِ لأن الحسن يشمل الفعل

وَلَقَدْ فَزعَ أَهْلُ المدِينَةِ ذَاتَ لَيلَةِ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوتِ. فَتَلَقَّاهُم رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ- رَاجِعًا. وَقَد سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوتِ. وَهُوَ َعَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ. في عُنُقِهِ السَّيفُ وَهُوَ يَقُولُ: "لَمْ تُراعُوا. لَمْ تُرَاعُوا" قَال: "وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إنهُ لَبَحْرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والقول، ويحتمل أن يكون المراد بأحسن الناس حُسن الخلقة وهو تابع لاعتدال المزاج الذي يتبع صفاء النفس الذي منه جودة القريحة التي تنشأ عنها الحكمة اهـ. (ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة) أي سمعوا صوتًا يفزعهم في الليل فخافوا أن يهجم عليهم عدو (فانطلق ناس) أي ذهب ناس من المسلين (قبل الصوت) أي جهة الصوت الذي سمعوه تجسسًا وبحثًا عنه (فتلقاهم) أي فاستقبلهم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم راجعًا) من جهة الصوت بعد التجسس عنه (و) الحال أنه (قد سبقهم إلى) جهة (الصوت) تجسسًا وبحثًا عنه، قال ابن بطال: إن الإِمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين إلا أن يكون من أهل الفناء الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك وكان في النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما ليس في غيره ولا سيما مع علم أن الله يعصمه وينصره اهـ فتح الباري [6/ 123] (وهو) أي والحال أنه - صلى الله عليه وسلم راكب (على فرس لأبي طلحة) زوج أم سليم أم أنس -رضي الله عنهم-واسمه زيد بن سهل، وفيه جواز استعارة فرس، وقوله: (عرى) بضم العين وسكون الراء صفة ثانية لفرس وهو في الأصل مصدر لعري يعرى من باب رضي يرضى ولكن استعمل هنا بمعنى اسم الفاعل أي عمار عن السرح والإكاف، وركوب الفرس العربي صعب لا يقدر عليه إلا المتقنون الماهرون في سياسة الفرس لا سيما في الحرب فإذا يدل على كمال شجاعته وإتقانه في صناعة الحرب وسياسة الخيل والحال أنه (في عنقه) - صلى الله عليه وسلم (السيف وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا) مرتين للتأكيد أي لم يكن هناك شيء يروعكم ويخوفكم والروع: الخوف وهي كلمة قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسلية لأصحابه وتطمينًا لهم والمعنى لا تخافوا خوفًا مستقرًا لا تخافوا خوفًا يضركم، وفيه استحباب إعلام الناس بزوال الخوف بعد استكشاف حقيقة الحال، ثم (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن الفرس (وجدناه) أي وجدنا الفرس (بحرًا) أي كالبحر (أو قال: إنّه لبحر) أي واسع الجري سريع في العدو والركض كأنه بحر وقد يُستعمل البحر

قَال: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الفرس السريع خاصة (قال) أنس: وكان ذلك الفرس أولًا (فرسًا يبطأ) أي يعد بطيئًا أي يُعرف بالبطء والعجز في السير، قال العيني في العمدة [6/ 312] والبحر هو الفرس الواسع الجري، وزعم نفطويه أن البحر من أسماء الخيل وهو الكثير الجري لا يفنى جريه كما لا يفنى جري ماء البحر اهـ. قوله: (قال) أنس: (وكان) ذلك قبل ذلك اليوم (فرسًا يبطأ) على صيغة المجهول من التبطئة على وزن التزكية أي يُعرف بالبطاءة والعجز وسوء السير فوجده - صلى الله عليه وسلم - جميل السير والمشي فقال: "وجدناه بحرًا" أي واسع الجري كالبحر، وهذا من جملة معجزاته - صلى الله عليه وسلم - من انقلاب الفرس إلى كونه سريع السير بعد أن كان بطيئه والله أعلم اهـ دهني. وعبارة القرطبي هنا قوله: (وكان فرسًا يبطأ) أي يُنسب البطء إليه ويعرف به فلما ركبه - صلى الله عليه وسلم - أدركته بركته فسابق الجياد وصار نعم العتاد (يقال: فرس عتيد شديد تام الخلق سريع الوثبة معد للجري) والرواية المشهورة يبطأ بالمثناة تحت والموحدة من البطء ضد السرعة، وعند الطبري ثبطًا بالمثلثة أي ثقيلًا وهو بمعنى الأول، والفرس العربي الذي لا سرج عليه يقال: فرس عرى وخيل أعراء ويقال: رجل عريان ورجال عرايا. وفي هذا الحديث ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد جُمع له من جودة ركوب الخيل والشجاعة والشهامة والانتهاض الغائي في الحروب والفروسية وأهوالها ما لم يكن عند أحد من الناس ولذلك قال أصحابه عنه إنه كان أشجع الناس وأجرأ الناس في حال البأس ولذلك قالوا إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب وناهيك به فإنه ما ولى قط منهزمًا ولا تحدث أحد عنه قط بفرار اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 171] , والبخاري في أبواب كثيرة منها في الهبة باب من استعار فرسًا من الناس [2627] , وأبو داود في الأدب باب في صلاة العتمة [4988] , والترمذي في الجهاد باب ما جاء في الخروج عند الفزع [1685 و 1687] وابن ماجه في الجهاد باب الخروج في التفسير [2797]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5855 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ. فَاسْتَعارَ النَّبيُّ -صلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ- فَرَسًا لأَبِي طَلْحَة يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ. فَرَكِبَهُ فَقَال: "مَا رَأَينَا مِنْ فَزَعٍ. وإنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا". 5856 - (00) (00) وحدَّثناه مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيى بْنُ حَبِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5855 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت (قال: كان بالمدينة فزع فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسًا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرًا). قوله: (يقال له مندوب) وهو اسم علم لذلك الفرس، وقيل: إنه سُمي بذلك لأنه كان يسبق فيحوز الندب وهو الرهبان الذي يجعل للسابق وكأنه حدث له هذا الاسم بعد أن ركبه - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر أنه كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرس يسمى مندوبًا، ويحتمل أن يكون هذا الفرس انتقل من ملك أبي طلحة إلى ملك النبي - صلى الله عليه وسلم - إما بالهبة وإما بالابتياع، ويحتمل أن يكون فرسًا آخر وافقه في ذلك الاسم والله أعلم اهـ من المفهم. قوله: (وإن وجدناه لبحرًا) إن مخففة من الثقيلة واللام لام الابتداء وتسمى المزحلقة لأنها زُحلقت عن محلها لأن محلها المبتدأ فزُحلقت عنه إلى الخبر ولفظ بحرًا هو خبر المبتدأ دخل عليهما الناسخ، وما ذكره الحافظان هنا العيني وابن حجر تعسف لا يليق بهما أو سبق قلم أر سهو والله أعلم. فإنهما ذكرا أن اللام زائدة على مذهب البصريين وإن نافية والسلام بمعنى إلا على مذهب الكوفيين وليس كذلك بل الصواب ما قلناه. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثانيًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 5856 - (00) (00) وحدثناه محمَّد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمَّد بن جعفر ح وحدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) روى عنه

حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ قَال: فَرَسًا لَنَا. وَلَم يَقُلْ: لأَبِي طَلْحَةَ، وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ: عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنسًا. 5857 - (2284) (39) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ، محمَّد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (قالا): أي قال محمَّد بن جعفر وخالد بن الحارث (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعتهما لوكيع بن الجراح (و) لكن (في حديث ابن جعفر) وروايته لفظة (قال) أنس: (فرسًا لنا ولم يقل) أنس (لأبي طلحة وفي حديث خالد) وروايته (عن قتادة سمعت أنسًا) لا بالعنعنة. ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عباس - رضي الله تعالى- عنهما فقال: 5857 - (2284) (39) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي الكاتب، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدَّثنا إبراهيم ويعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الزهريّ) محمَّد بن مسلم الأصبحي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (ح وحدثني أبو عمران محمَّد بن جعفر بن زياد) الخراساني البغدادي المعروف بالوركاني بفتحتين نسبة إلى وركان اسم محلة أو قرية، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لمحمد بن جعفر لا لابن أبي مزاحم (أخبرنا إبراهيم) بن سعد الزهريّ (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن ابن عباس) - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس: (كان

رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- أَجْوَدَ الناسِ بِالْخَيرِ. وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ. إِن جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ كَانَ يَلْقَاهُ، في كُلِّ سَنَةٍ، في رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ. فَيَعْرِضُ عَلَيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- الْقُرْآنَ. فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- أَجْوَدَ بِالْخَيرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير) أي أكثر الناس جودًا وسخاء بالخير (وكان أجود ما يكون في شهر رمضان) وأجود بالرفع اسم كان وما مصدرية وجملة صلة ما المصدرية في تأويل مصدر مجرور بإضافة اسم كان إليه ويكون تامة والجار والمجرور في قوله: في شهر رمضان خبر كان، والتقدير وكان أجود أكوانه وأحواله حاصلًا في شهر رمضان فالمراد بالأكوان الأحوال كما فسرناه بالعطف التفسيري، قال القرطبي: إنما كان ذلك منه لأوجه أحدها رغبة في ثواب شهر رمضان فإن أعمال الخير فيها مضاعفة الأجر وليعين الصائمين على صومهم وليفظرهم فيحصل له مثل أجورهم ولأنه كان يلقى فيه جبريل لمدارسة القرآن فكان يتجدد إيمانه ويقينه مقاماته وتظهر عليه بركاته فيا له من لقاء ما أكرمه ومن مشهد ما أعظمه أي وكان أجود أحواله إذا كان في شهر رمضان فـ (إن جبريل - عليه السلام - كان يلقاه) صلى الله عليه وسلم (في كل سنة في) ليالي (رمضان) كلها (حتى ينسلخ) ويخرج رمضان (فيعرض عليه) أي على جبريل ويقرأ عليه (رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) كل ليلة ليرسخ له ويستقر في ذهنه، وفيه استحبابُ الإكْثارِ من تلاوة القرآن في رمضان (فإذا لقيه) صلى الله عليه وسلم (جبريل) ليقرأ عليه القرآن (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم أجود بالخير) أي أسرع الناس جودًا وسخاءً بالخير (كالريح المرسلة) أي المطلقة من مستقرها والمراد كالريح في إسراعها وعمومها اهـ نووي. وفي القرطبي (كان أجود من الريح المرسلة) أي بالمطر، وفيه جواز المبالغة والإغياء في الكلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 363] , والبخاري في مواضع كثيرة منها في الصوم باب أجود ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في رمضان [1902]، والنسائي في الصيام باب الفضل والجود في رمضان [2095]. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال:

5858 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكِ، عَنْ يُونسَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر. كِلاهُمَا عَنِ الزهْرِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَهُ. 5859 - (2285) (40) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورِ وَأَبُو الرَّبِيعِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 5858 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن يونس) بن يزيد الأيلي الأموي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (خ وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من يونس ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس وساقا (نحوه) أي نحو ما حدّث إبراهيم بن سعد، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة يونس ومعمر لإبراهيم بن سعد. قوله: (من الريح المرسلة) بصيغة اسم المفعول أي في عموم المنفعة والسرعة على أن الريح قد تكون خالية من المطر وقد تكون جالبة للضرر، وقيل: المراد بالريح الصبا، قال النووي: وفيه الحث على الجود والزيادة في رمضان وعند لقاء الصالحين وعلى مجالسة أهل الفضل وزيارتهم وتكريرها ما لم يورث التكرار كراهة واستحباب كثرة التلاوة سيما في رمضان ومدارسة القرآن وغيره من العلوم الشرعية وأن القراءة أفضل من التسبيح والأذكار اهـ شرح الشفاء لعلي القاري اهـ دهني. ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: 5859 - (2285) (40) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (قالا: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) بضم الموحدة وبنونين نسبة إلى بنانة من بني سعد بن لؤي بن غالب وموضع لهم

عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك. قَال: خَدَمْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- عَشْرَ سِنِينَ. وَاللهِ، مَا قَال لِي: أُفَّا قَطُّ، وَلَا قَال لِي لِشَيءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ زَادَ أَبُو الرَّبِيعِ: لَيسَ مِمَّا يَصْنَعُهُ الْخَادِمُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: وَاللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالبصرة مولاهم أبي محمَّد البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين) تقريبًا، فلا ينافي رواية تسع سنين (والله) أي أقسمت باللهِ الذي لا إله غيره (ما قال لي) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك المدة الطويلة (أُفًّا) بالفتح والتنوين للتنكير أي أتضجر منك فيقال في إعرابه أفّا اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًا، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا وإسناده إلى المتكلم تقديره أنا، وجملة اسم الفعل في محل النصب مقول قال: والضجر الكسل أي ما قال لي (قط) تضجرت من حالك وسوء أدبك وشغلك، وقط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي مبني على الضم لشبهه بالحرف شبهًا وضعيًا لكونها على حرفين في بعض لغاتها وحملًا للباقي عليه، وإنما حُرّكت فرارًا من التقاء الساكنين وكانت الحركة ضمة لشبهه بأسماء الغايات، قال القرطبي: و (أف) كلمة ذم وتحقير واستقذار، وأصل الأف والتف وسخ الأظفار وفيها عشر لغات أف بغير تنوين بالفتح والضم والكسر في الفاء مع ضم الهمزة، وبالتنوين للتنكير مع الأوجه الثلاثة في الفاء مع ضم الهمزة وبكسو الهمزة وفتحها ويقال: أُفِى وأفِه، وفي الصحاح يقال: كان ذلك على أفِ ذلك وإفائه بكسرها أي في حينه وأوانه اهـ من المفهم (ولا قال لي) في تلك المدة (لشيء) فعلته مما لا يعجبه (لم فعلت كذا و) لشيء تركته مما يريده (هذا فعلت كذا) وهذا هنا حرف تنديم لا تحضيض كما في الأبي (زاد أبو الربيع) الزهراني في روايته لفظة (ليس مما يصنعه الخادم) أي ولا قال لي لشيء فعلته ليس ذلك الشيء مما يصنعه الخادم المؤدب لم فعلت كذا (و) لكن (لم يذكر) أبو الربيع القسم من (قوله: والله) في أول الكلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 195] , والبخاري في مواضع منها في الأدب باب حسن الخلق [6058] , وأبو داود في الأدب باب في الحلم [4774].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة الأبي هنا قوله: (خدمت عشر سنين) وفي الرواية الآتية (تسع سنين) قال القاضي عياض: لا معارضة بينهما في العدد لأنه حسب في رواية التسع السنين الكاملة ولم يحسب ما زاد عليها من المشهور فقال: تسع سنين فأسقط شهور السنة الأولى التي ابتدأ خدمته فيها، وفي رواية العشر حسبها فقال: عشر سنين لأن مدة مقامه - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة من قدومه إلى وفاته عشر سنين فقط بلا زيادة ساعة ولا دقيقة لأنه - صلى الله عليه وسلم - توفي في النهار في الساعة التي قدم فيها وبعد استقراره - صلى الله عليه وسلم - في المدينة كانت خدمة أنس - رضي الله عنه - وهو ابن عشر سنين، وقيل: ابن ثمان وفي الحقيقة هو خدمه تسمع سنين ونصفًا مثلًا فكملت النصف رواية العشر وأسقطته روايته التسع فهو اختلاف لفظي، قوله: (ما قال لي أُفًّا قط) قال القاضي عياض: أُفّ كلمة معناها الضمير والكسل وهو اسم فعل مضارع أُتي بها اختصارًا للكلام وتستعمل للواحد وللاثنين وللجماعة بلفظ واحد ومنه قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وفيها لغات كثيرة أوصلها ابن عطية إلى أربعين كما فصلها الحافظ في الفتح وهي معرفة إن لم تنون ونكرة إن نونت كما هو شأن أسماء الأفعال فيما استعمل بالوجهين كصه ومه ومعنى المعرفة في الآية لا تقل لهما القول القبيح ومعنى النكرة لا تقل لهما قولًا قبيحًا كما في حديث الباب (ما قال لي أفا قط) أي ما قال لي قط قولًا قبيحًا، قال الهروي: تقال في كل ما يتضجر منه ويستثقل، وقيل معناها الاحتقار مأخوذة من الأفف وهو القليل من الشيء، وفي الحديث "فألقى ثوبه على أنفه، وقال: أف أف" وقال ابن الأنباري: الأف والتف وسخ الأظفار استعملت فيما يستقذر وفيها عشر لغات ضم الهمزة وفي الفاء الحركات الثلاث منونة وغير منونة فهذه ست لغات، وضم الهمزة وسكون الفاء وكسر الهمزة وفتح الفاء وأمّا بالألف وأفت بالتاء بضم الهمزة فيهما فهذه أربعة مع الستة السابقة عشرة. قال المازري: وأما (قط) ففيها خمس لغات فتح القات وضمها مع تشديد الطاء المضمومة وفتح القاف مع سكون الطاء وكسرها مشددة ومخففة وهي لتوكيد نفي الماضي المنفي، وقوله: (لم فعلت كذا .. إلخ) المقصود منه ترك العتاب على ما فات لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه، وفائدته تنزيه اللسان عن الزجر والذم واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته، ولا شك أن ذلك من أعلى مراتب الحلم، وقوله:

5865 - (00) (00) وحدّثناه شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ. بِمِثْلِهِ. 5861 - (00) (00) وحدَّثناه أَحْمَدُ بْنُ حَنبَلٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (هذا فعلت كذا) قال الأبي: أيضًا هلا إذا دخلت على الماضي كانت للتندم صيان دخلت على المضارع كانت للتحريض والحض على الفعل، وعدم اعتراضه - صلى الله عليه وسلم - على أنس إنما هوفيما يرجع إلى الخدمة والأدب لا فيما هو تكليف شرعي لأن هذا لا يجوز ترك الاعتراض فيه وفيه مدحة الإنسان إذا لم يرتكب ما يوجب الاعتراض اهـ منه، قوله: (ليس مما يصنعه الخادم) هكذا وقع في كثير من النسخ المطبوعة لكن وقع في نسخة الأبي (لشيء مما يصنعه الخادم) وهو الذي ذكره الحافظ في الفتح [10/ 460] وهو مستقيم المعنى لأن المراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل ذلك لشيء مما يصنعه الخادم، أما ما وقع في النسخة المطبوعة من لفظ ليس فلا يظهر له وجه والظاهر أنه تصحيف من بعض النساخ اهـ تكملة. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 5860 - (00) (00) (حدثناه شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سلام بن مسكين) بن ربيعة الأزدي النمري أبو روح البصري، روى عن ثابت البناني في دلائل النبوة والحسن وقتادة، ويروي عنه (خ م د س ق) وشيبان بن فروخ ويحيى القطان وابن مهدي وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في التقريب: ثقة رُمي بالقدر، من السابعة، مات سنة (167) سبع وستين ومائة، ويقال اسمه سليمان، محدِّث إمام (حدثنا ثابت البناني عن أنس) هذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سلام لحماد بن زيد وساق سلام (بمثله) أي بمثل حديث حماد بن زيد لفظًا ومعنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 5861 - (00) (00) (وحدثناه أحمد) بن محمَّد (بن حنبل) الشيباني المروزي خرج من مرو حملًا ثم وُلد ببغداد اهـ تقرير الخزرجية، ثقة حجة حافظ إمام فقيه، أحد الأئمة الأربعة المشهورين وآخرهم من (10) روى عنه في (10) أبواب (وزهير بن حرب جميعًا)

عَنْ إِسْمَاعِيلَ، (وَاللَّفظُ لأَحْمَدَ)، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ- الْمَدِينَةَ، أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ-. فَقَال: يَا رَسُولَ الله إِنَّ أَنَسًا غُلامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ. قَال: فَخَدَمْتُهُ في السَّفَرِ وَالْحَضَرِ. وَاللهِ مَا قَال لِي لِشَيء صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كلاهما رويا (عن إسماعيل) بن إبراهيم (واللفظ لأحمد قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن عليه اسم أمه، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (حدثنا عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري الأعمى، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لثابت (قال) أنس: (لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة) مقدم هجرته (أخذ أبو طلحة) بيدي زوج أمي أم سليم زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي (فانطلق بي) أي ذهب (إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بعد أشهر من مقدمه (فقال) أبو طلحة: (يا رسول الله إن أنسًا) هذا (غلام) أي وّلد (كيّس) أي عاقل حاذق ذكي يصلح للخدمة (فليخدمك) من باب نصر مجزوم بلام الأمر، قوله: (فانطلق بي أبو طلحة) إلخ يعارضه ما ورد في بعض الروايات من أن أم سليم هي التي أحضرته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخدمة قلت: لا منافاة بينهما لأنه يحتمل أن يكون كل منهما أتى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد المشاورة فيما بينهما والله أعلم (قال) أنس: (فخدمته - صلى الله عليه وسلم - في السفر والحضر) وقد يقال: قد ورد في قصة غزوة خيبر عند البخاري في المغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلب من أبي طلحة خادمًا يخدمه في السفر فأحضر أبو طلحة أنسًا ويُشكل هذا على حديث الباب الذي يدل على أنه أحضره عند قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وغزوة خيبر وقعت بعد ذلك بنحو سبع سنين وبينهما معارضة، وأُجيب عن ذلك الإشكال بأنه - صلى الله عليه وسلم - لما أراد خيبر طلب من أبي طلحة من يكون أسن من أنس وأقوى على الخدمة في السفر فعرف أبو طلحة من أنس القوة على ذلك فأحضره فلهذا قال أنس في هذه الرواية خدمته في الحضر والسفر، قال أنس: (والله) الذي لا إله غيره (ما قال لي) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لشيء صنعته) على خلاف ما يرضيه (لم صنعت هذا

هَكَذَا؟ وَلَا لِشَيءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟ . 5862 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محَمَّد بْنُ بِشرٍ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ. حَدَّثَني سَعيدٌ، (وَهُوَ ابْنُ أبي بُرْدَةَ)، عَنْ أَنَسٍ، قَال: خَدَمْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَال لِي قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شَيئًا قَطُّ. 5863 - (2286) (41) حدّثني أبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هكذا ولا لشيء) تركته و (لم أصنعه) مما أمرني به (لم لم تصنع هذا هكذا). ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة ثالثًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 5862 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (قالا: حدثنا محمَّد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الوادعي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (حدثني سعيد وهو ابن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي بردة لثابت البناني وعبد العزيز البناني (قال) أنس: (خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين) وقد سبق في الرواية السابقة أنه خدمه عشر سنين، وقد حقق الحافظ في الفتح [10/ 460] أنه خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين وأشهرًا فألغى الكسر في هذه الرواية فقال: تسع سنين، وجبره في الرواية السابقة فقال: عشر سنين كما مر هناك عن الأبي (فما أعلمه) صلى الله عليه وسلم (قال لي قط) في تلك المدة الطويلة (لم فعلت كذا وكذا ولا) أعلمه (عاب على شيئًا) فعلته على خلاف مراده (قط) متعلق بعاب. وفي هذا الحديث بيان كمال خُلُقه - صلى الله عليه وسلم - وحُسن عشرته وحلمه وصفحه اهـ نووي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس المذكور بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5863 - (2286) (41) (حدثني أبو معن الرقاشي) نسبة إلى رقاش بطن من ثقيف

زَيدُ بْنُ يَزِيدَ. أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكرِمَةُ، (وهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ)، قَال: قَال إِسْحَاقُ: قَال أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا. فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أن أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ الله -صلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ-، فَخَرَجْتُ حَتى أَمُرَّ َعَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ في السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي. قَال: فَنَظَرْتُ إِلَيهِ وَهُوَ يَضحَكُ. فَقَال: "يَا أُنَيسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (زيد بن يزيد) الثقفي البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (قال) عكرمة: (قال إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (قال) عمي (أنس) بن مالك الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خُلُقًا فأرسلني يومًا) من الأيام (لحاجة) من حوائجه (فقلت) له: (والله) أنا ما أقدر و (لا أذهب) في قضائها أي فقلت بلساني أنا والله لا أذهب (وفي نفسي) أي والحال أنه في نفسي وقصدي (أن أذهب لما أمرني به نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) أي لقضائه، قال الطيبي: يحمل قوله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لا أذهب وأمثاله على أنه كان صبيًّا غير مكلف، قال الجزري: ولذا ما أدبه بل داعبه وأخذ بقفاه وهو يضحك رفقًا به، وقد صرح أنس أنه كان في نيته أن يذهب ولكنه إنما قال ذلك مداعبة كما يفعله بعض الصبية بالكبار ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تفطن بذلك، قوله: (فخرجت) من عنده معطوف على قلت ومشيت (حتى أمر) أي حتى مررت (على صبيان وهم) أي والحال أن الصبيان (يلعبون في) ملاعب (السوق) فجعلت أنظر إليهم (فإذا) الفاء عاطفة وإذا فجائية، وقوله: (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قبض بقفاي من ورائي) معطوف على محذوف قدرناه أي فجعلت أنظر إليهم ففاجأني قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقفاي من ورائي وخلفي، والقفا مؤخر الرأس (قال) أنس: (فنظرت إليه) - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف ورائي (وهو) - صلى الله عليه وسلم - أي والحال أنه (يضحك) بي ولم يغضب علي لكمال حُسن خُلقه (فقال) لي: (يا أنيس) تصغير شفقة

أَذَهَبْتَ حَيثُ أَمَرْتُكَ؟ " قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. أَنَا أَذْهَبُ، يَا رَسُولَ الله. - قَال أَنَسٌ: وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُهُ قَال لِشَيءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَيءٍ تَرَكْتُهُ: هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا. 5864 - (00) (00) وحدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (أذهبت) أي هل ذهبت لقضاء حاجتي (حيث أمرتك) أي إلى المكان الذي أمرتك بالذهاب إليه لقضاء حاجتي (قال) أنس: (قلت) له - صلى الله عليه وسلم -: (نعم أنا أذهب) إليه الآن (يا رسول الله) أي أنا في سبيلي وذهابي إليه إن شاء الله تعالى، قال السنوسي: قوله: (نعم) مع أنه لم يذهب إليه إنما قاله لأنه كان جازمًا بالذهاب، قوله: (أنا أذهب) قال هذا لأنه لم يكن في سن التكليف اهـ. (قال أنس) - رضي الله عنه - بالسند السابق: (والله لقد خدمته) - صلى الله عليه وسلم - (تسع سنين ما علمته قال) لي: (لـ) أجل (شيء صنعته) على خلاف ما يرضيه (لم فعلت كذا وكذا أو (قال في: (لـ) أجل (شيء تركته هذا فعلت كذا وكذا). وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى-عن أصحاب الأمهات. وقد سبق لك عن الأبي أن هذا إذا دخلت على الماضي كانت للتندم. قال القرطبي: (وقول أنس والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب) هذا القول صدر عن أنس في حال صغره وعدم كمال تمييزه إذ لا يصدر مثله ممن كمُل وذلك أنه حلف بالله على الامتناع من فعل ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشافهة وهو عازم على فعله فجمع بين مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الإخبار بامتناعه والحلف باللهِ على نفي ذلك مع العزم على أنه كان يفعله وفيه ما فيه ومع ذلك فلم يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - لشيء من ذلك ولا عرج عليه ولا أذبه بل داعبه وأخذ بقفاه وهو يضحك رفقًا به واستلطافًا له ثم قال: "يا أنيس اذهب حيث أمرتك" فقال له أنا أذهب وهذا كله مقتضى خلقه الكريم وحلمه العظيم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أنس هذا - رضي الله عنه - فقال: 5864 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (قالا: حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن

عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. 5865 - (2287) (42) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله قَال: مَا سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- شَيئًا قَطُّ فَقَال: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكوان التميمي العنبري مولاهم أبو عبيدة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي التيّاح) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة يزيد بن حميد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب، وقال في التقريب: ثقة ثبت، مشهور بكنيته (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي التياح وإسحاق بن عبيد الله (قال) أنس: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلقًا) بضمتين. ثم استدل المؤلف -رحمه الله تعالى- على الجزء الخامس من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - فقال: 5865 - (2287) (42) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة) الأعور الكوفي ثم المكي (عن) محمَّد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة فاضل، من (3) روى عنه في (11) بابا (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر: (ما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا) من متاع الدنيا وحطامها (قط) أي في زمن من الأزمان الماضية في عمره (فقال: لا) أعطيك، قال في نسيم الرياض: معناه أنه صلى الله عليه وسلم إذا أتاه مستحق يطلب عطاءه لا يخيبه ولا يقول له لا قط بدليل قوله حتى إذا لم يجد شيئًا اقترض له أو قال له اثتني غدًا أو نحوه وهذا هو الذي عناه حسان - رضي الله عنه - بقوله: ما قال لا قط إلا في تشهده ... لولا التشهد لم تسمع له لا لا وهو باعتبار الغالب فإن النادر كالمعدوم فهو مبالغة معروفة مألوفة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب حُسن الخُلق والسخاء وما يُكره من البخل [6034].

5866 - (00) (00) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا الأَشجَعِي. ح وحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ، (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ)، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ. مِثْلَهُ، سَوَاءً. 5867 - (2288) (43) وحدَّثنا عَاصِمُ بْنُ النضْرِ التَّيمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ واستشكل هذا الحديث بعضهم بما ورد في القرآن الكريم من قوله: {لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيهِ} [التوبة: 92] وبما رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للأشعريين: "والله لا أحملكم" كما مر في الأيمان والنذور وقد تكلف البعض في الإجابة عن هذا الإشكال بتوجيهات لا تبدو سائغة والذي يظهر في الجواب عنه أن يقال إن حديث جابر هذا جايى على وفق كلام الناس بتنزيل البعض منزلة الكل، والحاصل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرد سائلًا بدون عذر وليس المراد أنه لم ينطق كلمة لا قط في حالة العذر والعُسر والله أعلم. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث جابر - رضي الله عنه - فقال: 5866 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء (حدثنا) عبيد الله بن عبد الرحمن (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي نزيل بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثني محمَّد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) أي كل من الأشجعي وابن مهدي رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن محمَّد بن المنكدر) التيمي المدني (قال) ابن المنكدر: (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني - رضي الله تعالى عنهما - (يقول): هذا الحديث. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن محمَّد بن المنكدر وساق سفيان الثوري (مثله) أي مثل حديث سفيان بن عيينة حالة كون حديث المتابع والمتابع (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى وأتى بسواء تأكيدًا لمعنى المماثلة ولذلك لم يأت بالاستثناء كعادته والله أعلم. ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث جابر بحديث أنس - رضي الله تعالى عنهما - فقال: 5867 - (2288) (43) (وحدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو

حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أبِيهِ، قَال: مَا سُئِل رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ- عَلَى الإِسْلامِ شَيئًا إلا أَعْطَاهُ. قَال: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ. فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقَال: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا حميد) بن أبي الحميد تير مولى طلحة الطلحات أبو عبيدة الطويل البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري قاضيها، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (ما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام) متعلق بالإعطاء الآتي (شيئًا) مفعول ثان لسئل أي ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من متاع الدنيا (إلا أعطاه) أي إلا أعطى ذلك الشيء استئلافًا على الإِسلام واستئناسًا وتقوية عليه إن دخل في الإِسلام وضعف إيمانه واستجلابًا إلى الإِسلام وترغيبًا فيه إن لم يدخل فيه بأن كان من أشراف قومه وبإعطائه يدخل هو وقومه في الإِسلام (قال) أنس: (فجاءه) - صلى الله عليه وسلم - (رجل) من المشركين، قال في نسيم الرياض: ذلك الرجل هو صفوان بن أمية الجمحي القرشي الآتي ذكره فيما بعد، له صحبة، وكنيته أبو وهب أسلم بعد يوم الفتح وشهد حنينًا والطائف وهو مشرك فلما أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفيء ما ذكر قال: أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي فأسلم اهـ منه. (فأعطاه) أي فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل (غنمًا) كثيرة لكثرتها تكاد أن تملأ ما (بين جبلين) وكان ذلك العطاء من غنائم حنين، قال الأبي: وفي هذا وفيما بعده إعطاء المؤلفة ولا خلاف في إعطاء المؤلفة المسلمين، وإنما اختلف فيما يُعطون منه فقيل: يُعطون من بيت المال ومن الزكاة، وقيل من بيت المال فقط، وأما مؤلفة الكفار فلا يُعطون من الزكاة، واختلف هل يُعطون من بيت المال والأصح عند المالكية لا يُعطون أصلًا لأن الله تعالى قد أعز الإِسلام فلا حاجة إلى الترغيب فيه بالمال اهـ (فرجع) ذلك الرجل (إلى قومه) المشركين (فقال) لهم: (يا قوم أسلموا) أي ادخلوا في الإِسلام وآمنوا بمحمد (فإن محمدًا يعطي عطاء) من (لا يخشى) ولا يخاف (الفاقة)

5868 - (00) (00) - حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ؛ أَن رَجُلًا سَأَلَ النَّبيَّ - صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ - غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ، فَأَعْطَاهُ إِياهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَال: أَي قَوْمِ، أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِن مُحمدا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ. فَقَال أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفقر لثقته بالله وتوكله عليه يُعطي جميع ما عنده فلا يبقي لنفسه شيئًا يدخَّر لها، قال الأبي: لم يأمرهم بالإِسلام رغبة في الإعطاء بل لظهور دليل صدقه - صلى الله عليه وسلم - عنده لأن إدعاء النبوة مع جزيل العطاء يدل على وثوقه - صلى الله عليه وسلم - بمن أرسله لأن الله تعالى هو الغني الذي لا يُعجزه شيء اهـ ويؤيد ما ذكره الأبي الرجل لا يخشى الفاقة يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخشى الفاقة لكمال ثقته بالله تعالى ومثل هذه الثقة لا يكاد يحصل لغير نبي وكذلك يؤيده ما سيأتي من قوله: (أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي). وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم -رحمه الله تعالى- عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 5868 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لموسى بن أنس (أن رجلًا) من المشركين هو صفوان بن أمية كما مر آنفًا (سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - غنمًا) يملأ (بين جبلين) قال القرطبي: يعني غنمًا ملء ما بين جبلين كانا هنالك وكان هذا والله أعلم يوم حنين لكثرة ما كان هنالك من غنائم الإبل والبقر والغنم والذراري ولأن هذا الذي أُعطي هذا القدر كان من المؤلفة قلوبهم ألا ترى أنه رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإِسلام لأجل العطاء اهـ من المفهم (فأعطاه) أي فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (إياه) أي غنمًا بين جبلين (فأتى قومه) المشركين (فقال) لهم: (أي قوم) أي يا قوم وأي حرف نداء القريب (أسلموا) أي ادخلوا في الإِسلام (فوالله إن محمدًا ليعطي عطاءً) كثيرًا (ما يخاف) أي لا يخاف آخذه بعده (الفقر) أو ما يخاف محمَّد الفقر (فقال أنس) بالسند السابق: (إن كان الرجل) إن مخففة

لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إلا الدُّنْيَا. فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيهَا. 5869 - (2289) (44) وحدَّثني أبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ اسمها ضمير الشأن محذوف أي إن الشأن والحال كان الرجل من المشرك (ليسلم) أي ليدخل في الإِسلام ظاهرًا والحال أنه (ما يريد) بإسلامه (إلا) نيل (الدنيا) وإصابتها (فما بسلم) ذلك الرجل للدنيا (حتى يكون الإِسلام) متمكنًا في قلبه منشرحًا في صدره ويكون الإِسلام (أحب إليه) أي عنده (من الدنيا) أي من نيل ملك الأرض (وما عليها) أي وما على الأرض من نعيمها وزخرفها، قال النووي: قوله: (إن كان الرجل ليسلم حتى يكون) إن مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها في قوله: ليسلم، قوله: (فما يسلم حتى يكون الإِسلام) معناه فما يلبث بعد إسلامه إلا يسيرًا حتى يكون الإِسلام أحب إليه والمراد أنه يُظهر الإِسلام أولًا للدنيا لا بقصد صحيح بقلبه ثم من بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونور الإِسلام لم يلبث إلا قليله حتى ينشرح صدره بحقيقة الإيمان ويمكن من قلبه فيكون حينئذٍ أحب إليه من الدنيا وما فيها اهـ نووي. وقال القرطبي: ومقصود أنس من هذا الأثر أن الرجل كان يدخل في دين الإِسلام رغبة في كثرة العطاء فلا يزال يُعطى حتى ينشرح صدره للإسلام ويستقر فيه ويتنور بأنواره حتى يكون الإِسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها كما صرح بذلك صفوان بن أمية حيث قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وأنه لأبغض الناس إليّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ وهكذا اتفق لمعظم المؤلفة قلوبهم اهـ من المفهم. قوله: (فما يسلم حتى يكون الإِسلام) إلخ هكذا (يُسلم) في معظم النسخ، وفي بعضها (فما يمسي) وكلاهما صحيح يعني ما يلبث إلا يسيرًا حتى يكون الإِسلام أحب. ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث جابر ثانيًا بمرسل ابن شهاب إلى قوله مائة ثم مائة ثم أسنده من طريق ابن المسيب عن صفوان وبهذا الطريق آخرجه الترمذي في الزكاة [666] فقال: 5869 - (2289) (44) (وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد (عن ابن

شِهَابٍ. قَال: غَزَا رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ- بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَاقْتَتَلُوا بِحُنَينٍ. فَنَصَرَ الله دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ. وَأَعْطَى رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةَ مِنَ النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً. قَال ابْنُ شِهَابِ: حَدَّثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ صَفْوَانَ قَال: وَاللهِ، لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ- مَا أَعْطَانِي، وَإنهُ لأَبْغَضُ النَّاسِ إِليَّ. فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنهُ لأَحَبَّ الناسِ إِليَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ شهاب) الزهريّ (قال) الزهريّ: (غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الفتح فتح مكة) بدل مما قبله أو عطف بيان (ثم) بعد ما فرغ من غزوة الفتح (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه) أي مع من معه (من المسلمين) والطلقاء إلى حنين (فاقتتلوا) مع المشركين (بحنين) واد بين مكة والطائف (فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ) أي يوم غزوة حنين من غنائم حنين (صفوان بن أمية مالة من النعم) أي من الإبل (ثم) ثانيًا (مائة ثم) ثالثًا (مائة) من الإبل فكمل له ثلاثمائة، وهو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب الجمحي وإن أحد العشرة الذين انتهى إليه الشرف في الجاهلية وأبوه أمية بن خلف قُتل ببدر كافرًا وأن صفوان هرب يوم فتح مكة وأسلمت امرأته ناجية بنت الوليد بن المغيرة وأحضر له ابن عمه عمير بن وهب أمانًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فحضر وشهد حنينًا والطائف وهو مشرك واستعار منه النبي - صلى الله عليه وسلم - سلاحًا وأعطاه يوم حنين من الغنائم فأكثر حتى قال صفوان: (أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي) فأسلم ورد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأته ناجية ونزل صفوان على العباس بالمدينة ثم أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرجوع إلى مكة فأقام بها حتى مات بها مقتل عثمان - رضي الله عنه -، وقال الزبير: جاء نعي عثمان حين سُوِّي على صفوان اهـ من الإصابة [2/ 181] (وقال ابن شهاب) بالسند السابق واصلًا ما أرسله أولًا كما أشرنا إليه أولًا (حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني) من الغنائم (وإنه) - صلى الله عليه وسلم - (لأبغض الناس إلى) أي أشد الناس بغضًا عندي (فما برح) أي فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعطيني) مرة بعد مرة (حتى إنه) - صلى الله عليه وسلم - (لأحب الناس إلى)

5977 - (60) حدثنا عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ عَمْرِو، عَنْ محمد بْنِ عَلِيٍّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لأشد الناس حبًّا عندي، قال علي القاري في شرح الشفاء: وذلك لعلمه - صلى الله عليه وسلم - أن دواءه من دار الكفر ذلك المنتج إسلامه إذ الطبيب الماهر يعالج بما يناسب الداء، وقد رأى أن داء المؤلفة حب المال والأنعام فداواهم بأكرم الأنعام حتى عوفوا من نقمة الكفر بنعمة الإِسلام اهـ وهذا الإعطاء وأمثاله أوضح دليل على عظيم سخائه - صلى الله عليه وسلم - وغزارة جوده اهـ، وفي قوله: (فما برح يعطيني) إلخ إعطاء الكفار من الغنائم لتأليف قلوبهم على الإِسلام وهو إنما يجوز إذا دعت إليه حاجة المسلمين والمراد من المؤلفة قلوبهم في آية الصدقة قوم حديثو عهد بالإِسلام يُعطون لتقويتهم على الإِسلام أو ليرغب نظراؤهم في الإِسلام ولم يثبت في شيء من الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الكفار من الزكاة لتأليف قلوبهم هذا ما عليه المحققون اهـ تكملة. قال القاضي عياض: وفي قوله: (فما برح يعطيني) الاستئلاف للدين والخير والأخذ بالتي هي أحسن وكان الإعطاء للمؤلفة قلوبهم أولًا مشروعًا وأنه أحد الأصناف في مصرف الصدقة واختلف هل هو بأن إلى الآن إذا احتيج إليه أم لا؟ اهـ الأبي. ثم استشهد المؤلف -رحمه الله تعالى- لحديث جابر الأول بحديث آخر له - رضي الله عنه- فقال: 5870 - (2290) (45) (حدثنا عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن) محمَّد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي المروزي (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن) محمَّد (بن المنكدر عن جابر) بن عبد الله. وهذا السند من رباعياته أيضًا، وقوله: (وعن عمرو) بن دينار الجمحي المكي معطوف على قوله عن ابن المنكدر، وتقدير الكلام حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن سفيان عن عمرو بن دينار (عن محمَّد) الباقر (بن علي) زين العابدين بن

عَنْ جَابِرٍ. أَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى الآخَرِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أبي عُمَرَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، قَال: قَال سُفْيَانُ: سَمِعْتُ مُحَمدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله. قَال سُفْيَانُ: وَسَمِعْتُ أَيضًا عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يحدث، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيُّ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله. وَزَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ قَال: قَال رَسُولُ الله -صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ-: "لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- أجمعين الهاشمي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن جابر) بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند من خماسياته، قال سفيان بن عيينة (أحدهما) أي أحد الراويين لي يعني ابن المنكدر وعمرو بن دينار أي قال سفيان: سمعته عن ابن المنكدر وعن عمرو بن دينار حالة كون أحدهما (يزيد على الآخر) فيما روياه لي (ح وحدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ) الآتي (له) أي لابن أبي عمر (قال) ابن أبي عمر (قال) لنا (سفيان) بن عيينة (سمعت محمَّد بن المنكدر يقول: سمعت جابر بن عبد الله) - رضي الله تعالى عنهما -. وهذا السند أيضًا من رباعياته، قال ابن أبي عمر (قال) لنا (سفيان): سمعت هذا الحديث عن ابن المنكدر (وسمعت أيضًا) أي سمعت ابن المنكدر (عمرو بن دينار يحدّث) هذا الحديث (عن محمَّد) الباقر (بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - (قال) محمَّد الباقر: (سمعت جابر بن عبد الله) - رضي الله تعالى- عنهما. وهذا السند أيضًا من خماسياته، قال سفيان بن عيينة روى لي هذا الحديث ابن المنكدر وعمرو بن دينار (و) قد (زاد أحدهما) أي أحد الراويين لي (على الآخر) فيما روياه لي، والحاصل أن سند المؤلف من طريق عمرو الناقد من رباعياته فقط ومن طريق إسحاق وابن أبي عمر تارة يكون رباعيًّا يعني إذا كان من طريق ابن المنكدر وتارة يكون خماسيًا يعني إذا كان من طريق عمرو بن دينار فالحاصل أن للمؤلف في هذا الحديث خمسة أسانيد ثلاثة منها من رباعياته، واثنان من خماسياته فليتدبر (قال) جابر: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو قد جاءنا مال البحرين) وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم صالح مجوس البحرين على الجزية سنة تسع وبعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لأخذ الجزية فجاء بمال كثير فقسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصحابة كما هو مصرح في حديث عمرو بن عوف عند البخاري في أول الجزية رقم [3158]

لَقَدْ أَعْطَيتُكَ هَكَذَا وَهَكذَا وَهَكَذَا" وَقَال بِيَدَيهِ جَمِيعًا، فَقُبِضَ النَّبيُّ - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ - قَبْلَ أَن يَجِيءَ مَالُ الْبَحْرَينِ. فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى النبِي - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- عِدَةٌ، أَوْ دَينٌ فَلْيَأْتِ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: إِن النبي - صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ- قَال: "لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَينِ أَعْطَيتُكَ هَكَذَا وَهَكذَا وَهَكَذَا" فَحَثَى أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً، ثُمَّ قَال لِي: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ. فَقَال: خُذ مِثْلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد ذلك ومحمد جابرًا - رضي الله عنه - بإعطاءه من جزية البحرين في السنة القادمة (لقد أعطيتك) يا جابر من ذلك المال (هكذا وهكذا وهكذا، وقال) النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله هكذا (بيديه) أي أشار بكفيه (جميعًا) أي مجموعتين مضمومتين أي أعطيتك ما يملأ الكفين المجموعتين من الدرهم الذي يجيء من البحرين (فقُبض) أي تُوفي (النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء) ويأتي (مال البحرين) في السنة العاشرة (فقدم) ذلك المال (على أبي بكر) الصديق - رضي الله عنه - في خلافته (بعده) أي بعد ما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر) أبو بكر (مناديًا) ينادي في الناس (فنادى) ذلك المنادي بقوله: (من كانت له على النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة) أي ومحمد بالعطاء من عنده (أو) كان له (دين) على النبي - صلى الله عليه وسلم - (فليأت) أي فليجيء إلينا نوفي له ذلك الوعد ونقضي له دينه، قال جابر: (فقمت) من بين الناس (فقلت) لأبي بكر: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال) لي في حياته: (لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك) منه (هكذا وهكذا وهكذا) ثلاث مرات مشيرًا بكفيه أي نعطي لك ما يملأ الكفين ثلاث مرات (فحثى) أي حفن (أبو بكر) من الدراهم التي أتت بكفيه (مرة) واحدة ففيه إنجاز العدة، قال الشافعي والجمهور: إنجازها والوفاء بها مستحب لا واجب، وأوجبه الحسن وبعض المالكية اهـ نووي، وفي الموطأ فحفن له ثلاث حفنات، قال الزرقاني: الحفنة ما يملأ الكفين والمراد أنه حفن له حفنة وقال: عدها فوجدها خمسمائة فقال له: خذ مثليها (ثم قال لي) أبو بكر: (عدّها) أي احسب عدد هذه الحفنة، قال جابر: (فعددتها) أي حسبت عدد تلك الحفنة (فإذا هي) أي تلك الحفنة (خمسمائة) درهم أي ففاجأني كونها خمسمائة (فقال) لي أبو بكر: (خذ مثليها) أي مثلي هذه الحفنة وضعفيها معها فيكون المجموع ألفًا وخمسمائة لأن له ثلاث حثيات، وفي البخاري فحثى له ثلاثًا، وفي رواية فحثى له حثية؛ والمراد بالحثية: الحفنة على ما قال الهروي أي بمعنى وإن كان

5871 - (00) (00) حدثنا محمد بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ محمد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: وَأَخْبَرَنِي محمد بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: لَمَّا مَاتَ النَّبيُّ - صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ-، جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضرَمِيِّ. فَقَال أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ- دَينٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ، فَلْيَأْتِنَا، بِنَحْو حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف لغة أن الحثية ملء كف واحدة قال الإسماعيلي: لما كان وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخلف نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقا بينه وبين غيره ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي وأشار غير واحد إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم اهـ باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 307] والبخاري في أبواب كثيرة منها في الجزية باب ما أقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - من البحرين وما وعد من البحرين [3164]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5871 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا محمَّد بن بكر) الأزدي البرسني أبو عثمان البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا ابن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن محمَّد بن علي) بن الحسين (عن جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة (قال) ابن جريج بالسند السابق: أخبرني عمرو بن دينار (وأخبرني) أيضًا (محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنه فهو معطوف على قوله: أخبرني عمرو بن دينار. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء مال) من البحرين (من قبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر) الصديق أي نادى في الناس (من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله) أي من جهته صلى الله عليه وسلم (عدة) أو وعد بالعطاء (فليأتنا) نقضي له دينه ونفي له وعده، وساق ابن جريج (بنحو حديث ابن عيينة) أي بقريبه لفظًا ومعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (هكذا وهكذا بيديه جميعًا) قال القرطبي: هذا يدل على سخاوة نفس النبي صلى الله عليه وسلم بالمال وأنه ما كان لنفسه به تعلق فإنه كان لا يعده بعدد ولا يقدّره بمقدار لا عند أخذه ولا عند بذله وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - كان وعدًا لجابر - رضي الله عنه - وكان المعلوم من خلقه الوفاء بالوعد ولذلك نفذه له أبو بكر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كان خُلق أبي بكر وخُلق الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ألا ترى أن أبا بكر كيف نفذ عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر يقول جابر ثم إنه دفعها له على نحو ما قال من غير تقدير وأخبارهم في ذلك معروفة وأحوالهم موصوفة وكفى بذلك (ما سار مسير المثل) الذي لم يزل يجري على قول علي رضي الله عنه (يا صفراء ويا بيضاء غُزي غيري) اهـ من المفهم. قوله: (من قبل العلاء بن الحضرمي) هو صحابي جليل وتجهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قسمة الغنائم بالجعرانة إلى المنذر بن ساوى عامل البحرين يدعوه إلى الإِسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية ثم صار عاملًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه الحضرمي اسمه زهرمز كان عبدًا فارسيًا سرقه رجل من حضرموت ثم اشتراه رجل فقدم به إلى مكة فأعتقه وكان رجلًا صناعًا أقام بمكة ووُلد له أولاد نجباء وتزوج أبو سفيان ابنته الصعبة وبما أن مولاه وإن من حضرموت سُمي حضرميًا حتى غلب على اسمه وأسلم العلاء بن الحضرمي قديمًا، ومات في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنهما اهـ من فتح الباري [6/ 262]. قوله: (من كانت له عدة على النبي صلى الله عليه وسلم أو دين فليأتنا) وقد وقع مثل ذلك لأبي جحيفة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب وكان الحسن بن علي يشبهه وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصًا فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئًا فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فليجيء فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها، أخرجه الترمذي في الأدب باب ما جاء في العدة [2826]، وقال: حديث حسن. وقال بعض العلماء: إن وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز إخلافه فنُزل منزلة الضمان، وقيل: إنما فعله أبو بكر على سبيل التطوع ولم يكن يلزمه قضاء ذلك، وقال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن بطال: لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بمكارم الأخلاق أدى أبو بكر مواعيده عنه ولم يسأل جابرًا البينة على ما ادعاه لأنه لم يدَّع شيئًا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ادعى شيئًا من بيت المال وذلك موكول إلى اجتهاد الإِمام اهـ فتح الباري [5/ 29 و 6/ 242]. وقد وقع في رواية للبخاري في فرض الخمس (فأتيت أبا بكر فسألت فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فقلت: سألتك فلم تعطني، ثم سألتك فلم تعطني، ثم سألتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني واما أن تبخل عني؟ قال: قلت: تبخل على ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك) قال الحافظ: وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر إما لأمر أهم من ذلك أو خشية أن يحمل ذلك على الحرص على الطلب أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك ولم يرد به المنع على الإطلاق اهـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث أنس ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: مرسل ابن شهاب ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. ***

691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم

691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم 5979 - (62) حدثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ وَشَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. كِلاهُمَا عَنْ سُلَيمَانَ، (وَاللَّفْظُ لِشَيبَانَ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا ثَابِتْ البُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "وُلِدَ لِيَ اللَّيلَةَ غُلامٌ. فَسَمَّيتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ" ثُمّ دَفَعَهُ إلى أُمَّ سَيفٍ، امْرَأَةِ قَينٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو سَيفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 691 - (5) باب رحمته صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال، وكثرة حيائه، وتبسمه، وأمر سواق مطايا النساء بالرفق بهن، وتبرك الناس به صلى الله عليه وسلم 5872 - (2291) (46) (حدثنا هداب بن خالد) ويقال له: هدبة بن خالد بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (وشيبان بن فروخ) الحبطي الأُبَليُّ، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب كلاهما) رويا (عن سليمان) بن المغيرة (واللفظ لشيبان) قال شيبان (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى (البناني) البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي الله عليه وسلم: وُلد لي الليلة) البارحة (غلام) أي وّلد ذكر (فسميته باسم أبي) وجدي الأعلى (إبراهيم) الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، قال أنس: (ثم دفعه) أي دفع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الغلام (إلى أم سيف امرأة قين) بفتح القاف وسكون الياء أي زوجة حداد (يقال له) أي لذلك القين (أبو سيف). قوله صلى الله عليه وسلم: (وُلد لي الليلة غلام) قال العيني: مجموع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية القاسم وبه يكنى والطاهر والطيب، ويقال: إن الطاهر هو الطيب، وإبراهيم وزينب زوجة ابن أبي العاص، ورقية وأم كلثوم زوجا عثمان بن عفان، وفاطمة زوجة علي بن أبي طالب، وجميع أولاده من خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنهم أجمعين إلا إبراهيم رضي الله تعالى عنه فإنه من مارية القبطية اهـ. قوله: (فسميته باسم أبي إبراهيم) فيه جواز التسمية بأسماء الأنبياء عليهم السلام. قوله: (إلى أم سيف) اسمها خولة بنت المنذر الأنصارية واسم زوجها البراء بن أوس كذا

فَانطَلَقَ يَأْتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ. فَانتَهَينَا إلى أَبِي سَيفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ. قَدِ امْتَلأَ الْبَيتُ دُخَانًا. فَأسْرعْتُ المَشْيَ بَينَ يَدَي رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيفٍ، أَمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَأَمْسَكَ. فَدَعَا النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِالصَّبِيِّ. فضَمَّهُ إِلَيهِ. وَقَال مَا شَاءَ الله أن يَقُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأبي. قوله أيضًا (ثم دفعه إلى أم سيف) ووقع عند ابن سعد في الطبقات عن عبد الله بن صعصعة بسند فيه الواقدي (لما وُلد إبراهيم تنافست نساء الأنصار أيتهن ترضعه فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار، وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد من بني عدي بن النجار أيضًا) وجمع القاضي عياض بين الروايتين بأن أبا سيف كنية البراء بن أوس زوجته خوله بنت المنذر تكنى بأم بردة، وقد أطلق عليها أم سيف في رواية الصحيح ذكره الحافظ في فتح الباري [3/ 173]، ثم قال: وما جمع به غير مستبعد إلا أنه لم يأت عن أحد من الأئمة التصريح بأن البراء بن أوس يكنى أبا سيف ولا أن أبا سيف يُسمى البراء بن أوس، وجمع الحافظ في الإصابة [4/ 99] بطريق آخر فقال: فإن كان ما رواه ثابتًا احتمل أن تكون أم بردة أرضعته ثم تحول إلى أم سيف وإلا فالذي في الصحيح هو المعتمد اهـ منه. (فانطلق) صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى العوالي حالة كونه يريد أن (يأتيه) ويزوره ولعله صلى الله عليه وسلم اطلع على أنه مريض فأتاه ليستكشف عن حاله (واتبعته) صلى الله عليه وسلم أي صحبته في زيارته (فانتهينا) أي وصلنا أنا والنبي صلى الله عليه وسلم (إلى) بيت (أبي سيف وهو) أي والحال أن أبا سيف (ينفخ) أي يشغل (بكيره) أي بمنفاخه الذي ينفخ به النار و (قد امتلأ البيت دخانًا) أي بخارًا (فأسرعت المشي) أي جريت وسعيت (بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قدامه (فقلت) لأبي سيف: (يا أبا سيف أمسك) غيرك عن التشغيل والنفخ به في النار فإنه (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى بيتك لزيارة ولده (فأمسك) أبو سيف غيره عن التشغيل (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي) أي طلب إحضاره إليه فأخذه (فضمه) أي ضم الصبي (إليه) أي إلى صدره (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله أن يقول) ـه من كلام يدل على حزنه وشفقته، قال ثابت البناني:

فَقَال أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَينَ يدي رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَدَمَعَتْ عَينَا رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَال: "تَدْمَعُ الْعَينُ وَيحْزَنُ القَلبُ، وَلَا نَقُولُ إلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا. وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحزُونُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال) لنا (أنس): والله (لقد رأيته) أي لقد رأيت الصبي (وهو) أي والحال أن الصبي (يكيد) أي يجود (بنفسه) أي بروحه للملك، ومعناه ولقد رأيته (بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقدامه والحال أنه في حالة نزع روحه وقبضها، قال الأبي: معناه يسوق أي في النَّزْعِ، وقال ابن السراج: يكيد من الكيد وهو القيء يقال منه كاد يكيد شبه تقَلُّع نَفَسِه في الصدر وتردُّدَه في الحلقوم عند الموت بالقيء؛ والمعنى وهو يقيء بروحه، وقيل هو من كيد الغراب، وهو نعيقه (فدمعت) أي سالت (عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالدموع وهو ماء مالح يخرج من العين عند الحزن أو الرمد (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تدمع العين) أي تسيل عيننا بالدموع (ويحزن القلب) أي يتوجع قلبنا بفراقك (ولا نقول) بألسنتنا (إلا ما يرضى) ويحب (ربنا) من الشكر له على ما أعطى والحمد له على ما أخذ (والله) أي أقسمت لك (يا إبراهيم) بالذي نفسي ونفسك بيده (إنابـ) فراقـ (ـك لمحزونون) أي لمتأسفون وموجعون بحرارة الحزن وأم الفراق، قال النووي: قوله تدمع العين .. إلخ فيه دليل على جواز البكاء على المريض والحزن به وعلى أن البكاء الذي لا يملكه الإنسان ليس منافيًا للصبر، وحقيقة الصبر ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ولا نقول إلا ما يرضى ربنا" وحاصل الصبر التفويض والاعتقاد بأن ما قضاه الله تعالى هو الحق الموافق للحكمة والكف عن التكلم بكلمة تنبيء عن الاعتراض على قضاء الله وقدره وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث ابن عمر عند البخاري في الجائز [1304] "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بِحزن القلب ولكن يُعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم" بل هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والويل والثبور ونحو ذلك من القول الباطل اهـ نووي مع زيادة وفي قوله: (يا إبراهيم) دليل على جواز استعمال صيغة النداء في الغائب أو الميت باعتبار كونه حاضرًا في الذهن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز [1303] , وأبو داود في الجنائز باب البكاء على الميت [3126].

5873 - (2292) (47) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ)، عَنْ أَيوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: مَا رَأَيتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ من رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. قَال: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ في عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ. فَيَدْخُلُ الْبَيتَ وإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ. وَكَانَ ظِئرُهُ قَينًا. فَيَأخُذُه فَيُقَبِّلُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5873 - (2292) (47) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لزهير قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن عليه عن أيوب) السختياني (عن عمرو بن سعيد) القرشي مولاهم ويقال له الثقفي أبو سعيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: إما رأيت أحدًا) من الناس كان أرحم بالعيال) أي أكثر رحمة للعيال أي للذراري والنساء، والعيال كل من تعوله وتنفق عليه (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أنس وذلك لأنه (كان إبراهيم) ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسترضعًا) أي مرتضعًا (له) صلى الله عليه وسلم (في عوالي المدينة) وهي القرى التي بقرب المدينة (فكان) صلى الله عليه وسلم (ينطلق) ويذهب إليه لزيارته (ونحن) معاشر الأصحاب (معه) صلى الله عليه وسلم (فيدخل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (البيت) الذي فيه إبراهيم (وانه) أي والحال إن ذلك البيت (ليُذخن) ويبخر بكير الحداد بضم الياء وتشديد الدال وفتح الخاء على صيغة المبني للمفعول من ادخن من باب افتعل أصله ادتخن قلبت تاء الافتعال دالًا فأدغمت الدال في الدال ليكون مملوءًا بالدخان لأن أبا سيف ظئره كان حدادًا وكان ينفخ الكبير، وفي بعض النسخ بفتح الياء وتشديد الدال وكسر الخاء، ثم بين سببه بقوله .. إلخ (وكان ظئره) أي ظئر إبراهيم وزوج مرضعته (قينًا) أي حدادًا، والظئر زوج المرضعة وتُسمى المرضعة أيضًا ظئرًا قاله ابن قرقول، وقال ابن الجوزي الظئر المرضعة ولما كان زوجها تكفّله سُمي ظئرًا اهـ عيني (فيأخده) أي فيأخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم من مرضعته (فيُقبِّله) بتشديد الموحدة المكسورة من التقبيل أي يقبله بفمه شفقة عليه ورحمة

ثُمَّ يَرْجِعُ. قَال عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي. وَإِنَّهُ مَاتَ في الثَّدْيِ وَإِن لَهُ لَظِئْرَينِ تُكَمِّلانِ رَضَاعَهُ في الْجَنَّةِ". 5874 - (2293) (48) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ له (ثم يرجعـ) ـه أي يرده إلى مرضعته (قال عمرو) بن سعيد: قال لنا أنس: (فلما توفي) ومات (إبراهيم) رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم ابني) وولدي وثمرة فؤادي، وهذا القول أخرجه منه فرط الشفقة والرحمة والحزن اهـ من المفهم (وإنه) أي وإن إبراهيم (مات في) سن ارتضاع (الثدي) أي مات في سن الرضاع قبل تمامه يعني حولين أو المعنى مات في حال تغذية بلبن الثدي اهـ نووي (وإن له) أي لإبراهيم (لظئرين) أي لمرضعتين تثنية ظئرة، والظئر هي المرضعة ولد غيرها وزوجها ظئر لذلك الرضيع فلفظة ظئر تقع على الأنثى والذكر اهـ نووي (تكملان) له أي تتمان له (رضاعه) أي بقية تمام رضاعه (في الجنة) أي بقية السنتين فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن، قال الأبي: قال صاحب التحرير دخوله الجنة هو متصل بموته بظاهر هذا الحديث، قال النووي: توفي وله ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر فتُرضعانه بقية السنتين فيدخل الجنة متصلًا بموته نجيتم فيها رضاعه كرامة له ولأبيه صلى الله عليه وسلم اهـ، ولا اختلاف في أن إبراهيم وُلد في ذي الحجة سنة ثمان، وجزم الواقدي بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وقال ابن حزم: مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر اهـ فتح الباري [3/ 174]. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى بهذا السياق. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5874 - (2293) (48) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (و) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (عن

هِشام، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائشَةَ. قَالت: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَم. فَقَالُوا: لَكِنَّا، واللهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "وَأَمْلِكُ إن كَانَ الله نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحمَةَ". وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: "من قَلْبِكَ الرَّحمَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هشام) بن عروة الأسدي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن أبيه) عروة بن الزبير المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (قدم ناس من الأعراب) أي من سكان البوادي (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يمكن أن يكون في أولئك الناس الأقرع بن حابس الآتي ذكره في الحديث التالي، وقد ذكر الأصفهاني في الأغاني مثل هذه القصة لقيس بن عاصم التميمي، ووقع مثل ذلك لعيينة بن حصن فيما أخرجه أبو يعلى في مسنده برجال ثقات قال الحافظ في الفتح [10/ 430] بعد ما ذكر هذه الروايات يحتمل أن يكون وقع ذلك لجميعهم، فقد وقع في رواية قدم ناس من الأعراب (فقالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل بعض أولاد بناته وهو الحسن بن علي كما هو مصرح في الحديث الآتي (أتقبَّلون) أي هل تقبّلون (صبيانكم) أي أولادكم يا معشر قريش (فقالوا): أي فقال الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم من الأصحاب (نعم) نقتل أولادنا شفقة عليهم (فقالوا): أي فقال أولئك الأعراب (لكنا) نحن (والله ما نقبل) أولادنا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأولئك الأعراب (وأملك) وفي رواية البخاري (أو أملك) بإثبات همزة الاستفهام فحُذفت همزة الاستفهام في رواية مسلم لعلمها من السياق أي أأملك وأقدر على جعل الرحمة في قلوبكم (إن كان الله) سبحانه (نزع) وأخذ (منكم) أي من قلوبكم (الرحمة) والاستفهام هنا للإنكار أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلوبكم بعد أن نزعها الله من قلوبكم (وقال) عبد الله (بن نمير) في روايته (من قلبك الرحمة) بكاف خطاب المفرد نظرًا إلى المحاور مع النبي صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته [5998] وابن ماجه في الآداب باب برّ الوالد والإحسان إلى البنات [3709]. قوله: (وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة) قال القرطبي: كذا وقع هذا اللفظ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف همزة الاستفهام وهي مرادة تقديره أو أملك وكذا جاء هذا اللفظ في البخاري بإثباتها وهو الأحسن لقلة حذف همزة الاستفهام و (أن) مفتوحة الهمزة وهي مع الفعل في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا به لأملك ولكنه على حذف مضاف تقديره أو أملك لكم دفع كون الله نزع الرحمة من قلوبكم بتحصيل الرحمة فيها أي لا أقدر على تحصيلها في قلوبكم وقد أبعد من كسرها ولم تصح رواية الكسر ومعنى الكلام نفى قدرته على الإتيان بما نزع الله من قلوبهم من الرحمة. والرحمة في حقنا هي رقة وحنو يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى أو ضعيف أو صغير يحمله على الإحسان إليه واللطف والرفق والسعي في كشف ما به وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله عاقله وغير عاقله فيها تعطف الحيوانات على نوعها وأولادها فتحنو عليها وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها، وحكمة هذه الرحمة تسخير القوى للضعيف والكبير للصغير حتى ينحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادخرها الله تعالى ليوم القيامة فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها وشدائدها حتى يخلصهم منها ويدخلهم في جنته وكرامته. وإذا تقرر هذا فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة على الرفق وكشف ضر المبتلى فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل ومن سلب الله ذلك المعنى منه وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ ولم يلطف بضعيفٍ ولا أَشْفقَ على مُبْتَلَى فقد أشقاه في الحال وجعل ذلك علمًا على شقوته في الحال نعوذ من ذلك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن" رواه أبو داود [4941] , والترمذي [1925] وقال: "لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء" متفق عليه رواه البخاري [6655] , ومسلم [923] وقال: "لا تُنزع الرحمة إلا من شقي" رواه أبو داود [4942] , والترمذي [1924] وقال: "من لا يرحم لا يُرحم" انظر تخريجه في التلخيص برقم [2937]. وأما الرحمة في حقه تعالى فهي صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها ولا نعطلها أثرها الأنعام على عباده والإحسان إليهم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

5875 - (2294) (49) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أبي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن الأَقرَعَ بْنَ حَابِسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي هذه الأحاديث ما يدل على جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة والشفقة وكراهة الامتناع من ذلك على جهة الأنفة وهذه القُبلة هي على الفم ويكره مثل ذلك في الكبار إذ لم يكن ذلك معروفًا في الصدر الأول ولا يدل على شفقته فأما تقبيل الرأس فإكرام عند من جرت عادتهم بذلك كالأب والأم، وأما تقبيل اليد فكرهه مالك ورآه من باب الكبر وإذا كان مكروهًا في اليد كان أحرى في الرجل، وقد أجاز تقبيل اليد والرِجل بعض الناس مستدلًا بأن اليهود قبَّلوا يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجليه حين سألوه عن مسائل فأخبرهم بها رواه ابن ماجه [3705]، ولا حجة في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نزّهه الله عن الكبر وأمن ذلك عليه وليس كذلك غيره ولأن ذلك أظهر من اليهود تعظيمه واعتقادهم صدقه فأقرهم على ذلك ليتبين للحاضرين بإذلالهم أنفسهم له ما عندهم من معرفتهم بصدقه وأن كفرهم بذلك عناد وجحد ولو فهمت الصحابة رضي الله عنهم جواز تقبيل يده ورجله لكانوا أول سابق إلى ذلك فيفعلون به ذلك دائمًا وفي كل وقت كما كانوا يتبركون ببزاقه ونخامته ويدلكون بذلك وجوههم ويتطيّبون بعرقه ويقتتلون على وضوءه ولم يرو قط عن واحد منهم بطريق صحيح أنه قتل يدًا ولا رِجلًا فصح ما قلناه والله ولي التوفيق اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس الأول بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5875 - (2294) (49) (وحدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن سفيان) بن عيينة (قال عمرو: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهريّ عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من خماسياته (أن الأقرع بن حابس) التميمي المجاشعي الدارمي سُمي الأقرع لقرع كان في رأسه وكان حكمًا في الجاهلية، قال ابن إسحاق: وقد على النبي صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسُن إسلامه، وشهد مع خالد اليمامة وحرب

أَبْصَرَ النَّبِيَّ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ يُقَبِّلُ الحَسَنَ. فَقَال: إِنَّ لِي عَشَرَةَ مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "إنَّهُ مَن لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ". 5876 - (00) (00) حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَني أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ، بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العراق، ومع شرحبيل دومة الجندل، وكان شريفًا في الجاهلية والإِسلام سار بجيش إلى خراسان فأُصيب بجوزجان في خلافة عثمان، وقيل: استشهد باليرموك مع عشرة من بنيه اهـ من الإصابة [1/ 73] (أبصر) ورأى (النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كون النبي صلى الله عليه وسلم (يُقبّل) بفمه (الحسن) بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة رضي الله عنهم (فقال) الأقرع متعجبًا من النبي صلى الله عليه وسلم (إن لي عشرة ومن الولد) المذكور إما قبلت واحدًا منهم) قط (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم) متعجبًا: (إنه) أي إن الشأن والحال (من لا يرحم) غيره في الدنيا بالبناء للفاعل (لا يُرحم) بالبناء للمجهول أي لا يرحم في الآخرة بالرفع والجزم في الفعلين الرفع على أن من موصولة، والجزم على أن من شرطية كذا في العيني، قال النووي: قال العلماء: هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم اهـ يعني من لا يرحم الخلق من مؤمن وكافر وبهائم مملوكة وغيرها كأن يتعاهدهم بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب في الدنيا لا يُرحم أي في الآخرة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الأدب باب رحمة الولد [5997] , وأبو داود في الأدب باب في قبلة الرجل ولده [5218] , والترمذي في البر والصلة باب في رحمة الولد [1911]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5876 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهريّ حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق معمر (بمثله) أي بمثل حديث ابن عيينة.

5877 - (2295) (50) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو كُرَيب، محمد بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابنَ غِيَاثِ)، كُلُّهمْ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيدِ بْنِ وَهْب وَأَبِي ظِبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ الله عَزَّ وَجَلَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس الأول بحديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 5877 - (2295) (50) (حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين من جرير وعيسى وأبي معاوية وحفص بن غياث رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن زيد بن وهب) الجهني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (8) أبواب (وأبي ظبيان) حصين بن جندب بن عمرو بن الحارث الجنبي بفتح الجيم وسكون النون، نسبة إلى جنب قبيلة من قبائل اليمن الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (2) (عن جرير بن عبد الله) البجلي الأحمسي الكوفي رضي الله تعالى عنه. وهذه الأسانيد الأربعة كلها من خماسياته (قال) جرير: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم الناس) صغارهم وكبارهم وكذا كل الحيوانات (لا يرحمه الله عَزَّ وَجَلَّ) في الآخرة جزاءً على عمله. وهذا الحديث بمعنى حديث أبي هريرة المذكور قبله.

5985 - (00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وكيعٌ وَعَبدُ الله بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، ح وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 362] , والبخاري أخرجه في الأدب باب رحمة الناس والبهائم [6013] وفي التوحبد باب قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] [2376] , والترمذي في البر والصلة باب في رحمة المسلمين [1922]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جرير رضي الله تعالى عنه فقال: 5878 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وعبد الله بن نمير عن إسماعيل) بن أبي خالد سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن جرير) بن عبد الله رضي الله عنه (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قيس بن أبي حازم لزيد بن وهب وأبي ظبيان (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن جرير) بن عبد الله رضي الله تعالى عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لسليمان بن الأعمش، ولكنها متابعة ناقصة، وساق عمرو (بمثل حديث الأعمش) عن زيد بن وهب، ولو قال المؤلف بمثل حديث زيد بن وهب لكانت المتابعة تامة واضحة فحينئذٍ غرضه بيان متابعة نافع بن جبير لزيد بن وهب نظير ما قبله والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

5879 - (2296) (51) حدّثني عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ أَبِي عُتْبَةَ يحدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي، ح وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَال: سَمِعتُ عَبدَ الله بْنَ أبي عُتْبَةَ يَقُولُ: سَمِعتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ أَشَدَّ حَيَاءَ مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيئًا عَرَفنَاهُ في وَجْهِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5879 - (2296) (51) (حدثني عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان التميمي العنبري أبو المثنى البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شعبة عن قتادة سمع عبد الله بن أبي عتبة) الأنصاري مولاهم مولى أنس بن مالك البصري، روى عن أبي سعيد الخدري في المناقب، وعن مولاه أنس وعائشة، ويروي عنه (خ م ق) وقتادة في المناقب وثابت وحميد، قال البزار: ثقة مشهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، أي سمعت عبد الله حالة كونه (يحدّث عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه. وهذا السند من سداسياته (ح وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وأحمد بن سنان) بنونين بن أسد بن حبان بكسر المهملة ثم موحدة القطان الواسطي، ثقة، من (11) روى عنه في بابين الصلاة والفضائل (قال زهير: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (عن شعبة عن قتادة قال: سمعت عبد الله بن أبي عتبة يقول: سمعت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته أيضًا حالة كونه (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها) أي في سترها، والعذراء هي الجارية البكر والخدر ستر يُجعل للبكر في جنب البيت، قال في الشفاء: فالحياء رقة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهته أو ما يكون تركه خيرًا من فعله اهـ (وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه) أي لا يتكلم به لحيائه بل يتغير وجهه فنفهم نحن كراهته وهذا إذا لم تقتض حاجة التبليغ إلى التكلم أما إذا اقتضت ذلك فكان ربما يتكلم بأسلوب حكيم، وفيه فضيلة الحياء وهو من شعب الإيمان وهو خير كله ولا يأتي إلا بخير وهو محثوث عليه ما لم ينته إلى الضعف والنخو اهـ نووي؛ والمراد أنه لا يتكلم إذا لم يكن ذلك في

5880 - (2297) (52) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا جَريرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاويةُ إِلَى الْكُوفَةِ. فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فَقَال: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا ـــــــــــــــــــــــــــــ حدود الله تعالى وحقوقه فلا يؤاخذ أحدًا بما يكره كذا في نسيم الرياض. وقال بعضهم: الحياء هو انقباض النفس خشبة ارتكاب ما يُكره أعم من أن يكون شرعيًّا أو عقليًا أو عرفيًا ومقابل الأول فاسق، والثاني مجنون، والثالث أبله. وقال بعضهم: إن كان أي الحياء في محرم فهو واجب وإن كان في مكروه فهو مندوب دهان كان في مباح فهو العرفي وهو المراد بقوله: الحياء لا يأتي إلا بخير ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقع على وفق الشرع إثباتًا ونفيًا، وقد تقدم بسط الكلام على الحياء في كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان فراجعه إن شئت. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 71]، والبخاري في المناقب [3562]، وفي الأدب [6102] وباب الحياء [6119]، وابن ماجه في الزهد باب الحياء [4233]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فقال: 5880 - (2297) (52) (حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته (حين قدم معاوية) بن أبي سفيان من الشام (إلى الكوفة) وعبد الله بن عمرو مع معاوية (فدكر) عبد الله بن عمرو (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخلاقه وفضائله (فقال) عبد الله بن عمرو في ذكر أخلاقه صلى الله عليه وسلم (لم يكن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاحشًا) أي ذا فحش في كلامه. وهذا يدل على كثرة حيائه وشدة صفائه، وأصل الفحش هو الخروج عن الحد المشروع، والفواحش عند العرب القبائح (ولا متفحشًا) أي متكلفًا بفعل الفحش. وقال الحافظ في

وَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسنَكُمْ أَخلاقًا". قَال عُثْمَانُ: حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاويَةَ إِلَى الْكُوفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح [6/ 575] (فاحشًا) أي ناطقًا بالفحش وهو الزيادة على الحد في الكلام السيء والمتفحش المتكلّف لذلك أي لم يكن له الفحش خُلُقًا وطبيعة ولا مكتسبًا له اهـ قال الهروي: الفاحش ذو الفحش خِلقة، والمتفحش هو الذي يتكلّف الفحش ويتعمده لإفساد حاله وقد يكون المتفحش الذي يأتي الفاحشة ويفعلها اهـ (وقال) عبد الله بن عمرو: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خياركم) وأفاضلكم (أحاسنكم أخلاقًا) وسجايا وطبائع، وفيه الحث على حُسن الخُلق وبيان فضيلة صاحبه وهو صفة أنبياء الله تعالى وأوليائه، قال الحسن البصري: حقيقة حُسن الخُلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه اهـ نووي (قال عثمان) بن أبي شيبة في روايته (حين قدم) عبد الله (مع معاوية) من الشام (إلى الكوفة). وعبارة القرطبي هنا: و (الفاحش) هو المجبول على الفحش وهو الجفاء في الأقوال والأفعال، والمتفحش هو المتعاطي لذلك والمستعمل له وقد برأ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن جميع ذلك ونزّهه فإنه كان رحيمًا رفيقًا لطيفًا سمحًا (سهلًا) متواضعًا طلقًا برًا وصولًا محبوبًا لا تقتحمه عين ولا تمجه نفس ولا يصدر عنه شيء يُكره صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم، وقوله: (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا) هو جمع أحسن على وزن أفعل التي للتفضيل وهي إن قرنت بـ (من) كانت للمذكر والمؤنث والجمع بلفظ واحد وإن لم تقترن بـ (من) وعرّفتها بالألف واللام ذكرت وأنَّثْتَ وثنَّيتَ وجمعت، وإذا أضيفت ساغ فيها الأمران كما جاء هنا أحاسنكم وكما قال تعالى: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123] وقد قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] وقد روي هذا الحديث "أحسنكم" بالإفراد، والأخلاق جمع خُلق وهي عبارة عن أوصاف الإنسان التي يُعامل بها غيره ويخالطه، وهي منقسمة إلى محمود ومذموم فالمحمود منها صفات الأنبياء والأولياء والفضلاء كالصبر عند المكاره، والحلم عند الجفاء، وتحمّل الأذى والإحسان إلى الناس والتودد لهم، والمسارعة في حوائجهم والرحمة والشفقة واللطف في المجادلة والتثبت في الأمور ومجانبة المفاسد والشرور، وعلى الجملة فاعتدالها أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها ولا تنتصف لها؛

5881 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، (يَعْنِي الأَحْمَرَ)، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5882 - (2298) (53) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، والمذموم منها نقيض ذلك كله اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 161]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3559]، والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الفحش والتفحش [1975]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5881 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو خالد يعني الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين من أبي معاوية ووكيع وعبد الله بن نمير وأبي خالد الأحمر رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق، عن مسروق، عن عبد الله، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لجرير بن عبد الحميد، وساقوا أي ساق هؤلاء الأربعة (مثله) أي مثل ما روى جرير عن الأعمش. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5882 - (2298) (53) (حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (قال) سماك: (قلت لجابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي، الصحابي بن الصحابي رضي الله تعالى عنهما، روى عنه في (6) أبواب، وهذا السند من رباعياته (أكنت) أي هل كنت يا جابر (تجالس) وتلازم (رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ، كَثِيرًا. كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاة الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ. وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِليَّةِ. فَيَضْحَكُونَ. ويتَبَسَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم قال) جابر: (نعم) جالسته (كثيرًا) من الزمن فإن شئت أن أخبر لك من آدابه فأقول لك (كان) صلى الله عليه وسلم (لا يقوم) ولا يمشي (من مصلاه) أي من مكان صلاته (الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس) وتشرق ويصح أن يكون كثيرًا ظرفًا لكان تقديره كان كثيرًا من الزمن لا يقوم من مصلاه أي كان في أغلب الأوقات لا يقوم حتى تطلع الشمس .. إلخ (فإذا طلعت) الشمس وأشرقت (قام) من مصلاه ومشى إلى منزله أو إلى حاجته، وفيه استحباب الذكر بعد الصبح وملازمة مجلسها ما لم يكن عذر، قال القاضي: هذه سنة كان السلف وأهل العلم يفعلونها ويقتصرون في ذلك الوقت على الذكر والدعاء حتى تطلع الشمس اهـ نووي (وكانوا) أي وكان أصحابه صلى الله عليه وسلم (يتحدثون) جنبه (فيأخذون) أي فيشرعون ويذكرون في محادثتهم (في أمر الجاهلية) أي في أمورهم وشؤونهم التي مرت عليهم في الجاهلية يعني قبل الإسلام أو يذكرون أمور أهل الجاهلية والأمم السابقة (فيضحكون) من تلك الأمور التي ذكروها إن كانت مما يضحك منه (ويتبسم) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا ذكروا من تلك الأمور وضحكوا، والضحك انكشار الشفتين عن الأسنان واللثات مع إظهار الصوت بلا رفع فإن كان فيه رفع فيُسمى قهقهة والتبسم انكشار الشفة عن الأسنان بلا إظهار صوت أصلًا. ففيه جواز الحديث بأخبار الجاهلية وغيرها من الأمم وجواز المباح من الكلام وجواز الضحك، وأن التبسمَ هو المستحسنُ منه اللائقُ بأهلِ الفضلِ والسَّمتِ وهو كان أكثر ضحكه في عامة أوقاته صلى الله عليه وسلم ويكره الإكثار من الضحك لأنه يُميت القلب كما قال لقمان، وهو من خُلق أهل البطالة والسّفه اهـ من إكمال المعلم، وهو في أهل المراتب والعلم أقبح والله أعلم نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب صلاة الضحى [1294]، والترمذي في الصلاة باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس [585]، والنسائي في السهو باب قعود الإمام في مصلاه بعد

5883 - (2299) (54) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَغُلامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ يَحْدُو. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيدَكَ، سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ التسليم [1357 و 1358]، وقد سبق للمؤلف أيضًا ذكره في المساجد باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 5883 - (2299) (54) (حدثنا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن أبي بكرة الثقفي البكراوي البصري، قاضي كرمان ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وقتيبة بن سعيد وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (جميعًا) أي كل من الأربعة رووا (عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (قال أبو الربيع: حدثنا حماد) بصيغة السماع (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذ! السند من خماسياته (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) هذه السفرة هي حجة الوداع كما رأيته أنا في مسند أحمد اهـ تنبيه المعلم، الجار والمجرور خبر لكان (وغلام) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة وصفه بقوله: (أسود يقال له) أي يسمى (أنجشة) والجملة صفة ثانية للمبتدأ (يحدو) ويمدح الإبل لتسرع في سيرها، والجملة الفعلية خبر المبتدأ قال البلاذري: وكان الغلام حبشيًّا حسن الصوت يكنى أبا مارية، ووقع عند الطبراني أنه كان من المخنثين كما في الإصابة [1/ 81] وقوله: (يحدو) من الحداء الذي ينشده السائق لحث الإبل على السير (فقال له) أي لذلك الغلام (رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك) اسم فعل أمر بمعنى أرود و (سوقًا بالقوارير) مفعول به لاسم الفعل، والكاف حرف خطاب لا ضمير أي ارفق والطف وخفّف سوقًا بالقوارير أي خفف سوقك الإبل بالنساء المشبهة بالقوارير في سرعة التأثر والانكسار إليهن إذا أسرعت الإبل

5884 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوهِ. 5885 - (00) (00) وحدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فسقطن منها لأنهن ضعاف الجسم ربما ينكسرن إذا سقطن من الإبل بإسراعها، أو منصوبة بنزع الخافض أي خفّف في سوقك بالقوارير، وقال الراغب: رويدًا من أرود يرود كأمهل يمهل وزنًا ومعنى من الرود وهو التردد في طلب الشيء برفق، وقال الرامهرمزي: رويدًا تصغير رود فعل الرائد، ولم يُستعمل رود بمعنى المهلة إلا مصغرًا، والقوارير جمع قارورة وهي الزجاجة سُميت بذلك لاستقرار الشراب فيها، وأراد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وهي كناية لطيفة لأن المرأة تشابه الزجاجة في رقتها ولطافتها وضعف بنيتها يعني بالقوارير ضعفة النساء شبههنّ بالقوارير لسرعة تأثرهن ولعدم تجلّدهن فخاف عليهن من حث السير وسرعته سقوط بعضهن أو تألمهن بكثرة الحركة والاضطرابِ الذي يكون عن السرعة والاستعجال، وقيل: إنه خاف عليهن الفتنة، وحُسن الحدو طيبه كما قال سليمان بن عبد الملك: يا بني أمية إياكم والغناء فإنه رقية الزنا، فإن كنتم ولا بد فاعليه فجنبوه النساء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها باب المعاريض مندوحة من الكذب [6209 و 6210 و 6211]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5884 - (00) (00) (وحدثنا أبو الربيع العتكي وحامد بن عمر وأبو كامل قالوا: حدثنا حماد) بن زيد (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ثابت لأبي قلابة وساق ثابت (بنحوه) أي بنحو حديث أبي قلابة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5885 - (00) (00) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (كلاهما) رويا (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من (8) روى عنه في (15)

قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَس؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى أَزْوَاجِهِ، وَسَوَّاقٌ يَسُوقُ بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ. فَقَال: "وَيحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ". قَال: قَال أَبُو قِلابَةَ: تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بابا (قال زهير: حدثنا إسماعيل) بصيغة السماع، قال إسماعيل: (حدثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل لحماد بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى) أي مر (على أزواجه) رضي الله تعالى عنهن في بعض أسفاره (وسوّاق) مبتدأ وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد الإبهام، وجملة قوله: (يسوق بهن) النوق خبر المبتدأ أو الجملة الفعلية صفة للمبتدأ وهي المسوغة للابتداء، والخبر جملة قوله: (يقال له أنجشة) أو جملة القول حال من فاعل يسوق أو الكلام على التقديم والتأخير فتكون جملة القول صفة لسواق فهي المسوغة كما تدل على هذا الوجه الرواية الأولى، والتقدير وسواق يقال له: أنجشة يسوق بهن النوق، وجملة قوله: (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: معطوفة على جملة قوله أتى أي مر على أزواجه، والحال أنه يسوق بهن النوق سواق يقال: أنجشة فقال للسواق: (ويحك يا أنجشة) أي ألزمك الله الرحمة والسلامة وحفظك من كل مكروه (رويدًا) أي أرود وأمهل (سوقك) النوق (بالقوارير) إروادًا وإمهالًا والطف وارفق في سوقك بالنوق ولا تستعجل فيه وتأن فيه لأنها حاملة بالنساء المشبهة بالقوارير في إنكسارهن وتألمهن بأقل عثرة وزلة من النوق، قال ابن علية: (قال) لنا أيوب: (قال أبو قلابة) عن أنس: (تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند نهيه السواق عن الاستعجال (بكلمة لو تكلم بها بعضكم) الآن (لعبتموها) أي لعيبتموا تلك الكلمة (عليه) أي على ذلك البعض المتكلم بها لكونها من كلمة يُستقبح التصريح بها. وقال الكرماني: (فإن قلت): هذه استعارة لطيفة بليغة فلم تُعاب (قلت): لعله نظر إلى أن شروط الاستعارة أن يكون وجه الشبه جليًّا وليس بين القارورة والمرأة وجه التشبيه من حيث ذاتهما ظاهر، لكن الحق أنه كلام في غاية الحسن والسلامة عن العيوب ولا يلزم في الاستعارة أن يكون وجه الشبه جليًّا من حيث ذاتهما بل يكفي الجلاء الحاصل من القرائن الجاعلة للوجه جليًّا ظاهرًا كما في المبحث، ويحتمل أن يكون قصد

5993 - (72) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ. حَدَّثَنَا التَّيمِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَتْ أُمُّ سُلَيمٍ مَعَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَهُنَّ يَسُوقُ بِهِنَّ سَوَّاقٌ. فَقَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَي أَنْجَشَةُ، رُوَيدًا سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي قلابة أن هذه الاستعارة تحسن من مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغة ولو صدرت ممن لا بلاغة له لعبتموها وهذا هو الائق بمنصب أبي قلابة والله أعلم اهـ. وقال الأبي: تلك الكلمة هي قوله رويدك سوقك بالقوارير، وفي الآخر لا تكسر القوارير وهن ضعفة النساء، واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين أصحهما أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئًا من القريض والرجز وما فيه تشبيب فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه فأمره بالكف عن ذلك، ومن أمثالهم المشهورة (الغناء رقية الزنا) والقول الثاني أن المراد به الرفق في السير لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واستلذته فأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة ويخاف ضررهن وسقوطهن اهـ نووي باختصار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5886 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) أبي المعتمر البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سليمان لأبي قلابة (ح وحدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا يزيد) بن زريع التيمي العيشي (حدثنا) سليمان (التيمي عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي كامل ليحيى بن يحيى (قال) أنس: (كانت) والدتي (أم سليم مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم) في بعض أسفاره (وهن) أي نساء النبي صلى الله عليه وسلم (يسوق بهن) الإبل (سواق) فحدا الإبل فأسرعت في السير (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم) للسواق (أي أنجشة) أي يا أنجشة (رويدًا) أي أرود رويدًا أو أمهل إمهالًا (سوقك) النوق (بالقوارير) أي بالنساء المشبهة بالقارورة.

5887 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَادٍ حَسَنُ الصَّوْتِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رُوَيدًا يَا أَنْجَشَةُ، لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ" يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ. 5888 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: حَادٍ حَسَنُ الصَّوْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5887 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار العوذي، مولاهم مولى عوذ بن سود بن الحجر بن عمران أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لأبي قلابة (قال) أنس: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم) سواق (حاد) أي مادح للإبل لتنشط في السير (حسن الصوت) فحدا الإبل وعليها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (فقال له): أي لذلك الحادي (رسول الله صلى الله عليه وسلم رويدًا) أي أرود إروادًا في سوق الإبل وارفق بها إرفاقًا (يا أنجشة لا تكسر القوارير) قال أنس: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالقوارير (ضعفة النساء). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5888 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (ابن بشار) العبدي البصري (حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (حدثنا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة هشام لهمام (و) لكن (لم يذكر) هشام في روايته (حاد حسن الصوت) بل قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يقال له أنجشة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:

5889 - (2300) (55) حدَّثنا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي النَّضْرِ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، (يَعْنِي هَاشِمَ بْنَ الْقَاسِمِ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ. فَمَا يُؤْتَى بإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا. فَرُبَّمَا جَاؤُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5889 - (2300) (55) (حدثنا مجاهد بن موسى) بن فروخ الخوارزمي أبو علي الختلي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (2) النكاح والمناقب (وأبو بكر) محمد (بن النضر بن أبي النضر) هاشم بن القاسم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بِالحَمَّال بالمهملة، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي النضر) هاشم بن القاسم لكن (قال أبو بكر: حدثنا أبو النضر) بصيغة السماع (يعني) أبو بكر بأبي النضر (هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي، الحافظ مشهور بكنيته، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) (عن ثابت) البناني (عن أنس بن مالك) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة) أي صلاة الصبح (جاء خدم) أهل (المدينة) جمع خادم يطلق على الذكر والأنثى أي جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (بآنيتهم) جمع إناء كالقدح والإبريق والكأس والطست التي (فيها الماء فما يؤتى) النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء للمفعول (بإناء) من تلك الأواني (إلا غمس) وأدخل (يده) الشريفة (فيها) أي في تلك الأواني أي في ماءها (فربما جاؤوه) أي فكثيرًا ما جاء خدم أهل المدينة النبي صلى الله عليه وسلم (في الغداة الباردة) أي في البكرة ذات البرد الشديد بالأواني التي فيها المياه الباردة (فيغمس) أي فيدخل (يده) الشريفة (فيها) أي في تلك الأواني المشتملة على المياه الباردة وفاءً لهم لطلباتهم فلا يمنعه البرد الشديد من إدخال يده فيها يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعه البرد من تحقيقه آمال أصحابه فكان يتحمل العناء والتعب بنفسه لقضاء حوائجهم وإنما كانوا يفعلون ذلك تبركًا بما لمسه النبي صلى

5890 - (2301) (56) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضرِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ. وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ. فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم وأدخل يده المباركة فيه، وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ومشاركته الجميع وإجابته دعوة الصغير والكبير كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} قال النووي: في هذه الأحاديث بيان بروزه صلى الله عليه وسلم للناس وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدى بها وهكذا ينبغي لولاة الأمور. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات لكن شاركه أحمد في مسنده [3/ 137]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5890 - (2301) (56) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم (حدثنا سليمان) بن المغيرة (عن ثابت) بن أسلم (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق) أي والحال أن صاحب الحلق فهو صيغة نسب كتمار وبقال وبزاز (يحلقه) أي يحلق شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم (و) قد (أطاف) وأحاط (به) أي بالحلاق أو بالنبي صلى الله عليه وسلم (أصحابه) رضي الله عنهم لأخذ شعره تبركًا به (فما يريدون) أي فيما يُحبون (أن تقع) وتسقط (شعرة) من شعره صلى الله عليه وسلم من رأسه (إلا في يد رجل) منهم أي إلا وقوعها في يد رجل منهم لا على الأرض. وفي الحديث دليل ظاهر على التبرك بشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قسم شعراته بين أصحابه وما ذلك إلا لأجل التبرك به، وفي الحديث دليل على طهارة شعر الإنسان، وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات لكن أخرجه أحمد في مسنده [3/ 137]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

5891 - (2302) (57) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيءٌ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيكَ حَاجَةً. فَقَال: "يَا أُمَّ فُلانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ. حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5891 - (2302) (57) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن امرأة) من الصحابيات تسمى أم زفر وهي ماشطة خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها كذا في النسيم (كان في عقلها شيء) من النقص (فقالت: يا رسول الله: إن لي إليك حاجة) أي خفية عن الناس (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أم فلان) أي يا أم زفر (انظري) أي اختاري (أي السكك) أي أي الزقاق (شئت) أي أردت فعيّني لي (حتى أقضي) وأتمم لك فيها (حاجتك) فعينت له زقاقًا من الأزقة (فخلا معها) أي وقف معها (في بعض الطرق) أي في طريق مسلوك للناس ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة (حتى فرغت من حاجتها) واستفتائها ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها لكن لا يسمعون كلامها لأن مسألتها مما لا يظهره والله أعلم اهـ نووي. وفي الحديث من كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 98]، والبخاري أخرجه في رقم [6072]، وأبو داود [4819]، والترمذي [324] في الشمائل، وابن ماجه [4177]. قال القرطبي: وموافقة النبي صلى الله عليه وسلم لمن يطلب منه غمس يده في الماء وللجارية التي كلمته في الطريق دليل على كمال حُسن خُلقه وتواضعه وإسعاف منه لمن طلب منه ما يجوز طلبه وإن شق ذلك عليه ويحصل لهم أجر على نياتهم وبركة في أطعمتهم وقضاء حاجاتهم وقد كانت الأمة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت من المدينة وهذا كمال لا يعرفه إلا الذي خصه به والله أعلم اهـ من المفهم. جملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر: الأول: حديث أنس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد به للأول، والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به، والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسابع: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والتاسع: حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والعاشر: حديث أنس الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والحادي عشر: حديث أنس الخامس ذكره للاستشهاد، والثاني عشر: حديث أنس السادس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه

692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه 5999 - (77) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَمْرَينِ إِلَّا أَخَذَ أَيسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 692 - (6) باب بعداه صلى الله عليه وسلم من الإثم واختياره أيسر الأمور وانتقامه لله تعالى وطيب رائحته ولين مسه وطيب عرقه والتبرك به وعرقه حين يأتيه الوحي وبيان كيفية إتيانه 5892 - (2303) (58) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس) الإمام في الفروع الأصبحي المدني، ثقة ثبت، إمام حجة، من (7) روى عنه في (17) بابا (فيما قرئ عليه) فهو بمنزلة أخبرنا (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال) يحيى بن يحيى: (قرأت على مالك) بن أنس فهو بمعنى أخبرني مالك حالة كونه راويًا لي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن عروة بن الزبير) الأسدي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (أنها قالت: ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين) الظاهر التخيير في أمور الدنيا يعني أنه كلما خَيّره أحد من الناس بين أمرين أو وقع له التردد بين أمرين (إلا أخذ) واختار (أيسرهما) وأسهلهما عليه، قال القرطبي: نعني أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خيره أحد في شيئين يجوز له فعل كل واحد منهما أو عُرضت عليه مصلحتان مال إلى الأيسر منهما وترك الأثقل أخذًا بالسهولة لنفسه وتعليمًا لأمته (ما لم يكن) ذلك الأيسر (إثمًا فإن كان) الأيسر (إثمًا كان) صلى الله عليه وسلم (أبعد الناس منه) أي من ذلك الأيسر الذي كان إثمًا أي ترك ذلك الأيسر الذي كان إثمًا وأخذ الآخر وإن كان هو الأثقل، قوله: (إلا أخذ أيسرهما) فيه الأخذ بالأيسر وترك التكلف، ثم التخيير يحتمل

وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، إِلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه من الله تعالى في عقوبتين أو فيما بينه وبين الكفار في القتل أو أخذ الجزية أو فيما يخيّره فيه المنافقون من الموادعة والمحاربة أو في حق أمته من الشدة في العبادة أو القصد فيختار في كل هذا الأخذ بالأيسر اهـ (ع)، قال الأبي: (قلت): التخيير بين أمرين هو أعم من كونهما فيما يرجع إليه أو يرجع إلى غيره فإن كان الأول فهو يرجع إلى حُسن خُلقه صلى الله عليه وسلم وإن كان الثاني فهو من باب الرفق كما لو أمره الله تعالى بتخيير رجل في التكفير بالعتق أو بالصوم فإنه يختار له الصوم وقد يرجع الأول إلى الرفق أيضًا كما لو خيّره إنسان بين أن يقبل منه هدية كثيرة أو شيئًا أقل فإنه يختار الأقل اهـ منه. وإنما اختار أيسرهما لأن ذلك أوفق بالعبدية والتواضع لله تعالى لأن من يرجح الأصعب والأشق باختياره فكأنه يدّعي لنفسه الشجاعة والجلادة وذلك مخالف لمقتضى العبدية والتواضع وأيضًا ففي اختيار الأصعب إيقاع للنفس في أمور ربما لا يطيقها الإنسان وهذا مخالف لحقوق النفس والله أعلم اهـ. قوله: (ما لم يكن) ذلك الأيسر (إثمًا) قال القاضي عياض: إن كان التخيير من الله تعالى فالاستثناء منقطع لأن الله تعالى لا يُخيّر في إثم وكذلك من الأمة وإن كان من المنافق فالاستثناء على وجهه اهـ (وما انتقم) وعاقب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أحدًا (لنفسه) أي من أجل نفسه ومن أجل تسكين عواطف الانتقام فقط فلا يرد عليه ما أمر به من قتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل فإنه إنما كان عقوبة لانتهاكهم وارتكابهم حرمات الله تعالى أي ما حرمه الله تعالى من الشرك وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت: (إلا أن تُنتهك) وتُرتكب (حرمة الله) أي ما حرمه الله (عزَّ وجلَّ) وكذلك اقتصاصه ممن لدّه في مرض وفاته إنما كان تأديبًا لهم وصيانة لأنفسهم من عقوبة الله المحتملة بسبب تأذي النبي صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: وقولها: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك) .. إلخ تعني أنه كان يصبر على جهل من جهل عليه ويتحمل جفاءه ويصفح عمن آذاه في خاصة نفسه كصفحه عمن قال: يا محمد اعدل، فإن هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله تعالى وما عدلت منذ اليوم، وكصفحه عن الذي جبذ رداءه عليه حتى شقه وأثّر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في عنقه فإن قيل: فأذاه انتهاك حرمة من حرم الله تعالى فكيف يترك الانتقام لله تعالى فيها، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة / 61] فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم ترك الانتقام ممن آذاه استئلافًا وتركًا لما يُنفّر عن الدخول في دينه كما قال صلى الله عليه وسلم: "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" كما سبق تخريجه، وقد قال مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفو عمن شتمه مشيرًا إلى ما ذكرنا وإذا تقرر هذا فمراد عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها: (إلا أن تنتهك حرمة الله) الحرمة التي لا ترجع لحق النبي صلى الله عليه وسلم كحرمة الله وحرمة محارمه فإنه كان يقيم حدود الله على من انتهك شيئًا منها ولا يعفو عنها كما قال في حديث السارقة "لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها" متفق عليه، لكن ينبغي أن يُفهم أن صفحه عمن آذاه كان مخصوصًا به وبزمانه لما ذكرناه وأما بعد ذلك فلا يُعفى عنه بوجه، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر واختلفوا هل حكمه حكم المرتد؟ فيستتاب أو حكم الزنديق لا يستتاب؟ وهل قتله للكفر أو للحد؟ فجمهورهم على أن حكمه حكم الزنديق لا تقبل توبته وهو مشهور مذهب مالك وقول الشافعي وأحمد وإسحاق ورأوا أن قتله للحد ولا ترفعه التوبة لكن تنفعه عند الله تعالى ولا يسقط حد القتل عنه، وقال أبو حنيفة والثوري: هي كفر وردة وتُقبل توبته إذا تاب وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك. واختلفوا في الذمي إذا سبه بغير الوجه الذي به كفر فعامة العلماء على أنه يُقتل لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو حنيفة والثوري والكوفيون لا يرون قتله، قالوا: ما هو عليه من الكفر أشد، واختلف أهل المدينة وأصحاب مالك في قتله إذا سبه بالوجه الذي به كفر من تكذيبه وجحد نبوته، والأصح الأشهر قتله واختلفوا في إسلام الكافر بعد سبه هل يسقط ذلك القتل عنه أم لا؟ والأشهر عندنا سقوطه لأن الإسلام يَجُبّ ما قبله، وحكى أبو محمد بن نصر في درء القتل عنه بالإسلام روايتين اهـ. ويستفاد من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ترغيب الحكام وولاة الأمور في الصفح عمن جهل عليهم وجفاهم والصبر على أذاهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل وأن الحاكم لا يحكم لنفسه، وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يحكم لنفسه

5893 - (00) (00) وحدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ. حَدَّثَنَا فُضَيلُ بْنُ عِيَاضٍ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَّمدٍ. فِي رِوَايَةِ فُضَيلٍ: ابْنِ شِهَابٍ. وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ: مُحَمَّدِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. 5894 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا لمن لا تجوز شهادته له على ما حكاه عياض رحمه الله تعالى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 162]، والبخاري في مواضع منها في المناقب [3560]، وأبو داود في الأدب [4785]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فقال: 5893 - (00) (00) (وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (ح وحدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري، ثقة، من (10) (حدثنا فضيل بن عياض) بن مسعود التميمي المكي، ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من جرير وفضيل رويا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن محمد) بن مسلم الزهري (في رواية فضيل) عن (ابن شهاب وني رواية جرير) عن (محمد الزهري) يعني أن فضيل بن عياض، ذكر الزهري باسم محمد بن شهاب، وذكره جرير باسم محمد الزهري (عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة منصور لمالك بن أنس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 5894 - (00) (00) (وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة يونس لمالك، وساق يونس (نحو حديث مالك) بن أنس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:

5895 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَمْرَينِ، أَحَدُهُمَا أَيسَرُ مِنَ الآخَرِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيسَرَهُمَا. مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. 5896 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. وَابْنُ نُمَيرٍ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: أَيسَرَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5895 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، من (2) (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة: (ما خُيّر) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر) قال القاضي عياض: التخيير يحتمل أن يكون من الله تعالى في عقوبتين أو فيما بينه وبين الكفار في القتل وأخذ الجزية أو فيما يُخيّره فيه المنافقون من الموادعة والمحاربة كما مر آنفًا (إلا اختار أيسرهما) وأسهلهما (ما لم يكن) ذلك الأيسر (إثمًا) أي يجر إلى إثم (فإن كان) الأيسر (إثمًا) أي يجر إلى إثم أي يخاف منه إثم (كان أبعد الناس منه) أي من ذلك الأيسر، كرر متن الحديث لما فيه من المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5896 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب و) محمد بن عبد الله (بن نمير جميعًا) أي كلاهما رويا (عن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي أسامة، وساق أبو كريب ومحمد بن نمير الحديث السابق (إلى قوله) أي إلى قول الراوي إلا اختار (أيسرهما ولم يذكرا) أي ولم يذكر أبو كريب ومحمد بن نمير (ما بعده) أي ما بعد قوله: أيسرهما من قوله: ما لم يكن إثمًا فإن كان إثمًا .. إلخ وهذا التفسير الذي قررناه مجاراة على النسخة المحرّفة من

5897 - (2304) (59) حدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيئًا قَطُّ بِيَدِهِ. وَلَا امْرَأَةً. وَلَا خَادِمًا. إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيل اللهِ. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيءٌ قَطُّ. فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتابة الألف في قوله: (ولم يذكرا) والصواب إسقاط هذه الألف لأن الغرض بيان متابعة عبد الله بن نمير لأبي أسامة لا متابعة أبي كُريب وابن نمير لأبي كريب فكيف يتابع أبو كريب لأبي كريب، والصواب أن يقال: وساق عبد الله بن نمير الحديث السابق إلى قول الراوي أيسرهما ولم يذكر عبد الله بن نمير ما بعده والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 5897 - (2304) (59) (حدثنا أبو كريب) وفي أغلب النسخ (حدثناه أبو كريب) بزيادة الضمير، وهو تحريف من النساخ لعدم المرجع لأن هذا الحديث الآتي حديث آخر غير السابق، بدليل اختلاف من أخرجه من الأئمة (حدثنا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا) ممن يملك أمره وتأديبه وانتقامه (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية من عمره، ولفظ قط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي وعوض ضده (بيده) الشريفة عبدًا (ولا امرأة ولا خادمًا) ولا ولدًا ولا دابة وهو معطوف على محذوف قدرناه يكون بدلًا من قوله شيئًا، بدل تفصيل من مجمل أو معطوف على شيئًا عطف مفصل على مجمل (إلا أن يجاهد) صلى الله عليه وسلم (في سبيل الله) فيضرب الكافر دفاعًا عن دين الله تعالى وفي هذا أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحًا للتأديب فتركه أفضل (وما نيل) وأصيب (منه) من عرضه وجسمه (شيء) بأذى من قول أو فعل (قط) أي في زمن من الأزمان (فينتقم) بالنصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية لوقوعها بعد النفي أي لم يكن إصابة شيء من عرضه وجسمه فانتقامه (من صاحبه) أي ممن أصابه بأذى فعقابه له (إلا أن ينتهك) ويرتكب ويفعل مع عدم المبالاة به استخفافًا لنهي الشارع عنه (شيء من محارم الله) أي مما حرّمه الله تعالى على عباده كالزنا والسرقة مثلًا، وقوله: (إلا أن ينتهك) .. إلخ استثناء منقطع

فَيَنْتَقِمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ. 5898 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. 5899 - (2305) (60) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ ـــــــــــــــــــــــــــــ معناه لكن إذا انتهكت حرمة الله تعالى انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك وانتهاك حرمته تعالى هو ارتكاب ما حرّمه اهـ نووي (فينتقم) أي يعاقب فاعله انتقامًا منه (لله عزَّ وجلَّ) ووفاء لحده لأنه انتهك حرمات الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 229]، وأبو داود في الأدب باب التجاوز في الأمر [4786]، وابن ماجه في النكاح باب ضرب النساء [1992]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 5898 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ووكيع) بن الجراح (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلهم) أي كل من عبدة ووكيع وأبي معاوية رووا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي أسامة حالة كونهم (يزيد بعضهم على بعض) في متن الحديث. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5899 - (2305) (60) (حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القنّاد) بفتح القاف والنون المشددة آخره دال مهملة نسبة إلى بيع القند بفتحتين وهو السكر ذكره السمعاني في كتاب الأنساب أبو محمد الكوفي، روى عن أسباط بن نصر في المناقب ومندل بن علي، ويروي عنه (م د س) وإبراهيم الجوزجاني والذهلي وعلي البغوي، له في (م) فرد حديث، قال ابن معين وأبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: ثقة إن شاء الله، وقال في

حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، (وَهُوَ ابْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ)، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الأُولى. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ. فَاسْتَقْبَلَهُ ولْدَانٌ. فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّي أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا. قَال: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي. قَال: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ التقريب: صدوق رُمي بالرفض، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين (222) (حدثنا أسباط وهو ابن نصر) بالمهملة وبالمعجمة (الهمداني) أبو نصر الكوفي، روى عن سماك بن حرب في المناقب والسدِّي ويروي عنه (م عم) وعمرو بن حماد بن طلحة وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، قال ابن معين في موضع: ثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس، وقال النسائي: ليس بالقويّ، وقال في التقريب: صدوق كثير الخطإ يُغرِب، من الثامنة (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي الصحابي بن الصحابي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى) وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته كما قالوا مسجد الجامع يعني بالصلاة الأولى صلاة الظهر فإنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يريد بها صلاة الصبح لأنها أول صلاة النهار أو أول صلاة فرضت (ثم خرج) النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد قاصدًا الرجوع (إلى أهله) ومنزله، قال جابر: (وخرجت معه) صلى الله عليه وسلم من المسجد (فاستقبله) أي تلقاه صلى الله عليه وسلم (ولدان) المدينة وصبيانهم جمع وليد (فجعل) صلى الله عليه وسلم أي شرع (يمسح) بكفيه (خدي أحدهم) بصيغة التثنية أي يمسح الخدين منهم بالكفين منه من الجانبين مرة حالة كونهم (واحدًا واحدًا) حال مركبة مفيدة الترتيب أي مرتبين واحدًا بعد واحد أي يمسح خدي أحدهم شفقة عليهم وتشريفًا لهم ببركة يده المباركة، وفي مسحه الصبيان دلالة على حسن خُلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه ورحمته للأطفال وملاطفتهم (قال) جابر: (وأما أنما فمسح خدي) بالإفراد بيد واحدة (قال) جابر: (فوجدت ليده) الشريفة (بردًا) طبيعيًا (أو ريحًا) أي وريحًا طيبة والأولى في (أو) هذه أن تكون بمعنى الواو لا للشك لأنها لو كانت للشك وقدرنا إسقاط لفظة (أو ريحًا) لم يستقم تشبيه برودة يده بإخراجها من جؤنة عطار فإن ذلك إنما هو

كَأَنَّمَا أخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ. 5900 - (2306) (61) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِمِ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ)، عَنْ ثَابِتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ تشبيه للرائحة فإذا حُملت (أو) على معنى الواو الجامعة استقام التشبيه للرائحة والإخبار عن وجدان برودة اليد التي تكون عن صحة العضو، ويحتمل أن يريد بالبرودة برودة الطيب فإنهم يصفونه بالبرودة كما قال الشاعر الأعشى: وتبرد برد رداء العرو ... س في الصيف رقرقت العبيرا (كأنما أخرجها) أي كأنما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم يده الشريفة (من جؤنة عطار) أي من شنطة العطار ووعاءه في فوح رائحة الطيب منها خلقة لا تطيبًا (والجؤنة) بضم الجيم وسكون الهمزة وفتح النون هي سفط يحمل فيه العطار متاعه، قال الحربي: وهو مهموز وقد يُسهل، وقال صاحب العين: هي سليلة مستديرة مغشاة أُدمًا اهـ من المفهم. والسليلة: السلة وهي الزنبيل المتخذ من خوص النخل أو من قديد قصب البوص، والعطار هو من يبيع العطر وهو من صيغ النسب لا للمبالغة كالتمار لمن يبيع التمر مثلًا. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بن سمرة بحديث أنس رضي الله عنهم أجمعين فقال: 5900 - (2306) (61) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة لأنه نزل فيهم أبو سليمان البصري، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثني زهير بن حرب واللفظ له حدثنا هاشم يعني ابن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4)

قَال أَنَسٌ: مَا شَمِمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ وَلَا مِسْكًا وَلَا شَيئًا أَطيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَا مَسِسْتُ شَيئًا قَطُّ دِيباجًا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مَسًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (13) بابا (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ما شممت) بكسر الميم الأولى على الأشهر، وحكى أبو عبيد وابن السكيت والجوهري وآخرون فتحها أي ما تروحت بأنفي (عنبرًا) طيب معروف (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (ولا) شممت (مسكًا) طيب يكون من فأرة الغزال (ولا) شممت قط (شيئًا) من أنواع الطيب (أطيب) رائحة (من ريح) أي من طيب رائحة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه وسلم وهو مما أكرمه الله تعالى به، قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبًا ومع هذا كان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين اهـ نووي. قال القرطبي: قوله: (ما شممت عنبرًا) .. إلخ هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان طيب الريح وإن لم يتطيب ثم إنه كان يستعمل الطيب ويعجبه رائحته لأنه كان يناجي الملائكة ولأنه مستلذ لحسن الشم كالحلاوة لحسن الذوق ولأنه مقو الدماغ ومحرّك لشهوة الجماع ولأنه مما يرضي الرب سبحانه وتعالى إذا قصد به القربة والتهيؤ للصلاة اهـ من المفهم. (ولا مسست) أي لمست بفتح السين الأول لأنه من باب شد أي ولا لمست (شيئًا) لينًا (قط ديباجًا) بدل من شيئًا بدل تفصيل من مجمل (ولا حريرًا) ولا خزًّا ولا إبريسمًا ولا قزًا (ألين) أي أنعم (مسًا) ولمسًا (من) جسد (رسول الله صلى الله عليه وسلم) والديباج ما غلظ من الحرير والاستبرق ما رق منه، والحرير عام لهما سُمي حريرًا لأنه يدافع البرودة عند البرد والحرارة عند الحر، وكان مقتضى القياس أن يسمى بريدًا أيضًا ولكن فيه اكتفاء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 103]، والبخاري في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [6281]، والنسائي في البر والصلة باب ما جاء في خُلق النبي صلى الله عليه وسلم [2015]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5901 - (00) (00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ. كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ. إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ. وَلَا مَسِسْتُ دِيباجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 5902 - (2307) (62) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5901 - (00) (00) (وحدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) النيسابوري، ثقة حافظ، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة بن هلال الباهلي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حماد) بن سلمة البصري (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد لسليمان بن المغيرة (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون) وهو الأبيض المستعير وهو أحسن الألوان يعني أبيض اللون في صفاء كما قال في الرواية الأخرى ليس بالأبيض الأمهق أي المتألق البياض الذي صفته تشبه بياض الثلج والجص (كأن عرقه اللؤلؤ) أي في الصفاء والبياض واللؤلؤ بهمز أوله وآخره وبتركهما وبهمز الأول دون الثاني وعكسه جوهر نفيس أبيض برّاق لمّاع يخرج من البحر راجع تفسيرنا إن أردت البسط (إذا مشى تكفأ) أي تمايل وانحنى إلى قدام كأنما ينهبط من فوق أو يشير إلى الركوع كما قال في رواية أخرى (كأنما ينحط من صبب) (ولا مسست يباجة ولا حريرة ألين) وأنعم (من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شمست مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قوله: (ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولا يعارض هذا ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان شئن الكفين وقد فُسر الشثن بالغليظ لأنها كانت ممتلئة اللحم غير أنها مع غاية ضخامتها كانت لينة ناعمة، وقوله: (ديباجة ولا حريرة) أي خرقة منهما من ذكر العام بعد الخاص ليفيد العموم كما مر آنفًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 5902 - (2307) (62) (حدثني زهير بن حرب حدثنا هاشم يعني ابن

الْقَاسِمِ)، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: دَخَلَ عَلَينَا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال عِنْدَنَا. فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "يَا أُمَّ سُلَيمٍ، مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟ " قَالتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القاسم الليثي) البغدادي (عن سليمان) بن المغيرة القيسي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (دخل علينا) في بيتنا بيت أم سليم (النبي صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام (فقال): أي نام نومة القيلولة رسول الله صلى الله عليه وسلم (عندنا) في بيتنا (فعرق) أي خرج منه العرق وسال عليه في نومه، وقوله: (فقال عندنا) فهو من قال يقيل قيلولة أما قال يقول: فهو من القول وقد تلطّف النضير المناوي حيث قال في لغزه: قال: قال النبي: قولًا صحيحًا ... قلت قال النبي قولًا صحيحًا وفسره السراج الوراق في جوابه حيث قال: فابن منه مضارعًا يظهر الخا ... في ويبدو الذي كنيت صريحًا وقال المهلب: فيه مشروعية القيلولة للكبير في بيوت معارفه لما في ذلك من ثبوت المودة وتأكد المحبة اهـ من التكملة، قال القرطبي: وفيه دليل على دخول الرجل على ذوات محارمه في القائلة وتبسطه معهن ونومه على فراشهن وكانت أم سليم ذات محرم له من الرضاعة قاله القاضي اهـ من المفهم. قال أنس: (وجاءت أمي) من داخل البيت (بقارورة) أي بإناء من زجاج (فجعلت) أي شرعت أمي (تسلت العرق) بضم اللام وكسرها من بابي نصر وضرب، مضارع من سلت الشيء إذا أخرجه، والقصعة إذا مسحها بأصبعه كذا في القاموس أي شرعت تجمع عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في القارورة (فاستيقظ) أي انتبه (النبي صلى الله عليه وسلم) من نومه (فقال) لها: (يا أم سليم ما هذا) الصنيع (الذي تصنعين) بي من مسح عرقي وجمعه في القارورة (قالت) أم سليم في جواب استفهامه صلى الله عليه وسلم (هذا) الذي جمعته في القارورة (عرقك) يا رسول الله نريد أن (نجعله) ونخلطه (في طيبنا وهو) أي عرقك (من أطيب الطيب) وأحسنه رائحة، وفي رواية للبخاري (فجمعته في سك) والسك بضم السين طيب مركب.

(5903) - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيتَ أُمِّ سُلَيمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيسَتْ فِيهِ. قَال: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا. فَأُتِيَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 136]، والبخاري في الاستئذان باب من زار قومًا فقال عندهم [6281]، والنسائي في الزينة باب ما جاء في الأنطاع [5371]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: (5903) - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا حجين بن المثنى) اليمامي أبو عمرو البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله (وهو ابن أبي سلمة) الماجشون هما كنية أبيه ولقبه، التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري الخزرجي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن عبد الله لثابت بن أسلم (قال) أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيتـ) ـنا بيت (أم سليم) والدتي (فينام) النبي صلى الله عليه وسلم (على فراشها) ومرقدها (و) الحال أنها (ليست فيه) أي في ذلك الفراش، قال النووي: قد سبق أنها كانت محرمًا له صلى الله عليه وسلم ففيه الدخول على المحارم والنوم في بيوتهن ولعله يشير بذلك إلى ما سبق في باب غزو البحر من كتاب الإمارة من أن أم حرام بنت ملحان كانت خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع، وقيل: خالة لأبيه أو لجده لأن أم عبد المطلب كانت أنصارية من بني النجار، وإن أم حرام هي أخت أم سليم رضي الله تعالى عنهما فما صدق عن أم حرام يصدق على أم سليم والله أعلم، وقوله: (وليست فيه) وفيه الاكتفاء بالإذن المتعارف في استعمال ملك الغير إذا كان الإنسان متيقنًا بأنه لا يكرهه بل تطيب نفسه (قال) أنس: (فجاء) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذات يوم) أي يومًا من الأيام فلفظ ذات مقحم أو من إضافة الشيء إلى نفسه للتأكيد أو من إضافة المسمى إلى الاسم (فنام على فراشها) ومرقدها (فأُتيت) بصيغة المجهول

فَقِيلَ لَهَا: هَذا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِي بَيتِكِ، عَلَى فِرَاشِكِ. قَال: فَجَاءَتْ وقَدْ عَرِقَ، وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطعَةِ أَدِيمِ عَلَى الْفِرَاشِ، فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا، فَفَزعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيمٍ؟ " فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا. قَال: "أَصَبْتِ". 5904 - (2308) (63) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسند إلى ضمير المؤنث أي فأتيت أم سليم أي أتاها آت من أهل بيتها (فقيل لها): أي فقال الآتي لها: (هذا) الحاضر هو (النبي صلى الله عليه وسلم) وقد (نام في بيتك على فراشك قال) أنس: (فجاءت) أم سليم (و) الحال أنه (قد عرق) النبي صلى الله عليه وسلم في نَوْمهِ (واستنقع) معطوف على عرق أي واجتمع (عرقه على قطعة أديم) مبسوط (على الفراش) وأصل الاستنقاع هو خروج العصارة من نحو ثمر كالبرتقال واجتماعها، والأديم الجلد المدبوغ يبسط على الفراش كالسجادة (ففتحت) أم سليم (عتيدتها) بفتح العين وكسر التاء وهي كالصندوق الصغير تجعل المرأة فيه ما يعز من متاعها وهي مأخوذ من العتاد وهو الشيء المعد لأمر مهم (فجعلت) أي شرعت أم سليم (تنشف) أي تمسح (ذلك العرق) المجتمع بخرقة (فتعصره) من باب ضرب أي تعصر ذلك العرق من الخرقة (في قواريرها) أي قوارير عطرها وطيبها (ففزع) أي فجع (النبي صلى الله عليه وسلم) من مسحها العرق منه واستيقظ من نومه (فقال) لها: (ما تصنعين) وتفعلين وتريدين (يا أم سليم فقالت) له: (يا رسول الله) أريد أن تمسح عرقك وأدّخره في قارورة لأنا (نرجو بركته) وشفاءه (لـ) أمراض (صبياننا) إذ مرضوا ولا يعارض هذا ما سبق من أنها كانت تجمعه للطيب لأنها كانت تفعله للأمرين جميعًا فذكر كل راو ما لم يذكره الآخر فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصبت) بكسر التاء خطابًا لها أي وافقت الصواب أو عملت العمل الصواب، وفي هذا تقرير صريح لها على فعلها فهو دليل على جواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ما لم يؤد ذلك إلى الشرك والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أم سليم رضي الله تعالى عنهما فقال: 5904 - (2308) (63) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان بن مسلم) بن

حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيمٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيها فَيَقِيلُ عِنْدَهَا. فَتَبْسُطُ لَهُ نِطْعًا فَيَقِيلُ عَلَيهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعَرَقِ، فَكَانَت تَجْمَعُ عَرَقَهُ فَتَجْعَلُهُ فِي الطِّيبِ وَالْقَوَارِيرِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أُمَّ سُلَيمٍ، مَا هَذَا؟ " قَالتْ: عَرَقُكَ أَدُوفُ بِهِ طِيبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله الصفّار الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أيوب) السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) بن مالك (عن) والدته (أم سليم) سهلة بنت ملحان الأنصارية الخزرجية رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته، وفيه رواية صحابي عن صحابية، وولد عن والدة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها) في بيتها (فيقيل) أي ينام نوم القيلولة (عندها) في بيتها (فتبسط له) صلى الله عليه وسلم من باب نصر أي فتفرش له (نطعًا) بكسر النون وفَتْحِها وسكون الطاء وهو الجلد المدبوغ (فيقيل) من باب باع أي ينام (عليه) أي على ذلك النطع نوم القيلولة (وكان) صلى الله عليه وسلم (كثير العرق) لكمال صحته (فكانت) أم سليم (تجمع عرقه) صلى الله عليه وسلم (فتجعله) أي فتجعل ذلك العرق المجموع (في) وعاء (الطيب) ليزيد له طيبًا (و) في إناء (القوارير) استقلالًا للاستشفاء والتبرك به عندما أصيب الصبيان بأمراض (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم ما هذا) الصنيع (قالت) له: هذا (عرقك أدوف) من باب قال أي أخلط (به طيبي) ليزداد لي طيبًا. وقوله: (أدوف به طيبي) قال القرطبي: هو بالدال المهملة ثلاثيًّا أي أخلطه وهكذا صحيح الرواية فيه وهو المشهور عند أهل اللغة، وحُكي فيه الذال المعجمة ثلاثيًّا ورباعيًا اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5905 - (2309) (64) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: إِنْ كَانَ لَيُنْزَلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ، ثُمَّ تَفِيضُ جَبْهَتُهُ عَرَقًا. 5906 - (2310) (65) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ بِشْرٍ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5905 - (2309) (64) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (إن) مخففة من الثقيلة (كان) زائدة أو شأنية (لينزل) الوحي بالبناء للمجهول واللام حرف ابتداء أي أن الشأن والحال لينزل الوحي (على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغداة الباردة) أي في الصباح البارد (ثم تفيض) وتسيل (جبهته) وجبينه (عرقًا) لشدة ما يلقاه من الوحي من مشقة استلام الوحي، وفي رواية البخاري (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرودة فيفصم عنه وإن جبينه لينفصد عرقًا) وفي قولها بيان لما رأته من الشدة ودلالة على كثرة معاناة التعب لما في العرق في شدة البرد من مخالفة العادة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 58]، والبخاري في بدء الوحي رقم [2] وفي بدء الخلق باب ذكر الملائكة [3215]، والترمذي في المناقب باب ما جاء كيف ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم [3634]، والنسائي في الافتتاح باب جامع ما جاء في القرآن [933 و 934]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 5906 - (2310) (65) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة و) محمد (بن بشر) العبدي الكوفي (جميعًا) أي كل من هؤلاء الثلاثة من سفيان وأبي أسامة وابن بشر رووا (عن هشام) بن عروة (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا محمد بن بشر حدثنا هشام عن أبيه عن

عَائِشَةَ؛ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: كَيفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَال: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيتُهُ، وَأَحْيَانًا مَلَك فِي مِثْلِ صُورَةِ الرَّجُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة) رضي الله تعالى عنها (أن الحارث بن هشام) المخزومي هو أخو أبي جهل شقيقه، أسلم يوم الفتح، وكان من فضلاء الصحابة، واستشهد في فتوح الشام رضي الله عنه (سأل النبي صلى الله عليه وسلم) عن كيفية إتيان الوحي إليه فقال في سؤاله: (كيف يأتيك الوحي؟ ) أي حامله يا رسول الله أي على أي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحيانًا) أي أزمانًا (يأتيني) ملك الوحي صوته (في مثل صلصلة الجرس) أي مشابهًا صوته صوت الجرس، والصلصلة بفتح الصادين مع سكون اللام بينهما وهو في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض أي صوت سقوط بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين، والجرس ما يعلق في عنق البعير ليطلب بصوته إذا ضاع ويُسمى الجلجل وهو كل ما يُعلق في عنق الدواب، قيل: والصلصلة المذكورة هو صوت الملك بالوحي، وقيل: صوت خفيق أجنحة الملك، والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره اهـ من القسطلاني (وهو) أي إتيانه بذلك الصوت (أشده) أي أشد الوحي وأثقله (عليّ) أي إيحاؤه إليّ بذلك الصوت أثقل عليّ استلامًا منه من إيحائه إليّ بصوت رجل معروف، والتعبير بصيغة المفاضلة يُفهم منه أن الوحي كله شديد ولكن هذه الصفة أشدها وهو واضح لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود (ثم يفصم) بفتح الياء وكسر الصاد بالبناء للفاعل أي ثم يقلع (عني) وينجلي وينكشف ويزول عني ما غشاني من الثقل والشدة بسبب الوحي قاله الخطابي، قال العلماء: الفصم بالفاء هو القطع من غير إبانة، وأما القصم بالقاف هو القطع مع الإبانة والانفصال، وفي التعبير بالفصم بالفاء إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود إليه ولا يفارقه مفارقة قاطع لا يعود، ورُوي هذا الحرف أيضًا بلفظ يفصم على صيغة المبني للمجهول من فصم الثلاثي، ورُوي بلفظ يفصم بضم الياء وكسر الصاد من أفصم الرباعي وهي لغة قليلة ومنه أفصم المطر إذا أقلع وانقطع أي ينكشف عني ما أراه من شدة الوحي وثقله (و) الحال أني (قد وعيته) وحفظته وفهمته أي حفظت ما أوحى إليّ (وأحيانًا) أي أزمانًا يأتيني (ملك) الوحي صورته (في مثل صورة الرجل) المعروف وهو

فَأَعِي مَا يَقُولُ". 5907 - (2311) (66) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ، كُرِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ دحية بن خليفة الكلبي فيكون ذلك أخفه عليّ (فأعي) أي فأحفظ (ما يقول) لي ويوحي إلي من الله تعالى، وفي رواية البخاري (يتمثل لي الملك رجلًا) والمراد بالملك هنا جبريل - عليه السلام - كما هو مصرح به في بعض الروايات، وفيه دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر، وقال الحافظ في الفتح [1/ 21] والحق أن تمثل الملك رجلًا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلًا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه، والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائي فقط، والظاهر من لفظ التمثل في رواية البخاري أنه ليس من باب انقلاب الحقيقة وإنما هو ظهور مثاله في صورة رجل والله أعلم بحقائق خلقه اهـ منه، قال القاضي عياض: ذكر هذين الوجهين من أوجه الوحي ولم يذكر الثالث وهو الرؤيا لأنه إنما سأله عن إتيانه عن يقظة، وأما الرؤيا فلم يسأله عنها لأنهم عرفوها اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في بدء الوحي أول الكتاب [1]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما فقال: 5907 - (2311) (66) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25) بابا (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن حطّان بن عبد الله) الرقاشي البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (عن عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته (قال) عبادة: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه الوحي كُرِب) بالبناء للمجهول أي أصابه كرب وتعب

لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ. 5908 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ نَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسَ أَصْحَابُهُ رُؤُوسَهُمْ. فَلَمَّا أُتْلِيَ عَنْهُ، رَفَعَ رَأْسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ومشقة (لذلك) أي لنزول الوحي عليه لثقله وشدته لكونه غير مألوف له (وتربَّد) بتشديد الباء الموحدة من باب تفعل الخماسي أي تغير (وجهه) أي لونُ وجهه من البياض إلى الاحمرار، يقال: ترَبَّد وَارْبَدَّ كَاحْمرَّ أي تَلوَّن وصار كلون الرماد، قال أبو عبيد: الربدة لون بين السواد والغبرة كذا في الأبي وإنما حصل له ذلك لعظم موقع الوحي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الحدود، والترمذي في الحدود، والنسائي في الرجم في الكبرى، وابن ماجه في الحدود اهـ تحفة الأشراف. وقد تقدم هذا الحديث للمؤلف بطوله في الحدود باب حد الزنا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبادة رضي الله عنه فقال: 5908 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة بن الحسن) البصري (عن حطّان بن عبد الله الرقاشي) البصري (عن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من سباعياته، غرضه بيان متابعة هشام لسعيد بن أبي عروبة (قال) عبادة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه الوحي نكس رأسه) أي خفض رأسه تعظيمًا لما نزل به من أمر الله تعالى وتوقيرًا له (ونكس) أي خفض (أصحابه) الحاضرون عنده وقتئذٍ (رؤوسهم) موافقة له صلى الله عليه وسلم (فلما أُتلي عنه) لما حينية أو بمعنى إذا وأُتلي بضم الهمزة وسكون التاء على صيغة الرباعي المبني للمجهول أي فإذا انجلى وانكشف وسُرّي عنه ما يجده من شدة الوحي (رفع رأسه) لزوال سبب الانتكاس، قوله: (فلما أُتلي عنه) كذا وقع في النسخ الموجودة لدينا بضم الهمزة وسكون التاء وكسر اللام مجهول من الإتلاء، والظاهر أن معناه خُلي وتُرك أو انقطع الوحي، ووقع في بعض الروايات (أُجلي) وفي بعضها انجلى وهو أوضح، وزعم القاضي عياض أن أُتلي لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يناسب المقام من حيث اللغة وهو الذي يظهر من كلام المازري اهـ من الأبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديثها الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع: حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد به لحديث جابر بن سمرة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أم سليم ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عائشة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثامن: حديثها الرابع ذكره للاستشهاد لما قبله، والتاسع: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم

693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم 5909 - (2312) (67) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ. (قَال مَنْصُورٌ: حَدَّثَنَا. وَقَال ابْنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنَا) إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِيَانِ ابْنَ سَعْدٍ)، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ 693 - (7) باب في سدله وفرقه شعره وقده وصفة شعره وفمه وعينيه وعقبيه ولونه وشيبه صلى الله عليه وسلم 5909 - (2312) (67) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن جعفر بن زياد) الوركاني البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قال منصور: حدثنا وقال ابن جعفر: أخبرنا إبراهيم يعنيان ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس: (كان أهل الكتاب) اليهود والنصارى (يسدلون) أي يرسلون (أشعارهم) من كل الجوانب يعني على الجبين والقرنين والقفا، ولكن المراد بالسدل هنا أن يتركوا شعر ناصيتهم على جبهتهم، قال النووي: قال العلماء: المراد بالسدل إرساله على الجبين واتخاذه كالقُصّة والقُصّة بالضم شعر الناصية يقال: سدل شعره من بابي نصر وضرب إذا أرسله على الناصية وجعله قُصّة أي مجموعة على الناصية، ويقال: سدل شعره وثوبه إذا أرسله ولم يضم جوانبه (وكان المشركون) أي مشركو العرب (يفرقون رؤوسهم) أي يقسمون شعورهم على جوانب رؤوسهم أي على القرنين، وقوله: (يفرقون) يقال: فرق شعره من بابي نصر وضرب إذا قسمه على الجانبين وجعل له مفرقًا من الفرق وهو جعل شعر الرأس فرقتين على الجانبين وبينهما مفرق، قال العلماء: والفرق سنة لأنه هو الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تركه أولًا (وكان رسول الله صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ. فَسَدَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. 5910 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما) أي في أمر (لم يؤمر به) أي لم يؤمر فيه بشيء من الفعل أو الترك أي فيما لا يخالف شرعه لأن أهل الكتاب كانوا في زمانه صلى الله عليه وسلم متمسكين ببقايا من شرائع الرسل فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقة عبّاد الأوثان (فسدل) أي أرسل (رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته) أي شعر ناصيته على الجبين والجبهة موافقة لأهل الكتاب لما ذُكر فلما أسلم غالب عبّاد الأوثان ولم يُسلم أهل الكتاب عنادًا له أحب صلى الله عليه وسلم حينئذٍ مخالفة أهل الكتاب فيما وافقهم فيه أولًا من سدل الشعر على الناصية (ثم فرق) شعره أي جعله فرقتين على الجانبين (بعد) أي بعدما سدله أولًا موافقة لهم، وقيل: إنه فعل ذلك السدل أولًا لاستئلافهم فلما ظهر الدين واستغنى عن استئلافهم أمر بمخالفتهم والتعليل الأول أولى وأوفق، قوله: (ثم فرق بعد) ومن ثم ذهب جماعة من العلماء إلى كونه سنة، وقال آخرون: السدل والفرق كلاهما جائز والفرق أفضل لكونه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجحه النووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 287]، والبخاري في مواضع منها في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3558]، وأبو داود [4188]، وابن ماجه في اللباس باب اتخاذ الجمة والذوائب [3676]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 5910 - (00) (00) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس، غرضه بيان متابعة يونس لإبراهيم بن سعد، وساق يونس (نحوه) أي نحو حديث إبراهيم بن سعد.

5911 - (2313) (68) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مَرْبُوعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث البراء رضي الله عنه فقال: 5911 - (2313) (68) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر (حدثنا شعبة قال) شعبة: (سمعت أبا إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (قال) أبو إسحاق: (سمعت البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي، أبا عمارة الكوفي، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من خماسياته حالة كون البراء (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا) بضم الجيم في الروايات المعتمدة، وقد ضبطه بعضهم بكسر الجيم يعني: كان رجل الشعر وهو الذي بين الجعودة والسبوطة ورجح بعض العلماء كسر الجيم زعمًا منهم بأنه لا يتصور من أحد من الصحابة أن يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه (رجلًا بضم الجيم) ولم يُنقل مثل ذلك عن أحد من الصحابة في غير هذا الحديث لكن تعقبه الشيخ علي القاري في شرح الشمائل [1/ 17] بأنه لا يستبعد من الصحابة فإن مثل هذا الإطلاق كثير في العرف يقال: رجل كريم ورجل صالح، واستظهر بعضهم أنه زيادة من أحد الرواة ولذلك لم يوجد لفظ رجلًا في بعض الروايات والله أعلم اهـ منه، وقال الدهني: ووقع في الروايات المعتمدة بضم الجيم فيحتمل أن يكون المراد به المعنى المتبادر المتعارف الذي يراد بلفظ الرجل وهو المقابل للمرأة، ومعناه واضح وهو حينئذٍ توطئة للخبر لأن الخبر في الحقيقة هو قوله: (مربوعًا) إذ هو الذي يفيد الفائدة المعتد بها والمراد به أنه صلى الله عليه وسلم كان لا طويلًا ولا قصيرًا أي وسطًا بينهما، وورد في بعض الأحاديث (ربعة) وهو بمعنى مربوعًا، ويحتمل أن يراد بالرجل شعره صلى الله عليه وسلم إذ الرجل بكسر الجيم وتحها وضمها وسكونها بمعنى واحد وهو الذي في شعره تكسر يسير ويؤيده ما صح في بعض النسخ بكسر الجيم وسكونها وحينئذٍ لا يحتاج إلى جعله توطئة الخبر وكان هذا المعنى أصوب إذ لا يليق بحال الصحابة أن يصف

بَعِيدَ مَا بَينَ الْمَنْكِبَينِ. عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيهِ، عَلَيهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصطفى صلى الله عليه وسلم بكونه رجلًا بالمعنى المتبادر منه ولم يُسمع في غير هذا الخبر ذكر أحد من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنوان (كان رجلًا كذا) بل الظاهر أنه من زيادة بعض الرواة ممن دون الصحابة لكن الطعن في الرواة مستبعد لأن زيادة الثقة مقبولة إجماعًا والأحسن أن يُحمل على المعنى المرادف أو على المتعارف ويُراد به كامل الرجولية أو توطئة للخبر وهو كثير في العرف يقال: فلان رجل كريم فقوله: مربوعًا على هذا المعنى صفة لرجلًا وخبر آخر لكان على ذلك المعنى، وكذا إعراب قوله: (بعيد ما بين المنكبين) اهـ جمع الوسائل على الشمائل باختصار أي عريض ما بين المنكبين واسعه والمنكب مجمع عظم العضد والكتف ومعناه عريض أعلى الظهر وهو مستلزم لعرض الصدر، قال العسقلاني: وأراد ببعيد ما بينهما السعة إذ هي علامة النجابة، وقيل: بُعد ما بينهما كناية عن سعة الصدر وشرحه الدالِّ على الجود والوقار وهو من صفات الجمال في الرجل، ووقع في بعض النسخ بُعيد بضم الباء مصغرًا وهو تصغير ترخيم، والقياس أن يكون تصغيره بعيد بتشديد الياء وكسرها، ووجه بعض العلماء هذه النسخة بأن التصغير إشارة إلى اعتدال البعد المذكور والمراد أن طول ما بين منكبيه الشريفين لم يكن مفرطًا وإنما كان معتدلًا وهذا الوجه صحيح من حيث المعنى غير أن نسخة التصغير لا تساعدها رواية (عظيم الجمة) بضم الجيم وتشديد الميم أي كثيفها، وقال الحافظ: إن الجمة هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى شحمة الأذن وإلى المنكبين وإلى أكثر من ذلك، وأما الذي لا يجاوز الأذنين فهو الوفرة ويعضده قوله: (إلى شحمة أذنيه) أي كان عظيم الجمة وكثيفها حالة كونها واصلة إلى شحمة أذنيه وجلدتها، فالجمة عامة تطلق على الوفرة وهي الواصلة إلى شحمة الأذن ولم تجاوزها، وعلى اللمة وهي التي ألمّت بالمنكبين ووصلت إليهما والذي جاوز المنكبين يسمى جمة لا غير، قال النووي: قال أهل اللغة: الجمة أكثر من الوفرة واللمة، فالجمة: الشعر الذي نزل على المنكبين والوفرة ما نزل إلى شحمة الأذنين واللمة التي ألّمت بالمنكبين، وأما شحمة الأذن فهو اللين منها في أسفلها وهو معلق القرط منها. ورأيته صلى الله عليه وسلم (عليه حلة حمراء) والحلة بضم الحاء إزار ورداء ولا يسمى حلة حتى يكون ثوبين، قال في شرح الشمائل: والمراد بالحلة الحمراء بردان يمنيان منسوجان بخطوط حمراء مع سود كسائر البرد اليمنية وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من المخطوط الحمر،

مَا رَأَيتُ شَيئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 5912 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: مَا رَأَيتُ مِن ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيهِ، بَعِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفيه دليل على جواز لبس الأحمر من الثياب وقد أخطأ من كره لبسه مطلقًا غير أنه قد يختص بلبسه في بعض الأوقات أهل الفسق والبطالة والمجون فحينئذٍ يكره لأنه إذ ذاك تشبه بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود [4031] لكن ليس هذا مخصوصًا بالحمرة بل هو جار في كل الألوان والأحوال حتى لو اختص أهل الظلم والفسق بشيء مما أصله سنة كالخاتم والخضاب والفَرْقِ لكان ينبغي لأهل الدين أن لا يتشبهوا بهم مخافة الوقوع فيما كرهه الشرع من التشه بأهل الفسق ولأنه قد يظن به من لا يعرفه أنه منهم فيعتقد فيه ذلك وينسبه إليهم فيظن به ظن السوء فيأثم الظان بذلك والمظنون به بسبب المعونة عليه اهـ من المفهم (مما رأيت شيئًا قط أحسن) وأجمل، وقط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان متعلق بالنفي أي ما رأيت فيما مضى من عمري شيئًا أحسن وأجمل (منه صلى الله عليه وسلم) خلقًا وخُلقًا وصفة وحلية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 290]، والبخاري في مواضع منها في كتاب الأنبياء باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3551]، وأبو داود في الترجل باب ما جاء في الشعر [4183، 4184]، والترمذي في المناقب باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3635]، والنسائي في الزينة باب اتخاذ الجمة [5232 و 5233]، وابن ماجه [3599]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5912 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وأبو كريب قالا: حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب الأنصاري الأوسي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لشعبة (قال) البراء: (ما رأيت من ذي لمة) بكسر اللام وتشديد الميم أي صاحبها (أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره يضرب) أي يصل (منكبيه بعيد

مَا بَينَ الْمَنْكِبَينِ، لَيسَ بِالطَّويلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. قَال أَبُو كُرَيبٍ: لَهُ شَعَرٌ. (5913) - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا. وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بين المنكبين ليس بالطويل ولا بالقصير) بل وسط بينهما (قال أبو كريب) في روايته: (له شعر) يضرب منكبيه بدل قول عمرو (شعره) واختلف الروايات في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي رواية عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، وفي رواية ما رأيت من ذي لمة أحسن، وفي رواية كان يضرب شعره منكبيه، وفي رواية إلى أنصاف أذنيه، وفي رواية بين أذنيه وعاتقه فبينها معارضة. (قلت): لا معارضة لأن اختلافها بالنظر إلى اختلاف الأوقات والأحوال فإنه إذا غفل عن تقصيرها بلغت المنكب أو جاوزته وإذا قصرها كانت إلى أنصاف أذنيه أو فوقها أو تحتها فكان صلى الله عليه وسلم يقصّر أحيانًا ويطوّل أحيانًا فبحسب ذلك اختلفت الروايات والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال: (5913) - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا إسحاق بن منصور) السلولي بفتح السين وضم اللام نسبة إلى بني سلول مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن إبراهيم بن يوسف) بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، صدوق، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) يوسف بن إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) (قال) أبو إسحاق: (سمعت البراء) بن عازب (يقول): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يوسف بن إسحاق لشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس) أي أجمل الناس (وجهًا وأحسنه) أي أحسن الناس (خلقًا) بفتح الخاء وسكون اللام أي ذاتًا لأن مراده صفات جسمه، وأما في حديث أنس فرويناه بالضم لأنه إنما أخبر عن حسن معاشرته اهـ نووي، وأما قوله: (وأحسنه) بالإفراد فقال أبو حاتم وغيره: هكذا تقوله

لَيسَ بِالطَّويلِ الذَّاهِبِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. (5914) - (2314) (69) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. قَال: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: كَيفَ كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: كَانَ شَعَرًا رَجِلًا، لَيسَ بِالْجَعْدِ وَلَا السَّبْطِ، بَينَ أُذُنَيهِ وَعَاتِقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب (وأحسنه) يريدون وأحسنهم ولكن لا يتكلمون به وإنما يقولون أجمل الناس وأحسنه، ومنه الحديث: "خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أشفقه على ولد وأعطفه على زوج" وحديث أبي سفيان: "عندي أحسن العرب وأجمله" (ليس) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالطويل الذاهب) أي البائن البالغ النهاية، والبائن هو الذي يباين الناس بزيادة طوله اهـ مفهم (ولا بالقصير) الفاحش بل هو وسط مقتصد بينهما، وفي الشفاء (كان ربعة القدّ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد) وهو الذي تداخل بعضه في بعض اهـ مفهم ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله - عليه السلام - اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: (5914) - (2314) (69) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي، صدوق، من (9) (حدثنا جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (حدثنا قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25) بابا (قال) قتادة: (قلت لأنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (كيف كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي على أي صفة كان؟ هل له جعودة أو سبوطة؟ (قال) أنس: (كان) شعره صلى الله عليه وسلم (شعرًا رجلًا) بفتح الراء وكسر الجيم أي وسطًا بين الجعد والسبط (ليس) شعره (بالجعد) التام بفتح الجيم وسكون العين من الجعودة، والجعودة في الشعر أن يكون فيه تعقد والتواء وتلفف كما يُشاهد في بعض الأفارقة والمراد من نفي الجعودة هنا نفي شدة الجعودة (ولا) بـ (السبط) بفتح السين وسكون الباء وربما تُكسر الباء وتفتح أيضًا من السبوطة وهي ضد الجعودة وهو الامتداد والاسترسال ليس فيه تعقد ولا نتوء ولا التواء ولا تلفف أصلًا كما في شعر الأفارج والمراد أن شعره صلى الله عليه وسلم كان متوسطًا بين الجعودة والسبوطة كشعر الأعراب كان شعره جمة (بين أذنيه وعاتقه) والعاتق ما بين المنكب والعنق.

5915 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. قَالا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيهِ. 5916 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 118]، والبخاري في مواضع منها في اللباس باب الجعد [5900]، وأبو داود في الترجل باب ما جاء في الشعر [4185 - 4186]، والترمذي في اللباس باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر [1754]، والنسائي في الزينة باب اتخاذ الجمة [5234 و 5235]، وابن ماجه في اللباس باب اتخاذ الجمة والذوائب [3678]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5915 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة (بن هلال) الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (قالا): أي قال حبان وعبد الصمد (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لجرير بن حازم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب) ويصل (شعره منكبيه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5916 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو كريب قالا: حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم (ابن علية) الأسدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (عن حميد) بن أبي الحميد الطويل مولى طلحة الطلحات البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة حميد لقتادة (قال) أنس: (كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم) يصل (إلى أنصاف أذنيه) جمع نصف بمعنى الوسط، وقد تقدم آنفًا الجمع بين هذه الروايات

5917 - (2315) (70) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَينِ. مَنْهُوسَ الْعَقِبَينِ، قَال: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ المختلفة بأحسن جمع، وقال القاضي: والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه وهو الذي بين أذنيه وعاتقه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5917 - (2315) (70) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي الملقب بغندر (حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (قال) سماك: (سمعت جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي رضي الله تعالى عنهما (قال): وهذا السند من خماسياته، أي سمعته حالة كونه قائلًا (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم) أي واسع الفم، والعرب تمدح بذلك، وتذم بصغر الفم، وفسره سماك في آخر الحديث بعظيم الفم أي واسعه وهو تفسير صحيح اختاره الأكثر والضليع في الأصل هو الذي عظمت أضلاعه ووفرت فاتسع جنباه ثم استعمل في موضع العظيم وإن لم يكن ثمة أضلاع، وفيه إيماء إلى قوة فصاحته وسعة بلاغته، وقال شمر: أراد عظيم الأسنان وقيل: معناه شدة الأسنان وكونها تامة كذا في جمع الوسائل على الشمائل [1/ 37] (أشكل العين) فسره سماك بن حرب بطويل شق العين ولكن غلّطه القاضي عياض وقال: إنه وهم من سماك باتفاق العلماء، والصواب ما اتفق عليه العلماء وجميع أصحاب الغريب من أن الشُّكلة بضم الشين كما في القاموس حُمرة في بياض العين وهو محمود عند العرب جدًّا، (والشهلة) بضم الشين وبالهاء حمرة في سوادها ويؤيده ما أخرجه البيهقي عن علي رضي الله عنه (كان صلى الله عليه وسلم عظيم العينين أهدب الأشفار مشرب العين بحمرة) اهـ جمع الوسائل (منهوس العقبين) أي قليل لحم العقبين، وفي القاموس: المنهوس من الرجال قليل اللحم منهم فقيد العقب يفيد نفي ما عدا العقب (قال) شعبة: (قلت لسماك) بن حرب: (ما) معنى (ضليع الفم؟ قال) سماك: معناه

عَظِيمُ الْفَمِ. قَال: قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ العَينِ؟ قَال: طَويلُ شَقِّ العَينِ. قَال: قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَال: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ. 5918 - (2316) (71) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيلِ. قَال: قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ، كَانَ أَبْيَضَ، مَلِيحَ الْوَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عظيم الفم) قال الأبي: والمعنى أنه ليس بالصغير الحقير ولا أنه كان من الكبر بحيث يخرج من الحسن اهـ (قال) شعبة: (قلت ما) معنى (أشكل العين؟ قال) سماك معناه (طويل شق) لحاظ (العين) وموقها، وهذا خطأ من سماك، والصواب ما قلناه أولًا كما مر آنفًا (قال) شعبة: (قلت) لسماك: (ما) معنى (منهوس العقب؟ قال) سماك معناه (قليل لحم العقب). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في المناقب باب في صفته صلى الله عليه وسلم [3547 و 3548]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث أبي الطفيل رضي الله عنه فقال: 5918 - (2316) (71) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا نسبة إلى أحد أجداده أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المكي، ولد عام أحد، وأثبت مسلم وابن عدي صحبته ورؤيته النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) الجريري: (قلت له) أي لأبي الطفيل: (أرأيت) أي هل رأيت (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أبو الطفيل: (نعم) رأيته صلى الله عليه وسلم (كان) صلى الله عليه وسلم (أبيض) اللون (مليح الوجه) أي جميله يعني كان أبيض في صفاء كما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان أزهر وكما قال ليس بالأبيض الأمهق والملاحة أصلها في العينين كما تقدم اهـ من المفهم.

قَال مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: مَاتَ أَبُو الطفَيلِ سَنَةَ مِائَةٍ وَكَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 5919 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَن أَبِي الطُّفَيلِ، قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيرِي. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: فَكَيفَ رَأَيتَهُ؟ قَال: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 454]، وأبو داود في الأدب باب في هدي الرجل [4864]. قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد راوي المؤلف (قال) لنا (مسلم بن الحجاج مات أبو الطفيل سنة مائة) وقال غيره: مات اثنتين ومائة، وقيل سنة سبع ومائة اهـ من الإصابة [4/ 113] (وكان) أبو الطفيل (آخر من مات) على الإطلاق (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5919 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجمشي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن) سعيد بن إياس (الجريري) البصري (عن أبي الطفيل) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الأعلى لخالد بن عبد الله الطحان (قال) أبو الطفيل: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض) وظاهرها الآن (رجل رآه) صلى الله عليه وسلم (غيري) لأن كل أصحابه قد ماتوا (قال) الجريري (فقلت له) أي لأبي الطفيل (فكيف رأيته؟ ) أي فعلى أي حال وأي صفة رأيته (قال) أبو الطفيل رأيته وقد (كان أبيض) صافيًا (مليحًا) أي جميلًا (مقصدًا) بصيغة اسم المفعول من قصد الرباعي المضعف أي وسطًا بين جسيم ونحيف وطويل وقصير يعني أنه لم يكن ضئيل الجسم ولا ضخمه ولا طويلًا ولا قصيرًا مترددًا بل كان وسطًا فيهما. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

5920 - (2317) (72) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَال: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: إِنَّهُ لَم يَكُنْ رَأَى مِنَ الشَّيبِ إِلَّا - (قَال ابْنُ إِدْرِيسَ: كَأَنَّهُ يُقَلَّلُهُ) - وَقَدْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5920 - (2317) (72) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن) عبد الله (بن إدريس قال عمرو) الناقد (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن (الأودي) بسكون الواو أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي أبي عبد الله البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري مولاهم مولى أنس أبي بكر البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابا (قال) ابن سيرين: (سئل أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أم لا؟ والسائل هو ابن سيرين كما هو مصرح في الرواية التالية اهـ تنبيه المعلم (قال) أنس في جواب السائل: (إنه) صلى الله عليه وسلم (لم يكن رأى من الشيب إلا) قليلًا أي إلا شعرات قليلة فأي شيء يخضب (قال ابن إدريس) في روايته أي زاد على غيره لفظة (كأنه) أي كأن أنسًا (يقلله) أي يقلل شيبه صلى الله عليه وسلم أي يعده قليلًا بحيث لا يحتاج إلى خضاب، ومراد أنس نفيه خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيبه لكونه قليلًا لا يظهر إلا للمتأمل في نظره (و) سئل أنس عن خضاب أبي بكر وعمر كما تدل على هذا التقدير الرواية التالية فقال: (قد خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم) مخلوطين ليميل الخضاب إلى السواد وخضابها يصدق على مرة أو مرتين فلا يدل تعبيره على المواظبة لأنه لم يُعبّر بكان الدالة على الدوام والمواظبة والحناء شجر معروف خضابه أحمر، والكتم شجر معروف خضابه أسود في الأرميا (كُنْتُم) يرعاه الإبل كثيرًا، وقال بعض الشراح: والكتم نبت يُصبغ به الشعر يكسر بياضه أو حمرته إلى الدهمة أي السواد وقيل: هو الوسمة وقيل: غيرها كما في الشّراح والله أعلم اهـ دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 227]، والبخاري في المناقب

921 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بن الرَّيَّانِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ الأحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. قَال: سَأَلتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3550] وفي اللباس باب ما يُذكر في الشيب [5894 و 5895]، وأبو داود الترجل باب في الخضاب [4209]، والنسائي في الزينة باب الخضاب بالصفرة [5086 و 5087]، وابن ماجه في اللباس باب من ترك الخضاب [3673]. [تتمة] قول أنس (لم يكن رأى من الشيب إلا قليلًا) والمراد أنه صلى الله عليه وسلم لم يشب رأسه أو لحيته شيبة يحتاج من أجلها إلى الخضاب وقد ذكر ذلك صريحًا في الرواية الآتية (لم يبلغ الخضاب) وفيه نفي ظاهر لخضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعارضه في الظاهر ما رواه أصحاب السنن والحاكم من حديث أبي رمثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران وله شعر قد علاه الشيب وشيبه أحمر مخضوب بالحناء، وقد روي عن ابن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالصفرة أخرجه الشيخان، وقد أخرج البخاري في اللباس عن عبد الله بن موهب أن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أخرجت له شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فرأيت شعرات حُمرًا"، والجمع بينه وبين حديث أنس أن يُحمل نفي أنس على غلبة الشيب حتى يحتاج إلى خضابه ولم يتفق له أن يرى شعره صلى الله عليه وسلم مخضوبًا، ويحمل حديث من أثبت الخضاب على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك أحيانًا ولم يواظب عليه والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5921 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بكار بن الريان) الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الخلقاني -بضم المعجمة وفتح القاف بعد اللام الساكنة آخره نون- نسبة إلى بيع الخلقان جمع خلق من الثياب وغيرها كما في اللباب الأسدي، أبو زياد الكوفي، لقبه شقوصًا -بفتح المعجمة وضم القاف الخفيفة وبالمهملة- صدوق، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن) محمد (بن سيرين قال) محمد: (سألت أنس بن مالك)

هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَضَبَ؟ فَقَال: لَمْ يَبْلُغِ الْخِضَابَ. كَانَ فِي لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. قَال: قُلْتُ لَهُ: أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْضِبُ؟ قَال: فَقَال: نَعَمْ، بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. 5922 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا وُهَيبُ ابْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَال: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَخَضَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: إِنَّهُ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيبِ إِلَّا قَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عاصم لهشام بن حسان (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب) شعره (فقال) أنس: (لم يبلغ) النبي صلى الله عليه وسلم أوان (الخضاب) لأنه (كان في لحيته شعرات بيض) جمع بيضاء قليلة نحو عشرين كما هو مصرح في بعض الروايات (قال) ابن سيرين: (قلت له) أي لأنس (أكان أبو بكر يخضب) شيبه (قال) ابن سيرين: (فقال) لي أنس: (نعم) يخضب أبو بكر (بالحناء والكتم) مخلوطين ليميل الخضاب من الحمرة إلى السواد، أما الحناء فشجر معروف يخضب بورقه فيحمر الشعر، وأما الكتم بفتح الكاف والتاء المخففة وقد تشدد فنبت يخضب به الشعر ليتكسر بياضه أو حمرته إلى الدهمة ولا يُصبغ به الشعر الأسود بل يزيد سواده. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 5922 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن الحجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة حافظ، من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا معلي بن أسد) العمي بفتح المهملة وتشديد الميم أبو الهيثم البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا وهيب بن خالد) بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن محمد بن سيرين قال) محمد: (سألت أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لهشام وعاصم الأحول (أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) شعره (قال) أنس: (إنه) صلى الله عليه وسلم (لم ير من الشيب إلا قليلًا) فلم يحتج إلى الخضاب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5923 - (00) (00) حدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ. قَال: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ فَعَلْتُ. وَقَال: لَم يَختَضِبْ. وَقَدِ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا. 924 - (00) (00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5923 - (00) (00) (حدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) لأنه هو الذي روى عنه أبو الربيع الزهراني (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني (قال) ثابت: (سئل أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم) والسائل هو ابن سيرين كما مر آنفًا. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ثابت لمحمد بن سيرين (فقال) أنس: (لو شئت) أيها السائل (أن أعدّ) لك (شمطات) أي شعرات بيضًا (كن في رأسه) صلى الله عليه وسلم أي لو شئت أن أبيّن لك عدد شعرات بيض كن في رأسه (فعلت) بيان عددها لك لقلتهن وإمكان حصرهن، قال في النهاية: الشمطات جمع شمط بالتحريك والشمط الشيب والشمطات الشعرات البيض التي كانت في شعر رأسه صلى الله عليه وسلم يعني لقلتها اهـ، وقال القرطبي: الشمطات جمع شمطة ويعني بها الشعرات البيض المخالطة للشعر الأسود، قال الأصمعي: إذا رأى الرجل البياض فهو أشمط اهـ من المفهم (وقال) أنس: ولذلك أي ولأجل قتلها (لم يختضب) رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره (وقد اختضب) واختضب هنا لمبالغة معنى الثلاثي أي قد خضب (أبو بكر) شيبه (بالحناء والكتم) مختلطين ليضرب لون الخضاب إلى السواد (واختضب عمر) أي خضب عمر شيبه (بالحناء بحتًا) أي خالصًا غير مخلوط بشيء بكتم ولا بغيره ليكون خضابه حمرة خالصة والبحت بالموحدة والحاء المهملة هو الخالص من الشيء المنفرد عن غيره، والكتم نبت يخلط بالوسمة يختضب به قاله في الصحاح، وقال أبو حنيفة اللغوي: الوسمة الحضر والعظلم والشبلج والتنومة وكله يُصبغ به والحناء ممدودة قال أبو علي جمع حناءة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 5924 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) الصغير نسبة إلى الجهاضمة حارة في البصرة، ثقة ثبت، من (10)

حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: يُكْرَهُ أَنْ يَنْتِفَ الرَّجُلُ الشَّعْرَةَ الْبَيضَاءَ مِنْ رَأْسِهِ وَلحْيَتِهِ. قَال: وَلَمْ يَخْتَضِبْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إِنَّما كَانَ الْبَيَاضُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَفِي الصُّدْغَينِ وَفِي الرَّأْسِ نَبْذٌ. 925 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (16) بابا (حدثنا أبي) علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي الكبير أبو الحسن البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا المثنى بن سعيد) الضبعي أبو سعيد البصري القصير، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لمن روى عن أنس (قال) أنس: (يُكره) كراهة تنزيه (أن ينتف) ويقلع (الرجل) وكذا المرأة (الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته) كراهية للشيب، قال النووي: هذا متفق عليه، قال أصحابنا وأصحاب مالك: يُكره ولا يحرم اهـ (قال) أنس: (ولم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأنه (إنما كان البياض في عنفقته) بفتح العين وسكون النون وفتح الفاء والقاف، ورُوي بفتح الفاء وهي الشعرات التي تنبت تحت الشفة السفلى بينها وبين الذقن، وأصل العنفقة خفة الشيء وقلته (وفي الصدغين) تثنية صدغ، والصدغ بضم الصاد وسكون الدال هو ما بين الأذن والعين ويقال ذلك أيضًا للشعر المتدلي من الرأس فيي ذلك الموضع (وفي الرأس) أي وفي رأسه صلى الله عليه وسلم (نبذ) بفتح النون وسكون الباء أي قليل متفرق من الشعرات البيض، وضبطه بعضهم بضم النون وفتح الباء جمع نبذة ومعناهما متقارب أي شعرات بيض قليلة، قال الحافظ في الفتح [6/ 572] بعد نقل الروايات في شيب النبي صلى الله عليه وسلم وعُرف من مجموع ذلك أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيرها اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5925 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5926 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي دَاوُدَ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُلَيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، سَمِعَ أَبَا إِيَاسٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: مَا شَانَهُ اللهُ بِبَيضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (16) بابا (حدثنا المثنى) بن سعيد الضبعي البصري (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس، غرضه بيان متابعة عبد الصمد لعلي بن نصر. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 5926 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار وأحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي (الدروقي) نسبة إلى دورق بلدة من بلاد فارس، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزار المعروف بالحمال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (جميعًا) أي كل من الأربعة رووا (عن أبي داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (قال) محمد (بن المثنى حدثنا سليمان بن داود) بصريح اسمه وبصيغة السماع (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن خُليد) بضم أوله مصغرًا (بن جعفر) بن طريف الحنفي أبو سليمان البصري، صدوق، من (6) روى عنه في (4) أبواب (سمع أبا إياس) معاوية بن قرة بن إياس المزني البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي إياس لمن روى عن أنس (أنه سئل عن شيب النبي صلى الله عليه وسلم) هل خضبه أم لا؟ (قال): ما خضبه لأنه (ما شانه الله) أي ما عابه الله تعالى ونقص جماله (بـ) شعرة (بيضاء) أي بشعرة ذات بياض يعني أن الشعرات البيض اليسيرة لم تغير من حسنه شيئًا ولم تنقصه، قوله: (ما شانه الله ببيضاء) قال القرطبي: معناه لم يكن شيبه كثيرًا بينًا حتى تزول عنه بهجة الشباب ورونقه ويلحق بالشيوخ الذين كان الشيب لهم عيبًا فإنه يدل على ضعفهم ومفارقة قوة الشباب ونشاطه، ويحتمل أن يريد أن ما ظهر عليه من الشيب اليسير زاده ذلك في عين الناظر إليه أبهة وتوقيرًا وتعظيمًا و (الشين) العيب اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي جحيفة رضي الله تعالى عنهما فقال:

5927 - (2318) (73) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيفَةَ قَال: رَأيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، هَذهِ مِنْهُ بَيضَاءَ، وَوَضَعَ زُهَيرٌ بَعْضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ، قِيلَ لَهُ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟ قَال: أَبْرِي النَّبْلَ وَأَرِيشُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5927 - (2318) (73) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن أبي جحيفة) مصغرًا السوائي وهب بن عبد الله الكوفي مشهور بكنيته، ويقال له وهب الخير، معروف من صغار الصحابة رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته (قال) أبو جحيفة: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه) العنفقة بدل بعض من كل من الرسول، والضمير في قوله: (منه) أي من الرسول هو الرابط المشترط في بدل البعض من الكل، وقوله: (بيضاء) حال من المفعول لأن رأى هنا بصرية أي حالة كون عنفقته ذات شعرات بيض، قال أحمد بن يونس أو يحيى بن يحيى: (ووضع زهير) بن معاوية عندما روى لنا هذا الحديث (بعض أصابعه) أي بعض أصابع زهير (على عنفقته) أي على عنفقة زهير بيانًا للمشار إليه باللسان بالإشارة الحسية (قيل له) أي لأبي جحيفة: لم أر من بين اسم هذا القائل من الشراح (مثل من) خبر مقدم وجوبًا لإضافته إلى ما يلزم الصدارة وهو الاستفهام (أنت) مبتدأ مؤخر أي أنت مثل من من هؤلاء الحاضرين (يومئذٍ) أي يوم إذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والظرف متعلق بالنسبة الكائنة بين المبتدأ والخبر أي أنت تكون مثل من، وإنما سئل عن قدره ومثله لأنه كان من صغار الصحابة ولم يبلغ الحلم في عهده صلى الله عليه وسلم (فقال) أبو جحيفة في جواب سؤاله: أنا غلام مميز لأني (أبري) من باب رمى أي أنحت (النبل) أي السهام (وأريشها) من باب باع أي أريش السهام وأجعل لها ريشًا يعني كنت صبيًّا مميزًا أستطيع أن أباشر مثل هذه الأفعال.

5928 - (2319) (74) حدَّثنا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيفَةَ قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ قَدْ شَابَ. كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ. 5929 - (00) (00) وحدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 308]، والبخاري في المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم [3543 و 3544]، والترمذي في المناقب باب مناقب الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما [3777] وفي الأدب باب ما جاء في العدة [2826]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر لأبي جحيفة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5928 - (2319) (74) (حدثنا واصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي جحيفة) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أبو جحيفة: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (أبيض) اللون و (قد شاب) وابيضَّ شعره (كان الحسن بن علي) بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما (يشبهه) أي يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدًا وجمالًا. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5929 - (00) (00) (وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا سفيان) بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي مولاهم أبو محمد الأعور المكي، ثقة، من (8) روى عنه في (25) بابا (وخالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني الواسطي الطحان، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة الكوفي

كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي جُحَيفَةَ، بِهَذَا. وَلَمْ يَقُولُوا: أَبْيَضَ قَدْ شَابَ. 5930 - (2320) (75) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ سُئِلَ عَنْ شَيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَال: كَانَ إِذَا دَهَنَ رَأْسَهُ لَمْ يُرَ مِنْهُ شَيءٌ. وَإذَا لَمْ يَدْهُنْ رُئيَ مِنْهُ. 5931 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين من سفيان وخالد ومحمد بن بشر رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن أبي جحيفة) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته أي كلهم رووا عن إسماعيل عن أبي جحيفة (بهذا) الحديث المذكور (و) لكن (لم يقولوا) أي لم يذكروا في روايتهم لفظة (أبيض قد شاب). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال: 5930 - (2320) (75) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي (سليمان بن داود) بن الجارود البصري (حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) (قال) سماك: (سمعت جابر بن سمرة) السوائي الكوفي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، وقد (سئل) جابر (عن شيب النبي صلى الله عليه وسلم فقال) جابر: (كان) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دهن) ومسح (رأسه) بالدهن (لم ير منه شيء) من الشيب أي لم ير من شعره - عليه السلام - شيء من البياض اهـ دهني (وإذا لم يدهن) بفتح الياء وسكون الدال وضم الهاء من باب نصر أي لم يمسح رأسه بالدهن (رُئي) بصيغة المجهول أي رئي الشيب (منه) صلى الله عليه وسلم للناظر إليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 90 و 102]، والترمذي في الشمائل [38 و 43]، والنسائي في الزينة باب الدهن [5114]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 5931 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله) بن موسى

عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ. فَقَال رَجُلٌ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيفِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ العبسي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن سماك) بن حرب الهذلي الكوفي (أنه) أي أن سماكًا (سمع جابر بن سمرة) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لشعبة حالة كون جابر (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط) بكسر الميم من باب سمع أي قد ابيض (مقدم رأسه و) مقدم (لحيته) بالشيب وبدأ فيهما الشيب يعني خالط الشيب ذينك الموضعين و (مقدم رأسه) يعني به الصدغين كما قال أنس: (إنما كان البياض في عنفقته وصدغيه) و (مقدم اللحية) يعني العنفقة كما قال أبو جحيفة: رأيت هذه منه بيضاء يعني عنفقته وهذا يدل على أن قول أنس في الرواية الأخرى إنه كان في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه عشرون شعرة بيضاء إنما كان ذلك منه تقديرًا وتخمينًا على جهة التقريب والتقليل لا التحقيق اهـ من المفهم، وقال في القاموس: الشمط بفتحتين اختلاط بياض الشعر بسواده يقال: شمط الرجل شمطًا من الباب الرابع إذا خالط البياض سواد رأسه (وكان) الشأن (إذا ادهن) من باب افتعل الخماسي أصله ادتهن قلبت تاء الافتعال دالًا فأدغمت الدال في الدال فصار ادهن بتشديد الدال أي إذا مسح رأسه ولحيته بالدهن (لم يتبين) أي لم يظهر الشيب لقلته (وإذا شعث) من باب تعب أي انتفش ويبس (رأسه) لعدم تعهده بالدهن والطيب (تبين) وظهر شيبه يعني أنه كان إذا تطيب بطيب يكون فيه دهن فيه صفرة خفي شيبه وهذه هي الصفرة التي رأى عليه ابن عمر وأبو رمثة والله أعلم، وشعث الرأس انتفاش شعره واختلاطه لعدم تسريحه وتعهده وأراد به هنا إذا لم يتطيب اهـ من المفهم (وكان) صلى الله عليه وسلم (كثير شعر اللحية) لا يُفهم من هذا أنه كان طويلها فإنه قد صح أنه كان كث اللحية أي كثير شعرها غير طويلة وكان يخلل لحيته اهـ من المفهم (فقال) لجابر: (رجل) من الحاضرين عنده ولم أر من ذكر اسم هذا الرجل من الشراح (وجهه) صلى الله عليه وسلم (مثل السيف) في الطول واللمعان وهذا سؤال سُئل بمثله البراء بن عازب فيما أخرجه البخاري في المناقب، ولعل منشأ السؤال ما عُرف من

قَال: لَا، بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا. وَرَأَيتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثلَ بَيضَةِ الْحَمَامَةِ، يُشْبِهُ جَسَدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كونه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون فسأله هل كان مثل السيف في البريق واللمعان؟ ويحتمل أن يكون منشأ السؤال ما ورد في بعض روايات أبي هريرة من أنه صلى الله عليه وسلم كان أسيل الخدين أي طويلهما فسأل السائل: هل كان وجهه يشابه السيف؟ (فقال) له جابر: (لا) أي ما كان وجهه مثل السيف (بل كان) وجهه صلى الله عليه وسلم (مثل الشمس والقمر وكان) وجهه (مستديرًا) أي مدورًا مثل الشمس والقمر يعني ما كان يشابه السيف في البريق واللمعان وإنما كان فوق ذلك كالشمس والقمر ولأجل كون التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبًا الإشراق والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما أعقبه بقوله: وكان مستديرًا إشارة إلى أنه أراد التشبيه في الصفتين معًا الحسن والاستدارة وهو جواب في غاية البلاغة اهـ من التكملة، قوله: (وكان وجهه مثل السيف) قال القرطبي: يحتمل هذا التشبيه وجهين: أحدهما: أن السيوف كانت عندهم مستحسنة محبوبة يتجملون بها ولا يفارقونها فشبه وجه النبي صلى الله عليه وسلم به لأنه مستحسن محبوب يتجمل به حين المجالسة ولا يُسْتَغْنَى عنه، وثانيهما: أنه كان صلى الله عليه وسلم أزهر صافي البياض يبرق وجهه، وقد رُوي أنه كان يتلألأ وجهه في الجدر ذكره ابن الأثير في النهاية [4/ 55] فشبه وجهه بالسيف في صفاء بياضه وبروقه والله أعلم، وقوله: (لا بل كان مثل الشمس والقمر) هذا نفي لتشبيه وجهه بالسيف لما في السيف من الطول فقد يحتمل أن وجهه كان طويلًا وإنما كان مستديرًا في تمام الخلق ولأنه تقصير في التشبيه فأضرب عن ذلك وذكر من التشبيه ما هو أوقع وأبلغ فقال: بل مثل الشمس والقمر وهذا التشبيه هو الغاية في الحسن إذ ليس فيما نشاهده من هذا الوجود أحسن ولا أرفع ولا أنفع منهما وهما اللذان جرت عادات الشعراء والبلغاء بأن يُشبهوا بهما ما يستحسنونه اهـ من المفهم (و) سمعت جابرًا يقول أيضًا: (رأيت الخاتم) أي خاتم النبوة (عند كتفه) صلى الله عليه وسلم حالة كون ذلك الخاتم (مثل بيضة الحمامة) أي قدرها حالة كونه (يشبه جسده) الشريف صلى الله عليه وسلم في اللون. قال القرطبي: قوله: (ورأيت الخاتم) .. إلخ الألف واللام في الخاتم لتعريف العهد أي خاتم النبوة الذي من علاماته المعروفة له في الكتب السابقة وفي صدور علماء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الملل السالفة ولذلك لما حصل عند سلمان الفارسي رضي الله عنه العلم بصفاته وأحواله وعلاماته وموضع مبعثه ودار هجرته جدَّ في الطلب حتى ظفر بما طلب ولما لقيه جعل يتأمل ظهره فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يقف على ما يعرفه من خاتم النبوة فنزع ردائه من على ظهره فلما رأى سلمان الخاتم أكب عليه يقلبه وهو يقول: أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعنى خاتم النبوة أي علامة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث البراء ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والخامس: حديث أبي الطفيل ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والسادس: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والسابع: حديث أبي جحيفة الأول ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي جحيفة الثاني ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث جابر بن سمرة الأخير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علما بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم 5932 - (2321) (76) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ. قَال: رَأَيتُ خَاتِمًا فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَأنَّهُ بَيضَةُ حَمَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 694 - (8) باب إثبات خاتم النبوة وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وكم سنه حين قُبض وكم أقام بمكة وبالمدينة وفي أسمائه وكونه أشد الناس علمًا بالله وخشية له تعالى ووجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة فقال: 5932 - (2321) (76) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) (قال: سمعت جابر بن سمرة) السوائي الكوفي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (رأيت خاتمًا) للنبوة (في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام) وبيضتها معروفة، والحمامة واحدة والحمام بتخفيف الميم الأولى فيهما يعني أنه مرتفع على جسده الشريف ليس كالخال الكبير والله أعلم ويؤيده رواية البخاري (وكانت بضعة ناشزة) أي مرتفعة على جسده اهـ. قال القرطبي: واختلفت ألفاظ النقلة في صفة ذلك الخاتم فروى جابر بن سمرة وأبو موسى ما ذكرناه آنفًا، وروى السائب بن يزيد أنه مثل زر الحجلة كما سيأتي، وروى عبد الله بن سرجس أنه رأى جُمعًا عليه خيلان مثل التآثيل كما سيأتي أيضًا، وروى الترمذي عن جابر بن سمرة قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الذي بين كتفيه غُدة حمراء مثل بيضة الحمامة، وقال: حسن صحيح (قلت): وهذه الكلمات كلها متقاربة المعنى مفيدة أن خاتم النبوة كان نتوءًا قاتمًا أحمر تحت كتفه الأيسر قدره إذا قُلِّل بيضة الحمامة وإذا كُبّر جُمع اليد، وقد جاء في البخاري (كان بضعة ناشزة) أي مرتفعة ذكره ابن حجر في فتح الباري [6/ 563] وعزاه للترمذي والله أعلم.

5933 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 5934 - (2322) (77) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ)، عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَال: سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في المناقب باب خاتم النبوة [3644]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5933 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا حسن بن صالح) بن صالح بن مسلم بن حيان الهمداني الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن سماك) بن حرب (بهذا الإسناد) يعني عن جابر بن سمرة. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حسن بن صالح لشعبة، وساق الحسن (مثله) أي مثل حديث شعبة. ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنهما فقال: 5934 - (2322) (77) (وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق يهم، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالا: حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) العبدري المدني كوفي الأصل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن الجعد بن عبد الرحمن) بن أوس وقد ينسب إلى جده وقد يُصغر الكندي أو التميمي أبي عبد الرحمن المدني، روى عن السائب بن يزيد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة بنت سعد وجماعة، ويروي عنه (خ م د ت س) وحاتم بن إسماعيل والفضل بن موسى ومكي بن إبراهيم ذكره الساجي في الضعفاء، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه ابن معين، له في (م) فرد حديث رباعي في باب خاتم النبوة، وقال في التقريب: من الخامسة، مات سنة (144) أربع وأربعين ومائة (قال) الجعد: (سمعت

السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِن ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ. ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمِهِ بَينَ كَتِفَيهِ، مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة بضم ففتح وتخفيف الكندي الحجازي، الصحابي بن الصحابي رضي الله عنه، روى عنه في (8) أبواب (يقول) السائب: (ذهبت بي خالتي) قال القسطلاني: لم تسم، وقال في تنبيه المعلم: خالة السائب بن يزيد في حفظي أنها فاطمة بنت شريح اهـ (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت) خالتي: (يا رسول الله إن ابن أختي) علبة بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الموحدة بنت شريح (وجع) بكسر الجيم والتنوين على صيغة اسم الفاعل من فعل المكسور من باب فرح أي مريض فادع له (فمسح) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسي) بيده الشريفة، قال عطاء مولى السائب: كان مقدم رأس السائب أسود بعدما كبر وهو الموضع الذي مسحه النبي صلى الله عليه وسلم من رأسه وشاب ما سوى ذلك ورواه البيهقي والبغوي ولا يحضرني الآن لفظهما اهـ قسطلاني (ودعا لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالبركة ثم توضأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فشربت من وضوئه) بفتح الواو أي من الماء المتقاطر من أعضائه الشريفة (ثم قمت خلف ظهره) صلى الله عليه وسلم (فنظرت إلى خاتمه) أي إلى خاتم نبوته وهو أي ذلك الخاتم (بين كتفيه) وهو الذي يُعرف عند أهل الكتاب، وفي حديث ابن سرجس الآتي (أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى) حالة كونه (مثل زر الحجلة) أي مثل إزار ستور العروس والحجلة بفتح الحاء ثم الجيم واحدة الحجال فلها معنيان أحدهما أنها بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى وهذا هو الصواب عند الجمهور، والثاني: طائر معروف سماوي اللون على جناحه وريشه وجميع جسمه نقط بيض يقال له في الأرميا (سُلُحا) وأما الزر بكسر الزاي وتشديد الراء هو مفرد أزرار القميص والقباء ويناسبه المعنى الأول للحجلة فإن حجلة العروس تكون لها أزرار كبار والمعنى على الثاني مثل نقط الطائر المسمى بالحجلة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة منها في المناقب باب خاتم النبوة [3540 و 3541]، والترمذي في المناقب باب خاتم النبوة [3643].

5935 - (2323) (78) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحَدَّثَنِي سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ. ح وَحَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ)، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ. قَال: رَأَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا وَلَحْمًا. أَوْ قَال: ثَرِيدًا. قَال: فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: نَعَمْ. وَلَكَ. ثُمَّ تَلا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بن سمرة بحديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنهم فقال: 5935 - (2323) (78) (حدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (ح وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) أي كل من حماد وعلي بن مسهر رويا (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثني حامد بن عمر) بن حفص الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبي بكرة، الصحابي رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لحامد بن عمر (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عاصم) الأحول (عن عبد الله بن سرجس) بفتح السين وسكون الراء وكسر الجيم بوزن مسجد المزني البصري، الصحابي الجليل رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذه الأسانيد كلها من رباعياته (قال) عبد الله: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزًا ولحمًا) قال عاصم: (أو) قال لي عبد الله: أكلت معه (ثريدًا) هو الخبز المثري بالإدام (قال) عاصم: (فقلت له) لابن سرجس: (أستغفر) بتقدير همزة الاستفهام أي هل أستغفر (لك النبي صلى الله عليه وسلم قال) ابن سرجس: (نعم) استغفر لي (ولك) ولجميع المؤمنين يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستغفر لي فقط بل قد استغفر لك أيضًا لأنه تعالى أمره بالاستغفار لجميع المؤمنين والمؤمنات وأنت منهم (ثم تلا) عبد الله بن سرجس استدلالًا على استغفاره لجميع

هَذِهِ الآيَةَ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]. قَال: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَينَ كَتِفَيهِ. عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى، جُمْعًا، عَلَيهِ خِيلانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ. 5936 - (2324) (79) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنين (هذه الآية) يعني قوله: ({وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}) [محمد / 19] (قال) عبد الله بن سرجس: (ثم) بعدما أكلت معه (درت) أي طُفْتُ من دار بالشيء إذا طاف به أي تحولت من مكاني وقمت (خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة) حالة كونه كائنًا (بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى) أي عند أعلى كتفه اليسرى، قال الجمهور: الناغض والنغض أعلى الكتف، وقيل: هو العظم الرقيق الذي على طرف الكتف، وقيل ما يظهر منه عند التحرك، سمي ناغضًا لتحركه اهـ نووي، حالة كون ذلك الخاتم (جُمعًا) بضم الجيم وسكون الميم أي مثل الكف المجموع مع أصابعه فالإنسان إذا قبض أصابعه وضمها إلى كفه فمجموع كفه وأصابعه يسمى جُمعًا أي مثل الكف المجموع في الصورة لا في الحجم فلا ينافي ما مر من أنه كبيضة الحمامة لأنه كان كبيضة الحمامة في الحجم وكالجُمع في الشكل والصورة، ويسمى الجُمع في الأرميا (بحنسي) (عليه) أي على ذلك الخاتم (خيلان) بكسر الخاء جمع خال وهو الشامة وهو ما يخالف لونه لون البدن مثل البهق الصغار ولكنه أسود في الأرميا (هين) أي على ذلك الخاتم خيلان (كأمثال الثآليل) أي كأشباه البثرات جمع ثؤلول على وزن زنبور وهي البثرة أي خيلان كأشباه الحبيبات التي تنبت على الجسد خصوصًا على جباه المرد وخدودهم، والكاف زائدة والمعنى عليه خيلان أشباه الثآليل والثؤلول في الأرميا (فنيس). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5936 - (2324) (79) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ التيمي مولاهم أبي عثمان

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَيسَ بِالطَّويلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ. وَلَيسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَا بِالآدَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني، المعروف بربيعة الرأي، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أنه) أي أن ربيعة (سمعه) أي سمع أنس بن مالك (يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن) أي المفرط الطول أي هو بين زائد الطول والقصير (ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق) أي الكريه البياض كلون الجص يعني أنه كان نيّر البياض، والأمهق البياض الناصع الذي لم يخالطه حمرة ولا غيره (ولا بالآدم) أي بالأسمر والسمرة بياض يميل إلى السواد اهـ أبي، والأدمة عندهم السمرة الشديدة القريبة إلى السواد، قوله: (بالطويل البائن) أي الذي يباين الناس بزيادة طوله وهو الذي عبّر عنه في الرواية الأخرى (بالمشذّب) وفي الأخرى (بالممعط) بالعين والغين أي المتناهي في الطول وهو عند العرب العشنق والعشنط فالبائن هو اسم فاعل من باب يبين أي ظهر على غيره يعني أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن طوله ظاهرًا بحيث يمتاز عن الرجال المقتصدين في القامة ويمكن أن يكون من باب يبون بمعنى بعُد يعني أنه لم يكن بالطويل الذي يبعد في الطول، وعلى كلا التقديرين فهو صفة مبالغة للطويل والمقصود أن طوله صلى الله عليه وسلم لم يكن مفرطًا (ولا بالقصير) المتردد أي الذي تداخل بعضه في بعض وهو المسمى عند العرب بحنبل وأقصر منه الحنتل وكلا الطرفين مستقبح عند العرب وخير الأمور أوساطها وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، قوله: (وليس بالأبيض الأمهق) أي الشديد البياض الذي لا يخالط بياضه حمرة ولا غيرها والعرب تكرهه لأنه يشبه البرص والمراد أن بياضه صلى الله عليه وسلم ليس بالبياض الخالي عن الحمرة والنور كالجص وهو كريه المنظر وربما الناظر أبرص بل كان بياضه صلى الله عليه وسلم نيّرًا مشربًا بحمرة، وقد يطلق عليه أزهر اللون كما مر في حديث أنس وقد تطلق عليه العرب أسمر، وقد جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار بإسناد صحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر) ذكره الحافظ في الفتح [6/ 569] ثم قال: وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي يخالطه البياض وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة وبالمنفي ما لا يخالطه، قوله: (ولا بالآدم) يعني الذي فيه أدمة والمراد بالأدمة شدة السمرة وهي منزلة بين البياض والسواد والمراد هنا ميلانها إلى السواد فلا ينافي ما

وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً. وَلَيسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةَ بَيضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سبق، قال القرطبي: أي ليس بالآدم الذي يغلب سمرته السواد، فإن السمرة بياض يميل إلى سواد، والسحمة بالسين فوقه، ثم الصحمة بالصاد فوقه وهو غالب لون الحبشة، ثم الأدمة فوقه وهو غالب ألوان العرب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان بياضه مشربًا بحمرة في صفاء فصدق عليه أنه أزهر وأنه مشرب وهذا اللون هو أعدل الألوان وأحسنها اهـ من المفهم (ولا بالجعد الفطط) يروى بفتح الطاء وكسرها وهو الشديد الجعودة الذي لا يطول إلا باليد وهو حال شعور السودان (ولا بالسبط) بفتح السين وكسر الباء يعني المسترسل الذي لا تكسّر فيه وهو غالب شعور الروم، والرّجل بكسر الجيم هو الوسط بين ذينك (بعثه الله) تعالى (على رأس أربعين سنة) يعني من مولده أي عند كمال أربعين سنة بعثه رسولًا وهذا هو أكثر الأقول، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه بُعث على رأس ثلاث وأربعين سنة وهو قول سعيد بن المسيب اهـ من المفهم. قوله: (على رأس أربعين سنة) هذا ظاهر على قول من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم بُعث في الشهر الذي وُلد فيه وهو شهر ربيع الأول وهو قول المسعودي وابن عبد البر، وقال بعضهم: إنه بُعث وله أربعون سنة وعشرة أيام، وعند الجِعَابيِّ أنه بُعِثَ وله أربعون وعشرون يومًا وهذه الأقوال متقاربة ينطبق على كل منها رأسُ أربعين سنة، ولكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وُلد في شهر ربيع الأول وبُعث في شهر رمضان فعلى هذا يكون له حين بُعث أربعون ونصف أو تسع وثلاثون ونصف فمن قال أربعين ألغى الكسر أو جَبَر. (فأقام بمكة عشر سنين) يعني بعد البعث وقبل الهجرة وهذا مما اختلف فيه فقيل عشر، وقيل ثلاث عشرة، وقيل خمس عشرة (و) لم يختلف أنه أقام بالمدينة عشر سنين وتوفاه الله تعالى (على رأس سنين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) والمشهور الذي عليه الجمهور هو أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة كما سيأتي عن ابن عباس رضي الله عنه فإما أن يكون أنس رضي الله عنه ألغى كسر ثلاث سنين أو أنه أراد بيان مدة الوحي المتتابع وألغى مدة الفترة وإلى الأول ذهب

5937 - (00) (00) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ). ح وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. كِلاهُمَا عَنْ رَبِيعَةَ، (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ في الفتح، وإلى الثاني ذهب علي القاري في شرح الشمائل والأول أولى لأنه هو المتعين في قوله وتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة، قوله: (وتوفاه على رأس ستين سنة) هذا أحد قولي أنس، وفي الرواية الأخرى الآتية له: (ثلاث وستين) ووافقه على ذلك ابن عباس ومعاوية وعائشة وهو أشهر الأقوال، وأصح الروايات على ما ذكره البخاري وقد ذُكر عن أنس خمس وستون سنة وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم وُلد عام الفيل اهـ من المفهم، قوله: (وليس في رأسه ولحيته) .. إلخ معناه أي كانت الشعرات البيضاء فيهما أقل من عشرين، وأخرج ابن سعد بإسناد صحيح عن ثابت عن أنس قال: ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة. وقد سبق أن هذا منه تقدير على جهة التقليل وأن شيبه كان أكثر من ذلك اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 240]، والبخاري في مواضع منها في المناقب [3548]، والترمذي في المناقب [3623]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5937 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن أيوب) البغدادي المقابري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا عن ربيعة عن أنس بن مالك، وهذا السند من رباعياته (ح وحدثني القاسم بن زكريا) بن دينار القرشي الكوفي الطحان، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا. وهذا السند من خماسياته (كلاهما) أي كل من إسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال رويا (عن ربيعة) الرأي (يعني) كل من

ابْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ... بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِهِمَا: كَانَ أَزْهَرَ. 5938 - (2325) (80) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الرَّازِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الراويين بربيعة ربيعة (بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك) رضي الله عنه غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة ابن جعفر وابن بلال لمالك بن أنس وساقا (بمثل حديث مالك بن أنس وزادا) أي زاد كل من إسماعيل وسليمان، وفي أغلب النسخ (وزاد) بتجريد الفعل عن ضمير التشبيه، وهو إسقاط من النساخ بدليل قوله: (في حديثهما) أي في روايتهما لفظة (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أزهر) اللون أي صافيه في البياض بعد قوله: (وليس بالأبيض الأمهق) والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5938 - (2325) (80) (حدثنا أبو غسان الرازي) نسبة إلى الري بلدة من بلاد العجم (محمد بن عمرو) بن بكر التميمي العدوي الطيالسي، المعروف بزنيج مصغرًا، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حكام) بفتح أوله وتشديد الكاف (بن سلم) بفتح السين وسكون اللام الرازي أبو عبد الرحمن الكناني بنونين، روى عن عثمان بن زائدة في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحميد الطويل وإسماعيل بن أبي خالد، ويروي عنه (م عم) وأبو غسان الرازي محمد بن عمرو وأبو كريب والزعفراني، وثقه ابن معين وابن سعد وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، له غرائب، من الثامنة، مات سنة (190) تسعين ومائة، وليس في مسلم من اسمه حكام إلا هذا الثقة كما بيناه في الخلاصة (حدثنا عثمان بن زائدة) المقري الكوفي أبو محمد العابد الزاهد نزيل الري، روى عن الزبير بن عدي في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (م) وحكام بن سلم، قال العجلي: ثقة رجل صالح، وقال أبو حاتم: من أفاضل المسلمين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة زاهد، من التاسعة (عن الزبير بن عدي) الهمداني اليامي بالتحتانية أبي عبد الله الكوفي، قاضي الري، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أنس بن

مَالِكٍ. قَال: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. 5939 - (2326) (81) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. قَال: حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. وَقَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، بِمِثْلِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (قُبض) أي تُوفي (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين و) قُبض (أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين و) قُبض (عمر وهو ابن ثلاث وستين) سنة. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 5939 - (2326) (81) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (15) بابا (قال) جدي: (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم الأيلي ثم المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال ابن شهاب) بالسند السابق (أخبرني سعيد بن المسيب) عن عائشة (بمثل ذلك) أي بمثل ما حدثني عروة عن عائشة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المناقب [3536]، والترمذي في المناقب [3654]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5940 - (00) (00) وحدّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى. قَالا: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا، مِثْلَ حَدِيثِ عُقَيلٍ. 5941 - (2327) (82) حدَّثنا أَبُو مَعْمَرٍ، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. قَال: قُلْتُ لِعُرْوَةَ: كَمْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَال: عَشْرًا. قَال: قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسِ يَقُولُ: ثَلاثَ عَشْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5940 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة، ثقة، من (10) روى عنه في (12) بابا (وعباد بن موسى) الختلي بضم المعجمة وفتح التاء المشددة نسبة إلى ختل كورة خلف جيحون أبو محمد الأنباري، نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (قالا: حدثنا طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التميمي المدني، نزيل الكوفة، صدوق، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن يونس بن يزيد) الأموي مولاهم الأيلي (عن ابن شهاب بالإسنادين جميعًا) يعني إسنادي ابن شهاب يعني إسناده عن عروة عن عائشة، وإسناده عن سعيد بن المسيب عن عائشة، أي روى يونس عن ابن شهاب بإسناديه جميعًا (مثل حديث عقيل) عن ابن شهاب، غرضه بيان متابعة يونس لعقيل بن خالد. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 5941 - (2327) (82) (حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم) بن معمر (الهذلي) البغدادي القطيعي بفتح فكسر نسبة إلى قطيعة الدقيق، محلة ببغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (22) بابا (قال) عمرو: (قلت لعروة) بن الزبير بن العوام: (كم كان) أي كم أقام (النبي صلى الله عليه وسلم بمكة) بعد البعثة وقبل الهجرة (قال) عروة: أقام (عشرًا) من السنوات (قال) عمرو: (قلت) لعروة: (فإن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (يقول): أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة (ثلاث عشرة) سنة. وهذا الحديث لم يخرجه غير المؤلف من الأئمة الستة وسنده من رباعياته. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

5942 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو. قَال: قُلْتُ لِعُرْوَةَ: كَمْ لَبِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَال: عَشْرًا. قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: بِضْعَ عَشْرَةَ. قَال: فَغَفَّرَهُ وَقَال: إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5942 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (قال) عمرو: (قلت لعروة: كم لبث) أي كم جلس (النبي صلى الله عليه وسلم بمكة) بعد البعثة وقبل الهجرة (قال) عروة: جلس بينهما بمكة (عشرًا) من السنوات ثم هاجر، قال عمرو: (قلت) لعروة: (فإن ابن عباس يقول): جلس النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بينهما (بضع عشرة) سنة، والبضع بكسر الباء وسكون الضاد ما بين العقود من الآحاد أي مكث ثلاث عشرة سنة، وهو المراد هنا من البضع بدليل الرواية الأولى، قال القرطبي: والأشهر في لفظ البضع أنه من الثلاث إلى السبع فيصلح البضع هنا لقول ابن عباس الثلاث عشرة والخمس عشرة فأنكر عروة ذلك اهـ من المفهم. وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي عمر لأبي معمر (قال) عمرو بن دينار: فخطأه عروة أي فنسب عروة ابن عباس إلى الخطأ فيما يقول: (فغفره) أي فاستغفر عروة لابن عباس من خطأه (وقال) عروة: (إنما أخذه) أي إنما أخذ ابن عباس قوله بضع عشرة (من قول الشاعر) يعني أبا قيس صرمة بن أبي أنس حيث يقول: ثوى في قريش بضع عشرة حِجة ... يُذكّر لو يلقى صديقًا مواتيًا وقد وقع هذا البيت في بعض نسخ صحيح مسلم وليس هو في عامتها. قوله: (ثوى) من الثواء وهو الإقامة يقال ثوى بالمكان أي أقام به ويقال: الثواء طول المكث، وقوله: (حجة) بكسر الحاء المهملة أي سنة، وقوله: (مواتيًا) أي موافقًا متابعًا له من المواناة وهي الموافقة والمطاوعة. قوله: (فغفره) بتشديد الفاء من باب فعل المضعف وهي رواية الجلودي أي دعا له عروة بالمغفرة من خطأه، وقال: غفر الله له وهذا مثل قول عائشة لابن عمر يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما كذب ولكنه وهم، وعند ابن ماهان فصغره من الصغر، وهو أظهر أي استصغره سنة عن الضبط أي أشار إلى أن ابن عباس كان صغيرًا في ذلك الوقت فلم يضبطه لصغره وقيل: إنه وُلد في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وهذا هو المناسب لقول عروة اهـ من المفهم. والتغفير قول الرجل لآخر غفر الله له وهذه اللفظة يقولونها غالبًا

5943 - (2328) (83) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ. وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. 5944 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لمن غلط في شيء فكأنه قال: أخطأ غفر الله له اهـ سنوسي، قال النووي: أبو قيس هذا هو أنصاري من بني النجار كان ترهب في الجاهلية ولبس المسوح واعتزل الأوثان واغتسل من الجنابة واتخذ مسجدًا لا تدخله حائض ولا جُنب، وقال: أعبد رب إبراهيم فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو شيخ كبير أسلم وحسُن إسلامه وكان قوالًا بالحق وكان معظمًا لله تعالى في الجاهلية يقول الشعر في تعظيمه سبحانه وتعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال: 5943 - (2328) (83) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزاز المعروف بالحمّال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب كلاهما (عن روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبي محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا زكرياء بن إسحاق) المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث) أي أقام (بمكة) بعد البعثة وقبل الهجرة (ثلاث عشرة سنة وتُوفي) أي قُبض روحه (وهو) أي والحال أنه (ابن ثلاث وستين) سنة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المغازي باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم [4464 و 4465]، والترمذي في المناقب باب في سن النبي صلى الله عليه وسلم [3652]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس هذا رضي الله تعالى عنهما فقال: 5944 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) اسمه محمد العدني

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةَ يُوحَى إِلَيهِ. وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةٌ. 5945 - (2329) (84) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ. حَدَّثَنَا سَلَّامٌ، أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المكي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا بشر بن السري) الأفوه أبو عمرو البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن أبي جمرة الضبعي) نصر بن عمران بن عصام البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي جمرة لعمرو بن دينار (قال) ابن عباس: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة) بين البعثة والهجرة (ثلاث عشرة سنة) حالة كونه (يوحى إليه) بالدعوة إلى الله ومحو الشرك (و) أقام (بالمدينة عشرًا) من السنوات بلا خلاف (ومات) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أنه (ابن ثلاث وستين سنة) على الصحيح. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم فقال: 5945 - (2329) (84) (وحدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان) بن صالح بن عمير الأموي مولاهم مولى عثمان بن عفان المعروف بالجعفي كما قال الإمام مسلم (الجعفي) أبو عبد الرحمن الكوفي، الملقب بمشكدانه، صدوق متشيع، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا سلام) بن سليم الحنفي مولاهم (أبو الأحوص) الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي إسحاق) الهمداني السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (قال) أبو إسحاق: (كنت جالسًا مع عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود أبي عبيد الله أو أبي عبد الرحمن المدني، وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله رؤية روى عن عبد الله بن مسعود في التفسير، وعن عمر وعمار، ويروي (خ م د س ق) وأبو إسحاق وابناه عبيد الله

فَذَكَرُوا سِنِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَكْبَرَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال عَبْدُ اللهِ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَال: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ مُعَاوَيةَ. فَذَكَرُوا سِنِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال مُعَاويَةُ: قُبِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعون وابن سيرين وغيرهم، قال ابن سعد: كان ثقة رفيعًا فقيهًا كثير الحديث والفتيا، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يؤم الناس بالكوفة، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من كبار الثانية، مات سنة (74) أربع وسبعين (فذكروا) أي فذكر الناس الحاضرون عند عبد الله بن عتبة (سني) وفاة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعمره (فقال بعض القوم) الحاضرين عند ابن عتبة (كان أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (أكبر) سنًّا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله) بن عتبة بن مسعود: لا، أي ليس الأمر كما قلت بل أبو بكر أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه (قُبض) أي تُوفي (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين) سنة (ومات أبو بكر) بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وشيء (وهو) أي والحال أن أبا بكر (ابن ثلاث وستين سنة وقُتل عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة قال) أبو إسحاق السبيعي: (فقال رجل من القوم) الحاضرين عند عبد الله بن عتبة (يقال له) أي لذلك الرجل (عامر بن سعد) البجلي الكوفي، روى عن جابر بن عبد الله البجلي في سني وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة، ويروي عنه (م د ت س) وأبو إسحاق السبيعي والعيزار بن حريث، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة، قال الرجل: (حدثنا جرير) بن عبد الله بن جابر البجلي اليماني الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه (قال) جرير: (كنا قعودًا) أي جالسين (عند معاوية) بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما (فذكروا) أي ذكر القوم الجالسون عند معاوية (سني) عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ووفاته فتماروا في ذلك (فقال) لهم (معاوية): لا تماروا في ذلك فإنه (قُبض

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةٌ. وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. 5946 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّث، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوَيةَ يَخطُبُ فَقَال: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وقُتل عمر وهو ابن ثلاث وستين) وسند هذا الحديث من سداسياته لأن أبا إسحاق روى عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية، وفيه رواية صحابي عن صحابي، وتابعي عن تابعي. وشارك المؤلف في روايته أحمد [4/ 96 و 97]، والترمذي في المناقب باب في سن رسول الله صلى الله عليه وسلم [3653]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال: 5946 - (00) (00) (وحدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي البصري (واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (سمعت أبا إسحاق) السبيعي (يحدّث عن عامر بن سعد البجلي عن جرير) بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (أنه سمع معاوية) بن أبي سفيان حالة كون معاوية (يخطب) الناس أي يذكّرهم بالوعد والوعيد. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص (فقال) معاوية في خطبته: (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين و) مات (أبو بكر) كذلك (وعمر) كذلك، قال القرطبي: هما معطوفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يرفعا بالابتداء وخبرهما محذوف أي وهما كذلك اهـ من المفهم، وأنا متوقع موافقتي إياهم في قدر سن الموت بأن أموت في سنتي هذه (وأنا) أي والحال أني (ابن ثلاث وستين) سنة لأنه كان كذلك في تلك السنة كأنه توقع وفاته في تلك السنة حبًّا منه لموافقة النبي صلى الله عليه وسلم والشيخين رضي الله تعالى عنهما ولكنه

5947 - (2330) (85) وحدّثني ابْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيدٍ، عَنْ عَمَّارٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. قَال: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ؟ فَقَال: مَا كُنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه لم يقع له ما تمناه بل توفي وهو ابن ثمان وسبعين على الأقل فإن أقل ما قيل في عمره يوم توفي أنه كان ثمانيًا وسبعين سنة، وأكثر ما قيل فيه ست وثمانون سنة، وقيل: اثنان وثمانون سنة، وكانت وفاته بدمشق في شهر رجب سنة مشين من الهجرة في النصف من رجبها ودُفن بها بين باب الجابية وباب الصغير وكان عنده شيء من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلامة أظفاره وأوصى أن تُجعل في فمه وعينيه وقال: افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء مع زيادة، وقال القسطلاني: وُلد معاوية قبل البعثة بخمس سنين، ومات في رجب سنة ستين من الهجرة على الصحيح اهـ وقال ابن إسحاق: كان معاوية أميرًا عشرين سنة وكان خليفة عشرين سنة وقال غيره: كانت خلافته تسع عشرة سنة وستة أشهر وثمانية وعشرين يومًا. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عباس الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنهما فقال: 5947 - (2330) (85) (وحدثني) محمد (بن منهال الضرير) أبو عبد الله التميمي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي العيشي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا يونس بن عبيد) بن دينار العبدي مولاهم أبو عبيد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عمار) بن أبي عمار (مولى بني هاشم) ويقال: مولى بني الحارث بن نوفل أبي عمرو المكي، روى عن ابن عباس في سن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي قتادة وأبي هريرة، ويروي عنه (م عم) ويونس بن عبيد وخالد الحذاء وحماد بن سلمة وعطاء وشعبة وخلق، قال أحمد وأبو داود: ثقة، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة لا بأس، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، من الثالثة، مات بعد العشرين (120) زمن ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق (قال) عمار: (سألت ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته فقلت له: (كم أتى) ومضى وخلا (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) من السنين (يوم مات) وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) ابن عباس لعمار: (ما كنت) أنا

أَحْسِبُ مِثْلَكَ مِنْ قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيهِ ذَاكَ. قَال: قُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ النَّاسَ فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمْ قَوْلَكَ فِيهِ. قَال: أَتَحْسُبُ؟ قَال: قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: أَمْسِكْ أَرْبَعِينَ بُعِثَ لَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ، يَأْمَنُ وَيَخَافُ، وَعَشْرَ مِنْ مُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أحسب) وأظن بكسر السين من باب ضرب من الحسبان بمعنى (مثلك من قومه) صلى الله عليه وسلم يعني من بني هاشم ومواليهم (يخفى عليه ذاك) أي ما مضى من سنه صلى الله عليه وسلم يوم مات (قال) عمار: (قلت) لابن عباس: (إني قد سألت الناس) عما مضى من سنه يوم مات (فاختلفوا) أي فاختلف الناس في رد جواب سؤال (عليّ فأحببت أن أعلم قولك) وجوابك (فيه) أي في سنه صلى الله عليه وسلم يوم مات (قال) ابن عباس لعمار: (أتحسب) بضم السين من باب نصر لأنه من الحساب أي هل تعرف الأعداد والحساب (قال) عمار: (قلت) له: (نعم) أعرف الحساب قال لي ابن عباس: (أمسك) في يدك (أربعين) سنة (بُعث لها) أي بُعث وأُرسل عندها أي عند تمامها، وفي المشكاة: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة اهـ قال شارحه: أي وقت إتمام هذه المدة، قال الطيبي: اللام فيه بمعنى الوقت كما في قوله تعالى: {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} وأمسك (خمس عشرة) سنة مدة إقامته بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة حالة كونه (يأمن) على نفسه تارة في تلك المدة إن سكت عن الدعوة إلى الله تعالى (ويخاف) على نفسه تارة أخرى إن دعا إلى الله تعالى يعني مكث في مكة بعد البعثة خمس عشرة سنة آمنًا وخائفًا فتلك مع الأربعين خمس وخمسون (و) أمسك (عشرًا) محسوبة (من مهاجره) أي من وقت هجرته (إلى المدينة) إلى وفاته فتلك العشرة مع الحاصل السابق تكون خمسًا وستين سنة فيكون عمره خمسًا وستين وهذا على إكمال سنة الولادة وسنة الوفاة وحسابهما. قوله: (خمس عشرة يأمن ويخاف) يعني أنه كان في تلك المدة غير مستقل لإظهار أمره فكان إذا أخفى أمره تركوه ولم يتعرضوا له وأمن على نفسه، وإذا أعلن أمره وأفشاه بأن يدعوهم إلى الله تعالى ويفتح عليهم ما أُرسل به تكالبوا عليه وهموا بقتله فيخاف على نفسه إلى أن أخبره الله تعالى بعصمته منهم فلم يكن يبال بهم اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5948 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُريعٍ. 5949 - (00) (00) وحدّثني نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ)، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ. حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5948 - (00) (00) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا شبابة بن سوار) المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن يونس) بن عبيد (بهذا الإسناد) يعني عن عمار بن أبي عمار، غرضه بيان متابعة شعبة ليزيد بن زريع، وساق شعبة (نحو حديث يزيد بن زريع). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 5949 - (00) (00) (وحدثني نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصري الجهضمي، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي مولاهم أبو المنازل البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عمار) بن أبي عمار (مولى بني هاشم حدثنا ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد الحذاء ليونس بن عبيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو ابن خمس وستين) سنة وهذا مبني على القول بأن إقامته بمكة بعد البعثة خمس عشرة وهو خلاف ما روي عن أكثر الرواة من أنه صلى الله عليه وسلم إنما أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة وهو المروي عن ابن عباس نفسه في أول هذا الباب فلا بد في هذه الرواية من تأويل إما بان يكون ابن عباس ضم سنة البعثة وسنة الهجرة إلى سنوات الإقامة حتى صار العدد خمس عشرة سنة وإما أن يكون جبر الكسر فأطلق الخمس عثرة على ثلاث عشرة وإما بأن يكون بعض الرواة عنه وهم في ذكر العدد والله سبحانه أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:

5950 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 5951 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَيَرَى الضَّوْءَ، سَبْعَ سِنِينَ، وَلَا يَرَى شَيئًا. وَثَمَانِ سِنِينَ يُوحَى إِلَيهِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 5950 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) إسماعيل (ابن علية عن خالد) الحذاء، غرضه بيان متابعة ابن علية لبشر بن المفضل (بهذا الإسناد) يعني عن عمار عن ابن عباس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 5951 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة ليونس بن عبيد (قال) ابن عباس: (أقام) أي مكث (رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة) بعد البعثة وقبل: الهجرة (خمس عشرة سنة) أي بإدخال سنتي البعثة والهجرة وجبرهما وحسابهما كاملًا لأنه بُعث يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، وكذلك الهجرة كما هو الرواية حالة كونه (يسمع الصوت) أي صوت جبريل ولا يرى شخصه (ويرى الضوء) أي النور في الليالي المظلمة ضياء عظيمًا كذا في المرقاة، وقال القاضي عياض: أي صوت الهاتف به من الملائكة ويرى الضوء أي نور الملائكة ونور آيات الله تعالى حتى رأى الملك بعينه وشافهه بوحي الله تعالى أي يسمع الصوت ويرى الضوء (سبع سنين) من تلك الخمسة عشرة (ولا يرى) فيها (شيئًا) من الملائكة بعينه (و) أقام (ثمان سنين) من تلك الخمسة عشرة، حالة كونه (يُوحى إليه) بأوامر الشرع ونواهيه أي يأتيه الملك بالوحي (وأقام بالمدينة) بعد الهجرة (عشرًا) من السنوات إلى أن توفاه

5952 - (2331) (86) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيرِ بْنِ مُطعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَنَا مُحَمَّدْ، وَأَنَا أَحْمَدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى. وعبارة القرطبي: قوله: (يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين) أي أصوات الملائكة والجمادات والحجارة فيُسلِّمون عليه بالرسالة كما أخرجه الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [3626] (قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله) وقال: هذا حديث حسن غريب. ويعني بالضوء نور الملائكة، ويحتمل أن يكون أنوارًا تنور بين يديه في أوقات الظلمة يُحجب عنها غيره ولذلك نُقل أنه كان يبصر بالليل كما يُبصر بالنهار، ويعني أن هذه الحالة ثبتت عليه سبع سنين ثم بعد ذلك أُوحي إليه أي جاءه الوحي وشافهه بالخطاب ثماني سنين وعلى هذا فكمل له بمكة خمس عشرة سنة اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال: 5952 - (2331) (86) (حدثني زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لِزُهَير قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري سمع) الزهري (محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل القرشي أبا سعيد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبو محمد المدني، أسلم قبل حنين أو يوم الفتح، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، وله (60) ستون حديثًا. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا محمد وأنا أحمد") وهذان أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم، وأشهرهما محمد وقد تكرر في القرآن، مأخوذ من التفعيل للمبالغة، ومعناه الذي حُمد مرة بعد مرة أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة، وأما أحمد فإنه علم منقول من اسم التفضيل ومعناه أحمد الحامدين لربه أي أكثرهم حمدًا له وأعظمهم في صفة الحمد.

وَأنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: كلاهما مأخوذ من الحمد وقد تقدم الكلام على الحمد في أول الكتاب فمحمد مفعَّل من حمّدت الرجل مشددًا إذا نسبت الحمد إليه كما يقال: شجعت الرجل وبخلته إذا نسبت ذلك إليه فهو بمعنى المحمود، والنبي صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بهذا الاسم فإن الله تعالى قد حمده بما لم يحمد به أحدًا من الخلق وقد قال فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} وقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} إلى غير ذلك وأعطاه من المحامد ما لم يعط مثله أحدًا من الخلق ويلهمه يوم القيامة من محامده ما لم يلهمه أحدًا من الخلق، وقد حمده أهل السماوات والأرض والدنيا والآخرة حمدًا لم يحمد به أحدًا من الخلق فهو أحمد المحمودين وأحمد الحامدين. ويستنبط من تسميته صلى الله عليه وسلم بأحمد أن حمد الله سبحانه وتعالى المتضمن لشكره جل وعلا من أعظم صفات العبودية ومن أعلى الخصائل التي يَتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه ومن أجل ذلك افتتح به القرآن وافتتحت به الصلاة وأمر المسلمون بالافتتاح به كل أمر ذي بال، وذكر الحافظ في الفتح [6/ 555] عن القاضي عياض رحمه الله تعالى: أن أول ما سُمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة أحمد ثم سُمي محمدًا في القرآن وهو إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم صار محمودًا لكونه أحمد الحامدين لله تعالى وكذلك يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بحمد الله تعالى بصفة كونه أحمد فيصير محمدًا ومحمودًا عند الناس والله أعلم. ثم نقل الحافظ عن عياض أيضًا أنه قال رحمه الله تعالى: حمى الله هذه الأسماء أن يسمى بها أحد قبله، وإنما تسمى بعض العرب محمدًا قُرب ميلاده صلى الله عليه وسلم لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيًّا يُبعث في ذلك الزمان يُسمى محمدًا فرجوا أن يكونوا هو فسموا أبناءهم به لذلك، قال: وهم ستة لا سابع لهم، وذكر السهيلي في الروض الأنف أنه لا يُعرف في العرب من تسمى بمحمد إلا ثلاثة ولكن رد عليه الحافظ ابن حجر وحقق أنهم خمسة عشر نفسًا وقد ألف فيهم جزءًا مفردًا وذكر أسماءهم في الفتح وأورد روايات تدل على أنهم إنما تسموا بهذا الاسم لما سمعوا من أن نبيًّا سيُبعث يسمى بهذا الاسم. (وأنا الماحي الذي يُمحى بي) في ضمير العائد التفات إلى التكلم إشارة إلى أنه مختص بهذا المعنى أي وأنا الماحي الذي يمحى ويزال ويضمحل به (الكفر) والشرك أي

وَأنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ". وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأرض التي زُويت له وأري أن ملك أمته يبلغه أو يعني بذلك أنه مُحي به معظم الكفر وغالبه بظهور دينه على كل الأديان بالحجج الواضحة والغلبة العامة الفادحة كما صرح به الحق جل وعلا بقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] وقيل: المراد بذلك إزالة الكفر من جزيرة العرب لأن الكفر بقي في كثير من البلدان، وقيل: إنه ينمحي بسببه تدريجًا إلى أن يضمحل في زمن عيسى بن مريم - عليه السلام - فإنه يرفع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وقد فسر بعض الرواة الماحي بأنه الذي يمحو الله به سيئات من اتبعه. (وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي) أي بعدي يعني أنه الذي يحشر الخلق يوم القيامة على أثره أي ليس بينه وبين القيامة نبي آخر ولا أمة أخرى ولا شريعة تنسخ شريعته كما نسخت شريعته سائر الشرائع، وهذا يدل على قوله صلى الله عليه وسلم: "بُعثت أنا والساعة كهاتين" وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى رواه البخاري [6505]، وابن ماجه [4040] من حديث أبي هريرة. (وأنا العاقب) أي الآخر لجميع الأنبياء والمرسلين وخاتمهم كما فسره بقوله: (والعاقب الذي ليس بعده نبي) ولا شريعة، وإن جاء بعده نبي على طريقة الاستخلاف عنه فاندفع الاعتراض بعيسى ابن مريم، وفي الرواية الأخرى: (وأنا المقفي) ومعناهما واحد، قال ابن الأنباري: المقفي بصيغة اسم الفاعل المتبع للنبيين قبله، يقال: قفوته أقفوه وقفيته إذا تبعته ومثله قفته أقوفه من باب قال: ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ قَفَّينَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّينَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الحديد: 27] وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقافية كل شيء آخره اهـ من المفهم. قوله: (والعاقب الذي ليس بعده نبي) وهذا التفسير يحتمل أن يكون مرفوعًا ويؤيده ما أخرجه الترمذي من طريق ابن عيينة بلفظ (الذي ليس بعدي نبي) ويحتمل أن يكون مدرجًا من الراوي ويؤيده ما سيأتي في رواية عقيل قلت للزهري: وما العاقب؟ قال: الذي ليس بعده نبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 80]، والبخاري في الأنبياء باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم [3532] وفي التفسير سورة الصف [4896] والترمذي في الأدب باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم [2840].

5953 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ". وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رَؤُوفًا رَحِيمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال: 5953 - (00) (00) (حدثنا حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لي أسماء) كثيرة فمنها ما أبيّنها لكم بقولي: (أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر) قال العلماء: المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب وما زُوي له صلى الله عليه وسلم من الأرض ووُعد أن يبلغه مُلك أمته اهـ نووي (وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي) بصيغة المثنى المضاف إلى المتكلم، والحاشر اسم فاعل من الحشر، والحشر الجمع أي يُحشرون على قدميّ أي على سابقتي كما قال تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس / 3] أي سابقة خير وإكرام وترجع إلى ما فُسرت به الرواية الأولى أي لا نبي بعدي، وقيل على سنتي، وقيل يحشرون بمشاهدتي من قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيدًا} وقيل: يعني على أمامي وقدامي كأنهم يجمعون إليه ويكونون أمامه وخلفه وحوله اهـ من الأبي نقلًا عن القاضي عياض، وقيل بعدي أن يتبعوني إلى يوم القيامة وهذا أشبهها لأنه يكون معناه معنى عقبي لأنه وقع موقعه في تلك الرواية ووجه توسعه فيه كأنه قال: يُحشر الناس على أثر قدمي أي بعدي والله أعلم اهـ من المفهم (وأنا العاقب) أي الآخر في البعث (الذي ليس بعده أحد) من الأنبياء، قال المازري: العاقب آخر الرسل عليهم السلام أي أُرسل عقبهم، قال القاضي عياض: قال ابن العربي: العاقب والعقوب الذي يخلف من كان قبله في الخير، ومنه قولهم عقب الرجل لولده بعده اهـ أبي، وقوله: (وقد سماه الله رؤوفًا رحيمًا) يعني في كتابه العزيز، ذكر البيهقي في الدلائل أنه مدرج من قول الزهري وكأنه أشار إلى ما قاله في آخر سورة التوبة.

5954 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِ شُعَيبٍ وَمَعْمَرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَفَي حَدِيثِ عُقَيلٍ: قَال: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا الْعَاقِبُ؟ قَال: الَّذِي لَيسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، وَفِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَعُقَيلٍ: الْكَفَرَةَ، وَفِي حَدِيثِ شُعَيبٍ: الْكُفْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال: 5954 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال) عبد الملك: (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة، من (7) (حدثني عقيل) بن خالد الأموي مولاهم المصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (كلهم) أي كل من عقيل ومعمر وشعيب رووا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن جبير عن أبيه، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لسفيان بن عيينة في الرواية عن الزهري (و) لكن (في حديث شعيب ومعمر) وروايتهما لفظة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث عقيل) وروايته زيادة (قال) عقيل: (قلت للزهري: وما) معنى (العاقب؟ قال) الزهري: العاقب هو (الذي ليس بعده نبي وفي حديث معمر وعقيل) وروايتهما أيضًا لفظة يمحو الله بي (الكفرة) جمع كافر أي يهلكهم (وفي حديث شعيب) وروايته أيضًا يمحو الله بي (الكفر) بالنصب مخالفًا لرواية سفيان لأنها بالرفع ولكنه وافق رواية يونس.

5955 - (2332) (87) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً. فَقَال: "أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جبير بن مطعم بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال: 5955 - (2332) (87) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق المرادي الجملي الأعمى أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو موسى: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه) الشريفة (أسماء) أي بأسماء كثيرة (فقال) صلى الله عليه وسلم في تسميتها لنا (أنا) من أسمائي (محمد) أي محمود الخلق والخُلق (وأحمد) الخلق لربه (والمقفي) بصيغة اسم الفاعل أي المتبع لمن قبلي بعثًا وعقيدة، قال شمر: بالتحريك هو بمعنى العاقب، وقال ابن الأعرابي: هو المُتبع للأنبياء في العقائد (والحاشر) الذي يحشر الناس بعده إلى القيامة (و) أنا (نبي التوبة) أي الذي تكثر التوبة في أمته وتعم حتى لا يوجد فيما ملكته أمته إلا تائب من الكفر فيقرب معناه على هذا (من الماحي) إلا أن ذلك يشهد بمحو ما ظهر من الكفر وهذا يشهد بصحة ما يخفى من توبة أمته منه، ويحتمل أن يكون معناه أن أمته لما كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم، ويحتمل أن تكون توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لم يذنب ولا يؤاخذ في الدنيا ولا في الآخرة ويكون غيرهم يؤاخذ في الدنيا وإن لم يؤاخذ في الآخرة والله أعلم. والذي أحوج إلى هذه الأوجه اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم مع أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلا بد من إبداء مزية لنبينا يختص بها كما بينا اهـ من المفهم.

وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ونبي الرحمة) وفي أخرى (المرحمة) وفي أخرى (الملحمة) فأما الرحمة والمرحمة فكلاهما بمعنى واحد ومعنى الرحمة إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم وقد أعطى الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته منها ما لم يعطه أحدًا من العالمين ويكفي من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ (107)} [الأنبياء: 107] فهو أعظم كل رحمة وأمته القابلة لما جاء به قد حصلت على أعظم حظ من هذه الرحمة وشفاعته يوم القيامة لأهل الموقف أعم كل رحمة ولأهل الكبائر أجل كل نعمة وخاتمة ذلك شفاعته في ترفيع منازل أهل الجنة، وأما رواية من روى (نبي الملحمة) فهو صحيح في نعته ومعلوم في الكتب القديمة من وصفه فإنه قد جاء فيها أنه نبي الملاحم وأنه يجيء بالسيف والانتقام ممن خالفه من جميع الأنام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح" رواه أبو يعلى [343]، وأبو نعيم في دلائل النبوة [159] وقال: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به" رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي فهو نبي الملحمة التي بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة اهـ من المفهم، قال الأبي: ووقع في غير مسلم ونبي الملاحم معطوفًا على نبي الرحمة والملاحم جمع ملحمة وهي الحرب ولذلك أورد الخطابي فقال: فإن قيل كيف الجمع بين كونه نبي الرحمة ونبي الملحمة لا سيما مع قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ (107)} ومع قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا رحمة مهداة" وأجاب عنه بأن بعثه صلى الله عليه وسلم بالسيف والحرب من وجوه الرحمة لأن الله تعالى أيد رسله صلى الله عليهم وسلم بالمعجزات وجرت عادته تعالى في الأمم السابقة بأنهم إذا كذبوا عوجلوا بالعذاب المستأصل إثر التكذيب واستؤني بهذه الأمة ولم يعاجلوا بالعذاب المستأصل وأُمر بجهادهم ليرتدعوا عن الكفر ولم يجاحوا بالسيف لأن السيف له بقية وليس للعذاب المستأصل بقية، ورُوي أن قومًا من العرب قالوا: يا رسول الله أفنانا السيف، قال: "إنه أبقى لأجركم" هذا معنى الرحمة المبعوث بها صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه الرحمة ما صح أنه صلى الله عليه وسلم جاءه ملك الجبال فقال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، قال: "أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يوحده ولا يشرك به"، ومن وجوهها أيضًا أن الله تعالى وضع على أمته الإصر والأغلال التي كانت على الأمم قبلها كما قال تعالى في قصة موسى - عليه السلام - {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ} إلى قوله تعالى: {الَّتِي كَانَتْ عَلَيهِمْ} اهـ قال القاضي

5956 - (2333) (88) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا فَتَرَخَّصَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عياض: وله صلى الله عليه وسلم أسماء عديدة وصفات كثيرة جاءت في أحاديث أُخر وفي آيات من كتاب الله تعالى جمعنا منها كثيرًا في كتاب الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، وقيل: إنما خص صلى الله عليه وسلم هذه المذكورات بالذكر لأنها المنصوص عليها في الكتب السابقة ولكونها أشهر وإلا فقد ثبتت له أسماء أخرى بلغها بعضهم إلى تسع وتسعين وبعضهم إلى أكثر من ثلاثمائة، وذكر ابن العربي في شرح الترمذي أن له صلى الله عليه وسلم ألف اسم والذي يبدو أن كثيرًا منهم أدرج صفاته صلى الله عليه وسلم في أسمائه وبهذا ازداد عدد أسمائه صلى الله عليه وسلم والله أعلم. وهذا الحديث انفرد بروايته الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5956 - (2333) (88) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة: (صنع رسول الله أمرًا فترخص فيه) أي عمل فيه بالرخصة الشرعية، قال القرطبي: أي عمل أمرًا ترك فيه التشديد لأنه رخص له فيه كما قال في الطريق الآتي "ما بال رِجالٍ يرغبون عما رُخص لي فيه" وذلك الأمر الفطر والنوم والنكاح، ولعل هذا من عائشة رضي الله تعالى عنها إشارة لحديث النفر الذين استقلوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: وأنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا لا أنكح النساء، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الذي قالوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأما أنا فأصلي وأنام وأصوم وأفطر وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" سبق تخريجه في كتاب النكاح.

فَبَلَغَ ذلِكَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ. فَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ. فَبَلَغَهُ ذلِكَ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَال: "مَا بَالُ رِجَالٍ بَلَغَهُمْ عَنِّي أَمْرٌ تَرَخَّصْتُ فِيهِ. فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ. فَوَاللهِ لَأنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُم لَهُ خَشْيَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فبلغ ذلك) أي ترخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر (ناسًا) أي قومًا (من أصحابه فكأنهم) أي فكأن أولئك الناس (كرهوه) أي كرهوا ترخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر (وتنزهوا) أي اجتنبوا وتبرؤوا (عفه) أي عن ذلك الأمر الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم (فبلغه) أي فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي كراهية أولئك الناس ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم وتنزههم منه (فقام) النبي صلى الله عليه وسلم (خطيبًا) على المنبر (فقال) أي قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: (ما بال رجال) أي ما شأن رجال (بلغهم عني) أي من جهتي (أمر) أي ترخيص أمر (ترخصت فيه) أي حكمت فيه بالترخيص والتسهيل (فكرهوه) أي فكرهوا ذلك الترخيص (وتنزهوا عنه) أي تبرؤوا عن العمل به، وهذا منه صلى الله عليه وسلم عدول عن مواجهة هؤلاء القوم بالعتاب وكانوا معينين عنده لكنه فعل ذلك لغلبة الحياء عليه ولِتلطُّفِه في التأديب ولستْرِ المعاتب، وتنزه هؤلاء عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم غَلَط أوقعهم فيه ظن أن المغفور له يُسامح في بعض الأمور ويسقط عنه بعض التكاليف والأمر بالعكس لوجهين أحدهما أن المغفور له يتعين عليه وظيفة الشكر كما قال صلى الله عليه وسلم: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" متفق عليه، وثانيهما: أن الأعلم بالله وبأحكامه هو الأخشى له كما قال صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأنا أعلمهم) أي أكثرهم علمًا (بالله وأشدهم له خشية). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب من لم يواجه الناس بالعتاب وفي الاعتصام باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع [7301] والله أعلم. ويستفاد من هذا الحديث النهي عن التنطع في الدين وعن الأخذ بالتشديد في جميع الأمور فإن دين الله يسر وهو الحنيفية السمحة فإن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحسب أن تؤتى عزائمه، وحاصل الأمر أن الواجب الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فما شدد فيه التزمناه على شدته وفعلناه على مشقته وما ترخص فيه

5957 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ). ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. بَإِسْنَادِ جَرِيرٍ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. 5958 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذنا برخصته وشكرنا الله تعالى على تخفيفه ونعمته ومن رغب عن هذا فليس على سنته ولا على منهاج شريعته، وفيه حجة على القول بمشروعية الاقتداء به في جميع أفعاله كما نقوله في جميع أحواله إلا ما دل دليل على أنه من خصوصياته اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5957 - (00) (00) (حدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا): أي قال إسحاق وعلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أبو عمرو الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (كلاهما) أي كل من حفص وعيسى رويا (عن الأعمش بإسناد جرير) بن عبد الحميد يعني عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، وساقا (نحو حديثه) أي نحو حديث جرير وقريبه لفظًا ومعنى لا مثله جدد العهد بالفرق بين قوله مثله ونحوه، ومعناه بمثله وبنحوه وبمعناه لأن معرفة ذلك مهم ضروري لا بد منه في الاستفادة من مسلم، ولا تقل هذا ما وجدنا عليه آباءنا فيكفينا ولو كانوا في خطأ مبين. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5958 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح وهو أبو الضحى ذكر في الرواية الأولى بكنيته وهنا باسمه ليتفطن الفطن (عن مسروق) بن الأجدع (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته،

قَالت: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرٍ. فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ، حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَال: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ، فَوَاللهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير بن عبد الحميد (قالت) عائشة: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر) يعني في الفطر والنوم والنكاح كما سبق (فتنزه) أي تبرأ واجتنب (عنه) أي عن قبول رخصة ذلك الأمر تنطعًا في العبادة (ناس من الناس) أي رجال من الناس يعني من الأصحاب (فبلغ ذلك) أي تنزههم عن الرخصة (النبي صلى الله عليه وسلم فغضب) صلى الله عليه وسلم من ذلك (حتى بان) وظهر (الغضب) أي أثره (في وجهه) الشريف باحمراره بعد أن كان أبيض أزهر (ثم) بعدما بلغه خبرهم وغضب عليهم قام خطيبًا (قال: ما بال أقوام يرغبون) أي يعرضون (عما رخص لي فيه فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية). قوله: (ما بال رجال) .. إلخ فيه الاجتناب عن المخاطبة الشخصية للمعتوبين رفقًا بهم وتحرزًا عن إهانتهم أمام الناس وهو الطريق المطلوب في ذلك، قوله: (لأنا أعلمهم بالله) .. إلخ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ من الكمال الذروة في جميع الصفات العلمية والعملية، وقد أشار إلى الأول بقوله أعلمهم، وإلى الثاني بقوله وأشدهم له خشية، وفيه جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة إلى ذلك إذا كان تحدثًا لنعمة ربه وأمن من المباهاة والتعاظم، قال القرطبي: وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله لما خصه الله تعالى به في أصل الخلقة من كمال الفطنة وجودة القريحة وسداد النظر وسرعة الإدراك ولما رفع الله عنه من موانع الإدراك وقواطع النظر قبل تمامه ومن اجتمعت له هذه الأمور سهل عليه الوصول إلى العلوم النظرية وصارت في حقه كالضرورية، ثم إن الله تعالى قد أطلعه من علم صفاته وأحكامه وأحوال العالم كله على ما لم يطلع عليه غيره وهذا كله معلوم من حاله صلى الله عليه وسلم بالعقل الصريح والنقل الصحيح وإذا كان في علمه بالله تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشى الناس لله تعالى لأن الخشية منبعثة عن العلم وبحسبه كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] اهـ من المفهم.

5959 - (2334) (89) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة بحديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما فقال: 5959 - (2334) (89) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التُّجِيبيُّ المصريُّ (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه) أي حدث لعروة. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا من الأنصار) قيل: إن هذا الرجل كان من الأنصار نسبًا ولم يكن منهم نصرة ودينًا بل كان منافقًا لما صدر عنه من تهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجور في الأحكام لأجل قرابته ولأنه لم يرض بحكمه ولأن الله تعالى قد أنزل فيه {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ} [النساء: 65] هذا هو الظاهر من حاله، ويحتمل أنه لم يكن منافقًا ولكن أصدر ذلك منه بادرة نفس وزلة شيطان كما قد اتفق لحاطب بن أبي بلتعة ولحسان ومسطح وحمنة في قضية الإفك وغيرهم ممن بدرت منهم بوادر شيطانية وأهواء نفسانية لكن لطف بهم حتى رجعوا عن الزلة وصحت لهم التوبة ولم يؤاخذوا بالحوبة اهـ من المفهم، وقال العيني في العمدة [6/ 15] قال شيخنا: لم يقع تسمية هذا الرجل في شيء من طرق الحديث أي في طرق حديث الزبير وأبناءه وما وقع من التسمية عند ابن أبي حاتم من أنه حاطب بن أبي بلتعة فإنه مرسل لابن المسيب ولعل الزبير وبقية الرواة أرادوا ستره لما وقع منه اهـ، وقال في تنبيه المعلم: هو حاطب بن أبي بلتعة قاله ابن الملقن اهـ وبسط الخلاف فيه في الفتح [5/ 35 - 36] ومال فيه إلى أنه حاطب بن أبي بلتعة والله أعلم (خاصم) أي تخاصم (الزبير) بن العوام (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة) بكسر الشين المعجمة وفتح الراء المهملة بعدها ألف والجيم آخره جمع شرجة بفتح فكسر، وقيل: جمع شرج بفتح الشين وسكون الراء مثل رهن ورهان وبحر وبحار، وفي المنتهى لأبي المعالي الشرج مسيل الماء من القناة إلى النخل والجمع شراج وشروج وشُرج، وأما الحرة بفتح الحاء وتشديد

الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ. فَقَال الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيهِمْ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الراء فهي الأرض الصلبة الغليظة التي غشيتها حجارة سود، وفي المدينة حرات كثيرة والمراد من شراج الحرة أن هذا المسيل كان بالحرة ونُسب إليها والإضافة فيه من إضافة المظروف إلى الظرف كمحراب المسجد اهـ من عمدة القاري [6/ 16] والمخاصمة إنما كانت في السقي بالماء الذي يسيل فيها وكان الزبير يتقدم شربه على شرب الأنصاري لقربه إلى القناة فكان الزبير يمسك الماء لحاجته فطلب الأنصاري أن يسرّحه له قبل استيفاء حاجته فلما ترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سلك النبي صلى الله عليه وسلم معهما مسلك الصلح فقال للزبير: "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" أي تساهل في سقيك وعجل في إرسال الماء إلى جارك يحضه على المسامحة والتيسير فلما سمع الأنصاري بهذا لم يرض بذلك وغضب لأنه كان يريد أن لا يُمسك الماء أصلًا وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الغاقرة فقال: آن كان ابن عمتك. بمد همزة أن المفتوحة لأن استفهام على جهة الإنكار أي أتحكم له عليّ لأجل أنه قرابتك وعند ذلك تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا وتألمًا من تلك الكلمة ثم إنه بعد ذلك حكم للزبير باستيفاء حقه فقال: "اسق يا زبير ثم أمسك الماء حتى يرجع إلى الجدر" أي تخاصما في شراج الحرة (التي يسقون بها النخل) والأعناب (فقال الأنصاري) للزبير: (سرح الماءَ) أي أَرْسِلْه إِلَيَّ حالةَ كونِ الماء (يمرُ) عليك بلا سَقْيٍ منه، وقوله: سرّح أمر من التسريح بمعنى الإرسال وإنما قال له ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فيحسبه الزبير لإكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره فالتمس منه الأنصاري تعجيل إرسال الماء أو طلب منه أن لا يحبس الماء أصلًا فامتنع منه الزبير رضي الله عنه لأن الحق للأعلى فالأعلى، وقال أبو عبيد رحمه الله: كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس الناس فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعلى فالأعلى نقله الحافظ في الفتح (فأبى) الزبير وامتنع إرسال الماء (عليهم) أي على الشركاء في ذلك الماء حتى يستوفي حقه (فاختصموا) أي اختصم الزبير والأنصاري ومن معهما من شركاء الماء (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وترافعوا إليه ليحكم بينهم (فـ) لما أخبروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قضية التخاصم (قال رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيرِ: "اسْقِ يَا زُبَيرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ" فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَال: "يَا زُبَيرُ، اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَذرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم للزبير: اسق يا زبير) قدر الحاجة (ثم أرسل الماء إلى جارك) ليسقي نخله (فغضب الأنصاري) من حكم الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير (فقال) الأنصاري: (يا رسول الله) لأجل (أن كان) الزبير (ابن عمتك) صفية بنت عبد المطلب حمت له ولم تأمره بإرسال الماء إليّ (فتلون) أي تغير لون (وجه النبي صلى الله عليه وسلم) من البياض إلى الحمرة لشدة غضبه من مقالته (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا زبير اسق) نخلك (ثم احبس الماء) تحته (حتى يرجع) أي حتى يجتمع الماء تحت أصل النخل ويملأ شرباته ويرجع (إلى الجدر) والجدر بفتح الجيم وسكون الدال هو ما يوضع حول شربات النخل كالجدار ليجتمع الماء تحته يُجمع على جدور يعني به حتى يصل الماء إلى أصول النخل والشجر وتأخذ منه حقها، والشربة حويض يحفر حول النخلة والشجرة يملأ ماء فيكون ريها، وفي بعض الروايات حتى يبلغ إلى الكعبين يعني به حتى يجتمع الماء في الشربات وهي الحفر التي تحفر تحت أصول النخل والشجر إلى أن يصل من الواقف فيها إلى الكعبين، ورُوي الجدر بكسر الجيم وسكون الدال وهو الجدار ويُجمع على جدر بضمتين ويعني به جدران الشربات فإنها ترفع حتى تكون شبه الجدار وتمنع الماء من السيلان، فإن قلت: كيف حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير في حالة غضبه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (قلت): إن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ في كل من حالتي الغضب والرضا وليس كغيره، وعبارة القرطبي هنا والجواب عن هذا الإيراد بأن هذا النهي معلل بما يخاف على القاضي من التشويش المؤدي به إلى الخطأ في الحكم والغلط فيه والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ في التبليغ والأحكام بدليل العقل الدال على صدقه فيما يبلّغه عن الله تعالى وفي أحكامه ولذلك قالوا: أنكتب عنك في الرضا والغضب؟ قال: "نعم" رواه أحمد [2/ 162 و 192] فدل ذلك على أن المراد بالحديث أعني قوله: "لا يقضي القاضي .. " إلخ من يجوز عليه الخطأ من القضاة فلم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العموم اهـ من المفهم.

فَقَال الزُّبَيرُ: وَاللهِ، إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَت فِي ذلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} [النساء: 65] ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقال الزبير والله إني لأحسب) وأظن (هذه الآية) الآتية (نزلت في ذلك) الخصام الواقع بيني وبين الأنصاري وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا قوله تعالى: ({فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا}) [النساء: 65] وهذا أحد ما قيل في سبب نزول هذه الآية، وقيل: نزلت في رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم على أحدهما فقال: ارفعني إلى عمر بن الخطاب، وقيل إلى أبي بكر، وقيل حكم النبي صلى الله عليه وسلم ليهودي على منافق فلم يرض المنافق، وأتيا عمر بن الخطاب فأخبراه فقال: أمهلاني حتى أدخل بيتي فدخل بيته فأخرج السيف فقتل المنافق، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه رد حكمك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرّقت بين الحق والباطل" وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في الحدائق فراجعه إن شئت. ثم إن الأنصاري كان قد استحق التعزير بالإنكار على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عفا عنه تأليفًا للقلوب، وفيه جواز عفو الإمام عن التعزير، وفي هذا الحديث أبواب من الفقه فمنها الاكتفاء من الخصوم بما يُفهم عنه مقصودهم وأن لا يُكلفوا النص على الدعاوي ولا تحديد المدعى فيه ولا حصره بجميع صفاته كما قد تنطع في ذلك قضاة الشافعية، ومنها إرشاد الحاكم إلى الإصلاح بين الخصوم فإن اصطلحوا وإلا استوفى لذي الحق حقه وبت الحكم، ومنها أن الأولى بالماء الجاري الأول فالأول حتى يستوفي حاجته وهذا إذا لم يكن أصله ملكًا للأسفل مختصًا به فليس للأعلى أن يشرب منه شيئًا وإن كان يمر عليه ومنها الصفح عن جفاء الخصوم ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع والاستهانة بالأحكام فإن كان ذلك فالأدب وهذا الذي صدر من خصم الزبير أذى للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لما جُبل عليه من عظم حلمه وصفحه ولئلا يكون قتله منفرًا لغيره عن الدخول في دين الإسلام فلو صدر اليوم مثل هذا من أحد في حق النبي صلى الله عليه وسلم لقُتل قتلة زنديق، ومنها أن القدر الذي يستحق الأعلى من الماء كفايته وغاية ذلك أن يبلغ الماء إلى الكعبين اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث السبعة أحمد [4/ 4 - 5]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في المساقاة باب في شرب الأعلى قبل الأسفل [2361]، وأبو داود في الأقضية باب أبواب من القضاء [3637]، والترمذي في الأحكام باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء [1363]، والنسائي في القضاء باب إشارة الحاكم بالرفق [5416]، ابن ماجه في الأحكام باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء [2505]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة عشر: الأول منها حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث السائب بن يزيد ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عبد الله بن سرجس ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس بن مالك الثاني ذكره للاستدلال على الجزء الثالث من الترجمة، والسادس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال على الجزء الرابع من الترجمة، والثامن: حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث معاوية بن أبي سفيان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر: حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والحادي عشر: حديث جبير بن مطعم ذكره للاستدلال على الجزء الخاص من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني عشر: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والثالث عشر: حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع عشر: حديث عبد الله بن الزبير ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له ووجوب امتثال ما فعله شرعا في الدين دون ما ذكره رأيا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه

695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه 5960 - (2235) (90) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ. قَالا: كَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا نَهَيتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 695 - (9) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرًا له ووجوب امتثال ما فعله شرعًا في الدين دون ما ذكره رأيًا من معايش الدنيا وفضل النظر إليه وتمنيه ثم استدل على الجزء الأول من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5960 - (2235) (90) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبرني أبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وسعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (قالا: كان أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (يحدّث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما نهيتكم) وزجرتكم (عنه) أي عن ارتكابه وفعله، قوله: (فاجتنبوه) أي فابتعدوا عنه ولا تقدموا على فعل شيء من المنهي عنه وإن قل لأنه تحصل بذلك المخالفة لأن النهي طلب الانكفاف المطلق والأمر المطلق على النقيض من ذلك لأنه يحصل الامتثال بفعل أقل ما ينطلق عليه اسم المأمور به على أي وجه فُعل وفي أي زمان فُعل ويكفيك من ذلك مثال بقرة بني إسرائيل فإنهم حين أُمروا بذبح بقرة لو بادروا وذبحوا بقرة أي بقرة كانت لحصل لهم الامتثال لكنهم أكثروا الأسئلة فكثرت أجوبتهم فقل الموصوف فعظم الامتحان عليهم فهلكوا فحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن أن يقعوا في مثل ما وقعوا فيه فلذلك قال: "إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم على أنبيائهم" متفق عليه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن تكرار الحج بقوله: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم

وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ". 5961 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، وَهُوَ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ. أَخْبَرَنَا لَيثٌ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذروني ما تركتم" رواه أحمد وأبو داود، فالواجب على هذا الأصل أن على السامع لنهي الشارع الانكفاف مطلقًا وإذا سمع الأمر أن يفعل فيه ما يصدق عليه ذلك الأمر ولا يتنطع فيُكثر من السؤال فيحصل عليه الإصرار والأغلال اهـ من المفهم. (وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين) كانوا (من قبلكم) من الأمم (كثرة مسائلهم) لأنبيائهم (واختلافهم على أنبيائهم) أي اختلافهم لأنبيائهم، فعلى بمعنى اللام، قال الأبي: يحتمل أن سؤالهم كان سؤال تعنيت وامتحان لا سؤال استرشاد، قوله: (فافعلوا منه ما استطعتم .. إلخ) قيد الأمر بالاستطاعة ولم يقيد النهي به لأن متعلق النهي الكف مطلقًا وأي شيء فعل من المنهي عنه وإن قل يحصل به المخالفة ومتعلق الطلب حصول الامتثال والامتثال يحصل بأقل ما يطلق عليه اسم الشيء المطلوب اهـ من الأبي كما نقلناه عن القرطبي آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 247]، والبخاري في الاعتصام باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم [7288]، والترمذي في العلم باب في الانتهاء عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم [2679] والنسائي في الحج باب وجوب الحج [2619]، وابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم [2]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5961 - (00) (00) (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (9) (حدثنا أبو سلمة وهو منصور بن سلمة) بن عبد العزيز بن صالح (الخزاعي) البغدادي، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا ليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من (7) روى عنه في (15) بابا (عن

يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ سَوَاءً. 5962 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. خ وحدّثناه عُبَيدُ اللهِ ابْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد) بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة يزيد بن الهاد ليونس بن يزيد، وساق ابن الهاد (مثله) أي مثل حديث يونس حالة كون حديثهما (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى أتى به تأكيدًا لمعنى المماثلة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5962 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير (عن الأعمش عن أبي صالح) السمان ذكوان الزيات المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (يعني الحزامي) نسبة إلى جده المذكور المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من مغيرة بن عبد الرحمن وسفيان بن عيينة رويا (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان أيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (ح وحدثناه عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن

مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ. ح وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. كُلُّهُمْ قَال: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ذَرُونِي مَا تَركْتُكُمْ"، وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ "مَا تُرِكْتُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ". ثُمَّ ذَكَرُوا نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن زياد لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام بن منبه لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين من أبي صالح والأعرج ومحمد بن زياد وهمام بن منبه (قال): أي قالوا في روايتهم لفظة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بصيغة العنعنة أي لم يقولوا كما قال أبو سلمة وسعيد (كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حدثوا بصيغة العنعنة لا بصيغة السماع بلفظ (ذروني) أي اتركوني عن السؤال بأمر (ما تركتكم) عن الأمر به كالسؤال عن وجوب الحج كل عام (وفي حديث همام) بن منبه وروايته ذروني عن السؤال والبحث عن الشيء (ما تركتم) بصيغة المبني للمجهول أي مدة تركي إياكم عن الأمر به، وما هنا وفيما قبله مصدرية ظرفية لأنكم إذا سألتموني عن أمر لم أذكره قبل ربما أجبتم بوجوبه فلا تستطيعونه (فإنما هلك من كان قبلكم) الحديث (ثم ذكروا) جميعًا أي ذكر هؤلاء الأربعة المذكورون (نحو حديث الزهري) والصواب أن يقال: (نحو حديث سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. لأنهما اللذان رويا عن أبي هريرة بلا واسطة كالأربعة المذكورين إلا أن يعود الضمير في كلهم إلى الأعمش وأبي الزناد وشعبة ومعمر فتكون المتابعة حينئذٍ ناقصة فيكون في الكلام غموض فالأوضح إسقاط لفظ الزهري لتكون المتابعة تامة كما قررناه أولًا. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال:

5963 - (2336) (91) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحُرِّمَ عَلَيهِمْ، مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5963 - (2336) (91) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن ابن شهاب عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) سعد بن أبي وقاص: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا) بضم الجيم وسكون الراء الذنب، قال القرطبي: الجرم والجريمة الذنب وهذا صريح في أن السؤال الذي يكون على هذا الوجه ويحصل للمسلمين عنه الحرج والمشقة والكلفة هو من أعظم الذنوب والله أعلم اهـ، قال في المبارق: الجار والمجرور حال عن جرمًا والمعنى إن أعظم من أجرم جرمًا كائنًا في حق المسلمين وأشده عقوبة بسبب المسلمين (من سأل عن شيء لم يُحرم) قبل (على المسلمين فحرّم عليهم) ذلك الشيء (من أجل مسألته) أي بسبب سؤاله عنه لأنه أدخل عليهم المشقة بسؤاله عنه وحملهم حمولة الذنب والإصر، ويصح كون جرمًا تمييزًا محولًا عما هو في الأصل مبتدأ وهو اسم إن والمعنى حينئذٍ إن أعظم جرم من أجرم في حقوق المسلمين جرم من سأل عن شيء لم يحرم عليهم فحرم عليهم فيعاقب على سؤاله لأنه حملهم مشقة التحريم والمراد بالجرم هنا الذنب والإثم كما عليه الجمهور لا كما قاله القاضي عياض من أن المراد بالجرم الحدث على المسلمين لا أنه من الجرائم والآثام المعاقب عليها إذ كان السؤال أولًا مباحًا ولولا ذلك لم يقل سلوني، قال في المبارق: اعلم أن السؤال نوعان: أحدهما: ما كان على وجه التبيين فيما يحتاج إليه من أمر الدين وذلك جائز كسؤال عمر وغيره من الصحابة في أمر الخمر حتى حرمت بعدما كانت حلالًا لأن الحاجة دعت إليه، وثانيهما: ما كان على وجه التعنت وهو السؤال عما لم يقع ولا دعت إليه حاجة فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا عن جوابه ردع لسائله إلخ اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 179]، والبخاري في الاعتصام

5964 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: - (أحْفَظُهُ كَمَا أَحْفَظُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الزُّهْرِيُّ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ". 5965 - (00) (00) وحَدَّثنِيهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال [6289]، وأبو داود في السنة باب لزوم السنة [4610]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 5964 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة، قال محمد بن عباد (قال) لنا سفيان: (أحفظه) أي أحفظ هذا الحديث حفظًا متقنًا (كما أحفظ بسم الله الرحمن الرحيم) أي حفظًا كائنًا كحفظي البسملة، والجملة معترضة لتأكيد الكلام أي قال سفيان: حدثني (الزهري) فهو فاعل لفعل محذوف معلوم من السياق كما قدرناه لأنه ربما يحذف الراوي صيغة التحديث والإخبار مع ذكر شيخه (عن عامر بن سعد عن أبيه) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لإبراهيم بن سعد (قال) سعد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا) أي أعظم المسلمين جرمًا في عدم رعاية حقوق المسلمين (من سأل عن أمر لم يحرم) عليهم أولًا (فحرم على الناس من أجل مسألته) قال أبو الفرج الجوزي: هذا محمول على من سأل عن الشيء عنتًا وعبثًا فعوقب لسوء قصده بتحريم ما سأل عنه والتحريم يعمّ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 5965 - (00) (00) (وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: "رَجُلٌ سَأَلَ عَنْ شَيءٍ وَنَقَّرَ عَنْهُ". وَقَال فِي حَدِيثِ يُونُسَ: عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدًا. 5966 - (2337) (92) حدَّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيلانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ السُّلَمِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ اللُّؤْلُؤِيُّ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، (قَال مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ أخبرنا معمر) بن راشد (كلاهما) أي كل من يونس ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عامر بن سعد عن أبيه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس ومعمر لسفيان بن عيينة (و) لكن (زاد) عبد الرزاق (في حديث معمر) وروايته لفظة (رجل سأل عن شيء ونقّر) بفتح النون وتشديد القاف من باب فعل المضعف أي استقصى في السؤال والبحث (عنه) أي قال بدل رواية سفيان أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن أمر لم يحرم .. إلخ أي قال بدل ذلك أعظم المسلمين جرمًا رجل سأل عن شيء ونقر عنه فالزيادة في هذه الرواية لفظة ونقّر عنه أي بالغ في السؤال عنه، قال الدهني: قوله: (ونقر عنه) أي بحث وفتش، وفي رواية (فنقب) معناهما متقارب يقال رجل ناقب أي عالم باحث عن الأشياء، قال في النهاية: نقر عنه أي بحث واستقصى اهـ وأصل النقر والتنقير حفر الخشب والمراد هنا البحث والفحص عنه (وقال) ابن وهب (في حديث يونس) وروايته لفظة عن (عامر بن سعد أنه سمع سعدًا) هذا بيان لمحل مخالفتهما لسفيان بن عيينة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 5966 - (2337) (92) (حدثنا محمود بن غيلان) العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد بن قدامة) بن إسماعيل (السلمي) أبو عبد الله البخاري، نزيل مرو، روى عنه في (3) أبواب، مقبول، من (11) (ويحيى بن محمد) بن معاوية (اللؤلؤي) أبو زكريا المروزي، نزيل بخارى، مقبول، من (11) روى عنه في (2) (وألفاظهم متقاربة قال محمود: حدثنا النضر بن شميل وقال الآخران: أخبرنا النضر) بن شميل المازني أبو الحسن البصري، ثم الكوفي، ثقة، من

أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِهِ شَيءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا شعبة) بن الحجاج البصري، إمام الأئمة ثقة، من (7) (حدثنا موسى بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، قاضيها، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن) أبيه (أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية (عن أصحابه شيء) بالرفع على الفاعلية، قال الأبي: كان الشيخ ابن عرفة يقول: يحتمل أنهم أرادوا زيادة أدلة على صدقه صلى الله عليه وسلم بإخباره عن المغيبات التي سألوه عنها فوقع في نفسه من ذلك شيء من الغضب، وقال: أليس فيما رأيتم كفاية وهذا هو الذي حمل عمر رضي الله عنه على قوله: رضينا بالله ربًا .. إلخ وقال آخرون: يمكن أن يكون سببه ما بلغه صلى الله عليه وسلم من الغضب من أجل خوضهم في أسئلة لا تعنيهم ويؤيده ما سيأتي من رواية قتادة عن أنس: أن الناس سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة وألحوا عليه، فخرج ذات يوم فصعد المنبر. ويؤيده أيضًا حديث أبي موسى فيما سيأتي: وفيه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها. قال القرطبي: وقوله في هذه الرواية: (إنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء) أي عن بعض أصحابه وذلك أنه بلغه والله أعلم أن بعض من دخل في أصحابه ولم يتحقق إيمانه هم أن يمتحن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسئلة ويكثر عليه منها ليعجزه وهذا كان دأب المنافقين وغيرهم من المعادين له ولدين الإسلام فإنهم كانوا: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)} [التوبة: 32] ولذلك لما فهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال لهم في هذا المجلس: "سلوني سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" فكل من سأله في ذلك المقام عن شيء أخبره به أحبه أو كرهه، ولذلك أنزل الله تعالى في ذلك قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية، فأدبهم الله تعالى بترك السؤال عما ليس بمهم وخصوصًا من أحوال الجاهلية التي قد عفا الله عنها وغفرها ولما سمعت الصحابة رضي الله عنهم هذا كله انتهت عن سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في أمر لا يجدون منه بدًا، ولذلك قال أنس فيما تقدم: (نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية ونحن نسمع)

فَخَطَبَ فَقَال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنارُ، فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ فِي الْخَيرِ وَالشر، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيتم كَثِيرًا" قَال: فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَوْمٌ أَشَد مِنْهُ. قَال: غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. قَال: فَقَامَ عُمَرُ فَقَال: رَضِينَا بِاللهِ رَبا. وَبِالإِسْلامِ دِينا. وَبِمُحَمدٍ نَبِيا ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه مسلم [12] اهـ من المفهم (فخطب) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وعظ الناس، زاد الجارودي في روايته عند البخاري في التفسير (خطبة ما سمعت مثلها قط) (فقال) في خطبته: (عُرضت عليّ الجنة والنار) وفي رواية هلال بن علي عن أنس عند البخاري في الأذان: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رقى المنبر فأشار بيديه قبل قبلة المسجد ثم قال: "لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار" (فلم أر كاليوم في الخير والشر) قال النووي: معناه لم أر خيرًا أكثر مما رأيته اليوم في الجنة ولا شرًا أكثر مما رأيته اليوم في النار اهـ (ولو تعلمون ما أعلم) من الشر والعذاب (لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا) قال الأبي: فإن قيل قد علم صلى الله عليه وسلم ذلك فلم يبك كثيرًا، قيل: البكاء إنما هو للخوف وهو صلى الله عليه وسلم آمن (قلت): ويضاف إلى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان أضبط الناس لنفسه وإلا فكانت شفقته على أمته كانت أكثر من خوف الرجل على نفسه اهـ (قال) أنس: (فما أتى) ومر (على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد) حزنًا وخوفًا وبكاء فيه (منه) أي من ذلك اليوم لما عرفوا فيه من شدة عذاب النار أو لما شعروا من النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية لكثرة السؤال وسخطه على ذلك أو لما ذكر من الفتن العظيمة التي ستقع قبل قيام الساعة أو لمجموع هذه الأمور (قال) أنس وإنما قلت ذلك لأنهم (غطوا) أي ستروا (رؤوسهم ولهم) أي والحال أن لهم (خنين) بالخاء المعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء قالوا: أصل الخنين بالخاء المعجمة خروج الصوت من الأنف كالحنين بالحاء المهملة من الفم كذا في الشارح، وقال أبو زيد: الخنين مثل الحنين وهو شديد البكاء مع ترديد الصوت والنفس في الحلق بلا رفع الصوت (قال) أنس: (فقام عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فقال): وفي رواية زيادة (فبرك عمر على ركبتيه) فقال: (رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا) فسكت، قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد كانت على سبيل التعنت أو الشك فخشي أن تنزل العقوبة بذلك فقال: رضينا

قَال: فَقَامَ ذَاكَ الرجُلُ فَقَال: مَنْ أَبِي؟ قَال: "أَبُوكَ فُلان". فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. 5967 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيسِي. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بالله ربًا إلخ فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فسكت (قال فقال: فقام ذاك الرجل) الذي سأل عما لا يعنيه سيأتي أنه عبد الله بن حذافة رضي الله عنه (فقال من أبي) يا رسول الله فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلك الرجل (أبوك فلان) أي حذافة (فنزلت) آية ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]) قال البيضاوي: الجملة الشرطية وما عُطف عليها صفتان لأشياء والمعنى لا تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمكم والعاقل لا يفعل ما يغمه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 162]، والبخاري في أبواب كثيرة جدًّا منها في العلم [93]، والترمذي في التفسير سورة المائدة [3056]، وابن ماجه في الزهد باب الحزن والبكاء [6244]. وقد وردت في سبب نزول هذه الآية روايات أخرى أيضًا فقد أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه أنها نزلت عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم في الحج (يا رسول الله في كل عام؟ ) وكذلك أخرج البخاري في التفسير عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل: ضلت ناقتي فأين ناقتي؟ فأنزل فيهم هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وقد تقرر في موضعه أنه لا تزاحم في الأسباب فيحتمل أن يكون كل من هذه الواقعات سببًا لنزولها، ويمكن أن يكون السبب إحداها وقد أطلق على غيرها أن الآية نزلت فيه من حيث إنه ينطبق عليه مضمون الآية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5967 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي) بالقاف أبو عبد الله البحراني بموحدة البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا

رَوحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، أَخبَرَنِي مُوسَى بْنُ أنسٍ قَال: سَمِعتُ أنس بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، مَن أَبِي؟ قَال: "أبوكَ فُلانٌ" وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. تمَامَ الآيَةِ. 5968 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى بنِ عَبدِ الله بْنِ حَرمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِي. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهب. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب. أَخْبَرَنِي أنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشمْسُ. فَصَلَّى لَهُمْ صَلاةَ الظُّهْرِ، فَلَما سَلمَ قَام عَلَى الْمِنبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَن قَبْلَهَا أمُورًا عِظَامًا. ثُم قَال: "مَنْ أَحَب أَن ـــــــــــــــــــــــــــــ روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا شعبة أخبرني موسى بن أنس) بن مالك (قال) موسى: (سمعت) والدي (أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة روح بن عبادة للنضر بن شميل (قال رجل) وهو عبد الله بن حذافة: (يا رسول الله من أبي؟ قال: "أبوك فلان") أي حذافة، وأكثروا السؤال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره ذلك (ونزلت) آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}) اقرأ (تمام الآية) المذكورة في سورة المائدة برقم [101]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أن رضي الله عنه فقال: 5968 - (00) (00) وحدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لموسى بن أنس (أن رسول إله صلى الله عليه وسلم خرج) يومًا من منزله إلى المسجد (حين زاغت الشمس) أي زالت عن وسط السماء (فصلى) إمامًا (لهم صلاة الظهر فلما سلم) من صلاته (قام على المنبر) خطيبا (فدكر) في خطبته (الساعة) أي أهوال يوم القيامة (وذكر) صلى الله عليه وسلم (أن قبلها) أي أن قبل الساعة (أمورًا عظامًا) أي أشراطًا كباراً كالدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس حين ألحوا عليه السؤال وأغضبوه (من أحب أن

يَسْألَنِي عَنْ شَيءٍ فَليَسْألنِي عَنهُ، فَواللهِ لَا تَسْألُونَنِي عَنْ شَيءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا". قَال أنسُ بْنُ مَالِكٍ: فَأكْثَرَ الناسُ الْبُكَاءَ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُوني" فَقَامَ عَبدُ الله بْنُ حُذَافَةَ فَقَال: مَنْ أَبِي يا رَسُولَ الله؟ قَال: "أبوكَ حُذَافَةُ" فَلَما أَكْثَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: "سَلُوني" بَرَكَ عُمَرُ فَقَال: رَضِينَا بِاللهِ رَبا، وَبِالإِسْلامِ دِينا. وَبِمُحَمدٍ رَسُولًا. قَال: فَسَكَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يسألني) اليوم عن شيء (فليسألني عنه) أي عن ذلك الشيء الذي أراده (فوالله) الذي لا إله غيره (لا تسألوني) اليوم (عن شيء) أردتموه (ألا أخبرتكم به) أي بذلك الشيء الذي سألتموه (ما دمت) قائمًا (في مقامي هذا) يعني منبره (قال أنس بن مالك) بالسند السابق: (فكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك) الكلام يعني قوله سلوني، قوله: (لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به) قال العلماء: هذا القول منه صلى الله عليه وسلم محمول على أنه أُوحي إليه والا فلا يعلم كل ما سُئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى، وقال القاضي عياض: وظاهر الحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم: "سلوني" إنما كان غضبًا كما قال في الرواية الأخرى (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثروا عليه غضب ثم قال للناس: "سلوني" قوله: (فأكثر الناس البكاء) يحتمل أن يكون سبب البكاء غضبه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ما أخبر به من الفتن ومن شدة عذاب النار أي حين سمعوا ذلك القول (من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: سلوني فقام عبد الله بن حذافة) بن قيس بن عدي القرشي السهمي أبو حذافة رضي الله عنه من قدماء المهاجرين هاجر الهجرتين (فقال: من أبي يا رسول الله؟ ) سيأتي أنه سأل عن ذلك لأن ناسًا كانوا يطعنون في نسبه وكأنه لم يشعر أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من سلوني إنما قاله تقريعًا وغضبًا واغتنم هذه الفرصة لدفع الطعن عن نسبه فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك حذافة، فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول: سلوني برك عمر) رضي الله عنه أي جلس على ركبتيه استسلامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسكينًا لغضبه (فقال) عمر: (رضينا بالله ربًا وبالاسلام دينًا وبمحمد رسولًا قال) أنس: (فسكت

رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حِينَ قَال عُمَرُ ذَلِكَ. ثُم قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَوْلَى، وَالذِي نَفسُ مُحَمَدِ بِيَدِهِ، لَقَدْ عُرِضَت عَلَى الْجنَّةُ وَالنارُ آنِفًا، فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الخيرِ وَالشر". قَال ابْنُ شِهَاب: أَخبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ قَال: قَالتْ أُمُ عَبْدِ الله بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ الله بْنِ حُذَافَةَ: مَا سَمِعْتُ بابْنٍ قَط أَعَق مِنْكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك) الكلام، وإنما قال ذلك أدبًا وإكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقة على المسلمين لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وسلم فيهلكوا، ومعنى كلامه رضينا بما عندنا من كتاب الله وسنة رسوله واكتفينا به عن السؤال اهـ سنوسي، وهذا يدل على أن قوله: سلوني كان غضبا (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى) أي قرب منكم ما تكرهونه من الهلاك فاحذروه، قال النووي: لفظة أولى كلمة تهديد ووعيد، وقيل: كلمة تلهف فعلى هذا يستعملها من نجا من أمر عظيم، والصحيح المشهور أنها للتهديد ومعناها قرب منكم ما تكرهونه ومنه قوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)} أي قاربك ما تكره فاحذره مأخوذ من الولي وهو القرب فهي اسم فعل ماض بمعنى قرب الهلاك بك وإن أردت البسط في هذا المقام فراجع تفسيرنا حدائق الروح في سورة القيامة إعرابًا ومعنى واشتقاق (والذي نفس محمد بيده) المقدسة القد عُرضت) وأظهرت وقرّبت (علي الجنة والنار آنفًا) قريبًا أي في زمن قريب والمشهور فيه المد ويقال بالقصر وقرئ بهما في السبع الأكثرون بالمد اهـ نووي (في عُرض هذا الحائط) بضم العين أي في جانب هذا الجدار يعني جدار المسجد القبلي، وقيل في وسطه والظاهر أن المراد جهة الجدار وإلا فالجدار لا يسع الجنة والنار ويقاربه ما سيأتي من قوله صررت لي الجنة والنار (فلم أر كاليوم) أي فلم أر رؤية مثل رؤية اليوم (في الخير والشر) قد سبق ما فيه (قال ابن شهاب) بالسند السابق (أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني، الأعمى الفقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عبيد الله: (قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة): ولم أر أحدًا من الشراح ولا غيرهم ذكر اسم عبد الله بن حذافة (ما سمعت بابن قط) أي فيما مضى من الزمان (أعق منك) أي أشد

أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا تُقَارِفُ نِساءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيةِ، فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ الناسِ؟ قَال عَبْدُ الله بْنُ حُذَافَةَ: وَاللهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدِ أَسْوَدَ، لَلَحِقْتُهُ. 5969 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحْمنِ الدارِمي. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيب ـــــــــــــــــــــــــــــ عقوقا للوالدين منك (أأمنت) أي هل تأمن (أن تكون أمك قد قارفت) أي قد ارتكبت وفعلت (بعض ما تقارف) وتفعل (نساء أهل الجاهلية) من الفاحشة والزنا، هم من قبل النبوة سموا بذلك لكثرة جهالتهم وتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيك (فتفضحها) أي فتفضح أمك (على أعين الناس) وأشرافهم إذا أخبر الرسول بأبيك حقيقة والمعنى لو كنت من زنى فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني (قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعبد أسود للحقته) أي للحقت ذلك العبد وقبلت إلحاق الرسول إياي به استسلاما لحكم الرسول في الإلحاق قد يقال: هذا الإلحاق لا يتصور لأن الزنا لا يثبت به النسب ويجاب عنه بأنه يحتمل وجهين أحدهما: أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم إذ ذاك فكان يظن أن ولد الزنا يلحق الزاني، والثاني: أنه يتصور الإلحاق بعد وطئها بشبهة فيثبت النسب منه اهـ نووي، وقد يقال إن ابن حذافة إنما أراد بيان استسلامه الكامل لقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر إلحاقه بعبد أسود على سبيل الفرض والتقدير وحينئذٍ لا يلزم منه عدم معرفته بمسائل الفراش ومقصوده أي إنما فعلت ذلك بنية الخضوع الكامل لما يقضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو ظهر شيء مكروه لقبلته لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليقضي إلا بوحي من الله تعالى ولإثبات الحق وإن السعي لإثبات الحق ليس فيه عقوق وإن كان فيه بعض الفضيحة والله أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5969 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (الدارمي) السمرقندي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة الأموي مولاهم اسم أبيه دينار أبو بشر الحمصي، ثقة، من

كِلاهُمَا عَنِ الزهْرِي، عَن أنسِ، عَنِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بِهذَا الْحَدِيثِ، وَحَدِيثِ عُبَيدِ الله، مَعَهُ. غَيرَ أن شُعَيبا قَال: عَنِ الزهْرِي. قَال: أَخبَرَنِي عُبَيدُ الله بْنُ عَبْدِ الله معه. قَال: حدّثني رَجُل مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ؛ أَن أُمَّ عَبْدِ الله بنِ حُذَافَةَ قَالتْ: بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. 5970 - (00) (00) حدَّثنا يُوسُفُ بْنُ حَمادٍ الْمُغنِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعلَي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (7) روى عنه في (5) أبواب (كلاهما) أي كل من معمر وشعيب رويا (عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث) السابق عن يونس (و) ب (حديث عبيد الله) بن عبد الله عن أم عبد الله بن حذافة قالت لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قط .. إلخ ومعنى قوله: (معه) أي حالة كون حديث عبيد الله مع حديث يونس السابق، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر وشعيب ليونس (غير أن شعيبًا قال) في روايته لفظة (عن الزهري قال) الزهري: (أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال) عبيد الله: (حدثني رجل من أهل العلم أن أم عبد الله بن حدافة قالت) لولدها عبد الله بن حذافة، ولم يجعل شعيب الحديث من مسند أنس، بل جعله من مسند صحابي آخر ولكنه مجهول، والجهالة في الصحابي لا يضر لأنهم عدول، ويحتمل كونه غير صحابي وعلى كل حال لم أر أحدًا من الشراح عين اسم هذا المبهم، وساقا (بمثل حديث يونس) عن الزهري أي ساق معمر وشعيب بمثل حديث يونس، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما ليونس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5970 - (00) (00) (حدثنا يوسف بن حماد المعنيّ) بضم الميم وسكون العين المهملة ثم نون وتشديد الياء، قال السمعاني: منسوب إلى معن بن زائدة أحد أجداده اهـ سنوسي، أبو يعقوب البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن قتادة) بن دعامة بن السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25)

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن الناسَ سَأَلُوا نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ حَتى أَخفَوهُ بِالْمَسْألَةِ، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْم فَصَعِدَ الْمِنبَرَ. فَقَال: "سَلُوني، لَا تَسْألُوني عَنْ شَيءٍ إِلا بَينْتُهُ لَكُمْ" فَلَما سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ أَرَموا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَينَ يَدَي أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ. قَال أنس: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينا وَشِمَالا. فَإِذَا كُل رَجُلٍ لافّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي. فَأَنْشَأ رَجُل مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يُلاحَى فَيُدْعَى لِغَيرِ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لمن روى عن أنس (أن الناس سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة) أي حتى أكثروها عليه وبالغوا فيها، يقال: أحفى في السؤال وألحف وألح بمعنى واحد أي بالغ فيه وأكثر منه (فخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذات يوم) أي، يوما من الأيام من منزله إلى المسجد (فصعد المنبر فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: (سلوني) اليوم عما شئتم فوالله (لا تسأوني عن شيء إلا بينته) وأجبته (لكم) في مقامي هذا (فلما سمع ذلك) مفعول مقدم (القوم) فاعل أي فلما سمع القوم الحاضرون ذلك الكلام منه صلى الله عليه وسلم يعني قوله: سلوني (أرموا) أي أرم القوم وسكتوا عن الكلام والسؤال، وهو بفتح الهمزة والراء والميم المشددة وأصله من المرمة وهي الشفة أي ضموا شفاههم بعضها على بعض فلم يتكلموا ومنه رمت الشاة الحشيش ضمته بشفتيها اهـ نووي (ورهبوا) أي خافوا (أن يكون) سؤالهم (بين يدي أمر) أي بين قدام عذاب (قد حضر) وقرب نزوله بهم بسبب غضبه صلى الله عليه وسلم بإكثارهم في السؤال يعني أنهم خافوا أن يكون سؤالهم سببا لنزول أمر مكروه والله أعلم (قال أنس) بالسند السابق: (فجعلت) أي شرعت ألتفت يمينا وشمالا لأنظر سبب مرمتهم وسكوتهم عن السؤال (فإذا) الفاء عاطفة هاذا فجائية (كل رجل) من الحاضرين وهو مبتدأ خبره (لاف) أي غاط (رأصه في ثوبه) حالة كونه (يبكي) خوفا من نزول العذاب بهم بسبب غضبه صلى الله عليه وسلم والتقدير فجعلت ألتفت وأنظر يمينا وشمالا ففجأني لف كل رجل رأسه في ثوبه، حالة كونه يبكي خوفا من العذاب (فأنشأ) الكلام وابتدأ به (رجل من) أهل (المسجد كان) ذلك الرجل (يلاحى) أي يعاب ويطعن في نسبه (فيدعى) أي ينسب (لغير أبيه) الحقيقي الذي أولده، من الملاحاة وهي المخاصمة والمسابة

فَقَال: يَا نَبِي الله، مَنْ أَبِي؟ قَال: "أبوكَ حُذَافَةُ". ثُم أنْشَأ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ رضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَال: رَضِينَا بِاللهِ رَبا. وبِالإِسْلامِ دِينا. وَبِمُحَمدٍ رَسُولا. عَائذا بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمطاعنة في النسب (فقال) ذلك الرجل: (يا نبي الله من أبي؟ ) الذي أولدني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك حذافة) الذي تدعى به وتنسب إليه لأنه صاحب الفراش والولد يُنسب لصاحب الفراش. قال القرطبي: قوله: (ثم أنشأ رجل من المسجد) أي أخذ في الكلام وشرع فيه، قوله: (كان يلاحى) بالبناء للمجهول أي يعبر ويذم بأن ينسب إلى غير أبيه وينفى عن أبيه، وسبب هذا ما أنكحة الجاهلية عليه فإنها كانت على ضروب كما سبق في النكاح، وكان منها أن المرأة يطؤها جماعة فإذا حملت فولدت دُعي لها كل ما أصابها فتلحق الولد بمن شاءت فيلحق به فربما يكون الولد من خسيس القدر فتلحقه بكبير القدر فإذا نفي عمن له مقدار وألحق بمن لا مقدار له ألحقه من ذلك نقص وعار وكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تحقيق ذلك لينسب لأبيه الحقيقي الذي وُلد من نطفته وتزول عنه تلك المعرة، فسأل هذان الرجلان النبي صلى الله عليه وسلم عن تحقيق ذلك فقال لأحدهما: "أبوك حذافة" وقال للآخر: "أبوك سالم مولى شيبة" فتحقق نسبهما وزالت معرتها اهـ من المفهم. (ثم أنشأ) أي أخذ وشرع في الكلام (عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا عائذًا) أي نعوذ عياذا (بالله) فهو مصدر على صيغة اسم الفاعل منصوب بفعله المحذوت وجوبا كما قدرناه (من سوء الفتن) أي من الفتن السيئة والعقوبة الشديدة، والإضافة فيه من إضافة الصفة إلى المَوصوف فهو صفة كاشفة له لأن الفتن لا تكون إلا سيئة، وفي رواية (عائذ بالله) بالرفع على أنه خبر لمحذوت أي أنا عائذ أي مستجير مستعيذ بالله من سوء الفتن، والفتن جمع فتنة وقد تقدم أن أصلها الاختبار وأنها تطلق على معان متعددة، ويعني بها هنا المحن والمشقات والعذاب ولذلك قال: "من سوء الفتن" أي من سيئها ومكروهها، ولما قال ذلك عمر وضم إلى ذلك قوله: (إنا نتوب إلى الله عزَّ وجلَّ) كما جاء في الرواية الأخرى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ يحدثهم بما أطلعه الله عليه من أمور

فَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَط فِي الخيرِ وَالشرِّ. إِني صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنةُ وَالنارُ، فَرَأَيتُهُمَا دُونَ هَذَا الْحَائطِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخرة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أر كاليوم قط في الخير والشر) وجملة إن في قوله: (إني صررت لي الجنة والنار) تعليل للنفي المذكور قبلها أي وإنما قلت: لم أو قط كاليوم لأني صورت ومثلت وكشفت لي الجنة والنار (فرأيتهما دون هذا الحائط) أي أقرب من هذا الجدار يعني جدار المسجد القبلي؛ أي حالة كونهما أقرب إيئ من هذا الحائط، وهذا الكلام محمول على الحقيقة لا على التوسع والمجاز فإنه لا خير مثل خير الجنة ولا شر مثل شر النار، وقط هي من الظروف الزمانية مستغرقة لما مضى من الزمان ملازمة للنفي غالبا، ورويناها هنا مفتوحة القاف مضمومة الطاء مشددة وهي إحدى لغاتها، وتقال بالتخفيف، وتقال بضم القاف على إتباع حركتها لحركة الطاء وذلك مع التشديد والتخفيف فأما قط بمعنى حسب فبتخفيف الطاء وسكونها، وقد تزاد عليها نون بعدها فيقال: قطني وقد تحذف النون فيقال: قطي وقد تحذف الياء فيقال: قط بكسر الطاء، وقد يبدل من الطاء دال مهملة فيقال: قد وتكون على تلك الأوجه كلها بمعنى حسب كله من الصحاح، وقوله: (إني صورت لي الجنة والنار) .. إلخ، وفي البخاري: "لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط" وفي البخاري في هذا الحديث: "لقد رأيت الآن منذ صليت بكم الصلاة الجنة والنار ممتثلين في قبلة هذا الجدار" ظاهر هذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها أنه صلى الله عليه وسلم رأى مثال الجنة والنار في الجدار الذي استقبله مصورتين فيه وهذا لا إحالة فيه كما تتمثل المرئيات في الأجسام الصقلية بقي أن يقال: فالحائط ليس بصقيل ويجاب بأن اشتراط الصقالة في ذلك ليس بشرط عقلي بل عادي وذلك محل خرق العادة ووقتها فيجوز أن يمثلها الله فيما ليس بصقيل على مقتضى ظاهر هذا الحديث، وأما على مقتضى ظاهر أحاديث الكسوف فيكون رآهما حقيقة ومد يده لياخذ قطفا ورأى النار وتأخر مخافة أن يصيبه لفحها ورأى فيها فلانا وفلانة وبمجموع الحديثين تحصل أن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار مرتين: إحداهما: في صلاة الكسوت إطلاع رؤية كما سبق في بابه، وثانيهما: هذه الإطلاعة وكانت في صلاة الظهر كما قد جاء في بعض طرق حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم خرج إليهم بعدما زاغت الشمس فصلى بهم الظهر ثم قام فخطب وذكر نحو ما تقدم، وقد نص عليه البخاري كما نقلناه عنه آنفا اهـ من المفهم.

5971 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الحارِثِي. حَدَّثَنَا خَالِد، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). ح وحَدثَنَا مُحَمدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ أَبِي عَدِي. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النضْرِ التيمِي. حَدَّثَنَا مُعْتَمِر. قَال: سَمِعْتُ أَبِي. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، بِهَذِهِ الْقِصةِ. 5972 - (2338) (93) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ بَراد ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عمر رضي الله عنه: (رضينا بالله ربًا .. ) إلخ كلام يقتضي إفراد الحق بما يجب له تعالى من الربوبية ولرسوله من الرسالة اليقينية والتسليم لأمرهما وحكمهما بالكلية والاعتراف لدين الإسلام بأنه أفضل الأديان، وإنما صدر عمر رضي الله عنه كلامه بنون الجمع لأنه متكلم عن نفسه وعن كل من حضر هنالك من المسلمين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 5971 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن حببب) بن عربي (الحارثي) أبو زكرياء البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (كلاهما) أي كل من خالد وابن أبي عدي رويا (عن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (ح وحدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا معتمر) بن سليمان البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان (قالا): أي قال هشام وسليمان (جميعا حدثنا قتادة عن أنس) بن مالك، وساقا (بهذه القصة) أي وساق هشام وسليمان بهذه القصة التي رواها ابن أبي عروبة عن قتادة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هشام وسليمان لسعيد بن أبي عروبة في الرواية عن قتادة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال: 5972 - (2338) (93) (حدثنا عبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي

الأشعَرِي وَمُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمدَانِي قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسَي قَال: سُئِلَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا. فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيهِ غَضِبَ. ثُم قَال لِلناسِ: "سَلُوني عَم شِئْتُم لا فَقَال رَجُل: مَنْ أبِي؟ قَال: "أَبُوك حُذَافَةُ" فَقَامَ آخَرُ فَقَال: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "أَبوكَ سَالِم مَوْلَى شَيبَةَ" فَلَما رَأَي عُمَرُ مَا فِي وَجْهِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مِنَ الْغَضَبِ قَال: يَا رَسُولَ الله، إِنا نَتُوبُ إِلَي الله. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيب: ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى (الأشعري) الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (ومحمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب (الهمداني، قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن بريد) بن عبد الله بن عامر بن أبي موسى أبي بردة الصغير، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء) كثيرة كرهها) أي كره السؤال عنها لكونها مما لا يعنيهم من أمور الجاهلية ولإكثارهم المسألة عليه (فلما أكُثر) بالبناء للمجهول أي فلما أكثروا (عليه) صلى الله عليه وسلم السؤال فيما لا يعني (غضب) أي ظهر أثر غضبه في وجهه (ثم قال للناس: سلوني عم شئتم) بحذف ألف ما الاستفهامية فرقًا بينهما وبين ما الموصولة نظير قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)} أي سلوني عن أبي أمر شئتم السؤال عنه سواء كان لكم فيه حاجة أم لا (فقال رجل) من الحاضرين هو عبد الله بن حذافة (من أبي) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك حذافة، فقام) رجل (آخر فقال) أيضًا: (من أبي يا رسول الله؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبوك سالم مولى شيبة) قال الحافظ في الفتح [1/ 187]، هو سعد بن سالم مولى شيبة بن رببعة وهو صحابي بلا مرية لقوله: فقال: من أبي يا رسول الله؟ (فلما رأى عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من) أثر (النضب) من نغير لون الوجه (قال) عمر: (يا رسول الله إنا نتوب إلى الله) تعالى من إساءة الأدب عندك (وفي رواية أبي كريب)

قَال: مَنْ أبِي يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "أَبُوكَ سَالِمٌ، مَوْلَى شَيبَةَ". 5973 - (2339) (94) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سعِيدٍ الثقَفِي وَأَبُو كَامِلٍ الجحْدَرِي، وَتَقَارَبَا فِي اللفْظِ. وَهَذَا حَدِيثُ قُتَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أبِيهِ. قَال: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُؤُوسِ النخْلِ. فَقَال: "مَما يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ " فَقَالُوا: يُلَقحُونهُ. يَجعَلُونَ الذكَرَ فِي الأنثَى فَيلْقَحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن العلاء (قال) الرجل الآخر: (من أبي يا رسول الله؟ ) بإسقاط لفظة فقام آخر (قال) رسول الله: (أبوك سالم مولى شيبة) بن ربيعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب العلم باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره [92] وفي كتاب الاعتصام [7291]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال: 5973 - (2339) (94) (حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي) البغلاني (وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (وتقاربا في اللفظ وهذا) الآتي (حديث قتيبة) أي لفظ حديثه (قالا: حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (19) بابا (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبي عيسى المدني، نزل الكوفة، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي أبي محمد المدني، أحد العشرة، وستة الشورى، وأحمد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب، وهذا السند من خماسياته (قال) طلحة: (مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم) كائنين (على رؤوس النخل) وأعاليها لتلقيحه وتأبيره (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصنع هولاء) الذين على رؤوس النخل (فقالوا): أي فقال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم: هم (يلقحونه) أي يلقحون النخل ويأبرونه، وفسره بقوله أي (يجعلون) طلع (الذكر في) طلع (الأنثى فيلقح) أي فينعقد ويعلق طلعه بإذن الله

فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَا أَظُن يُغْنِي ذَلِكَ شَيئًا قَال: فَأُخبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوُه، فَأُخْبِرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ بِذَلِكَ فَقَال: "إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِني إِنمَا ظَنَنتُ ظَنا، فَلَا تُؤَاخِذُوني بِالظن، ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى ويثمر، يقال: لقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح ولا يقال: ملاقح وهو من النوادر، وقد قيل فيه الأصل ملقحة ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح، ويقال: لقحت الناقة بالكسر لقحًا ولقاحًا بالفتح فهي لاقح، واللقاح أيضًا بالفتح ما تلقح به النخل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني) وينفع (ذلك) التلقيح (شيئًا) من الإثمار فإن المثمر هو الله تعالى إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل الظن لأنه لم يمارس الفلاحة والزراعة ولم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة لأنه لم يكن ممن عانى الزراعة والفلاحة ولا باشر شيئًا من ذلك فخفيت عليه تلك الحالة وتمسك بالقاعدة الكلية المعلومة التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مؤثر إلا الله تعالى فإذا نُسب شيء إلى غيره تعالى نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرضية لا حقيقية فصدق قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن ذلك يعني شيئًا الآن الذي يعني في الأشياء عن الأشياء بالحقيقة هو الله تعالى غير أن الله تعالى قد أجرى عادته بأن ستر تأثير قدرته في بعض الأشياء باسباب معتادة فجعلها مقارنة لها ومغطاة بها ليؤمن من سبقت له السعادة بالغيب وليضل من سبقت له الشقاوة بالجهل والريب {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] (قال) طلحة بن عبيد الله (فأخبروا) بصيغة المبني للمجهول المسند إلى ضمير الجمع أي فأخبر أولئك الملقحون للنخل (بذلك) أي بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (ما يُغني ذلك شيئًا) (فتركوه) أي فترك الملقحون التلقيح تمسكا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (فأخبر) بالبناء للمجهول أي فأخبر (رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك) أي بتركهم التلقيح بسبب قوله: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده قولوا لهم: لا تتركوا التلقيح بسبب قولي (إن كان ينفعهم ذلك) التلقيح شيئًا في الإثمار (فليصنعوه) أي فليفعلوا ذلك التلقيح (فإني انما ظننت) ذلك أي عدم نفع التلقيح في الإثمار (ظنًّا) وقلت ذلك بالرأي والظن لا بالوحي من الله تعالى (فلا تؤاخذوني) أي لا تلوموني (بالظن) والرأي، قال النووي: قال العلماء ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش وظنه كغيره فلا يمتنع وقوع مثل هذا ولا

وَلَكِنْ إِذَا حَدثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيئًا، فخُذُوا بِهِ، فَإِني لَنْ أكذِبَ عَلَى اللهِ عَز وجَل". 5974 - (2340) (95) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ الرومي اليَمَامي وَعَباسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ العَنْبَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ نقص في ذلك وسببه تعلق همه بالآخرة ومعارفها اهـ، قال القرطبي: (قوله إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن) وقوله: في الأخرى (إنما أنا بشر) هذا كله منه صلى الله عليه وسلم اعتذار لمن ضعف عقله مخافة أن يزله الشيطان فيكذب النبي صلى الله عليه وسلم فيكفر وإلا فما وقع منه شيء يحتاج فيه إلى عذر غاية ما جرى مصلحة دنيوية خاصة بقوم مخصوصين لم يعرفها من لم يباشرها ولا كان من أهلها المباشرين لعلمها وأوضح ما في هذه الألفاظ المعتذر بها في هذه القصة (أنتم أعلم بأمر دنياكم) وكأنه قال: (وأنا أعلم بامر دينكم) (ولكن إذا حدثنكم عن الله شيئًا) من الوحي (فخذوا به) أي بالذي حدثتكم عن الله تعالى وهذا أمر جزم بوجوب الأخذ عنه في كل أحواله من الغضب والرضا والمرض والصحة، وإنما أمرتكم بالأخذ به (فإني) أي لأني (لن كدب) بكسر الذال من باب ضرب أي لن أقول (على الله عزَّ وجلَّ) بالكذب ولن أنسب إليه ما لم يقله ولم يأمرني به أي لا يقع منه فيما يبلغه عن الله تعالى كذب ولا غلط لا سهوًا ولا عمدًا، وقد قلنا: إن صدقه في ذلك هو مدلول المعجزة وأما الكذب العمد المحض فلم يقع منه قط في خبر من الأخبار ولا جُرِّب عليه شيء من ذلك منذ أنثاه الله تعالى وإلى أن توفاه الله تعالى وقد كان في صغره معروفًا بالصدق والأمانة ومجانبة أهل الكذب والخيانة حتى إنه كان يسمى بالصادق الأمين يشهد له بذلك كل من عرفه وإن كان من أعدائه وممن خالفه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الأحكام باب تلقيح النخل [2495]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث طلحة بن عبيد الله بحديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال: 5974 - (2340) (95) (حدثنا عبد الله) بن محمد المعروف بـ (ابن الرومي) أبو محمد (اليمامي) نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وعباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة (العنبري) أبو الفضل البصري، ثقة، من (11) روى

وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر الْمَعْقِرِي. قَالُوا: حَدَّثَنَا النضْرُ بْنُ مُحَمدٍ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، (وَهُوَ ابْنُ عَمارٍ)، حَدَّثَنَا أَبُو النجَاشِي. حدّثني رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَال: قَدِمَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَأبِرُونَ النخْلَ. يَقُولُونَ: يُلَقحُونَ النخْلَ. فَقَال: "مَا تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: كُنا نَصْنَعُهُ. قَال: "لَعَلكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كانَ خَيرًا" فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ أوْ فَنَقَصَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (4) أبواب (وأحمد بن جعفر المعقري) بفتح الميم وكسر القاف بينهما عين ساكنة، نسبة إلى معقر ناحية باليمن اليمنى ثم المكي، مقبول، من (11) روى عنه في (3) أبواب (قالوا: حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار) العجلي اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو النجاشي) عطاء بن صهيب الأنصاري، مولى رافع بن خديج، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (حدثني رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) رافع بن خديج: (قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة) مهاجرًا إليها (وهم) أي والحال أن الأنصار (يأبرون النخل) أي يلقحون طلع النخل، يقال: أبر يأبر ويأبر من بأبي ضرب ونصر نظير قولهم بذر يبذر ويبذر، ويقال: أبر بالتشديد يؤبر تأبيرًا، والتأبير شق طلع الإناث وذر طلع الذكور فيها، ويجيء الثمر منه أجود وإلا يكون شيصًا، وقوله: (يقولون): لعله تحريف من النساخ والصواب (يقول) كما في نسخة القرطبي وهو من كلام أبي النجاشي أي قال أبو النجاشي (يقول) رافع بن خديج: أي يريد رافع بقوله: يأبرون النخل بمعنى (يلقحون النخل) والتلقيح والتأبير واحد (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم على رؤوس النخل (ما تصنعون) أي ما تفعلون على رؤوس النخل (قالوا) له صلى الله عليه وسلم: (كنا) عادة (نصنعه) أي نصنع هذا التأبير (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعلكم لو لم تفعلوا) التأبيرلـ (كان) ترك التأبير (خيرًا) لكم من فعله لما فيه من تفويض الثمار إلى الله تعالى (فتركوه) أي فتركوا التأبير تمسكًا بما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم (فنفضت) بالفاء أي أسقطت النخيل ثمرها بالكلية (أو) قال الراوي: (فنقصت) بالقاف أي انتقص ثمرها عن عادة إثمارها، قال القرطبي: ظاهره أنه شك من

قَال: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَال: "إِنمَا أنا بَشَرٌ، إذَا أَمَرتُكُم بِشَيءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ مِنْ رَأييِ. فَإنمَا أنا بَشَرٌ". قَال عِكْرِمَةُ: أَوْ نَحْوَ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الرواة في أي اللفظين، قال رافع أو من دونه: ويحتمل أن تكون أو بمعنى الواو أي نفضت ثمرها ونقصت في حملها وقد دل على هذا قوله في الرواية الأخرى (فخرج شيصًا) وهو البلح الذي لا ينعقد نواه ولا يكون فيه حلاة إذا أبر ويسقط أكثره فيصير حشفًا اهـ من المفهم (قال) رافع بن خديج: (فذكروا) أي ذكر أصحاب النخل (ذلك) أي نفضها الثمار أو نقصها (له) صلى الله عليه وسلم (فقال) صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر) أي واحد منهم في البشرية ومساو لهم فيما ليس من الأمور الدينية، وهذه إشارة إلى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] فقد ساوى البشر في البشرية وامتاز منهم بالخصوصية الإلهية التي هي تبليغ الأمور الدينية اهـ منه (إذا أمرتكم بشيء من دينكم) أي بأمر من أمور دينكم (فخذوا به) أي بذلك الأمر بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وجوبًا في الواجبات وندبًا في المندوبات (وإذا أمرتكم بشيء من رأي) بالتنوين، وفي بعض النسخ من رأي بالإضافة إلى ياء المتكلم، أي بأمر من أمور الدنيا ومعايشها الذي عليه سوق هذه القصة (من رأي) أي أمرًا صادرًا من رأي وظن لا بوحي من الله تعالى فلا يجب عليكم أخذه فإذا أخذتم رأيي وبان خلاف رأيي فلا تلوموني (فإنما أنا بشر) مثلكم يصدر مني الخطأ والنسيان فيما ليس بطريق الوحي من الشرع وليس تأبير النخل من الأمور الشرعية، قوله: (فنفضت أو فنقصت) هو بفتح الحروف كلها وتاء التأنيث ساكنة والأول بالفاء والضاد المعجمة والثاني بالقاف والصاد المهملة، وقوله: (وإذا أمرتكم بشيء من رأي) قال القاضي عياض: يعني برأيه في أمر الدنيا لا برأيه في أمر الشرع على القول بأن له أن يتحكم باجتهاد فإن رأيه في ذلك يجب العمل به لأنه من الشرع (قال عكرمة): قال لي أبوالنجاشي: (بشيء من رأي) (أو) قال لي أبو النجاشي: (نحو هذا) أي قريب لفظ الرأي في المعنى كقوله: (وإذا أمرتكم بشيء بظن) قال القاضي عياض: ولفظ الرأي إنما أتى به عكرمة على المعنى لا أنه لفظه صلى الله عليه وسلم لقوله آخر الحديث أو نحو هذا فلم يأت بلفظه صلى الله عليه وسلم محققًا فلا يحتج به من لا يرى أنه يحكم باجتهاده وقوله ذلك للأنصار ليس على وجه الخبر الذي يدخله

قَال الْمَعْقِرِيُّ: فَنَفَضَتْ، وَلَم يَشُك. 5975 - (2341) (96) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمرو الناقِدُ، كِلاهُمَا عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَامِر. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِر. حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَعن ثَابِتٍ، عَنْ أنسٍ؛ أن النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مَر بِقَوْم يُلَقحُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الصدق والكذب فإنه صلى الله عليه وسلم منزه عن الخلف في الخبر، وإنما أخبر عن ظنه لقوله فيما سبق ما أظن ذلك يغني شيئًا، ولا شك أنه خبر صادق لمطابقته الواقع وهو أن له ظنًا متعلقًا بما ذكر اهـ سنوسي، قال القاضي: والأنبياء عليهم السلام في أمور الدنيا كغيرهم في اعتقادهم بعض الأمور على خلاف ما هي عليه ولا وصم عليهم في ذلك إذ هممهم متعلقة بالآخرة والملأ الأعلى وأمور الشريعة، وأمور الدنيا تضاد ذلك بخلاف غيرهم من أهل الدنيا الذين يعلمون ظاهرًا منها وهم عن الآخرة هم غافلون اهـ سنوسي (قال المعقري: فنفضت) بالفاء والضاد المعجمة ومعناه أسقطت ثمرها، ويقال لذلك المتساقط النفض بالفاء والتحريك بمعنى المنفوض كالخبط بمعنى المخبوط، ويقال: أنفض القوم إذا فني زادهم (ولم يشك) المعقري في لفظ فنفضت بل جزمه ولم يذكر معه غيره. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن غيره من أصحاب الأمهات الخمس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث طلحة بن عبيد الله بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 5975 - (2341) (96) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي كلاهما) رويا (عن الأسود بن عامر قال أبو بكر) بن أبي شيبة: (حدثنا أسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن البغدادي، ويُلقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، وقوله: (وعن ثابت) معطوف على هشام أي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن أسلم (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته كلاهما أي كل من عائشة وأنس رويا (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون) أي

فَقَال: "لَوْ لَم تَفعَلُوا لَصَلُحَ" قَال: فَخَرَجَ شِيصًا. فَمَر بِهِم فَقَال: "مَا لِنَخلِكُم؟ " قَالُوا: قُمْتَ كَذَا وَكَذَا. قَال: "أَنْتُم أَعْلَمُ بِأمْرِ دُنْياكُمْ". 5976 - (2342) (97) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبهٍ قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يأبرون النخل (فقال) لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لو لم تفعلوا) التأبير وتركتموه (لصلح) الثمر لأن المثمر والمؤثر فيه هو الله تعالى لا غيره لأنه خالق كل شيء (قال) الراوي: إما عائشة أو أنس بن مالك فتركوا التأبير تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فخرج) الثمر من النخل أي طلع حالة كونه (شيصًا) بكسر الشين المعجمة أي بسرًا رديئًا، قال المازري: الشيص البسر الذي لا نوى له، وقال القاضي: الشيص هو رديء البسر، وإذا يبس كان حشفًا اهـ أبي (فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهم) أي على القوم الملقحين (فقال) لهم: (ما لنخلكم) أي أي شيء ثبت وحصل لنخلكم أي هل أثمر ثمرًا جيدًا أم رديئًا (قالوا): أي قال أولئك القوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) لنا: يا رسول الله كذا وكذا) أي لو لم تفعلوا لصلح فتركنا التأبير فأثمر ثمرًا رديئًا شيصًا فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم) مني (بأمر دنياكم) ومعايشكم فامشوا على عادتكم فيما يستقبل من أمور دنياكم وكأنه قال: وأنا أعلم بأمر دينكم فاقتدوا بي في أمور الدين، والمعنى وأنتم أعلم بالأمور التي وكلها الشرع إلى التجربة ولم يأت فيها بأمر أو نهي جازم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 152]، وابن ماجه في الأحكام [2471]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5976 - (2342) (97) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة

مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَالذِي نَفسُ مُحَمد بِيَدِهِ، لَيَأتِيَن عَلَى أَحَدِكُمْ يَومٌ وَلَا يَرَانِي. ثُم لأَن يَرَاني أَحَب إلَيهِ مِن أَهلِهِ وَمَالِهِ مَعهُم". قَال أبُو إِسحَاقَ: الْمَغنَي فِيهِ عِندِي، لأَن يَرَانِي مَعَهُم أحَب إِلَيهِ مِنْ أَهلِهِ وَمَالِهِ. وَهُوَ عِندِي مُقَدمٌ وَمُؤَخر ـــــــــــــــــــــــــــــ (منها) أي من تلك الأحاديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده) المقدسة (ليأتين على أحدكم) أيتها الصحابة (يوم و) الحال أنه (لا) يمكن له أن (يراني) فيه بسبب موتي، وهنا تم الكلام ثم استؤنف بقوله: (ثم) بعد يأسه عن رؤيتي بسبب موتي (لأن يراني) لحظة أي لرؤيته إياي لحظة (أحب إليه) أي إلى أحدكم (من) جميع (أهله وماله) حالة كون المال (معهم) أي مع الأهل في الفقدان، والمعنى أن رؤيته إياي أفضل عنده وأحظى من أهله وماله جميعًا، ولفظ البخاري هنا (وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله) قال الحافظ في الفتح [6/ 607] إن كل أحد من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم كان يود لو كان رآه وفقد مثل أهله وماله، وإنما قلت ذلك لأن كل أحد ممن بعدهم إلى زماننا هذا يتمنى مثل ذلك فكيف بهم مع عظيم منزلته عندهم ومحبتهم، وقال النووي: ومقصود الحديث حثهم على ملازمة مجلسه الشريف ومشاهدته حضرًا وسفرًا للتأدب بآدابه وتعلم الشرائع وحفظها ليبلغوها وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته وملازمته، ومنه قول عمر رضي الله عنه: ألهاني الصفق بالأسواق. (قال أبو إسحاق) وهو الشيخ إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه تلميذ الإمام مسلم ورواة صحيحه وأستاذ أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي النيسابوري (المعنى فيه) أي في هذا الحديث (عندي لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله وهو عندي مقدم ومؤخر) يعني أن قوله صلى الله عليه وسلم - لأن يراني مقدم في المعنى على قوله: (ولا يراني) يعني أن الرواية المذكورة في ألفاظها تقديم وتأخير، وتقدير العبارة عند أبي إسحاق ما ذكره النووي بأن التقديم والتأخير هما فيما بين (لأن يراني) وبين (ثم لا يراني) وأما (معهم) فهي في موضعها والمعنى المقصود (ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة فقط ثم لا يراني بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعًا) ولكن في ما ذكره النووي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بُعد بالنظر إلى لفظ الرواية وبالنظر إلى لفظ أبي إسحاق جميعًا. والذي يظهر من مراد أبي إسحاق أن كلمة (معهم) ليست في موضعها، وأما قوله: (ولا يراني) وقوله: (لأن يراني) فهما في موضعهما والمعنى (ليأتين على أحدكم يوم لا يراني فيه بسبب وفاتي) ثم تكون رؤيتي عنده معهم أحب إليه من أهله وماله والله أعلم قاله صاحب التكلمة. قال القرطبي: الرواية دون تقديم ولا تأخير صحيحة المعنى والمقصود بالحديث إخبارهم بأنه صلى الله عليه وسلم إذا فُقد تغير الحال على أصحابه فيقع من الاختلاف والفتن والمحن ما يود أحدهم أن لو يراه بكل ما معه من أهل ومال، وعلى الجملة فساعة موته صلى الله عليه وسلم اختلفت الآراء ونجمت الأهواء وكاد النظام أن ينحل لولا أن الله تداركه بأبي بكر رضي الله عنه وبأهل الحل والعقد حتى قال بعض الصحابة: ما سوينا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا فكلما حصل واحد منهم في كربة من تلك الكرب ود أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما معه من أهل ومال ونُشب وذلك لتذكره ما فات من بركات مشاهدته ولما حصل بعده من فساد الأمر وتغير حالته والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم. [قلت]: والحديث صحيح المعنى بلا تقديم ولا تأخير كما ذكره القرطبي وكما قررناه في حلنا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 313]، والبخاري في المناقب باب علامات النبوة برقم [3589] من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في ضمن حديث آخر. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتبن، والثاني: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات، والرابع: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث طلحة بن عبيد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسادس: حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عائشة وأنس ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه أعلم. ***

كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم 25 - كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين 696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام 5977 - (2343) (98) حدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَن أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرحمنِ أَخْبَرَهُ؛ أن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "أنا أَوْلَى الناسِ بِابنِ مَريَمَ. الأَنبِيَاءُ أَوْلادُ عَلاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 25 - كتاب فضائل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفضائل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين 696 - (10) باب في فضائل عيسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام 5977 - (2343) (98) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال): وهذا السند من سداسياته (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أولى الناس) وأقربهم زمنًا (بـ) عيسى (ابن مريم) والمراد بالناس الأنبياء أي أنا أقرب الأنبياء بعيسى بن مريم زمنًا وأخصهم به لأنه بشر الناس برسالتي (الأنبياء أولاد علات) بقح العين وتشديد اللام، والكلام على التشبيه البليغ أي كأولاد ضرائر أبوهم واحد وأمهم مختلفة يعني أن أصل دينهم من التوحيد والعقائد واحد وشرائعهم مختلفة بحسب اختلاف الأعصار يعني اختلفت شرائعهم في الأحكام الفرعية. (وأولاد العلات) الأخوة من الأب وأمهاتهم شتى أي متعددة، أما الأخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان، وأما الأخوة من الأم فيقال

وَلَيسَ بَيني وَبَينَهُ نَبِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم أولاد الأم، مأخوذ من العلل وهو الشرب بعد الشرب لأن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى فكأنه عل وشرب من الثانية بعدما شرب من الأولى ومنها سُميت الضرائر علات وأولادهن من زوج واحد بنو العلات، وفي الصحاح بنو العلات هم أولاد الرجل من نسوة شتى سُميت بذلك لأن الذي يتزوجها على أول كانت قبلها عل من هذه بعدما عل من الأولى والعلل الشرب الثاني والنهل الشرب الأول يقال: هذا علل بعد نهل وعله يعله إذا سقاه السقية الثانية، وقال غيره: سموا بذلك لأنهم أولاد ضرائر، والعلات الضرائر وشتى مختلفة، ومنه قوله تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] اهـ قال القاضي عياض: معنى هذا الحديث أن الأنبياء مختلفون في أزمانهم وبعضهم بعيد الزمن من بعض فهم أولاد علات إذ لم يجمعهم زمان واحد كما لا يجمع أولاد العلات بطن واحد، وعيسى - عليه السلام - لما كان قريب الزمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن بينهما نبي كانا كأنهما في زمان واحد بخلاف غيرهما. وهذا أشبه ما قيل في هذا الحديث ويستفاد منه إبطال قول من قال إنه كان بعد عيسى أنبياء ورسل، فقال بعض الناس: إن الحواريين كانوا أنبياء وأنهم أرسلوا إلى الناس بعد عيسى وهو قول أكثر النصارى ولا يعارض هذا الحديث يعني قوله: (أنا أولى الناس بابن مريم) بقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بإبراهيم وبعيسى كليهما، أما كونه أولى بإبراهيم عليه السلام فمن جهة قوة الاقتداء به، وأما كونه أولى بعيسى - عليه السلام - فمن جهة قرب عهده به (فإن قلت): إن عيسى ليس له أب فكيف يطلق عليه أولاد العلات. [قلت]: التنظير من جهة الأم فقط. (فإن قلت): لم خص التنظير باختلاف الأمهات والأنبياء أيضًا لآباء مختلفة [قلت]: خص التنظير باختلاف الأمهات لإدخال عيسى في صورة التنظير لأنه ليس له أب. قوله: (وليس بيني وبينه نبي) بيان لوجه أولويته به أما قصة الرسل الثلاثة المذكورة في سورة يس فكانوا من أتباع عيسى - عليه السلام - ورسله ولا يلزم أن يكونوا أنبياء، وقد وردت بعض الروايات بكون جرجيس وخالد بن سنان نبيين بعد عيسى - عليه السلام -

5978 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عُمَرُ بن سَعْدٍ، عَن سُفيَانَ، عَن أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَن أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَنا أَولَى الناسِ بِعِيسَى، الأَنبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلاتٍ، وَلَيسَ بَيني وَبَينَ عِيسَى نَبِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ والروايات في نبوة خالد بن سنان كثيرة بسطها الحافظ في الإصابة [1/ 458] وأنه قال فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: "نبي ضيعه قومه" وأن ابنته وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فأكرمها وأسلمت، ولكن معظم هذه الروايات لا يُوثق بها بإزاء حديث الباب الذي لا شك في صحته ولئن ثبت كون أحدهم نبيًّا فيمكن أن يكون المراد من حديث الباب أنه لم يات بين عيسى - عليه السلام - وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي مستقل بشريعته كذا أوله الحافظ في الفتح [6/ 489] ولكن لا يخلوا عن بُعد (فإن قلت): كم المدة بين عيسى - عليه السلام - وبين نبينا صلى الله عليه وسلم. [قلت]: أنها ستمائة سنة، وذكر البخاري عن سلمان أن الفترة بينهما كانت ستمائة سنة اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 319]، والبخاري في الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [3442 و 3443]، وأبو داود في السنة باب التخيير بين الأنبياء عليهم السلام [4675]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5978 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو داود عمر بن سعد) بن عبيد الكوفي الحفري بفتح المهملة والفاء نسبة إلى الحفر موضع بالكوفة، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن سفيان) الثوري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لابن شهاب في الرواية عن أبي سلمة، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء علات، وليس بيني وبين عيسى نبي). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5979 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَن هَمَّام بْنِ مُنَبهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "أنا أَوْلَى الناسِ بِعِيسَى ابْنِ مَريَمَ. فِي الأولَى والآخِرَةِ" قَالُوا: كَيفَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "الأَنبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِن عَلاتٍ، وَأُمهَاتُهُمْ شَتى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيسَ بَينَنَا نَبِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 5979 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال) همام: (هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة خبر مقدم لقوله: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) .. إلخ لأنه محكي، والتقدير ومنها قول أبي هريرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لأبي سلمة (أنا أولى الناس) أي أقرب الأنبياء (بعيسى ابن مريم) عليه السلام زمنًا (في الأولى) أي في الدنيا لأنه لا نبي بيني وبينه (و) في (الآخرة) لأنه لا واسطة بيني وبينه في طلب أهل الموقف الشفاعة لأنهم بعدما مروا على عيسى جاؤوا إلي بدلالة عيسى إياهم إلي (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال هذا الحديث كيف) تكون أولى الناس بعيسى (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة من علات) أي أولاد من ضرائر كانوا لرجل واحد (وأمهاتهم شتى) أي مختلفة يعني شرائعهم الفروعية مختلفة (ودينهم) أي وأصل دينهم وهو التوحيد (واحد فليس بيننا) أي بيني وبين عيسى (نبي) في الدنيا والآخرة، وقد مر آنفًا كلام القاضي عياض في تفسير هذا الحديث من أن الأنبياء مختلفون في أزمانهم وبعضهم بعيد الوقت من بعض .. إلخ، قال القرطبي: قوله: (ودينهم واحد) أي توحيدهم وأصول أديانهم وطاعتهم لله تعالى واتباعهم لشرائعه والقيام بالحق كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] ولم يرد فروع الشرائع فإنهم مختلفون فيها كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا الحديث بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

6086 - (146) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبدُ الأَعلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزهرِي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَا مِنْ مَوْلُودِ يُولَدُ إِلا نَخَسَهُ الشيطَانُ. فَيَسْتَهِل صَارِخا مِن نَخْسَةِ الشيطَانِ. إِلا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمهُ"، ثُم قَال أَبُو هُرَيرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] ـــــــــــــــــــــــــــــ 5980 - (2344) (99) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن معمر) بن راشد البصري (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من) من زائدة بعد ما فأبطلت عملها أي ليس (مولود يولد) من بني آدم (إلا نخسه الشيطان) أي طعنه في خاصرته عند خروجه من بطن أمه (فيستهل) أي يبكي ذلك المولود حالة كونه (صارخًا) أي رافعًا صوته بالبكاء (من نخسة الشيطان) وطعنته (إلا) عيسى (بن مريم وأمه) أي أم عيسى وهي مريم بنت عمران وهذه فضيلة ظاهرة لعيسى وأمه. وظاهر الحديث اختصاصها بعيسى وأمه، واختار القاضي عياض: أن جميع الأنبياء يتشاركون فيه اهـ نووي. وأصل النخس غمز الدابة بعود أو نحوه، وفي رواية الأعرج عند البخاري في بدء الخلق "كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب" أي في المشيمة التي فيها الولد، قال القرطبي: وكان النخس من الشيطان إشعار منه بالتمكن والتسليط وحفظ الله تعالى لمريم وابنها من نخسته تلك التي هي ابتداء التسليط ببركة إجابة دعوة أمها حين قالت: {وَإِنِّي سَمَّيتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] فاستجاب الله تعالى لها لما حضرها في ذلك الوقت من صدق الالتجاء إلى الله تعالى وصحة التوكل، وأمها هي امرأة عمران واسمها حنة بنت فاقود وكانت لما حملت نذرت وأوجبت على نفسها أن تجعل ما تلده منزهًا منقطعًا للعبادة لا يشغل لشيء مما في الوجود على شريعتهم في الرهبانية وملازمتهم الكنائس وانقطاعهم فيها إلى الله تعالى بالكلية ولذلك لما ولدتها أنثى قالت: {وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36] اهـ من المفهم. قال سعيد بن المسيب: (ثم) بعدما ذكره أولًا (قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم) شاهد ما حدثته لكم قوله تعالى: ({وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ})

5981 - (00) (00) وحَدثَنِيهِ مُحَمدُ بن رَافِع. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وحَدَّثَنِي عَبدُ الله بْنُ عَبْدِ الرحْمَن الدَّارِمي. حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ. جَمِيعًا عَنِ الزهرِي بِهَذا الإِسْنَادِ. وَقَالا: "يَمَسهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِل صَارِخًا مِن مَسَّةِ الشيطانِ إِياهُ"، وَفِي حَدِيثِ شُعَيب: "مِنْ مَس الشيطَانِ". 5982 - (00) (00) حدثني أَبُو الطاهِرِ، أَخبَرَنَا ابنُ وَهْب. حدّثني عَمْرُو بن الْحَارِثِ؛ أن ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 233]، والبخاري في مواضع منها في تفسير سورة آل عمران باب {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} [4548]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فقال: 5981 - (00) (00) وحدثنيه محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر (ح) وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (جميعًا) أي كل من معمر وشعيب رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة شعيب لمعمر (و) لكن (قالا): أي قال شعيب ومعمر في هذه الرواية ما من مولود إلا (يمسه) الشيطان (حين يولد فيستهل صارخًا) والمس هنا بمعنى النخس في الرواية الأولى أي إلا يطعنه فيرفع صوته باكيًا (من مسة الشيطان) وطعنه (إياه) أي ذلك المولود (وفي حديث شعيب) وروايته لفظة (من مس الشيطان) وطعنه بدل قول معمر من مسة الشيطان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 5982 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب حدثني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري) (أن

أبَا يُونسَ سُلَيمًا، مَولَي أَبِي هُرَيرَةَ، حَدثَهُ عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ أَنهُ قَال: كُل بَنِي آدَمَ يَمَسهُ الشيطَانُ يَومَ وَلَدَتْهُ أُمه، إِلا مَريَمَ وَابْنَهَا". 5983 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بن فَروخَ. أَخبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبا يونس سليمًا) بن جبير الدوسي مولاهم (مولى أبي هريرة) المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليم بن جبير لسعيد بن المسيب (أنه قال كل بني آم يمسه الشيطان) أي يطعنه في جنبه (يوم ولدته أمه) أي حين وضعته أمه (إلا مريم وابنها) والعرب قد تطلق اليوم وتريد به الوقت والحين كما في قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا} [الأحقاف: 35] أي حين يرون العذاب، وقوله هنا: (كل بني آدم) وفي الحديث السابق (كل مولود وما من مولود) ظاهر قوي في العموم والاحاطة لأن لفظة كل تفيد الإحاطة والشمول ولما استثنى منه مريم وابنها التحق بالنصوص فأفاد أن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها وإن لم يكن كذا بطلت الخصوصية بهما ولا يُفهم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال المنخوس وإغواؤه فإن ذلك ظن فاسد وكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك يعصمهم الله مما يرومه الشيطان كما قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وُكل به قرينه من الشياطين كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد [2/ 319] وعلى هذا فمريم وابنها وإن عُصما من نخسه فلم يُعصما من ملازمته لهما ومقارنته، وقد خص الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بخاصية كمل بها عليه إنعامه بأن أعانه على شيطانه حتى صح إسلامه رواه أحمد [1/ 385]، ومسلم [4/ 28] فلا يكون عنده شر ولا يأمره إلا بخير وهذه خاصية لم يؤتها أحد غيره لا عيسى ولا أمه اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 5983 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأيلي (أخبرنا أبو عوانة)

عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ، نَزْغة مِنَ الشيطَانِ". 5984 - (2345) (100) حدثني مُحَمدُ بن رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبه. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "رَأَى عِيسَى ابْنُ مَريَم رَجُلًا يَسْرِقُ. فَقَال لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن سهيل) بن أبي صالح، صدوق، من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني القيسي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صياح المولود حين يقع) ويسقط على الأرض من بطن أمه (نزغة) أي طعنة ونخسة (من الشيطان) ومنه قولهم: نزغة بكلمة سوء أي رماه بها، قال القرطبي: الرواية المعروفة (نزغة) بالنون والزاي والغين المعجمة من النزغ وهو الوسوسة والإغواء بالفساد، وقيل في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيطَانُ بَينِي وَبَينَ إِخْوَتِي} معناه أفسد، كأنه يريد هنا من فعلة فعلها الشيطان رام بها ضرر المولود، ووقع لبعض الرواة (فزعة) بالفاء والعين المهملة من الفزع اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنه فقال: 5984 - (2345) (100) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قول أبي هريرة (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته (رأى عيسى بن مريم) - عليه السلام - (رجلًا يسرق) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل أي يأخذ مالًا خفية من حرز مثله (فقال له) أي للرجل (عيسى: سرقت) أي أسرقت مالًا للناس بتقدير همزة الاستفهام، وفي البخاري (أسرقت) قال القسطلاني: بهمزة الاستفهام ورد بأنه بعيد مع

قَال: كَلا. وَالذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ. فَقَال عِيسَى: آمَنتُ بِاللهِ. وَكَذَبْتُ نَفْسِي". 5985 - (2346) (101) حدْثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جزم النبي صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلًا يسرق (قال) الرجل: (كلا) أي لا أي ما سرقت (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (لا إله إلا هو) نفى السرقة عن نفسه ثم أكده باليمين، قال القرطبي: ظاهر قول عيسى لهذا الرجل سرقت أنه خبر عما فعل الرجل من السرقة وكأنه حقق السرقة لأنه رآه قد أخذ مالًا لغيره من حرزه في خفية، ويحتمل أن يكون مستفهمًا له عن تحقيق ذلك فحذف همزة الاستفهام وحذفها قليل اهـ (فقال عيسى: آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله (وكذبت نفسي) أي ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه اهـ عيني، ويحتمل أن يكون أخذه ليقلبه فينظر إليه ولم يقصد الغصب والاستيلاء. ويستفاد من هذا الحديث درء الحد بالشبهة اهـ ط، أو ظن عيسى أنه أخذ حين رآه مد يده فلما حلف له أسقط ظنه، قال الأبي: السرقة أخذ المال خفية من حرز وعيسى - عليه السلام - لم يقل ذلك حتى رآه فعل وحين رآه فعل غلب على ظنه الصادق أنه سارق فقال: سرقت، على وجه التفسير لا على إساءة الظن، وقوله: (آمنت بالله وكذبت نفسي) وفي رواية البخاري وكذبت عيني فالأليق أنه سرق حقيقة ولها غلب - عليه السلام - مقام العلم بالله تعالى والتعظيم له قال: آمنت بالله وكذبت نفسي أي وتركت ظني ولا بُعد في أن يترك النبي ظنه، ويحتمل أن الرجل لم يسرق حقيقة وإنما أخذه لوجه من الوجوه التي ذكرت آنفًا ويكون في يمينه بارًا وترك عيسى - عليه السلام - ظنه لتصديقه إياه اهـ من الأبي، وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: والحق أن الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبًا فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره فرد التهمة إلى بصره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 314]، والبخاري في الأنبياء باب (واذكر في الكتاب مريم) إلخ [3444]، والنسائي في القضاة باب كيف يستحلف الحاكم [5427]، وابن ماجه [2102]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 5985 - (2346) (101) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر)

وَابْنُ فُضَيلٍ، عَنِ المختَارِ. ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السعدِي، (وَاللفظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. أَخبَرَنَا الْمُختارُ بْنُ فُلفُل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: يَا خَيرَ البَرِيَّةِ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السلامُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (و) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا، كلاهما رويا (عن المختار) بن فلفل الكوفي مولى عمرو بن حرث، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) المروزي، ثقة، من صغار (9) روى عنه في (11) (واللفظ له حدثنا علي بن مسهر أخبرنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته (قال) أنس: (جاء رجل) لم أر أحدًا من الشراح عين اسم الرجل (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ندائه: (يا خير البرية) وأفضل الخليقة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل: (ذاك) الذي وصفته بخير البرية هو (إبراهيم - عليه السلام -) قال العلماء: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام تواضعًا واحترامًا لإبراهيم عليه السلام لخلته وأبوته، وإلا فنبينا - عليه السلام - أفضل منه اهـ نووي، والبرية: الخلق وتهمز ولا تهمز وقد قرئ بهما، واختُلف في اشتقاقها فقيل: هي مأخوذ من البراء وهي التراب فعلى هذا لا يهمز وقيل: هي مأخوذة من برأ الله الخلق بالهمز أي خلقهم وعلى هذا فيهمز، وقد يكون من هذا وتسهل همزتها كما سهلوا همزة خابية وهي من خبات مهموزًا، والبرية على الوجهين فعيلة بمعنى مفعولة. وقد عارض هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم" أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وما علم من غير ما موضع من الكتاب والسنة وأقوال السلف والأمة أنه أفضل ولد آدم. وقد أجيب عن هذا الاعتراض بوجهين؛ أحدهما: أن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التواضع وترك التطاول على الأنبياء كما قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأنا أكرم ولد آدم على ربي يوم القيامة ولا فخر" رواه الترمذي [3620] وإسناده ضعيف، وخصوصًا على إبراهيم الذي هو أعظم آبائه وأشرفهم. وثانيهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم بمنزلته عند الله تعالى ثم إنه أعلم بأنه أكرم وأفضل فأخبر به كما أمر ألا ترى أنه

5986 - (00) (00) وحدثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابنُ إِدرِيس. قَال: سَمِعتُ مُخْتَارَ بْنَ فُلْفُلٍ، مَوْلَي عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ قَال: سَمِعتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَال رَجُل. يَا رَسُولَ الله! بِمِثلِهِ. 5987 - (00) (00) وحدثني مُحَمدُ بن المُثَنى. حَدَّثَنَا عَبدُ الرحمنِ، عَن سُفْيَانَ، عَنِ المختَارِ. قَال: سَمِعتُ أنسًا، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان في أول أمره يسأل أن يبلغ درجة إبراهيم من الصلاة عليه والرحمة والبركة والخلة ثم بعد ذلك أخبرنا أن الله تعالى قد أوصله إلى ذلك لما قال: "إن الله تعالى قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلا" رواه مسلم [532] ثم بعد ذلك زاده الله من فضله فشرفه وكرمه وفضله على جميع خلقه اهـ من المفهم. وتأخير فضائله عن فضائل عيسى عليه السلام يحتمل أنه من مسلم إشارة على ما ذكر زمنه إلى زمن صلى الله عليه وسلم اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 178]، وأبو داود [4672] , والترمذي [3349]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5986 - (00) (00) (حدثناه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (قال: سمعت مختار بن فلفل مولى عمرو بن حريث) الكوفي (قال) المختار: (سمعت أنسًا يقول قال رجل: يا رسول الله) أنت خير البرية. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لعلي بن مسهر، وساق عبد الله بن إدريس (بمثله) أي بمثل حديث علي بن مسهر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 5987 - (00) (00) (وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة، من (7) (عن المختار) بن فلفل الكوفي (قال) المختار: (سمعت أنسًا عن النبي صلى الله عليه وسلم) يقول: إبراهيم خير البرية. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لعلي بن مسهر، وساق سفيان (بمثله) أي بمثل حديث علي بن مسهر.

5988 - (2347) (102) حدَّثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا المغِيرَةُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرحْمَنِ الْحِزَامي)، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ، النبِي عَلَيهِ السلامُ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَة، بِالْقَدُومِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5988 - (2347) (102) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة يعني ابن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) نسبة إلى جده المذكور المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن) عبد الرحمن بن هرمز (الأعرج) الهاشمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختتن إبراهيم النبي) الخليل (- عليه السلام -) أي قطع قلفة ذكره حين أمر بالختان (وهو) أي والحال أن إبراهيم (ابن ثمانين سنة بالقدوم) بالتخفيف أي بآلة تُسمى قدومًا وهي آلة ينجر بها النجارون الأخشاب أي ينحتونها بها عند جعلها بابا أو طاقة مثلًا كالفأس، والباء حينئذٍ للاستعانة، ويروي بتشديد الدال أي اختتن بموضع يُسمى قدومًا وهو معروف بالشام، والباء حينئذِ بمعنى في الظرفية، ومنهم من قال بالسراة وهو أول من اختتن، قال النووي: رواه مسلم متفقون على تخفيف القدوم، ووقع في روايات البخاري الخلاف في تخفيفه وتشديده قالوا: وآلة النجار يقال: قدوم بالتخفيف لا غير، وأما القدوم مكان بالشام ففيه التخفيف والتشديد ومن رواه بالتشديد أراد القرية، ورواية التخفيف تحتمل القرية والآلة والأكثرون على التخفيف وعلى إرادة الآلة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 322]، والبخاري في الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [3356] وفي الاستئذان باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط [6298]. قوله: (اختتن إبراهيم) قال القاضي عياض: من ها هنا شرع الختان في العرب من ولد إسماعيل، وفي اليهود من ولد إسحاق بن إبراهيم. قوله: (وهو ابن ثمانين سنة) قال العياض: كذا في مسلم، وفي حديث رواه مالك والأوزاعي اختتن وهو ابن مائة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة إلا أن مالكًا ومن تبعه أوقفوه على أبي هريرة فثبت الحديث في الموطأ من رواية القعنبي وسقط من رواية غيره، وذكر بعضهم العكس أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة كما في مسلم وعاش بعد ذلك مائة وعشرين وعلى كلا التقديرين فعمره مائتا سنة اهـ وفي صحيح ابن حبان أنه - عليه السلام - اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة، وقد تكلف بعض العلماء في الجمع بين الروايتين وأطال في ذلك في الفتح [111/ 88 و 89] ولكن لا تخلو وجوه الجمع من التعسف، والأحسن ما ذهب إليه بعض العلماء من أن حديث الصحيحين المذكور هنا قاض على الرواية الأخرى فإنها لا تقاوم حديث الباب من جهة الإسناد، وقال ابن المهلب: ليس اختتان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب علينا مثل فعله إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين وإنما اختتن إبراهيم في الوقت الذي أوحى الله إليه بذلك وأمره به. ومراد المهلب رحمه الله أنه ليس من السنة تأخير الختان إلى هذا السن لأن إبراهيم - عليه السلام - إنما فعل ذلك لأنه لم يؤمر به قبله، قال القرطبي: قد تقدم أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن وأن ذلك لم تزل سنة عامة معمولًا بها في ذريته وأهل الأديان المنتمين إلى دينه وهو حكم التوراة علي بني إسرائيل كلهم ولم تزل أنبياء بني إسرائيل يختتنون حتى عيسى - عليه السلام - غير أن طوائف من النصارى تأولوا ما جاء في التوراة من ذلك بان المقصود زوال غلفة القلب لا جلدة الذكر فتركوا المشروع من الختان بضرب من الهذيان وليس هذا بِأولِ جهالاتهم فكم لهم منها وكم ويكفيك في ذلك أنهم زادوا على أنبياءهم في الفَهْمِ وغلطوهم فيما عملوا عليه وقضوا به من الحُكْمِ اهـ من المفهم. وأما الوقت المستحب للختان فهو السابع من يوم الولادة إلى ثنتي عشرة سنة وقد ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين رضي الله عنهما اليوم السابع من ولادتهما رواه الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال مكحول: إن إبراهيم - عليه السلام - ختن ابنه إسحاق لسبعة أيام وختن ابنه إسماعيل لثلاث عشر سنة ذكره العيني في عمدة القاري [1/ 514]. ودل حديث الباب على مشروعية الختان حتى لو أخر لمانع إلى أن كبر الرجل لم تسقط مشروعيته إلا أن يكون هناك عذر طبيعي أو شرعي فالشيخ الضعيف إذا أسلم ولا يطيق الختان إن قال أهل الخبرة لا يطيق يترك لأن ترك الواجب بالعذر جائز فترك السنة

5989 - (2348) (103) وحدثني حَرمَلَةُ بن يَحيَى أَخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَن أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرحمن وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: نَحنُ أَحَق بِالشك مِنْ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى، وقيل في ختان الكبير إذا أمكن أن يختن نفسه فعل وإلا لم يفعل إلا أن يمكنه أن يتزوج أو يشتري ختانة فتختنه، وذكرالكرخي في الجامع الصغير ويختنه الحمامي اهـ وفي عصرنا هذا يختنه دكتور المستشفى كسائر العمليات. قوله: (بالقدوم) وقد ذكرنا الخلاف في معناه آنفًا ورجح الحافظ في الفتح [6/ 390] أن المراد بالقدوم في الحديث هو الآلة لا الموضع واستدل عليه بما أخرجه أبو يعلى من طريق علي بن رباح قال: أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فاوحى الله إليه إن عجلت قبل أن نأمرك بآلته فقال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك، ويؤيده أيضًا ما أخرجه أبو العباس السراج عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رفعه "اختتن إبراهيم بالقدوم"، فقلت ليحيى: ما القدوم؟ قال: الفأس. ذكره الحافظ في الاستئذان [11/ 90]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 5989 - (2348) (103) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب) كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن) معاشر الأنبياء (أحق) وأولى وأحرى (بالشك) أي بتطرق الشك في الإيمان لو فُرض وقُدر في إيمان الانبياء (من إبراهيم) الخليل صلى الله عليه وسلم ولكن لا يتطرق الشك والتردد في إيمان سائر الانبياء عليهم السلام فضلًا عن إبراهيم الذي هو خليل الرحمن فليس سؤاله إراءة الآية للشك في قدرة الله تعالى على الإحياء بل طلبًا لطمأنينة القلب وزيادة الإيمان، والمعنى أن الشك مستحيل في حق إبراهيم فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق من إبراهيم وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم - عليه السلام - لم يشك وإنما

إِذْ قَال: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] ويرْحَمُ الله لُوطًا، لَقَد كَانَ يَأوي إلى رُكنٍ شَدِيدٍ. وَلَو لَبِثتُ فِي السجنِ طُولَ لَبثِ يُوسُفَ لأجَبْتُ الداعِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خص إبراهيم بالذكر من بين الأنبياء لكون الآية قد يسبق منها إلى بعض الأذهان الفاسدة احتمال شك إبراهيم - عليه السلام - وإنما رجح إبراهيم على نفسه تواضعًا وأدبًا أو قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم أنه خير ولد آدم اهـ من الكوكب الوهاج [3/ 362] والظرف في قوله: (إذ قال) إبراهيم متعلق بمحذوف حال من الشك تقديره نحن أحق بالشك من إبراهيم حال كون الشك مظنونًا منه وقت قوله: {رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} أي حالة كون الشك مظنونًا منه وقت طلبه من ربه إراءة كيفية إحياء الموتى حين قال رب أرني .. إلخ سأله عن إراءة كيفية إحياء الموتى مع إيمانه الجازم بالقدرة الربانية فكان يريد أن يعلم بالعيان ما كان يوقن به بالوجدان، فعاتبه الله على ذلك حيث ({قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}) أي أتسألني عن ذلك ولم توقن ولم تصدق بقدرتي على الإحياء، والهمزة فيه للاستفهام الاستثباتي كقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا {قَال} إبراهيم: {بَلَى} يا رب آمنت وصدقت أنك قادر على الإحياء وليس سؤالي لعدم إيماني بذلك {وَلَكِنْ} سألتك عن ذلك ({لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) أي ليوقن قلبي ويزداد طمأنينة وبصيرة بمضامة العيان إلى الاستدلال وقصة إبراهيم هذه هي موضع الترجمة وذكر ما بعدها لإتمام الحديث، وقوله: (ويرحم الله لوطًا) معطوف على قوله: نحن أحق بالشك من إبراهيم أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله لوطأ أي يكرم الله سبحانه لوطًا برحمته وإحسانه والله (لقد كان) لوط (يأوي) ويلتجئ من إذاية قومه (إلى ركن) وملجأ (شديد) أي قوي وحصن حصين مانع حافظ من إذاية العدو فالمراد بالركن الشديد هو الله تعالى حين خاف منهم على أضيافه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك يوسف بن يعقوب (ولو لبثت) ومكثت (في السجن) والمحبس (طول لبث يوسف) - عليه السلام - أي لبثًا طويلًا كاللبث الطويل الذي لبثه يوسف (لأجبت الداعي) إلى الخروج، وما تأنيت قال ذلك تواضعًا، وقد مر بسط الكلام على هذا الحديث في كتاب الإيمان فراجعه ثم.

5990 - (00) (00) وحدثناه إِن شَاءَ الله، عَبدُ الله بن مُحَمدِ بنِ أَسماءَ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَن مَالِكٍ، عَنِ الزهْرِي؛ أَن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمَعْنَى حَدِيث يُونُسَ عَنِ الزهرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب التفسير وابن ماجه في الفتن. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5990 - (00) (00) (وحدثناه إن شاء الله) تعالى (عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى بني ضبيعة أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب، وجملة قوله: (إن شاء الله) تعالى معترضة بين الفعل والفاعل، ولعل المؤلف طرأ عليه شيء من الشك في سماع هذا الحديث من عبد الله بن محمد، ولذلك قال: إن شاء الله والمراد أني أنسب هذا الحديث إلى عبد الله بن محمد بن أسماء بغالب ظني، وقيل: جاء بها للتبرك لا للشك وقد اعترض بها على مسلم من لا علم عنده ولا خبرة لديه فقال: يحتج مسلم بشيء يشك فيه وهذا الاعتراض خيال باطل من قائله فإن مسلمًا رحمه الله تعالى لم يحتج بهذا الإسناد وإنما ذكره متابعة للسند الأول، وقد قدمنا أنه يحتمل عندهم في المتابعات والشواهد ما لا يحتمل في الأصول والله أعلم اهـ نووي في كتاب الإيمان (حدثنا) عمي (جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، صدوق، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن الزهري أن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (وأبا عبيد) مصغرًا سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (أخبراه) أي أخبر الزهري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مالك ليونس، وفائدتها تقوية السند الأول، وساق مالك (بمعنى حديث يونس عن الزهري). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5991 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بن حَرْب. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَغْفِرُ الله لِلُوطٍ إِنهُ أَوَى إِلَي رُكنٍ شَدِيدٍ". 5992 - (2349) (104) وحدثني أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيوبَ السخْتِيَانِي، عَنْ مُحَمدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 5991 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا شبابة) بن سوار الفزاري أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يغفر الله للوط إنه أوى) والتجأ (إلى ركن شديد) يقال إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق فقال: لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت استنصر بهم وسمى العشيرة ركنا لأن الركن الشديد يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم وكأنه صلى الله عليه وسلم استغرب منه ذلك القول وعذه نادرًا منه إذ لا ركن أشد من الركن الذي يأوي إليه وهو الثقة بالله فلما كان ظاهر كلامه يدل على اعتماده بالأسباب الظاهرة استغفر له وقد مر هذا الحديث في كتاب الإيمان بأبسط شرح. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5992 - (2349) (104) (وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني جرير بن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو النضر البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) العنزي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قَال: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النبِيُّ، عَلَيهِ السلامُ، قَطُّ، إِلا ثَلاثَ كَذَبَاتٍ. ثِنْتَينِ فِي ذَاتِ الله. قَوْلُهُ: {فَقَال إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]. وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: لم يكذب إبراهيم النبي) الخليل (- عليه السلام - قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية في عمره أي لم يجر على لسانه ما هو الكذب عند المتكلم لأنه قصد التورية وإن كان على صورة الكذب عند المخاطب (إلا ثلاث كذبات) بفتح الذال وكسرها وجمع كذبة بسكونها وهي المرة من الكذب، قال أبو البقاء: الجيد أن يقال: بفتح الذال في الجمع، وقد أورد على هذا الحصر ما رواه مسلم من ذكر قول إبراهيم هذا ربي فأجيب عنه بأنه في حالة الطفولية وهي ليست زمان التكليف أو المقصود منه الاستفهام للتوبيخ والاحتجاج اهـ محمد الدهني (ثنتين منها في ذات الله) أي لأجل الله تعالى أو في أمر الله، قال الشارح: أي في أمر الله وما يختص به إذ لم يكن لإبراهيم نفسه فيه أرب لأنه قد قصد في الأول أن يتخلف عن القوم بهذا العذر فيفعل بالأصنام ما فعل وبالثانية إلزام الحجة عليهم بأنهم ضُلال سفهاء في عبادة ما لا ينفع ولا يضر اهـ مرقاة باختصار؛ فمعنى قوله: (ثنتين في ذات الله) يعني تكلم بهما على سبيل التورية لإثبات توحيد الله تعالى ووقع في حديث ابن عباس عند أحمد: والله إن جادل بهن إلا عن الله نقله العيني في العمدة [7/ 354] إحداهما: (قوله) أي قول إبراهيم لقومه حين طلبوا منه الخروج معهم إلى محافلة عيدهم معتذرًا إليهم (إني سقيم) أي مريض لا أستطيع الخروج معكم إلى العيد وكان ظاهر هذا الكلام أنه مبتلى بمرض لا يستطيع معه الخروج فعذروه ولكنه أراد بذلك شيئًا يسيرًا اعتراه من عدم اعتدال المزاج لا يمنع مثله من الخروج ولكن يصح عليه إطلاق اسم السقم، ويحتمل أن يكون قد أراد بالسقم حزن طبعه مجازًا وكان يحزن لما يرى من وقوعهم في الشرك وارتكابهم للمعاصي (و) ثانيهما (قوله بل فعله كبيرهم هذا) أي وقول إبراهيم بل فعل هذا القطع والكسر أي قطع الأصنام الصغار كبير الأصنام الذي أخذ الفأس الذي قطع به الصغار غيرة عليهم لطلبه الاستبداد بالعبادة، قال القرطبي: لما كسر الأصنام ترك الكبير لينسب إليه كسرها حين سألوه ليقطعهم بالحجة فإنهم لما رجعوا من عيدهم فوجدوا الأصنام مكسرة {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)} [الأنبياه / 59] فقال بعضهم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياه / 60] وكان هذا الذكر هو قول إبراهيم لهم: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}

[الأنبياء: 63]. وَوَاحِدَةً فِي شَأنِ سَارَةَ. فَإِنهُ قَدِمَ أرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ [الأنبياء / 57] فلما أحضروا: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62)} [الأنبياء / 62] فأجابهم بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء / 63] {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأنبياه / 64] أي رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجة المتفطن لحجة خصمه {فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء / 64] أي الذين فعلوا الظلم بعبادة من لا ينطق بلفظة ولا يملك لنفسه لحظة فكيف ينفع عابديه ويدفع عنهم البأس من لا يرد عن نفسه الفأس، والظلم وضع الشيء في غيره {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء / 65] أي عادوا إلى جهلهم وعنادهم فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء / 65] فقال قاطعًا لما يهذون ومفحمًا لهم فيما يتقولون: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)} [الأنبياء / 66 - 67] فقوله: (ثنتين في ذات الله) أي في دفع المشاركة عن ذات الله وإثبات الوحدانية والألوهية لله تعالى (وواحدة) بالنصب معطوفة على ثنتين أي وكذب كذبة واحدة من الثلاث (في شأن سارة) أي بتخفيف الراء في دفع الجبار عن سارة بنت هاران وهذه الواحدة هي من إبراهيم - عليه السلام - مدافعة عن حكم الله تعالى الذي هو تحريم سارة على الجبار والثنتان المتقدمتان دفاع وحدانية الله تعالى فافترقتا فلذلك فرق في الإخبار بين النوعين اهـ من المفهم (فإنه) أي فإن إبراهيم (قدم أرض جبار) من الجبابرة أي أرض ملك جبار ظالم، وذكر السهلي أن اسمه عمرو بن امرؤ القيس بن سبأ وأنه كان على مصر وهو قول ابن هشام في التيجان، وقال ابن قتيبة: اسمه صادف بالفاء وكان على الأردن، وحكى الطبري أنه سنان بن علوان بن عبيد بن عريج بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام ويقال: إنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم كذا في فتح الباري [6/ 392] وقال العيني في العمدة: [7/ 354] قال علماء السير: أقام إبراهيم بالشام مدة بعد هجرته من العراق فقحط الشام فسار إلى مصر ومعه سارة وكان بها فرعون وهو أول الفراعنة عاش دهرًا طويلًا فأتى إليه رجل وقال له إنه قدم رجل ومعه امرأة من أحسن الناس وجرى له معه ما ذكره في الحديث اهـ (ومعه) أي مع إبراهيم زوجته (سارة) بتخفيف الراء أم إسحاق بن إبراهيم، قال الحافظ: واختُلف في والد سارة مع القول بأن اسمه هاران، فقيل: هو ملك حران وإن إبراهيم تزوجها لما هاجر من بلاد قومه وهي العراق إلى حران، وقيل: هي ابنة أخيه وكان ذلك جائزا في تلك الشريعة حكاه ابن قتيبة والنقاش

وَكَانَتْ أَحْسَنَ الناسِ. فَقَال لَهَا: إِن هَذا الجبارَ، إِن يَعلَم أَنكِ امرَأَتِي، يَغلِبْنِي عَلَيكِ. فَإِنْ سَأَلَكِ فَأخْبِرِيهِ أَنكِ أُخْتِي. فَإِنكِ أُخْتِي فِي الإِسْلام. فَإِني لَا أَعلَمُ فِي الأرضِ مُسْلِمًا غَيرِي وَغَيرَكِ. فَلَما دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الجبارِ. أَتَاهُ فَقَال لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ واستبعد، وقيل: هي بنت عمه وتوافق الاسمان، وقد قيل في اسم أبيها توابل (وكانت) سارة (أحسن الناس) وأجمل النساء (فقال) إبراهيم (لها) أي لسارة: (إن هذا) الملك (الجبار) الذي نزلنا أرضه (إن يعلم) ذلك الجبار (أنك امرأتي) وزوجتي (يغلبني عليك) أي على صحتك ويأخذك مني قيل إن ذلك الجبار كانت سيرته أنه لا يغلب الأخ على أخته ولا يظلمه فيها وكان يغلب الزوج على زوجته وعلى هذا يدل مساق الحديث وإلا فما الذي فرق بينهما في حق جبار ظالم اهـ من المفهم، وذكر المنذري في حاشية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأى الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها فلذلك قال إبراهيم: "هي أختي" لأنه إن كان عادلًا خطبها ثم يرجو مدافعته عنها وإن كان ظالمًا خلص من القتل ذكره الحافظ في الفتح، وقال: هذا أخذ من كلام ابن الجوزي في مشكل الصحيحين فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب أنه سأله عن ذلك فأجابت به ويضاف إلى ذلك أن إبراهيم - عليه السلام - إنما احتال لصيانة نفسه عن القتل لأنه كان يرجو إن بقي حيًّا وأراد الجبار بامرأته سوءًا فإنه يدعو الله تعالى ليصرف عنها ذلك السوء فتجتمع بذلك المصلحتان صيانة نفسه عن القتل وصيانة عرضة وعرض امرأته عن سوء نية الجبار فوقع الأمر حسب ما رجا به (فإن سألك) عما بيني وبينك من العلقة (فأخبريه أنك أختي) قال النووي: هذا ليس بكذب لوجهين الأول بأنه ورى بأنها أخته في الإسلام كما ذكر ومن سمى المسلمة أخته قاصدًا أخوة الإسلام فليس بكاذب. والثاني: أنه وإن كان كذبًا لا تورية فيه فهو جائز لأنهم اتفقوا لو جاء ظالم يطلب رجلًا مختفيًا ليقتله أو يطلب وديعة إنسان ليأخذها غصبًا لوجب إخفاؤه على من علم ذلك، والكذب فيه حينئذٍ واجب اهـ (فإنك أختي في الإسلام) والدين وإن لم تكن أختي في النسب (فإني لا أعلم في) هذه (الأرض) يعني أرض الجبار (مسلمًا غيري وغيرك فلما دخل) إبراهيم مع سارة (أرضه) أي أرض الجبار (رآها) أي رأى سارة مع إبراهيم (بعض أهل الجبار) وأصحابه فـ (أتاه) أي فأتى ذلك البعض الجبار (فقال) ذلك البعض: (له)

لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تَكُونَ إِلا لَكَ. فَأرْسَلَ إليِها فَأُتِيَ بِهَا. فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السلامُ إِلَى الصلاةِ. فَلَما دَخَلَت عَلَيهِ لَمْ يَتَمَالكْ أنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيهَا. فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً. فَقَال لَهَا: ادْعِي اللهَ أن يُطلِقَ يَدِي وَلَا أَضُرُّكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لذلك الجبار. وقوله: (فإنك أختي في الإسلام) هذا بيان وجه التورية في هذا الكلام وهو واضح جدًا وقد استدل به الفقهاء على أن قول الزوج لامرأته هذه أختي لا يقع به الظهار ولا الطلاق، وقوله: (لا أعلم في الأرض) .. إلخ يشكل عليه كون لوط عليه السلام قد آمن معه ويمكن أن يجاب بأن مراده بالأرض الأرض التي وقع له فيها ما وقع ولم يكن معه لوط إذ ذاك كذا في الفتح، وقوله: (رآها بعض أهل الجبار) وفي كتاب التيجان أنه رجل كان إبراهيم يشتري منه القمح فنمّ عليه عند الملك وذكر أن من جملة ما قاله للملك إني رأيتها تطحن وهذا هو السبب في إعطاء الملك لها هاجر في آخر الأمر، وقال: إن هذه لا تصلح أن تخدم نفسها أي فقال ذلك البعض للجبار والله (لقد قدم أرضك) أي أرض ملكك ودخل فيها وذكر الفعل لحصول الفصل بينه وبين الفاعل (امرأة) جميلة (لا ينبغي لها) أي لا يليق بها (أن تكون) زوجة (إلا لك فأرسل) الجبار (إليها) أي إلى سارة من يأتي بها (فأتي) بالبناء للمجهول أي أتى الرسول (بها) أي بسارة إلى الجبار (فـ) لما أخذت سارة (قام إبراهيم - عليه السلام - إلى الصلاة) يدعو الله فيها أن يخلصها من الجبار عملا بقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} ما كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، على ما رواه أحمد وأبو داود عن حذيفة اهـ مرقاة (فلما دخلت) سارة (عليه) أي على الجبار (لم يتمالك) الجبار (أن بسط) ومد (يده إليها) أي إلى سارة، وفي رواية الأعرج عند البخاري في البيوع (فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط على الكافر فغط -أي اختنق- حتى ركض برجله -أي صار مصروع - (فقبضت يده) أي أخذت يد الجبار (قبضة شديدة) ويجمع بينه وبين رواية الأعرج بأنه وقع له الأمر أن قبضت يده وأصابه الصرع والاختناق (فقال لها): أي لسارة الجبار (ادعي الله) لي أيتها المرأة (أن يطلق ويرسل لي يدي) المقبوضة، وفي رواية الأعرج عند البخاري إن أبا هريرة قال: (قالت) سارة في دعائها له: "اللهم إن يمت يقال: قتلته فأرسل" (ولا أضرك) بشيء من الضرر، وقول الجبار لسارة حين قبضت يده عنها (ادعي الله لي) يدل

فَفَعَلَتْ. فَعَادَ، فَقُبِضَت أَشَدَّ مِنَ القَبْضَةِ الأُولَي. فَقَال لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَتْ فَعَاد، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبضَتَينِ الأُولَيَينِ. فَقَال: ادْعِي اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي، فَلَكِ اللهَ أَنْ لا أَضُرُّكِ، فَفَعَلَتْ، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ. وَدَعَا الذي جَاءَ بِهَا فَقَال لَهُ: إِنكَ إِنمَا أتَيتَنِي بِشَيطَانٍ. وَلَمْ تَأتِنِي بِإِنْسَانٍ. فَأخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن هذا الجبار كان عنده معرفة بالله تعالى وبأن لله من عباده من إذا دعاه أجابه ومع ذلك فلم يكن مسلمًا لأن إبراهيم - عليه السلام - قد قال لسارة ما أعلم على الأرض مسلما غيري وغيرك (ففعلت) سارة الدعاء له فأرسلت يده (فعاد) إليها ببسط يده إليها (فقبضت) يده قبضًا) (أشد من القبضة الأولى فقال لها) مرة ثانية، قوله: (مثل ذلك) أي مثل ما قال لها أولًا يعني قوله: (ادعي الله أن يطلق ولا أضرك) (ففعلت) الدعاء له (فعاد) إليها (فقبضت) يده قبضًا (أشد من القبضتين الأوليين فقال) لها في الثالثة: (ادعي الله أن يطلق يدي فلك) بـ (الله أن لا أضرك) بشيء، قال القرطبي: الرواية في لفظ الجلالة بالنصب لا يجوز غيره والكلام قسم ومقسم به ومقسم عليه، وفيه حذف يتبين بالتقدير وتقدير ذلك لك أقسم بالله على أن لا أضرك فحذف الخافض فتعدى الفعل فنصب ثم حذف فعل القسم وبقي المقسم به وهو لفظ الجلالة منصوبًا وكذلك المقسم عليه وهو أن لا أضرك يعني مفتوح همزة أن ويجوز في أضرك رفع الراء على أن تكون أن مخففة من الثقيلة ويجوز فيها النصب على أن تكون أن الناصبة للمضارع اهـ من المفهم (ففعلت) سارة الدعاء له وأُطلقت يده ودعا الرسول (الذي جاء بها) إليه (فقال له) أي للرسول: (إنك) اليوم (إنما أتيتني بشيطان ولم تأتني بإنسان) وهذا كلام يناقض قوله أولًا ادعي الله لي فيكون ذمه لها عنادًا بعد أن ظهر له كرامتها على الله أو إخفاء لحالها لئلا يتحدث بما ظهر عليها من الكرامة فتعظم في نفوس الناس وتتبع فلبس على السامع بقوله: إنما أتيتني بشيطان اهـ من المفهم، وقال الحافظ في الفتح: والمراد بالشيطان المتمرد من الجن وكانوا قبل الإسلام يعظمون أمر الجن جدًّا ويرون كل ما وقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم اهـ (فأخرجها من أرضي وأعطها هاجر) بفتح الجيم أي وهب لها خادمًا اسمها هاجر، ووقع في بعض النسخ (آجر) بالهمزة الممدودة بدل الهاء وكذا وقع في رواية الأعرج عند البخاري في البيوع وهو اسم سرياني، ويقال: إن أباها كان من ملوك القبط وإنها من حفن بفتح الحاء وسكون الفاء قرية بمصر، قال اليعقوبي: كانت مدينة، وقال

قَال: فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي، فَلَما رَآها إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السلامُ انصَرَفَ. فَقَال لَهَا: مَهْيَمْ؟ قَالتْ: خَيرًا، كَف الله يَدَ الفَاجِرِ وَأخْدَمَ خَادِمًا. قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَتِلكَ أَمكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ: وهي الآن كفر أي قرية من عمل أنصنا بالبر الشرقي من الصعيد في مقابلة الأشمونين وفيها آثار باقية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأقبلت) سارة إلى إبراهيم حالة كونها (تمشي) على عادتها (فلما رآها) أي رأى سارة (إبراهيم - عليه السلام - انصرف) أي فرغ من الصلاة (فقال لها) إبراهيم - عليه السلام -: (مهيم) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء وسكون الميم الأخيرة أي ما شأنك وما خبرك مع الجبار، ويقال: إن إبراهيم الخليل أول من قال هذه الكلمة، ووقع في بعض روايات البخاري (مهيا) بالألف، وفي بعضها: (مهين) بالنون، والأول أفصح وأشهر ومعناها واحد، قال القرطبي: قال الخليل: هي كلمة لأهل اليمن خاصة معناها ما هذا، وفي الصحاح هي كلمة يستفهم بها معناها ما حالك وما شأنك ونحوه اهـ من المفهم. فـ (قالت) له سارة: فعل الله (خيرًا) قال الطبري: هو منصوب بفعل محذوف أي فعل الله خيرًا، ثم فسرت الخبر بقوله: كف الله) أي منع الله (يد الفاجر) وقبضها عني، وفي رواية للبخاري: (كبت الله يد الفاجر) أي قبضها الله وأمسكها عني (وأخدمـ) ـني الله (خادمًا) أي عصمها الله تعالى منه بما ظهر من كرامتها وأعطاها الله خادمًا وهي هاجر، وفيه جواز قبول هدية الكافر وقد تقدم القول فيها في كتاب الهبة (قال أبو هريرة) رضي الله عنه بالسند السابق: (فتلك) الخادمة الموهوبة لسارة هي (أم) أبيـ (ـكم) إسماعيل - عليه السلام - يا أيها العرب (يا بني ماء السماء) فتلك إشارة إلى هاجر، والخطاب للعرب فإن هاجر هي أم العرب وإنما سماهم بني ماء السماء لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر لأجل رعي دوابهم، قاله الخطابي وقال غيره: سموا بذلك لخلوص نسبهم وصفائه وشبهه بماء السماء، وقيل: أراد بماء السماء زمزم لأن الله أنعمها لهاجر فعاش ولدها بها وصاروا كأنهم أولادها، قال ابن حبان في صحيحه: كل من كان من ولد إسماعيل يقال له: ماء السماء لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربى بماء زمزم وهي من ماء السماء، وقال القاضي عياض: والأظهر عندي أنه أراد بذلك الأنصار نسبهم إلى جدهم عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وكان يُعرف بماء السماء وهو مشهور والأنصار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلهم بنحو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر المذكور وهذ على القول بأن العرب كلها من بني إسماعيل، وفيه بعض الخلاف بين علماء الأنساب اهـ من عمدة القاري [7/ 355] مع زيادة من المفهم للقرطبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 403 - 404]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في البيوع باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه [2217]، وأبو داود في الطلاق باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي [2212] والترمذي في التفسير باب ومن سورة الأنبياء [3166]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام

697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام 6098 - (155) حدثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ، وكَانَ مُوسَى عَلَيهِ السلامُ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغتَسِلَ مَعَنَا إِلا أَنهُ آدَرُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 697 - (11) باب فضائل موسى، وفضائل يونس، وفضائل يوسف، وفضائل زكريا عليهم الصلاة والسلام 993 - (2350) (105) (حدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الأبي معنى هذا الكلام أن المجلس اشتمل على ذكر أحاديث كل منها تام ومن جملتها هذا، وليس المعنى أنه ذكر حديثًا من ألفاظه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهـ. وهذا السند من خماسياته كانت بنو إسرائيل) قوم موسى - عليه السلام - كانوا (يغتسلون) أبدانهم (عراة) جمع عار أي عارين من ستر العورة حتى السوأتين مجتمعين على الماء، حالة كونهم (ينظر بعضهم إلى سوأة بعض) أي إلى عورته، قال القاضي عياض: لم يكن ستر العورة واجبًا في شرعهم لأن موسى - عليه السلام - لم ينكره عليهم وإنما كان يستتر هو حياءَ كما ذكروا أن الله تعالى أظهر ذلك منه لقوله حتى نظروا إليه اهـ، وقال النووي: إن كان التعري جائزًا في شرعهم فستر موسى - عليه السلام - تنزه وكرم أخلاق وإن لم يكن من شرعهم فتعريهم تساهل كما يتساهل فيه عندنا كثير من الناس، قال الأبي: ويدل على أن التعري من شرعهم قولهم ما يمنعه أن يغتسل معنا اهـ من الأبي (وكان موسى - عليه السلام - يغتسل وحده) تنزهًا عن الاختلاط ورعاية لمكارم الأخلاق (فقالوا) أي قال بنو إسرائيل بعضهم لبعض: (والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا) لأجل (أنه آدر) بهمزة ممدودة ثم دال مهملة مفتوحة ثم راء وهو عظيم الخصيتين منتفخ الأنثيين (قال) رسول الله صلى

فَذَهَبَ مَرةَ يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَر الحجَرُ بِثَوبِهِ. قَالْ فَجَمَحَ مُوسَى بِأثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَت بَنُو إِسْرَائِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم: (فذهب) موسى - عليه السلام - (مرة) أي يومًا أي قصد أن (يغتسل فوضع ثوبه على حجر) قرب الماء (ففر) أي شرد (الحجر بثوبه) إلى مجتمع بني إسرائيل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فجمح موسى) أي ذهب (بأثره) أي بأثر الحجر أي خلفه ليأخذ منه ثوبه أي أسرع في مشيه خلف الحجر ليأخذ ثوبه منه إسراعًا بليغًا، قال القرطبي: والجموح من الخيل هو الذي يركب رأسه في إسراعه لا يرده لحام ولا يثنيه شيء وهو عيب فيها، وإنما أطلق على إسراع موسى خلف الحجر جماحًا لأنه اشتد خلفه اشتدادًا لا يثنيه شيء عن أخذ ثوبه وهو مع ذلك (يقول) وينادي بقوله: أعطني (ثوبي) يا (حجر) أعطني (ثوبي) يا (حجر) كرره استعظامًا لكشف عورته فسبقه الحجر إلى أن وصل إلى بني إسرائيل فنظروا إلى موسى وكذبهم الله في قولهم وقامت حجته عليهم اهـ من المفهم، قال القرطبي: ثوبي منصوب بفعل محذوف، وحجر منادى مفرد لأنه نكرة مقصودة كقوله: يا رجل إذا قصدت معينًا حُذف منه حرف النداء وتقدير الكلام أعطني ثوبي يا حجر أو اترك ثوبي يا حجر فحُذف الفعل لدلالة الحال عليه، وحُذف حرف النداء هنا استعجالًا للمنادى وقد جاء في كلام العرب حذف حرف النداء مع النكرة المقصودة كما قالوا: (اطرق كرا فإن النعامة في القرى) وقوله: (واقتد مخنوق) وهو قليل، وإنما نادى موسى - عليه السلام - الحجر نداء من يعقل لأنه صدر عن الحجر فعل من يعقل. وقد بسطنا الكلام على أمثال هذا في حاشيتنا رفع الحجاب على كشف النقاب مع إعرابها وفي وضع موسى ثوبه على الحجر ودخوله في الماء عريانًا دليل على جواز ذلك وهو مذهب الجمهور ومنعه ابن أبي ليلى واحتج بحديث لم يصح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرًا" ذكره الزبيدي في الإتحاف [2/ 401] وهو ضعيف ومخالف كما قال العراقي لما ذهب إليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء من السلف والخلف من جواز كشف العورة في الخلوة في حالة الاغتسال مع إمكان التستر. حتى وصل الحجر إلى مجمع بني إسرائيل فوقف عندهم (حتى نظرت بنو إسرائيل

إِلَي سَوْأَةِ مُوسَى. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا بِمُوسَى مِنْ بَأسٍ. فَقَامَ الْحَجَرُ بَعْدُ، حَتى نُظِرَ إِلَيهِ. قَال: فَأخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَربًا. قَال أبُو هُرَيرَةَ: وَاللهِ، إِنَّهُ بِالحجَرِ ندَبٌ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ. ضَربُ مُوسَى عَلَيهِ السلامُ بِالْحَجَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى سوأة موسى) وعورته (فقالوا): أي قال بعضهم لبعض: (والله ما بموسى من بأس) أي من عيب (فقام الحجر) أي وقف (بعد) أي بعدما وصل إليهم (حتى نُظر) بالبناء للمجهول أي حتى نظروا (إليه) أي إلى موسى أي إلى سوأته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأخذ) موسى (ثوبه) من الحجر (فطفق) موسى بفتح الفاء وكسرها أي أخذ موسى يضرب (بالحجر ضربًا) وضرب موسى للحجر لعلمه أنه خُلقت فيه حياة، وفيه أن من فعل مثل هذا فهرب بشيء ثم رده أنه يؤدب إذا رده [قلت]: وإن كان ضرب أدب فشرطه مخالفته وهو كذلك هنا لأن فراره به من العداء (قال أبو هريرة) رضي الله عنه بالسند السابق: (والله إنه) أي إن الشأن والحال، وضمير الشأن اسم إن، وقوله: (بالحجر) متعلق بقوله: (ندب) وهو خبر مقدم والندب بفتحتين أصله أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، وقوله: (ستة أو سبعة) صفة لندب (ضرب موسى - عليه السلام -) مبتدأ مؤخر (بالحجر) متعلق بضرب، والجملة من المبتدأ المؤخر والخبر المقدم في محل الرفع خبر إن، وجملة إن جواب القسم وجملة القسم مقول قال: وجملة القول مستأنفة استئنافًا نحويًّا ففي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير قال أبو هريرة: أقسم بالله إن الشأن والحال ضرب موسى بالحجر لندب ستة أو سبعة بالحجر اهـ من الفهم السقيم. قال الأبي: وفي هذه الجملة تقديم وتأخير، وفي نسخته (والله إن بالحجر ندبًا ستة أو سبعة ضرب موسى - عليه السلام - بالحجر) وقال: والأصل ضرب موسى بالحجر ستة أو سبعة إنه بالحجر ندبًا فضرب موسى مبتدأ وبالحجر الخبر وإنه بالحجر إن واسمها وخبرها وندبًا حال وعلم أبي هريرة إن الأثر الذي بالحجر هو من ضرب موسى - عليه السلام - يحتمل أنه سمعه ولا يقال فيه الحلف على الظن لأنه لم يتواتر أنه أثر العصا لأن ما سمعه الصحابي معلوم له وإنما هو ظني لمن بعده اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 315]، والبخاري [278]، والترمذي [3219].

6099 - (156) وحدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا خَالِد الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ قَال: أَنْبَأنا أَبُو هُرَيرَةَ قَال: كَانَ مُوسَى عَلَيهِ السلامُ رَجُلا حَيِيًّا. قَال: فَكَانَ لَا يُرَى مُتَجَرِّدًا. قَال: فَقَال بَنُوُ إِسْرَائيلَ: إِنهُ آدَرُ. قَال: فَاغْتَسَلَ عِنْدَ مُوَتهِ. فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ. فَانْطَلَقَ الْحَجَرُ يَسْعَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 5994 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) ابن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (قال) عبد الله: (أنبأنا أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن شقيق لهمام بن منبه (قال) أبو هريرة: (كان موسى) بن عمران (- عليه السلام - رجلًا حييًا) بفتح الحاء وكسر الياء الأول وتشديد الثانية أي كثير الحياء والحديث إنما يقوله أبو هريرة بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع لأنه إنما ذكر هذا الطريق للمتابعة (قال) أبو هريرة: (فكان) موسى (لا يرى) لغيره (متجردًا) عن اللباس (قال) أبو هريرة: (فقال بنو إسرائيل) بعضهم لبعض (إنه) أي إن موسى (آدر) والأدرذ والأدرة بضم الهمزة وسكون الدال وهي عظم الخصيتين وانتفاخهما أي منتفخ الخصيتين (قال) أبو هريرة: (فاغتسل) موسى (عند مويه) أي عند ماء قليلة، قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا ومعظم غيرها (مويه) تصغير ماء لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها لأن أصل ماء مَوَه تحركت الواو وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا فصار ماءً ثم قُلبت الهمزة هاء لتطرفها فصار ماهًا ثم صُغر على مويه، قال القاضي عياض: وفي رواية العذري مويه تصغير ماء وهو تصحيف، والرواية الصحيحة (فاغتسل عند مشربة) والمشربة بفتح الميم والراء هنا الشربة وهي حفرة في أصل النخل يجتمع فيها الماء، والمشرب بكسر الميم الماء الذي يُشرب والمشربة أيضًا أرض لينة فيه بنت، وأما المشربة التي هي الغرفة فبفتح الراء وضمها (فوضع) موسى (ثوبه على حجر فانطلق الحجر) أي ذهب الحجر بثوبه حالة كون الحجر (يسعى) ويجري

وَاتَّبَعَهُ بِعَصاهُ يَضْربُهُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتى وَقَفَ عَلَى مَلإٍ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] ـــــــــــــــــــــــــــــ (واتبعه) بتشديد التاء من الاتباع أي لحقه موسى (بعصاه) حالة كونه (يضربه) قائلًا (ثوبي حجر ثوبي حجر) وقوله: (حتى وقف) الحجر غاية لقوله يسعى (على ملأ) أي على جماعة (من بني إسرائيل ونزلت) في قصتهم آية ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)} [الأحزاب: 69]) قال الأبي: الظاهر أن قضية الحجر هذه إنما كانت بعد النبوة لقوله: فضربه ولأن لقياه لبني إسرائيل إنما كان بعد النبوة اهـ. [تتمة]: قوله: (كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة) .. إلخ، قال القرطبي: إنما كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك معاندة للشرع ومخالفة لموسى - عليه السلام - وهو من جملة عتوهم وقلة مبالاتهم باتباع شرع موسى ألا ترى أن موسى - عليه السلام - كان يستتر عند الغسل فلو كانوا أهل توفيق وعقل اتبعوه ثم لم يكفهم مخالفتهم له حتى آذوه بما نسبوا إليه من آفة الأدرة فأظهر الله تعالى براءته مما قالوا بطريق خارق للعادة زيادة في أدلة صدق موسى - عليه السلام - ومبالغة في قيام الحجة عليهم، وفي هذا الحديث ما يدل على أن الله تعالى كمل أنبياءه خلقًا ونزههم في أول خلقهم من المعايب والنقائص المنفرة عن الاقتداء بهم المبعدة عنهم ولذلك لم يسمع أنه كان في الأنبياء والرسل من خلقه الله تعالى أعمى ولا أعرج ولا أقطع ولا أبرص ولا أجذم ولا غير ذلك من العيوب والآفات التي تكون نقصًا ووصمًا يوجب لمن اتصف بها شينًا وذمًّا ومن تصفح أخبارهم وعلم أحوالهم علم ذلك على القطع، وقد ذكر القاضي رحمه الله تعالى في الشفاء من هذا جملة وافرة ولا يعترض عليها بعمى يعقوب وبابتلاء أيوب فإن ذلك كان طارئًا عليهم محبة لهم وليقتدي بهم من ابتلي ببلاء في حالهم وفي صبرهم وفي أن ذلك لم يقطعهم عن عبادة ربهم ثم إن الله تعالى أظهر كرامتهم ومعجزاتهم بأن أعاد يعقوب بصيرًا عند وصول قميص يوسف إليه وأزال عن أيوب جذامه وبلاءه عند اغتساله من العين التي أنبع الله تعالى له عند ركضه الأرض برجله فكان ذلك زيادة في معجزاتهم وتمكينًا في كمالهم ومنزلتهم اهـ من المفهم.

5995 - (2351) (106) وحدثني مُحَمدُ بن رَافِعٍ وَعَبدُ بْنُ حُمَيد. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِع: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرزاقِ. أَخبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أبِي هُرَيرَةَ، قَال: أُرْسِلَ مَلَكُ الموْتِ إِلَىمُوسَى عَلَيهِ السلامُ. فَلَما جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقأ عَينَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5995 - (2351) (106) (وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني الحميري، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) طاوس بن كيسان الحميري مولاهم اليماني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (أرسل) بالبناء للمفعول (ملك الموت) الذي يسمونه عزرائيل (إلى موسى) بن عمران (- عليه السلام -) لقبض روحه فقال له: أجب ربك (فلما جاءه) أي فلما جاء ملك الموت وأخبره سبب مجيئه (صكه) أي لطمه موسى، وقد وقع بهذا اللفظ في رواية همام الآتية (فلطم موسى عين ملك الموت) (ففقأ عينه) أي شدخ موسى عين ملك الموت أو رمى حدقتها عن محلها بلطمه، وذكر بعض العلماء أن موسى إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخبره لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يُخبر فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن، ولكن يشكل عليه أنه كيف أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط مع أن الملائكة معصومين، والأحسن في تفسير هذه الواقعة ما ذكره ابن خزيمة رحمه الله تعالى قال: إن موسى لم يبعث الله إليه وهو يريد قبض روحه حينئذٍ وإنما بعثه اختبارًا وابتلاءً كما أمر الله تعالى خليله بذبح ولده ولم يرد إمضاء ذلك ولو أراد أن يقبض روح موسى - عليه السلام - حين لطم الملك لكان ما أراد، وكانت اللطمة مباحة عند موسى إذ رأى آدميًا دخل عليه ولا يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح رسولنا صلى الله عليه وسلم فقا عين الناظر في دار المسلم بغير إذنه، وحاصل هذا الجواب أن الملك جاءه في صورة رجل أجنبي اقتحم بيته بدون إذنه وقال: أجب ربك، فلم يعرفه موسى - عليه السلام - وظن أنه عدو من أعدائه فاجأه ليقتله فلطمه دفاعًا عن نفسه ففقا عينه

فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَال: أَرْسَلتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الموتَ. قَال: فَرَد اللهُ إِلَيهِ عَينَه وَقَال: ارْجِعْ إِلَيهِ. فَقُل لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَي مَتْنِ ثَورٍ، فَلَهُ بِمَا غَطت يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَة. قَال: أَي رَب، ثُم مَه؟ قَال: ثُم الموتُ. قَال: فَالآنَ. فَسَألَ اللهَ أَنُ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدسَةِ رَمْيَةَ بِحَجَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان موسى شديد القوة والبطش، وقد يشكل بأنه كيف يمكن فقأ عين الملك مع أن الملائكة مجردون عن المادة، فيجاب عنه بأن الملائكة أو الجن حينما يتمثلون بصورة مخصوصة فإن خواص تلك الصورة تثبت لهم في تلك الحالة فإذا جاء الملك أو الجني بصورة رجل فإنه تثبت له خوص الرجل أو بعضها على الأقل فلا يبعد أن تكون عين الملك في تلك الحالة المخصوصة مثل عين رجل في القوة وكان موسى - عليه السلام - شديد القوة والبطش ففقأ تلك العين بلطمه (فرجع) ملك الموت (إلى ربه فقال: أرسلتني) يا رب (إلى عبد لا يريد الموت) واللقاء (قال) أبو هريرة: (فرد الله إليه) أي إلى ملك الموت (عينه، وقال) له: (ارجع إليه) أي إلى موسى مرة ثانية (فقل له) أي لموسى (يضع) موسى (يده) أي كفه (على متن ثور) أي على ظهر فحل بقر، وهذا خبر بمعنى الأمر، وفيه التفات أي قل له ضع يدك على متن ثور، وفي الرواية الآتية فقل له: الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك (فله بما غطت يده) أي فلك بمقابلة ما غطت وسترت يدك من ظهر الثور، والجار والمجرور في قوله: (بكل شعرة سنة) بدل من الجار والمجرور في قوله: بما غطت أي فلك بمقابلة كل شعرة مما غطت يدك من متن الثور سنة، والمعنى فله بكل شعرة مما غطت يده سنة (قال) موسى: (أي رب) أي يا رب (ثم) بعد تلك السنين التي كانت بمقابلة كل شعرة (منه) ما استفهامية، والهاء للسكت؛ أي ثم ماذا يكون أحياة أم موت (قال) الرب جل جلاله: (ثم) يكون (الموت) عليك، فقوله: (بكل شعرة سنة) أي يمد له في عمره بعدد الشعرات المغطاة من السنين. وهذا على سبيل التقدير المعلق وتبين مما وقع أن القضاء المبرم كان أن يموت في ذلك الوقت. قوله: (ثم منه) أي ثم ماذا؟ وإنما سأل موسى - عليه السلام - ذلك مع كون الجواب واضحًا لتنبيه الناس على أن الموت لا مفر منه حتى للأنبياء عليهم السلام (قال) موسى: (فالآن) أي إذا كان الأمر كذلك فالآن أي في الزمن الحاضر أريد الموت (فسأل الله) سبحانه وتعالى (أن يدنيه) ويقربه (من الأرض المقدسة رمية بحجر) أي يقرب من أرض بيت

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "فَلَوْ كُنْتُ ثَم، لأَرَيتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَي جَانِبِ الطرِيقِ، تحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المقدس، قال العيني في عمدة القاري [4/ 166] "فإن قلت": ما الحكمة في طلبه الدنو من الأرض المقدسة [قلت]: الحكمة في ذلك أن الله لما منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت ولم يدخل الأرض المقدسة إلا أولادهم مع يوشع - عليه السلام - ومات هارون ثم موسى عليهم السلام قبل فتحها، ثم إن موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلب القرب منها لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه، ويستنبط منه فضيلة الدفن في المواضع الفاضلة وفي مقابر الصلحاء اهـ وسُميت أرض بيت المقدس الأرض المقدسة لأنها لم يُعبد فيها صنم لأنها أرض الأنبياء ومهاجرهم بخلاف مكة لأنها عُبد فيها الأصنام حول البيت فلا تسمى مقدسة بل تسمى الأرض الأمينة والأرض المشرفة والبلدة المكرمة فانتبه لهذه الدقيقة كما ذكرناها في تفسيرنا حدائق الروح والريحان. قوله: (رمية بحجر) يحتمل أن يكون مراده أن يقرب من بيت المقدس بحيث إذا رُمي منه بحجر وقع في موضع دفنه، ويحتمل أن يكون المراد أن يقدم من مكانه الذي يتكلم هو فيه الآن بقدر رمية حجر إلى جهة بيت المقدس ذكر الاحتمالين العيني، والأول أولى بالنظر إلى رواية همام الآتية، وفيها (أمتني من الأرض المقدسة رمية بحجر) وقوله: (رمية بحجر) منصوب على الظرفية المكانية يعني على النيابة عنها أي مقدار رمية بحجر قاله القرطبي. قال أبو هريرة: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت) أنا وأنتم (ثم) بفتح المثلثة اسم إشارة للمكان البعيد أي لو كنت أنا وأنتم ثم أي في المكان الذي دفن فيه موسى (لأريتكم) أي لأبصرتكم (قبره) أي قبر موسى (إلى جانب الطريق) أي عند جانب الطريق الذي كان ثم، فإلى بمعنى عند ويعني بالطريق طريق بيت المقدس، وقوله: (تحت الكثيب الأحمر) بدل من الجار والمجرور قبله لأن إلى ظرف بمعنى عند كما قررناه في الحل أي أسفل من الكثيب الأحمر الذي كان هناك، والكثيب الرمل المجتمع المستطيل، وقيل التل، وقد تقدم في كتاب الأيمان (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في طريقه إلى بيت المقدس ليلة أسري به بقبر موسى وهو قائم يصلي فيه) وهذا يدل على أن قبر موسى أخفاه الله تعالى عن الخلق ولم يجعله مشهورًا عندهم ولعل ذلك

5996 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيهِ السلامُ. فَقَال لَهُ: أَجِبْ رَبكَ. قَال: فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيهِ السلامُ عَينَ مَلَكِ الموْتِ فَفَقَأهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لئلا يُعبد والله أعلم، وقد وقع في الرواية الأخرى إلى جانب الطور بدل الطريق، والطور الجبل بالسريانية. وقد أبهم النبي صلى الله عليه وسلم قبره ورُوي عن ابن عباس أنه لو عرف اليهود قبري موسى وهارون عليهما السلام لاتخذوهما إلهين، وقد اختلف أصحاب السير في موضع قبر موسى - عليه السلام - إلى أقوال كثيرة منه؛ أريحا، ومآب، ودمشق، ومدين، والأصح أنه - عليه السلام - دُفن بالتيه وهو صحراء سيناء والله أعلم. وأخرج الإمام مسلم هذا الحديث من طريق طاوس موقوفًا، ثم أخرجه من طريق همام بن منبه مرفوعًا وكذا أخرجه البخاري في الأنبياء موقوفًا، وأشار إلى حديث همام المرفوع، والرفع مشهور عن عبد الرزاق وأخرج الإسماعيلي عنه رواية طاوس مرفوعًا أيضًا فكان أبا هريرة رواه مرة مرفوعًا وأخرى موقوفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 315]، والبخاري في الأنبياء باب وفاة موسى - عليه السلام -[3407] وفي الجنائز أيضًا [1339]، والنسائي في الجنائز [3089]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 5996 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لطاوس (فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء ملك الموت إلى موسى - عليه السلام -) ليقبض روحه (فقال) ملك الموت: (له) أي لموسى: (أجب ربك) إلى الموت ومعناه جثت لقبض روحك أو أجب دعوة ربك، وهذه كلمة يتكلم بها رسل الملك لمن دعاه الملك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلطم موسى - عليه السلام - عين ملك الموت ففقأها) أي شدخها

قَال: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللهِ تَعَالى فَقَال: إِنكَ أَرسَلتَنِي إِلَى عَبدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. وَقَد فَقَأ عَينِي. قَال: فَرَدَّ اللهُ إِلَيهِ عَينَهُ وَقَال: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلِ الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِن كنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَي مَتنِ ثَورٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ. فَإِنكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً. قَال: ثُم مَه؟ قَال: ثُم تَمُوتُ. قَال: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ. رَب أَمِتْنِي مِنَ الأَرْضِ المقدسَةِ. رَميَةً بِحَجَرً. قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَاللهِ، لَوْ أَني عِنْدَهُ لأَرَيتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعورها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرجع الملك) أي ملك الموت (إلى الله) سبحانه وتعالى (فقال) ملك الموت لله عزَّ وجلَّ: (إنك) يا إلهي (أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت) واللقاء (وقد فقأ) وأعور (عيني قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرد الله إليه) أي إلى ملك الموت (عينه فقال) الله عزَّ وجلَّ لملك الموت: (ارجع إلى عبدي) ثانيًا (فقل) له: هل (الحياة) في الدنيا (تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك) أي حط كفك (على متن) أي على ظهر (ثور) بقر وفحلها (فما توارت) أي سترت (يدك من شعرة) على ظهر الثور (فإنك تعيش) وتحيى (بها) أي بمقابلة شعرة من شعوره (سنة) كاملة (قال) موسى - عليه السلام -: (ثم) بعد تلك السنين التي في مقابلة كل شعرة (منه) أي ماذا يكون في (قال) الله عزَّ وجلَّ لموسى: (ثم) بعد تلك السنين (تموت قال) موسى - عليه السلام -: (فـ) إذا كان الأمر لا بد من الموت (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر، وقوله: (من قريب رب أمتني من الأرض المقدسة) فيه تقديم وتأخير، والتقدير فإن كان الأمر والشأن لا بد من الموت وإن طالت الحياة رب أمتي الآن في مكان قريب إلى الأرض المقدسة فمن الأولى بمعنى في والثانية بمعنى إلى، قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ (أمتني) وفي بعضها: (أدنني) أي قربني من الأرض المقدسة (رمية بحجر) أي مقدار رمية بحجر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لو أني) كنت (عنده) أي عند قبره وكنتم معي وعند بيت المقدس (لأريتكم) أي لأبصرتكم (قبره) أي قبر موسى (إلى جانب) أي عند جانب (الطريق عند الكثيب الأحمر) أي عند التل المستطيل المجتمع من الرمل. قوله: (أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر) قال القاضي عياض: قيل: طلب ذلك ليقرب مشيه إلى المحشر، وقيل: لينال بركة البقعة وفضل مجاورة من دُفن بها، قال ابن أبي صفرة: وسأل الدنو منها ولم يسأل الحلول بها

قَال أَبُو إِسحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ يَحْيى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. 5997 - (2352) (107) حدثني زُهَيرُ بن حَربٍ. حَدَّثَنَا حُجَينُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَن عَبدِ الهِ بنِ الفَضلِ الهاشِمِي، عَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: بَينَمَا يَهُودِي ـــــــــــــــــــــــــــــ لئلا يشتهر قبره بها فيعبده الجهال (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه تلميذ الإمام مسلم ورواة صحيحه وأستاذ أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي النيسابوري (حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي النيسابوري، روى عن عبد الرزاق وعبد الصمد بن عبد الوارث وخلق، ويروي عنه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح عن مسلم وأبو عوانة وخلق، ويروي عنه الجماعة غير مسلم ولم يوجد له ذكر في صحيح مسلم إلا في هذا الموضع بسبب أبي إسحاق اهـ من التهذيب [9/ 511 - 512] هو ثقة، من (11) (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن يحيى لمحمد بن رافع، وساق محمد بن يحيى (بمئل هذا الحديث) الذي رواه محمد بن رافع. وهذا السند من ملحقات أبي إسحاق وليس من أسانيد الإمام مسلم والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 5997 - (2352) (107) (حدثني زهير بن حرب حدثنا حجين بن المثنى) اليمامي أبو عمرو الخراساني نزيل بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) (عن عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (الهاشمي) المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (بينما يهودي) زعم ابن بشكوال أن اسمه فنحاص وعزاه لابن إسحاق لكن ذكر الحافظ

يَعرِضُ سِلْعَةً لَهُ أعْطِيَ بِهَا شَيئًا، كَرِهَهُ أَوْ لَمْ يَرْضَهُ -شَك عَبدُ العزِيزِ- قَال: لَا، وَالذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيهِ السلامُ عَلَى الْبَشَرِ. قَال: فَسَمِعَهُ رَجُل مِنَ الأَنْصَارِ فَلَطَمَ وَجْهَهُ. قَال: تَقُولُ: وَالذِي اصْطَفَي مُوسَى عَلَيهِ السلامُ عَلَى البَشَرِ! وَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بَينَ أَظْهُرِنَا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الفتح [6/ 443] أن الذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص قصة أخرى مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه في لطمه إياه (يعرض) من باب ضرب أي يظهر (سلعة) أي بضاعة (له) أي لليهودي في السوق للبيع (أعطي) ذلك اليهودي (بها) أي بتلك السلعة (شيئًا كرهه) من الثمن (أو) قال عبد الله بن الفضل: (لم يرضه) أي شيئًا لم يرضه ذلك اليهودي لكونه دون ثمن المثل، قال المؤلف: (شك عبد العزيز) بن عبد الله في أي اللفظين، قال عبد الله بن الفضل يعني ساومه رجل في تلك السلعة بثمن زعمه اليهودي قليلًا (قال) اليهودي جواب بينما (لا) أبيعها بهذا الثمن (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (اصطفى) واختار (موسى - عليه السلام - على) جميع (الشر قال) أبو هريرة: (فسمعه) أي فسمع الهودي أي سمع ما قاله في يمينه (رجل) مسلم (من الأنصار) كذا وقع في غير واحد من الروايات أن الرجل المسلم في هذه القصة كان رجلًا من الأنصار، ولكن وقع في جامع سفيان بن عيينة وكتاب البعث لابن أبي الدنيا عن عمرو بن دينار أنه قال هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما ذكره الحافظ في الفتح فإما أن يكون عمرو بن دينار التبس عليه قصة أبي بكر مع فنحاص بهذه القصة فإما أن يكون الراوي في حديث الباب أطلق لفظ رجل من الأنصار على الصديق رضي الله عنه بالمعنى الأعم فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعًا (فلطم) الرجل المسلم أي فضرب بكفه (وجهه) أي وجه اليهودي (قال) الرجل المسلم أ (تقول) في يمينك (والذي اصطفى موسى - عليه السلام - على الشر ورسول الله) أي والحال أن رسول الله محمدًا (صلى الله عليه وسلم) حي حاضر (بين أظهرنا) أي بين وسطنا أو بيننا، ولفظ أظهر مقحم، قال القسطلاني: قوله: (بين أظهرنا) حمع ظهر ومعناه أنه بينهم على سبيل الاستظهار كان ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه فهو مكنوف من جانبيه إذا قيل بين ظهرانيهم بلفظ التثنية ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم بلفظ الجمع أو لفظ أظهر مقحم كما قاله الكرماني اهـ منه، وإنما لطمه الأنصاري لما فهمه من عموم لفظ البشر فدخل فيه

قَال: فَذَهَبَ الْيَهُودِي إِلَي رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَقَال: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِن لِي ذِمةً وَعَهْدا. وَقَال: فُلانٌ لَطَمَ وَجْهِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ " قَال: قَال - (يَا رَسُولَ اللهِ): وَالذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيهِ السلامُ عَلَى الْبَشَرِ! وَأَنْتَ بَينَ أَظْهُرِنَا. قَال: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ. ثُم قَال: "لَا تُفَضلُوا بَينَ أَنْبِيَاءِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد صلى الله عليه وسلم وقد تقرر عند المسلم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل البشر، وقد جاء ذلك مبينًا في حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري في الخصومات أن الضارب قال لليهودي: أي خبيث على محمد (قال) أبو هريرة: (فذهب) أي انطلق (اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) لشكوى الأنصاري (فقال) اليهودي: (يا أبا القاسم إن لي ذمة) أي عقد ذمة وأمان (وعهدًا) أي عقد عهد ومسألة فما بال فلان لطم وجهي فلم أخفر ذمتي (وقال) اليهودي معطوف على القول قبله (فلان) من المسلمين يعني الأنصاري (لطم وجهي) أي ضرب وجهي بكفه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للأنصاري: (لم لطمت) أي لأي سبب وجريمة ضربت (وجهه) أي وجه اليهودي بكفك (قال) الأنصاري: (قال) اليهودي: (يا رسول الله، والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر) جملة القسم مقول لقال، وجملة النداء معترضة بين القول ومقوله (وأنت) أي والحال أنك (بين أظهرنا، قال) أبو هريرة: (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) من قول الأنصاري ولطمه اليهودي (حتى عُرف الغضب) أي أثره من تغير اللون من البياض إلى الحمرة (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوا بين أنبياء الله) عليهم الصلاة والسلام أي من تلقاء أنفسكم أو تفضيلًا يؤدي إلى تنقيص الآخر يعني لا تفضلوا بينهم بدون حاجة داعية إلى ذلك أو ما يستلزم تنقيص أحد منهم وإلا فقد قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم" قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون ذلك قبل أن يوحى إليه أنه أفضل، وقيل: المعنى لا تفضلوا التفضيل الذي يؤدي إلى تنقيص بعضهم، والحديث خرج على سبب هو لطم اليهودي فخاف صلى الله عليه وسلم أن يُفهم من هذه الفعلة انتقاص موسى - عليه السلام - فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص المفضول، وقيل: قاله صلى الله عليه وسلم على وجه التواضع والبر

فَإِنهُ يُنْفَخُ فِي الصورِ فَيَصعَقُ مَن فِي السمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ. قَال: ثُم يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى. فَكُونُ أَولَ مَنْ بُعِثَ. أَوْ فِي أَولِ مَن بُعِثَ، فَإذَا مُوسَى عَلَيهِ السلامُ آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لغيره من الأنبياء عليهم السلام، وقيل: إنما نهى عن التفضيل بينهم في النبوة والرسالة لأنهم فيهما سواء وإنما التفضيل في الأحوال والكرامات والرتب فلذلك كان منهم رسل، ومنهم أولو عزم، ومنهم من رُفع مكانًا عليًا، ومنهم من أوتي الحكم صبيًّا، ومنهم من أوتي الزبور، ومنهم من أوتي الكتاب، ومنهم من كلم الله قال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} اهـ من الأبي. قوله سابقًا: (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) "قلت": الرجل إنما قام بتغيير منكر في اعتقاده لا سيما إن فهم من اليهودي أنه عرض بغير موسى وحينئذٍ فغضبه صلى الله عليه وسلم يحتمل لأن المسألة علمية وقد تتوقف على أمور لا يعلمها إلا العلماء وما كان كذلك فالتغيير فيه مصروف إلى الإمام فلما افتات عليه غضب، ويحتمل لأنه فضل النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلًا يؤدي إلى اهتضام موسى - عليه السلام -، ويحتمل لأنه عدل عن وجه التغيير لأن التغير أولًا إنما يكون بالقول. (فإن قلت): لا يتعين في اليهودي أن يكون فعل منكرًا لاحتمال أن يكون مستنده في التفضيل أن عندهم في التوراة ما هو بمعنى ما هو في القرآن من قوله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَى النَّاسِ} الآية. (والجواب) أنه وإن سلم ذلك فهو عام والعمل بالعام قبل البحث عن المخصص منكر اهـ من الأبي. (فإنه) أي فإن الشأن والحال (يُنفخ في الصور) النفخة الأولى (فيصعق) أي ويهلك ويموت (من في السماوات ومن في الأرض) جميعًا (إلا من شاء الله) بقاءه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم ينفخ فيه) أي في الصور نفخة (أخرى) أي نفخة ثانية وهي نفخة البعث من القبور (فأكون أول من بعث) من قبره (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال الراوي فأكون (في أول من بعث) من قبره، فالشك من الراوي أو ممن دونه (فإذا موسى - عليه السلام -) وإذا فجائية والفاء عاطفة (آخد) أي ماسك بيده (بالعرش) أي بقائمة من قوائم العرش كما في الحديث الآخر أي فأكون أول من بُعث فيفاجؤوني أخذ موسى بالعرش (فلا أدري) ولا أعلم (أحوسب) موسى واكتفي فيه عن هذه الصعقة

بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ. أَوْ بُعِثَ قَبلِي. وَلَا أَقُولُ: إِن أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بنِ مَتى عَلَيهِ السلامُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية (بصعقة) وغشية (يوم الطور) يوم تجلى ربه للجبل (أو) أخذته هذه الصعقة و (بُعث قبلي) وفي رواية البخاري أم بُعث قبلي يعني أنه - عليه السلام - استثني من الصعقة بنفخ الصور لصعقة أصابها يوم تجلى ربه للطور، والصعق بفتح العين والصعقة بسكونها قد يراد منهما الهلاك والموت وقد يراد بهما الغشي، ومنه قوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} فإنه خر مغشيًا لا ميتًا (ولا أقول أن أحدًا) من الناس (أفضل من يونس بن متى عليه السلام) قال المازري: هذا الكلام يدل على المنع من التفضيل وأنه امتنع منه فيحمل على أنه كان قبل أن يوحى إليه أنه الأفضل ولا يدل على أن يونس - عليه السلام - أفضل من المرسلين حتى يعارض حديث"أنا سيد ولد آدم" اهـ من الأبي، وقد استشكل هذا الحديث بأن نفخة الصعق إنما يموت بها من كان حيًّا في هذه الدار فأما من مات قبله فيستحيل أن يموت ثانيًا وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث وإن موسى - عليه السلام - قد مات فلا يصح أن يموت مرة أخرى ولا يصح أن يكون مستثنى من نفخة الصعق، وقد أجاب العلماء عن هذا الإشكال بأجوبة مختلفة: الأول منها ما ذكره العيني في عمدة القاري [61/ 68] وحاصله أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن كان قد طرأ عليهم الموت بالنسبة لنا ولكنهم أحياء في قبورهم ولا تأكل أجسادهم التراب فموتهم في الحقيقة انتقال من دار إلى دار، وإذا تقرر أنهم أحياء فهم فيما بين السماوات والأرض فإذا نُفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه غشي فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حيي ومن غُشي عليه أفاق، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أول من يفيق غير أنه يرى موسى - عليه السلام - فيتردد هل كان قد استثني من الصعقة أوكان قد أفاق قبله. والثاني ما ذكره الحافظ في الفتح [6/ 444] من أن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق أحيائهم وأمواتهم كما وقع في سورة النمل: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللأحياء موتًا ثم يُنفخ الثانية للبعث فيفيقون كلهم أجمعون وعلى هذا كان الأصل أن يصعق موسى عليه السلام مع سائر الموتى فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم آخذًا بالعرش تردد هل استثني من الصعقة أو أفاق قبله. والثالث ما ذهب إليه القاضي عياض وذكره النووي وغيره

5998 - (00) (00) وحدثنيه مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصله أنه ليس المراد من الصعقة في حديث الباب صعقة تعقب النفخة الأولى للصور حتى يرد الإشكال، وإنما المراد صعقة أخرى تحدث بعد البعث حين تنشق السماء والأرض والمراد من هذه الصعقة الغشي لا الموت بدليل أنه صلى الله عليه وسلم عبر عن الخلوص منها بالإفاقة، والإفاقة لا تكون إلا من الغشي ولو كان المراد الموت لاستعمل كلمة البعث فلما كانت هذه الصعقة بعد البعث كان الأصل أن يُصاب بها كل من بُعث من قبره ومنهم موسى - عليه السلام - ولذا تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه قائمًا بالعرش، والأقرب منها إلى الصواب ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح وهو الثاني منها من أن المراد بالصعقة ما يعقب النفخة الأولى، وعليه يدل ظاهر الحديث من أنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات والأرض، وإن هذه الصعقة تصيب الأحياء والأموات جميعا أما الأحياء فصعقهم الموت وأما الأموات فإن الصعقة أي الغشي تصيب أرواحهم وهذا على ما حقق من أن الأموات تخرج أرواحهم من أبدانهم وتكون لهم حياة برزخية إلى يوم القيامة فلما قامت القيامة ونُفخ في الصور انتهت حياتهم البرزخية أيضًا فلا إشكال في صعق الأموات حينئذٍ وعلى هذا فإن موسى عليه السلام وإن كان ميتًا عند النفخة الأولى غير أنه كان الأصل أن تصيب روحه الصعقة كما تصيب غيره من الأموات ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه بالعرش تردد هل قد استثني من الصعقة أو أفاق قبله وبما أن أحوال البعث والنشور خارجة عن تصورنا لا نستطيع إدراك كنهها بجميع تفاصيلها والله سبحانه وتعالى أعلم، وعلى كل الأجوبة المذكورة ففي حديث الباب دلالة على خصوصية فاضلة لسيدنا موسى - عليه السلام -. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري ذكره في مواضع كثيرة منها في الخصومات باب الخصومة بين المسلم واليهودي [2411] وفي الرقاق باب نفخ الصور [6517]، وأبو داود في السنة باب في التخيير بين الأنبياء [4671]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة الزمر [3245]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر البعث [4328]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 5998 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي،

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبِي سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، سَوَاء. 5999 - (00) (00) حدثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النضرِ قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحْمَنِ وَعَبْدِ الرحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ. قَال: اسْتَب رَجُلانِ رَجُل مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَال الْمُسْلِمُ: وَالذِي اصْطَفى مُحَمدا صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى الْعَالمِينَ. وَقَال الْيَهُودِي: وَالذِي اصطَفَى مُوسَى عَلَيهِ السلامُ عَلَى الْعَالمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) الماجشون (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة بمثله (سواء) أي وساق يزيد بن هارون بمثل ما حدث حجين بن المثنى حالة كون حديثيهما سواء أي متساويين لفظًا ومعنى، غرضه بيان متابعة يزيد بن هارون لحجين بن المثنى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 5999 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب وأبو بكر) محمد (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (قالا: حدثنا بعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وعبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب، كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لعبد الله بن الفضل الهاشمي (قال) أبو هريرة: (استب رجلان) أي تساب رجلان وتشاتما (رجل من اليهود ورجل من المسلمين) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمهما، وقال العيني: قيل: المسلم أبو بكر الصديق واليهودي هو فنحاص، وفيه نزل قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} الآية اهـ دهني (فقال المسلم والذي اصطفى محمدًا صلى الله عليه وسلم على العالمين وقال اليهودي والذي اصطفى موسى - عليه السلام - على العالمين

قَال: فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ اليَهُودِي، فَذَهَبَ اليَهُودِي إِلَي رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَأخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَي، فَإِن الناسَ يَصْعَقُونَ فَأكُونُ أَولَ مَنْ يُفِيقُ. فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أكانَ فِيمَن صَعِقَ فَأفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمنِ اسْتَثْنَى اللهُ". 6000 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ الدارِمِي وَأَبُو بَكْرِ بن إِسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال) أبو هريرة: (فرفع المسلم يده عند ذلك) أي عندما قال اليهودي والذي اصطفى موسى (فلطم) أي ضرب المسلم بكفه مبسوطة (وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي فأخبر اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم (بما كان) ووقع وحصل، فكان تامة (من أمره وأمر المسلم) من التخاصم والتحالف ولطم المسلم له (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأصحابه (لا تُخيّروني) أي لا تفضلوني (على موسى) - عليه السلام - (فإن الناس يصعقون) أي يموتون عند النفخة الأولى (فأكون أول من يفيق) من تلك الصعقة (فإذا موسى باطش) أي آخذ (بجانب العرش) أي بقائمة من قوائم العرش، فقوله: (فإذا موسى باطش) أي متعلق به بقوة، والبطش الأخذ القوي الشديد والله أعلم اهـ دهني (فلا أدري) ولا أعلم (أكان) موسى (فيمن صعق) وغشي عليه (فأفاق) من غشيانه (قبلي أم كان ممن اسنثنى الله) تعالى بقوله: {إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} فلم يصعق، قال الأبي: وكون موسى ممن أفاق قبل أحد من الناس أو كونه ممن استثنى الله تعالى فضيلة اختص بها موسى - عليه السلام - وقد يختص المفضول بفضيلة ليست في الأفضل ولا يكون بسببها مساويًا له ولا أفضل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6000 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8)

قَالا: أخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزهرِي. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ وَسَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: اسْتَب رَجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، بِمِثلِ حَدِيثِ إِبراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَن ابْنِ شِهَابٍ. 6001 - (2353) (108) وحدثني عَمْرو الناقِدُ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحمدَ الزبَيرِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحيَى، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدْرِيِّ قَال: جَاءَ يَهُودِي إِلَى النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَد لُطِمَ وَجْهُهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزهْرِي. غَيرَ أنهُ قَال: "فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (قالا: أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب) كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لإبراهيم بن سعد (قال) أبو هريرة: (استب) أي شتم (رجل من المسلمين ورجل من اليهود) أي تسابا، وساق شعيب (بمثل حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 6001 - (2353) (108) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا أبو أحمد الزبيري) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن يحيى لابن شهاب ولكنها متابعة ناقصة (قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه) قيل: اسمه فنحاص (وساق) عمرو بن يحيى (الحديث) السابق (بمعنى حديث الزهري) لا بلفظه (غير أنه) أي لكن أن عمرو بن يحيى (قال) في روايته لفظة (فلا

أَدْرِي أكانَ مِمنْ صَعِقَ فَأفَاقَ قَبْلِي، أَو اكْتَفَي بِصَعْقَةِ الطورِ". 6002 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تُخَيِّرُوا بَينَ الأَنْبِيَاءِ"، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: عَمْرِو بْنِ يَحْيى، حدّثني أَبِي. 6003 - (2354) (109) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ وَشَيبَانُ بْنُ فَروخَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أدري أكان) موسى (ممن صعق فأفاق قبلي أو اكتفى) أي استغنى عن هذه الصعقة (بصعقة الطور). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الخصومات [2412] وفي الأنبياء [2398] وفي التفسير [3638]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6002 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة (عن أبيه) يحيى بن عمارة (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع وعبد الله بن نمير لأبي أحمد الزبيري (قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخيّروا) أي لا تفضلوا (بين) أفراد (الأنبياء) أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام (و) لكن (في حديث) عبد الله (بن نمير) وروايته عن (عمرو بن يحيى حدثني أبي) يحيى بن عمارة بتصريح صيغة السماع بقوله: حدثني أبي بدل قوله عن أبيه فالعنعنة رواية وكيع، والتحديث رواية ابن نمير. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول رابعًا بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 6003 - (2354) (109) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (وشيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي،

قَالا: حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَن ثَابِتٍ الْبُنَانِي وَسُلَيمَانَ التيمِي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "أَتَيتُ -وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ- عَلَى مُوسَى لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ. وَهُوَ قَائِم يُصَلي في قَبْرِه". 6004 - (00) (00) وحدثنا عَلِي بْنُ خَشرَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق من (9) روى عنه في (10) أبواب (قالا: حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (وسليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت) أي مررت (وفي رواية هداب مررت على موسى) - عليه السلام - (ليلة أُسري) وعُرج (بي) إلى السماء أي مررت عليه في قبره (عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره) قال القرطبي: الكثيب هو الكوم من الرمل ويُجمع على كثب بضمتين، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس. وهذا الحديث يدل بظاهره على أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة وأن موسى - عليه السلام - كان في قبره حيًّا يُصلي فيه الصلاة التي كان يصلي بها في الحياة وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صح أن الشهداء أحياء يُرزقون عند ربهم وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى، فإن قيل: كيف يُصلون بعد الموت وليست تلك الحال حال تكليف. فالجواب أن ذلك ليس بحكم التكليف وإنما ذلك بحكم الإكرام والتشريف لهم وذلك أنهم كانوا في الدنيا حُببت لهم عبادة الله والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك ثم توفوا وهم على ذلك فشرفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون وما عرفوا به فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة لا تكليفية وقد جاء في الصحيح أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس رواه مسلم (2835) اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 120] والنسائي في قيام الليل باب ذكر صلاة نبي الله موسى - عليه السلام - رقم [1631 و 1637]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6004 - (00) (00) (وحدثنا علي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي،

أَخْبَرَنَا عِيسَى، (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ). ح وحَدثَنَا عُثْمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كِلاهُمَا عَنْ سُلَيمَانَ التيمِيِّ، عَنْ أَنس. ح وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيمَانَ التيمِي. سَمِعْتُ أنسًا يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلي فِي قَبرِهِ"، وَزَادَ فِي حَدِيثِ عِيسَى "مَرَرْتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي". 6005 - (2355) (110) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ المثنى وَمُحَمدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) (ح وحدثنا عثمان) بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (12) بابا (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (كلاهما) أي كل من عيسى وجرير رويا (عن سليمان التيمي عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعة عيسى وجرير لحماد بن سلمة (ح وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة) عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (24) بابا (عن سليمان التيمي سمعت أنسًا) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سفيان لحماد بن سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مررت على موسى) - عليه السلام - (وهو يصلي في قبره وزاد) علي بن خشرم (في حديث عيسى) بن يونس وروايته عن سليمان التيمي أي زاد على رواية جرير وسفيان عن سليمان لفظة (مررت ليلة أُسري بي) كرواية حماد بن سلمة في السند الأول. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6005 - (2355) (110) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن

بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَال: سَمِعْتُ حُمَيدَ بنَ عَبْدِ الرحْمنِ يُحَدثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أنهُ: "قَال -يَعْنِي اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى- لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ لِي. (وَقَال ابْنُ الْمُثَنى: لِعَبْدِي) ـــــــــــــــــــــــــــــ بشار قالوا: حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (قال) سعد: (سمعت) عمي (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (12) بابا (يُحدث عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (أنه) أي أن الله عزَّ وجلَّ (قال) في الحديث القدسي: (لا ينبغي لعبد لي) .. إلخ، قال أبو هريرة: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير أنه قال: (والله تبارك وتعالى لا ينبغي لعبد لي) بنصب لفظ الجلالة على أنه مفعول يعني وفاعله ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم أي لا يصلح ولا يليق ولا يجوز لعبد لي بالتنوين والتنكير أي لعبد من عبادي أيًا كان نبيًّا كان أو مرسلًا أو ملكًا أو غيرهم (وقال ابن المثنى) في روايته العبدي) بإضافته إلى ياء المتكلم وهو الله تعالى في هذه الرواية، ويحتمل أن تكون الإضافة غير محضة بجعل العبد صفة مشبهة أي لشخص متصف بعبوديتي أي بكونه عبدًا مخلوقًا لي، ويصح أن تكون الإضافة محضة معزفة أي لعبدي المكرم المشرف عندي كالأنبياء والمرسلين فغيرهم من باب أولى في المنع من هذا القول نظير قوله تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] أي عبادي المكرمين عندي والمشرفين لدي وقد شهد لهذا المعنى ما قد روي في كتاب أبي داود في هذا الحديث دالا ينبغي لنبي أن يقول أنا خير من يونس أخرجه برقم [4670] كما قد روى أيضًا ما يشهد لتنكير عبد في كتاب مسلم "لا أقول إن أحدًا أفضل من يونس" رواه برقم [2373] وعلى هذا يقيد مطلق الرواية الأولى بمقيد هذه الرواية فيكون معناه لا ينبغي لعبد نبي أن يقول أنا خير من يونس وهذا المعنى هو الأولى لأن من ليس بنبي لا يمكنه بوجه أن يقول أنا أفضل من النبي لأنه من المعلوم الضروري عند المشرعين أن درجة النبي لا يبلغها ولي ولا غيره وإنما يمكن ذلك في الأنبياء لأنهم صلوات الله وسلامه عليهم قد تساووا في النبوة وتفاضلوا فيما بينهم بما خص به بعضهم دون بعض فإن منهم من اتخذه الله خليلًا، ومنهم من اتخذه حبيبًا، ومنهم أولو العزم،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من كلم الله على ما هو المعروف من أحوالهم وقد قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] فإن قيل إذا كانوا متفاضلين في أنفسهم فكيف ينهى عن التفضيل وكيف لا يقول من هو في درجة عليا أنا خير من فلان لمن هو دونه على جهة الإخبار عن المعنى الصحيح، فالجواب أن مقتضى هذا الحديث المنع من إطلاق ذلك اللفظ لا المعنى من اعتقاد معناه أدبًا مع يونس - عليه السلام - وتحذيرًا من أن يفهم في يونس نقص من إطلاق ذلك اللفظ. وإنما خُص يونس بالذكر في هذا الحديث لأنه لما دعا قومه للدخول في دينه فأبطؤوا عليه ضجر واستعجل بالدعاء عليهم ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث ليال، وفر منهم فرأى قومه دخانًا ومقدمات العذاب الذي وعدهم فآمنوا به وصدقوه وتابوا إلى الله تعالى فردوا المظالم حتى ردوا حجارة مغصوبة كانوا بنوها ثم إنهم فرقوا بين الأمهات وأولادهم ودعوا الله تعالى وضجوا بالبكاء والعويل وخرجوا طالبين يونس فلم يجدوه لم يزالوا كذلك حتى كشف الله عنهم العذاب ومتعهم إلى حين وهم أهل نينوى من بلاد الموصل على شاطئ دجلة ثم إن يونس ركب في سفينة فسكنت ولم تجر فقال أهلها: فيكم آبق؟ فقال: أنا فأبوا أن يكون هو الآبق فقارعهم فخرجت القرعة عليه فرُمي في البحر فالتقمه حوت كبير فأقام في بطنه ما شاء الله تعالى، وقد اختلف في عدد ذلك من يوم إلى أربعين وهو في تلك المدة يدعو الله تعالى ويسبحه إلى أن عفا الله عنه فلفظه الحوت في ساحل لا نبات فيه وهو كالفرخ فأنبت الله تعالى عليه من حينه شجرة اليقطين فسترته بورقها، وحكى أهل التفسير أن الله تعالى قيض له أروية -الأنثى من الوعول- ترضعه إلى أن قوي فيبست الشجرة فاغتم لها وتألم فقيل له: أتغتم وتحزن لهلاك شجرة ولم تغتم على هلاك مائة ألف أو يزيدون؟ وقد دل على صحة ما ذُكر قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الآيات إلى آخرها [الصافات / 39 1 - 148] وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن للنبوة أثقالًا وإن يونس تفسخ -ضعُف- تحتها تفسخ الربع -ولد الناقة-" أو كما قال، رواه الحاكم [2/ 584]، والقاضي عياض في الشفا [1/ 442 - 443]. "قلت": ولما جرى هذا ليونس - عليه السلام - وأطلق الله تعالى عليه أنه {مُلِيمٌ} أي أتى لما يلام عليه قال على لسان نبيه "ولا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس" لأن

أَنْ يَقُولَ: أَنا خَير مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتى، عَلَيهِ السلامُ". قَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ: مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ. 6006 - (2356) (111) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشار، (وَاللفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ: حَدثَنِي ابْنُ عَم نَبِيكُمْ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، (يَعْنِي ابْنَ عَباسٍ)، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "مَا يَنْبَغِي لِعْبَدٍ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك يوهم نقصًا في نبوته وقدحًا في درجته وقد بينا- لعبد هنا بمعنى النبي، وقد قيل إنه محمول على غير الأنبياء ويكون معنى قوله لا ينبغي لعبد (أن يقول أنا خير من يونس بن متى - عليه السلام -) لا يظن أحد ممن ليس بنبي وإن بلغ من العلم والفضل والمنازل الرفيعة والمقامات الشريفة الغاية القصوى أنه يبلغ مرتبة يونس - عليه السلام - لأن أقل مراتب النبوة لا يلحقها من ليس من الأنبياء وهذا المعنى صحيح والذي صدرنا به الكلام أحسن منه والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم (قال) أبو بكر (بن أبي شيبة) في روايته: حدثنا (محمد بن جعفر عن شعبة) بالعنعنة بدل قول المحمدين حدثنا شعبة بصيغة السماع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 405]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} [3415 و 3416]، وأبو داود [4669]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 6006 - (2356) (111) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة قال) قتادة: (سمعت أبا العالية) رفيع بالتصغير بن مهران الرياحي بكسر الراء نسبة إلى بطن من تيم يسمى رياح وإلى محلة لهم في مدينة البصرة البصري، ثقة مخضرم إمام، من (2) روى عنه في (4) أبواب (يقول: حدثني ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم) قال قتادة: (يعني) أبو العالية بابن عم نبيكم عبد الله (بن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ينبغي) أي لا يصلح ولا يليق (لعبد) من عباد الله أيًا كان (أن

يَقُولَ: أَنا خَيرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"، وَنَسَبَهُ إِلَي أَبِيهِ. 6007 - (2357) (112) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ الله. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَكْرَمُ الناسِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: أنا خير من يونس بن متى) بتشديد التاء كلمة أنا إما راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذٍ قال ذلك القول تواضعًا منه، أو قبل علمه أنه سيد ولد آدم، قال الراوي أو من دونه (ونسبه) أي نسب النبي صلى الله عليه وسلم يونس (إلى أبيه) متى، قال الحافظ في الفتح: فيه إشارة إلى الرد على من زعم أن متى اسم أمه وهو محكي عن وهب بن منبه في المبتدأ وذكره الطبري وتبعه ابن الأثير في الكاف والذي في الصحيح أصح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 242]، والبخاري في مواضع منها في الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} [3413]، وأبو داود في السنة باب في التخيير بين الأنبياء عليهم السلام [4669]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6007 - (2357) (112) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (أخبرني سعيد بن أبي سعيد) المقبري كيسان أبو سعد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) أبي سعيد المقبري كيسان بن سعيد المدني الليثي مولاهم مولى أم شريك الليثية، ثقة، من (2) روى عنه في (9) سُمي بالمقبري لأنه كان نازلًا قرب المقبرة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (قيل يا رسول الله) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذا القائل (من كرم الناس) أي أفضلهم وأشرفهم وأخيرهم عند الله تعالى وعند الناس (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: في

"أَتْقَاهُم" قَالُوا: لَيسَ عَنْ هَذَا نَسْألُكَ. قَال: "فَيُوسُفُ نَبِي الله ابْنُ نَبِي الله ابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب السائل أكرم الناس (أتقاهم) لله تعالى أي أكثرهم بتقوى الله تعالى بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي رواية البخاري: (أكرمهم أتقاهم) وهذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي أكثرهم خشية لله تعالى (قالوا) أي قال السائلون: (ليس عن هذا) الأتقى (نسألك) يا رسول الله أي ليس نسألك عن هذا الأتقى الذي أجبتنا به وإنما أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأتقى لظنه أنهم يسألونه عن الصفات التي يكرم بها الإنسان على سبيل العموم فلما قالوا ليس عن هذا نسألك ظن أنهم يسألونه عن خصوص من أُوتي هذه الصفات مع شرف النسب وفُضل بها على سائر الناس (قال: فـ) أكرم الناس (يوسف) نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله وقد جمع يوسف - عليه السلام - مكارم الأخلاق مع شرف النبوة وشرف النسب، وكونه نبيا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين أحدهم خليل الله - عليه السلام - وانضم إليه شرف علم الرؤيا وتمكنه فيه ورياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة وحياطته للرعية وعموم نفعه إياهم وشفقته عليهم وإنقاذه إياهم من تلك السنين. وإنما أطلق عليه أكرم الناس من جهة أنه - عليه السلام - جمع بين مكارم الأخلاق مع كونه نبيًا ابنًا لثلاثة أنبياء متناسلين وهذه الخصوصية لا يشاركه فيها أحد، قال الأبي: ولا يلزم من اختصاص يوسف - عليه السلام - بتلك الفضيلة أن يكون أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم فإن المفضول قد يختص بفضيلة ولا يلزم أن يكون بسببها أفضل اهـ. "قلت": أما كونه مفضولًا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعارضه حديث الباب لأن المتكلم خارج عن التفضيل لا سيما في جواب الصحابة الذين كانوا يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البرية فظاهر أن سؤالهم كان عن أكرم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يشكل عليه فضيلة إبراهيم وموسى عليهما السلام ويُجاب عنه بما أجاب به الأبي من أنه أكرم الناس بهذه الجهة المخصوصة. وعبارة القرطبي: (قول السائل من أكرم الناس) معناه من هو أولى بهذا الاسم ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بجواب كلي فقال: "أتقاهم" وهذا منتزع من قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فلما قالوا ليس عن هذا نسألك نزل إلى ما يقابله وهو الخصوص بشخص معين، فقال يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم: لأنه نبي بن نبي بن نبي بن نبي عليهم السلام فإن هذا لم يجتمع لغيره من ولد آدم فهو أحق الناس المعنيين

نَبِي الله ابْنِ خَلِيلِ الله" قَالُوا: لَيسَ عَن هَذَا نَسألُكَ. قَال: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألُوني؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِليةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ، إِذَا فَقُهُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذا الاسم، فلما (قالوا: ليس عن هذا نسألك) تبين له أنهم سألوه عمن هو أحق بهذا الاسم من العرب و (قال فعن معادن العرب) أي عن أكرم أصولها وقبائلها (تسألوني) فأجابهم بقوله: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) في الدين، معناه أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس. قوله: (فعن معادن العرب تسألوني) والمعادن جمع معدن مأخوذ من عدن إذا أقام والعدن الإقامة ولما كانت أصول قبائل العرب ثابتة سُميت معادن أي فعن أصولهن التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها تسألوني بتشديد النون بإدغام نون الرفع في نون الوقاية نظير قوله تعالى: {أَتُحَاجُّونِّي} ويجوز تخفيفها بحذف إحداهما لتوالي الأمثال، وإنما سُميت القبائل معادن لما فيها من الاستعداد المتفاوت أو شبهها بالمعادن لكونها أوعية الشرف كما أن المعادن أوعية للجواهر اهـ فتح الباري [6/ 415]. ثم قال: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف أي صاروا فقهاء عالمين بالشرع، قال القرطبي: فمعنى هذا أن من اجتمع له خصال شرف في زمن الجاهلية من شرف الآباء ومكارم الأخلاق وصنائع المعروف مع شرف دين الإسلام والتفقه فيه فهو الأحق بهذا الاسم، وقد تقدم أن الكرم كثرة الخير والنفع ولما كانت تقوى الله تعالى هو الذي حصل به خير الدنيا والآخرة مطلقًا كان المتصف بها أحق بهذا الاسم فإنه أكرم الناس لكن هذه قضية عامة فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تعين في الوجود بهذه الصفة ظهر له أن الأنبياء بهذا المعنى إذ لا يبلغ أحد درجتهم وإن أحقهم بذلك من كان معرفًا في النبوة وليس ذلك إلا ليوسف كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ويؤخذ منه الرد على من قال: إن إخوة يوسف كانوا أنبياء إذ لو كانوا كذلك لشاركوا يوسف في ذلك المعنى ثم إنه لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم بين الأعم والأخص ظهر أن الأحق بذلك المعنى نوع من الأنواع المتوسطة بين الجنس الأعم والنوع الأخص، وظهر له أنهم أشراف العرب ورؤساؤهم إذا تفقهوا في الدين وعلموا وعملوا فحازوا كل الرتب الفاخرة إذا اجتمع لهم شرف الدنيا والآخرة، وفيه ما يدل على شرف الفقه في الدين وأن العالم يجوز له أن يجيب بحسب ما يظهر له ولا يلزمه أن يستفصل السائل عن تعيين الاحتمالات إلا إن خاف على السائل غلطًا أو سوء فهم فيستفصله كما هو مقرر في الأصول اهـ من المفهم.

6008 - (2358) (113) حدَّثنا هَدابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "كَانَ زَكَرِياءُ نَجارًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 257]، والبخاري في مواضع منها في الأنبياء باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [3353]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فقال: 6008 - (2358) (113) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أبي رافع) المدني نفيع بن رافع الصانع العدوي مولاهم مولى ابنة عمر بن الخطاب، ثقة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان زكرياء) - عليه السلام - (نجارًا) والنجار من ينحت الأخشاب ويجعلها أبوابًا وكراسي مثلًا، قال ابن إسحاق: كان زكريا وابنه يحيى آخر من بُعث من بني إسرائيل قبل عيسى، وقال أيضًا: أراد بنو إسرائيل قتل زكريا ففر منهم فمر بشجرة فانفلقت له فدخل فيها فالتأمت عليه فأخذ الشيطان بهدبة ثوبه فرأوها فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتى قطعوه من وسطه في جوفها كذا في فتح الباري والله أعلم، قال النووي: في الحديث جواز الصنائع وإن النجارة لا تسقط المروءة وأنها صنعة فاضلة، وفيه فضيلة لزكريا - عليه السلام - فإنه كان صانعًا يأكل من كسبه وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما أكل الرجل من كسبه" اهـ وزكريا يقرأ بفتح الزاي والكاف وكسر الراء ثم فيه أربع لغات؛ المد كما وقع هنا، والقصر كما هو في القرآن الكريم وحُذف الألف مع تخفيف الياء زكَرِيَ وتشديدها زكَرِي وليس هو زكريا الذي له صحيفة مستقلة في أسفار العهد القديم لأهل الكتاب لأنه كان قبل المسيح - عليه السلام - بخمسة قرون، وزكريا الذي ذكره القرآن كان قبيل المسيح - عليه السلام - وابنه يحيى وزوجته اليشع أخت لحنة امرأة عمران وأم مريم فكانت زوجة زكريا - عليه السلام - خالة لمريم، وكان زكريا من سلالة داود عليهما السلام، وزوجته من ذرية هارون - عليه السلام - اهـ تفسير ابن كثير [2/ 47]، وفتح الباري [6/ 468].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن زكريا هذا - عليه السلام - مذكور في إنجيل لوقا [1/ 5] وذكر فيه أنه كان كاهنًا وكانت الكهانة منصبًا في بني إسرائيل يتولى أداء العبادات وليس هو الكاهن بالمعنى المعروف عند العرب، وقد صرح في إنجيل برنابا بأنه كان نبيًا اهـ تكملة، قال القرطبي: (قوله: كان زكريا نجارًا) يدل على شرف النجارة وعلى أن التحرف بالصناعات لا يغض من مناصب أهل الفضائل بل نقول: إن الحرف والصناعات غير الركيكة زيادة في فضيلة أهل الفضل يحصل لهم بذلك التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم وكسب الحلال الخلي عن الامتنان الذي هو خير المكاسب كما قد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري [2072] وقد نقل عن كثير من الأنبياء أنهم كانوا يحاولون الإعمال فأولهم آدم - عليه السلام - علمه الله تعالى صناعة الحراثة، ونوح - عليه السلام - علمه الله تعالى صناعة النجارة، وداود - عليه السلام - علمه الله تعالى صناعة الحدادة، وقيل: إن موسى عليه السلام كان كاتبًا يكتب التوراة وكلهم قد رعى الغنم كما قال صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 296]، وابن ماجه [2150] والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول منها حديث أبي هريرة الأول: ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسابع: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والتاسع: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه أعلم. ***

698 - (12) باب فضائل الخضر - عليه السلام -

698 - (12) باب فضائل الخضر - عليه السلام - 6113 - (170) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الناقِدُ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنظَلِي وَعُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّي. كُلهم عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ (وَاللفظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَار، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ. قَال: قُلْتُ لابنِ عَباسٍ: إِن نَوْفًا الْبِكَالي يَزْعُمُ أن مُوسَى، عَلَيهِ السلامُ، صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ، عَلَيهِ السلامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 698 - (12) باب فضائل الخضر - عليه السلام - 6009 - (2359) (114) (حدثنا عمرو بن محمد) بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) المروزي (وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة السرخسي النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (ومحمد) بن يحيى (بن أبي عمر المكي) العدني (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة رووا (عن) سفيان (بن عيينة) الأعور الكوفي المكي (واللفظ لابن أبي عمر) قال: (حدثنا سفيان بن عيينة) بصيغة السماع وبتصريح اسمه (حدثنا عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فقيه من (3) روى عنه في (7) أبواب (قال) سعيد (قلت لابن عباس) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته لأنه من مسند أبي بن كعب كما سيأتي، وفيه رواية صحابي (إن نوفًا) بفتح النون وسكون الواو (البكالي) بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف المفتوحة، وهي الرواية المشهورة الصحيحة، وقد ضبطه الخشني وأبو بكر بفتح الباء والكاف وتشديدها، والأول هو الصواب نسبة إلى بكال بن دعمي بن سعد بطن من حمير، وقيل من همدان، وإليهم يُنسب نوف هذا وهو نوف بن فضالة على ما قاله ابن دريد وغيره، يكنى بأبي زيد، وكان عالمًا فاضلًا قاصًا من قُصاص أهل الكوفة وإمامًا لأهل دمشق، ويقال إنه ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل ابن أخيه، وهو تابعي صدوق قاله الحافظ في الفتح [8/ 413] (يزعم) أن يقول قولًا فاسدًا بلا دليل، والزعم هنا القول الفاسد (أن موسى عليه السلام صاحب بني إسرائيل) ورسولهم (ليس هو موسى صاحب الخضر - عليه السلام -) أي الذي لازمه للتعلم منه وإنما هو غيره، ووقع في رواية ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عند النسائي قال: كنت عند ابن عباس وعنده قوم من أهل الكتاب فقال بعضهم: يا أبا عباس إن نوفا يزعم عن كعب الأحبار أن موسى الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا أي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أفراثيم بن يوسف - عليه السلام - لا موسى بن عمران، فقال ابن عباس: أسمعت ذلك منه يا سعيد؟ قلت: نعم، قال: كذب نوف. وقوله: (صاحب الخضر - عليه السلام -) بفتح الخاء وكسر الضاد وهذا لقبه وقد ثبت في وجه تسميته بذلك حديث مرفوع أخرجه البخاري في الأنبياء [3402] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء وفروة الحشيش الأبيض" وما أشبهه كما فسره بذلك عبد الرزاق، وقال ابن الأعرابي: الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات، وقال الحربي: الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش، وقد اختلف العلماء في اسمه ونسبه اختلافًا كثيرًا فروى الدارقطني بسند ضعيف إلى مقاتل بن سليمان أنه ابن آدم، وذكر أبو حاتم عن بعض مشايخه أنه ابن لقابيل بن آدم، وذكر وهب بن منبه أنه بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن أَرْفَخْشَذِ بن سام بن نوح، وحكى ابن قتيبة أنه ابن عمائيل بن النون بن العَيصِ بن إسحاق، وروى الكلبي أنه من سبط هارون أخي موسى، وقال ابن إسحاق: إنه أرميا بن خلفيا، ورُوي عن ابن لهيعة أنه ابن بنت فرعون، وحكى النقاش عن بعضهم أنه ابن فرعون لصلبه، وحُكي عن مقاتل أيضًا أنه اليسع - عليه السلام -، وروى الطبري عن ابن شوذب أنه من ولد فارس، وقيل: كان أبوه فارسيًا وأمه رومية، وقيل: بالعكس اهـ من الإصابة [1/ 428] وليس لشيء من هذه الأقوال مستند يعتمد عليه. واختلف العلماء أيضًا في كونه نبيًا والجمهور على أنه نبي لأن الله تعالى في خبره مع موسى - عليه السلام - حكاية عنه {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} ظاهره أنه فعله بأمر الله تعالى، والأصل عدم الواسطة، ويحتمل أن يكون بواسطة نبي آخر لم يُذكر وهو بعيد ولا سبيل إلى القول بأنه إلهام لأن ذلك لا يكون حجة حتى يُعلل به ما عمل من قتل النفس وتعريض الأنفس للغرق وأيضًا فكيف يكون غير النبي أعلم من النبي، وكيف يكون النبي تابعًا لغير النبي، وقال بعض أكابر العلماء إن إنكار نبوته أول درجة من الزندقة لأن الزنادقة يستدرجون بكونه غير نبي إلى أن الولي أفضل من النبي. واختلفوا أيضًا هل هو نبي مرسل أو غير مرسل؟ والجمهور على الثاني، قال أبو حيان في تفسيره: والجمهور على أنه نبي وكان علمه معرفة بواطن أوحيت إليه وعلم موسى الحكم بالظاهر، وحاصله أن نبوته نبوة تكوين لا نبوة تشريع والله سبحانه وتعالى أعلم.

فَقَال: كَذَبَ عَدُو الله. سَمِعْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "قَامَ مُوسَى عَلَيهِ السلامُ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَسُئِلَ: أَي الناسِ أَعلَمُ؟ فَقَال: أَنا أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ واختلفوا أيضًا هل هو حي أو مات؟ فذهبت جماعة من العلماء إلى أنه أُعطي عمرًا طويلًا وهو حي إلى اليوم ولكنه محجوب عن الأبصار ويبقى حيًّا إلى خروج الدجال، قال النووي: جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وأنكر ذلك بعض المحدثين وقالوا: إنه مات. وبالجملة فلم يثبت في القرآن ولا في السنة دليل يعتمد عليه في حياته أو موته وليست المسألة من العقائد التي يجب الاهتمام بها والبحث عن أدلتها والاشغال بها ضياع زمن فيما لا ينبغي ولا يعتنى به والمطلوب التوقف والسكوت عنها لأنها ليست مما يجب علينا البحث عنها. (فقال) ابن عباس رضي الله عنه: (كذب عدو الله) يعني نوفا البكالي وهذا قول أصدره غضب على من يتكلم بما لم يصح فهو إغلاط وردع، وقد صار غير نوف إلى ما قاله نوف لكن الصحيح ما قاله ابن عباس في الحديث لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة إنما قاله مبالغة في إنكار قوله لمخالفته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في حال غضب ابن عباس لشدة إنكاره وفي حال الغضب تطلق الألفاظ ولا تراد حقائقها، والظاهر أنه لم يقل هذا الكلام في نوف البكالي وإنما قال ذلك في كعب الأحبار كما تدل عليه رواية النسائي التي ذكرناها آنفًا ولفظها (يا أبا عباس إن نوفًا يزعم عن كعب الأحبار .. إلخ) وقد تدل بعض الروايات عن أن جماعة من الصحابة كانوا في شك في أمره فإني (سمعت أبي بن كعب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول قام موسى - عليه السلام - خطيبًا في بني إسرائيل) وتفصيل هذا السماع ما أخرجه البخاري في العلم عن ابن عباس بلفظ (أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال: نعم، فذكر الحديث) (فسئل) موسى (أي) أفراد (الناس أعلم) أي أكثر علمًا من غيره (فقال) موسى: (أنا أعلم) أهل زماني ممن أُرسلت إليه ولم يكن موسى أرسل إلى الخضر، قاله الحافظ في الفتح [1 /

قَال: فَعَتَبَ الله عَلَيهِ إِذْ لَم يَرُد العِلْمَ إِلَيهِ. فَأوْحَى الله إِلَيهِ: أَن عَبدًا مِن عِبَادِي بِمَجمَعِ الْبَحرَينِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 219] قال المازري (فإن قلت): النبي لا يقع منه الكذب وقد أوحى الله سبحانه إليه أن له عبدا هو أعلم منه. (فالجواب): أن قوله أنا أعلم معناه في اعتقادي بما ظهر لي من مقتضى الحال فإن النبوة بالمكان الرفيع والعلم من أرفع المراتب فقد ظهر من هذه الجهة أنه أعلم الناس فهو خبر صدق لأنه عن مقتضى علمه، وقد وقع في طريق آخر قيل له: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا، فهذا لا يكون عليه به عتب إذ أخبر عما يعلم فالأولى كذلك لأنه في معناه، قال القاضي عياض: وقيل: يعني بقوله أنا أعلم أي بما تقتضيه النبوة وأمور الشريعة وسياسة الأمة، ويدل عليه قول الخضر فيما يأتي "أنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم علمنيه الله لا تعلمه" وإذا كان كذلك فخبره عن ذلك صدق اهـ من الأبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فعتب الله) سبحانه موسى - عليه السلام - ولامه (عليه) أي على قوله: أنا أعلم، والعتاب في حقنا لوم الحبيب حبيبه على ما لا يليق به، وأما العتاب في حق الله سبحانه صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نعطلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، واذ في قوله: (إذ لم يرد العلم إليه) تعالى معللة للعتاب أي وإنما عتبه لعدم رده العلم بالأعلم إليه تعالى لأن رد العلم إليه تعالى هو الأدب، وقال المازري: معنى عتبه لم يرض قوله شرعًا، وقال القاضي عياض: ومعنى عتبه أخذه وعنفه وأصل العتب المؤاخذة، وقال ابن العربي: قول موسى - عليه السلام - صدق لأنه شهد بما علم ولكنه لما كان فيه نوع من الافتخار لشرف منزلته عتبه اهـ من الأبي، قال الأبي: وصورة رد العلم إليه تعالى أن يقول في الجواب الله أعلم أو يقول أنا والله أعلم اهـ (فأوحى الله) سبحانه (إليه) أي إلى موسى - عليه السلام - (أن عبدًا) بفتح الهمزة أي بأن، وفي رواية للبخاري إن بكسر الهمزة على تقدير فقال: إن عبدًا والمراد به الخضر أي أوحي إليه بأن عبدًا (من عبادي بمجمع البحرين) أي بملتقى بحري فارس والروم من جهة المشرق وهذا أقرب ما قيل لأن موسى كان بالشام وقيل: هما بحري الأردن والقلزم (وهو أعلم منك) أي بأحكام مفصلة وحكم نوازل معينة لا مطلقًا بدليل قول الخضر لموسى "إنك على علم علمكه الله لا أعلمه أنا، وأنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت" وعلى هذا فيصدق على كل واحد منهما أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه كل واحد منهما ولا يعلمه الآخر فلما سمع موسى هذا تشوقت وعشقت نفسه الفاضلة وهمته العالية لتحصيل علم ما لم يعلم واللقاء من قيل فيه

قَال مُوسَى: أَي رَبِّ، كَيفَ لِي بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احملْ حُوتا فِي مِكتَلٍ، فَحَيثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ. وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه أعلم فسأل سؤال الذليل كيف السبيل إليه إذ (قال موسى) - عليه السلام - (أي رب) أي يا ربي ويا مالك أمري (كيف) يحصل (لي) الاتصال (به) واللقاء له دلني يا رب على طريق الوصول إليه (فقيل له) أي لموسى من جهة الله سبحانه أي أوحى إليه بأن (احمل) معك (حوتًا) أي سمكة مالحة كما صُرح به في الرواية الثانية (في مكتل) أي في زنبيل، والمكتل بكسر الميم وسكون الكاف وفتح التاء القفه وهو الزنبيل، وفي رواية يعلى عند البخاري (خذ نونًا ميتًا حيث يُنفخ فيه الروح) (فحيث تفقد) من باب ضرب أي ففي أي محل فقدت (الحوت) فيه بذهابه منك (فهو) أي فذلك العبد الأعلم منك (ثم) أي موجود هناك، وفي الحديث اتخاذ الزاد في السفر والرحلة في طلب العلم والتزويد منه ومعرفة من له زيادة علم، وقيل: إنما لجأ للخضر للتأديب لا للتعليم (فانطلق) أي ذهب موسى لطلب الخضر (وانطلق) أي ذهب (معه) أي مع موسى (فتاه) أي صاحبه وخادمه (وهو) أي ذلك الفتى (يوشع بن نون) ظاهره أن هذا التفسير جزء من الحديث، ولكن وقع بعده في رواية ابن جريج عند البخاري (ليست عن سعيد) وأوله الحافظ بأن الذي نفاه صورة السياق لا التسمية فإنها وقعت في رواية عمرو بن دينار والله أعلم. وفي الحديث من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم وكان ذلك دأب السلف الصالح وبذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح وحصلوا على السعي الناجح فرسخت في العلوم لهم أقدام وصح لهم من الذكر والأجر أفضل الأقسام ثم إن موسى أزعجه القلق فانطلق مغمورًا بما عنده من الشوق والحرق يمشي مع فتاه على الشط ولا يبالي بمن حط لا يجد نصبًا ولا يخطئ سببًا إلى أن أويا إلى الصخرة فناما في ظلها، قال بعض المفسرين: وكانت على مجمع البحرين وعندها ماء الحياة حكى معناها الترمذي عن سفيان بن عيينة فانتضح منه على الحوت فحيي واضطرب فخرج من المكتل حتى سقط في الماء فأمسك الله جرية الماء عن موضع دخوله حتى كان مثل الطاق وهو النقب الذي يدخل منه اهـ من المفهم. ويوشع بن نون - عليه السلام - هو الذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى، ونقل

فَحَمَلَ مُوسَى، عَلَيهِ السلامُ، حُوتًا فِي مِكتَلٍ. وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتى أَتَيَا الصخْرَةَ. فَرَقَدَ مُوسَى، عَلَيهِ السلامُ، وَفَتَاهُ. فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ المكْتَلِ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ. قَال: وَأَمْسَكَ الله عَنْهُ جِزيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن العربي أنه كان ابن أخت موسى، وزعم ابن العربي أن ظاهر القرآن يقتضي أن الفتى ليس هو يوشع وكأنه أخذه من لفظ الفتى أو أنه خاص بالرقيق وليس بجيد لأن الفتى مأخوذ من الفتى بفتح الفاء وسكون التاء وهو الشباب وأطلق ذلك على من يخدم سواء كان شابًّا أو شيخًا اهـ فتح الباري. (فحمل موسى - عليه السلام - حوتًا في مكتل) وفي رواية الربيع بن أنس عند ابن أبي حاتم أنهما اصطاداه (وانطلق هو) أي موسى (وفتاه) يوشع بن نون حالة كونهما (يمشيان) بالرجل على ساحل البحر لطلب الخضر (حتى أتيا) ووصلا (الصخرة فرقد) أي نام (موسى - عليه السلام - وفتاه) يوشع بن نون؛ أي رقدا في ظل الصخرة أخذًا للراحة من تعب السير، وفي رواية يعلى عند البخاري (فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان أي مبلول إذ تضرب الحوت أي سار وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر) (فاضطرب الحوت) أي تحرك وارتعش (في المكتل حتى خرج من المكتل فسقط في البحر) وفي رواية سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عند البخاري في التفسير [4727] قال سفيان وفي حديث غير عمرو قال وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصب من مائها شيء إلا حيي فأصب الحوت من ماء تلك العين قال: فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر واستظهر الحافظ في الفتح [8/ 415] أن سفيان بن عيينة سمعه من قتادة فإن ابن أبي حاتم أورد قصة العين من طريقه وقد أنكر الداودي هذه الزيادة وقال: فإن كان محفوظًا فهو من خلق الله وقدرته والله أعلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأمسك الله) سبحانه (عنه) أي عن السمك أي عن مسلكه (جرية الماء) أي رجوعه وانصبابه في مسلكه وطريقه فبقي مسلكه مفتوحًا (حتى كان) مسلكه (مثل الطاق) والكوة في الجدار، والطاق في الأصل عقد البناء وجمعه طيقان وأطواق وهو الأزج وما عقد أعلاه من البناء وبقي ما تحته خاليًا اهـ نووي، قال قتادة: جمد الماء فصار كالسرب

فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا. وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا. فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَومِهِمَا وَلَيلَتَهُمَا، وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى أَن يُخبِرَهُ، فَلَما أَصبَحَ مُوسَى، عَلَيهِ السلامُ، {قَال لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62]. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية أبي إسحاق الآتية صار مثل الكوة وهو بنفس المعنى، وفي رواية ابن جريج عند البخاري حتى كان أثره في جحر، قال لي عمرو: هكذا كان أثره في جحر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما، وحاصل الجميع أنه صار في الماء يشبه الطاق أو النفق (فكان) ذلك المسلك (للحوت سربًا) أي نفقًا، والسرب: المسلك والحفير تحت الأرض والقناة يدخل منها الماء (وكان) ذلك المسلك الذي أمسك الله عنه الماء (لموسى وفتاه) يوشع (عجبًا) أي متعجبًا يتعجبان منه أي لما تذكرا فرجعا تعجبًا من قدرة الله تعالى على إحياء الحوت ومن إمساك جري الماء حتى صار بحيث يسلك فيه (فانطلقا) أي انطلق موسى ويوشع (بقية يومهما) أي بقية اليوم الذي رقدا فيه (وليلتهما) المستقبلة لذلك اليوم، ويجوز في الليلة النصب على أنه معطوف على بقية، والجر على أنه معطوف على يومهما كذا قالوا، والأول أولى لأن الليلة ليس لها بقية يعني بعد أن قاما من نومهما ونسيا حوتهما أي غفلا عنه ولم يطلباه لاستعجالهما، وقيل: نسي يوشع الحوت وموسى أن يأمره فيه بشيء، وقيل: نسي يوشع فنسب النسيان إليهما للصحبة لقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} [الرحمن: 22] وعلى هذا القول يدل قوله في الحديث: (ونسي صاحب موسى أن يخبره) ويظهر منه أن يوشع أبصر ما كان من الحوت ونسي أن يخبر موسى في ذلك الوقت (فلما أصبح موسى - عليه السلام -) أي دخل في صباح الليلة التي مشيا فيها بعد بقية اليوم (قال لفتاه) أي لرفيقه يوشع بن نون: (آتنا غداءنا) أي هات لنا غدائنا لنأكله، والغداء ما يؤكل أول النهار وهذا يدل على أنهما كانا تزودا، وقيل: كان زادهما الحوت وكان مملحًا (قلت): والظاهر من الحديث أنه إنما حمل الحوت معه ليكون فقده دليلًا على موضع الخضر كما تقدم من قوله تعالى لموسى: احمل معك حوتًا في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثَم، وعلى هذا فيكونان تزودا شيئًا آخر غير الحوت، والله (لقد لقينا) أي قاسينا (من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا، وقيل جوعًا، وفيه دليل على جواز إخبار الإنسان بما يجده من الأمراض والألم وأن ذلك لا يقدح في الرضا ولا في التسليم بالقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا تسخط (قال) رسول الله صلى الله

وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ المكَانَ الذِي أُمِرَ بِهِ. {قَال أَرَأَيتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} [الكهف: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: (ولم ينصب) موسى أي لم يجد موسى ألم النصب والتعب (حتى جاوز المكان الذي أُمر به) أي أمر بطلب العبد الأعلم فيه وهو مجمع البحرين أي إلا بعد أن جاوز موضع فقد الحوت وكان الله تعالى جعل وجدان النصب بسبب طلب الغداء سبب تذكر ما كان من الحوت، ومن هنا قيل: إن النصب هو الجوع فـ (قال) فتاه يوشع بن نون في جواب قول موسى: آتنا غدائنا (أرأيت) يا موسى أي أخبرني والمراد أخبرك يا موسى، والظرف في قوله: (إذ أوينا) وانضممنا (إلى الصخرة) ونزلنا عندها متعلق بقوله: (فإني نسيت الحوت) والمعنى أخبرك يا موسى أني نسيت الحوت وقت إيوائنا ونزولنا عند الصخرة، وهذا قول يوشع جوابًا لموسى وإخبارًا له عما جرى ومعنى أوينا انضممنا ونزلنا وهي هنا بقصر الهمزة لأنه لازم ونسبة الفتى النسيان إلى نفسه نسبة عادية لا حقيقة (وما أنسانيه) أي وما أنساني الحوت بكسر الهاء في رواية غير حفص على القياس، وبضمها على روايته على الأصل كما بسطنا الكلام عليه في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه (إلا الشيطان أن أذكره) أي أن اذكر الحوت وأخبر فقدانه لك، وأن المصدرية مع الفعل في تأويل مصدر منصوب على أنه بدل اشتمال من الضمير في أنسانيه وهو من إبدال الظاهر من المضمر أي وما أنساني ذكر فقدان الحوت عندما سقط في البحر إلا الشيطان، وكان موسى - عليه السلام - ألزمه أول سفرهما بأن يخبره حين يفقد الحوت كما وقع صريحًا في رواية البخاري فلذلك اعتذر يوشع بهذا القول، ولفظ البخاري أن موسى قال لفتاه: (لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت) فاعتذر بذلك القول ويعني الفتى بذلك أن الشيطان سبب للنسيان والغفلة عن الشيء بما يورده على القلب من الخوض في غير المعنى المطلوب، ومن المعلوم أن النسيان لا صنع فيه للإنسان وأنه مغلوب عليه ولذلك لم يؤاخذ الله تعالى به، وإنما محل المؤاخذة الإهمال والتفريط والانصراف عن الأمور المهمة إلى ما ليس بمهم حتى ينسى المهم وهذا هو فعل الشيطان المذموم أن يُشغل ذكر الإنسان بما ليس بمهم ويزينه له حتى ينصرف عن المهم فيذم على ذلك ويُعاقب فيحصل مقصود الشيطان من الإنسان (واتخذ) الحوت (سبيله في البحر عجبًا) أي اتخذ الحوت طريقه في البحر سربًا يابسًا، تعجب منه يوشع

63]. قَال مُوسَى: {قَال ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]. قَال: يَقُصَّانِ آثارَهُمَا، حَتَّى أتَيَا الصخْرَةَ فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيهِ بِثَوْبٍ، فَسَلمَ عَلَيهِ مُوسَى، فَقَال لَهُ الْخَضِرُ: أَنَّى بِأرْضِكَ السلامُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتعجب به غيره ممن شاهده أو سمع قصته، قال النووي: قيل: إن لفظة عجبًا يجوز أن تكون من تمام كلام يوشع، وقيل: من كلام موسى أي قال موسى: عجبت من هذا عجبًا، وقيل: من كلام الله تعالى ومعناه واتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا اهـ (قال موسى) لفتاه: (ذلك) الموضع الذي نفقد فيه الحوت هو (مما كنا نبغي) أي هو الموضع الذي جئنا نطلبه لأن مطلوبنا فيه، وقوله: نبغي بإثبات الياء وقفًا ووصلًا في رواية ابن كثير ويعقوب (فارتدا) أي فرجع موسى وفتاه وراءهما، وقوله: (على آثارهما) جمع أثر وهو موضع القدم متعلق بقوله: (قصصًا) وعلى بمعنى اللام أي رجعا وراءهما، حالة كونهما يقضان قصصًا أي قاصين متتبعين لآثار أقدامهما وباحثين عن موطئهما (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره: (يقصان آثارهما) أي يتتبعان آثار أقدامهما (حتى أتيا الصخرة) التي رقدا في ظلها وانسل الحوت عندها من المكتل (فرأى) موسى (رجلًا مسجى عليه) أي ملتفًا عليه (بثوب) مغطى به كتغطية الميت، وقد جاء مفسرًا في رواية البخاري قال: (جعل طرف ثوبه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه) وفي رواية (مستلقيًا على قفاه) أي مباشرًا بظهره وقفاه الأرض مستقبلًا بوجهه السماء كهيئة الميت الملفوف بالكفن وليس بنائم، ولذلك لما سلم عليه موسى كشف الثوب عن وجهه وقال: عليك السلام من أنت؟ (فسلم عليه) أي على الخضر (موسى) - عليه السلام -، قال القاضي عياض: فيه تسليم الماشي والمجتاز على القاعد والمضطجع اهـ (فقال له) أي لموسى: (الخضر أنى) اسم استفهام خبر مقدم، وقوله: (بأرضك) متعلق بقوله: (السلام) وهو مبتدأ مؤخر أي وكيف سلامك عليّ بأرضك التي أنت فيها الآن أي من أين حصل لك السلام في هذه الأرض التي لا يُعرف فيها السلام وهو استفهام استبعاد، وقال القرطبي: وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن ذلك الموضع كان قفرًا لم به أحد يصحبه ولا أنيس يكلمه، ويحتمل أن يكون أهل ذلك الموضع لا يعرفون السلام الذي سلم به موسى إما لأنهم ليسوا على دين موسى وإما لأنه ليس من كلامهم، وأنى تأتي بمعنى حيث وكيف وأين ومتى حكاه القاضي عياض، وفيه من الفقه تسليم القائم على المضطجع وهذا

قَال: أنا مُوسَى. قَال: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَال: نَعَم. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ القول من الخضر كان بعد أن رد - عليه السلام - لا قبله، قال القاضي: وهذا الكلام من الخضر يدل على أن السلام لم يكن عندهم معروفًا إلا في الأنبياء والأولياء إذا كان موضع لقاءهم بأرض كفر اهـ أبي. قال العيني: قوله: (أنى بأرضك السلام) فيه وجهان: أحدهما: أن يكون بمعنى كيف للتعجب والمعنى السلام بهذه الأرض عجيب وكأنها كانت دار كفر أو كانت تحيتهم بغير السلام، والثاني: أن يكون بمعنى من أين كقوله تعالى: {أَنَّى لَكِ هَذَا} فهي ظرف مكان، والسلام مبتدأ مؤخر، وأنى خبره مقدمًا، وموضع بأرضك نصب على الحال من السلام، والتقدير من أين استقر السلام حال كونه بأرضك اهـ باختصار. ومساق هذه الرواية يدل على أن اجتماع موسى بالخضر عليهما السلام كان في البر عند الصخرة وهو ظاهر قوله: (حتى إذا أتى الصخرة رأى رجلًا مسجى بثوب) وفي بعض طرق البخاري (حتى أتى الصخرة فإذا رجل مسجي) فعطفه بالفاء المعقبة وإذا المفاجئة غير أنه قد ذكر البخاري ما يقتضي أنه رآه في كبد البحر وذلك أنه قال فيها: (فوجدا خضرًا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجي بثوبه وجعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه) أخرجها البخاري في رقم [4726] وكبد البحر وسطه وهذا يدل على أنه اجتمع به في البحر، ويحتمل أن موسى مشى على الماء وتلاقيا عليه وهذا لا يستبعد على موسى والخضر فإن الذي خرق لهما من العادة أكثر من هذا وأعظم وعلى هذا فهذه الزيادة تضم إلى الرواية المتقدمة ويجمع بينهما بأن يقال إن وصول موسى للصخرة واجتماعه مع الخضر كان في زمان متقارب أو وقت واحد لطي الأرض وتسخير البحر والقدرة صالحة، وهذه الحالة خارقة للعادة ولما كان كذلك عبر عنها بصيغة التعقيب في الاتصال اهـ من المفهم. (قال) موسى للخضر حين استبعد سلامه عليه في تلك الأرض التي أهلها كفار (أنا موسى، قال) الخضر له أنت (موسى بني إسرائيل؟ قال) موسى: (نعم) أنا موسى بني إسرائيل، وكلمة نعم هي حرف جواب في الإيجاب فكأنه قال: أنا موسى بني إسرائيل فهذا نص في الرد على نوف وعلى من قال بقوله: وهم أكثر اليهود، وفي هذه الرواية حذف تقديره (قال مجيء ما جاء بك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا) فـ (قال)

إِنَّكَ عَلَى عِلمٍ مِن عِلْمِ الله عَلمَكَهُ الله لَا أَعلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْم مِن عِلمِ الله عَلمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ. قَال لَهُ مُوسَى، عَلَيهِ السلامُ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخضر لموسى: (إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه) أنا؛ وهو علم الظواهر والشرائع (وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) أنت يا موسى وهو علم المغيبات، قال الأبي: قوله تعالى لموسى إن لي عبدًا هو أعلم منك فإذا كان علمهما مختلفًا فكيف يبنى أفعل التفضيل مما لا شركة فيه؟ قلت بأن الخضر كان مكلفًا فكان يعلم بعض الشرائع فشارك موسى بها واختص بكثير من أمور التكوين فصار أعلم منه والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم قص الله سبحانه ما جرى بين موسى والخضر بعد اجتماعهما فقال: (قال له) أي لذلك العبد الأعلم (موسى هل أتبعك) هذا كلام مستأنف مبني على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فماذا جرى بينهما من الكلام بعد اجتماعهما؟ فقيل: قال له أي للخضر موسى عليهما السلام: (هل أتبعك) أي هل أصحبك، والاستفهام فيه للاستئذان (على) شرط (أن تعلمني) والجار والمجرور في موضع الحال من الكاف أي حال كونك ملتبسًا بتعليمي وهو استئذان منه في اتباعه له على شرط التعليم ويكفيك دليلًا في شرف الاتساع (مما علمت رشدًا) أي على شرط أن تعلمني علمًا ذا رشد وإصابة أرشد به في ديني كائنًا مما علمك الله سبحانه وتعالى، وفي هذا السؤال ملاطفة ومبالغة في حسن الأدب لأنه استأذنه أن يكون تابعًا له على أن يعلمه مما علمه الله تعالى من العلم، قال الإمام: والآية تدل على أن موسى راعى أنواع الأدب حيث جعل نفسه تبعًا له بقوله: (هل أتبعك) واستأذنه في إتيانه هذه التبعية وأقر على نفسه بالجهل ولأستاذه بالعلم في قوله: (على أن تعلمني) ومن في قوله: (مما علمت) للتبعيض أي لا أطلب مساواتك في العلوم وإنما أريد بعضًا من علومك كالفقير يطلب من الغني جزءًا من ماله، وفي قوله: (مما علمت) اعتراف بأنه أخذ العلم من الله، والرشد الوقوف على الخير وإصابة الصواب، وفي الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب وليس في ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى فقد يأخذ الفاضل من المفضول وقد يأخذ الفاضل من الفاضل إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر فقد كان علم موسى علم الأحكام

قَال إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَال سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)} [الكهف: 66 - 69] ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرعية والقضاء بظاهرها وكان علم الخضر علم بعض الغيب ومعرفة البواطن اهـ من الحدائق، فأجاب الخضر لموسى إلى ما سأله بما يقتضي أن ذلك ممكن لولا المانع الذي من جهتك وهو عدم صبرك ف (قال) جازمًا في قضيته لما علمه من حاله (إنك) يا موسى (لن تستطيع معي صبرًا) أي لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي لأن الظواهر التي هي علمك لا توافق ذلك فإني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله علمكه لا أعلمه أنا، ثم أكد ذلك مشيرًا إلى علة عدم الاستطاعة فقال: (وكيف تصبر) يا موسى وتسكت (على ما لم تحط به خبرًا) أي علمًا، وخبرًا تمييز محول عن الفاعل أي لم يحط به خبرك أي علمك أو منصوب على أنه مصدر معنوي لتحط لأن قوله لم تحط معناه لم تخبر فكأنه قال لم تخبره خبرًا وإليه أشار مجاهد، والخبر بضم الخاء وسكون الباء العلم بالشيء والخبير بالأمور هو العالم بخفاياها وبما يحتاج إلى الاختبار منها، والاستفهام فيه إنكاري بمعنى النفي أي لا تصبر على ذلك أي وكيف تصبر وأنت نبي على ما أقول من أمور ظواهرها منكرة وبواطنها مجهولة، والرجل الصالح العالم لا يتمالك أن يصبر إذا رأى ذلك بل يبادر بالإنكار اهـ من الحدائق (قال) موسى للخضر: (ستجدني إن شاء الله) تعالى صبري معك (صابرًا) معك ملتزمًا طاعتك (و) ستجدني (لا أعصي لك أمرًا) أي لا أخالف أمرًا لك تأمرني به غير مخالف لظاهر أمر الله وشرعه. فجملة قوله: (لا أعصي) معطوفة على (صابرًا) فيكون التقييد بقوله: (إن شاء الله) شاملًا للصبر ونفي المعصية كما أشرنا إليه في الحل أي ستجدني صابرًا وغير عاص أي لا أخالفك في شيء ولا أترك أمرك فيما أمرتني به اهـ من الحداثة، وقوله: (إن شاء الله) تفويض أمره إلى الله تعالى في الصبر وجزم بنفي المعصية وإنما كان منه ذلك لأن الصبر أمر مستقبل ولا يدري كيف يكون حاله فيه، ونفي المعصية معزوم عليه حاصل في الحال فالاستثناء فيه ينافي العزم عليه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم، ويمكن أن يفرق بينهما بأن الصبر ليس مكتسبًا لنا بخلاف فعل المعصية وتركها فإن ذلك كله مكتسب لنا اهـ من المفهم، وفي الحدائق وتعليق الوعد بالمشيئة إما طلبًا لتوفيقه في الصبر ومعونته أو تيمنًا أو علمًا منه بشدة الأمر وصعوبته فإن الصبر من مثله عند مشاهدة الفساد شديد جدًا لا يكون إلا بتأييد الله تعالى، وقبل: إنما استثنى لأنه لم يكن على ثقة فيما التزم من الصبر وهذه عادة الصالحين اهـ منه.

قَال لَهُ الخضِرُ: {قَال فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 70]. قَال: نَعَم. فَانطَلَقَ الخضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البحرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَة، فَكَلَّمَاهُم أَن يَحْمِلُوهُمَا، فَعَرَفُوا الخضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيرِ نَولٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال له الخضر) لموسى: (فإن اتبعتني) أي فإن صحبتني لأخذ العلم وهو إذن له في الاتباع، والفاء لتفريع الشرطية على ما مر من التزامه للصبر والطاعة (فلا تسألني عن شيء) تشاهده من أفعالي وتنكره مني في نفسك أي لا تفاتحني بالسؤال عن حكمته فضلًا عن المناقشة والاعتراض (حتى أحدث) وأخبر (لك منه) أي من حكمة ذلك الشيء الذي فعلته (ذكرًا) أي إخبارًا أي حتى ابتدئ لك ببيانه، وفيه إيذان بأن كل ما صدر منه فله حكمة وغاية حميدة ألبتة، وهذا من آداب المتعلم مع العالم والتابع مع المتبوع، وهذه الجمل المعنوية (قال): و (قال) مستأنفة استئنافًا بيانيًا لأنها جوابات عن سؤالات مقدرة كل واحدة ينشأ السؤال عنها مما قبلها اهـ من الحدائق، قال القرطبي: هذا من الخضر تأديب وإرشاد لما يقتضي دوام الصحبة ووعد بأنه يعرفه بأسرار مايراه من العجائب فلو صبر ودأب لرأى العجب لكنه أكثر من الاعتراض فتعين الفراق والإعراض اهـ من المفهم، والمعنى: قال له الخضر: إن سرت معي فلا تفاتحني في شيء أنكرته علي حتى ابتدئ بذكره فأبين له وجه صوابه فإني لا أقدم على شيء إلا وهو صواب جائز في نفس الأمر وإن كان ظاهره غير ذلك فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم اهـ من الحدائق (قال) موسى للخضر: (نعم) لا أسألك عن شيء فعلته حتى تخبرني عنه ذكرًا فتوافقا على ذلك الشرط فانطلقا، والفاء في قوله: (فانطلق) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا عرفت ما شرط الخضر على موسى وقبول موسى ذلك الشرط وأردت بيان ما فعلا بعد ذلك فأقول لك: انطلق (الخضر وموسى) أي ذهبا بعد اتفاقهما حالة كونهما (يمشيان) بأرجلهما (على ساحل البحر) وجانبه طلبًا للسفينة ليركباها، وأما يوشع فقد صرفه موسى إلى بني إسرائيل أوكان معهما، وإنما لم يذكر في الآية لأنه تابع لموسى فاكتفى بذلك المتبوع من ذكر التابع اهـ منه (فمرت بهما سفينة فكلماهم) أي كلم الخضر وموسى أهل السفينة وسألاهم (أن يحملوهما) ويركبوهما على السفينة (فعرفوا الخضر فحملوهما) أي أركبوهما (بغير نول) أي بغير أجرة، والنول

فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِن أَنوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ. فَقَال لَهُ مُوسَى: قَوم حَمَلُونَا بِغَيرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِم فَخَرَفتَهَا لِتُغرِقَ أَهْلَهَا. {جِئْتَ شَيئًا إِمْرًا (71) قَال أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَال لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والنوال: العطاء اهـ نووي (فـ) لما ركبا (عمد الخضر) أي قصد (إلى) نزع (لوح) أي إلى قلع لوح (من ألواح السفينة فنزعه) أي قلع ذلك اللوح من السفينة أي ثقبها الخضر وشقها لما بلغوا اللج أي معظم الماء حيث أخذ فأسًا فقلع بغتة أي على غفلة من القوم من ألواحها لوحين مما يلي الماء فجعل موسى يسد الخرق بثيابه وأخذ الخضر قدحًا من زجاج ورقع به خرق السفينة أي سده بخرقة، رُوي أنه لما خرق السفينة لم يدخلها الماء (فقال له) أي للخضر (موسى) عليهما السلام هم (قوم حملونا بغير نول) أي بغير أجر، قال القرطبي: وفيه قبول الرجل الصالح ما يكرمه به من يعتقد فيه صلاحًا ما لم يتسبب هو بإظهار صلاحه لذلك فيكون قد أكل دينه وذلك محرم وربا اهـ مفهم (عمدت) أي قصدت (إلى سفينتهم فخرقتها لتنرق أهلها) أي لتهلك ركابها بالماء فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها وهم قد أحسنوابنا حيث حملونا بغير أجرة وليس هذا جزاءهم، فاللام لام العاقبة، وقيل: لام العلة اهـ من الحدائق، والله {لَقَدْ جِئْتَ شَيئًا إِمْرًا} أي والله لقد أتيت وفعلت يا خضر شيئًا عجيبًا عظيمًا شديدًا على القوم، قال في القاموس: أمر إمر منكر عجيب، يقال: أمر الأمر إذا كبر، والأمر الاسم منه، وقال أبو عبيدة: الإمر الداهية العظيمة {قَال} الخضر لموسى: {أَلَمْ أَقُلْ} الاستفهام فيه للتقرير أي قد قلت لك {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} أي لا تقدر صبرًا معي فيما ترى مما أفعل وهو تذكير لما قاله أولًا متضمن للإنكار على عدم الوفاء بوعده، وفي رواية الربيع بن أنس عند ابن أبي حاتم إن موسى لما رأى ذلك امتلأ غضبًا وشد ثيابه وقال: أردت إهلاكهم ستعلم أنك أول هالك، فقال له يوشع: ألا تذكر العهد، فأقبل عليه الخضر فقال: ألم أقل لك، فأدرك موسى الحلم فـ (قال) موسى للخضر: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} وإن الخضر لما خلصوا قال لصاحب السفينة: إنما أردت الخير فحمدوا رأيه وأصلحها الله على يديه ذكره الحافظ في الفتح، والمعنى أي لا تؤاخذني بنسياني وصيتك بعدم السؤال من حكمة الأفعال قبل البيان فإنه لا مؤاخذة على الناس فما مصدرية، ويحتمل كونها موصولة أي لا تؤاخذني بالذي نسيته وهو قول الخضر: {فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ

وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)} [الكهف: 71 - 73]، ثُم خَرَجَا مِنَ السفِينَةِ، فَبَينَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى الساحِلِ إِذَا غُلام يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. فَأخَذَ الْخَضِرُ بِرَأسِهِ، فَاقتَلَعَهُ بِيَدِهِ، فَقَتَلَهُ. فَقَال مُوسَى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَال أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ شَيءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} {وَلَا تُرْهِقْنِي} أي لا تكلفني يا خضر ولا تحملني {مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} أي ما لا أقدر عليه من التحفظ عن النسيان حيث وقع، والمعنى قال موسى للخضر: لا تؤاخذني بما غفلت عن التسليم لك وترك الإنكار عليك ولا تكلفني مشفة ولا تضيق على أمري ولا تعسر علي متابعتك بل يسرها بالإغضاء وترك المناقشة فإني أريد صحبتك ولا سبيل لي إليها إلا بذلك (ثم خرجا) أي خرج الخضر وموسى (من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل) أي على ساحل البحر وجانبه، فكلمة بينما هي بين زيدت فيها ما فلزمت الإضافة إلى الجملة كما مر بسط الكلام فيها في أوائل كتاب الإيمان، جملة (إذا غلام يلعب مع الغلمان) جوابها، وإذا فجائية رابطة لجوابها؛ والمعنى فبينما أوقات مشيهما على الساحل فاجأهما غلام يلعب مع الغلمان، قال القرطبي: الغلام من الرجال من لم يبلغ وتقابله الجارية في النساء، قال الكلبي: اسم هذا الغلام شمعون، وقال الضحاك: حيسون، وقال وهب: اسم أبيه سلاس واسم أمه رُحمى، وقال ابن عباس: كان شابًّا يقطع الطريق فلعل هذا القول لم يصح عن ابن عباس، بل الصحيح عنه أنه كان لم يبلغ (فأخذ) هـ (الخضر) من بينهم وهم عشر صبيان يلعبون بين قريتين وكان وضيء الوجه (برأسه فاقتلعه) الخضر (بيده) أي قلع رأسه من جسده بيده (فقتله) الخضر أي فقتله بذبحه مضطجعًا بالسكين أو بفتل عنقه، وقال الحافظ ابن حجر: يجمع بين الروايتين بأنه ذبحه ثم اقتلع رأسه، وقيل معنى قتله أشار باصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم خرجا من السفينة فبينما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب من الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله" كذا في الصحيحين برواية أبي بن كعب رضي الله عنه ولكن لم يبين القرآن كيف قتله؛ أحز رأسه أم ضرب رأسه بالجدار أم بطريق آخر؟ وعلينا أن لا نهتم بذلك إذ لو علم الله فيه خيرًا لنا لذكره ولكن بينته السنة كما ذكرنا آنفًا (فقال موسى) للخضر: (أقتلت) يا خضر؟ والاستفهام فيه للتوبيخ المضمن للإنكار أي هل قتلت يا خضر (نفسًا زاكية) أي طاهرة من الذنوب لأنها صغيرة لم تبلغ

بِغَيرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيئًا نُكْرًا (74) قَال أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} [الكهف: 74 - 75]؟ قَال: وَهذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى. {قَال إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الحنث أي الإثم والذنب وهو قول الأكثرين {بِغَيرِ} مقابلة {نَفْسٍ} أخرى قتلتها هذه النفس المقتولة لك أي بغير قتلها نفسًا محرمة يعني لم تقتل نفسًا فيقتص منها، وخص هذا من بين مبيحات القتل كالكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان لأنه أقرب إلى الوقوع بالنظر إلى حال الغلام اهـ من الحدائق، وفي قراءة (زكية) بإسقاط الألف وتشديد الياء وهي بمعناها لكنها أبلغ من زاكية لأن فعيلًا المحول عن فاعل يدل على المبالغة، وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافرًا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا" متفق عليه وهذا لفظ مسلم. والله {لَقَدْ جِئْتَ} وفعلت يا خضر {شَيئًا نُكْرًا} أي شيئًا منكرًا أنكر من الأول لأن ذلك كان خرقًا يُمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه؛ والمعنى أي والله لقد فعلت شيئًا تنكره العقول وتنفر منه النفوس وإنما قال هنا: {نُكْرًا} وقال هناك: (إمرًا) لأن قتل الغلام أقبح من خرق السفينة لأن ذلك لم يكن إهلاكًا لنفس إذ ربما لا يحصل الغرق وفي هذا إتلاف النفس قطعًا فكان أنكر اهـ من الحدائق (قال) الخضر لموسى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} يا موسى، والهمزة فيه للاستفهام التقريري المضمن للتوبيخ لموسى على ترك الوصية، زاد هنا لفظة {لَكَ} على سابقه لتشديد العتاب على رفض الوصية لأنه قد نقض العهد مرتين. قال القرطبي: ذكر {لَكَ} في هذه المرة ولم يذكرها في المرة الأولى مقابلة له على قلة احترامه في هذه المرة فإن مقابلته بـ {لَكَ} مع كاف خطاب المفرد يُشعر بقلة احترامه والله أعلم اهـ من المفهم. {إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَال} النبي صلى الله عليه وسلم: (وهذه) المقالة الثانية يعني قوله: ألم أقل لك (أشد) أي أوكد (من) المقالة (الأولى) يعني ألم أقل بلا زيادة لك، في العتاب بزيادة لفظة {لَكَ} في هذه دون الأولى حين تكرر منه الاشمئزاز والاستكبار مع عدم الارعواء بالتذكير أول مرة، قال البغوي: رُوي أن يوشع كان يقول لموسى: اذكر العهد الذي أنت عليه، وفي البخاري قال: لا يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما" {قَال} موسى للخضر: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيءٍ بَعْدَهَا} أي بعد هذه المرة أو بعد هذه النفس المقتولة {فَلَا تُصَاحِبْنِي}

قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَال لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيهِ أَجْرًا (77)} [الكهف: 76 - 77]، يَقُولُ مَائِلٌ، قَال الْخَضِرُ بِيَدِهِ هكَذَا، فَأقَامَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ترافقني أي لا تجعلني صاحبًا لك ولا تكن مرافقًا معي بل أبعدني عنك وإن سألت صحبتك، نهاه عن مصاحبته مع حرصه على التعليم لظهور عذره ولذا قال: {قَدْ بَلَغْتَ} ووجدت {مِنْ لَدُنِّي} أي من قبلي {عُذْرًا} أي سببًا تعتذر به في فراقي وطردي حيث خالفتك مرة بعد أخرى أي قد كنت عندي معذورًا في فراقي، وهذا كلام نادم أشد الندم قد اضطره الحال إلى الاعتراف وسلوك سبيل الإنصاف، والعذر بضمتين وسكون الذال في الأصل تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه بان يقول لم أفعل أو فعلت لأجل كذا أو فعلت فلا أعود، وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر بلا عكس، والاعتذار عبارة عن محو أثر الذنب اهـ من الحدائق {فَانْطَلَقَا} أي فانطلق الخضر وموسى عليهما السلام بعد المرتين الأوليين بعدما شرطا ذلك (حتى إذا أتيا) ووصلا (أهل قرية) لئام أي بخلاء، قال قتادة: القرية أيلة أو أنطاكية، وقيل برقة، وقيل قرية من قرى أذربيجان، وقيل قرية من قرى الروم أي وصلاهم بعد الغروب في ليلة باردة (استطعما أهلها) أي طلبا من أهلها أن يطعموهما ضيافة، قيل: لم يسألاهم ولكن نزولهما عندهم كالسؤال منهم، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التأكيد أو لكراهة اجتماع الضميرين في هذه الكلمة أو لزيادة التشنيع على أهل القرية بإظهارهم (نأبوا) أي فأبى أهل القرية وامتنعوا {أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} أي أن يطعموهما {فَوَجَدَا} أي فوجد الخضر وموسى عليهما السلام {فِيهَا} أي في تلك القرية {جِدَارًا} أي حائطًا مائلًا {يُرِيدُ} أي يوشك أن ينقض أي أن يسقط فمسحه الخضر بيده (فأقامه) أي أقام الخضر الجدار بالإشارة بيده فاستقام أو هدمه ثم بناه، وفسر الراوي قوله: (يريد أن ينقض) بقوله: (يقول): أي يريد الله سبحانه أي يعني الله بقوله: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} هو (مائل) أي ذلك الجدار مائل قريب إلى السقوط، فـ {قَال} الخضر) أي أشار الخضر إليه (بيده هكذا فأقامه) أي أثبته، قال القرطبي: الجدار الحائط، وينقض يسقط، ووصفه بالإرادة مجاز مستعمل لأن الجدار ليس له حقيقة الإرادة ومعناه قرب إلى الانقضاض وهو السقوط، وقد فسره في الحديث بقوله: (يقول مائل) فكان فيه دليل على وجود المجاز في القرآن وهو مذهب الجمهور، ومما يدل على

قَال لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَينَاهُم فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا، لَو شِئتَ لَتَخِذتَ عَلَيهِ أجْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمال ذلك المجاز وشهرته قول الشاعر: يريد الرمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل وقال آخر: إن دهرًا يلف شملي بسلمى ... لزمان يهم بالإحسان وقال آخر: في مهمه فلقت به هاماتنا ... فلق الفؤوس إذا أردن نصولا والنصول هنا: الثبوت في الأرض من قولهم نصل السهم إذا ثبت في الرمية فشبه وقع السيوف على رؤوسهم بوقع الفؤوس في الأرض الشديدة فإن الفأس يقع فيها ويثبت ولا يكاد بخرج، والمجاز موجود في القرآن والسنة كما هو موجود في كلام العرب لأنهما عربيان وقد استوفينا مباحث هذه المسألة في الأصول اهـ من المفهم. وقوله: (قال الخضر) أي أشار إلى الجدار (بيده هكذا) أي إلى الاستقرار وعدم السقوط (فأقامه) أي فأثبته ومنعه من السقوط ففيه تعبير عن الفعل بالقول وهو شائع اهـ نووي، وقوله: (قال بيده هكذا فأقامه) يعني به أشار إليه بيده فقام، فيه دليل على كرامات الأولياء وكذلك كل ما وُصف من أحوال الخضر في هذا الحديث وكلها أمور خارق للعادة هذا إذ تنزلنا على أنه ولي لا نبي، وقد اختلف فيه أئمة أهل السنة والظاهر من مساق القصة واستقراء أحواله مع قوله: (وما فعلته عن أمري) أنه نبي يوحى إليه بالتكليف والأحكام كما أوحي إلى الأنبياء غيره غير أنه ليس برسول وهذا هو القول الراجح فيه لأن خير الأمور أوسطها اهـ من المفهم. (قال له): أي للخضر (موسى) هم (قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا) الطعام {لَوْ شِئْتَ} يا خضر {لَاتَّخَذْتَ} بوزن علمت أي لأخذت هذه قراءة ابن كثير وأبي عمرون ويعقوب وقراءة غيرهم {لَاتَّخَذْتَ} وهما لغتان بمعنى واحد من الأخذ وهذه المقالة صدرت من موسى سؤالًا على سبيل العرض وهو الطلب برفق ولين لا على سبيل الاعتراض {عَلَيهِ} أي على عملك هذا الذي هو إقامة الجدار بالإشارة {أَجْرًا} أي أجرة

قَال: {قَال هَذَا فِرَاقُ بَينِي وَبَينِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْويلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا (78)} [الكهف: 78]. قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَرحَمُ الله مُوسَى، لَوَدِدتُ أنهُ كَانَ صَبَرَ حَتى يُقَصَّ عَلَينَا مِن أَخبَارِهِمَا". قَال: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "كَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا". قَال: "وَجَاءَ عُصفُور حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، ثم نَقَرَ فِي الْبَحرِ. فَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى تشتري بها طعامًا أي كان ينبغي لك أن تأخذ منهم أجرًا على عملك لتقصيرهم فينا مع حاجتنا وليس لنا في إصلاح الجدار فائدة فهو من فضول العمل فـ (قال) الخضر لموسى: (هذا) الوقت (فراق بيني وبينك) أي وقت الفراق بيني وبينك أو هذا الاعتراض الثالث منك سبب الفراق الموعود بقولك: (فلا تصاحبني) {سَأُنَبِّئُكَ} أي سأخبرك والسين للتأكيد لعدم تراخي التنبئة {بِتَأْويلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا} أي بعاقبة ومآل ما لم تقدر يا موسى صبرًا عليه من الأفعال الثلاثة التي صدرت مني وهي: خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، ومالمها خلاص السفينة من اليد الغاصبة، وخلاص أبوي الغلام من شره مع الفوز ببدل حسن، واستخراج اليتيمين الكنز، وذكر الثعلبي أن الخضر قال لموسى: أتلومني على خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، ونسيت نفسك حين ألقيت في البحر، وحين قتلت القبطي، وحين سقيت أغنام ابنتي شعيبًا احتسابًا ذكره الحافظ في فتح الباري، قال أبي بن كعب بالسند السابق (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله موسى) ويسامح له عن استعجاله والله (لوددت) وأحببت (أنه كان صبر) على ما فعله الخضر (حتى) يتعلم منه علومًا كثيرة عجيبة فـ (بقص) بالبناء للمجهول أي فيقص الله سبحانه (علينا) في كتابه (من أخبارهما) قصصًا كثيرة عجيبة (قال) أبي بن كعب أيضًا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت) المعارضة (الأولى من موسى نسيانًا) لعل مراده أن اعتراض موسى على الخضر عليهما السلام في خرق السفينة كان نسيانًا لما تعاهد عليه من قوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} وأما اعتراضه الثاني على قتل الغلام فلم يكن نسيانًا للعهد بل حينما رأى الخضر يرتكب القتل لم يتمالك نفسه وأنكر عليه، وأما الثالث فكان مشورة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجاء عصفور) من الطير (حتى وقع) وقام (على حرف السفينة) وطرفها (ثم نقر) العصفور أي أدخل منقاره (في) ماء (البحر) ليشرب من مائه (فقال له) أي لموسى:

لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلمِ الله إِلا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (الخضر ما نقص علمي وعلمك) يا موسى (من علم الله) سبحانه (إلا مثل ما نقص) أي إلا قدر ما نقص (هذا العصفور) بمنقاره (من) ماء (البحر) فكان علمنا كالهباء المنثور بالنسبة إلى علم الله تعالى، ولفظ النقص ليس على ظاهره لأن علم الله تعالى لا يدخله النقص وإنما هو تمثيل للتقريب إلى الأفهام والمراد أن علم المخلوقات بالنسبة إلى علم الله تعالى شيء لا يعتد به، وقد وقع في رواية ابن جريج ما هو صريح في هذا المعنى ولفظه عند البخاري في التفسير (والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر) والروايات يُفسر بعضها بعضًا وهذا التوجيه هو الظاهر المتبادر من غير تكلف فلا حاجة إلى التوجيهات الأخرى التي تكلف بها الشراح وذكرها الأبي والحافظ في كتاب العلم من الفتح. قوله: (يرحم الله موسى لو صبر) قال الأبي: لا يقال القطع إنما كان من الخضر فكيف يقال من موسى لو صبر وإنما القياس أن يقال ذلك في الخضر لأنا نقول إن موسى هو المشروط عليه الصبر ولم يتفق له التمادي عليه اهـ وقال أيضًا: (قوله: ما نقص علمي وعلمك) .. إلخ من المعلوم أن نقر العصفور ينقص من البحر وإن لم يظهر النقص لعظم ماء البحر وحينئذٍ يشكل التشبيه لأنه يقتضي أن النقص يعرض لعلم الله سبحانه وذلك مستحيل فيتعين التأويل، قال القاضي وتأويله أن يكون المراد بالعلم هنا المعلوم وأنه على سبيل التمثيل والتقريب للأفهام فالمعنى ما نسبة معلومي ومعلومك إلى معلومات الله تعالى إلا كنسبة ما نقصه العصفور إلى ماء البحر ولفظ النقص مجاز اهـ وقال النووي: هذا على التقريب للأفهام وإلا فنسبة علمهما أقل وأحقر اهـ، وقال القرطبي: والمراد من التمثيل نفي الأثر والنسبة، والمعنى أن معلومي ومعلومك لا نسبة له إلى معلومات الله تعالى كما أن الذي أخذ العصفور لا أثر له بالنسبة إلى ماء البحر. (قلت): يعني لا أثر لنسبة تظهر وإلا فلما أخذ نسبة في نفس الأمر، والأولى أن يقال إنه على وجه التقريب للأفهام لأن التشبيه إنما يكون بين أمرين متناهيين وما نقص العصفور وماء البحر متناهيان ومعلومات الله تعالى غير متناهية فلا تعقل النسبة إليها، قال القرطبي: أيضًا أو يكون ذلك بالنسبة إلينا أي ما نقص معلومنا مما جهلناه من معلومات

قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ: وَكَانَ يَقْرَأ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا. وَكَانَ يَقرَأُ: وَأَما الْغُلامُ فَكَانَ كَافِرًا. 6010 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الأَعلَى القَيسِي. حَدَّثَنَا الْمُعتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى إلا كما نقص هذا العصفور من ماء البحر في التقدير والقلة، وقد جاء ما أشرنا إليه من التمثيل في البخاري قال: (ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ العصفور بمنقاره من البحر) فأوقع العلم موقع المعلوم والمصدر يقع موقع المفعول ومنه قولهم هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه اهـ من الأبي. (قال سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي بالسند السابق (وكان) أبي بن كعب رضي الله عنه (يقرأ وكان أمامهم) بدل وراءهم (ملك يأخذ كل سفينة صالحة) بزيادة لفظة صالحة {غَصْبًا} أي بغير حق وهذه قراءة شاذة، ولعلها تفسيرية فإن الإدراجات التفسيرية ربما يسمى قراءآت شاذة، واللفظ الواقع في القرآن الكريم {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} وقد ذكر ابن جريج في روايته عند البخاري أن اسم ذلك الملك هُدَدَ بن بُدَد، وجاء في تفسير مقاتل أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزدي وهو أول من أظهر الفساد في البحر كما بيناه في الحدائق تحت قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيدِي النَّاسِ} والله سبحانه وتعالى أعلم (وكان) أبي بن كعب أيضًا (يقرأ وأما الغلام فكان كافرًا) بزيادة لفظة كافرًا وهذه قراءة شاذة أيضًا، ولا يجوز تسميتها قرآنًا وهي أيضًا قراءة تفسيرية والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 117]، والبخاري في مواضع عديدة منها في التفسير باب فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما .. إلخ [4726]، وأبو داود في السنة باب القدر [4705 إلى 4707]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة الكهف [3149 و 3150]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 6010 - (00) (00) (حدثني محمد بن عبد الأعلى القيسي) أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا المعتمر بن سليمان) بن

التيمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ أَبِي إِسحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ قَال: قِيلَ لابنِ عَبَّاسٍ: إِن نَوفًا يَزْعُمُ أَن مُوسَى الذِي ذَهَبَ يَلْتَمِسُ العِلْمَ لَيسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَال: أَسَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَال: كَذَبَ نَوْف. حدَّثنا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِنهُ بَينَمَا مُوسَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ طرخان (التيمي) أبو محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أبي المعتمر البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن رقبة) بفتحات بن مصقلة العبدي الكوفي، ثقة، من (6) روى عن أبي إسحاق السبيعي في ذكر موسى والخضر والقدر، ونافع في القدر، ويروي عنه (خ م دت س) وسليمان التيمي ومحمد بن فضيل وأبو عوانة وابن عيينة، قال أحمد: شيخ ثقة من الثقات مأمون، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال العجلي: ثقة، وكان مفوهًا يعد من رجالات العرب، وقال الدارقطني: ثقة إلا أنه كان له دعابة ومزاح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة مأمون، وكان يمزح، من السادسة، وليس في مسلم من اسمه رقبة إلا هذا الثقة (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3) (قال) سعيد: (قيل لابن عباس) رضي الله عنهما، والقائل له هو نفس سعيد بن جبير كما هو مصرح في الرواية الأولى ولكنه أبهم هنا (إن نوفًا) بن فضالة الحميري البكالي الشامي ابن امرأة كعب الأحبار (يزعم) أي يقول قولًا بلا دليل (أن موسى الذي ذهب) مع الخضر (يلتمس) أي يطلب (العلم) أي تعلم العلم منه (ليس بموسى) بن عمران الذي أرسل إلى (بني إسرائيل) بل هو موسى بن ميشا بن أفراثيم بن يوسف - عليه السلام - (قال) ابن عباس: (أسمعته) أي هل سمعت نوفًا يقول ذلك (يا سعيد) قال سعيد: (قلت) لابن عباس: (نعم) سمعته يقول ذلك (قاال) ابن عباس: (كذب نوف) بن فضالة فيما يقول: وذلك لأنه (حدثنا أبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبو المنذر المدني، سيد القراء، كاتب الوحي، وكان ربعة نحيفًا أبيض الرأس واللحية لا يخضب الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من ثمانياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي، غرضه بيان متابعة أبي إسحاق لعمرو بن دينار (قال) أبي بن كعب: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه) أي إن الشأن والحال (بينما موسى) بن

عَلَيهِ السلامُ، فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأيامِ الله. وَأَيامُ الله نَعْمَاؤُهُ وَبَلاؤُهُ. إِذ قَال: مَا أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ رَجُلًا خَيرًا أَوْ أَعْلَمَ مِني. قَال: فَأوْحَى الله إِلَيهِ. إِني أَعلَمُ بِالْخَيرِ مِنْهُ. أَوْ عِنْدَ مَن هُوَ. إِنَّ فِي الأَرْضِ رَجُلا هُوَ أَعْلَمُ مِنكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمران (- عليه السلام -) قائم (في قومه) بني إسرائيل، حالة كونه (يذكرهم) ويعظهم (بأيام الله) تعالى التي كانت لهم وعليهم أي يأمرهم بالشكر على نعمه وبالصبر على نقمه، وفسر الراوي أيام الله بقوله: (وأيام الله) هي (نعماوه) وإحساناته التي كانت لهم كالمن والسلوى وإنجاءهم من استبعاد فرعون وقومه (وبلاؤه) التي ابتلاهم كاستبعاد القبطين لهم وذبح أبناءهم، وكلمة إذ في قوله: (إذ قال) موسى فجائية رابطة لجواب بينما المحذوف كما دلت عليه الرواية السابقة، والتقدير بينما أوقات تذكير موسى قومه بأيام الله إذ سئل موسى من أفضل أهل الأرض ومن أعلمهم؟ فـ (قال) موسى في جواب سؤال السائل أي فاجأه سؤال سائل من قومه فأجابه بقوله: (ما أعلم) أنا بصيغة المضارع المسند إلى المكلم أي مما أعلم في زماني هذا (في) أرجاء (الأرض) ونواحيها (رجلًا خيرًا) مني أي أفضل مني منزلة عند الله (أو) قال موسى: لا أعلم في الأرض رجلًا (أعلم مني) والشك من الراوي فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن دونه، وفي أغلب النسخ كنسخة الأبي والسنوسي والنسخة الطويلة المصرية (ما أعلم في الأرض رجلًا خيرًا وأعلم مني) بلا شك، قال الأبي في هذا الطريق: (إذ قال ما أعلم في الأرض) .. إلخ بلا ذكر سؤال سائل له وفي الطريق الأول (سئل أي الناس أعلم قال: أنا) فترد هذه الرواية المطلقة عن ذكر السؤال فيها إلى تلك المقيدة بذكر السؤال فيها كما قدرناه في حلنا على القاعدة الأصولية من رد المطلق إلى المقيد، وتقدم أن العتاب في تلك السابقة إنما وقع من حيث أنه لم يقيد نفي الأعلم ولم يقل في علمي لأن المخبر عن الشيء بمقتضى علمه وظنه ليس بكاذب ولكن حملت تلك الرواية السابقة المطلقة على ما في هذه لأن هذه قيدت بذلك لقوله هنا ما أعلم في الأرض .. إلخ اهـ حيث نفى الأعلم بالنسبة إلى ظنه وعلمه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأوحى الله) سبحانه (إليه) أي إلى موسى حين قال ذلك الجواب (إني أعلم بـ) الرجل (الخير) والأفضل (منه) أي من موسى يعني قال الله تعالى: إني أعلم بمن هو خير منه أي من موسى - عليه السلام - (أو) قال الله: إني أعلم (عند من هو) أي الخير أو العلم، وأو هنا للشك من الراوي والتقدير أو قال الله تعالى: إني أعلم عند من هو؟ أي العلم الأكثر من علم موسى أو الخير الأكثر من خير موسى، ثم قال الله تعالى: (إن في الأرض رجلًا هو أعلم) أي أكثر علمًا (منك) يا

قَال: يَا رَب، فَدُلنِي عَلَيهِ. قَال: فَقِيلَ لَهُ: تزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا، فَإنهُ حَيثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ. قَال: فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ حَتى انْتَهَيَا إِلَى الصخْرَةِ، فَعُمِّيَ عَلَيهِ. فَانطَلَقَ وَتَرَكَ فَتَاهُ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الماءِ. فَجَعَلَ لَا يَلتَئِمُ عَلَيهِ. صَارَ مِثلَ الْكُوَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى (قال) موسى: (يا رب فدلني عليه) أي على ذلك الأعلم مني أي دلني على طريق الوصول إليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقيل له) أي لموسى من جهة الله تعالى (تزود حوتًا مالحًا) أي خذ حوتًا مالحًا زادًا لك لسفرك إليه والحوت المالح هو المقلي بالملح، قال الأبي: وهذا نص في أن الحوت إنما أخذ للتزود وتقدم قول من قال إنما أخذه ليكون دليلًا على لقاء الخضر وكان الزاد غيره اهـ من الأبي (فإنه) أي فإن ذلك الأعلم (حيث تفقد الحوت) أي في المكان الذي فقدت فيه الحوت (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فانطلق هو) أي ذهب موسى (وفتاه) يوشع بن نون لطلب ذلك الأعلم (حتى انتهيا) ووصلا (إلى الصخرة) التي عند ملتقى البحرين (فعُمي عليه) الأمر أي أشكل والتبس عليه أي على موسى الأمر أي أمر ذلك الأعلم وموضعه، قال النووي: قوله: (فعُمي عليه) وقع في بعض الأصول بفتح العين المهملة وكسر الميم المخففة وفتح الياء على صيغة المعلوم، وفي بعضها بضم العين وتشديد الميم المكسورة على صيغة المبني للمجهول والمعنى واحد، وفي بعضها بالغين المعجمة (فـ) لما عُمي وغمي عليه أمر ذلك الأعلم واختفى عنه موضع فلم يجده عند ملتقى البحرين (انطلق) وذهب وحده لطلبه والبحث عنه (وترك فتاه) مع الحوت عند الصخرة (فاضطرب الحوت) أي تحرك وانسل من المكتل ودخل (في الماء فجعل) الماء (لا يلتئم) ولا يجتمع (عليه) أي على الحوت ولا يرجع إلى مسلكه بل (صار) مسلكه ومدخله في الماء (كالكوة) أي (مثل الكوة) والطاق لا يرجع إليه الماء وهي بفتح الكاف وضمها مع تشديد الواو فيهما الطاق ولعل مراد الراوي هنا أن موسى - عليه السلام - عمي عليه الطريق فانطلق وحده وفارق فتاه وهذا مخالف لما سبق من أن موسى - عليه السلام - قد نام في ظل الصخرة ولعل تفرقهما وقع بعد استيقاظهما لفترة يسيرة، وقول الراوي هنا: (وترك فتاه واضطرب الحوت في الماء) يدل بظاهره أن اضطراب الحوت وقع في حال تفرقهما ولكن الروايات الأخرى الصحيحة تدل على أنه وقع في حالة نوم موسى، والظاهر أنه قد وقع في هذه

قَال: فَقَال فَتَاهُ: أَلا أَلْحَقُ نَبِيَّ الله فَأخبِرَهُ؟ قَال: فَنُسيَ، فَلَما تَجَاوَزَا قَال لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62]. قَال: وَلَمْ يُصِبهُم نَصَبٌ حَتَّى تَجَاوَزَا. قَال: فَتَذَكَّرَ قَال {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَينَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)} [الكهف: 64 - 65]. فَأَرَاهُ مَكَانَ الْحُوتِ. قَال: ههُنَا وُصِفَ لِي. قَال: فَذَهَبَ يَلتَمِسُ فَإِذَا هُوَ بِالخضِرِ مُسَجًّى ثَوْبا، مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْقَفَا، أَوْ قَال: عَلَى حَلاوَةِ الْقَفَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الرواية تقديم وتأخير في بيان بعض الواقعات (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقال فتاه: ألا) حرف عرض أي ألا (ألحق نبي الله) موسى (فأخبره) بفقدان الحوت (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فنسي) الفتى إخبار فقدان الحوت بموسى فانطلقا {فَلَمَّا جَاوَزَا} الصخرة {قَال} موسى {لِفَتَاهُ} يوشع بن نون: {آتِنَا} أي أعطنا وقرب لنا {غَدَاءَنَا} ما يؤكل في أوائل النهار، والله {لَقَدْ لَقِينَا} أي قاسينا وذقنا {مِنْ سَفَرِنَاهَذَا نَصَبًا} أي تعبًا ومشقة {قَال} رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولم يصبهم نصب) ولا تعب (حتى تجاوزا) الصخرة {قَال} رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتذكر) الفتى شأن الحوت وفقدانه فـ {قَال} الفتى لموسى: {أَرَأَيتَ} أي أخبرني يا موسى {إِذْ أَوَينَا إِلَى الصَّخْرَةِ} ونزلنا عندها {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} لك وأخبره (و) قد {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} ومسلكه {فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} أي مسلكًا عجيبًا يُتعجب منه بعدم انطباق الماء عليه {قَال} موسى لفتاه (ذلك) أي فقدان الحوت علامة وجدان {مَا كُنَّا نَبْغِ} ـه ونطلبه من الرجل الأعلم {فَارْتَدَّا} أي ارتد موسى وفتاه ورجعا {عَلَى آثَارِهِمَا} أي على أعقابهما وقصا أي تتبعا لآثار طريقهما {قَصَصًا} أي تتبعا (فأراه) أي فأرى الفتى لموسى (مكان الحوت) ومسلكه في البحر (قال) موسى: (ها هنا) أي هذا المكان الذي قلت لي إنه مكان الحوت هو الذي (وصف) وذكر (لي) من الله سبحانه بأن الرجل الأعلم فيه يعني تحت الصخرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذهب) موسى (يلتمس) ويطلب الخضر ويبحث عنه (فإذا هو) أي موسى راء (بالخضر) حالة كونه (مسجى) أي مغطى (ثوبًا) أي بثوب (مستلقيًا) أي مضطجعًا (على القفا) أي على ظهر ومؤخر رأسه أي مباشرًا بظهره وقفاه الأرض مستقبلًا بوجهه السماء كهيئة الميت (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيًا (على حلاوة القفا) والشك من الراوي أو ممن

قَال: السَّلامُ عَلَيكُمْ، فَكَشَفَ الثوبَ عَنْ وَجْهِهِ قَال: وَعَلَيكُمُ السَّلامُ. مَنْ أَنتَ؟ قَال: أَنَا مُوسَى. قَال: وَمَنْ مُوسَى؟ قَال: مُوسَى بَنِي إِسرَائِيلَ. قَال: مَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ دونه أي على وسط القفا لم يمل عنه يمينًا ولا شمالًا، قال النووي: "حلاوة القفا هي وسط القفا والقفا مؤخر الرأس ومعناه لم يمل على أحد جانبيه وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها أفصحها الضم .. إلخ اهـ نووي، ويقال فيه أيضًا حلاواء بفتح الحاء والمد في آخره، وحلاوى بضم الحاء والقصر، وحكى أبو عبيد حلواء بالمد أيضًا، وفيه جواز النوم والاستلقاء كذلك بل استحبه بعضهم للتفكر في الملكوت، وفي بعض روايات البخاري أنه وجده على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجي بثوب وكبد البحر وسطه وكبد كل شيء وسطه، والطنفسة بساط صغير كالنمرقة يقال: بضم الطاء والفاء وبكسرهما وبكسر الطاء وفتح الفاء من الأبي. قال القرطبي (قوله: حلاوة القفا) يعني بها والله أعلم أن هذه الضجعة مما تستحل لأنها ضجعة استراحة فكأنه أو حلاوة ضجعة القفا وكان هذه الضجعة من الخضر كانت بعد تعب عبادة وآثر هذه الضجعة لما فيها من تردد البصر في المخلوقات ورؤية عجائب السماوات فكان الخضر في هذه الضجعة متفرغ عن الخليقة مملوء لاح بما لاح له من الحق والحقيقة، ولذلك لما سلم عليه موسى - عليه السلام - كشف الثوب عن وجهه وقال: وعليك السلام من أنت؟ اهـ من المفهم فـ (قال) موسى للخضر: (السلام عليكم فكشف) الخضر (الثوب عن وجهه) فـ (قال) الخضر: (وعليكم السلام، من أنت؟ ) فـ (قال) موسى: (أنا موسى) فـ (قال) الخضر: (ومن موسى؟ ) فـ (قال) موسى أنا (موسى بني إسرائيل) فـ (قال) الخضر لموسى: (مجيء) عظيم بالرفع منونًا وبلا تنوين مبتدأ وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بصفة محذوفة و (ما) زائدة للتوكيد، وجملة (جاء بك) خبر المبتدأ أي مجيء عظيم جاء به، والجملة الاسمية مقول قال، قال القاضي عياض: ضبطناه عن أبي بحر بضم الهمزة بدون تنوين، وما حينئذٍ للاستفهام، والمعنى مجيء أي شيء جاء بك أي جئت لماذا؟ وعن غيره منونًا وهو أظهر أي مجيء لأمر عظيم جاء بك وقد تجيء ما للتهويل والتعظيم، ومنه قولهم لأمر ما تدرعت الدروع وجاء بك خبر لهذا المبتدأ اهـ من الأبي، قال القرطبي: قوله: (مجيء ما جاء بك) ضبطه ابن ماهان بالهمز والتنوين وعلى هذا

قَال: جِئتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشدًا. قَال: {قَال إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)} [الكهف: 68]، شَيءٌ أُمِرْتُ بِهِ أَن أَفعَلَهُ إِذَا رَأَيتَهُ لَمْ تَصْبِرْ. قَال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَال فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون (ما) نكرة تامة صفة لمجيء مسوغة للابتداء به وهي التي تكون للتهويل والتفخيم والتعظيم كقولهم لأمر ما تسوّد من تسوّد، ولأمر ما تدرعت الدروع فيكون معناه مجيء عظيم وأمر مهم حملك على أن تركت ما كنت عليه من أمر بني إسرائيل واقتحمت الأسفار وقطع المفاوز والقفار، وقد زاد فيه بعض الرواة أن الخضر قال له: (وعليك السلام أنى بأرضنا يا نبي بني إسرائيل أما كان لك فيهم شغل؟ قال: بلى، ولكني أُمرت أن أصحبك مستفيدًا منك) فأجاب بجواب المتعلم المسترشد بين يدي العالم المرشد ملازمًا للأدب والحرمة ومعظمًا لمن شرفه الله بالعلم وأعلى رسمه، فـ (قال: جئتـ) ــــك (لتعلمني مما علمت رشدًا) قرأه الجماعة بضم الراء وسكون الشين، وقرأه يعقوب وأبو عمرو بالفتح فيهما، وهما لغتان، ويقال: رشد بالفتح يرشد رشدًا بالضم ورشد بالكسر يرشد رشدًا بالفتح من باب فرح، ومعنى الرشد الاستقامة في الأمور وإصابة وجه السداد، والصواب فيها وضده الغي وهو منصوب عن المصدر ويكون في موضع الحال، ويصح أن يكون مفعولًا لأجله، وفيه من الفقه التذلل والتواضع للعالم وبين يديه واستئذانه في سؤاله والمبالغة في احترامه وإعظامه ومن لم يفعل هكذا فليس على سنة الأنبياء ولا على هديهم كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه" رواه أحمد [5/ 323]، والحاكم في المستدرك [1/ 122] وصححه ووافقه الذهبي اهـ من المفهم (قال) الخضر: (انك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا) وذلك الذي لا تصبر عليه هو (شيء أُمرت به) أي بفعله من جهة الله، وجملة قوله: (أن أفعله) بدل من ضمير به (إذا رأيته) أي إذا رأيت ذلك الشيء (لم تصبر عليه) لمخالفته الشرع الظاهر الذي أنت عليه (قال) موسى: (ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا، قال) الخضر: (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) الخضر،

[الكهف: 69 - 71]. قَال: انْتَحَى عَلَيهَا. قَال لَهُ مُوسَى، عَلَيهِ السَّلامُ: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيئًا إِمْرًا (71) قَال أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَال لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)} [الكهف: 71 - 72 - 73]، فَانْطَلَقَا حَتى إِذَا لَقِيَا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ. قَال: فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأيِ فَقَتَلَهُ، فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى، عَلَيهِ السَّلامُ، ذَعْرَةَ مُنْكَرَةً. {قَال أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي في تفسير خرقها (انتحى) أي اعتمد الخضر واستند (عليها) أي على السفينة بثقل جسمه وقصد خرقها، والانتحاء في الأصل اعتماد الإبل في سيرها على أيسرها كما في القاموس، ولعل المراد أن الخضر - عليه السلام - اعتمد على لوح من ألواح السفينة باحد جانبيه لينفصل عنها بثقل جسمه والله أعلم (قال له موسى - عليه السلام -: أخرقتها لتنرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا) أي ضعيف الحجة، يقال رجل إمر أي ضعيف الرأي ذاهبه يحتاج إلى أن يؤمر، قال مجاهد: منكرًا، وقال مقاتل: عجبًا، وقال الأخفش: يقال أمر أمره يأمر أمرًا إذا اشتد، والاسم: الإمر بكسر الهمزة قال الراجز: لقد لقي الأقران مني نكرًا ... داهية دهياء إذا إمرًا وفيه من الفقه العمل بالمصالح إذا تحقق وجهها، وجواز إصلاح كل المال بفساد بعضه (قال) الخضر لموسى: (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا، قال) موسى: (لا تؤاخذني بما نسيت) أي بنسياني وسهوي عهدك، فما مصدرية في تأويل المصدر مع فعلها (ولا ترهقني من أمري عسرًا) أي لا تكلفني ما لا أقدر عليه من التحفظ عن السهو (فانطلقا حتى إذا لقيا غلمانًا يلعبون) بين القريتين (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (فانطلق) الخضر (إلى أحدهم) وقوله: (بادي الرأي) ظرف لقوله: (فقتله) أي ذهب إلى أحدهم مسارعًا فقتله بادي الرأي أي في أول الأمر من غير تفكر ولا تأمل ولا تحقق رأي، وبادي يجوز فيه الهمز وتركه والمعنى عند الهمز أول الرأي وعند تركه ظاهر الرأي أي انطلق إليه مسارعًا إلى قتله من غير فكر (فذُعر) على صيغة المبني للمفعول أي فزع (عندها) أي عند تلك الفعلة التي هي قتله الغلام أي فزع (موسى - عليه السلام -) عند تلك القتلة (ذعرة منكرة) أي فزعًا شديدًا ودهش دهشًا شديدًا وعند ذلك لم يتمالك موسى أي بادر بالإنكار تاركًا للاعتذار، فـ (قال: أقتلت) يا خضر (نفسًا زاكية) أي طاهرة من الذنب

بِغَيرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيئًا نُكْرًا}. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، عِندَ هَذَا المَكَانِ "رَحْمَةُ اللهِ عَلَينَا وَعَلَى مُوسَى، لَولا أنهُ عَجَّلَ لَرَأَى العَجَبَ. وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ. {قَال إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (بغير) مقابلة (نفس) قتلتها تلك المقتولة هذه قراءة العامة وقرأ الكوفيون وابن عامر (زكية) بغير ألف وتشديد الياء، قال ثعلب: الزكية أبلغ، قال أبو عبيد: الزكية في الدين والزاكية في البدن، قال الكسائي: هما بمعنى واحد كقاسية وقسية، وقال ابن عباس: مسلمة، وقال أبو عمر: الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم تابت، وقال ابن جبير: يريد على الظاهر، وقوله: (بغير نفس) يعني لم تقتل نفسًا فتستحق القتل قصاصًا اهـ من المفهم، والله (لقد جئت) وفعلت يا خضر (شيئًا نكرًا) أي منكرًا فاحشًا أشد الفحش (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند) ما وصل (هذا المكان) من القصة (رحمة الله علينا وعلى موسى) - عليه السلام -، قال النووي: فيه استحباب ابتداء الإنسان بنفسه في الدعاء وشبهه من أمور الآخرة، وأما أمور الدنيا فالأدب فيها الإيثار وتقديم غيره على نفسه اهـ (لولا أنه) أي أن موسى (عجّل) الإنكار على الخضر، فلولا حرف امتناع لوجود، وجملة عجل خبر أن، وجملة أن في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء لأن لولا تلازم المبتدأ والخبر محذوف وجوبًا لقيام جواب لولا مقامه، وجملة قوله: الرأى) موسى (العجب) من أمور الخضر، جواب لولا، واللام رابطة لجواب لولا، والتقدير لولا تعجيل موسى الإنكار على الخضر المستلزم للفراق بينهما موجود لرأى موسى من شؤون الخضر الأمور العجيبة والأفعال الغريبة، وجملة لولا من شرطها وجوابها مقول لقال (ولكنه) أي ولكن موسى (أخذته) وهيجته على الإنكار (من صاحبه) يعني الخضر (ذمامة) بفتح الذال المعجمة، الجار والمجرور في قوله من صاحبه صفة لذمامة مقدمة عليه أي ولكن موسى هيجته على الإنكار ذمامة واقعة من صاحبه أي مخالفة لظاهر الشرع واقعة من الخضر بقتل النفس الزكية والذمامة الاستحياء من كثرة مخالفته للشرع، وقيل: ملامة على ترك إنكار المنكر على صاحبه، والأول أظهر وأشهر، وذكر عياض في بعضهم أن الذمامة هنا من الذمام جمع ذمة وهو ما كان شارطه عليه من الفراق (قال) موسى للخضر: إن سألتك عن شيء) مما فعلته (بعدها) أي بعد هذه الفعلة يعني قتل الغلام (فلا تصاحبني) أي فلا تتركني صاحبًا لك بل فارقني، قال القرطبي:

قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76]، وَلَوْ صَبَرَ لَرَأى العَجَبَ -قَال: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَدَأ بِنَفْسِهِ "رَحمَةُ اللهِ عَلَينَا وَعَلَى أَخِي كَذَا، رَحْمَةُ اللهِ عَلَينَا"- فَانْطَلَقَا حَتى إِذَا أتَيَا أَهْلَ قَريَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمَجَالِسِ فَاسْتَطعَمَا أَهْلَهَا، {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَال لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا القول أبرزه من موسى إستحياؤه من كثرة المخالفة للشرع وتهديده لنفسه عند معاودتها للاعتراض عليه بالمفارقة اهـ من المفهم (قد بلفت) وحصلت (من لدني) أي من جهتي (عذرًا) أي سببًا تعتذر به في فراقي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولو صبر) موسى على مخالفته الشرع وترك الإنكار عليه (لرأى) من شؤون الخضر وأفعاله الغريبة (العجب) أي الأمور العجيبة التي يتعجب منها كل من رآها أو سمعها (قال) أبي بن كعب رضي الله عنه: (وكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ذكر أحدًا من الأنبياء) بالرحمة والدعاء (بدأ بنفسه) الشريفة فيقول: (رحمة الله علينا وعلى أخي كذا) أي فلان فكذا اسم مبهم يكنى به عن الأسماء في محل الجر بدل من أخي، بدل كل من كل مبني على السكون لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا نظر إلى أصله وإلا فهو محكي مجرور بكسرة مقدرة للحكاية، وقوله ثانيًا: (رحمة الله علينا) توكيد لفظي للأول (فانطلقا) أي انطلق الخضر وموسى عليهما السلام بعد قتل الغلام يتماشيان (حتى (ذا أتيا أهل قرية لئامًا) صفة لأهل، جمع لئيم ككريم وكرام، واللئيم هو من كان دنيء النسب خسيس الحسب، والفاء في قوله: (فطافا) زائدة في جواب إذا أي طاف الخضر وموسى عليهما السلام (في المجالس) أي في مجالسهم ومحافلهم طلبًا للضيافة والإطعام أي طافا ودارا وجالا عليهم في مجالسهم (فاستطعما) معطوف على طافا أي طلبا الإطعام من (أهلها) أي من أهل تلك القرية فابوا أي أبي وامتنع أهلها من (أن يضيفوهما) أي من أن يعطوا لهما حق الضيافة، ذكر بعض العلماء أن إضافة المسافرين كان واجبًا في شرعهم فلما تركوا هذا الوجب استحقوا الملامة، وذهب آخرون إلى أن الإطعام لمان لم يكن واجبًا عليهم فإن قرى الضيف من مكارم الأخلاق لا يمنعه إلا اللئام، ولهذا وصفهم باللؤم والله أعلم اهـ من التكملة. (فوجدا) أي فوجد الخضر وموسى عليهما السلام (فيها) أي في تلك القرية (جدارًا يريد أن ينقض) أي يوشك أن يسقط لتقادم زمانه (فأقامه) أي فأقام الخضر ذلك الجدار ونصبه بالإشارة إليه بيده (قال) موسى للخضر: (لو شئت لاتخدت عليه

أَجْرًا (77) قَال هَذَا فِرَاقُ بَينِي وَبَينِكَ} [الكهف: 77 - 78] وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ. قَال: {بِتَأْويلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 78 - 79]. إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَإِذَا جَاءَ الذِي يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً فَتَجَاوَزَهَا فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ. وَأَمَّا الْغُلامُ فَطُبعَ يَوْمَ طُبعَ كَافِرًا. وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيهِ. فَلَوْ أَنهُ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أجرًا، قال) الخضر لموسى: (هذا) الوقت وقت يحصل فيه (فراق بيني وبينك، وأخذ) الخضر (بثوبه) لمفارقة موسى أو المعنى وأخذ الخضر بثوب موسى ليبين له ما أشكل عليه قبل مناجزة الفرات، و (قال) لموسى: (سأنبئك بتأوبل ما لم تستطع عليه صبرًا، أما السفينة) التي خرقتها (فكانت لمساكين يعملون في البحر) اقرأ (إلى آخر الآية) يعني قوله فأردت أن أعيبها، قال القرطبي: القراءة المتواترة بتخفيف السين جمع مسكين سموا بذلك شفقة عليهم، وقرأها ابن عباس بتشديدها جمع مساكٍ سموا بذلك لإمساكهم السفينة وملازمتهم لها، قيل: كانوا عشرة خمسة يعملون في البحر وخمسة زمناء (فإذا جاء) الملك (الذي يسخرها) أي يسخر السفينة ويغصبها ويأخذها والمراد بالذي يسخرها الملك الذي كان يغصب السفن من ملاكها، وقوله: (جاء الذي يسخرها) من التسخير وهو جعل الشيء مطيعًا له ومنقادًا ومذللًا يقال: سخر فلانًا إذا ذلله وكذلك تكليف شخص على عمل بلا أجرة يسمى تسخيرًا يقال: سخره إذا كلفه عملًا بلا أجرة، والمراد بالتسخير هنا الأخذ والضبط بلا بدل والله أعلم اهـ دهني (وجدها منخرتة) أي مخروقة غير صحيحة (فتجاوزها) أي فيجاوزها ويمر عليها بلا أخذ لها بكونها غير صالحة (فـ) إذا جاوزها ومر عليها (فأصلحوها) بلفظ الماضي أي أصلح أهل السفينة السفينة (بـ) سد خرقها بـ (خشبة) ولوحة وانتفعوا بها (وأما الغلام) الذي قتلته (فطُبع) أي خُلق قلبه (يوم طُبع) أي يوم خُلق جسمه (كافرًا) أي على صفة قلب كافر من القسوة والجهل وحب الفساد (وكان أبواه قد عطفا) وأشفقا (عليه) وأحباه (فلو أنه أدرك) وبلغ (أرهقهما) أي كلفهما (طغيانًا وكفرًا) أي حملهما على الطغيان والكفر وألحقهما بهما والمراد بالطغيان هنا الزيادة في الضلال والتمرد فيه، قوله: (وكان أبواه قد عطفا عليه) أي أحباه وأقبلا عليه بشفقتهما وحنوّهما فخاف الخضر لما أعلمه الله تعالى بمآل حاله أنه إن عاش لهما حتى يكبر ويثقل بنفسه جبلهما بحكم محبتهما له أن يطيعاه ويوافقا على ما يصدر منه من

{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَينِ يَتِيمَينِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ} [الكهف: 81 - 82]. إِلَى آخِرِ الآيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكفر والفساد فيكفران بذلك، وقوله: (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه) أي ولدًا خيرًا لهمما من هذا الغلام (زكاة) أي نماء وصلاحا ودينا ونصبه على التمييز (وأقرب) أي وأوصل (رحمًا) بضم الراء وسكون الحاء بمعنى رحيما بفتح الراء وكسر الحاء، فالمراد بالزكاة هنا معناها اللغوي هو الطهارة والمقصود بها الإسلام أو صلاح الأعمال، وبالرحم الرحمة لوالديه، وبزهما، وقيل: المراد أنهما يرحمانه، وذكر الحافظ في الفتح عن الأصمعي أن الرحم بكسر الحاء القرابة وبسكونها الفرج وبضمها الرحمة، وذكر بعض العلماء أنه أبدلهما الله بنتًا صالحة، قال القرطبي: وحُكي عن ابن عباس أنهما رُزقا جارية ولدت نبيًّا، وقيل: كان من نسلها سبعون نبيًّا، وأخرج النسائي من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أبدلهما جارية فولدت نبيًّا من الأنبياء، وذكر السدي أن اسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة، أخرجه ابن أبي حاتم وعند ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنها ولدت غلامًا يعني أبدلهما الله تعالى غلامًا ولكن إسناده ضعيف اهـ فتح الباري [8/ 421] قال القرطبي: ويفيد هذا الحديث تهوين المصائب بفقد الأولاد وإن كانوا قطعًا من الأكباد، ومن سلّم للقضاء سفرت عاقبته عن اليد البيضاء اهـ (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة) اسمهما أصرم وأصيرم، وقد تقدم أن اليتم في الناس من قبل فقد الأب وفي غيرهم من الحيوان من قبل الأم اهـ من المفهم (وكان تحته) أي تحت ذلك الجدار (كنز لهما) وظاهر الكنز أنه مال مكنوز أي مجموع، وقال ابن جبير: كان ذلك الكنز صُحف العلم، وقال ابن عباس: كان لوحًا من ذهب مكتوبًا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب؟ عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح؟ عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل؟ عجبت لمن يعرف بالدنيا وتقليبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله (وكان أبوهما صالحًا) قال أهل التفسير: إنه كان جدهما السابع وكان يسمى كاسحًا ففيه ما يدل على أن الله تعالى يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه، وقد روي أن الله تعالى يحفظ الصالح في سبعة من ذويه وعلى هذا يدل قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)} [الأعراف / 196] اقرأ (إلى آخر الآية) يعني قوله. إلخ (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) أي قوتهما وهو

6011 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ اللهِ بن عَبْدِ الرحْمَنِ الدَّارِمِي. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُوسَى. كِلاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ، بِإسْنَادِ التَّيمِيِّ، عَنْ أبِي إِسْحَاقَ، نَحوَ حَدِيثِهِ. 6012 - (00) (00) وحدثنا عَمرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، وقد أضاف الخضر قضية استخراج كنز الغلامين إلى الله وأضاف عيب السفينة إلى نفسه تنبيهًا على التأدب في إطلاق الكلمات على الله تعالى فيضاف إليه ما يستحسن ويطلق عليه ولا يضاف ما يستقبح منها إليه تعالى اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 6011 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) السمرقندي (أخبرنا محمد بن يوسف) بن واقد الضبي الفريابي نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد ترك، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب كلاهما) أي كل من محمد وعبيد الله رويا (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي، ثقة، من (3) أي روى إسرائيل عن جده (بإسناد) سليمان (التيمي عن أبي إسحاق) يعني عن رقبة، غرضه بيان متابعة إسرائيل لسليمان التيمي في الرواية عن رقبة بن مصقلة عن أبي إسحاق، وساق إسرائيل (نحو حديثه) أي نحو حديث سليمان التيمي والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 6012 - 6012 - (00) (00) (وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعبٍ؛ أن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّمَ قَرَأَ: {لَاتَّخَذْتَ عَلَيهِ أَجْرًا}. 6118 - (174) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاس؛ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، عَلَيهِ السَّلامُ. فَقَال ابْنُ عَبَّاس: هُوَ الْخَضِرُ. فَمَرَّ بِهِمَا أُبَي بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ. فَدَعَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن ابن عباس عن أبي بن كعب) رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ لتخذت عليه أجرًا) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي إسحاق السبيعي. وقوله: (لتخذت) على وزن سمعت من باب فعل المكسور المتعدي وهو لغة في اتخذت. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: 6013 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني، ثقة، من (3) (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (أنه) أي أن ابن عباس (تمارى) وتنازع (هو) أي ابن عباس، وأتى بالضمير تأكيدًا لضمير الفاعل ليعطف عليه قوله: (والحرّ) بضم الحاء وتشديد الراء (بن قيس بن حصن الفزاري) ابن أخي عيينة بن حصن ذكره ابن السكن في الصحابة له ذكر في بعض الأحاديث، وفي الصحيح أنه كان ممن يدنيهم عمر رضي الله عنه اهـ من الإصابة وفتح الباري، أي تماريا وتجادلا (في صاحب موسى) بن عمران (- عليه السلام -) هل ذلك الصاحب هو الخضر أم غيره (فقال ابن عباس هو) أي صاحب موسى هو (الخضر، فمر بهما) أي على ابن عباس والحر بن قيس (أبي بن كعب الأنصاري) المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عبد الله لسعيد بن جبير (فدعاه) أي فدعا أبي بن كعب (ابن

ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَال: يَا أبَا الطفَيلِ، هَلُمُّ إِلَينَا، فَإِني قَدْ تَمَاريتُ أنا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَذْكُرُ شَأنهُ. فَقَال أُبَيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "بَينَمَا مُوسَى فِي ملإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِذ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال لَهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَال مُوسَى: لَا. فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى: بَلْ عَبْدُنَا الْخَضِرُ. قَال: فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ. فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الْحُوتَ آيةَ. وَقِيلَ لَهُ: إِذَا افْتَقَدتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عباس، فقال) ابن عباس لأبي بن كعب: (يا أبا الطفيل) كنية أبي بن كعب (هلم) أي تعال (إلينا فإني قد تماريت) وتنازعت (أنا وصاحبي هذا) يعني الحر بن قيس (في صاحب موسى الذي سأل) موسى ربه (السبيل) أي الطريق الموصلة له (إلى لقيه) أي إلى لقاء ذلك الصاحب (فهل سمعت) يا أبا الطفيل (رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه) أي شأن ذلك الصاحب وقصته مع موسى (فقال أبي) بن كعب: نعم (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول بينما موسى) بن عمران (في ملأ) أي في جماعة (من بني إسرائيل إذ جاءه) أي جاء موسى (رجل) منهم (فقال) الرجل (له) أي لموسى (هل تعلم) يا موسى (أحدًا) من الناس (أعلم) أي أكثر علمًا (منك؟ قال موسى: لا) أي لا أعلم أحدًا أعلم مني، وهذا نفي لعلمه لا نفي الأعلم (فأوحى الله) تعالى (إلى موسى، بل عبدنا الخضر) أعلم منك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فسأل موسى) ربه (السبيل) أي الطريق الموصلة (إلى لقيه) أي إلى لقاء ذلك العبد الأعلم، وهو مصدر بمعنى اللقاء نظير عصى عصيا أصله لقوى على وزن دخول فاعل فصار لقيًا أي إلى لقائه ووصوله إليه (فجعل الله) سبحانه (له) أي لموسى (الحوت) أي فقدان الحوت المملح (آية) أي علامة على موضع الخضر، وجملة قوله: (وقيل له) أي لموسى من جهة الله معطوفة على جملة جعل عطف تفسير أي وقيل لموسى بالوحي (إذا افتقدت الحوت) وافتعل هنا بمعنى الثلاثي أي إذا فقدت الحوت الذي أخذته زادًا (فارجع) إلى ورائك (فإنك ستلقاه) أي تلقى الخضر وتراه في الموضع الذي فقدت فيه الحوت (فسار موسى) مع فتاه بعدما ناما عند الصخرة في ساحل البحر قدر (ما شاء الله أن يسير) هو من الزمن والمسافة أي سارا بعدما رقدا عند الصخرة بقية يومهما وليلتهما (ثم) بعدما أصبحا من

فَسَارَ مُوسَى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسِيرَ. ثُم قَال لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا. فَقَال فَتَى مُوسَى، حِينَ سَأَلَهُ الغَدَاءَ: {أَرَأَيتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63]. فَقَال مُوسَى لِفَتَاهُ: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]. فَوَجَدَا خَضِرًا. فَكَانَ مِنْ شَأنِهِمَا مَا قَصَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ". إلَّا أن يُونُسَ قَال: فَكَانَ يَتَّبعُ أَثَرَ الحُوتِ فِي الْبَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك الليلة (قال لفتاه) يوشع بن نون: (آتنا غداءنا) لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا (فقال فتى موسى) لموسى (حين سأله) موسى (الغداء أرأيت) أي أخبرني (إذ أوينا إلى الصخرة) أي حين نزلنا عند الصخرة ورقدنا هناك (فإني نسيت الحوت) هناك (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره فقال موسى لفتاه ذلك) أي فقدان الحوت بسبب نسيانك (ما كنا نبغي) ونطلب في سفرنا هذا أي علامة على موضع الرجل الأعلم الذي كنا نطلبه في سفرنا هذا (فارتدا) على رجعا (على آثارهما) وأعقابهما وقصا أي تتبعا آثارهما (قصصًا) أي تتبعا حتى وصلا إلى الصخرة (فوجدا خضرًا) عند الصخرة (فكان من شأنهما) أي من شأن موسى والخضر أي حصل من أمرهما (ما قص الله) سبحانه وأخبر لنا (في كتابه) الكريم من قوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} إلى قوله: {ذَلِكَ تَأْويلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا} (إلا أن يونس) بن يزيد (قال) أي زاد في روايته بعد قوله: (فارتدا على آثارهما قصصًا) أي زاد لفظة (فكان) موسى (يتبع) أي يطلب (أثر الحوت) ومسلكه (في البحر) وينظر إليه عجبًا منه والله سبحانه وتعالى أعلم. وذكر الحافظ في الفتح [8/ 422] بعض فوائد مستنبطة من هذا الحديث، منها استحباب الحرص على زيادة العلم والرحلة فيه ولقاء المشايخ وتجشم المشاق في ذلك والاستعانة في ذلك بالأتباع واستخدام الحر وطواعية الخادم لمخدومه وعذر الناس وقبول الهبة من غير مسلم، وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضرر بأخفها فمقيد بما لا يعارض منصوص الشرع فلا يجوز الإقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسًا كثيرة قبل أن يقدم على ذلك وإنما فعل ذلك الخضر لإطلاع الله تعالى إياه على ذلك، وفي القصة جواز الإخبار عن التعب وما يلحق بالمرء من مرض أو ألم بشرط أن لا يكون سخطًا من المقدور، ومنها أن المتوجه إلى ربه يُعان فلا يسرع إليه النصب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجوع، وفيها حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف إليه وما يستهجن ذكره وإن كان الكل بتقديره وخلقه لقول الخضر عن السفينة فأردت أن أعيبها، وقال عن الجدار فأراد ربك والله سبحانه وتعالى أعلم. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث أبي بن كعب ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والله أعلم. وصلت في هذا الكتاب إلى هنا قبيل المغرب في تاريخ 6/ 7 / 1427 هـ.

أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم 44 - أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم أجمعين والفضائل جمع فضل، والفضل المزية والدرجة والمنقبة، ويجمع أيضًا على فواضل، وفرق بين الفضائل والفواضل بأن الفضائل المنقبة القاصرة على صاحبها كالحلم والوقار والسكينة والتواضع والخشوع والخضوع، والفواضل المنقبة المتعدية إلى الغير كالعلم والكرم، وقيل بالعكس، وقيل: هما بمعنى واحد اهـ مرشد ذوي الحجا والحاجة على سنن ابن ماجه نقلًا عن سليمان البجيرمي. والأصحاب جمع صاحب بمعنى الصحابي، والصحابي من اجتمع به صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به في حال حياته وإن لم يره أو لم يرو عنه اجتماعًا متعارفًا، وهو الاجتماع في الأرض بالجسد، ويعرف كونه صحابيًّا بالتواتر كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما أو بالاستفاضة أو بقول صحابي غيره إنه صحابي أو بقوله عن نفسه إنه صحابي إذا كان عدلًا، والصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين عدول لظاهر الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به بإجماعه اهـ منه. قال المازري: أمسك فرقة من المسلمين عن التفضيل بينهم، وقالت: هم كالأصابع في الكف لا يتعرض لتفضيل بعضهم على بعض، وقال غير هؤلاء بالتفضيل ففضلت الخطابية عمر رضي الله عنه، وفضلت الرواندية العباس رضي الله عنه، وفضلت الشيعة عليًّا رضي الله عنه، وفضلت أهل السنة أبا بكر رضي الله عنه، قال القرطبي: لم يختلف السلف والخلف في أن أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ولا عبرة بقول أهل التشيع والبدع. اهـ من المرشد. * * *

699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ 699 - (13) الأول منها باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه واسمه عبد الله بن عثمان أبي قحافة بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصديق، رواه عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسماه بذلك لكثرة تصديقه، ويسمى بالعتيق وفي تسميته بذلك ثلاث أقوال: أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر" روته عائشة، رواه الطبراني في الكبير (10) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/ 41] رواه أبو يعلى، وفيه صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف. والثاني: أنه سمته به أمه قاله موسى بن طلحة. والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه قاله الليث بن سعد، وقال ابن قتيبة: لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه. وهو أول من أسلم من الرجال، وقد أسلم على يديه من العشرة المشهود لهم بالجنة خمسة عثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم أجمعين. رفيق سيد المرسلين في هجرته وخليفته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم شهد المشاهد، وكان من أفضل الصحابة، قال الإمام الحافظ أبو الفرج الجوزي: جملة ما حفظ له من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة واثنان وأربعون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين ثمانية عشر (18) حديثًا، اتفقا على ستة، وانفرد (خ) بأحد عشر، و (م) بحديث، وكان أبيض أشقر لطيفًا مسترق الوركين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سدوا كل خوخة إلا خوخة أبي بكر" وقال عمر: أبو بكر خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة لثمان خلون منها (13) وله ثلاث وستون سنة (63) ودفن بالحجرة النبوية، روى عنه أبو هريرة في الإيمان والحج، وعائشة في الجهاد، والبراء بن عازب في الأشربة، وابنه عبد الرحمن في الأطعمة، وأنس بن مالك في الفضائل، وعائذ بن عمرو وعبد الله بن عمر وعمر وعلي و (ع) وخلق، وترجمته في تاريخ الشام في مجلد ونصف فلتراجعه إن شئت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: ومن المعلوم القطعي واليقين الضروري أنه حفظ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحفظ أحد من الصحابة وحصل له من العلم ما لم يحصل لأحد منهم لأنه كان الخليل المباطن، والصفي الملازم، لم يفارقه سفرًا ولا حضرًا ولا ليلًا ولا نهارًا ولا شدة ولا رخاء، وإنما لم يتفرغ للحديث ولا للراوية لأنه اشتغل بالأهم فالأهم، ولأن غيره قد قام عنه في الرواية بالمهم. وإذا تقرر ذلك فاعلم أن الفضائل جمع فضيلة كرغائب جمع رغيبة وكبائر جمع كبيرة مثلًا، وأصلها الخصلة الجميلة التي بها يحصل للإنسان شرف وعلو قدر ومنزلة، ثم ذلك الشرف وذلك الفضل إما عند الخلق وإما عند الخالق، فأما الأول فلا يلتفت إليه إن لم يوصل إلى الشرف المعتبر عند الخالق، فإذًا الشرف المعتبر والفضل المطلوب على التحقيق إنما هو الذي هو شرف عند الله تعالى. وإذا تقرر هذا فإذا قلنا إن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم فاضل فمعناه أن له منزلة شريفة عند الله تعالى وهذا لا يتوصل إليه بالعقل قطعًا، ولا بد أن يرجع ذلك إلى النقل، والنقل إنما يتلقى من الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك تلقيناه بالقبول، فإن وإن قطعيًّا حصل لنا العلم بذلك، وإن لم يكن قطعيًّا كان ذلك كسبيل المجتهدات، وإذا لم يكن لنا طريق إلى معرفة ذلك إلا بالخبر فلا يقطع أحد بأن من صدرت منه أفعال دينية أو خصال محمودة بأن ذلك قد بلغه عند الله منزلة الفضل والشرف فإن ذلك أمر غيب والأعمال بالخواتيم والخاتمة مجهولة والوقوف على المجهول مجهول، لكنا إذا رأينا من أعانه الله تعالى على الخير ويسر له أسباب الخير رجونا له حصول تلك المنزلة عند الله تعالى تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله في الخير ووفقه لعمل صالح" رواه أحمد [4/ 135] والترمذي [2142]. وبما جاء في الشريعة من ذلك ومن كان كذلك فالظن أنه لا يخيب ولا يقطع على المغيب، وإذا تقرر هذا فالمقطوع بفضله وأفضليته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة وهو الذي يقطع به من الكتاب والسنة أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ولم يختلف في ذلك أحد من أئمة السلف ولا الخلف ولا مبالاة بأقوال أهل الشيع ولا

6014 - (2360) (115) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. (قَال عَبْدُ اللهِ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا ثَابِت. حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَن أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل البدع فإنهم بين مكفر تضرب رقبته وبين مفسق لا تقبل كلمته وتدحض حجته. وقد اختلف أئمة أهل السنة في علي وعثمان رضي الله تعالى عنهما فالجمهور منهم على تقديم عثمان، وقد روي عن مالك أنه توقف في ذلك، وروي عنه أنه رجع إلى ما عليه الجمهور وهو الأصح إن شاء الله تعالى، وهذه المسألة اجتهادية لا قطعية ومستندها الكلي أن هؤلاء الأربعة هم الذين اختارهم الله تعالى لخلافة نبيه ولإقامة دينه فمراتبهم عنده تعالى بحسب ترتيبهم في الخلافة إلى ما ينضاف إلى ذلك بما يشهد لكل واحد منهم من شهادات النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك تأصيلًا وتفصيلًا على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وهذا الباب بحر لا يدرك قعره ولا ينزف غمره، وفيما ذكرناه كفاية والله الموفق للهداية اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: 6014 - (2360) (115) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي، ثقة، من (10) روى عنه في (20) بابا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، نسبة إلى كس مدينة فيما وراء النهر، ثقة، من (11) روى عنه في (12) بابا (وعبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (قال عبد الله) بن عبد الرحمن: (أخبرنا وقال الآخران: حدثنا حبان بن هلال) الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم أبو محمد البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أنس بن مالك) الأنصاري الخزري أبو حمزة البصري رضي الله عنه (أن أبا بكر الصديق) العتيق عبد الله بن أبي قحافة عثمان التيمي المدني رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن

حَدَّثَهُ قَال: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ. فَقُلتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ صحابي (حدثه) أي حدث أبو بكر لأنس (قال) أبو بكر: (نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن) أي أنا والنبي صلى الله عليه وسلم (في الغار) أي في غار ثور، والألف واللام في الغار للعهد الذهني كما هو مقرر في علم النحو، وضابط هذه اللام ما عهد مصحوبها ذهنًا لا ذكرًا أي في غار جبل الثور عند هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وهذا الغار صخرة على رأس الجبل وهي مجوفة خاوية ليس لها منفذ إلى الداخل إلا في أسفلها بحيث يمكن للرجل أن يدخلها مضطجعًا على بطنه فلما دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وجاء بعض أهل مكة في طلبهما أبصر أبو بكر رضي الله عنه أقدامهم من ذلك المنفذ الذي هو في أسفل الصخرة فلم يستطع أن يبصر غير الأقدام لكون المنفذ في أسفل الصخرة. وحاصل هذه القصة أن المشركين اجتمعوا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيتوه في داره فأمر عليًّا فرقد على فراشه وقال له: لن يضروك فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على بابه فأخذ الله أبصارهم عنه، ولم يروه ووضع على رأس كل واحد منهم ترابا وانصرف عنهم خارجا إلى غار ثور، فاختفى فيه فاقاموا كذلك حتى أخبرهم مخبر أنه قد خرج عليهم وأنه وضع على رؤوسهم التراب فمدوا أيديهم إلى رؤوسهم فوجدوا التراب فدخلوا الدار فوجدوا عليًّا على الفراش فلم يتعرضوا له، ثم خرجوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم ويقتصون أثره بقائف (والقائف من يعرف الآثار ويتتبعها، ومن يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود) كان معروفًا عندهم إلى أن وصلوا إلى الغار فوجدوه قد نسجت عليه العنكبوت من حينه وفرخت فيه الحمام بقدرة الله تعالى، فلما رأوا ذلك قالوا: إن هذا الغار ما دخله أحد، ثم إنهم صعدوا على أعلى الغار فحينئذٍ رأى أبو بكر أقدامهم فقال بلسان مقاله مفصحًا عن ضعف حاله لو نظر أحدهم إلى قدميه أبصرنا فأجابه من تدلى فدنا بما يذهب عنه الخوف والضنى بقوله: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة / 40] أي بالحفظ والسلامة والصون والكرامة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في الغار ثلاثة أيام حتى تجهز، ومنه هاجر إلى المدينة، وكل ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ثقة بوعد الله تعالى وتوكل، ودليل على خصوصية أبي بكر من الخلة وملازمة الصحبة في أوقات الشدة بما يسبق

يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَن أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيهِ. فَقَال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَينِ اللهُ ثَالِثُهُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه اهـ من المفهم. قال أبو بكر: (فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) قال الحافظ في الفتح [7/ 11] (قوله لو أن أحدهم نظر) إلخ فيه مجيء الشرطية للاستقبال خلافًا للأكثر واستدل من جوزه بمجيء الفعل المضارع بعدها في نحو قوله تعالى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} وعلى هذا يكون قاله حالة وقوفهم على الغار، وعلى قول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم شكرًا لله تعالى على صيانتهما منهم. [قلت]: ويؤيد الاحتمال الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر تسلية لخاطره: لا تحزن إن الله معنا. وهذا يدل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان في حالة الخوف حينئذٍ، ولو كان قاله بعد زوال الخوف لم يكن لهذا الجواب معنى. قوله: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) قال النووي: معنى ثالثهما أي بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد؛ فالمراد ناصرهما ومعينهما وإلا فالله ثالث كل اثنين بعلمه، وفيه عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذا المقام، وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه، والفضيلة من أوجه منها هذا اللفظ، ومنها بذله نفسه ومفارقته أهله وماله إلخ اهـ نووي. قال الحافظ: وفي الحديث منقبة ظاهرة لأبي بكر، وفيه أن باب الغار كان ضيقًا فقد جاء في السير للواقدي: أن رجلًا كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر: قد رآنا يا رسول الله، فقال: "لو رآنا لم يكشف عن فرجه" اهـ[قلت]: والمذهب الصحيح أن يقال في تفسير معية الله مع عباده هي صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكفيها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 4] والبخاري في مواضع كثيرة منها في فضائل الصحابة باب مناقب المهاجرين وفضلهم [3653] والترمذي في التفسير سورة التوبة [3096]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي بكر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

6015 - (2361) (116) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مَعْنٌ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضرِ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ حُنَينٍ، عَن أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَال: "عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللهُ بَينَ أَنْ يُؤتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَينَ مَا عِنْدَهُ. فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ. وبَكَى. فَقَال: فَدَينَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَال: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ. وَكَانَ أَبُو بَكرِ أَعْلَمَنَا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6015 - (2361) (116) (حدثنا عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد) بن برمك البرمكي أبو محمد البصري ثم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني القزاز، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن عبيد بن حنين) بالتصغير فيهما أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) الطلاق والفضائل (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر) في مرض موته (فقال عبد) من عباد الله تعالى (خيره الله) سبحانه (بين أن يؤتيه) ويعطيه (زهرة الدنيا) ونعيمها وأعراضها وزخارفها، شبهها بزهر الروض بجامع الحسن في كل (وبين ما عنده) تعالى من نعيم الآخرة (فاختار) ذلك العبد (ما عنده) تعالى من نعيم الآخرة، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: إن عبدًا وأبهمه ليختبر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق (فبكى أبو بكر) رضي الله عنه (وبكى) كرر الفعل لإفادة كثرة البكاء وطول مدته، . والمعنى بكى كثيرًا، ثم بكى، وزاد في رواية سالم أبي النضر عند البخاري في فضائل الصحابة (فعجب لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير) وفي رواية عبيد بن حنين عنده في الصلاة فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله (فقال) أبو بكر: (فديناك) من كل مكروه (بآبائنا وأمهاتنا) أي جعلناهم فداء لك من كل مكروه (قال) أبو سعيد الخدري: (فكان رسول الله صلى: الله عليه وسلم) هو العبد (المخير) بين ما ذكر (وكان أبو بكر أعلمنا به) أي بالعبد المخير، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو العبد المخير فبكى

وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن أَمَنَّ النَّاسِ عَلَي فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حزنًا على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائمًا. (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمن الناس) وزاد البخاري في رواية عبيد بن حنين قبله (يا أبا بكر لا تبك) وأمن اسم تفضيل من المن بمعنى العطاء لا من المنة التي تحبط العمل (علي) بمعنى لأجل، وفي قوله: (في ماله وصحبته) بمعنى اللام أي إن أكثر الناس بذلًا لنفسه وماله لأجلي (أبو بكر) حيث فارق أهله وماله وجعل نفسه وقاية لي اهـ من المرقاة. قال القرطبي: (قوله صلى الله عليه وسلم عبد خيره الله تعالى) إلخ هذا قول فيه إبهام قصد به النبي صلى الله عليه وسلم اختبار أفهام أصحابه وكيفية تعلق قلوبهم به فظهر أن أبا بكر كان عنده من ذلك ما لم يكن عند أحد منهم، ولما فهم من ذلك ما لم يفهموا بادر بقوله: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ولذلك قالوا: فكان أبو بكر أعلمنا، وهذا يدل من أبي بكر رضي الله عنه على أن قلبه ممتلئ من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستغرق عنه وشديد الاعتناء بأموره كلها من أقواله وأحواله بحيث لا يشاركه أحد منهم في ذلك، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه وصدر منه في ذلك الوقت الفهم عنه اختص بالخصوصية العظمى التي لم يظفر بمثلها بَشَرِيٌّ في الأولى ولا في الآخرة فقال: "إن من أمنِّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا" فقد تضمن هذا الكلام أن لأبي بكر من الفضائل والحقوق ما لا يشاركه فيها مخلوق، ووزن أفعل تفضيل من المنة بمعنى الامتنان أي أن أكثر الناس منة علي، ومعناه أن أبا بكر رضي الله عنه له من الحقوق ما لو كانت لغيره لامتنَّ بها وذلك أنه رضي الله عنه بادر النبي صلى الله عليه وسلم بالتصديق والناس كلهم مكذبون، وبنفقة الأموال العظيمة والناس يبخلون، وبالملازمة والمصاحبة والناس ينفرون، وهو مع ذلك بانشراح صدره ورسوخ علمه يعلم أن لله ولرسوله الفضل والإحسان والمنة والامتنان، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بكرم خلقه وجميل معاشرته اعترف بالفضل لمن صدر عنه وشكر الصنيعة لمن وجدت منه عملًا بشكر المنعم ليسن وليعلم، وهذا مثل ما جرى له يوم حنين مع الأنصار جث جمعهم فذكرهم بما له عليهم من المنن، ثم اعترف لهم بما

وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أَبا بَكْرٍ خَلِيلًا. وَلكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ. لَا تُبْقَيَن فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم من الفضل الجميل الحسن، وقد تقدم ذلك في الزكاة، وقد ذكر الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه عليها ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد كما نفعني مال أبي بكر" رواه الترمذي [3661] وذكر الحديث وقال: هو حسن غريب اهـ من المفهم. (ولو كنت متخذًا) من الناس (خليلًا لاتخدت) منهم (أبا بكر خليلًا) وقوله: (متخذًا) اسم فاعل من اتخذ الخماسي من باب افتعل وهو فعل يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف الجر، ويكون بمعنى اختار واصطفى كقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا} إلخ وقد سكت هنا عن أحد مفعوليها وهو الذي دخل عليه حرف الجر كما قدرناه في حلنا ومحل بسط الكلام في علم النحو قال ابن فرشته: الأوجه هنا أن يقال إنه من الخلة وهي الصداقة المتخللة في قلب المحب الداعية إلى إطلاع المحبوب على سره؛ يعني لو جاز لي أن أتخذ صديقًا من الخلق يقف على سري لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن لا يطلع على سري إلا الله، ووجه تخصيصه بذلك أن أبا بكر كان أقرب سرًّا من سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبا بكر لم يفضل عليكم بصوم ولا صلاة ولكن بشيء كتب في قلبه" (ولكن أخوة الإسلام) والدين باقية مستمرة بيننا فهي كافية فالخبر محذوف كما قدرناه (لا تبقين) بصيغة المبني للمجهول نهيًا مؤكدًا مشددًا، وفي نسخة بفتح أوله، والمعنى لا تتركن (في) هذا (المسجد خوخة) إلا سدت (إلا خوخة أبي بكر) الصديق رضي الله عنه، والخوخة بفتح الخاء وهو الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه، وكان الناس قد فتحوا من بيوتهم خوخات إلى المسجد النبوي ليسهل عليهم دخول المسجد كلما شاؤوا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسد هذه الخوخات كلها إلا خوخة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد ذكر الحافظ في الفتح أن ذلك كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جماعة من العلماء أن ذلك كان إشارة لاستخلاف أبي بكر رضي الله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أشكل على بعض الناس أن دار أبي بكر الصديق كانت بسنح كما جاء في قصه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث يدل على أن داره كانت ملاصقة للمسجد النبوي. والجواب عنه أنه كان له منزلان ومنزلة بالسنح كان لأصهاره من الأنصار، وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة أن دار أبي بكر الملاصقة للمسجد لم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شيء يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها فاشترتها منه حفصة أم المؤمنين بأربعة آلاف درهم فلم تزل بيدها إلى أن أرادوا توسيع المسجد في خلافة عثمان رضي الله عنه فطلبوها منها ليوسعوا بها المسجد فامتنعت وقالت: كيف بطريقي إلى المسجد؟ فقيل لها: نعطيك دارًا أوسع منها، ونجعل لك طريقًا مثلها فسلمت ورضيت اهـ فتح الباري [7/ 14]. قال القرطبي: ومعنى هذا الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه كان قد تأهل لأن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلًا لولا المانع الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه لما امتلأ قلبه بما تخلله من معرفة الله تعالى ومحبته ومراقبته حتى كأنه مزجت أجزاء قلبه بذلك لم يتسع قلبه لخليل آخر يكون كذلك فيه، وعلى هذا فلا يكون الخليل إلا واحدًا ومن لم ينته إلى ذلك ممن تعلق القلب به فهو حبيب، ولذلك أثبت لأبي بكر وعائشة رضي الله عنهما أنهما أحب الناس إليه ونفى عنهما الخلة، وعلى هذا فالخلة فوق المحبة، وقد اختلف أرباب القلوب في ذلك فذهب الجمهور إلى أن الخلة أعلى تمسكًا بما ذكرناه وهو متمسك قوي ظاهر، وذهب أبو بكر بن فورك- وهو محمد بن الحسن بن فورك الشافعي الواعظ- إلى أن المحبة أعلى، واستدل على ذلك بأن الاسم الخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم الحبيب، وبإبراهيم الخليل، ودرجة نبينا صلى الله عليه وسلم أوفع، فالمحبة أرفع اهـ من المفهم. قوله: (ولكن أخوة الإسلام) وفي رواية (لكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم -يعني نفسه- خليلًا) والخلة في اللغة المودة البالغة، وقيل أصل الخلة انقطاع إلى خليله بحيث لا يسع قلبه غيره، ومعنى الحديث أن حب الله تعالى لم يدع في قلبه موضعًا لخلة غيره، ولو كان هناك مجال لأن يكون أحد خليله صلى الله عليه وسلم لكان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبا بكر رضي الله عنه، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ خليلًا، فسمى أبا بكر أخًا له وصاحبًا. وقد يعارض هذا الحديث ما روي عن أبي بن كعب قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول: "إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلًا، وإن خليلي أبو بكر، ألا وإن الله قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا". أخرجه أبو الحسن الحربي في فوائده، وذكره الحافظ في الفتح [7/ 23] ثم قال: وهذا يعارضه ما في رواية جندب عند مسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل" وسيأتي مثله من طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أيضًا فإن ثبت حديث أبي أمكن أن يجمع بينهما بأنه لما برئ من ذلك تواضعًا لربه وإعظامًا له أذن الله تعالى له فيه من ذلك اليوم لما رأى تشوفه إليه وإكرامًا لأبي بكر بذلك فلا يتنافى الخبران، وأشار إلى ذلك المحب الطبري، وقد روي من حديث أبي أمامة نحو حديث أبي بن كعب دون التقيد بالخمس أخرجه الواحدي في تفسيره، والخبران واهيان. وأما ما روي عن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما عند رواية عدة أحاديث "أخبرني خليلي" و"أوصاني خليلي" فإما أنهما أطلقا لفظ الخليل بمعنى الحبيب، هاما أنهما أرادا أن النبي صلى الله عليه وسلم خليل لهما دون أن يكونا خليلين له صلى الله عليه وسلم لأن كل مسلم يجوز له أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خليلًا له بحيث لا يدع في قلبه مجالًا لخلة غيره وذلك لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عين محبة الله تبارك وتعالى، ولا يقال مثل ذلك إذا اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خليلًا غير الله والله أعلم. قال القرطبي: (قوله: لا تبقين في المسجد خوخة) إلخ الخوخة بفتح المعجمتين بينهما واو ساكنة باب صغير بين مسكنين، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتحوا بين مساكنهم وبين المسجد خوخات اغتنامًا لملازمة المسجد وللكون فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان فيه غالبًا إلا أنه لما كان ذلك يؤدي إلى اتخاذ المسجد طريقًا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسد كل خوخة كانت هنالك واستثنى خوخة أبي بكر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه إكرامًا له وخصوصية له لأنهما كانا لا يفترقان غالبًا، وقد استدل بهذا الحديث على صحة إمامته واستخلافه للصلاة وعلى خلافته بعده. وقد وردت عدة أحاديث في الأمر بسد الأبواب كلها إلا باب علي رضي الله عنه منها حديث سعد بن أبي وقاص قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي. أخرجه أحمد والنسائي بإسناد قوي، ومنها حديث زيد بن أرقم: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سدوا هذه الأبواب إلا باب علي" أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات، وأخرج أحمد والنسائي مثله عن ابن عباس، والطبراني عن جابر بن سمرة، وأحمد عن ابن عمر، والنسائي عن العلاء بن عرار، عن ابن عمر، وسرد الحافظ هذه الأحاديث في الفتح [7/ 15] ثم قال: وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضًا، وكل طريق منها صالح للاحتجاج به فضلًا عن مجموعها فتعارض هذه الأحاديث حديث الباب إلا أنه يمكن الجمع بينهما، وقد أشار البزار في مسنده إلى الجمع بين القصتين بأن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب لأن بيته كان في المسجد، ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين ففي الأول استثنى علي بن أبي طالب لما ذكر، وفي الأخرى استثنى أبو بكر ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخًا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها، فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 18] والبخاري في الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد [466] وفي مواضع أخر، والترمذي في المناقب باب مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه [3695].

6016 - (00) (00) حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا فُلَيحُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَن سَالِمٍ، أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ حُنَينٍ وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَال: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ النَّاسَ يَوْمًا، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 6017 - (2362) (117) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ الْعَبدِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 6516 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني، نزيل مكة، ثقة، من (15) روى عنه في (15) بابا (حدثنا فليح) مصغرًا (بن سليمان) بن أبي المغيرة الخزاعي المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن سالم) بن أبي أمية (أبي النضر) التيمي المدني، ثقة، من (5) (عن عبيد بن حنين) المدني، ثقة، من (3) (وبسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب كلاهما رويا عن (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة فليح لمالك بن أنس (قال) أبو سعيد: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يومًا) أي ذكرهم ووعظهم، وساق فليح بن سليمان (بمثل حديثه) أي بمثل حديث مالك بن أنس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي بكر الصديق بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 6017 - (2362) (117) (حدثنا محمد بن بشار العبدي) البصري (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (عن إسماعيل بن رجاء) بن ربيعة الزبيدي مصغرًا مولاهم أبي إسحاق الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (قال) إسماعيل: (سمعت عبد الله بن أبي الهذيل) العبدي أبا المغيرة الكوفي، روى عن أبي الأحوص في الفضائل وعمر وعلي وأبي بن كعب، ويروي عنه (م ت س) وإسماعيل بن رجاء وواصل بن حبان وأشعث بن أبي الشعثاء سليم، قال العجلي: تابعي ثقة وكان عثمانيًّا، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في

يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي الأَحْوَص، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُود يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتخَذْتُ أَبا بَكْرٍ خَلِيلًا. وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي. وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ، عَز وَجَلَّ، صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا". 6018 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّي وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أنَّهُ قَال: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي أَحَدًا خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أَبا بَكْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثانية، مات في ولاية خالد القسري على العراق (يحدث عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) أبو الأحوص: (سمعت عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته (يحدث) عن عبد الله (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كنت متخذًا خليلًا) من الناس (لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكنه) أي لكن أبا بكر (أخي) في الإسلام (وصاحبي) في الغار (وقد اتخذ الله) تعالى (عزَّ وجلَّ صاحبكم) يريد نفسه (خليلًا) فلا تجتمع خلة الخالق وخلة المخلوق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 377] والترمذي [3655] وابن ماجه [93]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6018 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار واللفظ لابن المثنى، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي إسحاق لعبد الله بن أبي الهذيل (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: لو كنت متخذًا من أمتي أحدًا خليلًا لاتخذت أبا بكر) خليلًا. قال القاضي عياض: الخليل هو الصاحب الواد الذي يفتقر إليه ويعتمد في الأمور

6019 - (00) (00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، عَن أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. ح وَحَدثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أبُو عُمَيسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَوْ كُنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، مأخوذ من الخلة وهي الحاجة؛ والمعنى لو كنت متخذًا من الخلق خليلًا أرجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه في جملة الأمور ومجامع الأحوال هو الله تعالى، وإنما سمي إبراهيم - عليه السلام - خليلًا من الخلة بالفتح التي هي الخصلة فإنه تخلق بخلال حسنة اختصت به أو من التخلل فإن الحب تخلل شفاف قلبه واستولى عليه أو من الخلة من حيث إنه عليه السلام ما كان يفتقر حال الافتقار إلا إليه، وما كان يتوكل إلا عليه فيكون فعيلًا بمعنى فاعل، وفي الحديث بمعنى مفعول اهـ مرقاة. والأوجه الأحسن ما نقلناه سابقًا عن ابن فرشته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 6019 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (حدثني سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن أبي الأحوص عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لشعبة بن الحجاج (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث أبو عون الكوفي المخزومي العمري، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا أبو عميس) الهذلي المسعودي عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي مليكة لأبي الأحوص (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت

مُتَّخِذًا خَلِيلًا لاتَّخَذتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلًا". 6020 - (00) (00) حدثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِشحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَن مُغِيرَةَ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي الْهُذَيلِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَوْ كُتتُ مُتَّخِذًا مِن أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلًا، لاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلًا، وَلكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللهِ". 6021 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ متخدًا خليلًا) من أمتي (لاتخذت) عبد الله بن عثمان أبي بكر (ابن أبي قحافة خليلًا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 6020 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن مغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن واصل بن حيان) بفتح المهملة والياء المشددة الأسدي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن أبي الهديل) العبدي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (1) باب واحد (عن أبي الأحوص عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة واصل بن حيان لإسماعيل بن رجاء (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت) أبا بكر (بن أبي قحافة خليلًا ولكن صاحبكم) يعني نفسه الشريفة (خليل الله) سبحانه وتعالى فلا يقبل خلة غيره تعالى لأنه سبحانه وتعالى لا يحب الشركة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 6021 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من (9) (ووكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي

ح وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُمَا)، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَلا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُل خِلٍّ مِنْ خِلِّهِ. وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، ثقة، من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الكوفي المكي (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين يعني أبا معاوية ووكيعًا وجريرًا وسفيان رووا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ) الآتي (لهما) أي لابن نمير وأبي سعيد (قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح (حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي بمعحمة ثم مهملة مكسورة بعد الألف فاء نسبة إلى خارف بطن من همدان وهو خارف بن عبد الله -كما في اللباب- الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة عبد الله بن مرة لعبد الله بن أبي الهذيل وأبي إسحاق السبيعي (قال) عبيد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إني أبرأ) مضارع برئ من باب فرح أي ألا إني أظهر وأعلن (إلى كل خل) أي إلى كل من يزعم أني اتخذته خليلًا أي أظهر وأعلن وأخبر له براءتي (من خله) وصداقته، والخل الأول بكسر الخاء باتفاق الرواة لأنه بمعنى الخليل، والخل الثاني أيضًا بكسرها عند أكثرهم، وذكر ابن الأثير أنه روي بكسر الخاء وفتحها فهو على الوجهين بمعنى الخلة بضم الخاء التي هي الصداقة. قال القرطبي: والخلة بكسر الخاء لا غير كما قال القاضي والخل بفتحها وكسرها، والمخاللة والمخالة والخلالة والخلولة الإخاء والصداقة اهـ مفهم. قال في المرشد: والمعنى أي أتبرؤ من صداقة كل من يزعم أني اتخذته خليلًا وصديقًا. (ولو كنت متخذًا خليلًا) أي لو جاز لي أن أتخذ صديقًا من الخلق تتخلل محبته في

لاتَّخَذْتُ أَبا بَكرٍ خَلِيلًا. إِن صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ". 6022 - (2363) (118) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عُثمَانَ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بَعَثَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ باطني وقلبي ويكون مطلعًا على سري (لاتخذت أبا بكر خليلًا) لكن محبوبي بهذه الصفة هو الله تعالى لا غير، وقد يكون الخليل بمعنى المحتاج إليه من الخلة بمعنى الحاجة والمعنى عليه، ولو جاز لي أن أتخذ خليلًا أي محتاجًا إليه أرجع إليه في حوائجي، وأعتمد عليه من مهماتي لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن اعتمادي في جميع الأمور على الله سبحانه وهو سبحانه ملجئي وملاذي. والمراد بقوله: (إن صاحبكم خليل الله) يريد نفسه؛ أن صاحبكم قد اتخذ الله خليلًا فليس له أن يتخذ غيره خليلًا احترازًا عن الشركة، لكن المتبادر إلى الأفهام أن الله اتخذ صاحبكم خليلًا فيجب عليه أن ينقطع إليه فكيف يتخذ غيره خليلًا، وعلى الثاني يفهم من الحديث أن الله تعالى قد اتخذ نبينا صلى الله عليه وسلم خليلًا كما اتخذه حبيبًا، والخلة ليست مخصوصة بإبراهيم - عليه السلام - بل حاصلة لنبينا صلى الله عليه وسلم بأكمل وجه وأتم مقام، ولا يخفى ما في هذا الحديث من الدلالة على فضل أبي بكر الصديق وأنه يصلح أن يكون خليلًا له صلى الله عليه وسلم لو جاز له أن يتخذ خليلًا سوى الله تعالى، وهل يعقل في العقل ويتصور في النقل درجة فوق هذا اهـ من مرشد ذوي الحاجة على ابن ماجه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بن مالك بحديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فقال: 6022 - (2363) (118) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن خالد) بن مهران المجاشعي مولاهم أبي المنازل البصري الحذاء، ثقة، من (5) روى عنه في (14) بابا (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل -بتثليث الميم- بن عمرو بن عدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (أخبرني عمرو بن العاص) بن وائل السهمي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه) أي

عَلَي جَيشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ. فَأَتَيتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: "عَائِشَةُ" قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَال: "أَبُوهَا" قُلتُ: ثُم مَنْ؟ قَال: "عُمَرُ" فَعَدَّ رِجَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أمره (على جيش) غزوة (ذات السلاسل) هو ماء لبني جذام بناحية الشام (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (فقلت) له (أي الناس أحب إليك) أي أشد محبوبية عندك (قال) أحبهم إلي (عائشة قلت: من الرجال قال): أحبهم إلي (أبوها، قلت: ثم من) أحبهم إليك (قال عمر): فسألته غيرهم (فعد) لي (رجالًا) غير هؤلاء المذكورين فتركته مخافة أن يجعلني أخيرًا. قوله: (ذات السلاسل) بفتح السين جمع سلسلة، قيل: سميت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وقيل: لأن بها ماء يقال له السلسل وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وقيل: سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة وكانت هذه الغزوة سنة سبع، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة وحورب فيها بنو لحم وحذام. قوله: (أي الناس أحب إليك) ووقع عند ابن سعد بسبب هذا السؤال أنه وقع في نفس عمرولما أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله لذلك اهـ. وفي القرطبي: سبب هذا السؤال أنه أخرجه الحرص على معرفة الأحب إليه ليقتدي به صلى الله عليه وسلم في ذلك فيحب من أحبه فإن المرء يكون مع من أحب اهـ من المفهم. قوله في الجواب: (عائشة) يدل على جواز ذكر مثل ذلك وأنه لا يعاب على من ذكره إذا كان المقول من أهل الخير والدين ويقصد بذلك مقاصد الصالحين، وإنما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بذكر محبة عائشة أولًا لأنها محبة جبلية ودينية وغيرها دينية لا جبلية فقدم الأصل على الطارئ. قوله: (أبوها ثم عمر) يدل على تفاوت ما بينهما في الرتبة والفضيلة وهو يدل على صحة ما ذهب إليه أهل السنة اهـ من المفهم. قوله: (فعد رجالًا) زاد البخاري في المغازي: فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم. والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 203] والبخاري في فضائل الصحابة باب قوله: لو كنت متخذًا خليلًا [3662] وفي المغازي باب غزوة ذات السلاسل [4358] والترمذي في المناقب باب فضل عائشة رضي الله عنها [3885].

6023 - (2364) (119) وحدثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلوَانِي. حَدَّثَنَا جَعفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَن أَبِي عُمَيسٍ. ح وَحَدثَنَا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ، (وَاللفظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَونٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ. سَمِعْتُ عَائِشَةَ، وَسُئِلَتْ: مَنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مُسْتَخْلِفًا لَو استَخلَفَهُ؟ قَالتْ: أَبُو بَكْرٍ. فَقِيلَ لَهَا: ثُم مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكر؟ قَالتْ: عُمَرُ. ثُم قِيلَ لَهَا: مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالتْ: أَبُو عُبَيدَةَ بْنُ الجَراحِ. ثُم انْتَهَت إِلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 6023 - (2364) (119) (وحدثني الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر المخزومي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي عميس) عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (واللفظ له أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا أبو عميس عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن جدعان التيمي أبي بكر المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا، قال: (سمعت عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته (و) الحال أنها (سئلت) ولم أر من ذكر اسم هذا السائل لها (من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفًا) عنه (لو استخلفه قالت) هو (أبو بكر، فقيل لها ثم من) يستخلفه (بعد أبي بكر قالت) هو (عمر، ثم قيل لها من) يستخلفه (بعد عمر، قالت) هو (أبو عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح) الفهري المدني (ثم انتهت) عائشة (إلى هذا) أي وقفت على هذا؛ يعني أبا عبيدة ولم تجاوزه، وفيه دليل لأهل السنة في تقديم أبي بكر، ثم عمر للخلافة مع إجماع الصحابة اهـ نووي. قال القرطبي: وقول عائشة رضي الله عنها في جواب السائل (أبو بكر ثم عمر ثم أبو عبيدة) قالته عن نظرها وظنها لا أن ذلك كان بنص عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلها استندت في عمر وأبي عبيدة لقول أبي بكر يوم السقيفة: رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبي عبيدة. وفي حق أبي عبيدة شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمين هذه الأمة، ولذلك قال عمر رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى: لو أن أبا

6024 - (2365) (120) حدثني عَبَّادُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا إِبرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. أَخبَرَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمدِ بْنِ جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أبِيهِ؛ أَنَّ امرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيئًا. فَأَمَرَهَا أَنْ تَرجِعَ إِلَيهِ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أرَأَيتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ -قَال أَبِي: كَأَنهَا تَعْنِي الْمَوْتَ- قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيدة حي لما تخالجني فيه شك، فلو سألني ربي عنه قلت: سمعت نبيك يقول: لكل أمة أمين وأميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح متفق عليه، ويفهم من قول عمر وعائشة جواز انعقاد الخلافة للفاضل مع وجود الأفضل فإن عثمان وعليًّا رضي الله عنهما أفضل من أبي عبيدة رضي الله عنه بالاتفاق ومع ذلك فقد حكما بصحة إمامته عليهما أن لو كان حيًّا اهـ من المفهم. وانفرد المؤلف بهذا الحديث عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أنس بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنهما فقال: 6024 - (2365) (120) (حدثني عباد بن موسى) الختلي -بضم المعجمة وفتح المثناة المشددة- نسبة إلى ختل كورة خلف جيحون، أبو محمد البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (أخبرني أبي) سعد بن إبراهيم، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي أبي سعيد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) جبير بن مطعم الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته (أن امرأة) قال الحافظ في الفتح [7/ 24] برقم (3659) لم أقف على اسمها ولم يعينها النووي ولا الأبي (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا) من حاجتها (فأمرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ترجع إليه) صلى الله عليه وسلم مرة ثانية ليقضي حاجتها (فقالت) المرأة: (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني ماذا أفعل (أن جئت) إليك (فلم أجدك) يا رسول الله قال محمد بن جبير (قال) لنا (أبي) جبير بن مطعم (كأنها) أي كان المرأة (تعني) وتريد في سبب عدم وجدان النبي صلى الله عليه وسلم (الموت) أي موته صلى الله عليه وسلم عندما رجعت فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه

"فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأتِي؟ أبا بَكْرٍ". 6025 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ حَجاجُ بْنُ الشاعِرِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم: (فإن) رجعت و (لم تجديني فأتي أبا بكر) الصديق فإنه يقضي حاجتك. قوله: (قال أبي كأنها تعني الموت) قائله محمد بن جبير بن مطعم، والمراد أن أبي وهو جبير بن مطعم فسر قول المرأة فإن لم أجدك بأنها أرادت أنها إن أتت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى من ترجع حينئذٍ. قوله: (فأتي أبا بكر) وهذا الحديث كأنه صريح في أن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي يتولى الخلافة بعده صلى الله عليه وسلم، وفيه رد على زعم الشيعة في أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليًّا رضي الله عنه، وروى الطبري من حديث عصمة بن مالك قال: قلنا يا رسول الله إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك؟ قال: "إلى أبي بكر" ولكن إسناده ضعيف، وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث سهل بن أبي حثمة قال: بايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيًّا فسأله إن أتى عليه أجله من يقضيه دينه، فقال: أبو بكر، ثم سأل من يقضيه بعده، قال: عمر. وأخرجه الطبراني في الأوسط كذا في فتح الباري [7/ 24]. قال القرطبي: (قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة إن لم تجديني فأتي أبا بكر) زعم من لا تحقيق عنده من المتاخرين أن هذا نص على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وليس كذلك، وإنما يتضمن الخبر بأنه يكون هو الخليفة بعده لكن بأي طريق تنعقد له هل بالنص عليه أو بالاجتهاد هذا هو المطلوب ولم ينص عليه في الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 82] والبخاري في مواضع منها باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذًا خليلًا [3659] والترمذي في المناقب باب مناقب أبي بكر [3676]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال: 6025 - (00) (00) (وحدثنيه حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب،

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ؛ أن أبَاهُ جُبَيرَ بْنَ مُطعِم أَخبَرَهُ؛ أَنَّ امرَأَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيءٍ. فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى. 6026 - (2366) (121) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيسَانَ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، فِي مَرَضِهِ: "ادْعِي لِي أبا بَكْرٍ وَأَخَاكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا، قال سعد بن إبراهيم (أخبرني محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي القرشي المدني، ثقة، من (3) (أن أباه جبير بن مطعم) بن عدي القرشي النوفلي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يعقوب بن إبراهيم لعباد بن موسى (أخبره) أي أخبر لمحمد بن جبير (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته) صلى الله عليه وسلم (في شيء) من حوائجها (فأمرها) النبي صلى الله عليه وسلم (بأمر) أي بأن ترجع إليه مرة ثانية لقضاء حاجتها، وساق يعقوب بن إبراهيم (بمثل حديث عباد بن موسى). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث أنس بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6026 - (2366) (121) (حدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (8) (حدثنا صالح بن كيسان) الغفاري أبو محمد المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني، ثقة حجة إمام، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سباعياته (قالت) عائشة: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه) الذي توفي فيه (ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك) عبد الرحمن بن

حَتى أَكْتُبَ كِتَابًا. فَإِنِّي أَخَافُ أَن يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ: أنا أَوْلَى. ويأبى اللهُ وَالمُؤْمِنُونَ إِلا أَبا بَكْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي بكر (حتى أكتب كتابًا) أي لكي أكتب كتابًا في وصية الاستخلاف (فإني أخاف أن يتمنى) ويطمع في الخلافة (متمن) من الناس أي طامع لا يستحقها (و) أن (يقول قائل) منهم (أنا أولى) وأحق بالخلافة من غيري لكوني أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نسبًا (و) لكن (يأبى الله) سبحانه وتعالى (والمؤمنون) من خلافة ذلك المتمني والقائل أنا أولى بها (إلا أبا بكر) أي إلا خلافته، قال النووي: في هذا الحديث دلالة ظاهرة على فضل أبي بكر، وفيه إخبار منه صلى الله عليه وسلم بما سيقع في المستقبل بعد وفاته، وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره، وفيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع فيها، ووقع كل ذلك كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأشار إليه. قوله: (ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) دليل صريح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يود استخلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم ترك التصريح بذلك ليقيم سنة الشورى بين المسلمين، وكان يعرف أن المسلمين لا يتفقون إلا على أبي بكر رضي الله عنه. قال القرطبي: وهذا الحديث ليس نصا في استخلافه، وإنما يدل على إرادة استخلافه ولم ينص عليه ألا ترى أنه لم يكتب ولم ينص، والحاصل أن هذه الأحاديث ليست نصوصًا في استخلافه لكنها ظواهر قوية إذا انضاف إليها استقراء ما في الشريعة مما يدل على ذلك المعنى من علم استحقاقه للخلافة وأن انعقادها له ضرورة شرعية والقادح في خلافته مقطوع بخطئه وتفسيقه وهل يكفر أم لا؟ مختلف فيه، والأظهر تكفيره لمن استقرأ ما في الشريعة مما يدل على استحقاقه لها وأنه أحق وأولى بها سيما وقد انعقد إجماع الصحابة على ذلك، ولم يبق مخالف في شيء مما جرى هنالك. وكانت وفاة أبي بكر رضي الله عنه على ما قاله ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وقال غيره: إنه مات عشية يوم الإثنين، وقيل: عشية يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأخيرة، وهذا قول أكثرهم، قال ابن إسحاق: وتوفي على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنتي عشرة ليلة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غيره: وعشرة أيام، وقيل: وعشرين يومًا، ومكث في خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال، وقيل: وثلاثة أشهر وسبع ليال، واختلف في سبب

6027 - (2367) (122) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ المَكِّي. حَدَّثنَا مَروَانُ بْنُ مُعَاوَيةَ الفَزَارِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، (وَهُوَ ابنُ كَيْسَانَ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشجَعِي، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ " قَال أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَال: "فَمَنْ تَبعَ مِنكُمُ اليَوْمَ جَنَازَةً؟ " قَال أَبُو بَكرٍ: أَنا. قَال: "فَمَن أَطعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ " قَال أَبُو بَكرٍ: أَنا. قَال: "فَمَنْ عَادَ مِنكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ " قَال أَبُو بَكرٍ: أَنَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امرِئ إِلا دَخَلَ الْجَنةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ موته، فقال الواقدي: إنه اغتسل في يوم بارد فحم ومرض خمسة عشر يومًا، وقال الزبير بن بكار: كان به طرف من السل، وروى عن سلام بن أبي مطيع أنه سم والله أعلم، وقد تقدم أنه مات وهو ابن ثلاث وستين سنة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 144] والبخاري في المرض برقم [5666] وفي الأحكام برقم [7217]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6027 - (2367) (122) (حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء (الفزاري) الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يريد وهو ابن كيسان) اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمان (الأشجعي) مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم اليوم صائمًا، قال أبو بكر: أنا) الصائم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعت) هذه الأمور الأربعة (في امرئ) وامرأة (إلا دخل الجنة) ظاهره أن من اجتمع له فعل هذه الأبواب في يوم واحد دخل الجنة فإنه قال فيها كلها اليوم اليوم، ولما أخبره

6028 - (2368) (123) حدثني أَبُو الطاهِرِ أَحمَدُ بْنُ عَمرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "بَينَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ، قَدْ حَمَلَ عَلَيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو بكر أنه فعل تلك الأمور كلها في ذلك اليوم بشره بأنه من أهل الجنة لأجل تلك الأمور، والمرجو من كرم الله تعالى أن من اجتمعت له تلك الأعمال في عمره وإن لم تجتمع له في يوم واحد أن يدخله الله الجنة بفضله ووعده الصادق، والمراد أنه دخل الجنة بلا محاسبة والا فمجرد الإيمان يكفي في دخولها أو المعنى دخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء. والحديث يدل على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التفقد لأحوال أصحابه وإرشادهم إلى فعل الخير على اختلاف أنواعه وعلى ما كان عليه أبو بكر من الحرص على فعل جميع أنواع الطاعات وتتبعه أبوابها واغتنام أوقاتها وكأنه ما كان له هم إلا في طلب ذلك والسعي في تحصيل ثوابه اهـ من المفهم. والحديث قد سبق تخريجه للمؤلف أيضًا في كتاب الزكاة باب من جمع الصدقة وأعمال البر وقد مر شرحه هنالك. وهو مما انفرد به الإمام مسلم كما مر هناك. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث أنس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6028 - (2368) (123) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي (قالا: أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري، قال: (حدثني سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أبو محمد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (14) بابا (أنهما سمعا أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل) ممن كان قبلكم (يسوق) قدامه (بقرة) كائنة (له) والحال أنه (قد حمل عليها) حمولة استظهر البخاري أن هذه القصة وقعت لرجل من بني إسرائيل بدليل ذكرها في (باب ما ذكر عن بني إسرائيل)

الْتَفَتَتْ إِلَيهِ الْبَقَرَةُ فَقَالتْ: إِني لَم أُخلَق لِهذَا. وَلَكِني إِنمَا خُلِقتُ لِلحَرثِ". فَقَال الناسُ: سُبْحَانَ اللهِ، تَعَجُّبًا وَفَزَعًا. أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "فَإِني أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم أر من سمى ذلك الرجل اهـ قسطلاني (فالتفتت إليه البقرة فقالت) البقرة للرجل: (إني لم أخلق لهذا) أي للحمل، والظاهر أنها تكلمت على طريق خرق العادة (ولكني إنما خلقت للحرث) أي لحرث الأرض (فقال الناس) الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبحان الله) أي تنزيهًا لله الذي كلم البقرة من كل النقائص (تعجبًا) من كلام البقرة (وفزعًا) أي خوفًا من عذاب الله الذي كلم البقرة (أبقرة تكلم) أي هل بقرة تتكلم، مضارع تفعل الخماسي بحذف إحدى التائين لتوالي الأمثال، والهمزة للاستفهام التعجبي، وبقرة مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة كونه خرقًا للعادة وتقدم الاستفهام عليه، وجملة تكلم خبر المبتدأ قالوا ذلك تعجبًا واستغرابًا لا شكًّا وارتيابًا فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله من ذلك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين قالوا ذلك (فإني أومن) وأصدق (به) أي بكلام البقرة (و) يصدق أيضًا (أبو بكر وعمر) رضي الله تعالى عنهما، والفاء في قوله فإني أومن واقعة في جواب شرط محذوف تقديره أي فإن كان الناس يستغربون فإني لا أستغربه وأومن به وأبو بكر وعمر اهـ من المرقاة. قال الحافظ في الفتح [6/ 518] وهذا محمول على أنه كان أخبرهما فصدقاه أو أطلق ذلك لما اطلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يترددان فيه. (قلت): والظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ثقة بهما لما كان يعرف من قوة إيمانهما، وأنهما لا يستغربان ذلك إذا سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بذلك، وفيه فضيلة ظاهرة لهما اهـ. وقال القرطبي: وفي الحديث دليل على أن البقرة لا يحمل عليها ولا تركب وإنما هي للحرث وللأكل والنسل والرِّسْلِ (اللبن) وفيه ما يدل على وقوع خرق العوائد على جهة الكرامة أو على جهة التنبيه لمن أراد الله به الاستقامة، وفيه ما يدل على علم النبي صلى الله عليه وسلم بصحة إيمان أبي بكر وعمر ويقينهما وأنه كان ينزلهما منزلة نفسه ويقطع على يقينهما، وهذه خصوصية عظيمة ومنزلة رفيعة لهما، و (قال أبو هريرة) أيضًا:

قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "بَينَا رَاعٍ فِي غنَمِهِ، عَدَا عَلَيهِ الذئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً. فَطَلَبَهُ الرَّاعيِ حَتى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ. فَالتَفَتَ إِلَيهِ الذِّئْبُ فَقَال لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيسَ لَهَا رَاعٍ غَيرِي"؟ فَقَال الناسُ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "فَإِني أُومِنُ بِذَلِكَ. أَنا وَأَبو بَكرٍ وَعُمَرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا) ظرف كبين زيدت فيه الألف تلازم الإضافة إلى الجمل (راع) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة قصد الجنس وأعل كقاض (في غنمه) خبر له، وجملة (عدا عليه الذنب) جواب بينا أي وثب الذئب وتعدى عليه أي على الراعي (فأخذ منها) أي من غنمه (شاة) والمعنى بينا وجود الراعي في غنمه تعدى عليه الذئب فأخذ من غنمه شاة (فطلبه) أي فطلب (الراعي) الذئب وأجرى وراءه (حتى استنقذها منه) أي حتى استنقذ الشاة وأخرجها من يد الذئب وخلصها منه (فالتفت إليه) أي إلى الراعي (الذئب فقال) الذئب (له) أي للراعي: (من لها يوم السبع) أي من يتكفل بحفظها ويمنعني عنها يوم يطردك السبع الكبار عنها كالأسد والنمر وتفر منه وبقيت أنا فيها لا راعي لها غيري لفرارك من السبع فأفعل فيها ما أشاء اهـ نووي. وأكثر المحدثين أن السبع بضم الباء، والمراد من يوم السبع يوم تغلب فيه السباع على الغنم، وقال الداودي: المراد من السبع هنا الأسد، والمعنى إذا طرق الأسد على غنمك فتفر أنت منه وأتخلف أنا فيها لا راعي لها غيري وضبطه ابن العربي وغيره بسكون الباء، وهو اسم ليوم العيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون باللعب واللهو فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم، وأشبه ما قيل في السبع ما حكاه الحربي أن سكون الباء لغة فيه اهـ مفهم. وقوله: (يوم ليس لها راع غيري) بدل من يوم السبع قاله مبالغة في تمكنه منها، وكأنه قال: من يستنقذ هذه الشاة يوم ينفرد السبع بها ولا يكون معها راع ولا يمنعها منه أحد اهـ مفهم. وقال الحافظ في الفتح [7/ 27] ولم أقف على اسم هذا الراعي، وقد أورد البخاري الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام. (فقال الناس: سبحان الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أومن) أي أصدق (بذلك) أي بكلام الذئب (أنا وأبو بكر وعمر) رضي الله تعالى عنهما، وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس، عن أنس بن عمرو، عن أهبان بن أوس قال: كنت في غنم لي فشد

6029 - (00) (00) وحدثني عَبْدُ المَلِك بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قِصَّةَ الشاةِ وَالذئْبِ. وَلَمْ يَذْكُرْ قِصةَ الْبَقَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقمى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال: من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقًا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت: والله ما رأيت شيئًا أعجب من هذا! فقال: أعجب من هذا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله تعالى، قال: فأتى أهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وأسلم، فيحتمل أن يكون أهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبان فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر" وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة، وفيه قال أبو سلمة: وما هما يومئذٍ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما أطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 245 - 246] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الأنبياء باب ما ذكر في بني إسرائيل [3471] والترمذي في المناقب باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما [7677] وباب مناقب عمر بن الخطاب [3695]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6029 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة إمام ثبت إمام ثبت فقيه، قرين مالك، روى عنه في (15) بابا (حدثني عقيل بن خالد) الأموي المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة عقيل ليونس، وساق عقيل (قصة الشاة والذئب و) لكن (لم يذكر) عقيل (قصة البقرة).

6030 - (00) (00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِي، عَنْ سُفْيَانَ. كِلاهُمَا عَن أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِي. وَفِي حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ الْبَقَرَةِ وَالشاةِ مَعًا، وَقَالا فِي حَدِيثِهِمَا: "فَإِني أُومِنُ بِهِ أَنا وَأَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ" وَمَا هُمَا ثَمَّ. 6031 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6030 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، صدوق، من (10) (حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا أبو داود) عمر بن سعد بن عبيد (الحفري) بفتحتين نسبة إلى الحفر موضع بالكوفة الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن سفيان) بن سعيد الثوري (كلاهما) أي كل من السفيانين رويا (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان الأول منهما من سداسياته، والثاني من سباعياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي الزناد ليونس بن يزيد كما أشار إليه بقوله، وساق أبو الزناد (بمعنى حديث يونس عن الزهري) ولكنها متابعة ناقصة بمرتبتين (وفي حديثهما) أي وفي حديث السفيانين (ذكر) قصة (البقرة والشاة معًا) أي جميعًا (وقالا) أي وقال السفيانان (في حديثهما) أي في روايتهما (فإني أومن به أنا وأبو بكر وعمر) مع زيادة لفظة (وما هما) أي العمران (ثم) أي في ذلك المجلس أي قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، والحال أن العمرين غير حاضرين تنبيهًا على ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم بهما حتى في غيبتهما. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6031 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا

مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ. كِلاهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَن أبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي (حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر) بن كدام بن زهير الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب كلاهما) أي كل من شعبة ومسعر رويا (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة سعد بن إبراهيم لابن شهاب. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والرابع: حديث عمرو بن العاص ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث جبير بن مطعم ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات. * * *

700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه

700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه 6032 - (2369) (124) حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرو الأَشْعَثِي وَأَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِي وَأَبُو كُرَيبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ -وَاللَّفْظُ لأبِي كُرَيبٍ- (قَال أبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 700 - (14) والثاني منها باب فضل عمر رضي الله عنه ويكنى أبا حفص وهو ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي يجتمع نسبه مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في كعب، أسلم سنة ست من النبوة، وقيل سنة خمس بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة، وقيل بعد ثلاث وثلاثين رجلًا، وقيل: إنه تمام الأربعين، وسمي الفاروق لأنه فرق بإظهار إسلامه بين الحق والباطل وقتال الكفار عليه يوم أسلم، ونزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. حفظ له من الحديث خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثًا أخرج له منها في الصحيحين أحد وثمانون حديثًا، توفي رضي الله عنه مقتولًا قتله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين طعنه العلج بسكين في يده ذات طرفين وطعن فيه اثني عشر رجلًا مات منهم تسعة، ثم رمى على العلج رجل من أهل العراق برنسا (كل ثوب يكون غطاء الرأس جزءا منه متصلًا به) فحبسه فوجأ نفسه، وكانت خلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة كما تقدم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 6032 - (2369) (124) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (وأبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (واللفظ لأبي كريب قال أبو الربيع: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن عمر بن سعيد بن أبي حسين) القرشي النوفلي المكي، روى عن ابن أبي مليكة في فضائل عمر وطاوس

عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيكَةَ. قَال: سَمِعتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ عَلَي سَرِيرِهِ. فَتَكَنَّفَهُ الناسُ يَدْعُونَ ويثنُونَ ويصَلُّونَ عَلَيهِ. قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ. وَأَنَا فِيهِم. قَال: فَلَم يَرُعْنِي إِلا بِرَجُلٍ قَدْ أخَذَ بِمَنْكِبِي مِن وَرَائي. فَالتَفَتْ إِلَيهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ. فَتَرَحَّمَ عَلَلا عُمَرَ وَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ والقاسم بن محمد وعطاء، ويروي عنه (خ م ت س ق) وابن المبارك ويحيى القطان، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (قال: سمعت ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (يقول وضع عمر بن الخطاب) رضي الله عنه بعد موته (على سريره) أي على نعشه يعني سرير الميت المسمى بالنعش (فتكنفه الناس) أي أحاط بعمر أو بسريره الناس أي قاموا في أكنافه وجوانبه، حالة كونهم (يدعون) الله له بالرحمة والغفران (ويثنون) عليه بالخير والأعمال التي قدمها. قال القرطبي: (فتكنفه الناس) يعني بعد موته وتجهيزه للدفن، والسرير هنا هو النعش لا سرير النوم، وتكنفه الناس أي صاروا بكنفيه أي جانبيه، والكنف والكنيف الجانب. (و) حالة كونهم (يصلون عليه) أي يترحمون عليه، وذكره بعد الدعاء من ذكر الخاص بعد العام اهـ من المفهم. أو يصلون عليه صلاة الجنازة (قبل أن يرفع) ويحمل إلى محل الدفن، قال ابن عباس: (وأنا) أي والحال أني (فيهم) أي في الناس الذين أحاطوا به (فلم يرعني) بفتح الياء وضم الراء، أي فلم يفزعني ولم يفاجئني، وأصل الروع الفزع والمراد أنه رآه بغتة أي لم يفزعني أمر من الأمور ولم ينبهني عما أنا فيه من الحزن (إلا برجل) الباء فيه زائدة في الفاعل، وفي رواية البخاري إلا رجل بدون الباء وهي أظهر وأوضح؛ أي إلا أخذ رجل (قد أخذ) وأمسك (بـ) يده (منكبي) بالإفراد اهـ قسطلاني (من ورائي) وخلفي، وفي رواية للبخاري إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي (فالتفت إليه) أي إلى ذلك الرجل (فإذا هو) أي ذلك الرجل (علي) بن أبي طالب رضي الله عنه، والفاء عاطفة، وإذا فجائية؛ والمعنى فالتفت ففاجأني علي بن أبي طالب (فترحم على عمر) أي دعا بإنزال الله تعالى الرحمة على عمر (وقال) علي بعد

مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ، أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثلِ عَمَلِهِ مِنكَ، وَايمُ اللهِ، إِن كُنتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيكَ. وَذَاكَ أَنِّي كُنتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "جِئْتُ أَنا وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَدَخَلْتُ أَنا وَأَبو بَكرٍ وَعُمَرُ. وَخَرَجْتُ أنا ـــــــــــــــــــــــــــــ الترحم عليه (ما خلفت) بتاء الخطاب لعمر أي ما تركت لنا يا عمر في الدنيا (أحدًا أحب إلي) في (أن ألقى الله بمثل عمله منك) أي ما تركت في الدنيا أحدًا أحب إلي منك في لقائي ربي بمثل عمله، وفي هذا الحديث رد من علي رضي الله عنه على الشيعة فيما يتقولونه عليه من بغضه للشيخين ونسبته إياهما إلى الجور في الإمامة وأنهما غصباه وهذا كله كذب وافتراء، علي رضي الله عنه منه براء، بل المعلوم من حاله معهما تعظيمه ومحبته لهما واعترافه بالفضل لهما عليه وعلى غيره، وحديثه هذا ينص على هذا المعنى، وقد تقدم ثناء علي على أبي بكر رضي الله تعالى عنهما واعتذاره عن تخلفه عن بيعته وصحة مبايعته له وانقياده له مختارًا طائعًا سرًّا وجهرًا وكذلك فعل مع عمر رضي الله عنه أجمعين، وكل ذلك يكذب الشيعة والروافض في دعواهم لكن الأهواء والتعصب أعماهم وطمس بصيرتهم. وقول علي رضي الله عنه (أن ألقى الله بمثل عمله) فيه أنه كان لا يعتقد أن لأحد عملًا في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر رضي الله عنه اهـ قسطلاني، والمعنى ما تركت بعدك رجلًا أغبطه في عمله أكثر منك وأحب أن ألقى الله بمثل عمله. (وايم الله) أي واسم الله قسمي (أن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إن الشأن والحال (كنت) أنا (لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك) يعني بصاحبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق رضي الله عنه، ويحتمل أن يكون أراد بكونه مع صاحبيه دفنه بقرب منهما، ووقع ذلك كما ظن، ويحتمل أن يريد بالمعية ما يؤول إليه الأمر بعد الموت من دخول الجنة ونحو ذلك. (وذاك) أي ظني جعلك معهما بسبب (أني كنت) أنا (كثر) بضم الهمزة وتشديد الثاء المكسورة من التكثير (أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) أي كنت أسمع كثيرًا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض أحواله (جئت أنا وأبو بكر وعمر و) في بعض أحواله يقول: (دخلت أنا وأبا بكر وعمر و) في بعض أحواله يقول: (خرجت أنا

وَأَبو بَكرٍ وَعُمَرُ". فَإِنْ كُنتُ لأَرجُو، أَو لأَظُنُّ، أَن يَجعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا. 6033 - (00) (00) وحدثنا إِسحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَن عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، فِي هَذا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 6034 - (2370) (125) حدثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو بكر وعمر فإن) مخففة من الثقيلة أيضًا، والفاء تفريعية عاطفة ما بعدها على جملة قوله: "كنت أكثر" أي فإن الشأن والحال (كنت لأرجو أو) قال علي أو الراوي أو من دونه (لأظن) والشك من الراوي أو ممن دونه (أن يجعلك الله معهما) أي مع صاحبيك في المدفن أو الجنة، وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي بكر وعمر، وشهادة علي لهما وحسن ثنائه عليهما وصدق ما كان يظنه بعمر قبل وفاته رضي الله عنهم أجمعين اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 112] والبخاري في مناقب عمر [3677]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6033 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن عمر بن سعيد في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس ولفظة في بمعنى الباء إنما أتى بها بدل الباء فرارًا من كراهة توالي حرفي جر بمعنى واحد متعلقين بعامل واحد، غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لعبد الله بن المبارك، وساق عيسى (بمثله) أي بمثل حديث عبد الله بن المبارك لفظًا ومعنى. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عباس بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم فقال: 6034 - (2370) (125) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن صالح بن

كَيسَانَ. ح وَحَدثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (وَاللَّفظُ لَهُمْ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعقُوبُ بْنُ إِبراهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَن صَالِحٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ؛ أَنهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدرِي يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "بَينَا أَنا نَائِمٌ، رَأَيتُ النَّاسَ يُعرَضُونَ وَعَلَيهِم قُمُصٌ. مِنهَا مَا يَبْلُغُ الثْدِي، وَمِنهَا مَا يَبلُغُ دُونَ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كيسان) الغفاري مولاهم أبي محمد المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثنا زهير بن حرب والحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (واللفظ لهم قالوا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبي) سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب حدثني أبو أمامة) أسعد (بن سهل) بن حنيف الأنصاري، معدود من الصحابة له رؤية لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته رضي الله عنه (أنه) أي أن أبا أمامة (سمع أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه (يقول): وهذان السندان الأول منهما من سداسياته، والثاني من سباعياته، وفيهما رواية صحابي عن صحابي، وفيهما ثلاثة من التابعين (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم) أي بينا أوقات نومي (رأيت الناس يعرضون) ويقفون علي ويظهرون لي (وعليهم قمص) بضمتين جمع قميص أي قمص مختلفات القد والطول، قال القرطبي: هؤلاء الناس المعروضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم هم من دون عمر في الفضيلة فلم يدخل فيهم أبو بكر، ولو عرض أبو بكر رضي الله عنه عليه في هذه الرواية لكان قميصه أطول فإن فضله أعظم ومقامه أكبر على ما تقدم (منها) أي من تلك القمص (ما يبلغ الثدي) أي قميص يبلغ ويصل في طوله الثدي، والثدي بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي، وفي بعض النسخ بالفتح والسكون والتخفيف على الأفراد فهو مفرد أريد به الجنس اهـ مرقاة، والثدي مخزن لبن المرأة بمنزلة الضرع للبهائم، وأصل الثدي ثدوي فأعل إعلال مرمي فصار ثديًا؛ والمعنى أن القميص قصير جدًّا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها (ومنها ما يبلغ دون ذلك) يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر فيكون

وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا: مَاذَا أوَّلتَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "الدِّينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أطول، ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر، ويؤيد الاحتمال الأول ما رواه الحكيم الترمذي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في هذا الحديث قال: "فمنهم من كان قميصه إلى سرته، ومنهم من كان قميصه إلى ركبته، ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه" ذكره الحافظ في فتح الباري [12/ 395] (ومر عمر بن الخطاب) علي مع أولئك الناس (و) الحال أنه (عليه قميص يجره) لطوله على الأرض يعني قميصه كان طويلًا يبلغ إلى أسفل من كعبيه، وهذا من أمثلة ما يمدح في المنام ويذم في اليقظة شرعًا لأن جر القميص إلى أسفل من الكعبين ثبت الوعيد عليه في الحديث (قالوا): أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماذا أولت ذلك) المنام، أي بأي شيء أولت وفسرت ذلك المنام الذي رأيته في عمر وفي الناس (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولته (الدين) أي جعلت تأويله الدين أي فسرت ذلك القميص طوله بالقوة في الدين وقصره بالضعف فيه، وقد ورد في رواية الحكيم الترمذي أن السائل هو أبو بكر الصديق، قال القرطبي: وتأويل القميص بالدين مأخوذ من قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيرٌ} [الأعراف / 26] والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالثياب كما قالامرؤ القيس: ثياب بني عوف طهارى نقية ... وأوجههم بيض المسافر غران كذا في اللسان، وفي الديوان: وأوجههم عند المشاهد غران وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه: "إن الله سيلبسك قميصًا فإن أرادوك أن تخلعه فلا تخلعه" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه [112] فعبر عن الخلافة بالقميص وهي استعارة حسنة معروفة اهـ من المفهم. قال العلماء: وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا، والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه، قال أهل تعبير الرؤيا: القميص في النوم معناه الدين، وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسننه الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به اهـ نووي. وفي الحديث أن أهل الدين يتفاضلون في أعمال الدين بالقلة والكثرة وبالقوة والضعف، قال ابن العربي: وأما غير عمر فالذي كان يبلغ الثدي هو الذي يستر قلبه عن الكفر وإن كان

6035 - (2371) (126) حدثني حَرمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ؛ أَن ابْنَ شِهَابٍ أَخبَرَهُ، عَن حَمزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "بَينَا أَنا نَائِمٌ. إِذ رَأَيتُ قَدَحًا أُتيتُ بِهِ، فِيهِ لَبَنٌ. فَشَرِبْتُ مِنهُ حَتى إِني لأَرَى الرِّيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتعاطى المعاصي، والذي يبلغ أسفل من ذلك وفرجه باد هو الذي لم يستر رجليه عن المشي إلى المعصية، والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بالتقوى من جميع الوجوه، والذي يجر قميصه هو الذي كان زائدًا على ذلك بالعمل الصالح الخالص اهـ فتح الباري [12/ 396]. وقال الحافظ في المناقب [7/ 51] وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر. والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله: عرض علي الناس، فلعل ذلك الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر، وإن كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد كان حينئذٍ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 86] والبخاري في مواضع منها في الإيمان [23] وفي مناقب عمر [3691] وفي باب جر القميص في المنام [7009] والترمذي في الرؤيا [2286] والنسائي في الإيمان باب زيادة الإيمان [5011]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عباس بحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم فقال: 6035 - (2371) (126) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب عن يونس أن ابن شهاب أخبره عن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) العدوي أبي عمارة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم إذ رأيت) إذ فجائية رابطة لجواب بين؛ أي بينا أوقات نومي إذ رأيت (قدحًا) أي كأسًا (أتيت به) أي أعطيت بذلك القدح (فيه) أي في ذلك القدح (لبن فشربت منه) أي من ذلك اللبن أبي بينا أوقات نومي فاجأني رؤية قدح فيه لبن أعطيت به فشربت منه فشبعت من شربه (حتى إني لأرى الري) والشبع

يَجْرِي فِي أَظفَارِي. ثُم أَعطَيتُ فَضلِي عُمَرَ بنَ الخَطابِ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلتَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "العِلمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (يجري) أثره (في أظفاري ثم أعطيت فضلي) أي ما فضل مني من اللبن (عمر بن الخطاب قالوا: فما أولت) به (ذلك) المنام (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولته (العلم). قوله: (حتى إني لأرى الري) يجوز فتح همزة إني على أن حتى جارة وكسرها على أنها ابتدائية، والري بكسر الراء وتشديد الياء مصدر روي يروي من باب رضي بمعنى السقي وضد العطش، ورؤية الري على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية كأنه لما جعل الري جسمًا أضاف إليه ما هو من خواص الجسم؛ وهو كونه مرئيًا، وعبر بالرأي بصيغة المضارع مع كونه حكاية لواقعة ماضية لاستحضار صورتها في الحال (قوله: العلم) ووجه التعبير بذلك نظرًا لاشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سببًا للصلاح فاللبن للغذاء البدني، والعلم للغذاء الروحاني، قال الحافظ في الفتح [7/ 46] والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدة خلافته بالنسبة إلى أبي بكر، وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان اهـ. قال القرطبي: وتأويله صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم تأويل حسن ظاهر المناسبة، وذلك أن اللبن غذاء مستطاب به صلاح الأبدان ونموها من أول فطرتها ونشؤها خال عن الأضرار والمفاسد، والعلم كذلك يحصل به صلاح الأديان والأبدان ومنافع الدنيا والآخرة مع استطابته في نفسه، وقد يدل في التعبير على دوام الحياة إذ به كانت، وقد يدل على الثواب لأنه مذكور في أنهار الجنة الأربعة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 83] والبخاري في مواضع كثيرة منها في مناقب عمر [3681] والترمذي في الرؤيا باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم اللبن والقمص [2284]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

6036 - (00) (00) وحدثناه قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيث، عَن عُقَيلٍ. ح وحَدثَنَا الحُلوَانِي وَعَبدُ بن حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَن يَعْقُوبَ بنِ إِبرَاهِيمَ بنِ سَعدِ. حَدَّثَنَا أبِي، عَنْ صَالِح. بِإِسنَادِ يُونُسَ، نَحوَ حَدِيثِهِ. 6037 - (2372) (127) حدثنا حَرمَلَةُ بن يَحيَى. أخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ؛ أن سَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ أَخبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "بَينَا أنا نَائِم رَأَيتُنِي عَلَي قَلِيبٍ، عَلَيهَا دَلوٌ، فَنَزَعتُ مِنهَا مَا شَاءَ اللهُ. ثُم أَخَذَهَا ابنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6036 - (00) (00) (وحدثناه قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد المصري، عن ابن شهاب (ح وحدثنا) الحسن بن علي (الحلواني) المكي (وعبد بن حميد) الكسي كلاهما) أي كل من الحلواني وعبد بن حميد رويا (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) عن ابن شهاب (كلاهما) أي كل من عقيل وصالح بن كيسان رويا (بإسناد يونس) بن يزيد الأيلي؛ عن ابن شهاب، عن حمزة، عن ابن عمر (نحو حديثه) أي نحو حديث يونس، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عقيل وصالح ليونس بن يزيد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 6037 - (2372) (127) (حدثنا حرملة) بن يحيى (أخبرنا ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أنه) أي أن سعيدًا (سمع أبا هريرة يقول) رضي الله عنه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من سداسياته (بينا أنا نائم) أي بينا أوقات نومي (رأيتني) أي رأيت نفسي واقفة (على قليب) أي على بئر غير مطوية بالآجر والحجارة (عليها) أي على تلك القليب (دلو) معلقة "على بكرة" أي على خشبة معروضة على فم القليب (فنزعت) أي نزحت واستقيت وجذبت (منها) أي من القليب للناس (ما شاء الله) نزعي إياه من الماء (ثم أخدها) أي أخذ الدلو مني لسقي الناس أبو بكر (بن

أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَو ذَنُوبَينِ. وَفِي نَزعِهِ، وَاللهُ يَغفِرُ لَهُ، ضَعْفٌ. ثُم اسْتَحَالتْ غَرْبًا. فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطابِ. فَلَمْ أَرَ عَبقَرِيًّا مِنَ الناسِ يَنزعُ نَزع عُمَرَ بْنِ الْخطَابِ، حَتى ضَرَبَ الناسُ بِعَطَن" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي قحافة فنزع) أي فاستقى ابن أبي قحافة الماء (بها) أي بتلك الدلو، والدلو يذكر ويؤنث (ذنوبًا أو ذنوبين) والذنوب بفتح الذال الدلو المملوء بالماء أي أخذ من الماء دلوًا مملوءة أو دلوين مملوءتين، وأو هنا للشك من الراوي، والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى كما في النووي والقرطبي. (وفي نزعه) أي وفي نزع بن أبي قحافة (والله يغفر له ضعف ثم استحالت) أي تحولت الدلو الصغيرة من الصغر إلى الكبر فصارت (غربًا) أي دلوًا عظيمة (فأخذها) أي فأخذ تلك الدلو العظيمة عمر (بن الخطاب فلم أر) أنا (عبقريًا) أي سيدًا قويًّا (من الناس ينزع) الماء وينزحه ويستقيه من الآبار (نزع عمر بن الخطاب) أي ينزع نزعًا مثل نزع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فنزع الماء من تلك القليب (حتى ضرب الناس بعطن) أي فنزع الماء من تلك القليب حتى سقى الناس واستقوا مواشيهم وضربوا لها بعطن أي حتى أرووا إبلهم ثم أووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح من تعب الازدحام على الشرب، قال القرطبي: وهذه الرؤيا هي مثال لما فتح الله تعالى على يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويدي الخليفتين بعده من الإسلام والبلاد والفيء، فالنبي هو مبدأ الأمر وممكن منه، وأبو بكر رضي الله عنه بعده غير أن مقدار ما فتح الله على يديه من بلاد الكفر قليل لأن مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر اشتغل في معظمها بقتال أهل الردة، ثم لما فرغ منها أخذ في قتال الكفر ففتح في تلك المدة بعض العراق وبعض الشام، ثم مات رضي الله عنه ففتح الله على يدي عمر رضي الله عنه سائر البلاد واتسعت خطة الإسلام شرقًا وغربًا وعراقًا وشامًا وعظمت الفتوحات وكثرت الخيرات والبركات التي نحن فيها حتى اليوم، فعبر عن سنتي خلافة أبي بكر رضي الله عنه بالذنوبين، وعن قلة الفتوحات فيها بالضعف وليس ذلك وهنًا في عزيمته ولا نقصًا في فضله على ما هو المعروف من همته والموصوف من حالته. وقوله: (والله يغفر له) لا يظن جاهل بحال أبي بكر رضي الله عنه أن هذا الاستغفار لأبي بكر كان لذنب صدر عنه أو لتقصير حصل

6038 - (00) (00) وحدثني عَبدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بنِ اللَّيثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدثَنَا عَمْرو الناقِدُ وَالْحُلوَانِي وَعَبْدُ بن حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه إذ ليس في المنام ما يدل على شيء من ذلك، وإنما هذا دعام للكلام وسناد وصلة، وقد تقدم في الحديث أنها كانت كلمة يقولها المسلمون إذا فعل كذا والله يغفر لك وهذا نحو قولهم: "تربت يمينك، وألت، وقاتله الله" ونحو ذلك مما تستعمله العرب في أضعاف كلامها. وقوله: (فاستحالت) أي صارت وعادت الدلو الصغيرة (في يده) أي في يدس عمر "غربًا" أي دلوًا كبيرة اهـ من المفهم. وقوله: (فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه) أي لم أر رجلًا قويًّا يعمل مثل عمله، قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن العبقري فقال: يقال هذا عبقري قومه كقولهم سيد قومه وكبيرهم وقويهم، قال أبو عبيد: وأصله أنه نسبة إلى أرض تسكنها الجن فصارت مثلًا لكل منسوب لشيء رفيع، ويقال بل هي أرض يعمل فيها الوشى والبرود ينسب إليها الوشى العبقري، ومنه قوله تعالى: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن / 76] وقال أبو عبيد: العبقري الرجل الذي لا شيء يفوقه، وكذلك يقال للفاخر من الحيوان والجوهر والبساط المنقوش، وقيل: هو منسوب إلى عبقر موضع بالبادية، وقيل: قرية يعمل فيها الثياب البالغة في الحسن والبسط، قال ابن الأثير: فصاروا كلما رأوا شيئًا غريبًا مما يصعب عمله ويدق أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها، فقالوا: عبقري، ثم اتسع فيه حتى سمي به السيد الكبير، وقيل: عبقر أرض بالحجاز اهـ فتح الباري [7/ 46]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 368] والبخاري في مواضع منها باب فضائل الأصحاب، باب نزع الذنوب والذنوبين [7020 - 7021]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6038 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي، عن جدي، حدثني عقيل بن خالد (ح) وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) الحسن بن علي (الحلواني) الهذلي المكي (وعبد بن حميد) الكسي كل من الثلاثة (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن

صَالِحٍ. بإسنَادِ يُونُسَ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. 6039 - (00) (00) حدثنا الْحُلوَانِي وَعَبدُ بنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ. حَدَّثَنَا أبِي، عَنْ صَالِحٍ. قَال: قَال الأعْرَجُ وَغَيرُهُ: إِن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "رَأَيتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ يَنزِعُ"، بِنَحْو حَدِيثِ الزهري ـــــــــــــــــــــــــــــ صالح) بن كيسان (كلاهما) أي كل من عقيل وصالح رويا عن ابن شهاب (بإسناد يونس) بن يزيد يعني عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وساقا (نحو حديثه) أي نحو حديث يونس، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عقيل وخالد ليونس بن يزيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6039 - (00) (00) (حدثنا) الحسن بن علي (الحلواني) المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا: حدثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد (حدثنا أبو) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان (قال) صالح: (قال) لنا (الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (و) حدثنا (غيره) أي غير الأعرج، والجهالة في المقارن لا تضر السند لأنه ليس مقصودًا في نفسه بل إنما يؤتى به لبيان كثرة الطرق (إن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ابن أبي قحافة ينزع) أي يستقي الماء من القليب ذنوبًا أو ذنوبين، وساق صالح بن كيسان عن الأعرج (بنحو حديث الزهري) عن سعيد بن المسيب، غرضه بيان متابعة صالح للزهري في رواية هذا الحديث، عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة لأن صالحًا روى عن أبي هريرة بواسطة الأعرج والزهري بواسطة سعيد بن المسيب، ولو قال: (بنحو حديث سعيد بن المسيب) لكان كلامه أوضح وأوفق باصطلاحه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6040 - (00) (00) حدثني أَحمَدُ بن عَبدِ الرَّحْمَنِ بنِ وَهبٍ. حَدَّثَنَا عَمِّي، عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي عَمرُو بْنُ الحَارِثِ؛ أن أبَا يُونُسَ، مَولَى أَبِي هُرَيرَةَ، حَدَّثَهُ عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "بَينَا أَنا نَائِمٌ أُرِيتُ أنِّي أَنْزِعُ عَلَى حَوْضِي أَسْقِي النَّاسَ. فَجَاءَنِي أَبُو بَكْرِ فَأخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرَوِّحَنِي. فَنَزَعَ دَلْوَينِ. وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ. وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ. فَجَاءَ ابْنُ الخَطَّاب فَأخَذَ مِنْهُ. فَلَمْ أَرَ نَزْعَ رَجُلٍ قَط أَقْوَى مِنهُ. حَتى تَوَلَّى الناسُ، وَالحَوْضُ مَلآنُ يَتَفَجَّرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6040 - (00) (00) (حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب) بن مسلم المصري، صدوق، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عمي عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن أبا يونس) الدوسي (مولى أبي هريرة) سليم بن جبير المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي يونس لسعيد بن المسيب (بينا أنا نائم أريت) بصيغة المبني للمجهول أي أراني ربي في المنام (أني أنزع) وأستقي الماء (على حوضي) أي من حوضي وهو القليب المذكور سابقا، حالة كوني (أسقي) الماء (الناس) وفي الرواية السابقة على القليب، وفي بعضها (على بئر) ومعنى الثلاثة واحد لأنه يستعمل بعضها بمعنى البعض الآخر، والحوض مجتمع الماء (فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني) أي ليعطيني الراحة من تعب الاستقاء، قال العلماء: فيه إشارة إلى نيابة أبي بكر عنه وخلافته بعده وراحته صلى الله عليه وسلم بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها كما قال صلى الله عليه وسلم: "مستريح ومستراح منه" الحديث و"الدنيا سجن المؤمن" و"لا كرب على أبيك بعد اليوم" اهـ نووي (فنزع) أبو بكر (دلوين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له فجاء ابن الخطاب فأخذ منه) أي من أبي بكر (فلم أر نزع رجل قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (أقوى) صفة نزع أي نزعا أشد (منه) أي من نزع عمر أو صفة رجل أي لم أر رجلًا أقوى نزعه من نزع عمر أي فنزع الماء (حتى تولى الناس) أي حتى أروى الناس وتولوا عن الشرب (والحوض ملآن) أي مملوء (يتفجر) ويسيل ماءً لشدة ملئه، وفي هذه الرواية من الزيادة ما يدل على

6041 - (2373) (128) حدثنا أبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْر. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "أُرِيتُ كَأنِّي أَنْزِعُ بِدَلْو بَكْرَةٍ عَلَي قَلِيبٍ. فَجَاءَ أبو بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن عمر رضي الله عنه يتوفى ويبقى النصر والفتح بعده متصلًا وكذلك كان رضي الله عنه. وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [7022]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عباس بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فقال: 6041 - (2373) (128) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العدوي المدني (حدثني أبو بكر بن سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، روى عن أبيه سالم في فضائل عمر، ويروي عنه (خ م) وعبيد الله بن عمر العمري، قال أبو حاتم: لا أعرف اسمه، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، له عندهما حديث واحد في مناقب عمر بن الخطاب (عن) أبيه (سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أريت) بضم الهمزة على صيغة المجهول أي أراني الله عزَّ وجلَّ في المنام (كأني أنزع) وأستقي الماء (بدلو بكرة) بإضافة دلو إلى بكرة لأدنى ملابسة أي بدلو معلقة على بكرة أي على خشبة مستديرة موضوعة (على) رأس (قليب) وبئر عميق يحركها الساقي تارة تنزل الدلو إلى البئر لتأخذ الماء وتارة تخرج مملوءة بالماء، ومعنى نزع استقى وأصل النزع الجذب، والدلو إناء صغير يستقى به معلق بحبل البكرة، والبكرة بفتحتين الخشبة المستديرة التي يعلق بها الدلو، ويجوز إسكان الكاف بمعنى الشابة من الإبل، والمراد حينئذٍ الدلو التي يسقي بها البكرة، والقليب: البئر غير المطوية وهي التي عبر عنها في الرواية السابقة بالحوض، والحوض مجتمع الماء كما مر (فجاء أبو بكر)

فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَينِ. فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا. واللَّهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالى، يَغْفِرُ لَهُ. ثُم جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَقَى. فَاسْتَحَالتْ غَرْبًا. فَلَم أَرَ عَبْقَرِيًّا، مِنَ الناسِ يَفْرِي فَرْيَهُ، حَتى رَويَ الناسُ وَضَرَبُوا الْعَطَنَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصديق (فنزع) الماء أي استقى الماء من القليب (ذنوبًا) أي دلوًا مملوءة واحدة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم فنزع (ذنوبين) أي دلوين بالشك من الراوي أو ممن دونه، وقد جاء بغير شك "ذنوبين" كما في الرواية السابقة وهي أحسن كما مر (فنزع) أبو بكر (نزعًا ضعيفًا والله تبارك وتعالى يغفر له) وهذه الكلمة جرت على ألسنة المسلمين في المحاورات لا تقتضي سبق ذنب أوتقصير ممن تقال فيه (ثم جاء عمر فاستقى) الماء من القليب بتلك الدلو الصغيرة (فاستحالت) الدلو الصغيرة وصارت في يد عمر (فربًا) أي دلوًا عظيمة (فلم أر) أنا (عبقريًا) أي رجلًا قويًّا (في الناس يفري فريه) أي ينزع نزعًا مثل نزعه ويقطع قطعه، والمراد يحمل عمله ويقوى قوته، قال القاضي عياض: فرية ضبطناه بفتح الفاء وسكون الراء بوزن يرمي رميه، وبكسرها مع تشديد الياء بوزن رميه، وأنكر الخليل التشديد وغلط قائله، والمعنى يعمل عمله ويقوى قوته، وأصل الفري القطع يقال فلان يفري الفري أي يعمل العمل البالغ الغاية في الجودة، ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا} أي عظيمًا يقال: فريت الشيء إذا قطعته على وجه الإصلاح وأفريته إذا قطعته على وجه الإفساد اهـ من الأبي. وقوله: (حتى روي الناس) غاية لمحذوف تقديره فاستقى عمر الماء للناس حتى روي الناس الماء وشبعوا في أنفسهم وأسقوا إبلهم (وضربوا العطن) لها حول الماء، قوله: (حتى روي الناس) قال القرطبي: روي بكسر الواو وفتح الياء فعل ماض ومضارعه يروى بفتح الواو على وزن رضي يرضى من الري بكسر الراء وهو الامتلاء والشبع من الماء والشراب، والمعنى أنهم رووا في أنفسهم وضربوا العطن أي رووا إبلهم وأصله أنهم يسقون الإبل ثم يعطنونها أي يتركونها حول الحياض لتستريح ثم يعيدون شربها يقال منه عطنت الإبل فهي عاطنة وعواطن، والعطن والمعطن واحد الأعطان والمعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب عللًا بعد نهل اهـ من المفهم باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الفضل في مناقب عمر [3682] والترمذي في الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم [2289].

6042 - (00) (00) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَن أَبِيهِ، عَنْ رُؤيا رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي أَبِي بَكْرِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. 6043 - (2374) (129) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو وَابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَا جَابِرًا يُخْبِرُ، عَنِ النَّبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدثَنَا زُهَيرُ بن حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا سُفيَانُ بن عُيَينَةَ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6042 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله التميمي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر (عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لأبي بكر بن سالم، وساق موسى بن عقبة (بنحو حديثه) أي بنحو حديث أبي بكر بن سالم، وفي أغلب النسخ "بنحو حديثهم" بضمير الجمع وهو تحريف من النساخ والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن عباس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 6043 - (2374) (129) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) وفي بعض النسخ هنا (حدثنا أبي) فإسقاطه أولى لأنه تحريف من النساخ لأن عبد الله بن نمير لا يروي عن سفيان بن عيينة وأيضًا فالثوري لا يروي عنه عمرو بن دينار ومحمد بن المنكدر (حدثنا سفيان) بن عيينة الأعور (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (و) عن محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا، كلاهما (سمعا جابر) بن عبد الله الأنصاري (يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له حدثنا سفيان بن عيينة، عن

ابنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَمْرو، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "دَخَلتُ الْجنَّةَ فَرَأَيتُ فِيهَا دَارًا أَو قَصرًا. فَقُلتُ: لِمَن هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطابِ. فَأَرَدتُ أَنْ أَدْخُلَ. فَذَكَرتُ غيرَتَكَ" فَبَكَى عُمَرُ وَقَال: أي رَسُولَ اللهِ، أَوَ عَلَيكَ يُغَارُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن المنكدر وعمرو) بن دينار (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند أيضًا من رباعياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة) وفي رواية البخاري (رأيتني دخلت الجنة) قال القسطلاني: أي رأيت نفسي في المنام دخلت الجنة (فرأيت فيها) أي في الجنة (دارًا أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي رأيت (قصرًا) أي عمارة والفرق بينهما أن الدار ما ليس لها أدوار كبيوت الشعب، والقصر ما لها أدوار، وفي رواية ابن عقيل عند البخاري في التعبير "أن القصر كان من ذهب" وفي رواية ابن الماجشون عند البخاري في المناقب "ورأيت قصرًا بفنائه جارية" وسيأتي في حديث أبي هريرة" فإذا امرأة تتوضأ في جانب قصر" (فقلت) لمن كان ثم (لمن هذا) القصر أو لمن هذه الدار (فقالوا): أي فقال الحاضرون: ثم هذا القصر (لعمر بن الخطاب) وفي رواية البخاري (فقال) أي الملك، وفي رواية أخرى له (فقالوا) أي الملائكة، وفي أخرى له أيضًا (فقالت) أي الجارية اهـ قسطلاني (فأردت) أي قصدت (أن أدخله) لأنظره كما في رواية البخاري أي أن أدخل القصر (فدكرت) أي تذكرت (غيرتك) يا عمر أي تذكرت شدتها، والغيرة بفتح المعجمة وسكون الياء مصدر قولك غار الرجل على أهله غيرة من باب باع إذا أخذته الحمية، قال جابر: (فبكى عمر) سرورًا أو تشوقًا أو خشوعًا، ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة (فقال عمر: وهل رفعني الله إلا بك، وهل هداني الله إلا بك" رواه عبد العزيز الحربي في فوائده كما في فتح الباري (وقال عمر رضي الله عنه: (أي رسول الله) أي يا رسول الله (أوعليك ينار) أي أتقول ذلك وعليك يغار أي لا يغار عليها منك، الأصل أعليها يغار منك فهو من باب القلب، وفي رواية البخاري "أعليك أغار" فالأصل "أعليها أغار منك" فهو معدود من القلب أيضًا كما قاله الحافظ، قال ابن بطال: فيه الحكم على كل رجل بما يعلم من حاله اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 309] والبخاري في مواضع منها في مناقب عمر [3679] وفي التعبير باب القصر في المنام [7024].

6044 - (00) (00) وحدّثناه إِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا سُفيَانُ عَنْ عَمْرٍو وَابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن عَمْرِو، سَمِعَ جَابِرًا. ح وَحَدَّثَنَاهُ عَمْرو النّاقِدُ. حَدَّثَنَا لسُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ. سَمِعْتُ جَابِرًا، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ وَزُهَيرٍ. 6045 - (2375) (130) حدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخْبَرَنِي يُونُسُ؛ أَن ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنَّهُ قَال: "بَينَا أنا نَائِمٌ إِذْ رَأَيتُنِي فِي الْجَنَّةِ. فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6044 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (و) محمد (بن المنكدر عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة إسحاق بن إبراهيم لمحمد بن نمير وزهير بن حرب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (سمع جابرًا) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، أيضًا، غرضه بيان متابعة أبي بكر لابن نمير وزهير (ح وحدثناه عمرو) بن محمد (الناقد حدثنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد (بن المنكدر سمعت جابرًا) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة عمرو الناقد لابن نمير وزهير، وساقوا أي ساق كل من إسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد (بمثل حديث) محمد (بن نمير وزهير) بن حرب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6045 - (2375) (130) (حدثنا حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس أن ابن شهاب أخبره عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة) بضمير المتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي في المنام في الجنة (فإذا

امرَأَةٌ تَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ. فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطابِ. فَذَكَرْتُ غَيرَةَ عُمَرَ. فَوَلَّيتُ مُدْبِرًا". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ، وَنَحنُ جَمِيعًا فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُم قَال عُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ، يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَلَيكَ أَغَارُ؟ 6046 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو الناقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ امرأة توضأ) بحذف إحدى التاءين أي تتوضأ (إلى جانب قصر) أي عند جانب قصر وضوءًا شرعيًّا ولا يلزم أن يكون على جهة التكليف، أو يؤول بأنها كانت محافظة في الدنيا على العبادة، أو لغويًّا لتزداد وضاءة وحسنًا وهذه المرأة هي أم سليم وكانت حينئذٍ في قيد الحياة اهـ قسطلاني (فقلت) للملائكة: (لمن هذا) القصر (فقالوا) أي قالت الملائكة القصر (لعمر بن الخطاب فذكرت) أي تذكرت (غيرة عمر فوليت) أي ذهبت (مدبرًا) أي جاعلًا دبري إلى جهة القصر فمدبرًا حال مؤكدة لعاملها، وفيه فضيلة الغيرة وإنها من خلق الفضلاء المحمودة، وفي الحديث الآخر أنها كانت رؤيا منام ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي اهـ من الأبي (قال أبو هريرة) بالسند السابق (فبكى عمر) سرورًا وشوقًا (ونحن) معاشر الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كوننا (جميعًا) أي مجتمعين عنده صلى الله عليه وسلم كائنون (في ذلك المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم) بعدما بكى (قال) عمر مفدي (بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار) الأصل أعليها أغار منك فهو من باب القلب اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 339] والبخاري في مواضع منها في باب مناقب عمر [3680] وابن ماجه [107]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6046 - (00) (00) (وحدثنيه عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (وحسن) بن علي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) ثقة، من (11) (قالوا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني (عن

صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسنَادِ، مِثْلَهُ. 6047 - (2376) (131) حدثنا مَنْصُورُ بن أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، ح وَحَدثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (قَال عَبدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال حَسَنٌ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابنُ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ. أَخبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ بنِ زَيدٍ؛ أَن مُحَمدَ بنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخبَرَهُ؛ أَن أَبَاهُ سَعْدًا قَال: اسْتَأذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِن قُرَيشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد، وساق صالح (مثله) أي مثل حديث يونس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث ابن عباس بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 6047 - (2376) (131) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد) الزهري المدني (ح وحدثنا حسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد: أخبرني وقال حسن: حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد) بن الخطاب العدوي الأعرج المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (2) (أن محمد بن سعد بن أبي وقاص) الزهري أبا القاسم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (أخبره أن أباه سعدًا) بن أبي وقاص رضي الله عنه وهذان السندان الأول منهما من سباعياته، والثاني من ثمانياته (قال: استأذن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أي طلب الإذن في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام (و) الحال أنه (عنده) صلى الله عليه وسلم (نساء من قريش) رجح الحافظ في الفتح: أن المراد بهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولكن تعبير الراوي بقوله: "نساء من قريش" لا يتبادر منه أن المراد أزواجه صلى الله عليه وسلم وكذلك مخاطبة عمر رضي الله عنه إياهن بقوله: أي عدوات

يُكَلِّمْنَهُ ويستَكثِرْنَهُ. عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ. فَلَمَّا اسْتَأذَنَ عُمَرُ قُمنَ يَبتَدِرنَ الحِجَابَ. فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ يَضْحَكُ. فَقَال عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أنفسهن لا يناسب أمهات المؤمنين، حالة كونهم (يكلمنه) صلى الله عليه وسلم (ويستكثرنه) أي يطلبن كثيرًا من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن، قال النووي: معنى يستكثرنه يطلبن منه النفقة الكثيرة، حالة كونهن (عالية أصواتهن) قال القاضي عياض: يحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن علو أصواتهن لاجتماع كلامهن وكثرتهن لا أن كلام كل واحدة منهن بانفرادها أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم قال القرطبي: ويحتمل أن يكون فيهن من كن جهوريات الأصوات لا يقدرن على خفضها كما كان ثابت بن قيس بن شماس والله أعلم اهـ. (فلما استأذن عمر قمن) من عنده صلى الله عليه وسلم حالة كونهن (يبتدرن الحجاب) أي يبادرن ويسارعن إلى الدخول في الحجاب والستارة في جانب البيت وابتدارهن إلى الحجاب إن كانت النساء من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه الحافظ فلا إشكال في كونهن عند النبي صلى الله عليه وسلم بغير حجاب وابتدارهن إلى الحجاب بعد قدوم عمر، أما إذا كانت النسوة غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقد يكون الإشكال في كونهن بغير حجاب عند النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدوم عمر ويمكن الجواب عنه بوجهين؛ الأول: أن تكون النسوة مجموعة من أزواجه ومحارمه صلى الله عليه وسلم، والثاني: أن هذه القصة قبل نزول الحجاب حين عرف من عمر رضي الله عنه أنه يحب أن تؤمر النساء بالحجاب فلم تحتجب النساء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحجاب لم يكن فرضًا حينئذٍ ولكن ابتدرن الحجاب لما عرفن منه أنه يحب الحجاب أو لأنهن خفن من عمر لارتفاع أصواتهن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال عمر: فانت يا رسول الله أحق أن يهبن (فأذن له) أي لعمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فدخل عمر (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم يضحك) أي يبتسم (فقال عمر) رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أضحك الله سنك يا رسول الله) لم ضحكت حين دخلت وهذا دعاء بملازمة السرور له صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤال عمر: إنما

"عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللَّاتي كُنَّ عِنْدِي. فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوتَكَ ابتَدَرْنَ الحِجَابَ" قَال عُمَرُ: فَأَنْتَ، يَا رَسُولَ اللهِ، أَحَقُّ أن يَهَبْنَ. ثُم قَال عُمَرُ: أَي عَدُوَّاتِ أَنفُسِهِنَّ! أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؟ قُلنَ: نَعَم. أَنْتَ أَغْلَظُ وَأَفَظّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشيطَانُ قَط ـــــــــــــــــــــــــــــ ضحكت لأني (عجبت) أي تعجبت (من هولاء) النسوة (اللاتي كن عندي فـ) إنهن (لما سمعن صوتك) عند استئذانك (ابتدرن الحجاب) أي سارعن إلى الدخول في الحجاب والستارة فـ (قال عمر: فانت يا رسول الله أحق) وأحرى بـ (أن يهبن) ويخفن منك لا مني لأنك رسول الله يجب على كل الأمة توقيرك واحترامك، وقولك: (يهبن) هو من هاب يهاب مثل خاف يخاف وزنًا ومعنى، قال في المرقاة: يقال: هبت الرجل بكسر الهاء إذا وقرته وعظمته من الهيبة اهـ (ثم قال عمر) رضي الله عنه لتلك النسوة: (أي) حرف نداء لنداء القريب؛ أي يا (عدوات أنفسهن أتهبنني) أتوقرنني وتخفنني (ولا تهبن) أي والحال أنكن لا توقرن ولا تخفن (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فتوقيره صلى الله عليه وسلم هو الواجب عليكن لا توقيري (قلن) تلك النسوة في جواب استفهام عمر (نعم) نهابك ولا نهاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنك (أنت أغلظ) القلب وأصلبه (وأفظ) اللسان وأشده (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي عياض: هما أي قولهن أغلظ وأفظ بمعنى واحد كناية عن شدة الخلق وخشونة الجانب، وقيل: الغلظة في القلب، والفظاظة في اللسان بخشونة الكلام كما أشرنا إليه في الحل، وليست أفعل هنا للمفاضلة بل معنى أنت فظ غليظ، وقد تكون للمفاضلة والذي في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك هو ما كان في ذات الله من إغلاظه على الكفار والمنافقين كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ} ولذا كان يغضب عند انتهاك حرمات الله تعالى، قال الأبي: يعني أنهن لم يردن أن عند عمر مزيد فظاظة وغلظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقتضيه أفعل بل كان صلى الله عليه وسلم رحيمًا رؤوفًا، قال القاضي: وفي الحديث أن لين الجانب أفضل لأنه خلقه صلى الله عليه وسلم اهـ من الأبي. فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمر: (والذي نفسي بيده) المقدسة (ما لقيك الشيطان قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية، حالة كونك

سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (سالكًا) أي داخلًا (فجًّا) من الفجاج أي طريقًا من الطرق (إلا سلك) الشيطان (فجًّا غير فجك) أي طريقًا غير طريقك الذي سلكت فيه هيبة منك وخوفًا. (قوله: أنت أغلظ وأفظ) هو أفعل تفضيل من الغلظة والفظاظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} فإنه يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فظًا ولا غليظًا (والجواب) أن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة فلا يستلزم ما في الحديث ذلك بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلًا، وجوز بعضهم أن الأفظ ها هنا بمعنى الفظ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدًا بما يكره إلا في حق من حقوق الله، وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقًا وطلب المندوبات فلهذا قال النسوة له ذلك. (وقوله: إلا سلك فجًّا غير فجك) الفج الطريق الواسع، وفيه فضيلة عظيمة لعمر الفاروق رضي الله عنه وحمله النووي على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكًا فجًّا هرب منه هيبة عمر وذهب إلى فج آخر، ولم يذكر في الروايات مثل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه ثابت له بالطريق الأولى بدلالة هذا النص، قال الحافظ في الفتح [7/ 47] إن ذلك لا يقتضي وجود العصمة لعمر، إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته، فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق عمر فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي غيره ممكنة، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وإغوائه منه، وإن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان، وحاصله أن الشيطان لا يتمكن من إغوائه ولا إغواء غيره بمحضر من عمر رضي الله عنه، وهذا التفسير هو الذي يظهر أنه الأولى بهذا المقام والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 171] والبخاري في مواضع منها باب مناقب عمر بن الخطاب [3683]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد لحديث سعد وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

6048 - (00) (00) حدثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا بِهِ عَبدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. أَخْبَرَنِي سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، أن عُمَرَ بْنَ الْخَطابِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ قَدْ رَفَعنَ أَصوَاتَهُن عَلَي رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَلَمَّا اسْتَأذَنَ عُمَرُ ابتَدَرْنَ الْحِجَابَ، فَذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ الزُّهرِي. 6049 - (2377) (132) حدثني أَبُو الطاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمرِو بنِ سَرْحٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6048 - (00) (00) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا به) أي بحديث سعد السابق، أتى به إشارة إلى أن الآتي شاهد لحديث سعد لأن الراوي له أبو هريرة، وفي بعض النسخ إسقاطه وهو أولى لعدم الحاجة إليه أي حدثنا به (عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (أخبرني سهيل) ابن أبي صالح السمان القيسي المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات القيسي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سهيل لابن شهاب متابعة ناقصة في الشاهد (أن عمر بن الخطاب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في منزله (وعنده) صلى الله عليه وسلم (نسوة قد رفعن أصواتهن على) صوت (رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استأذن عمر ابتدرن الحجاب فذكر) سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة (نحو حديث الزهري) عن سعد بن أبي وقاص والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث ابن عباس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 6049 - (2377) (132) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (حدثنا عبد الله وهب) بن مسلم المصري (عن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم الزهري المدني (عن أبيه سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا

عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "قَد كَانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ. فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته، وهذا الحديث أخرجه الترمذي في مناقب عمر برقم [3693] وكذلك البخاري في مناقب عمر برقم [3689] كلاهما من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وكذلك أخرجه البخاري في الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل [3469] عن أبي هريرة ورواه أكثر الرواة عن إبراهيم بن سعد مثل ما رواه البخاري عن أبي هريرة، وتفرد عبد الله بن وهب فجعله من مسندات عائشة ولذلك استدرك الدارقطني على مسلم في إخراج هذا الحديث عن عائشة ولكن ذكر الحافظ في الفتح أنه تابعه محمد بن عجلان فكان أبا سلمة سمعه من أبي هريرة عائشة جميعًا، وله أصل من حديث عائشة أخرجه ابن سعد من طريق ابن أبي عتيق عنها، وأخرجه من حديث خفاف بن إنماء أنه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول: أشهد أنك مكلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقول: قد كان) الشأن والحال (يكون في الأمم) التي (قبلكم محدثون) أي ملهمون من جهة الله تعالى بالأمر الصواب الموافق لما في الواقع أي يلهمون في قلوبهم فيتكلمون به قبل وقوعه فيقع كما تكلموا، قال القرطبي: كان الأولى شأنيه أي كان الأمر والشأن، والثانية ناقصة ومحدثون اسمها، والجار والمجرور في قوله: (في الأمم) خبرها مقدم على اسمها، وجملة الثانية في محل النصب خبر كان الأولى، والتقدير كان الشأن والحال يكون محدثون كائنين في الأمم قبلكم، وجملة كان الأولى في محل النصب مقول يقول، ويحتمل أن تكون الثانية تامة ومحدثون فاعلها، والجار والمجرور حال من الضمير المستكن في فاعلها والمعنى حينئذٍ كان الشأن يوجد محدثون، حالة كونهم في الأمم قبلكم ومحدثون بفتح الدال المشددة اسم مفعول من التحديث وهو من يحدثه ويكلمه غيره، قال العيني نقلًا عن الخطابي في عمدة القاري [7/ 468] المحدث الملهم يلقى الشيء في روعه فكأنه قد حدث به يظن فيصيب ويخطر الشيء بباله فيكون وهي منزلة جليلة من منازل الأولياء، وقيل: المحدث من يجري الصواب على لسانه، وقيل من يكلمه الملائكة، وقال ابن التين: يعني متفرسون، وقال النووي: حاكيًا عن البخاري يجري الصواب على ألسنتهم وهذه متقاربة متفقة على أن المحدث ليس نبيًّا وأن ما يتحدث به لا يسمى وحيًا فلا يكون حجة في الشرع فبطل ما تأول القادياني في هذا الحديث وما تدرج به إلى دعوى النبوة والعياذ بالله من ذلك (فإن يكن في أمتي منهم أحد

فَإِن عُمَرَ بْنَ الْخَطابِ مِنهُم". قَال ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ مُلهَمُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن عمر بن الخطاب منهم) أي فهو عمر بن الخطاب (قال ابن وهب) بالسند السابق: (تفسير محدثون) ومعناه أي (ملهمون) من الله تعالى الصواب والحق في روعهم فيتكلمون به قبل وقوعه فيقع كما قالوا. وقوله: (فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر) دليل على قلة وقوع هذا وندوره، وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبين فيما يظنون لأن هذا كثير في العلماء والأئمة الفضلاء بل وفي عوام الخلق كثير ممن يقوى حديثه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر رضي الله عنه بذلك، ومعنى هذا الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعًا هان كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم فيه بالوقوع ولا صرح فيه بالإخبار لأنه إنما ذكره بصيغة الشرط، وقد دل على وقوع ذلك لعمر حكايات كثيرة عنه كقصة "الجبل يا سارية" ذكر هذه القصة ابن حجر في الإصابة [3/ 53] وعزاها للواقدي وسيف بن عمر وغيرهما، وأصح ما يدل على ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك كما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما نزل بالناس أمر قط قالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال فيه عمر. رواه الترمذي [3682] وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث .. الحديث، وقد ادعى هذا الحال كثير من أهل المحال -الكيد والمكر- لكن تشهد بالفضيحة شواهد صحيحة. وقد فسر ابن وهب المحدثين بالملهمين أي يحدثون في ضمائرهم بأحاديث صحيحة هي من نوع الغيب فيظهر على نحو ما وقع لهم، وهذه كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من صالحي عباده، ومن هذا النوع ما يقال عليه فراسة وتوسم كما قد رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75] رواه الترمذي [3127] اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 55] والترمذي [3693] والنسائي في الكبرى [8120].

6050 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيث. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَينَةَ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عَجْلانَ، عَن سَعْدِ بْنِ إِبرَاهِيمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 6051 - (2378) (133) حدثنا عُقبَةُ بْنُ مُكْرَم الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ. قَال: جُوَيرِيَةُ بْنُ أسْمَاءَ أَخْبَرَنَا، عَنْ نَافِع، عَنِ ابنِ عُمَرَ. قَال: قَال عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبي فِي ثَلاث: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6050 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب قالا: حدثنا ابن عيينة كلاهما) أي كل من ليث وابن عيينة رويا (عن) محمد (بن عجلان) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن سعد بن إبراهيم بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة، وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة محمد بن عجلان لإبراهيم بن سعد، وساق محمد بن عجلان (مثله) أي مثل ما روى إبراهيم بن سعد عن أبيه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى تاسعًا لحديث ابن عباس بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6051 - (2378) (133) (حدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول (العمي) بفتح العين وتشديد الميم نسبة إلى بني العم قبيلة مشهورة أبو عبد الملك البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سعيد بن عامر) الضبعي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (قال) سعيد: (جويرية بن أسماء) مبتدأ خبره جملة (أخبرنا عن نافع) هو جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، صدوق، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (قال عمر) بن الخطاب: (وافقت ربي في ثلاث) من الأمور، يعني أنه وقع لي في قلبه حديث عن تلك الأمور فأنزل الله تعالى القرآن على نحو ما وقع اهـ من المفهم. قال الطيبي: ما أحسن هذه العبارة وما ألطفها حيث راعى الأدب الحسن ولم يقل وافقني ربي مع أن الآيات إنما نزلت موافقة لرأيه واجتهاده [أقول]: ولعله رضي الله

فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه أشار بقول هذا أن فعله حادث لاحق وقضاء ربه قديم سابق اهـ مرقاة. قال الحافظ العسقلاني: ليس في تخصيص الثلاث ما ينفي الزيادة لأنه حصلت له الموافقة في أشياء؛ من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين وهما في الصحيح، وأكثر ما وقفنا عليها منها بالتعيين خمسة عشر قال صاحب الرياض: منها تسع لفظيات، وأربع معنويات، واثنتان في التورية، فإن أردت تفصيلها فراجعها اهـ. وقوله: (في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر) بدل من ثلاث، بدل تفصيل من مجمل وموافقته لربه في الأول من الثلاث أن وقع في قلبه أن مقام إبراهيم - عليه السلام - محل شرفه الله تعالى وكرمه بأن قام فيه إبراهيم للدعاء والصلوات وجعل فيه آيات بينات وغفر لمن قام فيه الخطيئات وأجاب فيه الدعوات، فقال: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وموافقته في الثاني منها أنه وقع في قلبه شرف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلو مناصبهن وعظيم حرمتهن وأن الذي يناسب حالهن أن يحتجبن عن الأجانب فإن اطلاعهم عليهن ابتذال لهن ونقص من حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وحرمتهن فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك فإنهن يراهن البر والفاجر. فنزلت آية الحجاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} وقد استوفينا الكلام على هذا في النكاح، وموافقته في الثالث منها أنه وقع في قلبه قتل أسارى بدر وأشار على النبي صلى الله عليه وسلم به وأشار عليه أبو بكر بالإبقاء والفداء فمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما قال أبو بكر رضي الله عنه فأنزل الله تعالى القرآن على نحو ما وقع لعمر رضي الله عنه يعني في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآية، فوافق القرآن ما وقع لعمر في الأمور الثلاثة فكان ذلك دليلًا قاطعًا على أنه محدث بالحق ملهم لوجه الصواب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في التفسير باب قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [4483]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث ابن عباس بحديث آخر لابن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال:

6052 - 23791) (134) حدثنا أَبُو بَكْرِ بن أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو أسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبدُ اللهِ بن أُبَيٍّ، ابْنُ سَلُولَ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَن يُكَفِّنَ فِيهِ أبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6052 - (2379) (134) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر: (لما توفي) ومات (عبد الله بن أبي ابن سلول) هكذا صوابه أن يكتب ابن سلول بالألف ويعرب بإعراب عبد الله لأنه وصف ثان له لأنه عبد الله بن أبي وهو أيضًا عبد الله بن سلول فأبي أبوه، وسلول أمه فنسب إلى أبويه جميعًا ووصف بهما. وقوله: (جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) جواب لما الشرطية وكان رأس المنافقين، وذكر الواقدي أنه مات بعد منصرفهم من تبوك في ذي القعدة سنة تسع، واستمر مرضه إلى عشرين يومًا، وكان قد تخلف من غزوة تبوك كذا في عمدة القاري [8/ 649] وكان ابنه عبد الله بن عبد الله من فضلاء الصحابة، وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه من الحباب إلى عبد الله شهد بدرًا وما بعدها، واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما، ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أحسن صحبته" أخرجه ابن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن كذا في الفتح [8/ 334]. (فسأله) أي فسأل ابنه النبي صلى الله عليه وسلم (أن يعطيه قميصه) أي أن يعطي النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لذلك الابن لأجل (أن يكفن) ذلك الابن (فيه) أي في قميص النبي صلى الله عليه وسلم (أباه) عبد الله بن أبي لتناله بركة جسده صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام فلذلك التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر عنده ويصلي عليه ولا مميما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه، ويؤيده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرض عبد الله بن أبي جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه، فقال: قد فهمت ما تقول فامنن علي فكفني في قميصك وصل علي ففعل. فكان عبد الله بن أبي أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في

فَأَعْطَاهُ. ثُم سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيهِ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيهِ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلي عَلَيهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلي عَلَيهِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنمَا خَيَّرَنِيَ اللهُ فَقَال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80، وَسَأَزِيدُ عَلَي ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الغطاء عن ذلك (فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لابنه ليكفن فيه أباه المنافق، قيل: إنما أعطاه قميصه وكفنه فيه تطييبًا لقلب ابنه فإبه كان صحابيًّا صالحًا كذا في النووي (ثم سأله) أي ثم سأل ولده النبي صلى الله عليه وسلم (أن يصلي عليه) أي على أبيه (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه) أي على عبد الله بن أبي (فقام عمر) بن الخطاب (فأخذ) عمر (بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليمنعه من الصلاة عليه، وفي رواية الترمذي عن ابن عباس عن عمر "فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا .. أعدد عليه" قوله: يشير بذلك إلى مثل قوله: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} وغيره (فقال) عمر: (يا رسول الله أتصلي عليه) أي على ابن أبي (وقد نهاك الله أن تصلي عليه) وتستغفر له في ضمن النهي عن الاستغفار للمنافقين. وقوله: (وقد نهاك الله) إلخ قد يشكل عليه بأن النهي عن الصلاة على المنافقين إنما نزل بعد هذه القصة فما هو النهي الذي أحال عليه عمر فأجاب عنه بعضهم بأن هذا النهي وهم من بعض رواته، وأجاب غيره بأن هذا النهي نهي خاص اطلع عليه عمر في ذلك، وقال القرطبي: لعل ذلك النهي وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الإلهام، ويحتمل أن يكون عمر فهم ذلك النهي من قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية، وهذا الأخير أقرب إلى الصواب وأحرى بالقبول لأن الصلاة على الميت مشتملة على الاستغفار له، ويدل عليه ما أخرجه البخاري [4672] عن ابن عمر، وفيه من قول عمر: "تصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم" ويدل عليه أيضًا جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في هذا الحديث إنما خيرني الله .. إلخ كما ذكره مسلم بقوله: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما خيرني الله فقال") لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وسأزيد على

سَبْعِينَ" قَال: إِنهُ مُنَافِق. فَصَلَّى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] ـــــــــــــــــــــــــــــ سبعين) فـ (قال) عمر: (إنه منافق) ووقع عند ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال عمر: أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال: "أين" قال: قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية ذكره الحافظ في الفتح. قوله: (إنما خيرني الله، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ}) الآية يحتمل معنيين؛ الأول: أن يكون للتخيير، والثاني: أن يكون للتسوية في الحكم أي إن الاستغفار وعدمه في حقهم سواء فحمله عمر رضي الله عنه على الثاني جريًا على محاورات العرب وحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأول لفرط شفقته على الأمة فأراد أن يجري عليه ما دام محتملًا في كلام الله تعالى وما لم يرد نهي صريح في ذلك. قوله: (وسأزيد على سبعين) الظاهر في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} أن عدد السبعين إنما ورد لبيان الكثرة، وأنه لا مفهوم له، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بذلك من غيره ولكنه صلى الله عليه وسلم لفرط شفقته على أمته أراد أن لا يدع احتمالًا ولو ضعيفًا للسعي في مغفرة من هو في أمته فأراد أن يزيد على السبعين في الاستغفار له، وروى الطبري عن طريق مغيرة عن الشعبي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فأنا أستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين" وذكر الواقدي أن مجمع بن جارية قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبي من الوقوف ذكره الحافظ في الفتح. (فصلى عليه) أي على ابن أبي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) معرضًا عن قول عمر (وأنزل الله عزَّ وجلَّ) على وفق قول عمر {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة / 84] سدًا لباب الاستغفار والدعاء للمنافقين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها في تفسير سورة براءة باب ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا [4672] والترمذي في تفسير سورة التوبة [3098].

6052 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بن سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، وَزَادَ: قَال: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6052 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، غرضه بيان متابعة يحيى القطان لأبي أسامة، وساق يحيى بن سعيد (في معنى) أي بمعنى (حديث أبي أسامة و) لكن (زاد) يحيى على أبي أسامة لفظة (قال) ابن عمر: (فترك) النبي صلى الله عليه وسلم (الصلاة عليهم) أي على المنافقين بعدما نزلت هذه الآية لكونها نهيًا صريحًا عن الصلاة عليهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أحد عشر؛ الأول: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به، والثالث: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر: حديث ابن عمر الثالث ذكره للاستشهاد، والحادي عشر: حديث ابن عمر الأخير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. ***

701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه

701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه وأرضاه 6054 - (2380) (135) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. (قَال يَحْيَى بن يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ، يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 701 - (15) والثالث منها باب فضل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وفي عبد مناف يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا عمرو، وأبا عبد الله، وأبا ليل بأولاد ولدوا له، وأشهر كناه أبو عمرو، ولقب بذي النورين لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه ابنتيه رقية وأم كلثوم واحدة بعد أخرى، وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كانت عندي أخرى لزوجتها له" رواه ابن سعد في طبقاته [8/ 38] وابن عبد الهادي في الشجرة النبوية [ص 56] أسلم قديمًا قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلفه على ابنته رقية وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره فكان كمن شهد بدرًا، وقيل: كان هو في نفسه مريضًا بالجدري وغاب عن بيعة الرضوان فبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في يده، وقال: "هذه لعثمان" رواه أحمد [2/ 101 و 120] والبخاري [3698] وسبب غيبته عن بيعة الرضوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجهه إلى أهل مكة ليكلمهم في أن يخلوا بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين العمرة فأرجف بأن قريشًا قتلته فبايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بسبب ذلك. وقد استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6054 - (2380) (135) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وقتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن

مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَن عَطَاءَ وَسُلَيمَانَ ابْنَي يَسَارٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مُضطَجِعًا فِي بَيتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيهِ. أوْ سَاقَيهِ. فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ. فَأَذِنَ لَهُ. وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. فَتَحَدَّثَ. ثُم اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ. وَهُوَ كَذَلِكَ. فَتَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَسَوَّى ثِيَابَهُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن أبي حرملة) القرشي مولاهم أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عطاء وسليمان ابني يسار) الهلاليين المدنيين موليين لميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، كلاهما ثقتان، من (3) روى عن سليمان في (14) بابا، وعن عطاء في (9) أبواب (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف كل من الثلاثة رووا (أن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو) قالت عائشة أو من دونها كاشفًا عن (ساقيه) والشك من الراوي عن عائشة، قال القرطبي: وفي بقاء النبي صلى الله عليه وسلم منكشف الفخذ حتى اطلع عليه أبو بكر وعمر دليل على أن الفخذ ليس بعورة، وقد تقدم الكلام فيه اهـ مفهم. وقال النووي: هذا الحديث مما يحتج به المالكية وغيرهم ممن يقول ليست الفخذ عورة، ولا حجة فيه لأنه مشكوك (أي شك الراوي) في المكشوف هل الساقان أم الفخذان فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ اهـ. وفي المرقاة: قلت: ويجوز أن يكون المراد بكشف الفخذ كشفه عما عليه من القميص لا من المئزر كما سيأتي ما يشعر إليه من كلام عائشة وهو الظاهر من أحواله صلى الله عليه وسلم مع آله وصحبه اهـ. (فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو) صلى الله عليه وسلم (على تلك الحال) أي على حالة كشف الفخذ أو الساق (فتحدث) صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ما شاء الله (ثم استأذن عمر) في الدخول (فأذن) صلى الله عليه وسلم (له) أي لعمر في الدخول (وهو) صلى الله عليه وسلم (كذلك) أي على تلك الحال من كشف الفخذ أو الساق (فتحدث) صلى الله عليه وسلم مع عمر ما شاء الله (ثم استأذن عثمان) في الدخول عليه (فأذن) صلى الله عليه وسلم لعثمان في الدخول عليه (فـ) لما دخل عثمان (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قعد وترك الاضطجاع (وسوى) صلى الله عليه وسلم أي رجع (ثيابه)

قَال مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَومٍ وَاحِدٍ- فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ. فَلَمَّا خَرَجَ قَالت عَائشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ. ثُم دَخَلَ عُمَرُ فَلَم تَهتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المكشوفة عنه على فخذيه أو على ساقيه أي بعد عدم تسويته عند دخول الشيخين، وفي هذا إيماء إلى أنه لم يكن كاشفًا عن نفس أحد العضوين بل عن الثياب الموضوعة عليهما، ولذا لم تقل عائشة وستر فخذه فارتفع به الإشكال واندفع به الاستدلال والله أعلم اهـ من المرقاة، قال إسماعيل بن جعفر: (قال) لنا (محمد) بن أبي حرملة عندما روى لنا هذا الحديث (ولا أقول) لكم كان (ذلك) أي دخول الشيخين ودخول عثمان (في يوم واحد) بل أيام دخولهم على النبي صلى الله عليه وسلم مختلفة وهذا قول محمد بن أبي حرملة لا من الحديث، والظاهر أن مراده أن الرواية ليست صريحة في أن مجيء عثمان كان في نفس اليوم الذي جاء فيه أبو بكر وعمر بل يحتمل أن يكون عثمان جاء في غير ذلك اليوم والله أعلم (فدخل) معطوف على قوله ثم استأذن عثمان أي فأذن له فدخل عثمان (فتحدث) عثمان معه صلى الله عليه وسلم ما شاء الله، قوله: (فلما خرج قالت عائشة) .. إلخ فيه تقديم وتأخير ومقتضى السياق أن يقال: (قالت عائشة) بالسند السابق: (فلما خرج) عثمان قلت له صلى الله عليه وسلم: (دخل) عليك (أبو بكر فلم تهتش) أي لم تتحرك عن مضجعك (له) أي لأجل دخول أبي بكر ولم تسو عليك ثيابك. قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا (تهتش) من باب افتعل، وفي بعض النسخ الجديدة (تهش) من الثلاثي المضعف، وكذا ذكره القاضي وعلى هذا الأخير فالهاء مفتوحة يقال فيه هش يهش كشم يشم، وأما الهش الذي هو خبط الورق من الشجر فيقال فيه هش يهش بضمها من باب شد قال تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} كما بسطنا الكلام عليه في كتابنا مناهل الرجال على لامية الأفعال، قال أهل اللغة: الهشاشة والبشاشة بمعنى طلاقه الوجه وحسن اللقاء اهـ النووي، وعبارة القرطبي: قوله: (ولم تهتش له) يروى تهتش بالتاء المثناة فوق، ويروى بحذفها وهو من الهشاشة وهي الخفة والاهتزاز والنشاط عند لقاء من يفرح بلقائه يقال: هش وبش وتبشبش كلها بمعنى، والمعنى دخل أبو بكر فلم تتحرك به ولم تهتز ولم تفرح بلقائه ولم تنشط لدخوله. (ولم تباله) أي لم تكثرت بدخوله ولم تعتن بأمره، وأصله من البال وهو الاحتفال بالشيء والاعتناء به

ثُم دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيتَ ثِيَابَكَ، فَقَال: "أَلا أَسْتَحِي مِن رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلائكَةُ". 6055 - (2381) (136) حدثنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والفكر فيه يقال: جعلته من بالي وفكري وهو المعبر عنه في الرواية الأخرى بقولها: "لم أرك فزعت له" أي لم تقبل عليه ولم تتفرغ له اهـ من المفهم (قلت): والصواب أنه من المبالاة لأنه من باب فاعل المعتل بالياء كوالي يوالي موالاة وهو مجزوم بحذف الياء، والمبالاة: الاهتمام والاعتناء بالشيء وعدم المبالاة به عدم الاعتناء والاهتمام والاكتراث به (ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست) لدخوله (وسويت) أي رجعت عليك (ثيابك) فلم فعلت ذلك فيهم من عدم الاهتمام بدخول الشيخين والاعتناء بدخول عثمان (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي عن ذلك لأن عثمان حيي أستحيي منه (إلا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة) الكرام؛ أي حياء التوقير والإجلال وتلك منقبة عظيمة وخصوصية شريفة لعثمان ليست لغيره أعرض قتلة عثمان عنها ولم يعرجوا عليها. وفي الحديث دليل على جواز معاشرة كل واحد من الأصحاب بحسب حاله ألا ترى انبساطه واسترساله مع العمرين على الحالة التي كان عليها مع أهله لم يغير منها شيئًا ثم إنه لما دخل عثمان غير تلك الحال التي كان عليها أولًا فغطى فخذيه وتهيأ له، ثم لما سئل عن ذلك قال: إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلى حاجته اهـ من المفهم. وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [6/ 155 و 167]. قوله: (إلا أستحي من رجل تستحي) هكذا هو في الرواية أستحي بياء واحدة في كل واحد منهما، قال أهل اللغة: يقال: استحيا يستحيي بيائين واستحى يستحي بياء واحدة لغتان الأول أفصح وأشهر وبها جاء القرآن اهـ نووي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها ولعثمان بن عفان رضي الله عنهما فقال: 6055 - (2381) (136) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن اللبث بن سعد) الفهمي

حَدَّثَنِي أَبِي، عَن جَدَّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بن خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَن يَحْيَى بنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ أَن سَعِيدَ بنَ الْعَاصِ أَخبَرَهُ؛ أَن عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَعُثْمَانَ حَدَّثَاهُ؛ أَن أَبَا بَكْرٍ اسْتَأذَنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضطَجِعٌ عَلَي فِرَاشِهِ، لابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لأَبِي بَكرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة إمام، من (7) (حدثني عقيل بن خالد) المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب) الزهري (عن يحيى بن سعيد بن العاص) بن سعيد بن العاص القرشي الأموي أبي عمر الأشدق الكوفي، روى عن أبيه سعيد بن العاص في فضل عثمان وعمر ومعاوية وعائشة، ويروي عنه (م) والزهري والربيع بن سبرة، وثقه النسائي ويعقوب بن عثمان، له عنده حديثان، وعده ابن معين في تابعي أهل المدينة ومحدثيهم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات في حدود الثمانين (أن) أباه (سعيد بن العاص) بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي وهو سعيد بن العاص بن أبي أجيجة، وأبو أجيجة اسمه سعيد بن العاص القرشي صحابي صغير ولد قبل بدر وقتل أبوه ببدر وكان لسعيد هذا عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، روى عن عائشة وعثمان في فضل عثمان، وعن عمر، ويروي عنه (م س) وابنه يحيى وعمرو وعروة، أقيمت عربية القرآن على لسانه وكان شريفًا سخيًّا فصيحًا، وقال في التقريب: مات سنة (58) ثمان وخمسين، وقيل سبع، وقيل تسع رضي الله عنه. (أخبره) أي أخبر لابنه يحيي (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان) بن عفان رضي الله عنهما (حدثاه) أي حدثا لسعيد بن العاص. وهذا السند من ثمانياته، وفيه رواية صحابي عن صحابيين (أن أبا بكر) الصديق (استأذن) أي طلب الإذن في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (مضطجع على فراشه) أي على فراش نومه (لابس مرط عائشة) ولحافها وهو بكسر الميم وسكون الراء كساء من صوف، وقال الخليل: كساء من صوف أو كتان أو غيره، وقال ابن الأعرابي وأبو زيد: هو الإزار اهـ نووي (فأذن) صلى الله عليه وسلم (لأبي بكر) في الدخول عليه

وَهُوَ كَذَلِكَ. فَقَضَى إِلَيهِ حَاجَتَهُ ثُم انْصَرَفَ. ثُم استَأْذَنَ عُمَرُ. فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَضَى إِلَيهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انصَرَفَ. قَال عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيهِ فَجَلَس. وَقَال لِعَائِشَةَ: "اجْمَعِي عَلَيكِ ثِيَابَكِ" فَقَضيتُ إِلَيهِ حَاجَتِي ثُم انْصَرَفْتُ. فَقَالتْ عَائشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ. وَإنِّي خَشِيتُ، إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، أَنْ لَا يَبْلُغَ إِليَّ فِي حَاجَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وهو) صلى الله عليه وسلم كائن (كذلك) أي مضطجع على فراشه لم يجلس (فقضى) أبو بكر أي أخبر وأوصل (إليه) صلى الله عليه وسلم (حاجته) التي جاء لها (ثم انصرف) أبو بكر أي رجع وذهب (ثم استأذن عمر فأذن له وهو) صلى الله عليه وسلم كائن (على تلك الحال) التي دخل عليه أبو بكر وهو بها من الاضطجاع على فراشه (فقضى) عمر أن أخبر عمر (إليه) صلى الله عليه وسلم (حاجته ثم انصرف) وذهب عمر (قال عثمان) بالسند السابق (ثم) بعدما ذهب عمر (استأذنت) أنا في الدخول (عليه) صلى الله عليه وسلم فأذن لي فدخلت عليه (فجلس وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك) وغطي رأسك وجميع جسدك، قال عثمان: (فقضيت) أي أبلغت وأخبرت (إليه) صلى الله عليه وسلم (حاجتي ثم انصرفت) ورجعت (فقالت عائشة) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله مالي) أي أي شيء ثبت ورؤي لي من حالك (لم أرك) يا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فزعت) واهتممت واعتنيت وتهيأت (لأبي بكر وعمر) أي لدخولهما عليك (رضي الله عنهما كما فزعت) وتهيات وجلست (لعثمان) أي لدخوله فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب استفهام عائشة: (أن عثمان رجل حيي) أي شديد الحياء كثيره لا يقرر بسبب حيائه حاجته إلي، فهو فعيل بمعنى فاعل إما صفة مشبهة أو صيغة مبالغة (وإني خشيت) أي خفت منه (إن أذنت له) وأنا (على تلك الحال) التي كنت عليها أولًا من الاضطجاع في مرطك أي خشيت عليه (أن لا يبلغ) ولا يوصل ولا يخبر (إلي) مراده (في حاجته) ولا يبينها لي استحياء مني وأنا على تلك الحالة. وهذا الحديث أيضًا مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات، غرضه بسوقه الاستشهاد بالنظر إلى كونه من مسند عثمان، وبيان المتابعة بالنظر إلى كونه من مسند عائشة.

6056 - (00) (00) حدّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِي الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كُلُّهُمْ عَن يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي عَن صَالِحِ بنِ كَيسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ أن سَعِيدَ بنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ؛ أَن عُثمَانَ وَعَائِشَةَ حَدَّثَاهُ؛ أَن أَبَا بَكرٍ الصِّدِّيقَ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، فَذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. 6057 - (2382) (137) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عُثمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة وعثمان رضي الله عنهما فقال: 6056 - (00) (00) (حدثناه عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (والحسن بن علي) الهذلي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن صالح بن كيسان) الغفاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (10) أبواب (عن ابن شهاب قال: أخبرني يحيى بن سعيد بن العاص) القرشي الأموي الكوفي (أن) أباه (سعيد بن العاص أخبره) أي أخبر ليحيى (أن عثمان وعائشة) رضي الله عنهما (حدثاه) أي حدثا لسعيد بن العاص. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان لعقيل بن خالد (أن أبا بكر الصديق استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدكر) صالح بن كيسان (بمثل حديث عقيل) بن خالد (عن الزهري). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة رضي الله عنها بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6057 - (2382) (137) (حدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري (حدثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن عثمان بن غياث) بمعجمة ومثلثة الراسبي البصري، روى عن عبد الله بن بريدة في

عَن أَبِي عُثمَانَ النَّهْدِيِّ، عَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ. قَال: بَينَمَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي حَائِطٍ مِن حَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ يرْكُزُ بِعُودٍ مَعَهُ بَينَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، إِذا اسْتَفتَحَ رَجُلٌ. فَقَال: "افتَحْ. وَبَشِّرْهُ بالْجَنَّةِ" قَال: فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ. فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. قَال: ثُم اسْتَفتَحَ رَجُلٌ آخَرُ. فَقَال: "افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ" قَال: فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ. فَفَتَحْتُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــ الأيمان، وأبي عثمان النهدي في فضل عثمان والدعاء، ويروي عنه (خ م دس) ويحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي والنضر بن شميل، قال ابن المديني: له نحو عشرة أحاديث، وقال أحمد: ثقة، يرى الإرجاء، وقال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال العجلي: بصري ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن أبي عثمان النهدي) عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وتشديد اللام الكوفي مشهور بكنيته، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن أبي موسى الأشعري) عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى: (بينما رسول الله صلى الله عليه رسلم في حائط) أي في بستان (من حائط المدينة) أي من بساتين المدينة، وسيأتي في رواية سعيد بن المسيب أنه حائط عند بئر أريس بقباء (وهو) صلى الله عليه وسلم (متكئ) أي مستند على مخصرته، حالة كونه (يركز) بضم الكاف من باب نصر أي يضرب (بعود معه بين الماء والطين) أي يغرز بأسفله ليثبته في الأرض، وفي رواية للبخاري في الأدب "وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم عود يضرب -أي ينكت- به بين الماء والطين" ليثبته على الأرض ويتوكأ بيده عليه وكأن المراد بالعود هنا المخصرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوكأ عليها وليس مصرحًا به في الحديث، وفيه أنه ليس من العبث المذموم لان ذلك إنما يقع من العاقل عند التفكر في شيء، ولذلك ترجم عليه البخاري في الأدب باب نكت العود في الماء والطين اهـ من الفتح [10/ 597]. و(إذا) في قوله: (إذا استفتح) فجائية رابطة لجواب بينما؛ والمعنى بينما أوقات كون النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة وأنا معه فاجأنا استفتاح (رجل) باب الحائط (فقال) لي النبي صلى الله عليه وسلم: (افتح) الباب منه (وبشره بالجنة قال) أبو موسى وهو من كلام الراوي عنه فإذا الرجل (أبو بكر) الصديق (ففتحت له) أي ففتحت

وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنةِ. ثُم اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ. قَال: فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَال: "افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ" قَال: فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُثمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَال: فَفَتَحْتُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. قَال: وَقُلْتُ الذِي قَال. فَقَال: اللَّهُمَّ صَبْرًا، أَو اللهُ الْمُسْتَعَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه الباب (وبشرته بالجنة) كما أمرني النبي صلى الله غليه وسلم بذلك (قال) أبو موسى: (ثم استفتح رجل آخر فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افتح) عنه (وبشره بالجنة قال) أبو موسى: (فدهبت) إلى الباب (فإذا هو) أي الرجل المستفتح (عمر) بن الخطاب (ففتحت له) الباب (وبشرته بالجنة) قال أبو موسى: (ثم استفتح رجل آخر) أي رجل ثالث للأولين (قال) أبو موسى: (فجلس النبي صلى الله عليه وسلم) على قف البئر وكان قبل ذلك قائمًا متكئًا على مخصرته التي ركزها بين الماء والطين (فقال) لي: (افتح) الباب عنه (وبشره بالجنة على بلوى تكون) له أي على مصيبة تصيبه وهو قتله في الدار (قال) أبو موسى: (فذهبت) إليه أي إلى الرجل الثالث المستفتح للباب (فإذا هو عثمان بن عفان قال) أبو موسى: (ففتحت) له الباب (وبشرته بالجنة قال) أبو موسى: (وقلت) لعثمان مع التبشير له بالجنة الكلام (الذي قال) فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعني قوله: "على بلوى تكون" له (فقال) عثمان حين أخبرته الكلام الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم) أصبر (صبرًا) على ما قال لي رسولك (أو) قال عثمان: (الله المستعان) على تحمل تلك البلوى، والشك من الراوي أو ممن دونه. قوله: (اللهم صبرًا) قيل معناه أي يا الله أعطني صبرًا على مرارة تلك البلية (أو) قال: (الله المستعان) أي المطلوب منه المعونة على جميع المؤنة والمشقة والله أعلم اهـ دهني. قال النووي: فيه استحباب قول الله المستعان عند مثل هذا الحال. وفي الأبي: هو تسليم لقضاء الله تعالى، ولعله الذي منعه من الدفاع عن نفسه لإعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك سبق به القدر وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم اهـ وقيل: المعنى اللهم صبرني صبرًا جميلًا وأعني على ما قدرت علي اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 393 و 406 - 407] والبخاري في مواضع منها في باب مناقب عمر [3693] وباب مناقب عثمان [3695] وأخرجه الترمذي في المناقب باب مناقب عثمان [3710].

6058 - (00) (00) حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَن أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النهْدِيِّ، عَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ دَخَلَ حائطًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَحْفَظَ الْبَابَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ. 6059 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ)، عَنْ شَرِيكِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6058 - (00) (00) (حدثنا أبو الربيع العتكي) سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني العنزي أبي بكر البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن أبي عثمان النهدي) الكوفي (عن أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا وأمرني أن أحفظ الباب) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب السختياني لعثمان بن غياث، وساق أيوب (بمعنى حديث عثمان بن غياث). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6059 - (00) (00) (حدثنا محمد بن مسكين) بن نميلة بضم النون مصغرًا (اليمامي) نزيل بغداد أبو الحسن، روى عنه يحيى بن حسان في فضل عثمان ووهب بن جرير وبشر بن بكير وعبد الله بن يوسف التنيسي والفريابي وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س) ومحمد بن أبي عتاب الأعين وابن أبي عاصم وأحمد بن عمر والبزار وابن خزيمة وآخرون، وثقه البخاري وأبو داود والحاكم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الحادية عشرة (حدثنا يحيى بن حسان) بن حيان بتحتانية التنيسي -بكسر المثناة فوق والنون المشددة المكسورة وسكون التحتية ثم سين مهملة- البكري، سكن تنيس، أبو زكريا البصري، ثقة، من (9) (حدثنا سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن شريك) بن عبد الله (بن أبي نمر) أبي عبد الله المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأشَعَرِيُّ؛ أَنهُ تَوَضَّأ فِي بَيتِهِ ثُمَّ خَرَجَ. فَقَال: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَال: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ. فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَقَالُوا: خَرَجَ. وَجَّهَ ههُنَا. قَال: فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ. حَتى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ. قَال: فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، وَبَابُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من سادات التابعين، من (2) روى عنه في (17) بابا قال: (أخبرني أبو موسى الأشعري) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيب لأبي عثمان النهدي (أنه) أي أن أبا موسى (توضأ) يومًا من الأيام (في بيته) أي في منزله الذي نزل فيه حين جاء من اليمن، أو من مبيته وإلا فليس له دار في المدينة (ثم خرج) من بيته (فقال) لنفسه: والله (لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه) في (يومي هذا) ولا أفارقه (قال) سعيد بن المسيب: (فجاء) أبو موسى (المسجد) النبوي (فسأل) الناس الذين كانوا في المسجد (عن) مكان (النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا) له: (خرج) من المسجد حالة كونه (وجه) بفتح الواو وتشديد الجيم بصيغة الماضي أي توجه بوجهه أو أقبل بنفسه (ها هنا) أي إلى هذه الجهة، هذا هو المشهور عند الجمهور، وضبطه بعضهم بسكون الجيم لوجود خرج أي خرج وذهب وجه ها هنا أي إلى جهة هي ها هنا أي إلى هذه الجهة القريبة، وفي البخاري: "خرج ووجه ها هنا" بفتح الواو والجيم المشددة بصيغة الماضي أي توجه أي وجه نفسه ها هنا اهـ قسطلاني، والمعنى على رواية مسلم (خرج) و (وجه ها هنا) أي ذهب ها هنا بتقدير الواو العاطفة، أو الجملة حال من فاعل خرج كما قررناه في حلنا. (قال) أبو موسى: (فخرجت) من المسجد (على أثره) أي على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراءه متتبعًا آثاره، حالة كوني (أسأل) الناس (عنه) أي عن جهة توجهه فذهب (حتى دخل) حائط (بئر أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء مصروف اهـ نووي. وهو بستان بالمدينة معروف قريب من قباء وفي هذا البئر سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من إصبع عثمان رضي الله عنه وهو مصروف إن كان اسمًا لمكان وإن جعلته اسمًا لتلك البقعة يكون غير مصروف للعلمية والتأنيث المعنوي اهـ عيني (قال) أبو موسى: (فجلست عند الباب) أي عند باب الحائط (وبابها) أي باب الحائط، وأنث الضمير نظرًا إلى كونه

مِنْ جَرِيدٍ. حَتى قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ. فَقُمْتُ إِلَيهِ. فَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ. وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكَشَفَ عَن سَاقَيهِ، وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ. قَال: فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ. ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ. فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الْيَوْمَ. فَجَاءَ أَبُو بَكرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَال: أَبُو بَكرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رَسْلِكَ. قَال: ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَبُو بَكرٍ يَسْتَأْذِنُ. فَقَال: "ائْذَن لَهُ، وَبَشِّرْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى الحديقة (من جريد) النخل أي من أغصان النخل المجردة من الخوص والورق، وقوله: (حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته) غاية لقوله: فجلست عند الباب؛ والمراد بالحاجة حاجة الإنسان من الخلاء. وقوله: (وتوضأ) معطوف على قضى (فـ) لما فرغ من وضوئه (قمت إليه) صلى الله عليه وسلم والفاء في قوله: (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (قد جلس على) قف (بئر أريس) عاطفة على قوله فقمت، وإذا فجائية، والتقدير فلما فرغ من وضوئه قمت إليه ففاجأني جلوسه على قف بئر أريس (وتوسط قفها) أي جلس على وسط قف البئر، والقف بضم القاف وتشديد الفاء حافة البئر ودكتها التي أحاطت بها وأصله الغليظ المرتفع من الأرض قاله ابن دريد وغيره، وهنا القف هو المكان الذي يمكن الجماعة أن يجلسوا عليه ويدلوا أرجلهم في البئر وهو جانبها المرتفع من الأرض ويجمع على قفاف، وكل ما قيل فيه خلاف هذا فيه بعد، ولا يناسب مساق الحديث اهـ من المفهم. (وكشف) صلى الله عليه وسلم (عن ساقيه ودلاهما) أي دلى الرجلين وأنزلهما (في البئر) أي إلى جهة قعر البئر جالسًا على القف والدكة (قال) أبو موسى: (فسلمت عليه) صلى الله عليه وسلم بعدما جلس على القف (ثم انصرفت) وذهبت من عنده (فجلست عند الباب) أي باب الحائط (فقلت) لنفسي: والله (لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب) أي دق باب الحائط (فقلت) له: (من هذا) الذي يدق ويدفع الباب (فقال) أبو بكر: أنا (أبو بكر فقلت) له: كن (على رسلك) ومهلك بكسر الراء وفتحها لغتان، والكسر أشهر ومعناه تمهل وتأن وامكث قليلًا حتى أرجع إليك (قال) أبو موسى (ثم ذهبت) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له: (يا رسول الله هذا) الواقف على الباب هو (أبو بكر يستأذن) منك الدخول عليك (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائذن له وبشره

بِالْجَنَّةِ" قَال: فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِي بَكرٍ: ادْخُل. وَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. قَال: فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ. فَجَلَسَ عَن يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي القُفِّ. وَدَلَّى رِجْلَيهِ فِي الْبِئْرِ. كَمَا صَنَعَ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيهِ. ثُم رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ. وَقَدْ تَرَكتُ أَخِي يَتَوَضَّأ وَيَلْحَقُنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجنة قال) أبو موسى: (فأقبلت) أي رجعت إلى أبي بكر (حتى قلت لأبي بكر) أي فقلت له وحتى بمعنى الفاء العاطفة (ادخل) يا أبا بكر (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة قال) أبو موسى: (فدخل أبو بكر فجلس) أي أبو بكر (عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف) أي على قف البئر ودكته (ودلى) أبو بكر (رجليه في البئر) أي مد وبسط رجليه من أعلى القف إلى جهة قعر البئر، وضع في الجلوس والتدلية (كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه) موافقة في جميع ما ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليكون أبلغ في بقاء النبي صلى الله عليه وسلم على راحته بخلاف ما إذا لم يفعل ذلك كما فعل فربما يستحي النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فيرفع الرجلين ويستر الساقين فيفقد راحته، وهذا الحديث يعارض ما وقع في حديث زيد بن أرقم عند البيهقي في دلائل النبوة قال زيد: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "انطلق حتى تأتي أبا بكر فقل له إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أبشر بالجنة، ثم انطلق إلى عمر كذلك ثم انطلق إلى عثمان كذلك .. الحديث، فهذا الحديث يدل على أن المبشر لهم هو زيد بن أرقم وحديث الباب يدل على أن المبشر هو أبو موسى فبينهما معارضة، قال الحافظ في الفتح [9/ 37] إن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للمعارضة فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أوسل زيد بن أرقم قبل أن يجيء أبو موسى فلما جاؤوا كان أبو موسى قد قعد على الباب فراسلهم على لسانه بنحو ما أرسل به إليهم زيد بن أرقم والله أعلم. قال أبو موسى: (ثم رجعت) إلى الباب (فجلست) عند الباب (وقد تركت أخي) في منزلنا، حالة كونه (يتوضأ و) يريد أن (يلحقني) إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان له أخوان أبو بردة عامر بن قيس وأبو رهم، وقيل: كان له أخ آخر اسمه لم يُعرف وأشهرهم أبو بردة فلما رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر الداخلين عليه اليوم

فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفْلانٍ -يُرِيدُ أَخَاهُ- خَيرًا يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانْ يُحَرِّكُ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَال: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقُلْتُ: عَلَي رَسْلِكَ، ثُمَّ جِئتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ وَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ يَسْتَأذِنُ. فَقَال: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ" فَجِئتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: أَذِنَ ويبَشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِالجَنةِ. قَال: فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي الْقُفِّ، عَن يَسَارِهِ. وَدَلَّى رِجْلَيهِ فِي الْبِئرِ. ثُم رَجَعتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلانٍ خَيرًا -يَعْنِي أخَاهُ- يَأتِ بِهِ. فَجَاءَ إِنْسَانٌ فَحَرَّكَ البَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ فَقَال: عُثْمَانُ بْنُ عَفانَ. فَقُلْتُ: عَلَى رَسْلِكَ. قَال: وَجِئتُ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَال: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرهُ بِالْجَنَّةِ. مَعَ بَلوَى تُصِيبُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجنة تمنى أن يأتي أخوه فيحظى بمثل هذه البشارة (فقلت) لنفسي: (أن يرد الله بفلان يريد) بقوله بفلان (أخاه خيرًا) مفعول يرد أي إن يرد الله بفلان خيرًا (يأت به فإذا إنسان يحرك الباب) أي باب الحائط (فقلت) له: (من هذا) المحرك للباب (فقال) أنا (عمر بن الخطاب فقلت) له: كن (على رسلك) ومهلك وحالك حتى أستأذن لك (ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وقلت) له: (هذا) الحاضر عند الباب هو (عمر) بن الخطاب (يستأذن) في الدخول عليك (فقال) لي: (ائذن له وبشره بالجنة فجئت) إلى الباب وكلمت (عمر فقلت) له قد (أذن) لك في الدخول عليه (ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة قال) أبو موسى: (فدخل) عمر (فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف) أي على قف البئر ودكته (عن يساره) صلى الله جمليه وسلم (ودلى) عمر أي نزل عمر (رجليه في البئر) قال أبو موسى: (ثم رجعت) إلى الباب (فجلست) عنده (فقلت) لنفسي: (أن يرد الله بفلان خيرًا يعني) أبو موسى بقوله بفلان (أخاه) الذي تركه في البيت ليتوضأ (يأت به فجاء إنسان فحرك الباب فقلت: من هذا) المحرك للباب (فقال) ذلك المحرك: أنا (عثمان بن عفان فقلت) له (على رسلك) ومهلك حتى أستأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبو موسى: (وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) بمجيء عثمان (فقال) لي: (ائذن له وبشره بالجنة مع) الإخبار له بـ (بلوى تصيبه) أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما قدر لعثمان

قَال: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ. ويبَشرُكَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِالْجَنةِ. مَعَ بَلْوَى تُصِيبُكَ. قَال: فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ. فَجَلَسَ وُجَاهَهُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَال شَرِيك: فَقَال سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه من إصابة المحن له في آخر خلافته وكونه شهيدًا مظلومًا، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما هو أصرح من هذا فروى أحمد من طريق كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فمر عليه رجل فقال: يقتل هذا فيها يومئذٍ ظلمًا، قال: فنظرت فإذا هو عثمان. ذكره الحافظ في الفتح [9/ 38] وصححه (قال) أبو موسى: (فجئت) عثمان عند الباب (فقلت) له: (ادخل وببشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع) الأمر لك بالصبر على (بلوى تصيبك) هي البلية التي صار بها شهيد الدار من أذى المحاصرة والقتل وغيره اهـ قسطلاني (قال) أبو موسى: (فدخل) عثمان: (فوجد) عثمان (القف قد ملئ) من الجانب الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرين (فجلس) عثمان (وجاههم) بكسر الواو وضمها أي مقابلهم وقدام وجوههم (من الشق الآخر) أي من الجانب الآخر، قال سليمان بن بلال: (قال) لنا (شريك) بن أبي نمر: فقلت لسعيد بن المسيب بما أولت هذه الجمعية أي جمعية العمرين مع النبي صلى الله عليه وسلم في شق وانفرد عثمان في الشق الآخر (فقال سعيد بن المسيب فأولتها) أي أولت هذه الجمعية على القف (قبورهم) أي بجمعيتهم في قبورهم يعني اجتماع الشيخين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدفن في حجرته الشريفة وانفراد عثمان عنهم في البقيع، وفيه وقوع التأويل في اليقظة وهو الذي يسمى الفراسة الصادقة. [تتمة]: وفي حديث أبي موسى معارضية بين رواية أبي عثمان النهدي حيث قال فيها أبو موسى وأمرني أن أحفظ الباب، وكذا وقع في رواية أبي عثمان عند البخاري في مناقب عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا وأمره بحفظ باب الحائط، وبين رواية سعيد بن المسيب حيث قال أبو موسى فيها: "فجلست عند الباب فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم" لأن ظاهره أنه اختار ذلك وفعله من تلقاء نفسه، وقد وقع التصريح بذلك في رواية محمد بن جعفر عند البخاري في الأدب فزاد

6060 - (00) (00) حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكرِ بْنُ إِسحَاقَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيرٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ. سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِي ههُنَا - (وَأشَارَ لِي سُلَيمَانُ إِلَى مَجْلِس سَعِيدٍ، نَاحِيَةَ المَقصُورَةِ) - قَال أَبُو مُوسَى: خَرَجْتُ أُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَوَجَدتُهُ قَدْ سَلَكَ فِي الأَموَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه "ولم يأمرني" [قلت]: لا تعارض بينهما لأنه يمكن الجمع بينها بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بحفظ الباب أولًا ليقضي حاجته في خلوة فلما قضى حاجته وجلس على البئر لم يأمره بأن يستمر بوابًا وحينئذٍ اختار أبو موسى أن يكون بوابه من تلقاء نفسه بدون أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6060 - (00) (00) (حدثنيه أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة ثبت، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا سعيد) بن كثير (بن عفير) مصغرًا الأنصاري مولاهم المصري، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي المدني (حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر سمعت سعيد بن المسيب يقول: حدثني أبو موسى الأشعري ها هنا) أي في هذا المكان القريب ظرف متعلق بحدثني وهو من كلام سعيد بن المسيب، قال سعيد بن عفير: (وأشار لي سليمان) بن بلال في تفسير اسم الإشارة (إلى مجلس سعيد) بن المسيب الكائن ذلك المجلس (ناحية) أي جانب (المقصورة) الكائنة في ناحية المسجد النبوي وهي موضع محوط في المسجد النبوي يعتكف فيها الأمراء، قيل: أول من اتخذها معاوية بن أبي سفيان. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن عفير ليحيى بن حسان (قال أبو موسى: خرجت) من بيتي (أريد) ملازمة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ذلك اليوم (فوجدته) صلى الله عليه وسلم (قد سلك) أي دخل (في الأموال) أي الحيطان أي في بعض حيطان المدينة وهو حائط بئر أريس، قال في النهاية: المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان كالعقار والمواشي، وأكثر ما يطلق المال عند العرب الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم اهـ والمراد

فَتَبِعتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ دَخَلَ مَالًا. فَجَلَسَ فِي القُفِّ. وَكَشَفَ عَن سَاقَيهِ وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، وَسَاقَ الحَدِيثَ بِمَعنَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ. وَلَمْ يَذكُرْ قَوْلَ سَعِيدٍ: فَأَوَّلتُهَا قُبُورَهُمْ. 6061 - (00) (00) حدثنا حَسَنُ بْنُ عَلِي الْحُلوَانِي وَأَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَومًا إِلَى حَائِطِ بِالْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ. فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ. وَاقْتَصَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بها ها هنا البساتين لأنها تنبت الثمار التي هي الأموال (فتبعته) أي لحقته (فوجدته قد دخل مالًا) أي بستانًا وحائطًا (فجلس في القف) أي على قف البئر ودكته التي بنيت حولها (وكشف عن ساقيه ودلاهما) أي دلى الساقين ونزلهما (في البئر وساق) سعيد بن عفير (الحديث) السابق (بمعنى حديث يحيى بن حسان و) لكن (لم يذكر) سعيد بن عفير (قول سعيد) بن المسيب (فأولتها قبورهم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6061 - (00) (00) (حدثنا حسن بن علي الحلواني) أبو علي الخلال الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني، ثقة، من (11) (قالا: حدثنا سعيد) بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير) الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (أخبرني شريك ابن عبد الله بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب عن أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لسليمان بن بلال (قال) أبو موسى: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المسجد (يومًا) من الأيام (إلى حائط) أي إلى بستان (بالمدينة لـ) قضاء (حاجته) حاجة الإنسان (فخرجت) أنا (في إثره) أي في عقبه ووراءه (واقتص) محمد بن

الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُلَيمَانَ بنِ بِلالٍ، وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ: قَال ابنُ المُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذلِكَ قُبُورَهُمُ اجْتَمَعَتْ ههُنَا. وَانفَرَدَ عُثْمَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر (الحديث) السابق (بمعنى حديث سليمان بن بلال وذكر) محمد بن جعفر (في الحديث) لفظة (قال) سعيد (بن المسيب: فتأولت ذلك) أي جمعيتهم على القف (قبورهم) أي بقبورهم لأنه (اجتمعت) قبورهم الثلاثة (ها هنا) أي في الحجرة الشريفة (وانفرد) عنهم قبر (عثمان) في البقيع رضي الله تعالى عنهم أجمعين. قال القرطبي: وهذا التأويل من سعيد من باب الفراسة، ومن باب ما يقع في قلوب المحدثين الذين قدمناهم في فضائل عمر، لا من باب تأويل الرؤيا إذ كان ذلك في اليقظة وذلك أنه لما حدث بكيفية جلوس الثلاثة في جهة واحدة من القف وعثمان في مقابلتهم وقع في قلبه أن ذلك كان إشعارًا بكيفية دفنهم كما كان والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني: حديث عثمان وعائشة ذكره للاستشهاد والمتابعة كما مر وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والله أعلم. ***

702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه

702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه ـــــــــــــــــــــــــــــ 702 - (16) والرابع منها باب فضائل علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكنى أبا الحسن، واسم أبي طالب عبد مناف، وقيل اسمه كنيته، واسم هاشم عمرو، وسمي هاشمًا لأنه أول من هشم الثريد، وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، توفيت مسلمة قبل الهجرة، وقيل: إنها هاجرت، وكان علي أصغر ولد أبي طالب، كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين، وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين أول من أسلم يعنون من الرجال، وإلا فقد اتفق الجمهور على أن أول من أسلم وأطاع النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد، وقد تقدم قول من قال: إن أول من أسلم أبو بكر رضي الله عنه. وقد روى أبو عمر بن عبد البر عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولكم واردًا علي الحوض أولكم إسلامًا علي بن أبي طالب" ذكره صاحب الشريعة [1/ 377] واللالئ [1/ 169] والموضوعات [1/ 247] وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قيل أسلم وهو ابن سبع سنين، وقيل ابن ثمان، وقيل ابن عشر، وقيل ابن ثلاث عشرة، وقيل ابن خمس عشرة، وقيل ابن ثماني عشرة، وروى سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين العرني قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: مكثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا لا يصلي معه أحد غيري إلا خديجة وأجمعوا على أنه رضي الله عنه صلى إلى القبلتين، وأنه شهد بدرًا وأحدًا ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها إلا غزوة تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخلف في أهله وقال له: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة فاطمة وآخى بينه وبينه وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق" رواه ابن عساكر في تاريخه [4/ 131]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باللفظ المذكور ورواه الترمذي [3736] والنسائي [8/ 116]، بلفظ: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه يحبه الله ورسوله وإنه يحب الله ورسوله". وكان رضي الله عنه قد خص من العلم والشجاعة والحلم والزهد والورع ومكارم الأخلاق ما لا يسعه كتاب ولا يحويه حصر حساب، بويع له بالخلافة يوم مقتل عثمان واجتمع على بيعته أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار إلا نفرًا منهم فلم يكرههم، وسئل عنهم فقال: أولئك قوم خذلوا الحق ولم يعضدوا الباطل، وتخلف عن بيعته معاوية ومن معه من أهل الشام وجرت عند ذلك خطوب لا يمكن حصرها والتحمت حروب لم يسمع في المسلمين بمثلها، ولم تزل ألويته (فئته) منصورة عالية على الفئة الباغية إلى أن جرت قضية التحكيم، وخدع فيها ذو القلب السليم، وحينئذٍ خرجت الخوارج فكفرو وكل من معه، وقالوا: حكمت الرجال في دين الله والله تعالى يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ} [الأنعام / 57] ثم اجتمعوا وشقوا عصا المسلمين ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج إليهم بمن معه ورام رجوعهم فأبوا إلا القتال فقاتلهم بالنهروان فقتلهم واستأصل جميعهم ولم ينج منهم إلا اليسير، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "يقتلهم أولى الطائفتين بالحق" رواه مسلم [1064] ثم انتدب إليه رجل من بقايا الخوارج، يقال له عبد الرحمن بن ملجم، قال الزبيري: كان من حمير فأصاب دماء فيهم فلجأ إلى مراد فنسب إليهم فدخل على علي في مسجده بالكوفة فقتله ليلة الجمعة (وقيل في صلاة صبحها) لإحدى عشرة ليلة خلت من رمضان، وقيل لثلاث عشرة، وقيل لثمان عشرة، وقيل في أول ليلة من العشر الآخر من رمضان سنة أربعين، واختلف في موضع قبره اختلافًا كثيرًا يدل على عدم العلم به، وأنه مجهول، وكذلك اختلف في سنه يوم قتل فقيل ابن سبع وخمسين إلى خمس وستين سنة، وكانت مدة خلافته أربع سنين وستة أشهر وستة أيام، وقيل ثلاثة، وقيل أربعة عشر يومًا فأخذ عبد الرحمن بن ملجم فقتل أشقى هذه الأمة، وكان علي رضي الله عنه إذا رآه يقول: ما يمنع أشقاها أو ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من هذا والله ليخضبن هذه من دم هذا ويشير إلى لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب حناء ولا عبير.

6062 - (2383) (138) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِي وَأبُو جَعفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الصبَّاح وَعُبَيدُ اللهِ القَوَارِيرِيُّ وَسُرَيجُ بْنُ يُونُسَ كُلُّهُمْ عَن يُوسُفَ بنِ المَاجِشُونِ، (وَاللَّفْظُ لابنِ الصَّبَّاحِ)، حَدَّثَنَا يُوسُفُ، أَبُو سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روى النسائي وغيره من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: "أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا ووضع يده على رأسه حتى يخضب هذه" يعني لحيته ذكره السيوطي في الدر المنثور [8/ 531] وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه والبغوي وأبي نعيم في الدلائل. وتأخر موته رضي الله عنه ولا رضي عن قاتله عن ضربه ثلاثة أيام، وجملة ما حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثًا مثل أحاديث عمر رضي الله عنهما أخرج له منها في الصحيحين أربعة وأربعون حديثًا اهـ من المفهم. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 6062 - (2383) (138) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو جعفر محمد بن الصباح) الدولابي البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وعبيد الله) بن عمر بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (وسريج) مصغرًا (بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (كلهم) رووا (عن يوسف) بن يعقوب (الماجشون) بن عبيد الله بن أبي سلمة دينار القرشي التيمي مولاهم مولى محمد بن المنكدر أبي سلمة المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (4) أبواب، وفي بعض النسخ (عن يوسف الماجشون) بحذف لفظة ابن وكلاهما صحيح، والماجشون لقب يعقوب وهو لقب جرى عليه وعلى أولاده وأولاد أخيه، وهو لفظ فارسي، ومعناه الأحمر الأبيض المورد، سمي يعقوب بذلك لحمرة وجهه وبياضه ووضاءته وهو معرب (ماه كون) ومعناه شبيه القمر (واللفظ لابن الصباح) قال ابن الصباح: (حدثنا يوسف أبو سلمة الماجشون، حدثنا محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَن أَبِيهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلمَ لِعَلِى: "أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد بن المسيب) المخزومي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص الزهري المدني رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته (قال) سعد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي) بن أبي طالب رضي الله عنه: (أنت) نازل (مني بمنزلة هارون من موسى) عليهما السلام، قال له ذلك حين خرج صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك واستخلفه على المدينة وخلفه في أهله وصعب على علي تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة وشق فسكنه النبي صلى الله عليه وسلم وانسه بقوله: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) وذلك أن موسى - عليه السلام - لما عزم على الذهاب لما وعده الله به من المناجاة قال لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} [الأعراف / 142]. وقد استدل بهذا الحديث الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليًّا رضي الله عنه على جميع الأمة، فأما الروافض فقد كفروا الصحابة كلهم لأنهم عندهم تركوا العمل بالحق الذي هو النص على استخلاف علي رضي الله عنه واستخلفوا غيره بالاجتهاد، ومنهم من كفر عليًّا رضي الله عنه لأنه لم يطلب حقه وهؤلاء لا يشك في كفرهم لأن من كفر الأمة كلها والصدر الأول فقد أبطل نقل الشريعة وهدم الإسلام، وأما غيرهم من الفرق فلم يرتكب أحد هذه المقالة الشنيعة القبيحة القصعاء ومن ارتكبها منهم ألحقناه بمن تقدم في التكفير ومأواه جهنم وبئس المصير، وعلى الجملة فلا حجة منهم في هذا الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استنابه في أمر خاص، وفي وقت خاص، كما استناب موسى هارون عليهما السلام في وقت خاص فلما رجع موسى - عليه السلام - من مناجاته عاد هارون إلى أول حالاته على أنه قد كان هارون شرك مع موسى في أصل الرسالة فلا تكون لهم فيما راموه دلالة، وغاية هذا الحديث أن يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عليًّا رضي الله عنه على المدينة فقط فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك قعد مقعده

إِلَّا أنهُ لَا نَبِي بَعْدِي". قَال سَعِيدٌ: فَأَحبَبْتُ أَن أُشَافِهَ بِهَا سَعْدًا. فَلَقِيتُ سَعْدًا. فَحَدَّثْتُهُ بِمَا حَدَّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وعاد علي رضي الله عنه إلى ما كان عليه قبل، وهذا كما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغيره، ولا يلزم من ذلك استخلافه دائمًا بالاتفاق اهـ من المفهم (إلا) أي لكن (أنه) أي أن الشأن والحال (لا نبي بعدي) إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاستثناء تحذيرًا مما وقعت فيه طائفة من غلاة الرافضة فإنهم قالوا: إن عليًّا كان نبيًّا يوحى إليه، وقد تناهى بعضهم في الغلو إلى أن صار في علي إلى ما صارت إليه النصارى في المسيح، فقالوا: إنه الإله، وقد حرق علي رضي الله عنه من قال ذلك فافتتن بذلك جماعة منهم وزادهم ضلالًا، وقالوا: الآن تحققنا أنه الله لأنه لا يعذب بالنار إلا الله، وهذه كلها أقوال عوام جهال سخفاء العقول لا يبالي أحدهم بما يقول فلا ينفع معهم البرهان لكن السيف والسنان اهـ من المفهم. وقال الحافظ: إنما قال هذا الاستثناء دفعًا لما عسى أن يتوهم من تشبيه علي بهارون أن عليًّا من الأنبياء فرفع هذا التوهم بأن التشبيه ليس في كونه نبيًّا، وهذا من الدلائل القاطعة على أنه ليس بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي، وأن النبوة بجميع أقسامها قد انتهت عليه صلى الله عليه وسلم وأخرج أحمد عن سعيد بن المسيب عن سعد: فقال علي: رضيت رضيت. ذكره الحافظ في الفتح [7/ 74] ولا شك أن في هذا الحديث فضيلة ظاهرة لعلي رضي الله عنه ولكنه لا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره، وفضيلة أبي بكر وكونه خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم ثابتة بدلائل متظاهرة قد مر كثير منها في هذا الكتاب في أبواب متعددة. (قال سعيد) بن المسيب بالسند السابق: (فأحببت أن أشافه) وأكلم وأخاطب بشفتي (بها) أي بهذه المقالة يعني قوله أنت مني بمنزلة هارون إلخ أي تمنيت أن أسأل (سعدًا) عن هذا الحديث وأسمع منه بلا واسطة. وقوله: (بها) أي عنها فالباء بمعنى عن، والضمير الحديث ولكن أنثه نظرًا لكونه بمعنى المقالة وعبر عنه بالمقالة لقلة ألفاظه، ويحتمل أن يكون الضمير عائدًا إلى الشفة لعلمها من السياق أي أن أخاطبه بشفتي؛ أي وددت أن أسأل سعدًا عن هذا الحديث وأسمع منه مشافهة أي واصلًا من شفته إلى شفتي (فلقيت سعدًا فحدثته) أي فحدثت سعدا (بما حدثنيـ) ــــه

عَامِرُ. فَقَال: أَنَا سَمِعْتُهُ. فَقُلْتُ: آنتَ سَمِعْتَهُ؟ فَوَضَعَ إِصبَعَيهِ عَلَى أُذُنَيهِ فَقَال: نَعَمْ. وإلا فَاسْتَكَّتَا. 6063 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عامر فقال) سعد: (أنا) بلا واسطة (سمعته) أي سمعت هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم قال سعيد بن المسيب: (فقلت) لسعد بن أبي وقاص: (آنت) أي هل أنت (سمعته) من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة سأله استثباتًا لا شكًّا في سماعه (فوضع) سعد (إصبعيه) السبابتين (على أذنيه) رفعًا للشك عن سعيد (فقال) سعد: (نعم) سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإلا) أي وإن لم أسمعه منه بأذني، ونسبت السماع إليهما كذبًا (فاستكتا) أي صمتا هاتان الأذنان وحرمتا من سماع الأشياء فيما بعد جزاء على كذبي عليهما، ودعا على نفسه بالصمم إن لم يكن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفاء رابطة لجواب إن الشرطية لما في الجواب من معنى الطلب الذي هو الدعاء عليهما وإن كان لفظه ماضيًا، وقوله: (فاستكتا) بتشديد الكاف، قال الأبي: صمتا وأصل السكك ضيق الصماخ وهو أيضًا صغر الأذنين، وكل ضيق من الأشياء فهو أسَكٌ اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 185] والبخاري أخرجه في مناقب علي [3706] وفي المغازي باب غزوة تبوك [4416] والترمذي في مناقب علي [3731]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد رضي الله عنه فقال: 6063 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة بالتاء الفوقية وبالتصغير الكندي مولاهم أبي محمد الكوفي ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن) أبيه (سعد بن

أَبِي وَقَّاصٍ. قَال: خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَقَال: يَا رسُولَ اللهِ، تُخَلِّفُنِي فِي النسَاءِ وَالصبْيَانِ؟ فَقَال: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ غيرَ أنهُ لَا نَبِي بَعْدِي". 6064 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. 6065 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمدُ بْنُ عَبَّادٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي وقاص) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مصعب بن سعد لعامر بن سعد (قال) سعد: (خلف) بتشديد اللام من باب فعل المضعف أي جعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب) خليفة على المدينة (في) مدة خروجه لـ (غزوة تبوك) وقوله: (خلف) من التفعيل، وإ كان مضبوطًا في بعض النسخ من الثلاثي أي أقام خلفه وجعله خليفة له في أهله عليه وأهل علي، قال في القاموس: يقال: خلف فلانًا إذا جعله خليفة اهـ (فقال) علي رضي الله عنه (يا رسول الله) أ (تخلفني) بتقدير همزة الاستفهام لدلالة المقام عليه أي أتجعلني خليفة (في النساء والصبيان فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما) حرف استفتاح بمعنى ألا (ترضى أن تكون) نازلًا (مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي) ويحتمل كون الهمزة في أما للاستفهام التقريري وكون ما نافية، وقد سبق البحث عن معنى الحديث في الرواية الأولى فراجعه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد رضي الله عنه فقال: 6064 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد السابق يعني عن الحكم عن مصعب عن سعد، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر، وفائدته تقوية السند الأول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد رضي الله عنه فقال: 6065 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثَّقفي البلخي (ومحمد بن عباد) بن الزبرقان أبو عبد الله المكي، نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (8) أبواب

(وَتَقَارَبَا فِي اللفْظِ)، قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (وَهُوَ ابْنُ إِسمَاعِيلَ)، عَنْ بُكَيرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: أَمَرَ مُعَاويةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَال: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أبَا التُّرَابِ؟ فَقَال: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاثًا قَالهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَلَنْ أَسُبَّهُ. لأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وتقاربا في اللفظ قالا: حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن بكير بن مسمار) القرشي الزهري، مولاهم مولى عامر بن سعد أبي محمد المدني أخو مهاجر بن مسمار، روى عن مولاه عامر في مناقب علي بن أبي طالب، وفي الزهد، وابن عمر وجابر وغيرهم، ويروي عنه (م ت س) وحاتم بن إسماعيل وأبو بكر الحنفي والواقدي، وثقه العجلي، وقال النسائي: لا بأس به، وقال في التقريب: صدوق، من الرابعة، مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة (عن) مولاه (عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة بكير بن مسمار لسعيد بن المسيب (قال) عامر بن سعد: (أمر معاوية بن أبي سفيان) الأموي الشامي، الخليفة المشهور (سعدا) بن أبي وقاص رضي الله عنهما أي أمره بسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأبى سعد أن يسب عليًّا (فقال) معاوية بن أبي سفيان لسعد: (ما منعك) يا سعد (أن تسب أبا التراب) علي بن أبي طالب حين أمرتك أن تسبه، وأبو التراب كنية علي بن أبي طالب رضي الله عنه كناه به النبي صلى الله عليه وسلم حين نام في تراب المسجد النبوي وأيقظه فقال له: "قم أبا التراب، قم أبا التراب" (فقال) سعد لمعاوية: (أما) شرطية (ما) مصدرية (ذكرت) بضم التاء للمتكلم وحده وهو سعد (ثلاثًا) مفعول ذكرت، وجملة (قالهن له) أي لعلي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) صفة سببية لثلاثًا، وجملة ذكرت صلة ما المصدرية والمصدر المؤول منها مرفوع على الابتداء، والخبر جملة قوله: (فلن أسبه) والفاء فيه رابطة لجواب أما واقعة في غير موضعها كما هو المعروف في الفاء الرابطة لجواب أما كما هي مكررة مع أما في متن الآجرومية في باب علامات الإعراب، والتقدير أما تذكري ثلاثًا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: فمانع سبي أياه أبدًا فوالله (لأن تكون) وتحصل (لي واحدة منهن) أي من تلك

أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ، خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَال لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَلَّفْتَنِي مَعَ النَّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى. إلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيبَرَ: "لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ" قَال: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَال: "ادْعُوا لِي عَلِيًّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ المقالات الثلاث (أحب إلي) أي عندي (من) حصول (حمر النعم) والإبل لي التي هي أحب الأموال وأرغبها عند العرب. الأولى من تلك المقالات الثلاث ما تضمنه قولي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له) أي لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين (خلفه) أي خلف عليًّا في أهله صلى الله عليه وسلم وفي أهل نفسه وعلى من في المدينة أي يقول حين جعله خليفة في المدينة مدة خروجه، وفي بعض النسخ وخلفه بزيادة الواو فتكون الجملة حالية (في بعض مغازيه) وهي غزوة تبوك كما مر، وقوله: (فقال له علي) رضي الله عنه معطوف على خلفه (يا رسول الله خلفتني) أي تركتني في المدينة (مع) من تخلف فيها من (النساء والصبيان) وقوله: (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم): معطوف على قوله: "فقال له علي" لأن العطف كان بالفاء كما هو القاعدة النحوية كما بيناه في الفتوحات القيومية في باب العطف (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) وهذه هي المقالة الأولى المقصودة من الحديث، وفيها فضيلة ظاهرة وخصوصية باهرة لعلي رضي الله عنه، وقوله: (إلا أنه لا نبوة بعدي) دافع لما يتوهم من التشبيه من كون علي نبيًّا كما مر. والثانية منها ما تضمنه قولي: (سمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول يوم) غزوة (خيبر) والله (لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال) سعد: (فتطاولنا لها) أي تشرفنا لتلك الراية وحرصنا على نيلها، وأصل التطاول امتداد العنق والارتفاع بالجسم طلبًا للطلوع على الشيء الذي لا يظهر لك إلا بالارتفاع، والمراد رفعنا وجوهنا وأظهرنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتذكرنا عسى أن يختارنا لهذه السعادة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعو لي عليًّا) رضي الله

فَأُتِيَ بِهِ ارْمَدَ. فَبَصَقَ فِي عَينِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيهِ. فَفَتَحَ اللهُ عَلَيهِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ} [آل عمران: 61] دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلِيًا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَينًا فَقَال: "اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه ففيه منقبة عظيمة لعلي رضي الله عنه حيث صرح فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (فأتي به) أي بعلي، حالة كونه أرمد أي وجع العين (فبصق) أي بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم (في عينه) وفي بعض الروايات زيادة (فبرئ) من ساعته (ودفع الراية إليه ففتح الله) خيبر (عليه) أي على يديه، والراية هي العلم التي هي علامة الإمارة اهـ مرقاة، قال القاضي عياض: هذا من أعظم فضائل علي رضي الله عنه وأكرم مناقبه، وفي الحديث من أعلام النبوة علامتان قولية وفعلية؛ فالقولية قول يفتح الله على يديه فكان كذلك، والفعلية بصاقه صلى الله عليه وسلم في عينه وكان أرمد فبرئ من ساعته اهـ. وفي غير كتاب مسلم (أنه صلى الله عليه وسلم مسح على عيني علي رضي الله عنه ورقاه) وفيه من الفقه جواز المدح بالحق إذا لم تخش على الممدوح فتنة، وقد تقدم القول في محبة الله العبد ومحبة العبد لله، وفيه ما يدل على أن الأولى بدفع الراية إليه من اجتمع له الرئاسة والشجاعة وكمال العقل اهـ من المفهم. والمقالة الثالثة ما تضمنه قولي (ولما نزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ} [آل عمران: 61] (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال: اللهم هؤلاء أهلي). [تتمة]: (وقول معاوية لسعد بن أبي وقاص ما منعك أن تسب أبا تراب) يدل على أن معظم بني أمية كانوا يسبون عليًّا وينتقصونه، وذلك لما وقر في أنفسهم من أنه أعان على قتل عثمان، وأنه أسلمه لمن قتله بناء منهم على أنه كان بالمدينة، وأنه كان متمكنًا من نصرته وكل ذلك ظن كذب وتأويل باطل غطى التعصب منه وجه الصواب، وقد قدمنا أن عليًّا رضي الله عنه أقسم بالله أن ما قتله ولا مالأ على قتله ولا رضيه، ولم يقل أحد من النقلة (أهل العلم) قط ولا سمع من أحد أن عليًّا كان من القتلة ولا أنه دخل معهم الدار عليه، وأما ترك نصرته فعثمان رضي الله عنه أسلم نفسه ومنع من نصرته كما ذكرناه في بابه، ومما تشبثوا به أنهم نسبوا عليًّا إلى ترك أخذ القصاص من قتلة عثمان وإلى أنه

6066 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال لِعَلِيٍّ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى". 6067 - (2384) (139) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ منعهم منهم وأنه قام دونهم وكل ذلك أقوال كاذبة أنتجت ظنونًا غير صائبة ترتب عليها ذلك البلاءكما سبق به القضاء اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: 6066 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر (عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا، قال سعد: (سمعت إبراهيم بن سعد) بن أبي وقاص، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن) أبيه (سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن سعد لعامر بن سعد (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) عليهما السلام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6067 - (2384) (139) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء التحتانية نسبة إلى قارة قبيلة من العرب، المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح السمان أبي يزيد المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال، يَوْمَ خَيبَرَ: "لأُعْطِيَّنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ". قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ. قَال: فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا. قَال: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَأَعطَاهُ إِيَّاهَا. وَقَال: "امْشِ. وَلَا تَلْتَفِتْ. حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيكَ". قَال: فَسَارَ عَلِيٌّ شَيئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ السمان ذكوان الزيات المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم) غزوة (خيبر): والله (لأعطين هذه الراية) أي راية قائد العسكر (رجلًا يحب الله ورسوله يفتح الله) عزَّ وجلَّ (على يديه) هذه المدينة يعني مدينة خيبر (قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الأمارة إلا يومئذٍ) أي يوم إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية .. إلخ لوصف النبي صلى الله عليه وسلم من يُعطاها بمحبة الله ورسوله، قال الأبي: يعني إمارة ذلك اليوم فقط للوصف الذي وصف به من يعاطاها من محبة الله تعالى ورسوله ومحبتهما له اهـ منه (قال) عمر: (فتساورت لها) بالسين والواو والراء أي تطاولت لها كما صرح به في الرواية الأخرى أي حرصت عليها ورغبت فيها وتشوقت لها أي أظهرت وجهي وتصديت لذلك ليتذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطلعت أي رفعت عنقي لها (رجاء أن أدعى) وأنادى (لها) أي لتلك الراية (قال) أبو هريرة: (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب) رضي الله عنه (فاعطاه) أي فأعطى عليًّا (إياها) أي تلك الراية (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: (امش) إلى جهة العدو (ولا تلتفت) عنهم يمينًا ولا شمالًا، وهذا حض على التقدم إلى جهة العدو وترك التأني عنهم، والالتفات هنا النظر يمنة ويسرة، وقد يكون على وجه المبالغة في التقديم وقد يكون معنى لا تلتفت لا تنصرف عنهم ولا ترجع وراءك (حتى يفتح الله عليك) هذه المدينة وينصرك على من فيها من الأعداء، يقال: التفت إذا انصرف اهـ سنوسي، والمعنى لا تنصرف عن العدو حتى يفتح الله عليك (قال) أبو هريرة: (فسار علي) بن أبي طالب ومشى من عند النبي صلى الله عليه وسلم (شيئًا) أي قليلًا (ثم وقف ولم يلتفت) يمينًا ولا شمالًا ولا وراء امتثالًا لأمره صلى الله عليه وسلم بعدم الالتفات

فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَال: قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ. فَإذَا فَعَلُوا ذلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ. إِلَّا بِحَقِّهَا. وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ". 6068 - (2385) (140) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمِ)، عَنْ أبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، (وَاللَّفْظُ هَذَا)، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فصرخ) علي رضي الله عنه أي نادى صارخًا رافعًا صوته بقوله: (يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس) أي على تحصيل أي شيء أقاتلهم (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم) أي قاتل الناس (حتى يشهدوا) ويقروا (أن لا إله إلا الله و) يشهدوا (أن محمدًا رسول الله فإذا فعلوا ذلك) أي أقروا بالشهادتين (فقد منعوا) أي حفظوا (منك دماءهم) من إراقتها بالقتل (وأموالهم) من الأخذ بها بالأسر (إلا بحقها) أي إلا بحق الدماء من القصاص والحد، وحق الأموال من الزكاة وغرامة المتلفات (وحسابهم) على ما في سرائرهم من الإذعان وعدمه (على الله) تعالى. قوله: (فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا) قال النووي: هذا فيه الدعاء إلى الإسلام قبل القتال وقد قال بإيجابه طائفة على الإطلاق، ومذهبنا ومذهب الاخرين أنهم إن كانوا ممن لم تبلغهم دعوة الإسلام وجب إنذارهم قبل القتال وإلا فلا يجب لكن يستحب اهـ. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم من بين أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سعد بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال: 6068 - (2385) (140) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني، صدوق، فقيه، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار التمار الأعرج المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل) بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد (واللفظ)) أي لفظ حديثه الذي روى عن يعقوب (هذا) الآتي والذي رواه عن عبد العزيز معناه (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري المدني، ثقة، من

عَنْ أَبِي حَازِمٍ. أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ؟ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال يَوْمَ خَيبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ. يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ" قَال: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا. قَال: فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا. فَقَال: "أَينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ ! فَقَالُوا: هُوَ، يَا رَسُولَ اللهِ، يَشْتَكِي عَينَيهِ. قَال فَأَرْسِلُوا إِلَيهِ. فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي عَينَيهِ. وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ. حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ. فَأعْطَاهُ الرَّايَةَ. فَقَال عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي حازم أخبرني سهل بن سعد) وهذا السند من رباعياته أيضًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية) أي هذا العلم الذي يكون علامة على أمير الجيش (رجلًا يفتح الله) هذه المدينة (على يديه يحب الله ورسوله) صفة ثانية لرجلًا (ويحبه الله ورسوله) معطوف على ما قبله (قال) سهل بن سعد: (فبات الناس) تلك الليلة المستقبلة (يدوكون) بالدال المهملة والواوفي أغلب النسخ أي يخوضون ويتحدثون في ذلك طول (ليلتهم أيهم) أي أي الناس (يعطاها) أي يعطى تلك الراية، وفي بعض النسخ: "يذكرون" بالذال المعجمة وبالراء، ومعنى يدوكون أي يتقاضون بحيث اختلطت أقوالهم فيمن يعطاها، يقال: بات القوم يدوكون دوكًا أي في اختلاط ودوران، ووقعوا في دوكة بفتح الدال وضمها، وإنما فعلوا ذلك حرصًا على نيل هذه الرتبة الشريفة والمنزلة الرفيعة التي لا شيء أشرف منها اهـ من المفهم (قال) سهل: (فلما أصبح الناس) أي دخلوا في الصباح (غدوا) أي بكروا من منازلهم (على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون) ويطمعون (إن يعطاها فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أين علي بن أبي طالب فقالوا) له: (هو) أي علي بن أبي طالب (يا رسول الله يشتكي عينيه) أي يرمد عينيه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأرسلوا إليه) أي إلى علي في منزله (فأتي به) أي بعلي (فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا) الله (له) بالعافية والشفاء (فبرأ) أي شفي علي من رمده في ذلك الوقت فكانت عينه كاملة في الصحة والحدة (حتى) كان علي (كأن لم يكن به) قط (وجع) ولا رمد (فأعطاه الراية فقال علي) رضي الله عنه: (يا رسول الله أقاتلهم

حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَال: "انْفُذْ عَلَى رَسْلِكَ. حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ. وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ. فَوَاللهِ، لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى يكونوا مثلنا) أي حتى يدخلوا في ديننا فيصيروا مثلنا فيه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي (انفذ) من باب نصر أي امض وامش إلى العدو وتقدم إليه (على رسلك) وهينتك مترفقًا متثبتًا ولا تتعجل عليهم (حتى تنزل بساحتهم) وناحيتهم قريبًا منهم (ثم) بعد نزولك في ساحتهم (ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله) وفرضه وواجبه (فيه) أي في الإسلام من الصلاة والزكاة وغيرهما من أركان الإسلام ولا تتعجل عليهم بسفك دماءهم وأخذ أموالهم (فوالله لأن يهدي الله) ويرشد (بك رجلًا واحدًا خير لك) أجرًا (من أن يكون لك حمر النعم) التي تتصدق بها لو كانت لك أي من الإبل الحمر وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، وكانت الإبل الحمر من أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وإنه ليس هناك شيء أنفس منه، وفي قوله: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا) إلخ فيه حض عظيم على تعليم العلم وبثه في الناس وعلى الوعظ والتذكير بالدار الآخرة والخير، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "إن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير" قال الهيثمي في مجمع الزوائد [1/ 124] رواه الطبراني في الكبير، وفيه القاسم أبو عبد الرحمن وثقه البخاري وضعفه أحمد، وقال في المرقاة: والظاهر أن قوله: فوالله إلخ تأكيد لما أرشده من دعائهم إلى الإسلام أولًا فإنه ربما يكون سببًا لإيمانهم من غير حاجة إلى قتالهم المتفرع عليه حصول الغنائم من حمر النعم وغيرها فإن إيجاد مؤمن واحد خير من إعدام ألف كافر على ما صرح به ابن الهمام اهـ منه. والهداية الدلالة والإرشاد، والنعم هي الإبل وحمرها هي خيارها حسنًا وقوة ونفاسة لأنها أفضل عند العرب ويعني به والله أعلم أن ثواب تعليم رجل واحد وإرشاده للخير أعظم من ثواب هذه الإبل النفيسة لو كانت لك فتصدقت بها لأن ثواب تلك الصدقة ينقطع بموتها وثواب العلم والهدى لا ينقطع إلى يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة -فذكر منها- علم ينتفع به" رواه أحمد [21/ 372] ومسلم [1631] والترمذي [1376] والنسائي [6/ 251].

6069 - (2386) (141) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكَوَعِ، قَال: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي خَيبَرَ. وَكَانَ رَمِدًا. فَقَال: أَنَا أتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللهُ فِي صَبَاحِهَا. قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ، أَوْ لَيَأْخُذَن بالرَّايَةِ، غَدًا، رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَال: يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَيهِ" فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ، وَمَا نَرْجُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 333] والبخاري [3009] ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث أم سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما فقال: 6069 - (2386) (141) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن يزيد بن أبي عبيد) الحجازي أبي خالد الأسلمي مولاهم مولى سلمة بن الأكوع، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن سلمة) بن عمرو (بن الأكوع) سنان بن عبد الله الأسلمي أبي مسلم المدني رضي الله عنه روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من رباعياته (قال) سلمة بن الأكوع (كان علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (قد تخلف) أولًا في المدينة (وكان رمدًا) أي وجع العين (فقال) علي لنفسه هل (أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في غزواته بتقدير الاستفهام أي لا أتخلف عنه (فخرج علي) من المدينة (فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فلما كان مساء الليلة) الواقعة بعد ذلك المساء (التي فتحها الله) خيبر (في صباحها) أي في صباح تلك الليلة، وهو صباح اليوم التالي لتلك الليلة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): والله (أعطين) هذه (الراية أو) قال الراوي أو من دونه وأو للشك منه (ليأخذن بالراية غدًا رجل يحبه الله ورسوله) بنسبة المحبة إلى الله ورسوله (أو قال) الراوي (يحب الله ورسوله) بنسبة المحبة إلى الرجل (يفتح الله) تعالى هذه المدينة (عليه) أي على يدي ذلك الرجل (فإذا نحن) راؤون (بعلي و) الحال نحن (ما نرجوه) أي ما نرجوا ولا نظن مجيء علي رضي الله

فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ. فَفَتَحَ اللهُ عَلَيهِ. 6070 - (2387) (142) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّانَ. حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه، والفاء عاطفة لما بعدها على جواب الشرط، وإذا فجائية، والتقدير: فلما كان مساء تلك الليلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين هذه الراية رجلًا يحبه الله ورسوله" ففاجأنا رؤية علي رضي الله عنه (فقالوا) أي فقال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم لبعض (هذا) الطالع علينا (علي) قد جاء، والحال نحن ما نرجو مجيئه فدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية ففتح الله) خيبر (عليه) أي على يدي علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. قال الأبي: وفي كتاب الاكتفاء لأبي الربيع قال: أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت مع علي حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية فلما دنا من الحصن خرج إليه مقاتلتهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه بيده، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس له عن نفسه فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، لقد رأيتني مع نفر سبعة أنا ثامنهم نجتهد أن نقلب ذلك الباب فما قلبناه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها باب مناقب علي بن أبي طالب [2 0 37] وفي المغازي باب غزوة خيبر [4309]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنهما فقال: 6070 - (2387) (142) (حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد) الفلاس أبو الفضل البغوي البغدادي، صدوق، من (9) روى عنه في (3) أبواب (جميعًا) أي كلاهما (عن) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي القرشي مولاهم أبي بشر البصري المعروف بـ (ابن علية) ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان) يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي المدني، العابد من تيم الرباب، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثني يزيد بن حيان) التيمي الكوفي،

قَال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصينُ بْنُ سَبْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ. فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيهِ قَال لَهُ حُصَينٌ: لَقَدْ لَقِيتَ، يَا زَيدُ! خَيرًا كَثِيرًا. رَأَيتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ. وَغَزَوْتَ مَعَهُ. وَصَلَّيتَ خَلْفَهُ. لَقَدْ لَقِيتَ، يَا زَيدُ! خَيرًا كَثِيرًا حَدِّثْنَا، يَا زَيدُ، مَا سَمِعْتَ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللهِ، لَقَدْ كَبرَتْ سِنِّي. وَقَدُمَ عَهْدِي. وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَمَا حَدَّثْتُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عن زيد بن أرقم في الفضائل، وشبرمة بن الطفيل وعتبة بن عقبة، ويروي عنه (م د س) وأبو حيان وسعيد بن مسروق والأعمش، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (قال) يزيد بن حيان: (انطلقت أنا وحصين بن سبرة) روى عن زيد بن أرقم وشبرمة بن الطفيل وعتبة بن عقبة وعنه ابن أخيه أبو حيان التيمي والأعمش بن خليفة وسعيد بن مسروق قال النسائي ثقة ذكره ابن حبان في الثقات (قلت): وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري حدثنا يزيد بن حيان هو من قدماء أهل الكوفة اهـ تهذيب التهذيب وقال الإمام البخاري في التاريخ الكبير [3/ 4] حصين بن سبرة، سمع عمر قوله، روى عنه إبراهيم التيمي اهـ (وعمر بن مسلم) بن عمارة بن أكيمة مصغرًا الليثي المدني، وقيل اسمه عمرو، صدوق، من السادسة وقال البخاري في التاريخ الكبير [6/ 198] عمر بن مسلم بن سالم هو عمر ابن أبي فروة أبو حفص الجهني الكوفي سمع أباه. مراسيل اهـ (إلى زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس بن النعمان الأنصاري الخزرجي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (فلما جلسنا إليه) أي عنده (قال له) أي لزيد (حصين) بن سبرة: والله (لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا) لأنك (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا) لا يحصر توكيد لفظي للقسم الأول (حدَّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله؟ قال) زيد لحصين بن سبرة (يا ابن أخي) يعني أخوة الدين (والله لقد كبرت سني) أي عمري وحياتي، أنث الفعل نظرًا إلى كون سني بمعنى حياتي أو بمعنى سني حياتي يقال: كبر زيد من باب فرح بمعنى كثرت سنو عمره (وقدم عهدي) أي بعد زمن صحبتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ونسيت بعض) الحديث (الذي كنت أعي) وأحفظ (من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدَّثتكم) من

فَاقْبَلُوا. وَمَا لَا، فَلَا تُكَلِّفُونِيهِ. ثُمَّ قَال: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا. بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا. بَينَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. أَلا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَينِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنَّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ. وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ" فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ. ثُمَّ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث (فاقبلوا) مني (وما لا) أحدّثكم به (فلا تكلفونيه) أي فلا تكلفوني بتحديثه لكم لأنه إما أن يكون لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مما سمعته منه ونسيته (ثم) بعدما فرغ من هذا الكلام شرع في تحديثه لنا فـ (قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (فينا خطيبًا) أي واعظًا لنا بالوعد والوعيد (بماء) أي عند ماء (يُدعى) أي يسمى (خمًا) بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم وهو اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يُضاف إلى الغيضة أي الغابة فيقال له غدير خم اهـ سنوسي، وكانت هذه الخطبة في مرجعه صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع كان ذلك (بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه) في خطبته (ووعظ) في خطبته بالترغيب (وذكّر) فيها بتشديد الكاف أي بالترهيب (ثم) بعدما وعظ الناس وذكرهم (قال أما بعد ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك) أي يقرب (أن يأتيني رسول ربي) يعني ملك الموت (فأُجيب) دعوة ربي (وأنا تارك فيكم ثقلين) بفتح الثاء المثلثة والقاف أي حمولتين، قال النووي: قال العلماء: سُميا ثقلين لعظمهما وكبر شأنهما، وقيل لثقل العمل بهما، وقال المازري: قال ثعلب: سماهما ثقلين لأن العمل والأخذ بهما ثقيل والعرب تقول لكل شيء نفس ثقل فجعلهما ثقلين لعظمهما اهـ (أولهما كتاب الله) الكريم والقرآن العظيم (فيه) أي في كتاب الله (الهدى) أي الهداية من الضلالة والشرك إلى التوحيد والعقائد الصحيحة (و) فيه (النور) أي البيان للأحكام الشرعية العملية التي كلفتم بها (فخذوا بكتاب الله) تعالى بالحفظ والتلاوة لألفاظه (واستمسكوا به) أي وتمسكوا به بالعمل بما فيه من الأحكام الاعتقادية والعملية بالعمل بما فيه واتباعه (قال) زيد بن أرقم: (فحث) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حض (على) الأخذ بـ (كتاب الله ورغّب فيه) أي في العمل بما فيه من الأحكام مطلقًا (ثم قال) رسول الله

"وَأَهْلُ بَيتِي. أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيتِي". فَقَال لَهُ حُصَينٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيتِهِ يَا زيدُ؟ أَلَيسَ نِسَاؤُهُّ مِنْ أَهْلِ بَيتِهِ، قَال: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيتِهِ. وَلكِنْ أَهْلُ بَيتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَال: وَمَنْ هُمْ؟ قَال: هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ. قَال: كُلُّ هَؤُلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَال: نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: (و) ثانيهما (أهل بيتي) وأصحاب قرابتي (أذّكركم الله) أي أعظكم بالله وأوصيكم بالله (في أهل بيتي) بمعرفة قدرهم وفضلهم وأداء حقوقهم، وقوله: (أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي) بالتكرار مرتين توكيد لفظي للمرة الأولى (فقال له) أي لزيد بن أرقم حصين بن سبرة (ومن أهل بيته) صلى الله عليه وسلم: (يا زيد أليس نساؤه) وأزواجه (من أهل بيته) صلى الله عليه وسلم (قال) زيد: (نساؤه) وأزواجه (من أهل بيته) وسكنه (ولكن أهل بيته) أي ولكن المراد بأهل بيته في هذا الحديث هم (من حُرم) ومُنع (الصدقة) أي من أخذ الصدقة والزكاة (بعده) صلى الله عليه وسلم (قال) حصين بن سبرة: (ومن هم) أي ومن الذين حرموا ومُنعوا من أخذ الصدقة (قال) زيد: (هم آل علي) وأولاده وإن سفلوا (وآل عقيل) بن أبي طالب كذلك (وآل جعفر) بن أبي طالب كذلك (وآل عباس) بن عبد المطلب كذلك رضي الله عنهم أجمعين (قال) حصين لزيد: (كل هؤلاء) المذكورين (حرم الصدقة قال) زيد: (نعم) حرموا الصدقة. قوله: (نساؤه من أهل بيته) .. إلخ قال القاضي عياض: يعني أن نساءه من أهل مسكنه ولسن المراد هنا وإنما أهل بيته هنا أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده صلى الله عليه وسلم أي الذين منعتهم خلفاء بني أمية صدقته التي خصه الله سبحانه بها من سهم ذوي القربى وكانت تفرق عليهم في أيامه وأيام الخلفاء الأربعة لقوله في الحديث (بعده) وزيد بن أرقم كان عاش حتى أدرك ذلك لأنه توفي سنة ثمان وستين (68) ويحتمل أنه يعني الذين حرموا الصدقة التي هي أوساخ الناس وقد جاء ذلك عن زيد مفسرًا في غير هذا الحديث وقيل: من آل محمد؟ قال: الذين لا تحل لهم الصدقة آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، وهو حجة لمالك في قصره المنع علي بني هاشم لأنه لم يذكر سواهم وأدخل الشافعي معهم بني المطلب لحديث "إنما نحن وبنو المطلب

6071 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ. حَدَّثَنَا حَسَّانُ، (يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء واحد" ومال إليه بعض شيوخنا، وقال بعض أصحابنا: هم بنو قصي، وقيل: هم قريش كلها، وتقدم ذلك في كتاب الزكاة اهـ من الأبي. واعلم أنه لا تعارض بين الأحاديث التي ذكر فيها كتاب الله وحده وبين الأحاديث التي ذُكرت فيها السنة النبوية معه لأن ذكر الكتاب يتضمن السنة بالضرورة لأن العمل بكتاب الله يستلزم اتباع السنة بوجهين: الأول: كتاب الله قد أمرنا باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني: أن القرآن قد صرح في مواضع كثيرة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما بُعث معلمًا للكتاب ومبينًا له وذلك يقتضي أن تكون سنته صلى الله عليه وسلم حجة في الدين فالحاصل من مجموع أحاديث خطبة حجة الوداع وحديث الغدير هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتمسك بالكتاب والسنة وجعلهما أصلين متبوعين يرجع إليهما معرفة أحكام الدين وأمر بمعرفة قدر أهل البيت وإكرامهم وأداء حقوقهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الخمس ولكن شاركه أحمد فيه [4/ 367 وا 37]، وأخرجه الدارمي أيضًا في فضائل القرآن [3319]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فقال: 6071 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بكار بن الريان) بتحتانية الهاشمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حسان يعني ابن إبراهيم) بن عبد الله العنزي أبو هاشم الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (3) أبواب (عن سعيد بن مسروق) الثوري أبي سفيان الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن مسروق لأبي حيان (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق) سعيد بن مسروق (الحديث) السابق (بنحوه) أي بنحو حديث أبي حيان أي بقريبه لفظًا ومعنى، وقوله: (بمعنى حديث زهير) متعلق بقوله وحدثنا محمد بن بكار أي

6072 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كِلاهُمَا عَنْ أبِي حيَّانَ، بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: "كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ. مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ، وَأَخَذَ بِهِ، كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ". 6073 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ. حَدَّثَنَا حَسَّانُ، (يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ)، عَنْ سَعِيدٍ، (وَهُوَ ابْنُ مَسْرُوقٍ)، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وساق محمد بن بكار بمعنى حديث زهير لا بمعنى حديث شجاع، ففي هذا السند متابعتان متابعة سعيد لأبي حيان ومتابعة محمد بن بكار لزهير بن حرب والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فقال: 6072 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبي عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (ح وحدثنا سحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (كلاهما) أي كل من جرير وابن فضيل رويا (عن أبي حيان) يحيى بن سعيد الضبي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم، غرضه بيان متابعة ابن فضيل وجرير لإسماعيل بن إبراهيم وساق (نحو حديث إسماعيل) بن إبرا هيم (و) لكن (زاد) إسحاق بن إبراهيم (في حديث جرير) وروايته بعد قوله: (كتاب الله فيه الهدى والنور) أي زاد لفظة (من استمسك به) بالعمل بما فيه من الأحكام (وأخذ به) بتلاوته وحفظه (كان على الهدى) أي على الهداية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم (ومن أخطأه) بترك العمل بما فيه وبترك تلاوته وحفظه (ضل) أي بعُد عن الهدى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فقال: 6073 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بكار بن الريان حدثنا حسان يعني ابن إبراهيم عن سعيد وهو ابن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم) رضي الله عنه.

قَال: دَخَلْنَا عَلَيهِ فَقُلْنَا لَهُ: لَقَدْ رَأَيتَ خَيرًا. لَقَدْ صَاحَبْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيتَ خَلْفَهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "أَلا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَينِ: أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى. وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلالةٍ". وَفِيهِ: فَقُلْنَا: مَنْ أَهْلُ بَيتِهِ؟ نِسَاؤُهُ؟ قَال: لَا. وَايمُ اللهِ، إِنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَرْجِعُ إِلَى أَبِيهَا وَقَوْمِهَا. أَهْلُ بَيتِهِ أضْلُهُ، وَعَصَبَتُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن مسروق لأبي حيان (قال) يزيد بن حيان: (دخلنا) نحن أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم (عليه) أي على زيد بن أرقم (فقلنا له) أي لزيد: والله (لقد رأيت خيرًا) كثيرًا (لقد صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت خلفه وساق) أي ذكر سعيد (الحديث) السابق (بنحو حديث أبي حيان) وروايته (غير أنه) أي لكن أن سعيد بن مسروق (قال) في روايته لفظة (ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عزَّ وجلَّ هو حبل الله) سبحانه وعروته الوثقى وعهده الذي عاهدهم عليه، قال النووي: قيل المراد بحبل الله عهده، وقيل السبب الموصل إلى رضاه ورحمته، وقيل هو نوره الذي يهدى به اهـ (من اتبعه) أي اتبع ما فيه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (كان على الهدى) الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم (ومن تركه) أي ترك اتباعه بترك المأمورات وارتكاب المنهيات (كان على ضلالة) وغواية (وفيه) أي وفي حديث سعيد لفظة (فقلنا) لزيد بن أرقم (من أهل بيته) صلى الله عليه وسلم هل هم (نساؤه) وأزواجه (قال) زيد: (لا) أي ليس أهله نسائه (وايم الله) واسمه قسمي (إن المرأة تكون مع الرجل العصر) أي القطعة (من الدهر) أي من الزمن الذي لا نهاية له (ثم) بعدما جلست معه العصر الطويل (يطلِّقها) لسبب من الأسباب (فـ) تنقطع العلاقة من بينهما و (ترجع إلى أبيها وقومها) أي عشيرتها فعلاقة الزوجة غير مستمرة فتنقطع أيضًا بموت أحدهما فـ (أهل بيته) صلى الله عليه وسلم (أصله) كالعباس (وعصبته) كآل علي وعقيل (الذين حُرِموا الصدقة) أي حقوقهم من الفيء والغنيمة (بعده) أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وبعد الخلفاء الأربعة أي منعتهم ولاة بني أمية. وقوله في هذه الرواية أعني رواية سعيد بن مسروق فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا. يعارض في الظاهر ما سبق في رواية أبي حيان نساؤه من أهل بيته، قلنا يجمع بينهما

6074 - (2388) (143) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَال: اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ. قَال: فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، فَأمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيًّا. قَال: فَأبَى سَهْلٌ. فَقَال لَهُ: أَمَّا إِذْ أَبَيتَ فَقُلْ: لَعَنَ اللهُ أَبَا التُّرَابِ. فَقَال سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيهِ مِنْ أَبِي التُّرَابِ. وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن زيد بن أرقم اعترف في الرواية الأولى بكون نساءه من أهل بيته من حيث اللغة والعُرف، ومن جهة سكناهن في بيته، ومن جهة أن الأمة مأمورة باحترامهن ومعرفة قدرهن، وأنكر في الرواية الثانية بكونهن أهل بيته من جهة أن المراد بأهل بيته من حُرِموا الصدقة بعده صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث سعد بن أبي وقاص بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال: 6074 - (2388) (143) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم عن) أبيه (أبي حازم) سلمة ابن دينار المخزومي مولاهم المدني، ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك الأنصاري الخزرجي رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) أبو حازم: (استعمل) أي أُمِّر وجُعل أميرًا (على المدينة) النبوية (رجل من آل مروان) قيل: هو مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي ولفظ أل مقحم اهـ من تنبيه المعلم (قال) أبو حازم (فدعا) ذلك الأمير (سهل بن سعد فأمره) أي فأمر ذلك الأمير سهل بن سعد (أن يشتم) ويسب (عليًّا) بن أبي طالب رضي الله عنه (قال) أبو حازم (فأبى سهل) وامتنع من شتم علي (فقال) الأمير لسهل: (أما) حرف شرط نائبة عن اسم الشرط وفعله، وقوله: (إذ أبيت) ظرف متعلق بجوابه أعني قوله: (فقل) والفاء فيه رابطة لجواب أما واقعة في غير موضعها لأن موضعها موضع أما وتقدير الكلام مهما يكن من شيء فقل وقت إبائك من شتمه (لعن الله أبا التراب) أي طرده الله من رحمته فأمره بشتم علي أو لعنه لما كان من شدة العصبية في بعض أمراء بني أمية، ولم يثبت مثل ذلك عن أحد من الصحابة أو عمن يقتدى بهم في الدين وقد ثبت إنكار سهل بن سعد على ذلك الأمير (فقال سهل) لذلك الأمير (ما كان لعلي) بن أبي طالب رضي الله عنه (اسم أحب إليه) أي عند علي بن أبي طالب (من أبي التراب) الذي هو كنيته (وإن) مخففة من الثقيلة بدليل

كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا. فَقَال لهُ: أخبِرْنَا عَنْ قِصَّتِهِ. لِمَ سُمِّيَ أبَا تُرَابٍ؟ قَال: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَيتَ فَاطِمَةَ. فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيتِ. فَقَال: "أَينَ ابْنُ عَمِّكِ؟ " فَقَالتْ: كَانَ بَينِي وَبَينَهُ شَيءٌ. فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ. فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لإِنْسَانٍ: "انْظُرْ أَينَ هُوَ؟ "فَجَاءَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ. قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ. فَأصَابَهُ تُرَابٌ. فَجَعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر اللام الفارقة بعدها واسمها ضمير الشأن أي وإن الشأن والحال (كان) علي بن أبي طالب (ليفرح) ويسر (إذا دُعي) ونُودي (بها) أي بهذه الكنية (فقال) ذلك الأمير (له) أي لسهل بن سعد (أخبرنا) يا سهل (عن قصته) أي عن قصة علي وسبب تسميته بهذه الكنية وكونها أحب الأسماء عنده، وقوله: (لم سُمِّي) وكُني علي (أبا تراب) بدل عن قوله أخبرنا (قال) سهل: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة) ابنته رضي الله عنه ليزورهم (فلم يجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليًّا في البيت فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أين ابن عمك؟ ) يريد عليًّا رضي الله عنه وفيه إطلاق ابن العم على أقارب الأب لأنه ابن عم أبيها لا ابن عمها، وقال الحافظ في الفتح [1/ 536] فيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم ما وقع بينهما فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة القريبة بينهما (فقالت) فاطمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان بيني وبينه) أي بين علي (شيء) من المغاضبة (فغاضبني) أي غضب على وغضبت عليه (فخرج) من عندي (فلم يقِل) علي بكسر القاف لأنه من قال يقيل نظير باع من القيلولة وهو نوم نصف النهار أي فلم ينم (عندي) نوم القيلولة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان) معه، ولم أر من ذكر اسم هذا الإنسان (انظر) -أيها الإنسان (أين) ذهب (هو) أي علي فخرج ذلك الإنسان من عندنا فبحث عن علي فوجده ينام في حصوة المسجد (فجاء) ذلك الإنسان ورجع إلينا (فقال: يا رسول الله هو) أي علي (في المسجد راقد) أي نائم (فجاءه) أي فجاء عليًّا (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أن عليًّا (مضطجع) على جنبه نائم (قد سقط) أي وقد سقط (رداؤه عن شقه) أي عن جانب بدنه، استدل بهذا الحديث من أجاز النوم في المسجد كما سيأتي (فأصابه) أي فأصاب شق بدنه (تراب فجعل) أي شرع

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ ويقُولُ "قُمْ أَبا التُّرَابِ، قُمْ أَبَا التُّرَابِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه) أي يمسح التراب (عنه) أي عن علي (و) الحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول) له: (قم) يا (أبا التراب) من فوق التراب (قم أبا التراب) بالتكرار مرتين، فهذا سبب تسمية علي بأبي التراب ففي قوله: (قم أبا التراب) ممازحة المغضب بما لا يزيد في غضبه بل يجعل به تأنيسه، وفيه التكنية بغير الولد وفيه مدارة الصهر وتسكينه من غضبه، وقد روى ابن إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال: نمت أنا وعلي في غزوة العسيرة في نخل فما أفقنا إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم يُحرّكنا برجله يقول لعلي: "قم يا أبا التراب" لما يرى عليه من التراب، وهذا إن ثبت حُمل على أنه خاطبه بذلك في هذه الواقعة الأخرى اهـ من فتح الباري [7/ 72]. قال العيني: قوله صلى الله عليه وسلم: (قم أبا التراب) .. إلخ فيه إباحة النوم في المسجد لغير الفقراء ولغير الغريب، وكذا القيلولة في المسجد فإن عليًّا لم يقل عند فاطمة رضي الله تعالى عنهما، وفيه أيضًا الممازحة للغاضب بالتكنية له بغير كنيته إذا كان ذلك لا يغضبه بل يؤنسه اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الاستئذان باب القائلة في المسجد [6280]. قوله: (فجاءه صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع) إقراره على ذلك دليل على جواز النوم في المسجد للمتأهل الذي له منزل وبه قال بعض أهل العلم وكرهه مالك من غير ضرورة وأجازه للغرباء لأنهم في حاجة وضرورة، وقد تقدم ذلك في كتاب الصلاة، ومسح النبي صلى الله عليه وسلم جنب علي من التراب وهو يقول: "قم أبا التراب قم أبا التراب" دليل على محبته له وشفقته عليه ولطفه به ولذلك كان ذلك الاسم أحب إلى علي رضي الله عنه من كل ما يُدعى به. فيا عجبًا من بني أمية كيف صيّروا الفضائل رذائل والمناقب معايب لكن غلبة الأهواء تعوض الظلمة من الضياء، وقد ذكر أبو عمر ابن عبد البر بإسناده إلى ضرار الصدائي وقال له معاوية: صف لي عليًّا فقال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: صفته أما إذا ولا بد من وصفه، فكان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلًا ويحكم عدلًا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس من الليل ووحشته، وكان غزير الدمعة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويفتينا إذا استفتيناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظِّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضًا على لحيته يتملل تملل السليم (اللديغ والجريح أشرف على الهلاك كأنهم يتفاءلون له بالسلامة) ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غرّي غيري، إلي تعرضت أم إليّ تشوفت، هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثًا لا رجعة بعدها، فعمرك قصير، وخطرك قليل، آهٍ، من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق، فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا حسن كان والله كذلك كيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح واحدها في حجرها. [قلت]: وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي رضي الله عنه ومنزلته وعظيم حقه ومكانته وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبه لما كان معاوية موصوفًا به من الفضل والدين والحلم وكرم الأخلاق، وما يُروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا التراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك أو نقيضه كما قد ظهر من جوابه ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن وعرف الحق لمستحقه، ولو سلمنا أن ذلك من معاوية حمل على السب فإنه يحتمل أن يكون طلب منه أن يسبه بتقصير في اجتهاده في إسلام عثمان إلى قاتليه أو في إقدامه على الحرب والقتال للمسلمين وما أشبه ذلك مما يمكن أن يقصر بمثله من أهل الفضل، وأما التصريح باللعن وركيك القول كما قد اقتحمه جهال بني أمية وسفلتهم فحاش معاوية منه، ومن كان على مثل حاله من الصحبة والدين والفضل والحلم والعلم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث زيد بن أرقم ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والسادس: حديث سهل بن سعد الثاني ذكره للاستشهاد. وقد وصلت إلى هذا الموضع من الكتاب بتاريخ 23/ 7 / 1427 هـ. ***

703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ 703 - (17) الباب الخامس منها باب فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه واسم أبي وقاص مالك وهو سعد بن مالك بن وهيب ويقال أهيب بالهمزة بدل الواو بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة، كنيته أبو إسحاق المدني أسلم قديمًا، وهو ابن سبع عشرة سنة، وقال: مكثت ثلاثة أيام وأنا ثلث الإسلام، وقال: أنا أول من رمى بسهم في سبيل الله، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى اللأ عليه وسلم وولي الولايات العظيمة من قبل عمر وعثمان رضي الله عنه وهو أحد أصحاب الشورى، وأحد المشهود لهم بالجنة، تُوفي في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم، ومروان إذ ذاك والي المدينة ثم صلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بجنازته في المسجد فصلين عليه في حجرهن وكُفّن في جبة صوف لقي المشركين فيها يوم بدر فوصى أن يُكفن فيها، ودُفن بالبقيع سنة خمس وخمسين، ويقال سنة خمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، ويقال ابن اثنين وثمانين سنة، ورُوي له من الحديث مئتان وسبعون حديثًا أخرج له منها في الصحيحين ثمانية وثلاثون، قال الأبي: وفي كتاب الاكتفاء وكان وهيب جد سعد عم آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد حمزة لأمه فهو أحد أخواله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أجب دعوته وسدّد رميته" وفي حديث آخر: "اللهم أجب دعوة سعد إذا دعا" فكان مشهورًا بإجابة الدعوة إذا دعا، مر يومًا بالكوفة على جماعة فيهم رجل يسب عثمان وعليًّا وطلحة والزبير فقال للرجل: كف عن ذكر هؤلاء القوم الصالحين، فقال الرجل: وإن لم أكفف، فقال: أدعو الله عليك، فنفض الرجل يده في وجه سعد وقال: ادع كأنك تشرفني بدعائك، فاعتزله سعد فصلى ركعتين ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل يسب رجالًا سبقت لهم منك الحسنى إلا أحللت به هذه الساعة قارعة حتى يكون شهرة في الناس، قال الشعبي: أخبرني من حضر لم يتم دعاءه حتى خرجت ناقة من نوق بني فلان فجمحت على الجماعة حتى وصلت الرجل فلم تزل تخبطه بيديها ورجليها حتى قضى، فقال الناس: أُجيبت دعوة أبي إسحاق، ومرض في قصره القريب من القادسية، فقال بعض فرسان جيشه يُعرِّض في قعودِه بالقَصْر وترك حضوره الققال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألَمْ تَرَ أن الله يُظْهِرْ دِينَه ... وسعدٌ بقَصْرِ القادسيةِ يُعْصَمُ فَأُبْنَا وقَد ْأيِمَتْ نِساءٌ كَثِيرةٌ ... ونِسْوَةُ سَعْدٍ لَيس فيهن أَيِّمُ فقال: اللهم اكفف لسانه ويده، فيبست يده وخرست لسانه، وكان واليًا على الكوفة من قبل عمر فشكاه أهلها فعزله وكان عمر من عدله لا يشكو قوم عاملهم إلا عزله وبعث عمر رجلًا يسأل أهل الكوفة عن حال سعد قبل أن يصل سعد إلى المدينة فلم يدع الرجل مسجدًا إلا سأل أهله فيثنون خيرًا حتى دخل مسجد بن عيس فقام رجل منهم فقال: أما إذا نشدتنا فكان لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبًا فأطل عمره وفقره وعرّضه للفتن، فقال عبد الله بن عمر: فرأيته سقط حاجباه من الكبر يتعرض للجواري يغمزهن وكان يقول إذا سُئل: شيخ مفتون أصابته دعوة سعد. ومن مآثره أن عمر أرسل إليه وهو أمير العراق أن قاتل الفرس فمضى إليهم وحالت بينهما دجلة وهي كالبحر لا تعبر إلا بالسفن فقال للجند الذين معه: ما ترون؟ فقالوا: ما تأمر عزم الله لنا ولك الرشد، فلما سمع كلامهم اقتحم الوادي بفرسه وتبعه المسلمون فقطعوا دجلة خيلًا ورجالًا ودواب حتى لا يُرى وجه الماء من الشاطئ إلى الشاطئ وسعد يقول في أثناء القطع: حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليه يعني عمر، وليظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه إن لم يكن في الجيش ذنوب، وكان الفرس إذا أحس بالإعياء أبان الله له رابية في جوف الماء يقف عليها حتى يرجع إليه نشاطه ثم يعوم براكبه، وخرجت تلك الخيل تنفض أعرافها وجميع الخلق والدواب سالمة ولم يضع لأحد شيء إلا رجل سقط له قدح فعيّره صاحبه فقال له: أصابه القدر فطاح، فقال: ما كان الله ليسلبني قدحي من بين أهل العسكر فضربته الريح والأمواج حتى أخرجته إلى الشاطئ فقال للذي عيّره: ألم أقل لك ما كان الله ليسلبني قدحي من دون غيري، وكان ذلك بيانًا لما في الكتب القديمة من أن هذه الأمة تخوض البحر إلى أعدائها. وكان سعد أصيب ببصره في آخر عمره وكانت عائشة بنته قد عمرت فرآها مالك وهو صغير، وهي التي قال فيها سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي مالًا ولا يرثني إلا ابنة أفأفرق مالي .. الحديث اهـ من الأبي. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

6079 - (2389) (144) حدثنا عَبدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ. حَّدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: أَرِقَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيلَةٍ. فَقَال: "لَيتَ رَجُلًا صَالِحًا مِن أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيلَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6079 - (2389) (144) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي القعنبي المدني نزيل البصرة، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) بن عامر بن مالك بن ربيعة العدوي العنزي أبي محمد المدني، صحابي صغير، مات النبي صلى الله عليه وسلم وله خمس سنين رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قالت) عائشة: (أرق) أي سهر ولم يأته النوم، وأرق من باب فرح يأرق أرقًا، والأرق السهر وفقد النوم، ويقال: أرقني الأمر تأريقًا من باب فعل المضعف أي أسهرني، ورجل أرق على وزن فرح اهـ نووي (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) من إضافة الشيء إلى نفسه أي ذاتًا هي ليلة أو لفظ ذات مقحم للتأكيد أي سهر عند أول قدومه المدينة في ليلة من الليالي (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني) هذه (الليلة) قيل: كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر قبل أن ينزل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة / 67]. [قلت]: ويحتمل أن يقال إن قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ليس فيه ما يناقض احتراسه ولا ما يمنعه كما إن إخبار الله تعالى عن نصره وإظهاره لدينه ليس فيه ما يمنع الأمر بالقتال وإعداد العَدَد والعُدد والأخذ بالجد والحزم والحذر وسر ذلك أن هذه أخبار عن عاقب الحال ومآله لكن هل تحصل تلك العافية عن سبب معتاد أو عن غير سبب لم يتعرض ذلك الإخبار له فليبحث عنه في موضع آخر ولما بحثت عن ذلك وجدت الشريعة طافحة بالأمر له ولغيره بالتحصن وأخذ الحذر ومدافعتهم بالقتل والقتال وإعداد الأسلحة والالات، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخذ به فلا تعارض في ذلك والله الموفق لفهم ما هنالك اهـ من المفهم.

قَالتْ: وَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاحِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ هَذَا؟ " قَال: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ. 6181 - (40) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (يحرسني الليلة) فيه الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو وأنه ليس منافيًا للتوكل ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ساهرًا الليل أول ما قدم المدينة لما كان يتوقع من هجوم عدو به لأن أكثر أهل المدينة كان وقتئذٍ من اليهود. (قالت) عائشة: (و) بينا نحن كذلك كما في الرواية الآتية (سمعنا صوت السلاح) أي صوت وقوع بعضه على بعض (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ ) الذي عنده صوت السلاح (قال) صاحب السلاح: أنا (سعد بن أبي وقاص يا رسول الله جئت أحرسك) أي لأكون حارسًا لك من نزول العدو بك، وفي هذا الحديث دلالة على أن على عامة الناس أن يحرسوا سلطانهم في مواقع الخوف، وفيه فضيلة ظاهرة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حيث حقق الله به ما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه فضيلته من جهة شدة حفيظته على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جهة كونه مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "رجلًا صالحًا من أصحابي" (قالت عائشة) بالسند السابق: (فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه) وهو صوت النائم المرتفع وهو أعلى من الشخير اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 141]، والبخاري في الجهاد باب الحراسة في الغزوة [2885] وفي التمني باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ليت كذا وكذا [7231]، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد بن أبي وقاص [3756]، والنسائي في الكبرى [8667]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6076 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن

عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ؛ أَن عَائِشَةَ قَالتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، لَيلَةً، فَقَال: "لَيتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيلَةَ" قَالتْ: فَبَينَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلاحٍ. فَقَال: "مَنْ هَذا؟ " قَال: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ: "مَا جَاءَ بِكَ؟ " قَال: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي المدني رضي الله عنه (أن عائشة قالت): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الليث لسليمان بن بلال (سهر) أي أرق وترك النوم في الليل (رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه) أي أول قدومه (المدينة) وتمنى (ليلة) من الليالي الحراسة له (فقال: "ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني") هذه (الليلة) المستقبلة لأنام فيها، وكان لا ينام الليل بعدما قدم المدينة خوفًا من هجوم اليهود عليه، قال النووي: فيه جواز الاحتراس من العدو والأخذ بالحزم وترك الإهمال في موضع الحاجة، قال العلماء: وكان هذا الحديث قبل نزول قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاحتراس حين نزلت هذه الآية اهـ منه (قالت) عائشة: (فبينا نحن) أي أنا والنبي صلى الله عليه وسلم كائنون (كذلك) أي مجردين عن الحراسة مع سهر النبي صلى الله عليه وسلم كل الليالي وتمنيه لمن يحرسه (سمعنا خشخشة سلاح) أي صوت سلاح صدم بعضه بعضًا (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (من هذا؟ ) الذي عنده خشخشة سلاح (قال) صاحب السلاح: أنا (سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ ) أي أي غرض وأي سبب جاء بك أي حثك على المجيء عندنا؟ وما استفهامية في محل الرفع مبتدأ وجملة جاء بك خبرها والجملة الاستفهامية في محل النصب مقول قال: (قال) سعد: (وقع في نفسي) وخطر في قلبي (خوف) من هجوم العدو في الليل (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة لغرض التلذذ بلفظ الرسول أو لغرض التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فجئته صلى الله عليه وسلم لـ (أحرسه) من العدو أو حالة كوني قاصدًا حراسته، وفي قوله: (وقع في نفسي) دلالة على أنه من المحدثين الملهمين وعلى أنه من صالح العباد اهـ من الأبي (فدعا له) أي لسعد (رسول الله صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: فَقُلْنَا: مَنْ هَذَا؟ . 6077 - (00) (00) حدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. سَمِعْتُ يَحيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: قَالتْ عَائِشَةُ: أَرِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ ذَاتَ لَيلَةٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. 6078 - (2390) (145) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم ثم نام) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (فقال: من هذا؟ ) من رواية قتيبة بن سعيد (و) أما (في رواية ابن رمح فقلنا: من هذا) بالقول المسند إلى ضمير المتكلمين، قال القرطبي: (وقول سعد وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم) .. إلخ دليل على مكانة نببنا صلى الله عليه وسلم وكرامته على الله فإنه قضى أمنيته وحقق في الحين طلبته، وفيه دليل على أن سعدًا رضي الله عنه من عباد الله الصالحين المحدثين الملهمين وتخصيصه بهذه الحالة كلها وبدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له من أعظم الفضائل وأشرف المناقب اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6077 - (00) (00) (حدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (سمعت يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (يقول: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي المدني الصحابي الصغير رضي الله عنه (يقول: قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الوهاب الثقفي لسليمان بن بلال في الرواية عن يحيى بن سعيد (أرق) بوزن فرح أي سهر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وترك النوم (ذات ليلة) أي ليلة من الليالي. وساق عبد الوهاب (بمثل حديث سليمان بن بلال) لفظًا ومعنى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث علي رضي الله عنهم فقال: 6078 - (2390) (145) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ. قَال: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيهِ لأَحَدٍ، غَيرَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. فَإِنهُ جَعَلَ يَقُولُ لَهُ، يَوْمَ أُحُدٍ: "ارْمِ. فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي" ـــــــــــــــــــــــــــــ البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) (عن أبيه) سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن شداد) بن الهاد، واسمه أسامة الليثي، أبي الوليد المدني، ثقة، من (2) من كبار التابعين، روى عنه في (4) أبواب (قال) ابن شداد: (سمعت عليًّا يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد) من الناس في التفدية (غير سعد بن) أبي وقاص (مالك) بن أهيب رضي الله عنه (فإنه) صلى الله عليه وسلم (جعل) أي شرع (يقول له) أي لسعد حين انهزم المسلمون (يوم أحد) وبقي سعد معه صلى الله عليه وسلم (ارم) الأعداء بسهمك يا سعد (فداك أبي وأمي) عن كل مكروه. ومعنى قوله: (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد) أي في علمي أو في أحد فلا يرد جمعه للزبير في وقعة الخندق والله أعلم، ولعل عليًّا لم يطلع على ذلك أو أن كلامه في حديث الباب مقتصر على غزوة أحد، قال ابن الأثير: الفداء بالكسر والمد والفتح مع القصر فكاك الأسير، يقال: فداه يفديه فداء وفدى اهـ، وقال الجوهري: الفداء إذا كُسر أوله يُمد ويُقصر وإذا فتح فهو مقصور اهـ، وقال العيني: (فداك أبي وأمي) أي مفدي لك أبي وأمي فقوله أبي مبتدأ وأمي عطف عليه وفداك خبره مقدمًا اهـ، وقال الزملكاني: الحق أن كلمة التفدية نقلت بالعرف عن وضعها وصارت علامة على الرضا وكأنه قال: ارم مرضيًا عنك اهـ، وقال صاحب المرقاة: (فداك أبي وأمي) بفتح الفاء وقد يُكسر وفي هذه التفدية تعظيم لقدره واعتداد بعمله واعتبار بأمره لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له اهـ، قال النووي: وفيه جواز التفدية بالأبوين وبه قال جماهير العلماء وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري اهـ دهني، قال القرطبي: وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد أبويه في التفدية وفداؤه بهما خاصة من خصائصه إذ لم يرو ولا سُمع أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى

6079 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاق الْحَنْظَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدًا من الناس بأبويه جميعًا غير سعد هذا أو غير ما يأتي في حديث الزبير اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع كثيرة منها في الأدب باب قول الرجل فداك أبي وأمي [6184]، والترمذي في المناقب باب مناقب لسعد بن أبي وقاص [3755]، وابن ماجه في المقدمة باب فضل سعد بن أبي وقاص [116]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 6079 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع) عن مسعر (ح وحدثنا أبو كريب .. إلخ) وفي بعض النسخ: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر) قال المازري: زعم بعضهم أن وكيعًا لم يدرك مسعرًا، وهو خطا ظاهر فإن ابن أبي حاتم ذكر أن وكيعًا آخر من روى عن مسعر، وأنه أدرك من حياة مسعر خمسًا وعشرين سنة اهـ من الأبي (ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق) بن إبراهيم (الحنظلي) المروزي (عن محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيد الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي (عن مسعر) بن كدام (كلهم) والصواب (كلاهما) أي كل من شعبة ومسعر رويا (عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة ومسعر لإبراهيم بن سعد، وساقا (بمثله) أي بمثل حديث إبراهيم بن سعد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيا لحديث عائشة بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال:

6080 - (2391) (146) حدَّثنا عَبدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانَ، (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ)، عَنْ يَحْيَى، (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَال: لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيهِ يَوْمَ أُحُدٍ. 6081 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. كِلاهُمَا عَنْ يحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6080 - (2391) (146) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي البصري من (9) (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني (عن يحيى وهو ابن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني (عن سعيد) بن المسيب المخزومي المدني (عن سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) سعد: والله (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه) في التفدية (يوم أحد) حين قال لي: "ارم فداك أبي وأمي". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في مناقب سعد [3725] وفي المغازي باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا) [4058 و 4059]، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد بن أبي وقاص [3755]، وابن ماجه في المقدمة باب فضل سعد بن أبي وقاص [117]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال: 6081 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد و) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (كلاهما) أي كل من ليث بن سعد وعبد الوهاب الثقفي رويا (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن سعد بن أبي وقاص، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد وعبد الوهاب الثقفي لسليمان بن بلال.

6082 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ بُكَيرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ لَهُ أَبَوَيهِ يَوْمَ أُحُدٍ. قَال: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَال: فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيسَ فِيهِ نَصْلٌ. فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ. فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد رضي الله عنه فقال: 6082 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي أبو عبد الله البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن بكير بن مسمار) الزهري مولاهم مولى عامر بن سعد المدني، صدوق، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عامر بن سعد لسعيد بن المسيب (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له) أي لسعد (أبويه يوم أحد) في التفدية (قال) سعد: (كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين) أي أصاب كثيرًا منهم وآلمهم بالقتل والجراح حتى كأنه فعل فيهم ما تفعله النار من الإحراق (فقال له) أي لسعد: (النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ارم) يا سعد إلى هذا الرجل (فداك أبي وأمي) أي مفدي لك أبي وأمي (قال) سعد: (فنزعت) أي جذبت وأخذت من كنانتي من النزع وهو الأخذ بالقوة (له) أي لقتل ذلك المشرك (بسهم) أي بنبل (ليس فيه نصل) أي زج وحديدة استعجالا (فأصبت) أي طعنت بسهمي (جنبه) أي جنب ذلك المشرك، بالجيم والنون كذا لأكثر الرواة وكذا رويته، وقيده القاضي الشهيد (حبته) بالحاء المهملة الموحدة يعني بن حبة قلبه وفيه بُعد اهـ من المفهم (فسقط) ذلك المشرك (فانكشفت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) فرحًا بقتله وذله لا لانكشاف عورته لأنه صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك، وفيه من آياته السهم الذي رمى به من غير حديدة فقتل اهـ من الأبي (حتى نظرت إلى نواجذه) قال القرطبي: والنواجذ بالذال المعجمة آخر الأضراس وأنها تقال على الضواحك وأنها المعنية في هذا الحديث فإنها

6083 - (2392) (147) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ. قَال: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ. قَالت: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيكَ. وَأَنَا أُمُّكَ. وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هي التي يمكن أن ينظر إليها غالبًا في حال الضحك، وكان جل ضحكه صلى الله عليه وسلم التبسم فإذا استغرب (استغرب الرجل في الضحك بالغ فيه وكأنه من الغرب وهو البعد) فغاية ما يظهر منه ضواحكه مع ندور ذلك منه وقِلَّتِه اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث آخر لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال: 6083 - (2392) (147)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا: حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج مصغرًا، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سماك بن حرب) بن أوس الذهلي أبو المغيرة الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (حدثني مصعب بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبو زرارة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أنه) أي أن الشأن والحال (نزلت فيه) أي في سعد (آيات) أي أربع آيات كما سيأتي التصريح به في الرواية الآتية (من القرآن) الأولى منها ما ذكره في هذه القصة (قال) سعد (حلفت) أمي (أم سعد) اسمها حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وهي مشركة، فآمن سعد وهو ابن ست عشرة كما قال ابن سعد في الطبقات الكبرى [3/ 137]، [6/ 12]، اهـ من تنبيه المعلم، على (أن لا تكلمه) أي على أن لا تكلم سعدًا (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان كعوض (حتى يكفر) سعد (بدينه) دين الإسلام أي حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم (ولا تأكل ولا تشرب) شيئًا (قالت) أم سعد لسعد: (زعمت) أي قلت من الزعم وهو القول الفاسد أي قلت في زعمك أنه في دينك (أن الله) سبحانه (وصاك) أي أمرك في دينك (بـ) أن تطيع (والديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا) أي بأن تكفر بدينك فأطعني بالكفر بدينك إن

قَال: مَكَثَتْ ثَلاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيهَا مِنَ الْجَهْدِ. فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ. فَسَقَاهَا. فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ. فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَل فِي الْقُرْآنِ هَذهِ الآيَةَ: {وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15]. قَال: وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَنِيمَةً عَظِيمَةً. فَإِذَا فِيهَا سَيفٌ فَأَخَذْتُهُ. فَأَتَيتُ بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: نَفِّلْنِي هَذَا السَّيفَ. فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ حَالهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان زعمك صحيحًا (قال) سعد: (مكثت) أي جلست (ثلاثًا) من الليالي لا تأكل ولا تشرب شيئًا (حتى غُشي عليها) أي أُغمي عليها (من) شدة (الجهد) والجوع (فقام ابن لها يقال له عمارة) بن أبي وقاص (فسقاها) الشراب (فجعلت) أي شرعت (تدعو على سعد) بن أبي وقاص وتلعنه (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) في شأني وشأنها (في القرآن هذه الآية) يعني قوله تعالى: {وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ} أي أمرنا (بـ) أن يُحسن إلى (والديه حسنًا) أي إحسانًا مصدر مؤكد لعامله المحذوف وهو اسم مصدر لأحسن الرباعي بمعنى المصدر ({وَإِنْ جَاهَدَاكَ} أي كلفاك {عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} [العنكبوت / 8] هذه الآية في سورة العنكبوت إلا أن فيها {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} باللام وفي لقمان بعلى (وفيها) أي وفي أم سعد نزلت هذه الآية أيضًا {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} ({وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] أي وإن حاولاك وكلفاك على الشرك والكفر فلا تطعهما وإن بالغا في ذلك وأتعبا أنفسهما فيه فإن الشرك بالله تعالى باطل ليس له حقيقة فتعلم اهـ من الأبي. والآية الثانية ما ذكره في هذه القصة الآتية بقوله: (قال) سعد: (وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخذ وغنم من الكفار (غنيمة عظيمة) أي كثيرة (فإذا فيها سيف) جيد (فأخذته) أي فأخذت ذلك السيف من جملة الغنيمة قبل القسمة (فأتيت به) أي بذلك السيف (الرسول) الشريف محمدًا (صلى الله عليه وسلم فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (نفلني) أي أعطني (هذا السيف) زيادة على سهمي، وقد مر الكلام على هذه القصة مبسوطًا في كتاب الجهاد باب الأنفال (فأنا من قد علمت حاله) من الجد والاجتهاد في

فَقَال: "رُدُّهُ مِنْ حَيثُ أَخَذْتَهُ" فَانْطَلَقْتُ. حَتَّى إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ لامَتْنِي نَفْسِي، فَرَجَعْتُ إِلَيهِ. فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ. قَال: فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ "رُدُّهُ مِنْ حَيثُ أَخَذْتَهُ" قَال: فَأَنْزَلَ اللهُ عَز وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]. قَال: وَمَرِضْتُ فَأرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَأَتَانِي. فَقُلْتُ: دَعْنِي أَقْسِمْ مَالِي حَيثُ شِئْتُ. قَال: فَأَبَى. قُلْتُ: فَالنِّصْفَ. قَال: فَأَبَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الجهاد والثبات عند اللقاء (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رده) أي رد هذا السيف (من حيث أخدته) أي إلى الموضع الذي أخذته منه وهو مجمع الغنيمة (فانطلقت) أي ذهبت به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا أردت أن ألقيه) وأرميه (في القبض) أي في المال المقبوض من الغنيمة، والقبض بفتح القاف والباء اسم لما يُقبض وكذلك هو ها هنا، والقبض بسكون الموحدة مصدر قبضت اهـ من المفهم، وقال النووي: القبض هو الموضع الذي تجمع فيه الغنائم اهـ والأول هو الموافق للقواعد النحوية والصرفية كما ذكرناه في مناهل الرجال (لامتني نفسي) على رده جواب إذا أي وبختني على رده وعيرتني به (فرجعت إليه) صلى الله عليه وسلم (فقلت) له: (أعطنيه) أي أعطني هذا السيف (قال) سعد: (فشد لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوته) أي شدده علي ورفعه وقال لي: (رده) أي رد هذا السيف (من حيث أخذته) إلى الموضع الذي أخذته منه (قال) سعد: (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) بسبب ذلك قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]. (قال) سعد: (ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم) لأشاوره في توزيع مالي في سبيل الله (فأتاني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت) له: (دعني) واتركني يا رسول الله ولا تمنعني من توزيع مالي إن تركتني (أقسم مالي) كله مضارع من قسم الثلاثي من باب ضرب مجزوم بالطلب السابق (حيث شئت) أي في أي مكان شئت من مصارف الخير من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام (قال) سعد: (فأبى) أي امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإذن لي في توزيعه، قال سعد: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دعني (فـ) أقسم (النصف) أي نصف مالي حيث شئت (قال) سعد: (فأبى) أي فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الإذن لي في توزيع النصف، قال سعد:

قُلْتُ: فَالثُّلُثَ. قَال: فَسَكَتَ. فَكَانَ، بَعْدُ، الثلُثُ جَائِزًا. قَال: وَأَتَيتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ. فَقَالُوا: تَعَال نُطْعِمْكَ وَنَسْقِيكَ خَمْرًا، وَذلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ. قَال: فَأَتَيتُهُمْ فِي حَشٍّ -وَالْحَشُّ الْبُسْتَانُ- فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْويٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِنْ خَمْرٍ. قَال: فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ. قَال: فَذَكَرْتُ الأنصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ. فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيرٌ مِنَ الأنصَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (فـ) دعني أقسم (الثلث) أي ثلث مالي (قال) سعد: (فسكت) عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم بمنعني من قسم الثلث، قال سعد: (فكان بعد) أي بعدما أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعد ذلك اليوم (الثلث) أي توزيع ثلث المال ووصيته (جائزًا) لكل أحد أي مشروعًا للناس، وقد مر شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الوصايا. والآية الثالثة ما ذكره في ضمن قوله: (قال) سعد: (وأتيت) أي مررت (على نفر) أي على جماعة اجتمعوا (من الأنصار والمهاجرين فقالوا) لي: (تعال) أي أقبل إلينا (نطعمك) الطعام بالجزم في جواب الطلب (ونسقيك خمرًا) بإثبات الياء على الاستئناف أي ونحن نسقيك خمرًا، وبحذفها للجازم على العطف (وذلك) القول الواقع منهم يعني قولهم نسقيك خمرًا أو ذلك القول (قبل أن تحرم الخمر، قال) سعد: (فأتيتهم في حش) بفتح الحاء وضمها بستان النخل ويُجمع على حشا وقد يكنى بالحش عن موضع الخلاء لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في البساتين وحائش النخل جماعته وفسره الراوي بقوله: (والحش البستان) والفاء في قوله: (فإذا) عاطفة على قوله فأتيتهم، وإذا فجائية أي فاتيتهم ففاجأني (رأس جزور) أي جمل وهو مبتدأ (مشوي) بالرفع صفة لرأس موضوع ذلك الرأس (عندهم) وهو خبر المبتدأ (وزق) بكسر الزاي وتشديد القاف بالرفع معطوف على رأس جزور، وقوله: (من خمر) صفة لزق، والزق الظرف والقربة ويُجمع على أزقاق وزقاق اهـ مصباح والمعنى فأتيتهم ففاجأني رؤية رأس جزور وزق خمر موضوعين عندهم (قال) سعد: (فأكلت) رأس الجزور معهم (وشربت) الخمر (معهم، قال) سعد: (فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم) أي ذكر بعض أولئك النفر وسأل أي الفريقين خير، قال سعد: (فقلت) للسائل: (المهاجرون خير من الأنصار) لأنهم فارقوا أهليهم

قَال: فَأَخَذَ رَجُلٌ أحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ فَضَرَبَنِي بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِي. فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأخْبَرْتُهُ. فَأَنزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ -يَعْنِي نَفْسَهُ- شَأْنَ الْخَمْرِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ} [المائدة: 90] ـــــــــــــــــــــــــــــ وأموالهم وتركوا أوطانهم طلبًا لرضا الله ورسوله (قال) سعد: (فأخذ رجل) من الأنصار، وفي بعض الرواية (رجل منهم) بزيادة منهم أي من الأنصار، قال ابن بشكوال: الرجل الأنصاري عتبان بن مالك، وساق له شاهدًا، قال: وقيل: إنه حمزة بن عبد المطلب ذكره فتح بن إبراهيم، عن أبي الطيب الحريري البغدادي صاحب محمد بن جرير الطبري، واسم أبي الطيب أحمد بن سليمان اهـ تنبيه المعلم. وقال الشيخ ولي الدين قال الزهري: إن سعدًا كان هو الضارب اهـ تنبيه المعلم (أحد لحيي) تثنية لحي، واللحي منبت الأسنان السفلى يجتمعان في الذقن أي أخذ واحدًا من لحيي (الرأس) أي رأس الجزور، وفي القرطبي: ولحى الجمل بفتح اللام هو أحد فكي فمه وهما لحيان أعلى وأسفل والذي يمكن أن يؤخذ ويضرب به هو الأسفل اهـ من المفهم (فضربني) ذلك الرجل (به) أي بأحد اللحيين (فجرح بأنفي) أي أوقع الجراحة في أنفي (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيَّ) بتشديد الياء بإدغام ياء الكلمة في ياء المتكلم (يعني) سعد بضمير فيّ (نفسه) تفسير من الراوي أي فأنزل الله سبحانه بسببي (شأن الخمر) بقوله: ({إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}) [المائدة: 90] وتقدم الكلام على تحريم الخمر (والميسر) هو القمار وهو كل لعب تردد بين غنم وغرم (والأزلام) قداح أي سهام، وقيل: حصيات كانت الجاهلية تستقسم بها وتمضي الأمور على ما يخرج فيها (والأنصاب) جمع نصب وهو ما ينصب من الأصنام ليُعبد وهي أيضًا حجارة تنصب يذبح عندها لطواغيتهم (رجس) أي نجس وقد يأتي الرجس بمعنى النجس وما يستقذر ومنه قولهم في الخمر إنها رجس أي نجس، والرجس أيضًا بمعنى اللعنة ومنه قوله تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} اهـ من الأبي، وقد بسطنا الكلام في تفسيرنا في هذا المقام فراجعه. وهذا الحديث قد مر تخريجه من المؤلف في الجهاد باب الأنفال، وشاركه أبو داود في الجهاد باب في النفل [2840]، والترمذي في تفسير سورة العنكبوت [2189] وفي تفسير سورة الأنفال [3080].

6084 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ قَال: أُنْزِلَتْ فِيَّ أرْبَعُ آيَاتٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ: قَال فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا، ثُمَّ أَوْجَرُوهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال: 6084 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن مصعب بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لزهير بن معاوية (أنه) أي أن سعد (قال: أنزلت في أربع آيات) من القرآن (وساق) شعبة (الحديث) السابق (بمعنى حديث زهير) بن معاوية (عن سماك) بن حرب، قوله: (أربع آيات) مرت ثلاث منها على التفصيل والرابعة قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} وستأتي في الرواية التالية لهذه والله أعلم (وزاد) محمد بن جعفر (في حديث شعبة) وروايته (قال) سعد: (فكانوا) أي فكان أقارب أمي (إذا أرادوا أن يطعموها شجروا) أي فتحوا (فاها) أي فمها (بعصا) أو نحوه كعود (ثم) بعد فتح فمها بعصا (أوجروها) أي صبوا الطعام في فمها وإنما شجروا بالعصا لئلا تطبعه فيمتنع وصول الطعام، قال النووي: وهكذا صوابه بالشين المعجمة والجيم والراء وهكذا في جميع النسخ، قال القاضي: ويروى (شحوا فاها) بالحاء المهملة وحذف الراء ومعناه قريب من الأول أي أوسعوه وفتحوه، والشَّحْو التوسعة ودابة شحو واسعة الخطوة، ويقال: أوجره ووجره لغتان الأولى أفصح وأشهر اهـ. قال القاضي: شجروا بالشين المعجمة والجيم معناه فتحوا فمها وأدخلوا فيه عصا لئلا تغلقه حتى يوجروها الغذاء، والوجور بفتح الواو ما يصب من وسط الفم، واللدود بفتح اللام ما يصب من جانبه ويقال: وجرته وأوجرته ثلاثيًّا ورباعيًّا إذا ألقيت الوجور في فيه أي الدواء اهـ أبي، وفي المصباح: الوجور بفتح الواو وزان رسول الدواء يصب في الحلق وأوجرت المريض إيجارًا إذا فعلت به ذلك ووجرته أجره من باب وعد لغة فيه اهـ.

وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا: فَضَرَبَ بِهِ أَنْفَ سَعْدٍ فَفَزَرَهُ، وَكَانَ أَنْفُ سَعْدٍ مَفْزُورًا. 6085 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ: فِيَّ نَزَلَتْ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: 52]. قَال: نَزَلَتْ فِي سِتَّةٍ: أنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْمُشرِكُونَ قَالُوا لَهُ: تُدْنِي هَؤُلاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه قطعة من حديث قصة أم سعد رضي الله عنه (وفي حديثه) أي في حديث شعبة وروايته (أيضًا) أي كما فيه هذه الزيادة المذكورة يعني قوله: (فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها) لفظة (فضرب) ذلك الرجل الأنصاري (به) أي بذلك اللحمي (أنف سعد) بن أبي وقاص (ففزر) بتقديم الزاي المخففة على الراء أي جرح أنفه وشقه (وكان أنف سعد مفزورًا) بتقديم الزاي المخففة أيضًا أي مشقوقًا وفي هذه الرواية بتصريح بأن المضروب سعد ويكون الضارب الأنصاري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال: 6085 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن المقدام بن شريح) بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) شريح بن هانئ بن يزيد المذحجي أبي المقدام اليمنى الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شريح بن هانئ لمصعب بن سعد، قال سعد: (فيّ) أي في نفسي وفي أمثالي من فقراء الصحابة رضي الله عنهم (نزلت) آية {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام / 52] (قال) سعد: (نزدت في ستة) من فقراء المسلمين سيأتي تعدادهم إن شاء الله تعالى قريبًا (أنا وابن مسعود منهم) أي من أولئك الستة (وكان المشركون قالوا له) صلى الله عليه وسلم أنت يا محمد (تدني) وتقرب إليك (هؤلاء) الفقراء فاطردهم عنك ونحن نستحيي أن نجلس معهم، والمعنى

6086 - (00) (00) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأسَدِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ. قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ. فَقَال الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلاءِ لَا يَجْتَرِئونَ عَلَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تقربهم إليك وتسمح لهم بالجلوس في مجلسك ونحن لا نجلس معهم واطردهم عنك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال: 6086 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن عبد الله) بن الزبير بن عمرو بن درهم (الأسدي) الزبيري مولاهم أبو أحمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لسفيان الثوري (قال) سعد: (كنا) معاشر فقراء الصحابة رضوان الله عليهم (ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد) أي أبعد (هؤلاء) الفقراء عن مجلسك فـ (لا يجتروون علينا) أي لا يتشجعون علينا في الكلام إذا طردتهم عن مجلسنا معك، قال في المصباح: اجترأ على القول بالهمز إذا أسرع بالهجوم عليه من غير توقف اهـ، يريدون بذلك طرد الفقراء لئلا يسرعوا في محاوراتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ولا يواجهوهم في القول والله أعلم اهـ دهني. قال القرطبي: (وقول المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء عنك لا يجترؤون علينا) كان هؤلاء المشركون أشراف قومهم، وقيل: كان منهم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد عمرو أنفوا من مجالسة ضعفاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كصهيب وسلمان وعمار وبلال وسالم ومهجع العكي مولى عمر بن الخطاب وسعد هذا وابن مسعود وغيرهم ممن كان على مثل حالهم كخباب وسالم مولى أبي حذيفة وصبيح مولى أسيد وعمرو بن عبد عمرو ومرثد بن أبي مرثد، استصغارًا لهم وكبرًا عليهم واستقذارًا لهم فإنهم قالوا: يؤذوننا بريحهم، وفي بعض كتب التفسير أنهم لما عرضوا

قَال: وَكُنتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيلٍ، وَبِلالٌ، وَرَجُلانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقَعَ. فَحَدَّثَ نَفْسَهُ. فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أبي، فقالوا له: اجعل لنا يومًا ولهم يومًا، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك، فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ودعا عليًّا ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية. [قلت]: ولهذا أشار سعد بقوله: فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعًا في إسلامهم وإسلام قومهم ورأى أن ذلك لا يفوّت أصحابه شيئًا ولا ينقص لهم قدرًا فمال إليه فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية. (قال) سعد: (وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما) أي أذكر اسمهما أي وكنت أنا وهؤلاء المذكورون ممن طلبوا طردهم (فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله) تعالى (أن يقع) في قلبه (فحدّث) النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الذي وقع في قلبه (نفسه) الشريفة والذي وقع في قلبه أن يجعل لهم يومًا ولفقراء الصحابة يومًا كما ذكرنا آنفًا (فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام / 52] فنهاه عما همَّ به من الطرد لا أنه أوقع الطرد ووصف أولئك الفقراء بأحسن أوصافهم وأمره أن يصبر نفسه معهم بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف / 28] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بعد ذلك يقول: "مرحبًا بقوم عاتبني الله فيهم" ذكره السيوطي في الدر المنثور [5/ 381] وعزاه لابن جرير والطبراني وابن مردويه بلفظ: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم" وإذا جالسهم لم يقم عنهم حتى يكونوا هم الذين يبدؤون حوله بالقيام، وحديث سعد هذا أصح إسنادًا من الروايات الأخرى وأخرجه ابن ماجه في الزهد باب مجالسة الفقراء [4180]. وقوله: (يدعون ربهم بالغداة والعشي) قيل: معناه يدعون ربهم بالغداة بطلب التوفيق والتيسير، وبالعشي قيل معناه بطلب العفو عن التقصير، وقيل معناه يذكرون الله بعد صلاة الصبح وصلاة العصر، وقيل يصلون الصبح والعصر، وقال ابن عباس رضي الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما: يصلون الصلوات الخمس، وقال يحيى بن أبي كثير: هو مجالس الفقه بالغداة والعشي، وقيل: يعني دوام أعمالهم وعباداتهم وإنما خص طرفي النهار بالذكر لأن من عمل في وقت الشغل كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل اهـ من المفهم. وقوله: (يريدون وجهه) أي يخلصون في عباداتهم وأعمالهم لله تعالى ويتوجهون إليه بذلك لا لغيره، ويصح أن يقال: يقصدون باعمالهم رضا وجهه الكريم المنزه المقدس عن صفات المخلوقين. وقوله: {مَا عَلَيكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيءٍ} [الأنعام / 52] أي من جزائهم ولا كفاية رزقهم أي جزاؤهم ورزقهم وجزاؤك ورزقك على الله تعالى لا على غيره فكأنه يقول: وإذا كان الأمر كذلك فاقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل فإن فعلت ذلك كنت ظالمًا، وحاشاه من وقوع ذلك منه وإنما هو لبيان الأحكام ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل الإسلام، وهذا نحو قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر / 65] وقد علم الله منه أي لا يشرك ولا يحبط عمله اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث سعد الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين

704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـــــــــــــــــــــــــــــ 704 - (18) والباب السادس منها باب فضائل طلحة والزبير وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين (أما طلحة) فهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وفي مرة يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد المشاهد كلها إلا بدرًا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعثه وسعيد بن زيد يتجسسان خبر عير قريش، فلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما فكانا كمن شهدها، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ طلحة الخير، ويوم ذات العشيرة طلحة الفياض، ويوم حنين طلحة الجود، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ووقى النبي صلى الله عليه وسلم بيده فشلّت إصبعاه وجُرح يومئذٍ أربعًا وعشرين جراحة، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وقال فيه صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة" وقال فيه أيضًا: "طلحة ممن قضى نحبه" أي ممن وفي بنذره. وجملة ما رُوي عنه من الحديث ثمانية وثلاثون حديثًا في الصحيحين منها سبعة، وقُتل يوم الجمل، وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ويقال: إن سهمًا غربًا وهو السهم الذي لا يُعرف راميه أتاه فوقع في حلقه فقال: باسم الله {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب / 38] ويقال: إن مروان بن الحكم قتله ودُفن بالبصرة وهو ابن ستين سنة وقيل ابن اثنتين وستين سنة وقيل ابن أربع. (وأما الزبير) رضي الله عنه فيكنى أبا عبد الله بولده عبد الله لأنه كان أكبر أولاده وهو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، وفي قصي يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت وأسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين وقيل ابن ست عشرة سنة فعذبه عمه بالدخان لكي يرجع عن الإسلام فلم يفعل، هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين، ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من سل سيفًا في سبيل الله، وكان عليه يوم بدر ريطة -هي الملاءة كلها نسج واحد وقطعة

6087 - (2393) (148) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكرٍ الْمُقَدَّمِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدة وكل ثوب لين رقيق- صفراء قد اعتجر بها، وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبايعه على الموت فقُتل يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقيل خمس وستين، وقيل بضع وخمسون قتله ابن جرموز، وكان من أصحاب علي فأُخبر علي بذلك فقال: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ورُوي عنه من الحديث مثل ما رُوي عن طلحة وله في الصحيحين مثل ماله فيهما سواء. وأما أبو عبيدة رضي الله عنه فاسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وفي فهر يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وففر هو من قريش، ومنه تقرشت قريش على الصحيح لا من النضر بن كنانة المذكور، وإلى فهر تجتمع بطون قريش كلها ومن لم يكن من ولد فهر فليس بقريش وبطون قريش خمسة وعشرون بطنًا، أسلم قديمًا مع عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ونزع يومئذٍ بثنيتيه الحلقتين اللتين دخلتا في وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت ثنيتاه فكان أهتم -وهو من تكسرت ثناياه من أطرافها أو من أصولها- وكان من أحسن الناس هتمًا يزينه هتمه، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وولي فتح الشام وحروبها، ومات في طاعون عمواس بالأردن، وقبر ببيسان وهو ابن ثمان وخمسين سنة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضل طلحة بن عبيد الله بحديثه رضي الله عنه فقال: 6087 - (2393) (148) (حدثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم الثقفي (المقدمي) بتشديد الدال المفتوحة البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) (وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى جده الأعلى أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4)

قَالُوا: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، (وَهُوَ ابْنُ سُلَيمَانَ)، قَال: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَال: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ التِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، غَيرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ. عَنْ حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (قالوا: حدثنا المعتمر وهو ابن سليمان) بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال) المعتمر: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن ملّ بن عمرو بن عدي النهدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (قال) أبو عثمان: (لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم) للمشركين (غير طلحة) بن عبيد الله (وسعد) بن أبي وقاص رضي الله عنهما، والمراد ببعض الأيام يوم غزوة أحد، حالةكون أبي عثمان راويًا (عن حديثهما) يعني أنهما حدثاني بذلك فيكون الحديث مرفوعًا من مسندهما فيكون سنده من خماسياته، وقوله: (عن حديثهما) هو قول من روى هذا الحديث عن أبي عثمان وهو سليمان بن طرخان ومراده أن أبا عثمان إنما حدّث بثبات طلحة وسعد رواية عنهما، ولم يكن شاهدًا لثباتهما لأنه تابعي وليس صحابيًّا ولا أنه حدّث بذلك رواية عن غيرهما بل طلحة وسعد حدثاه بذلك، فاستدل بهذا الحديث المؤلف على فضل طلحة فقط لأن مناقب سعد قد مرت في الترجمة السابقة فليس سعد مرادًا هنا بل إنما ذكره لإتمام الحديث وأدائه على هيئته، وقد قدمنا آنفًا في ترجمة طلحة أن طلحة ثبت يومئذٍ، ووقى النبي صلى الله عليه وسلم بيده فشلّت أصبعاه وجُرح يومئذٍ أربعًا وعشرين جراحة، واتفق لطلحة في ذلك اليوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أثقل بالجراح وكان عليه درعان فنهض ليصعد على صخرة كانت هنالك فلم يستطع فحنى طلحة ظهره لاصقًا بالأرض حتى صعد النبي صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى رقى على الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوجب طلحة"رواه أحمد [1/ 165]، والترمذي [1692] أي أوجب له ذلك الفعل الثواب الجزيل عند الله والمنزلة الرفيعة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فضائل الصحابة باب ذكر طلحة بن عبيد الله [3722 و 3723]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضل الزبير بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال:

6088 - (2394) (149) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: نَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. فَانْتَدَبَ الزُّبَيرُ. ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانْتَدَبَ الزَّبَيرُ. ثُمَّ نَدَبَهُمْ. فَانْتَدَبَ الزُّبَيرُ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6088 - (2394) (149) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) محمد بن المنكدر: (سمعته) أي سمعت جابرًا (يقول: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم) غزوة (الخندق) وتُسمى غزوة الأحزاب أي ناداهم فقال: "من يأتينا بخبر القوم" أي من يتجسس لنا المشركين ويأتينا بخبرهم، وسبب هذا الندب ما أخرجه البخاري في الجهاد والمغازي ولفظه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "من يأتينا بخبر القوم" فقال الزبير: أنا، ثم قال: "من يأتينا بخبر القوم" فقال الزبير: أنا .. هكذا ثلاث مرات" وإنما بعثه رسول الله ليأتي بخبر بني قريظة لما بلغه أنهم نقضوا العهد ووافقوا قريشًا على محاربة المسلمين، قال القاضي: قوله: (ندب الناس) أي رغبهم في الجهاد وحضهم عليه (فانتدب الزبير) أي أجاب له الزبير إلى ما دعا إليه من البعث إلى القوم ليتجسسهم، ومعنى قولك: ندبته فانتدب أي دعوته فأجاب دعوتي، والندب بسكون الدال التحضيض والترغيب في الشيء، قال صاحب الأفعال: ندبتهم للحرب وجهتهم إليه (ثم ندبهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ناداهم مرة ثانية (فانتدب) أي أجاب له (الزبير) والناس ساكتون لأن الليلة ليلة قر وريح (ثم ندبهم) مرة ثالثة (فانتدب) له (الزبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم) عندما أجاب له الزبير ثلاث مرات والناس ساكتون (لكل نبي) من الأنبياء (حواري) أي ناصر، وقيل خاصة، وقيل بطانة مطلع على سره، وهو مفرد مرفوع بالضمة الظاهرة على ياء النسبة منسوب إلى الحوار وهو البياض (وحواريّ) أي خاصتي والمفضل عندي وناصري (الزبير) بن العوام رضي الله عنه، ويقال لكل ناصر نبي حواريه تشبيهًا بحواري عيسى - عليه السلام -، وحواريو عيسى خاصته والمفضلون عنده،

6089 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأزهري: الحواريون خلصان الأنبياء أي الذين أخلصوا من كل عيب، والدقيق الحواري الذي سُبك ونُخل مرة بعد أخرى. وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الإيمان وأشبه ما يقال فيه هنا أنه الخاصة والفاضل عنده أو من يصلح للخلافة بعده أو الصاحب والخليل. واختُلف في ضبط قوله: (وحواريّ الزبير) فضبطه الأكثر بكسر الياء مخففًا حواريي منسوب إلى حوار، وقيدناه عن أبي علي بفتح الياء مشددًا منسوب إلى حواري مثل مصرخي اهـ سنوسي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 314]، والبخاري في مواضع منها في مناقب الزبير [3719]، والترمذي في مناقب الزبير [3745]، وابن ماجه في المقدمة [122]. [تتمة]: قوله: (وإن حواريّ) أصله بالإضافة إلى ياء المتكلم على وزن مصرخي لكن حُذفت الياء اكتفاء بالكسرة، وقد تُبدل الكسرة فتحة للتخفيف، ويُروى بالكسرة والفتحة، وأصله حواريي بثلاث ياءات فاستثقلوا فحذفوا إحدى ياءي النسبة ثم أدغموا الثانية بعد تسكينها في ياء المتكلم وياء المتكلم تفتح سيما عند التقاء الساكنين فاختلاف الروايتين مبني على أن المحذوف ياء المتكلم أر إحدى ياءي النسب، ومعناه إن خاصتي وناصري، وكان الخاصة من كان مطلوبًا بالنداء في ذلك اهـ من مرشد ذوي الحاجة إلى سنن ابن ماجه نقلًا عن السندي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6089 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن هشام بن عروة) ثقة، من (5) (ح وحدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا) أي كل من أبي كريب وإسحاق بن إبراهيم رويا (عن وكيع) بن الجراح (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (كلاهما) أي كل من هشام وسفيان رويا (عن محمد بن المنكدر عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُيَينَةَ. 6095 - (2395) (150) حدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ. قَال إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، مَعَ النِّسْوَةِ، فِي أُطُمِ حَسَّانٍ، فَكَانَ يُطَأْطِئُ لِي مَرَّةً فَأَنْظُرُ. وَأُطَأْطِئُ لَهُ مَرَّةَ فَيَنْظُرُ. فَكُنْتُ أَعْرِفُ أَبِي إِذَا مَرَّ عَلَى فَرَسِهِ فِي السِّلاحِ، إِلَى بَنِي قُرَيظَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة هشام بن عروة وسفيان الثوري لسفيان بن عيينة، وساقا (بمعنى حديث ابن عيينة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث الزبير رضي الله عنهما فقال: 6090 - (2395) (150) (حدثنا إسماعيل بن الخليل) الخزاز بمعجمات أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلدة على الفرات، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (كلاهما) رويا (عن) علي (بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (قال إسماعيل) بن الخليل (أخبرنا علي بن مسهر) بصيغة السماع (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن الزبير) بن العوام عن الزبير بن العوام الحديث الآتي أعني قوله: (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، ثم ذكر قصة قبل الحديث بقوله: (قال) عبد الله بن الزبير: (كنت أنا وعمر بن أبي سلمة) ربيب النبي صلى الله عليه وسلم (يوم) غزوة (الخندق مع النسوة في أطم حسان) بن ثابت، والأطم الحصن وجمعه آطام كعنق وأعناق ويقال في الجمع إطام كأكم وإكام، قال عبد الله بن الزبير: (فكان) عمر بن أبي سلمة (يطاطئ) أي يخفض لي ظهره (مرة) أي تارة فأركب ظهره (فأنظر) إلى جيش المسلمين (وأطاطئ) أي أخفض أنا (له) أي لعمر بن أبي سلمة ظهري (مرة) أخرى (فينظر) عمر بن أبي سلمة إلى جيش المسلمين، قال عبد الله بن الزبير: (فكنت) أنا (أعرف أبي) الزبير بن العوام من بين الناس (إذا مر) أبي ومشى بين الناس راكبًا (على فرسه) متغطيًا (في السلاح) ومتقلدًا به، وقوله: (إلى بني قريظة) متعلق بمر. وفي هذا الحديث دليل على

قَال: وَأَخْبَرَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لأَبِي. فَقَال: وَرَأَيتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: أَمَا وَاللهِ، لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَئِذٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حصول ضبط الصبي وتمييزه وهو ابن أربع سنين لأن ابن الزبير وُلد عام الهجرة في المدينة، وكان الخندق سنة أربع من الهجرة على الصحيح اهـ نووي، وفيه رد على جمهور المحدثين في قولهم: إنه لا يصح إلا ضبط ابن خمس، والصواب ضبط من حصل له التمييز وإن كان دون أربع، وفيه فضيلة لابن الزبير لضبطه القصة وهو في هذا السن اهـ من الأبي. قوله: (أنا وعمر بن أبي سلمة) يعني عمر بن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومي المدني، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم من صغار الصحابة، أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (مع النسوة في أطم حسان) الأطم بضم الهمزة والطاء الحصن وجمعه آطام كما مر آنفًا، وكانت النساء والصبيان قد جمعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصن لحسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: (فكان يطاطئ لي مرة) من طأطأ الرباعي المضاعف المهموز يقال: طأطأ يطأطئ طئطئة وطئطاء نظير زلزل أي كان عمر يخفض لي ظهره لأتطلع من جدار الحصن وأفعل له مرة مثل ذلك ليتطلع هو إلى خارج الحصن، قوله: (فكنت أعرف أبي .. إلخ) وفي رواية البخاري: (فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة ويتردد مرتين أو ثلاثًا فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف! قال: أو هل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم). (قال) هشام بن عروة: أخبرني أبي عروة بن الزبير عن عبد الله بن الزبير (وأخبرني) أيضًا أخي (عبد الله بن عروة) بن الزبير أبو بكر المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله بن الزبير قال) عبد الله بن الزبير: (فدكرت ذلك) الذي فعلنا مع عمر بن أبي سلمة من التطلع إلى القوم من فوق جدار الحصن الأبي) والدي الزبير بن العوام (فقال) أبي الزبير بن العوام: هل تطلعت من فوق الحصن (ورأيتني يا بني؟ قلت) له: (نعم) رأيتك يا والدي حين تختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثًا (قال) أبي الزبير بن العوام: (أما) حرف استفتاح كألا أي انتبه واستمع ما أقول لك (والله) أي أقسم بالله الذي لا إله غيره (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ) أي يوم إذا اختلفت

أَبَوَيهِ. فَقَال: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". 6091 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الأُطُمِ الَّذِي فِيهِ النِّسْوَةُ. يَعْنِي نِسْوَةَ النَّبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى بني قريظة أي جمع لي (أبويه) في التفدية (فقال) لي: (فداك أبي وأمي) وفي رواية البخاري (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم، فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: فداك أبي وأمي") وقد التبست هذه القصة على بعض الناس بقصة حذيفة بن اليمان مع أنه قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم طليعة ليأتي بخبر الأحزاب، وبعث الزبير لخبر بني قريظة لما بلغه أنهم نقضوا العهد وساعدوا الأحزاب، قال القرطبي: قوله: (فداك أبي وأمي) هو بفتح الفاء والقصر فعل ماض فإن كُسرت الفاء مددت، والمقصود منه التشريف والتعظيم، وفيه جواز المدح في حضور الممدوح إذا كان أهلًا له اهـ من المرشد. وهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لغير سعد بن أبي وقاص وحينئذٍ يشكل بما رواه الترمذي من قول علي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع أبويه لأحد إلا لسعد وقال له يوم أحد: "فداك أبي وأمي" رواه الترمذي [2829 و 3753] ويرتفع الإشكال بأن يقال إن عليًّا أخبر بما في علمه، ويحتمل أن يريد به أنه لم يقل ذلك في يوم أحد لأحد غيره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 164]، والبخاري [3720]، والترمذي [3743] كلاهما في مناقب الزبير بن العوام وابن ماجه [123]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6091 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن الزبير) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لعلي بن مسهر (قال) عبد الله بن الزبير: الما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم) الحصن (الدي فيه النسوة يعني) عبد الله بن الزبير بتلك النسوة (نسوة النبي صلى الله عليه وسلم) وأزواجه (وساق الحديث) أي ذكر أبو أسامة (بمعنى

حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُرْوَةَ فِي الْحَدِيثِ. وَلكِنْ أَدْرَجَ الْقِصَّةَ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيرِ. 6197 - (50) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث) علي (بن مسهر) لا لفظه، ولفظة في في قوله (في هذا الإسناد) بمعنى الباء عدل إليها فرارًا من كراهة توالي حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى، والعامل متعلقة بساق أيضًا أي ساق أبو أسامة ذلك المعنى بهذا الإسناد يعني عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير (و) لكن (لم يذكر) أبو أسامة (عبد الله بن عروة في الحديث ولكن أدرج) أبو أسامة (القصة) أي قصة عبد الله بن الزبير المذكورة في حديث عبد الله بن عروة يعني قوله: فذكرت ذلك لأبي. . إلخ (في حديث هشام) وروايته (عن أبيه عن) عبد الله (بن الزبير) قال القاضي عياض: قوله: (ولكن أدرج القصة في حديث هشام عن أبيه) يعني أن في حديث ابن مسهر قبله عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير الحديث إلى قوله: وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير معناه أن أبا أسامة لم يذكر قوله: وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير في تمام الحديث لكنه جاء به كله مدرجًا في حديث هشام ومتداخلًا فيه كأنه من حديث هشام والله أعلم اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر واستشهد أيضًا لحديث أبي عثمان النهدي بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 6092 - (2396) (151) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الله الدراوردي الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح السمان، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان الزيات، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء) بكسر الحاء والمد جبل بمكة معروف يذكر فيصرف، ويؤنث فلا يُصرف، ومن رواه بفتح الحاء والقصر فليس بشيء اهـ من الأبي، وقال القرطبي: وقد أخطأ من فتح حاءه ومن قصره اهـ (هو) أتى به لتأكيد اسم كان ليصح عطف ما بعده عليه أي كان النبي

وَأَبُو بَكْر وَعُمَرُ وَعُثمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيرُ. فَتَحَرَّكَتِ الصَّخرَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اهْدَأْ، فَمَا عَلَيكَ إلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ". 6093 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيسٍ وَأَحْمَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير) رضي الله تعالى عنهم أجمعين أي اجتمعوا على صخرة كانت فيه (فتحركت الصخرة) بهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) مخاطبًا للجبل (اهدأ) أي اسكن يا جبل ولا تتحرك بنا (فما عليك) يا جبل (إلا نبي) يريد نفسه (أو صديق) يريد أبا بكر (أو شهيد) يريد الباقين منهم، قال القاضي عياض: هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لانخراق العادة بتحركه وبموت غيره وغير أبي بكر شهيدًا كما ذكر، قال القرطبي: وعبّر بأو التي للتقسيم والتنويع لإفادتها ذلك، ويصح أن تكون بمعنى الواو اهـ مرقاة، فالنبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصديق أبو بكر، والشهيد من بقي، وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وأبو بكر صديقًا، ومات من سواهما شهيدًا، وأما قتل عمر وعثمان وعلي فمشهور لأن عمر قتله العلج، وعثمان قُتل مظلومًا، وعلي غيلة، وأما الزبير فقُتل بوادي السباع بقرب البصرة منصرفًا تاركًا للقتال يوم الجمل، وكذلك طلحة اعتزل تاركًا للقتال فأصابه سهم فقتله، وقد ثبت أن من قتل ظلمًا فهو شهيد في الأجر والاسم وإن لم يكن له حكمه في الصلاة والغسل، وقد وقع في الطريق الآتي ذكر سعد بن أبي وقاص أيضًا مع أنه لم يُقتل، وأجاب عنه القاضي عياض بأنه إنما سُمي شهيدًا لكونه مشهودًا له وهو أحد الوجوه في تسمية الشهيد شهيدًا، واختُلف في معنى الصديق فقيل: هو تابع النبي، وقيل: هو فعيل من الصدق مبالغة في ذلك، وقيل: هو من كثرة الصدقة اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 419]، والترمذي في مناقب عثمان بن عفان [3697]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6093 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن محمد بن يزيد بن خنيس) مصغرًا المخزومي أبو يحيى المكي، روى عن إسماعيل بن أبي أوشى في فضائل الزبير وأبيه، ويروي عنه في (م) والسراج وطائفة، قال في التقريب: مقبول، من الحادية عشرة، مات

بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيسٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بنُ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءِ، فَتَحَرَّكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اسْكُنْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ" وَعَلَيهِ النبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. 6094 - (2397) (152) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَعَبْدَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (252) اثنتين وخمسين ومائتين (وأحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله بن أبي أويس المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لعبد العزيئ بن محمد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبل حراء فتحرك) الجبل (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) مخاطبًا للجبل (اسكن) يا (حراء) واهدأ ولا تتحرك (فما عليك) أي ليس عليك (إلا نبي أو صديق أو شهيد) وأو فيه بمعنى الواو (و) الحال أنه ليس (عليه) أي على الجبل إلا (النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم) أجمعين، والعطف بالواو هنا يدل على أن أو فيما قبله بمعنى الواو كما بيناه أولًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثا لحديث جابر بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 6094 - (2397) (152) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (وعبدة) بن سليمان الكلابي أبو

قَالا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ قَال: قَالتْ لِي عَائِشَةُ: أبَوَاكَ، وَاللهِ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أصَابَهُمُ الْقَرْحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (قالا: حدثنا هشام) بن عروة الأسدي المدني، ثقة، من (5) (عن أبيه) عروة بن الزبير، ثقة، من (3) (قال) عروة: (قالت لي) خالتي (عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أبواك) تعني أبا بكر والزبير ففيه تغليب الأب على الجد لأن أم عروة أسماء بنت أبي بكر فهو جد له لأمه أي أبوك وجدك أقسمت لك (والله) أي بالله لكائنان (من الذين استجابوا) أي من النفر الذين أجابوا (لله والرسول) صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الخروج إلى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال على يسار الطريق لمن أراد ذا الحليفة وهم سبعون رجلًا أي أجابوا إلى الخروج إليها (من بعدما أصابهم القرح) أي الجراح في غزوة أحد أي كانا من الذين أنزل الله فيهم هذه الآية منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد وطلحة وابن عوف وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح وجابر بن عبد الله، رُوي أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا على رجوعهم إلى مكة، وقالوا: إنا قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل فلم تركناهم بل اللازم لنا أن نرجع ونستأصلهم فهموا بالرجوع إلى المدينة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوة فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبي سفيان وقال: "لا أريد أن يخرج معي الآن إلا من كان معي في القتال بالأمس" فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوم من أصحابه قيل: كانوا سبعين رجلًا حتى بلغوا حمراء الأسد وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت هذه الآية إلى آخر القصة. قوله: (استجابوا) بمعنى أجابوا فالسين والتاء زائدتان لا للطلب كما قال الشاعر: وداع دعا يا من يجيب إلى الندا. . . . .. فلم يستجبه عند ذاك مجيب أي لم يجبه وقيل: إن استجاب أخص من أجاب لأنه أعم من أن يكون الجواب بالموافق أو بغيره واستجاب ليس إلا بالموافق، وأشارت عائشة بذلك إلى ما جرى في غزوة حمراء الأسد إثر وقعة أحد اهـ من الأبي.

6095 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: تَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَالزُّبَيرَ. 6096 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ. قَال: قَالتْ لِي عَائِشَةُ: كَانَ أَبَوَاكَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أصَابَهُمُ الْقَرْحُ. 6097 - (2398) (153) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب الذين استجابوا لله والرسول [4077]، وابن ماجه في المقدمة باب فضل الزبير [114]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6095 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي إسامة لعبد الله بن نمير وعبدة (و) لكن (زاد) أبو أسامة عليهما لفظة (تعني) عائشة بالأبوين (أبا بكر) جد عروة (والزبير) أباه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال: 6096 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن) عبد الله بن يسار (البهي) بفتح الموحدة وكسر الهاء وتشديد الياء مولى مصعب بن الزبير المدني، صدوق، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن عروة قال: قالت لي عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة البهي لهشام بن عروة (كان أبواك) يا عروة أي جدك وأبوك (من) النفر (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو فضل أبي عبيدة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 6097 - (2398) (153) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم

ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ أبِي قِلابَةَ. قَال: قَال أَنَسٌ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن لِكُل أُمَّةٍ أَمِينًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية عن خالد ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية أخبرنا خالد) بن مهران المجاشعي أبوالمنازل الحذاء البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (15) بابا (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الأزدي الجرمي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (قال) أبو قلابة: (قال أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل أمة) من الأمم (أمينًا) من الأمانة وهو ضد الخيانة، وهي عبارة عن قوة الرجل على القيام بحفظ ما يوكل إلى حفظه ويخلى بينه وبينه وهي ماخوذة من قولهم ناقة أمون أي قوية على الحمل والسير فكان الأمين هو الذي يوثق به في حفظ ما يوكل إلى أمانته حتى يؤديه لقوته على ذلك وكان أبو عبيدة قد خصه الله تعالى من هذا بالحظ الأوفر والنصيب الأكثر بحيث شهد له بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم وصار له ذلك الاسم والعلم المعلوم وقد ظهر ذلك من حاله للعيان حتى استوى في معرفته كل إنسان. وذلك أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام متفقدًا أحوال الناس والأمراء ودخل منازلهم وبحث عنهم أراد أن يدخل منزل أبي عبيدة وهو أمير على الشام قد فُتحت عليه بلاده وترادفت عليه فتوحاته وخبراته واجتمعت له كنوزه وأمواله فلما كلمه عمر رضي الله عنه في ذلك قال له أمير المؤمنين: والله لئن دخلت منزلي لتعصرن عينيك، فلما دخل منزله لم يجد فيه شيئًا يرد أكثر من سلاحه وأداة رحل بعيره، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أمين هذه الأمة، أو كما قال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن كل واحد من أعيان أصحابه رضي الله عنهم بما غلب عليه من أوصافه وإن كانوا كلهم فضلاء علماء حكماء مختارين لمختار فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة" رواه الترمذي [3790 و 3791] ومن حديث عبد الله بن عمرو: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت

وَإِنَّ أَمِينَنَا، أَيَّتُهَا الأُمَّة ُ، أَبُو عُبَيدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ". 6098 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ)، عَنْ ثَابِتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر" رواه الترمذي أيضًا [3801 و 3802]. (وإن أميننا أيتها الأمة) المحمدية (أبو عبيدة بن الجراح) وأية منادى نكرة مقصودة حُذف منه حرف النداء تخفيفًا في محل النصب على المفعولية مبني على الضم لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا، والهاء حرف تنبيه زائد تعويضًا عما فات أي من الإضافة مبني بسكون على الألف المحذوفة، الأمة بالرفع صفة لأية تابع للفظه، وبالنصب تابع لمحله، والأفصح نصب آية على الاختصاص بعامل محذوف وجوبًا لجريانه مجرى المثل، وحكى سيبويه: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة بالنصب، قال في المرقاة: وإنما خصه بالأمانة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة لغلبتها فيه بالنسبة إليهم، وقيل لكونها غالبة بالنسبة إلى سائر صفاته اهـ. قال الحافظ: وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة لكن السياق يُشعر بأن له مزيدًا في ذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم خص كل واحد من الصحابة الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحوه كذلك في فتح الباري [7/ 93]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 133]، والبخاري في مناقب أبي عبيدة [3744]، وفي المغازي باب قصة أهل نجران [4382] وفي أخبار الآحاد باب ما جاء في إجازة خبر الواحد [7255]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس هذا بحديث آخر رضي الله عنه فقال: 6098 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفّار البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حماد وهو ابن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه

عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صّلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: ابْعثْ مَعَنا رَجُلًا يُعَلَّمُنَا السُّنَّةَ وَالإِسْلامَ. قَال: فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي عُبَيدَةَ فَقَال: "هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ". 6099 - (2400) (155) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيفَةَ، قَال: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صّلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (14) بابا (عن أنس) بن مالك. وهذا السند من خماسياته (أن أهل اليمن) وسيأتي في حديث حذيفة أنهم كانوا أهل نجران فلعل الراوي تجوّز عن أهل نجران بقوله: أهل اليمن لقرب نجران من اليمن، وإلا فهما واقعتان والأول أرجح (قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا) له: (ابعث معنا) يا رسول الله (رجلًا يعلّمنا السنة) أي أحكام الشريعة (والإسلام) أي أركان الإسلام وأصوله (قال) أنس: (فأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيد أبي عبيدة فقال هذا) الذي أخذت بيده (أمين هذه الأمة) المحمدية رضي الله عنه. وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن غيره من أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فقال: 6099 - (2400) (155) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة، من (3) (يحدّث عن صلة بن زفر) بوزن عمر فحكمه حكمه في منع الصرف، وسببه كما هو مقرر عند النحاة العبسي بموحدة أبي العلاء الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (2) بابين (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من سداسياته (قال) حذيفة: (جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ونجران بلدة معروفة في اليمن، سميت باسم نجران بن هود - عليه السلام - لأنه أول من نزلها؛ وهم العاقب والسيد، فالعاقب اسمه عبد المسيح

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْعَثْ إِلَينَا رَجُلًا أَمِينًا. فَقَال: "لأَبْعَثَنَّ إِلْيَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ. حَقَّ أَمِينٍ" قَال: فَاسْتَشْرَفَ لَهَا الناسُ. قَال: فَبَعَثَ أَبَا عُبَيدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. 6205 - (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ والسيد اسمه الأيهم بسكون الياء التحتانية وأبو الحارث بن علقمة (فقالوا): أي فقال أهل نجران حين جاؤوا: (يا رسول الله ابعث لنا رجلًا أمينًا) أي رجلًا ثقة مرضيًا يعلّمنا الدين (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حق أمين حق أمين) أي كامل الأمانة أو مستحقًا لأن يقال له أمين أو بلغ في الأمانة الغاية القصوى (قال) حذيفة: (فاستشرف) أي تطلع (لها) أي لهذه الولاية (الناس) الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبوا فيها حرصًا على تحصيل هذه الصفة المذكورة وهي الأمانة لا على الولاية من حيث همه، وفي نسخة (فتشرف له) أي للبعث (الناس) (قال) حذيفة: (فبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم (أبا عبيدة بن الجراح) رضي الله عنه. وقوله: (حق أمين حق أمين) بالتكرار مرتين للتوكيد بنصب حق أمين على أنه مصدر مضاف، وهو في موضع الصفة، تقديره أمينًا محفقًا في أمانته. وقوله: (فاستشرف لها الناس) أي تشوفوا وتعرضوا لمن هو الموجه معهم وكلهم يحرص على أن يكون المعني إذ كل واحد أمين حق أمين. وعبارة النووي أي تطلعوا للولاية حرصًا على أن يكون هو الأمين الموعود به في الحديث، لا حرصًا على الولاية من حيث هي ولاية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 385]، والبخاري في مواضع منها في مناقب أبي عبيدة [3745] وفي المغازي باب قصة أهل نجران [4381] وفي أخبار الآحاد [7254]، والترمذي في مناقب أبي عبيدة [3758]، وابن ماجه في المقدمة باب فضل أبي عبيدة [122]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 6100 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا أبو

دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ داود الحفري) نسبة إلى الحفر موضع بالكوفة، عمر بن سعد بن عبيد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة بن الحجاج، وساق سفيان (بهذا الإسناد) يعني عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان (نحوه) أي نحو حديث شعبة والله سبحانه وتعالى أعلم. قال الأبي: وفي طريق آخر أنه لما دخل عمر منزله ووجد فيه ما ذكر من سلاحه ورحل بعيره، رأى أيضًا فراشه طنفسة رحله ومتوسده حقيبته فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل، وقتل أباه يوم بدر وأتى برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه نزل قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية وقال فيه أبو بكر يوم السقيفة: رضيت لكم أحد هذين الرجلين لعمر وأبي عبيدة، وقال فيه حين جعل الأمر شورى في الستة: لو كان أبو عبيدة حيًّا ما اختلج رأيي فيه، وكان توفي بالشام في خلافة عمر رضي الله عنهم وهو ابن ثمان وخمسين سنة رضي الله عنه، وقبره بالأردن، وصلى عليه معاذ، ونزل في قبره عمرو بن العاص والضحاك بن قيس ومعاذ بن جبل، ولما أتى عمر الشام وتلقاه الناس وتلقاه أبو عبيدة نزل له عمر وعانقه اهـ من الأبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذه الترجمة من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أبي عثمان النهدي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عبد الله بن الزبير ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث عائشة ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والسابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين 6101 - (2401) (156) حدَّثني أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بن جُبَيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال لِحَسَنٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 705 - (19) باب فضائل الحسن والحسين وفضائل أهل البيت وفضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة وفضائل عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهم أجمعين ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو فضائل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فقال: 6101 - (2401) (156) (حدثني أحمد) بن محمد (بن حنبل) بن هلال بن أسد الشيباني المروزي، ثقة حجة، من (10) روى عنه في (10) أبواب، وحنبل بالحاء والنون والباء هو القصير الذي تداخل بعضه في بعض، وأقصر منه حنتل بالحاء والنون والتاء المثناة فوق وكلاهما مستقبح اهـ من المفهم [6/ 139] (حدثنا سفيان بن عيينة حدثني عبيد الله بن أبي يزيد) المكي مولى آل قارظ بن شيبة، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن نانع بن جبير) بن مطعم النوفل أبي محمد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال لحسن) بن علي أي قال في شأنه: (اللهم إني أحبه) أي أحب هذا الولد، فعل مضارع مسند إلى المتكلم (فأحبه) يا رب فعل أمر دعاء للمخاطب (وأحبب) يا رب، أمر مسند إلى المخاطب مع فك الإدغام؛ فرارًا من التقاء الساكنين (من يحبه) مضارع مسند إلى الغائب. قال: (ط): أصح ما قيل في الحسن أنه وُلد سنة ثلاث من الهجرة والحسين سنة أربع، قال الواقدي: حملت به فاطمة بعد وضع الحسن بخمسين ليلة، ومات الحسن مسمومًا رضي الله عنه وأرضاه في شهر ربيع الأول سنة خمسين بعدما مضى من خلافة

6207 - (57) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية عشر سنين، ودُفن بالبقيع إلى جنب قبر أمه، وصلى عليه سعيد بن العاص وكان أمير المدينة، قدمه الحسين وقال: لولا أنها السنة ما قدمتك، وكان أوصى أن يُدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أذنت عائشة، فأذنت عائشة فمنع ذلك مروان وبنو أمية، وكان الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الصدر والرأس، والحسين أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أسفل من ذلك. وأما الحسين فكان فاضلًا كثير الصوم والصلاة والحج، حج خمسًا وعشرين حجة ماشيًا، وقال صلى الله عليه وسلم فيه وفي الحسن: "سيدا شباب أهل الجنة" وقال أيضًا: "هما ريحانتاي من الدنيا" وفي أبي داود أنهما دخلا عليه وهو يخطب، فقطع الخطبة ونزل، فأخذهما وصعد بهما المنبر، وقال: "رأيت هذين فلم أصبر عنهما" وقُتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه مشة إحدى وستين بموضع من العراق يقال له كربلاء، قرب الكوفة، وكانت قصتهما طويلة فأعرضنا خوفًا من الإطالة لأن كتابنا من المختصرات الضرورية فليس محلها اهـ من المرشد. قوله: (أنه قال لحسن): وفي رواية قال للحسن أي قال في شأن الحسن، واللام بمعنى في (اللهم إني أحبه) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة من أحب الرباعي أي يا إلهي إني أحب الحسن سبطي (فأحبه) أنت معي، دعاء من أحب الرباعي (وأحب) أيضًا (من يحبه) أي من يحب الحسن، وعبارة السندي على ابن ماجه قوله: (للحسن) أي فيه أو لأجل الدعاء له (أحبه) أي طبعا فتقضي الأوامر الإلهية بوصل ذوي القربى له صلى الله عليه وسلم عمومًا وخصوصًا لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (فأحبه) أي فأطلب منك لذلك أن تحبه اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 249]، والبخاري في البيوع باب ما ذكر في الأسواق [2122] وفي اللباس باب السخاب للصبيان [5884]، وابن ماجه في المقدمة باب فضائل الحسن والحسين [142]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6102 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا

سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ النهَارِ، لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أكَلِّمُهُ. حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَينُقَاعَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقَال: "أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان) بن عيينة (عن عبيد الله بن أبي يزيد) المكي (عن نافع بن جبير) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي عمر لأحمد بن حنبل (قال) أبو هريرة: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المسجد (في طائفة من النهار) أي في قطعة منه، وحكى الكرماني أن في بعض الروايات (في صائفة) بالصاد المهملة بدل طائفة أي في حر النهار يقال يوم صائف أي حار، حالة كونه صلى الله عليه وسلم (لا يكلمني) هو (و) حالة كوني (لا أكلمه) ومشى (حتى جاء سوق بني قينقاع) وفي نون قينقاع الحركات الثلاث وهي سوق معروفة بالمدينة، أضيفت إلى بني قينقاع وهم قبيلة من اليهود، وأما عدم تكليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة فلعله كان مشغولًا بذكر أو فكر، وأما عدم تكليم أبي هريرة إياه فللتوقير وللتأدب معه صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من دأب الصحابة معه صلى الله عليه وسلم إذا لم يروا منه نشاطًا، وفيه أن ملازمة الشيخ وصحبته لا تخلو من فائدة وإن لم يكن بينه وبين تلميذه كلام (ثم انصرف) ورجع من السوق (حتى أتى خباء فاطمة) وبيتها رضي الله تعالى عنها، والخباء بكسر الخاء وبالمد حجرتها وهي في الأصل الخيمة وهي بيت من بيوت الأعراب ثم استعمل في غيره، وفي رواية البخاري (فجلس بفناء بيت فاطمة) (فقال) لفاطمة: (أَثَمَّ لُكع) بفتح المثلثة والميم المشددة اسم إشارة للمكان البعيد بمعنى هناك ولكن هنا بمعنى ها هنا للقريب أي أههنا الصغير، قال القاضي: واللكع بضم اللام وفتح الكاف بمعنى الغلام الصغير وهو المراد هنا، وقد يستعمل للتحقير وللتجهيل، واللكع أيضًا العبد والوغد من الرجال القليل العقل، ويحتمل أن يريد صلى الله عليه وسلم هذا المعنى على وجه الممازحة لمافي الصغار من قلة الإدراك كأنه قال: يا أحمق، لا على وجه السب بل تقليلًا وقد يكون على القلب أي يا سيدًا كما يقال للجميلة يا قبيحة، وقالوا للغراب: أعور لحدة بصره [قلت]: وقيل يقال: يا لكع لما يدل عليه من الاستصغار استصغار الشفقة والرحمة كالتصغير في يا حميراء اهـ من الأبي، وقوله: (أثم

لُكَعُ؟ " يَعْنِي حَسَنًا. فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّمَا تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى. حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لكع) مرة ثانية تأكيد للأولى (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أثم لكع) (حسنًا) بن علي رضي الله عنهما، والعناية وما بعدها من كلام أبي هريرة (فظننا) أي ظننت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم (أنه) أي أن الشأن والحال (إنما تحبسه) وتؤخره عن الخروج إلينا (أمه) فاطمة رضي الله تعالى عنها (لـ) أجل (أن تغسله) وتنظفه بغسل جسده (و) لأجل أن (تلبسه سخابًا) أي خرزًا، والسخاب بكسر السين وبالصاد أيضًا خيط ينظم فيه خرز ويجعل في عنق الصبيان ويُسمى سخابًا لصوت خرزه عند حركتها واحتكاك بعضها بعضًا من السخب وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها ولهذا يُلبس للصغار ليشغلهم صوته وللعب به، وقيل: السخاب من القلائد ما اتخذ من القرنفل والمسك والعود، وشبهه دون الجواهر من الذهب والفضة وغيرهما، وقال النووي: والسخاب بكسر السين المهملة والخاء المعجمة جمعه سخب وهو قلادة من القرنفل والمسك والعود ونحوها من أخلاط الطيب يعمل على هيئة المسبحة ويجعل قلادة للصبيان والجواري اهـ منه. وفيه من الفقه استحباب المحافظة على النظافة وعلى تحسين الصغار وتزيينهم وخصوصًا عند لقاء من يعظم ويُحترم (فـ) بعدما غسلته وألبسته السخاب (لم يلبث) الحسن ولم يتأخر من (أن جاء) إلينا حالة كونه (يسعى) ويجري ويعدو إلينا (حتى اعتنق كل واحد منهما) أي حتى يضع كل واحد من النبي صلى الله عليه وسلم والحسن عنقه على عنق (صاحبه) قال القرطبي: وفي هذا ما يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بالصغار وإكرامه ومحبته للحسن ولا خلاف فيما أحبه في جواز معانقة الصغار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف في معانقة الكبير في حالة السلام وكرهه مالك وأجازه سفيان بن عيينة وغيره، واحتج سفيان على مالك في ذلك بمعانقة النبي صلى الله عليه وسلم جعفرًا لما قدم عليه، فقال مالك: ذلك مخصوص بجعفر، وقال سفيان: ما يخص جعفرًا بل يعمنا، فسكت مالك، ويدل سكوت مالك على أنه ظهر له ما قاله سفيان من جواز ذلك، قال القاضي عياض: وهو الحق حتى يدل دليل على تخصيص جعفر بذلك. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه) قال

6103 - (2402) (157) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَّدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ)، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبِ قَال: رَأَيتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبَّهُ فَأَحِبَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المازري: محبة أهل البيت واجبة من حيث الجملة وخصوصًا من خص صلى الله عليه وسلم على محبته بالتعيين وطلب من الله تعالى أن يحب من يحبه وتلك درجة جعلها الله سبحانه لمن يحبه حقيقة ويلعن باغضهما، وقد ظهرت بركة هذا الدعاء وقبوله بحقن دماء الأمة بسببه وتنزيهه من عرض الدنيا وتسليمه الملك خوف الفتنة وحرصًا على الأمة ونظرًا لدينه اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث البراء رضي الله عنهما فقال: 6103 - (2402) (157) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا البراء بن عازب) الأنصاري الأوسي رضي الله عنه روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) البراء: (رأيت الحسن بن علي) رضي الله عنهما (على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم) والعاتق ما بين المنكب والعنق، وقيل: هو موضع الرداء من المنكب وهما بمعنى (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول: اللهم إني أحبه فأحبه) قال القرطبي: وفيه حمل الأطفال على الطهارة حتى تتحقق النجاسة فقد يعرق ويصيب جسده وثيابه من بصاقه ورطوبات وجهه ما يبل، ولم يأت عن السلف التحفظ من التحفظ ولا الوسوسة فيه واستحب مالك لأمه أن تصلي في ثوب غير ثوب التربية فإن لم تجد غيره صلت فيه وتغسل ما تحقق اهـ من المفهم، وقال النووي: كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يعملون على مقتضى الحنيفية السمحة فيمشون حفاة في الطين، ويجلسون في الأرض، ويلبسون الثياب الوسخة، ولا يتوسدون، وكل ذلك على غير ما عليه غلاة المتصوفة الآن فإنهم يبالغون في نظافة الظواهر، والبواطن وسخة خراب اهـ.

6104 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَبُو بَكرِ بنُ نَافِعٍ. قَال ابْنُ نَافِعٍ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ)، عَنِ الْبَرَاءِ، قَال: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ. وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبَّهُ فَأَحِبَّهُ". 6105 - (2403) (158) حدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِيُّ، الْيَمَامِيُّ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، (وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ)، حَدَّثَنَا إِيَاسٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 283 - 284]، والبخاري [3749]، والترمذي [3783] في مناقب الحسن والحسين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 6104 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (قال ابن نافع: حدثنا غندر) محمد بن جعفر (حدثنا شعبة عن عدي وهو ابن ثابت عن البراء) بن عازب رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة غندر لمعاذ بن معاذ (قال) البراء: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (واضعًا الحسن بن علي على عاتقه وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول: اللهم إني أحبه فأحبه). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما فقال: 6105 - (2403) (158) (حدثني عبد الله) بن محمد المعروف بـ (ابن الرومي) أبو محمد (اليمامي) نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وعباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة (العنبري) أبو الفضل المروزي البصري، ثقة حافظ، من (11) روى عنه في (4) أبواب (قالا: حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي -بالجيم المضمومة والشين المعجمة- الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا إياس) بن سلمة بن عمر بن الأكوع

عَنْ أَبِيهِ. قَال: لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنِ وَالحُسَينٍ، بَغلَتَهُ الشَّهْبَاءَ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. هَذَا قُدَّامَهُ وَهَذَا خَلْفَهُ. 6106 - (2404) (159) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لأبَي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسلمي أبو سلمة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سلمة بن عمر بن الأكوع الأسلمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) سلمة: والله (لقد قُدت) من قاد يقود قيادة من باب قال والقيادة إمساك حبل الجمل مثلًا والمشي قدامه سواء كان عليه راكب أو لا، والسوق المشي وراءها أي لقد جررت (بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته) صلى الله عليه وسلم (الشهباء) أي البيضاء (حتى أدخلتهم) أي أدخلت الثلاثة وأوصلتهم (حجرة النبي صلى الله عليه وسلم) وبيته حالة كون الولدين راكبين معه صلى الله عليه وسلم حالة كون (هذا) أي الحسين مثلًا راكبًا (قدامه) صلى الله عليه وسلم (و) كون (هذا) يعني الحسن مثلًا راكبًا (خلفه) صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: هذا يدل على جواز ركوب ثلاثة على دابة لكن إذا لم يثقلوها، وقد رُوي عن علي وغيره كراهة ذلك، ورُوي في ذلك نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن محله والله تعالى أعلم إذا أثقلوها وأتعبوها فلا معارضة بين الركوب والنهي عنه، ومقصود الراوي بيان حب رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما حيث أجلس كليهما معه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الأدب باب ما جاء في ركوب ثلاثة على دابة [2775]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو فضل أهل بيته صلى الله عليه وسلم بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6106 - (2404) (159) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (عن زكرياء) بن أبي زائدة بن خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن مصعب بن شيبة) بن جبير بن شيبة بن

عَنْ صَفِيَّة بنْتِ شَيبَةَ. قَالتْ: قَالتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ. فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ. ثُمَّ جَاءَ الْحُسَينُ فَدَخَلَ مَعَهُ. ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا. ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ. ثُمَّ قَال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ـــــــــــــــــــــــــــــ عثمان بن طلحة الحجي المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن) عمة أبيه (صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنها في (5) أبواب (قالت) صفية: (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (خرج النبي صلى الله عليه وسلم) من بيتي يومًا من الأيام (غداة) أي بكرة وهي أولى النهار إلى بيت فاطمة (وعليه) صلى الله عليه وسلم أي خرج والحال أن عليه (مرط) أي كساء (مرحل) أي منقوش بصورة الرحل، والرحل ما يوضع على البعير للركوب. قوله: (مرط) المرط بكسر الميم وسكون الراء الكساء (مرحل) على صيغة اسم المفعول يروى بالحاء المهملة أي فيه صور الرحال، ويُروى بالجيم أي فيه صور الرجال، أوفيه صور المراجل وهي القدور يقال: ثوب مراجل أو ثوب مرجل، وفي المرقاة: المرحل بفتح الحاء المشددة ضرب من برود اليمن وُصف بذلك لما عليه من تصاوير الرحل اهـ، وبالجيم عليه تصاوير الرجال وهذا قول الشارحين ويظهر لي أن المرجل بالجيم ممشوط خمله بالأمشاط من الترجيل وهو تسريح الشعر بالمشط، ولا يصح أن يفسر بأنه هو الذي عليه تصاوير الرجال لأنه صلى الله عليه وسلم كيف يلبس ما فيه تصاوير الحيوان، وقد نهي عن ذلك، وهتك الستر الذي هي فيه وغضب عند رؤيته ذلك كما تقدم في كتاب اللباس اهـ من المفهم. منسوج ذلك الكساء (من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله) أي أدخل الحسن تحت المرط بالأمر أو بالفعل اهـ دهني (ثم جاء الحسين فأدخل معه) أي مع الحسن تحت المرط أي بإدخال أو بغيره لصغره وفي رواية فأدخله اهـ مرقاة (ثم جاءت فاطمة فأدخلها) تحته (ثم جاء على فأدخله) تحته (ثم قال) صلى الله عليه وسلم أي قرأ قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب / 33] قال القرطبي: وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في ذلك الوقت دليل على أن أهل البيت المعنيين في الآية هم المغطون بذلك المرط في ذلك الوقت (والرجس) اسم لكل ما يستقذر قاله الأزهري؛ والمراد بالرجس الذي أذهب

6212 - (62) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أهل البيت هو مستخبث الخلق المذمومة والأحوال الركيكة، وطهارتهم هي عبارة عن تجنبهم ذلك واتصافهم بالأخلاق الكريمة والأحوال الشريفة اهـ مفهم، وفي المرقاة: قوله تعالى: {أَهْلَ الْبَيتِ} ... إلخ بنصب على النداء أو المدح، وفيه دليل على أن نساء النبي - عليه السلام - من أهل بيته أيضًا لأنه مسبوق بقوله: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} وملحوق بقوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} فضمير الجمع في قوله: {وَيُطَهِّرَكُمْ} إما للتعظيم أو لتغليب ذكور أهل البيت على ما يستفاد من الحديث اهـ منه، قال الأبي: قال ابن عطية: اختلف في المراد بأهل البيت في الآية فقال ابن عباس وعكرمة وغيرهما: هم زوجاته لا ذكر معهن بناءً على أن المراد بالبيت المسكن، وقال الجمهور: المراد من أدخلهم صلى الله عليه وسلم معه في المرط لا غير لأحاديث وردت. وقوله تعالى: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} بضمير جمع الذكور ولو أراد الزوجات لقال ويطهركن ولحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزلت هذه الآية فيّ وفي علي وفاطمة والحسن والحسين" وقال بعض الشافعية: أهل الرجل من يجمعهم وإياه مسكن، ثم تجوّز فيه فاستعمل فيمن يجمعهم وإياه نسب ثم نص في الحديث على ما ذكر اهـ أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في اللباس باب في لبس الصوف والأسود [032 4]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في الثوب الأسود [4 281] والحديث مشتمل على واقعة الكساء وآية التطهير، وقد مر الكلام عليهما في باب فضائل علي رضي الله عنه في مبحث حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو فضل زيد بن حارثة وابنه أسامة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: 6107 - (2405) (160) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) بتشديد الياء وتخفيف الراء نسبة إلى قارة قبيلة من العرب المدني حليف بني زهرة، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن

سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبِيهِ؛ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَدْعُو زَيدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيدَ بْنَ مُحَمَّدٍ. حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5]. قَال الشَّيخُ أَبُو أَحْمَدَ، مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: أَخْبَرَنَا أبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ الدُّوَيرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. 6108 - (00) (00) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب العدوي أبي عمر المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن ابن عمر (كان يقول: ما كنا) في الجاهلية (ندعو) ونسمي (زيد بن حارثة إلا) بقولنا (زيد بن محمد) صلى الله عليه وسلم (حتى نزل في القرآن) قوله تعالى في سورة [الأحزاب / 5] ({ادْعُوهُمْ}) في أي ادعوا الأدعياء ({لِآبَائِهِمْ}) في الحقيقة وانسبوهم إليهم، ولذلك عداه باللام ولو كان الدعاء بمعنى النداء لعداه بالباء ({هُوَ}) أي دعاؤهم بآياتهم ونسبتهم إليهم ({أَقْسَطُ}) وأعدل ({عِنْدَ اللَّهِ}) سبحانه وتعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 77]، والبخاري في تفسير سورة الأحزاب باب ادعوهم لآبائهم [4782]، والترمذي في تفسير سورة الأحزاب [3209]. (قال الشيخ أبو أحمد محمد بن عيسى) النيسابوري الجلودي الراوي غالبًا لهذا الجامع عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري الراوي عن المؤلف (أخيرنا أبو العباس السرّاج) بتشديد الراء (ومحمد بن عبد الله بن يوسف الدويري قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد بهذا الحديث) الذي رواه عمر وهو من كلام الجرودي، غرضه بيان أنه سمع هذا الحديث من غير واسطة مسلم، وجملة القول من كلام الجلودي على سبيل التجريد البياني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6108 - (00) (00) (حدثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) النيسابوري،

حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقبَةَ. حَدَّثَنِي سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبان) بن هلال الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (حدثنا موسى بن عقبة حدثني سالم عن عبد الله) بن عمر وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وهيب ليعقوب بن عبد الرحمن، وساق وهيب (بمثله) أي بمثل حديث يعقوب بن عبد الرحمن. قال القرطبي: أما زيد فهو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أصابه سبي في الجاهلية، وسبب ذلك على ما رواه ابن سعد وغيره أن أم زيد بن حارثة -وهي سعدى- زارت قومها ومعها زيد فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية على أبيات بني معن فاحتملوا زيدًا وهو غلام يفعة فأتوا به في سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له قبل أن يوحى إليه وزيد حينئذٍ ابن ثمان سنين فأعتقه صلى الله عليه وسلم وتبناه، وكان يطوف به على حلق قريش ويقول: "هذا ابني وارثًا وموروثًا" وقال الزهري: لا أعلم أحدًا أسلم قبله، وعند الضياء أسلم قبل خديجة، وكان أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده قال: بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحي يُرجى أم دونه الأجل فحج ناس من كلب فرأوا زيدًا فعرفهم وعرفوه فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات: أحن إلى قومي وإن كنت نائيًا ... بأني قطين البيت عند المشاعر فانطلقوا فأعلموا أباه ووصفوا له موضعًا فخرج حارثة وأخوه كعب بفدائه فقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا: يا ابن عبد المطلب، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا، وأحسن في فداءه فإنا سنرفع، قال: "وما ذاك "قالوا: زيد بن حارثة، فقال: "فهلا غير ذلك " قالا: ما هو إلا ذاك، قال: "ادعوه فخيِّروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي اختار على من اختارني فداء" قالوا: قد رددتنا على النصف وأحسنت، فدعاه فقال: "هل تعرف هؤلاء"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: نعم هذا أبي وهذا عمي، قال: "فأنا من قد علمت، وقد رأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما" فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: "اشهدوا أن زيدًا ابني يرثني وأرثه" فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما، وانصرفا فدُعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام اهـ من الإصابة [1/ 245 و 246] وكان زيد يُكنى أبا أسامة بابنه أسامة بن زيد. قوله: (ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد) فكان التبني معمولًا به في الجاهلية والإسلام يتوارث به ويتناصر إلى أن نسخ الله ذلك كله بقوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أعدل فرفع الله تعالى حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه وأرشد بقوله أعدل إلى أن الأولى أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبًا، ولو نُسب إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ وهو أن يسبق اللسان إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة لقوله تعالى: {وَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب / 5] أي لا إثم فيه عليكم ولا يجرى هذا المجرى إطلاق ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو فإنه غلب عليه نسب التبني فلا يكاد يُعرف إلا بالمقداد بن الأسود، فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية فعرف به فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو، ومع ذلك فبقي ذلك الإطلاق عليه ولم يسمع فيمن مضى من عصى أي اعتبره عاصيًا لله، مطلق عليه دهان كان متعمدًا وليس كذلك الحال في زيد بن حارثة فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد فإن قاله أحد متعمدًا عصى لقوله تعالى: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب / 5] أي فعليكم فيه الجناح والله تعالى أعلم، ولذلك قال بعده: {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}. وقوله: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} أي فانسبوهم إليكم نسبة الأخوة الدينية التي قال الله تعالى فيها: "إنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ" [الحجرات / 10] والمولوية التي قال فيها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وقد تقدم أنه يطلق لفظ مولى على المعتِق والمعتَق وابن العم والناصر، وكان زيد قُتل بمؤتة من أرض الشام رضي الله عنه ورحمه سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله

6109 - (2406) (161) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا. وَأَمَّرَ عَلَيهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ. فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمْرَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم أمّره في تلك الغزوة وقال: "إن قُتل زيد فجعفر، فإن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة" رواه أبو داود [2627] فقُتل الثلاثة في تلك الغزاة، ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي زيد وجعفر بكى وقال: "أخواي ومؤنساي ومحدثاي" ذكره ابن الأثير في الاستيعاب [2/ 284]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن عمر هذا بحديث آخر له رضي الله عنهما فقال: 6109 - (2406) (161) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا وقال الأخرون: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني (أنه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من رباعياته (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا) أي جيشًا (وأمّر عليهم أسامة بن زيد) رضي الله عنهما، وهذا البعث والله أعلم هو الذي أمر بتجهيزه في مرض موته، فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه وأمّر عليهم أسامة، وأمره أن يخرج إلى أطراف الروم ويغزو أُبنى وهي القرية التي هي عند مؤتة الموضع الذي قُتل فيه زيد أبو أسامة فأمره أن يأخذ بثأر أبيه، وكان في الجيش كبار الصحابة حتى عدَّ بعضهم منهم أبا بكر وعمر، وطعن من في قلبه ريب في إمارته من حيث إنه من الموالي، ومن حيث إنه كان صغير السن لأنه كان إذ ذاك ابن ثماني عشرة سنة، وممن طعن في إمرة أسامة عياش بن أبي ربيعة المخزومي فمات النبي صلى الله عليه وسلم وقد برز هذا البعث عن المدينة ولم ينفصل بعد عنها، فنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم (فطعن الناس) أي بعضهم ممن في قلبه ريب (في إمرته) أي في إمرة أسامة وولايته، قال القاضي عياض: والإمرة

فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "إِنْ تَطعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ. وَايمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلأمْرَةِ، وإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر الهمزة الولاية وبفتحها المرة الواحدة من الأمر يقال له علي إمرة مطاعة (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) على المنبر كما هو مصرح في الرواية الثانية خطيبًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تطعنوا) بفتح العين من باب فتح، قال النووي: يقال: طعن في الإمرة والعرض والنسب ونحوها يطعن بفتح العين، وطعن بالرمح وبإصبعه يطعن بالضم هذا هو المشهور، وقيل: لغتان فيهما اهـ، أي إن تعتّروا (في إمرته) أي في إمرة أسامة وولايته (فـ) لا غرابة لأنكم (قد كنتم تطعنون في إمرة أبيه) زيد بن حارثة (من قبل) أي من قبل إمرة أسامة، وذكر الحافظ في الفتح [7/ 498] أن زيد بن حارثة تأمر على سبع سرايا ثم على غزوة مؤتة، قال القرطبي: وهذا خطاب منه صلى الله عليه وسلم لمن وقع له ذلك الطعن لكنه على كريم خلقه لم يعينهم سترًا لهم إذ معتبة كانت كذلك، وكان الطعن في إمارة زيد من حيث إنه كان مولى فشهد النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة وأبيه رضي الله عنهما بأنهما صالحان للإمارة لما يعلم من أهليتهما لها وأن كونهما موليين لا يغض من مناصبهما ولا يقدح في أهليتهما للإمارة حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وايم الله) أي اسم الله تعالى قسمي (إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إنه أي إن الشأن والحال (كان) أبوه زيد بن حارثة (لخليقًا للإمرة) أي لمستحقًا لها لائقًا بها (وإن) أي دهانه (كان) أبوه زيد (لمن أحب الناس اليّ) أي عندي فكان حقيقًا لها فلا يقدح في إمارته كونه من الموالي (وإن هذا) الولد يعني أسامة بن زيد (لمن أحب الناس اليّ) أي عندي (بعده) أي بعد والده زيد بن حارثة أي بعد وفاته فليست حداثة السن قادحة في الأمر مانعة إن كان الأمير متصفًا بأوصاف الإمرة، قال النووي: ففيه جواز إمارة العتيق، وجواز تقديمه على العرب، وجواز تولية الصغير على الكبار، وقد كان أسامة صغيرًا جدًّا، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وقيل عشرين، وجواز تولية المفضول على الفاضل للمصلحة، وفي هذه الأحاديث فضائل ظاهرة لزيد وأسامة رضي الله تعالى عنهما اهـ منه. قال القرطبي: ولا خلاف أعلم في جواز إمارة المولى والمفضول، وقد تقدم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام في استخلاف المفضول. قوله: (إن كان لخليقًا للإمرة) رويناها بكسر الهمزة بمعنى الولاية، وقال أبو عبيد: يقال لك عليَّ أمرة مطاعة بفتح الهمزة، وكذلك حكاه القتيبي وهي واحدة الأمر. [قلت]: وهذا على قياس جَلسة وجِلسة بالفتح للمصدر والكسر للهيئة، والخليق والحري والقمن والحقيق كلها بمعنى واحد. قوله: (وإن كان لمن أحب الناس إليّ) إن عند البصريين مخففة من الثقيلة، واللام الداخلة بعدها هي المفرقة بين (إن) المخففة وبين (إن) النافية، وعند الكوفيين (إن) نافية واللام بمعنى إلا وهذا نحو قول عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية ترثي زوجها الزبير بين العوام رضي الله عنه وتدعو على عمرو بن جرموز قائلة: شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا. . ... حلت عليك عقوبة المتعمد تقديرها عند البصريين إنك قتلت مسلمًا، وعند الكوفيين ما قتلت إلا مسلمًا. وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبار عن محبته لزيد رضي الله عنه ثم أخبر عن محبته لأسامة فقال: "وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده" وكان أسامة الحب ابن الحب وبذلك كان يدعى ورضي الله عن عمر بن الخطاب لقد قام بالحق وعرفه لأهله، وذلك أنه فرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله بن عمر ألفين، فقال له عبد الله: فضلت عليّ أسامة وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال عمر رضي الله عنه: إن أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، ففضل محبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبوبه وهكذا يجب أن يحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبغض ما أبغض، وقد قابل مروان هذا الحب الواجب بنقيضه وذلك أنه مر بأسامة بن زيد وهو يصلي عند باب بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مروان: إنما أردت أن يُرى مكانك فقد رأينا مكانك فعل الله بك وفعل قولًا قبيحًا فقال له أسامة: إنك آذيتني وإنك فاحش متفحش وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يبغض الفاحش المتفحش" رواه أحمد [5/ 1252]، وابن حبان [15694] في الإحسان، فانظر ما بين الفعلين وقس ما بين الرجلين، فلقد آذى بنو أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحبابه وناقضوه في محابه اهـ من المفهم.

6110 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ، (يَعْنِي ابْنَ حَمْزَةَ)، عَنْ سَالمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ -يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ- فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ. وَايمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا. وَايمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَايمُ اللهِ، إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ -يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ-. وَايمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لأحَبَّهُمْ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِهِ، فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 110]، والبخاري في مواضع منها في مناقب زيد بن حارثة [3730] وفي باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد في مرضه [4468 و 4469]، والترمذي في مناقب أسامة بن زيد [3819]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر هذا رضي الله عنهما فقال: 6110 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن عمر يعني ابن حمزة) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ضعيف، من (6) روى عنه (م) متابعة في (4) أبواب (عن) عمه (سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لعبد الله بن دينار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر) خطيبًا (إن تطعنوا في إمارته يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بمرجع الضمير في إمارته (أسامة بن زيد) وهذا تفسير مدرج من الرواي (فقد طعنتم في إمارة أبيه) زيد بن حارثة (من قبله) أي من قبل الطعن في إمارة أسامة (وايم الله) أي اسم الله قسمي، وقد مر البحث عن لفظ ايم الله في هذا الكتاب فراجعه (إن) أي إن الشأن والحال (كان) أبوه زيد بن حارثة (لخليقًا لها) أي للإمارة (وايم الله إن كان لأحب الناس إليّ وايم الله إن هذا) الولد (لها) أي للإمارة (لخليق) أي لحقيق (يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بمرجع اسم الإشارة (أسامة بن زيد وايم الله إن كان) هذا الولد (لأحبهم) أي لأحب الناس (إليّ من بعده) أي من بعد أبيه زيد بن حارثة (فاوصيكم) أيتها الأمة (به) أي بأسامة خيرًا أي باحترامه ورعاية حقوقه فإنه أفضل الناس وأجلهم، ثم أكد الوصية بقوله: (فإنه) أي فإن أسامة (من صالحيكم) أي من صالحي المؤمنين، قال القرطبي: فأكد الوصية به ونبه على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموجب لذلك وهو ما يعلمه من صلاحه وفضله، وقد ظهر ذلك عليه فإنه لم يدخل في شيء من الفتن فسلمه الله تعالى من تلك المحن إلى أن تُوفي في خلافة معاوية سنة سبع وخمسين، وقيل سنة أربع وخمسين رضي الله عنه اهـ من المفهم. [تنبيه]: لما روى موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الناس إليّ أسامة" فما حاشا فاطمة ولا غيرها وهذا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الناس إليّ عائشة ومن الرجال أبوها" ويرتفع التعارض من وجهين أحدهما أن الأحاديث الصحيحة المشهورة إنما جاءت في حبه لأسامة ب (من) التي للتبعيض كما قد نص عليه بقوله هنا: "إنه لمن أحب الناس إليّ" وقد رواه هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أسامة بن زيد أحب الناس إليّ أو من أحب الناس إليّ" فعلى هذا يحمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحب الناس إليّ أسامة" فأسقطها بعض الرواة. والوجه الثاني على تسليم أن صحيح الرواية بغير من فيرتفع التعارض بأن كل واحد من هؤلاء أحب بالنسبة إلى عالمه وبيان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحب هؤلاء من حيث الصورة الظاهرة فإن أسامة كان أسود أفطس وإنما كان يحبهم من حيث المعاني والخصائص التي كانوا موصوفين بها فكان أبو بكر رضي الله عنه أحب إليه من حيث إنه كان من أهلية النيابة عنه والخلافة في أمته ما لم يكن لغيره، وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها أحب النساء إليه من حيث أن لها من العلم والفضيلة ما استحقت به أن تفضل على سائر النساء كما فُضل الثريد على سائر الطعام، وكان أسامة رضي الله عنه أيضًا أحب إليه من حيث إنه كان قد خص بفضائل ومناقب استحق بها أن يكون أحب الموالي إليه فإنه أفضلهم وأجلهم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو فضل عبد الله بن جعفر بحديثه رضي الله عنه ويُكنى أبا جعفر، وأمه أسماء بنت عميس، ولدته بأرض الحبشة وهو أول مولود من المسلمين وُلد بها، وتوفي بالمدينة سنة ثمانين وهو ابن تسعين سنة، وكان عبد الله كريمًا جوادًا طريفا حليمًا عفيفًا سخيًّا، يُسمى ببحر الجود يقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، وعوتب في ذلك فقال: إن الله عوّدني عادة وعوّدت الناس

6111 - (2407) (162) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيكَةَ. قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ لابْنِ الزُّبَيرِ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّينَا رَسْولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَأَنْتَ وَابْن عَبَّاسٍ؟ قَال: نَعَمْ. فَحَمَلَنَا، وَتَرَكَكَ. 6112 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنا أخاف إن قطعتها قُطعت عني، وأخباره في الجود شهيرة وفضائله كثيرة. وجملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرون حديثًا أخرج له منها في الصحيحين حديثان فقال: 6111 - (2407) (162)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل ابن علية عن حبيب بن الشهيد) الأزدي البصري، ثقة ثبت، سن (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله) بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، سن (3) روى عنه في (20) بابا، قال ابن أبي ملسكة: (قال عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب (لـ) عبد الله (بن الزبير) رضي الله عنهم أجمعين. وهذا السند من خماسياته (أتذكر) أي هل تتذكر (إذ تلقينا) واستقبلنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا) تأكيد لضمير الفاعل ليعطف عليه قوله: (وأنت وابن عباس، قال) ابن الزبير: (نعم) أتذكره ولم أنس، وقوله: (فحملنا وتركك) معطوف على تلقينا، وجملة الجواب معترضة، وأصل الكلام أتذكر يا ابن الزبير إذ تلقينا أنا وأنت وابن عباس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدومه من السفر فحملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابته وتركك يا ابن الزبير على الأرض لضيق الدابة عنك (قال) ابن الزبير في جواب استفهام ابن جعفر (نعم) أتذكر ذلك ولم أنس، والحاصل أن المحمول ابن جعفر وابن عباس والمتروك ابن الزبير اهـ دهني. وفيه فضيلة ظاهرة لابن جعفر رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب استقبال الغزاة رقم [3082] وأبو داود في الجهاد باب في ركوب ثلاثة على دابة [2366] وابن ماجه في الآداب باب ركوب ثلاثة على دابة [3818]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن جعفر رضي الله عنه فقال: 6112 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا أبو أسامة عن

حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ وإسْنَادِهِ. 6113 - (2408) (163) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ -وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى- (قَال أَبُو بَكرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال يَحْيَى: أَخبَرَنَا) أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُوَرِّقٍ العِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيتِهِ. قَال: وإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيهِ، فَحَمَلَنِي بَينَ يَدَيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حبيب بن الشهيد) غرضه بيان متابعة أبي أسامة لإسماعيل ابن عليّة، وساق أبو أسامة (بمثل حديث ابن علية) لفظًا ومعنى (و) أسنده بـ (إسناده) أي بإسناد ابن علية يعني عن ابن أبي مليكة عن ابن جعفر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن جعفر هذا بحديث آخر له رضي الله عنهما فقال: 6113 - (2408) (163) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ ليحيى قال أبو بكر) بن أبي شيبة: (حدثنا وقال يحيى: أخبرنا أبو معاوية) الضرير التميمي الكوفي (عن عاصم) بن سليمان (الأحول) أبي عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (عن مورق) بصيغة اسم الفاعل بن مشمرج بوزن مدحرج بن عبد الله (العجلي) نسبة إلى بني عجلة اسم قبيلة أبي المعتمر البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (2) الصوم والفضائل (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن جعفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم) وحضر (من سفر تلقّى) أي استقبل (بصبيان أهل بيته) وأقاربه، إنما كانوا يتلقونه بصبيان أهل بيته لما يعلمونه من محبته لهم ومن تعلق قلبه بهم ولفرط فرح الصغار برؤيته ولتنالهم بوادر بركته صلى الله عليه وسلم (قال) عبد الله بن جعفر: (وانه) صلى الله عليه وسلم (قدم) وجاء يومًا (من سفر) من أسفاره (فسُبق) بالبناء للمجهول (بي) نائب فاعل أي سبق بي سابق من أهلي (إليه) أي إلى استقباله صلى الله عليه وسلم قبل أحد من الصبيان (فحملني) رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابته (بين يديه) أي قدامه. وهذا يدل على أن عبد الله بن جعفر من أهل البيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،

ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَي فَاطِمَةَ. فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ. قَال: فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ، ثَلاثَةً عَلَى دَابَّةٍ. 6114 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ. حَدَّثَنِي مُوَرِّقٌ. حَدَّثَنِي عَبدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ. قَال: كَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِنَا. قَال: فَتُلُقِّيَ بِي وَبِالحَسَنِ أَو ـــــــــــــــــــــــــــــ ويدل أيضًا على محبة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جعفر وعلى شدة تهممه به وإكرامه له، وكان صلى الله عليه وسلم يخص ولد جعفر بزيادة احترام وإكرام جبرًا لهم وشفقة عليهم إذ كان أبوهم جعفر قُتل بمؤتة شهيدًا رضي الله عنه. وقد تقدم القول على ركوب ثلاثة على دابة، (ثم جيء بأحد ابني فاطمة) رضي الله عنهم إما الحسن أبو الحسين أي أتى آت بأحدهما استقبالًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فأردفه) أي أركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الأحد على دابته (خلفه) أي خلف ظهره (قال) عبد الله بن جعفر (فأدخلنا) بالبناء للمفعول (المدينة) أي أدخلنا قائد الدابة المدينة، ونحن (ثلاثة) راكبون (على دابة) واحدة أنا والنبي صلى الله عليه وسلم وأحد ابني فاطمة رضي الله عنهم، ففيه جواز ركوب ثلاثة على دابة واحدة إذا كانت مطيقة، وفيه أيضًا إذا تلقى الصبيان المسافر فالمستحب أن يركبهم وأن يردفهم ويلاطفهم والله أعلم اهـ دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 5]، وابن ماجه في الطهارة باب الارتياد للغائط والبول [346] وفي الجهاد باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم [2549]، وسبق للمؤلف في الحيض باب التستر عند البول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6114 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكناني أو الطائي أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن عاصم) الأحول (حدثني مورق) بن مشمرج العجلي (حدثني عبد الله بن جعفر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحيم لأبي معاوية (قال) ابن جعفر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي) أي استقبل النبي صلى الله عليه وسلم (بنا) معاشر صبيان أهل بيته (قال) عبد الله بن جعفر (فتُلقي بي) أي استقبل النبي صلى الله عليه وسلم بي (وبالحسن) بن علي (أو) قال

بِالْحُسَينِ. قَال: فَحَمَلَ أَحَدَنَا بَينَ يَدَيهِ وَالآخَرَ خَلْفَهُ. حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. 6115 - (2409) (164) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَال: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ. فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا، لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الراوي أو من دونه تُلقّى بي و (بالحسين، قال) ابن جعفر: (فحمل أحدنا) أي أحد الولدين (بين يديه) أي قدامه (والآخر خلفه) أي ورائه فمشينا ونحن ثلاثة على دابة واحدة (حتى دخلنا المدينة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن جعفر الأول بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنه فقال: 6115 - (2409) (164) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب) التميمي الضبي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن الحسن بن سعد) بن معبد الهاشمي مولاهم (مولى الحسن بن علي) بن أبي طالب الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (2) بابين (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن جعفر (أردفني) أي أركبني (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه) على دابته (فاسر) أي أخبر (إليّ حديثًا) سرًّا أي بلا إسماع أحد غيري، وجملة قوله إلا أُحدّث به) أي بذلك الحديث (أحدًا من الناس) أبدًا صفة لحديثًا أو معطوفة على أسر بتقدير الفاء العاطفة أي فأسر إلي حديثًا فلا أحدّث به أحدًا لأنه أمرني بكتمانه والله أعلم بذلك الحديث، وزاد المؤلف في الطهارة بعده (وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل) وفيه دليل على علو مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم وكمال فضله وأهليته لأن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم موضع سره وهذه أهلية شريفة وفضيلة منيفة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2529].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول منها حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث البراء بن عازب ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث عبد الله بن جعفر ذكره للاستدلال على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث عبد الله بن جعفر الثاني ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث عبد الله بن جعفر الثالث ذكره للاستشهاد. ***

706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها

706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها ـــــــــــــــــــــــــــــ 706 - (20) والباب الثامن منها باب فضائل خديجة الكبرى رضي الله تعالى عنها وأرضاها قال القرطبي: هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية رضي الله تعالى عنها، وفي قصي تجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ثيبًا بعد زوجين أبي هالة هند بن النباش التميمي، وولدلت له هندًا، وعتيق بن عائذ المخزومي، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت أربعين سنة وأقامت معه أربعًا وعشرين سنة، وتوفيت وهي بنت أربع وستين سنة وستة أشهر، وكان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة، وقيل: خمسًا وعشرين سنة وهو الأكثر، وقيل: ثلاثين سنة، وأجمع أهل النقل أنها ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن؛ زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم، وأجمعوا على أنها ولدت له ابنًا يُسمى القاسم وبه كان يُكنى، واختلفوا "هل ولدت له ذكرًا غير القاسم فقيل: لم تلد له ولدًا ذكرًا غيره، وقيل: ولدت له ثلاثة ذكور عبد الله والطيب والطاهر، وقيل: بل ولدت له عبد الله، والطيب والطاهر لقبان له، والخلاف في ذلك كثير والله تعالى أعلم، ومات القاسم بمكة صغيرًا، قيل: إنه بلغ إلى أن مشى، وقيل: لم يعش إلا أيامًا يسيرة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم - وُلد له من غير خديجة إلا إبراهيم ولدته مارية القبطية بالمدينة، وبها توفي، وهو رضيع ومات بنات النبي صلى الله عليه وسلم كلهن قبل موته إلا فاطمة فإنها توفيت بعده بستة أشهر، وكانت خديجة رضي الله تعالى عنها امرأة شريفة عاقلة فاضلة حازمة ذات مال. وقد تقدم أنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم نُبئ يوم الإثنين فصلت آخر ذلك اليوم، وكانت عونًا للنبي صلى الله عليه وسلم على حاله كله وردءًا له تثبته على أمره وتصدقه فيما يقوله وتصبّره على ما يلقى من قومه من الأذى والتكذيب، وسلم عليها جبريل - عليه السلام - وبشرها بالجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "رُزقت حبها" ولم يتزوج عليها إلى أن ماتت قيل: كان وفاتها قبل مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بسبع سنين،

6116 - (2410) (165) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، (وَاللَّفْظُ حَدِيثُ أَبِي أُسَامَةَ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ، قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا بِالْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَيرُ نِسَائهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ. وَخَيرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيلِدٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: بخمس سنين، وقيل: بأربع سنين، وقيل: بثلاث وهو أصحها وأشهرها إن شاء الله تعالى، وتوفيت هي وأبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة واحدة قيل: كان بينهما ثلاثة أيام، وتوفيت في رمضان، ودُفنت بالحجون رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: 6116 - (2410) (165) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة و) عبد الله (بن نمير ووكيع وأبو معاوية ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة وأبي معاوية ووكيع وعبدة بن سليمان رووا (عن هشام بن عروة واللفظ) الآتي (حديث أبي أسامة) أي لفظ حديثه وأما غيره فروى معنى الحديث الآتي لا لفظه (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (قال) عروة: (سمعت عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب الهاشمي المدني رضي الله عنه (يقول: سمعت عليًّا) بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه (بالكوفة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذه الأسانيد كلها من خماسياته (خير نسائها) أي خير نساء الدنيا في عصرها (مريم بنت عمران وخير نسائها) أي خير نساء الدنيا في عصرها (خديجة بنت خويلد) رضي الله

قَال أَبُو كُرَيبٍ: وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى عنها وجزاها الله تعالى عنا خير الجزاء (قال أبو كريب: وأشار وكيع) بن الجراح عند قوله خير نساءها (إلى السماء والأرض) قال النووي: أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نساءها وأن المراد جميع نساء الأرض أي كل من بين السماء والأرض من النساء، والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها اهـ. قال القرطبي: قوله: (خير نساءها مريم بنت عمران) هذا الضمير عائد على غير مذكور لكنه تفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا، وفي رواية: (وأشار وكيع إلى السماء والأرض) يريد الدنيا كأنه يفسر ذلك الضمير فكأنه قال: خير نساء الدنيا مريم بنت عمران وهذا نحو حديث ابن عباس المتقدم الذي قال فيه: (خير نساء العالمين مريم) ويشهد لهذه الأحاديث في تفضيل مريم قول الله تعالى حكاية من قول الملائكة لها: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ} [آل عمران / 42] فظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن مريم أفضل من جميع نساء العالم من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة ويعتضد هذا الظاهر بأنها صدّيقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي عن الله تعالى بالتكليف والإخبار والبشارة وغير ذلك كما بلغته سائر الأنبياء فهي إذًا نبية، وهذا أولى من قول من قال إنها غير نبية، وإذا ثبت ذلك ولم يُسمع في الصحيح أن في النساء نبية غيرها فهي أفضل من كل نساء الأولين والاخرين، إذ النبي أفضل من الولي بالإجماع، وعلى هذا فهي أفضل مطلقًا، ثم بعدها في الفضيلة فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية، وكذلك رواه موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيدة نساء العالمين مريم وفاطمة ثم خديجة ثم آسية" رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وهذا الحديث حسن رافع لاشكال هذه الأحاديث، فأما من يرى أن مريم صدّيقة وليست نبية فلهم في تأويل هذه الأحاديث طريقان: أحدهما أن معناها أن كل واحدة من أولئك الأربع خير نساء عالم زمانها وسيدة وقتها، وثانيهما أن هؤلاء النساء الأربع من أفضل نساء العالم وإن كن في أنفسهن على مزايا متفاوتة ورتب متفاضلة وما ذكرناه أوضح وأسلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الفضائل باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها [3815]، والترمذي في المناقب [3877].

وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ. وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَان، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطعَامِ". 6117 - (2411) (166) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبِ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ [تنبيه مهم]: قد ذكر في أغلب نسخ مسلم بعد حديث علي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، وليس هذا الباب محله لأنه ليس فيه ذكر خديجة بل محله باب فضل عائشة لأنها ذكرت فيه كما ذكره القرطبي في تلخيصه في باب فضل عائشة، وكذا ذكره البخاري في باب فضل عائشة في صحيحه ولذلك أخرنا شرحه إلى باب فضل عائشة لأن ذكره هنا يوقع المدرسين والطلبة في الإشكال لأنه لا يوافق ترجمة خديجة ولذلك أخرناه إلى باب فضل عائشة تحرزًا من إيقاعهم في الإشكال فانتظره هناك كما هو هناك في النسخ المخطوطة المنقولة عن نسخة المؤلف ولم ينبه لهذه الدقيقة جميع شراح مسلم فنذكر الآن حديث أبي هريرة بعد حديث علي كما هو على هذا الترتيب في نسخة القرطبي والله الموفق فنقول: ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث علي بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6117 - (2411) (166) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالوا: حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (عن عمارة) بن القعقاع بن غزية الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) (قال) أبو زرعة: (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من

قَال: أَتَى جِبْرِيلُ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ، مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقرَأْ عَلَيهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته (قال) أبو هريرة: (أتى جبريل) الأمين - عليه السلام - (النبي صلى الله عليه وسلم) ووقع في رواية سعيد بن كثير عند الطبراني أن ذلك كان وهو بحراء ذكره الحافظ في الفتح [7/ 138 و 139]، (فقال) جبريل: (هذه) المرأة المتوجهة إليك والقاصدة لك في هذا المكان لخدمتك بالطعام هي (خديجة قد أتتك) وجاءت إليك من بيتها في هذا المكان يعني غار حراء، والحال أنه كان (معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب) وأو هنا بمعنى الواو (فإذا هي أتتك) أي وصلت إليك في هذا المكان (فاقرأ عليها السلام من ربها عزَّ وجلَّ) أي سلم عليها سلامًا كائنًا من ربها (و) سلامًا كائنًا (مني) عليها بأن يقول: السلام عليك من ربك ومن جبريل الأمين (وبشرها) بشارة صادرة لها من ربها بالجنة (ببيت) أي بقصر مدخر لها (في الجنة) كائن (من قصب) أي من لؤلؤ مجوف كالقصب المنبت (لا صخب) موجود (فيه) والصخب الصوت المرتفع المختلط (ولا نصب) أي لا تعب ولا مشقة ولا حزن ولا خوف فيه. قوله: (هذه خديجة قد أتتك) .. إلخ وكانت خديجة رضي الله تعالى عنها تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وشراب من بيتها وهو معتكف بحراء فقال جبريل - عليه السلام - ذلك لما رآها تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج النسائي من حديث أنس قال: (قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله يقرئ خديجة السلام يعني فأخبرها فقالت: إن الله هو السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته) وزاد ابن السني من وجه آخر: وعلى من سمع السلام إلا الشيطان، قال العلماء: في هذه القصة دليل على وفور فقه خديجة لأنها لم تقل وعليه السلام كما وقع لبعض الصحابة حيث كانوا يقولون في التشهد السلام على الله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الله هو السلام فقولوا التحيات لله" فعرفت خديجة لصحة فهمها أن الله لا يُرَدُّ - عليه السلام - كما يرد على المخلوقين، لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى وهو أيضًا دعاء بالسلامة وكلاهما لا يصلح أن يرد به على الله إلا الثناء

قَال أَبُو بَكرٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَمْ يَقُلْ: سَمِعْتُ. وَلَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ: وَمِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فجعلت مكان رد السلام عليه الثناء عليه اهـ فتح الباري. (قال أبو بكر في روايته) لفظة (عن أبي هريرة) بالعنعنة (ولم يقل) أبو بكر كغيره لفظة (سمعت) أبا هريرة بصيغة السماع بدل العنعنة (ولم يقل في الحديث) أبو بكر أيضًا لفظة (ومني) بل اقتصر على قوله: (فاقرأ عليها السلام من ربها عزَّ وجلَّ) ولم يقل معه لفظة ومني وقوله في هذه الرواية عن أبي هريرة، قال النووي: أبو هريرة لم يدرك أيام خديجة ولم يذكره سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنه سمعه منه أو من صحابي فيكون مرسلًا لكنه مرسل صحابي، والصحيح أنه حجة اهـ من الأبي. قال القرطبي: وقوله: (بشر خديجة ببيت في الجنة) .. إلخ قال الهروي: وغيره القصب هنا اللؤلؤ المجوف المستطيل، والبيت القصر. [قلت]: وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "إن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلًا" متفق عليه، وفي لفظ آخر: "من درة بيضاء طولها ستون ميلًا" سيأتي إن شاء الله تعالى، والصخب بالصاد والسين اختلاط الأصوات وارتفاعها والنصب التعب والمشقة، ويقال نصب ونُصب كحزن وحُزن أي لا يصيبها ذلك لأن الجنة منزهة عن ذلك كما قال تعالى: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر / 48] وقيل: معناه أن هذا البيت خالص لها لا تنازع فيه فيُصخب عليها فيه، والمعنى هذا البيت خاص بها لا شريك لها فيه فيفضي إلى الصخب اهـ دهني. وذلك من فضل الله تعالى عليها لا بنصبها في العبادة ولا باجتهادها في ذلك، وإبلاغ الملك لها أن الله يقرأ عليها السلام فضيلة عظيمة وخصوصية شريفة لم يُسمع بمثلها لمن ليس بنبي إلا لعائشة رضي الله تعالى عنها على ما سيأتي في فضائلها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفضائل باب فضل خديجة [3820] وفي التوحيد باب يريدون أن يبدلوا كلام الله [7497]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيا لحديث عبد الله بن جعفر بحديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم فقال:

6118 - (2412) (167) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ خَدِيجَةَ بِبَيتٍ فِي الْجَنَّةِ؟ قَال: نَعَمْ، بَشَّرَهَا بِبَيتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ. 6119 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ وَجَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6118 - (2412) (167) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ومحمد بن بشر) بن الفرافصة (العبدي) الكوفي كلاهما رويا (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (قال) إسماعيل: (قلت لعبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي أبي إبراهيم الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته (أكان) بهمزة الاستفهام التقريري أي هل كان (رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة؟ قال) لي ابن أبي أوفى: (نعم بشرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفضائل باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها [3819]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه فقال: 6119 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو معاوية ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري (وجرير) بن عبد الحميد (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة أبي معاوية ووكيع والمعتمر بن سليمان وجرير وسفيان رووا (عن إسماعيل بن أبي خالد عن ابن أبي أوفى

عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 6120 - (2413) (168) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: بَشرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيلدٍ، بِبَيتٍ فِي الْجَنَّةِ. 6121 - (2414) (169) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: مَا غِرْتُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد كلها من رباعياته، غرضه بيان متابعة هؤلاء الخمسة لعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر، وقوله: وساق هؤلاء الخمسة (بمثله) بإفراد الضمير تحريف من النساخ لأن المتابع اثنان لا واحد، والصواب أن يقال: وساقوا (بمثلهما) بالتثنية أي ساقوا بمثل حديث عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبد الله بن جعفر بحديث عالة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6120 - (2413) (168) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد) القرشية الأسدية رضي الله تعالى عنها (ببيت في الجنة). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعا لحديث عبد الله بن جعفر بحديث اخر لعائشة رضي الله عنهم فقال: 6121 - (2414) (169) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (ما) نافية (غرت) من الغيرة وهي الحمية والأنفة، يقال: رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء لأن فعولًا يشترك فيه المذكر والمؤنث نظير صبور أي ما أنفت (على

امْرأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَت قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاثِ سِنِينَ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذكُرُهَا وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيتِ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنَّةِ، وإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِيهَا إِلَى خَلائِلهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ امرأة) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (ما غرت) وما مصدرية، أو موصولة؛ أي ما غرت على امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غيرة مثل غيرتي (على خديجة) أو غيرة مثل الغيرة التي غرتها على خديجة فإن غيرتي على خديجة أشد وأزيد من غيرتي على غيرها منهن (و) الحال أنها (لقد هلكت) فاللام زائدة، والجملة حالية أي والحال أن خديجة قد هلكت وماتت (قبل أن يتزوجني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بـ) مقدار مدة (ثلاث سنين) أشارت بهذه الجملة إلى أنها لو كانت موجودة في زمانها لكانت غيرتها منها أشد قاله الحافظ في الفتح وإنما كانت غيرتي عليها أشد (لما كنت أسمعه) صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يذكرها) ويثني عليها لمحبته إياها، واللام في لما تعليلة، وما مصدرية أي وإنما كانت أشد لسماعي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها كثيرًا وثنائه عليها، وفيه إثبات الغيرة الطبيعية وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء عمن دونهن ما لم يحدث بسببها محرم شرعًا من الحسد وغيره اهـ من القسطلاني. وقوله: (لما كنت أسمعه يذكرها) أي يمدحها ويثني عليها ويذكر فضائلها وذلك لفرط محبته إياها، ولما اتصل له من الخير بسببها وفي بيتها، ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني رزقت حبها" وكونه صلى الله عليه وسلم يهدي لخلائل خديجة دليل على كرم خلقه وحسن عهده، ولذلك كان يرتاح لهالة بنت خويلد إذا رآها وينهض أي يهش إكرامًا لها وسرورًا بها اهـ من المفهم. (ولقد أمره) صلى الله عليه وسلم (ربه عزَّ وجلَّ أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة وإن كان) وإن مخففة من الثقيلة أي وإنه كان صلى الله عليه وسلم (ليذبح الشاة) أي شاة الأكل لأهله (ثم يهديها) أي يهدي بعض لحم تلك الشاة (إلى خلائلها) أي إلى خلائل خديجة وأصدقائها، والخلائل جمع خليلة بمعنى صديقة، وفيه أن من حقوق الميت الإحسان إلى أصدقائه، وفي رواية للبخاري: "وربما ذبح الشاة ثم بقطعها أعضاءً ثم يبعثها في صدائق خديجة".

6122 - (00) (00) حدَّثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ. وإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: "أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ" قَالتْ: فَأغْضَبْتُهُ يَوْما فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ؟ فَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 279]، والبخاري في مواضع منها في الفضائل باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضائلها [3816 و 3886] والترمذي في المناقب باب مناقب خديجة رضي الله تعالى عنها [3885 و 3886]، وابن ماجه [1997]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 6122 - (00) (00) (حدثنا سهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري نزيل الري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لأبي أسامة (قالت) عائشة: (ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم) وأزواجه (إلا على خديجة و) الحال (إني لم أدركها) أي لم أدرك زمن كونها مع النبي صلى الله عليه وسلم ولو أدركت زمن كونها مع النبي صلى الله عليه وسلم لكانت غيرتها عليها أشد (قالت) عائشة: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة) لأكل أهله، والفاء في قوله: (فيقول) صلى الله عليه وسلم: زائدة في جواب إذا، والمعنى قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة حبه لخديجة إذا ذبح شاة لحم وأكل يقول لمن عنده من الخدم (أرسلوها بها) أي منها أي من بعض لحمها فالباء بمعنى من التبعيضية (إلى أصدفاء خدبجة) وخلائلها و (قالت) عائشة أيضًا: (فأغضبته) صلى الله عليه وسلم (يومًا) من الأيام (فقلت) له في إغضابه تذكر (خديجة) وتقول خديجة خديجة كل وقت كأنه ليس في الدنيا امرأة إلا خديجة (فقال) لي

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي قَدْ رُزِقتُ حُبَّهَا". 6123 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ أبِي أُسَامَةَ. إِلَى قِصَّةِ الشَّاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ بَعْدَهَا. 6124 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) اعتذارًا عن إكثار ذكره إياها (إني قد رزقت حبها) والجملة علة لمحذوف تقديره وإنما أكثرت من ذكرها لأني قد أعطيت حبها وطُبعت عليها لأنها واست لي في مالها ونفسها وأولادها، قال النووي: فيه إشارة إلى أن حبها فضيلة حصلت له. قال الحافظ: ولعل ما هنا اختصارًا لما جاء في صحيح البخاري من حديثها: (فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد) ووقع عند أحمد من حديث مسروق عن عائشة: "آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء" اهـ من فتح الباري [7/ 37]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 6123 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب وأبو كريب جميعًا عن أبي معاوية حدثنا هشام) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لأبي أسامة، وساق أبو معاوية (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (نحو حديث أبي أسامة إلى) أن وصل (قصة) ذبح (الشاة) ولكن لم يذكر قصة الشاة (ولم يذكر) أيضًا أبو معاوية (الزيادة) التي زادها حفص بن غياث (بعدها) أي بعد قصة الشاة من قولها فأغضبته يومًا .. إلخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6124 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (اخبرنا عبد الرزاق أخبرنا

مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: مَا غِرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ. لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيَّاهَا وَمَا رَأَيتُهَا قَطُّ. 6125 - (2415) (170) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: لَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ. 6126 - (2416) (170) حدَّثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معمر) بن راشد (عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام بن عروة (قالت) عائشة: (ما غرت للنبي صلى الله عليه وسلم) أي لأجله أو بسببه (على امرأة من نسائه) أي أزواجه (ما غرت) أي غيرة مثل غيرتي (على خديجة) فغيرتي عليها أشد من غيرتي على غيرها، دهانما كانت أشد (لكثرة ذكره) صلى الله عليه وسلم (إياها) أي خديجة فكثرة ذكره إياها يدل على شدة محبته إياها فيشتد غيرتي عليها من ذكرها (و) الحال أني (ما رأيتها قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية من عمري. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عبد الله بن جعفر بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهم فقال: 6125 - (2415) (170) (حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم) امرأة (على خديجة) رضي الله تعالى عنها في حياتها (حين ماتت) خديجة. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عبد الله بن جعفر بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهم فقال: 6126 - (2416) (170) (حدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا علي بن مسهر)

عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالت: اسْتأذَنَتْ هَالةُ بِنْتُ خُوَيلِدٍ، أخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَعَرفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ. فَقَال: "اللَّهُمَّ هَالةُ بِنْتُ خُوَيلِدٍ" فَغِرْتُ فَقُلْتُ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة) رضي الله تعالى عنهما؛ أي طلبت الإذن في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهالة هي أخت خديجة وزوجة الربيع بن عبد العزى والد أبي العاص زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكروها في الصحابة وهو ظاهر هذا الحديث، وقد هاجرت إلى المدينة لأن دخولها عليه صلى الله عليه وسلم كان بها أي بالمدينة، ويحتمل أن تكون دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حيث كانت معه عائشة في بعض أحيانه والله أعلم (فعرف) النبي صلى الله عليه وسلم من استئذانها أي تذكر (استئذان خديجة) في حياتها أي صفة استئذان خديجة لشبه صوتها أي صوت هالة بصوت أختها خديجة فتذكر بذلك خديجة. قال القرطبي: (قوله فعرف استئذان خديجة) أي تذكر عند استئذان هالة أخت خديجة وكأن نغمة هالة كانت تشبه نغمة خديجة، وأصل هذا كله أن من أحب محبوبًا أحب محبوباته وما يتعلق به وما يشبهه اهـ مفهم. (فارتاح) النبي صلى الله عليه وسلم أي فرح واهتز سرورًا (لذلك) أي لمجيئها لتذكره بها خديجة وأيامها وفي هذا كله دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب اهـ نووي، وفي البخاري (فارتاع) بالعين المهملة أي فزع وتغير لونه تذكرا لخديجة وأيام حياتها (فقال) صلى الله عليه وسلم (اللهم) هذه (هالة بنت خويلد) لا خديجة، يجوز في هالة الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هذه هالة فاكرمها وأحسن إليها يا إلهي، والنصب على إضمار فعل أي أكرم هالة واحفظها وما أشبه ذلك من التقدير الذي يليق بالمقام اهـ من المفهم، قالت عائشة: (فغرت) أي أخذتني الغيرة لذكره خديجة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (وما تذكر) ما استفهامية في محل الرفع مبتدأ وجملة تذكر خبره (من عجوز) مفعول

مِنْ عَجَائِزِ قُرَيشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَينِ، هَلَكَت فِي الدَّهْرِ، فَأَبْدلَكَ اللهُ خَيرًا مِنْهَا! ـــــــــــــــــــــــــــــ تذكر، ومن زائدة و (من عجائز قريش) صفة لعجوز (حمراء الشدقين) صفة ثانية لعجوز أي وأي سبب تذكر لأجله عجوزًا من عجائز قريش حمراء الشدقين أي حمراء شقي الفم وجانبه تعني عجوزة كبيرة جدًّا حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق لشدقيها بياض شيء من الأسنان إنما بقي فيهما حمرة لثاتها اهـ نووي، وقوله: (هلكت) أي ماتت تلك العجوز (في الدهر) أي في الزمن القديم صفة ثالثة لعجوز، وقوله: (فأبدلك الله) تعالى معطوف على هلكت أي جعل الله لك (خيرًا منها) أي أشب وأجمل منها بدلًا عنها. قال القرطبي: (وقول عائشة رضي الله تعالى عنها وما تذكر من عجوز من عجائز قريش .. الحديث) قول أخرجه من عائشة فرط الغيرة وخفة الشباب والدلال لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا مما قالت، وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث أن الغيرى لا تؤاخذ بما يصدر عنها في حال غيرتها، وليس ذلك أخذًا صحيحًا لأن الغيرة هنا جزء السبب لا كل السبب وذلك أن عائشة رضي الله تعالى عنها اجتمع فيها تلك الأمور الثلاثة الغيرة والشباب ولعل ذلك كان قبل بلوغها والدلال وذلك أنها كانت أحب نسائه إليه بعد خديجة فإحالة الصفح عنها على بعض هذه الأمور تحكم لا يقال، إنما يصح إسناد الصفح إلى الغيرة لأنها هي التي نصت عليها عائشة فقالت: فغرت لأنا نقول لو سلمنا أن غيرتها وحدها أخرجت منها ذلك القول لما لزم أن تكون غيرتها وحدها هي الموجبة للصفح عنها بل يحتمل أن تكون الغيرة وحدها ويحتمل أن تعتبر باقي الأوصاف لا سيما ولم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على المسقط ما هو فبقي الأمر محتملًا للأمرين فلا تكون فيه حجة على ذلك والله أعلم. وقوله: (حمراء الشدقين) بكسر الشين وسكون الدال قيل: معناه أنها بيضاء الشدقين، والعرب تسمي الأبيض أحمر كراهة في اسم البياض لأنه يشبه البرص وهذا كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يذهب بهاء الوجه" يعني يا بيضاء ذكره ابن الجوزي في الموضوعات [3/ 33] وفيه يحيى بن هاشم، قال يحيى: هو دجال هذه الأمة، وقال ابن عدي: كان يضع الحديث، قال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل ولا يحفظ من وجه يثبت. [قلت]: وهذا فيه بُعد في هذا الموضع فلو كان الأمر كذلك لقالت عائشة بدل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حمراء الشدقين بيضاء الشدقين فإنه كان يكون أبلغ في التقبيح، وعائشة إنما ذكرت هذا الكلام تقبيحًا لمحاسن خديجة وتزهيدًا فيها وإنما معنى هذا عندي والله أعلم أنها نسبتها إلى حمراء الشدقين من الكبر وذلك أن من جاوز سن الكهولة ولحق سن الشيخوخة وكان قويًّا في بدنه صحيحًا غلب على لونه الحمرة المائلة إلى السمرة والله تعالى أعلم. وقولها: (قد أبدلك الله خيرًا منها) تعني بخير أجمل وأشب تعني نفسها لا أنها خير منها عند الله وعند رسوله لما تقدم من الأحاديث التي ذكرناها في صدر الكلام وكونه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج على خديجة إلى أن ماتت يدل على عظيم قدرها عنده ومحبته لها وعلى فضل خديجة أيضًا لأنها اختصت برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشاركها فيه أحد صيانة لقلبها من التغيير والغيرة ومن مكابدة الضرة اهـ من المفهم. قوله: (فأبدلك الله خيرًا منها) تمسك به بعض العلماء في إثبات فضل عائشة على خديجة رضي الله تعالى عنهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم سكت على قولها فكأنه أقره، ولكن هذا الاستدلال ليس بصحيح لأنه ثبت في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على قول عائشة هذا، وذلك فيما رواه أحمد والطبراني من طريق أبي نجيح عن عائشة فقلت: (أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن فغضب، حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير) وبهذا الحديث تبين أن عائشة لم تقصد فضيلة نفسها على خديجة في الدين وفي أحكام الآخرة، وإنما أرادت خيريتها من جهة حداثة السن وحسن الصورة. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة: الأول: حديث عبد الله بن جعفر ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث عبد الله بن أبي أوفى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث عائشة الثاني ذكر فيه ثلاث متابعات، والسادس: حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عائشة الأخير ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلنا إلى هذا المحل قبيل صلاة العشاء في ليلة الثلاثاء تاريخ 7/ 5 / 1427 هـ. ***

707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها

707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها 6127 - (2417) (171) حدَّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 707 - (21) والباب التاسع منها باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها وعائشة هي بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما تُكنى بام عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، أباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكتني به، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة وقبل الهجرة بثلاث سنين، وهو أول ما قيل في ذلك، وهي بنت ست سنين وابتنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين، وقال ابن شهاب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بها في شوال قبل الهجرة بثلاث سنين وأعرس بها في المدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرًا من مهاجره إلى المدينة، وقد روي عنها أنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست، وبنى بي وأنا بنت تسع، وقُبض عني وأنا بنت ثمان عشرة. رواه مسلم [1422] وتوفيت سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان، وأمرت أن تُدفن ليلًا فدُفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، ونزل في قبرها خمسة عبد الله وعروة ابنا الزبير والقاسم ومحمد ابنا محمد بن أبي بكر وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكانت فاضلة عالمة كاملة، قال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض، وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة وقال: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة، وقال أبو الزناد: ما رأيت أحدًا أروى لشعر من عروة فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله؟ قال: ما في روايتي في رواية عائشة ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرًا، قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل، وجملة ما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفا حديث ومئتا حديث وعشرة أحاديث أُخرج منها في الصحيحين ثلاثمائة إلى ثلاثة أحاديث. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديثها رضي الله تعالى عنها فقال: 6127 - (2417) (171) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة والمهملة البزار

وَأَبُو الرَّبِيعِ. جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لأبي الرَّبِيعِ)، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّها قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَام ثَلاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ. فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإذَا أَنْتِ هِيَ. فَأقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بالراء آخره البغدادي المقرئ، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (واللفظ لأبي الربيع) قال أبو الربيع: (حدثنا حماد حدثنا هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُريتك) بضم الهمزة على صيغة المبني للمجهول وبكسر الكاف خطابًا لها أي أراني الله إياك (في المنام) قبل زواجك وخطبتك (ثلاث ليال) وذلك أني (جاءني بك) أي بصورتك (الملك) أي ملك الرؤيا أو جبريل - عليه السلام -، وفي رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري (إذا رجل يحملك) فكأن الملك تمثل له حينئذٍ رجلًا، ووقع في رواية ابن حبان من طريق أخرى عن عائشة جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جاءني بك جبريل ملفوفة (في سرقة) بفتحات أي في خرقة كائنة (من حرير) والسرقة بفتح المهملة والراء والقاف واحدة السرق وهي شقق الحرير البيض والمراد القطعة من الحرير وفي رواية ابن حبان في خرقة حرير، وفيه دليل على أن للرؤيا ملكًا يمثل الصور في النوم (فيقول) لي الملك: (هذه) الملفوفة في الخرقة (امرأتك) أي زوجتك في الدنيا والاخرة (فأكشف) مضارع بمعنى الماضي عبّر عنه بالمضارع مشاكلة لما قبله وما بعده أي فلما تزوجتك الآن كشفت (عن وجهك فإذا أنت) الحاضرة عندي (هي) أي تلك الصورة التي رأيتها في المنام، قال القرطبي: أي إنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة فكان المراد بالرؤيا ظاهرها، قال الطيبي: يحتمل هذا الكلام وجهين: أحدهما: كشفت عن وجه صورتك فإذا أنت الآن تلك الصورة وثانيهما: كشفت عن وجهك عندما شاهدتك فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام وهو تشبيه بليغ حيث حُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه كذا في المرقاة، وقوله: (فأقول): معطوف على قوله: فيقول الملك هذه امرأتك وما بينهما اعتراض أي فأقول في نفسي: (إن يك هذا) المنام (من عند الله) تعالى (يمضه) الله سبحانه ويتمه، واستشكل البعض هذا الكلام

6128 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 6129 - (2418) (172) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن رؤيا الأنبياء وحي فكيف تردد النبي صلى الله عليه وسلم في كونها من عند الله، فأجاب عنه القاضي عياض بأنه يحتمل أن يكون وقع ذلك المنام قبل البعثة فلا إشكال فيه حينئذٍ لأن حكمه حكم البشر في عدم تخليص منامه عن الأحلام، وإن كان بعد البعثة فمبنى التردد هل هي زوجته في الدنيا أو في الآخرة، ويحتمل أن يكون التردد في تأويل هذه الرؤيا في أنه هل يقع عين ما رآه أو أن للرؤيا تعبيرًا آخر يخالف الظاهر والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الفضائل باب تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة [3859]، والترمذي في المناقب باب من فضل عائشة رضي الله تعالى عنها [3880]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6128 - (00) (00) (حدثنا) محمد (بن نمير حدثنا) عبد الله (بن إدريس) الأودي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة جميعًا) أي كل من ابن إدريس وأبي أسامة رويا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (نحوه) أي وساق ابن إدريس وأبو أسامة نحو ما حدّث حماد عن هشام. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة هذا بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 6129 - (2418) (172) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال) أبو بكر: (وجدت) أي رأيت (في كتابي) وثبتي الذي جمعت فيه ما رويته (عن أبي أسامة حدثنا هشام) بن عروة، وجملة التحديث مفعول محكي للرؤية (ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته (قالت) عائشة: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم) ما (إذا

كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى" قَالتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَينَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَال: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبَّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ" قَالتْ: قُلْتُ: أَجَل، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كنت عني راضية و) ما (إذا كنت عليّ غضبى) أي غاضبة غير راضية (قالت: فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (ومن أين) أي ومن أي شيء (تعرف ذلك؟ ) أي كوني راضية عنك أو غير راضية (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لها: (أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين) في المحاورة معي (لا) أي ليس الأمر كذلك (ورب محمد) أي أقسمت لك برب محمد (وإذا كنت غضبى) أي غير راضية (قلت) لي في المحاورة معي: (لا) أي ليس الأمر كذلك (ورب إبراهيم) أي أقسمت لك برب إبراهيم (قالت) عائشة (قلت) للنبي صلى الله عليه وسلم: (أجل) أي نعم كذلك حال في محاورتي معك إذا كنت راضية أذكر اسمك، وإذا كنت غضبى عليك أذكر اسم إبراهيم (والله) أي أقسمت لك (يا رسول الله) بالإله الذي لا إله غيره (ما أهجر) ولا أكره حينئذ (إلا) ذكر (اسمك) لغضبي عليك. قوله: (وإذا كنت غضبى عليّ) قال في المبارق: غضبها على النبي صلى الله عليه وسلم كان من جهة الغيرة وهي معقدة عن النساء، حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة: إذا قذفت المرأة زوجها بالفاحشة حين أخذتها الغيرة يسقط الحد عنها، رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يدري صاحب الغيرة أعلى الجبل من أسفله" اهـ. قال القرطبي: غضب عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم للأسباب التي ذكرناها في حديث خديجة أو لبعضها، والغالب أنها كانت للغيرة التي لا تتمالك المرأة نفسها معها، قال القاضي عياض: يعفى عن النساء في كثير من الأحكام لأجل الغيرة حتى قد ذهب مالك إلى إسقاط الحد عن المرأة إذا رمت زوجها بالزنا، قوله: (قلت: لا ورب إبراهيم) فيه جواز الاستدلال بالأفعال على ما في البال، وعن هذا قيل من أحب شيئًا أكثر من ذكره. قال الحافظ في الفتح [9/ 326]: قوله: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية) .. إلخ يؤخذ منه استقراء الرجل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل وعدمه والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه وشكوتها فبنى على تغير الحالين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من

6130 - (00) (00) وحدّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: "لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ". وَلَمْ يَذكُرْ مَا بَعْدَهُ. 6131 - (2419) (172) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرضا والغضب، أما غضبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه كبيرة من الكبائر؛ فالمراد منه غيرتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يبعثها الدلال وشدة محبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مغتفرة، وأما قولها ما أهجر إلا اسمك فالمراد أن حبك يا رسول الله مستقر بقلبي لا ينفك عنه حتى في حالة الغيرة والغضب وغاية ما تحملني الغيرة عليه أن أهجر اسمك، ثم إنها كانت تذكر اسم إبراهيم عليه السلام لكونه أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه جده الأعلى اهـ. والمعنى هجراني مقصور على اسمك أي على تسمية اسمك وذكره ولا يتجاوز إلى ذاتك الشريفة وقلبي وحبي إلى ذاتك كما كان اهـ دهني. قال القرطبي: تعني بذلك أنها وإن أعرضت عن ذكر اسمه في حالة غضبها فقلبها مغمور بمحبته صلى الله عليه وسلم لم يتغير منها شيء، وفي هذا ما يدل على ما كانا عليه من صفاء المحبة وحسن العشرة، وفيه ما يدل على أن الاسم غير المسمى اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 61 و 213]، والبخاري في مواضع منها في النكاح باب غيرة النساء ووجدهن [5228]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6130 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (بن نمير حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبدة لأبي أسامة، وساق عبدة الحديث السابق (إلى قوله) أي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "وإذا كنت غضبى قلت: (لا ورب إبراهيم" ولم يذكر) عبدة في روايته (ما بعده) أي ما بعد قوله: (ورب إبراهيم) من قوله: (قالت قلت أجل) .. إلخ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها فقال: 6131 - (2419) (172) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد العزيز بن

مُحَمَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَالتْ: وَكَانَت تَأْتِينِي صَوَاحِبِي. فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَالتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُسَرِّبُهُن إِلَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (كانت تلعب بالبنات) أي بلعب يُسمى بلعب البنات والحال أنها كانت (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في بيته ومسكنه، واللعب بضم اللام وفتح العين جمع لعبة بضم اللام وسكون العين وهو ما يلعب به، والبنات جمع بنت وهي الجواري وأُضيفت إلى البنات لأنهن هن اللواتي يصنعنها ويلعبن بها، وقد تقدم القول في جواز ذلك وفي فائدته وأنه مستثنى من الصور الممنوعة لأن ذلك من باب تدريب النساء من صغرهن على النظر لأنفسهن وبيوتهن، وقد أجاز العلماء بيعهن وشراءهن غير مالك فإنه كره ذلك وحمله بعض أصحابه على كراهية الاكتساب بذلك (قالت) عائشة: (وكانت تأتيني صواحبي) وأترابي اللاتي، والصواحب جمع صاحبة، وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير وكانت صواحبي وأصدقائي تأتيني في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلعبن معي بتلك اللعب (فكن) أي صواحبي إذا جئن إليّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر (ينقمعن) أي يختفين ويتغيبن ويستترن في جانب البيت حياءً (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهيبة منه، وفي القاموس يقال: انقمع الرجل من باب انفعل الخماسي إذا دخل البيت مستخفيًا (قالت) عائشة: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسربهن) بضم الباء وتشديد الراء المكسورة من التسريب بمعنى الإرسال أي يسرب تلك الصواحب ويرسلهن (إليّ) بأذن أهلهن ليلعبن معي إذا خرج من عندي، قال النووي: وهذا من لطفه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته أو المعنى إذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم من خارج وهن يلعبن معي تغيبن واستترن منه صلى الله عليه وسلم في جانب البيت، ثم يدعوهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرسلهن إليّ ليلعبن معي، قال القرطبي: أي يرسلهن إليها ويسكنهن ويؤنسهن حتى يزول عنهن ما كان أصابهن منه فيرجعن يلعبن معها كما كن أولًا اهـ.

6132 - (00) (00) حدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَال فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيتِهِ، وَهُنَّ اللُّعَبُ. 6133 - (2420) (174) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 166]، والبخاري في الأدب باب الانبساط إلى الناس [6130]، وأبو داود في الأدب باب في اللعب بالبنات [4931]، والنسائي [6/ 131]، وابن ماجه [1982]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6132 - (00) (00) (حدثناه أبو كريب حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (كلهم) أي كل من أبي أسامة وجرير ومحمد بن بشر رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد العزيز بن محمد (وقال) زهير (في حديث جرير: كنت ألعب بالبنات) أي باللعب التي تسمى بالبنات (في بيته) صلى الله عليه وسلم ولا يمنعني (وهن) أي تلك البنات التي ألعب بهن (اللعب) أي المسماة بلعب البنات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 6133 - (2420) (174) (حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن الناس كانوا يتحرون) أي يقصدون (بـ) إهداء (هداياهم) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم) نوبة (عائشة) رضي الله تعالى عنها حالة كونهم (يبتغون) أي يطلبون (بذلك) أي بإهدائهم له في يوم نوبة عائشة (مرضاة) أي إرضاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بإهداءهم له في يوم نوبتها.

6134 - (2421) (175) حدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (كانوا يتحرون) .. إلخ أي ينتظرون اليوم الذي يبيت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عائشة فيقدّمون إليه هداياهم في ذلك اليوم علمًا منهم بأنه صلى الله عليه وسلم يحب عائشة، قال المهلب: في هذا الحديث منقبة عظيمة ظاهرة لعائشة، وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف، وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة وتعقبه ابن المنير بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك، وإنما لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض لطلب الهدية وأيضًا فالذي يهدي لأجل عائشة كأنه ملك الهدية بشرط، والتمليك يتبع فيه تحجير المالك مع أن الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرك غيرها من الأزواج في ذلك، وإنما وقعت المنافسة لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة اهـ من الفتح [5/ 208]. قوله: (يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه قصد الناس بالهدية أوقات المسرة ومواضعها ليزيد ذلك في سرور المُهدى إليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها باب فضل عائشة [3775]، والترمذي في المناقب باب فضل عائشة [3879]، والنسائي في عشرة النساء باب حب الرجل بعض نساءه أكثر من بعض [3944 إلى 3945 و 3951]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها فقال: 6134 - (2421) (175) (حدثني الحسن بن علي الحلواني) الخلال الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وأبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد: حدثني وقال الآخران: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في

حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ، بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي، فَأَذِنَ لَهَا. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيكَ يَسأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) أبواب (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (15) أبواب (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) القرشي المخزومي أخو أبي بكر بن عبد الرحمن، روى عن عائشة في الفضائل، ويروي عنه (م س) والزهري، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (قالت) عائشة: (أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت) فاطمة في الدخول (عليه) صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (مضطجع معي في مرطي) وكسائي (فأذن لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول عليه فدخلت عليه وهو مضطجع معي في مرطي كما هو ظاهر لفظ الحديث، قال القرطبي: ودخول فاطمة وزينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع عائشة في مرطها دليل على جواز مثل ذلك إذ ليس فيه كشف عورة ولا ما يستقبح على من فعل ذلك مع خاصته وأهله اهـ من المفهم (فقالت) فاطمة: (يا رسول الله إن أزواجك أرسلني إليك يسألنك العدل) والتسوية (في) المحبة بينهن وبين عائشة (ابنة) أبي بكر بن (أبي قحافة) رضي الله عنهم، قال النووي رحمه الله تعالى: معناه يسألنك التسوية بينها وبينهن في المحبة وكان صلى الله عليه وسلم يسوي بينهن في الأفعال والمبيت ونحوه، وأما محبة القلب فكان يحب عائشة أكثر منهن، وأجمع المسلمون على أن محبتهن لا تكليف فيها ولا يلزمه التسوية فيها لأنه لا قدرة لأحد عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وإنما يؤمر العدل في الأفعال قال القرطبي: وطلب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه العدل

وأَنَا سَاكِتَةٌ. قَالتْ: فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَي بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ " فَقَالتْ: بَلَى. قَال: "فَأَحِبِّي هَذِهِ" قَالتْ: فَقَامَت فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالتْ، وَبِالَّذِي قَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْنَ لَهَا: مَا نَرَاكِ أَغْنَيتِ عَنَّا مِنْ شَيءٍ. فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُولِي لَهُ: إِن أَزْوَاجَكَ ينَشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بينهن وبين عائشة ليس على معنى أنه جار عليهن فمنعهن حقًّا هو لهن لأنه صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك ولأنه لم يكن العدل بينهن واجبًا عليه كما قدمنا في كتاب النكاح لكن صدر ذلك منهن بمقتضى الغيرة والحرص على أن يكون لهن مثل ما كان لعائشة رضي الله تعالى عنها من إهداء الناس له إذا كان في بيوتهن فكأنهن أردن أن يأمر من أراد أن يُهدي له شيئًا أن لا يتحرى يوم عائشة رضي الله تعالى عنها ولذلك قال: (وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة) ويحتمل أن يقال: إنهن طلبن منه أن يسوي بينهن في الحب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله تعالى عنه: "ألست تحبين من أحب؟ " قالت: بلى، قال: "فأحبي هذه" وكلا الأمرين لا يجب العدل فيه بين النساء، أما الهدية فلا تطلب من المهدي فلا يتعين لها وقت، وأما الحب فغير داخل قدرة الإنسان ولا كسبه اهـ من المفهم، قالت عائشة: (وأنا ساكتة، قالت) عائشة: (فقال لها) أي لفاطمة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بنية) أي يا بنيتي (ألست) أنت (تحبين ما أحب؟ فقالت) فاطمة: (بلى) أي ليس الأمر عدم محبتي لما تحب بل أحب ما أحب ما تحبه فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأحبي هذه) الحميراء (قالت) عائشة: (فقامت فاطمة حين) ما (سمعت ذلك) الكلام (من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت) فاطمة (إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بـ) الكلام (الذي قالته) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (وبـ) الكلام (الذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلن) أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (لها) أي لفاطمة (ما نراك) أي ما نظنك (أغنيت) أي دفعت (عنا) شيئًا من مكارهنا وحصلت لنا من مرادنا ومطلبنا (من شيء) قليل ولا كثير كلًّا ولا بعضًا (فارجعي) يا فاطمة مرة ثانية (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له) صلى الله عليه وسلم: (إن أزواجك ينشدنك) من باب نصر أي يسألنك بالله (العدل) والتسوية (في) الحب بينهن وبين (ابنة) أبي بكر بن (أبي قحافة)

فَقَالت فَاطِمَةُ: وَاللهِ، لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا. قَالت عَائشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَم أَرَ امْرَأَةً قَط خَيرًا فِي الدِّينِ مِنْ زينَبَ. وَأَتْقَى لِلهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِم، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالى ـــــــــــــــــــــــــــــ اسمه عثمان بن عامر بن عمرو التيمي، والد أبي بكر، وليس مرادهن بالعدل ما يقابله الظلم والجور فإنه لا يتصور من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسبن مثل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما مرادهن التسوية بما هو من مقتضيات العدل في زعمهن، صهان لم يكن من مقتضياته في نفس الأمر فكأنهن إنما أردن لفت نظره صلى الله عليه وسلم إلى ما زعمنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم (فقالت فاطمة) لهن: (والله لا أكلمه) صلى الله عليه وسلم (فيها) أي في شأن ابنة أبي قحافة (أبدًا) أي في جميع الأزمنة المستقبلة من عمري لأن أبدًا ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان (قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش) بن رئاب بن يعمر بن صبرة الأسدية المدنية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي) أي زينب المرأة (التي كانت تساميني) أي تعادلني وتضاهيني وتقاربني وتطاولني وترافعني وتعادلني (منهن) أي من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (في المنزلة) والمكانة والحظوة والمحبة (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) مأخوذ من السمو وهو العلو والرفعة تعني أنها كانت تتعاطى أن يكون لها من الحظوة والمنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما كان لعائشة عنده، قالت عائشة: (ولم أر) أنا (امرأة قط) أي فيما مضى من عمري كانت (خيرًا) وأفضل (في الدين) والعبادة والعمل الصالح (من زينب) بنت جحش (و) لا امرأة (أتقى) وأخشع (لله) تعالى من زينب (و) لا امرأة (أصدق حديثًا) أي أكثر صدقًا في الحديث من زينب (و) لا امرأة (أوصل للرحم) أي أكثر صلة للرحم والقرابة من زينب (و) لا امرأة (أعظم صدقة) أي أكثر صدقة وصرفًا للمال في سبيل الله للمحتاج من زينب (و) لا امرأة (أشد) أي أكثر (ابتذالًا) وامتهانًا (لنفسها) وتذليلًا لها (في العمل الذي) يوصلها إلى ما (تصدق) وتصرف (به) للمحتاج من المال (وتقرّب) مضارع تقرب الخماسي من باب تفعل بحذف إحدى التاءين لتوالي الأمثال أي وتطلب القرب (به) أي بصرفه للمحتاج (إلى الله تعالى) منزلة ودرجة في الآخرة، والابتذال في العمل من البذلة وهي الامتهان

مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حَدٍّ كَانَتْ فِيهَا. تُسْرِعُ مِنْهَا الْفيئَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعمل والخدمة والشغل فكانت زينب تعمل بيديها عمل النساء من الغزل والنسيج وغير ذلك مما جرت به عادة النساء بعمله والكسب به، وكانت تتصدق بذلك وتصل به ذوي رحمها وهي التي كانت أطولهن يدًا بالعمل والصدقة وهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: "أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا" وسيأتي إن شاء الله تعالى في مناقبها، وفي الحديث ما يدل على جواز صدقة المرأة مما تكسبه في بيت زوجها من غير أمره اهـ من المفهم، وقال القاضي عياض: وقد أثنت عليها عائشة بهذه الخصال الحميدة ففيه جواز اعتمال المرأة بيدها وكسبها في بيت زوجها والصدقة بإذنه أو بغير إذنه اهـ من الأبي، وأثنت عليها عائشة رضي الله تعالى عنهما بهذه الأخلاق الكريمة فكأن عائشة قالت فلها أخلاق كريمة وخصال شريفة (ما عدا سورة) وسرعة وعجلة (من حدة) وغضب، وقوله: (كانت) تلك السورة والعجلة (فيها) أي في زينب في محل النصب صفة لسورة وكذا قوله: (تسرع منها الفيئة) أي الرجوع صفة ثانية لسورة أي ما عدا سورة من حد أي سرعة من غضب تسرع زينب الفيئة والرجوع منها أي من تلك السورة، تعني عائشة أنها سريعة الغضب لشدة خلقها سريعة الرجوع منه، والسورة الشدة والثوران والحد بفتح الحاء وتشديد الدال بمعنى الحدة بكسر الحاء في آخره هاء، وقد وقع في بعض النسخ بهذا اللفظ، والحدة هنا بمعنى الغضب والمراد أن زينب كانت فيها خصال محمودة غير أنها كانت سريعة الغضب. قوله: (تسرع منها الفيئة) والفيئة الرجوع والمعنى أنها كما كانت تسرع إلى الغضب تسرع إلى الهدوء أيضًا فهي سريعة الغضب سريعة الهدوء اهـ من التكملة. قال القرطبي: وقولها: (ما عدا سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة) ما عدا وما خلا من أدوات الاستثناء وهما مع ما فعلان ينصبان ما بعدهما على الأفصح المشهور ومع عدم (ما) حرفا جر يخفضان ما بعدهما لأنهما حرفان من حروف الجر على الأعرف الأشهر، والسورة بفتح السين الشدة والثوران ومنه سورة الشراب أي قوته وحدّته أي يعتريها ما يعتري الشارب من الشراب، ويروى هذا الحرف (ما عدا سورة حد) بفتح الحاء من غير تاء تأنيث أي سرعة غضب، والفيئة الرجوع ولأجل هذه الحدة وقعت بعائشة واستطالت عليها أي أكثرت عليها من القول والعتب وعائشة رضي الله تعالى عنها ساكتة تنتظر الأذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار فلما

قَالتْ: فَاسْتأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا. عَلَى الْحَالةِ التِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيهَا وَهُوَ بِهَا. فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيكَ يَسْأَلنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. قَال: ثُمَّ وَقَعَت بِي، فَاسْتَطَالتْ عَلَى. وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ، هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا. قَالتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَينَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت أنه لا يكره ذلك من قرائن أحواله انتصرت لنفسها فجاوبتها وردت عليها قولها حتى أفحمتها، وكانت زينب لما بدأتها بالعتب واللوم كانت كأنها ظالمة فجاز لعائشة أن تنتصر لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} [الشورى: 41]. (قالت) عائشة: (فاستأذنت) معطوف على قوله فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب أي فأرسلنها فجاءت فاستأذنت في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم) مضطجع (مع عائشة في مرطها) وكسائها حالة كونه (على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو) صلى الله عليه وسلم متصف (بها) أي بتلك الحالة (فأذن لها) أي لزينب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الدخول عليه معطوف على استأذنت فدخلت زينب (فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في) المحبة بينهن وبين (ابنة أبي قحافة، قالت) عائشة: (ثم وقعت) زينب (بي) أي في عرضي وسبتني وذمتني ولامتني (فاستطألت عليّ) بلسانها ووثبت عليّ بكلامها وصالتني به (وأنا) أي والحال أني (أرقب) وأنتظر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كلامه هل يأمرها بالسكوت عني أو يأذن لي في الانتصار منها (وأرقب) أي انظر (طرفه) أي طرف عينه وجفنها (هل يأذن لي فيها) أي في الوقيعة في زينب بالإشارة (قالت) عائشة: (فلم تبرح) أي لم تزل (زينب) تقع في عرضي وتسبني (حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر) وأنتقم منها، قوله: (لا يكره أن أنتصر) قال القاضي عياض: ليس فيه أنه أذن لها ولا غمزها وإن قالت أرقب طرفه لحديث: "ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين" وإنما فهمت ذلك حين رأى تطلبها لذلك ولم ينهها، ألا ترى كيف قال إنها ابنة أبي بكر، وهذا يدل على أنه وافقها في أنها

قَالتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حِينَ أَنْحَيتُ عَلَيهَا. قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَتَبَسَّمَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتدأتها ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} وقيل: بل أذن لها لتنتصف منها فلا يبقى على زينب تباعة، ولا يبقى في نفس عائشة بغيضة ثم يرجعان إلى حال الصحبة اهـ من الأبي (قالت) عائشة: (فلما وقعت) أي أصبت (بها) أي بعرضها أي فلما أصبت بعرضها ونلت منه بالسب والذم (لم أنشبها) أي لم أمهلها ولم أترك من عرضها شيئًا (حين أنحيت) وواثبت (عليها) أي على عرضها بالذم والتقبيح والشتم أو المعنى حتى أنحيت أي حين قصدت معارضتها، وجواب كلامها وَرَدَّ ما قالت لي عليها، ويُروى (حتى أنحيت عليها) والمعنى حينئذٍ فلما وقعت وأصبت بعرضها كما أصابتني لم أنشبها أي لم أمهلها ولم أترك لها وقتًا لنيل عرضي حتى أنحيت وأكثرت عليها الكلام وبالغت في الرد عليها وقهرتها وأعجزتها وأسكتها عن الكلام معي (قالت) عائشة: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: و) الحال أنه قد (تبسم) أي ضحك ضحكة التبسم (إنها) أي إن هذه الحميراء التي أسكتت زينب وقطعت كلامها هي (ابنة أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. قال القاضي عياض: وهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها اهـ، وقال القرطبي: هذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم تنبيه على أصلها الكريم الذي نشأت عنه واكتسبت الجزالة والبلاغة والفضيلة منه وطيب الفروع بطيب عروقها وغذاؤها من عروقها كما قال الشاعر: طيب الفروع من الأصول ولم ير ... فرع يطيب وأصله الزقوم ففيه مدح عائشة وأبيها رضي الله تعالى عنهما. وهذا الحديث تفصيل للحديث الذي قبله وذاك قطعة من هذا. وشارك المؤلف في روايته أحمد [6/ 88]، والبخاري في مواضع منها في الهبة باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض [2580 و 2581]، والنسائي [64/ 7 - 66]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

6135 - (00) (00) حدّثنيه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ. قَال: عَبدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِي، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ فِي الْمَعْنَى. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ اثْخَنْتُهَا غَلَبَةً. 6136 - (2422) (176) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال. وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6135 - (00) (00) (حدثنيه محمد بن عبد الله بن قهزاذ) المروزي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (قال) محمد بن قهزاذ (عبد الله بن عثمان) بن جبلة الأزدي المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب، وهو مبتدأ خبره قوله: (حدثنيه) أي حدثني هذا الحديث (عن عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن يونس) بن يزيد الأيلي، ثقة، من (7) عن الزهري بهذا الإسناد يعني عن محمد بن عبد الرحمن عن عائشة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يونس لصالح بن كيسان، وساق يونس (مثله) أي مثل حديث صالح بن كيسان (في المعنى) لا في اللفظ (غير أنه) أي لكن أن يونس (قال) في روايته قالت عائشة: (فلما وقعت) وأصبت (بها) أي بعرضها (لم أنشبها) أي لم أتركها حتى (أن أثخنتها) وأضعفتها وأسكتها (فلبة) عليها وقهرًا لها في المشاتمة. قوله: (أن أثخبتها غلبة) قال القاضي عياض: يحتمل أن هذه الرواية أصح والأولى مغيرة عنها مصحفة والله أعلم، ومعنى أثخنتها غلبة بالغت في الرد عليها وقهرتها اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها فقال: 6136 - (2422) (176) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي) وثبتي حرف (عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) إن مخففة

لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: "أَينَ أنَا الْيَوْمَ؟ أَينَ أَنَا غَدًا؟ " اسْتِبْطَاءَ لِيَوْمِ عَائِشَةَ. قَالت: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللهُ بَينَ سَحْرِي وَنَحْرِي. 6137 - (2423) (177) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا أَخبَرَتهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الثقيلة أي إن الشأن والحال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليتفقد) ويبحث ويسأل عن أيام نوبه ودورانه على أزواجه في مرض موته، حالة كونه (يقول أين) أكون (أنا اليوم؟ أين) أكون (أنا غدًا؟ استبطاءًا) أي عدًا (ليوم) نوبة (عائشة) بطيئًا متأخرًا عنه (قالت) عائشة: (فلما كان يومي) أي فلما جاء يوم نوبتي أي يومها الأصيل بحساب الدور والقسم وإلا فقد كان في جميع الأيام في بيتها باتفاق جميع الأزواج على ذلك وإذنهن فيه (قبضه الله) أي قبض الله سبحانه وتعالى روحه الشريفة مسندًا رأسه على ما (بين سحري) ورئتي (ونحري) وحلقي، والرواية الصحيحة سحري بسين مفتوحة غير معجمة والسحر الرئة والنحر أعلى الصدر وأرادت أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو مستند إلى صدرها، وحُكي عن عمارة بن عقيل بن بلال أنه قال: إنما هو (شجري) بالشين المعجمة والجيم وشبك بين أصابعه وأومأ إلى أنها ضمته إلى صدرها مشبكة يديها عليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 48]، والبخاري في مواضع منها باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم [4438]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 6137 - (2423) (177) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه) فهو بمعنى أخبرنا (عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير) الأسدي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (أخبرته) أي أخبرت لعباد (أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت وهو) صلى الله عليه وسلم (مسند) ظهره (إلى صدرها

وَأَصْغَت إِلَيهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ". 6138 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ و) الحال أنها قد (أصغت) واستمعت (إليه) صلى الله عليه وسلم (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق) أي بالجماعة الذين يسكنون في أعلى عليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا المعنى هو الأولى لأنه هو الذي دل عليه قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] وتخيير الله للأنبياء عند الموت مبالغة في إكرامهم وفي ترفيع مكانتهم عند الله تعالى وليستخرج منهم شدة شوقهم ومحبتهم لله تعالى ولما عنده اهـ من المفهم. والرفيق اسم جاء على وزن فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليل، وقيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى أي بالله تعالى يقال: الله رفيق من الرفق والرأفة وهو فعيل بمعنى فاعل اهـ قسطلاني، قال القاضي عياض: الرفيق يقال للواحد والجميع بلفظ واحد اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 231]، والبخاري في مواضع منها في المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم [4440]، والترمذي [3496]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6138 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة من أبي أسامة وعبد الله بن نمير وعبدة بن سليمان رووا (عن هشام) بن عروة، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك بن أنس وساقوا (بهذا الإسناد) يعني عن عباد بن عبد الله عن عائشة (مثله) أي مثل ما حدّث مالك بن أنس. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنهما فقال:

6139 - (2424) (178) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَينَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]. قَالتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6139 - (2424) (178) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة: (كنت أسمع) من النبي صلى الله عليه وسلم وهو صحيح كما هو مصرح في الرواية الآتية (أنه) أي أن الشأن والحال (لن يموت نبي) من الأنبياء (حتى يخيّر) من الله (بين) المقام في (الدنيا و) بين الانتقال إلى (الآخرة) تكرمة له (قالت) عائشة: (فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه و) الحال أنه قد (أخذته بحة) بضم الباء وتشديد الحاء المهملة شيء يعرض في الحلق فيتغير له الصوت فيغلظ يقال: بححت بكسر الحاء بُحًا إذا كان فيه ذلك خلقة، وفي تعليق الدهني البحة هي غلظة وخشونة تعرض في مجاري النفس فيغلظ الصوت اهـ، أي سمعته (يقول): اللهم اجعلني {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] (قالت) عائشة: (فظننته) صلى الله عليه وسلم (خُيّر) بين الدنيا والآخرة (حينئذٍ) أي حين إذ يقول مع الذين أنعم الله عليهم فاختار الآخرة، وفي رواية أبي بردة عن أبي موسى عند النسائي وصححه ابن حبان فقال: "أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل" وظاهره أن الرفيق المكان الذي تحصل فيه المرافقة مع المذكورين، قوله: (وحسن أولئك رفيقًا) قال السهيلي: ونكتة الإتيان بهذه الكلمة بالإفراد الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد اهـ فتح الباري [8/ 137].

6140 - (00) (00) حدّثناه أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 6141 - (2425) (179) حدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته [4435 إلى 4436]، والترمذي في الدعوات باب الاستعاذة من عذاب القبر [3490]، وابن ماجه في كتاب الجنائز باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم [1620]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6140 - (00) (00) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (قالا) أي قال وكيع ومعاذ بن معاذ: (حدثنا شعبة عن سعد) بن إبراهيم، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة وكيع ومعاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (مثله) أي مثل ما حدّث محمد بن جعفر عن شعبة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 6141 - (2425) (179) (حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد) الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (عن جدي) ليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (15) بابا (حدثني عقيل بن خالد) الأموي المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (قال) عقيل: (قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (17) بابا (وعروة بن الزبير) بن العوام الأسدي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (20) بابا

فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَض نَبِيٌّ قَطُّ، حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ" قَالتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". قَالتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارَنَا. قَالتْ عَائِشَةُ: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ حالة كونهما كائنين (في رجال) أي مع رجال (من أهل العلم) والحديث، والجهالة في المقرون لا تضر في السند (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت): وهذا السند من سباعياته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وهو) أي والحال أنه (صحيح) غير مريض (إنه) أي أن الشأن والحال (لم يُقبض نبي) من الأنبياء (قط) أي فيما مضى من الزمان (حتى يُرى) بضم الياء على صيغة المجهول وبفتحها على صيغة المعلوم (مقعده) أي مقره ومنزله (في الجنة ثم يُخيّر) بالنصب على صيغة المجهول معطوف على يرى، وبالرفع على أنه خبر لمحذوف؛ أي ثم هو يخيّر بين المقام في الدنيا والتحول إلى الآخرة (قالت عائشة: فلما نزل) الموت أو ملكه (برسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه) أي والحال أن رأسه (على فخذي) أولًا تعني أن رأسه الشريف أولًا كان على فخذي ثم رفع إلى سحري ونحري لتضيق نفسه عليه صلى الله عليه وسلم فلا منافاة بين هذه الرواية والرواية السابقة (غشي عليه) أي أُغمي عليه (ساعة) أي قطعة قليلة من الزمن (ثم أفاق) وصحا من إغمائه (فأشخص بصره إلى السقف) أي رفع بصره إلى سقف البيت، قال القرطبي: أي حدّد نظره إلى سقف البيت كما تفعل الموتى اهـ (ثم) بعدما أشخص بصره (قال: اللهم) أريد (الرفيق الأعلى) أو أختار مرافقة الرفيق الأعلى لا المقام في الدنيا (قالت عائشة: قلت) في نفسي (إذًا لا يختارنا) أي إذا اختار مرافقة الرفيق الأعلى فلا يختارنا أي فلا يختار المقام معنا في الدنيا (قالت عائشة) بالسند السابق (وعرفت) أي تذكرت (الحديث الذي كان يحدّثنا به وهو صحيح في قوله) أي من

"إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. ثُمَّ يُخَيَّرَ". قَالتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةِ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". 6142 - (2426) (180) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي نُعَيمٍ. قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (إنه لم يُقبض نبي قط حتى يرى مقعده) ومقره ومنزله (من الجنة ثم يخيّر، قالت عائشة) أيضًا (فكانت تلك) الكلمة التي هي قوله: "اللهم الرفيق الأعلى" واسم الإشارة في محل الرفع اسم كان، وقوله: (آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الدنيا بالنصب خبرها وهو أولى من عكسه كما يوهمه تشكيل المتن بالرفع لأن اسم الإشارة معرفة فكان أحق بأن يكون اسم كان إلا أن يقال إن في الكلام معنى الحصر والمعنى حينئذٍ ما كان آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تلك الكلمة تعني عائشة باسم الإشارة (قوله) صلى الله عليه وسلم: (اللهم الرفيق الأعلى). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 89]، والبخاري أخرجه في كتاب المغازي باب آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم [4463] وأخرجه أيضًا في كتاب الدعوات باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم الرفيق الأعلى [6348] وأخرجه أيضًا في كتاب الرقاق باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه [6509] اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى تاسعًا لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 6142 - (2426) (180) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (كلاهما) رويا (عن أبي نعيم) التميمي الملائي بضم الميم الفضل بن دكين بن حماد بن زهير الكوفي الأحول، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال عبد) بن حميد: (حدثنا أبو نعيم) بصيغة السماع لا بالعنعنة (حدثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي مولاهم أبو القاسم المكي، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات،

الْوَاحِدِ بْنُ أَيمَنَ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا خَرَجَ، أَقْرَعَ بَينَ نِسَائِهِ. فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ بِاللَّيلِ، سَارَ مَعَ عَائِشَةَ، يَتَحَدَّثُ مَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في التقريب: لا بأس به، من (5) روى عنه في (2) النكاح والفضائل (حدثني) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن) عمته (عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج) في بعض أسفاره: (أقرع بين نسائه) وأزواجه، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مبالغة في تطييب قلوبهن إذ لم يكن القسم واجبًا عليه على خلاف المتقدم، وليست القرعة في هذا واجبة عند مالك لأنه قد يكون لبعض النساء من الغناء في السفر والمنفعة والصلاحية ما لا يكون لغيرها فتتعين الصالحة لذلك ولأن من وقعت القرعة عليها لا تُجبر على السفر مع الزوج إلى الغزو والتجارة وما أشبه ذلك، وإنما القرعة بينهن من باب تحسين العشرة إذا أردن ذلك وكن صالحات له، وقال أبو حنيفة بإيجاب القرعة في هذا وهو أحد قولي الشافعي ومالك أخذًا بظاهر هذا الحديث اهـ من المفهم. وفي الحديث دليل على أن مدة السفر خارجة عن القسم بين الزوجات، وللزوج أن يختار من شاء منهن لمرافقته في السفر ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه تطييبًا لقلوبهن، وفيه جواز القرعة في مثل ذلك ولا تجوز القرعة عند الحنفية لإثبات الحقوق وإنما تجوز لتعيين أحد المحتملات المباحة. (فطارت) أي خرجت (القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه) صلى الله عليه وسلم، حالة كونهما (جميعًا) أي مجتمعين في الخروج معه (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ذلك السفر (إذا كان بالليل) أي في الليل (سار) ومشى (مع عائشة) رضي الله تعالى عنها، حالة كونه (يتحدث معها) أي مع عائشة لزيادة حبه لها، ظاهره أنه لم يكن يقسم بين عائشة وحفصة في المسير والحديث وأن ذلك كان مع عائشة دائمًا دون

فَقَالتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلا تَرْكَبِينَ اللَّيلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ؟ قَالتْ: بَلَى، فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ، وَعَلَيهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ ثُمَّ سَارَ مَعَهَا، حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حفصة، ولذلك تحيلت حفصة حتى سار وتحدث معها فيحتمل أن هذا القدر لا يجب القسم فيه إذ الطريق ليس محل خلوة ولا يحصل لها به اختصاص، ويحتمل أن يقال: إن القدر الذي يقع فيه التسامح من السير والتحدث مع إحداهما هو الشيء اليسير كما يفعل في الحضر فإنه يتحدث ويسأل وينظر في مصلحة بيت التي لا يكون في نوبتها ولكن لا يكثر من ذلك ولا يطيله وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أدام ذلك لأن أصل القسم لم يكن واجبًا عليه والله أعلم اهـ من المفهم. ولم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة فيما مضى لها مع زوجها في السفر وكذلك لم يختلفوا في أنه يقسم بين الزوجات في السفر كما يقسم بينهن في الحضر، وقد ذكرنا الاحتمال الذي في السير والحديث اهـ منه (فقالت حفصة لعائشة: ألا) بالتخفيف أداة عرض وهو الطلب برفق ولين نظير قولهم ألا تنزل عندنا فتصيب خيرًا أي ألا (تركبين) هذه (الليلة بعيري وأركب بعيرك فتنظرين) بعيري (و) أنا (أنظر) بعيرك (قالت) عائشة: (بلى) أركب بعيرك وتركبين بعيري (فركبت عائشة على بعير حفصة وركبت حفصة على بعير عائشة فجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة (ثم صار معها) أي مع حفصة يتحدث معها (حتى نزلوا) آخر الليل للتعريس (فافتقدته عائشة) أي ففقدت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة. وقول حفصة لعائشة: (ألا تركبين بعيري) .. إلخ هذا حيلة منها تمت لها على عائشة لصغر سن عائشة وسلامة صدرها عن المكر والحيل إذ لم تجرب الأمور بعد ولا درك ولا تبعة على حفصة فيما فعلت من جهة أنها أخذت حقًّا هو لعائشة لأن السير والحديث إن لم يدخل في القسم فهي وعائشة فيه سواء، فأرادت حفصة أن يكون لها حظ من الحديث والسير معه، وإن كان ذلك واجبًا فقد توصلت إلى ما كان لها وإنما يكون عليها الدرك من حيث إنها خالفت مراد النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه فقد يريد أن يحدّث عائشة حديثًا يسرّ به إليها أو يختص بها فتسمعه حفصة وهذا لا يجوز

فَغَارَتْ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا بَينَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا، أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، رَسُولُكَ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ بالاتفاق لكن حملها على اقتحام ذلك الغيرة التي تورث صاحبها الدهش والحيرة اهـ من المفهم، قال القاضي عياض: قال المهلب: تحيل حفصة في الإكثار منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن القسم عليه غير واجب لأنها لم تفعل إلا ما أباحه لها، وليس قوله بالبين لأن القائل بوجوب القسم لا يمنع حديث الأخرى في وقت غير معتاد للقسم لأن السير والحديث لم يدخل في القسم فهي وعائشة فيه سواء فأرادت حفصة أن تستكثر من السير والحديث معه، ولو كان ذلك حقًّا لعائشة لكان لحفصة مثله وليس على حفصة في ذلك درك لأنها طلبت الخير لنفسها وليس حقًّا واجبًا لغيرها، وسيره صلى الله عليه وسلم مع حفصة وحديثه معها بعد معرفته بها دليل على جوازه ولو كان غير جائز لم يقره ولم يسامح فيه كما لم يسامح في تمريضه في بيت عائشة إلا بإذن منهن مع جواز ذلك كله اهـ من الأبي. (فغارت) عائشة على تحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة وسيره معها (فلما نزلوا) في الليل للتعريس (جعلت) أي شرعت عائشة أن (تجعل رجلها بين الأذخر) كأنها لما عرفت أنها الجانية على نفسها فيما أجابت إليه حفصة أعتبت نفسها على تلك الجناية (والإذخر) نبت معروف طيب الرائحة توجد فيه الهوام غالبًا في البرية اهـ فتح الباري (وتقول: يا رب سلط عليّ عقربًا أو حية تلدغني) أي تلذعني، قال القاضي: هو دعاء بغير نية حملتها عليه الغيرة فهي غير مؤاخذة به ولا تجاب في الغالب قال الله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ} الآية اهـ من الأبي، قال القرطبي: هذا دعاء منها على نفسها بعقوبة لما لحقها من الندم على ما فعلت ولما تم عليها من الحيلة ولما حصل لها من الغيرة وهو دعاء باللسان غير مراد بالقلب اهـ مفهم، وتقول: هو محمد صلى الله عليه وسلم (رسولك ولا أستطيع) أي لا أقدر (أن أقول له شيئًا) من العتاب واللوم لأن العتاب على نفسي لأنها الجانية على نفسها حيث أجابت حفصة إلى ما دعت إليه. قولها: (رسولك) بالرفع على أنه خبر لمبتدأ تقديره هو رسولك كما قررناه في الحل، ويجوز النصب على تقدير فعل تقديره أُبرئ رسولك على الجناية عليّ أو لا ألوم رسولك وإنما لم تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم اهـ فتح الباري.

6143 - (2427) (181) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر قولها: (ولا أستطيع أن أقول له شيئًا) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف القصة وإنما تمت لحفصة حيلتها عليها والله أعلم مع أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك بالوحي أو بالقرائن وتناقل عما جرى من ذلك إذ لم يجر منهما شيء يترتب عليه حكم ولا يتعلق به إثم والله تعالى أعلم. ورسولك منصوب بإضمار فعل تقديره انظر رسولك، ويجوز الرفع على الابتداء وإضمار الخبر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 114]، والبخاري أخرجه في النكاح باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرًا [5211]، وابن ماجه مختصرًا [1940]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث عائشة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6143 - (2427) (181) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن معمر بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري البخاري أبي طوالة المدني قاضيها، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فضل عائشة على النساء) ويستثنى منهن الأربع المذكورة في الأحاديث المتقدمة وهن مريم بنت عمران وخديجة وفاطمة وآسية فإنهن أفضل من عائشة بدليل الأحاديث المتقدمة في باب فضل خديجة وبهذا يصح الجمع ويرتفع التعارض كفضل الثريد على سائر الطعام) وإنما كان الثريد أفضل الأطعمة ليسارة مؤنته وسهولة إساغته وعظيم بركته ولأنه كان جل أطعمتهم وألذها بالنسبة إليهم ولعوائدهم وأما غيرهم فقد يكون غير الثريد عنده أطيب وأفضل وذلك بحسب العوائد في الأطعمة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

6144 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَر). ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنْسَ بْنَ مَالِكٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في باب فضل عائشة [3770] وفي الأطعمة باب الثريد [5419] وباب ذكر الطعام [5428]، والترمذي في كتاب المناقب باب فضل عائشة [3887]، وابن ماجه في الأطعمة باب فضل الثريد على الطعام [3281] اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6144 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (كلاهما) أي كل من إسماعيل وعبد العزيز رويا (عن عبد الله بن عبد الرحمن) الأنصاري أبي طوالة المدني (عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة إسماعيل وعبد العزيز لسليمان بن بلال وساقا (بمثله) أي بمثل حديث سليمان بن بلال (و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث إسماعيل وعبد العزيز وروايتهما لفظة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بل في حديثهما لفظة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) (وفي حديث إسماعيل) بن جعفر وروايته لفظة (أنه) أي إن عبد الله بن عبد الرحمن (سمع أنس بن مالك) أي تصريح سماع عبد الله بن عبد الرحمن لأنس، وهذا كله بيان لموضع المخالفة بين المتابع والمتابَع. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى حادي عشرة لحديث عائشة الأول بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال:

6145 - (2428) (182) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ. وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَان، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضلِ الثرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6145 - (2428) (182) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي غندر (جميعًا) أي كل من وكيع ومحمد بن جعفر رويا (عن شعبة ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (واللفظ له) أي لعبيد الله (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي الأعمى أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن مرة) بن شراحيل الهمداني أبي إسماعيل الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته (قال) أبو موسى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كمُل) بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات والكسر ضعيف، ولفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى اهـ نووي. ومضارع الجميع يكمل بالضم وكمال كل شيء بحسبه والكمال المطلق إنما هو الله تعالى خاصة عدد (كثير) من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين (ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية) بوزن فاعلة من الأسى وهي بنت مزاحم (امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة عمه، وقيل غير ذلك (وأن فضل عائشة على النساء) أي على نساء زمنها وأشار ابن حبان كما أفاده في الفتح إلى أن أفضليتها التي يدل عليها الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة وخديجة جمعا بينه وبين حديث الحاكم "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة" اهـ قسطلاني (كفضل الثريد) المتخذ من الخبز واللحم (على سائر الطعام) وقد استدل بهذا الحديث على فضل عائشة على خديجة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس ذلك بلازم لأنه يحتمل أن يكون المراد من النساء في هذا الحديث نساء زمنها. وقال السبكي الكبير: الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، والخلاف في ذلك شهير، ولكن الحق أحق أن يُتبع وهو ما قلنا، وقال ابن تيمية: جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف، وقال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يُطلع عليه فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وإن أُريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها وإن أُريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق زينب ابنته لما أُوذيت عند خروجها من مكة: "هي أفضل بناتي أصيبت فيّ" اهـ فتح الباري [7/ 159]. قال القرطبي: ولا شك أن أكمل نوع الإنسان الأنبياء ثم يليهم الأولياء ويعني بهم الصديقين والشهداء والصالحين، وإذا تقرر هذا فقد قيل إن الكمال المذكور في الحديث يعني به النبوة فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيتين وقد قيل بذلك، والصحيح أن مريم نبية لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين، وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها دلالة واضحة بل على صذيقيتها وفضيلتها فلو صحت لها نبوتها لما كان في الحديث إشكال فإنه يكون معناه أن الأنبياء في الرجال كثير وليس في النساء نبي إلا هاتين المرأتين ومن عداهما من فضلاء النساء صديقات لا نبيات وحينئذٍ يصح أن تكونا أفضل نساء العالمين، والأولى أن يقال إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على كمال الأنبياء بل يندرج معه كمال الأولياء فيكون معنى الحديث إن نوعي الكمال وُجدا كثيرًا في الرجال ولم يُوجد منه في النساء المتقدمات على زمانه صلى الله عليه وسلم أكمل من هاتين المرأتين ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فضلًا لأحد من نساء زمانه إلا لعائشة خاصة فإنه فضلها على سائر النساء ويستثنى منهن الأربع المذكورات في الأحاديث المتقدمة وهن مريم بنت عمران وخديجة وفاطمة وآسية فإنهن أفضل من عائشة بدليل الأحاديث المتقدمة في باب خديجة وبهذا يصح الجمع بين الأحاديث ويدفع التعارض قوله: (كفضل الثريد على سائر الطعام) قال

6146 - (2429) (183) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النووي: قال العلماء: معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه، والمراد بالفضيلة هنا نفعه والشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 394]، والبخاري في مواضع منها ما أخرجه في الفضائل باب فضل عائشة [3769]، والترمذي في الأطعمة باب ما جاء في فضل الثريد [1834]، والنسائي في كتاب عشرة النساء باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض [3957]، وابن ماجه في كتاب الأطعمة باب فضل الثريد على الطعام [3280] اهـ تحفة الأشراف. "تنبيه مهم": وحديث أبي موسى الأشعري هذا ذكره البخاري في باب فضل عائشة، وكذا ذكره القرطبي هنا أعني في أواخر أحاديث فضل عائشة في تلخيص صحيح مسلم، وكذا في النسحة القديمة من صحيح مسلم ولا مناسبة له في باب فضل خديجة لأنه ليس فيه ذكر خديجة وقد أشكل ذكر هذا الحديث في باب فضل خديجة علينا مع بعض مشايخنا وأوّل ذلك البعض بان في هذا الحديث إسقاط خديجة وبذلك طابق ترجمة خديجة والآن بحثت عن هذا الحديث في جميع الأمهات وفي كتب من ذكره من غيرهم فوجدتهم ذكروه في هذا الباب فزال عني الإشكال في هذا الحديث فلله الحمد، فلذلك أخرته في تعليقنا هذا إلى هذا الموضع فصار الحديث مطابقًا لترجمة عائشة فيا عجبًا لشراح مسلم لم ينبهوا على مشكلة هذا الحديث فمروا عليه وقالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباءهم في ضلال مبين. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثاني عشرة لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 6146 - (2429) (183) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان) الكسائي أو الطائي أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة، ثقة، من (8) روى

وَيَعْلَى بْنُ عُبَيدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَهَا: "إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيكِ السَّلامَ" قَالتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (6) أبواب (وبعلي بن عبيد) بن أبي أمية الحنفي مولاهم أبو يوسف الكوفي، ثقة، من كبار (9) روى عنه في (2) بابين الأدب والفضائل كلاهما رويا (عن زكريا) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي أبي عمرو الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة فقيه، من (3) روى عنه في (14) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أنها) أي أن عائشة (حدثته) أي حدثت أبا سلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: إن جبريل) الأمين - عليه السلام - (يقرأ عليك السلام فالت: فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (وعليه) أي وعلى جبريل المسلِّم عليّ (السلام) من الله تعالى (ورحمة الله) تعالى عليه، والواوفي قولها: (وعليه) عاطفة لسلام عائشة على سلام جبريل عليها وزادت في ردها عليه الرحمة لأن الزيادة في الرد مطلوبة كما نص عليه القرآن الكريم. قال القرطبي: قوله: (يقرأ عليك السلام) يقال: أقرأته السلام وهو يقرئك السلام رباعيًّا فبضم ياء المضارعة منه فإذا قلت يقرأ عليك السلام كان مفتوح عين مضارعه لأنه ثلاثي، وقيل: هما لغتان اهـ سنوسي، وهذه فضيلة عظيمة لعائشة غير أن ما ذكر من تسليم الله عزَّ وجلَّ على خديجة أعظم لأن ذلك سلام من الله وهذا سلام من جبريل. وقولها: (و - عليه السلام - ورحمة الله) حجة لمن اختار أن يكون رد السلام هكذا بالزيادة وإليه ذهب ابن عمر رضي الله عنهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في باب فضل عائشة [3768]، وأبو داود في الأدب باب في الرجل يقول فلان يقرئك السلام [5232]، والترمذي في المناقب باب مناقب عائشة [3876]، والنسائي في عشرة النساء باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض [3953].

6147 - (00) (00) حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخبَرَنَا الْمُلائِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَريَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ. قَال: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لَهَا: بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. 6148 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (و - عليه السلام - ورحمة الله) قال القاضي عياض: فيه أن صورة الرد هكذا وهو اختيار ابن عمر رضي الله عنهما فإن اقتصر على رد مثل ما قيل له فليقل: السلام عليه، قال النووي: وفي الحديث استحباب بعث السلام ويجب على الرسول تبليغه، وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة وإن الذي يبلغه السلام يرد عليه، قال أصحابنا: وهذا الرد واجب على الفور وكذا لو بلغه السلام في ورقة من غائب لزمه أن يرد السلام عليه باللفظ على الفور إذا قرأ، وفيه أنه يستحب في الرد أن يقول وعليك أو وعليكم السلام بالواو فلو قال: عليكم السلام أو عليكم أجزأه على الصحيح، وكان تاركًا للأفضل، وقال بعض أصحابنا: لا يجزئه، وسبقت مسائل السلام في بابه مستوفاة، ومعنى يقرأ عليك السلام يسلم عليك اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 6147 - (00) (00) (حدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) عبد السلام بن حرب بن سلمة النهدي بالنون (الملائي) بضم الميم وتخفيف اللام أبو بكر الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (2) بابين الجهاد وفضائل عائشة لقب بالملائي لأنه كان يبيع الملاءة عند باب مسجد الكوفة (حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال: سمعت عامرًا) بن شراحيل الشعبي (يقول: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة حدثته) وهذا السند من سداسيات، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة الملائي لعبد الرحيم ويعلى بن عبيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها): إن جبريل .. الحديث، وساق الملائي (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث عبد الرحيم ويعلي بن عبيد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6148 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا أسباط بن

مُحَمَّدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 6149 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشُ، هَذَا جِبْرِبلُ يَقْرَأُ عَلَيكِ السَّلامَ" قَالتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. قَالتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد) بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة مولى السائب بن يزيد أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن زكرياء) بن أبي زائدة (بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن أبي سلمة عن عائشة، غرضه بيان متابعة أسباط لعبد الرحيم ويعلي بن عبيد، وساق أسباط (مثلهما) أي مثل حديث عبد الرحيم ويعلى بن عبيد، وفي أغلب النسخ (مثله) بالإفراد وهو تحريف من النساخ، والصواب ما قررناه في تعليقنا كما تدل عليه الرواية المذكورة قبله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة هذا رضي الله تعالى عنها فقال: 6149 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري للشعبي في الرواية عن أبي سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائش) مرخم عائشة بضم الشين على لغة من لا ينتظر المحذوف، وبفتحها على لغة من ينتظر، وفيه دليل على جواز الترخيم (هذا) الحاضر (جبريل) الأمين - عليه السلام - (يقرأ عليك السلام، قالت) عائشة: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (وعليه) أي على جبريل (السلام ورحمة الله، قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (وهو) صلى الله عليه وسلم (يرى) من المغيبات (ما لا أرى) أنا والله أعلم.

6150 - (2430) (184) حدَّثنا عَلِي بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ. كِلاهُمَا عَنْ عِيسَى، (وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ)، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَخِيهِ، عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استدل البخاري بهذا الحديث على أن الرجل يجوز له أن يسلم على امرأة أجنبية ووجه الاستدلال أن جبريل إنما كان يأتي في صورة رجل واستدل أيضًا بما أخرجه عن سهل بن سعد أنهم كانوا يذهبون يوم الجمعة إلى عجوز تصنع لهم طعامًا من سلق وشعير فيسلمون عليها، وقد أخرج الترمذي عن أسماء بنت يزيد وحسنه ومر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا، وثبت في صحيح مسلم حديث أم هانئ: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه. وقال ابن بطال: عن المهلب: سلام الرجال على النساء والنساء على الرجال جائز إذا أمنت الفتنة، وفرّق المالكية بين الشابة والعجوز سدًا للذريعة، ومنع منه ربيعة مطلقًا، وقال الكوفيون: لا يُشرع للنساء ابتداء السلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة، وقالوا: يستثنى المحرم فيجوز لها السلام على محرمها، وفرّق بعضهم بين الجميلة وغير الجميلة فيكره السلام على الأولى ولا يكره على الثانية، ولم أقف بعد على حديث يدل على منع السلام، ومن كرهه إنما كرهه مخافة الفتنة فينبغي أن تكون الكراهة مقيدة بخوف الفتنة وإلا فظاهر الأحاديث يدل على الجواز والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالث عشرة لحديث عائشة الأول بحديث آخر لها رضي الله تعالى عنها في قصة النسوة اللاتي اجتمعن وتعاهدن فقال: 6150 - (2430) (184) (حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (وأحمد بن جناب) بن المغيرة المصيصي، صدوق، من (10) روى عنه في (2) بابين الجهاد والفضائل (كلاهما) رويا (عن عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (واللفظ لابن حجر) قال ابن حجر: (حدثنا عيسى بن يونس) بصيغة السماع (حدثنا هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب

عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشَرَةَ امْرَأَةً. فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِن شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أنها) أي أن عائشة (قالت: جلس إحدى عشرة امرأة) قال النووي: إحدى عشرة وتسع عشرة وما بينهما يجوز فيها إسكان الشين وكسرها وفتحها والإسكان أفصح وأشهر اهـ، قال القرطبي: هكذا صحيح الرواية ومشهورها، وعند الطبري (جلسن) بنون الإناث على لغة أكلوني البراغيث، قال علي القاري: وأما تذكير فعل جلس مع أن القياس أن يكون مؤنثًا لكونه مسندًا إلى المؤنث الحقيقي بلا فاصل فوجهه أنه على حد قولهم قال فلانة كما حكاه سيبويه عن بعض العرب استغناءً بظهور تأنيثه عن علامته، وقيل: إنه روعي فيه معنى الجمع لا الجماعة كذا في جمع الوسائل لعلي القاري [2/ 48] (فتعاهدن) أي أخذ بعضهن عن بعض العهد على أن لا يكتمن من خبر أزواجهن وأخلاقهم شيئًا (وتعاقدن) أي تواثقن وأكدن ذلك العهد باليمين وقوله على (أن لا يكتمن) ولا يخفين (من أخبار أزواجهن شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا تنازع فيه الفعلان قبله وأعملنا الثاني فيه لقربه على مذهب البصريين وقدّرنا للأول في حفنا وهو الراجح عندهم نظرا إلى قربه إلى المعمول بخلافه عند الكوفيين لأنهم يعملون الأول في المذكور لسبقه كما هو مقرر في محله، وقد ذكر الزبير بن بكار أن هذه النسوة كن باليمن وخرج أزواجهن سفرا فتذاكرن فيما بينهن، ووقع في بعض الروايات أنهن من مكة، وفي بعضها أنهن من خثعم، وقد وقعت تسميتهن في بعض الروايات بما لا يوثق به وقد ذكره الخطيب في المبهمات وحكى عنه النووي، وعبارة النووي هنا قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه المبهمات: لا أعلم أحدًا سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جدًّا فذكره، وفيه أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو واسم الثالثة حنى بنت نعب والرابعة مهدد بنت أبي مرزمة والخامسة كبشة والسادسة اسمها هند والسابعة حنى بنت علقمة والثامنة بنت أوس بن عبد والعاشرة كبشة بنت الأرقم والحادية عشرة أم زرع بنت أكهل بن ساعد اهـ نووي. قال القرطبي: الصحيح في هذا الحديث أنه كله من قول عائشة رضي الله تعالى عنها إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لها "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" هذا هو المتفق

قَالتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه عند أهل التصحيح، وقد رواه سعيد بن سليم المدني عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" ثم أنشأ يحدّث بحديث أم زرع وصواحبها قال: "اجتمع إحدى عشرة امرأة .. وذكر الحديث فتوهم بعض الناس أن هذا الحديث كله مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنسبه إليه وجعله من قوله صلى الله عليه وسلم وهو وهم محض فإن القائل لفظة "ثم أنشأ يُحدّث " هو هشام يخبر بذلك عن أخيه عن أبيه أنه أنشأ بعد ذلك القول المتقدم يحدّث بحديث أم زرع اهـ من المفهم. وبمثل رواية مسلم أخرجه البخاري ولكن أخرجه النسائي من طريق عباد بن منصور بما يدل قطعًا على أن القصة كلها مرفوعة ولفظه (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" قالت عائشة: بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع؟ قال: "اجتمع نساء .. فساق الحديث كله، وقد رواه عدة من المحدثين مثله مرفوعًا، قال الحافظ في الفتح [9/ 357] ويقوي رفع جميعه أن التشبيه المتفق على رفعه يقتضي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع القصة وعرفها فأقرها فيكون كله مرفوعًا من هذه الحيثية [قلت]: قد ذكر الحافظ نفسه أن الروايات التي صرحت بكون القصة كلها مرفوعة صحيحة من جهة الإسناد، وقد تقرر في موضعه أن الرفع زيادة وهي من الثقة مقبولة فلا مانع من أن تكون القصة كلها مرفوعة والله أعلم، ثم قد وقع عند النسائي سبب لهذا الحديث (قالت عائشة: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية)، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ "اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع". (قالت الأولى): من تلك النسوة (زوجي) مبتدأ (لحم) بالرفع خبر المبتدأ (جمل) بالجر مضاف إليه (غث) بالجر صفة لجمل وهي الرواية المشهورة والكلام على التشبيه البليغ، والغث بفتح الغين المعجمة وتشديد المثلثة الشديد الهزال يستغث من هزاله أي يستترك ويستكره مأخوذ من غث الجرح غثًا وغثيثًا إذا سأل منه المدة بكسر الميم وتشديد الدال المهملة أي القيح، واستغث صاحبه أي زوجي كلحم جمل شديد الهزال لا يؤكل لحمه ولا ينتفع به وإن لحم الجمل من أخبث اللحوم خصوصًا إذا كان هزيلًا، ويجوز فيه الرفع على أنه صفة للحم فهو تشبيه بليغ في كون زوجها قليل الخير غير منتفع به كلحم

عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ. لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى. وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ. قَالتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ. إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ. إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمل المهزول الذي لا يؤكل ولا ينتفع به كائن ذلك الجمل (على رأس جبل) مستطيل وقلته فهو صفة ثانية لجمل (وعر) صفة لجبل أي صعب الصعود إليه والوعر من الجبال الصعب المرتقى لوعورته وعقبته وهو أن يكون بحيث تزل الأقدام فيه، وفسرته بقولها: (لا سهل) ذلك الجبل بالجر صفة ثانية لجبل وهي الراوية الواضحة، وأما على الرواية الرفع فسهل خبر لمحذوف والجملة صفة لجبل أي لا هو سهل فهو تفسير لقوله وعر أي زوجي كلحم جمل هزيل كانت على رأس جبل وعر طريقه غير سهل صعوده (فيرتقي) ويصعد إليه (ولا سمين) صفة ثانية لجمل أي زوجي كلحم جمل مهزول غير سمين أي لا نقي ولا مخ له (فينتقل) أي ينقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوا لحمه بل يتركوه رغبة عنه لردائته بمعنى أن زوجها قليل المنفعة من وجوه عديدة منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومنها أنه مع ذلك غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة هكذا فسره الجمهور، وقال الخطابي: قولها على رأس جبل أي يرتفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها كثيرًا أي أنه يجمع إلى قلة خيره تكبره وسوء الخلق اهـ نووي. وهذه الأولى لم أر من ذكر اسمها وهي أبلغهن ذمًا لزوجها. (قالت الثانية): اسمها عمرة بنت عمرو (زوجي لا أبث) ولا أنشر ولا أشيع (خبره) أي لا أريد أن أنشر أخباره، وفي رواية: (لا أنث) بالنون ومعناه إشاعة الخبر السوء (إني أخاف أن لا أذره) أي إني أخاف أن لا أترك من خبره شيئًا فالضمير للخبر تعني إن خبره لطوله وكثرته إن بدأته لم أقدر على تكميله، وقيل: إن الضمير في قوله: (لا أذره) للزوج والمعنى إني أخاف إن ذكرت معايبه أنه سيطلقني واضطر إلى أن أتركه مع أني لا أقدر على ذلك لعلاقتي به وأولادي منه ولا أحب فراقه، وقيل: إن لا زائدة؛ والمعنى إني أخاف أن أذره أي أن أتركه لتطليقه إياي؛ والمعنى زوجي لا أنشر خبره لأني إن نشرت خبره أخاف أن يطلقني وأفارقه ولا أحب مفارقته للعلاقة التي بيني وبينه من الأولاد والمعاشرة (إن أكره) أي إن أذكر عيوبه (أذكر عجره) أي عيوبه الظاهرة (و) أذكر (بجره) أي عيوبه الباطنة تعني أنها إن وصفت حال زوجها ذكرت عيوبه كلها وفاء

قَالتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي العَشَنَّقُ. إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ. وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيلِ تِهَامَةَ. لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بما التزمت مع صواحبها وإن فعلت ذلك خافت من فراقه وهي تكره فراقه للعلقة التي بينهما، والحاصل أنها أشارت إلى كثرة عيوب زوجها وفاءً بما تعاقدت عليه ولكنها سكتت عن تفصيلها للمعنى الذي اعتذرت به، والعجر بضم العين وفتح الجيم جمع عجرة بضم العين مع سكون الجيم ككرب وكربة وغرف وغرفة وهي العقدة في الأعضاء الظاهرة والعيوب فيها كالظهر والرجلين واليدين والبجر كذلك في ضبطه وهي العيوب في الأعضاء الباطنة كالبطن والوركين والفخذين والدبر والقبل تعني أنه معيب ظاهرًا وباطنًا ولكني أسكت عنها مخافة فراقه. (قالت الثالثة): قيل اسمها حنى بنت نعب كما مر (زوجي العشنق) أي الطويل الخارج بطوله إلى الحد المستكره الأحمق السيء الخلق، ويقال له: العثنط بالطاء أي ليس عنده أكثر من طول بلا نفع فهو منظر بلا مخبر (إن أنطق) أي إن أذكر عيوبه وفاء بما التزمته (أُطلق) أي أخاف أن يطلقني (وإن أسكت) عن ذكر عيوبه (أُعلّق) أي تركني معلقة لا أيمًا ولا ذات زوج كما قال تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}. (قالت الرابعة): قيل اسمها مهدد بنت أبي مزرمة (زوجي كليل تهامة) بكسر التاء، قال علي القاري: هي مكة وما حولها من الأغوار، وقيل كل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، وأما المدينة فلا تهامية ولا نجدية لأنها فوق الغور دون النجد، وقال الحافظ في الفتح: قد ضربوا بليل تهامة في الطيب لأنها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنًا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حر النهار فوصفت زوجها بجميل العشرة واعتدال الحال وسلامة الباطن (لا حر ولا قر) يجوز فيهما الفتح بلا تنوين على إعمال لا عمل إن نظير قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال فِي الْحَجِّ} وخبر لا محذوف تقديره لا حر ولا قر موجودان، وجملة لا من اسمها وخبرها في محل الجر صفة لليل أي موصوف بعدم الحر والقر فيه، ويجوز الرفع مع التنوين على إعمال لا عمل ليس نظير قوله تعالى: {لَا بَيعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} وخبر لا محذوف تقديره لا حر ولا قر موجودين فيه والجملة أيضًا صفة لليل، والقر بفتح القاف وبضمها بمعنى البرد الشديد وفتح القاف ها هنا أنسب نظرًا لحسن

وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ. قَالتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ. وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ. وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ. وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الازدواج والمراد أن ليل تهامة معتدل بين الحر والبرد وكذلك زوجي معتدل في أحواله وأخلاقه ففيه مدح لزوجها (ولا مخافة) من شره وضره (ولا سآمة) من معاشرته ويجري في هذا التركيب أيضًا ما جرى في التركيب قبله من أوجه الإعراب، أما نفي المخافة فلكون تهامة محصونة بالجبال، وأما نفي السآمة فلكون ليلها لذيذ الهواء فكأنها وصفت زوجها بأنه لا أذى عنده ولا مكروه وأنا آمنة منه فلا أخاف من شره وآذاه ولا ملل من المقام عنده فأسأم من عشرته فأنا لذيذة العيش معه كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل. (قالت الخامسة): قيل اسمها كبشة (زوجي إن دخل) البيت (فهد) بكسر الهاء من باب فرح أي صار كالفهد، وهذا أيضًا مدح بليغ فقولها: (فهد) وصف له بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي وشبهته بالفهد لكثرة نومه وهو معنى قولها: (ولا يسأل عما عهد) أي لا يسأل عما كان عهده وعرفه في البيت من ماله ومتاعه تعني هو شديد الكرم كثير التسامح لا يسأل عما فقد من ماله ولا يلتفت إلى ما رأى بل فوض كل أموره إليّ (وإن خرج) من البيت (أسد) أي صار كالأسد بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد في شدة الإقدام على الأعداء تعني كان معظمًا موقرًا بين الناس لشدة حيائه وشديد الإقدام على الأعداء في الحرب لشدة شجاعته، وقوله: (ولا يسأل عما عهد) تفسير لقوله إن دخل فهد. (قالت السادسة): قيل اسمها هند (زوجي إن أكل لف) أي يكثر الأكل ويخلّص ما في القصعة ولا يُبقي فيها شيئًا من الطعام (وإن شرب) الشراب (اشتف) أي امتص ما في الكأس وغلّق، والمراد من اللف الإكثار من الطعام واستقصاؤه من الإناء حتى لا يترك منه شيئًا، وقال أبو عبيد: اللف الإكثار مع التخليط فأرادت أنه يخلط صنوف الطعام من نهمته وشرهه ثم لا يبقي منه شيئًا، ووقع في بعض الروايات (اقتف) بدل قولها (لف) والاقتفاف: التجميع وأما قولها (اشتف) من الاشتفاف في الشرب وهو استقصاء ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بالضم وهي البقية تبقى في الإناء فإذا شربها الشارب قيل: اشتف الإناء أي لم يدع فيه شفافة أي بقية، قال القرطبي: تصفه بكثرة الأكل مع التخليط

وَإِنْ اضْطَجَعَ الْتَفَّ. وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ. لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أنواع المأكول فهو يلف كل ما يجده من الأطعمة ويشرب كل ما يجده من الأشربة يقال: اشتف ما في الإناء إذا شرب ما فيه من الشفافة وهي البقية اهـ من المفهم (وإن اضطجع) للنوم (التف) بثوبه تعني أنه بنام وحده ملتفًا في ثوبه في ناحبة البيت (ولا يولج الكف) أي لا يدخل كفه تحت لحافي (ليعلم البث) أي الحزن الذي أنا فيه بسبب إعراضه عني؛ والمعنى لا يمد يده إليّ ليعلم ما أنا فيه من الحزن لإعراضه عني فيزيله، ويحتمل أنه إنما يفعل ذلك فشلًا وعجزًا فإن هذه نومة العجزان الكسلان وعلى هذا فيجتمع فيه أنه أكول شروب نؤوم لا رغبة له في شيء غير ذلك فحديثها كله ذم، وقيل غير ذلك راجع المفهم. (قالت السابعة): قيل: اسمها حنى بنت علقمة (زوجي غياباء) بالغين المعجمة أي شرير مجد من الشر والإذاية لا خير فيه (أو) قالت زوجي (عياياء) بالعين المهملة أي عنين عاجز من مجامعة النساء ومباضعتهن (طباقاء) أي مطبق عقله مغفل لا يهتدي في أموره إلى المصالح، قال القرطبي: الرواية التي لا يعرف غيرها عياياء بالعين المهملة، وأو للشك من بعض الرواة وهو عيسى بن يونس كما في عمدة القاري [9/ 468] وفد صرح به أبو يعلى في روايته عن أحمد بن خباب عنه كما في فتح الباري [9/ 263]، وقال الكرماني: أو للتنويع من الزوجة القائلة والأكثرون لم يشكوا وروايتهم بالعين المهملة فالعياياء من العي بمعنى العجز هو الذي تعجزه مجامعة النساء وكذلك في الإبل هو الذي لا يضرب ولا يلقح، وأما غياياء بالغين المعجمة من الغي وهو الانهماك في الشر أو من الغي الذي هو الخيبة من المقصود، قال تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} أي خيبة عن السعادة الأبدية، وأما الطباقاء فقال ابن العربي: الطباقاء المطبق عليه حمقًا، وقال ابن دريد: الطباقاء هو الذي تنطبق عليه أموره، وعن الجاحظ: هو الثقيل الصدر عند الجماع يطبّق صدره على صدر المرأة فيرتفع سفله عنها، وقد ذمت امرأة امرئ القيس فقالت له: ثقيل الصدر خفيف العجز، سريع الإراقة بطيء الإفاقة. والنساء يكرهن صدور الرجال على صدورهن، وقال القاضي عياض: ولا منافاة بين وصفها له بالعجز عند الجماع وبين وصفها بثقل الصدر فيه لاحتمال تنزيله على حالتين كل منهما مذموم

كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ. شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ. أَوْ جَمَعَ كُلالَكِ. قَالتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي، الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ. قَالتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كل داء) ومرض تفرق في الناس فهو (له داء) أي موجود فيه أي كل شيء تفرق في الناس من المعايب الظاهرية والباطنية فهو موجود فيه أي هو موصوف بجميع الأدواء والمعايب مع عييه وعجزه عن الجماع فهو مع ذلك إما أن (شجك) أي جرح رأسك (أو فلك) أي جرح جسدك (أو جمع كلًّا) من الشج والفل (لك) الشج الجرح في الرأس، والفل الجرح في الجسد مأخوذ من فل السيف فلولًا إذا انثلم، وقيل: معناه كسر أسنانها، و (أو) هنا للتقسيم والتنويع تعني أنه في وقت يضربها فيشج رأسها، وفي وقت يؤثر في جسدها، وفي آخر يجمع كل ذلك عليها، وزاد ابن السكيت في روايته (أو بجك) والبج شق القرحة، وقيل: هو الطعنة، ووقع في رواية ابن الزبير بن بكار (إن حدثنيه سبك وإن مازحته فلك وإلا جمع كلا لك) قال القاضي عياض: وصفته بالحمق والتناهي في سوء العشرة وجمع النقائض بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى فإذا حدثته سبها، وإذا مازحته شجها، وإذا أغضبته كسر عضوًا من أعضائها أو شق جلدها أو أغار على مالها أو جمع كل ذلك اهـ. (قالت الثامنة): قيل هي بنت أوس بن عبد (زوجي الريح) منه (ريح زرنب) فيه تشبيه بليغ أي كريم زرنب، والزرنب بتقديم الزاي على الراء ضرب من النبات طيب الرائحة ووزنة فعلل قيل: أرادت طيب رائحة جسده، وقيل طيب ثنائه في الناس، وقيل لين خُلقه وحسن عشرته (والمس) منه (مس أرنب) أي كمس أرنب تعني به أنه لين الجسد عند المس ناعمه كمس جلد الأرنب، وزاد الزبير بن بكار في روايته (وأنا أغلبه والناس يغلب) تعني غلبته بمحبتي له وبمحبته لي ولكنه يغلب الناس الآخرين بشجاعته فوصفته بكثرة محبته لها وبالشجاعة وبالكرم لما قيل في النساء (يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام). (قالت التاسعة): لم أر من ذكر اسمها (زوجي رفيع العماد) أي مرتفع عمود بيته وخيمته لارتفاع بيته وارتفاع باب البيت يدل على شرف أهله وكرامتهم أو على طول قامتهم وكانت العرب تتمادح بالطول وتذم القصر؛ والمراد بالعماد: عمود باب البيت أو

طَويلُ النِّجَادِ. عَظِيمُ الرَّمَادِ. قَرِيبُ الْبَيتِ مِنَ النَّادِي. قَالتِ العَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ. وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيرٌ مِنْ ذلِكِ. لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ. قَلِيلاتُ الْمَسَارحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمود الخيمة، ظاهره أنها وصفته بطول البيت وعلوه فإن بيوت الأشراف والكرماء كذلك فإنهم يعلونها ويضربونها في الأماكن المرتفعة ليقصدهم الطارقون والمحتاجون من الأضياف وغيرهم وبيوت غيرهم قصار (طويل النجاد) بكسر النون أي طويل حمائل السيف جمع حمالة وهو الحبل الذي تعلق به وطوله يدل على طول قامة صاحبه تريد أنه طويل القامة لا قصيرها، والعرب تمدح بطولها وتذم بقصرها (عظيم الرماد) أي كثيره تعني أن نار قراه للأضياف لا تطفأ فرماد ناره كثير عظيم فهو كناية عن جوده وسخائه وكرمه لأن السبب في كثرة الرماد هو كثرة إيقاد النار لطبخ الطعام ولا يحتاج إلى ذلك إلا من يكثر عنده الضيوف (قريب البيت من النادي) أي قريب بيته إلى النادي، والنادي والناد والندي والمندى مجلس القوم ومجتمعهم للمحادثة تريد أن تصفه بالكرم والسودد لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته لأن الضيفان يقصدون النادي، واللئام يبتعدون من النادي تعني أنه سيد في قومه فهم إذا تشاوروا أو تفاوضوا في أمر أتوه فجلسوا قريبًا من بيته فاعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره، ويحتمل أن تريد أن النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه أي لا يحتجب عنهم ويتلقاهم مرحبًا بهم ومبادرًا لإكرامهم ومقتضى حديثها أنها وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة. (قالت العاشرة): قيل اسمها كبشة بنت الأرقم (زوجي) اسمه (مالك وما مالك) هذا تعظيم لزوجها نظير قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} [الحاقة: 1 - 2] وقوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} (مالك خير من ذلك) أي هو أجل من أن أصفه لشهرة فضله وكثرة خيره أو هو إشارة إلى ما ذكرته النسوة الأُخر في الثناء على أزواجهن فتقول: زوجي خير من زوج كل من أثنت على زوجها منكن، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى ما هو في اعتقاد أحد أو تصور أحد من الناس من أوصاف مالك تريد أنه فوق ما يعتقد فيه الإنسان أو يتصوره (له) أي لمالك (إبل كثيرات) في (المبارك) أي في موضع بروكها ومبيتها (قليلات) في (المسارح) ومبارك الإبل موضع بروكها واضطجاعها في الليل، واحده مبرك ومسارحها مواضع رعيها واحده مسرح. واختلف في معناه على

إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالتِ الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ. فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ. وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أكثر بروكها وأقل تسريحها مخافة أن ينزل به ضيف وهي غائبة ذكره أبو عبيد: والثاني: أنها إذا بركت في مراحها كانت كثيرة لتوفر عددها وإذا سُرّحت كانت قليلة لكثرة ما يجزر منها للضيفان قاله ابن أبي أويس. وثالثها: أنها إذا بركت كانت كثيرة لكثرة من ينضم إليها ممن يلتمس لحمها ولبنها وإذا سرّحت كانت قليلة لقلة من ينضم إليها منهم اهـ من المفهم (إذا سمعن) إبله (صوت المزهر) بكسر الميم وفتح الهاء هو العود الذي يُضرب به في اللهو؛ والمراد أن من عادة زوجها أنه كلما نزل به الأضياف أتاهم بالعيدان والمعازف ونحر لهم الإبل فكلما سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد حان وقت نحرهن لقرى الأضياف و (أيقن أنهن هوالك) أي منحورات، وقد ضبط بعضهم المزهر بضم الميم وكسر الهاء وهو موقد النار للأضياف ومعناه أن الإبل إذا سمعت صوت إيقاد النار علمن أنهن هوالك. قال القرطبي: المزهر بكسر الميم وفتح الهاء هو عود الغناء وهو نوع من المزامير معروف عند العرب ومذكور في أشعارهم، وقد أخطأ من قال: إنه مُزهِر بضم الميم وكسر الهاء وفسره بموقد النار في الرواية والمعنى، أما الرواية فلا يصح منها إلا ما ذكرناه وهو كسر الميم وفتح الهاء وأما المعنى فقيل فيه قولان: أحدهما: أنه يتلقى ضيفانه بالغناء مبالغة في الترحيب والإكرام وإظهار الفرح. والثاني: أنه يأتي ضيفانه بالشراب والغناء فإذا سمعت الإبل صوت المزهر والغناء أيقن بنحرهن للأضياف وكلا القولين أمدح ومعناهما أوضح اهـ من المفهم. (قالت الحادية عشرة): وهي أم زرع بنت أكهل بن ساعد (زوجي) كنيته (أبو زرع فما أبو زرع) أي فهل تعرفون جواب من أبو زرع استفهام تعظيم وتعجيب (أناس) بفتح الهمزة وتخفيف النون بمعنى حرّك، وقال ابن السكيت: أناس أي أثقل (من حلي) أي من ذهب (أذني) بصيغة التثنية حتى تدلى واضطرب، والنوس حركة كل شيء متدل، ووقع في رواية ابن السكيت (أذني وفرعي) ومعنى الفرعين اليدان تعني أنه حقى أذنيها ومعصميها (وملأ من شحم) ولحم (عضدي) بصيغة التثنية أيضًا معناه أسمنني وملأ بدني

وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي. وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيمَةٍ بِشِقٍّ. فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ. فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ. وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ شحمًا ولحمًا ولم ترد خصوص العضدين لكن إذا سمنت العضدان سمن غيرهما من الأعضاء (وبجحني فبجحت إلي نفسي) هو بتقديم الجيم على الحاء فيهما وتشديد الجيم في الأول وبكسرها أو فتحها في الثاني، والتبجيح التفريح أي إنه فرحني وسرني فصارت نفسي مسرورة، وقيل: معناه التعظيم والمعنى عليه أنه عظمني فعظصت عندي نفسي أي صارت عظيمة فافتخرت نفسي (وجدني في أهل غنيمة) تصغير غنم (بشق) بكسر الشين وفتحها والمشهور عند أهل الحديث كسرها والمعروف عند أهل اللغة فتحها اسم موضع أي وجدني في أهل غنيمة قليلة نازلين بشق جبل وناحيته لقلتهم وقلة غنمتهم أو المراد منه الجهد والمشقة أي وجدني في أهل غنيمة قليلة كائنين في مشقة وضيق عيش فإن العرب لا تعتد بأهل الغنم وإنما يعتدون بأصحاب الخيل والإبل ومرادها أن أهلها كانوا مقلين في المال والثروة (فجعلني في أهل) فرس ذات (صهيل) وصوت (و) في أهل إبل ذات (أطيط) وحنين (و) في أهل زرع (دالس) أي يدوسون زرعهم (و) في أهل زرع (منق) أي ينقون ويصفون زرعهم من قشوره، والصهيل حمحمة الخيل وصوته، والأطيط صوت الإبل وحنينها وصوت الرحل من ثقل أحمالها أيضًا (ودائس) اسم فاعل من داس الطعام يدوسه دياسة فانداس هو والموضع مداسة والمدوس ما يداس به أي يدق ويدرس، ويقال: داس الشيء برجله يدوسه دوسًا إذا وطئه بها، والدائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره، والمنقي اسم فاعل من التنقية وهو الذي ينقي الطعام أي يخرجه من قشوره وتبنه ويصفيه منها يقال: نقى الطعام والشيء ينقيه تنقية فهو منق؛ ومرادها أن أسرة زوجي كانت غنية كثيرة الخيل والإبل يسمع عندهم أصوات الخيل والإبل ويوجد عندهم الزروع والثمار موفورة، وقد ضبط بعضهم (منق) بكسر النون على أنه اسم فاعل من الإنفاق يقال: أنق إذا صار ذا نقيق وهو أصوات المواشي والأنعام والأكثرون على الأول، قال القرطبي: ومقصود قولها هذا أنها كانت في قوم ضعفاء فقراء فنقلها إلى قوم أغنياء أقوياء (فعنده) أي فعند زوجي أبي زرع (أقول): ما شئت واتكلم (فلا أقبح) أي فلا يعد قولي قبيحًا معيبًا عنده أي لا يعاب على قولي ولا يرد بل يستحسن ويمتثل ويطاع (وأرقد) في الليل (فأتصبح) في النوم أي أديم النوم إلى الصباح لا يوقظني أحد لأني

وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ. أُمُّ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ. وَبَيتُهَا فَسَاحٌ. ابْنُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا ابْنُ أَبِي زَرعٍ؟ مَضجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكرمة مكفية الخدمة والعمل (وأشرب) المشروبات من الماء واللبن وغيرهما (فأتقنح) أي فأشربه على المهل والراحة قليلًا قليلًا، كذا وقع في الصحيحين بالنون أتقنح، ووقع عند غيرهما أتقمح بالميم بدل النون وهو الأظهر من حيث اللغة فإن التقمح هو الثرب حتى لا يحب المرء الشرب فوق ذلك ومنه قمح البعير إذا رفع رأسه من الماء بعد الري، وأما التقنح بالنون فمنهم من لم يعرف معناه، ومنهم من فسره بالشرب بعد الري، ومنهم من فسره بالشرب على مهل، ومنهم من ذكر أنه مرادف للتقمح والحاصل أنها ذكرت أنها تشرب من الماء أو اللبن أو المشروبات الأخرى حتى تروي منها وإنما ذكرته لأن الماء كان عزيزًا في بلاد العرب فوفور الماء دليل على كونها ذات رفاهية وترف (أم أبي زرع) أذكر شأنها (فما أم أبي زرع) أي فمن يعرف قدرها وشأنها أعقبت مدح زوجها بالثناء على أمه وابنه وابنته لأنه من تمام الثناء عليه (عكومها) أي أعدالها وأوعيتها وحقيبتها (رداح) أي مملوءة من الأمتعة تعني أنها كثيرة الأمتعة والقماش والأثاث، والعكوم بضم العين الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة واحدها عكم بكسر العين، وقيل: هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها حكاه الزمخشري في الفائق و (رداح) بكسر الراء وبفتحها بمعنى العظيم الكبير المملوء والمراد أن أوعيتها وحقائبها كبيرة متسعة ولا يكون ذلك إلا لمن كثر متاعها فهو كناية عن كثرة مالها "فإن قلت": إن العكوم جمع عكم ورداح مفرد فكيف أخبرت بالمفرد عن الجمع "قلت": أخبرت عنه به لأنها أرادت بالعكوم الجنس أي جنس عكومها رداح أي إن كل عكم لها فهو رداح أو يقال إن رداحًا مصدرها كذهاب فيصح الاخبار بالمصدر عن الجمع والمثنى والمفرد (وبيتها فساح) أي واسع يقال: بيت فسيح وفساح إذا كان واسعًا وظاهره أنه فسيح الفناء، ويحتمل أن يكون كناية عما يفعل فيه من الخير والمعروف وسعة البيت دالة أيضًا على رغد عيشها وتنعمها (ابن أبي زرع) أذكر شأنه (فما ابن أبي زرع) أي فمن يعرف قدره ومنزلته (مضجعه) أي موضع ضجاعه ورقاده (كمسل شطبة) أي كموضع سل وأخرج منه خيط من خيوط الحصير الذي نُسج من خوص النخل وورقه أي خفيف اللحم قليل المرقد والمضجع، قال أبو عبيد:

ويشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا. وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصل الشطبة ما شُطب وقُطع من سعف النخل، وغصنه من خوصه وورقه فيُشقق خيوطًا رقاقًا يُنسج منها الحصير، وقال ابن السكيت: الشطبة سدى الحصير، والمسل بفتح الميم والسين واللام المشددة اسم مكان من السلول وهو إخراج الشيء من الشيء كسل الشعر من العجين تعني أن مضجعه كموضع سُل وأُخذ منه الشطبة أي خيط الحصير وسداه فيبقى مكانه فارغًا فهو كناية عن خفة جسمه ورقته ونحافته أي أنه يضطجع في مثل هذا المكان القليل الذي سل منه خيط الحصير لخفة جسمه ورقته، وقال ابن الأعرابي: أرادت بمسل الشطبة سيفًا سُل من غمده فمضجعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر مسل شطبة واحدة، وعلى هذا التفسير يكون المسل مصدرًا ميميًا بمعنى المفعول أي مضجعه كموضع الشطبة المسلولة من غمده والشطبة أُريد بها السيف والله أعلم (وبشبعه) عند الأكل (ذراع الجفرة) وهي الأنثى من ولد المعز والذكر جفر وإذا أتى على ولد المعز أربعة أشهر وفُصل عن أمه وأخذ في الرعي أطلق عليه جفر، مدحته بقلة أكله وقلة لحمه وهما وصفان ممدوحان فإن ذراع الجفرة قدر قليل من اللحم فأرادت أنه يقتنع بالقدر القليل وليس بكثير الأكل (بنت أبي زرع) أذكر شأنها (فما بنت أبي زرع) أي فمن يعرف قدرها ومنزلتها، هي (طوع أبيها) أي طائعة ممتثلة أمر أبيها (وطوع أمها) أي طائعة لها تعني أنها بارة بهما، وزاد في رواية الزبير بن بكار (وزين أهلها ونساءها) أي يتجملون بها، وفي رواية للنسائي (زين أمها وزين أبيها) وفي رواية للطبراني: (وقرة عين لأمها وأبيها وزين لأهلها) (وملء كسائها) أي مالئة كسائها وثوبها لضخامتها وسمنها وامتلاء جسمها وكثرة لحمها وشحمها وهو مطلوب في النساء عند العرب أو هو كناية عن المبالغة في ضخامتها بحيث لا يسعها إلا ثوبها، وفي الرواية الآتية (صفر رداءها) والصفر بكسر الصاد وهو الخال، قال القاضي: والمراد به امتلاء منكبيها وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء من أعلى جسدها فلا يمسه فيصير خاليًا بخلاف ما في أسفلها من الكساء فإنه ممتلئ بجسمها (وغيظ جارتها) أي مغيظة مغضبة لجارتها، والجارة: الضرة وليس هو تأنيث الجار والمعنى أنها محسودة لجارتها لجمالها وحسن سيرتها وأخلاقها

جَارِيةُ أَبِي زَرْعٍ. فَمَا جَارِيةُ أَبِي زَرْعٍ؛ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا. وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا. وَلَا تَمْلأُ بَيتَنَا تَعْشِيشًا. قَالتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (جارية أبي زرع) وأمته أذكر شأنها (فما جارية أبي زرع) أي فمن يعرف قدرها ومنزلتها هي (لا تبث) بالباء الموحدة من البث وهو الإظهار والإشاعة أي لا تنثر (حديثنا) أي أخبارنا في الأجانب (تبثيثًا) أي نشرًا وإشاعة وهو مصدر لبثث المضعف من غير لفظ عامله أتى به لتأكيده وصفتها بكتمان ما تسمعه من حديثهم، وهذا يدل على عقلها وأمانتها، ويروى بالنون وهو بمعنى الأول يقال: نث الحديث إذا أفشاه، وفي الصحاح بث الخبر وأبثه إذا أفشاه ونثه بالنون ينثه بالضم كذلك وأنشد: إذا جاوز الاثنين سر فإنه ... ينث وتكثير الوشاة قمين (ولا تنقث) أي لا تنقص (ميرتنا) أي طعامنا طعام البيت الذي نأكل منه (تنقيثًا) أي تنقيصًا بصرفه وإخراجه في غير مصارفه بغير إذننا كالإهداء والهبة للناس، أصل التنقيث الإسراع يقال: خرجت أنقث بالضم أي أسرع السير وكذلك أنتقث، والميرة بكسر الميم الطعام يمتار من موضع إلى موضع، وصفتها بالأمانة في الطعام لا تخرجه من البيت بغير إذننا وحافظة له (ولا تملأ بيتنا تعشيشًا) أي قمامة وكناسة رُوي بالعين المهملة من عش الطير والتعشيش كناية عن ترك القمامة في البيت، والمعنى أنها تتعهد بيتنا بالنظافة والكنس ولا تترك كناسة في البيت بل تهتم بتنظيف البيت وإزالة القمامة منه ولا تملأه بالقمامة حتى صارت كأنها أعشاش الطير، ورُوي بالغين المعجمة (تغشيشًا) أيضًا من الغش والخيانة أي لا تخوننا في شيء من ذلك ولا تترك النصيحة في شغل البيت. (قالت) أم زرع: (خرج أبو زرع) يومًا من البيت (والأوطاب) أي والحال أن أوطاب لبننا وأوانيه وحلابه (تمخض) بضم التاء وسكون الميم وفتح الخاء على صيغة المبني للمجهول أي يجعل لبنها مخيضًا لاستخراج الزبدة منه، والأوطاب جمع وطب بفتح الواو وسكون الطاء وهو من الجموع النادرة فإن (فعلا) في الصحيح قياسه في القلة أن يأتي على أفعل وفي الكثرة على فعول كفلس وأفلس وفلوس وهي أسقية اللبن (وتمخض) بمعنى تحرك ليخرج زبدها وكان يفعل ذلك عادة في الصباح الباكر فكأنها أرادت أن أبا زرع خرج مبكرًا، ويحتمل أن يكون مخض الأوطاب كناية عن زمن

فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَينِ. يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَينِ. فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا. فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا. رَكِبَ شَرِيًّا. وَأَخَذَ خَطِّيًّا. وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا. وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الخصب وطيب الربيع تعني أنه خرج في زمن الخصب صباحًا من البيت (فلقي) أي رأى (امرأة معها ولدان لها كالفهدين) في كثرة الأكل والنوم (يلعبان من تحت خصرها) وكشحها (برمانتين) حقيقيتين، قال أبو عبيد: معناه أنها ذات كفل عظيم -وفي القاموس الكفل محركة العجز والدبر يُجمع على أكفال كسبب وأسباب -أي ذات دبر عظيم وعجيزة كبيرة فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها عن الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان فكان الولدين كانا يلعبان برمانتين حقيقتين فيرمي بهما أحدهما من جانب وتخرجان من جانب آخر، وقال القرطبي: قال بعضهم: المراد بالرمانتين هنا ثديا المرأة ومعناه أن لها نهدين حسنين صغيران كالرمانتين، قال القاضي: وهذا أرجح لا سيما وقد رُوي (من تحت صدرها) و (من تحت درعها) ولأن العادة لم تجر برمي الصبيان الرمان تحت ظهور أمهاتهم ولا جرت العادة أيضًا باستلقاء النساء كذلك حتى يشاهده منهن الرجال، قالت أم زرع: (فطلقني) أبو زرع (ونكحها) أي ونكح تلك المرأة (فنكحت) أي تزوجت (بعده) أي بعد أبي زرع (رجلًا سريًا) أي رجلًا سيدًا شريفًا فالسري السين المهملة السيد الشريف يُجمع على سراة (ركب) فرسًا (شريًا) أي سريع الجري، والشري بالشين المعجمة من استشرى الفرس إذا لج في سيره ومضى فيه، وقال يعقوب: فرس شري خيار وهو بالمعجمة لا غير (وأخذ) رمحًا (خطيًا) بفتح الخاء المعجمة وكسرها أي رمحًا منسوبًا إلى الخط قرية من سيف الجر أي ساحله عند عمان والبحرين، قال أبو الفتح: قيل لها الخط لأنها على ساحل البحر والساحل يقال له الخط لأنه فاصل بين الماء والتراب وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع وتثقف فيه (و) رجلًا (أراح عليّ) في المساء أي رجع عليّ (نعما ثريا) أي نعمًا كثيرًا إلى مراحها أي أتى بها إلى مراحها بضم الميم وهو موضع مبيتها والنعم الإبل والبقر والغنم، وذكر بعضهم أن المراد به هنا الإبل فقط والثري الكثير من المال (وأعطاني) ذلك الرجل (من كل رائحة) أي من كل بهيمة رائحة من المرعى إلى المراح (زوجًا) أي اثنين اثنين والمراد بالرائحة هنا ما يروح من الإبل والبقر والغنم من المرعى إلى المراح في الليل

قَال: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيءٍ أَعْطَاني مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالت عَائِشَةُ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو اسم فاعل من راح يروح روحًا فـ (قال) لي ذلك الرجل: (كلي) يا (أم زرع) ما شئت من طعامي (وميري) أي أرسلي (أهلك) منه أي أعطيهم الميرة وصليهم بها أي أباح لها أن تأكل ما شاءت من طعامه وأن تبعث منه بما شاءت لأهلها مبالغة في إكرامها واحترامها ومع ذلك كله فكانت أحواله كلها عندها محتقرة بالنسبة إلى أبي زرع ولذلك قالت: (فلو جمعت كل شيء أعطاني) هذا الرجل الثاني (ما بلغ) الذي أعطانيه ولا ساوى (أصغر آنية أبي زرع) أي أقل ما أعطانيه أبو زرع، وسبب ذلك أن أبا زرع كان الحبيب الأول كما قال أبو تمام: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدًا لأول منزل (قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع) أي أنا لك كأبي زرع .. إلخ نظير قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ} أي أنتم خير أمة ويمكن بقاؤه على ظاهره أي كنت لك في علم الله السابق ويمكن أن يكون مما أريد به الدوام كقوله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} وقوله صلى الله عليه وسلم لها ذلك تطييب لقلبها ومبالغة في حسن عشرتها، زاد في رواية الهيثم ابن عدي (في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء) وزاد الزبير في آخره (إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك) وزاد النسائي في رواية له والطبراني (قالت عائشة: يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع) وفي أول رواية الزبير (بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع). وقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) يدل على محبته صلى الله عليه وسلم لعائشة وفي محبته إياها فضيلة لها وبهذا طابق الحديث الترجمة وأدخلوه في ترجمة فضل عائشة رضي الله تعالى عنها وهذه القطعة هي المقصودة من الحديث ومغناه في هذا الباب، وفي الحديث منع الفخر بحطام الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "اسكتي يا عائشة" وجواز إخبار الرجل زوجته بحسن صحبته وإحسانه إليها اهـ من المبارق باختصار.

6151 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: وحديث أم زرع هذا فيه أحكام منها جواز محادثة الأهل ومباسطتهن بما لا مانع منه، وفيه جواز إعلام الزوج زوجته بمحبته إياها بالقول كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع "إذا لم يؤد ذلك إلى مفسدة في حاله بحيث تهجره وتتجرأ عليه، وفيه ما يدل على أن ذكر عيوب من ليس بمعين لا يكون غيبة، وفيه جواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات الأحاديث وتنشيط النفوس بذلك، وجواز ذكر محاسن الرجال للنساء ولكن إذا كانوا مجهولين بخلاف المعين فإن ذلك هو المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها" رواه الطبراني في الكبير [10/ 73] وفيه ما يدل على جواز الكلام بالألفاظ الغريبة والأسجاع وأن ذلك لا يكره وإنما يكره تكلف ذلك في الدعاء اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في النكاح باب حسن المعاشرة مع الأهل [5189]، والترمذي في كتاب الشمائل باب ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6151 - (00) (00) (وحدثنيه الحسن بن علي) الخلال (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا موسى بن إسماعيل) التميمي المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف التبوذكي بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة سمي بذلك لأنه اشترى دارًا بتبوذك فنُسب إليها والتبوذكي من يبيع ما في بطون الدجاج من القلب والقانصة اهـ تقريب التهذيب، أبو سلمة البصري، روى عن سعيد بن سلمة في الفضائل وجرير بن حازم ومهدي بن ميمون وغيرهم، ويروي عنه (ع) والحسن الحلواني وأبو زرعة ومحمد بن يحيى وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من صغار التاسعة، مات سنة (223) ثلاث وعشرين ومائتين (حدثنا سعيد بن سلمة) بن أبي الحسام العدوي مولاهم مولى آل عمر بن الخطاب أبو عمرو الدوسي المدني، روى عن هشام بن عروة في

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ. وَلَمْ يَشُكَّ وَقَال: قَلِيلاتُ الْمَسَارحِ. وَقَال: وَصِفْرُ رِدَائِهَا. وَخَيرُ نِسَائِهَا. وَعَقْرُ جَارَيهَا. وَقَال: وَلَا تَنْقُثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا. وَقَال: وَأَعْطَانِي مِن كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوْجًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الفضائل، وأبيه وزيد بن أسلم وطائفة، ويروي عنه (م دس) وموسى التبوذكي ومحمد بن أبي بكر المقدمي والعقدي، له فرد حديث عن (م) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: شيخ ضعيف، وقال في التقريب: صدوق، صحيح الكتاب يخطئ من حفظه، من السابعة (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أخيه عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن سلمة لعيسى بن يونس (غير أنه) أي لكن أن سعيد بن سلمة (قال) في روايته: (عياياء طباقاء ولم يشك) سعيد كما شك عيسى بن يونس (وقال) سعيد بن سلمة أيضًا: (قليلات المسارح) أي لا يوجهها تسرح إلى المرعى إلا قليلًا، ولم يذكر مع هذه اللفظة لفظة (كثيرات المبارك) بل اقتصر على هذه ولم يذكر ذلك (وقال) سعيد بن سلمة أيضًا: (وصفر ردائها) أي خالية ردائها لأنها ضامرة البطن لا تملأ رداءها بجسمها قاله الهروي، وقال غيره: معناه أنها خفيفة أعلى البدن وهو موضع الرداء ممتلئة أسفله وهو موضع الكساء أي قال سعيد لفظة (صفر ردائها) بدل قول عيسى (ومل كساءها) فلا تعارض بين العبارتين كما مر الجمع بينهما هناك بأن كونها ملء كساءها بالنظر إلى أسافل بدنها وكونها صفر ردائها بالنظر إلى أعلى بدنها، وقال سعيد أيضًا: (وخير نسائها وعقر جارتها) أي طعنة ضرتها ودهشتها وحيرتها لجمالها وحسن قذها لأنها تغيظ الضرة بجمالها فتصير الضرة كمعقور مطعون أي قال سعيد: هذه اللفظة بدل قول عيسى (وغيظ جارتها) مع زيادة لفظة (وخير نسائها) أي خير نساء عشيرتها بجمالها وحسن خلقها (وقال) سعيد أيضًا: (ولا تنقث) بفتح التاء وسكون النون بصيغة الثلاثي الذي من باب نصر بخلاف عيسى فإنه قال: (تنقث) بصيغة الرباعي المضعف (ميرتنا تنقيثًا) بوزن تفعيلًا فجاء المصدر في هذه الرواية على غير لفظ فعله بخلاف رواية عيسى فإنه جاء على لفظ فعله (وقال) سعيد أيضًا (وأعطاني من كل ذابحة زوجًا) بدل قول عيسى (من كل رائحة) أي من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة عشر حديثًا: الأول: حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث عائشة الرابع ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث عائشة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث عائشة السادس ذكره للاستشهاد، والسابع حديث عائشة السابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث عائشة الثامن ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث عائشة التاسع ذكره للاستشهاد، والعاشر: حديث عائشة العاشر ذكره للاستشهاد، والحادي عثر: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والثالث عشر: حديث عائشة الحادي عشر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع عشر: حديث عائشة الأخير المعروف بحديث أم زرع وهو الثاني عثر من أحاديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة فجملة ما في الباب أربعة عشر حديثًا اثنا عشر منها لعائشة وواحد لأنس وواحد لأبي موسى والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها

708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها ـــــــــــــــــــــــــــــ 708 - (22) والباب العاشر منها باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأرضاها لطيب منبتها وشرفه، وقد اختلف في أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمرو: والذي تسكن النفس إليه أن زينب هي الأولى ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة إحدى وأربعين من مولده صلى الله عليه وسلم وتزوجها علي رضي الله عنهما بعد وقعة أحد، وقيل بعد أن ابتنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله تعالى عنها بأربعة أشهر ونصف شهر وبنى بها علي بعد تزوجها بستة أشهر ونصف وكان سنها يوم تزوجها علي رضي الله عنهما خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفًا وسن علي يومئذٍ إحدى وعشرون سنة وستة أشهر، وولدت الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب وتوفيت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير، قيل بثمانية أشهر، وقيل بستة أشهر، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بسبعين يومًا، وقيل بمائة يوم، وهي أحب بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وأكرمهن عنده وشدة نساء أهل الجنة على ما تقدم في باب خديجة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ثم يبدأ ببيت فاطمة فيسأل عنها ثم يدور على سائر نسائه إكرامًا لها واعتناءً بها وهي أول من ستر نعشها في الإسلام وذلك أنها لما احتضرت قالت لأسماء بنت عميس: إني قد استقبحت ما يفعل بالنساء إنه يطرح على المرأة الثوب يصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئًا رأيته في الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي أحدًا، فلما توفيت جاءت عائشة لتدخل فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر فقالت: إن هذه الخثعمية (الحبشية) تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدخلن علي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس، فقالت: أمرتني أن لا يدخل عليها أحد وأريتها هذا الذي صنعت فأمرتني أن أصنع ذلك بها، قال أبو بكر رضي الله عنه: اصنعي

6257 - (93) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. قَال ابْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا لَيثٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيكَةَ الْقُرَشِيُّ التَّيمِيُّ؛ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ، عَلِيَّ بن أَبِي طَالِبٍ. فَلَا آذَنُ لَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أمرتك، ثم انصرف وغسلها علي، وأشارت أن يدفنها ليلًا، وصلى عليها العباس، ونزل في قبرها هو وعلي والفضل، وتوفيت وهي بنت ثلاثين سنة، وقيل: بنت خمس وثلاثين سنة اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه فقال: 6152 - (2431) (185) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وقتيبة بن سعيد كلاهما عن الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري (قال) أحمد (بن يونس: حدثنا ليث حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان (القرشي التيمي) المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (أن المسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبا عبد الرحمن المكي رضي الله عنهما، روى عنه في (6) أبواب (حدثه) أي حدّث لابن أبي مليكة (أنه) أي أن المسور (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) خطيبًا (على المنبر) هذا السند من رباعياته (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول) في خطبته: (أن بني هشام بن المغيرة) وهشام بن المغيرة جد مخطوبة علي التي هي بنت أبي جهل لأن أبا جهل اسمه عمرو بن هشام بن المغيرة ووالد أبي جهل وبنوه أعمام المخطوبة (أستأذنوني) أي طلبوا مني الإذن لهم في (أن ينكحوا) ويزوجوا (ابنتهم) التي هي ابنة أبي جهل لي (علي بن أبي طالب فـ) والله الذي لا إله إلا غيره (لا أن لهم) أي يزوجوه (ثم لا أن لهم ثم آذن لهم) قال الحافظ: كرر ذلك تأكيدًا، وفيه إشارة إلى تأبيد مدة منع الإذن كأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها، فقال: ثم لا آذن، أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرًا بعدها ثم كذلك أبدًا اهـ وقال القرطبي: كرره تأكيدًا لمنع الجمع بين فاطمة وبين ابنة أبي جهل لما خاف النبي صلى

ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ. ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ. إلا أَنْ يُحِبَّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ. فَإنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي. يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا. وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم على فاطمة من الفتنة من أجل الغيرة ولما توقع من مناكدة هذه الضرة لأن عداوة الآباء قد تؤثر في الأبناء اهـ من المفهم. قوله: (أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب) هكذا وقع في رواية ابن أبي مليكة أن سبب الخطبة استئذان بني هشام بن المغيرة، ووقع عند الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة أن عليًّا خطب بنت أبي جهل فقال له أهلها: لا نزوجك على فاطمة، فكان ذلك سبب استئذانهم، ووقع في رواية عبيد الله بن أبي زياد عند ابن حبان في صحيحه أن عليًّا خطب بنت أبي جهل على فاطمة فبلغ ذلك فاطمة فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الناس يزعمون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، وجاء أيضًا أن عليًّا رضي الله عنه استأذن بنفسه فأخرج الحاكم بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة وهو أحد المخضرمين قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعن حسبها تسألني" فقال: لا ولكن أتأمرني بها؟ قال: "لا، فاطمة مضغة مني ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع" فقال علي: لا آتي شيئًا أنت تكرهه. (إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم) أي ابنة بني هشام (فإنما ابنتي بضعة مني) بفتح الباء لا غير وسكون الضاد أي قطعة مني فالبضعة القطعة من اللحم وتُجمع على بضاع كقصعة وقصاع مأخوذة من البضع وهو القطع، وقد وقع في رواية علي بن حسين الآتية قريبًا مضغة مني والمضغة قطعة من اللحم قدر ما يمضغها الماضغ يعني بذلك أنها كالجزء منه يؤلمه ما آلمها (يريبني) بفتح الياء من راب الثلاثي من باب باع، ووقع في رواية البخاري (يريبني ما أرابها) بضم الياء من أراب الرباعي، قال الفراء: كلاهما بمعنى واحد، وقال إبراهيم الحربي: الريب ما رابك وشوشك من كل شيء خفت عقباه أي يشوشني (ما رابها) أي ما شوشها (ويوذيني) أي يؤلمني ويتعبني ويشق عليّ (ما آذاها) أي ما آلمها وشق عليها، وذكر الحافظ في الفتح أن فاطمة رضي الله تعالى عنها كانت أُصيبت بموت أمها ثم بأخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تُفضي إليه سرها إذا حصلت لها الغيرة اهـ.

6153 - (00) (00) حدّثني أَبُو مَعْمَرٍ، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبرَاهِيمَ الْهُذَلِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي. يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا". 6154 - (00) (00) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 328]، والبخاري في مواضع منها في مناقب فاطمة [3767]، وأبو داود في النكاح باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء [2069 إلى 2071]، والترمذي في المناقب باب مناقب فاطمة رضي الله تعالى عنها [3866]، وابن ماجه [1998]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما فقال: 6153 - (00) (00) (حدثني أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم) بن معمر (الهذلي) أبو معمر البغدادي القطيعي -بفتح فكسر نسبة إلى قطيعة الدقيق محلة ببغداد- ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار (عن) عبد الله (بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لليث بن سعد (قال) المسور: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما فاطمة بضعة) أي قطعة (مني يؤذيني) أي يؤلمني ويحزنني (ما آذاها) أي ما يؤلمها ويحزنها ويشوشها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما فقال: 6154 - (00) (00) (حدثني أحمد) بن محمد (بن حنبل) الشيباني المروزي، ثقة إمام حجة، من (10) (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (9). (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم أبي محمد المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة) بمهملتين مفتوحتين

الدُّؤَلِيُّ؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَينِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوَيةَ، مَقْتَلَ الْحُسَينِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ. فَقَال لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قَال: فَقُلْتُ لَهُ: لَا. قَال لَهُ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَإِني أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيهِ. وَايمُ اللهِ، لَئِنْ اعْطَيتَنِيهِ لَا يُخلَصُ إِلَيهِ أَبَدًا، حَتى تَبْلُغَ نَفْسِي ـــــــــــــــــــــــــــــ بينهما لام ساكنة (الدؤلي) بضم الدال وفتح الهمزة، ويقال فيه الديلي بكسر الدال وسكون الياء المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (أن ابن شهاب حدّثه) أي حدّث لمحمد بن عمرو (أن) زين العابدين (علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (حدّثه) أي حدث لابن شهاب (أنهم) أي أن أولاد حسين بن علي بن أبي طالب (حين قدموا المدينة) المنورة (من عند يزيد بن معاوية مقتل) أي زمن قتل (الحسين بن علي) بن أبي طالب (رضي الله عنهما لقيه) أي لقي علي بن الحسين (المسور بن مخرمة) رضي الله عنهما. وهذا السند من ثمانياته كما بيناه في الجهيريات (فقال) المسور إله) أي لعلي بن الحسين: (هل لك) يا علي (إليّ من حاجة تأمرني بها؟ قال) علي بن الحسين: (فقلت له) أي للمسور: (لا) حاجة لي إليك فـ (قال) المسور بن مخرمة (له) أي لعلي بن الحسين: (هل أنت) يا علي (معطيّ) بإضافته إلى ياء المتكلم أي هل أنت معط إليّ (سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم) أي قوم بني أمية (عليه) أي على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذوه منك (وايم الله) أي اسم الله قسمي (لئن أعطيتنيه) أي لئن أعطيتني سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يخلص) بالبناء للمجهول أي لا يصل (إليه) أي إلى ذلك السيف أحد منهم (أبدًا حتى تبلغ نفسي) وروحي إلى حلقومي، وهذا كناية عن قتل بسبب أخذه السيف يعني أنه يحفظ هذا السيف ولا يسلمه إلى أئمة بني أمية وهم المراد بقوله: إني أخاف أن يغلبك القوم عليه ولو اضطررت لحفظه إلى بذل نفسي وروحي. وقال الحافظ في نكاح الفتح [9/ 227] ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين حتى قال: إنه لو أودع عنده السيف لا يمكن أحدًا منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه ابن ابن أبي فاطمة محتجًا بحديث الباب ولم يراع خاطره في أن

إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ. فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذلِكَ، عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَال: "إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي. وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض من جده علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضى أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم من الإنكار ما وقع بل أتعجب من المسور تعجبًا آخر أبلغ من ذلك وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعاية لخاطر ولد ابن فاطمة وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه أعني الحسين والد علي الذي وقعت له معه القصة حتى قُتل بأيدي ظلمة الولاة لكن يحتمل أن الحسين لما خرج إلى العراق ما كان المسور وغيره من أهل الحجاز يظنون أن أمره يؤول إلى ما آل إليه من القتل اهـ منه. وقول المسور: (هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم) .. إلخ قال الحافظ في جهاد الفتح [6/ 214] أراد المسور بذلك صيانة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يأخذه من لا يعرف قدره والذي يظهر أن المراد بالسيف المذكور ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ورأى فيه الرؤيا يوم أحد، وفيه جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والاحتفاظ بها اهـ. (إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يخطب الناس في ذلك) أي في إيذاء فاطمة (على منبره هذا) الذي كان في المسجد النبوي، قال المسور: سمعته صلى الله عليه وسلم (وأنا يومئذٍ) أي يوم إذ سمعته وهو يخطب (محتلم) أي بالغ (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم بعد تشهده كما هو مصرح في بعض الرواية: (أن فاطمة) بضعة (مني واني أتخوف) أي أخاف وهو من باب تفعل الخماسي ولكن بمعنى الثلاثي (أن تفتن في دينها) أي بسبب الغيرة الناشئة من الطبيعة البشرية. قال الكرماني: مناسبة ذكر المسور لقصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه السيف من جهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب رفاهية خاطر فاطمة رضي الله تعالى عنها فأنا أيضًا أحب رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها فأعطني السيف حتى أحفظه لك

قَال: ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ. فَأَثْنَى عَلَيهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ. قَال: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي. وَوَعَدَنِي فَأَوْفَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) المسور: (ثم ذكر) النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته تلك (صهرًا له من بني عبد شمس) هو أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصهر يطلق على زوج المرأة وأقاربه وأقارب المرأة مشتق من صهرت الشيء وأصهرته إذا قربته (فأثنى) النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على ذلك الصهر (في مصاهرته) أي مصاهرة ذلك الصهر (إياه) صلى الله عليه وسلم (فأحسن) صلى الله عليه وسلم أي أحسن الثناء على ذلك الصهر وبالغ في ثنائه، والمصاهرة مفاعلة من الجانبين بمعنى المقاربة بين الأجانب وبين المتباعدين (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في ثنائه: (حدثني) ذلك الصهر بأنه يرد أموال قريش وشسلم هو كما سيأتي في آخر القصة الآتية: (فصدقني) ذلك الصهر فيما حدثني به من رد أموال قريش وإسلامه هو كما سيأتي قريبًا (ووعدني) ذلك الصهر بأني أرسل لك بنتك إلى المدينة حين بقي هو على الشرك (فأوفى) ذلك الوعد (لي) بإرسالها إليّ في المدينة، ولعل هذا إشارة له إلى أن أبا العاص لما أُسر يوم بدر أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يرسل زوجته زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوفى بذلك وأرسلها. قال القرطبي: هذا الصهر هو أبو العاص زوج ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها واسمه لقيط عند الأكثر، وقيل: هشيم أو مهشم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة لأبيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكحه زينب وهي أكبر بناته وذلك بمكة فأحسن عشرتها، وكان محبًا لها، وأرادت منه قريش أن يطفقها فأبى، فشكر له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثم إنه حضر مع المشركين ببدر فأُسر وحمل إلى المدينة فبعثت فيه زينب قلادتها فردت عليها وأطلق لها، وكان وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسلها إليه ففعل وهاجرت زينب فبقي هو بمكة على شركه إلى أن خرج في عير لقريش تاجرًا وذلك قبيل الفتح بيسير فعرض لتلك العير زيد بن حارثة في سرية من المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها وأفلت أبو العاص هاربًا إلى أن جاء إلى المدينة فاستجار بزينب فأجارته، وكلم النبي صلى الله عليه وسلم الناس في رد جميع ما أخذ من

لِي. وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا. وَلكِنْ، وَاللهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبدًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك العير ففعلوا وقال: إنه يرد أموال قريش ويسلم ففعل ذلك فلذلك شكره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي اهـ من المفهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته تلك (وإني لست أحرم حلالًا) كتزوج الرجل فوق واحدة إلى أربع (ولا أحل حرامًا) حرمه الله تعالى، قال النووي: أي لا أقول شيئًا يخالف حكم الله فإذا أحل شيئًا لم أحرمه وإذا حرمه لم أحله ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله اهـ منه (ولكن والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لا تجتمع بنت رسول الله) صلى الله عليه وسلم (وبنت عدو الله مكانًا واحدًا) أي في مكان واحد أي في عصمة رجل واحد، وقوله: (أبدًا) ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان متعلق بقوله: لا تجتمع. قال القرطبي: قوله: (لست أحرم حلالًا) .. إلخ صريح في أن الحكم بالتحليل والتحريم من الله تعالى، وإنما الرسول مبلغ ويستدل به في منع اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام وفي منع جواز تفويض الأحكام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة فيه لأن اجتهاد المجتهد لا يوجب الأحكام ولا ينشئها وإنما هو مظهر لها ويفيد هذا أن حكم الله على علي وعلى غيره التخيير في نكاح ما طاب من النساء إلى الأربع ولكن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منع عليًّا من ذلك لما خاف على ابنته من المفسدة في دينها من ضرر عداوة تسري إليها فتتأذى في نفسها فيتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بسببها وأذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام فيحرم ما يؤدي إليه، ففيه القول بسد الذرائع وإعمال الصالح وأن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من حرمة غيره، وتظهر فائدة ذلك بأن من فعل منا فعلًا يجوز له فعله لا يمنع منه وإن تأذى بذلك الفعل غيره وليس ذلك حالنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بل يحرم علينا مطلقًا فعل كل شيء يتأذى به النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في أصله مباحًا لكنه إن أدى إلى أذى النبي صلى الله عليه وسلم ارتفعت الإباحة ولزم التحريم، وفيه ما يدل على جواز غضب الرجل لابنته وولده وحرمه وعلى الحرص في دفع ما يؤدي لضررهم إذا كان ذلك بوجه

6155 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَينٍ؛ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ. وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ جائز، وفيه ما يدل على جواز خطبة الإمام الناس وجمعهم لأمر يحدث اهـ من المفهم. وفي الحديث أن الغيراء إذا خشي عليها أن تفتن في دينها كان لوليها أن يسعى في إزالة ذلك إذا لم يكن عندها من تتسلى به ويخفف عنها الهم، ومن هنا يؤخذ جواب من استشكل اختصاص فاطمة بذلك مع أن الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى خشية الافتتان في الدين ومع ذلك فكان صلى الله عليه وسلم يستكثر من الزوجات وتوجد منهن الغيرة ومع ذلك ما راعى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حقهن كما راعاه في حق فاطمة، ومحصل الجواب أن فاطمة كانت إذ ذاك فاقدة من تركن إليه ممن يؤنسها ويزيل وحشتها من أم أو أخت بخلاف أمهات المؤمنين فإن كل واحدة منهن كانت ترجع إلى من يحصل لها معه ذلك وزيادة عليه وهو زوجهن صلى الله عليه وسلم لما كان عنده من الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر بحيث إن كل واحدة منهن ترضى منه لحسن خلقه وجميل خلقه بجميع ما يصدر منه بحيث لو وجد ما يخشى وجوده من الغيرة لزال عن قرب اهـ من فتح الباري. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث المسور رضي الله عنه فقال: 6155 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (الدارمي) السمرقندي، ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرني أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري أخبرني علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة أخبره أن علي بن أبي طالب) رضي الله عنهم. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لمحمد بن عمرو بن حلحلة (خطب بنت أبي جهل) اسمها العوراء، وقيل جويرية، وقيل جرهمة اهـ تنبيه المعلم (و) الحال (عنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) جملة حالية من فاعل خطب (فلما سمعت بذلك) أي بخطبة علي رضي الله عنهما (فاطمة أتت النبي صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالتْ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ. وَهَذا عَلِيٌّ، نَاكِحًا ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ. قَال الْمِسْوَرُ: فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ. ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ. فَإنِي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ. فَحَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي. وَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ مُضْغَةٌ مِنِّي. وَإِنَّمَا أَكرَهُ أَنْ يفْتِنُوهَا. وَإِنَّهَا، وَاللهِ، لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبدًا" قَال: فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم فقالت له) صلى الله عليه وسلم: (أن قومك) وعشيرتك (يتحدثون) فيما بينهم (أنك لا تغضب) يا والدي ولا تغير (لبناتك) أي للتزوج علي بناتك (وهذا علي) زوجي مبتدأ وخبر، وقوله: (ناكحًا) بالنصب حال من علي أي حالة كونه مريدًا نكاح (ابنة أبي جهل) لأنه خطبها، وبالرفع خبر ثان عن اسم الإشارة ويكون الخبر الأول توطئة له لأن الثاني هو المقصود بالحكم قال القرطبي: كذا الرواية ناكحًا بالنصب على الحال لأن الكلام قبله مستقل بنفسه لأن قولها هذا علي كقولك هذا زيد لكن رفعه أحسن لو رُوي لأنه هو المقصود بالإفادة وعلي توطئة له اهـ من المفهم (قال المسور) بالسند السابق (فقام النبي صلى الله عليه وسلم) خطيبًا على المنبر (فسمعته) صلى الله عليه وسلم (حين تشهد) في خطبته أي أتى بالشهادتين (ثم) بعدما تشهد النبي صلى الله عليه وسلم (قال: أما بعد فإني أنكحت) وزوجت (أبا العاص) لقيط (بن الربيع) بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمي ابنتي زينب فحدثني بأنه يسلم (فصدقني) فيما حدثني (وإن فاطمة بنت محمد مضغة) أي قطعة (مني) يؤذيني ما آذاها (وإنما كره أن يفتنوها) أي أن يفتن بنو هاشم بن المغيرة وعلي بنتي فاطمة في دينها (وإنها) أي وإن القصة وجملة القسم في قوله: (والله) معترضة بين إن وخبرها أتى بها لتأكيد الكلام (لا تجتمع بنت رسول الله) صلى الله عليه وسلم (وبنت عدو الله عند رجل واحد) أي في عصمته (أبدًا) أي أمدًا وعوضًا، وفي هذا دليل على أن الأصل أن ولد الحبيب حبيب وولد العدو عدو إلى أن يتيقن خلاف ذلك اهـ من المفهم. (قال) المسور بالسند السابق (فترك علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (الخطبة) أي خطبة بنت أبي جهل وغيرها ولم يتزوج عليها ولا تسرى حتى ماتت فاطمة رضي الله تعالى عنها.

6156 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ. حَدَّثَنَا وَهْبٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ)، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، (يَعْنِي ابْنَ رَاشِدٍ)، يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 6157 - (2432) (186) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث المسور رضي الله عنه فقال: 6156 - (00) (00) (وحدثنيه) زيد بن يزيد الثقفي (أبو معن الرقاشي) بتخفيف القاف البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا وهب يعني ابن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو العباس البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن أبيه) جرير بن حازم، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (قال) جرير: (سمعت النعمان يعني ابن راشد) الجزري أبا إسحاق الرقي مولى بني أمية، قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال البخاري وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: صدوق فيه ضعف، وقال في التقريب: صدوق سيء الحفظ، من (6) روى عنه في (2) بابين باب النكاح وباب فضائل فاطمة، حالة كون النعمان (يحدّث عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن علي بن الحسين عن المسور، غرضه بيان متابعة النعمان لشعيب بن أبي حمزة، وساق النعمان (نحوه) أي نحو حديث شعيب. ثم استشهد المؤلف لحديث المسور بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6157 - (2432) (186) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، من (5) (عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثني زهير بن حرب واللفظ له حدثنا يعقوب بن

إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَعَا فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فَسَارَّهَا. فَبَكَت. ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ. فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِفَاطِمَةَ: مَا هَذَا الَّذِي سَارَّكِ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيتِ، ثُمَّ سَارَّكِ فَضَحِكْتِ؟ قَالتْ: سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي بِمَوْتِهِ، فَبَكَيتُ. ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَضَحِكْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم) بن سعد الزهري، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (أن عروة بن الزبير حدّثه) أي حدّث لسعد بن إبراهيم (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (حدثته) أي حدثت لعروة بن الزبير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (فسارّها) أي كلم فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سرًّا (فبكت) فاطمة بكاة شديدًا لأنه أخبرها بحضور أجله (ثم) لما رأى جزعها (سارّها) أي كلمها سرًّا بأنك أول أهلي لحوقًا بي وبأنك سيدة نساء أهل الجنة (فضحكت) فرحًا بذلك (فقالت عائشة) بالسند السابق (فقلت لفاطمة: ما هذا) الأمر (الذي سارّك به) أي أخبرك به سرًّا (رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت) بسببه (ثم سارّك) أي كلمك سرًّا مرة ثانية (فضحكت) به. قال القرطبي: والسرار السر والسر ضد الجهر يقال: سارره يسارره سرًّا وسرارًا ومسارة، وبكاء فاطمة في أول مرة كان حزنًاعلى النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلمها بقرب أجله، وضحكها ثانية فرحًا بما بشرها به من السلامة من فتنة هذه الدار ولقرب الاجتماع به وبالفوز بما لها من عند الله من الكرامة وكفى بذلك أن قال لها: إنها سيدة نساء أهل الجنة اهـ من المفهم. وهنا حذف واختصار من رواية عروة كما تدل عليه رواية مسروق الآتية تقديره فقالت فاطمة لعائشة: ما كنت أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، قالت عائشة: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لفاطمة: عزمت عليك بما لي عليك من الحق إلا حدثتني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ (قالت) فاطمة لعائشة: سارني رسول الله صلى الله عليه وسلم أولًا أي كلمني سرًّا (فأخبرني بموته فبكيت) لذلك (ثم سارني) ثانية (فأخبرني أني أول من يتبعه) ويلحقه موتًا (من أهله) أي من أهل بيته صلى الله عليه وسلم وأقاربه (فضحكت) لذلك فرحًا بلحوقه.

6158 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ. لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً. فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي. مَا تُخْطِئُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 182] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به [6285] وأبو داود في الأدب باب ما جاء في القيام [5217]، والترمذي في مناقب فاطمة [3871]، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم [1621]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6158 - (00) (00) (حدثنا أبو كامل الجحدري) نسبة إلى أحد أجداده (فضيل بن حسين) البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (19) بابا (عن فراس) بكسر أوله وبمهملة بن يحيى الهمداني أبي يحيى الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مسروق لعروة بن الزبير (قالت) عائشة: (كن) بضم الكاف وفتح النون المشددة بإدغام نون كان في نون الإناث وهو فعل ماض ناقص واسمه وقوله: (أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) بالرفع بدل من اسم كان أي كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعات (عنده) صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة في مرض موته بأمره إياهن بالاجتماع عنده (لم يغادر) النبي صلى الله عليه وسلم أي لم يترك (منهن واحدة) أي لم يترك ولم يغفل عن واحدة منهن وهذا كان لما اشتد مرضه ومُرِّض في بيت عائشة اهـ مفهم (فأقبلت فاطمة) بنته صلى الله عليه وسلم أي جاءت بعد اجتماعهن عنده صلى الله عليه وسلم كما دلت عليه فاء التعقيب حالة كونها (تمشي) كمشية رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تخطئ)

مِشْيَتهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيئًا. فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا. فَقَال: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي" ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ. ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا. فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَت. فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَينِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ. ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ؟ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا مَا قَال لَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَالتْ: مَا كُنْتُ أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ. قَالت: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيكِ، بِمَا لِي عَلَيكِ مِنَ الْحَق، لَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تخالف (مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا) من المخالفة، والمشية بكسر الميم لهيئة المشي، وزادت عائشة بنت طلحة في روايتها عن عائشة عند أبي داود والترمذي وغيرهما: ما رأيت أحدًا أشبه سمتًا وهديًا ودلًا برسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها وقعودها من فاطمة، وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك فلما مرض دخلت عليه فأكبت عليه تقبله (فلما رآها) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلت عليه (رحّب بها) بتشديد الحاء من الترحيب أي (فقال) لها: (مرحبًا بابنتي) أي أتيت مكانًا واسعًا لك يا ابنتي، وهذه الجملة تفسير لما قبلها (ثم أجلسها عن يمينه أو) قالت عائشة أجلسها (عن شماله) والشك من مسروق أو ممن دونه (ثم سارّها) أي كلمها سرًّا (فبكت) فاطمة (بكاءً شديدًا فلما رأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (جزعها) وقلة صبرها (سارّها) المرة (الثانية فضحكت) قالت عائشة: (فقلت لها) أي لفاطمة: (خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه) وأزواجه (بالسرار) أي بكلام السر (ثم) بعدما كلمك سرًّا (أنت تبكين فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) من مجلسه (سألتها) أي سألت فاطمة (ما قال لك) أي أي شيء قال لك (رسول الله قالت) فاطمة: (ما كنت أفشي) بضم الهمزة وكسر الشين من الإفشاء أي ما كنت أنشر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره) الذي أسره إليّ (قالت) عائشة: (فلما توفي) وقبض (رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت) لفاطمة: (عزمت عليك) أي سألتك (بما لي عليك من الحق) أي حق الأمومة لأنها زوجة أبيها (لما) بفتح اللام وتخفيف الميم بمعنى إلا نظير قوله

حَدَّثْتِنِي مَا قَال لَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالتْ: أَمَّا الآنَ، فَنَعَمْ. أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْمَرَّةِ الأُولَى، فَأَخْبَرَنِي أَن جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَينِ، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَينِ، "وَإِنِّي لَا أُرَى الأَجَلَ إلا قَدِ اقْتَرَبَ. فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي. فإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ" قَالت: فَبَكَيتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيتِ. فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيهَا حَافِظٌ (4)} أي إلا (حدثثني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين سارّك مرتين (فقالت) فاطمة: (أما الآن) أي أما في هذا الزمن الحاضر الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فنعم) أي فسأخبر لك ما قال لي في إسراره إليّ، هذه الرواية صريحة في أن فاطمة لم تخبر عائشة رضي الله عنهما عن مسارة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في الرواية السابقة مختصر فكأن عروة طوى هذه القصة وذكر ما وقع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم متصلًا بما وقع في مرضه بما يبدو منه أن القصتين متصلتان، والصحيح ما وقع في رواية مسروق هذه اهـ من التكملة (أما حين سارّني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل) - عليه السلام - كان) أولًا (يعارضه القرآن) أي يطلب منه عرض القرآن وقراءته عليه (في كل سنة مرة) واحدة ليستمع له ويثبته عليه، وقوله: (أو مرتين) قال النووي: هكذا وقع في الرواية وذكر المرتين شك من بعض الرواة والصواب حذفها كما في باقي الروايات اهـ لأنه لم يعارضه مرتين إلا عند العرضة الأخيرة في آخر سنة من حياته صلى الله عليه وسلم (وإنه) أي إن جبريل (عارضه) أي عارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن (الآن) أي في هذه السنة (مرتين) أي طلب منه عرض القرآن عليه مرتين في هذه السنة (وإني لا أُرى) بضم الهمزة ولا أظن (الأجل) أي أجل موتي (إلا قد اقترب) أي إلا قد قرب، قال القاضي عياض: واستدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعارضته مرتين على قرب أجله لمخالفته العادة المتقدمة وكذلك كثر بمكة الوحي في السنة التي توفي فيها حتى كمل الله سبحانه من أمره ما شاء اهـ (فاتقي الله) في الجزع عليّ (واصبري) على مصيبتك (فإنه) أي فإن الشأن والحال (نعم السلف أنا لك) أي نعم السابق لك المهيئ لصالحك والمخصوص بالمدح أنا (قالت) فاطمة: (فبكيت بكائي الدي رأيت) مني (فلما رأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (جزعي) أي قلة صبري (سارّني) أي كلمني سرًّا المرة

الثَّانِيَةَ فَقَال: "يَا فَاطِمَةُ، أَمَا تَرْضَي أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ " قَالتْ: فَضَحِكْتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأَيتِ. 6264 - (99) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ. ح وَحَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (الثانية فقال) لي: (يا فاطمة أما ترضين) أي ألا ترضين وتحبين (أن تكوني سيدة نساء المومنين أو) قال: (سيدة نساء هذه الأمة) والشك من الراوي (قالت) فاطمة: (فضحكت ضحكي التي رأيت) مني يا عائشة. وقد وقع الاختلاف بين عروة بن الزبير وبين مسروق في بيان سبب الضحك عند المسارة الثانية فذكر عروة في الرواية السابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فاطمة في المسارة الثانية بأنها أول من يلحق به من أهله، وذكر مسروق أنه أخبرها في المسارة الثانية أنها سيدة نساء أهل الجنة، ووقع في رواية مسروق الآتية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر كونها أول أهله لحوقًا به عند المسارة الأولى فذكر في المسارة الأولى أمرين إخبارة بقرب أجله وإخباره بأن فاطمة سوف تلحق به قبل أن يلحق آخر من أهل بيته. وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني الاختلاف في الروايتين ثم رجح رواية مسروق وعلل ذلك بأن حديث مسروق يشتمل على زيادات ليست في حديث عروة وهو من الثقات الضابطين، ثم ذكر احتمالًا آخر وهو أنه لا يمتنع أن يكون إخباره بانها أول أهله لحوقًا به سببًا لبكائها أو ضحكها باعتبارين فذكر كل من الراويين ما لم يذكره الآخر والله أعلم. وأما كونها سيدة نساء المؤمنين مع ما ورد من فضل خديجة وعائشة رضي الله تعالى عنهما فالراجح أنه لا مانع من تعدد السيادة باعتبارات مختلفة، وقد أخرج النسائي بإسناد صحيح حديث ابن عباس مرفوعًا "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية" وقد أورد ابن عبد البر من وجه عن ابن عباس رفعه لأسيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية" قال: وهذا حديث حسن يرفع الإشكال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6159 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير) وفي بعض النسخ: (وحدثنا عبد الله بن نمير) بزيادة العاطف، وهو تحريف من النساخ (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثنا)

ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتِ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأةً. فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي" فَأجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ. ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيضًا. فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالتْ: مَا كُنْتُ لأفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مَا رَأَيتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقرَبَ مِنْ حُزْنٍ. فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أَخَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ؟ وَسَألْتُهَا عَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي حدثنا زكرياء عن فراس) بن يحيى (عن عامر) بن شراحيل الشعبي (عن مسروق عن عائشة) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة زكرياء بن أبي زائدة لأبي عوانة (قالت) عائشة: (اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم) عنده في مرض موته بدعوته إياهن (فلم يغادر) أي لم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يترك (منهن امرأة) في أمره إياهن بالاجتماع عنده (فـ) عقب اجتماعهن عنده صلى الله عليه وسلم (جاءت فاطمة تمشي كان مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ) دخلت عليه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مرحبًا بابنتي) أي هيأنا لها مكانًا واسعًا وفرحنا بها فرحًا (فأجلسها عن يمينه أو) قالت عائشة فأجلسها (عن شماله) والشك من مسروق أو ممن دونه (ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (أسر إليها حديثًا فبكت فاطمة ثم إنه) صلى الله عليه وسلم (سارّها) مرة ثانية (فضحكت أيضًا) أي كما بكت في الأولى (فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي) وأنشر بالنصب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود (سر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قالت عائشة (فقلت) لنفسي: (ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن) أي ما رأيت فرحًا أقرب من حزن مثل الفرح الذي رأيته اليوم يعني أن فاطمة فرحت بعد الحزن فورًا وما رأيت أحدًا قبل ذلك عاد إلى الفرح بعد الحزن بدون فضل، قالت عائشة: (فقلت لها) أي لفاطمة: (حين بكت أخصك) بهمزة الاستفهام التقريري أي هل خصك (رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا) معاشر أزواجه (ثم تبكين) معطوف على مدخول الاستفهام (وسألتها عما

قَال؟ فَقَالتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي؛ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَام مَرَّتَينِ، "وَلَا أُرَانِي إلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي. وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ"، فَبَكَيتُ لِذلِكَ. ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَال: "أَلا تَرْضَينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ " فَضَحِكْتُ لِذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم) وتركتها (حتى إذا قبض) وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (سألتها فقالت إنه كان حدثني أن جبريل يعارضه بالقرآن كل عام مرة) واحدة (وإنه) أي وإن جبريل (عارضه) أي طلب عرض النبي صلى الله عليه وسلم (به) أي بالقرآن عليه (في) هذا (العام مرتين ولا أراني) أي ولا أظن نفسي (إلا قد حضر أجلي) أي أجل موتي (وإنك أول أهلي لحوقًا بي) في الموت (ونعم السلف أنا لك) أي ونعم السابق المهيئ لك بالصالح والمخصوص بالمدح أنا (فبكيت لذلك) أي لأخباره موته (ثم إنه سارّني فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المومنين؟ ) في الجنة (أو) قال لي أن تكوني (سيدة نساء هذه الأمة) في الجنة (فضحكت لذلك) أي لقوله هذا الكلام الثاني. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول: حديث المسور بن مخرمة ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله أعلم. ***

709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن

709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن 6160 - (2433) (187) حدّثني عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيسِيُّ. كِلاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَال ابْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 709 - (23) والحادي عشر منها باب من فضائل أم سلمة وزينب وأم أيمن وأم سليم رضي الله تعالى عنهن أما أم سلمة فاسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسم أبيها حذيفة يُعرف بزاد الراكب، وكان أحد أجود العرب المشهورين بالكرم وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم تحت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وأسلمت هي وزوجها، وكان أول من هاجر إلى أرض الحبشة ويقال: إن أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة، قال أبو عمر: تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنتين من الهجرة بعد وقعة بدر وعقد عليها في شوال وابتنى بها في شوال، قال أبو محمد عبد الله بن علي: الرشاطي وهذا وهم شنيع وذلك أن زوجها أبا سلمة شهد أحدًا وكانت أحد في شوال سنة ثلاث فجُرح فيها جرحًا اندمل ثم انتقض به فتُوفي منه لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة أربع، وانقضت عدة أم سلمة منه في شوال سنة أربع، وبنى بها عند انقضائها، قال: وقد ذكر أبو عمر هذا في صدر الكتاب، وجاء به على الصواب، وتوفيت أم سلمة في أول خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين، وقيل: توفيت في شهر رمضان أو شوال سنة تسع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، وقيل: سعيد بن زيد رضي الله عنهم ودُفنت بالبقيع اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضل أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 6160 - (2433) (187) (حدثني عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري المعروف بالنرسي بفتح النون وسكون الراء وبالمهملة نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى القيسي) أبو عبد الله الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (كلاهما) رويا (عن المعتمر قال ابن حماد: حدثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان

قَال: سَمِعْتُ أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو عُثمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ. قَال: لَا تَكُونَنَّ، إِنِ اسْتَطَعْتَ، أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخرُجُ مِنْهَا. فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التيمي البصري بصيغة السماع لا بالعنعنة، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال) المعتمر: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ بتثليث الميم بن عمرو بن عدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن سلمان) الفارسي أبي عبد الله بن الإسلام، ويقال له سلمان الخير الصحابي المشهور رضي الله عنه الكوفي، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) سلمان الفارسي: (لا تكونن إن استطعت) .. إلخ هذا الحديث موقوف على سلمان رضي الله عنه لكن أورده البرقاني في مستخرجه من طريق عاصم عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعًا كما ذكره الحافظ في الفتح [9/ 5]. أي إن استطعت وقدرت على ذلك (أول من يدخل السوق) صباحًا (ولا آخر من يخرج منها) مساءً، قال القرطبي: كذا روى مسلم هذا الحديث موقوفًا على سلمان من قوله، وقد رواه أبو بكر البزار مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح وهو الذي يليق بمساق الخبر لأن معناه ليس مما يدرك بالرأي والقياس وإنما يدرك بالوحي، وأخرجه الإمام أبو بكر البرقاني في كتابه مسندًا عن أبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من رواية عاصم بن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان، فيها باض الشيطان وفرّخ" رواه الطبراني في الكبير (فإنها معركة الشيطان) والمعركة موضع القتال لمعاركة الأبطال فيه بعضهم بعضًا ومصارعتهم فيه فشبه السوق وفعل الشيطان باهلها ونيله منهم بما يحملهم عليه من المكر والخديعة والتساهل في البيوع الفاسدة والكذب والغش والنجش والبيع على بيع أخيه وبخس المكيال والميزان والأيمان الكاذبة واختلاط الأصوات وارتفاعها وغير ذلك بمعركة الحرب وبمن يصرع فيها، والسوق تؤنث وتذكر سُميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم، وقوله: (وبها) أي وفي والسوق (ينصب رايته) وعلمه إشارة إلى ثبوته هناك واجتماع أعوانه إليه

قَال: وَأُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ أَتَى نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ. قَال: فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ قَامَ. فَقَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأُمِّ سَلَمَةَ: "مَنْ هذَا؟ " أَوْ كَمَا قَال. قَالت: هَذَا دِحْيَةُ. قَال: فَقَالتْ أُمُّ سَلَمَة: ايمُ اللهِ، مَا حَسِبْتُهُ إلا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ للتحريش بين الناس وعملهم على هذه المفاسد المذكورة ونحوها فهي موضعه وموضع أعوانه ويفيد هذا الحديث أن الأسواق إذا كانت موطن الشياطين ومواضع لهلاك الناس فينبغي للإنسان أن لا يدخلها إلا بحكم الضرورة ولذلك قال: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، ولأن من كان أول داخل فيها أو آخر خارج منها كان ممن استحوذ عليه الشيطان وصرفه عن أمور دينه وجعل همه السوق وما يعمل فيها فأهلكه فحق من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده وأنه إن أقام هناك هلك ومن كانت هذه حالته اقتصر منه على قدر ضرورته وتحرز من سوء عاقبته وبليته، والمعنى لا تدخل السوق بشوق ورغبة إليه حتى تقضي فيها أوقاتك أكثر مما تحتاج إليه وليكن دخولك فيها مقتصرًا على قدر الضرورة، وقوله: (وبها ينصب رايته) أي يجعل السوق قاعدة وعاصمة له ويثبت فيها ويجمع أعوانه هناك لإغواء الناس إلى الذنوب والآثام والمراد بالسوق موضع اجتماع الناس فيه للتبايع والشراء وقت قيامها لا كل البلدة ولا في غير أوقات التبايع اهـ من المفهم. (قال) أبو عثمان النهدي بالسند السابق: (وأُنبئت) أي أُخبرت (أن جبريل عليه السلام أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم) في بيت أم سلمة (وعنده أم سلمة، قال) الراوي يعني أسامة بن زيد (فجعل) جبريل (يتحدث) معه صلى الله عليه وسلم (ثم قام) جبريل من عنده صلى الله عليه وسلم (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة من هذا) القائم (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة (كما قال) الراوي مثل من المتحدث معي أو من الخارج من عندي، والشك من أبي عثمان فيما قاله أسامة (قالت) أم سلمة (هذا) المتحدث معك (دحية) بن خليفة الكلبي (قال) أسامة بن زيد (فقالت أم سلمة ايم الله) قسمي (ما حسبته) أي ما حسبت ذلك المتحدث معك صلى الله عليه وسلم ولا ظننته (إلا إياه) أي إلا دحية الكلبي (حتى سمعت خطبة نبي الله صلى الله عليه وسلم) وإنما استفهم النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة عنه ليعرف هل شعرت بكونه ملكًا أو لا،

يُخبِرُ خَبَرَنَا. أَوْ كَمَا قَال: قَال: فَقُلْتُ لأَبِي عُثمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَال: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فلما أجابت بأنه دحية الكلبي لم يخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حقيقته اكتفاء بما كان يريد بيانه في الخطبة عن قريب، حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يخبر خبرنا) أي يخبر لنا خبر جبريل أي خبر مجيئه عنده وتحدثه معه، قال القاضي عياض: كذا للعذري وهو تحريف، وعند الكسائي (يخبر خبر جبريل) وهذا هو الصواب بدليل سياق الحديث وعلى هذا الصواب ذكره البخاري (أو) قالت أم سلمة (كما قال) الراوي عنها يعني أسامة بن زيد مثل (يخبر خبر جبريل) أو (يقص قصة جبريل) والشك من أبي عثمان فيما قال أسامة بن زيد، قوله: (فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ قالت: هذا دحية) قال النووي: فيه منقبة عظيمة لأم سلمة وجواز رؤية الملائكة على صور الآدميين ولكن لا يعلمون أنهم ملائكة لأنهم لا يقدرون على رؤيتهم في صورهم الأصلية وكان صلى الله عليه وسلم يراه في صورة دحية ورآه على صورته الأصلية مرتين، وفيه أن الله تعالى يجعل صور الملائكة متى شاء في أي صورة شاء وإنما كان يراه في صورة الإنسان ليأنس به ولا يهوله عظم خلقه، قال القرطبي: وقد تقدم القول في تمثل الملاثكة والجن في الصور المختلفة وأن لهم في أنفسهم صورًا خلقهم الله تعالى عليها وأن الإيمان بذلك كله واجب لما دل عليه من السمع الصادق، وكان دحية بن خليفة الكلبي رجلًا حسن الصورة فلذلك تمثل بصورته جبريل - عليه السلام -؛ وهو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي، وكان من كبار الصحابة لم يشهد بدرًا وشهد أحدًا وما بعدها، وبقي إلى خلافة معاوية وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في سنة ست من الهجرة فآمن قيصر وأبت بطارقته أن تؤمن، فأخبر دحية بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ثبت ملكه" رواه البيهقي في الدلائل [6/ 325]. (قال) سليمان التيمي: (فقلت لأبي عثمان) النهدي: (ممن سمعت هذا) الحديث (قال) أبو عثمان سمعته (من أسامة بن زيد) رضي الله عنهما. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فضائل القرآن باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل [4980] وفي الأنبياء باب علامات النبوة في الإسلام [3634]. قوله: (فقال: فقلت لأبي عثمان) القائل سليمان بن طرخان والد المعتمر الذي

زينب أم المؤمنين

زينب أم المؤمنين 6161 - (2434) (188) حدَّثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيلانَ، أَبُو أَحْمَدَ. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمع الحديث من أبي عثمان ولقول أبي عثمان حين حدّث لسليمان أُنبئت ولم يعيّن شيخه سأله سليمان عن شيخه ليتثبت في الحديث، وفيه أن الراوي دهان كان معروفًا بأن لا يروي إلا عن ثقة فإن التلميذ يسأله عن شيخه لزيادة في التثبت أو لاحتمال أن يكون رأيه مخالفًا لرأي التلميذ في الاعتماد عليه. زينب أم المؤمنين وأما زينب أم المؤمنين هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وهي التي كانت تسامي عائشة في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثنت عليها عائشة بأوصافها الحسنة المذكورة في باب فضل عائشة، وكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول لهن: أنكحكن أولياؤكن وإن الله أنكحني لنبيه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات تعني بذلك قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] توفيت سنة عشرين في خلافة عمر رضي الله عنه وفي هذا العام استُفتحت مصر، وقيل: توفيت سنة إحدى وعشرين وفيها فُتحت الإسكندرية، وكانت زينب هذه أول أزواجه اللاتي تُوفي عنهن لحاقًا به وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم زوجة أخرى تسمى زينب بنت خزيمة الهلالية وتدعى أم المساكين لحنوها عليهم وهي من بني عامر تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث ولم تلبث عنده إلا يسيرًا شهرين أو ثلاثة وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش قُتل عنها يوم أحد. واستدل المؤلف على فضلها بحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما فقال: 6161 - (2434) (188) (حدثنا محمود بن غيلان) العدوي مولاهم (أبو أحمد) المروزي البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي (السيناني) بمهملة مكسورة ونونين قبلهما تحتانية وبينهما ألف أبو عبد الله

أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَسْرَعُكُن لَحَاقًا بِي، أَطْوَلُكُن يَدًا". قَالتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُن أَطْوَلُ يَدًا. قَالتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَينَبُ. لأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا طلحة بن يحيى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية أم عمران أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، كانت فائقة الجمال، روت عن خالتها عائشة، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن عائشة أم المومنين) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرعكن) أيها الأزواج (لحاقًا بي) بفتح اللام أي لحوقًا بي في الموت (أطولكن) أي أوسعكن (يدًا) أي عطاء، وفي رواية البخاري (أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقًا) فظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك جوابًا عن سؤال بعض أزواجه، وقد أخرج ابن حبان ما يدل على أن السائلة عائشة نفسها والله أعلم (قالت) عائشة: (فكن) أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (يتطاولن) أي يتقايسن أيديهن بعضها ببعض ليعرفن (أيتهن أطول يدًا) زعمًا منهن بأن المراد الطول الحقيقي في اليد، ولفظ البخاري: (فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدًا فعلمنا بعد إنما كانت طول يدها الصدقة وكانت أسرعنا لحوقًا به وكانت تحب الصدقة) (قالت) أي عائشة (فكانت أطولنا يدًا) بالنصب على أن خبر كان مقدم على اسمها (زينب) اسم كان مؤخر فشعرت ذلك بموتها قبلهن، وإنما كانت أطولهن يدًا (لأنها) أي لأن زينب (كانت تعمل بيدها) وتكتسبَ بها (وتصدّق) ما اكتسبت والمراد أنهن زعمن أولًا أن المراد طول اليد الحقيقي فزعمن أن مصداق الخبر سودة فلما توفيت زينب بنت جحش في خلافة عمر وكانت أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحوقًا به عرفن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الإكثار من الصدقة وكثرة العمل بيدها لأن زينب رضي الله تعالى عنها كانت قصيرة اليد الظاهرة وكل ذلك مصرح فيما رواه الحاكم في مستدركه [4/ 25] من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله

أم أيمن

أم أيمن ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم لأزواجه: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا" قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، قال: وكانت زينب امرأة صناعة اليد فكانت تدبغ وتخرز وتصدّق في سبيل الله عزَّ وجلَّ. وذكر الحاكم أن هذا الحديث صحيح على شرط مسلم وأقره عليه الذهبي. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم: (أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا) هذا خطاب منه لزوجاته خاصة. ألا ترى أنه قال لفاطمة رضي الله تعالى عنه: "أنت أول أهل بيتي لحوقًا بي" وكانت زينب أول أزواجه وفاة بعده وفاطمة أول أهل بيته وفاة ولم يرد باللحاق به الموت فقط بل الموت والكون معه في الجنة والكرامة، وتطاول أزواجه بأيديهن مقايسة أيديهن بعضها ببعض لأنهن حملن الطول على أصله وحقيقته ولم يكن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وإنما كان مقصوده طول اليد بإعطاء الصدقات وفعل المعروف وبين ذلك أنه لما كانت زينب أكثر أزواجه فعلًا بالمعروف والصدقات كانت أولهن موتًا فظهر صدقه وصح قوله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 121]، والبخاري في الزكاة باب فضل صدقة الشحيح الصحيح [1420]، والنسائي في الزكاة باب فضل الصدقة [2541]. أم أيمن وأما أم أيمن فهي مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته كانت جارية لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم ثم كانت لآمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أبيه وكانت من الحبشة فلما ولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما توفي أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر ثم بعد موت آمنة صارت له بالميراث فلما تزوج خديجة زوَّجها زيدَ بن حارثة فولدت له أسامة وشهدت أم أيمن بدرًا وكانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى، واسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن

6162 - (2435) (189) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيمَنَ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ. قَال: فَلَا أَدْرِي أَصَادَفَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة بن عمرو بن النعمان كُنيت بابنها أيمن بن عبيد الحبشي وتزوجت بعد عبيد زيد بن حارثة كما ذكرنا آنفًا وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "أم أيمن أمي بعد أمي" ذكره ابن الأثير في الاستيعاب [7/ 303] وكان صلى الله عليه وسلم يكرمها ويبرها مبرة الأم ويكثر زيارتها، وكان صلى الله عليه وسلم عندها كالولد ولذلك كانت تصخب عليه أي ترفع صوتها عليه وتذمر أي تغضب وتضجر فعل الوالدة بولدها، قال ابن الأثير: تذمر الرجل إذا تغضب وتكلم أثناء ذلك، وقال غيره: تذمر الرجل إذا لام نفسه وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما لها دليل على فضلها ومعرفتهم حقها، وفيه دليل على زيارة النساء في جماعة اهـ من المفهم. ومن غريب ما يُروى عنها ما أخرجه ابن سعد أنها لما هاجرت أمست بالنصر ودون الروحاء فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة فأجهدها العطش فدُلي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض فأخذته فشربته حتى رويت فكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش ولقد تعرضت بالصوم في الهواجر فما عطشت وأخرجه ابن السكن بنحوه اهـ من الإصابة [4/ 415]. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضل أم أيمن بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6162 - (2435) (189) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن سليمان بن المنيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) ويروي عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهب (إلى أم أيمن) لزيارتها (فانطلقت معه) صلى الله عليه وسلم إلى بيتها (فناولته) أي فأعطت أم أيمن النبي صلى الله عليه وسلم (إناء فيه شراب، قال) أنس: (فلا أدري) ولا أعلم (أصادفته) أي هل وافقته صلى الله عليه وسلم

صَائِمًا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ. فَجَعَلَتْ تَصْخَبُ عَلَيهِ وَتَذَمَّرُ عَلَيهِ. 6163 - (2436) (190) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ قَال: قَال أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لِعُمَرَ: انْطَلِق بِنَا إِلَى أُمِّ أَيمَنَ نَزُورُهَا. كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَينَا إِلَيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ في وقت إعطاء الشراب له، حالة كونه (صائمًا أو لم يرده) أي أو لم يرض النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشراب ولم يوافق طبيعته يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من الشرب ولا أدري هل امتنع بسبب صومه أو كان لا يشتهي ذلك الشراب وقتئذٍ (فجعلت) أي شرعت أم أيمن (تصخب) بفتح التاء وسكون الصاد وفتح الخاء المعجمة من باب ذهب أي تصيح وترفع صوتها (عليه) إنكارًا لإمساكه عن شرب الشراب (وتذمّر) أي تتكلم كلام الغضب (عليه) صلى الله عليه وسلم هو بفتح التاء وسكون الذال المعجمة وضم الميم من باب نصر ويقال: تذمر بفتح التاء والذال والميم مع تشديد الميم بحذف إحدى التاءين أصله تتذمر من باب تفعل الخماسي أي تتكلم بكلام الغضب عليه مع رفع صوتها لامتناعه من الشراب، وكانت أم أيمن من جهة كونها حاضنة له صلى الله عليه وسلم ربما تدل وتغضب عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلها ويُحسن إليها فكان هذا الغضب دلالًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معفو عنه. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6163 - (2436) (190) (حدثنا زهير بن حرب أخبرني عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوازع (الكلابي) أبو عثمان القيسي -بقاف- البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي (عن ثابت عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (قال أبو بكر) الصديق (رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر) بن الخطاب رضي الله عنه (انطلق) واذهب (بنا) يا عمر (إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها) في حياته، قال أنس: (فلما انتهينا) ووصلنا (إلى) بيتـ (ـها) ودخلنا عليها

أم سليم

بَكَتْ. فَقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ. فَقَالتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ. فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا. أم سليم ـــــــــــــــــــــــــــــ (بكت) أم أيمن (فقالا): أي قال العمران (لها) أي لأم أيمن (ما يبكيك) يا أم أيمن (ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم فقالت) لهما: (ما أبكي) لأجل (أن لا أكون أعلم) أي لأجل عدم علمي (أن ما عند الله) تعالى من الأجر والكرامة (خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي) لأجل (أن الوحي) من الله تعالى إلى الأرض (قد انقطع من السماء) بفتح أن المشددة لأنها معمولة لأبكي بإسقاط حرف الجر تقديره لأن الوحي أو من أجل أن الوحي تعني أن الوحي لما انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل الناس بآرائهم فاختلفت مذاهبهم فوقع التنازع والفتن وعظمت المصائب والمحن ولذلك نجم بعده صلى الله عليه وسلم النفاق وفشا الارتداد والشقاق ولولا أن الله تعالى تدارك الدين بثاني اثنين لما بقي منه أثر ولا عين اهـ من المفهم (فهيجتهما) أي هيجت أم أيمن العمرين (على البكاء) ودعتهما إلى البكاء بسبب بكاءها (فجعلا) أي شرع العمران (يبكيان معها) تذكرًا بذلك الانقطاع. وفي الحديث استحباب زيارة أحباب الميت وأقاربه أداء لحقه وحقهم، وزيارة جماعة من الرجال المرأة الصالحة وسماع كلامها، واستصحاب العالم والكبير صاحبًا له في الزيارة والعيادة ونحوهما والبكاء حزنا على فراق الصالحين والأصحاب وإن كانوا قد انتقلوا إلى أفضل مما كانوا عليه والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم [1636]. أم سليم وأما أم سليم فهي سهلة بنت ملحان بن زيد بن حرام من بني النجار وهي أم أنس بن مالك بن النضر كانت أسلمت مع قومها فغضب مالك لذلك فخرج إلى الشام

6164 - (2437) (191) حدَّثنا حَسَنْ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إلا عَلَى أزوَاجِهِ. إلا ـــــــــــــــــــــــــــــ فهلك هنالك كافرًا، وقيل: قُتل ثم خطبها بعده أبو طلحة وهو على شركه فأبت حتى يسلم، وقالت: لا أريد منه صداقًا إلا الإسلام فأسلم فتزوجها وحسُن إسلامه فولدت له غلامًا كان قد أعجب به فمات صغيرًا، ويقال إنه أبو عمير صاحب النغير، وكان أبو طلحة غائبًا حين مات فغطته أم سليم فجاء أبو طلحة فسأل عنه فكتمت موته ثم إنها تصنعت له فأصاب منها ثم أعلمته بموته فشق ذلك عليه، ثم إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعا لهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما" كما ذكره الإمام مسلم فبورك لهما بسبب تلك الدعوة، وولدت له عبد الله بن أبي طلحة وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه وإخوته، كانوا عشرة كلهم حمل عنه العلم وإسحاق هو شيخ مالك، واختُلف في اسم أم سليم فقيل سهلة، وقيل رملة، وقيل مليكة وهي الغميصاء المذكورة في الحديث، ويقال الرميصاء، وقيل إن بالراء هي أم حرام أختها وخالة أنس، والغميصاء مأخوذ من الغمص وهو ما سأل من قذى العين عن البكاء والمرض يقال: بالصاد والسين، والرمص بالراء ما تجمد منه قاله يعقوب وغيره، وكانت أم سليم من عقلاء النساء وفضلائهن شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا وحنينًا، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث خُرّج لها في الصحيحين أربعة أحاديث والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضلها بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6164 - (2437) (191) (حدثنا حسن) بن علي (الحلواني) الخلال أبو علي الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله الكلابي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن إسحاق بن عبد الله) ابن أبي طلحة الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن) عمه (أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا) على

أُمِّ سُلَيمٍ. فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيهَا. فَقِيلَ لَهُ فِي ذلِكَ. فَقَال: "إِنِّي أَرْحَمُهَا. قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أم سليم) استثناء من النساء أي لا يدخل على النساء غير أم سليم إلا على أزواجه، وإنما دخل عليها لأنها كانت خالة له صلى الله عليه وسلم محرمًا إما من الرضاع أو من النسب فتحل له الخلوة بها، ولهذا يدخل عليها وعلى أختها أم حرام خاصة ولا يدخل على غيرهما من النساء اهـ دهني (فإنه) صلى الله عليه وسلم (كان يدخل عليها) وهي أختها أم حرام (فقيل له) صلى الله عليه وسلم (في ذلك) أي في دخوله عليها أي سئل عن دخوله عليها (فقال) صلى الله عليه وسلم: (إني أرحمها) وأجبر انكسار قلبها لأنه (قُتل أخوها معي) وهو حرام بن ملحان قُتل في غزوة بئر معونة وهو الذي قال حين طُعن: فُزت ورب الكعبة، كما ورد في الصحيح عن أنس والمراد من قتله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان معه نصرة حين قُتل والله أعلم. قوله: (لا يدخل على أحد من النساء) وفي رواية البخاري: (لم يكن يدخل بيتًا غير بيت أم سليم) ولعل المراد منه ما في رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل داخل البيت حيث تكون النساء إلا في بيت أم سليم، وقد ثبت ذلك في أختها أم حرام أيضًا وهما خالتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إما من الرضاع وإما من النسب كما مر. ويحتمل أن يكون بيتهما واحد لكل واحدة منهما موضع مستقل فيه فنُسب البيت تارة إلى هذه وأخرى إلى هذه، قال القرطبي: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على النساء عملًا بما شُرع من المنع من الخلوة بهن وليُقتدى به في ذلك ومخافة أن يقذف الشيطان في قلب أحد من المسلمين شرًّا فيهلك كما قال في حديث صفية المتقدم، ولئلا يجد المنافقون وأهل الزيغ مقالًا، وإنما خص أم سليم بالدخول عندها لأنها كانت منه ذات محرم بالرضاع كما تقدم وليجبر قلبها من فجعتها بأخيها إذ كان قد قتل في بعض حروبه لنصره وهي غزوة بئر معونة كما مر آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير [2844]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس المذكور بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

6165 - (2438) (192) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ السَّرِيِّ)، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشفَةَ. فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: هذِهِ الْغُمَيصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ، أُمُّ أنسِ بْنِ مَالِكٍ". 6271 - (106) حدّثني أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ. حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ الْحُبَابِ. أَخبَرَنِي عَبدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. أَخبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6165 - (2438) (192) (وحدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا بشر يعني ابن السري) الأفوه أبو عمرو البصري ثم المكي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة) وكان هذا الدخول في الجنة من النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كما سيصرح به في حديث بلال الآتي ورؤياه صلى الله عليه وسلم فهي رضي الله تعالى عنها من أهل الجنة (فسمعت خشفة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الشين وفتح المعجمتين وهي صوت المشي وحركته ويقال فيه بفتح الشين ويقال له خشخشة كما في الرواية الآتية (فقلت) للملائكة: (من هذا؟ ) الماشي في الجنة (قالوا) أي قالت الملائكة لي: (هذه) الماشية هي (الغميصاء) ويقال الرميصاء (بنت ملحان أم أنس بن مالك) رضي الله عنهما، وفيه فضيلة ظاهرة لها. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس الأول بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 6166 - (2439) (193) (حدثني أبو جعفر محمد بن الفرج) بن عبد الوارث الهاشمي البغدادي جار أحمد بن حنبل، صدوق، من (10) روى عنه في (2) بابين النكاح والفضائل (حدثنا زيد بن الحباب) بضم المهملة العكلي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (أخبرني عبد العزيز) بن عبد الله (بن أبي سلمة) الماجشون، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا محمد بن المنكدر) بن عبد الله القرشي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما.

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أُرِيتُ الْجَنَّةَ. فَرَأَيتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ. ثُمَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي. فَإِذَا بِلالٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُريت) بالبناء للمفعول أي أراني له (الجنة) في المنام (فرأيت) فيها (امرأة أبي طلحة) أم سليم أم أنس (ثم) بعدما رأيتها (سمعت خشخشة) وأصل الخشخشة صوت الشيء اليابس يحك بعضه بعضًا ويتراجع أي سمعت صوتًا كصوت خشخشة النعال (أمامي) أي قدامي (فإذا بلال) حاضر أي ففاجأني رؤية بلال قدامي. وأخرج الترمذي عن بريدة رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالًا فقال: "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي دخلت البارحة فسمعت خشخشتك أمامي" وفيه أن بلالًا قال: يا رسول الله ما أذّنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده، ورأيت أن لله عليّ ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بهما" أخرجه الترمذي في باب مناقب عمر بن الخطاب، وقال: هذا حديث حسن صحيح وسيأتي مثل ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه بعد باب واحد، وفيه منقبة عظيمة لبلال أيضًا، وهذا الحديث جزء من الحديث الذي مر في باب مناقب عمر رضي الله عنه، واقتصر المؤلف هناك على ذكر قصر لعمر رضي الله عنه رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة واقتصر هنا على رؤية أم سليم وسماع خشخشة بلال وأخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب عمر [3679] وفي النكاح باب الغيرة [5226] وفي التعبير باب القصر في المنام وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة: الأول: حديث سلمان الفارسي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسادس: حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ذكره للاستشهاد أيضًا. ***

710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين

710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين 6167 - (2440) (194) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 710 - (24) والباب الثاني عشر منها باب فضائل أبي طلحة الأنصاري وبلال وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأما أبو طلحة الأنصاري فاسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بمهملة بن عمرو النجاري المدني شهد بدرأ والمشاهد كلها، وكان أحد الرماة المذكورين من الصحابة رضي الله عنهم وكان من الأبطال قتل يوم حنين عشرين رجلًا من المشركين وأخذ أسلابهم، وكان أبو طلحة يتطاول بصدره يوم أحد يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبل ويقول: صدري دون صدرك- ونفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل" رواه أحمد [3/ 111]. واختلف في وقت وفاته فقيل سنة إحدى وثلاثين، وقيل سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان، وروى حماد بن سلمة عن ثابت البناني وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة سرد الصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أوبعين سنة وأنه ركب البحر فمات فدفن في جزيرة، وقال المدائني: مات أبو طلحة سنة إحدى وخمسين والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة وعشرين حديثًا أخرج له منها في الصحيحين أربعة أحاديث اهـ من المفهم. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضائل أبي طلحة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6167 - (2440) (194) (حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك

قَال: مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيمٍ. فَقَالت لأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ. قَال: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيهِ عَشَاءً. فَأَكَلَ وَشَرِبَ. فَقَال: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلِكَ. فَوَقَعَ بِهَا. فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيتَهُمْ أَهْلَ بَيتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُنم؟ قَال: لَا. قَالتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (مات ابن لأبي طلحة) ولد له (من أم سليم) اسمه حفص كنيته أبو عمير، وأبو طلحة غائب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طول النهار، وجهزته أم سليم ودسته في داخل البيت (فقالت) أم سليم (لأهلها) أي لأقاربها وجيرانها: (لا تحدّثوا) أي لا تخبروا (أبا طلحة بـ) موت (ابنه حتى أكون أنا أحدّثه) أي أحدّث أبا طلحة خبر موته (قال) أنس (فجاء) أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء معه صلى الله عليه وسلم (فقرّبت) أم سليم أي قدمت (إليه) أي إلى أبي طلحة (عشاء) بفتح العين وبالمد؛ وهو ما يؤكل أوائل الليل (فأكل) أبو طلحة العشاء (وشرب) عليه الشراب (فقال) أنس (ثم) بعدما أكل أبو طلحة العشاء وشرب الشراب (تصنعت) أي تزينت (له) أي لأبي طلحة أم سليم (أحسن ما كان) من اللباس (تصنع) به أي تتزين به في عادتها (قبل ذلك) اليوم (فوقع بها) أي واقع أبو طلحة عليها وجامعها (فلما رأت) أم سليم وعلمت (أنه) أي أن أبا طلحة (قد شبع) من العشاء (وأصاب) أي قضى (منها) حاجته من الجماع (قالت) لأبي طلحة: (يا أبا طلحة أرأيت) أي أخبرني (لو أن قومًا أعاروا عاريتهم) أي مواعينهم (أهل بيت) من جيرانهم (فطلبوا) أي طلب المعيرون من المستعيرين (عاريتهم) أي طلبوا ردها إليهم (ألهم) أي هل للمستعيرين (أن يمنعوهم) أي أن يمنعوا المعيرين عاريتهم أي أن يمتنعوا من ردها إليهم (قال) أبو طلحة: (لا) أي ليس لهم أن يمنعوهم عاريتهم بل يجب عليهم ردها فورًا (قالت) أم سليم له إذًا: (فاحتسب ابنك) أي فاحتسب على الله أجر مصيبة ابنك فإنه قد مات. قوله: (مات ابن لأبي طلحة) وهو أبو عمير الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه ويقول له: "يا أبا عمير ما فعل النغير" بيَّن ذلك ابن حبان في روايته من طريق عمارة بن زاذان عن ثابت كما في فتح الباري [3/ 170].

قَال: فَغَضِبَ وَقَال: تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي! فَانْطَلَقَ حَتى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيلَتِكُمَا" قَال: فَحَمَلَتْ. قَال: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فقالت لأهلها) وفي رواية للبخاري في الجنائز (اشتكى ابن لأبي طلحة قال: فمات وأبو طلحة خارج فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئًا ونحّته في جانب البيت فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة) وفيه جواز التورية لغرض صالح لأنها أرادت بهدوء نفسه واستراحته أنه استراح من آلام الدنيا وإنما فعلت ذلك لئلا تتنكد الليلة على زوجها، وفيه كمال صبرها وتحملها وحكمتها ونصيحتها لزوجها رضي الله عنهما. قولها: (فاحتسب ابنك) أي اطلب الثواب من الله تعالى بالصبر عليه وهو كناية عن موته. (قال) أنس: (فغضب) أبو طلحة من تأخيرها الإخبار بموت الولد له (وقال) لها أبو طلحة: (تركتني) عن الإخبار بموت الولد أول ما رجعت إلى البيت (حتى تلطخت) واستقذرت بحدث الجنابة (ثم أخبرتني بـ) موت (ابني فانطلق) أبو طلحة من البيت أي ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان) وجرى بينه وبين زوجته في تلك الليلة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأبي طلحة: (بارك الله لكما في غابر ليلتكما) أي في ماضيها، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي فيما وقع منكما في الليلة الغابرة أي الماضية يعني البارحة، وقد تقدم أن غبر من الأضداد يقال: غبر الشيء إذا ذهب وغبر إذا بقي، وصنيع أم سليم ووعظها له يدل على كمال عقلها وفضلها وعلمها وملازمة أبي طلحة للكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره وحضره ومدخله ومخرجه دليل على كمال محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق رغبته في الجهاد والخير وتحصيل العلم والله أعلم اهـ من المفهم (قال) أنس: (فحملت) أم سليم من جماع تلك الليلة ولدًا (قال) أنس: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام (في سفر وهي) أي والحال أن أم سليم (معه) صلى الله عليه وسلم مع أبي طلحة (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) في

إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ، لَا يَطرُقُهَا طُرُوقًا. فَدَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ. فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ. فَاحْتُبِسَ عَلَيهَا أَبُو طَلْحَةَ. وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ، يَا رَبِّ، إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ، وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ. وَقَدِ احْتُبِسْتُ بِمَا تَرَى. قَال: تَقُولُ أمُّ سُلَيمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ. انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا. قَال: وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا. فَوَلَدَت غُلامًا. فَقَالتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ، لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عادته (إذا أتى المدينة من سفر) أي قاربها (لا يطرقها طروقًا) أي لا يدخلها دخولًا في الليل (فدنوا) أي قاربوا (من المدينة) فنزلوا حتى يصبح (فضربها) أي ضرب أم سليم وأخذها (المخاض) أي وجع الولادة للولد الذي حملته تلك الليلة المباركة لهما (فاحتبس) بالبناء للمفعول وافتعل هنا بمعنى الثلاثي أي حبس (عليها) أي لأجلها (أبو طلحة) عن المسير مع النبي صلى الله عليه وسلم (وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) مستعجلًا إلى المدينة (قال) أنس (يقول أبو طلحة) حين حُبس لأجل مخاض أم سليم وتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول المدينة أي يقول في دعائه: (إنك لتعلم يا رب إنه) أي إن الشأن والحال (يعجبني) أي يحبني ويسرني (أن أخرج) من المدينة (مع رسولك إذا خرج) منها للجهاد أو لغيره (وأدخل معه) المدينة (إذا دخل) رسولك المدينة (وقد احتبست) أي حُبست من دخول المدينة مع رسولك (بما ترى) أي بسبب ما ترى من مخاض أم سليم (قال) أنس (تقول أم سليم) لأبي طلحة (يا أبا طلحة ما أجد) من نفسي الوجع (الذي كنت أجد) هـ في العادة عند الولادة؛ تريد أن الطلق انجلى عنها وتأخرت الولادة، وفيه استجابة لدعاء أبي طلحة رضي الله عنه حتى يتمكن من دخول المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (انطلق) أي اذهب بنا إلى المدينة كي ندخلها، قال أنس: (فانطلقنا) أي ذهبنا إلى المدينة (قال) أنس: (وضربها) أي أخذها (المخاض) أي وجع الولادة (حين قدما) ووصلا المدينة، قال القرطبي: ورفع وجع الولادة عن أم سليم عند دعاء أبي طلحة دليل على كرامات الأولياء وإجابة دعواتهم وأن أبا طلحة وأم سليم منهم (غـ) لما قدما المدينة (ولدت غلامًا) وهو عبد الله بن أبي طلحة رضي الله عنهم (فـ) لما ولدت (قالت لي أمي) أم سليم: (يا أنس لا يرضعه) ولا يحنكه بالجزم على أنه لا ناهية، وبالرفع على أن لا نافية أي لا يرضع هذا الولد (أحد)

حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ. فَانْطَلَقتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ. فَلَمَّا رَآنِي قَال: "لَعَل أُمَّ سُلَيمٍ وَلَدَتْ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَوَضَعَ الْمِيسَمَ. قَال: وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ. وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةِ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ. فَلاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ. ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ. فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ" قَال: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الناس (حتى تغدو) وتبكر (به على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيحنكه، قال أنس: (فلما أصبح) الولد ودخل في الصباح (احتملته) أي حملته فافتعل هنا لمبالغة الثلاثي (فانطلقت به) أي بالولد (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أنس: (فصادفته) أي وافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم (و) الحال أنه معه ميسم بكسر الميم وهو المكوى الذي يكوى ويوسم أي يعلم به الحيوان من الإبل وغيرها، من الوسم وهو العلامة ومنه قوله تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)} أي سنجعل على أنفه سوادًا يُعرف به يوم القيامة والخرطوم من الإنسان رأس الأنف (فلما رآني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) لي: (لعل أم سليم ولدت؟ قلت) له: (نعم) ولدت يا رسول الله (فوضع الميسم) الذي كان بيده على الأرض (قال) أنس (وجئت به) أي بالولد (فوضعته في حجره) أي على مقدم بدنه (ودعا) أي طلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجوة) أي بتمرة (من عجوة المدينة) أي من تمورها وهو أجود تمورها (فلاكها) أي مضغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العجوة (في فيه) أي في فمه (حتى ذابت) تلك العجوة وانماعت في فمه صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد مضغها في فيه (قذفها) أي قذف تلك العجوة المذابة (في في الصبي) أي في فم الولد (فجعل الصبي) أي شرع (يتلمظها) أي يمتصها ويتتبع بلسانه بقيتها ويمسح به شفتيه (قال) أنس: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى حب الأنصار التمر) حتى هذا الولد يحبه (قال) أنس: (فمسح) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجهه) أي وجه الولد ورأسه (وسماه) أي سمى الولد (عبد الله) أي باسم عبد الله لأنه أفضل الأسماء.

فضائل بلال

6168 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. فضائل بلال ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: ظهرت إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم لهما في قوله: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما" فإنه تزايد لعبد الله هذا عشرة من الأولاد كلهم حملوا عنه العلم، ومنهم إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة شيخ مالك رحمهم الله تعالى اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 188]، والبخاري [6129 و 6203]، وأبو داود [4969]، والترمذي [333 و 1989]، وابن ماجه [3720]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 6168 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش) بكسر الخاء المعجمة الخراساني البغدادي، صدوق. من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوازع الكلابي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن عاصم لبهز بن أسد (قال) أنس: (مات ابن لأبي طلحة واقتص) أي ذكر عمرو بن عاصم (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث بهز بن أسد. فضائل بلال وأما بلال فهو بلال بن رباح الحبشي التيمي مولاهم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وتسمى أمه حمامة، واختلف في كنيته فقيل أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الكريم، وقيل أبو عبد الرحمن، وقيل أبو عمرو وكان حبشيًّا، قال ابن إسحاق: كان بلال لبعض بني جمح مُوَلَّدًا من مولديهم، وقيل من مولدي مكة، وقيل من مولدي السراة، وقال ابن مسعود: أول من أظهر الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم

6169 - (2441) (195) حدَّثنا عُبَيدُ بْنُ يَعِيشَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصقروهم في الشمس فما منهم إنسان إلا وأتاهم على ما أرادوه منه إلا بلالًا فإنه هانت عليه نفسه في الله تعالى وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد، وفي رواية وجعلوا الحبل في عنقه، وقال سعيد بن المسيب: كان بلال شحيحًا على دينه وكان يُعذب على دينه فإذا أراد المشركون أن يفارقوه قال: الله الله، فاشتراه أبو بكر بخمس أواق، وقيل بسبع، وقيل بتسع، فاعتقه فكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يروح إلى الشام فقال له أبو بكر رضي الله عنه: بل تكون عندي فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني وإن كنت أعتقتني لله فذرني أذهب إليه، فقال: اذهب، فذهب إلى الشام فكان بها حتى مات رضي الله عنه. "قلت": وظاهر هذا أنه لم يؤذن لأبي بكر وقد ذكر ابن أبي شيبة عن حسين بن علي عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده قال: أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر حياته، ولم يؤذن في زمان عمر، فقال له عمر: ما منعك أن تؤذن؟ قال: إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قُبض وأذنت لأبي بكر رضي الله عنه حتى قُبض لأنه كان ولي نعمتي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله" ذكره المتقي الهندي في كنز العمال [20935] وعزاه لعبد بن حميد فخرج فجاهد، ويقال إنه أذّن لعمر رضي الله عنه إذ دخل الشام فبكى عمر وبكى المسلمون وكان بلال خازنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق بلالًا سيدنا، وتوفي بلال بدمشق ودُفن عند الباب الصغير بمقبرتها سنة عشرين وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل سنة إحدى وعشرين وهو ابن سبعين اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضائل بلال بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6169 - (2441) (195) (حدثنا عبيد بن يعيش) بكسر المهملة المحاملي أبو محمد الكوفي العطار، روى عن أبي أسامة في الفضائل، وعبد الله بن نمير في الدعاء،

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا أبُو حَيَّانَ التَّيمِيُّ، يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِبِلالٍ، عِنْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ: "يَا بِلالُ، حَدِّثْنِي بِأرْجَى عَمَلِ عَمِلْتَهُ، عِنْدَكَ، فِي الإسْلامِ مَنْفَعَةً. فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيلَةَ خَشْفَ نَعْلَيكَ بَينَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويحيى بن آدم في الفتن، وأبي بكر بن عياش وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، ويروي عنه (م س) وأبو حاتم، قال أبو داود: ثقة ثقة، وقال ابن معين وأبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما يخطئ، وقال في التقريب: ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة (228) ثمان وعشرين ومائتين (و) أبو كريب (محمد بن العلاء الهمداني) الكوفي (قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) (عن أبي حيان) التيمي يحيى بن سعيد بن حيان الكوفي المدني، من تيم الرباب، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا أبو حيان التيمي يحيى بن سعيد) بن حيان (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال) بن رباح رضي الله عنه (عند صلاة الغداة) أي عند الفراغ من صلاة الصبح (يا بلال حدثني بارجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة) في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: حدثني بأرجى عمل عندك منفعة وثوابًا عملته في الإسلام (فإني سمعت) هذه (الليلة) أي البارحة (خشف نعليك) أي صوتهما (بين يدي) أي قدامي (في الجنة) أي سمعت تحرك مشيك وصوته. قوله: (خشف نعليك) بفتح الخاء وسكون الشين وهو صوت المشي الخفيف، وفي رواية البخاري (دف نعليك) وأصله من دف الطائر إذا حرّك جناحيه وهو قائم على رجليه، وفي قوله: (الليلة) إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام، قوله: (بين يدي في الجنة) قال الحافظ في الفتح [3/ 35] ومشيه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته في اليقظة فاتفق مثله في المنام ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في مقام التابع وكأنه أشار صلى الله عليه وسلم إلى بقاء بلال على ما

قَال بِلالٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا فِي الإِسْلامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً، مِنْ أَنِّي لَا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا، فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيلٍ وَلَا نَهَارٍ، إلا صَلَّيتُ بِذلِكَ الطُّهُورِ، مَا كَتَبَ اللهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كان عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته، وفيه منقبة عظيمة لبلال رضي الله عنه اهـ. قال القرطبي: هذا السؤال إنما أخرجه من النبي صلى الله عليه وسلم ما اطلع عليه من كرامة بلال رضي الله عنه بكونه أمامه في الجنة فسأله عن العمل الذي لازمه حتى أوصله إلى ذلك، وقد جاء هذا الحديث في كتاب الترمذي بأوضح من هذا من حديث بريدة بن الحصيب قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالًا فقال: "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، دخلت الجنة فسمعت خشخشتك أمامي" وذكر الحديث فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده، ورأيت أن لله تعالى علي ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بهما" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح اهـ مفهم. قوله: (بهما) أي سبب ثواب فعل ذينك الأمرين وصلت إلى ما رأيت من كونك معي في الجنة اهـ من المفهم. (قال بلال ما عملت) يا رسول الله (عملًا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر) من حدث (طهورًا تامًّا في) آية (ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله) وقدّر (لي أن أصلي) به من عدد ركعات الصلاة، وفي الحديث فضيلة سنة الوضوء، قال ابن التين: إنما اعتقد بلال ذلك أي كونه أرجى أعماله لأنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله عن الأعمال المتطوّع بها وإلا فالفرائض أفضل قطعًا اهـ. قال الدهني: وفيه فضيلة الصلاة عقب الوضوء، وهي تسمى شكر الوضوء وهي مستحبة عندنا وسنة عند الشافعي وإنها تباح في أوقات الكراهة الخمسة في حق النوافل عنده لأن الصلاة ذات سبب تباح عنده في أي وقت كان والله أعلم اهـ.

فضائل ابن مسعود

فضائل ابن مسعود 6170 - (2442) (196) حدَّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 333]، والبخاري في التهجد باب فضل الطهور بالليل والنهار [1149]. فضائل ابن مسعود وأما ابن مسعود فهو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن مازن بن مخزوم الهذلي أبو عبد الرحمن الكوفي، وأمه أم عبد بنت عبد ود الهذلية أيضًا، أسلم قديمًا، وكان سبب إسلامه أنه كان يرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غلام هل من لبن؟ " قال: نعم، ولكني مؤتمن، قال: "فهل من شاة حائل" لم ينز عليها الفحل فأتيته بشاة شصوص -لا لبن لها - فمسح ضرعها فنزل اللبن فحلب في إناء وشرب وسقى أبا بكر ثم قال للضرع: "اقلص" فقلص، فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول فقال: رحمك الله إنك غليّم معلم. رواه أحمد [1/ 379] فأسلم وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فكان يلج عليه ويلبسه نعله ويمشي أمامه ومعه ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام وقال له: "إذنك عليّ أن يُرفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك " رواه أحمد [1/ 404]، ومسلم [2169] وكان يعرف في الصحابة بصاحب السرار والسواد والسواك، هاجر هجرتين إلى أرض الحبشة ثم من مكة إلى المدينة قاله الجوزي، وصلى القبلتين، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها، وكان يُشبه في هديه وسمته برسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وشهد له كبراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه من أعلمهم بكتاب الله قراءة وعلمًا، وفضائله كثيرة، توفي بالمدينة سنة ثننين وثلاثين ودُفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان، وقيل صلى عليه عمار، وقيل بل صلى عليه الزبير ليلًا بوصيته ولم يعلم عثمان بذلك فعاتب الزبير على ذلك والله أعلم، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة حديث وثمانية وأربعين حديثًا، أخرج له في الصحيحين مائة وعشرون حديثًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضله بحديث ابن مسعود نفسه رضي الله عنه فقال: 6170 - (2442) (196) (حدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي)

وَسَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بنِ زُرَارَةَ الْحَضْرَمِيُّ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ. (قَال سَهْل وَمِنْجَابٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قِيلَ لِي: أَنْتَ مِنْهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو محمد الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وسهل بن عثمان) بن فارس الكندي أبو مسعود العسكري، نزيل الري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وعبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي) مولاهم أبو محمد الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (2) بابين (وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (10) أبواب (والوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قال سهل ومنجاب: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن مسعود (لما نزلت هذه الآية: {لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] (إلى آخر الآية، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لي) من جهة الوحي (أنت) يا عبد الله (منهم) أي من هؤلاء الذين لا جناح عليهم. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم: (قيل لي أنت منهم) الخطاب لابن مسعود أي أوحي إليّ إنك يا ابن مسعود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهذه تزكية عظيمة ودرجة رفيعة قلَّ من ظفر بمثلها اهـ من المفهم. وعبد الله بن مسعود كان من أفقه الصحابة وأعلمهم بالسنة مات أبوه في الجاهلية وأسلمت أمه وصحبت فلذلك نُسب إليها أحيانًا، وقد روى ابن حبان أنه كان سادس ستة في الإسلام وهاجر الهجرتين وشهد بدرًا وولي بيت المال في الكوفة لعمر وعثمان وقدم

6171 - (2443) (197) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ -وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا) يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي زَائدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في أواخر عمره المدينة ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وقد جاوز الستين. قوله: (لما نزلت هذه الآية) وقد ذكر المفسرون قولين في سبب نزول هذه الآية: الأول: أنه لما نزل تحريم الخمر والميسر قال الصحابة رضي الله عنهم: كيف بمن شربها من إخواننا الذين ماتوا وهم قد شربوا الخمر وأكلوا الميسر فأنزل الله تعالى هذه الآية، والقول الثاني إنها نزلت في القوم الذين حزموا على نفوسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره، والقول الأول هو المختار، ورُوي ذلك عن ابن عباس وأنس بن مالك والبراء بن عازب ومجاهد وقتادة والضحاك وخلق آخرين قاله الألوسي في روح المعاني [7/ 18]. وقوله: (أنت منهم) معناه على القول الأول المختار أنك ممن كان يتقي الله حتى في حالة تعاطي الخمر لأنك إنما تعاطيت الخمر والميسر لعدم تحريمهما إذ ذاك ولو حُرما في ذلك العصر لاتقيتهما بالمرة، ويحتمل أن يكون المراد دخول ابن مسعود رضي الله عنه فيمن اتقوا مع قطع النظر عن الملابسات الأخرى والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في التفسير سورة المائدة [3056]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال: 6171 - (2443) (197) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (واللفظ لابن رافع قال إسحاق: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا) يحيى بن زكريا (بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن أبيه) زكرياء بن أبي زائدة، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة، من (3) (عن

الأَسوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ. فَكُنَّا حِينًا وَمَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إلا مِنْ أَهْلِ بَيتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي، وهذا السند من سباعياته (قال) أبو موسى: (قدمت أنا وأخي) هو أبو رهم أو أبو بردة (من اليمن) المدينة (فكنا) أي مكثنا في المدينة (حينًا) أي زمانًا طويلًا (وما نُرى) أي ما نظن أي والحال أنا ما نظن أن (ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسم من كثرة دخولهم ولزومهم له) صلى الله عليه وسلم جمعهما وهما اثنان هو وأمه لأن الاثنين يجوز جمعهما بالاتفاق ولكن الجمهور يقولون أقل الجمع ثلاثة فجمع الاثنين مجاز، وقالت طائفة أقله اثنان فجمعهما حقيقة اهـ نووي، وعبارة الدهني جمع الضمير مع أن المرجع اثنان إشارة إلى جواز التعبير عن الاثنين بالجمع والله أعلم اهـ. قال القرطبي: وقول أبي موسى مكثنا حينًا وما نُرى ... إلخ هذا يدل على صحة ما ذكرنا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمه إليه واختصه بخدمته وملازمته وذلك لما رأى من صلاحيته لقبول العلم وتحصيله له ولذلك قال له أول ما لقيه (إنك غليم معلم) وفي رواية أخرى: (لقن مفهم) رواه أحمد [1/ 462] أي أنت صالح لأن تعلّم فتعلم وتلقّن فتفهم ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ضمه لنفسه وجعله في عداد أهل بيته فلازمه حضرًا وسفرًا ليلًا ونهارًا ليتعلم منه وينقل عنه اهـ من المفهم. وقول أبي موسى: (قدمت أنا وأخي من اليمن) وذلك أنه هاجر أبو موسى مع نفر من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغهم بعثته صلى الله عليه وسلم ولكنهم ألقتهم السفينة إلى الحبشة وكان بها جعفر بن أبي طالب فمكثوا معه حتى قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع فوافقوه في غزوة خيبر، وقد أخرج البخاري قصتهم في المغازي باب غزوة خيبر، وقد ذكر فيها أنه كان معه أخوان له وذكر أصحاب السير أن أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم. قوله: (وما نرى ابن مسعود وأمه) هي أم عبد بنت عبد ود بن سواء بن قريم بن صاهلة بن كاهل الهذلية، وأمها هي زهرية اسمها قيلة بنت الحارث بن زهرة قاله ابن

6172 - (00) (00) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ الأسوَدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: لَقَدْ قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 6173 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد البر اهـ من تنبيه المعلم، يعني مر علينا زمان طويل ونحن نظن أن عبد الله بن مسعود وأمه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة ما نرى من ملازمتهما له صلى الله عليه وسلم والمقصود بيان فضيلة ابن مسعود رضي الله عنه وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب عبد الله بن مسعود [3763] وفي المغازي باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن [4384]، والترمذي في مناقب عبد الله بن مسعود [3808]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6172 - (00) (00) (حدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا إسحاق بن منصور) السلولي نسبة إلى بني سلول اسم قبيلة مولاهم الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا إبراهيم بن يوسف) بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (أنه) أي أن أبا إسحاق (سمع الأسود) بن يزيد (يقول: سمعت أبا موسى) الأشعري (يقول: لقد قدمت أنا وأخي) إما أبو رهم أو أبو بردة كما مر (من اليمن) على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعدما ألقتهم السفينة إلى الحبشة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يوسف بن إسحاق لزكرياء بن أبي زائدة (فذكر) يوسف بن إسحاق (بمثله) أي بمثل حديث زكرياء بن أبي زائدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6173 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى و) محمد (بن بشار

قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرَى أَنَّ عَبْدَ اللهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيتِ. أَوْ مَا ذَكَرَ مِنْ نَحْو هَذَا. 6174 - (2444) (197) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ، (وَاللَّفْظُ لابنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ قَال: شَهِدْتُ أَبَا مُوسَى وَأَبَا مَسْعُودٍ، حِينَ مَاتَ ابْنُ مسْعُودٍ. فَقَال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَتُرَاهُ تَرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن أبي موسى) الأشعري. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لزكرياء بن أبي زائدة (قال) أبو موسى: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا) أي والحال أني (أُرى) وأظن (أن عبد الله) بن مسعود (من أهل البيت) أي من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (أو) قال أبو إسحاق لي: (ما بهر) لي (من نحو هذا) أي من لفظ قريب إلى هذا المذكور من قوله: (وأنا أرى أن عبد الله من أهل البيت) وذلك النحو كقوله مثلًا وما نُرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كرواية زكرياء بن أبي زائدة شك من سفيان فيما قاله أبو إسحاق له. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بأثر أبي موسى وأبي مسعود رضي الله عنهما فقال: 6174 - (2444) (197) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي (قال) أبو إسحاق: (سمعت أبا الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة -بفتح النون وسكون المعجمة الجشميم بضم الجيم وفتح المعجمة- نسبة إلى جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) أبو الأحوص: (شهدت أبا موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (وأبا مسعود) الأنصاري عقبة بن عمرو بن ثعلبة البدري الكوفي الصحابيين رضي الله تعالى عنهما أي حضرت مجلسهما وقت ما اجتمعا (حين مات) عبد الله (بن مسعود فقال أحدهما لصاحبه: أتراه) أي هل تظن ابن مسعود (ترك

بَعْدَهُ مِثْلَهُ؟ فَقَال: إِنْ قُلْتَ ذَاكَ. إِنْ كَانَ لَيُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا. وًيشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. 6175 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا قُطْبَةُ، (هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ بعده) أي بعد وفاته (مثله) أي نظيره في الدنيا (فقال) الآخر منهما لصاحبه (أن قلت ذاك) أي ما ترك بعده مثله فكلام حق (أن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن وجملتها علة لمحذوف تقديره وإنما قلت ذاك كلام حق لأنه (كان) ابن مسعود (ليؤذن له) في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حُجبنا) أي مُنعنا نحن معاشر الصحابة من الدخول عليه صلى الله عليه وسلم يعني أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يأذن له في الوقت الذي يحجب عنه الناس وذلك في الوقت الذي كان فيه مشتغلًا بخاصته (و) إن كان (يشهد) أي يحضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا غبنا) نحن عنه صلى الله عليه وسلم، قال القسطلاني: وكان ابن مسعود رضي الله عنه يلج على النبي صلى الله عليه وسلم ويُلبسه نعليه ويمشي أمامه ومعه وششره إذا اغتسل، وقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذنك عليّ أن يُرفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك" أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أُنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد" وقال فيه عمر: كنيف مليء علمًا اهـ منه. وقوله: (إن قلت ذاك) يعني إن قلت إنه لم يترك بعده مثله فليس ذلك ببعيد فإنه كان يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لا يأذن لغيره وكان ابن مسعود رضي الله عنه يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويحضر مجالسه حين كنا غائبين عنها فلا جرم أنه كان أعلمنا بالسنة. وهذا الأثر مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الأثر فقال: 6175 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا قطبة هو ابن عبد العزيز) بضم أوله وسكون ثانيه ابن سياه بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة وبهاء منونة بالصرف، وتركه الأسدي، الحمّال الكوفي، روى عن الأعمش في الفضائل والتوبة، وليث، ويروي عنه (م عم) ويحيى بن آدم وأبو معاوية، وثقه معين وأحمد، وقال الترمذي: هو ثقة عند أهل

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأحوَصِ قَال: كُنَّا فِي دَارِ أبِي مُوسَى مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ. وَهُمْ يَنْظُرُونَ فِي مُصْحَفٍ. فَقَامَ عَبْدُ اللهِ. فَقَال أَبُو مَسْعُودٍ: مَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ بَعْدَهُ أَعْلَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ هَذَا الْقَائِمِ. فَقَال أَبُو مُوسَى: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ. لَقَدْ كَانَ يَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. ويؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث، وقال في التقريب: صدوق، من الثامنة (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن مالك بن الحارث) السلمي الكوفي، روى عن أبي الأحوص في الفضائل والتوبة وعبيد الله بن ربيعة وعلقمة وأبي سعيد، ويروي عنه (م دس) والأعمش وإبراهيم النخعي ومنصور وطلحة بن مصرف، وثقه ابن معين وقال العجلي: تابعي كوفي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة أربع وتسعين (94) (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك الجشمي الكوفي، ثقة، من (3) عن أبي موسى وأبي مسعود رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة مالك بن الحارث لأبي إسحاق السبيعي (قال) أبو الأحوص: كنا في دار أبي موسى) الأشعري (مع نفر) أي مع جماعة (من أصحاب عبد الله) بن مسعود (وهم) أي والحال أن أولئك النفر (ينظرون في مصحف) لعبد الله (فقام عبد الله) بن مسعود من بين الناس ليذهب (فقال أبو مسعود) الأنصاري لأبي موسى الأشعري (ما أعلم) أنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بعده) أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم رجلًا (أعلم بما أنزل الله) تعالى يعني به القرآن (من هذا) الرجل (القائم) من بيننا يعني ابن مسعود، قال القاضي عياض: خصه بما أنزل الله كما قال وبعلم القرآن ولا يقال إنه أعلم من الخلفاء لأن أحد الرجلين قد يكون أعلم بباب والأقل علما أعلم بباب آخر، ألا تراه كيف قال: أعلم بكتاب الله، قال القرطبي: وقد فُكر ذلك بكونه أعلم حيث أنزلت وفيما نزلت يعني بأسباب نزوله ومواقع أحكامه، وأما القراءة فأُبيّ أقرأ منه لحديث "أقرؤكم أُبيّ" والخطاب للجميع اهـ (فقال أبو موسى) لأبي مسعود (أما) حرف استفتاح أي انتبه واستمع والله (لئن قلت ذاك) أي قولك ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده أعلم .. إلخ فليس ببعيد، والله (لقد كان) هذا القائم (يشهد) أي يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا غبنا) أي إذا كنا غائبين عنه صلى الله عليه وسلم (ويؤذن له) في الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حُجبنا) نحن أي مُنعنا نحن من الدخول عليه صلى الله عليه وسلم.

6176 - (00) (00) وحدَّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، (هُوَ ابْنُ مُوسَى)، عَنْ شَيبَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ. قَال: أَتَيتُ أَبَا مُوسَى فَوَجَدْتُ عَبْدَ اللهِ وَأَبَا مُوسَى. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبِي عُبَيدَةَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زيدِ بنِ وَهْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله في هذه الرواية: (فقام عبد الله) يدل على أن ابن مسعود رضي الله عنه كان حيًّا موجودًا حين أثنى عليه أبو مسعود رضي الله عنه، وقد دلت الرواية السابقة على أنه قال هذا الكلام بعد وفاة ابن مسعود فبينهما معارضة، قلنا لا تعارض بينهما فإنه لا مانع من أن يكون قال ذلك مرة في حياته وأخرى بعد وفاته والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الأثر فقال: 6176 - (00) (00) (وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبيد الله هو ابن موسى) العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم أبي معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن أبي الأحوص) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شيبان لقطبة بن عبد العزيز (قال) أبو الأحوص: (أتيت أبا موسى) في داره (فوجدت عبد الله) بن مسعود (وأبا موسى) جالسين مع نفر من أصحاب عبد الله ... الحديث السابق (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن أبي عبيدة) مصغرًا بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، واسم أبي عبيدة عبد الملك، روى عن أبيه أبي عبيدة بن معن المسعودي في الفضائل والدعاء، ويروي عنه (م دس ق) وأبو كريب وابنا أبي شيبة وابنه إبراهيم وحفيده يحيى بن إبراهيم وغيرهم، ثقة، من (10) مات سنة (150) خمسين ومائة (حدثنا أبي) أبو عبيدة عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الكوفي الهذلي المسعودي، روى عن الأعمش في الفضائل، وأبي إسحاق الشيباني، ويروي عنه (م دس ق) وابنه محمد وجماعة، وثقه ابن معين، وقال في التقريب: ثقة، من السابعة (عن الأعمش عن زيد بن وهب) الجهني أبي سليمان الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (8)

قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ حُذَيفَةَ وَأَبِي مُوسَى، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ قُطْبَةَ أَتَمُّ وَأَكْثَرُ. 6177 - (2445) (198) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّهُ قَال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (قال) زيد: (كنت جالسًا مع حذيفة) بن اليمان (وأبي موسى) في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله .. إلخ. وهذا السند من سداسياته، والغرض منه الاستشهاد لحديث أبي الأحوص (وساق) شيبان بن عبد الرحمن (الحديث) السابق في رواية قطبة بن عبد العزيز (و) لكن (حديث قطبة) بن عبد العزيز (أتم) أي أقوى سندًا (وأكثر) متنًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبد الله بن مسعود بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6177 - (2445) (198) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن عبد الله (قال) لأصحابه: غُلوا مصاحفكم أي اكتموها ولا تعطوها لمن يحرقها كما حرقوا مصاحف الناس، وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه فأبى هو أن يعطي مصحفه لمن يحرقه وأمر أصحابه بموافقته في الإباء، وقال لهم: (ومن يغلل) منكم أي ومن يكتم مصحفه ممن يحرقه (يأت بما غل) وكتم من مصحفه (يوم القيامة) يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة كما يأتي، من غل من الغنيمة شيئًا قبل القسمة يأت بما غل به وكفى لكم بذلك شرفًا. وسبب قول ابن مسعود لهذا الكلام الذي أخذه من القرآن أن مصحفه يخالف مصحف الجمهور وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه فأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه وبموافقة مصحف الجمهور وطلبوا مصحفه ليحرقوه كما فعلوا بغيره فامتنع، وقال لأصحابه: غُلوا مصاحفكم أي اكتموها ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة يعني

ثُمَّ قَال: عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ تَأْمُرُونِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَلَقَدْ قَرَأتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِضعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة وكفى لكم بذلك شرفًا عند الله تعالى. (ثم قال) ابن مسعود لعثمان ومن معه (على قراءة من تأمروني أن أقرأ) القرآن إذا تركت قراءتي (فـ) والله (لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم) من فيه إلى فمه (بضعًا وسبعين سورة) أي ثم قال لهم على سبيل الإنكار ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أو تسعة أو ما بينهما وسبعين سورة اهـ نووي. قال القاضي عياض: هذا الحديث وقع في مسلم مبتورًا على وجه لا يشرح مقصود الحديث وذكره ابن أبي خيثمة من رواية أبي وائل وهو شقيق راويه في مسلم بطريق يُفهم منها معناه قال: لما رأى عثمان حرق المصاحف ما عدا المصحف الذي بعث نسخته إلى الآفاق ووافقه على ذلك الصحابة لما رأوا من أن بقاءها يُدخل اللبس والاختلاف في القرآن ذكر ابن مسعود الغلول وتلا الآية ثم قال: إني غال مصحفي فقال: لأصحابه من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل فإن الله يقول: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] على قراءة من تأمروني أن أقرأ، أأقرأ على قراءة زيد؟ لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، وزيد له ذؤابتان يلعب مع الصبيان. قال القرطبي: معنى قوله غلوا مصاحفكم أي اكتموها إلى أن تلقوا الله بها كما يفعل من غل شيئًا فإنه يأتي به يوم القيامة ويحمله وكان هذا رأيًا منه انفرد به عن الصحابة رضي الله عنهم ولم يوافقه أحد منهم عليه فإنه كتم مصحفه ولم يظهره ولم يقدر عثمان ولا غيره عليه أن يظهره، وانتشرت المصاحف التي كتبها عثمان واجتمع عليها الصحابة في الآفاق وقرأ المسلمون عليها وتُرك مصحف عبد الله وخفي إلى أن وُجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض دولتهم وابتداء دولة المعز فأمر بإحراقه بها صدر الدين قاضي القضاة على ما سمعناه من بعض مشايخنا فأُحرق. وقوله: (على قراءة من تأمروني أن أقرأ) إنكار منه على من يأمره بترك قراءته ورجوعه إلى قراءة زيد بن ثابت مع أنه سابق له إلى حفظ القرآن وإلى أخذه عن رسول اللهْ

وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ. وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا اعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم فصعُب عليه أن يترك قراءة قرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ بما قرأه زيد أو غيره فتمسك بمصحفه وقراءته وخفي عليه الوجه الذي ظهر لجميع الصحابة رضي الله عنهم من المصلحة التي هي من أعظم ما حفظ الله بها القرآن عن الاختلاف المخل به والتغيير بالزيادة والنقصان، وكان من أعظم الأمور على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم لما عزموا على كتب المصحف بلغة قريش عينوا لذلك أربعة لم يكن منهم ابن مسعود فكتبوه على لغة قريش ولم يُعرّجوا على ابن مسعود مع أنه أسبقهم لحفظ القرآن ومن أعلمهم به كما شهدوا له بذلك غير أنه رضي الله عنه كان هذليًا كما تقدم وكانت قراءته على لغتهم وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم فلذلك لم يدخلوه معهم والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. قوله: (بضعًا وسبعين) قال المازري: البضع والبضعة من العدد، قال ابن السكيت: هما بفتح الباء وكسرها واختلف مدلولهما، قال الهروي: والعرب تستعملها فيما بين الثلاثة إلى التسعة، وقال قتادة: هما من الثلاثة إلى التسعة والعشرة، وقال أبو عبيد: هما من الواحد إلى الأربعة، وقال الأخفش: من الواحد إلى العشرة، وقال الفزاء: هو ما دون العشرة، وقال ابن عباس: من الثلاث إلى العشرة، قال ابن الأنباري: يقال في عدد المؤنث بضع وفي عدد المذكر بضعة مجرى خمس وخمسة وست وستة، وأما البضعة من اللحم وهي القطعة منه فبفتح الباء لا غير وجمعها بضع، والجميع مشتق من البضع وهو القطع. ثم قال ابن مسعود: (و) الله (لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله) تعالى يعني أعلمهم بأسباب نزوله ومواقع أحكامه بدليل الرواية الأخرى ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا وأعلم فيما أنزلت، وسبب ذلك ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم ومباطنته إياه سفرًا وحضرًا كما قدمنا، وأما في القراءة فأُبيّ منه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرؤكم أُبيّ" والخطاب للصحابة كلهم رواه أحمد [3/ 184] (ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه) قال القاضي عياض: فيه ذكر الرجل حال نفسه ومنزلته من العلم وشبهه من الفضائل

قَال شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذلِكَ عَلَيهِ، وَلَا يَعِيبُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا دعت إلى ذلك ضرورة وليس من مدح الرجل نفسه والإعجاب بها (قال شقيق) بن سلمة بالسند السابق: (فجلست في حلق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) ومجتمعهم وفيهم ابن مسعود يقول ذلك الكلام (فما سمعت أحدًا) منهم (يرد ذلك) الكلام (عليه) أي على ابن مسعود وينكره (ولا يعيبه) عليه، من عاب الشيء من باب باع إذا عده معيبًا أي عيبًا. قوله: (حلق) بفتح الحاء واللام ويقال: بكسر الحاء وفتح اللام، وقال الحربي: بفتح الحاء وإسكان اللام جمع حلقة كتمر وتمرة اهـ نووي، وقال القرطبي: والحلق بفتح الحاء واللام جمع حلقة بفتحهما على ما حكاه يونس عن أبي عمرو بن العلاء، وقال أبو عمرو الشيباني: ليس في الكلام حلقة بالتحريك إلا في قولهم هؤلاء قوم حلقة للذين يحلقون الشعر جمع حالق، وقال الجوهري: الحلقة للدروع بالسكون وكذلك حلقة الباب وحلقة القوم والجمع الحلق على غير قياس اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فضائل القرآن باب القراءة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [5000]، والنسائي في الزينة باب الذؤابة [5063 و 5064]. والحاصل أن سبب قول ابن مسعود (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) أن عثمان رضي الله عنه أمر بكتابة المصاحف على طريقة زيد وأمر بجمع المصاحف كلها وإحراقها إلا ما وافق هذه الطريقة الواحدة وكان ابن مسعود رضي الله عنه خالفه في ذلك وأبي أن يدفع مصحفه إليه بعذر أنه كتبه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقًا لما سمعه منه صلى الله عليه وسلم فزعم أنه أمانة عنده وتغييره إلى الرسم العثماني لا يجوز، ولو أخفى أحد مصحفه عن عثمان رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين فإن غايته أن يكون غلولًا وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ومقتضى هذه الآية أن من غل مصحفه أي أخفاه عن الإمام جاء به يوم القيامة ولا ملامة على من يأتي يوم القيامة بمصحفه الذي كتبه بعد السماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع هذا السبب صريحًا فيما أخرجه أحمد ابن أبي داود من طريق خُمير بن مالك عن ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه (لما أمر بالمصاحف أن تُغيّر ساء ذلك عبد الله بن مسعود فقال: من

6178 - (2446) (199) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثَنَا قُطْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسلِمٍ، عَنْ مَسرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ، مَا مِنْ كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إلا أَنَا أَعْلَمُ حَيثُ نَزَلَتْ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إلا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَت. وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ استطاع أن يغل مصحفه فليفعل) وفي رواية له: (إني غال مصحفي فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل) وفي رواية النسائي وأبي عوانة عن شقيق: (خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم .. الخ). قوله: (وعلى قراءة من تأمروني أن أقرأ) وفي رواية النسائي وأبي عوانة: (وكيف تأمرونني أن أقرأ؟ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله) ولعل ابن مسعود رضي الله عنه زعم أن عثمان رضي الله عنه يريد أن يجمع الناس على قراءة زيد بن ثابت وينسخ القراءات الأخرى ولهذا رد على هذه الفكرة مع أن عثمان رضي الله عنه لم يفعل إلا توحيد الرسم وترتيب السور ولم يمنع أحدًا من قراءة القرآن على ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح متواتر اهـ من التكملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عبد الله الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6178 - (2446) (199) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا قطبة) بن عبد العزيز الأسدي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (2) بابين هنا وفي التوبة (عن الأعمش عن) أبي الضحى (مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة مخضرم فقيه، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته (قال) عبد الله: (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (لا إله إلا غيره من كتاب الله) العظيم وقرآنه الكريم (سورة) من السور (إلا أنا أعلم حيث نزلت) تلك السورة وأي مكان مكي أو مدني أو غيرهما نزلت فيه (وما من آية) من آي القرآن (إلا أنا أعلم فيما) أي في أي سبب (أنزلت) فيه تلك الآية (ولو أعلم أحدًا) من الصحابة (هو أعلم بكتاب

اللهِ مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيهِ. 6179 - (2447) (200) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله) تعالى من حيث سببها أو مكانها أو زمانها (تبلغه) أي تبلغ ذلك الأعلم (الإبل) الراحلة أي توصلني إليه الراحلة (لركبت) تلك الراحلة لتوصلني (إليه) لآخذ منه علم القرآن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [5002]. وفي هذا الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة إليه وأما النهي عن تزكية النفس فإنما هولمن زكاها ومدحها لغير حاجة بل للفخر والإعجاب، وقد كثرت تزكية النفس من الأماثل والأفاضل عند الحاجة كدفع شر عنه بذلك أو تحصيل مصلحة للناس أو ترغيب في أخذ العلم عنه أو نحو ذلك فمن المصلحة قول يوسف - عليه السلام - {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه في وقت حصاره أنه جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة، ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا اهـ نووي. ومنه أيضًا قول سهل بن سعد: ما بقي أحد أعلم بذلك مني، وقول غيره: على الخبير سقطت وأشباهه، وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم والذهاب إلى الفضلاء حيث كانوا، وفيه أن الصحابة لم ينكروا قول ابن مسعود أنه أعلمهم والمراد أعلمهم بكتاب الله كما صرح به فلا يلزم منه أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم بالسنة ولا يلزم من ذلك أيضًا أن يكون أفضل منهم عند الله تعالى فقد يكون واحد أعلم من آخر وذاك أفضل عند الله بزيادة تقواه وخشيته وروعه وزهده وطهارة قلبه وغير ذلك، ولا شك أن الخلفاء الراشدين الأربعة كل واحد منهم أفضل من ابن مسعود رضي الله عنهم اهـ نووي أيضًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن مسعود الأول بحديث عبد الله بن عمررو بن العاص رضي الله عنهم فقال: 6179 - (2447) (200) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (حدثنا الأعمش عن شقيق) بن سلمة

عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: كُنَّا نَأْتِي عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو فَنَتَحَدَّثُ إِلَيهِ -وَقَال ابْنُ نُمَيرٍ: عِنْدَهُ- فَذَكَرْنَا يَوْمًا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ. فَقَال: لَقَدْ ذَكَرْتُمْ رَجُلًا لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ شَيءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيفَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسدي الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (قال) مسروق: (كنا) معاشر زملائي (نأتي عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن سهم السهمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (فنتحدث إليه) أي عنده (وقال) محمد (بن نمير) في روايته نتحدث (عنده) في أمور الدين والدنيا (فذكرنا يومًا) في مجلس عبد الله بن عمرو (عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (فقال) عبد الله بن عمرو لمن عنده والله (لقد ذكرتم رجلًا لا أزال) ولا أبرح (أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) في شأن ابن مسعود حالة كون النبي صلى الله عليه وسلم (يقول: خذوا القرآن) يا أصحابي وفي رواية: (استقرئوا القرآن) وفي الرواية الآتية (اقرؤوا) أي تعلموا (من أربعة) أنفار، قال النووي: سبب ذلك أن هؤلاء أكثر ضبطًا لألفاظه وأتقن لأدائه وإن كان غيرهم أفقه من معانيه منهم أو لأن هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذه منه صلى الله عليه وسلم مشافهة وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم من بعض أو لأن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ منهم أو أنه أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من تقدم هؤلاء الأربعة وتمكنهم منه وأنهم أقعد من غيرهم في ذلك فليؤخذ منهم اهـ منه؛ أي خذوا (من ابن أم عبد) بنت عبد ود الهذلية يعني عبد الله بن مسعود سماه بذلك لشهرته بهذه الكنية (فبدأ به) وهذه الجملة من كلام الراوي (ومعاذ بن جبل) بن أوس الأنصاري الخزرجي (وأُبيّ بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي المدني سيد القراء كاتب الوحي (وسالم) بن معقل (مولى أبي حذيفة) بن عتبة بن ربيعة يُكنى سالم أبا عبد الله، وكان من أهل فارس من اصطخر رضي الله تعالى عنهم أجمعين. قال القرطبي: وقوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد فبدأ به) فيه أن البداءة بالشيء تفيد الاهتمام به وترجيح المتقدم علي غيره في غالب الأحيان ولكن ليس فيه دليل على أنه أقرأ من أُبيّ فإنه صلى الله عليه وسلم قد بيّن بالنص

6180 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. فَذَكَرْنَا حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الجلي أن أُبيًّا أقرأ منه ومن غيره فيحتمل أن يقال إن الموجب للابتداء به اختصاصه به وملازمته إياه وحضوره في ذهنه لا أنه أقرأ الأربعة والله تعالى أعلم. وهذا كله بناء على أن المقدم من المعطوفات له مزية على المتأخر وفيه نظر قد تقدم في الطهارة وفي الحج. وتخصيص هؤلاء الأربعة بالذكر دون غيرهم ممن حفظ القرآن من الصحابة رضي الله عنهم وهم عدد كثير لأن هؤلاء الأربعة هم الذين تفرغوا لإقراء القرآن وتعليمه دون غيرهم ممن اشتغل بغير ذلك من العلوم أو العبادات أو الجهاد أو غير ذلك ويحتمل أن يكون ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنهم هم الذين ينتصبون لتعليم الناس القرآن بعده وليؤخذ عنهم فأحال عليهم لما علم من مآل أمرهم كما قد أظهر الموجود من حالهم إذ هم أئمة القراء وإليهم تنتهي في الغالب أسانيد الفضلاء والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع في كتاب فضائل الصحابة باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة [3758] وباب مناقب ابن مسعود [3759 و 3760] وفي كتاب مناقب الأنصار باب مناقب معاذ بن جبل [3806] وباب مناقب أُبي بن كعب [3808] وفي كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [4999] وأخرجه الترمذي في مناقب عبد الله بن مسعود [3810]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 6180 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالوا: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع (قال) مسروق: (كنا عند عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لوكيع بن الجراح (فذكرنا) معاشر المجتمعين عنده (حديثًا) يبحث (عن) مآثر (عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (فقال) عبد الله بن

إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ شَيءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "اقْرَؤُا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَمِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ سَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيفَةَ، وَمِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ". وَحَرْفٌ لَمْ يَذْكُرْهُ زُهَيرٌ. قَوْلُهُ: يَقُولُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو: (إن ذاك الرجل) الذي ذكرتم مآثره (لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله) أي يقول ذلك الشيء النبي صلى الله عليه وسلم في خصاله الحميدة ثم بيّن ذلك الشيء المقول فيه بقوله: (سمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول: اقرءوا القرآن) أي خذوه (من أربعة نفر) أي أنفار، خذوه (من ابن أم عبد) يعني عبد الله بن مسعود (فبدأ به) أي بعبد الله بن مسعود في عدّته الأربعة (و) خذوه (من أُبيّ بن كعب) الأنصاري الخزرجي (و) خذوه (من سالم مولى أبي حذيفة) وكان من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبرائهم وهو معدود في المهاجرين لأنه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة وهي عمرة بنت يعار وقيل سلمى وقيل غير ذلك تولى أبا حذيفة فتبناه أبو حذيفة وهو أيضًا معدود في الأنصار لعتق مولاته المذكورة له وهي أنصارية وهو معدود في القراء قيل إنه هاجر مع عمر بن الخطاب ونفر من الصحابة من مكة رضي الله عنهم فكان يؤمهم لأنه كان أكثرهم قرآنًا وكان يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر بن الخطاب شهد سالم بدرًا وقُتل يوم اليمامة ومولاه أبو حذيفة فوُجد رأس أحدهما عند رجل الآخر وذلك سنة اثنتي عشرة اهـ من المفهم (و) خذوه (من معاذ بن جبل) الأنصاري، وقوله: (وحرف) خبر مقدم، وجملة (لم يذكره زهير) صفة لحرف ولفظة (قوله) مبتدأ مؤخر ولفظة (يقوله) مقول للمبتدأ والمعنى وقوله أي قول الراوي يقوله حرف لم يذكره زهير في روايته وإنما ذكره قتيبة وعثمان. ومعاذ المذكور هو معاذ بن جبل بن أوس الأنصاري الخزرجي يكنى أبا عبد الرحمن قيل بولد كان له كبر إلى أن قاتل مع أبيه في اليرموك، ومات بالطاعون قبل أبيه بأيام على ما ذكر محمد بن عبد الله الأزدي البصري في (فتوح الشام) وغيره، وقال الواقدي: إنه لم يُولد لمعاذ قط وقاله المدائني أسلم معاذ وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد العقبة مع السبعين وشهد بدرًا وجميع المشاهد وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل من أعمال اليمن وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم مودِّعًا ماشيًا

6181 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِإسْنَادِ جَرِيرٍ وَوَكِيعٍ، فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ، قَدَّمَ مُعَاذًا قَبْلَ أُبَيٍّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ: أُبَيٌّ قَبْلَ مُعَاذٍ. 6182 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعاذ راكبًا منعه من أن ينزل، وقال فيه صلى الله عليه وسلم: "أعلمكم بالحلال والحرام معاذ" وقال: "إنه يسبق العلماء يوم القيامة رتوة بحجر" الرتوة الرمية، وقال فيه ابن مسعود: إنه كان أمة قانتًا لله، وقال: والأمة هو الذي يُعلّم الناس الخير، والقانت هو المطيع لله عزَّ وجلَّ وكان عابدًا مجتهدًا ورعًا محققًا كان له امرأتان فإذا كان يوم إحداهما لم يشرب من بيت الأخرى وماتتا بالطاعون في وقت واحد فحفر لهما حفرة فأسهم بينهما أيتهما يُقدّم في القبر، وكان مجاب الدعوة، ولما كان طاعون عمواس، وعمواس قرية من قرى الشام وكأنها إنما نُسب الطاعون إليها لأنه أول ما نزل فيها فقال بعض الناس: هذا عذاب فبلغ ذلك معاذًا فأنكر ذلك وخطب فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم اللهم آت آل معاذ من هذه الرحمة النصيب الأوفى، فما أمسى حتى طُعن ابنه عبد الرحمن وماتت زوجتاه ثم طُعن من الغد من دفن ولده فاشتد وجعه فمات منه وذلك في سنة سبع عشرة وقيل سنة ثماني عشرة وسنه ثمان وثلاثون مشة، وقيل ثلاث وثلاثون سنة، رُوي عنه من الحديث مائة حديث وسبعة وخمسون حديثًا أخرج له منها في الصحيحين ستة أحاديث والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 6181 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناد جرير ووكيع) يعني عن شقيق عن مسروق عن عبد الله بن عمرو لكن (في رواية أبي بكر عن أبي معاوية قدّم معاذًا قبل أُبيّ) بن كعب (وفي رواية أبي كريب أُبيّ) ذكر (قبل معاذ). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 6182 - (00) (00) (حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم

ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِهِمْ. وَاختَلَفَا عَنْ شُعْبَةَ فِي تَنْسِيقِ الأَرْبَعَةِ. 6183 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَال: ذَكَرُوا ابْنَ مَسْعُودٍ عِبْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. فَقَال: ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ. بَعْدَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن أبي عدي) وقيل: هو إبراهيم السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي أبو محمد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر رويا (عن شعبة عن الأعمش بإسنادهم) أي بإسناد جرير ووكيع وأبي معاوية (و) لكن (اختلفا) أي اختلف ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر في روايتهما (عن شعبة في تنسيق) أي في ترتيب سوق القراء (الأربعة) يعني ابن مسعود وأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 6183 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن مسروق قال) مسروق: (ذكروا) أي ذكر الحاضرون عند عبد الله بن عمرو (ابن مسعود) أي ذكروا فيما بينهم خصاله الحميدة (عند عبد الله بن عمرو، فقال) عبد الله بن عمرو: (ذاك) الصحابي الذي أثنيتم عليه (لا أزال أحبه بعدما سمعت من رسول الله قال الله عليه وسلم يقول) أي قوله صلى الله عليه وسلم فيه، ولو أسقط من لكان المعنى أوضح ولا يحتاج إلى تأويل القول، ويحتمل كونها زائدة (استقرؤوا القرآن من أربعة) أنفار (من ابن مسعود وسالم) بن معقل (مولى أبي حذيفة وأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل) وهذا السند من

6184 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ: قَال شُعْبَةُ: بَدَأَ بِهَذَينِ، لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا بَدَأَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سباعياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم النخعي لشقيق أبي وائل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا فقال: 6184 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن مسروق عن عبد الله بن عمرو، غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ لمحمد بن جعفر (و) لكن (زاد) معاذ بن معاذ لفظة (قال) لنا شعبة: (بدأ) شيخي عمرو بن مرة (بهدين) أي بابن مسعود وسالم ولكن (لا أدري) ولا أعلم (بأيهما) أي بأي هذين (بدأ) به عمرو بن مرة هل بدأ بابن مسعود أم سالم والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي موسى وأبي مسعود الأنصاري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث ابن مسعود أيضًا ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

711 - (25) والثالث عشر منها باب فضائل أبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

711 - (25) والثالث عشر منها باب فضائل أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين فضائل أبي بن كعب 6185 - (2448) (201) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: جَمَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 711 - (25) والثالث عشر منها باب فضائل أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعد بن معاذ وأبي دجانة وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله تعالى عنهم أجمعين فضائل أبي بن كعب أما أُبي فهو أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن النجار الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه أسلم قديمًا وشهد العقبة الثانية وبايع النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثم شهد بدرًا وجميع المشاهد وهو أول من كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فقهاء الصحابة وقراءهم رضي الله عنهم وكفى بذلك أن الله تعالى أمر نبيه أن يقرأ عليه القرآن كما سيأتي وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرؤكم أُبي" وقال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه سيد المسلمين وتُوفي في خلافة عمر على الأكثر قيل سنة تسع عشرة وقيل سنة عشرين وقيل سنة اثنتين وعشرين وقيل إنه مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، وجملة ما رُوي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثًا أخرج له منها في الصحيحين ثلاثة عشر حديثًا اهـ من المفهم. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضل أُبي بن كعب بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 6185 - (2448) (201) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا شعبة عن قتادة قال) قتادة: (سمعت أنس) بن مالك (يقول): وهذا السند من خماسياته (جمع

الْقُرْآنَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيدٍ. قَال قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيدٍ؟ قَال: أَحَدُ عُمُومَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ القرآن) أي حفظ القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (أربعة) من الرجال أراد أنس بالأربعة أربعة من رهطه وهم الخزرجيون إذ رُوي أن جمعًا من المهاجرين أيضًا جمعوا القرآن اهـ مرقاة (كلهم من الأنصار معاذ بن جبل وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد) قال المازري: هذا الحديث يتعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن، وجوابه من وجهين: أحدهما: أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه فقد يكون مراد أنس الذين علمهم من الأنصار أربعة، والثاني: أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة لم يقدح في تواتره فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون اهـ نووي باختصار، وقيل: خصهم بالذكر لحضور هؤلاء في ذهنه دون غيرهم، وقيل لأن هؤلاء الأربعة قد اشتهروا بذلك في ذلك الوقت ممن يحفظ جميعه، وقيل لأن أنسًا سمع من هؤلاء الأربعة إخبارهم عن أنفسهم أنهم جمعوا القرآن ولم يسمع مثل ذلك من غيرهم وكل ذلك محتمل ممكن والله تعالى أعلم. (قال قتادة) بالسند السابق (قلت لأنس من أبو زيد؟ قال) أنس: هو (أحد عمومتي) أي رجل من أصحاب عمومتي، والعمومة الاجتماع مع أبيه في أصل واحد، قال القرطبي: أبو زيد هذا هو سعيد بن عبيد بن النعمان الأوسي من بني عمرو بن عوف يُعرف بسعد القارئ تُوفي شهيدًا بالقادسية سنة خمس عشرة، قال أبو عمر: هذا قول أهل الكوفة وخالفهم غيرهم فقالوا: أبو زيد هذا هو قيس بن السكن الخزرجي من بني عدي بن النجار بدري، قال ابن شهاب: قتل أبو زيد قيس بن السكن الخزرجي يوم جسر أبي عبيد على رأس خمس عشرة سنة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 277]، والبخاري في فضائل القرآن باب القراءة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [5003] وفي مناقب زيد بن ثابت [3810]، والترمذي [3794].

فضائل زيد بن ثابت

فضائل زيد بن ثابت 6186 - (00) (00) حدّثني أَبُو دَاوُدَ، سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَال: أَرْبَعَةٌ. كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُكنَى أَبَا زَيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فضائل زيد بن ثابت وأما زيد بن ثابت فهو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بمعجمة بن عمرو الأنصاري النجاري المدني كاتب الوحي وأحد نجباء الأنصار شهد بيعة الرضوان وقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وجمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم كتاب اليهود فتعلّمه في نصف شهر فكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب إليهم وإذا كتبوا إليه قرأه، له اثنان وتسعون حديثًا (92) مات سنة (45) خمس وأربعين، وقيل سنة ثمان، وقيل سنة إحدى وخمسين (51). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6186 - (00) (00) (حدثني أبو داود سليمان بن معبد) بن كوسجان بجيم المهملة السنجي بكسر المهملة بعدها نون الساكنة ثم جيم نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو النحوي المروزي الرخال، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوزاع الكلابي أبو عثمان القيسي بقاف البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن قتادة) بن دعامة، وفي بعض النسخ إسقاط قتادة وهو تحريف من النساخ (قال) قتادة: (قلت لأنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام بن يحيى لشعبة بن الحجاج (من جمع القرآن) حفظًا أو كتابة (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال) أنس: جمعه (أربعة) أنفار (كلهم من الأنصار أُبي بن كعب) قدم هنا أُبيًا على معاذ عكس الرواية الأولى (ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ورجل من الأنصار) من أهل عمومتي (يكنى) بالبناء للمجهول (أبا زيد) أي يسمى بكنية أبي زيد اسمه سعد بن عبيد الأوسي المعروف بسعد القارئ.

6187 - (2449) (202) حدَّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لأُبَيٍّ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيكَ" قَال: آللهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَال: "اللهُ سَمَّاكَ لِي" قَال: فَجَعَلَ أبَيٌّ يَبْكِي. 6188 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6187 - (2449) (202) (حدثنا هدّاب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار (حدثنا قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي) بن كعب: (إن الله عزَّ وجلَّ أمرني أن أقرأ عليك) سورة البينة (قال) أبي للنبي صلى الله عليه وسلم: (آلله) أي هل الله سبحانه (سماني) أي ذكر اسمي (لك) يا رسول الله، والهمزة للاستفهام التقريري المضمن للتعجب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: نعم (الله سماك) أي ذكر اسمك (لي، قال) أنس (فجعل) أي شرع (أُبي يبكي) فرحًا بذكر الله تعالى اسمه، قال النووي: أما بكاؤه فبكاء سرور واستصغار لنفسه عن تأهيله لهذه النعمة وإعطائه هذه المنزلة، والنعمة فيها من وجهين: أحدهما: كونه منصوصًا عليه بعينه، والثاني: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها منقبة عظيمة له لم يشاركه فيها أحد من الناس اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 130]، والبخاري في مناقب أُبي بن كعب [3809] وفي تفسير سورة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [4959 و 4960] و 4961]، والترمذي في هذه القصة عن أُبي بن كعب في مناقبه من الجامع [3894]، والنسائي في الكبرى [1691]، والمؤلف أخرج هذا الحديث هنا وفي كتاب صلاة المسافرين باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل من ثلاثة طرق رواتها كلهم بصريون. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6188 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا

فضائل سعد رضي الله عنه

مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1] قَال: وَسَمَّانِي؟ قَال: "نَعَمْ" قَال: فَبَكَى. 6189 - (00) (00) حدّثنيه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأُبَيٍّ: بِمِثْلِهِ. فضائل سعد رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدّث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لهمام بن يحيى (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبي بن كعب) رضي الله عنه (إن الله أمرني أن أقرأ عليك) {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة / 11] (قال) أبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (و) هل (سماني) الله لك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) سماك لي (قال) أنس: (فبكى) أُبي سرورًا بهذه المنزلة الرفيعة. قال القرطبي: خص هذه السورة بالذكر لما احتوت عليه من التوحيد والرسالة والإخلاص والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء وذكر الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6189 - (00) (00) (حدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد يعني بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنسًا) بن مالك رضي الله عنه (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبي) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لمحمد بن جعفر وساق خالد (بمثله) أي بمثل حديث محمد بن جعفر. فضائل سعد رضي الله عنه وأما سعد رضي الله عنه فهو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن

6190 - (2450) (203) حدَّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَجَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَينَ أَيدِيهِمْ: "اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشهل الأنصاري الخزرجي الأشهلي المدني أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير وشهد بدرًا وأحدًا ورُمي يوم الخندق بسهم فعاش شهرًا ثم انتقض جرحه فمات منه توفي سنة خمس من الهجرة وقد تقدم حديثه في حكمه في بني قريظة وقوله صلى الله عليه وسلم للحاضرين من أصحابه: "قوموا إلى سيدكم" رواه أحمد [3/ 22 و 23]، والبخاري [3043]، ومسلم [1768] وأبو داود [5215 و 5216] وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين أحد أفضل منهم سعد بن معاذ وأُسيد بن خضير وعبّاد بن بشر تعني من الأنصار والله أعلم، وقال ابن عباس: قال سعد بن معاذ: ثلاثة أنا فيهن رجل كما ينبغي وما سوى ذلك فأنا رجل من المسلمين: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا إلا علمت أنه حق من الله، ولا دخلت في صلاة قط فشغلت نفسي بغيرها حتى قضيتها، ولا كنت في جنازة قط إلا حدثت نفسي بما تقول وما يقال لها حتى أنصرف عنها اهـ من المفهم. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضائل سعد بن معاذ بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 6190 - (2450) (203) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من خماسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجنازة سعد بن معاذ) أي والحال أن جنازة سعد بن معاذ (بين أيديهم) أي بين قدام النبي صلى الله عليه وسلم وقدام من معه، وجملة قوله: (اهتز) أي تحرك (لها) أي لموت هذه الجنازة تأسفًا عليها أو فرحًا لقدوم روحها (عرش الرحمن) حقيقة أو مجازًا عن حملته مقول لقال، قال القرطبي: حمل بعض العلماء هذا الحديث على ظاهره من الاهتزاز والحركة، وقال: هذا ممكن لأن العرش جسم وهو قابل للحركة والسكون والقدرة صالحة لتحريكه وكانت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حركته علمًا على فضله، وحمله آخرون على حملة العرش فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ويكون الاهتزاز منهم استبشارًا بقدوم روحه الطيبة وفرحًا به، وحمله آخرون على تعظيم شأن وفاته وتفخيمه على عادة العرب في تعظيمها الأشياء والإغياء في ذلك فيقولون: قامت القيامة لموت فلان وأظلمت الأرض له وما شاكل ذلك مما المقصود به التعظيم والتفخيم لا التحقيق وإليه صار الحربي، وكل هذه التفاسير على أن المراد بالعرش هو المنسوب إلى الرحمن جل وعلا في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه / 5] وهو ظاهر قوله: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد" وقد رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن العرش هنا سرير الميت، قال القاضي: وكذلك جاء في حديث البراء بن عازب في الصحيح: "اهتز السرير" رواه البخاري [3803] وتأوله الهروي فرح بحمله عليه اهـ من المفهم. وهذا القول باطل يرده صريح الروايات التي ذكرها مسلم ورد عليه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقد أخرج البخاري من طريق الأعمش عن أبي صالح قال: فقال رجل لجابر: فإن البراء يقول: اهتز السرير، فقال جابر: إنه كان بين هذين الحيين ضغائن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" وقد فسر بعضهم قول جابر: كان بين هذين الحيين ضغائن أن سعد بن معاذ كان من الأوس والبراء من الخزرج فحملته الضغينة الجارية بين الحيين أن يقلل من شأن سعد بن معاذ، هان هذا التفسير فيه خطأ فاحش، أما أولًا فلأن البراء رضي الله عنه كان من الأوس أيضًا، وأما ثانيًا فلأنه لا يتصور من صحابي أن تحمله الضغائن القبائلية على التقليل من شأن صحابي آخر وتغيير معنى الحديث من أجل ذلك فالتفسير الصحيح لقول جابر على ما بسطه الحافظ في الفتح أن جابرًا كان من الخزرج فذكر أنه على الرغم من الضغائن التي كانت بين حينا وحي سعد بن معاذ فإنه لا يسع لي إلا أن أقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذكر اهتزاز عرش الرحمن لا مجرد اهتزاز سرير الجنازة والله سبحانه وتعالى أعلم ذكره الحافظ في الفتح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مناقب سعد [3803]، والترمذي في مناقبه أيضًا [3847] وابن ماجه في المقدمة [145]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال:

6191 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". 6192 - (2451) (204) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزَّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخفَّافُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال، وَجَنَازَتُهُ مَوْضُوعَةٌ -يَعْنِي سَعْدًا-: ـــــــــــــــــــــــــــــ 6191 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي) الكوفي، ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (حدثنا الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الإسكاف المكي نزيل واسط، صدوق، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): اهتز عرش الرحمن (لموت سعد بن معاذ) رضي الله عنه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6192 - (2451) (204) (حدثنا محمد بن عبد الله الرُّزّي) بضم المهملة وكسر الزاي المشددة نسبة إلى الرُّزّ وهو لغة في الأرز الحب المقتات لأنه كان يبيعه أبو جعفر البصري نزيل بغداد، قال السمعاني في الأنساب [6/ 116] كان شيخًا من أهل الصدق والأمانة، وكان ثقة، وقال في التقريب: ثقة يهم، من (10) روى عنه في (7) أبواب، مات ببغداد سنة إحدى وثلاثين ومائتين (231) (حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف) العجلي مولاهم أبو نصر البصري نزيل بغداد، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة بن مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (20) بابا (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: وجنازته موضوعة) بينهم (يعني) أنس بضمير جنازته (سعدًا) بن معاذ،

"اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ". 6193 - (2452) (205) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعناية من كلام قتادة (اهتز) أي اضطراب وتحرك تفخيمًا (لها) أي لطلوع روحها إلى السماء (عرش الرحمن). وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث البراء رضي الله عنهما فقال: 6193 - (2452) (205) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي (قال) أبو إسحاق: (سمعت البراء) بن عازب رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته (أُهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير) سيأتي أنه أهداها له صلى الله عليه وسلم أكيدر دومة الجندول، والحلة ما كان من إزار ورداء أو قميص، قال القرطبي: كذا جاء في حديث البراء حلة بالحاء المهملة واللام، وفي حديث أنس أن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس رواه الترمذي [1723]، والنسائي [8/ 199] وهذه أوجه وأصوب لأن الحلة لا تكون عند العرب ثوبًا واحدًا وإنما هي لباس ثوبين يحل أحدهما على الآخر، وأن الثوب الفرد لا يُسمى حلة، وقد جاء في السير أنها قباء من ديباج مخوّص بالذهب، وقد تقدم الكلام على لبس الحرير في اللباس، وأكيدر بضم الهمزة وفتح الكاف وياء التصغير بعدها تصغير أكدر، والكدرة لون بين السواد والبياض وهو الأغبر، وهو أكيدر بن عبد الملك الكندي، ودومة بفتح الدال وضمها وأنكر بن دريد الفتح، وقال أهل اللغة: يقولونه بالضم والمحدثون بالفتح وهو خطأ، وقال: ودومة الجندل مجتمعه ومستداره وهو من بلاد الشام قرب تبوك كان أكيدر ملكها وكان خالد بن الوليد قد أسره في غزوة تبوك وسلبه قباء من ديباج مخوصًا بالذهب فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم ورده إلى موضعه وضرب عليه الجزية اهـ من المفهم، وفي المصباح: دومة الجندل حصن بين مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وبين الشام وهو

فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا ويعجَبُونَ مِنْ لِينِهَا. فَقَال: "أَتَعْجبُونَ مِنْ لِينِ هَذهِ؟ لَمَنادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ، خَيرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ". 6194 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَنْبَأَنِي أَبُو إِسْحَاقَ. قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقرب من الشام وهو الفصل بين الشام والعراق اهـ، وقال الواقدي: إنه أسلم وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا حين أسلم اهـ منه (فجعل) أي شرع (أصحابه) صلى الله عليه وسلم (يلمسونها) بأيديهم ويمسونها (ويعجبون) أي يتعجبون (من لينها) واللين ضد الخشونة (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من لبن هذه) الحلة (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها) أي أجمل من هذه الحلة (وألين) منها أي أبلغ لينًا منها، قال القرطبي: هذه إشارة إلى أدنى ثياب سعد في الجنة لأن المناديل إنما هي ممتهنة متخذة لمسح الأيدي بها من الدنس والوسخ وإذا كان هذا حال المنديل فما ظنك بالعمامة والحلة ولا يظن أن طعام الجنة وشرابها إذ قد يُدنس يد المتناول حتى يحتاج إلى منديل فإن هذا ظن من لا يعرف الجنة ولا طعامها ولا شرابها إذ قد نزه الله تعالى الجنة عن ذلك كله وإنما ذلك إخبار بأن الله أعد في الجنة كل ما كان يحتاج إليه في الدنيا لكن هي على حالة هي أعلى وأشرف فأعد فيها أمشاطًا ومجامر وألوّة ومناديل وأسواقًا وغير ذلك مما تعارفنا في الدنيا وإن لم نحتج له في الجنة إتمامًا للنعمة وإكمالًا للمنة اهـ من المفهم. وفي الحديث إشارة إلى عظيم منزلة سعد في الجنة وأن أدنى ثيابه فيها خير من أنفس ثياب الدنيا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 302]، والبخاري في مواضع منها في مناقب سعد بن معاذ [3802]، والترمذي في مناقبه [3846]، وابن ماجه في المقدمة في فضل سعد بن معاذ [144]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 6194 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (15) بابا (حدثنا شعبة أنبأني أبو إسحاق) السبيعي (قال: سمعت البراء بن عازب) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة

يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِ حَرِيرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَال ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْو هَذَا أَوْ بِمِثلِهِ. 6195 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. بِالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا، كَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي داود لمحمد بن جعفر (يقول أُتي) بالبناء للمجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حرير) أي بجبة سندس (فذكر) أبو داود (الحديث) الذي رواه محمد بن جعفر (ثم قال) أحمد (بن عبدة أخبرنا أبو داود حدثنا شعبة حدثني قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا متابعة في الشاهد، غرضه بيان متابعة قتادة لأبي إسحاق، وساق قتادة (بنحو هذا) أي بقريب هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق عن البراء لفظًا ومعنى (أو) ساق قتادة (بمثله) أي بمثل هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق عن البراء لفظًا ومعنى، والشك من شعبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث البراء وأنس رضي الله عنهما فقال: 6195 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عمرو) بن عباد (بن جبلة) بن أبي روّاد العتكي مولاهم أبو جعفر البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا أمية بن خالد) بن الأسود القيسي -بالقاف ثم التحتانية- من بني قيس بن ثوبان، أخو هدبة أكبر منه، أبو عبد الله البصري، روى عن شعبة في الفضائل وغيرها، والثوري وطائفة، ويروي عنه (م د ت س) ومحمد بن عمرو بن جبلة وأبو موسى وبندار ومحمد بن المثنى وعمرو بن علي، وثقه أبو حاتم وأبو زرعة والترمذي والعجلي، وقال في التقريب: صدوق، من (9) التاسعة، وقال البخاري: مات سنة (201) إحدى ومائتين (حدثنا شعبة بهذا الحديث) الذي رواه أبو داود (بالإسنادين جميعًا) يعني سند البراء وسند أنس، وساق أمية بن خالد (كرواية أبي داود) أي مثل رواية أبي داود لفظًا ومعنى، غرضه بيان متابعة أمية بن خالد لأبي داود. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث جابر بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

6196 - (2453) (206) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جُبَّةٌ مِنْ سُنْدُسٍ. وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ. فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا. فَقَال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدِ بِيَدِهِ، إِنَّ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فِي الْجَنَّةِ، أَحْسَنُ مِنْ هَذَا". 6197 - (00) (00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَامِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6196 - (2453) (206) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدّب، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن الشأن والحال (أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس) والجبة قباء محشو يُلبس للبرد، والسُندس بضم السين والدال بينهما نون ساكنة ما رق من الحرير وكذا الاستبرق، والديباج ما غلظ منه وكل من الثلاث كلمات معربة (وكان) صلى الله عليه وسلم (ينهى عن) لُبس (الحرير فعجب الناس) من الصحابة (منها) أي من لين تلك الجبة وحُسنها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: (والذي نفس محمد بيده إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن) وأجمل وألين (من هذا) السندس، والمناديل جمع منديل وهو الذي يُحمل في اليد قيل: هو مشتق من الندل وهو النقل لأنه يُنقل من واحد إلى واحد، وقيل من الندل بمعنى الوسخ لأنه يُندل به الوسخ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب الهبة باب قبول الهدية من المشركين [2615] وفي كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة [3248] والترمذي في اللباس باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه [3847]، والنسائي في الزينة باب لُبس الديباج المنسوج بالذهب [2/ 530]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6197 - (00) (00) (حدثناه محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا سالم بن نوح) بن أبي عطاء العطار أبو سعيد البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عمر بن عامر) السلمي أبو حفص البصري قاضيها، صدوق، من (6) روى عنه

فضائل أبو دجانة

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أُكَيدِرَ دَومَةِ الْجَنْدَلِ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ. فضائل أبو دجانة 6198 - (2454) (207) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (3) أبواب (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عمر بن عامر لشيبان بن عبد الرحمن (أن اكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حُلة) أي جبة حرير (فذكر) عمر بن عامر (نحوه) أي نحو حديث شيبان بن عبد الرحمن (و) لكن (لم يذكر) عمر بن عامر (فيه) أي في ذلك النحو لفظة (وكان ينهى عن الحرير). فضائل أبو دجانة وأما أبو دجانة بضم الدال فهو سماك بن خرشة بن لوذان الأنصاري الخزرجي مشهور بكنيته شهد بدرًا وأُحدًا ودافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ هو ومصعب بن عمير وكثُرت فيه الجراحة وقُتل مصعب وكان أبو دجانة أحد الشجعان، له المقامات المحمودة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه استشهد يوم اليمامة، وقال أنس: رمى أبو دجانة بنفسه في الحديقة فانكسرت رجله فقاتل حتى قتل، وقيل: إنه شارك وحشيًّا في قتل مسيلمة الكذاب، وقيل: إنه عاش حتى شهد مع علي صفين والله سبحانه وتعالى أعلم. وفيما ذكرنا منقبة عظيمة لسماك بن خرشة رضي الله عنه وفي القاموس الخرشة بالفتحات ذباب وسماك بن خرشة بن لوذان من الصحابة رضي الله عنه. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضل أبي دجانة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6198 - (2454) (207) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفّار البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي مولاهم أبو سلمة البصري، ثقة، من

حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سيفًا يَوْمَ أُحُدٍ. فَقَال: "مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟ " فَبَسَطُوا أَيدِيَهُمْ. كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا. قَال: "فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ " قَال: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَال سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَال: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفًا) من السيوف ورفعه (يوم أحد، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يأخذ مني هذا) السيف (فبسطوا) أي بسط ومد الناس الحاضرون عنده (أيديهم) والحال أن (كل إنسان منهم يقول أنا) آخذه (أنا) آخذه فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (فمن يأخذه) أي فمن يأخذ هذا السيف مني مع القيام (بحقه، قال) أنس: (فأحجم) أي توقف (القوم) الحاضرون عنده وسكتوا على أن يقولون أنا أنا كالمرة الأولى خوفًا من القيام بحقه، وحقه أن يُقاتل به حتى يفتح الله تعالى على المسلمين أو يموت أي فلما سمعوا هذا الكلام الذي قاله في المرة الثانية أحجموا أي سكتوا وتأخروا يقال: أحجم بتقديم الحاء على الجيم وأجحم بتأخيرها عنها كلاهما بمعنى واحد أي تأخروا وكفوا عن الجواب لما فهموا أن حقه القتال به حتى يفتح أو يموت، قال أنس: (فقال سماك بن خرشة أبو دجانة أنا آخده بحقه) يا رسول الله (قال) أنس (فأخذه) أي أخذ السيف أبو دجانة (فـ) قام بشرطه ووفى بحقه و (فلق به) أي شق بذلك السيف (هام المشركين) مخففًا يعني رؤوسهم أي قطعها وأزالها عن أعناقهم. قال الشاعر: نضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل والمقيل أصول الأعناق. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات رحمه الله تعالى.

فضائل أبي جابر

فضائل أبي جابر ـــــــــــــــــــــــــــــ فضائل أبي جابر وأما أبو جابر فهو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة -بفتح السين وكسر اللام- الأنصاري الخزرجي السلمي رضي الله عنه وهو أحد النقباء شهد العقبة وبدرا وقُتل يوم أحد ومُثّل به، وروى بقي بن مخلد عن جابر رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا جابر مالي أراك منكسًا مهتمًا؟ " قلت: يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالًا وعليه دين، قال: "أفلا أبشرك بما لقي الله عزَّ وجلَّ به أباك" قلت: بلى يا رسول الله، قال: "إن الله عزَّ وجلَّ أحيا أباك وكلمه كفاحًا وما كلم أحدًا قط إلا من وراء حجاب، فقال له: يا عبدي تمنّ أعطك، قال: يا رب تردني إلى الدنيا فأُقتل فيه ثانية فأُبلِّغ من ورائي" رواه الترمذي [3510]، وابن ماجه [2800] فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران / 169]. "قلت": وقد تضمن هذا الحديث فضيلة عظيمة لعبد الله بن عمرو بن حرام لم يُسمع بمثلها لغيره وهي أن الله تعالى كلمه مثافهة بغير حجاب حجبه به ولا واسطة قبل يوم القيامة ولم يفعل الله ذلك مع غيره في هذه الدار كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الثوري / 51] وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وظاهر هذه الآية وهذا الحديث أن الله تعالى لم يفعل هذا في هذه الدار لحي ولا لميت إلا لعبد الله بن حرام هذا خاصة فيلزم على هذا العموم أنه قد خص من ذلك بما لم يخص به أحد من الأنبياء وهذا مشكل بالمعلوم من ضرورة الشرع ومن إجماع المسلمين على أن درجة الأنبياء وفضيلتهم أعظم من درجة الشهداء والأولياء كما تقدم فوجه التلفيق أن قوله صلى الله عليه وسلم: "وما كلم الله أحدًا إلا من وراء حجاب" إنما يعني به والله أعلم أنه ما كلم أحدًا من الشهداء وممن يلبس بنبي بعد موته وقبل يوم القيامة إلا عبد الله هذا ولم يرد به الأنبياء ولا أراد بعد يوم القيامة لما قد علم أيضًا من الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة من أن المؤمنين يرون الله تعالى في الجنة ويكلمهم الله بغير حجاب ولا واسطة، وأما الآية فإنما مقصودها حصر أنواع الوحي الواصل إلى الأنبياء

6199 - (2455) (208) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ. قَال عُبَيدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدِ، جِيءَ بِأَبِي مُسَجًّى، وَقَدْ مُثِلَ بِهِ. قَال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من الله تعالى فمنه ما يقذفه الله تعالى في قلب النبي وروعه ومنه ما يسمعه الله للنبي مع كون ذلك النبي محجوبًا عن رؤية الله تعالى ومنه ما يبلغه إليه الملك وحاصلها الإعلام بأن الله تعالى لم يره أحد من البشر في هذه الدار نبيًّا كان أو غير نبي ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح "اعلموا أنه لا يرى أحد ربه حتى يموت" ذكره الحافظ في فتح الباري [1/ 120] وقد تقدم الخلاف في رؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه في كتاب الإيمان والصحيح أنه لم يأت قاطع بذلك والأصل بقاء ما ذكرناه على ما أصلناه والله تعالى أعلم. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على فضائل عبد الله بن عمرو وأبي جابر رضي الله عنهم فقال: 6199 - (2455) (208) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي (القواريري) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي كلاهما) رويا (عن سفيان) بن عيينة (قال عبيد الله: حدثنا سفيان بن عيينة قال: سمعت) محمد (بن المنكدر) القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول): وهذا السند من رباعياته (لما كان يوم) غزوة (أحد جيء بأبي) أي بوالدي عبد الله بن عمرو من مصرعه إلى المدينة، حالة كونه (مسجى) أي مغطى جميع بدنه بثوب (و) الحال أنه (قد مُثِل به) بضم الجيم وكسر المثلثة المخففة يقال: مثل بالقتيل والحيوان، يمثل مثلًا من باب قتل يقتل قتلًا إذا قُطع أطرافه أو أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو نحو ذلك، والاسم المثلة فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة والرواية هنا بالتخفيف اهـ نووي (قال) جابر: (فأردت) أي قصدت (أن أرفع) وأكشف عنه (الثوب) الذي مات فيه لأنظر إلى وجهه (فنهاني) أي منعني (قومي) وأقاربي أن أكشف وجهه لئلا يزداد حزني إذا رأيت ما فعل به الكفار من المثلة، وقيل: لعلهم نهوه زعمًا منهم بأن الكشف عن وجه الميت لا يجوز (ثم أردت أن أرفع الثوب) عنه مرة ثانية

فَنَهَانِي قَوْمِي. ثمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَرْفَعَ الثَّوْبَ، فَنَهَانِي قَوْمِي. فَرَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ أَوْ صَائِحَةٍ. فَقَال: "مَنْ هَذِهِ؟ " فَقَالُوا: بِنْتُ عَمْرٍو، أَو أُخْتُ عَمْروٍ. فَقَال: "وَلِمَ تَبْكِي؟ فَمَا زَالتِ الْمَلائَكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فنهاني قومي) من كشفه ولم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشفه دلالة على جوازه، ويحتمل أن يكون نهيهم خشية أن يزيد ذلك حزنًا وبكاء على جابر لأنه كان يبكي عندئذٍ كما هو مصرح في الرواية الآتية ولم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من شدة اشتياقه إلى رؤيته ولأن ذلك ربما يؤدي إلى التسلية (فرفعه) أي رفع أبي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بنفسه من مصرعه إلى محل الدفن (أو) قال جابر (أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (به) أي برفعه إلى محل الدفن (فرُفع) أبي إلى محل الدفن بأمره صلى الله عليه وسلم والشك من ابن المنكدر فيما قاله جابر (فسمع) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفعوه من مصرعه إلى موضع الدفن (صوت باكية) عليه بلا رفع صوت (أو) قال جابر فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت (صائحة) أي نائحة عليه برفع صوتها، والشك أيضًا من المنكدر، قال جابر: (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هذه) الباكية أو هذه الصائحة (فقالوا) أي فقال قومه هذه الباكية (بنت عمرو) بن حرام أخت عبد الله بن عمرو عمة جابر اسمها فاطمة بنت عمرو كما سيأتي (أو) قالوا له: (أخت عمرو) بن حرام عمة عبد الله بن عمرو (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للقوم: (ولم تبكي) بكسر اللام وفتح الميم كذا صحت الرواية بـ (لم) التي للاستفهام بغير نون علامة الرفع في تبكين لأنه استفهام لمخاطب عن فعل غائبة ولو خاطبها بالاستفهام خطاب الحاضرة لقال ولم تبكين بإثبات النون وكذلك جاء في رواية أخرى (أو لا تبكيه) أي ولأي سبب تبكي هذه الباكية أيها المخاطب فإنه شهيد قُتل في سبيل الله فهو في الجنة (فـ والله (ما زالت الملائكة) أي ملائكة الرحمة (تظله بأجنحتها) إكرامًا له (حتى رُفع) من هذا الموضع إلى مدفنه، قال القاضي: يحتمل أن ذلك لتزاحمهم عليه لبشارته بفضل الله تعالى ورضاه عنه وما أعد له من الكرامة عليه ازدحموا عليه إكرامًا له وفرحًا به أو أظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو جسمه. وفي الحديث منقبة عظيمة لعبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه وروى مالك في الموطأ

6200 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَال: أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ. فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي، وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي. قَال: وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ، بِنْتُ عَمْرٍو تَبْكِيهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَبْكِيهِ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام كانا قد حفر السيل عن قبرهما وكانا في قبر واحد مما يلي السيل فحفر عنهما فوجدا لم يتغيرا كانهما ماتا بالأمس وكان أحدهما وضع يده على جرحه فدُفن وهو كذلك فأُميطت يده عن جرحه ثم أُرسلت فرجعت كما كانت وكان بين الوقعتين ست وأربعون سنة اهـ من الإصابة [2/ 342]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 298]، والبخاري في مواضع في الجنائز باب ما يكره من النياحة على الميت [1293] وفي المغازي باب من قُتل من المسلمين يوم أحد [3080]، والنسائي في الجنائز باب البكاء على الميت [1845]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6200 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير القرشي المدني، ثقة، من (3) (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان بن عيينة (قال) جابر (أُصيب أبي) أي قُتل والدي (يوم أحد فجعلت) أي شرعت (أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعلوا) أي جعل قومي (ينهونني) عن كشف وجهه والبكاء عليه (و) الحال أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني) عن كشف وجهه (قال) جابر: (وجعلت فاطمة بنت عمرو) عمتي (تبكيه) أي تبكي على أبي، ووقع في الإكليل للحاكم نسميتها هند بنت عمرو فلعل لها اسمين أو أحدهما اسمها والآخر لقبها أو كانت جميعًا حاضرتين قاله ابن حجر في الفتح [3/ 163] رقم [1293] اهـ من تنبيه المعلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده (تبكيه) أي تبكي فاطمة عليه (أو

لَا تَبْكِيهِ، مَا زَالتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ". 6201 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، غَيرَ أَنَّ ابْنَ جُرَيجٍ لَيسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ الْمَلائِكَةِ وَبُكَاءِ الْبَاكِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تبكيه) أي أو لا تبكي عليه سواء (ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها) في مصرعه (حتى رفعتموه) من مصرعه، قال النووي: معناه سواء بكت عليه أم لا، ما زالت الملائكة تظله من حر الشمس فقد حصل له من الكرامة هذا وغيره فلا ينبغي البكاء على مثل هذا اهـ. قال القرطبي: قوله: (تبكيه أو لا تبكيه) هو إخبار عن غائبة ولو كان خطاب الحاضرة لقال تبكينه أو لا تبكينه بنون فعل الواحدة المخاطبة ويعني بهذا الكلام أن عبد الله مكرم عند الملائكة سواء بُكي عليه أو لم يبك وكون الملائكة تظله بأجنحتها إنما ذلك لاجتماعهم عليه وتزاحمهم على مبادرة لقائه والصعود بروحه الكريمة الطيبة ولتبشره بما له عند الله تعالى من الكرامة والدرجة الرفيعة والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6201 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، من (10) (أخبرنا عبد الرزاق) ابن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من جريج ومعمر رويا (عن محمد بن المنكدر عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعتهما لسفيان بن عيينة وشعبة بن الحجاج وساقا (بهذا الحديث) السابق في رواية سفيان وشعبة (غير أن) أي لكن أن (ابن جريج ليس في حديثه) أي في روايته (ذكر الملائكة و) ذكر (بكاء الباكية).

6202 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ مُجَدَّعًا، فَوُضِعَ بَينَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال: 6202 - (00) (00) (حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زكرياء بن عدي) بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الكريم) بن مالك الأموي مولاهم مولى عثمان أو مولى معاوية أبي سعيد الجزري، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن محمد بن المنكدر عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الكريم لسفيان بن عيينة وشعبة بن الحجاج وابن جريج ومعمر (قال) جابر: (جيء بأبي) أي أُتي به من مصرعه (يوم أحد) حالة كونه (مجدعًا) بصيغة اسم المفعول من التجديع أي مقطوع الأنف والأذنين، قال الخليل: الجدع قطع الأنف والأذن (فوُضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر) عبد الكريم (نحو حديثهم) أي نحو حديث هؤلاء الأربعة المذكورة أي قريبه لفظًا ومعنى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد والخامس: حديث البراء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أنس الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والثامن: حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا آخر ما بشرني الله بإتمامه من هذا المجلد الثالث عشر بُعيد صلاة العصر من يوم الأحد التاسع من شهر رمضان المبارك من تاريخ سنة [9/ 1427 / 9] سبع وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والصِلات وأزكى التحيات بعد ما وفقني بابتدائه في تاريخ [10/ 5 / 1427] من الهجرة المباركة المشرّفة. وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة من الأصول والشواهد [208] مائتا حديث وثمانية أحاديث فالحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد البريات، سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم منبع الهدايات، وعلى آله وصحبه السادات القادات، وتابعيهم على نهجهم إلى يوم القيامات، ما تكررت الليالي والأيام والشهور والسنوات، آمين آمين يا رب البريات. تم المجلد الثالث عشر من: الكوكب الوهاج والروض البهاج على مسلم بن الحجاج وآخره فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله الأنصاري الخزرجي رضي الله عنهما ويليه المجلد الرابع عشر من هذا الكاب وأوله باب من فضائل جُلَيبِيبٍ الأنصاري حلفًا رضي الله عنه. جزى الله خيرًا من تأمل شِرْحَتِي ... وقابل ما فيها بالعفو من الزلة وأصلح ما أخطأَت فيها من الهفوة ... بقلم الإنصاف وجاد لي بالدعوة وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. ***

شرح صحيح مسلم المسمَّى الكوكب الوهَّاج والرَّوض البَهَّاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وتأليف محمد الأمين بن عبد الله الأُرمي العلوي الهَرَري الشافعي نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء الرابع والعشرون دار المنهاج دار طوق النجاة

الطّبعَة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة - السعودية دار طوق النجاة بيروت - لبنان

شرح صحيح مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

جزى الله خيرًا من تأمل شرحتي ... وقابل ما فيها بالعفو من الزّلة وأصلح ما رأى فيها من الهفوة ... بقلم الإنصاف وجاد لي بالدعوة وما أجود قولَ بعضهم: خلقت من التراب فصرت شخصًا ... بصيرًا بالسؤال وبالجواب وعدت إلى التراب فصرت فيه ... كأني ما برحت من التراب آخر: وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب تفرَّج في الروض البهاج ... واستضئ بالكوكب الوهاج ساريًا في سما ابن الحجاج ... سالكًا لأوضح المنهاج

712 - (1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي الله عنه وأبي ذر الغفاري رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم 712 - (1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي اللَّه عنه وأبي ذر الغفاري رضي اللَّه عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين بالتوفيق لنا لصحيحي علمي المنقول والمعقول وبالإفاضة علينا من فيوضاته الهاطلة وسحائب جوده الوابلة في خدمتنا لهذا الجامع الصحيح الكتاب الثالث من كتب أهل الملة المحمدية. نحمدك يا من له الفضل والعطاء ونشكرك يا من له الحمد والثناء على ما وفقتنا به وشرفتنا من خدمتنا لأحاديث المصطفى والرسول المرتضى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الهداة المهديين لا سيما الخلفاء الراشدين آمين آمين يا رب العالمين. أما بعد: فلما فرغت من تسويد المجلد الثالث عشر بعون الله وتيسيره تفرغت لتسطير المجلد الرابع عشر بتوفيق الله وتسهيله راجيًا منه الإمداد لي من قطرات الفيوضات الربانية وسحائب الجود الصمدانية ووابل الإلهامات الإلهية إنه الكريم الجواد فقلت وبالله التوفيق. 712 - (1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي اللَّه عنه وأبي ذر الغفاري رضي اللَّه عنه " أما جليبيب" بالتصغير تصغير جلباب فقد كان رجلًا من ثعلبة وكان حليفًا في الأنصار قال ابن سعد سمعت من يذكر ذلك روى أنس بن مالك قال كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له جليبيب وكان في وجهه دمامة فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التزويج فقال إذن تجدني كاسدًا يا رسول الله فقال إنك عند الله لست بكاسد رواه أحمد [3/ 136] وأبو يعلى [3343] وعبد الرزاق في مصنفه [10333] وانظر في مجمع الزوائد [9/ 368] وفي غير كتاب مسلم من حديث أبي برزة في تزويج جليبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار يا فلان زوجني ابنتك قال نعم ونعمة عين قال إني لست لنفسي أريدها قال فلمن قال

6203 - (2456) (1) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيمٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ. فَأَفَاءَ اللهُ عَلَيهِ. فَقَال لأَصْحَابِهِ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا. ثم قَال: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا، ثُمَّ قَال: "هَل تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لجليبيب قال حتى أستأمر أمها فأتاها وأخبرها بذلك فقالت حلقى ألجليبيب لا لعمر الله لا أزوج جليبيبًا فلما قام أبوها ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الفتاة من خدرها لأبويها من خطبني إليكما قالا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أفتردان على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ادفعاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لن يضيعني فذهب أبوها للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك وقال شأنك بها فزوجها جليبيبًا ودعا لهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم صب عليهما الرزق صبًا صبًا ولا تجعل عيشهما كدًا كدًا) ذكره ابن الأثير في الإستيعاب [1/ 348] قتل جليبيبها فلم يكن في الأنصار أيم أنفق منها ثم ذكر الحديث على ما في مسلم اهـ من المفهم واستدل المؤلف على فضله بحديث أبي برزة فقال: 6203 - (2456) (1) (حدثنا إسحاق بن عمر بن سليط) بوزن أمير الهذلي البصري ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري (عن ثابت) بن أسلم البناني (عن كنانة بن نعيم) العدوي أبي بكر البصري ثقة من (4) روى عنه في (2) بابين (عن أبي برزة) الأسلمي نضلة بن عبيد المدني الصحابي أسلم قبل الفتح مشهور بكنيته رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب وهذا السند من خماسياته. (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزىً له) مصدر ميمي من غزا يغزو غزوًا ومغزيً أي كان في غزوة له لم أقف على تعيينها (فأفاء الله عليه) صلى الله عليه وسلم أموال الكفار فغنموها (فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد) أي أحدًا منا أي هل فقدتم أحدًا منا لم يرجع إلى مركزنا (قالوا نعم) فقدنا (فلانًا وفلانًا وفلانًا ثم قال) صلى الله عليه وسلم مرةً ثانية (هل تفقدون من أحد) أي هل فقدتم أحدًا منا (قالوا نعم) فقدنا (فلانًا وفلانًا وفلانًا) ولم أر أحدًا ذكر أسماء هؤلاء المبهمين (ثم قال) صلى الله عليه وسلم مرةً ثالثة (هل تفقدون من أحد) أي أحدًا منا لم يرجع إلى المركز (قالوا لا) أي ما

قَال: "لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيبِيبًا فَاطْلُبُوهُ" فَطُلِبَ فِي الْقَتلَى. فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ. ثُم قَتَلُوهُ. فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عَلَيهِ. فَقَال: "قَتَلَ سَبْعَة. ثُمَّ قَتَلُوهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنا مِنْهُ" قَال: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيهِ لَيسَ لَهُ إلا سَاعِدَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ فقدنا أحدًا غير هؤلاء الذين ذكرناهم بقولنا فقدنا فلانًا وفلانًا إلخ قال القرطبي هذا الاستفهام ليس مقصوده استعلام كونهم فقدوا أحدًا ممن يعز عليهم فقده إذ ذاك كان معلومًا له بالمشاهدة وإنما مقصوده التنويه والتفخيم بمن لم يحفلوا ولم يعتنوا به ولا التفتوا إليه لكونه غامضًا خاملًا في الناس ولكون كل واحد منهم أصيب بقريبه أو حبيبه فكان مشغولًا بمصابه لم يتفرغ منه إلى غيره ولما أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كان من حال جليبيب من قتله السبعة الذين وجدوا إلى جنبه نوّه باسمه وعرّف بفقده فـ (ـقال لكن أفقد جليبيبًا) أي فقده أعظم من فقد كل من فقد والمصاب به أشدّ (فاطلبوه فطُلب) جليبيب (في القتلى) من الفريقين (فوجدوه) أي وجدوا جليبيبًا (إلى جنب سبعة) إلى جانب سبعة قتلى من الكفار (قد قتلهم) جليبيب (ثم قتلوه) أي ثم بعد قتله السبعة قتله من بقي من الكفار فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم وجدوه (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم) مصرعه (فوقف عليه) أي على جليبيب (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في مدحه (قتل سبعة) من الأعداء (ثم قتلوه) فـ (ـهذا) يعني جليبيبًا (مني) أي من أهل طريقتي وسنتي في معاداة أعداء الله تعالى (وأنا) أي وعملي (منه) أي من جنس عمله في معاداة أعداء الله وقتلهم وكرره بقوله (هذا مني وأنا منه) تأكيدًا للكلام وما أعظم هذه الفضيلة التي حازها هذا الصحابي مع كونه غير مشهور عندهم قال النووي معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى اهـ (قال) أبو برزة ثم إنه صلى الله عليه وسلم أقبل عليه بإكرامه (فوضعه على ساعديه) أي جعل ساعدي يديه كالوسادة له مبالغة في إكرامه (ليس له) مستند (إلا ساعدا النبي) بصيغة المثنى المرفوع مبالغة في إكرامه ولتناله بركة ملامسته أي ليس له سرير غير ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مصرح به فيما رواه ابن عبد البر بسنده (قال) أبو برزة (فحفر له) القبر (ووضع في قبره) فدفن (قال) كنانة بن نعيم (ولم يذكر) أبو برزة (غسلًا) له ولا صلاة

6204 - (2457) - (2) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه ففي الحديث أن الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه كما هو مذهب الشافعي وأما عند الحنفية فلا يغسل لكنه يصلى عليه لأنه لم ينف الصلاة. وجليبيب بضم الجيم وفتح اللام ثم ياء ساكنة مزيدة للتصغير ثم موحدة مكسورة ثم ياء ساكنة مبدلة عن ألف جباب تصغير جباب اسم لنوع من الثياب سمي به الصحابي المذكور رضي الله عنه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 421] والنسائي في الكبرى [8246] ولكن انفرد به عن أصحاب الأمهات الخمس. "وأما أبو ذر" فاسمه على الأصح والأكثر جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن حرام بن غفار بن كنانة بن مدركة بن إلياس بن قصي بن نزار هو من كبار الصحابة رضي الله عنه قديم الإسلام يقال أسلم بعد أربعة فكان خامسًا ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية بعد أن مضت بدر وأحد والخندق ويدل على كيفية إسلامه وتفصيل أحواله الحديث المذكور في كتاب مسلم رحمه الله تعالى وكان قد غلب عليه التعبد والتزهد وكان يعتقد أن جميع ما فضل عن الحاجة كنز وإمساكه حرام ودخل الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فوقع بينه وبين معاوية نزاع في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]، فشكاه معاوية إلى عثمان فأقدمه عثمان المدينة فقدمها فزهد أبو ذر عن كل ما بأيديهم واستأذن عثمان في سكنى الربذة فأذن له وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن له في البدو فأقام بالربذة في موضع منقطع إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين على ما قاله ابن إسحاق وصلّى عليه عبد الله بن مسعود منصرفه من الكوفة في ركب ولم يوجد له شيء يكفن فيه فكفنه رجل من أولئك الركب في ثوب من غزل أمه وكان قد وصى أن لا يكفنه أحد ولي شيئًا من الأعمال السلطانية وخبره بذلك معروف روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئتي حديث وواحدًا وثمانين حديثًا أخرج له منها في الصحيحين ثلاثة وثلاثون حديثًا اهـ من المفهم واستدل المؤلف على فضائله بحديثه رضي الله عنه فقال: 6204 - (2457) - (2) (حدثنا هدَّاب بن خالد) بن الأسود (الأزدي) القيسي

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. أَخْبَرَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ. وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ. فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيسٌ وَأُمُّنَا. فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا. فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَينَا. فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالفَ إِلَيهِمْ أُنَيسٌ. فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَليَنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ. فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة من (9) (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا حميد بن هلال) العدوي البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) عبد الله (قال أبو ذر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (خرجنا) نحن معاشر أهل بيتنا (من) بلاد (قومنا) بني (غفار) بن كنانة (و) إنما خرجنا من بلادهم لأنهم (كانوا يحلّون) القتال في (الشهر الحرام) وكان القتال فيه حرامًا جاهليةً وإسلامًا ولعل هذا هو السبب في خروج أبي ذر من قومه حيث كره أن يقيم فيهم وهم يحلون الشهر الحرام (فخرجت أنا وأخي أنيس) مصغرًا ابن جنادة (وأُمّنا) اسمها رملة بنت الوقيعة كما في تنبيه المعلم (فنزلنا على خالٍ لنا) أي عنده في بلدته ولم أر من ذكر اسمه (فأكرمنا) بأنواع القرى والضيافة. (خالنا وأحسن إلينا) مدة إقامتنا عنده بأنواع المعايش والحماية لنا (فحسدنا قومه) فأفسدوا بيننا وبينه (فقالوا) له في الإفساد (إنك) أيها الرجل خطابًا لخالنا (إذا خرجت عن أهلك) أي من عند أهلك وزوجك لأي حاجة (خالف) أي يخلف عنك في الإفضاء (إليهم) أي إلى أهلك والوقاع عليهم (أنيس) أخو أبي ذر بضم الهمزة وفتح النون تصغير أنس وقد اتهمه القوم أمام خاله بأنه يتردد إلى أهله وزوجته في غيابه فكأنهم أشاروا إلى أنه قد حدثت بينه وبينها علاقات مذمومة (فجاء خالنا) من خارج فأخبروه خبر الإفساد (فنثا) بالنون والمثلثة أي فأظهر (علينا) الإفساد (الذي قيل له) أي قالوا له يقال نثا الخبر أي أفشاه وأشاعه وأكثر ما يستعمل في خبر السر قال القرطبي النثا بتقديم النون والقصر في الشر والكلام القبيح وإذا قدمت المثلثة ومددت فقلت الثناء فهو الكلام الجميل أي أفشا وأشاع الإفساد الذي أسروه إليه من مواقعة أخي على أهله قال أبو ذر (فقلت) لخالي (أما ما مضى) ومرّ لك (من معروفك) وإحسانك إلينا (فقد كدرته) أي أبطلت

وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ. فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا. فَاحْتَمَلْنَا عَلَيهَا. وَتَغَطَّى خَالُنَا ثَوْبَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ. فَنَافَرَ أُنَيسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيسًا، فَأَتَانَا أُنَيسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ شكره وجزاءه الواجب لك علينا بما قلت لنا من الظن في عرضنا فلا مكافأة لك علينا (ولا جماع لك) أي ولا اجتماع لك معنا (فيما بعد) أبدأ أي فيما يستقبل من الزمان في الدنيا ولا في الآخرة لأنك قطعت رحمنا وقرابتنا لك بما قلت لنا قال أبو ذر (فقرّبنا) بصيغة الماضي المسند إلى المتكلمين أي قرّبنا إلى منزلنا (صرمتنا) لنحمل عليها مواعيننا والصرمة بكسر الصاد القطعة من الإبل وقد يستعمل لقطيع من الغنم والمعنى أننا طلبنا إبلنا من مرعاها وجمعناها حول منزلنا (فاحتملنا) أي حملنا (عليها) مواعيننا وأثاثنا وركبناها لنغادره بالذهاب والارتحال من عنده (و) لما رأى ذلك العزم على الارتحال من عنده (تغطى) أي غطّى (خالنا) وستر وجهه بـ (ـثوبه فجعل) أي شرع (يبكي) لارتحالنا من عنده وحزنًا على فراقنا له وندمًا على ما فعله بنا من الظن بنا والطعن في عرضنا (فانطلقنا) أي ذهبنا وارتحلنا من عنده (حتى نزلنا بحضرة مكة) المكرمة أي بقربه وفنائها قال في المصباح حضرة الشيء فناؤه وقربه والظاهر أن مراده أنهم نزلوا بموضع قريب من مكة ولم يدخلوها (فنافر) أي سابق أخي (أنيس) مع رجل آخر في الشعر وعن في قوله (عن صرمتنا وعن مثلها) بمعنى على أي تسابقا في الشعر على أن عوض المسابقة صرمتنا من جهة أنيس ومثل صرمتنا أي قدرها من جهة الرجل المتسابق معه والمعنى تسابق هو ورجل آخر ليعلم أيهما أفضل وأعلم في الشعر وكأن عوض المسابقة صرمة ذا وصرمة ذاك أيهما كان أفضل في الشعر وأعلم أخذ الصرمتين فتحاكما إلى كاهن فحكم بأن أنيسًا كان أفضل وأعلم وهي معنى قوله فخير أنيسًا أي جعله الخيار والأفضل على الرجل الآخر في الشعر (فأتيا) أي أتى أنيس والرجل الآخر (الكاهن) ليحكم بينهما والظاهر أن الكاهن كان أشعر الشعراء (فخيّر) الكاهن (أنيسًا) أي جعله خيارًا فائقًا على الرجل الآخر في علم الشعر (فأتانا) معاشر أهلنا. (أنيس بصرمتنا و) بـ (ـمثلها) أي بقدرها (معها) أي مع صرمتنا عوضًا لغلبته على الرجل الآخر في الشعر قوله "فنافر أنيس" قال أبو عبيد المنافرة أن يفتخر أحد الرجلين على الآخر في علم الشيء ثم يحكم بينهما رجل ثالث وقال غيره المنافرة المحاكمة يقال تنافرا إلى فلان إذا تحاكما إليه أيهما أعز نفرًا وأفضل علمًا بالشيء والنافر الغالب

قَال: وَقَدْ صَلَّيتُ، يَا بْنَ أَخِي، قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ سِنِينَ. قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَال: للهِ. قُلْتُ: فَأَينَ تَوَجَّهُ؟ قَال: أَتَوَجَّهُ حَيثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي، أُصَلِّي عِشَاءَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ. فَقَال أُنَيسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمنفور المغلوب يقال نفره إذا غلبه في شيء من بابي ضرب ونصر اهـ من الأبي والمراد هنا المسابقة في الشعر بعوض والله أعلم قال عبد الله بن الصامت (قال) لنا أبو ذر (وقد صليت يا ابن أخي) يريد عبد الله بن الصامت (قبل أن ألقى) وأرى (رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين) أي في ثلاث سنين قال عبد الله بن الصامت (قلت) لأبي ذر (لمن) تصلي (قال) أبو ذر أصلي (لله) قال عبد الله (قلت) لأبي ذر (فأين توجه) أي فإلى أين تتوجه وإلى أي جهة تتوجه في صلاتك بحذف إحدى التاءين (قال) أبو ذر (أتوجه) وأستقبل (حيث يوجهني ربي) أي أي جهة وجهني ربي إليها من مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها (أصلّي عشاءً) أي في أوائل الليل (حتى إذا كان) الزمن (من آخر الليل أُلقيت) بالبناء للمفعول أي رميت على الأرض أي ألقيت نفسي على الأرض نائمًا (كأني خفاء) وكساء لا جسم فيه والخفاء بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الفاء هو الكساء وزنًا ومعنًى يجمع على أخفية ككساء وأكسية. قوله "وقد صليت يا بن أخي" هذا خطاب من أبي ذر لعبد الله بن الصامت يريد أنه كان يصلي قبل أن يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخرج ابن سعد في طبقاته (4/ 222) من طريق الواقدي عن أبي معشر قال كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ويقول لا إله إلا الله ولا يعبد الأصنام وظاهر أن أفعال هذه الصلاة التي يصليها أبو ذر كانت تختلف عن الصلاة الشرعية قال القرطبي والمراد بالصلاة هنا إلهام للقلوب الطاهرة ومقتضى العقول السليمة فإنها توفق للصواب وتلهم للرشد اهـ مفهم قوله "كأني خفاء" بكسر الخاء بمعنى الغطاء أو الكساء والمراد أني أصلّي من الليل طويلًا حتى إذا كانا آخر الليل اضطجعت على فراشي ونمت كأني كساء مستغرقًا في النوم (حتى تعلوني الشمس) أي حتى ترتفع عليّ الشمس ويغلبني إشراقها ويوقظني شدة حرّها (فـ) ـبعد ما نزلنا حضرة مكة وقربها (قال) لي أخي (أنيس إن لي حاجة بمكة) وأنا أريد الذهاب إليها

فَاكْفِنِي. فَانْطَلَقَ أُنَيسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ. ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَال: لَقِيتُ بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ. يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ. قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ الناسُ؟ قَال: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. قَال أُنَيسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ. وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ. فَمَا يَلْتَئِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فاكفني) في خدمة أمنا وفي سياسة صرمتنا أي كن قائمًا مقامي فيهما وكافيًا عنّي في حاجتهما فقلت له لا بأس فاذهب في حاجتك ولا تتأخَّر عنّي (فانطلق أُنيس) أي ذهب من عندنا (حتى أتى مكة فراث) أي أخر الرجوع (عليّ) فتأخر في مكة (ثم جاء) من مكة ورجع إليّ (فقلت) له (ما صنعت) وفعلت يا أنيس في مكة أي لأيّ صنع وشغل تأخرت عني (قال) أنيس (لقيت رجلًا) من قريش (بمكة) كان (على) مثل (دينك) من توحيد الله تعالى ورفض الأصنام كلها وهذا اللفظ يؤيد ما سبق من رواية الواقدي أن أبا ذر كان موحدًا حتى في الجاهلية (يزعم) أي يقول ذلك الرجل (أن الله) سبحانه (أرسله) وبعثه إلى الناس بالتوحيد وترك الإشراك قال أبو ذر فـ (ـقلت) لأخي أنيس (فما يقول الناس) في شأنه أيقبلونه فيما يدعيه أم ينكرونه (قال) لي أنيس (يقولون) أي يقول الناس في شأنه هو (شاعر) فيما يقولُه (كاهن) فيما يخبره من الغيب (ساحر) فيما يفعله من الخوارق للعادة قال أبو ذر (وكان) أخي (أنيس أحد الشعراء) في العرب قال أبو ذر فقلت لأنيس فماذا تقول أنت فيه (قال أنيس) والله (لقد سمعت قول الكهنة) جمع كاهن والكاهن من يخبر عن المغيبات المستقبلة ككثرة المطر وقلته في السنة المستقبلة ووقوع الآفات مثلًا (فما هو) أي فما كلامه موافقًا (بقولهم) أي بقول الكهنة (ولقد وضعت) أي عرضت ووازنت (قوله) أي قول ذلك الرجل وكلامه (على أقراء الشعر) العربي وأوزانه وأجزائه وتفاعيله كتفاعيل الطويل والبسيط والخفيف (فما يلتئم) وينطبق ويوافق كلامه ما جرى (على لسان أحد) ممن كان قبلي أو كان (بعدي) وعرف بـ (ـأنه شعر) أي ما يوازن كلامه يعني القرآن ما عرف بأنه شعر من كلام الأولين والمتأخرين. وقوله "على أقراء الشعر" الأقراء جمع القرء بفتح القاف وسكون الراء وهو في اللغة القافية وأقراء الشعر أنواعه وأنحاؤه كما في القاموس كالطويل والمديد والخفيف والمراد أني قارنت وقابلت بين قوله وبين أنواع الشعر وبحوره "فما يلتئم" ويصدق أنه

عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي؛ أَنَّهُ شِعْرٌ. وَاللهِ، إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. قَال: قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ. قَال: فَأَتَيتُ مَكَّةَ. فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ. فَقُلْتُ: أَينَ هذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَال: الصَّابِئَ. فَمَال عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ شعر "على لسان أحد بعدي" أي غيري ومراده أني تيقنت بأن ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شعرًا وكذلك لا يستطيع أحد غيري أن يجعله شعرًا وإن ذلك لا يلتثم على لسانه. قال القرطبي قوله "على لسان أحد بعدي أنه شعر" هكذا الرواية عند جميع الشيوخ "بعْدي" بالباء الموحدة والعين المهملة بمعنى غيري يقال ما فعل هذا أحد بعدك أي غيرك كما يقال ذلك في "دون" وهو كثير فيهما ومعنى الكلام أنه لما اعتبر القرآن ووازنه بأنواع بحور الشعر تبين له أنه ليس من الشعر ثم قطع بأنه لا يصح لأحد أن يقول إنه شعر اهـ من المفهم (والله) أي أقسمت بالله سبحانه (إنه) أي إن ذلك الرجل (لصادق) فيما يقوله من إثبات التوحيد ونفي الشرك ودعوى الرسالة (وإنهم) أي وإن الناس يعني أهل مكة (لكاذبون) فيما يقولونه من أنه شاعر كاهن ساحر (قال) أبو ذر (قلت) لأخي أنيس (فاكفني) ما علي من خدمة الأم ومؤونة الصرمة أي كن كافيًا عني قائمًا به (حتى أذهب) إلى مكة (فانظر) ذلك الرجل وأعرف شأنه (قال) أبو ذر. (فأتيت مكة فتضعفت رجلًا منهم) أي من أهل مكة أي نظرت إلى أضعف من كان من أهل مكة لأسأله خبر هذا الرجل لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا قال القرطبي "فتضعفت رجلًا منهم" أي رأيت رجلًا منهم ضعيفًا فعلمت أنه لا ينالني بمكروه ولا يرتابني في مقصدي قال الدهني فتضعفت أي نظرت إلى أضعفهم فسألته لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا اهـ (فقلت له) أي لذلك الرجل الضعيف (أين هذا الذي تدعونه الصابئ) أي الخارج عندين آبائه (فأشار) ذلك الضعيف لقومه (إليّ فقال) لهم خذوا هذا (الصابئ) الذي يطلب صابئنا فقوله الصابئ منصوب على الإغراء يعني أن ذلك الرجل الضعيف الذي سألته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلي قائلًا خذوا هذا الصابئ (فمال عليّ) أي رجع واجتمع عليّ جميع (أهل الوادي) أي وادي مكة بالضرب (بكل مدرة) بفتحات أي بطين متحجر قال في المصباح المدر جمع مدرة

وَعَظْمٍ. حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ. قَال: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ، كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ. قَال: فَأَتَيتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا. وَلَقَدْ لَبِثْتُ، يَا ابْنَ أَخِي ثَلاثِينَ، بَينَ لَيلَةٍ وَيَوْمٍ. مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ. قَال: فَبَينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مثل قصب وقصبة وهو التراب المتصلب المتحجر قال الأزهري المدر قطع الطين والمعنى جعلوا يضربونني بكل مدر (وعظم) وخشب وحديد وكسر (حتى خررت) وسقطت على الأرض من ضرباتهم من كل جهة (مغشيًا عليَّ) أي مغمىً عليّ من كثرة الضرب (قال) أبو ذر (فارتفعت) أي قمت من مسقطي (حين ارتفعت) أي قمت حالة كوني (كأني نصب أحمر) أي شبيهًا بالنصب الأحمر من كثرة الدماء التي سالت مني بضربهم والنصب بضمتين وبإسكان الصاد أيضًا الصنم أو الحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده فيحمر بالدم وجمعه أنصاب اهـ نووي وعبارة القرطبي أي قصت من مسقطي كأني لجريان دمي من الجراحة التي أصبت بها أحد الأنصاب، وهي الحجارة التي كانوا يذبحون عليها فتحمر بالدماء اهـ مفهم. فشبه أبو ذر نفسه بالنصب الأحمر لتلوثه بالدماء التي سالت منه بسبب ضربهم إياه بالحجارة والعظام (قال) أبو ذر نفسه (فأتيت) بئر (زمزم فغسلت عنّي الدماء وشربت من مائها) قال ابن فارس مأخوذ من قولهم زمزمت الناقة إذا جعلت لها زمامًا تحبسها به وذلك أن جبريل - عليه السلام - لما همر الأرض بمقاديم جناحه ففاض الماء زمَّتها هاجر فسميت زمزم قال أبو ذر مخاطبًا لعبد الله بن الصامت (و) الله (لقد لبثت) وجلست (يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم) أي لقد لبثت مدةً مقدارها ثلاثون محسوبة من يوم وليلة مختلطات فتكون المدة خمسة عشر يومًا أو ليلة أي لقد جلست هذه المدة في مكة (ما كان لي طعام) ولا شراب (إلا ماء زمزم فسمنت) بزيادة لحومي وكبر جسمي. (حتى تكسّرت عكن بطني) والعكن بضم العين وفتح الكاف هي طاقات لحم البطن والمراد من التكسر الانثناء والانطواء قال الدهني والعكن جمع عكنة وهو الطي في البطن من السمن والمعنى حتى أنثنت وانطوت وتلففت طاقات لحم بطني بسبب السمن (وما وجدت على كبدي) في تلك المدة (سخفة جوع) وألمه وضعفه والسخفة بفتح السين وضمها أثر الجوع وضعفه وألمه قال عبد الله بن الصامت (قال) أبو ذر (فبينا) من

أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ. فَمَا يَطُوفُ بَالْبَيتِ أَحَدٌ. وَامْرَأَتَينِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الظروف الاعتبارية بمعنى بين زيد فيها الألف ملازمة للإضافة إلى الجملة وفيها معنى الشرط تحتاج إلى جواب مقرون بإذا الفجائية (أهل مكة) مبتدأ خبره (في ليلة) والجملة مضاف إليها لبينا وقوله (قمراء) أي مقمرة (إضحيان) أي مضيئة منورة صفتان لليلة مجروران بالفتحة منع الأول من الصرف لألف التأنيث الممدودة نظير حمراء والثاني لزيادة الألف والنون والوصفية كسكران ومعنى قمراء ذات قمر لا ظلماء ومعنى إضحيان بكسر همزه وحاء مهملة بينهما ضاد معجمة ساكنة ويجوز فتح الهمزة فيه مضيئة إضاءة شديدة كضوء الضحوة قال القرطبي القمراء المقمرة وهي التي يكون فيها قمر ويسمى الهلال قمرًا من أول الليلة الثالثة إلى أن يصير بدرًا ثم إذا أخذ في النقص عاد عليه اسم القمر وإضحيان بكسر الهمزة والضاد المعجمة معناه شديد ضوء قمرها قال ابن قتيبة ويقال ليلة إضحيان بالصرف وإضحيانة وضحيانة نظير ندمان وندمانة من الندم إذا كانت مضيئة ضوءًا كثيرًا اهـ من المفهم. وقوله (إذ ضرب) بالبناء للمفعول وإذ فجائية رابطة لجواب بينا أي ضرب الله (على أصمختهم) أي ناموا وجملة قوله (فما يطوف بالبيت أحد) منهم مفسرة لما قبلها أعني لضرب الله على آذانهم لأن الضرب على الآذان كناية عن النوم قال القرطبي والأصمخة جمع صماخ وهو خرق الأذن وثقبها وهو بالصاد وقد أخطأ من قاله بالسين اهـ من المفهم قال النووي قوله "أسمختهم" هكذا هو في جميع النسخ بالسين وهو جمع سماخ وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس يقال فيه صماخ وسماخ والصاد أفصح وأشهر والمراد بأسمختهم هنا آذانهم أي ناموا ومنه قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أي أنمناهم ومعنى هذا الكلام قال أبو ذر فبينا أوقات كون أهل مكة في ليلة مقمرة مضحية فاجأني ضرب الله على أصمختهم فعدم طواف أحد منهم بالبيت (و) رؤيتي (امرأتين منهم تدعوان) وتسألان حاجتهما (إسافًا ونائلة) اسمي صنمين أحدهما على الصفا والآخر على المروة يعني رأيت هناك امرأتين تطوفان وتدعوان الصنمين المسميين بإساف ونائلة وكان إسافٌ ونائلة صنمين وضعوهما على الصفا والمروة قال القرطبي وقد روى ابن أبي نجيح أن إسافًا ونائلة كانا رجلًا وامرأة حجا من الشام فقبلها وهما يطوفان

قَال فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا. فَقُلتُ: أَنكِحَا أَحَدَهُمَا الأُخْرَى. قَال: فمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا. قَال: فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هَنق مِثْلُ الْخَشَبَةِ. غَيرَ أَنِّي لا أَكْنِي. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْولانِ، وَتَقُولانِ: لَو كَانَ ههُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فمسخا حجرين فلم يزالا في المسجد حتى جاء الإسلام فأخرجا منه اهـ مفهم قال النووي قوله "وامرأتين" هكذا هو في معظم النسخ بالنصب بالياء وفي بعضها "وامرأتان" بالرفع بالألف والأول منصوب بفعل محذوف أي ورأيت امرأتين معطوف على مدخول إذا الفجائية وعلى الثاني فامرأتان مبتدأ خبره جملة تدعوان والجملة الاسمية معطوفة على مدخول إذا الفجائية أيضًا. (قال) أبو ذر (فأتتا) أي أتت المرأتان (عليَّ) أي مرتا عليَّ (في طوافهما فقلت) لهما تعييرًا عليهما دعوة الصنمين وعبادتهما (أنكحا) أي زوجا (أحدهما) أي أحد الصنمين وهو إسافٌ لأنه اسم رجل (الأخرى) وهي نائلة لأنه اسم امرأة وفي رواية القرطبي أنكحا أحدهما الآخر بالتذكير لأن الصنم مذكر فهي أوضح (قال) أبو ذر (فما تناهتا) المرأتان وانزجرتا وامتنعتا بسبب تعيبري عليهما (عن قولهما) ودعوتهما الصنمين (قال) أبو ذر (فأتتا) أي أتت المرأتان ومرَّتا (عليَّ) في طوافهما مرة ثانية وهما تدعوان إسافًا ونائلة (فقلت) لهما تقبيحًا واستهجانًا عليهما للصنمين هما (هن) وهنة أدخل أحدهما في الآخر أي ذكر (مثل الخشبة) لا شهوة فيه أدخل في هنة أي في فرج حالة كوني أكني عن آلتهما بهن وهنة مريدًا سب المرأتين (غير أني) أي لكن أني (لا أكني) ولا أوري في سب صنميهما بل أسبهما صريحًا لا تعريضًا وكناية. قال القرطبي قوله هن مثل الخشبة يعني به الذكر وكذا عنى بالهنة الفرج قال النووي الهن والهنة بتخفيف نونهما هما كناية عن كل شيء يستقبح التصريح باسمه وأكثر ما يستعملان كناية عن الذكر والفرج فقال لهما هن مثل الخشبة في الفرج وأراد بذلك سب إساف ونائلة وإغاظة الكفار بذلك قال أبو ذر (فـ) ـلما سمعتا كلامي هذا تركتا الطواف و (انطلقتا) أي ذهبتا إلى بيتهما حالة كونهما (تولولان) أي تدعوان عليَّ بالويل والهلاك وترفعان أصواتهما بذلك من الولولة وهو الدعاء بالويل (وتقولان) لي معطوف على ما قبله (لو كان ها هنا) أي في هذا المطاف (أحد من أنفارنا) جمع نفر أي لو كان واحد من قومنا والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة وجواب لو محذوف أي لنصرنا عليك ونحوه اهـ

قَال: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ. وَهُمَا هَابِطَانِ. قَال: "مَا لَكُمَا؟ " قَالتا: الصَّابِئُ بَينَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَال: "مَا قَال لَكُمَا؟ " قَالتَا: إِنَّه قَال لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ. وَطَافَ بِالبَيتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ. ثُمَّ صَلَّى. فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ - (قَال أَبُو ذَرٍّ) -: فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ. قَال: فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مفهم أو جمع نفير وهو الذي ينفر عند الاستغاثة ورُوي أنصارنا وهو أوضح والمعنى لو كان ها هنا أحد من أنصارنا لأغاثنا وانتصر لنا (قال) أبو ذر (فاستقبلهما) أي جاء في قبالتهما (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه (وهما) أي والحال أنهما (هابطان) أي نازلان إلى الحرم والمرأتان صاعدتان من الحرم خارجتين منه فـ (ـقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالكما) أي أيّ شيء ثبت لكما في دعائكما الويل (قالتا الصابئ) يهمز ولا يهمز وقرئ بهما أي الخارج عندين قومه (بين الكعبة وأستارها) فـ (ـقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قال لكما) ذلك الصابئ أي أن شيء قال لكما (قالتا) أي قالت المرأتان (إنه) إن ذلك الصابئ (قال لنا كلمة) عظيمة قبيحة لا شيء أقبح منها (تملأ الفم) لاستقباحها حتى كان الفم يضيق عنها ولا يمكن ذكرها وحكايتها كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها واستقباحها (وجاء رسول الله قال الله عليه وسلم) بعدما مرّ على المرأتين (حتى) دخل المطاف و (استلم الحجر) الأسود أول طوافه. (وطاف بالبيت هو) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصاحبه) أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ثمّ) بعدما فرغ من طوافه (صلّى) رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الطواف (فلما قضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتمّ (صلاته) سلّمت عليه فجواب لمَّا محذوف كما قدرناه (قال أبو ذر) حاكيًا عن سلامه عليه صلَّى الله عليه وسلم (فكنت أنا أول من حيّاه) صلَّى الله عليه وسلم (بتحية الإسلام) أي بالتحية المشروعة لأهل ملة الإسلام في حقه صلى الله عليه وسلم يعني بها السلام عليك يا رسول الله وظاهره أنه ألهم النطق بتلك الكلمة إذ لم يكن سمعها قبل ذلك وعلمه بكونه أول من حياه يحتمل أن يكون إلهامًا ويحتمل أن يكون علمه بغير ذلك بالاستقراء ثم أخبر عنه والله تعالى أعلم (قال) أبو ذر (فقلت) في سلامي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (السلام عليك

يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَال: "وَعَلَيكَ وَرَحْمَةُ اللهِ". ثُمَّ قَال: "مَنْ أَنْتَ؟ " قَال: قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ. قَال: فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيتُ إِلَى غِفَارٍ. فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ. فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ. وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ. ثُمَّ قَال: "مَتَى كُنْتَ ههُنَا؟ " قَال: قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ ههُنَا مُنْذُ ثَلاثِينَ، بَينَ لَيلَةٍ وَيَوْمٍ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ يا رسول الله فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد عليَّ (وعليك) السلام يا أبا ذر (ورحمة الله) بزيادة الرحمة (ثم) بعدما رد عليّ السلام (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أنت) أيها المسلِّم عليَّ (قال) أبو ذر (قلت) له أنا (من غفار) من بني كنانة وكانت قبيلة معروفة بقطع الطريق (قال) أبو ذر (فأهوى) أي مدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة وبسطها إلى رأسه الشريف (فوضع أصابعه) الشريفة (على جبهته) الشريفة تعجبًا من مجيئه من بعيد قال أبو ذر (فقلت في نفسي) لعله صلَّى الله عليه وسلم (كره أن انتميت) بنفسي وانتسبت (إلى) قبيلة (غفار) لأنهم قوم معروفون بقطع الطريق وقد وقع ذلك صريحًا فيما أخرجه ابن سعد في طبقاته (4/ 223) من طريق الواقدي من غير هذا السياق وفيه "قال فعجب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يقطعون الطريق فجعل النبي صلَّى الله عليه وسلم يرفع بصره فيه ويصوبه تعجبًا من ذلك لما كان يعلم منهم ثم قال إن الله يهدي من يشاء" وقد روى الواقدي أيضًا أن أبا ذر نفسه كان يقطع الطريق فروى عن خفاف بن إيماء بن رحفة قال "كان أبو ذر رجلًا يصيب الطريق وكان شجاعًا ينفرد وحده بقطع الطريق ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع فيطرق في الحي ويأخذ ما أخذ ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام وسمع بالنبي صلَّى الله عليه وسلم" قال أبو ذر (فذهبت) أي قصدت أن (آخذ) وأصافح (بيده) الشريفة (فقدعني) أي منعني من مصافحة رسول الله صلى الله عليه وسلم (صاحبه) أبو بكر الصديق يقال قدعه وأقدعه إذا كفّه ومنعه من الشيء (وكان) صاحبه (أعلم به) صلى الله عليه وسلم وأقرب إليه (مني ثم رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه) الشريف ناظرًا إليَّ (ثم قال) لي (متى كنت) موجودًا (ها هنا) أي في مكة (قال) أبو ذر (قلت) له صلَّى الله عليه وسلم (قد كنت) موجودًا (ها هنا) أي في مكة (منذ ثلاثين) أي في ثلاثين موزعة (بين ليلة ويوم) أي محسوبة منهما يعني خمسة عشر يومًا (قال) لي

"فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ " قَال: قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إلا مَاءُ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي. وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. قَال: "إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ. إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ". فَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيلَةَ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ. وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا. فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا. فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ. وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. ثُمَّ غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمن كان يطعمك) في هذه المدة (قال) أبو ذر (قلت) له صلى الله عليه وسلم (ما كان لي طعام) ولا شراب (إلا ماء زمزم فسمنت) منه (حتى تكسرت) وانطوت (عكن بطني) أي طبقات لحم بطني (و) الحال أني (ما أجد) ولا أعلم (على كبدي سخفة جوع) أي ألمه وضعفه فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنها) أي إن ماء زمزم أنث الضمير نظرًا إلى معنى البقعة (مباركة) أي ذات بركة بدفع الجوع أي إنها تظهر بركتها على من صح صدقه وحسنت فيها نيته كما قد روى العقيلي أبو جعفر من حديث أبي الزبير عن جابر أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال "ماء زمزم لما شرب له" رواه العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير [2/ 303] وفي إسناده عبد الله بن المؤمّل ضعيف وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله وقال حديث حسن غريب رواه الترمذي في الحج [963] اهـ من المفهم. (إنها طعام طعم) أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام المأكول وفي المبارق الطعام ما يؤكل والطعم بضم الطاء وسكون العين مصدر بمعنى الأكل والذوق والمراد بإضافة الطعام إلى الطعم أنه طعام مشبع أو أجود اهـ (فقال أبو بكر) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله ائذن لي من طعامه) أي في إطعامه وضيافته هذه (الليلة) المستقبلة (فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر) من الحرم إلى منازلهما (وانطلقت معهما فـ) ـلممَّا بلغ أبو بكر إلى منزله (فتح أبو بكر بابا) من أبواب بيته (فجعل يقبض) ويأخذ (لنا من زبيب الطائف) الذي خزنه في بيته (وكان ذلك) الزبيب (أول طعام أكلته بها) أي بمكة (ثم) بعد ذلك اليوم (غبرت) أي بقيت في مكة (ما غبرت) أي ما بقيت أي

ثُمَّ أَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "إِنَّهُ قَدْ وُجَّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ. لَا أُرَاهَا إلا يَثْرِبَ. فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عنِّي قَوْمَكَ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ". فَأَتَيتُ أُنَيسًا فَقَال: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ مدة أراد الله بقائي فيها وأنا على تلك الحالة قال أبو ذر (ثم) بعد بقائي تلك المدة في مكة (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن الشأن والحال (قد وُجّهت لي أرض) بالبناء للمفعول أي قد أُظهرت لي بالوحي في المنام جهة أرض (ذات نخل) وبساتين أي ذُهب بي إلى تلك الجهة وأريتها في المنام (لا أراها) بضم الهمزة وفتحها أي لا أظن تلك الأرض التي أريتها ولا أعلمها (إلا يثرب) وهذا كان اسم المدينة قديمًا سميت باسم أول من سكنها من العمالقة أو اليهود وكان أخا خيبر ساكن خيبر حتى قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره أن تسمى يثرب لأنه مأخوذ من التثريب وهو اللوم والتقبيح وسمّاها طابة وطيبة وورد حديث النهي عن تسميتها بيثرب (فهل أنت) يا أبا ذر (مبلّغ) نيابة (عنِّي قومك) دعوة الله إلى التوحيد ورفض الشرك (عسى الله) سبحانه أي لعل الله (أن ينفعهم) أي أن ينفع قومك بني غفار (بك) أي بسبب تبليغك الدعوة إليهم فيؤمنوا (و) أن (يأجرك) ويثيبك (فيهم) أي في تبليغ الدعوة إليهم. قوله "لا أُراها إلا يثرب" أي لا أظنها إلا يثرب فيه دلالة إلى أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قد أُري مهاجره أرضًا ذات نخل من غير أن تسمى له في الوحي ولكنه فهم أنها أرض يثرب والمعنى أنه قد أوحي إليَّ أني سوف أهاجر إلى تلك الأرض ويكون المسلمون فيها آمنين قوله "فهل أنت مبلغ عنِّي" يعني ارجع إلى وطنك وادع قومك إلى الإسلام لأنه لا حاجة في إقامتك بمكة والمسلمون فيها مضطهدون فاغتنم هذا الوقت لحمل رسالة الإسلام ودعوته إلى قومك ثم ائتني إلى يثرب بعدما هاجرت إذا سمعت هجرتي إليها (فـ) ـعقب ما أمرني النبي صلَّى الله عليه وسلم بالرجوع إلى قومي (أتيت) أي جئت أخي (أنيسًا) في تلك الحضرة التي نزلنا فيها (فقال) لي أنيس (ما صنعت) أي أيَّ شيء صنعت في تأخرك عني قال أبو ذر (قلت) لأنيس الأمر الذي (صنعت) في تأخري عنك (أني قد أسلمت) أي قد دخلت في دين الإسلام (وصدّقت) الرجل في رسالته (قال)

مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ. فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَتَينَا أُمَّنَا. فَقَالتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا. فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَينَا قَوْمَنَا غِفَارًا. فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ. وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ. وَكَانَ سَيِّدَهُمْ. وَقَال نِصْفُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أنيس (ما بي رغبة) وإعراض (عن دينك) الذي دخلت فيه بل أقبله (فإني قد أسلمت) كما أسلمت (وصدقت) الرجل كما صدقت قال أبو ذر (فـ) ـعقب ما وافقني أنيس (أتينا) أي أتيت أنا وأخي أنيس (أُمّنا) فأخبرناها بإسلامنا (فقالت) أمّنا (ما بي رغبة) أي إعراض (عن دينكما) أي أقبله ولا أكرهه (فإني قد أسلمت) لله تعالى (وصدّقت) برسول الله تعالى فيما جاء به قال أبو ذر (فاحتملنا) أي حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا وسرنا (حتى أتينا) وجئنا (قومنا) بني (كفار) بن كنانة فدعوناهم إلى الإسلام (فأسلم نصفهم) وأقاموا الصلاة (وكان يؤمهم) أي يصلي بهم إمامًا (إيماء) بكسر الهمزة على المشهور وحكى القاضي فتحها أيضًا وأشار إلى ترجيحه وليس براجح اهـ نووي (ابن رحضة) بفتحات وضاد معجمة (الغفاري) أي المنسوب إلى بني غفار (وكان) إيماء بن رحضة (سيدهم) أي سيد بني غفار ورئيسهم ويظهر من هذا الحديث أنه أسلم قديمًا وذكر الزبير بن بكّار أنه حضر بدرًا مع المشركين كما في الإصابة [1/ 103] فيكون إسلامه بعد ذلك وابنه خفاف بن إيماء صحابي مشهور وقد وقع عند أحمد في مسنده [5/ 175] في هذه الرواية وكان يؤمهم خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري. وقد أخرج ابن سعد في طبقاته [4/ 224] من طريق الواقدي أن أبا ذر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمره بالرجوع إلى قومه يا رسول الله أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ضربوني فخرج حتى أقام بعسفان وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام عليها ينفر بهم على ثنية غزال فتلقي أحمالها فجمعوا الحنط "جمع حنطة" قال يقول أبو ذر لقومه لا يمسنَّ أحد حبة حتى تقولوا لا إله إلا الله فيقولون لا إله إلا الله ويأخذون الغرائر اهـ قال أبو ذر رضي الله عنه (وقال نصفهم) أي نصف قومي بني غفار (إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) أي وقت قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرًا (أسلمنا) جواب إذا.

فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي. وَجَاءَتْ أَسْلَمُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِخْوَتُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيهِ. فَأَسْلَمُوا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ". 6205 - (0) (0) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ -قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ- قَال: نَعَمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي وجاءت أسلم) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالوا) له (يا رسول الله إخوتنا) بنو غفار أسلموا ونحن (نسلم) يا رسول الله (على) الدين (الذي أسلموا عليه فأسلموا) أي فأسلمَ قوم أسلمَ كلهم أيضًا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهاتين القبيلتين (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لهما (غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله) تعالى قال القرطبي إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهاتين القبيلتين لأنهما أسلمتا طوعًا من غير قتال ولا إكراه ويحتمل أن يكون ذلك خبرًا عما فعل الله بهاتين القبيلتين من المغفرة والمسالمة لهما وكيفما كان المعنى فقد حصل لهما فخر السابق وأجر اللاحق وفيه مراعاة التجنيس في الألفاظ وشارك المؤلف في رواية قصة إسلام أبي ذر أحمد في مسنده [5/ 174] والبخاري في المناقب باب قصة إسلام أبي ذر [3522] وفي فضائل الصحابة باب إسلام أبي ذر [3861]. ثم ذكر المؤلف التابعة في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6205 - (0) (0) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) العدوي البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر الغفاري وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة النضر بن شميل لهدّاب بن خالد (و) لكن (زاد) النضر بن شميل على هدّاب (بعد قوله) أي بعد قول أبي ذر لأنيس (فاكفني حتى أذهب فانظر قال نعم) مقول لقوله أي زاد النضر بعد هذا المقول

وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهمُوا. 6206 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. قَال: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَال: قَال أَبُو ذَرٍّ: يَا ابْنَ أَخِي، صَلَّيتُ سَنَتَينِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظة (وكن) يا أبا ذر (على حذر) واحتياط (من أهل مكة) وهذا مع ما بعده هو الزيادة (فإنهم) أي فإن أهل مكة (قد شنفوا) وأبغضوا (له) أي لهذا الرجل الصابئ فيهم يعني محمدًا (وتجهّمو) هـ أي قابلوه بوجوه غليظة قبيحة كريهة ولذلك قالوا فيه ساحر مجنون كاهن فمن يسأله لا ينجو منهم قال القرطبي قوله "قد شنفوا له" من باب فرح أي أبغضوه وعبسوا في وجهه يقال شنف له كفرح أبغضه وتنكّره فهو شنف بوزن فرح والشانف المعرض عن الشيء يقال إنه لشانف عنَّا بأنفه أي رافع له كذا في القاموس قوله "وتجهموا" من التجهم فهم مشتق من الجهم وهو الوجه الغليظ المجتمِع السمج وجهمه من باب منع وسمع وتجهّمه وتجهم له إذا استقبله بوجه كريه والحاصل أن أنيسًا لما أذن لأبي ذر رضي الله عنه في الذهاب إلى مكة حذّره من أهلها لأن أنيسًا لما ذهب إلى مكة أولًا رأى في وجوه أهلها غلظة وكراهية للمسلمين ولمن يستخبر عن شأنهم فأشار أنيس على أبي ذر بأن يكون منهم على حذر لئلا يصيبوه بإيذاء. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيها ثانيًا فقال: 6206 - (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري (حدثني) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (قال أنبأنا) أي أخبرنا عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة ثبت من (6) روى عنه في (11) بابا (عن حميد بن هلال) العدوي (عن عبد الله بن الصامت قال قال أبو ذر) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن عون لسليمان بن المغيرة (يا ابن أخي صليت سنتين قبل مبعث النبي صلَّى الله عليه وسلم) أي قبل لقائه كما في الرواية السابقة وهذه الرواية تعارض رواية سليمان بن المغيرة بأنه صلَّى قبل لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين من حيث العدد فيجمع بينهما بأنه صلّى قبل لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف سنة فكملت الرواية الأولى الكسر فجعلت العدد ثلاث سنين

قَال: قُلْتُ: فَأَينَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قَال: حَيثُ وَجَّهَنِي اللهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ سُلَيمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَال فِي الْحَدِيثِ: فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ. قَال: فَلَمْ يَزَلْ أَخِي، أُنيسٌ يَمْدَحُهُ حَتَّى غَلَبَهُ. قَال: فَأَخَذْنَا صِرْمَتَهُ فَضَمَمْنَاهَا إِلَى صِرْمَتِنَا، وَقَال أَيضًا فِي حَدِيثِهِ: قَال: فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبيتِ وَصَلَّى رَكْعَتَينِ خَلْفَ الْمَقَامِ. قَال: فَأَتَيتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذه الرواية أسقطت الكسر فجعلته سنتين ولم أر من تعرض لهذا الجمع أحدًا من الشراح والله سبحانه وتعالى أعلم. (قال) عبد الله بن الصامت (قلت) لأبي ذر (فأين كنت توجّهُ) بحذف إحدى التاءين لأنه من باب تَفعَّل الخماسي أي فإلى أي جهة تتوجه في صلاتك (قال) أبو ذر أتوجه (حيث وجّهني الله) تعالى إليه (واقتص) أي ذكر عبد الله بن عون (الحديث) السابق (بنحو حديث سليمان بن المغيرة) أي بقريبه في المعنى واللفظ (و) لكن (قال) ابن عون (في الحديث فتنافرا) أي تحاكما أي تحاكم أنيس والرجل الآخر المتسابق معه (إلى رجل من الكهان) أشعر منهما (قال) أبو ذر (فلم يزل أخي أنيس يمدحه) أي يمدح ذلك الكاهن (حتى غلبه) أي حتى غلب أنيس الرجل الآخر في الشعر (قال) أبو ذر (فأخذنا صرمته) أي صرمة الرجل الآخر وإبله لعوض المسابقة لأن أنيسًا غلبه (فضممناها) أي ضممنا صرمة الرجل الآخر (إلى صرمتنا) أي إلى إبلنا فجمعنا الصرمتين قوله (فلم يزل أخي أنيس يمدحه حتى غلبه" قال القرطبي أي إنه لم يزل ينشد الشعر المقتضي المدح حتى حكم له الكاهن بالغلبة على الآخر وأنه أشعر منه ولعلّ مراده أن أنيسًا جعل ينشد الأشعار في مدح الكاهن نفسه مرتجلًا وعجز الآخر عن ذلك فحكم له الكاهن بالغلبة فأخذ صرمة الآخر فجمعناها مع صرمتنا قال القرطبي أيضًا وإنما ذكر أبو ذر هذا المعنى ليبين أن أخاه أنيسًا كان شاعرًا مجيدًا بحيث يحكم له بغلبة الشعراء ومن هو كذلك يعلم أنه عالم بالشعر ولما كان كذلك وسمع القرآن علم يقينًا أنه ليس بشعر كما قال سابقًا: وقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر اهـ. (وقال) ابن عون (أيضًا في حديثه) أي في روايته (قال) أبو ذر (فجاء النبي صلّي الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف المقام قال) أبو ذر (فأتيته) صلى الله

فَإِنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحيَّةِ الإِسْلامِ. قَال: قُلْتُ: السَّلامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "وَعَلَيكَ السَّلامُ، مَنْ أَنْتَ". وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا: فَقَال: "مُنْذُ كَمْ أَنْتَ ههُنَا؟ " قَال: قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَ عَشرَةَ، وَفِيهِ: فَقَال أَبُو بَكْرٍ: أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ اللَّيلَةَ. 6207 - (2458) (3) وحدّثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، (وَتَقَارَبَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ. وَاللَّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا المُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم فسلمت عليه (فإني لأوَّل الناس حيّاه) صلى الله عليه وسلم (بتحية الإسلام قال) أبو ذر فـ (ـقلت) له (السلام عليك يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد عليَّ (وعليك السلام من أنت وفي حديثه) أي وفي حديث ابن عون وروايته (أيضًا فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (منذ كم) أي كم زمن (أنت) كائن (ها هنا) أي في مكة فأنت مبتدأ واسم الإشارة خبره ومنذ ظرف زمان مضاف إلى كم وكم اسم استفهام في محل الجر مضاف إليه والظرف متعلق بالنسبة الكائنة بين المبتدأ والخبر والمعنى كم من الزمان كنت ها هنا (قال) أبو ذر فـ (ـقلت) له صلى الله عليه وسلم كنت ها هنا (منذ خمس عشرة) ليلة أي مدة خمس عشرة ليلة فلا يعارض هذا ما مرَّ من قوله كنت ها هنا منذ ثلاثين إلخ لأنه عدّ اليوم والليلة في السابق كلَّا على حدته وهنا أدخل اليوم في الليلة (وفيه) أي وفي حديث ابن عون أيضًا (فقال أبو بكر أتحفني) أي أكرمني وخصني (بضيافته) هذه (الليلة) وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين روايتي سليمان بن المغيرة وابن عون والله أعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن الصامت بحديث ابن عباس رضي الله عنه فقال: 6207 - (2458) (3) (وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة) بمهملات ابن اليزيد (السامي) بمهملة نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب أبو إسحاق البصري نزيل بغداد ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (وتقاربا في سياق الحديث) أي في سوقه وترتيبه في المعنى (و) لكن (اللفظ) الآتي (لابن حاتم قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا المثنى بن سيد) الضبعي بضم

عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَال لأخَيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي. فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ. فَاسْمَع مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أبِي ذَرٍّ فَقَال: رَأَيتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ. وَكَلامًا مَا هُوَ بِالشعْرِ. فَقَال: مَا شَفَيتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ، فِيهَا مَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعجمة وفتح الموحدة الذرَّاع القسام البصري القصير ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي جمرة) نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (لمّا بلغ أبا ذر) الغفاري خبر (مبعث النبي صلَّى الله عليه وسلم بمكة) أي من مكة المكرمة (قال) أبو ذر (لأخيه) أي لواحد من إخوته وهو غير أنيس (اركب) جملك يا أخي واذهب (إلى هذا الوادي) يعني وادي مكة (فاعلم لي) أي فاستخبر لي (علم هذا الرجل) أي خبر هذا الرجل (الدي يزعم أنَّه يأتيه الخبر) أي الوحي (من) رب (السماء فاسمع) لي (من قوله) أي بعض ما يقوله (ثم ائتني) وارجع إليّ بخبره (فانطلق) الأخ (الآخر) أي غير الذي أمر وهو أنييس الذي يعرف الشعر أي ذهب أنيس إلى مكة (حتى قدم مكة وسمع من قوله) أي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم رجع) أنيس (إلى أبي ذر فقال) أنيس لأبي ذر (رأيته) أي رأيت ذلك الرجل (يأمر) الناس (بمكارم الأخلاق) ومحاسنها كالعفاف والإنفاق على الأرامل والأيتام وصلة الرحم والتوحيد (و) يقول (كلامًا ما هو بالشعر) يعني القرآن (فقال) أبو ذر لأخيه أنيس (ما شفيتني) أي ما أزلت وكشفت عني (فيما أردت) أي مما أخذني من الهم الذي أردت الشفاء عنه وهو معرفة يقين خبر الرجل قال النووي هكذا في جميع نسخ مسلم "فيما" بلفظ في وفي رواية البخاري "مما" بلفظ من وهو أجود وأوضح أي ما بلغتني غرضي وأزلت عني هم كشف هذا الأمر اهـ والمعنى ما أتيتني بالتفاصيل التي كنت أحب أن أعرفها في شأن هذا الرجل (فتزود) أبو ذر أي أخذ زاد السفر من الطعام (وحمل) معه (شنّة) أي قربة بالية (له فيها ماء) وهذه الرواية صريحة في أن أبا ذر كان معه زاد حين سافر إلى مكة وقد مرّ في رواية عبد الله بن الصامت أنه لم يكن له طعام إلا ماء زمزم مدة ثلاثين بين يوم وليلة ويمكن

حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَعْرِفُهُ. وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ. حَتَّى أَدْرَكَهُ -يَعْنِي اللَّيلَ- فَاضْطَجَعَ. فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ. فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ. فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيءٍ. حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قُرَيبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَمْسَى. فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ. فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ. فَقَال: مَا أَنَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمع بينهما بأنه كان معه زاد في ابتداء السفر ولكنه قد فني بعد وصوله إلى مكة أي تزود أبو ذر وذهب (حتى قدم مكة فأتى المسجد) الحرام (فالتمس) أي طلب (النبي صلّى الله عليه وسلم و) الحال أنه (لا يعرفه وكره) أبو ذر (أن يسأل) الناس (عنه) صلَّى الله عليه وسلم (حتى أدركه) أي أدرك أبا ذر الليل ودخل عليه (يعني) الرَّاوي بقوله حتى أدركه (الليل) وقوله (فاضطجع) أبو ذر للنوم معطوف على أدركه (فرآه) أي فرأى أبا ذر (عليَّ) بن أبي طالب مضطجعًا في الحرم (فعرف) عليٌّ (أنه) أي أن هذا المضطجع رجل (غريب) ليس من أهل البلد (فلما رآه) أي لما رأى علي أبا ذر (تبعه) أي تبع أبو ذر عليًّا إلى بيتهم (فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء) من أحواله (حتى أصبح) أي حتى دخل أبو ذر في الصباح (ثم) بعدما أصبح أبو ذر (احتمل) أي حمل أبو ذر (قريبته) بالتصغير أي قربته الصغيرة التي فيها الماء وفي بعض النسخ قربته بالتكبير وهي الثنة المذكورة أولًا (وزاده) أي أخذهما ورجع (إلى المسجد) الحرام وهذا يدل على أن أبا ذر كان معه زاد إلى ذلك الحين فيبعد التوفيق بينه وبين ما مرت في رواية عبد الله بن الصامت (فظل ذلك اليوم) أي صار أبو ذر طول ذلك اليوم في المسجد (ولا يَرَى) أي والحال أنه لم ير (النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى) أي دخل في المساء وهو أي المساء من زوال الشمس إلى نصف الليل (فعاد) أي رجع أبو ذر (إلى مضجعه) أي محل ضجاعه في الليل الأول (فمرَّ به) أي على أبي ذر في الليل الثاني (عليُّ) بن أبي طالب (فقال) له عليّ: (ما أنى) بالقصر أي ما قرب (للرجل) وفي بعض النسخ "آن" بالمد وهما لغتان أي ما حان وقرب وفي بعض النسخ أما بزيادة ألف الاستفهام وهي مراده في الرواية الأولى أي أما أنى ولكن حذفت وهو جائز اهـ نووي أي أما قرب للرجل (أن يعلم) ويعرف (منزله) الذي يسكن فيه وهذا الكلام يحتمل معنيين الأول أنك لا تزال

فَأَقَامَهُ. فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ. وَلَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيءٍ. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَقَامَهُ عَلِيٌّ مَعَهُ. ثُمَّ قَال لَهُ: أَلا تُحَدِّثُنِي؟ مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ؟ قَال: إِنْ أَعْطَيتَنِي عَهْدًا وَمِيثاقًا لَتُرْشِدَنِّي، فَعَلْتُ. فَفَعَلَ. فَأَخْبَرَهُ. فَقَال: فَإِنَّهُ حَقٌّ. وَهُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتَّبِعْنِي. فَإِنِّي إِنْ رَأَيتُ شَيئًا أَخَافُ عَلَيكَ، قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ. فَإِنْ مَضَيتُ فَاتَّبِعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي. فَفَعَلَ. فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ. حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ غريبًا إلى الآن ولم تهتد إلى منزل معين ترجع إليه وتبيت فيه والثاني أني دعوتك بالأمس إلى منزلي وصرت ضيفًا لي فصار منزلي كأنه منزلك أما عرفت ذلك إلى الآن حتى تنتظر أن أدعوك مرة ثانية (فأقامه فذهب به معه) إلى منزله (ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء) من شؤونه (حتى إذا كان يوم الثالث) من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع أي حتى إذا كان اليوم الثالث (فعل) عليٌّ بأبي ذر (مثل ذلك) أي مثل ما فعل به في اليوم الثاني وفسره بقوله أي (فأقامه عليٌّ) فذهب به (معه) إلى منزله (ثم) بعدما ذهب به (قال له) علي بن أبي طالب (ألا تحدثني) وتخبرني (ما) الأمر (الذي أقدمك هذا البلد) أي أيُّ شيء أقدمك هذا البلد (قال) أبو ذر لعلي (إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا) وهو العهد المؤكد باليمين (لترشدني) أي على أن ترشدني وتدلني إلى مقصودي (فعلت) ذلك أي أخبرتك بالذي أقدمني هذا البلد (ففعل) علي ذلك أي أعطى له العهد والميثاق على ذلك (فأخبره) أبو ذر الأمر الذي أقدمه هذا البلد من معرفة بعثة النبي صلَّى الله عليه وسلم والإيمان به إن كان حقًّا (فقال) له علي بن أبي طالب (فإنه) أي فإن بعث محمد صلَّى الله عليه وسلم إلى الخلق (حق) أي صدق (وهو) أي محمد صلى الله عليه وسلم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بلا شك لظهور علامة صدقه عليه (فإذا أصبحت) يا أبا ذر أي دخلت في الصباح والفاء فيه للإفصاح (فاتبعني) أي فالحقني (فإني إن رأيت شيئًا أخافـ) ـه (عليك قمت كأني أريق الماء) ولعل المراد منه البول وفي رواية ابن قتيبة عند البخاري "كأني أصلح نعلي" (فإذا مضيت) أي دمت في مشيي ولم أقف في الطريق أو وقفت ثم مضيت بعد حصول الأمن من الخوف (فاتبعني) أي فالحقني ولا تقف (حتى تدخل مدخلي) أي محل دخولي (ففعل) عليٌّ ذلك الذي قاله لأبي ذر (فانطلق) أبو ذر معه حالة كونه (يقفوه) أي يقفو عليًّا ويتبعه (حتى دخل) عليّ به (على النبي صلّي الله عليه

وَسَلَّمَ وَدَخَلَ مَعَهُ. فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ. فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي". فَقَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَينَ ظَفرَانَيهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ. فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. وَثَارَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم ودخل معه) أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فسمع) أبو ذر (من قوله) صلَّى الله عليه وسلم أي بعض قوله صلَّى الله عليه وسلم من بعث الله تعالى له إلى الناس كافة (وأسلم) أبو ذر (مكانه) بالنصب على نزع الخافض أي أسلم في مكانه ذلك بلا تأخر كأنه كان يرتقب بعض العلامات في النبي صلى الله عليه وسلم فلما تحققها لم يتردد في الإسلام. وهذه الرواية مخالفة لما مر من رواية عبد الله بن الصامت لأن مقتضى هذه الرواية أن أبا ذر لقي النبي صلَّى الله عليه وسلم بدلالة من علي بن أبي طالب وقد مر في رواية ابن الصامت أنه لقيه صلَّى الله عليه وسلم وأبا بكر في الطواف بالليل وأن أبا بكر هو الذي أضافه بعد ذلك بعدما بقي ثلاثين من بين يوم وليلة في المسجد لا يطعم شيئًا إلا ماء زمزم والجمع بينهما متعذر جدًّا. (فقال له النبي صلّي الله عليه وسلم ارجع إلى قومك) بني غفار (فأخبرهم) الإسلام وعلمهم (حتى يأتيك أمري) وشأني من الهجرة عن هذه البلدة أو خبر ظهوري (فقال) أبو ذر (والذي نفسي بيده لأصرخنَّ) أي لأرفعن صوتي (بها) أي بكلمة التوحيد (بين ظهرانيهم) بفتح النون ويقال بين ظهريهم بحذف النون والألف ولفظة ظهرانيهم مقحم للتأكيد أي لأرفعن بها صوتي بين المشركين والمراد أنه يرفع صوته بها جهارًا بين المشركين وكأنه فهم أن أمر النبي صلَّى الله عليه وسلم له بالكتمان ليس على الإيجاب بل على سبيل الشفقة عليه لئلا يؤذوه فأعلمه أن به قوة على ذلك ولهذا أقره النبي صلَّى الله عليه وسلم عليه ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من يخشى منه الأذية لمن قاله وإن كان السكوت جائزًا والتحقيق أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والمقاصد وبحسب ذلك يترتب وجود الأجر وعدمه اهـ فتح الباري [7/ 175] (فخرج) أبو ذر من عند النبي صلّى الله عليه وسلم (حتى أتى المسجد) الحرام (فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وثار القوم) من المشركين أي تحركوا وقاموا إليه (فضربوه) من كل

حَتَّى أَضْجَعُوهُ. فَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيهِ. فَقَال: وَيلَكُمْ، أَلَسْتُم تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ. وَأَنَّ طَرِيقَ تُجَّارِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيهِمْ. فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ بِمِثْلِهَا. وَثَارُوا إِلَيهِ فَضَرَبُوهُ. فَأَكَبَّ عَلَيهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجوانب (حتى أضجعوه) أي أسقطوه على الأرض (فأتى العباس) بن عبد المطلب رضي الله عنه أي جاء العباس (فأكب) أي انكب وسقط (عليه) أي على أبي ذر خوفًا منهم على قتله (فقال) العباس لهم (ويلكم) يا معشر قريش أي ألزمكم الله الويل والهلاك (ألستم تعلمون أنه) أي أن هذا الرجل (من) بني (غفار) بن كنانة (وأن طريق) سفر (تجاركم) جمع تاجر كفجار جمع فاجر وهو من يقلب المال بعضه ببعض لغرض الربح (إلى الشام) يمر (عليهم) أي علي بني غفار وفي بلدانهم فكيف تؤذون من كان منهم فإنهم ينتقمون من تجاركم إذا مروا عليهم فانتبهوا لمصالحكم وقوله (فأنقذه) أي أنقذ العباس أبا ذر وأخرجه (منهم) أي من أيدي المشركين لئلا يهلكوه معطوف على قوله فأكب عليه (ثم عاد) ورجع أبو ذر (من الغد) من ذلك اليوم والغد اسم لليوم الذي بعد اليوم الذي كانت فيه متصلًا به أي رجع أبو ذر في الغد (بمثلها) أي إلى مثل تلك المقالة التي صرخ بها اليوم يعني مقالة الشهادتين (وثاروا) أي ثار المشركون واجتمعوا (إليه فضربوه) أيضًا (فأكب عليه العباس فأنقذه) منهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 114] والبخاري في مواضع منها في كتاب مناقب الأنصار باب إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه [3861]. واقتصر البخاري في صحيحه على رواية ابن عباس هذه فلعله رجحها على رواية ابن الصامت. وقد ظهر بين طريق ابن عباس وطريق ابن الصامت فيما روياه من حديث أبي ذر اختلاف يبعد الجمع بينهما فيه ففي حديث ابن الصامت أن أبا ذر لقي النبي صلَّى الله عليه وسلم أول ما لقيه ليلًا يطوف بالكعبة فأسلم إذ ذاك بعد أن أقام ثلاثين بين يوم وليلة ولا زاد له وإنما يتغذى من ماء زمزم وفي حديث ابن عباس أنه كان له قربة وزاد وإن عليًّا أضافه ثلاث ليال ثم أدخله بيته فأسلم ثم خرج فصرخ بالإسلام وكل من السندين صحيح فالله يعلم أيَّ المتنين كان ويحتمل أن أبا ذر أتى النبي صلَّى الله عليه وسلم حول الكعبة فأسلم ولم يعلم علي إذ ذاك ثم إن أبا ذر بقي مستترًا بحاله إلى أن استتبعه علي ثم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أدخله على النبي صلَّى الله عليه وسلم فجدد إسلامه فظنَّ الراوي أن ذلك أول إسلامه وفي هذا الاحتمال بعد جدًّا والله أعلم بحقيقة الواقع ولم أر من الشارحين من نبّه على هذا التعارض اهـ من الأبي. "قلت" والله أعلم لا تعارض بين الروايتين لأن رواية ابن عباس هي المرجحة على رواية ابن الصامت لأنها رواية صحابي عن صحابي وبدليل اقتصار البخاري عليها في صحيحه وقيل يجمع بينهما بتعدد الواقعة وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي برزة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث ابن الصامت ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ****

713 - (2) والخامس عشر منها باب فضائل جرير وابن عباس وابن عمرو وابن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين

713 - (2) - باب: من فضائل جرير بن عبد الله، رضي الله تعالى عنه 6208 - (2459) (4) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 713 - (2) والخامس عشر منها باب فضائل جرير وابن عباس وابن عمرو وابن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين " أما جرير" فهو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نصر أبو عمرو اليماني البجلي الكوفي نسبة إلى بجيلة وبجيلة من ولد أنمار بن نزار بن معد بن عدنان واختلف في بجيلة هل هو أبي أو أم نسبت القبيلة إليها وجرير هذا هو سيد بجيلة وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما زلت سيدًا في الجاهلية والإسلام وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل وافدًا "يطلع عليكم خير ذي يمن كأن على وجهه مسحة ملك فطلع جرير" رواه أحمد [4/ 360 - 364] والحميدي في مسنده [800] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيه "جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة" وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" رواه الحاكم [4/ 292] أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين يومًا نزل جرير الكوفة بعد موت النبي صلَّى الله عليه وسلم واتخذ بها دارًا ثم تحول إلى قرقيسيا ومات بها سنة أربع وخمسين وقيل سنة إحدى وخمسين وقيل مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة لمعاوية روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث أخرج له في الصحيحين خمسة عشر حديثًا اهـ من المفهم وقوله أسلم قبل موت النبي صلَّى الله عليه وسلم بأربعين يومًا قال القسطلاني فيه نظر لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع استنصت الناس وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يومًا اهـ واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث جرير رضي الله عنه فقال: 6208 - (2459) (4) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن بيان) بن بشر الأحمسي الكوفي المعلم ثقة من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن جرير

ابْنِ عَبْدِ اللهِ، ح وحدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ قَال: سَمِعْتُ قَيسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ يَقُولُ: قَال جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ. وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ. 6209 - (0) (0) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عبد الله) بن جابر البجلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (ح وحدثني عبد الحميد بن بيان) بن زكرياء اليشكري الواسطي صدوق من (10) روى عنه في (2) بابين (حدثنا خالد) بن عبد الله الطحان الواسطي (عن بيان) بن بشر الكوفي (قال سمعت قيس بن أبي حازم يقول قال جرير بن عبد الله) البجلي الكوفي وهذا السند من خماسياته أيضًا (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ما منعني من الدخول عليه إذا كان في بيته فاستأذنت عليه (منذ أسلمت) وكان إسلامه سنة تسع (ولا رآني إلا ضحك) أي تبسّم فرحًا بي وسرورًا. قوله "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي ما منعني الدخول عليه حين أردت ذلك. "منذ أسلمت" أي بعدما أسلمت وكان إسلامه سنة تسع ووهم من قال إنه أسلم قبل موت النبي صلَّى الله عليه وسلم بأربعين يومًا قال (ع) يعني بمجرد ما يعلم أني استأذنت يترك ما يكون فيه ويأذن لي ولا يفهم منه أنه كان يدخل عليه بغير إذن فإن ذلك لا يصح لحرمة بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولما يفضني ذلك إليه من الاطلاع على ما لا يجوز من عورات البيوت قال (ط) فيه بر أشراف الناس وحسن لقائهم لأنه كبير قومه "ولا رآني إلا ضحك" أي تبسم كما في الرواية الآتية "في وجهي" أي في مقابلتي بوجهه قال (ط) فرحًا بي وسرورًا لأنه من كملة الرجال خلقًا وخُلقًا قال النووي فعل ذلك إكرامًا له ولطفًا وبشاشة ففيه استحباب هذا اللطف للوارد وفيه فضيلة ظاهرة لجرير اهـ من شرحنا على ابن ماجه مرشد ذوي الحجا والحاجة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في فضائل الصحابة باب ذكر جرير بن عبد الله [3822] والترمذي في مناقب جرير [3822] وابن ماجه في المقدمة فضل جرير [146] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير رضي الله عنه فقال: 6209 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأبو أسامة) حماد بن

عَنْ إِسْمَاعِيلَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ جَرِيرٍ. قَال: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ. وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي، زَادَ ابْنُ نُمَيرٍ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ: وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيلِ. فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَال: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". 6210 - (2460) (5) حدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ. أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أسامة الهاشمي الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعيد البجلي الأحمسي الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) بن أبي حازم (عن جرير) بن عبد الله رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أبي خالد لبيان بن بشر (قال) جرير (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في) مقابلة (وجهي زاد ابن نمير في حديثه) وروايته (عن ابن إدريس) أي زاد على أبي بكر بن أبي شيبة لفظة "وقد شكوت إليه" أي أخبرته على سبيل الشكوى (أني لا أثبت على الخيل) يعني أنه يسقط أو يخاف السقوط من فوق ظهورها حالة إجرائها (فضرب) صلى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة (في صدري) فدعا لي (وقال) في دعائه (اللهم ثبته) أي ثبت جريرًا على ظهر الخيل (واجعله هاديًا) لغيره إلى طريق الهدى (مهديًا) في نفسه إلى الطريق المستقيم أي فدعا له النبي صلَّى الله عليه وسلم بأكثر مما طلب بالثبوت مطلقًا وبأن يجعله هاديًا لغيره ومهديًا في نفسه فكان قال ذلك وظهر جميع ما دعا له وأوّل ذلك أنه نفر في خمسين ومائة فارس لذي الخلصة فحرقها وعمل فيها عملًا لا يعمله خمسة آلاف وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لذي الكِلاعِ وذي رُعَين وله المقامات المشهورة رضي الله عنه وأرضاه. ثم استشهد المؤلف لحديث جرير الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6210 - (2460) (5) (حدثني عبد الحميد بن بيان) بن زكرياء اليشكري الواسطي ثقة من (10). (أخبرنا خالد) بن عبد الله الطحان المزني الواسطي (عن بيان) بن بشر

عَنْ قَيسٍ، عَنْ جَرِيرٍ. قَال: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيت يُقَالُ لَهُ: ذُو الْخَلَصَةِ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةِ الْيَمَانِيَةِ وَالشَّامِيَّةِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحمسي الكوفي (عن قيس) بن أبي حازم البجلي الكوفي (عن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) جرير (كان في الجاهلية) في اليمن (بيت يقال له ذو الخلصة) بفتح الخاء واللام وحكى ابن دريد إسكان اللام وحكى ابن هشام ضمها والأول أشهر والخلصة في الأصل نبات له حب أحمر كخرز العقيق ووقع في رواية للبخاري في المغازي وكان ذو الخلصة بيتًا في اليمن لخشعم وبجيلة فيه نصب تعبد يقال له الكعبة وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة وحكى المبرد أن موضع ذي الخلصة صار مسجدًا جامعًا لبلدة يقال لها العَبَلات من أرض خُشعم. وحقق الحافظ في الفتح [8/ 71] أنه كان في العرب صنمان باسم ذي الخلصة أولهما هذا الذي وقع ذكره في حديث الباب وكان باليمن في أرض خشعم والثاني صنم نصبه عمرو بن لحي في أسفل مكة وكانوا يلبسونه القلائد ويجعلون عليه بيض النعام ويذبحون عنده وهذا الثاني هو المراد في حديث أبي هريرة عند الشيخين في كتاب الفتن "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة" (وكان) ذو الخلصة (يقال له الكعبة اليمانية) لكونها في اليمن (والكعبة) المشرفة بمكة يقال لها الكعبة (الشامية) لأنها في جهة الشام من اليمن وكانوا يقولون إن في العرب كعبتين إحداهما يمانية وأخرى شامية وقيل المعنى وكان ذو الخلصة يقال له الكعبة اليمانية وكان يقال له أيضًا الكعبة الشامية فكلاهما اسمان لذي الخلصة أما تسميته بالكعبة اليمانية فظاهر من جهة كونها في اليمن وأما تسميتهم إياه بالشامية فمن جهة أنه كان لها باب يفتح إلى الشام وهذا المعنى الثاني رجحه الحافظ في الفتح وهو المؤيد بقوله صلى الله عليه وسلم "هل أنت مريحي من ذي الخلصة والكعبة اليمانية والشامية" كما ذكره المؤلف بقوله قال جرير (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت مريحي) يا جرير أي هل أنت تعطيني الراحة أي راحة قلبي (من) بقاء (ذي الخلصة و) بقاء (الكعبة اليمانية و) بقاء (الشامية) فالمراد بالثلاثة واحد كما بيّناه آنفًا أي هل تحصل راحة قلبي بحرقها لأن قلبي

فَنَفَرْتُ إِلَيهِ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ أَحْمَسَ فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ. فَأَتيتُهُ فَأَخبَرْتُهُ. قَال: فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ. 6211 - (0) (0) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَريرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا جَرِيرُ، أَلا تُرِيحُنِي مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ في تعب وتشوش من بقاء هذه الكعبة الشيطانية والمراد بالراحة راحة القلب وأي شيء كان أتعب لقلب النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى وأخرج ابن حبان من حديث جرير أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال له يا جرير إنه لم يبق من طواغيت الجاهلية إلا بيت ذي الخلصة قال جرير (فنفرت) أي خرجت (إليه) أي إلى ذي الخلصة مسرعًا (في مائة) أي مع مائة (وخمسين) نفرًا (من) قبيلة (أحمس) وأحمس إخوة بجيلة رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار وهذا العدد المذكور أعني المائة والخمسين من خصوص قوم جرير وانضم إليهم بعض أتباعهم ووفد قيس بن غربة كما ورد في بعض الروايات فلا تعارض بين هذه الرواية وبين الروايات التي ذكر فيها عدد المائتين أو خمسمائة أو سبعمائة كما فصّله الحافظ في الفتح. (فكسرناه) أي فكسرنا جداره وحرقنا سقفه (وقتلنا من وجدنا) هـ (عنده) أي عند ذي الخلصة من الخدمة قال جرير (فأتيته) صلى الله عليه وسلم أي جئته (فأخبرته) صلى الله عليه وسلم ما فعلناه به من الكسر والحرق والقتل (قال) جرير (فدعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لنا) أي لقومي بجيلة (ولأحمس) إخوة بجيلة أي دعا لنا ولهم بالبركة في خيلنا وخيلهم ورجالنا ورجالهم ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6211 - (0) (0) (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد الأحمسي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) الأحمسي الكوفي (عن جرير بن عبد الله) بن جابر (البجلي) بفتحتين نسبة إلى بجيلة بنت مصعب بن سعد العشيرة أم ولد أنمار بن إراش أحد أجداد جرير اهـ قسطلاني الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة إسماعيل بن أبي خالد لبيان بن بشر (قال) جرير (قال لي رسول الله قال الله عليه وسلم يا جرير ألا تريحني) أي ألا تحصل لي راحة قلبي (من)

ذِي الْخَلَصَةِ" بَيتٍ لِخَثْعَمَ كَانَ يُدْعَى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ. قَال: فَنَفَرْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَضَرَبَ يَدَهُ فِي صَدْرِي فَقَال: "اللَّهم ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". قَال: فَانْطَلقَ فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ. ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُبَشِّرُهُ. يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ، مِنَّا، فَأَتَى ـــــــــــــــــــــــــــــ تعبه ببقاء (ذي الخلصة) وعبادتها (بيت لخثعم) بدل من ذي الخلصة أو عطف بيان له قال القاضي عياض وفي غير مسلم من ذي الخلصة فيه صنم لها وفي البخاري بيت لخثعم وبجيلة فيه نصب لها اهـ وخثعم بفتحتين بينهما مثلثة ساكنة قبيلة باليمن (كان) ذلك البيت (يدعى) بالبناء للمجهول أي يسمى (كعبة اليمانية) قال النووي هكذا هو في جميع النسخ وهو من إضافة الموصوف إلى صفته وأجازه الكوفيون وقدر البصريون فيه حذفًا أي كعبة الجهة اليمانية واليمانية بتخفيف الياء على المشهور وحُكي تشديدها (قال) جرير (فنفرتُ) أي خرجت إليه مسرعًا (في) أي مع (خمسين ومائة فارس وكنت) أنا (لا أثبت) أي لا أستطيع الثبوت (على الخيل) عند الركوب وعند الإجراء (فذكرت ذلك) أي عدم ثبوتي على الخيل (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب) أي وضع (يده) الشريفة (في صدري) أي على صدري (فـ) ـدعا لي و (قال) في دعائه (اللهم ثبّته) على الخيل (واجعله هاديًا) لغيره إلى الدين القويم (مهديًا) أي موفقًا للطريق المستقيم (قال) قيس بن أبي حازم (فانطلق) جرير رضي الله عنه (فحرَّقها) بتشديد الراء من التحريق أي فحرّق الكعبة اليمانية أي حرَّق سقوفها وأخشابها (بالنار ثم) بعدما حرّقها (بعث جرير) بن عبد الله رضي الله عنه (إلى رسول الله رجلًا يبشّره) صلى الله عليه وسلم بحرقها (يكنى) ذلك الرجل (أبا أرطاة) بفتح الهمزة وسكون الراء كان ذلك الرجل (منَّا) معاشر البجليين وهو من كلام قيس بن أبي حازم واسم الرجل حصين بن ربيعة كما في الرواية الآتية قال الحافظ هو صحابي بجلي لم أر له ذكرًا إلا في هذا الحديث. قوله "فحرَّقها بالنار" وقد مر في الرواية السابقة أنه كسرها والجمع بينهما أنه كسر جدرانها وبناءها وحرق ما فيها من خشب ونحوه فذكر كل من الراويين ما لم يذكره الآخر ووقع ذكر الأمرين جميعًا فيما أخرجه البخاري في المغازي من طريق أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد ولفظه "فحرَّقها وكسرها" (فأتى) جرير عقب ما أرسل البشير

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال لَهُ: مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْنَاهَا كأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، فَبَرَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. 6212 - (0) (0) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، (يَعْنِي الْفَزَارِيَّ). ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال فِي حَدِيثِ مَرْوَانَ: فَجَاءَ بَشِيرُ جَرِيرٍ، أَبُو أَرْطَاةَ، حُصَينُ بْنُ رَبِيعَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) صلَّى الله عليه وسلم (ما جئتك) يا رسول الله الآن (حتى تركناها) وصيرناها (كأنها جمل أجرب) أي ذو جرب مطلي بالقطران والقار لما به من الجرب فصار أسود لذلك يعني صارت سوداء من الإحراق فوجه الشبه السواد الحاصل بالإحراق (فبرّك) بتشديد الراء من التبريك أي دعا بالبركة (رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس) أي في خيل أحمس (ورجالها خمس مرات) أي كرر الدعاء فيهما خمس مرات ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6212 - (0) (0) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا محمد بن عبّاد) بن الزبرقان أبو عبد الله المكي نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (يعني الفزاري) أبو عبد الله الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة يعني وكيعًا وعبد الله بن نمير وسفيان بن عيينة ومروان بن معاوية وأبا أسامة رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد (بهذا الإسناد) يعني عن قيس عن جرير غرضه بيان متابعة هؤلاء الخمسة لجرير بن عبد الحميد (و) لكن (قال) أي زاد ابن أبي عمر (في حديث مروان) وروايته لفظة (فجاء بشير جرير) أي بشير أرسله جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبو أرطاة) بدل أول من بشير كنيته (حصين بن ربيعة) بدل ثان منه اسمه

يُبَشِّرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 6213 - (2461) (6) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ. قَالا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ العلم حالة كون البشير (يبشر النبي صلَّى الله عليه وسلم) بحرقها وهدمها وكسرها والجملة حال من فاعل جاء ثم شرع المؤلف في فضائل ابن عباس رضي الله عنه الذي هو الجزء الثاني من الترجمة. "أما ابن عباس" فهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم يكنى أبا العباس وُلد بالشعب وبنو هاشم محصورون فيه قبل خروجهم منه بيسير وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين واختلف في سنه يوم وفاة النبي صلَّى الله عليه وسلم فقيل عشر سنين وقيل خمس عشرة رواه سعيد بن جبير عنه وقيل كان ابن ثلاث عشرة سنة وقال ابن عباس إنه كان في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام ومات عبد الله بالطائف سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير لأنه أخرجه من مكة وتوفي ابن عباس وهو ابن سبعين سنة وقيل ابن إحدى وسبعين وقيل ابن أربع وسبعين وصلّى عليه محمد بن الحنفية وقال اليوم مات رباني هذه الأمة وضرب على قبره فسطاطًا ويُروى عن مجاهد عنه أنه قال رأيت جبريل عند النبي صلَّى الله عليه وسلم مرتين ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين وقال ابن مسعود رضي الله عنه فيه نعم ترجمان القرآن ابن عباس وكان عمر رضي الله عنه يقول فتى كهول لسان سؤول وقلب عقول وقال مسروق كانت إذا رأيت ابن عباس قلت أجمل الناس وإذا تكلم قلت أفصح الناس فإذا تحدث قلت أعلم الناس وكان يسمى البحر لغزارة علمه والحبر لاتساع حفظه ونفوذ فهمه وكان عمر رضي الله عنه يقربه ويدنيه لجودة فهمه وحسن تأنيه وجملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة وستون حديثًا أُخرج له في الصحيحين مئتا حديث وأربعة وثلاثون حديثًا اهـ من المفهم واستدل المؤلف على فضائله رضي الله عنه بحديثه فقال: 6213 - (2461) (6) (حدثنا زهير بن حرب وأبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر) بن أبي النضر هاشم بن القاسم البغداي ثقة من (11) روى عنه في (7) أبواب (قالا حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا ورقاء بن عمر) بن كليب (اليشكري) أو

قَال: سَمِعْتُ عُبَيدَ اللهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْخَلاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَال: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ " - فِي رِوَايَةِ زُهَيرٍ قَالُوا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ - قُلْتُ: ابْنُ عَبَّاسٍ. قَال: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيباني أبو بشر الكوفي أصله من مرو صدوق من (7) روى عنه في (4) أبواب (قال) ورقاء (سمعت عبيد الله بن أبي يزيد) المكي مولى آل قارظ بن شيبة ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (يحدِّث عن ابن عباس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلَّى الله عليه وسلم أتى الخلاء) أي موضع قضاء حاجة الإنسان (فوضعت له) صلى الله عليه وسلم (وضوءًا) بفتح الواو أي ماءً يتطهر به (فلما خرج) من الخلاء (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وضع هذا) الوضوء ها هنا قرب الخلاء (في رواية زهير) بن حرب لفظة (قالوا) أي قال الحاضرون (وفي رواية أبي بكر) بن النضر قال ابن عباس (قلت) له صلَّى الله عليه وسلم الواضع أنا (ابن عباس) فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم فقّهه) في الدين أي صيّر ابن عباس فقيهًا عالمًا في الدين الإسلامي قال القرطبي "وقوله صلى الله عليه وسلم اللهم فقهه" ها هنا انتهى حديث مسلم وقال البخاري "اللهم فقهه في الدين" وفي رواية قال ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم علمه الكتاب" رواه البخاري (75). قال أبو عمر وفي بعض الروايات "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" رواه أحمد [1/ 328 و 235] قال وفي حديث آخر: اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين رواه الحاكم [1/ 400] وأبو نعيم في الحلية [1/ 315] وفي حديث آخر "اللهم زده علمًا وفقهًا" انظر سير أعلام النبلاء [3/ 328] والحلية [1/ 314 و 315] قال أبو عمر وكلها حديث صحيح وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 327] والبخاري في مواضع منها في فضائل الصحابة باب ذكر ابن عباس [3756] والترمذي في المناقب باب مناقب ابن عباس رضي الله عنه [3823 - 3824] وابن ماجه في المقدمة في فضل ابن عباس رضي الله عنه [153]. وفي حديث ابن عباس هذا روايات مختلفة منها للبخاري في الوضوء فقهه في الدين وفي رواية له في العلم ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم علمه الكتاب ووقع في رواية مسدد الحكمة بدل الكتاب وفي رواية لأحمد وابن حبان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والطبراني اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ووقع في بعض نسخ ابن ماجه من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء في حديث الباب اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر قال كان عمر يدعو ابن عباس ويقربه ويقول إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يومًا فمسح رأسك وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وأخرج النسائي والترمذي من طريق عطاء عن ابن عباس قال دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتى الحكمة مرتين فهذه روايات مختلفة الظاهر منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس في عدة مواقع بألفاظ مختلفة والقدر المشترك في هذه الأدعية هو علم القرآن والفقه في الدين وقد تحقق إجابة دعوة النبي صلَّى الله عليه وسلم لما علم من مكانة ابن عباس رضي الله عنهما في العلم ولا سيما في التفسير. وقال ابن المنير مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب أو لا يفعل شيئًا فرأى الثاني أولى لأن في الأول تعرضًا للاطلاع عليه والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء والثاني أسهلها ففعله يدل على ذكائه فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع وكذلك كان اهـ من فتح الباري [1/ 244] وقوله: "في رواية زهير قالوا" وفي رواية أبي بكر "قلت ابن عباس" ووقع في رواية للبخاري في الوضوء "فأخبر" ولم يعين من هو المخبر وتعين في رواية أبي بكر أنه ابن عباس نفسه وتعين في رواية زهير أنه غيره وحكى الحافظ في كتاب العلم من الفتح [1/ 17] أن المخبرة ميمونة وقد وقع التصريح بذلك في رواية لأحمد وابن حبان ويحتمل أن كلًّا منهما أخبره صلى الله عليه وسلم وذكر في رواية أحمد وابن حبان أيضًا أن ذلك وقع في بيت ميمونة ليلًا ويمكن أن يكون وقع ذلك في الليلة التي بات فيها ابن عباس في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها اهـ. قال القرطبي: وقد ظهرت عليه بركات هذه الدعوات فاشتهرت علومه وفضائله وعمّت خيراته وفواضله فارتحل طلاب العلم إليه وازدحموا عليه ورجعوا عند اختلافهم إلى قوله وعوّلوا على نظره ورأيه قال يزيد بن الأصم خرج معاوية حاجًّا معه ابن عباس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم وقال عمرو بن دينار ما رأيت مجلسًا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس الحلال والحرام والعربية والأنساب والشعر وقال عبيد الله بن عبد الله ما رأيت أحدًا كان أعلم بالسنة ولا أجلّ رأيًا ولا أثقب نظرًا من ابن عباس رضي الله عنه ولقد كان عمر رضي الله عنه يعدّه للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين وقد كان عمي في آخر عمره فأنشد في ذلك: إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكيٌّ وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور ورؤي أن طائرًا أبيض خرج من قبره فتأولوه علمه خرج إلى الناس ويقال بل دخل طائر أبيض قبره فقيل إنه بصره في التأويل وقال أبو الزبير مات ابن عباس بالطائف فجاء طائر أبيض فدخل في نعشه حين حمل فما رؤي خارجًا منه وفضائله أكثر من أن تحصى اهـ من المفهم قال النووي وفي هذا الحديث فضيلة الفقه واستحباب الدعاء بظهر الغيب واستحباب الدعاء لمن عمل عمل خير مع الإنسان وفيه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له فكان من الفقه بالمحل الأعلى اهـ. "وأما ابن عمر" فهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه العدوي المكي ويكنى أبا عبد الرحمن فإنه أسلم صغيرًا لم يبلغ الحلم مع أبيه وهاجر إلى المدينة قبل أبيه وأول مشاهده الخندق لم يشهد بدرًا ولا أحدًا لصغره فإنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وأجازه يوم الخندق وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى وشهدر الحديبية وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إنه أول من بايع وكان من أهل العلم والورع وكان كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه وكان لا يتخلف عن السرايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان بعد موته صلى الله عليه وسلم مولعًا بالحج وكان من أعلم الناس بمناسكه وكان قد أشكلت عليه حروب علي لورعه فقعد عنه وندم على ذلك حين حضرته الوفاة رُوي عنه من أوجه أنه قال ما آسى على شيء فاتني إلا تركي لقتال الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما منا أحد إلا مالت له الدنيا ومال إليها ما خلا عمر وابنه عبد الله وقال ميمون

6214 - (2462) (7) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو كَامِلٍ الجَحْدَرِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ. قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: رَأَيتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرقٍ، وَلَيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بن مهران ما رأينا أورع من ابن عمر ولا أعلم من ابن عباس وروى ابن وهب عن مالك قال بلغ عبد الله بن عمر ستًّا وثمانين سنة وأفتى في الإسلام ستين سنة ونشر نافع عنه علمًا جمًّا وروى ابن الماجشون أن مروان بن الحكم دخل في نفر على عبد الله بن عمر بعدما قتل عثمان رضي الله عنه فعزموا عليه أن يبايعوه قال كيف لي بالناس قال تقاتلهم فقال والله لو اجتمع علي أهل الأرض إلا أهل فدك ما قاتلتهم قال فخرجوا من عنده ومروان يقول: إني أرى فتنةً تغلى مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا وأبو ليلى هو كنية معاوية بن يزيد بن معاوية اهـ تاريخ الطبري [5/ 500] مات ابن عمر بمكة سنة ثلاث وسبعين وذلك بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر أو نحوها وقيل ستة أشهر ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين وكان سبب موته أن الحجاج أمر رجلًا فسم زُجَّ رمحه فزحمه فوضع الزُجَّ في ظهر قدمه فمرض منها فمات رحمه الله حكاه أبو عمر وجملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثًا أُخرج له منها في الصحيحين مائة حديث وثمانون حديثًا اهـ من المفهم. واستدل المؤلف على فضائله بحديثه رضي الله عنه فقال: 6214 - (2462) (7) (حدثنا أبو الربيع) سليمان بن داود (العتكي) الزهراني البصري ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (وخلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة البزَّار بالراء آخره البغدادي المقرئ ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (وأبو كامل الجحدري) فُضيل بن حسين البصري ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (كلهم) رووا (عن حمَّاد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (قال أبو الربيع حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني البصري (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (رأيت في المنام كأنَّ في يدي قطعة إستبرق) وهو ما رقَّ من ثياب الحرير والديباج ما غلظ منه (وليس

مَكَانٌ أُرِيدُ مِنَ الْجَنَّةِ إلا طَارَتْ إِلَيهِ. قَال: فَقَصَصْتُهُ عَلَى حَفْصَةَ. فَقَصَّتْهُ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرَى عَبْدَ اللهِ رَجُلًا صَالِحًا". 6215 - (2463) (8) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ)، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَى رُؤْيَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ مكان أريد) الوصول إليه (من الجنة إلا طارت) بي تلك القطعة (إليه) أي إلى ذلك المكان (فقصصته) أي فأخبرت ذلك المنام (على) شقيقتي حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما أي عرضته عليها (فقصَّته) أي فقصّت ذلك المنام (حفصة) وعرضته (على النبي صلّي الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوى) بفتح الهمزة أي أعلم وبضمها أي أظنّ (عبد الله رجلًا صالحًا) والصالح هو القائم بحدود الله سبحانه وحقوق العباد وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحسن رؤيته للجنة في المنام قال القرطبي: "قوله كأنَّ في يدي قطعة إستبرق" وكان هذه القطعة مثال لعمل صالح يعمله يتقرب به إلى الله تعالى ويقدمه بين يديه يرشده ثوابه إلى أيّ موضع شاء من الجنة ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم "أرى عبد الله رجلًا صالحًا" وهذه شهادة من النبي صلَّى الله عليه وسلم لعبد الله بالصلاح ووجدت بخط شيخنا أبي الصبر أيوب مقيدًا أرى بفتح الراء والهمزة فيكون مبنيًّا للفاعل فيكون من رؤية القلب فيكون علمًا ويجوز أن تكون همزته مضمومة فتكون ظنًّا صادقًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في ظنه كما هو في علمه اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في مناقب عبد الله بن عمر رضي الله عنه [3738 و 3740] والترمذي في مناقب عبد الله بن عمر [3825]. وابن ماجه في تعبير الرؤيا [3966] ثم استشهد المؤلف لحديثه هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6215 - (2463) (8) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ لعبد قال أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عمر (كان الرجل) منَّا (في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا) أي منامًا

فَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: وَكُنْتُ غُلامًا شَابًّا عَزَبًا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَرَأَيتُ فِي النَّوْمِ كَان مَلَكَينِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ. فَإِذَا هِيَ مَطْويَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ. وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ. وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُم، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ. قَال: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَال لِي: لَمْ تُرَعْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (قصّها) أي عرضها (على رسول الله قال الله عليه وسلم) ليعبرها له (فتمنيت) أي أحببت (أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلّي الله عليه وسلم) ليعبرها لي (قال) ابن عمر (وكنت) أنا (غلامًا) أي ولدًا (شابًّا) أي بالغًا (عزبًا) بفتحتين أي غير متزوج قال في المصباح يقال عزب الرجل يعزب من باب قتل عزبة على وزن غرفة وعزوبة على وزن سهولة إذا لم يكن له أهل فهو عزب بفتحتين وامرأة عزب أيضًا كذلك (وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأنه كان إذ ذاك عزبًا لم يكن له أهل فجاز نومه في المسجد لأنه صار ملحقًا بالمسافرين ففيه دليل على جواز النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك (فرأيت في المنام كأنَّ ملكين أخداني فذهبا بي إلى النار فإذا هي) أي النار (مطوية) أي مبني جوانبها بدكاك وجدران طيًا (كطي البئر) العميق لئلا يسقط فيها شيء (وإذا لها) أي للنار أي في جانبها (قرنان) أي عمودان من الحجارة (كقرني البئر) اللذين يوضع عليهما الخشبة المعروضة التي تعلق بها البكرة وقرون البئر جوانبها التي تبنى من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة والعادة أن لكل بئر قرنين قال القرطبي: والقرنان منارتان على جانبي البئر تجعل عليهما الخشبة التي تعلق بها البكرة والبئر المطوية هي المبنية بالحجارة في جانبيها وهي الرَّسُّ أيضًا فكان لم تطو فهي القليب والركي (وإذا فيها) أي في النار (ناس) من المشركين (قد عرفتهم فجعلت) أي شرعت أن (أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار) بالتكرار ثلاث مرات للتأكيد (قال) عبد الله بن عمر (فلقيهما) أي فلقي الملكين اللذين يمشيان بي (ملك) آخر (فقال لي) ذلك الملك الآخر (لم تُرع) بضم التاء الفوقية من الروع وهو الخوف أي لم تفزع وليس المراد أنه لم يقع له فزع وخوف بل المراد أنه زال فزعك فصار كأنه لم يقع وهذا من محاورات العرب ووقع في بعض الروايات "لن تراع" بلن الاستقبالية يعني أنك

فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ. فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ". قَال سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيلِ إلا قَلِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ لا روع عليك بعد هذا ولا ضرر ولا خوف قال عبد الله (فقصصتها) أي عرضت هذه الرؤيا (على حفصة) زوج النبي صلَّى الله عليه وسلم وأخبرتها (فقصَّتها) أي فقصَّت (حفصة) وعرضتها (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم نعم الرجل) الذي رأى هذه الرؤيا أي حسن وفاق غيره والمخصوص بالمدح (عبد الله) بن عمر (لو كان يصلي من) نوافل (الليل) لكان أحسن من الأول (قال سالم) بن عبد الله بالسند السابق (فكان عبد الله) بن عمر (بعد ذلك) أي بعدما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك الكلام (لا ينام من) آناء (الليل إلا قليلًا) قدر الراحة من تعب القيام قال النووي فيه فضيلة قيام الليل وصلاته. قال القرطبي: وإنما فهم النبي صلَّى الله عليه وسلم من رؤية عبد الله للنار أنه ممدوح لأنه عرض على النار ثم عوفي منها وقيل له لا روع عليك وهذا إنما هو لصلاحه وما هو عليه من الخير غير أنه لم يكن يقوم من الليل إذ لو كان ذلك ما عرض على النار ولا رآها ثم إنه حصل لعبد الله رضي الله عنه من تلك الرؤية يقين مشاهدة النار والاحترازُ منها والتنبيه على أن قيام الليل مما يتقى به النار ولذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك رضي الله عنهما وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 146] والبخاري في مواضع منها في التهجد [1121] وابن ماجه [3919] ووقع في رواية للبخاري في التعبير "وأنا غلام حديث السن وبيتي المسجد قبل أن أنكح فقلت في نفسي لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء فلما اضطجعت ليلة قلت اللهم إن كنت تعلم فيَّ خيرًا فأرني رؤيا فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان في يد كل واحد منهما مقمعة من حديد يقبلان بي إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله اللهم أعوذ بك من جهنم ثم أراني لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال لن تراع نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم فإذا هي مطوية كطيّ البئر له قرون كقرون البئر بين كل قرنين ملك بيده

6216 - (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدٍ، خَتَنُ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَمْ يَكُنْ لِي أَهْلٌ. فَرَأَيتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّمَا انْطُلِقَ بِي إِلَى بِئْرٍ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مقمعة من حديد وأرى فيها رجالًا معلقين بالسلاسل رؤوسُهم أسفلهم عرفت فيها رجالًا من قريش فانصرفوا بي من ذات اليمين"، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6216 - (0) (0) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا موسى بن خالد) أبو الوليد الشامي الحلبي (ختن) أي زوج ابنة محمد بن يوسف (الفريابي) أي المنسوب إلى فرياب مدينة ببلاد ترك روى عن أبي إسحاق الفزاري وابن عيينة وعيسى بن يونس ومعتمر بن سليمان وغيرهم ويروي عنه (م) وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ومحمد بن سهل وعباس بن عبد الله الشرقفي له في (م) فرد حديث حدث ابن عمر في الفضائل كنت أبيت في المسجد ولم يكن لي أهل فرأيت في المنام الحديث يعني هذا الحديث وقال في التقريب مقبول من العاشرة (عن أبي إسحاق) إبراهيم بن محمد بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة (الفزاري) الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (5) أبواب. (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمر للزهري في رواية هذا الحديث عن ابن عمر ولكنها متابعة ناقصة لأن عبيد الله روى عن ابن عمر بواسطة نافع والزهري روى عنه بواسطة سالم (قال) ابن عمر كنت أبيت في المسجد ولم يكن لي أهل) أي زوج (فرأيت في المنام كأنما انطلق بي) بالبناء للمجهول (إلى بئر) أي ذُهب بي إلى بئر مطوية (فذكر) عبيد الله عن نافع عن ابن عمر (بمعنى حديث الزهري عن سالم عن أبيه) لا بلفظه. "وأما أنس" فهو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد النجاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا حمزة يروى عنه أنه قال كنَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم

6217 - (2464) (9) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيمٍ؛ أَنَّهَا قَالت: يَا رَسُولَ اللهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللهَ لَهُ، فَقَال: "اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيتَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ببقلة كنت أجتنيها رواه الترمذي [3829] وأمّه أم سليم بنت ملحان كان سنّ أنس لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة عشر سنين وقيل ثماني سنين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنس ابن عشرين سنة وشهد بدرًا وتوفي في الطف على فرسخين من البصرة سنة إحدى وتسعين (91) وقيل ثلاث وتسعين (93) وقيل سنة اثنتين وتسعين (92) قال أبو عمر وهو آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعلم أحدًا ممن مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا الطفيل واختلف في سنّ أنس يوم توفي فقيل مائة سنة إلا سنةً واحدة وقيل إنه وُلد له ثمانون ولدًا منهم ثمانية وسبعون ذكرًا وابنتان وتوفي قبله من ولده لصلبه وولد ولده نحو المائة وكل ذلك من تعميره وكثرة نسله ببركة دعوة النبي صلَّى الله عليه وسلم كما سيأتي وجملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث ألفا حديث ومئتا حديث وستة وثمانون حديثًا أخرج له في الصحيحين ثلاثمائة حديث وثمانية عشر حديثًا اهـ من المفهم. واستدل المؤلف على فضائل أنس رضي الله عنه بحديث أم سليم رضي الله عنها فقال: 6217 - (2464) (9) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت قتادة يحدّث عن أنس عن أمّ سليم) سهلة بنت ملحان بن زيد بن حرام الأنصارية الخزرجية النجارية المدنية وهي أم أنس رضي الله عنها وقيل اسمها رملة وقيل مليكة كما مر البسط في ترجمتها في فضائلها وهذا السند من سداسياته (أنها) أي أن أم سليم (قالت يا رسول الله خادمك) مبتدأ (أنس) عطف بيان له والخبر جملة قوله (ادع الله له) بخيري الدنيا والآخرة (فقال) النبي صلَّى الله عليه وسلم في الدعاء له. (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) من الأموال والأولاد وأخرج البخاري في الأدب المفرد من وجه آخر عن أنس "اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له" فزاد فيه دعاء طول العمر والمغفرة فأقل ما قيل في عمره أنه بلغ تسعًا وتسعين سنة (99) وأكثر ما قيل فيه أنه بلغ مائة وسغ سنين (107) كما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مر وقوله "وبارك له فيما أعطيته" قال النووي رحمه الله تعالى: فدعا له النبي صلَّى الله عليه وسلم بأن يبارك له فيه ومتى بورك فيه لم يكن فيه فتنة ولم يحصل بسببه ضرر ولا تقصير ولا غير ذلك من الآفات التي تتطرَّق إلى سائر الأغنياء بخلاف غيره وفيه هذا الأدب البديع وهو أنه إذا دعا بشيء له تعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة ونحوهما وكان أنس ماله وولده رحمة وخيرًا ونفعًا بلا ضرر بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. قال القرطبي قوله: "اللهم أكثر ماله وولده" يدل على إباحة الاستكثار من المال والولد والعيال لكن إذا لم يشغل ذلك عن الله تعالى ولا عن القيام بحقوقه لكن لما كانت سلامة الدين مع ذلك نادرة والفتن والآفات غالبة تعين التقلل من ذلك فرارًا مما هنالك ولولا دعوة النبي صلَّى الله عليه وسليم لأنس رضي الله عنه بالبركة لخيف عليه من الإكثار الهلكة ألا ترى أن الله تعالى قد حذّرنا من آفات الأموال والأولاد ونبّه على المفاسد الناشئة من ذلك فقال: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] وصدر الكلام بإنّما الحاصرة المحققة فكأنه قال لا تكون الأموال والأولاد إلا فتنة يعني في الغالب وقال أيضًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14]، ووجه عداوتهما أن محبتهما موجبة لانصراف القلوب إليهما والسعي في تحصيل أغراضهما واشتغالها بما غلب عليهما من ذلك عمَّا يجب عليها من حقوق الله تعالى ومع غلبة ذلك تذهب الأديان ويعم الخسران فأيّ عداوة أعظم من عداوة من يدمر دينك ويورثك عقوبة النار ولذلك قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} [المنافقون: 9]، وقال أرباب القلوب والفهوم ما يشغلك من أهل ومال فهو عليك مشؤوم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول عمره وكثرة ماله [6344] وباب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة [6378] والترمذي في مناقب أنس بن مالك [3827 و 3828] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سليم رضي الله عنها فقال:

6218 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالتْ أُمُّ سُلَيمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 6219 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيدٍ. سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ. 6220 (2465) (20) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَينَا. وَمَا هُوَ إلا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6218 (0) (0) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أنسًا يقول قالت أم سليم يا رسول الله خادمك أنس) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي داود لمحمد بن جعفر (فذكر) أبو داود (نحوه) أي نحو ما حدث به محمد بن جعفر ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6219 - (0) (0) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري روى عن جده ويروي عنه شعبة ثقة من (5) روى عنه في (7) أبواب (سمعت أنس بن مالك يقول) وساق هشام (مثل ذلك) الحديث الذي ذكره قتادة من قول أم سليم ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة هشام لقتادة. ثم استشهد المؤلف لحديث أم سليم بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 6220 - (2465) (20) (وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بين مقسم الليثي مولاهم أبو النضر البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان) بن المغيرة القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (قال) أنس (دخل النبي صلَّى الله عليه وسلم علينا) في بيتنا (وما هو) أي وما الشأن أو ومن الذي في البيت (إلا أنا وأمّي وأم حرام) بنت

خَالتِي. فَقَالتْ أمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ، خُوَيدِمُكَ، ادْعُ اللهَ لَهُ. قَال: فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَال: "اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالهُ وَوَلَدهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ". 6221 - (2466) (21) حدّثني أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَال: جَاءَتْ بِي أُمِّي، أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيسٌ، ابْنِي. أَتَيتُكَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ملحان (خالتي) أخت أم سليم (فقالت أمي يا رسول الله) هذا (خويدمك) تصغير شفقة فـ (ـادع الله له) بخيري الدنيا والآخرة وهذا السند من سداسياته (قال) أنس (فدعا لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بكل خير) من خيري المال والولد (وكان في آخر ما دعا لي به أن قال) أي قوله (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه) أي فيما دعوتك له به من المال والأولاد وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وقد أخرجه أيضًا في كتاب المساجد. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أم سليم الأول بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 6221 - (2466) (21) (حدثني أبو معن) زيد بن يزيد الثقفي (الرقاشي) بفتح الراء وتخفيف القاف نسبة إلى رقاش بطن من ثقيف البصري ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي الجرسي بضم الجيم أبو حفص اليمامي ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة) بن عمّار العجلي الحنفي أبو عمار اليماني صدوق من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني ثقة حجة من (4) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أنس) بن مالك (قال جاءت بي أمّي أمُّ أنس) وهي ممسكة بيدي (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو في بيته (وقد أزّرتني) أي عقدت لي إزارًا (بنصف خمارها وردَّتني) أي ألبستني رداءً (بنصفه) أي بنصف خمارها (فقالت يا رسول الله) وهذا السند من سداسياته قوله (وقد أزَّرتني) إلخ يعني أنها ألبسته خمارها بحيث قام الخمار مقام الثوبين فصار نصفه كالإزار وردَّت النصف الباقي على أعلى الجسم فصار كالرداء له وذكر المقول بقوله أي قالت (هذا) الولد اسمه (أنيس) تصغير شفقة وهو (ابني) أي ولدي (أتيتك به)

يَخْدُمُكَ، فَادع اللهَ لَهُ. فَقَال: "اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالهُ وَوَلَدَهُ". قَال أَنَسٌ: فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْو الْمِائَةِ، الْيَوْمَ. 6222 - (2467) (22) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ)، عَنِ الْجَعْدِ، أَبِي عُثمَانَ. قَال: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَمِعَتْ أُمِّي، أُمُّ سُلَيمٍ صَوْتَهُ. فَقَالتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والحال أني أريد أن (يخدمك فادع الله) تعالى (له) بكل خير (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم أكثر ماله وولده قال أنس) بالسند السابق (فوالله) أي أقسمت لكم بالإله الذي لا إله غيره (إنَّ مالي لكثير) أجناسها وأنواعها وعددها وأخرج الترمذي رقم [3833] في مناقب أنس عن أبي العالية قال ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين وكان فيها ريحان كان يجيء منها ريح المسك قال الترمذي هذا حديث حسن (وإن ولدي وولد ولدي ليتعادُّون) أي ليزيد عددهم (على نحو المائة) أي ليزيد عددهم (اليوم) على المائة فلفظ نحو مقحم وذكر الحافظ في الفتح [11/ 145] قول أنس رضي الله عنه أخبرتني ابنتي أمينة أنه دفن من صلبي إلى يوم مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرون قال ابن قتيبة في المعارف كان بالبصرة ثلاثة ما ماتوا حتى رأى كل واحد منهم من ولده مائة ذكر لصلبه أبو بكرة وأنس وخليفة بن بدر وزاد غيره رابعًا وهو المهلب بن أبي صفرة وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 194]. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أم سليم الأول بحديث آخر لها أيضًا رضي الله عنها فقال: 6222 - (2467) (22) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر يعني ابن سليمان) الضبعي البصري صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الجعد) بن دينار اليشكري (أبي عثمان) الصيرفي البصري ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (قال) الجعد (حدثنا أنس بن مالك قال) أنس (مرّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم) على بيتنا (فسمعت أمّي أمّ سليم صوته) صلى الله عليه وسلم فخرجت إليه (فقالت) أم سليم لرسول الله صلى الله

بِأَبِي وَأُمِّي، يَا رَسُولَ اللهِ، أُنَيسٌ، فَدَعَا لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ دَعَوَاتٍ، قَدْ رَأَيتُ مِنْهَا اثْنَتَينِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِي الآخِرَةِ. 6223 - (2468) (23) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: أَتَى عَلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. قَال: فَسَلَّمَ عَلَينَا. فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي. فَلَمَّا جِئْتُ قَالتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (بأبي وأمّي) أنت مفديٌّ (يا رسول الله) هذا (أُنيس) خادمك فادع الله له (فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات قد رأيت منها) أي من تلك الدعوات (اثنتين) أي أثر إجابتهما (في الدنيا) لعله أراد بهما كثرة ماله وكثرة ولده (وأنا أرجو) أن أرى أثر الدعوة (الثالثة في الآخرة) ولعلّها المغفرة التي دعا له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية البخاري في الأدب المفرد والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في المناقب باب مناقب لأنس بن مالك [3837] اهـ تحفة الأشراف ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أم سليم بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6223 - (2468) (23) (حدثنا أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا حمّاد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (أخبرنا ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (أتى عليَّ) أي مر عليَّ (رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان) أي مع الصبيان (قال) أنس (فسلّم علينا) معاشر الغلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم (فبعثني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى حاجة) له (فأبطأت) أي أخرت الرجوع (على أمي) بسبب تلك الحاجة (فلمّا جئت) أمي (قالت) لي (ما حبسك) ومنعك من الرجوع إلي كعادتك (قلت) لها (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ) ـقضاء (حاجة)

قَالتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالتْ: لَا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا. قَال أَنَسٌ: وَاللهِ لَوْ حَدِّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدِّثْتُكَ، يَا ثَابِتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ له فأبطأت فيها (قالت) لي أمي (ما حاجته) صلَّى الله عليه وسلم التي بعثك فيها (قلت) لها (إنها) أي إن حاجته صلى الله عليه وسلم التي بعثني فيها (سر) من حوائج السر فلا ينبغي لي أن أفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل هذا السرَّ من حوائج نسائه (قالت) لي أمي إذًا (لا تحدثنَّ) يا ولدي (بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا) من الناس أنا ولا غيري (قال أنس) بالسند السابق (والله لو حدّثت به) أي بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحدًا) من الناس (لحدثتك) به (يا ثابت) لأنك من خواصّي وبطائني. قال القرطبي: "وقول أنس رضي الله عنه أتى عليَّ رسول الله وأنا ألعب مع الغلمان" دليل على تخلية الصغار ودواعيهم من اللعب والانبساط ولا نضيق عليهم بالمنع مما لا مفسدة فيه وقوله "فسلّم علينا" دليل مشروعية السلام على الصبيان وفائدته تعليمهم السلام وتمرينهم على فعله وإفشاؤه في الصغار كما يفشى في الكبار وكتمان أنس سر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمّه دليل على كمال عقله وفضله وعلمه مع صغر سنه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء اهـ من المفهم. قوله "إنها سر" قال بعض العلماء كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسًا كتمانه وقال ابن بطال الذي عليه أهل العلم أن السر لا يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة وأكثرهم يقول إنه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة وقال الحافظ بعد نقله كلام ابن بطال قلت الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب السر كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك وإلى ما يكره مطلقًا وقد يحرم وهو الذي أشار إليه ابن بطال وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره. كحق عليه كأن يعذر بترك القيام به فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك اهـ منه وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [3/ 109].

6224 - (0) (0) حدَّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: أَسَرَّ إِلَيَّ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سِرًّا، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدُ. وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي عَنْهُ أُمُّ سُلَيمٍ، فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6224 - (0) (0) (حدثنا حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ـابن الشاعر) البغدادي الرحال ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عارم بن الفضل) السدوسي عارم لقبه واسمه محمد بن الفضل أبو الفضل البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال) معتمر (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (يحدّث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن طرخان لثابت بن أسلم (قال) أنس (أسرَّ) أي أخبر (إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم سرًّا) أي أمرًا مخفيًا عن غيري (فما أخبرت به) أي بذلك السر (أحدًا) من الناس (بعد) أي بعد وفاته صلَّى الله عليه وسلم (ولقد سألتني عنه) أي عن ذلك السر والدتي (أم سليم فما أخبرتها به) أي بذلك السر وكتمانه سره عن أمه دليل على كمال عقله وعلمه مع صغره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء اهـ سنوسي كما مر عن القرطبي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث الأول حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث جرير الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعةً واحدة والسادس حديث أم سليم ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين والسابع حديث أم سليم الثاني ذكره للاستشهاد والعاشر حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

714 - (3) (والسادس عشر منها باب فضائل عبد الله بن سلام وحسان بن ثابت رضي الله عنهما)

(714) - (3) (والسادس عشر منها باب فضائل عبد الله بن سلام وحسَّان بن ثابت رضي الله عنهما) 6225 - (2468) (24) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، لِحَيٍّ يَمْشِي، إِنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، إلا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 714 - (3) (والسادس عشر منها باب فضائل عبد الله بن سلام وحسَّان بن ثابت رضي الله عنهما) (أما عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام فهو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي اليوسفي ثم الأنصاري أبو يوسف حليف بني الخزرج فهو من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق عليهم السلام لأنه من بني قينقاع وهم من ذرية يوسف وكان اسمه في الجاهلية الحصين فسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله أسلم إذ قدم النبي صلَّى الله عليه وسلم المدينة وغلط من قال إنه أسلم قبل وفاة النبي صلَّى الله عليه وسلم بعامين وشهد فتح بيت المقدس مع عمر رضي الله عنهما وزعم الداودي أنه كان من أهل بدر ولا يثبت وتوفي في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ونزل فيه قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وجملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرون حديثًا أُخرج له في الصحيحين حديثان. 6225 - (2468) (24) (حدثني زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن عيسى) بن نجيح الطَّباع البغدادي صدوق من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثني مالك) بن أنس الأصبحي المدني الإمام في الفروع (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم المدني ثقة من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عامر (سمعت أبي) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (يقول) سعد (ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحيٍّ) من المسلمين (يمشي) على الأرض (إنه) أي إن ذلك الحي (في الجنة إلا لعبد الله بن سلام)

6226 - (2469) (25) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ قَيسِ بْنِ عُبَادٍ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه وهذا الحديث يعارض ما ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم بشَّر جماعة من الصحابة غير عبد الله بن سلام بالجنة وأجاب عنه النووي بأن سعدًا إنما نفى سماعه من النبي صلَّى الله عليه وسلم فلا ينافي البشارات الأخرى التي لم يسمعها سعد من النبي صلَّى الله عليه وسلم ولكن يبعد من مثل سعد أن لا يكون عارفًا بهذه البشارات وهو من جملة العشرة المبشرة لهم فالأحسن في الجواب ما حققه الحافظ في الفتح [7/ 130] من أنه قال هذا الكلام بعد موت المبشرين لأن عبد الله بن سلام عاش بعدهم ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد ويؤخذ هذا من قوله لحيٍّ يمشي وقد أخرج ابن حبان من طريق مصعب بن سعد عن أبيه سبب هذا الحديث ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 169] والبخاري في مناقب الصحابة باب مناقب عبد الله بن سلام [3812] ثم استشهد المؤلف لحديث سعد بحديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: 6226 - (2469) (25) (حدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري. (حدثنا معاذ بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا عبد الله بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة ثبت من (6) روى عنه في (11) (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (16) بابا (عن قيس بن عُباد) بضم أوله مخففًا القيسي الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة من بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة أبي عبد الله البصري روى عن عبد الله بن سلام في الفضائل وعمار بن ياسر في النفاق وأبي ذر في التفسير آخر الكتاب وعمر وعلي بن أبي طالب ويروي عنه (خ م د س ق) ومحمد بن سيرين وأبو نضرة والحسن البصري قدم المدينة في خلافة عمر رضي الله عنه وابنه عبد الله قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال العجلي كان ثقة من كبار الصالحين وقال النسائي وابن خراش ثقة وكانت له مناقب وحلم وعبادة وقال في التقريب ثقة مخضرم من الثانية مات بعد الثمانين ووهم من عدّه من الصحابة وذكر أبو مخنف من شيوخه في من قتله الحجاج ممن خرج مع ابن الأشعث روى عن عبد الله بن سلام القصة الآتية وهذا السند من سداسياته (قال)

كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي نَاسٍ. فِيهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ. فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَينِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا. ثُمَّ خَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ. فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ. وَدَخَلْتُ فَتَحَدَّثْنَا. فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ، قَال رَجُلٌ كَذَا وَكَذَا. قَال: سُبْحَانَ اللهِ، مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قيس (كنت بالمدينة) في المسجد النبوي (في ناس) أي مع ناس (فيهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) منهم سعد بن مالك وابن عمر كما سيأتي في الرواية الآتية (فجاء رجل) من خارج المسجد (في وجهه) أي في وجه ذلك الرجل (أثر) أي علامة (من الخشوع) والتواضع لله تعالى (فقال بعض القوم) الجالسين في الحلقة بعضهم لبعض (هذا) الرجل الداخل علينا (رجل من أهل الجنة هذا رجل من أهل الجنة) بالتكرار مرتين للتأكيد (فصلّى) ذلك الرجل الداخل (ركعتين) تحتية المسجد حالة كونه (يتجوَّز) ويخفف (فيهما) أي في الركعتين (ثم خرج) من المسجد ذلك الرجل قال قيس (فاتبعته) أي صحبته حتى وصل إلى بيته (فدخل منزله) وسكنه (ودخلت) معه في سكنه (فتحدثنا) أي تحدثت أنا وهو ليحصل الإنس بيننا (فلما استأنس) ذلك الرجل بي أي حصلت مؤانسته بي (قلت له) أي لذلك الرجل (إنك لما دخلت) المسجد النبوي (من قبل) أي من قبل رجوعك إلى منزلك (قال رجل) من الجالسين في الحلقة في شأنك (كذا وكذا) أي قال فيك هذا الداخل رجل من أهل الجنة (قال) عبد الله بن سلام تعجبًا من مقالتهم فيه (سبحان الله) أي تنزيهًا لله من كل النقائص (ما ينبغي) ولا يليق (لأحد) من الناس (أن يقول ما لا يعلم) حقيقته أي قال عبد الله بن سلام ذلك إنكارًا لمقالتهم هذه فيه حيث قطعو له بالجنة فيحمل على أن هؤلاء بلغهم خبر سعد بن أبي وقاص بأن ابن سلام من أهل الجنة ولم يسمع هو ويحتمل أنه كره الثناء عليه بذلك تواضعًا وإيثارًا للخمول وكراهية للشهرة كذا في شرح النووي. وذكر الحافظ احتمالًا ثالثًا وهو أنه لم ينكر على من عدّه من أهل الجنة وإنما أنكر على تعجب قيس بن عباد من قولهم فذكر أن مثل ذلك لا يبعد ولكن هذا التوجيه بعيد عن القلب ويظهر لي وجه رابع وهو أن القوم حين ذكروا كونه من أهل الجنة لم يستندوا في ذلك إلى نص وإنما ذكروا ذلك ككلام مبتدإ من عند أنفسهم فأنكر عليهم عبد الله بن

وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ؟ رَأَيتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَصَصْتُهَا عَلَيهِ. رَأَيتُنِي فِي رَوْضَةٍ -ذَكَرَ سَعَتَهَا وَعُشْبَهَا وَخُضْرَتَهَا- وَوَسْطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ. أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلاهُ فِي السَّمَاءِ. فِي أَعْلاهُ عُرْوَةٌ. فَقِيلَ لِيَ: ارْقَهْ. فَقُلْتُ لَهُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ (قَال ابْنُ عَوْنٍ: وَالْمِنْصَفُ الْخَادِمُ) فَقَال بِثِيَابِي مِنْ خَلْفِي -وَصَفَ أَنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ بِيَدِهِ- فَرَقِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سلام من هذه الجهة ونبه على أن مثل هذا الكلام لا يقال إلا بعد ثبوت النص في ذلك فكان من الواجب عليهم أن يذكروا مستندًا لقولهم لئلا يكون تحكمًا على الله تعالى ومن أجل ذلك ذكر قصة رؤياه التي يمكن أن يستند إليها في ذلك والله أعلم اهـ من التكملة. (و) لكن (سأحدثك لم) قالوا (ذاك) الكلام أي سأخبرك جواب لم قالوا ذلك الكلام أي أبين مستندهم في ذلك وذلك أني (رأيت رؤيا) أي منامًا (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (نقصصتها) أي عرضتها (عليه) صلَّى الله عليه وسلم ليعبرها لي وتلك الرؤيا أني (رأيتني) أي رأيت نفسي في المنام (في روضة) أي في مكان كثير الأشجار والنبات قال قيس بن عباد (ذكر) عبد الله بن سلام الرائي للمنام (سعتها) أي بعد سعتها ومساحتها (و) كثرة (عشبها) ونباتها (و) شدة (خضرتها و) ذكر ابن سلام أيضًا أن (وسط) تلك (الروضة) بفتح السكون وسكونها أي أن في وسطها (عمود) أي إسطوانة (من حديد) يجمع على عمد وأعمدة (أسفله) أي أسفل ذلك العمود مركز (في الأرض وأعلاه) داخل (في السماء في أعلاه) أي في أعلى ذلك العمود (عروة) أي حلقة كما في بعض الروايات بسكون اللام وفتحها أي سلسلة (فقيل لي ارقه) أي ارق هذا العمود ويحتمل كون الهاء للسكت (فقلت له) أي للقائل ذلك (لا أستطيع) أي لا أقدر الرقي والصعود عليه (فجاءني منصف) بكسر الميم وسكون النون وفتح الصاد أي خادم كما (قال ابن عون) وفسّره بقوله (والمنصف الخادم فقال) أي أخذ المنصف (بثيابي من خلفي) أي ورائي ليطلعني على العمود وفي الكلام التعبير بالقول عن الفعل قال قيس بن عباد (وصف) عبد الله بن سلام أي ذكر وبيّن بقوله فقال بثيابي إلخ (أنه) أي أن ذلك المنصف (رفعه) أي رفع عبد الله مع ثيابه (من خلفه) وورائه (بيده) ليطلعه ويصعده على العمود (فرقيت) أي صعدت على العمود وهو بكسر القاف من باب رضي يرضى على اللغة المشهورة وحُكي فتحها من باب رمى قال القاضي وقد جاء بالروايتين

حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى الْعَمُودِ، فَأَخَذتُ بِالْعُرْوَةِ. فَقِيلَ لِي: اسْتَمْسِكْ. فَلَقَدِ اسْتَيقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلامُ. وَذلِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإِسْلامِ. وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى. وَأَنْتَ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى تَمُوتَ". قَال: وَالرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ في مسلم والموطأ وغيرهما في غير هذا الموضع اهـ نووي أي صعدت على العمود (حتى كنت في أعلى العمود فأخذت) أي أمسكت (بالعروة) أي بالحلقة التي في أعلى العمود. (فقيل لي استمسك) هذه العروة ولازمها ولا تتركها (فلقد) أي فأقسم بالإله الذي لا إله غيره لقد (استيقظت) وانتبهت من نومي (وإنها) أي والحال أن تلك العروة (في يدي) أي قبل أن أتركها وليس المراد أنه استيقظ وهي باقية في يده مرئية له وإن كانت قدرة الله صالحة لذلك اهـ قسطلاني قال العيني معناه أنه بعد الأخذ استيقظت وهي مأخوذة له في يده من غير فاصلة بينهما ولم يرد أنها بقيت في يده بعد يقظته ولو حمل على ظاهره لم يمتنع في قدرة الله تعالى ولكن الذي يظهر خلاف ذلك ويحتمل أن يريد أثر قبضها بقي في يده بعد الاستيقاظ يعني كانت مقبوضة أصابعها كانها تستمسك شيئًا كان يصبح فيرى يديه مقبوضة كذا في فتح الباري [7/ 131] (فقصصتها) أي فقصصت تلك الرؤيا وأخبرتها وعرضتها (على النبي صلَّى الله عليه وسلم فقال) لي النبي صلَّى الله عليه وسلم (تلك الروضة) التي رأيتها (الإسلام) أي روضة الإسلام وأحكامه وشرائعه (وذلك العمود) الذي رأيته في وسط الروضة (عمودُ الإسلام) أي أركان الإسلام الخمسة الشهادتان والصلاة والزكاة إلخ (وتلك العروة) التي تعلقت بها هي (عروة الوثقى) من إضافة الموصوف إلى صفته أي هي العروة الوثقى أي الموثوقة القوية التي لا تنقطع بيد من أمسكها يعني بها أركان الإيمان الستة قال العيني قوله الإسلام يريد به جميع ما يتعلق بالدين ويريد بالعمود الأركان الخمسة أو كلمة الشهادة وحدها ويريد بالعروة الوثقى الإيمان قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله (وأنت) يا عبد الله مستمر (على الإسلام حتى تموت) عليه (قال) قيس بن عباد (والرجل) الرائي هو (عبد الله بن سلام) قال الدهني قوله (والرجل عبد الله بن سلام" فيحتمل أن يكون هو قوله ولا مانع أن يخبر بذلك ويريد نفسه ويحتمل أن يكون من كلام الراوي اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث

6227 - (0) (0) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ. حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَال: قَال قَيسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ. فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ. فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَقُمْتُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا. قَال: سُبْحَانَ اللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا ليسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ. إِنَّمَا رَأَيتُ كَأَنَّ عَمُودًا وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. فَنُصِبَ فِيهَا. وَفِي رَأْسِهَا عُرْوَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري في مواضع منها في كتاب مناقب الأنصار في مناقب عبد الله بن سلام [3813] وفي التعبير باب الخضر في المنام والروضة الخضراء [7010] وفي باب التعلق بالعروة الوثقى [7014] اهـ تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: 6227 - (0) (0) (حدثنا محمد بن عمرو بن عبّاد بن جبلة بن أبي روّاد) العتكي بفتحتين مولاهم أبو جعفر البصري صدوق من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا حرمي بن عمارة) بن أبي حفصة نابت العتكي البصري صدوق من (9) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا قرة بن خالد) السدوسي البصري ثقة من (6) روى عنه في (13) بابا (عن محمد بن سيرين قال) محمد بن سيرين (قال قيس بن عباد كنت في حلقة) وقد تقدم اختلاف اللغويين في حلقة هل يقال بسكون اللام أو بفتحها اهـ مفهم. (فيها) أي في تلك الحلقة (سعد بن مالك) أبو سعيد الخدري (و) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة قرة بن خالد لعبد الله بن عون (فمرّ عبد الله بن سلام) رضي الله عنه على أصحاب الحلقة (فقالوا) أي فقال بعض القوم لبعض آخر (هذا) الرجل المار علينا (رجل من أهل الجنة) قال قيس بن عباد (فقمت) إلى ذلك الرجل المار على القوم (فقلت له إنهم) أي إن القوم الجالسين في الحلقة (قالوا) في شأنك (كذا وكذا) أي إنه رجل من أهل الجنة (قال) عبد الله بن سلام (ما كان ينبغي) أي يليق (لهم) أي بهم (أن يقولوا ما ليس لهم به علم) لأن مآل كل أحد لا يعلمه إلا الله (إنما) سبب قولهم ذلك أني (رأيت) في المنام (كأنَّ عمودًا وضع في روضة خضراء فنصب فيها) أي نصب وأقيم ذلك العمود في روضة خضراء (وفي رأسها) والصواب "وفي رأسه" أي في رأس ذلك العمود بتذكير الضمير كلما في الرواية السابقة (عروة) أي حلقة تمسك ويعلق

وَفِي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ -وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ- فَقِيلَ لِيَ: ارْقَهْ. فَرَقِيتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَمُوتُ عَبدُ اللهِ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى". 6228 - (0) (0) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ)، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ به قوله (وفي أسفلها منصف) والصواب أيضًا "وفي أسفله" بتذكير الضمير أي وفي أسفل ذلك العمود "منصف" أي خادم كما فسّره بقوله (والمنصف الوصيف) أي الخادم ومعناهما واحد قالوا الوصيف هو الوصيف الذي أدرك الخدمة اهـ أبي (فقيل لي) لعل القائل ملك الرؤيا (ارقه) بهاء السكت أو الضمير أي اصعد هذا العمود (فرقيت) أي صعدت عليه (حنى أخذت بالعروة) وأمسكتها بيدي والعروة على وزان الغرفة هو الشيء الذي يتعلق به حبلًا كان أو غيره ومنه عروة القميص والدلو وقال بعضهم أصله من عروته إذا ألممت به متعلقًا واعتراه الهم تعلق به وقيل من العروة وهي شجرة تبقى على الجدب سميت بذلك لأن الإبل تتعلق بها إلى زمان الخصب وتجمع العروة على عرى و"الوثقى" بوزن الفضلى الوثيقة أي القوية التي لا انقطاع فيها ولا ضعف وقد أضاف العروة هنا إلى صفتها فقال عروة الوثقى كما قالوا مسجد الجامع وصلاة الأولى اهـ من المفهم. (فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت عبد الله) بن سلام (وهو آخذ بالعروة الوثقى) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: 6228 - (0) (0) (حدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لقتيبة) قالا (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش عن سليمان بن مسهر) الفزاري الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (2) بابين الإيمان والفضائل (عن خرشة) بفتحات (بن الحر) بضم المهملة وتشديد الراء الفزاري الكوفي كان يتيمًا في حجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال الآجري عن أبي داود له صحبة وأخته سلامة بنت الحر لها صحبة وذكره ابن عبد البر وأبو نعيم وابن منده في الصحابة وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين وقال ابن سعد مات في ولاية بشر على العراق وقال خليفة مات سنة أربع وسبعين كذا في الإصابة [1/ 422] والتهذيب [3/ 138] روى عن أبي ذر في الإيمان وعبد الله بن سلام في الفضائل ويروي عنه (ع) وأبو زرعة بن عمرو

قَال كُنْتُ جَالِسًا فِي حَلْقَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. قَال: وَفِيهَا شَيخٌ حَسَنُ الْهَيئَةِ. وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ. قَال: فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا حَسَنًا. قَال: فَلَمَّا قَامَ قَال الْقَوْمُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا. قَال: فَقُلْتُ: وَاللهِ لأَتْبَعَنَّهُ فَلأَعْلَمَنَّ مَكَانَ بَيتِهِ. قَال: فَتَبِعْتُهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ. قَال: فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيهِ فَأَذِنَ لِي. فَقَال: مَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَال: فَقُلْتُ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن جرير وسليمان بن مسهر ثقة من كبار التابعين من (2) روى عنه في (2) بابين كما مرّ في كتاب الإيمان. (عن عبد الله بن سلام) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة خرشة بن الحر لقيس بن عباد في رواية هذا الحديث عن عبد الله بن سلام (قال) خرشة (كنت جالسًا في حلقة في مسجد المدينة) يعني المسجد النبوي (قال) خرشة (وفيها) أي وفي تلك الحلقة (شيخ حسن الهيئة) أي اللبسة والعمة والجلسة وقوله (وهو) أي ذلك الشيخ (عبد الله بن سلام) رضي الله عنه تفسير مدرج من الراوي أو ممن دونه (قال) خرشة (فجعل) أي شرع ذلك الشيخ (يحدثهم) أي يحدث أصحاب الحلقة (حديثًا حسنًا) أي مرققًا للقلوب باشتماله على الترغيب والترهيب (قال) خرشة (فلما قام) ذلك الشيخ من بين الناس (قال القوم) بعضهم لبعض (من سرّه) وبشره (أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) الشيخ (قال) خرشة (فقلت) لنفسي (والله لأتبعنه) بفتح الهمزة وسكون التاء ونون التوكيد الثقيلة من تبع الثلاثي من باب سمع أي أقسم بالله العظيم لأصحبنه إلى منزله (فلأعلمن مكان بيته قال) هرشة (فتبعته فانطلق) أي ذهب ذلك الشيخ (حتى كاد) وقرب (أن يخرج من) عمران (المدينة) المنورة لبعد منزله عن المسجد (ثم) بعدما وصل إلى منزله (دخل منزله) وبيته (قال) خرشة (فاستأذنت) أي طلبت الإذن منه في الدخول (عليه فأذن لي) في الدخول عليه وقد تقدم مثل هذه الواقعة لقيس بن عباد والظاهر أنهما واقعتان فقصة قيس بن عباد رواها ابن سيرين وقصة خرشة رواها سليمان بن مسهر وهذا يدل على أن كون عبد الله بن سلام من أهل الجنة كان معروفًا بين الناس حتى إن خرشة بن الحر سمع من الناس عين ما سمعه من قيس بن عباد (فقال) لي عبد الله بن سلام (ما حاجتك يا ابن أخي) التي جاءت بك (قال) الخرشة (فقلت له) أي لعبد

سَمِعْتُ الْقَوْمَ يَقُولُونَ لَكَ، لَمَّا قُمْتَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذا. فَأَعْجَبَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ. قَال: اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُحَدِّثُكَ مِمّ قَالُوا ذَاكَ، إِنِّي بَينَمَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَال لِي: قُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. قَال: فَإِذَا أَلا بِجَوَاد عَنْ شِمَالِي. قَال: فَأَخَذْتُ لآخُذَ فِيهَا. فَقَال لِي: لَا تَأْخُذْ فِيهَا فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ. قَال: فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ عَلَى يَمِينِي. فَقَال لِي: خُذْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله بن سلام (سمعت القوم) الذين اجتمعوا عندك في الحلقة (يقولون لك) أي في شأنك (لما قمت) من بينهم (من سرّه) وبشره (أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) الشيخ فإنه من أهل الجنة (فأعجبني) أي فأحبّني (أن أكون معك) في الدنيا والآخرة. (قال) عبد الله بن سلام (الله أعلم بأهل الجنة وسأحدثك ممّ قالوا) أي جواب استفهام لأجل ما قالوا (ذاك) الكلام يعني إنه من أهل الجنة (إني بينما أنا نائم) أي بينما أوقات نومي (إذ أتاني رجل) في النوم (فقال لي) ذلك الآتي (قم) من النوم (فأخذ بيدي) أي أمسكها (فانطلقت معه) أي مع ذلك الرجل الآتي (قال) الخرشة (فإذا أنا) راءٍ (بجواد) بوزن دواب أي بطرق واضحة مسلوكة للناس (عن) جهة (شمال) والجواد جمع جادّة مشدد الدال وهي الطريقة البينة المسلوكة غير المهجورة والمشهور فيها جواد بتشديد الدال قال القاضي وقد تُخفف قاله صاحب العين اهـ نووي (قال) الخرشة (فأخذت) أي شرعت وقصدت (لآخذ) وأشرع وأمشي (فيها) أي في تلك الطريق الجادة (فقال لي) ذلك الرجل الذي يمشي بي (لا تأخذ) ولا تشرع ولا تمش (فيها) أي في هذه الطرق الشمالية (فإنها طرق أصحاب الشمال) التي توصلهم إلى جهنم (قال) الخرشة (فإذا) الفاء عاطفة على محذوف وإذا فجائية والتقدير فأعرضت عن الطرق الشمالية ففاجأتني (جواد) أي طرق مسلوكة (منهج) بالرفع صفة لجواد أي مستقيمة لا اعوجاج فيها قال القرطبي الجواد جمع جادة مشدد الدال وهي الطريق المسلوكة ومنهج مرفوع على الصفة أي جواد ذوات منهج أي استقامة ووضوح، والمنهج الطريق الواضح وكذلك المنهاج والنهج وأنهج الطريق أي استبان ووضح ونهجته أنا أوضحته ويقال أيضًا نهجت الطريق إذا سلكته ونهج الأمر وأنهج إذا وضُح أي ففاجأتني طرق واضحة بينة مستقيمة موصلة إلى المقصد كائنة (على) جهة (يميني فقال لي) الرجل يعني الملك (خد) أي

فهُنَا. فَأَتَى بِي جَبَلًا. فَقَال لِيَ: اصْعَدْ. قَال: فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خَرَرْتُ عَلَى اسْتِي. قَال: حَتَّى فَعَلْتُ ذلِكَ مِرَارًا. قَال: ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى بِي عَمودًا. رَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ وَأَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ. فِي أَعْلاهُ حَلْقَةٌ. فَقَال لِيَ: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا. قَال: قُلْتُ: كَيفَ أَصْعَدُ هَذَا؟ وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ. قَال: فَأَخَذَ بِيَدِي فَزَجَلَ بِي. قَال: فَإِذَا أَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْحَلْقَةِ. قَال: ثُمَّ ضَرَبَ الْعَمُودَ فَخَرَّ، قَال: وَبَقِيتُ مُتَعَلَّقًا بِالْحَلْقَةِ حَتَّى أَصْبَحْتُ. قَال: فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اشرع وامش (ها هنا) أي في هذه الطريقة اليمينية فشرعت في تلك الطريق اليمينية (فأتى بي) ذلك الرجل (جبلًا) طويلًا لا ترى قنته (فقال لي) الرجل (اصعد) واطلع هذا الجبل (قال) عبد الله بن سلام (فجعلت) أي فكنت (إذا أردت) وقصدت (أن اصعد) عليه (خررت) أي سقطت (على استي) أي على دُبُري (قال) عبد الله فحاولت الصعود على الجبل (حتى فعلت ذلك) الخرور على الاست (مرارًا) أي مرات كثيرة (قال) عبد الله (ثم) بعدما عجزت عن صعود الجبل (انطلق بي) الرجل أي ذهب بي (حتى أتى) أي جاء (بي عمودًا رأسه في السماء وأسفله في الأرض في أعلاه) أي في أعلى ذلك العمود وعلى رأسه (حلقة) أي سلسلة يتعلق بها كما مر البحث عنها (فقال) الرجل (لي أصعد) أي اطلع وارق (فوق هذا) العمود (قال) عبد الله فـ (ـقلت) للرجل (كيف أصعد) وأرقى (هذا) العمود الطويل (و) الحال أن (رأسه في السماء قال) عبد الله (فأخذ) الرجل (بيدي فزجل) أي رمى (بي) إلى فوق العمود وزجل بالجيم بمعنى رمى وأكثر ما يستعمل في الشيء الرخو الخفيف وزحل بالحاء المهملة قريب منه يقال زحلت الشيء نحيته وأبعدته ورُوي بالوجهين ورواية الجيم أصح وأولى اهـ من الأبي وقال القرطبي (قوله فزجل بي) يروى بالجيم وبالحاء المهملة فبالجيم معناه رمى يقال لعن الله أما زجلت به والزجل إرسال الحمام والمزجل المزراق والمزراق الرمح القصير لأنه يرمى به فأما زحل بالحاء المهملة فمعناه تنحى وتباعد يقال زحل عن مكانه حولًا وتزحل تنحى وتباعد فهو زحل وزحيل ورواية الجيم أولى وأشهر اهـ من المفهم. (قال) عبد الله (فإذا أنا متعلق بالحلقة) التي على رأس العمود (قال) عبد الله (ثم ضرب) الرجل (العمود) بيده (فخرّ) وسقط على الأرض (قال) عبد الله (وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت) أي دخلت في الصباح (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم

فَقَصَصْتُهَا عَلَيهِ. فَقَال: "أَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ. قَال: وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِيَ طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَأَمَّا الْجَبَلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ. وَلَنْ تَنَالهُ. وَأَمَّا الْعَمُودُ فَهُوَ عَمُودُ الإِسْلامِ. وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ عُرْوَةُ الإِسْلامِ. وَلَنْ تَزَال مُتَمَسِّكًا بِهَا حَتَّى تَمُوتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فقصصتها) أي فقصصت تلك الرؤيا وأخبرتها (عليه) أي للنبي صلى الله عليه وسلم ليعبّرها لي (فقال) لي النبي صلى الله عليه وسلم في تعبيرها (أمَّا الطرق التي رأيت عن يسارك فهي طرق أصحاب الشمال) يعني الكفرة والمنافقين ثم (قال) النبي صلَّى الله عليه وسلم (وأما الطرق التي رأيت عن يمينك فهي طرق أصحاب اليمين وأما الجبل) الذي عجزت عن صعوده (فهو منزل الشهداء ولن تناله) أي لن تعطى منزل الشهداء لأنك تموت في بيتك لأنه رأى أنه لم يستطع صعود الجبل بل خرّ منه على استه (وأمّا العمود) الذي رأيته (فهو عمود الإسلام) وأركانه الخمسة (وأمَّا العروة) التي تعلقت بها (فهي عروة الإسلام) وعقائده وأركان الإيمان (ولن تزال) يا عبد الله (متمسكًا بها) أي بعروة الإسلام وعقائده وأركانه (حتى تموت) وإخباره صلَّى الله عليه وسلم عن عبد الله أنه لا ينال الشهادة وأنه لا يزال على الإسلام حتى يموت خبران عن غيب وقعا على نحو ما أخبر فإن عبد الله مات بالمدينة ملازمًا للأحوال المستقيمة فكان ذلك من دلائل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم. "أما حسَّان" فهو حسان بن ثابت بن المنذر بن عمرو بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري يكنى أبا الوليد وقيل أبا عبد الرحمن وقيل أبا الحسام ويقال له شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عن عائشة رضي الله عنها أنها وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان والله كما قال شاعره: متى يبدُ في الدَّاجي البهيم جبينه ... يلح مثل مصباح الدجى المتوقد فمن كان أو من قد يكون كأحمد ... نظام لحقَّ أو نكال لملحد انظر أسد الغابة [2/ 5] وديوان حسان [1/ 465] قال أبو عبيد فضل حسَّان بن ثابت الشعراء بثلاث كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي صلَّى الله عليه وسلم في النبوة وشاعر اليمن كلها في الإسلام وقال أيضًا أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت وقال أبو عبيد وأبو عمرو بن العلاء حسان أشعر أهل الحضر وقال

6229 - (2470) (26) حدَّثنا عَمْرُو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ. فَلَحَظَ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصمعي حسان أحد فحول الشعراء فقال له أبو حاتم تأتي له أشعار لينة فقال الأصمعي نسبت له وليست له ولا تصح عنه ورُوي عنه أنه قال الشعر نكد يقوي في الشر ويسهل فإذا دخل في الخير ضعف هذا حسان فحل من فحول الجاهلية فلما جاء الإسلام سقط وقيل لحسان لان شعرك أو هرم شعرك في الإسلام يا أبا الحسام فقال إن الإسلام يحجز عن الكذب يعني أن الشعر لا يجوده إلا الإفراط والتزين في الكذب والإسلام قد منع ذلك فقلما يجود شعر من يتقي الكذب وتوفي حسان قبل الأربعين في خلافة علي رضي الله عنه وقيل سنة خمسين وقيل سنة أربع وحمسين ولم يختلفوا أنه عاش مائة وعشرين سنة منها ستون في الجاهلية وستون في الإسلام وكذلك عاش أبوه وجدّه وأدرك النابغة الذبياني والأعشى وأنشدهما من شعره فكلاهما استجاد شعره وقال إنك شاعر اهـ من المفهم. واستدل المؤلف على فضائل حسان بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6229 - (2470) (26) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (كلهم عن سفيان) بن عيينة (قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد) بن المسيب المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (مرَّ) في زمن خلافته (بحسّان) بن ثابت (وهو) أي والحال أن حسّان (ينشد) أي يقرأ (الشعر) المنظوم أولًا (في المسجد) النبوي (فلحظ) أي أومأ (إليه) عمر بن الخطاب وأشار إليه بلحاظه بأن اسكت واللحاظ بفتح اللام ما يلي الأذن من العين والموق ما يلي الأنف من العين اهـ موهبة ذي الفضل للترمسي على بافضل في فقه الشافعية. قال القرطبي (قوله إن عمر مرّ بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه) أي أومأ إليه بعينيه أن اسكت عن إنشاد الشعر يدل على أن عمر رضي الله عنه كان يكره

فَقَال: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنْكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيرَةَ. فَقَال: أَنْشُدُكَ اللهَ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَجِبْ عَنِّي. اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ"؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ إنشاد الشعر في المسجد وكان قد بنى رحبة خارج المسجد وقال من أراد أن يلغط أو ينشد شعرًا فليخرج إلى هذه الرحبة. وقد اختلف في ذلك فمن مانع مطلقًا ومن مجيز مطلقًا والأولى التفصيل وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله تعالى أو على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان كذلك أو يتضمن الحضّ على الخير فهو حسن في المساجد وغيرها وما لم يكن كذلك لم يجز لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل ولو سلم من ذلك فأقلّ ما فيه اللغو والهذر والمساجد منزهة عن ذلك لقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] ولقوله صلَّى الله عليه وسلم: "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن" رواه أحمد [3/ 191] ومسلم [285] بلفظ إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر الحديث. (فقال) حسان لعمر (قد كنت أنشد) الشعر وأقرؤه بضم الهمزة وكسر الشين من الإنشاد. "فائدة" والفرق بين الإنشاد والإنشاء عند العروضيِّين أن الانشاد قراءة الشعر الذي وضع أولًا سواء كانت لك أو لغيرك والإنشاء ابتداؤه واختراعه من عندك من غير سابقية له (وفيه) أي والحال أن في هذا المسجد (من هو خير) وأفضل (منك) يا عمر أراد بذلك الأفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم التفت) حسان (إلى أبي هريرة) وهو في المسجد (فقال) حسان لأبي هريرة (أنشدك الله) أي أسألك يا أبا هريرة بالله الذي لا إله غيره (أسمعت) أي هل سمعت يا أبا هريرة (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) لي في هذا المسجد (أجب عنِّي) الكفار يا حسان فيما انتقدوا وتقوّلوا به علي ويقول أيضًا (اللهم أيِّده) وقوّه على الإجابة عني (بـ) ـتلقين من (روح القدس) أي بالروح المقدس أي المطهر عن صفات النقص ككتمان ما أُوحي به إلى الأنبياء ومخالفة ما أُمر به يعني به جبريل - عليه السلام - كما صرح به في الرواية الأخرى اهجهم أو هاجهم وجبريل معك أي

قَال: اللَّهُمَّ نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإلهام والتذكير والمعونة اهـ من المفهم (قال) أبو هريرة (اللهم) والغرض منه التعجيب أي أستعينك يا إلهي على توفيق الإقرار بما سمعت بقولي (نعم) سمعته صلَّى الله عليه وسلم يقول لك ذلك قال الأبي والحجة من الحديث إنما هي في إقراره رضي الله عنه لحسان على الإنشاد في المسجد لا في قوله أجب عنّي لأنه أعم من كونه في المسجد أو غيره وبالجملة فإنما يجوز أو يستحب إذا تضمن مصلحة دينية كما تقدم اهـ. قال الأبي ذكر ابن رشيق من حديث هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلَّى الله عليه وسلم بنى لحسان منبرًا في المسجد ينشد عليه اهـ وقوله "أجب عني" قال القرطبي إنما قال ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلم لأن نفرًا من قريش كانوا يهجون النبي صلَّى الله عليه وسلم كابن الزبعرى وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعمرو بن العاص وضرار بن الخطاب فقيل لعلي اهج عنا القوم الذين يهجوننا فقال إن أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلت فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن عليًّا ليس عنده ما يراد من ذلك ثم قال ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم فقال حسان أنا لها وأخذ بطرف لسانه وقال والله ما يسرني به مقول "لسان" ما بين بصرى وصنعاء ذكره الأصبهاني في الأغاني [4/ 137] وكان طويل اللسان يضرب بلسانه أرنبة أنفه وكان له ناصية يسدلها بين عينيه فقال رسول الله كيف تهجوهم وأنا منهم وكيف تهجو أبا سفيان وهو ابن عمي فقال والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين فقال أئت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك فكان يمضي لأبي بكر ليقفه على أنسابهم وكان يقول كف عن فلان وفلانة واذكر فلانًا وفلانة فجعل حسان يهجوهم فلما سمعت قريش شعر حسان قالوا إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة فقال حسان رضي الله عنه من بحر الطويل: ألا أبلغ أبا سفيان أن محمدًا ... هو الغصن ذو الأفنان لا الواحد الوغد ومالك فيهم محتد يعرفونه ... فدونك فالصق مثل ما لصق القرد وإن سنام المجد من آل هاشم ... بنو بنت مخزوم ووالدك العبد ومن ولدت أبناء زهرة منهم ... كرام ولم يقرب عجائزك المجد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولست كعباس ولا كابن أمه ... ولكن لئيم ليس يورى له زند وإن امرؤ كانت سمية أمه ... وسمراء مغموز إذا بلغ الجهد وأنت هجين نيط في آل هاشم ... ما نيط خلف الراكب القدح الفرد "الأفنان" الأغصان واحدها فنن "والوغد" الدنيء من الرجال "والمحتد" الأصل "ودونك" ظرف قصد به الإغراء والمغرى به محذوف تقديره فدونك محتدك فالصق به والعرب تغري بـ (عليك وإليك ودونك) "وسنام المجد" أرفعه والمجد الشرف قال أبو عمر "بنت مخزوم" هي فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم وهي أم أبي طالب وعبد الله والزبير بني عبد المطلب وقوله "ومن ولدت أبناء زهرة" يعني حمزة وصفية أُمهما هالة ابنة أهيب بن عبد مناف بن زهرة والعباس هو ابن عبد المطلب وابن أمه شقيقه ضرار بن عبد المطلب أمهما نسيبة امرأة من النمر بن قاسط وسمية أم أبي سفيان وسمراء أم أبيه واللؤم اسم للبخل ودناءة الأفعال والأباء والمغموز المعيب المطعون فيه والهجين من كانت أمه دنية والمقرف من كان أبوه دنيًا "ونيط" ألصق وعلق "والقدح" يعني به قدح الراكب الذي يكون تعليقه بعد إكمال وقر البعير لأنه لا يحفل به ومنه الحديث إلا تجعلوني كقدح الراكب" رواه عبد بن حميد والبزار في مسنديهما وعبد الرزاق في جامعه وابن أبي عاصم في الصلاة والتيمي في الترغيب والبيهقي في الشعب والضياء وأبو نعيم في الحلية كلهم من طريق موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف والحديث غريب. قال الأبي بعث كعب بن زهير إلى أخيه يحيى ينهاه عن الإسلام وتكلم في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه أخوه يحيى ويحك يا كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوعدك لما بلغه عنك وكان أوعد رجالًا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه فقتل منهم ابن قطن وابن صبابة وغيرهما وهرب ابن الزبعرى وابن أبي وهب كل في وجه فإن كان لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل من جاء تائبًا وإلا فانح إلى نجائك فإنه والله قاتلك فضاقت بكعب الأرض فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متنكرًا فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وضع كعب يده في يده وقال يا رسول الله إن كعب بن زهير أتى تائبًا مستامنًا أفأُؤمنه فآتيك به فقال هو آمن فحسر كعب عن وجهه وقال

6230 - (0) (0) حدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ حَسَّانَ قَال، فِي حَلْقَةِ فِيهِمْ أَبُو هُرَيرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ، يَا أَبَا هُرَيرَةَ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكان العائذ بك أنا كعب فأمنه وأنشده قصيدته المشهورة التي أوَّلها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول حتى قال في وسطها: فقد أتيت رسول الله معتذرًا ... والعذر عند رسول الله مقبولُ فتجاوز عنه ولم ينكر عليه إنشادها ووهب له بردته فاشتراها منه معاوية بثلاثين ألف درهم وهي التي يتوارثها الخلفاء فيلبسونها في الجمع والأعياد تبركًا وذكر جماعة أنه وهبه معها مائة من الإبل اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 222] والبخاري في مواضع منها في الأدب باب هجاء المشركين [6152] وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الشعر [5513] والنسائي في كتاب المساجد باب الرخصة في إنشاد الشعر في المسجد [715] اهـ تحفة الأشراف ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6230 - (0) (0) (حدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) بن الفرافصة القشيري النيسابوري ثقة من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11) كلهم رووا (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري ثقة من (7) (عن الزهري عن) سعيد (بن المسيب) المخزومي المدني وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (أن حسان) بن ثابت (قال) لأبي هريرة (في حلقة) كان (فيهم أبو هريرة أنشدك الله يا أبا هريرة أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث (فذكر) معمر (مثله) أي مثل حديث سفيان بن عيينة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6231 - (0) (0) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحمَنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشهِدُ أَبَا هُرَيرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ، هَل سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: نَعَمْ. 6232 - (2471) (27) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، (وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6231 - (0) (0) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (15) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم الحمصي ثقة ثبت من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري) قال الزهري (أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة من (3) (أنه) أي أن أبا سلمة (سمع حسان بن ثابت الأنصاري) المدني رضي الله عنه (يستشهد أبا هريرة) رضي الله عنه أي يطلب منه الشهادة له على قول النبي صلَّى الله عليه وسلم له أجب يا حسان حالة كون حسان يقول في استشهاده (أنشدك الله) أي أسألك بالله يا أبا هريرة (هل سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلم يقول) لي (يا حسان أجب) الكفار في الدفاع (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) هجوهم له وللمسلمين ثم يقول (اللهم أيده) أي أيد حسان وقوه وأعنه في دفاع الكفار (بروح القدس) أي بالروح المقدس والملك المقرّب والأمين المؤتمن يعني به جبريل الأمين - عليه السلام - (قال أبو هريرة) لحسان (نعم) سمعته صلَّى الله عليه وسلم يقول ذلك وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لسعيد بن المسيب في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة فالمتابعة تامّة أو بيان متابعة شعيب لسفيان ومعمر فالمتابعة ناقصة ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث البراء رضي الله عنهما فقال: 6232 - (2471) (27) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري ثقة من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري ثقة إمام من (7) روى عنه في (30) بابًا تقريبًا (عن عدي وهو ابن ثابت)

قَال: سَمِعْتُ الْبَراءَ بْنَ عَازِبٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: "اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ". 6233 - (0) (0) حَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (قال) عدي (سمعت البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) البراء (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت اهجهم) أي اهج المشركين أي اشتمهم وسبّهم من هجا يهجو من باب دعا (أو) سمعته قال (هاجهم) أي دافع هجوهم عني وعن المسلمين من هاجى يهاجي مهاجاة من المفاعلة تفيد المشاركة من الجانبين والشك من الراوي أو ممن دونه (وجبريل) عليه السلام (معك) بالإلهام والتلقين والمعونة وهذا الحديث مفسر للحديث السابق في بيان أن المراد من روح القدس جبريل - عليه السلام - وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 302] والبخاري في مواضع منها في المغازي باب مرجع النبي صلَّى الله عليه وسلم من الأحزاب [4123 و 4124]، ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 6233 - (0) (0) (حدثنيه زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري (ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (ح وحدثنا) محمد (بن بشار حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن) بن مهدي وقوله كلهم) تحريف من النساخ والصواب "كلاهما" أي كل من عبد الرحمن ومحمد بن جعفر رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن البراء وساقا (مثله) أي مثل ما روى معاذ بن معاذ غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي لمعاذ بن معاذ. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

6234 - (2472) (28) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن حَسَّانَ بْنَ ثَابِتِ كَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَى عَائِشَةَ. فَسَبَبْتُهُ. فَقَالتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، دَعْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 6235 - (0) (0) حدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6234 - (2472) (28) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (أن حسان بن ثابت) رضي الله عنه (كان ممن كثَّر) أي أكثر الكلام في الإفك (على عائشة) رضي الله عنها قال عروة (فسببته) أي فسببت حسان وشتمته عند عائشة (فقالت) لي عائشة (يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه (دعه) أي اتركه على حاله ولا تسبّه (فإنه) أي فإن حسان (كان ينافح) أي يدافع ويناضل الكفار (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند هجوهم له وللمسلمين وهذا السند من خماسياته وقوله "ممن كثر" بتشديد المثلثة من التكثير أي أكثر في الطعن عليها في قصة الإفك على ما هو المشهور وسيأتي ما فيه قوله "ينافح" أي يدافع ويُرامي يقال نفحت الدابة إذا رمت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من بعد وأصل النفح الضرب وقيل للعطاء نفح لأن المعطي يضرب السائل به وهذا الحديث أخرجه البخاري في المناقب باب من أحبّ أن لا يسبّ نسبه [3531] وفي المغازي باب حديث الإفك [4145] وفي الأدب باب هجاء المشركين [6150]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله عنها فقال: 6235 - (0) (0) (حدثناه عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان لأبي أسامة. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال:

6236 - (0) (0) حدّثني بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا. يُشَبِّبُ، بِأَبْيَاتٍ لَهُ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ 6236 - (0) (0) (حدثني بشر بن خالد) الفرضي نسبة إلى علم الفرائض البصري ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري غندر (عن شعبة عن سليمان) بن مهران الكاهلي الأعمش الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي الضحى) مسلم بن صُبيح الهمداني الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (11) بابا (قال دخلت على عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سباعياته (وعندها) أي دخل مسروق على عائشة والحال أن عندها (حسان بن ثابت ينشدها) أي ينشد حسان ويقرأ عليها (شعرًا) حالة كونه (يشبب) ويتغزّل ويذكر (بأبيات له) أي من الشعر واللام بمعنى من والتشبب والتغزل بمعنى واحد وهو ذكر محاسن النساء مرادًا بهن محبوبه إذا كانت غير معينة كما فعله كعب بن زهير في قصيدته (بانت سعاد) اهـ من شرحنا نيل المراد على بانت سعاد. والتشبب وإن كان أصل معناه التغزل بامرأة وذكر حسنها وشبابها لكنه قد يتوسع فيه باستعماله في مطلق إنشاد الشعر وإن لم يكن فيه تغزل وهو المراد هنا والمقصود هنا مدح عائشة رضي الله عنها والمعنى حينئذ هنا أي يقرأ عليها شعرًا حالة كونه يشببها ويمدحها بأبيات له من بحر الطويل الذي أجزاؤه (فعولن مفاعيلن) أربع مرات قال في المصباح يقال شبب الشاعر بفلانة تشبيبًا قال فيها الغزل وعزض بحبها وشبب قصيدته حسنها وزينها بذكر أوصاف النساء قال النووي معناه يتغزل كذا فسره في المشارق (فقال) حسان في مدحها بقصيدة مطلعها على ما ذكره السهيلي في الروض الأنف [4/ 23 و 24]. لقد ذاق عبد الله ما كان أهله ... وحمنة إذ قالوا هجيرًا ومسطح حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالت لَهُ عَائِشَةُ: لكِنَّكَ لَسْتَ كَذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (حصان) بفتح الحاء والصاد من الإحصان وهو الامتناع من الرجال من نظرهم إليها والعفة وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي أي عائشة حصان أي محصنة عفيفة محفوظة من الأنظار السيئة وقوله (رزان) خبر ثان أو معطوف على حصان بعاطف مقدر أي وهي رزان بتقديم الراء على الزاي أي كاملة العقل ثقيلة الدين من الرزانة وهو كمال العقل يقال رزن الرجل رزانة فهو رزين إذا كان وقورًا ورزنت المرأة رزانة فهي رزان إذا كانت كاملة العقل وقوله (ما تزن) بالبناء للمجهول خبر ثالث أي ما تتهم (بريبة) أي بفاحشة وسيئة من الزن وهو الرمي والقذف والريبة السيئة والفاحشة (وتصبح) أي وتكون عائشة (غرثى) أي عطشى جائعة (من) أكل (لحوم) المؤمنات (الغوافل) جمع غافلة جمع تكسير أي من أكل لحوم المؤمنات الغافلات عن الفواحش العفيفات من الزنا والمعنى أنها لا تغتاب واحدة من النساء العفائف لأن الله تعالى وصف الغيبة بأكل لحم الأخ الميت وفيه تعريض لحمنة بنت جحش. وقوله غرثى وصف مؤنث من الغرث وهو الجوع يقال رجل غرثان وامرأة غرثى كعطشان وعطشى ويعني حسان بهذا البيت أن عائشة رضي الله عنها في غاية العفة والنزاهة عن أن تزن وتتهم بريبة وفاحشة ثم وصفها بكمال العقل والوقار والورع المانع له من أن تتكلم بعرض غافلة عفيفة وشبّهها بالغرثى لأن بعض الغوافل قد كان هو آذاها فما تكلمت فيها وهي حمنة بنت جحش فكأنها كانت بحيث تنتصر ممن آذاها بأن تقابلها بما يؤذيها لكن حجزها عن ذلك دينها وعقلها وورعها اهـ من المفهم. وقوله (فقالت له) أي لحسان (عائشة) رضي الله عنها معطوف على قال الأولى (لكنك) يا حسان (لست كذلك) أي غرثان عن لحوم الغوافل لأنك كنت مع أصحاب الإفك تعني أنه لم يصبح غرثان من لحوم الغوافل وظاهر هذا الحديث أن حسان كان ممن تكلم بالإفك وقد جاء ذلك نصًّا في حديث الإفك الطويل الذي يأتي فيه أن الذين تكلموا بالإفك مسطح وحسان وحمنة وعبد الله بن أبي ابن سلول غير أنه قد حكى أبو عمر أن عائشة رضي الله عنها قد برأت حسان من الفرية وقالت إنه لم يقل شيئًا وقد أنكر حسان أن يكون قد قال من ذلك شيئًا في البيت المذكور فيما بعد هذا البيت المذكور آنفًا من القصيدة حيث قال:

قَال مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيكِ؟ وَقَدْ قَال اللهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11]. فَقَالت: فَايُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ، أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 6237 - (0) (0) حدّثناه ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، فِي هذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان ما قد قيل عني قلته ... فلا رفعت سوطي إلى أناملي فيحتمل أن يقال إن حسان يعني أن يكون قال ذلك نصًّا وتصريحًا ويكون قد عرض ذلك وأومأ إليه فنسب ذلك إليه والله أعلم وقد اختلف الناس فيه هل خاض في الإفك أم لا وهل جلد الحد أم لا فالله أعلم أي ذلك كان اهـ من المفهم. (قال مسروق) بالسند (فقلت لها) أي لعائشة (لم تأذنين له) أي لحسان أن (يدخل عليك و) الحال أنه (قد قال الله) عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: ({وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}) [النور: 11] أي كبر الإفك وأشده {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11]، فقالت) عائشة لمسروق إنه عذب في الدنيا بفقد البصر (فأي عذاب أشد من العمى) أي من فقد البصر وظاهر هذا الكلام يدل على أن حسان كان ممن تولى كبره وهذا بخلاف ما قاله عروة عن عائشة رضي الله عنها إن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي ابن سلول وأنه هو الذي كان يستوشيه ويجمعه ويجاب عنه بأن الذي تولى كبره صريحًا هو عبد الله بن أبي وحسان كان ممن صدقه ولم يكذبه في ذلك فلذلك تلا مسروق هذه الآية في معرض ذكر حسان رضي الله عنه ثم عللت الإذن له في الدخول عليها بقولها (إنه كان ينافح أو يُهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وإنما أذنت له في الدخول علي لأنه كان ينافح ويدافع هجو الكفار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أو" قالت عائشة إنه كان يهاجي أي يدفع هجو الكفار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجوهم والمعنى واحد وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة النور بابٌ ويبين الله لكم الآيات [4756] ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6237 - (0) (0) (حدثناه) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) محمد السلمي وقيل هو نفس إبراهيم وكنيته البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن شعبة) بن الحجاج (في هذا الإسناد) المذكور أي بهذا

وَقَال: قَالتْ: كَانَ يَذُبُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذكُرْ: حَصَانٌ رَزَانٌ. 6238 - (2474) (30) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ هِشَّامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند السابق يعني عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة غرضه بيان متابعة ابن أبي عدي لمحمد بن جعفر (و) لكن (قال) ابن أبي عدي في روايته لفظة (قالت) عائشة (كان) حسان (يذبُّ) ويدفع (عن رسول الله صلى الة عليه وسلم ولم يذكر) ابن أبي عدي البيت السابق يعني (حصان رزان) وتمام هذه الأبيات التي أنشدها حسَّان على عائشة رضي الله عنها: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيّب الله خيمها ... وطهّرها من كل سوء وباطل فإن كنت قد قلت الذي زعموا لكم ... فلا رفعت سوطي إلي أناملي وكيف وودِّي ما حييت ونصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل له رتب عال على الناس كلهم ... تقاصر عنه سورة المتطاول فإن الذي قد قيل ليس بلائط ... ولكنه قول امرئ بي ماحل وزاد الحاكم في رواية له من غير رواية ابن إسحاق: حليلة خير الخلق دينًا ومنصبًا ... نبي الهدى والمكرمات الفواضل رأيتك وليغفر لك الله حرة ... من المحصنات غير ذات الغوائل ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: 6238 - (2474) (30) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا يحيى بن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (12) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند

قَالتْ: قَال حَسَّانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِي أَبِي سُفْيَانَ. قَال: "كَيفَ بِقَرَابَتِي مِنْهُ؟ " قَال: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ. فَقَال حَسَّانُ: وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ. وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من خماسياته (قالت) عائشة (قال حسان) بن ثابت (يا رسول الله ائذن لي في) هجو (أبي سفيان) المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وقيل اسمه كنيته اهـ من الإصابة القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه من الرضاعة أرضعتهما حليمة السعدية وكان ممن يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من الإصابة. وذلك قبل أن يتشرَّف أبو سفيان بالإسلام وكان يؤذي النبي صلَّى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك الوقت ثم أسلم وحسن إسلامه. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف) تفعل (بقرابتي) ونسبي (منه) أي من أبي سفيان هل تسبني معه أو تخرجني من سبه يعني أن من عادة الشعراء أنهم حين يهجون رجلًا فإنما يعيبون نسبه وإنك إن هجوت أبا سفيان وعيبت نسبه فإن ذلك يرجع إلى نسبي لما لي من العلاقة القريبة بآبائه (قال) حسان (والذي) أي أقسمت بالإله الذي (كرمك) وشرفك بالحق (لأسلَّنك) أي لأخرجنَّ نسبك (منهم) أي من هجو قريش بحيث لا يصدق عليك الهجو سلًّ (كما تسل الشعرة) أي إخراجًا كإخراج الشعرة الساقطة في العجين (من الخمير) أي من العجين والخمير في الأصل الشيء الذي يخلط بالعجين فيصلح بسببه للخبز كما هو معروف عند الخبازين ولكن المراد هنا نفس العجين قال القرطبي ومعناه لأتلطفنَّ في تخليص نسبك من هجوهم بحيث لا يبقى جزء من نسبك في نسبهم الذي ناله الهجو كما أن الشعرة إذا سلت من العجين لا يبقى منها شيء بخلاف ما لو سلت من شيء صلب فإنها ربما انقطعت فبقيت فيه منها بقية (فقال حسَّان) أي أنشد القصيدة التي منها هذا البيت وهي قوله: ألا أبلغ أبا سفيان أن محمدًا ... هو الغصن ذو الأفنان لا الواحد الوغدُ وما لك فيهم محتد يعرفونه ... فدونك فالصق مثل ما لصق القُردُ وإن سنام المجد من آل هاشم ... بنو بنت مخزوم ووالدك العبدُ ومن ولدت أبناء زهرة منهم ... كرام ولم يقرب عجائزك المجدُ

قَصِيدَتَهُ هذِهِ. 6239 - (00) (00) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذا الإِسْنَادِ. قَالتِ: اسْتَأذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي هِجَاءِ الْمُشرِكِينَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا سُفْيَانَ. وَقَال بَدَلَ -الْخَمِيرِ- الْعَجِينِ. 6240 - (2475) (31) حدَّثنا عَبدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قال حسان في هجوهم هذا البيت حتى أكمل (قصيدته هذه) التي منها هذا البيت والأبيات السبعة التي ذكرناها سابقًا وهذه القصيدة مثال لما فعله حسان من هجو نسب أبي سفيان وإخراج نسب رسول الله منه وراجع لهذه القصيدة وشرحها ديوان حسان بن ثابت وشرحه للبرقوقي وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6239 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي (حدثنا هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان ليحيى بن زكرياء (قالت) عائشة (استأذن حسان بن ثابت النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين) أي مشركي مكة يعني قريشًا (ولم يذكر) عبدة (أبا سفيان) بن الحارث بخصوصه كما ذكره يحيى بن زكرياء (وقال) عبدة في روايته (بدل الخمير) لفظة (العجين) والعجين دقيق يعجن فيخبز. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنها فقال: 6240 - (2475) (31) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري ثقة من (11) (حدثني أبي) شعيب ثقة من (10) (عن جدي) ليث بن سعد ثقة من (7) (حدثني خالد بن يزيد) الجمحي أبو عبد الرحيم المصري الإسكندراني ثقة من (6) روى عنه في (8) أبواب (حدثني سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم المصري صدوق من (6) روى عنه في (11) بابا (عن عمارة بن غزية) بن

عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "اهْجُوا قُرَيشًا. فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيهَا مِنْ رَشقٍ بِالنَّبْلِ" فَأرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَال: "اهْجُهُمْ" فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحارث بن عمرو الأنصاري المازني المدني ثقة من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي المدني ثقة من (4) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني ثقة من (3) روى عنه في (14) بابا (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من تساعياته كما ذكرناه في البويطية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اهجوا) أيها الشعراء من المسلمين (قريشًا) أي مشركيها (فإنه) أي فإن هجوهم (أشدّ عليها) أي أضرّ على قبيلة قريش وأشد تأثيرًا في قلوبهم بانكسارها (من رشق) أي من رمي لهم (بالنبل) أي بالسهام والرشق بفتح الراء هو الرمي بالنبل وهي السهام وأما الرشق بكسر الراء فهو اسم للنبل التي ترمى دفعةً لا يتقدم منها شيء قال القاضي عياض وفيه جواز هجو المشركين وإذايتهم بكل ما يقدر عليه وجواز سبهم في وجوههم وأنه لا غيبة في كافر ولا فاسق معلن بفسقه وأما أمره صلَّى الله عليه وسلم بهجائهم مع أنه لم يكن فاحشًا ولا يأمر بالفحشاء وطلبه لنفر من أصحابه واحدًا بعد واحد ولم يرض بقول الأول والثاني حتى أمر حسان فإنما المقصود نكايتهم وكف إذايتهم بهجوهم المسلمين لأنهم إذا علموا أنهم يجابون عن قولهم كفوا وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية وكذلك يجب أن لا يبدأ المشركون بالسب والهجاء خوف هذا أي خوف سبهم لله تعالى وتنزيهًا لألسنة المسلمين عن الفحشاء إلا أن تدعو ضرورة لابتدائهم ككف أذاهم اهـ من الأبي وكان الشعر في ذلك الزمان من أقوى وسائل الدعاية والإعلام فاستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم للانتصار للإسلام فيؤخذ منه أن تستخدم مثل هذه الوسائل المباحة لنشر دعوة المسلمين وللرد على الكفار المعاندين للإسلام وأهله بما فيه نكاية لهم ومدافعة لشرهم (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم أولًا (إلى) عبد الله (بن رواحة) الأنصاري فجاء ابن رواحة (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اهجهم) أي اهج المشركين يا عبد الله واشتمهم دفاعًا عن المسلمين (فهجاهم) ابن رواحة (فلم يُرض) النبي صلَّى الله عليه وسلم هجاؤه إياهم أي لم يعجبه ولم يشفه بضم الياء من أرضى

فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ، قَال حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ. ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ. فَقَال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لأَفْرِيَنَّهمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الأدِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرباعي (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيًا (إلى كعب بن مالك) الأنصاري فجاء فقال له اهجهم فهجاهم فلم يرض يشف النبي صلَّى الله عليه وسلم هجاؤه إياهم (ثم أرسل) ثالثًا (إلى حسان بن ثابت) الأنصاري فجاء (فلما دخل) حسان (عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. (قال حسان) لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن معه من الصحابة (قد آن) أي قد حان وقرب وظهر (لكم) الآن (أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب) جنبيه (بذنبه) لاغتياظه وغضبه قال العلماء المراد بذنبه هنا لسانه شبه حسان نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه فجعل يحرِّكه فشبه نفسه بالأسد ولسانه بذنبه اهـ نووي. قال القرطبي: (وقول حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه) هذا القولُ منه مدح لنفسه شبَّه نفسه بالأسد إذا غضب فحمي وذلك أنه غضب لهجو قريش للنبي صلى الله عليه وسلم واحتدَّ لذلك واستحضر في ذهنه هجو قريش فتصوره وأحس أنه قد أعين على ذلك ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فقال تلك الكلمات مظهرًا لنعمة الله تعالى عليه وأنه قد أجيب فيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وليفخر بمعونة الله تعالى له على ذلك وتنزل هذا الافتخارُ في هذا الموطن منزلةَ افتخار الأبطال في حال القتال فإنهم يمدحون أنفسهم ويذكرون مآثرهم ومناقبهم في تلك الحال نظمًا ونثرًا وذلك يدل على ثبوت الجأش وشجاعة النفس وقوة العقل والصبر وإظهار كل ذلك للعدو إغلاظ عليهم وإرهاب لهم وكل هذا الافتخار يوصل إلى رضا الغفار فلا عتب ولا إنكار اهـ من المفهم. (ثم أدلع) حسان (لسانه) أي أخرجه عن الشفتين يقال دلع لسانه وأدلعه ودلع اللسان بنفسه أخرجه وحركه كأنه بعده للإنشاد (فجعل يحرّكه فقال والذي بعثك) وأرسلك (بالحق لأفرينّهم بلساني فري الأديم) أي لأمزقنهم بالهجو كما يمزق الجلد بعد الدباغ فإنه يقطع خفافًا ونعالًا وغير ذلك وتشبيه حسان نفسه بالأسد الضارب بذنبه

فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيشٍ بِأنْسَابِهَا. وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا. حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي" فَأَتَاهُ حَسَّانُ. ثُمَّ رَجَعَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ: "إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وإقرار الكل عليه دليل على بطلان قول من نسب حسان إلى الجبن ويتأيد هذا بأن حسان لم يزل يهاجي قريشًا وغيرهم من خيار العرب ويهاجونه ولم يعيره أحدٌ منهم بالجبن ولا نسبه إليه والحكايات المنسوبة إليه في ذلك أنكرها كثير من أهل الأخبار وقيل إن حسان أصابه الجبن عندما ضربه صفوان بن المعطّل بالسيف فكأنه اختل في إدراكه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. والمعنى لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد المدبوغ اهـ نووي من الفري والفري في الأصل القطع (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لحسان رضي الله عنه (لا تعجل) يا حسان في هجوهم حتى تستخبر أبا بكر عن نسبي فيهم (فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وانّ لي فيهم) أي في قريش (نسبًا) أي قرابة أي فاذهب إلى أبي بكر (حتى يلخص لك نسبي) فيهم أي حتى يبين لك خلاصة نسبي فيهم وقرابتي منهم (فأتاه) أي فأتى أبا بكر (حسان) بن ثابت فذكر أبو بكر له خلاصة نسبه صلى الله عليه وسلم فيهم (ثم رجع) حسان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (فقال) حسان له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله قد لخص لي نسبك) فيهم أي قد ذكر لي أبو بكر خلاصة نسبك منهم (والذي بعثك بالحق لأسلنَّك) أي لأخرجنَّ نسبك (منهم) أي من نسبهم (كما تسل) وتخرج (الشعرة من العجين) بلا بقاء شيء منها في العجين ويقال إنه لما بلغ أبا سفيان بن الحارث قصيدة حسان المذكورة قال هذا شعر لم يغب عنه ابن أبي قحافة كذا في ديوان حسان (قالت عائشة) رضي الله عنها بالسند السابق (فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان إن روح القدس) جبريل الأمين (لا يزال يؤيدك) أي يقويك ويساعدك ويلهمك (ما نافحت) ودافعت به (عن الله) سبحانه (و) عن (رسوله) صلى الله عليه وسلم أو مدة منافحتك على أن ما مصدرية ظرفية والمنافحة

وَقَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هَجَاهُم حَسَّانُ فَشَفَى وَاشتَفَى". قَال حَسَّانُ: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المخاصمة والمجادلة والمدافعة من النفح وهو الدفع يقال نفحت الناقة الحالب برجلها أي دفعته وركضته ونفحه بسيفه أي ضربه به من بعيد اهـ من المفهم (وقالت) عائشة أيضًا (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هجاهم) بصيغة الماضي فاعله (حسان) أي هجا حسان المشركين أي دافع هجوهم عن الإسلام والمسلمين (فشفى) حسان الألم الذي أحدثه هجوهم في الإسلام والمسلمين وعالجه بهجوه إياهم (واشتفى) هو في نفسه أي أصاب شفاء بثأره منهم بما ناله من أعراضهم. (قال حسان) أي أنشد حسان بن ثابت رضي الله عنه قصيدته في هجو المشركين لم يرو مسلم أولها وقد ذكرها بكمالها ابن إسحاق وقد ذكرها القرطبي والأبي والسنوسي في شروحهم فراجعها إن شئت واقتصر مسلم منها على ثلاثة عشر بيتًا واقتصرنا نحن على شرح ما ذكره الإمام مسلم رحمه الله تعالى خوفًا من الإطالة لأن شرحنا هذا مختصر إنما وضعناه تحنيكًا للأطفال باصطلاحات مسلم وتنبيهًا للرجال على دقائقه ولطائفه أي أنشد حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا لأبي سفيان بن الحارث المبتلى بهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه فذكر الأول منها بقوله: (هجوتَ محمدًا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء) (هجوت) أي شتمت يا أبا سفيان (محمدًا) صلى الله عليه وسلم (فأجبت عنه) أي عن هجائك إياه (وعند الله) خبر مقدم (في ذاك) أي على ذاك الجواب متعلق بقوله (الجزاه) وهو مبتدأ مؤخر أي والجزاء الحسن على ذاك الجواب عنه مدخر لي عند الله تعالى والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله فأجبت عنه أو حال من فاعل أجبت والتقدير فأجبت عنه حالة كوني راجيًا ادخار الجزاء الحسن لي عند الله سبحانه وتعالى على ذاك الجواب ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنشده هذا البيت قال له

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا تَقِيًّا ... رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ فَإِنَّ أبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وقَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ "جزاؤك عند الله الجنة" انظر الأغاني [4/ 163] للشيخ الأصبهاني اهـ من المفهم. (هجوت) أي سببت (محمدًا) صلَّى الله عليه وسلم (برًا) أي فاعل البر والخير لعباد الله الذي من أجله الدعوة إلى التوحيد (تقيًّا) أي ممتثلًا لأوامر الله تعالى ومجتنبًا عن نواهيه وفي رواية بدله (حنيفًا) أي مائلًا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق قال الأبي ويُروى بدل هذا الشطر "هجوت مباركًا برًّا تقيًّا" والبر الواسع الخير والنفع من البر بالكسر وهو الاتساع بالإحسان وهو اسم يجمع الخير كله ويكون البر أيضًا بمعنى المنزه عن المآثم ومنه بيع مبرور إذا لم يخالطه كذب وحج مبرور لا يخالطه ذنب ولا مأثم ومعنى "حنيفًا" في الرواية الأخرى مستقيمًا من الحنف وهو الاستقامة وسُمي الرجل المائل أحنف تفاؤلًا وقيل بل أصل الحنف الميل والحنيف المائل إلى الشيء والمسلم حنيف وسميت ملة إبراهيم الحنيفية لميلها إلى الرشد والخير والحنيف أيضًا الذي على ملة إبراهيم - عليه السلام - ودينه وقوله (برًّا تقيًّا) صفتان لمحمد وقوله (رسول الله) عطف بيان منه وقوله: (شيمته الوفاء) مبتدأ وخبر والجملة الاسمية صفة ثالثة لمحمد ومعنى "شيمته" أي خُلقه (الوفاء) للوعد ضد الغدر والخديعة وقال القرطبي والشيمة والسجية والسليقة والخليقة والجبلة كلها بمعنى وهو الطبيعة وقال غيره والشيمة بكسر الشين الخُلقُ بضمتين يجمع على شيم بكسر الشين وفتح الياء وذكر الثالث منها بقوله: (فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاءُ) والفاء في قوله (فإن أبي) تعليلية لأنه عقل بها قوله فأجبت عنه وإنما قلت فأجبت عنه لأن أبي وكذا أمي (ووالده) بالنصب معطوف على اسم إن أي وإن والد أبي وهو جده (وعرضي) وعرض الإنسان موضع المدح والذم منه قال ابن قتيبة يعني بالعرض هنا النفس وهو معطوف على اسم إن أيضًا والجار في قوله (لعرض محمد) أي لنفس محمد وكذا قوله (منكم) متعلق بقوله (وفاء) وهو خبر إن والمعنى عليه على ما قاله ابن قتيبة فإن أبي وأبا أبي ونفسي وقاية وستارة لنفس محمد منكم وفداء لها وقال غيره والعرض هنا هو الحرمة التي تنتهك بالسب والغيبة التي قال فيها النبي صلَّى الله عليه وسلم "إن دماءكم

ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَي كَدَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" رواه مسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي والوقاء بكسر الواو وبالقاف وبالمد وكذا الوقاية ما وقيت به الشيء وسترته عما يصيبه وذكر الرابع منها بقوله: (ثكلت بنيَّتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفي كداء) (ثكلت) بضم التاء للمتكلم من باب فرح قال السنوسي الثكل فقد الولد (بُنيَّتي) بضم الباء وتشديد الياء تصغير بنت أي فقدت بنتي وهو دعاء على ابنته بالموت وعند النووي بكسر الباء وتخفيف الياء أي فقدت نفسي لأن البنية بمعنى النفس المركبة من أجزاء كثيرة والضمير في (إن لم تروها) عائد على الخيل وإن لم يجر لها ذكر لكنها تفسرها الحال والمشاهدة (تثير) بضم التاء من الإثارة وجملة (النقع) أي ترفع الغبار وتهيجه وتحرّكه حال من ضمير المفعول في تروها لأن الرؤية هنا بصرية وقوله: (من كنفي كداءُ) متعلق بتثير والكنفان بفتحتين تثنية كنف الجانبان وكداء بفتح الكاف وبالمد ثنية بأعلى مكة بين مقبرة الحجون والعتيبية وكدى بضم الكاف والقصر ثنية في أسفل مكة على طريق إبراهيم الخليل - عليه السلام - وكداء هنا مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة في آخره وحينئذ يدخل في القافية عيب الإقواء وهو مخالفة حركة الروي لحركة ما قبلها وما بعدها لأن حركة ما قبلها وما بعدها الضم وحركته الكسرة وفي هامش المفهم الإقواء هو اختلاف حركة الإعراب في القوافي اهـ خزانة الأدب [4/ 200] ولكن وقع هذا الشعر في بعض الروايات بلفظ "موعدها كداء" وفي بعضها "غايتها كداءُ" وهو أوفق بقوافي القصيدة وأبعد عن عيب الإقواء وجاء هذا الشعر في ديوان حسان هكذا: عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء وهو حينئذ سليم عن عيب الإقواء وعن الإضمار للخيل قبل ذكرها ومعنى البيت فقدت ابنتي بموتها إن لم تروا أيها المشركون خيول المسلمين حالة كونها مثيرة الغبار في حوالي مكة للإغارة عليكم والمراد أنكم سوف ترون خيول المسلمين تغير عليكم في جوانب مكة وإن لم تفعل فإني أدعو على ابنتي بالموت.

يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... تُلَطِّمُهُنَ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر الخامس منها بقوله: (يبارين الأعنَّة مصعدات ... على كتافها الأسل الظماءُ) وقوله (يبارين) أي يأكلن بأضراسهن (الأعنة) أي ألجمة الحديد في محل النصب معطوفة على جملة قوله تثير النقع على كونها حالًا من مفعول ترون مأخوذ من برى القلم إذا صلحه بالسكين ويُروى (يبارعن الأعنة) أي يفقنها في الصلابة وقال القاضي الأول هو رواية الأكثرين ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها وهي منازعتها لها وقال الأبي نقلًا عن القاضي يعني أن الخيول لقوتها في نفسها وصلابة أضراسها تُضاهي أعنتها الحديد في القوة وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة ويجوز أن يكون المعنى كما في اللسان يعارضنها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها قال القاضي ووقع في رواية ابن الحذاء "يبارين الأسنة" وهي الرماح قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها وقال البرقوقي مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان "والأعنَّة" جمع عنان بكسر العين كلجام وزنًا ومعنىً وهو سير اللجام الذي تمسك به الدابة وقوله (مصعدات) حال من فاعل يبارين أي حالة كونها مقبلات إليكم ومتوجهات من أصعد في الأرض إذا ذهب فيها مبتدئًا ولا يقال للراجع (على أكتافها) جمع كتف وهو ما بين العنق والعضد (الأسل) بفتحتين الرماح (الظماءُ) جمع ظمئ أي العطاش لدماء الأعداء وفي بعض الروايات "الأسد الظماء" جمع أسد شبه راكبيها بالأسد لشجاعتهم وصولتهم. ومعنى البيت عدمنا خيلنا إن لم تروها أيها المشركون حالة كونها ترفع الغبار بحوافرها إلى السماء وحالة كونها يأكلن ألجمتها بأضراسها حالة كونها متوجهات إليكم على أكتافها الرماح العطاش لدماء الأعداء. ثم ذكر السادس منها بقوله: (تظل جيادنا متمطرات ... تلطمهن بالخمر النساءُ) (تظل جيادنا متمطرات) أي تكون خيولنا طول النهار مسرعات يسبق بعضها بعضًا وجملة تظل مستأنفة وجملة قوله: (تلطمهن بالخمر النساء) حال من الضمير المستكن في خبر تظل أي حالة كون تلك الجياد تمسح النساء العرق والغبار بخمرهن عن وجوههن أو

فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى تظل جيادنا متمطرات للعرق لشدة جريها وعدوها حالة كونها تمسح النساء العرق عنها بخمرهن قال السنوسي الجياد جمع جواد الخيل ومتمطرات أي سائلات بالعرق لشدة الجري يعني أن هذه الخيول لكرمها على أهلها تبادرها النساء فتمسح وجوه هذه الخيل بخمرهن اهـ والخمر جمع خمار وهو ما تستر به المرأة رأسها قال القرطبي: الجياد الخيل متمطرات يعني بالعرق من شدة الجري والرواية المشهورة "يلطمهن" من اللطم وهو الضرب في الخد يعني أن هذه الخيل لكرمهن في أنفسهن ولعزتهن عليهم تبادر النساء إليها فيمسحن وجوه هذه الخيل بالخمر وكان الخليل يروي هذه اللفظة يُطلّمهن بتقديم الطاء على اللام ويجعله بمعنى ينفض وقال ابن دريد اللطم ضربك خبز الملة بيدك لينتفض ما به من الرماد. ثم ذكر السابع منها بقوله: (فإن أعرضتموا عنَّا اعتمرنا ... وكان الفتحُ وانكشف الغطاءُ) قال الأبي ظاهر هذا كما قال ابن هشام أن حسَّان قال هذه القصيدة قبل الفتح في عمرة الحديبية حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت وقال ابن إسحاق إن حسّان قاله في فتح مكة وفيه بعد والمعنى فإن أعرضتم أيها المشركون عن قتالنا وخليتم بيننا وبين بيت الله تعالى (اعتمرنا) أي أدينا العمرة وأتممنا عملها وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالأعمال المخصوصة المعروفة والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون للإنسان في جميع السنة كلها والحج في وقت واحد من السنة ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة وهي مأخوذة من الاعتمار وهو الزيارة "وكان الفتحُ" أي وحصل فتح مكة لنا (وانكشف الغطاءُ) أي زال الحجاب عما وعد الله به نبيه من فتح مكة عليه صلوات الله وسلامه. ثم ذكر الثامن منها بقوله: (والا فاصبروا لضراب يوم ... يعز الله فيه من يشاءُ) (وإلا) أي وإن لم تعرضوا (عنا) أي عن صدنا من بيت الله تعالى ودمتم على صدكم إيانا. (فاصبروا لضراب يوم) أي فاصبروا على شدة بطشنا وضراب سيوفنا في يوم (يعز الله فيه) وينصر (من يشاءُ) نصره وعزه قال القرطبي هذا من باب إلهام العالم

وَقَال اللهُ: قَدْ أرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقَّ لَيسَ بِهِ خَفَاءُ وَقَال اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الأنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن حسان قد علم أن الله قد أعز نبيه وقد قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} إلى غير ذلك من الآيات قوله: "لضراب" بكسر الضاد مصدر قياسي لضارب الرباعي بمعنى المضاربة والقتال يفيد المشاركة من الجانبين وقوله: "يعز الله فيه من يشاء" فيه من المحسنات البديعية تجاهل العارف والمقصود منه أن الله يعز المسلمين ولكنه لم يصرح بذلك تجاهلًا. وقد ذكر التاسع منها بقوله: (وقال الله: قد أرسلت عبدًا ... يقول الحق ليس به خفاءُ) (وقال الله) جل وعز في كتابه (قد أرسلت عبدًا) من عبادي إلى المكلفين كافة (يقول) ذلك العبد الدين (الحق) أي القويم (ليس به) أي ليس في ذلك الدين أي في حقيته (خفاءُ) أي إشكال حيث قال في القرآن الكريم: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} إلى غير ذلك. وقد ذكر العاشر منها بقوله: (وقال الله: قد يسرت جندًا ... هم الأنصارُ عرضتها اللِّقاءُ) أي (وقال الله) سبحانه وتعالى أيضًا في كتابه (قد يسرت) وسخرت مع ذلك العبد المرسل (جندًا) لنا (هم الأنصار) والمهاجرون (عرضتها) بضم العين أي مقصدها ومطلبها (اللقاء) أي لقاء قوم المشركين وصناديدهم وقتالهم لإعزاز دين الله ونصرته مع نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 8 - 9]، إلى غير ذلك من الآيات قوله: "عرضتها" قال القاضي عياض عرضتها بضم العين قصدها فيقال اعترضت عرضه أي قصدت قصده وقد يكون عرضتها بمعنى صولتها وقوتها في اللقاء يقال فلان عرضة لكذا أي قوي عليه والمعنى عرضتها أي قصدها وهمتها لقاؤكم أيها المشركون يعني أنهم لما عاندوا نصر الله سبحانه نبيه صلَّى الله عليه وسلم

لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَو قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيمْدَحُهُ وَينْصُرُهُ سَوَاءُ وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بالأنصار ولم يذكر المهاجرين لأنهم لم يظهر لهم أمر إلا عند اجتماعهم مع الأنصار أو تركهم لضيق النظم. ثم ذكر الحادي عشر منها بقوله: (لنا في كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء) قال البرقوقي (لنا) يعني معشر الأنصار وقوله "من معد" يعني قريشًا لأنهم عدنانيون أي (لنا) معاشر الأنصار (في كل يوم) من أيام المعارك (من معد) أي مع بني معد بن عدنان يعني قريشًا لأنهم من نسل معد بن عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام (سباب) بالنثر (أو قتال) بالسيف (أو هجاء) بالنظم وأوفي الموضعين للتنويع. ثم ذكر الثاني عشر منها بقوله: (فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواءُ) والفاء في قوله (فمن يهجو) للإفصاح لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا عرفتم أن الله تعالى يسر له جندًا عرضتها اللقاء وأردتم بيان ما جرى بينه وبينكم فأقول لكم يا معشر قريش إن من يهجو ويشتم (رسول الله) صلى الله عليه وسلم (منكم) كأبي سفيان بن الحارث ومشركي مكة (و) من (يمدحه) منكم بلسانه (وينصره) بسيفه كالمهاجرين (سواء) عنده لأن هجو من هجاه لا يلحقه به ضرر ومدح من مدحه ونصر من نصره لا يزيده منزلة عند الله تعالى بل هو غني عن مدحكم ونصركم بنصر الله تعالى له ومدحه له في كتابه يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العزة والشرف بمكان لا يضره هجاؤكم ولا ينفعه مدحكم ونصركم لأنكم من الهوان بحيث لا يعبأ بكم وهو من العزة والشرف والمنعة والوجاهة بحيث لا ينال منه ولا يرتقى إليه. ثم ذكر الثالث عشر منها بقوله: (وجبريل رسول الله فينا قوله (وجبريل) مبتدأ (رسول الله) عطف بيان له (فينا) خبر المبتدإ أي معنا بالنصر والتأييد (وروح القدس) معطوف على رسول الله وقوله (ليس له كفاء) خبر ثان للمبتدأ

وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيسَ لَهُ كِفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وروح القدس ليس له كفاءُ) ويحتمل كون روح القدس مبتدأ خبره قوله "ليس له كفاء" والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله وجبريل فينا (وروح القدس) بضمتين وبإسكان الثاني للتخفيف من القدس بمعنى الطهارة فيكون مصدرًا بمعنى اسم المفعول وإضافة الروح بمعنى الملك إليه من إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع أي والروح المقدس من النقائص والخيانة لأنه أمين وحي الله تعالى وسفيره إلى أنبيائه وهو جبريل (ليس له كفاء) بكسر الكاف هو الكفء وهو المثل أي ليس له نظير ولا مثيل يكافئه ويقاومه عند النصر ويدافعه عند المقاومة والمقاتلة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في تحفة الأشراف وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث الأول حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة. والثاني حديث عبد الله بن سلام ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والرابع حديث البراء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسابع حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث عائشة الأخير ذكره للاستشهاد. "تتمّةٌ" طبقات الشعراء أربعة جاهلي وإسلامي ومخضرم ومحدث فالجاهلي من لم يدرك الإسلام والإسلامي من حدث في صدر الإسلام والمخضرم من أدرك الإسلام والجاهلية قال الأخفش من قولهم ماءُ خضرم بكسر الخاء والراء وسكون الضاد بينهما إذا تناهى في الكثرة والسعة فسمي الرجل بذلك كأه استوفى الأمرين وزعم بعضهم أنه لا يكون مخضرمًا حتى يكون إسلامه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أدركه كبيرًا ورده ابن رشد بأن النابغة الجعدي ولبيدًا وقع عليهما هذا الاسم وليسا كذلك فحسّان مخضرم على الأول لا على ما زعم هذا البعض وكذلك سماه ابن رشيق يعني أنه سماه مخضرما والمحدث من حدث بعد الطبقة الأولى من الإسلاميين ثم المحدثون طبقات بعضهم دون بعض في البراعة وأما أن حسان شاعر الأنصار فقال ابن رشيق كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيهم شاعر أتت القبائل تهنئهم ويصنعون الأطعمة وتقبل النساء يلعبن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس ويتفاخر الرجال بذلك لأنه حماية لأعراضهم ويذب عن أحسابهم وتخليد لمآثرهم وإشادة لذكرهم وكانوا لا يهنئون إلا بغلام وُلد أو شاعر نبغ وكان حسان شاعر الأنصار لهذا الوجه وأما أنه شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن رشيق في باب من رفعه الشعر وممن رفعه الشعر من المخضرمين حسان بن ثابت فإنه لم تكن له في الجاهلية والإسلام إلا شعره وقد بلغ من رضا الله تعالى ما أوجب له الجنة وأما أنه شاعر العرب كلها في الإسلام فلولا أنه قيده بقوله في الإسلام لم يصح لأن امرأ القيس كندي وكندة يَمَنِيٌّ وهو أشعر منه لقوله صلى الله عليه وسلم في امرئ القيس إنه أشعر الشعراء وقائدهم إلى النار يعني شعراء الجاهلية قال دعبل الخزاعي ولا يقود قومًا إلا أميرهم وقال عمر حين سأله العباس عن الشعراء امرؤ القيس سائقهم وفي حديث آخر امرؤ القيس بيده لواء الشعراء قال من فضل الأعشى على امرئ القيس من هذا الحديث صح للأعشى ما قلت لأنهم لا يحملون اللواء إلا على رأس الأمير فامرؤ القيس حامل اللواء والأعشى الأمير وقد اختلف في أيّ الناس أشعر اختلافًا كثيرًا وتعصبت كل طائفة لمن فضلت ومن جملة ما قيل إن أشعر الناس في الجاهلية امرؤ القيس وفي الإسلام حسان وعلى هذا يصح ما ذكر اهـ من الأبي [6/ 316 - 317]. ***

715 - (4) والسابع عشر منها باب فضائل أبي هريرة وقصة حاطب بن أبي بلتعة مع بيان فضله وفضل أهل بدر وفضائل أهل بيعة الرضوان

715 - (4) والسابع عشر منها باب فضائل أبي هريرة وقصة حاطب بن أبي بلتعة مع بيان فضله وفضل أهل بدر وفضائل أهل بيعة الرضوان 6241 - (2476) (32) حدَّثنا عَمْرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 715 - (4) والسابع عشر منها باب فضائل أبي هريرة وقصة حاطب بن أبي بلتعة مع بيان فضله وفضل أهل بدر وفضائل أهل بيعة الرضوان " أما أبو هريرة" فقد اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا انتهت أقوال النقلة في ذلك إلى ثمانية عشر قولًا وأشبه ما فيها أن يقال إنه كان له في الجاهلية اسمان عبد شمس وعبد عمرو وفي الإسلام عبد الله وعبد الرحمن بن صخر وقد اشتهر بكنيته حتى كأنه ما له اسم غيرها فهي أولى به وكُني بأبي هريرة لأنه وجد هرةً صغيرة فحملها في كمه فكني بها وغلب ذلك عليه وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناه بذلك عندما رآه يحملها أسلم أبو هريرة عام خيبر وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لازمه وواظب عليه رغبة في العلم راضيًا بشبع بطنه فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدور معه حيثما دار فكان يحضر ما لا يحضره غيره ثم اتفق له أن حصلت له بركة دعوة النبي صلَّى الله عليه وسلم في الثوب الذي ضمه إلى صدره فكان يحفظ ما سمعه ولا ينساه فلا جرم أن حفظ له من الحديث عن رسول الله ما لم يحفظ لأحد من الصحابة رضي الله عنهم وذلك خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا [5374] قال البخاري روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صحابي وتابعي قال أبو عمر استعمله عمر على البحرين ثم عزله ثم أراده على العمل فأبى عليه ولم يزل يسكن المدينة وبها كانت وفاته سنة سبع وخمسين (57) وقيل ثمان وقيل سنة تسع وقيل توفي بالعقيق وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان وكان أميرًا يومئذ على المدينة ومروان معزول وكان رضي الله عنه من علماء الصحابة وفضلائها ناشرًا للعلم شديد التواضع والعبادة عارفًا لنعم الله تعالى شاكرًا لها مجتهدًا في العبادة كان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثًا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا وكان يقول نشأت يتيمًا وهاجرت مسكينًا وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رحلي فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدوا إذا ركبوا فزوجنيها الله تعالى فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا وجعل أبا هريرة إمامًا ثم استدل المؤلف على فضائل أبي هريرة بحديثه رضي الله عنه فقال: 6241 - (2476) (32) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا

عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيرَةَ قَال: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلى الإِسْلامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ. فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا أَكرَهُ. فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ ادْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ. فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ. فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيرَةَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيرَةَ" فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّ جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ. فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص (اليمامي) ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمّار) العجلي الحنفي أبو عمار (اليمامي) صدوق من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي كثير يزيد بن عبد الرحمن) بن أُذينة العنبري السحيمي اليمامي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (حدثني أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام) قال ابن بشكوال اسمها أميمة بنت صبيح اهـ تنبيه المعلم (وهي مشركة) أي كافرة. (فدعوتها يومًا) إلى الإسلام (فأسمعتني في) شأن (رسول الله) ووصفه (ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي) قال الأبي يحتمل بكاؤه لأنه سمع في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه أو لأن تلك الكلمة التي سمع منها آيسته من إيمانها اهـ منه فـ (قلت) له صلَّى الله عليه وسلم (يا رسول الله إني كنت) دائمًا (أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى) من باب سعى أي فتمتنع (عليَّ) الإسلام (فدعوتها اليوم) إلى الإسلام (فأسمعتني فيك) أي في وصفك وشأنك (ما أكره) ولا أحبّ من الوصف الذي لا يليق بك (فادع الله) تعالى (أن يهدي أمَّ أبي هريرة) إلى الإسلام (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في نفس الوقت (اللهم اهد أم أبي هريرة) إلى الإسلام بالتوفيق لها (فخرجت) أنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (مستبشرًا) مسرورًا (بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما جئت) ورجعت ووصلت إلى البيت (فصرت) أي فكنت (إلى الباب) أي عند الباب (فإذا هو) أي الباب (مجاف) أي مغلق والفاء في قوله فإذا زائدة وإذا فجائية رابطة لجواب لما أي فلما جئت وكنت عند الباب فاجأني إجافة الباب وغلقه فقوله: "مجاف" اسم مفعول

فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ. فَقَالتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ. قَال: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَت دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا. فَفَتَحَتِ الْبَابَ. ثُمَّ قَالتْ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَال: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيرَةَ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ وَقَال خَيرًا. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أجاف الرباعي من باب أقام يقيم يقال أجاف الباب إجافة إذا أغلقه وسكه بالغلق (فسمعت أمي خشف قدميَّ) بصيغة التثنية أي صوت وقعهما على الأرض (فقالت) لي من داخل البيت (مكانك) أي الزم مكانك (يا أبا هريرة) حتى أفتح الباب لك (وسمعت) أنا من داخل البيت (خضخضة الماء) أي صوت تحريك الماء وتروشه وإنما سمعه لأن أمَّه كانت تغتسل وفي الحديث إجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمه (قال) أبو هريرة (فاغتسلت) أمي أي فرغت من غسلها (ولبست درعها) أي قميصها (وعجلت) أي استعجلت (عن) أخذ (خمارهما) ولبسه إلى الخروج إليّ من غير أن تغطي رأسها بالخمار (ففتحت الباب) عني (ثم قالت) لي (يا أبا هريرة) استمع لي كلمة الإسلام وأنا أريده فقالت (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) صلى الله عليه وسلم (قال) أبو هريرة (فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) إخبارًا له بالبشارة (فأتيته وأنا أبكي من) أجل (الفرح) والسرور بإسلام أمّي (قال) أبو هريرة فـ (قلت) له صلَّى الله عليه وسلم (يا رسول الله أبشر) بإجابة دعوتك لأمي فإنه (قد استجاب) أي أجاب (الله) سبحانه وتعالى (دعوتك) لها بالهداية (وهدى) الله سبحانه بفضله وكرمه (أمَّ أبي هريرة) إلى الإسلام فأقرت الشهادتين (فحمد الله) سبحانه أي حمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه على إجابة دعوته بتنزيهه من النقائص (وأثنى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) تعالى بوصفه بالكمالات (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقت أمك (خيرًا) عظيمًا يعني إسلامها أو قال كلامًا خيرًا أي حسنًا في الدعاء لها (قال) أبو هريرة فـ (ـقلت يا رسول الله ادع الله) لنا (أن يُحببني) الله تعالى (أنا وأمي إلى عباده

الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَينَا. قَال: فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيدَكَ هَذَا -يَعْنِي أَبَا هُرَيرَةَ- وَأُمَّهُ إلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ. وَحَبِّبْ إِلَيهِمُ الْمُؤْمِنِينَ" فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي، وَلَا يَرَانِي، إلا أَحَبَّنِي. 6242 - (2477) (33) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَجِ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ يُكْثِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤمنين) أي أن يجعلنا محبوبين بين عباده المؤمنين (ويحببهم إلينا) أي وأن يجعلهم محبوبين عندنا أي عندي وعند أمي قال الأبي يحتمل أنه تلطف في سؤال الله تعالى لأن ذلك فرع محبة الله سبحانه إياه لحديث إن الله إذا أحب عبدًا نادى جبريل في السماء الحديث إلخ (قال) أبو هريرة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم حبب عبيدك هذا) هذا التصغير ليس للتحقير بل هو أسلوب من أساليب المحبة كما يفعل الوالد مع أولاده بل تصغير شفقة (يعني) النبي صلَّى الله عليه وسلم بقوله عبيدك (أبا هريرة) رضي الله عنه وقوله (وأمّه) بالنصب معطوف على عبيدك أي اجعلهما محبوبين (إلى عبادك المؤمنين) أي عند عبادك (وحبب إليهم المومنين) أي وحبب المؤمنين عندهما والمراد بالجمع ما فوق الواحد يعني أبا هريرة وأمه أو يقال إن الجمع فيه لمشاكلة ما قبله قال أبو هريرة (فما خلق مؤمن) ولا مؤمنة (يسمع بي) أي بخبري إلا أحبني (ولا يراني) مؤمن ولا مؤمنة (إلا أحبّني) ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قال الأبي علمه بذلك ممن رآه دليله المشاهدة وأمّا من لم يره أو خلق بعده فمستنده في ذلك علمه بقبول دعوته صلى الله عليه وسلم اهـ وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكنه شاركه أحمد [2/ 320]. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6242 - (2477) (33) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن سفيان قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الأعرج قال سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (يقول) أي أبو هريرة (إنكم) أبها الناس (تزعمون) أي تقولون (أن أبا هريرة يكثر

الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَاللهُ الْمَوْعِدُ. كُنْتُ رَجُلًا مِسْكِينًا. أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلءِ بَطنِي. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد) أي الرجوع إلى الله بحكم الوعد الصادق فيُجازي كلًّا على قوله وفعله إن شرًّا فشر وإن خيرًا فخير اهـ من المفهم قال الحافظ في الفتح [5/ 28] فيه حذف تقديره وعند الله الموعد لأن الوعد إما مصدر أو ظرف زمان أو ظرف مكان وكل ذلك لا يخبر به عن الله تعالى ومراده أن الله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبًا ويحاسب من ظنَّ بي السوء إن لم أكن كذلك وقال النووي الكلام على حذف مضاف من الأول والتقدير ولقاء الله ومجازاته موعود به فيجازي كلًّا بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر وقال القاضي عياض معناه الله سبحانه يحاسبني إن تعمدت كذبًا وحسيب من يظن بي السوء. وقال القسطلاني: معناه يوم القيامة يظهر أنكم على الحق في الإنكار على أو أني عليه في الإكثار والجملة معترضة ولا بد في التركيب من تأويل لأن مفعلًا للمكان أو الزمان أو للمصدر ولا يصح هنا إطلاق شيء منها على الله لأنه ذات فلا بد من إضمار أو تجوّز يدل عليه المقام قاله البرماوي كالكرماني والجملة معترضة "قلت" في الكلام حذف من الأول وتأويل في الثاني والتقدير وحكم الله بين عباده أي فصله بين عباده المختلفين موعود به آت فلا تستعجلوه والجملة معترضة أتى بها لتأكيد الكلام والله أعلم. ولكنِّي (كنت) أنا (رجلًا مسكينًا) ليس له شاغل من الدنيا (أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم الدال من باب نصر (على ملء بطني) أي مع كف نفسي عن طلب المال الذي يشغلني عن ملازمته صلى الله عليه وسلم والاقتناع بما حصل لي من القوت الضروري قال السنوسي معناه أي ألازمه صلَّى الله عليه وسلم مقتنعًا بقوتي بلا طلب مال أدخره زيادة على ذلك بل إذا حصل لي القوت من وجه مباح اكتفيت به ولا أطلب زيادة عليه وليس المعنى أنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الإجارة أو كان طعامه أجرة خدمته والله أعلم اهـ منه بزيادة وتصرف (وكان المهاجرون) من أصحابه صلى الله عليه وسلم (يشغلهم) عن ملازمته صلَّى الله عليه وسلم (الصفق) أي العقود

بِالأسوَاقِ. وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ القِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَبْسُطْ ثَوْبَهُ فَلَنْ يَنسَى شَيئًا سَمِعَهُ مِني". فَبَسَطْتُ ثَوْبِي حَتَّى قَضَى حَدِيثَهُ. ثُمَّ ضَمَمْتُهُ إِليَّ. فَمَا نَسِيتُ شَيئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشراء والبيع (بالأسواق) أي في الأسواق والأسواق جمع سوق والسوق تذكر وتؤنث وسميت سوقًا لقيام الناس بها على سوقهم وقيل لسوق الناس إليها ما يُباع اهـ نووي "والصفق" بسكون الفاء مصدر لصفق من باب ضرب أصله ضرب اليد على اليد وجرت به عادتهم عند التبايع فكان التصفيق علامةً لتمام عقد البيع فاستعيرت الكلمة للعقد (وكانت الأنصار يشغلهم) عن ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم (القيام) بالأشغال العائدة (على) إصلاح (أموالهم) أي على بساتينهم ومزارعهم يعني به الزراعة والحصد والدياسة والغرس والتلقيح والقطف والتجفيف مثلًا وقد صرَّح به في رواية يونس الآتية "كان يشغلهم عمل أرضهم" (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام (من يبسط ثوبه) ويمد إلى أن أفرغ من مقالتي عليه ثم جمع أطراف ثوبه وجمعه إلى صدره فمن اسم شرط جازم جوابه (فلن ينسى شيئًا سمعه منِّي) بعد ذلك والفاء في قوله فلن ينسى رابطة الجواب بالشرط وجوبًا لاقترانه بلن قال أبو هريرة (فبسطت ثوبي حتى قضى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (حديثه) أي مقالته تلك (ثم) جمعت ثوبي فـ (ضممته إليَّ) أي إلى صدري (فما نسيت) بعد ذلك (شيئًا سمعته منه) صلَّى الله عليه وسلم ببركة دعائه قال النووي في هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بسط ثوب أبي هريرة اهـ قوله "من يبسط ثوبه" ووقع في رواية شعيب عن الزهري عند البخاري في البيوع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدّثه "إنه لن يبسط أحدٌ ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعي ما أقول" قوله "فما نسيت شيئًا سمعته منه" وفي رواية شعيب المذكورة فبسطت نمرةً عليَّ حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء. وهذا يدل على أن بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لخصوص تلك المقالة التي كان يقولها إذ ذاك .. وقد أخرج الترمذي رقم [3835] من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة وصححه قال قلت يا رسول الله أسمع منك أشياء فلا أحفظها قال

6243 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مَعْنٌ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. غَيرَ أَنَّ مَالِكًا انْتَهَى حَدِيثُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ قَوْلِ أَبِي هُرَيرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَبْسُطْ ثَوْبَهُ" إِلَي آخِرِه ـــــــــــــــــــــــــــــ ابسط رداءك فبسطت فحدث حديثًا كثيرًا فما نسيت شيئًا حدثني به وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثه حينئذ بأحاديث كثيرة مختلفة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 138] والبخاري [3568] وأبو داود [4839] والترمذي [3639] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا فقال: 6243 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد) بن برمك البرمكي أبو محمد البصري سكن بغداد ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم أبو يحيى المدني ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (عن مالك) بن أنس الأصبحي المدني ثقة من (7) (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11) (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من مالك ومعمر رويا (عن الزهري) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة مالك ومعمر لسفيان بن عيينة (عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه كلاهما رويا (بهذا الحديث) السابق الذي رواه سفيان بن عيينة عن الزهري (غير أن مالكًا) ابن أنس (انتهى) أي تمّ (حديثه عند انقضاء قول أبي هريرة) يعني قوله "وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم" "ولم يذكر" مالك (في حديثه) أي في روايته (الرواية) أي رواية أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) لفظة (من يبسط ثوبه) أكمل (إلى آخره) أي إلى آخر ما رواه أبو هريرة يعني قوله "فما نسيت شيئًا سمعته منه". وما يقع هنا في أغلب النسخ الموجودة في زماننا متونًا وشروحًا من ذكر حديث عائشة بعد هذه المتابعة وقبل المتابعة الثانية الآتية بعد ذكر حديث عائشة بقوله قال ابن شهاب وقال ابن المسيب تحريف من النساخ بالتقديم والتأخير فالصواب ذكر المتابعات

6244 - (00) (00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالت: أَلا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيرَةَ، جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ حُجْرَتِي. يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. يُسْمِعُنِي ذلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. - قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَقَال ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: يَقُولُونَ: إِنَّ أبَا هُرَيرَةَ قَدْ أَكْثَرَ. وَاللهُ الْمَوْعِدُ. ويقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَا يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذلِكَ: إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرَضِيهِمْ. وإِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بَالأَسْوَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في حديث أبي هريرة على التوالي ثم ذكر حديث عائشة بعدها كما يدل على ما ذكرناه قوله في آخر المتابعة الثالثة "بنحو حديثهم" بالضمير العائد على سفيان ومالك ومعمر وعلى هذا الصواب الذي ذكرناه نقول: ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا تعليقًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6244 - (00) (00) (قال ابن شهاب) بالسند السابق (وقال) لنا سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (إن أبا هريرة قال) لنا غرضه بسوق هذا السند المعلّق بيان متابعة ابن المسيب لعبد الرحمن الأعرج في الرواية عن أبي هريرة الناس (يقولون) في شأني. (إن أبا هريرة قد أكثر) من رواية الحديث برواية ما لم يروه غيره من المهاجرين والأنصار (والله الموعد) أي وحكم الله من الفصل بين المتخاصمين حق موعود سيأتي يوم القيامة تقدم ما في هذه الجملة من البحث في الرواية الأولى (ويقولون) في الاعتراض عليَّ معطوف على القول الأول (ما بال المهاجرين والأنصار) وما شأنهم (لا يتحدثون) أي لا يحدّثون حديثًا كثيرًا (مثل أحاديثه) أي مثل أحاديث أبي هريرة (وسأحدثكم) أيها المعترضون على إكثار الحديث (عن) سبب (ذلك) أي عن سبب عدم إكثارهم الحديث وأقول لكم في بيان ذلك السبب (إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق) والعقود (بالأسواق) أي

وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَلَقَدْ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: "أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَيَأْخُذ مِنْ حَدِيثِي هَذَا، ثُمَّ يَجْمَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ شَيئًا سَمِعَهُ" فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ بَعْدَ ذلِكَ الْيَوْمِ شَيئًا حَدَّثَنِي بِهِ. وَلَوْلا آيتَانِ أَنْزَلَهُمَا اللهُ فِي كِتَابِهِ مَا حَدَّثْتُ شَيئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159 - 160] إِلَى آخِرِ الآيَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأسواق قال القرطبي والصفق بالأسواق التجارة فيها وقد تقدم أنهم كانوا يتواجبون بالأيدي فيصفق أحدهما في كف الآخر فإذا فعلوا ذلك وجب البيع فسمي البيع صفقًا بذلك اهـ من المفهم (وكنت ألزم) وأصحب (رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني) أي مع شبع بطني وكفها عن الشهوات (فأشهد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا غابوا) أي غاب إخواني المذكورون عنه (وأحفظ) أحاديثه (إذا نسو) ها (و) أقسم لكم بالإله الذي لا إله غيره على أنه (لقد قال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (أيكم يبسط ثوبه فيأخد من حديثي هذا) يعني الذي قال على الثوب حين بُسط والمراد بأخذه قوله معه صلى الله عليه وسلم مشافهة عندما قال (ثم يجمعه) أي يجمع ثوبه ويلفه ثم يضمه (إلى صدره فإنه) أي فإن ذلك الباسط ثوبه (لم ينس) بعد ذلك (شيئًا سمعه) من الأحاديث قال أبو هريرة (فبسطت) أنا (بردة) كانت (عليّ) في ذلك الوقت البردة كساء مخطط تلبسه الأعراب (حتى فرغ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حديثه) الذي قاله على البردة (ثم جمعتها) أي ثم جمعت البردة وضممتها (إلى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولولا) مخافة الكتمان الذي تضمنته (آيتان أنزلهما الله) تعالى (في كتابه) العزيز (ما حدثت شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا من الأحاديث (أبدًا) أي مدة حياتي خوفًا من تعيير الناس عليّ وسوء ظنهم بي بالكذب والافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم والآيتان هما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159 - 160] إلى آخر الآيتين). "وقوله يقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه" قال القرطبي: هذا الإنكار خلاف إنكار عائشة الآتي في حديثها رضي الله عنها فإنها إنما أنكرت سرد الحديث وهؤلاء أنكروا على أبي هريرة أن يكون أكثر الصحابة حديثًا وهذا إنكار استبعاد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعجب لا إنكار تهمة ولا تكذيب لما يعلم من حفظه وعلمه وفضله ولما يعلم أيضًا من فضلهم ومعرفتهم بحاله ولذلك بين لهم الموجب لكثرة حديثه وبين أنه شيئان أحدهما أنه لازم النبي صلَّى الله عليه وسلم ما لم يلازموا فحضر ما لم يحضروا. وثانيهما بركة امتثال ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بسط ثوبه وضمّه إلى صدره فكان ذلك سبب حفظه وعدم نسيانه فقد حصلت لأبي هريرة ولأمه من بركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصائص دعواته ما لم يحصل لغيره ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لما حفظ علمًا كثيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقق أنه وجب عليه أن يبلغه غيره وقد وجد من يقبل عنه ومن له رغبة في ذلك تفرغ لذلك مخافة الفوت ومعالجة القواطع أو الموت ثم إنه لما المه الإنكار همَّ بترك ذلك والفرار لكنه خاف من عقوبة الكتمان المنبه عليها في القرآن ولذلك قال لولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثًا ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآيتين اهـ من المفهم. قوله "وأحفظ إذا نسوا" وقد شهدوا له بذلك فقد روى البيهقي في مدخله من طريق أشعث عن مولى لطلحة قال كان أبو هريرة جالسًا فمرّ رجل بطلحة فقال له لقد أكثر أبو هريرة فقال طلحة قد سمعنا كما سمع ولكنه حفظ ونسينا ذكره الحافظ في الفتح [8/ 77] وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في المدخل من حديث محمد بن عمارة بن حزم أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلًا فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم فيراجعون فيه حتى يعرفوه ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فعل مرارًا فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس ذكره الحافظ في الفتح [1/ 214]. وأخرج الحاكم في المستدرك [3/ 510] بسند صحيح أقرّه الذهبي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال كان أبو هريرة جريًّا على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياء لا نسأله عنها وأخرجه أيضًا أحمد في مسنده [5/ 139] وأخرج الحاكم أيضًا عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رجل لابن عمر إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر أعيذك بالله أن تكون في شك مما يجيء به ولكنّه اجترأ وجبنَّا اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6245 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ. 6246 - (2478) (34) حَدَّثَنَي حرملة بن يحي التجيبي أخبرنا ابن وهب أَخْبَرَنِي يونس عن ابْنُ شهاب أن عروة بن الزبير حدّثه أن عائشة قَالتْ: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يُسمعني ذلك ـــــــــــــــــــــــــــــ 6245 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (عن شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعيب بن أبي حمزة لسفيان بن عيينة ومالك ومعمر (قال) أبو هريرة (إنكم تقولون) أيها الناس (إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق شعيب بن أبي حمزة (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث سفيان ومالك ومعمر والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف وقيل استطرد لحديث أبي هريرة أعني حديثه الأخير بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6246 - (2478) (34) (وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدَّثه أن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت ألا يعجبك) بضم الياء وكسر الجيم من الإعجاب (أبو هريرة) فاعل وقوله (جاء) حال من (أبو هريرة) بتقدير قد وقوله (فجلس) في المسجد (إلى جنب حجرتي) معطوف على جاء وقوله: (يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال من فاعل جلس وقوله (يُسمعني ذلك) التحديث بضم الياء وكسر الميم حال من فاعل يحدث فهي أحوال متداخلة والمعنى على هذه الرواية ألا يريك يا بن أختي أبو هريرة من شأنه العجب حالة

وكنت أسبّح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إنَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لم يكن يسرد الحديث كسردكم ـــــــــــــــــــــــــــــ كونه قد جاء المسجد فجلس فيه عند جانب حجرتي حالة كونه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه يسمعني ذلك الحديث (و) الحال أني قد (كنت أسبّح) أي أصلي السبحة وهي النافلة قيل المراد منها هنا صلاة الضحى سميت سبحة لاشتمالها على التسبيح أو المعنى أذكر الله تعالى والأول أوجه كما في فتح الباري وفي رواية "ألا نعجبك" بضم النون وفتح العين وكسر الجيم المشددة من التعجيب قال القاضي عياض كذا ضبطناه والمعنى ألا نسمعك العجب من شأن أبي هريرة وقوله: "أبو هريرة" على هذه الرواية مبتدأ وجملة "جاء فجلس" خبره قال القاضي وهذه الرواية أصحّ من الأولى لأنها أوفق للقياس وفي رواية للبخاري "ألا أعجبك" ووقع في رواية للبخاري "ألا يعجبك أبو فلان" من غير تصريح باسم أبي هريرة قالت عائشة (فقام) أبو هريرة من مجلسه بعدما حدّث للناس (قبل أن أقضي) وأكمل (سبحتي) أي نافلتي وأفرغ عنها (ولو أدركته) أي أدركت أبا هريرة قبل أن يقوم بالفراغ من صلاتي (لرددت) أي لأنكرت (عليه) سرده الحديث وإسراعه في روايته وإكثاره الحديث على الناس في مجلس واحد فـ (إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث) أي يكثر الحديث على الناس ويتابعه وشرع فيه (كسردكم) هذا أي لا يفعل في الحديث كفعلكم هذا من الإكثار على الناس والإسراع فيه والمتابعة بين الأحاديث في مجلس واحد والمعنى لا يتابع الحديث استعجالًا بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع قال في المصباح يقال سردت الحديث سردًا من باب قتل أتيت به على الولاء وقيل لأعرابي أتعرف الأشهر الحرم فقال ثلاثة سرد وواحد فرد اهـ منه. وقولها "ألا يعجبك أبو هريرة" إلخ قالته إنكارًا عليه الإكثار من الحديث في المجلس ولذا قالت إنما كان يحدث حديثًا لو عدّه العاد أحصاه أي يحدث حديثًا قليلًا قوله: "ولو أدركته لرددت عليه" أي لأنكرت عليه وبينت له أن الترتيل في التحديث أولى من السرد فيه قال الأبي وهذا اعتذار على عدم المبادرة في التغيير لأن تغيير ما ينكر على الفور ولكن منعها أنها كانت في صلاة اهـ منه قولها "لم يكن يسرد الحديث كسردكم" قال الأبي وقد يقال إنه لا يستقيم حجة على أبي هريرة لأن تحديثه صلى الله عليه وسلم بحسب النوازل والوقائع وتحديث أبي هريرة كان للرواة والطلبة للعلم وهو مناسب للإكثار والمرجع في ذلك لصورة السرد التي أنكرت اهـ منه.

فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه 6247 - (2479) (35) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو- (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، ـــــــــــــــــــــــــــــ وزاد الإسماعيلي من رواية ابن المبارك عن يونس "إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلًا فهمًا تفهمه القلوب" ذكره الحافظ في الفتح [6/ 678] وهذا يدل على أن عائشة رضي الله عنها لم تنكر على مطلق رواية الحديث إنما أنكرت على الاستعجال في قراءته أو سرده لأنه لا يفهم إلا بالتأني وعلى جمع الأحاديث الكثيرة في وقت واحد لأنّها لا تحفظ بهذا الطريق عادة واعتذر الحافظ لأبي هريرة بأنه كان واسع الرواية كثير المحفوظات فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث كما قال بعض البلغاء أريد أن أقتصر فتزاحم القوافي على فيَّ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 118] والبخاري في المناقب باب صفة النبي صلَّى الله عليه وسلم [3568] وأبو داود في العلم باب في سرد الحديث [3655] والترمذي في المناقب باب في كلام النبي صلَّى الله عليه وسلم [3639]. فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه واسمه عمرو بن راشد من ولد لخم بن عدي يكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وهو حليف للزبير بن العوام وقيل لبني أسد وقيل كان عبدًا لعبيد الله بن حميد كاتبه فأدى كتابته شهد بدرًا والحديبية مات سنة (30) ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة وصلّى عليه عثمان بن عفان وقد شهد الله تعالى له بالإيمان في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وقد شهد له رضي الله عنه بالإيمان والصدق وبأنه لا يدخل النار اهـ مفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو فضائل حاطب وأهل بدر بحديث علي رضي الله عنه فقال: 6247 - (2479) (35) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ) الآتي (لعمرو) الناقد (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن

عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ. قَال: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيرَ وَالْمِقْدَادَ. فَقَال: "ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ دينار الجمحي المكي (عن الحسن بن محمد) بن علي بن أبي طالب الهاشمي ابن ابن الحنفية أبي محمد المدني ثقة فقيه من (3) روى عنه في (4) أبواب وهو أول من تكلم بالإرجاء قال ابن حجر الإرجاء الذي تكلّم فيه لا يتعلق بالإيمان فيكون مما يعيبه أهل السنة وإنما معناه أنه كان يرى عدم القطع بالخطأ أو الصواب على إحدى الطائفتين المقتتلتين علي ومعاوية فلا يلحق بذلك عيب وقدح قال (أخبرني عبيد الله بن أبي رافع) إبراهيم القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو) أي عبيد الله (كاتب علي) بن أبي طالب رضي الله عنه المدني ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) عبيد الله (سمعت عليًّا) ابن أبي طالب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته أي سمعت عليًّا (وهو يقول) أي والحال أنّه يقول (بعثنا) معاشر الثلاثة (رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير) بن العوام (والمقداد) بن الأسود إلى جهة مكة (فقال) لنا (ائتوا روضة خاخ) أي امشوا إلى روضة خاخ أي إلى مكان يسمى بها وهو موضع بين مكة والمدينة قريب إلى المدينة وهي بخاءين معجمتين وهو الصواب الذي قاله العلماء كافة من جميع الطوائف وفي جميع الروايات والكتب إلا في رواية أبي عوانة للبخاري فقد وقع فيه روضة حاج بالحاء المهملة والجيم وقد اتفق العلماء على أنها غلط من أبي عوانة وقد اشتبه عليه روضة خاخ بموضع آخر اسمه ذات حاج وهو موضع بين المدينة والشام (فإن بها) أي إن في روضة خاخ (ظعينة) أي امرأة مسافرة في الهودج وأصله من الظعن بمعنى السير والسفر ثم أطلق لفظ الظعينة على الهودج وعلى المرأة ما دامت في الهودج كما في القاموس والهودج مركب من مراكب النساء يقبب ويمكن فيه الرقود وذكر النووي أن اسم هذه الظعينة سارة مولاة لعمران بن أبي صيفي -وقال الخطيب هي أم سارة مولاة لابن أبي صيفي القرشي ووقع في الفتح [12/ 307] هي مولاة أبي صيفي بن عمرو بن هاشم وفي الإصابة [4/ 323] مولاة عمرو بن هاشم اهـ وقيل اسمها كتود مولاة لقريش اهـ دهني قال القرطبي وتجمع الظعينة على ظعن بسكون العين وضمها مع ضم الظاء فيهما وعلى ظعائن وأظعان اهـ (معها) أي مع تلك الظعينة (كتابٌ) أي رسالة إلى أهل مكة

فَخُذُوهُ مِنْهَا" فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيلُنَا، فَإذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ. فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيِنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَينَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فخذوه) أي فخذوا ذلك الكتاب (منها) أي من تلك المرأة قال النووي فيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلًا أو امرأة وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر اهـ (فانطلقنا) أي ذهبنا معاشر الثلاثة من المدينة إلى روضة خاخ حالة كوننا (تعادى) أي تجري وتعدو (بنا خيلنا) وتسرع بنا في سيرها وقوله "تعادى" بحذف إحدى التاءين أصله تتعادى مضارع تعادى الخماسي نظير ترامى ثلاثيّه عدا من باب دعا من العدو وهو الجري والسير السريع فوصلنا إلى روضة خاخ (فإذا نحن) راؤون (بالمرأة) الظعينة والفاء في قوله "فإذا" عاطفة على محذوف كما قدرناه في الحل وإذا فجائية والتقدير فوصلنا إلى روضة خاخ ففاجأنا رؤية الظعينة (فقلنا) لها (أخرجي) إلينا (الكتاب) المحمول معك (فقالت ما معي كتاب فقلنا) لها والله إمَّا (لتخرجنَّ الكتاب) الذي معك (أو لتلقين) أي أو لترمين (الثياب) التي عليك لنفتش الكتاب فيها وفي بعض روايات البخاري "أو لنلقين الثياب" بالنون على صيغة المتكلمين وفي رواية عنده في الجهاد [3581] "لتخرجن أو لأُجردنك" وهو أوضح (فأخرجته) أي أخرجت الكتاب (من عقاصها) أي من شعرها المضفور جمع عقيصة وفي المفهم والعقاص بكسر أوله الشعر المعقوص أي المضفور أو الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب والملصق في القوم وهو الذي لا نسب له فيهم وهو الحليف والنزيل والدخيل قال عليّ بن أبي طالب (فأتينا به) أي بالكتاب (رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه) أي في ذلك الكتاب والرسالة هذه رسالة أرسلت (من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة) صفة ثانية لناس أو بدل من الجار والمجرور قبله وكان حاطب رجلًا من أهل اليمن فحالف الزبير بن العوام رضي الله عنه وأقام مع قريش وكان من فرسانهم وشعرائهم وقد شهد بدرًا والحديبية وبعث معه النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا إلى مقوقس مصر مات سنة ثلاثين أيام خلافة عثمان وله خمس وستون سنة كذا في الإصابة [1/ 299 و 300] كما مرّ آنفًا حالة كون حاطب (يخبرهم) أي يخبر

بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ " قَال: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيشٍ (قَال سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ. وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا) وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ، فَأَحْبَبْتُ، إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ لمشركي مكة (ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) وشؤونه من الاستعداد لهم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبًا (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا الكتاب) الذي كتبته إلى المشركين من أسرارنا (قال) حاطب (لا تعجل عليَّ) أي لا تستعجل عليَّ بالمؤاخذة (يا رسول الله) حتى أبين لك عن سبب هذا الكتاب وذلك (إني كنت امرأً ملصقًا في قريش) قال القرطبي والملصق في القوم هو الذي لا نسب له فيهم وهو الحليف والدخيل كما فسره سفيان بن عيينة على سبيل الإدراج فيما ذكره المؤلف بقوله (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق يعني حاطب بقوله كنت امرأ ملصقًا في قريش (كان حليفًا لهم) أي لقريش أي معاقدًا معه عقد الحلف والمناصرة والموارثة (ولم يكن) حاطب (من أنفسها) أي من أنفس قريش ونسبها يعني لم أكن من قريش نسبًا وإنما نسبت إليهم بحكم حلافتي مع بعضهم وكان حليفًا للزبير كما مر آنفًا (وكان ممن كان معك) أي لمن كان معك (من المهاجرين) وقوله (لهم) توكيد لفظي لقوله "ممن كان معك" على كون من بمعنى اللام قوله "وكان ممن معك" قال القرطبي كذا وقع هذا اللفظ "ممن" بزيادة من وفي بعض النسخ "وكان من معك" باسقاط من الجارة وهو الصواب لأن من لا تزاد في الواجب عند البصريين وأكثر أهل اللسان وقد أجاز ذلك بعض الكوفيين والمعنى وكان من معك من المهاجرين لهم (قرابات) أي مع أهل مكة (يحمون) أي يحمي ويحفظ أهل مكة (بها) أي بسبب تلك القرابة (أهليهم) أي أهل من معك من المهاجرين (فأحببت) أنا أي وددت أنا (إذْ فاتني ذلك) أي قرابة يحمون بها أهلي (من النسب) العريق (فيهم أن أتخذ) وأكتسب (فيهم) أي عندهم أي عند أهل مكة من المشركين (يدًا) أي نعمةً ومنةً (يحمون بها) أي بتلك اليد (قرابتي) أي أهل قرابتي الذين بقوا في مكة (ولم أفعله) أي ولم أفعل ذلك الكتاب ولم أكتبه (كفرًا)

وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَ" فَقَال عُمَرُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ، أَضْربُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي جحدًا وإنكارًا لحقية دين الإسلام (ولا ارتدادًا) أي رجوعًا إلى الشرك (عن ديني) دين التوحيد الحنيفي (ولا رضًا) أي حبًّا (بالكفر) والشرك (بعد) دخولي في (الإسلام) الملة الحنيفية (فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق) هذا الرجل أي أخبر لنا خبرًا صادقًا لا شك ولا نفاق فيه. وروى ابن شاهين والبارودي والطبراني من طريق الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة وقال حاطبٌ رجل من أهل اليمن وكان حليفًا للزبير وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرًا وكان بنوه وإخوته بمكة فكتب حاطب من المدينة إلى كبار قريش ينصح لهم فيه إلخ وروى قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس فذكر معنى حديث علي وفيه فقال: يا حاطب ما دعاك إلى ما صنعت فقال يا رسول الله كان أهلي فيهم فكتبت كتابًا لا يضر الله ورسوله ذكره الحافظ في الإصابة (فقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (دعني) أي اتركني (يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق) وأقتله بالجزم على جواب الطلب قال الحافظ في الفتح [8/ 634] إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عن عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظنّ أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقًا لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذرُ حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولًا أن لا ضرر فيه اهـ. وعبارة القرطبي هنا وإنما ألق عليه عمر اسم النفاق لأن ما صدر منه يشبه فعل المنافقين لأنه والى كفار قريش وباطنهم وهمّ بأن يطلعهم على ما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان دعا فقال اللهم أخف أخبارنا عن قريش لكنّ حاطبًا لم ينافق في قلبه ولا ارتدّ عن دينه وإنما تأول فيما فعل من ذلك أن اطّلاع قريش على بعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يضرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخوف قريشًا ويحكى أنه كان في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم لا طاقة لهم به يخوفهم بذلك ليخرجوا عن مكة ويفروا منها وحسن له هذا التأويل تعلق خاطره بأهله وولده إذ هم قطعة من كبده.

فَقَال: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَال: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولقد أبلغ من قال: قلما يفلح من كان له عيال لكن لطف الله به ونجاه لما علم من صحة إيمانه وصدقه وغفر له بسابقة بدر وسبقه اهـ من المفهم. (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر (إنه) أي إن حاطبًا ليس بمنافق فإنه (قد شهد بدرًا) أي وقعتها (وما يدريك لعلَّ الله) ولعل هنا بمعنى أن فتكون للتحقق لا للترجي لما قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للتحقق ويشهد لذلك ما وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه "إن الله اطلع على أهل بدر إلخ" وما وقع في رواية الباب من الترجي فإنه في معنى الجزم أيضًا ذكره الحافظ في الفتح [7/ 305] والمعنى وما يدريك ويعلمك يا عمر أن الله (اطلع على أهل بدرٍ فقال) لهم (اعملوا) في المستقبل (ما شئتم) من الذنوب غير الشرك (فقد غفرت لكم) ما سيقع منكم بلا استغفار فإنه إذا وقع يقع مغفورًا لا يكتب عليهم وهذا الذي ذكرنا معنى ظاهر هذا الحديث لكن استشكله العلماء بأن ظاهره إباحة الذنوب لهم وليس مرادًا بالإجماع فحمله أبو الفرج ابن الجوزي وغيره على الماضي وذكر أن المراد أن الله تعالى قد غفر لهم جميع ذنوبهم السابقة ولكن هذا الجواب فيه تكلف ظاهر فإن صيغة الأمر لا يمكن حملها على الماضي لأنها لا تستعمل إلا للمستقبل وأحسن ما فسّر به الحديث ما ذكره الحافظ عن القرطبي قال وقد ظهر لي وجه آخر وأنا أستخير الله فيه وهو أن الخطاب في قوله "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم الماضية وتأهلوا لأن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم لا أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع بأن وفقوا التوبة إذا وقعت لا أنها تغفر بلا توبة ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت له أهليتها وكذلك القضاء وغيره من المناصب وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع منه من الذنوب وقد أظهر الله صدق رسوله في كل ما أخبر به فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من الذنوب من أحدهم لبادر

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]، وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكرٍ وَزُهَيرٍ ذِكْرُ الآيَةِ. وَجَعَلَهَا إِسْحَاقُ، فِي رِوَايَتِهِ، مِنْ تِلاوَةِ سُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتوبة ولازم الطريق المستقيم والحاصل أن قوله اعملوا ما شئتم بشارة بكونهم موفقين في المستقبل بالأعمال الصالحة وبأنه لا يصدر من أحدهم ذنب إلا وسوف يوفق للمبادرة إلى التوبة فيغفر له ذلك وليس المراد أنهم قد أبيح لهم ارتكاب المعاصي كما هو ظاهر خطاب الحديث ثم المغفرة الموعودة لهم في الحديث متعلقة باحكام الآخرة ولا تنافي أن يستحق أحدهم الحد أو التعزير إذا اقترف ما يوجبه وقد وقع ذلك فعلًا حيث ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن أثاثة وكان بدريًا نبَّه عليه النووي. (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) في قصة حاطب ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}) [الممتحنة: 1]، فشهد الله لحاطب بهذه الآية بالإيمان كما مر في ترجمته (وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر) هذه (الآية وجعلها) أي جعل هذه الآية (إسحاق في روايته من تلاوة سفيان) بن عيينة لا من نفس الحديث بل مدرجة من سفيان كأن قال إسحاق في روايته "قال سفيان فأنزل الله عزَّ وجلَّ" إلخ وفي حديث حاطب هذا أبواب من الفقه وأدلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى فضائل أهل بدر وحاطب بن أبي بلتعة فمن جملة ما فيه من الفقه أن ارتكاب الكبيرة لا يكون كفرًا وأن المتأول أعذر من العامد وقبول عذر الصادق وجواز الاطلاع من عورة المرأة على ما تدعو إليه الضرورة ففي بعض رواياته أنهم فتشوا من المرأة كل شيء حتى قبلها ومنه ما يدل على أن الجاسوس حكمه بحسب ما يجتهد فيه الإمام على ما يقول مالك وقال الأوزاعي يعاقب وينفى إلى غير أرضه وقال أصحاب الرأي يعاقب ويسجن وقال الشافعي إن كان من ذوي الهيئات كحاطب عفي عنه وإلا عزّر اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 79] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الجهاد باب الجاسوس [3007] وأبو داود في الجهاد باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلمًا [2650 و 2651] والترمذي في التفسير باب ومن سورة الممتحنة [3302] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال:

6248 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثَمِ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ)، كُلُّهُمْ عَنْ حُصَينٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ. قَال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَويَّ وَالزُّبَيرَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6248 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (20) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة من (8) روى عنه (17) بابا (ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم أبو سعيد (الواسطي) مقبول من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني أبو الهيثم الواسطي الطحان ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (كلهم) أي كل من ابن فضيل وابن إدريس والطحان رووا (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سعد بن عبيدة) مصغرًا السلمي أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن) عبد الله بن حبيب بن ربيعة بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة (أبي عبد الرحمن السلمي) المقرئ الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت من (2) الثانية روى عنه في (6) أبواب (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه وهذه الأسانيد من سداسياته غرضه بسوقها بيان متابعة أبي عبد الرحمن السلمي لعبيد الله بن أبي رافع. (قال) علي بن أبي طالب (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنا (وأبا مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة (الغنوي) بفتح المعجمة البدري كنّاز بن الحصين بن يربوع الشامي الصحابي المشهور بكنيته شهد بدرًا رضي الله عنه حليف حمزة بن عبد المطلب وتربه مات سنة (12) اثنتي عشرة من الهجرة وابنه مرثد بن أبي مرثد شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرجيع روى عن أبي مرثد واثلة بن الأسقع في الجنائز كما مر وله ذكر في قصة حاطب بن أبي بلتعة في الفضائل ويروي عنه (م د ت س) وله فرد حديث عندهم عن واثلة بن الأسقع وليس من الرواة من اسمه كناز إلا هذا الصحابي المشهور بالكنية (والزبير بن

الْعَوَّامِ. وَكُلُّنَا فَارِسٌ. فَقَال: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتوا رَوْضَةَ خَاخٍ. فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةَ مِنَ الْمُشرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشرِكِينَ"، فَذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ. 6249 - (2480) (36) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيث. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَشكُو حَاطِبًا. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ العوام) ومر في الرواية السابقة ذكر المقداد بدل أبي مرثد ولا تعارض لأن كلًّا من الراويين قد ذكر من لم يذكره الآخر فكان جملة المبعوثين أربعة عليًّا والزبير والمقداد وأبا مرثد (وكلُّنا) أي وكل من الأربعة المبعوثين (فارس) أي راكب فرس وعارف ركضة الفرس (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (انطلقوا) إلى جهة مكة واذهبوا إليها (حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأةً من) الكفار (المشركين معها كتاب) أي رسالة أرسلت (من حاطب) بن أبي بلتعة (إلى) كبار (المشركين) من أهل مكة (فذكر) أبو عبد الرحمن السلمي (نحو حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم استشهد المؤلف لحديث علي بحديث جابر رضي الله عنه فقال. 6249 - (2480) (36) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما وهذان السندان من رباعياته (أن عبدًا لحاطب) بن أبي بلتعة اسمه سعد قاله ابن بشكوال وكذا قاله ابن سيد الناس في حاشيته على الاستيعاب وقال ابن حجر في الفتح [8/ 46] رقم [4328] لم أقف على اسمه ولم يعينه أحد من الشراح اهـ تنبيه المعلم (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يشكو حاطبًا) أي إذاية حاطب له (فقال) العبد (يا رسول الله) والله (ليدخلنّ حاطبٌ النارَ) أي العذاب لأنه آذاني وظلمني (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للعبد (كذبت) يا عبد (لا يدخلها) أي لا يدخل حاطب النار (فإنه)

شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيبِيَةَ". 6250 - (2481) (37) حدّثني هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، عِنْدَ حَفْصَةَ: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، أَحَدٌ. الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فإن حاطبًا (شهد بدرًا و) بيعة (الحديبية) "وما يدريك أن الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 325] والترمذي في المناقب باب في من سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [3864]. وقال النووي "قوله كذبت لا يدخلها" إلخ فيه فضيلة أهل بدر والحديبية وفضيلة حاطب لكونه منهم وفيه أن لفظة الكذب هي الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه عمدًا كان أو سهوًا سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم اهـ نووي. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو فضائل أصحاب الحديبية رضي الله عنهم فقال: 6250 - (2481) (37) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزّاز الحمّال ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حجاج بن محمد) الأعور المصيصي أبو محمد البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (قال) حجاج (قال) لنا (ابن جريج) ثقة من (6) (أخبرني أبو الزبير) المكي الأسدي مولاهم (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول أخبرتني أم مبشر) الأنصارية امرأة زيد بن حارثة كنيتها اسمها رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابية (أنها) أي أن أمَّ مبشر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة) بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنهما (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب) بيعة (الشجرة أحدٌ) وهم (الذين بايعوا) رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يفرّوا (تحتها) أي تحت شجرة الحديبية وقوله إن شاء الله للتبرك لا للشك لأنه استثناء في واجب قد أعلمه الله تعالى بمحصوله بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:

قَالتْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ. فَانْتَهَرَهَا. فَقَالتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} [مريم: 71]. فَقَال النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قَال اللهُ عَز وَجَل: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 72] ـــــــــــــــــــــــــــــ 18]، وبغير ذلك وصار هذا الاستثناء كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27]، وقوله: "من أصحاب الشجرة أحد" هذه الشجرة هي شجرة بيعة الرضوان التي قال الله تعالى فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وكانت بالحديبية والمبايعون تحتها كانوا ألفًا وأربعمائة وقيل وخمسمائة كانوا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت أو على أن لا يفروا على خلاف بين الرواة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة وكفى الله المؤمنين القتال وأحرز لهم الثواب وأثابهم فتحًا قريبًا ورضوانًا عظيمًا (قالت) حفصة (بلى) أي ليس الأمر كما قلت (يا رسول الله) بل يدخلونها وقولها بلى قول أخرجه منها الشهامة النفسية والقوة العمرية فإنه كانت بنت أبيها وهذا من نحو قول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين أتصلي عليهم (فانتهرها) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي زجرها عن معارضتها عليه كلامًا زجرًا شديدًا وانتهار النبي صلى الله عليه وسلم لها تأديب لها وزجر لها عن بادرة المعارضة وترك الحرمة ولمَّا حصل الإنكار عليها صرّحت بالاعتذار (فقالت حفصة) ألم يقل الله سبحانه في كتابه المجيد {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، وحاصل ما فهمت من الآية أن الورود فيها بمعنى الدخول وأنها قابلت عموم قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة بعموم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا}. وكأنها رجحت عموم القرآن فتمسكت به فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بأن آخر الآية يبين المقصود. (فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} [مريم: 72]، أصله جثويًا مصدر جثا يجثو جثويًا وقع حالًا من الظالمين أي جاثين على الركب من هول ذلك الوقت أو من ضيق المكان اهـ من المبارق. قال القرطبي وحاصل الجواب تسليم أن الورود دخول لكنه دخول عبور فينجو من اتقى ويترك فيها من ظلم وبيان ذلك أن جهنم أعاذنا الله منها محيطة بأرض المحشر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحائلة بين الناس وبين الجنة ولا طريق للجنة إلا الصراط الذي هو جسر ممدود على متن جهنم فلا بد لكل من ضمه المحشر من العبور عليه فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم كما تقدم أوائل الكتاب وهذا قول الحسن وقتادة وهو الذي تعضده الأخبار الصحيحة والنظر المستقيم والورود في أصل اللغة الوصول إلى الماء وإنما عبّر به عن العبور لأن جهنم تتراءى للكفار كأنها سراب فيحسبونه ماء فيقال لهم ألا تردون كما صح في الأحاديث المتقدمة أوائل الكتاب وفي حديث حفصة هذا أبواب من الفقه منها جواز مراجعة العالم على جهة المباحثة والتمسك بالعمومات فيما ليس طريقه العمل بل الاعتقاد ومقابلة عموم بعموم والجواب بذكر المخصص وتأديب الطالب عن مجاوزة حد الأدب في المباحثة قوله "ثم ننجي الذين اتقوا" أي ننجي المتقين جمع المتقي والمتقي هو الحذر من المكروه الذي يتحرز منه بإعداد ما يتقى به "ونذر" أي نترك و"الظالمين" جمع ظالم والمراد به هنا هو الكافر لأنه وضع الإلهية والعبادة في غير موضعهما و"جثيًا" جمع جاث وأصله الجالس على ركبتيه والمراد به ها هنا المكبوب على وجهه وهو المكردس المذكور في الحديث والله تعالى أعلم اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 385] وابن ماجه [4281]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث حديث عائشة ذكره للاستشهاد أو للاستطراد والرابع حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد والسادس حديث جابر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله تعالى أعلم. ***

716 - (5) والثامن عشر منها باب فضائل الأشعريين وأبي سفيان بن حرب وفضائل أهل السفينة من جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم وفضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم

716 - (5) والثامن عشر منها باب فضائل الأشعريين وأبي سفيان بن حرب وفضائل أهل السفينة من جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم وفضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم ـــــــــــــــــــــــــــــ 716 - (5) والثامن عشر منها باب فضائل الأشعريين وأبي سفيان بن حرب وفضائل أهل السفينة من جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم وفضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم " أما أبو موسى" فاسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضّار بفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة المشددة ويقال حضار بكسر الحاء وتخفيف الضاد من ولد الأشعر وهو بنت بن أدد وقيل من ولد الأشعر بن سبأ أخي حمير قال أبو عمر ذكرت طائفة أن أبا موسى قدم مكة فحالف سعيد بن العاص ثم أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقال أبو بكر بن عبد الله بن الجهم وكان علامة نسّابة ليس كذلك ولكنه أسلم قديمًا بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة ووافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر قال أبو عمر وإنما ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى أرض الحبشة لأنه نزل أرضهم في حين إقباله مع سائر قومه رمت الريح سفينتهم إلى الحبشة فبقوا فيها ثم خرجوا مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه هؤلاء في سفينة فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فقيل إنه قسم لأهل السفينتين وقيل لم يقسم لهم ثم ولّى عمر بن الخطاب أبا موسى البصرة إذ عزل عنها المغيرة في وقت الشهادة عليه وذلك سنة عشرين فافتتح أبو موسى الأهواز ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ثم عزله عنها وولّاها عبد الله بن عامر بن كرز فنزل أبو موسى حينئذ الكوفة وسكنها ثم لما دفع أهل الكوفة سعيد بن العاص ولّوا أبا موسى وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقره فلم يزل على الكوفة حتى قتل عثمان واستخلف علي فعزله عنها قال أبو عمر فلم يزل واجدًا منها على علي ثم كان من أبي موسى بصفين وفي التحكيم ما كان وكان منحرفًا عن علي لأنه عزله ولم يستعمله وغلب أهل اليمن عليًّا على إرساله في التحكيم وكان منه ما كان ثم انصرف أبو موسى إلى مكة ومات بها وقيل مات بالكوفة في داره بجانب

6251 - (2482) (38) حدَّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. قَال أَبُو عَامِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا بُرَيدٌ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَينَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد واختلف في وقت وفاته قيل سنة اثنتين وأربعين وقيل سنة أربع وأربعين وقيل سنة خمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين وكان رضي الله عنه من أحسن الناس صوتًا بالقرآن ولذلك قال له صلَّى الله عليه وسلم أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود "والمراد بآل داود نفسه لأنه لم يثبت أن أحدًا من آله أُعطي من حسن الصوت ما أُعطي داود" وسُئل علي عن موضع أبي موسى من العلم فقال صُبغ في العلم صبغةً ورَوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستمائة وستين حديثًا أُخرج له منها في الصحيحين ثمانية وستون حديثًا. واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو فضائل الأشعريين بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6251 - (2482) (38) (حدثنا أبو عامر الأشعري) الكوفي عبد الله بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري صدوق من (10) روى عنه في (5) أبواب (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (جميعًا عن أبي أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (قال أبو عامر حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى ثقة من (6) روى عنه في (4) أبواب روى (عن جدّه أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي ثقة من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون أشعريون إلا أبا أسامة وأبا كريب (قال) أبو موسى (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (نازل بالجعرانة) وهي ميقات "بين مكة والطائف" نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من حنين والطائف وقسّم فيه غنائم حنين وقوله هنا بدل ما قلنا (بين مكة والمدينة) استشكله الشّراح بان الجعرانة إنما هي بين مكة والطائف وليست بين مكة والمدينة أجيب عنه بأنه وهم من بعض الرواة والصواب بين مكة والطائف كما قررناه أولًا ويمكن أن يكون المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بها في طريقه إلى المدينة عند مرجعه من حنين فأطلق عليه الراوي "بين

وَمَعَهُ بِلالٌ. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ. فَقَال: أَلا تُنْجِزُ لِي، يَا مُحَمَّدُ مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَبْشِرْ". فَقَال لَهُ الأعرَابِيُّ: أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ "أَبْشِرْ" فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلالٍ، كَهَيئَةِ الْغَضْبَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة والمدينة" توسعًا لأن الطائف من توابع مكة ولكن الصواب ما قررناه أولًا والله أعلم (ومعه) صلى الله عليه وسلم (بلال) الحبشي مؤذنه (فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية (رجل أعرابي) بالرفع على الفاعلية قال ابن حجر في الفتح [8/ 46] رقم [4328] لم أقف على اسمه ولم يعينه أحدٌ من الشراح اهـ من تنبيه المعلم (فقال) الأعرابي (ألا تنجز لي) أي ألا توفي (لي يا محمد ما وعدتني) من العطاء قال الحافظ يحتمل أن الوعد كان خاصًّا به ويحتمل أن يكون عامًا وكان طلبه أن يعجل له نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة اهـ منه (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشر) بالعطاء الوافر بهمزة قطع أي أبشر بقرب القسمة أو بالثواب الجزيل على الصبر وفيه ثلاث لغات "أبشر" رباعيًّا يقال أبشرته أبشره إبشارًا ومنه قوله تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]، وبشر مشددًا يبشر تبشيرًا ومنه قوله: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} [الزمر: 17، 18]، والثالثة بشرت الرجل ثلاثيًّا مفتوح العين أبشره بالضم بشرًا بالسكون وبشورًا والاسم البشارة بكسر الباء وضمها والبشرى تقتضي مبشَّرًا به فإذا ذكر تعين وإذا سكت عنه صلح أن يراد به العموم والبشرى خبر بما يسر وسميت بذلك لأنها تظهر السرور على بشرة المبشر وأصله في الخير وقد يقال في الشر توسعًا كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، اهـ من المفهم. (فقال له الأعرابي أكثرت عليَّ) يا محمد (من) قولك (أبشر) أبشر وهذا قول جلف جاهل بحال النبي صلى الله عليه وسلم وتقدر البشرى التي بشره بها النبي صلى الله عليه وسلم لو قبلها لكنها عرضت عليه فحرمها وقضيت لغيره فقبلها وهو أبو موسى وبلال كما ذكره في قوله (فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم) بوجهه الشريف (على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان) أي حالة كونه موصوفًا بصفة الغضبان أي بصفة غضب على

فَقَال: "إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ الْبُشْرَى. فَاقْبَلا أنتُمَا" فَقَالا: قَبِلْنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَدَح فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَال: "اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا. وَأَبْشِرَا" فَأَخَذَا الْقَدَحَ. فَفَعَلا مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَنَادَتْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَفْضِلا لأُمِّكُمَا مِمَّا فِي إِنَائِكُمَا. فَأَفْضَلا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعرابي بتغير لون وجهه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما (إن هذا) الأعرابي (قد ردّ) عليّ (البشرى) التي بشرته بها (فاقبلا) ها (أنتما فقالا قبلنا) ها (يا رسول الله) وفيه استحباب قبول البشارة والتبرك بإبشار الصالحين وقوله "أكثرت عليّ من أبشر" قال القاضي لو صدر هذا القول من مسلم كان ردةً لأن فيه تهمته صلى الله عليه وسلم واستخفافًا بصدق وعده وإنما صدر ممن لم يتمكن الإسلام من قلبه ممن كان يستألف من أشراف العرب وجاء أنه من بني تميم وهم الذين نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات ونزل فيهم "وأكثرهم لا يعقلون" اهـ أُبِّي. (ثمّ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح) إناء واسع الفم ضيق القعر (فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه) أي في ذلك القدح ومضمض فمه (ومجَّ فيه ثم قال) لهما (اشربا منه) أي من هذا الماء (وأفرغا) أي صبَّا منه (على وجوهكما ونحوركما) أي صدوركما (وأبشرا) بكل خير (فأخذا) أي فأخذ أبو موسى وبلال (القدح ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة من وراء الستر) والحجاب بقولها (أفضلا لأمكما) أي أبقيا لها (مما في إنائكما) شيئًا منه لتشربه (فأفضلاها) أي تركا لها في الإناء (منه) أي مما في الإناء (طائفة) أي بقيةً. "وقول النبي صلى الله عليه وسلم أبشر ولم يذكر له عين ما بشره به" لأنه والله أعلم قصد تبشيره بالخير على العموم الذي يصلح لخيري الدنيا والآخرة ولما جهل ذلك رده لحرمانه وشقوته ولما عرض ذلك على من عرف قدره بادر إليه وقبله فنال من البشارة الخير الأكبر والحظَّ الأوفر وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكونه صلى الله عليه وسلم غسل وجهه في الماء وبصق فيه وأمره بشرب ذلك والتمسح به مبالغة في إيصال الخير والبركة لهما إذ قد ظهرت بركته صلى الله عليه وسلم فيما لمسه أو باشره أو اتصل به منه شيء ولما تحققت أم سلمة ذلك سألتهما أن يتركا لها فضلة من ذلك ليصيبها من تلك

6252 - (2483) (39) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ، أَبُو عَامِرٍ الأشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي عَامِرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَينٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ. فَلَقِيَ دُرَيدَ بْنَ الصِّمَّةِ. فَقُتِلَ دُرَيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ البشرى ومن تلك البركة حظ وفيه ما يدل على جواز الاستشفاء بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وبكلماته ودعواته وعلى جواز النثرة بالماء الذي يرقى بأسماء الله تعالى وبكلامه وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم ذكر الخلاف في النثرة في كتاب الطب اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي موسى بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6252 - (2483) (39) (حدثنا عبد الله بن براد أبو عامر الأشعري) الكوفي (وأبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (واللفظ لأبي عامر قالا حدثنا أبو أسامة) الهاشمي الكوفي (عن بريد) بن عبد الله الأشعري (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهذا السند أيضًا من خماسياته نفس السند الذي قبله (قال) أبو موسى (لما فرغ النبي صفى الله عليه وسلم من) غزوة (حنين بعث أبا عامر) أي أمر أبا عامر عم أبي موسى الأشعري اسمه عبيد بن سليم بن حضار الأشعري وهو عم أبي موسى وجزم ابن إسحاق أنه ابن عمه ويرده ما سيأتي قريبًا في هذا الحديث من قول أبي موسى "يا عم من رماك " أي أمّر أبا عامر (على جيش) أرسله (إلى أوطاس) هو واد في ديار هوازن وسبب هذه الغزوة أن هوازن لما انهزموا في وقعة حنين صارت طائفة منهم إلى الطائف وطائفة منهم إلى بجيلة وطائفة منهم إلى أوطاس فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عسكرًا مقدمهم أبو عامر الأشعري إلى من مضى إلى أوطاس ثم اتجه هو وعساكره إلى الطائف كذا في فتح الباري [8/ 42] (فلقي) أبو عامر (دريد) مصغرًا (بن الصمة) بكسر الصاد وتشديد الميم والصمة لقب لأبيه واسمه الحارث كان دريد من الشعراء الفرسان المشهورين في الجاهلية يقال إنه كان ابن مائة وستين وقيل ابن مائة وعشرين سنة حين قُتل (فقُتل دريد) بن الصمة جزم محمد بن إسحاق بأن قاتله ربيعة بن رفيع وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو الزبير بن العوام ولفظه لما انهزم المشركون انحاز دريد بن الصمة في ستمائة نفس

وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ. فَقَال أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ. قَال: فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِن بَنِي جُشَمٍ بِسَهْمٍ، فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيتُ إِلَيهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ أَبُو عَامِرٍ إِلَى أبِي مُوسَى. فَقَال: إِنَّ ذَاكَ قَاتِلِي، تَرَاهُ ذلِكَ الَّذِي رَمَانِي. قَال أَبُو مُوسَى: فَقَصَدْتُ لَهُ فَاعْتَمَدْتُهُ فَلَحِقْتُهُ. فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى عَنِّي ذَاهِبًا. فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلا تَسْتَحْيِي؟ أَلَسْتَ عَرَبِيًا؟ أَلا تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ. فَالْتَقَيتُ أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ على أكمة فرأوا كتيبة فقال خلوهم لي فخلوهم فقال هذه قضاعة ولا بأس عليكم ثم رأوا كتيبة مثل ذلك فقال هذه سليم ثم رأوا فارسًا وحده فقال خلوه لي فقالوا معتجر بعمامة سوداء فقال هذا الزبير بن العوام وهو قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا قال فالتفت الزبير فرآهم فقال علام هؤلاء ها هنا فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا منهم ثلاثمائة فحزّ رأس دريد بن الصمة فجعله بين يديه (وهزم الله أصحابه) أي أصحاب دريد أي فرّقهم وشتتهم (فقال أبو موسى وبعثني) رسول الله صلى الله عليه وسلم (مع أبي عامر قال) أبو موسى (فرمي أبو عامر) بسهم وطعن (في ركبته رماه) أي رمى أبا عامر (رجل من بني جشم) بوزن زُفر بضم الجيم وفتح الشين يقال إنه سلمة بن دُريد بن الصمة كذا ذكر ابن إسحاق (فأثبته) أي فأثبت السهم (في ركبته) أي في ركبة أبي عامر قال أبو موسى (فانتهيت) أنا أي وصلت (إليه) أي إلى أبي عامر (فقلت) له (يا عم من رماك فأشار أبو عامر إلى أبي موسى) أي لأبي موسى إلى قاتله فإلى بمعنى اللام وفي الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة وكان مقتضى السياق فأشار إلى قاتله كما أشرنا إليه في الحل (فقال) أبو عامر (إن ذلك) الرجل القريب منا (قاتلي) هل (تراه) أي هل ترى ذلك الرجل (ذلك) الرجل الذي أريتك هو (الذي رماني) والكلام كله لأبي عامر (قال أبو موسى فقصدت له) أي إلى ذلك الرجل الذي أشار لي إليه (فاعتمدته) أي جعلته نصب عيني لم ألتفت عنه يمينًا وشمالًا ولم أفتر عن طلبه (فلحقته) أي لحقت ذلك الرجل وقيل معنى "فاعتمدته" أي تبعته فلحقته (فلما رآني ولّى عنّي) أي أدبر عني أي جعل دبره وظهره إليّ حالة كونه (ذاهبًا) أي شاردًا عني هاربًا (فاتبعته وجعلت) أي شرعت (أقول له ألا تستحي) من أن تهرب وتفرّ عني (ألست عربيًّا) شجاعًا يدافع عن نفسه (ألا تثبت) في محلك وتنتظرني (فكف) نفسه أي منع نفسه عن الهرب والفرار فانتظر لي (فالتقيت أنا

وَهُوَ. فَاخْتَلَفْنَا أَنَا وَهُوَ ضَرْبَتَينِ. فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيفِ فَقَتَلْتُهُ. ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ فَقُلْتُ: إِن اللهَ قَدْ قَتَلَ صَاحِبَكَ. قَال: فَانْزِعْ هذَا السَّهْمَ. فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ. فَقَال: يَا بْنَ أَخِي، انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ. وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبُو عَامِرٍ: اسْتَغْفِرْ لِي. قَال: وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ. وَمَكَثَ يَسِيرًا ثمَّ إِنَّهُ مَاتَ. فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلْتُ عَلَيهِ، وَهُوَ فِي بَيتِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ، وَعَلَيهِ فِرَاشٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو) أي اجتمعت أنا وهو (فاختلفنا) أي تضاربت (أنا وهو ضربتين) أي تضاربنا ضربتين أنا مرة وهو مرة (فضربته) ثانيًا (بالسيف فقتلته ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت) له (إن الله) عزَّ وجلَّ (قد قتل صاحبك) الذي رماك بيدي (قال) أبو عامر إذًا (فانزع) عني أي فأخرج عنّي (هذا السهم فنزعته) أي فنزعت السهم عنه (فنزا) أي خرج وجرى (منه) أي من موضع السهم (الماء) لا الدم أي انصب الماء من موضع السهم بشدة والمعنى خرج الماء بسرعة إثر خروج السهم وأصل النزو الارتفاع والوثب (فقال) لي أبو عامر (يا بن أخي انطلق) أي اذهب (إلى رسول الله فاقرئه مني السلام) أي فاقرأ - عليه السلام - مني (وقل له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول لك أبو عامر استغفر لي قال) أبو موسى (واستعملني أبو عامر) أي جعلني أميرًا (على الناس ومكث) أبو عامر زمنًا (يسيرًا ثم إنّه مات) وفيه ما يدل على أن الوالي إذا عرض له أمر جاز له أن يستنيب غيره اهـ مفهم. (فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (وهو في بيت) مضطجع (على سرير مرمل) بضم الميم الأولى وسكون الراء وفتح الثانية على صيغة اسم المفعول أي منسوج وجهه بسعف النخل وشبهه وشدّ بشراك أو بشرائط اهـ من الأبي قال القرطبي مأخوذ من أرملت الحصير إذا شققته ونسجته بشريط أي بخيط أو غيره قال الشاعر: إذ لا يزال على طريق لاحب ... وكان صفحته حصير مرمل ويقال رملت الحصير أيضًا ثلاثيًّا ورمال الحصير بضم الراء وتخفيف الميم هو ما يؤثر منه في جنب المضطجع عليه (وعليه) أي وعلى ذلك السرير (فراش) أي بساط قال القرطبي كذا صحت الرواية بإثبات الفراش وقال القابسي الذي أعرف "وما عليه فراش".

وَقَدْ أَثَّرَ رُمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَجَنْبَيهِ. فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ. وَقُلْتُ لَهُ: قَال: قُلْ لَهُ: يَسْتَغْفِرْ لِي. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ، ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيدٍ، أَبِي عَامِرٍ" حَتَّى رَأَيتُ بَيَاضَ إِبْطَيهِ. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ "قلت" واستبعد أن يكون عليه فراش ويؤثر في ظهره وإنما يستبعد ذلك إذا كان الفراش كثيفًا وثيرًا ولم يكن فراش النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فلا يستبعد اهـ من المفهم وقيل المرمل مأخوذ من الرمال بكسر الراء وضمها وهي حبال الحصر التي تنسج بها الأسرة يقال أرملت السرير فهو مرمل اهـ من التكملة. (وقد أثر رمال السرير) بضم الراء وكسرها أي حبال السرير (بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه) وقوله "فأخبرته" معطوف على دخلت أي فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه (فأخبرته) صلى الله عليه وسلم (بخبرنا) مع المشركين (وخبر) قتل (أبي عامر وقلت له) صلَّى الله عليه وسلم (قال) أبو عامر (قل له) أي قل يا أبا موسى لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يستغفر لي) أي استغفر لي من ذنوبي (فدعا) أي طلب (رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء) يتوضأ به فأُتي به (فتوضأ منه) أي من ذلك الماء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه استحباب الوضوء عند إرادة الدعاء (ثم رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يديه ثم قال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر) وقوله (حتى رأيت) غاية لرفع أي فتوضأ منه ثم رفع يديه حتى رأيت (بياض إبطيه) تثنية إبط وهو الموضع المنخفض تحت أصل العضد قال القرطبي: ظاهر هذا الوضوء أنه كان للدعاء إذ لم يذكر أنه صلّى في ذلك الوقت بذلك الوضوء ففيه ما يدل على مشروعية الوضوء لدعاء ولذكر الله كما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: إني كرهت أن أذكر الله إلّا على طهارة رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وقوله "ثم رفع يديه إلخ" دليل على استحباب الرفع عند الدعاء وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك يوم بدر وفي الاستسقاء وقد رُويت كراهية ذلك عن مالك ويمكن أن يقال إنما كره أن يتخذ ذلك سنة راتبة على أصله في هذا الباب (ثم قال) صلَّى الله عليه وسلم في الدعاء (اللهم اجعله) أي اجعل أبا عامر (يوم القيامة فوق كثير من خلقك) منزلة عندك (أو) قال النبي صلَّى الله

مِنَ النَّاسِ" فَقُلْتُ: وَلي. يَا رَسُولَ اللهِ، فَاسْتَغْفِرْ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيسٍ ذَنْبَهُ. وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا". قَال أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ. وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى. 6253 - (2484) (40) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا بُرَيدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لاعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ، حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم أو الراوي فوق كثير (من الناس) بالشك قال أبو موسى (نقلت) له صلى الله عليه وسلم (ولي يا رسول الله فاستغفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة) في الجنة (مدخلًا كريمًا) أي مكانًا رفيعًا (قل أبو بردة) بالسند السابق (إحداهما) أي إحدى الدعوتين (لأبي عامر والأخرى لأبي موسى) رضي الله عنهما يعني أن الدعاء الأول لأبي عامر والثاني لأبي موسى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب نزع السهم من البدن [2884] وفي المغازي باب غزوة أوطاس [4323] وفي الدعوات باب الدعاء عند الوضوء [6383]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي موسى الأوّل بحديث آخر له فقال: 6253 - (2484) (40) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد) بن عبد الله (عن أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن) الرفقة بضم الراء وفتحها وكسرها جماعة مرافقة في السفر اهـ مبارق قال في المصباح الرفقة الجماعة ترافقهم في سفرك فإذا تفرّقتم زال اسم الرفقة وهي بضم الراء في لغة بني تميم والجمع رفاق مثل برمة وبرام بكسرها في لغة قيس والجمع رفق مثل سدرة وسدر والرفيق الذي يرافقك اهـ "الأشعريون" هم قبيلة مشهورة في اليمن منسوبة إلى جدّهم وهو الأشعر "بالقرآن" أي بقراءة القرآن (حين يدخلون) منازلهم (بالليل) أي في الليل بعدما يرجعون من أشغالهم في النهار وحكى بعضهم "يرحلون" بالراء والحاء بدل "يدخلون" والرواية الأولى هي الصحيحة (وأعرف منازلهم) أي مواضع

مِنْ أَصْوَاتِهِمْ، بِالْقُرْآنِ بِاللَّيلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيلَ -أَوْ قَال الْعَدُوَّ- قَال لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نزولهم (من) رفع (أصواتهم بالقرآن بالليل) أي في الليل يعني أنهم يجهرون بالقرآن في الليل فتعرف منازلهم بأصواتهم وفيه فضيلة الأشعريين وجواز الجهر بالقرآن في الليل إذا لم يكن فيه إيذاء لنائم أو لمصلٍّ أو غيرهما (وإن كنت لم أر منازلهم) أي موضع نزولهم (حين نزلوا بالنهار) وعبارة القرطبي هنا "حين يدخلون بالليل" كذا صحت الرواية فيه بالدال المهلمة والخاء المعجمة من الدخول وقد رواه بعضهم "يرحلون" بالراء والحاء المهملة من الرحيل قال بعض علمائنا وهو الصواب يشير إلى أنهم كانوا يلازمون قراءة القرآن في حال رحيلهم وفي حالة نزولهم وكان الأشعريين كثيرٌ فيهم قراءة القرآن بسبب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فإنه كان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن فكان يقرأ لهم فتطيب لهم قراءته فيتعلمون منه القرآن وأحبّوه فلازموه في حالتي الرحيل والنزول والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (ومنهم) أي ومن الأشعريين (حكيم) قال أبو علي الجياني هو اسم علم لرجل منهم وقال أبو علي الصدقي هو صفة من الحكمة أي فيهم رجل ذو حكمة (إذا لقي الخيل) أي خيل العدو (أو قال) الراوي إذا لقي (العدو) بالشك من الراوي (قال لهم) أي لأصحاب الخيل وهو العدو أو للعدو (إن أصحابي) ورفقتي (يأمرونكم أن تنظروهم) أي أن تنتظروفم ليقاتلوكم ومعناه إنه لفرط شجاعته كان لا يفرّ من العدو بل يواجههم ويقول لهم إذا أرادوا الانصراف مثلًا انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليثبتهم على القتال وإن هذا المعنى ينطبق على كل من الشقين اللذين شك فيهما الراوي يعني سواءٌ كانت الرواية إذا لقي الخيل وسواء كانت إذا لقي العدو وأما إذا اخترنا الشق الأول أي إذا لقي الخيل فقط فإنه يحتمل معنى آخر أيضًا وهو أن المراد بالخيل خيل المسلمين ويشير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان هو يأمر الفرسان أن ينتظروا ليسيروا إلى العدو جميعًا وجعل الحافظ في الفتح [8/ 487] هذا الاحتمال أشبه بالصواب وحكى عن ابن التين أن معنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما يصيبهم. وعبارة القرطبي " قوله ومنهم حكيم " إلخ وحكيم بمعنى محكم ويعني به هنا أنه محكم لأمور الفروسية والشجاعة ولذلك سبق قومه إلى العدو كما فعل النبي صلى الله

6254 - (2485) (41) حدَّثنا أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. قَال أَبُو عَامِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنِي بُرَيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ، أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال، قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ، إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْو، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَينَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، بِالسَّويَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم حين ركب فرس أبي طلحة واستبرأ خبر العدو ثم رجع فلقي أصحابه خارجين فأخبرهم بأنهم لا روع عليهم ويجوز أن يكون ذلك الحكيم هو أبا موسى وأبا عامر ويكون النبي صلَّى الله عليه وسلم قال هذا قبل قتله والله تعالى أعلم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المغازي باب غزوة خيبر [4232 و 4233]. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي موسى الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6254 - (2485) (41) (حدثنا أبو عامر الأشعري) عبد الله بن بزاد الكوفي (وأبو كريب جميعًا عن أبي أُسامة قال أبو عامر حدَّثنا أبو أسامة حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جدّه أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو) أي إذا افتقروا عن الزاد وفني زادهم وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من فقرهم وقلة طعامهم (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال الراوي والشك من الراوي أو ممن دونه إذا (قلّ طعام عيالهم) وقوتهم (بالمدينة) أي في حالة نزولهم بالمدينة (جمعوا ما كان عندهم) من بقايا الزاد (في ثوب واحد ثم اقتسموه) أي اقتسموا ذلك المجموع (بينهم في إناء واحد) أي بإناء واحد متعلق باقتسموه (بالسوية) بينهم (فهم) أي فسيرتهم (منّي) أي من سيرتي (وأنا) أي وسيرتي (منهم) أي من سيرتهم والمعنى فسيرتي وسيرتهم واحدة ودأبي ودأبهم واحد والمراد بيان اتفاقهما في طاعة الله تعالى واتحاد سيرتهما في المعيشة قال القرطبي وهذا الحديث يدل على أن الغالب على الأشعريين الإيثار والمواساة عند الحاجة كما دلّ الحديث المتقدم على أن الغالب عليهم القراءة والعبادة فثبت لهم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم علماء عاملون كرماء مؤثرون ثم إنه صلى الله عليه وسلم شرّفهم بإضافتهم إليه ثم زاد في التشريف بأن أضاف نفسه إليهم

فضائل أبي سفيان بن حرب

فضائل أبي سفيان بن حرب 6255 - (2486) (42) حدّثني عَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويمكن أن يكون معنى "هم مني" فعلوا فعلي من القراءة والعبادة والكرامة "وأنا منهم" أفعل من ذلك ما يفعلون كما قال بعض الشعراء: وقلت أخي قالوا أخٌ وكرامة ... فقلت لهم إن الشكول أقارب نسيبي في رأيي وعزمي ومذهبي ... وإن خالفتنا في الأمور المناسب اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب الشركة باب الشركة في الطعام [2486]. فضائل أبي سفيان بن حرب " أما أبو سفيان" فاسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأُموي وكان من أشراف قريش وساداتها وذوي رأيها في الجاهلية أسلم يوم فتح مكة وشهد حنينًا وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية وزنها له بلال قال أبو عمر واختلف في حسن إسلامه فطائفة تروي أنه لما أسلم حسن إسلامه وذكروا عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال رأيت أبا سفيان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد يقاتل يقول يا نصر الله اقترب ورُوي عنه أنه قال فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت رجل واحد يقول يا نصر الله اقترب قال المسيب فذهبت انظر فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه وقد روي أن أبا سفيان كان يوم اليرموك يقف على الكراديس فيقول للناس الله الله إنكم ذادة العرب "جمع ذائد وهو المدافع عن وطنه" وأنصار الإسلام وإنهم ذادة الروم وأنصار المشركين "اللهم هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك". وطائفة تروي أه كان كهفًا للمنافقين منذ أسلم وكان في الجاهلية ينسب إلى الزندقة وكان إسلامه يوم الفتح كرهًا كما تقدم من حديثه ومن قوله في كلمتي الشهادة حين عرضت عليه أمّا هذه ففي النفس منها شيء. ثم استدل المؤلف على فضل أبي سفيان بحديث ابن عباس رضي الله عنه فقال: 6255 - (2486) (42) (حدثني عباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة

الْعَنْبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا النَّضْرُ، (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ)، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيلٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ. فَقَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، ثَلاثٌ أَعْطِنِيهنَّ. قَال: "نَعَمْ" قَال: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ، أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، أُزَوِّجُكَهَا. قَال: "نَعَمْ" قَال: وَمُعَاويةُ، تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَينَ يَدَيكَ. قَال "نَعَمْ". قَال: وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ، كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ. قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (العنبري) أبو الفضل المروزي ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (وأحمد بن جعفر) اليمنى (المعقري) بفتح الميم وكسر القاف بينهما عين ساكنة نسبة إلى معقر ناحية باليمن ثم المكي مقبول من (11) روى عنه في (3) أبواب (قالا حدثنا النضر وهو ابن محمد) بن موسى الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة الأموي أبو محمد (اليمامي) ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمة) بن عفار العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي صدوق من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو زميل) سمّاك بن زميل بن الوليد الحنفي اليمامي نزيل الكوفة ليس به باس من (3) روى عنه في (5) أبواب (حدثني ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي المكي أبي معاوية (ولا يقاعدونه) إنما فعلوا ذلك به لما كان منه من صنيعه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمشركين في شركه إذ لم يصنع أحد بهم مثل صنيعه ثم إنه أسلم يوم الفتح مكرهًا وكان من المؤلفة قلوبهم وكأنهم ما كانوا يثقون لإسلامه وقد ذكرنا آنفًا اختلاف المسلمين في إسلامه (فقال) أبو سفيان (للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث) من الخصال (أعطيهن) أي وافقني فيهن (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) أعطيكهن وأوافقك فيهن (قال) أبو سفيان إحداها أنه (عندي أحسنُ العرب) أي أحسن بناتهم خلقًا. (وأجمله) أي أجمل بناتهم وجهًا هي (أُمُّ حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب (أُزوجكها قال) له النبي صلَّى الله عليه وسلم (نعم) زوجنيها (و) ثانيها عندي (معاوية) بن أبي سفيان (تجعله كاتبًا) يكتب (بين يديك قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) اجعله كاتبًا لي (قال) أبو سفيان (و) ثالثها أن (تؤمّرني) أي تجعلني أميرًا على جيش المسلمين (حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال) له النبي صلَّى الله عليه وسلم (نعم) أجعلك أميرًا حتى تقاتل الكفار.

قَال أَبُو زُمَيلٍ: وَلَوْلا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ. لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيئًا إلا قَال: "نَعَمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال أبو زُميل) سماك بن زميل بالسند السابق (ولولا أنَّه) أي أن أبا سفيان (طلب ذلك) المذكور من الأمور الثلاثة المذكورة (من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك) أي ما وافقه النبي صلَّى الله عليه وسلم في ذلك المذكور (لأنه) صلى الله عليه وسلم (لم يكن يُسأل شيئًا) من الأشياء (إلا قال) النبي صلى الله عليه وسلم لسائله (نعم) أعطيك إن شاء الله تعالى والضمير في قوله "وأجمله" أي أجمل جنس العرب عائد على الجنس الذي دل عليه لفظ العرب لأن أل فيه للجنس الصادق بالقليل والكثير وقوله "أُم حبيبة" كنيتُها لأنها كانت تحت عبد الله بن جحش الأسدي فولدت له حبيبة التي كنيت بها واسمها رملة وقيل هند والأول هو المعروف والصحيح وإنما هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وأم معاوية وظاهر هذا الحديث أن أبا سفيان أنكح ابنته النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه وهو مخالف للمعلوم عند أهل التواريخ والأخبار فإنهم متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بام حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح وقبل إسلام أبيها فإن أبا سفيان قدم المدينة قبل الفتح طالبًا لتجديد العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه دخل بيت أم حبيبة بنته فأراد أن يجلس على بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعته من تحته فكلّمها في ذلك فقالت إنه بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك فقال لها يا بنية لقد أصابك بعدي شر ثم طلب من علي ومن فاطمة ومن غيرهما أن يكلموا له النبي صلَّى الله عليه وسلم في الصلح فأبوا عليه فرجع إلى مكة من غير حصول مقصود له وكل ذلك معلوم لا شك فيه. ثم إن الأكثر من الروايات والأصح منها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة وذلك أنها كانت تحت عبد الله بن جحش الأسدي أسد خزيمة فولدت له بنتًا سمّاها حبيبة فكنيت بها وأنها أسلمت وأسلم زوجها عبد الله بن جحش وهاجر بها إلى أرض الحبشة ثم إن زوجها تنصر هناك ومات نصرانيًّا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها وهي بأرض الحبشة فبعث شرحبيل بن حسنة إلى النجاشي في ذلك روى الزبير بن بكار عن إسماعيل بن عمرو أن أم حبيبة قالت ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي جارية يقال لها أبرهة فكانت تقوم على ثيابه ودُهنه فاستأذنت عليّ فأذنت لها فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتب إليّ أن أزوجكه فقلت بشرك الله بخير وقالت يقول لك الملك وكّلي من يزوجك فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكلته وأعطيت أبرهة سوارين من فضة كانت عليّ وخواتم فضة كانت في أصابعي سرورًا بما بشرتني به فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين يحضرون وخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوَّجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسوله ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال اجلسوا فإن سنَّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرّقوا قال الزبير قدم خالد بن سعيد وعمرو بن العاص بأم حبيبة من أرض الحبشة عام الهدنة وقال بعض الرواة إنما أصدقها أربعة آلاف درهم وأن عثمان بن عفان هو الذي أولم عليها وأنه هو الذي زوجها إياه وقيل زوجها النجاشي. "قلت" ويصح الجمع بين هذه الروايات فتكون الأربعمائة دينار صُرّفت أو قوّمت بأربعة آلاف درهم وأن النجاشي هو الخاطب وعثمان هو العاقد وسعيد الوكيل فصحت نسبة التزويج لكلهم وهذا هو المعروف عند جمهور أهل التواريخ والسير كابن شهاب وابن إسحاق وقتادة ومصعب والزبير وغيرهم. وقد رُوي عن قتادة قول آخر أن عثمان بن عفان زوَّجها من النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعدما قدمت من أرض الحبشة قال أبو عمر والصحيح الأول ورُوي أن أبا سفيان قيل له وهو يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن محمدًا قد نكح ابنتك فقال ذلك الفحل الذي لا يقدع أنفه "لا يضرب أنفه" وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة سنة ست من التاريخ وقال غيره سنة سبع قال أبو عمر توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين.

فضائل جعفر بن أبي طالب

فضائل جعفر بن أبي طالب ـــــــــــــــــــــــــــــ "قلت" فقد ظهر أنه لا خلاف بين أهل النقل أن تزويج النبي صلَّى الله عليه وسلم متقدم على إسلام أبيها أبي سفيان وعلى يوم الفتح ولما ثبت هذا تعين أن يكون طلب أبي سفيان تزويج أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه خطأ ووهمًا وقد بحث النقاد عمن وقع منه ذلك الوهم فوجدوه قد وقع من عكرمة بن عمار قال أبو الفرج الجوزي اتهموا به عكرمة وقد ضعف حديثه يحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل ولذلك لم يخرج عنه البخاري وإنما أخرج عنه مسلم لأنه قد قال فيه يحيى بن معين هو ثقة وقال أبو محمد عليّ بن أحمد الحافظ هذا حديث موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار قال بعضهم ومما يحقق الوهم في هذا الحديث قول أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم أويد أن تؤمرني فقال له نعم ولم يسمع قط أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا سفيان على أحد إلى أن توفي فكيف يخلف النبي صلَّى الله عليه وسلم الوعد هذا ما لا يجوز عليه. "قلت" قد تأول بعض من صح عنده هذا الحديث بأن قال إن أبا سفيان إنما طلب من النبي صلَّى الله عليه وسلم أن يجدد معه عقدًا على ابنته المذكورة ظنًّا منه أن ذلك يصح لعدم معرفته بالأحكام الشرعية لحداثة عهده بالإسلام واعتذر عن عدم تأميره مع وعده له بذلك لأن الوعد لم يكن مؤقتًا وكان يرتقب إمكان ذلك فلم يتيسر له ذلك إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لعله ظهر له مانع شرعي منع من توليته الشرعية وإنما وعده بإمارة شرعية فتخلف لتخلف شرطها والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات والحق أن هذا الحديث موضوع لا يصح الاستدلال به. فضائل جعفر بن أبي طالب أما جعفر بن أبي طالب فيكنى أبا عبد الله كان أكبر من علي أخيه رضي الله عنه بعشر سنين وكان من المهاجرين الأولين هاجر إلى أرض الحبشة وقدم منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر فتلقاه النبي صلَّى الله عليه وسلم وعانقه وقال ما أدري بأيهما أنا أشد فرحًا أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر رواه الحاكم [2/ 624 و 3/ 208]

فضائل أسماء زوجة جعفر

فضائل أسماء زوجة جعفر 6256 - (2487) (43) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادِ الأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الهجرة واختط له النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنب المسجد وقال له النبي صلى الله عليه وسلم "أشبهت خلقي وخُلقي" رواه أحمد [1/ 98 - 99] والحاكم [3/ 120] من حديث علي ورواه البخاري [2699] والترمذي [3765] من حديث البراء ثم غزا غزوة مؤتة وذلك في سنة ثمان من الهجرة فقتل فيها بعد أن قاتل فيها حتى قطعت يداه جميعًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء" أخرجه البغدادي في معجمه وأبو عمر في الاستيعاب [1/ 210] وابن الأثير في أُسد الغابة [/ 1 343] وانظر ذخائر العقبى [ص 217] فمن هناك قيل له ذو الجناحين ولما أتى النبي صلَّى الله عليه وسلم نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزاها في زوجها فدخلت فاطمة تبكي وهي تقول واعمّاه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل جعفر فلتبك البواكي رواه ابن الأثير في أُسد الغابة وأبو عمر في الاستيعاب. فضائل أسماء زوجة جعفر وأمَّا أسماء زوجة جعفر فهي ابنة عميس مصغرًا بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك الخثعمية من خثعم أنمار وهي أخت ميمونة زوج النبي صلَّى الله عليه وسلم وأخت لبابة أم الفضل زوجة العباس وأخت أخواتها وهن تسع وقيل عشر هاجرت أسماء مع زوجها جعفر إلى أرض الحبشة فولدت له هناك محمدًا وعبد الله وعوفًا ثم هاجرت إلى المدينة فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وولدت له محمد بن أبي بكر ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي لا خلاف في ذلك وقيل كانت أسماء بنت عميس تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له ابنة تسمى أمة الله وقيل أمامة ثم خلف عليها بعده شداد بن الهادي الليثي فولدت له عبد الله وعبد الرحمن ثم خلف عليها بعده جعفر ثم كان الأمر كما ذكر آنفًا. ثم استدل المؤلف على فضائل أهل السفينة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6256 - (2487) (43) (حدثنا عبد الله بن برّاد الأشعري ومحمد بن العلاء

الْهَمْدَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنِي بُرَيدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ. فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيهِ. أَنَا وَأَخَوَانِ لِي، أَنَا أَصْغَرُهُمَا، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ -إِمَّا قَال بِضْعًا، وَإِمَّا قَال ثَلاثَةً وَخَمْسِينَ، أَو اثْنَينِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي- قَال: فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَألْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمداني قالا حدثنا أبو أسامة حدثني بريد) بن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (بلغنا) معاشر الأشعريين (مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ظهوره وبعثته (ونحن) معاشر الأشعريين مقيمون (باليمن فخرجنا مهاجرين) من اليمن (إليه) صلى الله عليه وسلم (أنا) تأكيد لفاعل خرجنا ليعطف عليه قوله (وأخوان لي) تثنية أخ مرفوع بالألف (أنا أصغرهما) أي أنا أصغر منهما وفي رواية للبخاري (وأنا أصغرهم) أي أصغر الثلاثة أنا وهما (أحدهما) أي أحد الأخوين لي كنيته (أبو بردة) واسمه عامر بن قيس وله حديث عند أحمد والحاكم (والآخر) منهما كنيته (أبو رهم) بضم الراء وسكون الهاء واسمه مجدي بن قيس على وزن مهدي قال أبو بردة بن أبي موسى (إما قال) والدي أبو موسى فخرجنا مهاجرين إليه حالة كوننا (بضعًا) وخمسين والبضع الآحاد التي بين العقود ونصبه على الحال من فاعل خرجنا ومن الضمير المستكن في مهاجرين وما بعده من العدد المشكوك فيه معطوف عليه وإما الأُولى للتفصيل والثانية للشك والمعنى: أي فخرجنا مهاجرين حالة كوننا معدودين ببضع وخمسين (وإمّا قال) والدي أبو موسى حالة كوننا (ثلاثة وخمسين) رجلًا أي معدودين بهذا العدد (أو) قال والدي حالة كوننا (اثنين وخمسين رجلًا من قومي) يعني من الأشعريين قال القرطبي و (قول أبي بردة إما قال أبو موسى بضعة واما قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلًا" كذا صواب الرواية فيه بإثبات هاء التأنيث في بضعة لأن المعدود مذكر وبالنصب على الحال من خرجنا المذكور وإما موطئة للشك وما بعدها معطوف عليها مشكوك فيه وقد وقع في بعض النسخ "إمّا قال بضع" بإسقاط الهاء وبالرفع مع نصب خمسين وذلك لحن واضح والأول هو الصواب اهـ من المفهم (قال) أبو موسى فخرجنا مهاجرين (فركبنا سفينة) لتوصلنا إلى الحجاز (فألقتنا سفينتنا) بسبب غلبة الريح عليها أي رمتنا إلى الحبشة فوصلنا (إلى

النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ. فَقَال جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا ههُنَا. وَأَمَرَنَا بالإِقَامَةِ، فَأقِيمُوا مَعَنَا. فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا. قَال: فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حينَ افْتَتَحَ خَيبَرَ. فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَال: أَعْطَانَا مِنْهَا. وَمَا قَسَمَ لأَحَدِ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيبَرَ مِنْهَا شَيئًا. إلا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ. إلا لأَصْحَابِ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ. قَال: فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النجاشي) الملك (بالحبشة) أي في الحبشة والنجاشي بتخفيف الجيم لقب لكل من ملك الحبشة واسم هذا الملك أصحمة قال أبو موسى (فوافقنا) أي رأينا هناك (جعفر بن أبي طالب وأصحابه) أي أصحاب جعفر ورفقته الذين هاجروا معه من مكة إلى الحبشة (عنده) أي عند النجاشي وهم ستة عشر نفرًا فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة قال أبو موسى (فقال) لنا (جعفر) بن أبي طالب (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا) أي أرسلنا (ها هنا) أي عند النجاشي (وأمرنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالإقامة) ها هنا أي عند النجاشي (فأقيموا) يا معشر الأشعريين (معنا) ها هنا قال أبو موسى (فأقمنا معه) أي مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه هناك (حتى قدمنا جميعًا) أي كل من أصحاب جعفر وأصحاب أبي موسى عليهما السلام المدينة (قال) أبو موسى (فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم) أي قسم (لنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمًا من غنائم خيبر مع الغانمين قال أبو بردة (أو قال) أبو موسى (أعطانا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (منها) أي من غنائم خيبر شيئًا لا سهمًا كاملًا كسهم الغانمين بدل قوله فأسهم لنا والشك من أبي بردة قال النووي هذا الإعطاء محمول على أنه برضا الغانمين وقد جاء في صحيح البخاري ما يؤيده وفي رواية البيهقي التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كلّم المسلمين فشركوهم في سهمانهم قال أبو موسى (وما قسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأحد غاب عن فتح خيبر منها) أي من غنائم خيبر (شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا (إلا لمن شهد معه) فتح خيبر (إلا لأصحاب سفينتنا) الذين جاؤوا (مع جعفر وأصحابه) الذين هاجروا من مكة إلى الحبشة فإنه صلى الله عليه وسلم (قسم لهم) أي لأصحاب سفينتنا معاشر اليمانيين (معهم) أي مع جعفر وأصحابه (قال) أبو موسى (فكان

نَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا -يَعْنِي لأَهْلِ السَّفِينَةِ-: نَحْنُ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ. - قَال: فَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَائِرَةً. وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَيهِ. فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ، وَأَسْمَاءُ عِنْدَها. فَقَال عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هذِهِ؟ قَالتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيسٍ. قَال عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هذِهِ؟ فَقَالتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ. فَقَال عُمَرُ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ناس) أي فريق (من الناس) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة (يقولون لنا) أي لأصحاب السفينة قال أبو بردة (يعني) أبو موسى بقوله يقولون لنا أي (لأهل السفينة نحن) معاشر المهاجرين من مكة إلى المدينة (سبقناكم) يا أصحاب السفينة (بالهجرة) من مكة إلى المدينة فلنا فضل السابقية عليكم (قال) أبو موسى (فدخلت أسماء بنت عميس) زوجة جعفر (وهي) أي أسماء (ممن قدم معنا) من الحبشة أي فدخلت أسماء (على حفصة) بنت عمر (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كون أسماء (زائرة) لحفصة رضي الله عنها (وقد كانت) أسماء (هاجرت) مع زوجها جعفر (إلى النجاشي فيمن) أي مع من (هاجر إليه) أي إلى النجاشي من الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى الحبشة (فدخل عمر) بن الخطاب (على حفصة وأسماء): أي والحال أن أسماء بنت عميس جالسة (عندها) أي عند حفصة (فقال عمر حين رأى أسماء) عند حفصة (من هذه) المرأة الجالسة عندك (قالت) حفصة لعمر رضي الله عنه هذه الجالسة عندي (أسماء بنت عميس) زوجة جعفر بن أبي طالب (قال عمر الحبشية) خبر مقدم (هذه) مبتدأ مؤخر لغرض الحصر وقد وقع في بعض الروايات بالمد في أوله آلحبشية هذه على أن الهمزة للاستفهام الاستخباري أي هل هذه الجالسة عندك هي الحبشية ونسبها إلى الحبشة لكونها هاجرت إلى الحبشة ومثله التركيب في قوله (البحرية هذه) أي هذه المرأة الجالسة عندك هي البحرية ونسبها إلى البحر لركوبها البحر وعبارة القرطبي ونسبها إلى الحبشة لمقامها فيهم وإلى البحر لمجيئها في طريق البحر وهو استفهام قُصد به المطايبة والمباسطة فإنه كان قد علم من هي حين رآها اهـ من المفهم. (فقالت أسماء) في جواب استفهامه (نعم) هي الحبشية البحرية (فقال عمر) رضي الله عنه لأسماء (سبقناكم) معاشر أهل السفينة (بالهجرة) إلى المدينة المنورة فإنهم أتوها

فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ، وَقَالتْ كَلِمَةً: كَذَبْتَ. يَا عُمَرُ، كَلَّا، وَاللهِ، كنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُم، ويعِظُ جَاهِلَكُمْ. وَكُنَّا فِي دَارِ، أوْ فِي أَرْضِ، الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ فِي الْحَبَشَةِ. وَذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ. وَايمُ اللهِ، لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل أسماء ورفقتها فزعم عمر أن الهجرة المعتبرة هي الهجرة إلى المدينة (فنحن أحق بـ) ـالقرب إلى (رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم) يا أهل السفينة صدر هذا لقول من عمر على جهة الفرح بنعمة الله والتحدث بها لما علم من عظيم أجر السابق إلى الهجرة ورفعة درجته على اللاحق لا على جهة الفخر والتوقع فإن عمر منزه عن ذلك (فـ) ـلما سمعت أسماء ذلك (غضبت) غضب منافسة في الأجر وغيره على جهة السبق (وقالت) أسماء (كلمة) مقول لقالت فجعلت لفظة كلمة مقولًا لقال مع أن مقول القول لا يكون إلَّا جملة لكونها في معنى الجملة فلذلك أبدل منها جملة قوله (كذبت يا عمر) أي أخطأت في ظنك لا أنها نسبته إلى الكذب الذي يأثم قائله وكثيرًا ما يطلق الكذب بمعنى الخطأ كما قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه "كذب أبو محمد" وهو مسعود بن زيد الأنصاري انظر أسد الغابة [5/ 61] لما زعم أن الوتر واجب (كلَّا) أي ارتدع يا عمر عما قلت فإنه ليس صحيحًا فهي نفي لما قال وزجر عنه وهذا أصل كلّا وقد تأتي للاستفتاح بمعنى ألا المخففة (والله كنتم) يا أصحاب الهجرة إلى المدينة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنّا) نحن معاشر المهاجرين إلى الحبشة (في دار) أي بلدة البعداء البغضاء (أو) قالت أسماء وكنا (في أرض البعداء البغضاء) بالشك من الراوي في أيّ اللفظين قالته أسماء وقوله كنّا (في الحبشة) بدل من الجار والمجرور قبله والبعداء جمع بعيد وأكثر ما يطلق على من نسبه سافل والبغضاء جمع بغيض وأكثر ما يستعمل فيمن ساء دينه وعمله كلاهما كظريف وظرفاء وشريف وشرفاء والمعنى كنّا في أرض البعداء عنّا في النسب لأنهم عجم ونحن عرب البغضاء لله تعالى لأنَّ الحبشة كلها وقتئذ كفار ولم يسلم منها إلا النجاشي وكان يستخفي بإسلامه عن قومه كذا في النووي (وذلك) أي كوننا في أرض البعداء البغضاء (في) ذات (الله) سبحانه وطلب رضاه (وفي) اتباع (رسوله) صلى الله عليه وسلم والإيمان به ثم أقسمت أسماء فقالت "وأيم الله" قسمي (لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا) ظاهره

حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَنَحْنُ كُنَّا نؤْذَى وَنُخَافُ. وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَسْألُهُ. وَوَاللهِ، لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. قَال: فَلَمَّا جَاءَ النبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ عُمَرَ قَال كَذَا وَكَذَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ بِأحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَكُمْ أَنْتُمْ، أَهْلَ السَّفِينَةِ، هِجْرَتَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العموم أي لا عند حفصة ولا عند غيرها (حتى أذكر ما قلت) يا عمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن) أصحاب السفينة (كنا نؤذى) في بلاد الحبشة ببغضهم إيّانا (ونخاف) من بطشهم علينا والفعلان مبنيان للمفعول وكل ذلك في ذات الله تعالى فكيف تكونون أحق منّا برسول الله صلى الله عليه وسلم (وسأذكر ذلك) الذي قلت لي قريبًا (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) من أحقيتكم منا برسول الله صلى الله عليه وسلم (وأسأله) صلى الله عليه وسلم عما قلت يا عمر هل هو كلام صادق أم لا (ووالله لا أكذب) بالزيادة على ما قلت لي (ولا أزيغ) أي لا أميل عن الحق في الإخبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالإلحان في الدعوى عليك (ولا أزيدُ على ذلك) الذي قلت لي توكيد لفظي بالمراد (قال) الراوي أبو موسى (فلمَّا جاء النبي صلى الله عليه وسلم) ودخل بيت حفصة (قالت) أسماء (يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا) من قوله سبقنا بالهجرة ونحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس) عمر وأصحابه (بأحق) وأقرب (بي منكم) منزلة قال القرطبي يعني في الهجرة لا مطلقًا وإلا فمرتبة عمر رضي الله عنه وخصوصية صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم معروفة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أهل السفينة هجرتان وسبب ذلك أن عمر وأصحابه هاجروا من مكة إلى المدينة هجرة واحدة في طريق واحد وهاجر جعفر وأصحابه إلى أرض الحبشة وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثم إنهم لما سمعوا بهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ابتدؤوا هجرة أخرى إليه فتكرر الأجر بحسب تكرار العمل والمشقة في ذلك اهـ من المفهم. (وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة) بنصب أهل على الاختصاص يعني من كان معكم في السفينة عند مقدمكم إلى المدينة (هجرتان) قال أبو بردة بالسند السابق:

قَالتْ: فَلَقَدْ رَأَيتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعَظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللًهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال أَبُو بُرْدَةَ: فَقَالتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيتُ أَبَا مُوسَى، وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذا الْحَدِيثَ مِنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالت) أسماء (فـ) ـوالله (لقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني) في بيتي (أرسالًا) أي أفواجًا فوجًا بعد فوج يقال أورد إبله أرسالًا أي متقطعة وأوردها عراكًا أي مجتمعة اهـ نووي قال القرطبي قوله: "أرسالًا" أي متتابعين جماعة بعد جماعة واحد الأرسال رسل كأحمال جمع حمل يقال جاءت الخيل أرسالًا أي قطعة قطعة ففيه قبول أخبار الآحاد وإن كان خبر امرأة فيما ليس طريقًا للعمل والاكتفاء بخبر الواحد المفيد لغلبة الظن مع التمكن من الوصول إلى اليقين فإن الصحابة رضي الله عنهم اكتفوا بخبرها ولم يُراجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء من ذلك وخبرها يفيد ظن صدقها لا العلم بصدقها فافهم هذا اهـ مفهم. حالة كونهم (يسألوني عن هذا الحديث) الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي وفي قولها "يأتوني يسألوني" حذف نون علامة الرفع فرارًا من كراهية توالي المثلين وقالت أسماء أيضًا (ما من الدنيا شيء هم) أي أصحاب السفينة (به أفرح) أي هم أشد فرحًا به (و) لا شيء (أعظم) بشارة (في أنفسهم) أي في قلوبهم (مما قال) أي من القول الذي قاله الهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني قوله لهم هجرة ولكم هجرتان قال القرطبي تعني أسماء ما من الدنيا شيء يحصل به ثواب عند الله تعالى هو في نفوسهم أعظم قدرًا ولا أكثر أجرًا مما تضمنه هذا القول لأن أصل أفعل أن تضاف إلى جنسها وأعراض الدنيا ليست من جنس ثواب الآخرة فتعين ذلك التأويل والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (قال أبو بردة) بالسند السابق (فقالت أسماء فلقد رأيت أبا موسى وإنه) أي والحال أنه (ليستعيد هذا الحديث منّي) أي ليطلب مني إعادة هذا الحديث عليه وتكراره له ليحفظه لشدة فرحه به. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد [3136] وفي فضائل

فضائل سلمان رضي الله عنه

فضائل سلمان رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابة باب هجرة الحبشة [3876] وفي المغازي باب غزوة خيبر [4235 و 4231]. فضائل سلمان رضي الله عنه أمَّا سلمان فيكنى أبا عبد الله وكان ينتسب إلى الإسلام فيقول أنا سلمان ابن الإسلام ويعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أعانه بما كوتب عليه فكان سبب عتقه وكان يعرف بسلمان الخير وقد نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل بيته فقال سلمان منا أهل البيت رواه الحاكم [3/ 598] والطبراني في الكبير [6/ 261] وأصله فارسي من رام هرمز من قرية يقال لها جي في حاشية أسد الغابة [2/ 417] جيّ اسم مدينة أصبهان القديم ويقال بل من أصبهان وكان أبوه مجوسيًا من قوم مجوس فنبهه الله تعالى لقبح ما كان عليه أبوه وقومه وجعل في قلبه التشوف إلى طلب الحق فهرب بنفسه وفر من أرضه إلى أن وصل إلى الشام فلم يزل يجول في البلدان ويختبر الأديان ويستكشف الأحبار والرهبان إلى أن دل على راهب الوجود فوصل إلى المقصود وذلك بعد مكابدة عظيم المشقات والصبر على مكاره الحالات من الرق والإذلال والأسر والأغلال كما هو منقول في إسلامه في كتب السير وغيره وروى أبو عثمان النهدي عن سلمان أنه قال تداوله في ذلك بضعة عشر ربًا من رب إلى رب حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال غيره فاشتراه النبي صلَّى الله عليه وسلم للعتق من قوم من اليهود بكذا وكذا درهمًا وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل يعمل فيها سلمان حتى تدرك فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل كلها بيده فأطعمت النخل من عامه وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ولم يفته بعد ذلك مشهد معه وقد قيل إنه شهد بدرًا وأحدًا والأول أعرف وكان خيرًا فاضلًا حبرًا عالمًا زاهدًا متقشفًا روي عن الحسن أنه قال كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها وذكر ابن وهب وابن نافع عن مالك كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئًا قال ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بالجدر والشجر وإن رجلًا قال له ألا أبني لك بيتًا تسكن فيه فقال ما لي به حاجة فما زال به الرجل حتى قال له إني أعرف البيت الذي يوافقك قال فصفه لي فقال أبني لك بيتًا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه وأنت إذا مددت رجليك

فضائل صهيب رضي الله عنه

فضائل صهيب رضي الله عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ أصابك الجدار قال نعم فبنى له وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لو كان الدين في الثريا لناله سلمان" رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وفي رواية رجال من الفرس رواه أحمد وقالت عائشة رضي الله عنها كان لسلمان مجلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفرد به في الليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال صلَّى الله عليه وسلم "إن الله أمر أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم علي وأبو ذر والمقداد وسلمان" رواه الترمذي وابن ماجه وقال أبو هريرة سلمان صاحب الكتابين. وقال عليّ سلمان علم العلم الأول والآخر بحر لا ينزف هو منا أهل البيت وقال علي رضي الله عنه أيضًا سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم وله أخبار وفضائل جمة توفي سلمان رضي الله عنه في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين وقيل بل مات سنة ست في أولها وقد قيل توفي في خلافة عمر والأول أكثر قال الشعبي توفي بالمدائن وكان من المعمرين أدرك وصيَّ عيسى بن مريم انظر قصة إسلام سلمان في أُسد الغابة لابن الأثير [2/ 417] وعاش مائتين وخمسين سنة وقيل ثلاثمائة وخمسين سنة قال أبو الفرج والأول أصح وجملة ما حُفظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستون حديثًا أُخرج له منها في الصحيحين سبعة اهـ من المفهم. فضائل صهيب رضي الله عنه أمَّا صهيب فهو ابن سنان بن خالد بن عبد عمرو بن العرب بن النمر بن ساقط كان أبوه عاملًا لكسرى على الأيلة وكانت منازلهم بارض الموصل في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صهيبًا وهو غلام صغير فنشأ صهيب بالروم فصار ألكن فابتاعته منه كلب ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان فأعتقه فأقام بمكة حتى هلك ابن جدعان وبُعث النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم هو وعمّار بن ياسر في يوم واحد بعد بضعة وثلاثين رجلًا فلما هاجر النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب فقالت له قريش حين خرج يريد الهجرة أتفجعنا بنفسك ومالك فدلهم على ماله فتركوه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال له "ربح البيع أبا يحيى" فأنزل الله عزَّ وجلَّ في أمره {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207]، رواه الحاكم وابن حبان وانظر جامع الأصول [2/ 37]

6257 - (2487) (44) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيبٍ وَبِلالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي أنه قال صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه ورُوي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب صهيبًا حب الوالدة ولدها رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء [7/ 2626] وقال صلى الله عليه وسلم صهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبشة رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفه [11/ 242] وانظر مجمع الزوائد [3059] وإنما نسبه النبي صلَّى الله عليه وسلم للروم لما ذكر أنه نشأ فيهم صغيرًا وتلقف لسانهم وقد تقدم ذكر نسبه آنفًا وقال له عمر مالك يا صهيب تكنى أبا يحيى وليس لك ولد وتزعم أنك من العرب وتطعم الطعام الكثير وذلك سرف فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى وإني من النمر بن قاسط من أنفسهم ولكني سبيت صغيرًا أعقل أهلي وقومي ولو انفلقت عن روثة لانتميت إليها وأما إطعام الطعام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خياركم من أطعم الطعام ورد السلام" وفي رواية "أفشى السلام" رواه أبو نعيم في الحلية والأصبهاني في الترغيب والترهيب توفي صهيب بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في شوالها وقيل سنة تسع وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ودفن بالبقيع اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على فضائلهم بحديث عائذ بن عمرو رضي الله عنه فقال: 6257 - (2487) (44) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن معاوية بن قرة) بن إياس المزني البصري ثقة من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عائذ بن عمرو) بن هلال المزني أبي هبيرة البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (2) بابين الجهاد والفضائل وهذا السند من سداسياته (أن أبا سفيان) صخر بن حرب الأموي المكي الصحابي المشهور رضي الله عنه (أتى) أي مرّ قبل إسلامه وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية (على سلمان وصهيب وبلال) حالة كون هؤلاء

فِي نَفَرٍ. فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا. قَال: فَقَال أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذا لِشَيخِ قُرَيشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأخْبَرَهُ. فَقَال: "يَا أَبا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ. لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ". فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكرٍ فَقَال: يَا إِخْوَتَاهْ، أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ. يَا أُخَيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاثة (في نفر) أي مع نفر آخرين من فقراء المسلمين (فقالوا) أي فقال هؤلاء الثلاثة الفقراء (ما أخذت) وقطعت (شوف) المجاهدين في (الله) تعالى (من عنق عدو الله) يريدون به أبا سفيان (مأخدها) أي مأخذ السيوف وحقها وهو القطع في سبيل الله أو مأخذ العنق ومقطعها وهو الرقبة أي ما استوفت سيوف الله حقها من عنق هذا الكافر وهو قطعها (قال) عائذ بن عمرو (فقال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه لهؤلاء النفر الثلاثة (أتقولون هذا) الكلام المفزع القبيح الشيخ قريش وسيدهم) ورئيسهم والهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى النهي أي لا تقولوا ذلك له (فأتى) أبو بكر (النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي فأخبر أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم بما قالوه له (فقال) النبي صلَّى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم) بما قلت والله (لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك) بسبب إغضابهم وإنما أنكر أبو بكر عليهم التشديد في الكلام مع أبي سفيان وهو سيد قومه وفيه فضيلة ظاهرة لهؤلاء المذكورين عند الله تعالى ويستفاد منه احترام الصالحين واتقاء ما يغضبهم أو يؤذيهم (فأتاهم أبو بكر فقال يا إخوتاه) أ (أغضبتكم) بما قلت (قالوا لا) أي ما أغضبتنا ولكن (ينفر الله لك يا أُخي) تصغير ملاطفة لا تصغير تحقير وإعرابه يا حرف نداء مبني على السكون أخي منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الواو المنقلبة ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة قبلها المحذوفة لتوالي الأمثال منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة لأن ما قبل الياء لا يكون إلا مكسورًا لأن أصله أخيي أُخي مضاف وياء المتكلم في محل الجر مضاف إليه مبني على الفتح للخفة اهـ من كتابنا نخبة الإعراب على ملحة الأعراب فراجعه لأنا ذكرنا في ذلك الكتاب نحو خمسة عشر وجهًا في إعراب يا أُخيَّ وأما إعراب قوله (يا إخوتاه) يا حرف نداء إخوتاه منادى نكرة مقصودة في محل النصب مبني على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتح لمناسبة ألف الندبة والألف حرف ندبة مبني على السكون والهاء للسكت. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول حديث أبي موسى الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث أبي موسى الثاني ذكره للاستشهاد والثالث حديث أبي موسى الثالث ذكره للاستشهاد والرابع حديث أبي موسى الرابع ذكره للاستشهاد والخاص حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والسادس حديث أبي موسى الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والسابع حديث عائذ بن عمر ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

717 - (6) والتاسع عشر منها باب فضائل الأنصار والتخيير بين دورهم وحسن صحبتهم ودعائه لغفار وأسلم رضي الله عنهم ودعائه على بعض القبائل من العرب

717 - (6) والتاسع عشر منها باب فضائل الأنصار والتخيير بين دُورهم وحسن صحبتهم ودعائه لغفار وأسلم رضي الله عنهم ودعائه على بعض القبائل من العرب 6258 - (2488) (45) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، (وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ)، قَالا: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ، وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] ـــــــــــــــــــــــــــــ 717 - (6) والتاسع عشر منها باب فضائل الأنصار والتخيير بين دُورهم وحسن صحبتهم ودعائه لغفار وأسلم رضي الله عنهم ودعائه على بعض القبائل من العرب ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 6258 - (2488) (45) (حدثنا إسحاق بن إبرا هيم) بن راهويه (الحنظلي) المروزي (وأحمد بن عبدة) بن موسى الضبي البصري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ لإسحاق قالا أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (فينا) معشر الأنصار (نزلت) آية ({إِذْ هَمَّتْ}) وقصدت أي واذكر يا محمد قصة إذ همّت وقصدت {طَائِفَتَانِ} أي فرقتان {مِنْكُمْ} أيها المؤمنون ({أَنْ تَفْشَلَا}) وتجبنا عن القتال وترجعا مع من رجع من المنافقين ({وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}) أي والحال أن الله وليهما وناصرهما والطائفتان هما (بنو سلمة) بفتح السين وكسر اللام قوم جابر وهم من الخزرج (وبنو حارثة) فهم أقاربه من الأوس قال جابر (وما نحب أنها لم تنزل لقول الله عزَّ وجلَّ) فيها ({وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}) ففي هذا منقبة عظيمة لنا يعني أن الآية وإن كان في ظاهرها غضَّ من هاتين الطائفتين حيث ذكر الله تعالى أنهما همّتا بالفشل في غزوة أحد ولكن في آخر الآية غاية الشرف لهم حيث ذكر الله تعالى أنه وليهما وإنما همّتا بالفشل بعدما انفصل عبد الله بن أُبي ومن معه عن عسكر المسلمين فخافت هاتان الطائفتان من قلة عدد المسلمين

6259 - (2489) (46) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَرْقَمَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنَصَارِ، وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعددهم ثم ثبتهما الله تعالى ولم تعملا بهمهما قال القرطبي وذلك الفشل أنه لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد للقاء المشركين رجع عنه عبد الله بن أبي بجمع كثير فشلًا عن الحرب ونكولًا وإسلامًا للنبي صلَّى الله عليه وسلم وأصحابه للعدو وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالرجوع فحماهم الله تعالى من ذلك مما يضرهم من قبل ذلك وعظيم إثمه فلحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين إلى أن شاهدوا الحرب وكان من أمر أحد ما قد ذكر "وقول جابر ما نحب أن لا تنزل " إنما قال ذلك لما في آخرها من تولي الله تعالى لتينك الطائفتين بلطفه بهما وعصمته إياهما مما حل بعبد الله بن أبي من الإثم والعار والذمِّ وذلك قوله تعالى {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} أي متولي حفظهما وناصرهما اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب إذ همّت طائفتان [4051] وفي التفسير باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا إلخ [4558] ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنهما فقال: 6259 - (2489) (46) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (وعبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس بن النعمان الأنصاري الخزرجي الكوفي رضي الله عنه روى عنه في (6) أبواب وله تسعون (90) حديثًا وهذا السند من سداسياته (قال) زيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) قال القرطبي ظاهره إنتهاؤه إلى البطن الثالث فيمكن أن يكون ذلك من القرون الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" متفق عليه ويمكن أن تشمل بركة هذا الاستغفار المؤمنين من نسل الأنصار إلى يوم القيامة مبالغة في إكرام الأنصار ويؤيده قوله في الرواية الأخرى ولذراري الأنصار قال الأبي وإلى الأول كان يذهب الشيخ والأظهر

6260 - (00) (00) وحدّثنيه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ). حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6261 - (2490) (47) حدّثني أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، (وَهُوَ ابْنُ عَمَارٍ)، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ)؛ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لِلأَنْصَارِ. قَال: وَأَحْسِبُهُ قَال: "وَلِذَرَارِيِّ الأَنْصَارِ، وَلِمَوَالِيّ الأَنْصَارِ" لَا أَشُكُّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني لما في الرواية الأخرى كما ذكر اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث [4/ 369] والبخاري في تفسير سورة المنافقين [4906] والترمذي في المناقب باب مناقب الأنصار [3905 و 3898] ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6260 - (00) (00) (وحدثنبه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن النضر عن زيد بن أرقم غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة خالد بن الحارث لمحمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي وجاء في صحيح البخاري وجامع الترمذي أن زيد بن أرقم كتب بهذا الحديث إلى أنس رضي الله عنهما حين بلغه أن أنسًا رضي الله عنه اشتدَّ حزنه على من أصيب يوم الحرّة من الأنصار ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جابر بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 6261 - (2490) (47) (حدثني أبو معن الرقاشي) زيد بن يزيد الثقفي البصري ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي اليمامي ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب. (حدثنا عكرمة وهو ابن عمار) العجلي الحنفي اليمامي صدوق من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا إسحاق وهو ابن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري المدني ثقة من (4) روى عنه في (7) أبواب (أن أنسًا) ابن مالك الأنصاري رضي الله عنه (حدّثه) أي حدّث لإسحاق بن عبد الله وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للأنصار قال) إسحاق (وأحسبه) أي وأظن أنسًا (قال) لفظة (ولذراري الأنصار) أي ولأولادهم (ولموالي الأنصار) أي لعتقائهم أي أظن قوله ذلك ظنًّا مؤكدًا (لا أشك فيه) أي في قوله ذلك وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

6262 - (2491) (48) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَّيَةَ، (وَاللَّفْظُ لزُهَيرٍ)، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، (وَهُوَ ابْنُ صُهَيبٍ)، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى صِبيانًا وَنِسَاءَ مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ. فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُمْثِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث جابر بحديث آخر لأنس رضي الله عنهما فقال: 6262 - (2491) (48) (حدثني أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ـابن علية) اسم أمه (واللفظ لزهير) قال زهير (حدثنا (سماعيل) بن إبراهيم بصيغة السماع (عن عبد العزيز وهو ابن صهيب) البناني البصري الأعمى ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيانا ونساء) للأنصار (مقبلين) أي راجعين (من عُرس) أي من وليمة عرس وزواج (فقام نبي الله صلّى الله عليه وسلم ممثلًا) بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الثاء المثلثة وفتحها وذكر القاضي أن جمهور الرواة على فتح الثاء وهي في البخاري بالكسر ومعناهما قائمًا منتصبًا وعند الجياني وابن ماهان "مقبلًا" وللبخاري في كتاب النكاح "ممتنا" أي قام قيامًا قويًّا مأخوذ من المنة بضم الميم وتشديد النون وهي القوة أي قام إليهم مسرعًا مشتدًا في ذلك فرحًا بهم وفسره القرطبي بأنه من الامتنان لأن من قام له النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمه بذلك فقد امتن عليه ووقع في رواية أُخرى ممتنًا بكسر التاء وتخفيف النون أي قام قيامًا طويلًا مستويًا منتصبًا والأشبه عندي الأول بدليل قوله في الآخر فمثل قائمًا يقال مثل يمثل مثولًا إذا انتصب قائمًا واسم الفاعل ماثل ولكنه يكون بمعنى ممثلًا وممثلًا معناه مكلفًا نفسه بذلك فعدّي فعله (قلت لا فيه القيام للمكرم كما في الآخر "قوموا لسيدكم" وسئل الشيخ عز الدين فقيل ما تقول أئمة الدين في هذا القيام الذي أحدثه الناس الآن ولم يكن في السلف فكتب قال صلى الله عليه وسلم "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا" فلو ترك القيام اليوم لأفضى إلى المقاطعة والمدابرة ولو قيل بوجوبه لم يبعد قال القرافي وهو ناظر لقول عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور فإنه لما احدثت هذه الأشياء وكان تركها يؤدي إلى المقاطعة المحرّمة تعارض مكروه ومحرم فيقدّم المكروه وهذه قاعدة الشرع.

فَقَال: "اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِليَّ، اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِليَّ" يَعْنِي الأَنْصَارَ. 6263 - (2492) (49) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدٍ. سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال القرافي وأقسام القيام خمسة فيحرم إن فعل تعظيمًا لمن يحبه تجبرًا أي تكبرًا على الناس من غير ضرورة ويكره إن فعل تعظيمًا لمن لا يحبه لرفع فساد قلب الذي يقام له ويباح إذا فعل إجلالًا لمن لا يريده ويندب للقادم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه أو يفعل شكرًا لإحسان أو لذي مصيبة لتعزيته بمصيبته وبهذا التقسيم يقع الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يتمثل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" وبين قيامه صلى الله عليه وسلم لعكرمة بن أبي جهل حين قدم من اليمن فرحًا بقدومه وقيام طلحة لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله عليه ولم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم وكان كعب يقول لا أنساها لطلحة وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار قوموا لسيدكم تعظيمًا له وقيل إنما أمرهم بذلك ليعينوه على النزول عن الدابة قال القرافي والنهي عن محبة القيام ينبغي أن يحمل على من يريده تجبرًا وأمّا من يريده لدفع الضرر والتقية فلا ينهى عنه لأن دافع الأسباب المؤلمة مأذون فيه اهـ من الأبي (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم) أنت تعلم سري وعلانيتي (أنتم) يا معشر الأنصار (من أحبِّ الناس إليَّ) أي عندي (اللهم أنتم من أحبِّ الناس إليَّ) كرّره للتأكيد قال أنس (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير المخاطبين (الأنصار) وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 175 - 176] والبخاري في مناقب الأنصار باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي [3785] وفي النكاح باب ذهاب الناس النساء والصبيان إلى العُرْس [5180]. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث جابر بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6263 - (2492) (49) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار جميعً عن غندر) محمد بن جعفر ربيب شعبة (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري (قال) هشام (سمعت) جدّي (أنس بن

مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنصَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَخَلا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَقَال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لأحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ. 6264 - (00) (00) حدّثنيه يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6265 - (2493) (50) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك) الأنصاري رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته (جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ في الفتح [7/ 114] لم أقف على اسمها ولم أر أحدًا من الشرّاح عيَّن اسمها اهـ تنبيه المعلم قال النووي هذه المرأة فإما محرم له صلى الله عليه وسلم كأم سليم وأختها وإما المراد بالخلوة أنها سألته سؤالًا خفيفًا بحضرة ناس ولم تكن خلوة محرَّمة وهي الخلوة المنهي عنها اهـ دهني (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده إنكم) أيها الأنصار (لأحبّ الناس إليّ) أي عندي قالها (ثلاث مرات) تأكيدًا للكلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3786]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6264 - (00) (00) (حدثنيه يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سُليم الهجيمي البصري ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (كلاهما) أي كل من خالد وعبد الله رويا (عن شعبة) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أنس. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث جابر بحديث آخر لأنس رضي الله عنهما فقال: 6265 - (2493) (50) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن

الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِن الأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيبَتِي. وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ ويَقِلُّونَ. فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الأنصار كرشي) بفتح الكاف وكسر الراء وبكسر الكاف وسكون الراء لغتان ككبد وكبد قال القاضي الكرش للإنسان كالحوصلة للطائر قال الخطابي ضرب مثل الأنصار بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه وهم كانوا كذلك للنبي صلى الله عليه وسلم (وعيبتي) بفتح العين وسكون الياء والعيبة وعاء معروف أكبر من المخلاة يحفظ الإنسان فيها ثيابه وفاخر متاعه ويصونها ضرب بها مثل الأنصار لأنهم أهل سرّه وخفي أحواله وتجمع العيبة على عيب كبدرة وبدر قال العلماء معناه هم جماعتي وخاصتي الذين أثق بهم وأعتمد عليهم في أموري وفي النهاية معنى هم عيبتي أي خاصتي وموضع سري والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب لأنها مستوح السرائر كما أن العياب مستوح الثياب والعيبة معروفة ومنه الحديث "وإن بيتهم عيبة مكفوفة" أي بيتهم صدر نقي من الغل والخداع مطوي على الوفاء بالصُّلح اهـ (وإن الناس) غيرهم (يكثرون و) هم (يقلون) أي الأنصار يقلون (فاقبلوا من محسنهم) أي من محسن الأنصار حسناته (واعفوا عن مسيئهم) أي واسمحوا عن مسيء الأنصار إساءته قال الأبي الأظهر أنه يعني المباشرين لنصرته صلى الله عليه وسلم لا أبناءهم اهـ وقد جاء في صحيح البخاري بيان سبب هذا الحديث ولفظه "مرَّ أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال ما يبكيكم قالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد قال فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 176] والبخاري في مناقب الأنصار باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم [3799 و 3801]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي أُسيد رضي الله عنه فقال:

(44) - باب: في خير دور الأنصار، رضي الله عنهم 6266 - (2494) (51) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي أُسَيدٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَيرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ. ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ. وَفِي كُلِّ دُورِ الأنْصَارِ خَيرٌ". فَقَال سَعْدٌ: مَا أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلا قَدْ فَضلَ عَلَينَا. فَقِيلَ: قَدْ فَضلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6266 - (2494) (51) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت قتادة يحدِّث عن أنس بن مالك عن أبي أسيد) مصغرًا الأنصاري الخزرجي الساعدي مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الموحدة والمهملة بعدها المدني الصحابي المشهور بكنيته رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب وهذا السند من خماسياته (قال) أبو أسيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار) أي أفضل قبائلهم وكانت كل قبيلة تسكن محلة فتسمى تلك المحلة دار بني فلان ولذلك جاء في كثير من الروايات بنو فلان من غير ذكر دار اهـ نووي قال العلماء وتفضيلهم على قدر سبقهم إلى الإسلام ومآثرهم فيه (بنو النجار) هم من الخزرج والنجار هو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أخي الأوس سمي بذلك لأنه ضرب رجلًا فنجره فقيل له النجار وبنو النجار هم أخوال جدِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن والدة عبد المطلب منهم وعليهم نزل لما قدم المدينة وكان أنس بن مالك منهم (ثم بنو عبد الأشهل) بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصغر بن عمرو وهم قوم سعد بن معاذ رضي الله عنه (ثم بنو الحارث بن الخزرج) بن عمرو بن مالك بن أوس (ثم بنو ساعدة) هم الخزرج أيضًا وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج الأكبر وهم قوم سعد بن عبادة رضي الله عنه اهـ من العيني باختصار (وفي كل دور الأنصار خير) أي فضل وإن تفاوتت مراتبهم (فقال سعد) بن عبادة (ما أرى) ولا أظن (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا) أنه (قد فضل علينا) الآخرين لأن قومه بنو ساعدة وهم آخر الأربع المذكورين (فقيل) له (قد فضلكم) معاشر ابن ساعدة (على كثير) أي على كل من سوى هذه الأربعة من دور الأنصار.

6267 - (00) (00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. 6268 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 496] والبخاري في مواضع منها باب فضل دور الأنصار [3789 و 3790] والترمذي [3907]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي أسيد رضي الله عنه فقال: 6267 - (00) (00) (حدثناه محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجاورد البصري ثقة من (9) روى عنه في (15) (حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أنسًا) ابن مالك رضي الله عنه (يحدِّث عن أبي أسيد الأنصاري) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي داود لمحمد بن جعفر وساق أبو داود (نحوه) أي نحو حديث محمد بن جعفر. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه فقال: 6268 - (00) (00) (حدثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (عن الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري (ح وحدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني صدوق من (8) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المدني (قالا حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري ثقة من (8) روى عنه في (6) أبواب (كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني ليث بن سعد وعبد العزيز بن محمد وعبد الوهاب الثقفي رووا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (عن أنس) بن مالك عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد الثلاثة

بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَ سَعْدٍ. 2669 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ عَبَّادٍ)، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ طَلْحَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا أُسَيدٍ خَطِيبًا عِنْدَ ابْنِ عُتْبَةَ. فَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَيرُ دُورِ الأَنصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كلها من خماسياته غرضه بسوقها بيان متابعة يحيى بن سعيد لقتادة بن دعامة وساق يحيى (بمثله) أي بمثل حديث قتادة (غير أنَّه) أي لكن أن يحيى (لا يذكر في الحديث قول سعد) بن عبادة يعني قوله في الرواية الأولى "فقال سعد ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا قد فضّل علينا". ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي أسيد رضي الله عنه فقال: 2669 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبَّاد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (8) أبواب (ومحمد بن مهران) الجمال بالجيم أبو جعفر الرازي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ لابن عباد) قالا (حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) العبدري المدني صدوق من (8) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن إبراهيم بن محمد بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي أبي إسحاق المدني روى عن أبي أسيد الساعدي في الفضائل وأبي هريرة وابن عباس ويروي عنه (م عم) وعبد الرحمن بن حميد الزهري وطلحة بن يحيى وسعد بن إبراهيم وثقه العجلي وقال في التقريب ثقة من الثالثة مات سنة [110] مائة وعشر وله أربع وسبعون (74) (قال سمعت أبا أسيد) الساعدي (خطيبًا) بكسر الطاء اسم فاعل من خطب الثلاثي وفي بعض النسخ "خطبنا" بفتحها على صيغة الماضي (عند) الوليد (بن عتبة) بالمثناة فوق بن أبي سفيان عامل عمّه معاوية بن أبي سفيان على المدينة (فقال) أبو أسيد في خطبته (قال رسول الله صلى الله عليه وسم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة إبراهيم لأنس بن مالك في الرواية عن أبي أسيد (خير دور الأنصار) وقبائلهم (دار بني النجار) أي قبيلتهم قال

وَدَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَدَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَدَارُ بَنِي سَاعِدَةَ". وَاللهِ، لَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا بِهَا أَحَدا لآثَرْتُ بِهَا عَشِيرَتِي. 270 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. قَال: شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ لَسَمِعَ أَبَا أُسَيدٍ الأَنْصَارِيَّ يَشْهَدُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي وأصل الدّار المنزل الذي يقام فيه ويجمع في القلّة على أدور بضم الواو وقد أبدلوا من الضمة همزةً استثقالًا للضمة على الواو ويجمع في الكثرة على ديار ودور والدار مؤنثة ثم قد يعبر بالدار عن ساكنها كما جاء في هذا الحديث فإنه أراد بالديار القبائل وخير يعني أخير أي أكثر خيرًا وتفضيلُ بعض هذه القبائل على بعض إنما هو بحسب سبقهم إلى الإسلام وأفعالهم الحسنة فيه وتفضيلهم خبر من الشارع عمّا لهم عند الله تعالى من المنازل والمراتب فلا يقدم من أخر ولا يؤخر من قدم وقد اختلفت الروايات في بني النجار وبني عبد الأشهل ففي رواية أبي أسيد تقديم بني النجار على بني عبد الأشهل ومن بعدهم وفي رواية أبي هريرة تقديم بني عبد الأشهل علي بني النجار ومن بعدهم وهذا تعارض مشكل غير أن الأولى رواية أبي أسيد لقرابة بني النجار من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم فإنهم أخواله كما قدمنا ولاختصاص نزوله صلَّى الله عليه وسلم بهم وكونه عندهم وهذه مزية لا يلحقهم أحدٌ فيها اهـ من المفهم (ودار بني عبد الأشهل ودار بني الحارث بن الخزرج ودار بني ساعدة) قال أبو أسيد (والله لو كنت مؤثرًا بها) أي بهذه المزية والمرتبة أي مختارًا بها (أحدًا) من الناس أي لو كان الأمر بيدي (لآثرت) أي لاخترت (بها) أي بهذه الخيرية (عشيرتي) أي أقاربي بني ساعدة ولكن الأمر ليس بيدي فلذلك ذكرتهم كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 6270 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن حزام القرشي الحزامي المدني ثقة من (7) روى عنه في (6) (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (قال) أبو الزناد (شهد أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أي أقسم إنَّه (لسمع أبا أسيد الأنصاري يشهد) أي يخبر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لأنس

"خَيرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ. ثمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ. ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ. وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنصَارِ خَيرٌ". قَال أَبُو سَلَمَةَ: قَال أَبُو أُسَيدٍ: أُتَّهَمُ أَنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ لَوْ كُنْتُ كَاذِبًا لَبَدَأْتُ بِقَوْمِي، بَنِي سَاعِدَةَ. وَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ. وَقَال: خُلِّقنَا فَكُنَّا آخِرَ الأربَعِ. أَسْرِجُوا لِي حِمَارِي آتِي رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَكَلَّمَهُ ابْنُ أَخِيهِ، سَهْلٌ. فَقَال: أَتَذْهَبُ لِتَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإبراهيم بن محمد في الرواية عن أبي أسيد أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث بن الخزرج ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير قال أبو سلمة) بالسند السابق (قال أبو أسيد أُتَّهمُ أنا) بضم الهمزة وتشديد التاء المفتوحة وفتح الهاء على صيغة المضارع المبني للمفعول وأنا تأكيد لنائب فاعله المستتر أي وأتهم بالكذب (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيما رويت عنه من تخيير الأنصار بعضهم على بعض فـ (ـلو كنت كاذبًا) في ذلك التخيير (لبدأت بقومي بني ساعدة) قال أبو أسيد (وبلغ ذلك) التخيير (سعد بن عبادة فوجد) أي غضب (في نفسه) أي في قلبه (وقال) سعد بلسانه (خُلّفنا) بالبناء للمجهول أي جعلنا خلف الناس وآخرهم في الفضل (فكنا آخر الأربع) المخيرة من أدوار الأنصار وقال (أسرجوا لي حماري) أي اجعلوا يا خدمي السرج على ظهر حماري لأركبها و (آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأساله عن سبب تأخيرنا في التخيير وكأنَّ سعد بن عبادة يعني أن قومه بني ساعدة مذكور في هذا الكلام في الدرجة الرابعة فشك سعد بن عبادة في أول الأمر أن يكون أبو أسيد قد أخطأ في بيان هذا الترتيب فارأد أن يستوثق ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ترك ذلك خشية أن يكون فيه صورة معارضة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم (وكلّمه) أي وكلم سعدًا (ابن أخيه) أي أخي سعد لم أقف على اسم هذا الأخ وقوله (سهل) بالرفع بدل من الابن أو عطف بيان له (فقال) له سهل (أتذهب) يا عم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (لترد) وتنكر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم و) الحال أن (رسول الله أعلم) بمراتب القوم ودرجاتهم ويا

أَوَلَيسَ حَسْبُكَ أَنْ تَكُونَ رَابعَ أَرْبَعٍ. فَرَجَعَ وَقَال: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ فَحُلَّ عَنْهُ. 6271 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ أَبَا أُسَيدٍ الأنصَارِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَيرُ الأَنْصَارِ، أَوْ خَيرُ دُورِ الأَنْصَارِ". بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. فِي ذِكْرِ الدُّورِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عم (أ) ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله (وليس حسبك) أي كافيك في المزية (أن تكون رابع أربع) من الأدوار المخيرة وأن تذكر معهم (فرجع) سعد عن قصد ذهابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال) لمن عنده (الله ورسوله أعلم) بمراتب الكل (وأمر) سعد الخادم (بحماره) أي بحل سرج حماره (فحل) السرج (عنه) أي عن حماره. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه فقال: 6271 - (00) (00) (حدثنا عمرو بن علي بن بحر) بفتح الموحدة وسكون المهملة بن كنيز بنون وزاي مصغرًا أبو حفص الفلّاس الصيرفي الباهلي البصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثني أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري ثقة من (9) وفسّره الأصبهاني سليمان بن معبد السنجي وهو من الحادية عشرة فهو خطأ منه والصواب ما فسرناه به (حدثنا حرب بن شداد) اليشكري أبو الخطاب البصري ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5) روى عنه في (17) بابا (حدثني أبو سلمة) بن عبد الرحمن (أن أبا أسيد الأنصاري) رضي الله عنه (حدّثه) أي حدّث لأبي سلمة (أنه) أي أن أبا أسيد (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لأبي الزناد (خير الأنصار أو) قال لي أبو سلمة (خير دور الأنصار) والشك من يحيى بن أبي كثير وساق يحيى بن أبي كثير "بمثل حديثه" أي بمثل حديث أبي الزناد وفي أغلب النسخ (بمثل حديثهم) وهو تحريف من النساخ (في ذكر) ترتيب (الدورو) لكن (لم يذكر) يحيى بن أبي كثير في

قِصَّةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي اللهُ عنه. 6272 - (2495) (52) وحدَّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ)، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: قَال أَبُو سَلَمَةَ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ. سَمِعَا أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: "أُحَدِّثُكُمْ بِخَيرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "بَنُو عَبْدِ الأَشْهَل" قَالُوا: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَال: "ثُمَّ بَنُو النَّجَّارِ" قَالُوا: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ" قَالُوا: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ" قَال: "ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ" قَالُوا: ثُمَّ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ روايته (قصة سعد بن عبادة رضي الله عنه) يعني قوله وبلغ ذلك سعد بن عبادة فوجد في نفسه إلى آخر قصة سعد بن عبادة. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي أسيد بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6272 - (2495) (52) (وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وعبد بن حميد) الكسي (قالا حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدَّثنا أبي) إبراهيم بن سعد ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني ثقة من (4) روى عنه في (10) أبواب (عن ابن شهاب) الزهري ثقة من (4) روى عنه في (23) بابا (قال) ابن شهاب (قال) لي (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني ثقتان من (3) (سمعا أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (في مجلس عظيم) أي كثير الجمع (من المسلمين) أ (أُحدثكم بخير دور الأنصار) بتقدير همزة الاستفهام أي أحدثكم بخبرهم (قالوا) أي قال الحاضرون (نعم) حدَّثنا (يا رسول الله) فـ (ـقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) خيرهم (بنو عبد الأشهل قالوا ثم) خيرهُم (من يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) خيرهم (بنو النجار قالوا ثم من يا رسول الله قال ثم بنو الحارث بن الخزرج قالوا ثم من يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ) خيرهم (بنو ساعدة قالوا ثُمَّ) خيرهم (مَنْ

يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "ثُمَّ فِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيرٌ" فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مُغْضَبًا. فَقَال: أَنَحْنُ آخِرُ الأَرْبَعِ؟ حِينَ سَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَارَهُمْ. فَأَرَادَ كَلامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ: اجْلِسْ، أَلا تَرْضَى أَنْ سَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَارَكُمْ فِي الأربَعِ الدُّورِ الَّتِي سَمَّى؛ فَمَنْ تَرَكَ فَلَمْ يُسَمِّ أَكْثَرُ مِمَّنْ سَمَّى. فَانْتَهى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ كَلامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ في كل دور الأنصار خير فقام سعد بن عبادة مغضبًا) بصيغة اسم المفعول من أغضب الرباعي أي حالة كونه غضبان على تأخير قومه بني ساعدة درجة وفضلًا (فقال) سعد (أنحن) أي هل نحن (آخر) الأدوار (الأربع) الذين خيّرهم من الأنصار بالاستفهام الإنكاري (حين سمى) وذكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم دارهم) أي قومهم أخيرًا (فأراد) سعد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تكليمه وسؤاله عن سبب تأخيرهم في ترتيب التخيير (فقال له) أي لسعد (رجال من قومه) بني ساعدة قال الحافظ في الفتح [7/ 116] رقم [3789] لم أقف على اسم الذي قال له ذلك ويحتمل أن يكون هو ابن أخيه المذكور آنفًا في حديث أبي أسيد يعني سهلًا. (اجلس) يا سعد ولا تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله عن سبب ذلك (ألا ترضى) يا سعد (أن سمَّى) وذكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم داركم) أي قومكم بني ساعدة (في) جملة (الأربع الدور التي سما) هم وذكرهم في التخيير (فمن ترك) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلم يسمِّ) أي لم يذكرهم في التخيير (كثر ممن سمَّا) هم وذكر (فانتهى) أي ارتاع وانزجر (سعد بن عبادة عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسؤاله عن ذلك التأخير قال القرطبي وغضب سعد بن عبادة لما ذكرت داره آخر الديار بادرة أصدرها عنه منافسته في الخير وحرصه على تحصيل الثواب والأجر فلما نبه على ما ينبغي له سلم السبق لأهله وشكر الله تعالى على ما آتاه من فضله اهـ من المفهم. وقوله في هذا الحديث "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو عبد الأشهل" أولًا هذا معارض لما سبق في حديث أبي أسيد من أن بني النجار مقدمون علي بني عبد

6273 - (2496) (53) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عَرْعَرَةَ، (وَاللَّفْظُ لِلْجَهْضَمِيِّ)، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: خَرَجْتُ مَع جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُنِي. فَقُلْتُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ. فَقَال: إِني قَدْ رَأَيتُ الأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشهل ووقع الاختلاف فيه على أبي سلمة في إسناده هل شيخه فيه أبو أسيد أو أبو هريرة وفي متنه هل قدّم عبد الأشهل علي بني النجار أو بالعكس وأما رواية أنس في تقديم بني النجار فلم يختلف عليه فيها ومال الحافظ في الفتح [7/ 116] إلى ترجيح الرواية التي فيها تقديم بني النجار علي بني عبد الأشهل وهو الظاهر والله أعلم وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه فقال: 6273 - (2496) (53) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر الأزدي البصري (الجهضمي) ثقة من (10) روى عنه في (16) بابا (ومحمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن) محمد (بن عرعرة) بن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون النعمان القرشي السامي بمهملة أبي عمرو البصري الناجيّ روى عن شعبة في الفضائل وعُمر بن أبي زائدة وطائفة ويروي عنه (خ م د) ونصر بن علي وابن المثنى وابن بشار وغيرهم قال أبو حاتم ثقة صدوق وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحاكم وابن قانع ثقة وقال في التقريب ثقة من صغار التاسعة مات سنة ثلاث عشرة ومائتين [213] (واللفظ) الآتي (لـ) ـنصر بن علي (الجهضمي) قال الجهضمي (حدثني محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن يونس بن عبيد) بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (عن ثابت) بن أسلم (البناني) ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أنس (خرجت) من المدينة (مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر) من الأسفار رضي الله عنهما (فكان) جرير (يخدمني فقلت له) أي لجرير (لا تفعل) هذه الخدمة لي. (فقال) جرير (إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم

شَيئًا، آلَيتُ أَنْ لَا أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلا خَدَمْتُهُ. زَادَ ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ في حَدِيثِهمَا: وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِن أَنَسٍ. وَقَال ابْنُ بَشارٍ: أَسَنَّ مِنْ أَنَسٍ. 6274 - (2497) (54) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ. قَال: قَال أَبُو ذَرٍّ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شيئًا) من حسن الصحبة والمعاشرة والخدمة فـ (ـآليت) أي حلفت بسبب ما رأيته منهم من حسن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على (أن لا أصحب) ولا أُرافق (أحدًا منهم) أي من الأنصار سفرًا ولا حضرًا (إلا خدمته) وفيه بيان ما كانت الصحابة عليه من تعظيم قدر الأنصار وتوقيرهم وحبهم وذلك لفرط حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (زاد ابن المثنى وابن بشار في حديثهما) أي في روايتهما أي زاد علي الجهضمي لفظة (وكان جرير) بن عبد الله (كبر) سنًّا (من أنس) بن مالك (وقال ابن بشار) لفظة وكان جرير (أسن) أي أكبر سنًّا (من أنس) بدل قول ابن المثنى أكبر والمعنى واحد ولشدة إتقانه وحفظه وتورعه من الكذب يبين ما اختلفت فيه الروايات ولو كلمة بل ولو حرفًا جزاه الله خيرًا عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ونفعنا بعلومه آمين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2888]. ثم استدل المؤلف على دعائه صلَّى الله عليه وسلم لغفار وأسلم بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6274 - (2497) (54) (حدثنا هذاب بن خالد) بن الأسود القيسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) العدوي البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) ابن الصامت (قال أبو ذر) الغفاري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال رسول الله غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله) تعالى. قوله "غفار غفر الله لها" أي بنو غفار بكسر الغين المعجمة وهم قوم أبي ذر وسبق منهم إلى الإسلام أبو ذر وأخوه أُنيس وقد تقدمت قصة إسلامهما في باب مستقل ورجع

6275 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ. قَال: قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ائْتِ قَوْمَكَ فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم وقد تقدم أنهم كانوا معروفين بقطع الطريق فلما أسلموا تركوا ذلك ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لهم خصوصًا من أجل ذلك ولا يخفى ما في هذا الدعاء من المحسنات اللفظية البديعية من الجناس فكان غفارًا مشتق من المغفرة. قوله "وأسلم سالمها الله" ماخوذة من المسالمة وهو ترك الحرب أي أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك الحرب معها وبالمصالحة معها وقيل دعاء لها بالسلامة وقيل إخبار عن حالها أي سالمها الله من الحرب بالإسلام قال القاضي في المشارق هو من أحسن الكلام مأخوذ من سالمته إذا لم تر منه مكروهأ فكأنه دعا لهم بان يصنع الله بهم ما يوافقهم فيكون سالمها بمعنى سلمها وقد جاء فاعل بمعنى فعل كقاتله الله أي قتله اهـ نووي وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [/ 1745] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6275 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي (القواريري) البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى وابن بشار جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (14) بابا (قال) المؤلف (قال) لنا (ابن المثنى حدثني عبد الرحمن بن مهدي) بصيغة صريح السماع (حدثنا شعبة عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري مشهور بكنيته ثقة من كبار الرابعة روى عنه في (13) (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري (عن أبي ذر) الغفاري رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي عمران لحميد بن هلال (قال) أبو ذر (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ائت قومك) أي ارجع إليهم (فقل) لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال:

6276 - (00) (00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. 6277 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ح وحدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ح وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6276 - (00) (00) (حدّثناه محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا أبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (حدثنا شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور يعني عن أبي عمران عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر الغفاري غرضه بيان متابعة أبي داود لعبد الرحمن بن مهدي. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة وحديث جابر رضي الله عنهم فقال: 6277 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني نسبة إلى الحدثية بلدة على الفرات صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري ثقة من (8) (عن أيوب) السختياني البصري ثقة من (5) روى عنه في (17) بابا (عن محمد) بن سيرين الأنصاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قالا) أي قال كل من معاذ بن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي (حدثنا شعبة عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (محن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذان السندان أيضًا من خماسياته (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا شبابة) بن سوّار المدائني أبو عمرو الفزاري ثقة

حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ح وحدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وحدَّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. كُلُهُمْ قَال: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من (9) روى عنه في (10) (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي صدوق من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني ثقة من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (ح وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وعبد بن حميد) الكسي (عن أبي عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري ثقة ثبت من (9) روى عنه في (12) بابا (كلاهما) أي كل من روح بن عبادة وأبي عاصم رويا (عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما وهذان السندان من خماسياته وحديث جابر هذا شاهد ثان لحديث أبي ذر (ح وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) الأموي مولاهم الحرّاني صدوق من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معقل) بن عبيد الله العبسي بالموحدة والمهملة أبو عبد الله الجزري صدوق من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معقل لابن جريج (كلهم) كلُّ من روى عن أبي هريرة من محمد بن سيرين ومحمد بن زياد والأعرج وروى عن جابر وهو أبو الزبير (قال عن النبي صلى الله عليه وسلم) ولو قال "كلاهما" أي كل من أبي هريرة وجابر "قالا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكان أوضح وأصوب بل هو الصواب لأن المراد بهذين الحديثين الاستشهاد بهما لحديث أبي ذر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أسلم سالمها الله) تعالى وصالحها

وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا". 6278 - (2499) (56) وحدَّثني حُسَينُ بْنُ حُرَيثٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ خُثَيمِ بْنِ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا. أَمَا إِنِّي لَمْ أَقُلْهَا. وَلَكِنْ قَالهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهادنها بترك المحاربة معها (وكفار كفر الله لها) وعفا عنها عما ارتكبت من سرقة الحجاج وقطع الطريق بإسلامها بسبب دعوة أبي ذر رضي الله عنه لأن الإسلام يجب ما قبله قال القسطلاني قوله "غفار غفر الله لها" أي ذنب سرقة الحاج في الجاهلية وفيه إشعار بأن ما سلَف منها مغفور لها لا تُؤاخذ بها اهـ منه وهذان الحديثان أعني حديث أبي هريرة وحديث جابر انفرد بهما الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي ذر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6278 - (2499) (56) (وحدثني حسين بن حريث) بن الحسن بن ثابت الخزاعي المروزي ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي المروزي ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن خثيم بن عراك) بن مالك الغفاري المدني قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب لا بأس به من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) عراك بن مالك الغفاري المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب وليس في مسلم عراك إلا هذا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلم) أي قبيلة أسلم (سالمها) أي سلَّمها (الله) تعالى من المحاربة (وغفار) أي قبيلتها (غفر الله لها) ما اقترفته في الجاهلية من قطع طريق وسرقة الحجاج بسبب الإسلام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إني لم أقلها) أي لم أقل هذه الكلمات (ولكن قالها الله عزَّ وجلَّ) وأُمرت بتبليغها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 20] والبخاري في المناقب باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع [3514].

6279 - (2500) (57) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيثِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي صَلاةٍ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لَحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ. غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي ذر بحديث خُفاف بن إيماء رضي الله عنه فقال: 6279 - (2500) (57) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن الليث) ابن سعد المصري (عن عمران بن أبي أنس) القرشي العامري المصري ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن حنظلة بن علي) بن الأسقع الأسلمي المدني ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن خُفاف) بضم الخاء وتخفيف الفاء (بن إيماء) بكسر الهمزة وسكون الياء بن رحضة بكسر المهملتين ثم المعجمة (الغفاري) سيد قومه وإمامهم الصحابي المشهور رضي الله عنهما له ولأبيه صحبة روى عنه في (2) بابين الصلاة والفضائل وهذا السند من سداسياته (قال) خفاف (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في) قنوت (صلاة) من الصلوات الخمس وهي صلاة الفجر (اللهم العنْ) واطرد عن رحمتك (بني لحيان) بفتح اللام وكسرها بطن من هذيل (و) العنْ (رعْلًا وذكوان وعصية) لأنّهم (عصوا الله ورسوله) وخالفوهما لأنهم الذين قتلوا القزاء ببئر معونة بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقتلوهم وكان يقنت عليهم في صلاته ويلعن رعْلا وذكوان ويقول عصيّة عصت الله ورسوله اهـ عيني قال القسطلاني وهذا إخبار ولا يجوز حمله على الدعاء نعم فيه إشعار باظهار الشكاية منهم وهي تستلزم الدعاء عليهم بالخذلان لا بالعصيان وانظر ما أحسن هذا الجناس في قوله غفار غفر الله إلخ وألذّه على السمع وأعلقه بالقلب وأبعده من التكلف وهو من الاتفاقات اللطيفة وكيف لا يكون كذلك ومصدره عمن لا ينطق عن الهوى ففصاحة لسانه صلَّى الله عليه وسلم غاية لا يدرك مداها ولا يدانى منتهاها اهـ منه وقال صلى الله عليه وسلم (كفار كفر الله وأسلم سالمها الله) تعالى وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي ذر بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال:

6280 - (2501) (58) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ويحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا. وَأَسْلَمُ سَالمَهَا اللهُ. وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ". 6281 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ. ح وحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَالْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6280 - (2501) (58) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (ويحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد البلخي الثقفي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم أبو إسحاق المدني ثقة من (8) روى عنه في (12) (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (أنه سمع ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله) قد مرّ ما فيه مرارًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 130] والبخاري [3513]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6281 - (00) (00) (حدثنا) محمد (بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (ح وحدثنا عمرو بن سوّاد) بتشديد الواو بن الأسود بن عمرو بن أبي سرح العامري السرحي المصري ثقة من (11) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني أسامه) بن زيد الليثي المدني صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني زهير بن حرب و) حسن بن علي (الحلواني) الخلّال المكي ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ، وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ وَأُسَامَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. 6282 - (00) (00) وحدّثنيه حَجَّجُ بْنُ الشاعِرِ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسيُّ. حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى. حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ. حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة من (11) روى عنه في (12) بابا (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني ثقة من (4) روى عنه في (10) أبواب (كلهم) أي كل من عبيد الله وأسامة بن زيد وصالح بن كيسان رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته غرضه بيان متابعة نافع لعبد الله بن دينار أو بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لإسماعيل بن جعفر ولكنها متابعة ناقصة وساقوا (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل بن جعفر. (و) لكن (في حديث صالح) بن كيسان (وأسامة) بن زيد وروايتهما (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك) الدعاء المذكور (على المنبر) النبوي بزيادة لفظة على المنبر. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6282 - (00) (00) (وحدثنيه حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أبو داود) سليمان بن داود بن الجارود (الطيالسي) البصري ثقة من (9) روى عنه في (15) بابا (حدثنا حرب بن شداد) اليشكري البصري ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن يحيى) بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (حدثني أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (3) روى عنه في (14) بابا (حدثني ابن عمر) رضي الله عنهما (قال) ابن عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يحيى بن سعيد لعبد الله بن دينار وعبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد وصالح بن كيسان في رواية هذا الحديث عن ابن

718 - (7) "والعشرون منها باب فضائل بعض قبائل العرب وبيان خيار الناس وفضائل نساء قريش ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم"

مِثْلَ حَدِيثِ هَؤُلاءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. 718 - (7) "والعشرون منها باب فضائل بعض قبائل العرب وبيان خيار الناس وفضائل نساء قريش ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر ولكنها متابعة ناقصة وساق يحيى بن سعيد (مثْل حديث هولاء) الأربعة (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة عشر حديثًا الأول منها حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث زيد بن أرقم ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد والرابع حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد والخامس حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد والسابع حديث أنس الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والثامن حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والتاسع حديث أنس السادس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والعاشر حديث أبي ذر الغفاري ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين والحادي عشر حديث أبي هريرة وجابر ذكرهما للاستشهاد بهما والثاني عشر حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والثالث عشر حديث خفاف بن إيماء ذكره للاستشهاد والرابع عشر حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. 718 - (7) " والعشرون منها باب فضائل بعض قبائل العرب وبيان خيار الناس وفضائل نساء قريش ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم" قال القرطبي: هؤلاء القبائل وأسلم وغفار ومن كان نحوهم كانوا في الجاهلية خاملين لم يكونوا من صادات العرب ولا من رؤسائهم كما كانت بنو تميم وبنو عامر وبنو أسد وغطفان ألا ترى قول الأقرع بن حابس للنبي صلى الله عليه وسلم إنما بايعك سرّاق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة وجهينة لكن هؤلاء القبائل سبقوا إلى الإسلام وحسن

6283 - (2502) (59) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (وَهُوَ ابْنُ هارُونَ)، أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِي، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أيوبَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "الأَنْصَارُ وَمُزَينَةُ وَجهينَة وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ بلاؤهم فشرّفهم الله تعالى به وفضّلهم على من ليس بمؤمن من سادات العرب بالإسلام وعلى من تأخَّر إسلامه بالسبق كما شرّف بلالًا وعمّارًا وصهيبًا وسلمان على صناديد قريش وعلى أبي سفيان ومعاوية وغيرهم من المؤلفة قلوبهم كما تقدم فأعزَّ الله بالإسلام الأذلاء وأذل به الأعزّاء بحكمته الإلهية وقسمته الأزلية قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران: 26]، وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم مزينة وجهينة وغفار وأشجع ومن كان من بني عبد الله موالي دون الناس جبرٌ لهم من كسرهم وتنويه بهم من خمولهم وتفخيم لأمر الإسلام وأهله وتحقير لأهل الشرك ولمن دخل في الإسلام ولم يخلص فيه كالأقرع بن حابس وغيره ممن كان على مثل حاله وهذا التفضيل والتنويه إنما ورد جوابًا لمن استحقر هذه القبائل بعد إسلامها وتمسك بفخر الجاهلية وطغيانها فحيث ورد تفضيل هذه القبائل مطلقًا فإنه محمول على أنهم أفضل من هذه القبائل المذكورين معهم في محاورة الأقرع بن حابس اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث أبي أيوب رضي الله عنه فقال: 6283 - (2502) (59) (حدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد وهو ابن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا أبو مالك) سعد بن طارق بن أشيم بوزن أكرم (الأشجعي) ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني ثقة من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي أيوب) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري النجاري المدني شهد بدرًا والعقبة نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة وله مناقب كثيرة رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو أيوب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع ومن كان من بني عبد الله) قال القاضي والمراد ببني عبد

مَوَالِي دُونَ الناسِ. واللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلاهم" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله هنا بنو عبد العزى من غطفان سمّاهم النبي صلى الله عليه وسلم ببني عبد الله فسمتهم العرب بني محولة لتحويل اسم أبيهم كذا في شرح النووي أي هذه القبائل هم (موال) أي هم أنصاري وخاصتي (دون الناس) غيرهم. (والله ورسوله مولاهم) أي أنا الذي أنصرهم وأتولى أمورهم ومصالحهم كلّها فلا ينبغي لهم أن يلجؤوا بشيء من أمورهم إلى أحد غيري من الناس وهذا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالًا فلورثته ومن ترك دينًا أو ضياعًا فعلي أو إلّي" رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه اهـ من المفهم قوله: "الله ورسوله مولاهم" كذا الرواية بإفراد مولاهم أي لم يقل هما مولان لهم بصيغة التثنية نظير قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]، فوحدَ الضمير لأنه عائد على الله ورفع رسوله بالابتداء وخبره مضمر تقديره والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك وعلى هذا فتقدير الحديث هنا والله مولاهم ورسوله كذلك اهـ منه وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في المناقب باب في غفار وأسلم وجهينة ومزينة [3936]. قال الحافظ في الفتح [6/ 543] قوله: "الأنصار ومزينة وأشجع وجهينة وغفار" هذه خمس قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة وبني تميم بن عامر وغيرهما من القبائل فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولًا في الإسلام من أولئك فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك. وأمّا "مزينة" فبضم الميم وفتح الزاي وسكون الياء بعدها نون وهو اسم امرأة عمرو بن آد بن طابخة وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو فولد هذين يقال لهم بنو مزينة والمزنيون ومن قدماء الصحابة منهم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني وعمّه خزاعى بن عبد نهم وإياس بن هلال وابنه قرة بن إياس وهذا جد القاضي إياس بن معاوية بن قرة وآخرون وأما "جهينة" فهم بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام من مشهوري الصحابة منهم عقبة بن عامر الجهني وأما "أشجع" فبالمعجمة والجيم بوزن أحمر وهم أشجع بن ريث بفتح الراء وسكون التحتانية من مشهوري الصحابة منهم نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف اهـ منه.

6284 - (2503) (60) حدثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن عَبْدِ الرحمَنِ بْنِ هُرمزَ، الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "قُرَيشٌ وَالأنصَارُ وَمُزَينَةُ وَجهينَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ، مَوَالِيَّ. لَيسَ لَهُم مَوْلَى دُونَ الله وَرَسُولهِ". 6285 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذ. حَدَثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَن فِي الْحَدِيثِ: قَال سَعد ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث أبي أيوب الأنصاري بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6284 - (2503) (60) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني (عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج) الهاشمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش) قال الزبير قالوا قريش اسم فهر بن مالك وما لم يلد فهر فليس من قريش قال الزبير قال عفي فهر هو قريش وفهر لقبه اهـ نووي (والأنصار) يعني بالأنصار الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة (ومزينة) هي بنت كلب بن وبرة بن ثعلب (وجهينة) بن زيد بن ليث بن سود (وأسلم وغفار وأشجع موالي) أي أنصاري وخواصي (ليس لهم مولى) أي ناصر (دون الله ورسوله) أي غير الله ورسوله أما تفضيل هذه القبائل فلسبقهم إلى الإسلام وآثارهم الحميدة فيه اهـ نووي قال القسطلاني لسبقهم إلى الإسلام مع ما اشتملوا عليه من رقة القلوب ومكارم الأخلاق وكلّها من مضر اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [2504] والترمذي [3945] ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6285 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان الثوري وساق شعبة (مثله) أي مثل حديث سفيان (غير أن في الحديث) أي حديث شعبة لفظة (قال) لنا (سعد) بن

فِي بعضِ هذَا: فِيمَا أعلَمُ. 6286 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَال ابْنُ الْمُثَنى: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ قَال: "أَسْلَمُ وَغفَارُ وَمُزَينَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهينَةَ، أَوْ جُهينَةُ، خَيرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ، وَالْحَلِيفَينِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم (في بعض هذا) المذكورين من القبائل ذكره لنا الأعرج (فيما أعلم) وأظن في نفسي يعني أن سعد بن إبراهيم لم يكن جازمًا في ذكر بعض هذه القبائل في هذا السياق فذكر بعضها وقال فيما أعلم وأظن. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6286 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال) سعد (سمعت) عمّي (أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (يحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة للأعرج (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أسلم) بن أفعى (وغفار) بن مليل مصغرًا ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة منهم أبو ذر الغفاري والمعنى بنو أسلم وغفار (ومزينة) أي بنو مزينة وهي اسم امرأة عمرو بن أُدّ بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بالموحدة وبالخاء المعجمة بن إلياس بن مضر اهـ قسطلاني وهي مزينة بنت كلب بن وبرة كما سبق آنفًا (ومن كان من جهينة) بضم الهاء وفتح الجيم ابن زيد بن ليث بن سُود بن أسلم بضم اللام ابن إلحاف بالمهملة والفاء بوزن إلياس ابن قضاعة منهم عقبة بن عامر الجهني اهـ قسطلاني وقال سعد بن إبراهيم (أو) قال لنا أبو سلمة ومزينة و (جهينة) بحذف كان وحرف الجر قال شعبة والشك من سعد بن إبراهيم فيما قاله أبو سلمة والجزم في الرواية السابقة ينفي الشك اهـ قسطلاني (خير) عند الله لسبقهم إلى الإسلام (من بني تميم) بن مُرّ بضم الميم وتشديد الراء ابن أُدّ بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بن إلياس بن مضر (و) خير من (بني عامر) بن صعصعة (و) خير من بني (الحليفين) أي المحالفين من الحلف وهو

أَسَدٍ وَغَطَفَانَ". 6287 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يعنِي الْحِزَامِي)، عَنْ أَبي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. ح وحدّثنا عَمرو النَّاقِدُ وَحَسَن الْحُلْوَانِي وَعَبْدُ بن حُمَيدٍ. (قَال عَبْذ: أَخْبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الأعرَجِ، قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَنمَ: "وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدِ بِيَدِهِ، لَغِفَارُ وَأَسْلَمُ وَمُزَينَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهينَةَ، أَوْ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ التعاهد الذي كان في الجاهلية وقوله بني (أسد) بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (و) بني عبد الله بن (غطفان) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء مخففة ابن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بدل من قوله الحليفين بدل تفصيل من مجمل. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6287 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام وقوله (يعني الحزامي) نسبة إلى الجد المذكور (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي الزناد لسعد بن إبراهيم في روايته عن الأعرج ولو قدّم هذه المتابعة على ما قبلها من السندين قبلها لكان كلامه أوضح وأوفق (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدّثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وحسن) بن علي الهذلي (الحلواني) الخلّال المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد) بن حميد (أخبرني وقال الآخران) عمرو وحسن (حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهريّ المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن الأعرج قال قال أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة صالح لأبي الزناد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لغفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء بلا تنوين للعلمية والتأنيث المعنوي وكذا قوله (وأسلم) وقوله (ومزينة) للتأنيث اللفظي وكذا قوله (ومن كان من جهينة أو قال) صالح

جُهينَةُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ مُزَينةَ، خَيرٌ عِنْدَ الله يَومَ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَسَدِ وَطَيِّيءِ وَغَطَفَانَ". 6288 - (00) (00) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ ويعقُوبُ الدوْرَقي. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعنِيَانِ ابْنَ عُلَيةَ) حَدَّثَنَا أيوبُ، عَنْ مُحَمدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "لأَسْلَمُ وَغِفَارُ، وَشَيءٌ مِنْ مُزَينَةَ وَجُهينَةَ، أَوْ شَيء مِنْ جُهينَةَ وَمُزَينَةَ، خَيرٌ عِنْدَ الله -قَال: أَحسِبُهُ قَال- يَومَ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَسَدِ وَغَطَفَانَ وَهوَازِنَ وَتَمِيمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (جهينة ومن كان من مزينة) والشك من إبراهيم فيما قاله صالح (خير عند الله يوم القيامة) وفيه فضيلة ظاهرة لهذه القبائل لسبقها إلى الإسلام (من) بني (أسد) بن خزيمة أما بنو أسد فقد ظهر مصداق ذلك فيهم عقيب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فارتد هؤلاء مع طليحة بن خالد وارتدّ الذين قبلهم وهم بنو تميم مع سجاح وقد تقدم أن بني تميم وبني أسد كانوا أكثر عددًا وأقوى مكانة من مزينة وجهينة وغيرهم ولكن انقلب الشرف إلى مزينة وجهينة وغيرهم لإسراعهم إلى الإسلام اهـ تكملة (و) بني (طيئ) بوزن سيد قبيلة مشهورة (و) من بني عبد الله بن (غطفان). ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6288 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب ويعقوب) بن إبراهيم بن كثير العبدي (الدورقي) البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعنيان ابن علية حدثنا أيوب) السختياني البصري (عن محمد) بن سيرين البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم) اللام للابتداء أو موطئة للقسم وفي رواية البخاري إسقاطها (وغفار وشيء) أي بعض والمراد به المسلمون منهم (من مزينة وجهينة أو) قال محمد و (شيء من جهينة ومزينة) والثك من أيوب فيما قاله محمد (خير عند الله قال) أيوب (أحسبه) أي أحسب محمدًا وأظنه (قال) لفظة (يوم القيامة من أسد) متعلق بخير (وغطفان وهوازن وتميم) معطوفان على أسد قال القسطلاني وقد ذكر في هذه الرواية هوازن بدل ابن عامر بن صعصعة وبنو عامر بن صعصعة من بني هوازن من غير عكس فذكر هوازن أشمل من ذكر بني عامر اهـ.

6289 - (2504) (61) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَر، عَنْ شُعبَةَ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى وَابْنُ بَشار. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ مُحَمدِ بْنِ أَبِي يعقُوبَ. سَمِعْتُ عَبْدَ الرحمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أبِيهِ؛ أَن الأقرَعَ بْنَ حَابِسِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: إنَّمَا بَايَعَكَ سُراقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَينَةَ. وَأحسِبُ جُهينَةَ (مُحَمَّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي أيوب بحديث أبي بكرة رضي الله عنهما فقال: 6289 - (2504) (61) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر (عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد) بن عبد الله (بن أبي يعقوب) نسب إلى جده لشهرته به التميمي الضبي البصري ثقة من (6) روى عنه في (2) بابين الوضوء والفضائل قال (سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي البصريّ ثقة من (2) روى عنه في (8) أبواب (يحدّث عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي البصري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أنّ الأقرع بن حابس) وهو من بني تميم وكان حكمًا في الجاهلية وكان من المؤلفة قلوبهم وهو المنادي من وراء الحجرات وقد رُوي عنه أشياء في إبداء بعض الشبهات على أحكام الإسلام ولكنه حسن إسلامه بعد ذلك وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف ثم شهد اليمامة مع خالد بن الوليد وقال ابن دريد أسلم الأقرع بن حابس فرأس وإنما قيل له الأقرع لقرع كان برأسه وكان شريفأ في الجاهلية والإسلام واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيّره إلى خراسان فأصيب بالجوزجان هو والجيش وكان ذلك زمن عثمان وذكر ابن الكلبي أنه كان مجوسيًا قبل أن يسلم وقال الحافظ في الإصابة [1/ 73] وقرأت بخط الرضي الشاطبي قتل الأقرع بن حابس باليرموك في عشر من بنيه رضي الله عنه (جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنما بايعك) على الإسلام (سُراق) جمع سارق (الحجيج) وقطّاع الطريق الذين كانوا بين مكة والمدينة (من أسلم وغفار ومزينة) بيان للسراق حال منهم قال محمد بن أبي يعقوب (وأحسب) أي أظن عبد الرحمن قال ومن (جهينة) مع ذكر هذه القبائل قال شعبة بن الحجاج (محمد) بن أبي يعقوب الراوي في هو

الذي شَكَّ) فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أَرَأَيتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَينَةُ -وَأحسِبُ جُهينَةُ- خَيرًا مِنْ بَنِي تَمِيم وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ، أَخَابُوا وَخَسِرُوا؟ " فَقَال: نَعَم. قَال: "فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنهم لأَخْيَرُ مِنْهُم". وَلَيسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ: محمد الذي شَك ـــــــــــــــــــــــــــــ (الذي شك) في قوله "جهينة" والجزم في الراوية الأولى ينفي الشك هنا اهـ قسطلاني وقوله "إنما بايعك سراق الحجيج" يعني الذي كانوا يقطعون الطريق على الحجاج أو يسرقون أموالهم ويمكن أن يكون بعض الناس من هذه القبائل قد ارتكب هذه الفضيحة قبل إسلامه وقد تقدم أن بني غفار كانوا معروفين بقطع الطريق قبل إسلامهم ولكن الأقرع بن حابس عمم هذا الطعن فنسبه إلى جميع الناس من هذه القبائل (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم أوأيت) أي أخبرني والخطاب للأقرع بن حابس (إن كان أسلم وغفار ومزينة وأحسب) محمدًا قال و (جهينة خيرًا من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان أخابوا) بالباء الموحدة أي هل خابوا في ظنهم من المكانة (وخسروا) في فخرهم فهو بمعنى ما قبله أي هل خاب بنو تميم ومن ذكر معهم في ظنهم وخسروا في صفقتهم هذه أم لا (فقال) الأقرع (نعم) خابوا وخسروا فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالذي نفسي بيده إنهم) أي إن أسلم وغفار ومن ذكر معها الأخير) أي لأفضل (منهم) أي من بني تميم ومن ذكر معهم بسبقهم إلى الإسلام قوله "لأخير" بزيادة الهمزة بوزن أفعل هي لغة قليلة في خير وشر والكثير في خير وشر بلا همزة وفي رواية الترمذي لخير بلا همزة وهي الكثيرة كرواية مسلم الآتية (وليس في حديث أبي بكر بن أبي شيبة) لفظة (محمد الذي شك) قال القرطبي قوله: "أخابوا وخسروا" يعني النبي صلى الله عليه وسلم كفار هذه القبائل لا مسلميها لأن الخيبة والخسران المطلق لا يكون إلَّا لأهل الكفر ويدل عليه مدح المسلمين من بني تميم في الحديث الآتي بعد هذا والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 48] والبخاري في المناقب باب ذكر أسلم وغفار ومزينة إلخ [3515 و 3516] وفي الأيمان والنذور [6635] والترمذي في المناقب باب مناقب غفار وأسلم وجهينة ومزينة [3971 و 3952]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال:

6290 - (00) (00) حدّثني هارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ. حَدّثَنِي سَيِّدُ بَنِي تَمِيمٍ، مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعقُوبَ الضبِّي، بِهذَا الإِسْنَاد، مِثْلَهُ. وَقَال: "وَجهينَةُ" وَلَم يَقُلْ: أَحسِبُ. 6291 - (00) (00) حدَّثنا نَصرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِي. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ أَبِي بشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرحمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، قَال: "أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَينَةُ وَجُهينَةُ خَير مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَالْحَلِيفَينِ بَنِي أَسَدٍ وَغَطَفَان" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6290 - (00) (00) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري صدوق من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا شعبة حدثني سيد بني تميم محمد بن عبد الله بن أيوب بن أبي يعقوب الضبي) البغدادي ثقة من (6) ويروي عنه في (3) أبواب (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن عن أبي بكرة وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الصمد لمحمد بن جعفر وساق عبد الصمد (مثله) أي مثل حديث محمد بن جعفر (وقال) عبد الصمد (وجهينة) بلا شك (ولم يقل) عبد الصمد لفظة (أحسبُ). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 6291 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان (الجهضمي) أبو عمرو البصري ثقة ثبت من (11) روى عنه في (16) بابا (حدثنا أبي) علي بن نصر الجهضمي الكبير أبو الحسن البصري ثقة من كبار (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا شعبة عن أبي بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي البصري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي بشر لمحمد بن أبي يعقوب (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلم وغفار ومزينة وجهينة خير من بني تميم ومن بني عامر و) من (الحليفين) أي ومن المتحالفين من الحلف وهو التعاهد الذي كان في الجاهلية اهـ سنوسي اللذين كانا من (بني أسد و) بني (غطفان) بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر.

6292 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى وَهارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. ح وَحَدَّثَنِيهِ عَمرو الناقِدُ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوار. قَالا: حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6293 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ عَبْدِ الرحمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرَأَيتم إنْ كَانَ جهينَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمِ وَبَنِي عَبْدِ الله بْنِ غَطَفَانَ وَعَامِرِ بْنِ صعصَعَةَ" وَمَدَّ بِها صَوْتَهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، فَقَد خَابُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 6292 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي (قال حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري (ح وحدثنيه عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا شبابه بن سوار) المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال) أي قال عبد الصمد وشبابة (حدثنا شعبة عن أبي بشر) الأحمسي الكوفي وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الصمد وشبابة لعلي بن نصر وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن عن أبي بكرة. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 6293 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي بكر قال حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن عبد الملك بن عمير) مصغرًا الفرسي اللخمي أبي عمر الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (15) بابا (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لمحمد بن أبي يعقوب وأبي بشر (قال) عبد الملك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للحاضرين عنده (أرأيتم) أي أخبروني (إن كان جهينة وأسلم وغفار خيرًا من بني تميم وبني عبد الله بن غطفان وعامر بن صعصعة) أخابوا وخسروا (و) الحال أنه صلى الله عليه وسلم قد (مدَّ) ورفع (بها صوته) أي بهذه المقالة صوته. (فقالوا) له (يا رسول الله فقد خابوا

وَخَسِرُوا. قَال: "فَإِنهم خَيرٌ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ: "أَرَأَيتُم إِنْ كَانَ جُهينَةُ وَمُزَينَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَار". 6294 - (00) (00) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَن عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَال: أَتَيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطابِ فَقَال لِي: إِن أوَّلَ صَدَقَةٍ بيَّضَتْ وَجْه رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وخسروا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنهم) أي فإن جهينة وأسلم وغفار (خير) من بني تميم وغطفان (وفي رواية أبي كريب أرأيتم إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار). ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي أيوب بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنهما فقال: 6294 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) بن شدّاد الحرشي النسائي (حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي بفتح الحاء والراء بينهما ضاد ساكنة نسبة إلى حضرموت بلدة بأقصى اليمن مولاهم أبو إسحاق البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) روى عنه في (19) بابا (عن منيرة) بن مقسم الضبي أبي هشام الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (19) بابا (عن عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بفتح المهملة وسكون المعجمة آخره جيم ابن امرئ القيس بن عدي الطائي ولد الجواد المشهور أبي طريف أسلم في سنة تسع وقيل سنة عشر وكان نصرانيًّا قبل ذلك وثبت على إسلامه حين ارتد قومه وأحضر صدقة قومه إلى أبي بكر وشهد فتح العراق ثم سكن الكوفة وشهد صفين مع علي ومات بعد الستين وقد أسنّ قال خليفة بلغ عشرين ومائة سنة وقال أبو حاتم السجستاني بلغ مائة وثمانين سنة قال محل بن خليفة عن عدي بن حاتم ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (7) أبواب وهذا السند من سداسياته (قال) عدي (أتيت عمر بن الخطاب) رضي الله عنه في زمن خلافته في أناس من قومي فجعل عمر يعرض الرجل منا ويعرض عني فاستقبلته فقلت أتعرفني قال نعم آمنت إذ كفروا وعرفت إذ أنكروا ووفيت إذ غدروا وأقبلت إذ أدبروا (فقال لي إن أوّل صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم)

وَوُجُوهَ أَصحَابِهِ، صَدَقَةُ طَيِّيءِ، جِئْتَ بِها إِلَى رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. 6295 - (2506) (63) حدثنا يحيى بْنُ يحيى. أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرحمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَدِمَ الطفَيلُ وَأَصحَابُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أنارته وأضاءته لفرحه بها (و) بيَّضت (وجوه أصحابه) صلى الله عليه وسلم أي أفرحتهم وسرّتهم وضده سواد الوجه عندما يكره ويحزن (صدقة طيئ) قومك حين (جئت بها) منهم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) في زمن حياته وفيه بيان فضيلة لطيئ اهـ من الأبي وهذا لحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله عن أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [1/ 45]. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي أيوب بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6295 - (2506) (63) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي ثقة من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم المدني ثقة من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني القارئ ثقة ثبت من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قدم الطفيل) بن عمرو الدوسي ويقال له ذو النور إنما سمي بذلك لأنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن دوسًا قد غلب عليهم الزنا والربا فادع الله عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهد دوسًا قال يا رسول الله ابعثني إليهم واجعل لي آية يهتدون بها فقال اللهم نور له فسطع نور بين عينيه فقال يا ربّ أخاف أن يقولوا مثلة فتحول إلى طرف سوطه فكانت تضيء في الليلة المظلمة فسمي ذا النور. أي قدم الطفيل بن عمرو الدوسي (وأصحابه) أي رفقته الذين جاؤوا معه من قومه وهذا قدومه الثاني مع أصحابه وقد كان قدم أولًا على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وأسلم وصدّقه ثم رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس فلم يزل مقيمًا بها حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، إِن دَوْسًا قَدْ كَفَرَت وَأَبَتْ. فَادع الله عَلَيها. فَقِيلَ: هلَكَتْ دَوْس. فَقَال: "اللَهُم اهْدِ دَوْسا وَائْتِ بِهِم". 6296 - (2507) (64) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِير، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بمن تبعه من قومه فلم يزل مقيمًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض صلى الله عليه وسلم كذا في العيني (فقالوا يا رسول الله إن دوسًا) هو دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد وينسب إليه الدوس أي قالوا إن قومنا دوسًا (قد كفرت) بالله ولم يسمعوا من كلام الطفيل حين دعاهم إلى الإسلام (وأبت) عن الإيمان بالله (فادع الله) عليها أي على قبيلة دوس بالهلاك (فقيل) أي فقال بعض الناس ظنا منه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ولم أر اسم هذا القائل (هلكت دوس) بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد دوسًا وأْتِ بهم) ووقع مصداق ذلك فذكر ابن الكلبي أن حبيب بن عمرو بن حثمة الدوسي كان حاكمًا على الدوس وكذا كان أبوه من قبله وعُمر ثلاثمائة سنة وكان حبيب يقول إني لأعلم أن للخلق خالقًا لكني لا أدري من هو فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليه ومعه سبعة وخمسون رجلًا من قومه فأسلم وأسلموا كذا في فتح الباري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 243] والبخاري في المغازي باب قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي [4392] وفي الجهاد باب الدعاء للمشركين بالهدى [9237] وفي الدعوات باب الدعاء للمشركين [6397]. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي أيوب بحديث آخر لأبي هريرة أيضًا رضي الله عنهما فقال: 6296 - (2507) (64) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن مغيرة) بن مقسم الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي الأعمى ثقة من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن الحارث) بن يزيد العكلي أبي يزيد الكوفي روى عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير في الفضائل والشعبي وإبراهيم ويروي عنه (خ م س ق) ومغيرة بن مقسم وأبو شبرمة وأقرانه مات شابا ووثقه ابن معين وقال

عَنْ أَبِي زُرعَةَ. قَال: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: لَا أَزَالُ أُحِب بَنِي تَمِيمٍ مِنْ ثَلاثٍ سَمِعتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "هُم أَشَدُّ أُمتِي عَلَى الدجالِ". قَال: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهم فَقَال النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "هذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا". قَال: وَكَانَتْ سَبِيةٌ مِنْهُم عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ العجلي كان فقيهًا من أصحاب إبراهيم من عليتهم وكان ثقة في الحديث وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال في التقريب ثقة فقيه من السادسة إلا أنه قديم الموت (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) رأى عليًّا روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (قال) أبو زرعة (قال أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (لا أزال أُحبُّ بني تميم من) أجل (ثلاث) مقالات (سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم) في شأنهم وزاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة وما كان قوم من الأحياء أبغض إلى منهم فأحببتُهم وكان ذلك لما يقع بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة الأولى منها ما ذكره بقوله (سمعت رسول الله على الله عليه وسلم يقول هم) أي بنو تميم (أشد أمتي) إنكارًا (على الدجال) وفي رواية آتية "أشد الناس قتالًا في الملاحم" وهي أعم من هذه الرواية ويمكن أن يحمل العام في ذلك على الخاص فيكون المراد بالملاحم أكبرها وهو قتال الدجال أو ذكر الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى كذا في فتح الباري [5/ 172] والثانية منها ما ذكره بقوله (قال) أبو هريرة (وجاءت صدقاتهم) أي صدقات بني تميم وزكواتهم (فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذه صدقات قومنا) قال العيني إنما نسبهم إليه لاجتماع نسبهم بنسبه صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مضر ووقع عند الطبراني في الأوسط من طريق الشعبي عن أبي هريرة في هذا الحديث "وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بنعم من صدقة بني سعد فلما راعه حسنها قال: هذه صدقة قومي وبنو سعد بطن كبير شهير من بني تميم" والثالثة ما ذكره بقوله (وكانت سبية) كائنة (منهم عند عائشة) رضي الله عنها والسبية الجارية المسبية واسمها أم سمرة اهـ تنبيه المعلم وتفصيل هذه القصة ما أخرجه الإسماعيلي عن جرير وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل فقدم سبي خولان فقالت عائشة يا رسول الله أبتاع منهم قال لا فلما قدم سبي بني العنبر بن عمرو بن تميم وقد وقع التصريح في رواية للطبراني في الأوسط أن عائشة رضي الله عنها كانت نذرت أن تعتق محررًا من بني إسماعيل (فقال

رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَعتِقِيها فَإِنها مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". 6297 - (00) (00) وحدّثنيه زُهيرُ بْنُ حربٍ. حَدَّثَنَا جَرِير، عَنْ عُمَارَةَ، عن أَبِي زُرعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: لا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعدَ ثَلاثٍ سَمِعتهُن مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، يَقُولُها فِيهِم، فَذَكَرَ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعائشة (أعتقيها) أي حرِّريها (فإنّها) أي فإن هذه المسبية (من ولد إسماعيل) بن إبراهيم الخليل عليهما السلام أي من نسله ففيه فضيلة ظاهرة لبني تميم وقوله: صلى الله عليه وسلم "أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل" قال الأبي لم يعن بذلك كونهم عربًا لأنهم عرب حقًّا بل يعني بذلك أنهم من ولد إسماعيل - عليه السلام - لا من اليمن وقد تقدم الكلام على حديث جابر في كتاب الإيمان أنه اختلف هل العرب كلها من ولد إسماعيل أو هم عربان إسماعيل ويمنية واليمن كلها من ولد قحطان قبل إسماعيل - عليه السلام - اهـ. قال القرطبي: "قوله صلى الله عليه وسلم في بني تميم هم أشد أمتي على الدجال" تصريح بأن بني تميم لا ينقطع نسلهم إلى يوم القيامة وبأنهم يتمسكون في ذلك الوقت بالحق ويقاتلون عليه اهـ من المفهم وما ورد في هذا الحديث من فضل تميم لا يعارض ما سبق من فضيلة مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع على هؤلاء لأن محصل ما سبق أن هذه القبائل الخمس أفضل من بني تميم ولا يلزم منه أن لا يكون لبني تميم فضلٌ أصلًا والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 390] والبخاري في العتق باب من ملك رقيقًا من العرب [2543] وفي المغازي باب وفد بني تميم [4366]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6297 - (00) (00) (وحدّثنيه زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عمارة للحارث في الرواية عن أبي زرعة (قال) أبو هريرة (لا أزال أُحبُّ بني تميم بعد ثلاث) مقالات (سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها) أي يقول تلك الثلاث (فيهم) أي في مدح بني تميم (فذكر) عمارة (مثله) أي مثل حديث الحارث.

2698 - (00) (00) وحدّثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوي. حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِني، إِمَامُ مَسْجِدِ دَاوُدَ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَن الشعبِي، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: ثَلاثُ خِصَالٍ سَمِعتُهُن مِنْ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي بَنِي تَمِيمٍ. لَا أَزَالُ أُحِبهُم بعدُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِهذَا الْمَعنَى. غَيرَ أنهُ قَال: "هُم أَشَدُّ الناسِ قِتَالا فِي الْمَلاحِمِ" وَلَم يَذْكُرِ الدجال ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 2698 - (00) (00) (وحدثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) نسبة إلى أبي بكرة جدّه الأعلى الصحابي المشهور رضي الله عنه أبو عبد الرحمن البصري قاضي كرمان ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا مسلمة بن علقمة المارني) أبو محمد البصري (إمام مسجد داود) بن أبي هند روى عن أبي داود بن أبي هند في الفضائل وإياس بن دغفل ويزيد الرقاشي ويروي عنه (م ت س ق) وحامد بن عمر البكراوي وابن المديني والحسن بن عرفة وقيس بن حفص الدارمي وغيرهم وثقه ابن معين وابن حبان وقال أحمد ضعيف له مناكير عن داود وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو حاتم لا بأس به وقال في التقريب صدوق له أوهام من الثامنة وليس في مسلم من اسمه مسلمة إلا هذا (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبو بكر البصري ثقة من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (19) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الشعبي لأبي زرعة (قال) أبو هريرة (ثلاث خصال) مبتدأ خبره جملة (سمعتهن من رسول الله على الله عليه وسلم) يذكرهن (في بني تميم لا أزال أحبهم بعد) أي بعد سماع تلك الخصال (وساق) الشعبي (بهذا المعنى) أي بمعنى هذا الحديث السابق لا بلفظه (غير أنه) أي لكن أن الشعبي (قال) في روايته (هم) أي بنو تميم (أشدّ الناس قتالًا في الملاحم) أي في معارك القتال والتحامه جمع ملحمة وهي المعركة والقتال قال القرطبي يعني الملاحم التي تكون بين يدي الدجال أو مع الدجال اهـ من الفهم (ولم يذكر) الشعبي في روايته (الدجّال) وهذا بيان قال المخالفة بين الروايتين والله أعلم.

2699 - (2508) (65) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. حَدَثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وسَلَمَ قَال: "تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ. فَخِيَارُهُم فِي الْجَاهِلِيةِ خِيَارُهم فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا. وَتَجِدُونَ مِنْ خَيرِ النَاسِ فِي هذَا الأَمرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 2699 - (2508) (65) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تجدون الناس معادن) أي كالمعادن ففي الكلام تشبيه بليغ أي تجدون أيها المخاطبون أجناس النّاس وأنواع بني آدم أصولًا مختلفة وأجناسًا متجنسة وشعوبًا متشعبة وقبائل متنوعة في الخلق والأخلاق والطبائع والألوان كالمعادن التي تستخرج من الأرض المختلفة الأجناس من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والنفط والبارود المختلفة الألوان والضفات والمنافع والضرر قال القرطبي وهو مثل وقد جاء في حديث رواه أحمد [2/ 539] الناس معادن كمعادن الذهب والفضة أي مختلفة في شرف أصولهم وأنسابهم ووجه التمثيل أن المعادن مشتملة على جواهر مختلفة منها النفيس ومنها الخسيس وكل من المعادن يخرج ما في أصله وكذلك الناس كل منهم يظهر عليه ما في أصله فمن كان ذا شرف وفضل في الجاهلية فأسلم لم يزده الإسلام إلا شرفًا فإن تفقه في دين الله فقد وصل إلى غاية الشرف إذ قد اجتمعت له أسباب الشرف كلها فيصدق عليه قوله (فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) والحاصل أن الفضيلة في الإسلام وإن كانت بالتقوى والفقه في الدين ولكن إذا انضّم إليهما شرف النسب ازدادت فضلًا وفي قوله "إذا فقهوا" إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين والمعادن جمع معدن بكسر الدال لأنه موضع العدن أي الإقامة اللازمة ومنه جنّات عدن وسمي المعدن بذلك لأن الناس يقيمون فيه صيفًا وشتاء قاله الجوهري (وتجدون من خير الناس) فمن زائدة على مذهب الكوفيين لأنهم يجيزون زيادتها في الإثبات أي وتجدون خير الناس وأفضلهم وأولاهم (في هذا الأمر) أي في الولايات

أكرَهُهم لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَتَجِدُونَ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ ذَا الْوَجْهينِ. الذي يَأتِي هؤُلاءِ بِوَجْهٍ وهؤُلاءِ بِوَجْهٍ". 6300 - (00) (00) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا جَرِير، ـــــــــــــــــــــــــــــ والخلافات (أكرههم) وأبغضهم (لها قبل أن يقع فيه) يعني إذا كانت كراهية لها لعلّة تعظيم حقوقها وصعوبة العدل فيها ولخوفه من مطالبة الله تعالى بالقيام بذلك كله ولذلك قال فيها (نعمت المرضعة وبئست الفاطمة) رواه أحمد [2/ 448 و 476] والبخاري [7148] ويؤيد ذلك ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم "ما من أمير عشيرة إلا يؤتى يوم القيامة مغلولًا حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور" رواه أحمد [2/ 431 و 5/ 285] (وتجدون من شرار النَّاس) فمن زائدة أيضًا على مذهبهم أي تجدون أخس الناس وأضرهم وأقبحهم وأظلمهم في هذا الأمر (ذا الوجهين) وفسّره بقوله أي (الذي يأتي هؤلاء) الخصوم (بوجه وهؤلاء بوجه) آخر وإنما كان ذو الوجهين شرّ الناس لأنّ حاله حال المنافقين إذ هو متملّق بالباطل والكذب يدخل الفساد بين الناس والشرور والتقاطع والعداوة والبغضاء اهـ من المفهم. ويحتمل أن يكون المراد من الأمر هنا الإسلام والمعنى أن من أكره الناس للإسلام في الجاهلية فمن زائدة أيضًا أي إن أمره الناس للإسلام في الجاهلية إذا وفقه الله للإسلام كان إسلامه خيرًا من إسلام غيره كما كان ذلك من عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وغيرهم من مسلمة الفتح وغيرهم ممن كان يكره الإسلام كراهيةَ شديدةَ ثمّ لما دخل فيه أخلص وأحبّه وجاهد فيه حق جهاده قوله "وتجدون من شرّ الناس ذا الوجهين" سببه ظاهر لأنه نفاق محض وكذب وخداع وتحيل على اطلاعه على أسرار الطائفتين وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها ويظهر لها أنه منها في خير أو شر وهي مداهنة محرمة اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 524] والبخاري في مواضع منها في الأنبياء [3383] وفي التفسير [3353 و 3374 و 3382 و 4689]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6305 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي

عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرحمَنِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "تَجِدُونَ الناسَ مَعَادِنَ" بِمِثْلِ حَدِيثِ الزهْري، غَيرَ أَن فِي حَدِيثِ أَبِي زُرعَةَ وَالأَعرَجِ: "تَجِدُونَ مِنْ خَيرِ الناسِ فِي هذَا الشأنِ أَشَدهم لَهُ كَرَاهِيَةً حَتَّى يَقَعَ فِيه". 6301 - (2509) (66) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، وَعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (عن عمارة) بن القعقاع الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي زرعة لسعيد بن المسيب (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي) المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة الأعرج لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدون الناس معادن) أي قبائل وشعوبًا مختلفة الأخلاق والطبائع وساق أي ساق أبو زرعة والأعرج (بمثل حديث الزهريّ) هذا تحريف من النساخ والصواب "بمثل حديث سعيد بن المسيب" كما يدل عليه قوله في الاستثناء عن المماثلة (غير أن في حديث أبي زرعة والأعرج) روايتهما (تجدون من خير النَّاس في هذا الشأن) أي في شأن الولاية والخلافة أي في الإسلام (أشدهم له كراهية حتى يقع فيه) بدل قوله في حديث ابن المسيب "في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه" ومعنى الروايتين واحد. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6301 - (2509) (66) (حدثنا) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته وقوله (وعن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان الحميري مولاهم الفارسي الأصل ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب معطوف على قوله عن أبي الزناد (عن أبيه عن أبي

هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "خَيرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ (قَال أَحَدُهُمَا: صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيش. وَقَال الآخَرُ: نِسَاءُ قُرَيش) أَحْنَاهُ عَلَى يَتِيمٍ فِي صِغَرِهِ. وَأرعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة) رضي الله عنه وهذا السند أيضًا من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرُ نساء ركبن الإبل) أي خير نساء العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل وبما أن العرب يفضلون على غيرهم فمن كان خير العرب كان خير سائر الناس من باب أولى لا محالة وحاصله تفضيل نساء قريش على جميع النساء في زمنهن وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وصف النساء بركوب الإبل لإخراج مريم عليها السلام فإنها لم تركب بعيرًا قط كما صرّح به أبو هريرة في الرواية الآتية والمراد أن نساء قريش أفضل من جميع النساء سوى مريم عليها السلام ولكن هذا التوجيه استبعده العلماء نظرًا إلى سياق الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر نساء عصره ولا تدخل فيهن مريم حتى يحتاج إلى إخراجها ثم إنّ بيان أفضلية نساء قريش إنما جاء من حيث المجموع فلا يستلزم أن تكون كل امرأة من قريش أفضل من كل امرأة من غيرهن اهـ من التكملة (قال أحدهما) أي أحد الروايين عن أبي هريرة وهما الأعرج وطاوس (صالحُ نساء قريش) بزيادة لفظة صالح (وقال الآخر) منهما (نساء قريش) بإسقاط لفظة صالح وهو على الروايتين خبر عن قوله "خير نساء ركبن". قال القرطبي قوله: "صالح نساء قريش" هذا تفضيل لنساء قريش على نساء العرب خاصة لأنهم أصحاب الإبل غالبًا وقد جاء في الرواية الأُخرى "خير نساء ركبن الإبل: نساءُ قريش" ولم يذكر "صالح" وهو مراد حيث سكت عنه ويحمل مطلق إحدى الروايتين على مقيد الأخرى ويعني بالصلاح هنا صلاح الدين وصلاح المخالطة للزوج وغيره كما يدل عليه قوله (أحناه) أي أحنى ما ذكر من نساء ركبن الإبل (على يتيم) وولد (في صغره) وهو صيغة تفضيل من الحنو وهو الشفقة وهو بدل من المبتدإ وكان القياس أن يقول "أحناهنّ" بضمير جمع الإناث لأنه يعود على نساء ركبن الإبل ولكن العرب كثيرًا ما يتكلمون به مفردًا كما تقدم في فضائل أبي سفيان والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمه فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية قاله الهروي أو مبتدأ خبره محذوف وكذا قوله: (وأرعاه) أي أرعى نساء ركبن الإبل وأحفظهن (على زوج في ذات يده) أي

6302 - (00) (00) حدثنا عَمرو الناقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَبْلُغُ بِهِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أنهُ قَال: "أرعَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صغَرِهِ" وَلَم يَقُلْ: يَتِيمٍ. 6303 - (00) (00) حدّثني حَرمَلَةُ بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أشفق نساء ركبن الإبل على ولدهن اليتيم في صغره إذا مات أبوه بترك زواجهن لأجل تربيته وحضانته وأحفظ نساء ركبن الإبل لزوج في ماله وأصونهن له في مال في يده وملكه بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق صالحاتُ نساء قريش وقوله "ذات يده" معناه ماله المضاف إليه ومنه قولهم فلان قليل ذات اليد وسيأتي بيان سبب هذا الحديث بعد روايتين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 269] والبخاري في الأنبياء باب إذ قالت الملائكة يا مريم إلخ [3434] وفي النكاح باب إلى من ينكح وأي النساء خير [5082] النفقات باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة [5365]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6302 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه حالة كون أبي هريرة (يبلغ به) أي يرفع بهذا الحديث ويوصله (النبي صلى الله عليه وسلم و) قال سفيان بن عيينة أيضًا حدثنا عبد الله (بن طاوس عن أبيه) حالة كون أبيه (يبلغ به) أي يصل بهذا الحديث إلى (النبي صلى الله عليه وسلم) بواسطة أبي هريرة وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة عمرو الناقد لابن أبي عمر في الرواية عن سفيان بن عيينة وساق عمرو الناقد (بمثله) أي بمثل حديث ابن أبي عمر (غير أنّه) أي لكن أن عمرًا الناقد (قال) في روايته (أرعاه) أي أرعى نساء ركبن الإبل وأحفظهن وأشفقهن (على ولد) يتيم (في صغره) ويتمه وأقومهن بتربيته (ولم يقل) عمرو الناقد لفظة (يتيم) وهذا بيان قال المخالفة بين الراويين. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6303 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله

ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. حَدَثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيبِ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "نِسَاءُ قُرَيشٍ خَيرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ. أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ. وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ". قَال: يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَم تَركَبْ مَريَمُ بِنْتُ عِمرَانَ بَعِيرًا قَط. 6304 - (00) (00) حدّثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعمَر، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ (بن وهب) المصري القرشي (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيب للأعرج وطاوس بن كيسان (نساءُ قريش خيرُ نساء ركبن الابل) وقوله (أحناه) أي أشفقهن (على طفل) أي على ولد صغير يتيم بترك الزواج لحضانته خبر ثان لقوله نساء قريش وقوله (وأرعاه) أي أحفظهن (على زوج في ذات يده) أي لزوج في ماله معطوف على أحناه على كونه خبرًا للمبتدإ (قال) سعيد بن المسيب (يقول أبو هريرة على إثر ذلك) الحديث أي عقب رواية هذا الحديث (ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط) أي في زمن مضى من عمرها فلا تدخل مريم في المفضولات وقد اعترض بعضهم قول أبي هريرة "ولم تركب مريم بعيرًا" فقال كأن أبا هريرة ظن أن البعير لا يكون إلا من الإبل وليس كما ظن بل يطلق البعير على الحمار وقال ابن خالويه لم تكن إخوة يوسف ركبانًا إلا على أحمرة ولم يكن عندهم إبل وكذا قال مجاهد هنا البعير الحمار وهي لغة حكاها الكواشي كذا في فتح الباري [1/ 473]. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6304 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) القياسي (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهريّ عن ابن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا

أَنَّ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ خَطَبَ أمَّ هانِئٍ، بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي قَدْ كَبرتُ. وَلِيَ عِيَالٌ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "خَيرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ" ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ". 6305 - (00) (00) حدّثني مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعمَر، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن أَبِي هُرَيرَةَ. ح وحدّثنا مَعمَر، عَنْ همامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر ليونس (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب) أي طلب للزواج (أمَّ هانئ) فاختة (بنت أبي طالب فقالت يا رسول الله إني قد كبرت) الآن سنًّا وكنت عجوزًا (ولي عيال) أي أولاد صغار يُشوشك إذا تزوجتني ولو تركتني لكان خيرا لي ولك تريد أن صبيتها ربما يتأذى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرج أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قومه يقال لها سودة وكان لها خمسة صبيان أو ستة من بعل لها مات فقالت له ما يمنعني منك أن لا تكون أحبَّ البرية إنّي إلا إني أُكرمك أن تضغو هذه الصبية عند رأسك فقال لها يرحمك الله إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش الحديث وسنده حسن ذكره الحافظ في الفتح [9/ 512] وقال وهذه المرأة يحتمل أن تكون أم هانئ المذكورة في حديث أبي هريرة فلعلها كانت تلقب سودة فإن المشهور أن اسمها فاختة وقيل غير ذلك ويحتمل أن تكون امرأة أخرى وليست سودة بنت زمعة رضي الله عنها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساء ركبن ثم ذكر) معمر (بمثل حديث يونس غير أنه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته (أحناه) أي أشفقهنَّ (على ولد في) حال (صغره) ويتمه. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6305 - (00) (00) (حدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال ابن رافع حدثنا وقال عبد أخبرنا عبد الرزاق) ابن همام الصنعاني (أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة طاوس لابن المسيب (ح و) قال عبد الرزاق (حدثنا معمر عن همام بن منبه) بن كامل بن سريج اليماني

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "خَيرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ، صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيشٍ. أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صغَرِهِ، وَأَرعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِه". 6306 - (00) (00) حدّثني أَحمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِي. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعنِي ابْنَ مَخْلَدٍ)، حدثَنِي سُلَيمَانُ، (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ)، حَدثَنِي سُهيلٌ، عن أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. بِمِثلِ حَدِيثِ مَعمَرِ هذَا. سَوَاءً. 6307 - (2510) (67) حدّثني حجَّاجُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام بن منبه لطاوس بن كيسان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده). ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6306 - (00) (00) (حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم) بن دينار (الأودي) الكوفي ثقة من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن مخلد) البجلي الكوفي صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدّثني سليمان وهو ابن بلال) التيمي أبو محمد المدني ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني سهيل) بن أبي صالح السمّان القيسي مولاهم أبو يزيد المدني ثقة من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان الزيات المدني ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لمعمر بن راشد في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة ولكنها متابعة ناقصة وساق سليمان بن بلال (بمثل حديث معمر هذا) المذكور عن همام بن منبه حالة كون ذلك المثل (سواء) أي مساويًا لحديث معمر لفظًا ومعنى أتى بالتسوية تأكيدًا لمعنى المماثلة. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6307 - (2510) (67) (حدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي

ابْنُ الشاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا حَمَّاد، (يَعنِي ابْنَ سَلَمَةَ)، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ آَخى بَينَ أَبِي عُبَيدَةَ بْنِ الْجَراحِ وَبَينَ أَبِي طَلْحَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف بـ (ـابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري صدوق من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا حماد يعني ابن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى) أي جعل أخوة كأخوة النسب (بين أبي عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجرَّاح) بن هلال القرشي الفهري المدني أمين هذه الأمة وأحد العشرة المبشرة بالجنة (وبين أبي طلحة) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو الأنصاري النجاري المدني رضي الله عنهما مشهوران بكنيتهما قال القرطبي قوله "آخى" من المؤاخاة مفاعلة من الأخوة ومعناها أن يتعاقد الرجلان على التناصر والمواساة والتوارث حتى يصيرا كالأخوين نسبًا وقد يسمى ذلك حلفًا كما قال أنس رضي الله عنه في الحديث الآتي: قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داره بالمدينة وكان ذلك أمرًا معروفًا في الجاهلية معمولًا به عندهم ولم يكونوا يسمّونه إلا حلفًا ولما جاء الإسلام عمل النبي صلى الله عليه وسلم به وورث به على ما حكاه أهل السير وذلك أنهم قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه مرتين بمكة قبل الهجرة وبعد الهجرة قال أبو عمر والصحيح عند أهل السير والعلم بالآثار والخبر في المؤاخاة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار حين قدومه إلى المدينة بعد بنائه المسجد على المواساة والحق وكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75]، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب ونفسه فقال له: أنت أخي وصاحبي رواه أحمد [1/ 230] وفي رواية أنت أخي في الدنيا والآخرة رواه الترمذي [3720] وكان على رضي الله عنه يقول أنا عبد الله وأخو رسوله لم يقلها أحد قبلي ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب مفتر وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات.

6308 - (2511) (68) حدّثني أَبُو جَعفَرٍ، مُحَمدُ بْنُ الصباحِ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا عَاصِم الأَحوَلُ. قَال: قِيلَ لأنَسِ بْنِ مَالِكٍ: بَلَغَكَ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلامِ؟ " فَقَال أَنَس: قَدْ حَالفَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ بَينَ قُرَيشٍ وَالأنصَارِ، فِي دَارِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث أنس هذا بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنه فقال: 6308 - (2511) (68) (حدّثني أبو جعفر محمد بن الصباح) الدولابي الرّازي ثم البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي المصري ثقة من (4) روى عنه في (17) بابا (قال) عاصم (قيل لأنس بن مالك) وهذا السند من رباعياته لم أر من ذكر اسم هذا القائل وظاهر هذا اللفظ أن القائل لأنس هو غير عاصم الأحول لكن وقع في رواية إسماعيل بن زكريا عند البخاري في الكفالة أن عاصمًا الأحول قال قلت لأنس بن مالك فظهر أن القائل هو عاصم نفسه أ (بلغك) بتقدير همزة الاستفهام أي هل وصلك يا أنس (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا حلف في الإسلام) بكسر الحاء وسكون اللام أي لا تعاهد على التناصر سواء كان على الحق أو الباطل وعلى التوارث وكان عاصمًا أشار بذلك إلى ما سيأتي من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم لا حلف في الإسلام ومعنى ذلك أنه قد نسخ من الحلف المعروف في الجاهلية أشياء كانوا يتعاهدون عليها مثل التوارث والتناصر على كل حال سواء كان الحليف ظالمًا أو مظلومًا أما التناصر والمواساة في الخير فهو باقٍ إلى يوم القيامة وهو المراد بما ذكره بقوله (فقال أنس) في جواب السائل نعم (قد حالف) وتعاهد (رسول الله على الله عليه وسلم بين قريش) يعني المهاجرين (و) بين (الأنصار) على التناصر على الحق والمواساة في الخير (في داره) بالمدينة يعني بعد الهجرة قال الطبري ما استدل به أنس على إثبات الحلف لا ينافي حديث جبير بن مطعم في نفسه فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة وكانوا يتوارثون به ثم نسخ من ذلك الميراث وبقي ما لم يبطله القرآن وهو التعاون على الحق والنصر والأخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس إلا النصر والنصيحة والرفادة والوصية له وقد ذهب الميراث كذا في فتح الباري [4/ 473] وقول ابن عباس قد أخرجه البخاري مع حديث أنس في الكفالة.

6309 - (00) (00) حدثنا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عن عَاصِمٍ، عَنْ أنس، قَال: حَالفَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بَينَ قُرَيشٍ وَالأنصَارِ، فِي دَارِهِ التِي بِالمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الكفالة [2294] وفي الأدب [6083] وفي الاعتصام [7340]، وأبو داود في الفرائض باب في الحلف [2926]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6309 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قال حدثنا عبدة بن سليمان) الكلاعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (عن عاصم) الأحول (عن أنس) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان لحفص بن غياث (قال) أنس (حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي آخى (بين قريش) يعني المهاجرين (و) بين (الأنصار في داره) أي في دار النبي صلّى الله عليه وسلم (التي) كانت (بالمدينة) المنورة يعني حالف بينهم بعد الهجرة. قال القرطبي آخى بين أبي بكر الصديق وبين خارجة بن زيد وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت أخي حسان بن ثابت وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين الزبير وسلمة بن سلامة بن وقش وبين طلحة وكعب بن مالك وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ "وفي مسلم من حديث أنس أنه آخى بين أبي عبيدة بن الجرّاح وبين أبي طلحة وقال أبو عمر إنه آخى بين أبي عبيدة وبين سعد بن معاذ" والصحيح ما في كتب مسلم كما تقدم آنفًا وبين سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين عمار وحذيفة حليف بني عبد الأشهل وقيل بين عمار وثابت بن قيس وبين أبي حذيفة بن عتبة وعبّاد بن بشر وبين أبي ذر والمنذر بن عمرو وبين ابن مسعود وسهل بن حنيف وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وبين بلال وأبي رويحة الخثعمي وبين حاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت وبين عبيدة بن الحارث وعمير بن الحمام وبين الطفبل بن الحارث أخيه وسفيان بن بشر وبين سفيان بن الحارث أخيهما وعبد الله بن جبير وبين عثمان بن مظعون والعباس بن عبادة وبين عتبة بن غزوان ومعاذ بن ماعص وبين صفوان بن بيضاء ورافع بن المعلّى وبين المقداد بن عمرو وعبد

6310 - (2512) (69) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِياءَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "لَا حِلفَ فِي الإسْلامِ. وَأَيُّمَا حِلْفٍ، كَانَ فِي الْجَاهِلِيةِ، لَمْ يَزِدهُ الإسْلامُ إلا شِدّةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله بن رواحة وبين ذي الشمالين ويزيد بن الحارث من بني خارجة وبين أبي سلمة بن عبد الأسود وسعد بن خيثمة وبين عمير بن أبي وقاص وخبيب بن عدي وبين عبد الله بن مظعون وقطبة بن عامر وبين شماس بن عثمان وحنظلة بن أبي عامر وبين الأرقم بن أبي الأرقم وطلحة بن زيد الأنصاري وبين زيد بن الخطاب ومعن بن عدي وبين عمرو بن سراقة وسعد بن زيد من بني عبد الأشهل وبين عاقل بن البكير ومبشر بن عبد المنذر وبين عبد الله بن مخزومة وفروة بن عمرو البياضيّ وبين خنيس بن حذيفة والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحية بن الجلّاح وبين أبي سبرة بن أبي رهم وعبادة بن الحسحاس وبين مسطح بن أثاثة وزيد بن المزين وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بن الصامت وبين عكاشة والمجذر بن زياد حليف الأنصار وبين عامر بن فهيرة والحارث بن الصمّة وبين مهجع مولى عمر وسراقة بن عمرو النجَّاري اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنهما فقال: 6310 - (2512) (69) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة) حمّاد بن أسامة بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (13) بابا (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهريّ المدني ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل بن عبد المناف القرشي النوفلي أبي محمد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه أسلم قبل حنين أو يوم الفتح روى عنه في (3) أبواب وهذا السند من سداسياته (قال) جبير بن مطعم (قال رسول الله على الله عليه وسلم لا حلف) ولا إخاء ولا تعاهد على التناصر على الباطل وعلى التوارث (في الإسلام وأيما حلف) وإخاء كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدّة) وقوة إذا كان على الحق. قوله "لا حلف في الإسلام" أي لا يتحالف أهل الإسلام كما كان أهل الجاهلية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتحالفون وذلك أن المتحالفين وإنا يتناصران في كل شيء حتى على الباطل والظلم فيمنع الرجل حليفه أي ينصره ويحفظه ولو كان ظالمًا ويقوم دونه ويدفع عنه بكل ممكن فيمنع الحقوق وينتصر به على الظلم والبغي والفساد وهذا هو المراد بالحلف المنفي في الحديث ولما جاء الشرع بالانتصاف من الظالم وأنه يؤخذ منه ما عليه من الحق ولا يمنعه أحد من ذلك وحدّ الحدود وبيَّن الأحكام أبطل ما كانت عليه الجاهلية من ذلك وبقي التعاقد والتحالف على نصرة الحق والقيام به وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجابًا عامًا على من قدر عليه من المكلفين وهذا هو المراد بالحلف المثبت في الحديث فلا تعارض بين حديث أنس وحديث جبير بن مطعم رضي الله عنهما ثم إنه صلى الله عليه وسلم خصّ أصحابه من ذلك بأن عقد بينهم حلفًا على ذلك مرتين كما تقدم تأكيدًا للقيام بالحق والمواساة وسمّى ذلك أخوَّة مبالغة في التأكيد والتزام الحرمة ولذلك حكم فيه بالتوارث حتى تمكن الإسلام واطمانت القلوب فنسخ الله تعالى ذلك بميراث ذوي الأرحام قوله "وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة" يعني من نصرة الحق والقيام به والمواساة وهذا كنحو الفضول الذي ذكره ابن إسحاق قال اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول أي حلف الفضائل والفضول هنا جمع فضل للكثرة كفلس وفلوس وروى ابن إسحاق عن ابن شهاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شهدت على دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحبّ أن لي به حمر النعم ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت رواه البيهقي [6/ 167] وقال ابن إسحاق تحامل الوليد بن عتبة على حسين بن عليّ في مال له لسلطان الوليد فإنه كان أميرًا على المدينة فقال له حسين أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذنّ سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعونَّ بحلف الفضول قال عبد الله بن الزبير وأنا أحلف بالله لئن دعاني لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف من حقه أو نموت جميعًا وبلغت المسور بن مخرمة فقال مثل ذلك وبلغت عبد الله بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك فلمّا بلغ ذلك الوليد أنصفه اهـ من المفهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (وأيما حلف كان في الجاهلية) إلخ قال الخطابي يريد أن معنى الحلف في الجاهلية معنى الأخوة في الإسلام لكنه جار على أحكام الدين وحدوده وحلف الجاهلية جرى على ما كانوا يتواضعونه بينهم بآرائهم فبطل منه ما خالف حكم الإسلام وبقي ما عدا ذلك على حاله اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 83] وأبو داود [2925]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا من الأحاديث أحد عشر حديثًا الأول حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والثالث حديث أبي بكرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والرابع حديث عدي بن حاتم ذكره للاستشهاد والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والسادس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسابع حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والتاسع حديث أنس ذكره للاستدلال على الجزء الأخير من الترجمة والعاشر حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والحادي عشر حديث جبير بن مطعم ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

719 - (8) والحادي والعشرون منها باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي وخير القرون أصحابي ثم الذين يلونهم إلخ وقوله صلى الله عليه وسلم لا تمضي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم

719 - (8) والحادي والعشرون منها باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي وخير القرون أصحابي ثم الذين يلونهم إلخ وقوله صلى الله عليه وسلم لا تمضي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم 6311 - (2513) (70) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ. كُلُّهُم عن حُسَين. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عِلِيٍّ الْجُعفِيُّ، عَنْ مُجَمَّعِ بْنِ يَحيَى، عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُردَةَ، عَنْ أَبِي بردَةَ، عَنْ أبِيهِ. قَال: صَلَّينَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ثُمَّ قُلنَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ 719 - (8) والحادي والعشرون منها باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي وخير القرون أصحابي ثم الذين يلونهم إلخ وقوله صلى الله عليه وسلم لا تمضي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم 6311 - (2513) (70) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد الله بن عمر) بن محمد (بن أبان) بن صالح بن عمير الأموي المعروف بالجعفي أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن حسين) بن علي بن الوليد الجعفي الكوفي ثقة عابد من (9) روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (قال أبو بكر حدثنا حسين بن علي الجعفي عن مجمع) بصيغة اسم المفعول من التجميع (بن يحيى) بن يزيد بن جارية الأنصاري الكوفي روى عن سعيد بن أبي بردة في الفضائل وأبي أمامة وعطاء وخالد بن زيد بن جارية وابن موهب وغيرهم ويروي عنه (م س) وحسين بن علي الجعفي ومسعر وابن المبارك وابن عيينة وأبو نعيم وآخرون وثّقه أبو داود ويعقوب بن شيبة وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال أحمد لا أعلم إلا خيرًا وقال ابن معين صالح وقال في التقريب صدوق من (5) روى عنه في (1) باب الفضائل. (عن سعيد بن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي بردة) عامر بن موسى الأشعري ثقة من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو موسى (صلينا المغرب مع رسول الله على الله عليه وسلم ثم قلنا) معاشر الأشعريين أي

لَوْ جَلسنَا حتى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ. قَال: فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَينَا فَقَال: "مَا زِلتُم ههُنَا؟ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، صَلَّينَا مَعَكَ المَغْرِبَ. ثُمَّ قُلْنَا: نَجلِسُ حتى نُصَلِّيَ مَعَكَ العِشَاءَ. قَال: "أحسَنتُم أَوْ أَصْبتُم" قَال: فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَى السمَاءِ. وَكَانَ كَثِيرًا مِما يَرفَعُ رَأسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقَال: "النجُومُ أَمَنَةٌ لِلسمَاءِ، فإذَا ذهبَتِ النجُومُ أتى السمَاءَ مَا تُوعَدُ. وَأَنا أَمَنَةٌ لأَصحَابِي ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعضنا لبعض (لو جلسنا) في المسجد (حتى) يدخل وقت العشاء فـ (ـنصلي معه) صلّى الله عليه وسلم (العشاء) لكان أكثر أجرًا لنا (قال) أبو موسى (فجلسنا) في المسجد انتظارًا لصلاة العشاء (فخرج علينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجرته ونحن في المسجد (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ (ما زلتم) جالسين (ها هنا) أي في المسجد قال أبو موسى (قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب) ها هنا (ثم قلنا) أي قال بعضنا لبعض (نجلس) ها هنا أي في المسجد النبوي (حتى نصلي معك) يا رسول الله (العشاء) جماعة (قال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحسنتم) في انتظاركم صلاة العشاء (أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبو موسى والشك من أبي موسى أو ممن دونه (أصبتم) أي وافقتم الصواب (قال) أبو موسى (فرفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه إلى السماء وكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله (كثيرًا) منصوب على المفعولية المطلقة بيرفع المذكور بعده لأنه صفة لمصدر محذوف وقوله (مما) من زائدة على مذهب الكوفيين لأنه يجوز زيادتها عندهم في الإثبات وما زائدة لتأكيد الكثرة وجملة قوله (يرفع رأسه إلى السماء) خبر كان والتقدير وكان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه إلى السماء رفعًا كثيرًا ما أي رفعًا كثيرًا أي كثرة (فقال) هذه (النجوم أمنة للسماء) قال العلماء الأمنة بفتحتين بمعنى الأمن والأمان وكلها بمعنى السلامة أي دوامها علامة على دوام السماء ومعنى هذا الحديث أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت (فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعد) من الانشقاق والانفطار والتكوير (وأنا أمنة لأصحابي) من حلول الفتن والحروب فيهم وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك قال القرطبي معنى كون النجوم أمنة للسماء أي ما دامت النجوم فيها لم تتغير بالانشقاق ولا بالانفطار فإذا انتثرت نجومها وكوّرت شمسها جاءها ذلك وهو الذي وُعدت ومعنى

فَإِذَا ذَهبْتُ أَتَى أصحَابِي مَا يُوعَدُونَ. وَأَصحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي. فَإِذَا ذَهبَ أَصحَابِي أَتَى أمتي مَا يُوعَدُونَ". 6312 - (2513) (71) حدثنا أَبُو خَيثَمَةَ، زُهيرُ بْنُ حَربٍ وَأَحمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضبيُّ، (واللَّفْظُ لِزهيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ قَال: سَمِعَ عَمرٌو جَابِرًا يُخْبِرُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (أنا أمنة لأصحابي) أن الله تعالى رفع عن أصحابه الفتن والمحن والعذاب مدة كونه فيهم كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]، (فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يُوعدون) من المحن والفتن أي فلمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت الفتن وعظمت المحن وظهر الكفر والنفاق وكثر الخلاف والشقاق فلولا تدارك الله هذا الدين بثاني اثنين لصار أثرًا بعد عين وهذا هو الذي وُعدوا به. (وأصحابي أمنة لأمتي) يعني أن أصحابه ما داموا موجودين كان الدين قائمًا والحق ظاهرًا والنصر على الأعداء حاصلًا (فإذا ذهب أصحابي أتى أُمتي ما يُوعدون) أي فإذا ذهب أصحابي غلبت الأهواء وأديلت الأعداء ولا يزال أمر الدين متناقصًا وجدّه ناكصًا إلى أن لا يبقى على الأرض أحد يقول الله الله وهو الذي وُعدت به أمته والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم قال النووي معناه ظهرت البدع والمحدثات والخرافات في الدين والفتن والاختلاف فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغلبتهم عليهم وانتهاك المدينة ومكة وأخذ العراق والشام وسفك الدماء فيهما ليلًا ونهارًا وغير ذلك وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنّه رواه أحمد [4/ 398]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6312 - (2513) (71) (حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) البصري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ) الآتي (لزهير قالا حدثنا سفيان بن عيينة قال) سفيان (سمع عمرو) بن دينار الجمحي المكي (جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه (يخبر) أي يحدث (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته ومن

قَال: "يأتِي عَلَى الناسِ زَمَانٌ. يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ الناسِ فَيُقَالُ لَهُم: فِيكُم مَنْ رَأَى رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم. فَيفْتَحُ لَهُم. ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ الناسِ. فَيُقَالُ لَهُم: فِيكُم مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم، فَيُفْتَحُ لَهُم. ثُمَّ يغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَاسِ، فَيُقَالُ لَهُم: هلْ فِيكُم مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم، فَيُفْتَحُ لَهم" ـــــــــــــــــــــــــــــ لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي على الناس زمان يغزو) فيه ويجاهد (فئام) أي جماعة (من الناس) أي من المسلمين بكسر الفاء بعدها همزة وحكى القاضي فيه لغة بالياء مخففة بلا همزة ولغة أخرى بفتح الفاء حكاها عن الخليل والمشهور الأول مأخوذ من الفأم وهي القطعة من الشيء (فيقال لهم) أي لأولئك الفئام والجماعة هل (فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون) أي فيقول أولئك الفئام لمن سألهم (نعم) فينا من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصحابي (فيفتح لهم) أي فيحصل لهم الفتح والنصر على الأعداء ببركة الصحابي (ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم) هل (فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو التابعي (فيقولون) لمن سألهم (نعم) فينا من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيفتح لهم) أي يحصل لهم النصر على أعدائهم ببركة التابعي (ثم يغزو همام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو تابع التابعي (فيقولون) في جواب من سألهم (نعم) فينا من رأى صاحب الصحابي وهو تابع التابعي وهو من القرن الثالث (فيقولون) أي فيقول أولئك الفئام لمن سألهم (نعم) فينا من رأى تابع الصحابي (فيفتح لهم) أي فيحصل لهم النصر على أعدائهم ببركة تابع التابعي قال القاضي وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفضل الصحابة والتابعين وتابعيهم اهـ وقال القرطبي فيه دليل واضح على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ مضمونه خبر عن غيب وقع على نحو ما أخبر اهـ وفيه دليل على أن بركة هذه الأمة في الصحابة والتابعين وأتباعهم حيث ينصره الله تعالى ببركتهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 7] والبخاري في مواضع منها

6313 - (00) (00) حدّثني سَعِيدُ بن يحيى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَويُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا ابنُ جُرَيجٍ، عن أَبِي الزبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: زَعَمَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدري قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "يَأتي عَلَى الناس زَمَانٌ. يُبعَثُ مِنهُمُ الْبعثُ فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هلْ تَجِدُونَ فِيكُم أَحَدًا مِنْ أَصحَابِ النَّبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسلم؟ فَيُوجَدُ الرجُلُ. فَيُفتَحُ لَهُم بِهِ. ثُمَّ يُبعَثُ الْبَعثُ الثانِي فَيَقُولُونَ: هل فِيهِم مَنْ رَأَى أَصحَابَ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسلم؟ فَيُفتَحُ لَهم بِهِ. ثُمَّ يُبْعَثُ البعثُ الثالِثُ فَيُقَالُ: انظُرُوا هل تَرَوْنَ فِيهِم ـــــــــــــــــــــــــــــ في الجهاد باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب [2897] وفي الفضائل باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [3594] وفي الأنبياء باب علامات النبوة في الإسلام [3649]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6313 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد) بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي) أبو عثمان البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبي) يحيى بن سعيد الأموي أبو أيوب الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي ثقة من (6) (عن أبي الزبير) المكي ثقة من (4) (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه (قال) جابر (زعم) أي قال هو بمعنى القول الصادق لا بمعنى القول الفاسد الباطل (أبو سعيد الخدري) رضي الله عنه وفسّر الزعم بقوله أي (قال) أبو سعيد الخدري (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي الزبير المكي لعمرو بن دينار (يأتي على الناس زمان يبعث) فيه (البعث) أي الجيش المبعوث (منهم) إلى الأعداء (فيقولون) أي فيقول بعضهم لبعض (انظروا) أي ابحثوا عنكم (هل تجدون فيكم أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) فيبحثون عن أنفسهم (فيوجد) فيهم (الرجل) منهم (فيفتح لهم) أي لأولئك البعث (به) أي بسبب ذلك الرجلالصحابي وببركته (ثم يبعث البعث) أي الجيش (الثاني) إلى العدو (فيقولون هل فيهم) أي في أولئك البعث الثاني (من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيفتح لهم به) أي بسبب ذلك التابعي الذي وجد فيهم (ثم يبعث البعث الثالث فيقال) لهم (انظروا) أي ابحثوا عنكم (هل ترون فيهم) أي في هذا

مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أصحَابَ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؟ ثُمَّ يَكُونُ الْبعثُ الرابعُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هلْ تَرَونَ فِيهِم أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَحَدًا رَأَى أَصحَابَ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ؟ فَيُوجَدُ الرجُلُ. فَيُفتَحُ لَهُم بِهِ". 6314 - (2515) (72) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهنادُ بْنُ السرِيِّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأحوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبِيدَةَ السلْمَانِي، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "خَيرُ أمتِي الْقَرنُ الذِينَ يَلُوني. ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهم ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ البعث الثالث (من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكون البعث الرابع فيقال) لهم (انظروا هل ترون فيهم) أي في البعث الرابع (أحدًا رأى من رأى أحدًا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيوجد الرجل) الذي رأى أحدًا من تابع التابعين (فيفتح لهم به) أي بذلك الرجل الذي هو تابع أتباع التابعين. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال: 6314 - (2515) (72) (حدثنا قتيبة بن سعيد وهنَّاد بن السري) بفتح المهملة وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة بن مصعب التميمي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي أبي عتاب الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة بن عمرو (السلماني) بفتح السين وسكون اللام نسبة إلى سلمان قبيلة من مراد أبي عمرو الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي القرن الذي يلوني) وهم قرن الصحابة (ثم الذي يلونهم) وهم قرن التابعين (ثم الذين يلونهم) وهم قرن أتباع التابعين والقرن بسكون الراء من الناس أهل زمان واحد قال الشاعر:

ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ. ويمِينُهُ شَهادتَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب مشتق من الاقتران وهو بمعنى الوقت من الزمان يقال له ذلك لأنه يقرن أمة بأمة واختلفوا في تحديد مقدار زمانه فقيل ثمانون سنة وقيل ستون سنة وقال الحافظ في فتح الباري [7/ 5 و 6] والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة وقد سبق في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله "وبعثت في خير قرون بني آدم" وفي رواية بريدة عند أحمد "خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم" وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل "وهو آخر من مات من الصحابة" لمان اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعًا وتسعين وأما قرن التابعين فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين وأما الذين بعدهم فإن اعتبر منها كان نحوًا من خمسين فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان والله أعلم واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا قوله "ثم الذين يلونهم" إلخ واقتضى هذا الحديث أن يكون الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من أتباع التابعين لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد محل بحث وإلى الثاني نحا الجمهور والأول قول ابن عبد البر قال الحافظ والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق شيئًا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث والأصل في ذلك قوله تعالى: {لَا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10]، وأطال الحافظ في الفتح في تحقيق محل البحث ثم انتهى إلى أن ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد وكذلك من عمل شيئًا من أعمال الخير في عهده صلى الله عليه وسلم فلا يعدله في تلك الأعمال من جاء بعده أما الفضائل الجزئية فلها مجال واسع اهـ. (ثم) بعد القرون الثلاثة (يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه) تارةً (و) تسبق (يمينه شهادته) تارةً أخرى قال النووي هذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته ومعنى الحديث أنه

لَمْ يَذْكُر هنادٌ الْقرنَ فِي حَدِيثِهِ. وَقَال قُتَيبَةُ: "ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ". 6315 - (00) (00) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبدِ الله قَال: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: أَيُّ الناسِ خَيرٌ؟ قَال: "قرنِي. ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم ثمَّ الذِينَ يَلُونَهُم، ثَم يَجِيءُ قَوْمٌ تَبْدُرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يجمع بين اليمين والشهادة فتارة تسبق هذه وتارةً هذه قال المؤلف (لم يذكر هناد) بن السري لفظة (القرن) بقوله خير أمتي القرن الذين يلوني (في حديثه) أي في روايته بل قال خير أمتي الذي يلوني بلا ذكر لفظة القرن (وقال قتيبة ثم يجيء أقوام) بصيغة الجمع بدل قول هناد "ثم يجيء قوم" بلفظ الأفراد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 377] والبخاري في مواضع منها في الفضائل باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [3651] وفي الرقاق باب من يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها [6429] والترمذي في المناقب [3859] وابن ماجه في الأحكام باب كراهية الشهادة لمن يشهد [2384]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6315 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن عبيدة) بن عمرو السلماني (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لأبي الأحوص (قال) عبد الله (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي) قرون (الناس خير) عند الله تعالى لم أر من ذكر اسم هذا السائل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرهم (قرني ثم) خيرهم (الذين يلونهم) أي يلون قرني وصحابتي وهم التابعون (ثم) خيرهم (الذين يلونهم) أي يلون التابعين وهم أتباع التابعين (ثم) بعد أتباع التابعين (يجيء قوم تبدر) أي تسبق قال في المصباح بدر إلى الشيء بدورًا وبادر إليه مبادرة وبدرًا من بابي قعد وقاتل بمعنى أسرع قال العيني يعني في حالين لا في

شَهادَةُ أَحَدِهم يَمِينَهُ، وَتَبْدُرُ يَمِينُهُ شَهادتَه". قَال إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَنهوْنَنَا، وَنَحنُ غِلْمَان، عَنِ الْعَهْدِ وَالشهادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حالة واحدة قال الكرماني تقدم الشهادة على اليمين وبالعكس دور فلا يمكن وقوعه فما وجهه "قلت" هم الذين يحرصون على الشهادة مشغوفين بترويجها يحلفون على ما يشهدون به فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون اهـ منه. أي تبدر (شهادة أحدهم يمينه) تارة (وتبدر) أي تسبق (يمينه شهادته) تارة أخرى يعني أن هذا القرن الرابع يقل فيه الورع فيقدم الناس فيه على الأيمان والشهادة من غير توقف ولا تحقيق كذا فيره القرطبي وهو مؤيد بما سيجيء في حديث أبي هريرة "يشهدون قبل أن يستشهدوا" وقيل معناه أن الناس يجمعون بين اليمين والشهادة فتارةً تسبق هذه وتارة هذه واستدل به بعض المالكية على بطلان شهادة من حلف على شهادته والجمهور على عدم البطلان اهـ من التكملة. قال القرطبي وظاهر الحديث أن هذه القرون الثلاثة أفضل مما بعدها إلى يوم القيامة وهذه القرون في أنفسها متفاضلة فأفضلها الأول ثم الذي بعده ثم الذي بعده فأما أفضلية الصحابة وهو القرن الأول على من بعدهم فلا تخفى وأما أفضلية من بعدهم بعضهم على بعض فبحسب قربهم من القرن الأول وبحسب ما ظهر على أيديهم من إعلاء كلمة الدين ونشر العلم وفتح الأمصار وإخماد كلمة الكفر ولا خفاء أن الذي كان من ذلك في قرن التابعين كان أكثر وأغلب مما كان في أتباعهم وكذلك الأمر في الذين بعدهم ثم بعد هذه غلبت الشرور وارتكبت الأمور اهـ من المفهم (قال إبراهيم) بن يزيد النخعي بالسند السابق (كانوا) أي كان أكابرنا وأولوا أمرنا (ينهوننا) أي يزجروننا (ونحن) أي والحال أننا (غلمان) أي أيفاع (عن) أن نتعوّد بـ (العهد) أي باليمين (والشهادات) أي عن أن نقول على عهد الله أو أشهد بالله يعني أن أكابرنا وأولياء أمرنا كانوا يوصوننا في طفوليتنا بأن لا نستعمل كلمة العهد أو الشهادة لتأكيد أمرهما وذلك لما فيها من الخطر فإن الإنسان إذا أخطأ في كلامه بعد استعمال هاتين الكلمتين يُخشى عليه وبال شاهدة الزور أو اليمين الكاذبة وقال بعضهم المراد من هذا النهي هو النهي عن الجمع بين اليمين والشهادة وفيه بعد لأن الصبيان لا يؤمرون بآداب الشهادة فإنم لا شهادة لهم في عامة الأحوال وفي البخاري (يضربوننا) وإنما كانوا يضربونهم على ذلك حتى يصير

6316 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمدُ بْنُ المثَنى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ. ح وَحَدثَنَا مُحَمدُ بْنُ المُثنى وَابنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ. بِإِسْنَادِ أَبِي الأَحوَصِ وَجَرِيرٍ، بِمَعنَى حَدِيثِهِمَا، وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: سُئِلَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. 6317 - (00) (00) وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلوَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَزهرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عن عَبْدِ الله، عَنِ النبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم عادةَ فيحلفوا في كل ما يصلح فيه الحلف وما لا يصلح فيه قوله (عن العهد والشهادات" أي عن الجمع بين اليمين والشهادة وقيل المراد النهي عن قوله على عهد الله أو أشهد بالله اهـ نووي وقال العيني لأن فيه معنى الجور لأن معناه أنهم لا يتورّعون في أقوالهم ويستهينون بالشهادة واليمين اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6316 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (حدثنا سفيان) الثوري (كلاهما) أي كل من شعبة وسفيان رويا (عن منصور) بن المعتمر غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة والثوري لأبي الأحوص وجرير كما ذكره بقوله (بإسناد أبي الأحوص وجرير) يعني عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله وساقا (بمعنى حديثهما و) لكن (ليس في حديثهما) أي في حديث شعبة وسفيان لفظة (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال: 6317 - (00) (00) (وحدثني الحسن بن علي الحلواني) الخلّال الهذلي المكي ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أزهر بن سعد السمّان) الباهلي البصري ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري ثقة ثبت من (6) روى عنه في (11) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن

قَال: "خَيرُ الناسِ قَرنِي. ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم. ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم" فَلَا أَدرِي فِي الثالِثَةِ أَوْ فِي الرابِعَةِ قَال: "ثُمَّ يَتَخلفُ مِنْ بَعدِهم خَلْفٌ. تَسْبِقُ شَهادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ، ويمِينُهُ شَهادَتَهُ". 6318 - (2515) (73) حدّثني يعقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عون لمنصور بن المعتمر (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (قال (م) اشتقاق القرن من الاقتران واختلف في مسماه فقال الحربي قيل فيه من عشر سنين إلى مائة وعشرين سنة وليس فيها شيء واضح وأرى القرن كل أمة هلكت حتى لم يسبق منه أحد واختلف في قرنه صلى الله عليه وسلم فقال المغيرة يريد أصحابه والذي يليه أبناؤهم والذي يليه أبناء أبنائهم وقال شمر قرنه ما بقيت نفس ممن رآه والذي يليه ما بقيت ممن رآى من رآه ثم هكذا وأما الحكم بأن قرنه صلى الله عليه وسلم خير الناس فذهب الجمهور إلى أنه عام في جميع أصحابه وقيل هو خاص بالمشاهير منهم وهم الذين قال فيهم لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مذ أحدهم ولا نصيفه وأما غيرهم فهم على قدر سوابقهم فقد يكون في التابعين من يساوي أحدهم أو يزيد عليه والقول الأول أصوب إن شاء الله تعالى اهـ سنوسي قال عبيدة السلماني (فلا أدري) ولا أعلم أ (في) المرة (الثالثة أو في الرابعة قال) عبد الله لفظة (ثم يتخلف من بعدهم) قال النووي قوله "يتخلف" هكذا هو في معظم النسخ "يتخلف" وفي بعضهم يخلف وكلاهما صحيح أي يجيء "من بعدهم خلف" أي خلف سوء قال أهل اللغة الخلف ما صار عوضًا عن غيره ويستعمل فيمن خلف بخير أو شر لكن يقال في الخير بفتح اللام وإسكانها لغتان الفتح أشهر وأجود وفي الشر بإسكانها عند الجمهور وحكي أيضًا فتحها اهـ منه (خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه) أ (و) تسبق (يمينه شهادته) والشك من عبيدة فيما قاله عبد الله أو ممن دونه أو ممن فوقه قال القرطبي يعني أن هذا القرن الرابع يقل الورع فيه فيقدمون على الأيمان والشهادة من غير تيقن ولا تحقق كما اهـ من المفهم ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6318 - (2515) (73) (حدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي الدورقي أبو يوسف البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب فهو الذي يروي عن هشيم كما

حَدَثَنَا هُشَيم، عَنْ أَبِي بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشَيم. أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "خَيرُ أُمتِي الْقَرنُ الذِينَ بُعِثْتُ فِيهِم. ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم". وَاللهُ أَعلَمُ أَذَكَرَ الثالِثَ أم لَا. قَال: "ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْم يُحِبونَ السمَانَةَ، يَشْهدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهدُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي ثقة من (7) روى عنه في (18) بابا (عن أبي بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني إسماعيل بن سالم) الأسدي البغدادي ثقة من (6) روى عنه في (2) بابين الديات والفضائل (أخبرنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا أبي عبد الرحمن البصري ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي القرن الذين بعثت) أنا (فيهم ثم الذين يلونهم) قال ابن شقيق أو أبو هريرة (والله أعلم أذكر) أبو هريرة أو رسول الله صلى الله عليه وسلم (الثالث أم لا) أي أم لم يذكره والشك من عبد الله أو من أبي هريرة فيما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد الذين يلونهم (يخلف) عنهم (قوم يحبون السمانة) بكسر السين وتخفيف الميم أي السمن ويأخذون أسبابها من الماكل والمشارب والإبر (يشهدون) على حقوق الناس ويؤدونها (قبل أن يستشهدوا) أي قبل أن يطلب منهم أداؤها بغير حسبة أي يبادرون إلى أداء الشهادة قبل أن يسألوها وذلك لهوى لهم فيها ومن كان كذلك ردت شهادته ويحتمل أن يراد بقوله "ولا يستشهدون" أنهم يشهدون بالزور فيكون معناه يشهدون بما لم يستشهدوا به ولا شاهدوه والأول أولى لأنه أصل الكلمة اهـ مفهم قوله "قوم يحبون السمانة" يعني يحب المرء منهم أن يكون سمينًا وفيه إشارة إلى انهماكهم في الملاذ والشهوات وإكثارهم للأكل والشرب فيظهر فيهم السمن وقد يأكلون ليسمنوا ويخرجون بهذا الأكل عن الأكل الشرعي وقال النووي والمذموم منه ما يستكسبه المرء وأما من هو فيه خلقة فلا يدخل فيه والمستكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب زائدًا على المعتاد وقيل المراد بالسمن هنا أنهم يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف وغيره وقيل المراد جمعهم الأموال وهذا الحديث مما

6319 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جعفَرٍ. ح وَحَدثَنِي أَبُو بَكرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عن شُعبَةَ. ح وَحدّثَنِي حَجاجُ بْنُ الشاعِرِ. حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي بِشْرٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَن فِي حَدِيثِ شُعبَةَ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَلَا أَدرِي مرتَينِ، أو ثَلاثةً. 6320 - (2516) (74) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنى وَابْنُ بَشارٍ. جَمِيعا عَنْ غُنْدَرٍ. قَال ابنُ الْمُثَنى: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ. سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ. حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ثم ذكر المتابعة فيه فقال: 6319 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ـابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الباهلي الطيالسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) روى عنه في (19) بابًا (كلاهما) أي كل من شعبة وأبي عوانة رويا (عن أبي بشر) بيان بن بشر (بهذا الإسناد) يعني عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة غرضه بيان متابعتهما لهيثم وساقا (مثله) أي مثل حديث هيثم. (غير أن في حديث شعبة) أي لكن أن في رواية شعبة لفظة (قال أبو هريرة فلا أدري) ولا أعلم أذكر رسول الله لفظة ثم الذين يلونهم (مرتين أو ثلاثة). ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 6320 - (2516) (74) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا جمرة) نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (حدثني زهدم) بوزن جعفر (ابن مضرب) بصيغة اسم الفاعل ويقال فيه "بن مضرس" الأزدي الجرمي أبو مسلم البصري ثقة من (3) روى عنه في (2)

سَمِعْتُ عِمرَانَ بْنَ حُصَين يُحَدِّثُ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِنَّ خَيرَكُم قَرنِي، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم". قَال عِمرَانُ: فَلَا أَدرِي أَقَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بَعدَ قرنِهِ، مَرتَينِ أَوْ ثَلاثةً "ثُمَّ يَكُونُ بَعدَهم قَوْمٌ يَشهدُونَ وَلَا يُسْتَشْهدُونَ، ويَخُونُونَ وَلَا يُتَّمَنُونَ. وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بابين الإيمان والفضائل (سمعت عمران بن حصين) رضي الله عنه (يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سداسياته (إن خيركم) أي خير أمتي وأفضلها منزلة عند الله تعالى (قرني) وهم الصحابة (ثم الذين يلونهم) وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع أتباع التابعين (قال عمران) بن حصين راوي الحديث (فلا أدري) ولا أعلم (أقال) أي هل قال (رسول الله على الله عليه وسلم) لفظة ثم الذين يلونهم (بعد) ذكر (قرنه مرتين) أي أعادها وكررها مرتين (أو) كرّرها (ثلاثة) والقياس فيه التذكير لأن المعدود مؤنث قال القرطبي وهذا الذي شك فيه عمران قد حققه ابن مسعود بعد قرنه ثلاثًا وكذلك في حديث أبي سعيد في البعوث فإنه ذكر أنهم أربعة اهـ من المفهم (ثم) قال رسول الله صلى اللهْ عليه وسلم (يكون بعدهم) أي بعد القرن الثالث أو الرابع (قوم يشهدون) للناس على حقوقهم (ولا يستشهدون) أي لا تطلب منهم الشهادة (ويخونون) في الأمانات (ولا يُتَّمَنُون) عليها قال النووي هكذا هو في أكثر النسخ "يُتَّمَنُون" بضم الياء وتشديد التاء المفتوحة وفتح الميم المخففة وضم النون المخففة على صيغة المبني للمفعول وفي بعضها "يؤتمنون" ومعناه يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها أمانة بخلاف من خان بحقير مرة واحدة فينه يصدق عليه أن خان ولا يخرج به عن الأمانة في بعض المواطن اهـ كلامه قال القرطبي يعني أنهم اشتهرت خيانتهم فلا يأتمنهم أحد وهذا على نحو ما تقدم في حديث حذيفة في باب الأمانة والقياس في هذه الكلمة أن يقال "يؤتمنون" بلا إدغام لأنه من باب افتعل إلا أن يقال إن إدغام الهمزة الأصلية في تاء الافتعال لغة وردت عليها بعض الأحاديث كما في حديث عائشة "كان يأمرني أن أتزر" وفي حديث آخر "أيكم يتجر على هذا" (وينذرون) من نذر من بابي نصر وضرب إذا تقرّب إلى الله بقربة ليست واجبة في أصل الشرع. (ولا يوفون) ذلك النذر وفي بعض النسخ ولا يفون والمعنى واحد وفيه وجوب الوفاء بالنذر

وَيَظْهرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". 6321 - (00) (00) حدّثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يحيى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدثَنَا عَبْدُ الرحمَنِ بْنُ بِشرٍ الْعبدِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. ح وَحَدثَنِي مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، كُلهُم عَنْ شُعبَةَ، بِهذَا الإِسنَادِ، وَفِي حَدِيثِهِم: قَال: لَا أَدرِي أَذَكَرَ بَعدَ قَرنِهِ قرنَينِ أَوْ ثَلاثةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا خلاف فيه اهـ أبي وهو من أوفى أو وفى (ويظهر) أي يكثر (فيهم السمن) بكسر السين وفتح الميم ضد الهزال أي يكثرون الأكل فيظهر عليهم السمن وقد يأكلون ليسمنوا فإنه محبوب لهم اهـ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 427] والبخاري في مواضع منها في كتاب الفضائل باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [3650] وفي كتاب الأيمان والنذور باب إثم من لا يفي بالنذر [6695] وأبو دواد في السنة باب فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [3657] والترمذي في الفتن باب ما جاء في القرن الثالث [2222] وفي الشهادات باب خير القرون [2303] والنسائي في الأيمان والنذور في الوفاء بالنذر [3809]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 6321 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فزوخ التميمي القطان البصري ثقة من (9) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثنا عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمد النيسابوري ثقة من (10) روى عنه في (13) بابا (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا شبابة) بن سوار المدائني يقال كان اسمه مروان أبو عمرو الفزاري مولاهم ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (كلهم) أي كل من يحيى بن سعيد وبهز بن أسد وشبابة بن سوّار رووا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن أبي جمرة عن زهدم عن عمران غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمحمد بن جعفر (و) لكن (في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الثلاثة وروايتهم لفظة (قال) عمران (لا أدري) ولا أعلم (أذكر) أي هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد قرنه قرنين أو ثلاثة) بدل قوله في الرواية الأولى

وَفِي حَدِيثِ شَبَابَةَ قَال: سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضرِّبٍ، وَجَاءَنِي فِي حَاجَةٍ عَلَى فَرَسٍ، فَحَدَّثَنِي؛ أَنهُ سَمِعَ عِمرَانَ بْنَ حُصَينٍ، وَفِي حَدِيثِ يحيى وَشَبَابَة "يَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ". وَفِي حَدِيثِ بَهزٍ "يُوفُونَ" كَمَا قَال ابْنُ جَعفَرٍ. 6322 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوي. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة. ح وَحدثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفى، عَنْ عِمرَانَ بْنِ حُصَينٍ، عَنِ النبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثة) (وفي حديث شبابة) وروايته لفظة (قال) أبو جمرة (سمعت زهدم بن مضرب و) الحال أنه قد (جاءني في حاجة) أي لأجل حاجة له عندي راكبًا (على فرس فحدثني) زهدم (أنه سمع عمران بن حصين) بدل قوله في الرواية الأولى "سمعت أبا جمرة حدثني زهدم بن مضرب سمعت عمران بن حصين يحدث" (وفي حديث يحيى) بن سعيد (وشبابة) بن سوار وروايتهما (ينذرون ولا يفون) من وفى ثلاثيًّا (وفي حديث بهز) بن أسد وروايته (يوفون) من أوفى يوفي رباعيًّا (كما قال) محمد (بن جعفر) في الرواية الأولى أي موافقًا لما قاله ابن جعفر في الرواية الأولى. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 6322 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبد الملك) بن أبي الثوار بن محمد بن عبد الرحمن (الأموي) البصري صدوق من (10) روى عنه في (5) أبواب (قال حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (كلاهما) أي كل من أبي عوانة وهشام الدستوائي رويا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن زرارة بن أوفى) العامري أبي حاجب البصري قاضيها ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن عمران بن حصين) رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة زرارة بن أوفى لزهدم بن مضرب (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق زرارة (بهذا الحديث) الذي رواه زهدم بن

"خَيرُ هذِهِ الأُمَّةِ الْقَرنُ الذِينَ بُعِثْتُ فِيهِم. ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُم". زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ قَال: وَاللهُ أعلَمُ. أَذَكَرَ الثالِثَ أَم لَا، بِمِثْلِ حَدِيثِ زَهْدَمٍ، عَنْ عِمرَانَ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ "وَيحلِفُونَ وَلَا يُسْتَحلَفُونَ". 6323 - (2517) (75) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، (وَهُوَ ابْنُ عَلِيٍّ الْجعفِيُّ)، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ الله الْبَهِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ مضرب عن عمران بن حصين ولكن بلفظ (خير هذه الأمة) المحمدية (القرن الذين) أنا (بعثت فيهم) وهم الصحابة (ثم الذين يلونهم) وهم التابعون (زاد) زرارة بن أوفى على زهدم (في حديث أبي عوانة) وروايته لفظة (قال) عمران (والله أعلم) لا أدري (أذكر) أي هل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم القرن (الثالث أم لا) أي أم لم يذكره وساق زرارة بن أوفى (بمثل حديث زهدم عن عمران و) لكن (زاد) زرارة (في حديث هشام) الدستوائي وروايته (عن قتادة) لفظة (ويحلفون) قبل استحلافهم (ولا يستحلفون) بالبناء للمفعول. قال الأبي وفي هذه الأحاديث معجزة ظاهرة لأن الأمر وقع على نحو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6323 - (2517) (75) (حدثنا أبو بكر بن بن أبي شيبة وشجاع بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة الفلاس أبو الفضل البغدادي صدوق من (9) روى عنه في (3) أبواب (واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا حسين وهو ابن علي) بن الوليد (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة (السدي) نسبة إلى سدة مسجد الكوفة كان يبيع بها المقانع والسدة الباب والمقانع ما تلف به المرأة رأسها أبي محمد الكوفي صدوق من (4) روى عنه في (5) أبواب. (عن عبد الله) بن يسار مولى مصعب بن الزبير الملقب بـ (البهي) لقب به لبهائه وجماله كما في الأنساب للسمعاني [2/ 378] وهو من ثقات التابعين وثقه ابن سعد وابن حبان

عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: أَي الناسِ خَيرٌ؟ قَال: "الْقرنُ الذِي أنا فِيهِ، ثُمَّ الثانِي، ثُمَّ الثالِثُ". 6324 - (2518) (76) حدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيد. (قَال مُحَمدُ بْنُ رَافِع: حَدَّثَنَا. وَقَال عَبد: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرزاقِ. أَخْبَرَنَا معمَر، عَنِ الزهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الله وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيمَانَ؛ أَن عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ قَال: صَلى بِنَا رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ذَاتَ لَيلَةٍ، صَلاةَ الْعِشَاءِ، فِي آخِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووهاه أبو حاتم وقال مضطرب الحديث وقال في التقريب صدوق يخطئ من الثالثة (3) روى عنه في (4) أبواب وأخرج عنه مسلم والأربعة والبخاري في الأدب المفرد واستدرك الدارقطني على مسلم إدخاله هذا الحديث في صحيحه فإن عبد الله البهي في روايته عن عائشة كلام ولكن صحيح غير واحد من المحدثين روايته عن عائشة رضي الله عنها وذكر البخاري روايته عن عائشة (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت سأل رجل) اسم السائل هو سعيد بن تميم كما عند الطبراني انظر مجمع الزوائد اهـ تنبيه المعلم (النبي صلّى الله عليه وسلم) بقوله له (أي الناس خير) يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس (القرن الذي أنا فيه ثم) القرن (الثاني) له (ثم الثالث) له وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله عن أصحاب الأمهات اهـ تحفة الأشراف. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6324 - (2518) (76) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (وعبد بن حميد) الكسي ثقة من (11) (قال محمد بن رافع حدثنا وقال عبد أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر عن الزهريّ أخبرني سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (وأبو بكر) اسمه كنيته (بن سليمان) بن أبي حثمة عبد الله بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب العدوي المدني روى عن ابن عمر في الفضائل وعن أبيه وحدّثه الشفاء وسعيد بن زيد وغيرهم ويروي عنه (خ م دت س) والزهري وابن المنكدر وغيرهم وقال الزهريّ هو من علماء قريش وكان عارفًا بالنسب (أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عمر (صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (صلاة العشاء في آخر

حَيَاتِهِ. فَلَما سَلَّمَ قَامَ فَقَال: لا أَرَأَيتَكم لَيلَتَكُم هذِهِ؟ فَإِن عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْها لَا يَبْقَى مِمنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرضِ أَحدٌ". قَال ابْنُ عُمَرَ: فَوَهلَ الناسُ فِي مَقَالةِ رَسُولِ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ تِلْكَ، فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هذِهِ الأَحَادِيثِ، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حياته فلما سلم قام) على المنبر (فقال أرأيتكم) بفتح التاء لأنها ضمير المخاطب والكاف حرف خطاب والهمزة الأولى للاستفهام والرؤية بمعنى العلم أر البصر والمعنى أعلمتم أو أبصرتم (ليلتكم) بالنصب على المفعولية (هذه) بدلٌ منها والجواب محذوف تقديره قالوا نعم وترد "أرأيتكم" للاستخبار كما في قوله تعالى: {أَرَأَيتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} [الأنعام: 47] الآية أما هنا فمعناه ما ذكرناه أي قال لهم هل علمتم شأن هذه الليلة (فإن على رأس) وتمام (مائة سنة) مبدوءة (منها) أي من هذه الليلة (لا يبقى منها ممن هو على ظهر الأرض) الآن (أحد) قال النووي والمراد أن كل نفس منفوسة. كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل عمرها قبل ذلك أم لا وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة ووقع الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإن أهل السير مجمعون على أنّ آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل رضي الله عنه واختلفوا في تاريخ وفاته، قيل سنة مائة وقيل مائة واثنتين وقيل مائة وسبع وقيل مائة وعشر كما في الإصابة [4/ 133] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في آخر شهر من حياته كما سيأتي في حديث جابر رضي الله عنه وكان ذلك سنة إحدى عشرة فلو أخذنا بآخر الأقوال في وفاة أبي الطفيل وهو سنة مائة وعشر فإنه لم يعش بعد هذا القول أكثر من مائة سنة قال ابن بطال إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه المدة تخرم الجيل الذي هم فيها فوعظهم بقصر أعمارهم وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم ليجتهدوا في العبادة ذكره الحافظ في فتح الباري [1/ 212] (قال ابن عمر) رضي الله عنهما (فوهل الناس) بفتح الهاء وهلًا بسكون الهاء يقال وهَلَ يهل وهلًا من باب ضرب يضرب ضربا إذا غلط في معنى الشيء وذهب وهمه إلى غير الصواب وأما وهل بكسر الهاء من باب فرح فهو بمعنى الفزع فليس مرادًا هنا والمعنى هنا أي غلطوا (في) فهم معنى (مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك) الليلة (فيما يتحدثون) ويقولون (من هذه الأحاديث) أي في معناها وفي تعبيرهم (عن مالة سنة) أي أخطأ بعض الناس في فهم هذا الحديث فزعموا أن مراده صلى الله عليه وسلم

وَإِنَّمَا قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: "لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذلِكَ الْقَرْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الساعة تقوم بعد مائة سنة كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث أبي مسعود البدري وردّ ذلك عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبيّن ابن عمر في هذا الحديث مراد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (وإنما قال) وأراد (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن يخترم) وينعدم ويموت (ذلك القرن) أي ينقطع وينقضي يعني أنّ مراد النبي صلى الله عليه وسلم أنّ عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك يخترم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجودًا حال تلك المقالة كذا في فتح الباري [2/ 75]. قال النووي واحتج بهذا الحديث من شذَّ وقال إن الخضر - عليه السلام - قد مات والجمهور على أنه حي ويحمل الحديث على أنّه كان في البحر أو أنه عام مخصوص وقال المازري إن الألف واللام في الأرض للعهد قال والمراد بها أرض العرب لأنها التي يعرفون وفيها يتصرفون وعليها يخاطبون دون أرض يأجوج ومأجوج وجزائر الهند والسند ممّا لا يقرع سمعهم ولا يعلمون علمه وعلى تسليم العموم فلا يتناول الخضر عليه السلام وإن كان حيًّا كما قيل لأنه ليس بمشاهد للناس ولا مخالط لهم حتى يخطر ببالهم حين مخاطبة بعضهم بعضًا كما لا يتناول عيسى - عليه السلام - ولا الدّجال لأن عيسى عليه السلام حيٌّ في السماء وكذلك الدّجال في جزائر الفرس بدليل حديث الجسَّاسة وقد مرَّ الكلام على مسألة حياة الخضر ووفاته في باب فضائل الخضر - عليه السلام - فراجعه قلت والجساسة حيوان دلَّ تميمًا الداري وأصحابه على الدّجال كما هو مذكور في كتاب الفتن من هذا الكتاب اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 314] والبخاري في مواضع في العلم باب السمر في العلم [116] وفي مواقيت الصلاة باب ذكر العشاء والعتمة [564] وباب السمر في الفقه والخير بعد العشاء [601] وأبو داود في الملاحم باب قيام الساعة [4348] والترمذي في الفتن باب (64) حديث [2252] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

6325 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، وَرَوَاهُ اللَّيثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ مَعْمَرٍ، كَمِثْلِ حَدِيثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6325 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب وروى المؤلف هذا الحديث أيضًا تعليقًا عن الليث فقال (ورواه) أي وروى هذا الحديث (الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري عالمها (عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر) الفهمي أبي خالد المصري أمير مصر صدوق من (7) روى عنه في (2) بابين الحدود والفضائل (كلاهما) أي كل من شعيب بن أبي حمزة وعبد الرحمن بن خالد رويا (عن الزهري بإسناد معمر) يعني عن سالم عن ابن عمر غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لمعمر وساقا (كمثل حديثه) أي مثل حديث معمر والكاف زائدة أو بمعنى الباء قال القرطبي وحديث ابن عمر هذا رواه مسلم من طريقين ذكر الأول منهما متصلًا ثم أردف عليه سندًا آخر فيه انقطاع ولا يتعقب عليه في ذلك إذ قد وفّى بشرط كتابه في الطريق الأول ثم زاد بعد ذلك السند المنقطع وقد استشكل بعض من لم يثبت عنده حديث ابن عمر إذ لم يفهم معناه فرده بأن قال هذا حديث منقطع وهذا ليس بصحيح على ما قررناه ثم لو سلم أن حديث ابن عمر ليس بصحيح فحديث جابر وأبي سعيد في الباب صحيحان فما قوله فيه وقد رفع الصحابي أعني ابن عمر ذلك الإشكال بقوله أراد بذلك أن ينخرم ذلك القرن بل قد جاء من حديث جابر بلفظ لا إشكال فيه فقال ما من نفس منفوسة اليوم سيأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ وهذا صريح في تحقيق ما قال ابن عمر وكذلك قول عبد الرحمن صاحب السقاية حيث فسره بنقص العمر وحاصل ما تضمنه هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أخبر قبل موته بشهر أن كل من كان من بني آدم موجودًا في ذلك الوقت لا يزيد عمره على مائة سنة وإنما قلنا إنه أراد بني آدم لأنه قال "ما من نفس منفوسة" ولا يتناول هذا الملائكة ولا الجن إذْ لم يصح عنهم أنهم كذلك ولا الحيوان غير العاقل إذ قال فيه ممن هو على ظهر الأرض أحد وهذا إنما يقال

6326 - (2519) (77) حدّثني هارُونُ بْنُ عَبْدِ الله وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: "تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ؟ وَإنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله، وَأُقْسِمُ بِاللهِ، مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيهَا مِائَةُ سَنَةٍ". 6327 - (00) (00) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بأصل وضعه على من يعقل فتعين أن المراد بنو آدم ومعنى نفس منفوسة أي مولودة وفيه احتراز عن الملائكة اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 6326 - (2519) (77) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (وحجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف بـ (ــابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (13) بابا (قالا حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور نزيل بغداد ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (قال) حجاج بن محمد (قال ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول) أي جابر وهذا السند من خماسياته (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بـ) ـمدة (شهر) أ (تسألوني عن الساعة) أي عن وقت قيامها (وإنما علمها) أي علم وقت قيام الساعة عند الله تعالى لأنه مما استأثر الله تعالى به (و) لكن (أقسم) لكم (بالله) تعالى (ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها) أي تمر على تلك النفس (مائة سنة) إلا وهي منخرمة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 314] والترمذي [2250]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6327 - (00) (00) (حدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في أحد عشر بابا (حدثنا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري صدوق من (9) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد) يعني عن أبي

وَلَمْ يَذْكُرْ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ. 6328 - (00) (00) حدّثني يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. كِلاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ. قَال ابْنُ حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَال: سَمِعْتُ أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال ذلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ. أَوْ نَحْوَ ذلِكَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، الْيَوْمَ، تَأتِي عَلَيهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّة يَوْمَئِذٍ". وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزبير عن جابر غرضه بيان متابعة محمد بن بكر لحجاج بن محمد (و) لكن (لم يذكر) محمد بن بكر لفظة (قبل موته بشهر) كما ذكر حجاج لفظة قبل أن يموت بشهر ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6328 - (00) (00) (حدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثم البصري ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (كلاهما) رويا (عن المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال ابن حبيب) في روايته (حدثنا معتمر بن سليمان) بصيغة السماع (قال) المعتمر (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أبو نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة بتثليث القاف مع سكون الطاء العبدي البصري ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي نضرة لأبي الزبير المكي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه) صلى الله عليه وسلم. (قال ذلك) الحديث يعني قوله ما على الأرض من نفس منفوسة إلخ (قبل موته بشهر أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قبل (نحو ذلك) أي قبل زمن قريب من الشهر ولفظة نحو بالجر في جميع النسخ التي بأيدينا فهو معطوف على شهر كما قررناه والشك من الراوي وقوله (ما من نفس منفوسة) أي مخلوقة ومولودة فلا تتناول الملائكة والجن كما قالوا أي مخلوقة (اليوم) أي في هذا الزمن الحاضر (تأتي) أي تمر (عليها مائة سنة وهي) أي والحال أن تلك النفس المنفوسة اليوم (حية يومئذ) أي يوم إذ تتم مائة سنة من اليوم بدل من اسم الإشارة في قوله أنه قال ذلك وقوله (وعن عبد الرحمن) بن آدم مولى أم برثم

صَاحِبِ السِّقَايَةِ، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذلِكَ. وَفَسَّرَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَال: نَقْصُ الْعُمُرِ. 6329 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ. أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بضم الموحدة والمثلثة بينهما مهملة ساكنة آخره ميم أو نون البصري (صاحب السقاية) "لعله كان يسقي الماء الجالسين في المسجد أو يسقي للناس الماء من الآبار" والله أعلم قال عمر بن علي الحافظ لم يكن له أب فنسب إلى آدم أبي البشر وأم برثن هذه كانت امرأة تدعى أم برثم بالميم أو برثن بالنون تعالج الطيب فوجدت غلامًا لقيطًا فربته حتى كبر وسمته عبد الرحمن هو عبد الرحمن بن آدم هذا أهـ من تقرير الكاشف للذهبي روى عن جابر بن عبد الله في الفضائل وابن عمر ويروي عنه (م د) وسليمان التيمي وقتادة وثقه ابن حبان وقال ابن معين لا بأس به وقال في التقريب صدوق من الثالثة هو معطوف على أبي نضرة والمعنى سمعت أبي يقول حدثنا أبو نضرة عن جابر وسمعت أبي أيضًا يحدث عن عبد الرحمن بن آدم صاحب السقاية فسليمان يرويه بإسناد مسلم إليه عن اثنين أبي نضرة وعبد الرحمن صاحب السقاية كلاهما عن جابر والله أعلم (عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذا التعليق بيان متابعة عبد الرحمن صاحب السقاية لمن روى عن جابر بن عبد الله وساق عبد الرحمن صاحب السقاية (بمثل ذلك) الحديث الذي رواه أبو نضرة وغيره عن جابر (وفسّرها) أي وفسّر تلك المائة المذكورة في حديث جابر (عبد الرحمن) صاحب السقاية فـ (قال) في تفسيرها تلك المائة المذكورة (نقص العمر) بضمتين جمع عمر بسكون الميم وهي مدة أجلها الله تعالى لعباده في دار الغناء أي كناية عن نقص أعمار الناس عن المائة أي فلا يكمل عمر أحد غالبًا مائة سنة فيما بعد. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6329 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري ثقة من (4) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يزيد بن هارون

بِالإِسْنَادَينِ جَمِيعًا، مِثْلَهُ. 6331 - (2521) (79) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ دَاوُدَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَبَّانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَأتِي مِائَةُ سَنَةٍ، وَعَلَى الأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لمعتمر بن سليمان أي حدثنا يزيد عن سليمان التيمي (بالإسنادين جميعًا) أي بالإسنادين لسليمان يعني إسناده عن أبي نضرة وإسناده عن عبد الرحمن صاحب السقاية وساق يزيد بن هارون (مثله) أي مثل حديث المعتمر عن سليمان. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم فقال: 6330 - (2520) (78) (حدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو خالد) الأحمر سليمان بن حيان بتحتانية الأزدي الكوفي صدوق من (8) روى عنه في (12) بابا (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري البصري ثقة من (5) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لا بن نمير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سليمان بن حبّان) أبو خالد الأحمر كما مر آنفًا (عن داود) بن أبي هند (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من) غزوة (تبوك سألوه) صلى الله عليه وسلم (عن) وقت قيام (الساعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جوابهم إنما علمها عند الله تعالى ثم قال لهم (لا تأتي) ولا تمر عليكم (مائة سنة) من هذا اليوم (و) الحال أنه (على الأرض نفس منفوسة) أي مخلوقة (اليوم) لأنها تنخرم وتنعدم لانتهاء أعمارها وهذا الحديث لا يلزم منه أن يكون هذا الكلام بعد رجوعه من تبوك على الفور بل يجوز أن يكون تأخر بعد مرجعه بزمان فلا يتعارض مع حديث جابر المار الذي أخبر فيه أنه صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام قبل وفاته بشهر ويحتمل أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك مرتين والله سبحانه وتعالى أعلم وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات.

6331 - (2521) (79) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَينٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله. قَال: قَال نَبِيُّ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، تَبْلُغُ مِائَةَ سَنَةٍ". فَقَال سَالِمٌ: تَذَاكَرْنَا ذلِكَ عِنْدَهُ. إِنَّمَا هِيَ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ يَوْمَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لجابر رضي الله عنهم فقال: 6331 - (2521) (79) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثقة من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم الطيالسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) (عن حصين) مصغرًا ابن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سالم) بن أبي الجعد رافع الأشجعي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) جابر (قال نبي الله صلّى الله عليه وسلم ما من نفس منفوسة) أي مخلوقة اليوم (تبلغ) أي تستكمل في حياتها (مائة سنة فقال سالم) بن أبي الجعد (تذاكرنا) معاشر الحاضرين عند جابر أي ذكر بعضنا لبعض (ذلك) الحديث أي هذا الحديث الذي قال لنا جابر (عنده) أي عند جابر باللفظ المذكور فقال لنا جابر (إنما هي) أي إنما النفس التي لا تبلغ مائة سنة هي (كل نفس مخلوقة يومئذ) أي يوم إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فهي قبل تمام مائة سنة محسوبة من ذلك اليوم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث تموت وتنخرم لقصر أعمار الناس والله سبحانه وتعالى أعلم وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث الأول حديث أبي موسى ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فيه متابعتين والسادس حديث عائشة ذكره للاستشهاد والسابع حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والتاسع حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد والعاشر حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

720 - (9) الباب الثاني والعشرون منها باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم وفضل أويس القرني رضي الله عنه وما ذكر في مصر وأهلها وفي فضل عمان

720 - (9) الباب الثاني والعشرون منها باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم وفضل أويس القرني رضي الله عنه وما ذُكر في مصر وأهلها وفي فضل عمان ـــــــــــــــــــــــــــــ 720 - (9) الباب الثاني والعشرون منها باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم وفضل أويس القرني رضي الله عنه وما ذُكر في مصر وأهلها وفي فضل عمان قال القرطبي ومن المعلوم الذي لا يشك فيه أن الله تعالى اختار أصحاب نبيه لنبيه صلى الله عليه وسلم ولإقامة دينه فجميع ما نحن فيه من العلوم والأعمال والفضائل والأحوال والمتملكات والأموال والعز والسلطان والدين والإيمان وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها لسان ولا يتسع لتقديرها "لتعديدها" زمان إنما كان بسببهم ولما كان ذلك وجب علينا الاعتراف بحقوقهم والشكر لهم على بعض عظيم أياديهم قيامًا بما أوجبه الله تعالى علينا من شكر النعم واجتنابًا لما حرّمه من كفران حقه هذا مع ما تحققناه من ثناء الله تعالى عليهم وتشريفه لهم ورضاه عنهم كقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، إلى قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} وقوله: {مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100]، وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]، إلى غير ذلك وكقوله صلى الله عليه وسلم إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [10/ 16] إلى غير ذلك من الأحاديث المتضمنة للثناء عليهم رضي الله عنهم وعلى هذا فمن تعرّض لسبهم وجحد عظيم حقهم فقد انسلخ من الإيمان وقابل الشكر بالكفران ويكفي في هذا الباب ما رواه الترمذي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي. فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه رواه الترمذي [3862] فقال هذا حديث غريب وهذا الحديث وإن كان غريب السند فهو صحيح المتن لأنه معضود بما قدمناه من الكتاب وصحيح السنة وبالمعلوم من دين الأمة إذ لا خلاف في وجوب احترامهم وتحريم سبّهم ولا يختلف في أن من قال إنهم كانوا على كفر أو ضلال كافر يقتل لأنه أنكر معلومًا ضروريًا من الشرع فقد كذب

حكم سب الصحابة رضي الله عنهم

حكم سبّ الصحابة رضي الله عنهم 6332 - (2522) (80) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الله ورسوله فيما أخبر به عنهم وكذلك الحكم فمن كفر أحد الخلفاء الأربعة أو ضللهم وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب أو حكم الزنديق فلا يستتاب ويقتل على كل حال هذا مما يختلف فيه فأما من سبهم بغير ذلك فإن كان سبًّا يوجب حدًّا كالقذف حُدَّ حَدَّه ثم ينكّل التنكيل الشديد من الحبس والتخليد فيه والإهانة ما خلا عائشة رضي الله عنها فإنَّ قاذفها يقتل لأنه مكذّب لما جاء في الكتاب والسنة من براءتها قاله مالك وغيره واختلف في غيره من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل يقتل قاذفها لأن ذلك أذى للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل يحد وينكل كما ذكرنا على قولين وأما من سبهن بغير القذف فإنه يجلد الجلد الموجع وينكل التنكيل الشديد قال ابن حبيب ويخلد سجنه إلى أن يموت وقد رُوي عن مالك من سب عائشة قتل مطلقًا ويمكن حمله على السب بالقذف والله تعالى أعلم. حكم سبّ الصحابة رضي الله عنهم ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6332 - (2522) (80) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله على الله عليه وسلم) وقد اختلف الرواة في رواية هذا الحديث عن الأعمش فبعضهم رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وبعضهم رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما وصحح الدارقطني رواية هذا الحديث عن أبي سعيد ويحتمل أن يكون أبو صالح روى الحديث عنهما جميعًا ولكن الحافظ ابن حجر ردَّ هذا الاحتمال في فتح الباري [7/ 35] ورجّح أن مسلمًا رواه عن أبي سعيد

"لَا تَسُبُّوا أصْحَابِي. لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي. فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصيفَهُ". 6333 - (2523) (81) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: كَانَ بَينَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَينَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ فوقع الوهم من أحد الرواة تحت مسلم فذكر أبا هريرة دون أبي سعيد والله أعلم قال أبو علي الجبائي قال أبو مسعود الدمشقي هذا وهم والصواب من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري لا عن أبي هريرة وكذا رواه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن شيبة وأبو كريب والناس اهـ نووي (لا تسبُّوا أصحابي لا تسبُّوا أصحابي) بالتكرار مرتين لتأكيد النهي (فوالذي نفسي بيده) المقدسة (لو أن أحدكم) أيها المؤمنون (أنفق مثل أُحد ذهبًا ما أدرك) أي ما بلغ أجر ما أنفقه من الذهب المماثل لأحد (مُدَّ أحدهم) أي أجر ما أنفقه أحد من الصحابة من المد (ولا نصيفه) أي ولا أجر ما أنفقه أحدهم من نصف المد والنصيف لغة في النصف كالثمين لغة في الثمن والمعنى أن إنفاق مثل أحد ذهبًا لا يعدل صدقة أحدهم بنصف مد والمراد بالمد المد المذكور في الصدقة وذلك لأن نفقتهم كانت عن قلة ونفقة غيرهم عن غنى وكذلك جهادهم وجميع أعمالهم قال العيني والمد بضم الميم هو في الأصل ربع الصاع وهو رطل وثلث بالبغدادي عند الشافعي وهو رطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق اهـ وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات وأخرجه غيره عن أبي سعيد الخدري كما سيأتي وقد رواه أبو هريرة مجردًا عن سببه وقد ذكر أبو سعيد سبب ذلك القول كما سيأتي قريبًا. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد رضي الله عنهما فقال: 6333 - (2523) (81) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد) الخدري وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (كان بين خالد بن الولبد) بن المغيرة المخزومي الحمصي أو المدني رضي الله عنه (وبين عبد الرحمن بن عوف) الزهري

شَيءٌ، فَسّبَّهُ خَالِدٌ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي. فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني رضي الله عنه (شيء) من المغاضبة والمخاصمة (فسبَّه) أي فسبّ عبد الرحمن (خالد) بن الوليد فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبّوا أحدًا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) ومعنى (لا تسبوا) أي تشتموا أيها المسلمون بعد قرني (أصحابي) أي أهل قرني الذين ثبتت لهم صحبتي ورؤيتي وفي تحفة الأحوذي "قوله لا تسبوا أصحابي" الخطاب بذلك للصحابة لما ورد أن سبب الحديث أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فالمراد بأصحابي أصحاب مخصوصون وهم السابقون على المخاطبين في الإسلام وقيل نزل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به من السب منزلة غيرهم فخاطبه خطاب غير الصحابة حيث علم بنور النبوة تنزيلًا لهم منزلة الموجودين الحاضرين لتحقق وجودهم وقيل يقع منها الحديث للموجودين من العوام في ذلك الزمان الذين لم يصاحبوه صلى الله عليه وسلم ويُفهم خطاب من بعدهم بدلالة النص وقال السبكي: الظاهر أن المراد بقوله أصحابي من أسلم قبل الفتح وأنه خطاب لمن أسلم بعد الفتح ويرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم لو أنفق إلخ مع قوله تعالى: {لَا يَسْتَوي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية لأن في قوله لو أنفق إشعارًا بأن المراد بقوله أولًا أصحابي مخصوصون وإلا فالخطاب كان للصحابة وقد قال "لو أن أحدكم أنفق" ومع ذلك نهى بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عن سب من سبقه وذلك يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى. (فوالذي) أي فأقسمت لكم بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده لو أنّ أحدكم) أيها المؤخرون من الصحابة (أنفق) وصرف في الخيرات (مثل) جبل (أحد) المعروف في المدينة (ذهبًا) أي من جهة الذهب الذي هو من أنفس الأموال (ما أدرك) وفي رواية البخاري ما بلغ (مدّ أحدهم) أي أحد السابقين منهم أي ما بلغ أجر ذلك الذهب العظيم القدر أجر مد طعام أنفقه السابقون في الخيرات (ولا نصيفه) أي ولا نصف مد أحدهم والنصف فيه أربع لغات نصف بكسر النون وضمها وفتحها ونصيف بزيادة الياء كما يقال عشر وعشير وثمن وثمين وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 11]

6334 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِإسْنَادِ جَرِيرٍ وَأَبِي مُعَاويةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا، وَلَيسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ وَوَكِيعٍ ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والبخاري في فضائل الصحابة [3673] وأبو داود في السنة باب النهي عن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [4658] والترمذي في المناقب [3861] وابن ماجه في المقدمة باب فضل أهل بدر [161]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6334 - (00) (00) (حدثنا أبو سعيد الأشج) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا حدثنا وكيع عن الأعمش ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (ح وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم السلمي البصري ثقة من (9) (جميعًا) أي كل من معاذ بن معاذ وابن أبي عدي رويا (عن شعبة عن الأعمش) كلاهما أي كل من وكيع وشعبة رويا عن الأعمش (بإسناد جرير وأبي معاوية) يعني عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة وكيع وشعبة لجرير وأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش وساقا (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث جرير وأبي معاوية (و) لكن (ليس في حديث شعبة ووكيع ذكر عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد) كما ذكرهما جرير عن الأعمش. وقوله بإسناد جرير وأبي معاوية إلخ هذا مما يقوي قول الحافظ ابن حجر في أن مسلمًا لم يرو هذا الحديث إلا عن أبي سعيد وإنما وقع الوهم من بعض الرواة بعد مسلم لأن المصنف جمع بين إسناد جرير وأبي معاوية ها هنا مع أن المذكور في المتن أن أبا معاوية رواه عن أبي هريرة وجريرًا عن أبي سعيد فظهر أن مسلمًا لم يرو هذا الحديث إلا عن أبي سعيد والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:

فضل: أويس القرني رضي الله تعالى عنه

فضل: أويس القرني رضي الله تعالى عنه 6335 - (2524) (82) حدّثني زُهيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا هاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيرِ بْنِ جَابِرٍ؛ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ. وَفِيهِمْ رَجُل مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيسٍ. فَقَال عُمَرُ: هلْ ههُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذلِكَ الرَّجُلُ. فَقَال عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَال: "إِن رَجُلًا يَأتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ أُوَيسٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فضل: أويس القرني رضي الله تعالى عنه 6335 - (2524) (82) (حدثني زهير بن حرب حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سعيد) بن إياس (الجريري) أبو مسعود البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أُسير) مصغرًا (ابن جابر) ويقال فيه "يسير بن جابر" بالتحتانية بدل الهمزة العبدي أبي الخبّاز الكوفي وثقه العجلي وابن حبان وابن سعد وقال في التقريب له رؤية فهو صحابي مات سنة (85) روى عنه في (3) أبواب (أنّ أهل الكوفة وفدوا) أي جاؤوا (إلى عمر) رضي الله عنه وافدين في زمن خلافته وهذا السند من سباعياته (وفيهم) أي وفي القوم الوافدين على عمر (رجلٌ) لم أر من ذكر اسمه (ممن كان يسخر) ويستهزئ (بأُويس) بن أُنيس ويحقره وكان الرجل ابن عم لأُويس يلزم السلطان فإن رآه مع قوم أغنياء قال ما هو إلا يستأكلهم وإن رآه مع قوم فقراء قال ما هو إلا يخوعهم وأُويس لا يقول في ابن عمه إلّا خيرًا اهـ من تنبيه المعلم (فقال عمر) بن الخطاب للقوم الوافدين عليه (هل ها هنا) أي فيكم (أحد) كان (من القرنيين) أي من قبيلتهم بفتح القاف والراء نسبة إلى بني قرن وهم بطن من مراد وكانوا من أهل اليمن (فجاء ذلك الرجل) الذي يسخر بأويس إلى عمر (فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال) لنا (إن رجلًا يأتيكم من اليمن) إقليم معروف (يقال له أُويس) تصغير أوس يعني اسمه أُويس بن عامر القرني زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزره برًّا بأُمه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمجيئه وبكونه مجاب الدعوة فزاره عليٌّ وعمر رضي الله عنهما وروى عنهما أحاديث وشهد عدة غزوات

لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيرَ أُمٍّ لَهُ قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ. فَدَعَا الله فَأَذْهبَهُ عَنْهُ. إِلَّا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَو الدِّرْهَمِ. فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفرْ لَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى استشهد بصفين مع علي رضي الله عنه (لا يدع) أي لا يترك (باليمين غير أُم له قد كان به بياض) أي برص (فدعا الله) سبحانه وتعالى أن يذهب عنه ذلك البياض (فأذهبه) أي أذهب ذلك البياض (عنه إلا موضع الدينار) أي قدره (أو) قال الراوي قدر (الدرهم فمن لقيه) أي لقي ذلك الرجل ورآه (منكم فليستغفر لكم) أي فليطلب لكم من الله غفران الذنوب فإنه مجاب الدعوة وقوله فليستغفر لكم بالجزم على أنّه جواب من الشرطية وجملة من الشرطية في محل الرفع خبر إنَّ في قوله إن رجلًا يأتيكم من اليمن وحديثه هذا مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الخمس لكن شاركه أحمد [1/ 38]. قال القرطبي اختلف في نسبه فقيل أُويس بن عامر بن جزء بن مالك وهو الصحيح وقيل أُويس بن أُنيس وقيل أُويس بن الخليص المرادي ثم القرني بفتح الراء منسوب إلى قرن قبيلة معروفة كان رحمه الله تعالى من أولياء الله المختفين الذين لا يؤبه لهم ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عنه ووصفه بوصفه ونعته وعلامته لما عرفه أحد وكان موجودًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به وصدّقه ولم يلقه ولا كاتبه فلم يعد في الصحابة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من التابعين حيث قال إنه خير التابعين وقد اختلف في زمن موته فرُوي عن عبد الله بن مسلم قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعنا أُويس القرني فلما رجعنا مرض علينا فحملناه فلم يستمسك فمات فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط فغسلناه وكفَّناه وصلينا عليه فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فعلمنا قبره فإذا لا قبر ولا أثر. ورُوي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال نادى رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أُويس القرني فقلنا نعم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أويس القرني خير التابعين بإحسان ذكره ابن سعد في الطبقات [6/ 163] وعطف دابته فدخل على أصحاب علي قال عبد الرحمن فوجد في قتلى أصحاب علي رضي الله عنهما وله أخبار كثيرة وكرامات ظاهرة ذكرها أبو نعيم وأبو الفرج الجوزي في كتبهما وأُويس تصغير أوس أوس الذئب وبه سمي الرجل قيل إنه سُمي بأوس الذي هو مصدر أست الرجل أوسًا إذا أعطيته فالأوس هو العطية اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمر رضي الله عنه فقال:

6336 - (00) (00) حدَّثنا زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ)، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب قَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ خَيرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ. فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ". 6337 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (قَال: إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) -وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيرِ بْنِ جَابِرٍ، قَال: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6336 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا عفّان بن مسلم) بن عبد الله الأنصاري الصفّار البصري ثقة من كبار (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا حمّاد وهو ابن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن سعيد الجريري) البصري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي نضرة عن أُسير بن جابر (عن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لسليمان بن المغيرة (قال) عُمر (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ خير التابعين) وأفضلهم منزلة عند الله تعالى (رجل يقال له أُويس) بن عامر القرني قال الطبراني كان أُويس موجودًا في حياته صلى الله عليه وسلم وآمن به ولم يلقه ولا كاتبه فلم يعدَّ في الصحابة اهـ سنوسي (وله والدة وكان به بياض) أي برص فإذا لقيتموه (فمروه) أي فاطلبوا منه أن يستغفر لكم (فليستغفر لكم) فيه فضيلة عظيمة لأُويس القرني حيث أمر الصحابة بطلب الدعاء منه ولعل ذلك بسبب بره بأمه حيث حرم نفسه من زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: 6337 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا واللفظ الابن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري ثقة من (7) (عن قتادة) بن دعامة (عن زرارة بن أوفى) العامري البصري قاضيها ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أُسير بن جابر) الكوفي (قال كان عمر بن الخطاب) رضي الله

إِذَا أَتَى عَلَيهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيسٍ. فَقَال: أَنْتَ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيكُمْ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ. كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَم. لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِها بَرٌّ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ". فَاسْتَغْفِرْ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة زرارة بن أوفى لأبي نضرة (إذا أتى) ووفد (عليه أمداد أهل اليمن) أي جيوش أهل اليمن جمع مدد وهم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو اهـ سنوسي وقال القرطبي سموا بذلك لأنهم يمدهم القوم الذين يقدمون عليهم (سألهم) عمر (أفيكم أُويس بن عامر) وما زال عمر يسأل عنه كل من وفد عليه (حتى أتى) ووقف (على أُويس) وصادفه وشافهه بلا وساطة (فقال) عمر له (أنت أُويس بن عامر قال) أُويس (نعم) أنا أُويس بن عامر (قال) عُمر له أنت (من) قبيلة (مراد ثم من قرن) والقرن بطن من مراد إليها نسب أويس القرني قال القاضي والقرن بفتح القاف والراء حيّ من مراد لأنه قرن بن رومان بن ناجية بن مراد اهـ دهني (قال) أُويس (نعم) أنا من مراد ثم من قرن فـ (ــقال) له عمر (فـ) ـهل (كان بك) أوّلًا (برص فبرئت) من باب فرح أي فشفيت (منه إلا موضع درهم) أي إلا قدر درهم منه (قال) أُويس (نعم) كان بي أولًا برص فشفيت منه إلا قدر درهم (قال) عمر له هل (لك والدة قال) أويس (نعم) لي والدة (قال) عمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يأتي عليكم) أيها المؤمنون (أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن) وجيوشهم الذين تمدون بهم حالة كونه (من) قبيلة (مراد ثم من) بطن (قرن كان به برص فبرأ) بفتح الباء وكسرها (منه) أي من البرص (إلا موضع درهم) وقدره (له والدة هو بها برّ) أي محسن إليها خادمٌ لها (لو أقسم على) أمر من الأمور بـ (ـــالله) أي باسمه تعالى أو بذاته (لأبرّه) أي لجعله الله بارًا في يمينه غير ناكث لها يشير به إلى عظيم مكانته عند الله تعالى وأنه لا يخيب أمله فيه ولا يرد دعوته وقسمه عليه هو يصدق توكله وقيل معنى أقسم دعا ومعنى لم يرده أجابه اهـ أبي (فإن استطعت) وقدرت يا عمر على (أن يستغفر لك) ذلك الرجل (فافعل) استغفاره لك أي اطلب منه الاستغفار لك (فـ) ــقل له (استغفر لي) يا أُويس فإني أطلب منك

فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَقَال لَهُ عُمَرُ: أَينَ تُرِيدُ؟ قَال: الْكُوفَةَ. قَال: أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَال: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيَّ. قَال: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهمْ. فَوَافَقَ عُمَرَ. فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيسٍ. قَال: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستغفار لي كما أمرني الرسول صلى الله عليه وسلم (فاستغفر) أُويس (له) لعمر. قال القرطبي وهذا لا يفهم منه أنه أفضل من عمر ولا أن عمر غير مغفور له للإجماع على أن عمر رضي الله عنه أفضل منه ولأنه تابعي والصحابي أفضل من التابعي وإنما مضمون ذلك الإخبار بأن أُويسًا ممن يستجاب دعاؤه وإرشاد عمر إلى الازدياد من الخير واغتنام دعوة من ترجى إجابته وهذا نحو مما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم به من الدعاء له والصلاة عليه وسؤاله الوسيلة له وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ولد آدم ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل خرج ليعتمر "أشركنا في دعائك يا أخيَّ" رواه أحمد [1/ 29] والترمذي [3562] (فقال له) أي لأويس (عمر أين تريد) أن تنزل (قال) أويس أريد أن أنزل (الكوفة قال) عمر له (ألا) أي انتبه واستمع ما أقول لك إني (أكتب لك إلى عاملها) أي إلى عامل الكوفة وواليها أن يرزقك من ديوان المرتزقة ولم أر من عيّن اسم هذا العامل أحدًا من الشرَّاح ولكن في طبقات ابن سعد [6/ 7 - 8] أن عمر بعث إلى الكوفة عمّارًا وابن مسعود معلمًا ووزيرًا وجعله على بيت المال وبعث عثمان بن حنيف على السواد فالمراد واحد منهم والله أعلم اهـ من تنبيه المعلم (قال) أويس أن (أكون في غبراء الناس) وضعافهم وصعاليكهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم (أحبُّ إلي) من أن أكون مشهورًا بين الناس مرتزقًا من بيت المال (قال) أسير بن جابر (فلما كان) الزمن (من العام المقبل) من تلك السنة (حجّ رجل من أشرافهم) أي من أشراف أهل الكوفة وكبرائهم ولم أر أحدًا ذكر اسم هذا الرجل (فوافق) ذلك الرجل (عمر) بن الخطاب أي صادفه واستقبله (فسأله) أي فسأل عمر ذلك الرجل (عن) حال (أُويس) وعيشه (قال) ذلك الرجل (تركته) أي تركت أُويسًا حالة كونه (رث البيت) أي خسيس مواعين البيت وهو بمعنى قوله (قليل المتاع) والمواعين أي مواعين

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَأتِي عَلَيكُمْ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ. كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ. إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَم. لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَأَتَى أُوَيسًا فَقَال: اسْتَغْفِرْ لِي. قَال: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ. فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَال: أسْتَغْفِرْ لِي. قَال: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ. فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَال: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَال: نَعَمْ. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ. فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيته قليلة خسيسة غير نفيسة من الرثاثة وهو حقارة المتاع وضيق العيش (قال) عمر للرجل الذي أخبره عن حال أويس وعيشه بيانًا له لحال أويس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يأتي عليكم أُويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها برّ لو أقسم على الله لأبرّه فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فـ) ـلما رجع الرجل الذي حجَّ وسمع خبر أُويس من عمر إلى الكوفة (أتى أُويسًا فقال) له (استغفر لي) يا أُويس (قال) أويس للرجل الذي حجَّ وطلب منه الدعاء (أنت) أيها الرجل (أحدث) أي أقرب منّي (عهدًا) أي زمنًا وصحبة وعهدًا منصوب على التمييز كقوله تعالى: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74]، اهـ مفهم. (بسفرٍ صالح) أي بسفر خير وهو سفر الحج (فاستغفر لي) أنت لا أنا يعني أنك تشرفت بأداء الحج قريبًا فأنت أجدر أن يطلب منك الدعاء (قال) الرجل مرة ثانية (استغفر لي) يا أُويس (قال) له أُويس (أنت) أيها الرجل الحاج (أحدث عهدًا) وأقرب زمنًا وصحبة (بسفر صالح) أي بسفر طاعة (فاستغفر لي) أنت لا أنا (قال) أُويس للرجل الحاج أ (لقيت) أي هل لقيت ورأيت في سفرك هذا (عمر) بن الخطاب إنما سأله عن ذلك لما رآه يلحُّ عليه في طلب الدعاء ففطن أن عمر هو الذي أخبره عن حاله وإلا فكان في حالة الخمول لا يعرف أحد فضله ومكانته (قال) الرجل الحاج (نعم) لقيت عمر بن الخطاب (فـ) ــلما كرَّر الرجل الحاج طلب الدعاء من أويس (استغفر) أويس بصيغة الماضي (له) أي لذلك الحاج (فـ) ـلما دعا للرجل (فطن) أي عرف (له) أي لمكانته ومنزلته (الناس) فأقبلوا عليه يعني أن الناس كانوا لا يعرفون فضله فلما رأوا هذا الرجل الحاج يكثر عليه من طلب الدعاء وعرفوا أن عمر أوصاه بذلك عرفوا فضله (فـ) ــلما أقبلوا عليه (انطلق) أي ذهب أويس من الكوفة (على وجهه) أي على طوله وسرعته بلا تأخر

وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل مصر

قَال أُسَيرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً. فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَال: مِنْ أَينَ لأُوَيسٍ هذِهِ الْبُرْدَةُ؟ وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل مصر 6338 - (2525) (83) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرد منهم خوفًا من الشهرة بينهم (قال أسير) بن جابر (وكسوته) أي وكسوت أويسًا وألبسته (بردة) لي أي كساء مخططًا تلبسه الأعراب من صوف لما رأيت عليه لباسًا خسيسًا (فكان) الشأن والحال بعد ذلك (كلما رآه) أي كما رأى أويسًا (إنسان) وعليه تلك البردة (قال) الإنسان الذي رآه (من أين) حصلت (لأُويس هذه البردة) تعجبًا من حسنها بالنسبة إلى لباسه الأول يعني كان أويس يعيش أولًا في ثياب رثة خسيسة فلما رأوا عليه بردة جيدة تعجبوا منه. قال القرطبي "قوله أكون في غبراء الناس" الرواية الجيدة فيه بفتح الغين المعجمة وسكون الباء الموحدة وهمزة ممدودة يعني به فقراء الناس وضعفاءهم والغبراء الأرض لما فيها من لون الغبرة ويقال للفقراء بنو غبراء كأن الفقر والحاجة ألصقتهم بها كما قال تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} [البلد: 16]، أي ذا حاجة ألصقته بالتراب ومن هذا سموا الفقر أبا متربة وقد رُوي هذا اللفظ في غبر الناس بضم الغين المعجمة وتشديد الباء جمع غابر نحو شاهد وشهد يعني به بقايا الناس ومتأخريهم وهم ضعفاء الناس لأن وجوه الناس ورؤساءهم يتقدمون للأمور وينهضون بها ويتفاوضون فيها ويبقى الضعفاء لا يُلتفت إليهم ولا يأبه بهم فأراد أويس أن يكون خاملًا بحيث لا يُلتفت إليه طالبًا السلامة وظافرًا بالغنيمة وحديث أُويس هذا دليل من أدلة صحة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر عنه باسمه ونسبه وصفته وعلامته وأنه يجتمع بعمر رضي الله عنه وذلك كُله من باب الإخبار بالغيب الواقع على نحو ما أخبر به من غير ريبٍ. وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل مصر 6338 - (2525) (83) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني حرملة) بن عمران بن قراد بضم

ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ، (وَهُوَ ابْنُ عِمرَانَ التُّجِيبِيُّ)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ. فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ القاف التجيبي بضم المثناة وكسر الجيم بعدها ياء ساكنة ثم موحدة أبو حفص المصري المعروف بالحاجب روى عن عبد الرحمن بن شماسة في الجهاد والفضائل ويزيد بن حبيب وأبي يونس مولى أبي هريرة ويروي عنه (م د س ق) وابن وهب وجرير بن حازم وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من السابعة (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي (الأيلي) أبو جعفر المصري ثقة من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا ابن وهب حدثني حرملة وهو ابن عمران التجيبي عن عبد الرحمن بن شماسة) بتثليث الشين المعجمة وتخفيف الميم (المهري) المصري ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (قال) عبد الرحمن (سمعت أبا ذر) الغفاري جندب بن جنادة رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته حالة كون أبي ذر (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم) أيها المسلمون (ستفتحون) وتغلبون (أرضًا يذكر فيها القيراط) أي لفظه قال العلماء هو جزء من أجزاء الدينار الأربعة والعشرين وجزء من أجزاء الدرهم السبعة عشر وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به اهـ نووي قال القرطبي ومعنى يُسمَّى فيها القيراط يعني به أنه يدور على ألسنتهم كثيرًا وكذلك هو إذ لا ينفك متعاملان من أهل مصر عن ذكره غالبًا بخلاف غيرهم من أهل الأقاليم فإنهم يسمون ذلك بأسماء أُخر فأهل العراق يسمون ذلك طوجًا ورزة وأهل الشام قرطيس ونحو ذلك اهـ مفهم قال الإمام التوربشي كنت أرى هذا الحديث مشكلًا لأن تسمية القيرط لم تكن مختصة بأهل مصر بل يشاركهم فيها البدو والحضر من بلاد العرب حتى وجدت في كتاب الطحاوي الموسوم بمشكل الآثار أنه قال إنما الإشارة بها إلى كلمة يستعملها أهل مصر في المسابّة وإسماع المكروه فيقولون أعطيت فلانًا قراريط أي أسمعته المكروه والسباب اهـ مبارق (فاستوصوا) أي فليوص بعضكم بعضًا أن تفعلوا (بأهلها خيرًا) بالرفق بهم والمسامحة لهم عن الإساءة في لسانهم يعني اطلبوا الوصية من أنفسكم بإتيان أهلها خيرًا أو المعنى فاقبلوا وصيتي فيهم بالرفق

فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا. فَإِذَا رَأَيتُمْ رَجُلَينِ يَقْتَتِلانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا". قَال: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَي شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ. يَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ. فَخَرَجَ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ في أمورهم يقال أوصيته فاستوصى أي قبل الوصية ولعل المناسبة بين تسمية القيراط وبين الوصية بهم أن القوم لهم دناءة وفحش في لسانهم فإذا استوليتم عليهم فأحسنوا إليهم بالعفو ولا يحملنكم سوء أقوالهم على الإساءة بهم اهـ مبارق (فإن لهم) أي لأهل مصر (ذمّة) أي أمانًا واحترامًا بعقد الذمة لهم بعد الفتح لها بالصلح قال القاضي عياض ويحتمل أنه أراد ذمة العهد التي دخلوا بها في ذمة الإسلام أيام عمر فإن مصر فتحت صلحًا إلا الإسكندرية اهـ إكمال المعلم. قال القرطبي: الذمة الحرمة والذمام الاحترام وقد يكون لعهد سابق كعهد أهل الذمة وقد يكون ابتداء إكرام لهم وهذا هو المراد بالذمة والله أعلم إذ لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مصر عهد سابق وإنما أراد أن لهم حقًّا لرحمهم أو صهرهم كما صرّح به بما عطف عليه من قوله (ورحمًا) وفي الرواية الآتية أو قال "ذمةً وصهرًا" قال النووي أما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم وفيه معجزات ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره بأن الأمة تكون لهم قوة وشوكة بعده بحيث يقهرون المعجم والجبابرة ومنها أنهم يفتحون مصر ومنها تنازع الرجلين في موضع اللبنة ووقع كل ذلك فله الحمد اهـ (فإذا رأيتم) فيها (رجلين يقتتلان) أي يتخاصمان (في) أرض (موضع لبنة) أي قدر طوبة لقلتها (فاخرج) أيها المخاطب وكان مقتضى السياق فاخرجوا منها ولكن أفرد الفعل إشارة إلى أن المأمور بالخروج الرائي فقط لا كل الناس إذ لا يمكن لتعطل الأرض عن إحيائها وكان الخطاب مع أبي ذر قال حرملة بن عمران (فمرّ) عبد الرحمن بن شماسة (بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها) أي من مصر. قال القرطبي: قوله "فإن لهم ذمةً ورحمًا" ويحتمل أن يكون معناه أنهم يكون لهم عهد بما يعقد لهم من ذلك حين الفتح وهذا التأويل على بعده يعضده ما رواه ابن هشام من حديث عمر مولى غفرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله الله في أهل المدرة السوداء السحم الجعاد فإن لهم نسبًا وصهرًا ذكره ابن هشام في السيرة النبوية [1/ 6] قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر فنسبهم أن أم إسماعيل منهم وصهرهم أن رسول الله تسرَّى منهم قال ابن لهيعة أم إسماعيل هاجر أم العرب من قرية كانت أمام الفرما وأُم إبراهيم مارية سرية النبي صلّى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس من حفن من كورة أنصنا والمدرة واحدة المدر والعرب تسمي القرية المدرة وأهل المدر القرى والسحم السود جمع أسحم وهو الشديد الأدمة وفوقه الصحمة بالصاد والجعاد المتكسرو الشعور وهذه أوصاف أهل صعيد مصر غالبًا وقد تقدم ذكر هاجر والفرما قرية من عمل سعيد مصر سميت باسم بانيها وهو الفرما بن قليقس ويقال ابن قليس ومعناه محب الغرس وهو أخو الإسكندر بن قليس اليوناني ذكره الطبري وذكر أن الإسكندر حين بنى الإسكندرية قال أبني مدينة فقيرة إلى الله تعالى غنية عن الناس وقال الفرما أبني مدينة غنية عن الله فقيرة إلى الناس فسلّط الله عليها الخراب سريعًا فذهب رسمها وبقيت الإسكندرية وسميت مصر بمصر بن النبيط ولد كوش بن كنعان وقال أبو العباس اشتقاق مصر من المصر وهو القطع كأنها قطعت من الخراب ومنه المصر الحاجز ومصور الدار حدودها وحفن قرية مارية سُرّية النبي صلّى الله عليه وسلم بالصعيد معروفة وهي التي كلم الحسن بن علي معاوية أن يضع الخراج عن أهلها لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ففعل معاوية ذلك ذكره أبو عبيد في الأموال وأنصنا مدينة السحرة وحفن من عملها والمقوقس هو ملك مصر بعث له رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة وجبرًا مولى أبي رهم بكتاب فلم يبعد عن الإسلام وأهدى له مارية ويقال وأختها سيرين وبغلة تسمى الدلدل والدلدل القنفذ العظيم والمقوقس المطول للبناء يقال في المثل أنا في القوس وأنت بالقوقوس فمتى نجتمع اهـ من المفهم قوله "فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها" قال القرطبي أيضًا يعني بذلك كثرة أهلها ومشاحتهم في أرضها واشتغالهم بالزراعة والغرس عن الجهاد وإظهار الدين ولذلك أمره أي أمر أبا ذر بالخروج منها إلى مواضع الجهاد ويحتمل أن يكون ذلك لأن الناس إذا ازدحموا على الأرض وتنافسوا في ذلك كثرت خصومتهم وشرورهم وفشا فيهم البخل والشر فتعين الفرار من محل يكون كذلك إن وجد محلًا آخر خليًا عن ذلك وهيهات كان هذا في الصدر الأول وأما اليوم فوجود ذلك في غاية البعد إذ في كل واد بنو سعد واللبنة الطوبة وتجمع على لبن وفيه من الفقه الأمر بالرفق بأهل أرياف مصر وصعيدها والإحسان إليهم وخصوصًا أهل تينك القريتين لما ذكر

6339 - (00) (00) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ الْمِصْرِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ. وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا. فَإنَّ لَهُم ذمَّةً وَرَحِمًا" أَوْ قَال: "ذِمَّةً وَصِهْرًا، فَإِذَا رَأَيتَ رَجُلَينِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من خصوص تينك الخصوصيتين اهـ من المفهم وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6339 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب وعبد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد الأزدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبي) جرير بن حازم الأزدي البصري ثقة من (6) روى عنه في (19) بابا قال (سمعت حرملة) بن عمران التجيبي (المصري يحدّث عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي بصرة) حميل بوزن حميد آخره لام وقيل بفتح أوله مكبرًا وقيل جميل بالجيم مكبرًا ابن بصرة بفتح الموحدة ابن وقاص بن حاجب الغفاري المصري وداره بها ودفن في مقبرتها الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (2) بابين الصلاة والفضائل (عن أبي ذر) الغفاري رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة جرير بن حازم لعبد الله بن وهب وفي هذا السند نزول بمرتبتين وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو ذر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم) أيها المسلمون (ستفتحون) وتغلبون (مصر وهي أرض يسمى) أي يذكر (فيها القيراط فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها) وارفقوا بهم في شؤونهم (فإن لهم ذمة) أي احترامًا بسبب القرابة بينهم وبين العرب لأن أم أبيكم إسماعيل منهم وقوله (ورحمًا) أي قرابة عطف تفسير لقوله ذمة (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم فالشك من أبي ذر أو قال أبو ذر فالشك ممن روى عنه أي أو قال لفظة (ذمة وصهرًا) أي مصاهرة لأن مارية مستولدته صلى الله عليه وسلم منهم (فإذا رأيت) الخطاب لأبي ذر أو لأي مخاطب (رجلين يختصمان) أي يتنازعان (فيها) أي في مصر في قطعة صغيرة من الأرض

فِيِ مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا". قَال: فَرَأَيتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ، يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَخَرَجْتُ مِنْهَا. 6340 - (2526) (84) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ، عَنْ أَبِي الْوَازعِ، جَابرِ بْنِ عَمْرٍو الرَّاسِبِيِّ. سَمِعْتُ أَبَا بَرْزَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ رَجُلًا إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ. فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ. فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (موضع لبنة) أي قدر لبنة (فاخرج منها) أي من مصر إلى موضع فيه الجهاد لأنهم شغلوا بحراثة الأرض عن الجهاد وإظهار الدين (قال) عبد الرحمن بن شماسة (فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها) أي من مصر. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو فضل أهل عمان بحديث أبي برزة رضي الله عنه فقال: 6340 - (2526) (84) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني ثم المكي ثقة من (10) روى عنه في (15) بابا (حدَّثنا مهديُّ بن ميمون) الأزدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي الوازع) البصري (جابر بن عمرو الرَّاسبي) روى عن أبي برزة الأسلمي في الفضائل وإماطة الأذى عن الطريق ويروي عنه (م ت س ق) ومهدي بن ميمون وأبان بن صمعة وأبو بكر بن شعيب بن الحبحاب وثقه ابن معين ويحيى بن سعيد وقال في التقريب صدوق يهم من الثالثة قال جابر بن عمرو (سمعت أبا برزة) الأسلمي نضلة بن عبيد البصري الصحابي المشهور بكنيته رضي الله عنه أسلم قبل الفتح روى عنه في (3) أبواب حالة كونه (يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا) لم أر من ذكر اسمه (إلى حيّ من أحياء العرب) أي إلى قبيلة من قبائل العرب لم أو من عين اسم ذلك الحي والله أعلم أي بعثه إليهم لأخذ الزكوات مثلًا (فسبّوه) أي سب الحي ذلك الرجل المبعوث إليهم وشتموه (وضربوه فـ) ـشرد منهم و (جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعدما خرج من بينهم (فأخبره) أي فأخبر الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى منهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) للرجل (لو

أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيتَ، مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوك" ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أهل عمان) بضم العين وتخفيف الميم معروف من قبل اليمن وهي الآن دولة مستقلة عاصمتها مسقط وقد ضبطه بعضهم بفتح العين وتشديد الميم وأراد به عمان البلقاء التي كانت بالأردن ولكنه أخطأ والصحيح أن المراد به هنا عمان باليمين (أتيت) ودعوتهم إلى الحق (ما سبُّوك) أي ما شتموك (ولا ضربوك) يعني أنك لو ذهبت إلى عمان اليمن ما عاملك أهلها هذه المعاملة السيئة يعني أن أهل عمان فيهم علم وعفاف وتثبّت لأنهم ألين قلوبًا وأرق أفئدة وأما أهل عمَّان الشام فسلامة لك منهم وسلام وأهل هذين الاسمين من عمن بالمكان إذا أقام به ويقال أعمن الرجل إذا سار إلى عُمان وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عُمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والرابع حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث أبي برزة الأسلمي ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

721 - (10) الباب الثالث والعشرون منها باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها وفضل فارس وقوله صلى الله عليه وسلم الناس كمائة إبل لا تجد فيها راحلة

721 - (10) الباب الثالث والعشرون منها بابُ ذكر كذّاب ثقيف ومُبيرها وفضل فارس وقوله صلى الله عليه وسلم الناس كمائة إبل لا تجد فيها راحلةً 6341 - (2527) (85) حدَّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيَّ)، أَخْبَرَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ. رَأَيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيرِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 721 - (10) الباب الثالث والعشرون منها بابُ ذكر كذّاب ثقيف ومُبيرها وفضل فارس وقوله صلى الله عليه وسلم الناس كمائة إبل لا تجد فيها راحلةً ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها فقال: 6341 - (2527) (85) (حدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول (العمي) أي المنسوب إلى بني العم بطن من تميم أبو عبد الملك البصري ثقة من (11) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يعقوب يعني ابن إسحاق) بن زيد (الحضرمي) مولاهم أبو محمد البصري صدوق من (9) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا الأسود بن شيبان) السدوسي أبو شيبان البصري روى عن أبي نوفل بن أبي عقرب في الفضائل والحسن ويزيد بن الشخير وغيرهم ويروي عنه (م د ت س) ويعقوب بن إسحاق الحضرمي وابن مهدي ووكيع وعفّان وجماعة وثقه ابن معين وأحمد والنسائي والعجلي وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال في التقريب ثقة عابد من السادسة مات سنة (160) ستين ومائة (عن أبي نوفل) مسلم بن أبي عقرب وقيل اسمه عمرو بن مسلم بن أبي عقرب وقيل معاوية بن مسلم بن أبي عقرب وأبو عقرب اسمه عمرو البكري الكندي العربجي بفتح المهملة وبالجيم وقيل بفتح المهملتين وإسكان النون "العرنجي" روى عن عبد الله بن عمر قوله وأسماء بنت أبي بكر الصديق في الفضائل وعائشة وأبي ويروي عنه (خ م د س) والأسود بن شيبان وعبد الملك بن عمير وعلي بن زيد بن جدعان وابن جرير وعدة وثقه ابن معين وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الثالثة روى عن أبي عمر قوله وعن أسماء الحديث الآتي فيكون السند من خماسياته قال (رأيت عبد الله بن الزبير) بن العوام (على

عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ. قَال: فَجَعَلَتْ قُرَيشٌ تَمُرُّ عَلَيهِ وَالنَّاسُ. حَتَّى مَرَّ عَلَيهِ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ. فَوَقَفَ عَلَيهِ. فَقَال: السَّلامُ عَلَيكَ، أَبَا خُبَيبٍ، السَّلامُ عَلَيكَ، أَبَا خُبَيبٍ، السَّلامُ عَلَيكَ، أَبَا خُبَيبٍ، أَمَا وَاللهِ، لَقَد كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا. أَمَا وَاللهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هذَا. أَمَا وَاللهِ، إِنْ كُنْتَ، مَا عَلِمْتُ، صَوَّامًا قوَّامًا. وَصُولًا لِلرَّحِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عقبة المدينة) هي عقبة بمكة ولعلها الصواب مصلوبًا على خشبة منكسًا صلبه الحجاج بن يوسف بعد أن قتل في المعركة (قال) أبو نوفل (فجعلت قريش تمر عليه) أي على ابن الزبير لا تتكلم شيئًا (و) يمرّ (الناس) عليه لا يتكلمون في شأن ابن الزبير خوفًا من الحجاج (حتى مرّ) يومًا (عليه) أي على ابن الزبير وهو مصلوب (عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فوقف) ابن عمر (عليه) أي عند ابن الزبير فعلى بمعنى عند (فقال) ابن عمر مخاطبًا لابن الزبير بكنيته (السلام عليك) يا (أبا خبيب) كني بابنه خبيب لأنه أكبر أولاده وكرّره ثلاث مرات، بقوله: (السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب) تعجبًا من حاله وتأسفًا عليه وفيه جواز السلام على الميت سواء كان مدفونًا أو لا وفيه تكرار السلام ثلاث مرات (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح وتنبيه أي أما (والله لقد كنت) فيما مضى (أنهاك) وأزجرك (عن هذا) التخلف والتعارض للمتغلبين من الحكام ومقاومتهم خوفًا من فتنتهم وكأنه أشار إليه بالصلح ونهاه عن قتالهم بما رأى من كثرة عدوِّه وشدة شوكتهم فإن ابن عمر كان يرى أن في ذلك فتنة أكثر من تحمل تبعاتهم والصلح معهم وكان رأي ابن الزبير بالعكس وذلك أمر موكول إلى الاجتهاد كما مرَّ تفصيله في كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمير ويحتمل أن يكون ابن عمر نهاه عن أصل الخلافة لما فيها من الخطر وكرره بقوله "أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا" ثم إنه شهد بما علم من حاله فقال (أما والله إن كنت) بفتح التاء كان مخففة من الثقيلة واسمها محذوف تقديره أما والله إنك كنت وما المصدرية مع مدخولها في قوله (ما عملت) بضم التاء في تأويل مصدر معمول لمحذوف تقديره أما والله إنك كنت متصفًا بعلمي منك أي بمعلومي منك من الصيام والقيام وصلة الرّحم وقوله (صوّامًا قوّامًا وصولًا للرحم) بدل من خبر كان الذي أخذناه من جملة ما المصدرية أي أما والله إنك كنت متصفًا بمعلوماتي فيك كنت صوامًا إلخ وكان يصوم

أَمَا وَاللهِ، لأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لأُمَّةُ خَير. ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ. فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللهِ وَقَوْلُهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيهِ. فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ. فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ اليَهُودِ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أمِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدهر ويواصل الأيام ويحيي الليل وربما قرأ القرآن كله في ركعة الوتر وفيه منقبة لابن عمر لأنه شهد بما يعلم به من خير ابن الزبير وأبطل ما أشاع عليه الحجاج وشيعته من قولهم فيه إنه عدو الله وظالم فأراد ابن عمر تبرئته من ذلك وإعلام الناس بمحاسنه مع علمه بأن كلامه يصل إلى الحجاج ولم يكترث به ولا خافه وقوله "وصولًا للرحم" بفتح الواو مبالغة في الواصل يعني أنه كان يصل الأرحام ويبالغ في ذلك قال القاضي عياض هذا أصح مما نسب إليه أهل الأخبار من البخل لإمساكه مال الله تعالى عمن لم يستحقه من الشعراء وغيرهم وقد عدّه صاحب كتاب الأجواد فيهم وهو الذي يشبه أفعاله وشيمته اهـ. قوله (أما والله لأمة أنت أشرّها) يعني بهم الذين كانوا معه (لأمة خير) قال القرطبي يعني بذلك أنهم إنما قتلوه وصلبوه لأنه شر الأمة في زعمهم مع ما كان عليه من الفضل والدين والخير فإذا لم يكن في تلك الأمة شر منه فالأمة كلها أمة خير وهذا الكلام يتضمن الإنكار عليهم فيما فعلوه به (ثم نفذ عبد الله بن عمر) أي انطلق وانصرف من ذلك الموقف الذي وقف عند ابن الزبير (فبلغ الحجاج موقف عبد الله بن عمر) أي وقوفه عند ابن الزبير (وقوله) أي قول ابن عمر في ذلك الموقف مخاطبًا لابن الزبير من قوله لأمة أنت أشرها لأمة خير (فأرسل) الحجاج (إليه) أي إلى ابن الزبير. (فأُنزل) ابن الزبير (عن جذعه) الذي صلب عليه وظاهر هذا أنه إنما أنزله عن الخشبة لقول عبد الله بن عمر وموقفه وقد نقل أن إنزاله كان عن سؤال عروة لعبد الملك بن مروان في ذلك فيجوز أن يكون قد اجتمع إذن عبد الملك وموقف عبد الله بن عمر فكان إنزاله عنهما (فأُلقي) ابن الزبير بعد إنزاله من الخشبة أي رمي (في قبور اليهود) وقبور اليهود إنما كانت في المدينة لا في مكة فقوله سابقًا "على عقبة المدينة" على ظاهره كأنه نقل إليها وكانت قبور اليهود بمكة أيضًا والمراد بالمقبرة إذًا القبور المنبوذة القليلة التي دفن فيها من دخل مكة من اليهود ومات فيها في الجاهلية وهي جمع قبر وليس المراد المقبرة المشهورة لليهود في مكة التي يدفن فيها موتى أهل مكة (ثم أرسل) الحجاج (إلى أمه) أي إلى أم ابن الزبير

أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ. فَأَعَادَ عَلَيهَا الرَّسُولَ: لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ. قَال: فَأَبَتْ وَقَالتْ: وَاللهِ لَا آتِيَكَ حَتَّى تَبْعَثَ إلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي. قَال: فَقَال: أَرُونِي سِبْتَيَّ. فَأَخَذَ نَعْلَيهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيهَا. فَقَال: كَيفَ رَأَيتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ الله؟ قَالتْ: رَأَيتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيكَ آخِرَتَكَ. بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَينِ! أَنَا، وَاللهِ ذَاتُ النِّطَاقَينِ. أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما لتأتي إلى ابنها فتنظر كيف فعلوا به (فأبت) أي امتنعت أمه (أن تأتيه) أي أن تأتي الحجاج (فأعاد عليها) مرة ثانية (الرسول) فحلف عليها وقال والله (لتأتيني أو لأبعثن) أي لأرسلن (إليك من يسحبك) أي يجرك على الأرض (بقرونك) أي بضفائر شعرك والقرون الضفائر (قال) أبو نوفل (فأبت) أسماء وامتنعت أن تأتي إليه (وقالت والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني) ويجرني إليك (بقروني) أي بضفائري (قال) أبو نوفل (فقال) الحجاج لمن عنده (أروني سبتي) أي سبتين ونعلين لي تثنية سبت بكسر السين وسكون الموحدة وهي النعل التي لا شعر عليها (فأخذ) الحجاج (نعليه ثم انطلق) أي ذهب الحجاج إلى أسماء حالة كونه (يتوذف) بتشديد الذال المعجمة من باب تفعل الخماسي قال أبو عبيد معناه يسرع وقال أبو عمرو معناه يتبختر اهـ نووي (حتى دخل عليها) أي على أسماء (فقال) لها (كيف رأيتني) بكسر التاء خطابًا لأسماء أي كيف علمتني (صنعت) وفعلت (بعدو الله) ابنك هل أصبت أم أخطأت (قالت) له أسماء (رأيتك) أي عرفت أنك (أفسدت عليه دنياه) بقتله (و) أنه (أفسد عليك آخرتك) بظلمه (بلغني) أي وصلني بواسطة الناس (أنك) يا حجاج (تقول له) أي لولدي عبد الله بن الزبير تحقيرًا له (يابن) امرأة (ذات النطاقين) وهو لقب أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله قال العلماء النطاق أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل تفعل ذلك عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيله اهـ نووي قال الأبي وهذا المعنى أراد الحجاج بقوله لها ذات النطاقين تعريضًا لإهانتها بالخدمة لأن التي تنتطق أي تتحزم إنما هي الخادم لتقوى على الخدمة ولذلك أجابته بقولها (أنا والله ذات النطاقين) أي أنا المرأة التي جعلت نطاقها وهو ما تشد به المرأة وسطها نصفين (أما أحدهما) أي أحد النصفين (فكنت) أربط و (أرفع به) أي

طَعَامَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَامَ أَبِي بَكْرِ مِنَ الدَّوَابِّ. وَأَمَّا الآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، أَمَا إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا "أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا" فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَينَاهُ. وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إخَالُكَ إلا إِيَّاهُ. قَال: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك النصف وأعلق (طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر) الصديق أي زادهما في سفر هجرتهما (من الدّواب) أي على جنس الدواب أي على راحلتهما فمن بمعنى على والمراد بالدواب الجنس الصادق بدابتين (وأما) النصف (الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه) أي وأما النصف الآخر من الشقين فجعلته على وسطي فكان لي مثل نطاق المرأة الذي لا تستغني عنه المرأة غالبًا وفي خدمتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ما لا يقادر قدره من الشرف فليس ذلك نقصًا ومهانة. وقال القاضي عياض وقع تفسير النطاقين في البخاري بأبين من هذا وأنها لما صنعت سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسفرة أبي بكر حين هاجرا شقت نطاقها نصفين فربطت السفرة بأحدهما وانتطقت بالآخر اهـ. ثم قالت أسماء (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع مني ما أقول لك (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثنا) أي أخبرنا (أن) الله سبحانه وتعالى سيظهر (في ثقيف) قبيلة مشهورة في الطائف وغيره شخصًا (كذّابًا) أي شديد الكذب لأنه يدعي النبوة وهو المختار بن أبي عبيد فإنه تنبأ وتبعه ناس كثير حتى أهلكه الله تعالى (و) شخصًا (مبيرًا) أي مهلكًا كثير القتل للناس ظلمًا (فأما الكذّاب فـ) ـقد (رأيناه) قد أهلكه الله تعالى (وأما المبير فلا إخالك) بكسر الهمزة على الأشهر وهو على خلاف القياس وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وهو صحيح لغة وقياسًا ولكن الأول هو الجاري على ألسنة كثير من العرب أي فأما المبير الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فلا أظنك أيها الحجاج (إلا إيّاه) أي إلا ذلك المبير ففي العبارة قلب أي فلا أظن ذلك المبير إلا إياك (قال) أبو نوفل (فقام) الحجاج (عنها) أي من عند أسماء (ولم يراجعها) جوابًا لكلامها بل سكت عنها وحاصل هذا القول أنها جعلت الحجاج مصداقًا للمبير الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهوره من ثقيف وكان الحجاج من ثقيف وكان معروفًا بسفك الدماء والله أعلم وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

6342 - (2528) (86) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ -أَوْ قَال- مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6342 - (2528) (86) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي (عن جعفر) بن برقان الكلابي مولاهم أبي عبد الله (الجزري) الرقي صدوق من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية أبي عوف البكائي الكوفي نزيل الرقة ثقة من (3) روى في (6) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان الدين) الإسلامي (عند) مناط (الثريا) نجم معروف من المنازل الثمانية والعشرين كما ذكره بعض الميقاتيين نظمًا: أولها الشرطين ثم البطين ... ثم الثريا الواضح المستبين أي لو كان هذا الدينُ عند موضع الثريا يعني في السماء السابعة لما قيل إن النجوم معلقة بها (لذهب به) أي لذهب إليه (رجل من فارس) ليأخذه (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي والشك من الراوي أو ممن دونه أي لذهب إليه رجل (من أبناء فارس حتى يتناوله) ويأخذه لشدة اهتمامه واجتهاده به قال النووي فيه فضيلة ظاهرة لأهل فارس قال المناوي وقيل أراد بفارس هنا أهل خراسان لأن هذه الصفة لا تجدها في المشرق إلا فيهم اهـ وفي الحديث جدهم على تحصيل الإيمان. قال القرطبي: وأحسن ما قيل فيهم أنهم أبناء فارس بدليل نص هذا الحديث وقد كثرت أقوال المفسرين في ذلك وقد ظهر ذلك للعيان فإنهم ظهر فيهم الدين وكثر فيهم العلماء فكان وجودهم كذلك دليلًا من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم.

6343 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله "لو كان الدين عند الثريا" وفي رواية لأحمد "لو كان العلم عند الثريا" وهو نجم معروف يكنى به عن البعد والارتفاع يعني لو كان الدين وعلمه بعيدًا لا يدركه عامة الناس قوله "لذهب به رجل" بصيغة المفرد وورد في الرواية الآتية "رجال" بصيغة الجمع وشك سليمان بن بلال في رواية البخاري فقال "لناله رجل أو رجل من هؤلاء" وأكثر الروايات وردت بصيغة الجمع وقد ذكره الحافظ في الفتح [8/ 642] قوله "من فارس" قال الحافظ قيل إنهم من ولد هدرام بن أَرْفَخْشَد بن سام بن نوح - عليه السلام - وأنه ولد بضعة عشر رجلًا كلهم كان فارسًا شجاعًا فسموا الفرس للفروسية وقيل في نسبهم أقوال أخرى وفيه فضيلة ظاهرة لأهل فارس وأن رجالًا منهم يجدّون في طلب العلم والدين وقد ذكر بعض العلماء أن مصداق هذا الحديث الإمام أبو حنيفة، وذكر بعضهم أن مصداقه الإمام البخاري والظاهر أن هناك جماعة كثيرة من الفقهاء والمحدثين أصلهم من فارس وكلهم يجوز أن يكون مصداقًا لهذه البشارة النبوية ومنهم الإمام أبو حنيفة والإمام البخاري رحمهما الله تعالى والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 417]، والبخاري [4897] في التفسير باب قوله تعالى: "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم" [4898] والترمذي في المناقب باب في فضل المعجم [3929]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6343 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي المدني (عن ثور) باسم الحيوان المعروف ابن يزيد الديلي بكسر الدال المهملة بعدها تحتانية مولاهم أي مولى بني الديل بن بكر المدني روى عن سالم أبي الغيث في الإيمان والفضائل وصفة الجنة والفتن والزهد والزهري وعكرمة ويروي عنه (4) والدراوردي ومالك وسليمان بن بلال وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وقال في التقريب ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب مات سنة [135] (عن أبي الغيث) سالم مولى عبد الله بن مطيع القرشي العدوي المدني ثقة من (3) روى عنه في (2) الإيمان والفضائل (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي

قَال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إِذْ نَزَلَتْ عَلَيهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ. فَلَما قَرَأَ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] قَال رَجُلٌ: مَنْ هؤُلاءِ يَا رَسُولَ الله؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا. قَال: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسيُّ. قَال: فَوَضَع النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَال: "لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالهُ رِجَالٌ مِنْ هؤُلاءِ". 6344 - (2529) (87) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ -وَاللَّفْظُ لِمُحَمَّدٍ- (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الغيث ليزيد بن الأصم (قال) أبو هريرة (كنَّا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ) النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3]، وقبلها {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)} [الجمعة: 2، 3]، فقوله وآخرين معطوف على قوله الأميين والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى من كان في زمنه من الأميين وإلى من يجيء من بعدهم ولا يرونه فهذا شامل لجميع الأمة وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم بالذكر أهل فارس لمزيتهم في طلب العلم والدين (قال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (من هؤلاء) الآخرون (يا رسول الله فلم يراجعه) أي فلم يرجع للرجل جواب سؤاله (النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة) أي حين سأله مرة (أو) بمعنى بل أي بل أجابه حين سأله (مرتين أو ثلاثًا قال) أبو هريرة (وفينا سلمان الفارسي) رضي الله عنه (قال) أبو هريرة (فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده) الشريفة (على سلمان) الفارسي (ثم قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لو كان الإيمان عند الثريا لناله) أي لأخذه (رجال من هولاء) الفارسيين. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6344 - (2529) (87) (حدثني محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (واللفظ لمحمد) بن رافع (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بن همام

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلِ مِائَةٍ. لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدون الناسر كإبل مائة) بالتنوين فيهما على أنهما موصوف وصفة أي كإبل معدودة بالمائة والمعنى كمائة إبل وورد في رواية البخاري كالإبل المائة معرّفًا باللام وهو الأوفق للاستعمال واللام فيه للجنس قوله (لا يجد الرجل) الذي يريد الركوب (فيها) أي في تلك المائة (راحلة) تصلح للركوب والراحلة هي الناقة النجيبة المختارة من الإبل التي تصلح للركوب وتطيع راكبها وتسمى بالذلولة أي المذللة لراكبها وقد فسر العلماء هذا الحديث بمعنيين الأول أن المقصود من هذا الحديث بيان مساواة الناس في النسب لا فضل لأحدهم على الآخر فشبّه الناس بمائة من الإبل التي ليس فيها راحلة فلا فضل لأحد من الإبل على الآخر وهذا المعنى قد اختاره ابن قتيبة وكذلك البيهقي والمعنى الثاني وإليه ذهب أكثر العلماء أن المقصود بيان قلة أهل الفضل فالناس في الدنيا كثير ولكن لا تجد فيهم من أهل الفضل إلا عددًا قليلًا كما أن الإبل كثيرة ولكن النجيبة منها المختارة للركوب قليلة جدًّا وعبارة القرطبي هنا "قوله لا تجد فيها راحلة" قال الأزهري الراحلة الناقة النجيبة والجمل النجيب والهاء فيها للمبالغة لا للتأنيث كرجل داعية ونسابة وعلامة وسميت بذلك لأنها ترحل فهي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية أي مرضية قال ومعنى الحديث عندي أن الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة قليل "قلت" ويقع لي أن الذي يناسب التمثيل بالراحلة إنما هو الرجل الكريم الجواد الذي يتحمل كل الناس وأثقالهم بما يتكفله من القيام بحقوقهم والغرامات عنهم وكشف كربهم وقضاء حوائجهم فهذا هو القليل الوجود بل قد يصدق عليه اسم المفقود وهذا أشبه القولين والله تعالى أعلم ثم لفظ مسلم "لا يجد الرجل فيها راحلة" يدل بظاهره على نفي أهل الفضل على الإطلاق مع أنه غير مراد وهو أولى وأوفى بالمراد لما فيها من زيادة المعنى ومطابقة الواقع وسند البخاري لهذا الحديث معدود في أصح الأسانيد كما ذكره الحافظ في الفتح [11/ 33] والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 88] والبخاري في الرقاق باب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفع الأمانة [6498] والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله [2876]، وابن ماجه في الفتن باب من ترجى له السلامة من الفتن [4038]. إلى هنا كمل كتاب الفضائل والفواضل في ليلة الثلاثاء من شهر ذي القعدة وقت السحر قبيل الفجر بعون الله وتوفيقه وتيسيره في تاريخ: [21/ 11 / 1427 هـ] من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والصلات وأزكى التحيات وأصحابه الهداة وآله القادات وتابعيهم إلى يوم المجازات: والله أرجو المن بالإخلاص ... لكي يكون موجب الخلاص ***

كتاب البر والصلة

بسم اللهِ الرحمن الرحيم (26) كتاب البر والصلة 722 - (11) باب برّ الوالدين وتقديمه على التطوع بالصلاة 6345 - (2530) (88) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ الثَّقَفِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ فَقَال: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَال: "أُمُّكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (26) كتاب البر والصلة 722 - (11) باب برّ الوالدين وتقديمه على التطوع بالصلاة 6345 - (2530) (88) (حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي) البلخي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (جاء رجل إلى رسول الله على الله عليه وسلم) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (فقال) الرجل (من) هو (أحق الناس) وأولاهم وأحراهم وأوكدهم (بحسن صحابتي) ومعاشرتي بفتح الصاد وكسرها مصدر بمعنى الصحبة يقال صحبه يصحبه صحبة وصحابة اهـ مفهم وقد وقع الحديث بهذا اللفظ في الرواية الآتية والمراد بها هنا البر وحسن العشرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقهم بحسن صحبتك (أمُّك) أي والدتك قال النووي فيه الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب قال العلماء والحكمة في تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته إلخ قال في المرقاة قلت وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ

قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "ثُمَّ أَبُوكَ". وَفِي حَدِيثِ قُتَيبَةَ: مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ وَلَم يَذْكُرِ النَّاسَ. 6346 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَجُلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ شَهْرًا} فالتثليث في مقابلة ثلاثة أشياء مختصة بالأم وهي تعب الحمل ومشقة الوضع ومحنة الرضاع اهـ (قال) الرجل (ثم من) أحقهم بصحبتي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أحقهم بصحبتك (أمُّك قال) الرجل (ثم) أحقهم بصحبتي (منْ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أحقهم بصحبتك (أبوك وفي حديث قتيبة) وروايته لفظة (من أحق) وأولى (بحسن صحابتي ولم يذكر) قتيبة في روايته لفظة (النَّاس) أي لم يقل من أحق الناس بإضافة أحق إلى الناس بل أسقط كلمة الناس. قال القرطبي: قوله أمك ثلاث مرات وأبوك في الرابعة يدل على صحة قول من قال إن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب ربعه ومعنى ذلك أن أحقهما وإن كان واجبًا فالأم تستحق الحظ الأوفر من ذلك. وفائدة ذلك المبالغة في القيام بحق الأم وأن حقها مقدم عند تزاحم حقها وحقه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 327] والبخاري في الأدب [5971] وابن ماجه في الآداب [3702]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6346 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9) (عن أبيه) فضيل بن غزوان الضبي الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (21) بابا (عن عمارة بن القعقاع) الضبي الكوفي (عن أبي زرعة عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة فضيل بن غزوان لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو هريرة (قال رجل) لم أر من ذكر اسمه

يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَال: "أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ". 6347 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بِكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَارَةَ وَابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كما مر (يا رسول الله من أحق) الناس (بحسن الصحبة قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقهم (أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك) أي أقربهم إليك (أدناك) كرره للتأكيد. قال القرطبي: يعني أنك إذا قمت ببر الوالدين تعين عليك القيام بصلة رحمك وتبدأ منهم بالأقرب إليك نسبًا فالأقرب وهذا كله عند تزاحم الحقوق وأما عند التمكن من القيام بحقوق الجميع فيتعين القيام بجميع ذلك اهـ من المفهم وورد في حديث لأبي رمثة عند الحاكم انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول "أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك" وتردد بعض العلماء في الجد والأخ والأكثر على تقديم الجد وبه جزم الشافعية وظاهر حديث أبي رمثة يدل على تقديم الأخ إلا أن يقال إن الجد داخل في قوله وأباك وهو غير ظاهر ولأن الأخ يتقدم على الجد في ترتيب العصوبة والله أعلم من التكملة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال: 6347 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك ويقال له شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي الكوفي صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي (و) عبد الله (بن شبرمة) بضم المعجمة وسكون الموحدة وضم الراء ابن الطفيل بن حسان الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي أحد الأعلام عمّ عمارة بن القعقاع وعمارة أكبر منه روى عن أبي زرعة بن عمرو فرد حديث في الفضائل والبر وأنس وأبي الطفيل والشعبي وطائفة ويروي عنه (م ود س ق) وشريك ومحمد بن طلحة بن مصرف ووهب وثقه أحمد والنسائي وأبو حاتم قال ابن سعد كان شاعرًا فقيهًا ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة فقيه من الخامسة مات سنة [144] أربع وأربعين ومائة (عن أبي زرعة) بن عمرو (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة

قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ: فَقَال: "نَعَمْ، وَأَبِيكَ، لَتُنَبَّأَنَّ". 6348 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ. ح وَحدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. فِي حَدِيثِ وُهَيبٍ: مَنْ أَبَرُّ؟ وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ شريك بن عبد الله لجرير بن عبد الحميد (فذكر) شريك (بمثل حديث جرير وزاد) شريك على جرير لفظة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل (نعم) أخبرك عن ذلك الأفضل (وأبيك) أي أقسمت بأبيك قال النووي لا يراد بذلك حقيقة القسم بل هي كلمة تجري على ألسنة الناس دعمة وتقوية للكلام وجملة قوله (لتنبأن) بالبناء للمفعول أي لتخبرن جواب ما سألته عنه أي لأخبرن لك جواب القسم وإن كان غير مقصود معناه نظرًا للفظه والحاصل أن السائل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يستحق بره وحسن معاملته أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأنك تخبر بجواب سؤالك فأجابه بما تقدم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 6348 - (00) (00) (حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا شبابة) بن سوار المدائني الفزاري مولاهم ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي الكوفي صدوق من (7) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثني أحمد) بن الحسن (بن خراش) الخراساني الأصل أبو جعفر البغدادي صدوق من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبّان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة بن هلال الباهلي أبو حبيب البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (كلاهما) أي كل من محمد بن طلحة ووهيب بن خالد رويا (عن) عبد الله (بن شبرمة بهذا الإسناد) يعني عن أبي زرعة عن أبي هريرة مثله غرضه بيان متابعة محمد ووهيب لشريك بن عبد الله لكن (في حديث وهيب) وروايته لفظة (من أبر) الناس (وفي حديث محمد بن طلحة) وروايته

أَيُّ النَّاسِ أَحَقُّ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 6349 - (2531) (89) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ)، عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ، عَنْ أَبِي العَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهادِ. فَقَال: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَال: نَعَم. قَال: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظة (أيُّ الناس أحق) مني (بحسن الصحبة) والمعاشرة (ثم ذكر) محمد بن طلحة (بمثل حديث جرير). ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: 6349 - (2531) (89) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن حبيب) بن أبي ثابت اسمه قيس ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (15) بابا (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان عن سفيان) الثوري (وشعبة قالا) أي قال سفيان وشعبة (حدثنا حبيب) بن أبي ثابت (عن أبي العباس) السائب بن فروخ بفتح فضم مع التشديد غير منصرف للعلمية والعجمة الشاعر الأعمى المكي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرشي السهمي أبي عبد الرحمن المدني رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته (قال) عبد الله بن عمرو (جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه واسم والديه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يستأذنه) صلى الله عليه وسلم (في الجهاد فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (أحيٌّ) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي هل حيٌّ (والداك قال) الرجل في جواب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) هما حيان (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل (ففيهما) أي ففي بر والديك (جاهد) أي أتعب نفسك وابذل مالك هذه الرواية والرواية الآتية دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد وفيه حجة لما قاله العلماء إنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين أو بإذن المسلم منهما إلخ كذا في النووي واسم هذا الرجل المستأذن هو جاهمة بن العباس بن مرداس على ما ذكره ابن حجر في الفتح وكذا في تنبيه المعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الحافظ في الفتح قوله جاء رجل يحتمل أن يكون جاهمة بن العباس بن مرداس فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لأستشيرك فقال هل لك من أم قال نعم قال الزمها الحديث ورواه البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه كذا في فتح الباري [6/ 140] قوله فقال: "أحيٌّ والداك قال نعم" فيه ما يدل على أن المفتي إذا خاف على السائل الغلط أو عدم الفهم تعين عليه الاستفصال وعلى أن الفروض والمندوبات مهما اجتمعت قدم الأهم منها وأن القائم على الأبوين يكون له أجر مجاهد. وزيادة قوله: "ففيهما فجاهد" أي جاهد نفسك في برهما وطاعتهما فهو الأولى بك لأن الجهاد فرض كفاية وبر الوالدين فرض عين فلو تعين الجهاد وكان والداه في كفاية ولم يمنعاه أو أحدهما من ذلك بدأ بالجهاد فلو لم يكونا في كفاية تعين عليه القيام بهما فيبدأ به فلو كانا في كفاية ومنعاه لم يلتفت إلى منعهما لأنهما عاصيان بذلك المنع وإنما الطاعة في المعروف كما لو منعاه من صلاة الفرض فأما الحج فله أن يؤخره السنة والسنتين ابتغاء رضاهما قاله مالك هذا وإن قلنا إنه واجب على الفور مراعاة لقول من يقول إنه على التراخي وقد تقدم الكلام على ذلك في الحج فراجعه اهـ من المفهم. قال القسطلاني "ففيهما فجاهد" الجار متعلق بالأمر قدم عليه للاختصاص أي خصصهما بتكليف النفس بما يرضيهما والفاء الأولى فصيحية لأنها للإفصاح عن شرط محذوف والثانية جزائية لتضمن الكلام معنى الشرط والتقدير فإذا كان الأمر كما قلت وأردت بيان ما هو اللازم لك فاخصصهما بالجهاد وقوله فجاهد أتى به للمشاكلة فليس ظاهره مرادًا لأن الجهاد إيصال الضرر إلى الغير وإنما المراد به القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو بذل المال وتعب البدن فيؤول المعنى ابذل مالك وأتعب بدنك في رضا والديك اهـ باختصار. قلت اختلج في صدري أن ما بعد فاء الجزائية لا يعمل فيما قبلها ثم رأيت في العيني حيث قال الجار والمجرور متعلق بمقدر وهو جاهد ولفظ جاهد المذكور مفسر له لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يعمل فيما قبلها ثم قال وفيه التأكيد ببر الوالدين وتعظيم

6350 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ. سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسٍ. سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. قَال مُسْلِمٌ: أَبُو الْعَبَّاسِ اسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّيُّ. 6351 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيب. أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ حقهما وكثرة الثواب على برهما اهـ والله أعلم ويحتمل كون الفاء في قوله فجاهد زائدة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 188] والبخاري في الجهاد باب الجهاد بإذن الأبوين [3004] وفي الأدب باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين [5972] وأبو داود في الجهاد باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان [2530] والترمذي في الجهاد باب فيمن خرج في الغزو وترك أبويه [1671] والنسائي في الجهاد باب الرخصة في التخلف لمن له والدان [3103] وفي البيعة باب البيعة على الهجرة [4163] وابن ماجه في الجهاد باب الرجل يغزو وله أبوان [2809]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 6350 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس الأسدي الكوفي (سمعت) السائب بن فرُّوخ (أبا العباس) المكي، (سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ ليحيى بن سعيد القطان (فذكر) معاذ بن معاذ (بمثله) أي بمثل حديث يحيى القطان قال أبو إسحاق راوي الكتاب (قال) لنا (مسلم) بن الحجاج (أبو العباس) الذي هو من بعض مشايخي (اسمه السائب بن فروخ المكي) تفسير من المؤلف. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 6351 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (أخبرنا) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (11) بابا (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (ح

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. ح وَحدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكرِيَّاءَ. حَدَّثنَا حُسَينُ بْنُ عَلِي الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ. جَمِيعًا عَنْ حَبِيبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 6352 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ نَاعِمًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا معاوية بن عمرو) بن المهلب الأزدي المعني بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون منسوب إلى بني معن بطن من الأزد أبو عمرو الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري أبي إسحاق الكوفي أحد الأعلام روى عن الأعمش ويروي عنه معاوية ثقة من (8) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد (الجعفي) مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (10) أبواب (كلاهما) أي كل من أبي إسحاق الفزاري وزائدة بن قدامة رويا (عن) سليمان (الأعمش) بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (جميعًا) أي كل من مسعر بن كدام وسليمان الأعمش (عن حبيب) بن أبي ثابت (بهذا الإسناد) يعني عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة مسعر والأعمش لشعبة في رواية هذا الحديث عن حبيب بن أبي ثابت وساقا (مثله) أي مثل حديث شعبة عن حبيب بن أبي ثابت. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 6352 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني المكي ثقة من (10) روى عنه في (10) بابا (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها ثقة من (5) روى عنه في (11) بابا (أن ناعمًا) ابن أجيل بجيم مصغرًا الهمداني

مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَال: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ الله صَلِّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ الله. قَال: "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ " قَال: نَعَم. بَلْ كِلاهُمَا. قَال: "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ الله؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري (مولى أم سلمة) ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين اللباس والصلة (حدّثه) أي حدّث ليزيد بن أبي حبيب (أن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ناعم مولى أم سلمة لأبي العباس (قال) عبد الله (أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (أبايعك على الهجرة) من وطني إلى المدينة لأكون مجاورًا لك (و) على (الجهاد) حالة كوني (أبتغي) وأطلب (الأجر) والثواب من الله تعالى بالهجرة والجهاد فـ (ــقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهل من والديك أحدٌ حيٌّ قال) الرجل (نعم) ليس أحدهما حيًّا (بل كلاهما) أي بل كلٌّ من والديّ حتى فـ (ـــقال) له النبي صلى الله عليه وسلم أ (فتبتغي) وتطلب (الأجر) والثواب (من الله) تعالى (قال) الرجل (نعم) أبتغي الأجر فـ (ــقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) ومعاشرتهما بالخدمة والإحسان إليهما بمالك وببدنك وبطاعتهما ما لم يأمراك بمعصية وإلا فلا طاعة لهما. وقال العيني في عمدة القاري [7/ 40] قال أكثر العلماء منهم الأوزاعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد إنه لا يخرج إلى الغزو إلا بإذن والديه ما لم يقع ضرورة وقوة العدة فإذا كان كذلك تعين الفرض على الجميع وزال الاختيار ووجب الجهاد على الكل فلا حاجة إلى الإذن من والد وسيد وقال ابن حزم في مراتب الإجماع إن كان أبواه يضيعان بخروجه ففرضه ساقط عنه إجماعًا وإلا فالجمهور يوقفه على الاستئذان والأجداد كالآباء والجدات من الأمهات وعن المنذري هذا في التطوع أما إذا وجب عليه فلا حاجة إلى إذنهما وإن منعاه عصاهما إذا كانا مسلمين فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه ولو كانت طاعتهما نفلًا وطاعتهما حينئذ معصية وعن الثوري هما كالمسلمين وقال الحافظ واستدل بهذا الحديث على تحريم السفر بغير إذنهما لأن الجهاد إذا منع بغير إذنهما مع فضيلته فالسفر المباح أولى ثم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر

6353 - (2532) (90) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ جُرَيجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ. فَجَاءَتْ أُمُّهُ. قَال حُمَيدٌ: فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِي هُرَيرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ الله صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ طريقًا إليه فلا منع وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف قلت والرّاجح توقفه على استئذان الوالدين اهـ. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6353 - (2532) (90) (حدثنا ضيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) العدوي أبو نصر البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي رافع) رفيع بن رافع الصائغ المدني مولى ابنة عمر بن الخطاب نزيل البصرة ثقة من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن أبا هريرة (قال كان جريج) بجيمين مع التصغير وهو كان أولًا رجلًا تاجرًا من بني إسرائيل فأعرض عن الدنيا واختار التعب فبنى صومعة يتعبد فيها كما ذكره بقوله كان (يتعبّد في صومعة) بفتح الصاد والميم بوزن فوعلة وهي البناء المرتفع المحدد أعلاه من صمعت الشيء إذا دققته ورققته لأنها دقيقة الرأس كما في فتح الباري وفي النواوي الصومعة كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم وهي رفيعة مثل المنارة [6/ 480] وأخرج أحمد في مسنده من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة هذا الحديث وفي أوله كان رجل من بني إسرائيل تاجرًا وكان ينقص مرةً ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارةً هي خير من هذه فبنى صومعة وترهّب فيها وكان يقال له جريج ودلّ ذلك على أنه كان بعد عيسى بن مريم عليهما السلام وأنه كان من أتباعه لأنهم هم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع (فجاءت أمه) إلى صومعته يومًا وفي حديث لعمران بن حصين ذكره الحافظ وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يومًا وهو في صلاته وفي رواية أبي رافع عن أبي هريرة عند أحمد فأتته أمه ذات يوم قالت أي جريج أشرف عليَّ أكلمك أنا أمك (قال حميد) بن هلال (فوصف لنا) أي حكى لنا (أبو رافع صفة أبي هريرة) أي وصف أبي هريرة له (لصفة رسول الله صلى

الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُمَّهُ حِينَ دَعَتْهُ. كَيفَ جَعَلَتْ كَفَّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا. ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَها إِلَيهِ تَدْعُوهُ. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ، أنَّا أُمُّكَ، كَلِّمْنِي، فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي. فَقَال: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاتِي، فَاخْتَارَ صَلاتَهُ، فَرَجَعَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ، أَنَا أُمُّكَ، فَكَلِّمْنِي. قَال: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاتِي. فَاخْتَارَ صَلاتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم) أي لوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم له صفة (أمه) وهيئتها (حين دعته) ونادته وقوله (كيف جعلت كفها فوق حاجبها) بدل اشتمال من أمه أي لوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه أي لوصفه كيف جعلت كفها فوق حاجبها وقوله (ثم رفعت رأسها إليه تدعوه) وتناديه معطوف على جعلت قال القاضي عياض فيه جواز حكاية الأحوال إذا لم تكن على وجه السخرية والمجون وكانت لبيان علم أر زيادة فائدة اهـ من الأبي وإنما احتاجت إلى رفع الرأس لأن جريجًا كان في صومعة وما كانت تتمكن من مخاطبته إلا عن طريق كوة أو نحوها ولعلها كانت فوقها بقليل فرفعت رأسها إليها وأما وضع كفها فوق حاجبها فلئلا يمنع ضوء الشمس وغيرها من رؤية ابنها في داخل الصومعة. (قالت) في ندائه (يا جريج أنا أمك كلمني) بإجابة ندائي (فصادفته) في ندائها وهو (يصلِّي فقال) جريج حين سمع نداءها (اللهم) اجتمع عليّ (أمي وصلاتي) أي حق إجابة أمي وحق إتمام صلاتي إما أنه قال ذلك في نفسه دون أن ينطق بلسانه أو نطق هذه الكلمة لأن الكلام كان جائزًا في أثناء الصلاة في شريعتهم كما أنه كان جائزًا في ابتداء شريعتنا ثم نسخ (فاختار) إتمام (صلاته) على إجابتها (فرجعت) إلى بيتها (ثم عادت) إليه (في) المرة (الثانية فقالت يا جريج أنا أمّك فكلمني فقال اللهم أمّي وصلاتي فاختار صلاته) قال القاضي عياض ليس في الحديث أنه كان في صلاة فرض ولعل شرعه حرمة قطع النافلة فهو من تعارض فرضين البر ووجوب التمادي ولكن يمكن أن يخفف ويجيبها ولعله خشي أن تنزله من صومعته وتذهب به ليكون معها أو خشي أن مكالمتها يأنس بها من غير من انقطع إليه وتحل عزيمته فيما التزمه ولعل شرعه كان يوافق ذلك في عدم قطع الصلاة ولكن يبقى شيء آخر وهو أن البر فرض والعزلة وصلاة النافلة طول النهار ليست فرضًا والفرض مقدم فلعله غلط في إيثار العزلة والصلاة ولذلك أجاب الله سبحانه دعاءها عقابًا له اهـ من الأبي وقال القرطبي جريج كان عابدًا ولم يكن عالمًا إذ بأدنى نظر ترجح الإجابة لأن البر واجب وصلاة النفل ندب فلا تعارض يوجب إشكالًا فكان يجب عليه تخفيف صلاته أو قطعها وإجابة أمه لا سيما وقد تكرَّر إليه مجيئها وتشوقها واحتياجها

فَقَالتِ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيجٌ، وَهُوَ ابْنِي، وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي. اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ. قَال: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى مكالمته وهذا كله يعين إجابتها ألا ترى أنه أغضبها بإعراضه عنها وإقباله على صلاته ويبعد اختلاف الشرائع في وجوب بر الوالدين وعند ذلك دعت فأجاب الله سبحانه دعاءها تأديبًا له وإظهارًا لكرامتها والظاهر أنها كانت فاضلة عالمة ألا تراها كيف تحرزت في دعائها فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ولم تقل غير ذلك وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث ولو دعت عليه أن يفتن لفتن وهي أيضًا لو كظمت غيظها وصبرت لكان ذلك الأولى بها لكن لما علم الله صدق حالهما لطف بهما وأظهر مكانتهما عنده بما أظهر من كرامتهما ويستفاد من الحديث تأكد سعي الولد في إرضاء الأم واجتناب ما يغير قلبها واغتنام صالح دعوتها ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "الجنة تحت أقدام الأمهات" ذكره العجلوني في كشف الخفاء [1/ 335] وقال رواه الخطيب في جامعه والقُضاعي في مسنده عن أنس ورواه الديلمي في مسند الفردوس [2611] وابن عدي في الكامل [6/ 2347] أي من انتهى من التواضع لأمه بحيث لا يشق عليه أن يضع قدمها على خده استوجب بذلك الجنة والأولى في هذا الحديث أن يقال إنه خرج مخرج المثل الذي يقصد به الإغياء في المبرّة والإكرام وهو نحو من قوله صلى الله عليه وسلم "الجنة تحت ظلال السيوف" متفق عليه ورواه أبو داود أيضًا اهـ من المفهم. (فقالت) أمه (اللهم إن هذا) الذي ناديته (جريج وهو ابني وإني كلمته فأبى أن يكلمني اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات) أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك وهي جمع مومسة وهي الزانية المجاهرة وتجمع على مياميس أيضًا ووقع في هذه الرواية أنها أتته مرتين ودعت عليه في المرة الثانية ووقع في حديث عمران بن حصين أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات ومثبت الزيادة أولى بالتقديم (قال) النبي صلّى الله عليه وسلم ويحتمل كونه من كلام أبي هريرة (ولو دعت عليه) بـ (ـأن يفتن) بالوقوع في الزنا (لفتن) بوقوعه في الزنا إجابة لدعوتها يعني لو دعت أمه بالمواقعة على الزانية لواقع عليها ولكنها لم تدع عليه بالمواقعة لكونها فاضلة عالمة مشفقة عليه (قال) النبي صلى الله

وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأوي إِلَى دَيرِهِ. قَال: فَخَرَجَتِ امرَأَةٌ مِنَ الْقريَةِ فَوَقَعَ عَلَيها الراعِي. فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلامًا. فَقِيلَ لَها: مَا هذا؟ قَالتْ: مِنْ صَاحِبِ هذا الدَّيرِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (وكان راعي ضأن يأوي) أي ينضم (إلى ديره) ويجاورها والدير بفتح الدال المهملة وسكون الياء كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم وهي بمعنى الصومعة المذكورة في الرواية الأخرى وهي نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فخرجت امرأة) بغية (من القرية) إلى محل الراعي ففتنته (فوقع عليها الراعي) أي جامعها اسم ذلك الراعي صهيب اهـ تنبيه المعلم وقال ابن حجر في الفتح [6/ 482] قلت ولم أقف على اسم هذا الراعي ويقال إن اسمه صهيب اهـ (فحملت) منه حملًا (فولدت غلامًا) أي وّلدًا ذكرًا وفي تنبيه المعلم قال شيخنا اسمه بابوس اهـ وكتبت إلى شيخنا معترضًا عليه أن بابوس ليس علمًا عليه وإنما هو ولد كل شيء في صغره كما قال صاحب جامع اللغة فكتب إلى قلت ذلك لأنه جزم به أحمد بن نصر الداودي المالكي شارح البخاري فيما نقله عنه عبد الواحد بن محمد السفاقسي المعروف بابن التين في شرح البخاري بأنه اسم علم لهذا الغلام وكونه اسما لكل شيء صغير لا يمنع أن يكون علمًا لهذا الغلام اهـ من تنبيه المعلم وبابوس هذا بموحدتين بينهما ألف وسين مهملة في آخره اهـ منه قوله "فخرجت امرأة من القرية" قال ابن حجر في الفتح [6/ 480] ولم أقف في شيء من الطرق على اسم هذه المرأة لكن في حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية قلت وعند النقاش في فنون العجائب في [49 - 59] أنها كانت بغيًا وأنها كانت راعية معزى ولا تعارض بين هذه الأقوال كلها فيما ذكر ابن حجر فقال ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل الفساد إلى أن ادّعت أنها تستطيع أن تفتن جريجًا فاحتالت بعد أن خرجت في سورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته وسيأتي في رواية ابن سيرين أنها كانت امرأة بغيًا وأرادت أن تفتن جريجًا فعرضت نفسها عليه فأبى فأمكنت راعيًا من نفسها. (فقيل لها) لم أر من بين اسم هذا القائل (ما هذا) الغلام ممن حملته (قالت) حملته (من صاحب هذا الدير) أي من صاحب هذه الصومعة (قال) رسول الله صلى الله

فَجَاؤُوا بِفُؤُوسِهِم وَمَسَاحِيهِم، فَنَادَوهُ فَصَادَفُوهُ يُصَلِّي، فَلَم يُكَلِّمهُم. قَال: فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيرَهُ. فَلَما رَأَى ذلِكَ نَزَلَ إِلَيهِم. فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هذِهِ. قَال: فَتَبسَّمَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصبِيِّ فَقَال: مَنْ أَبُوكَ؟ قَال: أَبِي رَاعِي الضأنِ. فَلَما سَمِعُوا ذلِكَ مِنْهُ قَالُوا: نَبْنِي مَا هدَمنَا مِنْ دَيرِكَ بِالذهبِ وَالْفِضةِ. قَال: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (فجاؤوا) أي جاء أهل القرية (بفؤوسهم) جمع فأس بالهمزة فيهما وهي الآلة المعروفة يحفر بها الأرض ويشق بها الحطب ويهدم بها الجدار (ومساحيهم) جمع مسحاة بكسر الميم وهي الآلة التي يكسح بها الطين أي يقلب بها التراب عن وجه الأرض عند الزراعة وتسمى بالمجرفة أيضًا لكن المسحاة ما كان من حديد والمجرفة ما كان من خشب مأخوذة من قولهم سحى الطين يسحيه من باب رمى ويسحوه من باب دعا إذا قشره وكسحه والمراد أن القوم زعموا أن جريجًا العابد هو الذي زنى بالمرأة فغضبوا عليه وأتوا إليه بهذه الآلات لهدم صومعته (فنادوه) بصوت رفيع (فصادفوه يصلَّي فلم يكلمهم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأخذوا) أي شرعوا (يهدمون ديره فلما رأى) جريج (ذلك) الهدم منهم (نزل إليهم) من عليها فقال لهم ما سبب هذا الهدم (فقالوا له سل هذه) المرأة عن سببه فإنها أخبرت لنا بأنك وقعت عليها وولدت منك الغلام وفي هذه الرواية حذف يأتي تفصيله في الرواية الآتية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتبسم) أي ضحك جريج ضحكًا بلا صوت أي كشر عن أسنانه الشفتين (ثم مسح رأس الصبي فقال) له (من أبوك) يا غلام (قال) الصبي (أبي) أي والدي (راعي الضأن) وفي هذا إثبات لكرامات الأولياء فإن تكلم هذا الصبي كان على سبيل الكرامة لجريج العابد رحمه الله تعالى وذكر ابن بطال احتمال أن يكون جريج نبيًّا فيكون كلام الصبي معجزة له وذكر في رواية البخاري في الصلاة أن اسم هذا الصبي بالوس ثم إن نسبة الأبوة إلى الراعي إنما وقعت على سبيل المجاز لأنه ولد من مائه لا على سبيل لحوق النسب به شرعًا وذكر الحافظ في الفتح [6/ 483] عن بعض العلماء أن بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدّق فيما تدعيه على الرجال ويُلحق به الولد وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها اهـ. (فلما سمعوا ذلك) الكلام (منه) أي من الصبي (قالوا) لجريج (نبني) ونعيد (ما هدمنا من ديرك) وصومعتك (بالذهب والفضة قال) جريج (لا) تبنوه بالذهب والفضة

وَلكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا كَمَا كَانَ. ثُمَّ عَلاهُ. 6354 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَمْ يتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولكن أعيدوه) أي أعيدوا لي ما هدمتم (ترابًا) أي من تراب (كما كان) ما هدمتموه من تراب أولًا لا من ذهب وفضة (ثم) أعادوه له و (علاه) أي ارتفع عليه وعبد ربّه كعادته وفي قوله "أعيدوه ترابًا كما كان" أن السذاجة هي المطلوبة في بناء المعابد والمساجد وأن زخرفتها بالذهب والفضة مما لا يليق بشأنها. وفي هذا الحديث دلالة على أن من تعدّى على جدار أو دار وجب عليه أن يعيده على حالته إذا انضبطت صفته وأمكنت مماثلته ولا تلزم قيمة ما تعدى عليه وقد بوّب البخاري على حديث جريج هذا باب من هدم حائطًا بنى مثله وهو تصريح بما ذكرناه وهو مقتضى قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194]، فإن تعذرت المماثلة فالمرجع إلى القيمة وهو مذهب الكوفيين والشافعي وأبي ثور في الحائط وفي العتيبة عن مالك مثله ومذهب أهل الظاهر في كل متلف هذا ومشهور مذهب مالك وأصحابه وجماعة من العلماء أن فيه وفي سائر المتلفات المضمونة القيمة إلا ما يرجع إلى الكيل والوزن بناء منهم على أنه لا تتحقق المماثلة إلا فيهما اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 307] والبخاري في مواضع منها في المظالم باب إذا هدم حائطًا فليبني مثله [2482] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6354 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا يربد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا جرير بن حازم) الأزدي البصري ثقة من (6) روى عنه في (19) بابا (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم مولى أنس البصري ثقة من (3) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن سيرين لأبي رافع الصائغ (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يتكلّم في المهد) قال القرطبي المهد هو وطاء الصبي وكل ما يسوى له وقد يكون سريره وعن قتادة في قوله تعالى: {كَيفَ نُكَلِّمُ

إلا ثَلاثةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. وَصَاحِبُ جُرَيجٍ. وَكَانَ جُرَيجٌ رَجُلًا عَابِدًا. فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً. فَكَانَ فِيهَا. فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالتْ: يَا جُرَيجٌ. فَقَال: يَا رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29]، المهد حجر أمه والمهد أصله مصدر مهدت الشيء أمهده إذا سويته وعدلته أي لم يتكلم في زمن تعهده في المهد والسرير (إلا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريج) يعني بابوس وظاهر هذا الحصر يقتضي أن لا يوجد صغير تكلم في المهد إلا هؤلاء الثلاثة وهم عيسى وصبي جريج والصبي المتعوذ من الجبار وقد جاء من حديث صهيب المذكور في تفسير سورة البروج في قصة الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقى في النار على إيمانها ومعها صبي لها في غير كتاب مسلم زيادة يرضع فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أم اصبري فإنك على الحق رواه مسلم [3005] والترمذي [3337] وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن شاهد يوسف كان صبيًّا في المهد وقال الضحاك تكلم في المهد ستة شاهد يوسف وصبي ماشطة امرأة فرعون وعيسى ويحيى وصاحب جريج وصاحب الأخدود. "قلت " فأسقط الضحاك صبي الجبار وذكر مكانه يحيى وعلى هذا فيكون المتكلمون في المهد سبعة فبطل الحصر بالثلاثة المذكورين في الحديث. "قلت" ويجاب عن ذلك بأن الثلاثة المذكورين في الحديث هم الذين صح أنهم تكلموا في المهد ولم يختلف فيهم فيما علمت واختلف فيمن عداهم فقيل إنهم كانوا كبارًا بحيث يتكلمون ويعقلون وليس فيهم أصح من حديث صاحب الأخدود ولم تسلم صحة الجميع فيرتفع الإشكال بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما كان في علمه مما أُوحي إليه في تلك الحال ثم بعد هذا أعلمه الله تعالى بأشياء من ذلك فأخبرنا بذلك على ما في علمه والله أعلم اهـ من المفهم. (وكان جريج رجلًا عابدًا فاتخذ صومعة) ليتعبد فيها (فكان فيها) أي في تلك الصومعة (فأتته أمه) لم أر من ذكر اسمها (وهو) أي والحال أنه (يصلي فقالت يا جريج فقال يا رب) اجتمع عليَّ إجابة (أمي و) إتمام (صلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت) أمه غضبى (فلما كان من الغد أتته وهو يصلّي فقالت يا جريج فقال يا رب أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته) وترك إجابتها (فانصرفت) غضبى (فلما كان من الغد) من اليوم الثاني

أتتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ. فَقَال: يَا رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ فَقَال: أَي رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتهِ. فَقَالتِ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيجًا وَعِبَادَتَهُ. وَكَانَتِ امْرَأَةْ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا. فَقَالتْ: إِنْ شِئْتُم لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ. قَال: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيهَا. فَأَتتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوي إِلَى صوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا. فَوَقَعَ عَلَيهَا، فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ. قَالتْ: هُوَ مِنْ جُرَيجٍ، فَأَتوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ. فَقَال: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ. فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَال: أَينَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاؤُوا بِهِ. فَقَال: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ. وَقَال: يَا غُلامُ، مَنْ أَبُوكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أتته وهو يصلّي فقالت يا جريج فقال أي رب) أي يا رب (أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت) في اليوم الثالث داعية عليه (اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات) أي البغايا (فتذاكر بنو إسرائيل) فيما بينهم (جريجًا) أي اجتهاده في العبادة (و) كثرة (عبادته وكانت) فيهم (امرأة بغي) أي زانية (يتمثل بحسنها) وجمالها أي يضرب بجمالها المثل لانفرادها به (فقالت إن شئتم لأفتننَّه) أي لأختبرنّه (لكم) هل هو مخلص أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتعرّضت) تلك البغية وطلبت (له) أي لجريج (فلم يلتفت إليها فأتت راعيًا كان يأوي) ويجاور (إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها) أي جامعها (فحملت) من الراعي حملًا (فلما ولدت قالت هو) أي هذا الولد ولدتُه (من جريج فأتوه) أي فأتى أهل القرية جريجًا (فاستنزلوه) أي طلبوا منه نزوله من الصومعة (وهدموا صومعته وجعلوا) يسبونه و (يضربونه فقال) لهم جريج (ما شأنكم) وحالكم ضربتموني وهدمتم صومعتي (قالوا) له (زنيت بهذه البغيّ) أي بهذه البغية (فولدت منك) ولدًا (فقال) لهم جريج: (أين الصبي) الذي ولدته مني (فجاؤوا به) أي بالصبي (فقال) لهم جريج (دعوني) أي اتركوني وأمهلوني (حتى أصلي) ما شاء الله (فلما انصرف) وفرغ من صلاته (أتى الصبيّ فطعن في بطنه وقال) للولد (يا غلام من أبوك) قد يقال إن الزاني لا يلحقه الولد وكيف يقول من أبوك وجوابه من وجهين أحدهما لعله كان

قَال: فُلانٌ الرَّاعِي. قَال: فَأقْبَلُوا عَلَى جُرَيجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيتَمَسَّحُونَ بِهِ. وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَال: لا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا. وَبَينَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ. فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ. فَقَالتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا. فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيهِ فَنَظَرَ إِلَيهِ. فَقَال: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ. قَال: فَكَأَني أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ شرعهم يلحقه والثاني أن المعنى من ماء من أنت يا غلام وسمّاه أبًا مجازًا اهـ نووي (قال) الغلام له أبي (فلان الراعي) أي راعي الضأن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأقبلوا) أي فأقبل القوم الذين ضربوه أولًا وشتموه (على جريج) ورجعوا إليه نادمين على ما فعلوه به حالة كونهم (يقبلونه) أي يقبلون رأسه (وبتمسحون به) ويعانقونه (وقالوا) له (نبني لك صومعتك) التي هدمناها عليك (من ذهب قال) جريج (لا) تبنوها لي من الذهب بل (أعيدوها) لي (من طين كما كانت) أولًا من طين (ففعلوا) ما أمرهم به أي أعادوها له من طين ثم ذكر الثالث من الصبية الثلاثة فقال (وبينا صبي يرضع من أمه) قال الحافظ في الفتح [6/ 483] لم أقف على اسم هذه المرأة ولا على اسم ابنها ولا على اسم أحد ممن ذكر في هذه القصة كذا قاله برهان الدين في تنبيه المعلم والفاء في قوله (فمرَّ رجلٌ راكبٌ) زائدة في جواب بينا (على دابة فارهة) أي على دابة نشيطة نجيبة قوية يقال فرهت بضم الراء فراهة وفراهة إذا نشطت وركضت (و) ملتبس ب (شارة) وهيئة ولبسة (حسنة) والشارة الهيئة واللباس والشارة بدون همزة الهيئة والمنظر واللباس الحسن الذي يتعجب منه ويشار إليه والمعنى مر عليها رجل راكب ذو شارة حسنة يعني أن الراكب كان في هيئة حسنة ولباس فاخر (فقالت أمه) أي أم الصبي (اللهم اجعل ابني مثل هذا) الراكب (فترك) الصبي (الثدي وأقبل إليه) أي إلى الراكب المار (فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله) أي مثل هذا الراكب (ثم أقبل) الصبي (على ثديه) الذي يرتضع منه (فجعل) أي شرع (يرتضع) من الثدي اللبن ولم يتكلم بعد ذلك إلى أوان الكلام في العادة وقوله "لا تجعلني مثله" دعت أمه له بأن يكون مثل هذا الراكب لكونه صاحب ثروة وهيئة جميلة ولكن ردّ عليها الصبي وأبي أن يكون مثله لما في باطن الراكب من الكبر والعجب والتجبُّر (قال) أبو هريرة (فكأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ. فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَال: "وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا ويقُولُونَ: زَنَيتِ. سَرَقْتِ. وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيهَا. فَقَال: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ. فَقَالتْ: حَلْقَى، مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيئَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَقُلْتَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو) صلى الله عليه وسلم (يحكي) ويصف (ارتضاعه) أي ارتضاع الصبي. (بـ) ـوضع (إصبعه السبابة) الشريفة (في فمه) الشريف (فجعل) النبي صلَّى الله عليه وسلم (يمصّها) أي يمص سبابته حكاية لارتضاع الصبي من ثدي أُمِّه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ومرُّوا) أي ومرّ قوم من الناس لم أر من ذكر أسماءهم من الشرّاح أي ومرّوا على ذلك الولد وأُمه وهو يرتضع (بجاربة وهم يضربونها ويقولون) لها (زنيت سرقت) بتاء خطاب المؤنثة في الفعلين (وهي) أي والحال أن الجارية (تقول حسبي الله) أي كافي الله من شرّهم (ونعم الوكيل) أي الموكول إليه أمور الخلق والمخصوص بالمدح هو الله سبحانه (فقالت أمُّه) أي أم الولد (اللهم لا تجعل ابني مثلها) أي مثل هذه الجارية (فترك) الصبي (الرضاع ونظر إليها) أي إلى الجارية المضروبة (فقال) الولد (اللهم اجعلني مثلها) أي مثل هذه الجارية (فهناك) أي فعندما قال الولد اللهمَّ اجعلني مثل هذه الجارية (تراجعا) أي تراجع الولد وأمه (الحديث) بينهما يعني جعلت الأم وابنها يتراجعان الكلام فيما بينهما فإن الأم كانت تزعم قبل ذلك أن الصبي ليس أهلًا للمخاطبة ولما صدرت منه كلمة أو كلمتان وكان ذلك على سبيل خرق العادة وتكرّر منه الكلام عرفت أنه يمكن مخاطبته ومساءلته (فقالت) لها (حلقى) أي أصابني الله بوجع في حلقي وهي بالف مقصورة كلمة جرت على ألسنتهم مجرى المثل لا يريدون معناه وهي في أصلها تقال فيمن أصيب حلقه بوجع فقولهم حلقى دعاء في الأصل بمعنى جعلك الله حلقى أي مصاب الحلق بوجع وهي هنا للدعاء على نفسها ولكنها من الكلمات التي تجري على ألسنتهم في معرض الدعاء الغير المقصود وكذلك كلمة عقرى وأكثر ما تستعمل الكلمتان معًا فيقال عقرى حلقى وقد مرت الكلمة في كتاب الحج في قصة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما (مرَّ رجل حسن الهيئة) والصورة (فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت) أنت أيها

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَها ويقُولُونَ: زَنَيتِ. سَرَقْتِ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا". قَال: إِن ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيتِ وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الولد (اللهم لا تجعلني مثله ومرُّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون) لها (زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها) وأنت تعاكسني في كل ما قلت في الدعاء لك فما سبب هذا (قال) الولد (أن ذاك الرجل) الذي دعوت الله أن يجعلني مثله (كان جبارًا) قهارا على الناس متكبرا عن طاعة الله تعالى (فقلت) أنا لأجل ذلك (اللهم لا تجعلني) جبارًا (مثله وإن هذه الجارية) المجرورة المضروبة (يقولون لها زنيت و) الحال أنها بريئة (لم تزن و) يقولون لها (سرقت و) الحال أنها بريئة (لم تسرق فقلت) لأجل ذلك (اللهم اجعلني) بريئًا عندك من الذنب (مثلها). قال القرطبي: والحاصل أن أمّ هذا الصبي الرضيع نظرت إلى الصورة الظاهرة فاستحسنت صورة الرجل وهيئته فدعت لابنها بمثل هذا واستقبحت صورة الأمة وحالتها فدعت أن لا يجعل الله ابنها في مثل حالتها فأراد الله تعالى بلفظه تنبيهها بأن أنطق لها ابنها الرضيع بما تجب مراعاته من الأحوال الباطنة والصفات القلبية وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم رواه أحمد [2/ 539] ومسلم [2564] (34) وابن ماجه [3143] وكما قال بعض حكماء الشعراء: ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت بردا إنَّ الجمال معادن ... ومناقب أورثن مجدا وهذا الصبي ظاهره أن الله تعالى خلق فيه عقلًا وإدراكًا كما يخلقه في الكبار عادةً ففهم كما يفهمون ويكون خرق العادة في كونه خلق له ذلك قبل أوانه ويحتمل أن يكون أجرى الله ذلك الكلام على لسانه وهو لا يعقله كما خلق في الذراع والحصى كلامًا له معنى صحيح مع مشاهدة تلك الأمور باقية على جمادتها كل ذلك ممكن والقدرة صالحة والله تعالى أعلم بالواقع منهما فأما عيسى - عليه السلام - فخلق الله له في مهده ما خلق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للعقلاء والأنبياء في حال كمالهم من العقل الكامل والفهم الثاقب كما شهد له بذلك القرآن وفي هذا الحديث ما يدل على صحة وقوع كرامات الأولياء وهذا قول جمهور أهل السنة والعلماء وقد نسب لبعض العلماء إنكارها والظن بهم أنهم ما أنكروا أصلها لتجويز العقل لها ولما وقع في الكتاب والسنة وأخبار صالحي هذه الأمة مما يدل على وقوعها وإنما محل الإنكار ادعاء وقوعها ممن ليس موصوفًا بشروطها ولا هو أهلٌ لها وادعاء كثرة وقوع ذلك دائمًا متكررًا حتى يلزم عليه أن يرجع خرق العادة عادة وذلك إبطال لسنة الله تعالى وحسم السبل الموصلة إلى معرفة نبوة أنبياء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما وتفسير البر والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران

723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبرّ أهل وُدّهما وتفسير البرّ والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران 6355 - (2533) (91) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "مَنْ أَدْرَكَ أَبوَيهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبرّ أهل وُدّهما وتفسير البرّ والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6355 - (2533) (91) (حدثنا شيبان بن فرّوخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (1) (عن سهيل) بن أبي صالح السمان القيسي مولاهم المدني صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان القيسي المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رغم أنف) بفتح الغين المعجمة وكسرها لغتان فيها قال أهل اللغة معناه ذل وخذل وخزي وأصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل وهو الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها وقيل الرغم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه أي ذل وخذل أنفُ (ثم رغم أنف ثم رغم أنف) كرّره تأكيدًا للأول (قيل) له صلى الله عليه وسلم ولم أر من ذكر اسم القائل (منْ) هو أي من ذلك المرغوم (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المرغوم (من أدرك أبويه) أي أدرك حياتهما (عند الكبر) أي عند كبر سنهما وقوله (أحدهما أو كليهما) بدل من أبويه أي أدرك حياة أحدهما أو حياة كل منهما فأو للتقسيم لا للشك (فلم يدخل الجنة) بالإحسان إليهما وطاعتهما يعني لم يبر ولم يدخل ومنه يستفاد أن برّهما سبب دخول الجنة والله أعلم قال القاضي فيه عظيم أجر البر وأنه يدخل الجنة فمن فاته فاته خير كثير وظاهره أن برّهما يكفر كثيرًا من السيئات وأنه لا يمنع من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجنة إلا التقصير في حقهما أو التكثير من الكبائر التي يرجح بها ميزانه لا سيما إذا أدركهما عند الكبر وحاجتهما إلى القيام بحقهما اهـ. قوله "رغم أنف" إلخ قال الدهني هكذا وجدناه في نسخ متعددة بلا تنوين فأبقيناه على حاله وإن القاعدة تقتضي تنوين هذه الكلمات الثلاث كما في قوله تعالى: {وَكُلًّا آتَينَا} [الأنبياء: 79] وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي لا يدخل الجنة قاطع اهـ. "قلت" هذا لم يخالف القاعدة النحوية لأنه من باب حذف المضاف إليه ونية لفظه لأن أصله رغم أنف من أدرك والديه فلم يدخل الجنة والله أعلم اهـ من الفهم السقيم. ثم يحتمل أن يكون تكرار الدعاء برغم الأنف على هذا النوع من الإنسان فقط ويحتمل أيضًا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في كل مرّة على نوع مستقل وهذا الثاني هو الظاهر مما أخرجه الترمذي من طريق سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ولفظه "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة". وقد أخرج الحاكم وابن حبان والطبراني عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجةً قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه قال إن جبريل عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك قلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر أو أحدهما فلا يدخلاه الجنة قلت آمين" ورجاله ثقات وكان حديث أبي هريرة اختصارًا لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنهما وإنما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأن دخول الجنة كان في غاية من السهولة لمن أدرك أبويه في الكبر لأن اليسير من برّهما وخدمتهما يجلب له الأجر الجزيل اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الدعوات باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنف رجل" [3545]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

6356 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6356 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة جرير لأبي عوانة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه) ثلاثًا (قيل) له صلى الله عليه وسلم (منْ) الذي رغم أنفه (يا رسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) قال القرطبي قوله "رغم أنفه ثم رغم أنفه" إلخ يقال رغم بكسر الغين وفتحها لغتان رغما بفتح الراء وكسرها وضمها ومعناه لصق بالرغام بفتح الراء وهو التراب وأرغم الله أنفه أي ألصقه وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مؤكد على من قصر في برّ والديه ويحتمل وجهين أحدهما أن يكون صرعه الله لأنفه فأهلكه وهذا إنما يكون في حق من لم يقم بما يجب عليه من برِّهما. وثانيهما أن يكون أذله الله لأن من ألصق أنفه الذي هو أشرف أعضاء الوجه بالتراب الذي هو موطئ الأقدام وأخس الأشياء فقد انتهى من الذل إلى الغاية القصوى وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات ويصلح لمن فرَّط في الواجبات وهو الظاهر وتخصيصه عند الكبر بالذكر وإن كان برهما واجبًا على كل حال إنما كان ذلك لشدة حاجتهما إليه وضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما وليبادر الولد اغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك "وقوله أحدهما أو كليهما" كذا الروايات الصحيحة بنصب أحدهما وكليهما لأنه بدل من والديه المنصوب بأدرك وقد وقع في بعض النسخ "أحدهما أو كلاهما" مرفوعين على الابتداء ويتكلف إضمار الخبر والأول أولى وقوله "ثم لم يدخل الجنة" معناه دخل النار لانحصار منزلتي الناس في الآخرة بين جنة ونار كما قال: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير} [الشورى: 7] فمن قيل فيه لم يدخل النار منهم إنه في الجنة وبالعكس وأو المذكورة هنا للتقسيم ومعناه أن المبالغة في برّ أحد الأبوين عند عدم الآخر يدخل الولد الجنة كالمبالغة في برّهما معًا ويعني بهذه المبالغة المبرّة

6357 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. حَدَّثَنِي سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رَغِمَ أَنْفُهُ" ثَلاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ التي تتعين لهما في حياتهما وقد يتعين لهما أنواع من البر بعد موتهما كما قد فعل عبد الله بن عمر مع الأعرابي الذي وصله بالعمامة والحمار ثم ذكر ما سمعه من النبي صلّى الله عليه وسلم في ذلك كما روى أبو داود عن أبي أسيد قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما رواه أحمد 3 [/ 497 و 498] وأبو داود [5142] وابن ماجه [3664]. ولا خلاف في أن عقوق الوالدين محرم وكبيرة من الكبائر وقد دل على ذلك الكتاب في غير موضع وصحيح السنة كما روى النسائي والبزار من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والديّوث والمرأة المرجلة تشبه بالرجال وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمنَّان عطاءه ومدمن الخمر" رواه النسائي في الكبرى [2343] والبزار كما في كشف الأستار [1785]. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6357 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي المدني ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني سهيل عن أبيه) أبي صالح السمّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنفه" ثلاثًا ثم ذكر) سليمان (مثله) أي مثل حديث جرير. واعلم أن عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما كما أن برَّهما موافقتهما على أغراضهما الجائزة لهما وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه إذا لم يكن ذلك الأمر معصية وإن كان ذلك المأمور به من قبيل

6358 - (2534) (92) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المباحات في أصله وكذلك إذا كان من قبيل المندوبات وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبًا إليه وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدًا في مندوبيته والصحيح الأول لأن الله تعالى قد قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وقال: {وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، في غير ما موضع وكذلك جاءت في السنة أحاديث كثيرة تقتضي لزوم طاعتهما فيما أمرا به فمنها ما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك رواه الترمذي [1189] قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح فإن قيل فكيف يرتفع حكم الله الأصلي بحكم غيره الطارئ فالجواب أنه لم يرتفع حكم الله بحكم غيره بل بحكمه وذلك أنه لما أوجب علينا طاعتهما والإحسان إليهما وكان من ذلك امتثال أمرهما وجب ذلك الامتثال لأنه لا يحصل ما أمرنا الله به إلا بذلك الامتثال ولأنهما إن خولفا في أمرهما حصل العقوق الذي حزمه الله تعالى فوجب أمرهما على كل حال بايجاب الله تعالى والله أعلم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو برُّ أهل ودّهما بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6358 - (2534) (92) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم أبو يحيى المصري ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الوليد بن أبي الوليد) عثمان وقيل ابن الوليد القرشي العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عثمان المدني روى عن عبد الله بن دينار في البر ويروي عنه (م عم) وسعيد بن أبي أيوب وحيوة بن شريح والليث ويزيد بن الهاد وغيرهم وثقه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب لين الحديث من الرابعة. (عن عبد الله بن دينار) العدوي

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. فَسَلَّمَ عَلَيهِ عَبْدُ اللهِ. وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ. وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَت عَلَى رَأْسِهِ. فَقَال ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مولاهم المدني ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (أن رجلًا من الأعراب) قال في التنبيه لم أر من ذكر اسم هذا الرجل ولا اسم أبيه الوادّ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (لقيه) أي لقي ذلك الرجل لعبد الله بن عمر (بطريق مكة) أي في طريقها في سفره إليها (فسلّم عليه) أي على ذلك الرجل (عبد الله) بن عمر (وحمله) أي وحمل ابن عمر ذلك الرجل (على حمار كان) ابن عمر (يركبه) أي يركب ذلك الحمار بنفسه (وأعطاه) أي وأعطى ابن عمر ذلك (عمامة كانت على رأسه) أي على رأس ابن عمر (فقال) عبد الله (بن دينار فقلنا له) أي لابن عمر (أصلحك الله) تعالى أي وفّقك الله بكل صلاح (إنهم) أي إن قوم هذا الرجل هم (الأعراب) أي سكان البوادي (وإنَّهم) أي وإن الأعراب (يرضون باليسير) أي بالقليل من العطاء فلم أعطيت له هذا العطاء الكثير من الحمار والعمامة (فقال عبد الله) بن عمر (أن أبا هذا الرجل) الذي أعطيته (كان ودًا) بضم الواو وكسرها وتشديد الدال أي صديقًا العمر بن الخطاب) رضي الله عنه والود في الأصل مصدر بمعنى المودة والمحبة ثم استعير لصاحب المودة من إطلاق المصدر وارادة الوصف (واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ أبرَّ البرِّ) للوالدين أي إنَّ أشد البر وأفضله وأكثره ثوابًا (صلة الولد) وإحسانه وإكرامه (أهل ودّ) ومحبة (أبيه) وصداقته أي إكرامهم بالعطايا والزيارة ففي الحديث فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة وقد سبقت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله عنها وأخرج أبو داود في سننه [5142] عن أبي أسيد رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من برِّ أبويَّ شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما.

6359 - (00) (00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيوَةُ بْنُ شُرَيحٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ". 6360 - (00) (00) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَاللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في برِّ الوالدين [5143] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في إكرام صديق الوالد [1903]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6359 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله (بن الهاد) الليثي المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يزيد بن الهاد للوليد بن أبي الوليد (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبرّ البرِّ) أي أفضل البر إلى الوالدين وأحسنه وأكثره أجرًا (أنْ يصل الرجل وُدَّ أبيه) أي أن يكرم صديق أبيه ويعطيه ويخدمه قال ابن فرشة والبرُّ هو الإحسان جعل البر بارًا ببناء أفعل التفضيل منه وإضافته إليه مجازًا والمراد منه أفضل البر وأفعل التفضيل ها هنا للزيادة المطلقة اهـ قال الأبي يعني آكد البر وأفضله إيثار أهل ود أبيه على غيرهم لا على الأب لأنه إنما كان من قبل الأب. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال: 6360 - (00) (00) (حدثنا حسن بن علي) الهذلي الخلال (الحلواني) المكي ثقة من (11) (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني ثقة من (9) (حدثنا أبي) سعد بن عبد الرحمن الزهري (والليث بن سعد) المصري (جميعًا) أي كلاهما رويا لي (عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليئي المدني ثقة من (5) (عن عبد الله بن دينار عن) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة

أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ. وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَينَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَال: أَلَسْتَ ابْنَ فُلانِ بْنِ فُلانٍ؟ قَال: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَال: أرْكَبْ هذَا، وَالْعِمَامَةَ قَال: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَال لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللهُ لَكَ أَعْطَيتَ هَذَا الأعرَابِي حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيهِ، وَعِمَامَةَ كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَال: إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَبرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ" وَإِن أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم بن سعد والليث بن سعد لحيوة بن شريح (أنَّه) أي أن ابن عمر (كان إذا خرج) وسافر من المدينة (إلى مكة كان له حمار يتروح عليه) أي كان يستصحب حمارًا ليستريح عليه (إذا ملَّ) وضجر من (ركوب) البعير و (الرَّاحلة) وكان له (عمامة يشد بها رأسه) إذا صدع (فبينا هو) أي ابن عمر (يومًا) راكب (على ذلك الحمار إذ مرّ به) أي على ابن عمر (أعرابي) أي رجل من سكان البادية (فقال) ابن عمر للأعرابي (ألست) أيها الرجل (ابن فلان بن فلان قال) الأعرابي (بلى) حرف يجاب به النفي فيكون لنفي النفي ونفي النفي إثبات والمعنى حينئذ ليس الأمر كما قلت من نفي النفي بل أنا ابن فلان بن فلان (فأعطاه) أي فأعطى ابن عمر الأعرابي (الحمار) الذي يتروَّح عليه (وقال) ابن عمر للأعرابي (اركب هذا) الحمار (و) خذ هذه (العمامة) و (اشدد بها رأسك) أي تعمم بها على رأسك (فقال له) أي لابن عمر (بعض أصحابه) أي بعض أصحاب ابن عمر (غفر الله لك) يا ابن عمر هل (أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت تروّح) أي تستريح (عليه وعمامة كنت تشد بها رأسك فقال) ابن عمر (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن من أبرّ البر) وأفضله وأكثره أجرًا (صلة الرجل) أي إعطاء الرجل جائزة وعطية (أهل ودّ أبيه) أي أهل محبة أبيه وصداقته (بعد أن يولّي) ويغيب أبوه موتًا أو بغيره ثم قال ابن عمر (وإنَّ أباه) أي أبا هذا الأعرابي كان صديقًا لـ) ـوالدي (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ولهذا الحديث أعطيته صلة عملًا به "قوله بعد أن يولّي " قال الأبي هو بضم الياء وفتح الواو وشد اللام المكسورة قال بعض الشافعية هذه الكلمة مما تخبط فيها الناس والذي أعرف فيها أنها مسندة إلى ضمير الأب أي بعد أن يغيب أبوه أو يموت اهـ وفي المشارق "بعد أن تولّى الأب" قال شارحه ابن ملك بفتح التاء أي غاب والغيبة أعم

6361 - (2535) (93) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ألأَنْصَارِيِّ. قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أن تكون بموت أو سفر وإنما كانت الوصلة بأولياء والده بعده أبر لأن ذلك يؤدي إلى كسب الدعاء له وبقاء المودة وفيه إشارة إلى تأكيد حق الأب لأن صلة أصدقائه إذا كانت أبرَّ الإحسان ففضل صلته يخرج عن وصف اللسان اهـ منه. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو تفسير البر والإثم بحديث النواس بن سمعان الكلابي أصلًا لأنصاري حلفًا رضي الله عنه فقال: 1 636 - (2535) (93) (حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسّان الأزدي البصري ثقة من (9) (عن معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا الحضرمي الحمصي صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير) بالتصغير فيهما الحضرمي أبي حميد الشامي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي أبي عبد الرحمن ثقة مخضرم أسلم في زمن أبي بكر ولأبيه صحبة وكأنه هو ما وفد إلا في زمن عمر ثقة من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن النواس بن سمعان) الكلابي الثامي الصحابي الشهير روى عنه في (3) أبواب وله سبعة عشر حديثًا روى عنه (م) بثلاثة أحاديث في الصلاة والفتن والبرّ رضي الله عنه وقوله (الأنصاري) قال النووي هكذا وقع في نسخ صحيح مسلم"الأنصاري" قال أبو علي الجياني هذا وهم وصوابه الكلابي فإن النواس كلابي مشهور قال المازري والقاضي عياض المشهور أنه كلابي ولعله حليف للأنصار وهو النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن كلاب هكذا نسبه الغلابي ويحيى بن معين. "قلت" هذا كله حكاية أبي عبد الله المازري والذي ذكره أبو عمر في نسبه أنه قال هو النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن ربيعة الكلابي وبين النسبين زيادة في الأجداد وتغيير في الأسماء فتأمله اهـ من المفهم. (قال) النواس (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) معنى (البرِّ والإثم) أي سألته عما يبر فاعله فيلحق بالأبرار وهم المطيعون لله تعالى وعما يأثم فاعله فيلحق

فَقَال: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ في صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ". 6362 - (00) (00) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الآثمين فأجابه النبي صلّى الله عليه وسلم بجواب جملي أغناه عن التفصيل (فقال) له (البر) قال النووي قال العلماء البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق وقال الأبي إن البر بأي معنى كان يستلزم حسن الخلق اهـ أي فأجابه بقوله البرُّ (حُسن الخلق) بضم الخاء واللام يعني أن حسن الخلق أعظم خصال البر كما قال "الحج عرفة" رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة ويعني بحسن الخلق الإنصاف في المعاملة والرفق في المجادلة والعدل في الأحكام والبذل والإحسان اهـ من المفهم (والإثم ما حاك) وتحرّك (في صدرك) وقلبك وتردد فيه ولم ينشرح له الصدر وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنبًا (وكرهت أن يطلع عليه الناس) أي المؤمنون الأتقياء أي الشيء الذي يؤثر نفرة وحزازة في القلب يقال حاك الشيء في قلبي إذا رسخ فيه وثبت ولا يحيك هذا في قلبي أي لا يثبت فيه ولا يستقرّ قال شمر الكلام الحائك هو الراسخ في القلب وإنما أحاله النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الإدراك القلبي لما علم من جودة فهمه وحسن قريحته وتنوير قلبه وأنه يدرك ذلك من نفسه وهذا كما قال في الحديث الآخر "الإثم حزّاز القلوب" رواه البيهقي في شعب الإيمان [7277] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يعني به القلوب المنشرحة للإسلام المنورة بالعلم الذي قال فيه مالك "العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب" وهذا الجواب لا يصلح لغليظ القلب قليل الفهم فإذا سأل عن ذلك من قل فهمه فصلت له الأوامر والنواهي الشرعية وقد قالت عائشة رضي الله عنها "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم " رواه أبو داود [4842] بلفظ "أنزلوا الناس منازلهم " مرفوعًا من حديث عائشة رضي الله عنها اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 182] والترمذي في الزهد باب ما جاء في البر والإثم [2390]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث النوّاس رضي الله عنه فقال: 6362 - (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاويةُ، (يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ. قَال: أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللًهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً. مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إلا الْمَسْأَلَةُ. كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيءٍ. قَال: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ. وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري ثقة من (9) (حدثني معاوية يعني ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن نواس بن سمعان) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن وهب لعبد الرحمن بن مهدي (قال) نواس (أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنةً) كاملةً بنية السفر والرجوع إلى وطني لا الاستيطان بالمدينة يعني أنه أقام بالمدينة تلك المدة كالزائر من غير نية نقلة إليها من وطنه لاستيطانها والحال أنه (ما يمنعني من) نية (الهجرة) والنقلة إليها والهجرة هي الانتقال إليها من الوطن واستيطان المدينة (إلا المسألة) أي إلا الرغبة في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور الدين وتعلمها ثم الرجوع إلى وطني فإنّه كان سمح بذلك للطارئين دون المهاجرين وكان المهاجرون يفرحون بسؤال الغرباء الطارئين من الأعراب وغيرهم لأنهم يحتملون في السؤال ويعذرون ويستفيد المهاجرون بالجواب اهـ نووي بتصرف ثم قال النواس أيضًا لأنه (كان أحدنا) أي أحد الصحابة (إذا هاجر) إلى المدينة ونوى الاستيطان بها (لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء) من أمور الدين والدنيا وقد تمم هذا المعنى أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع وقد تقدم القول في ذلك في أوائل الكتاب (قال) النواس (فسألته عن البر والأثم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر حسن الخلق والأثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلّع عليه الناس) أي المؤمنون الأتقياء لأنهم يعيبون بذلك. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو وجوب صلة الرحم وتحريم قطيعتها بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6363 - (2536) (94) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (وَهُوَ ابْنُ إِسْماعِيلَ)، عَنْ مُعَاويةَ، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِم)، حَدَّثَنِي عَمِّي، أَبُو الْحُبَابِ، سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ. حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6363 - (2536) (94) (حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي) البلخي (ومحمد بن عبَّاد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (قالا حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني صدوق من (8) روى عنه في (12) بابا (عن معاوية وهو ابن أبي مزرد) بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء المكسورة اسمه عبد الرحمن بن ياسر (مولى بني هاشم) المدني لا بأس به روى عنه في (2) بابين قال (حدثني عمِّي أبو الحباب) بضم المهملة وتخفيف الموحدة (سعيد بن يسار) مولى ميمونة وقيل مولى شقران المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله) سبحانه وتعالى (خلق الخلق) أي أوجد المخلوقات على غير مثال سابق وخلق هنا بمعنى اخترع وأصله التقدير والخلق هنا بمعنى المخلوق وأصله مصدر أريد به اسم المفعول يقال خلق يخلق خلقًا من باب نصر إذا قدر أو إذا اخترع قال زهير: ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـعض القوم يخلق ثم لا يفري أي تقطع ما قدرت وقال الله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11]، أي مخلوقه (حتى إذا فرغ) أي كمل خلقهم لا أنه اشتغل بهم ثم فرغ من شغله بهم إذ ليس فعله بمباشرة ولا بمناولة ولا خلقه بآلة ولا محاولة تعالى عما يتوهمه المتوهمون وسبحانه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون (قامت الرحم) في الكلام مجاز إذ الرحم عبارة عن قرابات الرجل من جهة طرفي أبائه وإن علوا وأبنائه وإن نزلوا وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمّات والأخوال والخالات والإخوة والأخوات ومن يتصل بهم من أولادهم برحم جامعة والقرابة إذًا نسبة من النسب كالأبوة والأخوة والعمومة وما كان كذلك استحال عليه حقيقة القيام فيحمل على أن الكلام على تقدير أي قام ملك عنها وتكلم اهـ

فَقَالتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَال: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَينَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالتْ: بَلَى. قَال: فَذَاكِ لَكِ". ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيتُمْ إِنْ تَوَلَّيتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد: 22 - 24] ـــــــــــــــــــــــــــــ مفهم قال الحافظ في الفتح [8/ 585] ويحتمل أن يكون الكلام على الحقيقة والأعراض يجوز أن تتجسد وتكلَّم بإذن الله تعالى وهذا هو القول الحق أي قامت الرحم بنفسها بإذن الله تعالى (فقالت) الرحم حقيقة بلسان المقال (هذا) أي قيامي هذا (مقام العائذ) أي قيام المستعيذ بك المستجير (من القطيعة) فأجرني من القطيعة فإن من استجار بك غير مخذول وعهدك غير منقوض قال الله تعالى في جواب استجارتها (نعم) أجرتك من القطيعة ثم عاهد لها فقال مخاطبًا لها (أما ترضين) أيتها الرَّحم (أن أصل من وصلك) ووصل الله لعباده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيّفها ولا نمثلها أثرها إحسانه إليهم (وأقطع من قطعك) وقطع الله سبحانه لعباده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثّلها أثرها انتقامه منهم (قالت) الرحم لربها بلسان المقال حقيقةً (بلى) رضيت يا رب ما عاهدتني (قال) الرب عزَّ وجلَّ للرحم بلا واسطة حقيقة (فذاك) العهد من وصل من وصلك وقطع من قطعك واجب (لك) عليَّ بمقتضى فضلي ووعدي (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم) مصداق قولي قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيتُمْ إِنْ تَوَلَّيتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 22 - 23 - 24]. وهذا الذي ذكرناه في معنى هذا الحديث هو القول الصواب والمذهب الحق الذي عليه السلف وفيه أقاويل باردة وتأويلات زائفة لا مستند لها قد ضربنا عليها صفحًا خوفًا من الإطالة لأنها لا طائل في ذكرها والله سبحانه وتعالى هو الموفق بالصواب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الأدب باب من وصل وصله الله [5987] وفي التوحيد باب قول الله تعالى يريدون أن يبدلوا كلام الله [7502].

6364 - (2537) (94) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لأبَي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُعَاوَيةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَني وَصَلَهُ اللهُ. وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ "تتمة" قال القاضي عياض ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة على الجملة وأن قطعها كبيرة والصلة درجات بعضها فوق بعض وأدناها ترك المهاجرة والكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة عليها والحاجة إليها فمن الصلة ما يجب ومنها ما يستحب ولا يسمى من وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها قاطعأ ولا من قصر عمَّا ينبغي أو قصر عمَّا يقدر عليه قاطعًا. وقال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة كتمريض المريض وحقوق الموتى من كسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم وأما الرحم الخاصة فتجب لهم الحقوق العامة وزيادة عليها كالنفقة على القرابة القريبة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب اهـ. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 6364 - (2537) (94) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا وكليع عن معاوية بن أبي مزرّد) عبد الرحمن بن ياسر الهاشمي مولاهم المدني (عن يزيد بن رومان) بضم الراء وفتحها الأسدي مولاهم مولى آل الزبير أبي روح المدني ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم) أي القرابة مجسدة بصورة مخصوصة بقدرة الله تعالى (معلقة بالعرش) تعليقًا مغيبًا عنا لا نعرف كيفيته حالة كونها (تقول) قولًا حقيقيًّا بلسان المقال كما مرَّ (من وصلني وصله الله) عزَّ وجلَّ (ومن قطعني قطعه الله) تعالى جملة خبرية لفظًا إنشائية معنى قصدت إنشاء الدعاء له أو عليه والله أعلم وقد مرّ آنفًا معنى الوصل والقطع فراجعه.

6365 - (2538) (96) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ". قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَال سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 62] والبخاري [5989]. "فائدة" قال ابن أبي جمرة تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء له والمعنى الجامع فيها هو إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا كفّارًا أو فجارًا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصرّوا أن ذلك بسبب تخففهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى كذا في فتح الباري [1/ 468] وقال القاضي واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ثم أدناك ثم أدناك قال النووي وهذا القول الثاني هو الصواب ومما يدل عليه الحديث السابق في فضيلة أهل مصر فإن لهم ذمة ورحمًا وحديث "إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه" مع أنه لا محرمية والله أعلم اهـ. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنهما فقال: 6365 - (2538) (96) (حدثني زهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي أبي سعيد المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي القرشي النوفلي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب له (60) حديثًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (قال لا يدخل الجنة قاطع) رحم. (قال ابن أبي عمر قال سفيان) بن عيينة (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله قاطع بلا إضافة (قاطع رحم) قال القرطبي: وهذا

6366 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ التفسير صحيح لكثرة مجيء لفظ قاطع في الشرع مضافًا إلى الرحم فإذا ورد مجردًا عن الإضافة حُمل على ذلك الغالب والكلام في كون القاطع لا يدخل الجنة قد تقدم في كتاب الإيمان وأنه يصح أن يحمل على المستحل لقطع الرحم فيكون القاطع كافرًا أو يخاف أن يفسد قلبه بسبب تلك المعصية فيختم عليه بالكفر فلا يدخل الجنة أو لا يدخل الجنة في الوقت الذي يدخلها الواصل للرحم لرحمه لأن القاطع يحبس في النار بمعصيته ثم بعد ذلك يخلص منها بتوحيده كل ذلك محتمل والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 84] والبخاري في الآداب باب إثم القاطع [5984] وأبو داود في الزكاة باب صلة الرحم [1696] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في صلة الرحم [1609]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جبير رضي الله عنه فقال: 6366 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة ابن عبيد بن مخراق أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا جويرية) بن أسماء بن عبيد بن مخراق الضبعي البصري صدوق من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن مالك) بن أنس الإمام في الفروع (عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم أخبره) أي أخبر مالكًا (أن أباه) أي أن أبا محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه (أخبره) أي أخبر محمدًا وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مالك لسفيان بن عيينة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة قاطع رحم) أي دخولًا بلا عذاب بل يدخلها بعد معاناة العذاب الذي استحقه بقطع الرحم أو المراد أنه لا يدخل الجنة أصلًا إن استحل قطع الرحم بلا شبهة مع العلم بتحريمها فهو كافر مخلد في النار لاستحلاله ما هو محرم بنص الكتاب والسنة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال:

6367 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 6368 - (2539) (97) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6367 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن جبير غرضه بيان متابعة معمر لمالك وساق معمر (مثله) أي مثل حديث مالك (و) لكن (قال) معمر في روايته (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل قول مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 6368 - (2539) (97) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سرَّه) وبشره وفرّحه (أن يبسط) ويوسع ويفُاض (عليه رزقه أو) أراد أن (ينسأ) بضم الياء وسكون النون وفتح السين على صيغة المبني للمجهول من الإنساء وهو التأخير والمراد طول العمر أي أو أراد أن يؤخر ويمهل له (في أثره) وأجله (فليصل رحمه) بما قدر عليه سمي الأجل أثرًا لأنه تابع للحياة في إثرها اهـ نووي. قال السنوسي وفي معنى ذلك أنشد زهير حيث قال: يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... والنفس واحدة والهم منتشر والمرء ما عاش ممدود له أجل ... لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر وأصل الأثر من أثر مشيه في الأرض فإن مات لا يبقى له أثر أي لا يرى لأقدامه

6369 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأرض أثر فمن ثم غلب استعمال انقطاع الأثر في انقراض الأجل والتأخير في الأجل هو ببقاء الذكر الجميل بعده فكأنه لم يمت وإلَّا فالأجل لا يزيد ولا ينقص وقيل قد يكون سبق في أمّ الكتاب أنه إن وصل رحمه فأجله كذا وإن لم يصل فأجله كذا وقال النووي وقيل معنى الزيادة أنه بالبركة فيه بتوفيقه لعمل الطاعة وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة والتوجيه ببقاء ذكره بعد الموت ضعيف اهـ سنوسي. قوله: "أن يبسط عليه رزقه" فيه أن طلب بسط الرزق ليس ممنوعًا وبسط الرزق توسيعه وكثرته وقيل البركة فيه وحاصل معنى هذا الحديث أن من تعوّد صلة الرحم فإنه يبسط له في الرزق ويزاد في عمره أمَّا استشكاله بأن الأرزاق والاجال مقدرة من الله تعالى لا تزيد ولا تنقص فيجاب عنه بأن هذه الزيادة والنقصان بالنسبة إلى التقدير المعفق وهو المكتوب في اللوح المحفوظ معلقًا بشيء كما قال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]، وأما التقدير المبرم أي المقطوع فقد جف القلم بما هو كائن منه ثابت لا تبديل له كما قال تعالى في هذه الآية: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي أصل المكتوب في اللوح المحفوظ الذي لم يعلق وهو الذي لا يقبل المحو والتغيير حُكي هذا المعنى عن عمر رضي الله عنه في الآية كما في المفهم وأجاب بعض العلماء عن هذا الإشكال بأن مراد الحديث ليس هو الزيادة في عدد أيام العمر وإنما المراد حصول البركة فيه بحيث إنه يوفق فيه الإكثار من الأعمال الصالحة التي تنفعه في الآخرة والجواب الأول أولى وأرجح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 229] والبخاري في البيوع باب من أحدبَّ البسط في الرزق [2067] وفي الأدب باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم [5986] وأبو داود في الزكاة باب صلة الرحم [1696]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6369 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدّثني أبي) شعيب بن الليث ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (عن جذي) ليث بن سعد ثقة حجة من (7) (حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم المصري ثقة من (6) روى عنه في (6)

قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". 6370 - (2540) (98) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال: سَمِعْتُ الْعَلاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً، أَصِلُهُمْ ويَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيهِمْ ويسِيئُونَ إِلَيَّ. وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَال: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (قال قال ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عقيل ليونس بن يزيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحبَّ أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه). ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6370 - (2540) (98) (وحدثني محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر) غندر الهذلي (حدثنا شعبة قال سمعت العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني المدني (يحدّث عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل ولا قريبه (قال يا رسول الله إنَّ لي قرابةً) أي أصحاب قرابة ورحم لي (أصلهم) بما أقدر عليه (و) هم (يقطعوني) أي يفعلون بي أسباب القطيعة لي من الهجران لي في الكلام والسب والشتم وقوله (وأحسن إليهم) بالزيارة والإحسان إليهم بالعطاء (ويسيئون إليَّ) أي يفعلون بي الإساءة والإيذاء بالفعل والقول بمعنى ما قبله وكذا قوله (وأحلم) بضم اللام أي أصفح وأعفو (عنهم) جهلهم (و) هم (يجهلون) أي يسيئون ويسطون (عليَّ) أي يقولون قول الجهّال من السب والتقبيح بمعنى ما قبله وفي الكلام الإطناب لغرض الذم. (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم والله (لئن كنت) أيها الرجل صادقًا كما قلت) أي فيما قلت (فكأنما تسفهم) أي تطعمهم (الملَّ) أي الرماد الحار (ولا يزال) كائنًا (معك من) جهة (الله ظهير) أي معين لك (عليهم) دافع عنك لأذاهم (ما دمت على ذلك) الذي ذكرته من الوصل والإحسان والحلم قوله: "فكأنما

6371 - (2541) (99) حدّثني يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ تسفهم المل" مأخوذ من أسف البعير إذا علفه اليبس كما في القاموس والمراد منه الإطعام والمل الرماد الحار يعني فكأنما تطعمهم الرّماد الحارَّ لما يلحقهم من الإثم قال التوربشتي أي إحسانك إليهم إذا كانوا يقابلونه بالإساءة يعود وبالًا عليهم حتى كانك في إحسانك إليهم مع إساءتهم إيَّاك أطعمتهم النار كذا في شرح السنوسي قال القرطبي قوله: "فكأنما تسفهم" الرواية بضم التاء وكسر السين وضم الفاء المشددة أي تجعلهم يسفونه من السف وهو شرب كل دواء يؤخذ غير متلوث وهو في الأصل أكل السويق يابسًا تقول سففت الدّواء وغيره كالسويق إذا أكلته غير معجون وأسففته غيري أي جعلته يسفه والمل الرماد الحار يقال أطعمنا خبز ملة ومعنى ذلك أن إحسانك إليهم مع إساءتهم لك يتنزل في قلوبهم منزلة النار المحرقة لما يجدون من ألم الخزي والفضيحة والعار الناشئ في قلب من قابل الإحسان بالإساءة قوله: "ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك" والظهير المعين ومعناه أن الله تعالى يؤيّدك بالصبر على جفائهم وحسن الخلق معهم ويعليك عليهم في الدنيا والآخرة مدة دوامك على معاملتك لهم بما ذكرت اهـ من المفهم وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [2/ 300]. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو النهي عن التحاسد إلخ بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6371 - (2541) (99) (حدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا) أي لا يبغض بعضكم بعضًا والبغض ضد الحب والبغضة بالكسر والبغضاء شدته كما في القاموس أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن الحب والبغض معان قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها ولا يملك التصرف فيها كما قال صلى الله عليه وسلم "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي يعني الحب والبغض (ولا تحاسدوا) أي لا يحسد بعضكم بعضًا والحسد في اللغة أن تتمنى زوال نعمة المحسود

وَلَا تَدَابَرُوا. وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعودها إليك يقال حسده يحسده حسودًا من باب قعد قال الأخفش وبعضهم يقول يحسد بالكسر والمصدر حسدًا بالتحريك وحسادة وحسدتك على الشيء وحسدتك الشيء بمعنى واحد. وأما الغبطة فهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه تقول منه غبطته بما نال غبطًا وغبطة وقد يوضع الحسد موضع الغبطة لتقاربهما كما قال صلى الله عليه وسلم "لا حسد إلا في اثنتين" متفق عليه أي لا غبطة أعظم ولا أحق من الغبطة بهاتين الخصلتين اهـ من المفهم (ولا تدابروا) أي لا تفعلوا فعل المتباغضين اللذين يدبر كل واحد منهما عن الآخر أي يوليه دبره من المدابرة وهو جعل كل واحد من المتباغضين دبره وقفاه إلى الآخر ولا يواجهه بوجهه بغضًا له وكراهية رؤية وجهه وهي كناية عن المقاطعة (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) أي مثل إخوان النسب في الشفقة والرحمة والمودة والمواساة والمعاونة والنصيحة كما أمركم الله سبحانه وتعالى بكونكم إخوانًا أمرًا ضمنيًا لا صريحًا بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، فإنه خبر عن الخصلة المطلوبة للمؤمنين التي ينبغي لهم أن يكونوا عليها ففيها معنى الأمر ويحتمل أن يريد بأمر الله هذا الأمر الذي هو قوله صلى الله عليه وسلم كونوا إخوانًا لأن أمره صلّى الله عليه وسلم هو أمر الله وهو مبلّغ له قال النووي والمعنى أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال اهـ (ولا يحل لمسلم أن يهجر) في الكلام والسلام (أخاه) المسلم ويعرض عنه (فوق ثلاث) من الليالي يعني أن الهجرة في الكلام دون الثلاث معفو عنها وسببه أن البشر لا بد له غالبًا من سوء خلق وغضب فسامحه الشرع في هذه المدة لأن الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه ولأنه لا يمكنه رد الغضب في تلك المدة غالبًا وبعد ذلك يضعف فيمكن رده بل قد يمحى أثره وظاهر هذا الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث وقد أكّد هذا المعنى قوله لا هجرة بعد ثلاث وكون المتهاجرين لا يغفر لهما حتى يصطلحا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 100] والبخاري في الأدب باب

6372 - (00) (00) حدَّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال. ح وحدّثنيه حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. 6373 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ ابْنُ عُيَينَةَ: "وَلَا تَقَاطَعُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ينهى من التحاسد والتدابر [6065] وباب الهجرة [6076] وأبو داود في الأدب باب من يهجر أخاه المسلم [4910] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الحسد [1936]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6372 - (00) (00) (حدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي أبو محمد الأعور البغدادي صدوق من (10) (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي الأبرش ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمد بن الوليد) بن عامر (الزبيدي) مصغرًا الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الزبيدي لمالك بن أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ح) وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرني ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة يونس لمالك وساق كل من الزبيدي ويونس (بمثل حديث مالك) بن أنس عن الزهري. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6373 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن ابن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أنس (و) لكن (زاد ابن عيينة) على جميع من روى عن الزهري لفظة (ولا تقاطعوا) أي لا تفعلوا أسباب التقاطع التي تقطع بعضكم

6374 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا رِوَايَةُ يَزِيدَ عَنْهُ فَكَرِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. يذْكُرُ الْخِصَال الأَرْبَعَ جَمِيعًا، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: "وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا". 6375 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن بعض من الحسد والغيبة والسب والشتم والبغض وهو من ذكر العام بعد الخاص وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمن روى عن الزهري. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6374 - (00) (00) (حدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) التيمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابًا (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11) (كلاهما) أي كل من ابني رافع وحميد رويا (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (جميعًا) أي كل من يزيد وعبد الرزاق رويا (عن معمر) بن راشد الأزدي (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أنس وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة معمر لمن روى عن الزهري (أمَّا رواية يزيد) بن زريع (عنه فكرواية سفيان) بن عيينة (عن الزهري بذكر) أي في ذكر (الخصال الأربعة جميعًا) وهي عدم التباغض وعدم التحاسد وعدم التدابر وكونهم إخوانًا كالإخوة النسبية في الشفقة والتوادد والتناصح والله أعلم اهـ محمد الدهني (وأمَّا حديث عبد الرزَّاق) وروايته فهي بلفظة (ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا) بدون ذكر التباغض والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6375 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (حدثنا شعبة عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة قتادة للزهري

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا". 6376 - (00) (00) حدّثنيه عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، وَزَادَ: "كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ". 6377 - (2542) (100) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَحِل لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ. يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحاصدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا) بترك تدابروا (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) في الدين كإخوة النسب في الشفقة والمحبة والملاطفة والمناصرة والمناصحة. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6376 - (00) (00) (حدثنيه علي بن نصر) بن علي بن صهبان البصري (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة محلة في البصرة (حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد الأزدي البصري ثقة من (9) (حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس غرضه بيان متابعة وهب لأبي داود وساق وهب (مثله) أي مثل حديث أبي داود (و) لكن (زاد) وهب على أبي داود لفظة (كما أمركم الله) تعالى. ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو تحريم الهجر فوق ثلاث بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: 6377 - (2542) (100) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي) الجدعيّ بضم الجيم أبي يزيد المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي أيوب الأنصاري) خالد بن زيد المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحلُّ لمسلم) ولا مسلمة (أن يهجر) من باب نصر (أخاه) المسلم في الكلام وفي السلام ابتداءً واجابة (فوق ثلاث ليال) حالة كونهما (يلتقيان فيعرض هذا) الذي جاء من

وَيُعْرِضُ هَذَا. وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ اليمين عن هذا الذي جاء من اليسار (ويعرض هذا) الذي جاء من اليسار عن هذا الذي جاء من اليمين أي يعرض كل واحد منهما بجانبه عن الآخر. و (الهجر) بفتح الهاء وسكون الجيم وكذا (الهجران) بكسر الهاء لغة ترك الشيء كلامًا كان أو غيره وعرفًا ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا ثم اختلفوا في حد الهجران الممنوع بهذا الحديث فقال أكثر العلماء هو ترك السلام فمن بدأ بالسلام خرج من إثم الهجران كما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث (وخيرهما) أي خير المتلاقيين (الذي يبدأ بالسّلام) هذا في الابتداء بالسلام أما رد السلام فهو واجب على كل حال فمن تركه حتى في ليلة واحدة حتى في مرة فهو آثم أما ترك الابتداء بالسلام بقصد الهجران فليس آثمًا ما لم يدم ثلاثة أيام وقيل لا يخرج عن إثم الهجران بمجرد السلام حتى يعود على ما كان عليه من المكالمة وهذا القول مروي عن الإمام أحمد بن حنبل وابن القاسم والقاضي عياض كما في فتح الباري [1/ 496] والظاهر أن الهجران الممنوع هو ترك السلام والكلام جميعًا فلو سلم ثم قصد ترك الكلام معه حتى في مواضع الضرورة أو لم يجبه حينما خاطبه بشيء كان ذلك من الهجران الممنوع ومجرد الاكتفاء بالسلام لا يخرجه من الهجران لأن القصد بترك الكلام معه بعد السلام مما يؤذي صاحبه والمقصود من الحديث التجنب عن إيذاء أخيه أما قوله صلى الله عليه وسلم "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" فإنه ليس معناه الاقتصار على السلام وإنما خرج الحديث مخرج الغالب فإن المسلمين يفتتحون مكالمتهم بالسلام فالمعنى أن خيرهما من يبدأ بالكلام ويجعل السلام على الآخر فاتحة لكلامه معه لا أنه يسقم عليه ثم يعرض عنه لأنه حينئذ يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 422] والبخاري في الاستئذان باب السلام للمعرفة وغير المعرفة [6237] وفي الأدب باب الهجرة [6077] وأبو داود في الأدب باب فيمن يهجر أخاه المسلم [4911] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في كراهية الهجر للمسلم [1933]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال:

6378 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيدِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ مَالِكٍ، وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. إلا قَوْلَهُ: "فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا" فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا قَالُوا فِي حَدِيثِهِمْ، غَيرَ مَالِكٍ: "فَيَصُدُّ هذَا وَيصُدُّ هَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6378 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (ح وحدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي صدوق من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمد بن الوليد (الزبيدي) مصغرًا أبي الهذيل الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي كلهم رووا (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من سفيان في السند الأول ويونس في السند الثاني والزبيدي في السند الثالث ومعمر في السند الرابع رووا (عن الزهري بإسناد مالك) يعني عن عطاء عن أبي أيوب (و) بـ (ـمثل حديثه) أي وبمثل حديث مالك السابق لفظًا ومعنىً ومثل بالجر معطوف على إسناد مالك كما قررناه في الحل وقوله (إلا قوله) أي إلا قول مالك في روايته (فيعرض هذا ويعرض هذا) استثناء من المماثلة وإنما استثنى عن المماثلة (لأنهم) أي لأن هؤلاء الأربعة المذكورة آنفًا حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين على المخالفة لمالك أي فإنهم قالوا جميعًا (في حديثهم) أي في روايتهم (غير مالك) هذا حشو لا حاجة إليه أو أتى به إيضاحًا للمعلوم من المقام للمبتدي أي قالوا لفظة (فيصدُّ هذا) أي يعرض هذا عن ذلك (ويصدُّ هذا) عن ذلك الآخر ويصد بمعنى يعرض فهو اختلاف لفظي أي يولِّيه عرضه أي جانبه اهـ نووي. قال الخطابي رخص للمسلم أن يغضب على أخيه ثلاث ليال لقلته ولا يجوز فوقها إلا إذا كان الهجران في حق من حقوق الله تعالى فيجوز فوق ذلك وفي حاشية السيوطي

6379 - (2543) (101) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ)، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَحِل لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثةِ أَيَّامٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على الموطأ قال ابن عبد البر هذا مخصوص بحديث كعب بن مالك وصاحبيه حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بهجرهم يعني زيادة على ثلاث إلى أن بلغ خمسين ليلة قال وأجمع العلماء على أن من خاف من مكالمة أحد وصلته ما يفسد عليه دينه أو يدخل مضرة في دنياه يجوز له مجانبته وبعده ورب صرم جميل خير من مخالطة من تؤذيه قوله "وخيرهما" أي أكثرهما ثوابًا "الذي يبدأ صاحبه بالسلام" معناه أن الذي يبدأ بقطع الهجرة فسبق صاحبه بالسلام أحسن خلقًا وأعظم أجرًا وما ذكرناه من جواز الهجران في الثلاث هو مذهب الجمهور والمعتبر ثلاث ليال فإن بدأ بالهجرة في بعض يوم فله أن يلغي ذلك البعض ويعتبر ليلة ذلك اليوم فيكون أول الزمان الذي أبيحت فيه الهجرة ثم بانفصال الليلة الثالثة تحرم الهجرة على ما قدمناه وهذا الهجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه به إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي أيوب بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 6379 - (2543) (101) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا محمد) بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي المدني صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا الضحاك وهو ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن نافع عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) قوله "أن يهجر أخاه" المراد بالأُخوة أخوة الإسلام فمن لم يكن كذلك جاز هجره فوق الثلاث والمراد بالهجر فيما يقع بين الناس من عيب أو موجدة أو تقصير في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان في جانب الدين فإن هجرة أهل البدع دائمة ما لم تظهر التوبة فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاف على كعب بن مالك وصاحبيه النفاق حين تخلّفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرهم فهجروا خمسين يومًا وهجر نساءه صلى الله عليه وسلم شهرًا وهجرت عائشة ابن الزبير

6380 - (2544) (102) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلاثٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مدة ومات جماعة من الصحابة مهاجرين لآخرين منهم اهـ أبي وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي أيوب بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6380 - (2544) (102) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبد الدراوردي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا هجرة بعد ثلاث) ليال والهجرة بكسر الهاء وسكون الجيم اسم هيئة من الهَجر والهِجران بكسر الهاء وسكون الجيم فيهما وهما مصدران لهجر الثلاثي يقال هجر في الكلام إذا سكت وهذا الحديث أيضًا مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر حديثًا الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث حديث النواس بن سمعان ذكره للاستدلال به على الجزء الئالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد به والسادس حديث جبير بن مطعم ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسابع حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد والتاسع حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والعاشر حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستدلال على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والحادي عشر حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد والثاني عشر حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد والله تعالى أعلم. ***

724 - (13) باب النهي عن الظن السييء والتجسس ونحوهما وما يحرم على المسلم من المسلم والنهي عن الشحناء وفضل الحب في الله وفضل عيادة المرضى

724 - (13) باب النهي عن الظن السيِّيء والتجسس ونحوهما وما يحرم على المسلم من المسلم والنهي عن الشحناء وفضْل الحبّ في الله وفضْل عيادة المرضى 6381 - (2545) (103) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ. فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 724 - (13) باب النهي عن الظن السيِّيء والتجسس ونحوهما وما يحرم على المسلم من المسلم والنهي عن الشحناء وفضْل الحبّ في الله وفضْل عيادة المرضى 6381 - (2545) (103) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظنَّ) السيئ أي باعدوا أنفسكم عن ظن السوء بالغير والظنّ هنا هو التهمة ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها كتهمة من يتهم الإنسان بفاحشة أو بشرب الخمر أو بسرقة ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله بعد هذا "ولا تحسّسوا ولا تجسَّسوا" وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداءً فيريد أن يتجسس خبر ذلك يبحث عنه ويتبصّر ويستمع ليحقق ما وقع له من تلك التهمة فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقد جاء في بعض الحديث "إذا ظننت فلا تحقق" ذكره ابن عبد البر في التمهيد [6/ 125] والحافظ في فتح الباري [10/ 213] وقال الله تعالى: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12]، وذلك أن المنافقين تطيّروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه حين انصرفوا إلى الحديبية فقالوا إن محمدًا وأصحابه أكلة رأس ولن يرجعوا إليكم أبدًا وذلك ظنهم السيئ الذي وبخهم الله عليه وهو من نوع ما نهى عنه الشرع إلا أنه أقبحُ النَّوع وأما الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد الاحتمالين أو بمعنى اليقين فغير مرادٍ من الحديث ولا من الآية يقينًا فلا يلتفت لقول من استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي كما قررناه في الأصول اهـ من المفهم. (فإنَّ الظنَّ) السيئ (كذبُ الحديث) وأقبحه أي أقوى مستندًا من أحاديث النفس التي منها الهاجس والخاطر والتردد والشك والوهم لقربه إلى اليقين وللمؤاخذة به دون

وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُموا، وَلَا تَنَافَسُوا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخاطر والهاجس مثلًا قال الخطابي إن المحرم من أحاديث النفس الظن وهو ما يستمر عليه صاحبه ويتفرق قلبه دون ما يعرض على القلب ولا يستقر فيه كالخاطر والشك والوهم اهـ من الدهني بتصرف وزيادة قال الحافظ في الفتح [1/ 482] أمَّا وصف الظنِّ بكونه أكذب الحديث مع أن تعمّد الكذب الذي لا يستند إلى ظنَّ أصلًا أشد من الأمر الذي يستند إلى الظن فللإشارة إلى أن الظن المنهي عنه هو الذي لا يستند إلى شيء يجوز الاعتماد عليه فيكون الجازم كاذبًا وإنما صار أشد من الكذب لأن الكذب في أصله مستقبح مستغنىً عن ذمه بخلاف هذا فإن صاحبه بزعمه مستند إلى شيء فوصف بكونه أشد الكذب مبالغة في ذمة والتنفير عنه دماشارة إلى أن الاغترار به أكثر من الكذب المحض لخفائه غالبًا ووضوح الكذب المحض ويحتمل أيضًا أن يكون المراد من الحديث حديث النفس وهو الحديث الذي يدور في القلب وهو على أقسام كالهاجس والخاطر والوهم والشك والتردد وما كان منه بدون اختيار الإنسان فهو معفو عنه وإن كان كاذبًا أما الظن الممنوع فهو ما يجزم به المرء بدون تحقق ويتهم به غيره فهو أشد من حديث النفس الذي لا يجزم وبالنظر إلى هذه الجهة وصف بكونه أكذب الحديث ويحتمل أن المراد بالحديث هو الكلام وبالظن التهمة الملفوظة المبنية على الظن فكأنه صلَّى الله عليه وسلم قال إن اتهام رجل مسلم بدون تحقيق هو أشد من الكلام الكاذب الذي لا تهمة فيه لأحد فإنه لا ضرر فيه لمسلم بخلاف التهمة فإنها تجمع بين أمرين الكذب وإضرار الرجل الآخر والله أعلم. (ولا تحسّسوا) بحذف إحدى التاءين مع الحاء المهملة أي لا تبحثوا بحواسّكم الخمسة من العين والأذن والشم والذوق واللمس عمّا لا يدرك إلا بها كالبحث عن رائحة الخمر بالشم وطعمها بالذوق وعن صوت الملاهي والمزامير بالسمع مثلًا (ولا تجسّسوا) بحذف إحدى التاءين مع الجيم وهو البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يكون في الشر ومنه الجاسوس وهو صاحب سر الشر أي لا تبحثوا عن معايب الناس وعوراتهم بعقولكم وأفكاركم وبحواسكم وعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص وقيل من عطف المرادف للتأكيد والمراد لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتّبعوها ورُوي عن يحيى بن أبي كثير أن المراد من التجسس بالجيم البحث عن عوراتهم وبالتحسس بالحاء استماع حديث القوم وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وبالحاء البحث عما يدرك بالحواس الظاهرة ورجّحه القرطبي والنهي عنهما إذا لم يتعينا طريقًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاله الحافظ في الفتح. (ولا تنافسوا) أي

وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا". 6382 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَهَجَّرُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تتنافسوا بحذف إحدى التاءين أي لا تبادروا ولا تسارعوا إلى المنافسة والرّغبة في الدنيا وأسبابها وحظوظها وأما التنافس في الخير فمأمور به كما قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} أي في الجنة ونعيمها (ولا تحاسدوا) أي لا يحسد بعضكم بعضًا وقد مرّ معنى الحسد قريبًا (ولا تباغضوا) أي يبغض بعضكم بعضًا بقلبه (ولا تدابروا) أي لا يعرض بعضكم عن بعض بوجهه وبكلامه (وكونوا عباد الله إخوانًا) وقد مرّ البحث عن ذلك كله قريبًا فراجعه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 245] والبخاري في مواضع منها في الأدب باب يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظنَّ إلخ [6066] وأبو داود في الأدب باب الغيبة [4882] وباب في الظن [4917] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم [1928]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6382 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) الدراوردي (عن العلاء عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة رضي الله عنه) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب للأعرج (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تهجَّروا) بفتحات مع تشديد الجيم أي لا تتكلّموا بالهُجر بضم الهاء وهو الكلام الفاحش الكاذب كالسبّ والشتم وفي بعض النسخ "ولا تهاجروا" وهما بمعنى واحد أو لا يهجر بعضكم بعضًا بترك المكالمة معه (ولا تدابروا ولا تحسسوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض) بأن يقول للصثمتري افسخ البيع الأول الذي اشتريته من فلان وأنا أبيعك مثله بثمن أرخص منه (وكونوا عباد الله إخوانًا). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6383 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا". 6384 - (00) (00) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِي وَعَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6383 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح للأعرج وعبد الرحمن بن يعقوب (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسَّسوا ولا تحسَّسوا ولا تناجشوا) وهو تفاعل من النجش والنجش في البيع هو أن يمدح السلعة لينفقها ويروِّجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليوقع غيره فيها. والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان اهـ نووي قال القرطبي وفي هذا المعنى بعد لأن صيغة تفاعل لا تكون إلا من اثنين فـ "ـتناجش" لا يكون من واحد والنجش يكون من واحد فافترقا وإن كان أصلهما واحدًا لأن أصل النجش الاستخراج والإثارة يقول نجشت الصيد أنجشه نجشًا إذا أثرته من مكانه وقيل لا تناجشوا معناه لا ينافر بعضكم بعضًا أي لا يعامله من القول بما ينفره كما ينفر الصيد بل يسكنه ويؤنسه كما قال صلى الله عليه وسلم "سكّنا ولا تنفرا" رواه أحمد [3/ 13] والبخاري [6125] بلفظ سكنوا ولا تنفروا وهذا أحسن من الأول وأولى بمساق الحديث والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (وكونوا عباد الله إخوانًا). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6384 - (00) (00) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) المكي ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (وعلي بن نصر) بن علي بن نصر بن علي (الجهضمي) الصغير أبو الحسن البصري ثقة من (11) مات سنة (250) روى عن وهب بن جرير في الصلة وعبد الصمد ويزيد بن هارون ويروي عنه (م د ت س) وابن أبي حاتم وخلق وثقه أبو حاتم وأطنب فيه وقال في التقريب ثقة حافظ

قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: "لَا تَقَاطَعُوا، ولا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا. وَكُونُوا إِخْوَانًا. كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ". 6385 - (00) (00) وحدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَنَافَسُوا. وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا". 6386 - (2546) (104) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، (يَعْنِي ابْنَ قَيسٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ كلاهما (قالا حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا شعبة عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد وقال شعبة في روايته (لا تقاطعوا) أي لا تقطعوا المؤاخاة والمواصلة بينكم (ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا إخوانًا كما أمركم الله) سبحانه وتعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6385 - (00) (00) (وحدَّثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) أبو جعفر النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبّان) بفتح المهملة والموحدة المشددة بن هلال الباهليّ البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سهيل لسليمان الأعمش (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخوانًا). ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة يعني بيان ما للمسلم على المسلم بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6386 - (2546) (104) (حدَّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري المدني ثقة من (9) (حدثنا داود يعني ابن قيس) الفرَّاء الدبّاغ القرشي مولاهم

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيزٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمٍ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو سليمان المدني ثقة من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي سعيد مولى) عبد الله بن (عامر بن كريز) مصغرًا الخزاعي روى عن أبي هريرة في الصلاة والبر والصلة والحسن البصري وأُسامة بن زيد ويروي عنه (م س ق) وداود بن قيس وصفوان بن سليم ومحمد بن عجلان والعلاء بن عبد الرحمن وغيرهم وثقه ابن حبان وقال الذهبي في الكاشف ثقة وقال في التقريب مقبول من الرابعة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض) منكم (وكونوا عباد الله إخوانًا المسلم أخو المسلم لا يظلمه) من باب ضرب أي لا ينقصه حقه أو يمنعه حقه (ولا يخذله) من باب نصر أي لا يتركه لمن يظلمه ولا ينصره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا فقال كيف أنصره ظالمًا قال تكفه عن الظلم فذلك نصره" رواه أحمد والبخاري والترمذي والمعنى أي لا يترك نصره ومعونته إذا احتاج إليه في الحق قاله القاضي عياض وقال النووي معناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي ويؤيده ما وقع في حديث ابن عمر عند البخاري في المظالم [2424] "لا يظلمه ولا يسلمه" ويقال أسلم فلان فلانًا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه قال الحافظ في الفتح [5/ 97] أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع وهذا أخص من ترك الظلم وقد يكون واجبا أو مندوبا بحسب اختلاف الأحوال وزاد الطبراني من طريق أخرى عن سالم "ولا يسلمه في مصيبة نزلت به" ولعل وجوب النصرة إنما يتوجه إذا رأى مسلمًا يشارف الهلاك أو يلحقه ضرر شديد وهو قادر على دفعه بدون مضرة تلحقه والنصرة في غيره من الأحوال مندوبة (ولا يحقره) من باب ضرب أي لا ينظره بعين الاستصغار والقلة وهذا إنما يصدر في الغالب عمن غلب عليه الكبر والجهل وذلك أنه لا يصح له استصغار غيره حتى ينظر إلى نفسه بعين أنه أكبر منه وأعظم وذلك جهل بنفسه وبحال المحتقر فقد يكون فيه ما يقتضي عكس ما وقع للمتكبر اهـ من المفهم.

التَّقْوَى ههُنَا" ويشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ. دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: "ولا يحقره" بكسر القاف من باب ضرب كما مر أي لا يحتقره فلا ينكر على أحواله الخارجة عن اختياره كالدّمامة وقلة المال ودناءة النسب ولا يستصغر شخصيته ولا يستقلها ولو رأى منه منكرًا أنكر على فعله لا على شخصه ورواه بعضهم "ولا يخفره" أي لا يغدر عهده ولا ينقض أمانه والصواب المعروف هو الأول ثم قال صلى الله عليه وسلم (التقوى ها هنا و) الحال أنه (يشير إلى صدره ثلاث مرات) ومعنى هذا الكلام على ما فسره النووي أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته وقال القرطبي التقوى مصدر اتّقى تُقاة وتقوى وأن التاء فيه بدل من الواو لأنه من الوقاية والمتقي هو الذي يجعل بينه وبين ما يخافه من المكروه وقاية تقية منه ولذلك يقال اتقى الطعنة بدرقته وبترسه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة والمعنى اجعلوا هذه الأمور وقاية بينكم وبين النار وعلى هذا فالمتقي شرعًا هو الذي يخاف الله تعالى ويجعل بينه وبين عذابه وقاية من طاعته وحاجزًا عن مخالفته فإذًا أصل التقوى الخوف والخوف إنما ينشأ عن المعرفة بجلال الله وعظمته وعظيم سلطانه وعقابه والخوف والمعرفة محلهما القلب والقلب محله الصدر فلذلك أشار صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال التقوى والتقوى خصلة عظيمة وحالة شريفة آخذة بمجامع علوم الشريعة وأعمالها موصلة إلى خيري الدنيا والآخرة والكلام في التقوى وتفاصيلها وأحكامها وبيان ما يترتب عليها يستدعي تطويلًا قد ذكره أرباب القلوب الضافية في كتبهم المطولة وليس كتابنا محلًّا لها لأنه من المختصرات التي وضعت لبيان الأغراض المهمّة في هذا الجامع المبارك للطلاب رجاء منهم صالحَ الدعوة في الحياة وبعد الممات (بحسب امرئ من) جهة (الشرّ) والباء فيه زائدة وهو بإسكان السين لا بفتحها وهو خبر مقدم لمبتدأ منسبك من جملة قوله (أن يحقر أخاه المسلم) تقديره حسب امرئ من الشرّ احتقاره وإهانته أخاه المسلم أي كافيه من الشر ذلك فإنه النصيب الأكبر والحظ الأوفى ويفيد أن احتقار المسلم حرام اهـ من المفهم (كل المسلم) أي كل ماله من متعلقاته (على المسلم حرام) بسبب أخوة الدين وقوله (دمه) أي إراقة دمه (وماله) أي أخذ ماله (وعرضه) أي طعن

6387 - (00) (00) حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ، (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ)؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيزٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ دَاوُدَ، وَزَادَ، وَنَقَصَ، وَمِمَّا زَادَ فِيهِ: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ" وَأَشَارَ بِأَصابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ. 6489 - (34) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عرضه أي كل ما ذكر حرام على أخيه المسلم تفصيل لقوله كل المسلم كما أشرنا إليه في الحل آنفًا وهذا الحديث نفس الحديث الذي قبله غير أن فيه بعض الزيادة وأخرجه الترمذي أيضًا وأحمد في مسنده [2/ 277 و 365] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6387 - (00) (00) (حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم المصري (عن أسامه وهو ابن زيد) الليثي المدني صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (أنه سمع أبا سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز) الخزاعي المدني (يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أسامة بن زيد لداود بن قيس (فذكر) أسامة (نحو حديث داود وزاد) أسامة على داود بعض الزيادة (ونقص) عن حديث داود بعض النقص (ومما زاد) أسامة على داود (فيه) أي في الحديث قوله (أن الله لا ينظر إلى) كبر (أجسادكم ولا إلى) جمال (صوركم ولكن ينظر إلى) نية (قلوبكم) وإخلاصها لله (وأشار) النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله إلى قلوبكم (باصابعه إلى صدره) لأن القلب في الصدر ونظر الله سبحانه وتعالى إلى قلوب عباده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيّفها ولا نمثلها أثرها الإثابة على ما فيها من الإخلاص، والانتقام على ما فيها من الشرك. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6489 - (34) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا كثير بن هشام) الكلابي أبو سهل الرقي نزيل بغداد ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا

جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ". 6389 - (2547) (105) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "تُفَتْحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَينِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر بن برقان) الكلابي مولاهم الرقي صدوق من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن يزيد بن الأصمِّ) عمرو بن عبيد البكّائي الكوفي نزيل الرقة ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة يزيد بن الأصم لأبي سعيد مولى عامر بن كريز (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لا ينظر إلى) جمال (صوركم و) إلى كئرة (أموالكم ولكن ينظر إلى) نية (قلوبكم و) إلى إخلاص (أعمالكم) والحاصل أن من حسن عمله وصلحت نيته سواء كان نحيف الجسم دميم الصورة فارغ اليد رضي الله عنه ونظر إليه ومن ساء عمله وفسدت نيته سخط الله عليه وأعرض عنه وإن كان كبير الجسم جميل الصورة كثير المال وقال محمد الدهني يعني أن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم المجرّدة عن السيرة المرضية ولا إلى أموالكم العارية عن الخيرات ولكن ينظر إلى قلوبكم التي هي محل التقوى وأعمالكم التي يتقرب بها إلى الله العلي الأعلى اهـ. ثم استدل المؤلف على الجزء الئالث من الترجمة وهي النهي عن الشحناء بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6389 - (2547) (105) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (فيما قرئ عليه عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب الجنة) الثمانية (يوم الإثنين) أعني كل يوم الإثنين من الأسبوع (و) في كل (يوم الخميس) منه فضلًا من الله تعالى وتكرّمًا منه على عباده المؤمنين قال القرطبي وفتح أبواب الجنة في هذين اليومين حقيقة محمول على ظاهره ولا ضرورة تحوج إلى تأويله

فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا. إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بأن الفتح كناية عن المغفرة ورفع الدرجات ويكون فتحها تأهبًا وانتظارًا من الخزنة لروح من يموت في ذينك اليومين ممن غفرت ذنوبه أو يكون فتحها علامة للملائكة على أن الله تعالى غفر في ذينك اليومين للموحِّدين والله تعالى أعلم وهذا الحديث حجة لأهل السنة على قولهم إن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا خلافًا للمبتدعة القائلين بأنهما لم تخلقا بعد وستخلقان (فيغفر لكل عبد) موحد (لا يشرك بالله شيئًا) من المخلوق (إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه) المسلم (شحناء) وبغضاء وعداوة (فيقال) من جهة الله (أنظروا) أي أخروا (هذين) المتباغضين مغفرة ذنوبهما (حتى يصطلحا) ويعفوا عن تباغضهما ويتحابا (أنظروا هذين حتى يصطلحا) ويتحابا (أنظروا هذين حتى يصطلحا) ويتحابا كرره للتأكيد قال القرطبي وقد خصّ الله تعالى هذين اليومين بفتح أبواب الجنة فيهما وبمغفرة الله تعالى لعباده وبأنهما تعرض فيهما الأعمال على الله تعالى كما جاء في الحديث الآخر كما سيأتي وهذه الذنوب التي تغفر في هذين اليومين هي الصغائر والله تعالى أعلم كما تقدم ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" رواه أحمد ومسلم [233] والترمذي [4/ 2] ومع ذلك فرحمة الله وسعت كل شيء وفضله يعم كل حي وميت والمقصود من هذا الحديث التحذير من الإصرار على بغض المسلم ومقاطعته وتحريم استدامة هجرته ومشاحته والأمر بمواصلته ومكارمته اهـ من المفهم. قوله: "إلَّا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء" أي كان بينهما مباغضة فيستثنى من المغفرة وظاهر هذا الحديث أن هذا الرجل لا يغفر له الصغائر أيضًا وليس المراد أنه يغفر له الصغائر. ويترك إثم الشحناء غير مغفور لأن الشحناء من الذنوب العظام والظاهر أنه كبيرة فلو كان المراد أنه لا يغفر له هذه الكبيرة لم يكن لتخصيصه وجه فإن الكبائر كلها مما لا يغفر إلا بالتوبة ولا يظهر وجه لتخصيص الشحناء بالذكر إلا أن يكون المراد أنها مانعة من مغفرة الصغائر أيضًا أو يقال إنما خص بالذكر من بين الكبائر لبيان زيادة شناعتها وأهمية الحذر منها والله أعلم.

6390 - (00) (00) حدّثنيه زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِإِسْنَادِ مَالِكٍ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الدَّرَاوَرْدِيِّ: "إلا الْمُتَهَاجِرَينِ" مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَةَ. وَقَال قُتَيبَةُ: "إلا الْمُهْتَجِرَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله "أنظروا هذين" بفتح الهمزة وكسر الظاء من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير أي أخروا أمرهما قال البيضاوي يعني يقول الله تعالى للملائكة النازلين بهدايا المغفرة أخروا وأمهلوا اهـ زرقاني على الموطأ [4/ 266] قوله "حتى يصطلحا" أي حتى يتصالحا بينهما قال ابن عبد البر إن ذنوب العباد إذا وقع بينهم المغفرة والتجاوز سقطت المطالبة بها من الله تعالى لقوله حتى يصطلحا فإذا اصطلحا غفر لهما ذلك وغيره من صغائر ذنوبهما اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب فيمن يهجر أخاه المسلم [4916] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في المتهاجرين [2524] وابن ماجه في الصيام باب صيام يوم الإثنين والخميس [1744]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6390 - (00) (00) (حدثنيه زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (ح وحدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) البصري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الجهني المدني (الدراوردي كلاهما) أي كل من جرير وعبد العزيز رويا (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (بإسناد مالك) يعني عن أبي هريرة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وعبد العزيز لمالك بن أنس وساقا (نحو حديثه) أي نحو حديث مالك أي مثله (غير أن) أي لكن أن (في حديث الدراوردي) وروايته لفظة (إلا المتهاجرين) حالة كون حديث الدراوردي (من رواية) أحمد (بن عبدة) الضبي (وقال قتيبة) أي وقال الدراوردي في رواية قتيبة عنه لفظة (إلا المُهتجرين) بضم الميم وسكون الهاء وفتح المثناة وكسر الجيم أي المتباغضين. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6391 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ رَفَعَهُ مَرَّةً قَال: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَينِ. فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْم لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا. إلا امْرَأً كَانَتْ بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَرْكُوا هَذَينَ حَتَّى يَصْطَلِحَا. ارْكُوا هَذَينِ حَتى يَصْطَلِحَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6391 - (00) (00) (حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن مسلم بن أبي مريم) يسار السلولي مولاهم المدني ثقة من (4) روى عنه في (2) بابين الصلاة والبر والصلة (عن أبي صالح) السمان (سمع أبا هريرة) حالة كونه (رفعه) أي رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (مرةً) أي تارة ويقفه أخرى وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة مسلم بن أبي مريم لسهيل بن أبي صالح (قال) أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تُعرض الأعمال) أي أعمال العباد على الله سبحانه وتعالى (في كل يوم خميس واثنين فيغفر الله عزَّ وجلَّ في ذلك اليوم) أي في يوم عرض الأعمال عليه وهما اليومان المذكوران (لكل امرئ) وامرأة (لا يشرك بالله شيئًا) من المخلوق الصغائر من الذنوب دون الكبائر لما مر آنفًا (إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه) المسلم (وشحناء) أي بغضاء وعداوة قال في المصباح شحنت البيت وغيره كالسفن شحنًا من باب نفع ملأته وشحنه طرده والشحناء العداوة والبغضاء وشحنت عليه شحنًا من باب تعب حقدت وأظهرت العداوة اهـ (فيقال) من جهة الله (اركوا) أمر للجماعة من باب دعا قال ابن الأعرابي يقال ركاه يركوه إذا آخره وقيل بفتح الهمزة من الإركاء ومعناه التأخير أيضًا أي أخروا أمر (هذين) المتباغضين أي أخروا مغفرة ذنوبهما مطلقًا زجرًا لهما عن الشحناء أو ذنب الشحناء فقط (حتى يصطلحا) أي يرجعا إلى الصلح والمودة وكرره بقوله (اركوا هذين حتى يصطلحا) تأكيدًا لما قبله وفي السنوسي وأتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد تعيينهما وتمييزهما بتلك الخصلة القبيحة بين المسلمين ففيه إشارة إلى عظيم قبحها وشناعتها حتى اشتهر صاحبها وصار كالحاضر المحسوس اهـ. قوله "تعرض الأعمال في كل يوم خميس وإثنين" قال النووي وهذا العرض قد يكون بنقل الأعمال من صحائف الحفظة إلى محل آخر ولعله اللوح المحفوظ كما قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]، قال الحسن الخزنة تستنسخ من الحفظة صحائف الأعمال وقد يكون العرض في هذين اليومين ليباهي الله سبحانه بصالح

6392 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ مُسْلِم بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَينِ. يَوْمَ الاثْنَينِ وَيوْمَ الْخَمِيسِ. فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ. إلا عَبْدًا بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: اتْرُكُوا، أَو ارْكُوا، هَذَينِ حَتَّى يَفِيئَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أعمال بني آدم الملائكة عليهم السلام كما يباهيهم بأهل عرفة وقد يكون العرض لتعليم الملائكة عليهم السلام المقبول من أعمال بني آدم من المردود كما جاء أن الملائكة تصعد بصحائف الأعمال لتعرضها على الله فيقول ضعوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة وعزتك ما علمنا إلا خيرًا فيقول إن هذا كان لغيري ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي وقال الزرقاني في شرح الموطأ [4/ 267] ولا يعارض هذا الحديث ما صحَّ مرفوعًا إن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل. قال الوليّ العراقي لاحتمال عرض الأعمال عليه تعالى كل يوم ثم تعرض عليه كل اثنين وخميس ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضًا بعد عرض ولكل عرض حكمة يستأثر بها مع أنه لا تخفى عليه من أعمالهم خافية أو يطلع عليها من شاء من خلقه ويحتمل أنها تعرض في اليوم تفصيلًا وفي الجمعة إجمالًا أو عكسه اهـ منه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6392 - (00) (00) (حدَّثنا أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصريّ (وعمرو بن سواد) بن الأسود بن عمرو العامري السرحي أبو محمد المصري ثقة من (11) روى عنه في (4) أبواب (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرنا مالك بن أنس عن مسلم بن أبي مريم) يسار السلولي المدني (عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مالك بن أنس لسفيان بن عيينة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض أعمال الناس في كل جمعة) أي في كل أسبوع (مرتين) مرة (يوم الاثنين و) مرة (يوم الخميس فيغفر لكل عبد مومن إلَّا عبدًا بينه وبين أخيه) المسلم (شحناء) أي عداوة (فيقال) للملائكة (اتركوا أو) يقال لهم (اركوا) أي أخروا بالشك من الراوي شأن (هذين) المتشاحنين (حتى يفيئا) ويرجعا عما كانا عليه من الشحناء ويصطلحا ويتحابا في الله تعالى.

6393 - (2548) (106) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ، سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَينَ الْمُتَحَابُونَ بِجَلالِي. الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي. يَوْمَ لَا ظِلَّ إلا ظِلِّي" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو فضل الحب في الله بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6393 - (2548) (156) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) الأنصاري النجاري أبي طوالة المدني قاضيها ثقة من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الحباب سعيد بن يسار) مولى ميمونة وقيل مولى شقران المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي) أي بسبب جلالي وعظمتي وطاعتي أي في أخوّة الإيمان بجلالي لا للدنيا ولا للقرابة ولا للصداقة أي أين الذين يتحابّ بعضهم بعضًا لأخوة الله ودينه. وهو نداء تنويه وإكرام والمراد من المتحابين بجلاله تعالى الذين أحبّ بعضهم بعضًا لرضاء الله سبحانه وتعالى وطاعته لا لمنافع الدنيا اهـ تكملة وفي المرقاة أي إنَّ الله يقول يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تعظيمًا لبعض العباد من العباد "أين المتحابُّون بجلالي" أي بسبب عظمتي ولأجل تعظيمي أو الذين يكون التحابب بينهم لأجل رضاء جنابي وجزاء ثوابي اهـ منه قال القرطبي ويجوز أن يخرج هذا الكلام مخرج الأمر لمن يحضر منهم مكرمين منوَّهين وقوله "بجلالي" روي باللام وبالباء ومعناهما متقارب لأن المقصود بهما هنا السببية أي لعظيم حقي وحرمة طاعتي لا لغرض من أغراض الدنيا (اليوم) أي هذا اليوم الحاضر يعني يوم القيامة (أظلهم في ظلِّي) أي في ظل عرشي (يوم لا ظلّ إلّا ظلّي) أي إلا ظل عرشي وهذه الإضافة إضافة خلق وتشريف وإكرام إذ الظلال كلها ملكه وخلقه وجاء مفسرًا في ظل عرشي وهذا أولى التفاسير وقيل إن في القيامة ظلًّا بحسب الأعمال الصالحة تقي صاحبها من وهج الشمس ولفح النار وأنفاس الخلق كما قال صلَّى الله عليه وسلم الرجل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس ولكن ظل العرش أعظم الظلال وأشرفها فيخص الله به من يشاء من صالحي عباده ومن

6394 - (2549) (107) حدّثني عَبْدُ الأعلَى بْنُ حَمَّادٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِع، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى. فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جملتهم المتحابون لجلال الله فإن قيل كيف يقال في القيامة ظلال بحسب الأعمال وقد قال صلى الله عليه وسلم "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وهو ظل العرش المذكور في الحديث قلنا يمكن أن يقال كل ظلٍّ في القيامة إنما هو له لأنه بخلقه واختراعه بحسب ما يريده تعالى من إكرام من يخصه به فعلى هذا يكون كل واحد من هؤلاء السبعة في ظل يخصه وكلها ظل الله لا ظل غيره إذ ليس لغيره هنالك ظلّ ولا يقدر له على سبب ويحتمل أن يقال إنه ليس هنالك إلا ظل واحد وبه يستظل المؤمنون لكن لما كان الاستظلال بذلك الظل لا ينال إلّا بالأعمال الصالحات نسب لكل عمل ظل لأنه به وصل إليه والله تعالى أعلم وهذا كله بناء على أن الظلال حقيقية لا مجازية وهو قول جمهور العلماء وقال عيسى بن دينار إن معناه يكنّهم من المكاره ويجعلهم في كنفه وستره كما يقال أنا في ظلك أي في حفظك وسترك ورعايتك ومنه قولهم السلطان ظل الله في الأرض اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف لهذا الحديث بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6394 - (2549) (107) (حدّثني عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم البصري المعروف بالنرسي بفتح النون وسكون الراء وبالمهملة نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدَّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أبي رافع) نفيع بن رافع الصّائغ المدني نزيل البصرة ثقة من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى) لم أر أحدًا من الشرّاح ولا من غيرهم ذكر اسم هذا الرجل ولا اسم الأخ ولا اسم القرية أي أراد زيارته (فأرصد الله) سبحانه وتعالى أي أقعد وأجلس (له) أي لانتظار هذا الرجل الزائر (على مدرجته) أي على طريقه إلى الأخ المزور والمدرجة الطريق سميت بذلك لأن الناس يدرجون عليها أي يمضون ويمشون فيها قوله "فأرصد الله" قال القرطبي أي جعل

مَلَكًا. فَلَمَّا أَتَى عَلَيهِ قَال: أَينَ تُرِيدُ؟ قَال: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَال: هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَال: لَا. غَيرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَال: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ". قَال الشَّيخُ أَبُو أَحْمَدَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى ملكًا على طريقه يرصده أي يرتقبه وينتظره ليبشره والمرصد موضع الرّصد والمدرجة بفتح الميم موضع الدّرج وهو المشي اهـ من المفهم (فلما أتى) ومرّ الرجل (عليه) أي على الملك (قال) الملك للرجل (أين تريد) أيها الرجل (قال) الرجل (أريد أخًا لي في هذه القرية) التي أمامي أي أُريد زيارته (قال) الملك (هل لك) أيها الرجل (عليه) أي على ذلك الأخ (من نعمة تربها) أي تقوم بإصلاحها فتتعاهده بسببها وتنهض إليه لأجلها (قال) الرجل للملك (لا) أي ليس لي عليه نعمة (غير أني أحببته في الله عزَّ وجلَّ قال) الملك (فإني رسول الله) أرسلت (إليك) لأبشرك (بأن الله قد أحبّك كما أحببته) أي كما أحببت أخاك (فيه) أي في الله لأجل أخوّة الله قوله "ترُبُّها" بضم الراء والموحدة المشددة أي تقوم بإصلاحها وإتمامها وتعاهدها أي هل هو مملوكك أو ولدك أو غيرهما ممن هو في نفقتك وشفقتك لتحسن إليه من رب فلان الضيعة أي أصلحها وأتمها وفي بعض النسخ "هل له عليك من نعمة ترُبُّها" أي تقوم بشكرها اهـ مرقاة "فقال لا" أي لم أزره لغرض من أغراض الدنيا ثم أخبر بأنه إنما زاره من أجل أنه أحبه في الله تعالى فبشره الملك بأن الله تعالى قد أحبّه بسبب ذلك وقد تقدم لك بيان معنى محبة الله لعبده بأنه صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها إكرامه وإحسانه إليه ومعنى محبة العبد لله تعالى امتثال مأموراته واجتناب نواهيه وفي هذا الحديث ما يدل على أن الحب في الله والتزاور فيه من أفضل الأعمال وأعظم القرب إذا تجرّد ذلك عن أغراض الدنيا وأهواء النفوس وقد قال صلى الله عليه وسلم "من أحبَّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" رواه أحمد [3/ 438 و 440] وأبو داود [4681]. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [2/ 292]. قال بعض من روى عن الجلودي أو قال هو نفسه على سبيل التجريد البديعي (قال الشيخ أبو أحمد) محمد بن عيسى الجلودي النيسابوري (أخبرني أبو بكر محمد) بن عبد

ابْنُ زَنْجُوَيَةَ القُشَيرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 6395 - (2550) (108) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِيَانِ ابْنَ زَيدٍ)، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ - (قَال أَبُو الرَّبِيعِ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) - وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الملك (بن زنجويه القشيري) الغزّال نسب هنا إلى جده لشهرته به وكان جارًا للإمام أحمد بن حنبل سمع منه أبو حاتم وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات قال ابن مخلد مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين ومائتين كما في التهذيب [9/ 315] قال أبو بكر (حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حمّاد بن سلمة) وقوله (بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة متعلق بأخبرني أي أخبرني أبو بكر بن زنجويه بهذا الإسناد (نحوه) أي نحو ما أخبرني الإمام مسلم عن عبد الأعلى بن حمّاد غرضه بيان متابعة ابن زنجويه للإمام مسلم في الرواية عن عبد الأعلى وهذه الرواية ليست من إخراج الإمام مسلم وإنما ذكرها تلميذه الشيخ أبو أحمد الجلودي للمتابعة فإنه سمعها من محمد بن زنجويه بمثل ما سمعها من الإمام مسلم ولذلك لم يعتبر محمد بن زنجويه من رجال مسلم ورمز إليه في التهذيب بالأربعة فقط. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو فضل عيادة المرضى بحديث ثوبان رضي الله عنه فقال: 6395 - (2550) (108) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني ثقة من (10) روى عنه في (15) بابا (وأبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (قالا حدثنا حماد يعنيان ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) (عن أيوب) السختياني العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي أسماء) الرحبي عمرو بن مرثد الدمشقي ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ثوبان) بن بجدد الشامي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته (قال أبو الربيع) في روايته لفظة (رفعه) أي قال أبو أسماء حدثنا ثوبان حالة كونه رفعه أي رفع هذا الحديث (إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وفي حديث سعيد) بن منصور وروايته لفظة

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ". 6396 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) ثوبان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائد المريض في مخرفة) وسكة (الجنة حتى يرجع) من عند المريض قال المازري المخرفة بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء قال شمر هي السكة بين صفين من نخل يجتنى من أيهما شاء وقال غيره هي الطريق ومنه قول عمر تركتكم على مثل مخرفة النعم أي على مثل طرقها. وقال القاضي عياض وقيل هي البستان الذي فيه الفاكهة تخترف وقيل الفاكهة وقيل القطعة من النخل وقال الخطّابي المخرفة بفتح الميم الفاكهة نفسها وأما بكسر الميم فالوعاء الذي يجتنى فيه ومنهم من يفتح الميم ويجعله كالمسجد والمسجد موضع السجود قال القرطبي ومعنى الحديث أن عائد المريض لما نال من أجر العيادة الموصل إلى الجئة كأنه يجني ثمرات الجنة أو كأنه في مخرفة الجنة أي في طريقها الموصل إلى الاختراف وسُمي الخريف خريفًا لأنه فصل تخترف فيه الثمار قال القاضي عياض عيادة المريض عظيمة الأجر وهي فرض كفاية لأن المريض لا يقدر أن يتصرف ولو لم يعد لضاع حاله وهلك لا سيّما الغريب أوالضعيف وهو من إغاثة الملهوف وانقاذ الغريق قال القرطبي ولفظ العيادة يقتضي التكرار والرّجوع إليه مرة بعد أخرى ليعلم حاله اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الجنائز باب ما جاء في عيادة المريض [967]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال: 6396 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (أخبرنا هيثم) بن بشير السلمي الواسطي (عن خالد) بن مهران الحذاء المجاشعي أبي المنازل البصري ثقة من (5) روى عنه في (15) بابا (عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بسوقه بيان متابعة خالد الحذاء لأيوب السختياني (قال) ثوبان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد) وزار

مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ". 6397 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (مريضًا) لمرضه (لم يزل) ماشيًا (في خرفة الجنة) أي في الطريق الموصل إلى الجنة والخرفة بضم الخاء المعجمة وقد تفتح والراء ساكنة ما يخترف أي يجتنى من الثمرات أي لم يزل كأنه في بستان يجتني منه الثمر شبّه ما يحوزه العائد من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر وقيل المراد بالخرفة هنا الطريق اهـ مناوي وفي النهاية الخرفة بالضم اسم ما يخترف من النخل حين يدرك اهـ (حتى يرجع) إلى بيته قال الأبي والمحكم في المرض الذي يعاد منه العرف ولا ينبغي أن يعجل الرجوع إلا لمن يعلم أنه لا يكره ذلك ولا يعاد من يعلم أنه يكره ذلك ولا ينبغي أن يذكر عند المريض ما يؤلمه من حال مرضه اهـ ولا يبعد أن يضع العائد يده على يد المريض. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6397 - (00) (00) (حدَّثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) أبو زكريا البصري ثقة من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرًا التيمي أبو معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا خالد) الحذاء المجاشعي البصري ثقة من (5) (عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي) البصري (عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يزيد لهيثم (قال) النبي صلَّى الله عليه وسلم (إنَّ المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل) من أن يكون (في خرفة الجنة) أي في بستانها (حتى يرجع) من عيادته. ومن آداب العيادة أن لا يطيل في جلوسه أو إقامته عند المريض إلا إذا كان من أقاربه أو ممرضيه الذين يستأنس بهم وأن لا يأتيه في أوقات راحته لئلا يتأذى بذلك والحاصل أن يكون المقصود إراحته وتسليته والاجتناب عمّا يسوءه أو يؤذيه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال:

6398 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ، (وَهُوَ أَبُو قِلابَةَ)، عَنْ أَبِي الأشعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَال: "جَنَاهَا". 6399 - (00) (00) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاويةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6398 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا) أي كلاهما رويا (عن يزيد) بن هارون بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (واللفظ) الآتي (لزهير أخبرنا عاصم) بن سليمان (الأحول) التميمي البصري ثقة من (4) روى عنه في (17) بابا (عن عبد الله بن زيد) الجرمي البصري (وهو) أي عبد الله بن زيد (أبو قلابة) أي المعروف بأبي قلابة (عن أبي الأشعث) شراحيل بن آداة بالمد وتخفيف الدال (الصنعاني) صنعاء دمشق وقيل صنعاء اليمن ثقة من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عاصم الأحول لخالد الحذّاء قال الأبي في سند هذا الطريق روى أبو قلابة عن أبي الأشعث عن أبي أسماء وفي الطرق الأخرى روى أبو قلابة عن أبي أسماء قال المازري قال الترمذي سألت البخاري عن إسناد هذا الحديث فقال أحاديث أبي قلابة كلها عن أبي أسماء ليس بينهما أبو الأشعث إلا في سند هذا الحديث اهـ من الأبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عاد مريضًا لم يزل) كائنًا (في خرفة الجنة) وبستانها (قيل يا رسول الله) ولم أر من ذكر اسم هذا القائل (وما خرفة الجنة قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم خرفة الجنة (جناها) أي ثمارها قال في النهاية والجنا اسم لما يجتنى من الثمر ويجمع الجنا على أجن مثل عصا وأعص اهـ كذا في الدهني. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال: 6399 - (00) (00) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا مروان بن معاوية) الفزاري

عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6400 - (2551) (109) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَال: يَا رَبِّ، كَيفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالمِينَ؟ قَال: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ. أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (عن عاصم الأحول) غرضه بيان متابعة مروان ليزيد بن هارون وساق مروان (بهذا الإسناد) يعني عن أبي قلابة عن أبي الأشعث إلخ مثله أي مثل حديث يزيد. ثم استشهد المؤلف لحديث ثوبان بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6400 - (2551) (109) (حدّثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا بهز) بن أسد العمّي البصري ثقة من (9) روى عنه في (13) بابا (حدَّثنا حمّاد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أبي رافع) الصائغ نفيع بن رافع المدني ثم البصري ثقة من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلمْ تعدني) قال العلماء وإنما أضاف المرض إلى نفسه سبحانه وتعالى والمراد مرض العبد تشريفًا للعبد وتقريبًا له والعرب إذا شرّفت أحدًا أحلّته محلًّا وعبّرت عنه كما تعبّر عن نفسه اهـ أبي (قال) ابن آدم (كيف أعودك وأنت ربّ العالمين) حال مقررة للإشكال الذي تضمنه معنى كيف يعني أن العيادة إنما هي للمريض العاجز وأنت المالك القادر قال في العيادة لوجدتني عنده وفي الإطعام والسقي لوجدت ذلك عندي رمزًا إلى أكثرية ثواب العيادة كذا في المناوي (قال) الرب سبحانه (أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده أما علمت أنَّك لو عدته لوجدنني عنده) قال المازري هو استعارة أي لوجدت ثوابي وكرامتي وعليه يحمل ووجد الله عنده أي مجازاته قال القرطبي هو تنزل وتلطف في الخطاب والعتاب ومقتضاه التعريف بعظيم ثواب تلك الأشياء ففيه أن الإحسان بالعبد

يَا بْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَال: يَا رَبِّ، وَكَيفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالمِينَ؟ قَال: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا بْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَال: يَا رَبِّ، كَيفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالمِين؟ قَال؛ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ. أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ إحسان بالسادة فينبغي للسادة أن يعرفوا ذلك ويقوموا بحقه اهـ والحق أن عندية الله مع عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. (يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال) ابن آدم (وكيف أطعمك) يا رب (وأنت ربّ العالمين قال) الربّ جلّ جلاله (أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنَّك لو أطعمته لوجدت) جزاء (ذلك) مدخرًا لك (عندي يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني قال) العبد (يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال) الربّ جل جلاله (استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت) جزاء (ذلك) مدخرًا لك (عندي) وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والخامس حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد والسادس حديث ثوبان ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والسابع حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد والله أعلم. ***

725 - (14) باب ثواب المؤمن على ما يصيبه من مرض أو غيره وتحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم بظلمه

725 - (14) باب ثواب المؤمن على ما يصيبه من مرض أو غيره وتحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم بظلمه 6401 - (2552) (110) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ -مَكَانَ الْوَجَعِ- وَجَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 725 - (14) باب ثواب المؤمن على ما يصيبه من مرض أو غيره وتحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم بظلمه 6401 - (2552) (110) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (11) بابا (قال) مسروق (قالت عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته ومن لطائفة أن رجاله كلهم كوفيون إلا إسحاق بن إبراهيم فإنَّه مروزي وفيه أنه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض الأعمش ومن بعده وفيه رواية مخضرم عن مخضرم (ما رأيت رجلًا أشدَّ) أي أثقل (عليه الوجع) أي المرض بالرفع بأشد لأنه من مسألة الكحل (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) والعرب تسمي كل مرض وجعًا وسيأتي وجه ذلك في الحديث الآتي قريبًا (وفي رواية عثمان) بن أبي شيبة (مكان الوجع) أشد عليه المرض (وجعًا) أي ألمًا وفي أغلب النسخ حذف لفظة المرض كما يدل عليه السياق. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 172] والبخاري في المرضى باب شدة المريض [5646] والترمذي في الزهد باب ما جاء في الصبر على البلاء [2399] وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم [1622]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

6402 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأعمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِ. 6403 - (2553) (111) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6402 - (00) (00) (حدَّثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري قال (أخبرني أبي) معاذ بن معاذ ثقة من (9) (ح وحدَّثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدَّثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة من (9) (ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي العسكري ثم البصري ثقة من (10) (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) الهذلي البصري غندر (كلهم) أي كل من معاذ بن معاذ وابن أبي عدي ومحمد بن جعفر رووا (عن شعبة عن الأعمش) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة لجرير (ح وحدَّثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي الأزدي البصري (ح وحدّثنا ابن نمير حدَّثنا مصعب بن المقدام) الخشعمي بمعجمتين قبل المهملة مولاهم أبو عبد الله الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (4) أبواب (كلاهما) أي كل من عبد الرحمن ومصعب بن المقدام رويا (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي "كلاهما" أي كل من شعبة وسفيان الثوري رويا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذه الأسانيد الخمسة بيان متابعة شعبة وسفيان لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن الأعمش وساق (بإسناد جرير) عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة (مثل حديثه) أي مثل حديث جرير. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال: 6403 - (2553) (111) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرّباب أبي أسماء الكوفي ثقة من (5) روى عنه

عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ. فَمَسَسْتُهُ بيَدِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَجَلْ. إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ" قَال: فَقُلْتُ: ذَلِكَ، أَنَّ لَكَ أَجْرَينِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَجَلْ" ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إلا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةَ وَرَقَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ في (6) أبواب (عن الحارث بن سويد) التيمي أبي عائشة الكوفي ثقة من (2) (ت) بعد (70) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه (يوعك) ويحمّى (فمسسته) أي لمسته (بيدي) فيه أن من آداب العائد أن يمسَّ المريض بيده حتى لو كان ليس من أهل الطب لكن بشرط أن لا يتأذى بذلك (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إنك لتوعك) وتحمّى (وعكًا شديدًا) أي حمّى شديدة والوعك بسكون العين وبفتحها ألم الحمّى ومغثها وقيل تعبها وقيل إرعادها للمحموم وتحريكها إياه وعن الأصمعي الوعك الحر فإن كان محفوظًا فلعلّ الحمّى سميت وعكًا لحرارتها وقد وعك الرجل يوعك على البناء للمجهول إذا أصابه الوعك قال الأبي وقدمنا أنه لا ينبغي أن يخبر المريض بما يسوء من حال مرضه وكان هذا خلافه "قلت" وليس بخلافه لأنّ ذلك في حق من يتألم ويتأثر لذلك وهو صلى الله عليه وسلم ليس كذلك ألا تراه كيف أخبر عن ذلك بقوله "أجل" ومضاعفة المرض عليه ليضاعف له الأجر كما ذكره بقوله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في جواب سؤالي (أجل) أي نعم أوعك كذلك فـ (ـإني أوعك كما يوعك رجلان منكم) أي لمضاعفة الأجر أي يأخذني الوعك أي شدة الحفى وسورتها ضعفي ما لغيري ليضعف أجري عليها كما (قال) عبد الله (فقلت) له (ذلك) أي مضاعفة الحقى عليك بسبب (أن لك) عليها (أجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل) أي نعم كذلك (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل ما من مسلم) وكذا مسلمة (يصيبه أذىً من مرض فما سواه) أي فما سوى المرض كصدمة وسقطة (إلّا حطّ الله) سبحانه أي محا الله عنه (به) أي بسبب ذلك الأذى والألم (سيئاته) أي صغائر ذنوبه (كما تحطّ الشجرة) وتتساقط (ورقها) وقت الربيع

وَلَيسَ فِي حَدِيثِ زُهَيرٍ: فَمَسَسْتُهُ بِيَدِي. 6404 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (وليس في حديث زهير) وروايته لفظة (فمسسته بيدي) أي لمسته أي بكفي تجربةً بقدر حرارته. قوله "إني أُوعك كما يوعك رجلان" أخرج النسائي والحاكم عن فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء تعوده فإذا بسقاء يقطر عليه من شدة الحمى فقال: إن من أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وأخرج الدارمي والنسائي في الكبرى وابن ماجه والترمذي وصحَّحه وابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص قال: "قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل حسب دينه، وفيه حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة وأخرج الحاكم له شاهدين من حديث أبي سعيد ولفظُه "قال: الأنبياء قال: ثم منْ؟ قال: العلماء قال ثم منْ؟ قال: الصالحون" اهـ فتح الباري [1/ 111] قال النووي رحمه الله تعالى قال العلماء والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل أنهم مخصوصون بكمال الصبر وصحة الاحتساب ومعرفة أن ذلك من نعم الله تعالى ليتمّ لهم الخير ويضاعف لهم الأجر ويظهر صبرهم ورضاهم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 38] والبخاري في المرضى باب شدة المريض [5647] وباب أشدّ الناس بلاء الأنبياء [5648] وباب وضع اليد على المريض [5660] وباب ما يقال للمريض وما يجيب [5661] وباب ما رُخص للمريض أن يقول إنّي وجعٌ [5667]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 6404 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدَّثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا سفيان) الثوري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق (ويحيى بن عبد الملك) بن حميد (بن أبي فنية) بفتح المعجمة وكسر النون

كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاويَةَ. قَال: "نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ". 6405 - (2554) (112) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، قَال: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيشٍ عَلَى عَائِشَةَ، وَهِيَ بِمِنًى. وَهُمْ يَضْحَكُونَ. فَقَالتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ قَالُوا: فُلانٌ خَرَّ عَلَى طُنُبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتشديد التحتانية الخزاعي أبو زكرياء الكوفي أصله من أصبهان روى عن الأعصش في باب البر والصلة وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة والثوري ويروي عنه (خ م ت س ق) وإسحاق بن إبراهيم وأحمد وابن معين وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم وثقه أحمد وأبو داود وابن معين وقال في التقريب صدوق له أفراد من كبار التاسعة مات سنة ثمان وثمانين ومائة [188] (كلهم) أي كل من أبي معاوية وسفيان الثوري وعيسى بن يونس ويحيى بن عبد الملك رووا (عن الأعمش بإسناد جرير) يعني عن إبراهيم عن الحارث عن عبد الله (نحو حديثه) أي نحو حديث جرير (و) لكن (زاد) الراوي عن أبي معاوية (في حديث أبي معاوية) لفظة (قال) النبي صلَّى الله عليه وسلم (نعم والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلمٌ) يصيبه أذى من مرض. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث آخر لها رضي الله عنها فقال: 6405 - (2554) (112) (حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن جرير) بن عبد الحميد (قال زهير حدثنا جرير عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثّاب بمثلثة بعدها موحدة الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (11) بابا (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (6) أبواب (قال) الأسود (دخل شباب) جمع شاب (من قريش) لم أر من ذكر أسماءهم (على عائشة) رضي الله عنها (وهي) أي والحال أن عائشة (بمنى) أي نازلة بها ومنى موضع معروف بمكة فيها الجمار الثلاث أي دخلوا عليها (وهم) أي والحال أن أولئك الشباب (يضحكون فقالت) لهم عائشة (ما يضحككم) أي أي شيء أضحككم (قالوا) أي قال الشباب أضحكنا (فلان) لم أر من ذكر اسمه أي فلان منّا (خرَّ) وسقط (على طُنُب

فُسْطَاطٍ، فَكَادَتْ عُنُقُهُ أَوْ عَينُهُ أَنْ تَذْهَبَ. فَقَالتْ: لَا تَضْحَكُوا. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا مِن مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إلا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ". 6406 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُمَا). ح ـــــــــــــــــــــــــــــ فسطاط) والطنب بضمتين وسكون الثاني لغة الحبل تشد به الخيمة على الوتد والفسطاط الخيمة الكبيرة (فكادت عنقه) أي قاربت عنقه أن تنكسر (أو) قال الراوي بالشك منه وهو الأسود أو من دونه أي أو قال كادت (عينه أن تذهب) وتنطمس وتعمى (فقالت) لهم (لا تضحكوا) به (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يشاك شوكة) أي يطعن بشوك شجر شوكة أي مرة (فما فوقها) أي فما فوق المرة (إلا كتبت له بها) أي بتلك الشوكة (درجة) أي حسنة (ومُحيت) أي مسحت (عنه بها خطيئة) أي سيئة من الصغائر قوله "لا تضحكوا" قال النووي فيه النهي عن الضحك عن مثل هذا إلا أن يحصل غلبة لا يمكن دفعه فمذموم لأن فيه إشماتًا بالمسلم وكسرًا لقلبه قوله "إلا كتبت له بها درجة" قال النووي في هذا الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلّما ينفعك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها. وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء وحكى القاضي عن بعضهم أنها تكفر الخطايا فقط ولا ترفع درجة ولا تكتب حسنة وروى نحوه عن ابن مسعود قال الوجع لا يكتب به أجر لكن تكفر به الخطايا فقط واعتمد على الأحاديث التي فيها تكفير الخطايا ولم تبلغه الأحاديث التي ذكرها مسلم المصرّحة برفع الدرجات وكتب الحسنات اهـ والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 279] والبخاري في المرضى باب ما جاء في كفارة المرضى [5640] والترمذي في الجنائز باب ما جاء في ثواب المريض [965]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله عنها فقال: 6406 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لهما ح

وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إلا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً". 6407 - (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُميرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إلا قَصَّ اللهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وحدثنا إسحاق) بن إبراهيم (الحنظلي) المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُصيب المؤمن من شوكة) أي طعنة من شوك (فما فوقها) كشوكتين أو ثلاث (إلا رفعه الله بها) أي بتلك الشوكة (درجة) أي منزلة عنده في الجنة (أو حط عنه بها خطيئة). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6407 - (00) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عروة للأسود بن يزيد (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصيب المومن شوكة فما فوقها إلّا قصَّ الله) تعالى وحطَّ عنه (بها من خطيئته) وسيئته الصغيرة. لأن الكبائر لا تغفر إلَّا بالتوبة أو بمحض عفو الله تعالى وقوله: {فَمَا فَوْقَهَا} يحتمل أن يراد به ما زاد على إصابة الشوكة في الضرر ويحتمل أن يراد به ما كان فوق الشوكة في قلّة الضرر كما في قوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وقال الحافظ في الفتح [10/ 105] وقع لهذا الحديث سبب أخرجه أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدري أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال

6408 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6409 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيفَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ حَتَّى الشَّوْكَةِ، إلا قُصَّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إن الصالحين يشدد عليهم هانه لا يصيب المؤمن نكبة وشوكة الحديث والنكبة بالباء العثرة والسقطة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال: 6408 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة رضي الله عنها غرضه بيان متابعة أبي معاوية لمحمد بن بشر. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا فقال: 6409 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني مالك بن أنس عن يزيد) بن عبد الله (بن خصيفة) بفتح الخاء وكسر الصاد وفتح الفاء وفي بعض النسخ بالتصغير ابن عبد الله بن يزيد الكندي المدني ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يزيد بن خصيفة لهشام بن عروة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة) بالجر عطفًا على لفظ مصيبة لأنّ حتى هنا عاطفة غائية (إلا قُصَّ) بالبناء للمجهول أي حطّ ومُحي (بها) أي بسبب تلك المصيبة (من خطاياه) أي من ذنوبه والمراد بها هنا الصغائر كما مرّ آنفًا (أو) قال الراوي أو من دونه والشك من يزيد بن خصيفة فيما قاله عروة كما سيذكره المؤلف لفظة (كفر) أي ستر (بها من خطاياه) والشك في لفظ قصَّ أو كُفِّر والمعنى واحدٌ قوله "لا يصيب المؤمن " إلخ قد توهم بعض العلماء من هذا الحديث أن الأذى يكفر الخطايا فقط ولكن الصحيح أنه تكتب به الحسنات أيضًا كما صرّح في الأحاديث ومن المقرّر أن الناطق يقضي على الساكت والله أعلم اهـ دهني قوله "إلا قُصَّ

لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيَّتُهُمَا قَال عُرْوَةُ. 6410 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا حَيوَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ شَيءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ، حَتَّى الشَّوْكَة تُصِيبُهُ، إلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَة". 6411 - (255) (113) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ بها" قال النووي هكذا هو في معظم النسخ وفي بعضها نقص وكلاهما صحيح متقارب المعنى اهـ قال مالك بن أنس (لا يدري) ولا يعلم (يزيد) بن خصيفة (أيتهما) أي آية الكلمتين يعني بهما لفظة قص أو كُفِّر (قال عروة) بن الزبير فالشك منه. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في هذا الحديث فقال: 6410 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي المصري ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا) يزيد بن عبد الله بن أُسامة (بن الهاد) الليثي المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (عن أبي بكر) محمد بن عمرو (بن حزم) الأنصاري الخزرجي النجاريّ المدني ثقة من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ثقة من (3) روى عنها في (6) أبواب (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عمرة بنت عبد الرحمن لعروة بن الزبير وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض (قالت) عائشة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما منْ شيء يُصيبُ المؤمنَ حتَّى الشوكة تُصيبه إلَّا كتب الله له بها حسنةً أو حُطَّت عنه بها خطيئة). ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة الأول بحديثي أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 6411 - (255) (113) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدَّثنا أبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن الوليد بن كثير) القرشي المخزومي مولاهم

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ، حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إلا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني صدوق من (6) روى عنه في (15) أبواب (عن محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي العامري المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة الهلالية رضي الله عنها أبي محمد المدني ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك المدني رضي الله عنه (وأبي هريرة) رضي الله عنه (أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته (ما يُصيب المؤمن من وصب) الوصب بفتحتين كالمرض وزنًا ومعنىً (ولا نصب) والنصب كالتعب وزنًا ومعنىً أي لا يصيبه نصب ومرض ولا وصب وتعب (ولا سقم) أي مرض (ولا حزن) والحزن ما يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده كالولد (حتَّى الهم يهمه) أي يدخل عليه الهم والهم ما ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل وقيل الهم والغم واحد (إلا كفر) بالبناء للمجهول أي إلا ستر (به) أي بما ذكر من الوصب وما بعده (من سيئاته) أي بعض سيئاته الصغائر. قوله: "حتى الهمّ يهمُّه " بضم الياء وفتح الهاء بالبناء للمجهول أي يقع بسببه في الهم والمقصود من الحديث التسوية بين الحزن الشديد الذي يكون عن فقد محبوب والهم الذي يقلق الإنسان ويشتغل به فكره من شيء يخافه أو ويكرهه في أن كل واحد منهما يكفر به كما قد جمع في هذا الحديث نفسه بين الوصب وهو المرض وبين السقم لكن أطلق الوصب على الخفيف منه والسقم على الشديد ويرتفع الترادف بهذا القدر ومقصود هذه الأحاديث أن الأمراض والأحزان وإن دقت والمصائب وإن قلت أجر المؤمن على جميعها وكفرت عنه بذلك خطاياه حتى يمشي على الأرض وليست له خطيئة كما جاء في الحديث الآخر لكن هذا كله إذا صبر المصاب واحتسب وقال ما أمر الله تعالى به بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة: 156]، فمن كان كذلك وصل إلى ما وعد الله به ورسوله من ذلك اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 248] والبخاري في المرضى [5641 و 5642] والترمذي في الجنائز باب ما جاء في ثواب المريض [966].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة محمد الدهني قوله "ما يصيب المؤمن من وصب" الوصب الوجع اللازم والنصب التعب والسقم بضم السين وإسكان القاف وفتحهما لغتان وكذلك الحُزن والحَزن فيه لغتان و "يهمه" قال القاضي هو بضم الياء وفتح الهاء بالبناء للمجهول وضبطه غيره يهمه بفتح الياء وضم الهاء أي يغمُّه وكلاهما صحيح اهـ نووي باختصار وفي الحيني الهمُّ هو المكروه يلحق الإنسان بحسب ما يقصده والحزن ما يلحقه بسبب حصول مكروه في الماضي وهما من أمراض الباطن وقيل إن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والحُزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده اهـ باختصار وفي الأبي السقم المرض الشديد اهـ وفي هذا الحديث وأمثاله رد على قول القائل إن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منه بل الأجر على الصبر والرضا بها فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الثواب بمجرد حصولها وأما الصبر والرضا فقدر زائد لكن الثواب عليه زيادة على ثواب المصيبة كذا في القسطلاني قوله "حتى الهم يهمه" الرفع والجر جائز فيه قال العيني والجر أظهر والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف تقديره حتى الهم يهمه ويثاب عليه ومثله قوله في الحديث الآتي "حتى النكبة ينكبها" في جواز الوجهين صرَّح به الأبي اهـ. قال القرطبي: "قوله حتى الهمّ يهمُّه" يجوز في الهم الخفض على العطف على لفظ ما قبله والرفع على موضعه فإن من زائدة ويجوز رفعه على الابتداء وما بعده خبره "فأمّا قوله حتى النكبة يُنكبها والشوكة يشاكها" فيجوز فيه الوجهان. كذلك قيدهما المحققون غير أن رفع الشوكة لا يجوز إلّا على الابتداء خاضة لأنّ ما قبلها لا موضع رفع له تقديره حتى الشوكة يثاب عليها فتأمّله وقيده القاضي يُهمُّه بضم الياء وفتح الهاء بالبناء للمجهول وكذا وجدته مقيدًا بخطّ شيخي أبي الصّبر أيوب والذي أذكر أني قرأت به على من أثق به لفظة يهمُّه بفتح الياء وضم الهاء مبنيًّا للفاعل ووجهه واضح إذ معناه حتى الهمّ يصيبه أو يطرأ عليه والنكبة بالباء الموحدة العثرة والسقطة وينكبها بضم الياء وفتح الكاف مبنيًّا للمفعول اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6412 - (2556) (114) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ مُحَيصِنٍ، شَيخٍ مِنْ قُرَيشٍ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: لَمَّا نَزَلَتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا. فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفارَةٌ. حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَو الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا". قَال مُسْلِمٌ: هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6412 - (2556) (114) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة كلاهما) رويا (عن) سفيان (بن عيينة واللفظ لقتيبة) قال قتيبة (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (عن) عمر بن عبد الرحمن (بن محيصن) مصغرًا القرشي السهمي كما قال المؤلف (شيخ من قريش) أبي حفص المقرئ المكي قارئ أهل مكة وقيل اسمه "محمد بن محيصن" روى عن محمد بن قيس بن مخرمة في كفارة المرضى وصفية بنت شيبة وعطاء ويروي عنه (م ت س) وابن عيينة وابن جريج والثوري وغيرهم ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ وقال في التقريب مقبول من الخامسة مات سنة [123] ثلاث وعشرين ومائة (سمع) ابن محيصن (محمد بن قيس بن مخرمة) بن المطفب المطلبي المكي قيل له رؤية روى عن عائشة في الجنائز وأبي هريرة في كفارة المرضى ويروي عنه (م ت س) وعبد الله بن كثير بن المطلب وعمر بن عبد الرحمن بن محيصن وابنه حكيم وابن عجلان وثقه أبو داود وغيره وذكره ابن حبان في الثقات (يُحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (لما نزلت) آية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، (بلغت) ووصلت هذه الآية (من المسلمين) وأثّرت فيهم من الخوف (مبلغًا شديدًا) أي خوفًا شديدًا وشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا) الأكمل في العمل واقتصدوا فيه وتوسّطوا ولا تقصّروا (وسدِّدوا) أي اقصدوا في عملكم السداد والصواب (ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة) أي السقطة (ينكبها) بالبناء للمجهول أي حتى السقطة يسقطها (أو الشوكة يشاكها) بالبناء للمجهول أي يُشاك بها. (قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى ابن محيصن (هو عمر بن عبد الرحمن بن

مُحَيصِنٍ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. 6413 - (2557) (115) حدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ. حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيرِ. حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ محيصن من أهل مكة) وهذا من كلام أبي إسحاق تلميذ المؤلف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 248] والترمذي [3041] وقوله "لما نزلت هذه الآية بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا" قال القرطبي هذا يدل على أنهم كانوا يتمسكون بالعمومات في العلميات كما يتمسكون بها في العمليات وفيه رد على من توقف في ألفاظ العموم وأن "منْ" من ألفاظه وكذلك النكرة في سياق الشرط فإنهم فهموا عموم الأشخاص منْ "مَنْ" وعموم الأفعال السيئة من "سوء" المذكور في سياق الشرط وإنما عظم موقع هذه الآية عليهم لأن ظاهرها أن ما من مكلّف يصدر عنه شرٌ كائنًا ما كان إلّا جوزي عليه يوم الجزاء وإنّ ذلك لا يغفر وهذا أمر عظيم فلمّا رأى النبي صلَّى الله عليه وسلم شدة ذلك عليهم سكّنهم وأرشدهم وبشّرهم فقال قاربوا وسدّدوا أي قاربوا في أفهامكم وسدّدوا في أعمالكم ولا تقلّوا ولا تشدِّدوا على أنفسكم بل بشروا واستبشروا بأن الله تعالى بلطفه قد جعل المصائب التي لا ينفك عنها أحد في هذه الدار شيئًا لكفارة الخطايا والأوزار حتى يرد عليه المؤمن يوم القيامة وقد خلّصه من تلك الأكدار وطهّره من أذى تلك الأقذار فضلًا من الله تعالى ونعمة ولطفًا ورحمة اهـ من المفهم. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث عائشة الأول بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 6413 - (2557) (115) (حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي (القواريري) البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا يزيد بن زُريع) التيمي البصري ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا الحجاج) بن أبي عثمان ميسرة أو سالم (الصوّاف) الخياط أبو الصلت الكندي البصري ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدثني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (حدثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ، أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ. فَقَال: "مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ، أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ، تُزَفْزِفِينَ؟ " قَالتِ: الْحُمَّى. لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا. فَقَال: "لَا تَسُبِّي الْحُمَّى. فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ. كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ دخل على أمّ السائب أو) قال الراوي (أُمّ المسيّب) بالشك من الراوي قيل إنَّها أنصارية لكن قال الحافظ ابن حجر في الإصابة [4/ 436] ذكرها ابن كعب في قبائل العرب بين المهاجرين والأنصار ولم أر أحدًا ذكر اسمها (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما لكِ) بكسر الكاف خطابًا للمؤنث أي أيُّ شيء ثبت لك (يا أُمَّ السائب أو يا أمّ المسيب) حالة كونك (تزفزفين) بضم التاء من زفزف الرباعي من باب زلزل وبفتحها من باب تدحرج ماضيه تزفزف مضارعه تتزفزف حذفت إحدى التاءين أي ترتعدين وتتحركين حركة شديدة (قالت) أمّ السائب له صلَّى الله عليه وسلم (الحمَّى) تزفزفني وتضطربني (لا بارك الله فيها فقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبِّي الحمَّى فإنها تُذهب خطايا بني آدم) وتزيلها (كما يُذهب الكير) بكسر الكاف منفاخ الحدّاد (خبث الحديد) ورديئه ووسخه. قال القرطبي قوله: "تُزفزفين" جميع رواة مسلم روى هذه الكلمة بالزاي والفاء من الزفزفة وهي صوت حفيف الريح يقال زفزفت الريح الحشيش أي حرّكته وزفزف النّعام في طيرانه أي حرّك جناحيه ثم إن الرواية الصحيحة في مسلم بالزايين المعجمتين وقد رواه بعضهم برائين وفائين من الرفرفة وبعضهم برائين وقافين من الرقرقة قال أبو مروان بن سرّاج يقال بالقاف وبالفاء بمعنى واحد معنى ترعدين من الرّعدة وهي رعشة في الجسم تكون من فزع أو مرض قلت ورواية الفاء والزاي أشهر رواية وأصح معنى وذلك أن الحمّى تكون معها حركة ضعيفة وحس صوت يشبه الزفزفة التي هي حركة الريح وصوتها في الشجر وقالوا ريح زفزافة وزفزف وأما الرقرقة بالراء والقاف وهي التلألؤ واللمعان ومنه رقراق السّراب ورقراق الماء ما ظهر من لمعانه غير أنه لا يظهر لمعانه إلا إذا تحرك وجاء وذهب فلهذا حسن أن يقال مكان الزقراقة لكن تفارق الزفزفة الرقرقة بأنّ الزفزفة معها صوت وليس ذلك مع الرقرقة فانفصلا. قوله "لا تسبّي الحُمّى" مع أنّها لم تصرح بسبّ الحمّى وإنما دعت عليها بـ "لا بارك الله فيها" غير أن مثل هذا الدعاء يتضمن تنقيص المدعوّ عليه وذمّه فصار ذلك

6414 - (2558) (116) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. قَالا: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، أَبُو بَكْرٍ. حَدَّثَنِي. عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. قَال: قَال لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أُرِيكَ امْرَأَة مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَال: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ كالتصريح بالذمّ والسبّ وقوله "فإنها تذهب خطايا بني آدم" هذا تعليل لمنع سبّ الحمى لما يكون عنها من الثواب فيتعدى ذلك لكل مشقة أو شدة يرتجى عليها ثواب فلا ينبغي أن يذم شيء من ذلك ولا يسبّ وحكمة ذلك أن سبّ ذلك إنما يصدر في الغالب عن الضجر وضعف الصبر أو عدمه وربما يفضي بصاحبه إلى السخط المحرّم مع أنه لا يفيد ذلك فائدة ولا يخفف ألمًا قوله "كما يذهب الكير خبث الحديد" هذا من أجمل التشبيه وأحسنه فإن الكير يذهب الصدأ بحرارته كما أن الحمّى تكفّر الخطايا بسخونتها اهـ من المفهم مع زيادة وهذا الحديث مما انفرد به مسلم من بين الأئمة الستّة ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6414 - (2558) (116) (حدَّثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي (القواريري) البصري (حدَّثنا يحيى بن سعيد) بن فرّوخ القطان (وبشر بن المفضّل) بن لاحق الرقاشي البصري ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (قالا حدثنا عمران) بن مسلم المنقري بكسر الميم وسكون النون (أبو بكر) البصري القصير صدوق من (6) روى عنه في (3) أبواب (حدّثني عطاء بن أبي رباح) أسلم القرشي المكي ثقة من (3) روى عنه في (10) أبواب (قال) عطاء (قال لي ابنُ عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (ألا) الهمزة للاستفهام التقريري ولا نافية (أُريك) بضم الهمزة من الإراءة (امرأة من أهل الجنة) قال عطاء (قلت) له (بلى) أرني لأن بلى حرف يجاب بها النفي فيكون إثباتًا (قال) ابن عباس تلك المرأة التي كانت من أهل الجنة هي (هذه المرأة السوداء) وأخرجه أبو موسى في الذيل فأراني حبشية صفراء عظيمة فقال هذه سعيرة الأزدية فأفاد أن اسمها سعيرة ووقع في آخر الحديث عند البخاري أن كنيتها أم زفر وذكر ابن سعد وعبد الغني في المبهمات من طريق الزبير أن هذه المرأة ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة ذكره الحافظ في فتح الباري [10/ 115] وظاهر هذا الحديث أن المرأة كانت سافرة "أي كاشفة" وجهها ولم ينكر عليها ابن عباس ففيه دليل على أن وجه المرأة

أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: إِنِّي أُصْرَعُ. وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ. فَادْعُ اللهَ لِي. قَال: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ. وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ". قَالتْ: أَصْبِرُ. قَالتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَفُ. فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشفَ، فَدَعَا لَهَا. 6415 - (2559) (117) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس داخلًا في الحجاب كما هو مذهب الحنفية غير أنها تمنع من ذلك خشية الفتنة والله أعلم (أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت إنّي أصرع) بالبناء للمجهول أي يغمى على وأسقط على الأرض (وإنّي أتكشّف) أو ربما تنكشف عورتي في حالة الصرع والإغماء من حيث لا أشعر تعني بلا اختيار (فادع الله لي) يا رسول الله أن يعافيني من هذا المرض (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم (إن شئت صبرت) على هذا المرض (ولك الجنة) على الصبر عليه فيه دليل على أن التداوي ليس بواجب وعلى أن الأخذ بالعزيمة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف من التزام الشدة وأما من ضعف عن ذلك فالأفضل له الأخذ بالرخصة وإنما جزم ابن عباس بكونها من أهل الجنة من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم بشرها بذلك عند الصبر على الصرع وقد فعلت اهـ من التكملة وهذا الحديث يشهد لما قلنا أولًا من أن الأجور على الأمراض والمصائب لا تحصل إلا لمن صبر واحتسب اهـ من المفهم (وإن شئت دعوت الله أن يعافيك) الله من مرضك (قالت) المرأة بلى (أصبر) عليه (قالت) ولكن (فإني أتكشف) عند الصرع (فادع الله لي أن لا أتكشّف) أي أن لا تنكشف عورتي عند الصرع (فدعا لها) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تنكشف عورتها عند الصرع قال الأبي ودعاؤه لها بأن لا تنكشف لا ينافي صبرها ولها الجنة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 347] والبخاري في المرضى باب فضل من يصرع من الريح [5652]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة أعني تحريم الظلم بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6415 - (2559) (117) (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (بن بهرام الدارمي) السمرقندي ثقة من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا مروان يعني ابن

مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ)، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَال: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالمُوا. يَا عِبَادِي، كُلُّكُم ضَالٌّ إلا مَنْ هَدَيتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد) بن حسّان الأسدي (الدمشقي) ثقة من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سعيد بن عبد العزيز) التنوخي الدمشقي ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن ربيعة بن يزيد) القصير الأيادي أبي شعيب الدمشقي ثقة من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن) عائذ الله بن عبد الله بن عمرو الشامي (أبي إدريس الخولاني) العوذي بفتحتين آخره معجمة ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري الربذي رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما) أي في الحديث القدسي الذي (روى) النبي صلّى الله عليه وسلم لفظه (عن الله تبارك) أي تزايد خيره مرة بعد مرة وعم إحسانه برًا وفاجرًا (وتعالى) أي ترفع عن كل ما لا يليق به وهذا السند من سداسياته (أنّه) تعالى (قال يا عبادي إنّي حرمت الظلم) الذي هو وضع الشيء في غير موضعه (على نفسي) المقدسة قال النووي معناه تقدّست عن الظلم وتعاليت عنه والحق أن تحريم الله الظلم على نفسه صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قال العيني أصل الظلم الجور ومجاوزة الحد ومعناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه وقيل التصرف في ملك الغير بغير إذنه أقول كلاهما محال على الله تعالى ولما كان تحريم الشيء يقتضي المنع منه سمى الله تعالى تنزهه عنه وامتناعه عليه تحريمًا مشاكلة لما بعده اهـ والله أعلم. (وجعلته) أي جعلت الظلم (بينكم محرمًا فلا ثظالموا) أي فلا يظلم بعضكم بعضًا أصله فلا تتظالموا حذفت إحدى التاءين تخفيفًا لتوالي الأمثال (يا عبادي كلكم ضمالٌّ) أي مخطئون عن طريق الهدى (إلا من هديته) إي إلا من دللته على طريق الهدى قال المازري ظاهر هذا أنهم خُلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى وفي الحديث المشهور كل مولود يولد على الفطرة فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر في مصنوعات الله تعالى لضلوا وهذا الثاني أظهر اهـ نووي

فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كلُّكُمْ جَائِعٌ إلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا. فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فاستهدوني) أي فاطلبوا مني الهداية (أهدكم) أي أوفقكم طريق الهداية (يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته) أي إلا من رزقته الطعام (فاستطعموني) أي فاطلبوا مني الإطعام (أطعمكم) أي أرزقكم الطعام (يا عبادي كلكم عار) أي عارون من اللباس والستر (إلا من كسوته) أي إلا من رزقته الكسوة (فاستكسوني) أي فأطلبوا مني الكسوة (أكسكم) أي أعط لكم الكسوة. قال القرطبي: وحاصل معنى قوله عزّ وجلّ "كلكم ضال إلا من هديته وكلكم جائع وكلكم عار" التنبيه على فقرنا وعجزنا عن جلب منافعنا ودفع مضارّنا بأنفسنا إلا أن ييسر الله ذلك لنا بأن يخلق ذلك لنا ويعيننا عليه ويصرف عنا ما يضرنا وهو تنبيه على معنى قوله "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" كما رواه الطبراني في الكبير [21/ 364] ومع ذلك فقال في آخر الحديث يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ومن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه تنبيهًا على أن عدم الاستقلال بإيجاد الأعمال لا يناقض خطاب التكليف بها إقدامًا عليها وإحجامًا عنها ونحن وإن كنا نعلم أن لا نستقل بأفعالنا نحس بوجدان الفرق بين الحركة الضرورية والاختيارية وتلك التفرقة راجعة إلى تمكن محسوس وتأت معتاد يوجد مع الاختيارية ويفقد مع الضرورية وذلك هو المعبر عنه بالكسب وهو مورد التكليف فلا تناقض ولا تعنيف اهـ من المفهم. (يا عبادي إنَّكم تخطئون) وتذنبون (بالليل والنهار) أي فيهما (وأنا أغفر الذنوب جميعًا) أي كلها (فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرّي) أي درجته (فتضرُّوني) بمعاصيكم (ولن تبلغوا) درجة (نفعي فتنفعوني) بطاعتكم "قوله إنكم تخطئون" قال النووي الرواية المشهورة تخطئون بضم التاء ورُوي بفتحها وفتح الطاء يقال خطئ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ ومنه قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} ويُقال في الإثم أيضًا أخطأ فهمًا صحيحان اهـ منه (يا عبادي لو أن أولكم

وَآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ. وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ. كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي. فَأَعْطَيتُ كُلَ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على) تقوى (أتقى قلب رجل واحد منكم) وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ما زاد ذلك) الذي كنتم عليه من التقوى (في ملكي شيئًا) لأنّي غني عن عبادتكم وتقواكم (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على) فجور (أفجر) وأقسى (قلب رجل واحد منكم) وهو إبليس اللعين (ما نقص ذلك) الذي كنتم عليه من الفجور. (من ملكي شيئًا يا عبادي لو أنّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا) اجتمعوا (في صعيد) وفضاء (واحد فسألوني) حوائجهم الجمّة المختلفة (فأعطيت كل إنسان) منكم (مسألته) أي مسؤوله (ما نقص ذلك) الذي أعطيتهم (مما عندي) من خزائن الرزق (إلا كما ينقص) أي إلا مثل ما ينقص (المخيط) أي الإبرة من ماء البحر (إذا أُدخل) ذلك المخيط في ماء البحر أي إلا قدر ما يعلق بالمخيط من بلل الماء قال النووي قال العلماء هذا تقريب إلى الأفهام ومعناه لا ينقص شيئًا أصلًا كما قال في الحديث الآخر "لا يغيضها نفقة" لأن ما عند الله تعالى لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه فإن البحر من أعظم المرئيات عيانًا وأكبرها والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء اهـ منه وعبارة الدهني وهذا تمثيل للتقريب إلى الأفهام وليس على حقيقته فكيف والبحر محدود ومتناه وينفد وما عنده سبحانه غير محدود ولا متناهٍ ولا ينفد اهـ. (يا عبادي إنما هي) أي القصة لأن ضمير الشأن إذا أُنث يعبر بالقصة وإذا ذكر يعبر بالشأن (أعمالكم) مبتدأ خبره جملة قوله (أُحصيها) وأضبطها (لكم) بقلم الحفظة في الدنيا أي جزاء لكم عليها والجملة الاسمية مفسرة لضمير القصة

ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا. فَمَنْ وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ". قَال سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيس الْخَوْلانِيُّ، إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، جَثَا عَلَى رُكْبَتَيهِ. 6416 - (00) (00) حدّثنيه أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ مَرْوَانَ أَتَمُّهُمَا حَدِيثًا. قَال أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَسَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر له (ثمّ أوفيكم) وأكملكم وأوفركم (إياها) أي جزاءها يوم القيامة أي أُعطيكم جزاءها يوم القيامة وافرًا كاملًا إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر (فمن وجد) ووفق منها (خيرًا فليحمد الله) تعالى على توفيقه الخير (ومن وجد) من أعماله (غير ذلك) أي غير الخير وهو الشر (فلا يلومن إلَّا نفسه) الأمارة بالسوء (قال سعيد) بن عبد العزيز عن ربيعة كان أبو إدريس الخولاني إذا حدّث بهذا الحديث جثا) أي جلس (على ركبتيه) إجلالًا لهذا الحديث القدسي الشريف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 160] والترمذي [2495] وابن ماجه [4257]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6416 - (00) (00) (حدّثنيه) أي حدثني هذا الحديث المذكور (أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي ثقة ثبت من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو مسهر) عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى الغسّاني الدمشقي عالمها ثقة من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا سعيد بن عبد العزيز بهذا الإسناد) يعني عن ربيعة عن أبي إدريس عن أبي ذر مثله غرضه بيان متابعة أبي مسهر لمروان بن محمد (غير أن) أي لكن أن (مروان) بن محمد (أتمهما) أي أتمّ الراويين يعني المتابع والمتابع أي أكثرهما وأطولهما (حديثًا) أي متنًا قال أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي النيسابوري (قال) لنا (أبو إسحاق) إبراهيم بن سفيان النيسابوري الفقيه تلميذ الإمام مسلم وراوية جامعه (حدثنا بهذا الحديث) يعني حديث أبي ذر (الحسن) بن بشر السلمي قاضي نيسابور صدوق من (11) مات سنة (344) لم يصح أن مسلمًا روى عنه وإنما روى عنه تلميذه

وَالْحُسَينُ، ابْنَا بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ. فَذَكَرُوا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. 6417 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: "إِنِّي حَرَّمْتُ عَلَى نَفْسِي الظُّلْمَ وَعَلَى عِبَادِي. فَلَا تَظَالمُوا". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوهِ. وَحَدِيثُ أَبِي إِدْرِيس الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَتَمُّ مِنْ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو إسحاق بن سفيان الرّاوي عن مسلم في مواضع علا فيها إسناده في الطلاق والوصايا والإمارة والبر والصلة وغيرها اهـ تقريب (و) كذا أخوه (الحسين ابنا بشر ومحمد بن يحيى) بن سعيد القطان أبو صالح البصري ثقة من (10) روى عنه في المقدمة (قالوا) أي قال كلّ من الحسن والحسين ومحمد بن يحيى (حدثنا أبو مسهر) عن سعيد بن عبد العزيز بهذا الإسناد (فذكروا) أي فذكر أولئك الثلاثة (الحديث) السابق (بطوله) أي بتمامه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6417 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن المثنى كلاهما عن عبد الصمد بن عبد الوارث) العنبري البصري صدوق من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة من (4) روى عنه في (25) بابا (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الجرمي البصري ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي أسماء) الرحبي عمرو بن مرثد الدمشقي ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة أبي أسماء لأبي إدريس الخولاني (قال) أبو ذر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي) أي في الحديث الذي يروي لفظه (عن ربه تبارك وتعالى: إني حرّمت على نفسي الظلم وعلى عبادي) أيضًا (فلا تظالموا وساق) أي ذكر أبو أسماء (الحديث) السابق (بنحوه) أي بنحو حديث أبي إدريس وقريبه (و) لكن (حديث أبي إدريس الذي ذكرناه) آنفًا (أتمّ) أي أطول متنًا (من هذا) الذي ذكره أبو أسماء. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي ذر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال:

6418 - (2560) (118) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، (يَعْنِي ابْنَ قَيس)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "اتَّقُوا الظُّلْمَ. فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاتَّقُوا الشُّحَّ. فَإِن الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُم عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6418 - (2560) (118) (حدَّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا داود يعني ابن قيس) الفرّاء الدّباغ القرشي مولاهم أبو سليمان المدني ثقة من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عبيد الله بن مقسم) القرشي مولاهم مولى ابن أبي نمر ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتّقوا الظلم) بأخذ مال الغير بغير حق أو بالتناول من عرضه أو بغير ذلك (فإن الظلم ظلمات) أي فإنما نشأ الظلم من ظلمات القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم بالظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئًا قال ابن مسعود رضي الله عنه يؤتى بالظلمة فيوضعون في تابوت من نار ثم يزجون فيها اهـ قسطلاني قال القرطبي ظاهره أن الظالم يعاقب يوم القيامة بأن يكون في ظلمات متوالية يوم يكون المؤمنون في نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حين {يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} فيقال لهم: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد: 13]، وقيل إن معنى الظلمات هنا الشدائد والأهوال التي يكونون فيها كما فسر بذلك قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 63]، أي من شدائدهما وآفاتهما والأول أظهر اهـ من المفهم والمعنى خافوا عقوبة الظلم فإن عقوبة الظلم ظلمات تكون فيها الظلمة يوم القيامة (واتقوا الشحّ) أي واجتنبوا الشح والبخل عن أداء الواجبات المالية كالزكاة والكفارة وغرامة المتلفات (فإن الشحَّ) والبخل عن الواجبات (أهلك من كان قبلكم) من الأمم (حملهم) أي بعثهم الشح والحرص على الدنيا (على أن سفكوا) وأراقوا (دماءهم) أي على أن يريق بعضهم دماء بعض (و) حملهم الشحّ أيضًا على أن (استحلّوا) فروج (محارمهم) أو على أن استحلوا قطيعة محارمهم للحرص على الدنيا.

6419 - (2561) (119) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: الشحّ الحرص على تحصيل ما ليس عندك والبخل الامتناع من إخراج ما حصل عندك وقيل إن الشح هو البخل مع حرصٍ قال النووي وقال جماعة الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل وقيل الشخ هو البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور والشح عام وقيل البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف وقيل الشحّ الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده اهـ. قال القرطبي: "قوله حملهم على أن سفكوا دماءهم" إلخ هذا هو الهلاك الذي حملهم عليه الشخ لأنهم تما فعلوا ذلك أتلفوا دنياهم وأخراهم وهذا كما قال في الحديث الآخر "إيّاكم والشحّ فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا" أي حملهم على ذلك رواه أبو داود [1698] اهـ من المفهم وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي ذر بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 6419 - (2561) (119) (حدّثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا شبابة) بن سوّار المدائني أبو عمرو الفزاري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدَّثنا عبد العزيز) بن عبد الله بن أبي سلمة (الماجشون) التيمي مولاهم المدني ثقة من (7) روى عنه في (15) أبواب (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الظلم ظلمات) على أصحابه (يوم القيامة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [/ 2 91] والبخاري في المظالم باب الظلم ظلمات يوم القيامة [2447] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الظلم [2031]. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي ذر بحديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما فقال:

6420 - (2562) (120) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمٍ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ. مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6420 - (2562) (120) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن عقيل) بن خالد الأموي المصري (عن الزهري عن سالم) بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) عبد الله وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسلم) أي جنس المسلم فتدخل فيه المسلمة (أخو المسلم) في الدين (لا بظلمه) في نفسه وعرضه وماله (ولا يُسلمه) بضم الياء من أسلم الرباعي يقال أسلم فلان فلانًا إذا ألقاه إلى التهلكة ولم يحمه من عدوه اهـ عيني يعني أن الهمزة للإزالة والسلب كما أشكيته أي لا يزيل سلامته بإلقائه إلى التهلكة وترك نصره على عدوه. (من كان في) قضاء (حاجة أخيه) المسلم كان الله) سبحانه (في) قضاء (حاجته) بأن أعانه عليها ولطف به فيها (ومن فرّج) وأزال (عن مسلم كربة) واحدة من كربه أي شدة وضيقًا بماله أو جاهه أو مساعدته (فرّج الله عنه) أي عن ذلك المفرّج (بها) أي بسبب تفريجه كربة أخيه المسلم (كربة) أي شدة له (من كرب يوم القيامة) أي من شدائده (ومن ستر مسلمًا) على قبيح فعله غير معروف بالأذى والفساد (ستره) أي ستر الله سبحانه عيوب ذلك الساتر (يوم القيامه) فلا يفضحه على رؤوس الأشهاد في ذلك اليوم الفاضح بل يستره على عيوبه جزاءً له على ستره عيب أخيه المسلم. "قوله ومنْ فرَّج عن مسلم كربةً" وفي الحديث فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زلاته ويدخل في كشف الكربة وتفريجها من أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته قال الحافظ في الفتح [5/ 97] قوله "ومن ستر مسلمًا" أي إذا رآه على قبيح فلم يظهره أي للناس بأن يستره وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه ويحمل الأمر في جواز الشهادة عليه بذلك على ما إذا أنكر عليه ونصحه فلم ينته عن قبيح فعله ثم جاهر به كما أنه مأمور بأن يستتر إذا وقع منه شيء فلو توجه إلى الحاكم وأقرّ لم يمتنع ذلك والذي يظهر أن الستر محله

6421 - (2563) (121) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في معصية قد انقضت والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب الإنكار عليه وإلَّا رفعه إلى الحاكم وليس من الغيبة المحرّمة بل من النصيحة الواجبة وفيه إشارة إلى ترك الغيبة لأن من أظهر مساوئ أخيه لم يستره اهـ. وقال النووي: وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة لأن الستر على هذا يُطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت أما معصية رآه عليها وهو مُتَلَبِّس بها بعد فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة اهـ وأمّا جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم. والحاصل أن الستر محله المعصية الانفرادية التي لا يتعدى أثرها إلى غير المرتكب والتي لا يجاهر بها ولا يصرُّ عليها أما المعاصي التي يتعدى أثرها إلى غيره أو التي يجاهر بها ويصرّ عليها فلا ثم إن الستر في محل مستحب فلو رفعه إلى السلطان لم يأثم بالإجماع ولكئه خلاف الأولى ذكره النووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 91] والبخاري في المظالم [2442] وفي الإكراه [6951] وأبو داود في الأدب [4893] والترمذي في الحدود [1426]. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي ذر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6421 - (2563) (121) (حدثنا قتيبة بن سعيد وعليّ بن حجر) بن إياس السعدي المروزي ثقة من (9) روى عنه في (11) بابا (قالا حدَّثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني صدوق من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه)

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَال: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون) أي هل تعلمون جواب (ما) هو (المفلس قالوا) أي الحاضرون (المفلس فينا) أي في علمنا وعُرفنا هو (من لا درهم) ولا دينار يتعامل فيه (له ولا متاع) ولا بضاعة يتجر فيه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الأمر كذلك بل (أن المفلس منْ أمتي) منْ (يأتي) على الله (يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي) والحال أنه (قد شتم) وسبَّ (هذا) بما لا يوجب الحد (وقذف هذا) بما يوجب الحد (وكل مال هذا) ظلمًا (و) قد (سفك) وأراق (دم هذا) عدوانًا (وضرب هذا) ظلمًا ((فيُعطى هذا) المظلوم شتمًا وقذفًا ومالًا (من) بعض (حسناته وهذا) المظلوم أيضًا دمًا وضربًا (من) بعض (حسناته) الأخرى (فإن فنيت حسناته) أي فإذا وُزعت حسناته على أرباب الحقوق وغلِّقت (قبل أن يقضي) ويوفّي (ما عليه) من الظلامات (أُخذ من خطاياهم) أي من خطايا المظلومين ومعاصيهم (فطُرحت) تلك الخطايا وحمِّلت (عليه) أي على ذلك الظالم المفلس (ثمَّ طُرح) وقذف بمعاصيهم (في النَّار) والعذاب الأليم وقد أفلس من حسناته وارتكبته ديون معاصيهم قوله "إنَّ المفلس من أمتي " إلخ يعني أن المفلس الحقيقي هو هذا وإن كان الناس يسمون من لا مال له مفلسًا فإن من أعوز المال وفقده فإن ضرره يسير وسوف ينقطع يومًا ما وأما هذا الرّجل الذي فقد حسناته كلها وحضل ذنوب غيره فقد خسر خسرانًا لا يتدارك اهـ نووي بتصرف "قوله أُخذ من خطاياهم" إلخ قال المازري وزعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} وهذا الاعتراض منه غلط وجهالة بينة منه لأنه إنما عوقب بفعله ووزره وظلمه فتوجّهت عليه حقوق لغرمائه فدفعت إليهم من حسناته فلما فرغت وبقيت بقية قوبلت على حسب ما اقتضته حكمة الله تعالى في خلقه

6422 - (2564) (122) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدله في عباده فأخذ قدرها من سيئات خصومه فوضع عليه فعوقب به في النار فحقيقة العقوبة إنما هي بسبب ظلمه ولم يعاقب بغير جناية وظلم منه وهذا كله مذهب أهل السنة والله أعلم اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 353] والترمذي في صفة القيامة باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص [2420]. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي ذر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6422 - (2564) (122) (حدَّثنا يحيى بن أيوب) البغدادي المقابري (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أقسمت بالذي نفسي بيده (لتؤدّن) أي لتدفعن (الحقوق إلى أهلها) ومستحقيها سواء كانوا عقلاء أو غيرهم وقوله "لتؤدَّن" بفتح الدال المشددة وفي بعض النسخ بضمها وقوله "الحقوق" بالرفع على الأول على أنه نائب فاعل وبالنصب على الثاني على أنه مفعول به والفاعل ضمير الجمع المحذوف لالتقاء الساكنين لأن أصله لتؤدونن الحقوق حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين فصار لتُؤدن الحقوق (يوم القيامة حتى يُقاد) ويُقتصَّ (للشاة الجلحاء) أي الفاقدة القرن المطعونة (من الشاة القرناء) أي ذات القرن الطاعنة طعنتها للجلحاء في الدنيا ولكن القصاص فيها ليس قصاص تكليف إذ لا تكليف عليها بل قصاص مقابلة لإظهار عدله قال النووي هذا تصريح بحشر البهائم وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين وكما يعاد الأطفالُ والمجانين ومن لم تبلغه دعوة وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)} [التكوير: 5]، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره قال العلماء

6423 - (2565) (123) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ. حَدَّثَنَا بُرَيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ. فَإذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس قصاص تكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة اهـ منه وقد ذكر المازري عن بعض العلماء أنهم أنكروا بعث البهائم لأجل أنها لا تكليف عليها وفسروا قوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)} بأن المراد من حشرها موتها وفسروا حديث الباب بأنه ضرب مثل إعلامًا للخلق بأنها دار جزاء لا يبقى فيها حق عند أحد قالوا والأحاديث الواردة في بعثها أخبار آحاد تفيد الظن والمطلوب في المسألة القطع ولكن رد عليه الأبي بأن المسائل العلمية التي لا ترجع إلى الذات والصفات كهذه يصحّ التمسك فيها بحديث الآحاد وبأن الاستدلال بمجموع ظواهر الآي والأحاديث يرجع إلى التواتر المعنوي والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في صفة القيامة باب ما جاء في شأن القصاص والحساب [2422]. ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي ذر بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال: 6423 - (2565) (123) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم (حدثنا بريد بن) عبد الله أبو بردة الصغير ابن (أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري ثقة من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أي عن جده أبي بردة الكبير عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عزّ وجلّ يملي للظالم) أي يمهله ويُؤخر عقابه ويُطيل عمره مشتق من الملوة بتثليث الميم وهي المدّة والزمان ومنه الملوان أي الليل والنهار كما قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ (183)} (فإذا أخذه) أي فإذا أخذ الله الظالم (لم يُفلته) بضم الياء من باب الإفعال أي لم يطلقه ولم يتركه يقال أفلته إذا أطلقه وانفلت تخلص منه وقال الحافظ أي لم يخلصه

ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [هود: 102] ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك وهذا على تفسير الظلم بالشرك على خصوصه وإن فسر بما هو أعم فيحمل كل على ما يليق به (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [هود: 102]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة هود باب قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} الآية [4686] والترمذي في تفسير سورة هود [3109] وابنُ ماجه في الفتن في العقُوبات [4067]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث (14) أربعة عشر الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة الثاني حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه ست متابعات والرابع حديث أبي سعيد وأبي هريرة ذكره للاستشهاد والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والسادس حديث جابر ذكره للاستشهاد والسابع حديثُ ابن عباس ذكره للاستشهاد والثامن حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والتاسع حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد والعاشر حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد والحادي عشر حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد والثاني عشر حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والثالث عشر حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والرابع عشر حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

726 - (15) باب نصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق

726 - (15) بابُ نصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق 6424 - (2566) (124) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: اقْتَتَلَ غُلامَانِ. غُلامٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلامٌ مِنَ الأَنْصَار. فَنَادَى الْمُهَاجِرُ أَو الْمُهَاجرُونَ: يال الْمُهَاجِرِينَ، وَنَادَى الأَنْصَارِيُّ: يَال الأنصَارِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 726 - (15) بابُ نصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق 6424 - (2566) (124) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج بالحاء المهملة أبو خثيمة الجعفي الكوفي ثقة من (7) (حدثنا أبو الزبير) المكي الأسدي مولاهم (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري وهذا السند من رباعياته (قال) جابر رضي الله عنه (اقتتل غلامان) أي اقتتل الشابان وتضاربا (غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار) المهاجري اسمه جهجا بن مسعود والأنصاري سنان بن وبر الجهني اهـ من تنبيه المعلم وذكر الحافظ عن ابن إسحاق أن المهاجري اسمه جهجاه بن قيس الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والرجل الأنصاري اسمه سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار اهـ منه (فنادى) الغلام (المهاجر أو) قال جابر فنادى (المهاجرون) والشك من أبي الزبير (يال المهاجرين ونادى) الغلام (الأنصاريّ يال الأنصار) قال النووي هكذا هو في معظم النسخ بلامٍ مفصولة في الموضعين وفي بعضها ياللمهاجري وياللأنصار بوصلها وفي بعضها يا آل المهاجرين واللام مفتوحة في الجميع وهي لام الاستغاثة والصحيح أن يكون بلام موصولة وإعرابه يا حرف نداء مبنية على السكون اللام حرف جر واستغاثة مبنية على الفتح قياسًا لها على اللام الداخلة على الضمير المهاجرين مجرور باللام

فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: "مَا هَذَا، دَعوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ " قَالُوا: لَا. يَا رَسُولَ اللهِ، إلا أَنَّ غُلامَينِ اقْتَتلا فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. قَال: "فَلَا بَأْسَ. وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلامة جره الياء لأنه من جمع المذكر السالم الجار والمجرور متعلق بالياء لأنها نائبة عن أدعو أو أنادي فهي بمنزلة الفعل وقيل اللام زائدة ومعناه أدعو المهاجرين وأستغيث بهم (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) من خيمته عليهم (فقال ما هذا) النداء الذي يستغيث به بعضكم على بعض أتنادون وتدعون (دعوى أهل الجاهلية) قال النووي تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية هو كراهة منه لذلك فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية اهـ منه فكل مظلوم ينصر سواء كان من قبيلة الناصر أو غيرها وسيأتي أن ذلك وقع في غزوة المريسيع (قالوا) أي قال الحاضرون من الصحابة (لا) ندعوا دعوى الجاهلية (يا رسول الله) فالمراد أن معظم الحاضرين لم يتأثروا بهذه الدعوة ولم يرجعوا إلى عصبية الجاهلية (إلا) أي لكن (أن غلامين) المهاجريّ والأنصاري (اقتتلا) وتضاربا (فكسع) أي ضرب (أحدهما) أي أحد الغلامين (الآخر) أي ضرب وبره وعجيزته بيد أو رجل أو سيف أو غيره اهـ دهني والضرب بهذا كان يعد إهانة شديدة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا بأس) ولا ضرر ولا حرج إذا أي إذا كان الأمر كما قلتم يعني لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خفته فإنه خاف أن يكون حدث أمر عظيم يوجب فتنة وفسادًا وليس هو عائدًا إلى رفع كراهة الدعاء بدعوى الجاهلية كذا في النووي (ولينصر الرجل) منكم (أخاه) في الدين (ظالمًا) كان ذلك الأخ (أو مظلومًا) وقد ذكر الحافظ في الفتح [5/ 98] عن المفضل الضبي في كتابه الفاخر أن أولّ من قال انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم وفيه يقول شاعرهم: إذا أنا لم أنصـ ... ـر أخي وهو ظالم على القوم لم أنصر ... أخي وهو يظلم فكان هذا القول أي "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" شعار العصبية الجاهلية التي

إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ. وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ تحث على نصر أهل قبيلته سواء كانوا ظالمين أم لا فاختار النبي صلَّى الله عليه وسلم نفس الكلام ولكن فسّره على ما يناقض العصبية وفيه غاية الوجازة والبلاغة ثم بين كيفية نصره في الحالتين بقوله: (أن كان) ذلك الأخ (ظالمًا) لغيره (فلينهه) أي فلينه الأخ الناصر الأخ الظالم عن ظلمه وليزجره عنه (فإنّه) أي فإن نهيه عن ظلمه (نصر له) في الحقيقة على الشيطان وهوى النفس لأنه بارتكاب الظلم يجعل نفسه موردًا للعقاب الشديد وكفه عن ذلك وقاية له عنه فكان نصرًا له ومنّا عليه (وإن كان) ذلك الأخ (مظلومًا فلينصره) على دفع الظالم عنه وقوله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا هو من الكلام الوجيز البليغ الذي قل من يأتي بمثله وأو فيه للتنويع اهـ أبي. قال القرطبي: "قوله كَسَعَ رَجَلٌ" إلخ في الصحاح الكسع أن تضرب دبر الإنسان بيدك أو بصدر قدمك يقال اتّبع فلان أدبارهم يكسعهم بالسّيف مثل يكسؤهم أي يطردهم ومنه قول أبي شبل الأعرابي: كسع الشتاء بسبعة غبر ... أيّام شهلتنا من الشَّهر ووردت الخيل يكسع بعضها بعضًا قوله: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" وهذا من الكلام البليغ الوجيز الذي قلّ من ينسج على منواله أو يأتي بمثاله وأو فيه للتنويع وإنما سمّى ردّ الظالم نصرًا لأن النصر هو العون ومنه قالوا أرض منصورة أي معانة بالمطر ومنع الظالم من الظلم عون له على مصلحة نفسه وعلى الرّجوع إلى الحق فكان أولى بأن يُسمّى نصرًا ولكن هذا اللفظ ليس في التلخيص ولا في صحيح مسلم بل هو عند أحمد [3/ 201] وعند البخاري [2443 و 3444] والترمذي [2255] من حديث أنس بن مالك ودعوى أهل الجاهلية تناديهم عند الغضب والاستنجاد بقولهم يا آل فلان يا بني فلان وهي التي عنى بقوله: "دعوها فإنها منتنة" أي مستخبثة قبيحة لأنها تثير التعصب على غير الحق والتقاتل على الباطل ثم إنها تجر إلى النار كما قال "من دعا بدعوى الجاهلية فليس منا وليتبوأ مقعده من النار" رواه أحمد والترمذي وقد أبدل الله من دعوى الجاهلية دعوى المسلمين فينادى يا للمسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم فادعوا بدعوى الله الذي سمّاكم المسلمين وكما نادى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن يالله يا لِلمسلمين فإذا دعا بها المسلم وجبت إجابته والكشف عن أمره على كل من سمعه فإن

6425 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ- (قَال ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. قَال: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ. فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ظهر أنه مظلوم نصر بكل وجه ممكن شرعي لأنه إنما دعا للمسلمين لينصروه على الحق هان كان ظالمًا كف عن الظلم بالملاطفة والرفق فإن نفع ذلك وإلا أخذ بيده وكف عن ظلمه فإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ثم يدعونه فلا يستجاب لهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 338] والبخاري في مواضع منها في المناقب باب ما ينهى من دعوى الجاهلية [3518] والترمذي في تفسير سورة المنافقين [3109] وابن ماجه [4018]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6425 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزُهير بن حرب وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبّي) البصري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي شيبة قال ابن عبدة أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة قال سمع عمرو) بن دينار الجمحي المكي (جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة عمرو بن دينار لأبي الزبير المكي (كنّا) معاشر الصحابة (مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة) أي في غزوة المريسيع فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت أنها كانت غزوة المريسيع وهي التي هدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلّل والبحر ذكره الحافظ في الفتح [8/ 649] وقال مرسل جيد ووقع في رواية للبخاري في المناقب غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناسٌ من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعّاب فكسَعَ أنصاريًا فغضب الأنصاريُّ غضبًا شديدًا حتى تداعوا وذكر الحافظ عن ابن إسحاق أن المهاجريَّ اسمه جهجاه بن قيس الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه والرجل الأنصاري اسمه سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار كما ذكرنا سابقًا (فكسَعَ رَجلٌ من المهاجرين

رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ. فَقَال الأَنْصَارِيُّ: يَا للأنْصَارِ، وَقَال الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الْجاهِلِيَّةِ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَال: "دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَال: قَدْ فَعَلُوهَا، وَاللهِ، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ. قَال عُمَرُ: دَعْنِي أَضرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَال: "دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يقْتُلُ أَصْحَابَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رجلًا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجريُّ يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال) أي ما شأن (دعوى الجاهلية) تنادون بها وتستغيثون فيما بينكم (قالوا يا رسول الله كَسَعَ) أي ضرب (رجلٌ من المهاجربن) بصدر قدمه (رجلًا من الأنصار فقال) لهم النبي صلى الله عليه وسلم (دعوهما) أي اتركوا دعوى الجاهلية والتناصر بها (فإنها) أي فإن دعوى الجاهلية (منتنة) أي مستخبثة قبيحة كريهة مؤذية لأنها تثير الفتنة والعصبية بين الناس يعني أن عصبية الجاهلية والتداعي باسمها أمرٌ منتن والمنتن في الأصل ما له رائحة كريهة جدًّا ثمّ استعير للقبيح الشديد القباحة فإن الطعام ونحوه إذا بلغ غاية التغيُّر أنتن (فسمعها) أي فسمع قصة التداعي والتناصر الواقعة بين المهاجريّ والأنصاريّ (عبد الله بن أُبي) ابنُ سلول رئيس المنافقين (فقال) عبد الله بن أبيّ (قد فعلوها) أي أقد فعلوها بتقدير همزة الاستفهام الإنكاريّ أي أقد فعل المهاجرون الآثرة والاستغاثة علينا أي شركناهم فيما نحن فيه من الأموال والبلاد فأرادوا الآن الاستبداد به والأُثرة علينا. وفي رواية لابن إسحاق "فقال عبد الله بن أبيّ أقد فعلوها نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل سمِّن كلبك يأكلك" (والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ) يعني المواطنين في المدينة من الأنصار (منها) أي من المدينة (الأذل) يعني به المهاجرين (قال عمر) بن الخطاب (دعني) أي اتركني وأذن لي إن أذنت لي (أضرب عنق هذا المنافق فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعه) أي اتركه ولا تقتله إذًا (لا يتحدّث الناس أنّ محمدًا يقتل أصحابه) فإن قتلته يتحدثون بذلك القتل إذ في ذلك كما قال أبو سليمان تنفير الناس عن الدخول في الدين بأن يقولوا

6426 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. (قَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخبَرَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ لإخوانهم ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يدعي عليكم كفر الباطن فيستبيح بذلك دماءكم وأموالكم اهـ قسطلاني قال القاضي عياض فيه ترك تغيير المنكر إذا خاف أن يؤدّي إلى مفسدة أشد لأن العرب كانت من الأنفة وإباءة الضيم حيث كانوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألفهم بطلاقة الوجه ولين الكلمة وبذل المال والإغضاء حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم وليراهم غيرهم فيدخل في الإسلام ويتبعهم غيرهم من أتباعهم ولذلك لم يقتل المنافقين ووكل أمرهم إلى ظواهرهم مع علمه ببواطن كثير منهم وكانوا في الظاهر معدودين في جملة أصحابه وأنصاره وقاتلوا معه حميّة أو طلب غنيمة أو عصبية لمن معه من عشائرهم فلو قتلهم لارتاب في الدخول في الإسلام من يريد الدخول فيه ونفره واختلف هل بقي جواز ترك قتلهم والإغضاء عنهم أو نسخ بقوله تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} ومال غير واحد من أئمتنا وغيرهم إلى أنه إنما يجوز العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم فإن أظهروه قتلوا واحتجّ بقوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ} الآية وهو يدل أن المنافقين في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا يستحقون القتل لولا المانع المذكور ولما يتقى من قتلهم من غضب عشائرهم فتثور الفتنة ويمتنع من الدخول في الإسلام وهو خلاف المقصود وأقام صلى الله عليه وسلم مستصحبًا لذلك حتى توفّاه الله سبحانه فذهب النفاق وحكمه وارتفع اسمه ومسمّاه والحديث يرد على من يقول إنما لم يقتلهم لأنه لم تقم بينة على نفاقهم لأنه نص في هذا الحديث على المانع من قتلهم وفيه القول بسدّ الذرائع وارتكاب أخف الضررين ومن قال من الأئمة إنهم إذا أظهروا النفاق يقتلون يرد عليه أنه في عهده صلى الله عليه وسلم منهم من أظهر النفاق واشتهر بذلك ومع ذلك لم يقتلهم اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6426 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج ثقة متقن من (11) (ومحمد بن رافع) القشيري (قال ابن رافع حدثنا وقال الآخران أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر عن أيوب) السختياني (عن عمرو بن

دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ الْقَوَدَ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ". قَال ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَمْرٌو قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا. 6427 - (2567) (125) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ دينار عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه ببان متابعة أيوب لسفيان بن عيينة (قال) جابر (كَسَعَ) أي ضرب (رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار فأتى) الأنصاريُّ (النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) أي سأل الأنصاري النبي صلى الله عليه وسلم (القوَدَ) أي الاقتصاص له من المهاجريّ (فقال النبي صلّى الله عليه وسلم) للناس عمومًا (دعوها) أي اتركوا دعوى الجاهلية (فإنها منتنة) أي قبيحة مثيرة للفتنة (قال ابن منصور في روايته عمروٌ) مبتدأ خبره جملة (قال سمعت جابرًا) أي قال عمرو سمعت جابرًا بصيغة السماع لا بالعنعنة قوله "فإنها منتنة" وفي المصباح أنتن إنتانًا من أفعل الرباعي فهو منتن وقد تكسر الميم للإتباع وضم التاء إتباعًا للميم قليل اهـ "قوله دعوها فإنها منتنة لأ قال القاضي الضمير راجع إلى دعوى الجاهلية وهو يعارض قوله في الطريق الأول "فلا بأس" ويجاب عنه بأن معنى لا باس مما خاف أن يقع من فتنة أو فساد والدعوى لم تزل منكرةً أو أن قوله منتنة راجع إلى القولة اهـ أبي وقوله أيضًا "لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" قال النووي وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين وتتم دعوة الإسلام ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة ويرغب غيرهم في الإسلام ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى ولإظهارهم الإسلام وقد أمر بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر لأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلَّى الله عليه وسلم ويجاهدون معه إمَّا حميةً وإمَّا لطلب دنيا اهـ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو كون المؤمنين كالبنيان وتراحم بعضهم بعضًا بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6427 - (2567) (125) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عامر) عبد الملك بن

الأَشْعَرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ. يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو القيسي (الأشعري) البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (قالا حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (وأبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة من (9) (ح وحدثنا محمد بن العلاء) بن كُريب الهمداني (أبو كريب) الكوفي (حدثنا) عبد الله (بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) (و) عبد الله (بن إدريس وأبو أسامة كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة المذكورين يعني ابن المبارك وابن إدريس وأبا أسامة رووا (عن بريد) بن عبد الله أبي بردة الصغير (عن أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المومن للمؤمن كالبنيان) وأل في الموضعين للجنس والمراد البعض أي بعض المؤمن للبعض كالبنيان ذكره الطيبي ويمكن أن تكون للاستغراق أي كل المؤمن لكلّ المؤمن والأظهر أنها للعهد الذهني في الأول وللجنس في الثاني أي المؤمن الكامل لمطلق المؤمن كائن كالبنيان (يشدّ بعضه) أي بعض البنيان (بعضًا) والجملة الفعلية إما حال من البنيان أو صفة له لأن اللام فيه جنسية فلا تعرف أو مستأنفة لبيان وجه الشبه وهو الأظهر أي حالة كون البنيان يشد بعضه بعضًا أو هو يشدّ بعضه بعضًا فكذلك المؤمن للمؤمن ثم لا يشك أن القوي هو الذي يشدّ الضعيف ويقوّيه وحاصل معناه أن المؤمن لا يتقوّى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه اهـ مرقاة وقال القاضي هو تمثيل وتقريب للفهم يريد الحضّ على التعاون والتناصر فيجب امتثال ما حضَّ عليه اهـ. قال القرطبي قوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان" إلخ تمثيل يفيد الحضّ على معونة المؤمن للمؤمن ونصرته وأنّ ذلك أمر متأكد لا بدّ منه فإن البناء لا يتم أمره ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضًا ويقويه فإن لم يكن كذلك انحلّت أجزاؤه وخرب بناؤه وكذلك المؤمن لا يستقل بأمور دنياه ودينه إلّا بمعونة أخيه ومعاضدته ومناصرته فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه وعن مقاومة مضادِّه فحينئذ لا يتم له نظام دين ولا دنيا ويلتحق بالهالكين اهـ من المفهم.

6428 - (2568) (126) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المظالم باب نصر المظلوم [2446] وفي الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا [6026] وأبو داود [1684] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم [1929] والنسائي في [5/ 79 - 80]. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي موسى بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 6428 - (2568) (126) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني أبو يحيى الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (12) بابا (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) أبي عمرو الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (19) بابا (عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما الأنصاري الخزرجي المدني وهذا السند من خماسياته (قال) النعمان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين) وصفتهم (في توادّهم) أي في توادّ بعضهم بعضًا وتحاببهم والتوادّ مصدر توادد من باب تفاعل الخماسي يتوادد تواددًا وتوادًّا إذا أدغمت والمقصود من هذا التمثيل الحض على ما يتعين من محبة المؤمن بأخوة الإيمان ونصيحته والتهمم بامره اهـ من المفهم (و) في (تراحمهم) أي تراحم بعضهم بعضًا بالإحسان (و) في (تعاطفهم) أي وفي تعاطف بعضهم على بعض بالنصر لله على أعدائه وكل من الثلاثة من باب التفاعل الذي يستدعي اشتراك الجماعة في أصل الفعل قيل هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف أما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب بمحبة كالتزاور والتهادي وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضًا كما يُعطف طرف الثوب عليه ليقويه (مثل الجسد) أي صفة الجسد الواحد (إذا اشثكى) وتألم (منه) أي من ذلك الجسد (عضوٌ) من أعضائه (تداعى) أي تنادى (له) أي لأجل ألم ذلك العضو (سائر الجسد) أي باقي

بالسَّهَرِ والْحُمَّى". 6429 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشِّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوهِ. 6430 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجسد (بالسهر) أي بفقد النوم (والحُمَّى) أي وبالسخونة أي دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة له في الألم وفقد النوم وأخذ السخونة وهذا الحديث والذي قبله صريحان في تعظيم حقوق المسلمين والحفق على معاونتهم وملاطفة بعضهم بعضًا وتعاضدهم وتناصرهم في غير معصية ولا مكروه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاريُّ في الأدب باب رحمة الناس والبهائم [6011]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 6429 - (00) (00) (حدثنا إسحاق) بن إبراهيم (الحنظلي) المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبيّ الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن مُطرّف) بصيغة اسم الفاعل بن طريف الحارثي أبي بكر الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي (عن النعمان بن بشير) الأنصاريّ رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة مُطرّف بن طريف لزكرياء بن أبي زائدة وساق مطرّف (بنحوه) أي بنحو حديث زكرياء. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 6430 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشجّ) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة من (9) (عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهليّ الكوفي ثقة من (5) (عن الشعبي عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لزكرياء بن أبي زائدة (قال) النعمان (قال رسول الله صلى الله

عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ". 6431 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيثَمَةَ، عنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِن اشْتَكَى عَينُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ. وَإِنِ اشتَكَى رَأْسُهُ، اشْتَكَى كُلُّهُ". 6432 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الأعمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى) وصاع وتألّم (رأسه) أي رأس ذلك الرجل (تداعى) أي تنادى وأجاب (له) أي لرأسه أي لألمه (سائرُ الجسد) أي جميعُ الجسد (بالحُمَّى والسَّهر) أي فقد النوم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 6431 - (00) (00) (حدّثني محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدَّثنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسيّ أبو علي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن الأعمش عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة خيثمة بن عبد الرحمن للشعبي (قال) النعمان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون كرجلٍ واحدٍ إن اشتكى عينه) أي رمدت عين ذلك الرجل (اشتكى) أي مرض (كلّه) أي كل جسده (وإن اشتكى) وصاع (رأسه اشتكى كلّه) أي كل جسده. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 6432 - (00) (00) (حدَّثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني (حدثنا حُميد بن عبد الرحمن) بن حُميد الرؤاسي الكوفي (عن الأعمش عن الشعبي عن النُّعمان بن بشير) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من

نَحْوَهُ. 6433 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالا. فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته غرضه بيان متابعة الشعبي لخيثمة بن عبد الرحمن في الرواية بهذا اللفظ المذكور لخيثمة وساق الشعبي (نحوه) أي نحو حديث خيثمة. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو النهي عن السباب بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6433 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقُتيبة) بن سعيد (و) عليُّ (بن حجر) السعدي المروزيُّ (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزّرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المستبان) مبتدأ أول أي الشخصان اللذان يتسابَّان مبتدأ أول (ما قالا) مبتدأ ثان أي إثم ما قالا في التسابب (فعل البادئ) منهما بالسبِّ خبر المبتدأ الثاني والجملة الاسمية خبر للمبتدإ الأول (ما لم يعتد) أي ما لم يتجاوز الثاني (المظلوم) القدر الجائز له في الانتصار منه قال النووي معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كلّه إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له الأول وفي هذا جواز الانتصار ولا خلاف في جوازه اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا لحديث أحمد [2/ 235] وأبو داود في الأدب بابٌ المستبَّان [4894] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الشتم [1982] "قوله المستبَّان ما قالا" إلخ. قال القرطبي المستبَّان تثنية مستب من السب وهو الشتم والذم وهو مرفوع بالابتداء و "ما" موصولة في محل الرفع بالابتداء ثانيًا وجملة قالا صلتها والعائد محذوف تقديره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالاه "فعلى الأول" خبر لما الموصولة ودخلت الفاء على الخبر لما تضمنه الاسم الموصول من معنى الشرط نحو قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وما وخبرها خبر المبتدإ الأول الذي هو المستبّان ومعنى الكلام أن المبتدئ بالسبّ هو المختص بإثم السبّ لأنه ظالم به إذ هو مبتدئ من غير سبب ولا استحقاق والثاني منتصر فلا إثم عليه ولا جناح لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} [الشورى: 41]، لكن السب المنتصر به وإن كان مباحًا للمنتصر فعليه إثم من حيث هو سبّ لكنه عائد إلى الجاني الأول لأنه هو الذي أحوج المنتصر إليه وتسبب فيه فيرجع إثمه عليه ويسلم المنتصر من الإثم لأن الشرع قد رفع عنه الإثم والمؤاخذة لكن ما لم يكن من المنتصر عدوان إلى ما لا يجوز له كما قال "ما لم يعتد المظلوم" أي ما لم يجاوز ما سُبَّ به إلى غيره إما بزيادة سبّ آخر أو بتكرار مثل ذلك السب وذلك أن المباح في الانتصار أن يرد مثل ما قال الجاني أو يقاربه لأنه قصاص فلو قال له يا كلب مثلًا فالانتصار أن يرد عليه بقوله بل أنت الكلب فلو كرَّر هذا اللفظ مرتين أو ثلاثًا لكان معتديًا بالزائد على الواحدة فله الأول وعليه إثم الثانية وكذلك لو ردّ عليه بأفحش من الأول فيقول له خنزير مثلًا كان كل واحد منهما مأثومًا لأن كلًّا منهما جان على الآخر وهذا كله مقتضى قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194]، وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكلّ ما ذكرناه من جواز الانتصار إنما هو فيما إذا لم يكن القول كذبًا أو بهتانًا فلا يجوز أن يتكلم بذلك لا ابتداء ولا قصاصًا وكذلك لو كان قذفًا فلو ردَّه لكان كل واحد منهما قاذفًا للآخر. وكذلك لو سبّ المبتدئ أبا المسبوب أو جدّه لم يجز له أن يردّ ذلك لأنه سب لمن لم يجن عليه فيكون الرد عدوانًا لا قصاصًا قال بعض علمائنا إنما يجوز الانتصار فيما إذا كان السب مما يجوز سب المرء به عند التاديب كالأحمق والجاهل والظالم لأن أحدًا لا ينفك عن بعض هذه الصفات إلّا الأنبياء والأولياء فهذا إذا كافأه بسبّه فلا حرج عليه ولا إثم وبقي الإثم على الأول بابتدائه وتعرّضه لذلك اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع وهو استحباب التواضع بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6434 - (2570) (128) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ. وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلا عِزًّا. وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَهِ إلا رَفَعَهُ اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6434 - (2570) (128) (حدَّثنا يحيى بن أيوب) المقابري (وقتيبة) بن سعيد (و) على (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني صدوق من (6) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال) قال النووي ذكروا في معناه وجهين أحدهما أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية وهذا مدرك بالحسِّ والعادة والثاني أنه وإن نقصت صورته كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة (وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا) فيه أيضًا وجهان أحدهما على ظاهره ومن عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاد عزّه وإكرامه والثاني أن يكون أجره وثوابه وجاهه وعزه في الآخرة أكثر (وما تواضع أحدٌ لله إلَّا رفعه الله) والتواضع الانكسار والتذلل ونقيضه التكبر والترفع والتواضع يقتضي متواضعًا له فإن كان المتواضع له هو الله تعالى أو من أمر الله بالتواضع له كالرسول والإمام والحاكم والوالد والعالم فهو التواضع الواجب المحمود الذي يرفع الله تعالى به صاحبه في الدنيا والآخرة وأما التواضع لسائر الخلق فالأصل فيه أنه محمود ومندوب إليه ومرغب فيه إذا قُصد به وجه الله ومن كان كذلك رفع الله تعالى قدره في القلوب وأما التواضع لأهل الدنيا ولأهل الظلم فذلك هو الذل الذي لا عزّ فيه والخسَّة التي لا رفعة معها بل يترتب عليها ذل الآخرة وكل صفقة خاسرة نعوذ بالله من ذلك اهـ من المفهم. وقد يقال معنى قوله: "وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا" إما في الدنيا بعد كونه معروفًا بالعفو والصفح أو في الآخرة بزيادة الثواب ومعنى قوله: "وما تواضع أحدٌ لله إلَّا رفعه الله" أي رفع منزلته في قلوب الناس أو رفع درجته في الآخرة ولا تنافي بين الأمرين. فيمكن أن يحصل له العز والرفعة في كل من الدنيا والآخرة وحقيقة التواضع أن لا يعتقد نفسه أهلًا للرفعة.

6435 - (2571) (129) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قِيلَ: أَفَرَأَيتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَال: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَقَدْ بَهَتَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 235] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في التواضع [2030]. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو تحريمُ الغيبة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6435 - (2571) (129) (حدَّثنا يحيى بن أيوب) البغدادي المقابري (وقتيبة) بن سعيد (و) عليُّ (بن حجر) السعديُّ المروزيُّ (قالوا حدثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون) أي هل تعلمون جواب (ما) حقيقة (الغيبة) وما معناها قال القرطبي كأن هذا السؤال صدر عنه بعد أن جرى ذكر الغيبة ولا يبعد أن يكون ذلك بعد نزول قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] ففسّر النبي صلَّى الله عليه وسلم هذه الغيبة المنهي عنها بعد أن (قالوا) في جواب سؤاله (الله ورسوله أعلم) فـ (ـــقال) الغيبة التي نهيتم عنها بهذه الآية (ذكرك) ووصفك (أخاك) أو أختك في الإسلام في حال الغيبة (بما) أي بوصف (يكره) أخوك الوصف سواء كان ذكرًا بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه حتى في ثوبه وداره ودابّته وسيّارته (قيل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر من ذكر اسم هذا القائل (أفرأيت) أي أخبرني يا رسول الله (إن كان في أخي) ذلك (ما أقول) في الغيبة له هل هو حرام أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (إن كان فيه) أي في أخيك (ما تقول) فيه (فقد اغتبته) أي ذكرته بما يكره في غيبته لأن الغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره (وإن لم يكن فيه) أي في أخيك ما تقول (فقد بهتَّه) أي افتريت عليه فحينئذ جمعت له بين الغيبة والبهتان وهو بتشديد التاء المفتوحة للمخاطب لإدغام لام الكلمة في

6436 - (2572) (130) حدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ الْعَيشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ)، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تاء الفاعل أي فقد ذكرته بالبهتان والكذب والباطل قال في النهاية البهتان هو الباطل الذي يتحير منه من البهت وهو التحير لأنه يحير من قيل فيه والألف والنون زائدتان يقال بهته يبهته من باب فتح والبهت الكذب والافتراء اهـ قال القاضي الغيبة ذكر الرجل بما يسوؤه في غيبته والبهت ذكر ذلك في وجهه وكلاهما مذموم بحق أو باطل إلا أن يكون البهت في الوجه على طريق الوعظ والنصيحة اهـ سنوسي قال القرطبي والغيبة وزنها فعلة وهي مأخوذة من الغيبة بفتح الغين مصدر غاب لأنها ذكر الرجل في حال غيبته بما يكرهه لو سمعه يقال من ذلك المعنى اغتاب فلان فلانًا يغتابه اغتيابًا واسم ذلك المعنى الغيبة بكسر الغين ولا شك في أنها محرّمة وكبيرة من الكبائر بالكتاب والسنة فالكتاب قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية وأما السنة فكثيرة من أنصها ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم" رواه برقم [4877] وفي كتابه من حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مررت ليلة أسري بي بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" رواه أبو داود في رقم [4878] بلفظ "ليلة عُرج بي" وإذا تقررت حقيقة الغيبة وأن أصلها على التحريم فاعلم أنها تخرج عن ذلك الأصل صور فتجوز الغيبة في بعضها وتجب في بعضها ويندب إليها في بعضها فقد ذكر تفصيلها في المفهم فراجعه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 235] وأبو داود في الأدب باب الغيبة [4874] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الغيبة [1935]. ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو بشارة من ستره الله في الدنيا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6436 - (2572) (130) (حدّثني أُمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) البصري صدوق من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) العيشي البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري البصري ثقة

عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَسْتُرُ اللهُ عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا، إلا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 6437 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا، إلا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من (6) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (قال لا يستر الله) سبحانه وتعالى (على عبد) عيبًا من عيوبه (في الدنيا) كالزنا والسرقة وشرب المسكر (إلّا ستره الله) سبحانه على عيبه ذلك (يوم القيامة) فلا يطلعه على ملائكته ولا يؤاخذه به قال القاضي يحتمل هذا وجهين أحدهما أن يستر معاصيه وعيوبه من إذاعتها في أهل الموقف والثاني ترك محاسبته عليها وترك ذكرها قال والأول أظهر لما جاء في الحديث الآخر "يقرّره بذنوبه يقول سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" اهـ نووي. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى وقد سبق عنه تخريجه بهذا اللفظ من رواية ابن عمر في باب تحريم الظلم وقد سبق شرحه هناك مستوفى فلله الحمد. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6437 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفّان) بن مسلم بن عبد الله الصفّار الأنصاري البصري ثقة من (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سُهيل) بن أبي صالح وفي هذا السند فائدة تصريح سماع وهيب لسهيل (عن أبيه) أبي صالح الزيّات (عن أبي هريرة عن النبي صلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة وهيب لروح بن القاسم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا يستر عبدٌ) من عباد الله على (عبد) عيبًا ارتكبه (في الدنيا إلّا ستره الله) سبحانه (يوم القيامة) أي إلّا ستر الله عيب ذلك السَّاتر لعيب أخيه يوم القيامة جزاءً له على ستره عيب أخيه.

6438 - (2573) (131) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، (وَهُو ابْنُ عُيَينَةَ)، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ؛ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "ائْذَنُوا لَهُ. فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ" فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيهِ أَلانَ لَهُ الْقَوْلَ. قَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء السّابع من الترجمة وهو اتقاء من يُتّقى فحشه بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6438 - (2573) (131) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن عبد الله (بن نمير كلُّهم) رووا (عن) سفيان (بن عيينة واللفظ لزهير قال) زهير (حدَّثنا سفيان وهو ابن عيينة عن) محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير القرشي التيمي المدني ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (سمع) ابنُ المنكدر (عروة بن الزبير يقول حدّثتني عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المؤلفة قلوبهم قال القاضي وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن مالك الفزاريُّ أسلم بعد الفتح وقيل قبله وكان من الأعراب الجفاة روى أبو عمر بن عبد البر عن إبراهيم النخعي أن عيينة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأين الإذن فقال ما استأذنت على أحد من مضر وكانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذه الحميراء فقال أمُّ المؤمنين فقال ألا أنزل لك عن أجمل منها فقالت عائشة من هذا يا رسول الله قال هذا أحمق مطاع وهو على ما ترين سيّد قومه رواه ابن عبد البر في الاستيعاب أي أن رجلًا من المؤلفة (استأذن) أي طلب الإذن في الدّخول (على النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده (ائذنوا له) في الدخول. (فلبئس ابن العشيرة أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم (بئس رجل العشيرة) والمراد بالعشيرة قبيلته أي بئس وقبح هذا الرجل المستأذن من القبيلة والشك من الراوي أو ممن دونه (فلمّا دخل) عيينة (عليه) صلى الله عليه وسلم (ألان له القول) أي قال له النبي صلى الله عليه وسلم قولًا سهلًا وكلّمه كلامًا لينًا طيبًا (قالت عائشة فقلت) له صلّى

يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ. ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَال: "يَا عَائِشَةُ، إِن شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم (يا رسول الله قلت له) أي قلت فيه قبل دخوله الكلام (الذي قلت) فيه تعني قوله فلبئس ابن العشيرة (ثم) بعد دخوله (ألنت له القول) وسهلت له الكلام فما هذه المخالفة بين كلاميك فـ (ــقال) لها النبي صلى الله عليه وسلم في جواب سُؤالها (يا عائشة إنَّ شرَّ الناس) وأخسّهم وأقبحهم (منزلة) أي درجةً (عند الله يوم القيامة من ودعه) أي تركه (أو) قال من (تركه الناس اتقاء فحشه) أي خوف شرّه وفتنته وهذا الرجل الداخل عليَّ من شرّ الناس فلذلك ألنت له القول قوله "فلبئس ابن العشيرة" العشيرة القبيلة أو الجماعة والمراد أنه من رجال السوء في قومه وعشيرته وعيينة بن حصن هذا لم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف حاله لئلا يغتر به من لا يعرف حقيقة أمره وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه وارتد مع المرتدين وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر رضي الله عنه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بئس ابن العشيرة من أعلام النبوة لأنه ظهر كما وصف قوله "ألان له القول" أي تحدّث معه بلين ورفق وفي رواية للبخاري في الأدب "فلمَّا جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه" وفيه مداراة الضيف الكافر أو الفاسق والمداراة جائزة وربما تستحب والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو كليهما وهي مباحة ومستحسنة في بعض الأحوال والمداهنة المحرّمة المذمومة هي بذل الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته وطلاقة وجهه ولم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله لأنه قوله ذلك إخبار بحق ومداراته له حسن عشرة مع الخلق فلا مدفع لأهل الزيغ والضلال إذ لا يبقى على ما أوضحناه إشكال اهـ مفهم اهـ فتح الباري [1/ 454] ويظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه "إن شرّ الناس منزلةً عند الله" إلخ أن عيينة ختم له بخاتمة سوء لأنه ممن اتقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فحشه وشره والناسُ فهو إذًا شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ولا يكون كذلك حتى يختم الله تعالى له بالكفر والله تعالى أعلم قوله "من ودعه أو تركه الناس اتّقاء فحشه" هذا شك من بعض الرواة في أيّ اللفظين قال النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان الصحيح ودعه فقد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بالأصل المرفوض كما تكلّم به الشاعر الذي هو أنس بن زنيم في قوله:

6439 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وَابْنُ الْعَشِيرَةِ". 440 - (2574) (132) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ سل أميري ما الذي غيَّره ... عن وصالي اليوم حتَّى وَدَعَه وقد حُكي عن بعض السلف أنه قرأ قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] بتخفيف الدَّال وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تكلّم بمصدر ذلك المرفوض حيث قال "لينتهينّ أقوامٌ عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم" رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن حبّان في الإحسان وهذا كله يردّ على من قال من النحويين إنّ العرب قد أماتت ماضي هذا الفعل ومصدره ولا يتكلم به استغناءً عن ذلك بتركه فإن أراد به هذا القائل أنه لا يوجد في كلامهم فقد كذبه الصّحيح وإن أراد أن ذلك يقع ولكنّه قليل وشاذّ في الاستعمال فهو صحيح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 38] والبخاري في مواضع منها في الأدب باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب [6054] أبو داود في الأدب باب في حسن العشرة [4791] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في المداراة [1997]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6439 - (00) (00) (حدَّثنا محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (كلاهما عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن) محمد (بن المنكدر في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن عروة عن عائشة غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة وساق معمر (مثل معناه) أي مثل معنى حديث سفيان (غير أنَّه) أي غير أن معمرًا (قال) في روايته لفظة (بئس أخو القوم وابن العشيرة). ثم استدل المؤلف على الجزء الثامن من الترجمة وهو فضل الرفق بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه فقال: 6440 - (2574) (132) (حدَّثنا محمد بن المثنى حدثني يحيى بن سعيد) القطان

عَنْ سُفْيَانَ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيرَ". 6542 - (75) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن سفيان) الثوري (حدثنا منصور) بن المعتمر بن عبد الله السُّلمي أبو عشّاب بمثلثة الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (19) بابا (عن تميم بن سلمة) السّلمي من أنفسهم الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب مات سنة (100) (عن عبد الرحمن بن هلال) العبسي بسكون الموحدة الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جرير) بن عبد الله بن جابر البجلي اليماني الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سباعياته (من يحرم الرفق) والتيسير والتسهيل في أمور الدين والدنيا (يحرم الخير) أي خير الدنيا والآخرة بالبناء للمفعول في الموضعين مجزومًا أو مرفوعًا اهـ مرقاة قال في المبارق وهو من الحرمان وهو متعد إلى مفعولين أحدهما الضمير النائب مناب الفاعل والثاني الرفق في الأول والخير في الثاني واللام في الرفق للحقيقة وهو ضد العنف أي من حرم الرفق صار محرومًا من الخير واللام فيه للعهد الذهني وهو الخير الحاصل من الرفق اهـ وقال القاضي يدل أن الرفق خيرٌ كلّه وسبب كل خير وجالب كل نفع وضده الخرق والاستعجال والعنف وهو مفسد للأعمال وموجب لسوء الأحدوثة قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} وقال القرطبي معناه من يحرم الرفق يفضي به إلى أن يُحرم خير الدنيا والآخرة اهـ دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 366] وأبو داود في الأدب بابٌ في الرفق [4809] وابنُ ماجه [3687]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير رضي الله عنه فقال: 6441 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد (الأشج) الكندي الكوفي (ومحمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (قالوا حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدَّثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدّثنا أبو سعيد الأشج حدَّثنا حفص يعني ابن

غِيَاثٍ)، كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لَهُمَا- (قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ الْعَبْسِيِّ. قَال: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيرَ". 6442 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ. قَال: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيرَ. أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيرَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (كلّهم) أي كل من وكيع وأبي معاوية وحفص بن غياث رووا (عن) سُليمان (الأعمش ح وحدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ) الآتي (لهما) أي لإسحاق وزهير (قال زهير حدثنا وقال إسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش عن تميم بن سلمة) السلمي الكوفي (عن عبد الرحمن بن هلال العبسي) الكوفي (قال) عبد الرحمن (سمعت جريرًا) ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من يُحرم الرِفْق يُحرم الخير) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جرير رضي الله عنه فقال: 6442 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن محمد بن أبي إسماعيل) راشد السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الرحمن بن هلال) العبسي ثقة من (3) (قال) عبد الرحمن (سمعت جرير بن عبد الله) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة محمد بن أبي إسماعيل لتميم بن سلمة (يقول) جرير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُرم الرِفْق حُرم الخير) كلّه (أو) قال لي تميم بن سلمة (من يحرم الرِفق يُحرم الخير) والشك من محمد بن أبي إسماعيل فيما قاله تميم من اللفظين.

6443 - (2575) (133) حدَّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيوَةُ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، (يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ. وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ. وَمَا لَا يُعَطِي عَلَى مَا سِوَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث جرير بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6443 - (2575) (133) (حدثنا حرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدّثني) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (عن أبي بكر) بن محمد بن عمرو (بن حزم) الأنصاري الخزرجي المدني قاضيها قيل اسمه وكنيته واحد وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد ثقة عابد من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن عمرة يعني بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقيهة سيدة التابعيات ثقة من (3) روى عنها في (7) أبواب (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنها وهذا السند من سباعياته ومن لطائفه أن فيه ثلاثةً من التابعين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) لها (يا عائشة إنَّ الله) سبحانه وتعالى (رفيق) بالعباد وميسر عليهم أمورهم دينًا ودنيا وقال القرطبي الرفيق هو الكثير الرفق وهو اللين والتسهيل وضده العنف والتشديد والتصعيب (يحب) ويرضى لهم (الرفق) والتيسير أي تيسير بعضهم على بعض فيما ولوا (ويعطي) أي يثيب (على الرفق) والتيسير (ما لا يعطي على العنف) بضم العين وسكون النون بمعنى الشدة وهو ضد الرفق يعني أن الرفق يتأتى به من الأغراض ما لا يتأتى بغيره ويسهل به ما لا يسهل بغيره من المطالب (و) يعطي بالرفق (ما لا يُعطي على ما سواه) أي على ما سوى الرفق من التشديد والخرق والعنف يعني من الأجر والثواب وهو بمعنى ما قبله فيكون ذكره للتأكيد ولعل الصواب أو ما لا يعطي على ما سواه بلفظ أو التي تفيد الشك من الراوي والمعنى أي أو قال الراوي لفظة ما لا يُعْطي على ما سواه، كما تدل عليه الرواية الأخيرة من الحديث السابق والله أعلم اهـ من الفهم السقيم قال الأبي قوله "يحب الرفق" أي يأمر به ويحضّ عليه وقال المناوي أي يأمر بلين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجانب في القول والفعل والأخذ بالأسهل والدّفع بالأخفّ قوله "ويعطي على الرفق" أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره قال القاضي معناه يتأتى به من الأغراض ويسهل به من المطالب ما لا يتأتى ولا يسهل بغيره اهـ وقال الطبري يعطي عليه في الدنيا من الثناء على صاحبه وفي الآخرة من الثواب ما لا يُعطي على العنف قوله "ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف" بفتح العين وضمّها وكسرها مع سكون النون حكاهنّ القاضي قال القرطبي معناه إن الله تعالى يُعطي عليه في الدنيا من الثناء الجميل وفي الآخرة من الثواب الجزيل ما لا يعطي على العنف الجائز وبيان هذا بأن يكون أمرٌ ما من الأمور سوّغ الشرع أن يتوصّل إليه بالرفق وبالعنف فسلوك طريق الرفق أولى لما يحصل عليه من الثناء على فاعله بحسن الخلق ولما يترتب عليه من حُسن الأعمال وكمال منفعتها ولهذا أشار صلّى الله عليه وسلم بقوله ما كان الرفق في شيء إلا زانه وضدّه الخُرْق بضم الخاء وسكون الراء والاستعجال وهو مفسد للأعمال وموجب لسوء الأُحدوثة وهو المعبّر عنه بقوله "ولا نزع من شيء إلا شانه" أي عابه وكان شينًا وأما الخُرْق والعُنف فمفوتان مصالح الدنيا وقد يفضيان إلى تفويت ثواب الآخرة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "من يحرم الرفق يُحرم الخير" أي يُفضي ذلك به إلى أن يحرم خير الدنيا والآخرة اهـ من المفهم. "فائدة" واعلم أنه قد تقرر في غير ما موضع أن العلماء اختلفوا في أسماء الله تعالى هل الأصل فيها التوقيف فلا يسمّى إلا بما سمّى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله أو بجمع الأمّة عليه أو الأصل جواز تسميته تعالى بكل اسم حسن إلّا أن يمنع منه مانع شرعي ومثار هذا الخلاف على أن الألف واللام في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] هل هي للجنس أو للعهد ثم هل يكتفى في كون الكلمة اسمًا من أسماء الله تعالى بوجودها في كلام الشارع من غير تكرار ولا كثرة أم لا بد منهما فيه رأيان وقد سبق القول في ذلك في كتاب الإيمان في حديث إن الله جميل يحب الجمال اهـ من المفهم بتصرف وحذف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في الرفق [4808] وابن ماجه في الآداب باب الرِفْق [3723]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث جرير بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال:

6444 - (2576) (134) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمِقْدَامِ، (وَهُوَ ابْنُ شُرَيحِ بْنِ هَانِئٍ)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيءٍ إلا زَانَهُ. وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إلا شَانَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6444 - (2576) (134) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبريُّ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن المقدام وهو ابن شريح بن هانئ) بن يزيد الحارثي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) شُريح بن هانئ بن يزيد المذحجيّ أبي المقدام اليمنى الكوفي من كبار أصحاب عليّ رضي الله عنه ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سُداسياته (إنَّ الرِّفْق) والتيسير والتسهيل (لا يكون في شيء) أي في أمر من الأمور دينًا أو دُنيا (إلَّا زَانه) أي إلا زيَّن ذلك الشيء وفي المصباح زان الشيء صاحبه زينًا من باب صار وأزانه إزانة مثله والزين نقص الشين (ولا يُنزع) الرفق (من شيء) أي لا يترك فيه (إلَّا شانه) أي إلّا عابه وكان له شينًا والمعنى أن الرفق في كل شيء سبب لزينته وترك الرفق في شيء سبب لعيب فيه قال القرطبي وقد يجيء الرفق بمعنى الإرفاق وهو إعطاء ما يرتفق به قال أبو زيد يقال رفقت به وأرفقته بمعنى نفعته وكلاهما صحيح في حق الله تعالى إذ هو الميسر والمسهل لأسباب الخير والمنافع كلها والمعطي لها فلا تيسير إلا بتيسيره ولا منفعة إلا بإعطائه وتقديره وقد يجيء الرفق أيضًا بمعنى التمهل في الأمر والتأني فيه يقال منه رفقت الدّابة أرفقها رفقًا إذا شددت عضدها بحبل لتبطئ في مشيها وعلى هذا فيكون الرفق في حق الله تعالى بمعنى الحلم لأنه لا يعجل بعقوبة العصاة بل يمهل ليتوب من سبقت له السعادة ويزداد إثمًا من سبقت له الشقاوة وهذا المعنى أليق بالحديث فإنه السبب الذي أُخرج له الحديث وذلك أن اليهود سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك ففهمتهم عائشة رضي الله عنها فقالت بل عليكم السام واللعنة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 112 و 125] وأبو داود [2478] ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

6445 - (00) (00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ شُرَيحِ بْنِ هَانِئٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: رَكِبَتْ عَائِشَةُ بَعِيرًا. فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ. فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيكِ بالرِّفْقِ"، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6445 - (00) (00) (حدَّثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت المقدام بن شريح بن هانئ بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ (و) لكن (زاد) محمد بن جعفر (في الحديث) على معاذ بن معاذ في بيان سببه لفظه (ركبت عائشة) رضي الله عنها (بعيرًا فكانت فيه) أي في ذلك البعير (صعوبة) وهي عدم انقياده لراكبه يعني أنه غير مذلّل لعدم رياضته (فجعلت) عائشة (تُردِّده) أي تردِّد ذلك البعير وتحاوله للركوب وتركبه مدبرة ومقبلة عليه (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك) يا عائشة أي الزمي (بالرفق) والتسهيل على البعير دون التشديد عليه (ثم ذكر) محمد بن جعفر (بمثله) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ. وأخرج هذا الحديث أبو داود من طريق شريك عن المقدام عن شريح سألت عائشة رضي الله عنها عن البداوة فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إليَّ ناقة محرَّمة من إبل الصدقة فقال لي يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه والبداوة الخروج إلى البادية والتلاع جمع تلعة وهي ما ارتفع من الأرض تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج أحيانًا إلى بعض التلاع ليخلو بنفسه ويبعد عن الناس والناقة المحرَّمة هي التي لم تركب ولم تذلّل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالرفق بها لأن الناقة المحرّمة تكون صعبة أما استعمال إبل الصدقة فإما أنه صلى الله عليه وسلم أعطى ناقة من إبل الصدقة لعائشة لكونها تحل لها أو المراد بإبل الصدقة إبل الغنيمة وربما يطلق اسم الصدقة على مال الغنيمة أيضًا كما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} الآية اهـ من التكملة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث (11) أحد عشر الأول منها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث أبي موسى ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والثالث حديث النعمان بن بشير ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والرابع حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والسادس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة والسابع حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الثامن من الترجمة وذكر فيه متابعتين والعاشر حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد والحادي عشر حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. * * *

727 - (16) باب النهي عن لعن الدواب وغيرها ومن لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وذم ذي الوجهين وتحريم فعله وتحريم الكذب وبيان المباح منه وتحريم النميمة وقبح الكذب وحسن الصدق وفضله

727 - (16) بابُ النهي عن لعن الدَّواب وغيرها ومن لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو دعا عليه وذمّ ذي الوجهين وتحريم فعله وتحريم الكذب وبيان المباح منه وتحريم النميمة وقبح الكذب وحسن الصدق وفضله 6446 - (2577) (135) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ، قَال: بَينَمَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ. فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا. فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 727 - (16) بابُ النهي عن لعن الدَّواب وغيرها ومن لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو دعا عليه وذمّ ذي الوجهين وتحريم فعله وتحريم الكذب وبيان المباح منه وتحريم النميمة وقبح الكذب وحسن الصدق وفضله واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو النهي عن لعن الدّواب بحديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 6446 - (2577) (135) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ـــابن علية) الأسدية اسم أمّه (قال زهير حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم حدَّثنا أيوب) السختياني ابن أبي تميمة العنزي البصري (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي المهلّب) بفتح اللام المشددة عمرو بن معاوية الجرمي البصري عم أبي قلابة (عن عمران بن حصين) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عمران (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم) سائرٌ (في بعض أسفاره) لم أر من عين تلك السفرة (وامرأة من الأنصار) لم أر من ذكر اسمها أيضًا أي والحال أن امرأةً من الأنصار راكبة (على ناقة فضجرت) الناقة أي كسلت وعجزت عن السير (فلعنتها) أي فلعنت المرأة الناقة (فسمع ذلك) أي لعنة المرأة لناقتها (رسول

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "خُذُوا مَا عَلَيهَا وَدَعُوهَا. فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ". قَال عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ. 6447 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده (خذوا ما عليها) أي ما على الناقة من المتاع أي انزعوا عن الناقة ما عليها من المتاع (ودعوها) أي اتركوها مطلقة وأرسلوها لكي لا تصاحبنا في القافلة (فإنها) أي فإن هذه الناقة (ملعونة) لعنتها صاحبتها لا أنها ملعونة من الله تعالى لأنها غير مكلّفة وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا ما عليها ودعوها لأنه كان لبعض القوم على تلك الناقة متاعٌ فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم لعن صاحبتها إيَّاها قال خذوا ما عليها قال في المبارق قيل إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لعلمه أنه قد استجيب لها الدعاء باللَّعن والأوجه ما قاله النووي إنما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم زاجرًا لها وقد كان سبق نهيها عن لعن الدّواب وغيرها كالخادم والأولاد لئلا يعتاد لسانها به وتستعملها في الإنسان فلما رآها أنها لم تمتثل نهيه صلى الله عليه وسلم عاقبها بإرسال ناقتها. والمُراد به النهي عن المصاحبة بتلك الناقة في الطرق وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير مصاحبته صلى الله عليه وسلم فجائز لأن النهي ورد عن المصاحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم فبقي الباقي على ما كان اهـ قال أبو المهلَّب (قال) لنا (عمران) بن الحصين رضي الله عنه (فكأني أراها) أي أرى تلك الناقة بعيني (الآن) أي في هذا الزمن الذي أُحدّثك فيه حالة كونها (تمشي في) مجامع (الناس) و (ما يعرض لها) أي ما يقصد لها ولا يطلبها للركوب ولا للحمل (أحدٌ) من الناس ولا يلتفت إليها لعلمهم أنها مهجورة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجهاد باب لعن البهيمة [2561] وأحمد [4/ 429]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عمران رضي الله عنه فقال: 6447 - (00) (00) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (قالا حدثنا حمَّاد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) روى عنه

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ. كِلاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ. بِإِسْنَادِ إِسْمَاعِيلَ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. إلا أَنَّ فِي حَدِيثِ حَمَّادٍ: قَال عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهَا، نَاقَةً وَرْقَاءَ، وَفِي حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ: فَقَال: "خُذُوا مَا عَليها وَأَعْرُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في (14) بابًا (ح وحدَّثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدَّثنا) عبد الوهَّاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (كلاهما) أي كلٌّ من حمّاد والثقفي رويا (عن أيوب) السختياني غرضه بيان متابعتهما لابن علية (بإسناد إسماعيل) يعني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران (نحو حديثه) أي نحو حديث إسماعيل (إلّا) أي لكن (أن في حديث حماد) بن زيد لفظة (قال عمران) بن حصين (فكاني أنظر) الآن (إليها) أي إلى تلك الناقة حالة كونها (ناقة ورقاء) أي ناقة خالط بياضها سواد ويقال للذكر أورق وقيل هي التي لونها كلون الرماد (وفي حديث) عبد الوهاب (الثقفي) وروايته لفظة (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده (خذوا ما عليها) أي ما على هذه الناقة من المتاع والرّحل وآلته (واعروها) أي واجعلوها عريًا أي عارية خالية مجرّدة عن الرّحل والبرذعة والحبال والزمام (فإنها ملعونة) لعنتها صاحبتها يقال أعريته إعراء وعرَّيته تعرية فتعرّى. قال القرطبي: "قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة المدعوّ عليها باللعنة خذوا ما عليها فإنها ملعونة" حمله بعض الناس على ظاهره فقال أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على أن هذه الناقة قد لعنها الله تعالى وقد استجيب لصاحبتها فيها فإن أراد هذا القائل أن الله تعالى لعن هذه الناقة كما يلعن من استحق اللعنة من المكلفين كان ذلك باطلًا إذ الناقة ليست بمكلفة وأيضًا فإن الناقة لم يصدر منها ما يوجب لعنها. وإن أراد أن هذه اللعنة إنما هي عبارة عن إبعاد هذه الناقة عن مالكتها وعن استخدامها إياها فتلك اللَّعنة إنما ترجع لصاحبتها إذ قد حيل بينها وبين مالها ومُنعت الانتفاع به لا للناقة لأنها قد استراحت من ثقل الحمل وكدِّ السير فإن قيل فلعلَّ معنى لعنة الله الناقة أن تُترك أن لا يتعرَّض لها أحد فالجواب أن معنى ترك الناس لها إنما هو أنهم لم يؤوُوها إلى رحالهم ولا استعملوها في حمل أثقالهم فأما أن يتركوها في غير مرعى ومن غير علف حتى تهلك فليس في الحديث ما يدلّ على ذلك ثم هو مخالف لقاعدة الشرع في الأمر بالرفق بالبهائم والنَّهي عن تعذيبها وإنما كان هذا منه صلى الله عليه وسلم تأديبًا لصاحبتها وعقوبة لها فيما دعت عليها. بما دعت به ويستفاد من هذا جواز العقوبة في المال لمن جنى فيه بما يناسب ذلك والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

6448 - (2578) (136) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، فُضيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ)، حَدَّثَنَا التَّيمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَميِّ، قَال: بَينَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ، عَلَيهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ. إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَتَضَايَقَ بِهِمُ الْجَبَلُ. فَقَالتْ: حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهَا. قَال: فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيهَا لَعْنَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث عمران بن حصين بحديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنهم فقال: 6448 - (2578) (136) (حدثنا أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين) البصري (حدثنا يزيد يعني ابن زُريع) العيشيُّ أبو معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا) سليمان بن طرخان التيمي أبوالمعتمر البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (11) بابا (عن أبي برزة الأسلمي) نضلة بن عبيد الصحابي المشهور البصري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو برزة (بينما جارية) أي بنت شابّة راكبة (على ناقة) لها لم أر من ذكر اسمها (عليها) أي على تلك الناقة (بعض متاع القوم) الذين هم رفقةٌ لها (إذ) فجائية رابطة لجواب بينما (بصُرت) بضم الصاد جواب بينما أي بينا أوقات ركوب جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم فاجأها بصرها ورؤيتها (بالنبي صلى الله عليه وسلم و) قد (تضايق بهم الجبلُ) أي والحال أنه قد ضاق بالقوم ممرهم وطريقهم في الجبل وعجزت عن الوصول والقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسرعة (فقالت) الجارية (حل) لتسرع بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقرب إليه قال النووي هي كلمة زجر للإبل واستحثاث لها على السير يقاله حل بإسكان اللام فيها قال القاضي ويُقال أيضًا (حَلٍ حَلٍ) بكسر اللام فيهما بالتنوين وبغير التنوين اهـ وأكثر ما يستعمل بها حَلْ حَلْ مرتين فلما عجزت الناقة عن الإسراع قالت الجارية (اللهمَّ الْعنها أي اطردها عن رحمتك (قال) أبو برزة فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصاحبنا) بالجزم على أن لا ناهية وبالرفع على أن لا نافية (ناقة) نزلت (عليها لعنة) الله تعالى أي دُعي عليها باللعن ولكن هذا النَّهي إنما كان عن مصاحبتها إيّاه في الطريق فقط ولم تزل على ملكها فلم يحرم عليها الاستمتاع بها في غير مصاحبته صلى الله عليه وسلم فدلّ الحديث أيضًا على أن لعن الحيوان حرام عاقلًا كان

6449 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعَتَمِرُ. ح وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ)، جَمِيعًا عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ الْمُعْتمِرِ: "لَا أَيمُ اللهِ، لَا تُصَاحِبْنَا رَاحِلَةٌ عَلَيهَا لَعْنَةٌ مِنَ اللهِ" أَوْ كَمَا قَال. 6450 - (2579) (137) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيمَانُ، (وَهُوَ ابْنُ بِلالٍ)، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو غيره. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الست لكنّه شاركه أحمد [4/ 421]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه فقال: 6449 - (00) (00) (حدَّثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثم البصري ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدَّثنا المعتمر) بن سليمان التيمي (ح وحدَّثني عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري السرخسيُّ ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا يحيى يعني ابن سعيدٍ) القطانُ (جميعًا) أي كلّ من المعتمر ويحيى القطان رويا (عن سليمان) بن طرخان (التيميِّ) غرضه بيان متابعتهما ليزيد من زُريع وقوله (بهذا الإسناد) يعني به عن أبي عثمان عن أبي برزة (و) لكن (زاد) محمد بن عبد الأعلى (في حديث المعتمر) وروايته لفظة (لا) تصاحبنا (أيمُ الله) أي اسم الله قسمي (لا) زائدة زيدت لتأكيد نفي لا الأولى (تصاحبنا راحلة) أي ناقة دُعي (عليها لعنة من الله) تعالى (أو) الحديث (كما قال) الراوي يعني أبا برزة الأسلمي أي زاد لفظ القسم والشكّ. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عمران بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6450 - (2579) (137) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدَّثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني سليمان وهو ابن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (عن العلاء بن عبد الرحمن) الجهني المدني (حدَّثه) أي حدّث

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ العلاء لسليمان (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي) ولا يليق (لصدِّيقٍ) أي لمؤمن كامل الصدق (أن يكون لعَّانًا) أي لاعنًا للحيوان ولو مرةً والمبالغة ليست على بابها قال النووي فيه الزجر عن اللّعن وأن من تخلَّق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى. وليس الدّعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشدُّ بعضهم بعضًا وكالجسد الواحد وأنَّ المؤمن يحث لأخيه ما يُحبُّ لنفسه فمن دعا على أخيه المسلم باللَّعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر وهذا غاية ما يودّه المسلم للكافر ويدعو عليه اهـ. قال القرطبي: قد تقدم أن أصل اللعن الطرد والبعد وهو في الشرع البعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى نار الله وعقابه وأنَّ لعن المؤمن كبيرة من الكبائر إذْ قال صلى الله عليه وسلم "لعن المؤمن كقتله" متفق عليه قوله "لا ينبغي لصديق" والصديق فعيل بمعنى كثير الصدق والتصديق كما قد تقرَّر في صفة أبي بكر رضي الله عنه "أن يكون لعَّانًا" واللعان الكثير اللعن ومعنى هذا الحديث أنّ من كان صادقًا في أقواله وأفعاله مصدِّقًا بمعنى اللعنة الشرعيَّة لم تكن كثرة اللعن من خُلُقه لأنه إذا لعن من لا يستحق اللعنة الشرعية فقد دعا عليه بأن يبعد من رحمة الله وجنّته ويدخل في ناره وسخطه والإكثار من هذا يناقض أوصاف الصدِّيقين فإن من أعظم صفاتهم الشَّفقة والرحمة للحيوان مطلقًا وخصوصًا بني آدم وخصوصًا المؤمن فإن المؤمنين كالجسد الواحد والبنيان الواحد كما تقدم فكيف يليق أن يدعى عليهم باللعنة التي معناها الهلاك والخلود في نار الآخرة فمن كثر منه اللعن فقد سلب منصب الصدِّيقية ومن سُلبه فقد سلب منصب الشفاعة والشهادة الأخروية كما قال لا يكون اللعانون شُفعاء ولا شهداء يوم القيامة وإنما خُصَّ اللّعان بالذكر ولم يقل لاعنًا لأنَّ الصدِّيق قد يلعن من أَمَرهُ الشَّرعُ بلعنه وهو لعنة الله على الظالمين لعن الله اليهود والنصارى لعن الواصلة والواشمة وشارب الخمر وقد يقع منه اللعن فلتةً ونُدرةً ثم يراجع وذلك لا يخرجه عن الصدِّيقيَّة ولا يفهم من نسبتنا الصدِّيقية لغير أبي بكر مساواة غير أبي بكر لأبي بكر رضي الله عنه في صدِّيقيته فإن ذلك باطل بما

6451 - (00) (00) حدّثنيه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 6452 - (2580) (138) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قد علم أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقدم لكن المؤمنون الذين ليسوا بلعانين لهم حظ من تلك الصدِّيقية ثم هم متفاوتون فيها على حسب ما قسم لهم منها والله تعالى أعلم اهـ من المفهم ولعلّ سبب هذا الحديث ما أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان [4/ 294] رقم [5154] عن عائشة رضي الله عنها قالت مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وهو يلعن بعض رقيقه ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا أعُود اهـ من التكملة وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6451 - (00) (00) (حدّثنيه أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي صدوق من كبار (10) روى عنه في (9) أبواب (عن محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن العلاء بن عبد الرحمن بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لسليمان بن بلال وساق محمد بن جعفر (مثله) أي مثل ما حدَّث سليمان بن بلال. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عمران بن حُصين بحديث أبي الدرداء رضي الله عنهم فقال: 6452 - (2580) (138) (حدثنا سُويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني ثقة من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبو أُسامة المدني ثقة من (3) روى عنه في (12) بابا (أن عبد الملك بن مروان) بن الحكم بن أبي العاص الأموي أبا الوليد المدني ثم

بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ. فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيلَةٍ، قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللَّيلِ، فَدَعَا خَادِمَهُ، فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيهِ، فَلَعَنَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ، اللَّيلَةَ، لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ. فَقَالتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الدمشقي كان طالب علم قبل الخلافة ثم اشتغل بها فتغيَّر حاله ملك ثلاث عشرة سنة استقلالًا وقبلها منازعًا لابن الزبير تسع سنين ومات سنة ست وثمانين في شوال وقد جاوز الستين يروي عنه البخاري اهـ من التقريب (بعث إلى أمّ الدَّرْدَاء) الصغرى زوج أبي الدرداء اسمها هُجيمة وقيل جُهيمة بنت يحيى الأوصابية الدمشقية روت عن زوجها أبي الدرداء وسلمان الفارسي وأبي هريرة وغيرهم ويروي عنها (ع) وزيد بن أسلم ومكحول وخلق وكانت فقيهة لبيبة عالمة زاهدة وأمّ الدرداء هذه هي الصغرى ثقة من (3) روى عنها في (3) أبواب ماتت سنة إحدى وثمانين (81) وأمّا أمُّ الدرداء الكبرى فاسمها خيرة ولا رواية لها في هذه الكتب الستَّة أي بعث عبد الملك وهو بالشَّام إلى أم الدرداء الصغرى (بأنجاد) أي بمواعين البيت وأثاثه (من عنده) هديةً لها ويحتمل كونها ضيفًا عنده والأنجاد جمع نجد بفتحتين وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش ونمارق وستور وقال الجوهري هو بإسكان الجيم قال وجمعه نجود كفلس وفلوس حكاه عن أبي عبيد فهما لغتان اهـ نووي (فلمَّا أن كان) عبد الملك (ذات ليلة) أي في ليلة من اللَّيال (قام عبد الملك) من النوم واستيقظ (من) جوف (الليل) لصلاة مثلًا (فدعا خادمه) لحاجته إليه ولم أر من ذكر اسم هذا الخادم (فكأنه) أي فكان الخادم (أبطأ) وتأخر في الاستقبال (عليه) أي على عبد الملك (فلعنه) أي فلعن عبد الملك الخادم لتأخره عنه (فلما أصبح) عبد الملك (قالت له) أي لعبد الملك (أمُّ الدرداء سمعتك) يا عبد الملك هذه (الليلة) أي في البارحة (لعنت خادمك حين دعوته) وناديته فتأخر عنك (فـ) ـــلا ترجع إلى لعنه ثم (قالت) استدلالًا على نهيها له (سمعت) زوجي (أبا الدرداء) عويمر بن زيد الأنصاريّ الدمشقي رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسيّاته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون اللَّعانون شفعاء) للناس يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار (ولا) يكونون (شهداء) للرسل على أممهم (يوم القيامة) قال النووي فيه

6453 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَعَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيمِيُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيسَرَةَ. 6454 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم والثالث لا يُرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب بابٌ في اللعن [4907]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 6453 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غسّان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (وعاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري صدوق من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري ثقة من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (كلاهما) أي كل من معتمر وعبد الرزاق رويا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن زيد بن أسلم) العدوي (في هذا الإسناد) يعني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء غرضه بيان متابعة معمر لحفص بن ميسرة وساق معمر (بمثل معنى حديث حفص بن ميسرة). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 6454 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام) القصَّار الأزدي مولاهم الكوفي صدوق من صغار (9) روى عنه في (4) أبواب (عن هشام بن سعد) المدني أبي عبَّاد القرشي مولاهم يتيم زيد بن أسلم صدوق من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني مولاهم مولى عمر ثقة من (3) روى عنه

وَأَبِي حَازِمٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَداءَ وَلَا شُفَعَاءَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 6455 - (2581) (139) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، (يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيَّ)، عَنْ يَزِيدَ، (هُوَ ابْنُ كَيسَانَ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قِيل: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَال: "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا. وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ في (13) بابا (و) عن (أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني ثقة من (5) روى عنه في (13) بابًا كلاهما رويا (عن أمّ الدرداء) هُجيمة الأوصابية (عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة هشام بن سعد لحفص بن ميسرة (قال) أبو الدرداء (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ اللعانين لا يكونون شهداء) للرسل على أممهم بالتبليغ يوم القيامة (ولا) يكونون (شفعاء) لمن استحق النار من المؤمنين (يوم القيامة). ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عمران بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6455 - (2581) (139) (حدثنا محمد بن عبَّاد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (يعنيان الفزاري) أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد وهو ابن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل الكوفي صدوق من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قيل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر من ذكر اسم هذا القائل (يا رسول الله ادع على المشركين) بالهلاك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لم أبعث) حالة كوني (لعَّانا) للناس (وإنما بعثت) حالة كوني (رحمة) لهم وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات رحمه الله تعالى "قوله لم أبعث لعانًا" يعني أن تكثير اللعن ليس من دأبي وسنَّتي أما دعوته على

6456 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ رعل وذكوان حين قتلوا أصحاب بئر معونة فإما أن يكون قبل هذا الحديث وصار هذا الحديث كالنَّاسخ له وإليه مال القرطبي كما سيأتي وإما أن يكون في أسباب مخصوصة مستثناة من عموم هذا الحديث والله سبحانه أعلم. قال القرطبي: "قوله إني لم أبعث لعَّانًا وإنما بعثت رحمة" كان هذا منه صلى الله عليه وسلم بعد دعائه على رعل وذكوان وعصية الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة فأقام النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا يدعو عليهم ويلعنهم في آخر كل صلاة من الصلوات الخمس يقنت بذلك حتى نزل عليه جبريل - عليه السلام - فقال "إن الله تعالى لم يبعثك لعَّانًا ولا سبَّابًا وإنما بعثك رحمة لهم ولم يبعثك عذابًا" ثم أنزل الله تعالى: {لَيسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]، رواه أبو داود في المراسيل رقم (89) من حديث خالد بن أبي عمران والبيهقي [2/ 210] وفي الصحيحين ما يؤيد ذلك ويشهد بصحته. وقوله: "إنما بعثت رحمةً" هذا كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ} [الأنبياء: 107]، أي بالرسالة العامّة والإرشاد للهداية والاجتهاد في التبليغ والمبالغة في النصح والحرص على إيمان الجميع وبالصبر على جفائهم وترك الدعاء عليهم إذ لو دعا عليهم لهلكوا وهذه الرحمة يشترك فيها المؤمن والكافر أمَّا رحمته الخاصّة فلمن هداه الله تعالى ونوّر قلبه بالإيمان وزيّن جوارحه بالطّاعة كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، فهذا هو المغمور برحمة الله المعدود في زمرة الكائنين معه في مستقر كرامته جعلنا الله منهم ولا حال بيننا وبينهم اهـ من المفهم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6456 - (00) (00) (حدَّثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني العطار الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (6) (عن مسروق) بن عبد الرحمن، ويقال له ابن الأجدع، ابن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي ثقة فقيه مخضرم من (2) روى عنه في (14) بابا (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (دخل على رسول الله صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ. فَكَلَّمَاهُ بِشَيءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَأَغْضَبَاهُ. فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا. فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيرِ شَيئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ. قَال: "وَمَا ذَاكِ؟ " قَالتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا. قَال: "أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم رجُلان) لم أر من ذكر اسمهما (فكلَّماه) أي فكلَّم الرجلان رسول الله (بشيء) أي في شيء من الأشياء وأمر من الأمور قالت عائشة (لا أدري) ولا أعلم (ما هو) أي ما ذاك الشيء الذي كلّماه فيه أي لا أدري ولا أعلم جواب سؤال ما ذلك الشيء لخفائه عليّ (فأغضباه) أي فأغضب الرجلان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكليمهما إيّاه (فلعنهما) النبي صلى الله عليه وسلم (وسبَّهما) أي شتمهما قالت عائشة (فلمَّا خرجا) أي فلما خرج الرَّجلان من عنده صلى الله عليه وسلم (قلت يا رسول الله من أصاب) ونال (من الخير) والدعاء (شيئًا) من عندك فمن مبتدأ والخبر محذوف تقديره فهو فائز ناج ولكن (ما أصابه) وما نافية والضمير في أصابه عائد إلى الخير أي ولكن ما أصاب الخير من عندك (هذان) الرجلان فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ذاك) أي سبب ذاك القول الذي قلته لي (قالت) عائشة (قلت) له صلى الله عليه وسلم سبب قولي ذلك لأنَّك (لعنتهما وسببتهما) أي شتمتهما فـ (ـــقال) لي النبي صلى الله عليه وسلم (أ) تقولين ذلك يا عائشة (وما علمت ما شارطت) أي ما علمت العهد الذي شارطت وعاهدت (عليه ربِّي) فإني (قلت) له (اللهم إنما أنا بشر) أغضب كما يغضب الناس (فأيُّ) أفراد (المسلمين لعنته أو سببته) لغضبي عليه (فاجعله) أي فاجعل ذلك اللعن والسب (له) أي لذلك الذي لعنته أو سببته (زكاةً) أي طهرةً من ذنوبه (وأجرًا) أي حسنة تكتب له وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن غيره من أصحاب الأمهات وغيرهم. قوله "فلعنهما وسبَّهما" قال القرطبي: إن قيل كيف يتفق ذلك منه وهو صلى الله عليه وسلم معصومٌ في حالتي الغضب والرضا فأجابوا عن ذلك بأجوبة أسدُّها وأصوبها أنه صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لمخالفة الشرع فغضبه هو لله تعالى وله أن يؤدب على ذلك بما شاء من سبَّ أو لعن أو جلد أو دعاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله "لمن أصاب من الخير شيئًا ما أصابه هذان" هذا الكلام من السهل الممتنع وذلك أن معناه أن هذين الرجلين ما أصابا منك خيرًا وإن كان غيرهما قد أصابه لكن تنزيل هذا المعنى على أفراد هذا الكلام فيه صعوبة ووجه التنزيل يتبين بالإعراب وهو أن اللام في "لَمَنْ" هي لام الابتداء وهي متضمنة للقسم ومنْ موصولة في محل رفع بالابتداء وجملة أصاب صلتها وعائدها الضمير المستتر في أصاب و "من الخير" متعلق بأصاب وهو بيان مقدم لقوله "شيئًا" وهو مفعول أصاب وخبر من الموصولة محذوف تقديره والله لرجل أصاب منك خيرًا ودعاء فائز أو ناج ثم نفت عن هذين الرجلين إصابة ذلك الخير بقولها ما أصابه هذان أي ولكن ما أصاب ذلك الخير منك هذان الرجلان بل حصل لهما منك اللعن والسب ولا يصح أن يكون ما أصابه خبرًا لـ "من" الواقعة مبتدأ لخلوها عن عائد يعود على نفس المبتدأ وأما الضمير في أصابه فهو للخير لا لمن فتأمله يصح لك ما قلناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله "اللهم إنّي بشر أغضب كما يغضب البشر" إلخ ظاهر هذا أنه خاف أن يصدر عنه في حال غضبه شيء من تلك الأمور فيتعلق به حق مسلم فدعا الله تعالى ورغب إليه في أنَّه خاف أن يصدر عنه في حال غضبه شيء من تلك الأمور فيتعلق به حق مسلم فدعا الله تعالى ورغب إليه في أنّه إن وقع منه شيء من ذلك لغير مستحق أن لا يفعل بالمدعو عليه مقتضى ظاهر ذلك الدعاء وأن يعوّضه من ذلك مغفرة لذنوبه ورفعة في درجاته فأجاب الله تعالى طلبة نبيه صلى الله عليه وسلم ووعده بذلك فلزم ذلك بوعده الصدق وقوله الحق وعن هذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله شارطت ربي وشرط عليَّ ربي واتخذت عنده عهدًا لن يخلفنيه لا أن الله تعالى يشترط عليه شرط ولا يجب عليه لأحد حق بل ذلك كلُّه بمقتضى وعده وفضله وكرمه على حسب ما سبق في علمه فإن قيل فكيف يجوز أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم لعن أو سبّ أو جلد لغير مستحقه وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب والرضا لأن كل ذلك محرم وكبيرة والأنبياء معصومون عن الكبائر إما بدليل العقل أو بدليل الإجماع. "قلت" قد أشكل هذا على العلماء وراموا التخلص عن ذلك بأوجه متعددة أوضحها وجه واحد وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع فغضبه لله تعالى لا لنفسه فإنه ما كان يغضب لنفسه ولا

6457 - (00) (00) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جرِيرٍ، وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتقم لها وقد قررنا في الأصول أن الظاهر من غضبه تحريم الفعل المغضوب من أجله وعلى هذا فيجوز له أن يؤدب المخالف له باللعن والسب والجلد والدعاء عليه بالمكروه وذلك بحسب مخالفة المخالف غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه فلتة أوجبتها غفلة أو غلبة نفس أو شيطان وله فيما بينه وبين الله تعالى عمل خالص وحال صادق يدافع الله عنه بسبب ذلك أثر ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك القول أو الفعل وعن هذا عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم بقولها "فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورًا وزكاة وقربة تقرَّبه بها يوم القيامة" أي عوّضه من تلك الدعوة بذلك والله تعالى أعلم. "قلت" وقد يدخل في قوله أيما أحد من أمتي دعوت عليه الدعوات الجارية على لسانه من غير قصد للوقوع كقوله "تربت يمينك" رواه أحمد والبزار والحاكم وأبو يعلى وقوله "عقرى حلقى" كما رواه الشيخان ومن هذا النوع قوله لليتيمة لا كبر سنك فإن هذه لم تكن عن غضب وهذه عادة غالبة في العرب يصلون كلامهم بهذه الدعوات ويجعلونها دعامًا لكلامهم من غير قصد منهم لمعانيها وبما ذكرناه يرتفع ويحصل الانفصال والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6457 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) كلاهما (قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدثناه عليُّ بن حجر السعديُّ) المروزي (وإسحاق بن إبراهيم) المروزي (وعليُّ بن خشرم) بزنة جعفر ابن عبد الرحمن المروزي (جميعًا) أي كل من هؤلاء الثلاثة رووا (عن عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة وهذان السندان من سداسياته غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي معاوية وعيسى بن يونس لجرير بن عبد الحميد وساقا (نحو حديث جرير) عن الأعمش (و) لكن

قَال فِي حَدِيثِ عِيسَى: فَخَلَوَا بِهِ، فَسَبَّهُمَا، وَلَعَنَهُمَا، وَأَخْرَجَهُمَا. 6458 - (2583) (141) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكاةً وَرَحْمَةً". 6459 - (2584) (142) وحدّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) الرّاوي عن الثلاثة السابقة (في حديث عيسى) بن يونس وروايته لفظة (فَخَلوا) أي فخلا الرجلان (به) صلى الله عليه وسلم (فسبَّهما) أي فسب النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين (ولعنهما وأخرجهما) من عنده. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6458 - (2583) (141) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمَّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انما أنا بشر) أغضب كما يغضب البشر (فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته) أي ضربته (فاجعلها) أي فاجعل تلك الستة أو اللعنة أو الجلدة (له) أي لذلك الرجل (زكاة) وطهرة من ذنوبه (ورحمةً) أي حسنة تكتب له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 316] والبخاري في الدعوات باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة [6361]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال: 6459 - (2584) (142) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الإسكاف المكي نزيل واسط صدوق من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة

مِثْلَهُ. إلا أَنَّ فِيهِ: "زَكَاةً وَأَجْرًا". 6460 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. مِثْلَ حَدِيثِهِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عِيسَى جَعَلَ: "وَأَجْرًا" فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ. وَجَعَلَ "وَرَحْمَةً" فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. 6461 - (2585) (143) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي سفيان لأبي صالح ولكنها متابعة ناقصة لأنها متابعة في الشَّاهد وساق أبو سفيان (مثله) أي مثل حديث أبي صالح (إلا أن فيه) أي لكن أن في ذلك المثل الذي ساقه أبو سفيان لفظة (زكاة) أي طهرة لذنوبه (وأجرًا) أي ثوابًا بدل قول أبي صالح ورحمة في حديث أبي هريرة وحديث جابر هذا مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات وسيأتي متنه من رواية أبي الزبير والله أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة وحديث جابر كليهما رضي الله عنهما فقال: 6460 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش بإسناد عبد الله بن نمير) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديثه وعن أبي سفيان عن جابر في حديثه غرضه بيان متابعة أبي معاوية وعيسى بن يونس لعبد الله بن نمير في الحديثين وساقا (مثل حديثه) أي مثل حديث عبد الله بن نمير في الحديثين (غير أن) أي لكن أن (في حديث عيسى) بن يونس وروايته (جعل) الراوي لفظة (وأجرًا وفي حديث أبي هريرة) بدل قول عبد الله بن نمير لفظة ورحمة (وجعل) الراوي لفظة (ورحمةً في حديث جابر) بدل قول عبد الله بن نمير لفظة وأجرًا. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6461 - (2585) (143) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة يعني ابن

عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ. فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ. فَأَيُّ الْمُؤْمِنينَ آذيتُهُ، شَتَمْتُهُ، لَعَنْتُهُ، جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ". 6462 - (00) (00) حدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسديُّ (الحزاميُّ) نسبة إلى الجد المذكور المدني ثقة من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال اللهم إني أتخذ) وأجعل (عندك عهدًا لن تخلفنيه) أي وعدًا لن تخلفني فيه بل توفي لي ذلك الوعد بمحض فضلك لا وجوبًا عليك (فإنما أنا بشر) أغضب لما يغضب به البشر ذلك الوعد ما ذكره بقوله (فأيُّ) أفراد (المومنين آذيته) أي أدخلت عليه الإيذاء بسبّ أو لعن مثلًا وأبدل عن الإيذاء بدل تفصيل من مجمل قوله (شتمته لعنته جلدته) أي ضربته بيدي أو بغيرها (فاجعلها) أي فاجعل تلك الإذاية (له) أي لذلك الأحد (صلاة) أي رحمة وحسنة (وزكاة) أي طهرة من ذنوبه (وقربة تقربه) أي تقرب ذلك الأحد (بها) أي بتلك القربة (إليك) يا رب (يوم القيامة) يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت لشدة هوله قوله "اللهم أتخذ عندك" إلخ وفي الرواية السابقة "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي" وفي الرواية الآتية وإني قد اتخذت عندك وفي رواية وإني اشترطت على ربي قال الطبري كان صلى الله عليه وسلم خاف أن يصدر منه شيء في حال غضبه من تلك الأمور فدعا ربه إن وقع منه شيء لغير مستحقه أن يعوّضه مغفرة ورفع درجة فأجابه الله تعالى لذلك ووعده الوعد الصدق وعن هذا عبَّر - عليه السلام - بقوله "شارطت ربي" وبقوله شرطي على ربي وإلا فليس لأحد أن يشترط على الله شيئًا ولا يجب عليه سبحانه وتعالى لأحدٍ حق إلخ اهـ سنوسي. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الست. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6462 - (00) (00) (حدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا

سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. إلا أَنَّهُ قَال: "أَوْ جَلَدُّهُ". قَال أَبُو الزِّنَادِ: وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيرَةَ. وَإِنَّمَا هِيَ: "جَلَدْتُهُ". 6463 - (00) (00) حدّثني سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان) بن عيينة حدثنا (أبو الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة سفيان للمغيرة بن عبد الرحمن وساق سفيان (نحوه) أي نحو حديث المغيرة بن عبد الرحمن (إلا أنَّه) أي لكن أن سفيان (قال) في روايته لفظة (أو جلده) بفتح الجيم واللام وتشديد الدال المضمومة (قال أبو الزناد) بالسند السابق (وهي) أي كلمة جلدّه بتشديد الدال (لغة أبي هريرة وإنما هي) أي اللغة المشهورة في هذا اللفظ لفظة (جلدته) بسكون الدال وإظهار التاء قال النووي معناه أن لغة النبي صلى الله عليه وسلم وهي المشهورة لعامّة العرب جلدته بالتاء ولغة أبي هريرة جلده بتشديد الدال على إدغام المثلين وهو جائز اهـ. قال القرطبي ووجه لغة أبي هريرة في جلدّه وهي رواية في صحيح مسلم أنه قلب التاء دالًا لقرب مخرجهما ثم أدغم التاء في الدال وهي على عكس اللغة المشهورة فإنهم فيها قلبوا الدال تاء وأدغموا الدال في التاء وهو الأولى اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6463 - (00) (00) (حدثني سليمان بن معبد) بن كوسجان بجيم بعد المهلمة أبو داود السنجي المروزي ثقة من (11) (ت) [257] روى عنه في (6) أبواب (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي البصري قاضي مكة ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (عن أيوب) السختياني (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أيوب لأبي الزناد وساق أيوب (بنحوه) أي بنحو حديث أبي الزناد. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:

6464 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ. يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ. وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ. فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 6465 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 6464 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري أبي سعد المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن سالم) بن عبد الله النصري بالنون نسبة إلى نصر قبيلة أو جد مولى شداد بن الهاد ويقال له، (مولى النصريين) ومولى مالك بن أوس ومولى أويس ومولى المهريّ ومولى الدوس ويقال له سالم سبلان بفتحات أبي عبد الله المدني صدوق من (3) وقد ذكرناه في سالم مولى شداد ويقال هما واحد روى عن أبي هريرة في البر والصلة ويروي عنه سعيد المقبري روى عنه في (3) أبواب (قال سمعت أبا هريرة يقول) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سالم للأعرج في الرواية عن أبي هريرة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر) والتشبيه فيه في مطلق الغضب لا في أسبابه وآثاره فلا يكون غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا بحق ولحقّ ولا يترتب عليه إلا ما هو جائز نعم يمكن أن يفرط منه في هذه الحالة ما غيره أولى اهـ تكملة (وإني قد اتخذت) وجعلت (عندك عهدًا لن تخلفنيه) أي عهدًا مؤكدًا بأن لا تخلفني فيه (فأيما مؤمن) أي فأي مؤمن (آذيته) أي أدخلت عليه الإيذاء والضرر فعلًا أو قولًا (أو سببته) أي شتمته وهذا والذي بعده تفصيل للإيذاء الذي أجمل أولًا (أو جلدته) أي آذيته بالجلد والضرب بلا استحقاق (فاجعلها) أي فاجعل تلك الأذية (له) أي لذلك المؤمن (كفارة) لذنوبه (وقربة) له عندك ومنزلة (تقربه) أي تقرّب ذلك المؤمن (بها) أي بتلك الإذاية (إليك يوم القيامة). ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في هذا الحديث فقال: 6465 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني

يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا عَبْدٍ مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 6466 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ. فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْ ذلِكَ كَفَّارَةَ لَهُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سعيد للأعرج وسالم مولى النصريّين (أنه) أي أن أبا هريرة (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم فأيما عبد مومن سببته فاجعل ذلك) السبَّ (له قربة إليك) منزلةً (يوم القيامة). ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في هذا الحديث فقال: 6466 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (قال زهير حدثني يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري المدني (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن مسلم، صدوق من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن عمّه) محمد بن مسلم الزهري المدني ثقة من (4) (حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ابن أخي الزهري ليونس بن يزيد (أنه) أي أن أبا هريرة (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه فأيما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل ذلك) السبّ والجلد (كفارة له) عن ذنوبه (يوم القيامة). ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عائشة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال:

6467 - (00) (00) حدّثني هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ. وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، أَيُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ، أَنْ يَكُونَ ذلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا". 6468 - (00) (00) حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6467 - (00) (00) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزّاز المعروف بالحمَّال بالمهملة ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي ويقال له (ابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (14) بابا (قالا حدثنا حجاج بن محمد) الأعور الهاشمي مولاهم مولى أبي جعفر الهاشمي أبو محمد المصيصي ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (قال) حجاج بن محمد (قال) لنا عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي ثقة من (6) (أخبرني أبو الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما أنا بشر) يجري عليّ ما يجري على البشر من الصفات البشرية كالغضب والسب واللعن والضرب (وإني اشترطت) وعاهدت (على ربي عز وجل) عهدًا لا ينقض ووعدًا لا يخلف ودعوته دعاءً لا يرد بأنه (أيما عبد من المسلمين سببته أو شتمته) قال العلامة العسكري في كتاب الفروق والفرق بين السب والشتم أن الشتم تقبيح أمر المشتوم بالقول والسب هو الإطناب في الشتم والإطالة فيه والفرق بين الشتم والسفه أن الشتم قد يكون حسنًا إن كان المشتوم يستحق الشتم والسفه لا يكون إلا قبيحًا اهـ من كتاب الفروق (أن يكون ذلك) السب والشتم (له) أي لذلك العبد (زكاةً) أي طهرةً من ذنوبه (وأجرًا) أي حسنة مكتوبة له وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: 6468 - (00) (00) (حدّثنيه) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) السلمي مولاهم البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي

ح وَحَدَّثَنَاه عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 6469 - (2587) (145) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيمٍ يَتِيمَةٌ. وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ. فَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ. فَقَال: "آنَتِ هِيَهْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة من (9) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثناه عبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11) (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحّاك ابن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني البصري ثقة ثبت من (9) روى عنه في (12) بابا (جميعًا) أي كل من روح وأبي عاصم رويا (عن ابن جرير بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لحجّاج بن محمد وساقا (مثله) أي مثل حديث حجاج بن محمد. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث عائشة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6469 - (2587) (145) (حدثني زهير بن حرب وأبو معن الرقاشي) الثقفي زيد بن يزيد البصريّ ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ لزهير قالا حدثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي الجرسيّ بضم الجيم أبو حفص اليمامي ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عكرمة بن عمَّار) العجلي الحنفي أبو عمّار اليمامي صدوق من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا إسحاق) بن عبد الله (بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري المدني ثقة من (4) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (كانت عند) والدتي (أمِّ سليم يتيمة) واليتيمة صغيرة لا أب لها ولم أر من ذكر اسمها (وهي) أي أم سليم والدتي (أُمُّ أنس) أي المكناة أيضًا باسمي كما تكنى بسليم بن مالك أخي الشقيق الذي ولدته قبلي ومات (فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم) تلك (اليتيمة) بعد فترة رآها أولًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لليتيمة عندما رآها مرة ثانية (آنت هيه) أي هل أنت هي الصغيرة التي رأيتها أولًا والهمزة للاستفهام التقريري والهاء الأخيرة في هيه هاء السكت قال لها ذلك تعجبًا من كبرها وسرعة نباتها والله (لقد كبرت) أي لقد صرت كبيرة طويلة يا بنية قال

لَقَدْ كَبِرْتِ، لَا كَبِرَ سِنُّكِ" فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيمٍ تَبْكِي. فَقَالتْ أُمُّ سُلَيمٍ: مَا لَكِ يَا بُنيَّةُ؟ قَالتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي. فَالآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا. أَوْ قَالتْ: قَرْنِي. فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي الهاء في هيه للوقف فإذا وصلت حذفتها وهذا الاستفهام على جهة التعجب من كبرها وكأنه صلى الله عليه وسلم كان قد رآها صغيرة ثم غابت عنه مدة فرآها قد طالت وعبلت "أي ضخمت وابيضت فهي عبلة والعبلة من النساء التامة الخلق" فتعجب من سرعة ذلك فقال لها ذلك القول متعجبًا فوصل كلامه بقوله (لا كبر سنك) أي لا يكبر سنك وقرنك على هذا القدر غير قاصد معنى هذا الكلام من الدعاء عليها بعدم الكبر وهذا هو واضح هنا ويحتمل أن يقال إنما دعا عليها بأن لا يكبر سنها كبرًا تعود به إلى أرذل العمر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر والمعنى الأول أظهر من مساق بقية الحديث في اعتذاره صلى الله عليه وسلم عن ذلك (فرجعت اليتيمة إلى أُمّ سليم) حالة كونها (تبكي فقالت) لها (أم سليم مالك) أي أيُّ شيء ثبت لك تبكين (يا بنيَّة) تصغير بنت تصغير شفقة أي لأي سبب تبكين (قالت الجارية) أي اليتيمة لأم سليم إنما بكيت لأنه (دعا عليَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم) بـ (ـــأن لا يكبر) بفتح الموحدة من باب تعب أي بأن لا يصير (سني) وقرني كبيرًا بل أموت صغيرة (فالآن) أي في هذا الزمن الحاضر دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرني بأن لا يكبر (لا يكبر سني) أي لا يصير قرني كبيرًا ولا يطول عمري (أبدًا) بل أموت صغيرة (أو قالت) الجارية لا يكبر (قرني) شك من بعض الرواة قال القاضي السن والقرن بمعنى واحد يقال سنه وقرنه مماثله في العمر فكأنه قال لها لا طال عمرك لأنه إذا طال عمرها طال عمر أصل قرنها اهـ. قال القرطبي قولها "لا يكبر سني أو قالت قرني" هو بفتح القاف وتعني به السن وهو شك عرض لبعض الرواة وأصله أن من ساوى آخر في سنه كان قرن رأسه محاذيًا لقرنه وقرن الرأس جانبه الأعلى وهذا يدل على أن إجابة دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة بالمشاهدة عند كبارهم وصغارهم لكثرة ما كانوا يشاهدون من ذلك ولعلمهم بمكانته صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم (فخرجت أمُّ سليم) من بيتها (مستعجلة) الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كون أم سليم (تلوث) وتدير

خِمَارَهَا. حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا لَكِ يَا أُمِّ سُلَيمٍ؟ " فَقَالتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي؟ قَال: "وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيمٍ؟ " قَالتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنَّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا. قَال: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَال: "يَا أُمَّ سُلَيمٍ، أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ. أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ. وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ. فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيهِ، مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وتلف (خمارها) على رأسها وعنقها فذهبت (حتى لقيت) أم سليم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورأته (فـ) ـــلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم متنفسة (قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك) أي أي شيء ثبت لك (يا أمّ سليم) أتيت إلينا مستعجلة (فقالت) له صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله أدعوت) أي هل دعوت (على يتيمتي) بأن لا تكبر وتموت (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما ذاك) أي وما سبب ذاك السؤال الذي سألتنيه عنه (يا أم سليم) فـ (ـــقالت) أم سليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (زعمت) الجارية وقالت (أنك دعوت) عليها بـ (ــــأن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها قال) أنس: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الأبي ضحك من خوف أم سليم من قبول دعائه صلى الله عليه وسلم على يتيمتها اهـ أي تبسم تبسمًا مبالغًا لأجل أن الجارية زعمت أن دعاءه صلى الله عليه وسلم حقيقة مقصودة مع أنها كانت جارية على عادة العرب ولم تكن مقصودة وحاصل الجواب أنها ولو كانت مقصودة كانت داخلةً في مشارطته صلى الله عليه وسلم مع ربّه فلا تضرّها بل تنفعها (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أمّ سليم أما تعلمين) أي ألم تعلمي (أن شرطي) ووعدي كائن (على ربي) فـ (ـــأني اشترطت على ربي) وواعدته (فقلت) له يا ربّ (إنما أنا بشر أرضى) وأفرح لبعض الأمور (كما يرضى البشر وأغضب) وأكره لبعضها (كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل) أي ليس ذلك الأحد بمستحق لها (أن تجعلها) أي أن تجعل تلك الدعوة (له) أي لذلك الأحد (طهورًا) أي مطهرةً له من ذنوبه وقد سمّاها في الرواية الأخرى كفارة (وزكاة) أي زيادة ونماء له في الخير (وقربةً) أي سبب قربة

يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَقَال أَبُو مَعْنٍ: يُتَيِّمَةٌ. بِالتَّصْغِيرِ، فِي الْمَواضِعِ الثَّلاثَةِ مِنَ الْحَدِيثِ. 6470 - (2588) (146) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ. فَجَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورفعة عندك (تقرّبه بها) أي بتلك الدعوة (منه) أي إليك (يوم القيامة) ففيه التفات على رواية التاء في تجعلها وتقربه وعلى رواية الياء فيهما فلا التفات لأن الضمير فيهما عائد على الرب (وقال أبو معن) الرقاشي (يُتيِّمة) بضم الياء وفتح التاء وتشديد الياء الثانية مع كسرها (بالتصغير في المواضع الثلاثة من الحديث) قوله "طهورًا وزكاة" والطهور هنا هي الطهارة من الذنوب وقد سماها في الرواية الأخرى كفارة والصلاة من الله تعالى الرحمة كما قد عبّر عنها في الرواية الأخرى بالرحمة والزكاة الزيادة في الأجر كما قد عبر عنها في الرواية الأخرى بالأجر والقربة ما يقرب إلى الله تعالى وإلى رضوانه وفي الحديث ما يدل على تأكد الشفقة على اليتيم والذبِّ عنه والحنوِّ عليه وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 6470 - (2588) (146) (حدثنا محمد بن المثنى العنزي) البصري والصواب "حدثني محمد بن المثنى العنزي" بصيغة الإفراد ليكون للتحويل فائدة أو يقال "حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار" بحذف ح التحويل كما في بعض النسخ (واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا أمية بن خالد) بن الأسود القيسي بالقاف ثم التحتانية أخو هدبة بن خالد أكبر منه أو عبد الله البصري صدوق من (9) روى عنه في (3) أبواب، (حدثنا شعبة عن أبي حمزة القصَّاب) عمران بن أبي عطاء الأسديِّ مولى بني أسد الواسطي لقب بالقصَّاب لأنه يبيع القصب روى عن ابن عباس في ذكر معاوية وعن محمد بن الحنفية ويروي عنه (م) وشعبة وهيثم وثقه ابن معين وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بقوي له في (م) فرد حديث وقال في التقريب له أوهام من الرابعة (عن ابن عباس) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (كنت ألعب) يومًا (مع الصبيان) أي مع صبيان المدينة (فجاء

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيتُ خَلْفَ بَابٍ. قَال: فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً. وَقَال: "اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاويَةَ" قَال: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلينا وأنا ألعب مع الصبيان (فتواريت) أي اختفيت واستترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خلف باب) الدار استحياء منه وهيبةً له قوله "كنت ألعب مع الصبيان" فيه دلالة على جواز تخلية الصغير للعب لتنشط نفسه وتتقوى أعضاؤه وتتوقح رجلاه أي تتصلب قوله "فتواريت خلف باب" أي اختفيت منه بالباب وكأنه استحيا من النبي صلى الله عليه وسلم وهابه اهـ مفهم (قال) ابن عباس (فجاء) إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا خلف الباب (فحطأني) صلى الله عليه وسلم أي ضربني بكفّه مبسوطة الأصابع بين الكتفين (حطأة) أي ضربة قال النووي وهو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين وإنما فعل هذا بابن عباس ملاطفة وتأنيسًا له اهـ منه قال القرطبي قوله "فحطأني حطأة" فسره أمية بن خالد بقفذني قفذة بتقديم القاف وكلاهما يحتاج إلى تفسير فأما حطأني فهو بالحاء المهملة وبالهمزة على قول شمر وهو المحل في الصحاح وهكذا قيده أهل الإتقان والضبط وهو أن تضرب بيدك مبسوطة في القفا أو بين الكتفين وجاء به الهروي غير مهموز في باب الحاء والطاء والواو وقال ابنُ الأعرابي الحطو تحريك الشيء متزعزعًا وأما القفد بتقديم القاف على الفاء فالمعروف عند اللغويين أنه المشي على صدور القدمين من قبل الأصابع ولا تبلغ عقباه الأرض يقال رجل أقفد وامرأة قفداء من القفد بفتحتين "قلت" ولم أجد قفوني بمعنى حطأني إلا في تفسير أمية هذا وهذا الضرب من النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس تأديب له ولعله لأجل اختفائه منه إذ كان حقه أن يجيء إليه ولا يفرّ منه ويحتمل أن يكون هذا الضرب بعد أن أمره أن يدعو له معاوية فلم يؤكد على معاوية الدعوة وتراخى في ذلك ألا ترى قوله في المرتين هو يأكل ولم يزد على ذلك وكان حقه في المرة الثانية أن لا يفارقه حتى يأتي به والله تعالى أعلم ففيه تأديب الصغار بالضرب الخفيف الذي يليق بهم وبحسب ما يصدر منهم (وقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهب وادع لي معاوية) بن أبي سفيان قال القرطبي وفيه استعمال الصغار فيما يليق بهم من الأعمال قال أبو داود ولا يقال إنه تصرف في صبي للغير لأن هذا أمر يسير جاء الشرع بالمسامحة فيه واطرد به العرف وعمل المسلمين اهـ أبي (قال) ابن عباس (فجئت) إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت إليه (فقلت هو) أي معاوية (يأكل) الطعام أي يشتغل بالأكل.

قَال: ثُمَّ قَال لِيَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاويَةَ" قَال: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. فَقَال: "لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ". قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: قُلْتُ لأُمَيَّةَ: مَا حَطَأَنِي؟ قَال: قَفَدَنِي قَفْدَةً. 6471 - (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) ابن عباس (ثم قال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ثانية (اذهب فادع لي معاوية قال) ابن عباس (فجئت) أي رجعت إليه صلى الله عليه وسلم بعدما ذهبت إلى معاوية مرة ثانية (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (هو) أي معاوية (يأكل فقال) صلى الله عليه وسلم (لا أشبع الله بطنه) أي بطن معاوية يحتمل أن يكون هذا من نوع "لا كبر سنك" كما قلناه على تقدير أن يكون معاوية من الأكل في أمر كان معذورًا به من شدة الجوع أو مخافة فساد الطعام أو غير ذلك وهذا المعنى تأويل من أدخل هذا الحديث في مناقب معاوية فكأنه كنى به عن أنه دعا عليه بسبب أمرٍ كان معذورًا به فحصل من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة والرّحمة والقربة إلى الله تعالى التي دعا بها النبي صلّى الله عليه وسلم كما ذكرناه ويحتمل أن يكون هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته أدبًا لمعاوية على تثبّطه في إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وإجابة دعوته واجبة على الفور بدليل حديث أبي الذي أنكر عليه في ترك إجابته وكان أُبي في الصلاة اهـ من المفهم والظاهر في هذا الدعاء إنما خرج مخرج العادة ولم يقصد به حقيقته كما قال صلى الله عليه وسلم لصفيّة عقرى حلقى ولبعض أصحابه تربت يداك وليس المراد منه حقيقته وإنما قال ذلك على سبيل التلطف والدلال وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [1/ 335] (قال ابن المثنى قلت لأمية) بن خالد (ما) معنى (حطأني قال) أمية معناه (قفدني قفدةً) والقفدة هو الصفع يقال صفعه إذا ضربه بيده على قفاه من باب فتح وفي المصباح هو أن يبسط الرجل كفّه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع بل يقال ضربه بجمع كفه قاله الجوهري. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6471 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثم النيسابوري ثقة متقن واسع العلم من (11) روى عنه في (17) بابا

أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ. سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 6472 - (2589) (147) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَينِ. الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي نزيل مرو ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا شعبة أخبرنا أبو حمزة) عمران بن أبي عطاء (سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة النضر بن شميل لأمية بن خالد (كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختبأت) واختفيت واستترت (منه) استحياء منه وهيبة (فذكر) النضر بن شميل (بمثله) أي بمثل حديث أمية بن خالد. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو ذم ذي الوجهين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6472 - (2589) (147): (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني الهاشمي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من شر الناس) وأخسّهم وأذلهم وأقبحهم (ذا الوجهين) بالنصب على أنه اسم إن مؤخر (الذي يأتي هؤلاء) القوم (بوجه) أي بكلام يرضيهم (وهؤلاء) الآخرين (بوجه) آخر يرضيهم قال القاضي يفعل ذلك على غير الإصلاح بل في الباطل والإفساد بالكذب يزين لكل فعله ويذم فعل الآخر بخلاف المداراة والإصلاح المرغب فيه يأتي لكل بكلام فيه صلاح ويعتذر لكل واحد عن الآخر وينقل له الجميل منه اهـ قال القرطبي "قوله إن من شر الناس ذا الوجهين" يعني به الذي يدخل بين الناس بالشر والإفساد ويواجه كل طائفة بما يتوجه به عندها مما يرضيها من الشر فإن رفع حديث أحدهما إلى الآخر على جهة الشر فهو ذو الوجهين النمام وأما من كان ذا وجهين في الإصلاح بين الناس فيواجه كل

6473 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَينِ. الَّذِي يَأْتِي هَؤلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ". 6474 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ طائفة بوجه خير وقال لكل واحدة منهما من الخير خلاف ما يقول للأُخرى فهو الذي يسمى بالمصلح وفعله ذلك يسمى الإصلاح وإن كان كاذبًا لقوله صلى الله عليه وسلم ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا وينمي خيرًا اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب ما قيل في ذي الوجهين [6058] وأبو داود في الأدب باب ذي الوجهين [4872] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في ذي الوجهين [2026]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6473 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عراك بن مالك لعبد الرحمن الأعرج (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ منْ شرِّ النَّاس) وأخسهم وأفسدهم (ذا الوجهين الذي يأتي هولاء) القوم (بوجه) أي بكلام يرضيهم (وهؤلاء) الآخرين (بوجه) أي بكلام يرضيهم مخالف للكلام الأول. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6474 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى أخبرني ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة)

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَينِ. الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ". 6475 - (2580) (148) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيب لعبد الرحمن الأعرج وعراك بن مالك (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (عن عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة من (6) (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي زرعة لمن روى عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدون منْ شرِّ الناس) وأفسدهم فيما بينهم (ذا الوجهين الذي يأتي هولاء بوجه وهولاء بوجه) قوله "تجدون من شر الناس" إنما كان ذو الوجهين شرَّ الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو يتملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس قال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق محض وكذب وخداع تحيل به على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود اهـ كذا في القسطلاني وقال الكرماني فإن قلت هذا عام لكل نفاق سواء كان كفرًا أم لا فكيف يكون في القسم الثاني قلت هو للتغليظ أو للمستحل أو المراد شر الناس عند الناس لأن من اشتهر بذلك ليس يحبه أحد من الطائفتين اهـ دهني. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو تحريم الكذب وبيان ما يباح منه بحديث أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها فقال: 6475 - (2580) (148) (حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني ثقة من (2) روى

أَنَّ أُمَّهُ، أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيطٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: "لَيسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَينَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيرًا وَيَنْمِي خَيرًا". قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ: كَذِبٌ إلا فِي ثَلاثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاحُ بَينَ النَّاسِ، وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (12) بابا (أن أُمّه) ووالدته (أمّ كلثوم) كنيتها اسمها (بنت عقبة بن أبي معيط) الأموية المدنية أخت عثمان بن عفان لأمه أسلمت قديمًا ثم هاجرت سنة سبع من الهجرة تزوجها زيد بن حارثة فقتل عنها ثم الزبير بن العوام ثم طلقها فتزوجها عمرو بن العاص فماتت عنده رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ليس الكاذب من أصلح بين الناس ويروي عنها (خ م د ت س) وابناها حميد وإبراهيم ابنا عبد الرحمن بن عوف ولها أحاديث اتفقا على حديث (وكانت من المهاجرات الأُول اللَّاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم) أي أن أمّه (أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول) وهذا السند من سداسياته (ليس الكذَّاب) هو (الذي يصلح بين الناس ويقول خيرًا) بينهم (وينمي) أي يزيد ويطلب (خيرًا) أي إصلاحًا بينهم قال النووي معناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس بل هذا محسن قوله "وينمي خيرا" بفتح الياء وسكون النون وكسر الميم من باب رمى أي يبلغ خيرًا ويرويه تقول نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد ووقع في رواية الموطإ "ينمى" بضم أوله والمراد من قول الخير هنا أن يخبر الآخر بما علمه من الخير ويسكت عما علمه من الشر ولا يكون ذلك كذبًا لأن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه وهذا ساكت ولا يُنسب إلى ساكت قول اهـ فتح الباري. (قال ابنُ شهاب) بالسند السابق قالت أمّ كلثوم (ولم أسمع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرخِّص) أي يجوّز (في شيء مما يقول الناس) هو (كذاب إلا في ثلاث) أحوال (الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته) أي تحدّثه مع امرأته

وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا. 6476 - (00) (00) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وزوجته (وحديث المرأة زوجها) أي مع زوجها قال الحافظ في الفتح [5/ 300] واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هوفيما لا يسقط حقًّا عليه أو عليها أو فيما ليس أخذ ما ليس له أو لها وكذا في الحرب في غير التأمين واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم اهـ منه وقال القاضي لا خلاف في جوازه في الثلاث وإنما اختلف في صورة ما يجوز فأجاز قوم فيها صريح الكذب واحتجوا بقول إبراهيم - عليه السلام - {قَال بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 63] وقال الطبري وغيره لا يجوز فيها التصريح بالكذب وإنما يجوز فيها التورية والمعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا وينوي إن قدر الله ذلك اهـ قوله "وحديث الرجل امرأته إلخ". قال القاضي يحتمل أن يكون فيما يخبر به كلٌّ منهما لما له فيه من المحبة والاغتباط وإن كان كذبًا لما فيه من الإصلاح ودوام الألفة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 403] والبخاري في الصلح باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس [2692] وأبو داود في الأدب [2921] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في إصلاح ذات البين [1939]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في رواية هذا الحديث فقال: 6476 - (00) (00) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم الزهري المدني ثقة من (9) (حدثني أبي) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب) الزهريّ المدني (بهذا الإسناد) يعني عن حُميد بن عبد الرحمن عن أمِّه أم كلثوم وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان ليونس بن يزيد وساق صالح (مثله) أي مثل

غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: وَقَالتْ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إلا فِي ثَلاثٍ. بِمِثْلِ مَا جَعَلَهُ يُونُسُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ. 6477 - (00) (00) وحدّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلَى قَوْلِهِ: "وَنَمَى خَيرًا" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 6478 - (2581) (149) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَال: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث يونس (غير أن) أي لكن أن (في حديث صالح) وروايته لفظة (وقالت) أم كلثوم (ولم أسمعه) صلى الله عليه وسلم (يرخِّص في شيء مما يقول الناس) كذب (إلا في ثلاث) أحوال وساق صالح (بمثل ما جعله يونس من قول ابن شهاب) فخالفه صالح فجعله من كلام أم كلثوم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أم كلثوم رضي الله عنها فقال: 6477 - (00) (00) (وحدثناه عمرو الناقد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن حميد بن عبد الرحمن عن أمِّ كلثوم غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة معمر ليونس (إلى قوله) صلى الله عليه وسلم (ونمى خيرًا ولم يذكر) معمر (ما بعده) أي ما بعد قوله ونمى خيرًا. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو تحريم النميمة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6478 - (2581) (149) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (يحدّث عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) ابن مسعود (إنَّ محمدًا صلى الله عليه

وَسَلَّمَ قَال: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالةُ بَينَ النَّاسِ". وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم قال ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أُخبركم (أنبئكم) أي أخبركم جواب سؤالي (ما) معنى (العضه) أي ما الفاحش الغليظ التحريم أقول (هي) أي العضه (النميمة) والنميمة هي نقل كلام الناس من بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم قال النووي هذه اللفظة يعني العضه رُويت على وجهين أحدهما العضه بكسر العين وفتح الضاد المعجمة وبالتاء المنقلبة هاءً في الوقف على وزن العدة والزنة والثاني العضه بفتح العين وإسكان الضاد على وزن الوجه فأما الرواية الأولى فهي بمعنى القطعة قال المازري قيل من قوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} هو جمع عضة من عضيت الشيء أي فرقته فلعل تسمية النميمة عضة منه لأنها تفرّق بين الناس وعلى هذه الرواية أكثر الشرّاح وهي أصوب لأن العضة اسم وكذا النميمة اسم فصح تفسير الاسم بالاسم وأما الرواية التي هي بوزن الوجه فهو مصدر عضه من باب منع يقال عضهه يعضهه عضهًا إذا رماه بكذب وبهتان أو نم وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم العضه بالنميمة لأن النميمة لا تنفك عن الكذب والبهتان غالبًا والنميمة (القالة) أي المقالة التي تفرق وتفسد (بين الناس) والقالة مصدر سماعي لقال يقال قال قولًا وقالة وقيلًا ومقالًا وحقيقة النمية إفضاء السرّ وهتك الستر عما يكره كشفه بل كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أر دفع لمعصية كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له فأما إذا رآه يخفي مالًا لنفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر فإن كان ما ينم به نقصًا وعيبًا في المحكيّ عنه كان قد جمع بين الغيبة والنميمة فالباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحبّ للمحكي له أو التفرج بالحديث والخوض في الفضول والباطل (وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل يصدق) أي يلازم الصدق ويواظب عليه (حتى يكتب) عند الله (صديقًا) أي مبالغًا في الصدق ومواظبًا عليه وهو صيغة مبالغة (ويكذبُ) أي يكثر الكذب ويلازمه (حتى يكتب) عند الله (كذابًا) أي كثير الكذب وملازمه وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

6479 - (2582) (150) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ. وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو قبح الكذب وحسن الصدق بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6479 - (2582) (150) (حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن منصور قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبيّ الكوفي ثقة من (8) (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (20) بابا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الصدق) وملازمته (يهدي) أي يرشد ويُوصل (إلى البر) أي إلى العمل الصالح (وإن البرّ) أي العمل الصالح (يهدي) أي يُوصل (إلى الجنة وإن الرجل) منكم (ليصدق) أي ليلازم الصدق ويواظب عليه (حتى يُكتب) عند الله (صديقًا) قال الأبي ومعنى يكتب هنا أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم والمراد به إظهار ذلك للمخلوقين إما بأن يشتهر بصفة الصدّيق في الملإ الأعلى وإما بأن يلقى ذلك في قلوب الخلق بأن يوضع له القبول في الأرض وإلا فالقضاء قد سبق بما كان أو يكون اهـ سنوسي قال في المبارق المضارعان يعني يصدق ويكذب للاستمرار (وإن الكذب يهدي) أي يُوصل (إلى الفجور) أي إلى الميل عن الاستقامة أو إلى الانبعاث في المعاصي (وإنَّ الفجور يهدي) أي يُوصل (إلى النَّار وإن الرجل ليكذب) أي ليستمر ويُواظب على الكذب (حتى يُكتب كذّابًا) أي حتى يحكم له ويستحق أن يوصف بصفة الكذابين وعقابهم والمراد به إظهار ذلك للمخلوقين إما بأن يشتهر بصفة الكذابين في الملإ الأعلى أو يلقى ذلك في قلوب الخلق كما يوضع له البغضاء في الأرض نظير ما مرّ آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 19] والبخاري في الأدب باب

6480 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السِّرِيِّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ. وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ. وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتبَ كَذَّابًا". قَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [6094] وأبو داود في الأدب باب في التشديد في الكذب [4989] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الصدق والكذب [1972] وابن ماجه في المقدمة باب اجتناب البدع والجدل (37). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6480 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهنّاد بن السري) بن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (قالا حدثنا أبو الأحوص) سلَّام بن سُليم الحنفي ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي الأحوص لجرير بن عبد الحميد (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الصدق برّ) أي خير (وإن البر) أي الخير (يهدي) أي يُوصل صاحبه (إلى الجنة وإن العبد ليتحرى الصدق) أي يقصد إليه ويتوخاه ويجتنب نقيضه الذي هو الكذب حتى يكون الصدق غالب حاله (حتى يكتب عند الله صديقًا) أي من جملة الصديقين ويثبت في ديوانهم (وإن الكذب فجور) أي ميل عن الحق (وإن الفجور يهدي) أي يوصل (إلى النار وإن العبد ليتحرّى) ويقصد (الكذب) ويواظب عليه (حتى يكتب) عند الله (كذابًا) أي من جملة الكذّابين ويثبت في ديوانهم (قال) أبو بكر (بن أبي شيبة في روايته) لفظة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بالعنعنة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6582 - (105) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ وَوَكِيعٌ. قَالا: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَلَيكُمْ بِالصِّدْقِ. فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ. وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ. وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6582 - (105) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ووكيع قالا حدثنا الأعمش ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق) بن سلمة بن أبي وائل الأسدي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم) من ألفاظ الإغراء المصرّحة بالإلزام فحق على كل من فهم عن الله تعالى أن يلازم الصدق في الأقوال والإخلاص في الأعمال والصفاء في الأحوال فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى رضا الغفار وقد أرشد الله إلى ذلك كله بقوله عند ذكر أحوال الثلاثة التائبين "هم كعب بن مالك ومرارة بن ربيعة وهلال بن أمية كلهم من الأنصار" فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119]، أي الزموا (بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البرّ وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا وإياكم والكذب) صيغة تحذير أي باعدوا أنفسكم عن الكذب (فإن الكذب يهدي) ويُوصل (إلى الفجور) والميل عن الاستقامة (وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا). قال النووي البر اسم جامع للخير كله قال العلماء معناه إن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم وأما الكذب فيُوصل إلى الفجور وهو الميل عن الاستقامة وقال أيضًا قال العلماء في هذه الأحاديث حث على تحرّي الصدق وهو قصده والاعتناء به وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعرف به وكتبه الله لمبالغته صديقًا إن اعتاده أو كذابًا إن اعتاده اهـ منه.

6482 - (00) (00) حدَّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ عِيسَى "وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ. وَيتَحَرَّى الْكَذِبَ"، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ "حَتَّى يَكْتُبَهُ اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6482 - (00) (00) (حدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا) علي (بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (15) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من ابن مسهر وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لأبي معاوية ووكيع (بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن عبد الله (و) لكن (لم يذكر) إسحاق بن إبراهيم (في حديث عيسى) بن يونس لفظة (ويتحرَّى الصدق ويتحرَّى الكذب وفي حديث ابن مسهر) وروايته لفظة (حتى يكتبه الله) بدل قوله في رواية أبي معاوية "حتى يكتب عند الله صديقًا" وبدل قوله "حتى يكتب عند الله كذابًا". وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة عشر الأول حديث عمران بن حصين ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي برزة الأسلمي ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث أبي الدرداء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والسادس حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد والثامن حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات. والعاشر حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والحادي عشر حديث أنس ذكره للاستشهاد والثاني عشر حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث عشر حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، وذكر فيه متابعتين والرابع عشر حديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أم كلثوم بنت عقبة ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين والخامس عشر حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة والسادس عشر حديث ابن مسعود الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

728 - (17) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وخلق الإنسان خلقا لا يتمالك والنهي عن ضرب الوجه والوعيد الشديد لمن عذب الناس بغير حق وأمر من يمر بسلاح في مجامع الناس بإمساك نصالها والنهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح

728 - (17) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وخَلْق الإنسان خلقًا لا يتمالك والنهي عن ضرب الوجه والوعيد الشديد لمن عذَّب الناس بغير حقٍّ وأمر منْ يمرُّ بسلاحٍ في مجامع الناس بإمساك نصالها والنهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح 6483 - (2583) (151) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ)، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ " قَال: قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ. قَال: "لَيسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ. وَلَكِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 728 - (17) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وخَلْق الإنسان خلقًا لا يتمالك والنهي عن ضرب الوجه والوعيد الشديد لمن عذَّب الناس بغير حقٍّ وأمر منْ يمرُّ بسلاحٍ في مجامع الناس بإمساك نصالها والنهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح 6483 - (2583) (151) (حدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة واللفظ لقتيبة قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن الحارث بن سويد) التيمي أبي عائشة الكوفي ثقة ثبت من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله بن مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعدّون) وتعتقدون وتحسبون وتظنون أنه (الرّقوب فيكم) يعني ما علمكم واعتقادكم في معنى الرّقوب (قال) ابن مسعود (قلنا) له معاشر الحاضرين الرّقوب هو الشخص (الذي لا يولد له) ولد لأنه يرقب وينتظر كل وقت ولادة الولد له ويطمع فيها والرقوب بفتح الراء وتخفيف القاف أصل معناه في كلام العرب هو الذي لا يعيش له ولد قال النووي ومعنى الحديث أنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعًا بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه ويكون له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه ويكون له فرطًا وسلفًا كما ذكره بقوله (ليس ذاك) الذي ذكرتموه في معنى الرّقوب (بالرَّقوب) شرعًا (ولكنَّه) أي ولكن

الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيئًا" قَال: "فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرْعَةَ فِيكُمْ؟ " قَال: قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجِالُ. قَال: "لَيسَ بِذَلِكَ. وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الرَّقوب شرعًا هو (الرَّجل الذي لم يقدم من ولده شيئًا) أي لا واحدًا ولا أكثر بالموت قبله ثم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فما تعدُّون) وتعتقدون وتعلمون (الصرعة) بضم الصاد وفتح الراء أي فأي شيء تعلمون وتعتقدون في معنى الصرعة (فيكم) أي عندكم أي فما معناه عندكم وأصله في كلام العرب هو الرجل القوي يصرع الناس كثيرًا (قال) ابن مسعود (قلنا) له صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله الصرعة عندنا هو الرجل (الذي لا يصرعه الرجال) أي الذي لا يقدر أحد من الرجال على صرعه وإسقاطه على الأرض عند المصارعة لقوته بل يصرع الناس (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس) الصرعة شرعًا (بذلك) الذي ذكرتموه يعني أنكم تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم وليس هو كذلك شرعًا (ولكنَّه) أي ولكن الصرعة الممدوح شرعًا هو الرجل (الذي يملك نفسه عند الغضب) لا يستفزّه الغضب بالانتقام ممن أغضبه فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلّق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول اهـ نووي. قال القرطبي "ما تعدُّون الرّقوب" إلخ الرقوب فعول وهو الكثير المراقبة وهو من صيغ المبالغة كضروب وقتول لكنَّه صار في عرف استعمالهم عبارة عن المرأة التي لا يعيش لها ولد كما قال عبيد بن الأبرص: باتت على إرم عذوبا ... كأنها شيخة رقوب قلت هذا نقل أهل اللغة ولم يذكروا أن الرقوب يقال على من لم يولد له مع أنه قد كان معروفًا عند الصحابة رضي الله عنهم ولذلك أجابوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس يقتضيه لأن الذي لا يولد له يكثر ارتقابه للولد وانتظاره ويطمع فيه إذا كان ممن يرتجى ذلك كما يقال على المرأة التي ترقب موت زوجها رقوب والناقة التي ترقب الحوض فتنفر منه ولا تقربه رقوبٌ "قلت" ويحتمل أن يحمل قولهم في الرقوب إنه الذي لا يولد له بعد فقد أولاده لوصوله من الكبر إلى حال لا يولد له فتجتمع عليه مصيبة الفقد ومصيبة اليأس وهذا هو الأليق بمساق الحديث ألا ترى قوله "ليس ذلك الرَّقوب ولكنَّه الرجل الذي لا يقدم من ولده شيئًا" أي هو أحق باسم الرقوب من ذلك لأن هذا

6484 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ. 6485 - (2584) (152) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ. قَالا، كِلاهُمَا: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي أصيب بفقد أولاده في الدنيا ينجبر في الآخرة بما يعوّض على ذلك من الثّواب وأما من لم يمت له ولد فيفتقد في الآخرة ثواب فقد الولد فهو أحق باسم الرّقوب من الأول وقد صدر هذا الأسلوب من النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا كقوله "ليس المسكين بالطوّاف عليكم" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وكقوله "ليس الشديد بالصرعة" وقوله "ليس الواصل بالمكافئ" رواه البخاري وأبو داود والترمذي ولم يرد بهذا السلب سلب الأصل لكنه سلب الأولى والأحق بالصرعة والصرعة بضم الصاد وفتح الراء هو الذي يصرع الناس كثيرًا وبالسكون هو الذي يصرعه الناس وكذلك هُزَأة وهُزْأة وسُخَرة وسُخْرة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 236] وأبو داود في الأدب باب كظم غيظه [4779]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6484 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي ثقة من (8) (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش) غرضه بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم التيمي عن الحارث عن عبد الله وساق (مثل معناه) أي مثل معنى حديث جرير. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6485 - (2584) (152) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وعبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي البصري ثقة ثبت من كبار (10) (قالا كلاهما) أي كلاهما قال (قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ". 6587 - (108) حدَّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد) الممدوح شرعًا الشديد (بالصرعة إنما الشديد) الممدوح شرعًا هو (الذي يملك نفسه عند الغضب) أي يكظم نفسه عن الانتقام ممن أغضبه قوله "إنما الشديد الذي يملك" إلخ فإنه قوة دينية معنوية إلاهية باقية فحوّل النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا الاسم من القوة الظاهرة إلى الباطنة ومن أمر الدنيا إلى أمر الدين اهـ مرقاة وفي النهاية الصُّرعة بضم الصاد وفتح الراء المبالغ في الصّراع الذي لا يُغلب فنقله إلى الذي يغلب نفسه عند الغضب ويقهرها فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى عدائه وشرَّ خصومه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 236] والبخاري في الأدب باب الحذر من الغضب [6114]. "فائدة" عرَّف بعضهم الغضب بأنه صفة غريزيّة أودعها الله سبحانه في قلب ذي روح يغلي بها دم قلبه وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن فلذلك ينصب إلى الوجه ويحمرّ الوجه والعين وإنما خلق الله هذه الغريزة ليدافع بها الإنسان عن نفسه وماله وعرضه فكلما استعمل الإنسان هذه الغريزة في أفعال مشروعة كالجهاد والدفاع عن نفسه وأهله كان حسنًا وكلما استعمله في أفعال غير مشروعة وصدر منه في ثوران الغضب ما لا يجوز فعله كالقتل والقذف كان قبيحًا ومن ملك نفسه في حالة ثوران الغضب فأمسك نفسه عن العمل بمقتضاه فهو القويّ الذي مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فمجرّد الغضب الذي يثور في قلب الإنسان بدون اختياره لا مؤاخذة عليه ولكنه إنما يؤاخذ بما يصدر منه في هذه الحالة من أفعال غير مشروعة فيحتاج ذلك إلى رياضة ومجاهدة اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6486 - (00) (00) (حدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي الأعور نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني

عَنِ الزُّبَيدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ" قَالُوا: فَالشَّدِيدُ أَيُّمَ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ". 6487 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمصي الأبرش ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن الزبيديّ) بالزاي والموحدة مصغرًا محمد بن الوليد بن عامر الحمصي القاضي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري) قال (أخبرني حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حُميد بن عبد الرحمن لسعيد بن المسيب (قال) أبو هريرة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس الشديد بالصُّرعة) أي الذي يسقط الناس عند المصارعة كثيرًا لأنه من صيغ المبالغة كهُمَزة والباء زائدة في خبر ليس (قالوا) أي قال الحاضرون له صلى الله عليه وسلم (فالشديد أيُّم هو) أي فالشديد أيٌّ هو إذا لم يكن بالصرعة فأيُّ اسم استفهام خبر مقدم وجوبًا مرفوع بالضمة وما زائدة زيدت تعويضًا عما فات أيُّ من الإضافة مبني بسكون على الألف المحذوفة تشبيهًا لها بما الاستفهامية التي دخل عليها حرف الجر لوقوعها بعد اسم الاستفهام وهو في محل الرفع مبتدأ مؤخر (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم الشديد الممدوح هو (الذي يملك نفسه) أي يمسكها عن الانتقام (عند) شدَّة (الغضب). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6487 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (جميعًا عن عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام) الدارمي السمرقندي ثقة من (11) (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي الحمصي ثقة من (7) (كلاهما) أي كل من معمر وشعيب رويا (عن الزهري) غرضه بسوق هذين السندين بيان

عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 6488 - (2585) (153) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ الْعَلاءِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَال: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ. فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَينَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ. قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعتهما للزبيدي (عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقا (بمثله) أي بمثل حديث الزبيدي. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث سليمان بن صُرد رضي الله عنهما فقال: 6488 - (2585) (153) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (و) أبو كريب (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني (قال يحيى أخبرنا وقال ابن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عديّ بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن صُرد) بضم الصاد وفتح الراء بن الجون بفتح الجيم وسكون الواو الخزاعيّ الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) سليمان (استبَّ رجلان) لم أر من ذكر اسم الرجلين أي تسابَّا (عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل) أي شرع (أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ) أي ترتفع (أوداجه) لشدة غضبه جمع ودج بفتحتين وهو عرق في العنق معروف وقد روى هذه القصة معاذ بن جبل رضي الله عنه أيضًا وقد أخرجها عنه أصحاب السنن وأحمد ولفظه عند أبي داود "استبَّ رجلان عند النبي صلّى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضبًا شديدًا حتى خُيّل إليَّ أن أنفه يتمزَّع من شدة غضبه" فـ (ـــقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن عنده (إني لأعرف كلمة لو قالها) هذا الرجل (لذهب عنه) الغضب (الذي يجد) من نفسه وتلك الكلمة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وفي قوله إني لأعرف كلمة إلخ فيه أن الغضب لغير الله تعالى من نزغ الشيطان

فَقَال الرَّجُلُ: وَهَل تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ؟ قَال ابْنُ الْعَلاءِ: فَقَال: وَهَلْ تَرَى. وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّجُلَ. 6489 - (00) (00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيُّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَال: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغْضَبُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ. فَنَظَرَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول أعوذ بالله من الشيطان وأنه سبب لزوال الغضب عملًا بقوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} اهـ نووي (فقال الرجل) الذي اشتد غضبه للنبي صلى الله عليه وسلم حين قال له ما ذكر (وهل ترى) وتظن (بي من جنون) أي جنونًا وهذا كلام من لم يتفقه في دين الله تعالى ولم يهذب بأنوار الشريعة المكرّمة وتوهّم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان ويحتمل أن هذا القائل كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب اهـ نووي باختصار. (قال) محمد (بن العلاء) في روايته لفظة (فقال) أي الرجل الذي غضب (وهل ترى) بي يا محمد من جنون (ولم يذكر) محمد بن العلاء لفظة (الرجل) أي لم يقل لفظة فقال الرجل بل قال: فقال وهل ترى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 394] والبخاري في مواضع منها في الأدب باب الحذر من الغضب [6048] وباب ما ينهى عن السباب واللعن [6115] وأبو داود في الأدب باب ما يقال عند الغضب [4781]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه فقال: 6489 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي الجهضمي) البصري الأزدي ثقة ثبت من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (سمعت الأعمش يقول سمعت عديّ بن ثابت يقول سمعت سليمان بن صرد قال) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي أسامة لأبي معاوية (استبّ رجلان) لم أر من ذكر اسمهما (عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب) غضبًا شديدًا حتى انتفخت أوداجه (ويحمرُّ وجهه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن

"إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ" فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَال: أَتَدْرِي مَا قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ آنِفًا؟ قَال: "إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ" فَقَال لَهُ الرَّجُلُ: أَمَجْنُونًا تَرَانِي؟ 490 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنده (إني لأعلم كلمة لو قالها) هذا الرجل (لذهب) هـ (ـــذا) الغضب (عنه) وتلك الكلمة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقام إلى الرجل) الغضبان (رجل) آخر (ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم) أي كلامه المذكور وذلك الرجل القائم إليه هو معاذ بن جبل كما وقع التصريح به في سنن أبي داود في رقم [4780] اهـ من تنبيه المعلم (فقال) الرجل القائم للرجل المغضب (أتدري) أي هل تدري وتعلم (ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفًا) أي في الزمن القريب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأعلم كلمة لو قالها) هذا المغضب (لذهب) هـ (ــذا) الغضب (عنه) أي عن ذلك المغضب وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال له) أي لهذا القائم المخبر له كلام الرسول صلى الله عليه وسلم (الرجل) المغضب (أمجنونًا تراني) أي أتحسبني أيها المخبر لي مجنونًا يستعيذ من مسة الجن فإني صحيح كامل ليس بي نقص عقل ولا مسة جن. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6490 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لأبي أسامة وأبي معاوية والله أعلم وقوله صلى الله عليه وسلم للغضبان "إني لأعرف كلمةً لو قالها لذهب عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" يدلُّ على أن الشيطان له تأثير في تهييج الغضب وزيادته حتى يحمله على البطش بالمغضوب عليه أو إتلافه أو إتلاف نفسه أو شر يفعله يستحق به العقوبة في الدنيا والآخرة فإذا تعوذ الغضبان بالله من الشيطان الرجيم وصح قصده لذلك فقد التجأ إلى الله تعالى وقصده واستجار به والله تعالى أكرم

6491 - (2586) (154) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَمَّا صَوَّرَ اللهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ. فَجَعَلَ إِبْلِيسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أن يخذل من استجار به ولما جهل ذلك الرجل ذلك المعنى وظن أن الذي يحتاج إلى التعوذ إنما هو المجنون فقال أمجنونًا تراني منكرًا على من نبّهه على ما يصلحه ورادًّا لما ينفعه وهذا من أقبح الجنون والجنونُ فنون وكأن هذا الرجل كان من جفاة الأعراب الذين قلوبهم من الفقه والفهم خراب اهـ من المفهم. "قلت" وهذه الاستعاذة التي أخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى طرق معالجة الغضب وقد أخرج أبو داود رقم [4782] عن أبي ذر رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع وأخرج أيضًا عن عطية السعدي مرفوعًا إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وقد أخرج ابن السنِّي في عمل اليوم والليلة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها وقال يا عويش قولي اللهم ربّ النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلّات الفتن ذكره العراقي في تخريج الإحياء وقد أخرج ابن ماجه رقم [4242] عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله عزَّ وجلَّ. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو كون الإنسان خلقًا لا يتمالك بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6491 - (2586) (154) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن حمّاد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما صوّر الله) سبحانه (آدم في الجنة) قال القرطبي يعني لما شكل الله طينته على شكلها الخاص على ما سبق في علمه (تركه) أي ترك آدم على طينته (ما شاء الله أن يتركه) طينًا من الزمن (فجعل إبليس) اللعين أي شرع

يُطِيفُ بِهِ. يَنْظُرُ مَا هُوَ. فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالكُ". 6492 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 6493 - (2587) (155) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (يطيف به) أي يطوف ويدور بآدم حالة كونه يريد أن (ينظر ما هو) أي ما هذا الجسم الذي هو آدم هل هو مملوء الجوف أو فارغ جوفه حتى دخله (فلما رآه أجوف) أي فارغ الجوف ليس فيه شيء (عرف) إبليس (أنه) أي أن آدم (خلق) حالة كونه (خلقًا لا يتمالك) أي لا يملك نفسه ولا يستغني مما يسد جوفه من الشهوات الطعامية والشرابية أي لا يملك نفسه ولا يستطيع أن يحبسه عن الشهوات وقيل لا يملك دفع الوسواس عنه وقيل لا يملك نفسه عند الغضب والمراد جنس بني آدم لا كلهم لأن فيه معصومًا قال القرطبي: يعني أن الله تعالى لما صور طينة آدم وشكّلها بشكله على ما سبق في علمه رآها إبليسُ وأطاف بها أي دار حولها وجعل ينظر في كيفيتها وأمرها فلما رآها ذات جوف وقع له أنها مفتقرة إلى ما يسد جوفها وأنها لا تتمالك عن تحصيل ما تحتاج إليه من أغراضها وشهواتها فكان الأمر على ما وقع اهـ من المفهم وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6492 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (15) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (13) بابا (حدثنا حمَّاد) بن سلمة غرضه بيان متابعة بهز ليونس بن محمد (بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أنس وساق بهز (نحوه) أي نحو حديث يونس بن محمد. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو النهي عن ضرب الوجه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6493 - (2587) (155) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري ثقة من (9) (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي

(يَعْنِي الْحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ". 6494 - (00) (00) حدّثناه عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسدي (يعني الحزاميَّ) منسوب إلى الجد المذكور المدني ثقة من (7) روى عنه في (6) أبواب، (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاتل) وضارب (أحدكم أخاه) الآدمي وقيل المسلم (فليجتنب الوجه) أي فليحترز عن ضرب وجهه لأنه لطيف يجمع المحاسن وأعضاؤه لطيفة نفيسة وأكثر الإدراك بها فقد يبطلها ضرب الوجه وقد ينقصها وقد يشوه الوجه والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر لا يمكن ستره اهـ نووي ومعنى قاتل هنا ضرب يؤيده رواية إذا ضرب لأن المؤمن لا يقاتل أخاه غالبًا والله أعلم. وفي السنوسي قال الطبري والمراد بالأخوة الآدمية ويدل عليه قوله في آخر الحديث فإن الله خلق آدم على صورة المضروب فكأن الضارب ضرب وجه أبيه آدم عليه السلام إذ لو أريد به أخوة الدين لما كان للتعليل لخلق آدم على صورته معنى وعلى هذا فيحرم لطم الوجه من المؤمن والكافر أيضًا لا يقال الكافر مأمور بقتله وضربه في أي عضو كان جائز إذ المقصود إتلافه والمبالغة في الانتقام منه ولا شك في أن ضرب الوجه أبلغ في الانتقام والعقوبة فلا يمنع وإنما مقصود الحديث إكرام المؤمن لحرمته لأنا نقول مسلم أنا مأمورون بقتل الكافر والمبالغة في الانتقام منه لكنا إذا تمكنا منه اجتنبناه لشرفية هذا العضو لأن الشرع قد نزل هذا الوجه منزلة وجه أبينا وقبيح لطم الرجل وجهًا يشبه وجه أبي اللاطم وليس كذلك سائر الأعضاء لأنها كلَّها تابعة للوجه وهذا الذي ذكرناه هو ظاهر الحديث ولا يكون في الحديث إشكال يوهم في حق الله تعالى تشبيهًا وإنما أشكل ذلك على من أعاد الضمير في صورته على الله تعالى وذلك ينبغي أن لا يصار إليه شرعًا ولا عقلًا اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 244] والبخاري في العتق باب إذا ضرب العبد فليتق الوجه [2559] وأبو داود في الحد وبابٌ في ضرب الوجه في الحد [4493]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6494 - (00) (00) (حدثناه عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب

قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَال: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ". 6495 - (00) (00) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ". 6496 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد بهذا الإسناد) يعني عن الأعرج عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة سفيان للمغيرة بن عبد الرحمن (و) لكن (قال) سفيان في روايته (إذا ضرب أحدكم) بدل قول المغيرة "إذا قاتل أحدكم" ورواية سفيان هذه هي أعم وأوضح قال الحافظ في الفتح [5/ 182] وهذه الرواية تفيد أن قاتل في رواية المغيرة وهمام وغيرهما بمعنى قتل وأن المفاعلة ليست على ظاهرها ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلًا فينهى دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو تعزير أو تأديب وقد وقع في حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصة التي زنت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها وقال ارموا واتقوا الوجه وإذا كان ذلك في حق من تعين إهلاكه فمن دونه أولى. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6495 - (00) (00) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حدثنا أبو عوانة) الوضّاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح لعبد الرحمن الأعرج (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قاتل) أي إذا قتل وضرب (أحدكم أخاه) الآدمي مسلمًا كان أو كافرًا (فليتق الوجه) أي فليجتنب ضرب وجهه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال: 6496 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ البصري (حدثنا شعبة عن قتادة سمع أبا أيوب) يحيى بن مالك ويقال

يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلَا يَلْطِمَنَّ الْوَجْهَ". 6497 - (00) (00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الجهْضَمِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ. فَإِنَّ اللهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ حبيب بن مالك الأزدي المراغي قبيلة من الأزد البصري ثقة من (2) روى عنه في (2) الصلاة والبر والصلة (يحدِّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي أيوب لمن روى عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاتل) أي قتل وضرب (أحدكم أخاه) الآدمي (فلا يلطمن) أي فلا يضربن (الوجه) أي وجهه لأنه على صورة وجه آدم - عليه السلام -. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6497 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) الصغير ثقة ثبت من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثني أبي) علي بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري الجهضمي الكبير أبو الحسن ثقة من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا المثنى) بن سعيد الضبعيُّ بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو سعيد البصري ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي. (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصريُّ (عن المثنى بن سعيد) الضبعي البصري (عن قتادة) بن دعامة البصري (عن أبي أيوب) يحيى بن مالك الأزدي المراغي البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة المثنى بن سعيد لشعبة بن الحجاج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث ابن حاتم) وروايته لفظة (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قاتل أحدكم أخاه) الآدميَّ (فليجتنب الوجه) أي فليتق ضرب وجهه وليبتعد عنه (فإن الله) عزَّ

خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ". 6498 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْمَرَاغِيِّ، (وَهُوَ أَبُو أَيُّوبَ)، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ". 6499 - (2588) (156) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وجلَّ (خلق آدم) - عليه السلام - (على صورته) أي على صورة وجه المضروب أي خلق وجه آدم على صورة وجه المضروب فيتعين عود الضمير على المضروب لأنه هو الذي سبق الكلام لبيان حكمه وفي المناوي "قوله فليجتنب الوجه" أي وجوبًا لأنه شين ومثلة للطافته هذا في المسلم ونحوه كذمي ومعاهد أما الحربي فالضرب في وجهه أنجح للمقصود وأردع لأهل الجحود كما هو بين اهـ "قوله فإن الله خلق آدم على صورته" الأكثرون على أن الضمير يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها وقيل يعود على آدم أي على صفته الشبيهة بهذا المضروب فأمر بالاجتناب إكرامًا لآدم لمشابهة صورته لصورة المضروب ومراعاة لحق الأبوة وظاهر النهي التحريم كذا في القسطلاني. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6498 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبريُّ البصريُّ (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة عن يحيى بن مالك المراغي) نسبة إلى مراغ قبيلة من الأزد وقيل موضع بناحية عمان (وهو أبو أيوب) المذكور سابقًا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة همام لشعبة والمثنى بن سعيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه) وجوبًا كما مرّ. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو الوعيد الشديد لمن عذب النّاس بحديث هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما فقال: 6499 - (2588) (156) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. عَنْ أَبِيهِ. عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. قَال: مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ، وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الزَّيتُ. فَقَال: مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ فِي الْخَرَاجِ. فَقَال: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (عن هشام بن عروة) بن الزبير الأسدي المدني (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن هشام بن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي الشامي الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما كان هو وأبوه من مسلمة الفتح وكان رجلًا مهيبًا له ذكر في الصحيحين في حديث عمر حيث سمعه يقرأ سورة الفرقان روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث انفرد له مسلم بحديث وهو هذا الحديث روى عنه عروة بن الزبير فيمن يعذب الناس ويروي عنه (م د س) وعروة بن الزبير وجبير بن نفير وقتادة السلمي قال الزهري وكان شاميًا يأمر بالمعروف مع رجال وكان له فضل ومات قبل أبيه وهذا السند من خماسياته (قال) عروة بن الزبير (مرَّ) هشام بن حكيم (بالشام على أُناس) من الأنباط يعذبون (وقد أقيموا في) حرِّ (الشمس وصُبَّ على رؤوسهم الزيت) أي زيت الزيتون (فقال) هشام بن حكيم لأميرهم (ما هذا التعذيب) أي ما سبب هذا التعذيب (قيل) له لم أو من ذكر هذا القائل إنهم (يعذبون في الخراج) أي بسبب إبائهم عن دفع الخراج الذي جعل على أرضهم (فقال) هشام بن حكيم لأميرهم (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعذب) يوم القيامة (الذين يعذبون) الناس (في الدنيا) قال النووي هذا محمول على التعذيب بغير حق فلا يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير وغير ذلك اهـ قال القرطبي يعني إذا عذبوهم ظالمين إما في أصل التعذيب فيعذبونهم في موضع لا يجوز فيه التعذيب أو بزيادة على المشروع في التعذيب إما في المقدار وإما في الصفة كما بيناه في الحدود اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 403] وأبو داود في الخراج والإمارة باب التشديد في الجباية [3045]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

6500 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ بِالشَّامِ. قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ. فَقَال: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ. فَقَال هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا". 6501 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاويَةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6500 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي أسامة لأبي الأحوص (قال) عروة: (مرَّ هشام بن حكيم بن حزام على أُناس من الأنباط بالشام) هم فلّاحوا العجم والأنباط جمع نبط بفتح النون وسكون الباء وهم قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين سموا بذلك لأنهم ينبطون الماء أي يحفرون عليه حتى يخرج على وجه الأرض يقال نبط الماء ينبط من بابي نصر وضرب إذا نبع وأنبط الحفار الماء إذا بلغ إليه والاستنباط استخراج العلوم ويقال على النبط: نبيط أيضًا، وكانوا إذ ذاك أهل ذمة، ولذلك عذبوا بالشمس وصب الزيت على رؤوسهم لأجل الجزية، وكأنهم امتنعوا من الجزية مع التمكن فعوقبوا لذلك فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم بذلك ولا بغيره لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه اهـ مفهم (قد أقيموا في الشمس فقال) هشام بن حكيم لمن عندهم (ما شأهم) أي ما شأن هؤلاء الأنباط يعذبون (فقالوا) له (حُبسوا في الجزية) أي بسبب إبائهم من أداء الجزية (فقال هشام) بن حكيم لمن عندهم (أشهد) أي احلف بالله (لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله) سبحانه (يعذب) يوم القيامة (الدين يعذبون الناس في الدنيا) بغير حق. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6501 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع وأبو معاوية ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (كلهم) أي كل من وكيع وأبي معاوية وجرير رووا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن هشام بن حكيم

وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: قَال: وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ. فَدَخَلَ عَلَيهِ فَحَدَّثَهُ. فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا. 6502 - (00) (00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ وَجَدَ رَجُلًا، وَهُوَ عَلَى حِمْصَ، يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ النَّبْطِ فِي أَدَاءِ الْجزْيَةِ. فَقَال: مَا هَذَا؟ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لأبي أسامة وحفص بن غياث (و) لكن (زاد) إسحاق بن إبراهيم (في حديث جرير) لفظة (قال) عروة (وأميرهُم) أي وأمير أهل الشام (يومئذ) أي يوم إذ مر عليهم هشام بن حكيم (عمير) بالتصغير (بن سعد) بن عمر القارئ الأنصاري من بني عمرو بن عوف يكنى أبوه أبا زيد وهو أحدُ من جمع القرآن الذي تقدّم ذكره في حديث أنس الذي قال فيه أنس أبو زيد أحد عمومتي واختلف في اسم أبي زيد هذا فقيل هو سعد كما تقدم وهو الأعرف وقيل سعيد وكان عمر رضي الله عنه ولى عميرًا حمص وكان يقال له نسيج وحده كان عمير واليًا (على فلسطين) وهي بلاد بيت المقدس وما حولها (فدخل) هشام بن حكيم (عليه) أي على عمير بن سعد (فحدثه) أي فحدث هشام هذا الحديث لعمير بن سعد (فأمر) عمير بن سعد (بهم) أي بتخلية هؤلاء الأنباط المعذبين في الشمس (فخلُّوا) أي أُطلقوا وفكّوا من تعذيبهم وهو بالبناء للمجهول ضبطوه بالخاء المعجمة وبالحاء المهملة والمعجمة أشهر وأحسن. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 6502 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم وجد رجلًا) هو عمير بن سعد المذكور آنفًا (وهو) أي ذلك الرجل والٍ (على حمص) ولّاه عمر رضي الله عنه عليها وعلى ما حولها وحمص بكسر الحاء وسكون الميم مدينة كبيرة قديمة في الشام (يشمِّس) من التشميس وهو مفعول ثان لوجد أي وجد رجلًا يقيم في الشمس (ناسًا من النبط) أي من فلّاحي العجم تعذيبًا لهم (في أداء الجزية) أي بسبب امتناعهم عن أداء الجزية (فقال) هشام بن حكيم للرجل الوالي (ما هذا) التعذيب لهؤلاء في الشمس خلّوهم فـ (ــإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ الله يعذب) يوم القيامة (الذين يعذّبون الناس في الدنيا)

6503 - (2589) (157) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو. سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ بِسِهَامٍ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ بغير حق وقوله هنا وفيما قبله "حُبسوا في الجزية" وفي الرواية السابقة "يُعذّبون في الخراج" لا تعارض بينهما لأن لفظ الخراج قد يطلق على جزية وسيأتي أنه كان بعد فتح المسلمين للشام ولعلّ الأمير إنما أمر بهذا التعذيب اجتهادًا منه على أنه تعزير. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو أمْر من حمل السلاح في مجامع الناس أن يمسك بنصالها بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 6503 - (2589) (157) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال أبو بكر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (سمع جابرًا) بن عبد الله الأنصاريّ المدني رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته (يقول) جابرٌ (مرَّ رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (في المسجد) النبوي (بسهام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بنصالها) أي بحديداتها بيدك لئلَّا تخدش الناس بها والنصال وكذا النصول جمع نصلٍ وهو حديدة السهم اهـ نووي. وفيه اجتناب كل ما يخاف منه ضرر وإنما أمر بإمساكها لئلا يضرّ أحدًا ممن هو في المسجد وفيه كراهة المرور فيما بين العامّة بشيء يحتمل الإضرار وفيه جواز إدخال السِّلاح في المسجد بشرط أن يؤمن الضَّرر اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 308] والبخاري في الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منَّا [7073 و 7074] وفي مواضع أُخر وأبو داود في الجهاد باب في النبل يدخل به المسجد والنسائي في المساجد باب إظهار السلاح في المسجد [8/ 7] وابن ماجه في الأدب باب من كان معه سهام فليأخذ [3822]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جرير رضي الله عنه فقال:

6504 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ. (قَال أَبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنَا. وَقَال يَحْيَى -وَاللَّفْظُ لَهُ-: أَخْبَرَنَا) حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِأَسْهُمٍ فِي الْمَسْجِدِ. قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا. فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا، كَي لَا يَخْدِشَ مُسْلِمًا. 6505 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا، كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالنَّبْلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَنْ لَا يَمُرَّ بِهَا إلا وَهُوَ آخِذٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6504 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو الرَّبيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (قال أبو الربيع حدثنا وقال يحيى واللفظ له أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (عن عمرو بن دينار عن جابر وعبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لسفيان بن عيينة (أن رجلًا) من المسلمين (مرَّ) أي عبر حالة كونه ملتبسًا (بأسهم) جمع سهم (في المسجد) النبوي حالة كونه (قد أبدى) وأظهر (نصولها) جمع نصل وهي الحديدة الصغيرة التي تركب بالسهم وتُرمى وهي المسمومة التي تقتل الحيوان (فأُمر) الرجل بالبناء للمجهول أي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بـ (ــأن يأخذ) ويمسك بيده (بنصولها) أي بأطرافها المحددة (كي لا يخدش) من باب ضرب ولا يجرح بأطرافها (مسلمًا) من المسلمين المجتمعين في المسجد وفي الحديث ما يدّل على صحة القول بالقياس وعلى صحة تعليل الأحكام الشرعية. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6505 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة أبي الزبير لعمرو بن دينار (أنه) صلى الله عليه وسلم (أمر رجلًا كان يتصدَّق بالنبل) أي بالسهم (في المسجد) النبوي بـ (ـــأن لا يمرَّ) ولا يعبر (بها) بين القوم (إلا هو) أي والحال أنه (آخذ)

بِنُصُولِهَا، وَقَال ابْنُ رُمْحٍ: كَانَ يَصَّدَّقُ بِالنَّبْلِ. 6506 - (00) (00) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسٍ أَوْ سُوقٍ، وَبِيَدِهِ نَبْلٌ، فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا. ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا. ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا". قَال: فَقَال أَبُو مُوسَى: وَاللهِ، مَا مُتْنَا حَتَّى سَدَّدْنَاهَا، بَعْضُنَا فِي وُجُوهِ بَعْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ممسك بيده (بنصولها) أي بأطرافها كي لا يجرح بها الناس (وقال ابن رمح) في روايته كان) الرجل (يصدِّق بالنبل) بإدغام التاء في الصاد لكونها من حروف الإطباق ودل هذا الحديث على أن هذا الرجل إنما جاء بها في المسجد ليتصدق بها بين من يحتاج إليها فكان غرضه حسنًا وإنما أمر بالإمساك لئلا يتضرر به غيره وهو غافل. ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال: 6506 - (00) (00) (حدثنا هدّاب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حمّاد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرَّ أحدكم) أيها المسلمون (في مجلس) قوم ومجمعهم (أو) مرَّ في (سوق) مشتملة على أخلاط من الناس (وبيده نبل) أي سهم (فليأخذ) أي فليمسك بيده (بنصالها) أي بحديدة تلك النبال كي لا يخدش ناسًا بها وقوله (ثم ليأخذ بنصالها ثم ليأخذ بنصالها) مرتين توكيد لفظي للأول (قال) أبو بردة بالسند السابق (فقال) لنا (أبو موسى) الأشعري فـ (ـــوالله ما متنا) معاشير الصحابة (حتى سدَّدناها) أي حتى سددنا النبال وقومناها وقابل (بعضنا) إيَّاها (في وجوه بعض) منَّا وقصدنا بها قتل إخواننا من السداد وهو القصد والمقاومة بها إلى وجوه بعض منهم. قال القرطبي يعني ما مات معظم الصحابة رضي الله عنهم حتى وقعت بينهم الفتن

6507 - (00) (00) حدَّثنا عَبدُ اللهِ بْنُ بَرَّادِ الأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، (وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ اللهِ)، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا، أَوْ فِي سُوقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ، فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمحن فرمى بعضهم بعضًا بالسهام وقاتل بعضهم بعضًا ذكر هذا في معرض التأسف على تغير الأحوال وحصول الخلاف لمقاصد الشرع من التعاطف والتواصل على قرب العهد وكمال الجد اهـ من حياة المفهم يعني أن أبا موسى قال ذلك حسرة وتأسفًا على ما وقع بين المسلمين من القتال بعد شهادة عثمان رضي الله عنه فتأسف على أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد اهتم بدفع الضرر عن كل مسلم حتى لم يأذن في المرور بالنبل فيما بين المسلمين إلا ونصالها مقبوضة ولكنا وقعنا في القتال حتى سدّد بعضنا السهام في وجوه بعض والعياذ بالله من كل شرٍ وفتنة وحديث أبي موسى هذا قولٌ عام لجميع المكلفين بخلاف حديث جابر فإنه واقعة حال لا تستلزم التعميم ودلّ هذا الحديث أيضًا على أن الحكم لا يختص بالمسجد بل هو عام لجميع الأمكنة التي فيها جمع من الناس وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 410] والبخاريُّ في المساجد [452] وفي الفتن باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا [7075] وأبو داود في الجهاد باب النبل يدخل به المسجد [2587] وابن ماجه في الآداب باب من كان معه سهام فليأخذ بنصالها [3823]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6507 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن برّاد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) الكوفي صدوق من (10) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد بن العلاء) الهمداني أبو كريب الكوفي (واللفظ لعبد الله) بن برّاد (قالا حدثنا أبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن) أبي بردة الصغير (بريد) بن عبد الله بن أبي بردة الكبير (عن) جدِّه (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة بريد لثابت بن أسلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مرَّ أحدكم في مسجدنا أو في سُوقنا ومعه نبل) أي سهم (فليمسك على نصالها) أي على نصال تلك النبل وحديدتها (بكفه) أي بيده وليس الكف طريقًا متعينًا في

أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيءٍ". أَوْ قَال: "لِيَقْبِضْ عَلَى نِصَالِهَا". 6508 - (2591) (159) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَال عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ. حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ دفع الضرر عن الناس بل المراد الحرص على أن لا يصيب مسلمًا بوجه من الوجوه خشية (أن يصيب أحدًا من المسلمين منها) أي من تلك النبل وهو بيان مقدم لقوله (بشيء) وهو متعلق بيصيب والمعنى خشية أن يصيب أحدًا من المسلمين بشيء منها قال بريد (أو قال) لي (أبو بردة) عندما روى لي هذا الحديث لفظة (ليقبض على نصالها) بدل قوله "فليمسك على نصالها" والشك من بريد. ثم استدلّ المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6508 - (2591) (159) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (ابن أبي عمر) العدني المكي (قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب) السختياني (عن) محمد (بن سيرين سمعت أبا هريرة يقول) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم من أشار إلى أخيه) المسلم أر إلى منْ في حكمه كالذميِّ والمعاهد (بحديدة) لترويعه بغير حق أي حديدة كانت من رمح أو سيف أو سكين أو خنجرة (فإن الملائكة) أي ملائكة الرّحمة أو الحفظة (تلعنه) أي تدعو عليه بالبعد عن الجنة أول الأمر لأنه خوف مسلمًا بإشارته وهو حرام لقوله صلّى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا أو ذميًا اهـ مبارق وقال النووي فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه اهـ. وقوله (حتى) كذا صحت الرواية بالاقتصار على حتَّى ولم يذكر المجرور بها استغناء عنه لدلالة الكلام عليه تقديره حتى يترك أو يدع وما أشبهه أي فإن الملائكة تلعنه حتى يدع ويترك ذلك الذي فعله من تخويف أخيه المسلم بالإشارة إليه بحديدة (وإن كان) المشير (أخاه) أي أخا المشار إليه (لأبيه) أي لأبي المشار إليه (وأمه) أي وإن كان المشير بحديدة أخًا

6509 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 6510 - (2592) (160) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال ـــــــــــــــــــــــــــــ شقيقًا للمشار إليه يعني وإن كان هازلًا ولم يقصد ضربه غيًا بالأخ الشقيق لأن الأخ الشقيق لا يقصد قتل أخيه غالبًا اهـ من المبارق قال القرطبي يعني أن ذلك محرّم وإن وقع من أشفق الناس عليه وأقربهم رحمًا وهو يشعر بمنع الهزل بذلك ثم قال ولعن النبي صلّى الله عليه وسلم للمشير بالسلاح دليل على تحريم ذلك مطلقًا جدًّا كان أو هزلًا ولا يخفى وجه لعن من تعمد ذلك لأنه يريد قتل المسلم أو جرحه وكلاهما كبيرة وأما إن كان هزلًا فلأنه ترويع مسلم ولا يحل ترويعه ولأنه ذريعة إلى القتل والجرح المحرَّمين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 256] والبخاري في الفتن [7072] والترمذي في الفتن [2163] وابن ماجه في الحدود [6204]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6509 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن من (9) روى عنه في (19) بابا (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني أبي عون البصري ثقة ثبت من (6) من أقران أيوب روى عنه في (11) بابا (عن محمد) بن سيرين (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني وساق ابن عون (بمثله) أي بمثل حديث أيوب. ثم استشهد المؤلف لهذا الحديث بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6510 - (2592) (160) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد (عن همّام بن منبه) بن كامل الصنعاني (قال) همام (هذا) الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها (قال

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكمُ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ. فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ. فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشيرُ) هكذا هو في جميع النسخ لا يشير بالياء بعد الشين على صيغة الخبر وهو صحيح فيكون نهيًا بلفظ الخبر كقوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} وهو أبلغ من لفظ النهي اهـ نووي أي لا يشير (أحدكم إلى أخيه) المسلم ومن في حكمه (بالسلاح) ليروعه (فإنه) أي فإن الشأن والحال (لا يدري أحدكم لعلّ الشيطان ينزع) أي يرمي (في يده) ويحقق ضربته ورميته (فيقع) أحدكم (في حفرة من النار) بسبب قتل أخيه. قوله "لعل الشيطان ينزع في يده" كذا ورد في روايات مسلم بالعين المهملة ومعناه إن الشيطان ينزع ويرمي في يده ويحقق ضربته وإن كان المشير لا يقصد ذلك وفي رواية البخاري "ينزغ" بالغين المعجمة ونزغُ الشيطان حمله وإغراؤه على الفساد يعني أن الشيطان ربما يوقع بينهما العداوة والفساد من أجل هذه الإشارة قوله "فيقع في حفرة من النار" هو كناية عن وقوعه في المعصية التي تفضي به إلى دخول النار وقال القاضي معنى ينزع بالعين المهملة أي يرمى في يده أي يدفع في يده ويحقق ضربته ومعنى ينزغ بالغين المعجمة الإغراء وحمله على تحقيق الضرب وتزيينه له لا سيّما عندما يحدث من غضب وتغير حال والهزل قد يفضي إلى جد اهـ قال الأبي التعليل بنزع الشيطان في يده يقتضي منع الإشارة حتى للتعليم لكن حديث عائشة في لعب الحبشة بالحراب في المسجد يخصّصُ ذلك وانظر لو أشار بالحديدة فمات المشار إليه خوفًا فكان الشيخ يقول إن قصد قتله قتل به والله أعلم اهـ منه. قال القرطبي وقد نصَّ في هذه الرواية على صحة مراعاة الذريعة حيث قال "فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار" اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 317] والبخاري [7072]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث عشرة الأول حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والثالث حديث سليمان بن صُرد ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والرابع حديث أنس ذكره للاستدلال به على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والسادس حديث هشام بن حكيم ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والسابع حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثامن حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والعاشر حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والله أعلم. ***

729 - (18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرة ونحوها وحرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله

729 - (18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرَّة ونحوها وحُرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله 6511 - (2593) (161) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ؛ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "بَينَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيق، فَأَخَّرَهُ. فَشَكَرَ اللهُ لَهُ. فَغَفَرَ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 729 - (18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرَّة ونحوها وحُرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله " وفضل الضعفاء والخاملين والنهي عن قول هلك الناس والوصية بالخيار والإحسان إليهم واستحباب طلاقة الوجه والشفاعة فيما ليس بحرام ومجالسة الصالحين وفضل الإحسان إلى البنات". 6511 - (2593) (161) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن سُمي مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ مولاهم أبي عبد الله المدني ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل) من المسلمين ولم أر أحدًا من الشرّاح ولا ابن حجر عيَّن اسم هذا الرجل (يمشي بطريق) أي في طريق (وجد) أي رأى (غصن) شجر (شوك) نبت (على الطريق) أي فوق الطريق (فأخره) أي أزال ذلك الغصن عن الطريق (فشكر الله له) أي جازاه الله على تلك الحسنة (فغفر له) عطف تفسير على ما قبله. قوله "فشكر الله له" أي رضي بفعله وقبله منه أو جازاه جزاء الشاكرين فسمى الجزاء شكرًا أو أظهره لملائكته أو لمن شاء من خلقه الثناء عليه بما فعل من الإحسان بعبيده أو أثنى عليه بمحضر من الملائكة وفيه فضل إماطة الأذى وقد سبق في كتاب الإيمان أنها أدنى شعب الإيمان وهذا الحديث شامل لكل ما يحتمل أن يؤذي المارَّة إما برائحته الكريهة أو بمنظره القبيح أو بإمكان أن ينزلق به إنسان أو ينجرح به أحد أو بمنع الناس عن المرور أو بالضغط عليهم فإيقاف السيَّارات في موضع ينسد به طريق العامة من الإيذاء الممنوع فسحب المرور لها حسنة لهم يكتب لهم به أجر.

6512 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ. فَقَال: وَاللهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ". 6513 - (00) (00) حدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 533] والبخاري في الأذان باب فضل التهجير إلى الظهر [652] وفي المظالم باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به [2472] وأبو داود في الأدب باب إماطة الأذى من الطريق [5245] والترمذي في البرِّ والصلة باب ما جاء في إماطة الأذى [1958] وابن ماجه في الآداب باب إماطة الأذى عن الطريق [3726]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6512 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سهيل لسمي مولى أبي بكر (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ رجل) من المسلمين (بغصن) أي بفرع (شجرة) نبتت (على ظهر طريق) أي في هواء طريق (فقال) الرجل لنفسه (والله لأنحينَّ) أي لأُبعدن ولأُزيلنَّ (هذا) الغصن (عن) هواء طريق (المسلمين) وممرهم كي (لا يؤذيهم) هذا الغصن في مرورهم فأزاله عن طريقهم (فأدخل الجنة) بسبب إزالته عن طريق المسلمين وقوله لأنحين مضارع مسند إلى المتكلم من نحى المضعف من باب زكى بمعنى لأبعدن وأُزيلنَّ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال: 6513 - (00) (00) (حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله) بن موسى العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي نسبة إلى نحو بن شمس لا إلى علم النحو أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَقَدْ رَأَيتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيق. كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ". 6514 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ شَجَرَةً كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَطَعَهَا. فَدَخَلَ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح (عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال) والله (لقد رأيت رجلًا يتقلّب) أي يتنعم (في) نعم (الجنة) وملاذها (في شجرة) أي بسبب قطع غصن شجرة (قطعها من ظهر الطريق) وفوقها (كانت) تلك الشجرة (تُؤذي الناس) المارين في الطريق وقوله "رأيت رجلًا" إمّا يقظة أو منامًا كل محتمل ولا معارضة بين قوله هنا في شجرة قطعها وبين ما سبق من قوله بغصن شجرة فأخره لأنه يجمع بينهما بأن سبب الإيذاء هو الغصن فقطعه عن الشجرة وعبّر عنه في هذه الرواية بقطع الشجرة من إطلاق الكل وإرادة البعض. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6514 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السَّمين البغدادي صدوق من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمّي البصري ثقة من (9) (حدثنا حمّاد بن سلمة) بن دينار الربعيّ البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أبي رافع) الصّائغ نفيع بن رافع العدوي مولاهم مولى ابنة عمر بن الخطاب المدني نزيل البصرة ثقة من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي رافع لأبي صالح السمَّان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ شجرة كانت تؤذي المسلمين) في طريقهم (فجاء رجل) من المسلمين (فقطعها) أي فقطع غصنها لئلا يعارض ما سبق (فـ) ـــبسبب قطعها (دخل الجنة) بمحض فضل الله تعالى مجازاة له على قطعها.

6515 - (2594) (162) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَمْعَةَ. حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِعِ. حَدَّثَنِي أَبُو بَرْزَةَ. قَال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيئًا أَنْتَفِعُ بِهِ. قَال: "اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأبي الأظهر أنها كانت غير مملوكة لأحد وأما الشجرة المملوكة المتدلي أغصانها على الطريق التدلّي المؤذي للمارَّة فللمار أن يقطعها إذا ظهرت إذايتها أو يرفع أمرها إلى القاضي حتى يثبت ذلك عنده وقد رخص بعضهم في أكل ثمرها وكما يزال الأذى عن الطريق فكذا يمنع من إحداثه ومن أعظمه المساقي المحدثة في طريق الأجنّة وتجريتها على سطح الطريق وكذا المجاري من الحمامات والكنف إذا كان الطريق ضيقًا وإذا كان الطريق واسعًا جدًّا واتخذ المساقي في فناء حائط جاز لقوله في المدونة من حفر في فنائه حفرة فمات فيها حيوان فلا ضمان عليه قال لأنه فعل ما يجوز له اهـ منه. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي برزة رضي الله عنه فقال: 6515 - (2594) (162) (حدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن أبان) بالصرف وعدمه (بن صمعة) بفتحات ومهملتين بينهما ميم ويجوز إسكانها الأنصاريّ البصري والد عتبة الغلام المتعبد روى عن أبي الوازع في إماطة الأذى عن الطريق جابر بن عمرو ومسهر وابن سيرين وشهر بن حوشب وعدّة ويروي عنه (م) استشهادًا ويحيى بن سعيد القطان وخلق وثقه ابن معين والعجلي وأبو داود والنسائي وزاد أبو داود أنكر في آخر أيامه وقال في التقريب صدوق تغيَّر آخرًا من السابعة مات سنة [153] ثلاث وخمسين ومائة (حدثني أبو الوازع) جابر بن عمرو الرَّاسبي البصري صدوق من (3) روى عنه في (2) بابين الفضائل والبر والصلة باب إماطة الأذى من الطريق (حدثني أبو برزة) الأسلمي نضلة بن عبيد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه (قال) أبو برزة (قلت يا نبي الله علمني شيئًا أنتفع به) في الدنيا والآخرة فـ (ــقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعْزل الأذى) أي أزل وأبعد (عن طريق المسلمين) وممرِّهم ما يُؤذيهم في مرورهم من الشوك والحجر مثلًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الآداب باب إماطة الأذى عن الطريق [3681]. قال القرطبي: وفي هذا الحديث ما يدلُّ على الترغيب في إزالة الأذى والضرر عن المسلمين وعلى إرادة الخير لهم وهذا مقتضى الدين والنصيحة والمحبة.

6516 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَبِي الْوَازِعِ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ؛ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ قَال: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَا أَدْرِي. لَعَسَى أَنْ تَمْضِيَ وَأَبْقَى بَعْدَكَ. فَزَوِّدْنِي شَيئًا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "افْعَلْ كَذَا. افْعَلْ كَذَا - (أَبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ) - وَأَمِرَّ الأَذَى عَنِ الطَّرِيق" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه فقال: 6516 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو بكر) عبد الله (بن شعيب بن الحبحاب) بمهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وفي آخره موحدة أيضًا بن صالح الأزدي البصري روى عن أبي الوازع الرَّاسبي في إماطة الأذى ويروي عنه (م ت) ويحيى بن يحيى وثقه أبو داود وقال ابنُ معين لا بأس به وقال في التقريب ثقة من السابعة (عن أبي الوازع) جابر بن عمرو (الراسبيِّ) بكسر السين المهملة بعدها باء موحدة نسبة إلى بني راسب قبيلة معروفة نزلت البصرة اهـ نووي البصري (عن أبي برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) المدني (أن أبا برزة قال) وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة أبي بكر لأبان بن صمعة (قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني لا أدري) ولا أعلم مدة حياتي وحياتك والله (لعسى أن تمضي) وتموت قبلي (وأبقى) حيًّا (بعدك) أي بعد وفاتك ولا أجد، من يعلمني حينئذ (فزوّدني شيئًا) أي علمني شيئًا يكون زادًا لي في ديني (ينفعني الله) عزَّ وجلَّ (به) في الدنيا والآخرة (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في تعليمه إيّاي (افعل كذا) من الخير (افعل كذا) وكذا قال يحيى بن يحيى (أبو بكر) بن شعيب (نسيه) أي نسى ذلك المأمور به الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أبا برزة (و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي برزة أيضًا (أمرَّ) أي أزل (الأذى) أي ما يُؤذي المسلمين (عن الطريق) أي عن طريقهم وممرّهم قال القرطبي قوله: "وأمر الأذى" هكذا روايتي ورواية عامّة الشيوخ براء مشددة من المرور بمعنى نحِّ وأزل وعند الطبري (وأمز) بزاي معجمة ساكنة من الميز يقال ميزت الشيء من الشيء أبنته عنه وفي المصباح مزته ميزًا من باب باع عزلته وفصلته عن غيره أي أزله من الطريق وميزه عنه وعند ابن ماهان "أخِّره" وكلها بمعنى واحد اهـ من المفهم.

6517 - (2595) (163) حدّثني عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيدٍ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، (يَعْنِي ابْنَ أَسْمَاءَ)، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ. سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ. فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ. لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا. وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو حرمة تعذيب الهرة ونحوها بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6517 - (2595) (163) (حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد) بن مخراق (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الرحمن البصريّ ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا) عمّي (جويرية يعني ابن أسماء) بن عبيد الضبعي البصري صدوق من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهذا السند من رباعيَّاته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عُذِّبت امرأة) قال في تنبيه المعلم هي امرأة حميرية سوداء طويلة أو من بني إسرائيل انظر مستند ذلك في كتابنا من قصص الماضين [ص 346 - 348] اهـ منه وقد مرّت قصة هذه المرأة من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في كتاب الكسوف وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآها حين شاهد النَّار في أثناء صلاة الكسوف وذكر في بعض الروايات هناك أنها كانت امرأة حميرية سوداء طويلة أو من بني إسرائيل (في هرّة) أي بسبب هرّة (سجنتها) أي سجنت المرأة تلك الهرة وحبستها عن طلب أرزاقها (حتى ماتت) جوعًا والهرّة الحيوان تعادي الفئران طوّاف على الناس غالبًا (فدخلت) المرأة (فيها) أي بسبب تلك الهرة أي بسبب حبسها ومنعها من الطعام (النار) الأخرويَّة (لا هي) أي لا تلك المرأة لا ملغاة لا عمل لها لدخولها على المعرفة أو عاملة عمل ليس أي ليست تلك المرأة (أطعمتها) أي أطعمت تلك الهرَّة بطعام من عندها (و) لا (سقتها) بماء من عندها (إذ هي) أي تلك المرأة (حبستها) أي منعت تلك الهرة عن طلب أرزاقها والظرف متعلق بأطعمتها أي ليست أطعمتها ولا سقتها وقت حبسها ومنعها عن طلب أرزاقها (ولا هي) معطوف على جملة قوله لا هي أطعمتها أي وليست تلك المرأة (تركتها) أي تركت تلك الهرّة وأطلقتها حالة كون الهرة (تأكل من خشاش الأرض) وحشراتها وهوامِّها فلا تموت

6518 - (00) (00) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ. جَمِيعًا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جُوَيرِيَةَ. 6519 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ جوعًا قال الأبي والحديث أصلٌ في منع تعذيب الحيوان آدميًّا كان أو غيره وأن من وجوه تعذيبه منعه الأكل والموجب للعقوبة المذكورة فيه مجموع الأمرين الحبس والمنع من الأكل ولو حبستها وغفلت أن تطعمها حتى ماتت فهو من القتل خطأ "وخشاش الأرض" هوامُّها وحشراتها وفي الخاء الفتح والكسر والضم اهـ سنوسي وأمَّا الخشاش بالكسر لا غير فهو الذي يدخل في أنف البعير من خشب وأما الخشاش بالفتح فهو الماشي من الرجال قال الجوهريُّ وقد يضمُّ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاريُّ في بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه [3318] وفي موضع آخر. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6518 - (00) (00) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمّال بالمهملة (وعبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد) بن برمك البرمكي أبو محمد البصري ثم البغدادي ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (جميعًا عن معن بن عيسى) بن يحيى الأشجعي أبي يحيى القزّاز المدني ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خُماسياته غرضه بيان متابعة بن أنس لجويرية بن أسماء وساق مالك بن أنس (بمعنى حديث جويرية). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6519 - (00) (00) (وحدثنيه نصر بن عليّ) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصريّ (الجهضميُّ) ثقة ثبت من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى الساميُّ أبو محمد البصري ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (عن عبيد الله بن عُمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العُمريّ المدني ثقة من

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ أَوْثَقَتْهَا. فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ". 6520 - (00) (00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. 6521 - (2596) (164) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) روى عنه في (12) بابا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عُبيد الله لجويرية (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عذّبت امرأة في هرَّة) أي بسبب هرَّة وفي هنا بمعنى الباء السببية كما هو معلوم عند علماء العربية (أوثقتها) أي ربطتها وجعلتها في الوثاق (فلم تطعمها) بضم التاء من الإطعام أي لم تطعمها طعامها في الوثاق (ولم تسقها) بفتح التاء وكسر القاف من السّقي أي لم تعط لها شرابها من الماء في الوثاق (ولم تدعها) أي لم تتركها مطلقة مرسلة حالة كونها (تأكل من خشاش الأرض) وهوامّها وحشراتها كالفئران والجُعلان والحيّات. ثم ذكر المؤلف المتابعة في الشاهد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6520 - (00) (00) (حدثنا نصر بن علي الجهضميُّ حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (عن عبيد الله) بن عمر (عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة سعيد المقبري لنافع مولى ابن عمر ولكنها متباعة ناقصة وساق المقبريُّ (بمثله) أي بمثل حديث نافع عن ابن عمر. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 6521 - (2596) (164) (حدَّثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام (حدثنا معمر) بن راشد (عن همَّام بن منبّه) اليماني (قال) همّام (هذا) الحديث

مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا، أَوْ هِرٍّ. رَبَطَتْهَا. فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا. وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي أمليه عليكم (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همَّام (أحاديث منها) أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلتْ امرأة) قيل هي حميرية وقيل هي إسرائيلية (النَّار) وهذا السند من خماسياته وظاهره أنها عذّبت حقيقة أو بالحساب والمناقشة على الهرّة قيل وكانت كافرةً والأصحّ أنها مسلمة وإنما دخلت النار بهذا الإثم كذا في المناوي (من جرَّاء هرّة) مملوكة (لها) أي من أجل هرة كانت لها يُمدّ ويقصر يقال من جرّائك ومن جرَّاك ومن جريرتك ومن أجلك بمعنى اهـ نووي قال في القاموس من "جرَّاك" بفتح الجيم وتشديد الراء وتخفيفها ويُمدّ ويقصر ومن جريرتك بمعنى من أجلك اهـ (أو) قال أبو هريرة من جراء (هرٍّ) لها بحذف الهاء قال القرطبي وظاهر هذا أن الهرّ يملك لأنه صلى الله عليه وسلم أضاف الهرّ للمرأة باللام التي هي ظاهرة في الملك (ربطتها فلا هي) أي فليست هي (أطعمتها ولا هي أرسلتها) أي أطلقتها حالة كون الهرة (ترمرم) أي تأكل (من خشاش الأرض) وقوله (حتى ماتت) الهرّة (هزْلًا) أي جوعًا متعلق بربطتها وقوله "تُرَمْرِم" بضم التاء وفتح الراء وسكون الميم الأولى وكسر الراء الثانية هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها "تُرمم" بضم التاء وكسر الميم الأولى وراء واحدة وفي بعضها "ترم" بفتح التاء وضم الراء وتشديد الميم قال صاحب الأفعال رممت الأمر أصلحته ورم العظم صار رميمًا ورم الحبل انقطع ورمت الشاة تناولت النبات بشفتيها قال القاضي ويقال رمرم بإظهار التضعيف في الراء من الرمرام وهو الحشيش أي أكلته واشتق لها فعلًا منه وكلها ترجع إلى الأول والله أعلم اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 261] وابن ماجه في الزهد باب ذكر التوبة [4310]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو تحريم الكبر بحديثي أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

6522 - (00) (00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرِّ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيرَةَ قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْعِزُّ إِزَارُهُ. وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ. فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6522 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن الطلق النخعي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا الأعمش حدثنا أبو إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي (عن أبي مسلم) هو (الأغرّ) بن عبد الله أو ابن سليك مولى أبي هريرة وأبي سعيد كانا اشتركا في عتقه فهو مولى لهما المدني نزيل الكوفة روى عنهما ويروي عنه (م عم) وأبو إسحاق ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (أنَّه) أي أن أبا مسلم (حدّثه) أي حدّث لأبي إسحاق السبيعي (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قالا) أي قال أبو سعيد وأبو هريرة (قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه (العزُّ) وهي صفة أثرها غلبته تعالى على غيره (إزارُهُ) أي إزار الله سبحانه وتعالى والإزار صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها (والكبرياء) وهي صفة أثرها تنزهه تعالى عن كل ما لا يليق به (رداؤه) تعالى والرداء صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (فمن ينازعني) أي فمن يشاركني فيهما بادعائهما والتخلق بهما (عذبته) عذابًا شديدًا إن استحلهما فهو كافر مخلّد في النار وإلا فهو عاص مرتكب كبيرة وهذا وعيد شديد في الكبر مصرّح بتحريمه وتفسيرنا هذا هو المذهب الحقُّ وما سواه باطل ولا تغتر بقول المؤولين فتهلك. قال القرطبي قوله "العزّ إزاره والكبرياء رداؤه" إلخ كذا جاء هذا اللفظ في رواية مسلم مفتتحًا بالغيبة ثم التفت إلى التكلم وهذا على عكس قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَينَ بِهِمْ} [يونس: 22]، فالتفت من الخطاب إلى الغيبة وهي طريقة عربية معروفة يسميها البديعيون بالمحسنات اللفظية وقد جاء هذا الحديث في غير كتاب مسلم بلفظ "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قصمته ثم ألقيته في النار"

6523 - (2596) (164) حدَّثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ "أَنَّ رَجُلًا قَال: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ. وَإِنَّ اللهَ تَعَالى قَال: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه أبو داود بهذا اللفظ [4090] وأصل الإزار ما يستر به أسافل البدن ويشدُّ على الوسط والرداء ما يستر به أعالي البدن ويجعل على الكتفين والمقصود من الحديث أن العزّ والعظمة والكبرياء من أوصاف الله تعالى الخاصّة به التي لا تنبغي لغيره فمن تعاطى شيئًا منها أذله الله تعالى وصغّره وحقّره وأهلكه كما قد أظهره من سنته في المتكبرين السابقين واللاحقين اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في اللباس باب ما جاء في الكبر [4090] وابن ماجه في الزهد باب البراءة من الكبر والتواضع [4227]. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى بحديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه فقال: 6523 - (2596) (164) (حدَّثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهرويّ أبو محمد الحدثاني صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب (عن معتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (15) أبواب (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيميّ البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أبو عمران الجوني) بفتح الجيم نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد كما في لبّ اللباب عبد الملك بن حبيب الأزديُّ البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (عن جندب) بن عبد الله بن سفيان البجلي أبي عبد الله الكوفي ثم البصري ثم المصري رضي الله عنهم وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث) أي أخبر لنا (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (قال والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال) في شأن ذلك الرجل الحالف (مَنْ ذا الذي) أي من الذي (يتألّى) ويحلف (عليَّ) أي على شأني على (أن لا أغفر) أنا (لفلان) قوله "والله لا يغفر الله لفلان" قال الطبري قطعه بذلك حكم على الله سبحانه وذلك جهل بأحكام الربوبية اهـ قوله "من ذا الذي يتألى" أي يحلف من الأليّة على وزن غنية وهي اليمين وفيه دلالة لمذهب أهل السنة من غفران الذنوب بلا

فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ. وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" أَوْ كَمَا قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ توبة إذا شاء الله غفرانها اهـ نووي قال القرطبي "وقول المتألِّي والله لا يغفر الله لفلان" ظاهر في أنه قطع بأن الله تعالى لا يغفر لذلك الرجل وكأنه حكم على الله وحجر عليه وهذه نتيجة الجهل بالأحكام الإلهية والإدلال على الله تعالى بما اعتقد أن له عنده من الكرامة والحظ والمكانة ولذلك المذنب من الخسة والإهانة فإن كان هذا المتألي مستحلًا لهذه الأمور فهو كافر فيكون إحباط عمله لأجل الكفر كما يحبط عمل الكفار وأمّا إن لم يكن مستحلًا لذلك وإنما غلب عليه الخوف فحكم بإنفاذ الوعيد فليس بكافر ولكنَّه مرتكب كبيرة فإنه قانط من رحمة الله فيكون إحباط عمله بمعنى أن ما أوجبت له هذه الكبيرة من الإثم يربي على أجر أعماله الصالحة فكأنه لم يسبق له عملٌ صالح اهـ من المفهم. وقول الله تعالى: "من ذا الذي يتألّى عليَّ أن لا أغفر لفلان" استفهام على جهة الإنكار والوعيد ويستفاد منه تحريم الإدلال على الله تعالى ووجوب التأدب معه في الأقوال والأحوال وأن حق العبد أن يعامل نفسه بأحكام العبودية ومولاه بما يجب له من الأحكام الإلهية والربوبية وقوله (فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك) دليلٌ على صحة مذهب أهل السنة أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وهو موجب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]، وأن لله تعالى أن يفعل في عبيده ما يشاء وقد بينا الإحباط المذكور في هذا الحديث اهـ مفهم (أو) الحديث (كما قال) النبي صلى الله عليه وسلم شك من الراوي فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هل قال هذا اللفظ المذكور أو غيره أو ممن دونه فيما قاله كقوله "قد عفوت لفلان وأفسدت عملك" وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قال الأبي قوله "قد غفرت لفلان" حجة لأهل السنة في أن الله سبحانه يغفر الكبائر بلا توبة إن شاء ذلك "قوله وأحبطت عملك" قال القاضي احتجت به المعتزلة في أن الذنوب تحبط الأعمال ولا حجة فيه لأن هذا المتألّي إن كان قانطًا من رحمة الله سبحانه ومكذبًا بها فهو كافر والكفر يحبط العمل الصالح وإن لم يكن كذلك وإنما كان مذهبه تنفيذ الوعيد في العصاة فيكون أحبطت عملك مجازًا عن رجحان معصيته بما قاله

6524 - (00) (00) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ واعتقده على طاعته حتى كأنه لا حسنة له قال الأبي يعني برجحان معصيته أنه من إحباط الموازنة لا خلاف فيه وإنما الخلاف في إحباط عدم اعتبار الحسنات لاقتراف السيئات فالمعتزلة تثبته وأهل السنة ينفونه اهـ من الأبي. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو فضل الضعفاء والخاملين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6524 - (00) (00) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهرويّ الأصل ثم الحدثاني (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني ثقة من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني المدني صدوق من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رُبَّ) رجل (أشعث) أي متلبد الشعر مغبره غير مدهون ولا مرجَّل (مدفوع بالأبواب) أي مطرود عنهم على الأبواب ممنوع من الدخول عليهم احتقارًا له يعني لا قدر له عند الناس (لو أقسم على الله) أي لو حلف بالله على وقوع شيء سواء كان جلب منفع أو دفع مضرة (لأبرّه) الله تعالى أي لجعله بارًا في قسمه وافيًا أي لأوقع الله تعالى ذلك الشيء الذي حلف عليه إكرامًا له بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه وذلك لعظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيرًا عند الناس وقيل معنى القسم هنا الدعاء وإبراره إجابته اهـ نووي بتصرف والمعنى على هذا القيل من لو دعا الله لأجابه. قوله "رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب" مبتدأ وصفة وجملة لو الشرطية خبره والأشعث المتلبد الشعر غير المدهن والمدفوع بالأبواب أي عن الأبواب فلا يترك بقربها احتقارًا له ويصح أن يكون معناه يدفع بسد الأبواب في وجهه ربما أراد دخول باب من الأبواب أو قضاء حاجة من الحوائج وقوله "لو أقسم على الله لأبرَّه" أي لو وقع منه قسم على الله في شيء لأجابه الله تعالى فيما سأله إكرامًا له ولطفًا به وهذا كما تقدم من قول أنس بن النضر لا والله لا تكسر ثنية الربيع أبدًا فأبر الله قسمه بأن جعل في قلوب الطالبين للقصاص الرضا بالدية بعد أن أبوا قبولها ولقد

6525 - (2600) (168) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا قَال الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ". قَال أَبُو إِسْحَاقَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أبعد من قال إن القسم هنا هو الدّعاء من جهة اللفظ والمعنى اهـ من المفهم وحاصل معنى الحديث إن الذين يزعمهم الناس ضعفاء ولا يعترفون لهم بفضل قد تكون منزلتهم عند الله رفيعة حيث يحلفون توكلًا على الله سبحانه فيحقق الله سبحانه ما أقسموا عليه. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله. ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو النهي عن قول هلك الناس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6525 - (2600) (168) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني ثقة من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8) (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميميُّ (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل) منكم (هلك الناس فهو) أي فذلك الرجل القائل فهو مبتدأ خبره (أهلكهم) بالرفع على أنه اسم تفضيل يعني أن ذلك الرجل القائل أشد منهم هلاكًا وأسوأ حالًا بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه وزعمه أنه خير منهم وأما إذا قال ذلك تفجعًا على ذهاب الصالحين ونقصهم عمن مضى من الأولين فليس من ذلك لأن الأول عنوان الكبر والثاني عنوان الإشفاق وتعظيم السَّلف والتقصير بالنفس وقيل إنه في المبتدعة الذين يقولون هلك الناس واستوجبوا الخلود بمعاصيهم ويقنطون الناس من رحمة الله (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن

لَا أَدْرِي، أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. 6526 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. جَمِيعًا عَنْ سُهَيلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان رواية صحيح مسلم رحمه الله تعالى (لا أدري) ولا أعلم أن لفظة. (أهلكهم بالنصب) على أنه فعل ماض من الإهلاك والجملة الفعلية خبر لهو المعنى حينئذ أن الذي قال لهم ذلك مقنّطًا لهم هو الذي أهلكهم بهذا القول فإن الذي يسمعه قد ييأس من رحمة الله تعالى فيهلك وقد يغلب على القائل رأي الخوارج فيهلك الناس بالخروج عليهم ويشق عصاهم بالقتال وغير ذلك والمراد أن من قال هلك الناس فقد جعلهم هلكى وظن فيهم الهلاك من غير تحقيق ولا دليل من جهة الله تعالى والمعنى على هذه الرواية غير واضح فرواية الرفع أولى وأوضح (أو) أن هذه اللفظة هو (أهلكهُم بالرفع) على أنه اسم تفضيل خبر لهو وهذه الرواية أوضح في المعنى كما قلنا آنفًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 342] وأبو داود [4983]. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: 6526 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا يزيد بن زريع) التميمي العيشي بتحتانية أبو معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (عن روح بن القاسم) التميمي البصري ثقة من (6) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثني أحمد بن عثمان بن حكيم) بن دينار الأوديُّ الكوفي ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي الكوفي القطواني نسبة إلى قطوان محلة في الكوفة صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي المدني ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (جميعًا) أي كلٌّ من روح بن القاسم وسُليمان بن بلال رويا (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بيان متابعتهما لحمَّاد بن سلمة وساقا (مثله) أي مثل حديث حمّاد بن سلمة. ثم استدل المؤلف على الجزء السابع من الترجمة وهو الوصية بالجار والإحسان إليهم بحديث عائشة رضي الله عنها فقال:

6527 - (2601) (169) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ)، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ، (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ)؛ أَنَّ عَمْرَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا زَال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجارِ حَتَّى ظَننْتُ أَنَّهُ لَيُوَرِّثَنَّهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6527 - (2601) (169) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة ومحمد بن رمح عن اللّيث بن سعد ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان الكلاعي الكوفي قيل اسمه عبد الرحمن ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (ويزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (كلّهم) أي كلّ من هؤلاء الأربعة من مالك بن أنس وليث بن سعد وعبدة بن سليمان ويزيد بن هارون رووا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاريّ المدني ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (ح وحدّثنا محمد بن المثنى واللفظ له حدثنا عبد الوهَّاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (أخبرني أبو بكر وهو ابنُ محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني ثقة من (5) روى عنه في (5) أبواب "وأبو بكر" اسمه وكنيته واحد (أن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية المدنية ثقة من (3) روى عنها في (7) أبواب (حدثته) أي حدثت لأبي بكر (أنها سمعت عائشة) رضي الله عنها وهذه الأسانيد الأربعة كلها من خماسياته (تقول) عائشة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما زال جبريل) الأمين - عليه السلام - (يُوصيني) ويأمرني (بالجار) أي بالإحسان إلى الجار ومواصلتهم وأكثر عليَّ الوصيَّة (حتى ظننت أنه) أي أن جبريل (ليورثنَّه) أي ليحكم له الإرث مني أي ليأتيني من الله تعالى بحكم كونه وارثًا واستدلّ به الأبيّ على أن المراد بالجار هنا هو الجار المسلم ولا يدخل فيه الذميّ لأنه لا يرثُ المسلم وهذا الاستدلال ضعيف لأنّ مراده أن الجار يكون وارثًا بحكم جواره إلا أن يكون هناك مانع من الإرث كاختلاف الدين وهذا صادق في جميع الورثة فإنهم يرثون بقرابتهم فيقال فيهم إنهم ورثة مع أن الكافر منهم لا يرث المسلم لقيام المانع

6528 - (00) (00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتي قريبًا في حديث جابر أن الجار المشرك له حق الجوار والله سبحانه أعلم. وقوله "يوصيني بالجار" أي بالإحسان إليه وحسن العشرة معه واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلديّ والمقيم والمواطن والنافع والضارّ والقريب والأجنبي والأقرب دارًا والأبعد وله مراتب بعضها أعلى من بعض وقد أخرج الطبراني عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجيران ثلاثة جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم اهـ من فتح الباري [10/ 442]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 238] والبخاري في الأدب باب الوصية بالجار [6014] وأبو داود في الأدب باب في حق الجار [1515] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في حق الجوار وابن ماجه في الآداب باب حق الجوار [3717]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6528 - (00) (00) (حدّثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزوميُّ المدني الفقيه صدوق من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدّثني هشام بن عروة) ثقة من (5) (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عروة لعمرة وساق عروة (بمثله) أي بمثل حديث الرَّاوي السابق الذي هو عمرة بنت عبد الرحمن ولو قال: "بمثلها" لكان أوفق وأقعد ولعل ما هنا تحريف من النساخ والصواب ما قلنا. قال الأبي الجار من كان بينك وبينه اتصال في المسكن ويدخل فيه الجار في الحائط والحانوت وسواءٌ كان بملك أو كراء ولا يدخل الذميَّ لأن قوله يورّثه يخرجه وقدر الاتصال في المسكن حدّه بعضهم بأربعين دارًا اهـ قال القرطبي قد تقدّم أن الجار

6529 - (2602) (170) حدّثني عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا زَال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجارِ حَتَّى ظَننْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال على المجاور في الدار وعلى الدَّاخل في الجوار وكلّ واحد منهما له حق ولا بدّ من الوفاء به وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" رواه أحمد ومسلم وقوله "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره" متفق عليه ولما أكد جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حق الجوار وكثر عليه من ذلك غلب على ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سيحكم بالميراث بين الجارين وهذا يدل على أن هذا الجار هنا هو جار الدار لأن الجار بالعهد قد كان من أول الإسلام يرث ثم نسخ ذلك كما تقدم فإن كان هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر فقد كان التوارث مشروعًا فمشروعيته واقعة فتعين أن المراد بالجوار في هذا الحديث هو جوار الدار والله تعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 6529 - (2602) (170) (حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريريُّ) البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي البصري ثقة من (8) (عن عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمريّ المدني ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (قال) أبوه محمد بن زيد (سمعت) جدّي عبد الله (بن عمر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريلُ) - عليه السلام - (يوصيني بالجار) أي يأمرني بالإحسان إلى الجار وحسن المعاشرة معه (حتى ظننت أنه) أي أن جبريل (سيورِّثُهُ) أي سيأتيني من الله تعالى بحكم إرثه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب الوصاة بالجار [6015]. قال النووي في هذه الأحاديث الوصية بالجار وبيان عظم حقه وفضيلة الإحسان إليه اهـ.

6530 - (2603) (171) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ- (قَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسَحْاقُ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبا ذَرٍّ، إذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال: 6530 - (2603) (171) (حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (وإسحاق بن إبراهيم) المروزي (واللفظ لإسحاق قال أبو كامل حدثنا وقال إسحاق أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمّي) بفتح العين وتشديد الميم نسبة إلى بني العم بطن من تميم وعبد الصمد البصري ثقة من كبار (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبو عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري ثقة من (4) (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة الغفاري الربذيّ رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو ذر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر إذا طبخت) لحمًا وجعلت له (مرقةً فأكثر ماءها) أي ماء المرقة (وتعاهد) أي تذكر (جيرانك) بتلك المرقة وأهدها إليهم وواسهم بها لتوفي حقوق الجيران قال في القاموس التعهُّد والتعاهد والاعتهاد أن يلتزم محافظة شيء ويتفقد أحواله ولا تغفل عنه أصلًا يقال تعهد وتعاهد واعتهده إذا تفقده وأحدث العهد به اهـ وفي السنوسي وهذا أمر ندب وإرشاد إلى مكارم الأخلاق قال الأبي قوله (جيرانك) جمع جار ولكن يخصِّصه قوله في الآخر ثم انظر أهل بيت من جيرانك فبالبيت الواحد يخرج من العهدة اهـ ومعنى "وتعاهد جيرانك" أي وابحث عن أحوالهم وأعطهم من المرقة إن احتاجوا إليه وفيه فضل الإيثار وأن يقلل. الرجل من ترفهه وتنعمه ليسد حاجة أخيه المسلم وقوله "فأكثر ماءها" تنبيه لطيف على تيسير الأمر على البخيل إذا الزيادة المأمور بها إنما هي فيما ليس له ثمن وهو الماء ولذلك لم يقل إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها أو طبيخها إذ لا يسهل ذلك على كل أحد وهذا الأمر على جهة الندب والحض على مكارم الأخلاق وإرشاد إلى محاسنها لما يترتب عليه من المحبة وحسن

6531 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَال: إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي: "إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ. ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العشرة والألفة ولما يحصل له من المنفعة ودفع الحاجة والمفسدة فقد يتأذى الجار بقتار "بضم القاف دخان ذو رائحة خاصة ينبعث من الشواء والطبيخ" أي برائحة قدر جاره وعياله وصغار ولده ولا يقدر على التوصل إلى ذلك فتهيج من ضعفائهم الشهوة ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة وربما يكون يتيمًا أو أرملة ضعيفة فتعظم المشقة ويشتد منهم الألم والحسرة وكل ذلك يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يدفع إليهم فلا أقبح من منع هذا النزر اليسير الذي يترتب عليه هذا الضرر الكبير اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 149] والترمذي في الأطعمة باب ما جاء في إكثار ماء المرقة [1833] وابن ماجه في الأطعمة باب من طبخ فليكثر ماءه [3405]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6531 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا شعبة ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني وهذا التحويل لا فائدة فيه وإسقاطه أولى والله أعلم (حدثنا ابن إدريس أخبرنا شعبة عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي (عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر) رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لعبد العزيز بن عبد الصمد العمّي (قال) أبو ذر (إنَّ خليلي) محمدًا (صلى الله عليه وسلم أوصاني) أي أمرني بإكثار المرق إذا طبخت لحمًا أو طبيخًا فقال لي (إذا طبخت مرقًا) أي شيئًا له مرق (فأكثر ماءه ثم) بعدما طبخت (انظر) أي ابحث عن أحوال (أهل بيت من جيرانك) فإن كان بهم فاقة (فأصبهم) أي ناولهم وأعطهم وأهد لهم (منها) أي من تلك المرقة إهداءً (بـ) ـــقدر (معروف) عند الناس أي بشيء يهدى مثله عرفًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تحرزًا من القليل المختصر فإنه وإن كان مما يهدى فقد لا يقع ذلك الموقع فلو لم يتيسر إلا القليل المختصر فليهده ولا يحتقره كما جاء في الحديث الآخر "لا تحتقرنّ من المعروف شيئًا" ويكون المهدي له مأمورًا بقبول ذلك المحتقر والمكافأة عليه ولو بالشكر لأنه وإن كان قدره محتقرًا دليل على تعلق قلب المهدي بجاره اهـ من المفهم قال الأبي وإن لم يكن مع المرق لحم هو بحسب الحال من كثرة اللحم وقلّته. "تتمة" قال ابن أبي جمرة حفظ الجار من كمال الإيمان وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسّلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه وهي مبالغة تنبيء عن تعظيم حق الجار وإن إضراره من الكبائر ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وهو عظة بالحسن والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب الإضرار له فيه بالقول والفعل والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسن على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه وذكر محاسنه له والترغيب فيه برفق ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا ويستر عليه زلَلُهْ عن غيره وينهاه برفق فإن أفاد فيه ذلك وإلا فيهجره قاصدًا تأديبه مع إعلامه ليكف وأما حد الجوار فجاء عن عليٍّ رضي الله عنه قال من سمع النداء فهو جار والمراد به النداء بصوت معتدلًا لا بالآلة المعروفة الآن وقيل من صلّى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار وعن عائشة رضي الله عنها حدّ الجوار أربعون دارًا من كل جانب وعن الأوزاعي مثله وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعًا "ألا إنّ أربعين دارًا جارٌ" وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أربعون دارًا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه وهذا يحتمل كالأولى ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة اهـ فتح الباري [10/ 447]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثامن من الترجمة وهو استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء بحديث آخر لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال:

6532 - (2604) (172) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمَسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، (يَعْنِي الْخَزَّازَ)، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6532 - (2604) (172) (حدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو عامر) صالح بن رستم بضم الراء وفتح التاء المثناة وقد تضم بينهما مهملة ساكنة المزني مولاهم (يعني الخزَّاز) من (6) بمعجمات نسبة إلى بيع الخز أو صناعته البصري صدوق من (6) روى عن أبي عمران الجوني ويروي عنه عثمان بن عمر وليس له ذكر إلا في هذا الموضع وفي الخلاصة روى عن أبي عمران الجوني وابن أبي مليكة وأبي قلابة والحسن ويروي عنه (م عم) وعثمان بن عمر وابنه عامر وإسرائيل بن يونس وهيثم قال العجلي جائز الحديث وقال أبو داود ثقة وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه وقال الدراقطني ليس بالقويّ وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقويّ عندهم وقال في التقريب صدوق كثير الخطأ من السادسة مات سنة [152] اثنتين وخمسين ومائة اهـ (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري (عن أبي ذر) الغفاري المدني وهذا السند من سداسياته (قال) أبو ذر (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تحقرنَّ) يا أبا ذر ولا تستصغرن ولا تحسبنَّ (من المعروف) أي من الشيء الذي يهدى مثله عرفًا وهو بيان مقدم لقوله (شيئًا) وهو مفعول به لتحقرنَّ والمعنى لا تستصغرن شيئًا من المال الذي يهدى مثله عرفًا أي تحسبنّه حقيرًا فتترك الإهداء به (ولو) كان ذلك المعروف (أن تلقى) وترى (أخاك بوجه طلق) بفتح الطاء وكسر اللام ويجوز إسكانها والطلق وكذا الطليق معناه منبسط غير عبوس يقال رجل طلق الوجه وطليق الوجه وهو المنبسط الوجه السمحة من طلق وجهه يطلق من باب شرف طلاقة إذا انبسط وكانت فيه بشاشة ولم ينبس وفيه الحث على فعل المعروف وما تيسر منه وإن قل حتى طلاقة الوجه عند اللقاء للمحاويج كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7)} ودل الحديث على أن طلاقة الوجه عند اللقاء مندوبة ويؤجر المرء عليها وقوله "لا تحقرن من

6533 - (2605) (173) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ بُرَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَال: "اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا. وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف شيئًا" هو أصل كبير نافع جدًّا فإن الشيطان ربما يمنع المرء عن تعاطي الخيرات قائلًا إنك قد ارتكبت ذنوبًا كبارًا وتركت الأعمال الواجبة من الحسنات فيما ينفعك لو عملت هذا العمل الحقير فيحرمه منه بوسوسته ولا يدري أن الحسنة ربما تجر إلى الحسنات الأخرى وربما تقع حسنة صغيرة في حيّز مرضاة الله تعالى فيغفر للمرء بسببها ويصان من ارتكاب المحرّمات من أجلها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 173] والترمذي في الأطعمة [1833] وابن ماجه [3362]. ثم استدلَّ المؤلف على الجزء التاسع من الترجمة وهو استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام بحديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6533 - (2605) (173) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (15) بابا (وحفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي قاضيها ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا كلاهما رويا (عن بريد بن عبد الله) أبي بردة الصغير الأشعري الكوفي (عن) جدّه (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل) النبي صلى الله عليه وسلم (على جلسائه) جمع جليس أي على من عنده من الجلساء (فقال اشفعوا) أي ليشفع بعضكم في بعض في غير الحدود فتندب الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم من ذوي الحقوق ما لم يكن في حدٍّ أو في أمرٍ لا يجوز تركه اهـ مناوي (فلتؤجروا) على شفاعتكم وهذا طلب بمعنى الخبر أي فتؤجرون وتثابون على شفاعتكم وإن لم تقبل شفاعتكم عند المشفوع إليه وفي بعض الروايات فتؤجروا بلا لام أمر وعلى هذه الرواية فهو مجزوم بالطلب السابق فلا أمر فيه أي إن شفعتم تؤجرون على شفاعتكم (وليقض الله على لسان نبيه ما أحب) وهذا أيضًا طلب بمعنى الخبر أي ويقضي الله سبحانه وتعالى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على لسان رسوله ما شاء لأن الله لا يؤمر أي يظهر الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه بوحي أو إلهام ما قدر في الأزل أنه سيكون من إعطاء أو حرمان كذا في المناوي. "قوله أقبل على جلسائه فقال اشفعوا تؤجروا" قال القرطبي وقد وقع هذا اللفظ تؤجروا بغير فاء ولام وهو مجزوم على جواب الأمر المضمَّن معنى الشرط ومعناه واضح لا إشكال فيه وقد رُوي "فلتؤجروا" بفاء ولام وهكذا وجدته في أصل شيخنا أبي الصبر أيوب وينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة لأنها لام كي وتكون الفاء زائدة كما زيدت في قوله صلى الله عليه وسلم "قوموا فلأصلي لكم" متفق عليه في بعض رواياته وقد تقدم قول من قال إن الفاء قد تأتي زائدة ويكون معنى الحديث اشفعوا لكي تؤجروا ويحتمل أن يقال إنها لام الأمر ويكون المأمور به التعرض للأمر بالاستشفاع فكأنه قال استشفعوا وتعرضوا بذلك للأجر وعلى هذا فيجوز كسر هذه اللام على أصل لام الأمر ويجوز تخفيفها بالسكون لأجل حركة الحرف الذي قبلها اهـ من المفهم. وقوله "وليقض الله على لسان نبيه ما أحبَّ" هكذا صحّت الرواية هنا "وليقض" بالام وجزم الفعل بها ولا يصح أن تكون لام كي كذلك ولا يصح أيضًا أن تكون لام الأمر لأن الله تعالى لا يؤمر ولأن هذه الصيغة وقعت موقع الخبر كما قد جاء في بعض نسخ مسلم ويقضي الله على الخبر بالفعل المضارع ومعناه واضح وهذه الشفاعة المذكورة في الحديث هي في الحوائج والرّغبات للسلطان وذوي الأمر والجاه كما شهد به صدر الحديث ومساقه ولا يخفى ما فيها من الأجر والثواب لأنها من باب صنائع المعروف وكشف الكرب ومعونة الضعيف إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى السلطان وذوي الأمر ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول مع تواضعه وقربه من الصغير والضعيف إذ كان لا يحتجب ولا يُحجب "أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها" رواه الطبراني والبيهقي كما في كشف الخفاء [1/ 43] وفيض القدير [1/ 83] وهذا هو معنى قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85] قال القاضي ويدخل في عموم الحديث الشفاعة للمذنبين فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره وله قبول الشفاعة فيه والعفو عنه إذا رأى ذلك كله كما له العفو عن ذلك ابتداء وهذا فيمن كانت منه الزلة والفلتة وفي أهل الستر والعفاف وأما المصرّون على فسادهم المستهترون في

6534 - (2606) (174) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنْ بُرَيدِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ جدهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. ح وحدّثنا محمد بْنُ الْعَلاءِ الهَمْدَانِي، (وَاللَّفظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ باطلهم فلا تجوز الشفاعة لأمثالهم ولا ترك السلطان عقوبتهم ليزدجروا عن ذلك وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم وقد جاء الوعيد بالشفاعة في الحدود كما في قصة أسامة بن زيد. لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يقضي للمشفوع له أو عليه بما فيه مصلحة عند الله تعالى ولكن الشفيع يؤجر على شفاعته وإن لم يحقق ما شفع فيه وفيه أن الشفاعة بمنزلة المشورة فلا ينبغي أن يتخذه الشفيع طريقًا للضغط على المشفوع إليه وكذلك لا ينبغي للشفيع أن يسقط على المشفوع إليه إن لم يعمل على حسب شفاعته واختار مباحًا آخر غير المشفوع فيه قال النووي وفي الحديث استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو في تحصيل عطاء لمحتاج أو نحو ذلك وأما الشفاعة في الحدود فحرام وكذا الشفاعة في إمضاء باطل أو إبطال حق ونحو ذلك فهي حرام اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 413] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الزكاة باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها [1432] وفي المظالم باب نصر المظلوم [2446] وفي الأدب باب قول الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [6082] إلى غير ذلك من الأبواب وأبو داود في الأدب باب في الشفاعة [5131] والترمذي في العلم باب الدال على الخير كفاعله [2672] والنسائي في الزكاة باب الشفاعة في الصدقة [2556]. ثم استدل المؤلف على الجزء العاشر من الترجمة وهو استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء بحديث آخر لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6534 - (2606) (174) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن بريد بن عبد الله عن جدّه) أبي بردة الكبير عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا محمَّد بن العلاء الهمداني واللفظ له حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي

مُوسَى، عَنِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِنما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند أيضًا من خماسياته (إنما مثل) أي إنما صفة (الجليس الصَّالح) صفة للجليس وهو المراعي لحقوق الله وحقوق العباد (و) مثل (الجليس السوء) أي ومثل الجليس السيئ والسوء في أصله مصدر وهو صفة للجليس على تأويله بالمشتق أي ومثل الجليس السيئ والسيئ ضد الصالح كذا وقع في بعض النسخ وهو الأفصح والأحسن وفي بعضها "مثل جليس الصالح وجليس السوء" فيكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته فيكون بمعنى ما في النسخة الأولى والجليس هو من اخترته للمجالسة معه أي مثل الصالح الذي تجالسه ومثل السيئ الذي تجالسه وقوله (كحامل المسك) عائد للجليس الصالح (ونافخ الكبير) عائد لجليس السّوء على طريق اللف والنشر المرتب وهو من المحسنات اللفظية عند البديعيين قال القرطبي هذا نحو ما يسميه أهل الأدب لف الخبرين وهو نحو قول امرئ القيس: كأنَّ قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي فكأنه قال قلوب الطير رطبًا العناب ويابسًا الحشف ومقصود هذا التمثيل في الحديث الحض على صحبة العلماء والفضلاء وأهل الدين وهو الذي يزيدك نطقه علمًا وفعله أدبًا ونظره خشيةً والزجر عن مخالطة من هو على نقيض ذلك وحامل المسك هو الذي يستصحب المسك لبيعه أو للتطيب به مثلًا وقد تطابقت الأخبار واستفاضت على أن المسك يجتمع في غدة حيوان هو الغزال أو يشبهه فيتعفن في تلك الغدة حتى تيبس وتسقط فتؤخذ تلك الغدة كالجليدات المحشوة وتلك الجلدة هي المسماة بفأرة المسك والجمهور من علماء الخلف والسلف على طهارة المسك وفأرته وعلى ذلك يدل استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له وثناؤه عليه وإجازة بيعه كما دل عليه هذا الحديث ومن المعلوم بالعادة المستمرة بين العرب والعجم استعماله واستطابة ريحه واستحسانه في الجاهلية والإِسلام لا يتقذره أحد من العقلاء ولا ينهى عن استعماله أحد من العلماء حتى قال القاضي أبو الفضل نقل بعض أئمتنا الإجماع على طهارته غير أنه قد ذكر عن العمرين كراهيته ولا يصح ذلك فإن عمر رضي الله عنه قد قسم منه ما غنم بالمدينة وقال المازري وقال قوم بنجاسته ولم يعينهم والصحيح القول بطهارته وإن لم يكن مجمعًا عليه

إما أن يُحذِيَكَ، وَإمَّا أَن تَبتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أن تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طَيبَة. وَنَافِخُ الكِيرِ، إما أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَة" ـــــــــــــــــــــــــــــ للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك إذ قد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يستعمله حتى إنه كان يخرج "ووبيص المسك في مفرقه" كما قالت عائشة رضي الله عنها متفق عليه وقد تقدم قوله "أطيب الطيب المسك" رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وغير ذلك. (إما أن يحذيك) أي يعطيك منه بغير عوض هدية هو بضم الياء رباعيًّا من أحذيته إحذاء إذا أعطيته وفي الصحاح أحذيته نعلًا إذا أعطيته نعلًا تقول منه استحذيته فأحذاني وأحذيته من الغنيمة إذا أعطيته منها والاسم الحذيا (وإما أن تبتاع) وتشتري المسك (منه) أي من صاحبه (وإما أن تجد منه ريحًا طيبة) فتستفيد منه من كل جهة (ونانخ الكبير) في مشغل الحداد (إما أن يحرق) عليك (ثيابك) بشرارته (وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة) أي منتنة "والكير" بكسر الكاف وسكون الياء منفخ الحدَّاد و"الكور" المبني الذي ينفخ فيه على النار والحديد ويجوز أن يعبر بالكير عن الكور والكير حقيقته البناء الذي يركب عليه الحداد الزق والزق هو الذي ينفخ فيه فأطلق على الزق اسم الكبير مجازًا لمجاورته له وقيل الكير هو الزق نفسه وأما البناء فاسمه الكور وحاصل معنى الحديث أن حامل المسك ممن ينفعك لا محالة إما بإهداء المسك إليك أو بيعه منك ولا يخلو على الأقل من أن ينفعه برائحته الطيبة وكذلك الجليس إما أن تحصل منه على علم ينفعك أو أنه ينفعك بصحبته ونافخ الكير على العكس من ذلك فإنه لا يخلو من إيذاء ولو برائحته الكريهة فكذلك الجليس السوء قال النووي ففي الحديث فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة اهـ والإشارة إلى جواز بيع المسك وطهارته وفيه الرَّد على من كرهه وهو منقول عن الحسن البصري وعطاء وغيرهما ثم انقرض هذا الخلاف واستقر الإجماع على طهارة المسك وجواز بيعه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 458] والبخاري في مواضع منها في الذبائح باب في المسك [5534] وأبو داود في الأدب باب من يؤمر أن يجالس [4830].

6535 - (2607) (175) حدثنا محمد بْنُ عَبْدِ الله بْنِ قُهْزَاذَ. حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. أخبَرَنَا عَبْدُ الله. أَخبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدثني عَبْدُ الله بْنُ أَبِي بَكرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. ح وحدّثني عَبدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهرَامَ وَأَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَاقَ، (وَاللَّفْظُ لَهُمَا)، قَالا: أخبَرَنَا أبُو الْيَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزهْرِيّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ أبي بَكرٍ؛ أَن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ أَخبَرَهُ؛ أَن عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ قَالت: جَاءَتنِي امرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا. فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيئًا غَيرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ. فَأعْطَيتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف على الجزء الحادي عشر من الترجمة وهو فضل الإحسان إلى البنات بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6535 - (2607) (175) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن قهزاذ) المروزي ثقة متقن من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا سلمة بن سليمان) المروزي أبو سليمان المؤدب ثقة من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي ثقة من (7) (عن ابن شهاب حدثني عبد الله بن أبي بكر) بن محمَّد بن عمرو (بن حزم) الأنصاري المدني ثقة من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من ثمانياته (ح وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (بن بهرام) ويقال له ابن مهران الدارمي السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (وأبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل نزيل بغداد ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ لهما قالا أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة الأموي اسمه دينار أبو بشر الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهريّ حدثني عبد الله بن أبي بكر) بن حزم (أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سباعياته. (زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت جاءتني امرأة) وأنا في حجرتي (ومعها أبنتان لها) لم أر من ذكر اسم الثلاثة (فسألتني) الصدقة (فلم تجد عندي شيئًا) من الطعام (غير تمرة واحدة) أي حبَّة من التمر (فأعطيتها) أي فأعطيت تلك المرأة

إِيَّاهَا. فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَينَ ابْنَتَيهَا، وَلَمْ تَأكُلْ مِنْهَا شَيئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَى النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا. فَقَال النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيهِن، كُن لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (إياها) أي تلك التمرة (فأخذتها) مني أي فأخذت المرأة مني تلك التمرة (فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل) المرأة (منها شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا بل آثرت بها ابنتيها لشدة شفقتها عليهما (ثم قامت) من عندي (فخرجت) هي (وابنتاها) قالت عائشة (فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم) في بيتي (فحدثته) صلى الله عليه وسلم (حديثها) أي قصتها (فقال النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي) واختبر (من) هؤلاء (البنات بشيء) أي اختبر بشيء منهن قليلًا كان أو كثيرًا قال النووي إنما سماه ابتلاءً لأن الناس يكرهونهن في العادة قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)} [النحل: 58] (فأحسن إليهن) بالقيام بأمورهن من الإنفاق والتأديب والتعليم (كنَّ) تلك البنات (له) أي لمن ابتلي بهن (شرًّا) أي حجابًا (من النار) يوم القيامة قال النووي معناه أي يكون جزاؤه على ذلك وقاية بينه وبين نار جهنم حائل أبي نه وبينها وهذا الابتلاء المذكور في الآية هو ما حكاه الله تعالى في شأن الكفار وأما المسلم فليس من شأنه أن يكره البنات فالظاهر من لفظ الابتلاء في حق المسلم الإشارة إلى ما في تربيتهم من المشقة أكثر مما في تربية الأولاد فإن الخوف عليهن أشد ومساعداتهن للوالد في اكتساب المعيشة أقل وذكر الحافظ هنا عن شيخه أن الابتلاء هنا بمعنى الاختبار فلا إشكال وقال بعض العلماء إن هذه الفضيلة مختصة بمن عال بنتين أو ثلاثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكرهن بصيغة الجمع ولكن الظاهر أن الحكم يشمل من عال بنتًا واحدةً أما أولًا فلأن لفظ بشيء بعد قوله "من ابتلي من البنات" يدل على أن الفضيلة عامة لكل من عال بنتًا ولو واحدة وأما ثانيًا فإنه وقع في حديث لأبي هريرة عند الطبراني في الأوسط قلنا وثنتين قال وثنتين قلنا وواحدة قال وواحدة ويشهد له ما أخرجه الطبراني بسند واه عن ابن مسعود مرفوعًا من كانت له ابنة فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها وأوسع عليها من نعمة الله التي أوسع عليه إلخ ذكره الحافظ في الفتح. قوله "فأحسن إليهن" قال الحافظ وقد اختلف في المراد بالإحسان هل يقتصر به

6536 - (00) (00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ، (يعني ابْنَ مُضَرَ)، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، أَن زِيادَ بْنَ أَبِي زِيادٍ، مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ حدثهُ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُهُ يحدث عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنهَا قَالتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَة تَحْمِلُ ابْنَتَينِ لَهَا، فَأطْعَمْتُهَا ثَلاثَ تَمَرَاتٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ على قدر الواجب أو بما زاد عليه والظاهر الثاني فإن عائشة أعطت المرأة التمرة فآثرت بها ابنتيها فوصفها النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أن من فعل معروفًا لم يكن واجبًا عليه أو زاد على قدر الواجب عليه عُد محسنًا والذي يقتصر على الواجب وإن كان يوصف بكونه محسنًا لكن المراد من الوصف المذكور قدر زائد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 33 و 92] والبخاري في الزكاة باب اتقوا النار ولو بشق تمرة [1418] وفي الأدب باب رحمة الولد وتقبيله [5995] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في النفقة على البنات [1913]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6536 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر يعني ابن مضر) بن محمَّد بن حكيم أبو محمَّد المصري ثقة من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (الهاد) الليثي المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (أن زياد بن أبي زياد) ميسرة المخزومي مولاهم المدني (مولى) عبد الله (بن عيّاش) بن أبي ربيعة القرشي المدني روى عن عراك بن مالك في المعروف ويروي عنه (م ت ق) ويزيد بن الهاد ومالك بن أنس قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابدًا زاهدًا لا يأكل اللحم له عندهم ثلاثة أحاديث وقال في التقريب ثقة عابد مات سنة [135] خمس وثلاثين ومائة (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب قال زياد (سمعته) أي سمعت عراكًا (يحدّث عمر بن عبد العزيز) الأمويّ المدني (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عراك لعروة بن الزبير (أنها) أي أن عائشة (قالت جاءتني) امرأة (مسكينة) أي فقيرة (تحمل) تلك المسكينة (ابنتين لها) أي تصحب بهما وتمشي معهما ولا معارضة بين ما هنا وبين ما في الرواية السابقة من قوله "ومعها ابنتان لها" لأن العمل يصدق على المعية والصحبة بهما قالت عائشة (فاطعمتها) أي فأعطيتها (ثلاث تمرات) أي ثلاث حبات من التمر وما هنا معارض بظاهره لما مر في الرواية السابقة من أنها لم تجد عند عائشة إلا تمرة واحدة

فَأَعْطَت كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَت إلى فِيهَا تَمْرَةَ لِتَأكُلَهَا، فَاسْتَطعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التمْرَةَ التِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا، بَينَهُمَا. فَأَعْجَبَنِي شَأنُهَا. فَذَكَرْتُ الذِي صَنَعَت لِرَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "إِن اللهَ قَدْ أَوَجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ. أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويمكن الجمع بينهما بأنها لم تجد عندها ما يخصها دون البنتين إلا تمرة واحدة ويحتمل أنها لم يكن عندها في أول الأمر إلا واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين ذكر الحافظ الاحتمالين ثم ذكر احتمال تعدد القصة وهو بعيد جدًّا ويمكن أن يكون الاختلاف نشأ من تصرف الرواة عند روايتهم بالمعنى وكانت عائشة رضي الله عنها أعطتها ثلاث تمرات كما في رواية عراك ولكن إيثارها للبنتين إنما وقع في تمرة واحدة كانت لها فذكره الرواة الآخرون ولم يذكروا التمرتين وقد من مرارًا أن الرواة إنما يهتمون بحفظ أصول القصة دون تفاصيلها الجزئية والله أعلم. (فأعطت) المرأة (كل واحدة منهما تمرة) تمرة (ورفعت) المرأة (إلى فيها) أي إلى فمها (تمرة) واحدة (لتأكلها فاستطعمتها) أي فطلبت (ابنتاها) منها إطعام تلك الحبة إيّاهما (فشقت) تلك المرأة ونصفت (التمرة) الواحدة (التي كانت تريد أن تأكلها) بنفسها أي جزأت تلك التمرة وقسمت (بينهما) نصفين قالت عائشة (فأعجبني شأنها) وشفقتها علي بنتيها (فذكرت) التقسيم (الذي صنعتـ) ـه تلك المرأة (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الله) سبحانه (قد أوجب) وأثبت على نفسه (لها) أي لتلك المرأة (بها) أي بتلك الصنعة التي صنعت ببنتها (الجنة أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي بدل قوله قد أوجب لها لفظة قد (أعتقها) أي أعتق الله تلك المرأة (بها) أي بسبب صنعتها وشفقتها والشك من الراوي أو ممن دونه. قال القرطبي: "قوله من ابتلي بشيء من البنات فأحسن إليهن كن له سترًا من النار" ابتلي امتحن واختبر وأحسن إليهن صانهن وقام بما يصلحهن ونظر في أصلح الأحوال لهن فمن فعل ذلك وقصد به وجه الله تعالى عافاه الله تعالى من النار وباعده منها وهو المعبّر عنه بالستر من النار ولا شك في أن من لم يدخل النار دخل الجنة وقد دلّ على ذلك قوله في الرواية الأخرى في المرأة التي قسمت التمرة بين بنتيها إن الله قد أوجب لها الجنة وأعاذها من النار.

6537 - (2608) (176) حدّثني عَمْرٌو الناقِدُ. حَدَّثَنَا أبُو أحْمَدَ الزبَيرِيُّ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "مَنْ عَال جَارِيَتَينِ حَتى تَبْلُغَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله بشيء من البنات يفيد بحكم عمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات فأما إذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الستر من النار السبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجنة كما جاء في الحديث الآخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم من عال جاريتين حين تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضمَّ أصابعه كما سيأتي بعد هذه الرواية من حديث أنس. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6537 - (2608) (176) (حدثني عمرو) بن محمَّد (الناقد) البغدادي (حدثنا أبو أحمد) محمَّد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسديّ (الزبيري) مولاهم الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا محمَّد بن عبد العزيز) الراسبي الجرمي أبو روح البصري روى عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس في المعروف وأبي الشعثاء جابر بن زيد ويروي عنه (م ت) وأبو أحمد الزبير وابن المبارك ووكيع وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من السابعة. (عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) الأنصاري أبي معاذ البصري ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عال) وأنفق (جاريتين) أي بنتين وقام بمؤنتهما وتربيتهما ونحوهما أي ربى صغيرتين وقام بمصالحهما نحو نفقة وكسوة اهـ مناوي مأخوذ من العول وهو القرب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بمن تعول قال القرطبي معنى عال أي قام عليهما بما يصلحهما ويحفظهما يقال منه عال الرجل عياله يعولهم عولًا وعيالة ويقال علته شهرًا إذا كفيته معاشه (حتى تبلغا) أي حتى تصلا إلى حال يستقلان بأنفسهما وذلك إنما يكون في النساء إلى أن يدخل بهن أزواجهن ولا يعني ببلوغهما إلى أن تحيض وتكلف إذ قد تزوج قبل ذلك فتستغني بالزوج عن قيام الكافل وقد تحيض وهي غير مستقلة بشيء من مصالحها ولو تركت لضاعت وفسدت أحوالها بل هي في هذه الحال أحق بالصيانة

جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنا وَهُوَ" وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والقيام عليها لتكمل صيانتها فيرغب في تزوجها ولهذا المعنى قال علماؤنا لا تسقط النفقة عن والد الصبية بنفس بلوغها بل بدخول الزوج بها اهـ من المفهم (جاء يوم القيامة أنا وهو) كهاتين الأصبعين (وضمّ) النبي صلى الله عليه وسلم (أصابعه) حين إذ قال ذلك إشارة إلى قرب منزلته إلى منزلته صلى الله عليه وسلم قال القاضي يعني رفاقته معه في الجنة أو دخوله معه في أوّل الأمر ويكفي به فضلًا وهذا الفضل لمن قام بالبنات كنّ له أو لغيره وجاء في الحديث الثاني في غير الأم "من عال يتيمًا" اهـ دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 147 - 148] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات [1914]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة عشر حديثًا الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني حديث أبي برزة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والخامس حديث أبي سعيد وأبي هريرة ذكرهما للاستدلال بهما على الجزء الثالث من الترجمة والسادس حديث جندب بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة والثامن حديث أبي هريرة الثامن ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والعاشر حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد والحادي عشر حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر حديث أبي ذر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثامن من الترجمة والثالث عشر حديث أبو موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء التاسع من الترجمة والرابع عشر حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء العاشر من الترجمة والخامس عشر حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الحادي عشر من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسادس عشر حديث أنس ذكره للاستشهاد به. ***

730 - (19) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه وإذا أحب الله عبدا حببه لعباده والأرواح جنود مجندة والمرء مع من أحب وإذا أثني على الصالح فهي بشرى فلا تضره

730 - (19) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه وإذا أحبّ الله عبدًا حببّه لعباده والأرواح جنود مجنّدة والمرء مع من أحبّ وإذا أُثني على الصالح فهي بشرى فلا تضرّه 6538 - (2609) (176) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "لَا يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النارُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 730 - (19) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه وإذا أحبّ الله عبدًا حببّه لعباده والأرواح جنود مجنّدة والمرء مع من أحبّ وإذا أُثني على الصالح فهي بشرى فلا تضرّه ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو فضل من يموت له ولد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6538 - (2609) (176) (حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار) بالنصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي والتقدير لا يكون موت ثلاثة من الولد لأحد من المسلمين فمس النار إياه قال القرطبي: والولد يطلق على الذكر والأنثى بخلاف الابن فإنه يقال على الذكر ابن وعلى الأنثى ابنة وقد تقيد مطلق هذه الرواية بقوله في الرواية الأخرى "لم يبلغوا الحنث" كما تقيد مطلق حديث أبي هريرة بحديث أبي النضر السلمي فإنه قال فيه "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم" فقوله لم يبلغوا الحنث أي التكليف والحنث الإثم وإنما خصه بهذا الحد لأن الصغير حبه أشد والشفقة عليه أعظم وقيده بالاحتساب لما قررناه غير مرة أن الأجور على المصائب لا تحصل إلا بالصبر والاحتساب وإنما خص الولد بثلاثة لأن الثلاثة أول مراتب الكثرة فتعظم المصائب فتكثر الأجور فأما إذا زاد على الثلاثة فقد يخف أمر المصيبة الزائدة لأنها كأنها صارت عادة وديدنًا كما قال المتنبي: أنكرت طارقة الحوادث مرةً ... ثم اعترفت بها فصارت ديدنًا

إلا تَحِلَّةَ القَسَمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: رُوِّعت بالبين حتى ما أراع له ... وبالمصائب في أهلي وجيراني ويحتمل أن يقال إنما لم يذكر ما بعد الثلاثة لأنه من باب الأحرى والأولى إذ من المعلوم أن من كثرت مصائبه كثر ثوابه فاكتفى بذلك عن ذكره والله تعالى أعلم وقوله (إلا تحلّة القسم) أي لا تمسه إلا مسًا يحصل به تحلل القسم وانفكاكه وإبراره ووفاؤه يعني قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} وهو اليمين وفي الدهني قوله إلا تحلة القسم هو مصدر حلل اليمين إذا كفرها ومعنى تحلة القسم ما يحل به القسم وهذا مثل في القليل المفرط في القلة وهو أن يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبر قسمه به مثل أن يحلف على النزول بمكان فلو وقع به وتعة خفيفة أجزأته فتلك تحلة قسمه كذا في العيني قال الخطابي حللت القسم تحلة أي أبررتها يعني قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} أي لا يدخل النار ليعاقبه بها ولكنه يجوز ويمر عليها فلا يكون ذلك إلا بقدر ما يبر الله به قسمه والقسم مضمر في الآية كأنه قال وإن منكم والله إلا واردها وقال الجوهري التحليل ضد التحريم تقول حللته تحليلًا وتحلة وفي الحديث إلا تحلة أي إلا قدر ما يبر الله به قسمه اهـ وفي المبارق هذا استثناء من قوله فتمسه النار وتحلة بكسر الحاء مصدر حللت اليمين أي أبررتها وتحلة القسم ما يفعله الحالف مما أقسم عليه مقدار ما يكون بارًا في قسمه والمراد هنا بيان قلة المس أو قلة زمانه اهـ. والحاصل أن من توفي له ثلاثة أولاد لا تمسه النار ولكنه يمر على الصراط مرًا سريعًا لا يتأثر بشيء من عذاب النار أعاذنا الله منها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 239] والبخاري في الجنائز باب من مات له ولد فاحتسب [1250 و 1251] وفي الأيمان باب قول الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيمَانِهِمْ} [6656] والترمذي في الجنائز باب ما جاء في ثواب من قدم ولدًا [1060] والنسائي في الجنائز باب من يتوفى له ثلاثة [1875 و 1876] وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في ثواب من أصيب بولده [1603].

6539 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو الناقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ وَابْنُ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزهْرِيِّ. بِإسنَادِ مَالِكٍ. وَبِمَغنَى حَدِيثِهِ، إلا أَن في حَدِيثِ سُفْيَانَ: "فَيَلِجَ النَّارَ إِلا تَحِلَّةَ القَسَمِ". 6540 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْعَزِيزِ، (يعني ابْنَ محمدٍ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال لِنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ: "لَا يَمُوتُ لأحدَاكُنَّ ثَلاثةٌ مِنَ الوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ، إلا دَخَلَتِ الْجَنَّةَ". فَقَالتِ امْرَأَةٌ مِنْهُن: أَو اثنَينِ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "أَو اثنَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6539 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد (الناقد وزهير بن حرب قالوا حدثنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا عبد بن حميد و) محمَّد (بن رافع) القشيري (عن عبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما) أي كل من سفيان ومعمر رويا (عن الزهريّ) غرضه بيان متابعتهما لمالك بن أنس وساقا (بإسناد مالك) يعني عن سعيد من المسيب عن أبي هريرة (وبمعنى حديثه) أي وبمعنى حديث مالك لا بلفظه (إلا أن) أي لكن أن (في حديث سفيان) وروايته لفظة (فيلج) أي يدخل (النار إلا تحلة القسم) أي إلا قدر ما يحصل به إبرار قسم الله تعالى. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6540 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمَّد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح لسعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار) لم أر من ذكر أسماءهن وذكر مقول قال بقوله: (لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه) أي فتحتسب أجر مصيبة موتهم على الله تعالى: (إلا دخلت الجنة فقالت امرأة منهن) أي من نسوة الأنصار (أو) كذلك التي دفنت (اثنين) فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اثنين) أي وكذلك التي دفنت اثنين والهمزة هنا زائدة لمشاكلة السؤال قلت ومن القائلات

6541 - (2610) (177) حدثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: جَاءَتِ امْرَأَة إلى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ الله، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ. فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأتِيكَ فِيهِ. تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ الله. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أم سليم كما عند أحمد في المسند وابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير ومنهن أم مبشر كما عند الطبراني وأبي يعلى وابن أبي شيبة وأبي قرة في سننه اهـ تنبيه المعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6541 - (2610) (177) (حدثنا أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين) البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن عبد الرحمن بن) عبد الله (الأصبهاني) نسب إلى أصبهان لأن أصله كان منه وقيل كان عبد الله يتجر إلى أصبهان فقيل الأصبهاني وذكر الحافظ في الفتح [2/ 121] أنه لا منافاة بين القولين الكوفي الجهني ثقة من (4) روى عنه في (2) بابين (عن أبي صالح ذكوان) السمان - (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال ابن حجر في الفتح [14/ 13 / 293] رقم [7310] لم أقف على اسم هذه المرأة ويحتمل أن تكون هي أسماء بنت يزيد بن السكن اهـ من تنبيه المعلم (فقالت) تلك المرأة (يا رسول الله ذهب الرجال) واختصّ (بحديثك) أي بحفظه وسماعه منك (فاجعل لنا) معاشر النساء (من) عند (نفسك) وباختيارك (يومًا) مختصًا بنا (نأتيك) ونحضرك (فيه) أي في ذلك اليوم حالة كونك (تعلمنا) فيه (مما علمك الله) سبحانه من أصول الشريعة وأحكامها قولها "ذهب الرجال بحديثك" تعني أن معظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب به الرجال ولا يخاطب به النساء وفي رواية شعبة عند البخاري في العلم "غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك" وفيه جواز الغبطة ولا سيما في أمور الدين وفيه ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعلم الدين وفيه جواز تخصيص يوم للنساء في الوعظ فـ (قال) لها رسول الله صلى الله

"اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذَا وكَذَا" فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمهُن مِمَّا عَلَّمَهُ الله. ثُمَّ قَال: "مَا مِنْكُنَّ مِنِ امْرَأَة تُقَدِّمُ بَينَ يَدَيهَا، مِنْ وَلَدِهَا ثَلاثةً، إلا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ" فَقَالتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَينِ. وَاثْنَينِ، وَاثْنَينِ.؟ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "وَاثْنَينِ، وَاثْنَينِ، وَاثنَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (اجتمعن) يا معشر النساء بكسر الميم على صيغة الأمر المسند إلى المخاطبات لأنه مقتطع من المضارع (يوم كذا وكذا) كناية عن اليوم المعين لهنَّ قال أبو سعيد (فاجتمعن) النساء بفتح الميم على صيغة الماضي في اليوم المعين لهن (فأتاهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) في مجتمعهن (فعلمهنَّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (مما علمه الله) سبحانه من أصول الدين وأحكامه (ثم) بعد تعليمهنّ (قال) مبشرًا لهنَّ (ما منكنَّ من امرأة تقدم) دفنًا (بين يديها) أي قدامها إلى الآخرة (من ولدها ثلاثة) فأكثر (إلا كانوا) أي كان أولئك الأولاد الثلاثة (لها) أي لوالدتهم (حجابًا) وسترًا (من النار فقالت امرأة) من الحاضرات وهي أم سليم والدة أنس (و) التي قدّمت (اثنين) من الأولاد كذلك وكررتها بقولها (واثنين واثنين) للتأكيد (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم و) التي قدمت (اثنين) منهم كذلك بقوله (واثنين واثنين) توكيد لفظي لما قبله كسابقه "قوله صلى الله عليه وسلم للنساء اجتمعن في يوم كذا" يدل على أن الإِمام ينبغي له أن يعلم النساء ما يحتجن إليه من أديانهن وأن يخصهن بيوم مخصوص لذلك لكن في المسجد أو ما في معناه حتى تؤمن الخلوة بهن فإن تمكن الإِمام من ذلك بنفسه فعل وإلا استنهض الإِمام شيخًا يوثق بعلمه ودينه لذلك حتى يقوم بهذه الوظيفة وفي هذا الحديث ما يدل على فضل نساء ذلك الوقت وما كن عليه من الحرص على العلم والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما قالت عائشة رضي الله عنها "نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" رواه مسلم [232] (61) اهـ مفهم "وقوله فقالت امرأة" هي أم سليم الأنصارية والدة أنس بن مالك كما رواه الطبراني بإسناد جيد عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده ما من مسلمَين يموت لهما ثلاثة لم يبلغوا الحلم إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما فقلت واثنان قال واثنان ووقع لأم مبشر الأنصارية أيضًا السؤال عن ذلك فيما أخرجه الطبراني عن جابر بن عبد الله وأخرج الطبراني في الأوسط من رواية جابر بن سمرة بسند ضعيف مثل هذا السؤال من

6542 - (00) (00) حدثنا محمد بْنُ المُثَنى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمد بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، في هَذَا الإِسْنَادِ. بِمثلِ مَعْنَاهُ، وَزَادَا جَمِيعًا: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ. قَال: سَمِعتُ أَبَا حَازِمٍ يحدث عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: "ثَلاثةً لَمْ يَبلُغُوا الحِنْثَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أم أيمن ذكر كل ذلك الحافظ في الفتح "قوله واثنين" ولم يذكر في هذا الحديث من توفي له ولد واحد وقد وقع في بعض الروايات الضعيفة أنه صلى الله عليه وسلم سئل عمن توفي له ولد واحد فذكر أنه داخل في هذا الحكم أيضًا ومن أشهر هذه الروايات حديث ابن عباس عند الترمذي رفعه من كان له فرطان من أمتي أدخله الله الجنة فقالت عائشة فمن كان له فرط قال ومن كان له فرط ولكن ليس في شيء من هذه الروايات ما يصلح للاحتجاج بل روى النسائي وابن حبان عن أنس أن المرأة قالت واثنان قالت بعد ذلك يا ليتني قلت وواحد وهو أقوى إسنادًا من حديث الترمذي. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6542 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمَّد بن جعفر) غندر (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ كلاهما قالا (حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن) عبد الله (الأصبهاني) الكوفي غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة لأبي عوانة وساق شعبة (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد المذكور لأبي عوانة يعني عن أبي صالح عن أبي سعيد (بمثل معناه) أي بمثل معنى حديث أبي عوانة (و) لكن (زادا) أي زاد محمَّد بن جعفر ومعاذ بن معاذ (جميعًا) أي كلاهما (عن شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال) عبد الرحمن (سمعت أبا حازم) سلمان الأشجعي مولى عزّة الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (يحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال) أبو هريرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكن من امرأة تقدم بين يديها من ولدها (ثلاثة لم يبلغوا الحنث) بزيادة قيد لم يبلغوا الحنث أي لم يبلغوا من التكليف الذي يكتب فيه الحنث وهو الذنب اهـ نووي كما في قوله {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} والمعنى لم يبلغوا الحلم فتكتب عليهم الآثام وقيل المراد أنهم لم يبلغوا إلى زمان يؤاخذون فيه بأيمانهم إذا حنثوا وخص الصغير بهذا

6543 - (2611) (178) حدثنا سُوَيدُ بْنُ سعيد وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى، (وَتَقَارَبَا في اللَّفْظِ)، قَالا: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ أَبِي حَسَّان، قَال: قُلْتُ لأبَي هُرَيرَةَ: إنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ. فَمَا أَنتَ مُحَدِّثِي عَن رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَال: قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم لأن الشفقة عليه أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر والحزن بفقده أكثر وظاهر هذا التقييد أن الفضيلة المذكورة لا تحصل لمن توفي له ولد بالغ وإن كان في فقده أجر في الجملة وبهذا صرح كثير من العلماء وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المقتضي لعدم الرَّحمة بخلاف الصغير ولكن ذهب ابن المنير إلى أن هذا التقييد ليس لإخراج البالغين من الأولاد بل إنهم يدخلون في الحكم بطريق الفحوى لأن الثواب المذكور إذا ثبت في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ السعي ووصل منه النفع وتوجّه إليه الخطاب بالحقوق ذكره العيني في عمدة القاري [4/ 34] ورجحه محتجًا بأن رحمة الله واسعة تشتمل الصغير والكبير اهـ. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6543 - (2611) (178) (حدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي البصري (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي البصري ثقة من (4) (عن أبي السليل) ضريب بن نفير بالتصغير فيهم ابن شمير القيسي الجريري البصري ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبو حسان) خالد بن غلاق بمعجمة مكسورة ولام مخففة على الصحيح القيسي بالقاف والمهملة أو العيشي بالعين المهملة والشين البصري روى عن أبي هريرة في البر والصلة باب الأطفال ويروي عنه (م) وضريب بن نفير مقبول من (3) (قال) أبو حسان (قلت لأبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (إنه) أي إن الشأن والحال (قد مات لي ابنان فما أنت) يا أبا هريرة (محدثي) أي محدِّث لي وهو استفهام بمعنى أفلا تحدثني (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب) أي تصبر (به أنفسنا عن) حزن موت (موتانا قال) أبو حسّان (قال) أبو هريرة

نَعَمْ: "صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَباهُ، -أَوْ قَال: أبويهِ-، فَيَأخُذُ بِثَوْبِهِ، -أَوْ قال: بِيَدِهِ-، كَمَا آخُذُ أَنا بِصَنِفَةِ ثَوْبكَ هذَا. فَلَا يَتَنَاهَى، أَوْ قَال: فَلَا يَنْتَهِي-، حَتَّى يُدْخِلَهُ الله وَأَباهُ الْجَنَّةَ". وَفِي رِوَايَةِ سُوَيدٍ قَال: حَدَّثَنَا أَبُو السَّلِيلِ، وَحَدَّثَنِيهِ عُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يعني ابْنَ سَعِيدٍ)، عَنِ الْتَّيمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: فَهَل سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ شَيئًا تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَال: نَعَم ـــــــــــــــــــــــــــــ (نعم) أصبركم على مصيبتكم بحديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال سمعته يقول (صغارهم) أي صغار موتى المسلمين (دعاميص الجنة) جمع دعموص بضم الدال وسكون العين ومعناه في أصل اللغة دويبية في الماء لا تفارقه والمراد هنا أي صغار موتى المسلمين صغار أهل الجنة الذين لا يفارقونها (يتلقى) أي يستقبل (أحدهم) أي أحد صغار الموتى الذين كانوا في الجنة (أباه) وأمه يوم القيامة (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الرّاوي والشك منه أو ممن دونه يتلقى (أبويه فيأخذ) أحدهم (بثوبه) أي بثوب أبيه (أو قال) الرّاوي فيأخذ (بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا) أي بطرف ثوبك هذا والصنفة هو بفتح الصاد وكسر النون بمعنى طرف الثوب ويقال لها صنيفة أيضًا (فلا يتناهى) أي فلا يترك ذلك الأحد أباه (أو قال) الرّاوي (فلا ينتهي) أي لا يترك ذلك الأحد أباه أو أبويه أي لا يفارق أباه (حتى يدخله الله) أي حتى يدخل الله ذلك الأحد (وأباه الجنة وفي رواية سويد) بن سعيد (قال) سليمان التيمي (حدَّثنا أبو السليل) بصيغة السماع بدل العنعنة (وحدثنيه) وفي بعض النسخ (ح وحدثنيه) بحاء التحويل (عبيد الله سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري ثقة من (10) (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) القطان (عن) سليمان (التيمي بهذا الإسناد) يعني عن أبي السليل عن أبي حسان عن أبي هريرة (وقال) أبو حسان لأبي هريرة (فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا تطيب) وتصبر وتبشر (به أنفسنا عن) حزن (موتانا قال) أبو هريرة (نعم) سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صغارهم دعاميص أهل الجنة الحديث. وقد عدَّ ابن الأثير في جامع الأصول هذا الحديث متابعة لحديث أبي هريرة السابق مع التفاوت الكثير بينهما في السياق واللفظ والظاهر أنه غيره ولكن لم يخرجه بهذا اللفظ من الأئمة الستة إلا الإِمام مسلم فهو مما انفرد به عنهم ولكن أخرجه أحمد في مسنده

6544 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكرٍ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنونَ ابْنَ غِيَاثٍ). ح وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جدهِ، طَلْقِ بْنِ مُعَاويةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِصَبِيٍّ لَهَا. فَقَالتْ: يَا نَبِي الله، ادع الله لَهُ. فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلاثةً. قَال: "دَفَنْتِ ثَلاثةً؟ " قَالت: نَعَم. قَال: "لَقَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ [2/ 510] من طريق سليمان التيمي عن أبي السليل عن أبي حسَّان. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6544 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين مصغرًا الكندي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ لأبي بكر) بن أبي شيبة (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا حفص يعنون ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق (عن جده) طلق بن معاوية النخعي أبي غياث الكوفي روى عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير فيمن مات له ثلاثة من الأولاد عن شريح القاضي ويروي عنه (م س) وحفص بن غياث وجرير بن عبد الحميد وشريك وثقه ابن حبان له عندهم فرد حديث وقال في التقريب تابعي كبير مخضرم مقبول من الثانية (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم) أي جاءته (بصبي لها) لم أر من ذكر اسمها واسم صبيها. (فقالت يا نبي الله ادع الله له) أي لهذا الصبي أن يكبر ويحيى (فـ) ـوالله (لقد دفنت ثلاثة) من الأولاد فـ (ـقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أ (دفنت ثلاثة) من الأولاد (قالت) المرأة (نعم) دفنتهم فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم والله (لقد

احْتَظرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدِ مِنَ النَّارِ". قَال عُمَرُ، مِنْ بَينِهِم: عَنْ جدِّهِ. وَقَال الْبَاقُونَ: عَنْ طَلقٍ. وَلَمْ يَذكُرُوا الْجَدَّ. 6545 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ طَلْقِ بْنِ مُعَاويةَ النَّخَعِيِّ، أَبِي غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ احتظرت بحظار شديد من النار) أي امتنعت بمانع وثيق من النار وتحصنت منها بحصن حصين وأصل الحظر المنع وأصل الحظار بكسر الحاء وفتحها ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط اهـ نووي وفي النهاية لقد حميت بحمى عظيم من النار يقيك حرّها ويؤمنك دخولها اهـ قال الأبي وفي هذه الأحاديث أن أولاد المؤمنين في الجنة قال المازري أجمعوا على ذلك في أولاد الأنبياء عليهم السلام وكذا أولاد المؤمنين عند الجمهور وبعضهم ينكر وجود الخلاف في ذلك لظاهر القرآن ولما ورد في الأخبار قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} وإنما الخلاف في أولاد المشركين اهـ. (قال عمر) بن حفص (من بينهم) أي من بين مشايخ المؤلف لفظة (عن جدّه وقال الباقون) من مشايخ المؤلف الثلاثة لفظة (عن طلق) في السند (ولم يذكروا) أي لم يذكر الباقون من مشايخه غير عمر لفظة (الجد) أي لم يقولوا عن جده بل قالوا عن طلق والمؤدى واحد اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الجنائز باب من قدم ثلاثًا [1877]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6545 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن طلق بن معاوية النخعي) الكوفي (أبي غياث عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) البجلي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لحفص بن غياث (قال) أبو

جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِابنٍ لَهَا. فَقَالت: يَا رَسُولَ الله، إنهُ يَشتَكِي. وإنِّي أَخَافُ عَلَيهِ. قَدْ دَفَنْتُ ثَلاثَةً. قَال: "لَقَدِ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّارِ". قَال زُهَيرٌ: عَنْ طَلقٍ. وَلَمْ يَذكُرِ الكُنْيَةَ. 6546 - (00) (00) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "إِنَّ الله، إِذَا أَحَبَّ عَبدًا، دَعَا جِبرِيلَ فَقَال: إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبّهُ. قال: فَيُحِبهُ جِبرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي السمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ الله يحبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها فقالت يا رسول الله إنه) أي إن هذا الولد (يشتكي) ويمرض (وإني أخاف عليه) الموت و (قد دفنت ثلاثة) من الأولاد (قال) لها النبي صلى الله عليه وسلم والله (لقد احتظرت) واحتجبت (بحظارٍ) أي بحجاب (شديد) أي قوي لا يتهدم (من النار) الأخروية (قال زهير) بن حرب في روايته (عن طلق) بن معاوية بالعنعنة (ولم يذكر) زهير في روايته (الكنية) يعني لفظة أبي غياث وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو إذا أحب الله عبدًا حبَّبه إلى عباده بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6546 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن جرير بن قرط الضبي الكوفي (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (عن أبيه) أبي صالح السمّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا أحبَّ عبدًا) من عباده ومحبة الله لعبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها الرضا عنه (دعا جبريل) الأمين عليه السلام أي ناداه (فقال) له (إني أُحبّ فلانًا فأحبه) يا جبريل (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيحبه جبريل ثم ينادي) جبريل (في السماء) أي في جنس السماء الشامل لكلها (فيقول) جبريل لأهل السماء في ندائه إياهم (أن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء) كلهم معنى محبة الملائكة للعبد ثناؤهم عليه واستغفارهم له وإكرامهم له عند

قَال: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضْهُ. قَال: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ الله يُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضُوهُ. قَال: فَيُبْغِضُونَهُ. ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ في الأرضِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لقائه إياهم والله أعلم اهـ من المفهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يوضع) ويهبط ويجعل (له) أي لذلك العبد (القبول في) أهل (الأرض) والمحبة ومعنى القبول محبة قلوب أهل الدين والخير له والرضا والسرور بلقائه واستطابة ذكره في حال غيبته كما أجرى الله تعالى عادته بذلك في حق الصالحين من سلف هذه الأمة ومشاهير الأئمة والقول في البغض على النقيض من القول في الحب اهـ من المفهم (وإذا أبغض) الله (عبدًا) من عباده ومعنى بغض الله لعبده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها الانتقام منه (دعا جبريل) أي ناداه (فيقول) له (إني أبغض فلانًا فأبغضه قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء أن الله يبغض فلانًا فأبغضوه قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيبغضونه ثم توضع) وتجعل (له البغضاء في) أهل (الأرض) والعياذ بالله تعالى من بغض الله وبغض عباده. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 514] والبخاري في الأدب باب المقة في الله تعالى [6040] وفي التوحيد باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة [7485] والترمذي في تفسير سورة مريم [3161] قوله "إن الله إذا أحبُّ عبدًا" إلخ وقد وقع في بعض الأحاديث بيان سبب هذه المحبة وبيان المراد بها فقد أخرج أحمد في مسنده [5/ 279] عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى ولا يزال بذلك فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ َ لجبريل إن فلانًا عبدي يلتمس أن يرضيني ألا وإن رحمتي عليه فيقول جبريل رحمة الله على فلان ويقولها حملة العرش ويقولها من حولهم حتى يقولها أهل السماوات ثم تهبط له إلى الأرض قوله (ثم يوضع له القبول في الأرض) يعني تقبله القلوب بالمحبة والميل إليه والرضا قال الحافظ في الفتح [1/ 462] ويؤخذ منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله تعالى له قلت والظاهر أن المراد بمحبة الناس محبة الصالحين منهم فإنه علامة لمحبة الله إياه أما محبة الفساق والفجرة والجهلة فلا عبرة بها وزاد الترمذي في آخر هذا الحديث ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)}.

6547 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ). وَقَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ). ح وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشعَثِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهبٍ. حَدثني مَالِكٌ، (وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ)، كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي المبارق قوله: "ثم ينادى في السماء" فائدة هذا النداء الإعلام بأن يستغفر له أهل السماء والأرض ومعنى "ثم يوضع له القبول في الأرض" إلخ أي يهبط له الحب في قلوب الناس ورضاهم منه فتميل إليه القلوب وترضى عنه اهـ نووي وفي القسطلاني أن محبوب القلوب محبوب الله ومبغوضها مبغوض الله اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6547 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري) المدني ثقة من (8) روى عنه في (8) أبواب (وقال قتيبة) أيضًا (حدثنا عبد العزيز) بن محمَّد بن عبيد (يمني الدراورديّ) الجهنيِّ المدني صدوق من (8) ورى عنه في (9) أبواب (ح وحدثناه سيد بن عمرو) الكندي (الأشعثي) الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن العلاء بن المسيب) بن رافع الأصليّ الكوفي روى عن سهيل في البر والصلة باب الحب والبغض وفضيل بن عمرو في القدر وإبراهيم النخعي وخيثمة بن عبد الرحمن ويروي عنه (خ م س ق) وعبثر بن القاسم وجرير بن عبد الحميد وزهير بن معاوية وغيرهم وقال ابن معين ثقة مأمون وقال العجلي ثقة وأبوه من خيار التابعين وقال ابن سعد كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ربما يهم من السادسة (ح وحدثني هارون بن سيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن وهب) المصريّ (حدثني مالك وهو ابن أنس كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين يعني القاري والدراوردي وابن المسيب ومالك بن أنس رووا (عن سهيل بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لجرير بن عبد الحميد (غير أن حديث العلاء بن المسيب ليس فيه ذكر البغض) يعني البغضاء.

غَيرَ أَن حَدِيثَ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ لَيسَ فِيهِ ذِكرُ البُغضِ. 6548 - (00) (00) حدّثني عَمْرو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخبَرَنَا عَبدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، الْمَاجِشُونُ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ. قَال: كُنَّا بِعَرَفَةَ. فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ. فَقَامَ النَّاسُ يَنظُرُونَ إِلَيهِ. فَقُلتُ لأَبِي: يَا أَبَتِ إِني أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَال: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الحُبِّ في قُلُوبِ النَّاسِ. فَقَال: بِأَبِيكَ! أَنتَ، سَمِعْت أَبَا هُرَيرَةَ يحدث عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6548 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمَّد (الناقد) البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المجاشون) بالرفع صفة لعبد العزيز التيمي المدني ثقة من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن سهيل بن أبي صالح) غرضه بيان متابعة الماجشون لجرير بن عبد الحميد (قال) سهيل (كنا بعرفة) الموقف مع والدي (فمرّ) علينا (عمر بن عبد العزيز) الأموي المدني أمير المؤمنين (وهو) أي والحال أن عمر بن عبد العزيز أمير (على) أهل (الموسم) أي على أهل مجمع الحج قال القاضي عياض أي كان أميرًا على الحج بالناس سمي بذلك من الوسم وهي العلامة ومنه مواسم الأسواق أي علاماتها التي يجتمع إليها الناس كأنه يريد علامات الأمير أو راياته التي يجتمع إليها الناس أو تكون إشارةً إلى الإهلال الذي هو علامة الحج وهو رفع الصوت بالتلبية اهـ أبي (فقام الناس) أي أهل الموقف حالة كونهم (ينظرون إليه فقلت لأبي) أي لوالدي أبي صالح السمان (يا أبت إني أرى الله) وأظنه أنه (يحب عمر بن عبد العزيز قال) أبي أبو صالح (وما ذاك) أي وما سبب ذاك الظن الذي ظننته يا ولدي قال سهيل (قلت) في جواب سؤال أبي ظننت ذلك الظنّ (لما) أي لأجل ما حصل (له) أي لعمر بن العزيز (من الحبّ) أي من المحبوبية (في قلوب الناس فقال) لي أبي أبو صالح (بأبيك) متعلق بمحذوف خبر مقدم لقوله (أنت) الذي هو مبتدأ مؤخر عن قوله بأبيك والمعنى أنت يا ولدي مفديّ من كل مكروه بأبيك الذي هو أنا يريد نفسه لفراستك هذه وفيه مدحٌ من الوالد وتفديته بنفسه والله أعلم وإنما فديتك بنفسي لهذه الفراسة لأني (سمعت أبا هريرة يحدث عن

رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيلٍ. 6549 - (2614) (181) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يعني ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَندَةٌ. فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائتَلَفَ. وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر) عبد العزيز الماجشون (بمثل حديث جرير عن سهيل). ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو قوله "الأرواح جنود مجندة" بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6549 - (2614) (181) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمَّد) بن عبيد الدراوردي (عن سهيل) بن أبي صالح، (عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأرواح) يعني أرواح بني آدم قبل نفخها في الأجساد (جنود) أي جموع (مجندة) أي مجمّعة في عالم الأرواح (فما تعارف منها) أي من الأرواح أي حصل التعارف بينهما في عالم الأرواح للتشابه في صفاتها كالسعادة والشقاوة أو نوعها كالعرب والعجم (ائتلف) واستأنس فيما بينها في عالم الأشباح أي ائتلف فيما بينها عند حلولها في الأجساد في عالم الدنيا لموافقة صفاتها من السعادة والشقاوة أو نوعها كالعرب والعجم (وما تناكر) وتجاهل (منها) في عالم الأرواح لاختلاف صفاتها أو نوعها (اختلف) أي حصلت المخالفة بينها في عالم الأجساد لاختلاف صفاتها كالسعيد والشقي أو نوعها كالعرب والعجم. قال القرطبي قوله: "الأرواح جنود مجندة" قد تقدم القول في الروح والنفس في كتاب الطهارة ومعنى أجناد مجندة أي أصناف مصنفة وقيل أجناس مختلفة يعني بذلك أن الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحًا فإنها تتمايز وتتباين بأمور وأحوال مختلفة تتنوع بها فتتشاكل أشخاص النوع وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها ثم إنا نجد بعض

6550 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشام. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أشخاص النوع الواحد تتآلف وبعضها تتنافر وذلك بحسب أمور تتشاكل فيها وأمور تتباعد فيها كالأرواح المجبولة على الخير والرحمة والشفقة والعدل فتجد من جبل على الرحمة يميل بطبعه لكل من كان فيه ذلك المعنى ويألفه ويسكن إليه وينفر ممن اتصف بنقيضه وهكذا في الجفاء والقسوة ولذلك قد شاع في كلام الناس قولهم المناسبة تؤلف بين الأشخاص والشكل يألف شكله والمثل يجذب مثله وهذا المعنى هو أحد ما حمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وعلى هذا فيكون معنى تعارف تناسب وقيل إن معنى ذلك هو ما تعرّف الله به إليها من صفاته ودلّها عليه من لطفه وأفعاله فكل روح عرف من الآخر أنه تعرّف إلى الله بمثل ما تعرّف هو به إليه وقال الخطابي هو ما خلقها الله تعالى من السعادة والشقاوة في المبدأ الأول "قلت وهذان القولان" راجعان إلى القول الأول فتدبرّهما. ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فتش عن الموجب لتلك النفرة وبحث عنه بنور العلم فإنه ينكشف له فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك أو في تضعيفه بالرياضة السياسية والمشاهدة الشرعية حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم فيميل لأهل العلوم والفضائل وكذلك القول فيما إذا وجد ميلًا لمن فيه شر أو وصف مذموم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [295] والبخاري في رواية هذا اللفظ من حديث عائشة في كتاب الأنبياء [3336] وأبو داود في الأدب باب من يؤمر أن يجالس [4834]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6550 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا كثير بن هشام) الكلابي أبو سهل الرقي نزيل بغداد ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا جعفر بن برقان) بضم الموحدة وكسرها مع سكون الراء بعدها قاف الكلابي الجزري الرّقي صدوق من (7) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا يزيد بن الأصمّ) عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي الكوفي نزيل الرقة ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه

بِحَدِيثٍ يَرْفَعُهُ. قَال: "النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضةِ وَالذهَبِ. خِيَارُهُم في الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُم في الإِسْلامِ إِذَا فَقُهُوا. وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ. فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتلَفَ. وَمَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ". 6551 - (2615) (182) حدثنا عَبدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مالك؛ أَن أَعْرَابيًّا قَال لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: مَتَى السَّاعةُ؟ قَال لَهُ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " قَال: حُبَّ الله وَرَسُولِهِ. قَال: "أَنْتَ مَعَ مَن أَحْبَبتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة يزيد بن الأصم لأبي صالح أي روى يزيد بن الأصم عن أبي هريرة (بحديث يرفعه) أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوقفه على نفسه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (الناس معادن) أي أجناس مختلفة في الطبائع وأنواع متنوعة في الأخلاق (كمعادن) أي كاختلاف معادن (الفضة والذهب خيارهم) أي أفاضلهم (في الجاهلية خيارهم في الإِسلام إذا فقهوا) في الدين (والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) في الدنيا وقد أخرج المؤلف هذا الحديث في فضائل الصحابة باب خيار الناس وقد سبق شرحه هناك. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو المرء مع من أحب بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6551 - (2615) (182) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري ثقة من (9) (حدثنا مالك) بن أنس الإِمام المدني الأصبحي (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن أعرابيًّا) هو صفوان بن قدامة وقد وقع هذا السؤال لغير واحد منهم أبو موسى الأشعريّ وأبو ذر الغفاري اهـ تنبيه المعلم (قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى) قيام (الساعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعددت) أي شيء أعددت وهيأت (لها) من الزاد (قال) الأعرابي هيأت لها يا رسول الله (حبّ الله) عَزَّ وَجَلَّ (و) حب (رسوله) صلى الله عليه وسلم فـ (ـقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت) تكون يوم القيامة (مع من أحببت) قوله صلى الله عليه وسلم ما أعددت لها. قال العيني قال شيخ شيخ الطيبي

6552 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزْهْرِيِّ، عَنْ أَنسٍ، قَال: قَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعةُ؟ قَال: "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " فَلَمْ يَذْكُرْ كَبِيرًا. قَال: وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم لأنه سأل عن وقت الساعة وأجاب بقوله ما أعددت لها يعني إنما يهمك أن تهتم بأهبتها وتعتني بما ينفعك عند قيامها من الأعمال الصالحة فقال الأعرابي ما أعددت لها إلخ قوله صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت أي داخل في زمرتهم وملحق بهم قال النووي فيه فضل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والصالحين وأهل الخير الأحياء منهم والأموات ومن فضل محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم امتثال أمرهما واجتناب نهيهما والتأدب بالآداب الشرعية ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم اهـ ولكن قال بعضهم لا يغرنك قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب فإن النصارى يدّعون محبة عيسى واليهود محبة موسى مع أنهما لم ينفعا إيّاهم يعني أن المحبة مع المخالفة لا تنفع والله أعلم. ثم إنه لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 192] والبخاري في مواضع منها في مناقب عمر [3688] وأبو داود في الأدب [5127] والترمذي في الزهد [3186]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6552 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (واللفظ لزهير قالوا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهريّ عن أنس) رضي الله عنه وهذا السند أيضًا من رباعياته غرضه بيان متابعة الزهريّ لإسحاق بن عبد الله (قال) أنس (قال رجل) من المسلمين (يا رسول الله متى الساعة) متى اسم استفهام في محل الرفع خبر مقدم للزومه الصدارة الساعة مبتدأ مؤخر أي قيام الساعة في أي وقت (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما أعددت لها) أي وأي شيء هيأت وتزودت لها من الأعمال الصالحة قال أنس (فلم يذكر) ذلك الرجل لنفسه عملًا (كبيرًا) من الأعمال الصالحة تزوده للساعة (قال) الرجل (ولكنّي أحبُّ الله ورسوله قال) النبي صلى الله عليه

"فَأَنتَ مَعَ مَن أَحْبَبتَ". 6553 - (00) (00) حدّثنيه محمد بْنُ رَافِعٍ وَعَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبدٌ: أَخبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِع: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزهْرِيّ. حَدَّثني أَنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَن رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنهُ قَال: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا من كَثِيرٍ أَحْمَدُ عَلَيهِ نَفْسِي. 6554 - (00) (00) حدّثني أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمادٌ، (يعني ابنَ زَيدٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم للرجل السائل (فأنت مع من أحبتـ) ـه. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6553 - (00) (00) (حدثنيه محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) الكسي. (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميريّ الصنعاني ثقة من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهريّ) غرضه بيان متابعة معمر لسفيان بن عيينة (حدثني أنس بن مالك أن رجلًا من الأعراب) حقق الحافظ في الفتح [7/ 49] أنه ذو الخويصرة اليماني أنه هو الذي بال في المسجد واستند الحافظ في ذلك إلى ما وقع عند الدارقطني من حديث أبي مسعود أن الأعرابي الذي بال في المسجد قال يا محمَّد متى الساعة قال وما أعددت لها وقد أخرج أبو موسى المديني في دلائل معرفة الصحابة رواية تدل على أن الذي بال في المسجد هو ذو الخويصرة اليماني وسيأتي في رواية ابن أبي الجعد أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سدة المسجد اهـ (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق معمر (بمثله) أي بمثل حديث سفيان لفظًا ومعنى (غير أنّه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته قال الأعرابي إما أعددت لها من كثير) من النوافل (أحمد) أي أمدح (عليه) أي على ذلك العمل الكثير (نفسي) لأنها ليس لها إلا الأماني الكاذبة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا فقال: 6554 - (00) (00) (حدثني أبو الرّبيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا

حَدَّثَنَا ثَابِث الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: جَاءَ رَجُل إلى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، مَتَى السَّاعةُ؟ قَال: "وَمَما أَعْدَدْتَ لِلسَّاعةِ؟ " قَال: حُبَّ الله وَرَسُولِهِ. قَال: "فَإنكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قَال أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الإِسْلامِ، فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَولِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قَالَ أَنسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ وَأبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَأَرْجُو أَنْ أكُونَ مَعَهُمْ. وَإِنْ لَمْ أعْمَل بِأَعْمَالِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة ثابت للزهراني (قال) أنس (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما أعددت للساعة) أي تزودت لها (قال) الرجل تزودت لها (حبّ الله ورسوله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنك) تكون (مع من أحببت قال أنس) بالسند السابق إنما فرحنا بعد الإِسلام فرحًا أشد من) فرحنا بـ (قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت قال أنس فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو) وأطمع (أن أكون معهم) أي مع هؤلاء الثلاثة يوم القيامة (وإن لم أعمل بأعمالهم) أي بمثل أعمالهم. قال القرطبي: "ما فرحنا بعد الإِسلام" إلخ هكذا وقع هذا اللفظ في الأصول وفيه حذف وتوسع تقديره فما فرحنا فرحًا أشد من فرحنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القول وسكت عن ذلك المحذوف للعلم به وإنما كان فرحهم بذلك أشد لأنهم لم يسمعوا أن في أعمال البر ما يحصل به ذلك المعنى من القرب من النبي صلى الله عليه وسلم والكون معه إلا حب الله ورسوله فأعظم بأمر يلحق المقصر بالمشمر والمتأخر بالمتقدم ولما فهم أنسٌ أن هذا اللفظ محمول على عمومه علق به رجاءه وحقق فيه ظنه فقال أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم والوجه الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين المحبين كل ذي نفس فلذلك تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين اهـ من المفهم. قال الكرماني وسبب فرحهم أن كونهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على

6555 - (00) (00) حدّثناه محمد بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَنَسٍ: فَأَنَا أُحِبُّ. وَمَا بَعْدَهُ. 6556 - (00) (00) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكِ قَال: بَينَمَا أنَّا وَرَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ خَارِجَينِ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَلَقِينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أنهم من أهل الجنة فإن قلت درجته في الجنة أعلى من درجاتهم فكيف يكونون معه "قلت" المعية لا تقتضي عدم التفاوت في الدرجات اهـ. 6555 - (00) (00) (حدثناه محمَّد بن عبيد) بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره موحدة (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة نسبة إلى غير بن غنم البصري روى عنه مسلم عشرين حديثًا ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي البصري صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا ثابت) بن أسلم (البناني عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة جعفر بن سليمان لحمّاد بن زيد (عن النبي صلى الله عليه وسلم و) لكن (لم يذكر) جعفر بن سليمان (قول أنس فأنا أحب) الله ورسوله (وما بعده) من قوله "وأبا بكر وعمر". ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6556 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السّلمي أبو عتاب الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (20) بابا (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب. (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سالم بن أبي الجعد لثابت البنانيّ والزهري (قال) أنس (بينما) كنت (أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد) النبوي والفاء في قوله (فلقينا) وهو فعل

رَجُلًا عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ. فَقَال: يَا رَسُولَ الله، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "ما أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " قَال: فَكَان الرجُلَ اسْتَكَانَ. ثُمَّ قَال: يَا رَسُولَ الله، مَا أَعْددْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَا صَدَقَةٍ. وَلَكِنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ. قَال: "فَأَنتَ مَعَ مَن أَحْبَبتَ". 6557 - (00) (00) حدّثني محمد بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبدِ الْعَزِيزِ اليَشكُرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاعل زائدة في جواب بينما أي بينا أوقات خروجنا من المسجد لقينا أي رأينا (رجلًا عند سدّة المسجد) أي عند باب المسجد والسدة بضم السين وتشديد الدال تطلق على ما يسد به الباب وعلى المسدود الذي هو الباب اهـ من المفهم وقال النووي السدة هي الظلال المسقفة عند باب المسجد اهـ وفي القاموس السدة بالضم باب الدّار يجمع على سدد كغرفة وغرف اهـ (فقال) ذلك الرجل (يا رسول الله متى الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لذلك الرجل (ما أعددت) أي أي شيء هيّأت وتزوّدت (لها قال) أنس (فكأنَّ الرجل استكان) أي سكن تذللًا أي خضع وتواضع من الاستكانة وهو الخضوع كما في القاموس أي استقل عمله الصالح (ثم قال يا رسول الله ما أعددت لها) أي للساعة كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة) يعني ما أعددت لها كثيرًا من نوافل الصلاة ولا الصيام ولا الصدقة (ولكنّي أحب الله ورسوله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأنت مع من أحببت) وإنما قيدنا الصلاة وما بعدها بالنوافل لأن الفرائض لا بد له ولغيره من فعلها فيكون معناه أنه لم يأت منها بالكثير الذي يعتمد عليه ويرتجى دخول الجنة بسببه هذا ظاهره ويحتمل أن يكون أراد أن الذي فعله من تلك الأمور وإن كان كثيرًا فإنه محتقر بالنسبة إلى ما عنده من محبة الله تعالى ورسوله فكأنه ظهر له أن محبة الله ورسوله أفضل الأعمال وأعظم القرب فجعلها عمدته واتخذها عدته والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6557 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن يحيى بن عبد العزيز اليشكري) بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف وفي نسخة أخرى "محمَّد بن عثمان بن عبد العزيز" اهـ أصبهاني أبو علي الصائغ المروزي روى عن عبد الله بن عثمان بن جبلة في المرء مع من أحب وأخيه شاذان عبد العزيز بن عثمان وعلي بن الحكم الأنصاري

حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ. أَخبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِنَحْوهِ. 6558 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمد بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعتُ أَنَسًا. ح وحدّثنا أَبُو غَسَّان المِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، (يعني ابْنَ هِشَامٍ)، حَدَّثني ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرهم ويروي عنه (خ م س) ووثقه وأحمد بن سيار المروزي وغيرهم وقال في التقريب ثقة من الحادية عشر مات سنة [252] اثنتين وخمسين ومائتين كهلًا. (حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة) بفتحات بن أبي روّاد أيمن بن أبي صفرة الأزدي العتكي المروزي الملقب بعبدان ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرني أبي) عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي المروزي روى عن شعبة في المرء مع من أحب وقرة بن خالد ويروي عنه (خ م س) وابناه عبدان وعبد العزيز وأبو جعفر النفيلي وثقه أبو حاتم وقال في التقريب ثقة من كبار العاشرة مات على رأس المائتين [200] (عن شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الجملي الأعمى الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (عن سالم بن أبي الجعد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عمرو بن مرة لمنصور بن المعتمر وساق عمرو بن مرة (بنحوه) أي بنحو حديث منصور. ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6558 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي عن قتادة بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا) محمَّد (بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمَّد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أنسًا) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (ح وحدّثنا أبو غسّان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى قالا حدثنا معاذ يعني ابن هشام) الدستوائي (حدثني

أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. 6559 - (2616) (183) حدَّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال عُثمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ فَقَال: يَا رَسُولَ الله، كَيفَ تَرَى في رَجُلٌ أَحَبَّ قَوْمًا ولما يَلْحَق بِهِم؟ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "المَرْءُ مَعَ مَن أَحَبَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي) هشام (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه وساق قتادة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة قتادة لمن روى عن أنس وساق قتادة (بهذا الحديث) المذكور آنفًا. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 6559 - (2616) (183) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته. (قال) ابن مسعود (جاء رجل) قيل هو أبو موسى الأشعري وقيل هو صفوان بن قدامة وقيل أبو ذر رضي الله عنه ويظهر أن هذا السؤال وقع من جماعة من الصحابة وقد سرد أحادثهم الحافظ في فتح الباري [10/ 557 و 558] (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى) وتعلم وتقول (في رجلٍ أحبَّ قومًا) صالحين (ولمّا يلحق بهم) أي والحال أنه لم يلحق بهم في أعمالهم الصالحة في الحال وفي الماضي وكلمة لما تدل على أنه يحاول أن يتبعهم ولم يلحقهم بعد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع مَنْ أحبَّ) فيه أن حب الله سبحانه وحب رسوله أفضل الطاعات وأعلى درجات الأصفياء ومن عمل القلب الذي الأجر عليه أعظم من عمل الجوارح ولذا رقى من اتصف به إلى منزلة من أحبه فيه كذا في الأبي وفي المبارق يعني من أحب قومًا بالإخلاص يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم وفيه الحث على محبة الصالحين والأخيار رجاء اللحاق بهم والخلاص من النار اهـ.

6560 - (00) (00) حدثنا محمد بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنِيهِ بِشرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخبَرَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوَّابِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ قَزمٍ. جَمِيعًا عَنْ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبدِ الله، عَنِ النبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمِثلِهِ. 6561 - (2617) (184) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 392] والبخاري في الأدب باب علامة الحب في الله عَزَّ وَجَلَّ [6168 و 6169]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6560 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنيه بشر بن خالد) الفرائضي أبو محمَّد العسكري ثم البصري ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا محمَّد يعني ابن جعفر) الهذلي ربيب شعبة (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي وابن جعفر رويا (عن شعبة ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني (حدثنا أبو الجوّاب) الأحوص بن جواب الضبي الكوفي صدوق من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن قرم) بفتح فسكون بن معاذ الضبي البصري قال ابن معين والنسائي ضعيف وقال في التقريب سيء الحفظ يتشيع من (7) روى عنه في (2) الطلاق والبر والصلة وقال النووي هو ضعيف لكن لم يحتج به مسلم بل ذكره متابعة وقد سبق أنه يذكر في المتابعة بعض الضعفاء لبيان كثرة طرقه اهـ (جميعًا) أي كل من شعبة وسليمان بن قرم رويا (عن سليمان) الأعمش (عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد وساقا (بمثله) حديث جرير بن عبد الحميد. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6561 - (2617) (184) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو

مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ، عَنِ ألأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ رَجُلٌ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. 6562 - (2618) (185) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ -وَاللَّفْظُ لِيَحيَى- (قَال يَحْيَى: أخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبدِ الله بْنِ الصامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قِيلَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: أَرَأَيتَ الرجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الْخَيرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ معاوية ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد) بن أبي أمية اسمه عبد الرحمن الطنافسي أبو عبد الله الكوفي الأحدب الإيادي مولاهم قال في التقريب ثقة من (11) روى عنه في (3) أبواب كلاهما (عن الأعمش عن) أبي وائل (شقيق) بن سلمة (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي معاوية ومحمد بن عبيد لجرير بن عبد الحميد ولكنها متابعة في الشاهد وهي قليلة في كتابه (قال) أبو موسى (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) فقال يا رسول الله الحديث (فذكر) الراوي ولو قال "فذكرا" بألف التثنية لكان أوضح أي ذكر أبو معاوية ومحمد بن عبيد (بمثل حديث جرير عن الأعمش) يعني حديث ابن مسعود. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو الثناء على الصالح بحديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6562 - (2618) (185) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو الرَّبيع) الزهرانيّ سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري (فضيل بن حسين) البصري (واللفظ ليحيى قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري الربذي روى عنه في (5) أبواب وهذا السند من خماسياته (قال) أبو ذر (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم) لم أر من ذكر اسم هذا القائل اهـ تنبيه المعلم (أرأيت الرجل) أي أخبرني عن الرجل (يعمل العمل من الخير) أي

وَيحْمَدُهُ الناسُ عَلَيهِ؟ قال: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشرَى المُؤمِنِ". 6563 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ، عَنْ وَكِيعٍ. ح ـــــــــــــــــــــــــــــ العمل الصالح (وبحمده الناس عليه) أي على ذلك العمل ويثنونه هل يؤاخذ به أم لا فـ (ـقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤاخد به (تلك) المدحة (عاجل بشرى المؤمن) أي البشارة المعجلة له في الدنيا وهي دليل البشرى المؤخرة له إلى الآخرة المذكورة بقوله تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} الآية وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق اهـ نووي. ثم يوضع له القبول في الأرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض منه مذموم. والحاصل أن عمل الخير لاستجلاب مدح الناس رياء وهو حرام ولكن إذا كان عمله خالصًا لوجه الله تعالى ثم أثنى عليه الناس خيرًا بدون أن يطلب منهم ذلك فإنه علامة القبول من الله تعالى وإن مثل هذا المدح لا يبعثه على الإعجاب بنفسه وإنما يحمله على الشكر لله تعالى حيث ألقى محبته في قلوب الناس وستر عيوبه عن أعينهم والله سبحانه وتعالى أعلم. قوله "أرأيت الرجل" إلخ قال القرطبي يعني الرجل الذي يعمل العمل الصالح خالصًا ولا يريد إظهاره للناس لأنه لو عمله ليحمده الناس أو يبروه لكان مرائيًا ويكون ذلك باطلًا فاسدًا وإنما الله تعالى بلطفه ورحمته وكرمه يعامل المخلصين في الأعمال الصادقين في الأقوال والأحوال بأنواع من اللطف فيقذف في القلوب محبتهم ويطلق الألسنة بالثناء عليهم لينوه بذكرهم في الملأ الأعلى ليستغفروا لهم وينشر طيب ذكرهم في الدنيا ليقتدى بهم فيعظم أجرهم وترتفع منازلهم وليجعل ذلك علامة على استقامة أحوالهم وبشرى بحسن مآلمهم وكثير ثوابهم ولذلك قال تلك عاجل بشرى المؤمن والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 157] وابن ماجه في الزهد باب الثناء الحسن [4268]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6563 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن وكيع ح

وَحَدَّثَنَا محمد بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا محمد بْنُ الْمُثَنَّى. حَدثني عَبْدُ الصَّمَدِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ. أَخبَرَنَا النَّضْرُ. كُلهمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ. بِإِسْنَادِ حمّادِ بْنِ زيدٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِ، غَيرَ أَن في حَدِيثِهِمْ عَنْ شُعْبَةَ، غَيرَ عَبْدِ الصَّمَدِ: ويحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيهِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ: وَيحْمَدُهُ النَّاسُ. كَمَا قَال حَمَّادٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحدثنا محمَّد بن بشار حدثنا محمَّد بن جعفر ح وحدثنا محمَّد بن المثنى حدثني عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري (ح وحدثنا إسحاق) بن منصور بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثقة من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا النضر) بن شميل المازني أبو الحسن البصري ثقة من (9) روى عنه في (9) أبواب كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة يعني وكيعًا وابن جعفر وعبد الصمد والنضر بن شميل رووا (عن شعبة عن أبي عمران الجوني) غرضه بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعة شعبة لحماد بن زيد وساق شعبة (بإسناده حماد بن زيد) يعني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر (بمثل حديثه) أي بمثل حديث حماد بن زيد (غير أن) أي لكن أن (في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الأربعة (عن شعبة غير عبد الصمد) منهم لفظة (ويحبه الناس عليه) أي على ذلك الخير أو لأجل ذلك الخير الذي هو العمل الصالح (وفي حديث عبد الصمد) وروايته لفظة (ويحمده الناس) عليه حال كونه قائلًا (كما قال حمّاد) بن زيد أي مثل ما قال حماد والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والرابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والخامس حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والسادس حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسابع حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه سبع متابعات والثامن حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث أبي موسى

كتاب القدر

بسم الله الرحمن الرحيم (27) كتاب القدر ـــــــــــــــــــــــــــــ الأشعري ذكره للاستشهاد والعاشر حديث أبي ذر الغفاري ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلت إلى كتاب القدر في تسويد هذا الشرح المزاج في يوم الجمعة قبيل صلاتها ليوم الحادي والعشرين من شهر المحرم من تاريخ 21/ 1 / 1428 هـ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية وعلى آله سادات الأمة وصحبه ذوي المقامات السنية وتابعيهم على الملة الحنيفية إلى يوم العرض والمحاسبة اللهم يسر حسابنا وحساب جميع المسلمين والمسلمات آمين. (27) كتاب القدر والقدر بفتح القاف والدال وقد تسكن قال الراغب القدر هو التقدير والقضاء هو التفصيل والقطع فالقضاء أخص من القدر لأنه الفصل بين التقدير فالقدر كالأساس والقضاء هو التفصيل والقطع وذكر بعضهم أن القدر بمنزلة المعد للكيل والقضاء بمنزلة الكيل ولهذا لما قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنه لما أراد الفرار من الطاعون بالشام أتفر من القضاء قال عمر أفر من قضاء الله إلى قدر الله تعالى تنبيهًا على أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفعه الله فإذا قضى فلا مدفع له ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} تنبيهًا على أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه. وقال أهل السنة إن الله تعالى قدر الأشياء أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد منها ما سبق في علمه فلا محدث في العالم العلوي والعالم السفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى وبقدرة الله وإلهامه لا إله إلا هو ولا خالق غيره كما نص عليه القرآن والسنة. وقال ابن السمعاني سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء ولا ما يطمئن به القلب لأن القدر من أسرار الله تعالى اختص العلم الخبير به وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب اهـ من القسطلاني. ***

731 - (20) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وكل إنسان ميسر لما خلق له

731 - (20) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وكل إنسان ميسر لما خلق له 6564 - (2619) (186) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا محمد بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ الْهَمْدَانِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي وَأَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ. قَالُوا: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الله قَال: حَدَّثَنَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ: "إِن أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. ثُمَّ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 731 - (20) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وكل إنسان ميسر لما خلق له 6564 - (2619) (186) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير الهمداني واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (وأبو معاوية ووكيع قالوا حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب) الجهني أبي سليمان الكوفي ثقة مخضرم من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) ابن مسعود (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلّى الله عليه وسلم (الصادق) أي المخبر بالقول الحق الصدق (المصدوق) الذي صدقه الله وعده اهـ قسطلاني وعبارة الأبي "وهو الصادق" أي فيما يخبر به "المصدوق" أي فيما يوحي به إليه وهذه الجملة الأولى أن تكون اعتراضية لا حالية ليعم الأحوال كلها وأن يكون من عادته ودأبه ذلك فما أحسن موقعه هنا (أن أحدكم) يا معشر الآدميين بكسر همزة إن على حكاية لفظه صلى الله عليه وسلم اهـ نووي (يجمع) بضم الياء وسكون الجيم وفتح الميم على صيغة المبني للمجهول (خلقه) من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول أي يجمع أصل جثته ومادة خلقه وهي المنيُّ (في بطن أمه) أي في رحم أمه بعد أن انتشر في جسمها وقوله (أربعين يومًا) ظرف ليجمع أي يجمع مادة خلقه في الرّحم في تمام أربعين بعد أن انتشر في جسمها قال في النهاية يجوز أن يراد بالجمع مكث النطفة في الرحم أي تمكث النطفة في الرحم "أربعين يومًا" تتخمّر فيها حتى تتهيَّأ للخلق قال القرطبي المراد أن المغني يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدّافعة مبثوثًا متفرقًا فيجمعه في محل الولادة من الرحم في أربعين يومًا نطفة أي دمًا سائلًا (ثم يكون)

في ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ. ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ. ويُؤمَرُ بِأَرْبَعٍ كَلِمَاتٍ: بِكَتبِ رِزقِهِ، وَأَجَلِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أصل خلقه (في ذلك) الرحم (علقة) أي دمًا غليظًا يعلق بالشيء (مثل ذلك) أي في مثل ذلك الزمن المذكور من الأربعين الأولى أي يكون علقة في الأربعين الثانية فذلك الأول إشارة إلى المحل الذي اجتمعت النطفة وصارت علقة وذلك الثاني إشارة إلى الزمان الذي هو الأربعون وكذلك القول فيما بعده اهـ مفهم (ثم يكون) أصل خلقه (في ذلك) الرحم (مضغة) أي قدر لحم يمضغ عند الأكل في (مثل ذلك) الزمن المذكور أولًا من الأربعين وهو الأربعون الثالثة (ثم) بعد ما كان مضغة في الأربعين الثالثة (يرسل الملك) الموكَّل بالرّحم (فينفخ فيه) أي في أصل خلقه الذي كان الآن مضغة (الروح) أي ينفخ فيه الروح بعد تمام ثلاث أربعينات له وهو قدر أربعة أشهر والحاصل أن الذي يجمع هو النطفة والنطفة المنيّ فهذا لاقى مني الرجل منيّ المرأة بالجماع وأراد الله تعالى أن يخلق من ذلك جنينًا هيأ أسباب ذلك لأن في رحم المرأة قوتين قوة انبساط عند منيّ الرجل حتى ينتشر في جسدها وقوّة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسًا ومع كون المني ثقيلًا بطبعه وفي منيّ الرجل قوة الفعل وفي منيّ المرأة قوة الانفعال "ثم يكون علقة" أي دمًا غليظًا جامدًا تحول من النطفة البيضاء إلى العلقة الحمراء وسمي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلّقه بما مرّ به "مثل ذلك" الزمان وهو الأربعون "ثم يكون" أي يصير "مضغة" بضم الميم وسكون المعجمة قطعة لحم قدر ما يمضغ "مثل ذلك" الزمان وهو الأربعون الثالثة "ثم" في الطور الرابع حيث يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه "يرسل الملك" وفي حديث علي عند ابن أبي حاتم إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكًا فينفخ فيها الروح يعني الملك الموكل بالرحم كما قال في حديث أنس رضي الله عنه "إن الله قد وكل بالرحم ملكًا" رواه مسلم [2646] وظاهر هذا السياق أن الملك عند مجيئه ينفخ الروح في المضغة وليس الأمر كذلك بل إنما ينفخ فيها بعد أن تتشكل تلك المضغة بتشكل ابن آدم وتتصور بصورته كما قدرناه آنفًا (ويؤمر) الملك (بـ) كتابة (أربع كلمات) أي بكتابة أربعة أشياء من أحوال الجنين والجار والمجرور في قوله (بكتب رزقه) بدل من الجار والمجرور قبله بدل تفصيل من مجمل أي يؤمر بكتابة رزقه أي غذائه حلالًا أو حرامًا قليلًا أو كثيرًا وكل ما سقاه الله تعالى إليه فيتناول العلم ونحوه (و) بكتابة (أجله)

وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعيدٌ. فَوَالذِي لَا إِلهَ غَيرُهُ، إِنَّ أَحَدَكم لَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ الْجَنَّةِ حَتى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ. فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ. فَيَدْخُلُهَا. وَإِن أَحَدَكُم لَيَعَمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ. حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَهَا إلا ذِرَاعٌ. فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الْكِتَابُ. فَيعْمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ طويل أو قصير (و) بكتابة (عمله) طاعة أو معصية (وشقي) باعتبار ما يختم له (أو سعيد) كذلك وكل من اللفظين بالرفع على أنه خبر لمحذوف ويجوز الجر بالعطف على المجرور قبله (فوالذي لا إله غيره أن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات (حتى ما يكون بينه وبينها) أي بين الجنة (إلا ذراع) والمراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه وإن تلك الدار ما بقي بينه وبين أن يصلها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع والمراد من هذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس لا أنه غالبٌ فيهم ثم إنه من لطف الله تعالى وسعت رحمته انقلاب الناس من الشر إلى الخير في كثرة وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور ونهاية القلة اهـ نووي. وقوله "بعمل أهل الجنة" فالباء في بعمل زائدة للتأكيد أي يعمل عمل أهل الجنة أو ضمن يعمل معنى يتلبس أي يتلبس بعمل أهل الجنة اهـ قسط (فيسبق عليه) ما تصقنه (الكتاب) بفاء التعقيب المقتضية لعدم المهملة وضمن يسبق معنى يغلب أو عليه في موضع نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعًا عليه أي يسبق عليه مكتوب الله وهو القضاء الأزلي (فيعمل بعمل أهل النار) من المعاصي (فيدخلها) (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار) من المعاصي (حتى ما يكون بينه وبينها) أي بين النار (إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب) أي مكتوب الله الأزلي (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) أي فيدخل الجنة والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت فيحال بينه وبين المقصود بمقدار ذراع من المسافة وضابط ذلك الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة. وقد ذكر في هذا الحديث أهل الخير صرفًا إلى الموت لا الذين خلطوا وماتوا على الإِسلام فلم يقصد تعميم أحوال المكلفين بل أورده لبيان أن الاعتبار بالخاتمة ختم الله أعمالنا بالصالحات بمنه وكرمه آمين اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 382] والبخاري في مواضع كثيرة منها في التوحيد باب {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [7454] وأبو داود في السنة

6565 - (00) (00) حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وإِشحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سعيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وكيع. ح وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الحجاجِ. كُلُّهُم عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَال في حَدِيثِ وَكِيعٍ: "إِن خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيلَةً". وَقَال في حَدِيثِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ: "أَرْبَعِينَ لَيلَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا". وَأَمَّا في حَدِيثِ جَرِيرٍ وَعِيسَى: "أَرْبَعِينَ يَوْمًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ باب في المقدار [4708] والترمذي في القدر باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم [2138] وابن ماجه في المقدمة باب في القدر (64). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6565 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (كلاهما عن جرير بن عبد الحميد) صرح نسبته هنا لندرة روايته عن الأعمش (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا وكيع ح وحدّثناه عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري ثقة من (9) (حدثنا شعبة بن الحجاج) بن الورد (كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين من جرير وعيسى ووكيع وشعبة رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن يزد بن وهب وابن مسعود غرضه بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأبي معاوية ولكن (قال) أبو سعيد الأشج (في حديث وكيع) وروايته (أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة) بدل أربعين يومًا (وقال) عبيد الله (في حديث معاذ عن شعبة أربعين ليلة) في موضع و (أربعين يومًا) في موضع آخر (وأما في حديث جرير وعيسى أربعين يومًا) في الموضعين كحديث أبي معاوية والله أعلم. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنهما فقال:

6566 - (2620) (187) حدثنا محمد بْنُ عَبدِ الله بْنِ نُمَيرٍ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لابنِ نُمَيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، يَبلُغُ بِهِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "يَدخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تستقِر في الرحِمِ بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ 6566 - (2620) (187) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب واللفظ لابن نمير قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار) الجمحي المكي (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المكي ولد عام أحد وأثبت مسلم وابن عدي صحبته ورؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر من مات من الصحابة على الإطلاق رضي الله عنه روى عنه في (10) أبواب (عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة مكبرًا بن خالد بن الأعوز بن الواقعة بن وقيعة بن جروة بن غفار أبي سريحة بوزن عجيبة الغفاري الكوفي له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أصحابه الذين بايعوه تحت الشجرة حديثه في الكوفيين رضي الله عنه له (4) أحاديث انفرد (م) بحديثين روى عنه أبو الطفيل في القدر حالة كونه (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفع بهذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (يدخل الملك) الموكل بالرحم (على النطفة بعد ما تستقر) النطفة (في الرحم) أي بعد استقرارها وتجمعها في الرحم بعد ما انتشرت في جسد المرأة وقوله (بأربعين) ليلة متعلق يستقر أي بعد ما استقرت في أربعين ليلة (أو) قال الراوي (خمسة وأربعين ليلة) شك من الراوي يعني بعد تجمعها في الرحم في الأربعين الأولى أو متعلق بيدخل أي يدخل عليه بعد استقرارها وتمكنها في الرحم بكونه علقة ومضغة ومضي أربعين ليلة أو قال ومضي خمسة وأربعين ليلة وهذه الأربعون غير أربعين النطفة وأربعين العلقة وأربعين المضغة وهي الأربعون الرابعة على هذا الاحتمال قال القرطبي قوله "بعد ما تستقر في الرحم" يعني بهذا الاستقرار صيرورة النطفة علقة أو مضغة لأن النطفة قبل ذلك غير مجتمعة لأنها في الأربعين الأولى دم وإنما تكون علقة بأول الأربعين الثانية وهذا يؤيد الاحتمال الثاني فإذا اجتمعت وصار ماء واحدًا علقة أو مضغة أمكن حينئذ أن تؤخذ بالكف وسمّاها نطفة

فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ. فَيَقُولُ: أَي رَبِّ، أَذَكَرٌ، أَوْ أُنثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزقُهُ. ثُمَّ تُطوَى الصُّحُفُ. فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ". 6567 - (00) (00) حدّثني أَبُو الطاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الزبَيرِ الْمَكي؛ أَن عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدثَهُ؛ أنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في حالة كونها علقة أو مضغة نظرًا إلى اسم مبدئها والله تعالى أعلم. وقوله يدخل على النطفة هذا معارض لما سبق في الرواية الأولى من قوله ثم يرسل الملك إلخ قال النووي قال العلماء طريق الجمع بين هذه الروايات أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة ويقول يا رب هذه علقة إلخ وقيل إن هذا الملك غير الملك الموكل بالرحم لأنه يأتي بعد الأربعين الثالثة (فيقول) الملك الداخل عليها (يا رب أ) هذا المخلوق (شقي) أي خائب عن حظ الآخرة (أو) هو (سعيد) أي فائز بحظ الآخرة فيجاب من جهة الرب جل جلاله تعيين أحدهما (فيكتبان) بصيغة الياء على صيغة المبني للمفعول أي يكتب أحد الحالين إما شقي وإما سعيد (فيقول) الملك أيضًا (أي ربِّ أ) هذا المخلوق (ذكر أو) هو (أنثى فيكتبان) أي يكتب أحدهما (ويكتب عمله) من الطاعات أو المعاصي (وأثره) أي أثر وقع قدمه أي قدر آثار قدمه في الأرض مدة حياته (وأجله) طويل أو قصير والأجل مدة أجلها الله لعباده في دار الفناء (ورزقه) كثير أو قليل (ثم تطوى) وتلف (الصحف) أي الأوراق التي كتب فيها هذه الأمور (فلا يزاد فيها) أي في تلك الصحف على ما كتب فيها أو في هذه الأمور المكتوبة شيء قلّ أو كثر (ولا ينقص) عنها وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه فقال: 6567 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي البصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن أبي الزبير المكي) محمَّد بن مسلم بن تدرس الأسدي (أن عامر بن واثلة) الليثي المكي رضي الله عنه (حدثه) أي حدّث لأبي الزبير (أنه) أي أن

سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ مَسعود يَقُولُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ في بَطنِ أُمِّهِ وَالسعِيدُ مَن وُعِظَ بِغَيرِهِ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، يُقَالُ لَهُ حُذَيفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ. فَحَدَّثه بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسعود فَقَال: وَكَيفَ يَشقَى رَجُلٌ بِغَيرِ عَمَلٍ؟ فَقَال لَهُ الرَّجُلُ: أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "إِذَا مَرَّ بِالنْطْفَةِ ثِنتانِ وَأَرْبَعُونَ لَيلَة، ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر بن واثلة (سمع عبد الله بن مسعود يقول الشقي من شقي) أي من كتب عليه شقاوته وهو (في بطن أمه والسعيد من وُعظ) واعتبر (بغيره) أي بما حلّ بغيره من الأشقياء من العقوبة وانزجر عن المنهيات يعني أن الشقي مقدر شقاوته وهو في بطن أمه والسعيد مقدر سعادته وهو في بطن أمه والتقدير تابع للمقدر كما أن العلم تابع للمعلوم اهـ مناوي (فأتى) أي جاء عامر بن واثلة (رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له) أي لذلك الرجل أي يسمى ذلك الرجل (حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر المهملة (الغفاري) الكوفي رضي الله عنه (فحدّثه) أي فحدث عامر بن واثلة ذلك الرجل يعني حذيفة بن أسيد (بذلك) الحديث الذي سمع من ابن مسعود حالة كون ذلك الحديث الذي حدثه (من قول ابن مسعود) له الشقي من شقي في بطن أمه إلخ (فقال) عامر بن واثلة متعجبًا من قول ابن مسعود (وكيف يشقى رجل) في بطن أمه (بغير عمل) منه لأعمال الأشقياء من الشرك والمعاصي (فقال له) أي لعامر بن واثلة المتعجب من قول ابن مسعود (الرجل) الذي أتى إليه عامر فحدثه يقول ابن مسعود وهو حذيفة بن أسيد وإنما فسرنا هذا الرجل بالرجل الأول جريًا على القاعدة المشهورة عند البلغاء المذكورة في قول السيوطي في عقود الجمان: ثم من القواعد المشتهرة ... إذا أتت نكرة مكرّرة تغايرت وإن يعرف ثاني ... توافقا كذا المعرَّفان أي فقال حذيفة بن أسيد لعامر بن واثلة (أتعجب) يا عامر (من ذلك) الحديث الذي قال لك ابن مسعود (من قوله) الشقي من شقي في بطن أمه وتستغربه فلا تعجب منه ولا تستغربه (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا مرّ بالنطفة) وهذا السند من سداسياته غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي الزبير لعمرو بن دينار والمراد بالنطفة هنا المضغة أي إذا مرَّ ومضى على المضغة (ثنتان وأربعون ليلة) بعد الأربعينات

بَعَثَ الله إِلَيهَا مَلَكًا. فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلدَهَا وَلَحمَهَا وَعِظَامَهَا. ثُمَّ قَال: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَم أُنثَى؟ فَيَقضِي رَبكَ مَا شَاءَ. وَيَكتُبُ الْمَلَكُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَجَلُهُ. فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيكتُبُ الْمَلَكُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، رِزقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ. وَيكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ. فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاث الأول التي كانت في حالة النطفة وفي حالة العلقة وفي حالة المضغة (بعث الله) سبحانه (إليها) أي إلى تلك النطفة التي صارت مضغة (ملكًا) آخر غير الملك الموكل بالرحم (فصورها) أي صور ذلك الملك تلك المضغة وشكلها بصورة آدمي وشكله وقوله (وخلق) أي شق (سمعها وبصرها) إلخ معطوف على صوّرها عطف تفسير (و) خلق جلدها (ولحمها وعظامها ثم قال) الملك (يا رب أكثر) هو (أم أنثى فيقضي ربك) أيها المخاطب (ما شاء) من ذكورته أو أنوثته (وبكتب الملك) يعني من اللوح المحفوظ ما شاءه من ذكورته أو أنوثته (ثم يقول) الملك (يا رب) ما (أجله) أي كم قدر أجله أو ما نهاية أجله والأجل كما من مدة أجلها الله لعباده في دار الفناء (فيقول ربك) الخطاب لمن يخاطبه الرسول بهذا الحديث أي يقضي ربك (ما شاء) في أجله (ويكتب الملك) أجله (ثم يقول) الملك (يا رب) ما (رزقه فيقضي ربك ما شاء) من رزقه والرزق ما يسوق إليه مما ينتفع به كالعلم والرزق حلالًا كان أو حرامًا قليلًا أو كثيرًا اهـ قسطلاني قال الطبري ليس المراد بهذا القضاء الإنشاء وإنما المراد به إظهاره للملائكة عليهم السلام ما سبق به علمه سبحانه وتعلقت به إرادته في الأزل (ويكتب) الملك ما شاءه ربه من رزقه من اللوح المحفوظ كما مر آنفًا (ثم يخرج الملك) من عند الجنين الذي صوّره وشق سمعه وبصره وكتب ماله من الأمور المذكورة (بالصحيفة) التي كتب فيها ما ذكر آخذًا لها (في يده) أي يخرجها من حال الغيبة عن هذا العالم إلى حال المشاهدة فيطلع الله تعالى بسبب تلك الصحيفة من شاء من الملائكة الموكلين بأحواله على ذلك ليقوم كل بما عليه من وظيفته حسبما سطر في صحيفته اهـ من الأبي (فلا يزيد) الملك في الكتابة (على ما أُمر) به في الكتابة مما شاءه الله تعالى (ولا ينقص) الملك في الكتابة عما شاءه الله تعالى في ذلك الجنين يعني حين كتبه من الله ما قدّر له أزلًا. قال القرطبي قوله: "فإذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة" أو ثلاثة وأربعون أو خمسة

6568 - (00) (00) حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النوْفَلِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيج. أَخْبَرَنِي أَبُو الزبيرِ؛ أَن أَبَا الطُّفَيلِ أَخبَرَهُ؛ أَنهُ سَمِعَ عَبدَ الله بْنَ مَسعودٍ يَقُولُ: وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ. 6569 - (00) (00) حدّثني محمد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ. حَدَّثَنَا زُهَيرُ، أَبُو خَيثَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأربعون هذا كله شك من الرواة وحاصله أن بعث الملك المذكور في هذا الحديث إنما هو في الأربعين الرابعة التي هي مدة التصوير وسمّى المضغة نطفة تسمية لها بمبدئها ألا ترى قوله بعث الله إليها ملكًا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وعظامها فعطف بالفاء للرتبة وهذا لا يكون حتى تصل النطفة إلى حال نهاية المضغة وبهذا تتفق الروايات ويزول الاضطراب المتوهم فيها والله تعالى أعلم ونسبة الخلق والتصور للملك نسبة مجازية لا حقيقية وإنما صدر عنه فعل ما في المضغة لأن التصوير والتشكيل بقدرة الله تعالى وخلقه واختراعه ألا ترى أن الله تعالى قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية وقطع عنا نسب جميع الخليقة فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] إلى غير ذلك من الآيات الواردة في الخلق. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثاينا في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه فقال: 6568 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي) أبو عثمان البصري ثقة من (11) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري ثقة ثبت من (9) روى عنه في (12) بابا (حدثنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي ثقة من (6) (أخبرني أبو الزبير) المكي غرضه بيان متابعة ابن جريج لعمرو بن الحارث (أنَّ أبا الطفيل أخبره أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول وساق) ابن جرير (الحديث بمثل حديث عمرو بن الحارث) المذكور قبل هذا. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث حذيفة بن أُسيد رضي الله عنه فقال: 6569 - (00) (00) (حدثني محمَّد بن أحمد بن أبي خلف) محمَّد السلمي مولاهم أبو عبد الله البغدادي ثقة من (10) روى عنه في (11) بابًا (حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر القيسي العبدي أبو زكريا البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي (أبو خيثمة) الكوفي ثقة من (7) روى عنه في

حَدَّثني عَبْدُ الله بْنُ عَطَاءٍ؛ أَن عِكرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ حدَّثهُ؛ أَن أَبَا الطفَيلِ حدثهُ قَال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَرِيحَةَ، حُذَيفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الغِفَارِي، فَقَال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ بِأُذُنَيَّ هَاتَينِ، يَقُولُ: "إِنَّ النطْفَةَ تَقَعُ في الرحمِ أَرْبَعِينَ لَيلَةً، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عَلَيهَا الْمَلَكُ". قَال زهَيرٌ: حَسِبْتُهُ قَال: الذِي يَخلُقُهَا: "فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ فَيَجعَلُهُ الله ذَكَرًا أَوْ أُنثَى. ثُمَّ يَقُولُ: يا رَبِّ، أَسَويٌّ، أَوْ غَيرُ سَويٍّ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (10) أبواب (حدثني عبد الله بن عطاء) الطائفي أو المكي أو المدني أو الواسطي أو الكوفي روى عن عكرمة بن خالد في القدر يروي عنه (م عم) وزهير بن معاوية والثوري وشعبة وابن نمير وثقه الترمذي وقال النسائي ضعيف وقال في التقريب صدوق يخطئ من السادسة روى عنه في (2) بابين. (أنَّ عكرمة بن خالد) بن العاص بن هشام المخزومي المكي ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين الإيمان والقدر (حدثه) أي حدّث لعبد الله بن عطاء (أن أبا الطفيل) عامر بن واثلة الصحابي المشهور رضي الله عنه (حدثه) أي حدث لعكرمة (قال) أبو الطفيل (دخلت على أبي سريحة) بوزن عجيبة (حذيفة بن أسيد الغفاري) الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة عكرمة بن خالد لعمرو بن دينار وأبي الزبير المكي (فقال) حذيفة بن أسيد (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُذني هاتين يقول أن النطفة) أي المضغة (تقع في الرحم) أي تجلس في الرحم مضغة (أربعين ليلة) بعد أن مضى لها ثلاث أربعينات نطفة علقة مضغة (ثم) بعد أن مضى لها أربع أربعينات (يتصور) أي ينزل (عليها) أي على المضغة (الملك) الذي يصورها من فوق أي يدخل عليها في الرحم (قال زهير) بن معاوية (حسبته) أي حسبت شيخي عبد الله بن عطاء (قال) عندما حدث لي هذا الحديث ثم يتصور عليها الملك (الذي يخلقها) ويصورها بصورة آدمي أي ظننت أنه زاد لي لفظة الذي يخلقها قال النووي هكذا "يتصور" في جميع نسخ بلادنا بالصاد وذكر القاضي "يتسور" بالسين ومعناه ينزل وهو استعارة من تسورت الدار إذا نزلت فيها من أعلاها ولا يكون التسور إلا من فوق فيحتمل أن تكون الصاد الواقعة في نسخ بلادنا مبدلة من السين اهـ سنوسي (فيقول يا رب أذكر) هو أي هذا الجنين (أو أنثى فيجعله الله ذكرًا أو أنثى ثم يقول) الملك (يا رب أسوي) هو (أو غير سوى) أي أتام

فَيجْعَلُهُ الله سَويًا أَوْ غَيرَ سَويٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا رِزقُهُ؟ مَا أَجَلُهُ؟ مَا خُلُقُهُ؟ ثُمَّ يَجعَلُهُ الله شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا". 6570 - (00) (00) حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدثني أَبِي. حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ. حَدثني أَبِي كُلْثُومٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلق هو أو غير تام (فيجعله الله سويًّا أو غير سوى ثم يقول) الملك (يا رب ما) هو (رزقه) أي أقليل أم كثير أهو حلال أم حرام و (ما أجله) أي قدر مدته في الدنيا أطويل أم قصير (ما خُلُقه) بضمتين أي أسيئ الخلق أم حسنه أو ما أخلاقه هل هو سعيد أو شقي (ثم يجعله) الله تعالى (شقيًا أو سعيدًا) كل ذلك بجعله. "تنبيه" هذا الترتيب العجيب وإن خفيت حكمته فقد لاحت لنا حقيقته وهو أنه كذلك سبق في علمه وثبت في قضائه وحكمه وإلا فمن الممكن أن يوجد الإنسان وأصناف الحيوان بل وجميع المخلوقات في أسرع من لحظة وأيسر من النطق بلفظه كيف لا وقد سمع السامعون قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)} [النحل: 40] اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث حُذيفة بن أسيد رضي الله عنه فقال: 6570 - (00) (00) (حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري صدوق من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدَّثنا أبي) عبد الصمد صدوق من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا ربيعة بن كلثوم) بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة البصري روى عن أبيه في القدر وعن الحسن ويروي عنه (م س) وعبد الصمد بن عبد الوارث ويحيى بن سعيد وعفّان بن مسلم وحجاج بن منهال له في (م) فرد حديث وقال في التقريب صدوق يهم من السابعة وقال أحمد بن حنبل صالح في الحديث وقال ابن معين ثقة وقال النسائي ليس به بأس وقال ابن عدي ليس له إلا اليسير وذكره ابن حبان في الثقات قال (حدّثني أبي كلثوم) بن جبر أبو محمَّد البصري وكلثوم بالرفع عطف بيان لأبي روى عن أبي الطفيل في القدر وأنس وسعيد بن جبير ويروي عنه (م س) وابنه ربيعة وابن عون والحمادان وعبد الوارث وثقه ابن معين وأحمد وقال النسائي ليس بالقوي وقال في التقريب صدوق يخطئ من الرابعة مات سنة [130] مائة وثلاثين وذكره

عَنْ أَبِي الطفَيلِ، عَنْ حُذَيفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، صَاحِبِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أَن مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ. إِذَا أَرَادَ الله أن يَخْلُقَ شَيئًا بِإِذنِ الله، لِبِضعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيلَةً"، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 6571 - (2621) (188) حدّثني أبُو كَامِلٍ. فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ أَبِي بَكرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَرَفَعَ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حبان في الثقات (عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كون حذيفة (رفع) هذا (الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة كلثوم بن جبر لعمرو بن دينار وأبي الزبير المكي وعكرمة بن خالد في رواية هذا الحديث عن أبي الطفيل عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ملكًا موكلًا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئًا) أي جنينًا من المني (بإذن الله) أي بقدرته (لبضع وأربعين ليلة) أي بعد مضي بضع وأربعين ليلة يقول يا رب أذكر أو أنثى الحديث "وقوله أن يخلق شيئًا بأذن الله" هو هكذا في كثير من النسخ بالباء الموحدة فعلى هذه يلزم أن يقدَّر لها متعلق والتقدير يتصور الملك بإذن الله وفي بعضها يأذن بالياء التحتية فحينئذ لا حاجة إلى التقدير والله أعلم اهـ دهني (ثم ذكر) كلثوم بن جبر (نحو حديثهم) أي نحو حديث هؤلاء الثلاثة المذكورين آنفًا وفي هذه الرواية ركاكة من حيث اللفظ والمعنى لأن الملك القائل ما ذكر هو المبعوث بعد ثلاث أربعينات حين أراد الله تعالى نفخ الروح لا الموكل بالرحم من حين دخلت النطفة في الرحم. ثم استشهد المؤلف ثاينًا لحديث عبد الله بن مسعود بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 6571 - (1 262) (188) (حدثني أبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) (حدثنا عبيد الله بن أبي بكر) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري ثقة من (4) (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (و) أي أنسًا قد (رفع) هذا (الحديث) إلى رسول الله صلى الله

أَنَّهُ قَال: "إِن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا. فَيَقُولُ: أَي رَبِّ، نُطفَةٌ، أَي رَبِّ، عَلَقَة. أَي رَبِّ، مُضغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ الله أن يَقضِيَ خَلقًا قَال: قَال الْمَلَكُ: أَي رَبِّ، ذَكَرٌ أَوْ أُنثَى؟ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأجَلُ؟ فَيُكتَبُ كذَلِكَ في بَطنِ أُمِّهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (أنه) أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال أن الله عَزَّ وَجَلَّ قد وكل بالرحم ملكًا فيقول) الملك (أي رب) أي يا رب هي (نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد أن يقضي) أي أن يخلق منها (خلقًا) أي حيوانًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الملك أي رب) أ (ذكر) هو (أو أنثى شقي أو سعيد فما الرزق فما الأجل فيُكتب) بالبناء للمجهول أي فيكتب الملك (كذلك) المذكور أي مثل ذلك من الشقاوة والسعادة والرزق والأجل وهو (في بطن أمه) قوله "إن الله قد وكل بالرحم ملكًا" وفي الحديث السابق ثم يبعث الله ملكًا ويحتمل أن يكون هذا الملك الموكل بالرحم منذ أول الأمر غير الذي يكتب المقادير في وقته ويمكن أن يكون عينه والله أعلم "فيقول" الملك عند نزول النطفة في الرحم التماسًا لإتمام الخلقة "أي" بسكون الياء أي يا "رب" هذه "نطفة أي رب" هذه "علقة أي رب هذه "مضغة" ويجوز النصب فيها على إضمار فعل أي خلقت أو صار والمراد أنه يقول كل كلمة من ذلك في الوقت الذي يصير فيه كذلك فبين قوله "أي رب نطفة" وقوله "علقة" أربعون يومًا كقوله يا رب مضغة لا في وقت واحد إذ لا تكون النطفة علقة مضغة في ساعة واحدة وحديث ابن مسعود السابق يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار كل طور منها في أربعين ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح وقد ذكر الله تعالى هذه الأطوار الثلاثة من غير تقييد بمدة في سورة الحج وزاد في سورة المؤمنين بعد المضغة بقوله: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} الآية ويؤخذ منها ومن حديث الباب أن تفسير المضغة عظامًا بعد نفخ الروح "فإذا أراد الله" عَزَّ وَجَلَّ "أن يقضي" ويتم "خلقها" أو يأذن في إتمامه "قال" النبي صلى الله عليه وسلم "قال" الملك وفي رواية البخاري إسقاط قال الأول "أي رب ذكر" ولأبي ذر أذكر أي هل هو ذكر "أو أنثى" إلخ قال المظهري إن الله تعالى يحول الإنسان في بطن أمه حالة بعد حالة مع أنه تعالى قادر على أن يخلقه في لمحة وذلك أن في التحويل فوائد وعبرًا منها أنه لو خلقه دفعة لشق على الأم لأنها لم تكن معتادة لذلك فجعل أولًا نطفة لتعتاد بها مدة ثم علقة مدة وهلم جرًا إلى الولادة، ومنها إظهار قدرة الله

6572 - (00) (00) حدثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ -وَاللَّفظُ لِزُهَيرٍ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَال: كُنا في جَنَازَةِ في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى ونعمته ليعبدوه ويشكروا له حيث قلبهم من تلك الأطوار إلى كونهم إنسانًا حسن الصورة متحليًا بالعقل والشهامة متزينًا بالفهم والفطانة ومنها إرشاد الناس وتنبيههم على كمال قدرته على الحشر والنشر لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين ثم من علقة ومضغة مهيأة لنفخ الروح فيها يقدر على صيرورته ترابًا ونفخ الروح فيه وحشره في المحشر للحساب والجزاء اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في القدر باب في القدر [6535]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو كون كل إنسان ميسرًا لما خلق له بحديث علي رضي الله عنه فقال: 6572 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لزهير قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (20) بابا (عن سعد بن عبيدة (مصغرًا السلمي أبي حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي عبد الرحمن) السلمي عبد الله بن حبيب الكوفي المقرئ ثقة ثبت من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) علي (كنّا في) تجهيز (جنازة في بقيع الغرقد) مقبرة أهل المدينة والبقيع في الأصل موضع من الأرض فيه أروم شجر من ضروب شتى والغرقد بفتح الغين والقاف وسكون الراء شجر له شوك كان ينبت بالبقيع فذهب الشجر وبقي الاسم لازمًا للموضع وقال الأصمعي قطعت غرقدات في هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون رضي الله عنه وقال ياقوت وبالمدينة أيضًا بقيع الزبير وبقيع الخيل عند دار زيد بن ثابت وبقيع الخبجة بفتح الخاء والباء والجيم كذا ذكره السهيلي وغيره كما في عمدة القاري [4/ 209] وبه تبيَّن أن إضافة البقيع إلى الغرقد لإخراج البقيعات الأخرى

فَأَتَانَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ. وَمَعَهُ مِخصَرَةٌ. فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ. ثُمَّ قَال: "مَا مِنكُم من أَحَدٍ، مَا من نَفسٍ مَنْفُوسَةٍ، إلا وَقَد كَتَبَ اللهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَإلا وَقَد كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً" قَال: فَقَال رَجَل: يَا رَسُولَ الله، أَفَلا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأتانا) أي فجاءنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في بقيع الغرقد (فقعد وقعدنا حوله) صلى الله عليه وسلم أي جوانبه محيطين به لنأخذ منه الحديث (ومعه) صلى الله عليه وسلم أي بيده (مخصرة) بكسر الميم وسكون الخاء بوزن مفعلة وهو قضيب كان يمسكه الإنسان بيده في بعض الأحوال على عادة رؤساء العرب فإنهم يمسكونها ويشيرون بها ويصلون بها كلامهم وجمعها مخاصر والفعل منها تخصر والتخصر أن يمسك الرجل القضيب بيده كانت الملوك تفعله تشير به وتصل به كلامها (فنكس) أي خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وطأطأه إلى الأرض كهيئة المهموم المتفكر في شيء وهو بتخفيف الكاف وتشديدها لغتان فصيحتان يقال نكسه ينكسه فهو ناكس كقتله يقتله فهو قاتل ونكسه ينكسه تنكيسًا (فجعل) أي شرع (ينكت) أي يخطُّ (بمخصرته) أي بقضيبه خطًا يسيرًا مرة بعد مرة وهذا فعل المتفكر المهموم "وينكت" هو بفتح الياء وسكون النون وضم الكاف من باب قتل والنكت بها في الأرض تحريك تراب الأرض بها وهذا فعل المتفكر المعتبر. (ثم) بعد ما قعد ونكت الأرض بمخصرته (قال ما منكم من أحد) أيها الناس و (ما منكم من نفس منفوسة) أي نفس مخلوقة وفي غير رواية منصور إسقاط هذه الجملة لأنها مرادفة لما قبلها (إلا وقد كتب الله) سبحانه (مكانها) أي مقعدها ومنزلها إما (من الجنة و) إما من (النار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة) فأو للتنويع (قال) علي رضي الله عنه (فقال رجل) من القوم الحاضرين وسيأتي في حديث جابر أنه سراقة بن مالك بن جعشم (يا رسول الله ألا نمكث) ونجلس على حالنا غير عاملين ونتكل (على كتابنا) أي على ما كتب وقدر لنا أزلًا من الجنة والنار (وندع) أي ونترك (العمل) الصالح قال القاضي يعني إذا سبق القضاء بمكان كل نفس من الدارين وما سبق به القضاء فلا بد من وقوعه فأي فائدة في العمل فندعه قال الطبري هذا الذي انقدح في قلب الرجل هي شبهة النافين للقدر وأجاب النبي حتى الله عليه وسلم بما لم يبق معه إشكال وتقرير جوابه أن الله سبحانه غيّب عنا المقادير وجعل الأعمال أدلة على

فَقَال: "مَنْ كَانَ مِنْ أَهلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ. وَمَنْ كَانَ من أَهْلِ الشقَاوَةِ فسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ" فَقَال: "اعمَلُوا فَكُل مُيَسَّرٌ. أما أَهْلُ الْسَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ. وَأما أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهلِ الشَّقَاوَةِ". ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 5 - 10]. 6573 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. قَالا: ـــــــــــــــــــــــــــــ ما سبقت به مشيئته من ذلك فأمرنا بالعمل فلا بد لنا من امتثال أمره اهـ. (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (من كان من أهل السعادة فسيصير) ويرجع (إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (اعملوا) بما أمرتم به (فكل) منكم (ميسَّر) أي مهيأ ومسخر لفعل سبب ما يكون له من جنة أو نار وقد بين ذلك بقوله (أمَّا أهل السعادة فييسرون) أي يسخرون العمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسَّرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم استدلالًا على قوله تعالى ({فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}) الفضل من ماله ({وَاتَّقَى}) ربه باجتناب محارمه ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}) أي الكلمة الحسنى وهو كلمة التوحيد ({فَسَنُيَسِّرُهُ}) أي نعيده ونهيئه ({لِلْيُسْرَى}) أي للحالة من العمل الصالح والخير الرَّاجح وقيل للجنة ({وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ}) بماله {وَاسْتَغْنَى} أي مسألة عن طلب الخير ({وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}) أي بالجنة ({فَسَنُيَسِّرُهُ}) أي نهيئه ({لِلْعُسْرَى}) للحالة العسرى وهي النَّار (الليل: 5 - 10). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 82] والبخاري في مواضع منها في تفسير سورة الليل [4945 و 4946 و 4947 و 4948] وأبو داود في السنة باب في القدر [4694] والترمذي في القدر باب ما جاء في الشَّقاء والمعادة [1237] وفي تفسير سورة الليل [3341]، وابن ماجه في المقدمة باب القدر [66]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث على رضي الله عنه فقال: 6573 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهنَّاد بن السري) بن مصعب التميمي أبو السري الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب كلاهما (قالا

حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذا الإِسْنَادِ، في مَعْنَاهُ، وَقَال: فَأَخَذَ عُودًا، وَلَمْ يَقُلْ: مِخْصَرَةً، وَقَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ في حَدِيثهِ، عَنْ أَبِي الأَحوَصِ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. 6574 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْب وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وكيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحْمنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ. قَال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي ثقة من (5) غرضه بيان متابعة أبي الأحوص لجرير بن عبد الحميد (بهذا الإسناد) يعني عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي وساق أبو الأحوص (بمعناه) أي بمعنى جرير لا بلفظه وعدل عن الباء إلى لفظة في قوله في معناه فرارًا من كراهة توالي حرفي جر متحدي المعنى واللفظ والعامل لأن كليهما متعلق بحدثنا أبو الأحوص (و) لكن (قال) أبو الأحوص في روايته لفظة (فأخذ) النبي صلى الله عليه وسلم (عودًا ولم يقل) أبو الأحوص (مخصرة) كما قالها جرير (وقال) أبو بكر (بن أبي شيبة في حديثه) وروايته (عن أبي الأحوص) لفظة (ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) به. ظهار فاعل قرأ الذي هو لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 6574 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة من (10) (قالوا حدثنا وكيع ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير كلاهما أي كل من وكيع وعبد الله بن نمير قالا (حدثنا الأعمش ح وحدثنا أبو غريب) محمَّد بن العلاء (واللفظ له) أي لأبي غريب (حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة) السلمي (عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي (قال) علي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم) أي يومًا من الأيام (جالسًا) في بقيع الغرقد

وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنكُتُ بِهِ، فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقَال: "مَا مِنكُم من نَفسٍ إلا وَقَد عُلِمَ مَنزِلُهَا مِنَ الْجَنّةِ وَالنَّارِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، فَلِمَ نَعْمَلُ؟ أَفَلا نَتكِلُ؟ قَال: "لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 5 - 10] ـــــــــــــــــــــــــــــ (وفي يده) الشريفة (عود) أي قضيب ومخصرة كما في الرواية السابقة سميت مخصرة لأنها تحمل تحت الخمس (ينكت به) أي يخط به الأرض خطًا يسيرًا (فنكس) أي خفض رأسه (فرفع رأسه فقال ما منكم) أيها الناس (من نفس) منفوسة (إلا وقد علم) عند الله (منزلها) ومقرها (من الجنة) إن كان من أهل الجنة (والنار) إن كان من أهل النار فالواو بمعنى أو التنويعية أو على بابها (قالوا) أي قال الحاضرون (يا رسول الله فلم نعمل) العمل الصالح والقائلون هم على كما في رواية البخاري وسراقة كما في رواية مسلم وعمر بن الخطاب كما في رواية الترمذي وأبو بكر الصديق كما عند أحمد والبزار والطبري أو رجل من الأنصار وجمع بين هذه الروايات بتعدد السائلين (أفلا نتكل) ونعتمد على ما كتب لنا ونترك العمل والهمزة في قوله "أفلا" داخلة على محذوف تقديره أي إذا كان الأمر كذلك فلا نعمل شيئًا بل نعتمد على ما كتب لنا وقدر أزلًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) تتركوا العمل ولا تتكلوا على ذلك (اعملوا) ما أمرتم به ولا تتكلوا على ذلك (فكل) منكم (ميسَّر) أي موفق (لما خلق له) أي لعمل سبب ما خلق لأجله من عمل أهل الجنة إن كان من أهلها أو من عمل أهل النار إن كان من أهلها. قال السندي مرادهم أن العمل لا يرد القضاء والقدر السابق فلا فائدة فيه فنبه على الجواب عنه بأن الله تعالى دبر الأشياء على ما أراد وربط بعضها ببعض وجعلها أسبابًا ومسببات ومن قدره من أهل الجنة قدر له ما يقربه إليها من الأعمال ووفقه لذلك بإقداره عليه ويمكنه منه ويحرضه عليه بالترغيب والترهيب ومن قدر أنه من أهل النار قدّر له خلاف ذلك وخذله حتى اتبع هواه وترك أمر مولاه والحاصل أنه جعل الأعمال طريقًا إلى نيل ما قدره له من جنة أو نار فلا بد من المشي في الطريق وبواسطة التقدير السابق يشير ذلك المشي لكل في طريقه ويسهل عليه (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية استشهادًا على أن التيسير منه تعالى يعني قوله تعالى ({فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}) وعمل بالمأمورات ({وَاتَّقَى}) المعصية واجتنب المنهيات ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}) أي بالكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد ({إلى قوله}) أي قرأ إلى قوله تعالى: ({فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}) أي سنهيئه

6575 - (00) (00) حدثنا محمد بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمد بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ؛ أنهُمَا سَمِعَا سَعدَ بْنَ عُبَيدَةَ يُحَدِّثُهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحمن السُّلَمِيّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِنَحوهِ. 6677 - (8) حدثنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزبيرِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزبيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعشُمٍ قَال: يَا رَسُولَ الله، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأنا خُلِقنَا الآنَ. فِيمَا العَمَلُ الْيَوْمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ للخلة الموصلة إلى الشدة والعسر كدخول النار. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث علي رضي الله عنه فقال: 6575 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور والأعمش أنهما سمعا سعد بن عبيدة يحدثه) أي يحدّث هذا الحديث (عن أبو عبد الرحمن السلميّ عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة شعبة لجرير بن عبد الحميد وأبي الأحوص ووكيع وعبد الله بن نمير وأبي معاوية وساق شعبة (بنحوه) أي بنحو حديث من ذكر من هؤلاء الخمسة ولو قال "بنحوهم" لكان أوضح وأوفق لقاعدته ولعل ما في هذه النسخة من تحريف النساخ ثم استشهد المؤلف لحديث على بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 6576 - (2623) (190) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله التميمي الكوفي ثقة من (10) (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي (حدثنا أبو الزبير) المكي (ح وحدّثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية (عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (جاء سراقة بن مالك بن جعشم) القرشي الملكي الصحابي المشهور رضي الله عنه (قال) سراقة (يا رسول الله بيَّن لنا ديننا) أي بين لنا أصل ديننا أي ما نعتقده وندين من حال أعمالنا هل سبق بها قدر أم لا (كأنا خلقنا الآن) أي اليوم يعني أنهم غير عالمين بهذه المسألة فكأنهم خلقوا الآن بالنسبة إلى علمها وفائدة قوله استدعاء أوضح البيان اهـ من المفهم (فما العمل اليوم) قال القرطبي صحيح الرواية "فيم العمل اليوم" بغير ألف

أَفِيمَا جَفَّت بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَت بِهِ الْمَقَادِيرُ، أمْ فِيمَا نَستقْبِلُ؟ قَال: "لَا، بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ" قَال: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ . قَال زُهَيرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزبَيرِ بِشَيءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلتُ: مَا قَال؟ فَقَال: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ". 6577 - (00) (00) حدّثني أَبُو الطاهِرِ. أَخبَرَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها استفهامية وهذا هو الصواب والأولى بألف لأنها خبرية ومقتضى هذا السؤال أن ما يصدر منا من الأعمال وما يترتب عليها من الثواب والعقاب هل سبق علم الله تعالى بوقوعه فنفذت به مشيئته أو ليس كذلك وإنما أفعالنا صادرة منا بقدرتنا ومشيئتنا والثواب والعقاب مرتب عليها بحسبها وهذا القسم الثاني مذهب القدرية وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لا: بل فيما جفت به الأقلام وهذا الذي ذكرنا معنى قوله (أفيما جفت به الأقلام) أي هل عملنا فيما كتبت به أقلام المكتبة في اللوح المحفوظ وجفت به أي فرغت عن كتابته (وجرت) أي نفذت (به المقادير) أي الأقدار (أو) عملنا (فيما نستقبل) ونستأنف الآن أي صادر بقدرتنا ومشيئتنا وليس له سابقية في قدر الله وإرادته فـ (قال) لهم (لا) أي ليس الأمر مستأنف (بل) عملكم الآن (فيما) كتبت و (جفت به الأقلام) أي أقلام الكتبة في اللوح المحفوظ وفي صحف الملائكة المكتوبة في البطن (وجرت) أي نفذت (به المقادير) أي أقدار الله وأحكامه في الأزل (قال) سراقة (ففيم) أي ففي أي فائدة (العمل) أي عملنا إذا جفت به الأقلام وجرت به المقادير لأن قدر الله لا يبدَّل وقضاؤه لا يغير سواء عملنا الأعمال الصالحة أم عملنا غيرها (قال زهير) بن معاوية (ثم) بعد ما حدثنا أبو الزبير هذا الحديث. (تكلّم أبو الزبير بشيء) أي بكلام (لم أفهمه) أي لم أفهم معناه (فسألت) أبا الزبير (ما قال) أي ما قاله من الكلام الذي لم أفهمه (فقال) أبو الزبير هو أي الكلام الذي قلته ولم تفهمه أنت قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم (اعملوا) ما أمرتم ولا تتكلوا على ما جفت به الأقلام (فكلم منكم (ميسَّرٌ) أي موفق لعمل ما خلق له يعني الذي خلق للجنة موفق لعمل أهل الجنة والذي خلق للنار موفق لعمل أهل النار فعملكم علامة على ما خلقتم لأجله وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [3/ 292]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال: 6577 - (00) (00) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح (أخبرنا) عبد

ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِهذَا الْمَعْنَى، وَفِيهِ: فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "كُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ". 6578 - (2624) (191) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ يَزِيدَ الضُّبعِيِّ. حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. قَال: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أعُلِمَ أهلُ الْجَنةِ من أَهلِ النارِ؟ قَال: فَقَال: "نَعَم" قَال: قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ العَامِلُونَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله (بن وهب) بن مسلم (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لزهير بن معاوية (عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى) أي بمعنى هذا الحديث المذكور لا لفظه (وفيه) أي وفي ذلك المعنى لفظة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عامل) منكم أيها الناس (ميسر لعمله) أي موفق لعمل ما خلق له من الجنة والنار. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث علي بحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 6578 - (2624) (191) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا حمّاد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن يزيد) بن أبي يزيد سنان (الضبعي) مولاهم أبي الأزهر البصري الدراع القسام المعروف بالرشك بكسر الراء وسكون المعجمة ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامريّ الحرشي البصري تابعي ثقة من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن عمران بن حصين) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) عمران (قيل يا رسول الله) والقائل هو عمران نفسه كما صرح به في الرواية الآتية (أَعُلم) بهمزة الاستفهام الإخباري وبناء الفعل للمجهول أي هل علم (أهل الجنة من أهل النار) في الدنيا أي هل تعين في علم الله تعالى من هو من أهل الجنة ممن هو من أهل النار (قال) عمران (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل (نعم) علم أهل الجنة من أهل النار في الدنيا (قال) عمران (قيل) يا رسول الله (ففيم يعمل العاملون) أي ففي أي فائدة ولأي سبب يعمل العاملون يعني إذا سبق القلم

قَال: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ". 6579 - (00) (00) حدثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وإسْحَاقُ بْنُ إِبراهِيمَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحيى. أَخبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُلهُم عَنْ يَزِيدَ الرَّشكِ، في هَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك فلا يحتاج العامل إلى العمل لأنه سيصير إلى ما قدّر له فـ (قال) صلى الله عليه وسلم (كلٌّ) أحد منكم (ميسّر) أي موفق (لما خلق) أي لعمل ما خلق (له) من الجنة والنار فعلى المكلف أن يواظب في الأعمال الصالحة فإن عمله أمارة على ما يؤمر إليه أمره غالبًا وربك يفعل ما يشاء فالعبد ملكه يتصرف فيه بما يشاء لا يسأل عما يفعل لا إله إلا هو عليه توكلت وبوجهه الكريم أستجير من عذابه الأليم وأسأله جنات النعيم إنه الجواد الرحيم وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 431] والبخاري في القدر باب جف القلم على علم الله [6596] وفي التوحيد [7551] وأبو داود في السنة باب في القدر [4709]. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال: 6579 - (00) (00) (حدَّثنا شيبان بن فرّوخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حدَّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري ثقة من (8) (ح وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسديّ البصري المعروف بـ (ـا بن علية) اسم أمه (ح وحدّثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي نسبة إلى ضبيعة نزل فيهم أبو سليمان البصري صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدّثنا ابن المثنى حدَّثنا محمَّد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين يعني عبد الوارث وابن عليه وجعفر وابن سليمان وشعبة رووا (عن يزيد) الرشك غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لحماد بن زيد (في هذا الإسناد) أي بهذا

بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله. 6580 - (2625) (192) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيل، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّئَلِيِّ، قَال: قَال لِي عِمرَانُ بْنُ الحُصَينِ: أَرَأَيتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيكدَحُونَ فِيهِ، أَشَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِمْ وَمَضَى عَلَيهِمْ من قَدَرِ مَا سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُم بِهِ نَبِيُّهُم، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد يعني عن مطرف عن عمران وساقوا (بمعنى حديث حماد) لا بلفظه (و) لكن (في حديث عبد الوارث) وروايته لفظة (قال) عمران (قلت يا رسول الله) أَعُلم أهل الجنة من أهل النار وفيها تصريح بأن القائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عمران الرَّاوي نفسه. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث على بحديث آخر لعمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 6580 - (2625) (192) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي أبو محمَّد البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عزرة بن ثابت) بن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن يحيى بن عقيل (مصغرًا الخزاعي البصري صدوق من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن يحيى بن يعمر) بفتحتين بينهما عين ساكنة وبضم الميم أيضًا القيسي الجدلي أبي سليمان البصري ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الأسود) ظالم بن عمرو بن سفيان (الدؤلي) بضم الدال وفتح الواو المهموزة نسبة إلى الدئل بضم الدال وكسر الهمزة ومعناه الدابة ثم سُمِّي به رجل نسب إليه وهي أبي الأسود التابعي الجليل واضع النحو (قال) أبو الأسود (قال لي عمران بن الحصين) وهذا السند من سباعياته (أرأيت) أي أخبرني عن (ما يعمل الناس اليوم) أي في الدنيا (ويكدحون) أي يسعون ويجتهدون (فيه) أي في تحصيله من الكدح وهو السعي في العمل لدنيا كان أو لآخرة وأصله العمل الشاق والكسب المتعب (أشيء) أي هل هو شيء (قضي) وقدر (عليهم) أزلًا (ومضى) ونفذ (عليهم من قضاء ما سبق) وقدر أزلًا (أو) عمل (فيما يستقبلون) ويستأنفون (به) الآن حالة كونه (مما أتاهم به نبيهم) ورسولهم (وثبتت الحجة

عَلَيهِم؟ فَقُلتُ: بَل شَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِم، وَمَضَى عَلَيهِمْ. قَال: فَقَال: أَفَلا يَكُونُ ظُلْمًا؟ قَال: فَفَزِعْتُ مِنْ ذلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا. وَقُلْتُ: كُل شَيء خَلقُ الله وَمِلْكُ يَدِهِ. فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. فَقَال لِي: يَرْحَمُكَ الله، إِني لَمْ أُرِد بِمَا سَأَلتُكَ إلا لأَحزُرَ عَقلَكَ. إِن رَجُلَينِ من مُزَينَةَ أتَيَا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. فَقَالا: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَيكدَحُونَ فِيهِ، أَشَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم) بعمله والمؤاخذة به قال أبو الأسود (فقلت) لعمران بن حصين في جواب سؤاله (بل) هو أي عملهم (شيء قضي) وقدر عليهم أزلًا (ومضى عليهم) أي سبق عليهم حكمه وقضاؤه (قال) أبو الأسود (فقال) لي عمران بن حصين (أفلا يكون ظلمًا) أي أإذا قلت إن ذلك العمل الذي يكدحون فيه أمرٌ قضي وقدر عليهم ولا بد لهم منه فهم مجبورون عليه فكيف يعاقبون عليه إذا كان ذلك من المعاصي فعقابهم حينئذ على ذلك ظلم (قال) أبو الأسود (ففزعت) أي رعبت وفجئت (من ذلك) الذي قال لي عمران (فزعًا شديدًا وقلت) له (كل شيء) من الكائنات (خلق الله) أي مخلوقة (وملك يده) أي مملوك في قبضة يده المقدسة فله التصرف في ملكه بما شاء من العقاب والثواب (فلا يسأل) سبحانه (عما يفعل) فيهم (وهم يسألون) عما يعملون ولقد أحسن أبو الأسود في الجواب ومقتضى جوابه أن الظلم لا يتصور من الله تعالى فإن الكل خلقه وملكه لا حجر عليه ولا حكم فلا يتصوَّر في حقه الظلم لأن الظلم التصرف في ملك الغير وهم ملكه ثم عضَّد ذلك بقوله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} ولما سمع عمران هذا الجواب تحقق أنه قد وفق للحق وأصاب عين الصواب فاستحسن ذلك منه وأخبره أنه إنما امتحنه بذلك السؤال ليختبر عقله وليستخرج علمه كما ذكره بقوله (فقال لي) عمران (يرحمك الله) بالعلم النافع والعمل الصالح (إني لم أرد بما سألتك) أي لم أقصد بسؤالي إياك (إلا لأحزر) بتقدم الزاي على الراء من بأبي نصر وضرب أي إلا لأمتحن وأختبر (عقلك) وفهمك ومعرفتك في دينك ثم قال عمران (إن رجلين من مزينة) لم أر من ذكر اسمهما (أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم) أي أخبر لنا عن العمل الذي يعمله الناس في الدنيا (ويكدحون فيه) أي ويتعبون فيه أنفسهم خيرًا كان أو شرًّا (أشيء) أي هل هو شيء قدّر عليهم أزلًا (ومضى فيهم) أي نفذ فيهم

مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَا أتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُم، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيهِمْ؟ فَقَال: "لَا. بَلْ شَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ. وَتَصْدِيقُ ذلِكَ في كِتَابِ الله عَزَ وَجَل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} [الشمس: 7، 8] ـــــــــــــــــــــــــــــ في الدنيا (من قدر قد سبق) عليهم أزلًا (أو) هو شيء (فيما يستقبلون به) بالبناء للمجهول أي أو هو شيء مما يستأنفون له أي مما يؤمرون باستئنافه وإيجاده الآن بلا سبق قدر به حال كونه (مما أتاهم) وأمرهم (به نبيهم وثبتت الحجة عليهم) بتبليغه إليهم (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي ليس عملُهم آنفًا يستأنفون به وينشؤونه الآن بلا سبق قدر عليهم (بل) عملهم الآن (شيء قُضي عليهم) أزلًا (ومضى) أي نفذ (فيهم) الآن (وتصديق ذلك) أي مصداق ذلك الجواب الذي قلته لكما في جواب سؤالكما مذكور (في كتاب الله عزَّ وجلَّ) حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} [الشمس: 7، 8]. وقوله "ونفس" أي وأقسمت بنفس إنسانية "وما سواها" أي وبمن سواها وأنشأها وأبدعها وركب فيها قواها الباطنة والظاهرة لتكون مستعدة لكمالاتها وحدد لكل منها وظيفة تؤديها وألف بها الجسم الذي تستخدمه من أعضاء قابلة لاستعمال تلك القوى والتنكير فيها للتفخيم على أن المراد به نفس آدم - عليه السلام - أو للتكثير وهو الأنسب للجواب ومعنى سواها خلقها وأنشاها وسوى أعضاءها و"ما" في أصلها لما لا يعقل وقد تجيء بمعنى الذي وهي تقع لمن يعقل ولما لا يعقل وإيثار (ما) على من لإرادة الوصفية تعجبًا لأن ما يُسأل بها عن صفة من يعقل كأنه قيل وبالقادر العظيم الشأن الذي سوّاها وخلقها. ثم بين أثر هذه التسوية بقوله "فألهمها" أي فألهم منفس وعرفها "فجورها" أي طريق فجورها وشرّها لتجتنبها ولا تعمل به "وتقواها" أي وأعلم كل نفس طريق تقواها لتعمل به اهـ من حدائق الروح والريحان باختصار قال القرطبي يعني أنه خلقها مكملة بكل ما تحتاج إليه مؤهلة لقبول الخير والشر غير أنه يجري عليها في حال وجودها ومآلها ما سبق لها مما قضي به عليها وفي حديث عمران هذا من الفقه جواز اختبار العالم عقول أصحابه الفضلاء بمشكلات المسائل والثناء عليهم إذا أصابوا وبيان العذر عن ذلك والذي قضي عليها أنها إما من أهل السعادة وبعمل أهل السعادة الذي به تدخل الجنة تعمل وإما من أهل الشقاوة وبعمل أهل الشقاوة الذي به تدخل النار تعمل اهـ من المفهم.

6581 - (2626) (193) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْعَزِيزِ، (يعني ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِن الرجُلَ لَيَعْمَلُ الزمَنَ الطويلَ بعَمَلِ أَهلِ الْجَنّةِ، ثُمَّ يُختَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. وَإِن الرجُلَ لَيَعْمَلُ الزمَنَ الطَويلَ بِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ، ثُمَّ يُختَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهلِ الْجَنَّةِ". 6582 - (2627) (194) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يعني ابْنَ عَبْدِ الرحمن القَارِيَّ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث علي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6581 - (2626) (193) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل) من الناس (ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله) الذي واظب عليه زمنًا طويلًا (بعمل أهل النار) فيدخل النار (وإنَّ الرجل) من الناس (ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة) فيدخل الجنة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 484] وابن ماجه في الوصايا باب الحيف في الوصية [2736]. قال في المبارق وفي الحديث بيان أن الأعمال بالخواتيم فينبغي أن يواظب المؤمن على الحسنات رجاء أن يكون آخر أعماله عليها اهـ. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث علي بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 6582 - (2627) (194) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمَّد بن عبد الله (القاري) المدني ثقة من (8) روى عنه في (8) أبواب. (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا

عَنْ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ السَاعِدِيُّ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِن الرجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَإِن الرجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبدُو لِلناسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري (الساعدي) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو) ويظهر (للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المغازي باب غزوة خيبر [4202 و 4207] وفي القدر باب العمل بالخواتيم [6607]. وقد سبق للمؤلف هذا الحديث أيضًا في كتاب الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة الأول حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثاني حديث حذيفة بن أسيد ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد والرابع حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والخاص حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسادس حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والسابع حديث عمران بن حصين الثاني ذكره للاستشهاد والثامن حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد والتاسع حديث سهل بن سعد الساعدي ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالي أعلم. ***

732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأن الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأنّ الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره 6583 - (2628) (195) حدّثني محمد بْنُ حَاتِمٍ وإبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارِ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ وَأَحْمَدُ بن عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ حَاتِمٍ وَابْنِ دِينَارٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ: "احتجَّ آدَمُ وَمُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأنّ الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو حجاج آدم وموسى عليهما السلام بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6583 - (2628) (195) (حدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السَّمين البغدادي صدوق من (10) روى عنه في (11) بابا (وإبراهيم بن دنيار) البغدادي أبو إسحاق التَمار ثقة من (10) روى عنه في (1) أبواب (و) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (المكي) نزولًا صدوق من (10) نسب إلى جده روى عنه في (11) بابا (وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) أبو عبد الله البصري ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (جميعًا) أي كلهم رووا (عن ابن عيينة واللفظ لابن أبي حاتم وابن دينار قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري مولاهم (قال) طاوس (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج آم وموسى) عليهما السلام أي تحاجّا وتخاصما ومعنى التحاج ذكر كل من المتناظرين حجته اهـ أبي قال أبو الحسن القابسي التقت أرواحهما في السماء فوقع الحجاج والخصام بينهما قال القاضي عياض ويحتمل أنه على ظاهره وأنهما اجتمعا بأشخاصهما وقد ثبت في حديث الإسراء أن النبي

فَقَال مُوسَى: يَا آدم، أَنتَ أَبُونَا، خَيَّبتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَال لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى. اصطَفَاكَ الله بِكَلامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أتلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ الله عَلَيَّ قَبْلَ أن يَخلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَة؟ " فَقَال النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَج آدَمُ مُوسَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء صلواته وسلامه عليهم أجمعين في السماوات وفي بيت المقدس وصلى بهم قال فلا يبعد أن الله تعالى أحياهم كما جاء في الشهداء قال ويحتمل أن ذلك جرى في حياة موسى سأل الله تعالى أن يريه آدم فحاجه اهـ من المرشد على ابن ماجه (فقال موسى) لآدم وجملة القول مفسرة لما قبلها (يا آدم أنت أبونا) الذي (خيبتنا) أي أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان والخسران يقال خاب يخيب ويخوب أي جعلتنا خائبين محرومين من نعيم الجنة وقوله (وأخرجتنا من الجنة) بخطيئتك معطوف على خيبتنا عطف سبب على مسبب وفي ابن ماجه زيادة "بذنبك" أي بأكلك من الشجرة فلو لم تأكل من الشجرة لم نقع في الخيبة وفي رواية "أنت آدم أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة" وفي رواية "أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض" ومعناه كنت سبب خيبتنا وإغوائنا بالخطيئة التي ترتب عليها إخراجك من الجنة ثم تعرضنا نحن لإغواء الشياطين والغي الانهماك في الشرّ وفيه جواز إطلاق الشيء على سببه اهـ من المرشد (فقال له) أي لموسى (آدم) يا موسى كما في رواية ابن ماجه (أنت موسى) الذي (اصطفاك الله) سبحانه وخصك (بـ) سماع (كلامه) المقدس في الدنيا (وخط لك) أي كتب لك التوراة كما في ابن ماجه (بيده) المقدسة (أتلومني) وتعاتبني (على أمرٍ) وعملِ (قدّره الله) تعالى وحكمه (عليَّ) في سابق علمه (قبل أن يخلقني) وينفخ في الروح (بأربعين سنة) حين خمر طينتي فكيف يمكنني الامتناع من أكل الشجرة بعد ما قدره علي. (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) عند ذلك (فحج آدم) وغلب (موسى) بالحجة وقوله (فحجَّ آدمُ موسى) كرره للتأكيد أي غلبه بالحجة بأن ألزمه بأن العبد ليس بمستقل بفعله ولا متمكن من تركه بعد أن قضي عليه من الله تعالى وما كان كذلك لا يحسن اللوم عليه عقلًا وأما اللوم شرعًا فكان منتفيًا بالضرورة إذ ما شرع لموسى أن يلوم آدم في تلك الحالة وهو أيضًا في عالم البرزخ وهو غير عالم التكليف حتى توجّه فيه اللوم شرعًا وأيضًا لا لوم على تائب ولذلك ما تعرَّض لنفيه آدم في الحجة وعلى هذا لا يرد أن هذه الحجة ناهضة لفاعل ما يشاء لأنه ملوم

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَابْنِ عَبْدَةَ. قَال أَحَدُهُمَا: خَط. وَقَال الآخَرُ: كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ. 6584 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى. فَحَج آدم مُوسَى. فَقَال لَهُ مُوسَى: ـــــــــــــــــــــــــــــ شرعًا بلا ريب اهـ سندي (وفي حديث ابن أبي عمر وابن عبدة) وروايتهما (قال أحدهما خط) بيده (وقال الآخر كتب لك التوراة بيده) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين ومفادهما واحد. قوله "قبل أن يخلقني بأربعين سنة" قال المازري الأربعون قبل خلقه تاريخ محدود وقضاء الله تعالى في الكائنات بهارادته لها أزليان فيجب حمل الأربعين على أنه أظهر قضاءه بذلك للملائكة عليهم السلام اهـ سنوسي قال التوربشتي ليس معنى قول آدم كتبه الله عليّ ألزمه إيّاي وأوجبه على فلم يكن لي في تناول الشجرة كسب واختيار وإنما المعنى أن الله تعالى أثبته في أُمِّ الكتاب قبل كوني وحكم بأنه كائن لا محالة فهل يمكن أن يصدر عنّي خلاف علم الله فكيف تغفل عن العلم وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر اهـ دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 264] والبخاري في مواضع منها في القدر باب تحاجّ آدم وموسى عند الله [6614] وفي التوحيد باب قول الله تعالى وكلم الله موسى تكليما [7515] وأبو داود في السنة في القدر [4701] والترمذي في القدر باب رقم [2135] وابن ماجه في المقدمة باب في القدر (68). ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6584 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس فيما قُرئ عليه عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعرج لطاوس بن كيسان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحاجَّ) أي تناظر وتخاصم (آم وموسى) عليهما السلام (فحجَّ) أي غلب (آدم موسى) في المحاجّة والمناظرة أي غلبه

أَنْتَ آدَمُ الذِي أَغويتَ النَّاسَ وَأَخْرَجتَهُمْ مِنَ الْجَنّةِ؟ فَقَال آدَمُ: أَنتَ الذِي أَعْطَاهُ اللهُ عِلْمَ كُل شَيءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالتِهِ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبلَ أن أُخْلَقَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ بإقامة الحجة عليه وظهر عليه بها وأسكته (فقال له) أي لآدم (موسى) في المحاجَّة (أنت آدم الذي أغويت النَّاس) أي كنت سببًا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة ولو لم يقع الإخراج منها ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الإغواء والغي ضد الرشد وهو الانهماك في المعاصي ويطلق أيضًا على مجرد الخطأ (وأخرجتهم من الجنة) أي تسببت في خروجهم من الجنة قال القاضي أي أنت السبب في إخراجهم وتعريضهم لإغواء الشيطان ويحتمل أنه لما غوى هو بمعصيته بقوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} وهم ذريته سموا غاوين وأما بالنسبة لآدم فقيل معناه جهل وقيل أخطأ اهـ (فقال) له (آدم أنت) موسى (الذي أعطاه الله) تعالى: (علم كل شيء) من الأحكام المشروعة على لسانه (واصطفاه) الله واختاره (على الناس) أي على عالمي زمانه (برسالته) وبعثته بالتوارة (قال) موسى لآدم (نعم) أنا كذلك (قال) آدم أ (فتلومني) وتعاتبني (على أمر قُدّر) وحكم (على قبل أن أُخلق) والمراد بالتقدير الكتابة في اللوح المحفوظ وفي صحف التوراة وألواحها أي كتبه على قبل خلقي بأربعين سنة ومعنى كلام آدم أنك يا موسى تعلم أن هذا كتب علي قبل أن أخلق وقدر عليَّ فلا بد من وقوعه ولو حرصت أنا والخلائق أجمعون على ردّ مثقال ذرة منه لم نقدر فلم تلومني على ذلك ولأن اللوم على الذنب شرعي لا عقلي وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجًا بالشرع. "فإن قيل" فالعاصي منَّا لو قال الآن هذه المعصية قدَّرها الله على قبل أن أُخلق لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقًا فيما قاله "فالجواب، أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي عقوبته ولومه زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من مرشد ذوي الحجا إلى سنن ابن ماجه.

6585 - (00) (00) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ. حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدثني الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ يَزِيدَ، (وَهُوَ ابْنُ هُرْمُزَ)، وَعَبْدِ الرحْمَنِ الأَعْرَجِ، قَالا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيهِمَا السلامُ عِنْدَ رَبهِمَا. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6585 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري) الخطمي أبو موسى المدني ثم الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني ثقة من (8) روى عنه في (9) أبواب. (حدّثني الحارث) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد (بن أبي ذباب) الدوسي المدني صدوق من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن يزيد وهو ابن هرمز) المدني أبي عبد الله الليثي مولاهم وهو غير يزيد الفارسي ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين الجهاد والقدر مات على رأس المائة [100] (و) عن (عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي مولاهم أبي داود المدني ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب كلاهما (قالا سمعنا أبا هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الحارث بن أبي ذباب لأبي الزناد في الرواية عن الأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام) أي تناظرا وتجادلا (عند ريهما) ذكر الحافظ في الفتح [11/ 505] عن بعض شيوخه أن هذه المحاجَّة تقع منهما يوم القيامة عند ربهما ووقع في حديث لعمر رضي الله عنه عند أبي داود في كتاب السنة من سننه رقم [4702] مرفوعًا "إنَّ موسى قال يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله آدم فقال أنت أبونا آدم فقال له آدم نعم" فذكر الحديث بمثل حديث أبي هريرة واستدل به بعض العلماء على أن هذه المحاجّة وقعت في الدنيا قبل موت موسى وذكر الحافظ القولين ثم قال "فليس قول البخاري في ترجمته عند الله صريحًا في أن ذلك يقع يوم القيامة فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. (فحجَّ آدمُ موسى) أي غلبه بإظهار الحجة عليه وأسكته ثم بين كيفية المحاجة بقوله

قَال مُوسَى: أَنتَ آدَمُ الذِي خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ في جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إلَى الأرضِ؟ فَقَال آدمُ: أَنتَ مُوسَى الذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالتِهِ وَبِكَلامِهِ، وَأَعْطَاكَ الألوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُل شَيءٍ، وَقَرَّبَكَ نَجِيّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللهَ كَتَبَ التَّورَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَال مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا. قَال آدم: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]. قَال: نَعَمْ. قَال: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) موسى لآدم (أنت آدم الذي خلقك الله) وأنشأك واخترعك (بيده) المقدسة (ونفخ فيك) أي في جسمك روحًا (من) جنس (روحه) والإضافة فيه للتشريف أو من زائدة (وأسجد لك ملائكته) أي أمرهم بالسجود لك (وأسكنك) أي أدخلك (في جنته ثم أهبطت الناس) أي أهبطت نفسك وذريتك التي في ظهرك (بـ) ـسبب (خطيئتك) ومخالفتك نهى ربك عن أكل الشجرة أي أهبطت نفسك وإياهم بسببها من الجنة (إلى الأرض فقال آدم) لموسى في جواب سؤاله (أنت موسى الذي اصطفاك) واختارك (الله) سبحانه من عالمي زمانه (برسالته وبـ) سماع (كلامه) المقدّس (وأعطاك الألواح) التي (فيها تبيان) أي بيان (كلّ شيء) تحتاج إليه أمتك من الأحكام التي بعثت بها يعني الألواح التي قال الله تعالى فيها: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ} [الأعراف: 145]. وهي جمع لوح بفتح اللام وسُمي بمصدر لاح الشيء يلوح لوحًا من باب قال إذا ظهر وسُمي بذلك لظهور ما يكتب فيه فأما اللوح بضم اللام فهو ما بين السماء والأرض قال مجاهد كانت الألواح سبعة من زمردة خضراء وقال ابن جبير من ياقوتة حمراء ومعنى كتبنا خلقنا فيها قومًا وخطوطًا مكتوبة مثل الذي يكتب بالأقلام أو أمرنا من يكتب وقوله "فيها تبيان كل شيء" أي كل شيء قصد إلى تبيينه أو من كل نوع شيئًا أو من كل أصل فرعًا اهـ من المفهم قلت والظاهر أنه كتبنا فيها كل شيء يحتاج إليه من أحكام شريعته (وقرَّبك) إليه قربًا يليق بجنابه حالة كونك (نجيًا) أي مناجيًا معه من المناجاة وهي المُسارَّة بالكلام والمعنى اختارك للقرب والمناجاة (فبكم) مدة (وجدت الله) سبحانه أي علمته كتب التوارة قبل أن أُخلق قال موسى) وجدته كتب (بأربعين عامًا) قبل خلقك (قال آدم) لموسى (فهل وجدت فيها) أي في التوراة لفظة {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] , (قال) موسى (نعم) وجدته فيها (قال) آدم (أفتلومني) وتعاتبني (على أن عملت عملًا) أي على

كَتَبَهُ الله عَلَيَّ أن أَعْمَلَهُ قَبْلَ أن يَخلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ " قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". 6586 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ حَاتِمٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: ؛ احتجَّ آدمُ وَمُوسَى. فَقَال لَهُ مُوسَى: أنتَ آدَمُ الذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَال لَهُ آدَمُ: أَنتَ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عملي عملًا كتبه الله (تعالى (علي أن أعمله) والجملة بدل من مفعول كتبه أي كتب الله على عملي إياه (قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجَّ آدم موسى) أي غلبه بالحجة وأسكته لأن موسى قد علم من التوراة بأن الله تاب عليه واجتباه وأسقط عنه اللوم والعتب فلوم موسى وعتبه له مع علمه بأن الله قدَّر المعصية وقضى بالتوبة وبإسقاط اللّوم والمعاتبة حتى صارت تلك المعصية كان لم تكن خبر وقع في غير محله وعلى غير مستحقه وكان هذا من موسى نسبة جفاء في حالة صفاء كما قال بعض أرباب الإشارات ذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء وهذا الوجه أشبه ما ذكروه في علة غلبة آدم موسى في المحاجّة اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6586 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب و) محمَّد (بن حاتم قالا حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهريّ المدني ثقة من (9) (حدَّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثقة من (8) (عن ابن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني (عن أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة حميد بن عبد الرحمن لطاوس بن كيسان وللأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجَّ آدم وموسى) أي تحاجّا وتناظرا برفع موسى عطفًا على آدم قال النووي هكذا الرواية في جميع كتب الحديث باتفاق الناقلين والرواة والشرّاح وأهل الغريب "فحجَّ آدم وموسى" برفع آدم وهو فاعل وعطف موسى عليه أي تحاجّا وتناظرا (فقال له) أي لآدم (موسى أنت) بتقدير همزة الاستفهام أي هل أنت (آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة فقال له آدم) أ (أنت) أي هل أنت (موسى

الذِي اصْطَفَاكَ الله بِرِسَالتِهِ وَبِكَلامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَحَج آدمُ مُوسَى". 6587 - (00) (00) حدّثني عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا أيوبُ بْنُ النَّجَّارِ اليَمَاميُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدّر على قبل أن أخلق فحجَّ آدم موسى) أي أسكته بالحجة. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6587 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكير (الناقد حدثنا أيوب بن النجّار) يحيى بن زياد الحنفي أبو إسماعيل (اليمامي) قاضيها روى عن يحيى بن أبي كثير في القدر وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وجماعة ويروي عنه (خ م س) وعمرو الناقد وأحمد وقتيبة وعدة وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وذكر له (خ م) حديثًا واحدًا سمعه من يحيى بن أبي كثير وهو حديث محاجة آدم وموسى ولم يسمع منه سواه وقال في التقريب ثقة مدلّس من الثامنة (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي ثقة من (5) (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ثقة من (3) (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي سلمة لمن روى عن أبي هريرة (ح وحدثنا) محمَّد (بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همّام بن منبّه) بن كامل اليماني (عن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة وساقا أي أبو سلمة وهمام بن منبه (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث طاوس والأعرج وحميد بن عبد الرحمن. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6588 - (00) (00) وحدّثنا محمد بْنُ مِنهَالٍ الضَّرِيرُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ محمد بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ، نَحْوَ حَدِيثِهِمْ. 6589 - (2629) (196) حدّثني أَبُو الطاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي أَبُو هَانِيءٍ الْخَوْلانِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحْمَنِ الحُبُلِي، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ, قَال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "كَتَبَ الله مَقَادِيرَ الْخَلائقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6588 - (00) (00) (وحدَّثنا محمَّد بن منهال الضرير) التميمي المجاشعي أبو عبد الله البصري ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي العيشي البصري ثقة من (8) (حدثنا هشام بن حسَّان) الأزدي القردوسي البصري ثقة من (6) روى عنه في (7) أبواب. (عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن سيرين لمن روى عن أبي هريرة وساق محمَّد بن سيرين (نحو حديثهم) أي قريب حديث من روى عن أبي هريرة من المذكورين سابقًا أي قريبه لفظًا ومعنى والنحو عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في بعض لفظه وبعض معناه والله أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو كتابة الله المقادير قبل خلق السماوات والأرض بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: 6589 - (2629) (196) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (حدثنا) عبد الله (ابن وهب) بن مسلم القرشي المصريّ (أخبرني أبو هانئ الخولاني) حميد بن هانئ المصري قال أبو حاتم صالح وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال في التقريب لا بأس به من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي عبد الرحمن الحبلي) بضم الحاء والباء وبفتح الباء أيضًا نسبة إلى بني الحبل حتى في اليمن عبد الله بن يزيد المصري ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل القرشي السهمي المدني الصحابي الشهير رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن عمرو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كتب الله) سبحانه وتعالى (مقادير الخلائق)

قَبلَ أَنْ يَخلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة. قَال: وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع قدر بفتحتين وهو قضاء الله وحكمه الذي قدّره وحكمه على الخلائق أزلًا قبل وجود الكائنات الذي يجري عليها فيما لا يزال بعد وجودها (قبل أن يخلق السماوات والأرض بـ) ـقدر (خمسين ألف سنة) مما تعدّون أي أثبتها في اللوح المحفوظ أو فيما شاء فهو توقيت للكتب لا للمقادير لأنها راجعة إلى علم الله تعالى وإرادته وذلك قديم لا أول له ويستحيل عليه تقديره بالزمان إذ الحق سبحانه وتعالى بصفاته موجود ولا زمان ولا مكان وهذه الخمسون ألف سنة سنون تقديرية إذ قبل خلق السماوات لا يتحقق وجود الزمان فإن الزمان الذي يعبر عنه بالسنين والأيام والليالي إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك وسير الشمس والقمر في المنازل والبروج السماوية فقبل السماوات لا يوجد ذلك وإنما يرجع ذلك إلى مدة في علم الله تعالى لو كانت السماوات موجودة فيها لعددت بذلك العدد وهذا نحو مما قاله المفسرون في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام} [الأعراف: 54]. أي في مقدار ستة أيام ثم هذه الأيام كل يوم منها مقدار ألف سنة من سني الدنيا كما قال تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] , وكقوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] هذا قول ابن عباس وغيره من سلف المفسرين على ما رواه الطبري في تاريخه عنهم ويحتمل أن يكون ذكر الخمسين ألفًا جاء مجيء الإغياء في التكثير ولم يرد عين ذلك العدد فكأنه قال كتب الله مقادير الخلق قبل خلق هذا العالم بآماد كثيرة وأزمان عديدة وهذا نحو مما قلناه في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] والأول أظهر وأولى اهـ من المفهم. والمذهب الصحيح أن كتابة الله المقادير قبل السماوات والأرض بمقدار خمسين ألف سنة صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤوّلها كما أوَّلها المؤولون والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (وعرشه) قبل خلق السماوات والأرض (على الماء) أي فوق الماء الذي تحت الأرضين ليس بينه وبينه شيء قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] أي فوق الماء إذ لم تكن سماء ولا أرض اهـ.

6590 - (00) (00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا الْمُقرِئُ. حَدَّثَنَا حَيوَةُ. ح وَحَدَّثَنِي محمد بْنُ سَهْلٍ التمِيمِي. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، (يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ). كِلاهُمَا عَنْ أَبِي هَانِيء، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. غَيرَ أَنهُمَا لَمْ يَذْكُرَا: "وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ". 6591 - (2630) (197) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ. كِلاهُمَا عَنِ الْمُقرِئِ. قَال زُهَيرُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في القدر باب 12 حديث رقم [2157]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال: 6590 - (00) (00) (حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدَّثنا) عبد الله بن يزيد القصير (المقرئ) أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة مولى آل عمر أبو عبد الرحمن المصري نزيل مكة ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصريُّ ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدَّثني محمَّد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البخاري نزيل بغداد ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) سعيد بن الحكم بن محمَّد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحيُّ مولاهم أبو محمَّد المصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا نافع يعني ابن يزيد) الكلاعي بفتح الكاف واللام الخفيفة أبو يزيد المصري ثقة من (7) روى عنه في (2) بابين الجهاد والقدر (كلاهما) أي كل من حيوة ونافع بن يزيد رويا (عن أبي هانئ) حميد بن هانئ (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لعبد الله بن وهب وساقا (مثله) أي مثل حديث عبد الله بن وهب (غير أنهما) أي لكن أن حيوة ونافع بن يزيد (لم يذكرا) في حديثهما لفظة (وعرشه على الماء). ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو تصريف الله القلوب كيف شاء بحديث آخر لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: 6591 - (2630) (197) (حدَّثني زهير بن حرب و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير كلاهما عن المقرئ) عبد الله بن يزيد المصري (قال زهير حدثنا عبد الله بن يزيد

الْمُقْريءُ. قَال: حَدَّثَنَا حَيوَةُ. أَخبَرَنِي أبُو هَانِيءٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبدِ الرَّحمنِ الْحُبُلِيَّ؛ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلَّى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُ: "إِن قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلهَا بَينَ إِصْبَعَينِ من أَصَابعِ الرحمن. كَقَلْبٍ وَاحِدٍ. يُصَرِّفُهُ حَيثُ يَشَاءُ". ثُمَّ قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "اللهُمَّ مُصَرفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ". 6592 - (2631) (198) حدّثني عَبدُ الأعْلَى بْنُ حَمَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ المقرئ قال حدثنا حيوة) بن شريح (أخبرني أبو هانئ) حميد بن هانئ (أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبليّ) عبد الله بن يزيد المصري (أنّه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من سداسياته (أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن قلوب بني آدم كلِّها) بالنصب على أنه تأكيد لقلوب كائنة (بين إصبعين من أصابع الرحمن) حالة كونها (كقلب واحد) صفة أولى لقلب وجملة قوله (يصرّفه) أي يصرّف ذلك القلب ويقلبه (حيث يشاء) إن شاء قلبه إلى الهداية وإن شاء قلبه إلى الغواية والأصبع صفة من صفات ذاته تعالى نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها ولا نؤولها وفي رواية ابن ماجه عن النواس بن سمعان زيادة "إن شاء" الرحمن هدايته "أقامه" أي أثبته على الطريق المستقيم "وإن شاء" خذلانه "أزاغه" أي أماله وأضفه عن طريق الهدى والرشاد (ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرّف القلوب) أي مقلبها إلى ما شاء من هداية أو غواية (صرّف قلوبنا) أي قفب قلوبنا ووجهنا إلى دينك القويم وثبتها (على طاعتك) وعبادتك ولا تزلزلها عن طاعتك قال الأبي والمعنى أن القلوب غير ثابتة على شيء فليحذر العاقل بقلبه وليفزع إلى ربه في حفظه اهـ. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى ولكنه شاركه أحمد [2/ 168]. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو كون كل شيء بقدر بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: 6592 - (2631) (198) (حدثني عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي البصري المعروف بالنرسيّ نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى ثقة من (10) روى عنه في

قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ؛ أَنَّهُ قَال: أَدْرَكْتُ نَاسًا من أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ يَقُولُونَ: كُل شَيءٍ بِقَدَرٍ. قَال: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وسلَّمَ: "كُل شَيءٍ بِقَدَرٍ. حَتَّى العَجْزُ وَالْكَيسُ، أَو الكَيسُ وَالعَجزُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (7) أبواب (قال قرأت على مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك فيما قرئ عليه عن زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني المكي نزيلها ثم اليمنى ثقة من (6) روى عنه في (8) أبواب. (عن عمرو بن مسلم) الجندي بفتح الجيم والنون اليماني روى عن طاوس في القدر وعكرمة ويروي عنه (م د ت س) وزياد بن سعد وابن جريج ومعمر قال أحمد ضعيف وقال ابن معين لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وقال الساجي صدوق يهم وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق له أوهام من السادسة روى عنه في (1) باب واحدٍ (عن طاوس) بن كيسان اليماني (أنه) أي أن طاوسًا (قال أدركت ناسًا) كثيرًا (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونهم (يقولون كُل شيء) من الكائنات ملتبس (بقدر) أي بقضاء الله الأزلي (قال) طاوس (وسمعت) أيضًا (عبد الله بن عمر) بن الخطاب حالة كونه (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء) من الكائنات ملتبس (بقدر حتى العجز) عن الطاعات (والكيس) أي القدرة على العمل روي برفع العجز والكيس عطفًا على لفظ كل لأن حتى عاطفة وروي بجرهما عطفًا على لفظ شيء والعجز إما بمعنى عدم القدرة أو بمعنى ترك ما يجب فعله والتسويف به وتأخيره عن وقته ويحتمل العجز عن الطاعات ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة والكيس ضد العجز وهو النشاط والحذق بالأمور ومعنى الحديث أن العاجز قد قدر عليه عجزه والكيس قدر قدر له كيسه اهـ نووي بتصرف قال طاوس (أو) قال ابن عمر حتى (الكيس والعجز) بتقديم الكيس على العجز والشك من طاوس فيما قاله ابن عمر قال القرطبي ومعنى هذا الحديث ما من شيء يقع في هذا الوجود كائنًا ما كان إلا وقد سبق به علم الله تعالى ومشيئته سواء كان من أفعالنا أو صفاتنا أو من غيرها ولذلك أتى بلفظ "كل" التي هي للاستغراق والإحاطة وعقبها بحتى التي هي للغاية حتى لا يخرج عن تلك المقدمة الكلية من الممكنات شيء ولا يتوهم فيها تخصيص وإنما

6593 - (2632) (199) حدثنا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأبُو كُرَيب. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ محمد بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعفَرٍ الْمَخزُومِيّ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ مُشرِكُو قُرَيشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ في الْقَدَرِ. فَنَزَلَت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل العجز والكيس غاية لذلك ليبين أن أفعالنا وإن كانت معلومة ومرادة لنا فلا تقع منا إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته وقدرته كما قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] , وصار هذا من نحو قول العرب قدم الحجاج حتى المشاة فيكون معناه أن كل ما يقع في الوجود بقدر الله ومشيئته حتى ما يقع منكم بمشيئتكم والعجز التثاقل عن المصالح حتى لا تحصل أو تحصل لكن على غير الوجه المرضي والكيس نقيض ذلك وهو الجد والتشمير في تحصيل المصالح على وجهها والعجز في أصله معنى من المعاني مناقض للقدرة وكلاهما من الصفات المتعلقات بالممكنات على ما يعرضي علم الكلام اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى ولكنه شاركه أحمد [2/ 110]. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال: 6593 - (2632) (199) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن زياد بن إسماعيل) القرشي المخزومي أو السهمي المكي روى عن محمَّد بن عباد في القدر ويروي عنه (م ت ق) والثوري وابن جريج قال النسائي فيه بأس وقال ابن المديني رجل من أهل مكة معروف قال أبو حاتم كتب حديثه وقال ابن معين ضعيف له في كتب الحديث واحد في القدر وقال في التقريب صدوق سيئ الحفظ من السادسة (عن محمَّد بن عباد بن جعفر) بن رفاعة بن أمية (المخزومي) المكي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (جاء مشركر قريش) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونهم (يخاصمون) وينازعون (رسول الله صلى الله عليه وسلم في) إثبات (القدر) أي في إثبات القضاء والقدر أزلًا على كل شيء من الكائنات وينكرونه عليه فقالوا إن الأمر كله أنف (فنزلت) آية ({يَوْمَ يُسْحَبُونَ}) أي اذكر لهم يا محمَّد قوله يوم يجزون فيه ({فِي}) عذاب ({النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}) ويقال لهم استهزاء بهم ({ذُوقُوا}) أيها المشركون حرارة

مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر: 48 - 49]. 6594 - (2633) (200) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبراهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ)، قَالا: أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: مَا رَأَيتُ شَيئًا أشْبَهَ بِاللَّمَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ({مَسَّ}) عذاب ({سَقَرَ}) لكم والسقر اسم لطبقة من طباق النار ({إِنَّا}) نحن ({كُلَّ شَيءٍ}) من الكائنات ({خَلَقْنَاهُ}) أي أوجدناه فيما لا يزال حالة كونه ملتبسًا ({بِقَدَرٍ}) أي بقضاء مقدر عليه أزلًا. قال النووي المراد بالقدر هنا القدر المعروف الذي يجب الإيمان به وهو ما قدره الله تعالى وقضاه وسبق به علمه وإرادته وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شيء فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله تعالى مراد له سبحانه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة النجم [3286] وابن ماجه في المقدمة باب في القدر [71]. وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} قال القرطبي: ظاهره أن المراد بقدر ما سبق به علمه وارادته وهو دليل سياق القصّة التي نزلت الآية بسببها وقال الباجيّ يحتمل أن يراد بالقدر التقدير لا يزاد فيه ولا ينقص من باب قوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا} ويحتمل أن يراد به القدرة كما قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ} وفيه وجه ثالث وهو أن يكون بقدر أي وقت خلقه فيه كذا في شرح الأبي. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو أن الله تعالى قدّر على ابن آدم حظه من الزنا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6594 - (2633) (200) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد واللفظ لإسحاق قالا أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من سباعياته لأنه من مسند أبي هريرة (قال) ابن عباس (ما رأيت شيئًا أشبه) أي أشدّ شبهًا (باللمم) أي بالذنوب الصغائر يعني ابن عباس رضي الله عنه فسَّر اللمم المذكور في سورة النجم بهذه الأفعال التي تعدُّ في الصغائر وهو الصحيح في تفسير اللمم كما ذكره النوويُّ وقيل اللمم

مِمَّا قَال أَبُو هُرَيرَةَ؛ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِن الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدم حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى. أَدْرَكَ ذلِكَ لَا مَحَالةَ. فَزِنَى الْعَينَينِ النَّظَرُ. وَزنَى اللِّسَانِ النطْقُ. وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي. وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ". قَال عبدٌ في رِوَايَتِهِ: ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ. سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يلمّ بالشيء ولا يفعله وقيل الميل إلى الذنب ولا يصرّ عليه والظاهر أن كون النظر واللمس من الصغائر إنما هو إذا صدرت هذه الأفعال أحيانًا لا على سبيل العادة والاستمرار والله أعلم ومحصل كلام ابن عباس تخصيصه ببعضها ويحتمل أن يكون أراد أن ذلك من جملة اللمم كذا في فتح الباري (مما قال أبو هريرة) رضي الله عنه وحدَّث به من (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الله) عَزَّ وَجَلَّ (كتب على ابن آدم) أي قدَّر عليه أزلًا (حظه) أي نصيبه (من الزنا) سواء كان حقيقيًّا أو مجازيًا ومن فيه للبيان وهو مع مجروره حال من حظه يعني أن الله خلق لابن آدم الحواس التي بها لذة من الزنا وأعطاه القوى التي يقدر عليه وركز في جبلته حب الشهوات اهـ دهني قوله (أدرك ذلك لا محالة) بصيغة الماضي معطوف بعاطف مقدر على كتب ويكون بمعنى اسم الفاعل كما تدل عليه الرواية الآتية وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فهو مدرك ذلك ولا محالة أي لا بد من وقوع ذلك منه اهـ من المفهم. والمعنى أن الله سبحانه كتب وقدَّر في الأزل على ابن آدم حظه ونصيبه من الزنا سواء كان زنا الفرج أو زنا العين أو زنا اللمس فهو مدرك أي فاعل ذلك الحظ الذي كتب عليه لا محالة أي لا بد ولا محيص من وقوعه ثم بين ذلك الحظ بقوله (فزنى العينين النظر) إلى الأجنبية (وزنى اللسان النطق) أي الكلام مع الأجنبية (والنفس تمنَّى) أي تتمنى وتطمع في الزنا (وتشتهي) أي وتشتاق إليه (والفرج يصدّق ذلك) أي يحصل ذلك الذي تتمناه النفس ويفعله بالإيلاج (أو يكذِّبه) أي يكذب ذلك الذي تتمناه ويتركه ولا يفعله (قال عبد) بن حميد (في روايته) عن (بن طاوس عن أبيه سمعت ابن عباس) بصريح السماع لا بالعنعنة. قال النووي معنى هذا الحديث أن ابن آدم قُدّر عليه نصيبه من الزنا فمنهم من يكون زناه حقيقيًّا بإدخال الفرج في الفرج الحرام ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها أو

6595 - (00) (00) حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ الْمَخزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبْ. حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى. مُدْرِكٌ ذلِكَ لَا مَحَالةَ. فَالْعَينَانِ زنَاهُمَا النظَرُ. وَالأذُنانِ زِنَاهُمَا الاستِمَاعُ. وَاللسَانُ زنَاهُ الكَلامُ. وَالْيَدُ زنَاهَا الْبَطشُ. وَالرِّجلُ زِنَاهَا الْخُطَا. وَالقَلبُ يَهوَى وَيتَمَنَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية أو نحو ذلك أو بالفكر فكل هذه أنواع من الزنا المجازيّ "والفرج يصدِّق ذلك أو يكذبه" معناه أنه قد يحقق الزنا الفرج وقد لا يحققه بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاستئذان باب الاستئذان من أجل البصر [6243] وفي القدر باب وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [6612] وأبو داود في النكاح باب ما يُؤمر به من غض البصر [2152] وأحمد [2/ 276]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6595 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثقة من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا أبو هشام المخزومي) القرشي مغيرة بن سلمة البصري ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) روى عنه في (14) بابا (حدثنا سهيل بن أبي صالح) السمّان (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح السمان لابن عباس (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كُتِب) بالبناء للمجهول (على ابن آدم نصيبه) أي حظه (من الزنا) وقوله (مدرك ذلك) خبرٌ لمحذوف تقديره فهو مدرك ذلك النصيب أي فاعله (لا محالة) أي لا بد من فعله لأنه واجب الوقوع وإذا أردت بيان ذلك النصيب لك (فـ) ـأقول لك (العينان زناهما) أي نصيبهما من الزنا (النظر) إلى الأجنبية (والأذنان زناهما) أي نصيبهما من الزنا (الاستماع) إلى ما يهيِّجه على الزنا من أصوات الأجنبية (واللسان زناه) أي حظه من الزنا (الكلام) أي المحادثة مع الأجنبية (واليد زناها) أي حظها من الزنا (البطش) أي الأخذ بالأجنبية بيده (والرجل زناها) أي حظها من الزنا (الخطا) أي المشي إلى موضع الأجنبية (والقلب) زناها أن (يهوى) ويشتاق إلى الزنا (ويتمنى) أي ويطمع في الزنا

وَيُصَدِّقُ ذلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويصدِّق ذلك) الذي يهواه القلب ويتمنَّى (الفرج) بالإيلاج أ (ويكذِّبه) بامتناعه من الإيلاج قوله "والقلب يهوى ويتمنَّى" قال القرطبي يعني أن هواه وتمنيه هو زناه وإنما أطلق على هذه الأمور كلها الزنا لأنها مقدماتها إذ لا يحصل الزنا الحقيقي في الغالب إلا بعد استعمال هذه الأعضاء في تحصيله والزنا الحقيقي هو إيلاج الفرج المحرم شرعًا في مثله ألا ترى قوله "ويصدق ذلك الفرج ويكذبه" يعني إن حصل إيلاج الفرج الحقيقي زنى تلك الأعضاء وثبت إثمه وإن لم يحصل ذلك واجتنب كفر زنى تلك الأعضاء كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] اهـ من المفهم. وهذه الرواية انفرد بها الإِمام مسلم رحمه الله تعالى والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والثاني حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث عبد الله بن عمرو الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة والرابع حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والسادس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

733 - (22) باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عما سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى

733 - (22) باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عمَّا سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى 6596 - (2634) (201) حدثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيّ. أَخبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الْفِطرَةِ، فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ. كَمَا تُنتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 733 - (22) باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عمَّا سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى 6596 - (2634) (201) (حدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي الأعور نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمَّد بن حرب) الخولاني الحمصي الأبرش ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمَّد بن الوليد (الزبيديِّ) مصغرًا الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهريّ) قال الزهريّ (أخبرني سعيد بن المسيِّب) بن حزن المخزومي المدني ثقة من (2) روى عنه في (17) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أنَّه كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منْ مولود) كائن من بني آدم (إلا يولد على الفطرة) أي على الملّة الإِسلامية والفطرة الحنيفية التي هي التوحيد وفيه القابليَّة للدين الحق فلو ترك وطبعه لما اختار دينًا غيره وقوله "وما من مولود" ما نافية من مولود مبتدأ ويولد خبره لأن من الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك ما أحدٌ خير منك. والتقدير هنا ما مولود يولد على أمرٍ من الأمور إلا على الفطرة (فأبواه يهوِّدانه) أي يجعلانه يهوديًّا إن كانا يهوديين (وينصِّرانه) أي يجعلانه نصرانيًّا إذا كانا نصرانيين (ويمجِّسانه) أي يجعلانه مجوسيًّا إن كانا مجوسيين والفاء في قوله فأبواه للتعقيب أو للتسبب والمعنى أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه والجار والمجرور في قوله (كما) حالٌ من الضمير المنصوب في يهوِّدانه مثلًا أي يهوِّدان المولود بعد أن خلق على الفطرة كما (تنتج البهيمة بهيمة جمعاء) سليمة الأعضاء بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة وضم

هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدعَاءَ؟ "، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ: وَاقرَؤُوا إن شِئتُم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] ـــــــــــــــــــــــــــــ الجيم بالبناء للمجهول من الإنتاج يقال أنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج وقال في المغرب نتج الناقة ينتجها إذا ولى نتاجها حتى وضعت فهو ناتج وهو للبهائم كالقابلة للنساء والمعنى فأبواه يهوِّدانه مثلًا حالة كونه مثل البهيمة التي تنتج بهيمة سليمة الأعضاء كاملتها أو كما صفة لمصدر محذوف أي يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة فيهوِّدانه وينصِّرانه تنازعا في كما على كلا التقديرين قال النووي وقوله "كما تنتج البهيمة" بالرفع على أنه نائب فاعل "بهيمة" بالنصب على الحال: جمعاء" صفة لبهيمة والمعنى كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء أي مجتمعة الأعضاء سليمة من نقص لا توجد فيه جدعاء وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء ومعناه أن البهيمة قلد بهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها اهـ وجملة قوله (هل تحسون) وتجدون (فيها) أي في البهيمة (من جدعاء) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وبالمد أي مقطوعة الأطراف أو أحدها في موضع النصب صفة ثانية لبهيمة أو كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء مقولًا فيها هل تحسون فيها من جدعاء وفيه نوع من التأكيد يعني أن كل من نظر إليها قال هذا القول لسلامتها (ثم) ما حدث هذا الحديث (يقول أبو هريرة) رضي الله عنه (واقرؤوا إن شئتم) مصداق ذلك قوله تعالى: ({فِطْرَتَ اللَّهِ}) أي الزموا فطرة الله أي ملته الحنيفية ({الَّتِي فَطَرَ}) أي خلق وطبع ({النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ}) ولا تغيير ({لِخَلْقِ اللَّهِ}) أي لملّته التي طبع الناس عليها من أوّل خلقتهم وهي ملّة التوحيد (الآية) أي أتم الآية من سورة (الروم: 30). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 346] والبخاري في مواضع منها في القدر [6599] وأبو داود في السنة باب ذراريّ المشركين [4714] والترمذي في القدر باب كل مولود إلا يولد على الملة [2139] قال القسطلاني "قوله كما تنتج البهيمة" إلخ فيه تشبيه المعقول. بالمحسوس المشاهد ليفيد أن ظهوره بلغ في الكشف والبيان مبلغ هذا المحسوس المشاهد ومحصله أن العالم إما عالم الغيب أو عالم الشهادة فإذا نُزل الحديث على عالم الغيب أشكل معناه وإذا صرف إلى عالم الشهادة سهل تعاطيه فإذا نظر الناظر إلى المولود نفسه من غير اعتبار عالم الغيب وأنه ولد على الفطرة من

6597 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبدُ الأَعْلى. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً". وَلَمْ يَذكُرْ: جَمْعَاءَ. 6598 - (00) (00) حدّثني أَبُو الطاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَن أَبَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستعداد للمعرفة وقبول الحق والإباء عن الباطل والتمييز بين الخطأ والصواب حكم أنه لو ترك على ما هو عليه ولم يعتوره من الخارج ما يصدُّه استمر على ما هو عليه من الفطرة السليمة وانظر قتل الخضر الغلام إذ كان باعتبار النظر إلى عالم الغيب وإنكار موسى - عليه السلام - كان باعتبار عالم الشهادة وظاهر الشرع فلمّا اعتذر الخضر بالعلم الخفي الغائب أمسك موسى - عليه السلام - عن الإنكار فلا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل اهـ ملخصًا من شرح المشكاة. ثم ذكر المؤلف التابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6597 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة أبو محمَّد البصري ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق) بن همّام الحميري الصنعاني ثقة من (9) كلاهما) أي كل من عبد الأعلى وعبد الرزاق رويا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهريّ بهذا الإسناد) يعني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر للزبيدي (و) لكن (قال) معمر في روايته كما تنتج البهيمة بهيمة) سليمة (ولم يذكر) معمر لفظة (جمعاء) أي مجتمعة الأعضاء سليمتها كما ذكره الزبيدي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6598 - (00) (00) (حدّثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وأحمد بن عيسى) بن حسّان المصري صدوق من (10) كلاهما (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب أن أبا

سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخبَرَهُ؛ أَن أبا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "مَا من مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الْفِطرَةِ"، ثُمَّ يَقُولُ: اقرَؤُوا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]. 6599 - (00) (00) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "مَا من مَوْلُودٍ إلا يُلِدَ عَلَى الْفِطرَةِ. فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وينَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ" فَقَال رَجُلٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهريّ المدني (أخبره) أي أخبر للزهري (أن أبا هريرة قال) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي سلمة لسعيد بن المسيَّب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة (الإسلامية والملة الحنيفية التي هي التوحيد. (ثم يقول) أبو هريرة (اقرؤوا) إن شئتم مصداق ذلك قوله تعالى: ({فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ}) ولا تغيير ({لِخَلْقِ اللَّهِ}) أي لدين الله الذي خلق الناس عليه ({ذَلِكَ}) المذكور من الفطرة هو ({الدِّينُ الْقَيِّمُ}) أي المستقيم الذي لا اعوجاج فيه عن الحق الذي هو التوحيد إلى الباطل الذي هو الإشراك والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6599 - (00) (00) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي صالح لسعيد بن المسيب وأبي سلمة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منْ مولود إلّا يُلِد) بضم الياء وكسر اللام بوزن ضرُب على وزن الماضي المبني للمجهول وهو لغة لأن الواو قد تقلب ياء لمناسبة كسر ما بعدها فيقال في إعرابه يُلد فعل ماضي مغير الصيغة لضم أوله وكسر ما قبل آخره لفظًا مبني على الفتح لأن الياء فيه ليست حرف مضارعة بل هي عوض عن الواو أي إلا وُلد (على الفطرة) الإِسلامية والملّة الحنيفية (فأبواه يُهودانه) إن كانا يهوديين (وينصرانه) إن كانا نصرانيين (ويشركانه) بضم أوله وكسر الراء المشددة من التشريك ويجوز أن يكون من الإشراك أي يجعلانه مشركًا إن كانا مشركين بعبادة غيره تعالى كالمجوس التي تعبد النار ومشركي العرب الذين يعبدون الأحجار والأشجار (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسم

يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيتَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ ذلِكَ؟ قَال: "الله أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". 6600 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. في حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: "مَا من مَوْلُودٍ يُولَدُ إلا وَهُوَ عَلَى الْمِلَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الرجل (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني عن حكمه (لو مات) ذلك الولد (قبل ذلك) أي قبل جعله يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مشركًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو كانوا أحياء هل يعملون بعمل أهل السعادة أو بعمل أهل الشَّقاوة وقد فسَّر العلماء جواب النبي صلى الله عليه وسلم بتفسيرين الأول أن الله تعالى يعلم قطعًا ما كانوا يعملون إن عاشوا بعد البلوغ فيحكم عليهم بحسب علمه فإن كان في علمه أن الولد الفلاني يكون كافرًا إن عاش صار معذبًا في النار وإن كان في علمه أنه يصير مسلمًا إن عاش بعد البلوغ كان من أهل الجنة وهذا التفسير ذهب إليه القرطبي كما نقل عنه الأبي رحمهما الله تعالى ولكن هذا التفسير لا يوافق ما ذهب إليه الجمهور من أن أطفال المشركين من أهل الجنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ولذلك ردّه جمهور العلماء. وتأوَّل فيه بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المشركين في الجنة والتفسير الثاني ذهب إليه الجمهور وهو أن الله أعلم بما كانوا عاملين إن عاشوا فلا تحكموا عليهم بشيء وحاصلة التوقف في أمرهم ومما يدل على صحة هذا التفسير ما أخرجه أحمد، عن ابن عباس قال كنت أقول في أولاد المشركين هم منهم حتَّى حدثني رجلٌ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيته فحدّثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ربهم أعلم بهم هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين فأمسكت عن قولي ذكره الحافظ في الفتح [3/ 247]. ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6600 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب) محمَّد بن العلاء (قالا حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي كلاهما) أي كل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد ولكن (في حديث ابن نمير) وروايته لفظة (ما من مولود يولد) بصيغة المضارع (إلا وهو على الملّة)

وَفِي رِوَايَةِ أبي بَكرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاويةَ: "لَيسَ من مَوْلُودٍ يُولَدُ إلا عَلَى هَذهِ الفِطْرَةِ، حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ". 6601 - (00) (00) حدثنا محمد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ بْنِ مُنَبهٍ. قَال: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذكَرَ أَحَادِيثَ مِنهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَن يُولَدُ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْفِطرَةِ. فَأبوَاهُ يُهَودَانِهِ وَيُنَصرَانِهِ. كَمَا تَنتِجُونَ الإبِلَ. فَهَل تَجِدُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإِسلامية أي يولد على الاستعداد لقبول الملة الإِسلامية بدل قول جرير "إلا يلد على الفطرة" (وفي رواية أبي بكر عن أبي معاوية) لفظة (إلَّا على هذه الملّة) أي ما من مولود يولد إلا على هذه الملة الإِسلامية (حتى يبيّن) ويظهر (عنه) أي عن حاله (لسانه) بنطقه كلمة الكفر (وفي رواية أبي غريب عن أبي معاوية ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبِّر) ويفسِّر (عنه) أي عن ما في ضميره (لسانه) فيحكم عليه بما أظهر عنه لسانه. ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6601 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدثنا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يولد) منكم. (يولد على هذه الفطرة) الإِسلامية وهذا السند من خماسياته غرضه بسوقه بيان متابعة همّام بن منبه لمن روى هذا الحديث عن أبي هريرة من سعيد بن المسيب وأبي سلمة وأبي صالح (فأبواه يهودانه) أي يصيّرانه يهوديًّا إن كانا من اليهود (وينصرانه) أي يصيرانه نصرانيًّا إن كانا من النصارى والفاء في قوله "فأبواه" للتعقيب أو للسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه وقوله (كما تنتجون الإبل) حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلًا أي يهودان المولود أو ينصًرانه بعد أن خلق على الفطرة حالة كونه كالإبل أي كالبهيمة التي تنتجونها سليمة ثم تجدعون آذانها وأعضاءها (فهل تجدون

فِيهَا جَدْعَاءَ؟ حَتى تَكُونُوا أَنتُم تَجْدَعُونَهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَفَرَأَيتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَال: "الله أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". 6602 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها) أي في البهيمة (جدعاء) أي مقطوعة الأعضاء حالة ولادتها (حتى تكونوا أنتم تجدعونها) أي تقطعون أعضاءها (قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيرًا) لم يبلغ الحلم أيدخل الجنة أي أخبرنا عن حاله (قال) صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو عاشوا. قوله "أفرأيت يا رسول الله" أي أخبرنا فهو من إطلاق السبب على المسبب لأن مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها والهمزة فيه مقررة أي قد رأيت ذلك فأخبرنا وقوله "الله أعلم بما كانوا عاملين" قال البيضاوي فيه إشارة إلى أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال وإلا لزم أن يكون ذراري المسلمين والكافرين لا من أهل الجنة ولا من أهل النار بل الموجب بهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهما في الأزل فالأولى فيهما التوقف وعدم الجزم بشيء فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب قال النووي أجمع من يعتبر به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم دُعي لجنازة صبي من الأنصار فقلت طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنَّة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وأجابوا عن هذا بأنه لعله صلى الله عليه وسلم نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع أو أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم بأن أطفال المسلمين في الجنة وأما أطفال المشركين ففيهم مذاهب فالأكثرون على أنهم في النار وتوقفت طائفة والثالث وهو الصحيح أنهم من أهل الجنة اهـ قاله القسطلاني في الإرشاد. ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6602 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمَّد بن عبيد (يعني الدراورديَّ) الجهني المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه)

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "كُل إِنسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ على الْفِطْرَةِ، وَأَبَوَاهُ، بَعْدُ، يُهَوِّدَانِهِ وينَصِّرَانِهِ ويمَجِّسَانِهِ، فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَينِ فَمسلِمٌ. كلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلكُزُهُ الشيطَانُ في حِضْنَيهِ، إلا مَرْيَمَ وَابْنَهَا". 6603 - (2635) (202) حدثنا أَبُو الطاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي ابْنُ أبي ذِئْبِ ويونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن بن يعقوب الجهني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لمن روى عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل إنسان تلده أُمه على الفطرة) أي على الملّة الإِسلامية (وأبواه بعد) أي بعد ما خلق على الفطرة (يهوِّدانه) إن كانا يهوديين أ (وينصرانه) بعد إن كانا نصرانيين أ (ويمجسانه) بعد إن كان مجوسيين (فإن كانا) أي كان أبواه (مسلمين فـ) ـهو أي فالولد (مسلمٌ) تبعًا لهما (كُل إنسان) مبتدأ وجملة قوله (تلده أُمه) صفة لإنسان وجملة قوله (يلكزه الشيطان في حضنيه) أي يطعنه في جنبيه خبر المبتدأ (إلا مريم وابنها) عيسى عليهما السلام يقال لكزه يلكزه لكزًا من باب قتل إذا ضربه بجمع كله في صدره وربما أطلق على الضرب في أي مكان من البدن ويقال له أيضًا اللقز كما في لسان العرب وتاج العروس وقوله "حضنيه" بكسر الحاء وسكون الضاد المعجمة تثنية حضن وهو الجنب أو الخاصرة وفي المصباح الحضن ما دون الإبط اهـ كذا وقع لجميعهم غير ابن ماهان فإنه رواه بلفظ "خصيتيه" تثنية خصية وهما الأنثيان وذكر القاضي أنه وهم وتصحيف بدليل قوله إلا مريم وابنها لأنها ليس لها خصيتان قال الطبري واللكز المذكور هو من الأمراض الحسية فلا يمتنع عروضه لغيرهما وظاهر تكرمه مقام النبي صلى الله عليه وسلم خروجه وإلحاقه بعيسى في ذلك أهـ من الأبي. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو بيان ما جاء في أولاد المشركين بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6603 - (2635) (202) (حدثنا أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني) محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث (بن أبي ذئب) هشام بن شعية القرشي العامري أبو الحارث المدني ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (ويونس) بن يزيد الأموي الأيلى ثقة من (7) (عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد) الليثي أبي يزيد المدني نزيل الشام ثقة من

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ سُئِلَ عَنْ أَوْلادِ المُشرِكِينَ. فَقَال: "الله أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". 6604 - (00) (00) حدثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبدُ الرَّزاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَبدُ الله بْنُ عَبدِ الرَّحمن بْنِ بِهرَامَ. أَخبَرَنَا أَبُو اليَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ. ح وَحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، (وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ الله)، ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن أولاد المشركين) هل يدخلون الجنة أم لا يعني بهم من يموت منهم صغيرًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو عاشوا. فلا تحكموا عليهم بشيء وحاصله التوقف في أمرهم وذكر الحافظ في الفتح عشر أقوال والمذهب الصحيح الذي اختاره الجمهور أنهم من أهل الجنة لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وإذا كان العاقل البالغ لا يعذب لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى قال النووي ولا يتوجه المولود التكليف ولا يلزمه قول الرسول حتى يبلغ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين [1384] وفي القدر باب الله أعلم بما كانوا عاملين [6598] والنسائي في الجنائز باب أولاد المشركين [1949 و 1950]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6604 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح وحدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (بن بهرام) الدارمي السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأمويُّ مولاهم أبو بشر الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدّثنا سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) الحرَّاني صدوق من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معقل وهو ابن عُبيد الله) الجزريّ الحرَّاني أبو عبد الله العبسي صدوق من (8) روى عنه في (9) أبواب

كُلهُم عَنِ الزهْرِيّ. بِإسنَادِ يُونُسَ وَابْنِ أَبِي ذِئبٍ، مِثلَ حَدِيثِهِمَا، غَيرَ أن في حَدِيثِ شُعَيبٍ وَمَعقِلٍ: سُئِلَ عَنْ ذَرَارِي المُشْرِكِينَ. 6605 - (00) (00) حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ عَنْ أَطفَالِ المُشْرِكِينَ. مَن يَمُوتُ مِنهُم صَغِيرًا. فَقَال: "الله أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". 6606 - (2636) (203) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ كُلَّهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة يعني معمرًا وشعيبًا ومعقلًا رووا (عن الزهريّ بإسناد يونس وابن أبي ذئب) يعني عن عطاء عن أبي هريرة غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليونس وابن أبي ذئب وساقوا (مثل حديثهما) أي مثل حديث يونس وابن أبي ذئب (غير أن) أي لكن أن (في حديث شعيب ومعقل) وروايتهما لفظة (سُئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن ذراري المشركين) وأطفالهم بلفظ ذراري المشركين بدل أولاد المشركين في رواية يونس وابن أبي ذئب. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6605 - (00) (00) (حدثنا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني. (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الأعرج لعطاء بن يزيد (قال) أبو هريرة (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين من يموت منهم صغيرًا) بدل من أطفال بدل اشتمال أو بدل بعض من كل ولم أر من ذكر اسم هذا السائل قاله في الفتح (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين) لو عاشوا. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة هذا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6606 - (2636) (203) (وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطيّ ثقة من (7) (عن أبي بشر) بيان بن بشر

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسلمَ عَنْ أَطفَالِ الْمُشْرِكِينَ؟ قَال: "الله أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، إِذْ خَلَقَهُمْ". 6607 - (00) (00) حدثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحمسي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمَّد الكوفي قتيل الحجاج الجائر ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين) وذراريهم هل يدخلون الجنة أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بما كانوا عاملين إذْ خلقهم) لو عاشوا قال القرطبي معناه الله أعلم بما جبلهم عليه وطبعهم عليه فمن خلقه الله تعالى على جبلّة المطيعين كان من أهل الجنة ومن خلقه الله تعالى على جبلَّة الكفار من القسوة والمخالفة كان من أهل النار وهذا كما قال في غلام الخضر طبع يوم طبع كافرًا وهذا الثواب والعقاب ليس مرتبًا على تكليف ولا مرتبطًا به وإنما هو بحكم علمه ومشيئته وأما من قال إنهم في النار مع آبائهم فمعتمده قوله صلى الله عليه وسلم "هم من آبائهم" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي ولا حجّة فيه لوجهين أحدهما أن المسألة علمية وهذا خبر واحد وليس نصًّا في الغرض وثانيهما سلمناه لكنا نقول ذلك في أحكام الدنيا وعنها سئل وعليها خرّج الحديث وذلك أنهم قالوا يا رسول الله إنا نبيت أهل الدار من المشركين وفيهم الذراري فقال هم من آبائهم يعني في جواز القتل في حال التبييت وفي غير ذلك من أحكام آبائهم الدنيوية والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين [1383] وفي القدر باب الله أعلم بما كانوا عاملين [6597] وأبو داود [4711] والنسائي في الجنائز في أولاد المشركين [1951 و 1952]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أُبيّ بن كعب رضي الله عنهما فقال: 6607 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن تعنب) الحارثي القعنبي البصري ثقة من (9) (حدثنا معتمر بن سليمان) التيمي ثقة من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان

عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَسقَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ، عَنْ أُبَي بْنِ كَعبٍ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "إِن الغُلامَ الذِي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبعَ كَافِرًا. وَلَوْ عَاشَ لأَرهَقَ أَبوَيهِ طُغيَانًا وَكُفرًا". 6608 - (2638) (205) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التيمي البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (عن رقبة) بفتحات (بن مصقلة) بفتح فسكون ويقال فيه مسقلة بالسين كما يقال مصقلة بالصاد العبديّ أبي عبد الله الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي (عن ابن عباس عن أُبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني رضي الله عنه وهذا السند من ثمانياته ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (قال) أُبي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الغلام الذي قتله الخضر) في قصته مع موسى عليهما السلام (طبع كافرًا) أي خُلق من أوّل خلقته كافرًا (ولو عاش) ذلك الغلام مع والديه الأرهق) وأجبر وكلف (أبويه طغيانًا) أي ميلًا عن الحق (وكفرًا) أي شركًا باللهِ أي لأجبرهما بالطغيان والكفر قال في الكشاف طغيانًا عليهما وكفرًا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شرًّا وبلاء أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ وكافر أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه ويطغيا ويكفرا بعد الإيمان اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 121] وأبو داود في السنة باب في القدر [4705 و 4706] والترمذي [3150] والظاهر أنه اختصار لحديث طويل رواه ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنه وقد من بطوله في باب فضائل الخضر عليه السلام. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6608 - (2638) (205) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن العلاء بن المسيب) بن رافع الأسدي الكوفي ثقة من (6) روى عنه

عَنْ فُضَيلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالتْ: تُوُفِّيَ صبِيٌّ. فَقُلتُ: طُوبَى لَهُ. عُصفُورٌ من عَصَافِيرِ الجَنةِ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "أَوَ لَا تَدرِينَ أَن اللهَ خَلَقَ الجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ، فَخَلَقَ لِهذِهِ أَهلا، وَلِهذِهِ أَهلا". 6609 - (00) (00) حدثنا أبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (2) البر والصلة والقدر (عن فضيل بن عمرو) الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف مصغرًا أبي النضر الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية أم عمران أمها أم كلثوم بنت أبي بكر كانت فائقة الجمال ثقة من (3) روى عنها في (3) أبواب (عن عائشة أُمِّ المؤمنين) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (توفي صبي) أي مات صبي من الأنصار. (فقلت) له (طوبى) أي الجنة (له) أي لهذا الصبي إنه (عصفور) أي دويبية (من عصافير الجنة) أي من دواب الجنة (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم أ) تقولين ذلك (ولا تدرين) ولا تعلمين (أن الله) سبحانه (خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه) يعني الجنة (أهلًا) يدخلونها (و) خلق (لهذه) يعني للنار (أهلًا) يدخلونها قال النووي أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا وتوقف فيه بعض من لا يعتد لحديث عائشة هذا وأجاب العلماء بأنه لعلّه نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة فلما علم قال ذلك في قوله ما من مسلم يموت له ثلاثة إلخ أهـ نووي باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 208] وأبو داود في السنة باب في ذراري المشركين [4713] والنسائي في الجنائز باب الصلاة على الصبيان [1947] وابن ماجه في المقدمة [82]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6609 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن طلحة بن

يَحْيَى، عَنْ عَمَّتِهِ، عَائِشَةَ بِنْتِ طَلحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالت: دُعِيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ إلى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله، طُوبَى لِهَذا. عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنةِ، لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكهُ. قَال: "أَوَ غيرَ ذلِكَ، يَا عَائِشَةُ، إِن الله خَلَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني نزيل الكوفة صدوق من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن عمته عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية المدنية (عن عائشة أُمّ المؤمنين) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة طلحة بن يحيى لفضيل بن عمرو (قالت) عائشة (دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طُلب (إلى) صلاة (جنازة صبيٍّ من الأنصار فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله طوبى) أي بشرى (لهذا) الصبي وطوبى فعل من طاب يطيب أصله طيبي بضم الطاء وسكون الياء قلبت الياء واوًا لوقوعها إثر ضمة أي له البشرى بطيب العيش هو (عصفور من عصافير الجنّة) أي مثلها من حيث إنه لا ذنب عليه وينزل في الجنة حيث شاء وهذا هو وجه الشبه عندي لأن الكلام فيه تشبيه بليغ لما في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا "صغارهم دعاميص الجنة" أي عصافيرها قال القاري أي إنهم سياحون في الجنة لا يمنعون من موضع كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحُرُم ولا يحتجب منهم اهـ من المرشد والظاهر أن مستقرهم في روضة في أصل شجرة كما في رؤياه صلى الله عليه وسلم بلفظ "انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان" الحديث. وفسر الشيخ بإبراهيم - عليه السلام - والصبيان بأولاد الناس والعصفور طائر معروف وقيل طوبى اسم الجنة أو اسم شجرة فيها وفسرت بالمعنى الأصليّ فقيل أطيب معيشة له وقيل فرح له وقرة عين وجملة قوله (لم يعمل السوء) علة لما قبلها أي طوبى له لأنه لم يعمل السوء والذنب (ولم يدركه) أي ولم يدرك أوان الذنب بالبلوغ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (أو غير ذلك) والهمزة داخلة على محذوف والواو عاطفة على ذلك المحذوف وغير ذلك بفتح الراء وكسر الكاف مفعول لذلك المحذوف والتقدير أتعتقدين ما قلت وتجزمين به؟ لا واعتقد غير ذلك وهو التوقف وعدم الجزم بكونه من أهل الجنة ويجوز رفع غير على أنه خبر لمحذوف والتقدير أتعتقدين ما قلت لا والحق غير ذلك وهو عدم الجزم بكونه من أهل الجنة ثم قال (يا عائشة إنَّ الله) عَزَّ وَجَلَّ (خلق

لِلجَنَّةِ أَهْلًا. خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلابِ آبائِهِمْ. وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهلًا. خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ في أَصْلابِ آبائِهِم". 6610 - (00) (00) حدثنا محمد بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ طَلحَةَ بْنِ يَحْيى. ح وَحَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ مَعبَدٍ. حَدَّثَنَا الحُسَينُ بْنُ حَفْصٍ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنصورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ للجنة أهلًا) أي سكانًا (خلقهم لها) أي للجنة وقدرهم في سابق علمه (وهم في أصلاب آبائهم) أي قبل ولادتهم (وخلق للنار أهلًا) أي سكانًا (خلقهم لها) أي للنار (وهم في أصلاب آبائهم) فهم في النار بحكم القدر قبل ولادتهم. قال النووي قد صرّح كثير من أهل التحقيق أن التوقف في مثله أحوط إذ ليست المسألة مما يتعلق بها العمل ولا عليها إجماع وهي خارجة عن محل الإجماع على قول الأُصوليين إذ محل الإجماع ما يدرك بالاجتهاد دون الأمور المغيبة فلا اعتداد بالإجماع في مثله لو تم على قواعدهم فالتوقف أسلم على أن الإجماع لو تم وثبت لا يصح الجزم في مخصوص لأن إيمان الأبوين تحقيقًا غيب وهو المناط عند الله تعالى اهـ. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6610 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازيّ ثم البغدادي صاحب السنن ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الأسديّ الخلقاني أبو زياد الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة التيمي (ح وحدثني سليمان بن معبد) بن كوسجان أبو داود الرازي السنجي بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الحسن بن حفص) بن الفضل بن يحيى بن ذكوان الهمداني الكوفي ثم الأصبهاني قاضي أصبهان ورئيسها قال أبو حاتم محله الصدق وذكره ابن حبان في الثقات. روى عن الثوري في القدر وإسرائيل وابن أبي رواد ويروي عنه (م ق) وأبو داود السنجي وعمرو بن علي والفلاس وغيرهم وقال في التقريب صدوق من كبار (10) مات سنة [211] إحدى عشرة ومائتين (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ. كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ يَحْيَى. بِإِسْنَادِ وَكِيعٍ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. 6611 - (2629) (206) حدَّثَنَا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، عَن عَبْدِ اللهِ. قَال: قَالت أُمُّ حَبِيبَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ التميمي النيسابوري ثقة من (11) (أخبرنا محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي نسبة إلى فرياب مدينة ببلاد الترك ثقة من (9) روى عنه في (6) أبواب كلاهما) أي كل من حسين ومحمد بن يوسف رويا (عن سفيان) بن سعيد (الثوري عن طلحة بن يحيى) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة إسماعيل بن زكرياء وسفيان الثوري لوكيع بن الجراح وساق (بإسناد وكيع) يعني عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين (نحو حديثه) أي نحو حديث وكيع. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو كون الآجال والأرزاق مقدرًا لا يزيد ولا ينقص بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 6611 - (2629) (206) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا وكيع) بن الجزَاح (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي أبي سلمة الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي أبي الحارث الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن المغيرة بن عبد الله) بن أبي عقيل بفتح العين (اليشكري) بتحتية مفتوحة ومعجمة ساكنة وكات مضمومة نسبة إلى يشكر اسم قبيلة الكوفي روى عن المعرور بن سويد في القدر وبلال بن الحارث وقزعة بن يحيى وعدة ويروي عنه (م د س) وعلقمة بن مرثد وزبيد الياميُّ وأبو إسحاق السبيعي وجماعة قال العجلي كوفي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الرابعة (عن المعرور) بوزن مكحول (بن سويد) مصغرًا الأسدي أبي أمية الكوفي ثقة من (2) عاش [120] سنة وليس عندهم من اسمه معرور إلَّا هذا روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قال) عبد الله (قالت أُمّ حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأمويّة (زوج النبي صلَّى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَبأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ. وَبِأَخِي، مُعَاويَةَ. قَال: فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قَد سأَلْتِ اللهَ لآجَالٍ مَضرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأرْزَاقٍ مقْسُومَةٍ. لَنْ يُعَجِّلَ شَيئًا قَبلَ حِلِّهِ. أَو يُؤَخِّرَ شَيئًا عَنْ حِلِّهِ. وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ في الْقَبْرِ، كَانَ خَيرًا وَأَفْضَلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم) رضي الله عنها أي قالت والنبي يسمعها (اللهم أمتعني) أي أنعمني وأكرمني وقر عيني (بـ) ـحياة (زوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبـ) ـحياة (أبي) ووالدي (أبي سفيان) بن حرب (وبـ) ــحياة (أخي معاوية) بن أبي سفيان أي أطل أعمارهم حتَّى أتمتع بهم زمانًا طويلًا تريد الدعاء لهؤلاء بطول عمرهم وزيادة في حياتهم (قال) عبد الله (فقال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم قد سألت) الله يا أُمّ حبيبة زيادة (لآجال) وأعمار (مضروبة) أي مقدرة بما لا يزيد ولا ينقص (و) زيادة في (أيام معدودة) أي معلوم عددها وهي أيام الأعمار (و) سألت لهم زيادةً في (أرزاق مقسومة) لهم بما لا يزيد ولا ينقص (لن يُعجّل الله) تعالى (شيئًا) من الآجال أي لم يقدَّمه (قبل حلّه) أي قبل حلول وقته (أو يؤخِّر) أي ولن يؤخر (شيئًا) من الآجال (عن) وقت (حله) أي وقت حلوله قال النووي ضبطناه بوجهين فتح الحاء وكسرها في المواضع الخمسة من هذه الروايات وذكر القاضي أن جميع الروايات على الفتح ومراده عند رواة بلادهم وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر وهما لغتان ومعناه وجوبه وحينه يقال حل الأجل يحل حلًا وحلًا إذا حان ووجب وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك اهـ (ولو كنت سألت الله) سبحانه (أن يعيذك) ويستجيرك (من عذاب في النار أو عذاب في القبر) و (ثمان خيرًا) لك (وأفضل) مما سألتيه من الزيادة في الآجال والأرزاق. قال القرطبي: وقد أورد بعض علمائنا على هذا سؤالًا فقال ما معنى صرفه لها عن الدعاء بطول الأجل وحضِّه لها على العياذ من عذاب القبر وكل ذلك مقدَّر لا يدفعه ولا يرده سبب فالجواب أنَّه صقى الله عليه وسلم لم ينهها عن الأول وإنما أرشدها إلى ما هو الأولى والأفضل كما نص عليه ووجهه أن الثاني أولى وأفضل لأنه قيام بعبادة الاستعاذة من عذاب النار والقبر فإنه قد تعئدنا بها في غير ما حديث ولم يتعبدنا بشيء من القسم

قَال: وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ. قَال مِسْعَرٌ: وَأُرَاهُ قَال: وَالْخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ. فَقَال: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا. وَقَدَّ كَانَتِ القِرَدَةُ وَالخَنَازِيرُ قَبْلَ ذلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الَّذي دعت هي به فافترقا وأيضًا فإن التعوذ من عذاب القبر والنار تذكير بهما فيخافهما المؤمن فيحذرهما ويتقيهما فيكون من المتقين الفائزين بخير الدنيا والآخرة اهـ من المفهم. وعبارة الأبي قوله "ولو كنت سألت" إلخ صرفها عن الدعاء بالزيادة في العمر إلى الدعاء بالمعافاة من عذاب القبر والنار إرشادًا لها لما هو الأفضل لأنه كالصلاة والصوم من جملة العبادات فكما لا يحسن تركها اتكالًا على ما سبق من القدر فكذلك لا يترك الدعاء بالمعافاة اهـ بتصرف وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الخمس ولكنه أخرجه أحمد [1/ 413]. (قال) عبد الله (وذكرت عنده) صلى الله عليه وسلم (القردة) حيوان معروف (قال مسعر) بن كدام (وأراه) أي وأظن علقمة بن مرثد (قال) أي ذكر لفظة (والخنازير) مع القردة أي قال وذكرت عنده صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير هل هي (من مسخ) بني إسرائيل أم لا وسيأتي في رواية الثوري ما يوضحه ولفظه فقال رجل يا رسول الله القردة والخنازير هل هي من مسخ وحاصل السؤال أن القردة والخنازير الموجودة في زماننا هل هي من نسل الأمم الممسوخة وكان ذلك مما يتوهمه بعض الناس في ذلك الزمان (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل (أن الله) عزَّ وجلَّ (لم يجعل) ولم يبق (لمسخ) أي لممسوخ من بني إسرائيل (نسلًا) ولا ذرية في حال حياته (ولا عقبًا) يعقبه بعد موته (وقد كانت القردة والخنازير) موجودة (قبل ذلك) أي قبل مسخ بني إسرائيل أي قبل أن يمسخ الله بعض بني إسرائيل ويجعلهم القردة والخنازير فدل على أنها جنس من أجناس الحيوان خلق كما خلق سائر أنواع الحيوان وليس وجودها مقصورًا بمسخ الأمم واستفيد من الحديث أيضًا أن الممسوخ ليس له نسل فكيف يقال إن القردة والخنازير الموجودة الآن من نسل الأمم الممسوخة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

6612 - (00) (00) حدَّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ بِشرٍ، عَن مِسْعَرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ بِشْرٍ وَوَكِيعٍ جَمِيعًا "مِن عَذَاب في النَّارِ. وَعَذَابِ في الْقَبْرِ". 6613 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ - واللَّفْظُ لِحَجَّاجٍ - (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَن عَفقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيدٍ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ. قَال: قَالت أُمّ حَبِيبَةَ: اللهم مَتِّعْنِي بِزَوْجِي، رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَبِأَبِي، أَبِي سُفْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6612 - (00) (00) (حدَّثناه أبو كريب) محمد بن العلاء (حَدَّثَنَا) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (11) بابا (عن مسعر بهذا الإسناد) يعني عن علقمة عن المغيرة عن المعرور بن سويد عن عبد الله غرضه بيان متابعة أبي كريب لأبي بكر بن أبي شيبة (غير أن) أي لكن أن (في حديثه) أي في حديث أبي كريب وروايته (عن ابن بشر ووكيع جميعًا) لفظة (من عذاب في النار وعذاب في القبر) بخلاف رواية أبي بكر عن وكيع فإنه فيها لفظة من عذاب في النار أو عذاب في القبر بذكر لفظة أو بدل الواو. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6613 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة من (11) روى عنه في (14) بابًا (واللفظ) الآتي (لحجاج قال إسحاق أخبرنا وقال حجاج حَدَّثَنَا عبد الرزاق أخبرنا) سفيان (الثوري عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي (عن المغيرة بن عبد الله اليشكري) الكوفي. (عن معرور بن سويد) الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة الثوري لمسعر بن كدام (قال) عبد الله (قالت أم حبيبة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم متعني) وأنعمني (بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سميان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس

وَبِأَخِي، مُعَاويةَ. فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكِ سَأَلْتِ اللهَ لآجَالِ مَضرُوبَةٍ، وَآثَارِ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ. لَا يُعَجِّلُ شَيئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ. وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيئًا بَعْدَ حِلِّهِ. وَلَوْ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ في النَّارِ، وَعَذَابٍ في الْقَبْرِ، لَكَانَ خَيرًا لَكِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموي المكي من مسلمة الفتح (وبأخي معاوية) بن أبي سفيان (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّك سألت الله) سبحانه وتعالى (لـ) ــزيادة (آجال) وأعمال (مضروبة) أي مقدرة بما لا يزيد ولا ينقص (و) لزيادة (آثار موطوءة) جمع أثر وهو موضع وطئ القدم يقال فلان مشى على آثار موطوءة أي مشى الناس عليها قبله أي لم يأت بشيء جديد وإنما سلك مسلك من سبقه والحاصل أنك إذا دعوت لزيادة في العمر لم يحدث بذلك شيء جديد فيما قضاه الله تعالى في قضائه المبرم وحاصله أن القضاء المبرم الَّذي هو عبارة عن علم الله تعالى بما سيكون لا يزاد فيه شيء ولا ينقص أما التقدير المعلق الَّذي هو عبارة عن الكتابة في اللَّوح المحفوظ أو توكيل الملك بأمر من الأمور فقد يتغير بالدعاء أو باختيار بعض الأسباب (و) لزيادة (أرزاق مقسومة) بما لا يزيد ولا ينقص إلا يعجّل) الله سبحانه ولا يقدَّم (شيئًا منها) أي من الآجال والآثار والأرزاق (قبل حلّه) أي قبل حلول وقته وحينه (ولا يؤخر منها شيئًا بعد حلّه) أي بعد حلول أجله ووقته (ولو سألت الله أن يعافيك) ويسلمك (من عذاب في النار و) من (عداب في القبر لكان) دعاء ذلك (خيرًا لك) وأفضل من دعاء أمور لا تتغير بزيادة ولا نقص. قال النووي فإن قيل ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروغ منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب مع أنَّه مفروغ منه أيضًا كالأجل فالجواب أن الجميع مفروغ منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة وقد أمر الشارع بالعبادات وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة وفيه نظر لأن الدعاء عبادة في كل حال سواء كان للأغراض الدنيوية أو لغيرها فالأحسن أن يقال الوقاية من عذاب النار مقصود بنفسه بخلاف طول الأجل أو يقال إن الدعاء للأغراض الأخروية أفضل لأن فيه أجر باعتبار فعل الدعاء وباعتبار المدعو به جميعًا بخلاف الدعاء للأعراض الدنيوية فإنه موجب للأجرًا باعتبار فعل الدعاء فقط لا باعتبار المدعوّ به ثم إنه صلَّى الله عليه وسلم لم ينهها عن الدعاء لطول الأجل وإنما ذكر أن الدعاء للوقاية من العذاب خير وأفضل اهـ منه.

قَال: فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ، هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا، أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا، فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا. وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبلَ ذلِكَ". 6614 - (00) (00) حَدَّثَنِيهِ أَبُو دَاوُدَ، سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا الْحُسَينُ بْنُ حَفْصٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَآثَارِ مَبْلُوغَةٍ". قَال ابْنُ مَعْبَدٍ: وَرَوَى بَعْضُهُمْ "قَبْلَ حِلِّهِ" أَي نُزُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) عبد الله (فقال رجل) من الحاضرين (يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ) أي من الحيوان الَّذي مسخ إليه بنو إسرائيل (فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يهلك قومًا) ممن كذبوا برسله ولم يعدهم (أو) قال النبي صلَّى الله عليه وسلم إن الله لم (يعذب قومًا) منهم بعذابه كالمسخ والشك من الراوي (فيجعل لهم نسلًا) وعقبًا بالنصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النفي (وإنَّ القردة والخنازير) أي جنسهما (كانوا) عبر عنهما بضمير جمع العقلاء نظرًا إلى القوم الممسوخين إليهما وإلا فحق العبارة أن يقال كانت (قبل ذلك) أي قبل الأمم الممسوخين إليها بضمير المؤنثة الغائبة. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6614 - (00) (00) (حدثنيه أبو داود سليمان بن معبد) بن كوسجان السنجي المروزي ثقة من (11) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا الحسين بن حلّه) بن الفضل بن يحيى بن ذكوان الهمداني الكوفي صدوق من (10) روى عنه في القدر (حَدَّثَنَا سفيان) الثوري غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حفص بن ميسرة لعبد الرزاق بن همام (بهذا الإسناد) يعني عن علقمة عن المغيرة عن معرور عن عبد الله (غير أنَّه) أي لكن أن حسين بن حفص (قال) في روايته (وآثار مبلوغة) بدل موطوءة أي التي بلغ الماشي فيها نهايتها وفرغ منها (قال) سليمان (بن معبد وروى بعضهم) أي بعض رواة هذا الحديث (قبل حلّه) بزيادة تفسيره بقوله (أي) قبل (نزوله) وحلوله ووقعه أي يعجل الله قبل حلول وقته ونزوله على صاحبه. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو الأمر بالقوة وترك العجز بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6615 - (2640) (207) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَن رَبِيعَةَ بْنِ عُثمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَويُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤمِنِ الضَّعِيفِ. وَفِي كُلٍّ خَيرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6615 - (2640) (207) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد (بن نمير قالا حَدَّثَنَا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (عن ربيعة بن عثمان) بن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي المدني روى (عن محمد بن يحيى بن حبَّان) في القدر ونافع وزيد بن أسلم ويروي عنه (م ق) وابن إدريس وابن المبارك وابن أبي فديك وثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس وقال ابن نمير ثقة وقال الحاكم كان من ثقات أهل المدينة ممن يجمع حديثه وقال أبو حاتم منكر الحديث يكتب حديثه وقال أبو زرعة ليس بذاك القوي وقال في التقريب صدوق له أوهام من السادسة مات سنة [154] وهو ابن (77) سنة له عندهم فرد حديث (عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير) أي أفضل منزلة وأكثر أجرًا (وأحبُّ) أي أشد محبوبية (إلى الله) أي عند الله سبحانه (من المؤمن الضعيف) قال القرطبي أي المؤمن القوي البدن والنفس الماضي العزيمة الَّذي يصلح للقيام بوظائف العبادات من الصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يصيبه في ذلك وغير ذلك مما يقوم به الدين وتنهض به كلمة المسلمين فهو الأفضل والأكمل وأحبُّ عند الله تعالى وأما الضعيف الَّذي لم يكن كذلك من المؤمنين ففيه خيرٌ من حيث إنه كان مؤمنًا قائمًا بالصلوات مكثرًا لسواد المسلمين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (وفي كل) مؤمن قويًّا كان أو ضعيفًا (خير) لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات ولكنه قد فات الضعيف الحظُّ الأكبر والمقام الأفخر اهـ من المفهم. (احرص) أيها المؤمن (على) تحصيل (ما ينفعك) في دينك ودنياك ولا تتكاسل عن الشغل فيهما قال القرطبي المعنى أي استعمل الحرص والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دينك ودنياك التي تستعين بها على صيانة دينك وصيانة عيالك ومكارم أخلاقك

وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُل: قَدَرُ اللهِ. وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تفرّط في طلب ذلك ولا تعاجز عنه متكلًا على القدر فتنسب إلى التقصير وتلام على التفريط شرعًا وعادة ومع إنهاء الاجتهاد نهايته وإبلاغ الحرص غايته فلا بد من الاستعانة بالله والتوكل عليه والالتجاء في كل الأمور إليه فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدارين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (واستعن بالله ولا تعجز) أي احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن الاجتهاد في الطاعة ولا عن طلب الإعانة من الله تعالى اهـ من المفهم. وعبارة النووي هنا المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدوفي الجهاد وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك اهـ منه (وإن أصابك شيء) من القدر مما يصعب ويشق عليك. (فلا) تجزع منه ولا (تقل لو أني فعلت) كذا وكذا من الأسباب لـ (كان) وحصل لي (كذا وكذا) من الخير (ولكن) اصبر على ما أصابك و (قل) هذا الَّذي أصابني (قدّر الله) أي ما قدره الله عليّ أزلًا (وما شاء) الله سبحانه وأراد (فعل) بعباده لا يسأل عما يفعل ولا راذ لقضائه (فإنَّ لو) أي لا تقل لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا لأن لو (تفتح عمل الشيطان) ووسوسته. قال القرطبي قوله: "وإن أصابك شيء فلا تقل" إلخ يعني أن الَّذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله تعالى والرضا بما قدره الله تعالى والإعراض عن الالتفات لما مضى وفات فإن افتكر فيما فاته من ذلك وقال لو أني فعلت كذا لكان كذا جاءته وساوس الشيطان ولا تزال به حتَّى تفضي به إلى الخسران لتعارض توهم التدبير سابق المقادير وهذا هو عمل الشيطان الَّذي نهى عنه النبي صلَّى الله عليه وسلم بقوله "فلا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان" ولا يفهم من هذا أنَّه لا يجوز النطق بلو مطلقًا إذ قد نطق بها النبي صلَّى الله عليه وسلم فقال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة متفق عليه ولو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمت هذه متفق عليه وقال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو بكر رضي الله عنه لو أن أحدهم نظر إلى رجليه لرآنا ومثله كثير لأنّ محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أطلقت في معارضة القدر أو مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور فأما لو أخبر بالمانع على جهة أن تتعلق به فائدة في المستقبل فلا يختلف في جواز إطلاقه إذ ليس في ذلك فتح لعمل الشيطان ولا شيء يفضي إلى ممنوع أو حرام والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 366] وابن ماجة [4168]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات والثاني حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني وذكر فيه متابعتن والثالث حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والرابع حديث ابن عباس الثاني ذكره للاستشهاد والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعين والسادس حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

كتاب العلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب العلم 734 - (23) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن وعن الاختلاف فيه وكون الألدّ الخصم أبغض الناس إلى الله واتباع سنن اليهود والنصارى وقوله صلَّى الله عليه وسلم هلك المتنطِّعون 6616 - (2641) (208) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بن مَسْلَمَةَ بنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَن عَائِشَةَ. قَالتْ: تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب العلم 734 - (23) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن وعن الاختلاف فيه وكون الألدّ الخصم أبغض الناس إلى الله واتباع سنن اليهود والنصارى وقوله صلَّى الله عليه وسلم هلك المتنطِّعون 6616 - (2641) (208) (حَدَّثَنَا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري ثقة من (9) (حديث يزيد بن إبراهيم النستري) بضم التاء الأول وسكون المهملة وفتح الثانية نسبة إلى تستر بلدة من كور الأهواز من بلاد خوزستان البصري التميمي مولاهم ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله) بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي المكي ثقة من (3) روى عنه في (25) بابا (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (تلا) وقرأ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) قوله تعالى: (هو) سبحانه وتعالى الإله (الذي أنزل عليك) يا محمد (الكتاب) أي القرآن الكريم منقسمًا إلى قسمين قسمٌ (منه آيات محكمات) أي واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد أو محكمة العبارة

هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [آل عمران: 7] ـــــــــــــــــــــــــــــ محفوظة من الاحتمال قطعية الدلالة على المراد ({هُنَّ}) أي تلك المحكمات ({أمُّ الْكِتَابِ}) أي أصل القرآن الَّذي يرجع إليه عند الاشتباه وعمدته التي ترد إليها الآيات المتشابهات كقوله تعالى في شأن عيسى: {إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)} وكقوله فيه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)} وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرّحة بأن عيسى خلق من مخلوقات الله وعبد من عباده ورسول من رسل الله (و) قسم ({أُخَرُ}) منه آيات ({مُتَشَابِهَاتٍ}) أي غير واضحة الدلالة على المعنى المراد محتملات لمعان متشابهة لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهرة إلَّا بنظر دقيق وتامل أنيق أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئًا آخر غير مراد منها من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد كقوله تعالى في شأن عيسى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} ({فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ}) وميل عن الحق إلى الأهواء الباطلة وخروج منه إلى الباطل. ({فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}) أي فيتعلقون ويأخذون بالمتشابه من الكتاب الَّذي يمكنهم أن يحرِّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه إليه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دامغ لهم وحجة عليهم ({ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي طلب الفتنة والإضلال لأتباعهم إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم ({وَابْتِغَاءَ تَأْويلِهِ}) أي وطلب تأويل المتشابه على ما ليس في كتاب الله عليه دليل ولا بيان وطلب تحريفه على ما يريدون وذلك كاحتجاج النصارى على عقيدتهم الفاسدة بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها وروحٌ منه وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيهِ} بالنبوة والرسالة مثلًا ({و}) الحال أنَّه ({وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ}) أي تأويل المتشابه وتفسيره حقيقة ({إلا اللَّهُ}) وحده ({وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}) أي والذين رسخوا وثبتوا في العلم وتمكنوا فيه بضرس قاطع وهذا كلام مستأنف عند الجمهور والوقف عندهم على قوله "إلَّا الله" وهو مبتدأ عندهم والخبر قوله ({يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}) أي بالمتشابه أنَّه من عند الله ولا نعلم معناه وعدم التعرُّض لإيمانهم بالمحكم لظهوره ({كُلٌّ}) أي كل من المحكم والمتشابه ({مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}) أي من عند الله الحكيم الَّذي لا يتناقض كلامه ({وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الْأَلْبَابِ}) أي وما يتعظ بما في القرآن: وما يتيقظ له ويتدبر إلَّا أصحاب العقول الكاملة المستنيرة الخالصة عن الركون

قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا رَأَيتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَاُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ". 6617 - (2642) (209) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيلُ بن حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ. قَال: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بن رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ؛ أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو قَال: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الأهواء الزائغة وهذا مدح للراسخون بجودة الذهن وحسن الفهم (آل عمران: 7) (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّا) هم (الله) تعالى وذكرهم (في كتابه) بقوله "فأما الذين في قلوبهم" إلخ (فاحذروهم) أي فاجتنبوهم ولا تقاربوهم خوفًا من فتنتهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 48] والبخاري في التفسير باب منه آيات محكمات [4547] وأبو داود في السنة باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن [4598] والترمذيُّ في تفسير سورة آل عمران [2996 و 2997] وابن ماجة في المقدمة (47) قوله (فاحذروهم) أيها المسلمون وجانبوهم ولا تجالسوهم ولا تكالموهم فإنهم أهل البدع والجدل فيحقُّ لهم الإهانة احترازًا عن الوقوع في عقيدتهم اهـ من المرشد على ابن ماجة. ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: 6617 - (2642) (259) (حَدَّثَنَا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري) البصري. (حَدَّثَنَا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (حَدَّثَنَا أبو عمران الجوني) نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (قال) أبو عمران (كتب إليَّ) بتشديد الياء (عبد الله) بالرفع فاعل كتب (بن رباح الأنصاريّ) أبو خالد المدني ثم البصري ثقة من (3) روى عنه في (4) أبواب (أن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (قال) أي عبد الله بن عمرو (هجَّرت) أي بكرت وذهبت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إلى مسجده مبكرًا في أول النهار وقال القرطبي أي خرجت

يَوْمًا. قَال: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَينِ اختَلَفَا في آيَةٍ. فَخَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الْغَضَبُ. فَقَال: "إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبلَكُمْ بِاختِلَافِهِمْ فِي الكِتَابِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه في الهاجرة وهي وقت شدة الحرِّ وسط النهار (يومًا) من الأيام (قال) عبد الله بن عمرو (فسمع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصواتَ رجلين اختلفا في) تفسير (آية) من أي القرآن ولم أر من ذكر اسم الرجلين ولا عين تلك الآية (فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) من منزله ونحن في المسجد حالة كونه (يُعرف في وجهه الغضب) أي أثر غضبه من احمرار وجهه بعد أن كان أبيض (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بـ) سبب (اختلافهم في الكتاب) أي في معنى كتابهم وتفسيره بعضهم فسَّره بما يوافق هواهم وبعضهم بما يوافق الحق يعني أن الأمم السابقة اختلفوا في الكتب المنزلة عليهم فكفر بعضهم بكتاب بعض آخر فهلكوا فلا تختلفوا أنتم في هذا الكتاب والمراد بالاختلاف ما كان بحسب نظمه المفضي إلى النزاع والخصام في كونه منزلًا من الله تعالى لا الاختلاف في وجوه المعاني اهـ مبارق وقال النووي والمراد هنا بهلاك الأمم السابقة هو هلاكهم في الدين بكفرهم وابتداعهم فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن مثل فعلهم. قال القرطبي: لم يكن هذا الاختلاف اختلافًا في القراءة لأنه صلَّى الله عليه وسلم قد سوَّغ أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف ولم يكن أيضًا اختلافًا في كونه قرآنًا لأن ذلك معلوم لهم ضرورة ومثل هذا لا يختلف فيه المسلمون ولا يقرون عليه فإنه كفر فلم يبق إلَّا أنَّه كان اختلافًا في المعنى ثم تلك الآية يحتمل كونها من المحكمات الظاهرة المعنى فخالف فيها أحدهما الآخر إما لقصور فهم إما لاحتمال بعيد فأنكر النبي صلَّى الله عليه وسلم ذلك إذ قد ترك الظاهر الواضح وعدل إلى ما لا ليس كذلك ويحتمل كونها من المتشابه فتعرضوا لتأويلها فأنكر النبي صلَّى الله عليه وسلم ذلك فيكون فيه حجة لمذهب السلف في التسليم للمتشابهات وترك تأويلها اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الخمس.

6618 - (2643) (210) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو قُدَامَةَ، الْحَارِثُ بْنُ عُبَيدٍ، عَن أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقرَؤُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: 6618 - (2643) (210) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو قدامة الحارث بن عبيد) الإيادي بكسر الهمزة بعدها تحتانية البصري المؤدب روى عن أبي عمران الجوني في العلم وصفة الجنّة وثابت وعدّة ويروي عنه (م د ت) ويحيى بن يحيى وابن المبارك وأبو نعيم وسعيد بن منصور قال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به وقال النسائي ليس بذاك القوي وقال أحمد مضطرب الحديث وقال في التقريب صدوق يخطئ من الثامنة (عن أبي عمران) الجوني عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري (عن جندب بن عبد الله البجليُّ) الكوفي ثم البصري ثم المصري رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) جندب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرووا القرآن ما ائتلفت) وأقبلت (عليه) أي على القرآن (قلوبكم) وتدبرت فيه أي ما دامت قلوبكم تألف وتستأنس بالقراءة وتتدبر فيها (فإذا اختلفتم فيه) أي إذا أعرضت عنه قلوبكم وصارت في فكر شيء سوى قراءتكم وصارت القراءة باللسان مع غيبة الجنان (فقوموا عنه) أي اتركوا قراءته حتَّى ترجع قلوبكم إلى التأمل والتدبر في القراءة اهـ مثاوي قال القرطبي قوله (فإذا اختلفتم فيه فقوموا يحتمل هذا الخلاف أن يحمل على ما قلناه آنفًا في الحديث السابق قال القاضي وقد يكون أمره - عليه السلام - بالقيام عند الاختلاف في عصره وزمنه صلَّى الله عليه وسلم إذ لا وجه للخلاف والتنازع حينئذ لا في حروفه ولا في معانيه وهو صلى الله عليه وسلم حاضر معهم فيرجعون إليه في مشكله ويقطع تنازعهم بتبيانه. قلت: ويظهر لي أن مقصود هذا الحديث الأمر بالاستمرار في قراءة القرآن وفي تدبره والزجر عن كل شيء يقطع عن ذلك والخلاف فيه في حالة القراءة قاطع عن ذلك في أي شيء كان من حروفه أو معانيه والقلب إذا وقع فيه شيء لا يمكن ردُّه على الفور فأمرهم بالقيام إلى أن تزول تشويشات القلب ويستفاد هذا من قوله اقرؤوا القرآن ما

6619 - (00) (00) حدَّثني إِسْحَاقُ بن مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَن جُنْدُبٍ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ)؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "اقْرَؤُوا الْقُرآنَ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ائتلفت عليه قلوبكم فإن القراءة باللسان والتدبّر بالقلب فأمر باستدامة القراءة مدة دوام تدبر القلب فإذا وقع الخلاف في تلك الحال انصرف اللسان عن القراءة والقلب عن التدبر وعلى هذا فمن أراد أن يتلو القرآن فلا يبحث عن معانيه في حال قراءته مع غيره ويفرد لذلك وقتًا غير وقت القراءة والله أعلم. والحاصل أن الباحثين في فهم معاني القرآن يجب عليهم أن يقصدوا ببحثهم التعاون على فهمه واستخراج أحكامه قاصدين بذلك وجه الله تعالى ملازمين الأدب والوقار فإن اتفقت أفهامهم فقد كملت نعمة الله تعالى عليهم وإن اختلفت وظهر لأحدهم خلاف ما ظهر للآخر وكان ذلك من مثارات الظنون ومواضع الاجتهاد فحق كل واحد أن يصير إلى ما ظهر له ولا يُثرّب على الآخر ولا يلومه ولا يجادله وهذه حالة الأقوياء والمجتهدين وأما من لم يكن كذلك فحقه الرُّجوع إلى قول الأعلم فإنه عن الغلط أبعد وأسلم وأمَّا إن كان ذلك من المسائل العلمية فالصائر إلى خلاف القطع فيها محروم وخلافه فيها محرَّم مذموم ثم حكمه على التحقيق إما التكفير وإما التفسيق اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 312] والبخاري في فضائل القرآن باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم [5060 و 5061] وفي الاعتصام باب كراهية الاختلاف [7364 و 7365]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جندب رضي الله عنه فقال: 6619 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثقة من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري صدوق من (9) روى عنه في (16) بابا (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري ثقة من (7) روى عنه في (12) بابا (حَدَّثَنَا أبو عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (عن جندب يعني ابن عبد الله) البجلى الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة همام بن يحيى لأبي قدامة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقرووا القرآن ما

ائتَلَفَتْ عَلَيهِ قُلُوبُكُمْ، فَإذَا اخْتَلَفتُمْ فَقُومُوا". 6620 - (00) (00) حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ. قَال: قَال لَنَا جُنْدبٌ، وَنَحْنُ غِلْمَانٌ بِالْكُوفَةِ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَؤُوا الْقُرآنَ"، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. 6621 - (2644) (211) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا) قد مرَّ ما فيه من المعنى. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه فقال: 6620 - (00) (00) (حدَّثني أحمد بن سعيد بن صخر الدَّارميّ) النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا حبان) بفتح المهملة بن هلال الباهلي البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا أبان) بن يزيد العطار البصري ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا أبو عمران قال) أبو عمران (قال لنا جندبٌ) بن عبد الله (ونحن غلمان) أي شيبة (بالكوفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرروا القرآن) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبان لأبي قدامة وهمام بن يحيى وساق أبان (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث أبي قدامة وهمام بن يحيى. ثم استدلّ المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو الألد الخصم بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6621 - (2644) (1 21) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا وكيع عن ابن جريج عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي ثقة من (3) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبغض الرجال) أي إن أشد الرجال بغضًا ومقتًا (إلى الله) أي عند الله سبحانه (الألدُّ) أي الشديد الخصومة في الحق مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر (الخصم) أي الحاد بالخصومة والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق أو إثبات

6622 - (2645) (212) حدَّثني سُوَيدُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بن مَيسَرَةَ. حَدَّثَنِي زَيدُ بن أَسْلَمَ، عَن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ" "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبلِكُمْ. شِبْرًا بِشِبرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ باطل وفي المبارق الألد صفة من اللد وهو الخصومة الشديدة و "الخصم" بكسر الصاد شديد الخصومة كذا قاله الجوهري فيكون الخصم تأكيدًا للألدّ اهـ منه ثم ذكر الكرماني أن المراد منه الكافر لأنه أبغض الرجال إلى الله ولكن رجَّح الحافظ في الفتح [13/ 181] أن المراد هو المعاند في الباطل سواء كان مسلمًا أو كافرًا فإن كان كافرًا فأفعل التفضيل في حقه على حقيقتها في العموم وإن كان مسلمًا فسبب البغض أن كثرة المخاصمة تفضي غالبًا إلى ما يذم به صاحبه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 55] والبخاري في مواضع منها في المظالم باب قول الله تعالى وهو ألدُّ الخصام [2457] والترمذي في تفسير سورة البقرة [2980] والنساثي في القضاة باب الألدّ الخصم [5423]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو اتباع سنن اليهود والنصارى بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6622 - (2645) (212) (حدَّثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا نسبة إلى عقيل بن كعب الصنعاني قيل إنه من صنعاء الشام وقيل من صنعاء اليمن ثم العسقلاني ثقة من (8) روى عنه في (10) أبواب (حدثني زيد بن أسلم) العدوي المدني مولاهم مولى عمر بن الخطاب ثقة من (3) روى عنه في (12) بابا (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة أبي محمد المدني ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) والله (لتتّبعنَّ سنن) بفتح أوله وثانيه أي طرق الأمم (الذين) كانوا (من قبلكم) يعني اليهود والنصارى حالة كون اتباعكم إياهم (شبرًا) مساويًا (بشبر) منهم (وذراعًا) مساويًا (بذراع) منهم فشبرًا وذراعًا منصوبان على الحالية من فاعل تتبعن نظير قولهم بعته يدًا بيد متقابضين أي لتتبعن

حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَال: "فَمَنْ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ ولتقتدن بهم في الأفعال والأقوال والملابس والمطاعم والمعايش والأخلاق قليلًا وكثيرًا حالة كونكم مساوين إياهم في ذلك (حتَّى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم) في دخولها (قلنا) له صلَّى الله عليه وسلم (يا رسول الله أ) تريد بهم (اليهود والنصارى قال فمن) أريد إلَّا إياهم قوله "لتتبعن سنن" بفتح السين للأكثر بمعنى الطريق وقال ابن التين قرأناه بضمها وقال المهلب الفتح أولى لأنه هو الَّذي يستعمل فيه الذراع والشبر كذا في فتح الباري [13/ 301] قال القرطبي السنن بالفتح الطريق وبضمها جمع سنة وهي الطريقة المسلوكة وذكر الشبر والذراع والجحر أمثال تفيد أن هذه الأمة يطرأ عليها من الابتداع والاختلاف مثل الَّذي كان ووقع لبني إسرائيل وقال عياض الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمّه قال الحافظ قال ابن بطال أعلم صلَّى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر والساعة لا تقوم إلَّا على شرار الناس وأن الدين يبقى قائمًا عند خاصة من الناس قلت وقد وقع معظم ما أنذر به النبي صلى الله عليه وسلم وسيقع بقية ذلك اهـ. قال القرطبي: وقد روى الترمذي معنى هذا الحديث بأوضح منه فقال: "ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتَّى إن كان منهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين كلها في النار إلَّا واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي" أخرجه من حديث ابن عمر [2641] وقد رواه أبو داود من حديث معاوية بن أبي سفيان وقال ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنّة وهي الجماعة رواه أبو داود [4596] يعني جماعة أصحابي ومن تابعهم على هديهم وسلك طريقهم كما قال في حديث الترمذي وقد تبين بهذه الأحاديث أن هذا الافتراق المحذر منه إنما هو في أصول الدين وقواعده لأنه قد أطلق عليها مللًا وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار ومثل هذا لا يقال على الاختلاف في الفروع فإنه لا يوجب تعديد الملل ولا عذاب النار وإنما هو على أحد المذهبين السابقين إما مصيب فله أجران وإما مخطئ فله

6623 - (00) (00) وَحَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِن أَصْحَابِنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ. أَخبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، (وَهُوَ مُحَمَّدُ بن مُطَرِّفٍ)، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحوَهُ. 6624 - (00) (00) قَال أَبُو إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ. حَدَّثَنَا زَيدُ بن أَسْلَمَ، عَن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. نَحوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أجر على ما ذكرناه في الأصول والضبّ حرذون الصحراء "دويبيتها" وجحره خفي ولذلك ضرب به المثل اهـ من المفهم وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 184] والبخاريُّ في الاعتصام باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلم لتتبعنَّ سنن من قبلكم [7320] وفي الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل [13456]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي سعيد فقال: 6623 - (00) (00) قال المؤلف (وحدَّثنا عدّة من أصحابنا) لعلّه محمد بن يحيى بن أبي عمر (عن سعيد) بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي المصري ثقة من (10) (أخبرنا أبو غسّان وهو محمد بن مطرّف) بن داود بن مطرف التيمي المدني ثقة من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن أبي سعيد غرضه بيان متابعة أبي غسان لحفص بن ميسرة وساق أبو غسان (نحوه) أي نحو حديث حفص بن ميسرة. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6624 - (00) (00) (قال محمد بن عيسى الجلوديُّ (قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد) بن سفيان راوي صحيح مسلم وتلميذه (حدَّثنا محمد بن يحيى) بن أبي عمر العدني المكي صدوق من (10) (حدَّثنا ابن أبي مريم حَدَّثَنَا أبو غسَّان) محمد بن مطرف (حَدَّثَنَا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وذكر) أبو إسحاق (الحديث) السابق (نحوه) أي نحو حديث سويد بن سعيد غرضه بيان متابعة أبي إسحاق لسويد بن سعيد ولكنها ناقصة وإنما أورد هذا السند الأخير موصولًا بسند عال لتتصل الرواية قال النووي قوله "وحدّثنا عدة من أصحابنا" قال المازري هذا من الأحاديث المقطوعة في مسلم وهي أربعة عشر

6625 - (2646) (213) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بن غِيَاثٍ وَيَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَن سُلَيمَانَ بنِ عَتِيقٍ، عَن طَلْقٍ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الأَخنَفِ بنِ قَيسٍ، عَن عَبْدِ اللَّهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ" قَالهَا ثَلَاثًا ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا آخرها قال القاضي قلّد المازري أبا علي الغسَّاني الجيَّاني في تسمية هذا مقطوعًا وهي تسمية باطلة وإنما هذا عند أهل الصنعة من باب الرواية عن المجهول وإنما المقطوع ما حذف منه راو "قلت" وتسمية هذا الثاني أيضًا مقطوعًا مجازٌ وإنما هو منقطع ومرسل عند الأصوليين والفقهاء وإنما حقيقة المقطوع عندهم الموقوف على التابعي فمن بعده موقوفًا قولًا أو فعلًا أو نحوه وكيف كان فمتن الحديث المذكور صحيح متصل بالطريق الأول وإنما ذكر الثاني متابعة. وقد وقع في كثير من النسخ هنا اتصال هذا الطريق من جهة أبي إسحاق إبراهيم بن سفيان راوي الكتاب عن مسلم وهو من زياداته وعالي سنده (قال أبو إسحاق حدثني محمد بن يحيى قال حَدَّثَنَا ابن أبي مريم فذكره بإسناده إلى آخره فاتصلت الرواية اهـ من النووي. ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة وهو قوله هلك المتنطعون بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6625 - (2646) (213) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (ويحيى بن سعيد) القطان ثقة من (9) كلاهما (عن ابن جريج عن سليمان بن عتيق) المدني صدوق من (4) له عند المؤلف حديثان في البيوع والعلم (عن طلق بن حبيب) العنزي البصري صدوق من (3) روى عنه في (2) بابين (عن الأحنف بن قيس) بن معاوية بن حصين التميمي السعدي أبي بحر البصري ثقة مخضرم من (2) (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطّعون) أي هلك المتعمقون الغالون المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم (قالها ثلاثًا) من التنطع وهو التعمق والغلو في الشيء وقال في اللسان التنطع في الكلام التعمق فيه وفي الحديث هلك المتنطعون وهم المتعمقون المغالون في الكلام الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكبرًا قال ابن الأثير هو مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى في الفم ثم استعمل في كل تعمق قولًا أو فعلًا والمراد بهلاكهم هلاكهم في الآخرة وقال الأبي ويحتاج إلى الفرق بين التنطع والورع والوسوسة ويظهر الفرق بالمثال فمن وجد ثوبين أحدهما طاهر لم يلحقه شيء وآخر لحقه طين مطر فيختار الصلاة في الَّذي لم يلحقه شيء هذا ورع ولو وجد ثوبين أحدهما لم تلحقه نجاسة ولحقت الآخر نجاسة فغسلت فاختار الأول وترك الصلاة في المغسول لأنه مسته نجاسة فهذا تنطع "قلت" والحاصل أن الاحتراز عن الشبهات القريبة ورع والتصدي للشبهات البعيدة والأوهام غلو وتنطع والله أعلم. وشاركه في رواية هذا الحديث أبو داود في السنة [4608]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد والثالث حديث جندب بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والرابع حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والخامس حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين والسادس حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

735 - (24) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ومن سن سنة حسنة أو سيئة إلخ ...

735 - (24) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ومنْ سَنَّ سنّةً حسنةً أو سيئة إلخ ... 6626 - (2647) (214) حدَّثنا شَيبَانُ بن فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ. حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظهَرَ الزِّنَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ 735 - (24) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ومنْ سَنَّ سنّةً حسنةً أو سيئة إلخ ... ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6626 - (2647) (214) (حَدَّثَنَا شيبان بن فرُّوخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9) (حَدَّثَنَا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم البصري ثقة من (8) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا أبو التَّيَّاح) يزيد بن حميد الضبعيُّ البصري ثقة من (5) روى عنه في (7) أبواب (حدَّثني أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة) وعلامات قربها (أن يُرفع العلم) أي بقبض العلماء فلا يبقى أحد منهم فيأخذ الناس رؤوسًا جهالًا فيفتون بغير علم كما في حديث عبد الله بن عمرو الَّذي سنذكره قريبًا (ويُثبت الجهل) أي ينتشر الجهل بعلم الشريعة وما كان آلة لها هكذا وقع في كثير من النسخ "يثبت" من الثبوت ووقع في بعضها "يبث" بمعنى ينتشر (ويُشرب الخمر) أي جهارًا بكثرة وإلا فمطلق الشرب لم يزل موجودًا في كل زمان ويحتمل أن يكون المراد شيوع شربه في مجتمعات المسلمين والعياذ بالله تعالى (ويظهر الزنا) أي يفشو وينتشر حتَّى لا يتسحيى منه. قال القرطبي قوله: "إن من أشراط الساعة" أي من علامات قرب يوم القيامة وقد تقدم القول في الأشراط وأنها منقسمة إلى ما يكون من قبيل المعتاد وإلى ما لا يكون كذلك بل خارقًا للعادة على ما يأتي إن شاء الله تعالى: "قولُه أن يرفع العلم ويظهر الجهل" وقد بين كيفية رفع العلم وظهور الجهل في حديث عبد الله بن عمرو الَّذي قال فيه "إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث وهو نص في أن رفع العلم لا يكون بمحوه من الصدور بل بموت العلماء وبقاء الجهال الذين يتعاطون مناصب العلماء في الفتيا والتعليم يفتون بالجهل ويعلمونه فينتشر الجهل ويظهر وقد ظهر ذلك ووجد على نحو ما أخبر صلَّى الله عليه وسلم فكان ذلك دليلًا على نبوَّته صلَّى الله عليه وسلم وخصوصًا في هذه الأزمان إذ قد ولي المدارس والفتيا كثير من الجهال والصبيان وحُرمها أهل ذلك الشأن غير أنَّه قد جاء في كتاب الترمذي عن جبير بن نفير. عن أبي الدرداء ما يدل على أن الَّذي يرفع هو العمل وقال: أبو الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلم، فقال زياد بن لبيد الأنصاري وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولتقرأ منه نساؤنا وأبناؤنا فقال: ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تُغني قال فلقيت عبادة بن الصامت فقلت ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء قال صدق أبو الدرداء إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع الخشوع يوشك أن تدخل مسجد الجامع فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا رواه الترمذي [2653] وأخرجه النسائي في الكبرى من حديث جبير بن نفير أيضًا عن عوف بن مالك الأشجعي من طرق صحيحة [5909] وظاهر هذا الحديث أن الَّذي يرفع إنما هو العمل بالعلم لا نفس العلم وهذا بخلاف ما ظهر من حديث عبد الله بن عمر فإنه صريح في رفع العلم. "قلت" ولا تباعد فيهما فإنه إذا ذهب العلم بموت العلماء خلفهم الجهال فأفتوا بالجهل فعمل به فذهب العلم والعمل وإن كانت المصاحف والكتب بأيدي الناس كما اتفق لأهل الكتابين من قبلنا ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزياد على ما نص عليه النسائي ثكلتك أمك زياد هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى وذلك أن علماءهما لما انقرضوا خلفهم جهَّالهم فحرَّفوا الكتاب وجهلوا المعاني فعملوا بالجهل وأفتوا به فارتفع العلم والعمل وبقيت أشخاص الكتب لا تغني شيئًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [21/ 162] والبخاري في مواضع منها في العلم باب رفع العلم وظهور الجهل [80 و 81]، وفي النِّكَاح [5231] والترمذي في الفتن [2652] وابن ماجة في الفتن باب أشراط الساعة [4094]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

6627 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. قَال: أَلَا أُحدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. لَا يُحدِّثُكُمْ أَحَدٌ، بَعْدِي، سَمِعَهُ مِنْهُ "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَى، وَيُشرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ". 6628 - (2647) (214) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن ـــــــــــــــــــــــــــــ 6627 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار قالا حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (يحدّث عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متباعة قتادة لأبي التَّيَّاح (قال) أنس (ألا أحدثكم حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدِّثكم أحد بعدي سمعه منه) أي سمع ذلك الأحد منه صلى الله عليه وسلم لعل أنسًا رضي الله عنه قال ذلك في آخر حياته حين انقرض الصحابة رضي الله عنهم وكان من آخرهم موتًا وعرف أنَّه لم يبق من الصحابة من يروي هذا الحديث غيره توفي بالبصرة سنة ثلاث وتسعين على ما قاله خليفة بن خياط وقيل كان سنه يوم مات مائة سنة وعشر سنين وقيل أقل من ذلك والأول أكثر. وكان ذلك ببركة دعوته صلَّى الله عليه وسلم له بذلك كما مرَّ ذلك في فضله رضي الله عنه اهـ من المفهم. (إنَّ من أشراط الساعة أنْ يُرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا ويُشرب الخمر ويذهب الرجال) أي يقلون بسبب قتلهم في المعارك وغيرها (وتبقى النساءُ) أي تكثر النساءُ (حتَّى يكون) لكثرتها (لخمسين امرأة قيم واحدٌ) وهو من يكون قائمًا بأمورهن ومصالحهن سواء كن موطوءات أم لا لا أن يكون زوجًا لهن اهـ مبارق قال الأبي يحتمل أنَّه كناية عن قلة الرجال ويحتمل أنَّه حقيقة وأنه لا بدّ أن يقع في الفتن التي ستكون اهـ في الزمان الَّذي لا يبقى فيه من يقول الله الله فيتزوَّج الواحد بغير عدد جهلًا بالحكم الشرعي. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6628 - (2647) (214) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن

بِشرٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَأَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَن سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَن قَتَادَةَ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بِشرٍ وَعَبْدَةَ: لَا يُحدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِي. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَذَكَرَ بِمِثلِهِ. 6629 - (2648) (215) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبِي. قَالا: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَن أَبِي وَائِلٍ. قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى. فَقَالا: قَال رَسُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (11) بابا (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حَدَّثَنَا عبدة) بن سليمان الكلاعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (وأبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي من (9) (كلهم) أي كل من محمد بن بشر وعبدة وأبي أسامة رووا (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري ثقة من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشعبة بن الحجاج (عن النبي صلَّى الله عليه وسلم وفي حديث) محمد (بن بشر وعبدة) بن سليمان لفظة (لا يحدثكموه أحد بعدي) بدل قوله في الرواية الأولى لا يحدِّثكم (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فدكر) سعيد بن أبي عروبة (بمثله) أي بمثل حديث شعبة لفظًا ومعنًى. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهم فقال: 6629 - (2648) (215) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن نمير حَدَّثَنَا وكيع وأبي) عبد الله بن نمير كلاهما (قالا حَدَّثَنَا الأعمش ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ له) أي لأبي سعيد قال: (حَدَّثَنَا وكيع حَدَّثَنَا الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسديّ الكوفي (قال) أبو وائل (كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى) الأشعري (فقالا قال رسول

اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا. يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ". 6630 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن النَّضْرِ بنِ أَبِي النَّضْرِ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ، عَن سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن أَبِي وَائِلٍ، عَن عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ. قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بن زَكَرِيَّاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته (إن بين يدي الساعة) وقدامها (أيامًا) أي أزمانًا (يرفع فيها العلم) بقبض أرواح العلماء (وينزل) أي يكثر (فيها الجهل) يعني الموانع المانعة من الاشتغال بالعلم الشرعي كهذا الزمان الفاسد باتباع اليهود والنصارى اهـ مناوي بزيادة (ويكثر فيها الهرج والهرج القتل) ظلمًا والهرج بفتح الهاء وسكون الراء أصله في اللغة الاختلاط يقال هرج الناس يهرجون وقعوا في فتنة واختلاط وقتل كما في القاموس وقد وقع في آخر هذا الحديث في رواية جرير عند البخاري "الهرج بلسان الحبشة القتل" وإنما خصَّه بلسان الحبشة لأن أصل الكلمة في اللغة العربية بمعنى الاختلاط وقد تستعار لمعنى القتل وأما في لسان الحبشة فهو بمعنى القتل ابتداء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 389] والبخاري في الفتن باب ظهور الفتن [7062 إلى 7066] والترمذي في الفتن باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم [2201] وابن ماجة في الفتن باب ذهاب القرآن والعلم [4099 و 4100]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما فقال: 6630 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر بن أبي النضر) هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي خُراسي الأصل ثقة من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدَّثنا) جدّي (أبو النضر) هاشم بن القاسم الليثي البغدادي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عبد الرحمن (الأشجعي) الكوفي نزيل بغداد ثقة من (9) (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله وأبي موسى الأشعري قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لوكيع بن الجرَّاح وعبد الله بن نمير (ح وحدَّثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي الطحان ثقة من (11) روى عنه

حَدَّثَنَا حُسَينٌ الْجُعْفِيُّ، عَن زَائِدَةَ، عَن سُلَيمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ. قَال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، وَهُمَا يَتَحدَّثَانِ. فَقَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بِمِثلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَابْنِ نُمَيرٍ. 6631 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ وَإِسْحَاقُ الحَنْظَلِيُّ. جَمِيعًا عَن أَبِي مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن شَقِيقٍ، عَن أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِهِ. 6632 - (00) (00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بن إبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن أَبِي وَائِلٍ، قَال: إِني لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، وَهُمَا يَتَحدَّثَانِ. فَقَال أَبُو ـــــــــــــــــــــــــــــ في (5) أبواب (حدَّثنا حسين) بن علي بن الوليد (الجعفي) مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن) أبي وائل (شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي (قال) شقيق: كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى وهما يتحدَّثان فقالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة زائدة لوكيع وابن نمير وساق زائدة (بمثل حديث وكيع وابن نمير). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما فقال: 6631 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب و) محمد بن عبد الله (بن نمير وإسحاق) بن إبراهيم (الحنظلي) المروزي (جميعًا) أي كل من الأربعة رووا (عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي ثقة من (9) (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة (عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة أبي معاوية لوكيع وابن نمير وساق أبو معاوية (بمثله) أي بمثل حديث وكيع وابن نمير ولو قال بمثلهما لكان أوفق وأوضح. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديثهما رضي الله عنهما فقال: 6632 - (00) (00) (حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (18) بابا (عن الأعمش عن أبي وائل قال) أبو وائل (إني لجالس) يومًا (مع عبد الله وأبي موسى وهما يتحدثان فقال أبو

مُوسَى: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمِثلِهِ. 6733 - (11) حدَّثَنَي حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي حُمَيدُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ موسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة جرير لوكيع وابن نمير وساق جرير (بمثله) أي بمثل حديثهما فيه ما مرَّ في السند قبله. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6633 - (2649) (216) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) قال (حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال) وهذا السند من سداسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقارب الزمان) أي يتسارع الزمان وتتدانى أوقاته وشرع دورانه ومروره حتَّى تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع والأسبوع كاليوم واليوم كالساعة والساعة كالدقيقة لقرب انتهاء الدنيا وقيام الساعة. وفسَّره الخطابي بأن المراد بتقارب الزمان سرعة مرور الزمان وتمسّك بما أخرجه الترمذي عن أنس وأحمد عن أبي هريرة مرفوعًا "لا تقوم الساعة حتَّى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة" قال الخطابي وذلك من استلذاذ العيش لأن الناس يستقصرون مدة أيام الرَّخاء وإن طالت ويستطيلون مدة المكروه وإن قصرت ومن طريف ما يروى فيه قول الشاعر: إنَّ الحياة منازل ومراحل ... تطوى وتنشر دونها الأعمال فقصارهن مع الهموم طويلة ... وطوالهن مع السرور قصار وهذا التفسير أحسن ما قيل في تفسيره ولكن لا ينبغي تقييده باستلذاذ العيش فإن سرعة مرور الزمان يمكن لها أسباب أخرى قال الحافظ في الفتح [13/ 16] فإنا نجد من سرعة مرور الأيام ما لم نكن نجده في العصر الَّذي قبل عصرنا وإن لم يكن عيش مستلذ قال القاضي عياض المراد بقصره عدم البركة فيه وأن اليوم مثلًا يصير الانتفاع به بقدر

وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَال: "الْقَتْلُ". 6634 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَتَقَارَب الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ"، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الانتفاع بالساعة الواحدة (ويُقبض العلم) الديني بقبض أرواح العلماء (وتظهر الفتن) أي فتنة الناس بعضهم بعضًا عن دينهم (ويُلقى الشُّحُّ) بالبناء للمجهول أي يلقى البخل عن أداء الحقوق الواجبة في قلوبهم أي يوضع فيها فيعملون بمقتضاه (ويكثر الهرج) والقتل (قالوا وما الهرج قال القتل). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 233] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الفتن باب ظهور الفتن [7061] وأبو داود في الفتن [4255] وابن ماجة في الفتن باب ذهاب القرآن والعلم [4101]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6634 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (15) (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأمويُّ مولاهم أبو بشر الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن الزهري حدَّثني حُميد بن عبد الرحمن الزهري) المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال) وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة شعيب ليونس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقارب الزمان) أي يقرب بعضه إلى بعض لنقصانه عن مقداره المعتاد أي تقرب السنة إلى السنة والشهر إلى الشهر (ويُقبض العلم) الشرعي بقبض علمائه لأن الناس يرجعون إلى العلم الدنيوي الَّذي يتجدَّد كل عصر تتبعًا لليهود والنصارى (ثم ذكر) شعيب (مثله) أي مثل حديث يونس. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6635 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَن سَعِيدٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ" ثُمَّ ذَكَرَ مِثلَ حَدِيثِهمَا. 6636 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَن أَبيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. ح وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ وَعَمرٌو الناقِدُ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنَ سُلَيمَانَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَن سَالِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6635 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السَّامي البصري ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري ثقة من (7) (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب بن حزن المخزوميّ المدني (عن أبو هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معمر ليونس وشعيب بن أبي حمزة ولكنها متابعة ناقصة لأن شيخ الزهري في هذا السند سعيد بن المسيب وفي الأولين حميد بن عبد الرحمن (عن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال يتقارب الزمان وينقص العلم) الشرعي (ثم ذكر) معمر (مثل حديثهما) أي مثل حديث يونس وشعيب. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6636 - (00) (00) (حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حدَّثنا إسماعيل يعنون) به إسماعيل (بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي مولاهم المدني ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني صدوق من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (ح وحدَّثنا) محمد (بن نمير وأبو كريب وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (قالوا حَدَّثَنَا إسحاق بن سليمان) القيسي الكوفي أبو يحيى الرازي ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الأموي المكي ثقة حجة من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن سالم) بن عبد الله بن

عَن أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ، عَن أَبِي يُونُسَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. كُلُّهُمْ قَال: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَن حُمَيدٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، غَيرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذكُرُوا: "وَيُلْقَى الشُّحُّ". 6637 - (2650) (217) حدَّثَنَا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَن هِشَامِ بنِ عُروَةَ، عَن أَبِيهِ. سَمِعْتُ عَبدَ اللهِ بنَ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر بن الخطاب العدويُّ المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني ثقة من (9) (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد (عن همام بن منبه) بن كامل (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (ح وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (عن أبي يونس) سليم بن جبير الدوسي المصري مولى أبي هريرة ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (كلُّهم) أي كلٌّ من عبد الرحمن بن يعقوب وسالم بن عبد الله وهمَّام بن منبه وأبي يونس (قال عن النبي صلَّى الله عليه وسلم) بالعنعنة غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لحميد بن عبد الرحمن وساقوا (بمثل حديث حميد) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) وفي أغلب النسخ "بمثل حديث الزهري عن حميد" وهذا تحريف من النساخ (غير أنهم) أي لكن أن هؤلاء الأربعة (لم يذكروا) في روايتهم لفظة (ويُلقى الشحُّ) كما ذكره حميد بن عبد الرحمن. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أنس بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم فقال: 6637 - (2650) (217) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (18) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير قال عروة (سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما وهذا السند من

يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته حالة كونه (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله) سبحانه وتعالى: (لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من) صدور (الناس) أي لا يمحو العلم محوًا يمحوه من صدور العلماء (ولكن يقبض العلم) قبضًا حاصلًا (بقبض) أرواح (العلماء حتَّى إذا لم يترك عالمًا) في الأرض (اتخذَّ الناس) أي جعل الناس لأنفسهم (رؤوسًا جُهَّالًا) فيقتدون بهم (فسُئلوا) أي سئل أولئك الجهال عن حكم شرعي (فافتوا) أي أجابوا للسائل (بغير علم) لذلك الحكم المسؤول عنه (فضلوا) أولئك الجهال في أنفسهم (وأضلّوا) الناس الذين قلدوهم وعملوا بفتياهم فيكون أولئك الجهال الرؤساء ضالين في أنفسهم مضلين لغيرهم قال في المبارق وفي ذاك إذا الدالة على التحقيق في قوله حتَّى إذا إلخ دون إن الدالة على الثك إشارة إلى أنَّه كائن لا محالة بالتدريج اهـ. وكان تحديث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث في حجة الوداع كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة قال لما كان في حجة الوداع قال النبي صلَّى الله عليه وسلم خذوا العلم قبل أن يقبض أو يُرفع فقال أعرابي كيف يرفع فقال ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته ثلاث مرات قال ابن المنير محو العلم من الصدور إلَّا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه اهـ فتح الباري [1/ 195]. قال النووي وهذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه عن صدور حفاظه ولكن معناه أنَّه يموت حملته ويتخذ الناس جهّالًا يحكمون بجهالتهم فيضلون ويُضلون اهـ قال المناوي وفيه تحذير من ترئيس الجهلة وحث على تعلم العلم وذمّ من يبادر إلى الجواب بغير تحقق وغير ذلك وهذا لا يعارضه خبر لا تزال طائفة من أمتي الحديث بحمل ذاك على أصول الدين وهذا على فروعه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 162] والبخاري في العلم باب كيف يقبض العلم [100] وفي الاعتصام باب ما يذكر من ذمّ الرأي وتكلّف القياس [7307] والترمذي في العلم باب ما جاء في ذهاب العلم [2654] وابن ماجة في المقدَّمة باب اجتناب الرأي والقياس (40).

6638 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ). ح وَحدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخبَرَنَا عَبَّادُ بن عَبَّادٍ وَأَبُو مُعَاوَيةَ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بن حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَعَبْدَةُ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكرِ بن نَافِعٍ. قَال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن عَلِيٍّ. ح وَحدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بن الْحَجَّاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال: 6638 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا عبَّاد بن عبَّاد) بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي أبو معاوية البصري ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حَدَّثَنَا وكيع ح وحدثنا أبو كريب حَدَّثَنَا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة ثقة من (8) (وأبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي ثقة من (9) (و) عبد الله (بن نمير وعبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (ح وحدَّثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) بن فرُّوج التميمي البصري القطان (ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا عمر بن علي) بن عطاء بن مقدم بوزن محمد الثقفي المقدمي أبو حفص روى عن هشام بن عروة في العلم ويحيى بن سعيد الأنصاري ويروي عنه (ع). وأبو بكر بن نافع وقتيبة وابناه محمد وعاصم قال ابن سعد ثقة يدلس تدليسًا شديدًا وقال ابن معين كان يدلس وما كان به بأس وقال في التقريب وكان يدلس شديدًا من الثامنة مات سنة [195] تسعين ومائة (ح وحدثنا عبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11) (حَدَّثَنَا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي ثقة ثبت من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا شعبة بن الحجاج) بن الورد العتكي البصري

كُلُّهُمْ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ في حَدِيثِ عُمَر بنِ عَلِيٍّ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، عَلَى رَأسِ الْحَوْلِ، فَسَأَلْتُهُ فَرَدَّ عَلَينَا الْحَدِيثَ كَمَا حدَّثَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. 6639 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن حُمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة إمام من (7) روى عنه في (30) (كلُّهم) أي كل من حماد بن زيد وعباد بن عباد وأبي معاوية ووكيع وابن إدريس وأبي أسامة وابن نمير وعبدة وابن عيينة ويحيى القطان وعمر بن علي وشعبة بن الحجاج أي كل من هؤلاء الاثني عشر رووا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الاثني عشر لجرير بن عبد الحميد وساقوا (بمثل حديث جرير) بن عبد الحميد (و) لكن (زاد) أبو بكر بن نافع (في حديث عمر بن علي) لفظة قال عروة (ثم) بعدما حدَّث لي عبد الله (لقيت) أي رأيت (عبد الله بن عمرو على رأس الحول) وتمامه (فسألته) أي سألت عبد الله بن عمرو عن هذا الحديث (فردَّ علينا الحديث) أي أعاد لنا عبد الله بن عمرو الحديث فحدَّثه لنا عبد الله كما حدَّثـ) ـــه لنا أولًا فـ (ــقال) عبد الله بن عمرو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) هذا الحديث. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال: 6639 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى) العنزي (حَدَّثَنَا عبد الله بن حمران) بن عبد الله بن حمران بن أبان مولى عثمان أبو عبد الرحمن البصري روى عن عبد الحميد بن جعفر في العلم وابن عوف الأعرابي ويروي عنه (م د س) ومحمد بن المثنى وابن بشار وأحمد وزهير بن حرب وغيرهم وقال أبو حاتم صدوق يخطئ قليلًا مستقيم الحال وقال ابن معين صدوق صالح الحديث وذكره ابن حبَّان في الثقات وقال الدارقطني ثقة وقال ابن شاهين شيخ ثقة مبرز وقال في التقريب صدوق من التاسعة مات سنة ستٍّ أو خمس ومائتين [256] (عن عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن

أَخْبَرَنِي أَبِي جَعْفَرٌ، عَن عُمَرَ بنِ الحَكَمِ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِ حَدِيثِ هِشَامِ بنِ عُروَةَ. 6640 - (00) (00) حدَّثنا حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخبَرَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيحٍ؛ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ حدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: قَالتْ لِي عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي، بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو مَارٌّ بِنَا إِلَى الْحَجِّ. فَالْقَهُ فَسَائِلْهُ. فَإِنَّهُ قَد حَمَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا كَثِيرًا. قَال: فَلَقِيتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ رافع الأنصاري أبي الفضل المدني صدوق من (6) روى عنه في (9) أبواب. (أخبرني أبو جعفر) بن عبد الله بن الحكم الأنصاري الأوسي المدني ثقة من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عمر بن الحكم) بن ثوبان الأنصاري الحارثي أبي حفص المدني صدوق من (3) روى عنه في (2) بابين الصوم والعلم (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة جعفر بن عبد الله لهشام بن عروة ولكنها متابعة ناقصة وساق جعفر (بمثل حديث هشام بن عروة). ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: 6640 - (00) (00) (حَدَّثَنَا حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (حَدَّثَنَا عبد الله بن وهب) المصري (حدثني أبو شريح) عبد الرحمن بن شريح بن عبيد الله المعافريّ الإسكندراني ثقة من (7) روى عنه في (3) أبواب (أن أبا الأسود) الديلي ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حنش بن ثعلبة بن عدي بن الديل البصري ثقة فاضل مخضرم من (2) روى عنه في (4) أبواب (حدّثه) أي حدَّث لأبي شريح (عن عروة بن الزبير) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي الأسود لهشام بن عروة (قال) عروة (قالت لي) خالتي (عائشة) أتم المؤمنين رضي الله عنها (يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر (بلغني) أي وصلني (أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا) أي مارٌّ علينا في المدينة ذاهبًا من الشام أو من مصر (إلى) مكة للـ (ـحج فالقه) أي فاستقبله (فسائله) بالجزم فعل أمر من سأل من باب فاعل أي فاسأله عن الأحاديث النبوية (فإنه) أي فإن عبد الله بن عمرو (قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم) وسمع منه (علمًا كثيرًا) وأحاديث كثيرة (قال) عروة (فلقيته) أي فرأيته

فَسَاءَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ يَذكُرُهَا عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال عُرْوَةُ: فَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا. وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ. وَيُبقِي فِي النَّاسِ رُؤُوسًا جُهَّالًا. يُفْتُونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ. فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ". قَال عُرْوَةُ: فَلَمَّا حدَّثْتُ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، أَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَتهُ. قَالتْ: أَحَدَّثَكَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا؟ . قَال عُرْوَةُ: حَتَّى إِذَا كَانَ قَابِلٌ، قَالتْ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَمْرٍو قَد قَدِمَ. فَالْقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فساءلته عن أشياء) كثيرة (يذكرها) ويرويها (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عروة فكان فيما ذكر) وروى عن النبي صلَّى الله عليه وسلم (أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال إن الله) عزَّ وجلَّ (لا ينتزع العلم) أي لا ينزع العلم ولا يمحوه (من) صدور (الناس انتزاعًا) أي قبضةً ومسحة في دفعة واحدة (ولكن يقبض) أرواح (العلماء فيرفع العلم معهم ويبقي) الله سبحانه من الإبقاء (في الناس رؤوسًا جهَّالًا يفتونهم) أي يفتي الناس أولئك الرُّؤساء الجُهَّال (بغير علم) عندهم (فيضلّون) في أنفسهم بفتح الياء من ضل الثلاثي أي يصيرون ضالين في أنفسهم بالإفتاء بلا علم (ويُضلُّون) بضم الياء من الإضلال أي يوقعون الناس في الضلال بفتوى ليس لها مستند ولا أصل قال أبو الأسود (قال) عروة (فلما حدّثت عائشة) رضي الله عنها (بذلك) أي بالذي حدَّثه عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعًا إلخ (أعظمت) أي عدت عائشة (بذلك) الحديث الَّذي حدَّثه عبد الله بن عمرو أي عدته أمرًا وخطأ بينًا (وأنكرته) عليه وما قبلته ثم (قالت أحدّثك) أي هل حدثك عبد الله بن عمرو (أنَّه سمع النبي صلَّى الله عليه وسلم يقول هذا) الحديث يعني قوله إن الله لا ينتزع العلم قال أبو الأسود (قال عروة) وأنكرته عائشة عليه (حتَّى إذا كان) وجاء عام (قابل قالت) عائشة (له) أي لعروة ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة وحتى غاية للإنكار عليه أي قالت لي عائشة (إن) عبد الله (بن عمرو قد قدم) وجاء أيضًا هذا العام من مصر أو من الشام (فالقه) مجزوم بحذف حرف العلة وهو الألف لأنه

ثُمَّ فَاتِحْهُ حَتى تَسْأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَكَ في الْعِلْمِ. قَال: فَلَقِيتُهُ: فَسَاءَلتُهُ. فَذَكَرَهُ لِي نَحْوَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، في مَرَّتِهِ الأُولى. قَال عُرْوَةُ: فَلَمَّا أَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ. قَالتْ: مَا أَحْسَبُهُ إلا قَد صَدَقَ. أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيئًا وَلَمْ يَنْقُصْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من لقي يلقى من باب رضي أي فاستقبله (ثم فاتحه) أمر من فاتح الرباعي أي بادئه أنت أولًا بالكلام (حتَّى تسأله عن الحديث الَّذي ذكره لك في العلم) أي في شأن رفع العلم في العام الماضي (قال) عروة (فلقيته) أي لقيت عبد الله بن عمرو (فسألته) أي سألت عبد الله بن عمرو عن ذلك الحديث (فذكره) أي فذكر عبد الله بن عمرو ذلك الحديث (لي) حالة كونه (نحو) أي مثل (ما حدَّثني به في مرّته الأُولى) يعني في السنة الماضية قال أبو الأسود (قال عروة فلما أخبرتها بذلك) الحديث (قالت) عائشة (ما أحسبه) أي ما أحسب عبد الله بن عمرو ولا أظنه (إلا قد صدق) فيه ثم قالت عائشة (أراه) أي أرى عبد الله بن عمرو وأظنه (لم يزد فيه) أي في ذلك الحديث (شيئًا) من عند نفسه (و) أراه أيضًا (لم ينقص) منه أي من ذلك الحديث شيئًا. قوله "أعظمت ذلك وأنكرته" قال النووي ليس معناه أنها اتهمته لكنها خافت أن يكون اشتبه عليه أو قرأه من كتب الحكمة فتوهّمه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كرره مرة أخرى وثبت عليه غلب عليها ظنها أنَّه سمعه من النبي صلَّى الله عليه وسلم وكان عند عبد الله بن عمرو علمُ كثير من الكتب السالفة فوقع عند عائشة رضي الله عنها احتمال أنَّه حكى ذلك عنها أي عن الكتب السالفة ولذلك قالت أحدثك أنَّه سمع النبي صلَّى الله عليه وسلم يقول هذا اهـ منه. قوله "فلقيته فسألته" ووقع في رواية سفيان بن عيينة عند الحميدي في مسنده قال عروة ثم لبثت سنة ثم لقيت عبد الله بن عمرو في الطواف فسألته فأخبرني به فأفاد أن لقاءه إيّاه في المرّة الثانية كان بمكة وكان عروة كان حج في تلك السنة من المدينة وحج عبد الله من مصر فبلغ عائشة ويكون قولها قد قدم أي من مصر طالبًا لمكة لا أنَّه قدم المدينة إذ لو دخلها للقيه عروة بها ويحتمل أن تكون عائشة حجت تلك السنة وحجَّ معها عروة فلقيه عروة بأمر عائشة اهـ من فتح الباري [13/ 285] ثم انقراض العلماء المذكورين في الحديث إما باعتبار الأغلبية فلا ينافي أن يكون في الأمة عدة علماء يوثق

6641 - (2651) (217) حدَّثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُوسَى بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيدَ وَأَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هِلَالٍ العَبْسِيِّ، عَن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. عَلَيهِمُ الصُّوفُ. فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَد أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ. فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ. فَأَبْطَؤُا عَنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بهم وإليهم يرجع المتثبتون واما باعتبار أن يكون ذلك في الزمان الأخير المتصل بالقيامة حيث ينتثر الشر والفساد والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو من سن سنة حسنة أو سيئة بحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه فقال: 6641 - (2651) (217) (حدَّثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا جرير بن عبد الحميد) الضبي الكوفي ثقة من (8) (عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد) الأنصاري الخطمي الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (2) بابين الزكاة والعلم (و) عن (أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب كلاهما رويا (عن عبد الرحمن بن هلال العبسيِّ) ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جرير بن عبد الله) بن جابر البجلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (4) أبواب وهذا السند من سداسياته (قال) جرير (جاء ناس من الأعراب) لم أر من ذكر أسماء هؤلاء الناس وفي رواية المنذر بن جرير في الزكاة أنهم كانوا من مصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصُّوف) وهو نسيج شعر الغنم وفي رواية المنذر بن جرير المذكور "كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عافتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالًا فأذّن فأقام ثم خطب فقال يا أيها الناس اتقوا ربكم الَّذي خلقكم من نفس واحدة" الآية (فرأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سوء حالهم) أي ضيق حال أولئك القوم (قد أصابتهم حاجة) أي فقر (فحثّ) أي حرّض (الناس) الحاضرين عنده من الصحابة (على الصدقة) أي على التصدق على هؤلاء الأعراب (فأبطؤوا) أي تأخر الناس من الصحابة (عنه) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم أي عن الأتيان بصدقاتهم إليه فغضب صلَّى الله

حَتَّى رُؤِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَال: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِن وَرِقٍ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ. ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ في وَجْهِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَنَّ في الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا. وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيهِ مِثلُ وزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم عن إبطائهم وتأخُّرهم عن الإتيان بالصدقة (حتَّى رؤُي ذلك) أي أثر غضبه (في وجهه) من احمرار الوجه بعد بياضه (قال) جرير بن عبد الله (ثم إنَّ رجلًا من الأنصار) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (جاء بصرة) أي بكيس (من ورق) أي فضة (ثم جاء) رجل (آخر) بصدقته (ثم تتابعوا) وتوالوا في الإتيان بصدقاتهم فسرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك (حتَّى عرف السرور في وجهه) أي ظهر أثره من الاستنارة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنَّ) وعمل (في الإسلام سنة حسنة) أي خصلة مرضية وفعلة حسنة في الشرع قوله "من سن في الإسلام" إلخ السنة مأخوذة من السنن بفتحتين وهو الطريق يعني من أتى بطريقة مرضية يقتدى به فيها اهـ مبارق وفي النهاية قد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرّف منها والأصل فيها الطريقة والسيرة وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلَّى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولًا وفعلًا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلّة الشرع الكتاب والسنة أي القرآن والحديث اهـ (فعُمل بها) بالبناء للمجهول أي عمل الناس بتلك الحسنة اقتداء به (بعده) أي بعد فعله بتلك الحسنة أو المعنى أي بعد ممات من سنّها قيّد به دفعًا لما يتوهم أن ذلك الأجر يكتب ما دام حيًّا اهـ دهني (كتب له) أي لذلك البادئ بها أول الناس (مثل أجر من عمل بها) إلى يوم القيامة كما في بعض الروايات (ولا ينقص من أُجُورهم) أي من أجور العاملين بعده (شيء) قليل ولا كثير (ومن سنَّ) أي أسس (في الإسلام سنة) أي خصلة (سيئة) أي غير مرضية لمخالفتها الشرع كالقتل ظلمًا والغضب والنهب (فعُمل) بالبناء للمجهول تفسير لسن وكذلك سابقه (بعده) أي بعد هذا البادئ (كتب عليه) أي على ذلك البادئ العامل لها أولًا (مثل وزر) أي مثل ذنب (من عمل بها) إلى يوم القيامة لأنه تسبب في عملهم بها بتأسيسها والابتداء بها (ولا ينقص من أوزارهم) أي من أوزار العاملين بها (شيء) أي شيء من النقص أو العقاب ولا يعارض هذا الحديث بقوله

6642 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَن عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ جَرِيرٍ. قَال: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ. بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. 6643 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هِلَالٍ الْعَبْسِيُّ. قَال: قَال جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْذَ أُخْرَى} لأنه حمل وزر تسببه في عملهم لا وزر عملهم بها والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 357، ] والترمذي [2675] والنسائي في الزكاة باب التحريض على الصدقة [2554] وابن ماجة في المقدمة [203] وقد أخرجه المؤلف أيضًا في كتب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة. ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال: 6642 - (00) (00) (حدَّثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح أبي الضحى الهمداني الكوفي (عن عبد الرحمن بن هلال) العبسي (عن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن الأعمش (قال) جرير (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحث) الناس (على الصدقة) ورغبهم فيها وساق أبو معاوية (بمعنى حديث جرير) بن عبد الحميد. ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6643 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن بشار) العبدي (حَدَّثَنَا يحيى يعني ابن سعيد) بن فرُّوخ القطان البصري (حَدَّثَنَا محمد بن أبي إسماعيل) راشد السلمي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن هلال العبسيّ قال قال جرير بن عبد الله) البجلي الكوفي رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان

قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَسُنُّ عَبْدٌ سُنَّةً صَالِحَةً يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَهُ". ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. 6644 - (00) (00) حدَّثني عُبَيدُ اللهِ بن عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَويُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن عَوْنِ بنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ متابعة محمد بن أبي إسماعيل لموسى بن عبد الله ومسلم بن صبيح (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسن) ولا يؤسس ولا يشرع (عبد) من عباد الله (سنة صالحة) أي خصلة حسنة (يعمل بها بعده ثم ذكر) محمد بن أبي إسماعيل (تمام الحديث) إلى آخره. ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث جرير رضي الله عنه فقال: 6644 - (00) (00) (حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصريُّ (ومحمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عبد الرحمن بن أبي عثمان أبو عبد الله (الأمويّ) البصري صدوق من (10) (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدَّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (7) روى عنه في (19) بابا. (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي الكوفي ثقة من (3) (عن المنذر بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي مقبول من (3) روى عنه في (2) بابين الزكاة والعلم (عن أبيه) جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (عن النبي صلّي الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة منذر بن جرير لعبد الرحمن بن هلال (ح وحدَّثنا محمد بن المثنى حدَّثنا محمد بن جعفر) الهذلي ربيب شعبة (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة) حمّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح وحدَّثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ (قالوا) أي قال كل من الثلاثة يعني محمد بن جعفر وأبا أسامة ومعاذ بن معاذ (حدَّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون بن

أَبِي جُحَيفَةَ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِهَذَا الْحَدِيثِ. 6645 - (2652) (218) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيئًا. وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالةٍ، كَانَ عَلَيهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي الكوفي ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن المنذر بن جرير عن أبيه) جرير بن عبد الله البجلي (عن النبي صلَّى الله عليه وسلم) وهذه الأسانيد كلها من سداسياته غرضه بسوقها بيان متابعة عون بن أبي جحيفة لعبد الملك بن عمير وساق عون بن أبي جحيفة (بهذا الحديث) بتمامه. ثم استشهد المؤلف لحديث جرير بن عبد الله بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6645 - (2652) (218) (حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول إله صلى الله عليه وسلم قال من دعا إلى هدى) ومعروف أي أمر الناس بمعروف ونهى عن منكر كان له) أي لذلك الداعي والدال على معروف (مثل أجور من تبعه) وامتثل بأمره واهتدى بدعوته (لا ينقص ذلك) المثل الَّذي كان للداعي (من أجورهم) أي من أجور التابعين له (شيئًا) من النقص قليلًا ولا كثيرًا (ومن دعا) الناس (إلى ضلالة) وغواية (كان عليه) أي على ذلك الداعي (من الإثم) والذنب (مثل آثام) وذنوب (من تبعه) في الضلالة (لا ينقص ذلك) المثل الَّذي كان عليه (من آثامهم) أي من آثام التابعين له وذنوبهم (شيئًا) من النقص لأن الدال على الشيء كفاعله في الثواب والعقاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 397] وأبو داود في السنة باب لزوم السنة [4609] والترمذي في العلم باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو ضلالة [2676] وابن ماجة في المقدمة باب من سن سنة حسنةً أو سيئةً [194]. قوله "من دعا إلى هدى" أي إلى ما يهتدى به من الأعمال الصالحة وهو بإطلاقه يتناول العظيم والحقير فيدخل فيه من دعا إلى إماطة الأذى عن طريق المسلمين اهـ مبارق "قوله لا ينقص ذلك من أجورهم" إلخ دفع به ما قد يتوهم إن أجر الداعي إنما يكون بالتنقيص من أجر التابع وضمّه إلى أجر الداعي اهـ مناوي. قوله "مثل آثام من تبعه" لتولده عن فعله الَّذي هو من خصال الشيطان والعبد يستحق العقوبة على السبب وما تولد منه اهـ أقول فلا يعترض بقوله تعالى: {وَلَا تَزْرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} لأن عقوبته ليست بوزر التابع بل بكونه سببًا لأن يزر التابع والله أعلم "فإن قلت" إذا دعا واحد جماعة إلى ضلالة فاتبعوه يلزم أن لسيئة واحدة وهي الدَّعوة آثامًا كثيرة. قلت: تلك الدعوة في المعنى متعددة لأن دعوة الجماعة دفعة واحدة دعوة لكل من آحادهم اهـ دهني. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة الأول حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث ابن مسعود وأبي موسى ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والخامس حديث جرير بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والسادس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم أرجو القبول والوصول إلى منتهى المأمول الَّذي منه الانتهاء من شرح هذا الجامع مع الرضا منه والقبول والصلاة والسلام الدائمين على النبي الرسول وعلى آله وأصحابه الفُحول الباذلين أنفسهم وأموالهم في طلب الرضا والقبول وتابعيهم إلى يوم يظهر فيه المردود والمقبول. وجملة ما شرحنا في هذا المجلد من الأحاديث الغير المكرر [218] مائتان وثمانية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عشر حديثًا وصلى الله وسلّم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين وقد انتهينا منه فلله الحمد في يوم الخميس قبيل العصر اليوم التاسع عشر من شهر صفر من شهور سنة 19/ 2 / 1428 هـ ألف وأربعمائة وثماني عشرة ويليه المجلد الخامس عشر وأوله "كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار". قال الإمام الشافعي: تغرب عن الأوطان في طلب العلا ... وسافر فإن ففي الأسفار خمس فوائد تفرُّج همٍّ واكتسابُ معيشةٍ ... وعلم وآداب وصُحبةُ ماجدِ * * *

شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِمْ المُسَمَّى الكَوْكَبَ الوَهَّاج وَالرَّوضَ البَهَّاج فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِم بْنِ الحَجَّاجِ جَمْع وَتأليف مُحمَّدٍ الأمِين بن عبد اللهِ الأُرَمِيّ العَلَويّ الهَرَريّ الشَّافِعِيِّ نزيل مكَّة المُكَرَّمة والمجاور بها مراجعَة لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي المستَشَار برَابطَةِ العالمِ الإسْلَاميِّ - مَكَّةَ المكرَّمة الجزء الخَامِسُ والعِشْرُونَ دَارُ المِنْهَاجِ دَارُ طَوق النَّجَاة

الطبعة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوطة للناشر دَارُ المِنْهَاجِ جدة - السعودية دَارُ طَوق النَّجَاة بيروت - لبنان

شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قيل في التواضع تواضع تكن كالنجم لاح لناظر ... على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسه ... إلى طبقات الجو وهو وضيع وقد نظم بعضهم قول لقمان النوبي الحكيمِ في وصيته لولده إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك فقال: الصمت زين والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثارًا ما إن ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مرارًا المجلد الخامس والعشرون من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج وأوله كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار جزى الله خيرًا من تأمل شرحتي ... وقابل ما فيها بالعفو من الزلة وأصلح ما رأى فيها من الهفوة ... بقلم الإنصافِ وجاد بالدعوة

كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 29 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار 736 - (1) باب الحث على ذكر الله تعالى، وبيان عدد أسمائه، والأمر بالعزم في الدعاء، وكراهة تمني الموت، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه 6636 - (2653) (1) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ)، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحمد لله على كماله، والشكر له على نواله، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا مثيل له في ذاته ولا شريك له في صفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خُصّ من الإرسال بختامه وكماله ومن الحق بصفْوه وزُلاله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الهداة المهديّين، ومن تبعهم على السنة المطهرة إلى يوم الدين. (أما بعد) فلمَّا فَرغْتُ من المجلد الرابع عشر بعون الله وتيسيره تَفرَّغْتُ للمجلد الخامس عشر إن شاء الله تعالى بتوفيقه راجيًا منه الإمداد بقطرات الفيض والإرشادِ، فقلت وبالله التوفيق والهداية إلى أقوم الطريق وقولي هذا: - 29 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار 736 - (1) باب الحث على ذكر الله تعالى، وبيان عدد أسمائه، والأمر بالعزم في الدعاء، وكراهة تمني الموت، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه 6636 - (2653) (1) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب واللفظ لقتيبة قالا: حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان القيسي مولاهم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي) قال القاضي: قيل معناه أنا معه بالغفران إذا ظنَّه حين يستغفر، وبالقبول إذا ظنه حين يتوب، وبالإِجابة إذا ظنها حين يدعو، وبالكفاية إذا ظنها حين يستكفي لأن هذه صفات لا تظهر إلَّا إذا حسَّن ظنَّه بالله تعالى اه. قال الطبري: وكذا تحسين الظن بقبول العمل عند فعله إيَّاه ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة". قال القرطبي: قيل معناه ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن قبول الأعمال عند فعلها على شروطها تمسكًا بصادق وعده وجزيل فضله. [قلت]: ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة" رواه الترمذي [3474] وكذلك ينبغي للتائب والمستغفر وللعامل أن يجتهد في القيام بما عليه من ذلك موقنًا أن الله تعالى يقبل عمله ويغفر ذنبه فإن الله تعالى قد وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة، فأما لو عمل هذه الأعمال وهو يعتقد أو يظن أن الله تعالى لا يقبلها وأنها لا تنفعه فذلك هو القنوط من رحمة الله تعالى واليأس من روح الله وهو من أعظم الكبائر ومن مات على ذلك وصل إلى ما ظن منه كما قد جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث "أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء" رواه أحمد [3/ 491 و 4/ 106] فأما ظن المغفرة والرحمة مع الإصرار على المعصية فذاك محض الجهل والعزة وهو يجر إلى مذهب المرجئة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله" رواه الترمذي [2461] والظن: تغليب أحد المجوزين بسبب يقتضي التغليبَ فلو خلا عن السبب المُغلِّب لم يكن ظنًا بل عزة وتمنيًا، وقد تقدم في الجنائز الكلام على قوله: "لا يموتن أحدكم إلَّا وهو يحسّن الظن بالله" رواه مسلم [2877]، وأبو داود [3113]. قال الحافظ: قوله: (أنا عند ظن عبدي بي) أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به، وقال الكرماني: وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف وكأنه أخذه من جهة التسوية فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو

وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُني. إِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ. وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا. وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا. وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ جانب الخوف لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء، وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث: "لا يموتن أحدكم إلَّا وهو يحسّن الظن بالله، وهو عند مسلم من حديث جابر، وأما قبل ذلك ففي الأولى أقوالٌ ثالثها الاعتدال، وقال ابن أبي حمزة: المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله تعالى: {وَظَنُّواْ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إلَّا إِلَيْهِ} اه. (وأنا معه) أي مع عبدي (حين يذكرني) ومعية الله سبحانه مع عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نُكيّفها ولا نُمثّلها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ثم الذكر المذكور يشمل ذكر القلب وذكر اللسان (أن ذكرني في نفسه) أي إن ذكرني بقلبه أو بلسانه خاليًا منفردًا عن الناس بحيث لا يطلع أحد من الخليقة على ذكره إياي (ذكرته في نفسي) أي ذكرته بالجزاء الَّذي لا يطلع عليه أحد من خلقي مما أعددت له من كرامتي التي أخفيتها عن خليقتي {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي جازيته جزاء لا يطلع عليه أحد من خلقي ولا يقادر قدره إلَّا أنا وفيه دلالة على أفضلية السر في الذكر وإن ذكرني في ملإٍ وجماعة من الناس (ذكرته في ملأ هم خير منهم) وهم الملائكة يعني أن من ذكره في ملإٍ من الناس ذكره الله تعالى في ملإ من الملائكة أي أثنى عليه ونَوَّهَ باسمه في الملائكة، وأمَرَ جبريل أن ينادي بذكره في ملائكة السماوات كما تقدم، وهو ظاهر في تفضيل الملائكة على بني آدم وهو أحد القولين للعلماء، وللمسألة غور ليس هذا محل ذكره (وإن تقرَّب مني) عبدي (شبرًا) وهو ما بين طرف الإبهام وطرف الخنصر أو الوسطى (تقرَّبت إليه ذراعًا) وهو شبران (وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرّبت منه باعًا) وهو ذراعان (وإن أتاني يمشي) على العادة بلا إسراع في المشي (أتيته هرولة) أي مسرعًا، والمذهب الصحيح أن قرب الله سبحانه إلى عبده ذراعًا أو باعًا وهرولته إلى عبده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيّفها ولا نمثلها ولا نؤولها -ليس كمثله شيء- لأنه من أحاديث الصفات يجري على ظاهره فلا يُؤوّل. وقال النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره ومعناه من تقرب إليَّ بطاعتي تقربت

6637 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذكُرْ: "وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه برحمتي والتوفيق والإعانة وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه اه. وقال القرطبي: هذه كلها أمثال ضُربت لمن عمل عملًا من أعمال الطاعات وقصد به التقريب إلى الله تعالى يدل على أن الله تعالى لا يُضيّع عمل عامل وإن قَلّ به يقبله ويجعل له ثوابه مضاعفًا. (فإن قيل): مقتضى ظاهر هذا الخطاب أن من عمل حسنة جُوزي بمثليها فإن الذراع شبران والباع ذراعان، وقد تقرر في الكتاب والسنة أن أقل ما يُجازى على الحسنة بعشر أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا تُحصى فكيف وجه الجمع. (قلنا): هذا الحديث ما سيق لبيان مقدار الأجور وعدد تضاعيفها وإنما سيق لتحقيق أن الله تعالى لا يُضيّع عمل عامل قليلًا كان أو كثيرًا وأن الله يسرع إلى قبوله وإلى مضاعفة الثواب عليه إسراع من جيء إليه بشيء فبادر لأخذه وتَبشْبَش له بَشْبَشة من سُرّ به، ووقع منه الموقع، ألا ترى قوله: "وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" وفي لفظ: "أسرعت إليه " ولا تُقدّر الهرولة والإسراع بضعفي المشي، وأما عدد الأضعاف فيؤخذ من موضع آخر لا من هذا الحديث والله أعلم اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 251]، والبخاري في التوحيد باب قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [7405] وفي مواضع أخر، والترمذي [3603]، وابن ماجة [3822]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6637 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح، عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير بن عبد الحميد (ولم يذكر) أبو معاوية في روايته لفظة (وإن تقرّب إلى ذراعًا تقرّبت منه باعًا). ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:

6638 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَن هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا تَلَقَّانِي عَبْدِي بشِبرٍ، تَلَقَّيتُهُ بِذِرَاعٍ. وَإِذَا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ، تَلَقَّيتُهُ بِبَاعٍ. وَإِذَا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ، جِئْتُهُ أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ". 6639 - (2654) (2) حدّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنُ زُرَيعٍ)، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6638 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد البصري (عن همام بن منبه) اليماني (قال) همام: (هذا ما حَدَّثَنَا) به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أبو هريرة (أحاديث) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لأبي صالح (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) سبحانه وتعالى (قال: إذا تلقاني) واستقبلني (عبدي بشبر تلقيته) أي استقبلته (بذراع وإذا تلقاني بدراع تلقيته بباع وإذا تلقاني بباع جئته أتيته بأسرع) أي بإتيان أسرع من إتيانه، قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ (جئته أتيته) وفي بعضها: (جئته بأسرع) فقط، وفي بعضها (أتيته) وهاتان ظاهرتان، والأول صحيح أيضًا، والجمع بينهما توكيد لفظي بالمرادف، وهو حسن لا سيما عند اختلاف اللفظ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6639 - (2654) (2) (حَدَّثَنَا أمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا يزيد يعني ابن زريع) العيثي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابًا (حَدَّثَنَا روح بن القاسم) التميمي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابًا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله

قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ. فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ. فَقَالَ: "سِيرُوا. هَذَا جُمْدَانُ. سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق) ذهابه إلى (مكة فمر) في طريقه (على جبل يقال له) ويسمى (جُمدان) بضم الجيم وسكون الميم هو جبل بين قديد وعسفان من منازل أسلم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (سيروا) أي جدّوا في السير واجتهدوا فيه (هذا جُمدان سبق المُفرِّدون) بفتح الفاء وكسر الراء المشددة من التفريد في رواية الأكثر، ورواه بعضهم بسكون الفاء وتخفيف الراء المكسورة من الإفراد، وقال ابن قتيبة وغيره: أصل المفردين الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى، وجاء في رواية: "هم الذين اهتزوا في ذكر الله" أي لهجوا به، وقال ابن الأعرابي: يقال: فرّد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهي، وقال الأزهري: هم المتحلون من الناس بذكر الله تعالى (قالوا): أي قال الأصحاب للنبي (وما المفردون يا رسول الله؟ ) أي ما معناه فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم (الذاكرون الله) سبحانه ذكرًا (كثيرًا والذاكرات) الله كثيرًا، وقال القرطبي: وقال في غير كتاب مسلم "هم المستهترون بذكر الله تعالى يضع عنهم الذكر أوزارهم فيردون يوم القيامة خفافًا" رواه الترمذي [3596] وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول عقيب قوله: "هذا جُمدان" لأن جمدان جبل منفرد بنفسه هنالك ليس بحذائه جبل مثله فكأنه تفرد هناك فذكره بهؤلاء المفردين والله أعلم. وهؤلاء القوم بقوا في الدنيا إلى الأحوال السنية وفي الآخرة إلى المنازل العلية اه من المفهم. قوله: (هم الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات) هذه الكثرة المذكورة هنا هي المأمور بها في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] وهذا المساق يدل على أن هذا الذكر الكثير واجب ولذلك لم يكتف بالأمر حتَّى أكده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتَّى أكده بالصفة، ومثل هذا لا يكون في المندوب وظهر أنَّه ذكر كثير واجب ولا يقول أحد بوجوب الذكر باللسان دائمًا، وعلى كل حال كما هو ظاهر هذا الأمر فتعين أن يكون ذكر القلب كما قاله مجاهد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس شيء من الفرائض إلَّا وله حد ينتهي إليه إلَّا ذكر الله. ولم يقل هو ولا غيره فيما

6640 - (2655) (3) حدّثنا عَمْرو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ وَابْن أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَن أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لِلّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا. مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَإِنَّ الله وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ علمناه أن ذكر الله باللسان يجب على الدوام فلزم أنَّه ذكر القلب، وإذا ثبت ذلك فذكر القلب لله تعالى إما على جهة الإيمان والتصديق بوجوده وصفات كماله وأسمائه فهذا يجب استدامته بالقلب ذكرًا، أو حكمًا في حالة الغفلة لأنه لا ينفك عنه إلَّا بنقيضه وهو الكفر، والذكر الَّذي ليس راجعًا إلى الإيمان هو ذكر الله عند الأخذ في الأفعال فيجب على كل مكلف أن لا يقدم على فعل من الأفعال ولا على قول من الأقوال ظاهرًا ولا باطنًا حتَّى يعرف حكم الله في ذلك الفعل لإمكان أن يكون الشرع منعه منه فإما على طريق الاجتهاد إن كان مجتهدًا أو على طريق التقليد إن كان غير مجتهد ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول دائمًا فذكر الله يجب عليه دائمًا، ولذلك قال بعض السلف: اذكر الله عند همك إذا هممت، وحكمك إذا حكمت، وقسمك إذا قسمت. وما عدا هذين الذكرين لا يجب استدامته ولا كثرته والله تعالى أعلم اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 323]، والترمذي [3596] في كتاب الدعوات بابٌ: سبق المفردون. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو ذكر عدد أسماء الله تعالى، وذكر فضل من أحصاها بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6645 - (2655) (3) (حَدَّثَنَا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن سفيان) بن عيينة (واللفظ لعمرو) الناقد، قال عمرو: (حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لله) سبحانه وتعالى: (تسعة وتسعون اسمًا من حفظها) على ظهر قلب (دخل الجنّة وأن الله وتر) أي واحد لا شريك له ولا نظير في ذاته وصفاته (يحب الوتر) أي التوحيد؛ أي إن الله تعالى واحد في ذاته وصفاته وكماله وأفعاله، ويحب التوحيد أي أن يُوحّد ويعتقد انفراده دون خلقه،

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ "مَنْ أَحْصَاهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا المعنى أشبه ما يقال هنا فيلتئم به أول الحديث وآخره وظاهره وباطنه، وسيأتي قريبًا بسط الكلام فيه اه من المفهم (وفي رواية ابن أبي عمر من أحصاها) معناه حفظها وهذا هو الأظهر بدليل الرواية السابقة، وقيل معنى أحصاها عدّها في الدعاء بها، وقيل راعاها وحافظ على ما تقتضيه وصدَّق بمعانيها والصحيح الأول اه نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 267]، والترمذي [3506]، وابن ماجة [3806]. قوله: (لله تسعة وتسعون اسمًا) لم يقع تعيين هذه الأسماء في هذا الحديث في رواية الأكثرين وإنما جاء سردها في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي، وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجه، وفي رواية عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عند الحاكم في المستدرك، واختلف العلماء في صحة هذه الروايات، وفي أن التعيين فيها مرفوع أو مدرج، وقد أطال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في تحقيق ذلك في فتح الباري [11/ 214 - 219] ورجح أن التعيين فيها مدرج، ثم ذكر أن جماعة من العلماء حاولوا جمع هذه الأسماء فمنهم من اعتمد على روايات الترمذي وابن ماجة والحاكم على اختلاف كثير فيما بينهم، ومنهم من تتبعها من القرآن الكريم، وقد اعتمد الكثيرون على ما وقع في جامع الترمذي ولكن فيها أسماء لم ترد في القرآن الكريم في صورة اسم، ويوجد في القرآن ما ورد في صورة اسم ولم يُذكر في رواية الترمذي فأخرج الحافظ القسم الأول من رواية الترمذي، وزاد القسم الثاني إلى بقية الأسماء المذكورة فيها فصارت تسعة وتسعين وهي هذه: الله: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، التواب، الوهاب، الخلاق، الرزاق، الفتاح، العليم، الحليم، العظيم، الواسع، الحكيم، الحي، القيوم، السميع، البصير، اللطيف، الخبير، العلي، الكبير، المحيط، القدير، المولى، النصير، الكريم، الرقيب، القريب، المجيب، الوكيل، الحسيب، الحفيظ، المقيت، الودود، المجيد، الوارث، الشهيد، الولي، الحميد، الحق، المبين، القوي، المتين، الغني، المالك، الشديد، القادر، المقتدر، القاهر، الكافي، الشاكر، المستعان، الفاطر،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البديع، الغافر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الكفيل، الغالب، الحكم، العالِم، الرفيع، الحافظ، المنتقم، القائم، المحيي، الجامع، المليك، المتعالي، النور، الهادي، الغفور، الشكور، العفو، الرؤوف، الأكرم، الأعلى، البر، الحفي، الرب، الإله، الواحد، الأحد، الصمد. ثم ذهب ابن حزم إلى أن عدد التسعة والتسعين للحصر فليس لله تعالى اسم غيرها، وخالفه جمهور العلماء كالنووي والخطابي والقرطبي والقاضي أبي بكر بن الطيب وابن العربي والفخر الرازي والحافظ بن حجر رحمهم الله تعالى فقالوا: إن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك وإنما اختصت تسعة وتسعون بأن من أحصاها دخل الجنّة، ونقل النووي اتفاق العلماء عليه ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك! أخرجه أحمد وابن حبان، وورد في دعاء أخرجه مالك عن كعب الأحبار "أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم" أما الحكمة في قصر إحصائها على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الأكثر أنَّه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد الصلوات وغيرها، ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال: إنما خُص هذا العدد إشارة إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسًا، وقيل الحكمة فيه أن العدد زوج وفرد، والفرد أفضل من الزوج، ومنتهى الأفراد من غير تكرار تسعة وتسعون لأن مائة وواحدًا يتكرر فيه الواحد اه من التكملة. قوله: (من حفظها دخل الجنّة) وفي الرواية الآتية من أحصاها ومن هنا ذهبت جماعة من العلماء إلى أن المراد من الإحصاء حفظها على ظهر قلب، وقيل إحصاؤها الإيمان بها، وقيل العمل بمقتضاها، وقيل معرفتها وتفسيره بالحفظ أظهر كما مر آنفًا. قوله: (إنه وتر يحب الوتر) قال الحافظ: وإنما كان الفرد أفضل من الزوج لأن الوتر أفضل من الشفع لأن الوتر من صفة الخالق والشفع من صفة المخلوق، والشفع يحتاج إلى الوتر من غير عكس اه. قال القرطبي وقوله: (يحب الوتر) ظاهره أن الوتر هنا للجنس لا معهود جرى ذكره فيُحمل عليه فيكون معناه على هذا أنَّه يحب كل وتر شرعه وأمر به كالمغرب فإنها وتر صلاة النهار ووتر صلاة الليل كالصلوات الخمس فإنها

6641 - (00) (00) حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَندُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وتر كالوتر في مرات الطهارة وغسل الميت ونحو هذا مما شُرع فيه الإيتار ومعنى محبته لهذا النوع أنَّه أمر به وأثاب عليه ويصلح ذلك للعموم لما خلقه وترًا من مخلوقاته كالسماوات السبع والأرضين السبع والدراري السبع وكآدم الَّذي خلقه من تراب وكعيسى الَّذي خلقه من غير أب وهكذا كل ما خلقه الله وترًا من مخلوقاته، ومعنى محبته لهذا النوع أنَّه خصصه بذلك لحكم علمها وأمور قدّرها، ويحتمل أن يريد بذلك الوتر واحدًا بعينه فقيل هو صلاة الوتر وقيل يوم عرفة وقيل آدم وقيل غير ذلك اه من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6641 - (00) (00) حدثني محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن) محمد (بن سيرين عن أبي هريرة) رضي الله عنه (و) روى أيوب أيضًا (عن همام بن منبه عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة ابن سيرين وهمام بن منبه للأعرج (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا) وقوله: (مائة) بدل من العدد المذكور قبله لغرض الاستثناء عنه بقوله: (إلا واحدًا) وقال القرطبي: قوله: (مائة إلَّا واحدًا) تأكيد للجملة الأولى ليرفع به وهم متوهم في النطق أو الكتابة لأن تسعة مقاربة لسبعة فيهما، وعبارة الأبي هو تأكيد وحفظ من التصحيف سبعة وسبعين لتقارب اللفظ بعضه من بعض، ومائة منصوبة بدل من تسعة اه من المفهم (من أحصاها دخل الجنّة وزاد همام) على ابن سيرين (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) لفظة (إنه) تعالى (وتر) أي واحد في ذاته وصفاته لا مثيل له ولا نظير وفي أفعاله لا شريك له (يحب الوتر) أي يفضل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات كجعل الصلوات خمسًا والطهارة ثلاثًا والطواف سبعًا والرمي سبعًا وأيام التشريق ثلاثة والاستنجاء ثلاثًا ونصاب الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق، وجعل كثيرًا من مخلوقاته وترًا مثل السموات والأرض والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك قاله القاضي عياض اه من الأبي.

وَزَادَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ وِترٌ. يحِبُّ الوِتْرَ". 6642 - (2656) (4) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَعَا أَحدَّكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ. وَلَا يَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإنَّ اللهَ لَا مُسْتَكرِهَ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو الجزم بالدعاء بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6642 - (2656) (4) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (قال أبو بكر: حَدَّثَنَا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا) الله تعالى (أحدكم فليعزم في الدعاء) أي فليجزم ويقطع في الدعاء أي في حصول مطلوبه، قال القاضي: أي فليجتهد ويشتد ويلح في الدعاء ولا يتراخى ولا يتكاسل عن الدعاء، ومنه {أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} معناه في الشدة والقوة، وقيل معنى العزم في الدعاء أن يُحسن الظن بالله تعالى في الإجابة اه أبي. وقيل معنى الأمر بالعزم الجِد فيه وأن يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال: (ولا يقل) في دعائه (اللهم إن شئت) الإعطاء لي (فأعطني فإن الله) سبحانه (لا مستكره له) أي لا مكره له على إعطائك، والمراد أن الَّذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلَّا برضاه، وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة. وعبارة القرطبي قوله: (فليعزم في الدعاء) أي ليجزم في طلبته وليحقق رغبته ويُتْقِن الإجابة فإذا فعل ذلك دل على علمه بعظيم قدر ما يطلب من المغفرة والرحمة وعلى أنَّه مفتقر لما يطلب مضطر إليه وقد وعد الله المضطر بالإجابة بقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] قوله: (فإن الله لا مستكره له) تعليل لعدم فائدة تقييد الدعاء بالمشيئة لأن الله تعالى لا يضطره إلى فعل شيء دعاء ولا غيره بل يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء

6643 - (2657) (5) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ. وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ. فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذلك قيد الله تعالى الإجابة بالمشيئة في قوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنَّ شَاءَ} [الأنعام: 41] فلا معنى لاشتراط مشيئته فيما هذا سبيله فأما اشتراطها في الأيمان فقد تقدم القول فيه اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الدعوات باب ليعزم المسألة لا مكره له [6339] وفي التوحيد باب في المشيئة والإرادة وما تشاؤون إلَّا أن يشاء الله [7464]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6643 - (2657) (5) (حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا أحدكم) ربه عز وجل (فلا يقل) في دعائه المغفرة (اللهم اغفر لي إن شئت) أن تغفر لي (ولكن ليعزم المسألة) ويجزمها ولا يعلقها بالمشيئة (وليعظّم الرغبة) أي وليشدّد الرغبة والرجاء في قبول دعائه أو المعنى وليجعل رغبته في أمور عظيمة وحوائج كثيرة (فإن الله) سبحانه (لا يتعاظمه شيء أعطاه) لداعيه أي لا يكون عظيمًا صعبًا عليه فإنه إنما يقول: كن فيكون. قال القرطبي: قوله: (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت) إنما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا القول لأنه يدل على فتور الرغبة وقلة التهمُّم بالمطلوب وكان هذا القول يتضمن أن هذا المطلوب إن حصل وإلا استغنى عنه ومن كان هذا حاله لم يحقق من حاله الافتقار والاضطرار الَّذي هو روح عبادة الدعاء وكان ذلك دليلًا على

6644 - (00) (00) (حدَّثنا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذُبَابِ)، عَنْ عَطَاءِ بنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: اللهم اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئتَ. لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ. فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ، لَا مُكْرِهَ لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قلة اكتراثه بذنوبه وبرحمة ربه وأيضًا فإنه لا يكون موقنًا بالإجابة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" رواه الترمذي [3474] اه مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 243]، والبخاري في الدعوات [6339] وفي التوحيد [7477]، وأبو داود في الصلاة باب الدعاء [1483]، والترمذي في الدعوات [3492]، والنسائي في عمل اليوم والليلة [582]، وابن ماجة [3899]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6644 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي المدني ثم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا الحارث وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ذباب) عبد الله بن سعد الدوسي المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عطاء بن ميناء) يُمد وُيقصر المدني أو البصري، صدوق، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء بن ميناء لعبد الرحمن بن يعقوب الجهمي (قال) أبو هريرة: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت) أن تغفر لي (اللهم ارحمني إن شئت) أن ترحمني فـ (ليعزم) أي فليجزم أحدكم (في الدعاء) ولا يعلق بنحو المشيئة (فإن الله) عز وجل (صانع) أي فاعل (ما شاء) من أفعاله وقضائه في خلقه (لا مكره له) على شيء من أفعاله من القبض والبسط والمنع والعطاء فهو الفاعل المختار لما يشاء في خلقه، قال النووي: عزم المسألة الشدة في طلبها والجزم من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها، ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة اه.

6645 - (2658) (6) حدّثنا زُهَيرُ بنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ)، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيرًا لِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو كراهة تمني الموت بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6645 - (2658) (6) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت) أي لا يطمعن أحدكم حصول الموت له (لضر نزل به) أي لأجل ضرر نزل ووقع به من مرض أو آفة أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا كالتعذيب في السجن، والتمني طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر وفيه التصريح بكراهة تمني الموت (فإن كان) الشأن (لا بد) ولا غنى له من أن يكون (متمنيًا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) قال ابن مالك: إنما نهى عن تمني الموت لأنه يدل على عدم رضاه بما نزل به من الله من مشاق الدنيا، وأما إذا تمنى الموت لأجل الخوف على دينه لفساد الزمان فلا كراهة فيه كما جاء في الدعاء "وإذا أردت في قوم فتنة فتوفني غير مفتون" اه، وفي المشكاة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب" قال في المرقاة: أي يسترضي يعني بطلب رضاء الله بالتوبة، قال القاضي: الاستعتاب طلب العتبى وهو الإرضاء، وقيل هو الإرضاء اه من الدهني قوله: (لضر نزل به) حمله جماعة من السلف على الدنيوي فإن وُجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي ويدل عليه حديث معاذ رضي الله عنه الَّذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة وفيه "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون" وعلى هذا يحمل ما رُوي عن بعض الصحابة في دعاء الوفاة، وفي الموطأ عن عمر رضي الله عنه قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفر. وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس

6646 - (00) (00) حدّثنا ابْنُ أَبِي خَلَفِ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي زهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّاد، (يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ)، كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيُّ صَلَى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الغفاري أنَّه قال: يا طاعون خذني، فقال له عليم الكندي: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتمنين أحدكم الموت" فقال سمعته يقول: "بادروا بالموت ستًا إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم .. "الحديث ذكره الحافظ في فتح الباري [10/ 128] وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى" فلا يعارض هذا النهي لأن هذه الحالة من خصائص الأنبياء عليهم السلام أنَّه لا يُقبض حتَّى يُخيَّر بين البقاء في الدنيا وبين الموت والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المرضى باب تمني المريض الموت [5671]، وفي الدعوات باب الدعاء بالموت والحياة [6351] وفي التمني باب ما يكره من التمني [7233]، وأبو داود في الجنائز باب كراهية تمني الموت [3108 و 3109]، والترمذي في الجنائز باب في النهي عن تمني الموت [971]، والنسائي في الجنائز باب تمني الموت [1820 و 1821] وباب الدعاء بالموت [1822]، وابن ماجة في الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له [4319]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6646 - (00) (00) حَدَّثَنَا) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابًا (حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابًا (حَدَّثَنَا شعبة ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم الصفار الأنصاري البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (15) بابًا (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن سلمة) الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (كلاهما) أي كل من شعبة وحماد بن سلمة رويا (عن ثابت عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لعبد العزيز، وساق ثابت (بمثله) أي بمثل حديث عبد العزيز بن صهيب (غير أنَّه) أي لكن أن ثابتًا (قال) في روايته لفظة (من ضر أصابه) أي ناله.

6647 - (00) (00) حدّثني حَامِدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ النَّضْرِ ابْنِ أَنَسِ، وَأَنَسَ يَؤمَئِذٍ حَيٌّ، قَالَ أَنَسٌ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ" لَتَمَنَّيْتُهُ. 6648 - (2659) (7) حدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ. قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابِ وَقَدِ اكتَوى سَبْعَ كَيَّاتِ في بَطْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المتابعة ثانيًا فقال: 6647 - (00) (00) (حدثني حامد بن عمر) بن جعفر الثقفي البكراوي البصري، ثقة، من (10) (حَدَّثَنَا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (حَدَّثَنَا عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابًا (عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (وأنس) بن مالك أي والحال أن والده أنس بن مالك (يومئذٍ) أي يوم إذ روى لعاصم (حي) والمعنى أن النضر حدَّث به لعاصم في حياة أبيه أنس. قال النضر: (قال) والدي (أنس) بن مالك رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة النضر بن أنس لعبد العزيز بن صهيب (لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت لتمنيته) أي لتمنيت أنا الموت لكثرة الفتن وفساد الزمان. ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث خباب بن الأرت رضي الله عنهما فقال: 6648 - (2659) (7) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الله بن إِدْرِيسَ) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (قال) قيس: (دخلنا على خباب) بن الأرت بتشديد التاء ابن جندلة بن سعد التميمي حليف بني زهرة أبي عبد الله الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه كان من السابقين، وأحد من عُذّب في الإسلام. وهذا السند من خماسياته (و) الحال أن خبابًا (قد اكتوى) وحرق (سبع كيات) أي سبع حرقات (في بطنه) بقصد

فَقَالَ: لَوْ مَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ التداوي من مرضه (فقال) خباب لمن عنده (لوما) هو بمعنى لولا الامتناعية فهي موضوعة للدلالة على امتناع الشيء لوجود غيره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) أي بالموت على نفسي لكثرة الفتن وتدارك المحن، وجملة أن المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبًا لقيام جواب لوما مقامه واللام في قوله لدعوت رابطة لجواب لوما والتقدير لولا نهي رسول الله إيانا عن الدعاء بالموت موجود لدعوت على نفسي بالموت. قوله: (قد اكتوى في بطنه سبع كيات) وذاك لمرض أصابه، وقد مر الكلام على المكي في كتاب الطب قوله: (لدعوت به) أي بالموت على نفسي، وفي رواية حارثة بن مضرب عند الترمذي قال: دخلت على خباب وقد اكتوى في بطنه فقال: ما أعلم أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت، لقد كنت وما أجد درهمًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي ناحية من بيتي الآن أربعون ألفًا ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أو نهى أن نتمنى الموت لتمنيت. ويبدو من ظاهر هذه الألفاظ أن خبابًا رضي الله عنه همَّ بتمني الموت من شدة البلايا التي أصابته والأمر ليس كذلك وإنما هَمَّ بذلك لأنه قد فاض عليه المال في آخر حياته فخشي أن يكون ذلك ثوابًا معجلًا له في الدنيا على ما تحمله من الشدائد فينتقص أجره بذلك في الآخرة ويتضح ذلك بما أخرجه البخاري في المَرْضَى عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التراب يعني به بناء المساكن ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. وإلى ذلك وقع الإشارة في قوله في رواية الترمذي: وفي ناحية بيتي أربعون ألفًا. ويؤيده حديثه الآخر: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئًا منهم مصعب بن عمير أخرجه البخاري في الجنائز والمغازي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث خباب رضي الله عنه فقال:

6649 - (00) (00) حدَّثناه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ وَوَكِيعٌ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَيحْيَى بنُ حَبِيبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6650 - (2660) (8) حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنٍ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6649 - (00) (00) (حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا سفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد) بن قرط الضبي الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (ويحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (قالا: حَدَّثَنَا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي كلهم) أي كل من هؤلاء الستة المذكورين يعني سفيان وجريرًا ووكيعًا وعبد الله بن نمير ومعتمر بن سليمان وأبا أسامة رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي (بهذا الإسناد) يعني عن قيس بن أبي حازم عن خباب، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الستة لعبد الله بن إدريس". ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث خباب بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6650 - (2660) (8) (حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (قال) همام: (هذا) الحديث الَّذي أمليه عليكم (ما حَدَّثَنَا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم) أيها المؤمنون (الموت) بقلبه

وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ. وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلَّا خَيرًا". 6651 - (2661) (9) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامْ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ولا يدع به) أي بالموت على نفسه بلسانه (من قبل أن يأتيه) الموت ويحل عليه أجله (إنه) أي إن الشأن والحال (إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه) أي بيان الشأن والحال إلا يزيد المؤمن عمره) أي حياته (إلا خيرًا) لأن أعماله الحسنة تتزايد بطول عمره. قوله: (ولا يدع به) قال ابن ملك: قوله: لا يدع في أكثر النسخ بحذف الواو على أنَّه نهي، قال الزين: وجه صحة عطفه على النفي من حيث إنه بمعنى النهي، وقال ابن حجر: فيه إيماء إلى أن الأول نهي على بابه ويكون قد جمع بين لغتي حذف حرف العلة وإثباته اه مرقاة، قوله: (إنه إذا مات أحدكم) بكسر الهمزة والضمير للشأن وهو استئناف فيه معنى التعليل اه مرقاة، قوله (انقطع عمله) هكذا هو في بعض النسخ عمله، وفي كثير منها (أمله) وكلاهما صحيح، لكن الأول أجود وهو المتكرر في الأحاديث والله أعلم اه نووي، قوله: (انقطع عمله) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه والله أعلم اه دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المرضى باب تمني المريض الموت [5673]، والنسائي في الجنائز باب تمني الموت [1818 و 1819]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو من أحب لقاء الله .. إلخ بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: 6651 - (2661) (9) (حَدَّثَنَا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى بن دينار العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابًا (حَدَّثَنَا قتادة عن أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي أبي الوليد المدني، الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله) تعالى عند النزع عندما

أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ". 6652 - (00) (00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يرى مقعده في الجنّة (أحب الله لقاءه) ويبشره بجزيل عطائه وكرامته (ومن كره لقاء الله) يعني عند الغرغرة عندما يرى مقعده من النار (كره الله لقاءه) يعني يبعده عن رحمته ويطرده عن دار كرامته ويجعله في سواء الجحيم، والمراد بمحبة المؤمن لقاء الله محبته عند المصير إلى الدار الآخرة بمعنى أن المؤمن عند الغرغرة يبشر برضوان الله فيكون موته أحب إليه من حياته والمراد بمحبة الله لقاءه إفاضته عليه فضله وإحسانه، والمراد بكراهة الشخص لقاء الله حبه حياته لما يرى مآله في العذاب حينئذٍ، والمراد بكراهته تعالى إبعاده عن عز حضوره وإبعاده عن رحمته اه دهني والله أعلم. وقال ابن الأثير في النهاية: والمراد بلقاء الله هنا المصير إلى دار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلا يكرهه. [قلت]: وسيأتي تفسير الحديث بذلك صريحًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الآتي بعد هذا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه [6507]، والترمذي في الجنائز باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله .. إلخ [1066] والنسائي في الجنائز باب فيمن أحب لقاء الله [1836 و 1837]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6652 - (00) (00) حَدَّثَنَا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك يحدّث عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لهمام بن يحيى وساق شعبة (مثله) أي مثل حديث همام بن يحيى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبادة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

6653 - (2662) (10) حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيمِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَق كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ! فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؛ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتِ. فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 6653 - (2662) (10) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله الرزي) منسوب إلى الرز الَّذي يؤكل المعروف من الأقوات المدخرة (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم (الهجيمي) البصري (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة عن زرارة) بن أوفى العامري الحرشي البصري، قاضيها، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب، وليس في مسلم من اسمه زرارة إلَّا هذا الثقة (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب، استشهد بأرض الهند (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قالت) عائشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله) عند الغرغرة (أحب الله لقاءه) أي بشره بالجنّة (ومن كره لقاء الله) وقتئذٍ (كره الله لقاءه) قال النووي: هذا الحديث يفسر آخره أوله ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحب لقاء الله ومن كره لقاء الله، ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها فحينئذٍ يُبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد له ويكشف له عن ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء، والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم والله أعلم اه منه. قالت عائشة: (فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا نبي الله أ) تريد بتلك (لكراهية الموت) في حالة الصحة (فـ) إذًا (كُلنا نكره الموت) في حالة الصحة هذا التفسير على رواية النصب، ويجوز الرفع فيه أيضًا على أنَّه مبتدأ خبره محذوف تقديره هل كراهية الموت هي المرادة بكراهة لقاء الله فإذًا كلنا يكره الموت. قال القاضي: فهمت عائشة رضي الله تعالى عنها أن هذا خبر عما يكون من الأمرين في حالة الصحة، فقالت: كلنا نكره الموت (فقال) لها رسول الله صلى

"لَيسَ كَذَلِكِ. وَلَكِن الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ. وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَاب اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ". 6654 - (00) (00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم: (ليس) المعنى (كذلك) أي كما فهمت من أن معنى كراهة لقاء الله هو كراهة الموت في حال الصحة، وانما أخبرت عما يكون من ذلك عند النزع وفي وقت لا تقبل فيه التوبة فإن الله تعالى يكشف له عن كل ما يصير إليه، فأهل السعادة يرون ما يحبون فيحبون لقاء الله تعالى ليصلوا إلى ما رأوا فيحب الله لقاءهم أي يجزل لهم العطاء والكرامة وهو معنى محبته لقاءهم، وأهل الشقاء يرون ما يسوءهم فيكرهون لقاء الله لما يستيقنونه من عذابه فيكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وهو معنى كراهة الله لقاءهم وإلا لو كره الله سبحانه لقاءهم أي موتهم لم يموتوا وليس معنى الحديث أن سبب محبة الله تعالى لقاءهم محبتهم لقاءه ولا أن سبب كراهة الله لقاءهم كراهتهم لقاءه بل ذلك حالهم وصفتهم حينئذٍ، فمن خبرية أي موصولة لا شرطية اه من الأبي. (ولكن) المعنى أن (المومن إذا بُشر برحمة الله ورضوانه وجنته) وقت الفزع والغرغرة (أحب) ذلك المؤمن (لقاء الله) تعالى لما يراه من مقعده في الجنّة (فأحب الله لقاءه) أي لقاء ذلك المؤمن (وإن الكافر إذا بُشر) وأخبر (بعذاب الله) المعدّ له واستيقنه برؤية مقعده من النار (و) عرف ب (سخطه) أي بسخط الله وغضبه عليه برؤية مقعده من النار (كره لقاء الله) تعالى بالموت (وكره الله) سبحانه (لقاءه) أي لقاء ذلك الكافر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه تعليقًا في الرقاق باب من أحب لقاء الله، والترمذي في الجنائز باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله تعالى .. إلخ [1067]، والنسائي في الجنائز باب فيمن أحب لقاء الله [1838]، وابن ماجة في الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له [8/ 43]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6654 - (00) (00) (حدثناه محمد بن بشار حَدَّثَنَا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي

عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6655 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيحِ بنِ هَانِئ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ". 6656 - (00) (00) حدَّثناه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ عروبة (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن زرارة عن سعد عن عائشة، كرضه بيان متابعة محمد بن بكر لخالد بن الحارث الهجيمي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6655 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابًا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابًا (عن شريح بن هانئ) بن يزيد المذحجي اليمني أبي المقدام الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شريح بن هانئ لسعد بن هشام (قالت) عائشة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) زيد في هذه الرواية قولها (والموت قبل لقاء الله) والظاهر أنَّه زيادة من كلام عائشة استنبطتها من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث، والحاصل أن لقاء الله شيء يقع بعد الموت فلا يستلزم كراهة الموت كراهة لقاء الله تعالى والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6656 - (00) (00) (حدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا زكرياء) بن أبي زائدة (عن عامر) بن

حَدَّثَنِي شُرَيحُ بْنُ هَانِئٍ؛ أَن عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِمِثْلِهِ. 6657 - (2663) (1 1) حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيحٍ بنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ". قَالَ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤمِنِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَذكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا. إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا. فَقَالَت: إِنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه ـــــــــــــــــــــــــــــ شراحيل الشعبي (حدثني شريح بن هانئ أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الحديث، غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لعلي بن مسهر، وساق عيسى (بمثله) أي بمثل حديث علي بن مسهر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عبادة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6657 - (2663) (11) (حَدَّثَنَا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي مصغرًا أبو زبيد مصغرًا الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري الحرشي البصري، تابعي، ثقة عابد، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن عامر) الشعبي (عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال) شريح بن هانئ: (فأتيت عائشة فقلت) لها: (يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر) ويحدّث (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا) لم أسمعه من غيره (إن كان) الأمر كذلك) أي مثل ما ذكره أبو هريرة في ذلك الحديث (فقد هلكنا فقالت) عائشة: نعم (إن الهالك) في الحقيقة هو (من هلك بـ) مقتضى (قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك) الحديث، فقلت لها: (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ" وَلَيسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ. فَقَالَتْ: قَد قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَلَكنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ، وَحَشرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ، وَتَشَنَّجَتِ الأَصَابِعُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ، مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه و) الحال أنَّه (ليس منا أحد إلَّا وهو يكره الموت) وجملة ليس جملة حالية من كلام شريح بن هانئ (فقالت) عائشة في جواب سؤال شريح نعم (قد قاله) أي قد قال هذا الحديث (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) لكن (ليس) معنى هذا الحديث (بـ) المعنى (الَّذي) أنت تظنه و (تذهب) أي تميل (إليه) وتفهم منه أي ليس المراد كراهة الإنسان الموت حال الصحة بل كراهته حال الاحتضار والله أعلم (ولكن) معناه المراد كراهة الموت (إذا شخص) وارتفع البصر من الإنسان تابعًا لروحه عند خروجها ونزعها، وقوله إذا شخص البصر بفتح الشين والخاء المعجمتين من باب فتح من الشخوص وهو ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر إلى أعلى اه سنوسي، وفي المصباح: يقال شخص الرجل بصره يشخص بفتحتين فيهما إذا فتح عينيه لا يطرف (وحشرج الصدر) أي غرغر الصدر وصوّت بتردد النفس فيه، قال القاضي: حشرجة الصدر تردد النفس فيه خروجًا اهـ أبي، وفي القاموس: يقال: حشرج المريض إذا غرغر عند الموت وردد النفس (واقشعر الجلد) منه أي تقلص وقام شعره (وتشنجت الأصابع) منه أي انقبضت ويبست (فعند ذلك) المذكور من الصفات التي حدثت لجسمه والظرف متعلق بقوله: (من أحب لقاء الله) أي من أحب لقاء الله تعالى عندما حلت به هذه الصفات (أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله) عندما نزلت به هذه الصفات كره الله لقاءه) ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها فحينئذٍ يُبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أًعد له وُيكشف له عن ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أُعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء. وقال الحافظ في الفتح [11/ 360] وفيه أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لأنها ممكنة مع عدم تمني الموت كان تكون المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره وأن النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة

6658 - (00) (00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنِي جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَبثَرٍ. 6659 - (2664) (12) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المستمرة، وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الجنائز باب فيمن أحب لقاء الله [1823] اه تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6658 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرني جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن مطرف) بن عبد الله، غرضه بيان متابعة جرير لعبثر بن القاسم، وساق جرير بهذا الإسناد يعني عن عامر عن شريح عن أبي هريرة (نحو حديث عبثر) أي قريبه في اللفظ والمعنى والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبادة بن الصامت بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال: 6659 - (2664) (12) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عامر) عبد الله بن براد بن يوسف بن أبي بردة (الأشعري) الكوفي (وأبو غريب) محمد بن العلاء (قالوا: حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) قد تقدم ما فيه من البحث مرارًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب من أحب لقاء الله ... إلخ [6508].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر حديثًا: الأول: حديث أبي هريرة الأولُ ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أنس ذكره للاستدلال على الجزء الثالث من الترجمة، والخامس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث خباب بن الأرت ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والحادي عشر: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. * * * * *

737 - (2) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، وكراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا، وفضل مجالس الذكر وكثر ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل التهليل والتسبيح

737 - (2) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، وكراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا، وفضل مجالس الذكر وكثر ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل التهليل والتسبيح 6660 - (2665) (13) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبِ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 737 - (2) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، وكراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا، وفضل مجالس الذكر وكثر ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل التهليل والتسبيح ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو فضل الذكر والدعاء بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6660 - (2665) (13) (حَدَّثَنَا أبو غريب محمد بن العلاء حَدَّثَنَا وكيع عن جعفر بن برتان) الكلابي مولاهم الجزري، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية أبي عوف البكائي الكوفي، نزل الرقة، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني). قوله: (أنا عند ظن عبدي بي) قيل: معناه ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن قبول الأعمال عند فعلها على شروطها تمسكًا بصادق وعده وجزيل فضله .. إلخ ما مر. قوله: (وأنا معه إذا دعاني) أي معه بالإجابة والقبول بمقتضى وعده. وهذا الحديث قد تقدم ذكره قريبًا في أول كتاب الذكر وشاركه فيه البخاري والترمذي كما مر هناك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

6661 - (00) (00) (حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بنِ عُثمَانَ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ)، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، (وَهُوَ التَّيْمِيُّ)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، - أَوْ بُوعًا -، وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". 6662 - (00) (00) (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: "إِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6661 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن بشار بن عثمان العبدي) البصري (حَدَّثَنَا يحيى يعني ابن سعيد) بن فروخ التميمي البصري القطان (و) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب، كلاهما رويا (عن سليمان) بن طرخان (وهو التيمي) البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابًا (عن أنس بن مالك عن أبي هريرة) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أنس بن مالك ليزيد بن الأصم، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: إذا تقرب عبدي مني شبرًا تقربت منه ذراعًا وإذا تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا أو) قال الراوي أو من بعده (بوعًا) بضم الياء، قال النووي: الباع والبوع بضم الباء والبَوْع بفتحها كلُّه بمعنى وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه وعَرْضُ صدره، قال الباجي: وهو قدر أربع أذرع، ورد الحافظ في الفتح [13/ 514] أن البوع بمعنى الباع وذكر أنَّه إما جمع للباع وإما مصدر باع يبوع والله أعلم (وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) أي إتيانة هرولة أي مبادرة وهذا كله كناية عن مضاعفة قربه كما مر. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6662 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الأعلى القيسي) الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا معتمر) بن سليمان التيمي البصري، ثقة، من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي، غرضه بيان متابعة معتمر ليحيى القطان وابن أبي عدي (بهذا الإسناد) يعني عن أنس بن مالك عن أبي هريرة (و) لكن (لم يذكر) معتمر لفظة (إذا أتاني يمشي أتيته هرولة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال:

6663 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ)، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي. وَأَنا مَعَهُ حِينَ يَذكُرُني، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ في مَلإِ خَيْرٌ مِنْهُ. وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا، وَإِنِ أقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَاني يَمْشِي أَتَيتُهُ هَرْوَلَةً". 6664 - (2666) (14) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6663 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لمن روى عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي وأنا معه حين يذكرني) ومعية الرب مع عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيّفها ولا نمثلها ولا نعطلها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (فإن ذكرني في نفسه) سرًا أو خاليًا منفردًا عن الناس (ذكرته في نفسي) بما أعد له من قرة أعين مما لم يطلع عليه أحد من خلقي (وإن ذكرني في ملأ) من الناس (ذكرته في ملأ خير منه) أي من ملئه وهم الملائكة (وإن اقترب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن اقترب إليّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) تقدم ما في هذا الحديث من المباحث في أوائل كتاب الذكر فراجعه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي ذر رضي الله عنهما فقال: 6664 - (2666) (14) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا وكيع حَدَّثَنَا الأعمش عن المعرور بن سويد) الأسدي أبي أمية الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري المدني الربذي رضي النِّه عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو ذر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة) الواحدة

فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ منِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا. وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَة لَا يُشرِكُ بِي شَيئًا، لَقِيْتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بالفعلة الواحدة من الخير (فله عشر أمثالها) بوعد مني لا يُخلف لكل أحد (وأزيد) على ذلك لمن أشاء بمقتضى فضلي وكرمي إلى سبعمائة وإلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلَّا أنا، قال النووي: ومعنى هذا الكلام أن التضعيف بعشرة أمثالها لا بد منه بفضل الله ورحمته ووعده الَّذي لا يخلف، والزيادة بعد بكثرة التضعيف إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة يحصل لبعض الناس دون بعض على حسب مشيئته سبحانه وتعالى اه. وفي المرقاة: قوله: (وأزيد) أي لمن أُريد الزيادة له من أهل السعادة على عشر أمثالها إلى سبعمائة وإلى مائة ألف هالى أضعاف كثيرة، وأما معنى الواو في قوله (وأزيد) فمطلق الجمع إن أريد بالزيادة الرؤية كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وإن أُريد بها الإضعاف فالواو بمعنى أو التنويعية كما هي في قوله: (أو أغفر) والأظهر ما قاله ابن حجر من أن العشر والزيادة يمكن اجتماعهما بخلاف جزاء مثل السيئة ومغفرتها لا يمكن اجتماعهما فوجب ذكر أو الدال على أن الواقع أحدهما فقط اه دهني. (ومن جاء بالسيئة) أي بالفعلة الواحدة السيئة (فجزاؤه) أي فجزاء ذلك الجاني بها (سيئة مثلها) أي عقوبة واحدة مماثلة لسيئته على مقتضى عدلي ووعيدي (أو أغفر) له تلك السيئة على مقتضى فضلي وسعة رحمتي فلا أجازيه عليها (ومن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه) أي إليه (باعًا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) أي سعيًا وجريًا (ومن لقيني بقُراب الأرض) بضم القاف على المشهور وهو ما يقارب ملأها، وحُكي كسر القاف، قال القاضي: قُراب الأرض ملؤها أو ما يقارب ملأها وقراب كل شيء قربه بضم القاف وقيل: يقال بالكسر أيضًا وهو إخبار عن سعة عفوه تعالى اه من الأبي، وقوله: (خطيئة) تمييز لقراب منصوب به أي أتاني بقدر ما يملأ الأرض خطيئة وسيئة حالة كونه (لا يُشرك بي شيئًا) من المخلوق (لقيته بمثلها) أي بمثل ملء الأرض (مغفرة) بمقتضى فضلي وكرمي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الآداب باب فضل العمل [3866].

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. بِهَذَا الْحَدِيثِ. 6665 - (00) (00) حدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا أَوْ أَزِيدُ". 6666 - (2667) (15) حدّثنا أَبُو الْخَطَّابِ، زَيادُ بْنُ يَحْيَى الْحَسَّانِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو أحمد محمد بن عيسى النيسابوري الجلودي (قال) لنا أبو إسحاق (إبراهيم) بن محمد بن سفيان النيسابوري تلميذ الإمام مسلم وراوية جامعه وأستاذ الجلودي (حَدَّثَنَا الحسن بن بشر) السلمي قاضي نيسابور، صدوق، من (11) مات سنة (244) لم يصح أن مسلمًا روى عنه، وإنما روى عنه تلميذه أبو إسحاق بن سفيان الراوي عن مسلم في مواضع علا فيها إسناده في الطلاق والوصايا والإمارة والذكر وغيرها اه تقريب (حَدَّثَنَا وكيع بهذا الحديث) المذكور، غرضه بيان متابعة الحسن بن بشر لأبي بكر بن أبي شيبة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال: 6665 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو غريب حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش بهدا الإسناد) يعني عن المعرور بن سويد عن أبي ذر، كرضه بيان متابعة أبي معاوية لوكيع بن الجراح، وساق أبو معاوية (نحوه) أي نحو حديث وكيع (غير أنَّه) أي لكن أن أبا معاوية (قال) في روايته لفظة (فله عشر أمثالها أو أزيد) بلفظ أو بزيادة الهمزة على الواو وهي بمعنى الواو التي لمطلق الجمع. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6666 - (2667) (15) (حَدَّثَنَا أبو الخطاب زياد بن يحيى) بن زياد بن حسان النُكْري بضم النون وسكون الكاف نسبة إلى نكرة بطن من بطون العرب (الحساني) نسبة إلى الجد المذكور العدني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن حميد) الطويل بن أبي حميد تير مولى طلحة الطلحات البصري، ثقة، من

عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؛ لا قَالَ: نَعَمْ. كُتتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ في الآخِرَةِ، فَعَجّلْهُ لِي في الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سُبْحَانَ اللهِ! لَا تُطِيقُهُ -أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ- ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) روى عنه في (14) بابًا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابًا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد) أي زار (رجلًا من المسلمين) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسمه، ووقع في مسند أبي يعلى أنَّه من الأنصار (قد خفت) بفتحات أي ضعف وصار مهزولًا وأصل الخفوت السكون والموت والهزال أو انقطع كلامه أو مات (فصار) ذلك الرجل لشدة مرضه (مثل الفرخ) بسكون الراء أي مثل ولد الدجاج، قال في المصباح: الفرخ من كل بائض كالولد من الإنسان، وعبارة القرطبي قوله: (قد خفت حتَّى صار مثل الفرخ) أي ضعف ونحل في جسمه وخفي كلامه وتشبيهه له بالفرخ يدل على أنَّه تناثر أكثر شعره، ويحتمل أنَّه شبهه به لضعفه، والأول أوقع في التشبيه ومعلوم أن مثل هذا المرض لا يبقى معه شعر ولا قوة (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كنت تدعو) الله (بشيء أو) قال له: هل كنت (تسأله) أي تسأل الله (إياه) أي شيئًا من الحوائج، بالشك من الراوي (قال) الرجل: (نعم كنت) أدعوه تعالى و (أقول) في دعائه: (اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله) أي تنزيهًا لله عن كل ما لا يليق، تعجبًا من دعاء الرجل تعجيل عذاب الآخرة عليه (لا تطيقه) أي لا تطيق عذاب الآخرة الآن في الدنيا (أو) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستطيعه) أي لا تستطيع عذاب الآخرة الآن في الدنيا، بالشك من الراوي؛ يعني أن عذاب الآخرة لا يطيقه أحد في الدنيا لأن نشأة الدنيا ضعيفة لا تحتمل العذاب الشديد والألم العظيم بل إذا عظم عليه ذلك هلك ومات فأما نشأة الآخرة فهي للبقاء إما في نعيم أو في عذاب إذ لا موت كما قال تعالى في حق الكفار: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56] فنسأل الله تعالى العافية منه في الدنيا والآخرة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أحسن ما

أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةَ وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؟ " قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ. 6667 - (00) (00) حدَّثناه عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ. بِهَذَا الإِسْنَادِ. إِلَى قَوْلِهِ: "وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" وَلَمْ يَذكُرِ الزِّيَادَةَ. 6668 - (00) (00) وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال وهو قوله: اللهم آتنا في الدنيا حسنة حيث قال له: تقول ذلك؟ ! (أفلا قلت) أي فهلا قلت (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، قال) أنس: (فدعا الله له) رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشفاء (فشفاه) الله تعالى، ودل الحديث على أنَّه لا ينبغي للعبد أن يطلب لنفسه البلاء سواء كان لتعجيله في الدنيا حذرًا عن إصابته في الآخرة لأن البشر ضعيف لا يطيق البلايا فربما يضعف عن تحملها ويقع في كفران النعمة والجزع وعدم الصبر أعاذنا الله تعالى منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 107]، والترمذي في الدعوات باب ما جاء في التسبيح [3483]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6667 - (00) (00) (حدثناه عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) أبو عمرو البصري، وقيل: هو عاصم بن محمد بن النضر، ثقة، من (15) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابًا (حَدَّثَنَا حصيد) الطويل (بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أنس، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة خالد بن الحارث لابن أبي عدي، روى خالد هذا الحديث (إلى قوله) أي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم (وقنا عذاب النار، ولم يذكر) خالد (الزيادة) أي ما بعده يعني قوله: (قال) أنس: (فدعا الله له فشفاه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6668 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم بن عبد الله

حَدَّثَنَا حَمَّاد. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُهُ. وَقَدَّ صَارَ كَالْفَرْخِ، بِمَغنَى حَدِيثِ حُمَيدٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا طَاقَةَ لَكَ بِعَذَابِ اللهِ" وَلَمْ يَذْكُرْ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ. فَشَفَاهُ. 6669 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نوحٍ الْعَطَّارُ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري الصفّار البصري، ثقة، من كبار (15) روى عنه في (15) بابًا (حَدَّثَنَا حماد) بن سلمة بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (أخبرنا ثابت) بن أسلم (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد لحميد الطويل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من أصحابه) حالة كونه (يعوده) من مرضه (وقد صار) أي والحال أنَّه قد صار ذلك الرجل (كالفرخ) أي كفرخ الدجاج لشدة المرض به، وساق حماد (بمعنى حديث حميد غير أنَّه) أي لكن أن حمادًا (قال) في روايته لفظة (لا طاقة لك) أيها الرجل اليوم في الدنيا (بعذاب الله) في الآخرة لأن جسم الدنيا ضعيف خُلق للفناء بخلاف جسم الآخرة (ولم يذكر) حماد قول أنس لفظة (فدعا الله له) رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاء (فشفاه) الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 6669 - (0) (00) (حَدَّثَنَا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حَدَّثَنَا سالم بن نوح) بن أبي عطاء (العطار) أبو سعيد البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة (عن أنى) بن مالك رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت بن أسلم، وساق قتادة (بهذا الحديث) المذكور الَّذي ساقه ثابت عن أنس رضي الله عنه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو فضل مجالس الذكر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6670 - (2668) (16) حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بنِ مَيْمُونٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائكَةً سَيَّارَةً. فُضُلًا. يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6670 - (2668) (16) (حَدَّثَنَا محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابًا (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (14) بابًا (حَدَّثَنَا سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سداسياته (أن لله تبارك وتعالى ملائكة سيّارة) أي سائرين في أرجاء الأرض ونواحيها كما يدل على هذا المعنى رواية ابن حبان في صحيحه (سياحين في الأرض) ورواية البخاري (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم) (فضلًا) بفتح الفاء وسكون الضاد وبالنصب على أنَّه صفة لسيارة وهو رواية جمهور مشايخ الصحيحين فيهما وهو في الأصل مصدر بمعنى الفضلة والزيادة ولكن هو هنا جمع فاضل جاء على صورة المصدر كجلوس وقعود جمع جالس وقاعد فهو بمعنى فاضلين، والمعنى إن لله ملائكة سياحين زائدين على الحفظة وغيرهم من المرتبين الموظفين على أمور الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم إلَّا السياحة في الأرض وإنما مقصودهم طلب حلق الذكر. قال النووي: قوله: (فضلًا) ضبطوه على أوجه أرجحها وأشهرها في بلادنا (فضلًا) بضمتين، والثانية (فضلًا) بضم فسكون، ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب، والثالثة (فضلًا) بفتح فسكون مع النصب، قال القاضي: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم كما جرينا عليها في حلنا وهي الصواب، والرابعة (فضل) بضمتين مع الرفع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، والخامسة (فضلاء) على وزن علماء جمع فاضل قال العلماء: معناه على جميع الروايات أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر اه. (قلت): والصواب الرواية التي عليها حلنا كما قال القاضي. وقوله: (يتبعون مجالس الذكر) صفة ثالثة لملائكة أي يتتبعون ويبحثون ويفتشون

فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ. وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ. حَتَّى يَمْلَؤُوا مَا بَينَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا. فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن مواضع الذكر وحلقاته من التتبع وهو البحث والتفتيش، ورُوي (يبتغون) أي يطلبون مواضع الذكر من الابتغاء وهو الطلب (فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذكر) الله تعالى (قعدوا معهم) أي مع الذاكرين، قال الطبري: يعني مجلسًا من مجالس العلم والذكر وهي التي يذكر فيها كلام الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبار السلف الصالح وكلام الأئمة الزهاد المنزهة قلوبهم عن النقائص الرديئة، وهذه المجالس انعدمت اليوم وعوّضت بمجالس الكذب والبدع ومزامير الشيطان نعوذ بالله من حضورها ونسأل العافية من شرورها وفسادها، قال الأبي: وتندرج فيه مجالس رواية الحديث إذا خلصت فيه النية، وفي المبارق قال القاضي عياض: الذكر نوعان: ذكر بالقلب وهو التفكر في جلال الله سبحانه وتعالى وصفاته وآياته في أرضه وسمواته وفي معاني الكتب والأحاديث في اعتباراته وهذا النوع أرفع الأذكار وذكر باللسان وهو المراد من المذكورين في الحديث وليس المراد منه التهليل وما أشبهه فقط بل المراد منه كلام فيه رضاء الله تعالى كتلاوة القرآن ودعاء المؤمنين ومدارسة علوم الدين اه، قال القاضي: اختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب فقيل: تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها، وقيل: لا يكتبونه لأنه لا يطلع عليه غير الله تعالى (قلت): الصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده والله أعلم اه نووي (وحف بعضهم) أي أحاط بعض الملائكة بالذاكرين حالة كونهم (بعضًا) أي بعضهم وراء بعض أي حفوهم (بأجنحتهم حتَّى يملؤوا ما بينهم) أي ما بين الذاكرين (وبين السماء الدنيا) قال النووي: هكذا هو في كثير من نسخ بلادنا (حف) وفي بعضها: (حض) أي حث بعضهم بعضًا على الحضور والاجتماع حول الذاكرين، وحكى القاضي عن بعض رواتهم (وخط) واختاره القاضي قال: ومعناه أشار إلى بعض بالنزول ويؤيد هذه الرواية قوله بعده في البخاري (هلموا إلى حاجتكم) ويؤيد الرواية الأولى وهي (حف) قوله في البخاري (يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم) اه (فإذا تفرقوا) أي إذا تفرق الذاكرون عن مجالس ذكرهم وذهبوا (عرجوا) أي عرجت الملائكة من الأرض أي طلعوا من العالم السفلي إلى العالم العلوي (وصعدوا إلى السماء) وهذه الجملة تفسير لما قبلها

قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ. قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لَا. أَيْ رَبِّ. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ. قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لَا. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيسألهم الله عز وجل وهو) أي والحال أنَّه سبحانه (أعلم بهم) أي بشؤونهم منهم أي يقول لهم: (من أين جئتم). قوله: (فيسألهم) .. إلخ هذا السؤال من الله تعالى للملائكة هو على جهة التنبيه للملائكة على قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] وإظهار لتحقيق قوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، وهو من نحو مباهاة الله الملائكة بأهل عرفة حين قال لهم: ما أراد هؤلاء؛ انظروا إلى عبادي جاؤوا شعثًا غبرًا، أشهدكم أني قد غفرت لهم. وكذلك نص عليه في الحديث اه مفهم. (فيقولون) له: (جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبّرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك) حوائجهم (قال) الله سبحانه للملائكة: (وماذا) أي وأي شيء (يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال) الله للملائكة: (وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا) أي ما رأوا جنتك (أي رب) أي يا رب (قال) الله عز وجل: (فكيف) سؤالهم الجنّة (لو رأوا جنتي) أي سعتها وزخارفها بل يكون سؤالهم الجنّة أشد من سؤالهم لها بلا رؤية، وهذا يدل على أن للمعاينة زيادة مزية على العلم في التحقيق والوضوح فإن هؤلاء القوم المتذكرين للجنة والنار كانوا عالمين بذلك ومع ذلك فإن الله تعالى قال: فكيف لو رأوها؛ يعني لو رأوها لحصل من اليقين والتحقيق زيادة على ما عندهم، ولحصول هذه الزيادة سأل موسى الرؤية، والخليل مشاهدة إحياء الموتى اه من المفهم (قالوا) أي قالت الملائكة: (ويستجيرونك؟ ) يا رب أي يطلبون منك الإجارة والأمان من النار، وفي المرقاة هو معطوف على ويسألونك الأول وجملة السؤال الثاني وجوابه فيما بينهما معترضة (قال) الله عز وجل: (ومم) أي ومن أي شيء (يستجيرونني) أي يستعيذونني منه (قالوا) أي قالت الملائكة يستعيذونك (من نارك يا رب، قال) الله سبحانه للملائكة (وهل رأوا) أولئك العباد (ناري؟ قالوا: لا) أي ما رأوا نارك يا رب (قال) الله عز وجل:

فَكَيفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَأَعْطَيْتُهمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَا اسْتَجَارُوا. قَال: فَيَقُولُونَ: رَبِّ، فِيهِمْ فُلَانٌ. عَبْدُ خَطَّاءٌ. إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (فكيف) استعاذتهم منها (لو رأوا ناري) بل كانوا أشد استعاذة منها لو رأوها (قالوا) أي قالت الملائكة: (ويستغفرونك) يا رب أيضًا أي يطلبون منك غفران ذنوبهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيقول) الرب جل جلاله للملائكة: (قد غفرت لهم) ذنوبهم (فأعطيتهم ما سألوا) من الجنّة (وأجرتهم) أي أمنتهم (مما استجاروا) منه من النار قوله: (قال: وماذا يسألونني؟ ) زاد أبو صالح قبل ذلك في روايته عن أبي هريرة عند البخاري (قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: فكيف لو رأوني؟ قال: قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا) قوله: (فكيف لو رأوا جنتي؟ ) وزاد أبو صالح بعده (قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة) قوله: (فكيف لو رأوا ناري؟ ) زاد أبو صالح (قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة). (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيقولون) أي يقول الملائكة يا (رب فيهم) أي في أولئك القوم الذاكرين أي معهم (فلان) هو (عبد خطاء) بصيغة المبالغة أي عبد كثير الخطايا والذنوب (إنما مر) ذلك الفلان عليهم (ف) لما رآهم ذاكرين (جلس معهم) أي مع أولئك الذاكرين فليس من القوم الذاكرين، قال القرطبي: إنما استبعدت الملائكة أن يدخل هذا الخطاء مع أهل المجلس في المغفرة لأنه لم يكن عادته حضور مجالس الذكر وإنما كانت عادته ملازمة الخطايا فعرض له هذا المجلس فجلسه فدخل مع أهله فيما قُسم لهم من المغفرة والرحمة فيستفاد منه الترغيب العظيم في حضور مجالس الذكر ومجالسة العلماء والصالحين وملازمتهم اه من المفهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيقول) الرب جل جلاله للملائكة: (وله) أي ولذلك العبد الخطاء الَّذي جلس معهم (غفرت) أيضًا وإنما غفر له لأن هؤلاء الذاكرين (هم القوم) السعداء عندي فـ (لا يشقى) ولا يخيب من مغفرتي ورحمتي (بهم) أي ببركتهم (جليسهم) أي من جلس معهم في مجالس ذكرهم، قال العيني: في الحديث أن الصحبة لها تأثير عظيم وأن جلساء السعداء سعداء، وفيه التحريض على صحبة أهل الخير والصلاح اه منه، قال القرطبي:

6671 - (2669) (17) حدَّثني زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ)، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، (وَهُوَ ابْنُ صُهَيبِ)، قَالَ: سَألَ قَتَادَةُ أَنَسًا: أَيُّ دَعْوَةٍ كَانَ يَدْعُو بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ؟ قَالَ: كَانَ أكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي هذا مبالغة في إكرامهم وزيادة في إعلام مكانتهم، ألا ترى أنَّه أكرم جليسهم بنحو ما أكرموا به لأجلهم وإن لم يشفعوا فيه ولا طلبوا له شيئًا وهذه حالة شريفة ومنزلة منيفة لا خيبنا الله منهم وجعلنا من أهلها، وفي رواية أبي صالح عند البخاري (هم الجلساء لا يشقى جليسهم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الدعوات باب فضل ذكر الله تعالى [6408]، وأحمد أيضًا [2/ 358]. ودل الحديث على جواز الذكر الجماعي بشرط أن لا تدخله القيود المبتدعة وبشرط أن يكون خاليًا من الرياء والسمعة والمنكرات الأخرى كحضور النساء مع الرجال، ودل الحديث أيضًا على أن من جالس الذاكرين عامله الله تعالى بلطفه وأثابه معهم وإن لم يكن من قصده الذكر ابتداء، وفيه فضل عظيم لذكر الله تعالى سواء كان بالقلب أو باللسان أو بهما جميعًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو فضل الدعاء باللهم آتنا .. إلخ بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6671 - (2669) (17) حدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل يعني ابن علية عن عبد العزيز وهو ابن صهيب) البناني البصري (قال) عبد العزيز: (سأل قتادة أنسًا) ابن مالك رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته، فقال قتادة في سؤاله أنسًا (أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر) أي أي دعوة كان النبي صلى الله عليه - وسلم دائمًا يدعو بها أكثر من غيرها فكان إما ثانية أو زائدة أو ناقصة تنازعت مع يدعو في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم (قال) أنس في جواب سؤال قتادة (كان أكثر دعوة يدعو بها) النبي صلى الله عليه وسلم أن (يقول اللهم) ربنا (آتنا) أي أعطنا (في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا) أي احفظنا وآمنّا (عذاب النار) وإنما كانت أكثر دعوته صلى الله عليه وسلم لما فيها من الجمع بين خيرات الدنيا وخيرات الآخرة.

قَالَ: وَكَانَ أَنَسٌ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ، دَعَا بِهَا. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ، دَعَا بِهَا فِيهِ. 6672 - (00) (00) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القرطبي: وإنما كانت هذه الدعوة أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأنها من الدعوات الجوامع التي تتضمن خير الدنيا والآخرة وذلك أن حسنة نكرة في سياق الطلب فكانت عامة فكأنه قال أعطني كل حالة حسنة في الدنيا والآخرة، وقد اختلفت أقوال المفسرين في الآية اختلافًا كثيرًا يدل على عدم التوقيف وعلى قلة التأمل لموضع الكلمات فقيل الحسنة في الدنيا هي العلم والعبادة وفي الآخرة الجنّة، وقيل العاقبة والعافية، وقيل المال وحسن المآل، وقيل المرأة الصالحة والحور العين، والصحيح الحمل على العموم والله أعلم اه من المفهم. (قال) عبد العزيز: (وكان أنس) دائمًا (إذا أراد أن يدعو دعوة) أي بحاجة (دعا بها) أي بهذه الكلمات المذكورة فقط (فإذا أراد أن يدعو بدعاء) آخر غير هذه الكلمات المذكورة (دعا بها) أي بهذه الكلمات المذكورة (فيه) أي في ذلك الدعاء الآخر أي معه والمعنى إذا أراد أنس أن يدعو بحاجة من حوائجه دعا بهذه الكلمات وإذا أراد أن يدعو بدعاء آخر دعا بها أي ذكر هذه الكلمات فيه أي مع ذلك الدعاء الآخر فلا يترك هذه الكلمات في أي دعاء سواء اقتصر عليها أو ذكرها مع دعاء آخر فهو مواظب على الدعاء بها. وشارك المؤلف في هذا الحديث أحمد [3/ 208]، والبخاري في الدعوات [6389] وفي غيرها، وأبو داود في الصلاة باب الاستغفار [1519]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6672 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حَدَّثَنَا شعبة عن ثابت عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لعبد العزيز (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) دائمًا (يقول): اللهم (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).

6673 - (2670) (18) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: إنما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة، قال: والحسنة عندهم هاهنا النعمة فسأل نعيم الدنيا والآخرة والوقاية من العذاب نسأل الله تعالى أن يمن علينا بذلك ودوامه، وقال الحافظ بن حجر في الفتح [11/ 192] قد اختلفت عبارات السلف في تفسير الحسنة فعن الحسن قال: هي العلم والعبادة في الدنيا أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح وعنه بسند ضعيف الرزق الطيب والعلم النافع وفي الآخرة الحسنة وتفسير الحسنة في الآخرة بالجنّة نقله ابن أبي حاتم أيضًا عن السدي ومجاهد وإسماعيل بن أبي خالد ومقاتل بن حيان، وعن ابن الزبير يعملون في دنياهم لدنياهم وآخرتهم، وعن قتادة هي العافية في الدنيا والآخرة، وعن محمد بن كعب القرظي الزوجة الصالحة من الحسنات، ونقل الثعلبي عن السدي ومقاتل: حسنة الدنيا الرزق الحلال الواسع والعمل الصالح وحسنة الآخرة المغفرة والثواب، وقال الشيخ عماد الدين بن كثير: الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار واسعة وزوجة صالحة وولد بار ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنيء وثناء جميل إلى غير ذلك مما شملته عباراتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا وأما الحسنة في الآخرة فأعلاها دخول الجنّة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة اه منه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو فضل التهليل والتسبيح وغيرهما بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6673 - (2670) (18) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن سمي) مصغرًا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب، وليس من اسمه سمي في مسلم إلَّا هذا الثقة (عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك

وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ، مِائَةَ مَرَّةٍ. كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ. وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ. وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئْةٍ. وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ، مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم) واحد (مائة مرة كانت) تلك المائة (له) أي لقائلها (عدل) بكسر العين وبفتحها بمعنى المثل أي مثل عتق (عشر رقاب) أي كان ثوابها مثل ثواب عتق عشر رقاب أي نسمات جمع رقبة بمعنى نسمة (وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا) أي أمانًا (من) وسوسة (الشيطان يومه ذلك) الَّذي قالها فيه حتَّى يمسي أي يدخل في المساء (ولم يات أحد أفضل مما جاء به إلَّا أحد عمل) وقال عددًا (أكثر من ذلك) المذكور من المائة أو عمل بأي عمل كان. قوله: (في يوم مائة مرة) قال النووي رحمه الله تعالى: ظاهر إطلاق الحديث أنَّه يحصل هذا الأجر المذكور في الحديث لمن قال هذا التهليل مائة في يومه سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار لتكون حرزًا له في جمع نهاره. قوله: (عدد عشر رقاب) قال الفراء: العدل بالفتح ما عدل الشيء من غير جنسه وبالكسر المثل. قوله: (إلَّا أحد عمل أكثر من ذلك) قال النووي: هذا فيه دليل على أنَّه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ويكون له ثواب آخر على الزيادة وليس هذا من الحدود التي نُهي عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها وأن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو من غيره أو منه ومن غيره وهذا الاحتمال أظهر. قوله: (وكانت له حرزًا من الشيطان) .. إلخ يعني أن الله تعالى يحفظه من الشيطان في ذلك اليوم فلا يقدر منه على زلة ولا وسوسة ببركة تلك الكلمات. (ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت) وأُقيلت ووُضعت عنه

خَطَايَاهُ. وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ". 6674 - (2671) (19) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأُمَوِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ، حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَةٍ، لَمْ يَأتِ أَحَدٌ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ. إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (خطاياه) وذنوبه (ولو كانت) تلك الخطايا في الكثرة (مثل زبد البحر) ورغوته. قوله: (إلَّا أحد عمل أكثر من ذلك) أي قال: فسمى القول عملًا كما قد صرح به في رواية أخرى والذكر من الأعمال التي لا تنفع إلَّا بالنية والإخلاص اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 302]، والبخاري في بدء الخلق باب صفة إبليس [3293] وفي الدعوات باب فضل التهليل [6403]، والترمذي في الدعوات باب (61) حديث [3464]، وابن ماجة [3798]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6674 - (2671) (19) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الملك) بن أبي الشوارب محمد بن عثمان (الأموي) البصري أبو عبد الله الأبلي، صدوق، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح (عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح) أي يدخل في الصباح (وحين يمسي) أي يدخل في المساء (سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل) أي بعمل أفضل وأكثر أجرًا (مما جاء به) وقال من هذا التسبيح (إلا أحد قال مثل ما قال) به (أو زاد عليه) أي وزاد عليه أي على ما قال به من المائة وكلمة أو بمعنى الواو أو بمعنى بل الإضرابية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6405] والترمذي [3466]، وابن ماجة [3812].

6675 - (2672) (20) حدّثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، أَبُو أَيُّوبُ الْغَيْلَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، (يَعْنِي الْعَقَدِيَّ)، حَدَّثَنَا عُمَرُ، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ)، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ؛ قَالَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ. كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: 6675 - (2672) (20) (حَدَّثَنَا سليمان بن عبيد الله) بن عمرو بن جابر المازني (أبو أيوب الغيلاني) نسبة إلى غيلان بطن من مازن البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو القيسي (يعني العقدي) بفتحتين البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا عمر وهو ابن أبي زائدة) خالد بن ميمون أخو زوياء بن أبي زائدة الهمداني الكوفي، صدوق، من (6) رُمي بالقدر، روى عنه في (3) أبواب (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي، ثقة، من (3) (عن عمرو بن ميمون) الأودي أبي عبد الله الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا يسنده المؤلف قريبًا. وهذا السند من سداسياته بالنظر إلى ما ذكره هنا، ومن تساعياته بالنظر إلى ما سيأتي (قال) عمرو بن ميمون (من قال لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار) أي مرات كان) ذلك القائل (كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) بن إبراهيم الخليل عليهما السلام أي كان أجره كأجر من أعتق أربعة أنفس من إسماعيل. ويعارض حديث أبي أيوب هذا حديث أبي هريرة السابق في وجهين: الأول: العدد المطلوب من هذا الذكر فذكر أبو هريرة مائة مرة وأبو أيوب عشر مرار، والثاني: الأجر الموعود على الذكر فجاء في حديث أبي هريرة أنَّه يعادل عتق عشر رقاب وفي حديث أبي أيوب أنَّه يعادل عتق أربع رقاب من ولد إسماعيل عليه السلام ويمكن الجمع بينهما بأن من قال هذا الذكر مائة مرة حصل له ثواب عتق عشر رقاب ومن قالها عشرًا له ثواب الأربع وأما تقدير نسبتي الأجر فأمر لا يُدرك بالقياس والعلم من عند الله تعالى،

وَقَالَ سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ. حَدَّثَنَا عُمَرُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ. قَالَ: فَأتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد حاول الحافظ بن حجر الجمع بينهما بطريق آخر ولكنه غير واضح راجع فتح الباري [11/ 205] وقيل: يجمع بينهما بأن العدد الأقل أوحي إليه أولًا ثم الزائد، وللشارع أن يزيد في الثواب كذا في المبارق، قوله: (من ولد إسماعيل) فيه أن العرب تسترق اه سنوسي وخصهم بذكرهم لشرفهم على غيرهم بسبب النبي صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وقال) لنا سليمان بن عبيد الله الغيلاني (حَدَّثَنَا أبو عامر) العقدي (حَدَّثَنَا عمر) بن أبي زائدة الهمداني الكوفي (حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي السفر) بفتحتين، ويُروى بإسكان الفاء سعيد بن محمد أو يُحمد الهمداني الثوري الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابًا (عن ربيع بن خثيم) مصغرًا الثوري نسبة إلى ثور بن عبد مناة بن أن بن طابخة أبي عبد الله الكوفي، ويقال أبو يزيد، روى عن عمرو بن ميمون في الدعاء وابن مسعود وأبي أيوب، ويروي عنه (خ م ت س ق) والشعبي والنخعي وأبو بردة، وقال له ابن مسعود: لو رآك النبي صلى الله عليه وسلم لأحبك، قال ابن معين: لا يُسأل عن مثله، وقال ابن حبان: أخباره في الزهد والعبادة أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في ذكره، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة إحدى أو ثلاث أو أربع وستين (64) كان لا ينام الليل كله رحمه الله تعالى، وساق ربيع بن خثيم (بمثل ذلك) أي بمثل ما ساق أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون (قال) الشعبي: (فقلت للربيع) بن خثيم (ممن سمعته) أي سمعت هذا الحديث (قال) الربيع: سمعته (من عمرو بن ميمون قال) الشعبي: (فأتيت عمرو بن ميمون فقلت) له (ممن سمعته) أي سمعت هذا الحديث (قال) عمرو بن ميمون: سمعته (من) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) اسمه يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (قال) الشعبي: (فأتيت ابن أبي ليلى فقلت) له (ممن سمعته) أي ممن سمعت هذا الحديث (قال) ابن أبي ليلى: سمعته

مِنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ. يُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من أبي أيوب الأنصاري) الأوسي خالد بن زيد المدني رضي الله عنه حالة كون أبي أيوب (يحدّثه) أي يحدث هذا الحديث (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من تساعياته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الدعوات [6404]، والترمذي في الدعوات [5843]. قال القرطبي: وجميع ما في هذا الباب من الأحاديث يدل على أن ذكر الله تعالى أفضل الأعمال كلها وقد صرح بهذا المعنى في آخر حديث أبي هريرة حين قال: ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلَّا أحد عمل أكثر من ذلك وأصرح ما في هذا الباب ما أخرجه مالك عن أبي الدرداء قال: (ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى) رواه مالك في الموطأ [1/ 211] وهذا لا يقوله أبو الدرداء من رأيه ولا بنظره فإنه لا يتوصل إليه برأيه فلا يقوله إلَّا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أنَّه سكت عن رفعه للعلم بذلك عند من حدَّثه بذلك وقد رواه الترمذي مرفوعًا [3374]. (قلت): وهذه الأجور العظيمة والعوائد الجمة إنما تحصل كاملة لمن قام بحق هذه الكلمات فأحضر معانيها بقلبه وتأملها بفهمه واتضحت له معانيها وخاض في بحار معرفتها ورتع في رياض زهرتها ووصل فيها إلى عين اليقين فإن لم يكن فإلى علم اليقين وهذا هو الإحسان في الذكر فإنه من أعظم العبادات، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما قدمناه في كتاب الإيمان: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ثم لما كان الذاكرون في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين كانت أجورهم على ذلك بحسب ما أدركوا وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الأجور والثواب المذكور في أحاديث الأذكار فإنك تجد في بعضها ثوابًا عظيمًا مضاعفًا وتجد تلك الأذكار بأعيانها في رواية أخرى أكثر أو أقل كما اتفق هنا في حديث أبي هريرة المتقدم فإن فيه ما ذكرناه من الثواب وتجد تلك الأذكار بأعيانها وقد علق عليها من ثواب عتق الرقاب أكثر مما علقه على حديث أبي هريرة وذلك أنَّه قال في حديث أبي

6676 - (2673) (21) حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة من قال ذلك في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وفي حديث أبي أيوب من قالها عشر مرات كانت له عدل أربع رقاب وعلى هذا فمن قال ذلك مائة مرة كانت له عدل أربعين رقبة وكذلك تجده في غير هذه الأذكار، فيرجع الاختلاف الَّذي في الأجور إلى اختلاف أحوال الذاكرين وبهذا يرتفع الاضطراب بين أحاديث هذا الباب والله الموفق بالصواب اه من المفهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6676 - (2673) (21) (حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (ومحمد بن طريف) بن خليفة (البجلي) أبو جعفر الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (قالوا: حَدَّثَنَا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابًا (عن عمارة بن القعقاع) بن شُبرمة الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلمتان) خبر مقدم، وقوله: (خفيفتان على اللسان) وما بعده صفة له، والمبتدأ سبحان الله وبحمده، والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسُن تقديمه لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع تشوقًا إلى المبتدإ، وقوله: (كلمتان) أي كلامان من إطلاق الكلمة على الكلام (خفيفتان على اللسان) والخفة مستعارة من السهولة لأنه شبه سهولة جريانها على اللسان بما خف على الحامل من سهولة بعض الأمتعة فلا تتعبه كالشيء الثقيل، وفيه إشارة إلى أن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة وهذه سهلة عليها مع أنها تثقل الميزان كثقل الشاق من التكاليف

ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ". 6677 - (2674) (22) حدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثقيلتان) حقيقة (في الميزان) أي بالمثوبة لأن الأعمال تُجسَّم عند الميزان أو الموزون صحائفها ويدل عليه حديث الطاقة والسجلات المشهور (حبيبتان) أي محبوبتان (إلى الرحمن) أي عند الرحمن والمعنى محبوب قائلهما عند الرحمن فيجزل له من مكارمه ما يليق بفضله وخص لفظ الرحمن إشارة إلى بيان سعة رحمته حيث يُجازى على العمل القليل بالثواب الجزيل (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) وكرر التسبيح طلبًا للتأكيد واعتناءً بشأنه، قال بعضهم: إن الكلمة الأولى وهي سبحان الله وبحمده تشعر بتنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به سبحانه وبالاعتراف بجميع ما يُحمد به وهذا يورث في القلب حبًا لله تعالى لأن من كان منزهًا من كل عيب وكان مستجمعًا لجميع صفات الكمال استحق الحب، وأما الكلمة الثانبة فتشعر بعظمة الله تعالى وجلاله وذلك يورث خوفًا منه تعالى وإذا اجتمع الخوف والحب أورث خشية وهي من أعظم ما يقصد حصوله للعبد، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ومن هذه الجهة كان ثواب الكلمتين عظيمًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 232]، والبخاري في الدعوات باب فضل التسبيح [6406] وفي الأيمان والنذور [6682]، والترمذي في الدعوات [3467]، وابن ماجة في الآداب باب فضل التسبيح [3851]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6677 - (2674) (22) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقول سبحان الله والحمد لله

وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". 6678 - (2675) (23) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي، حدَّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا إله إلَّا الله والله أكبر) مرة بدليل الإطلاق (أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس) أي من أن تكون له الدنيا بكليتها فيحتمل أن يكون هذا على جهة الإغياء على طريقة العرب في ذلك، ويحتمل أن يكون معنى ذلك أن تلك الأذكار أحب إليه من أن تكون له الدنيا فينفقها في سبيل الله وفي أوجه البر والخير وإلا فالدنيا من حيث هي دنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة وكذلك هي عند أنبيائه وأهل معرفته فكيف تكون أحب إليه من ذكر أسماء الله وصفاته الَّذي يحصل ذلك الثواب العظيم والحظ الجزيل اه من المفهم. قال ابن بطال: وهذه الفضائل الواردة في فضل الذكر إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال والطهارة من الحرام والمعاصي العظام فلا تظن أن من أدمن الذكر وأصر على ما شاءه من شهوات وانتهك دين الله وحرماته أنَّه يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الدعوات [3591]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال: 6678 - (2675) (23) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (و) عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي كلاهما رويا (عن موسى) بن عبد الله (الجهني) أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الحج والدعاء، مات سنة (144) (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (حَدَّثَنَا موسى) بن عبد الله (الجهني) الكوفي (عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص الزهري أبي زرارة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته (قال) سعد:

جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلاَمًا أَقُولُهُ. قَالَ: "قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" قَالَ: فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي، فَمَا لِي؟ قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي". قَالَ مُوسَى: أَمَّا عَافِني، فَأَنَا أَتَوَهَّمُ وَمَا أَدْرِي. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثهِ قَوْلَ مُوسَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم أر من ذكر اسم هذا الأعرابي (فقال) الأعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (علمني) يا رسول الله (كلامًا) يقربني إلى الله سبحانه (أقوله) وأتخذه ذكرًا ووردًا فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيرًا) منصوب بفعل محذوف تقديره كبرت كبيرًا أو ذكرت كبيرًا على ما قاله بعض النحويين أو على الحال من الضمير المستكن في الخبر (والحمد لله كثيرًا) منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف فكأنه قال: أحمد الله حمدًا كثيرًا (سبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال) الأعرابي: (فهؤلاء) الكلمات هي أوصاف (لربي) وثناء له (فما لي) أي فما الذي أذكره لحقي وحظي فدله صلى الله عليه وسلم على دعاء يشمل له مصالح الدنيا والآخرة ف (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل) إن أردت ما يخصك من الدعاء (اللهم اغفر لي) ذنوبي السالفة (وارحمني) بنعمك المتوالية (واهدني) إلى السبيل الموصل لي إليك (وارزقني) ما أستعين به على ذلك ويغنيني عن غيرك "وعافني" أي سلمني من بلاء الدنيا والآخرة، وقال القرطبي: (وعافني) عما ينقض لي شيئًا أو ينقصه (قال موسى) بن عبد الله الجهني (أما) لفظة (عافني فأنا أتوهم) وأظن أن مصعبًا قالها حين حدثني هذا الحديث (وما أدري) أي وما أتيقن أنه قالها يريد أنه ليس بجازم بكون هذا اللفظ من الحديث، وهذا من كلام ابن نمير (ولم يذكر) أبو بكر (بن أبي شيبة في حديثه) وروايته (قول موسى) الجهني هذا. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [1/ 185]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث طارق بن أشيم رضي الله عنهما فقال:

6679 - (2676) (24) حدّثنا أَبُو كَامِل الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ)، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكِ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ مَنْ أَسْلَمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي". 6680 - (00) (00) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ أَزْهَرَ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6679 - (2676) (24) (حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (حدثنا أبو مالك الأشجعي) سعد بن طارق بن أشيم الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) طارق بن أشيم بوزن أكرم ابن مسعود الأشجعي نسبة إلى قبيلة مشهورة تدعى أشجع بن ريث بن غطفان الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) طارق: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلّم من أسلم) أي من دخل في الإسلام كيفية الدعاء فـ (يقول) له: قل في الدعاء لربك (اللهم اغفر لي) جميع ذنوبي صغائرها وكبائرها (وارحمني) رحمة واسعة في الدنيا والآخرة (واهدني) أي دلني إلى الطريق المستقيم الموصل لي إلى رضاك (وارزقني) رزقًا واسعًا حلالًا طيبًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الدعاء باب الجوامع من الدعاء [3890]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث طارق بن أشيم رضي الله عنه فقال: 6680 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن أزهر) هو سعيد بن يحيى بن الأزهر بن نجيح (الواسطي) أبو عثمان وقد يُنسب إلى جده كما هنا في كتاب مسلم (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (حدثنا أبو مالك) سعد بن طارق (الأشجعي عن أبيه) طارق بن أشيم. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لعبد الواحد بن زياد (قال) طارق: (كان الرجل) من الصحابة (إذا أسلم علّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة)

ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ "اللَّهُمْ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي". 6681 - (00) (00) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي" وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلَّا الإِبْهَامَ "فَإِنَّ هَؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المفروضة أي كيفيتها وشروطها وأركانها (ثم) بعدما علمه الصلاة (أمره) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي أسلم (أن يدعو) الله سبحانه وتعالى (بهؤلاء) أي بهذه (الكلمات) الخمس يعني قوله: (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث طارق رضي الله عنه فقال: 6681 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا يريد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابًا (أخبرنا أبو مالك) سعد بن طارق الأشجعي (عن أبيه) طارق بن أشيم. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة يزيد بن هارون لأبي معاوية وعبد الواحد (أنه) أي أن طارقًا (سمع النبي صلى الله عليه وسلم و) قد (أتاه) صلى الله عليه وسلم (رجل) من الأعراب (فقال) الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي؟ ) فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل) أيها الرجل حين أردت دعاء ربك (اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني) أي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويجمع) الرسول (أصابعه) الأربع أي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والحال أنه صلى الله عليه وسلم قد يجمع ويقبض أصبعًا من أصابعه مع كل واحدة من الكلمات الأربع كأنه يعدها (إلا الإبهام) فإنه تركها مبسوطة أي قل هذه الكلمات الأربع عند دعائك (فإن هولاء) الكلمات الأربع (تجمع لك دنياك وآخرتك) أي هذه الدعوات تجمع لك خيرات الدارين

6682 - (2677) (25) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمِ، أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ " فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: "يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وتكفيك شرورهما، قال القرطبي: (قوله يجمع أصابعه إلا الإبهام) فعل ذلك تمثيلًا لما في النفس وضبطًا لها بالحفظ، ولعله صلى الله عليه وسلم قبض كل إصبع عند كلمة من هذه الكلمات الأربع فصارت الأصابع المقبوضة أربعة وبقي الإبهام على حاله. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال: 6682 - (2677) (25) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا مروان) بن معاوية الفزاري الكوفي نزيل مكة، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابًا (وعلي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) كلاهما (عن موسى) بن عبد الله (الجهني ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا موسى) بن عبد الله (الجهني عن مصعب بن سعد) بن أبي وقاص (حدثني أبي) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته (قال) سعد: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام (فقال) لنا: (أيعجز) أي هل يعجز ويكسل (أحدكم أن يكسب) ويعمل لنفسه (كل يوم ألف حسنة فسأله) صلى الله عليه وسلم (سائل من جلسائه) صلى الله عليه وسلم أي من الحاضرين عنده، لم أر من ذكر اسم هذا السائل، فقال السائل في سؤاله (كيف يكسب أحدنا) يا رسول الله في اليوم (ألف حسنة؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُسبّح) أحدكم في اليوم (مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه) ويمحى (ألف خطيئة) أي سيئة وأو هنا بمعنى الواو. قال النووي: كذا وقع في النسخ الموجودة عندنا (أو) بالألف قبل الواو، وفي بعضها الواو بدون الهمزة، وصححه القرطبي رواية ومعنى قال لأن الله قد جمع ذلك كله لقائل تلك الكلمات، وإن صحت رواية الألف حُملت على المذهب الكوفي في أن أو بمعنى الواو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 185]، والترمذي في الدعوات [3463]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني: حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والخامس: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والسابع: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد، والعاشر: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد، والحادي عشر: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد، والثاني عشر: حديث طارق بن أشيم ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث عشر: حديث سعد بن أبي وقاص الثاني ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.

738 - (3) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر واستحباب الاستغفار والاستكثار منه واستحباب خفض الصوت بالذكر واستحباب الدعاء في الصلاة والتعوذ من شر الفتن والتعوذ من العجز والكسل وسوء القضاء ودرك الشقاء 6683 - (2678) (26) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِي وَأَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - (قَالَ يَحْيَى: أَخبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةَ مِنْ كُرَب الذُنْيَا، نَفسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ يَشرَ عَلَى مُعْسِرِ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 738 - (3) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر واستحباب الاستغفار والاستكثار منه واستحباب خضر الصوت بالذكر واستحباب الدعاء في الصلاة والتعوذ من شر الفتن والتعوذ من العجز والكسل وسوء القضاء ودرك الشقاء ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة فقال: 6683 - (2678) (26) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس) من التنفيس أي أزال وكشف (عن مؤمن) وغيره من كل محترم (كربة) أي مشقة وشدة (من كرب الدنيا) بعلمه أو ماله أو جاهه مثلًا (نفس الله) سبحانه وتعالى أي كشف الله (عنه كربة من كرب يوم القيامة) قال النووي: وهو حديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك، وقد سبق شرح أفراد فصول هذا الحديث في كتاب البر والصلة باب تحريم الظلم وباب بشارة من ستر الله عيبه في الدنيا .. إلخ وغيره (ومن يسّر على معسر) مسلم أو غيره بإبراء أو هبة أو صدقة أو نظرة إلى ميسرة (يسر الله عليه) أموره (في الدنيا) بتوسيع رزقه وحفظه من الشدائد (والآخرة) بتيسير حسابه وتثقيل ميزانه والعفو عن عقابه

وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَينَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ اه مناوي (ومن ستر مسلمًا) أو غيره على عيب ارتكبه (ستره الله) على عيوبه (في الدنيا والآخرة) قال الأبي: ليس من لوازم الستر عدم التغيير للمنكر بل يغير ويستر فمن وجد سكرانًا فلا يجب عليه رفعه إلى الحاكم، نعم إذا طلبه الحاكم بالشهادة عليه تعيّن عليه اْن يشهد اه منه (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) المسلم أي في إعانته بأي وجه كان من جلب نفع أو دفع ضر ما كان العبد المعين في عون أخيه المسلم (ومن سلك) ودخل (طريقًا يلتمس) أي يطلب (فيه) في ذلك المسلك أو في تلك الطريق (علمًا) من علوم الشرع أو ما كان آلة له (سهل الله) أي يسر الله سبحانه وتعالى (له) أي لذلك السالك (به) أي بسبب سلوكه ذلك المسلك (طريقًا) موصلًا له (إلى الجنة) قال النووي: فيه فضيلة المشي في طلب العلم الشرعي بشرط خلوص النية وإن كان خلوصها شرطًا في كل عبادة لكن العلماء يقيدون هذه المسألة بذلك لكونها مما يتساهل فيها ويغفل عن ذلك بعض المبتدئين وغيرهم، وقال بعض شيوخنا: يدخل فيه الذاهب إلى المفتي ليسأله عن مسألة وكذلك العوام الذاهبون لحضور المواعظ اه من الأبي. (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) أي في مسجد من مساجد الله، قال النووي: بيت الله خرج مخرج الغالب وكذا لو اجتمعوا في غير المسجد، وفيه فضيلة الاجتماع لتلاوة القرآن وهو مذهبنا ومذهب الجمهور اه، قال القاضي عياض: ولعل الاجتماع الذي في الحديث للتعليم كذلك بدليل قوله يتدارسونه، قال الطيبي: بيت الله شامل لجميع ما يبنى لله تقربًا إليه من المساجد والمدارس والرُبط أي ما اجتمعوا في مسجد من مساجد الله تعالى، حالة كونهم (يتلون كتاب الله) العزيز ويقرؤونه أي يقرأ كل منهم بنفسه (و) حالة (يتدارسونه بينهم) أي يقرؤونه معًا بالترتيب والسيرة مع استماع بعضهم لبعض، قيل هو شامل لجميع ما يتعلق بالقرآن من التعلم والتعليم والتفسير والاستكشاف عن دقائق معانيه (إلا نزلت عليهم السكينة) أي نزلت على قلوبهم السكينة أي الوقار والطمأنينة، قال في المرشد: وهي كل ما يحصل به صفاء القلب بنور القرآن وذهاب ظلمته النفسانية (وغشيتهم) أي غطتهم وسترتهم (الرحمة) أي رحمة الله تعالى

وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ". 6684 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَاهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإحسانه إليهم ورضوانه عنهم (وحفتهم) أي أحاطت بهم (الملائكة) أي ملائكة الرحمة أي طافوا بهم وأداروا حولهم تعظيمًا لصنيعهم وإكرامًا لهم (وذكرهم الله) سبحانه وتعالى أي أثنى عليهم (فيمن عنده) من الملائكة المقربين، والعندية هنا عندية شرف وقُرب، قيل: ذكرهم عندهم مباهاة بهم (ومن بطأ به) بالتشديد، ويقال فيه (أبطأ به) من الإبطاء والباء للتعدية كلاهما بمعنى أي ومن أخره في الآخرة (عمله) السيِّئ أو التفريط عن اللحاق بمنازل المتقين أو عن دخول الجنة أولًا (لم يسرع به نسبه) أي لم يرفعه شرف نسبه إلى منازل المتقين حتى يجبر نقصه اه أبي، وفي السندي أي من أخره عن الشيء تفريطه في العلم الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب، وقيل يريد أن التقرب إلى الله لا يحصل بشرف النسب وكثرة العشائر إلا بالعمل الصالح فمن لم يتقرب بذلك لا يتقرب إليه بعلو النسب وشرفه اه. وقال النووي: معناه من كان عمله ناقصًا لم يلحقه نسبه بمنزلة أصحاب الأعمال الصالحة فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصّر في العمل والمعنى من كان عمله سيئًا بحيث يجعله بطيئًا في الوصول إلى منازل المتقين لا يكفي شرف نسبه لإزالة هذا البطء وللإسراع إلى الجنة اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في المعونة للمسلم [4946] والترمذي في الحدود باب ما جاء في الستر على المسلم [1425] وفي البر والصلة [1931] وفي القراءات [2946]، وابن ماجه في المقدمة باب الانتفاع بالعلم والعمل به [238] وفي الحدود باب الستر على المؤمن ودفع الحدود بالشبهات [2572]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6684 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثناه نصر بن علي) بن نصر (الجهضمي) أبو عمر البصري، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (16) بابًا، مات سنة (250) (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي

قَالاَ: حَدَّثَنَا الأعْمَشُ. فِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوَيةَ. غَيرَ أَن حَدِيثَ أَبِي أُسَامَةَ لَيْسَ فِيهِ ذِكرُ التَّيْسِيرِ عَلَى الْمُعْسِرِ. 6685 - (2679) (27) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ، عَنِ الأَغَرِّ، أَبِي مُسْلِمٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي (قالا): أي قال كل من عبد الله بن نمير وأبي أسامة (حدثنا الأعمش في حديث ابن نمير) وروايته لفظة حدثنا الأعمش (عن أبي صالح) السمان بصيغة العنعنة، وفي أغلب النسخ (حدثنا الأعمش حدثنا ابن نمير عن أبي صالح) ظاهره أنه من كلام الأعمش وليس كذلك بل هو من كلام المؤلف والمعنى قال المؤلف: (حدثنا ابن نمير) أي روى لنا ابن نمير عن الأعمش بلفظة عن أبي صالح يعني بالعنعنة لا بصيغة السماع والنسخة التي شرحنا عليها هي الواضحة بل هي الصواب (وفي حديث أبي أسامة) وروايته، قال الأعمش: (حدثنا أبو صالح) بصيغة السماع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن نمير وأبي أسامة لأبي معاوية (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): الحديث السابق، وساق ابن نمير وأبو أسامة (بمثل حديث أبي معاوية غير أن) أي لكن أن (حديث أبي أسامة) وروايته (ليس فيه) أي في حديث أبي أسامة (ذكر التيسير) والتسهيل (على المعسر) عما يوفى به الدين بالإنظار له إلى اليسار أو بالإبراء عن كل الدين أو عن بعضه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له ولأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 6685 - (2679) (27) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة) قال شعبة: (سمعت أبا إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، حالة كونه (يحدّث عن الأغر) بن عبد الله أو ابن سُلَيك (أبي مسلم) المدني نزيل الكوفة مولى أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وكانا اشتركا في عتقه فكان مولى لهما،

أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ". 6796 - (000) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (أنه) أي أن الأغر (قال أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: لا يقعد قوم) من المسلمين في بيت من بيوت الله تعالى، حالة كونهم (يذكرون الله عز وجل) بأنواع الذكر. قال في المرقاة: إن أريد بالقعود ضد القيام ففيه إشارة إلى أنه أحسن هيئات الذكر لدلالته على جمعية الحواس الظاهرة والباطنة، وإن كان كناية عن الاستمرار ففيه إيماء إلى مداومة الأذكار، وقال ابن حجر: التعبير به للغالب كما هو ظاهر لأن المقصود حبس النفس على ذكر الله تعالى مع الدخول في عداد الذاكرين لتعود عليه بركة أنفاسهم ولحظ إيناسهم اه فلا ينافيه قيامه لطاعة كطواف وزيارة وصلاة جنازة وطلب علم وسماع موعظة اه. إلا حفتهم وأحاطت بهم (الملائكة وغشيتهم الرحمة) أي غطتهم رحمة الله وإحسانه وإنعامه عليهم (ونزلت عليهم السكينة) أي الوقار والطمأنينة بنور الإيمان بسبب الذكر (وذكرهم الله) تعالى (فيمن عنده) من الملإ الأعلى والملائكة المقربين أي أثنى عليهم عندهم وأظهر فضلهم بينهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الدعوات باب القوم يجلسون فيذكرون الله [3375] وأخرجه ابن ماجه في الآداب باب فضل الذكر [3791] اه تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6686 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن أبي إسحاق عن الأغر عن أبي هريرة، وساق عبد الرحمن عن شعبة (نحوه) أي نحو حديث محمد بن جعفر، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن لمحمد بن جعفر.

6687 - (2680) (29) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِي عُثمَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيةُ عَلَى حَلْقَةِ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ. قَالَ: آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فقال: 6687 - (2680) (29) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا مرحوم بن عبد العزيز) بن مهران العطار القرشي الأموي مولاهم مولى آل معاوية بن أبي سفيان أبو محمد البصري، روى عن أبي نعامة السعدي في الدعاء وأبيه وأبي عمران الجوني وثابت البناني وغيرهم، ويروي عنه (ع) وابن أبي شيبة والثوري وعفان وطائفة، وثقه النسائي وأحمد وابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البزار: ثقة مشهور، كان أحد العباد، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثامنة، مات سنة ثمان وثمانين ومائة (188) وله خمس وثمانون سنة (85) وليس في الرواة من اسمه مرحوم إلا هذا الثقة (عن أبي نعامة) عبد ربه (السعدي) البصري وقيل اسمه عمرو، روى عن عبد الله بن الصامت في الصلاة، وأبي عثمان النهدي في الدعاء، ويروي عنه (م د ت س) ومرحوم بن عبد العزيز وشعبة وأيوب وحماد بن سلمة وجماعة، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد: (خرج معاوية) بن أبي سفيان من منزله (على حلقة) تحلّقوا (في المسجد) النبوي لذكر الله تعالى (فقال) لهم معاوية: (ما أجلسكم) أي أي سبب أجلسكم هاهنا (قالوا) له: (جلسنا) هاهنا حالة كوننا (تذكر الله) تعالى بأنواع ذكره (قال) معاوية لهم: (آلله) أصله أو الله أي أقسمت لكم بالله (ما أجلسكم) هاهنا (إلا ذاك) أي إلا ذكر الله تعالى، وقوله: (آلله) بالمد والجر وما نافية، قال السيد جمال الدين: قيل الصواب بالجر لقول المحقق الشريف في حاشيته همزة الاستفهام وقعت بدلًا عن حرف القسم ويجب الجر معها اه وكذا صُحح في أصل سماعنا من المشكاة، ومن صحيح مسلم، ووقع في بعض نسخ المشكاة بالنصب اه كلامه، قال الطيبي: قيل: آلله بالنصب أي أتقسمون بالله فحذف

قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهَمَةً لَكُمْ. وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَقَل عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي. وَإنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلَقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمْ " " قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: "آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُم إِلاَّ ذَاكَ؟ " قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ. قَالَ: "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَخلِفْكُمْ تُهَمَةً لَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجار وأُوصل الفعل ثم حُذف الفعل (قالوا: والله ما أجلسنا) هاهنا (إلا ذاك) أي إلا ذكر الله تعالى (قال) معاوية: (أما) حرف استفتاح وتنبيه كألا أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إني لم أستحلفكم) أي لم أطلب منكم الحلف بالله على ما قلتم (تهمة لكم) أي شكًا لكم فيما قلتم، قال النووي: قوله تهمة لكم هو بفتح الهاء وسكونها من الوهم والتاء عوض من الواو يقال: اتهمته به إذا ظننت ذلك به اه. قال الأبي: أما استحلاف معاوية لهم فهو اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما استحلاف النبي صلى الله عليه وسلم لهم مع أنه على ذلك من إخبار جبريل عليه السلام له فيحتمل أنه سرور بهم كما يفعله بعض الناس بهم فإنه لا يقصد به إلا السرور (وما كان أحد بمنزلتي) في القرابة (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لكونه محرمًا لأم حبيبة أخته من أمهات المؤمنين ولذا عبّر عنه المولوي بخال المؤمنين ولكونه من أجلاء كتبة الوحي اه مرقاة (أقل عنه حديثًا مني) أي أقل حديثًا ورواية عنه مني (وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) من بعض حجره يومًا (على حلقة من أصحابه) تحلّقوا في المسجد النبوي لذكر الله تعالى (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أجلسكم) أي أي سبب أجلسكم في المسجد متحلقين (قالوا) له صلى الله عليه وسلم: (جلسنا) هاهنا (نذكر الله) تعالى (ونحمده) أي نشكره (على ما هدانا للإسلام) أي على هدايته إيانا إلى الإسلام وتوفيقه إيانا لهذا الدين المرضي عنده (و) على ما (منَّ به علينا) أي وعلى منّه وتفضله علينا بالإسلام (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آلله) أي والله (ما أجلسكم) هاهنا (إلا ذاك) أي إلا ذكر الله تعالى (قالوا) له صلى الله عليه وسلم (والله ما أجلسنا) هاهنا (إلا ذاك) أي إلا ذكر الله تعالى (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إني لم أستحلفكم تهمة لكم)

وَلَكنَّهُ أتانيِ جِبْرِيلُ فَأخْبَرَني؛ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ". 6688 - (2681) (30) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ. قَالَ يَحْيَى: أَخبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيٌ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرَّةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي شكًا لكم فيما قلتم (ولكنه) أي ولكن الشأن والحال (أتاني جبريل) الأمين عليه السلام (فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة) أي يثنيكم عليهم ويُظهر فضلكم لديهم ويريهم حسن عملكم، وأصل المباهاة المفاخرة يقال: فلان يباهي بماله وأهله أي يفتخر به على غيره ويتجمّل بهم عنده ويظهر حسنهم له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الدعوات باب القوم يجلسون فيذكرون الله ما لهم من الفضل [3376]، والنسائي في القضاة باب كيف يستحلف الحاكم [5426]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى الجزء الثاني من الترجمة وهو استحباب الاستغفار والاستكثار منه بحديث الأغر المزني رضي الله عنه فقال: 6688 - (2681) (30) (حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو الربيع العتكي) سليمان بن داود البصري (جميعًا عن حماد) بن زيد (قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد عن ثابت) البناني (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري، ثقة، من (2) (عن الأغر) بن يسار (المزني) أو الجهني والمزني أصح، وقيل اسم أبيه عبد الله الكوفي أو البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه من المهاجرين الأوّلين، له ثلاثة أحاديث، ذكر له مسلم حديثًا واحدًا، روى عنه أبو بردة بن أبي موسى في الدعاء. وهذا السند من خماسياته (وكانت له صحبة) أي ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه) أي إن الشأن والحال (ليغان) أي ليغشى ويغطى (على قلبي) بعارض بشري يشغلني عن الذكر من أمور الأمة والملة ومصالحهما كتجهيز الجيش للجهاد وقسم مال الله بين الأمة والسياسة في كيفية الجهاد وكسر العدو. وقيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه فيعد ذلك ذنبًا وتقصيرًا فيفزع إلى الاستغفار منه كما قال: (وإني لأستغفر الله في اليوم) الواحد (مائة مرة).

6689 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ الأَغَرَّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (ليغان) بوزن يباع مضارع مبني للمجهول من الغين أي ليغطى على قلبي والغين التغطية وكذا الغيم ومنه يقال للغيم الغين لأنه يغطي السماء ولا يظن أن أحدًا قال: إن قلب النبي صلى الله عليه وسلم تأثر بسبب ذنب وقع بغين أو طبع فإن من جوز الصغائر على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يقل إنها إذا وقعت منهم أثرت على قلوبهم كما تؤثر الذنوب في قلوب العصاة بل هم مغفور لهم ومكرمون وغير مؤاخذين بشيء من ذلك فثبت بهذا أن ذلك الغين ليس هو بسبب ذنب ولكن اختلفوا في ذلك الغين فقالت طائفة: إنه عبارة عن فترات وغفلات عن الذكر الذي كان دأبه وعادته فكان يستغفر الله من تلك الفترات، وقيل: كان ذلك بسبب ما اطلع عليه من أحوال أمته وما يكون منها بعده فكان يستغفر الله لهم، وقيل: كان ذلك لما يشغله من النظر في أمور أمته ومصالحهم ومحاربة عدوه عن عظيم مقامه فكان يرى أن ذلك وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال نزول عن علو درجاته ورفعة مقامه فيستغفر ربه من ذلك، وقيل: كان ذلك حال خشية وإعظام لله تعالى، والاستغفار الذي صدر منه لم يكن لأجل ذلك الغين بل للقيام بالعبادة ألا ترى قوله في الحديث إنه ليغان في قلبي وإني لأستغفر الله فأخبر بأمرين مستأنفين ليس أحدهما معلقًا على آخر، وقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم الترقي في المقامات سريع التنقل في المنازلات فكان إذا ترقى من مقام إلى غيره اطلع على المنتقل عنه فظهر له أنه نقص بالنسبة إلى المتنقل إليه فكان يستغفر الله من الأول ويتوب منه كما قال في هذا الحديث، وقد أشار الجنيد رحمه الله إلى هذا بقوله: حسنات الأبرار سيئات المقربين والله تعالى أعلم اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 260]، وأبو داود في الصلاة باب في الاستغفار [1515]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المزني رضي الله عنه فقال: 6689 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر (عن شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق المرادي الجملي الكوفي الأعمى، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (عن أبي بردة قال: سمعت الأغر) المزني الكوفي

وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ. فَإِنِي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ، إِلَيهِ مِائَةَ مَرَّةِ ". 6690 - (00) (00) حدّثناه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن مرة لثابت بن أسلم (وكان) الأغر (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) الذين لازموه أي سمعته (يحدّث ابن عمر) رضي الله عنه (قال) الأغر لابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس توبوا إلى الله) سبحانه توبة نصوحًا واستغفروه من ذنوبكم (فإني أتوب في اليوم) الواحد (إليه) تعالى (مائة مرة) وكَرَّةٍ. قوله: (فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة) هذا يدل على استدامة التوبة وأن الإنسان مهما ذكر ذنبه جدد التوبة لأنه من حصول الذنب على يقين ومن الخروج عن عقوبة على شك فحق التائب أن يجعل ذنبه نُصب عينيه وينوح دائمًا عليه حتى يتحقق أنه قد غُفر له ذنبه ولا يتحقق أمثالنا إلا بلقاء الله تعالى فواجب عليه ملازمة الخوف من الله تعالى والرجوع إلى الله بالندم على ما فعل وبالعزم على أن لا يعود إليه والإقلاع عنه ثم لو قدرنا أنه تحقق أنه غُفر له ذلك الذنب تعينت عليه وظيفة الشكر كما قال صلى الله عليه وسلم: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" متفق عليه عن عائشة رضي الله تعالى عنها وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكرر توبته كل يوم مع كونه مغفورًا له ليلحق به غيره نفسه بطريق الأولى لأن غيره يقول: إذا كانت حال من تحقق مغفرة ذنوبه هكذا كانت حال من هو في شك من ذلك أحرى وأولى وكذلك القول في الاستغفار والتوبة يقتضي شيئًا يثاب منه إلا أن ذلك منقسم بحسب حال من صدر منه ذلك الشيء فتوبة العوام من السيئات وتوبة الخواص من الغفلات وتوبة خواص الخواص من الالتفات إلى الحسنات هكذا قاله بعض أرباب القلوب الكاملة وهو كلام حسن في نفسه بالغ في فنه اه من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث الأغر رضي الله عنه فقال: 6690 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن

وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ. 6691 - (2682) (31) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، (يَعْنِي سُلَيْمَانَ ابْنَ حَيَّانَ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدِ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ)، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عَلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (15) بابًا (وعبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (كلهم) أي كل من معاذ بن معاذ وأبي داود وعبد الرحمن بن مهدي رووا (عن شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن عمرو بن مرة عن أبي بردة عن الأغر، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لغندر. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث الأغر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6691 - (2682) (31) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد) الأحمر (يعني سليمان بن حيان) الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حدثنا أبو معاوية) محمد بت خازم (ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (15) (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين من أبي خالد وأبي معاوية وحفص بن غياث رووا (عن هشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثني أبو خيثمة زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (واللفظ له حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن هشام بن حسان) القردوسي (عن محمد بن سيرين) البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذه الأسانيد الأربعة كلها من خماسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب) عن ذنوبه ولو شركًا (قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه) أي قبل توبته ورضي بها إن

6692 - (2683) (32) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ وَأَبُو مُعَاوِيةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ. فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنكُمْ لَيسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ تاب بشروطها الثلاثة: الأول: الإقلاع عن المعصية، والثاني: الندم على فعلها، والثالث: العزم على أن لا يعود إليها أبدًا، هذا إن كانت في حقوق الله تعالى وإن كانت متعلقة بحق من حقوق العباد فيشترط لصحة التوبة أن يؤدي ذلك الحق إلى صاحبه أو يعفو عنه صاحب الحق. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6692 - (2683) (32) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابًا (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن عاصم) بن سليمان الأحول، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابًا (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مُلّ بتثليث الميم وتشديد اللام، مشهور بكنيته، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابًا (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) ذكر الحافظ بن حجر في كتاب الدعوات أنه لم يقف على تعيين هذا السفر ثم ذكر في كتاب القدر أنه كان في غزوة خيبر ولم يذكر له مستندًا (فجعل الناس) أي شرعوا (يجهرون) أي يرفعون الأصوات (بالتكبير فقال) لهم (النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اربعوا) بفتح الباء مع همزة الوصل أمر من ربع من باب فتح يقال ربع الرجل يربع إذا رفق وكف، وفي القاموس ربع كمنع وقف وانتظر ومنه قولهم اربع عليك أو على نفسك والمعنى ارفقوا (على أنفسكم) واخفضوا أصواتكم فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه (إنكم ليس) الشأن أو فيه التفات أي إنكم لستم (تدعون) أي تنادون أو ليس هنا حرف بمعنى لا النافية أي إنكم لا تدعون (أصم)

وَلاَ غَائِبًا. إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا. وَهُوَ مَعَكُمْ " قَالَ: وَأَنَا خَلْفَهُ، وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. فَقَالَ: " يَا عَبدَ اللهِ بْنَ قَيسٍ، أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي من ليس سميعًا أي لا تدعون ربًا لا يسمع (ولا) ربًا (غائبًا) عنكم (إنكم تدعون) وتذكرون ربًا (سميعًا قريبًا) إليكم قربًا يليق بجلاله (وهو) سبحانه وتعالى (معكم) معية تليق بكماله يعني أن الله تعالى يسمع ويعلم من ذكره أو دعاه سواء كان ذكره أو دعاؤه خفيًا أو جهرًا. وفي الحديث دلالة على استحباب الإسرار والمخافتة بالذكر والدعاء وهو موافق لقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} ومن هنا ذكر العلماء أن الذكر الخفي أفضل من الذكر بالجهر وإن كان الجهر جائزًا بشرط أن لا يكون فيه رياءٌ أو إيذاء لأحد كنائم ومصل وقارئ ويستثنى منه رفع الصوت بالتكبير في الجهاد فإن المقصود منه على كونه ذكرًا مثابًا عليه إرهاب العدو وإلقاء الرعب في صدورهم وإنما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم هنا عن رفع الصوت لأن هذا الجهر لم يكن بمحضر من العدو وإنما كان المقصود منه الذكر فقط والإخفاء في ذلك أفضل ولا سيما إذا كان بمحضر من أناس مشتغلين بأمورهم فإن ذلك ربما يؤدي إلى تعطيلهم عن أشغالهم، وقد ذكرنا أن الجهر في مثل هذا الحال لا يجوز والله تعالى أعلم. (قال) أبو موسى: (وأنا) ماشٍ (خلفه) صلى الله عليه وسلم ووراءه قريبًا منه (وأنا أقول) أي والحال أني أقول وأذكر ذكرًا (لا حول ولا قوة إلا بالله) تعالى، قال القاضي عياض: هي كلمة استسلام وتفويض واعتراف بالعجز، ومعنى لا حول لا حيلة تعصمني عن معصية الله ولا قوة على طاعة الله إلا إذا كانا حاصلين لي بمعونة الله وتوفيقه سبحانه يقال مالي حيلة ولا حول ولا محالة ولا محتال إلا بالله، وقيل: الحول الحركة أي لا حركة لي إلا بالله، وقال ابن مسعود: معناه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله تعالى ولا قوة على الطاعة إلا بعون الله تعالى اه أبي مع زيادة وتصرف. (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله بن قيس هل أدلك على كنز من كنوز الجنة) قال أبو موسى: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (بلى) دلني عليه (يا رسول الله، قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل لا حول ولا قوة إلا بالله) إن

6693 - (00) (00) حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ وَاِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. جَمِيعًا عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أردت كنزًا من كنوز الجنة، ومعنى كون هذه الكلمة من كنوز الجنة أن قولها يحصل ثوابًا نفيسًا يدخر لصاحبه في الجنة، وأخرج أحمد والترمذي عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به مر على إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: يا محمد مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة؟ قال: "وما غراس الجنة" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ذكره الحافظ في الفتح [11/ 501] قال النووي: قال العلماء: حكمة كونها كنزًا من كنوز الجنة لأنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئًا من الأمر، ومعنى الكلمة هنا أنه ثواب مدّخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس أموالكم، قال أهل اللغة: الحول الحركة والحيلة أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل: معناه لا حول في دفع شر ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، قال أهل اللغة: ويعبّر عن هذه الكلمة بالحوقلة والحولقة وبالأول جزم الأزهري والجمهور وبالثاني جزم الجوهري اه نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الدعوات باب الدعاء إذا علا عقبة [6384] [6409]، وأبو داود في الصلاة [1526] و 1527 و 1528]، والترمذي في الدعوات [3371] وابن ماجه في الأدب [3869]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6693 - (00) (00) (حدثنا ابن نمير وإسحاق بن إبراهيم وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي (جميعًا) أي كلهم رووا (عن حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (عن عاصم) بن سليمان الأحول البصري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن أبي موسى، غرضه بيان متابعة حفص بن غياث لمحمد بن فضيل وأبي معاوية، وساق حفص (نحوه) أي نحو حديث ابن فضيل وأبي معاوية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

6694 - (00) (00) حدّثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ)، حَدَّثَنَا التَّيْمِييُّ عَنْ أَبِي عُثمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَصْعَدُونَ فِي ثَنِيَّةٍ. قَالَى: فَجَعَلَ رَجُلٌ، كُلَّمَا عَلاَ ثَنِيَّةً، نَادَى: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ. قَالَ: فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا إِنَّكُمْ لاَ تُنَادُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا" قَالَ: فَقَالَ: "يَا أَبا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ"؟ قُلْتُ: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6694 - (00) (00) (حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين) الجحدري البصري (حدثنا يزيد يعني ابن زريع حدثنا) سليمان (التيمي عن أبي عثمان عن أبي موسى) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان التيمي لعاصم الأحول (أنهم) أي أن الصحابة (كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصعدون) أي يطلعون (في ثنية) وهي طريق في الجبلى (قال) أبو موسى: (فجعل رجل) قال ابن حجر في الفتح [11/ 501] في رقم [6610] لم أقف على اسم هذا الرجل ولم يعينه أحد من الشراح اه من تنبيه المعلم؛ أي شوع رجل (كلما علا) وصعد (ثنية نادى) وصاح بقول (لا إله إلا الله والله أكبر، قال) أبو موسى: (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إنكم) أيها المؤمنون (لا تنادون) ربًا (أصم) أي لا يسمع صوتًا منخفضًا (ولا) ربًا (غائبًا) عنكم فلا ترفعوا أصواتكم في الأذكار (قال) أبو موسى: (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا موسى أو) قال (يا عبد الله بن قيس) بالشك من الراوي (ألا) بالتخفيف حرف عرض وهو الطلب برفق أي ألا (أدلك على كلمة) فيه إطلاق الكلمة على الجملة (من كنز الجنة) وغراسها، قال أبو موسى: (قلت) له صلى الله عليه وسلم: نعم (ما هي) أي ما تلك الكلمة (يا رسول الله؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة هي قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:

6695 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. 6696 - (00) (00) حدّثنا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ. قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَاصِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6695 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن عبد الأعلى) القيسي الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا المعتمر) بن سليمان التيمي البصري، ثقة، من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان، ثقة، من (4) (حدثنا أبو عثمان عن أبي موسى) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة المعتمر ليزيد بن زريع في الرواية عن سليمان بن طرخان (قال) أبو موسى: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم) صاعد في ثنية مع أصحابه (فذكر) المعتمر (نحوه) أي نحو حديث يزيد بن زريع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6696 - (00) (00) (حدثنا خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة البزار بالراء البغدادي المقرئ، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (قالا: حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (عن أيوب) السختياني (عن أبي عثمان) النهدي (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لعاصم بن سليمان (قال) أبو موسى: كنا معاشر الصحابة (مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) يعني سفر غزوة خيبر كما مر (فذكر) أيوب (نحو حديث عاصم) الأحول. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

6697 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا الثَّقَفِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ فِيهِ: "وَالَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ". وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. 6698 - (00) (00) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، (وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ)، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ - أَوْ قَالَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ 6697 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (حدثنا خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي أبو المنازل البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (15) بابًا (عن أبي عثمان عن أبي موسى) رضي الله عنه، غرضه بيان متابعة خالد الحذاء لعاصم وسليمان التيمي وأيوب (قال) أبو موسى: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ) لعلها غزوة خيبر كما مر عن ابن حجر (فَذَكَر) خالد الحذاء الحديث السابق (وقال) خالد (فيه) أي في الحديث أي زاد فيه لفظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (و) الإله (الذي تدعونه) وتذكرونه، والموصول مبتدأ والخبر قوله: (أقرب) قربًا يليق به لا نصفه ولا نكيّفه (إلى أحدكم) أيها الناس (من) قرب (عنق راحلة أحدكم) إليه إذا ركبها (وليس في حديثه) أي في حديث خالد (ذكر) لفظة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وهذا بيان لمحل المخالفة بينه وبين غيره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6698 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني البصري ثم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عثمان وهو ابن غياث) الراسبي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا أبو عثمان) النهدي (عن أبي موسى الأشعري) غرضه بيان متابعة عثمان بن غياث لمن روى عن أبي عثمان (قال) أبو موسى: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك) يا أبا موسى (على كلمة من كنوز الجنة أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم بالشك

عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: "لاَ حَوْلَ وَلاَ قوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ". 6699 - (2684) (33) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ من الراوي (على كنز من كنوز الجنة) بدل كلمة، قال أبو موسى: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (بلى) أي نعم دلني عليها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو استحباب الدعاء في الصلاة بحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: 6699 - (2684) (33) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأموي أبي رجاء المصري، عالمها، ثقة كثير الحديث، من (5) روى عنه في (12) بابًا (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله الحميري اليزني الفقيه المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله تعالى عنهما (عن أبي بكر) الصديق رضي الله عنه (أنه) أي أن أبا بكر (قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (علّمني دعاء أدعو به في صلاتي) فيه طلب التعليم من العالم في كل ما فيه خير خصوصًا الدعوات التي فيها جوامع الكلم اه عيني، قوله: (أدعو به في صلاتي) أي في آخر صلاتي بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه أراد به الدعاء في السجود، قال القرطبي: إنما خص الصلاة لأنه بالإجابة أجدر وقد قال صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" رواه (م) [482]، و (د) [875]، و (س) [2/ 226]، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل) يا أبا بكر (اللهم إني ظلمت نفسي) أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أي ينقص حقوقها عند الله (ظلمًا كبيرًا) بالباء الموحدة أي عظيمًا

-وَقَالَ قُتَيبَةُ: كَثِيرًا- وَلاَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. فَاغْفِرْ لِي مَغفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". 6700 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ جرمه وذاته (وقال قتيبة) في روايته ظلمًا (كثيرًا) عدده، وقد تقدم أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه وظلم الإنسان لنفسه هو تركها مع هواها حتى يصدر عنها من المعاصي ما يوجب عقوبتها اه من المفهم. وفيه أن الإنسان لا يخلو عن تقصير ولو كان صدّيقًا (ولا ينفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة) صادرة (من عندك) أي من فضلك وجودك وكرمك، وغفران الذنوب هو سترها بالتوبة عنها أو بالعفو عنها أي فاغفر لي تفضلًا من عندك وإن لم أكن أهلًا لها وإلا فالمغفرة والرحمة وكل شيء من عنده تعالى وقد أكد ذلك قوله: (وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) أي لأنك كثير المغفرة والرحمة لا لأني أستحق ذلك اه مفهم. قال الطيبي: قوله: (مغفرة) دل التنكير فيه على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووصفه بكونه من عنده تعالى مريدًا لذلك العظم لأن الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف، وقال ابن دقيق العيد: إنه إشارة إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره اه، قال القرطبي: وقد استحب بعض العلماء أن يدعى بهذا الدعاء في الصلاة قبل التسليم والصلاة كلها عند علمائنا محل للدعاء كير أنه يكره الدعاء في الركوع وأقربه للإجابة السجود كما قلناه، وقد قدمنا أنه يجوز أن يدعى في الصلاة بكل دعاء كان بألفاظ القرآن أو بألفاظ السنة أو غيرها خلافًا لمن منع ذلك إذا كان بألفاظ من عند الناس وهو أحمد بن حنبل وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 2]، والبخاري في مواضع منها في كتاب الدعوات باب الدعاء في الصلاة [6326]، والترمذي في الدعوات [3521]، والنسائي في السهو [1302] وابن ماجه في الدعاء [3835]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال رحمه الله تعالى: 6700 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح الأموي

أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي رَجُلْ سَمَّاهُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ، دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي وَفِي بَيْتِي، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "ظُلْمًا كَثِيرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني رجل سماه) ابن وهب باسمه، بيّن هذا الرجل المبهم ابن خزيمة في روايته أنه ابن لهيعة وإنما أبهمه مسلم رحمه الله تعالى لضعفه، والحديث صحيح لأنه رواه عمرو بن الحارث أيضًا، والمعنى قال لنا أبو الطاهر: أخبرنا ابن وهب، وقال لنا ابن وهب: أخبرني رجل سماه أي ذكر لنا ابن وهب اسم ذلك الرجل ولكن تركنا اسمه لكونه ضعيفًا (و) قال ابن وهب أيضًا: أخبرني (عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، الفقيه المقرئ، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابًا (عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إن أبا بكر الصديق قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد (علّمني يا رسول الله دعاء أدعو به في صلاتي) وزاد عمرو على ليث لفظة (وفي بيتي، ثم ذكر) عمرو بن الحارث (بمثل حديث الليث غير أنه) أي لكن أن عمرو بن الحارث (قال) في روايته (ظلمًا كثيرًا) بالجزم بلا شك، ودل الحديث على أن الطالب ينبغي له أن يتعلم من شيخه العالم أدعية مناسبة تكون جامعة للخيرات. قال في الكواكب: وهذا الدعاء من جوامع الكلم إذ فيه الاعتراف بغاية التقصير وهو كونه ظالمًا ظلمًا كثيرًا وطلب غاية الإنعام التي هي المغفرة والرحمة فالأول عبارة عن الزحزحة عن النار والثاني إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم اه. قال العيني: فيه اعتراف بان الله سبحانه هو المتفضل المعطي من عنده رحمة على عباده من غير مقابلة على حسن، وفيه أيضًا استحباب قراءة الأدعية في آخر الصلاة من الدعوات المأثورة والمشابهة لألفاظ القرآن اه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو التعوذ من شر الفتن بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

6701 - (2685) (34) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، (وَاللَّفْظُ لأبَي بَكْرٍ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ: "اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَعَذَاب النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6701 - (2685) (34) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ لأبي بكر قالا: حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) دائمًا (يدعو بهؤلاء الدعوات) الآتية المذكورة بقوله: (اللهم فإني) الفاء زائدة كما هي ساقطة في رواية البخاري وغيره (أعوذ) أي أتحصن (بك من فتنة النار) قال القرطبي: فتنة النار الضلال الموصل إليها، وقال القسطلاني: (فتنة النار) سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ (وعذاب النار) أي العقوبة فيها والتعذيب بها (وفتنة القبر) هي الضلال عن صواب إجابة بسؤال الملكين فيه وهما منكر ونكير كما تقدم (وعذاب القبر) وهو ضرب من لم يوفق بالجواب بمطارق الحديد وتعذيبه إلى يوم القيامة (ومن شر فتنة الغنى) هي الحرص على جمع المال وحبه حتى يكتسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه، قال الأبي: جمعه من حله ليس بفتنة، وفي المدارك عن يحيى بن يحيى جمع الدنيا من وجهها من الزهد فيها وفي جامع المقدمات ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا زهد في الحلال وإنما الزهد في الحرام لأن العُبّاد لم يؤمروا بالزهد فيما أحل لهم بل يثابون على كسبه إذا تورعوا في كسبه اه منه (ومن شر فتنة الفقر) هي أنه لا يصحبه صبر ولا ورع حتى يقع فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة اه سنوسي، قال القرطبي: يعني به الفقر المدقع الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الأديان ولا بأهل المروءات حتى لا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي ركاكة تورط، وقيل: المراد به فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدل على أن الغنى أفضل من الفقر ولا أن الفقر أفضل من الغنى لأن الغنى والفقر المذكورين هنا مذمومان باتفاق العقلاء اه من المفهم. قال النووي: قوله: (من شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر) لأنهما حالتان تخشى الفتنة فيهما

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتسخط وقلة الصبر والوقوع في حرام أو شبهة للحاجة ويخاف في الغنى من الأشر والبطر والبخل بحقوق المال أو إنفاقه في إسراف أو في باطل أو في مفاخر اه (وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال) لأنه كان يفتن الناس إلى الإقرار بألوهيته ويعذب من أنكرها أو يقتله كما سيأتي في بابه وإنما لقب الدجال بالمسيح لأنه ممسوح العين، وقيل لأن أحد شقي وجهه خُلق ممسوحًا لا عين فيه ولا حاجب، وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج، وأما عيسى عليه السلام فقد سُمي بذلك لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، وقيل لأن زكرياء عليه السلام مسحه، وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته، وقيل لأن رجله كانت لا أخمص لها، وقيل للبسه المسوح، وقيل هو بالعبرانية ما شيخا فعُرِّب إلى المسيح (اللهم اغسل) عني (خطاياي) وذنوبي (بماء الثلج) والثلج الماء الذي تجمد لشدة برودته، قال العسقلاني: كأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المياه الباردة غاية البرودة (و) بماء (البرد) بفتحتين حبوب الغمام التي تنزل من السماء مع المطر لأنها أنقى المياه أوساخًا (ونق قلبي من الخطايا) والذنوب كما ينقى) ويصفى (الثوب الأبيض من الدنس) أي من الوسخ، والمعنى ونق قلبي من الخطايا الباطنية وهي الأخلاق الذميمة والشمائل الرديئة، قوله: (ونق) بفتح النون وتشديد القاف (كما) صفَّيت و (نقيت الثوب) بفتح المثناة الفوقية وهو تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (وباعد) يا رب (بيني وبين خطاياي) جمع خطيئة أي أبعد بيني وبينها (كما باعدت) كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) أي حُلْ بيني وبينها حتى لا يبقى لها مني اقتراب بالكلية (اللهم فإني) الفاء زائدة كما مرَّ أعوذ بك من الكسل وهو الفتور عن الشيء مع القدرة على عمله إيثارًا لراحة البدن على التعب اه قسطلاني، قال القرطبي: والكسل المتعوذ منه هو التكاسل عن الطاعات وعن السعي في تحصيل المصالح الدينية والدنيوية ومن (الهرم) وهو الزيادة في كبر السن المؤدية إلى ضعف

وَالْمَأثَمِ وَالْمَغْرَمِ". 6702 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ وَوَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأعضاء، قال القرطبي: والهرم المتعوذ منه هو المعبّر عنه في الحديث الآخر بأرذل العمر وهو ضعف القوى واختلال الحواس والعقل الذي يعود الكبير بسببه إلى أسوأ من حال الصغير، وهو الذي قالى الله تعالى فيه: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)} [يس: 68] قال النووي: والمراد بالاستعاذة من الهرم الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم وتشويه بعض المنظر منه والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها اه (و) أعوذ بك من (المأثم) أي الإثم والذنب والمراد ما يوجب الإثم (والمغرم) أي الدين فيما لا يجوز والمأثم بفتح الميم والمثلثة بينهما همزة ساكنة مصدر ميمي وكذا المغرم مصدر بمعنى الغرم، وأما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الغرم وهو الدين فقد فسره صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة أن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف ولأنه قد يمطل المدين صاحب الدين ولأنه قد يشتغل به قلبه وربما مات قبل وفائه فبقيت ذمته مرتهنة به اه نووي، والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز وفيما يجوز ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك، وزاد البخاري في آخر هذا الحديث فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 88]، والبخاري في مواضع منها في الدعاء باب التعوذ من الماثم والمغرم [6368]، وأبو داود في الصلاة باب الدعاء في الصلاة [1880] والنسائي في الاستعاذة من المغرم والمأثم [5454]، وابن ماجه في الدعاء [3883]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6702 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب حدثنا أبو معاوية ووكيع) كلاهما رويا (عن هشام) بن عروة، غرضه بيان متابعة أبي معاوية ووكيع لعبد الله بن نمير وساقا (بهدا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة مثل حديث ابن نمير.

6703 - (2686) (35) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ. حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَالْبُخْلِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو التعوذ من العجز والكسل بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6703 - (2686) (35) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدثنا) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (قال) إسماعيل: حدثنا غير سليمان (وأخبرنا) أيضًا (سليمان) بن طرخان (التيمي) أبو المعتمر البصري، ثقة، من (4) وقوله: وأخبرنا معطوف على محذوف كما قدرناه (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) دائمًا (يقول) في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من العجز) وهو عدم القدرة على الخير، وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف وكلاهما تستحب الإعاذة منه اه نووي (والكسل) وهو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه مع إمكانه (والجبن) وهو عدم الإقدام على مخالفة النفس والشيطان وهو ضد الشجاعة (والهرم) وهو الرد إلى أرذل العمر كما مر (والبخل) وهو الكف عن الإنفاق فيما يجب أن يستحسن فيه، وإنما تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجبن والبخل لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات والقيام بحقوق الله تعالى وإزالة المنكر ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات ويقوم الإنسان بنصر المظلوم والجهاد، وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال فيواسي به ويُلمّ به شعث المساكين، وقوله: (وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات) الإضافة في كل منها من إضافة المظروف إلى ظرفه، وقد تقدم تفسير عذاب القبر وقال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر اه فتح الباري [2/ 319].

6704 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعلَى. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القاضي عياض: واستعاذته صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء ومما اشتملت عليه أحاديث الباب إنما هو لتكمل حاله كل حين وأن لا يتغير ما به من نعمة وتعليمًا للأمة اه، قال الأبي: قال عز الدين: يجوز الدعاء بما علمت السلامة منه قال لأن للدعاء فائدتين تحصيل المطلوب والثاني كونه عبادة فالأولى وإن انتفت فتبقى الثانية فدعاؤه صلى الله عليه وسلم من هذا النحو مع ما فيه من أنه تعليم للأمة، قال القاضي عياض: وأحاديث الباب دالة على جواز الدعاء بما شاء العبد على التفصيل. قال النووي: بل على استحباب الدعاء بذلك وهو الصحيح والذي أجمع عليه علماء الفتوى وذهبت طائفة من الزهاد وأرباب المعارف إلى أن ترك الدعاء استسلامًا للقضاء أفضل، وقال آخرون إن دعا للمسلمين فحسن وإن دعا لنفسه فالأولى تركه، وقال آخرون منهم إن وجد في نفسه نشاطًا للدعاء استحب وإلا فلا ودليل العلماء الكتاب والسنة اه من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 113]، والبخاري في مواضع منها في الدعوات باب التعوذ من الجبن والكسل [6369]، وأبو داود في الصلاة باب الاستعاذة [5140 و 5141]، والترمذي في الدعوات باب الاستعاذة من الهم والدين [3480 و 3481]، والنسائي في الاستعاذة من البخل والهم ومن الحزن [5449 و 5452]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6704 - (00) (00) (وحدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري البصري (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي البصري (ح وحدثنا محمد بن عبد الأعلى) القيسي البصري (حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي، ثقة، من (9) (كلاهما) أي كل من يزيد ومعتمر رويا (عن) سليمان بن طرخان (التيمي) البصري، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته، غرضه بيان متابعتهما لإسماعيل بن علية (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساقا (بمثله) أي بمثل حديث ابن علية (غير أن) أي لكن أن

يَزِيدَ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ قَوْلُهُ: "وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". 6705 - (00) (00) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا. وَالْبُخْلِ. 6706 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا هَارُونُ الأعوَرُ. حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يزيد) بن زريع (ليس في حديثه) أي في روايته (قوله) صلى الله عليه وسلم (ومن فتنة المحيا والممات). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6705 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء أخبرنا) عبد الله (بن مبارك) بن واضح الحنظلي المروزي، ثقة، من (8) (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة ابن المبارك لمن روى عن سليمان التيمي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ من أشياء ذكرها) أنس بن مالك (و) تعوذ أيضًا من (البخل). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6706 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري، صدوق، من (10) (حدثنا بهز بن أسد العمي) البصري، ثقة، من (9) (حدثنا هارون) بن موسى النحوي (الأعور) أبو عبد الله البصري صاحب القراءة، ويقال: كنيته أبو موسى، روى عن شعيب بن الحبحاب في الدعاء وأبي إسحاق وأبي الضحى والأعمش، ويروي عنه (م) وبهز بن أسد وشعبة والثوري وشريك وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي: كان ثقة مأمونًا، وقال أبو زرعة وأبو داود: ثقة، وقال شعبة: من خيار المسلمين، وقال البزار: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، له عند (م) فرد حديث، وقال في التقريب: صدوق رُمي بالرفض، وقيل رجع عنه، من السابعة (حدثنا شعيب بن الحبحاب) الأزدي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة

قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخلِ وَالْكَسَلِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". 6707 - (2687) (36) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدَّثَنِي سُمَيٌّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ شعيب بن الحبحاب لسليمان التيمي (قال) أنس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو) دائمًا (بهؤلاء الدعوات) المذكورة بقوله: (اللهم إني أعوذ بك من البخل) عن أداء الواجبات والحقوق (و) أعوذ بك من (الكسل) أي الفتور عن فعل الخيرات (و) أن أرد إلى (أرذل العمر) وأخسها لما فيه من الخرف وعدم الفهم وقلة العقل وضعف الجسد (و) أعوذ بك (من عذاب القبر) أي من التعذيب في القبر كما مر (و) من (فتنة المحيا) التي من أعظمها فتنة الدجال (والممات) التي منها سوء الختام والعياذ بالله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة (وهو التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء) بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6707 - (2687) (36) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد وزهير بن حرب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة حدثني سُميّ) مصغرًا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب، وليس في مسلم من اسمه سُميّ إلا هذا الثقة (عن أبي صالح) السمان القيسي مولاهم المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من سوء القضاء) والمراد بالقضاء هنا المقضي لأن حكمه كله حسن لا سوء فيه لكن قد يكون المقضي عليه شيئًا في حق بعض الأفراد وإن كان خيرًا بالنسبة إلى مجموع التكوين وهو عام في النفس والمال والأهل والولد والخاتمة والمعاد وهو من الأدعية الجامعة حيث تعوذ به من كل سوء يعرض بالإنسان في المعاش والمعاد أي أعوذ بك من المقضي المضر لي الذي ليس لي فيه خير كالكفر والمعاصي والعذاب في الآخرة. والمعنى كان يتعوذ من شر القضاء وضرره أي الضرر المقضي عليه أزلًا كالكفر والمعاصي (ومن درك الشقاء) أي ومن الشقاء الذي يدركني في الآخرة، والخيبة التي تهلكني فيها، قال القرطبي: يُروى بفتح الراء وبإسكانها فبالفتح الاسم وبالإسكان

وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، وَمِنْ جُهدِ الْبَلاَءِ. قَالَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: قَالَ سُفْيَانُ: أَشُكُّ أَنِّي زِدْتُ وَاحِدَةً مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدر وهما متقاربان والمتعوذ منه أن يلحقه شقاء في الدنيا يتعبه ويثقله وفي الآخرة يعذّبه. والمعنى أعوذ بك من أن يدركني شقاء وخيبة (ومن شماتة الأعداء) وفرحهم بما نزل بي من البلاء والمصيبة، قال النووي: هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه يقال منه شمت يشمت من باب فرح فهو شامت وأشمته غيره، وقال القرطبي: وشماتة الأعداء هي ظفرهم به أو فرحهم بما يلحقه من الضرر والمصائب (ومن جهد البلاء) أي تعبه وضرره، قال القرطبي: يُروى بفتح الجيم وضمها هما لغتان بمعنى واحد، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جهد البلاء قلة المال وكثرة العيال. والمعنى إني أعوذ بك من أن يجهدني البلاء أي يجعلني في مشقة وتعب، قال ابن بطال وغيره: جهد البلاء كل ما أصاب المرء من شدة مشقة وما لا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه والحق أن ذلك فرد من أفراد جهد البلاء اه فتح الباري [11/ 149] قال القرطبي: وقد جاء هذا الدعاء مسجعًا كما ترى الآن لكن ذلك السجع لم يكن متكلفًا وإنما يكره من ذلك ما كان متكلفًا وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوات وتعوذ بهذه التعوذات إظهارًا للعبودية وبيانًا للمشروعية ليقتدى بدعواته ويتعوذ بتعويذاته والله تعالى أعلم اه من المفهم (قال عمرو) الناقد (في حديثه) وروايته (قال) لنا (سفيان) عندما حدّثنا هذا الحديث (أشك) أنا في (أني زدت واحدة منها) أي واحدة من هذه الدعوات الأربع على ما سمعته من شيخي سُميّ ولم أدر أيتهن هي، وفي رواية علي بن عبد الله عند البخاري قال سفيان: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي، مراده أن الحديث المرفوع مشتمل على ثلاث جمل من الجمل الأربع، والرابعة زادها سفيان بن عيينة من قبل نفسه ثم خفي عليه تعيينها، وأخرجه الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم عن سفيان فاقتصر على ثلاثة ثم قال: قال سفيان: وشماتة الأعداء، وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان وبيّن أن الخصلة المزيدة هي شماتة الأعداء، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق شجاع بن مخلد عن سفيان مقتصرًا على الثلاثة دونها وعرف من ذلك تعيين الخصلة المزيدة اه فتح الباري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 246]، والبخاري في مواضع

6708 - (2688) (37) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ؛ أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمِ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منها في الدعوات باب التعوذ من جهد البلاء [6347]، والنسائي في الاستعاذة من سوء القضاء [5491] والاستعاذة من درك الشقاء [5492]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث خولة بنت حكيم السلمية رضي الله تعالى عنهما فقال: 6708 - (2688) (37) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا محمد بن رمح واللفظ له أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابًا (عن الحارث بن يعقوب) الأنصاري مولاهم مولى قيس بن سعد بن عبادة أبي عمرو المصري والد عمرو بن الحارث، ثقة، من (5) روى عنه في (2) بابين الصلاة والدعاء (أن يعقوب بن عبد الله) بن الأشج المخزومي مولاهم اْبي يوسف المدني، ثقة، من (5) روى عنه في بابين الوضوء والدعاء (حدّثه) أي حدث للحارث (أنه) أي أن يعقوب (سمع بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني الزاهد العابد، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (يقول) بسر (سمعت سعد بن أبي وقاص) مالك بن أهيب بن عبد مناف الزهري المدني رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب (يقول) سعد: (سمعت خولة) بفتح الخاء وسكون الواو ويقال لها خويلة بالتصغير (بنت حكيم) بن أمية بن الأوقص بن مرة بن هلال (السلمية) من المهاجرات امرأة عثمان بن مظعون أم شريك الصحابية رضي الله تعالى عنها، لها خمسة عشر حديثًا، انفرد لها (م) بحديث، يروي عنها (م ت س ق) وسعد بن أبي وقاص في الدعاء، وسعيد بن المسيب، وأرسل عنها عمر بن عبد العزيز. وهذا السند من ثمانياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابية، وفيه أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض (تقول) خولة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نزل منزلًا) أي أقام مكانًا من الصحراء في سفره (ثم قال: أعوذ بكلمات الله

التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلِكَ ". 6709 - (00) (00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ التامات) أي أتحصن بها (من شر) وضرر (ما خلق) الله سبحانه من الإنس والجن والسباع والهوام (لم يضره) أي لم يوصل إليه الضرر (شيء) من المخلوق (حتى يرتحل من منزله ذلك) الذي نزل فيه. قوله: (بكلمات الله التامات) قيل معناه الكاملات اللاتي لا يلحقها نقص ولا عيب كما يلحق كلام البشر، وقيل: معناه الشافية الكافية، وقيل الكلمات هنا هي القرآن فإن الله تعالى قد أخبر عنه بأنه هدى وشفاء. وهذا الأمر على جهة الإرشاد إلى ما يدفع به الأذى ولما كان ذلك استعاذة بصفات الله تعالى والتجاء إليه كان ذلك من باب المندوب إليه المرغب فيه، وعلى هذا فحق المتعوذ بالله تعالى وبأسمائه وصفاته أن يصدق الله في التجائه إليه ويتوكل في ذلك عليه ويحضر ذلك في قلبه فمتى فعل ذلك وصل إلى منتهى طلبه ومغفرة ذنبه. قوله: (لا يضره شيء حتى يرتحل منه) هذا خبر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليلًا وتجربة فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت به فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب بالمهدية (اسم مكان) ليلًا فتفكرت في نفسي فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات فقلت لنفسي ذامًا لها وموبخًا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الملدوغ "أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 377]، والترمذي في الدعوات باب ما يقول إذا نزل منزلًا [3433]، وابن ماجه في الطب باب الفزع والأرق وما يتعوذ به منه [3592]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث خولة بنت حكيم رضي الله تعالى عنها فقال: 6709 - (00) (00) (وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وأبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (كلاهما) رويا (عن) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (واللفظ) الآتي (لهارون) قال

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرٌو (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ)؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَالْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ حَدَّثَاهُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّات مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ. فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّهُ شَيءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ " ـــــــــــــــــــــــــــــ هارون: (حدثنا عبد الله بن وهب) بصيغة السماع (قال) ابن وهب: أخبرنا غير عمرو (وأخبرنا) أيضًا (عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابًا (أن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي المصري (والحارث بن يعقوب) الأنصاري المدني (حدثاه) أي حدثا لعمرو بن الحارث (عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج) المخزومي المدني (عن بسر بن سعيد) المدني (عن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني (عن خولة بنت حكيم السلمية) الصحابية المدنية رضي الله تعالى عنهما (أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد (إذا نزل أحدكم منزلًا) جديدًا سفرًا أو حضرًا (فليقل) أول نزوله فيه (أعوذ) وأتحصن (بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه) أي فإن الشأن والحال (لا يضره شيء حتى يرتحل منه) أي من ذلك المنزل ببركة كلمات الله سبحانه، قيل الكلمات التامة هنا القرآن، وفي المبارق هي كتبه المنزلة على أنبيائه، وقيل: المراد بها صفات الله وقد جاء الاستعاذة بها في قوله صلى الله عليه وسلم أعوذ بعزة الله وقدرته اه. قوله: (إذا نزل أحدكم منزلًا) قال الأبي: ليس ذلك خاصًا بمنازل السفر بل عام في كل موضع جلس فيه أو نام وكذلك لو قالها عند خروجه للسفر أو عند نزوله للقتال الجائز فإن ذلك كله من هذا الباب وشرط نفع ذلك النية والحضور ولو قالها أحد وحصل له ضرر شيء حمل على أنه لم يقله بنية، ومعنى النية أن يستحضر في قلبه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى التحصن بها وأنه الصادق المصدوق اه منه، قوله: (لم يضره شيء) .. إلخ أي من هوام أو سارق أو غير ذلك لأنها نكرة في سياق النفي اه سنوسي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد ثانيًا فقال:

6710 - (00) (00) قَالَ يَعْقُوبُ: وَقَالَ الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ ذَكْوَانَ، أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنًهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ. قَالَ: " أَمَا لَوْ قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ". 6711 - (00) (00) وحدَّثني عِيسَى بْنُ حَمَّاد الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6710 - (00) (00) (قال يعقوب) بن عبد الله بن الأشج بالسند السابق حدثنا بسر بن سعيد هذا الحديث السابق عن خولة بنت حكيم (وقال) لنا أي حدّث لنا أيضًا (القعقاع بن حكيم) الكناني المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن ذكوان) السمان (أبي صالح) القيسي مولاهم المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من ثمانياته، غرضه بسوقه بيان متابعة القعقاع بن حكيم لبسر بن سعيد، ولكنها متابعة وقعت في الشاهد (أنه) أي أن أبا هريرة (قال: جاء رجل) من أسلم كما في الموطإ وقيل من الأنصار كما في المعلم ولكن لم أر من ذكر اسمه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت) الراحة والنوم في هذه الليلة (من) أجل (عقرب لدغتني) في (البارحة) يوضح ما ذكرنا في حلنا ما ورد في رواية مالك في الموطإ ولفظها (أن رجلًا من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شيء فقال: لدغتني عقرب) فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (لو قلت حين أمسيت) أي حين دخلت في المساء (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك) العقرب، قال الأبي: هو ظاهر في أن قوله ذلك عند المساء كاف ولا تحتاج إلى تكراره عند دخول الدار ولا عند النوم اه. وهذا الحديث انفرد به المؤلف ولكنه شاركه الإمام مالك أخرجه في الموطإ في الشعر باب ما يؤمر به من التعوذ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث الشاهد أعني حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6711 - (00) (00) (وحدثني عيسى بن حماد) بن مسلم الأنصاري التجيبي مولاهم أبو موسى (المصري) لقبه زغبة بضم الزاي وسكون المعجمة بعدها موحدة، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرني الليث) بن سعد المصري

عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ؛ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ؛ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ، مَوْلَى غَطَفَانَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَدَغَتْنِي عَقرَبٌ، بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر) بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة القرشي أبو شرحبيل المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (6) (عن يعقوب) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني، ثقة، من (5) (أنه) أي أن يعقوب (ذكر) أي حدّث (له) أي لجعفر (أن أبا صالح) الغطفاني مولاهم (مولى) عبد الله بن (غطفان) وقيل القيسي أي مولاهم مولى جويرية بنت الحارث امرأة من قيس، ثقة، من (3) (أخبره) أي أخبر ليعقوب بن عبد الله بن الأشج (أنه) أي أن أبا صالح (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ليث بن سعد لعبد الله بن وهب ولكنها متابعة ناقصة لأن عبد الله بن وهب روى عن يزيد بن أبي حبيب بواسطة عمرو بن الحارث وليث بلا واسطة أي أن أبا صالح سمع أبا هريرة (يقول: قال رجل يا رسول الله لدغتني عقرب) وساق ليث بن سعد (بمثل حديث ابن وهب) والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أحد عشر: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث الأغر المزني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والسابع: حديث أبي بكر الصديق ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والعاشر: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة، والحادي عشر: حديث خولة بنت حكيم ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات واحدة منها متابعة في نفس الحديث واثنتان متابعة في الشاهد والله سبحانه وتعالى أعلم.

739 - (4) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، والتعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل

739 - (4) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، والتعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل 6712 - (2689) (38) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ - (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ. حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 739 - (4) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، والتعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال: 6712 - (2689) (38) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لعثمان قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابًا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة بعدها موحدة الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (20) بابًا (عن سعد بن عبيدة) مصغرًا السلمي الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (حدثني البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبو عمارة الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أخذت مضجعك) ومرقدك أي إذا أردت النوم في مضجعك (فتوضأ وضوءك للصلاة) أي وضوءًا كوضوئك للصلاة (ثم اضطجع على شقك) وجنبك (الأيمن) قال القرطبي: هذا الأمر على جهة الندب لأن النوم وفاة وربما يكون موتًا كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42] ولما كان الموت كذلك ندب النبي صلى الله عليه وسلم النائم إلى أن يستعد للموت بالطهارة والاضطجاع على اليمين على الهيئة التي يوضع عليها في

ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ. وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ. وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قبره، وقيل: الحكمة في الاضطجاع على اليمين أن يتعلق القلب إلى الجانب اليمين فلا يثقل النوم، وفيه دليل على أن النوم على طهارة كاملة أفضل ويتأكد الأمر في حق الجنب غير أن الشرع قد جعل وضوء الجنب عند النوم بدلًا عن غسله تخفيفًا عليه وإلا فذلك الأصل يقتضي أن لا ينام حتى يغتسل، وقد تقدم القول في الأمر في حق الجنب عند النوم في الطهارة اه من المفهم. قال النووي: في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة إحداها الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضئًا كفاه لأن مقصوده النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان في منامه وترويعه إياه، والثانية النوم على الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه، والثالث ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله إن مات في نومه اه منه. (ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي) أي نفسي وذاتي (إليك) أي استسلمت لأمرك وجعلت نفسي خاضعة منقادة طائعة لحكمك، وفي رواية (نفسي) بدل (وجهي) وكلاهما بمعنى الذات والشخص فكأنه قال: أسلمت ذاتي وشخصي، وقيل: إن معنى الوجه القصد والعمل الصالح ولذلك جاء في رواية (أسلمت نفسي إليك ووجهي إليك) فجمع بينهما فدل على أنهما أمران متغايران كما قلناه ومعنى أسلمت سلّمت واستسلمت أي سلمتها لك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها ولا على دفع ما يضرها بل أمرها إليك مسلّم تفعل فيها ما تريد واستسلمت لما تفعل فيها فلا اعتراض على ما تفعل ولا معارضة اه من المفهم، والمعنى جعلت نفسي منقادة لك وجعلت قصدي متوجهًا نحوك. قوله: (ثم اضطجع على شقك الأيمن) بكسر الشين وتشديد القاف بمعنى الجانب، قال ابن الجوزي: هذه الهيئة نَصَّ الأطباء على أنها أصلح للبدن قالوا: يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعة ثم ينقلب إلى الأيسر لأن الأول سبب لانحدار الطعام، والنوم على اليسار يهضم الطعام لاشتمال الكبد على المعدة، ذكره الحافظ في الفتح. (وفوضت أمري إليك) أي توكلت عليك في أمري كله لتكفيني همه وتتولى إصلاحه (وألجأت ظهري إليك) أي أسندت إليك لتقويه وتعينه على ما ينفعني لأن من استند إلى

رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيكَ. لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيكَ. آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ. وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلاَمِكَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتَّ وَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء تقوى به واستعان، وقوله: (رغبة ورهبة إليك) كلاهما مفعول لأجله للفعلين المذكورين قبله على طريق اللف والنشر المرتب، وإليك متعلق برغبة ويقدّر للثاني متعلَّقه، والمعنى فوضت أمري إليك رغبة إليك أي طمعًا في رفدك وثوابك، وإلى بمعنى في وألجأت ظهري إليك خوفًا منك ومن أليم عذابك، قال ابن الجوزي: أسقط من مع ذكر الرهبة وأعمل إلى مع ذكر الرغبة وهو على طريق الاكتفاء كقول الشاعر: وزججن الحواجب والعيونا والعيون لا تزجج لكن لما جمعهما في نظم حمل أحدهما على الآخر في اللفظ وكذا قال الطيبي ومثل بقوله: متقلدًا سيفًا ورمحًا نقله الحافظ في الفتح ثم قال: ولكن ورد في بعض طرقه بإثبات (من) ولفظه (رهبة منك ورغبة إليك) أخرجه النسائي وأحمد من طريق حسين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة (لا ملجأ ولا منجا) أي لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص (منك) أي من عقوبتك (إلا إليك) أي إلا إلى رحمتك وهو بمعنى ما ورد من قوله: (أعوذ بك منك) اه مرقاة، وقيل هو راجع لقوله: (رغبة ورهبة إليك) على طريق اللف والنشر المرتب أي لا ملجأ للطالب والطامع ولا منجا للخائف، قال الحافظ: أصل ملجإ بالهمز ومنجا بغير همز ولكن لما جمعا جاز أن يُهمز للازدواج وأن يُترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويُترك الآخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير الأوجه خمسة والمعنى لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجأ منك إلا إليك أه (آمنت بكتابك الذي أنزلتـ) ـه على رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن أو بجميع كتبك الذي أنزلته على جميع رسلك فالمراد بالكتاب الجنس الصادق بجميع الكتب وكذا يقال في قوله: (وبنبيك الذي أرسلت، واجعلهن) أي واجعل هذه الأدعية (من آخر كلامك) عند النوم (فإن مت من ليلتك) هذه (مت وأنت على الفطرة) الإسلامية أي على دين الإسلام كما قال في الحديث الآخر (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أحمد [5/ 233 -

قَالَ: فَرَدَّدْتُهُنُّ لأَسْتَذكِرَهُنَّ فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. قَالَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 247]، وأبو داود [3116] أي مات على دين الفطرة وهو الإسلام، وقيل: المراد منه فطرة أصحاب اليمين ووقع في رواية لأحمد (بُني له بيت في الجنة) وسيأتي في رواية أخرى (وإن أصبح أصاب خيرًا) أي صلاحًا في ذلك وزيادة في أجره وأعماله، قال القرطبي: هكذا قال الشيوخ في هذا الحديث، وفيه نظر لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرها من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت على الفطرة كما يموت من قال: لا إله إلا الله ولم يخطر له شيء من تلك الأمور فأين فائدة تلك الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة فالجواب أن كلًا منهما وإن مات على فطرة الإسلام فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الطائفة الأولى فطرة المقربين والصديقين وفطرة الثانية فطرة أصحاب اليمين اه من المفهم (قال) البراء بن عازب: (فرددتهن) أي كررتهن أي كررت هذه الكلمات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأستذكرهن) وأحفظهن على ظهر قلبي وأتذكرهن عندما أردتها (فقلت) في تكرارها لفظة (آمنت برسولك الذي أرسلت) بدل نبيك فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل) في هذه الكلمات (آمنت بنبيك الذي أرسلت) أي قل كما قلت لك أولًا فلا تغير عما قلت لك وإن كان مفادهما واحدًا. قال الحافظ في الفتح [11/ 112] وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال (الرسول) بدل (النبي) أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وهذا اختيار المازري قال: فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله قد أوحي بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها وهذا الوجه حسّنه النووي أيضًا، وبه يندفع الاستدلال بهذا الحديث على منع الرواية بالمعنى فإن الرواية بالمعنى إنما يجوز للعالم العارف فيما لا يقصد فيه الألفاظ، أما الأدعية والأذكار والرقى فإن الألفاظ فيها ربما تكون جزءًا من المقصود وحينئذٍ لا تجوز الرواية بالمعنى بالإجماع وهذا أولى ما قيل فيه عندي، وقد أجاب بعضهم عن الاستدلال المذكور بان الرواية بالمعنى إنما تجوز إذا كان المعنى واحدًا، أما النبي والرسول فبينهما فرق لغة واصطلاحًا فلم يسغ استبدال إحدى الكلمتين بالأخرى والله سبحانه أعلم.

6713 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، (يَعْنِي ابْنَ إِدْرِيسَ)، قَالَ: سَمِعْتُ حُصَينًا، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قوله: (قل آمنت بنبيك الذي أرسلت) هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى وهو الصحيح من مذهب مالك وقد ذكرنا الخلاف فيه ولا شك في أن لفظ النبوة من النبإ وهو الخبر فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله تعالى لأمر يقتضي تكليفًا فإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول وإلا فهو نبي غير رسول وعلى هذا فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا لأن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ وافترقا في أمر خاص وهو الرسالة فإذا قلت محمد رسول الله تضمن ذلك أنه نبي رسول فلما اجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع بينهما في اللفظ حتى يُفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وُضع له، وأيضًا فليخرج عما يشبه تكرار اللفظ من غير فائدة لأنه إذا قال ورسولك فقد فهم منه أنه أرسله فإذا قال الذي أرسلت صار كالحشو الذي لا فائدة فيه بخلاف نبيك الذي أرسلت فإنهما لا تكرار فيهما لا محققًا ولا متوهمًا والله أعلم اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [/4 290]، والبخاري في مواضع منها في الدعوات باب ما يقول إذا نام [6313]، وأبو داود في الأدب باب ما يقال عند النوم [5046 إلى 15048] والترمذي في الدعوات باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه [3391]، وابن ماجه باب ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه [3922]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 6713 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله يعني ابن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (قال) عبد الله: (سمعت حصينًا) ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن سعد بن عبيدة) السلمي الكوفي، ثقة، من (3) (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حصين بن عبد الرحمن لمنصور بن المعتمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق الحصين (بهذا

الْحَدِيثِ. غَيْرَ أَنَّ مَنْصُورًا أَتَمُّ حَدِيثًا، وَزَادَ فِي حَدِيثِ حُصَيْنٍ "وَإِنْ أَصْبَحَ أَصَابَ خَيرًا. 6714 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو دَاوُدَ. قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ، أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفسِي إِلَيْكَ. وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ. وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيكَ. وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيكَ. رَغْبةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ. لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث) الذي رواه منصور (غير أن منصورًا أتم) وأطول (حديثًا) أي متنًا من حصين (وزاد) ابن إدريس (في حديث حصين) وروايته لفظة (وإن أصبح) قائل هذه الكلمات أي دخل في الصباح ولم يمت في ليلته (أصاب) أي نال (خيرًا) كثيرًا وأجرًا جزيلًا وتوفيقًا عظيمًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 6714 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود البصري (حدثنا شعبة ح وحدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (وأبو داود) الطيالسي (قالا: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله الهمداني المرادي الجملي الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (قال) عمرو بن مرة: (سمعت سعد بن عبيدة يحدّث عن البراء بن عازب) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن مرة لمنصور بن المعتمر أيضًا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا) هو البراء بن عازب كما هو مصرح به في صحيح البخاري (إذا أخذ مضجعه) أي مرقده (من الليل) أي في الليل (أن يقول) ذلك الرجل وهو مفعول ثان لأمر أو بأن يقول: (اللهم أسلمت نفسي) أي ذاتي وروحي (إليك ووجهت وجهي) أي صرفت قصدي (إليك وألجات ظهري إليك) أي اعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده (وفوضت أمري) كله (إليك رغبة) في رحمتك (ورهبة) أي مخافة (إليك) أي منك أي من عقابك (لا ملجأ ولا منجا منك) أي من عقابك (إلا

إِلَيْكَ. آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ". وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ: مِنَ اللَّيْلِ. 6715 - (00) (00) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَص عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: "يَا فُلاَنُ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ"، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَإِنْ أَصْبَحْتَ، أَصَبْتَ خَيرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت) على رسولك (وبرسولك الذي أرسلت) إلى كافة الثقلين وجميع الفريقين (فإن مات) قائل هذه الكلمات في ليلته (مات على الفطرة) أي على الإسلام (ولم يذكر ابن بشار في حديثه) أي في روايته لفظة (من الليل) في قوله: (إذا أخذ مضجعه من الليل). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 6715 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، كرضه بيان متابعة أبي الأحوص لعمرو بن مرة ولكنها متابعة ناقصة (قال) البراء: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل) من أصحابه وهو البراء بن عازب (يا فلان إذا أويت) أي انضممت ورجعت (إلى فراشك) ودخلت فيه لتنام، وساق أبو الأحوص (بمثل حديث عمرو بن مرة) ولو قال بمثل حديث سعد بن عبيدة لكان أوضح فتكون المتابعة متابعة أبي إسحاق لسعد بن عبيدة فتكون تامة (غير أنه) أي لكن أن أبا الأحوص (قال) في روايته لفظة (وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك مت على الفطرة) أي على الإسلام (وإن أصبحت أصبت خيرًا) كثيرًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث البراء رضي الله عنه فقال:

6716 - (00) (00) حدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذكُرْ "وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيرًا". 6717 - (2690) (39) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ أَبِي بَكرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْبَرَاءِ؛ أَنَّ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، قَالَ: "اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَبِاسْمِكَ أَمُوتُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6716 - (00) (00) (حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق أنه سمع البراء بن عازب) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا) من المسلمين، وساق شعبة (بمثله) أي بمثل حديث أبي الأحوص (و) لكن (لم يذكر) شعبة في روايته لفظة (وإن أصبحت أصبت خيرًا) أي نلت خيرًا عظيمًا أي أصبحت على صلاح من حال من حصول أجر وعمل صالح كذا في الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث البراء الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6717 - (2690) (39) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر) بفتحتين، ويروى بإسكان الفاء سعيد بن محمد بن يحمد الهمداني الثوري الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) (عن أبي بكر بن أبر موسى) الأشعري الكوفي اسمه عمرو أو عامر، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن البراء) بن عازب. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه) أي مفرشه (قال: اللهم باسمك أحيا) بالبناء للمجهول أي بذكر اسمك أحيا ما حييت (وباسمك أموت) إذا مت أي وعلى اسمك أموت إذا مت فالاسم حينئذٍ غير المسمى وقيل معناه بك أحيا أي أنت تحييني وأنت تميتني، والاسم حينئذٍ بمعنى المسمى وإنما ذُكرت الحياة والموت بهذه المناسبة لأن النوم شعبة من

وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". 6718 - (2691) (40) حدّثنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمِ الْعَمِّيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، قَالَ: "اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ الموت كما أن اليقظة عود إلى الحياة الكاملة (وإذا استيقظ) من الموت (قال الحمد لله الذي أحيانا) باليقظة (بعدما أماتنا) بالنوم (وإليه) تعالى لا إلى غيره (النشور) أي المرجع بعد الإحياء يوم القيامة، يقال نشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا وخرجوا من قبورهم منتشرين أي جماعات في تفرقة كما قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: 7] اه من المفهم. فنبه صلى الله عليه وسلم بإعادة اليقظة بعد النوم الذي هو كالموت على إثبات البعث بعد الموت، قال العلماء: وحكمة الدعاء عند إرادة النوم أن يكون خاتمة أعماله كما سبق، وحكمته إذا أصبح أن يكون أول عمله بذكر التوحيد والكلم الطيب. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث البراء الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 6718 - (2691) (40) (حدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول (العمي) بفتح العين وتشديد الميم نسبة إلى بنى العم قبيلة من العرب الحافظ البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (قالا: حدثنا) محمد بن جعفر (غندر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة عن خالد) بن مهران المجاشعي أبي المنازل البصري المعروف بالحذّاء لأنه كان يقول: أُحْذُ على هذا النحو (قال) خالد: (سمعت عبد الله بن الحارث) الأنصاري أبا الوليد البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (يحدّث عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أنه) أي أن ابن عمر (أمر رجلًا) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه أي أمره بأنه (إذا أخذ) ودخل (مضجعه) أي مرقده (قال) ذلك الرجل أي أمره بان يقول: (اللهم) أنت (خلقت) وأوجدت (نفسي) من عدم محض (وأنت) أيضًا (توفاها) أي تتوفاها بحذف إحدى التاءين أي تميتها إذا

لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا، إِنْ أَحْيَيتَهَا فَاحْفَظْهَا، وَإنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ؟ فَقَالَ: مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ، مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: سَمِعْتُ. 6718 - (2692) (41) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ. قَالَ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا، إِذَا أَرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــ جاء أجلها، فيه إشارة إلى قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الآية (لك) يا رب (مماتها) أي إماتة نفسي (ومحياها) أي إحياؤها بالبعث من القبور (إن أحييتها) أي إن أبقيتها في دار الدنيا (فاحفظها) من كل شر يعرض لها في الدين أو في الدنيا (وإن أمتّها) بقبض روحها (فاغفر لها) جميع ذنوبها (اللهم إني أسألك العافية) والسلامة من فتنة الدنيا والآخرة (فقال له) أي لابن عمر (رجل) آخر لأن النكرة إذا تكررت كانت غير الأولى كما هو المقرر عند البلغاء ولم أر من ذكر اسم هذا أيضًا (أسمعت هذا) الحديث (من) والدك (عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (فقال) عبد الله بن عمر للسائل لا بل سمعته (من خير) وأفضل (من عمر) بن الخطاب سمعته (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) بدل من الجار والمجرور في قوله من خير. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. قال المؤلف: (قال) أبو بكر (بن نافع في روايته) لنا لفظة (عن عبد الله بن الحارث) بالعنعنة (ولم يذكر) ابن نافع في روايته لفظة (سمعت) عبد الله بن الحارث بل قالها عقبة بن مكرم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث البراء الأول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6718 - (2692) (41) (حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابًا (عن سهيل) بن أبي صالح (قال) سهيل: (كان) والدي (أبو صالح) السمان (يأمرنا) معاشر عيالنا وأهالينا. وهذا السند من خماسياته لأنه من مسند أبي هريرة كما هو مصرح في آخر الحديث (إذا أراد

أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ، أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيمَنِ. ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيءٍ. فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى. وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ. أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ. وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدنا) أي أحد عيالنا (أن ينام) مفعول أراد، وقوله: (أن يضطجع على شقه الأيمن) مفعول يأمر أي يأمره بأن يضطجع على الجانب الأيمن (ثم يقول) بالنصب لا غير معطوف على يضطجع (اللهم رب السماوات) السبع ومالكها وخالقها وهو على حذف حرف النداء وكذا ما بعده (و) يا (رب الأرض) السبع ومالكها (و) يا (رب العرش العظيم) وخالقه وَصَفَه بالعظم لأنه أعظم المخلوقات، ويا (ربنا) أي مالكنا (و) يا (رب كل شيء) من المخلوق ومالكه، ويا (فالق الحب) أي شاق الحبة ومخرج السنبلة منها (و) يا فالق (النوى) ولبِّ التمرة فيخرج منها نخلة. ومنه القسم المشهور عن علي رضي الله عنه: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة" (و) يا (منزل التوراة والإنجيل والفرقان) وقوله: (أعوذ بك) وأتحصن (من شر) وضرر (كل شيء) من المخلوق، جواب النداءات المذكورة قبله، وجملة قوله: (أنت آخذ) وقابض (بناصيته) صفة لكل شيء ولكنها سببية، والمعنى أي أتحفظ بك من شر كل شيء من المخلوقات لأنها كلها في سلطانك وأنت آخذ بنواصيها، فالأخذ بناصية الشيء كناية عن كونه في سلطان الآخذ وقبضته وتحت قهره كما أن مالك الدابة يأخذ بناصيتها فمراد الدعاء التعوذ من شر كل شيء من المخلوقات لأنها كلها في سلطانه تعالى فهو آخذ بنواصيها، وسيأتي في رواية خالد الطحان ما يفيد تقييده بشر كل دابة. (فائدة): وأصل رب اسم فاعل من رب الشيء يربه إذا أصلحه وقام عليه ثم إنه يقال على السيد والمالك والمعبود وغيرها من المعاني الاثني عشر التي ذكروها له اه من المفهم. (اللهم أنت الأول) أي القديم بلا ابتداء (فليس قبلك شيء) من المخلوق (وأنت الآخر) أي الباقي بلا فناء (فليس بعدك شيء وأنت الظاهر) أي الغالب القاهر لكل شيء (فليس فوقك شيء) يقهر ويغلب عليك من الظهور بمعنى الغلبة والقهر وكمال القدرة،

وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ". وَكَانَ يَرْوِي ذلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 6719 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي الطحَّانَ)، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل المراد أن الله تعالى ظاهر وجوده وقدرته بالدلائل القطعية والبراهين الساطعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فوقه شيء) يؤيد المعنى الأول (وأنت الباطن) أي الخفي عن الإدراكات المحتجب عنها أو أنت العالم بالخفيات (فليس دونك شيء) أخفى وألطف منك (اقض عنا الدين) أي سهل علينا أداء الدين وقضاءه وتوفيته، قال النووي: يحتمل أن المراد بالدين هنا حقوق الله تعالى وحقوق العباد كلها من جميع الأنواع أي اجعلنا ممن يقوم بأدائها لئلا نؤاخذ بها عندك يوم القيامة (وأغننا من الفقر) أي أخرجنا من الفقر بغنى فضلك، قال الخطابي: الفقر الذي استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فقر النفس، ويحتمل أنه فقر المال والمراد فتنة فقر المال وهي قلة احتماله وعدم الرضا به ولذا قال فتنة الفقر ولم يقل الفقر، وأما الاستعاذة منه خوف انحطاط القدر فمذموم وجاءت أحاديث بتفضيل الفقر والأخرى بذمه ومحملها على ما قلته اه ع اه أبي، قال سهيل: (وكان) والدي أبو صالح (يروي ذلك) الحديث (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) فكان الحديث مرفوعًا من مسانيد أبي هريرة رضي الله عنه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب ما يقال عند النوم [5051]، والترمذي في الدعوات باب من الأدعية عند النوم [3397]، وابن ماجه في الدعاء باب ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه [3919]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6719 - (00) (00) (وحدثني عبد الحميد بن بيان) بن زكرياء اليشكري أبو الحسن (الواسطي) العطار، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني الواسطي (يعني الطحان) ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الطحان لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو هريرة: كان رسول الله صلى

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُنَا، إِذَا أَخَذنَا مَضْجَعَنَا، أَنْ نَقُولَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَقَالَ: "مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا". 6720 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَالَ: أَتَتْ فَاطِمَةُ النبِى صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا. فَقَالَ لَهَا: "قُولِي: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ" بِمِثلِ حَدِيثِ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا) ومفرشنا (أن نقول) وساق الطحان (بمثل حديث جرير و) لكن (قال) الطحان لفظة (من شر كل دابة) بدل قول جرير (من شر كل شيء) أنت آخذ بناصيتها بتأنيث الضمير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6720 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا) محمد (بن أبي عبيدة) عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (2) الفضائل والدعاء (حدثنا أبي) أبو عبيدة عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي أبو عبيدة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (2) بابين الفضائل والدعاء (كلاهما) أي كل من أبي أسامة وأبي عبيدة رويا (عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان الأول منهما من خماسياته، والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح (قال) أبو هريرة: (أتت فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أباها (النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونها (تسأله) صلى الله عليه وسلم (خادمًا) يخدمها (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعي الغنى و (قولي) في دعائك (اللهم رب السماوات السبع) وساق الأعمش (بمثل حديث سهيل عن أبيه) أبي صالح.

6721 - (2693) (42) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضِ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث البراء الأول بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6721 - (2693) (42) (وحدثنا إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابًا (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابًا (حدثني سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) كيسان بن سعيد المقبري الليثي مولاهم مولى أم شريك الليثية، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب، وسُمي المقبري لأنه كان يحفظ مقبرة بني دينار ويقال كان نازلًا عندها (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أوى) وانضم ورجع (أحدكم إلى فراشه) للنوم، قال الأزهري: آوى وأوى بمعنى واحد لازم ومتعد، وفي الصحاح عن أبي زيد آويته أنا إيواء وأويته إذا أنزلته بك فعلت وأفعلت بمعنى فأما أويت له بمعنى رثيت له فبالقصر لا غير قال ذو الرمة: على أمر من لم يشوني ضر أمره ... ولو أني استأويته ما أوى ليا (فليأخذ) أي فليمسك (داخلة إزاره) وهو طرفه الذي يتصل بالجسد، ووقع في رواية مالك عند البخاري في التوحيد (صنفة إزاره) وهي بنفس المعنى، وقال القرطبي: داخلة الإزار هي ما يلي الجسد من طرفي الإزار (فلينفض) أي فليمسح ويكنس (بها) أي بداخلة الإزار (فراشه) قبل الاضطجاع فيه، ومعناه يستحب مسح الفراش قبل الدخول فيه خوف أن يكون فيه عقرب أو غيرها وينفضه ويده مستورة بإزار خوف أن يكون فيه ما يؤذيه والبيوت لم تكن فيها وقتئذٍ مصابيح فمهما حصل العلم بالسلامة كفى حتى لو نظر بمصباح اه أبي.

وَلْيُسَمِّ اللهَ. فَإنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ. فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا، فَاحْفَظهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: هذا الحديث يتضمن الإرشاد إلى مصلحتين إحداهما معلومة ظاهرة وهي إن الإنسان إذا قام عن فراشه لا يدري ما دب عليه بعده من الحيوانات ذوات السموم فينبغي له إذا أراد أن ينام عليه أن يتفقده ويبحثه ويمسحه لإمكان أن يكون فيه شيء يخفى من رطوبة أو غيرها فهذه مصلحة ظاهرة، وأما اختصاص هذه النفض بداخلة الإزار فمصلحة لم تظهر لنا بل إنما ظهرت للنبي صلى الله عليه وسلم بنور النبوة وإنما علينا نحن الامتثال ويقع لي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم فيه خاصية طبية تنفع من ضرر بعض الحيوانات كما قد أمر بذلك في حق العائن كما تقدم والله تعالى أعلم. ويدل على ذلك ما رواه الترمذي في هذا الحديث (فليأخذ صنفة إزاره فلينفض بها فراشه ثلاثًا) فحذا بها حذو تكرار الرُّقى اه من المفهم، ويحتمل أن يكون ذكر داخلة الإزار اتفاقًا والمقصود منه ما تيسر من الثوب الذي لا يضر توسخه والله أعلم. (وليسم الله) تعالى أي وليذكر اسمه تعالى عند نفضه، وقوله: (فإنه) أي فإن أحدكم (لا يعلم ما خلفه) أي ما وقع (بعده) أي بعد فراقه الفراش (على فراشه) الذي نام فيه أولًا علة للنفض (فإذا أراد أن يضطجع) على فراشه (فليضطجع على شقه الأيمن وليقل) بعد اضطجاعه (سبحانك اللهم) يا (ربي بك وضعت جنبي) على الأرض، وفي رواية (لك وضعت جنبي) واللام بمعنى الباء والباء للاستعانة أي بك أستعين على وضع جنبي (وبك أرفعه) أي وبك أستعين على رفعه من الأرض. قال القرطبي: فاللام يحتمل أن يكون معناه لك تقربت بذلك فإن نومه إنما كان ليستجم به لما عليه من الوظائف ولأنه كان يوحى إليه في نومه ولأنه كان يقتدى به فصار نومه عبادة، وأما يقظته فلا تخفى أنها كانت كلها عبادة، ويحتمل أن يكون معناه لك وضعت جنبي لتحفظه ولك رفعته لترحمه اه من المفهم. (إن أمسكت نفسي) أي توفيتها (فاغفر لها وإن أرسلتها) ورددتها (فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) بالتوفيق والهداية لأقوم الطريق.

6722 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: "ثُمَّ لْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي. فَإنْ أَحْيَيْتَ نَفْسِي، فَارْحَمْهَا". 6723 - (2694) (43) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الدعوات باب التعوذ والقراءة في المنام [6330] وفي التوحيد باب السؤال بأسماء الله تعالى [7393]، وأبو داود في الدعوات باب ما يقال عند النوم [5050]، والترمذي في الدعوات باب 20/ حديث [3398]، وابن ماجه في الدعاء باب ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه [3920]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6722 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني، ثقة، من (5) (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة عبدة لأنس بن عياض (و) لكن (قال) عبدة لفظة (ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي فإن أحييت نفسي فارحمها). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث البراء الأول بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال: 6723 - (2694) (43) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (25) بابًا (عن حماد بن سلمة) الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى) ورجع (إلى فراشه) واضطجع فيه (قال الحمد لله الذي أطعمنا) أي رزقنا الطعام (وسقانا) أي رزقنا الشراب (وكفانا) في جميع المؤن أو عن

وآوَانَا. فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤوِي". 6724 - (2695) (44) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى)، قَالاَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِىِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ جميع الشرور (وآوانا) أي ضمنا إلى منازلنا، قال النووي: هو ممدود على الصحيح المشهور بخلاف الأول وحكي القصر فيهما وحكي المد فيهما (فكم) خبرية في محل الرفع خبر مقدم للزومها الصدارة ومن في قوله: (ممن) زائدة ومن اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر أي فكثير من (لا كافي) ولا راحم (له) ولا عاطف عليه أي فكم ناس لا يكفيهم الله شر الأشرار بل تركهم وشرهم حتى غلب عليهم أعداؤهم (و) كم من (لا مووي) له بصيغة اسم الفاعل أي وكم ناس لا يؤويهم الله ولا يهيئ لهم مأوى ومسكنًا يأوون إليه بل تركهم يهيمون في البوادي والصحاري ويتأذون بالحر والبرد اه مرقاة. قال القرطبي: قوله: (ممن لا كافي له ولا مؤوي) أي كثير من الناس ممن أراد الله إهلاكه فلم يطعمه ولم يسقه ولم يكسه إما لأنه أعدم هذه الأمور في حقه وإما لأنه لم يقدره على الارتفاع بها حتى هلك هذا ظاهره، ويحتمل أن يكون معناه فكم من أهل الجهل والكفر بالله تعالى لا يعرف أن له إلهًا يطعمه ويسقيه ويؤويه ولا يقر بذلك فصار الإله في حقه وفي اعتقاده كأنه معدوم اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 153]، وأبو داود في الأدب باب ما يقال عند النوم [6053]، والترمذي في الدعوات باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه [3393]، والنسائي في الكبرى [1063]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو التعوذ من شر ما عمل وما لم يعمل بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6724 - (2695) (44) (حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم واللفظ ليحيى قالا: أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابًا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (عن هلال) بن يساف الأشجعي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن فروة بن نوفل الأشجعي) الكوفي التابعي، روى عن عائشة في الدعاء وعن

قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ اللهَ. قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ علي وأبيه، ويروي عنه (م عم) وهلال بن يساف وأبو إسحاق ونصر بن عاصم، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مختلف في صحبته، والصواب أن الصحبة لأبيه، وهو من الثالثة، قُتل في خلافة معاوية، قال ابن عبد البر: من الخوارج خرجوا على مغيرة بن شعبة في صدر خلافة معاوية فبعث إليهم المغيرة فقتلوا سنة (45) خمس وأربعين، وليس في مسلم من اسمه فروة إلا هذا الثقة (قال) فروة (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به الله) سبحانه وتعالى أي سألتها عن الدعاء الذي كان يدعو به دائمًا (قالت) عائشة في جواب سؤالي: (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول) في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت) من الأعمال الصالحة بأن أدخل فيه ما يحبط ثوابها كالعجب والرياء والسمعة والمحمدة فيعاقب عليه لأنه شرك باطني (ومن شر ما لم أعمل) أنا بنفسي وعمل غيري من المعاصي قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} اه مناوي، ويحتمل أن يكون المراد منه ترك العمل فيما كُلف فيه بالعمل وهذا يمكن في حقه صلى الله عليه وسلم بالسهو أو النسيان كما وقع منه صلى الله عليه وسلم في الصلاة عدة مرات ويمكن في حق غيره بالعمد والقصد أيضًا ويمكن أن يكون مراد الدعاء التعوذ من عمل مباح قصد به الخير وكان في الباطن شرًا. والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم ما لم أعمل أي ما لم أقصد اه تكملة، قال القرطبي: هذا الدعاء كقوله في الحديث الآخر: "اللهم إني أعوذ بك من كل شر" غير أنه نبه في هذا على معنى زائد وهو أنه قد يعمل الإنسان العمل لا يقصد به إلا الخير ويكون في باطن أمره شر لا يعلمه فاستعاذ منه ويؤيد هذا أنه قد رُوي في غير كتاب مسلم (من شر ما علمت وما لم أعلم) ويحتمل أنه يريد به ما عمل غيره فيما يظن أنه يقتدي به فيه اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 278]، وأبو داود في الصلاة باب الاستعاذة [1550]، والنسائي في السهو باب التعوذ في الصلاة [1307]، وابن ماجه في الدعاء باب ما تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم [3884].

6725 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ دُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ". 6726 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارِ. قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6725 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) (عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن هلال) بن يساف (عن فروة بن نوفل) الأشجعي (قال) فروة (سألت عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن دعاء كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حصين لمنصور بن المعتمر (فقالت) عائشة: (كان يقول) في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل) قد مر آنفًا ما فيه من المعاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6726 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة) بن أبي رواد العتكي البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابًا (حدثنا محمد يعني ابن جعفر) غندر (كلاهما) أي كل من ابن أبي عدي وابن جعفر رويا (عن شعبة عن حصين) بن عبد الرحمن السلمي (بهذا الإسناد) يعني عن هلال عن فروة عن عائشة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن إدريس، وساق شعبة (مثله) أي مثل حديث عبد الله بن إدريس (غير أن) أي لكن أن (في

حَدِيثِ مُحَمَّدٍ بْنِ جَعْفَرٍ: "وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ". 6727 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أنَّ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ". 6728 - (2696) (45) حدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث محمد بن جعفر) وروايته عن شعبة لفظة (ومن شر ما لم أعمل) بزيادة من الجارة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6727 - (00) (00) (وحدثني عبد الله بن هاشم) بن حيان بتحتانية العبدي أبو عبد الرحمن الطوسي سكن نيسابور، ثقة، من صغار (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9) (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (عن عبدة بن أبي لبابة) الأسدي مولاهم أبي القاسم الكوفي نزيل دمشق، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبدة بن أبي لبابة لحصين بن عبد الرحمن (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت وشر ما لم أعمل) تقدم تفسيره في أول هذا الحديث فراجعه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6728 - (2696) (45) (حدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابًا (حدثنا عبد الله بن عمرو) بن أبي الحجاج ميسرة التميمي المنقري مولاهم (أبو معمر) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (2) بابين الجهاد والدعاء (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن

حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ. حَدَّثَنِي ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَن تُضِلَّنِي. أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ. وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكوان التميمي العنبري مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا الحسين) بن ذكوان المعلّم المكتب العوذي نسبة إلى بطن من الأزد البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (حدثني) عبد الله (بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن يحيى بن يعمر) القيسي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول) في دعائه: (اللهم لك) لا لغيرك (أسلمت) أي انقدت واستسلمت (وبك) أي بوجودك ووحدانيتك وألوهيتك (آمنت) أي صدقت وأيقنت وجزمت (وعليك) لا على غيرك (توكلت) أي اعتمدت وإليك فوضت أمري (واليك) أي إلى طاعتك (أنبت) أي تبت ورجعت وأقبلت بهمتي وأعرضت عما سواك (وبك) أي وبإعانتك وتعليمك وبكلامك (خاصمت) أي جادلت المخالفين فيك حتى خصمتهم وغلبتهم (اللهم إني أعوذ) وأتحصن (بعزتك) وقدرتك من شرور الدنيا والآخرة (لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا أنت) يا إلهي وأعوذ بك من (أن تضلني) عن طريق الحق بعد إذ هديتني (أنت الحي) القيوم الدائم (الذي لا يموت) والباقي الذي لا ينعدم (والجن والأنس) وسائر الحيوانات علويها وسفليها (يموتون) إلا من استثناه الله تعالى، إنما خص هذين النوعين بالموت وإن كان جميع الحيوانات يموت لأن هذين النوعين هما المكلفان المقصودان بالتبليغ والتكليف والدعوة اه من المفهم. واستدل به على أن الملائكة لا تموت ولا حجة فيه لأنه مفهوم لقب ولا مانع من دخولهم في مسمى الجن بجامع ما بينهم من الاستتار عن عيون الإنس كذا في فتح الباري [13/ 1370]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 302]، والبخاري في التوحيد باب قوله تعالى {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [7383]، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل [1349 و 1350].

6729 - (2697) (46) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ، يَقُولُ: "سَمَّعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وَحُسْنِ بَلاَئهِ عَلَيْنَا. رَبَّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6729 - (2697) (46) (حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا محبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل بن أبي صالح) السمان المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابًا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر) أي إذا كان ملتبسًا بسفر (وأسحر) معطوف على كان الثانية أي استيقظ من نومه وقت السحر أو استمر في سيره حتى انتهى سيره إلى وقت السحر وهو أخر الليل قبل الفجر (يقول) جواب إذا (سمع سامع) روي سمع بتشديد الميم وفتحها من التسميع والمعنى حينئذٍ ليسمع سامع لمقالتي هذه من الحمد والدعاء إلى غيره ليقتدي بي في قولها، ورُوي بكسر الميم وتخفيفها من السماع والمعنى حينئذٍ ليسمع سامع ويشهد شاهد على حمدنا لله تعالى وشكرنا إياه على نعمه، قال القرطبي: وهو على كلا التقديرين خبر بمعنى الأمر أي ليسمع سامع وليبلغ نظير قوله صلى الله عليه وسلم: "تصدق رجل بديناره ودرهمه" رواه مسلم [1017] أي ليتصدق والمعنى أي ليبلغ سامع إلى غيره (بحمد الله) أي بحمدنا لله سبحانه ليقتدي بنا فيه (وحسن بلائه علينا) أي وحسن إبلاء الله وإنعامه علينا، والإبلاء هنا بمعنى الإنعام وإضافة ما قبله إليه من إضافة الصفة إلى موصوفها أي إبلائه الحسن والبلاء هنا بمعنى العطاء وهو من الأضداد، قال أهل اللغة: البلاء يكون منحة ويكون محنة وحينما يُستعمل بمعنى المنحة ربما يستصحب بلفظ الحسن لتمييزه عن البلاء بمعنى المصيبة والمحنة، وذكر ابن الأثير في جامع الأصول [4/ 289] أن البلاء في الأصل الاختبار والامتحان وربما يكون بالخير ليتبين الشكر وربما يكون بالشر ليظهر الصبر ومن هنا أُطلقت الكلمة على النعمة والمصيبة جميعًا اه (ربنا) أي يا مالك أمرنا

صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا. عَائِذًا بِاللهِ مِنَ النَّارِ". 6730 - (2698) (47) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ (صاحبنا) أي كن صاحبًا لنا وحافظًا في كل مكان وفي كل زمان أو صاحبنا بحفظك وكفايتك وهدايتك (وأفضل) أي اقض (علينا) بجزيل نعمتك وجد علينا بعظيم فضلك وجودك، وقوله: (عائذًا بالله من النار) حال من فاعل قول محذوف تقديره أقول هذا الدعاء حالة كوني عائذًا به من عذاب النار أي أقول هذا في حال استعاذتي واستجارتي بالله من النار اه نووي، قال الأبي: ويظهر لي أن هذا الذكر خاص بهذا الوقت من السفر واختلاف هذه الأدعية والأذكار يقتضي بالتوسعة في ذلك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب ما يقول إذا أصبح [5086]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال: 6730 - (2698) (47) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي (عن أبي بردة) عامر (بن أبي موسى الأشعري عن أبيه) عبد الله بن قيس رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (أنه) صلى الله عليه وسلم (كان يدعو) الله تعالى (بهذا الدعاء) الآتي، لم يذكر الراوي محل الدعاء بذلك، ووقع في حديث لابن عباس أن الجزء الأخير من هذا الدعاء كان صلى الله عليه وسلم يقوله في صلاة الليل، ووقع في حديث علي رضي الله عنه عند المصنف أنه كان يقوله في آخر صلاته قبل السلام، وفي رواية لابن حبان أنه كان يقوله إذا فرغ من الصلاة وسلم اه فتح الباري [11/ 198]. وذلك الدعاء هو المذكور بقوله: (اللهم اغفر لي خطيئتي) أي ذنبي التي ارتكبتها

وَجَهْلِي. وَإسْرَافِي فِي أَمْرِي. وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي. وَخَطَئِي وَعَمْدِي. وَكُلُّ ذلِكَ عِنْدِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ. وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ. وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي. أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ. وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عالمًا (وجهلي) ضد العلم أي والذي ارتكبته جاهلًا (وإسرافي في أمري) كله كما في رواية البخاري أي مجاوزتي الحد المشروع فعلًا وتركًا (وما أنت) أي واغفر لي يا إلهي ذنبًا أنت (أعلم) أي عالم (به) أي بوقوعه (مني) ولا أعلم أنا وقوعه مني (اللهم اغفر لي جدّي) بكسر الجيم وتشديد الدال والجد القول بالمعاصي مع قصد معناه (وهَزْلي) التلفظ بالمعاصي بلا قصد معناه على سبيل المزاح والسخرية وهو ضد الجد (وخطئي) ونسياني (وعمدي) أي قصدي أي ما فعلته خطأ ونسيانًا وما فعلته عمدًا وقصدًا (وكل ذلك) المذكور من الخطيئة والجهل وما بعدهما موجود (عندي) أو ممكن مني وهذا كالتذييل لما سبقه أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها لي قاله صلى الله عليه وسلم تواضعًا وهضمًا نفسه أو عد فوات الكمال وترك الأولى ذنوبًا أو أراد ما كان عن سهو أو ما كان قبل النبوة اه قسطلاني (اللهم اغفر لي ما قدمت) أي ما تقدم من خطإ أو ما قدمت مما يحق تأخيره (وما أخرت) أي ما تأخر من خطإ أو مما يحق تقديمه وهذان شاملان لجميع ما سبق كقوله: (وما أسررت) أي ما أخفيت من المعاصي عن غيرك (وما أعلنت) أي أظهرت لهم (وما أنت أعلم به مني أنت المقدم) لمن تشاء من خلقك بتوفيقك إلى رحمتك (وأنت المؤخر) لمن تشاء عن ذلك، قال القرطبي: أنت المقدم لمن شئت بالتوبة والولاية والطاعة وأنت المؤخر لمن شئت بضد ذلك والأولى أنه تعالى مقدم كل مقدم في الدنيا والآخرة ومؤخر كل مؤخر في الدنيا والآخرة وهذان الاسمان من أسماء الله تعالى المزدوجة كالأول والآخر والمبدئ والمعيد والقابض والباسط والخافض والرافع والضار والنافع فهذه الأسماء لا تقال إلا مزدوجة كما جاءت في الكتاب والسنة هكذا قال بعض العلماء ولم يجز أن يقال: يا خافض حتى يضم إليه يا رافع اه من المفهم (وأنت على كل شيء قدير) جملة مؤكدة لمعنى ما قبلها وعلى كل شيء متعلق بقدير وهو فعيل بمعنى فاعل مشتق من القدرة وهي القوة والاستطاعة وهل يطلق الشيء على المعدوم والمستحيل فيه خلاف اه قسطلاني.

6731 - (00) (00) وَحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، فِي هذَا الإِسْنَادِ. 6732 - (2699) (48) حدّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قد تقدم الكلام في عصمة الأنبياء من الذنوب وفي معني ذنوبهم غير مرة ونزيد هنا نكتتين: إحداهما أنا وإن قلنا إن الذنوب لا تقع منهم غير أنهم يتوقعون وقوعها وأن ذلك ممكن وكانوا يتخوفون من وقوع الممكن المتوقع ويقدرونه واقعًا فيتعوذون منه وعلى هذا فيكون قوله: (وكل ذلك عندي) أي ممكن الوقوع عندي ودليل صحة ذلك أنهم مكلفون باجتناب المعاصي كلها كما كلفه غيرهم فلولا صحة إمكان الوقوع لما صح التكليف. والثانية أن هذه التعوذات وهذه الدعوات والتضرعات قيام بحق وظيفة العبودية واعتراف بحق الربوبية ليقتدى بهم مذنبو أممهم ويسلكوا مناهج سبلهم فتستجاب دعوتهم وتقبل توبتهم والله تعالى أعلم، وقد أطنب الناس في ذلك وما ذكرناه خلاصته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [/4 417]، والبخاري في الدعوات باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت" [6398 - 6399]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6731 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن بشار) العبدي البصري (حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي) بكسر الميم الأولى أبو محمد الصنعاني نزيل البصرة، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا شعبة في هذا) أي بهذا (الإسناد) يعني عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه، غرضه بيان متابعة عبد الملك لمعاذ بن معاذ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6732 - (2699) (48) (حدثنا إبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو قطن) بالتحريك (عمرو بن الهيثم) بن

الْقُطَعِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي. وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي. وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي. وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيرٍ. وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قطن الزبيدي (القطعي) بضم القاف وفتح المهملة البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (2) بابين الصلاة والدعاء (عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون) التيمي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن قدامة بن موسى) بن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي المدني، إمام المسجد النبوي، روى عن أبي صالح السمان في الدعاء، وأبيه وابن عمر، ويروي عنه (م د ت ق) وعبد العزيز بن عبد الله الماجشون ووهيب بن خالد وجعفر بن عون وعثمان بن عمر وعدة، وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن حبان، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، وعُمِّر، مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، وليس في مسلم من اسمه قدامة إلا هذا (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) أي الذي به تعصم جميع أموري وشؤوني دينًا ودنيا نفسًا ومالًا وأهلًا، قال القرطبي: أي رباط أمري وعماده والأمر بمعنى الشأن والمعنى أن هذا الدين إذا فسد لم يصلح للإنسان أموره دنيا ولا آخرة وهذا دعاء عظيم جمع خير الدنيا والآخرة والدين والدنيا فحق على كل سامع له أن يحفظه ويدعو به آناء الليل وآناء النهار لعل الإنسان يوافق ساعة الإجابة فيحصل على خير الدنيا والآخرة (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي) أي سبب زيادة لي (في كل خير) وحسنة (واجعل الموت راحة لي) أي سبب راحة لي (من كل شر) من شرور الدنيا وفتنة من فتن الدنيا والآخرة. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن سائر أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [4/ 399]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عائشة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال:

6733 - (2700) (49) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ومُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى". 6734 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارِ. قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْمُثَنَّى قَالَ فِي رِوَايَتِهِ: "وَالْعِفَّةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6733 - (2700) (49) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي (عن أبي الأحوص) الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة عوف بن مالك بن نضلة بفتح فسكون الكوفي مشهور بكنيته، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: اللهم إني أسألك الهدى) أي أن تهديني إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم (والتقى) أي الخوف منك والحذر من مخالفتك بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (والعفاف) أي الصيانة من مطامع الدنيا والتحفظ عما لا يباح والكف عنه (والغنى) أي غنى النفس عن الناس واستغنائها عما في أيديهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 411]، والترمذي في الدعوات باب اللهم أسألك الهدى [3489]، وابن ماجه في الدعاء باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم [3877]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6734 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سفيان لشعبة وساق سفيان (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الأحوص عن عبد الله (مثله) أي مثل ما روى سفيان عن أبي إسحاق (غير أن ابن المثنى قال في روايته) لفظة (والعفة) بدل قول غيره (والعفاف) ومعناهما واحد.

6735 - (2701) (50) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ - (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ؛ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. قَالَ: لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث عائشة بحديث زيد بن أرقم رضي الله عنهما فقال: 6735 - (2701) (50) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لابن نمير قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن عاصم) بن سليمان الأحول التيمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابًا (عن عبد الله بن الحارث) الأنصاري أبي الوليد البصري نسيب محمد بن سيرين، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (وعن أبي عثمان النهدي) عبد الرحمن بن مل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) مشهور بكنيته روى عنه في (11) بابًا (عن زيد بن أرقم) الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) زيد بن أرقم: إلا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وجملة القول خبر كان (كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز) وهو عدم القدرة على الخير وقيل هو ترك ما يجب فعله والتسويف به اه من تحفة الأحوذي (والكسل) بفتح الكاف والسين وهو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه مع إمكانه اه نووي (والجبن) بضم فسكون وبضمتين وهو البخل في النفس وعدم الجرأة على الطاعة وقيل: هو عدم الإقدام على مخالفة النفس والشيطان. وإنما تعوذ منه لأنه يؤدي إلى عذاب الآخرة لأنه يفر في الزحف فيدخل تحت وعبد الله يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن ولى فقد باء بغضب من الله" وربما يُفتتن في دينه فيرتد لجبن أدركه وخوف على مهجته من الأسر والعبودية اه من التحفة (والبخل) بضم الباء وسكون الخاء وبفتحها وهو عدم إيصال النفع إلى الغير بالمال أو بالعلم أو غيرهما ولو بالنصيحة، قال الطيبي: الجود إما بالنفس وهو الشجاعة ويقابله الجبن وإما بالمال وهو السخاوة ويقابله

وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا. وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا. أَنْتَ وَلِيهَا وَمَوْلاَهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا من متناه في النقص اه من التحفة (و) أعوذ بك من (الهرم) بفتحتين أي من كبر سن يؤدي إلى تساقط بعض القوى وضعفها (وعذاب القبر) أي من موجبات عذابه وهو ضغطة القبر وشدة سؤال الملكين (اللهم آت) أي أعط (نفسي تقواها) أي اتقاءها من عذابك بامتثال المأورات واجتناب المنهيات (وزكها) أي طهرها من الذنوب بالعفو والغفران (أنت خير من زكاها) قال القاضي عياض: قوله (خير) اسم تفضيل ولكن ليس على بابه من الدلالة على المفاضلة أي أنت مزكيها ولا مزكي لها غيرك (أنت وليها) أي متولي أمورها دينًا ودنيا (ومولاهما) أي ناصرها على أعدائها من النفس والشيطان والهوى والكفار، قال الدهني: (أنت وليها) أي ناصرها راجع إلى قوله آت نفسي كانه يقول: انصرها على فعل ما يكون سببًا لرضاك عنها لأنك ناصرها، وقوله مولاها راجع إلى قوله زكها يعني طهرها بتاديبك إياها كما يؤدب المولى عبيده اه من المبارق (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي من علم لا أعمل به ولا أعلم به الناس ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال أو من علم لا يحتاج إليه أو علم لم يرد في تعلمه إذن شرعي اه تحفة، والحاصل أن العلم الذي لا ينفع هو العلم الذي لا يعمل به العالم أعاذنا الله تعالى منه وعدم النفع عام سواء كان مصحوبًا بالضرر كما في مخالفة أوامر الشرع بعد علمها أو لم يكن مصحوبًا به كترك المستحبات بعد علمها فإنه لا إثم فيه ولكنه خال عن النفع، وفي الحديث العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه أتعب صاحبه بنفسه في جمعه ثم لم يصل إلى نفعه رواه ابن خير في فهرسته ص (5) (ومن قلب لا يخشع) أي لا يسكن ولا يطمئن بذكر الله تعالى (ومن نفس لا تشبع) أي بما آتاها الله تعالى ولا تقنع بما رزقها ولا تفتر عن جمع المال لما فيها من شدة الحرص أو من نفس تأكل كثيرًا، قال ابن الملك: أي من نفس حريصة على جمع المال وتحصيل المناصب (ومن دعوة لا يستجاب لها) بصيغة المجهول، قال النووي: هذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليل على ما قاله العلماء إن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف به فإنه يذهب

6736 - (2702) (51) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدِ النَّخَعِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسَى قَالَ: "أَمْسَينَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لاَ إِلَهَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخشوع والخضوع والإخلاص ويُلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب، فأما ما حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر لكمل الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظًا فلا بأس به بل هو حسن اه، وقال أبو طالب المكي: قد استعاذ عليه السلام من نوع من العلوم كما استعاذ من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق والعلم الذي لم يقترن به التقوى فهو باب من أبواب الدنيا ونوع من أنواع الهوى اه من الدهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [/3 112]، والترمذي في الدعوات باب انتظار الفرج [2724]، والنسائي في الاستعاذة باب الاستعاذة من العجز [5458]. ثم اسششهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث عائشة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقال: 6736 - (2702) (51) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (عن الحسن بن عبد الله) بن عروة النخعي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إبراهيم بن سويد النخعي) الكوفي الأعور، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن مسعود (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى) أي دخل في المساء، والمساء من نصف النهار إلى نصف الليل (قال: أمسينا) أي دخلنا المساء (و) الحال أنه (أمسى) أي صار (الملك) أي السلطنة والتصرف (لله) وحده لا لغيره، قال في التحفة: أي دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائنًا لله ومختصًا به أو الجملة حالية بتقدير قد أو بدونه أي أمسينا وقد صار بمعنى كان ودام الملك لله (والحمد لله) قال الطيبي: معطوف على أمسينا وأمسى الملك أي صرنا نحن وجميع الملك وجميع الحمد لله انتهى، قال القاري: أي عرفنا فيه أن الملك لله وأن الحمد لله لا لغيره، ويمكن أن يكون جملة الحمد لله مستقلة والتقدير والحمد لله على ذلك إلا إله

إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ". قَالَ الْحَسَنُ: فَحَدَّثَنِي الزُّبَيْدُ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِيرٍ. اللَّهُمَّ أَساَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا الله وحده) في ذاته وصفاته، وفي التحفة قوله وحده حال مؤكدة أي منفردًا بالألوهية (لا شريك له) في أفعاله، قال عبد الواحد: (قال الحسن) بن عبيد الله: (فحدثني) هذا الحديث أيضًا (الزبيد) مصغرًا بن الحارث بن عبد الكريم اليامي أبو عبد الرحمن الكوفي من بني يام بن دافع بن مالك من همدان، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (7) أبواب، وليس في مسلم من اسمه الزبيد إلا هذا الثقة، وزعم (أنه حفظ عن إبراهيم) بن سويد النخعي (في هذا) الحديث لفظة (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ولكن لم أسمع أنا هذه الزيادة عن إبراهيم بن سويد، ثم كمل الحسن بقية الحديث فقال: (اللهم أسألك خير هذه الليلة) قال الطيبي: أي خير ما ينشأ فيها وخير ما يسكن فيها، قال تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ} وقال ابن حجر: أي ما أردت وقوعه فيها لخواص خلقك من الكمالات الظاهرة والباطنة وخير ما يقع فيها من العبادات التي أُمرنا بها فيها أو المراد خير الموجودات التي قارن وجودها هذه الليلة وخير كل موجود الآن (وأعوذ بك من شر) ما وقع في (هذه الليلة وشر ما) وقع في الليالي التي (بعدها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل) بفتحتين أي من التثاقل في الطاعة مع الاستطاعة، قال الطيبي: الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير من ظهور الاستطاعة (وسوء الكبر) قال النووي: قال القاضي: رويناه الكبر بكسر القاف وإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس والفتح بمعنى الهرم والخرف والرد إلى أرذل العمر كما في الحديث الآخر، قال القاضي: وهذا أظهر وأشبه بما قبله، قال: وبالفتح ذكره الهروي، وبالوجهين ذكره الخطابي وصوّب الفتح ويعضده رواية النسائي وسوء العمر (اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 440]، وأبو داود في الأدب باب ما يقول إذا أمسى [5071]، والترمذي في الدعوات باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى [3450].

6737 - (00) (00) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَاَن نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسَى قَالَ: "أَمْسَينَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلهِ. وَالْحَمْدُ لِلهِ. لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ". قَالَ: أُرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ: ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ. رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَخَيرَ مَا بَعْدَهَا. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا. رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ. رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ". وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلكُ لِلهِ " ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6737 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الحسن بن عبيد الله) النخعي الكوفي (عن إبراهيم بن سويد) النخعي الكوفي الأعور (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة جرير لعبد الواحد بن زياد (قال) عبد الله: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى) أي دخل في المساء (قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال) الحسن بن عبيد الله: (أراه) أي أرى إبراهيم بن سويد (قال فيهن) أي معهن أي مع هذه الكلمات المذكورة لفظة (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ثم قال: يا (رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما) في الليالي التي (بعدها) أي بعد هذه الليلة (وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما) في الليالي التي (بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر) وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي ومن الكبر السيئ الفاحش المتجاوز الحد (رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر، وإذا أصبح) أي دخل صلى الله عليه وسلم في الصباح (قال ذلك) الدعاء المذكور في المساء (أيضًا) أي كما يقوله في المساء لكن يقول بدل أمسينا وأمسى الملك لله (أصبحنا وصبح الملك لله) ويبدل اليوم بالليلة فيقول: أسألك خير هذا اليوم ويذكر الضمائر بعده. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6738 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمْسَى قَالَ: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيرِ هَذِهِ اللَّيلَةِ وَخَيرِ مَا فِيهَا. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَسُوءِ الْكِبَرِ. وَفِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6738 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة زائدة بن قدامة لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن الحسن بن عبيد الله (قال) ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى) أي دخل في المساء (قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها) وهذا مخالف لما في رواية جرير لأن جريرًا قال في روايته: (وخير ما بعدها) فيكون تأكيدًا لما قبله لأن خير ما فيها نفس خيرها ولهذه المخالفة كرر المتن وكذا يقال في قوله: (وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم إني أعوذ بك من الكسل). سبق تفسيره، وزاد هنا لفظة (والهرم) قال النووي: والمراد من الاستعاذة من الهرم الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم وتشويه بعض المنظر والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها، وقوله: (وسوء الكبر) بكسر الكاف وفتح الباء ومر تفسيره بكلا الضبطين وهو مرادف للهرم على هذا الضبط الذي ذكرناه هنا (و) أعوذ بك من (فتنة الدنيا) بأن تتزين للسالك فيها وتغره وتنسيه الآخرة ويأخذ منها زيادة على قدر الحاجة (و) أعوذ بك من (عذاب القبر) من الضيق والظلمة والوحشة وضرب المقمعة ولدع العقرب والحية وأمثالها، ومما يوجب عذابه النميمة وعدم التطهير من البول وسائر النجاسات اه من التحفة والله أعلم.

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيدِ اللهِ: وَزَادَنِي فِيهِ زُبَيْدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، رَفَعَهُ؛ أَنَّهُ قَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ ". 6739 - (2703) (52) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ. أَعَزَّ جُنْدَهُ. وَنَصَرَ عَبدَهُ. وَغَلَب الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال الحسن بن عبيد الله) النخعي الكوفي (وزادني فيه) أي في هذا الحديث (زبيد) مصغرًا بن الحارث اليمامي الكوفي حالة كون زبيد راويًا (عن إبراهيم بن سويد) النخعي الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه حالة كون عبد الله (رفعه) أي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوقفه على نفسه (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6739 - (2703) (52) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري أبي سعد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) كيسان بن سعد المقبري المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أبر هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا اله إلا الله وحده) لا شريك له (أعز) أي قوى (جنده) المسلمين يوم أحد على أعدائهم بعدما حصلت لهم هزيمة فرجعوا إليهم فغلبوهم (ونصر عبده) محمدًا صلى الله عليه وسلم وعساكره المسلمين يوم بدر على المشركين بجنود من الملائكة مسوّمين (وغلب) الله سبحانه (الأحزاب) أي قبائل الكفار المتحزبين عليه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أي شتتهم حالة كونه (وحده) أي من غير قتال الآدميين بل أرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها، ففيه إشارة إلى ما وقع في غزوة الأحزاب من أن الله تعالى أرسل عليهم ريحًا وجنودًا لا يراها الناس ففرقت جمعهم واضطرتهم إلى الهروب

فَلاَ شَيءَ بَعْدَهُ". 6740 - (2704) (53) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ كُلَيبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدنِي. وَاذْكُرْ، بِالْهُدَى، هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ. وَالسَّدَادِ، سَدَادَ السَّهْمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من غير أن يكون بينهم قتال عام (فلا شيء بعده) سبحانه أي لا شيء ينصرهم على أعدائهم ولا يدفع الأعداء عنهم غيره تعالى، وقيل: إن المعنى أن كل شيء يفنى وهو لا يفنى، وقيل: معناه لا شيء سواه يعني أن الموجود الحقيقي ليس إلا الله فإن وجوده مستقل لا يتوقف على إيجاد غيره أما وجود غيره فناقص حادث متوقف على إيجاد الله تعالى فهو كالعدم بالنسبة إلى وجود الله سبحانه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 494]، والبخاري في المغازي باب غزوة الخندق [4114]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال: 6740 - (2704) (53) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني (حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (قال: سمعت عاصم بن كليب) بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (قال) علي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل) يا علي في دعائك (اللهم اهدني) إلى طريقك المستقيم طريق دين الإسلام (وسددني) أي وارزقني السداد والصواب في جميع أموري أي اجعلني مصيبًا في جميع أموري (واذكر) بقلبك (بالهدى) أي وانو بقلبك عند قولك اللهم اهدني (هدايتك) أي توفيقك (الطريق) المستقيم الذي هو طريق دين الإسلام (والسداد) بالجر معطوف على قوله بالهدى أي وانو بالسداد عند قولك وسددني (سداد السهم) للعدو عند الجهاد أي موافقته للعدو ووقوعه عليه ليقتله.

6741 - (00) (00) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، (يَعْنِي ابْنَ إِدْرِيسَ)، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: قَالَ لِي وَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ"، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (والسداد) وفي نسخة المشكاة (وبالسداد) بزيادة الباء، قوله: (واذكر الهدى) أي تذكر ذلك بقلبك في حال دعائك بهذين اللفظين، وفي المرقاة قوله: (واذكر) معطوف على قوله: (قل) أي اقصد وتذكر يا علي بالهدى .. إلخ. قال المازري: قوله: (واذكر بالهدى هدايتك الطريق) .. إلخ هو أمر للداعي بهذين اللفظين أن يهتم بدعائه ويبالغ فيستحضر عند دعائه بالهدى هداية الطريق لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه وعند دعائه بالسداد سداد السهم الصائب وذلك أبلغ من اهدني وسددني من غير استحضار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 154]، وأبو داود [4225]، والنسائي [8/ 177]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6741 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا عبد الله يعني ابن إدريس أخبرنا عاصم بن كليب بهذا الإسناد) يعني عن أبي بردة عن علي (قال) علي: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل اللهم إني أسألك الهدى والسداد) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة محمد بن نمير لأبي كريب (ثم ذكر) محمد بن نمير (بمثله) أي بمثل حديث أبي كريب والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث خمسة عشر: الأول: حديث البراء ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني: حديث البراء الثاني ذكره للاستشهاد به، والثالث: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أنس ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والعاشر: حديث أبي موسى ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد، والثاني عشر: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث عشر: حديث ابن مسعود الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع عشر: حديث أبي هريرة الخاص ذكره للاستشهاد، والخامس عشر: حديث علي ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

740 - (5) باب التسبيح أول النهار وعند النوم وعند صياح الديك وعند الكرب وفضل سبحان الله وبحمده والدعاء للمسلم بظهر الغيب وحمد الله بعد الأكل والشرب واستجابة الدعاء ما لم يعجل

740 - (5) باب التسبيح أول النهار وعند النوم وعند صياح الديك وعند الكرب وفضل سبحان الله وبحمده والدعاء للمسلم بظهر الغيب وحمد الله بعد الأكل والشرب واستجابة الدعاء ما لم يعجل 6742 - (2705) (54) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَة حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا. ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضحَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ 740 - (5) باب التسبيح أول النهار وعند النوم وعند صياح الديك وعند الكرب وفضل سبحان الله وبحمده والدعاء للمسلم بظهر الغيب وحمد الله بعد الأكل والشرب واستجابة الدعاء ما لم يعجل ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو التسبيح أول النهار بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6742 - (2705) (54) (حدثنا قتيبة بن سعيد وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد التيمي مولاهم (مولى آل طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن كريب) مصغرًا بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس أبي رشدين المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن جويرية) مصغرًا بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، روى عنها في (2) بابين الزكاة والدعاء (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح) أي حين فرغ من صلاة الصبح بالناس (وهي) أي والحال أن جويرية (في مسجدها) أي في مصلاها الذي صلت فيه الصبح من البيت، ويؤخذ منه جواز اتخاذ مكان من البيت للصلاة فيه ولكن لا يكون له حكم المسجد الشرعي ولكن تصلي فيه النساء ويصلي فيه الرجال النوافل (ثم رجع) النبي صلى الله عليه وسلم إلى جويرية (بعد أن أضحى) أي بعد أن دخل في وقت الضحى وهو ما بين ارتفاع الشمس إلى الاستواء

وَهِيَ جَالِسَةٌ. فَقَالَ: "مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا" " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاَثَ مَرَّاتِ. لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أي رجع إليها (وهي) أي والحال أنها (جالسة) على حالتها من الذكر (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زلت) بكسر التاء خطابًا لها أي ما زلت يا جويرية مستمرة (على الحال) وملتبسة بالجلسة (التي فارقتك عليها؟ قالت) جويرية: (نعم) كنت على تلك الحال ولم أقم من مكاني هذا فـ (قال) لها (النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك) أي بعد مفارقتك (أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت) تلك الكلمات (بما قلت منذ اليوم) أي بجميع ما قلت في هذا الوم، قال الأبي: الأظهر في منذ أنها هاهنا حرف جر وهي مختصة بجر أسماء الزمان والزمان الواقع بعدها إن كان ماضيًا كانت لابتداء الغاية فتكون بمعنى من وإن كان حالًا كانت للظرفية بمعنى في والمراد باليوم في الحديث الحاضر فالمعنى لرجحت بما قلت في يومك هذا اه باختصار (لوزنتهن) أي لوزنت تلك الكلمات الأربع الأذكار التي قلتهن أنت في هذا اليوم وليس المراد باليوم العمر كما يقوله بعضهم أي لرجحت عليهن في الثواب وهو دليل على أن الدعوات والأذكار الجوامع يحصل عليهن من الثواب أضعاف ما يحصل على ما ليست كذلك ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحب الدعوات الجامعة، وفي رواية للترمذي (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي في مسجدها) أي في موضع سجودها للصلاة يعني في بيتها (ثم مر النبي صلى الله عليه وسلم بها قريبًا من نصف النهار فقال لها: ما زلت على حالك) أي على الحال التي فارقتك عليها (قالت: نعم، فقال: ألا أعلمك كلمات تقولينها سبحان الله عدد خلقه .. ) الحديث، وتلك الكلمات الأربع الأولى منها قوله: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه) أي أسبح الله تسبيحًا يساوي عدد مخلوقاته وأحمد الله بحمده أي أصف الله بكمالاته وصفًا يبلغ عدد مخلوقاته، ويصح أن تكون الواو في قوله: (ويحمده) زائدة والباء متعلقة بمحذوف حال من فاعل أسبح وعدد خلقه منصوب بنزع الخافض، وقوله: (ورضا نفسه) معطوف على عدد خلقه وإضافة النفس إلى الضمير من إضافة الشيء إلى نفسه أو لفظ النفس مقحم وهي الكلمة الثانية، وقوله: (وزنة عرشه) معطوف أيضًا على عدد خلقه وهي الكلمة الثالثة وكذا قوله: (ومداد كلماته) معطوف

سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على عدد خلقه وإضافة مداد إلى كلماته من إضافة الصفة إلى موصوفها لأنه مصدر بمعنى اسم الفاعل وهي الكلمة الرابعة. والمعنى أسبّح الله تعالى بقلبي وأنزهه من جميع النقائص حالة كوني ملتبسًا بلساني بحمده تسبيحًا يساوي بعدد مخلوقاته وتسبيحًا يساوي بعدد رضاه عمن رضي عنهم من النبيين والصديقين والصالحين وتسبيحًا ساوي بوزن عرشه لو كان جسمًا ولا يعلم وزن عرشه إلا الله عز وجل وتسبيحًا يساوي بعدد كلماته المادة أي الزائدة زيادة لا تنفذ ولا نهاية لها اه من الفهم السقيم. قوله: (سبحان الله وبحمده) قال القاضي عياض: هذا الكلام على اختصاره جملتان إحداهما سبحان الله لأن سبحان اسم مصدر لسبّح الرباعي والمصدر يدل على فعله نائب عنه فكانه قال: أسبح الله التسبيح الكثير والثانية بحمده لأنه متعلق بمحذوف تقديره أُثني عليه بحمده أي بذكر صفات كماله وجلاله فهذه جملة ثانية غير الجملة الأولى، قوله: (عدد خلقه) منصوب بنزع الخافض أي بعدد كل واحد من مخلوقاته والخلق مصدر بمعنى المخلوق، وقال السيوطي: نصب على الظرف أي قدر عدد خلقه اه مرقاة، وقوله: (ورضا نفسه) أي أسبّحه قدر ما يرضاه اه من التحفة، وقال السيوطي: قدر رضاه عمن رضي عنهم من النبيين والصذيقين والصالحين اه، وقوله: (وزنة عرشه) أي أسئحه بمقدار وزن عرشه ولا يعلم وزنه إلا الله تبارك وتعالى اه من التحفة، وقوله: (ومداد كلماته) بكسر الميم وبألف بين الدالين مصدر مد الشيء يمد مدًا ومدادًا من باب شد فالمداد مصدر كالمدد يقال: مددت الشيء مدًا ومدادًا وهو ما يكثر به الشيء ويزاد كذا في النهاية أي أسبّحه مثل عدد كلماته التي لا تنفد، وقيل: قدر ما يوازيها في الكثرة في معيار كيل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير وهذا تمثيل يراد به التقريب لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن وإنما يدخل في العدد كذا في النهاية اه تحفة، قال القاضي عياض: المداد في الأصل بمعنى الحبر الذي يكتب به القلم واستعماله هنا مجاز اه. قال القاضي عياض: قوله: (ومداد كلماته) واستعماله هنا مجاز لأن كلماته لا تحصر بعدد والمراد بهذا المبالغة في الكثرة لأنه ذكر أولًا ما يحصره العدد الكثير من

6743 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإسْحَاقُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي رِشْدِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عدد الخلق ثم زنة عرشه التي لا يعلمها إلا هو سبحانه ثم ارتقى إلى ما هو أعظم وعتر عنه بهذا اللفظ الذي لا يحصيه عدد، وقيل مداد كلماته مثلها في العدد، وقيل مثلها في أنها لا تنفد، وقيل مثلها في الكثرة والأظهر أن ذلك كناية عن الكثرة ليس أنها مثلها في العدد ولا مثلها في الكثرة لأن كلماته سبحانه غير متناهية فلا يُلحق بها المتناهي في العدد ولا في الكثرة اه منه. والحديث دليل على فضل هذه الكلمات وأن قائلها يدرك فضيلة تكرار القول بالعدد المذكور ولا يقال إن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ إلى العدد المذكور فكيف ينال فضيلة تكرار القول بالعدد المذكور (قلت): إن هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليه تخفيفًا لهم وتكثيرًا لأجورهم من غير تعب ولا نصب فلله الحمد والمنة اه من التحفة، وقال القرطبي: وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمور على جهة الإغياء والكثرة التي لا تنحصر منبهًا على أن الذاكر بهذه الكلمات ينبغي له أن يكون بحيث لو تمكن من تسبيح الله وتحميده وتعظيمه عددًا لا يتناهى ولا ينحصر لفعل ذلك فحصل له من الثواب ما لا يدخل تحت حساب اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [/1 258]، وأبو داود في الصلاة باب التسبيح بالحصى [1503]، والترمذي في الدعوات باب [117/ رقم 3626]، والنسائي في السهو نوع آخر من عدد التسبيح [1352]، وابن ماجه في الأدب باب فضل التسبيح [3853]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6743 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق) بن إبراهيم (عن محمد بن بشر) العبدي الكوفي (عن مسعر) بن كدام الهلالي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد التيمي الكوفي، ثقة، من (6) (عن أبي رشدين) بكسر الراء وسكون الشين (عن ابن عباس عن جويرية) رضي الله

قَالَتْ: مَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْغَدَاةِ، أَوْ بَعْدَ مَا صَلَّى الْغَدَاةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ. سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِه. سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ". 6744 - (2706) (55) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة مسعر لسفيان بن عيينة (قالت) جويرية: (مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الغداة أو) قال محمد بن عبد الرحمن (بعدما صلى الغداة) والشك من مسعر فيما قاله محمد بن عبد الرحمن (فذكر) مسعر (نحوه) أي نحو حديث سفيان (غير أنه) أي لكن أن مسعرًا (قال) في روايته لفظة (سبحان الله عدد خلقه) منصوب بنزع الخافض أي أسبّحه بعدد كل واحد من مخلوقاته (سبحان الله رضا نفسه) أي أسبّحه قدر ما يرضاه (سبحان الله زنة عرشه) أي أسبّحه بمقدار وزن عرشه (سبحان الله مداد كلماته) أي مثل عددها اه من التحفة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على التسبيح عند النوم بحديث علي رضي الله عنه فقال: 6744 - (2706) (55) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم) بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، من (5) (قال) الحكم: (سمعت) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبا عيسى الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا علي) بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (اشتكت) أي شكت وأخبرت لغيرها على سبيل الشكوى شدة (ما تلقى) وتقاسي (من الرحى) أي من الطاحونة من تأثيرها (في يدها) عند الطحن بها يعني اشتكت إلى علي ما تلقى من مشقة الطحن في الرحى أي ما حصل في يدها من المجل والغلظ بسبب جر الرحى، وقد وقع في رواية أبي الورد بن ثمامة عند أبي داود

وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا جَاءَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أَخبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى مَكَانِكُمَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ [5063] (قال علي لابن أعبد ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أحب أهله إليه، وكانت عندي فجرت بالرحى حتى أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمت البيت أي كنست حتى اغبرت ثيابها وأوقدت القدر حتى دخنت ثيابها وأصابها من ذلك ضر). وفي إسناده علي بن أعبد قال المنذري في تلخيصه [8/ 327] ليس بمعروف ولا أعرف له غير هذا الحديث، ووقع في رواية محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو عند ابن حبان في صحيحه وعند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (اشتكت فاطمة مجل يدها) والمجل بفتح الميم وسكون الجيم معناه التقطيع، وقال الطبري: المراد به غلظ اليد وكل من عمل عملًا بكفه فغلظ جلدها قيل مجلت كفه نقله الحافظ في الدعوات من فتح الباري [11/ 119]. وفي الحديث استحباب خدمة البيت والزوج للمرأة ولم يكن واجبًا عليها قضاء (وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي) ممن استرقهم المسلمون في بعض الغزوات، وفي رواية أبي الورد المذكورة في سنن أبي داود عن علي (فسمعنا أن رقيقًا أُتي بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادمًا يكفيك) وأفادت هذه الرواية أن الذي بعثها إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو علي نفسه رضي الله عنه ويؤيده ما أخرجه أحمد من رواية هبيرة بن يريم عن علي (قلت لفاطمة: لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألتيه خادمًا فقد أجهدك الطحن والعمل) (فانطلقت) فاطمة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم (فلم تجده) صلى الله عليه وسلم فاطمة، وفي رواية أبي الورد المذكورة فوجدت عنده حداثًا أي جماعة يتحدثون فاستحييت فرجعت وعليه فالمراد من قوله فلم تجده أي لم تجده فارغًا (ولقيت عائشة فأخبرتها) حاجتها (فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها) وبحاجتها، قال علي رضي الله عنه: (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا) في بيتنا (وقد أخذنا مضاجعنا) أي مفارشنا ومراقدنا (فذهبنا) أي قصدنا أن (نقوم) إليه (فقال) لنا (النبي صلى الله عليه وسلم): اثبتا (على مكانكما)

فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي. ثُمَّ قَالَ: " أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلاِثينَ. وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثًا وَثَلاِثينَ. فَهُوَ خَيرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والزماه ولا تقوما (فقعد) النبي صلى الله عليه وسلم (بيننا) أي بيني وبين فاطمة ونحن مضطجعون (حتى وجدت برد قدمه على صدري) قال النووي: كذا في نسخ مسلم (برد قدمه) بالإفراد، وفي البخاري (قدميه) بالتثنية وهي زيادة ثقة لا تخالف الأولى (ثم) بعد قعوده (قال) لنا: (ألا) حرف عرض وهو الطلب برفق ولين (أعلمكما خيرًا مما سألتما) من الخادم (إذا أخذتما مضاجعكما) أي مفارشكما (أن تكبرا الله أربعًا وثلاثين وتسبحاه ثلاثًا وثلاثين وتحمداه ثلاثًا وثلاثين فهو) أي ما ذكرته لكما من الأذكار (خير لكما من خادم) تطلبانه أي من جارية تخدمكما وهو يُطلق على الذكر والأنثى، وفي رواية للبخاري فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال: "مكانك " فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم" قال العيني: وجه الخيرية إما أن يراد به أنه يتعلق بالآخرة والخادم بالدنيا والآخرة خير وأبقى، وإما أن يراد بالنسبة إلى ما طلبته بأن يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوة تقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم اه من التحفة. قوله: (فجاء وقد أخذنا مضاجعنا) قال القرطبي: كان هذا المجيء ليلًا لأنه قد جاء في بعض طرقه أنه قال: طَرَقَهُما. قوله: (فذهبنا نقوم) يعني أن عليًا وفاطمة أرادا أن يقوما للنبي صلى الله عليه وسلم فلما منعهما من ذلك بقيا على حالهما امتثالًا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وهما مضطجعان ويؤخذ منه أن الامتثال لأمر الكبير مقدم على ما يقتضيه الأدب والتعظيم في الظاهر، قال القرطبي: وقعود النبي صلى الله عليه وسلم بين ابنته وعلي دليل على جواز مثل ذلك وأنه لا يُعاب على من فعله إذا لم يؤد ذلك إلى اطلاع على عورة أو إلى شيء ممنوع شرعًا. قوله: (إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله) .. إلخ التكبير مقدم في هذا الحديث وفيما سيأتي التسبيح مقدم وكلاهما عند النوم، قال في المرقاة قال الجزري في شرح المصابيح: في بعض الروايات ذكر التكبير أولًا، وكان شيخنا الحافظ ابن كثير يرجحه

6745 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "أَخَذتُمَا مَضجَعَكُمَا مِنَ اللَيْلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول: تقديم التسبيح يكون فيما إذا كان الذكر عقيب الصلاة وتقديم التكبير فيما إذا كان عند النوم أقول الأظهر أن يقدم تارة ويؤخر تارة أخرى عملًا بالروايتين وهو أولى وأحرى من ترجيح الصحيح على الأصح مع أن الظاهر أن المراد تحصيل هذا العدد وبأيهن بُدئ لا يضر كما ورد في سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت، وفي تخصيص الزيادة بالتكبير إيماء إلى المبالغة في إثبات العظمة والكبرياء فانه يستلزم الصفات التنزيهية والثبوتية المستفادة من التسبيح والحمد والله أعلم اه دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 136]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الدعوات باب التكبير والتسبيح عند المنام [6318]، وأبو داود باب في التسبيح عند النوم [5562]، والترمذي في الدعوات باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام [3408 و 3409]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال: 6745 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (كلهم) أي كل من وكيع ومعاذ بن معاذ وابن أبي عدي رووا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن علي، غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمحمد بن جعفر في رواية هذا الحديث عن شعبة (و) لكن (في حديث معاذ) بن معاذ لفظة إذا (أخذتما مضجعكما) بالإفراد وبزيادة لفظة (من الليل) أي في الليل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

6746 - (00) (00) وحدَّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. ح وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيِّ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ حَدِيثِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ عَلِيٌّ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6746 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد) مولى آل قارظ بن شيبة المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن) عبد الرحمن (بن أبي ليلى) يسار (عن علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مجاهد للحكم بن عتيبة (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (وعبيد بن يعيش) بفتح التحتانية وكسر المهملة بصيغة المضارع المبني للمعلوم، المحاملي أبو محمد العطار الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب كلاهما رويا (عن عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء بن أبي رباح) أسلم القرشي مولاهم اليماني نزيل مكة أحد الفقهاء والقراء والأئمة المفسرين، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن مجاهد عن ابن أبي ليلى) يسار (عن علي) بن أبي طالب رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة مجاهد للحكم بن عتيبة، وساق مجاهد (بنحو حديث الحكم عن ابن أبي ليلى و) لكن (زاد) مجاهد في روايته (في) هذا (الحديث) قال ابن أبي ليلى: (قال علي) بن أبي طالب: (ما تركته) أي ما تركت هذا الذكر عند النوم (منذ) إذ (سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم) أي من وقت سماعي إياه من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن (قيل له) أي لعلي (ولا) أي وما تركته (ليلة) وقعة (صفين، قال) علي في جواب السائل: (ولا) أي وما تركته (يلة صفين) أي لم يمنعني عظم ذلك الأمر والشغل الذي كنت فيه عن ذلك الذكر وصفين موضع قرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه أي بين علي وبين

وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ . 6747 - (2707) (56) حدّثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ)، حَدَّثَنَا رَوْحٌ (وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِم)، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ تَسْاَلُهُ خَادِمًا. وَشَكَتِ العَمَلَ. فَقَالَ: "مَا أَلْفَيْتِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الشام اه سنوسي، قال الأبي: وهذا يدل على أنه ذكر في ذلك الوقت مطلقًا ليس أنه مقصور على مثل حال فاطمة اه منه. قوله: (قيل له) .. إلخ واسم هذا السائل قيل: إنه عبد الله بن الكواء كذا في الطبراني ومسند أحمد وفي مسند الحميدي رقم [45] أنه عبد الله بن عتبة وفي الذكر للفريابي أنه الأشعث بن قيس ويحمل ذلك على تعدد القصة كما قال الحافظ في نتائج الأفكار رقم [95] وسيأتي قريبًا في (م) أن قائل ذلك هو ابن أبي ليلى فيحمل على تعدد القصة اه تنبيه المعلم. (وفي حديث عطاء) وروايته (عن مجاهد عن ابن أبي ليلى قال) ابن أبي ليلى (قلت له) أي لعلي (ولا) تركته (ليلة صفين) قال: نعم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث علي بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6747 - (2707) (56) (حدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) التيمي العيشي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا روح وهو ابن القاسم) التميمي العنبري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابًا (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن فاطمة) بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتت النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونها (تسأله خادمًا وشكت) أي أخبرت للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الشكوى (العمل) أي شدته عليها وكثرته (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ألفيتيه) أي ما ألفيت الخادم وما وجدته

عِنْدَنَا" قَالَ: "أَلا أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ؟ تُسَبِّحِينَ ثَلاَثًا وَثَلاِثِينَ. وَتَحْمَدِينَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ. وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعًا وَثَلاِثينَ. حِينَ تأخُذِينَ مَضْجَعَكِ". 6748 - (00) (00) وحدّثنيه أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ الدارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (عندنا) أي موجودًا عندنا يعني في بيته فأعطيكيه ثم إنه أحالها على التسبيح والتهليل والتكبير فـ (قال) لها: (ألا) حرف عرض وهو الطلب برفق ولين؛ أي ألا (أدلك) يا فاطمة بكسر الكاف خطابًا للمؤنث (على ما هو خير لك من خادم) ليكون ذلك عوضًا من الدعاء عند الكرب والحاجة كما كانت عادته عند الكرب على ما يأتي في الحديث المذكور بعد هذا وبيّن ذلك الخير لها بقوله: (تسبحين ثلاثًا وثلاثين) مرة (وتحمدين ثلاثًا وثلاثين) كذلك (وتكبّرين أربعًا وثلاثين) كذلك (حين تأخذين) وتشرعين (مضجعك) أي مرقدك ويمكن أن تكون خيريته من جهة أنه أحب لابنته ما يحب لنفسه إذ كانت بضعة منه من إيثار الفقر وتحمل شدته والصبر عليه ترفيعًا لمنازلهم وتعظيمًا لأجورهم وبهذين المعنيين أو بأحدهما تكون تلك الأذكار خيرًا لهما من خادم أي من التصريح بسؤال خادم والله تعالى أعلم اه من المفهم. قوله: (ما ألفيتيه عندنا) معناه ما وجدت الخادم في بيتي كأنه صلى الله عليه وسلم نبهها على أنه صلى الله عليه وسلم ما أخذ خادمًا من هؤلاء السبي وأن السبي ليست مملوكة له وإنما هي من الغنيمة التي يريد توزيع ثمنها على أصحاب الصُفّة فأحب لبنته ما أحب لنفسه. وهذا الحديث انفرد به المؤلف من بين الأئمة الستة كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6748 - (00) (00) (وحدثنيه أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم أبو جعفر السرخسي نسبة إلى سرخس بلدة من بلاد خراسان، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبان) بموحدة بن هلال الهلالي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي، ثقة، من (7) روى عنه في (14) بابًا (حدثنا سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة. غرضه بيان متابعة وهيب لروح بن القاسم.

6749 - (2708) (57) حدَّثني قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، فَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ. فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا. وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا " ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو الدعاء عند صياح الديك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6749 - (2708) (57) (حدثني قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة الكندي المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم صياح الديكة) بكسر الدال وفتح الياء بوزن عنبة جمع الديك وهو ذكر الدجاج جمعه ديوك وديكة بوزن عنبة كذا في المصباح، قال في المرقاة: وليس المراد حقيقة الجمع لأن سماع واحد كاف فالديك يُجمع في القلة على أدياك وفي الكثرة على ديوك وديكة كفيل وفيلة، وقال ابن سيده الديك ذكر الدجاج وعن الداودي: وقد يُسمى الديك دجاجة والدجاجة تقع على الذكر والأنثى اه (فاسألوا الله من فضله) ورحمته (فإنها) أي فإن الديكة (رأت ملكًا) وهذا بإدراك يخلقه الله فيها، قال القاضي عياض: إنما أمرنا بالدعاء حينئذٍ لتؤمِّن الملائكة وتستغفر وتشهد للداعي بالتضرع والإخلاص. واستدل به النووي وغيره على استحباب الدعاء عند حضور الصالحين وورد في صحيح ابن حبان (لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة) وفي رواية البزار (صرخ ديك قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: اللهم العنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مه كلا إنه يدعو إلى الصلاة") ذكره العيني في عمدة القاري [7/ 295 و 296] (وإذا سمعتم نهيق الحمار) وصوته المرتفع (فتعوّذوا) أي استعيذوا (بالله من) شر (الشيطان فإنها) أي فإن الحمر (رأت شيطانًا) قال العيني: النهيق صوته المنكر وإنما أمر بالتعوذ عنده لحضور الشيطان فيخاف شره فيتعوذ منه، وروى أبو موسى الأصبهاني في ترغيبه من حديث أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانًا، ويمثّل له شيطان فإذا كان كذلك فاذكروا الله تعالى وصلوا عليّ ".

6750 - (2709) (58) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ سَعِيدِ)، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال القرطبي: والحديث يدل على أن الله تعالى خلق للديكة إدراكًا تدرك به الملائكة كما خلق للحمير إدراكًا تدرك به الشياطين ويفيد أن كل نوع من الملائكة والشياطين موجودان وهذا معلوم من الشرع قطعًا، والمنكر لشيء منهما كافر وكأنه إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عند صراخ الديكة لتؤمّن الملائكة على ذلك الدعاء فتتوافق الدعوتان فيُستجاب للدّاعي، وقال الأبي فيه مرجوحية كسب الحمار لأن كسبه مستلزم بدخول الشيطان المنزل، وأُجيب بأنه إنما قال: رأت شيطانًا وليست الرؤية مستلزمة للدخول بل قد يقال فيه راجحية كسبه لأن الشيطان يدخل ولا يُرى والحمار بنهيقه ينبه على طرده بالتعوذ وقد كان له صلى الله عليه وسلم حمار يُسمى يعفورًا اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [/2 321]، والبخاري في بدء الخلق باب خير مال المرء المسلم غنم يتبع به شعف الجبال [3303] وأبو داود في الأدب باب ما جاء في الديك والبهائم [5102] والترمذي في الدعوات باب ما يقول إذا سمع نهيق الحمار [3455]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6750 - (2709) (58) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري السرخسي، ثقة، من (15) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ لابن سعيد قالوا: حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة عن أبي العالية) رُفيع مصغرًا بن مهران الرياحي بكسر الراء مولاهم نسبة إلى رياح بطن من تيم البصري، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان) دائمًا (يقول عند الكرب) والشدة والكرب بفتح الكاف وسكون الراء هو ما يدهم المرء مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول هذه الكلمات إذا نزل به

"لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِ ورَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يحزنه (لا إله إلا الله العظيم الحليم) بالرفع صفتان للجلالة ويجوز النصب فيهما بتقدير أمدح (لا إله إلا الله رب العرش العظيم) رواه الداودي برفع العظيم على أنه نعت للرب تعالى، ورواه الجمهور بالجر على كونه صفة للعرش، وكذا اختلفت القراءات في قوده تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} قال الطيبي: صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية والحلم الذي يدل على العلم إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم وهما أصل الأوصاف الإكرامية (لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) على اختلاف الروايات في رفع الكريم وجره، وزاد البخاري في الأدب المفرد بعد هذا: اللهم اصرف عني شره؛ والمعنى لا يطلب كثف الكرب إلا منه تعالى لأنه لا يكشف الكرب العظيم إلا الرب العظيم اه مرقاة. قال الطبري: كان السلف يدعون بهذا الدعاء ويسمونه دعاء الكرب فإن قيل كيف يُسمى هذا دعاء وليس فيه من معنى الدعاء شيء وإنما هو تعظيم لله تعالى وثناء عليه فالجواب أن هذا يُسمى دعاء لوجهين أحدهما أنه يُستفتح به الدعاء ومن بعده يدعو، وقد ورد في بعض طرقه ثم يدعو، وثانيهما أن ابن عيينة قال: وقد سئل عن هذا أما علمت أن الله تعالى يقول: إذا شغل عبدي ثنائي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين رواه الترمذي [2926] وقد قال أمية بن أبي الصلت: إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضك الثناء وفي رواية من تعرضه اه. قال القرطبي قلت: وهذا الكلام حسن وتتميمه أن ذلك إنما كان لنكتتين إحداهما كرم المثنى عليه فإنه إذا اكتفى بالثناء عن السؤال دل ذلك على سهولة البذل عليه والمبالغة في كرم الحق تعالى، وثانيهما أن المثني لما آثر الثناء الذي هو حق المثنى عليه على حق نفسه الذي هو حاجته بودر إلى قضاء حاجته من غير إحواج إلى إظهار مذلة السؤال مجازاة على ذلك الإيثار والله تعالى أعلم، ومما جاء منصوصًا عليه وسُمي دعاء وإن لم يكن فيه دعاء ولا طلب ما أخرجه النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت لا إله

6751 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَحَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ أَتَمُّ. 6752 - (00) (00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيَّ حَدَّثَهُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ وَيقُولُهُن عِنْدَ الْكَرْبِ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ. غَيْرَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجيب له" رواه النسائي في الكبرى [1049] اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الدعوات [6345]، والترمذي في الدعوات [3431]، وابن ماجه في الدعاء عند الكرب [3929]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6751 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام) الدستوائي (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لمعاذ بن هشام (و) لكن (حديث معاذ بن هشام أتم) أي أطول من حديث وكيع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 6752 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا محمد بن بشر العبدي) الكوفي (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة (أن أبا العالية) رُفيع بن مهران (الرياحي) البصري، ثقة، من (2) (حدثهم) أي حدّث لقتادة ومن معه (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن بشر لمعاذ بن هشام الدستوائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن) أي بهذه الكلمات (ويقولهن عند الكرب) والشدة (فذكر) محمد بن بشر (بمثل حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة) غرضه بيان متابعة محمد بن بشر لمعاذ بن هشام في الرواية عن قتادة ولكنها متابعة ناقصة (غير أنه) أي لكن

قَالَ: "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ". 6753 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَزَادَ مَعَهُنَّ: "لاَ اِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ". 4 675 - (2710) (59) حدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حَبَّان بْنُ هِلاَلٍ. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن محمد بن بشر (قال) في روايته (رب السماوات والأرض) بلا تكرار كلمة رب مع الأرض. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6753 - (00) (00) (وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (أخبرني يوسف بن عبد الله بن الحارث) الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي العالية) رُفيع بن مهران الرياحي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لمعاذ بن هشام ولكنها ناقصة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه) أي نابه وألم به (أمر) شديد وأصابه ودهمه وهو بالحاء المهملة وبالزاي وبالباء الموحدة اه مفهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله العظيم الحليم" الحديث (فذكر) حماد (بمثل حديث معاذ عن أبيه) هشام (و) لكن (زاد) حماد (معهن) أي مع تلك الكلمات المذكورة سابقًا لفظة (لا إله إلا الله رب العرش الكريم) والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو فضل سبحان الله وبحمده بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال: 6754 - (2710) (59) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا حبان بن هلال) الباهلي البصري ثقة، من (9) (حدثنا وهيب) مصغرًا ابن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة،

حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجِسْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلاَتكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ". 6755 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من (7) روى عنه في (14) بابًا (حدثنا سعيد) بن إياس (الجريري) نسبة إلى أحد أجداده أبو مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي عبد الله الجَسْري) بفتح الجيم وكسرها مع سكون المهملة حميري بكسر المهملة وإسكان الميم وفتح الياء الأولى مخففة بلفظ النسبة ابنُ بشير بفتح الموحدة نسبة إلى جسر وهو بطن من عنزة وقضاعة، روى عن عبد الله بن الصامت في الدعاء، وجندب البجلي ومعقل بن يسار، ويروي عنه (م ت) وسعيد الجريري وسليمان التيمي، له عندهم فرد حديث، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: هو معروف بكنيته، وهو ثقة يرسل، من الثالثة (عن) عبد الله (بن الصامت) الغفاري البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي ذر) جندب بن جنادة رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل أي الكلام أفضل) أي أكثر أجرًا عند الله تعالى، لم أر من ذكر اسم هذا السائل اه تنبيه المعلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل أفضل الكلام هو (ما اصطفى الله) سبحانه واختاره (لملائكته) للذكر به (أو) قال الراوي أو من دونه ما اصطفى الله (عباده) ملائكة كانوا أو غيرهم، والشك من الراوي أو ممن دونه وذلك الذي اصطفى الله لعباده هو (سبحان الله وبحمده) والشك من الراوي أو ممن دونه وقيل إن أو بمعنى الواو، قال النووي: وهذا محمول على كلام الآدمي وإلا فالقرآن اْفضل من التسبيح وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل والله أعلم اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في كتاب الدعوات باب أيُّ الكلام أحب إلى الله الحديث [3593] اه تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6755 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه

عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجِسْرِيِّ، مِنْ عَنَزَةَ، عَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلاَ أُخْبرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلى اللهِ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْي بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ. فَقَالَ: "إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ نسر بفتح النون وسكون المهملة القيسي العبدي أبو زكرياء البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن شعبة عن) سعيد بن إياس (الجريري عن أبي عبد الله) حميري بن بشير، وقيل حميد بن بشير (الجسري) نسبة إلى بني جسر وهم بطن (من) بني (عنزة) وقضاعة وهو جسر بن تيم بن القدم بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن ضرار بن معد بن عدنان، كذا ذكره السمعاني وآخرون اه نووي، وهو من ثقات التابعين، ولم يسمع من أبي ذر وأبي الدرداء، أخرج عنه البخاري في الأدب المفرد ولم يُخرج عنه في الصحيح (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري (عن أبي ذر) الغفاري رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لوهيب بن خالد (قال) أبو ذر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بأحب الكلام) وأكثره أجرًا (إلى الله) أي عند الله تعالى، وألا هنا للعرض لدخولها على الجملة الفعلية، قال أبو ذر: (قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله؛ فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده). قال القرطبي: وهذا الحديث يعارضه قوله في حديث أبي هريرة المتقدم في فضل التهليل: "ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" وقوله: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبل لا إله إلا الله" رواه مالك في الموطإ والترمذي أيضًا وقد تقدم في حديث سمرة بن جندب قوله صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيتهن بدأت" رواه أحمد وابن ماجه، فقد مضى هذا الحديث بان الأربعة متساوية في الأفضلية والأحبية من غير مراعاة تقديم بعضها على بعض ولا تأخيره وأن التسبيح وحده لا ينفرد بالأفضلية ولا التهليل وحده أيضًا لا ينفرد بها وإذا ثبت ذلك فحيث أطلق أن أحد هذه الأذكار أفضل الكلام أو أحبه إنما يراد إذا انضمت إلى أخواتها الثلاث المذكورة في هذا الحديث إما مجموعة في اللفظ أو في القلب بالذكر لأن اللفظ إذا دل على واحد منها بالمطابقة دل على سائرها

6756 - (2711) (60) حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَقصٍ الْوَكِيعِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيلٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ باللزوم وبيان ذلك أن معنى سبحان الله البراءة له من كل النقائص والتنزيه عما لا يليق بجلاله، ومن جملتها تنزيهه عن الشركاء والأنداد وهذا معنى لا إله إلا الله هذا مدلول اللفظ من جهة مطابقته ولما وجب تنزيهه عن صفات النقص لزم اتصافه بصفات الكمال إذ لا واسطة بينهما وهي المعتر عنها بالحمد لله ثم لما تنزه عن صفات النقص واتصف بصفات الكمال وجبت له العظمة والجلال وهو معنى الله أكبر فقد ظهر لك أن هذه الأربعة الأذكار متلازمة في المعنى وأنها قد شملها لفظ الأحبية كما جاء في الحديث فمن نطق بجميعها فقد ذكر الله تعالى بأحب الكلام إلى الله لفظًا ومعنى ومن نطق بأحدها فقد ذكر الله ببعض أحب الكلام نطقًا وبجميعها معنى من جهة اللزوم الذي ذكرناه فتدبر هذه الطريقة فإنها حسنة وبها يرتفع التعارض المتوهم بين تلك الأحاديث والله تعالى أعلم، ولم أجد في كلام المشايخ ما يُقنع به وقد استخرت الله فيما ذكرته اه من المفهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو فضل الدعاء للمسلمين بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 6756 - (2711) (60) (حدثني أحمد بن عمر بن حفص) بن جهم بن واقد الكندي (الوكيعي) نسبة إلى وكيع لصحبته لوكيع بن الجراح، ثقة، من (10) روى عنه في (2) الصوم والدعاء (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابًا (حدثنا أبي) فضيل بن غزوان الضبي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (عن طلحة بن عبيد الله بن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء آخره زاي الخزاعي أبي مطرف، روى عن أم الدرداء في الدعاء وابن عمرو وعائشة مرسلًا، ويروي عنه (م د) وفضيل بن غزوان وموسى بن شروان وعاصم بن سليمان الأحول وحماد بن سلمة وآخرون، قال ابن سعد: كان قليل الحديث، وقال أحمد والنسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (عن أم الدرداء) الصغرى هجيمة بنت يحيى وقيل جهيمة الأوصابية الدمشقية، ثقة، من (3) روى عنها في (3) أبواب (عن أبي الدرداء) عويمر بن زيد بن عبد الله بن قيس الأنصاري الخزرجي

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ عَبْدِ مُسْلِمِ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيبِ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ، بِمِثْلٍ". 6757 - (00) (00) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَرْوَانَ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشامي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو الدرداء: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مسلم يدعو لأخيه) المسلم (بظهر الغيب) أي في حال غيبة المدعو له عن الداعي وفي سره لم يُطلع على دعائه أحدًا من الناس لأنه أبلغ في الإخلاص، والباء في قوله بظهر بمعنى في والظهر مقحم أي في غيبة المدعو له وفي سره (إلا قال الملك) الموكل به آمين له (ولك بمثل) ما دعوت له أي أجاب الله دعاءك له بما دعوته له وجزاك الله على دعائك له بمثل ما دعوته له، وقوله: (ولك بمثل) رواه أكثر الرواة بكسر الميم وسكون المثلثة، ورواه بعضهم بفتحها ومعناهما واحد، وفيه فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب أي في الغيب المشبه بالظهر بجامع الخفاء في كل لأن الشخص لا يرى ما خلف ظهره فهو من إضافة المشبه به إلى المشبه هذا على أنه غير مقحم ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضًا وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه دعوة دعا لأخيه المسلم أولًا بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها اه نووي. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الصلاة باب الدعاء بظهر الغيب [1534]، وابن ماجه في المناسك باب فضل دعاء الحاج [2927]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 6757 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا موسى بن سروان) بالسين المهملة، ويقال فيه ابن شروان بالمثلثة بدل المهملة، ويقال فيه أيضًا بن مروان بالميم أوله العجلي البصري (المعلم) بصيغة اسم الفاعل، روى عن طلحة بن عبيد الله بن كريز في الدعاء، وأبي المتوكل الناجي وبديل بن ميسرة وغيرهم، ويروي عنه (م د س) والنضر بن شميل وشعبة وابن المبارك وغيرهم (حدثني طلحة بن

عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ. قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ دَعَا لأخَيهِ بِظَهْرِ الْغَيبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ. وَلَكَ بِمِثلٍ". 6758 - (00) (00) حدّثنا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ عبيد الله بن كريز قال: حدثتني أم الدرداء) الصغرى التابعية الجليلة (قالت: حدثني سيدي) تعني زوجها أبا الدرداء نظير قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن سروان لفضيل بن غزوان (من دعا لأخيه) المسلم (بظهر الغيب) أي في الغيب المشبه بالظهر في عدم علم ما فيه (قال الملك الموكل به) أي بتامين دعائه كلما دعا أو من الحفظة (آمين) له (و) هي (لك بمثل) ما دعوت له، قال القرطبي: (قوله ما من عبد مسلم يدعو لأخيه) .. إلخ المسلم هنا هو الذي سلم المسلمون من لسانه ويده الذي يحب للناس ما يحبه لنفسه لأن هذا هو الذي يحمله حاله وشفقته على أخيه المسلم اْن يدعو له بظهر الغيب أي في حال غيبته عنه وإنما خص حالة الغيبة بالذكر لبعدها عن الرياء والأغراض المفسدة أو المنقصة فإنه في حال الغيبة يتمحض الإخلاص ويصح قصد وجه الله تعالى بذلك فيوافقه الملك في الدعاء ويبشر على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن له مثل ما دعا به لأخيه، والأخوة هنا هي الأخوة الدينية تكون معها صداقة ومعرفة وقد لا يكون وقد يتعين وقد لا يتعين فإن الإنسان إذا دعا لإخوانه المسلمين حيث كانوا وصدق الله في دعائه وأخلص فيه في حال الغيبة عنهم أو عن بعضهم قال الملك له ذلك القول بل قد يكون ثوابه أعظم لأنه دعا بالخير وقصده للإسلام ولكل المسلمين والله تعالى أعلم اه من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: 6758 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي

الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ، (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ)، وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ. قَالَ قَدِمْتُ الشَّامَ. فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ. وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ. فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ، الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ، بِظَهْرِ الْغَيبِ مُسْتَجَابَةٌ. عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَك مُوَكَّلٌ. كلَّمَا دَعَا لأَخَيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ. وَلَكَ بِمِثْلٍ". - قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ. فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي مولاهم، صدوق، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن صفوان وهو ابن عبد الله بن صفوان) بن أمية بن خلف الجمحي المكي، روى عن أم الدرداء في الدعاء، وأبي الدرداء في الدعاء، وجده وعلي بن أبي طالب، ويروي عنه (م س ق) وأبو الزبير والزهري، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال النسائي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (وكانت تحته) وزوجته (الدرداء) بنت أبي الدرداء (قال) صفوان بن عبد الله (قدمت الشام) لزيارة صهري أبي الدرداء (فأتيت أبا الدرداء في منزله) وبيته (فلم أجده) في البيت (ووجدت أم الدرداء) الصغرى التابعية هجيمة بنت يحيى زوجته في البيت (فقالت) لي أم الدرداء: (أتريد الحج) في هذا (العام فقلت) لها: (نعم) أريد الحج في هذا العام (قالت) لي أم الدرداء: (فادع الله لنا) في حجك (بخير) الدنيا والآخرة (فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة) لأنه (عند رأسه ملك موكل) به (كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين) أي استجب يا رب دعاءه لأخيه ويقول أيضًا: (و) يستجيب الله (لك بمثل) ما دعوته لأخيك. وهذا السند من سداسياته ولكنه أرسلته أم الدرداء فأخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أنها تابعية، غرضه بسوقه بيان متابعة صفوان بن عبد الله لطلحة بن عبيد الله في الرواية عن أم الدرداء ثم أسند صفوان بن عبد الله هذا الحديث فـ (قال) بالسند السابق: (فخرجت) من عند أم الدرداء (إلى السوق) أي إلى سوق دمشق (فلقيت أبا الدرداء) في السوق (فقال لي) أبو الدرداء أي حدثني (مثل ذلك) أي مثل ما حدثتني أم الدرداء حالة

يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 6759 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ. 6760 - (2712) (61) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نمَيْرٍ، (وَاللفْظُ لابْنِ نُمَيْرٍ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كون أبي الدرداء (يرويه) أي يروي ذلك المثل (عن النبي صلى الله عليه وسلم). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي الدرداء فقال: 6759 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (20) بابًا (عن عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري الكوفي، غرضه بيان متابعة يزيد بن هارون لعيسى بن يونس وساق يزيد (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن صفوان عن أم الدرداء عن أبي الدرداء (مثله) أي مثل حديث عيسى بن يونس (و) لكن (قال) يزيد في روايته لفظة (عن صفوان بن عبد الله بن صفوان) بخلاف عيسى فإنه قال (عن صفوان وكانت تحته الدرداء) لأن التفسير بقوله: (وهو ابن عبد الله بن صفوان) ليس من كلام عيسى بل هو من كلام المؤلف. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6765 - (2712) (61) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير واللفظ لابن نمير قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (عن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن سعيد بن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (قال رسول الله

صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا". 6761 - (00) (00) وحدّثنيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم: إن الله) سبحانه وتعالى (ليرضى) ويحب (عن العبد) أي عن عبده يعني يثيبه (أن يأكل) العبد (الأكلة) بفتح الهمزة المرة الواحدة من الأكل كالعشاء والغداء وبضمها اللقمة والمعنى على كلا الضبطين صحيح والمراد بالحمد هنا الشكر، وقد قدمنا أن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد اه مفهم. وفيه أن الشكر على النعمة وإن قلت سبب لنيل رضاء الله تعالى الذي هو أشرف أحوال أهل الجنة لحديث: "أُحل لكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا" وكان الشكر سببًا لنيل ذلك الإكرام العظيم لأنه يتضمن معرفة المنعم وافتقار الشاكر إليه اه سنوسي (فيحمده) تعالى (عليها) أي على تلك الأكلة (أو يشرب الشربة فيحمده عليها) أي على تلك الشربة، قال النووي: فيه استحباب حمد الله تعالى عقب الأكل والشرب وقد جاء في البخاري بيان صيغة الحمد وهو الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا وجاء غير ذلك ولو اقتصر على الحمد لله حصل أصل السنة اه، قال في المبارق: إنما أتى بالمرة إشعارًا بأن الأكل أو الشرب وإن كان قليلًا يستحق الشكر عليه ثم من السنة أن لا يرفع صوته بالحمد عند الفراغ من الأكل إذا لم يفرغ جلساؤه كيلا يكون منعًا لهم اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد في [105/ 3]، والترمذي في الأطعمة باب ما جاء في الحمد إذا فرغ من الطعام [1817]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6761 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن يوسف) بن يعقوب بن مرداس المخزومي أبو محمد (الأزرق) الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا زكرياء) بن أبي زائدة، غرضه بيان متابعة إسحاق بن يوسف لأبي أسامة ومحمد بن بشر، وساق إسحاق (بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أنس، وفي بعض النسخ حدثنا زكرياء بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.

6762 - (2713) (62) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُسْتَجَابُ لأحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلاَ، أَوْ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي " ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة وهو استجابة الدعاء ما لم يعجل الداعي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6762 - (2713) (62) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد) مصغرًا سعد بن عبيد (مولى) عبد الرحمن (بن أزهر) ويقال له مولى عبد الرحمن بن عوف لأنهما ابنا عم كان من فقهاء أهل المدينة القرشي الزهري المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب) الدعاء (لأحدكم ما لم يعجل) أي ما لم يستعجل في إجابته (فيقول: قد دعوت) الله تعالى (فلا) يستجاب الدعاء لي (أو) يقول أحدكم: دعوت الله تعالى (فلم يستجب لي) الدعاء. واعلم أن إجابة الدعاء يكون بإحدى الطرق الثلاث إما أن يعطى الداعي بعين ما طلبه، أو يعطى ما هو أفضل منه في الدنيا، أو يدخر له ثواب الدعاء في الآخرة فيكون أفضل مما طلبه فمن لم يحصل له في الدنيا ما طلبه بالدعاء لا ينبغي له أن يقول لم يستجب لي لأنه يحتمل أن يتأخر مطلوبه لمصلحة الله أعلم بها، ويحتمل أن يكون قد أُعطي أفضل من مطلوبه في الدنيا والآخرة فقوله لم يستجب لي كأنه يعتب على الله عز وجل والعياذ بالله جراءة في جانب الله تعالى تحرمه من كل واحد من الطرق الثلاث في إجابة الدعاء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 487]، والبخاري في الدعوات باب يستجاب للعبد ما لم يعجل [6340]، وأبو داود في الصلاة باب الدعاء [1484]، والترمذي في الدعوات باب (145) حديث [3602 و 3603]، وابن ماجه في الدعاء باب يستجاب لأحدكم ما لم يعجل [3898]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6763 - (00) (00) حَدَّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ لَيْثٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَكَانَ مِنَ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ الْفِفهِ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يقول: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ ربي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6763 - (00) (00) (حدثني عبد الملك بن شعيب بن ليث) بن سعد الفهمي نسبة إلى فهم بن عمرو المصري، ثِقَة، من (11) روى عنه في (11) بابًا (حَدَّثني أبي) شعيب بن ليث، ثِقَة، من (10) روى عنه في (11) بابًا (عن جدي) ليث بن سعد الفهمي المصري عالمها قرين مالك (حَدَّثني عقيل بن خالد) بن عقيل الأُموي المصري، ثِقَة، من (6) عن) محمَّد بن مسلم (بن شهاب) الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) (أنَّه قال: حَدَّثني أبو عبيد) سعد بن عبيد (مولى عبد الرَّحْمَن بن عوف وكان) أبو عبيد (من القراء وأهل الفقه) أي من قراء أهل المدينة وفقهائها (قال) أبو عبيد: (سمعت أَبا هريرة يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عقيل بن خالد لمالك بن أنس في الرواية عن ابن شهاب (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُستجاب) الدعاء (لأحدكم ما لم يعجل) أي ما لم يستعجل إجابتها (فيقول) في استعجالها (قد دعوت ربي) كذا وكذا (فلم يستجب لي) ربي دعائي، قال القرطبي: ويستفاد من هذا استدامة الدعاء وترك اليأس من الإجابة ودوام رجائها واستدامة الإلحاح في الدعاء فإن الله تعالى يحب الملحّين عليه في الدعاء، وكيف لا، والدعاء مخ العبادة وخلاصة العبودية والقائل قد دعوت فلم أر يستجاب لي ويترك يكون قانطًا من رحمة الله وفي صورة الممتن بدعائه على ربه ثم إنه جاهل بالإجابة فإنَّه يظنها إسعافه في عين ما طلب فقد يعلم الله تعالى أن في عين ما طلب مفسدة فيصرف عنها فتكون إجابته في الصرف، وقد يعلم الله تعالى أن تأخيره إلى وقت آخر أصلح للداعي وقد يؤخره لأنه سبحانه يحب استماع دعائه ودوام تضرعه فتكثر أجوره حتَّى يكون ذلك أعظم وأفضل من عين المدعو به لو قضى له، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من داع يدعو إلَّا كان بين إحدى ثلاث إما أن يستجاب له واما أن يدخر وإما أن يكفّر" رواه التِّرْمِذِيّ [3568] ثم بعد هذا كله فإجابة الدعاء وإن وردت في مواضع من الشرع مطلقة فهي مقيدة بمشيئته كما قال تعالى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام/ 41] اه من المفهم.

6764 - (00) (00) حَدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي مُعَاوِيةُ، (وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ)، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيس الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإثْم أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الاِسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: "يَقولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي. فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَع الدُّعَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6764 - (00) (00) (حَدَّثني أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو بن سرح الأُموي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري (أخبرني معاوية وهو ابن صالح) بن حدير بالمهملة مصغرًا الحضرمي أبو عبد الرَّحْمَن الحمصي، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن ربيعة بن يزيد) الدِّمشقيّ أبي شعيب الإياديّ القصير الدِّمشقيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي إدريس الخولاني) العوذي عائذ الله بن عبد الله بن عمرو الشَّاميّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي إدريس الخولاني لأبي عبيد المدنِيُّ (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: لا يزال) الدعاء (يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم) فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب صغيرة كانت أو كبيرة (أو قطيعة رحم) من ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا بشأنه ويدخل في قطيعة الرَّحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم، وقد بينا أن الرَّحم قسمان: رحم الإِسلام ورحم القرابة (ما لم يستعجل) ويمل من إجابته وينقطع رجاؤه منها (قيل: يَا رسول الله) ولم أر من ذكر اسم القائل (ما الاستعجال) أي ما معنى الاستعجال في الدعاء (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: الاستعجال في الدعاء أن (يقول) الداعي (قد دعوت) الله سبحانه مرة (وقد دعوت) أخرى (فلم أر) الدعاء (يستجاب لي فيستحسر) ويمل من الإجابة وينقطع رجاؤه فيها (عند ذلك) أي عندما قال ذلك (ويدع الدعاء) أي يتركه لانقطاع أمله فيها. قال أهل اللغة: يقال: حسر واستحسر إذا أعيا وعجز وانقطع عن الشيء وملَّ عنه ومنه حسر البعير إذا أعيا في الطريق والمراد هنا ينقطع عن الدعاء ومنه قوله تعالى: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} أي لا ينقطعون عنها اه نووي، قال القرطبي: قوله: (لا يزال يستجاب للعبد) .. إلخ والمراد بالعبد: العبد الصالح لقبول دعائه فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي وفي الدعاء وفي الشيء المدعو به فمن شرط الداعي أن يكون عالمًا بأنه لا قادر على حاجته إلَّا الله تعالى وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب وأن يكون متجنبًا عن أكل الحرام وأن لا يمل من الدعاء فيتركه ويقول: قد دعوت فلم يستجب لي كمال قال في الحديث ومن شروط المدعو به أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعًا كما قال في الحديث: "ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب ويدخل في قطيعة الرَّحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم كما مر اه من المفهم. وهذه الرواية انفرد بها الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. وداع الحديث على أدب عظيم من آداب الدعاء وهو أنَّه يلازم الطلب ولا ييئس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار حتَّى قال بعض السلف: ولأنَا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه "من فتح له منكم باب الدعاء فُتحت له أبواب الرحمة" الحديث أخرجه التِّرْمِذِيّ بسند لين وصححه الحاكم فوهم اه فتح الباري [11/ 141] ومن جملة آداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة كالصلاة والسجود وعند الأذان، ومنها تقديم الوضوء والصلاة واستقبال القبلة ورفع اليدين وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب والإخلاص وافتتاحه بالحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والتوسل بالأسماء الحسنى والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث جويرية ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث علي ذكره للاستدلال به على التسبيح عند النَّوم الذي هو الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاث متابعات، والسادس: حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أبي الدَّرداء ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن: حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين. ***

كتاب الرقاق والتوبة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 30 - كتَاب الرقاق والتوبة 741 - (6) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النَّار النساء وبيان الفتنة بالنساء وذكر قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح العمل 6765 - (2714) (63) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. ح وَحَدَّثَنِي مُحمَّد بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ 30 - كتاب الرقاق والتوبة والرقاق والرقائق: جمع رقيقة وسُميت الأحاديث التي تذكر في هذا الكتاب رقاقًا لأنها تحدث في القلب رقة وتزيل منه القسوة والغفلة وتذكر بالآخرة وتنشئ الإنابة إلى الله تعالى، قال أهل اللغة: الرقة الرحمة وضد الغلظ ويقال لكثير الحياء رق وجهه استحياء، وقال الراغب: متى كانت الرقة في جسم فضدها الصفاقة كثوب رقيق وثوب صفيق ومتى كانت في نفس فضدها القسوة كرقيق القلب وقاسي القلب، وقال في الكواكب: (كتاب الرقاق) أي كتاب الكلمات المرققة للقلوب وسُميت أحاديث الباب بذلك لأن فيها من الوعظ والتنبيه ما يجعل القلب رقيقًا ويحدث فيه الرقة اه قسطلاني. 741 - (6) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النَّار النساء وبيان الفتنة بالنساء وذكر قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح العمل 6765 - (2714) (63) (حَدَّثَنَا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا معاذ بن معاذ العنبري) البَصْرِيّ (ح وحدثني محمَّد بن عبد الأعلى) القيسي الصَّنْعانِيّ ثم البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) روى

حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ. حَدَّثَنَا التَّيْميُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُمْتُ َعَلَى بَابِ الْجَنّةِ. فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ. وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التَّيْميّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (18) بابًا (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين يعني حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ ومعتمر بن سليمان وجرير بن عبد الحميد رووا (عن سليمان) بن طرخان (التَّيْميّ) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) (ح وحدثنا أبو كامل) الجحدري (فضيل بن حسين) البَصْرِيّ (واللفظ) الآتي (له) أي لأبي كامل (حَدَّثَنَا يزيد بن زريع) التَّيْميّ أبو معاوية البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (حَدَّثَنَا) سليمان بن طرخان (التَّيْميّ) البَصْرِيّ (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرَّحْمَن بن مُلّ الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2) (عن أسامة بن زيد) بن حارثة الهاشمي مولاهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته (قال) أسامة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قمت على باب الجنة) يحتمل أن يكون وقع ذلك في ليلة الإسراء أو في المنام، وذكر الواقديّ احتمالًا آخر وهو أن يكون وقع ذلك حين كسفت الشَّمس وأُري رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة والنار (فإذا عامة) أي أكثر (من دخلها المساكين) أي ففاجأني كون أكثر من دخل الجنة الفقراء والمساكين، قال الأبي: الأظهر أن هذا القيام حقيقة وأما دخول الفقراء فالأظهر أنَّه ليس حقيقة لأنهم إنما يدخلونها بعد الحساب، قوله: (فإذا عامة من دخلها .. ) إلخ. قال السنوسي: لا يدل على أن غيرهم لم يكن حينئذٍ دخلها إذ لا يقول أحد أن أَبا ذر وأهل الصفة أفضل من عثمان وابن عوف اه قال السنوسي: ويحتمل أن دخولهم أولًا حقيقة ويكون الدخول لأرواحهم بعد الموت وأن المتقدم في الدخول لا يؤذن بالأفضلية بل بخفة الحساب فقط اه (وإذا أصحاب الجد) والغنى (محبوسون) أي ممنوعون من دخول الجنة لأنهم محبوسون للمحاسبة ويسبقهم الفقراء إلى الجنة بخمسمائة عام كما ورد في الحديث، والجد بفتح الجيم الحظ

إِلَّا أَصْحَابَ النَّارِ. فَقَد أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ. وَقُمْتُ َعَلَى بَابِ النَّارِ. فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ". 6766 - (2715) (64) حدّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، قَالَ: سَمِعتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اطَّلَعْتُ في الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ. وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والنصيب والمراد من أصحاب الجد هنا الأغنياء وذوو الوجاهة في الدنيا وإنما حبسوا من أَجل المحاسبة على أموالهم وهذا محمول على الأكثرية (إلا أصحاب النَّار فـ) إنهم قد (أُمر بهم) أي بسوقهم (إلى النَّار) من أول الأمر بلا محاسبة لأنها لا تفيدهم يعني من استحق من أهل الغنى النَّار بكفره (وقمت على باب النَّار فهذا عامة) أي أغلب (من دخلها النساء) وقد بيّن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سبب ذلك في الحديث المعروف أنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير، ومن المشاهد أنهن أميل إلى زخارف الدنيا وإيثار العاجلة على الآجلة والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في النكاح باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه [5169] وفي الرقاق باب صفة الجنة والنار [6547]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة بحديث ابن عباس رضي الله عنه فقال: 6766 - (2715) (64) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن عليّة (عن أَيُّوب) السختياني (عن أبي رجاء العطاردي) عمران بن ملحان بن تيم البَصْرِيّ، مشهور بكنيته، ثِقَة مخضرم، من (2) معمّر، مات سنة (105) وله (120) سنة (قال) أبو رجاء: (سمعت ابن عباس يقول) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) رسول الله: (محمَّد صلى الله عليه وسلم اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النَّار فرأيت أكثر أهلها النساء) قال ابن بطال: قوله صلى الله عليه وسلم: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء) ليس يوجب فضل الفقير على الغني إنما معناه أن الفقراء في الدنيا أكثر من الأغنياء فأخبر عن ذلك كما تقول أكثر أهل

6767 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا الثَّقَفِيُّ. أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6768 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ. حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيا الفقراء إخبارًا عن الحال وليس الفقر أدخلهم الجنة وإنما دخلوها بصلاحهم مع الفقر فإن الفقير إذا لم يكن صالحًا لا يفضل، وتعقبه الحافظ في الفتح [11/ 280] فقال: ظاهر هذا الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا كما أن فيه تحريف النساء على المحافظة على أمر الدين لئلا يدخلن النَّار. وقد أطال الحافظ قبل ذلك في تحقيق أفضلية الفقر على الغنى أو العكس والحق أن المدار وإن كان على الأعمال الصالحة دون خصوص الفقر أو الغنى لكن الغنى ربما يجر إلى المعصية والطغيان والفقر يؤدي إلى الإنابة والعبادة والتواضع لله تعالى فالأفضل أن لا يتوسع المرء في اختيار الغنى إلَّا بما لا بد منه لحاجته والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في مواضع منها في الرقاق باب فضل الفقر [6449] وباب صفة الجنة والنار [6546]، والتِّرمذيّ في صفة جهنم باب ما جاء أن أكثر أهل النَّار النساء [2605 و 2606]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6767 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا) عبد الوهَّاب بن عبد المجيد (الثَّقَفيّ) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) (أخبرنا أَيُّوب) السختياني، غرضه بيان متابعة الثَّقَفيّ إسماعيل بن إبراهيم وساق الثَّقَفيّ (بهذا الإسناد) يعني عن أبي رجاء عن ابن عباس "مثله". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6768 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا أبو الأشهب) العطاردي جعفر بن حيان البَصْرِيّ نسبة إلى جده عطارد بضم ففتح، ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا أبو رجاء) العطاردي (عن ابن عباس أن

النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطلَعَ في النَّارِ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أيُّوبَ. 6769 - (00) (00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. سَمِعَ أَبَا رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 6770 - (2716) (65) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَالَ: كَانَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ امْرَأَتَانِ. فَجَاءَ مِنْ عِنْدِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتِ الأُخْرَى: جِئْتَ من عِنْدِ فُلانَةَ؟ فَقَالَ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ عِمْرَانَ بْنِ حُصيْنٍ. فَحَدَّثَنَا؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الأشهب لأيوب السختياني (اطلع في النَّار فذكر) أبو الأشهب (بمثل حديث أَيُّوب). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 6769 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو كُريب) محمَّد بن العلاء (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن سعيد بن أبي عروبة) اليشكري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) (سمع أَبا رجاء) العطاردي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، غرضه بيان متابعة سعيد لأيوب (قال) ابن عباس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر) سعيد (مثله) أي مثل حديث أَيُّوب. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أسامة بحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فقال: 6770 - (2716) (65) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شعبة عن أبي التَّيَّاح) الضبعي يزيد بن حميد البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (قال) أبو التياح (كان لمطرف بن عبد الله) بن الشخير العامري الحرشي البَصْرِيّ، ثِقَة عابد، من (2) روى عنه في (9) أبواب (امرأتان) أي زوجتان، لم أر من ذكر اسمهما (فجاء) مطرف (من عند إحداهما) إلى الأخرى (فقالت) تلك (الأخرى جئت من عند) زوجتك (فلانة فقال) لها مطرف بل (جئت من عند عمران بن حصين) رضي الله عنه (فحدّثنا) عمران (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ: "إِنَّ أَقَلَّ سَاكنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ". 6771 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّد بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاذٍ. 6772 - (2717) (66) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَبُو زُرْعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: إن أقل ساكني الجنة النساء) وكأنه لقيه قبل أن يأتي إلى امرأته الأولى أو بعد أن يخرج من عندها وذكر ذلك تنبيهًا لامرأته الثَّانية لئلا تسيء الظن به وبامرأته الأولى ولا تقع فيهما لأن ذلك قد يسبب في دخولها عذاب النَّار، وحديث عمران بن حصين هذا رواه عنه أبو رجاء أَيضًا عند البُخَارِيّ فالصحيح أن أَبا رجاء سمع هذا الحديث من ابن عباس وعمران بن حصين كليهما، راجع فتح الباري [11/ 279] لتحقيقه اه من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه فقال: 6771 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن الوليد بن عبد الحميد) العامري البسري بضم فسكون من ولد بسر بن أرطأة أبو عبد الله البَصْرِيّ الملقب بحمدان، ثِقَة، من (10) روى عنه في (4) (حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) ربيب شعبة الملقب بغندر (حَدَّثَنَا شعبة عن أبي التَّيَّاح) يزيد بن حميد (قال) أبو التَّيَّاح: (سمعت مطرفًا) ابن عبد الله (يحدّث أنَّه كان له امرأتان) غرضه بيان متابعة محمَّد بن جعفر لمعاذ بن معاذ، وساق محمَّد بن جعفر (بمعنى حديث معاذ) بن معاذ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أسامة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فقال: 6772 - (2717) (66) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن عبد الكريم) بن يزيد بن فروخ القُرشيّ المخزومي مولاهم مولى عباس بن مطرف (أبو زرعة) الرَّازيّ أحد الأئمة الأعلام، روى عن يحيى بن عبد الله بن بكير في الدعاء، وأبي نعيم وقبيصة والقعنبي وأبي الوليد الطَّيالِسيّ وخلائق، ويروي عنه (م) فرد حديث و (ت س ق) قال أَحْمد: ما جاوز الجسر أفقه من إسحاق ولا أحفظ من أبي زرعة، وقال إسحاق: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة

حَدَّثَنَا ابنُ بُكَيْرٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ. وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فليس له أصل، وقال في التقريب: إمام حافظ ثِقَة مشهور، من الحادية عشرة، مات سنة (264) أربع وستين ومائتين. (حَدَّثَنَا) يحيى بن عبد الله (بن بكير) القُرشيّ المخزومي مولاهم أبو زكرياء المصري، ثِقَة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثني يعقوب بن عبد الرَّحْمَن) بن محمَّد بن عبد الله القاري المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتية ومعجمة الأسدي مولاهم المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عبد الرَّحْمَن المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عمر: (كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنِّي أعوذ بك من زوال نعمتك) التي أنعمت بها عليّ عني أي بلا بدل عنها (وتحوّل عافيتك) التي أنعمت بها عليّ عنّي أي من انتقالها عنّي من السمع والبصر. وسائر الأعضاء، والفرق بين الزوال والتحول أن الزوال أن يفارق الشيء بلا بدل والتحول أن يأتي بدله شيء آخر فتحول العافية أن تبدّل الصحة بالمرض والغنى بالفقر مثلًا وقد يكون فيه إشارة لطيفة إلى أن المرض والفقر من النعم الباطنة لكونهما سببين للأجر فمن تغيرت صحته إلى المرض لم تزل عنه النعمة بل إنها تغيرت صورتها ولكنا لما بنا من ضعف قد أُمرنا بالاستعاذة من المرض والفقر خشية أن لا نطيقها ولا نؤدي حقها (وفجاءة نقمتك) بضم الفاء وبالمد وفتح الجيم وبفتح الفاء مع سكون الجيم على وزن ضربة لغتان معناهما واحد وهي البغتة والمراد منه الاستعاذة من النقمة التي تفاجئ الإنسان أي وأعوذ من النقمة والبلية التي تفاجئني (و) أعوذ بك من (جميع سخطك) بفتحتين وهو ضد الرضا والمعنى إنِّي أعوذ بك من جميع أسباب غضبك أو من جميع آثاره كذا فسره علي القاري في المرقاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب الاستعاذة [1545] وقد وقع هذا الحديث في أكثر نسخ صحيح مسلم في هذا الموضع، ولكنه وقع

6773 - (2718) (67) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيمِيِّ. عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّمَ: "مَا تَرَكتُ بَعْدِي فِتنَةً. هِيَ أَضَرُّ، عَلَى الرِّجالِ، مِنَ النِّسَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في بعض النسخ كنسخة الأبي في آخر الباب السابق قبيل كتاب الرقاق وهو الصواب. قال محمَّد الدهني: وهذا الحديث دخيل بين أحاديث النساء ولم يوجد ها هنا في بعض النسخ خصوصًا المطبوعات المصرية لكن وجد في المتون التي بأيدينا وكذلك وُجد في نسخة النووي حيث قال: وهذا الحديث أدخله مسلم بين أحاديث النساء وكان ينبغي أن يقدمه عليها كلها، وهذا الحديث رواه مسلم عن أبي زرعة الرَّازيّ أحد حفاظ الإِسلام وأكثرهم حفظًا ولم يرو مسلم في صحيحه عنه إلَّا هذا الحديث وهو من أقران مسلم تُوفِّي بعد مسلم بثلاث سنين سنة أربع وستين ومائتين (264). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أسامة الأول بحديث آخر له فقال: 6773 - (2718) (67) (حَدَّثَنَا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخُرَاسَانِيّ نزيل مكة، ثِقَة، من (10) روى عنه في (15) بابًا (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (ومعتمر بن سليمان) التَّيْميّ البَصْرِيّ (عن سليمان) بن طرخان (التَّيْميّ) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) (عن أبي عثمان النهدي) عبد الرَّحْمَن بن مل الكُوفيّ، ثِقَة، من (2) (عن أسامة بن زيد) بن حارثة الهاشمي مولاهم المدنِيُّ رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) أسامة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي) أي بعد وفاتي (فتنة هي أضر) أي أشد ضررًا (على الرجال من النساء) وفي الحديث أن فتنة الرجال بسبب النساء أشد من الفتنة بغيرهن وذلك لأن من طبيعة الرَّجل أن يميل إلى النساء وأن هذا الميل ربما يؤدي إلى معصية كنظرة إلى غير محرم منهن أو الاستلذاذ بها بطريق غير مشروع وربما يؤدي إلى تعاطي المحظورات لإرضائها وإن كانت حلالًا ولذلك قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} فجعل النساء من جملة الشهوات وقدّمهن على بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك، وعبارة المناوي هنا قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة" .. إلخ لأن المرأة لا تحب زوجها إلَّا على شر وأقل

6774 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَسُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. جَمِيعًا عَنِ المُعْتَمِرِ. قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أبي: حَدَّثَنَا أبُو عُثمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيلٍ؛ أَنهُما حَدَّثَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "مَا تَرَكتُ بَعدِي في النَّاسِ، فِتنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إفساده أن تحمله على تحصيل الدنيا والاهتمام بها وتشغله عن أمر الآخرة وللمرأة فتنتان عامة وخاصة فالعامة الإفراط في الاهتمام بأسباب المعيشة وتعيير المرأة له بالفقر فيكلف نفسه بما لا يطيق ويسلك مسالك التهم المذهبة لدينه والخاصة الإفراط في المجالسة والمخالطة فتنطلق النفس عن قيد الاعتدال وتستروح بطول الاسترسال فيتولى على القلب السهو والغفلة فيقل الوارد لقلة الأوراد ويتكدر الحال لإهمال شروط الأعمال اه منه اه دهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في النكاح باب ما يتقى من شؤم المرأة [5096]، والتِّرمذيّ في الأدب باب ما جاء في تحذير فتنة النساء [2781]، وابن ماجه في الفتن باب فتنة النساء [4046]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة بن زيد ومعها شاهد من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنهما فقال: 6774 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ (العنبري) البَصْرِيّ (وسويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمَّد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (ومحمَّد بن عبد الأعلى) القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن المعتمر) بن سليمان (قال) عبيد الله (بن معاذ: حَدَّثَنَا المعتمر بن سليمان) بصيغة السماع لا بالعنعنة (قال) المعتمر: (قال أبي) سليمان بن طرخان: (حَدَّثَنَا أبو عثمان) النهدي (عن أسامة بن زيد بن حارثة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) العدوي أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله وسويد بن سعيد ومحمَّد بن عبد الأعلى لسعيد بن منصور (أنهما) أي أن أسامة وسعيد بن زيد (حدّثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ما تركت بعدي في النَّاس فتنة أضر على الرجال من النساء) كرر المتن لما في هذه الرواية من زيادة لفظة (في النَّاس) وإسقاط لفظة (هي).

6775 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا هُشَيْمٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهمْ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. 6776 - (2719) (69) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يحدث، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 6775 - (00) (00) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير قالا: حَدَّثَنَا أبو خالد الأحمر) الأَزدِيّ سليمان بن حيان الكُوفيّ، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابًا (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيْسَابُورِيّ (أخبرنا هشيم) بن بشير بوزق عظيم بن القاسم السلمي الواسطيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (18) بابًا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (18) بابًا (كلهم) أي كل من أبي خالد وهشيم وجرير رووا (عن سليمان) بن طرخان (التَّيْميّ) البَصْرِيّ، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمعتمر بن سليمان وساقوا (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد (مثله) أي مثل ما رواه المعتمر عن أَبيه سليمان. ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أسامة الأول بحديث أبي سعيد رضي الله عنهما فقال: 6776 - (2719) (69) (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى ومحمَّد بن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن أبي مسلمة) الأَزدِيّ القصير سعيد بن يزيد بن مسلمة البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (قال) أبو مسلمة: (سمعت أَبا نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العَوَقِي بفتح المهملة والواو وكسر القاف البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (11) بابًا (يحدّث عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخُدرِيّ) رضي الله عنه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سداسياته (إن

الدُّنيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ. وَإِنَّ الله مُسْتَخلِفُكُمْ فِيهَا. فَيَنْظُرُ كَيفَ تَعْمَلُونَ. فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ. فَإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ: "لِيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ". 6777 - (2720) (70) حدّثني مُحَمَّد بْنُ إِسْحَاقَ المُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنِي أَنَسٌ، (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الدنيا) وزخارفها (حلوة) المذاق (خضرة) المنظر، قال النووي: يحتمل أن المراد به شيئان أحدهما حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها كالفاكهة الخضراء الحلوة فإن النفوس تطلبها طلبًا حثيثًا فكذا الدنيا، والثاني سرعة فنائها كالشيء الأخضر في هذين الوصفين (وإن الله) سبحانه (مستخلفكم فيها) أي جاعلكم خلفاء في الأرض عن القرون الذين قبلكم (فينظر كيف تعملون) فيها أي فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته وشهواتكم (فاتقوا الدنيا) أي فاجتنبوا فتنة الدنيا وقوا أنفسكم من الافتتان بها (واتقوا النساء) أي قوا أنفسكم من الافتتان بهن وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن وأكثرهن فتنة الزوجات لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر النَّاس بهن اه نووي (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ففي هذا إشارة إلى ما وقع في أرض بلعام في عهد موسى عليه السلام حيث أشار بلعام على قومه بأن يرسلوا النساء إلى عسكر بني إسرائيل ففعلوا وزنى بهن بعض بني إسرائيل فابتلوا بالطاعون، وأيضًا إن فتنة ابني آدم كانت من قبل النساء اه أبي (وفي حديث ابن بشار) وروايته لفظة (لينظر كيف تعملون). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرْمِذِيّ في الفتن باب ما أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة [2191]، وابن ماجه في الفتن باب فتنة النساء [4048]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو قصة أصحاب الغار والتوسل بصالح الأعمال بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6777 - (2720) (70) (حَدَّثني محمَّد بن إسحاق) بن محمَّد بن عبد الرَّحْمَن المخزومي (المسيبي) أي المنسوب إلى جده المسيّب بن أبي السائب أبو عبد الله المدنِيُّ نزيل بغداد، ثِقَة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثني أنس يعني ابن عياض) بن

أَبَا ضَمْرَةَ)، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "بَينَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ. فَأَوَوْا إلى غَارٍ في جَبَلٍ. فَانْحَطَّتْ َعَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتمُوها صَالِحَةً لله، فَادْعُوا الله تَعَالَى بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ نضرة الليثيّ (أَبا نضرة) المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (11) بابًا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (عن رَسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: بينما ثلاثة نفر) ممن كان قبلكم، ذكر الحافظ في الفتح [6/ 506] أنَّه لم يقف على أسمائهم (يتمشون) خبر لثلاثة وهو مبتدأ، والجملة الاسمية مضاف إليها لبينما، وجملة (أخذهم المطر) جواب بينما أي بينما أوقات مشي ثلاثة أنفار في الطريق أخذهم المطر ومنعهم من الرجوع إلى مساكنهم، وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان والبزار أنهم خرجوا يرتادون لأهليهم أي يمتارون الطعام لهم، قوله: (فأووا) وقد مر أنَّه يمد ويقصر أي فانضموا (إلى غار في جبل) معطوف على أخذهم قيل: إن هذا الغار هو الذي يسمى بالرقيم وهو الذي ذكره القرآن الكريم في قصة أصحاب الكهف والذي يدل على ذلك ما أخرجه البَزَّار والطبراني بإسناد حسن عن النُّعمان بن بشير أنَّه سمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم قال: انطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الجبل .. فذكر الحديث راجع الفتح (فانحطت) أي سقطت (على فم غارهم) الذي دخلوه (صخرة من الجبل فانطبقت) أي سدت (عليهم) فم الغار، وزاد الطَّبْرَانِيّ في حديث النُّعمان بن بشير من وجه آخر (إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتَّى سد فم الغار (فقال بعضهم لبعض: انظروا) أي تذكروا (أعمالًا عملتموها صالحة) صفة لأعمالًا أي أعمالًا صالحة عملتموها (لله) أي لوجه الله تعالى ورضاه (فادعوا الله تعالى بها) أي بتلك الأعمال الفرج مما أنتم فيه؛ أي فادعوا الله متوسلين بتلك الأعمال الصالحة، وفيه دليل على أنَّه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه وفي الاستقساء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به لأن هؤلاء دعوه فاستجيب لهم وذكرهم الله تعالى في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم اه

لَعَلَّ اللهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَ لِي وَالِدانِ شَيخَانِ كَبِيرانِ وَامْرَأَتِي. وَلِيَ صِبيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيهِمْ. فَإذَا أَرَحْتُ عَلَيهِمْ، حَلَبتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ. وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ. فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا. فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ. فَجئتُ بِالْحِلابِ. فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا. أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا. وَأَكْرَهُ أن أَسقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا. وَالصِّبيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تكملة (لعل الله يفرجها) أي نرجو الله تعالى أن يفرج ويفتح هذه الصخرة (عنكم) أيها الأنفار بفضله وكرمه وإغاثته لكم (فقال أحدهم) أي أحد الثلاثة: (اللهم إنه) أي إن الشأن والحال (كان لي والدان) أي أبوان (شيخان) أي بالغان سن الشيخوخة (كبيران) أي بالغان غاية من الكبر والهرم (و) كانت لي (امرأتي) أي زوجتي أَيضًا (ولي) أَيضًا (صبية) جمع صبي أي أطفال (صغار) وكنت (أرعى) المواشي وأحفظها في المراعي لترعى (عليهم) أي لأجل تحصيل لبن قوتهم (فإذا أرحت) أي رددت ورجعت المواشي (عليهم) أي على هؤلاء العيال المذكورين في الرواح أي آخر النهار وأول الليل عند منزلي (حلبت) اللبن منها (فبدأت) في سقيهم اللبن بوالديّ أي بأبي وأمي (فسقيتهما) اللبن (قبل) سقي (بني) وأولادي الصغار (وأنه) أي وأن الشأن والحال (نأى) وبعد (بي ذات يوم) أي يومًا من الأيام (الشجر) أي طلب الشجر الذي ترعاه المواشي، وفي بعض النسخ ناء بي وهما لغتان وقراءتان ومعناهما واحد أي أبعدني طلبه عن المنزل (فلم آت) أي فلم أرجع إلى عيالي (حتَّى أمسيت) أي حتَّى دخلت في المساء أي في أوائل الليل، والمعنى أنَّه استطرد وذهب مع غنمه في الرعي إلى أن بعُد مع غنمه عن مكانه المعتاد في الرعي زيادة على العادة وذهب إلى أشجار بعيدة فلذلك أبطأ في الرجوع إلى منزله، وفي حديث علي رضي الله عنه عند البَزَّار فإن الكلأ تنأى عليّ أي تباعد والكلأ: المرعى فرجعت إلى المنزل في أوائل الليل (فوجدتهما) أي فوجدت والديّ ورأيتهما (قد ناما) أي قد استغرقا في النَّوم (فحلبت) اللبن لهما (كما كنت أحلب) اللبن لهما أولًا (فجئت بالحلاب) بكسر الحاء الإناء الذي يُحلب فيه يسع حلبة ناقة ويقال له: المحلب بكسر الميم قال القاضي: وقد يراد بالحلاب هنا اللبن المحلوب كما يقال: الخراف لما يخرف من النخل من فاكهة (فقمت عند رؤوسهما) طول الليل حالة كوني (أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما) أي قبل شربهما (والصبية) أي والحال

يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةَ، نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الصبية (يتضاغون) أي يبكون ويصيحون من الجوع ويشتكون منه ويتلفَّفون (عند قدمي) أي عند أسفل رجلي من الضغاء بضم الضاد وبالمد صوت الذلة والدواب، قال الأبي: لا يقال إن نفقة الأبوين كانت في شرعهم آكد من نفقة الولد لأن هذا الشرب ليس حاجيًا إنما هو تكميلي وبكاؤهم إنما هو على عادة الصبيان في البكاء على ما هو دون هذا اه، قال السنوسي: ويدل على أنَّه ليس بتكميل تفسيرهم يتضاغون بالاستغاثة من الجوع اه، ويرد أَيضًا تأويل الأبي ما ورد في بعض روايات البُخَارِيّ في كتاب الأنبياء ولفظه (وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع) فإنَّه يظهر من هذه الرواية أنَّهم ما كانوا يطلبون التفكه فقط وإنما كانوا جائعين والظاهر أن الرَّجل إنما لم يسقهم اللبن معتقدًا بأن أبويه مثلهم في الجوع وهما أولى بالتقديم في السقي وكان يتوقع استيقاظهما في كل لحظة فأخّر سقي صبيته بسبب هذا التوقع لا لأنه كان يريد أن يحرمهم من ذلك، وقال الحافظ: وقد استشكل تركه لأولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل: كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم، وقيل يحتمل أن بكاءهم ليس من الجوع وقد تقدم ما يرده، وقيل: لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق وهذا أولى وقد يخطر بالبال أن ما فعله هذا الرَّجل بالصبية كان اجتهادًا منه في تقديم حق الوالدين. والحديث إنما جاء ثناء على نيته الخالصة لوجه الله تعالى وأنه لم يفعل ذلك إلَّا إيثارًا لوالديه على نفسه وأهله ابتغاء لمرضاة الله سبحانه فأثيب على ذلك أما أنَّه كان مصيبًا في هذا الاجتهاد أو مخطئًا فليس في هذا الحديث تعرض لهذه الجهة والله سبحانه وتعالى أعلم (فلم يزل ذلك) القيام فوقهما (دأبي) أي شأني وحالي اللازمة لي (و) لم يزل ذلك أي نومهما وعدم تيقظهما وبكاء الصبية عند قدمي (دأبهم) أي دأب والديّ وصبيتي وشأنهم وحالهم اللازمة لهم (حتَّى طلع الفجر) الصادق وانتهى الليل (فإن كنت) يَا إلهي (تعلم أني فعلت ذلك) القيام على رؤوس والديّ باللبن طول الليل (ابتغاء وجهك) وطلب مرضاتك (فافرج لنا) أي فافتح لنا (منها) أي من انطباق هذه الصخرة (فرجة) أي فتحة (نرى منها) أي من تلك الفتحة (السماء) وضوء الشَّمس فيها

فَفَرَجَ الله مِنْهَا فُرْجَةً. فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كأَشَدِّ مَا يُحِبًّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ. وَطَلَبْتُ إِلَيهَا نَفْسَهَا. فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ. فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ. فَجئْتُهَا بِهَا. فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ اتِّقِ الله. وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إلَّا بِحَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ففرج الله) سبحانه أي فتح (منها) أي من انطباق تلك الصخرة (فرجة) أي فتحة (فرأوا منها) أي من تلك الفتحة (السماء) وفي قوله: (فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك) .. إلخ أن من عمل عملًا صالحًا لا يجزم بإخلاصه بل يكون بين الخوف والرجاء ويجتهد في الإخلاص ثم يفوض أمره إلى الله تعالى. (وقال الآخر) وهو الثاني من الثلاثة (اللهم إنه) أي إن الشأن والحال كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها) أي منها (نفسها) أي التمكين لي من نفسها أي راودتها في نفسها لتمكنني من الفجور بها (فأبت) أي امتنعت من التمكين لي منها (حتَّى آتيها بمائة دينار فتعبت) أي أتعبت نفسي في كسبها (حتَّى جمعت مائة دينار فجئتها بها) أي بتلك المائة فمكنت لي من نفسها (فلما وقعت بين رجليها) أي جلست مجلس الرَّجل للوقاع، وفي رواية للبخاري (فلما قعدت بين رجليها) وفي أخرى (فلما كشفتها) ويظهر من الروايات الأخرى أنها امتنعت أولًا عِفة ثم ألَمَّ بها قحط فجاءته تطلب المال فأبى إلَّا أن تمكنه من نفسها كذا وقع في رواية سالم عند البُخَارِيّ، ووقع في حديث للنعمان بن بشير عند الطَّبْرَانِيّ أنها كانت ذات زوج فترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئًا من معروفه ويأبى عليها إلَّا أن تمكنه من نفسها فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها: أغني عيالك، قوله: (حتَّى أتيتها بمائة دينار) ووقع في رواية سالم المذكور (فأعطيتها مائة وعشرين دينارًا) وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأنه يمكن أن يكون قد أعطاها عشرين زائدة من عنده دون أن تطلبه المرأة ويمكن أن يكون غير سالم ألغى الكسر والله أعلم (قالت) لي: (يَا عبد الله اتق الله) أي خف عقابه على الزنا (ولا تفتح الخاتم) أي ختم البكارة (إلا بحقه) والخاتم كناية عن بكارتها، وقولها: (إلَّا بحقه) أي إلا بنكاح لا بزنى، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند البُخَارِيّ (ولا تفض الخاتم) قيل: إن الخاتم كناية عن عذرتها وكأنها كانت بكرًا، وَكَنَتْ

فَقُمْتُ عَنْهَا. فَإِنْ كنت تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً. فَفَرَجَ لَهُمْ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ. فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي. فَعَرَضتُ عَلَيهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الإفضاء بكسر الخاتم، وفيه نظر لما قدمنا من حديث النُّعمان بن بشير أنها كانت ذات زوج وعليه فيمكن تفسير قولها بأن عليها خاتم زوجها ولا يحل لأحد غيره أن يفضها وليس ذلك كناية عن العذرة بل عن انتهاك حرمة الزوج (فقمت عنها) وفي الأبي أن ترك المعصية لله تعالى بعد العزم عليها طاعة وتوبة حقيقية كما قال في الحديث الآخر: "فاكتبوها حسنة فإنما تركها من جراي" أي من أجلي، وفي رواية لحديث النُّعمان بن بشير عند الطَّبْرَانِيّ فأسلمت إليّ نفسها فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت: مالك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين، فقلت: خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها (فإن كنت) يَا إلهي (تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك) وطلب مرضاتك (فافرج لنا) أي فافتح لنا (منها) أي من انطباق هذه الصخرة (فرجة) أي فتحة (ففرج) الله سبحانه (لهم) زيادة على الفتحة الأولى ولكن لا يقدرون الخروج منها الآن. (وقال الآخر) يعني الثالث منهم: (اللهم إنِّي كنت استأجرت أجيرًا بفرق أرز) أما الفرق فهو بفتح الفاء والراء وقيل بسكون الراء والأول أشهر وهو مكيال يسع ثلاثة آصع، وأما الأرز فالمشهور أنَّه بفتح الهمزة وضم الراء وفيه لغات أخرى من ضم الهمزة وسكون الراء وتشديد الزاي وتخفيفها وهي من الحبوب الغذائية المعروفة، وقد وقع في رواية للبخاري أنَّه استأجره على فرق من الذرة، وجمع الحافظ بينهما بأنه كان استأجر أكثر من واحد فاستأجر بعضهم بفرق أرز وبعضهم بفرق ذرة، وقد وقع في حديث ابن أبي أوفى عند الطَّبْرَانِيّ أنَّه كان استأجر قومًا كل واحد بنصف درهم ووجه تطبيقه برواية الباب أن الفرق المذكور كانت قيمته نصف درهم إذ ذاك (فلما قضى عمله) وأتم (قال) الأجير: (أعطني حقي) وأجري (فعرضت عليه) أي قربت إليه (فرقه) الذي اتفقنا عليه أول العقد (فرغب عنه) أي كرهه وسخطه وتركه أي ذهب ولم يأخذه. ووقع في حديث النُّعمان بن بشير بيان السبب في ترك الرَّجل أجرته ولفظه (كان لي أجراء يعملون فجاءني

فَلَمْ أَزَل أَزرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا. فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتِّقِ الله وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي. قُلْتُ: اذهَبْ إلى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا. فَقَالَ: اتِّقِ الله وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِيِ. فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ. خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا. فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمال فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم فجاء رجل ذات يوم نصف النهار فاستأجرته بشرط أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت عليّ في الذمام أن لا أنقصه عما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم: تعطي هذا مثل ما أعطيتني؟ فقلت: يَا عبد الله لم أبخسك شيئًا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت فغضب وذهب وترك أجره) قال هذا الثالث: (فلم أزل أزرعه) أي أزرع ذلك الفرق لاستثماره لذلك الأجير الذي ترك عليّ (حتَّى جمعت) أي حتَّى استثمرته وجمعت (منه) أي من ذلك الفرق مكسبًا كثيرًا واشتريت به (بقرًا) كثيرًا (ورعاءها) أي ورعاة تلك البقر جمع راعٍ وهو حافظها في المرعى، وفي رواية عبيد الله عند البُخَارِيّ في الأنبياء (وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرًا) والحاصل أنَّه تضاعف مقدار الأرز بالزراعة فاشترى بها بقرًا واستأجر بها من يرعاها، وتدل رواية سالم عند البُخَارِيّ على أنَّه اشترى بها الإبل والبقر والغنم والرقيق أَيضًا (فجاءني) ذلك الأجير (فقال) لي: (اتق الله) أعطني حقي (ولا تظلمني) أي ولا تمنعني (حقي) قال المستأجر: فـ (قلت) لذلك الأجير: (اذهب إلى تلك البقر ورعائها) أي ورعاتها (فخدها) أي فخذ تلك البقر مع رعاتها فإنَّها حقك عندي (فقال) الأجير (اتق الله) أيها المستأجر (ولا تستهزئ بي) أي ولا تسخر مني قال المستأجر: (فقلت) للأجير: (إني) والله (لا أستهزئ بك) ولا أسخر منك فـ (خذ ذلك البقر ورعاءها) ذكر اسم الإشارة نظرًا إلى لفظ البقر وأنث ضمير رعاءها نظرًا إلى معناها لأنها جمع بقرة، قال المستأجر: (فأخذه) أي فأخذ ذلك المذكور من البقر ورعائها الأجير (فذهب به) إلى وطنه، قال النووي: احتج بهذا الحديث الحنفية على أن بيع الرَّجل مال غيره والتصرف فيه بغير إذنه جائز إذا أمضاه المالك، وأجاب أصحابنا وغيرهم بأنه شرع من قبلنا فيحتمل أنَّه استأجره بأجرة في الذمة ولم يسلمه له بل عرضه عليه فلم يقبله لرداءته فلم ينتقل من غير قبض فبقي على ملك ربه فلم يتصرف إلَّا في ملكه ثم تطوع بما اجتمع منه

فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ. فَفَرَجَ الله مَا بَقِيَ. 6778 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي مُوسى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ اه من الأبي، قوله: (فخذها) ووقع في حديث ابن أبي أوفى عند الطَّبْرَانِيّ ما يدل على أن قيمة هذه الأموال صارت عشرة آلاف درهم، قال المستأجر: اللهم (فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك) الذي فعلته مع أجيري لأجل (ابتغاء وجهك) وطلب مرضاتك (فافرج لنا) أي فافتح عنا (ما بقي) علينا من انطباق هذه الصخرة (ففرج الله) تعالى عنهم بفضله (ما بقي) من الصخرة فخرجوا من الغار شاكرين لربهم حامدين له تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في مواضع كثيرة منها في الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل [3465] وفي البيوع باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي [2215] وفي الأدب باب إجابة دعاء من بن والديه [5974]، وأبو داود في البيوع باب في الرَّجل يتجر في مال الرَّجل بغير إذنه [3387]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6778 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التَّمِيمِيّ المروزي، ثِقَة، من (11) روى عنه في (17) بابًا (وعبد بن حميد) الكسي، ثِقَة، من (11) (قالا: أخبرنا أبو عاصم) النَّبِيل الشَّيبانِيّ الضحاك بن مخلد بن الضحاك البَصْرِيّ، ثِقَة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابًا (عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) (ح وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل، صدوق، من (10) (حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القُرشيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) (ح وحدثني أبو كُريب) محمَّد بن العلاء (ومحمَّد بن طريف) بن خليفة (البَجَليّ) الكُوفيّ، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (قالا: حَدَّثَنَا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان

حَدَّثَنَا أَبِي وَرَقَبَةُ بْنُ مَسْقَلَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنُونَ ابْنَ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ)، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صالِحِ بْنِ كَيْسَانَ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَزَادُوا في حَدِيثِهِمْ: "وَخَرَجُوا يَمْشُونَ"، وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ: "يَتَمَاشَوْنَ" إِلَّا عُبَيدَ اللهِ فَإِنَّ في حَدِيثِهِ: "وَخَرَجُوا" وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا شَيْئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الضَّبِّيّ الكُوفيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابًا (حَدَّثَنَا أبي) فضيل بن غزوان بن جرير الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (و) حدثنا أَيضًا (رقبة بن مسقلة) ويقال فيه مصقلة بالصاد العبدي الكُوفيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النَّسائيّ (وحسن) بن عليّ (الحلواني) المكيّ (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (قالوا: حَدَّثَنَا يعقوب يعنون ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا أبي) إبراهيم بن سعد، ثِقَة، من (8) (عن صالح بن كيسان) الغفاري المدني (كلهم) أي كل من موسى بن عقبة في السند الأول وعبيد الله في السند الثاني، وفضيل بن غزوان ورقبة بن مسقلة في السند الثالث، وصالح بن كيسان في السند الرابع أي كل من هؤلاء الخمسة رووا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة الأخيرة بيان متابعة عبيد الله وفضيل ورقبة وصالح بن كيسان لموسى بن عقبة في رواية هذا الحديث عن نافع، وبيان متابعة ابن جريج لأنس بن عياض في الرواية عن موسى بن عقبة في السند الأول منها، ولذلك قال: وساق ابن جريج (بمعنى حديث) أنس بن عياض (أبي ضمرة عن موسى بن عقبة وزادوا) أي وزاد كل من الثلاثة الأخيرة أعني عبيد الله وفضيل بن غزوان وصالح بن كيسان أي زادوا على موسى بن عقبة في حديثهم) وروايتهم عن نافع لفظة (وخرجوا) أي خرج أصحاب الغار الثلاثة من غارهم، حالة كونهم (يمشون) بأرجلهم إلى منازلهم (وفي حديث صالح) بن كيسان وروايته لفظة (يتماشون) متساوين كالصف بدل قول غيره وخرجوا يمشون (إلا عبيد الله) بن عمر (فإن في حديثه) وروايته لفظة (وخرجوا) من الغار فقط (ولم يذكر) عبيد الله (بعدها) أي بعد لفظة وخرجوا (شيئًا) من الكلام أي لم يذكر لفظة يمشون ولا لفظة يتماشون.

6779 - (00) (00) حدّثني مُحَمَّد بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ بِهْرَامَ وَأَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَاقَ. (قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخبَرَنَا) أَبُو الْيَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "انْطَلَقَ ثَلَاثةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبلَكُمْ. حَتى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ" وَاقتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. غَيرَ أَنَّهُ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ تأمل أيها الطالب فإن في المحل دقة زلت فيها أقدام كثير من النَّاس ولم أر أحدًا من الشراح بين هذه الدقة فإن أشباهها كثير في صحيح مسلم قد تغافل عن الاعتناء بها كثير من المدرسين لقصور أو تقصير يمرون عليها بسرعة قائلين هذا ما نقلنا عن آباءنا أولو كانوا في خطإ مبين. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6779 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن سهل) بن عسكر (التَّمِيمِيّ) مولاهم البُخَارِيّ، نزيل بغداد، ثِقَة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (وعبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن بهرام) الدَّارميّ السمرقندي، ثِقَة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابًا (وأبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثِقَة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال ابن سهل: حَدَّثَنَا وقال الآخران: أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، مشهور بكنيته، ثِقَة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأُموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثِقَة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن الزُّهْرِيّ) محمَّد بن مسلم المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) (أخبرني سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (انطلق) أي ذهب (ثلاثة رهط ممن كان قبلكم) من الأمم لبعض حوائجهم (حتَّى آواهم) أي اضطرهم وألجاهم وأحوجهم (المبيت) أي وقت المبيت (إلى غار) لِبُعد منازلهم، والغار نقب في الجبل (واقتص) أي ذكر سالم عن ابن عمر وساق (الحديث بمعنى حديث نافع عن ابن عمر) لا لفظه (غير أنَّه) أي لكن أن سالمًا (قال) في

قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: "اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ. فَكُنْتُ لا أَغْبُقُ قَبلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا". وَقَالَ: "فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ". وَقَالَ: "فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَارْتَعَجَتْ". وَقَالَ: "فَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ روايته (قال رجل منهم): أي من أصحاب الغار (اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت) أنا في عادتي (لا أغبق) من باب نصر أي لا أسقي (قبلهما أهلًا) أي زوجة وأولادًا وعيالًا لي (ولا مالًا) لي من الأرقاء وغيرهم أي ما كنت أقدم عليهما أحدًا في شرب نصيبهما عشاء من اللبن، والغبوق شرب العشاء، والصبوح شرب أول النهار وهو الفطور يقال منه غبقت الرَّجل أغبقه غبقًا فاغتبق أي سقيته عشاء فشرب وهذا الذي ذكرته من ضبطه متفق عليه في كتب اللغة وكتب غريب الحديث والشروح وقد صحفه بعض من لا أنس له فقال: (أغبق) بضم الهمزة وكسر الموحدة وهذا غلط اه نووي (وقال) سالم أَيضًا في الرَّجل الثاني: (فامتنعت) ابنة العم (مني) أي من تمكيني (حتَّى ألمت) ونزلت (بها سنة) مجدبة ذات قحط (من السنين) المجدبة (فجاءتني) تسألني (فأعطيتها عشرين ومائة دينار) فمكنت لي (وقال) سالم في الرَّجل الثالث: (فثمرت) أي استربحت وكثرت ونميت (أجره) أي أجر ذلك الأجير (حتَّى كثرت منه) أي من أجره (الأموال) أي المواشي (فارتجعت) أي كثرت تلك الأموال وماجت موج البحر أي كثرت حتَّى ظهرت حركتها واضطرابها وموج بعضها في بعض لكثرتها وارتعاج الاضطراب والحركة اه نووي (وقال: فخرجوا من النَّار يمشون). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث سبعة: الأول: حديث أسامة بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث عمران بن حصين ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والخاص: حديث أسامة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث عبد الله بن عمر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

742 - (7) باب الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنب بالاستغفار توبة وفضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة

742 - (7) باب الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنب بالاستغفار توبة وفضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة 6780 - (2721) (71) حدثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ. حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 742 - (7) باب الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنب بالاستغفار توبة وفضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة فالتوبة لغة الرجوع يقال: تاب وثاب وآب بمعنى لما فيها من الرجوع إلى الطاعة بعد المعصية وإلى الامتثال بعد المخالفة وإلى القبول بعد الإباء، وشرعًا ترك الذنب لقبحه والندم على ما فُرط منه والعزم على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتداركه من الأعمال بالأعمال بالإعادة ورد الظلامات لذويها أو تحصيل البراءة منهم، وزاد عبد الله بن المبارك وأن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتَّى ينشأ لهم لحم طيب وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة المعصية اه. والتوبة أهم قواعد الإِسلام وهي أولى مقامات سالكي الآخرة وبها سعادة الأبد اه من القسطلاني. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو الحض على التوبة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6780 - (2721) (71) (حَدَّثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا نسبة إلى عقيل بن كعب كما في التهذيب، ثِقَة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثني زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (13) بابًا (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أنَّ فيه رواية تابعي عن تابعي (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال) فيما يرويه عن ربه (قال الله عز) أي اتصف بجميع الكمالات (وجل) أي تنزه عن جميع النقائص (أنا عند ظن عبدي) وقد مر تفسير هذا الحديث في أول كتاب الذكر أي أنا عندما ظَنَّ (بي) عبدي إن ظن بي أن أرحمه

وَأَنا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي. وَاللهِ، للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ. وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا. وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيهِ بَاعًا. وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي، أَقْبَلْتُ إِلَيهِ أُهَرْوِلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أرحمه وإن ظن بي أن أعاقبه أعاقبه (وأنا معه حيث يذكرني) ويثني علي ومعنى كون الله مع عبده وعند ظن عبده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (والله) بالجر بواو القسم أي أقسمت لكم بالله الذي لا إله غيره (لله) بفتح اللام ورفع الجلالة على أنَّه مبتدأ والسلام لام الابتداء أو موطئة للقسم المحالله سبحانه (أفرح) أي أشد فرحًا (بتوبة عبده) إذا تاب من المعصية (من) فرح (أحدكم يجد ضالته) التي ضلت عنه (بالفلاة) أي بالمهلكة التي لا ماء فيه ولا أنيس وعليها زاده وماؤه أي من فرح أحدكم بوجدان ضالته التي ضلها بالمفازة التي لا ماء فيها ولا أنيس وفرح الله تعالى بتوبة عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها أثرها الرضا عنه والإقبال عليه (من تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا ومن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا وإذا أقبل إلى يمشي) على هيئته (أقبلت إليه) وأنا (أهرول) أي أسعى من الهرولة وهو الإسراع في المشي وقد مر تفسير هذا كله في أوائل كتاب الذكر أَيضًا. والشبر ما بين طرف الإبهام وطرف الخنصر أو البنصر أو الوسطى والذراع شبران تقريبًا والمراد بالذراع هنا ذراع اليد لأنه المتبادر إلى الذهن لا ذراع الحديد وهو نصف المتر والباع وكذا البوع بضم الباء والبوع بفتحها كله بمعنى وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره، قال الباجي: وهو مقدار أربعة أذرع وهذا كله في حقنا، والهرولة الإسراع في المشي بالرجل، وأما قربه تعالى إلى عبده ذراعًا أو باعًا وهرولته إليه صفات ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في التوحيد باب ذكر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه [7537]، والتِّرمذيّ في الدعوات باب حسن الظن بالله تعالى [3598]، وابن ماجه في الآداب باب فضل العمل [3867]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6781 - (00) (00) حَدَّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ القَعْنَبِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يعني ابْنَ عَبدِ الرَّحْمنِ الحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، من أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ، إِذَا وَجَدَهَا". 6782 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. بِمَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6781 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التَّمِيمِيّ الحارثيّ (القعنبي) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا المغيرة يعني ابن عبد الرَّحْمَن) بن عبد الله بن خالد بن حزام القُرشيّ الأسدي (الحزامي) نسبة إلى جده المذكور، ثِقَة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزِّناد) عبد الله بن ذكوان الأُموي مولاهم أبي عبد الرَّحْمَن المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الأعرج) عبد الرَّحْمَن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدنِيُّ القارئ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي صالح (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله) بلام الابتداء (أشد فرحًا بتوبة أحدكم من) فرح (أحدكم بـ) وجدان (ضالته) التي ضلت منه في فلاة (إذا وجدها) والظرف متعلق بالفرح المقدر أي من فرح أحدكم وقت وجدان ضالته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6782 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن رافع) القشيري النَّيْسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) روى عنه في (11) بابًا (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري الصَّنْعانِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني الصَّنْعانِيّ، ثِقَة، من (4) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة همام لأبي صالح، وساق همام (بمعناه) أي بمعنى حديث أبي صالح. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما فقال:

6783 - (2722) (72) حدّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ - (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ: حَدِيثًا عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّمَ يَقُولُ: "لَلهُ أشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبدِهِ الْمُؤْمِنِ، من رَجُلٍ في أَرْضِ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6783 - (2722) (72) (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ لعثمان قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ (عن الأَعمش) سليمان بن مهران (عن عمارة بن عمير) التَّيْميّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن الحارث بن سويد) التَّيْميّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (قال) الحارث: (دخلت على عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه حالة كوني (أعوده) من مرضه (وهو) أي والحال أن عبد الله (مريض فحدثنا) عبد الله (بحديثين) وقوله: (حديثًا) بالنصب بدل من محل الجار والمجرور قبله بدل بعض من كل أي حَدَّثَنَا حديثًا واحدًا (عن نفسه) أي من عند نفسه لم يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (و) حدثنا (حديثًا) آخر (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، ولم يذكر مسلم حديث عبد الله عن نفسه وذكره البُخَارِيّ والتِّرمذيّ وهو قوله رضي الله عنه: (المؤمن يرى ذنوبه) كأنها جبل عظيم فوقه ويرى نفسه (كأنه قاعد تحت جبل) عظيم (يخاف أن يقع) ذلك الجبل ويسقط (عليه) لخوف عقوبتها (وإن الكافر يرى ذنوبه) أي يحسبها (كذباب) أي مثل ذباب (مر على أنفه فقال به) أي فدفع بذلك الذباب بكفه (هكذا) أي مارًا بكفه على أنفه. وأما الحديث الذي حدّثه عبد الله عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقد ذكره مسلم رحمه الله تعالى بقوله: (قال) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لله) بفتح اللام ورفع الجلالة لأن اللام حرف ابتداء أُتي به لتأكيد الكلام أي لله سبحانه (أشد فرحًا) وسرورًا (بتوبة عبده المؤمن) من ذنوبه (من) فرح (رجل) كان (في أرض دوِّية) أي في أرض صحراء (مَهْلكة) أي ذات هلاك لمن فيها لفقد الماء والأنيس فيها فيخاف فيها الموت بالعطش وبأكل السباع (والدوِّية) بفتح الدال

مَعَهُ رَاحِلَتُهُ. عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ. فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ. فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ. ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إلى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ. فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى ساعِدِهِ لِيَمُوتَ. فَاسْتَيقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ. فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ". 6784 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتشديد الواو والياء جميعًا مع كسر الواو وفتح الياء وهي الأرض القفر والفلاة الخالية عن الأنيس نسبة إلى الدوِّ بفتح الدال وتشديد الواو وهي البرية التي لا نبات ولا ماء فيها وسيأتي في رواية أبي بكر بن أبي شيبة (داوية) بالألف بعد الدال وتخفيف الواو وتشديد الياء وهي لغة في الدوِّية على إبدال إحدى الواوين ألفًا كما قيل في النسبة إلى طيء طائي، وأما المهلكة بفتح اللام وكسرها فهي اسم لمكان يخاف فيه الهلاك (معه) أي مع ذلك الرَّجل (راحلته) أي دابته وناقته (عليها) أي على تلك الراحلة (طعامه وشرابه فنام) نوم القيلولة (فاستيقظ) من نومه (وقد ذهبت) وشردت من عنده الراحلة (فطلبها) طلبًا شديدًا (حتَّى أدركه) وأخذه (العطش) في طلبها (ثم قال) لنفسه: (أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه) حين ذهبت الراحلة (فأنام) فيه (حتَّى أموت) فرجع إلى ذلك المكان (فوضع رأسه على ساعده) وهو ما بين المرفق والكوع من اليد واضعًا ساعده على الأرض كالمخدة (ليموت) في ذلك المكان لشدة همه (فاستيقظ) أي انتبه من نومه (وعنده راحلته) قائمة (وعليها زاده وطعامه وشرابه) وهما معطوفان على الزاد من عطف الخاص على العام (فالله) عَزَّ وَجَلَّ (أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من) فرح (هذا) الرَّجل (براحلته وزاده) وفرح الله سبحانه كما مر آنفًا صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الدعوات باب التوبة [6308] والتِّرمذيّ في صفة القيامة باب المؤمن يرى ذنبه كالجبل [2499 و 2500]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6784 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا يحيى بن آم) بن سليمان الأُموي مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (عن قطبة بن

عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالَ: "مِنْ رَجُلٍ بِدَاوِيَّةٍ مِنَ الأَرْضِ ". 6785 - (00) (00) وحدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ حَدِيثَينِ: أَحَدُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّمَ وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَلّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ". بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. 6786 - (2723) (73) حدّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أبي ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد العزيز) بن سياه بكسر السين المهملة بعدها تحتانية مخففة وبهاء في آخره منونة وغير منونة الأسدي الكُوفيّ، صدوق، من (8) روى عنه في (2) بابين (عن الأَعمش بهذا الإسناد) يعني عن عمارة عن الحارث عن عبد الله، غرضه بيان متابعة قطبة لجرير بن عبد الحميد (و) لكن (قال) قطبة في روايته لفظة (من رجل بداوية من الأرض) والمعنى واحد كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 6785 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التَّمِيمِيّ المروزي، ثِقَة، من (11) روى عنه في (17) بابًا (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكُوفيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا الأَعمش حَدَّثَنَا عمارة بن عمير قال: سمعت الحارث بن سويد قال: حَدَّثني عبد الله) رضي الله عنه (حديثين) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لجرير بن عبد الحميد (أحدهما) أي أحد الحديثين حديثه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر) حديث (عن نفسه) أي عن رأيه (فقال) عبد الله في أحد الحديثين: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن) ثم ساق أبو أسامة أي ذكر (بمثل حديث جرير) بن عبد الحميد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 6786 - (2723) (73) (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ العنبري) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي)

حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: خَطَبَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فَقَالَ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ حَمَلَ زَادَهُ وَمَزَادَهُ َعَلَى بَعِيرٍ. ثُمَّ سَارَ حَتَّى كَانَ بفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَأَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ. فَنَزَلَ فَقَالَ تَحْتَ شَجَرَةٍ. فَغَلَبَتْهُ عَينُهُ. وَانْسَلَّ بَعِيرُهُ. فَاسْتَيقَظَ فَسَعَى شَرَفًا فَلَمْ يَرَ شَيئًا، ثُمَّ سَعَى شَرَفًا ثانِيًا فَلَمْ يَرَ شَيئًا. ثُمَّ سَعَى شَرَفًا ثالِثًا فَلَمْ يَرَ شَيئًا. فَأقْبَلَ حَتَّى أَتَى مَكَانَهُ الَّذِي قَالَ فِيهِ. فَبَينَمَا هُوَ قَاعِدٌ إِذْ جَاءَهُ بَعِيرُهُ يَمْشِي ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا أبو يونس) حاتم بن أبي صغيرة مسلم القشيري الباهليّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن سماك) بن حرب بن أوس الذُّهليّ الكُوفيّ، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابًا (قال) سماك: (خطب النُّعمان بن بشير) الأَنْصَارِيّ الخزرجي المدنِيُّ رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته؛ أي وعظ النَّاس (فقال) في خطبته: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من) فرح (رجل حمل زاده) أي طعامه وشرابه (ومزاده) أي قربته العظيمة سميت بذلك لأنه يزاد فيها من جلد آخر (على بعير ثم سار حتَّى) إذا (كان بفلاة) أي بمفازة (من الأرض فأدركتُه) الفاء زائدة في جواب إذا المقدرة أي حتَّى إذا كان في أرض صحراء أدركته (القائلة) هو مصدر جاء على وزن فاعلة يقال: قال يقيل قائلة وقيلولة إذا نام استراحة في وسط النهار (فنزل) من بعيره (فقال) أي استراح (تحت شجرة فغلبته عينه) فنام (وانسل بعيره) أي ذهب في خفية (فاستيقظ) من نومه (فسعى) أي عدا وأجرى برجله وطلع (شرفًا) أي مكانًا مرتفعًا لينظر منه هل يرى بعيره أم لا؟ (فلم ير شيئًا) أي لا بعيرًا ولا غيره، قال القاضي: يحتمل أنَّه أراد بالشرف هنا الطلق والغلوة كما في الحديث الآخر "فاستنت شرفًا أو شرفين" قال: ويحتمل أن المراد هنا الشرف من الأرض أي المكان المرتفع منها لينظر منه هل يراه؟ قال: وهذا أظهر وأوضح هنا كما قررناه في حلنا (ثم سعى) وعدا وطلع (شرفًا) أي مكانًا مرتفعًا طلوعًا (ثانيًا) أو مكانًا ثانيًا (فلم ير شيئًا) أصلًا أي بعيرًا ولا غيره (ثم سعى) وعدا وطلع (شرفًا) أي مكانًا مرتفعًا طلوعًا (ثالثًا) أو مكانًا ثالثًا (فلم ير شيئًا) أصلًا (فأقبل) أي نزل من الشرف ورجع أي ذهب (حتَّى أتى مكانه الذي قال) واستراح (فيه) أولًا (فبينما هو) أي ذلك الرَّجل (قاعد) أي جالس متحير في شأنه (إذ) فجائية رابطة لجواب بينما (جاءه بعيره) حالة كون البعير (يمشي) على مهله أي فبينا أوقات

حَتَّى وَضَعَ خِطَامَهُ في يَدِهِ. فَلَلَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ، مِنْ هَذَا حِينَ وَجَدَ بَعِيرَهُ عَلَى حَالِهِ". قَالَ سِمَاكٌ: فَزَعَمَ الشَّعْبِيُّ؛ أَنَّ النُّعْمَانَ رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْمَعْهُ. 6787 - (2724) (74) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَجَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قعوده فاجأه مجيء بعيره، حالة كونه يمشي على مهله فدنا البعير منه (حتَّى وضع) وأسقط (خطامه) وزمامه الذي يُقاد به (في يده) أي في يد الرَّجل (فلله) برفع الجلالة على الابتداء كما مر (أشد) أي أكثر (فرحًا بتوبة العبد) المؤمن (من) فرح (هذا) الرَّجل (حين وجد بعيره) حالة كونه (على حاله) أي عليه زاده ومزاده، قال أبو يونس: (قال) لنا (سماك) بن حرب حين روى لنا هذا الحديث (فزعم الشعبي) عامر بن شراحيل (أن النُّعمان) بن بشير (رفع هذا الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) قال سماك: (وأما أنا فلم أسمعه) أي لم أسمع النُّعمان بن بشير رفع هذا الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بل حدثه موقوفًا عليه كما ذكره سابقًا، وهذا الكلام يدل على أن هذا الحديث موقوف على النُّعمان بن بشير على رواية سماك، ومرفوع على رواية الشعبي ولم يخرجه أحد من الأئمة الستة سوى مسلم رحمه الله تعالى وكان النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما سمع هذا الحديث المرفوع فرواه لسماك من غير أن ينسبه إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما كان كثير من الصَّحَابَة والتابعين يفعلون ذلك، ورواه للشعبي مرفوعًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث البراء بن عازب رضي الله عنهما فقال: 6787 - (2724) (74) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيْسَابُورِيّ (وجعفر بن حميد) القُرشيّ أو العبسي بموحدة نسبة إلى عبس بن بعيض بن قيس غيلان أبو محمَّد الكُوفيّ، روى عن عبيد الله بن إياد في التوبة، ويعقوب القمي نسبة إلى قم بتشديد الميم مدينة بين ساوة وأصبهان، ويروي عنه (م) فرد حديث مقرونًا بيحيى بن يحيى وأبو يعلى والحسن بن سفيان، وثقه أبو حاتم وابن حبان، وقال في التقريب: ثِقَة، من العاشرة،

(قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا) عُبَيْدُ اللهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ إِيَادٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّمَ: "كَيْفَ تَقُولُونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ. تَجُرُّ زِمَامَهَا بِأَرْضٍ قَفْرٍ لَيسَ بِهَا طَعَامٌ، وَلَا شَرَابٌ. وَعَلَيهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ. فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيهِ. ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا. فَوَجَدَهَا مُتَعَلِّقَةً بهِ؟ " قُلْنَا: شَدِيدًا يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا، وَاللَّهِ، لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا ـــــــــــــــــــــــــــــ مات سنة أربعين ومائتين (240) وله تسعون (90) سنة (قال جعفر: حَدَّثَنَا وقال يحيى: أخبرنا عبيد الله بن إياد بن لقيط) السدوسي أبو السليل الكُوفيّ، صدوق، من (7) روى عنه في بابين (2) الصلاة والتوبة (عن) أَبيه (إياد) بكسر الهمزة ابن لقيط السدوسي الكُوفيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (2) الصلاة والتوبة (عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأَنْصَارِيّ الكُوفيّ رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) البراء: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تقولون) أيها الحاضرون وتظنون (بفرح رجل) أي في شأن فرح رجل (انفلتت) أي ضلت وغابت (منه راحلته) أي دابته (تجر) وتسحب تلك الراحلة (زمامها) أي خطامها أي الحبل الذي يربط على رأسها لتُقاد به على الأرض، وقوله: (بأرض قفر) بتقديم القاف متعلق بانفلتت أي ضلت عنه في أرض قفر أي في صحراء خالية عن الماء والأنيس، وفسر القفر بقوله: (ليس بها) أي ليس في تلك الأرض (طعام ولا شراب وعليها) أي والحال أن عليها أي على تلك الراحلة (له طعام وشراب) له (فطلبها) أي طلب تلك الراحلة طلبًا شديدًا (حتَّى شق) وعسر (عليه) الطلب (ثم) بعد ما تعب في طلبها (مرت) تلك الراحلة (بجذل شجرة) أي بأصل شجرة من الأشجار والجذل بكسر الجيم وفتحها مع سكون الذال فيهما أصل الشجرة القائم الذي ليس عليه فروع ولا أغصان (فتعلق) به (زمامها) فمنعت من المشي وحُبست (فوجدها) أي فوجد الرَّجل تلك الراحلة (متعلقة) أي متعلقًا زمامها (به) أي بجذل الشجرة أي فكيف تقولون في فرحه بتلك الراحلة هل هو شديد أم لا (قلنا) له صلى الله عليه وسلم: نراه يفرح فرحًا (شديدًا يَا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما) أي انتبهوا واسمعوا ما أقول لكم (والله) أي أقسم لكم بالله (لله أشد فرحًا

بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، مِنَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ". قَالَ جَعْفَرٌ: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ إِيَادٍ، عَنْ أَبِيهِ. 6788 - (2725) (75) حدّثنا مُحَمَّد بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ ابْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مالكِ، وَهُوَ عَمُّهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ. وَعَلَيهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ. فَأَيِسَ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ بتوبة عبده من) فرح ذلك (الرَّجل بـ) وجدان (راحلته، قال جعفر) بن حميد في روايته: (حدثنا عبيد الله بن إياد عن أَبيه) بدل قول يحيى بن يحيى (أخبرنا عبيد الله بن إياد بن لقيط عن إياد) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله تعالى عنهما فقال: 6788 - (2725) (75) (حَدَّثَنَا محمَّد بن الصباح) الدولابي الرَّازيّ ثم البغدادي، ثِقَة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وزهير بن حرب قالا: حَدَّثَنَا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليماميّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي اليماميّ، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا) عمي (أنس بن مالك) الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ رضي الله عنه (وهو) أنس بن مالك (عمه) أي عم لأم له. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحًا بتوبة عبده) المؤمن (حين يتوب) ذلك العبد ويرجع من معصية (إليه) أي إلى طاعته تعالى (من) فرح (أحدكم) الذي (كان) راكبًا (على راحلته بأرض فلاة) بالإضافة وبتنوين أي في أرض مفازة اه مرقاة (فانفلتت) تلك الراحلة وضلت (منه وعليها طعامه وشرابه) فطلبها (فأيس) أي كسل وقنط (منها) أي من

فَأَتى شَجَرَةً. فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا. قَدْ أَيِسَ من رَاحِلَتِهِ. فَبَينَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ. فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا. ثُمَّ قَالَ من شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنا رَبُكَ، أَخطَأَ من شِدَّةِ الْفَرَحِ". 6789 - (00) (00) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيقَظَ عَلَى بَعِيرِهِ، قَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ". 6790 - (00) (00) وحدّثنيه أَحْمَدُ الدَّارِميُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجدانها (فأتى شجرة) ذات ظل (فاضطجع) ورقد (في ظلها) والحال أنَّه (قد أيس) وقنط (من) وجدان (راحلته فبينا هو) أي ذلك الرَّجل كائن (كذلك) أي مضطجع تحت شجرة (إذا هو) أي ذلك الرَّجل راء (بها) أي براحلته من غير طلب ولا تعب، وفي نسخة المشكاة إذ بغير أَلْف اه مرقاة، حالة كونها (قائمة عنده) تحت شجرة (فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح) أي متحيرًا لشدة فرحه بها (اللهم أَنْتَ عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح) من أن يقول: (اللهم أنت ربي وأنا عبدك) إلى ما قاله يعني أخطأ بسبق اللسان عن نهج الصواب، وفيه دليل على أن مثل هذا الخطإ لا مؤاخذة عليه. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6789 - (00) (00) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى بن دينار الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (حَدَّثَنَا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة قتادة لإسحاق بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لله أشد فرحًا بتوبة عبده من) فرح (أحدكم إذا استيقظ) وانتبه من نومه الدهش والحيرة واطلع (على بعيره) و (قد أضله بأرض فلاة) أي في أرض ذات مهلكة وفقده. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6790 - (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث يعني حديث أنس بن مالك (أَحْمد) بن سعيد بن صخر (الدَّارميّ) المروزي، ثِقَة، من (11) روى عنه في (9)

حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِهِ. 6791 - (2726) (76) حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُحَمَّد بْنِ قَيْسٍ، قَاصِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ؛ أَنَّهُ قَالَ، حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (حَدَّثَنَا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة بن هلال الباهليّ أبو حبيب البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى الأَزدِيّ (حَدَّثَنَا قتادة حَدَّثَنَا أنس بن مالك عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حبان بن هلال لهداب بن خالد، وساق حبان (بمثله) أي بمثل حديث هداب بن خالد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو سقوط الذنوب بالاستغفار توبة بحديث أبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه فقال: 6791 - (2726) (76) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن محمَّد بن قيس قاص عمر بن عبد العزيز) أبي أَيُّوب المدنِيُّ، ويقال أبو عثمان، روى عن أبي صرمة في التوبة، والقاص الواعظ لأنه يذكر قصصًا للاعتبار، ويروي عنه (م ت س ق) والليث بن سعد، ثِقَة، من السادسة، وثقه أبو داود (عن أبي صرمة) بكسر أوله وسكون الراء المازنِيّ الأَنْصَارِيّ مالك بن قيس الصحابي رضي الله عنه شهد بدرًا وما بعدها وكان شاعرًا، روى عن أبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ في التوبة، ويروي عنه (م عم) ومحمَّد بن قيس قاص عمر بن عبد العزيز ومحمَّد بن كعب القرظي وغيرهم (عن أبي أَيُّوب) الأَنْصَارِيّ خالد بن زيد المدنِيُّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أنَّه) أي أن أَبا أَيُّوب (قال حين حضرته الوفاة كنت) أنا (كتمت) وأخفيت (عنكم) أيها المسلمون فيما مضى (شيئًا) أي حديثًا (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإنما كتمه مخافة أن يجترئ النَّاس على المعاصي ولكن حدّث به عند وفاته لئلا يكون كاتمًا للعلم وربما لم يكن أحد يحفظه غيره فتعين عليه أداؤه، قال القاضي: كتمه خوف أن يتكلوا ويغلبوا الرَّجاء فيتركوا العمل وحدّث به عند وفاته ليزيل عنه حرج كتم العلم مع ما

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ الله خَلْقًا يُذْنِبُونَ، يَغْفِرُ لَهُمْ". 6792 - (00) (00) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عِيَاضٌ، (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ الْفِهْرِيُّ)، حَدَّثَنِي إِبْرَاهيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه لنفسه من الرَّجاء عند الموت وكذا يجب لواعظ النَّاس أن لا يكثر من أحاديث الرَّجاء لئلا ينهمك النَّاس في المعاصي وليكن الغالب عليه التخويف لكن لا على حد أن يقنط النَّاس اه من الأبي، فإنِّي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أنكم تذنبون) فتستغفرون الله تعالى، لولا حرف امتناع لوجود فيها معنى الشرط وجملة أن في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبًا لقيام جواب لولا مقامه والجواب قوله: (لخلق الله) سبحانه (خلقًا يذنبون) فيستغفرون لذنوبهم فـ (يغفر لهم) وتقدير الكلام لولا ذنبكم فاستغفاركم منه موجود لخلق الله خلقًا يذنبون فيستغفرون لذنوبهم فيغفر لهم باستغفارهم على ما هو الأصل لأن الله تعالى خلق هذا الخلق بما فيه من خير وشر لحكم هو أعلم بها فخلق الذنوب فيه حكمة كما أن خلق الحسنات فيه حكمة ولا ينبغي أن يجترئ به الإنسان على الذنوب لأن الله تعالى حرمها صراحة ولكن لا يقنط من رحمة الله إذا فرط منه شيء منها لأن الاستغفار كفارة له. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرْمِذِيّ في الدعوات باب [105] حديث [3533]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أَيُّوب رضي الله عنه فقال: 6792 - (00) (00) (حدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التَّمِيمِيّ (الأيلي) السعدي نزيل مصر، ثِقَة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري، ثِقَة، من (9) (حَدَّثني عياض وهو ابن عبد الله) بن عبد الرَّحْمَن (الفهري) المدنِيُّ ثم المصري، فيه لين، من (7) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة) بن مالك الأَنْصَارِيّ الزُّرَقيّ المدنِيُّ، ابن بنت كعب بن مالك، روى عن محمَّد بن كعب القرظي في باب التوبة، ويروي عنه (م) وعياض بن عبد الله الفهري وابن جريج وابن أبي ذئب وعدة، وثقه أبو زرعة، وله في مسلم حديث واحد عن

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ أنَّكُمْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ ذُنُوبٌ، يَغْفِرُهَا الله لَكُمْ، لَجَاءَ الله بِقَوْمٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ، يَغفِرُهَا لَهُمْ". 6793 - (2727) (77) حدثني مُحَمَّد بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ القرظي، وهو من أقرانه، قال في التقريب: صدوق، من الرابعة (عن محمَّد بن كعب) بن سليم بن أسد (القرظي) أبي حمزة المدنِيُّ ثم الكُوفيّ، روى عن أبي صرمة في التوبة، ويروي عنه (ع) وإبراهيم بن عبيد بن رفاعة، ثِقَة، من الثالثة، مات سنة (117) تحت سقف المسجد، وله (80) سنة (عن أبي صرمة) مالك بن قيس الأَنْصَارِيّ (عن أبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن كعب لمحمد بن قيس (أنَّه قال: لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله) سبحانه (لكم لجاء الله) تعالى (بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم) وفي إيقاع العباد في الذنوب أحيانًا فوائد وحِكَمٌ منها تنكيس المذنب رأسه واعترافه بالعجز وتبرؤه من العجب، قال ابن مسعود رضي الله عنه: الهلاك في اثنين القنوط والعجب، وإنما جمع بينهما لأن القانط لا يطلب السعادة لقنوطه والمعجب لا يطلبها لظنه أنَّه ظفر بها، وقيل لعائشة رضي الله تعالى عنها متى يكون الرَّجل مسيئًا؟ قالت: إذا ظن أنَّه محسن اه من المناوي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي أَيُّوب بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6793 - (2727) (77) (حَدَّثني محمَّد بن رافع) القشيري النَّيْسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) روى عنه في (11) بابًا (حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الحميري الصَّنْعانِيّ، ثِقَة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (عن جعفر) بن برقان الكلابي مولاهم أبي عبد الله (الجزري) الرقي، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن يزيد بن الأصم) عمرو بن عبيد بن معاوية أبي عوف البكائي الكُوفيّ، نزيل الرقة، أمه برزة بنت الحارث أخت أم المُؤمنين ميمونة، قيل له رؤية، ثِقَة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته (قال) أبو

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ الله، فَيَغْفِرُ لَهُمْ". 6794 - (2728) (78) حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّيْمِي وَقَطَن بْنُ نُسَيْرٍ، (واللَّفْظُ لِيَحْيَى)، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده) المقدسة (لو لم تذنبوا) أيها النَّاس (لذهب الله بكم) أي لأذهبكم وأعدمكم من الأرض (ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) قال القرطبي: وحاصل معنى هذا الحديث أن الله تعالى سبق في علمه أنَّه يخلق من يعصيه فيتوب فيغفر له فلو قدر أن لا عاصي يظهر في الوجود لذهب الله تعالى بالطائعين إلى جنته، ولخلق من يعصيه فيغفر له حتَّى يوجد ما سبق في علمه ويظهر من مغفرته ما تضمنه اسمه الغفار ففيه من الفوائد رجاء مغفرته والطماعية في سعة رحمته اه من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو فضل دوام الذكر والفكر بحديث حنظلة الأسيدي رضي الله عنه فقال: 6794 - (2728) (78) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِيّ) النَّيْسَابُورِيّ (وقطن) بفتحتين (ابن نسير) مصغرًا الغبري بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عباد الزرّاع، صدوق، من (10) روى عنه في (2) الإيمان والتوبة (واللفظ ليحيى) قالا: (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة أبو سليمان البَصْرِيّ، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد بن إياس الجريري) مصغرًا أبي مسعود البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (10) (عن أبي عثمان النهدي) عبد الرَّحْمَن بن مل بن عمرو بن عدي الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابًا (عن حنظلة) بن الرَّبيع بن صيفي بفتح الصاد التَّمِيمِيّ (الأسيدي) بضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة نسبة إلى أُسيد بطن من بني تميم أبي ربعي الكاتب الكُوفيّ، الصحابي الشهير رضي الله عنه، له ثمانية أحاديث، انفرد له (م) بحديث واحد، روى

قَالَ: (وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَ، َّةِ. حَتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزوَاجَ وَالأَوْلَادَ وَالضِّيْعَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه أبو عثمان النهدي في أبواب التوبة. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو عثمان (وكان) حنظلة (من كُتّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من الكاتبين له بالوحي جمع كاتب كعاذل وعذال (قال) حنظلة: (لقيني أبو بكر) الصديق يومًا من الأيام أي رآني (فقال) لي: (كيف أَنْتَ يَا حنظلة) كيف اسم استفهام يُستفهم به عن الحال في محل الرفع خبر مقدم، وأنت مبتدأ مؤخر وجوبًا أي أَنْتَ على أي حال يَا حنظلة (قال) حنظلة: (قلت) لأبي بكر في جواب سؤاله: (نافق حنظلة) يَا أَبا بكر أي صار منافقًا يخالف ظاهره باطنه وهذا إنكار منه على نفسه لما وجد منها في حال خلوتها خلاف ما يظهر منها بحضرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فخاف أن يكون ذلك من أنواع النفاق وأراد من نفسه أن تستديم تلك الحالة التي كان يجدها عند موعظة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولا يشتغل عنها بشيء من شواغل الدنيا اه من المفهم (قال) أبو بكر: (سبحان الله) أي تنزيهًا له تعالى عن كل ما لا يليق به كحرمان عبده المطيع (ما تقول) يَا حنظلة أي لأي شيء تقول هذا الكلام (قال) حنظلة: (قلت) ذلك الكلام لأنا إذا (نكون) أي إذا كنا (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يذكّرنا) بتشديد الكاف أي يعظنا (بالنار والجنة) كنا (حتَّى كأنا) نراهما (رأي عين) أي رؤية حقيقية، قال القرطبي: الذي قرأته وقيدته (رأي عين) بالنصب على المصدرية كأنه قال: (حتَّى كأنا نراهما رأي عين) قال القاضي: ضبطناه بالضم أي حتَّى كأن رؤيتنا إياهما رأي عين أي رؤية بعين حقيقة (فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد) أي لاعبنا معهم واستمعتنا بهم ودبرنا أمورهم (و) حاولنا (الضيعات) والمعيشات وأسبابها أي عالجنا معايشنا ومكاسبنا واشتغلنا بها فلا نتذكر الجنة والنار، والضيعات جمع ضيعة وهي معاش الرَّجل من المزارع والمواشي والحرف والصناعات سميت ضيعة لأن الشخص يضيع بتركها، قال القرطبي: الرواية الصحيحة المعروفة (عافسنا) بالعين

فَنَسِينَا كَثِيرًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ، إِنَّا لَنَلْقَى مِثلَ هَذَا. فَانْطَلَفتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا ذَاكَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ. تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ. فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الأَزوَاجَ وَالأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ. نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة وبالفاء والسين المهملة ومعناه عالجنا وحاولنا ذلك، وفي الصحاح المعافسة المعالجة والمحاولة يعني أنَّهم إذا خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتغلوا بهذه الأمور وتركوا تلك الحالة الشريفة التي كانوا عليها ويجدونها عند سماع موعظة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدته، وروى الخطابي هذا الحرف عانسنا بالنُّون وفسره بلاعبنا، ورواه القتيبي (عانشنا) بالنُّون والشين المعجمة وفسره بعانقنا، والتقييد الأول أولى رواية ومعنى وقد جاء مفسرًا في الرواية الأخرى، فقال: ضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة والضيعات، جمع ضيعة وهي ما يكون معاش الرَّجل منه من مال أو حرفة أو صناعة وقد تقدم ذكرها آنفًا اه من المفهم (فنسينا كثيرًا) مما سمعناه من موعظات الرسول صلى الله عليه وسلم (قال أبو بكر): يَا حنظلة (فوالله إنَّا لنلقى) ونرى من أنفسنا (مثل هذا) الذي تراه من نفسك، قال حنظلة: (فانطلقت) أي ذهبت (أنا وأبو بكر) الصديق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنشكو إليه ما رأينا من أنفسنا خوفًا من أن يكون ذلك نفاقًا (حتَّى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فـ (قلت) له: (نافق حنظلة) أي صار منافقًا (يَا رسول الله، فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما) سبب (ذاك) النفاق (قلت) له: (يَا رسول الله) إذا (نكون عندك) أي إذا كنا عندك حالة كونك (تذكرنا بالنار والجنة) أثرت فينا موعظتك (حتَّى كانا) أي حتَّى كان رؤيتنا إياهما (رأى عين) حقيقية (فإذا خرجنا من عندك) يَا رسول الله (عافسنا الأزواج والأولاد) أي لاعبنا وضاحكنا معهم (و) عالجنا (الضيعات) ومارسناها وشغلنا في خدمتها واستثمارها، قال في المصباح: الضيعة العقار جمعه ضياع مثل كلبة وكلاب وربما تستعار الضيعة للحرفة والصناعة اه. و (نسينا كثيرًا) مما وعظتنا به، وفي بعض النسخ فنسينا بالفاء العاطفة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده) وإن في

إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ. وَلَكِنْ، يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (إن لو تدومون) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن أي إن الشأن والحال لو تدومون (على ما تكونون) أي على الحالة التي تكونون عليها والحال أنكم (عندي و) أنكم (في الذكر لصافحتكم الملائكة) بأيديهم أيديكم، والحال أنكم مضطجعون (على فرشكم و) ماشون (في طرقكم) وفي جميع أحوالكم (ولكن يَا حنظلة) اجعل (ساعة) لربك (وساعة) لنفسك، قالها أي قال جملة: ولكن .. إلخ (ثلاث مرات) أي كررها ثلاثًا. وقوله: (لصافحتكم الملائكة على فرشكم) يعني كنتم حينئذٍ أفضل من الملائكة لاستدامة الذكر بالرغم من دواعي النسيان فإن الملائكة وإن كانوا يداومون الذكر ولكنهم بمعزل عن دواعي الغفلة والنسيان، وذكر القرطبي رحمه الله تعالى أن الله سبحانه خلق الإنسان متوسطًا بين الملائكة والشياطين فالملائكة يسبّحون الليل والنهار لا يفترون، والشياطين في شر وإغواء لا يألون في ذلك، أما الإنسان فإن الله تعالى جعله متلونًا فله ساعات يذكر فيها ربه وساعات يقضي فيها حوائجه وإلى هذا أشار صاحب الشرع بقوله ولكن يَا حنظلة .. إلخ. قوله: (ولكن ساعة وساعة) يعني تستحضر الجنة والنار وتذكر ربك ساعة وتشتغل بحوائجك في ساعة أخرى وهذا لا محظور فيه شرعًا ما لم يرتكب المرء معصية. وداع الحديث على أن كيفية الاستحضار الدائم والاستغراق في ذكر الله تعالى وإن كانت محمودة ولكنها غير مقصودة، والمطلوب أن يباشر الإنسان أعمالًا صالحة ويجتنب عن الحرام. وداع الحديث أَيضًا على أن الالتفات إلى حوائج الإنسان في معاشه ليس من النفاق بل لو توجه إليه بنية أداء الحقوق وتنشيط النفس للأعمال الصالحة صار هذا الالتفات داخلًا في ذكر الله تعالى ولهذا قالوا كل مطيع لله فهو ذاكر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرْمِذِيّ في صفة القيامة باب ولكن يَا حنظلة [2516]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:

6795 - (00) (00) حَدَّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ. حَدَّثَنَا سَعيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي عُثمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَوَعَظَنَا فَذَكرَ النَّارَ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ. فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ! فَقَالَ: "مَهْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6795 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التَّمِيمِيّ المروزي، ثِقَة، من (11) (أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البَصْرِيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابًا (سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التَّمِيمِيّ العنبري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (8) أبواب؛ أي سمعته (يحدّث) ويقول: (حَدَّثَنَا سعيد) بن إياس (الجريري) البَصْرِيّ (عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الوارث لجعفر بن سليمان (قال) حنظلة: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من الأيام (فوعظنا فذكَّر النَّار) من التذكير أي وعظنا بذكر عقوبة النَّار (قال) حنظلة (ثم جئت إلى البيت) أي إلى بيتي ومنزلي (فضاحكت الصبيان) أي ضحكت معهم (ولاعبت المرأة) أي استمتعت بها فنسيت النَّار التي وعظنا بها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (قال) حنظلة: (فخرجت) من بيتي (فلقيت أَبا بكر فذكرت ذلك) الحال الذي كان لي في حضرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والحال الذي كان لي في بيتي (له) أي لأبي بكر (فقال) أبو بكر: (وأنا قد فعلت) في بيتي (مثل ما تذكر) لنفسك في بيتك (فلقينا) أي لقيت أنا وأبو بكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت) أنا (يَا رسول الله نافق حنظلة) أي صار منافقًا معناه أنَّه خاف رضي الله عنه أن عدم دوام الخوف والمراقبة والفكر والإقبال على الآخرة من نوع النفاق فأعلمهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه ليس بنفاق وأنهم لا يكلّفون بالدوام على ذلك اه نووي باختصار (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لحنظلة: (مه) أي ما سبب قولك نافق حنظلة أو اكفف عن قولك هذا الكلام تقبيحًا له، قال القاضي: معناه الاستفهام أي ما تقول، والهاء في حينئذٍ هاء السكت، ويحتمل أنَّه اسم فعل أمر بمعنى اكفف وازجر عن

فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثلَ مَا فَعَلَ. فَقَالَ: "يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً. وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ. لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائكَةُ. حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ في الطُّرُقِ". 6796 - (00) (00) حَدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَينٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ التَّمِيمِيِّ الأُسَيِّدِيِّ الكَاتِبِ. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك هذا تعظيمًا له وتقبيحًا، والهاء حينئذٍ جزء كلمة (فـ) قال حنظلة فـ (حدثته) صلى الله عليه وسلم (بالحديث) الذي وقع لي في بيتي أي بحديث ما وقع لي في بيتي من المضاحكة والملاعبة (فقال أبو بكر) للنبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا) أَيضًا (قد فعلت) في بيتي (مثل ما فعل) حنظلة في بيته من المضاحكة والملاعبة (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا حنظلة) اجعل (ساعة) لربك (وساعة) أخرى لنفسك، ولفظة تكون في قوله: (ولو كانت تكون) زائدة و (قلوبكم) اسم كانت أي ولو كانت قلوبكم أيها المؤمنون كائنة (كما تكون عند الذكر) أي كائنة على الحالة التي تكون عليها عند الذكر والاستغفار (لصافحتكم الملائكة) بأيديهم أيديكم وتحييكم في كل مكان (حتَّى تسلم عليكم في الطرق) لأن من كان على تلك الحال التي حصلت له عند الذكر ناسب الملائكة في معرفتها فبادرت إلى إكرامه ومشافهته وإعظامه ومصافحته، والمسؤول من الكريم المتعال أن يمنحنا من صفاء هذه الأحوال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حنظلة رضي الله عنه فقال: 6796 - (00) (00) (حَدَّثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا) أبو نعيم (الفضل بن دكين) عمرو بن حماد بن زهير التَّمِيمِيّ الكُوفيّ الأحول، ثِقَة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا سفيان) بن سعيد الثَّوريّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (7) (عن سعيد) بن إياس (الجريري) البَصْرِيّ (عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة التَّمِيمِيّ الأسيدي الكاتب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثَّوريّ لجعفر بن سليمان وعبد الوارث بن سعيد (قال) حنظلة: (كنا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

فَذَكَّرَنَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ فذكرنا) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من التذكير (الجنة والنار) أي وعظنا بذكرهما (فذكر) سفيان (نحو حديثهما) أي نحو حديث جعفر بن سليمان وحديث عبد الوارث بن سعيد. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث النُّعمان بن بشير ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث البراء بن عازب ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث أبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث حنظلة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

743 - (8) باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه وقبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة

743 - (8) باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه وقبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة 6797 - (2729) (79) حدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ الله الْخَلْقَ، كَتَبَ في كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغلِبُ غَضَبِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ 743 - (8) باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه وقبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو سعة رحمة الله تعالى بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6797 - (2729) (79) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد) الثَّقَفيّ البلخي (حَدَّثَنَا المغيرة) بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن خالد بن حزام القُرشيّ الأسدي (يعني الحزامي) نسبة إلى جده المذكور، ثِقَة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزِّناد) عبد الله بن ذكوان الأُموي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرَّحْمَن بن هرمز الهاشمي المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) وهذا السند من خماسياته (عن أبي هريرة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله) سبحانه: (الخلق كتب في كتابه) يعني اللوح المحفوظ (فهو) أي ذلك الكتاب محفوظ (عنده) تعالى (فوق العرش) أي كتب في الكتاب المذكور جملة (أن رحمتي تغلب غضبي) في الكثرة، والمعنى غلبت الرحمة بالكثرة في متعلقها على الغضب، والحاصل أن إرادة الخير والنعمة والمثوبة منه سبحانه وتعالى لعبادة أكثر من إرادة الشر والنقمة والعقوبة لأن الرحمة عامة والغضب خاص كما حُقق في قوله: الرَّحْمَن الرَّحِيم قيل: رحمة الرَّحْمَن عامة للمؤمن والكافر بل لجميع الموجودات اه من المرقاة. ومعنى غلبة الرحمة أو سبقها على ما جاء في الرواية الآتية أن رفقه بالخلق وإنعامه عليهم ولطفه بهم أكثر من انتقامه وأخذه كيف لا وابتداؤه الخلق وتكميله وإتقانه وترتيبه وخلق أول نوع الإنسان في الجنة كل ذلك رحمتُه السابقة وكذلك ما رتب على ذلك من

6798 - (00) (00) حَدَّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي". 6799 - (00) (00) حدّثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ النعم والألطاف في الدنيا والآخرة وكل ذلك رحمات متلاحقات ولو بدأ بالانتقام لما كمل لهذا العالم نظام ثم العجب أن الانتقام به كملت الرحمة والإنعام وذلك أن بانتقامه من الكافرين كملت رحمته على المُؤْمنين وبذلك حصل صلاحهم وإصلاحهم وتم لهم دينهم وفلاحهم وظهر لهم قدر نعمة الله عليهم في صرف ذلك الانتقام منهم فقد ظهر أن رحمته سبقت غضبه وإنعامه غلب انتقامه اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 381]، والبخاري في مواضع منها في التوحيد باب قول الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} [7553 و 7554]، وابن ماجه في الزهد باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة [4349]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6798 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان للمغيرة الحزاميّ (قال الله عَزَّ وَجَلَّ: سبقت رحمتي) أي إنعامي على عبادي كنعمة الإيجاد والإمداد (غضبي) أي على غضبي عليهم بالانتقام والإهلاك لهم بالكفر والمعاصي، كرر متن الحديث لما في هذه الرواية من بعض المخالفة للرواية الأولى في بعض الكلمات وإن كان المعنى واحدًا، ورحمة الله تعالى لعباده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها الإثابة لهم والرضا عنهم وكذا الغضب والسخط صفة ثابتة لله تعالى أثرها الانتقام والإهلاك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6799 - (00) (00) (حَدَّثَنَا علي بن خَشْرم) - على وزان جعفر - ابن عبد الرَّحْمَن بن عطاء المروزي، ثِقَة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا أبو ضمرة) أنس بن

عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا قَضَى الله الْخَلْقَ، كَتَبَ في كِتَابِهِ َعَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغلِبُ غَضَبِي". 6800 - (2730) (80) حدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةَ وَتِسْعِينَ. وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا. فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عياض بن ضمرة الليثيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (11) بابًا (عن الحارث بن عبد الرَّحْمَن) بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب الدوسي المدنِيُّ، صدوق، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عطاء بن ميناء) المدنِيُّ أو البَصْرِيّ، صدوق، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء للأعرج (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله) عَزَّ وَجَلَّ وحكم في سابق علمه أزلًا أن يوجد (الخلق) والكائنات (كتب في كتابه) الذي جمع فيه الكائنات (على نفسه) بمقتضى فضله (فهو) أي ذلك الكتاب (موضوع عنده) فوق العرش كما في الرواية السابقة؛ أي كتب على نفسه (إن رحمتي تغلب غضبي) كثرة أو سبقًا كما مر آنفًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له فقال: 6800 - (2730) (80) (حَدَّثَنَا حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيّب أخبره) أي أخبر لابن شهاب (أن أَبا هريرة) رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من سداسياته (جعل الله الرحمة) أي جزأ الله الرحمة التي يرحم بها عباده في الدنيا والآخرة (مائة جزء فأمسك) الله سبحانه (عنده تسعة وتسعين) جزءًا من تلك المائة مدخرة للمؤمنين في الآخرة (وأنزل في الأرض) من تلك المائة (جزءًا واحدًا فمن ذلك الجزء) الذي أنزله في الأرض

تَتَرَاحَمُ الْخَلَائقُ. حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (تتراحم الخلائق) فيما بينهم بعضهم بعضًا (حتَّى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية) ومخافة (أن تصيبه) وتؤذيه بذلك الحافر الذي وقع عليه، وفي رواية البُخَارِيّ (حتَّى يرفع الفرس حافره .. إلخ) قال المناوي: الفرس وغيرها من الدواب كالحمار والبغل خص بالفرس لأنه أشد الحيوان المألوف إدراكًا اه. قال النووي: هذه الأحاديث من أحاديث الرجاء والبشارة للمسلمين، قال العلماء: لأنه إذا حصل للإنسان من رحمة واحدة في هذه الدار المبنية على الأكدار الإِسلام والقرآن والصلاة والرحمة في قلبه وغير ذلك مما أنعم الله تعالى به فكيف الظن بمائة رحمة في الدار الآخرة وهي دار القرار ودار الجزاء والله أعلم اه منه. قال القرطبي: ومقتضى هذا الحديث أن الله تعالى علم أن أنواع النعم التي يُنعم بها على خلقه مائة نوع فأرسل منها فيهم في هذه الدار نوعًا واحدًا انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم فإذا كان يوم القيامة كمل لعبادة المؤمنين ما بقي في علمه وهو التسعة والتسعون فكملت الرحمة كلها للمؤمنين وهو المشار إليه بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة/17] وهو الذي صرح به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث قال لهم: "إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعكم عليه" رواه مسلم [2825] وعند هذا يفهم معنى قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب/43] فإن رحيمًا من أبنية المبالغة التي لا شيء أبلغ منها، ويفهم من هذا أن الكافرين لا يبقى لهم في النَّار رحمة ولا تنالهم نعمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من جنس غيرها إذا كمل كل ما علم الله من الرحمات للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الأدب باب جعل الله الرحمة مائة جزء [6000] وفي الرقاق باب الرَّجاء مع الخوف [6469]، والتِّرمذيّ في الدعوات باب [107 و 108] حديث [3535 و 3536]، وابن ماجه في الزهد باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة [4347]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

6801 - (00) (00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَّلَمَ قَالَ: "خَلَقَ الله مِائَةَ رَحْمَةٍ. فَوَضَعَ وَاحِدَةً بَينَ خَلْقِهِ. وَخَبَأَ عِنْدَهُ مِائَةً، إِلَّا وَاحِدَةً". 6802 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــ 6801 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن أَيُّوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزُّرَقيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (12) بابًا (عن العلاء) بن عبد الرَّحْمَن الجهني المدنِيُّ، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أَبيه) عبد الرَّحْمَن بن يعقوب الجهني المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرَّحْمَن بن يعقوب لسعيد بن المسيّب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله) سبحانه وتعالى (مائة رحمة) أي مائة نوع من رحمة (فوضع) أي أنزل (واحدة) منها في الأرض مقسومة (بين خلقه) مؤمنهم وكافرهم (وخبأ) أي ادخر (عنده مائة إلَّا واحدة) أي ادخر تسعة وتسعين للمؤمنين في الجنة وقسم واحدة بين أهل الدنيا. ويدل هذا الحديث على كثرة رحمة الله تعالى وقلة غضبه لأن الرحمة عامة للمؤمن والكافر والغضب خاص بالكافر. وقوله: (وخبأ عنده) .. إلخ والخبء بفتح الخاء وسكون الباء الستر يقال: خبأ الشيء إذا ستره اه قاموس، وهو كناية عن الإمساك والإبقاء عنده للآخرة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6802 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكُوفيّ (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (حَدَّثَنَا عبد الملك) بن أبي سليمان ميسرة الفزاري الكُوفيّ، صدوق، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن ميناء (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء بن ميناء لسعيد بن المسيّب (عن النَّبِيّ صلى

الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ لله مِائَةَ رَحْمَةٍ. أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةَ وَاحِدَةً بَينَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ. فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ. وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ. وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ َعَلَى وَلَدِهَا. وَأَخَّرَ الله تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً. يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ". 6803 - (2731) (81) حدثني الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ. فَمِنْهَا رَحْمَةٌ بِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ بَينَهُمْ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم قال: إن لله مائة رحمة أنزل منها) أي من تلك المائة في الأرض (رحمة واحدة) مقسومة (بين الجن والإنس والبهائم) أي المواشي والدواب والسباع والطيور (والهوام) أي هوام الأرض وحشراتها من الحيات والعقارب والأوزاغ (فيها) أي فبتلك الرحمة الواحدة (يتعاطفون) أي يتشافقون أي يعطف بعضهم على بعض (وبها يتراحمون) أي يرحم بعضهم على بعض، وهو بمعنى ما قبله أو شدة الرحمة (وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة) أي أخّرها إلى الآخرة (يرحم) الله سبحانه (بها) أي بتلك التسعة والتسعين (عباده يوم القيامة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث سلمان الفارسيّ رضي الله عنهما فقال: 6803 - (2731) (81) (حَدَّثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبوإب (حَدَّثَنَا معاذ بن معاذ) العنبري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا سليمان) بن طرخان (التَّيْميّ) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) (حَدَّثَنَا أبو عثمان النهدي) عبد الرَّحْمَن بن مل الكُوفيّ (عن سلمان الفارسيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) سلمان: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله مائة رحمة فمنها) أي فمن تلك المائة (رحمة) واحدة (بها) أي بتلك الواحدة (يتراحم الخلق) أي يرحم أهل الأرض بعضهم بعضًا فيما (بينهم وتسعة وتسعون) من المائة مدخرة (ليوم القيامة) ليرحم الله بها المُؤْمنين خاصة. وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم عن أصحاب الأمهات الست.

6804 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6805 - (00) (00) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، مِائَةَ رَحْمَةٍ. كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا في الأَرْضِ رَحْمَةً. فَبِهَا تَعْطِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سلمان الفارسيّ رضي الله عنه فقال: 6804 - (00) (00) (وحدثناه محمَّد بن عبد الأعلى) القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا المعتمر) بن سليمان (عن أَبيه) سليمان بن طرخان التَّيْميّ، غرضه بيان متابعة المعتمر لمعاذ بن معاذ، وساق المعتمر (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن سلمان (مثله) أي مثل حديث معاذ بن معاذ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث سلمان رضي الله عنه فقال: 6805 - (00) (00) (حدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمَّد بن خازم الكُوفيّ (عن داود بن أبي هند) دينار القشيري المصري أو البَصْرِيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي عثمان) النهدي (عن سلمان) الفارسيّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة داود بن أبي هند لسليمان بن طرخان (قال) سلمان: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) عَزَّ وَجَلَّ (خلق) أي أوجد (يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة) منها أي من تلك المائة (طباق) أي قدر ملء (ما بين السماء والأرض) لو كانت جسمًا، وقوله: (كل رحمة) منها مبتدأ خبره طباق بالرفع، والجملة الاسمية حال من مائة رحمة، ويجوز نصب كل منهما أي نصب كل رحمة على أنَّه مفعول لفعل محذوف وطباق حال من كل رحمة أي خلق كل رحمة منها حالة كونها طباق أي مالئة ما بين السماء والأرض (فجعل) أي أنزل سبحانه (منها) أي من تلك المائة (في الأرض رحمة) واحدة (فبها) أي فبتلك الرحمة الواحدة (تعطف)

الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا. وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ". 6806 - (2732) (82) حدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، (وَاللَّفْظُ لِحَسَنٍ)، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّان. حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي تشفق (الوالدة على ولدها و) يشفق (الوحش والطير بعضها على بعض فإذا كان) أي جاء وحصل (يوم القيامة أكملها) أي أكمل تلك التسعة والتسعين الباقية (بهذه الرحمة) التي أنزلها في الأرض في الدنيا أي أكمل تلك المائة الناقصة بخلق بدل هذه الرحمة التي وزعها بين الخلق في الدنيا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: 6806 - (2732) (82) (حَدَّثني الحسن بن عليّ) بن محمَّد بن عليّ الهذلي أبو علي الخلال (الحلواني) ثِقَة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (ومحمَّد بن سهل) بن عسكر (التَّمِيمِيّ) البغدادي، ثِقَة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ) الآتي الحسن) بن عليّ وأما محمَّد بن سهل فروى معناه (حَدَّثَنَا) سعيد بن الحكم بن محمَّد بن سالم (بن أبي مريم) ثِقَة، من كبار (10) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا أبو غسان) محمَّد بن مطرف بن داود بن مطرف التَّيْميّ المدنِيُّ نزيل عسقلان، ثِقَة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي عبد الله المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (12) بابًا (عن أَبيه) أسلم العدوي مولاهم مولى عمر من سبي عين التمر، وقيل حبشي، مخضرم ثِقَة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (عن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أنَّه) أي أن عمر (قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم القاف وكسر الدال على صيغة المبني للمفعول ونائب فاعله الجار والمجرور في قوله: (بسبي) وفي رواية (قدم) بفتح الدال على البناء للفاعل (سبي) بإسقاط الجار فيكون فاعل قدم أي قدم على رسول الله صلى الله عليه

فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ، تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي، أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتهُ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أترَوْنَ هذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ " قُلْنَا: لا، وَاللهِ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أنْ لا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَلهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ من هَذِهِ بِوَلَدِهَا". 6807 - (2733) (83) حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ جَعْفَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم سبي أي نساء وذراري مسبيات من الكفار وكانت من سبي هوازن كما صرح به الحافظ في الفتح [10/ 430] (فإذا امرأة من السبي تبتغي) وتطلب ولدًا لها في السبيّ، قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم (تبتغي) من الابتغاء وهو الطلب، قال القاضي عياض: وهذا وهم، والصواب ما في رواية البُخَارِيّ (تسعى) بالسين من السعي، [قلت]: كلاهما صواب لا وهم فيه فهي ساعية وطالبة ومبتغية بابنها اه (إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته) ولم أقف على اسم هذا الصبي ولا على اسم أمه اه تنبيه المعلم. وكانت فقدت صبيها وتضررت باجتماع اللبن في ثديها فكانت إذا وجدت صبيًا أرضعته ليخف عنها أو كانت لا تصبر عن ولدها فكلما وجدت صبيًا حملته لتسلي نفسها به، قال عمر: (فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون) أي هل تظنون (هذه المرأة طارحة ولدها في النَّار) مع هذه الشفقة عليه (قلنا لا) تطرحه في النَّار (والله) أي أقسمنا لك بالله (وهي) أي والحال أنها (تقدر على أن لا تطرحه) بعدم إجبارها عليه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله) بلام الابتداء أي الله سبحانه (أرحم) أي أشد رحمة (بعبادة من) رحمة (هذه) المرأة (بولدها). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الأدب باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته [5999]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6807 - (2733) (83) (حَدَّثَنَا يحيى بن أَيُّوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (جميعًا عن إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير

قَالَ ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الْعُقُوبَةِ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ. وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ". 6808 - (2734) (84) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقِ ابْنِ بِنْتِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الزُّرَقيّ المدنِيُّ (قال) يحيى (بن أَيُّوب حَدَّثَنَا إسماعيل أخبرني العلاء) بن عبد الرَّحْمَن (عن أَبيه) عبد الرَّحْمَن بن يعقوب الجهني المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة) أي من غير التفات إلى الرحمة (ما طمع) من باب سمع (بجنته أحد) من المُؤْمنين لشدة عقوبته (ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة) من غير التفات إلى العقوبة (ما قنط) من باب فرح ونصر وضرب أي ما أيس من القنوط وهو اليأس (من جنته أحد) أي من الكافرين بل يطمع فيها، وذكر المضارع بعد لو في الموضعين لقصد امتناع استمرار الفعل فيما مضى وقتًا فوقتًا. وسياق الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة فكما أن صفاته غير متناهية لا يبلغ عنه معرفتها أحد فكذلك عقوبته ورحمته اه مناوي، قال القرطبي: والمعنى لو علم كل من المؤمن والكافر ذلك وجرد النظر إليه ولم يلتفت إلى مقابله، وأما إذا نظر إلى مقابل كل واحد من الطرفين فالكافر ييئس من رحمة الله تعالى والمؤمن يرجو رحمة الله تعالى ويخاف عقابه كما قال بعضهم: لو وُزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 334]، والتِّرمذيّ في الدعوات باب عظم التوبة وعظم الرَّجاء [3536]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6808 - (2734) (84) (حَدَّثني محمَّد) بن محمَّد (بن مرزوق) بن بكير بن بهلول الباهليّ (ابن بنت مهدي بن ميمون) أي سبطه أبو عبد الله البَصْرِيّ، صدوق، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9)

حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ، لَمْ يَعْمَل حَسَنَةً قَطُّ، لأَهْلِهِ: إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ. ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ في الْبَرِّ وَنِصْفَهُ في الْبَحْرِ. فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ الله عَلَيهِ لَيُعَذبَنَّهُ عَذَابًا لا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (14) بابًا (حَدَّثَنَا مالك) بن أنس الأصبحي المدنِي الإِمام (عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل): ممن قبلكم (لم يعمل حسنة قط) وكلمة قط ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازم للنفي ضد عوض كما مر مرارًا أي لم يعمل خيرًا فيما مضى من عمره أي قال (لأهله) أي لأولاده وأقاربه: (إذا مات) ذلك الرَّجل (فحرقوه) وفي هذا وفيما بعده التفات من التكلم والخطاب إلى الغيبة، وكان مقتضى السياق أن يقول إذا مت فحرقوني بالتكلم والخطاب، ذكر الحافظ في رواية الطَّبْرَانِيّ أنَّه كان من بني إسرائيل، وكان ينبش القبور، وقد صرح عقبة بن عمرو رضي الله عنه بكونه نباشًا وذلك في حديثه عند البُخَارِيّ في الأنبياء، قوله: (قال لأهله) وفي حديث لأبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه عند البُخَارِيّ في الرقاق [2481] أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا فيمن كان سلف أو قبلكم آتاه الله مالًا وولدًا يعني أعطاه قال: فلما حضر قال لبنيه: أي أبي كنت لكم؟ قالوا: خير أبي، قال: فإنَّه لم يبتئر عند الله خيرًا. فسرها قتادة: لم يدخر ولم يقدم على الله يعذبه فانظروا فإذا مت فأحرقوني .. إلخ (ثم اذروا) بهمزة وصل من الذرى بمعنى التذرية، ويجوز قطعها يقال: ذرته الريح وأذرته إذا أطارته أي فرقوا اه مناوي أي اعصفوا وانثروا وذروا (نصفه) أي نصف رماده (في) هواء (البر ونصفه) الآخر (فِي) هواء (البحر فوالله لئِن قدر الله) تعالى أي لئن شدد الله (عليه) في المحاسبة والمناقشة ولم ييسر عليّ حسابي وناقشني في كل ما ارتكبته من المعاصي (ليعذبنه) الله (عذابًا لا يعذبه) أي لم يعذبه (أحدًا من العالمين) وقدر هنا بمعنى ضيق عليه يعني أن الله تعالى إن ناقشه في الحساب، وضيقه عليه ليعذبنه أشد العذاب، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق/7] أي ضيق عليه وهذا التأويل حسن، ويؤيده قوله في آخر الحديث حين قال الله له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يَا رب فلو كان جاهلًا بالله أو بصفاته لما خافه ولما عمل شيئًا لله والله تعالى أعلم اه من

فَلَمَّا مَات الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ فَأَمَرَ الله الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ. وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: من خَشيَتِكَ. يَا رَبِّ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ". 6809 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَينِ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ المفهم باختصار (فلما مات الرَّجل) المذكور (فعلوا) أي فعل أهله (ما أمرهم) به من حرقه وعصف رماده في البر والبحر (فأمر الله) سبحانه (البر) بجمع رماده (فجمع) البر (ما فيه) من رماده (وأمر) الله (البحر) بجمع ما فيه من رماده (فجمع) البحر (ما فيه) من رماده (ثم) بعد جمع ما في البر والبحر منه ونفخ الروح فيه (قال) الله عَزَّ وَجَلَّ له: (لم فعلت هذا) الإحراق وذر رمادك في البر والبحر الذي أمرت به أهلك (قال) الرَّجل للرب جل جلاله: فعلت ذلك الإيصاء (من خشيت) عقوبتـ (ـك يَا رب وأنت أعلم) يَا رب خشيتي من عقوبتك (فغفر الله) سبحانه (له) أي لذلك الرَّجل بسبب خشيته من عقوبته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في مواضع منها في التوحيد في باب ما ذكر عن بني إسرائيل [3452 و 3478 و 3479]، وأخرجه النَّسائيّ في الجنائز باب أرواح المُؤْمنين [2079]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر التوبة [4309]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6809 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمَّد بن رافع) القشيري النَّيْسَابُورِيّ (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: واللفظ له حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق أخبرنا معمر قال) معمر: (قال لي الزُّهْرِيّ: ألا أحدثك) يَا معمر (بحديثين عجيبين) أي معجبين لسامعهما لاشتمالهما على معان غريبة، وألا بالتخفيف للعرض وهو الطلب برفق ولين، ثم (قال الزُّهْرِيّ: أخبرني حميد بن عبد الرَّحْمَن) بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حميد بن عبد الرَّحْمَن لعبد الرَّحْمَن الأعرج الأول من الحديثين ما حدثه أبو هريرة رضي الله عنه (عن النَّبِيّ

صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أنا مُتُّ فَأَحْرِقُوني. ثُمَّ اسْحَقُونِي. ثُمَّ اذْرُوني في الرِّيحِ في الْبَحْرِ فَوَاللهِ، لَئِنْ قَدَرَ َعَلَيَّ ربِّي، لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا. قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ. فَقَالَ لِلأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ. فَإذا هُوَ قَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ َعَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ، يَا رَبِّ، - أَوْ قَالَ - مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم قال أسرف) أي بالغ وغلا في ارتكاب المعاصي، من السرف وهو مجاوزة الحد في الشيء (رجل) كان ممن قبلكم متعديًا (على نفسه) مضيعًا لحقوقها التي هي طاعة ربه وخالقه (فلما حضره الموت) أي مقدماته وأسبابه (أوصى بنيه) أي أولاده (فقال) لهم في إيصائه إليهم (إذا أنا مت فأحرقوني) بالنار (ثم اسحقوني) أي دقوا رمادي (ثم اذروني) بوصل الهمزة وقطعها أي انسفوا دقيق رمادي وانثروه وطيروه (في الريح في البحر فوالله) أي فأقسمت لكم باللهِ الذي لا إله غيره (لئن قدر) الله سبحانه أي لئن شدد (علي ربي) في محاسبتي ومناقشتي (ليعذبني عذابًا ما عذب به) أي بذلك العذاب (أحدًا) من العالمين هكذا (ما عذب به) في نسخ الأبي والسنوسي، وفي أغلب النسخ الموجودة في عصرنا (عذابًا ما عذبه به أحدًا) بتكرار لفظة به وهو تحريف من النساخ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فـ) لما مات ذلك الرَّجل (فعلوا) أي فعل أولاده (ذلك) الذي أوصى بهم من الحرق والإذراء في هواء البحر (به) أي بذلك الرَّجل (فقال) الله عَزَّ وَجَلَّ (للأرض أدى) وادفعي وردي (ما أخذتـ) ـه من رماده (فإذا هو) أي ذلك الرَّجل حي (قائم فقال) الله عَزَّ وَجَلَّ (له) أي لذلك الرَّجل (ما حملك) وبعثك (على ما صنعت) من إيصاء الحرق والإذراء في البحر إلى أولادك (فقال) الرَّجل في جواب سؤال الرب جل جلاله حملني على ذلك (خشيتك يَا رب) أي خشية عذابك (أو قال) الرَّجل لربه (مخافتك) أي حملني على ذلك مخافة عقوبتك يَا رب، والشك من الراوي أو ممن دونه قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (فغفر) الله سبحانه (له) أي لذلك الرَّجل (بذلك) أي بسبب خشيته من عذابه. فدل الحديث على أن شدة خشيته من الله تعالى هي التي تسببت له المغفرة في المآل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الثاني من الحديثين العجيبين من حديثي أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6810 - (2735) (85) قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتهَا. فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا. وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْض. حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا". قَالَ الزُّهْرِيُّ: ذَلِكَ، لِئَلَّا يَتَّكِلَ رَجُلٌ، وَلَا يَيْأَسَ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6810 - (2735) (85) (قال الزُّهْرِيّ) بالسند السابق: (وحدثني) أَيضًا (حميد) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة) ممن كان قبلكم ولم أر من ذكر اسم هذه المرأة اه تنبيه المعلم (النَّار) أي العذاب (في هرة) أي بسبب هرة (ربطتها) أي حبستها (فلا هي) أي تلك المرأة (أطعمتها) أي أطعمت تلك الهرة حين حبستها (ولا هي) أي تلك المرأة (أرسلتها) أي أطلقت تلك الهرة عن الحبس فـ (تأكل) الهرة (من خشاش الأرض) وحشراتها كالفيران والجعلان والطيور والحمامات، وقوله: (حتَّى ماتت) تلك الهرة (هزلًا) أي جوعًا غاية لربطتها عبر عن الجوع بالهزل الذي هو ضد السمن لتلازمهما. وقد مر هذا الحديث بشرحه وتخريجه في كتاب قتل الحيات باب تحريم قتل الهرة وفي البر والصلة باب تحريم تعذيب الهرة. قال معمر: بالسند السابق (قال الزُّهْرِيّ ذلك) أي ذكري للحديث الثاني يعني حديث الهرة بعد حديث الرَّجل، قاسم الإشارة مبتدأ خبره قوله لئلا يتكل (لئلا يتكل) ويعتمد (رجل) ويسترسل في المعاصي أي ذكر الثاني بعد الأول لئلا يسترسل رجل في المعاصي اعتمادًا على سعة رحمة الله وغفرانه المفهوم من الحديث الأول (و) ذكر الأول منهما لئـ (ـلا ييئس رجل) ويقنط من رحمته نظرًا إلى ما ذكر في الحديث الثاني من التعذيب يعني أن قصة تعذيب المرأة بسبب الهرة توجب الحذر من الذنوب فإن الذنب اليسير ربما يكفي لتعذيب الإنسان في الآخرة فهذه القصة تنفي الاتكال على الرَّجاء والغفلة عن الخوف وأما قصة الرَّجل الذي أوصى بتحريقه فإنها تنفي اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى فليكن الإنسان دائرًا بين الخوف والرجاء ولذلك أتبع الزُّهْرِيّ حديث الرَّجل بحديث الهرة ليستوي الطرفان والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة الأخير أعني حديث الرَّجل الذي لم يعمل حسنة وأوصى بالإحراق فقال:

6811 - (00) (00) حَدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَسْرَفُ عَبْدٌ عَلَى نَفْسِهِ". بِنَحْوِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ. إلى قَوْلِهِ: "فَغَفَرَ الله لَهُ". وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ في قِصَّةِ الْهِرَّةِ. وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْدِي قَالَ: "فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ، لِكُلِّ شَيءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيئًا: أَدِّ مَا أَخَذتَ مِنْهُ". 6812 - (2736) (86) حدثني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6811 - (00) (00) (حَدَّثني أبو الرَّبيع) الزهراني (سليمان بن داود) البَصْرِيّ (حدثنا محمَّد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي الأبرشي، ثِقَة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثني الزبيدي) مصغرًا محمَّد بن الوليد بن عامر الحمصي، ثِقَة، من (7) روى عنه في (8) أبواب، قال الزبيدي (قال الزُّهْرِيّ: حَدَّثني حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عوف عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزبيدي لمعمر بن راشد (قال) أبو هريرة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أسرف عبد على نفسه) أي تعدى على نفسه بارتكاب المعاصي، وساق الزبيدي (بنحو حديث معمر إلى قوله: فغفر الله له و) لكن (لم يذكر) الزبيدي (حديث المرأة في قصة الهرة وفي حديث الزبيدي) وروايته لفظة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقال الله عَزَّ وَجَلَّ لكل شيء) من البر والبحر (أخذ منه) أي من رماد ذلك الرَّجل (شيئًا) قليلا أو كثيرًا (أن) أي ادفع ورد (ما أخذتَ منه) أي من رماد ذلك الرَّجل المحروق. وهذا بيان لمحل المخالفة بين الزبيدي ومعمر بن راشد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنهما فقال: 6812 - (2736) (86) (حَدَّثني عبيد الله بن معاذ العنبري حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة سمع) قتادة (عقبة بن عبد الغافر) الأَزدِيّ العوذي أبو نهار

يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ "أَنَّ رَجُلًا فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. رَاشَهُ الله مَالًا وَوَلَدًا. فَقَالَ لِوَلَدِهِ: لَتَفْعَلُنَّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ. أَوْ لأُوُلِّيَنَّ مِيرَاثِي غَيْرَكُمْ. إِذَا أنا مُتُّ، فَأَحْرِقُونِي، (وَأَكثَرُ عِلْمِي أنَّهُ قَالَ): ثُمَّ اسْحَقُونِي. وَاذْرُونِي في الرِّيحِ. فَإِنِّي لَمْ أَبْتَهِرْ عِندَ اللهِ خَيرًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح النُّون والهاء المشددة، ثِقَة، من (4) روى عنه في (2) بابين البيوع والتوبة كما مر (يقول) عقبة: (سمعت أَبا سعيد الخُدرِيّ يحدّث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (أن رجلًا) كان (فيمن كان قبلكم) من الأمم، لم أر من ذكر اسم هذا الرَّجل (راشه الله) سبحانه وتعالى أي أعطاه الله (مالًا وولدًا) قال النووي: هذه اللفظة رويت بوجهين في صحيح مسلم أحدهما راشه، والثاني "رأسه" أي جعله رئيسًا وغنيًا بالمال والأولاد، قال القاضي: والأول هو الصواب وهو رواية الجمهور؛ ومعناه أعطاه الله مالًا وولدًا، قال: ولا وجه للمهملة، وفي النهاية راشه يريشه إذا أحسن إليه فكل من أوليته خيرًا فقد رشته ومنه هذا الحديث هنا (فقال لولده) اسم جنس بمعنى الأولاد بدليل ما بعده أي قال لأولاده، والولد بفتحتين كل ما ولده شيء ويطلق على الذكر والأنثى والمثنَّى والمجموع فهو فعل بمعنى مفعول وهو مذكر وجمعه أولاد، والولد وزان قفل لغة فيه وقيل: تجعل المضموم جمع المفتوح مثل أُسْدٍ جمع أَسَدَ اه مصباح، والله (لتفعلن) بصيغة المضارع المسند إلى ضمير الجمع مع اتصال نون التوكيد الثقيلة به أصله لتفعلونن حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، وواو الجمع لالتقاء الساكنين فصار لتفعلن والسلام موطئة للقسم كما هو مقرر في محله أي والله لتفعلن يَا أولادي (ما آمركم به) من إحراقي (أو لأولين) من التولية بمعنى الإعطاء أي أو لأعطين (ميراثي) أي تركتي (غيركم) ممن لا يرثني أي اختاروا بين الأمرين إما فعل ما أمركم به أو إعطاء ميراثي لغيركم ليفعل بي ما آمره به من الإحراق، وقوله: (إذا أنا من) بضم التاء المشددة بيان لما يأمرهم به أي وذلك الذي آمركم به هو إذا أنا توفيت ومت (فأحرقوني) قال شعبة: (وأكثر علمي) روي بالمثلثة وبالموحدة أي أغلب ظني (أنَّه) أي أن قتادة (قال ثم اسحقوني) أي دقوني أي دقوا رمادي (واذروني) أي انثروني وارموني (في الريح فإنِّي لم أبتهر) أي لم أدخر (عند الله خيرًا) أي عملًا صالحًا، قال الأبي: كذا هو الأكثر بالهاء، وعند ابن ماهان (لم أبتئر) بالهمز بعد التاء وهو المعروف والهاء في ابتهر مبدلة من

وَإِنَّ الله يَقْدِرُ عَلَيَّ أَنْ يُعَذِّبَنِي، قَالَ: فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا. فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ. وَرَبِّي. فَقَالَ الله: مَا حَمَلَكَ َعَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: مَخَافَتُكَ. قَالَ: فَمَا تَلَافاهُ غَيرُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمزة في ابتئر، وكلاهما صحيح، ومعناهما لم أقدم خيرًا ولم أدخره عند الله تعالى كما فسره قتادة في الأم اه (وإن الله) بتشديد النُّون ونصب الجلالة أي وإن الله سبحانه (يقدر علي) أي على أن يبعثني ويحاسبني على عملي وإني أخاف (أن يعذبني) إن ناقشني في محاسبتي، وهذا الذي ذكرناه هو المعنى الصحيح كما ذكره القاضي ولكنه يصير مخالفًا لما سبق من كلامه الذي ظاهره الشك في القدرة، وهنا في النووي كلام كثير لا طائل تحته فلذلك تركته (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأخذ) ذلك الرَّجل (منهم) أي من أولاده (ميثاقًا) أي عهدًا مؤكدًا باليمين (ففعلوا) أي فعل أولاده (ذلك) الميثاق الذي عهد إليهم به أي بذلك الرَّجل حين مات (وربي) أي فعلوا ذلك به أقسمت لكم بربي، أتى بالقسم تأكيدًا لإخباره عنهم فبعثه الله (فقال الله) له: (ما حملك) وبعثك (على ما فعلت فقال): بعثني عليه (مخافتك) يَا رب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما تلافاه) أي فما أدركه شيء ولا نفعه (غيرها) أي غير مخافته تعالى أي غفر له بسبب مخافته إياه تعالى. قوله: (فإن الله يقدر على أن يعذبني) قال القرطبي: وجدنا الروايات والنسخ تختلف في ضبط هذه الكلمات، وحاصله يرجع إلى تقييدين أحدهما: تشديد إن مكسورة ونصب الجلالة بها ويقدر مرفوعًا فعل مضارع وهو خبر إن على أن يعذبني متعلق به وهذا محقق عن الرَّجل أخبر به عن نفسه أن الله يقدر على تعذيبه وهي رواية صحيحة لقول من قال: لم يكن جاهلًا ولا شاكًا وإنما كان خائفًا. وثانيهما: تخفيف إن مكسورة ورفع اسم الله تعالى بعدها وجزم يقدر بها عليّ مشددة الياء ويعذبني مجزوم على جواب الشرط وهذه الرواية مصححة لقول من قال إن الرَّجل كان شاكًا على ما ذكرناه، والأول أشبه ما اخترناه. قوله: (لأولين ميراثي غيركم) إما أن يكون ذلك جائزًا في شريعتهم أو هو لا يعرف الحكم الشرعي والحكم الثابت في شريعتنا أنَّه لا يجوز لمورث أن يحرم وارثًا من ورثته. قوله: (ثم اسحقوني) يقال: سحقه كمنعه وسحقت الريح الأرض عفت آثارها وغبارها.

6813 - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: (فإنِّي لم أبتهر عند الله خيرًا) أي لم أدخر وأصله لم أبتئر بالهمزة، وقد وقع في بعض الروايات هكذا بالهمزة ورواية الهاء فيها إبدال الهمزة بالهاء وقد وقع في بعض الروايات (لم أبتئز) بالزاي في الأخير وهو غير صحيح، وأصله من البئيرة بمعنى الذخيرة، قال أهل اللغة: بأرت الشيء وابتأرته إذا خبأته، وفي رواية ابن السكن لم يأبتر بتقديم الهمزة وهو صحيح أَيضًا وهو بمعنى الأول اه فتح الباري [11/ 314]. قوله: (ففعلوا ذلك به وربي) الواو للقسم أقسم المخبر بهذا الخبر بربه أنَّهم فعلوا ما أمرهم به. قوله: (فأخذ منهم ميثاقًا) ووقع في رواية المعتمر عند البُخَارِيّ في التوحيد (فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي) فقدم الميثاق بلفظ الجمع. قوله: (فما تلافاه غيرها) أي لم يتدارك سوء عمله إلَّا خشية ربي تعالى فضمير المؤنث راجع إلى المخافة، قال القرطبي: ومعظم فوائد هذا الحديث أن المسرف على نفسه لا ييئس من رحمة الله تعالى ومغفرته، وفيه ما يدل على أنَّه كان من شرائع من قبلنا أن للرجل أن يورث ماله من يشاء من النَّاس فنسخ ذلك شرعنا اه مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الرقاق باب الخوف من الله [6481] وفي الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل [3478] وفي التوحيد باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [7508]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 6813 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثيّ) البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا معتمر بن سليمان) التَّيْميّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (قال) المعتمر: (قال لي أبي) سليمان بن طرخان: (حَدَّثَنَا قتادة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا الحسن بن موسى) البغدادي الأشيب، ثِقَة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حَدَّثَنَا شيبان بن عبد الرَّحْمَن) التَّمِيمِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (9)

ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ. ذَكَرُوا جَمِيعًا بإِسْنَادِ شُعْبَةَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَفِي حَدِيثِ شَيْبَانَ وَأَبِي عَوَانَةَ: "أَنَّ رَجُلًا مِنَ النَّاسِ رَغَسَهُ الله مَالًا وَوَلَدًا"، وَفِي حَدِيثِ التَّيْمِيِّ: "فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا" قَالَ: فَسَّرَهَا قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا، وَفِي حَدِيثِ شَيْبَانَ: "فَإنَّهُ. وَاللهِ، مَا ابْتَأَرَ عِنْدَ اللهِ خَيرًا"، وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ: "مَا امْتَأَرَ" بِالْمِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (ح وحدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا أبو الوليد) الطَّيالِسيّ الباهليّ هشام بن عبد الملك البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (19) بابًا (كلاهما) أي كل من شيبان وأبي عوانة رويا عن قتادة ذكروا أي ذكر كل من سليمان وشيبان وأبي عوانة، حالة كونهم (جميعًا) عن قتادة (بإسناد شعبة) يعني عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد الخُدرِيّ، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لشعبة بن الحجاج، وساقوا (نحو حديثه) أي نحو حديث شعبة (و) لكن (فِي حديث شيبان وأبي عوانة) وروايتهما لفظة (أن رجلًا) ممن كان قبلكم (من النَّاس) أي من الأمم (رغسه الله) سبحانه (مالًا وولدًا) أي أعطاهما له ووسعهما عليه، يقال: (رغسه الله) بغين معجمة وسين مهملة من باب فتح وأرغسه (مالًا وولدًا) أي أعطاه الله من ذلك كثيرًا وأكثر له وبارك فيه، قال أبو عبيد يقال رغسه الله يرغسه رغسًا إذا كان ماله ناميًا كثيرًا وكذلك في الحسب اه، وقال الزمخشري في الفائق: الرغس والرغد نظيران في الدلالة على السعة والنعمة يقال: عيش مرغس أي منعم واسع وأرغد القوم إذا صاروا في سعة ونعمة ورغس الله فلانًا إذا وسع عليه النعمة وبارك في أمره وفلان مرغوس اه نووي. (وفي حديث) سليمان بن طرخان (التَّيْميّ) وروايته (فإنَّه) أي فإن ذلك الرَّجل (لم يبتئر عند الله خيرًا قال) سليمان: (فسرها) أي فسر هذه الكلمة (قتادة) وقال معناها (لم يدخر عند الله خيرًا وفي حديث شيبان) بن عبد الرَّحْمَن وروايته لفظة (فإنَّه) أي فإن ذلك الرَّجل (والله ما ابتأر) وادخر (عند الله خيرًا وفي حديث أبي عوانة) وروايته لفظة (ما امتأر) ذلك الرَّجل وادخر عند الله خيرًا (بـ) إبدال (الميم) عن الباء الموحدة. وهذا بيان محل المخالفة بين هؤلاء الثلاثة سليمان وشيبان وأبي عوانة والله أعلم.

6814 - (2737) (87) حدّثني عَبْدُ الأَعَلَى بْنُ حَمَّادٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا. فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالَّذنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا. فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بَالذَّنَبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو قبول التوبة من الذنوب بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6814 - (2737) (87) (حَدَّثني عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهليّ البَصْرِيّ المعروف بالنرسي، ثِقَة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمرة) عمرو بن محصن الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيما يحكي) ويروي (عن ربه عَزَّ وَجَلَّ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أذنب عبد) من عباد الله تعالى (ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال) الله (تبارك) أي تزايد بره وخيره (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به (أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ) أي يعاقب بالذنب فاستغفرني (ثم عاد) إلى الذنب (فأذنب) وفي رواية البُخَارِيّ ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبًا (فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب) فاستغفر لي فقلت له: (اعمل ما شئت فقد غفرت لك) قال النووي: معناه ما دمت تذنب

قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: لا أَدْرِي أَقَالَ في الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: "اعْمَلْ مَا شِئْتَ". قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم تتوب غفرت لك، فالحديث دليل على أنَّه لو تكرر الذنب مائة مرة أو أَلْف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قُبلت توبته وسقطت ذنوبه ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته اه منه، قال القرطبي: والحديث يدل على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، ولا شك في أن هذا الاستغفار ليس هو الذي ينطق به اللسان بل الذي يثبت معناه في الجنان فيحل به عقد الإصرار ويندم معه على ما سلف من الأوزار، فإذًا الاستغفار ترجمة التوبة وعبارة عنها ولذلك قال: "خياركم كل مفتن تواب" رواه البيهقي في الشعب [7120] عن النُّعمان بن سعد [7121] عن علي رضي الله عنه، قيل: هو الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة، وأما من قال بلسانه أستغفر الله وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة بالكبار إذ لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار. وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى الذنب نقض التوبة فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنها انضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم وأنه لا غافر للذنوب سواه، وفي قوله: "اعمل ما شئت فقد غفرت لك" نكتة وهي أن هذا الأمر يحتمل أن يكون معناه الإكرام فيكون من باب قوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر/46] وآخر الكلام خبر عن حال المخاطب لأنه مغفور له ما سلف من ذنبه ومحفوظ إن شاء الله تعالى فيما يستقبل من شأنه اه من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 405]، والبخاري في التوحيد باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [7507] وسند مسلم في هذا الحديث أعلى من سند البُخَارِيّ والله أعلم. (قال عبد الأعلى) بن حماد: (لا أدري) ولا أعلم (أقال) أي هل قال شيخي حماد بن سلمة (في) المرة (الثالثة أو الرابعة) لفظة (اعمل ما شئت) أي لا أدري أقال هذه اللفظة في الثالثة أو الرابعة، وفي بعض النسخ هنا زيادة، وهي قوله: (قال أبو أَحْمد) محمَّد بن عيسى الجلودي النَّيْسَابُورِيّ تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن محمَّد تلميذ

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجُوِيَةَ الْقُرَشِيُّ الْقُشَيْرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6815 - (00) (00) حَدَّثني عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَاصٌّ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ. قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا"، بِمَعْنَى حَدِيثِ حمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَذَكَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَذنَبَ ذَتبًا، وَفِي الثَّالِثَةِ: قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ المؤلف: (حَدَّثني محمَّد بن زنجويه القُرشيّ القشيري) قال: (حَدَّثَنَا عبد الأعلى بن حماد النرسي بهذا الإسناد) يعني عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فمراد أبي أَحْمد بذكر هذا الكلام بيان حصول العلوِّ له في هذا الحديث بمرتبتين والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6815 - (00) (00) (حَدَّثني عبد بن حميد) الكسي (حَدَّثني أبو الوليد) الطَّيالِسيّ الباهليّ هشام بن عبد الملك البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى بن دينار الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (حَدَّثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) (قال) إسحاق: (كان بالمدينة قاص) أي واعظ يعظ النَّاس، سُمي قاصًا لأنه يستشهد بالقصص في أكثر الأحوال (يقال له عبد الرَّحْمَن بن أبي عمرة قال) إسحاق (فسمعته) أي سمعت ذلك القاص (يقول: سمعت أَبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة همام بن يحيى لحماد بن سلمة (إن عبدًا أذنب ذنبًا) وساق همام بن يحيى (بمعنى حديث حماد بن سلمة) لا بلفظه (و) لكن (ذكر) همام في روايته (ثلاث مرات) فقط لفظة (أذنب ذنبًا) أي ذكرها ثلاث مرات فقط بخلاف حماد فإنَّه ذكرها أربع مرات (وفي) المرة (الثالثة) قال همام لفظة (قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء) غرضه بيان محل المخالفة بين الروايتين.

6816 - (2737) (88) حدّثنا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَالَ: سَمِعتُ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ. وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ. حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي موسى الأَشْعريّ رضي الله تعالى عنهما فقال: 6816 - (2737) (88) (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر) الهذلي (حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني الأعمى الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (قال) عمرو: (سمعت أَبا عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (يحدث عن أبي موسى) الأَشْعريّ رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عَزَّ وَجَلَّ يبسط) ويمد (يده) المقدسة بسطًا يليق به (بالليل) أي في الليل (ليتوب مسيء النهار) أي المذنب في النهار (ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتَّى تطلع الشَّمس من مغربها) {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام/ 158]. وهذا الحديث من أحاديث الصفات نجريه على ظاهره ولا نؤوله كما أوّله المؤولون كما هو المذهب الصحيح الذي عليه السلف الصالح فنقول: فبسط الله عَزَّ وَجَلَّ يده المقدسة صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نؤولها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، يعني أن التوبة تصح وتقبل دائمًا إلى الوقت الذي تطلع فيه الشَّمس من حيث تغرب فإذا كان ذلك طبع على كل قلب بما فيه ولن تنفع توبة أحد، وهذا معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام/158] وسر ذلك وسببه أن ذلك من أول يوم القيامة فإذا شوهد ذلك وعوين حصل الإيمان الضروري وارتفع الإيمان بالغيب الذي هو المكلف به اه من المفهم، قال ابن ملك: مفهوم هذا الحديث لا تقبل التوبة بعد طلوع الشَّمس من مغربها إلى يوم القيامة، وقيل: هذا مخصوص بمن شاهد طلوعها فمن ولد بعد ذلك أو بلغ وكان كافرًا وآمن أو مذنبًا فتاب يقبل إيمانه وتوبته لعدم المشاهدة كذا في المرقاة اه

6817 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ دهني. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أَحْمد [4/ 395]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6817 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن بشار حَدَّثَنَا أبو داود) الطَّيالِسيّ سليمان بن داود بن الجارود، ثِقَة، من (9) روى عنه في (15) بابًا (حَدَّثَنَا شعبة) غرضه بيان متابعة أبي داود لمحمد بن جعفر، وساق أبو داود (بهذا الإسناد) يعني عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى (نحوه) أي نحو ما حدّث محمَّد بن جعفر والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث سلمان الفارسيّ ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين مفصولتين بشاهد، والسابع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي سعيد الخُدرِيّ ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر: حديث أبي موسى الأَشْعريّ ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

744 - (9) باب غيرة الله تعالى وقوله: {إن الحسنات يذهبن السيئات} وقبول توبة القاتل وإن كثر قتله وفداء المسلم بالكافر من النار ومناجاة الله مع المؤمن يوم القيامة

744 - (9) باب غيرة الله تعالى وقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقبول توبة القاتل وإن كثر قتله وفداء المسلم بالكافر من النَّار ومناجاة الله مع المؤمن يوم القيامة 6818 - (2738) (89) حدثّنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 744 - (9) باب غيرة الله تعالى وقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقبول توبة القاتل وإن كثر قتله وفداء المسلم بالكافر من النَّار ومناجاة الله مع المؤمن يوم القيامة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو غيرة الله تعالى بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6818 - (2738) (89) (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حَدَّثَنَا جرير) الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (18) بابًا (عن) سليمان بن مهران (الأَعمش) الكاهلي الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) (عن أبي وائل) شَقِيق بن سلمة الأسدي الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) ابن مسعود: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس أحد) من الموجودات (أحب إليه المدح) والثناء (من الله) عَزَّ وَجَلَّ متعلق بأحب واحد بالرفع اسم ليس، وأحب بالنصب خبرها، المدح بالرفع فاعل أحب والمعنى يثيب مادحيه بما لا يثيب به أحدًا من خلقه، وفي القرطبي: والضبط الصحيح رفع أحب على أنَّه خبر مقدم ومبتدؤه المدح والجملة خبر ليس، وقد قيده بعض النَّاس أحب بالنصب على أنَّه خبر ليس وفيه بعد وتكلف اه مفهم. وفي بعض الهوامش (ليس أحد أحب) بالنصب على أنَّه خبر ليس وبالرفع على أنَّه صفة لأحد والخبر محذوف كذا روي في البُخَارِيّ بوجهين وكذلك قوله الآتي: لا أحد أغير ولا أحد أحب والله أعلم (من أَجل ذلك) أي من أَجل كون المدح أحب إليه (مدح نفسه) حثًا

وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ". 6819 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ لعباده على مدح ذاته المقدسة يثيبهم على مدحهم إياه لا لأنه يهتز للمدح ويرتاح لذلك فإن ذلك من سمات فقرنا وحدوثنا وهو منزه عن ذلك كله والمعنى أي لا لاحتياجه إلى مدحهم بل ليثيبهم على مدحه، قال النووي: ومدح العباد لربهم فيه مصلحة لهم لأنهم يثنون عليه سبحانه فيثيبهم فينتفعون به وهو سبحانه غنيٌّ عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضره تركهم مدحه سبحانه، وفي الحديث تنبيه على فضل الثناء عليه تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره وسائر الأذكار، ومعنى مدح العباد لربهم وصفه بكمالاته كالتسبيح والتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير مثلًا وحبه سبحانه لمدحهم صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها أثرها الإثابة لهم والإنعام عليهم والإكرام بهم وفي مدحهم لربهم مصلحة لهم لا لربهم لأن مدحه تعالى يبعث في الإنسان حالة الرجوع إلى الله تعالى والشكر له والإنابة إليه وكل ذلك يعينه في الاجتناب عن المعاصي ويبعثه على أداء الحقوق. (وليس أحد أغير) أي أشد غيرة على ارتكاب حرماته واقتراف معاصيه (من الله) سبحانه وتعالى، ومعنى الغيرة في حق العباد الحمية على انتهاك حرمة حريمه وهيجان الغضب لذلك وإرادة الانتقام ممن انتهك حرمة حريمه، وأما غيرة الله سبحانه فهي صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أثرها الانتقام ممن انتهك محارمه والعقوبة له (من أَجل ذلك) أي من أَجل كونه أغير على محارمه (حرّم الفواحش) والكبائر من المعاصي وكان شديد الانتقام والعقوبة لمن ارتكبها واقترفها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 381]، والبخاري في مواضع منها في النكاح في باب المغيرة [5220] وفي تفسير سورة الأنعام [4634] وسورة الأعراف [4637] وفي التوحيد [7403] والتِّرمذيّ في باب [97] حديث [3591]. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6819 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير وأبو كُريب) محمَّد بن

قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ. وَلَا أحدٌ أَحَبَّ إِلَيهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العلاء الهمداني (قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير وأبو معاوية) كلاهما رويا (عن الأَعمش عن شَقِيق) بن سلمة أبي وائل الأسدي الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي معاوية وعبد الله بن نمير لجرير بن عبد الحميد (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد) بالرفع والتنوين على إعمال لا عمل ليس وبنصب (أغير من الله) على أنَّه خبر لا أي ليس أحد من المخلوق أشد غيرة من الله تعالى (وأغير) اسم تفضيل من المغيرة بفتح الغين وسكون الياء وهي الأنفة والحمية، قال النحاس: هو أن يحمي الرَّجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم والغيور ضد الديوث والقندع بضم الدال وفتحها الديوث هذا في حق الآدميين تعالى عن ذلك، وأما في حق الله تعالى فقد جاء مفسرًا في الحديث (وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرمه الله تعالى عليه) أي أن غيرته منعه وتحريمه ولما حرّم الله الفواحش وتواعد عليها وصفه صلى الله عليه وسلم بالغيرة وقال صلى الله عليه وسلم: "من غيرته أن حرم الفواحش" كما قال في هذا الحديث (ولذلك) أي ولأجل غيرته (حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} قال ابن جرير: إن أهل التأويل اختلفوا في المراد بالفواحش فمنهم من حملها على العموم، وساق عن قتادة قال المراد سر الفواحش وعلانيتها، ومنهم من حملها على نوع خاص، وساق عن ابن عباس قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسًا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرّم الله الزنا في السر والعلانية، ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا ثم اختار ابن جرير القول الأول قال: وليس ما رُوي عن ابن عباس وغيره بمدفوع ولكن الأولى الحمل على العموم انتهى اه تحفة الأحوذي. (ولا أحد أحب إليه المدح من الله) يجوز في أحب الرفع والنصب وهو أفعل

6820 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعَبةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَالَ: سَمِعتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: (قُلْتُ لَهُ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرَفَعَهُ)؛ أَنَّهُ قَالَ: "لا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ. وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. وَلَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيهِ الْمَدْحُ مِن اللهِ، وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ التفضيل بمعنى المفعول، وقوله: المدح بالرفع فاعله وحب الله المدح ليس من جنس ما يُعقل من حب المدح وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا فظهر من غلط العامة قولهم (إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن) فافهم (ولذلك) أي ولأجل حبه المدح مدح نفسه اه من تحفة الأحوذي باب [97] حديث [3591]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 6820 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى وابن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي أبي عبد الله الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (قال) عمرو: (سمعت أَبا وائل) شَقِيق بن سلمة (يقول: سمعت عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (يقول): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحديث. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن مرة للأعمش في رواية هذا الحديث عن أبي وائل، قال عمرو بن مرة (قلت له) أي لأبي وائل: (آنت سمعته) أي هل أَنْتَ سمعت هذا الحديث (من عبد الله) بن مسعود (قال) أبو وائل لعمرو بن مرة: (نعم) سمعته من عبد الله (و) الحال أن عبد الله (رفعه) أي رفع هذا الحديث إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أنَّه) صلى الله عليه وسلم (قال: لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه) المقدسة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6821 - (00) (00) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ. وَلَيسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ. وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6821 - (00) (00) (حَدَّثَنَا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا جرير عن الأَعمش عن مالك بن الحارث) السلمي الرقي، وقيل الكُوفيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (2) بابين الفضائل والتوبة كما مر (عن عبد الرَّحْمَن بن يزيد) بن قيس النَّخَعيّ أبي بكر الكُوفيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرَّحْمَن بن يزيد لأبي وائل (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس أحد أحب إليه المدح من الله عَزَّ وَجَلَّ من أَجل ذلك مدح نفسه وليس أحد أغير من الله من أَجل ذلك حرّم الفواحش ولا أحد أحب إليه العذر) أي قطع الاعتذار وسد بابه على من يريد الاعتذار بلا حصول عذر له في ترك التكاليف الشرعية (من الله) سبحانه متعلق بأحب (من أَجل ذلك) أي من أَجل قطع اعتذارهم إليه من تقصيرهم في ارتكاب المعاصي وترك المأمورات، ومن ترك توبتهم فيغفر لهم (أنزل الكتاب) المبين للتكاليف الشرعية (وأرسل الرسل) لتبليغ تلك التكاليف إليهم فلا عذر لهم يوم القيامة عند المحاسبة في ترك التكاليف فيعاقبون عليه. وفسر بعض العلماء العذر بقبول التوبة مأخوذ من قولهم عذره إذا قبل عذره، وفسره آخرون بمعنى الإعذار وهو إتمام الحجة وقد يأتي العذر بمعنى الإعذار كما في قوله تعالى: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)} وبه فسره عياض كما في شرح الأبي وإن تفسيره بالإعذار في هذا الحديث هو الظاهر فإنَّه أوفق بقوله فيما بعد (من أَجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل) وقال القرطبي: قوله: (أحب إليه العذر من الله تعالى) أي الاعتذار يعني التقدمة بالبيان والإعذار ويحتمل أن يريد الاعتذار من عبادة له من ذنوبهم إذا استغفروا منها.

6822 - (2739) (90) حدّثنا عَمْروٌ النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ. قَالَ: قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الله يَغَارُ. وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ. وَغَيرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6822 - (2739) (90) (حَدَّثَنَا عمرو) بن محمَّد بن بكير (النَّاقد) البغدادي (حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة) اسم أمه الأسدي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (عن حجاج بن أبي عثمان) ميسرة أو سالم الصواف الخياط أبي الصلت الكندي مولاهم البَصْرِيّ، ثِقَة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (قال) الحجاج: (قال) لنا (يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطَّائيّ مولاهم أبو نصر اليماميّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (17) بابًا، حَدَّثني غير أبي سلمة (وحدثني) أَيضًا (أبو سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) عَزَّ وَجَلَّ (يغار) من المغيرة بفتح الغين المعجمة وهي في حقنا الأنفة والحمية وفي حقه سبحانه ما ذكره في هذا الحديث وهو تحريمه على المؤمن ما حرمه عليه ومنعه منه كذا قالوا: (وإن المؤمن ينار وغيرة الله) أي سببها (أن يأتي المؤمن) ويفعل (ما حرّم عليه) الله سبحانه وتعالى، وفي بعض النسخ ما حرّم بالبناء للمفعول وفي البُخَارِيّ ما حرم الله عليه، قال المناوي: ولذلك حرم الفواحش وشرع عليها أعظم العقوبات. يعني أن غيرة الله تعالى منع المؤمن من الحرام أو سبب غيرة الله تعالى وهي العذاب أن يرتكب المؤمن حرامًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في النكاح باب المغيرة [5223] والتِّرمذيّ في الرضاع باب ما جاء في المغيرة [1168]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أسماء رضي الله تعالى عنهما فقال:

6823 - (2740) (91) قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ؛ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ حدَّثَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيْسَ شَيءٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". 6824 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ وَحَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الِلُّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثلِ رِوَايَةِ حَجَّاجٍ. حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ خَاصَّةً. وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ أَسْمَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6823 - (2740) (91) (قال يحيى) بن أبي كثير بالسند السابق: حَدَّثني غير أبي سلمة (وحدثني أبو سلمة) بن عبد الرَّحْمَن بن عوف أَيضًا (أن عروة بن الزُّبير حدثه أن أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنه (حدثته) أي حدثت لعروة (أنها) أي أن أسماء (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس شيء) من الموجودات (أغير) أي أشد غيرة وغضبًا (من الله عَزَّ وَجَلَّ) إذا انتهكت حرماته. وشارك المؤلف في هذا الحديث البُخَارِيّ في النكاح باب المغيرة [5222]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6824 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا أبو داود) الطَّيالِسيّ سليمان بن داود بن الجارودي البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أَبان بن يزيد) العطار أبو يزيد البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (وحرب بن شداد) اليشكري البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (3) أبواب كلاهما رويا (عن يحيى بن أبي كثير) الطَّائيّ (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أَبان وحرب لحجاج بن أبي عثمان وساقا (بمثل رواية حجاج) بن أبي عثمان (حديث أبي هريرة خاصة) أي رويا حديث أبي هريرة خاصة دون حديث أسماء رواية مثل رواية حجاج بن أبي عثمان أي مماثلة لها لفظًا ومعنى (ولم يذكر) كل منهما أي كل من أَبان وحرب ولو قال (ولم يذكرا) بألف التثنية (حديث أسماء) لكان أوفق وهذا تصريح بما عُلم من قوله خاصة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال:

6825 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ الْمُقَدَّمِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "لا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". 6826 - (2741) (92) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُؤْمِنُ يَغَارُ. وَاللهُ أَشَدُّ غَيْرًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6825 - (00) (00) (وحدثنا مُحَمَّد بن أبي بكر) بن عليّ بن عطاء بن مقدم (المقدمي) نسبة إلى جده مقدم أبو عبد الله الثَّقَفيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا بشر بن المفضل) بن لاحق الرَّقاشيّ بالقاف مولاهم البَصْرِيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (13) بابًا (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عروة عن أسماء) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لحجاج بن أبي عثمان (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: لا شيء أغير من الله عَزَّ وَجَلَّ) فخبر لا محذوف جوازًا تقديره موجود. وقوله: (لا شيء أغير من الله) بنصب أغير نعتًا لشيء المنصوب على لفظه ويجوز رفعه على أنَّه نعت لشيء على الموضع قبل دخول لا كذا في القسطلاني. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6826 - (2741) (92) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا عبد العزيز يعني ابن محمَّد) بن عبيد الدراوردي الجهني المدنِيُّ (عن العلاء) بن عبد الرَّحْمَن بن يعقوب الجهني المدنِيُّ، صدوق، من (5) (عن أَبيه) عبد الرَّحْمَن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن يغار) على حريمه (والله أشد غيرًا) بفتح الغين المعجمة وسكون الياء مع التنوين يعني إذا انتهكت حرماته، قال أهل اللغة: الغَيرة والغَير والغار بمعنى واحد اه نووي.

6827 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنٌ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعتُ الْعَلَاءَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6828 - (2742) (93) حدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ. كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُريعٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي كَامِلٍ)، حَدَّثَنَا يَزِيدُ. حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسعودٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6827 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا محمَّد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة قال: سمعت العلاء) بن عبد الرَّحْمَن، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة شعبة لعبد العزيز بن محمَّد وساق شعبة (بهذا الإسناد) يعني عن أَبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6828 - (2742) (93) (حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد وأبو كامل فضيل بن حسين الجحدري) البَصْرِيّ (كلاهما عن يزيد بن زريع) التَّيْميّ البَصْرِيّ (واللفظ لأبي كامل) قال أبو كامل: (حَدَّثَنَا يزيد) بن زريع بصيغة السماع (حَدَّثَنَا) سليمان بن طرخان (التَّيْميّ) البَصْرِيّ (عن أبي عثمان) النهدي الكُوفيّ عبد الرَّحْمَن بن مل (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المسلمين (أصاب من امرأة قبلة) بفمه لفمها اسم الرَّجل هو أبو اليسر كعب بن عمرو، وقيل عمرو بن غزية بن عمرو الأَنْصَارِيّ أبو حية التمار، وقيل ابن معتب رجل من الْأَنصار، وقيل أبو مقبل عامر بن قيس الأَنْصَارِيّ، وقيل سيهان التمار، وقيل عباد والمرأة لم أر من ذكر اسمها اه تنبيه المعلم، وذكر العيني رحمه الله تعالى في عمدة القاري [2/ 515] ستة أقوال في تعيين هذا الرَّجل ورجح أنَّه أبو اليسر بفتح الياء والسين الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه كما وقع

فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ التصريح بذلك في رواية التِّرْمِذِيّ ولفظها عن أبي اليسر قال: أتتني امرأة تبتاع تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أطيب منه فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبلتها فأتيت أَبا بكر رضي الله عنه فذكرت ذلك له فقال: استر على نفسك وتب، فأتيت عمر رضي الله عنه فذكرت له ذلك فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدًا، فلم أصبر حتَّى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "أخلفت غازيًا في سبيل الله في أهله" بمثل هذا حتَّى تمنى أنَّه لم يكن أسلم إلى تلك الساعة حتَّى ظن أنَّه من أهل النَّار، قال: فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلًا حتَّى أوحى الله تعالى إليه {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابه: يَا رسول الله ألهذا خاصة أم للنَّاس عامة؟ قال: "بل للنَّاس عامة" قال التِّرْمِذِيّ: هذا حديث حسن غريب، وأبو اليسر هو بفتح الياء والسين واسمه كعب بن عمرو السلمي وهو من البدريين أي أصاب منها قبلة أي دون الفاحشة وهي الزنا في الفرج (فأتى) ذلك الرَّجل (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك) الذي أصاب من المرأة (له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (قال) ابن مسعود: (فنزلت) في ذلك آية قوله تعالى: (أقم) أَنْتَ يَا محمَّد وأمتك (الصلاة) المفروضة في (طرفي النهار) أي في جانبيه يعني في أوله وفي آخره، وهما الغداة والعشي كما فسره به الثعلبي، ورُوي عن ابن عباس أنَّه فسرهما بصلاة الفجر وصلاة المغرب وفسره الضحاك بالفجر والعصر، ومقاتل بالفجر والظهر كما في عمدة القاري (وزلفًا من الليل) أي وفي ساعات من الليل، والزلف بضم الزاي وفتح اللام جمع زلفة بضم الزاي وسكون اللام كغرف وغرفة وهي ساعة من أول الليل المتصل بالنهار، وفيها المغرب وساعة من آخر الليل المتصل بالنهار وفيها العشاء (إن الحسنات يذهبن السيئات) يعني أن الحسنات تكون كفارة للصغائر فإن ارتكب الإنسان صغيرة فإن الحسنات التي يأتي بها تكفر هذه الصغيرة ولا يتعدى هذا الحكم إلى الكبائر لما تقرر في موضعه أن الحسنات إنما تكفر الصغائر دون الكبائر لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} قال النووي: قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ

السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]. قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتي". 6829 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنَا أَبُو عُثمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السَّيِّئَاتِ} اختلف العلماء في المراد بالحسنات هنا فنقل الثعلبي أن أكثر المفسرين على أنها الصلوات الخمس واختاره ابن جرير وغيره من الأئمة، وقال مجاهد: هي قول العبد: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر، ويحتمل أن المراد بالحسنات مطلقًا اه منه أقول ويؤيد الوجه الأول ما رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس: الصلوات كفارة لما بينهن ..... الحديث (ذلك) المذكور من الآيات السابقة (ذكرى للذاكرين) أي عظة للمتعظين بها أي تذكر لمن تذكر بها واتعاظ لمن اتعظ بها ([هود/ 114]) (قال) ابن مسعود: (فقال) ذلك (الرَّجل) الذي سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن واقعته (ألي) خاصة (هذه) الآية (يَا رسول الله) أم عامة لجميع الأمة يعني بها هو السيئات بالحسنات فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي عامة (لمن عمل بها) أي بهذه الآية بأن فعل الحسنات بعد السيئات (من أمتي) إلى يوم القيامة، وفي رواية للبخاري في المواقيت (لجميع أمتي كلهم) والمراد أن كون الحسنات مكفرة للصغائر يعم جميع المسلمين فإن الله تعالى يغفر لهم سيئاتهم بما فعلوه من الحسنات والله تعالى أعلم. وقد بسطنا الكلام على هذه الآية في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن شئت. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [1/ 445]، والبخاري في مواقيت الصلاة باب الصلاة كفارة [526] وفي تفسير سورة هود [4687]، وأبو داود في الحدود [4468]، والتِّرمذيّ في تفسير سورة هود [3111]، والنَّسائيّ في الكبرى [7324]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر التوبة [4308]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6829 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن عبد الأعلى) القيسي الصَّنْعانِيّ ثم البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا المعتمر) بن سليمان التَّيْميّ، ثِقَة، من (9) (عن أَبيه) سليمان بن طرخان البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) (حَدَّثَنَا أبو عثمان) النهدي

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَنهُ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ، إِمَّا قُبْلَةً، أَوْ مَسًّا بِيَدٍ، أَوْ شَيئًا. كَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ كَفَّارَتِهَا. قَالَ: فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ. 6830 - (00) (00) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. قَالَ: أَصَابَ رَجُلٌ مِنِ امْرَأَةِ شَيْئًا دُونَ الْفَاحِشَةِ. فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرَّحْمَن بن مل (عن ابن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة المعتمر ليزيد بن زريع (أن رجلًا) من المسلمين، وقيل إن هذا الرَّجل هو عمرو بن غزية كان يبيع التمر فقال لامرأة: في البيت تمر أجود من هذا، فدخلت فوثب عليها وقبَّلها، ثم تركها نادمًا فجاء باكيًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فنزلت الآية فقال له: "هل حضرت معنا الصلاة" فقال: نعم، قال: "غفر الله لك" وقيل إنها كانت صلاة العصر اه من المفهم (أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكر أنَّه أصاب من امرأة إما قبلة أو مسًا بيد أو شيئًا) آخر من الاستمتاعات كالمعانقة (كأنه) أي كأن ذلك الرَّجل (يسأل) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (عن كفارتها) أي عن كفارة تلك القبلة أي عما يكفرها ويمحوها عنه (قال) ابن مسعود: (فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ) هذه الآية يعني أقم الصلاة .. إلخ (ثم ذكر) المعتمر بن سليمان وساق عن أَبيه (بمثل حديث يزيد) بن زريع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6830 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8) روى عنه في (18) بابًا (عن سليمان) بن طرخان (التَّيْميّ) البَصْرِيّ (بهذا الإسناد) يعني عن أبي عثمان عن ابن مسعود، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير ليزيد بن زريع ومعتمر بن سليمان (قال) ابن مسعود: (أصاب رجل) من المسلمين (من امرأة شيئًا) من الاستمتاع (دون الفاحشة) أي غير الفاحشة وهي الزنا في الفرج كالقبلة والمباشرة (فأتى) ذلك الرَّجل (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (فعظّم) عمر من التعظيم ذلك الشيء الذي فعله من المرأة أي عده ذنبًا عظيمًا مؤاخذًا (عليه)

ثُمّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَعَظَّمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَزِيدَ وَالْمُعْتَمِرِ. 6831 - (00) (00) حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى -. (قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً في أَقْصَى الْمَدِينَةِ. وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعاقبًا به (ثم أتى أَبا بكر) الصديق رضي الله عنه (فعظّم عليه) أي عده ذنبًا عظيمًا معاقبًا عليه (ثم أتى) الرَّجل (النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكر) جرير وساق (بمثل حديث يزيد) بن زريع (والمعتمر) بن سليمان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6831 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيْسَابُورِيّ (وقتيبة بن سعيد) بن طريف الثَّقَفيّ البلخي (وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ ليحيى قال يحيى: أخبرنا وقال الآخران: حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكُوفيّ، ثِقَة، من (7) (عن سماك) بن حرب بن أوس الذُّهليّ الكُوفيّ، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابًا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (11) بابًا (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم، من (2) روى عنه في (8) أبواب (والأسود) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ، ثِقَة مخضرم فقيه، من (2) روى عنه في (6) أبواب كلاهما رويا (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة علقمة والأسود لأبي عثمان النهدي (قال) عبد الله بن مسعود: (جاء رجل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رسول الله إنِّي عالجت امرأة) أي حاولتها لأصيب منها غرضًا وشهوة أي تناولتها واستمتعت بها بالقبلة والمعانقة دون الوطء في الفرج في أقصى المدينة) وهو ما بعد منها يعني موضعًا خاليًا من النَّاس أي في نهايتها وطرفها الأبعد عن النَّاس (وإني أصبت منها ما) أي استمتاعًا

دُونَ أَن أَمَسَّهَا، فَأَنَا هَذَا. فَاقْضِ فيَّ مَا شِئْتَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ الله، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ. قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ شَيئًا. فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ. فَأَتْبَعَهُ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ، وَتَلَا عَلَيهِ هَذِهِ الآيةَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (دون أن أمسها) أي دون مسها وجماعها أي استمتاعًا غير الجماع بها في الفرج كالقبلة والمعانقة أي لم أجامعها، والمعنى استمتعت بها بالمعانقة والتقبيل وغيره. وقوله: (ما دون أن أمسها) أراد به الجماع فإن المس ربما يستعار لمعنى الجماع ومراده أنَّه استمتع بها دون أن يجامعها (فأنا هذا) الحاضر بين يديك (فاقض) أي فاحكم (فيّ) أي عليّ (ما شئت) من حكم الله تعالى (فقال له) أي للرجل (عمر) بن الخطاب والله (لقد سترك الله) سبحانه على عيبك فـ (لو سترت نفسك) على عيبك فلم تخبر به أحدًا من النَّاس لكان خيرًا لك. فيه دليل على أن من صدر منه مثل ذلك لا يجب عليه أن يخبر به الحاكم أو أحدًا غيره بل يتوب إلى الله سبحانه ويستر على نفسه (قال) ابن مسعود: (فلم يرد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) على الرَّجل (شيئًا) من الجواب (فقام الرَّجل فانطلق) أي فذهب من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتبعه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجلًا) آخر (دعاه) وطلبه بالرجوع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أي أرسل وراءه رسولًا يأمره بالرجوع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فرجع إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (وتلا) أي قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على ذلك الرَّجل الذي قبَّل المرأة بعد رجوعه إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (هذه الآية) يعني قوله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار) لأن الله تعالى أنزل هذه الآية بعد انصرافه بسبب سؤاله عن حكمه وإقامة الصلاة القيام بفعلها على سنتها وهيئاتها المشروعة فيها والمثابرة عليها (وزلفًا من الليل) بفتح اللام على قراءة الجماعة وهي الساعات المتقاربة جمع زلفة وهي القربة والمنزلة، وقرأها يزيد بضم اللام وابن محيصن بسكونها (إن الحسنات يذهبن السيئات) يعني الصلوات الخمس كما قد جاء مفسرًا عنه صلى الله عليه وسلم قاله الطبري، وقال مجاهد: هي (لا إله إلَّا الله، والله أكبر، والحمد لله) [قلت]: واللفظ بحكم عمومه صالح لما قالاه ولزيادة عليه كما قال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" رواه أَحْمد ومسلم

ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً". 6832 - (00) (00) حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجْلِيُّ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَحُدِّثُ، عَنْ خَالِهِ الأسوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ، وَقَالَ في حَدِيثِهِ: فَقَالَ مُعَاذٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ والتِّرمذيّ وابن ماجه (ذلك) المذكور (ذكرى للذاكرين) [هود/ 114] (فقال رجل من القوم) الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا نبي الله هذا) أي تكفير الحسنات بالسيئات (له) أي لهذا الرَّجل الذي قبّل المرأة (خاصة) أي مخصوصة به أم عامة للأمة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل) هذا التكفير (للناس) كلهم حالة كونهم (كافة) أي جميعًا هكذا تستعمل كافة حالًا أي كلهم ولا تضاف فيقال كافة النَّاس ولا الكافة بالألف واللام وهو معدود في تصحيف العوام ومن أشبههم اه نووي، والرجل القائل قيل هو أبو اليسر أَيضًا، وقيل معاذ، وقيل عمر ذكر ذلك الخَطيب البغدادي، وسيأتي في (م) أنَّه معاذ اه من التنبيه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6832 - (00) (00) (حدثنا محمَّد بن المثنَّى حَدَّثَنَا أبو النُّعمان الحكم بن عبد الله العجلي) أو القيسي أو الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ، روى عن شعبة في التوبة والفتن، وابن أبي عروبة، ويروي عنه (خ م ق س) ومحمَّد بن المثنَّى وأَحمد البزي، قال الخَطيب: كان ثِقَة، ووثقه الذُّهليّ وقال ابن حبان: كان حافظًا ربما أخطأ، وقال في التقريب: ثِقَة له أوهام، من التاسعة، وله عند (خ) فرد حديث (حَدَّثَنَا شعبة عن سماك بن حرب) الذُّهليّ الكُوفيّ (قال) سماك: (سمعت إبراهيم) بن يزيد النَّخَعيّ (يحدّث عن خاله الأسود) بن يزيد بن قيس النَّخَعيّ الكُوفيّ (عن عبد الله) بن مسعود (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص، وساق شعبة (بمعنى حديث أبي الأحرص وقال) شعبة (فِي حديثه) وروايته لفظة (فقال معاذ) بن جبل رضي الله

يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لِهَذَا خَاصَّةً، أَوْ لَنَا عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لَكُمْ عَامَّةً". 6833 - (2743) (94) حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ. حَدّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه (يَا رسول الله هذا) التكفير كائن (لهذا) الرَّجل الذي قبّل المرأة حالة كونه (خاصة) به أي مخصوصًا بهذا الرَّجل (أو) كائن (لنا) حالة كونه (عامة) أي عامًا لجميع الأمة فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بل) هو أي هذا التكفير كائن (لكم) أيتها الأمة حالة كونه (عامة) أي عامًا لجميع الأمة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 6833 - (2743) (94) (حَدَّثَنَا الحسن بن عليّ الحلواني) أبو علي الهذلي الخلال المكيّ، ثِقَة، من (11) (حَدَّثَنَا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوازع الكلابي أبو عثمان البَصْرِيّ، صدوق، من صغار (9) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى بن دينار الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأَنْصَارِيّ المدنِيُّ، ثِقَة، من (4) (عن) عمه (أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (جاء رجل) من المسلمين ولم أر من ذكر اسم هذا الرَّجل (إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال) ذلك الرَّجل: (يَا رسول الله أصبت حدًا) أي ارتكبت موجب حد في ظني، قال النووي: هذا الحديث معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير وهي من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة هذا هو الصحيح في تفسير هذا الحديث اه دهني (فأقمه) أي فأقم الحد (عليّ، قال) أنس: (وحضرت الصلاة) أي وقت إقامتها (فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) تلك الصلاة (فلما قضى) الرَّجل (الصلاة) وأتمها (قال: يَا رسول الله إنِّي أصبت) وفعلت (حدًا) أي موجب حد عليّ (فأقم فيّ) أي

كِتَابَ اللهِ. قَالَ: "هَلْ حَضَرْتَ الصَّلاةَ مَعَنَا؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "قَدْ غُفِرَ لَكَ". 6834 - (2744) (95) حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ)، قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقم عليّ (كتاب الله) أي حكم كتاب الله تعالى من الحد أو التعزير فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل حضرت الصلاة) أي فعلتها وصليتها (معنا) فـ (قال) الرَّجل: (نعم) صليتها معكم فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد غفر لك) أي قد غفر موجب الحد وستر عنك ومحي به عن صحفك بفضل من الله تعالى بسبب صلاتك معنا لأن الصلاة تكفر السيئات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الحدود باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه [6823] وقوله في حديث أنس رضي الله عنه: (أصبت حدًا) يحتمل أن يكون هذا الرَّجل هو الذي سبقت قصته في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وكان قد زعم أن ما فعله بالمرأة موجب للحد، ولأجل أنَّه لم يكن موجبًا للحد في نفس الأمر لم يقمه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بشره بالمغفرة بالصلاة، ويحتمل أن تكون هذه قصة أخرى وقد ذكر الحافظ في الفتح [12/ 134] عن أبي بكر البرزنجي أنَّه رواه بلفظ (أن رجلًا أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رسول الله إنِّي زنيت فاقم عليّ الحد) ولو صح فإنَّها قصة غير قصة أبي اليسر قطعًا فإنَّه صرح بأنه لم يجامع المرأة لكن يشكل عليه مغفرة الزنا بالصلاة فإن الزنا كبيرة وإنها لا تكفِّرها الحسنات، ويحتمل أنَّه زعم ما ليس بزنا زنًا، ويحتمل أن يكون الراوي عبر بالزنا من قوله أصبت حدًا فرواه بالمعنى الذي ظنه، والأصل ما في الصحيح فهو الذي اتفق عليه الحفاظ، ويحتمل أن يكون ذلك خصوصية لذلك الرَّجل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أبي أُمامة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6834 - (2744) (95) (حَدَّثَنَا نصر بن عليّ) الأَزدِيّ (الجهضمي) أبو عمر البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) روى عنه في (17) بابًا (وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا: حَدَّثَنَا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي أبو حفص اليماميّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي اليماميّ، صدوق، من (5) روى عنه

حَدَّثَنَا شَدَّادٌ. حَدّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ قَالَ: بَينَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْمَسْجِدِ، وَنَحْنُ قُعودٌ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا. فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. ثُمّ أَعَادَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًا. فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَسَكَتَ عَنْهُ. وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَاتَّبَعَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ. وَاتبَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْظُرُ مَا يَرُدُّ عَلَى الرَّجُلِ. فَلَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ في (9) أبواب (حَدَّثَنَا شداد) بن عبد الله القُرشيّ الأُموي مولاهم معاوية أبو عمار الدِّمشقيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا أبو أُمامة) الباهليّ صدي بن عجلان مصغرًا رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو أُمامة: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم) جالس (في المسجد) النبوي (ونحن) معاشر الحاضرين معه (قعود) أي قاعدون (معه) صلى الله عليه وسلم (إذ جاء) هـ صلى الله عليه وسلم (رجل) من المسلمين، لم أر أحدًا من الشراح عين اسم هذا الرَّجل، قال ابن حجر في الفتح [1/ 320] وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به، قال في تنبيه المعلم: وكنت قد بدأت بجمع المحدودين فلما وقفت على كلام ابن حجر هذا ضربت عما بدأت صفحًا اه منه (فقال) الرَّجل: (يَا رسول الله إنِّي أصبت حدًا) أي ارتكبت موجب حد (فأقمه عليّ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعاد) الرَّجل كلامه ثانيًا (فقال) عطف تفسير للإعادة أي فقال له صلى الله عليه وسلم: (يَا رسول الله إنِّي أصبت حدًا فأقمه عليّ فسكت عنه) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأقيمت الصلاة فلما) فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة (انصرف) أي ذهب (نبي الله صلى الله عليه وسلم) من المسجد (قال أبو أُمامة) راوي الحديث: (فاتَّبع الرَّجل) السائل إقامة الحد عليه أي لحق (رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف) وخرج قال أبو أُمامة: (واتبعت) أي لحقت (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كوني أريد أن (انظر) وأسمع (ما يرد) رسول الله صلى الله عليه وسلم (على الرَّجل) من الجواب، قال أبو أُمامة: (فلحق الرَّجل) السائل (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال)

يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ، أَلَيسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ؟ " قَالَ: بَلَى. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلاةَ مَعَنَا؟ " فَقَالَ: نَعَنم. يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ - أَوْ قَالَ: - ذَنْبَكَ". 6835 - (2745) (96) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ له: (يَا رسول الله إنِّي أصبت حدًا فأقمه عليّ قال أبو أُمامة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت) أي أخبرني (حين خرجت من بيتك أليس) الشأن (قد توضأت فأحسنت الوضوء) أي أكملته بفرائضه وآدابه (قال) الرَّجل: (بلى) توضأت (يَا رسول الله قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد وضوئك (شهدت) أي حضرت (الصلاة) أي صلاة الجماعة (معنا، فقال) الرَّجل: (نعم) حضرت الصلاة معكم (يَا رسول الله قال) أبو أُمامة: (فقال له) أي للرجل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبشر (فإن الله) سبحانه (قد غفر لك حدك) أي موجبه بسبب الصلاة معنا (أو قال) أبو أُمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد غفر الله لك (ذنبك) بدل حدك، والشك من شداد بن عبد الله فيما قاله أبو أمامة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الحدود باب في الرَّجل يعترف بحد ولا يسميه [4381]. وقوله في هذا الحديث: (إنِّي أصبت حدًا) الكلام في هذا الحديث مثل ما تقدم في حديث أنس، ويحتمل أن تكون قصته عين القصة المذكورة في حديث أنس، ويحتمل أن تكون غيرها والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو قبول توبة القاتل بحديث أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه فقال: 6835 - (2745) (96) (حَدَّثَنَا محمَّد بن المثنَّى ومحمَّد بن بشار واللفظ لابن المثنَّى قالا: حَدَّثَنَا معاذ بن هشام) الدستوائي البَصْرِيّ (حَدَّثني أبي) هشام الدستوائي

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا. فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ. فَأَتاهُ فَقَالَ: إنهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا. فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا. فَقَتَلَهُ. فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ. فَقَالَ: إنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ. فَهَل لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَمَنْ يَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا. فَإِنَّ بِهَا أُناسًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي الصدّيق) بوزن سكتتين الناجي بالنُّون والجيم بكر بن عمرو أو ابن قيس البَصْرِيّ، ثِقَة، من (3) روى عنه في (2) بابين الصلاة والتوبة (عن أبي سعيد الخُدرِيّ) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن كان قبلكم) من الأمم، وفي رواية شعبة عند البُخَارِيّ: كان في بني إسرائيل (رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا) فندم على قتله (فسأل) ذلك الرَّجل النَّاس (عن أعلم أهل الأرض فدُلّ) بصيغة المجهول أي دله النَّاس (على راهب) أي على عابد من رهبان النصارى وعبادةم، واستنبط الحافظ في الفتح [6/ 517] من لفظ الراهب أن ذلك كان بعد رفع عيسى عليه السلام لأن الرهبانية إنما ابتدعه أتباعه بعد رفعه إلى السماء كما دل عليه القرآن الكريم (فأتاه) أي فأتى القاتل الراهب (فقال) للراهب: (إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة) عند الله تعالى (فقال) الراهب للقتَّال: (لا) توبة لك (فقتله) أي قتل الراهب (فكمل به) أي بالراهب (مائة) نفس مقتولة، وأخذ بعضهم من قوله: (لا) أن هذا الراهب لم يكن عالمًا وإنما أفتى بغير علم، ورد عليه الأبي باحتمال أن يكون في توبة القاتل خلاف في شريعتهم كما هو عندنا فأفتاه الراهب بقول من يقول منهم لا توبة للقاتل وعلى كل حال فجواب الراهب كان على خلاف المصلحة لأنه وإن كانت المسألة مجتهدًا فيها لم يكن له أن يقطع بعدم صحة توبته ويوقعه في اليأس بعد ما ظهر ندمه على فعله (ثم) بعد ما قتل الراهب (سأل) النَّاس مرة ثانية (عن أعلم أهل الأرض فدُلّ) بالبناء للمجهول أي دله النَّاس (على رجل عالم) فذهب إليه (فقال) القتّال للرجل العالم (إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال) الرَّجل العالم له: (نعم) له توبة (ومن) أي ومن الذي (يحول) ويحجز (بينه) أي بين ذلك القتّال (وبين التوبة انطلق) أي اذهب أيها القتّال إن أردت التوبة (إلى أرض كذا وكذا فإن بها) أي بتلك الأرض (أناسًا

يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ الله مَعَهُمْ. وَلَا تَرْجِعْ إلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ. فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ. فَقَالَتْ مَلَائكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ. فَجَعَلُوهُ بَينهُمْ. فَقَالَ: قِيسُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ يعبدون الله) تعالى (فاعبد الله) تعالى (معهم ولا ترجع إلى أرضك) التي قتلت فيها (فإنَّها) أي فإن أرضك (أرض سوء) وذنب أسأت به. وفي قوله: (انطلق إلى أرض كذا) الحض على مفارقة الأرض التي اقترف فيها الذنب وعلى مفارقة الإخوان الذين ساعدوه عليه مبالغة في التوبة وعلى استبدال ذلك بصحبة أهل الخير والصلاح، ووقع في المعجم الكبير للطبراني أن اسم تلك القرية التي هاجر إليها (نصرة) واسم القرية التي أذنب فيها (كفرة) ذكره الحافظ. وفي قوله: (ولا ترجع إلى أرضك) .. إلخ استحباب مفارقة التائب الأرض التي تكثر فيها الدواعي للذنوب وأن يلتمس صحبة أهل الخير والصلاح فإنَّها أكبر عون له في إصلاح نفسه وتزكية خلقه وسلوكه. قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (فانطلق) أي ذهب ذلك الرَّجل إلى جهة قرية نصرة (حتَّى إذا نصف الطريق) أي وصل وبلغ وسط مسافة الطريق التي بين القريتين (أتاه الموت) أي مقدمات الموت (فاختصمت) أي تخاصمت (فيه) أي في قبض روحه (ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) كلاهما من أعوان ملك الموت (فقالت ملائكة الرحمة جاء) أي صار هذا الرَّجل (تائبًا) أي راجعًا عن ارتكاب المعاصي (مقبلًا بقلبه) أي متوجهًا بقلبه (إلى) طاعة (الله) تعالى وامتثال أمره ونحن أحق بقبض روحه، قال القاضي عياض رحمه الله: علموا ذلك بإطلاع الله تعالى إياهم على ما في قلبه من ذلك ولو أطلع عليه ملائكة العذاب لم تنازع ولكن شهدت بما علمت من ظاهر أمره كما قال (وقالت ملائكة العذاب أنَّه) أي إن هذا الرَّجل (لم يعمل خيرًا) أي عملًا صالحًا يثاب عليه (قط) أي فيما مضى من عمره من الأزمنة (فأتاهم) أي أتى الفريقين من الملائكة (ملك) متصور (في صورة آدمي) وشكله (فجعلوه) أي فجعل الفريقان من الملائكة ذلك الملك المتصور بصورة آدمي محكمًا (بينهم) فيما تنازعوا فيه (فقال) لهم ذلك الملك (قيسوا) أي حاسبوا

مَا بَينَ الأَرْضَيْنِ. فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى، فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ. فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ". قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا؛ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ. 6836 - (00) (00) حدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الصِّدِّيقِ النَّاجِيَّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمساحة قدر مسافة (ما بين الأرضين) أي القريتين التي خرج منها والتي ذهب إليها (فإلى أيتهما) أي إلى أية الأرضين (كان) ذلك الرَّجل (أدنى) وأقرب (فهو) أي فذلك الرَّجل (له) أي لذلك الأقرب إليه من الأرضين (فقاسوه) أي حاسبوا قدر مسافة ما بين الأرضين (فوجدوه) أي فوجدوا ذلك الرجل (أدنى) وأقرب (إلى الأرض التي أراد) وهاجر إليها بقدر شبر كما في الرواية الآتية (فقبضته) أي قبضت روح ذلك الرَّجل (ملائكة الرحمة) فكان من أهل الجنة بفضل الله وكرمه تعالى، قال هشام الدستوائي: (قال) لنا (قتادة) بالسند السابق (فقال) لنا الحسن البَصْرِيّ: (ذُكر لنا) أي رُوي لنا في هذا الحديث (أنه) أي أن ذلك الرَّجل (لما أتاه الموت) أي أمارة الموت ومقدماته (نأى) أي ارتفع من الأرض (بصدره) مع ثقل ما أصابه من الموت ومال به إلى جهة الأرض التي أراد الذهاب والهجرة إليها فكان من أهلها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في الأنبياء [347]، وابن ماجه في الديات [2622]. وقد يشكل على توبة هذا القاتل أنَّه ارتكب ذنبًا يتعلق بحقوق العباد فكيف يغفر له بدون أن يعفو عنه صاحب الحق وهو مقتول لا يمكن إرضاؤه، وأجاب عنه الحافظ في الفتح والعيني في العمدة [7/ 469] بأن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد رضي الله عنه فقال: 6836 - (00) (00) (حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري) البَصْرِيّ (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ (حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة أنَّه سمع أَبا الصدّيق الناجي) بكر بن عمر البَصْرِيّ (عن أبي سعيد الخُدرِيّ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه

"أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَجَعَلَ يَسْأَلُ: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَيسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ. فَقَتَل الرَّاهِبَ. ثُمُّ جَعَلَ يَسْأَلُ. ثُمَّ خَرَجَ من قَرْيَةٍ إلى قَرْيَةٍ فِيهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ. فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ. فَنَأَى بِصَدْرِهِ. ثُمَّ مَاتَ. فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاِئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ. فَكَانَ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ مِنْهَا بِشِبْرٍ. فَجُعِلَ من أَهْلِهَا". 6837 - (00) (00) حدّثنا محمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، وَزَادَ فِيهِ: "فَأَوْحَى اللهُ إلى هَذِهِ: أَنْ تَبَاعَدِي. وَإِلَى هَذِهِ: أَنْ تَقَرَّبِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان متابعة شعبة لهشام الدستوائي في رواية هذا الحديث عن قتادة (أن رجلًا) ممن كان قبلكم (قتل تسعة وتسعين نفسًا فجعل) أي شرع ذلك الرَّجل (يسأل) النَّاس (هل له من توبة) ويبحث عنها (فأتى راهبًا) أي عابدًا من رهبان النصارى (فسأله) أي فسأل الرَّجل ذلك الراهب هل له من توبة (فقال) له الراهب: (ليست لك توبة فقتل الراهب ثم جعل) أي شرع (يسأل) النَّاس هل له من توبة (ثم خرج من قرية) قتل فيها النَّاس (إلى قرية) كان (فيها قوم صالحون فلما كان من بعض الطريق أدركه الموت) وحلَّ به (فنأى بصدره) أي مال به إلى جهة القرية التي يذهب إليها مع ما به من ثقل الموت وذلك دليل على صحة توبته وصدق رغبته (ثم مات فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فكان إلى القرية الصالحة أقرب منها) أي من القرية الفاسدة (بشبر) أي بقدر شبر (فجُعل من أهلها) أي من أهل القرية الصالحة فأخذته ملائكة الرحمة وهي ملائكة الجنة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 6837 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمَّد بن بشار حَدَّثَنَا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البَصْرِيّ، ثِقَة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن أبي الصديق عن أبي سعيد، غرضه بيان متابعة ابن أبي عدي لمعاذ بن معاذ، وساق ابن أبي عدي (نحو حديث معاذ بن معاذ و) لكن (زاد) ابن أبي عدي (فيه) أي في ذلك النحو لفظة (فأوحى الله) سبحانه (إلى هذه) القرية التي خرج منها أي ألهمها بـ (أن تباعدي) عنه أي عن هذا الرَّجل التائب (وإلى هذه) القرية التي هاجر إليها بـ (أن تقربي) إليه.

6838 - (2746) (97) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، دَفَعَ الله عَزَّ وَجَلَّ إلى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا. فَيَقُولُ: هَذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ". 6839 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدّثَنَا هَمَّامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو فداء المسلم بالكافر بحديث أبي موسى الأَشْعريّ رضي الله عنه فقال: 6838 - (2746) (97) (حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة عن طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التَّيْميّ المدنِيُّ نزيل الكوفة، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأَشْعريّ رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة دفع الله عَزَّ وَجَلَّ إلى كل) رجل (مسلم يهوديًا أو نصرانيًا فيقول) الله للمسلم: أيها المسلم (هذا) اليهودي أو النصراني (فكاكك) بفتح الفاء وكسرها والفتح أفصح وأشهر أي فداؤك وخلاصك (من النَّار) أي من العذاب، وظاهر هذا اللفظ أن الكافر يكون فدية للمسلم وهذا الظاهر غير مطابق لما تقرر في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وتفسيره الصحيح ما ذكره النووي رحمه الله تعالى قال: ومعنى هذا الحديث ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه "لكل أحد منزل في الجنة ومنزل في النَّار فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النَّار" لاستحقاقه ذلك بكفره ومعنى (فكاكك من النَّار) أنك كنت معرضًا لدخول النَّار وهذا فكاك لأن الله تعالى قدّر لها عددًا يملؤها فهذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فقال: 6839 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان بن مسلم) بن عبد الله الأَنْصَارِيّ مولاهم الصفّار البَصْرِيّ، ثِقَة، من (10) (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى بن دينار

حَدَّثَنَا قَتَادَةُ؛ أَنَّ عَوْنًا وَسَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَاهُ؛ أنَّهمَا شَهِدَا أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّث عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلَّا أَدْخَلَ الله مَكَانَهُ، النَّارَ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا". قَالَ: فَاسْتَحْلَفَة عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ أَنَّ أَبَاهُ حدثهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَحَلَفَ لَهُ. قَالَ: فَلَمْ يُحَدِّثنِي سَعِيدٌ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَهُ. وَلَمْ يُنْكِرْ َعَلَى عَوْنٍ قَوْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأَزدِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (7) (حَدَّثَنَا أن عونًا) ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أَبا عبد الله الكُوفيّ الزَّاهد، ثِقَة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (وسعيد بن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأُموي الكُوفيّ، ثِقَة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (حدثاه) أي حدثا لقتادة (أنهما شهدا) أي حضرا (أَبا بردة) عامر بن أبي موسى، حالة كونه (يحدّث عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم الأُموي الأمير المدنِيُّ (عن أَبيه) أي عن أبي بردة يعني عن أبي موسى الأَشْعريّ (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عون بن عبد الله وسعيد بن أبي بردة لطلحة بن يحيى بن عبيد الله في رواية هذا الحديث عن أبي بردة (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (لا يموت رجل مسلم إلَّا أدخل الله) سبحانه (مكانه) أي بدله (النَّار يهويًا أو نصرانيًا، قال) عون بن عبد الله بنعتبة (فاستحلفه) أي استحلف أَبا بردة أي طلب منه الحلف (عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلَّا هو ثلاث مرات) أي حلّفه عمر ثلاث مرات لتأكيد الكلام على (أن أباه) أي أَبا أبي بردة يعني أَبا موسى الأَشْعريّ (حدّثه) أي حدّث أَبا بردة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإنما استحلفه لزيادة الاشتياق والطمأنينة ولما حصل له من السرور بهذه الإشارة العظيمة للمسلمين أجمعين ولأنه إذا كان عنده فيه شك وخوف غلط أو نسيان أو اشتباه أو نحو ذلك أمسك عن اليمين فهذا حلف تحقق انتفاء هذه الأمور وعُرف صحة الحديث اه نووي (قال) عون بن عبد الله: (فحلف) أبو بردة (له) أي لعمر بن عبد العزيز على أن أَبا موسى حدّثه (قال) قتادة: (فلم يحدثني سعيد) بن أبي بردة (أنَّه) أي أن عمر بن عبد العزيز (استحلفه) أي استحلف أَبا بردة على ذلك (ولم ينكر) سعيد بن أبي بردة (على عون) بن عبد الله (قوله) أي قول عون إن عمر بن عبد العزيز استحلف أَبا بردة على ذلك يعني أن سعيد بن أبي بردة وإن لم يذكر قصة

6840 - (00) (00) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ. أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَفَّانَ. وَقَالَ: عَوْنُ بْنُ عُتْبَةَ. 6841 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستحلاف التي ذكرها عون لكنه لم ينكر على عون في ذكره للاستحلاف فكأنه سكت عن إثباته أو نفيه، وإنما نبه الراوي على ذلك الإشعار بأن سكوت سعيد عن قصة الاستحلاف لا يدل على أنها لم تقع لأن المثبت مقدم على النافي فعلى الساكت أولى اه تكملة. وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز والشافعي رحمهما الله تعالى أنهما قالا في هذا الحديث. هو أرجى حديث للمسلمين اه نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأَشْعريّ رضي الله عنه فقال: 6840 - (00) (00) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمَّد بن المثنَّى جميعًا) أي كلاهما رويا (عن عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البَصْرِيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابًا (أخبرنا همام) بن يحيى بن دينار (حدثنما قتادة بهذا الإسناد) يعني عن عون وسعيد عن أبي بردة عن أبي موسى، غرضه بيان متابعة عبد الصمد لعفان بن مسلم في الرواية عن همام، وساق عبد الصمد (نحو حديث عفان) بن مسلم (و) لكن (قال) عبد الصمد في روايته أن (عون بن عتبة) وسعيد بن أبي بردة حدثاه بزيادة كلمة عتبة، ومراده عون بن عبد الله بن عتبة فنسبه إلى جده عتبة والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6841 - (00) (00) (حَدَّثَنَا محمَّد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد) ويقال له محمَّد بن عمرو بن جبلة بحذف لفظ عباد العتكي البَصْرِيّ، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابًا، روى عنه (م د) فقط (حَدَّثَنَا حرمي بن عمارة) بن أبي حفصة ثابت

حَدَّثَنَا شَدَّادٌ، أَبُو طَلْحَةَ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَجِيءُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمينَ، بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ. فَيَغْفِرُهَا الله لَهُمْ. وَيضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى" فِيمَا أَحْسِبُ أَنَا. قَالَ أَبُو رَوْحٍ: لا أَدْرِي مِمَّنِ الشَّكُّ. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بنون فموحدة فمثناة، ويقال ثابت بمثلثة العتكي مولاهم أبو روح البَصْرِيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا شداد) بن سعيد (أبو طلحة الراسبي) البَصْرِيّ، روى عن غيلان بن جرير في فداء المسلم، ويزيد بن عبد الله بن الشخير ومعاوية بن قرة، ويروي عنه (م ت س) وحرمي بن عمارة وابن المبارك وأبو الوليد، وثقه أَحْمد والنَّسائيّ وابن عدي وابن معين، وقال أَحْمد: شيخ ثِقَة ليس بالقوي، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، من الثامنة (عن غيلان بن جرير) الأَزدِيّ المعولي بفتح الميم، وقيل بكسرها وسكون ثانيه وفتح ثالثه نسبة إلى معولة بطن من الأزد، ثِقَة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي بردة عن أَبيه) أبي موسى (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة غيلان بن جرير لطلحة بن يحيى وقتادة (قال) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب) عظام (أمثال الجبال) أي أشباهها في العظم (فيغفرها الله) عَزَّ وَجَلَّ (لهم) أي لأولئك الأناس (ويضعها) أي يضع الله تلك الذنوب ويحملها (على اليهود والنصارى) قال الراسبي أو غيلان ويضعها على اليهود والنصارى (فيما أحسب) وأظن (أنا) أي قال شيخي لفظة ويضعها .. إلخ فيما أظن (قال أبو روح) حرمي بن عمارة (لا أدري) ولا أعلم (ممن) كان هذا (الشك) هل من الراسبي أو من غيلان أو من أبي بردة، قال النووي: قوله: (يجيء يوم القيامة ناس) .. إلخ معناه أن الله تعالى يغفر تلك الذنوب للمسلمين ويسقطها عنهم ويضع على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النَّار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين ولا بد من هذا التأويل لقوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} اه منه. (قال أبو بردة) بالسند السابق (فحدثت به) أي بهذا الحديث (عمر بن عبد العزيز

فَقَالَ: أَبُوكَ حَدَّثَكَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. 6842 - (2747) (98) حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ في النَّجْوَى؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال) لي عمر: هل (أبوك حدثك هذا) الحديث (عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم) قال أبو بردة: (قلت) لعمر: (نعم) حدثني به أبي (قوله فيغفرها الله لهم) إما لتوبتهم أو أوانها أو لرحمته الخاصة التي لا تتقيد بالقواعد، وعلى الصورة الثَّانية لا يسع للمؤمن أن يجترئ على الذنوب والمعاصي رجاء رحمة الله تعالى لأن مثل هذه الرحمة مستثناة من القواعد العامة فلا سبيل إلى الجزم بأنه سوف ينالها، والأصل الذي نطقت به النصوص الشرعية من الكتاب والسنة أن الذنوب تستحق العقاب إلَّا إذا تداركها المؤمن بالتوبة في أوانها وبهذا صرح النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حديثه المعروف "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله". ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو مناجاة الله مع المؤمن يوم القيامة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 6842 - (2747) (98) (حَدَّثَنَا زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البَصْرِيّ المعروف بابن عليّة (عن هشام) بن أبي عبد الله (الدستوائي) البَصْرِيّ (عن قتادة) بن دعامة (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء آخره زاي ابن زياد المازنِيّ البَصْرِيّ، ثِقَة، من (4) روى عنه في (2) بابين الأيمان والنجوى (قال) صفوان: (قال رجل): لم أر من ذكر اسمه (لابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (كيف سمعت) يَا ابن عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في) شأن (النجوى) أي في مناجاة الله مع عبده المؤمن يوم القيامة هل هي أمر ثابت؟ أم لا، أي كيف سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن مناجاة الله للعبد يوم القيامة أي في مكالمته إياه سرًا عن أهل الموقف، والنجوى اسم مصدر من ناجى يقوم مقام المصدر يقال ناجى يناجي مناجاة ونجوى (قال) ابن عمر للرجل: (سمعته) صلى الله عليه وسلم (يقول: يدنى المؤمن) بصيغة المجهول (يوم القيامة من ربه

عَزَّ وَجَلَّ. حَتَّى يَضَعَ عَلَيهِ كَنَفَهُ. فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَعْرِفُ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيكَ في الدُّنْيَا، وَإنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَينَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله" ـــــــــــــــــــــــــــــ عَزَّ وَجَلَّ) أي يدنى ويقرب إليه تعالى من الإدناء أي يدني إليه دنوًا يليق بذاته تعالى ودنو الله تعالى لعبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أي يدنى المؤمن من موقف مناجاة ربه يوم القيامة (حتَّى يضع) رب العزة (عليه) أي على المؤمن (كنفه) بفتحتين أي ستره عن أهل الموقف حتَّى لا يطلع على سره غيره تعالى أي يدنى العبد المؤمن إلى ربه يوم القيامة فيضع عليه ستره كي لا يطلع على سره غيره تعالى (فيقرره) أي فيحمله على الإقرار (بذنوبه) من التقرير بمعنى العمل على الإقرار (فيقول) عَزَّ وَجَلَّ في تقريرها: (هل تعرف) يَا عبدي أنك فعلت ذنب كذا وكذا في مكان كذا وكذا في يوم كذا وهذا، وجملة القول تفسير للتقرير (فيقول) العبد لربه (أي رب) أي يَا رب (اعرفـ) ـها (قال) الرب عَزَّ وَجَلَّ: (فإنِّي قد سترتها) أي تلك الذنوب (عليك في الدنيا واني أغفرها) أي أغفر تلك الذنوب (لك اليوم) يعني يوم المحاسبة والمجازاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية ابن ماجه (فيعطى) ذلك المؤمن (صحيفة حسناته) أي كتاب حسناته (بيمينه) كما في رواية ابن ماجه (وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم) من جهة الله تعالى (على رؤوس الخلائق) الحاضرين الموقف وأشرافهم من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين (هؤلاء) الكفرة والفسقة هم (الذين كذبوا على الله) سبحانه في الدنيا، وفي رواية ابن ماجه زيادة (ألا لعنة الله على الظالمين) بالشرك والافتراء على ربهم فيساقون إلى جهنم وردًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخَارِيّ في مواضع كثيرة منها في التوحيد باب كلام الله عَزَّ وَجَلَّ يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم [7514]، وابن ماجه في المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية [171] والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ذكره للاستشهاد ثم ذكر المتابعة في حديث أبي هريرة والمتابعة في حديث أسماء، والرابع: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث ابن مسعود الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والسادس: حديث أنس ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث أبي أُمامة ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث أبي سعيد الخُدرِيّ ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والتاسع: حديث أبي موسى الأَشْعريّ ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والعاشر: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس عن الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

745 - (10) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

745 - (10) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه 6843 - (2748) (99) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ. أَخبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ. وَهُوَ يُرِيدُ الرُّومَ وَنَصَارَى الْعَرَبِ بِالشَّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 745 - (10) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه أما كعب فهو كعب بن مالك بن أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن كعب الأنصاري السلمي - بفتح السين واللام - أبو عبد الله المدني، الشاعر، أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا، شهد العقبة، له ثمانون حديثًا، اتفقا على ثلاثة، وانفرد (ح) بحديث و (م) بحديثين، وقال في التقريب: صحابي مشهور، مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنهما، وقال في التهذيب: قال الواقدي: مات سنة (50) خمسين، وقال الهيثم بن عدي: سنة (51) إحدى وخمسين، وأما صاحباه فهما مرارة بن ربيعة العمري نسبة إلى بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية الواقفي رضي الله تعالى عنهما كما سيأتيان في الحديث. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث كعب بن مالك نفسه رضي الله عنه فقال: 6843 - (2748) (99) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح) الأموي (مولى بني أمية) المصري الفقيه (أخبرني) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب قال) ابن شهاب بالسند الآتي (ثم) بعدما أعلن لهم جهة الخروج للجهاد وأمرهم بالتجهز والنفير (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خرج من المدينة قاصدًا (غزوة تبوك وهو يريد) ويقصد أن يجاهد (الروم ونصارى العرب) النازلين (بالشام) إقليم معروف في الشمال. "وتبوك" مكان معروف وهو نصف طريق المدينة إلى دمشق وهو من المدن المشهورة اليوم في المملكة العربية السعودية في أقصى شمالها والروم جنس معروف من

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ كَانَ قَائِدَ كَعْبٍ، مِنْ بَنِيهِ، حِينَ عَمِيَ. قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ. إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. غَيْرَ أَنِّي قَدْ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أولاد سام بن نوح ونصارى العرب هم بنو لخم وبنو جذام وغيرهم كبني تغلب وبني تنوخ وكان السبب في غزوة تبوك ما ذكره ابن سعد وغيره من أن الأنباط الذين كانوا يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أخبروا المسلمين بأن الروم جمعت جموعًا وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من منتصرة العرب وجاءت مقدمتهم إلى البلقاء فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج وأعلمهم بجهة غزوهم، وتدل بعض الروايات على أن الذي حث هرقل على الخروج هم نصارى العرب وكتبوا إليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم فبعث رجلًا من عظمائهم يقال له قباذ وجهز معه أربعين ألفًا أخرجه الطبراني عن عمران بن حصين رضي الله عنه. (قال ابن شهاب) بالسند السابق (فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي أبو الخطاب المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (أن عبد الله بن كعب) بن مالك الأنصاري، ثقة، من (2) يقال له رؤية، روى عنه في (5) أبواب و (كان) عبد الله (قائد كعب من) بين (بنيه) يقوده ويمشي به (حين عمي) كعب وفقد بصره وكان بنوه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله (قال) عبد الله: (سمعت) والدي (كعب بن مالك يحدّث حديثه) أي قصته (حين تخلف عن) الخروج مع (رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ثبوك) وهي آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال كعب بن مالك) في قصته تلك (لم أتخلف) مضارع مسند إلى المتكلم أي لم أتخلف أنا في المدينة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قط) أي فيما مضى من عمري (إلا في غزوة تبوك غير أني) أي لكن أني (قد تخلفت) عنه (في غزوة بدر ولم يعاتب) أي لم يلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعنف ولم يتعرض (أحدًا تخلف عنه) في بدر، وفي البخاري

وإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ. حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ، عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ. حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ. وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ. وَإِنْ كَانَت بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. وَكَانَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ في غزوة بدر في رواية الكشمهيني بلفظ (ولم يعاتب الله أحدًا تخلف عنه) (و) إنما لم يعاتب أحدًا تخلف عن بدر لأنه (إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون) معه حالة كونهم (يريدون عير قريش) التي جاءت من الشام أي يريدون أخذها بغتة، والعير بكسر العين الإبل التي عليها أحمالها، وقوله: (حتى جمع الله) معطوف على خرج وحتى عاطفة بمعنى الفاء أي فجمع الله (بينهم) أي بين المسلمين (وبين عدوهم على غير ميعاد) أي من غير وقوع مواعدة للقتال بين الفريقين، والحاصل أن غزوة بدر لم تقع بعزم سابق فلم يكن فيه النفير عامًا إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن تيسر من أصحابه يريد عير قريش فقط، وهذا بيان لسبب عدم العتاب على من تخلف عن غزوة بدر (ولقد شهدت) وحضرت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة) أي بيعة ليلة العقبة وهي الليلة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فيها على الإسلام وعلى أن يؤوه وينصروه وهي العقبة التي في طرف منى التي يضاف إليها جمرة العقبة وكانت بيعة العقبة مرتين في سنتين في السنة الأولى كانوا اثني عشر رجلًا وفي الثانية كانوا سبعين كلهم من الأنصار رضي الله عنهم يريد أنه وإن لم يتشرف بحضور غزوة بدر لكنه تشرف بحضور ليلة العقبة التي بايع فيها الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على مؤازرته والدفاع عنه فأبدله الله تعالى عن نعمة الحضور في غزوة بدر بنعمة أخرى وهي شهود ليلة العقبة (حين تواثقنا) أي تعاقدنا عقد الميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (على الإسلام) وتبايعنا عليه وتعاهدنا (وما أحب أن لي بها) أي بدل العقبة (مشهد بدر) أي وما أحب أن يكون لي مشهد بدر بدل العقبة، قال الأبي: ومذهبه أن مشهد العقبة أفضل من مشهد بدر (وإن كانت) غزوة (بدر أذكر) أي أكثر ذكرًا (في الناس) وأشهر في الفضيلة (منها) أي من بيعة العقبة عندهم يعني أن غزوة بدر كانت أعظم ذكرًا في الناس بالنسبة إلى ليلة العقبة ولكني لا أحب أن أستبدل ليلة العقبة بغزوة بدر لأن الشرف الذي حصل لي بشهود ليلة العقبة أجل عندي قدرًا من أن أستهين به (وكان من

خَبَرِي، حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ. وَاللهِ، مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ. حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ. فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ. وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا. وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا. فَجَلاَ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ خبري) وقصتي وشأني وحالي (حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك) وجملة أن في قوله: (أني لم أكن قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (أقوى) أي أشد قوة في الجسم (ولا أيسر) أي ولا أكثر مالًا (مني) أي من قوتي ويساري (حين تخلفت عنه) صلى الله عليه وسلم (في تلك الغزوة) أي في غزوة تبوك في تأويل مصدر مرفوع على أنه اسم كان مؤخرًا، والجار والمجرور في قوله من خبري خبرها مقدمًا، والتقدير وكان عدم كوني أقوى وأيسر مني حين تخلفت عنه كائنًا من شأني وحالي حين تخلفت عنه وذلك لأني (والله ما جمعت قبلها) أي قبل غزوة تبوك (راحلتين قط) أي فيما مضى من عمري (حتى جمعتهما) أي فجمعتهما (في تلك الغزوة فغزاها) أي فغزا تلك الغزوة (رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد) أي في وقته (واستقبل) أي استأنف وابتدأ (سفرًا بعيدًا) مسافته (و) سلك (مفازًا) أي برية طويلة قليلة الماء يخاف فيها الهلاك (واستقبل) أي قابل (عدوًا كثيرًا) عددهم نحو أربعين ألفًا كما مر عن الطبراني (فـ) لأجل ذلك (جلا) أي كشف وبيّن وأظهر وأوضح (للمسلمين أمرهم) وشأنهم ومقصدهم وعرفهم ذلك على وجهه من غير تورية، من جلوت الشيء أي كشفته وبينته بتخفيف اللام، ووقع في بعض روايات البخاري (فجلا) بتشديد اللام، وهما بمعنى وزاد البخاري قبله ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلَّا ورى بغيرها، وسيأتي في رواية محمد بن عبد الله بن مسلم، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن لا يعلن جهة خروجه للقتال بل كان من عادته التورية بذلك فإن كان يريد جهة المشرق مثلًا توجه إلى المغرب عند الخروج ثم عاد إلى المشرق لئلا يتبين أمره للمنافقين ولطلائع العدو، كان ذلك من تدبير الحرب وسياسته فإن الحرب خدعة ولكنه لم يفعل مثل ذلك في غزوة تبوك بل أعلن جهة خروجه قبل أن يخرج لما رأى من طول السفر وكثرة العدو وزيادة المشقة فالمراد أن يكون المسلمون على بينة من الأمر

لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ. فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمُ الَّذِي يُرِيدُ. وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ. وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ، (يُرِيدُ بِذلِكَ الدِّيوَانَ)، قَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَعيَّبَ، يَظُنُّ أَنَّ ذلِكَ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويستعدوا لهذا السفر بما يتيسر لهم، أي جلا لهم أمرهم (ليتأهبوا) أي ليأخذوا (أهبة غزوهم) بضم الهمزة وسكون الهاء وهي ما يحتاج إليه الإنسان في سفره وحرمه اه دهني. أي مؤنة غزوهم وسفرهم بأخذ ما يحتاجون إليه في سفرهم ذلك من زاد ومزادة وعدة وسلاح (فأخبرهم) رسول الله (بوجههم) أي بمقصدهم (الذي يريد) هـ بهم (والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير) وسيأتي في رواية معقل عن الزهري أنهم يزيدون على عشرة آلاف، وللحاكم في الإكليل من حديث معاذ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة زيادة على ثلاثين ألفًا، وبهذه العدة جزم ابن إسحاق، وأورده الواقدي بسند آخر موصول وزاد: إنه كان معه عشرة آلاف فرس، فتحمل رواية معقل على إرادة عدد الفرسان اه فتح الباري [8/ 118] (ولا يجمعهم) أي لا يجمع المسلمون لكثرة عددهم كتاب حافظ) بإضافة الأول إلى الثاني في رواية مسلم أي حسابُ شخص ماهر في الحساب، ورواية البخاري (كتاب حافظ) بالتنوين فيهما على كون الثاني وصفًا للأول وفسره الزهري بقوله: (يريد) كعب (بذلك) الكتاب (الديوان) أي الدفتر الذي يجمع فيه أسماء الجيش والديوان بكسر الدال على المشهور وحكي فتحها وهو فارسي معرب وقيل عربي اه أُبي. والمعنى لم يكن هناك كتاب أو ديوان تسجل فيه أسماء المشاركين في الغزوة (قال كعب) بن مالك: (فقل رجل) منهم (يريد أن يتغيب) من الجيش إلَّا (يظن) أي إلَّا ظن ذلك الرجل (أن ذلك) الغياب (سيخفى له) لعدم تسجيل الأسماء ولكثرة الجيش (ما لم ينزل فيه) أي في غيابه (وحي من الله عز وجل) وقوله: (يظن) هكذا هو في رواية مسلم وفيها إسقاط إلَّا كما قدرناه، ورواية البخاري (فقل رجل يريد أن يتغيَّب إلَّا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي) بإثبات إلَّا وهي الصحيحة والمعنى أن من كان يريد أن يتغيب عن الغزوة فإنه كان من السهل عليه أن يفعل ذلك لأنه كان يظن أن لا يطلع على غيابه أحد لعدم تسجيل الأسماء إلَّا أن ينزل في ذلك وحي من الله تعالى على رسوله والله أعلم.

وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ. فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ. فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ. وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ. فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذلِكَ، إِذَا أَرَدْتُ. فَلَمْ يَزَلْ ذلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبارة القرطبي هنا: قوله: (فقل رجل يريد أن يتغيب يظن أن ذلك سيخفى له) كذا وقع هذا الكلام في سائر روايات مسلم وفي نسخه، وسقط من الكلام (إلَّا) قبل (يظن) وبذكر إلَّا يستقيم الكلام وهي إيجاب بعدما تضمنه (قل) من معنى النفي لأن معنى قوله: (قل رجل) بمعنى ما رجل فكأنه قال: ما رجل يريد أن يتغيب إلَّا ظن أن ذلك سيخفى له اه من المفهم. (وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة) يعني غزوة تبوك (حين طابت) وأدركت (الثمار) ونضجت (و) كثر (الظلال) بتورق الأشجار (فأنا إليها) أي إلى التفرج والتمتع بالثمار والظلال (أصعر) أي أميل بقلبي من باب فتح أي أشد ميلًا إليها من الخروج إلى الغزوة. وقوله: (حين طابت الثمار والظلال) يعني حين كانت الثمار ناضجة على الأشجار وهو موسم كان أهل المدينة يشتاقون إليه لوفور الثمار فيه ولكونها زمن تجارتهم فيها والحصول على الأرباح فيها وهي التي كانت أساس معيشتهم في ذلك الزمان، قوله: (فأنا إليها أصعر) أي أميل، وفي رواية لأحمد فأنا في ذلك أصغو إلى الثمار والظلال (فتجهز) أي تهيأ باستعداد الجهاز (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) تجهز (المسلمون معه) صلى الله عليه وسلم (وطفقت) أي شرعت (أغدو) وأبكر من بيتي (لكي أتجهز) للخروج (معهم فأرجع) إلى منزلي (ولم أقض) وأحصل (شيئًا) من جهازي وأهبة سفري (وأقول في نفسي) أي في قلبي (أنا قادر على ذلك) أي على تحصيل جهازي وجمع أهبة سفري (إذا أردت) أي في أي وقت أردت ذلك (ولم يزل ذلك) أي التسويف في جمع جهازي (يتمادى بي) أي يستمر بي ويلازمني ويؤخرني عن الخروج يعني أن تردد رأيي في الخروج والقعود لم يزل يؤخرني عن الخروج (حتى استمر) ولازم (بالناس الجد) بكسر الجيم وضم الدال المشددة على أنه فاعل استمر أي الاجتهاد والاهتمام والاعتناء بالخروج، وأصله استمر الناس بجدهم في الخروج، وفي رواية البخاري (أشتد الناس الجد) والحاصل أن الصحابة غيري جدوا في مسيرهم فخرجوا

فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ. وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا. ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. فَلَمْ يَزَلْ ذلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ. فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ. فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ. ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذلِكَ لِي. فَطَفِقْتُ، إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ، بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْزُنُنِي أَنِّي لاَ أَرَى لِي أُسْوَةَ. إِلاَّ رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصباح (غاديًا) أي مبكرًا إلى الخروج (و) أصبح (المسلمون) غادين (معه) صلى الله عليه وسلم أي مبكرين (ولم أقض) أي والحال أني لم أجد ولم أجمع (من جهازي) بفتح الجيم وكسرها أي من أهبة سفري ومؤنته (شيئًا) قليلًا ولا كثيرًا (ثم غدوت) أي خرجت من منزلي مبكرًا لأجمع جهازي (فرجعت) إلى منزلي (و) الحال أني (لم أقض) ولم أجد (شيئًا) من جهازي (فلم يزل ذلك) الغدو والرجوع إلى المنزل بلا قضاء شيء من جهازي (يتمادى بي) أي يستمر بي ويلازمني (حتى أسرعوا) أي حتى أسرع المسلمون في الخروج وبادروا إليه (وتفارط الغزو) أي أهله أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا حتى لا يوجد أحد منهم في المدينة، والفرط والفارط المتقدم وجمعه فراط (فهممت) أي فقصدت (أي أرتحل) وأخرج من المدينة (فأدركهم) في الطريق (فيا) هؤلاء (ليتني) أي أتمنى لنفسي لو (فعلت) ذلك أي ارتحالي وإدراكهم (ثم) بعد همي ذلك (لم يقدر) ولم يحكم (ذلك) الارتحال والإدراك (لي) من جهة الله تعالى (فطفقت) أي شرعت وكنت (إذا خرجت) من منزلي (في) زقاق المدينة واطلعت على (الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم) لسفره ذلك، وقوله: (يحزنني) ويؤسفني ويقلقني خبر طفقت أي كنت يحزنني أي يدخل في قلبي الحزن والأسف (أني لا أرى) ولا أبصر (لي أسوة) أي قدوة لي أي فكنت يحزنني عدم وجدان من يكون قدوة لي في القعود إذا خرجت من منزلي في الناس بعد سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا رجلًا مغموصًا) أي مطعونًا (عليه في) دينه بسبب (النفاق) قال العيني: قوله: (إلَّا رجلًا مغموصًا عليه في النفاق) بالغين المعجمة وبالصاد المهملة أي مطعونًا عليه في دينه بالنفاق، وقيل معناه مستحقرًا يقال: غمصت فلانًا إذا استحقرته وكذلك أغمصته اه منه، قال القرطبي: والمغموص المعيب المتهم المستحقر يقال: غمصت فلانًا إذا استحقرته والمعنى إلَّا رجلًا مطعونًا

أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ. وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكًا فَقَالَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي انقَؤمِ بِتَبُوكَ: "مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ " قَالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيهِ. فَقَالَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه في دينه متهمًا بالنفاق مستحقرًا بين الناس (أو) إلَّا (رجلًا ممن عذر) هـ (الله) تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ورخص له في القعود حالة كونه (من الضعفاء) والمرضى والزمنى والأعمى وغيرهم (ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم) بلسانه ولا بقلبه (حتى بلغ تبوكًا) بالتنوين والنصب كذا في أكثر نسخ مسلم وكذا في البخاري وكأنه صرفه لإرادة الموضع دون البقعة، وفي أكثر الروايات حتى بلغ تبوك غير منصرف لإرادة البقعة (فـ) لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك (قال: وهو) صلى الله عليه وسلم (جالس في القوم) من الصحابة (بتبوك) بعدم الصرف (ما فعل) أي أي شيء فعل (كعب بن مالك) حين تخلّف عنا في المدينة (قال رجل من بني سلمة) بفتح السين وكسر اللام واسم القائل هو عبد الله بن أنيس السلمي بفتح السين واللام قاله الواقدي اه من التنبيه (يا رسول الله حبسه) أي منعه من الخروج معنا (برداه) أي التزين ببرديه ردائه وإزاره (والنظر في عطفيه) بكسر العين وسكون الطاء تثنية عطف بمعنى الجانب أي النظر في جانبي بدنه وكبرهما، وهو إشارة إلى إعجابه بجسمه وبلباسه، قال الهروي: العطفان هما جانبا جسده وقال في موضع آخر ناحيتا عنقه ومنكب الرجل عطفه، وقال المبرد: العطف ما انثنى من العنق، وقال غيره: العرب تضع الرداء موضع البهجة والبهاء ويسمونه عطفًا لوقوعه على عطفي الرجل والمعنى حبسه بهاء لباسه وبهجة جسده، قال القرطبي: البردان يعني بهما الرداء والإزار أو الرداء والقميص وسماها بردين لأن القميص والإزار قد يكونان من برود والبرود ثياب تجلب من اليمن فيها خطوط، ويحتمل أن تسميتهما بردين على طريقة العمرين والبكرين والقمرين، والعطف الجانب وكأن هذا القائل كان في نفسه حقد، ولعله كان منافقًا فنسب كعبًا إلى الزهو والكبر وكانت نسبة باطلة بدليل شهادة العدل الفاضل معاذ بن جبل إذ قال: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلَّا خيرًا، وفيه جواز الذم والتقبيح للمتكلم في حق المسلم بالعيب والقبيح ونصرة المسلم في حال غيبته والرد عن عرضه اه من المفهم (فقال له) أي لذلك القائل

مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَئمَ. فَبَينَمَا هُوَ عَلَى ذلِكَ رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُنْ أَبَا خَيثَمَة"، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (معاذ بن جبل بئس) أي قبح (ما قلت) من الكلام، قال النووي فيه رد لغيبة المسلم الذي ليس بمنهمك في الباطل ولذا لم ينكر صلى الله عليه وسلم على قائل ذلك اكتفاء بإنكار معاذ اه أبي (والله يا رسول الله ما علمنا عليه) أي على كعب (إلا خيرًا) وإيمانًا خالصًا (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو) صلى الله عليه وسلم (على ذلك) السكوت (رأى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رجلًا مبيضًا) بتشديد الياء المكسورة اسم فاعل من بيض الرباعي فهو مبيض أي أظهر بياض نفسه في السراب أي رجلًا لابسًا الثياب البيض (يزول به السراب) أي يتحرك ويضطرب به السراب، والسراب ما يرى نصف النهار كأنه ماء اه مفهم، قال الطبري: المبيض بكسر الياء لابس البياض والمبيضة والمسودة لابس البياض والسواد (يزول به السراب) أي يتحرك والسراب ما يظهر في الهواجر في البراري كأنه الماء اه سنوسي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) مخاطبًا لذلك الرجل المبيض الذي رآه (كن) أيها المرئي لنا (أبا خيثمة) قال ثعلب: تقول العرب كن زيدًا أي أنت زيد فمعناه حينئذٍ أنت أبو خيثمة اه نووي، قال القاضي عياض: والأشبه أن كن هنا للتحقق والوجود أي لتوجد يا هذا الشخص أبا خيثمة حقيقة، وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب وهو معنى قول صاحب التحرير تقديره: اللهم اجعله أبا خيثمة اه، وقال القرطبي: هذه صيغة أمر ومعناها الخبر أي هو أبو خيثمة، وقيل معناها لتوجد أبا خيثمة واسمه عبد الله وقيل مالك بن قيس، وقيل سعد بن خيثمة وهذا الأخير أخرجه الطبراني من حديثه ولفظه تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت حائطًا فرأيت عريشًا قد رش بالماء ورأيت زوجتي فقلت: ما هذا بإنصاف، رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحر وأنا في الظل والنعيم، فقمت إلى ناضح لي وتمرات فخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة فجئت فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الفتح والقسطلاني (فإذا هو) أي الرجل المبيِّض (أبو خيثمة) سعد بن

الأَنْصَارِيُّ. وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ. فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ، حَضَرَنِي بَثِّي، فَطَفِقتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيِ مِنْ أَهْلِي. فَلَمَّا قِيلَ لِي: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ. حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا. فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ. وَصَبَّحَ ـــــــــــــــــــــــــــــ خيثمة (الأنصاري وهو) أي أبو خيثمة هو (الذي تصدق بصاع التمر حين) أُمروا بالصدقة و (لمزه) أي عيبه وطعنه (المنافقون) فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، وهذا تفسير مدرج من الراوي ولعله ابن شهاب (فقال كعب بن مالك فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه) أي أقبل وقدم (قافلًا) أي راجعًا (من تبوك) إلى المدينة (حضرني بثي) وحزني أي أخذني البث والهم، والبث أشد الحزن أي صرت مهمومًا بأني كيف أُواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فطفقت) أي أخذت وشرعت وهي من أفعال المقاربة أن (أتذكر الكذب) في اعتذاري من التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأقول) في نفسي (1) أي باي اعتذار (أخرج) وأتخلص (من سخطه) وغضبه صلى الله عليه وسلم حين جاء (غدًا) وذكر ابن سعد أن قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان في رمضان (و) كنت (أستعين) أي أطلب الإعانة لي (على ذلك) أي على أسباب الاعتذار إليه (كل ذي رأي) أي بكل ذي رأي وعقل (من أهلي) أي من أقاربي (فلما قيل لي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل) وصار (قادمًا) أي أقبل ودنا قدومه كأنه ألقى عليَّ ظله اه نووي (زاح) أي زال وبعد (عني الباطل) أي الكذب في الاعتذار إليه وحتى في قوله: (حتى عرفت) بمعنى الواو العاطفة كما في رواية البخاري أي وعرفت وتيقنت (أني لن أنجو) وأخرج (منه) أي من غضبه (بشيء) من الاعتذار (أبدًا) هو ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان ملازم للنفي متعلق بأنجو كما هو مقرر في محله (فأجمعت صدقه) أي عزمت على صدقه وجزمت عليه قصدي أي عقدت نيتي على إخباره بالكلام الصادق، ولابن أبي شيبة (وعرفت أنه لا ينجيني منه إلَّا الصدق) وهو من الإجماع بمعنى العزم الصميم، والمراد أني عزمت على أني لا أتكلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا بصدق (وصبّح) بتشديد الباء وفي رواية البخاري

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا. وَكَانَ، إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ. فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ. وَيَحْلِفُونَ لَهُ. وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا. فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلاَنِيَتَهُمْ. وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ. وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ. حَتَّى جِئْتُ. فَلَمَّا سَلَّمْتُ، تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصبح (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صار (قادمًا) المدينة في الصباح أي في أول النهار (وكان) صلى الله عليه وسلم دائمًا (إذا قدم من سفر بدأ بـ) دخول (المسجد) قبل دخول منزله فدخل المسجد (فركع) أي صلى (فيه ركعتين) تحية المسجد (ثم جلس) في المسجد مستعدًا (للناس) المسلمين عليه، قال القرطبي: إنما كان يفعل ذلك ليبدأ بتعظيم بيت الله قبل بيته وليقوم بشكر نعمة الله تعالى عليه في سلامته وليسلم عليه الناس وليسن ذلك في شرعه اه من المفهم (فلما فعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) الجلوس في المسجد (جاءه المخلّفون) الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم عن غزوة تبوك (فطفقوا) أي شرعوا (يعتذرون) أي يظهرون العذر (إليه) صلى الله عليه وسلم من تخلفهم عن تبوك (ويحلفون له) صلى الله عليه وسلم ليصدقهم في اعتذارهم (وكانوا) أي وكان المتخلفون عنه (بضعة وثمانين رجلًا) من منافقي الأنصار قاله الواقدي، وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضًا اثنين وثمانين رجلًا من غفار وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه من غير هؤلاء وكانوا عددًا كثيرًا. والبضع بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة ما بين ثلاث إلى تسع على المشهور، وقيل إلى الخمس، وقيل ما بين الواحد إلى الأربعة أو من أربع إلى تسع أو سبع وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع فلا يقال بضع وعشرون أو يقالى ذلك وهو مع المذكر بهاء ومع المؤنث بغير هاء فتقول بضعة وعشرون رجلًا وبضع وعشرون امرأة ولا يُعكس قاله في القاموس. (فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم) أي ظواهرهم (وبايعهم) على الإسلام والنصرة له (واستغفر لهم) ما وقع منهم من التخلف (ووكل) بفتحات مع التخفيف أي فوض (سرائرهم إلى الله) تعالى، قال كعب: واستمر صلى الله عليه وسلم جالسًا (حتى جئت) أنا إليه (فلما سلمت) عليه (تبسَّم تبسُّم المنضب) بصيغة اسم

ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَ" فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيهِ. فَقَالَ لِي: "مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي، وَاللهِ، لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَني سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذرٍ. وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا. وَلَكِنِّي، وَاللهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ، لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبِ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ. وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقِ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللهِ، وَاللهِ، مَا كَانَ لِي عُذْرٌ. وَاللهِ، مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا هَذَا، فَقَدْ صَدَقَ. فَقُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المفعول أي تبسُّم من أخذه الغضب (ثم قال) لي: (تعال) أي أقبل إليَّ (فجئتـ) ــه (أمشي) على هينتي (حتى جلست بين يديه) وعند ابن عائذ في مغازيه فأعرض عنه فقال: يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت (فقال لي ما خلَّفك) عن الغزو أي ما السبب الذي جعلك متخلفًا عن غزوة تبوك (ألم تكن قد ابتعت) واشتريت (ظهرك) أي مركوبك (قال) كعب: فـ (قلت) له: (يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا) وملوكهم (لرأيت) أي لظننتُ (أني سأخرج من سخطه) وغضبه (بعذر و) الله (لقد أعطيت جدلًا) بفتحتين أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة بحيث أخرج من عهدة ما يُنْسب إليّ بما يُقبل ولا يُرَدُّ اه قسطلاني (ولكني والله لقد علمت لثن حدثتك) وأخبرتكَ (اليومَ حديثَ كذب) أي عُذرٍ كذبٍ (ترضى به عني ليوشِكَنَّ الله) أي ليقربن الله وُيسْرِعَنَّ (أن يُسخطك عليّ) بإظهار كذبي لك (ولئن حدَّثتك) اليومَ (حديث صدق) وخَبَر حق (تجد) بكسر الجيم من الموجِدَة بمعنى الغضب أي تغضبُ (عليّ) اليومَ (فيه) أي بذلك الحديث (إني لأرجو) وأطمع (فيه) أي في إخبارك خبر صدق (عقبَى الله) وثوابه، وفي رواية البخاري عفوَ الله أي أَنْ يُعْقِبَني ويُثيبني عليه وذلك الحديث الصدق هو ما أذكره لك بقولي (والله) أي أُقسمتُ لك بالإله الذي لا إله غيره (ما كان لي عذر) أصلًا في التخلُّف عن الغزو (والله ما كنت قط) أي فيما مضَى من عمري (أقوى) أي أشدَّ قوة في الجسم (ولا أيسر) مالًا أي أكثر مالًا (مني) أي من قوتي ويساري الحاصلَينِ لي (حين تخلفت عنك) في الخُروج للغزو فـ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا) القائلُ هذا الكلامَ يعني كعبًا (فقد صدق) فيما أخبر لي (فقم) من عندي فقد سمِعْتُ كلامَك

حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ" فَقُمْتُ. وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي. فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذا. لَقَدْ عَجَزْتَ فِي أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ. فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَكَ. قَالَ: فَوَاللهِ، مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأُكَذِّبَ نَفْسِي. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلاَنِ. قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ. فَقِيلَ لَهُمَا مِثلَ مَا قِيلَ لَكَ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (حتى يقضي الله) ويحكُم (فيك) ما شاء (فقمت) من عنده فمضيتُ (وثارَ) إليّ وقام (رجالٌ مِنْ) قومي (بني سلمة) بكسر اللام ووَثَبُوا عليَّ (فَاتَّبعُوني) بوصل الهمزة وتشديد التاء الفوقية (فقالوا لي والله ما علمناك أذنبت ذنبًا قبل هذا) التخلُّف (لقد عجزتَ في أن لا تكون اعتذرتَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولفظةُ في بمعنى عن، ولا زائدة أي لقد عجزت عن أن تكون معتذرًا إلى رسول الله (بما اعتذر به) أي بمثلِ ما اعتذر به (إليه) صلى الله عليه وسلم هؤلاء (المخلَّفَون) عنه (فقد كان كافيَك) بفتح الياء (ذنبَك) أي عن عقوبة ذنبك بالكذب (استغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك) كما استغفر لهؤلاء المخلّفين، برفع استغفارِ بقوله كافيك لأن اسم الفاعل يعملُ عملَ فعله (قال) كعب بن مالك (فوالله) أي فأقسمتُ لكم بالله (ما زالوا) أي ما زال أولئك الرجال (يُؤَنِّبُوني) بضم الياء وهمزة مفتوحة فنون مشددة مكسورة فموحدة مضمومة ونونين أي ما زالوا يلومونني لومًا عنيفًا شديدًا (حتى أردت) وقصدت (أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذّب نفسي) فيما قلت له وأعتذر إليه بعذر كذب (قال) كعب (ثم قلت لهم) أي لأولئك الرجال: (هل لقي) وقال (هذا) الذي قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام صدق (معي من أحد) أي أحد من المتخلّفين (قالوا) أي قال أولئك الرجال (نعم لقيه) أي لقي هذا الذي قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله (معك رجلان) من المتخلّفين (قالا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل ما قلت) له من الكلام الحق (فقيل لهما) من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل ما قيل لك) من جهته يعني قوله صلى الله عليه وسلم له: قم حتى يقضي الله فيك (قال) كعب:

قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. قَالَ: فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِمَا إِسْوَةٌ. قَالَ: فَمَضيْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) لهم: (من هما) أي من الرجلان اللذان قالا مثل ما قلت؟ (قالوا) أي قال أولئك الرجال هما (مرارة) بضم الميم وتخفيف الراءين (ابن ربيعة) وفي البخاري ابن الربيع بدل ربيعة وهو المشهور (العامري) قال النووي: هكذا هو العامري في جميع نسخ مسلم، وأنكره العلماء وقالوا هو غلط إنما صوابه العمري بفتح العين المهملة وسكون الميم كما في البخاري نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن مرسلًا أن سبب تخلفه أنه كان له حائط حين زها فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا فلما تذكر ذنبه قال: اللهم إني أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك (و) ثانيهما (هلال) بكسر الهاء (ابن أمية الواقفي) بتقديم القاف على الفاء نسبة إلى واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس أبو بطن من الأنصار، وذكر ابن أبي حاتم في مرسل الحسن المذكور سبب تخلفه أنه كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم فلما تذكر ذنبه قال: اللهم لك علي أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي اه قسطلاني (قال) كعب: (فذكروا) أي ذكر أولئك الرجال (لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما) لي (أسوة) بضم الهمزة وكسرها أي قدوة، وقد استشكل هذا بأن أهل السير لم يذكروا واحدًا منهما فيمن شهد بدرًا ولا يعرف ذلك في غير هذا الحديث وممن جزم بأنهما شهدا بدرًا الأثرم وهو ظاهر صنيع البخاري وتعقب الأثرم ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط لكن قال الحافظ ابن حجر إنه لم يصب، قال: واستدل بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرًا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جسَّ عليه بل قال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" قال: وأين ذنب التخلف من ذنب الجس، قال في الفتح: وليس ما استدل به بواضح لأنه يقتضي أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها وليس كذلك فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب قد جلد قدامة بن مظعون الحد لما شرب الخمر وهو بدري وإنما لم يعاقب صلى الله عليه وسلم حاطبًا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشًا خشية على أهله وولده بخلاف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلًا (قال) كعب: (فمضيت) أي ذهبت إلى منزلي ولم أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه

حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي. قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا، أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ. قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ. وَقَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الأَرْضُ. فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم اعتذارًا إليه بالكذب كما قالوا لي (حين ذكروهما) أي حين ذكر أولئك الرجال (لي) الرجلين الصالحين اللذين لي بهما قدوة حسنة (قال) كعب: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا) والمحاورة معنا (أيها الثلاثة) بضم البناء الثابت له في حالة النداء في نحو قولهم يا أيها الثلاثة أقبلوا إلى لأنه نكرة مقصودة وهنا منصوب على الاختصاص بفعل محذوف وجوبًا تقديره أخص أيها الثلاثة (من بين من تخلف عنه) وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الأخير منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، الثلاثة تابع للفظ أي لأنه صفة له والجار والمجرور في قوله من بين متعلق بأخص المحذوف، قال سيبويه نقلًا عن العرب: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة وهذا مثله والمعنى أخص هذه الثلاثة خصوصًا من بين من تخلف عنه، قال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أُريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: أي منادى والثلاثة صفة له وإنما أوجبوا ذلك لأنه في الأصل كان كذلك فنُقل إلى الاختصاص، وكل ما نُقل من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب اه قسطلاني. وليس هذا من الهجران الممنوع لكونه لسبب ديني منصوص كما تقدم تفصيله في البر والصلة باب تحريم الهجران فوق الثلاث. (قال) كعب: (فاجتنبنا الناس) بفتح الموحدة أي ابتعدوا عن كلامنا ومحاورتنا (وقال) كعب: (تغيروا لنا) أي تغير الناس علينا كأنهم لا يعرفوننا وتغير جميع ما في الأرض علينا (حتى تنكَّرت لي) أي حتى تغيرت عليَّ (في نفسي الأرض فما هي) أي فما الأرض التي ولدنا فيها (بالأرض التي أعرف) لتوحشها عليّ وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى يجده في نفسه، وفي رواية معمر عند أحمد وتنكرت لي الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف وتنكر لنا الناس حتى ما هم الذين نعرف، وزاد البخاري في التفسير (وما من شيء أهم إليّ من أن أموت فلا يصلي عليّ رسول الله

فَلَبِثنَا عَلَى ذلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ. وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ. فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ. وَآتِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ. فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَل حَرَّكَ شَفَتَيهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ، أَمْ لاَ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ. فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صلاَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى الله عليه وسلم أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي عليَّ). قال السهيلي: وإنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم كانوا بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم اه. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه صلى الله عليه وسلم اه من القسطلاني. قال كعب: (فلبثنا) أي مكثنا معاشر الثلاثة (على ذلك) الهجران (خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا (فأما صاحباي) مرارة وهلال (فاستكانا) أي خضعا ولزما الاستكانة في البيوت وصبرا عليه (وقعدا في بيوتهما) حالة كونهما (يبكيان) ليلًا ونهارًا (وأما أنا فكنت أشب القوم) الثلاثة أي أصغرهم سنًا (وأجلدهم) أي أجلد القوم الثلاثة وأقواهم قلبًا (فكنت أخرج) من بيتي (فاشهد) أي أحضر (الصلاة) أي جماعتها في المسجد (وأطوف) أي أتجول وأدور (في الأسواق) في المدينة (و) الحال أنه (لا يكلمني أحد) من المسلمين (وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أحضره (فأسلم عليه وهو) صلى الله عليه وسلم (في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي) أي في قلبي (هل حرَّك شفتيه برد السلام) عليَّ (أم لا) يحركهما وإنما لم يجزم بتحريك شفتيه صلى الله عليه وسلم برد السلام عليه لأنه لم يكن يديم نظره إليه من الخجل (ثم أصلي) النوافل (قريبًا منه) أي في مكان قريب إليه أو حالة كوني قريبًا منه (وأسارقه النظر) بالسين المهملة والقاف أي انظر إليه خفية (فإذا أقبلت) أنا (على صلاتي) أي على الاستقبال فيها ولم

نَظَرَ إِلَيَّ. وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي. حَتَّى إِذَا طَالَ ذلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَى السَّلاَمَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ بِاللهِ، هَل تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ. فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ. فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ألتفت يمنة ولا يسرة (نظر إليّ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإذا التفتُ) أنا (نحوه) أي جهته (أعرض عني) بوجهه (حتى إذا طال ذلك) الهجران (عليَّ) حالة كون ذلك الهجران (من جفوة المسلمين) بفتح الجيم وسكون الفاء أي من إعراضهم عني في الكلام (مشيت) من بيتي (حتى تسوَّرت) وصعدت وعلوت أعلى (جدار حائط أبي قتادة) الأنصاري الحارث بن ربعي رضي الله عنه أي جدار بستانه أي أعلى سور بستانه، وفيه دليل على جواز دخول الإنسان بستان صديقه وقريبه الذي يدل عليه وينبسط إليه ويعرف أنه لا يكره له ذلك بغير إذنه بشرط أن يعلم أنه ليس له هناك زوجة مكشوفة ونحو ذلك اه نووي. أي علوت سور بستانه ولعل ذلك من بشاشة العشرة فيما بينهما لكونه ابن عمه كما قال (وهو) أي أبو قتادة (ابن عمي) لأنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب (وأحب الناس إليّ) أي عندي (فسلمت عليه فوالله ما رد عليّ السلام) لعموم النهي عن كلام الثلاثة (فقلت له) أي لأبي قتادة: (يا أبا قتادة أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة من باب نصر، وأصله من النشيد وهو الصوت، قال في المصباح: نشدتك الله، وبالله أنشدك؛ ذكرتك به واستعطفتك أو سألتك به مقسمًا عليك اه أي أسألك (بالله هل تعلمنَّ) أنت يا أبا قتادة (أني أحب الله ورسوله؟ قال) كعب (فسكت) عني أبو قتادة فلم يرد على جوابًا (فعدت) أي رجعت إلى تكليمه (فناشدته) أي سألته بالله (فسكت فعدت فناشدته فقال) لي أبو قتادة: (الله ورسوله أعلم) ذلك أي محبتك إياهما وليس ذلك تكليمًا لكعب لأنه لم ينو به ذلك لأنه منهي عنه بل أظهر اعتقاده فلو حلف لا يكلم زيدًا فسأله عن شيء فقال: الله أعلم ولم يرد جوابه ولا إسماعه لا يحنث، قال القرطبي: ظاهر هذا الكلام أنه أجابه عند إلحاحه عليه بالسؤال فيكون قد كلمه مخالفًا للنهي، وقد يؤول بأن أبا قتادة قال ذلك لنفسه مخبرًا عن اعتقاده ولم يقصد كلامه ولا إسماعه. [قلت]: ويحتمل أن يقال إن أبا قتادة فهم أن الكلام الذي نُهي عنه إنما هو

فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ، حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ. فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ، إِذَا نَبَطِيُّ مِنْ نَبَطِ أَهْلِ الشَّامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامٍ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ. يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُون لَهُ إِلَيَّ. حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ. وَكُنْتُ كَاتِبًا. فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ. فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ. وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث معه والمباسطة وإفادة المعاني فأما مثل هذا الكلام الذي يقتضي الإبعاد والمنافرة فلا، والله أعلم ألا ترى أنه لم يرد عليه السلام ولا التفت لحديثه اه من المفهم. قال كعب: (فـ) لما قال أبو قتادة ذلك (فاضت) أي سألت (عيناي) دموعًا (وتوليت) عنه أي أدبرت عنه وذهبت من عنده (حتى تسورت) أي علوت (الجدار) أي جدار سور البستان للخروج منه (قال) كعب كما في رواية البخاري (فبينا أنا أمشي في سوق المدينة) أي فبينما أوقات مشيي في سوق المدينة، وإذا في قوله (إذا نبطييٌّ) أي فلاح وحراث (من نبط) وفلاح (أهل الشام ممن قدم بالطعام) من الشام لـ (يبيعه بالمدينة يقول) ذلك النبطي، فجائية رابطة لجواب بينا أي فاجاني قول نبطي من أنباط الشام (من يدلـ) ــني (على كعب بن مالك) والنبطي بفتح النون والموحدة وكسر الطاء المهملة واحد الأنباط وهم فلاحو العجم وحراثهم للأرض، وكان نصرانيًا، ولم أر من ذكر اسمه وهو مشتق من استنباط الماء واستخراجه من الأرض وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، وفي رواية معمر عند أحمد (إذا نصراني جاء بطعام له يبيعه) (قال) كعب: (فطفق) أي شرع (الناس يشيرون له) أي لذلك النبطي (إليّ) يعني ولا يتكلمون بقولهم مثلًا هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه (حتى جاءني) ذلك النبطي إليَّ (فدفع إليّ كتابًا من ملك غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة اسمه جبلة بن الأيهم، وقيل الحارث بن أبي شمر، وكان ملكًا لنصارى العرب له عهد وصداقة مع نصارى الروم، وعند ابن مردويه (فكتب إليَّ كتابًا في سرقة حرير) قال كعب: (وكنت كاتبًا) أي عارفًا لقراءة الكتابة (فقرأته) أي فقرأت ذلك الكتاب (فإذا فيه) أي في ذلك الكتاب (أما بعد) ما ذُكر (فإنه) أي فإن الشأن والحال (قد بلننا) ووصلنا (أن صاحبك) الذي آمنت به (قد جفاك) وأهانك وطردك (ولم يجعلك الله بدار هوان) وذل (ولا مضيعة) بفتح الميم

فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ، حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهَذهِ أَيضًا مِنَ الْبَلاَءِ. فَتَيَامَمْتُ بِهَا التَّنورَ فَسَجَرْتُهَا بِهَا. حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ، وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكون الضاد وفتح الياء أو بكسر الضاد وسكون الياء اسم مكان من ضاع أي ولا بمكان يضيع فيه حقك ولا بدار يهان فيه قدرك (فالحق بنا) بفتح الحاء المهملة أي فات إلينا (نواسك) بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة أي إن لحقت بنا نحسن إليك ببعض أموالنا ونشاركك فيها بالجزم في جواب الطلب، وفي بعض النسخ (نواسيك) بإثبات الياء على الاستئناف وهو صحيح أيضًا أي ونحن نواسيك ونعطيك من أموالنا (قال) كعب (فقلت) في نفسي (حين قرأتها) أي قرأت تلك الرسالة أو الصحيفة المكتوب فيها، وذكر المقول بقوله (وهذه) الصحيفة (أيضًا) أي كهجران المسلمين (من البلاء) أي من الاختبار، وفي رواية لابن أبي شيبة (فقلت: إنا لله، وقد طمع فيّ أهل الكفر) (فتياممت) هكذا هو في جمع النسخ التي ببلادنا وهي لغة من تيممت أي قصدت (بها) بتلك الصحيفة (التنور) بفتح الفوقية وتشديد النون المشددة المضمومة هو المكان الذي يُخبز فيه فرميتها فيه (فسجرتها) بالسين المهملة المفتوحة والجيم أي أوقدت نار التنور (بها) أي بتلك الصحيفة، وفي رواية البخاري (فسجرته) أي أوقدت التنور وألهبته بها والضمير المؤنث في بها للصحيفة أو الرسالة المفهومة من لفظ الكتاب وهذا يدل على قوة إيمانه وشدة محبته لله ورسوله على ما لا يخفى، وعند ابن عائذ أنه شكا حاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما زال إعراضك عنّي حتى رغب فيَّ أهل الشرك اه قسطلاني. قال الحافظ في الفتح: دل صنيع كعب هذا على قوة إيمانه ومحبته لله ولرسوله وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره ولا سيما مع أمنه من الملك الذي استدعاه إليه أنه لا يكرهه على فراق دينه لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب هذا مع كونه من الشعراء الذين طُبعت نفوسهم على الرغبة، ولا سيما بعد الاستدعاء والحث على الوصول إلى المقصود من الجاه والمال، ولا سيما والذي استدعاه قريبه ونسيبه ومع ذلك فغلب عليه دينه وقوي عنده يقينه ورجح ما هو فيه من النكد والتعذيب على ما دُعي إليه من الراحة والنعيم حبًا لله ولرسوله اه منه. ومكثنا على ذلك الهجران (حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي)

إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ. بَلِ اعْتَزِلْهَا. فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضيَ اللهُ فِي هَذَا الأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي والحال أن الوحي قد استلبث وتأخر وأبطأ، أو معطوف على فعل الشرط لإذا، وإذا في قوله: (إذا رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني) أي أتاني، فجائية رابطة لجواب إذا الشرطية أي مكثنا على ذلك الهجران حتى فاجأني إتيان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت مضى أربعين ليلة من الخمسين، قال الواقدي: هو خزيمة بن ثابت قال: وهو الرسول إلى مرارة وهلال بذلك، ولأبي ذر إذا رسولٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لي ذلك الرسول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل) أي تبتعد وتفارق (امرأتك) في السكنى وهي عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة عبد الله وعبيد الله ومعبد أو هي زوجته الأخرى خيرة بفتح الخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة التي كانت عنده يومئذٍ والله أعلم (قال) كعب (فقلت) لذلك الرسول هل (أطلقها أم ماذا أفعل؟ ) بها أي أي شيء أفعل بها كترك الاستمتاع بها أو المساكنة معها (قال) الرسول: (لا) يقول لك طلقها (بل) يقول لك (اعتزلها) بكسر الزاي مجزوم بالأمر أي بل يقول لك ابتعد عنها في الاستمتاع (فلا تقربنها) معطوف على اعتزلها أي ولا تجامعها (قال فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى صاحبيّ) بتشديد الياء على التثنية (بمثل ذلك) الذي أرسل به إليّ أي بمثل ما أرسل به إليّ من عدم قربان كل منهما إلى زوجته (قال) كعب (فقلت لامرأتي الحقي) بفتح الحاء لأنه أمر مؤنث من لحق الثلاثي من باب سمع (بأهلك) واذهبي إليهم واسكني معهم حتى يحكم الله فيَّ ما يشاء كما قال (فكوني عندهم حتى يقضي الله) تعالى (في هذا الأمر) والهجران الذي نزل بنا فلحقت بهم. وهذا الحديث يدل على أن لفظ الحقي بأهلك ليس من ألفاظ الطلاق لا من صرائحه ولا من كناياته الظاهرة وغايته أن يكون مما يحتمل أن يراد به الطلاق فيقع به إذا نوى به الطلاق اه من المفهم. [قلت]: وهذا من كنايته لأن الكناية كلى لفظ يحتمل الطلاق وغيره فيقع به الطلاق

قَالَ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ. فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: "لا. وَلكِنْ لاَ يَقْرَبَنَّكِ" فَقَالَتْ: إِنَّهُ، وَاللهِ، مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ. وَوَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ. إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ؟ فَقَدْ أَذِنَ لاِمْرَأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا نوى به كما هو مقرر في كتب الفروع (قال) كعب (فجاءت امرأة هلال بن أمية) خولة بنت عاصم (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع) أي ذو ضياع، والضياع الإهمال وترك المبالاة به حتى يضيع وفسرته بقولها أي (ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه) من خدم من باب نصر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أكره أن تخدميه (ولكن لا يقربنك) بالجماع بالنهي المؤكد بالنون الثقيلة، وفي رواية البخاري لا يقربك بالجزم على النهي بلا نون (فقالت) امرأته: (إنه) أي إن هلالًا (والله ما به حركة) بالاستمتاع (إلى شيء) من النساء (ووالله ما زال يبكي منذ) أي مدة (كان من أمره ما كان) من هجران المسلمين له أي من ابتداء مدة ما كان من أمره (إلى يومه هذا) الذي كان فيه الآن (قال) كعب (فقال لي بعض أهلي) بالإشارة لا بالكلام، قال في الفتح لم أقف على اسمه. واستشكل هذا مع نهيه صلى الله عليه وسلم الناس عن كلام الثلاثة وأجيب أنه عبِّر عن الإشارة بالقول يعني فلم يقع الكلام اللساني وهو المنهي عنه قاله ابن الملقن، قال في المصابيح: وهذا بناء منه على الوقوف عند اللفظ وإطراح جانب المعنى وإلا فليس المقصود بعدم المكالمة عدم النطق باللسان فقط بل المراد هو وما كان بمثابته من الإشارة المفهمة لما يفهمه القول باللسان، وقد يُجاب بأن النهي كان خاصًا بمن عدا زوجة هلال ومن جرت عادته بخدمته إياه من أهله ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حظر على زوجة هلال غشيانه إياها وقد أذن لها في خدمته ومعلوم أنه لا بد في ذلك من مخالطة وكلام فلم يكن النهي شاملًا لكل أحد وإنما هو شامل لمن لا تدعو حاجة هؤلاء إلى مخالطته وكلامه من زوجة وخادم ونحو ذلك فلعل الذي قال لكعب من أهله (لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك) لتخدمك (فقد أذن لامرأة

هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا يُدْرِينِي مَاذَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اسْتَأَذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ. قَالَ: فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ. فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِيَ عَنْ كَلاَمِنَا. قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّ! تِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا. قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هلال بن أمية أن تخدمه) كان ممن لم يشمله النهي، وعبارة العيني هنا: قوله: (فقال لي بعض أهلي) استشكل هذا مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة وأجيب بأنه يحتمل أن يكون عبَّر عن الإشارة بالقول، وقيل لعله من النساء لأن النهي لم يقع عن كلام النساء اللاتي في بيوتهم، وقيل كان الذي كلمه منافقًا، وقيل كان ممن يخدمه فلم يدخل في النهي اه منه. قال كعب (فقلت) لذلك القائل: (لا أستأذن فيها) أي في خدمة امرأتي (رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني) أي وما يعلمني (ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم) لي (إذا استأذنته فيها) أي في خدمتها لي أي هل يكلمني كلام رضا وقبول أو كلام غضب وردٍّ لاستئذاني (وأنا) أي والحال أني (رجل شاب) قوي على خدمة نفسي قادر عليها أو خائف على نفسي من أن أُصيب امرأتي (قال) كعب (فلبثت بذلك) أي مكثت على ذلك الاعتزال لامرأتي وهجران الناس لي (عشر ليال فكمل) بتثليث حركة الميم (لنا) معاشر الثلاثة (خمسون ليلة من حين نُهي) المسلمون (عن كلامنا) وفي رواية البخاري (من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا) (قال) كعب: (ثم) بعدما كمل لنا خمسون ليلة (صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت) أي على سطح بيت (من بيوتنا) أي من بيوت أقاربنا (فبينا أنا جالس على الحال التي) قد (ذكر الله عز وجل) وأخبرها (منا) معاشر الثلاثة في كتابه العزيز من أنه (قد ضاقت عليّ) وعلى صاحبيَّ (نفسي) وأنفسهما (وضاقت عليّ) وعليهما (الأرض بما رحبت) أي مع رحبها وسعتها حقيقة، وما مصدرية، والرحب بضم الراء وسكون الحاء السعة، قوله: (ضاقت عليَّ نفسي) أي قلبي لا يسعه أنس ولا سرور من فرط الوحشة والغم (وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت) أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمره كأنه لم يجد فيها مكانًا يفر فيه قلقًا وجزعًا، وإذا كان هؤلاء لم يأكلوا مالًا حرامًا ولا سفكوا

سَمِعْتُ صَوْتَ صَارخٍ أَوْفَى عَلَى سَلْعٍ يَقُولُ، بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا. وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ. قَالَ: فَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا، حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْفَجْرِ. فَذَهَبَ النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ دمًا حرامًا ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما أصابهم فكيف بمن واقع الفواحش والكبائر اه من القسطلاني، وأما الحالة التي ذكرها الله عز وجل فيهم هي ما ذكره في كتابه العزيز بقوله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ}. وذكر جواب بينا بقوله أي بينا أنا جالس على الحالة التي ذكر الله عز وجل في كتابه: (سمعت صوت صارخ) أي مناد يرفع صوته (أوفى) بالفاء مقصورًا أي طلع وصعد وارتفع وأشرف (على) جبل (سلع) بفتح السين وسكون اللام جبل معروف بالمدينة، وزاد ابن مردويه (وكنت ابتنيت خيمة على ظهر سلع فكنت أكون فيها) صرخ و (يقول باعلى صوته) أي بأرفع صوته (يا كعب بن مالك أبشر) بهمزة قطع، وعند الواقدي: وكان الذي أوفى على سلع أبا بكر الصديق فصاح بقوله: (قد تاب الله على كعب) (قال) كعب: (ف) لما سمعت صوت صارخ (خررت) أي سقت على الأرض حالة كوني (ساجدًا) سجود شكر لله تعالى على قبول هذه التوبة، وفيه مشروعية سجدة الشكر وكرهها أبو حنيفة ومالك اه عيني، قال القرطبي: وظاهر هذا الحديث أنها كانت معلومة عندهم معمولًا بها فيما بينهم، وقال بها الشافعي ومالك في أحد قوليه ومشهور مذهبه الكراهة (وعرفت) بسماع صوته (أن قد جاء فرج) أي مجيء فرج لنا من الله تعالى وكشف كربة عنا (قال) كعب: (فآذن) بالمد من الرباعي أي أعلم وأعلن (رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس) الحاضرين عنده وقتئذٍ (بتوبة الله) سبحانه وتعالى (علينا) معاشر الثلاثة (حين صلى صلاة الفجر) أي فرغ منها، ووقع في رواية إسحاق بن راشد ومعمر عند أحمد: فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة محسنة في شأني معتنية بأمري فقال: "يا أم سلمة تيب على كعب" قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره، قال: "إذًا يحطمَكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة" حتى إذا صلى الفجر آذن بتوبة الله علينا (فذهب الناس) من عند رسول الله صلى الله عليه

يُبَشِّرُونَنَا. فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ. وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا. وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي. وَأَوْفَى الْجَبَلَ. فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ. فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي. فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ. وَاللهِ، مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم إلى بيوتنا، حالة كونهم (يبشروننا) أيها الثلاثة بتوبة الله علينا (فذهب قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (صاحبي) مرارة وهلال (مبشرون) يبشرونهما (وركض رجل إليّ) بتشديد الياء أي أجرى إجراءً شديدًا (فرسًا) له إلى جهة بيتي أي استحثه على العدو ليبشرني، وعند الواقدي هو الزبير بن العوام (وسعى) أي عدا برجله (ساع من أسلم قبلي) أي جهة بيتي (وأوفى الجبل) أي سعد جبل سلع وصاح إليّ بالبشارة وهو حمزة بن عمرو الأسلمي رواه الواقدي، وعند ابن عائذ أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لكنه صدره بقوله زعموا (فكان الصوت) أي صوت الذي أوفى (أسرع) أي أسبق إليّ (من) مجيء صاحب (الفرس) ووصوله إليّ فلما جاءني الرجل (الذي سمعت صوته) أولًا بنفسه وذاته، حالة كونه (يبشرني) بصراخه وهو حمزة بن عمرو الأسلمي، والفاء في قوله: (فنزعت) أي خلعت (له) أي لإكسائه وإعطائه (ثوبي) بتشديد الياء على التثنية أي إزاري وردائي زائدة في جواب لما كما هي ساقطة في رواية البخاري، وفي قوله: (فكسوتهما) عاطفة على نزعت أي فكسوت ثوبي (إياه) أي ذلك المبشر أولًا (ببشارته) أي في مقابلة بشارته إياي بتوبة الله تعالى، وعبارة البخاري هنا (فكسوته إياهما ببشراه) فهي الأفصح على القاعدة النحوية لتقديمها الآخذ على المأخوذ وهو الأفصح في باب كسا بخلاف عبارة مسلم، والباء في قوله: (ببشراه) باء المقابلة، والحال أني (والله ما أملك) من الثياب (غيرهما) أي غير الثوبين اللذين كسوته إياهما (يومئذٍ) أي يوم إذ كسوته إياهما، وقد كان له مال غيرهما كما سيصرح به فيما يأتي اه قسطلاني، نعم له مال غيرهما من نوع العقار والأراضي ومثلها لا يعطى ولا يليق للمبشر فلا يرد عليه شيء من الاعتراض والله أعلم اه دهني. وكسوته للبشير ثوبيه مع كونه ليس له غيرهما دليل على جواز مثل ذلك إذا ارتجى حصول ما يستبشر به وهو دليل على جواز إظهار الفرح بأمور الخير والدين وجواز البذل والهبات عندها، وقد نحر عمر لما حفظ سورة البقرة جزورًا اه مفهم.

وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا. فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ. حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصل ما في المقام أن رجلًا ركض إليّ فرسًا وآخر جعل يسعى على قدميه كل منهما يريد أن يبشرني، وذكر الواقدي أن الذي ركض فرسًا هو الزبير بن العوام والذي سعى على قدميه هو حمزة بن عمرو الأسلمي، قال الواقدي أيضًا: وكان الذي بشر هلال بن أمية بتوبته سعيد بن زيد، قال سعيد: فما ظننته يرفع رأسه حتى تخرج نفسه يعني لما كان فيه من الجهد فقد قيل إنه امتنع من الطعام حتى كان يواصل الأيام صائمًا ولا يفتر من البكاء، وكان الذي بشر مرارة بتوبته سلكان بن سلامة أو سلمة بن سلامة بن وقش. (واستعرت ثوبين) إزارًا ورداءً من أبي قتادة كما ذكره الواقدي (فلبستهما وانطلقت) أي ذهبت من بيتي حالة كوني (أتأمم) أي أقصد، قال الطبري هي لغة في تميم اه سنوسي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لزيارته، حالة كوني (يتلقاني الناس) أي يستقبلوني في الطريق (فوجًا فوجًا) أي زمرة زمرة وجماعة بعد جماعة، حالة كونهم (يهنئوني) أي يبشروني (بالتوبة) من الله تعالى (ويقولون) عطف تفسير ليهنئوني (لتهنئك) بكسر اللام وفتح التاء وسكون الهاء وكسر النون، وزعم ابن التين والسفاقسي بأنه بفتحها، والمعروف الكسر وسكون الهمزة بالجزم بلام الدعاء أي لتبشرك (توبة الله عليك) وفي رواية البخاري (لتهنك) بكسر النون وحذف الهمزة، قال في القاموس: التهنيء على وزن التكميل التبريك والاستسعاد يقابله التعزية يقال: هنأه تهنئة وتهنيئًا ضد عزاه اه وفي المصباح هنؤ الشيء بالضم مع الهمزة هناءة بالفتح والمد تيسر من غير مشقة ولا عناء فهو هنيء، ويجوز الإبدال والإدغام وهنأني الولد يهنؤني مهموزًا من بابي نفع وضرب، وتقول العرب في الدعاء ليهنئك الولد بهمزة ساكنة وبإبدالها ياء اه دهني. وفي الحديث دليل على جواز التهنئة بأمور الخير بل على ندبها إذا كانت دينية فإنه إظهار السرور بما يسر به أخوه المسلم وإظهار المحبة وتصفية القلب بالمودة اه مفهم. أي فما زال الناس يتلقوني ويهنئوني (حتى دخلت المسجد) النبوي (فإذا) فجائية والفاء عاطفة (رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد) أي ففاجأني جلوس رسول الله صلى

وَحَوْلَهُ النَّاسُ. فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي. وَاللهِ، مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ. قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ: "أَبْشِرْ بِخَيرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم في المسجد (وحوله) أي والحال أن حوله صلى الله عليه وسلم (الناس) جالسين (فقام) إليَّ بتشديد الياء كما في البخاري (طلحة بن عبيد الله) مصغرًا أحد العشرة المبشرين بالجنة حالة كونه (يهرول) أي يسير سيرًا بين المشي والعدو (حتى صافحني) بيده يدي (وهنأني) أي بشرني بالتوبة من الله تعالى، وفيه دليل لمن قال بجواز القيام للداخل والمصافحة، وفيه خلاف بيّناه في الجهاد اه مفهم، قال كعب: (والله ما قام) إليّ كما في البخاري (رجل من المهاجرين غيره) أي غير طلحة قالوا سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين كعب وطلحة، والذي ذكره أهل المغازي أن كعبًا كان أخا الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين فكعب أخو أخيه كذا في الفتح (قال) عبد الله بن كعب: (فكان) والدي (كعب لا ينساها لطلحة) أي لا ينسى كعب تلك الخصلة وهو بشارته إياه بالتوبة أي لا يزال يذكر إحسانه إليه بتلك وكان رهين مسرته، وفي القرطبي: أي لا ينسى تلك القومة والبشاشة التي صدرت له منه، ومعناه أن تلك الفعلة أكدت في قلبه محبته وألزمته حرمته حتى عدّها من الأيدي الجسيمة والمنن العظيمة، وفي رواية البخاري (ولا أنساها لطلحة) (قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو مصرح في رواية البخاري وهو جواب لما (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يبرق وجهه) ويلمع ويستنير (من السرور) بتوبة الله تعالى علينا، والجملة الاسمية حال من فاعل قال الذي هو جواب لما، وقوله: (ويقول) تحريف من النساخ وزيادة منهم كما هو ساقط من رواية البخاري، وقوله: (أبشر) يا كعب (بخير يوم) أي بأفضل يوم (مر عليك منذ ولدتك أمك) أي من وقت ولادة أمك إياك، مقول لقال الذي هو جواب لما، ولفظ البخاري هنا (قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك")

قَالَ: فَقُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: "لاَ. بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ" وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (بخير يوم) .. إلخ، قال النووي: معناه سوى يوم إسلامه وإنما لم يستثنه لأنه معلوم لا بد منه، وعبارة القسطلاني أي سوى يوم إسلامه وهو مستثنى تقديرًا وإن لم يُنطق به أو إن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها اه منه (قال) كعب (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (أ) هذه البشارة (من عندك يا رسول الله أم) هي (من عند الله؟ ) تعالى (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي ليست من عندي (بل) هي (من عند الله) تعالى زاد ابن أبي شيبة "أنتم صدقتم الله فصدقكم" (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ) على صيغة المجهول أي إذا حصل له السرور (استنار وجهه) أي تنوَّر وجهه (كأن وجهه قطعة قمر، قال) كعب: (وكنا) معاشر الصحابة (نعرف ذلك) أي كون استنارة وجهه علامة على سروره فيما بيننا، قيل: وإنما قال كأنه قطعة قمر ولم يقل كأنه قمر احترازًا من السواد الذي في القمر أو إشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين الذي يظهر فيه السرور، وقالت عائشة: إذا كان مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يُشبّه ببعض القمر اه من القسطلاني (قال) كعب: (فلما جلست بين يديه) صلى الله عليه وسلم (قلت: يا رسول الله إن من) علامات صدق (توبتي) أو من تمام توبتي أو من شكر توبتي (أن أنخلع) وأخرج (من) جميع (مالي) وأتصدق به حالة كونه (صدقة) مصروفة (إلى الله) تعالى (وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم) أي خالصة لوجه الله ورضاه ومصروفة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليقسمها بين مستحقيها. وقوله: (صدقة) قال الزركشي وتبعه البرماوي وابن حجر وغيرهما: هي مصدر فيجوز انتصابه بأنخلع لأن معنى أنخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي متصدقًا، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نُسلّم أن الصدقة مصدر وهي اسم لما يُتصدّق به، ومنه قوله تعالى:

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ. قَالَ: وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ. وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صدْقًا مَا بَقِيتُ. قَالَ: فَوَاللَّهِ، مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وفي الصحاح الصدقة ما تُصدِّق به على الفقراء فعلى هذا يكون نصبها على الحال من مالي كما قررناه في حلنا، وقوله: (إلى الله وإلى رسوله) أي صدقة خالصة لله ولرسوله فإلى بمعنى اللام، قال القرطبي: قوله: (أن أنخلع من مالي) أي إن عليّ ذلك فهي صيغة نذر والتزام خرج مخرج الشكر وابتغاء الثواب أقرَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك جائزًا، ولم يدخل في عموم النذر المنهي عنه بقوله: "لا تنذروا" رواه أحمد والبخاري ومسلم وقد بينا ذلك فيما تقدم، وعلى مقتضى هذا اللفظ فقد وجب عليه إخراج كل ماله لكن لما كان ذلك يؤدي إلى أن يبقى فقيرًا محتاجًا وربما يُفضي به ذلك إلى سؤال الناس وإلى الدخول في مفاسد اكتفى الشرع منه ببعضه فقال: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" وهذا البعض الذي أمره بإمساكه هو الأكثر، والمتصدَّق به هو الأقل، كما قال في حديث سعد "الثلث والثلثُ كثير" متفق عليه اه من المفهم، قال النووي: وفي الحديث استحباب الصدقة شكرًا للنعم المتجددة لا سيما ما عظم منها وإنما أمره صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على الصدقة ببعضه خوفًا من تضرره بالفقر وأن لا يصبر على الإضافة ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بجميع ماله لأنه كان صابرًا راضيًا (فإن قيل) كيف قال أن أنخلع من مالي فأثبت له مالًا مع قوله أولًا (نزعت ثوبيَّ والله ما أملك غيرهما) فالجواب أن المراد بقوله أن أنخلع من مالي الأرض والعقار ولهذا قال فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وأما قوله ما أملك غيرهما فالمراد به من الثياب ونحوهما مما يخلع ويليق بالبشير اه منه (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بعض مالك فهو خير لك) خوفًا من تضرره بالفقر وعدم صبره على الإضافة (قال) كعب: (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (فإني أمسك سهمي الذي بخيبر قال) كعب: (وقلت يا رسول الله إن الله) عز وجل (إنما أنجاني) من غضبه (بالصدق) في إخباري لك بعدم العذر لي في تخلفي عنك في غزوة تبوك (وإن من) قبول (توبتي) أيضًا (أن لا أحدث إلَّا) كلامًا (صدقًا ما بقيت) بكسر القاف في الدنيا (قال) كعب: (فوالله ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبلاه الله) تعالى

فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ، مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي اللَّهُ بِهِ. وَاللهِ، مَا تَعَمَّدْتُ كَذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى يَوْمِي هَذَا. وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِيَ اللهُ فِيمَا بَقِيَ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أنعمه الله تعالى (في صدق الحديث) أي بصدق الحديث، وفي بمعنى الباء أي بإخبار الكلام الصادق والأمر الواقع (منذ ذكرت) وأخبرت (ذلك) الأمر الواقع مني من تخلفي عن الغزو بلا عذر (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من مدة ذكري ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى يومي هذا) الذي كنت الآن فيه، وقوله: (أحسن مما أبلاني) وأنعمني (الله به) صفة لمصدر محذوف والمعنى ما علمت أحدًا من المسلمين أبلاه الله بصدق الحديث إبلاء أحسن مما أبلاني به من وقت ذكري ذلك الأمر الواقع مني لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وفيه نفي الأفضلية لا نفي المساواة لأنه شاركه في ذلك مرارة وهلال اه قسطلاني، قال القاضي: يقال أبلاه الله إذا أنعم عليه ومنه {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} أي نعمة، والبلاء يُطلق على الخير والشر وأصله الاختبار وأكثر ما ياتي مطلقًا في الشر فإذا كان في الخير جاء مقيدًا كما قال تعالى: {بَلَاءً حَسَنًا} اه، قال النووي: كما قيده هنا فقال أحسن مما أبلاني به اه (والله ما تعمدت) وقصدت (كذبة) بفتح الكاف وكسرها مع سكون الذال فيهما أي مرة من الكذب (منذ قلت) وأخبرت (ذلك) الأمر الواقع من تخلفي بلا عذر (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من وقت إخباري ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى يومي هذا) أي إلى وقتي هذا الذي أنا فيه (وإني لأرجو) وأطمع من فضل الله وكرمه (أن يحفظني الله) تعالى (فيما بقي) من عمري من الكذب (قال) كعب: (فأنزل الله عز وجل) في قبول توبتنا في الكتاب العزيز (لقد تاب الله على النبي) صلى الله عليه وسلم أي تجاوز عنه إذنه للمنافقين في التخلف كما قال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (و) على (المهاجرين والأنصار) وفيه حث للمؤمنين على التوبة وأنه ما من مؤمن إلَّا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار. وقوله:

الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة: 117 - 118] حَتَّى بَلَغَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119]. قَالَ كَعْبٌ: وَاللَّهِ، مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ إِذْ هَدَانِي اللهُ لِلإِسْلاَمِ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي، مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا. إِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) والشدة والضيق صفة لكل من المهاجرين والأنصار (من بعد ما كاد) وقرب أن (يزيغ) ويميل عن الحق (قلوب فريق منهم) لشدة الضيق وتأخر النصر (ثم) بعدما كاد قلوب فريق منهم أن تزيغ (تاب عليهم) أي ألهمهم أسباب التوبة وأعانهم عليها ليتوبوا (إنه) تعالى (بهم رؤوف رحيم و) لقد تاب الله (على الثلاثة) كعب وهلال ومرارة (الذين خُلِّفوا) أي أُخِّروا في قبول توبتهم عن سائر المنافقين الذين اعتذروا فقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذرهم عملًا بظواهرهم (حتى إذا ضاقت) أي أُخِّروا إلى أن ضاقت (عليهم الأرض بما رحبت) أي مع رحبها وسعتها (وضاقت عليهم أنفسهم) بسبب هجران المسلمين عليهم أي فأنزل الله في توبتهم هذه الآيات (حتى بلغ) التنزيل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} الآيات الثلاث/17 و 18 و 19 من التوبة (قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط) أي فيما مضى من عمري (بعد إذ هداني الله) ووفقني (للإسلام أعظم في نفسي) أي ما أنعم الله تعالى عليّ إنعامًا أعظم في نفسي (من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من إخباري لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر الصادق الموافق لما في الواقع في تخلفي عنه. وقوله: (أن لا أكون كذبته) في تأويل مصدر مجرور على البدلية من صدقي. وقوله: (فأهلك) معطوف على أكون، ولا نافية والتقدير إنعامًا أعظم في نفسي من صدقي عدم كذبي فعدم هلاكي، قال النووي: قالوا لفظة لا زائدة ومعناه أن أكون كذبته فأهلك أي من كذبي فهلاكي نحو قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} اه عيني، والأول هو الصواب كما قررناه في حلنا فلا أصلية نافية لا زائدة أي فأهلك هلاكًا (كما هلك) المنافقون (الذين كذبوا) في اعتذارهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي هلاكًا كهلاكهم فـ (أن

اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا، حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ، شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ. وَقَالَ اللَّهُ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)} [التوبة: 95 - 96]. قَالَ كَعْبٌ: كُنَّا خُلِّفْنَا، أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ، عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا لَهُ. فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ. وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ. فَبِذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله) سبحانه وتعالى (قال للذين كذبوا) في اعتذارهم (حين أنزل الوحي) على رسوله صلى الله عليه وسلم (شر ما قال) أي أقبح ما قال (لأحد) من الكاذبين أي قال قولًا شر ما قال لأحد بالإضافة أي شر القول الكائن لأحد من الناس، والواو في قوله: (وقال الله سيحلفون بالله) بمعنى الفاء العاطفة على ما قال الأول كما في رواية البخاري أي فقال الله فيهم سيحلفون بالله (لكم إذا انقلبتم) أي رجعتم (إليهم) من الغزو (لتعرضوا عنهم) أي عن توبيخهم (فأعرضوا عنهم إنهم رجس) نجس الاعتقاد (ومأواهم) أي مقرهم ومنزلهم في الآخرة (جهنم) حالة كونها (جزاء) لهم (بما) أي على ما (كانوا يكسبونـ) ــه من النفاق، وقال سبحانه فيهم أيضًا (يحلفون لكم) على اعتذارهم بالكذب (لترضوا) أي لتقبلوا (عنهم) اعتذارهم الكاذب (فإن ترضوا) وتقبلوا (عنهم) اعتذارهم الكاذب (فإن الله لا يرضى) ولا يقبل (عن القوم الفاسقين) اعتذارهم الكاذب ([التوبة/ 95 و 96]) أي فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطًا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها (قال كعب: كنا خُلّفنا) بالبناء للمجهول أي أُخّر أمر توبتنا أخص (أيها الثلاثة) يعني نفسه ومرارة وهلالًا وأي في محل النصب بعامل محذوف مبني على الضم لشبهها بالحرف شبهًا افتقاريًا، وكانت الحركة ضمة لشبهها بأسماء الغايات، وها حرف تنبيه زائد تعويضًا عما فات أي من الإضافة والثلاثة صفة له تابع للفظه أي أُخّر أمر توبتنا معاشر الثلاثة (عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) اعتذارهم (حين حلفوا) له على أن تخلفهم كان لعذر (فبايعهم) معطوف على قبل (واستغفر لهم وأرجأ) بالجيم والهمزة آخره أي أخّر (رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا) أيها الثلاثة (حتى قضى الله) سبحانه وحكم (فيه) أي في أمرنا بالتوبة (فبذلك) أي ففي ذلك أي في

قَالَ اللهُ عَزَ وَجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}. وَلَيسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفْنَا، تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ. وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا، عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. 6844 - (00) (00) (وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِإِسْنَادِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. سَوَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان أمرنا (قال الله عز وجل: و) لقد تاب الله (على الثلاثة الذين خُلِّفوا) أي أُخِّروا في أمر التوبة (وليس) الأمر (الذي ذكر الله) سبحانه في هذه الآية (مما خُلِّفنا) أي من تخليفنا بيان للموصول (تخلفنا) بالنصب خبر ليس (عن الغزو وإنما هو) أي التخلف الذي ذكره في هذه الآية (تخليفه) أي تأخيره (إيانا) في التوبة (وإرجاؤه) أي تأخيره (أمرنا) أي بيان أمرنا وحكمنا (عمن حلف له) صلى الله عليه وسلم (واعتذر إليه) صلى الله عليه وسلم (فقبل منه) رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذاره والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 386]، والبخاري في عشرة أبواب منها في تفسير سورة براءة باب سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم [4673] وباب لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار [4676] وباب وعلى الثلاثة [4677]، وأبو داود في الطلاق [2202] وفي الجهاد باب إعطاء البشير [2773]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة براءة [3101]، والنسائي في الطلاق باب الحقي بأهلك [3422]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6844 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حُجين بن المثنى) اليمامي أبو عمرو البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) بن خالد المصري (عن ابن شهاب) وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة عقيل ليونس بن يزيد، وساق عقيل (بإسناد يونس) يعني عن عبد الرحمن عن عبد الله عن كعب (عن الزهري) مثله أي مثل حديث يونس، حالة كون حديثهما (سواء) أي متساويين في اللفظ والمعنى.

6845 - (00) (00) (وحدّثني عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ، ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ، مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِبم الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ كَعْب بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ، عَلَى يُونُسَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَمَّا يُرِيدُ غَزْوَةَ إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: 6845 - (00) (00) (وحدثني عبد بن حميد) الكسي، ثقة من (11) (حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم) بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب المدني الزهري (ابن أخي الزهري) صدوق، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن عمه محمد ابن مسلم الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبيد الله بن كعب بن مالك وكان) عبيد الله (قائد كعب حين عمي قال) عبيد الله (سمعت كعب بن مالك يحدّث حديثه) وقصَّتَه (حين تخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضُه بيانُ متابعة محمد بن عبد الله بن مسلم ليونس بن يزيد. وقولُه (أنَّ عبيد الله بن كعب) قال النووي: كذا قال في هذه الرواية عبيد الله بضم العين مصغرًا، وكذا قاله في الرواية التي بعدها رواية معقل بن عبيد الله عن الزهري عن عبد الرحمن عن عبيد الله بن كعب مصغرًا وقال قبلهما في رواية يونس المذكورة أولَ الحديث عن الزهري عن عبد الله بن كعب مكبرًا، قال الدارقطني: الصوابُ روايةُ من قال عبد الله مكبرًا، ولم يذكر البخاري في الصحيح إلَّا روايةَ عبد الله مكبرًا مع تكراره الحديثَ اه منه (وساق) أي ذكَر محمدُ بن عبد الله بن مسلم (الحديثَ) المذكور في الروايةِ الأولى (و) لكن (زاد) محمدُ بن عبد الله بن مسلم (فيه) أي في الحديث (على يونس) لفظةَ (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَلَّمَا يُريد غزوة إلَّا وَرَّى) وسَتَر عنها (بِـ) ذِكْرِ (غيرها) بدلَها أَي أَوْهَم إرادَتَه غَيْرها، وأصلُه مِنْ ورَاءَ كأنه

حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ. وَلَمْ يَذْكُرْ، فِي حَدِيثِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، أَبَا خَيْثَمَةَ وَلُحُوقَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 6846 - (00) (00) وحدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ (وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ)، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ. وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ أُصيبَ بَصَرُهُ. وَكَانَ أَعْلَمَ قَوْمِهِ وَأَوْعَاهُمْ لأَحَادِيثِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل البيانَ وراءَ ظهرِه، قال الأبي: ينبغي للأمير أن يَفْعَل ذلك لِئلاَّ يَتْبَعه الجَواسيسُ فيقع التحرز إلَّا إذا كانت سفرة بعيدة فَيُعلِمهم لِيَأْخُذوا الأُهبةَ اه (حتى كانت) وحصَلَت (تلك الغزوة) يعني غزوةَ تبوك فلَمْ يُورِّ عنها بل صرَّح بها قاله النووي، والمرادُ هنا التوريةُ الفعليةُ لا اللفظيةُ فكان بِفِعْلِهِ يُوهم أعداءَه أنه يخرج لجهةٍ أخرى (ولم يذكر) يعقوب بن إبراهيم (في حديث) محمد (بن) عبد الله (أخي الزهري) قصةَ كُنْ (أبا خيثمة و) قصةَ (لحوقِه) أي لحوقِ أبي خيثمة (بالنبي صلى الله عليه وسلم) في طريق تبوك بعد تخلفه عنهم أولًا في المدينة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: 6846 - (00) (00) (وحدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري ثم المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) نُسب إلى جده لشهرته به الأموي مولاهم مولى بني مروان الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله) الجزري الحراني أبو عبد الله العبسي مولاهم، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه عبيد الله بن كعب وكان) عبيد الله (قائد كعب) من بين بنيه (حين أصيب بصره) أي عمي بصر كعب (وكان) عبيد الله (أعلم قومه) بني سلمة بفتح السين واللام أي أعلمهم بالأحكام الشرعية وأفقههم (وأوعاهم) أي أوعى قومه وأحفظهم (لأحاديث) وقصص (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) عبيد الله:

سَمِعْتُ أَبِي، كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، يُحَدِّثُ؛ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ. غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاسٍ كَثِيرٍ يَزِيدُونَ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفٍ. وَلاَ يَجْمَعُهُمْ دِيوَانُ حَافِظٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (سمعت أبي) ووالدي (كعب بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معقل بن عبيد الله ليونس بن يزيد (وهو) أي والدي كعب بن مالك (أحد الثلاثة الذين تيب عليهم) أي قبلت توبتهم عن ذنب التخلف عن غزوة تبوك أي سمعت والدي كعبًا وهو (يحدّث) أي والحال أنه يحدِّث (أنه) أي أن كعبًا (لم يتخلف عن) الخروج مع (رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قط) أي في زمن مضى من عمري (غير غزوتين) أي إلَّا في غزوتين غزوة بدر وغزوة تبوك (وساق) أي ذكر معقل بن عبيد الله (الحديث) السابق الذي ساقه يونس بن يزيد عن الزهري (و) لكن (قال) معقل (فيه) أي في روايته لفظة (وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي خرج في تلك الغزوة (بناس) أي مع ناس (كثير يزيدون على عشرة آلاف) جندي (و) بناس كثير (لا يجمعهم ديوان) أي دفتر شخص (حافظ) أي ماهر في معرفة الحساب، قال النووي: هكذا وقع هنا زيادة على عشرة آلاف ولم يبين قدرها، وقد قال أبو زرعة الرزاي: كانوا سبعين ألفًا، وقال ابن إسحاق: كانوا ثلاثين ألفًا وهذا أشهر، وجمع بينهما بعض الأئمة بأن أبا زرعة عبد التابع والمتبوع جميعًا، وابن إسحاق عدَّ المتبوع فقط فكان الكل سبعين نفرًا والله سبحانه وتعالى أعلم اه منه. (فائدة): وقد دل حديث كعب بن مالك رضي الله عنه على فوائد كثيرة ذكرها النووي والحافظ في الفتح: (1) منها فضيلة أهل العقبة لأن كعبًا لم يفضّل عليها فضيلة حضور بدر. (2) ومنها جواز الحلف من غير استحلاف عند غير القاضي لقول كعب عنده صلى الله عليه وسلم والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) ومنها أنه ينبغي لأمير الجيش إذا أراد غزوة أن يورّي عنها بغيرها خوفًا من فتنة الأعداء. (4) ومنها جواز التأسف على ما فات من الخير وتمني فعله لقول كعب فيا ليتني فعلت. (5) ومنها ردُّ غيبة المسلم لقول معاذلمن ذكر كعبًا بالسوء بئس ما قلت. (6) ومنها فضيلة الصدق والثبات عليه وإن كان فيه مشقة فإن فيه عقبى خير. (7) ومنها استحباب صلاة القادم من سفر. (8) ومنها قعوده في المسجد ليسلم عليه الناس إذا كان مشهورًا بالفضل يقصده الناس للسلام عليه. (9) ومنها الحكم بظواهر أحوال الناس وتفويض سرائرهم إلى الله تعالى في قبول معاذيرهم. (10) ومنها جواز هجران من ارتكب معصية ومقاطعته زجرًا له وتنكيلًا لغيره. (11) ومنها استحباب البكاء على نفسه إذا صدرت منه معصية. (12) ومنها أن مسارقة النظر في الصلاة والالتفات فيها لا يبطلها. (13) ومنها جواز إحراق الورق الذي فيه ذكر الله لمصلحة لأن كعبًا أحرق رسالة الغساني وفيها لم يجعلك الله بدار هوان. (14) ومنها الورع والاحتياط بمجانبة ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه لأن كعبًا لم يستأذن في خدمة امرأته له خشية الوقوع في محظور. (15) ومنها استحباب سجود الشكر عند حدوث ما يسر به. (16) ومنها استحباب تهنئة من رزقه الله خيرًا أو نعمة. (17) ومنها استحباب إكرام المبشر بجائزة أو بخلع الثياب له. (18) ومنها جواز تخصيص الألفاظ العامة في اليمين بما أراده الحالف لقول كعب والله لا أملك غيرهما وأراد تخصيصه بالثياب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (19) ومنها استحباب سرور الإمام وكبير القوم بما يسر أصحابه وأتباعه. (20) ومنها استحباب التصدق لمن حصلت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه كربة ظاهرة. (21) ومنها استحباب المواظبة على العمل الصالح لمن حصلت له نعمة بعمل صالح كما فعل كعب حيث أنجاه الصدق فحافظ عليه. (22) ومنها استحباب النهي لمن رأى من يريد أن يتصدق لكل ماله عن ذلك وأمره بإمساك بعض ماله. (23) ومنها مؤاخذة القوي في الإيمان بأشد مما يؤاخذ به الضعيف فيه. (24) ومنها كون الجهاد فرض عين على الأنصار أو على جميع الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم ولذلك وقعت هذه المعاتبة الشديدة على التخلف. ومنها غير ذلك من الفوائد التي لا تحصى والله سبحانه وتعالى أعلم.

746 - (11) باب في حديث الإفك وقبول توبة القادف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة 6847 - (2749) (100) حدّثنا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. وَالسِّيَاقُ حَدِيثُ مَعْمَرٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدٍ وَابْنِ رَافِعٍ. قَالَ يُونُسُ وَمَغمَرٌ. جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 746 - (11) باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف وبراءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة 6847 - (2749) (100) (حدثنا حبان) بكسر الحاء وتشديد الموحدة (ابن موسى) بن سوار السلمي أبو محمد المروزي روى عن عبد الله بن المبارك حديث الإفك، ويروي عنه (خ م ت س) والحسن بن سفيان والفريابي، قال إبراهيم بن الجنيد: ليس صاحب حديث ولا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من العاشرة، مات سنة (233) ثلاث وثلاثين ومائتين، وليس له في صحيح مسلم ذكر إلَّا في هذا الموضع اه نووي (أخبرنا عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي مولاهم المروزي، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا يونس بن يزيد الأيلي) الأموي، ثقة، من (7) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال ابن رافع: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني الحميري (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (والسياق) الآتي أي واللفظ المسوق المذكور فيما سيأتي (حديث معمر) وروايته، حالة كونه (من رواية عبد وابن رافع) لا من رواية إسحاق (قال يونس) في السند الأول (ومعمر) في السند الثاني (جميعًا) أي كلاهما رويا لي (عن الزهري) قال: (أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني من سادات التابعين (وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص) الليثي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني، ثقة، من

عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حِينَ قَالَ لَهَا أَهْل الإِفْكِ مَا قَالُوا. فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالَوا، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا. وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ. وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا. وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي. وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــ (3) روى عنه في (9) أبواب، قال الزهري: هؤلاء الأربعة رووا لي (عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها (حين قال لها أهل الأفك) بكسر الهمزة وسكون الفاء الكذب الشديد والافتراء المزيد (ما قالوا) مما لا يليق بها (فبرأها الله) سبحانه (مما قالوا) بما أنزله في محكم كتابه، قال الزهري (وكلهم) أي كل من الأربعة المذكورين (حدثني) بالإفراد (طائفة) أي بعضًا (من حديثها) فجميعه من مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم اه قسطلاني (وبعضهم) أي وبعض هؤلاء الأربعة (كان أوعى) أي أحفظ (لحديثها) أي لحديث عائشة المذكور (من بعض) آخر (وأثبت) أي أحسن (اقتصاصًا) وإيرادًا وأوضح سردًا للحديث ومساقًا، قال الزهري: (وقد وعيت) أي حفظت (عن كل واحد منهم) أي من هؤلاء الأربعة (الحديث الذي حدثني) به (وبعض حديثهم يُصدّق بعضًا) آخر في حديثه، قال في الفتح: كأنه مقلوب والمقام يقتضي أن يقول: وحديث بعضهم يُصدّق بعضًا، ويحتمل أن يكون على ظاهره أي إن بعض حديث كل منهم يدل على صدق الراوي في بقية حديثه لحُسن سياقه وجودة حفظه اه. وحاصل ما في هذا المقام أن الزهري سمع حديث الإفك عن أربعة من التابعين سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة كل واحد منهم يروي طرفًا من القصة عن عائشة رضي الله تعالى عنها فجمع الزهري رواياتهم وجعلها حديثًا واحدًا، وذكر القاضي عياض اعتراض العلماء على صنيع الزهري هذا حيث لفق بين الروايات وكان عليه أن يفرد حديث كل واحد منهم عن الآخر ولكن ذلك لا يقدح في صحة الحديث. قال النووي: وهذا الذي ذكره من جمع الحديث عنهم جائز لا مانع ولا كراهة فيه لأنه قد بيّن أن بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن بعض آخر منهم وهؤلاء الأربعة أئمة حُفّاظ ثقات من أجلِّ التابعين فإذا ترددت اللفظة بين كونها عن هذا أو ذاك لم يضره وجاز الاحتجاج بها لأنهما ثقتان، وقد اتفق العلماء على أنه لو قال حدثني زيد أو عمرو

ذَكَرُوا: أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ. فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهما ثقتان معروفان بالثقة عند المخاطب جاز الاحتجاج به. ثم إن قصة الإفك مروية بعدة طرق وقد تتبعها الحافظ في الفتح [8/ 156 و 157] وذكر أن جملة من رواها من الصحابة غير عائشة ستة وهم عبد الله بن الزبير وأم رومان وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو اليسر، ورواها عن عائشة عشرة من التابعين فيهم هؤلاء الأربعة الذين روى عنهم الزهري، وقد رواها عن الزهري جماعة كثيرة من تلامذته. قال الزهري: وقد (ذكروا) أي ذكر لي هؤلاء الأربعة المذكورون (أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) دائمًا (إذا أراد أن يخرج سفرًا) أي إلى سفر فهو منصوب بنزع الخافض أو فيه تضمين لمعنى الإنشاء أي إذا أراد أن ينشئ سفرًا (أقرع) أي أسهم (بين نسائه) وزوجاته أي ساهم بينهن تطييبًا لقلوبهن (فأيتهن) بتاء التأنيث (خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصحوبة (معه) في السفر. قال العيني في العمدة [6/ 361] وكيفية القرعة بالخواتيم يؤخذ خاتم هذا وخاتم هذا ويدفعان إلى رجل فيخرج منهما واحدًا، وعن الشافعي يجعل رقاعًا صغارًا يكتب في كل واحد اسم ذي السهم ثم يجعل في بنادق طين ويغطى عليها ثوب ثم يدخل رجل يده فيخرج بندقة وينظر من صاحبها فيدفعها إليه، وقال أبو عبيد بن سلام: عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نبينا ويونس وزكرياء عليهم السلام، قال القرطبي: وهذا الحديث دليل على أن للقرعة مدخلًا شرعيًا في الحقوق المشتركة وهو قول الكافة، قال أبو عبيدة: وقد عمل بها ثلاثة من الأنبياء يونس وزكرياء ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين، قال ابن المنذر: واستعمالها كالإجماع بين أهل العلم فيما يُقسم بين الشركاء ولا معنى لقول من ردها، وحُكي عن أبي حنيفة إجازتها قال: ولا تقسيم في القياس ولكنَّا تركنا القياس للآثار. "قلت": ومقتضى هذا أنه قصرها على المواضع التي وردت في الأحاديث دون

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَينَنَا فِي غَزْوَةِ غَزَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ تعديتها إلى غيرها وهو قول مالك أيضًا والمغيرة وبعض أصحابنا، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة ترك القول بها وأنكرها بعض الكوفيين وقال هي كالأزلام (وبإجازتها) في المشكلات (قال الشافعي)، قال القاضي: وهو مشهور مذهب مالك. وأما القرعة بين النساء إذا أراد سفرًا فقد اختلف العلماء فذهب مالك في أحد قوليه والشافعي وأبو حنيفة إلى أنه لا يخرج منهن إلَّا من خرجت عليها القرعة تمسكًا بظاهر هذا الحديث فإنه كالنص في ذلك، وقال مالك أيضًا: إن له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة وإن القسمة هنا سقطت للضرورة إذ كانت إحداهن أخف محملًا وأقل مؤونة وأصلح للسفر والأخرى أصلح للمقام في بيته لسد ضيعته وللقيام بولده وقد تكون أثقل جسمًا وأكثر مؤونة. "قلت": والذي يقع لي أن هذا ليس بخلاف في أصل القرعة في هذا وإنما هذا لاختلاف أحوال النساء فإذا كان فيهن من تصلح للسفر ومن لا تصلح تعين من تصلح ولا يمكن أن يقال يجب أن يسافر بمن لا تصلح لأن ذلك ضرر ومشقة عليه ولا ضرر وضرار وإنما تدخل القرعة إذا كن كلهن صالحات للسفر فحينئذٍ تتعيّن القرعة لأنه لو أخرج واحدة منهن بلا قرعة لخيف أن يكون ذلك ميلًا إليها ولكان للأخرى مطالبته بحقها فإذا خرج بمن وقعت عليها القرعة انقطعت حجة الأخرى وارتفعت التهمة عنه وطاب قلب من بقي منهن والله تعالى أعلم اه من المفهم. (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها بالسند السابق (فأقرع بيننا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في غزوة غزاها) أي خرج فيها وهي غزوة بني المصطلق بكسر اللام وهم بطن من بني خزاعة كما ذكره البخاري في المغازي معلقًا عن الزهري وصرّح به محمد بن إسحاق في روايته وكذا أفلح بن عبد الله عند الطبراني، وكانت سنة ست فيما جزم به ابن التين وقيل في شعبان سنة خمس، ورُوي عن موسى بن عقبة سنة أربع، والصحيح الذي عليه المحققون أنها وقعت ممنة خمس وكان سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار وأرسل عينًا يأتيه بخبر المسلمين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع قريبًا من الساحل ولذلك تسمى هذه الغزوة غزوة المريسيع أيضًا فزاحف الناس

فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي. فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ. فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فِيهِ، مَسِيرَنَا. حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ، وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ فاقتتلوا فهزمهم الله تعالى وقُتل منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم وأموالهم كذا ذكره ابن إسحاق بأسانيد مرسلة (فخرج فيها) أي في تلك الغزاة (سهمي) أي سهم قرعة سفري معه صلى الله عليه وسلم، وعند ابن إسحاق (فخرج سهمي عليهن) وهو يُشعر بأنه لم يخرج معه يومئذٍ غيرها (فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك) السفر (بعدما أنزل الحجاب) أي آية احتجاب النساء عن الرجال أي الأمر بالحجاب، وإنما قالت هذا توطئة للسبب في كونها مستترة في الهودج حتى أفضى ذلك إلى تحميله وهي ليست فيه وهم يظنون أنها فيه بخلاف ما كان قبل الحجاب فلعل النساء حينئذٍ كن يركبن ظهور الرواحل بغير هوادج أو يركبن الهوادج غير مستترات (فأنا أُحمل في هودجي) على الراحلة (وأُنزل) من راحلتي (فيه) أي في هودجي في (مسيرنا) وسفرنا ذلك لنزول الحجاب، وقوله: أُحمل وأُنزل بضم همزة أُحمل وأُنزل مع التخفيف بالبناء للمفعول فيهما، والهودج بفتح الدال مركب من مراكب العرب أُعد للبناء اه عيني، وقال القسطلاني: هو محمل له قبة تستر بالثياب ونحوها يوضع على ظهر البعير ويركب فيه النساء ليكون أستر لهن اه منه (فسرنا) إلى بني المصطلق كما في رواية البخاري (حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه) وجهاده ذلك (وقفل) أي رجع منه إلى جهة المدينة (ودنونا) أي قربنا (من المدينة آذن) رُوي بالمد وتخفيف الذال، ورُوي بالقصر وتشديدها جواب إذا أي أعلم (ليلة) أي قبل الفجر (بالرحيل) أي بالارتحال والذهاب من ذلك المنزل إلى جهة المدينة. قولها: (فأنا أُحمل في هودجي وأُنزل فيه) وفي رواية ابن إسحاق (فكنت إذا رحلوا بعيري جلست في هودجي ثم يأخذون بأسفل الهودج فيضعونه على ظهر البعير) وهو معنى قولها في رواية مسلم أُحمل في هودجي وكذلك معنى قولها أُنزل فيه أي كانوا يُنزلون الهودج عن ظهر البعير إلى الأرض وهي فيه قوله: (مسيرنا) بنصب الراء تعني وقع ذلك في سائر مسيرنا أي سفرنا فهو منصوب بنزع الخافض. وقوله: (آذن ليلة بالرحيل)

فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ. فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ. فَلَمَّا قَضَيْتُ مِنْ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ. فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية ابن إسحاق (فنزل منزلًا فبات فيه بعض الليل ثم آذن بالرحيل) أي أعلن بالسفر والذهاب من ذلك الموضع. (فقمت) من منزلي (حين آذنوا) وأعلنوا (بالرحيل) أي بالارتحال والذهاب من ذلك المنزل (فمشيت) لقضاء حاجتي (حتى جاوزت الجيش) وبعُدت عنهم (فلما قضيت) وفرغت (من شأني) وحاجتي التي ذهبت لأجلها ولم تذكرها لاستقباح ذكرها (أقبلت) وجئت (إلى الرحل) أي إلى منزلي الذي كنت فيه أولًا (فلمست صدري) بيدي (فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع) مني وسقط وضاع أي ففاجأني انقطاعه مني وسقوطه فإذا فجائية والفاء عاطفة على لمست، والعقد بكسر العين وسكون القاف قلادة تُعلّق في العنق للزينة، والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز معروف في سواده بياض كان يُجلب من اليمن والصين وغيرهما ويقال ليس في الحجارة أصلب من الجزع فكانوا لا يتيمنون به فيزعمون أن من تقلد به كثرت همومه ورأى أحلامًا رديئة حتى قيل إن وجه تسميته بالجزع أنه يورث الجزع، وأما ظفار فهي بفتح الظاء والفاء على وزن حذام وراؤها مبنية على الكسر لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا لتضمنه معنى حرف التأنيث وهو التاء وإنما حُرك فرارًا من التقاء الساكنين وكانت كسرة لأنها الأصل في حركة التخلص، وفي القسطلاني: فالظفار بالظاء المعجمة والفاء بعد الألف راء مكسورة مبنية على الكسر كخضار وحذام مدينة باليمن تقول هذه ظفار ودخلت ظفار وذهبت إلى ظفار بكسر الراء بغير تنوين في الأحوال كلها، وفي رواية أبي ذر من جزع أظفار بالهمزة المفتوحة وتنوين الراء وهي جمع ظفر وهو أحد أنواع القسط وهو طيب الرائحة يتبخر به فإن ثبتت هذه الرواية فلعل الظفر عمل مثل الخرز فأطلقت عليه جزعًا تشبيهًا به ونظمته قلادة إما لحسن لونه أو لطيب رائحته، وقد حكى ابن التين أن قيمته كانت اثني عشر درهمًا وهذا يؤيد أنه ليس جزعًا ظفاريًا إذ لو كان ذلك لكانت قيمته أكثر من ذلك كذا في فتح الباري [8/ 459]. ووقع في رواية الواقدي (فكان في عنقي عقد من جزع ظفار كانت أمي أدخلتني به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القرطبي: والصواب جزع ظفار بلا همزة كما

فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ. وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي. فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ. وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ. قَالَتْ: وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا، لَمْ يُهَبَّلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ. إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله ابن السكيت، وفي الصحاح ظفار مثل قطام مدينة باليمن يقال: من دخل ظفار حمّر وجزع ظفاري منسوب إليها وكذلك عود ظفاري وهو العود الذي يُتبخر به، وقيل اسم جبل وكان أهلها من حمير تُنسب إليها القلائد الثمينة وعلى هذا فمن قال فيه جزع أظفار بألف فقد أخطأ وبالوجه الصحيح رويته أنا اه من المفهم بتصرف وزيادة. قالت عائشة: (فرجعت) إلى المكان الذي ذهبت إليه أولًا لقضاء حاجتي فضاعت القلادة فيه (فالتمست) أي طلبت فيه (عقدي وحبسني) أي منعني وأبطأني عن الرجوع إلى منزلي (ابتغاؤه) أي طلب ذلك العقد في ذلك المكان الذي ضاع فيه، وفي رواية الواقدي: (وكنت أظن أن القوم لو لبثوا شهرًا لم يبعثوا بعيري حتى أكون في هودجي) (وأقبل) ولأبي ذر (فأقبل) بالفاء بدل الواو (الرهط الذين كانوا يرحلون لي) بفتح التحتية وسكون الراء وفتح الحاء المهملة مع التخفيف، والرهط ما دون العشرة أي يشدون الرحل على بعيري ويجعلونه عليه، وذكر الحافظ عن الواقدي أن أحدهم كان أبا موهوبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو مويهبة الذي روى عنه عبد الله بن عمرو بن العاص حديثًا في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته أخرجه أحمد وغيره، وقال البلاذري: شهد أبو مويهبة غزوة المريسيع وكان يخدم بعير عائشة رضي الله تعالى عنها (فحملوا هودجي) أي أخذوه (فرحلوه) بالتخفيف أي شدوه (على بعيري الذي كنت) أنا (أركبـ) ــه (وهم يحسبون) أي يظنون (أني فيه) أي في هودجي (قالت) عائشة: (وكانت النساء إذ ذاك) أي في ذلك الزمن (خفافًا) أي خفيفات غير ثقيلة (لم يهبّلن) بضم الياء وفتح الهاء والباء المشددة المفتوحة على صيغة المبني للمجهول أي لم يثقلن باللحم يقال هبّله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه فيجوز فيه ضم الياء وسكون الهاء وتخفيف الباء من باب أكرم، ويحتمل أن يكون بفتح الياء وسكون الهاء وضم الباء يَهْبُلن (ولم يغشهن اللحم) أي لم يغطهن اللحم (إنما يأكلن) النساء (العلقة) بضم العين وسكون اللام وبالقاف أي القليل (من الطعام) ويُقال لها أيضًا البلغة، قال في المصباح:

فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ انقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ. وَكُنْتُ جَارِيةً حَدِيثَةَ السِّنِّ. فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا. وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ. فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال فلان لا يأكل إلَّا علقة أي إلَّا ما يُمسك نفسه ويسد رمقه، قال القرطبي: كان المراد بها الشيء القليل الذي يسكت الرمق ويقال له البلغة أيضًا والحاصل أن النساء وقتئذٍ كن لا يأكلن الكثير من الطعام فكن خفيفة الوزن فكانت عائشة رضي الله تعالى عنها كذلك فلما حمل الهودج أصحابه لم يشعروا بأنها ليست جالسة فيه وظنوا أنها فيه فرحلوا (فلم يستنكر القوم) الذين حملوا الهودج (ثقل الهوج) أي لم يشعروا عدم ثقله ولم ينتبهوا له (حين رحلوه) أي حين حملوه (ورفعوه) على البعير وشدوه عليه، قالت عائشة: (وكنت) أنا (جارية) أي بنتًا (حديثة السن) أي قليلة العمر وإنما بلغت حينئذٍ ذاك خمس عشرة سنة، ولعلها أشارت بذلك إلى خفة وزنها أو إلى بيان عذرها فيما فعلته من الحرص على العقد ومن استقلالها بطلبه في تلك الحال وترك إعلام أهلها بذلك. قوله: (ولم يستنكر القوم ثقل الهودج) وفي رواية البخاري (فلم يستنكر القوم خفة الهودج) وهي أوضح لأن مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه فكأنها تقول كانت لخفة جسمها بحيث إن الذين يحملون هودجها لا فرق عندهم بين وجودها فيه وعدمها اه قسطلاني. قوله: (وكنت جارية حديثة السن) قال القسطلاني: لأنها إذ ذاك لم تبلغ خمس عشرة سنة أي إنها مع نحافتها صغيرة السن ففيه إشارة إلى المبالغة في خفتها أو إلى بيان عذرها فيما وقع منها من الحرص على العقد الذي انقطع واشتغلت بالتماسه من غير أن تعلم أهلها بذلك وذلك لصغر سنها وعدم تجاربها بالأمور (فبعثوا الجمل) أي أثاروه (وساروا) به أي وهم يظنون أنها عليه (ووجدت) أي رأيت (عقدي) أي قلادتي (بعدما استمر الجيش) هو استفعل من مر أي بعدما طال وبعُد مرورهم وذهابهم عني (فجئت) أنا (منازلهم) بصيغة الجمع أي منازل الجيش التي كانوا نازلين بها أولًا (وليس بها) أي والحال أنه ليس فيها (داع) أي مناد ينادي لضائعهم وطالب لمن بقي منهم فيها (ولا مجيب) لذلك المنادي من الضائعين الذين بقوا فيها، والمعنى أنه ليس فيها طالب ولا مطلوب، وفي رواية فليح عند البخاري (وجئت منزلهم وليس فيه أحد) قالت عائشة: (فتيممت) أي قصدت النزول والجلوس في (منزلي الذي كنت) نازلًا

فِيهِ. وَظَنَنْتُ أَن الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ. وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ، قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فيه) أولًا (وظننت) أي تيقنت، والظن هنا بمعنى العلم لأن فقدهم إياها محقق قطعًا وهو معلوم عندها (أن القوم) الذين يحملون هودجي (سيفقدوني) بكسر القاف وبنون واحدة، وفي رواية (سيفقدنني) بنونين لعدم الناصب والجازم والأولى محمولة على أنها لغة أو على حذف إحدى النونين لتوالي المثلين (فتيممت منزلي) .. إلخ أي قصدته ولزمت ذلك المكان وهذا من كمال عقلها وإلا فإن النساء في مثل تلك الحالة تغلب عليهن الفزع ويبعثهن على الاضطراب من مكان إلى مكان ولكنها علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطلبها أولًا إلَّا في نفس المكان الذي تركها فيه فلزمته أي فقصدت الجلوس والملازمة لمنزلي الذي نزلت فيه أولًا، والحال أني قد تيقنت أنهم يفقدونني قريبًا (فيرجعون إليّ) أي إلى منزلي الذي نزلت فيه لطلبي فيه (فبينا أنا جالسة في منزلي) أي فبينا أوقات جلوسي في منزلي الأول (غلبتني عيني) بالإفراد أي غلب النوم عيني (فنمت) بسبب شدة الغم إذ من شأن الغم وهو وقوع ما يكره غلبة النوم بخلاف الهم وهو توقع ما يكره فإنه يقتضي السهر وغلبة النوم من كمال طمأنينتها وثقتها بالله تعالى وإلا فالفزع في مثل هذه الحالة ربما يمنع من النوم أو أن الله تعالى لطف بها فألقى عليها النوم لتستريح من وحشة الانفراد في البرية بالليل اه قسطلاني (وكمان صفوان بن المعطل) بتشديد الطاء المفتوحة (السلمي) بضم السين وفتح اللام نسبة إلى سُليم قبيلة كبيرة له (ثم الذكواني) بفتح الذال المعجمة نسبة إلى بني ذكوان قبيلة صغيرة له لأنه نسبة إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهشة بن سليم وهو بطن من بني سليم، وكان صحابيًا فاضلًا شجاعًا خيِّرًا شاعرًا، أول مشاهده عند الواقدي الخندق وعند ابن الكلبي المريسيع وسيأتي آنفًا ما يدل على تقدم إسلامه كما بينا هناك، وقد ذكر ابن إسحاق أنه استشهد في غزاة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة، وقيل بل عاش إلى سنة أربع وخمسين فاستشهد بأرض الروم في خلافة معاوية رضي الله تعالى عنهما (قد عرس) ونزل في آخر الليل (من وراء الجيش) أي نزل في منزل كان خلف منازل الجيش، ووقع في حديث ابن عمر عند الطبراني وغيره بيان سبب تأخر صفوان ولفظه (سأل النبي صلى الله

فَادَّلَجَ. فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي. فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ. فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي. وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلَيَّ. فَاسْتَيْقَظْت بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي. فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي. وَوَاللهِ، مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ. حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم أن يجعله على الساقة فكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم أتبعهم فمن سقط له شيء أتاه به) وفي حديث أبي هريرة عند البزار وكان صفوان يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإداوة، وفي مرسل مقاتل بن حيان عند الحاكم في الإكليل (فيحمله فيقدم به فيعرفه في أصحابه) (فـ) لما ارتحل الجيش (أدلج) أي سار في آخر الليل وارتحل من منزله (فأصبح) أي فوصل وقت الصباح (عند منزلي فرأى سواد إنسان) أي شخص إنسان (نائم) لا يدري أهو رجل أم امرأة (فأتاني فعرفني حين رآني) لعلها انكشف وجهها نامت (وقد كان يراني) ولأبي ذر وكان رآني (قبل أن يضرب) ويُجعل (الحجاب عليّ) وعلى سائر النساء، وهذا يدل على قدم إسلام صفوان بن معطل فإن الحجاب نزل سنة ثلاث أو أربع في الأصح فلما رآني استرجع أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون (فاستيقظت) أي انتبهت من نومي (باسترجاعه) أي بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، والمراد أن صفوان لما رآها نائمة وحدها تفطّن أنها تخلفت عن الجيش فاسترجع على ذلك (حين عرفني فخمّرت) بالخاء المعجمة والميم المشددة أي فغطيت (وجهي بجلبابي) تعني الثوب الذي كان عليها وهو بكسر الجيم (و) إنه (والله ما يكلمني كلمة) وفي رواية البخاري (ما كلمني كلمة) والتعبير بالمضارع أحسن من الماضي لما فيه من الإشارة إلى أنه استمر على ترك المخاطبة إذ الماضي يخص النفي بحال الاستيقاظ اه قسطلاني (ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته) أي حتى أبرك وأضجع راحلته، فيه نفي لكلامه لها بغير الاسترجاع إلى أن أناخ ولا يمنع ما بعد الإناخة، وفي رواية أبي ذر (حين أناخ راحلته) فالنفي مقيد بحال إناخة الراحلة فلا يمنع ما قبل الإناخة ولا ما بعدها، وقد فهم أكثر الشراح من هذه العبارة أن صفوان لم يخاطبها بكلام غير أنه استرجع فقط فقالوا استعمل معها الصمت اكتفاء بقرائن الحال مبالغة منه في الأدب وإعظامًا لها وإجلالًا، ولكن قد دلت بعض الروايات الأخرى على أنه خاطبها بكلام يتوقع في مثله، فقد وقع في رواية ابن إسحاق أنه قال لها ما خلفك؟

فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا. فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ. حَتَّى أَتَينَا الْجَيْشَ. بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ. فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه قال لها: اركبي .. واستأخر، وفي رواية أبي أويس عند أبي عوانة والطبراني فاسترجع وأعظم مكاني أي حين رآني وحدي، وقد كان يعرفني قبل أن يُضرب علينا الحجاب فسألني عن أمري فسترت وجهي عنه بجلبابي وأخبرته بأمري فقرّب بعيره فوطئ على ذراعه فولاني قفاه فركبت، وفي حديث ابن عمر عند الطبراني فلما رآني ظن أني رجل فقال: يا نومان قم فقد سار الناس، وفي مرسل سعيد بن جبير عن ابن أبي حاتم فاسترجع ونزل عن بعيره وقال: يا أم المؤمنين ما شأنك فحدثته بأمر القلادة، ومن أجل هذه الروايات رجَّح الحافظ في الفتح [8/ 463] أن مرادها في حديث الباب نفي الكلام غير الاسترجاع إلى أن ينيخ راحلته لأن لفظها (ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته) تعني أنه لم يكلمها بشيء إلى أن أناخ راحلته، فأما بعد أن أناخها فقد كلمها بما وقع في الروايات الأخرى والله سبحانه وتعالى أعلم (فوطئ) أي قام (على يدها) أي ذراعها ليكون أسهل لركوبها ولا يحتاج إلى مسها (فركبتها فانطلق) حالة كونه (يقود) ويجر (بي الراحلة) وفي مرسل مقاتل بن حيان بالمهلمة عند الحاكم في الإكليل أنه ركب معها مردفًا لها، وما في الصحيح هو الصحيح (حتى أتينا الجيش) ووصلنا إليهم (بعدما نزلوا) حال كونهم (موغرين) أي نازلين وداخلين في وقت الوغرة أي في وقت شدة الحر (في نحر الظهيرة) أي في وقت وقوف الشمس ووصولها وسط السماء، وقوله: (موغرين) بضم الميم وكسر الغين المعجمة والراء المهملة أي نازلين في وقت الوغرة بفتح الواو وسكون الغين وهي شدة الحر وقت كون الشمس في كبد السماء، ومنه أُخذ وغر الصدر وهو توقده من الغيظ بالحقد وأوغر فلان إذا دخل في ذلك الوقت كأصبح وأمسى، وقوله: (في نحر الظهيرة) تأكيد لقولها موغرين فإن نحر الظهيرة أوّلها، والظهيرة بفتح المعجمة وكسر الهاء وصول الشمس منتهاها في الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى الصدر، ووقع في رواية ابن إسحاق (فوالله ما أدركنا الناس ولا افتقدت حتى نزلوا واطمأنوا طلع الرجل يقودني) (فهلك) بسبب الإفك (من هلك في شأني) وفي رواية أبي أويس عند الطبراني (فهنالك قال فيّ وفيه أهل الإفك ما قالوا) أي هلكوا بقذفها مع صفوان بن معطل رضي الله تعالى عنهما بما هي بريئة منه وأشارت بذلك إلى من تكلموا بالإفك وخاضوا في ذلك، ووقع في بعض الروايات أنهم عبد الله بن أُبي

وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ. فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. فَاشْتَكَيْتُ، حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، شَهْرًا. وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ. وَلاَ أَشعُرُ بِشَيْءِ مِنْ ذلِكَ. وَهُوَ يُرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، وزاد بعضهم عبد الله وأبا أحمد ابني جحش، وأنكر بعضهم كون حسان بن ثابت من جملة القاذفين فإنه أنكر ذلك صراحة (وكان الذي تولى) أي أسس ودبر واخترع واختلق (كبره) بكسر الكاف وضمها وسكون الباء وكبر الشيء معظمه أي كبر ذلك الإفك، والموصول في محل النصب خبر لكان مقدم على اسمه لإفادة الحصر و (عبد الله) اسمها مؤخر لأن العلم أعرف من الموصول ويجوز العكس و (ابن أُبي) بالرفع صفة أولى لعبد الله وهو اسم أبيه و (ابن سلول) صفة ثانية وهمزة الوصل تكتب لحصول الفاصل بين العلم وصفته، وسلول اسم أمه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث والمعنى على هذا الوجه وكان عبد الله بن أبي هو الذي اخترع معظم ذلك الإفك وأشاعه وهو رأس المنافقين في المدينة، والمراد أنه هو المرجع والمسؤول في أكثر ما قيل في الإفك لأنه هو الذي اخترع هذه التهمة الشنيعة (فقدمنا المدينة) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاشتكيت) أي مرضت (حين قدمنا المدينة شهرًا والناس يُفيضون) بضم أوله أي يخوضون، يقال أفاض في قول إذا أكثر منه، ووقع في حديث ابن عمر عند الطبراني وابن مردويه فشاع ذلك في العسكر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أشاع عبد الله بن أُبي ذلك في الناس فاشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي والناس يخوضون (في قول أهل الإفك) ويشيعونه والإفك بكسر الهمزة وإسكان الفاء هذا هو المشهور كما مر وحكى القاضي فتحهما جميعًا قال هما لغتان كنجس ونجس وهو الكذب أو أشده (و) الحال أني (لا أشعر) ولا أعلم (بشيء من ذلك) الإفك الذي يشيعونه، وفي رواية ابن إسحاق وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبويّ ولا يذكرون لي شيئًا من ذلك (وهو) ضمير شأن أو زائدة أي والشأن (يريبني) بضم الياء وفتحها من رابه الأمر وأرابه إذا أوقعه في شك مما يخاف عاقبته أي يشككني ويوهمني ذلك الإفك، وقوله: (في وجعي) متعلق بقوله: (أني لا) أرى أي يريبني ذلك الإفك أني لا أرى في وجعي هذا بما (أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم) من (اللطف) والرفق والشفقة (الذي

كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي. إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: "كَيفَ تِيكُمْ؟ " فَذَاكَ يَرِيبُنِي. وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ. حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ. وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا. وَلاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ. وَذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كنتُ أرى منه حين أشتكي) وأمرض قبل ذلك، واللطف بفتح اللام والطاء المهملة والفاء ولأبي ذر اللطف بضم اللام وسكون الطاء أي الرفق اه قسط (إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) عليّ بتشديد الياء كما عند البخاري (فيُسلِّم) على من في الدار (ثم يقول كيف تيكم؟ ) بكسر الفوقية وهو اسم إشارة للمؤنث مثل ذاكم للذكر والكاف لخطاب الحاضرين أي كيف حال هذه الفتاة التي تمرضونها هل خف مرضها أم لا؟ ولابن إسحاق (فكان إذا دخل قال لأمي وهي تمرضني: "كيف تيكم؟ " وفهمت أم المؤمنين من ذلك بعض الجفاء منه صلى الله عليه وسلم ولكنها لم تكن تدري السبب) ووقع في رواية أبي أويس (إلَّا أنه يقول وهو مارٌّ: "كيف تيكم؟ " ولا يدخل عندي ولا يعودني وسأل عن أهل البيت) وفي حديث ابن عمر: (كنت أرى منه جفوة ولا أدري من أي شيء) (فذاك) الذي أرى منه (يريبني) أي يشككني في تغير حاله (و) الحال أني (لا أشعر) ولا أعلم (بالشر) والإفك الذي تقوّله أهل الإفك (حتى خرجت) يومًا من بيتي قبل المناصع لقضاء حاجة الإنسان (بعدما نقهت) بفتح النون والقاف ويجوز كسرها أي بعدما أفقت من مرضي وحصلت لي الصحة ولكن لم تكمل لي القوة، وفي المصباح نقه من مرضه نقهًا فهو نقه من باب تعب إذا برئ ونقه ينقه من باب نقع لغة فهو ناقه، والناقه الذي أفاق من مرضه، ولم تتكامل صحّته والإنسان في هذه الحالة يغلب عليه الضعف (وخرجت معي أم مسطح) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء وبعدها حاء مهملات واسمها سلمى بنت أبي رهم القرشية كما سيأتي في الحديث (قبل المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة المناصع متعلق بخرجت الأول والمناصع بفتح الميم والنون وبعد الألف صاد وعين مهملتان اسم للمواضع التي كانت خارج المدينة كانوا يتبرَّزون فيها كما قالت (وهو) أي المناصع (متبرزنا) بفتح الراء المشددة أي موضع قضاء حاجتنا وهو اسم مكان من التبرز وهو الخروج إلى البراز لقضاء الحاجة والبراز الفضاء من الأرض التي من خرج إليها فقد برز أي ظهر وكُني به هنا عن الخروج للحدث (ولا نخرج) إليه (إلا ليلًا) ولا نخرج في النهار (إلى) دخول (ليل) آخر (وذلك) أي خروجنا

قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا. وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَب الأوُلِ فِي التَّنَزُّهِ. وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيوتِنَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى المناصع (قبل أن نتخذ) ونبني (الكنف) بضم الكاف والنون أي مواضع قضاء الحاجة جمع كنيف وهو الموضع الذي أُعدّ لقضاء حاجة الإنسان وهو في أصل اللغة الساتر لأنه يستر قاضي الحاجة عن أعين الناس حالة كون الكنف (قريبًا من بيوتنا) وأفرد الحال مع أن صاحبها جمع لأن فعيلًا يستوي فيه الجمع والمفرد أو منصوب بنزع الخافض أي قبل أن نتخذها في مكان قريب إلى بيوتنا ودورنا (وأمرنا) أي عادتنا في ذلك الوقت (أمر العرب) أي عادة العرب (الأول) بضم الهمزة وتخفيف الواو نعت للعرب جمع الأول بتشديدها وضبطه بعضهم (الأوّل) بفتح الهمزة وتشديد الواو فعلى هذا الوجه فهو مرفوع على أنه صفة للأمر (في التنزه) أي في طلب النزاهة والنظافة بالخروج إلى الصحراء فكانوا يتنزهون عن أن يكون في بيوتهم موضع تقضى فيه الحاجة والمراد أن العرب كانوا يخرجون إلى الفضاء لقضاء حوائجهم ولم يكونوا تخلقوا بأخلاق العجم باتخاذ الكنف في البيوت (وكنا نتأذى بـ) رائحة (الكنف) بـ (أن نتخذها عند بيوتنا) وجملة أن نتخذها صلة أن المصدرية أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من الكنف كما أشرنا إليه بتقدير الجار أي كنا نتأذى برائحة الكنف باتخاذها عند بيوتنا، وقوله: (فانطلقت أنا وأم مسطح) معطوف على خرجت (وهي) أي أُم مسطح أي اسمها سلمى (بنت أبي رهم) بضم الراء وسكون الهاء اسمه أُنيس مصغرًا (ابن المطلب بن عبد مناف وأمها) أي أم أم مسطح رائطة (ابنة صخر بن عامر) وقوله: (خالة أبي بكر الصديق) عطف بيان لابنة صخر فكانت أم مسطح بنت خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (وابنها) أي ابن أم مسطح (مسطح) بكسر الميم وسكون السين بوزن منبر (ابن أثاثة) بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف من غير تشديد (ابن عباد) بفتح العين وتشديد الباء (ابن المطلب) والمسطح بكسر الميم عود من أعواد الخباء وهو لقب له واسمه عوف وقيل عامر، وذكر الحافظ أن المعتمد هو الأول، وكان هو وأمه من المهاجرين الأولين، وكان أبوه مات وهو صغير فكفله أبو بكر لقرابة أم مسطح منه، وتُوفي مسطح سنة (34)

فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي. حِينَ فَرَغنَا مِنْ شَأْنِنَا. فَعَثَرَت أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا. فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ هـ وقيل (37) هـ بعد أن شهد صفين مع علي رضي الله عنهما. (فأقبلت) أي رجعت (أنا و) أم مسطح (بنت أبي رهم) من المناصع (قبل بيتي) أي جهة منزلي وحجرتي (حين فرغنا من) قضاء (شأننا) وحاجتنا (فعثرت) بالفاء والعين والراء المفتوحين، أي زلقت (أم مسطح في مرطها) أي في كسائها والمرط بكسر الميم وسكون الراء الكساء من صوف أو خز أو كتان أو إزار، وقال ابن فارس: ملحفة يؤتزر بها، وقال الهروي: المروط الأكسية، وضبطه ابن التين المرط بفتح الميم كذا في عمدة القاري. ثم ظاهر هذا الحديث أن أم مسطح إنما عثرت بعد أن قضت عائشة حاجتها ولكن وقع في رواية هشام بن عروة عند البخاري رقم [4757] (خرجت لبعض حاجتي ومعي أمُّ مسطح فعثرت وقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أُم مسطح تسبين ابنك؟ وسكتت ثم عثرت الثانية فقالت تعس مسطح فقلت لها تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت تعس مسطح فانتهرتها فقالت: والله ما أسبه إلَّا فيك فقلت: في أي شأني قالت فنقرت لي الحديث فقلت: وقد كان هذا؟ قالت نعم والله فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا) وكذلك وقع في رواية ابن إسحاق (فوالله ما قدرت أن أقضي حاجتي) وفي رواية ابن أبي أويس (فذهب ما كنت أجد من الغائط فرجعت عودي على بدئي) فهذه الروايات تدل على أنَّ أُمَّ مسطح عثرت في طريقهما إلى المناصع فرجعت عائشة رضي الله تعالى عنها دون أن تقضي حاجتها .. وجمع بينهما الحافظ بأن المراد من قولها في حديث الباب، وقد فرغنا من شأننا أي من شأن المسير لا من قضاء الحاجة وهو جمع مستبعد لأن لفظ حديث الباب صريح أنهما حين عثرت أم مسطح كانتا راجعتين على البيت فالتعارض بين هذه الرواية والروايات الأخرى واضح ولم أقف على طريق الجمع بينهما إلَّا أن يقال: إن أحد الرواة في حديث الباب وهم في تفصيل القصة والله سبحانه وتعالى أعلم اه من التكلمة. (فقالت) أُمُّ مسطح (تعس) بكسر العين وبفتحها لغتان مشهورتان (مسطح) أي أكبه الله على وجهه أو كَبَّ أو هلك أو لزمه الشر أو بعد، قالت عائشة: (فقلت لها) أي لأم

بِئْسَ مَا قُلْتِ. أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ، أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ، فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ. فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي. فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "كَيفَ تِيكُمْ؟ " قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسطح (بئس) وقبح (ما قلت) في ابنك يا أُمَّ مسطح (أتسبين) وتشتمين (رجلًا قد شهد بدرًا) أي غزوتها أي تدعين عليه بالهلاك (قالت) لي أم مسطح: (أي هنتاه) بفتح الهاء الأولى وسكون الأخيرة أي يا هذه (أ) تقولين ذلك (ولم تسمعي ما قال) مسطح، قالت عائشة (قلت) لها: (وماذا قال) أي وأيُّ شيء قال (قالت) عائشة: (فأخبرتني) أم مسطح (بقول أهل الإفك) قالت عائشة: (فازددت مرضًا) بما سمعته منها (إلى مرضي) الأول. قوله: (أي هنتاه) بفتح الهاء وسكون النون وفتحها والسكون أشهر وتُضم الهاء الأخيرة وتسكن على أنها هاء سكت، ومعناها يا هذه، وقيل يا مرأة، وقيل: يا بلهى كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم ثم صيغة النداء هذه تختص بنداء البعيد وتستعمل للقريب حيث ينزل منزلة البعيد، قال القسطلاني: أي يا هذه نداء للبعيد فخاطبتها خطاب البعيد لكونها نسبتها إلى البله وقلة المعرفة بمكايد النساء. هذا ملخص ما في العمدة والفتح وإعرابه أي حرف نداء هنتاه منادى نكرة مقصودة في محل النصب مبني على الضم أو مبني بضم مقدر على الألف إن قلنا إن الهاء الأخيرة للسكت. وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون قول أم مسطح تعس مسطح عمدًا لتتوصل به إلى إخبار عائشة بما قيل فيها وهي غافلة، ويحتمل أن يكون اتفاقًا أجراه الله على لسانها لتستيقظ عائشة عن غفلتها عما قيل فيها، قوله: (فأخبرتني بقول أهل الإفك) وفي رواية ابن أبي أويس عند أبي عوانة والطبراني (إن مسطحًا وفلانًا وفلانًا يجتمعون في بيت عبد الله بن أُبي يتحدثون عنك وعن صفوان يرمونك به). قوله: (فازددت مرضًا إلى مرضي) وفي رواية هشام عند البخاري وعند الطبراني بإسناد صحيح عن أيوب عن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليبًا فأطرح نفسي فيه. (قالت) عائشة كما هو ثابت في رواية البخاري (فلما رجعت إلى بيتي) أي واستَقْرَيتُ فيه (فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) الفاء زائدة في جواب لما (فسلم) على من في البيت (ثم قال كيف تيكم؟ قلت) جواب لما (أتأذن لي أن آتي أبويّ) وفي رواية هشام عند البخاري فقلت:

قَالَتْ، وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا. فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ. فَوَاللهِ، لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام) (قالت) عائشة: (وأنا حينئذٍ) أي حين إذ استأذنته (أريد أن أتيقن) هذا (الخبر) وأتثبت فيه تعني خبر أهل الإفك (من قبلهما) أي من جهتهما (فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) في إتيان أبويّ (فجئت أبوي فقلت لأمي) أم رومان (يا أمتاه) بسكون الهاء زيدت للندبة أو للوقف (ما يتحدث الناس) به أي أيَّ شيء يتحدثون به (فقالت) أمي: (يا بنية) تصغير بنت تصغير شفقة (هوِّني) الأمر (عليك) أي أمر الإفك فلا تهلك نفسك بالهمِّ، وفي رواية هشام (خففي عليك الشأن) (فوالله لقلّما) واللام فيه رابطة لجواب القسم مؤكدة له وقل فعل ماض من الأفعال الأربعة المكفوفة عن الفاعل بدخول ما الكافة عليها وهي قلما كثرما طالما قصرما وما كافة لها عن الفاعل وتكون قل للنفي (كانت) فعلى ماضٍ ناقص (امرأة) اسمها (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ملازمة للنفي متعلق بكان (وضيئة) أي حسنة جميلة من الوضاءة وهو الجمال صفة لامرأة وفي نسخة لمسلم (حظية) أي ذات منزلة ووجاهة عند زوجها (عند رجل) خبر كان (يحبها) صفة رجل (ولها) خبر مقدم (ضرائر) مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية حال من الضمير المنصوب في يحبها (إلا كثرن) تلك الضرائر أو أصدقاء تلك الضرائر أو نساء زمانها أي إلَّا كثرن القول (عليها) أي على تلك المرأة الوضيئة أي القول في نقصها وعيبها والمعنى ما كانت قط امرأة وضيئة عند رجل يحبها والحال أن لها ضرائر إلَّا أكثرن تلك الضرائر أو أصحابها القول فيها بالعيب والنقص، ويحتمل كون ما في قلما مصدرية وجملة كان في تأويل مصدر فاعل قل وقط زائدة لعدم النفي في قل والمعنى قل كون امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلَّا أكثرن القول فيها بالعيب والنقص. قوله: (ولها ضرائر) جمع ضرة، وزوجات الرجل ضرائر لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى بالغيرة والقسم وغيره والاسم منه الضِرُّ بكسر الضاد وحُكي ضمها. وقوله: (إلَّا كثرن) أي إلَّا أكثرن نساء زمانها القول في عيبها ونقصها فيكون الاستثناء منقطعًا أو

قَالَتْ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ، فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ أكثرن بعض أتباع تلك الضرائر القول فيها كحمنة بنت جحش أخت زينب أم المؤمنين فإن الحامل لها على القول كون عائشة ضرة أختها فيكون الاستثناء متصلًا لأن أمهات المؤمنين لم يقلن فيها شيئًا نظير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} فأطلق الإياس على الرسل والمراد بعض أتباعهم ولم تقصد أم رومان بقولها ولها ضرائر إلَّا أكثرن عليها قصة عائشة بنفسها وإنما ذكرت شأن الضرائر في العادة، وأما ضرائر عائشة وإن لم يصدر منهن شيء من القول فقد حصل ذلك ممن هو من أتباعهن كحمنة بنت جحش وأرادت أمها بذلك أن تهوِّن عليها بعض ما سمعت اه قسطلاني، قال الحافظ في الفتح: وفي هذا الكلام من فطنة أمها وحُسن تأتيها في تربيتها ما لا مزيد عليه فإنها علمت أن ذلك يعظم عليها فهونت عليها الأمر بإعلامها بأنها لم تنفرد بذلك لأن المرء يتأسى بغيره فيما يقع له وأدمجت في ذلك ما تطيب به خاطرها من أنها فائقة في الجمال والحظوة وذلك مما يعجب المرأة أن توصف به مع ما فيه من الإشارة إلى ما وقع من حمنة بنت جحش وأن الحامل على ذلك كون عائشة ضرة أختها زينب بنت جحش وأما ضرائرها فإنهن وإن لم يقع منهن في حقها شيء مما يصدر من الضرائر لكن وقع ذلك ممن لهن تبع كما وقع في حمنة لأن ورع أختها زينب منعها من القول في عائشة كما منع بقية أمهات المؤمنين وإنما اختصت زينب بالذكر لأنها التي كانت تضاهي عائشة في المنزلة اه منه. (قالت) عائشة (قلت) لأمي: (سبحان الله) صيغة تعجب من قول الناس فيها ما قالوا مع براءتها أي عجبًا لله، قال القسطلاني: تعجبت من وقوع مثل ذلك في حقها مع تحققها براءتها اه (وقد تحدث الناس بهذا) الإفك (قالت) عائشة: (فبكيت تلك الليلة) في بيت أمي (حتى أصبحت لا يرقأ) أي لا ينقطع (لي دمع ولا أكتحل) عيني (بنوم) لأن الهموم موجبة للسهر وسيلان الدموع، وفي رواية هشام بن عروة عند البخاري فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فقال لأمي ما شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذُكر من شأنها ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية إلَّا رجعت إلى بيتك، فرجعت ففي رواية مسلم حذف ما علم من رواية البخاري (ثم) رجعت إلى بيتي وبت

أَصْبَحْتُ أَبْكِي. وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ. يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُمْ أَهْلُكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ. وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ تلك الليلة لا يرقأ لي دمع حتى (أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد) بن حارثة حين استلبث الوحي أي أبطأ وتأخر نزوله حالة كونه (يستشيرهما في فراق أهله) تعني نفسها (قالت) عائشة: (فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله) مما يقوله أهل الإفك (وبالذي يعلم) ويعتقد (في نفسه) أي في قلبه (لهم) أي لأهله صلى الله عليه وسلم متعلق بيعلم وقوله: (من الود) بيان للموصول (فقال) أسامة: (يا رسول الله هم أهلك) العفائف اللائقات بك، وعبّر بالجمع إشارة إلى تعميم أمهات المؤمنين بالوصف المذكور أو أراد تعظيم عائشة (ولا نعلم) فيهم (إلَّا خيرًا) أي براءة مما يقوله الناس، ومعنى (هم أهلك) أي أن عائشة رضي الله تعالى عنها عفيفة لائقة بأن تكون أهلك، ووقع في بعض الروايات (أهلك) بالنصب بدون (هم) فهو مفعول لمحذوف تقديره أمسك أهلك ولا تسمع فيها أحدًا (وأما علي بن أبي طالب فقال): يا رسول الله (لم يُضيّق الله عليك والنساء سواها كثير) بلفظ التذكير على إرادة الجنس وفعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث إفرادًا وجمعًا، وقال ذلك لما رأى منه صلى الله عليه وسلم من شدة القلق فرأى أن بفراقها يسكن ما عنده بسببها فإذا تحقق براءتها فيراجعها اه قسطلاني. قال النووي: هذا الذي قاله علي رضي الله عنه هو الصواب في حقه لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده ولم يكن ذلك في نفس الأمر لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقله فأراد إراحة خاطره وكان ذلك أهم من غيره، وقال الحافظ في الفتح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها، وقال ابن أبي جمرة: لم يجزم علي بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله:

وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقَالَ: "أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ؟ " قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْراَ قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وسل الجارية تصدقك، ففوض الأمر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع على براءتها لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلَّا بما علمته وهي لم تعلم من عائشة إلَّا البراءة المحضة اه. ثم قال علي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن تسأل الجارية) أي بريرة عن حالها (تصدقك) الجارية أي تخبرك كلامًا صادقًا في شأنها وهو مجزوم على أنه جواب لإن الشرطية (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة) مولاة عائشة رضي الله تعالى عنهما، واستشكل قوله الجارية بريرة بأن قصة الإفك قبل شراء بريرة وعتقها لأنه كان بعد فتح مكة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن بريرة لما خُيرت واختارت نفسها كان زوجها مغيث يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة" والعباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من الطائف في أواخر سنة ثمان وذلك رد على ابن القيم حيث قال تسميتها بريرة وهم من بعض الرواة فإن عائشة إنما اشترت بريرة بعد الفتح ولما كاتبتها عقيب شرائها وعتقت خُيرت فاختارت نفسها فظن الراوي أن قول علي وإن تسأل الجارية تصدقك أنها بريرة فغلط قال وهذا نوع غامض لا يتنبه له إلَّا الحذاق اه وتبعه الزركشي فقال إن تسمية الجارية بريرة مدرجة من بعض الرواة وأنها جارية أخرى وأجاب السبكي بأجوبة أحسنها احتمال أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها وهذا أولى من دعوى الإدراج وتغليط الحفاظ اه قسطلاني (قالت) عائشة: (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال) لها (أي بريرة) أي يا بريرة (هل رأيت من شيء) أي شيئًا (يريبك) أي يُشَكِّكُكِ فيما قالوا لها (من عائشة؟ قالت له) صلى الله عليه وسلم (بريرة) مجيبة له على العموم نافية عنها كل نقص (والذي بعثك بالحق إن رأيت) أي ما رأيت فإن نافية (عليها) أي على عائشة (أمرًا) أي شيئًا (قط) أي فيما مضى من عمري (أغمصه) أي أعيبه (عليها) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الميم وصاد مهملة صفة لأمرًا أي أمر أعيبه في

أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. قَالَتْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ. قَالَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيتِي. فَوَاللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا. وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ جميع أمورها (أكثر) أي أمر أكثر (من أنها جارية) أي بنت (حديثة السن) أي صغيرة (تنام عن عجين أهلها) لصغر سنها ورطوبة بدنها (فتأتي الداجن) أي الشاة المعلوفة في البيت (فتأكله) أي فتأكل الداجن العجين الذي وكلت بحفظه لكثرة نومها، والداجن بدال مهملة وبعد الألف جيم مكسورة فنون آخره الشاة التي تقتنى في البيت وتعلف فيه ولا تخرج إلى المرعى وقد يطلق على غيرها مما يألف البيوت من الطير وغيره، والعجين الدقيق المعجون بالماء ولفظ رواية مقسم عن عائشة عند أبي عوانة والطبراني (ما رأيت منها مذ كنت عندها إلَّا أني عجنت عجينًا لي فقلت احفظي هذه العجينة حتى أقتبس نارًا لأخبزها فغفلت فجاءت الشاة فأكلتها). (قالت) عائشة: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر) بالذال المعجمة أي طلب أن يعذر ويسمح له في انتقامه (من عبد الله بن أبي ابن سلول) ولا يلام على الانتصار منه (قالت) عائشة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) في استعذاره (وهو) صلى الله عليه وسلم (على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني) ويسمح لي ولا يلومني في الانتقام (من رجل قد بلغ أذاه) أي إذايته (في أهل بيتي) الغاية القصوى، وقوله: (من يعذرني) بفتح أوله وكسر المعجمة من باب ضرب أي من يقيم عذري إن كافأته على قبيح فعله أو ينصرني (من رجل) يريد ابن أبي، وفي رواية البخاري (قد بلغني أذاه) بنون الوقاية في أهل بيتي أي في زوجتي، قال القاضي: فيه شكوى السلطان غيره ممن يؤذيه، ومعنى من يعذرني أي من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه ولا يلومني اه وقال بعضهم: من ينصرني والعذير الناصر (فوالله ما علمت على) ولأبي ذر في (أهلي إلَّا خيرًا) أي إلَّا براءة مما قالوا فيها (ولقد ذكروا) أي ذكر أهل الإفك في رميها (رجلًا) يعني صفوان بن معطل رضي الله عنه، وزاد الطبري في روايته (صالحًا) ووقع في رواية أبي أويس عند أبي عوانة والطبراني وكان صفوان بن معطل قعد لحسان فضربه ضربة قوية بالسيف وهو يقول:

مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا. وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي" فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا. وَلكِنِ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ تلق ذباب السيف مني فإنني ... غلام إذا هوجيت لست بشاعر فصاح حسان ففر صفوان فاستوهب النبي صلى الله عليه وسلم من حسان ضربة صفوان فوهبها له (ما علمت عليه إلَّا خيرًا) أي براءة مما قالوا فيه (وما كان) ذلك الرجل (يدخل على أهلي إلَّا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري) واستشكل كون سعد بن معاذ حاضرًا في قصة الإفك لأنه مات بعد الأحزاب متصلًا عند غزوة بني قريظة وكانت غزوة الخندق سنة أربع عند أكثر أصحاب السير وسنة خمس عند الواقدي وعلى كلا التقديرين كانت الأحزاب قبل غزوة المريسيع التي وقع فيها قصة أهل الإفك فكيف يكون سعد بن معاذ حاضرًا فيها؟ وأجاب العلماء عن هذا الإشكال بطرق مختلفة منها إن ذكر سعد بن معاذ في هذه الرواية وهم من أحد الرواة وإنما وقعت المكالمة هنا بين أسيد بن حضير الأوسي وبين سعد بن عبادة الخزرجي وبهذا جزم ابن حزم وابن عبد البر وابن العربي والقرطبي والقاضي عياض رحمهم الله تعالى كما في عمدة القاري [6/ 266] ورجح الحافظ ابن حجر نفسه أن كلًا من غزوة المريسيع والخندق وقعت سنة خمس (وما ذكره البخاري عن موسى بن عقبة من أن المريسيع وقعت سنة أربع سبق قلم) فيمكن أن تكون المريسيع وقعت قبل الأحزاب وحينئذٍ فلا إشكال في كون سعد بن معاذ حاضرًا في قصة الإفك والله أعلم، وقيل غير ذلك مما يطول بذكره الكلام (فقال) سعد: (أنا أعذرك) أي أنتقم لك (منه) أي من ذلك الرجل (يا رسول الله إن كان) ذلك الرجل (من الأوس) قبيلتنا (ضربنا عنقه) لأن حكمه فيهم نافذ إذ كان سيدهم ولأن من آذاه صلى الله عليه وسلم وجب قتله (وإن كان) ذلك الرجل (من إخواننا الخزرج أمرتنا) فيه بما شئت (ففعلنا) فيه (أمرك) فيه من القتل أو الجلد (قالت) عائشة: (فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج) بعد فراغ ابن معاذ من مقالته (وكان) ابن عبادة قبل ذلك (رجلًا صالحًا ولكن اجتهلته) في ذلك اليوم أي حملته (الحمية) أي العصبية من مقالة ابن معاذ على قول الجهل وأغضبته، قال النووي: كذا وقع لمعظم رواة مسلم (اجتهلته) بالجيم والهاء أي استخفته وأغضبته وحملته على الجهل، وفي رواية ابن ماهان (احتملته) بالحاء والميم

فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ. لَعَمْرُ اللهِ، لاَ تَفتُلُهُ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا رواه مسلم بعد هذا من رواية يونس وصالح وكذا رواه البخاري ومعناه أغضبته فالروايتان صحيحتان كذا في شرح النووي (فقال) سعد بن عبادة (لسعد بن معاذ كذبت) يا ابن معاذ (لعمر الله) قسمي بفتح العين أي بقاء الله قسمي (لا تقتله) أي لا تقتل ذلك الرجل بنفسك (ولا تقدر على قتله) بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنا نمنعك منه بل نقتله إن كان منا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إن أمرنا بقتله ولا سيطرة لك على الخزرج ولم يرد ابن عبادة الرضا بقول ابن أبي لكن كان بين الحيين مشاحنة زالت بالإسلام وبقي بعضها بحكم الأنفة فتكلم ابن عبادة بحكم الأنفة والعصبية ونفى أن يحكم فيه ابن معاذ، وليس المراد أنك لا تقدر على قتله ولو أمرك النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وحاشا سعد بن عبادة أن يقصد ذلك، وإنما المراد كما قال ابن التين عن الداودي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجعل حكمه إليك فلا تقدر على قتله، وأما قوله كذبت فالمراد منه قوله: (إن كان من الأوس ضربنا عنقه) فنسبه إلى الكذب في هذه الدعوى وأنه يقتله إن كان رهطه مطلقًا وأنه إن كان من غير رهطه إن أُمر بقتله قتله وإلا فلا فكأنه قال له بل الذي تعتقده على العكس مما نطقت به وأنه لو كان من رهطك ما أحببت أن يُقتل ولكنه كان من غير رهطك فأنت تحب أن يُقتل، وفي رواية ابن إسحاق فقال سعد بن عبادة لابن معاذ ما قلت هذه المقالة إلَّا أنك علمت أنه من الخزرج. والحاصل أن سعد بن عبادة قد فهم من كلام سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنهما أنه انتهز هذه الفرصة للحمل على الخزرج لأنه كان يعلم أن من ارتكب القذف في هذه الواقعة يتعلق بالخزرج فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وإنما جاء بذكر الأوس توطئة لكلامه لئلا ينسب إليه أنه يشير بقتل أحد من الخزرج فرد كلام سعد بن معاذ بناءً على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتله بعد وكأن هذا الزعم من سعد بن عبادة مبني على ما كان بينهم في الجاهلية من الضغائن وأن الإسلام وإن كان نجاهم منها ولكن كانت تظهر بعض آثارها في بعض الوقائع على مقتضى البشرية والله تعالى أعلم اه من التكملة. (فقام أً سيد بن حضير) بالتصغير فيهما الأنصاري الأوسي (وهو ابن عم سعد بن معاذ) الأوسي من رهطه فقال أسيد (لسعد بن عبادة) الخزرجي: (كذبت) يا ابن عبادة

لَعَمْرُ اللهِ، لَنَقْتُلَنَّهُ. فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ. حَتَّى هَمَّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ. قَالَتْ: وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذلِكَ. لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِيَ الْمُقْبِلَةَ. لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي. فَبَيْنَمَا هُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (لعمر الله لنقتلنه) بالنون ولو كان من الخزرج رهطك إذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنك) يا ابن عبادة (منافق تجادل) أي تخاصم وتدافع (عن المنافقين) تفسير لقوله فإنك منافق فليس المراد بقوله إنك منافق نفاق الكفر، قال المازري: إن ذلك وقع منه على جهة الغيظ والمبالغة في زجر سعد بن عبادة عن المجادلة لابن أبي وغيره ولم يرد النفاق الذي هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر ولعله صلى الله عليه وسلم إنما ترك الإنكار عليه لذلك اه، قوله: (تجادل عن المنافقين) لم يثبت عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه دافع عن ابن أبي ولا يتصور من مثله ذلك وإنما قال ما قال ردًا على ما فهم من كلام سعد بن معاذ من الحمل على الخزرج ومراد أسيد بن حضير أن نتيجة كلامه أن ينفع المنافقين الذين تولوا قذف عائشة رضي الله تعالى عنها (فثار) أي قام ونهض (الحيّان الأوس والخزرج) أي تناهضوا للنزاع والعصبية وتواثبوا أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (حتى همّوا) وقصدوا (أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم) أي يأمرهم بخفض الأصوات وجلوس كل في محله (حتى سكتوا) أي سكت الحيّان (وسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: (وبكيت يومي ذلك) الذي قام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر حالة كوني (لا يرقأ لي) أي لا ينقطع عني (دمع) يقال: رقأ الدمع إذا انقطع (ولا أكتحل بنوم) أي لا أنام أصلًا قليلًا ولا كثيرًا وهي استعارة جيدة كأنها قالت لم يأتني النوم حتى بمقدار ما يكون الكحل في عين المكتحل (ثم بكيت ليلتي المقبلة) لذلك اليوم (لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي) أي أبي وأمي (يظنان أن البكاء فالق) أي شاق كبدي) لكثرته أي أن كبدي انشق بسبب حزني وبكائي (فبينما) بميم (هما) أي

جَالِسَانِ عِنْدِي، وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا. فَجَلَسَتْ تَبْكِي. قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. قَالَتْ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ. وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ. قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ. يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ. وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ. فَاسْتَغْفِرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواي (جالسان عندي) في بيتي (وأنا أبكي) جملة حالية (استأذنت) جواب بينما أي طلبت الإذن في الدخول (عليّ امرأة من الأنصار) لم أر من ذكر اسمها (فأذنت لها) في الدخول فدخلت (فجلست) المرأة حالة كونها (تبكي) معي تحزنًا على (قالت) عائشة: (فبينا نحن) أي أنا وأبواي وتلك المرأة كائنون (على ذلك) الحال من بكائي وبكاء المرأة معي وجلوس أبويّ معي (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية هشام المذكورة (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي) وفي رواية ابن حاطب عند الطبري (وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على سرير وجاهي) وفي حديث أم رومان عند البخاري في المغازي رقم [4143] فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما شأن هذه؟ " قلت يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض، وقال: فلعل في حديث تحدث به قالت نعم فقعدت عائشة اه من التكلمة (فسلم) علينا (ثم جلس، قالت) عائشة: (ولم يجلس) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عندي مذ قيل لي ما قيل) أي بعدما قيل فيّ ما قيل من الإفك غير تلك الجلسة (و) الحال أنه (قد لبث) ومكث (شهرًا) كاملًا (لا يُوحى إليه في) بيان (شأني) وأمرى الذي نزل بي من إفك أهل الإفك (بشيء) من البيان والحكم (قالت) عائشة: (فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قال بالشهادتين (حين جلس) عندنا (ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه) أي فإن الشأن والحال (قد بلغني عنك) أي من جهتك (كذا وكذا) كناية عما رماها به أهلى الإفك، وهذا يدل على أن كذا وكذا يكنى بها عن الأحوال كما يكنى بها عن الأعداد اه مفهم (فإن كنت بريئة) أي خالصة من ذلك الإفك (فسيبرئك الله) سبحانه أي يظهر الله براءتك من ذلك الإفك قريبًا بوحي ينزله (وإن كنت ألممت) واقترفت (بذنب) أي وقع منك مخالفًا لعادتك (فاستغفري

اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيهِ" قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلًّمَ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً. فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله) تعالى (وتوبي إليه) منه. قوله (ألممت) من الإلمام وهو النزول النادر غير المتكرر، وقال الكرماني: أي فعلت ذنبًا مع أنه ليس من عادتك اه عيني، وقال في المصباح: اللمم بفتحتين مقاربة الذنب، وقيل هو الصغائر، وقيل هو فعل الصغيرة ثم لا يعاوده كالقُبلة ويقال ألم بالذنب فعله وألم الشيء قرب اه (فإن العبد إذا اعترف) وأقر على نفسه (بذنب ثم تاب) منه، فيه دليل على أن مجرد الاعتراف لا يغني عن التوبة بل إذا اعترف به متصلًا نادمًا اه مفهم (تاب الله عليه) أي قبل توبته المستكملة للشروط، قال الداودي: أمرها بالاعتراف ولم يندبها إلى الكتمان المفرق بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن ولا يكتمنه إياه لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك بخلاف نساء الناس فإنهن ندبن إلى الستر لأنفسهن مع التوبة منه (قالت) عائشة: (فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته) تلك (قلص) بالقاف واللام والصاد المهملة أي انقطع مني (دمعي) واستمسك نزوله (حتى ما أحس) ولا أجد (منه قطرة) أي نقطة، قال القرطبي ومعنى قلص انقض وارتفع وإنما كان ذلك لأن الحزن والموجدة قد انتهت نهايتها وبلغت غايتها ومتى انتهى الأمر إلى ذلك جف الدمع لفرط حرارة المصيبة كما قال الشاعر: عيني سُحّا ولا تشُحّا ... جل مصابي عن الدواء إن الأسى والبكا جميـ ... ـــعًا ضدان كالداء والدواء اه من المفهم، ويحتمل أيضًا أنها لما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم أنها إن كانت بريئة فسيبرئها الله قل حزنها وسكن جاشها فانقطع الدمع (فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال) أبي (والله ما أدري) ولا أعلم (ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ولأبي أويس (فقال: لا أفعل هو رسول الله صلى الله

فَقُلْتُ، وَأَنَا جَارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ: إِنِّي، وَاللهِ، لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُنم بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ. فَإِنْ قُلتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، لاَ تُصَدِّقُونِي بِذلِكَ. وَلَئِنِ اعْتَرَقتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُونَنِي. وَإِنِّي، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم والوحي يأتيه) قال الحافظ: إنما قالت عائشة لأبيها مع أن السؤال إنما وقع عما في باطن الأمر وهو لا اطلاع له على ذلك لكن قالته إشارة إلى أنها لم يقع منها شيء في الباطن يخالف الظاهر الذي هو يطلع عليه فكأنها قالت له: برئني بما شئت وأنت على ثقة من الصدق فيما تقول، وإنما أجابها أبو بكر بقوله: لا أدري، لأنه كان كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب بما يطابق السؤال في المعنى ولأنه وإن كان يتحقق براءتها لكنه كره أن يزكّي ولده وكذا الجواب عن قول أمها: لا أدري اه، قال الأبي: وفي قولها: (أجب عني) .. إلخ دليل على تقديم الكبير للكلام في مهمات الأمور ومخاطبة أولى الأمر، وقولها: (ما ندري) لأن الأمر الذي سألها عنه لم يقفا منه على زائد على ما عند النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي إلَّا حسن الظن بها اه منه (فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيما قال (فقالت) أمي: (والله ما أدري) ولا أعلم (ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم) قالت عائشة (فقلت) أنا في جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنا) أي والحال أني (جارية) أي بنت (حديثة السن) أي قليلة العمر وأنا أيضًا (لا أقرأ كثيرًا من القرآن) وهذا توطئة لعذرها في عدم استحضارها اسم يعقوب عليه السلام، وقوله: (إني والله) .. إلخ مقول قلت: (لقد عرفت) وتيقنت (أنكم قد سمعتم) وقبلتم (بهذا) الإفك الذي قيل فيّ (حتى استقر) ورسخ (في نفوسكم) أي في قلوبكم (وصدقتم به) أي بهذا الإفك، قيل مرادها من صدق به من أصحاب الإفك وضمت إليهم من لم يكذبهم تغليبًا (فإن قلت لكم إني بريئة) من هذا الإفك (والله) عز وجل (يعلم أني بريئة) منه، والجملة الاسمية معترضة بين إن الشرطية وجوابها اعترض بها لتأكيد الكلام (لا تصدقوني) فيما قلت لكم من براءتي ولا تقطعون (بذلك) أي بصدقي (ولئن اعترفت) وأقررت (لكم بأمر) أنا بريئة منه وأثبته على نفسي تعني ما قيل فيها من الإفك (والله) سبحانه (يعلم أني بريئة) منه (لتصدقونني) فيما أقررت لكم من قول أهل الإفك وحينئذٍ فالمرء مؤاخذ بإقراره (وإني

وَاللَّهِ، مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلاَّ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ. قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي. قَالَتْ، وَأَنَا، وَاللهِ، حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ. وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءتِي. وَلكِنْ، واللهِ، مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى. وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بَأَمْرٍ يُتْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ والله ما أجد لي ولكم مثلًا) أي شبهًا في سؤالكم وجوابي لكم (إلا كما قال أبو يوسف) عليهما السلام، وفي رواية أبي أويس (نسيت اسم يعقوب لما بي من البكاء واحتراق الجوف أي لا أجد لي في جواب سؤالكم إلَّا قولًا مثل قول أبي يوسف إذ قال لأولاده: (فصبر جميل) أي فصبري على ما قلتم صبر جميل لا جزع فيه (والله المستعان على ما تصفون) أي على ما تقولون من الكذب (قالت) عائشة (ثم) بعد مقالتي هذه (تحولت) أي تنقلت عن محل قعودي (فاضطجعت على فراشي) زاد ابن جريج ووليت وجهي نحو الجدار (قالت) عائشة: (وأنا والله حينئذٍ) أي حين إذ قلت تلك المقالة واضطجعت على الفراش (أعلم) أي أتيقن (أني بريئة) مما قال أهل الإفك (و) أعلم (أن الله) سبحانه (مبرئي) بميم مضمومة فموحدة مفتوحة فراء مشددة وهمزة مكسورتين فتحتية ساكنة أي مُظهر براءتي للناس (ببراءتي) أي بسبب براءتي مما قالوا حقيقة (ولكن) بتخفيف النون استدراك على قولها، وأعلم أن الله مُبرّئي (والله ما كنت أظن أن يُنزل في شأني وحي يُتلى) على رسول الله صلى الله عليه وسلم واللام في قولها (ولشأني) لام الابتداء (كان أحقر) وأهون (في نفسي) وقلبي (من أن يتكلم الله عز وجل فيّ) أي في بيان شأني وبراءتي (بأمر) أي بقرآن (يُتلى) أي يُقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الناس إلى يوم القيامة. قال القرطبي: وهذا الذي قالته عائشة دليل على أن الذي يتعين على أهل الفضل والعلم والعبادة والمنزلة احتقار أنفسهم وترك الالتفات إلى أعمالهم ولا إلى أحوالهم وتجريد النظر إلى لطف الله ومنته وعفوه ورحمته وكرمه ومغفرته وقد اغتر كثير من الجهال بالأعمال فلاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات وإجابة الدعوات وزعموا

وَلكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤيا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا. قَالَتْ: فَوَاللهِ، مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ، وَلاَ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْي، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ، فِي الْيَوْمِ الشَّاتِ، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أنهم ممن يُتبرك بلقائهم ويُغتنم صالح دعائهم وأنهم يجب احترامهم وتعظيمهم فيتمسَّح بأثوابهم وتُقبّل أيديهم ويرون أن لهم من المكانة عند الله تعالى بحيث ينتقم لهم ممن تنقّصهم في الحال وبحيث يؤخذ من أساء الأدب عليهم من غير إمهال وهذه كلها نتائج الجهل العميم والعقل غير المستقيم فإن ذلك إنما يصدر من جاهل متعجب بنفسه غافل عن جرمه وذنبه مغتر بإمهال الله عز وجل له عن أخذه ولقد غلب أمثال هؤلاء الأنذال في هذه الأزمان فاستتبعوا العوام وعظمت بسببهم على أهل الدين المصائب والطوام فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذه نفثات الصدور وإلى الله عاقبة الأمور اه من المفهم. (ولكني) بالتشديد استدراك على الاستدراك الأوَّل (كنت أرجو) وآمل من الله سبحانه (أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا) أي منامًا (يبرئني الله) تعالى أي يُظهر الله براءتي (بها) أي بتلك الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (قالت) عائشة: (فوالله ما رام) وفارق (رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه) الذي تشهد فيه وقال لي ما قال (ولا خرج من أهل البيت) الذين كانوا حاضرين حينئذٍ (أحد) ومعنى ما رام أي ما فارق وهو من رام يريم ريمًا من باب باع وأما رام يروم رومًا من باب قال فمعناه قصد، قال القرطبي: قوله: (ما رام مجلسه) أي ما برحه ولا قام عنه يقال رامه يريمه ريمًا أي برحه ولازمه ويقال: رمت فلانًا ورمت من عند فلان، قال الأعشى: أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم وأما رام بمعنى طلب فيقال منه رام يروم رومًا اه مفهم (حتى أنزل الله عز وجل) الوحي (على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه) صلى الله عليه وسلم (ما كان) دائمًا (يأخذه من البرحاء) بضم الموحدة وفتح الراء أي من العرق من شدة الوحي (عند الوحي حتى إنه) صلى الله عليه وسلم (ليتحدر) أي ليتصبب ويسيل (منه مثل الجمان) أي مثل الدر (من العرق في اليوم الشات) أي البارد (من ثقل) وشدة (القول الذي أُنزل عليه)

قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: "أَبْشِرِي. يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ" فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والبرحاء على زنة فعلاء شدة الحمى وغيرها وهو البرح أيضًا يقال لقيت منه برحًا بارحًا ولقيت منه البرحين والبرحين بضم الباء وكسرها أي الشدائد والدواهي. قوله: (مثل الجمان) بكسر الميم وسكون المثلثة مرفوعًا على أنه فاعل يتحدر والجُمان بضم الجيم وتخفيف الميم الدر، قال الشاعر: كجمانة البحري جاء بها ... غواصها من لجة البحر وقال الداودي: هو شيء كاللؤلؤ يُصنع من الفضة والأول هو المعروف اه قسطلاني، شُبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بحبات اللؤلؤ لمشابهتها في الصفاء والحسن. وقوله: (في اليوم الشات) متعلق بيتحدر أي يتصبب منه في يوم بارد من الشتاء أصله في اليوم الشاتي أي المنسوب إلى الشتاء، وفي المصباح شتا اليوم إذا برد فهو شات من باب قال إذا اشتد برده اه دهني تأمل، وزاد ابن جريج قال أبو بكر: فجعلت انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن ينزل من السماء ما لا مرد له وأنظر إلى وجه عائشة فإذا هو منبق فيطمعني فيها، وفي رواية ابن إسحاق من حديث عائشة فأما أنا فوالله ما فزعت قد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي، وأما أبواي فما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقًا من أن يأتي من الله تحقيق ما يقول الناس. (قالت) عائشة: (فلما سُرِّي) بالبناء للمجهول مع تشديد الراء أي كشف وأزيل (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) شدة ما يجده عند الوحي (وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يضحك) جملة حالية، وقوله: (فكان أول كلمة) جواب لما والفاء زائدة في جوابها وأول كلمة بالنصب على أنه خبر كان مقدم على اسمها وجملة (تكلم بها) صفة لكلمة وجملة قوله: (أن قال أبشري يا عائشة) في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم كان مؤخرًا والتقدير كان قوله أبشري يا عائشة أول كلمة تكلم بها حين سُرّي عنه الوحي (أما الله) عز وجل بتشديد ميم أما على أنها شرطية (فقد برأك) بالقرآن مما قاله أهل الإفك أي مهما يكن من شيء فالله قد برأك مما قالوا وأما الناس فقد افتروا عليك بهتانًا عظيمًا (فقالت لي أمي) أم رومان: (قومي إليه) صلى الله عليه وسلم لأجل ما بشرك به

فَقُلْتُ: وَاللهِ، لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ. وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللهَ. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي. قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] عَشْرَ آيَاتِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ بَرَاءَتِي. قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ، لاَ أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقلت) لها: (والله لا أقوم إليه) صلى الله عليه وسلم (ولا أحمد) أي ولا أشكر أحدًا (إلا الله) عز وجل (هو الذي أنزل براءتي) وزاد في رواية الأسود عن عائشة عند أبي عوانة والطبراني (وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانتزعت يدي منه فنهرني أبو بكر) قال ابن الجوزي إنما قالت ذلك إدلالًا وعتيًا كما يدل الحبيب على حبيبه، وروى الطبري وأبو عوانة عن مجاهد قال: قالت لما نزل عذرها قبّل أبو بكر رأسها فقلت: ألا عذرتني! فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت ما لا أعلم (قالت) عائشة: (فأنزل الله عز وجل) براءتي قوله في الكتاب العزيز: (إن الذين جاووا بالإفك عصبة) أي جماعة قليلة (منكم) أيها المؤمنون، وقوله: (عشر آيات) بدل من مفعول أنزل أي فأنزل عشر آيات إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقالت أيضًا (فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات) العشر لأجل (براءتي) وأقيم الحد على من أقيم عليه (قالت) عائشة (فقال أبو بكر) الصديق: (وكان ينفق على مسطح) بن أثاثة (لقرابته منه) كان ابن خالته (وفقره) أي لأجلهما (والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة) ما قال: قولها: (فأنزل الله عز وجل إن الذين جاؤوا بالإفك) قال الزمخشري لم يقع في القرآن من التغليظ في معصية مثل ما وقع في قصة الإفك بأوجز عبارة وأشبعها لاشتماله على الوعيد الشديد والعتاب البليغ والرجز العنيف واستعظام القول في ذلك واستشناعه بطرق مختلفة وأساليب متقنة كل واحد منها كاف في بابه بل ما وقع منها من وعيد عبدة الأوثان إلَّا بما هو دون ذلك وما ذلك إلَّا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير من هو نبيل اه ثم إن عائشة رضي الله تعالى عنها ذكرت هاهنا أن الذي نزل في هذه القصة عشر آيات وهي إلى قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)} لكن وقع في رواية عطاء الخراساني عن الزهري عند أبي عوانة في صحيحه والطبراني (فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا} .. إلى قوله .. {أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وعدد الآي إلى هذا الموضع اثنتا عشرة آية وبين الروايتين معارضة من حيث العدد وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأن عائشة ألغت الكسر هاهنا وقد يُجمع بينهما بأن ما نزل

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إِلَى قَوْلِهِ: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]. قَالَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ، إِنِّي لأحُبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَقَالَ: لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في خصوص تبرئة عائشة عشر آيات كما ذكرته هاهنا في هذه الرواية ثم بعدها حلف أبو بكر على أن لا ينفق على مسطح نزلت الآيتان ففصلت عائشة في رواية الباب، ووقع في رواية عطاء الإجمال فذكرت اثنتي عشرة بالجملة. قوله: (والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا) يؤخذ منه مشروعية ترك المؤاخذة بالذنب ما دام احتمال عدمه موجودًا لأن أبا بكر لم يقطع نفقة مسطح إلَّا بعد تحقيق ذنبه فيما وقع منه. (فأنزل الله عز وجل ولا يأتل) أي لا يحلف (أولو الفضل منكم) في الدين أبو بكر (والسعة) في المال من (أن يوتوا) وينفقوا (أولى القربى) والمساكين والمهاجرين في سبيل الله) صفات لموصوف واحد وهو مسطح لأنه كان مسكينًا مهاجرًا بدريًا (إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم) قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) لنا (حبان بن موسى) بن سوّار السُلمي المروزي (قال عبد الله بن المبارك) بن واضح الحنظلي المروزي (هذه) الآية يعني قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم (أرجى آية في كتاب الله) عز وجل لكونه بشر بالمغفرة من يعفو ويصفح عن خطإ غيره (فـ) لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (قال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه: (والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع) بالتخفيف (إلى مسطح النفقة التي كان ينفقـ) ـــها (عليه) أي على مسطح أولًا (وقال) أبو بكر: (لا أنزعها) أي لا أقطع تلك النفقة (منه) أي من مسطح (أبدًا) أي مدة حياتي وحياته، وفي رواية للطبراني أنه صار معطيه ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك (قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه

وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرِي: "مَا عَلِمْتِ؟ أَوْ مَا رَأَيْتِ؟ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي. وَاللهِ، مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا. قَالَت عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ. وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا. فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَهذَا مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم عن أمري) وشأني فيما تقوَّل عليّ أهل الإفك فقال لها: (ما علمت) في شأن عائشة (أو) قال: (ما رأيت) في شأنها بالشك من الراوي (فقالت) زينب له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أحمي سمعي وبصري) أي أصون وأحفظ سمعي وبصري من أن أقول سمعت ولم أسمع وأبصرت ولم أبصر (والله ما علمت) منها (إلا خيرًا) أي براءة مما قالوا فيها، قال القاضي في سؤالها الكشف عن الأمر المسموع لمن يهمه أو يعنيه وأما من غيره فتجسس ممنوع اه (قالت عائشة وهي) أي زينب (التي تُساميني) أي تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم وهي مفاعلة من السمو وهو الارتفاع (من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) أي هي التي تطلب من العلو والارتفاع والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب أو هي التي تعتقد أن لها مثل الذي لي عنده (فعصمها الله) أي حفظها (بالورع) من أن تقول قول أهل الإفك (وطفقت) بكسر الفاء أي جعلت أو شرعت (أختها حمنة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح النون فهاء تأنيث (بنت جحش تُحارب لها) أي تغضب لأختها زينب وتحكي مقالة أهل الإفك لتخفض منزلة عائشة وتُعلي منزلة أختها زينب (فهلكت) بالعقوبة (فيمن هلك) أي مع من هلك من أصحاب الإفك فحدَّت فيمن حد أو أثمت مع من أثم، ثم اختلف العلماء هل أقام النبي صلى الله عليه وسلم حد القذف على من ارتكبه في عائشة رضي الله تعالى عنها، وصحح الحافظ في الفتح أنه صلى الله عليه وسلم أقام الحد على الذين تكلموا بالإفك وفيهم عبد الله بن أُبي كما ثبت بحديث عائشة عند ابن إسحاق وبحديث أبي هريرة عند البزار وبرواية أبي أويس عند الحاكم في الإكليل. (قال الزهري) بالسند السابق (فهذا) الذي ذكرناه من الحديث السابق هو (ما

انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ. 6848 - (00) (00) وحدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِى الْحُلْوَانِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاِهيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ. كِلاَهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ. بِإِسْنَادِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى) ووصل (إلينا) بالسند السابق (من أمر هولاء الرهط) الذين تقولوا على عائشة رضي الله تعالى عنها بالإفك العظيم (وقال) ابن المبارك (في حديث يونس احتملته الحمية) أي أغضبته العصبية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 195]، والبخاري في (15) خمسة عشر بابًا منها في تفسير سورة النور باب إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم [4749]، والترمذي في تفسير سورة النساء [2179]، والنسائي في الطهارة باب بدء التيمم [310]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6848 - (00) (00) (وحدثني أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (حدثنا فليح) مصغرًا (ابن سليمان) بن أبي المغيرة الخزاعي أو الأسلمي أبو يحيى المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثنا الحسن بن علي الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قالا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح بن كيسان) الغفاري المدني، ثقة، من (4) (كلاهما) أي كل من فليح وصالح رويا (عن الزهري) غرضه بيان متابعتهما ليونس ومعمر، وساقا أي ساق فليح وصالح (بمثل حديث يونس ومعمر بإسنادهما) أي بإسناد يونس ومعمر يعني عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن عائشة رضي الله تعالى عنها

وَفِي حَدِيثِ فُلَيْحٍ: اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ. كَمَا قَالَ مَعْمَرٌ. وَفِي حَدِيثِ صَالِحٍ: احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ كَقَوْلِ يُونُسَ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ. وَتَقُولُ: فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ وَزَادَ أَيْضًا: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا كَشَفْتُ عَنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (و) لكن (في حديث فليح) وروايته لفظة (اجتهلته الحمية كما قال معمر وفي حديث صالح احتملته الحمية كقول يونس وزاد) إبراهيم بن سعد (في حديث صالح) بن كيسان وروايته لفظة (قال عروة كانت عائشة) رضي الله تعالى عنها (تكره أن يسب) ويشتم (عندها حسان) بن ثابت (وتقول) عائشة: لا تسبوا حسان (فإنه قال) في المدافعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإني أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء) أي وقاية عن طعن عرض محمد وهجوه وذلك لكمال حبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حسان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره فكرهت أن يذكر عندها بسوء، وتقدم في باب مناقب حسان عن السهيلي أنه لم يقع في القذف والله تعالى أعلم (وزاد) إبراهيم في حديث صالح (أيضًا) أي كما زاد فيه أولًا لفظة (قال عروة قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل) في رميه تعني به صفوان بن معطل رضي الله عنه (ليقول) عندما سمع الإفك الذي قيل فيه (سبحان الله) أي تنزيهًا لله تعالى وعجبًا لإفكهم (فوالذي) أي فأقسمت بالإله الذي (نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (ما كشفت عن كنف أنثى) أي ما كشفت أنا عن أنثى كنفها وثوبها للاستمتاع بها (قط) أي فيما مضى من عمري فكيف يأفكون عليّ يعني ما جامعتها في حرام أو كان حصورًا، والكنف هنا بفتح الكاف والنون الثوب الذي يستر المرأة وهو كناية عن كونه لم يقارب امرأة قط، وقد تقدم ما فيه في شرح قول عائشة في هذا الحديث (فأدلج فأصبح عند منزلي) (قالت) عائشة (ثم قُتل) ذلك الرجل (بعد ذلك) أي بعدما رموه (شهيدًا في سبيل الله) تعالى في

وَفِي حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: مُوعِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزاقِ: مُوغِرِينَ. قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا قَوْلُهُ مُوغِرِينَ؟ قَالَ: الْوَغْرَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ. 6849 - (00) (00) (حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنهما كما قاله ابن إسحاق (وفي حديث يعقوب بن إبراهيم) أي في روايته لفظة (موعرين في نحر الظهيرة) يعني بالعين المهملة من قولهم أوعر به الطريق أي صار وعرًا صعبًا، ولكن هذه الرواية ضعفها النووي، والصحيح موغرين بالغين المعجمة، وقد تقدم شرحه (وقال عبد الرزاق موغرين) بالغين المعجمة (قال عبد بن حميد قلت لعبد الرزاق ما قوله) أي ما معنى قول الراوي يعني عائشة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا (موغرين) في نحر الظهيرة (قال) عبد الرزاق هي مأخوذة من الوغر و (الوغرة شدة الحر) في وقت الظهيرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 6849 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني (قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، من (9) (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري (قالت) عائشة (لما ذُكر من شأني الذي ذُكر) من قول أهل الإفك (وما علمت) أي والحال أني ما علمت ولا سمعت (به) أي بالذي ذُكر في شأني (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) على المنبر (خطيبًا) جواب لما (فتشهد) أي أتى بالشهادتين (فحمد الله) تعالى بوصفه بالكمالات (وأثنى عليه) بتنزيهه من النقائص أي حمده وأثنى عليه (بما) أي بوصف وتنزيه (هو) سبحانه (أهله) أي مستحق له أو بوصف

ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ. أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُناسٍ أَبنُوا أَهْلِي. وَايمُ اللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ قَطُّ. وَأَبَنُوهُمْ، بِمَنْ، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلاَ دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ وَأَنَا حَاضِرٌ. وَلاَ غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلاَّ غَابَ مَعِي"، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، وَفِيهِ: وَلَقَدْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتي فَسَأَلَ جَارَيتِي. فَقَالَتْ: وَاللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ عَجِينَهَا. أَوْ قَالَتْ: خَمِيرَهَا - (شَكَّ هِشَامٌ) - فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وتنزيه هو أي ذلك الوصف أهله أي لائق به تعالى (ثم) بعد حمد الله وثنائه (قال: أما بعد أشيروا عليّ) أي تشاوروا لأجل (في) شأن (أناس) ورهط (أبنوا) وعيبوا (أهلي) ومعنى (أبنوا أهلي) بفتح الهمزة والباء المخففة أي اتهموا وعابوا يقال: أبنه يأبنه من بابي نصر وضرب إذا اتهمه ورماه بخلة سوء فهو مأبون (وأيم الله) أي واسم الله قسمي (ما علمت على أهلي من سوء) أي من عيب (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (وأبنوهم) أي وأبنى أهل الإفك أهلي وعابوهم (بمن) أي برجل بريء (والله ما علمت عليه من سوء) أي من عيب (قط) أي في زمن مضى من عمري (ولا دخل بيتي قط إلَّا وأنا حاضر) فيه يعني من اتهموا أهلي به يعني صفوان رجل لم يُعلم إلَّا خير (ولا غبت) أنا (في سفر إلَّا غاب) ذلك الرجل (معي وساق) أي ذكر هشام بن عروة (الحديث) السابق الذي ذكره الزهري (بقصته) أي ذكره هشام بتفاصيل قصته كما ذكره الزهري من تنازع الأنصاريين وتواثبهم حتى خفضهم النبي صلى الله عليه ويسلم (وفيه) أي وفي الحديث الذي ساقه هشام لفظة قالت عائشة (ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي) أي منزلي (فسأل جاريتي) أي خادمتي بريرة عن شأني وحالي (فقالت) له الجارية (والله ما علمت عليها) يا رسول الله (عيبًا إلَّا أنها كانت ترقد) وتنام فتستغرق في نومها (حتى تدخل الشاة) من الدواجن بيتها (فتأكل عجينها) أي دقيقها المعجون للخبز (أو) قال عروة (قالت) الجارية (خميرها) بدل عجينها (شك هشام) فيما قال عروة والخمير العجين المخلوط بالخميرة والخميرة ما يُخلط بالعجين ليصلح للخبز بسرعة (فانتهرها) أي فانتهر الجارية وأزعجها وخوّفها (بعض أصحابه) صلى الله عليه وسلم (فقال) لها ذلك البعض (اصدقي) من باب نصر أي أخبري (رسول الله صلى الله عليه وسلم) خبر

حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بهِ. فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ، وَاللهِ، مَا عَلِمْتُ عَلَيهَا إِلاَّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ. وَقَدْ بَلَغَ الأَمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي قِيَل لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَاللَّهِ، مَا كَشَفْتُ عَنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ صدق وقوله: (حتى أسقطوا لها) أي حتى صرّح أولئك البعض لها أي للجارية (به) أي بالأمر الذي جرى من الإفك غاية لقوله فانتهرها بعض أصحابه أو حتى أوقعوا لها في الأمر الذي جرى أو حتى قاربوا إسقاطها في الإفك، وفي رواية أبي أويس عند الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "شأنك بالجارية" فسألها عني وتوعدها فلم تخبره إلَّا بخير ثم ضربها وسألها فقالت والله ما علمت على عائشة سوءًا (حتى أسقطوا لها به) من قولهم أي أسقط الرجل إذا أتى بكلام ساقط، والضمير في قوله به للحديث أو للرجل الذي اتهموها به، وقال ابن الجوزي: حتى صرحوا لها بالأمر الذي جرى، وقيل حتى جاؤوا في خطابها بسقط من القول بسبب ذلك الأمر وضمير لها للجارية وبه عائد على ما تقدم من انتهارها وتهديدها وإلى هذا التأويل كان يذهب أبو مروان بن سرّاج، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون من قولهم سقط إلى الخبر إذا علمه والمعنى ذكروا لها الحديث وشرحوه (فقالت) الجارية: (سبحان الله والله ما علمت عليها) أي على عائشة (إلَّا ما يعلم الصائغ) الذي يصوغ ويسبك المعادن (على تبر الذهب الأحمر) بالغت في نفي العيب كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب والتبر: القطعة الخالصة من الذهب ووصفه بالأحمر صفة كاشفة، قالت عائشة: (وقد بلغ الأمر) أي أمر الإفك (ذلك الرجل الذي قيل له) أي عنه من الإفك ما قيل تعني صفوان فاللام هنا بمعنى عن كهي في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي عن الذين آمنوا كما قاله ابن الحاجب أو بمعنى في أي قيل فيه ما قيل فهي كقوله تعالى: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} أي في حياتي (فقال) ذلك الرجل (سبحان الله والله ما كشفت عن كنف أنثى) وسترها (قط) أي فيما مضى من عمري (قالت عائشة

وَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللهِ. وَفِيهِ أَيْضًا مِنَ الزِّيَادَةِ: وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ وَحَسَّانُ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وًيجْمَعُهُ. وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَحِمْنَةُ. 6850 - (2740) (101) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقُتل) ذلك الرجل تعني صفوان (شهيدًا في سبيل الله) في غزوة أرمينية في خلافة عمر رضي الله عنهماه وقوله: (وفيه) معطوف على قوله أولًا (وفيه ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وفي حديث هشام (أيضًا) أي كما قلنا أولًا وفيه (من الزيادة) على حديث الزهري (وكان الذين تكلموا به) أي بالإفك، والموصول خبر مقدم لكان واسمها قوله: (مسطح وحمنة وحسان) أي وكان هؤلاء الثلاثة من المسلمين الذين تكلموا بهذا الإفك مع المنافقين (وأما المنافق) الذي هو (عبد الله بن أُبي فهو الذي كان يستوشيه) أي يستوشي الإفك ويستخرجه (ويجمعه) بالبحث والمسألة عنه ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا يدعه يخمد وينعدم (وهو) أي عبد الله بن أُبي هو (الذي تولى) وأشاع (كبره) أي كبر الإفك ومعظمه (وحمنة) بنت جحش أخت أمهات المؤمنين زينب كذلك أي مثل عبد الله بن أُبي في إشاعته. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو براءة حرمه صلى الله عليه وسلم من الريبة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6850 - (2740) (101) (حدثني زهير بن حرب حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الصفّار الأنصاري البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابًا (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (أخبرنا ثابت) بن أسلم البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر القاضي عياض أنه كان قبطيًا وكان يتكلم مع مارية القبطية رضي الله تعالى

[تتمة]: -

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ: "اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ" فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اخْرُجْ. فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ. فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ. فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنهُ لَمَجْبُوبٌ، مَا لَهُ ذَكَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها لكونها من أهل وطنه فاتهمه بعض الناس من أجل ذلك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي) بن أبي طالب رضي الله عنه: (اذهب) يا علي إلى ذلك الرجل (فاضرب عنقه) أي فاقتله، وهذا الأمر مشكل جدًا لأن مجرد التهمة لا يكفي للحكم بقتل المتهم حتى يثبت ما يوجبه ببينة أو إقرار، والظاهر أنه لم يكن هناك إقرار ولا بينة لظهور أنه كان مجبوبًا، وذكر بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتله بسبب التهمة بل يحتمل أن يكون قد ارتكب فعلًا آخر يُوجب القتل أو كان من المنافقين ولكن يعكر عليه بأن عليًا رضي الله عنه أمسك عن قتله بعدما رآه مجبوبًا فلو كان السبب الموجب للقتل شيئًا آخر غير تهمته بالفاحشة لما أمسك عن ذلك، وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أنه مجبوب وأن عليًا سيرى منه ذلك فإنما بعثه لتنكشف حقيقته وترتفع تهمته اه من الأبي نقلًا عن القاضي عياض (فأتاه) أي فأتى ذلك الرجل (علي فإذا هو) أي ذلك الرجل (في) جوف (ركي) أي في بئر لم تطو (يتبرد فيها) أي يغتسل فيها طلبًا للبرودة (فقال له علي اخرج فناوله) علي (يده) بدل بعض من ضمير ناوله (فأخرجه) علي (فإذا هو مجبوب) أي مقطوع الذكر (ليس له ذكر فكف علي) نفسه (عنه) أي عن قتله (ثم أتى) علي (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر) فتركت قتله. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والله أعلم. [تتمة]: - قال القرطبي: وحديث الإفك هذا فيه أحكام كثيرة لو تُتبعت لطال الأمر فيها وأفضى إلى الملال ومن تفقدها من أهل الفطنة وجدها اه وقد سردها النووي في شرحه، والحافظ في الفتح قالا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) منها جواز أن يخدم الأجانب المرأة من وراء حجاب لأن رجالًا من الصحابة كانوا يحملون هودج عائشة رضي الله تعالى عنها وهي فيه. (2) ومنها جواز تحلي المرأة بالقلادة ونحوها في السفر لأن عائشة لبست القلادة في السفر ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3) ومنها أنه يستحسن للمرء أن يتفقد ماله ويصونه من الضياع وإن كان قليلًا لأن قلادة عائشة قليلة لأنها لم تكن من ذهب ولا فضة بل كانت من جزع ظفار وهي غير ثمينة ومع ذلك رجعت عائشة إلى موضع ضياعها مرة ثانية للبحث عنها. (4) ومنها أنه يجوز لبعض الجيش أن يتأخروا عن عامة الجيش لحاجة تعرض لهم. (5) ومنها أن الإنسان إذا ضاع من رفقته في السفر ينبغي له أن يلزم المكان الذي ضاع فيه ليتيسر وجدانه على رفقته إذا طلبوه لا سيما المرأة لأنه إذا فارق ذلك المكان ربما عسر وجدانه على الباحثين عنه. (6) ومنها أن الأدب أن لا يتكلم الرجل مع الأجنبيات بكلام كثير إذا خلا بهن في السفر كما فعل صفوان مع عائشة رضي الله عنهما. (7) ومنها أن الرجل إذا اضطر إلى السير مع الأجنبية في خلوة يتقدم عليها لتأمن من رؤية شيء من جسمها أمامه. (8) ومنها أن المرأة تغطي وجهها عن نظر الأجنبي سواء كان صالحًا أو طالحًا كما فعلت عائشة مع صفوان رضي الله عنهما. (9) ومنها إيثار ذوي الفضل والقدر بالركوب على دابتك وتحمل المشقة لأجل ذلك كما فعل صفوان مع عائشة رضي الله عنهما. (10) ومنها كتمان أقارب الإنسان عنه ما يؤذيه سماعه حتى يسمعه من غيرهم كما فعل بعائشة أهل بيتها حيث لم يخبروها بما أشاع فيها أهل الإفك حتى سمعت ذلك من أم مسطح. (11) ومنها جواز الإعراض عن ملاطفة الزوجة وحُسن المعاشرة معها عند إشاعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يقتضي النقص فيها لتتفطن بتغير حال الزوج فتتوب أو تعترف. (12) ومنها وجوب التثبت في أمر من أشيع فيه خبر قبيح وعدم اتهامه بسوء حتى يظهر ما يثبته بطريق شرعي. (13) ومنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالدفاع عنها من أولاد المرء كما سبت أم مسطح ولدها لدفاع الإفك عن عائشة رضي الله تعالى عنها. (14) ومنها أن أهل بدر لا يمنع وقوع الذنب منهم لأنهم غير معصومين ولكنه مقرون بالتوبة والمغفرة. (15) ومنها توقف خروج المرأة من بيتها على إذن زوجها ولو كان الخروج إلى بيت أبويها كما استأذنت عائشة رضي الله تعالى عنها للنبي صلى الله عليه وسلم. (16) ومنها جواز ذكر عيب يسير في المرء لدفع تهمة كبيرة عنه ولا يعد ذلك غيبة كما ذكرت الجارية نوم عائشة رضي الله تعالى عنها عن عجين أهلها ليستدل به على براءتها لأن ذلك أكبر ما رأت فيها من العيب ولكن ينبغي أن يذكر السبب في ذلك العيب اليسير كما قالت الجارية إنها جارية حديثة السن. (17) ومنها أن إدلال المرأة على زوجها لا ينافي تعظيمه فإن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم والله لا أقوم إليه. والله سبحانه وتعالى أعلم إلى غير ذلك من الأحكام المستنبطة من هذا الحديث. وصلنا إلى هذا المحل في التسويد في تاريخ 20/ 5/ 1428 هـ.

747 - (13) باب صفات المنافقين وأحكامهم

(13) باب صفات المنافقين وأحكامهم 6851 - (2741) (102) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى. حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيةَ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لأَصْحَابِهِ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 747 - 747 - (13) باب صفات المنافقين وأحكامهم 6851 - (2741) (102) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى) البغدادي أبو علي الأشيب، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا زهير بن معاوية) بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابًا (أنه سمع زيد بن أرقم) بن قيس بن النعمان الأنصاري الخزرجي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة) ومجاعة وعطش وهي سفر غزوة تبوك، وعند أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق وأيده ابن كثير بأن عبد الله بن أبي لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش لكن أيد في الفتح القول بأنها غزوة تبوك بقوله في رواية زهير هذه (في سفر أصاب الناس فيه شدة) اه قسطلاني (فقال عبد الله بن أُبي لأصحابه) من المنافقين (لا تنفقوا على من عند رسول الله) صلى الله عليه وسلم من المهاجرين (حتى ينفضوا) أي يتفرقوا عنه ويمشوا (من حوله) أي من عنده وجانبه ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وحيدًا. (قال زهير) بن معاوية بالسند السابق: (وهي) أي لفظة من حوله في قول ابن أبي (قراءة من خفض حوله) أي موافقة لقراءة من قرأ حوله بالخفض ولكن لفظ (من حوله) ليس موجودًا في القرآن الكريم ولم يقصد الراوي تلاوة الآية وإنما أراد حكاية كلام عبد الله بن أُبي، قال النووي: قوله: (وهي قراءة من خفض حوله) يعني قراءة من يقرأ (من حوله) بكسر ميم من وبجر لام حوله بها واحترز به عن القراءة الشاذة أي عن قراءة من يقرأ (مَنْ حَوْلَه) بفتح ميم من ولام حوله اه وقال بعض العلماء أن (من حوله) كان

قَالَ زُهَيْرٌ: وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ خَفَضَ حَوْلَهُ. وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةٍ ليُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ. فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَى فَسَأَلَهُ فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ موجودًا في قراءة عبد الله بن مسعود وقرأه بعضهم بكسر الميم واللام في لفظ (مِن حولِه) وبعضهم بفتحهما (مَن حَولَه) وعلى هذا الوجه الثاني تكون من الموصولة بدلًا من ضمير الفاعل في ينفضوا وعلى كلا التقديرين ليس هو موجودًا في القراءات المتواترة اليوم، والظاهر أنها كانت زيادة تفسيرية من قبل عبد الله بن مسعود وثبت أن مثل هذه الزيادات التفسيرية ربما سُميت بالقراءات والله سبحانه وتعالى أعلم (وقال) عبد الله بن أُبي أيضًا فهو معطوف على قوله: (فقال عبد الله بن أُبي) والله (لئن رجعنا) من عنده صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري (إلى المدينة ليخرجن الأعز) يريد نفسه (منها) أي من المدينة (الأذل) يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسبب قوله هذا ما مر في حديث جابر في نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا من كتاب البر والصلة أن رجلًا من المهاجرين كسع رجلًا من الأنصار فقال: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "دعوها فإنها منتنة" فسمعها عبد الله بن أُبي فقال لئن رجعنا إلى المدينة .. إلخ، فـ (قال) زيد بن أرقم: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) صلى الله عليه وسلم (بذلك) أي بما قاله ابن أُبي، فيه جواز رفع الأمور المنكرة للحاكم لا سيما فيما يخشى عود ضرره على المسلمين اه أبي. وفي مرسل الحسن عند عبد الرزاق (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلك أخطأ سمعك، لعلك شُبِّه عليك") وفي رواية البخاري: (فذكرت ذلك لعمي) سعد بن عبادة وليس هو عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج (أو لعمر) بن الخطاب بالشك (فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبي وأصحابه) .. إلخ فلا معارضة بين الروايتين لأنه في رواية مسلم أسقط الواسطة اختصارًا وفي رواية البخاري ذكرها إيضاحًا (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى عبد الله بن أُبي) ليسأله عن مقالته هذه (فسأله) النبي صلى الله عليه وسلم عنها (فاجتهد) عبد الله (يمينه) أي بالغ في يمينه وبذل وسعه فيها على أنه (ما فعل) أي ما قال ذلك

فَقَالَ: كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوهُ شِدَّةٌ. حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقِي: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1]. قَالَ: ثُمَّ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيسْتَغْفِرَ لَهُمْ. قَالَ: فَلَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4]. وَقَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام، وفي رواية البخاري (فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه) (فقال) ابن أُبي للناس وأشاع بينهم (كذب زيد) بن أرقم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أخبره بالكذب بما لم أقله (قال) زيد: (فوقع في نفسي) أي في قلبي (مما قالوه) يعني قولهم كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم (شدة) أي هم وحزن (حتى أنزل الله) عز وجل (تصديقي) قال النووي: فيه منقبة له أي ما يصدقني في كتابه العزيز يعني قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} وعند النسائي حتى بلغ {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} (قال) زيد (ثم دعاهم) أي دعا ابن أُبي وأصحابه (النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم) مما قالوا (قال) زيد: (فلووا رؤوسهم) أي عطفوها إعراضًا واستكبارًا عن استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم أي لوى عبد الله بن أُبي وأصحابه أي حركوا رؤوسهم إشارة إلى الإباء من استغفاره صلى الله عليه وسلم لهم ولفوا أعناقهم ووجوههم إلى وراء ظهورهم (وقوله) تعالى مبتدأ (كأنهم خشب) بإسكان الشين وضمها (مسندة) بتشديد النون مقول للمبتدإ والخبر قوله (وقال) زيد بن أرقم معناه (كانوا) أي كان المنافقون (رجالًا أجمل شيء) ممن له جمال، والواو في قوله (وقال) زيادة من النساخ كما هي ساقطة من رواية البخاري ولفظه (وقوله خشب مسندة قال: كانوا رجالًا أجمل شيء) وساقطة أيضًا من نسخة شرح الأبي في الداخل لا في الهامش، قال الحافظ ابن حجر: وهذا وقع في نفس الحديث وليس مدرجًا فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن عمرو بن خالد شيخ المؤلف فيه بهذه الزيادة وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن زهير اه قسطلاني. قوله: (كأنهم خشب مسندة قال: كانوا رجالًا أجمل شيء) قال الأبي قلت آية {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} نزلت توبيخًا لهم لأنهم كانوا رجالًا أجمل شيء وأفصحه منظرهم يروق وقولهم مخلب ولكن لم يغن ذلك عنهم بل كانوا كالخشب المسندة في أنهم لا أفهام لهم نافعة ولا نظير كالخشب المسندة في أنها أجرام لا عقول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم معتمدة على غيرها، ويحتمل أن المشبه بالخشب اصطفافهم في الأندية ولا أفهام لهم كالخشب، وكان من حديث زيد بن أرقم أن عبد الله بن أُبي خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة بني المصطلق وهي المريسيع - وهو ما في ناحية قديد مما يلي الساحل - فانتهى الناس إلى ماء سبق إليه المهاجرون وكأنهم غلبوا الأنصار عليه بعض غلب، فورد الماء الجهجاه - بفتح الجيمين وسكون الهاء الأولى - ابن قيس أو ابن سعد الغفاري وكان أجيرًا لعمر بن الخطاب بفرس لعمر ليسقيه فازدحم هو وسنان بن وبرة الجهني حليف لابن أُبي ابن سلول يعني حليفًا للأوس فكسع - بكاف وسين وعين مهملات مفتوحات - أي ضرب الجهجاه سنانًا فغضب سنان ودعا: يا للأنصار ودعا الجهجاه: يا للمهاجرين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما دعوى الجاهلية" فأُخبر، فقال: "دعوها فإنها منتنة" واجتمع ابن أُبي في قوم من المنافقين فقال لهم: قد كنت قلت لكم في هؤلاء الجلاليب فلم تسمعوا مني - وكان المنافقون يسمون المهاجرين الجلاليب - وقد تعالوا علينا والله ما مثلنا ومثلهم إلَّا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وقال لهم: إنما بقي هؤلاء المهاجرون مع محمد إلَّا لنفقتكم عليهم ولو قطعتموها تفرّقوا عنه وكان معهم زيد بن أرقم صغيرًا لا يُتحفظ منه فذهب زيد إلى عمه فأخبره بذلك فقال: يا زيد أغضبت عليه أو لعلك وهمت، فحلف زيد ما كان شيء من ذلك ولقد سمعته يقول ذلك فعتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أُبي في رجال من الأنصار فبلغ ذلك ابن أُبي فجاء وحلف أنه ما قال ذلك، ولقد كذب زيد فكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا وصدّق أيمان ابن أُبي فبقي زيد في منزله لا ينصرف حياءً من الناس، فنزلت هذه السورة عند ذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زيد وقال: "قد صدّقك الله يا زيد ووفت أذنك" فخزي ابن أُبي ومقته الناس ولامه المؤمنون من قومه، وقال له بعضهم: امض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بذنبك يستغفر لك فلوى رأسه إنكارًا لهذا الأمر وقال: قد أشرتم عليّ بالإيمان فآمنت وأشرتم عليّ بإعطاء زكاة مال ففعلت فلم يبق لكم إلَّا أن تأمروني بالسجود لمحمد صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية اه من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة

6852 - (2742) (103) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ - وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ - (قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ. فَأَخْرَجَهُ مِنْ قَبْرِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. وَنَفَثَ عَلَيهِ مِنْ رِيقِهِ. وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ. فَاللهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المنافقين [4900]، والترمذي في التفسير باب من سورة المنافقين [3309 و 3310]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زبد بحديث جابر رضي الله تعالى عنهما فقال: 6852 - (2742) (103) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) نسبة إلى ضبة بن أن بن طابخة أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قال ابن عبدة: أخبرنا وقال الآخران: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (أنه سمع جابرًا) ابن عبد الله (يقول): وهذا السند من رباعياته (أتى النبي صلى الله عليه وسلم) بالرفع على الفاعلية (قبر عبد الله بن أُبي) ابن سلول رئيس المنافقين (فأخرجه) النبي صلى الله عليه وسلم (من قبره فوضعه على ركبتيه ونفث) أي نفخ النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على ابن أُبي (من ريقه) الخفيف (وألبسه) النبي صلى الله عليه وسلم (قميصه) ثم دفنوه (فالله أعلم) بحكمة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم به ذلك، قيل إنما فعل ذلك به مبرة بابنه لأنه كان رجلًا صالحًا وأنه سأله أن يعطيه قميصه. وقد تقدم الكلام على ذلك. قوله: (فأخرجه من قبره) وكان أهل عبد الله بن أُبي خشوا على النبي صلى الله عليه وسلم المشقة في حضوره فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر بإخراجه إنجازًا بوعده في تكفينه بقميصه والصلاة عليه كذا في فتح الباري [3/ 139] وإنما فعل به النبي صلى الله عليه وسلم هذا مع علمه بكونه منافقًا إجراءً له على ظاهر حاله وإكرامه لابنه لأنه كان مؤمنًا صادقًا وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في باب اللباس باب لبس القميص [5795]، والنسائي في الجنائز باب إخراج الميت من اللحد [2019

6853 - (00) (00) حدّثني أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ، بَعْدَمَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. 6854 - (2743) (104) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَما تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، ابْنُ سَلُوَلَ، جَاءَ ابْنُهُ، عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ و2020] وباب القميص في الكفن [1901]، وابن ماجه في الجنائز باب في الصلاة على أهل القبلة [1523]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6853 - (00) (00) (حدثني أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي المعروف بحمدان النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابًا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني عمرو بن دينار) الجمحي المكي (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لسفيان بن عيينة (جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبي بعدما أُدخل حفرته) أي قبره (فذكر) ابن جريج (بمثل حديث سفيان) بن عيينة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بن أرقم بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 6854 - (2743) (104) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (لما تُوفي) ومات (عبد الله بن أُبي) اسم أبيه صفة أولى لعبد الله (ابن سلول) بمنع الصرف للعلمية والتأنيث بالرفع صفة ثانية اسم أمه ولذا كُتب فيه همزة الوصل لفصله عن موصوفه بالصفة الأولى كما هو القاعدة عند النحاة (جاء ابنه عبد الله بن عبد الله) بن أُبي

إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ. فَأَعْطَاهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا خَيرَنِي اللهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان رجلًا صالحًا، والجملة جواب لما (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله) أي سأل ذلك الابن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يعطيه قميصه) حالة كونه يريد أن (يكفن فيه أباه فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الابن قميصه، قال الكرماني: لِمَ أعطى قميصه لمنافق فأجاب بقوله أعطى لابنه وما أعطى لأجل أبيه عبد الله بن أُبي، وقيل كان ذلك مكافأة له على ما أعطى يوم بدر قميصًا للعباس لئلا يكون للمنافق عليهم منة اه (ثم سأله) أي ثم سأل ذلك الابن النبي صلى الله عليه وسلم (أن يصلي) النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على أبيه عبد الله بن أُبي صلاة الجنازة وإنما سأله ذلك بناءً على أنه حمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام ولدفع العار عنه وعن عشيرته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك اه عيني (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فأخذ) أي أمسك (بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) عمر: (يا رسول الله أتصلي عليه) أي على عبد الله المنافق (وقد نهاك الله) سبحانه وتعالى (أن تصلي عليه) أي على عبد الله وعلى سائر المنافقين، لعل عمر رضي الله عنه استفاد النهي من قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية، أو استفاد من قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية، فإنه إذا لم يكن للاستغفار فائدة فالصلاة عليهم تكون عبثًا فيكون منهيًا، وقال القرطبي: لعل ذلك النهي وقع في خاطر عمر فيكون من قبل الإلهام والفراسة كذا في العيني (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعمر: (إنما خيّرني الله) عز وجل بين الاستغفار لهم وترك الاستغفار لهم (فقال) الله سبحانه في تخييري ({اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]

وَسَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ" قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. 6855 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ (وسأزيده) أي أزيد الاستغفار لهم (على سبعين) مرة ليغفر الله لهم (قال) عمر (إنه) أي إن عبد الله بن أُبي (منافق) فلا ينبغي لك يا رسول الله أن تصلي عليه فأبى النبي صلى الله عليه وسلم من قبول قول عمر (فصلى عليه) أي على ابن أُبي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) معرضًا عما قال عمر (فأنزل الله عز وجل) في ذلك على وفق قول عمر قوله: ({وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}) التوبة: 84]. قوله: ({إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}) سد لباب الاستغفار والدعاء للمشركين، قال الزمخشري: (فإن قلت) كيف خفي على النبي صلى الله عليه وسلم أن السبعين مثل في التكثير لا تحديد وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاتهم (قلت): إنه لم يخف عليه ذلك ولكنه خيل بما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليهم كقول إبراهيم {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وفي إظهار النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة والرأفة لُطف لأمته ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض اه باختصار، قال في فتوح الغيب: قوله: (خيّل) أي صوّر في خياله أو في خيال السامع ظاهر اللفظ وهو العدد المخصوص دون المعنى الخفي المراد وهو التكثير اه منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في مواضع منها في تفسير سورة براءة باب {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [4672]، والترمذي في تفسير سورة التوبة [3098]، وهذا الحديث أخرجه المصنف أيضًا في باب فضائل عمر رضي الله عنه وتقدم تخريجه وشرحه هناك مبسوطًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 6855 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا: حدثنا يحيى) بن

(وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ، وَزَادَ: قَالَ: فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ. 6856 - (2744) (105) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ. قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ. أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ. قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ. كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ سعيد (وهو القطان عن عبيد الله) بن عمر بن حفص، غرضه بيان متابعة يحيى لأبي أسامة (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر، وساق (نحوه) أي نحو ما حدّث أبو أسامة (وزاد) يحيى القطان لفظة (قال) ابن عمر (فترك) النبي صلى الله عليه وسلم (الصلاة عليهم) أي على المنافقين بعد هذه الآية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث زيد بن أرقم بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما فقال: 6856 - (2744) (105) (حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) محمد العدني (المكي) صدوق، من (10) (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (20) بابًا (عن مجاهد) بن جبر المخزومي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن ابن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله: (اجتمع عند البيت) أي عند الكعبة (ثلاثة نفر قرشيان وثقفي) وذكر الثعلبي وتبعه البغوي أن الثقفي عبد ياليل بن عمرو بن عمير والقرشيان صفوان وربيعة ابنا أمية بن خلف اه فتح الباري [8/ 562] (أو) قال الراوي (ثقفيان وقرشي) وعند بشكوال القرشي الأسود بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريف والآخر لم يسم اه قسط، وهذا الشك من أبي معمر تلميذ مجاهد وأخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن ابن مسعود ولفظه ثقفي وختناه قرشيان ولم يشك وأخرجه المصنف في الرواية الآتية لكنه لم يسق لفظه، وفي رواية روح بن القاسم عند البخاري كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف، والختن بفتحتين كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ (قليل فقه قلوبهم) أي فهمها (كثير شحم بطونهم) فيه إشارة إلى سمنهم وإلى أن سمن الجسم ربما لا يجتمع مع

فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ اللهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ وَقَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا. وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إذَا جَهَرْنَا، فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ العقل والفهم الصحيح، وقال القاضي: وفي هذا تنبيه على أن الفطنة قلما تكون مع السمن اه وفي هذا الباب قيل: البطنة تذهب الفطنة وفي الأُبي قال الشافعي: ما رأيت سمينًا قط عاقلًا إلَّا محمد بن الحسن صاحمب أبي حنيفة (فقال أحدهم) أي أحد الثلاثة (أتُرون الله) بضم التاء أي هل تظنونه سبحانه (يسمع ما نقول) معاشر الثلاثة وهذا شاك في سماعه تعالى ولذلك سأل عن سماعه (وقال الآخر) بإسقاط الواو كما في رواية البخاري لأنها تحريف من النساخ لأن الكلام جواب لما قبله، وهو الثاني منهم (يسمع) سبحانه ما نقول (إن جهرنا) ورفعنا صوتنا (ولا يسمع إن أخفينا) وأسررنا قولنا ولم نرفعه ولم نجهره، وهذا قاسه سبحانه على المخلوق، ومقتضى كلامه أنه يسمع بعض كلامنا ولا يسمع بعضه (وقال الآخر) وهو الثالث منهم (إن كان) سبحانه (يسمع) ما نقول (إذا جهرنا) أي رفعنا صوتنا (فهو) سبحانه (يسمع إذا أخفينا) وأسررنا قولنا، قال في الفتح: فيه إشعار بأن هذا الثالث أفطن أصحابه وأخلق به أن يكون الأخنس بن شريف لأنه أسلم بعد ذلك وكذا صفوان بن أمية، وفي رواية روح المذكورة يسمع بعضه وبيان الملازمة في قول هذا الثالث كما قاله الكرماني أن نسبة جميع المسموعات إليه تعالى واحدة فالتخصيص تحكم اه قسطلاني (فأنزل الله عز وجل {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ}) أي ما كان لكم أن تستتروا من ({أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآية) [فصلت: 22] أي ما كان لكم أن تستتروا من أن يشهد عليكم أعضاؤكم عند الله تعالى، والحاصل أن الله يسمع ما تجهرون وما تخفون ويشهد على ذلك أعضاؤكم وتمام الآية {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ثم إن إدراج المؤلف هذا الحديث في باب صفات المنافقين لا يظهر له وجه لأن الآية إنما نزلت في المشركين المجاهرين لا في المنافقين ولعل مسلمًا أورده هنا من جهة أن ما يضمر المنافقون في صدورهم من النفاق يدل على أنهم يعتقدون أن الله تعالى لا يعلم ما في ضمائرهم ولا

(ح) وقال: حدثنا يحيى، حدثنا سفيان، حدثني منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بنحوه. 6857 - (00) (00) وحدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاَّدٍ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يسمع ما يخفونه كما زعم هؤلاء المشركون الذين نزلت فيهم الآية والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير حم السجدة باب {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} [4816] وفي التوحيد باب قول الله تعالى {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} [7521]، والترمذي في تفسير حم السجدة [3245]. (ح وقال) محمد بن أبي عمر العدني المكي (حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (حدثنا سفيان) الثوري (حدثني منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (عن مجاهد) بن جبر المخزومي المكي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لسفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن منصور بن المعتمر، وساق الثوري (بنحوه) أي بنحو حديث سفيان بن عيينة، وهذا التحويل مؤخر في أغلب النسخ عن محله ولذا قدمناه إلى محله قبل سند وهب بن ربيعة، المذكور قبله في أغلب النسخ كما يدل على هذا التقديم رواية البخاري؛ ولفظه (حدثنا عمرو بن علي) بن بحر الصيرفي البصري (حدثنا يحيى) أي القطان (حدثنا سفيان الثوري قال: حدثني منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بنحوه). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 6857 - (00) (00) (وحدثني أبو بكر) محمد (بن خلاد) بن كثير (الباهلي) الحافظ البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب مات سنة (240) على الصحيح (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) بن فروخ التميمي البصري القطان (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني سليمان) بن مهران الأعمش (عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن وهب بن ربيعة) الكوفي، روى عن ابن مسعود في

عَنْ عَبْدِ اللهِ. ح وَقَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. بِنَحْوِهِ. 6858 - (2745) (106) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، (وَهُوَ ابْنُ ثَابتٍ)، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ. فَرَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صفات المنافقين، ويروي عنه (م ت) وعمارة بن عمير، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة وهب بن ربيعة لأبي معمر عبد الله بن سخبرة، وساق وهب بن ربيعة (بنحوه) أي بنحو حديث أبي معمر، وغرضه بسوق هذه المتابعة بيان كثرة طرقه والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث زيد بن أرقم بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنهما فقال: 6858 - (2745) (106) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي وهو ابن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) بن زيد بن الحصين الأنصاري الأوسي الخطمي صحابي صغير رضي الله عنه، روى عن زيد بن ثابت، ويروي عنه (ع) وعدي بن ثابت، روى عنه في (6) أبواب (عن زيد بن ثابت) بن الضحاك بن زيد بن لوذان الأنصاري النجاري المدني، كاتب الوحي رضي الله عنه روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد) في غزوته (فرجع ناس ممن كان معه) صلى الله عليه وسلم أي رجعوا من الطريق وأبوا أن يشاركوهم في القتال وهم عبد الله بن أُبي وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة وقد ورد ذلك صريحًا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأن عبد الله بن أُبي كان وأفق رأيه رأي النبي صلى الله عليه وسلم على الإقامة بالمدينة فلما أشار غيره بالخروج وأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج، قال عبد الله بن أُبي

فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ. قَالَ بَغضُهُمْ: نَقْتُلُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ. فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88]. 6859 - (00) (00) وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. كِلاَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأصحابه أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا فرجع بثلث الناس، قال ابن إسحاق في روايته: فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان خزرجيًا كعبد الله بن أُبي فناشدهم أن يرجعوا فأبوا فقال لهم أبعدكم الله (فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) الذين بقوا معه صلى الله عليه وسلم (فيهم) أي في الذين رجعوا مع عبد الله بن أُبي أي في حكم من رجع مع عبد الله بن أُبي (فرقتين قال بعضهم نقتلهم) أي فرقة واحدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تقول يا رسول الله اقتل الذين رجعوا مع عبد الله بن أُبي فإنهم منافقون (وقال بعضهم لا) تقتلهم يا رسول الله فإنهم تكلموا بكلمة الإسلام (فنزلت) في اختلافهم آية ({فَمَا لَكُمْ}) أي فأيُّ شيء ثبت لكم أيها المؤمنون كنتم ({فِي}) حكم ({الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}) أي فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول لا نقتلهم [النساء: 88] وهذا هو الصحيح في سبب نزولها، قال الخازن: معنى هذه الآية فمالكم يا معشر المؤمنين صرتم في شأن المنافقين فرقتين فرقة تذب عنهم وفرقة تباينهم وتعاديهم فنهى الله الفرقة الذين يذبون عنهم وأمر المؤمنين جميعًا أن يكونوا على منهاج واحد في التباين لهم والتبرؤ منهم (والله أركسهم) يعني نكسهم في كفرهم وارتدادهم وردهم إلى أحكام الكفار بما كسبوا أي بسبب ما اكتسبوا من أعمالهم الخبيثة، وقيل بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النفاق اه تحفة الأحوذي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في التفسير تفسير سورة النساء باب {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [4589]، والترمذي في تفسير سورة النساء [3031]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 6859 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري ربيب شعبة (كلاهما)

عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 6860 - (2746) (107) حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ. قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَن رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ. وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ. وَحلَفُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كل من يحيى القطان وغندر رويا (عن شعبة) غرضه بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت (نحوه) أي نحو حديث معاذ بن معاذ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث زيد بن أرقم بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال: 6860 - (2746) (107) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (ومحمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب، كلاهما (قالا: حدثنا) سعيد بن الحكم بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم الفقيه المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (أخبرني زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (13) بابًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رجالًا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وحياته (كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه) في المدينة (وفرحوا بمقعدهم) مصدر ميمي أي بقعودهم في المدينة (خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم) من غزوه إلى المدينة (اعتذروا إليه) صلى الله عليه وسلم عن تخلفهم أي أظهروا إليه العذر والمانع لهم عن خروجهم معه (وحلفوا) له على كون ذلك

وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا. فَنَزَلَتْ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: 188] ـــــــــــــــــــــــــــــ العذر حقًا وصدقًا (وأحبوا أن يُحمدوا) أي أن يحمدهم الناس ويصفوهم (بما لم يفعلوا) أي بما ليس فيهم من الصدق في اعتذارهم وحلفهم عليه أي يحبون أن يصفهم الناس ويمدحوا لهم بما ليس فيهم من الصدق في اعتذارهم وأيمانهم عليه (فنزلت) آية ({لَا تَحْسَبَنَّ}) أي لا تظنن يا محمد المنافقين ({الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا}) أي بما فعلوا من الاعتذار إليك بعذر باطل ({وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا}) أي أن يصفهم الناس ({بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}) أي بالصدق في اعتذارهم والحلف عليه أي يحبون أن يقول لهم الناس هم معزرون في تخلفهم صادقون في اعتذارهم وأيمانهم. وقوله: ({فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ}) توكيد لفظي للفعل الأول والفاء فيه زائدة والموصول هو المفعول الأول للفعل الأول على قراءة التاء والثاني هو قوله ({بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ}) أي فلا تحسبنهم بمنجاة من العذاب أي فائزين بالنجاة من العذاب الذي أعده الله لهم في الدنيا من الفضيحة والقتل، ومن أراد البحث عن هذه الآية تفسيرًا وإعرابًا وبلاغة وتصريفًا ولغة فليراجع تفسيرنا الحدائق يظفر ما طلبه منها [آل عمران: 188] قوله: (فنزلت لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا .. إلخ) هكذا ذكره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه في سبب نزول الآية وأن المراد من كان يعتذر عن التخلف من المنافقين، وفي حديث ابن عباس الذي أخرجه المؤلف بعد هذا أن المراد من أجاب من اليهود بغير ما سُئل عنه وكتموا ما عندهم من ذلك ويمكن الجمع بين الحديثين بأن تكون الآية نزلت في الفريقين معًا وبهذا أجاب القرطبي وغيره وحكى الفراء أنها نزلت في قول اليهود نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة ومع ذلك لا يقرون بمحمد صلى الله عليه وسلم فنزلت {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وروى ابن أبي حاتم من طرق أخرى عن جماعة من التابعين نحو ذلك ورجحه الطبري ولا مانع من أن تكون نزلت في كل ذلك أو نزلت في أشياء خاصة وعمومها يتناول كل من أتى بحسنة ففرح بها فرح إعجاب وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه والله أعلم اه فتح الباري [8/ 233]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة النساء باب {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [4589]، والترمذي في تفسير سورة النساء [3031].

6861 - (2747) (107) حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ؛ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ، (لِبَوَّابِهِ)، إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا فرِحَ بِمَا أَتَى، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، مُعَذبًا، لَنُعَذَّبنَّ أَجْمَعُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث زيد بن أرقم بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 6861 - (2747) (107) (حدثنا زهير بن حرب وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالجمال، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (واللفظ لزهير قالا: حدثنا حجاج بن محمد) الأعور البغدادي المصيصي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (أخبرني) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي بكر المكي، ثقة، من (3) (أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (12) بابًا (أخبره) أي أخبر حميد لابن أبي مليكة (أن مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبا عبد الملك الأموي المدني، وكان يومئذٍ أميرًا على المدينة من قبل معاوية ثم ولى الخلافة في آخر سنة أربع وستين، ومات سنة خمس في رمضان وله ثلاث فيحدى وستون سنة، لا تثبت له صحبة من (2) الثانية، قال عروة بن الزبير: مروان لا يُتهم في الحديث اه تقريب (قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل) له (لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى) وفعل من الخير (وأحب أن يحمد بما لم يفعل) معطوف على فرح (معذبًا لنعذبن أجمعون) فلا ينجو أحد منا من العذاب لأن كلنا موصوف بذلك. وقوله معذبًا خبر كان وجملة لنعذبن جواب القسم وجواب الشرط معلوم منه. قوله: (قال لبوابه) .. إلخ وذلك حين اجتمع عند مروان أبو سعيد وزيد بن ثابت ورافع بن خديج فقال مروان: يا أبا سعيد أرأيت قول الله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية فقال أبو سعيد: إن هذا ليس من ذلك الذي ظننت إنما ذاك في ناس من المنافقين إن كان للمسلمين نصر وفتح حلفوا لهم على سرورهم بذلك ليحمدوهم على

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الآيَةِ؟ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَاب. ثُمَّ تَلاَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] هَذِهِ الآيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فرحهم وسرورهم رواه ابن مردويه فكأن مروان توقف في ذلك وأراد زيادة الاستظهار فقال (لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل) له (لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية على صيغة المجهول أي أُعطي (وأحب أن يُحمد) بضم أوله مبنيًا للمفعول (بما يفعل معذبًا) بالنصب على أنه خبر كان (لنعذبن) بضم النون وفتح الذال المشددة على صيغة المجهول (أجمعون) بالواو توكيد لضمير النائب لأن كلنا يفرح بما أوتي ويحب أن يحمد بما لم يفعل (وأما رافع) هذا فهو مولى مروان بن الحكم، روى عن ابن عباس في النفاق، ويروي عنه (خ م ت س) وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وعلقمة بن وقاص، وقال في التقريب: مقبول، من الثالثة، فهو داخل في سلسلة هذا السند. (فقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما منكرًا عليهم السؤال عن ذلك (ما لكم ولهذه الآية) أي أي غرض لكم للسؤال عن هذه الآية أي أي علاقة بينكم أيها المؤمنون وبين هذه الآية أي لا علاقة بينكم وبينها وذلك لأنها (إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب) يعني اليهود (ثم تلا ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]) أكمل (هذه الآية) ومعنى الآية واذكر يا محمد لأمتك قصة إذ أخذ الله العهد المؤكد باليمين من ({الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} أي من علماء اليهود والنصارى على ألسنة أنبيائهم {لَتُبَيِّنُنَّهُ} بالتاء حكاية لمخاطبتهم أي لتبينن ذلك الكتاب الذي أوتيتم {لِلنَّاسِ} ولتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار التي من جملتها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم للناس {وَلَا تَكْتُمُونَهُ} أي والحال أنكم لا تكتمون ولا تخفون ذلك الكتاب عن الناس ولا تؤولونه ولا تلقون الشُبه الفاسدة والتأويلات المزيفة إليهم وذلك بأن يوضحوا معانيه كما هي ولا يؤولوه ولا يحرّفوه عن مواضعه التي وُضع لتقريرها ويذكروا مقاصده التي أُنزل لأجلها حتى لا يقع اضطراب ولا لبس في فهمه {فَنَبَذُوهُ} أي نبذ علماؤهم ذلك الكتاب أو الميثاق وطرحوه {وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} أي خلف ظهورهم فلم يعملوا به ولم يبالوا به ولم يهتموا بشأنه {وَاشْتَرَوْا} أي أخذوا بكتمانه {ثَمَنًا قَلِيلًا} أي عوضًا يسيرًا من الدنيا من

وَتَلاَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ. وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ. فَخَرَجُوا قَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ. وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ. وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا، مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ، مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عوامهم وسفلتهم اه من الحدائق باختصار وتلخيص فراجعه إن أردت بسط المعنى (وتلا ابن عباس) أيضًا قوله تعالى: ({لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا}) أي بما فعلوا فرح إعجاب وكبر ({وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}) [آل عمران: 188] (وقال ابن عباس) في تفسيرها (سألهم النبي صلى الله عليه وسلم) أي سأل اليهود (عن شيء) قيل عن صفته عندهم بإيضاح (فكتموه) أي كتموا النبي صلى الله عليه وسلم (إياه) أي ذلك الشيء الذي سألهم (وأخبروه) صلى الله عليه وسلم (بغيره) أي بغير ذلك الشيء الذي سألهم أي وأخبروا بصفته في الجملة بغير إيضاح (فخرجوا) من عنده والحال أنهم (قد أروه) صلى الله عليه وسلم بفتح الهمزة والراء بـ (أن قد أخبروه) صلى الله عليه وسلم (بما سألهم عنه واستحمدوا) بفتح الفوقية مبنيًا للفاعل معطوف على أروه أي وطلبوا أن يحمدهم (بذلك) الإخبار على الإجمال (إليه) أي عنده صلى الله عليه وسلم (وفرحوا بما أتوا) وفعلوا (من كتمانهم إياه) صلى الله عليه وسلم (ما سألهم عنه) من نعوته. وسند هذا الحديث من سباعياته. وشارك المؤلف في روايته البخاري في تفسير سورة آلى عمران باب {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [4568]، والترمذي في تفسير سورة آل عمران [3018]. قال الحافظ ابن حجر: (رافع) هذا لم أر له ذكرًا في كتاب الرواة إلَّا بما جاء في هذا الحديث والذي يظهر من سياق الحديث أنه توجه إلى ابن عباس فبلغه الرسالة ورجع إلى مروان بالجواب فلولا أنه معتمد عند مروان ما قنع برسالته ومن ثم ألزم الإسماعيلي البخاري بأنه كان ينبغي له أن يصحح حديث بسرة في مس الذكر على هذا الأساس لأن مروان أرسل فيه شرطيًا يسأل بسرة عن حديث مس الذكر فأخبرته ولعل الفرق أن الشرطي هناك غير مسمى فهو مجهول مطلقًا بخلاف رافع هنا فإنه مسمى ولا يبعد أن يكون البخاري ومسلم قد عرفا كونه ثقة والله أعلم. وحاصل شبهة مروان أن كلًا منا

6862 - (2748) (108) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَمَّارٍ: أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ فِي أَمْرِ عَلِيٍّ، أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ أَوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ يفرح بما يعمل من الخير وربما يحب أن يُحمد بما يفعل وإن الله سبحانه وتعالى قد ذمّ هذا الصنيع وأخبر أنه موجب للعذاب ونتيجة ذلك أن يكون كل منا معذبًا، وحاصل جواب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت في اليهود الذين كانوا يكتمون أشياء من النبي صلى الله عليه وسلم ويفرحون بكتمانهم ويُظهرون له خلاف الواقع ويحبون أن يحمدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على ما أظهروه من خلاف الواقع فالموجب للعذاب هو فرحهم بكتمان الحقيقة وحبهم للحمد على كذبهم، أما فرح المسلمين بما فعلوه من حسنة فهو عاجل بشرى المؤمن كما جاء في الحديث إذا لم يكن على وجه العُجب والكبر اه تكملة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث زيد بن أرقم بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما فقال: 6862 - (2748) (108) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن الملقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا شعبة بن الحجاج) بن الورد العتكي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (30) بابًا (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوقي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابًا (عن قيس) بن عُباد بضم أوله مخففًا الضبعي من بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة أبي عبد الله البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (قال) قيس (قلت لعمار) بن ياسر بن عامر بن الحصين العنسي بنون ساكنة بين المهملتين المخزومي مولاهم المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه (أرأيتهم) أي أخبروني (صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي) بن أبي طالب ونصره على أهل الشام وتأييده ومؤازرته والقتال معه لأهل الشام (أ) قتالكم مع علي رضي الله عنه كان (رأيًا) أي اجتهادًا (رأيتموه) أي اجتهدتموه (أو) كان (شيئًا عهده) وأوصاه (إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم) في حياته. وهذا السند من ثمانياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن

فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَكِنْ حُذَيْفَةُ أَخْبَرَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّيَم. قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكفِيكَهُمُ الدُّبَيلَةُ، وَأَرْبَعَةٌ" لَمْ أَحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ صحابي وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض (فقال) لي عمار: (ما عهد) وأوصى (إلينا) معاشر المقاتلين مع علي (رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يعهده) ولم يوصه (إلى الناس كافة) أي جميعًا، قال الأبي: وتقدم الاتفاق على أن عليًا وأصحابه مصيبون في قتال أهل الشام وأنهم على الحق وأن الآخرين مجتهدون ولكن مخطئون (ولكن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي حليف الأنصار رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) حذيفة (قال النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابي) أي فيمن يُنسب إلى صحبتي وإلا فالمنافق لا يُسمى صحابيًا لكفره باطنًا ولذلك ورد الحديث في الرواية الآتية بلفظ "وإن في أمتي اثني عشر منافقًا" (اثنا عشر منافقًا فيهم) أي منهم (ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج) ويدخل (الجمل) أي فحل الإبل (في سم الخياط) أي في ثقب الإبرة يعني لا يدخلون الجنة أبدًا لأن دخول الجمل في ثقب الإبرة محال والمعلق بالمحال محال اه مبارق، والسم بتثليث السين والفتح أشهر وبه قرأ السبعة وهو ثُقب الإبرة ومعناه لا يدخلون الجنة أبدًا كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة أبدًا اه نووي (ثمائية منهم) أي من أولئك الاثني عشر (تكفيكهم) يا حذيفة أو أيها المخاطب أي يدفع عنك شرهم وضررهم (الدبيلة) بالتصغير أي الطاعون، قال أسود بن عامر (وأربعة) منهم أي من أولئك الاثني عشر (لم أحفظ) أنا (ما قال شعبة نيهم) أي في عقوبتهم (والدبيلة) بضم الدال تصغير الدبل بفتح الدال بمعنى الطاعون والدبيلة أيضًا الدامية وداء في الجوف كما في القاموس، وقال ابن الأثير في النهاية [2/ 99] هي خراج ودُمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبًا وهي تصغير دبلة وكل شيء جمع فقد دُبل ومثله في مجمع البحار. والمعنى أن ثمانية من هؤلاء المنافقين يموتون بالدبيلة فكأن الدبيلة تكفي المسلمين عن شرهم، وأما تخصيص الاثني عشر رجلًا في هذا الحديث مع أن المنافقين كانوا أكثر

6863 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: قُلْنَا لِعَمَّارِ: أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ، أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ؟ فَإِنَّ الرَّأْي يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. أَوْ عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من ذلك فلأن هذا الحديث يتعلق بقصة مخصوصة أخرجها الطبراني في الأوسط عن حذيفة قال: كنت آخذًا بزمام ناقته صلى الله عليه وسلم أقود وعمار يسوق أو عمار يقود وأنا أسوق به إذ استقبلنا اثنا عشر رجلًا متلثمين قال: "هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة" قلت: يا رسول الله ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله، فقال: "أكره أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه وعسى يكفينيهم الدُبيلة" قلنا: وما الدُبيلة؟ قال: "شهاب من نار يُوضع على نياط قلب أحدهم فيقتله" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [1/ 109] وقال: وفيه عبد الله بن سلمة وثقه جماعة، وقال البخاري: لا يُتابع على حديثه. وحاصل جواب عمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن بعض المنافقين يبقون بعده صلى الله عليه وسلم فيثيرون الفتن بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكأن عمارًا رضي الله عنه أشار إلى أن من قام حربًا على علي رضي الله عنه إنما فعل ذلك بتدليس من هؤلاء المنافقين وكان علي رضي الله عنه على حق فوجب علينا مؤازرته ونصره والله أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى من بين الأئمة الستة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 6863 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر الهذلي) ربيب شعبة (حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري (عن قيس بن عباد) الضبعي البصري (قال) قيس (قلنا لعمار) بن ياسر العنسي المدني. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لأسود بن عامر (أرأيت) أي أخبرنا (قتالكم) أي عن شأن قتالكم الذي قاتلتموه مع علي رضي الله عنه (أ) كان (رأيًا) واجتهادًا (رأيتموه) أي ظننتموه حقًا (فـ) إن كان رأيًا منكم فـ (إن الرأي) لا يؤمن لأنه قد (يخطئ و) قد (يصيب) أي يوافق الصواب (أو) كان قتالكم معه (عهدًا عهده) أي وصية أوصاها (إليكم رسول الله) فإن كان عهدًا

صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى الناسِ كَافَّةَ، وَقَالَ: إِن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي أُمَّتِي". قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: حَدَّثَنِي حُذَيْفَةُ. وَقَالَ غُنْدَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: "فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا، حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ. ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ. سرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ. حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ منه (صلى الله عليه وسلم) فهو حق (فقال) عمار: (ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يعهده) أي لم يوصه (إلى الناس كافة) أي جميعًا (وقال) عمار: ولكن أخبرني حذيفة (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في أمتي) اثني عشر منافقًا (قال شعبة وأحسبه) أي وأحسب قتادة (قال) في روايته لنا لفظة قال عمار: (حدثني حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه. (وقال غندر) بالسند السابق: (أراه) أي أظن شيخي شعبة (قال) في روايته لنا لفظة (في أمتي اثنا عشر منافقًا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها) أي رائحتها (حتى يلج) ويدخل (الجمل في سم الخياط) غاية لنفي دخولهم الجنة (ثمانية منهم تكفيكهم) أي تكفيك من شرهم (الدبيلة) بالتصغير وهي (سراج) أي التهاب (من النار يظهر) أثره (في أكتافهم) أي بين أكتافهم جمع كتف جمعها نظرًا إلى أفرادهم وإلا فلكل إنسان كتفان والكتفان العظمان الناتئان في أعلى الظهر بينه وبين الرقبة يعني أن الدبيلة سراج من نار أي دمل يظهر في أكتافهم وفيه حمرة وحرارة كأنها سراج وشعلة من نار يدخل في جوفهم (حتى ينجم) بضم الجيم من باب نصر أي حتى يطلع ويخرج (من صدورهم) جمع صدر يعني يحدث في أكتافهم جراح تظهر حرارتها من صدورهم فتقتلهم، وهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم للدبيلة عبر عنها بالسراج وهو شعلة المصباح للمبالغة اه من المبارق. وقوله صلى الله عليه وسلم: (في أمتي اثنا عشر منافقًا) وهم الذين قصدوا قتله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة مرجعه من تبوك حين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم مع

6864 - (2749) (109) حدّثنا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمار وحذيفة طريق الثنية والقوم بطن الوادي فطمع اثنا عشر رجلًا في المكر به فاتبعوه ساترين وجوههم غير أعينهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خشفة القوم من ورائه أمر حذيفة أن يردهم فخوّفهم الله تعالى حين أبصروا حذيفة فرجعوا مسرعين على أعقابهم حتى خالطوا الناس فأدرك حذيفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال لحذيفة: "هل عرفت أحدًا منهم؟ " قال: لا، فإنهم كانوا متلثمين ولكن أعرف رواحلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله تعالى عند الصباح" فمن ثمة كان الناس يراجعون حذيفة في أمر المنافقين، قيل أسر النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذه الفئة المشؤومة لئلا تهيج الفتنة من تشهيرهم اه من المبارق. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث زيد بن أرقم بحديث آخر لحذيفة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6864 - (2749) (190) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو أحمد الكوفي) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا الوليد) بن عبد الله (بن جُميع) مصغرًا الزهري المكي، صدوق، من (5) نزيل الكوفة وقد يُنسب لجده كما في متن مسلم، صدوق، من (5) روى عنه في (2) الجهاد والنفاق (حدثنا أبو الطفيل) بضم الطاء مصغرًا عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المكي وُلد عام أحد وهو آخر من مات من الصحابة على الإطلاق رضي الله عنه (قال) أبو الطفيل: (كان بين رجل من أهل العقبة) اسمه وديعة بن ثابت، قال النووي: هذه العقبة ليست العقبة المشهورة بمنى التي كانت بها بيعة الأنصار رضي الله عنهم وإنما هذه عقبة على طريق تبوك اجتمع المنافقون فيها للغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فعصمه الله تعالى منهم (وبين حذيفة) بن اليمان (بعض ما يكون) ويقع (بين الناس) من المنازعة والمشاغبة، قال القرطبي: وعنى أبو الطفيل بقوله: (بعض ما يكون بين القوم) الملاحاة والمعاتبة التي تكون غالبًا بين الناس،

فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: أَخْبِرْهُ إِذْ سَأَلَكَ. قَالَ: كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهَادُ. وَعَذَرَ ثَلاَثَةً. قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (أنشدك بالله) والقائل أنشدك بالله هو الرجل الذي لاجاه حذيفة وهو وديعة بن ثابت والقائل (كنا نخبر أنهم أربعة عشر فإن كنت فيهم فالقوم خمسة عشر) هو حذيفة، والمخاطب بذلك القول هو الرجل المعاتب السائل له بأنشدك الله، وظاهر كلام حذيفة أنه ما شك فيه لكنه ستر ذلك إبقاء عليه وهؤلاء الأربعة عشر أو الخمسة عشر هم الذين سبقوا إلى الماء فلعنهم النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه قبل عذر ثلاثة منهم لما اعتذروا له بأنهم ما سمعوا المنادي وما علموا بما أراد من كان منهم من المنافقين فإنهم أرادوا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يسبقوا إلى الماء، ويحتمل أن يريد بهم الرهط الذين عرضوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة ليقتلوه والله تعالى أعلم اه من المفهم (فقال) الرجل لحذيفة: (أنشدك) أي أسألك (بالله) الذي لا إله غيره (كم كان) أي كم أي عدد كان (أصحاب العقبة) أي أصحاب عقبة تبوك الذين أرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبو الطفيل (فقال له) أي لحذيفة (القوم) الحاضرون معهم (أخبره) أي أخبر يا حذيفة للرجل عما سألك عنه (إذ سألك) هذا الرجل حذيفة بالله العظيم (قال) حذيفة: (كنا نخبر) من بعض الناس بالبناء للمجهول أي كان بعض من رآهم أخبر لنا (أنهم) أي أن أصحاب العقبة (أربعة عشر) نفرًا، قال حذيفة: (فإن كنت) أنت أيها الرجل (منهم) أي من أصحاب العقبة (فقد كان القوم) أي عدد قوم أصحاب العقبة (خمسة عشر) معك، ثم قال حذيفة: (وأشهد) أي أحلف (بالله) العظيم (أن اثني عشر منهم) أي من خمسة عشر (حرب) أي محاربون (لله ولرسوله) صلى الله عليه وسلم (في الحياة الدنيا) لأنهم أرادوا قتله (ويوم يقوم الأشهاد) أي يوم القيامة يُعذبون على نفاقهم (وعذر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة) منهم لأنهم (قالوا ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي نادى بأمره بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة فلا يأخذها أحد (ولا علمنا بما أراد القوم) الذين أخذوا العقبة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من فتك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرادهم بالقوم الاثنا عشر الذين أرادوا الفتك والقتل به صلى الله عليه وسلم، وتفصيل هذه القصة أخرجه أحمد في مسنده [5/ 453] من طريق يزيد بن هارون عن الوليد بن عبد الله بن جُميع عن أبي الطفيل قال: لما أقبل (ورجع) رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر مناديًا فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة فلا يأخذها أحد، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة ويسوق به عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل غشوا عمارًا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: "قُد قُد" حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل ورجع عمار فقال: "يا عمار هل عرفت القوم؟ " فقال: قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون، فقال: "هل تدري ما أرادوا؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: "أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه" ورجال إسناده رجال الصحيح، وهذا الحديث أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير ومنه نقله الهيثمي في مجمع الزوائد [1/ 110] وقال رجاله ثقات. فالمراد من أهل العقبة هنا الرجال المتلثمون الذين أرادوا المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل المذكور هنا أعني في رواية مسلم كان من جملتهم واسمه وديعة بن ثابت كما ذكره في حديث لجابر رضي الله عنه عند الطبراني في الكبير بسند فيه الواقدي، ولفظه عن جابر قال: كان بين عمار بن ياسر ووديعة بن ثابت كلام فقال وديعة لعمار: إنما أنت عبد أبي حذيفة بن المغيرة ما أعتقك بعد، قال عمار: كم أصحاب العقبة؟ قال: الله أعلم! قال: أخبرني عن علمك؟ فسكت وديعة، قال من حضره: أخبره، وإنما أراد عمار أن يخبره أنه كان فيهم قال: كنا نتحدث أنهم أربعة عشر فقال عمار: فإن كنت فيهم فإنهم خمسة عشر فقال وديعة: مهلًا يا أبا اليقظان أنشدك الله أن تفضحني اليوم، فقال عمار: ما سميت أحدًا ولا أسميه أبدًا، ولكني أشهد أن الخمسة عشر رجلًا اثنا عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [1/ 11] وقال: فيه الواقدي وهو ضعيف وهذه الرواية مذكورة أيضًا في مغازي الواقدي [3/ 1044] بتغيير في بعض الألفاظ.

وَقَدْ كَانَ فِي حَرَّةِ فَمَشَى فَقَالَ: "إِنَّ الْمَاءَ قَلِيلٌ. فَلاَ يَسْبِقْنِي إِلَيهِ أَحَدٌ" فَوَجَدَ قَوْمًا قَدْ سَبَقُوهُ. فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن المذكور في رواية مسلم هنا أن هذا الكلام وقع بين حذيفة ورجل من أهل العقبة ولكن روايات أحمد والطبراني كلها متفقة على أن ذلك وقع بينه وبين عمار رضي الله عنه. ويمكن الجمع بأن كلًا من حذيفة وعمار كان موجودًا حينئذٍ، ويحتمل أيضًا أنه قد وقع من أحد الرواة اشتباه في تسمية الصحابي فإن قصة العقبة شهدها كل منهما فكان أحدهما يقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر يسوقها والله سبحانه وتعالى أعلم. قوله: (أخبره إذ سألك) إنما قالوا له ذلك لأن الرجل أبى في أول الأمر أن يُخبر بذلك كما ذكرنا عن حديث جابر وكان حذيفة يريد أن يظهر أنه كان من جملة أهل العقبة الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (فإن كنت منهم) هذا من كلام حذيفة رضي الله عنه وحُذف من هنا كلمة قال أي قال حذيفة للرجل وهذه الكلمة مصرح بها في روايات أحمد والطبراني. قوله: (وعذر ثلاثة) منهم أي من الخمسة عشر من أهل العقبة لأنهم لم يريدوا شرًا وإنما تبعوا غيرهم بسوء الفهم كما سيأتي. قوله: (ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي نادى بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة فلا يأخذها أحد كما تقدم من رواية مسند أحمد وكما بيناه في حلنا لمتن مسلم. قوله: (ولا علمنا بما أراد القوم) يعنون أننا تبعنا القوم من حيث لا ندري ما غرضهم. قال أبو الطفيل: (وقد كان) صلى الله عليه وسلم في مرجعه من تبوك (في حرة) أي في أرض ذات حجارة سود، ويُجمع على حرار، وهذه الجملة معطوفة على جملة قوله: (كان بين رجل من أهل العقبة) وهي من كلام أبي الطفيل فهي قصة أخرى غير قصة العقبة ذكرها أبو الطفيل هنا استطرادًا لأنها تتعلق ببعض المنافقين أيضًا أي وقد كان صلى الله عليه وسلم في حرة ليس فيها ماء فبلغه أن هناك ماءً قليلًا (فمشى) إليه فوجده قليلًا لا يكفي لرجلين (فقال: إن الماء قليل) لا يكفي لنا ويسمى ذلك الماء بالوشل كما سيأتي إن شاء الله موضحًا (فلا يسبقني إليه) أي إلى هذا الماء بالاغتراف منه (أحد) منكم حتى آتيه فأدعو الله عليه (فـ) لما أتى للدعاء عليه (وجد قومًا قد سبقوه) إلى ذلك الماء (فلعنهم) أي فلعن السابقين إليه (يومئذٍ) أي يوم إذ سبقوا إليه في مرجعهم من تبوك. وسند هذا الحديث من خماسياته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولفظ رواية أحمد في سنده قال الوليد بن جُميع وذكر أبو الطفيل في تلك الغزوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس .. وذُكر له أن في الماء قلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا فنادى أن لا يرد الماء أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فورده رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد رهطًا قد وردوه قبله فلعنهم يومئذٍ. ويظهر من روايات أهل السير أن هذه القصة وقعت مرتين مرة في سفره صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وقد مرَّت تلك القصة في كتاب مسلم في باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الفضائل حديث رقم [5901] من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى تبوك بيوم "إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله تعالى عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يُضحي النهار فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتي "فسبقه رجلان فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم. والقصة الأخرى وقعت عند رجوعه من تبوك فيما ذكره الواقدي في مغازيه [3/ 1039] ولفظه: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلًا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له وادي الناقة وكان فيه وشل - أي ماء قليل - يخرج منه في أسفله قدر ما يروي الراكبين أو الثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئًا حتى نأتي" فسبق إليه أربعة من المنافقين معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائي حليف في بني عمرو بن عوف ووديعة بن ثابت وزيد بن اللصيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أنهكم" ولعنهم ودعا عليهم، ثم نزل فوضع يده في الوشل ثم مسحه بأصبعه حتى اجتمع في كفه منه ماء قليل ثم نضحه ثم مسحه بيده ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به فانخرق الماء. ولعل المراد في حديث الباب هذه القصة الثانية وقوله: (وقد كان في حرة) المراد منه أنه صلى الله عليه وسلم حين أمر الناس بأن لا يسقين من الماء الوشل أحد حتى يأتيه كان في حرة أي في أرض ذات حجارة سود والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم من بين الأئمة الستة رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى تاسعًا لحديث زيد بن أرقم بحديث جابر رضي الله عنه فقال:

6865 - (2750) (110) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ، ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ، فَإنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَني إِسْرَائِيلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6865 - (2750) (110) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا قرة بن خالد) السدوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (12) بابًا (عن أبي الزبير) المكي الأسدي مولاهم محمد بن مسلم بن تدرس، ثقة، من (4) (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يصعد) اليوم هذه (الثنية) المعهودة لنا، وقوله: (ثنية المرار) بدل من الثنية بدل كل من كل (فإنه يحط) ويقال (منه) من الذنوب (ما حط) أي مثل ما حط وأُقيل (عن بني إسرائيل) من الذنوب أي غفرت خطاياه كما وُعد بنو إسرائيل حين قيل لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] يعني بذلك أن من صعد تلك الثنية غُفرت خطاياه كما كانت خطايا بني إسرائيل تحط وتغفر لو فعلوا ما أُمروا به من الدخول وقول الحطة لكنهم لم يفعلوا ما أمروا به بل تمردوا واستهزؤوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حنطة في شعرة وقد لا يبعد أن يكون بعضهم دخل على نحو ما أُمر به فغُفر له غير أنه لم ينقل ذلك إلينا. قوله: (كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل) يعني لما صعدوا كما أُمروا انجز لهم ما به وعدوا فإن الله تعالى لا يخلف الميعاد ولا رسوله، وقيل إن صاحب الجمل هو الجد بن قيس المنافق وينشد ضالته يطلبها يقال: نشدت الضالة من باب نصر طلبتها وأنشدتها من الإنشاد عرفتها وثنية المرار هي ثنية معروفة وعرة المرتقى فحث النبي صلى الله عليه وسلم على صعودها ولعل ذلك للحراسة اه من المفهم. قوله: (من يصعد الثنية) وهي الطريق العالي في الجبل الصاعد فيه و (المرار) بتثليث حركة الميم اسم موضع بين مكة والمدينة عند الحديبية وفي معجم البلدان للحموي [92/ 17] وثنية المرار هي ثنية في مهبط الحديبية من أسفل مكة وأُضيفت إلى المرار لكثرة المرار فيها والمرار بقلة مرة إذا أكلتها الإبل قلصت مشافرها وهي الثنية التي لما سلك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره إلى الحديبية بركت ناقته فقال الناس: خلأت القصواء فقال صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن

قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا، خَيْلُ بَنِي الْخَزرَجِ. ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَكلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ، إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الأحمَرِ" فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ، يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: وَاللهِ، لأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ حبسها حابس الفيل" ذكره ابن إسحاق كما في الروض الأنف للسهيلي [4/ 25]. ولعل تلك الثنية كان صعودها شاقًا على الناس إما لقربها من العدو أو لصعوبة طريقها .. إلخ كذا في المبارق، وقال في النهاية: وإنما حثهم على صعودها لأنها عقبة شاقة وصلوا إليها ليلًا حين أرادوا مكة سنة الحديبية اه ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصعد بعض أصحابه هذه الثنية ليطلع على خيل قريش فحض الصحابة على صعودها وبشر من يصعدها بأنه سوف تحط ذنوبه عنه. قال النووي: هكذا هو في هذه الرواية (المُرار) بضم الميم وتخفيف الراء بلا شك، وفي الرواية الآتية (المُرار أو المَرار) بضم الميم وفتحها على الشك، وفي بعض النسخ بضمها أو كسرها والمرار شجر مر والله أعلم اه. (قال) جابر بالسند السابق (فكان أول من صعدها) أي صعد تلك الثنية بنصب أول على أنه خبر كان مقدم على اسمها واسمها لفظ (خيلنا خيل بني الخزرج) أي وكانت خيلنا خيل بني الخزرج خيل أول من صعدها (ثم) بعد صعود خيلنا (تتام) أي تتابع (الناس) في صعودها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكلكم) أيها الصاعدون لها (مغفور له) ذنوبه، وقوله: (إلا صاحب الجمل الأحمر) استثناء من المغفور لهم فهو من تتمة كلام النبي صلى الله عليه وسلم قيل إنه الجد بن قيس المنافق وهو الذي تخلف عن بيعة الرضوان فيما ذكره ابن إسحاق، وفي الرواية الآتية (فإذا هو أعرابي جاء ينشد ضالة له) والظاهر منه أنه لم يكن في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان لحقهم وهو ينشد ضالة له فاستثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه المبشر لهم بالمغفرة (قال) جابر: (فأتيناه) أي فأتينا صاحب الجمل (نقلنا له: تعال) أي أقبل إلينا (يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) ذلك الصاحب: (والله لأن أجد ضالتي أحب إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم) أي نبيكم (قال) جابر: (وكان رجل ينشد ضالة له)

6866 - (00) (00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ حَبيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَصْعَدُ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ أَوِ اَلْمِرَارِ"، بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وإذَا هُوَ أَعْرَابِيٌّ جَاءَ يَنْشُدُ ضَالَّةَ لَهُ. 6867 - (2751) (111) حدّثني مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هو صاحب الجمل الذي استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الذين بشرهم بالمغفرة بقوله: (إلا صاحب الجمل الأحمر) وخبر كان محذوف كما قدرناه. ومعنى (ينشد ضالة) أي يرفع صوته بطلبها وهو من باب نصر. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى فيه المتابعة فقال: 6866 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابًا (حدثنا قرة) بن خالد (حدثنا أبو الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة خالد لمعاذ بن معاذ (قال) جابر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يصعد) ويطلع (ثنية المُرار) بضم الميم (أو) قال: من يصعد ثنية (المِرار) بكسرها شك الراوي في ضم الميم وفي كسرها والراجح الضم، وساق خالد بن الحارث (بمثل حديث معاذ) بن معاذ (غير أنه) أي لكن أن خالدًا (قال) في روايته لفظة (وإذا هو) أي صاحب الجمل الأحمر (أعرابي جاء ينشد ضالة له) أي بدوي جاء حالة كونه ينشد ويطلب ضالة له. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث زيد بن أرقم بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6867 - (2751) (111) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابًا (حدثنا أبو النضر) بالضاد المعجمة هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي مشهور بكنيته، ثقة، من (9) روى عنه في (10)

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، (وَهُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ)، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُل مِنْ بَنِي النَّجَّارِ. قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ. وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: فَرَفَعُوهُ. قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ. فَأُعْجِبُوا بِهِ. فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ. فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ. فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا. ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ. فَوَارَوْهُ. فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (حدثنا سليمان وهو ابن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابًا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (كان منا) معاشر الأنصار (رجل من بني النجار) لم أقف على تسميته (قد قرأ البقرة وآل عمران) أي حفظهما (وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) الوحي (فانطلق) أي ذهب ذلك الرجل (هاربًا) أي شاردًا من المسلمين (حتى) ارتد و (لحق بأهل الكتاب) أي اليهود (قال) أنس: (فرفعوه) أي رفع أهل الكتاب ذلك الرجل أي عظموه وأعظموا منزلته فيهم (قالوا) أي قال أهل الكتاب فيما بينهم (هذا) رجل (قد كان يكتب لمحمد) الوحي فكفر بدينه فلحق بنا (فأُعجبوا) أي أُدخل أهل الكتاب في قلوبهم العُجب وأُشربوا (به) أي بسبب هذا الرجل الذي لحق بهم، وقوله: (فأُعجبوا) بضم الهمزة وكسر الجيم على صيغة المبني للمجهول أي أُشربوا العُجب في قلوبهم أي العجب عن شرفهم وشرف دينهم بسبب ارتداد هذا الرجل ودخوله في دينهم (فما لبث) ومكث وتأخر (أن قصم الله) وكسر (عنقه فيهم) أي في أهل الكتاب. وجملة (أن قصم الله عنقه) في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية للبث أي فلما تأخر قصم الله وإهلاكه إياه فيهم يقال: قصم الله عنقه أي أهلكه ومات قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} أي أهلكناها، والمعنى ما طال مقامه حتى أهلكه الله (فحفروا له) أي فلما مات الرجل حفر أهل الكتاب لدفنه حفيرة (فواروه) أي ستروه بالتراب ودفنوه وهو من المواراة بمعنى الستر (فأصبحت الأرض) أي صارت الأرض التي قُبر فيها في الصباح (قد نبذته) أي ألقته ورمته وأخرجته (على وجهها) أي على ظاهرها عبرة للناظرين (ثم عادوا) إلى دفنه (فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على

وَجْهِهَا. ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ. فَوَارَوْهُ. فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا. فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا. 6868 - (2752) (112) حدّثني أَبُو كُرَيْبِ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ)، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ. فَلَمَّا كَانَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ هَاجَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وجهها فتركوه منبوذًا) أي مطروحًا على وجه الأرض، والحاصل أنهم دفنوه في القبر ثلاث مرات فلفظه القبر إلى السطح ولم يقبله وكان ذلك عذابًا له على ارتداده أو نفاقه أعاذنا الله تعالى منهما، قال القرطبي: وإنما أظهر الله تعالى تلك الآية في هذا المرتد ليوضح حجة نبيه صلى الله عليه وسلم لليهودي عيانًا وليقيم لهم على ضلالة من خالف دينه برهانًا وليزداد الذين آمنوا إيمانًا ويقينًا اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [3/ 222]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى حادي عشره لحديث زيد بن أرقم بحديث آخر لجابر رضي الله عنهما فقال: 6868 - (2752) (112) (حدثني أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا حفص يعني ابن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (عن أبي سفيان) طلحة بن رافع القرشي مولاهم المكي نزيل واسط، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر) وفي رواية أحمد في مسنده من طريق ابن لهيعة أنهم غزوا غزوة بين مكة والمدينة (فلما كان) رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان (قرب المدينة هاجت ريح) أي هبت ريح (شديدة) تحمل معها التراب والرمل لشدتها (تكاد) وتقرب (أن تدفن الراكب) مع مركوبه أي حتى لو عارضها راكب على بعيره لدفنته بما تُلقي عليه من التراب والرمل، قال النووي: هكذا

فَزَعَمَ أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافقٍ" فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا مُنَافِقٌ عَظِيمٌ، مِنَ الْمُنَافِقِينَ، قَدْ مَاتَ. 6869 - (2753) (113) حدّثني عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْيَمَامِيُّ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ. حَدَّثَنَا إِيَاسٌ. حَدَّثَنِي أَبِي. قَالَ: عُدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ هو في جميع النسخ (تدفن) بالفاء أي تغيبه عن الناس وتذهب به لشدتها (فزعم) جابر أي قال (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بُعثت) أي أُرسلت (هذه الريح) علامة الموت منافق) وعقوبة له وراحة للعباد والبلاد منه وكان هذه الريح إنما هاجت عند موت ذلك المنافق العظيم ليُعذّب بها أو جعلها الله علامة لنبيه صلى الله عليه وسلم على موت ذلك المنافق وأنه مات على النفاق والله تعالى أعلم (فلما قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة فإذا) الفاء زائدة إذا فجائية رابطة لجواب لما (منافق) مبتدأ (عظيم) صفة له (من المنافقين) صفة ثانية (قد مات) خبر لمبتدإ والجملة الاسمية جواب لما فلما قدم المدينة فاجأه موت منافق عظيم من المنافقين. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات أيضًا لكنه شاركه أحمد [3/ 341 و 346]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثاني عشره لحديث زيد بن أرقم بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما فقال: 6869 - (2753) (113) (حدثني عباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة (العنبري) البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبو محمد النضر بن محمد بن موسى اليمامي) الجرشي الأموي مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا عكرمة) بن عمار العجلي الحنفي أبو عمار البصري ثم اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا إياس) بن سلمة بن الأكوع الأسلمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (حدثني أبي) سلمة بن الأكوع الأسلمي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) سلمة بن الأكوع: (عدنا) أي زرنا زيارة مريض (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا) من المسلمين لم أقف على اسمه

مَوْعُوكًا. قَالَ: فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَشَدَّ حَرًّا. فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَشَدَّ حَرَّا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ هَذَيْنِكَ الرَّجُلَينِ الرَّاكِبَينِ الْمُقَفِّيَينِ" لِرَجُلَيْنِ حِينَئِذِ مِنْ أَصْحَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (موعوكًا) أي محمومًا بالوعك والحمى (قال) سلمة: (فوضعت يدي) أي كفي (عليه) أي على ذلك الرجل الموعوك (نقلت) للحاضرين: (والله ما رأيت كاليوم رجلًا أشد حرًا) أي ما رأيت رجلًا أشد حرارة مثل الذي رأيته اليوم (فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (أخبركم بأشد حرًا منه) أي من هذا الموعوك (يوم القيامة هذينك الرجلين الراكبين المقفيين) أي المنصرفين الموليين أقفيتهما إلينا، ورُوي مكان المقفيين المنافقين اه أبي أي الجاعلين ظهورهما والية إلينا لاستدبارهما لنا، والظاهر أنهما كانا منافقين كما صُرح بهما في بعض الرواية، قال القرطبي: الرواية بخفض هذينك على البدل من أشد وهو من إبدال المعرفة من النكرة وما بعد هذين نعوت له حال كونه صلى الله عليه وسلم مشيرًا "لرجلين حينئذٍ من أصحابه) أي حال كونه مشيرًا إلى رجلين من أصحابه حينئذٍ أي حين إذ قال هذين الرجلين أي قال هذا الكلام في رجلين مقفيين وسماهما أصحابه لإظهارهما الإسلام والصحبة لا أنهما ممن نالته فضيلة الصحبة كما قال في الآخر في عبد الله بن أُبي لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه وليس أنه من أصحابه حقيقة اه أبي، قال القرطبي: إنما نسبهما الراوي لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنهما كانا في غمارهم ودخلا بحكم ظاهرهما في دينهم والعليم الخبير يعلم ما تجنه الصدور وما يختلج في الضمير فأعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بخبث بواطنهما وبسوء عاقبتهما فارتفع اسم الصحبة وصدق اسم العداوة والبغضاء اه من المفهم. وهذا الحديث أيضًا مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست. ثم استشهد المؤلف ثالث عشره لحديث زيد بن أرقم بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

6870 - (2754) (114) حدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. قَالاَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ)، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَينَ الْغَنَمَينِ. تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً، وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً". 6871 - (00) (00) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَارِيَّ)، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6870 - (2754) (114) (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (قالا: حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (ح وحدثنا محمد بن المثنى واللفظ له أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذه الأسانيد الثلاثة من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المنافق) أي صفته وحالته المدهشة له (كمثل الشاة) أي كصفة الشاة (العائرة) أي الصائحة بصوتها المعروف رافعة ذنبها الحائرة في شأنها المترددة (بين الغنمين) أي بين القطيعين من الغنم لا تدري أيهما تتبع (تعير) أي تصيح وتذهب (إلى هذه) القطيعة (مرة) أي تارة (و) تعير (إلى هذه) القطيعة (مرة) أخرى ولا تستقر إلى إحدى القطيعتين فكذلك المنافق ظاهره مع المسلمين وباطنه مع الكافرين، ومعنى تعير تصيح بفمها وتمشي برجلها يقال: عارت الدابة إذا ذهبت وانفلتت. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الإيمان باب مثل المنافق [5052] اه تحفة الأشراف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6871 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري) بتشديد الياء نسبة إلى قارة قبيلة معروفة من العرب المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني، ثقة،

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "تَكِرُّ في هذِهِ مَرَّةً، وَفِي هذِهِ مَرَّةً" ـــــــــــــــــــــــــــــ من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة موسى بن عقبة لعبيد الله بن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق موسى بن عقبة (بمثله) أي بمثل حديث عبيد الله بن عمر (غير أنه) أي لكن أن موسى بن عقبة (قال) في روايته (تكر) وترجع (في هذه) القطيعة من الغنم (مرة و) ترجع (في هذه) القطيعة (مرة) أخرى، يقال كر على الشيء وإليه من باب فر إذا عطف عليه ورجع يقال كر على العدو إذا رجع إليه للقتال معه بعدما فر، وفي السنوسي يقال كر يكر بكسر الكاف من باب فر أي تعطف على هذه مرة وعلى هذه مرة وهو بمعنى تعير في الرواية الأولى، ورواه الفارسي (تكير) بالياء بعد الكاف من كار الفرس إذا جرى ورفع ذنبه عند جريه، ولابن ماهان (تكبن) بسكون الكاف وضم الباء الموحدة وآخره نون من باب قعد وهو بمعنى تعير أيضًا قال في العين: الكبن عدو لين يقال: كبز يكبن كبونا اه منه. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة عشر حديثًا: الأول: حديث زيد بن أرقم ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني: حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث ابن عمر الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث زيد بن ثابت ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والثامن: حديث حُذيفة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث حذيفة الثاني ذكره للاستشهاد، والعاشر: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر: حديث أنس ذكره للاستشهاد، والثاني عشر: حديث جابر الثالث ذكره للاستشهاد، والثالث عشر: حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد، والرابع عشر: حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. التاريخ 26/ 5/ 1428 هـ.

كتاب في أبواب مختلفة

بسم الله الرحمن الرحيم 31 - كتاب في أبواب مختلفة 748 - (13) باب عجائب يوم القيامة 6872 - (2755) (115) حدّثني أَبُو بَكْرِ بنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ. حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّة لَيأتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِين يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. اقْرَؤُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] ـــــــــــــــــــــــــــــ 31 - كتاب في أبواب مختلفة 748 - (13) باب عجائب يوم القيامة 6872 - (2755) (115) (حدثنا أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا يحيى) بن عبد الله (بن بكير) يُنسب إلى جده لشهرته به القرشي المخزومي مولاهم أبو زكرياء المصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثني المغيرة) بن عبد الرحمن بن حزام القرشي الأسدي (يعني الحزامي) نسبة إلى الجد المذكور (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه) أي إن الشأن والحال (ليأتي الرجل العظيم) الجسم (السمين) اللحم، وفي المبارق (الرجل العظيم) أي العظيم في الدنيا من الجاه والمال أو الطول (يوم القيامة لا يزن عند الله) تعالى (جناح بعوضة) أي لا يعدله في القدر والمنزلة أي لا قدر له عند الله لسوء عمله وخلوّ قلبه من الإيمان اه، قال النووي: وفيه ذم السمن اه وفي رواية لابن مردويه (الطويل العظيم الأكول الشروب) قال أبو هريرة: (اقرؤوا) إن شئتم مصداق ذلك قوله تعالى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] قال الحافظ في الفتح قوله:

6873 - (2756) (116) حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، (يَعْنِي ابْنَ عِيَاض)، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ حِبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَو ـــــــــــــــــــــــــــــ (اقرؤوا) .. إلخ قائله يحتمل أن يكون الصحابي أو هو مرفوع من بقية الحديث اه ومعنى الآية أي لا نجعل لهم مقدارًا أو اعتبارًا أو لا نضع لهم ميزانًا تُوزن به أعمالهم لأن الميزان إنما يُنصب للذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا أو لا نقيم لأعمالهم وزنًا لحقارتها، واستدل به على أن الكفار لا يُحاسبون لأنه إنما يُحاسب من له حسنات وسيئات والكافر ليس له في الآخرة حسنات فتُوزن اه قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة الكهف باب {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} [4729]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال: 6873 - (2756) (116) (حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا فضيل يعني ابن عياض) بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي الخراساني المكي، المشهور بشيخ الحرم، ثقة، من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (20) بابًا (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابًا (عن عبيدة) مكبرًا بن عمرو (السلماني) بفتح السين وسكون اللام، ويقال بفتحها نسبة إلى سلمان قبيلة من مراد أبي عمرو الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن مسعود (جاء حبر) بفتح الحاء وكسرها مع سكون الموحدة وهو العالم اه نووي، وإنما يُستعمل حينئذٍ في علماء اليهود اه أبي، يُجمع على أحبار أي جاء عالم من علماء اليهود، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال) ذلك الحبر للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا محمد أو) قال:

يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِن اللهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعِ. وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَع. وَالْجِبَالَ وَالشجَرَ عَلَى إِصْبَع. وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَع. وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَع. ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ. تَصْدِيقًا لَهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا أبا القاسم) بالشك من الراوي (إن الله) سبحانه و (تعالى يمسك السماوات) السبع (يوم القيامة على إصبع) واحد من أصابع الرحمن (والأرضين) السبع (على إصبع) واحد (والجبال والشجر على إصبع) واحد (والماء والثرى) أي التراب (على إصبع) واحد (وسائر الخلق) أي باقيهم (على إصبع) واحد، وجملة ما ذكره من أصابعه خمس وإصبع الرحمن هي صفة ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها لا نعطلها ولا نكيفها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهذا هو المذهب الصحيح الحق الذي عليه سلف الأمة (ثم يهزهن) الرحمن أي يحرك تلك المخلوقات العظيمة بأصابعه لخفتها وعدم ثقلها عليها، يقال هززته هزًا من باب قتل حركته فاهتز أي تحرك بلا اختيار (فيقول) سبحانه: (أنا الملك) المنفرد بالملك العزيز المقتدر على ما يشاء، وقوله ثانيًا (أنا الملك) توكيد لفظي (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا مما قالـ) ــه (الحبر) لموافقته الواقع (تصديقًا له) أي لما قاله الحبر لموافقته الصواب (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزمر: 67] وقراءته صلى الله عليه وسلم هذه الآية تدل على صحة قول الحبر كضحكه قاله النووي، وخص سبحانه وتعالى جعل هذه المخلوقات على أصابعه يوم القيامة ليدل على أنه كما ظهر كمال قدرته في الإيجاد عند عمارة الدنيا يظهر كمال قدرته في الإعدام عند خراب الدنيا اه قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة الزمر باب {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [4811]، والترمذي في تفسير سورة الزمر

6874 - (00) (00) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْن إِبْرَاهِيمَ. كِلاَهُمَا عَنْ جَرِيرِ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ... بِمِثْلِ حَدِيثِ فُضَيْلٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ. وَقَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَواجِذُهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ. تَصْدِيقًا لَهُ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وَتَلاَ الآيَةَ. 6875 - (00) (00) حدّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6874 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (كلاهما عن جرير) عن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن منصور) بن المعتمر، غرضه بيان متابعة جرير لفضيل بن عياض، وساق جرير (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبيدة بن عبد الله (قال) عبد الله: (جاء حبر من اليهود) وفي هذه الرواية زيادة لفظة من اليهود (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث فضيل) بن عياض (و) لكن (لم يذكر) جرير في روايته لفظة (ثم يهزهن) وذكر جرير لفظة (وقال) عبد الله: (فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه قد (ضحك) وتبسم (حتى بدت) وظهرت (نواجذه) أي أنيابه والنواجذ هنا بمعنى الأنياب كما في الفتح وهي الأسنان التي بين الرباعيات والأضراس (تعجبًا لما قال) الحبر و (تصديقًا له ثم) بعد ذلك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما قدروا الله حق قدره .. وتلا) هذه (الآية) إلى آخرها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6875 - (00) (00) (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (حدثنا الأعمش قال:

سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِن اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصبَعِ. وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ. وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَع. وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصبَعِ. ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَنَا الْمَلِكُ. قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ِ. 6876 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت إبراهيم) النخعي (يقول: سمعت علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي أبا شبل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (8) أبواب (يقول قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة علقمة بن قيس لعبيدة السلماني (جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله فقال: يا أبا القاسم إن الله) عز وجل (يمسك) أي يأخذ يوم القيامة (السموات) السبع (على إصبع) واحدة (والأرضين على إصبع والشجر والثرى) غاير الأسلوب السابق هنا (على إصبع) وكذا غاير في قوله (والخلائق) أي سائرهم (على إصبع ثم يقول أنا الملك) المنفرد في ملكه وملكه أين ملوك الدنيا؟ (أنا الملك) توكيد لفظي لما قبله (قال) عبد الله: (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه قد (ضحك) أي تبسم (حتى بدت) وظهرت (نواجذه) بالمجيم والذال المعجمة أي أنيابه وهي الضواحك التي تبدو عند الضحك (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}) وقراءته هذه الآية تدل على صحة قول الرجل كضحكه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 6876 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا: حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي

ح وَحَدَّثَنَا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ في حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعِ. وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ. وَلَيْسَ في حَدِيِث جَرِيرٍ: وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصبَعٍ. وَلَكِنْ في حَدِيثِهِ: وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَزَادَ في حَدِيثِ جَرِيرٍ: تَصْدِيقًا لَهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ. 6877 - (2757) (117) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبِ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقْبِضُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِه. ثُمَّ يَقُولُ: أَنَّا الْمَلِكُ. أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ إسحاق السبيعي (ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (كلهم) أي كل من أبي معاوية وعيسى بن يونس وجرير بن عبد الحميد رووا (عن) سليمان (الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لحفص بن غياث (غير أن) أي لكن أن (في حديثهم) أي في حديث هؤلاء الثلاثة (جميعًا) لفظة (والشجر على إصبع والثرى على إصبع وليس في حديث جرير) وروايته لفظة (والخلائق على إصبع ولكن في حديثه) أي في حديث جرير وروايته لفظة (والجبال على إصبع وزاد) عثمان بن أبي شيبة (في حديث جرير) وروايته لفظة (تصديقًا له تعجبًا لما قال) الرجل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6877 - (2757) (117) (حدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب حدثني) سعيد (بن المسيب أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض الله) أي يمسك الله سبحانه (تبارك وتعالى الأرض) أي يأخذها (يوم القيامة) بشماله كما في حديث ابن عمر التالي لهذا (ويطوي) أي يلف (السماء بيمينه) المقدسة (ثم يقول: أنا الملك) في كل مكان وفي كل زمان فـ (أين ملوك الأرض) وملوك الدنيا وجبابرتها، قال الأبي: يحتمل

6878 - (2758) (118) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يخاطب بذلك الملائكة ويخاطب به ذاته كقوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} اه مرشدي. قوله: (ويطوي السماء) يطلق الطي على الإدراج كطي القرطاس كما قال الله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} وعلى الإفناء تقول العرب: طويت فلانًا بسيفي أي أفنيته، وقال القاضي عياض: عبّر عن إفناء الله تعالى هذه المظلة والمقلة ورفعهما من البين وإخراجهما من أن يكونا مأوى ومنزلًا لبني آدم ولسكانهما بقدرته الباهرة التي تهون عليها الأفعال العظام التي تتضاءل دونها القوى والقدر وتتحير فيها الأفهام والفكر بالقبض والطي على طريقة التمثيل والتخييل اه من القسطلاني. هذا على طريقة البيانيين والحق أن القبض والطي صفتان ثابتتان لله تعالى نثبتهما ونعتقدهما لا نكيفهما ولا نمثلهما أثرهما إفناء الأرض والسموات والبحث عنهما بدعة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة الزمر باب {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [4812]، وابن ماجه في المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية [192]. وقد بسطنا الكلام في هذا الحديث في شرحنا مرشد ذوي الحاجة إلى سنن ابن ماجه فراجعه إن شئت. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 6878 - (2758) (118) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن عمر بن حمزة) بن عبد الله بن عمر العمري المدني، ضعفه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان وقال: هو ممن يخطئ، وقال في التقريب: ضعيف، من (6) روى عنه (م) في (4) أبواب على سبيل المتابعة (عن سالم بن عبد الله أخبرني عبد الله بن عمر قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته (يطوي الله عز وجل السموات) السبع (يوم القيامة) أي يلفها، والطي

ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى. ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ. ثُمَّ يَقُولُ: أَنا الْمَلِكَ. أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ". 6879 - (00) (00) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ)، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ضد البسط (ثم يأخذهن) أي يمسكهن (بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون) الذين يجبرون الخلائق على ما أرادوا ظلمًا (أين المتكبرون) الذين يتكبرون على الناس (ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون) قلت: والقبض والطي صفتان من صفات أفعاله تعالى نثبتهما ونعتقدهما لا نكيفهما ولا نمثلهما والبحث عنهما بدعة وأما اليمين والشمال فصفتان من صفات ذاته تعالى نثبتهما ونعتقدهما لا نكيفهما ولا نمثلهما ليس كمثله شيء وهو السميع البصير والتأويل فيهما بدعة وكل بدعة ضلالة والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة ذاته وصفاته نؤمن بهما ولا نبحث عنهما. وهذا السند وإن كان فيه راوٍ ضعيف فقد قواه بالسند التالي فقد مر آنفًا إنما ذكر عمر بن حمزة بن عبد الله على سبيل المتابعة فلو أخر هذا السند عن السند الذي بعده لكان أوفق لاصطلاحاته ولكن قدمه لما فيه من ذكر شمال الله صراحة ولا يعارض هذا الحديث بما ذكر في حديث عبد الله بن عمرو من قوله: (وكلتا يديه يمين) لأن معنى ذلك كلتا يديه مباركتان لا شؤم ولا نقص في شماله تعالى كما كان ذلك في شمالنا، وقد بسطنا الكلام هناك في بيان كيفية الجمع بين الحديثين فراجعه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في التوحيد باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [7412]، وأبو داود في السنة باب الرد على الجهمية [4728]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر البعث [4329]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 6879 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد القاري المدني، ثقة، من (8) (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم الأعرج التمار المدني، ثقة، من

عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقسَمٍ؛ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: لا يَأخُذُ اللهُ عَزّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ. فَيَقُولُ: أَنا اللهُ. (وَيقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا) أَنَا الْمَلِكُ" حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ. حَتَّى إِنِّي لأَقولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (5) روى عنه في (13) بابًا (عن عبيد الله بن مقسم) القرشي مولاهم المدني، ثقة مشهور، من (4) روى عنه في (6) أبواب (أنه) أي أن عبيد الله (نظر إلى عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن مقسم لسالم بن عمر أي نظر إلى ابن عمر ليعرف جواب (كيف يحكي) ويصف ابن عمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين يحدّث هذا الحديث أي نظر إلى ابن عمر ليعرف حكايته هيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يحدّث لأصحابه هذا الحديث، قال ابن عمر: (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأخذ الله عز وجل) أي يمسك (سمواته وأرضيه بيديه) اليمنى والشمال (فيقول) الرب جل جلاله: (أنا الله) أي أنا المعبود بحق، قوله: (ويقبض) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصابعه) أي يضمها إلى الكف تارة (ويبسطها) تارة أي ينشرها تارة حال من فاعل قال العائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله: (أنا الملك) بدل من قوله أنا الله فهو من كلام الرب، والتقدير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يأخذ سمواته وأرضيه فيقول: أنا الله أنا الملك" حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض أصابعه تارة ويبسطها أخرى تمثيلًا لأخذ الله سبحانه السموات والأرضين وجمع ما فيهما في أرض المحشر، والواو في قوله ويقبض أصابعه زائدة أو حالية، قال ابن عمر نظرت إلى اضطراب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمايله على المنبر (حتى نظرت إلى المنبر) تحته حالة كون المنبر (يتحرك من أسفل شيء منه) أي من المنبر إلى أعلاه نظرت إلى تحرك المنبر (حتى إني لأقول أساقط هو) أي هل هو ساقط (برسول الله صلى الله عليه وسلم) على الأرض أم لا؟ . قوله: (ويقبض أصابعه ويبسطها) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبض أصابعه ويبسطها عند هذا الكلام تفهيمًا لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها، وحكى به المبسوط والمقبوض الذي هو السموات والأرض وليس إشارة إلى القبض

6880 - (00) (00) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ والبسط الذي هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى لأنه تعالى منزه عن المثال ولعل ابن عمر حين حدّث هذا الحديث قبض أصابعه وبسطها حكاية لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك ذكر ابن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (يتحرك من أسفل شيء منه) أي من المنبر إلى أعلاه لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى، ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة، ويحتمل أن يكون بنفسه هيبة لسماعه كما حن الجذع اه نووي، قال القاضي: قوله: (يتحرك من أسفل شيء منه) أي يتحرك من أسفله إلى أعلاه لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى ثم حركته يحتمل أنها بحركته صلى الله عليه وسلم فوقه بهذه الإشارة، ويحتمل أنه تحرك من ذاته مساعدة لحركته صلى الله عليه وسلم وهيبة لما سمع من عظمة الله تعالى كما حن له الجذع. ثم قال القاضي عياض: والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئًا به ولا نشبهه بشيء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفي علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه تعالى عن ظاهره الذي لا يليق به تعالى وبالله التوفيق اه ما قاله القاضي. [قلت]: والمذهب الصحيح الذي لا محيد عنه إجراء صفات الله تعالى وأسمائه على ظاهره الذي وردت به بلا تأويل ولا تشبيه ليس كمثله شيء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 6880 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني، صدوق، من (8) روى عنه

حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللًّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: "يَأَخُذُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ، سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ"، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (6) أبواب (حدثني أبي) أبو حازم (عن عبيد الله بن مقسم عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز ليعقوب بن عبد الرحمن (قال) ابن عمر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر) النبوي (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول: يأخذ الجبار عز وجل سماواته وأرضيه بيديه) المقدستين (ثم ذكر) عبد العزيز (نحو حديث يعقوب) بن عبد الرحمن القاري والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني: حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

749 - (14) باب بدء الخلق وخلق آدم والبعث والنشور ونزل أهل الجنة وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو تابعني عشرة من اليهود .. "

749 - (14) باب بدء الخلق وخلق آدم والبعث والنشور ونُزُل أهل الجنة وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو تابعني عشرة من اليهود .. " إلخ وسؤال اليهود عن الروح وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا}، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} وقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} 6881 - (2759) (119) حدّثني سُرَيْجُ بْنُ يُونُسُ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالاَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: أَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 749 - (14) باب بدء الخلق وخلق آدم والبعث والنشور ونُزُل أهل الجنة وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو تابعني عشرة من اليهود .. " إلخ وسؤال اليهود عن الروح وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا}، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} وقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو بدء الخلق بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6881 - (2759) (119) (حدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابًا (وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب، كلاهما (قالا: حدثنا حجاج بن محمد) الأعور المصيصي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (قال) حجاج: (قال) لنا (ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن أيوب بن خالد) بن صفوان بن أوس الأنصاري المدني نزيل بُرقة، روى عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة في ابتداء الخلق، ويروي عنه (م ت س) وإسماعيل بن أمية، لين من الرابعة، ليّنه ابن حجر في التقريب، لكن احتج به مسلم وغيره (عن عبد الله بن رافع) المخزومي مولاهم (مولى أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته (قال) أبو هريرة: (أخذ)

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: "خَلَقَ اللهُ، عَز وَجَلَّ، التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ. وَخَلَقَ فِيهَا الْجبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ. وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَينِ. وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثلاَثاءِ. وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ. وَبَثَّ فِيهَا الدُّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ. وَخَلَقَ آدَمَ، عَلَيهِ السَّلاَمُ، بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. في آخِرِ الْخَلْقِ. في آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ. فِيَما بَينَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أمسك (رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال) لي: (خلق الله عز وجل التربة) أي الأرض (يوم السبت وخلق فيها) أي في الأرض (الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه) كالظلام والأمراض (يوم الثلاثاء) قال الأبي: والمراد بالمكروه المؤلم ولا يلزم من خلقه فيه اختصاص وقوعه فيه، ووقع في كتاب ثابت من رواية النسائي (وخلق التقن يوم الثلاثاء) قال ثابت: والتقن ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره من جواهر الأرض وكل شيء يقوم به صلاح شيء فهو تقنه، ومنه إتقان الشيء وإحكامه، وقال النووي: لا منافاة بين ما في كتاب مسلم وفي كتاب ثابت لاحتمال خلق كل من الأمرين فيه (وخلق النور يوم الأربعاء) بفتح الهمزة وكسر الباء وفتحها وضمها ثلاث لغات حكاهن صاحب المحكم وجمعه أربعاوات وحُكي أيضًا أرابيع اه نووي، وقال الأبي: الصحيح في النور أنه جسم كالشموس والأقمار والنجوم والملائكة وعلى أنه عرض كنور المصابيح والكهرباء فالمراد خلقه في الجسم الذي يقوم به، وقد ورد في كتاب ثابت (النون) بدل النور وبهذا اللفظ رواه بعض الرواة لصحيح مسلم ومعناه الحوت، وجمع النووي بينهما بأنه يحتمل أن يكون النور كلاهما خُلقا يوم الأربعاء، وذكر القاضي عياض في رواية أخرى (البحور) بدل النور والله سبحانه أعلم (وبث) أي نشر (فيها) أي في الأرض (الدواب) جمع دابة (يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق) أي المخلوقات (في آخر ساعة من ساعات) يوم (الجمعة) خلقه (فيما) أي في زمن (بين) آخر (العصر) أي من نهايته (إلى) أول (الليل) وقوله صلى الله عليه وسلم: (في آخر الخلق) أي لكونه الفذلكة الإيمائية وبمنزلة العلة الغائية (في آخر ساعة من ساعات الجمعة) وهي الساعة المرجوة للإجابة في يوم الجمعة عند جماعة من بعض الأئمة اه مرقاة.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الْبِسْطَامِيُّ، (وَهُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى)، وَسَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ بِنْتِ حَفْصٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ حَجَّاجٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ. 6882 - (2760) (120) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرِ. حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ بْنُ دِينَارِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُحْشَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال إبراهيم) بن محمد بن سفيان أبو إسحاق النيسابوري تلميذ المؤلف وراوية صحيحه وأستاذ أبي أحمد محمد بن عيسى الجلودي (حدثنا البسطامي) بكسر الموحدة وسكون المهملة (وهو الحسين بن عيسى) بن حمران الطائي أبو علي القومسي نزيل نيسابور، صدوق، صاحب حديث، من العاشرة، مات سنة (247) سبع وأربعين ومائتين اه من التقريب (وسهل بن عمار) معطوف على البسطامي (وإبراهيم ابن بنت حفص وغيرهم) أي غير هؤلاء الثلاثة رووا لي (عن حجاج) بن محمد الأعور المصيصي (بهذا الحديث) الذي حدّثنيه الإمام مسلم رحمه الله تعالى. وقائل هذا الكلام أبو أحمد الجلودي تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد، وغرضه بسوقه بيان علو سند إبراهيم بن محمد في هذا الحديث بطبقتين والله أعلم. ولنبحث إن شاء الله تعالى عن تراجم هؤلاء الثلاثة ولنلحقه بالكتاب في محله. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد في مسنده [2/ 327]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة بحديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقال: 6882 - (2760) (120) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من كبار (10) روى عنه في (9) أبواب (عن محمد بن جعفر بن أبي كثير) الزرقي المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثني أبو حازم) سلمة (بن دينار) المخزومي المدني، ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) سهل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُحشر

النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيضَاءَ، عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِىِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس) أي يُجمعون (يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء) أي مائلًا بياضها إلى حمرة، قال الخطابي: العُفْر بضم العين وسكون الفاء بياض ليس بالناصع، وقال عياض: العُفر بياض يُضرب إلى الحمرة قليلًا ومنه سُمي عُفْر الأرض عُفرًا وهو وجهها اه كائنة (كقرصة) أي كخبزة الدقيق (النقي) أي الصافي من الغش والنخال في استوائها وعدم ارتفاعها وانخفاضها، والقرصة بضم القاف وسكون الراء الرغيف وهو الخبز الرقيق يعمل من الدقيق، والنقي بوزن الولي الدقيق الصافي من التبن والنخالة، وتشبيه الأرض بالرغيف من جهة كونه مستويًا ومن جهة كونه أبيض مشربًا بحمرة بعد طبخه على النار كأن النار غيرت بياض وجه هذه الأرض إلى الحمرة (ليس فيها) أي في تلك الأرض (علم) أي علامة (لـ) سكنى (أحد) فيها من بناء وحفريات وحدود وزقاق، قال القاضي عياض: المراد أنها ليس فيها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يُهتدى بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة، وقد وقع في رواية البخاري أنْ هذا اللفظ مدرج من بعض الرواة ولفظ البخاري: قال سهل أو غيره ليس فيها معلم لأحد. والمعلم بمعنى العلم، وقال ابن أبي جمرة: وفيه إشارة إلى أن أرض الموقف أكبر من هذه الأرض الموجودة في الدنيا جدًّا، والحكمة في الصفة المذكورة لها أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرًا عن عمل المعصية والظلم وليكون تجليه سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين على أرض تليق بعظمته ولأن الحكم فيها إنما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصًا لله وحده. وقد اختلف العلماء في حقيقة أرض الموقف فذهب بعضهم أنها غير هذه الأرض الموجودة واستدلوا بقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} وبعض الروايات التي تؤيد هذا المعنى وحديث الباب يؤيد قولهم، وقال آخرون: أرض الموقف هي هذه الأرض غير أنها تتغير في صفاتها وتمد مد الأديم كما وقع في بعض الروايات، وإن أردت بسط الكلام فيها فلتراجع فتح الباري [11/ 375 و 376]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب يقبض الله الأرض [6521].

6883 - (2761) (121) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]. فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "عَلَى الصِّرَاطِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سهل بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 6883 - (2761) (121) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبي بكر المصري أو البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) روى عنه في (14) بابًا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) معنى (قوله عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} المعروفة ({وَ}) تُبدّل ({وَالسَّمَاوَاتُ}) غير السموات المعلومة (إبراهيم/ الآية 48) (فأين يكون الناس يومئذٍ) أي يوم إذ تُبدل الأرض والسموات (يا رسول الله فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكونون (على الصراط) قال الأبي: الصراط يحتمل أنه الصراط المعروف، ويحتمل أنه اسم لموضع غيره يستقر الخلق عليه وكأنه الأظهر للحديث الآخر، وقد سألته عائشة أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض؟ قال: "هم في الظلمة دون الجسر، والجسر الصراط" قال ابن عطية: ورُوي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمنون في وقت التبديل في ظل العرش" اه دهني، ورُوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: تُبدّل الأرض أرضًا كأنها فضة لم يُسفك فيها دم حرام ولم يُعمل عليها خطيئة، أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبراني في تفاسيرهم، والبيهقي في الشعب بسند رجاله رجال الصحيح، وأخرجه البيهقي مرفوعًا، والموقوف أصح، وللطبري عن أنس مرفوعًا ويبدّلها الله بأرض من فضة لم يُعمل عليها الخطايا ذكره الحافظ في فتح الباري، وأخرج أحمد من حديث أبي أيوب (أرض كالفضة البيضاء، قيل: فأين الخلق يومئذٍ؟ قال: "هم

6884 - (2762) (122) حدّثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيْثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ أضياف الله لم يعجزهم ما لديه") والحاصل أن أحوال الآخرة لا يُدرك كنهها بهذه العقول في الدنيا والسبيل الأسلم الإيمان بما جاء في النصوص الصحيحة وترك الخوض في تفاصيله والله سبحانه وتعالى أعلم بأحوال خلقه ومآلهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة إبراهيم عليه السلام [3120]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر البعث [4333]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو نُزُل أهل الجنة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6884 - (2762) (122) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابًا (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي أبو عبد الله المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابًا (عن جدي) ليث بن سعد المصري، ثقة، من (7) قرين مالك بن أنس (حدثني خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبو عبد الرحيم المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري أو المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (11) بابًا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي أسامة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (13) بابًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذا السند من ثمانياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكون الأرض) يعني أرض الدنيا التي كنا عليها الآن (يوم القيامة خبزة واحدة) قال في القاموس: الخبزة بضم المعجمة وسكون الموحدة الطلمة، وقال الشارح: الطلمة هي عجين يوضع في الملة أي في الرماد الحار حتى ينضح، وقال الخطابي: الخبزة الطلمة بضم الطاء المهملة وهو عجين يُوضع في الحفرة بعد إيقاد النار فيها، قال: والناس يسمونها الملة بفتح الميم وتشديد اللام وإنما الملة الحفرة نفسها، قال النووي: معنى الحديث أن الله تعالى يجعل الأرض كالطلمة

يَكْفَؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ. كَمَا يَكْفَؤُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ في السَّفَرِ. نُزُلًا لأَهْلِ الْجَنَّةِ". قَالَ: فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ، أَبَا الْقَاسِمِ، أَلا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "بَلَى" قَالَ: تَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ والرغيف العظيم الثخين ويكون ذلك طعامًا نُزلًا لأهل الجنة والله على كل شيء قدير (يكفؤها الجبار بيده) المقدسة بفتح الياء وسكون الكاف وفتح الفاء من باب فتح أي يقلبها من جانب إلى جانب وينقلها من يد إلى يد حتى تُطبخ وتستوي وتصلح للأكل لأنها ثخينة ليست كالرقاقة، والرقاقة بضم الراء وتخفيف القافين الخبز الرقيق غير الثخين يُطبخ بلا حاجة إلى قلبه من جانب إلى جانب وقد أخرج الطبري عن سعيد بن جبير قال: تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن تحت قدميه، ومن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب أو محمد بن قيس نحوه، وللبيهقي بسندٍ ضعيف عن عكرمة تُبدّل الأرض مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب. ويستفاد منه أن المؤمنين لا يُعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الأرض حتى يأكلوا منها من تحت أقدامهم ما شاء الله من غير علاج وحاجة إلى كلفة وإلى هذا القول ذهب ابن برجان في كتاب الإرشاد له كما نقله عنه القرطبي في تذكرته اه قسطلاني (كما يكفؤ) بفتح التحتية وسكون الكاف أي يقلب (أحدكم خبزته) من يد إلى يد بعد أن يجعلها في الملة بعد إيقاد النار فيها حتى تستوي وتطبخ (في) حالة (السفر) دون الحضر فإنه يطبخها في التنور في الحضر والسفر بفتحتين ضد الحضر يعني الخروج من الوطن لحاجة يعني خبز الملة التي يصنعها المسافر فإنها لا تدحى الرقاقة وإنما تقلب على الأيدي حتى تستوي، وقوله: (نزلًا لأهل الجنة) بضم النون والزاي وبإسكانها مصدر وقع موقع الحال من الأرض والنزل في الأصل ما يعد للضيف عند نزوله، والمعنى تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة حالة كونها طعامًا لأهل الجنة يأكلونها في الموقف قبل دخولها أو وبعده (قال) أبو سعيد (فأتى رجل من اليهود) لم أر من ذكر اسمه، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية للبخاري (فأتاه رجل من اليهود) (فقال) ذلك اليهودي: (بارك الرحمن) أي أنزل الرحمن (عليك) البركة يا (أبا القاسم ألا) حرف عرض وهو الطلب برفق ولين (أخبرك بنُزل أهل الجنة يوم القيامة) أي بطعامهم أول قدومهم الموقفَ أو الجنةَ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أخبرني (قال) اليهودي: (تكون

الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً (كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: "بَلَى" قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالاَمُ وَنُونٌ. قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ. يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا. 6885 - (2763) (123) حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأرض) أي أرض الدنيا (خبزة واحدة) فقال اليهودي (كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أبو سعيد (فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك) أي تبسم تعجبًا من موافقة قول اليهودي قوله (حتى بدت) وظهرت (نواجذه) أي أنيابه كما مر ثم (قال) اليهودي: (ألا أخبرك) يا أبا القاسم (بإدامهم) بكسر الهمزة الذي يأكلون به الخبز (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أخبرني بإدامهم (قال) اليهودي: (إدامهم با) بفتح الموحدة من غير همز (لام) بتخفيف الميم وتنوين مرفوعة (ونون) بلفظ حرف الهجاء التالي للميم منونة مرفوعة (قالوا) أي الصحابة (وما) تفسير (هذا) الكلام (قال) اليهودي با لام (ثور ونون) أي حوت كلاهما تحت الأرض السابعة كما رُوي، قال الثوري: وتفسير النون بالحوت اتفقت عليه العلماء، قال: وأما با لام ففي معناه أقوال، والصحيح منها ما اختاره المحققون أنها لفظة عبرانية معناها الثور كما فسرها اليهودي ولو كانت عربية لعرفها الصحابة ولم يحتاجوا إلى سؤاله عنها (يأكل من زائدة كبدهما) الزائدة القطعة المنفردة المتعلقة بكبدهما وهي أطيبه (سبعون ألفًا) الذين يدخلون الجنة بغير حساب خُصُّوا بأطيب النزل لفضلهم أو لم يرد الحصر بل أراد العدد الكثير قاله القاضي عياض اه قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب يقبض الله الأرض [6520]. ثم استدل على الجزء الرابع من الترجمة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لو تابعني عشرة من اليهود .. إلخ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6885 - (2763) (123) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم

حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ تَابَعَنِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِيٌّ إِلاَّ أَسْلَمَ". 6886 - (2764) (124) حّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأعمَشُ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابًا (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابًا (حدثنا محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابًا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال) أبو هريرة: (قال النبي صلى الله عليه وسلم لو تابعني) وآمن بي (عشرة من) رؤساء (اليهود) وأحبارهم (لم يبق على ظهرها) أي على ظهر الأرض (يهودي إلا أسلم) وآمن بي، والمراد بالعشرة هنا عشرة مختصة معينة وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة، والظاهر أن العشرة كانوا حينئذٍ رؤساء في اليهود ومن عداهم كان تبعًا لهم فلم يسلم من أولئك العشرة إلا القليل منهم كعبد الله بن سلام وكان من المشهورين بالرئاسة في اليهود عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من بني النضير، أبو ياسر بن أخطب وأخوه حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ورافع بن الحقيق، ومن بني قينقاع عبد الله بن حنيف وفنحاص ورفاعة بن زيد، ومن بني قريظة الزبير بن باطيا وكعب بن أسد وتمويل بن زيد فهؤلاء لم يثبت إسلام أحد منهم وكان كل منهم رئيسًا في اليهود، ولو أسلم لاتبعه جماعة منهم، فيحتمل أن يكونوا المراد بالعشرة، وقد روى أبو نعيم في الدلائل من وجه آخر الحديث بلفظ لو آمن بي: الزبير بن باطيا وذووه من رؤساء اليهود لأسلموا كلهم اه فتح الباري [7/ 275]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المناقب باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة [3941]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو سؤال اليهود عن الروح بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6886 - (2764) (124) (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي

عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنا أَمْشِي مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَرْثٍ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالَ بَعْضهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، ثقة، من (5) (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله: (بينما أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث) أي في مزرعة من مزارع المدينة (وهو) صلى الله عليه وسلم (متكئ) أي معتمد (على عسيب) أي على جريد نخل، قوله: (في حرث) وفي رواية مسروق الآتية (في نخل) وفي رواية عبد الواحد عن الأعمش عند البخاري في العلم (في خرب المدينة) والمراد منه موضع خراب غير مسكون فأفاد أن النخل والحرث كانا في موضع خرب بالمدينة المنورة، وفي رواية لابن مردويه من وجه آخر عن الأعمش (في حرث للأنصار) وهذا كله يدل على أن قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} نزل بالمدينة لكن روى الترمذي عن ابن عباس أن السؤال عن الروح كان من قبل قريش فإما أن يرجح رواية الشيخين على رواية الترمذي وإما أن يقال إن الآية نزلت مرتين والله أعلم. قوله: (على عسيب) وهي الجريدة التي لا خوص أي ورق فيها، وقال ابن فارس: العسبان من النخل كالقضبان من غيره، وقال العيني في عمدة القاري [2/ 200] العسيب جريد النخل وهو عود قضبان النخل كانوا يكشطون خوصها ويتخذونها عصيًا وكانوا يكتبون في طرفه العريض اه والمعنى وهو متكئ على عصا جريد (إذ مر) النبي صلى الله عليه وسلم (بنفر من اليهود فقال بعضهم) أي بعض اليهود (لبعض) أي للبعض الآخر (سلوه) أي سلوا محمدًا (عن الروح) أي عن حقيقة الروح الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره أو جبريل أو القرآن أو الوحي أو ملك يقوم وحده صفًا يوم القيامة أو ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه أو ملك له سبعون ألف لسان أو خلق كخلق بني آدم يقال له الروح يأكلون ويشربون أو سلوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجها به أو عن ماهيتها وهل هي متحيزة أم لا؟ وهل هي حالة في متحيز أم لا؟ وهل هي قديمة أو حادثة؟ وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى؟ وما حقيقة تعذيبها أو تنعيمها؟ وغير ذلك من متعلقاتها، قال الإمام فخر الدين: وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر

فَقَالُوا: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ؛ لاَ يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيءٍ تَكْرَهُونَهُ. فَقَالُوا: سَلُوهُ. فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنِ الرُّوحِ. قَالَ: فَأَسْكَتَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَقُمْتُ مَكَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أنهم سألوه عن الماهية؟ وهل الروح قديمة أو حادثة؟ (فقالوا) أي فقال البعض الآخر (ما رابكم) أي ما أحوجكم (إليه) أي إلى سؤاله عن الروح، قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ (ما رابكم إليه) أي ما دعاكم إلى سؤاله عنه أو ما شككم فيه حتى احتجتم إلى سؤاله أو ما دعاكم إلى سؤال تخشون سوء عقباه (لا يستقبلكم) بالرفع على الاستئناف وعلى الجزم في جواب النهي أي لا يجيئكم ولا يجيبكم (بشيء) أي بجواب (تكرهونه) بمخالفته بما علمتم من التوراة أي لا يجيبكم إلا بجواب تحبونه لموافقته بما علمتم من التوراة لأنهم قالوا إن فسره فليس بنبي وذلك أن في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه ولا يطلع عليه أحد من عباده فإذا لم يفسره دل على نبوته وهم يكرهونها، وفيه قيام الحجة عليهم في نبوته، وفي رواية عبد الواحد عند البخاري في العلم (لا تسألوه لا يجئ فيه بشيء تكرهونه) وهي أوضح والمعنى أنه يمكن أن يأتيكم في الجواب بما يدل على نبوته فيكون جوابه حجة عليكم (فقالوا: سلوه فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح قال) ابن مسعود: (فأسكت) وأمسك (النبي صلى الله عليه وسلم) عن الجواب لهم كما قال الراوي (فلم يرد) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عليه) أي على السائل (شيئًا) من الجواب انتظارًا للوحي، فأسكت من الإسكات وسكت من السكوت هما لغتان بمعنى واحد، قال القاضي يقال: سكت وأسكت أي صمت ويُستعمل أسكت بمعنى أطرق ويقال أيضًا أسكت عنه إذا أعرض عنه، وفي المصباح استعمال أسكت لازمًا لغة اه، قال ابن التين: اختلف الناس في المراد بالروح المسؤول عنه في هذا الخبر على أقوال: الأول روح الإنسان، الثاني روح الحيوان، الثالث جبريل، الرابع عيسى عليه السلام إلى آخر ما قال كما مر والأكثرون على أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن حقيقة الروح الذي تقوم به حياة الإنس والجن والحيوان اه، قال ابن مسعود: (فـ) لما سكت صلى الله عليه وسلم (علمت أنه) صلى الله عليه وسلم (يُوحى إليه) فسكت انتظارًا للوحي (قال) ابن مسعود: (فقمت مكاني) وفي رواية البخاري (مقامي) أي في مقامي الذي كنت فيه حين سؤالهم إياه لأحول بينه وبين السائلين أو فقمت عنه لئلا

فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]. 6887 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو سَعِيدِ الأَشَجُّ. قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتشوش بقربي منه، وفي رواية للبخاري (فتأخرت عنه) (فلما نزل الوحي) وانجلى عنه (قال) صلى الله عليه وسلم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} أي قرأ هذه الآية ({قُلِ}) يا محمد للسائلين عنها ({الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}) أي مما استأثر الله بعلمه فهو من أمر ربي أي من معلومات ربي لا من أمري أي لا من معلومي ولا من معلومات المخلوقات كلهم فلا أقول لكم شيئًا في جواب ما هي والأمر بمعنى الشأن أي معرفة الروح من شأن الله لا من شأن غيره ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه فإن أكثر الأشياء وماهيتها مجهولة ولا يلزم من كونها مجهولة نفيها، ويؤيده قوله تعالى: ({وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا}) علما أو إيتاء ({قَلِيلًا}) وفي رواية البخاري (وما أوتوا) بضمير الغائب وهي قراءة شاذة مروية عن الأعمش مخالفة للمصحف، قيل وليس في الآية دلالة على أن الله تعالى لم يطلع نبيه على حقيقة الروح بل يحتمل أن يكون أطلعه عليها ولم يأمره أن يطلعهم وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا والله أعلم اه من الإرشاد، وفي الآية إشارة إلى أن علم الإنسان وفهمه قاصر عن إدراك حقيقة الروح فلا ينبغي الخوض فيها لأنه اشتغال بما لا طائل تحته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة بني إسرائيل باب {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [4721]، والترمذي في تفسير سورة بني إسرائيل [3140]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6887 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا: حدثنا وكيع ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن بن عطاء بن

قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، بِنَحْوِ حَدِيثِ حَفْصٍ، غَيْرَ أَنَّ في حَدِيثِ وَكِيعٍ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] وَفِي حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ: "وَمَا أُوتُوا" مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ خَشْرَمٍ. 6888 - (00) (00) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ إِدْرِيسَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَرْوِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ هلال المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (كلاهما) أي كل من وكيع وعيسى بن يونس رويا (عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع وعيسى بن يونس لحفص بن غياث (قال) عبد الله: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث) أي في أرض محروثة كائنة (بالمدينة) المنورة، وساقا (بنحو حديث حفص) بن غياث (غير أن) أي لكن أن (في حديث وكيع) وروايته لفظة (وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا) بضمير المخاطبين وهي القراءة المتواترة المشهورة (وفي حديث عيسى بن يونس) وروايته لفظة (وما أوتوا) بضمير الغائبين حالة كونه (من رواية) علي (بن خشرم) عن عيسى بن يونس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6888 - (00) (00) (حدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي (قال: سمعت عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (يقول: سمعت الأعمش يرويه عن عبد الله بن مرة) الهمداني الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لحفص بن غياث ووكيع وعيسى بن يونس (قال)

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نَخْلٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ عَنِ الأعمَشِ، وَقَالَ في رِوَايَتِهِ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]. 6889 - (2765) (125) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ الأَشَجُّ، (وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ اللهِ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم) يمشي (في) بستان (نخل) في المدينة حالة كونه (يتوكأ) أي يعتمد في مشيه (على) عصا من (عسيب) أي من جريد نخل مجردًا من خوص وورق (ثم) بعد هذه الكلمات (ذكر) عبد الله بن إدريس (نحو) أي قريب (حديثهم) في اللفظ والمعنى أي قريب حديث هؤلاء الثلاثة المذكورين من حفص ووكيع وعيسى، وقوله: (عن الأعمش) متعلق بذكر (و) لكن (قال) عبد الله بن إدريس (في روايته وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا) موافقًا للقراءة المشهورة أي لم يقل لفظة (وما أوتوا) كعيسى بن يونس. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} بحديث خباب بن الأرت رضي الله عنه فقال: 6889 - (2765) (125) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد الأشج) الكندي الكوفي (واللفظ لعبد الله) بن سعيد (قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الهمداني مولاهم العطار الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع الكوفي (عن خباب) بموحدتين أولاهما مشددة ابن الأرت بفتحتين وتشديد التاء ابن جندلة بن سعد التميمي الزهري حليفهم أبي عبد الله الكوفي رضي الله عنه الصحابي المشهور، روى عنه في (4) أبواب. وهذا السند من سداسياته (قال) خباب: (كان لي على العاص بن وائل) هو والد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان له قدر في الجاهلية ولم يوفق للإسلام، وكان من حكام قريش، وكان موته بمكة قبل الهجرة، وروى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبيه أنَّ العاص بن وائل عاش خمسًا وثمانين سنة وإنه ليركب حمارًا إلى الطائف فيمشي عنه أكثر مما يركب، ويقال إن حماره رماه على شوكة أصابت رجله فانتفخت فمات منها اه فتح الباري [8/ 430] أي كانت له عليه (دين) وقد وقع في رواية سفيان عن الأعمش عند

فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. فَقَالَ لِي: لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي لَنْ أَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ. قَالَ وَكِيعٌ: كَذَا قَالَ الأَعْمَشُ. قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80] ـــــــــــــــــــــــــــــ البخاري في التفسير رقم [4733] كنت قينًا بمكة فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفًا فجئت أتقاضاه فأفاد أن الدين كان لي أجرة لخباب لصناعته السيف (فأتيته) أي أتيت العاص حالة كوني (أتقاضاه) أي أطلب منه قضاء دين لي عليه (فقال لي) العاص (لن أقضيك) أي لن أدفع لك دينك (حتى تكفر بمحمد) صلى الله عليه وسلم (قال) خباب (فقلت له) أي للعاص (إني لن أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث) مفهوم الغاية ليس مرادًا هنا فإن مثل هذا الكلام وإن كان في الظاهر تعليقًا ولكنه في المحاورات نفي مطلق فكأنه قال: لن أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم أبدًا، وهذا ظاهر جدًّا فلا يرد عليه أنه علق الكفر بالبعث ومن علَّق الكفر كفر في الحال، ثم في تعبيره بالبعث إشارة إلى تعيير العاص بن وائل بأنه لا يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يموت والله أعلم (قال) العاص: (وإني لمبعوث من بعد الموت فسوف أقضيك) دينك (إذا رجعت إلى مال وولد) لي، وفي رواية شعبة عند البخاري في البيوع (دعني حتى أموت وأبعث فسأوتى مالًا وولدًا فأقضيك) قال ذلك استهزاء بعقيدة البعث وكان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله تعالى منه. كما ذكره البوصيري في همزيَّته: وقضت شوكة على مهجة العا ... ص فللَّه النقعة الشوكاء أي النحرة الحاصلة بالشوك. (قال وكيع) بالسند السابق: (كذا) أي مثل ما ذكرنا (قال) لنا (الأعمش قال) خباب (فنزلت) في ذلك (هذه الآية) يعني قوله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77] الآية) (إلى قوله ويأتينا فردًا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة مريم باب {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} [4732 و 4733]، والترمذي في تفسير سورة مريم [3161].

6890 - (00) (00) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ئنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ وَكِيعٍ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا في الْجَاهِلِيَّةِ. فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ عَمَلًا. فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. 6891 - (2766) (126) حدّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الزِّيَادِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث خباب رضي الله عنه فقال: 6890 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا ابن نمير) محمد بن عبد الله (حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (كلهم) أي كل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير وجرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب (نحو حديث وكيع) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لوكيع بن الجراح (و) لكن (في حديث جرير) وروايته (قال) خباب: (كنت قينًا) أي حدادًا (في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل عملًا) وهو صناعة السيف له كما مر (فأتيته أتقاضاه) أي أطلب منه قضاء ديني يعني أجرة صناعة السيف له. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة وهو قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6891 - (2766) (126) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة عن عبد الحميد) بن دينار البصري (الزيادي) نسبة إلى زياد بن أبي سفيان لكونه من ولده ويقال له عبد الحميد بن كرديد أيضًا، ثقة، من (4) روى عنه في (2) بابين (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (يقول): وإسناد مسلم في هذا الحديث أعلى من إسناد البخاري لأن مسلمًا رواه عن عبيد الله بن معاذ بلا واسطة، ورواه البخاري عنه بواسطة أحمد ومحمد ابني

قَال أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} [الأنفال: 33] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. 6892 - (2767) (127) حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ النضر (قال أبو جهل) عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، وكان من أشد الأعداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم إن كان هذا) القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم (هو الحق) المنزّل (من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) عقوبة لنا بسبب مخالفتنا إياه (أو ائتنا بعذاب أليم) أي مؤلم مستأصل لنا، وقد نسب هذا القول إلى غير واحد من المشركين منهم النضر بن الحارث كما ثبت في حديث لابن عباس عند الطبراني ولا تعارض بينهما فإنه يحتمل أن يكون كل واحد منهم قال ذلك فخُص أبو جهل بالذكر في رواية الشيخين لكونه رئيسهم، قال أنس: (فنزلت) آية ({وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ}) يا محمد موجود ({فِيهِمْ}) أي أنت مقيم فيهم في مكة، وهذا إشارة إلى ما قبل الهجرة فكان المانع من نزول العذاب على أهل مكة حينئذٍ وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم. وقوله: ({وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}) إشارة على ما بعد الهجرة قبل الفتح وكان المانع من نزول العذاب على أهل مكة إذ ذاك أنه كان يسكنها المؤمنون الذين كانوا يستغفرون الله فلما خرجوا من مكة جميعًا أنزل الله تعالى قوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأنفال: 34] (إلى آخر الآية) فإذن الله تعالى في فتح مكة هو العذاب الذي وعدهم الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة الأنفال باب {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} .. [4648]، وباب {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [4649]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثامن من الترجمة وهو قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6892 - (2767) (127) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (ومحمد بن

عَبْدِ الأعلَى الْقَيْسِيُّ. قَالاَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أبُو جَهْلِ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذلِكَ لأَطَاَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ. أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ. قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي. زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ. قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الأعلى القيسي) الصنعاني ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (قالا: حدثنا المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، من (5) (حدثني نعيم بن أبي هند) النعمان بن أشيم الأشجعي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال أبو جهل: هل يُعفِّر) ويلصق (محمد وجهه) بالعفر والتراب ساجدًا (بين أظهركم) أي وسطكم استخفافًا بكم وعدم مبالاة بكم، وقوله يعفر مضارع مبني للفاعل من التعفير وهو إلصاق شيء بالتراب وهو مأخوذ من العفر بفتحتين وربما تسكن الفاء بمعنى ظاهر التراب ومراد أبي جهل من التعفير السجود عبّر عنه به استخفافًا للسجود لعنه الله تعالى، والمعنى هل يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو التراب بين وسطكم (قال) أبو هريرة (فقيل) لأبي جهل: (نعم) يعفر بيننا (فقال) أبو جهل: (واللات والعزى) أي أقسمت بهما وهما صنمان لهم (لئن رأيته) جواب القسم أي لئن رأيت محمدًا (يفعل ذلك) التعفير (لأطأن) أي لأضعن قدمي (على رقبته) أي على عنقه (أو لأعفرن) أي لألطخن (وجهه في التراب قال) أبو هريرة: (فأتى) أبو جهل (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب على المفعولية لأتى (وهو) صلى الله عليه وسلم (يصلي) وقد (زعم) وقصد به الشر (ليطأ على رقبته) الشريفة متعلق بأتى أي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطأ ويضع قدمه على رقبته صلى الله عليه وسلم (قال) أبو هريرة (فما فجئهم) بكسر الجيم وفتحها، يقال فجئ الأمر إذا أتى بغتة بلا استعداد له أي فما بغت الجالسين حول الكعبة من المشركين (منه) أي من أبي جهل أي فما فاجأ الجالسين من أبي جهل حال من الأحوال (إلا) حاله (وهو) أي وأبو جهل

يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيتَّقِي بِيَدَيْهِ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ دَنَا مِنِّي لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاِئكَةُ عُضْوًا عُضْوًا". قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَل: - لاَ نَدْرِي في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ شَيْءٌ بَلَغَهُ -: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ َ ـــــــــــــــــــــــــــــ (ينكص) بضم الكاف من باب قعد أي يرجع وراءه رجوع القهقرى (على عقبيه) لما رأى من الأهوال والنار والأجنحة، وفي المصباح نكص على عقبيه نكوصًا من باب قعد رجع، قال ابن فارس: والنكوص الإحجام عن الشيء (ويتقي) أي يتحرز ويتحفظ (بيديه) عما يخافه أي يجعلهما وقاية وسترًا عما يخافه (قال) أبو هريرة (فقيل له) أي لأبي جهل (ما لك) أي أي شيء وقع لك خائفًا له ونازعًا منه (فقال) أبو جهل: (إن بيني وبينه) أي وبين محمد (لخندقًا) أي لحفرة عميقة (من نار وهولًا وأجنحة) أي وشيئًا يهال ويخاف ويفزع منه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا) أبو جهل وقرب (مني لاختطفته) أي لأخذته (الملائكة) بسرعة وجعلته قطعًا (عضوًا عضوًا) (قال) أبو هريرة: (فأنزل الله عز وجل) قال أبو حازم: (لا ندري) ولا نعلم هل الإخبار عن إنزال الآية داخل (في حديث أبي هريرة) أي فيما رآه وحضره (أو شيء بلغه) عن غيره ممن حضره ورآه، وقوله: (كلا إن الإنسان) .. إلخ مفعول به لأنزل، قال أبو حاتم: إن (كلا) هنا بمعنى ألا التي للاستفتاح، وقال الفراء: إنها تكذيب للمشركين، وقول أبي حاتم أولى والإنسان هنا أبو جهل (ليطغى) أي ليتكبر ويرتفع حتى يتجاوز الحد والمقدار و (أن رآه استغنى) بتقدير حرف الجر والضمير البارز عائد إلى أبي جهل أي ألا إن أبا جهل يتكبر عن قبول الحق من أجل استغنائه بماله وشدته وعشيرته (إن إلى ربك) يا محمد (الرجعى) أي المرجع للمجازاة لا إلى غيره فيجازيه على تكبره عن الحق (أرأيت) أي أخبرني يا محمد عن شأن (الذي ينهى) ويزجر وهو أبو جهل (عبدًا) من عباد الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم (إذا صلى) أي إذا أراد الصلاة (أرأيت) أي أخبرني أيها الإنسان الجاهل

إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)} ـــــــــــــــــــــــــــــ الضال المنّاع لمحمد عن العبادة وهو خطاب لأبي جهل (إن كان) العبد الذي صلى وهو محمد صلى الله عليه وسلم (على الهدى) في نفسه (أو أمر) غيره (بالتقوى) أي بتقوى الله تعالى فصددته عن ذلك ألم تعلم بأن الله يراك وهو قادر على أخذك وعقوبتك، فجوابه معلوم مما سيأتي، وقيل جوابه محذوف تقديره ألست تستحق من الله النكال والعقاب (أرأيت) يا محمد أي أخبرني عن شأن ذلك الطاغي المنّاع عن الصلاة (إن كذب) بالحق الذي جئت به (وتولى) أي أعرض عنه (يعني) الله سبحانه وتعالى بالذي كذب وتولى (أبا جهل، ألم يعلم بأن الله) عز وجل (يرا) فيأخذه أخذ عزيز مقتدر، وأرأيت في أصلها كلمة مستعملة في معنى أخبرني على أنها لا يُقصد بها في مثل هذه الآية الاستخبار الحقيقي بل يُقصد بها إنكار الحالة المستخير عنها وتقبيحها (كلا) أي ألا وعزتي وجلالي (لئن لم ينته) ولم ينزجر عن هذا التكذيب والتولي (لنسفعًا بالناصية) أي لنأخذن بناصيته ونجره إلى العذاب والنون خفيفة للتأكيد والناصية مقدم شعر الرأس، قال المبرد: السفع الجذب بشدة والأخذ بالناصية هنا مثل في القهر والإذلال والتعذيب والنكال (ناصية) بدل من الناصية الأولى (كاذبة خاطئة) صفتان للثانية وصفها بالوصفين التابعين لها لزيادة التشنيع بها (فليدع ناديه) أي فليستغث بأهل ناديه لينقذوه من العذاب إن قدروا، والنادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويطلق على القوم أنفسهم أو المعنى فليجمع أمثاله ممن ينتدى معهم ليمنع المصلين المخلصين ويؤذي أهل الحق الصادقين فإن فعل ذلك فقد تعرض لقهرنا وتنكيلنا (سندع الزبانية) أي سندعو له من جنودنا القوي المتين الذي لا قبل له بمغالبته فيهلكه في الدنيا أو يرديه في الآخرة وهو ذليل صاغر، والزبانية في الأصل الشرط وأعوان الولاة وعساكرهم قيل إنه جمع لا واحد له، وقال أبو عبيدة: واحده زبنية كعفرية والمراد بالزبانية خزنة النار الموكلون بتعذيب الكفار وهم الملائكة الذين قال الله فيهم {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] وسموا زبانية من الزبن وهو الدفع لشدة دفعهم وبطشهم، قال الشاعر: مطاعيم في القصوى مطاعين في الوغى ... زبانية غلب عظام كلومها

{كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} [العلق: 19]. زَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ في حَدِيثِهِ قَالَ: وَأَمَرَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ. وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ الأعلَى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ، يَعْنِي قَوْمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (كلا لا تطعه) تأكيد زجر لأبي جهل ونهي لمحمد صلى الله عليه وسلم عن طاعته في ترك الصلاة وفيما يأمر به وينهى عنه أي ألا لا تطعه ولا توافقه يا محمد فيما أمرك به ونهاك عنه (واسجد واقترب) أي صل لله وتقرب إليه بعبادته وأفعال البر (زاد عبيد الله) بن معاذ على محمد بن عبد الأعلى (في حديثه) أي في روايته في تفسير قوله: {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12)} (قال) أبو هريرة: أرأيت إن كان محمد على الهدى (وأمره) أي وأمر غيره (بما أمره به) ربه من التقوى أي بعمل أمر محمدًا به أي بذلك العمل ربه، والمعنى وأمر غيره بما أُمر به من جهة ربه من التقوى (وزاد) محمد (بن عبد الأعلى) على عبيد الله في روايته في تفسير قوله: (فليدع ناديه) قال أبو هريرة: (يعني) الله سبحانه ينادي (قومه) وجماعته من أهل ناديه من المشركين. وحديث أبي هريرة هذا مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست لكنه شاركه أحمد في مسنده [2/ 370]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة والثاني: حديث سهل بن سعد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والربع: حديث أبي سعيد ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والخامس: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسادس: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث خباب بن الأرت ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة، والتاسع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثامن من الترجمة. * * *

750 - (15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه

750 - (15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه 6893 - (2768) (128) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا. وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوابِ كِنْدَةَ يَقُصُّ وَيزْعُمُ؛ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 750 - (15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو الدخان بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 6893 - (2768) (128) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (20) بابًا (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (14) بابًا (قال) مسروق: (كنا) يومًا (عند عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (جلوسًا وهو) أي والحال أن عبد الله (مضطجع بيننا) وهذا السند من سداسياته (فأتاه) أي فأتى ابن مسعود (رجل) من المسلمين لم أقف على اسمه قاله الحافظ في الفتح (فقال) له ذلك الرجل (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن مسعود (إن قاصًا) من القُصاص والمراد بالقاص الواعظ وفي الأصل من يقص القصص والأخبار الماضية فأُطلق على الواعظ لأنه يكثر من الاستشهاد بالقصص أي إن واعظًا وحاكيًا يعظ الناس في عادته (عند أبواب كندة) وفي رواية عند باب كندة بالإفراد، وفي رواية البخاري يُحدث في كندة وباب كندة هو باب بالكوفة، وكندة بكسر الكاف وسكون النون اسم قبيلة مشهورة أُضيفت الباب إليهم لأنه في حارتهم (يقص) خبر إن أي يعظ الناس (ويزعم) أي يقول في وعظه قولًا مخالفًا للصواب لأنه يزعم (أن آية الدخان تجيء) يوم القيامة (فتأخذ بأنفاس الكفار) جمع نفس بفتح الفاء وسكونها أي أن الدخان

وَيأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ. مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا، فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ. وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ، لِمَا لاَ يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86] إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور في آية سورة الدخان يجيء يوم القيامة فيأخذ ويقبض بأرواح الكفار والمنافقين أي يميتهم (ويأخذ) ذلك الدخان (المؤمنين) أي يصيبهم (منه) أي من ذلك الدخان (كهيئة الزكام) أي مثل الزكام وهو مرض معروف يأخذ الناس بالسعال والمخاط، وفي رواية البخاري في تفسير سورة الروم (بينما رجل يحدّث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام) وحاصل قوله أنه فسر قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} فذكر أن آية الدخان لم تأت بعد وإنما ستأتي بقرب من القيامة فتأخذ بأنفاس الكفار ولا يصيب المؤمنين منها إلا مرض يسير كالزكام (فقال عبد الله و) قد (جلس وهو غضبان يا أيها الناس اتقوا الله) عز وجل فلا تقولوا على الله ما لم يقل (من علم منكم شيئًا) مما قال الله ورسوله (فليقل بما يعلم) عن رسوله إذا سئل عنه (ومن لم يعلم) شيئًا مما سُئل عنه (فليقل الله أعلم) به (فإنه) أي فإن الشأن والحال (أعلم لأحدكم) خبر مقدم لقوله: (أن يقول لما لا يعلم الله أعلم) والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على كون مبتدأ مؤخرًا، والجملة الاسمية خبر لأن واسمها ضمير الشأن، والتقدير فإنه قول أحدكم فيما لا يعلم الله أعلم أقرب له إلى علمه فإنه علم جهل نفسه وفوّض العلم إلى العليم الحكيم، وفي الرواية الآتية: أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم، وفي رواية البخاري المذكورة (فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم) وهي أوضح لأن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم، وليس المراد أن عدم العلم يكون علمًا اهـ قسطلاني (فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه) أي على تبليغ ما أُوحي إليّ (من أجر) أي من أجرة ({وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]) أي من المكلِّفين أنفسهم بقول ما لا يعلمون، والقول فيما لا يعلم قسم من التكلف وفيه تعريض بالرجل القائل يجيء دخان يوم القيامة .. إلخ وإنكار عليه ثم بين عبد الله قصة الدخان فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى) وعلم

مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ، سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ" قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ. حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ. وًينْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ. فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ. وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من الناس) أي من كفار قريش، فاللام فيه للعهد الذهني (إدبارًا) وإعراضًا عن قبول الإسلام وإباءً منه، وفي الرواية الآتية: (إنما كان هذا أن قريشًا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية البخاري المذكورة (وإن قريشًا أبطأوا عن الإسلام) دعا عليهم (فقال) في دعائه عليهم: (اللهم) مطلوبي ومسؤولي عليهم (سبع) من السنين (كسبع يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام أي مثل سبع سنين الحاصلة في زمن يوسف بن يعقوب التي أخبر الله تعالى عنها في التنزيل بقوله: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} وقوله: (سبع) بالرفع وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أي البلاء المطلوب عليهم سبع سنين كالسنين السبع التي كانت في زمن يوسف ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنه فاعل كان التامة تقديره وليكن سبع والله أعلم كذا في العيني، وفي الرواية الآتية: (دعا عليهم بسنين كسني يوسف) وفي رواية للبخاري: (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بنزول القحط (قال) ابن مسعود: (فأخذتهم) أي فأخذت الناس وأهلكتهم (سنة) أي سنة ذات قحط وجدب والمراد بالسنة القحط والجدب ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (حصت كل شيء) بفتح الحاء والصاد المهملتين مع تشديد الصاد أي أعدمت واستأصلت كل شيء من النبات والأشجار يقال: سنة حصّاء أي جدبة قليلة النبات فاضطرَّهم الجوع (حتى أكلوا الجلود) المدبوغة (والميتة من) شدة (الجوع) بهم (وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان) أي مثل هيئة الدخان لضعف بصره بسبب الجوع يعني يخيل إليه أن هناك دخانًا يعلو إلى السماء، فإن من أصيب بالجوع الشديد فإنه يشعر ما بين السماء والأرض كأنه دخان وليس دخانًا في الحقيقة (فأتاه) أي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم (أبو سفيان) صخر بن حرب الأموي بمكة أو بالمدينة (فقال) أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا محمد إنك جئت) إلى الناس حالة كونك (تأمر) هم (بطاعة الله) تعالى وعبادته (وبصلة الرحم) أي بوصله بما تقدر عليه (وإن قومك) ذوي رحمك (قد

هَلَكُوا. فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ. قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 10 - 15]. قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16] ـــــــــــــــــــــــــــــ هلكوا) من الجدب والجوع بدعائك عليهم (فادع الله لهم) بأن يكشف عنهم ما بهم فإن كشف عنهم آمنوا، وفي هذه الرواية هنا حذف كما تبينه الرواية الآتية قال عبد الله: (فدعا الله لهم فأنزل الله عز وجل {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ}) أي القحط عنهم ({قَلِيلًا}) أي كشفًا قليلًا أو زمانًا قليلًا ({إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) إلى الكفر والتكذيب، قال عبد الله: فمُطروا فلما أصابتهم الرفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والتكذيب (قال) عبد الله: (قال الله عز وجل: {فَارْتَقِبْ}) أي انتظر بهم يا محمد عذاب ({يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}) أي بيّن واضح يراه كل أحد من شدة الجوع ({يَغْشَى النَّاسَ}) أي يغطي ذلك الدخان أعين الناس من قريش من الجوع ويُحيط بهم حالة كونهم قائلين هذا عذاب أليم أي ({هَذَا}) الدخان ({عَذَابٌ أَلِيمٌ}) أي مؤلم لنا، وقوله: (إلى قوله: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) غاية للآية الأولى كما قدرناه أولًا بقولنا: (إما كاشفوا العذاب قليلًا إنكم عائدون) فهذه الغاية مؤخرة عن محلها في هذه الرواية ففي هذه الرواية تقديم وتأخير وحذف كما تبينه الرواية الآتية (قال) ابن مسعود: (أفيكشف) عنهم (عذاب الآخرة) فالهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف تقديره أيقول ذلك الرجل القاص سيأتي الدخان يوم القيامة فهل يكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء؛ لا بل الدخان دخان الجوع الذي أخذ قريشًا، قال النووي: قوله: (أفيكشف عذاب الآخرة) هذا استفهام إنكار على من يقول إن الدخان يكون يوم القيامة كما صرح به في الرواية الثانية، فقال ابن مسعود: هذا قول باطل لأن الله تعالى قال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة وإنما هو في الدنيا اه، وقال ابن عطية: اختلف في الدخان الذي أمر الله بارتقابه فقال عليٌّ وجماعة: هو دخان يجيء يوم القيامة يأخذ المؤمن منه مثل الزكام وينضج رؤوس الكفار حتى كأنها مصلية حنيذة أي مشوية، وقال ابن مسعود وجماعة: هو الدخان الذي رأت قريش .. إلخ اه أبي، وقال عبد الله وأنزل الله تعالى ({يَوْمَ نَبْطِشُ}) أي يوم نأخذهم ({الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}) أي الأخذة العظمى ({إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}) منهم، قال:

فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ، وَآيَةُ الرُّومِ. 6894 (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى)، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ رَجُل ـــــــــــــــــــــــــــــ (فالبطشة) الكبرى المذكورة في هذه الآية كانت (يوم بدر) بالأسر والقتل (وقد مضت آية الدخان) يعني قوله هنا {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} (والبطشة) المذكورة آنفًا (واللزام) يعني في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أي يكون عذابهم لازمًا لهم قالوا وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر وهي البطشة الكبرى (وآية الروم) يعني به قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وقد مضت غلبة الروم على فارس يوم الحديبية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في سورة الدخان باب {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [4822]، والترمذي في تفسير سورة الدخان [3251]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6894 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي (أخبرني وكيع ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (كلهم) أي كل من أبي معاوية ووكيع وجرير رووا (عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ ليحيى قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح) أبي الضحى (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني (قال) مسروق (جاء إلى عبد الله) بن مسعود (رجل) من المسلمين، قال الحافظ: لم أقف على اسمه. وغرضُ المؤلف بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر في رواية

فَقَالَ: تَرَكْتُ في الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ. يُفَسِّرُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10]. قَالَ: يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَان فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ. حَتَّى يَأخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ. وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللهُ أَعْلَمُ. فَإِن مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ، لِمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا كَانَ هَذَا؛ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ. حَتى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ. وَحَتى أَكَلُوا الْعِظَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث عن أبي الضحى (فقال) ذلك الرجل لعبد الله (تركتُ في المسجد) الكندي (رجلًا يفسر القرآن برأيه) لا بروايته (يفسر هذه الآية) يعني قوله تعالى: (يوم تأتي السماء بدخان مبين قال) ذلك الرجل في تفسيرها (يأتيَ الناس) بالنصب على المفعولية المقدمة (يوم القيامة) بالنصب على الظرفية (دخان) بالرفع على الفاعلية المؤخرة (فيأخذ) ذلك الدخان (بأنفاسهم) جمع نفس (حتى يأخذهم) أي يأخذ الناس (منه) أي من ذلك الدخان (كهيئة الزكام) أي مثل هيئة الزكام فالكاف اسم بمعنى مثل في محل الرفع فاعل ليأخذ (فقال عبد الله) منكرًا لتفسير الرجل (من علم علمًا) بالنقل والرواية (فليقل به) فليخبر بذلك العلم المعلوم إذا سئل عنه (ومن لم يعلمـ) ــه (فليقل الله أعلم فإن من فقه الرجل) وعلمه (أن يقول لما لا علم له به الله أعلم) قال عبد الله كما هو مصرح في رواية البخاري (إنما كان هذا) القحط والجهد اللذان أصابا قريشًا حتى رأوا بينهم وبين السماء كالدخان من شدة الجوع لـ (أن قريشًا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم) أي حين أظهروا العصيان والمخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركوا الشرك (دعا عليهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بسنين) قحط (كسني يوسف) الصديق عليه السلام المذكورة في سورته (فأصابهم قحط) أي انقطاع مطر وقلة ماء (وجهد) بفتح الجيم وضمها أي مشقة شديدة من جوع وعطش (حتى جعل) وشرع (الرجل) منهم (ينظر إلى السماء فيرى) الرجل (بينه وبينها) أي وبين السماء (كهيئة الدخان) أي مثل خيال الدخان (من) أجل شدة (الجهد) أي الجوع لضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار (وحتى أكلوا العظام) والميتة معطوف على حتى الأولى

فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُل فَقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ: "لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ" قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 15] قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) منهم، والآتي هو أبو سفيان كما في الرواية الأولى وعند البخاري، لكن في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم. فهذا أولى أن يُفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي سفيان فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن أسلم حينئذٍ، ولأبي ذر فقيل له: يا رسول الله استسق الله لمضر .. إلخ (فقال) الرجل الجائي: (يا رسول الله استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا) بالجدب والقحط، قال النووي: هكذا وقع في جميع نسخ مسلم (استغفر الله لمضر) وفي البخاري (استسق الله لمضر) قال القاضي: قال بعضهم: استسق هو الصواب اللائق بالحال لأنهم كفار لا يدعى لهم بالمغفرة. [قلت] كلاهما صحيح فمعنى استسق اطلب المطر والسقيا ومعنى استغفر ادع الله لهم الهداية التي يترتب عليها الاستغفار اه. قال في الفتح: إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم اه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لأبي سفيان أو كعب بن مرة: "أتأمرني أن أستسقي" (لمضر) مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به (إنك) أيها السائل (لجريء) أي لذو جراءة وشجاعة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته، قال الأبي: هذا على وجه التقرير والتعريف بكفرهم واستعظام ما سأل لهم أي فكيف يستغفر أو يستسقي لهم وهم عدو الدين، ويصح هذا عندي على ما ذكر مسلم من لفظ استغفر لأن الإنكار إنما هو للاستغفار الذي سأل لهم بدليل أنه عدل عنه إلى الدعاء بالسقي ولو كان استعظامه إنما هو لطلب السقيا لم يستسق لهم اه (قال) عبد الله: (فدعا الله) عز وجل (لهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم السقيا وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب (فانزل الله عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ}) أي القحط كشفًا ({قَلِيلًا}) أو زمانًا قليلًا ({إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) إلى الكفر، غب الكشف (قال)

فَمُطِرُوا. فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان: 10، 11] {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16] قَالَ: يَعنِي يَومَ بَدرٍ. 6895 - (00) (00) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَمْسْ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله: (فمُطروا) بالبناء للمجهول (فلما أصابتهم الرفاهية) بتخفيف التحتية بعد الهاء المكسورة على وزن الكراهية أي السعة والراحة (قال) عبد الله: (عادوا إلى ما كانوا عليه) من الإشراك (قال) عبد الله: (فأنزل الله عز وجل {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10، 11] قال عبد الله: وأنزل الله أيضًا {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] (قال) عبد الله: (يعني) الله سبحانه بالبطشة الكبرى (يوم بدر) أي عذابه بالقتل والأسر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6895 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتيبة لعثمان بن أبي شيبة (قال) عبد الله: (خمس) آيات (قد مضين) أي وقعن (الدخان) الحاصل لقريش بسبب القحط (واللزام) وهو الأسر والهلكة يوم بدر (والروم) أي غلبتهم لفارس (والبطشة) الكبرى يوم بدر (والقمر) أي انشقاقه لكن أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن علي قال: آية الدخان لم تمض بعد ياخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينقد، ولمسلم من حديث أبي سريحة بمهملتين مصغرًا حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري رفعه "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة .. " الحديث اه قسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6896 - (00) (00) (حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 6897 - (2769) (129) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزارِ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَى بْنِ كَعْبٍ، في قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة: 21] قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ 6896 - (00) (00) (حدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لجرير بن عبد الحميد وساق وكيع (مثله) أي مثل حديث جرير. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث أُبي بن كعب رضي الله عنهما فقال: 6897 - (2769) (129) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا غندر عن شعبة عن قتادة عن عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن الحسن) بن عبد الله (العرني) نسبة إلى عرينة بطن من بجيلة الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن يحيى بن الجزار) العرني الكوفي، قيل اسم أبيه زبّان، صدوق، من (3) روى عنه في (2) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أُبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من تساعياته، أي روى ابن أبي ليلى عن أُبي بن كعب (في) تفسير (قوله عز وجل ولنذيقنهم) أي وعزتي وجلالي لنذيقن الذين أشركوا (من العذاب الأدنى) أي من العذاب الأصغر في الدنيا (دون العذاب الأكبر) أي قبل إذاقتهم العذاب الأكبر في الآخرة ([السجدة/ 21]) (قال) أُبي: هو أي العذاب الأدنى

مَصَائِبُ الدُّنْيَا، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، أَوِ الدُّخَانُ (شُعْبَةُ الشَّاكُّ في الْبَطْشَةِ أَوِ الدُّخَانِ). 6898 - (2770) (130) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِقَّتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْهَدُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ (مصائب الدنيا) في النفس والمال والأولاد (والروم والبطشة) الكبرى (أو) قال قتادة (الدخان) بدل البطشة، قال غندر (شعبة) هو (الشك في) ما قال له قتادة من أي اللفظين من (البطشة أو الدخان). وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات رحمهم الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو انشقاق القمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6898 - (2770) (130) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار الثقفي أبي يسار المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي، المقرئ المفسر، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله: (انشق القمر) أي انتصف القمر (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمن حياته (بشقتين) بكسر الشين وتشديد القاف أي نصفين، وفي رواية شعبة الآتية بعد ست روايات (فرقتين) (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن حوله: (اشهدوا) على وقوع هذه المعجزة، وإنما أشهدهم على وقوعها ليكون حجة على من ينكرها، وأخرج البيهقي في الدلائل [2/ 266] من طريق أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار أهل مكة: هذا سحر يسحركم به ابن أبي كبشة انظروا إلى السُفّار

6899 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاَهُمَا عَنِ الأعمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي المسافرين فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر لسحركم به، قال: فسُئل السُفّار، قال: وقدموا من كل وجه فقالوا: رأينا. وقد أخرج البخاري رقم 3869 طرفًا من هذا الحديث، وقد أخرج أبو نعيم سبب ذلك بسند ضعيف ولفظه في دلائل النبوة له [1/ 386 و 209] قال ابن عباس رضي الله عنه: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والأسود بن عبد يغوث والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث ونظراؤهم كثير فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فشق القمر لنا فرقتين نصفًا على أبي قبيس ونصفًا على قيقعان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن فعلت تؤمنوا" قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يعطيه ما سألوا فأمسى القمر قد مثل نصفًا على أبي قيس ونصفًا على قيقعان ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: "يا أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم اشهدوا". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في باب انشقاق القمر [38691 و 3871]، والترمذي في تفسير سورة القمر [3281 و 3283]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6899 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن أبي معاوية ح وحدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (10) (حدثنا أبي) حفص بن غياث، ثقة، من (8) (كلاهما) أي كل من أبي معاوية وحفص بن غياث رويا (عن الأعمش ح وحدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (واللفظ له) أي لمنجاب (أخبرنا) علي (بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى، إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ. فَكَانَتْ فِلْقَةَ وَرَاء الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْهَدُوا". 6900 - (00) (00) حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن الأعمش عن إبراهيم) النخعي الكوفي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكوفي (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة إبراهيم النخعي لمجاهد بن جبير (قال) عبد الله: (بينما نحن) جالسون (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذا انفلق) وانشق (القمر فلقتين) بكسر الفاء وسكون اللام أي قطعتين (فكانت فلقة) أي قطعة سقطت (وراء الجبل) أي جبل حراء أي خلفه، وفي رواية (فرقة فوق الجبل) (وفلقة دونه) أي دون الجبل أي أسفله والمراد أنهما تباينتا فإحداهما إلى جهة العلو والأخرى إلى السفل اه تحفة (فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا) أي على نبوتي أو على معجزتي من الشهادة، وقيل معناه احضروا وانظروا من الشهود اه تحفة، قال القاضي عياض: انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين لمخالفي الملة وذلك لما أعمى الله قلبه ولا إنكار للعقل لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوّره في آخر أمره اه نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6900 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي معاوية وحفص بن غياث وعلي بن مسهر في الرواية عن الأعمش (قال) ابن مسعود (انشق القمر) أي افترق (على

عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِلْقَتَيْنِ. فَسَتَرَ الْجَبَلُ فِلْقَةً. وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ". 6901 - (2771) (131) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَ ذلِكَ. 6902 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين) أي قطعتين (فستر) علينا (الجبل) أي جبل حراء (فلقة) وهي التي سقطت وراء الجبل (وكانت فلقة) واحدة منهما سقطت (فوق الجبل) وأعلاه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد) لي على هذه المعجزة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن مسعود بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال: 6901 - (2771) (131) (حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من سداسياته، وساق ابن عمر (مثل ذلك) أي مثلى ما حدّث ابن مسعود وهذا متابعة في الشاهد وهي قليلة في كتابه كما مر مرارًا فالمراد متابعة ابن عمر لابن مسعود. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة القمر [3284]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6902 - (00) (00) (وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث يعني حديث ابن عمر (بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى علم الفرائض العسكري ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا محمد بن جعفر ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر وابن أبي عدي رويا (عن شعبة) غرضه بسوق هذين

بِإِسْنَادِ ابْنِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أن في حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ: فَقَالَ "اشْهَدُوا، اشْهَدُوا". 6903 - (2772) (132) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَندُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن أَهْلَ مَكةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً. فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، مَرَّتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السندين بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ وساقا (بإسناد) معاذ (بن معاذ عن شعبة) يعني عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر (نحو حديثه) أي نحو حديث معاذ بن معاذ (غير أن) أي لكن أن (في حديث ابن أبي عدي فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (أشهدوا اشهدوا) مرتين بإسناده إلى ضمير جمع الذكور بخلاف رواية ابن معاذ فإنه قال في روايته: اللهم اشهد بالإفراد بإسناده إلى الله سبحانه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 6903 - (2772) (132) (حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قالا: حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي نسبة إلى نحو بن عبد شمس من الأزد، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية) أي معجزة على صدقه (فأراهم انشقاق القمر مرتين) أي في ليلتين. وهذا الحديث ظاهره أن انشقاق القمر وقع مرتين وذلك مخالف لما أطبق عليه أهل السير أن هذه معجزة وقعت مرة فقط، وأغرب الحافظ أبو الفضل كما نقل عنه الحافظ ابن حجر فقال انشق القمر مرتين بالإجماع، وقد رد عليه المحققون ومال الحافظ ابن حجر إلى أن رواية مرتين مرجوحة، والراجح الروايات التي وردت بلفظ شقتين أو فرقتين أو فلقتين، وقد اختلف في هذا اللفظ على قتادة عن أنس فرواه شعبة فرقتين كما سيأتي ورواه معمر وشيبان مرتين وكذلك رواه سعد بن أبي عروبة عن قتادة

6904 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، بِمَعْنَى حَدِيثِ شَيْبَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بلفظ مرتين، ولكن اختلف عن كل من سعيد ومعمر وشيبان فروي عنهم بلفظ مرتين وبغيره ولم يُختلف على شعبة وهو أحفظهم كذا قال الحافظ في الفتح ثم قال: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين وهذا تسامح من الحافظ رحمه الله، فإن البيهقي أخرج حديث ابن مسعود في الدلائل بلفظ شقتين مرتين وتكلم ابن القيم على هذه الرواية، فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أشهر ومن الثاني انشق القمر مرتين، وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في الرواية التي فيها مرتين نظر، ولعل قائلها أراد فرقتين وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد نقله: وهذا الذي لا يتجه غيره جمعًا بين الروايات والله أعلم. ولا يعارض قول أنس في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة ما سبق في حديث ابن مسعود من قوله بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى لأن أنسًا لم يصرّح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة فلا تعارض. وشارك المؤلف في رواية حديث أنس البخاري في مواضع منها في باب انشقاق القمر [3868] وفي تفسير سورة اقتربت الساعة باب انشق القمر [4867 و 4868]، والترمذي في تفسير سورة القمر [3282]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6904 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معمر لشيبان وساق معمر (بمعنى حديث شيبان) لا بلفظه لأن المتابعة في المعنى عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع معناه دون لفظه كما تقدم في المقدمة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6905 - (00) (00) (وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ وَأَبُو دَاوُدَ. كُلَّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: انْشَق الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 6906 - (2774) (133) حدّثنا مُوسَى بْنُ قُرَيْشِ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6905 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر وأبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (ح وحدثنا) محمد (بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (ومحمد بن جعفر وأبو داود) الطيالسي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن شعبة عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة لشيبان بن عبد الرحمن، ولكن (قال) شعبة في روايته (انشق القمر فرقتين) أي قطعتين ولم يقل مرتين كما قال شيبان (وفي حديث أبي داود) وروايته لفظة (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال: 6906 - (2774) (133) (حدثنا موسى بن قريش) بن نافع (التميمي) البخاري، مقبول، من (11) روى عنه في (3) (حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر) بن محمد المصري أبو يعقوب القرشي مولاهم مولى شرحبيل بن حسنة، ثقة مفت، من (10) روى عنه في (2) بابين (حدثني أبي) بكر بن مضر بن محمد بن حكيم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة الكندي الحسني نسبة إلى جده أبو شرحبيل المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني الأعمى الفقيه، أحد الفقهاء

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ القَمَرَ انشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 6907 - (2774) (134) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحمَنِ السُّلَمِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ السبعة في المدينة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته (قال) ابن عباس: (أن القمر انشق على زمان) حياة (رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال القاضي عياض رحمه الله: انشقاق القمر من أمهات معجزاته صلى الله عليه وسلم رواه عدة من الصحابة وظاهر الآية وسياقها وما بعده من تمادي قريش على التكذيب، يشهد بصحتها لقوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} الآية، قال الزجاج: وأنكرها بعض المبتدعة وضاهى في ذلك بعض مخالفي الملة ممن أعمى الله سبحانه بصيرته وليس في ذلك ما ينكره العقل لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوّره في آخر الزمان. قال: وأما الملاحدة فاحتجوا بأنه لو وقع لنقل متواترًا واشترك أهل الأرض برؤيته ولم يختص بها طائفة من أهل مكة وهذا لا حجة فيه لأن انشقاقه كان ليلًا ومعظم الناس فيه نيام والأبواب مغلقة وهم مغشون ثيابهم وقل من ينظر إلى السماء ومن المعتاد أن الخسوف وغيره من العجائب والأنوار الطالعة والشهب لا يعلمها إلا قليل، وأيضًا فإن انشقاقه آية وضعت ليلًا لقوم اقترحوها فلم يتأهب غيرهم لها وقد يكون القمر إذ ذاك مجرى يظهر في أفق دون أفق كما يرى الكسوف قوم دون قوم ويكون عند قوم في الجميع وعند قوم في البعض وكل ذلك بحسب القرب والبعد وارتفاع الدرج وانخفاضه في الطول عن خط الاستواء والعرض اه من الأبي. وشارك المؤلف في رواية حديث ابن عباس البخاري في مواضع منها في تفسير سورة القمر [4866]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو لا أحد أصبر على أذى من الله سبحانه بحديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6907 - (2774) (134) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية وأبو أسامة عن الأعمش عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي عبد الرحمن السلمي) عبد الله بن حبيب بن ربيعة - مصغرًا - المقرئ

عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ أَحَد أَصْبَرُ عَلَى أَذَى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عَز وَجَلَّ. إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيرْزُقُهُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، ثقة ثبت، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو موسى رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أصبر) أي أكثر صبرًا لتأخيره عقوبة من استحقها (على أذى) ومخالفة (يسمعه) منه، وقوله: (من الله عز وجل) متعلق بأصبر أي لا أحد أصبر وأحلم من الله عز وجل على أذى ومعاص وقعت من عباده فلا يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا عنها، من الصبر بمعنى الحلم وهو ترك المعاجلة بعقوبة من يستحقها، ومنه الصبور وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم مع القدرة فـ (إنه) عز وجل (يشرك به) بالبناء للمجهول أي يجعل له الشريك (ويجعل له الولد) والصاحبة (ثم هو) سبحانه (يعافيهم) أي يعطي لهم العافية من البلايا (ويرزقهم) من خزائن رزقه فلا يمسك عنهم الرزق والعافية في الدنيا بسبب معاصيهم وتكذيبهم رسله. قوله: (لا أحد أصبر من الله) والصبر في حق العباد حبس النفس على الشدائد والمشقات وفي حقه تعالى صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها، أثرها تأخير المؤاخذة عمن استحقها مع القدرة على تعجيل عقوبته ليس كمثله شيء، وقوله أصبر بالرفع على أنه خبر لا على إعمالها عمل إن، ويجوز نصبه على أنه صفة لاسم لا نظرًا إلى محله والخبر محذوف حينئذٍ تقديره لا أحد أصبر من الله موجود ويجوز رفع الأول ونصب الثاني على إعمالها عمل ليس كما هو مقرر في محله بشروط مذكورة هناك وقوله: (على أذى يسمعه) وهو بمعنى المؤذي بصيغة اسم الفاعل وهو المكروه المؤلم ظاهرًا أو باطنًا وهو في حقه تعالى ما يخالف رضاه وأمره فإذاية الله حينئذ صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها عدم رضاه، وقوله: (يسمعه) من عباده صفة أذى بمعنى كلام مؤذٍ كالقول بالتثليث ونسبة الولد والصاحبة إليه. وقوله: (من الله) متعلق بأصبر لأنها من المفاضلة، وفي المبارق والصبر حبس النفس عما تشتهيه وهو في حق الله تعالى حبس العقوبة عمن استحقها إلى وقت ومعناه قريب من معنى الحلم إلا أن الفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم اه منه.

6958 - (00) (00) (حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدِ الأَشَجُّ قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِهِ. إِلَّا قَوْلَهُ: "وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ" فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الحافظ في الفتح [13/ 361] والمراد بالأذى أذى رسله وصالحي عباده لاستحالة تعلق أذى المخلوقين به تعالى لكونه صفة نقص وهو منزه عن كل نقص ولا يؤخر النقمة قهرًا بل تفضلًا وتكذيب الرسل في نفي الصاحبة والولد عن الله أذى لهم فأضيف الأذى إلى الله تعالى للمبالغة في الإنكار عليهم والاستعظام لمقالتهم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} فإن معناه يؤذون أولياء الله وأولياء رسوله وهم المؤمنون فحُذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه اه والحق الصحيح ما قلناه أولًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب الأدب باب الصبر في الأذى [6099] وفي التوحيد باب قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [7378]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6908 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني (وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأشج) الكندي الكوفي (قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش حدثنا سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لأبي معاوية وأبي أسامة وساق وكيع (بمثله) أي بمثل حديث أبي معاوية وأبي أسامة (إلا قوله) أي إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ويجعل له الولد فإنه) أي فإن وكيعًا (لم يذكره) أي لم يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ويُجعل له الولد. ولو قال المؤلف (بمثلهما إلا قولهما) لكان أوفق لاصطلاحاته لأن المتابع اثنان فحقه أن يُثنى ضميره إلا إن قلنا إن فيه تحريفًا من النساخ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

6909 - (00) (00) وحدّثني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأعمَشِ. حَدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى. إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا، وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا، وَهُوَ مَعَ ذلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ". 6910 - (2775) (135) حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيٌّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ 6909 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن سعيد) بن حصين الكندي الكوفي (حدثنا أبو أسامة عن الأعمش حدثنا سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي قال) أبو عبد الرحمن (قال) أبو موسى الأشعري: (عبد الله بن قيس) الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن سعيد لأبي بكر بن أبي شيبة في الرواية عن أبي أسامة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى إنهم) أي إن المشركين (يجعلون له ندًا ويجعلون له ولدًا وهو) سبحانه (مع ذلك) الإشراك (يرزقهم) من فضله بلا مسألة (ويعافيهم ويعطيهم) كل ما سألوه من حوائجهم، قال في المصباح: الند بالكسر المثل والنديد مثله كالمثل والمثيل ولا يكون الند إلا مخالفًا والجمع أنداد مثل حمل وأحمال اه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو طلب الكافر الفداء بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6910 - (2775) (135) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الأزدي (الجوني) بفتح الجيم - نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد كما في اللباب - البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابًا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله تبارك وتعالى لأهون) أي لأخف (أهل النار عذابًا لو كانت لك الدنيا) أي الأرض (وما فيها) أي وما في الأرض من خزائنها ونعيمها

كُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ في صُلْبِ آدمَ: أَنْ لاَ تُشْرِكَ - (أَحْسِبُهُ قَالَ) وَلاَ أُدْخِلَكَ النَّارَ. فَأبَيتَ إِلَّا الشِّرْكَ". 6911 - (00) (00) (حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرِ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (أكنت) أي هل تكون (مفتديًا) أي مفاديًا نفسك من العذاب (بها) أي بالدنيا التي كانت لك ومنقذًا نفسك بها من العذاب (فيقول) ذلك الأهون لربه (نعم) أُفادي نفسي من العذاب بها (فيقول) الرب جل جلاله لذلك الأهون (قد أردت) أي طلبت (منك أهون) أي أسهل عليك (من هذا) الفداء الذي لا يمكن تحصيله لك (وأنت) أي والحال أنك (في صلب آدم) وظهره يعني في الأزل، إنما عبّر عنه بصلب آدم تقريبًا إلى الفهم، وقوله: (أن لا تشرك) بي بدل من قوله أهون، قال الراوي أو من دونه (أحسبه) صلى الله عليه وسلم أو أنسًا (قال) لفظة (ولا أدخلك النار) معطوف على قوله أن لا تشرك أي طلبت منك وأنت في صلب آدم عدم الإشراك بي في عدم إدخالي إياك النار (فأبيت) أي فامتنعت (إلا الشرك) أي إلا الإشراك بي فلك النار على الإشراك. قوله: (لأهون أهل النار عذابًا) قيل: هو أبو طالب ذكره الحافظ في كتاب الأنبياء من الفتح، قوله: (أردت منك أهون من هذا) والمراد من الإرادة هنا الطلب أي طلبت منك، قوله: (وأنت في صلب آدم) قال القاضي عياض: يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن ومن لم يوف به فهو الكافر. فمراد الحديث أردت منك حيان أخذت الميثاق أهون من هذا فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك اه فتح الباري [11/ 403]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب خلق آدم وذريته [3334] وفي الرقاق باب من نوقش الحساب عُذّب [6538] وباب صفة الجنة والنار [6557]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6911 - (00) (00) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر حدثنا شعبة عن أبي عمران) الجوني (قال: سمعت أنس بن مالك يحدث عن النبي - صلى الله عليه

عَلَيْهِ وَسَلمَ -، بِمِثْلِهِ. إِلَّا قَوْلَهُ: "وَلاَ أُدْخِلَكَ النَّارَ" فَإِنَّهُ لَمْ يَذكُرْهُ. 6912 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُقَالُ لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا، أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذلِكَ". 6913 - (00) (00) (وحدَّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم - وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ، وساق محمد بن جعفر (بمثله) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ (إلا قوله) أي إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفظة (ولا أدخلك النار فإنه) أي فإن محمد بن جعفر (لم يذكره) أي لم يذكر لفظ ولا أدخلك النار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 6912 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب القواريري البصري، ثقة، من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن المثنى وابن بشار قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لأبي عمران الجوني (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال للكافر يوم القيامة أرأيت) أي أخبرني (لو كان لك ملء الأرض) أي ما يملأ الأرض (ذهبًا أكنت تفتدي) نفسك (به) أي بذلك الذهب الذي يملأ الأرض من العذاب (فيقول) ذلك الكافر: (نعم) أفتدي به نفسي (فيقال له) من جهة الرب جل جلاله: (قد سئلت) في الدنيا (أيسر) وأخف (من ذلك) الفداء فأبيت إلا الشرك فلك النار. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 6913 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14)

ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ)، كِلاَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ، عَنِ النبِى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ، قَدْ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذلِكَ". 6914 - (2776) (136) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بابًا (ح وحدثني عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي النيسابوري، المقرئ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء) الخفّاف العجلي مولاهم أبو نصر البصري نزيل بغداد، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (كلاهما) أي كل من روح وعبد الوهاب رويا (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهشام الدستوائي، وساق سعيد بن أبي عروبة (بمثله) أي بمثل حديث هشام الدستوائي (غير أنه) أي لكن أن سعيدًا (قال) في روايته (فيقال له) أي لذلك الكافر: (كذبت) في قولك نعم أفتدي به لأنك (قد سئلت) أي طلبت في الدنيا بـ (ما هو أيسر) وأسهل لك (من ذلك) الفداء وهو ترك الإشراك فأبيت من ذلك الأيسر فلا فداء لك اليوم من عذاب الله تعالى. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو حشر الكافر على وجهه بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6914 - (2776) (136) (حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد واللفظ لزهير قالا: حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة) بن دعامة (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (قال: يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس) الخالق (الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه

يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "أَلَيس الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيهِ في الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ". قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى. وَعزَّةِ رَبَّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ يوم القيامة، قال قتادة) بالسند السابق بعدما روى هذا الحديث (بلى) أي ليس الأمر كذلك بل هو قادر على أن يمشيه على وجهه (وعزة ربنا) أي أقسمت لكم بعزة ربنا وقدرته. وقوله: (أليس الذي أمشاه على رجليه قادرًا) .. إلخ هذا جواب حق والعيان يصدقه فإن الحية ونحوها مشاهد فيها ذلك ويقع منها من أسرع الحركة والجري ما يقع من الماشي على رجليه والله أعلم اه سنوسي، وقول السائل: (كيف يحشر الكافر على وجهه) كأنه استغرب ما ورد في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} وأراد معرفة كيفية حشر الكافرين على وجوههم، وقوله: (قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة) فيه تأييد لمن فسر حشر الكافر على وجهه بأنه محمول على حقيقته وأنه يمشي على وجهه حقيقة ويؤيده أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البزار: يُحشر الناس على ثلاثة أصناف؛ صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم، فقيل: كيف يمشون على وجوههم ذكره الحافظ في الفتح [8/ 492] ثم قال: يؤخذ من مجموع الأحاديث أن المقربين يحشرون ركبانًا ومن دونهم من المسلمين على أقدامهم، وأما الكفار فيحشرون على وجوههم، وقال في موضع آخر من الفتح يُسحب على وجهه يوم القيامة إظهارًا لهوانه بحيث صار وجهه مكان يده ورجله. والتفسير الآخر للآية أنه على التمثيل وأنه كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وظاهر الأحاديث المذكورة أن المراد في آية سورة الفرقان حقيقة المشي على الوجه، وأن أحوال القيامة والآخرة لا يدرك كنهها بالعقول البشرية والله سبحانه وتعالى أعلم اه من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة الفرقان باب الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم [4760]، وفي الرقاق باب الحشر [6523]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أُبي بن كعب ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث ابن مسعود الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث أبي موسى ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثامن: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والتاسع: حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

751 - (16) باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار .. إلخ وجزاء المؤمن بحسناته .. إلخ ومثل المؤمن كالزرع .. إلخ، ومثل المؤمن كالنخلة وتحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وذكر أن مع كل أحد من الناس قرين جن

751 - (16) باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار .. إلخ وجزاء المؤمن بحسناته .. إلخ ومثل المؤمن كالزرع .. إلخ، ومثل المؤمن كالنخلة وتحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وذكر أن مع كل أحد من الناس قرين جن 6915 - (2777) (137) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَن ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمَ: "يُؤتَى بِأنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا، مِن أَهْلِ النَّارِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً. ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَل رَأَيْتَ خَيرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 751 - (16) باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار .. إلخ وجزاء المؤمن بحسناته .. إلخ ومثل المؤمن كالزرع .. إلخ، ومثل المؤمن كالنخلة وتحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وذكر أن مع كل أحد من الناس قرين جن ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو صبغ أنعم أهل الدنيا في النار بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: 6915 - (2777) (137) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة، من (9) (أخبرنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا) والباء للتعدية أي يأتي ويحضر أشدهم تنعمًا وأكثرهم ظلمًا اهـ مرقاة يعني الذي عاش في الدنيا في راحة ونعيم أكثر من كل من سواه وكان ممن يستحق النار وهو معنى قوله: (من أهل النار يوم القيامة فيصبغ) بصيغة المجهول (في النار صبغة) بفتح الصاد لأنه من بناء المرة أي يغمس غمسة واحدة في النار إطلاقًا للملزوم على اللازم لأن الصبغ إنما يكون بالغمس غالبًا، وفي النهاية أي يغمس في النار غمسة كما يُغمس الثوب في الصبغ اه مرقاة (ثم يقال) له: (يا ابن آدم هل رأيت خيرًا) أي سعة وراحة (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (هل مر بك نعيم)

قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ. وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الْجنَّةِ. فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّة قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ، وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ. وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ". 6916 - (2778) (138) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيىَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أي تنعم بنعمة الله (قط) أي فيما مضى من عمرك (فيقول) ذلك الأنعم: (لا) أي ما رأيت خيرًا ولا مر علي نعيم قط (والله يا رب) أي أقسمت باسمك يا رب يعني أنه لشدة ما رآه من عذاب النار نسي كل نعيم حُظي به في الدنيا فيقول ما رأيت نعيمًا قط (ويوتى بأشد الناس) أي بأكثرهم (بوسًا) أي شدة وفقرًا وضيقًا (في الدنيا) حالة كونه (من أهل الجنة) أي ممن يستحق الجنة بالإيمان والتقوى (فيُصبغ) معطوف على يؤتى (صبغة) أي مرة واحدة من الصبغ أي يُغمس غمسة (في الجنة) أي في أنهارها أو في الكوثر منها (فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا) أي شدة وفقرًا (قط) أي فيما مضى من عمرك (هل مر بك) أي هل مر عليك (شدة) وفقر (قط فيقول لا) أي ما رأيت بؤسًا ولا مرت عليّ شدة قط (والله يا رب) وقوله: (ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط) تفسير للنفي المفهوم من لا كما فسرناه أولًا ولكن على ترتيب اللف والنشر المشوش يعني أنه يقع للمؤمن الذي عاش في الدنيا بائسًا العكس من ذلك الذي وقع للأنعم فيُصبغ في الجنة صبغة فينسى ما أصابه من الشدائد في الدنيا فيقول: ما رأيت بؤسًا قط. نسأل الله من فضله أن يرزقنا الجنة ويُسلِّمنا من النار برحمته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الزهد باب صفة النار [4376]، وأحمد [3/ 203]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال: 6916 - (2778) (138) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا: حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي (أخبرنا همام بن يحيى) بن

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمَ: "إِنْ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَة. يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ في الدُّنْيَا. حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ. لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) سبحانه (لا يظلم مؤمنًا حسنة) أي لا ينقص عن مؤمن جزاء حسناته ولو مثقال ذرة (يعطى بها) أي بحسنته (في الدنيا ويُجزى بها في الآخرة) قال الطيبي في شرحه على المشكاة [9/ 286] قوله: (لا يظلم) أي لا ينقص وهو متعد إلى مفعولين: أحدهما مؤمن، والثاني حسنة؛ ومعناه أن المؤمن إذا اكتسب حسنة يكافئه الله تعالى بأن يوسّع له رزقه ويرغد عيشه في الدنيا وبأن يجزى ويُثاب في الآخرة، والكافر إذا اكتسب حسنة في الدنيا بأن يفك أسيرًا أو ينقذ غريقًا يكافئه الله تعالى في الدنيا ولا يجزيه في الآخرة، وقوله: (يُعطي بها في الدنيا) يعني ينعم الله تعالى إليه في الدنيا بسبب الحسنات التي باشرها، وذكر الطيبي أن استعمال لفظ الإعطاء لنعم الدنيا ولفظ الجزاء لنعم الآخرة يشير إلى أن ما يُعطى المؤمن من النعم في الدنيا ليس جزاء لحسناته وإنما هو فضل من الله وإحسان إليه وإن جزاءه ما سيجده في الآخرة والله أعلم (وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله) تعالى (في الدنيا حتى إذا أفضى) ووصل (إلى الآخرة) أي صار إليها (لم يكن له حسنة يُجزى بها) واعلم أن حسنات الكافر كالصدقة والصلة وخدمة الخلق لا تقربه إلى الله تعالى لفقدان الإيمان الذي هو شرط لكونها قربة ولكنها حسنات يكافأ بها في الدنيا. قال النووي: أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الدنيا ولا يُجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربًا إلى الله تعالى، وصرح في هذا الحديث بأن يُطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات اه وأما إذا فعل الكافر الحسنات التي لا تفتقر إلى النية كصلة الرحم والصدقة وأمثالها ثم أسلم فإنه يثاب عليها في الآخرة على المذهب الصحيح لما صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة كان زلفها" والله أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [3/ 123 و 283].

691 - (00) (00) حدّثنا عَاصِمُ بنُ النَّضرِ التَّيْمِيُّ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. قَالَ: سَمِعْت أَبِي. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - "إِن الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَة أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَة مِنَ الدُّنْيَا. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِن اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزقًا في الدُّنْيَا، عَلَى طَاعَتِهِ". 6918 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَعْنَى حَدِيثِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6917 - (00) (00) (حدثنا عاصم بن النضر) بن المنتشر الأحول (التيمي) البصري، ويقال له عاصم بن محمد بن النضر، صدوق، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معتمر) بن سليمان التيمي البصري، ثقة، من (9) (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، من (5) (حدثنا قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن طرخان لهمام بن يحيى (أنه) أي أن أنس بن مالك (حدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكافر إذا عمل حسنة أُطعم بها طُعمة) أي جُوزي بها جزاء (من الدنيا) كطول عمر ودوام العافية وسعة الرزق والأولاد (وأما المؤمن فإن الله) سبحانه (يدخر له) أي يؤخر له جزاء حسناته في الآخرة وبعقبه أي ويعجل له (رزقًا في الدنيا على طاعته) وعبادته فيكون من عاجل بشراه على طاعته. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6918 - (00) (00) (حدثنا محمد بن عبد الله الرزي) بضم المهملة وكسر الزاي المشددة نسبة إلى بيع الأرز، ثقة من (10) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف العجلي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة سعيد بن عروبة لهمام بن يحيى وسليمان، وساق سعيد (بمعنى حديثهما) أي بمعنى حديث همام وسليمان.

6919 - (2779) (139) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْع. لاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ. وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ اَلأَرْزِ. لاَ تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو مثل المؤمن كالزرع بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6919 - (2779) (139) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابًا (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الزرع) شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بالزرع في أن الريح تميل الزرع وتحركه عن الاعتدال كما أن المؤمن تحركه الأمراض والبلايا، ولعل في التشبيه إشارة إلى أن الأمراض والبلايا عاقبتها محمودة للمؤمن لأنها تكفّر ذنوبه وترفع درجاته كما أن حركة الزرع بالرياح تساعده في نشاتها ونموها، قال النووي: قال العلماء: معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله وذلك مكفّر لسيئاته ورافع لدرجاته، وأما الكافر فقليلها وإن وقع به شيء من الآلام لم يُكفّر بل يأتي بها يوم القيامة كاملة اه نووي. وقال المهلب: معنى هذا الحديث إن المؤمن من حيث جاءه أمر الله انطاع له ولان له ورضي به، وإن جاءه مكروه رجا فيه الخير وإذا سكن البلاء اعتدل قائمًا لشكر ربه على البلاء بخلاف الكافر في ذلك اه، وقوله: (لا تزال الريح تميله) أي تميل الزرع وتحرّكه عن الاستواء في القامة يمنة وشرة (ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء) والمرض والألم حتى يخرجه عن حالة الاعتدال والصحة عائد إلى المشبه والمشبه به على طريقة اللف والنشر المشوش، والتقدير مثل المؤمن في إصابة البلاء التي تكون كفارة لذنوبه كمثل الزرع الذي تحركه الريح التي له فيها زيادة نشوء ونمو في كون كل منهما يصيبه العارض الذي يخرجه عن الاستواء والاعتدال مع وجود المصلحة لهما فيه (ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز) التي (لا تهتز) ولا تتحرك بالريح تحركًا يميلها عن الاستقامة والاعتدال (حتى تستحصد) وتنقلع مرة واحدة كالزرع انتهى يبسه فيحصد.

6920 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ في حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - مَكَانَ قَوْلِهِ تُمِيلُهُ - "تُفِيئُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (والأرز) بفتح الهمزة وسكون الراء وقيل بفتح الراء والأكثر على السكون هو شجر معتدل صلب لا يحركه هبوب الريح ويقال له الأرزن وقيل إنه شجر الصنوبر وقال أبو حنيفة الدينوري: ليس هو من نبات أرض العرب ولا ينبت في السباخ بل يطول طولًا شديدًا ويغلظ غلظًا بليغًا اهـ فتح الباري [10/ 107] والتشبيه في عدم تحركه بهبوب الريح كما أن الكافر لا يعجل جزاء ذنوبه ولا تكون البلايا كفارة له، وليس المراد أن الكافر لا يصيبه المرض والبلاء أبدًا لأنه خلاف المشاهد وإنما المقصود أن الأمراض والبلايا لا تأتيه لتكفّر عن خطاياه وإنما تأتيه لأسباب عادية فقط، وقوله: (حتى تستحصد) بفتح التاء وسكون السين وكسر الصاد على صيغة المبني للمعلوم على رواية الأكثرين أي حتى تنقلع، وروي بضم التاء على صيغة المبني للمجهول أي حتى تحصد وتقلع بأن يقلعه أحد، والمقصود أن الكافر يؤاخذ بكفره وفسقه مرة واحدة في الآخرة، والأرزة في الأرميا (قِلْطُو). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في المرض باب ما جاء في كفارة المرض [5644]، والترمذي في الأمثال باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ [2807]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6920 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن سعيد عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لعبد الأعلى (غير أن) أي لكن أن (في حديث عبد الرزاق مكان قوله) أي بدل قول عبد الأعلى (تميله) لفظة (تفيئه) بضم التاء بمعنى تميله، قال العيني: ثلاثيه فاء بفاء وياء وهمزة لأن أصله فَيَأَ من باب باع يقال فاء إذا رجع وأفاء غيره إذا رجعه اه فهو هنا من الأفعال. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث كعب بن مالك رضي الله عنهما فقال:

6921 - (2780) (140) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، كَعْبٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - َ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ. تُفِيئُهَا الرِّيحُ. تَصْرَعُهَا مَرَّةَ وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى. حَتَّى تَهِيجَ. وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا. لاَ يُفِيئُهَا شَيءٌ. حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّة وَاحِدَةَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6921 - (2780) (140) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر) العبدي الكوفي (قالا) أي قال عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر (حدثنا زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابًا (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (حدثني) عبد الرحمن (بن كعب بن مالك) الأنصاري المدني، ثقة، من كبار التابعين، من (2) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه كعب) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) كعب: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الخامة) أي كمثل الطاقة اللينة (من الزرع) والخامة بالخاء وبالألف وتخفيف الميم القصة الرطبة المجموعة النابتة من أصل واحد، وقال الخليل: الخامة الزرع أول ما ينبت على ساق واحد (تفيئها) أي تميلها (الريح) يمينًا وشمالًا (تصرعها) أي تخفضها (مرة) أي تارة (وتعدلها) أي وترفعها تارة (أخرى حتى تهيج) وتصفر وتيبس غاية لقولها تفيئها الريح أي تميلها وتحركها الريح حتى تستوي ويكمل نضجها وتُحصد يعني أن الرياح لا تزال تقلبها فتصرعها أي تقرّبها إلى السقوط إذا كانت شديدة وتقيمها إذا كانت هادئة إلى أن يحين حين نضجها (ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية) بضم الميم وسكون الجيم وكسر الذال على صيغة اسم الفاعل من الإفعال يقال: أجذى يجذي إجذاء أي المنتصبة الثابتة (على أصلها) بحيث (لا يفيئها) ولا يميلها ولا يحركها (شيء) من الرياح العاصفة وغيرها (حتى يكون) ويحصل (انجعافها) أي انقلاعها (مرة واحدة) يقال: جعفته فانجعف مثل قلعته فانقلع، ونقل عن الداودي أن معناه انكسارها من وسطها أو من أسفلها، والانجعاف مصدر انجعف الذي هو مطاوع جعف الثلاثي يقال جعفته بمعنى قلعته فانجعف أي انقلع أي قبل الانجعاف والمطاوعة عند الصرفيين دلالة الفعل اللازم

6922 - (00) (00) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا بِشرُ بْنُ السَّرِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبرَاهِيمَ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ. تُفِيئُهَا الرِّيَاحُ. تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا. حَتَّى يَأتِيَهُ أَجَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ على قبول أثر الفعل المتعدي كما هو مقرر في محله كما بيناه في مناهل الرجال على لامية الأفعال. قال الحافظ في الفتح: وقد فسر المهلب هذا الحديث بمعنى أوسع مما ذكرناه ولفظه معنى هذا الحديث أن المؤمن حيث جاءه أمر الله انطاع له فان وقع له خير فرح به وشكر، وإن وقع له مكروه صبر ورجا فيه الخير والأجر فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرًا، والكافر لا يتفقده الله باختباره بل يحصل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسه اه منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المرض باب ما جاء في كفارة المرض [5643]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: 6922 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدثنا بشر بن السري) الأفوه أبو عمرو البصري ثم المكي الواعظ، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (وعبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابًا (قالا: حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن سعد بن إبراهيم) الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك) الأنصاري (عن أبيه) كعب بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لزكرياء بن أبي زائدة. وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة في بعض الكلمات بالتغير والزيادة (قال) كعب بن مالك (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها) أي تميلها (الرياح) يمينًا أو شمالًا (تصرعها) أي تخفضها الرياح (مرة وتعدلها) أي وتجعلها معتدلة مستوية تارة أخرى أي كمثل الخامة من الزرع (حتى يأتيه) أي يأتي ذلك المؤمن (أجله)

وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ. الَّتِي لاَ يُصِيبُهَا شَيْءٌ. حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةَ". 6923 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ ومَحْمُودُ بْنُ غَيلاَنَ. قَالاَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، غَيْرَ أَن مَحْمُودًا قَالَ في رِوَايَتِهِ، عَنْ بِشْرٍ: "وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ"، وَأَمَّا ابنُ حَاتِمٍ فَقَالَ: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ" كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ. 6924 - (00) (00) (وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وموته فهو غاية للمماثلة (ومثل المنافق) أي وشبه المنافق وصفته (مثل الأرزة المجذية التي لا يصيبها) ولا يحركها (شيء) من المحركات (حتى يكون انجعافها) ويحصل (مرة واحدة) أي في مرة واحدة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث كعب رضي الله عنه فقال: 6923 - (00) (00) (وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابًا (ومحمود بن غيلان) العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (قالا: حدثنا بشر بن السري) البصري (حدثنا سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري المدني، ثقة، من (2) وقيل له رؤية، روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) كعب بن مالك رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن حاتم وابن غيلان لزهير بن حرب (غير أن) أي لكن أن (محمودًا قال في روايته عن بشر) لفظة (ومثل الكافر كمثل الأرزة وأما ابن حاتم فقال) في روايته لفظة (مثل المنافق كما قالـ) ــه (زهير) كذلك. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث كعب فقال: 6924 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن بشار) العبدي البصري (وعبد الله بن هاشم) بن حيان العبدي الطوسي ثم النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب

قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - (قَالَ ابْنُ هَاشِمٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشارٍ: عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ، عَنْ أَبِيهِ) عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ، وَقَالاَ جَمِيعًا في حَدِيثِهِمَا عَنْ يَحْيَى: "وَمَثَلُ الْكَافِرِ مَثَلُ الأَرْزَةِ". 6925 - (2781) (141) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُ، (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى)، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلًى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِن مِنَ الشجَرِ شَجَرَةَ لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا. وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلاهما (قالا: حدثنا يحيى) بن سعيد التميمي البصري (وهو القطان عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن سعد بن إبراهيم قال: ابن هاشم عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وقال ابن بشار عن ابن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن بشار وابن هاشم لزهير بن حرب وابن حاتم وابن غيلان وساقا (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث الثلاثة المذكورة (و) لكن (قالا) أي قال ابن بشار وابن هاشم (جميعًا في حديثهما) أي في روايتهما (عن يحيى) القطان لفظة (ومثل الكافر مثل الأرزة). ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو قوله مثل المؤمن مثل النخلة بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: 6925 - (2781) (141) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر السعدي) المروزي (واللفظ ليحيى) بن أيوب (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل يعنون) أي يعني كل من الثلاثة بإسماعيل الذي أبهموه إسماعيل (بن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (أخبرني عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني (أنه سمع عبد الله بن عمر يقول) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا: (إن من) جنس (الشجر شجرة لا يسقط ورقها) قال الأبي: يحتمل أنه تقريب على السامعين ليفهموها، ويحتمل أنه أحد وجوه التشبيه على ما سيأتي (وإنها) أي وإن تلك الشجرة (مثل المسلم) رواه البعض

فَحَدِّثُوني مَا هِىَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر الميم وسكون المثلثة وبعضهم بفتح الميم والثاء كليهما وهما بمعنى وما ذكر في الحديث من خصوصية النخلة أنها لا تسقط ورقها تظهر فائدته مما أخرجه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر ولفظه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟ " قالوا: لا، قال: "هي النخلة لا تسقط لها أنملة ولا تسقط لمؤمن دعوة" اه من الفتح [11/ 145]. قال العيني في عمدة القاري [2/ 14] وأما وجه الشبه فقد اختلفوا فيه فقال بعضهم: هو كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجودها على الدوام فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس وبعد أن ييبس يُتخذ منها منافع كثيرة من خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعًا وحطبًا وعصيًا ومخاصر وحصرًا وحبالًا وأواني وغير ذلك مما ينتفع به من أجزائها ثم آخرها نواها يُنتفع به علفًا للإبل وغيره ثم جمال نباتها وحُسن ثمرتها وهي كلها منافع وخير وجمال وكذلك المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه ومواظبته على صلاته وصيامه والصدقة وسائر الطاعات هذا هو الصحيح في وجه الشبه، وقال بعضهم: وجه التشبيه أن النخلة إذا قطعت رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر، وقال بعضهم لأنها لا تحمل حتى تلقح، وقال بعضهم: لأنها تموت إذا نزقت أو فسد ما هو كالقلب لها، وقال بعضهم لطلعها رائحة المني، وقال بعضهم لأنها تعشق كالإنسان وهذه الأقوال كلها ضعيفة من حيث إن التشبيه إنما وقع بالمسلم وهذه المعاني تشمل المؤمن والكافر اه كلامه. (فحدثوني) جواب (ما هي) أي جواب سؤال ما هي تلك الشجرة، قال العيني في عمدة القاري [2/ 15] وفيه جواز اللغز مع بيانه وهو إعماء الكلام ليعرفه الفطن، وقد وقع في رواية نافع عند البخاري في التفسير (أخبروني) بدل قوله حدثوني، ووقع في رواية الإسماعيلي عن نافع (أنبئوني) ذكره العيني فاشتمل الحديث على الألفاظ الثلاثة المعروفة عند المحدثين للحديث، قال القاضي عياض: قوله: (فحدثوني) فيه إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أذهانهم، وفيه ضرب الأمثال والأشياء اه (فإن قلت): روى أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات، قال الأوزاعي أحد رواته: إنه صعاب المسائل قلت: هو محمول على ما إذا أُخرج على

فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ في نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. فَاسْتَحْيَيْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ سبيل تعنيت المسؤول أو تعجيزه أو تخجيله ونحو ذلك، قال ابن عمر (فوقع الناس) الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم (في شجر البوادي) جمع بادية أي ذهبت أفهامهم وأفكارهم إلى أشجار البوادي أي إلى أشجار الصحاري والريف وصار كل إنسان يفسرها بنوع من أنواع شجر البوادي وذهلوا عن النخلة اه نووي، قال الأبي: لعل وقوعهم فيها لما فهموا أن الأمثال إنما تُضرب بالغريب البعيد اه (قال عبد الله) بن عمر رضي الله عنه: (ووقع في نفسي) وقلبي (أنها) أي أن تلك الشجرة التي سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي (النخلة) بيّن أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن ابن عمر وجه ذلك وسببه قال: فظننت أنها النخلة من أجل الجُمار التي أُتي به يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إنما طرح هذا السؤال عندما أُتي بجمار النخل وجعل يأكله كما سيأتي ففهم ابن عمر أن المسؤول عنه شجرة النخلة، قال الحافظ: وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز بابًا يدخل منه بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه (فاستحييت) من ذكرها، وبيّن في رواية آتية أنه إنما استحيا لكون الصحابة الكبار حاضرين في المجلس، ووقع في رواية مجاهد عند البخاري في باب الفهم في العلم فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم وله في الأطعمة فإذا أنا عاشر عشرة وأنا أحدثهم، وفي رواية نافع عند البخاري في التفسير ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، وفيه أن الأدب للصغير أن لا يبادر بالجواب إذا كان الكبار ساكتين بل ينتظر فإن أجاب أحد الكبار يكتفي به وإلا فيتكلم. وأخرج البخاري هذا الحديث في تفسير قوله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} إشارة إلى أن المراد من الشجرة الطيبة في الآية النخلة وقد ورد صريحًا فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الآية فقال: "أتدرون ما هي؟ قال ابن عمر: لم يخف عليّ أنها النخلة، فمنعي أن أتكلم مكان سني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة" ذكره الحافظ في الفتح [1/ 146] ثم قال: ويجمع بين هذا وبين ما

ثُمَّ قَالُوا: حَدَّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فَقَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". قَالَ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِعُمَرَ. قَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. 6926 - (00) (00) (حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ الضُّبَعِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أُتي بجمار فشرع في أكله تاليًا للآية قائلًا: "إن من الشجر شجرة .. إلى آخره" (ثم قالوا) أي قال الحاضرون من الصحابة (حدثنا ما هي) أي ما تلك الشجرة (يا رسول الله قال) ابن عمر (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي النخلة قال) ابن عمر: فذكرت ذلك الذي وقع في قلبي أولًا (لعمر) بن الخطاب (قال) عمر: (لأن تكون قلت) وأخبرت للرسول صلى الله عليه وسلم بأنها (هي النخل) أي لكونك مخبرًا لها للرسول صلى الله عليه وسلم (أحب إليّ من كذا وكذا) أي من أن أعطى كذا وكذا كحمر النعم مثلًا، زاد ابن حبان في صحيحه أحسبه قال: حمر النعم، وإنما أحب عمر ذلك لأنه لو تكلم بذلك ابنه لظهر ذكاؤه ووقع جوابه موقع الثناء من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ولدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه لا مانع من أن يتمنى الوالد لولده ما يجوز الثناء له من الكبار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في عشرة أبواب منها باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال [6144]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن [2871]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6926 - (00) (00) (حدثني محمد بن عبيد) بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره موحدة (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة نسبة إلى غبر بن غنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (حدثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة بن قيس من بكر بن وائل نزلوا البصرة البصري، ثقة، من

عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمَ يَوْمًا لأصحَابِهِ: "أَخْبِرُونِي عَنْ شَجَرَةٍ، مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ" فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَذْكُرُونَ شَجَرًا مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأُلْقِيَ في نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ؛ أَنَّهَا النَّخْلَةُ. فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا. فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ، فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ. فَلَمَّا سَكَتُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". 2927 - (00) (00) (حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (6) روى عنه في (5) أبواب (عن مجاهد) بن جبر القرشي مولاهم المكي (عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مجاهد لعبد الله بن دينار (قال) ابن عمر (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا) أي ذات يوم (لأصحابه) الحاضرين معه (أخبروني عن شجرة مثلها) أي صفتها (مثل المؤمن) أي صفته (فجعل القوم) الحاضرون من الصحابة (يذكرون) أي يذكر كل واحد منهم في تعيين تلك الشجرة (شجرًا) أي شجرة (من) جنس (شجر البوادي) جمع بادية وهي ضد الحاضرة كما مر (قال ابن عمر) بالسند السابق (وأُلقي) أي أُلهم (في نفسي) أي في قلبي (أو) قال ابن عمر ألقي في (روعي) والشك من مجاهد أو ممن دونه، والروع بضم الراء وسكون الواو بمعنى النفس والقلب والخلد (أنها) أي أن الشجرة المسؤول عنها هي (النخلة فجعلت) أي فكنت (أريد أن أقولها) وأبينها وأخبرها للنبي صلى الله عليه وسلم (فإذا أسنان القوم) أي كبارهم وشيوخهم حاضرون هناك (فأهاب) أي فخفت هيبة منهم (أن أتكلم) بها وأخبرها يعني منعني من التكلم بها هيبة الكبار الحاضرين هناك (فلما سكتوا) أي فلما سكت القوم عن جوابها واخبارها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 2927 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار الثقفي

عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ، فَذَكَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا. 6928 - (00) (00) (وحدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَيْفٌ. قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - َ بِجُمَّارٍ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة) أي في سفري إلى المدينة. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي نجيح لأبي الخليل الضبعي (فما سمعته) أي ما سمعت ابن عمر (يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا قال) ابن عمر: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -) يومًا (فأتي) النبي صلى الله عليه وسلم (بجمار فذكر) بن أبي نجيح (بنحو حديثه) أي بنحو حديث أبي الخليل، وفي أغلب النسخ (بنحو حديثهما) وهو تحريف من النساخ. قوله: (إلا حديثًا واحدًا) فيه استحباب التورع عن إكثار التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يقع الخطأ، والجمار بضم الجيم وتشديد الميم هو مخ لين يخرج من جوف النخلة فيؤكل تلذذًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6928 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سيف) بن سليمان المخزومي مولاهم المكي نزيل البصرة، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب، وليس في مسلم من اسمه سيف إلا هذا الثقة (قال) سيف: (سمعت مجاهدًا يقول: سمعت ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (يقول أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمار) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سيف لأبي الخليل وابن أبي نجيح في الرواية عن مجاهد (فذكر) سيف بن سليمان (نحو حديثهما) أي نحو حديث أبي الخليلى وابن أبي نجيح وفي أغلب النسخ (نحو حديثهم) وهو تحريف من النساخ أيضًا، والصواب الموجود في النسخ القديمة ما قلناه في الموضعين فتأمل بإنصاف.

6929 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنا عِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: "أَخْبِرُوني بِشَجَرَةٍ شِبْهِ، أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِم. لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا". قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَعَل مُسْلِمًا قَالَ: وَتُؤْتِي أُكُلَهَا. وَكَذَا وَجَدْتُ عِنْدَ غَيْرِي أَيْضًا. وَلاَ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 6929 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ثقة، من (5) (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة نافع لعبد الله بن دينار ومجاهد بن جبر (قال) ابن عمر: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا (فقال: أخبروني بشجرة شبه) الرجل المسلم (أو) قال ابن عمر أو نافع بشجرة (كالرجل المسلم) والشك من الرواي أو ممن دونه (لا يتحات) أي لا يتساقط ولا يتناثر (ورقها) مضارع تحات الورق تحاتتًا ومتاحتة إذا تساقط من باب تفاعل الخماسي نظير تقاتل والمفاعلة ليست على بابها (قال) أبو إسحاق (إبراهيم) بن سفيان تلميذ المؤلف ورواية كتابه (لعل) شيخنا مسلمًا مؤلف هذا الصحيح رحمه الله تعالى (قال) في هذا الموضع لا يتحات ورقها (وتؤتي أكلها) أي ثمرها بلا ذكر لا النافية، وأما عندي بلفظ (لا تؤتي أكلها) (وكذا) أي مثل ما عندي (وجدت عند غيري) من رواة مسلم (أيضًا) أي كما هو عندي بلفظ (ولا تؤتي أكلها كل حين) بزيادة لا النافية قبل تؤتي وهو غير صواب، قال القاضي عياض: معنى هذا الكلام أنه وقع في روايته ورواية غيره عن مسلم (لا يتحات ورقها ولا تؤتي أكلها) فقال إبراهيم: لعل مسلمًا قال: وتؤتي وكنت أنا وغيري غلطنا في إثبات لا قبل تؤتي، وقال إبراهيم: ذلك لإشكال إثباتها عليه ومخالفتها باقي الروايات، وليس بغلط كما زعم بل إثباتها صحيح وبإثباتها ذكره البخاري لأنه بيّن لذوي الألباب وإنما يشكل ذلك على البُله الغفل، فلا في قوله لا تؤتي ليست داخلة على تؤتي وإنما هي داخلة على محذوفات تركها الراوي اختصارًا وتؤتي مستأنفة، والتقدير لا

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ في نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرِ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ. فَكَرِهْتُ أَن أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا. فَقَالَ عُمَرُ: لأَن تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. 7034 - (65) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَالَ إِسْحَاق: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِنَّ الشيطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يتحات ورقها ولا ينقطع ثمرها ولا ينعدم ظلها، ثم أخبر أن من محاسنها أنها تؤتي أكلها كل حين فالوقف على لفظة لا، وحذف مدخولها كما قدرنا تنبيهًا على كثرته ليقدر المقدر ما شاء فالمقام يسعه، ولفظة تؤتي كلام مستأنف مثبت لا منفي اه سنوسي وأبي (قال ابن عمر) بالسند السابق: (فوقع في نفسي أنها) أي أن تلك الشجرة التي سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي (النخلة ورأيت أبا بكر وعمر) هناك حالة كونهما (لا يتكلمان) شيئًا (فكرهت أن أتكلم) شيئًا من الجواب (أو) قال ابن عمر: فكرهت أن (أقول شيئًا) من الجواب بالشك من نافع أو ممن دونه (فقال عمر) بن الخطاب: (لأن تكون قلتها) أي لقولك إياها (أحب إليّ من كذا وكذا) أي من حمر النعم. ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو تحريش الشيطان سراياه على الناس بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال: 6930 - (2782) (142) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي نزيل واسط (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قد أيس) وقنط عن (أن يعبده المصلون في جزيرة العرب) يعني إن الشيطان أيس من أن يتحول أهل الجزيرة إلى الشرك وعبادة الأصنام ومن أن تظهر فيها كلمة الكفر ويستولي عليها الكفار وقد وقع كما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرد عليه ارتداد مانعي الزكاة وأصحاب مسيلمة الكذاب فإنهم لم يعبدوا الأوثان، قال

وَلكِنْ في التَّحْرِيشِ بَينَهُمْ". 6931 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبِ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 6932 - (2783) (143) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَان: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الملك قوله: (أن يعبده المصلون) أي المؤمنون عبّر عنهم بالمصلين لأن الصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر أراد بها عبادتهم الصنم إنما نسبها إلى الشيطان لكونه داعيًا إليها (فإن قلت) كيف يستقيم هذا وقد ارتد فيها جماعة من مانعي الزكاة وغيرهم (قلت): لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لا يرتد المصلون بل أيس وامتداد إياسه غير لازم أو يقال إياسه كان من عبادتهم الصنم وتحققها في تلك الجماعة غير معلوم أو المراد بالمصلين الدائمون على الصلاة بإخلاص (ولكن) له سعاية واجتهاد (في التحريش) والإغراء (بينهم) يعني لكن الشيطان غير آيس في إغراء المؤمنين وحملهم على الفتن بل له مطمع في ذلك اه ابن ملك باختصار، أي ولكنه غير آيس في التحريش والإغراء بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها، وفيه تحذير للمسلمين من افتراق كلمتهم وثوران الخصومات بينهم فإن ذلك من عمل الشيطان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في البر والصلة باب ما جاء في التباغض [1937]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6931 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلاهما) أي كل من وكيع وأبي معاوية رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر، غرضه بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 6932 - (2783) (143) حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي

سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ. فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ. فَأعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً". 6933 - (00) (00) حدّثنا أَبُو كُرَيْبِ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيْبٍ)، قَالاَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِن إِبْلِيس يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ. ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ. فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ سفيان) طلحة بن نافع (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، وهو نفس السند الذي قبله (قال) جابر: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن عرش إبليس) اللعين، قال النووي: العرش سرير الملك؛ ومعناه إن مركزه ومعسكره (على البحر) أي فوق البحر (فـ) منه (يبعث) ويرسل (سراياه) وعساكره وجنوده في نواحي الأرض وأرجائها (فيفتنون الناس) عن دينهم بالشرك والمعاصي (فأعظمهم) أي فأعظم سراياه (عنده) وأقربهم وأحبهم إليه (أعظمهم) أي أكثرهم (فتنة) لبني آدم عن دينهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 6933 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ لأبي كريب قالا: أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه) أي سريره (على الماء) على ماء البحر (ثم) بعد نزوله على الماء وجعله مركزًا لعرشه ومجمعًا لجنوده (يبعث سراياه) وجنوده في نواحي الأرض ليفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم عن الدين المستقيم (فأدناهم منه) أي فأدنى سراياه وأقربهم إليه (منزلة) ودرجة (أعظمهم) أي أشدهم (فتنة) للناس بإغوائهم وإضلالهم عن دين الحق الذي هو الدين المستقيم من الإيمان والتقوى لربهم. قال في المبارق: قوله: (إن إبليس يضع عرشه) وضع العرش على البحر يحتمل أن يكون حقيقيًا بأن يقدره الله عليه استدراجًا وأن يكون تمثيلًا لشدة عتوه ونفاذ أمره بين سراياه وعلى كلا التقديرين يُشبه أن يكون استعماله صلى الله عليه وسلم هذه العبارة الهائلة وهي كون عرشه على الماء تهكمًا

يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَينَهُ وَبَينَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ". قَالَ الأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: "فَيَلْتَزِمُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ به وسخرية لأنه مستعمل في الله تعالى كما قال تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} وفيه إشارة إلى اعتزاله وابتعاده عن جنس الإنس الذين يرجمونه بالحوقلة اه (يجيء أحدهم) أي أحد سراياه الذين بعثهم إلى نواحي الأرض لفتنة بني آدم ويرجع إليه (فيقول) ذلك الأحد (فعلت) ببني آدم (كذا وكذا) من الإغواء والإضلال (فيقول) له إبليس: (ما صنعت) بتاء الخطاب أي ما فعلت (شيئًا) يسرني وينتقم لي منهم أي ما حصلت غرضنا في بعثك إليهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم يجيء أحدهم) أي أحد سراياه (فيقول) لإبليس: (ما تركته) أي ما تركت فلانًا الذي كان مجتهدًا في دينه وعبادته (حتى فرّقت بينه وبين امرأته) بإلقاء العداوة والبغضاء بينهما (قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (فيدنيه) أي فيدني إبليس هذا الذي فرق بين الزوجين بوسوسته (منه) منزلة أي يقربه إليه درجة (ويقول) إبليس له: (نعم) الرجل الذي أفادنا في إغواء بني آدم والمخصوص بالمدح (أنت) المفترس لنا أعداءنا (قال الأعمش: أراه) أي أرى أبا سفيان (قال فيلتزمه) إبليس أي يضمه إلى نفسه ويقبله ويعانقه لكونه من المقربين عنده. (نعم أنت) قال القاضي عياض: هو من الحذف لدلالة الكلام على المحذوف أي نعم أنت الذي جاء بالطالعة أو نعم أنت الذي أعني أو نعم أنت الذي فعل اختياري أو نعم أنت الحظي عندي. قوله: (فيدنيه فيلتزمه) أي يعانقه وفيه تعظيم أمر الطلاق وكثرة ضرره وعظيم فتنته وعظيم الإثم في السعي فيه لما فيه من قطع ما أمر الله به أن يوصل وشتات ما جعل الله سبحانه فيه مودة ورحمة وهدم بيت بُني في الإسلام وتعريض المتخاصمين أن يقعا في الإثم والحرج (قلت): وانظر ما يتفق كثيرًا أن يسعى إنسان في فراق امرأة من زوجها ليتزوجها هل يمكن من زواجها إذا ثبت أنه سعى في ذلك أفتى بعض أصحابنا بأنه لا يمكن من ذلك، ونقل من يوثق به أن الشيخ وافق على ذلك وهو الصواب لما فيه من تتميم المفاسد المذكورة، والأظهر إذا وقع أن يكون الفساد في عقده فيفسخ قبل وبعد اه من الأبي.

6934 - (00) (00) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبِ. حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوٍلُ: "يَبعَثُ الشَّيطَانُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ. فَأعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً". 6935 - (2784) (144) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَالَ إِسْحَاقُ: أخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال: 6934 - (00) (00) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) الحراني الأموي مولاهم مولى بني مروان بن الحكم، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا معقل) بن عبيد الله الجزري العبسي، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سفيان (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يبعث الشيطان سراياه فيفتنون الناس) عن دينهم (فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم) أي أشد السرايا (فتنة) للناس. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو كون قرين الجن مع كل أحد من الناس بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6935 - (2784) (144) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق: أخبرنا وقال عثمان: حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (21) بابًا (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبيه) رافع الأشجعي أبي الجعد الغطفاني الكوفي، والد سالم، ثقة مخضرم، من (2) روى عن علي وابن مسعود في ذكر الجن، له فرد حديث في مسلم، ويروي عنه (ع) وابنه سالم والشعبي، وثقه ابن حبان، وقيل له صحبة (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ". قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَإِيَّايَ. إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيهِ فَأسْلَمَ. فَلاَ يَأمُرُنِي إِلَّا بِخَيرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته (قال) عبد الله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منكم) أيها الناس (من أحد إلا وقد وُكل به) بالبناء للمجهول من التوكيل بمعنى التسليط (قرينه من الجن) أي صاحبه منهم ليأمره بالشر واسمه الوسواس وهو ولد يولد لإبليس حين يولد لبني آدم ولد، كذا في مرقاة المفاتيح لعلي القاري [1/ 116] ولعل المراد من الولادة لإبليس أنه يخلق شيطان يكون من جند إبليس والله أعلم (قالوا) أي قالت الصحابة: (وإياك) وُكل (يا رسول الله) أي ولك أيضًا قرين من الجن، والأوفق للقاعدة النحوية أن يقال وأنت يا رسول الله ولكنه يتوسع في المحاورات مثل ذلك والمعنى وأنت لك قرين يا رسول الله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإياي) وُكل به، والقياس (وأنا) أي وأنا وكل به القرين (إلا أن الله) سبحانه أي لكن أن الله (أعانني) وساعدني (عليه) أي على ذلك القرين أي على السلامة من شره أو على استسلامه وانقياده لي (فأسلم) فيه روايتان مشهورتان رفع الميم على أنه مضارع مسند إلى المتكلم أي أسلم أنا وأحفظ وأجار من شره وفتنته بعصمة الله تعالى، وفتح الميم على أنه ماض مسند إلى القرين أي فاستسلم ذلك القرين وانقاد لي (فلا يأمرني إلا بخير) وفي جامع الترمذي، قال ابن عيينة: (فأسلم) بالرفع أي أسلم أنا منه والشيطان لا يسلم، وفي جامع الدارمي قال أبو محمد: (فأسلم) بالفتح أي استسلم وذل وانقاد لي، والخطابي ذهب إلى الأول، والقاضي عياض إلى الثاني وهما روايتان مشهورتان، قال التوربشتي: الله تعالى قادر على كل شيء فلا يستبعد من فضله أن يخص نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الكرامة أي بإسلام قرينه وبما فوقها اه من المرقاة. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات الست، ولكنه شاركه أحمد [1/ 397 و 385 و 451 و 460]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الحديث فقال:

6936 - (00) (00) حدَّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، (يَعْنِيَانِ ابْنَ مَهْدِيٍّ)، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ. كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِ، غَيْرَ أَنَّ في حَدِيثِ سُفْيَانَ "وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ". 6937 - (2785) (145) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبِ. أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ. حَدَّثَهُ؛ أَن عُرْوَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْج ـــــــــــــــــــــــــــــ 6936 - (00) (00) (حدثنا) محمد (بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا عبد الرحمن يعنيان ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) الثوري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (عن عمار بن رزيق) بتقديم الراء مصغرًا الضبي الكوفي، لا بأس به، من (8) روى عنه في (6) أبواب (كلاهما) أي كل من سفيان وعمار رويا (عن منصور) بن المعتمر السلمي (بإسناد جرير) يعني عن سالم عن أبيه عن ابن مسعود. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد، وساقا (مثل حديثه) أي مثل حديث جرير (غير أن) أي لكن أن (في حديث سفيان) وروايته لفظة (وقد وكل به قرينه من الجن) الآمر له بالشر (وقرينه من الملائكة) الآمر له بالخير أي الملهم في قلبه الخير. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 6937 - (2785) (145) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني أبو صخر) حميد بن زياد المدني، الخراط، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله (بن قسيط) مصغرًا الليثي المدني الأعرج، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (حدثه) أي حدث بن قسيط لأبي صخر (أن عروة) بن الزبير (حدثه) أي حدث لابن قسيط (أن عائشة زوج

النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلم - حَدَّثَتْهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا. قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ. فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ، أَغِرْتِ؟ " فَقُلْتُ: وَمَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَقَدْ جَاءَكِ شَيطَانُكِ؟ " قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: "دعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيهِ حَتَّى أَسْلَمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم حدثته) أي حدثت لعروة. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها) أي من بيتها (ليلًا قالت عائشة: فغرت) أي أخذتني الغيرة (عليه) أي على خروجه من عندي لظني أنه يذهب إلى بيت بعض أزواجه (فجاء) أي رجع بعدما خرج (فرأى) مني (ما أصنع) من غضبي على خروجه (فقال) لي: (ما لك) أي أي شيء ثبت لك (يا عائشة) من الغضب (أغرت) على خروجي (فقلت) له: (وما لي) أي وأي سبب ثبت لي في أن (لا يغار مثلي) من الشواب (على مثلك) من الزوج الكريم (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقد) أي هل قد (جاءك شيطانك) أي قرينك من الشيطان، تفطن النبي صلى الله عليه وسلم من هيئتها أنها غارت وتوهمت ما لم يقع (قالت) عائشة فقلت له (يا رسول الله أو معي) أي هل معي (شيطان قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) معك شيطان (قلت) له: (و) هل (مع كل إنسان) شيطان (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) مع كل إنسان شيطان (قلت) له: (و) هل (معك) شيطان (يا رسول الله، قال: نعم) معي شيطان (ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم) بالرفع أي حتى أسلم أنا من فتنته، وبالفتح أي حتى أسلم ذلك الشيطان لي أي انقاد وذل لي فلا يأمرني إلا بخير أو حتى دخل ذلك الشيطان في الإسلام، وآمن ببركة مقارنته صلى الله عليه وسلم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في عشرة النساء باب الغيرة [3960]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث أبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث كعب بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والسادس: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثامن: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث عائشة ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

752 - (17) باب لن يدخل الجنة أحد بعمله، وإكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، واستحباب الاقتصاد في الموعظة

752 - (17) باب لن يدخل الجنة أحد بعمله، وإكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، واستحباب الاقتصاد في الموعظة 6938 - (2786) (146) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 752 - (17) باب لن يدخل الجنة أحد بعمله، وإكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، واستحباب الاقتصاد في الموعظة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو عدم دخول أحد الجنة بعمله بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6938 - (2786) (146) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (عن بسر بن سعيد) مولى ابن الحضرمي المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لن ينجي أحدًا منكم عمله) ظاهر هذا الحديث يعارض قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)} وقوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقد ذكر العلماء في طريق الجمع بينهما أقوالًا الأول: أن الأعمال وإن كانت سببًا ظاهرًا للنجاة كما ذكر في الآيتين ولكن التوفيق للأعمال ليس إلا من رحمة الله تعالى ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة وإلى ذلك أشار حديث الباب بأن العمل بمجرده لا ينجي الإنسان بل سببه الأخير هو رحمة الله تعالى. الثاني: إن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله. الثالث: إن نفس دخول الجنة لا يحصل إلا برحمة الله تعالى وأما الدرجات المتفاوتة في الجنة فهي بسبب الأعمال وهو اختيار ابن بطال. الرابع: أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد إنما يكون بفضل الله تعالى لا بمقابلة الأعمال، قال الحافظ ابن حجر في الفتح [11/ 296] ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن

قَالَ رَجُلٌ: وَلاَ إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَلاَ إِيَّايَ. إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَلَكنْ سَدِّدُوا" ـــــــــــــــــــــــــــــ مقبولًا وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل القبول برحمة الله لمن يقبل منه وعلى هذا فمعنى قوله: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) أي تعملونه من العمل المقبول ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء في الآية للمصاحبة أو للإلصاق أو للمقابلة ولا يلزم من ذلك أن تكون للسببية اه. وفي المبارق: لا تعارض بين الآية والحديث لأن الآية تدل على سببية العمل والمنفي في الحديث علِّية العمل لدخول الجنة وإيجابه إياه فلا منافاة بينهما اه. (قال رجل) من الحاضرين، لم أر من ذكر اسمه (ولا إياك) يُدخل العمل الجنة (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا إياك) يُدخل العمل الجنة (إلا أن يتغمدني الله) تعالى (منه) أي من فضله (برحمة) قال النووي: معناه إلا أن يلبسني رحمته ويدخلني فيها ويجعلها له كالغمد للسيف يقال: أغمدت السيف وغمدته إذا جعلته في غمده وسترته به اه، ويحتمل أن يكون الاستثناء فيه منقطعًا لأن تغميد الله إياه برحمته ليس من جنس عمل العبد فمعناه لكن تغميد الله تعالى إياي برحمته يدخلني الجنة ويجوز أن يكون متصلًا ويقدر المستثنى منه فمعناه لا يدخل أحدًا منكم عمله الجنة مقارنًا بشيء إلا بتغميد الله إياي برحمته وليس المراد منه توهين أمر العمل بل نفي الإغترار به اه من المبارق (ولكن سددوا) أي اعملوا العمل الموافق للسداد والصواب باستكمال أركانه وتوفر شروطه واستجماع آدابه التي من أمهاته الإخلاص، قال النووي: معناه اطلبوا السداد واعملوا به، والسداد الصواب وهو ما بين الإفراط والتفريط فلا تغلوا ولا تقصروا اه منه. وفي قوله: (ولكن سددوا) دفع لما يتوهم مما سبق من أن الأعمال لا تنجي فلا فائدة في تعاطيها، وحاصل الدفع أن الإنسان مأمور بهذه الأعمال فليسدد عمله مهما أمكن لأن الله سبحانه وتعالى يتغمد بسببها الإنسان في رحمته وكان أعماله علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل الجنة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المرض باب تمني المريض الموت [5673]، وفي الرقاق باب القصد والمداومة على العمل [6463]، والنسائي في

6939 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "بِرَحْمَةِ مِنْهُ وَفَضْلٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ "وَلَكنْ سَدِّدُوا". 6945 - (00) (00) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابْنَ زيدٍ)، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ" فَقِيلَ: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلَّا أَنْ يَتَغمَّدَنِي رَبِّي بِرَحْمَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإيمان باب الدين يسر [5034]، وابن ماجه في الزهد باب التوقي على العمل [4254]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6939 - (00) (00) (وحدثنيه يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصدفي) أبو موسى المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابًا (عن بكير) بن عبد الله (بن الأشج) المخزومي المصري (بهدا الإسناد) يعني عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد (غير أنه) أي لكن أن عمرو بن الحارث (قال) في روايته: (برحمة منه وفضل ولم يذكر) عمرو لفظة (ولكن سددوا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6940 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (عن أيوب) السختياني البصري (عن محمد) بن سيرين الأنصاري البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن سيرين لبسر بن سعيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد) منكم (يدخله عمله الجنة فقيل) له صلى الله عليه وسلم: ولم أر من ذكر اسم هذا القائل (ولا أنت) يدخلك عملك الجنة (يا رسول الله قال: ولا أنا) يدخلني الجنة عملي (إلا أن يتغمدني) ويغمسني (ربي) ويسترني (برحمة) وفضل منه.

6941 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ أَحَد مِنْكُمْ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "وَلاَ أَنا. إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله مِنْهُ بِمَغفِرَةٍ وَرَحمَةٍ". وَقَالَ ابْنُ عَوْنِ بِيَدِهِ هَكَذَا. وَأَشَارَ عَلَى رَأْسِهِ: "وَلاَ أنا. إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله مِنْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ". 6942 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6941 - (00) (00) (حدّثنا محمَّد بن المثني حدّثنا) محمَّد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان بفتح فسكون ففتح المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابًا (عن محمَّد) بن سيرين البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب (قال) أبو هريرة: (قال النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم: ليس أحد منكم ينجيه عمله قالوا ولا أنت) ينجيك عملك (يا رسول الله قال: ولا أنا) ينجيني عملي (إلَّا أن يتغمدني الله منه) أي من فضله (بمغفرة) وستر لما وقع مني من خلاف الأولى (ورحمة) أي وإحسان منه (وقال ابن عون) مقوله قوله: (ولا أنا إلَّا أن يتغمدني الله) إلخ، وقوله: (بيده هكذا) متعلق بـ (وأشار) وكذا قوله هكذا (على رأسه ولا أنا إلَّا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة) وبالجملة هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وحذف، والمعنى (وقال ابن عون) لفظة (ولا أنا إلَّا أن يتغمدني الله منه بمغفرة ورحمة وقد أشار بيده واضعًا إياها هكذا على رأسه) هكذا يتمشى الإعراب. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا فقال: 6942 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب حدّثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.

قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ أَحَد يُنْجِيهِ عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَلاَ أنا. إِلَّا أَنْ يَتَدَارَكَنيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ". 6943 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ، يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لبسر بن سعيد ومحمد بن سيرين (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس أحد ينجيه عمله) من عذاب الله (قالوا: ولا أنت) ينجيك عملك من عذاب الله (يا رسول الله قال: ولا أنا) ينجيني عملي (إلَّا أن يتداركني الله) سبحانه أي يدركني ويكرمني (منه) أي من فضله (برحمة) وعفو. قال القرطبي: توهموا أنَّه لعظم معرفته بالله تعالى لكثرة عبادته أن ينجيه عمله فأجابهم بقوله: ولا أنا، فسوى بينهم وبينه في ذلك المعنى، قال القاضي: ومعنى يتغمدني يلبسني رحمته، من أغمدت السيف إذا ألبسته غمده، ويقال: غمدت وأغمدت بمعنى واحد، وأحاديث الباب نص في أنَّه لا يدخل الجنَّة أحد بعمله، ويعارض هذا قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} والجواب أن الأحاديث فسرت ما أجملته الآية أي ادخلوها بأعمالكم رحمة من الله سبحانه وتعالى لا استحقاقًا عليه، قال النووي: معنى الآية دخول الجنَّة بالعمل لكن هدايته له وقبوله إنَّما هو بفضل الله سبحانه فصح أنَّه لن يدخل الجنَّة بمجرد العمل. [قلت]: القائلون بأن دخول الجنَّة إنَّما هو بنعمة الله تعالى لا يثبتون أثر الأعمال بل يجعلون أثرها إنَّما هو في رفع الدرجات اه من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6943 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدّثنا أبو عباد يَحْيَى بن عباد) الضبعي البصري، نزيل بغداد، روى عن إبراهيم بن سعد آخر الكتاب باب لن ينجي أحدًا عمله، وعن الحمادين ومالك وغيرهم، ويروي عنه (خ م ت س) ومحمد بن حاتم وأحمد بن حنبل، قال أبو حاتم: ليس به بأس، وقال الدارقطني:

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا. إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنيَ الله مِنْهُ بِفَضْلِ وَرَحْمَةٍ". 6944 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَارِبُوا وَسدِّدُوا. وَاعْلَمُوا أنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَد مِنْكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتج به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب: أحاديثه مستقيمة لا نعلمه روى منكرًا، وقال في التقريب: صدوق، من التاسعة، مات سنة (198) ثمان وتسعين ومائة، وقال الساجي: ضعيف (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريّ المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابًا (حدّثنا ابن شهاب عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف) اسمه سعد بن عبيد الزُّهريّ مولاهم المدني، ثقة، من (2) مات سنة (98) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي عبيد لأبي صالح السمان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدًا منكم عمله الجنَّة قالوا ولا أنت) يدخلك الجنَّة (يا رسول الله قال: ولا أنا) يدخلني (إلَّا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا فقال: 6944 - (00) (00) (حدّثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدّثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدّثنا الأعمش عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: قاربوا) الأكمل في الأعمال إن عجزتم عن الإتيان به وهو المسمى عند الفقهاء بأدنى الكمال، وقال الحافظ: أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا فتفرطوا (وسددوا) أي وافعلوا السداد من الأعمال وهو الصواب وهو ما توفرت شروطه واستكملت أركانه وآدابه لأنَّ غير السداد لا يقبل (واعلموا) أيها المؤمنون (أنَّه) أي أن الشأن والحال (لن ينجو أحد منكم

بِعَمَلِهِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَلاَ أَنتَ؟ قَالَ: "وَلاَ أَنا. إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ". 6945 - (2787) (147) وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 6946 - (00) (00) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا. كَرِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعمله قالوا: يا رسول الله ولا أنت قال: ولا أنا إلَّا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد فقال: 6945 - (2787) (147) (وحدثنا ابن نمير حدّثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدّثنا الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكيِّ ثم الواسطيِّ، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي سفيان لأبي صالح، ولكنها متابعة ناقصة، وساق أبو سفيان (مثله) أي مثل حديث أبي صالح عن أبي هريرة. وحديث جابر هذا مما انفرد به المؤلف من أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [3/ 394]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثي أبي هريرة وجابر كليهما فقال: 6946 - (00) (00) (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم حدّثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش بالإسنادين) للأعمش (جميعًا) أي كليهما يعني سند الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وسنده عن أبي سفيان عن جابر، غرضه بيان متابعة جرير لعبد الله بن نمير في الرِّواية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وفي الرِّواية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وساق جرير بالإسنادين (كرواية) أي مثل رواية عبد الله (بن نمير) عن الأعمش. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في خصوص حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6947 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: "وَأَبْشِرُوا". 6948 - (00) (00) حدّثني سَلَمَة بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لاَ يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ. وَلاَ يُجِيرُهُ مِنَ النَّارِ. وَلاَ أَنا. إِلَّا بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6947 - (00) (00) (حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) كلاهما (قالا: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لعبد الله بن نمير (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم) وساق أبو معاوية (بمثله) أي بمثل حديث عبد الله بن نمير عن أبي صالح (و) لكن (زاد) أبو معاوية لفظة (وأبشروا) بالجنة بعد قوله: (قاربوا وسددوا). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في خصوص حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6948 - (00) (00) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا الحسن) بن محمَّد (بن أعين) الأموي مولاهم مولى بني مروان أبو علي الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدّثنا معقل) بن عبيد الله الجزري العبسي بموحدة مولاهم الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي الزُّبير) المكيِّ (عن جابر) بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزُّبير لأبي سفيان (قال) جابر: (سمعت النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل أحدًا منكم عمله الجنَّة ولا يجيره) أي ولا يأمنه (من) دخول (النَّار) أعاذنا الله تعالى منها (ولا أنا) يدخلني عملي الجنَّة (إلَّا برحمة من الله) تعالى. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

6949 - (2788) (148) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ. أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْس وَسَلَّمَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا. وَأَبْشِرُوا. فَإنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "وَلاَ أَنا. إِلَّا أَنْ يَتَغمَّدَنِيَ الله مِنْهُ بِرَحْمَةٍ. وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى الله أَدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6949 - (2788) (148) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد العزيز بن محمَّد) بن عبيد الدراوردي الجهني مولاهم المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين، صدوق، من (10) (واللفظ له حدّثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) (حدّثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (14) بابًا (حدّثنا موسى بن عقبة سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزُّهريّ المدني، ثقة، من (3) (يحدث عن عائشة زوج النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذان السندان الأوَّل منهما من خماسياته، والثَّاني من سداسياته (إنَّها كانت تقول: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا وأبشروا فإنَّه لن يدخل الجنَّة أحدًا عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلَّا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا أن أحب العمل إلى الله) أي عند الله (أدومه وإن قل) أي العمل الذي واظب عليه صاحبه وإن قل لا شمول الأزمنة به وهو غير مقدور والله أعلم اه دهني. وفي قوله: (أحب العمل أدومه) إشارة إلى أفضلية القصد والتوسط في الأعمال لأنَّ من القصد دوام العمل فيكثر الثواب، ومع الإفراط يقع الملل فيقطع الثواب، وفي الآخر إن الله لا يمل حتَّى تملوا اه أبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الإيمان باب أحب الدين إلى الله أدومه [43]، وفي الرقاق باب القصد والمداومة على العمل [6464] وفي غير ذلك، وأبو داود في قيام الليل باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل [1642].

6950 - (00) (00) وحدّثناه حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْ كُرْ: "وَأبْشِرُوا". 6951 - (2789) (149) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ. فَقِيلَ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 6950 - (00) (00) (وحدثناه حسن) بن علي بن محمَّد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) أبو علي البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزُّهريّ المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (5) (حدّثنا عبد العزيز بن المطلب) بن عبد الله بن حنطب المخزومي المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد العزيز بن المطلب لعبد العزيز بن محمَّد ووهيب بن خالد (و) لكن (لم يذكر) ابن المطلب لفظة (وأبشروا). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: 6951 - (2789) (149) (حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا أبو عوانة) الوضّاح بن عبد الله اليشكري الواسطيِّ، ثقة، من (7) (عن زياد بن علاقة) بكسر العين الثعلبي الكوفيِّ، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثَّقفيُّ الكوفيِّ الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم صَلَّى) في الليل وأكثر من قيامه (حتَّى انتفخت) وتورمت (قدماه) الشريفتان، وفي الرّواية الآتية "حتَّى ورمت قدماه" وفي رواية مسعر عند البُخاريّ "حتَّى ترم قدماه أو ساقاه" وفي حديث عائشة الآتي: "حتَّى تفطر رجلاه" أي تشققت ولا اختلاف بين هذه الرِّوايات فإنَّه إذا حصل الورم والانتفاخ حصل التشقق (فقيل له) صَلَّى الله عليه وسلم ولم يذكر اسم القائل هنا ويظهر من حديث عائشة الآتي أنَّها هي القائلة،

أَتَكَلَّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تَأخَّرَ. فَقَالَ: "أَفَلاَ أكُونُ عَبدًا شَكُورًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ولفظها "أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر" (أتكلف هذا) أي أتتكلف بحذف إحدى التاءين لأنَّ مضارع تكلف الخماسي أي هل تكلف نفسك بهذا القيام الكثير الذي أدى إلى ورم قدميك (وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال) صَلَّى الله عليه وسلم: (1) أترك تهجدي (فلا أكون عبدًا شكورًا) لربه، فالهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والفاء سببية عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والفعل منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام أي هل يكون ترك تهجدي فعدم شكري لربي: لا: أي أفلا أكون عبدًا شكورًا على ما أنعم الله عليَّ من هذا الفضل العظيم الذي خصصت به، كذا في العيني. وقال ابن بطال: في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه لأنَّه صَلَّى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فضلًا عمن لم يأمن أنَّه استحق النَّار اه، قال الحافظ في الفتح [3/ 15] ومحل ذلك ما إذا لم يفض ذلك إلى الملال لأنَّ حال النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال فكان لا يمل عن عبادة ربه وإن أضر ذلك ببدنه بل صح أنَّه قال: "وجعلت قوة عيني في الصَّلاة" كما أخرجه النَّسائيّ من حديث أنس، فأمَّا غيره صَلَّى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يكره نفسه وعليه يحمل قوله صَلَّى الله عليه وسلم: "خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتَّى تملوا" وفي الحديث مشروعية الصَّلاة للشكر، وفيه أن الشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان كما قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} اه، قال القرطبي: ظن من سأله عن سبب تحمله المشقة في العبادة أنَّه إنَّما يعبد الله خوفًا من الذنوب وطلبًا للمغفرة والرحمة فمن تحقق أنَّه غفر له لا يحتاج إلى ذلك فأفادهم أن هناك طريقًا آخر للعبادة وهو الشكر على المغفرة وإيصال النعمة لمن لا يستحق عليه فيها شيئًا فيتعين كثرة الشكر على ذلك اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في تفسير سورة الفتح باب قوله: ({لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ ... ) [4836]، والترمذي في الصَّلاة باب ما جاء في الاجتهاد في الصَّلاة [412]، والنَّسائيُّ في قيام الليل باب الاختلاف على عائشة في

6952 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيادِ بْنِ عِلاقَةَ. سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى وَرِمَتْ قَدَمَاهُ. قَالُوا: قَد غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَرَ. قَالَ: "أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شكُورًا". 6953 - (2790) (150) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأيلِيُّ. قَالاَ: حَدَّثَنَا ابنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ إحياء الليل [1644]، وابن ماجة في الإقامة باب ما جاء في طول القيام في الصَّلاة [1417]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: 6952 - (00) (00) (حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن زياد بن علاقة) الثعلبي الكوفيِّ (سمع المغيرة بن شعبة يقول) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لأبي عوانة (قام النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم) في صلاة الليل (حتَّى ورمت قدماه قالوا) له: (قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فلم تحملت هذه المشقة (قال) رضي الله عنه في جواب سؤالهما (أفلا أكون عبدًا شكورًا). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث المغيرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 6953 - (2790) (150) (حدّثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضَّرير البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (قالا: حدّثنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني أبو صخر) حميد بن زياد الخراط المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله (بن قسيط) مصغرًا الليثي المدني الأعرج، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن عروة بن الزُّبير عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا

قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى، قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ الله، أَتَصنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شكورًا". 6954 - (2791) (151) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِبةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ بَابِ عَبْدِ الله نَنْتَظِرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته (قالت) عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى) في الليل (قام) أي استمر في القيام (حتَّى تفطر) أصله تتفطر بحذف إحدى التاءين أي حتَّى تتشقق وتورم (رجلاه) أي قدماه الشريفتان (قالت عائشة) قلت له: (يا رسول الله أتصنع هذا) التعب في الصَّلاة (وقد غفر لك) من الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال لي: (يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورًا). قوله: (عبدًا شكورًا) قال القاضي عياض: الشكر معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسميت المجازاة على فعل الجميل شكرًا لأنها تتضمن الثّناء عليه، وشكر العبد لله سبحانه وتعالى اعترافه بنعمه وثناؤه عليه وتمام مواظبته على طاعته، وأمَّا شكر الله تعالى أفعال عباده فقبولها ومجازاته إياهم عليها وتضعيف ثوابها وثناؤه بما أنعم به عليهم فهو المعطي والمثني سبحانه، والشكور من أسمائه سبحانه وتعالى بهذا المعنى اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في تفسير سورة الفتح باب قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [4837]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو الاقتصاد في الموعظة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: 6954 - (2791) (151) (حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا وكيع وأبو معاوية ح وحدثنا) محمَّد (بن نمير واللفظ له حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفيِّ، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (قال) شقيق: (كنا) معاشر التّابعين (جلوسًا عند باب عبد الله) بن مسعود الهذلي أي عند باب داره بالكوفة، حالة كوننا (تنتظره) أي ننتظر خروجه علينا. وهذان السندان من خماسياته

فَمَرَّ بِنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوَيةَ النَّخَعِيُّ. فَقُلْنَا: أَعْلِمْهُ بِمَكَانِنَا. فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ. فَقَالَ: إِنِّي أُخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ. فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ. إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ. مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فمر بنا) ونحن جلوس (يزيد بن معاوية النَّخعيُّ) الكوفيِّ، ثقة عابد، ذكر العجلي أنَّه من طبقة الرَّبيع بن خثيم يعني من الطبقة الثَّانية، وذكر البُخاريّ في تاريخه أنَّه قتل بفارس غازيًا كأنه قتل في خلافة عثمان وليس له في الصحيحين ذكر إلَّا في هذا الموضع أن فتح الباري [11/ 228] قال شقيق: (فقلنا) له: (أعلمه) أي أعلم ابن مسعود وأخبره (بمكاننا) أي بكوننا جلوسًا عند بابه (فدخل عليه) أي فدخل يزيد على ابن مسعود (فلم يلبث) ويتأخر (أن خرج علينا عبد الله) أي خروج عبد الله علينا بعدما أخبره يزيد بن معاوية (فقال) عبد الله عقب ما خرج إلينا (إنِّي أخبر) بالبناء للمجهول (بمكانكم) عند الباب، أي أخبرت بكونكم عند الباب (فما يمنعني أن أخرج إليكم) بسرعة (إلَّا كراهية أن أملكم) أي أوقعكم في الملل والسآمة من الموعظة. قوله: (فأعلمه بمكاننا) أي أخبره بأننا ننتظره عند الباب، وفي رواية للبخاري في الدعوات عن شقيق "جاء يزيد بن معاوية قلت: ألا تجلس؟ قال: لا، ولكن أدخل فأخرج إليكم صاحبكم وإلا جئت أنا فجلست معكم فخرج عبد الله وهو آخذ بيده" قوله: (إنِّي أُخبر بمكانكم) بضم الهمزة في أخبر وفتح الباء على البناء للمجهول؛ وسيأتي في رواية منصور أنَّه قال هذا الكلام جوابًا لقول بعضهم إنا نحب حديثك ونشتهيه ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال: (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يتخولنا) أي يتعاهدنا ويراعينا (بالموعظة في) بعض (الأيَّام مخافة السآمة) والملل (علينا) والسآمة كالملالة وزنًا ومعنى، قوله: (يتخولنا) التخول التعهد وخال المال وخال على الشيء خولًا إذا تعهد ويقال خال المال يخوله خولًا إذا ساسه وأحسن القيام عليه، والخائل المتعاهد للشيء المصلح له وخوله الله الشيء أي ملكه إياه وهذه هي الرّواية الصحيحة في هذا الحديث بالخاء المعجمة واللام، وذكر أبو عمرو الشيباني أن الصواب يتحولهم بالحاء المهملة أي يطلب أحوالهم التي ينشطون فيها للموعظة فيعظهم وكان الأصمعي يرويه يتخونهم بالخاء المعجمة والنون وهو بمعنى التعهد أيضًا، ولكن رواية أكثر المحدثين بالخاء واللام اه عمدة القارئ [2/ 45] قال

6955 - (00) (00) حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا ابنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِى بْنُ خَشْرَمِ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزَادَ مِنْجَابٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ: قَالَ الأَعمَشُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الحافظ في الفتح [1/ 163] ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجهد في العمل الصالح خشية الملال وإن كانت المواظبة مطلوبة لكنها على قسمين إمَّا كل يوم مع عدم التكلف وإما يومًا بعد يوم فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثَّاني بنشاط وإما يومًا في الجمعة ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص اه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ منها في العلم [68 و 70] وفي الدعوات باب الموعظة ساعة بعد ساعة [6411] والترمذي في الأدب باب ما جاء في الفصاحة والبيان [2855]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 6955 - (00) (00) (حدّثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفيِّ (حدّثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفيِّ، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (ح وحدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) الكوفيِّ، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا) علي (بن مسهر) القرشي الكوفيِّ، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وعلي بن خشرم) بن عبد الرحمن المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا) أي قال إسحاق وعلي بن خشرم (أخبرنا عيسى بن يونس) بن إسحاق السبيعي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (ح وحدثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدّثنا سفيان) بن عيينة (كلهم) أي كل من ابن إدريس وابن مسهر وعيسى بن يونس وسفيان بن عيينة رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن ابن مسعود (نحوه) أي نحو ما حدث أبو معاوية عن الأعمش، وإنما أفرد الضمير لأنَّ لفظ الحديث لابن نمير الذي روى عن أبي معاوية فقط، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأبي معاوية (وزاد منجاب في روايته عن ابن مسهر) لفظة (قال الأعمش) حدثني هذا الحديث

وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، مِثْلَهُ. 6956 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقيقٍ، أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الله يُذَكِّرُنَا كُل يَوْم خَمِيسٍ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ. وَلَوَدِدْنَا أَنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَن أُمِلَّكُمْ. إِنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ. كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ شقيق عن عبد الله (وحدثني) أيضًا (عمرو بن مرَّة) بن عبد الله بن طارق الهمداني المرادي الأعمى الكوفيِّ، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (عن شقيق) بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (مثله) أي مثل ما حدثني شقيق أولًا بلا واسطة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله رضي الله عنه فقال: 6956 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفيِّ (ح وحدثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني (واللفظ له حدّثنا فضيل بن عياض) بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي الخراساني المكيِّ، ثقة، من (8) (عن منصور عن شقيق أبي وائل قال: كان عبد الله يذكرنا كل يوم خميس) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة منصور للأعمش (فقال له) أي لعبد الله (رجل) من الحاضرين، لم أر من ذكر اسمه (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن مسعود (إنا نحب حديثك ونشتهيه و) الله (لوددنا) أي لأحببنا (أنك حدثتنا كل يوم فقال ما يمنعني أن أحدثكم إلَّا كراهية أن أملكم إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يتخولنا) أي يتعاهدنا (بالموعظة في) بعض (الأيَّام كراهية السآمة) أي مخافة الملالة منها (علينا) والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث خمسة: الأوَّل: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه ست متابعات،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثَّاني: حديث جابر ذكره للاستشهاد مع المتابعة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث المغيرة بن شعبة ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين. * * *

كتاب ذكر الموت وما بعده من الجنة والنار وغيرهما

بسم الله الرحمن الرحيم 32 - كتاب ذكر الموت وما بعده من الجنَّة والنَّار وغيرهما 753 - (18) باب حفت الجنَّة بالمكاره والنَّار بالشهوات، وفي الجنَّة ما لا عين رأت .. إلخ، وفي الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، والرضوان على أهل الجنَّة وترائي أهل الجنَّة أهل الغرف فوقهم 6957 - (2792) (152) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 32 - كتاب ذكر الموت وما بعده من الجنَّة والنَّار وغيرهما 753 - (18) باب حفت الجنَّة بالمكاره والنَّار بالشهوات، وفي الجنَّة ما لا عين رأت .. إلخ، وفي الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، والرضوان على أهل الجنَّة وترائي أهل الجنَّة أهل الغرف فوقهم ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأوَّل من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 6957 - (2792) (152) (حدّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابًا، (و) عن (حميد) بن أبي حميد تير أبي عبيدة الطَّويل البصري، ثقة، من (5) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حفت الجنَّة) أي أحيطت وسترت وحجبت (بالمكاره) أي بستور هي المكاره والمتاعب ومشاق التكاليف. وقوله:

وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (حفت) بضم الحاء المهملة وتشديد الفاء من حفَّ الشيء إذا أحاط به، والحفاف ما يحيط بالشيء حتَّى لا يتوصل إليه إلَّا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها إلَّا بقطع مفاوز المكاره، وقد ورد في حديث أبي هريرة عند البُخاريّ (حُجبت) وهو أوضح، قال القاضي عياض: هذا من بديع كلامه صَلَّى الله عليه وسلم وجوامعه ومن التمثيل الحسن فإن حفاف الشيء جوانبه فأخبر أنَّه لا يوصل إلى الجنَّة إلَّا بتخطي المكاره، قال النووي: يدخل في المكاره الجد في العبادة والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والصبر عن الشهوات (وحفت النَّار) أي أحيطت وسترت وحجبت (بالشهوات) أي بأستار هي الشهوات يعني أن أتباع الشهوات توقّع في النَّار وأنَّه لا ينجو منها إلَّا من تجنبها، قال السنوسي: يعني أنَّه لا يتوصل إلى الجنَّة إلَّا بتحمل المكاره والمشاق في ذات الله تعالى في الدُّنيا، والنَّار إلَّا بارتكاب الشهوات، والظاهر في الشهوات أنَّها المحرمات كالخمر والزنا والغيبة والنميمة، وأمَّا المباحة كالمطاعم اللذيذة والملابس الجديدة والمفارش النفيسة فلا تدخل في ذلك لكن يكره الإكثار منها خوف أن تجر إلى المحرمة وتشغل عن عبادة الله تعالى لأنَّها تقسي القلب وتجر إلى الرغبة في الدُّنيا والإعراض عن الآخرة، قال المناوي: والمكاره جمع مكروه وهي كل ما يكرهه المرء ويشق عليه من القيام بحق العبادة على وجهها والاجتهاد فيها والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو عن الظلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات (والشهوات) جمع شهوة وهي كل ما يوافق النَّفس ويلائمها وتدعو إليه من المحرمات الشرعيّة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأمَّا الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن يكره الإكثار منها لأنها إمَّا أن تجر إلى المحرمة أو تقسي القلب أو تشغل عن الطاعة أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدُّنيا للصرف فيها ونحو ذلك اه، وقال القرطبي: وهذا من التمثيل الواقع موقعه ومن الكلام البليغ الذي انتهى نهايته وذلك أنَّه مثل المكاره بالحفاف وهو الداء بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إلى ذلك الشيء إلَّا بعد أن يتخطى، وفائدة هذا التمثيل أن الجنَّة لا تنال إلَّا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها، وأن النَّار لا ينجى منها إلَّا بترك الشهوات وفطام النَّفس عنها، وقد روي عنه

6958 - (2794) (153) وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى الله عليه وسلم أنَّه مثل طريق الجنَّة وطريق النَّار بتمثيل آخر فقال: "طريق الجنَّة حزن بربوة وطريق النَّار سهل بسهوة" رواه أحمد [1/ 327] والحزن هو الطَّريق الوعر المسلك، والربوة المكان المرتفع، وأراد به أعلى ما يكون من الروابي، والسهوة بالسين المهملة وهي الموضع السهل الذي لا غلظ فيه ولا وعورة وهذا أيضًا تمثيل حسن واقع موقعه اه من المفهم. وقد ورد تفصيل كون الجنَّة محفوفة بالمكاره في حديث لأبي هريرة رضي الله عنه أخرجه أبو داود والترمذي والنَّسائيُّ وابن حبان والحاكم مرفوعًا: "لما خلق الله الجنَّة والنَّار أرسل جبرئيل إلى الجنَّة فقال: انظر إليها، قال: فرجع إليه، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلَّا دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره، فقال: ارجع إليها، فرجع، فقال: وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد، قال: اذهب إلى النَّار، فانظر إليها، فرجع، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال: ارجع إليها، فرجع، فقال: وعزتك فخشيت أن لا ينجو منها أحد". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 153]، والترمذي [2559]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6958 - (2794) (153) (وحدثني زهير بن حرب حدّثنا شبابة) بن سوار الفَزَاريُّ المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثني ورقاء) بن عمرو بن كليب اليشكري الكوفيِّ، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، وساق أبو هريرة (بمثله) أي بمثل حديث أنس رضي الله تعالى عنهما. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو ما لا عين رأت بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6959 - (2794) (154) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشعَثِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. (قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: "قَالَ الله عَزَ وَجَلًّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُن سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ". مِصدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] ـــــــــــــــــــــــــــــ 6959 - (2794) (154) (حدّثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) الكوفيِّ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وزهير بن حرب، قال زهير: حدّثنا، وقال سعيد: أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: قال الله عزَّ وجل: أعددت لعبادي الصَّالحين) أي هيأت وادخرت لعبادي الصَّالحين أي المراعين لحقوق الله تعالى وحقوق العباد (ما) موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به لأعددت (لا) نافية للجنس على سبيل الاحتمال تعمل عمل ليس (عين) اسمها مرفوع، وجملة (رأت) خبرها، وكذا قوله: (ولا أذن سمعت) والمعنى أعددت لعبادي نعيمًا لا عين من عيون الخلق رائية له ولا أذن من آذانهم سامعة له أو أعددت لهم النعيم الذي لا عين من عيون الخلق رائية له ولا أذن من آذان الخلق سامعة له، ويحتمل كون عين وأذن فاعلًا مقدمًا لما بعده لغرض المجمع وهو الموافق لما بعده من قوله: (ولا خطر على قلب بشر) والمعنى عليه أعددت لعبادي الصَّالحين ما لا رأته عين ولا سمعته أذن وما لا خطر وجرى على قلب بشر، قال أبو هريرة: (مصداق ذلك) الحديث الذي حدثته لكم أي شاهده ومصدقه ما ذكر (في كتاب الله) عزَّ وجل من قوله تعالى: ({فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ}) من نفوس عبادي الصَّالحين ({مَا أُخْفِيَ}) وأدخر ({لَهُم}) في خزائن جنتي، حالة كونه ({مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}) أي مما تقر وتسر به أعينهم، وحالة كونه ({جَزَاءً}) لهم ({بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}) أي على ما كانوا يعملون من طاعتي في الدنيا [السجدة/ 17]. قال العيني: قوله: (ما لا عين رأت) ما هنا إمَّا موصولة أو موصوفة، وعين وقعت في سياق النفي فأفاد الاستغراق، والمعنى ما رأته العيون كلهن ولا عين واحدة منهن

6960 - (00) (00) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ذُخْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــ والأسلوب من باب قوله تعالى: ({مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}) فيحمل على نفي الرؤية، والعين معًا أو نفي الرؤية فحسب أي لا رؤية ولا عين أو لا رؤية وعلى الأوَّل الغرض منه نفي العين وإنَّما ضمت إليه الرؤية ليؤذن بأن انتفاء الموصوف أمر محقق لا نزاع فيه وبلغ في تحققه إلى أن صار كالشاهد على نفي الصفة وعكسه اه منه، وزاد ابن مسعود في حديثه عند ابن أبي حاتم، ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل" وهو يدفع قول من قال إنَّما قيل (البشر) لأنَّه يخطر بقلوب الملائكة كذا في فتح الباري [8/ 516]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في تفسير سورة السجدة، باب فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [4779 و 4780] والترمذي في تفسير سورة السجدة [3197] وابن ماجة في الزهد باب صفة الجنَّة [4383]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6960 - (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني مالك) بن أنس الأصبحي المدني، ثقة، من (7) (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مالك لسفيان بن عيينة (أن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: قال الله عزَّ وجل: أعددت لعبادي الصَّالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). وقوله: (ذخرًا) بضم الذال المعجمة مصدر بمعنى اسم المفعول، حال من ما الموصولة في قوله ما لا عين رأت يقال: ذخرت الشيء أذخره ذخرًا من باب نصر، وادخرته أدخره ادخارًا بالإدغام من باب افتعل أي أعددت لعبادي ما لا رأته عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر، حالة كونه مدخرًا مخبأ لهم في خزائن جنتي،

بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ الله عَلَيهِ". 6961 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَّنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ الله عَزَّ وَجَل: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَين رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ذُخْرًا. بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ الله عَلَيهِ". ثُمَّ قَرَأَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: (بله) اسم بمعنى غير منصوب على الاستثناء من ما المذكورة أي أعددت لعبادي ما لا رأت عين، غير (ما أطلعكم الله) وأظهركم (عليه) وأخبركم به، قال القرطبي: ومعنى هذا الكلام أن الله تعالى ادخر لهم في الجنَّة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحدًا من الخلة لا بالإخبار عنه ولا بالفكرة فيه؛ يعني أن المعد المذكور غير الذي أطلع عليه أحدًا من الخلق، وقيل بله اسم من أسماء الأفعال بمعنى دع واترك، وإعرابه حينئذ بله اسم فعل أمر بمعنى دع واترك مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًا وحرك فرارًا من التقاء الساكنين وكانت فتحة للخفة ومعناه حينئذ دع عنك ما أطلعكم عليه فالذي لم يطلعكم عليه أعظم وكأنه أضرب عنه استقلالًا له في جنب ما لم يطلع عليه وهذا المعنى أشهر في بله والأول أوضح في هذا المقام، وقيل معناه كيف وهو غير ظاهر هنا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 6961 - (00) (00) (حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير واللفظ له حدّثنا أبي) قالا: (حدّثنا الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح للأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يقول الله عزَّ وجل: أعددت) أي هيأت وادخرت (لعبادي الصَّالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرًا) لهم في خزائن جنتي (بله) أي غير (ما أطلعكم الله) سبحانه (عليه) وأخبركم به (ثم قرأ) أبو هريرة

{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]. 6962 - (2795) (155) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوف وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِى. قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهبٍ. حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ؛ أَنَّ أَبَا حَازِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ. حتَّى انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: "فِيهَا مَا لاَ عَين رَأَتْ، وَلاَ أُذن سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَرٍ" ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) [السجدة: 16 - 17] ـــــــــــــــــــــــــــــ استشهادًا على هذا الحديث قوله تعالى: ({فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما فقال: 6962 - (2795) (155) (حدّثنا هارون بن معروف) المروزي البغدادي، ثقة، من (10) (وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) (قالا: حدّثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (حدثني أبو صخر) حميد بن زياد المدني الخراط، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (أن أبا حازم) سلمة بن دينار التمار المدني الأعرج، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (حدثه) أي حدث لأبي صخر (قال) أبو حازم: (سمعت سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) الصحابي المشهور رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته (شهدت) أي حضرت (من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) أي مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (مجلسًا وصف فيه الجنَّة) أي ذكر فيه أوصاف الجنة (حتَّى انتهى) ووصل في وصفها الغاية تفصيلًا (ثم قال) رسول الله (صلي الله عليه وسلم في آخر حديثه) مجملًا في أوصافها (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم اقترأ) أي قرأ سهل بن سعد استشهادًا لهذا الحديث (هذه الآية) يعني قوله تعالى: ({تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة/ 16 و 17]).

6963 - (2796) (156) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْث، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَة يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات، ولكنه شاركه أحمد [5/ 334]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو أن في الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها .. إلخ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6963 - (2796) (156) (حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) كيسان بن سعيد المقبري المدني الليثي مولاهم مولى أم شريك الليثية، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنَّه قال: إن في الجنَّة لشجرة) عجيبة (يسير الراكب في ظلها) أي في كنفها وذراها وهو ما تستره أغصانها (مائة سنة) مما تعدون وقد يكون ظلها نعيمها وراحتها من قولهم عيش ظليل، وقال القرطبي: احتيج إلى تأويل الظل بما ذكر تحرزًا عن الظل في العرف لأنَّه ما يقي حر الشَّمس ولا شمس في الجنَّة ولا برد ولا حر وإنَّما هو نور يتلألأ اه من الأبي، قال ابن الجوزي: يقال إنَّها شجرة، ويؤيده ما أخرجه أحمد في مسنده [3/ 71] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "طوبى لمن رآني" فقال له رجل: وما طوبي؟ قال: "شجرة في الجنَّة مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنَّة تخرج من أكمامها" وفي إسناده ابن لهيعة، قال الحافظ في الفتح [6/ 418] وله شاهد في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان فهذا هو المعتمد خلافًا لمن قال: نكرت أي الشجرة للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنَّة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 418] والبخاري في تفسيره سورة الواقعة باب وظل ممدود [4881] والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة شجرة الجنَّة [2523] وابن ماجة في الزهد باب صفة الجنَّة [439]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6964 - (00) (00) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ. وَزَادَ: "لاَ يَقْطَعُهَا". 6965 - (2797) (157) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِى. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أبِي حَازِمِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَام لاَ يَقْطَعُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6964 - (00) (00) (حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا المغيرة يعني ابن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي سعيد المقبري، وساق الأعرج (بمثله) أي بمثل حديث أبي سعيد المقبري (و) لكن (زاد) الأعرج على المقبري لفظة (لا يقطعها) أي يسير الراكب في ظلها مائة عام فلا يقطعها أي لا يخرج من ظلها ولا ينتهي منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 6965 - (2797) (157) (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا المخزومي) عبد الله بن الحارث بن عبد الملك أبو محمَّد المكيِّ، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدّثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) (عن أبي حازم) سلمة بن دينار التمار المدني، ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) الساعدي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: إن في الجنَّة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام) فـ (لَّا يقطعها) أي لا يخرج من تحتها لفرط سعته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6552].

6966 - (2798) (158) - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِن فِي الجَنَّةِ شجَرَةَ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ، مِائَةَ عَامٍ، مَا يَقْطَعُهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما معلقًا سنده فقال: 6966 - (2798) (158) (قال أبو حازم) بالسند المذكور في حديث سهل (فحدثت به) أي بالحديث الذي سمعته من سهل (النُّعمان بن أبي عياش) بتحتانية ومعجمة زيد بن الصَّامت الأنصاري (الزرقي) أبا سلمة المدني، روى عن أبي سعيد الخدري، ويروي عنه أبو حازم، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (فقال) النُّعمان (حدثنيـ) ـه (أبو سعيد الخدري) رضي الله عنه (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: إن في الجنَّة شجرة يسير الراكب) بالرَّفع فاعل (الجواد) بالنصب مفعول الراكب (المضمر) بالنصب صفة للجواد (السريع) الجري صفة ثانية له، والجواد بالتخفيف الفائق أو السابق الأفراس الجيد و (المضمر) بتشديد الميم على صيغة اسم المفعول من التضمير وهو الذي خف لحمه بالتضمير والتضمير أن يعلف الفرس علفًا حتَّى يسمن ثم يقلل علفه إلَّا قدر القوت وذلك في أربعين ليلة قاله القسطلاني، وقال المناوي: المضمر هو الذي قلل علفه تدريجًا ليشتد جريه؛ والمعنى يسير الشخص الراكب على الفرس الفائق السابق غيره المهزول بتقليل علفه مدة السريع الجري (مائة عام) مفعول فيه ليسير أي يسير في ظلها مائة عام فلا يخرج منها و (مَّا يقطعها) أي وما ينتهي منها يعني لا يقطع الراكب المذكور مسافة الشجرة، وقد زاد البُخاريّ في حديث أبي هريرة في التفسير (واقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}) وكأن أبا هريرة رضي الله عنه فسر الظل الممدود المذكور في سورة الواقعة بظل هذه الشجرة ويؤيده ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي الدُّنيا في صفة الجنَّة عن ابن عباس قال: الظل الممدود: شجرة في الجنَّة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها فيخرج أهل الجنَّة يتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو فيرسل الله ريحًا فيحرك تلك الشجرة بكلِّ لهو كان في الدُّنيا ذكره الحافظ في بدء الخلق من الفتح [6/ 327]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6553] والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة شجر الجنَّة [2524].

6967 - (2799) (159) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأيلِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ النَّبِى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيكَ رَبِّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ، وَقَدْ أَعْطَيتَنَا مَا لَم تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَيُ شَيءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو إحلال الرضوان على أهل الجنَّة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6967 - (2799) (159) (حدّثنا محمَّد بن عبد الرحمن) بن حكيم (بن سهم) الأنطاكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدّثنا عبد الله بن المبارك) بن يزيد الأودي الكوفيِّ، ثقة، من (8) (أخبرنا مالك بن أنس) الأصبحي المدني، ثقة، من (7) (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي واللفظ له حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري (حدثني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم) العدوي المدني، ثقة، من (3) (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (إن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: إن الله) تبارك وتعالى (يقول لأهل الجنَّة: يا أهل الجنَّة) خطاب تشريف لهم، قال محمَّد بن أبي جمرة: في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه وإن لم يكن في الأصل له فإن الجنَّة ملك الله عزَّ وجل وقد أضافها لساكنها بقوله: يا أهل الجنَّة (فيقولون لبيك ربنا) أي أجبناك إجابة بعد إجابة يا مالك أمرنا (وسعديك) أي أطعناك طاعة بعد طاعة (والخير) كله (في يديك) المقدستين (فيقول) لهم الرب جل جلاله: (هل رضيتم) ما أعطيتكم (فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب) أي وأي شيء ثبت لنا في عدم رضانا ما أعطيتنا يا ربنا (وقد) والحال أنه قد (أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك) الذين لم تدخلهم الجنَّة اه مناوي (فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك) الذي أعطيته لكم (فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك)

فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيكُمْ رِضْوَاني. فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيكُمْ بَعْدَهُ أبدًا". 6968 - (2800) (165) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ)، عَنْ أَبِي حَازِمِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَراءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي أعطيتنا (فيقول أحل) أي أنزل (عليكم رضواني) أي أوجب لكم رضائي فلا يزول عنكم أبدًا دائمًا لا انقطاع له بوجه من الوجوه، وقد أكد ذلك بقوله: (فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) وإنَّما قال فلا أسخط لأنَّ السخط موجب مخالفة الأوامر والنواهي ولا تكليف في الجنَّة فلا سخط، وفي الحديث دلالة على أن السعادات الروحانية أفضل من الجسمانية اه مبارق، والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار أنَّه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرًا من باب علم اليقين فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين وإليه الإشارة بقوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} اه فتح الباري [13/ 488]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6549]، وفي التَّوحيد باب كلام الرب مع أهل الجنَّة [7518]، والترمذي في صفة الجنَّة باب بلا ترجمة [2555]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو ترائي أهل الجنَّة أهل الغرف فوقهم بحديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقال: 6968 - (2800) (160) (حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري) يتشديد الياء نسبة إلى قارة المدني، حليف بني زهرة، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنَّة ليتراءون الغرفة) أي لينظرون الغرفة التي فوقهم (في الجنَّة كما تراءون) أي كما تنظرون في الدُّنيا (الكوكب) المضيء (في السماء) من بعد، والغرفة منزلة من أعلى منازل الجنَّة؛ والمراد من رؤية الغرفة هنا أن أهل الجنَّة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتَّى إن أهل الدرجات العلا يراهم من هو أسفل منهم كالنجوم في السماء، قال القرطبي: يعني

6969 - (2801) (161) قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاش. فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: "كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي الأُفقِ الشَّرْقِيِّ أَو الْغَرْبِيِّ". 6970 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُوميُّ. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أن أهل السفل من الجنَّة ينظرون إلى من فوقهم على تفاوت منازلهم كما ينظر من على الأرض دراري السماء على تفاوت منازلهم فيقال هذا منزل فلان كما يقال هذا المشتري مثلًا أو الزهرة أو المريخ. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم كما في تحفة الأشراف. ثم استشهد له بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 6969 - (2801) (161) (قال) أبو حازم: (فحدثت بذلك) الحديث الذي سمعته من سهل بن سعد (النُّعمان بن أبي عياش فقال) النُّعمان: (سمعت أبا سعيد الخدري يقول) في هذا الحديث: إن أهل الجنَّة ليتراءون الغرفة (كما تراءون) في الدُّنيا (الكوكب الدري) أي المضيء الطالع (في الأفق الشرقي) والأفق بضم الفاء وسكونها ناحية السماء وأطرافها أي الطالع في ناحية الشرق من السماء (أو) الغارب في الأفق (الغربي) أي في ناحية الغرب، وقوله: (الكوكب الدري) بضم الدال وتشديد الراء والياء هو النجم الشديد الإضاءة وهو منسوب إلى الدر وهو الجوهر الأبيض البراق لبياضه وضيائه، قال القاضي عياض: ودراري النجوم عظامها، وسميت دراري لبياضها، وقيل لإضاءتها، وقيل لشبهها بالدر لأنَّها أرفع الكواكب كالدر في الجوهر فإنَّه أرفعه، وخص الشرقي والغربي لأنَّ الكوكب حين الطلوع والغروب يبعد عن الأعين ويظهر صغيرًا لبعده. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى أيضًا كما في تحفة الأشراف. ثم ذكر المتابعة في حديثي سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 6970 - (00) (00) (وحدثناه) أي حدّثنا الحديث المذكور يعني حديث الترائي (إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي، قال: (أخبرنا) عبد الله بن الحارث بن عبد الله (المخزومي) المكيِّ، ثقة، من (8) (حدّثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري،

عَنْ أَبِي حَازِمٍ، بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ. 6971 - (2802) (162) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مَعْنْ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَس، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الأفقِ مِنَ الْمَشرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (7) (عن أبي حازم بالإسنادين جميعًا) يعني بإسناد سهل بن سعد وإسناد أبي سعيد الخدري (نحو حديث يعقوب) بن عبد الرحمن القاري، غرضه بيان متابعة وهيب بن خالد ليعقوب بن عبد الرحمن في رواية الحديث عن أبي حازم بالإسنادين والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سهل بن سعد بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 6971 - (2802) (162) (حدثني عبد الله بن جعفر بن يَحْيَى بن خالد) بن برمك البرمكي البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا معن) بن عيسى بن يَحْيَى الأشجعي مولاهم المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدّثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) (واللفظ له حدّثنا عبد الله بن وهب أخبرني مالك بن أنس عن صفوان بن سليم) مصغرًا، الزُّهريّ المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنَّة ليتراءون) وينظرون (أهل الغرف) والمنازل الكائنة (من فوقهم كما تتراءون) أي كما تنظرون الآن في الدُّنيا (الكوكب الدري) أي المضيء (الغابر) أي الذاهب الماشي (من الأفق) أي في الأفق طالعًا (من المشرق أو) غاربًا متدليًا من (المغرب) وقوله الغابر الرّواية المشهورة بالباء الموحدة من غير إذا ذهب ومشى، وفي غيرها الغائر بالهمزة بدل الموحدة من غار إذا دخل وهي لا تصح يعني أن الكوكب حالة طلوعه

لِتَفَاضُلِ مَا بَينَهُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وغروبه بعيد عن الأبصار فيظهر صغيرًا لبعده وقد بينه بقوله: "في الأفق من المشرق أو المغرب" والأفق ناحية السماء وهو بضم الهمزة والفاء وبسكونها كما يقال عُشُر وعُشْر، وجمعه آفاق. وقوله: (من الأفق من المشرق) الظاهر أن من الأولى ظرفية بمعنى في كما في رواية البُخاريّ، والثانية للبيان. وقوله: (لتفاضل ما بينهم) متعلق بيتراءون أي يتراءى أهل الغرف السافلة أهل الغرف العالية من بعيد ترائيًا مثل ترائيكم الكوكب الطالع في المشرق أو الغارب في المغرب لتفاضل أي لتفاوت ما بين أهل الجنَّة من المنازل ارتفاعًا وضدًا (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صَلَّى الله عليه وسلم (يا رسول الله تلك) المنازل الرفيعة هي (منازل الأنبياء) والمرسلين التي (لَّا يبلغها) ولا يصلها (غيرهم) أي غير الأنبياء (قال) لهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (بلى) أي ليست تلك المنازل مختصة بالأنبياء (والذي نفسي بيده) بل هم (رجال) أي بل هي منازل رجال (آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) فيما جاؤوا به عن الله تعالى أي صدقوا حق تصديقهم وإلا لكان من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرجة وليس كذلك؛ والمعنى أي بلى يبلغها غيرهم هم رجال عظماء في الرتبة وكملاء في الرجولية فتنوينه للتعظيم، وإنَّما قرن القسم ببلوغ غيرهم لما في وصول المؤمنين بمنازل الأنبياء من استبعاد السامعين كذا في ابن ملك اه دهني. قال القرطبي: قوله: (بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله) إلخ كذا وقع هنا هذا الحرف "بلى" التي أصلها حرف جواب وتصديق، وليس هذا موضعها لأنهم لم يستفهموا، وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء لا لغيرهم فجواب هذا يقتضي أن تكون بل التي للإضراب عن الأول وإيجاب الحكم للثاني فكأنه تسومح فيها فوضعت بلى موضع بل، (ورجال) مرفوع بالابتداء المحذوف تقديره هم رجال، وفيه أيضًا توسع أي تلك المنازل منازل رجال آمنوا بالله أي حق إيمانه وصدقوا المرسلين أي حق تصديقهم وإلا فكل من يدخل الجنَّة هو من آمن بالله وصدق رسله ومع ذلك فهم متفاوتون في الدرجات والمنازل وهذا واضح. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 340] والبخاري في بدء الخلق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب ما جاء في صفة الجنَّة [3256] وفي الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6556]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث؛ الأوَّل: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثَّاني: حديث أبي هريرة الأوَّل ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث سهل بن سعد الأوَّل ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أبي هريرة الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث سهل بن سعد الثَّاني ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري الأوَّل ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث أبي سعيد الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والثامن: حديث سهل بن سعد الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والتاسع: حديث أبي سعيد الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه وفي حديث سهل متابعة واحدة مشتركة بينهما، والعاشر: حديث أبي سعيد الرابع ذكره للاستشهاد. * * *

754 - (19) باب مودة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله، وذكر سوق الجنة، وأول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر، ودوام نعيم أهل الجنة، وصفة خيام الجنة، وما في الدنيا من أنهار الجنة

754 - (19) باب مودة رؤية النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله، وذكر سوق الجنَّة، وأول زمرة تدخل الجنَّة على صورة القمر، ودوام نعيم أهل الجنَّة، وصفة خيام الجنَّة، وما في الدُّنيا من أنهار الجنَّة 6972 - (2803) (163) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ سُهَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مِنْ أَشَد أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي، بِأهْلِهِ وَمَالِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 754 - (19) باب مودة رؤية النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله، وذكر سوق الجنَّة، وأول زمرة تدخل الجنَّة على صورة القمر، ودوام نعيم أهل الجنَّة، وصفة خيام الجنَّة، وما في الدُّنيا من أنهار الجنَّة واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأوَّل من الترجمة وهو مودة رؤية النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله بحديث أبي هريرة الأوَّل رضي الله عنه فقال: 6972 - (2803) (163) (حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) القاري الزُّهريّ حلفًا المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أشد أمتي لي حبًا) أي من أشد أمتي حبًا لي (ناس يكونون) أي يوجدون (بعدي) أي بعد وفاتي (يود) أي يتمنى (أحدهم) ويحب (لو رآني) أي رؤيته إياي فلو مصدرية (بأهله) أي ببذل أهله (وماله) في مقابلة رؤيتي وتحصيلها؛ يعني أنَّه يستعد لأنَّ يبذل ماله وأهله لأجل رؤية النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وذكر هذا الحديث في هذا الموضع يعني في أحاديث الجنَّة واقع في غير محله لأنَّه ليس من مباحث الجنَّة وليس فيه استطراد، ولو ذكره المؤلف في كتاب الإيمان أول الكتاب عند باب لا يكمل إيمان امرئ حتَّى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وولده وماله والنّاس أجمعين، لكان أنسب لأنَّ محبته صَلَّى الله عليه وسلم من شعب الإيمان، فلم يظهر لي وجه ذكره هنا إلَّا أن يقال إن محبته المحبة الشرعيّة من أسباب الجنَّة. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من أصحاب الأمهات. ثم استدل المؤلف على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو سوق الجنَّة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

6973 - (2804) (164) حدّثنا أَبُو عُثْمَانَ، سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا. يَأتونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6973 - (2804) (164) (حدّثنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبار) بن يزيد القرشي (البصري) ثم المكيِّ، روى عن حماد بن سلمة في صفة الجنَّة باب سوق الجنَّة، ومالك، ويروي عنه (م د) وعبدان، وقال في التقريب: صدوق، من (10) مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين (حدّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنَّة لسوقًا) والمراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون فيه كما يجتمع النَّاس في الدُّنيا في السوق، قال في المبارق: والسوق معروف يذكر ويؤنث، والتأنيث أفصح، والمراد به هنا مجمع يجتمع فيه أهل الجنَّة، وقد حفت به الملائكة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيأخذون ما يشتهون بلا شراء، وهذا نوع من الالتذاذ (يأتونها) أي يحضرون تلك السوق (كل جمعة) أي في مقدار كل أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع لفقدان الشَّمس والليل والنهار اه نووي. وقال القرطبي: وسمي السوق سوقًا لقيام النَّاس فيها على ساق، وقيل لسوق النَّاس إليها بضائعهم فيحتمل أن يكون سوق الجنَّة عبارة عن مجتمع أهل الجنَّة ومحل تزاورهم، وسمي سوقًا بالمعنى الأول ويؤيد هذا أن أهل الجنَّة لا يفقدون شيئًا حتَّى يحتاجوا إلى شرائه من السوق، ويحتمل أن يكون سوقًا مشتملًا على محاسن منهيات مستلذات تجمع هنالك مرتبة محسنة كما تجمع في الأسواق حتَّى إذا جاء أهل الجنَّة فرأوها فمن اشتهى شيئًا وصل إليه من غير مبايعة ولا معاوضة ونعيم الجنَّة وخيرها أعظم وأوسع من ذلك كله، وخص يوم الجمعة بذلك لفضيلته ولما خصه الله تعالى به من الأمور التي تقدم ذكرها ولأنَّه يوم المزيد أي اليوم الذي يوفى لهم فيه ما وعدوا به من الزيادة، وأيام الجنَّة تقديرية إذ لا ليل هناك ولا نهار، وإنَّما هناك أنوار متوالية لا ظلمة معها على ما يأتي إن شاء الله تعالى اه من المفهم. لكن قال العلامة علي القارئ في المرقاة [1/ 322] قلت: وإنَّما يعرف وقت الليل والنهار بإرخاء أستار الأنوار ورفعها على ما ورد في بعض الأخبار فبهذا يعرف يوم الجمعة وأيام الأعياد وما

فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثيَابِهِم. فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسنًا وَجَمَالًا. فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ يترتب عليهما من الزيارة والرؤية وسائر الإمداد والإسعاد ففي الجامع أن أهل الجنَّة ليحتاجون إلى العلماء في الجنَّة، وذلك أنهم يزورون الله تعالى في كل جمعة فيقول: لهم تمنوا علي ما شئتم، فيلتفتون إلى العلماء فيقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تمنوا عليه كذا وكذا، فهم يحتاجون إليهم في الجنَّة كما يحتاجون إليهم في الدُّنيا، رواه ابن عساكر عن جابر، هذا وتسمية يوم الجمعة بيوم المزيد في الجنَّة يدل على تمييزه عن سائر الأيَّام والله تعالى أعلم (فتهب) أي تعصف وتهيج (ريح الشمال) وهي في الدُّنيا الرِّيح التي تأتي من دبر القبلة "أي الكعبة" من ناحية الشَّام وهي التي تأتي بلاد العرب بالأمطار فهي عندهم أحسن الأرياح فلذلك سمي ريح الجنَّة بالشمال ومقابلها ريح الجنوب، وقد سميت هذه الرِّيح في حديث آخر بالمثيرة لأنَّها تثير النعيم والطيب على أهل الجنَّة أن مفهم (فتحثو) أي تنثر، والمفعول محذوف تقديره أي فتنثر (في وجوههم) أي في أبدانهم (وثيابهم) المسك وأنواع الطَّيِّب، والمراد بالوجوه الأبدان أو الذوات وإنَّما خصت الوجوه لشرفها (فيزدادون حسنًا) في ثيابهم (وجمالًا) في أبدانهم، قيل زيادة حسنهم بقدر حسناتهم (فيرجعون إلى أهليهم) وأزواجهم (وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا) أي بعد فراقنا (حسنًا وجمالًا فيقولون) لأهليهم: (وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا) يعني أنهم يجدون أن أهلهم الذين تركوهم في بيوتهم قد ازداد جمالهم وهو إما لكونهم أصابتهم نفس الرِّيح في البيوت أيضًا، وإما بسبب انعكاس جمال القادمين من السوق أو لأجل تأثير حالهم وترقي مآلهم كذا في مرقاة المصابيح لعلي القارئ رحمه الله تعالى. قوله: (ريح الشمال) وفي الشمال لغات الشِّمال، والشَّمْأل وبالهمز بين الميم الساكنة واللام، والشمل بفتحتين، والشمول بوزن القبول والدبور، وشامل بهمزة ساكنة حكاها صاحب العين. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم من أصحاب الأمهات، لكنَّه شاركه أحمد في [3/ 284]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو كون أول

6974 - (2805) (165) حدّثني عَمْرُو النَّاقِدُ وًيعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، (وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحمَّدٍ قَالَ: إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا: الرِّجَالُ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوَ لَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَولَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ علَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ زمرة على صورة القمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6974 - (2805) (165) (حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكر (الناقد ويعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (جميعًا عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من (8) (واللفظ ليعقوب قالا) أي قال عمرو ويعقوب (حدّثنا إسماعيل ابن عليه أخبرنا أيوب) السختياني (عن محمَّد) ابن سيرين الأنصاري البصري، وهذا السند من خماسياته (قال) محمَّد (إما تفاخروا وإما تذاكروا) ومعنى هذا الكلام أن جماعة من النَّاس اختلفوا فيما بينهم في أن (الرجال في الجنَّة أكثر أم النساء) وكان هذا الاختلاف إمَّا مذاكرة فيما بينهم وإما مفاخرة للرجال على النساء أو على العكس ويوضحه رواية سفيان الآتية (فقال أبو هريرة: أ) تختلفون في ذلك (ولم يقل أبو القاسم) محمَّد (صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة) أي جماعة (تدخل الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر) أي على صفة القمر ليلة كماله في الجمال والإضاءة؛ أي على صورته في كمال الصفاء وتمام النور لا في الاستدارة، قال في المرقاة: ولعل دخولها على صورة الشَّمس مختص بنبينا صَلَّى الله عليه وسلم والله أعلم اه. قال القرطبي: والصورة هنا بمعنى الصفة يعني أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر ليلة تمامه وكماله وهي ليلة أربعة عشر، وبذلك سمي القمر بدرًا في تلك الليلة، ومقتضى هذا أن أبواب الجنَّة متفاوتة بحسب درجاتهم اه المفهم. وقد استدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنَّة أكثر لأنَّ النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم ذكر أنَّه ستكون في الجنَّة زوجتان لكل رجل من الزمرة الأولى والتي تليها، ثم ذكر أنَّه لا يكون في الجنة رجل أعزب فلا أقل من أن تكون له زوجة واحدة فالنتيجة أن عدد النساء في الجنَّة أكثر لأنَّ لكل رجل زوجة على الأقل، ولبعضهم

وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبِ دُرِّيِّ فِي السَّمَاءِ. لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ. يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ. وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ زوجتان وهذا كله من الآدميات، وأمَّا الحور فقد ورد في الحديث أن للواحد منهم العدد الكثير أفاده الأبي نقلًا عن القاضي، وقد ورد بيان عدد تلك الزمرة الأولى، وبيان كيفية دخولهم في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عند البُخاريّ في الرقاق رقم [6554] ولفظه: أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنَّة من أمتي سبعون أو سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم أيهما قال - متماسكون آخذ بعضهم بعضًا لا يدخل أولهم حتَّى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة بدر" (والتي تليها) أي والزمرة التي تلي الزمرة الأولى في الدخول (على) صورة (أضوإ كوكب دري في السماء) أي على صورة أشد كوكب شبيه بالدر إضاءة في السماء (لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان) من الآدميات (يرى مخ) أي عظم (سوقهما) جمع ساق؛ أي منع عظامهن (من وراء اللحم) منهما (وما في الجنَّة) رجل (أعزب) أي فاقد الزوجة خال عنها. قوله: (والتي تليها كأشد كوكب دري) يعني أن الزمرة التي تلي الأولى تكون في ضوئها وجمالها كأكثر كوكب ضياء، وقال الطيبي في شرح المشكاة [1/ 238] أفرد المضاف إليه يعني كوكب دري ليفيد الاستغراق في النوع من الكوكب يعني إذا تفصيت كوكبًا كوكبًا رأيتهم كأشده إضاءة، و (الدري) معناه المضيء المنير كما تقدم في الباب السابق. قوله: (لكل امرئ منهم زوجتان) قال النووي: ظاهر هذا الحديث أن النساء أكثر أهل الجنَّة، وفي الحديث الآخر إنهن أكثر أهل النَّار، قال: فيخرج من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد آدم، قال: وهذا كله في الآدميات وإلا فقد جاء للواحد من أهل الجنَّة من الحور العدد الكثير اه. قوله: (يرى منع سوقهما) إلخ المخ بضم الميم وتشديد الخاء المعجمة اللب داخل العظم، والمراد بهذا وصفهما بالصفاء البالغ وأن ما في داخل عظامهما لا يستتر بالعظم واللحم والجلد، وقد أعقبه في رواية همام بن منبه التالية لما بعد هذه بقوله: (من الحسن) دفعًا لما قد يتوهم في تصور تلك الرؤية مما ينفر عنه الطبع، وزاد الطّبرانيّ في الأوسط عن ابن مسعود (كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء) راجع مجمع الزوائد للهيثمي. قوله: (وما في الجنَّة أعزب) قال النووي: هكذا

6975 - (00) (00) حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. قَالَ: اخْتَصَمَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ: أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ؟ فَسَأَلُوا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ. 6976 - (00) (00) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ)، عَنْ عمَارةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ. حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ في جميع نسخ بلادنا (أعزب) بالألف وهي لغة، والمشهور في اللُّغة (عزب) بغير ألف، ونقل القاضي أن جميع رواتهم رووه (وما في الجنَّة عزب) بغير ألف وإنَّما وقع أعزب في رواية العذري، قال القاضي: وليس بشيء، والعزب من لا زوجة له، والعزوب البعد، وسمي عزبًا لبعده عن النساء. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنَّة [3246] وفي الأنبياء باب خلق آدم وذريته [3327]، والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة الجنَّة [2537]، وابن ماجة في الزهد باب صفة الجنَّة [4388 و 4389]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6975 - (00) (00) (حدّثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب عن ابن سيرين قال) محمَّد ابن سيرين (اختصم) أي اختلف (الرجال والنساء) في (أيهم في الجنَّة أكثر) أي أي الفريقين أكثر في الجنَّة (فسألوا أبا هريرة) رضي الله عنه عن جواب هذا الاستفهام (فقال) أبو هريرة (قال أبو القاسم صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لابن علية، وساق سفيان (بمثل حديث) إسماعيل (ابن علية). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6976 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفيِّ، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا أبو زرعة) هرم بن

قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ". ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ)، قَالاَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوَّلَ زُمرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ. وَالذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبِ دُرِّيٍّ، فِي السَّمَاءِ، إِضَاءَةً. لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتْفُلُونَ. أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ. وَرَشْحُهُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفيِّ، ثقة، من (3) (قال: سمعت أبا هريرة يقول) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي زرعة لمحمد ابن سيرين (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أول من يدخل الجنَّة (ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب واللفظ لقتيبة قالا: حدّثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفيِّ (عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لعبد الواحد (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على) صورة (أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون) أي لا يخرج منهم البول والغائط، وإنَّما لم تصدر وتخرج هذه الفضلات من أهل الجنَّة لأنَّها أقذار مستخبثة والجنة منزهة عن مثل ذلك، ولما كانت أغذية أهل الجنَّة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن لها فضلة تستقذر بل تستطاب وتستلذ وهي التي عبر عنها بالمسك كما قال: "ورشحهم المسك" وقد جاء في لفظ آخر: "لا يبولون ولا يتغوطون وإنَّما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك" رواه أحمد والبيهقيّ يعني من أبدانهم اه من المفهم. (ولا يمتخطون ولا يتفلون) بكسر الفاء وضمها من بابي ضرب ونصر أي لا يبصقون من التفل وهو البصاق، والتفل رميك الشيء من الفم، والمخاط ما يسيل من الأنف، والمعنى أي ليس في أنفهم ولا فمهم من المياه الزائدة والمراد الفاسدة فيحتاجوا إلى إخراجها ولأن الجنَّة مساكن طيبة للطيبين فلا يلائمها الأدناس والأنجاس اه مرقاة. (أمشاطهم) التي يسرحون بها الشعر (الذهب) أي من الذَّهب (ورشحهم) أي

الْمِسْكُ. وَمَجَامِرُهُمُ الألَوَّةُ. وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ. أَخْلاقهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ. سِتُّونَ ذِرَاعًا، فِي السَّمَاءِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عرقهم (المسك) أي كالمسك في طيب الرائحة (ومجامرهم) قال العيني: جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنَّها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور. وقوله: (ومجامرهم) مبتدأ خبره (الألوة) وفي النهاية: الألوة بفتح الهمزة وضم اللام وتشديد الواو المفتوحة هو العود الذي يتبخر به يعني العود الهندي، والمعنى أن مجامرهم يبخر فيها مثل العود الهندي، ووقع في رواية وقود مجامرهم الألوة، وقال الأصمعي: هي فارسية عربت معناها العود الهندي الذي يتبخر به اه. وقال علي القارئ في المرقاة [1/ 324] وهذا كله من اللذات المتوالية والشهوات المتعالية وإلا فلا تلبد لشعورهم ولا وسخ ولا عفونة لأبدانهم وثيابهم بل ريحهم أطيب من المسك فلا حاجة لهم إلى التمشط والتبخر إلَّا لزيادة الزينة والتلذذ بأنواع النعم الحسية اه. وقال القرطبي: قد يقال هنا أي حاجة في الجنَّة إلى الامتشاط ولا تتلبد شعورهم ولا تتسخ، وأي حاجة إلى البخور وريحهم أطيب من المسك فيجاب عن ذلك أن نعيم أهل الجنَّة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم فليس أكلهم عن جوع ولا شرابهم عن ظمإ ولا تطيبهم عن نتن، وإنَّما هي لذات متوالية ونعم متتابعة، ألا ترى قوله تعالى لآدم: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} [طه: 118، 119] وحكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنَّة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدُّنيا وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلَّا الله تعالى اه من المفهم (وأزواجهم الحور العين) جمع حوراء، والحور في العين شدة بياضها في شدة سوادها، والعين بكسر العين جمع عيناء كبيض جمع بيضاء وهي الواسعة العين، وفي الصحاح رجل أعين واسع العين، والجمع عين، وأصله فعل بالضم، ومنه قيل لبقر الوحش عين والثور أعين والبقرة عيناء اه من المفهم (أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء) قوله: (على خلق رجل واحد) روي بضمتين وبفتح الخاء وسكون اللام، والمعنى على الأوَّل أنهم يشابه بعضهم بعضًا في الأخلاق الفاضلة، فيكون المعنى أن أخلاقهم متساوية في الحسن والكمال كلهم كريم الخلق إذ لا تباغض ولا تحاسد ولا نقص، ويؤيده ما سيأتي في رواية همام "أن لا اختلاف بينهم ولا تباغض وأن قلوبهم

6977 - (00) (00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي، عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ. ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَد نَجْمٍ، فِي السَّمَاءِ، إِضَاءَةَ. ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ. لاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَبولُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْزُقُونَ. أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ. وَمَجَامِرُهُمُ الألوَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قلب واحد" والمعنى على الثَّاني أنهم متشابهون فيما بينهم في الخلقة ويؤيده ما جاء في نفس هذه الرِّواية أنهم على طول أبيهم آدم عليه السَّلام وعلى صورته، والحاصل أنهم متشابهون في الخلق والخلق جميعًا وقوله: (على صورة أبيهم آدم) أي على صفته في الخلقة وفسره بقوله: (ستون ذراعًا) طولًا وارتفاعًا (في السماء) أي في جهة العلو وكل ما علاك فهو سماء يعني بذلك أن الله تعالى أعاد أهل الجنَّة إلى خلقة أصلهم الذي هو آدم وعلى صفته وطوله الذي خلقه الله تعالى عليه في الجنَّة وكان طوله فيها ستِّين ذراعًا في الارتفاع من ذراع نفسه والله أعلم، ويحتمل أن يكون ذلك الذراع مقدرًا بأذرعتنا المتعارفة عندنا ثم لم يزل خلق ولده وطولهم ينقص كما جاء في الرِّواية الأخرى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6977 - (00) (00) (حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لمحمد ابن سيرين وأبي زرعة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أول زمرة) وجماعة (تدخل الجنَّة من أمتي على صورة) وصفة (القمر ليلة البدر) يعني في إشراقهم وإضاءتهم لا في الاستدارة (ثم الذين يلونهم) في الدخول (على) صورة (أشد نجم) وأقوى كوكب (في السماء إضاءة ثم هم) أي أهل الجنَّة (بعد ذلك) أي بعد هذا الثَّاني (منازل) أي ذوو منازل ومراتب ودرجات مختلفة ومقتضى هذا أن أبواب الجنَّة مختلفة متفاوتة بحسب درجاتهم (لا يتغوطون ولا يبولون ولا يمتخطون ولا يبزقون أمشاطهم الذَّهب ومجامرهم الألوة

وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ. أَخْلاقهُم عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا". قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبِ: "عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ". وقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: "عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ". 6978 - (00) (00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ ورشحهم المسك أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعًا). قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) أبو بكر (بن أبي شيبة) في روايته لنا لفظة (على خلق رجل) واحد بضمتين (وقال) لنا (أبو كريب) في روايته لنا لفظة (على خلق رجل) واحد بفتح وسكون (وقال ابن أبي شيبة) في روايته لفظة (على صورة أبيهم) آدم، وقال أبو كريب: على طول أبيهم. قال النووي: قد ذكر مسلم في الكتاب اختلاف ابن أبي شيبة وأبي كريب في ضبط لفظة خلق، فإن ابن أبي شيبة يرويه بضم الخاء واللام وأبا كريب بفتح الخاء وإسكان اللام، وكلاهما صحيح؛ وقد اختلف فيه رواة مسلم ورواة صحيح البُخاريّ أيضًا، ويرجح الضم بقوله في الحديث الآخر: "لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد" وقد يرجح الفتح بقوله صَلَّى الله عليه وسلم في تمام الحديث على صورة أبيهم آدم أو على طوله والله أعلم اه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6978 - (00) (00) (حدّثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدّثنا عبد الرَّزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حدّثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة (قال) همام: (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدّثنا أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ زُمْرَةِ تَلِجُ الْجَنَّةَ، صُوَرُهُم عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ. لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطونَ فِيهَا. آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الألوَّةِ. وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. وَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُم زَوْجَتَانِ. يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْم. مِنَ الْحُسْنِ. لا اخْتِلاَفَ بَينَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ. قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ. يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكرةً وَعَشِيًّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أول زمرة) وفرقة (تلج) وتدخل (الجنَّة) من أمتي (صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها) أي في الجنَّة من البصاق وهو البزاق وهو ما يسيل من الفم من الماء الطبيعي (ولا يمتخطون) من المخاط وهو ما يسيل من الأنف من الماء الفاسد (ولا يتغوطون فيها) أي في الجنَّة (آنيتهم) التي يأكلون ويشربون فيها (وأمشاطهم) التي يسرحون بها الشعر (من الذهب والفضة و) بخور (مجامرهم من الألوة) أي من العود الهندي أي مثله (ورشحهم) أي عرقهم (المسك) أي كالمسك، والكلام في الكل على التشبيه البليغ (ولكل واحد منهم زوجتان) من الآدميات كما مر بسط الكلام فيه (يرى مخ) أي لب عظم (ساقهما من وراء اللحم) والعظم أي من داخلهما (من) شدة (الحسن) والجمال والصفاء، وقد مر الكلام في هذا القيد الذي زاده هنا (لا اختلاف) ولا تنازع (بينهم و) كذا (لا تباغض) ولا تحاسد بينهم (قلوبهم قلب واحد) أي كقلب رجل واحد في التحابب والتوادد (يسبحون الله) تعالى (بكرة وعشيًا) أي في مقدار البكر والعشايا، لأنَّه لا ليل ولا نهار في الجنَّة، وهذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام بل تسبيح شكر وتلذذ، وسيأتي تفصيله في حديث جابر رضي الله عنه. قوله: (ولكل واحد منهم زوجتان) أي من نساء الدُّنيا، والتثنية بالنظر إلى أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقيل بالنظر إلى قوله تعالى: {جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] {عَيْنَانِ} [الرحمن: 66] فليتأمل اه قسطلاني. قوله: (من الحسن) أي والصفاء البالغ ورقة البشرة ونعومة الأعضاء. قوله: (بكرة وعشيًا) أي في مقدارهما إذ لا بكرة ثمة ولا عشية إذ لا طلوع ولا غروب يعلمون به ذلك، قيل سارة تحت العرش إذا نشرت يكون النهار لو كانوا في الدُّنيا، وإذا طويت يكون الليل لو كانوا فيها أو المراد الديمومة والله أعلم كذا في القسطلاني، وفي الرّواية الآتية يلهمون بهما فحينئذٍ لا حاجة لما ذكره.

6979 - (2806) (166) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ -. (قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأكلُونَ فِيهَا ويشْرَبُونَ. وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال: 6979 - (2806) (166) (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لعثمان قال عثمان: حدّثنا وقال إسحاق: أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكيِّ ثم الواسطيِّ، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (قال) جابر: (سمعت النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: إن أهل الجنَّة يأكلون فيها وبشربون) قال القاضي رحمه الله تعالى: مذهب أئمة المسلمين أن نعيم أهل الجنَّة حسي كنعيم أهل الدُّنيا إلَّا ما بينهم من التفاوت الذي لا شركة فيه إلَّا في الاسم وأنَّه دائم لا ينقطع خلافًا للفلاسفة وغلاة الباطنية وكذا النصارى في قولهم إن نعيم الآخرة إنَّما هو لذات عقلية وانتقال من هذا العالم إلى الملإ الأعلى، وهذا المعنى هو المعبر عنه عندهم بالجنة وخلافًا لبعض المعتزلة في أن نعيم الجنَّة غير دائم وإنَّما هو لأجل، وقالوا مثله في عذاب جهنم إلَّا أنَّه عندهم يفنون وهذا كله خلاف ملة الإسلام وسخافة عقل، وخلاف ما في كتاب الله تعالى وأحاديث نبيه صَلَّى الله عليه وسلم، وقد ذكر مسلم في ذلك من الأحاديث ما فيه كفاية اه من الأبي. وقال النووي: مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنَّة يأكلون فيها ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذها وأنواع نعيمها تنعمًا دائمًا لا آخر له ولا انقطاع أبدًا وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدُّنيا إلَّا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا تشارك نعيم الدُّنيا إلَّا في التّسمية وأصل الهيئة (و) إلَّا في أنهم (لا يتفلون) بكسر الفاء وضمها حكاهما الجوهري وغيره أي لا يبصقون (ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون) أي لا يخرج منهم المخاط وهو ما يسيل من الأنف من الماء

قَالُوا: فَمَا بَال الطَّعَامِ؟ قَالَ: "جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كرَشْحِ الْمِسْكِ. يلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الفاسد (قالوا) لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (فما بال الطَّعام) الذي أكلوه وشربوه وشأنه إذا لم يتغوطوا ولم يبولوا (قال) لهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم هو أي طعامهم الذي أكلوه (جشاء) بضم الجيم وبالمد فهو خبر لمبتدإ محذوف كما قدرناه أي نظير جشاء يحصل من طعام الدُّنيا وإلا فجشاء الجنَّة لا يكون مكروهًا بخلاف جشاء الدُّنيا، والجشاء تنفس المعدة من الامتلاء وهو صوت مع ريح يخرج من الفم أي مأكولهم جشاء (و) شرابهم (رشح) أي عرق له رشح (كرشح المسك) أي رائحة كرائحة المسك، والحاصل أن فضل طعامهم إمَّا جشاء وإما رشح (يلهمون) أي يلقون في روعهم وقلبهم (التسبيح) أي تنزه الله تعالى عن النقائص (والتحميد) أي اتصافه بالكمالات إلهامًا (كما يلهمون النَّفس) في الدُّنيا أي كإلهامهم النَّفس وهو الرِّيح الذي يخرج من الرئة تكون به حياة الحيوان فإذا وقف مات، قال علي القارئ في المرقاة [10/ 325] قوله: (جشاء ورشح) هذا إمَّا باعتبار اختلاف الأشخاص أو الأوقات أو بعض الطَّعام يكون جشاء وبعضه يكون رشحًا، والأظهر أن المأكول ينقلب جشاء وأن المشروب يعود رشحًا والطعام قد يطلق عليهما نظرًا إلى معنى الطعم والذوق اه. قوله: (يلهمون التسبيح) إلخ أي يلهمهم الله تعالى التسبيح والتحميد كما يلهمهم التنفس، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولابد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحًا وتحميدًا، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره أن فتح الباري [6/ 326] قال الطبري: قوله: (كما يلهمون النَّفس) وذلك أن التنفس من الضروريات للإنسان ولا مشقة عليه فيه فكذلك ذكر الله تعالى على ألسنة أهل الجنَّة، وسر ذلك أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته وأبصارهم برؤيته وامتلأت قلوبهم بمحبته ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره. [قلت]: فهو تسبيح تنعم والتذاذ اه أبي. يعني لا تكليف لأنَّ الجنَّة ليست داره، وفي رواية في المشكاة كما تلهمون بصيغة الخطاب. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في السنة، باب في الشفاعة [4741]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

6980 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأعمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلهِ: "كَرَشْحِ الْمِسْكِ". 6981 - (00) (00) وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الْحُلْوَانِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. قَالَ حَسَن: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا ويشْرَبُونَ. وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ. وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشح الْمِسْكِ. يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ". قَالَ: وَفِي حَدِيثِ حَجَّاجٍ: "طَعَامُهُمْ ذَلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 6980 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير، وساق أبو معاوية الحديث (إلى قوله) صَلَّى الله عليه وسلم (كرشح المسك) ولم يذكر ما بعده. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6981 - (00) (00) (وحدثني الحسن بن علي) الخلال (الحلواني) الهذلي المكيِّ، ثقة، من (11) (وحجاج) بن يوسف الثَّقفيُّ البغدادي، المعروف بـ (ابن الشَّاعر) ثقة، من (11) (كلاهما) رويا (عن أبي عاصم) النبيل الضَّحَّاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة، من (9) (قال حسن: حدّثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزُّبير لأبي سفيان (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يأكل أهل الجنَّة فيها) أي في الجنَّة (ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذاك) أي الذي أكلوه (جشاء) أي نظير جشاء، وشرابهم الذي شربوه رشح (كرشح المسك) أي عرق رائحته كرائحة المسك (يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون) روي بالياء التي للغيبة، وبالتاء التي للخطاب أي كما تلهمون (النَّفس) في الدُّنيا (قال) المؤلف: (وفي حديث حجاج) وروايته لفظة (طعامهم ذلك) بصيغة اسم الإشارة الذي للبعيد.

6982 - (00) (00) وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا ابْنُ جُريْجٍ. أَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "ويُلهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ، كمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ". 6983 - (2807) (167) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: "مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْأسُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 6982 - (00) (00) (وحدثني سعيد بن يَحْيَى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثني أبي) يَحْيَى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي أبو أيوب الكوفيِّ، صدوق، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدّثنا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير عن جابر عن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يَحْيَى بن سعيد بن أبان لأبي عاصم النبيل، وساق يَحْيَى بن سعيد (بمثله) أي بمثل حديث أبي عاصم (غير أنَّه) أي لكن أن يَحْيَى بن سعيد (قال) في روايته لفظة (ويلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النَّفس). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو دوام نعيم أهل الجنَّة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6983 - (2807) (167) (حدثني زهير بن حرب حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسَّان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصر، ثقة، من (4) (عن أبي رافع) الصَّائغ نفيع بن رافع المدني نزيل البصرة، ثقة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: من يدخل الجنَّة ينعم) من باب فرح أي يتفرج ويتلذذ بنعيمها أبدًا (لا يبأس) أي لا يأخذه البأس والشدة والجوع والعطش، وقوله: (ينعم) بفتح الياء والعين أي يتنعم في النعيم المقيم الدائم (لا يبأس) بسكون الموحدة وفتح الهمزة أي لا يفقر ولا يهتم ولا يصيبه

لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ". 6984 - (2808) (168) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، (وَاللَّفْظُ لإسْحَاقَ)، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ: قَالَ الثَّوْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَنَّ الأَغَرَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا ـــــــــــــــــــــــــــــ بؤس، والبؤس والبأس والبأساء والبؤوس بمعنى شدة الحال، قال الطيبي: هو تأكيد لقوله يتنعم؛ والمعنى أن الجنَّة دار الثبات والقرار وأن التغيير لا يتطرق إليها فلا يشوب نعيمها بؤس ولا يعتريه فساد ولا تغيير فإنها ليست دار الأضداد ومحل الهوان والفساد اه (لا تبلى) ولا يخلق (ثيابه ولا يفنى شبابه) أي لا يشيخ ولا يهرم ولا يعجز. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من أصحاب الأمهات، ولكنه شاركه أحمد [2/ 369، 407، 416]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لهذا الحديث بحديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6984 - (2808) (168) (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد واللفظ وإسحاق قالا: أخبرنا عبد الرَّزاق قال) عبد الرَّزاق (قال) سفيان بن سعيد (الثوري فحدثني) الفاء فيه زائدة أي قال الثوري: حدثني (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة، من (3) أو الفاء بمعنى الواو كما هي في نسخة الأبي فتكون عاطفة على مقدر تقديره، قال الثوري: حدثني غير أبي إسحاق وحدثني أيضًا أبو إسحاق (أن الأغر) بن عبد الله مولى أبي هريرة وأبي سعيد وكان اشتركا في عتقه فهو مولى لهما أبا مسلم المدني ثم الكوفيِّ، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (حديثه) أي حدث لأبي إسحاق (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة) رضي الله عنهما (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سداسياته (ينادي مناد) من الملائكة في الجنَّة أو إذا رأوها من بعيد يقول في ندائه: يا أهل الجنَّة (إن لكم أن تصحوا) بكسر الصاد وتشديد الحاء أي تكونوا صحيحي البدن دائمًا (فلا تسقموا) من باب سمع أي فلا تمرضوا (أبدًا وإن لكم أن تحيوا) بفتح الياء أي أن تكونوا أحياء (فلا تموتوا أبدًا وإن لكم أن تشبوا) بكسر

فَلاَ تَهرمُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأسُوا أَبدًا" فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43] 6985 - (2809) (169) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي قُدَامَةَ، (وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ)، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيمَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الشين المعجمة وتشديد الموحدة أي أن تدوموا شبابًا (فلا تهرموا) من باب سمع أي لا تشيبوا ولا تشيخوا (أبدًا وإن لكم أن تنعموا) بفتح العين أي أن يدوم لكم النعيم (فلا تبأسوا) بسكون الموحدة وبالهمزة المفتوحة أي لا يصيبكم بأس (أبدًا) وهو شدة الحال والفقر والعدم، وقال في القاموس: بئس كسمع اشتدت حاجته (فذلك) أي فشاهد هذا الحديث ومصداقه (قوله عزَّ وجل {وَنُودُوا}) أي نودي أهل الجنَّة بـ ({أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا}) أي أعطيتموها ({بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}) في الدُّنيا من الإيمان والأعمال [الأعراف: 43] قال الطيبي: هذا النداء والبشارة به ألذ وأشهى لما فيه من السرور، وفي عكسه أنشد المتنبي: أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرمذيُّ في تفسير سورة الزمر [3346]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو صفة خيام الجنَّة بحديث عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: 6985 - (2809) (169) (حدّثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني ثم المكيِّ، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابًا (عن أبي قدامة وهو الحارث بن عبيد) الإيادي بكسر الهمزة البصري المؤذِّن، صدوق، من (8) روى عنه في (2) بابين العلم وصفة الجنَّة (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابًا (عن أبي بكر بن) أبي موسى الأشعري (عبد الله بن قيس) الأشعري الكوفيِّ اسمه عمرو أو عامر، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: إن للمؤمن في الجنَّة لخيمة) والخيمة هي بيت مربع من بيوت الأعراب اه

مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ. طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا. لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ. يَطُوفُ عَلَيهِمُ الْمُؤْمِنُ. فَلاَ يَرَى بعْضُهُمْ بَعْضًا". 6986 - (00) (00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ خَيمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةِ. عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ نووي، مخلوقة (من لؤلؤة واحدة) واللؤلؤ جوهر نفيس أبيض براق (مجوفة) أي واسعة الجوف، قال القاضي: وفي رواية السمرقندي (مجوبة) بالباء وهي المثقوبة وهي بمعنى المجوفة (طولها) أي ارتفاعها في السماء (ستون ميلًا) والميل أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير (للمؤمن فيها أهلون) أي زوجات (يطوف) أي يدور (عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا) لبعدها وطول أقطارها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنَّة [3243] وفي تفسير سورة الرحمن باب حور مقصورات في الخيام [4879]، والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة غرف الجنة [2528]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال: 6986 - (00) (00) (وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدّثنا أبو عبد الصَّمد) عبد العزيز بن عبد الصَّمد العمي البصري الحافظ، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا أبو عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب البصري (عن أبي بكر) عمرو أو عامر (بن عبد الله بن قيس) الأشعري الكوفيِّ (عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي عبد الصَّمد لأبي قدامة (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: في الجنَّة خيمة) مخلوقة (من لؤلؤة مجوفة عرضها) أي سعتها في مساحة الأرض سواء طولًا وعرضًا (ستون ميلًا) وقد سبق أن طولها ستون ميلًا أيضًا، فتحصل أن طولها وعرضها سواء، والفرق بينهما أن الطول عند أهل المساحة الامتداد المفروض أولًا في المربعات، والعرض الامتداد المفروض ثانيًا، والعمق المفروض ثالثًا

فِي كُلِّ زَاوَيةٍ مِنْهَا أَهْلٌ. مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ. يَطُوفُ عَلَيهِمُ الْمُؤْمِنُ". 6987 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكرِ بْنِ أَبِي مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيمَةُ دُرَّةٌ. طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوَيةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ. لاَ يَرَاهُمُ الآخَرُونَ". 6988 - (2810) (170) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كما هو مقرر في محله، ولكن هذا المساحي ليس مرادًا هنا، قال النووي: في الرِّواية الأولى عرضها ستون ميلًا، وفي الثَّانية طولها في السماء ستون ميلًا، ولا معارضة بينهما فعرضها في مساحة أرضها وطولها في السماء أي في العلو متساويان اه منه (في كل زاوية) وناحية وجانب (منها) أي من تلك الخيمة أي في كل زاوية من زواياها (أهل) أي زوجة (ما يرون) أي ما يرى هؤلاء الأهل الأهالي (الآخرين) له في الزوايا الأُخَر (يطوف) ويدور (عليهم) أي على كل منهم (المؤمن) في زواياهم فلا يرى بعضهم بعضًا فتأخذهم الغيرة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 6987 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطيِّ، ثقة، من (9) (أخبرنا همام) بن يَحْيَى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب البصري (عن أبي بكر) عمرو أو عامر (بن أبي موسى) الأشعري عبد الله (بن قيس عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة همام بن يَحْيَى لأبي عبد الصَّمد وأبي قدامة (عن النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: الخيمة) في الجنَّة (درة) أي لؤلؤة (طولها) أي ارتفاعها (في السماء ستون ميلًا في كل زاوية) وجانب (منها) أي من تلك الدرة (أهل) أي زوجة (للمؤمن لا يراهم الآخرون) منهم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو بيان ما في الدُّنيا من أنهار الجنَّة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6988 - (2810) (170) (حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا أبو أسامة

وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبْيَدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَال: رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيحَانُ وَجَيحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبد الله بن نمير وعلي بن مسهر) القرشي الكوفيِّ، ثقة، من (8) (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني، ثقة، من (5) (ح وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدّثنا محمَّد بن بشر) العبدي الكوفيِّ (حدّثنا عبيد الله) بن عمر (عن حبيب بن عبد الرحمن) بن حبيب بن يساف الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: سيحان وجيحان والفرات والنيل كل) من هذه الأربعة قريبة (من أنهار الجنَّة) وشبيهة بها في البركة وكثرة منافعها وعذوبتها وكثرة إنباتها. قال القرطبي: هذه الأنهار الأربعة أكبر أنهار الإسلام، فالنيل بمصر، والفرات بالعراق، وسيحان وجيحان ببلاد خراسان، وظاهر هذا الحديث أن أصل هذه الأنهار ومادتها من الجنَّة كما تقدم في أحاديث الإسراء أن النيل والفرات يخرجان من أصل سدرة المنتهى، وقد نص عليه البُخاريّ ويحتمل أنَّها تشبه أنهار الجنَّة في عذوبتها وبركاتها، وأبعد من هذا احتمال أن يكون المراد بذلك أن الإيمان غمر بلاد هذه الأنهار وفاض عليها وأن غالب الأجسام المتغذية بهذه الأنهار مصيرها إلى الجنَّة، والله أعلم بمعنى هذا الحديث وهو من متشابهات الأحاديث والله أعلم اه من المفهم. قال النووي: أعلم أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون فأمَّا سيحان وجيحان المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنَّة في بلاد الأرمن فجيحان نهر المصيصة، وسيحان نهر أذنة وهما نهران عظيمان جدًا أكبرهما جيحان فهذا هو الصواب في موضعهما، وأمَّا كون هذه الأنهار خرجت من الجنَّة على قول من يقول بذلك فلا سبيل إلى معرفة كنهها ولكن توجد لنهر النيل خصائص لا توجد في غيره من أنهار الدُّنيا فمنها أنَّه أطول نهر على وجه الأرض لأنَّ طوله أربعة آلاف ومائة واثنان وثلاثون ميلًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما في موسوعة البريطانية طبع (1988 م) [8/ 712] ومنها أن معظم أنهار الدُّنيا تجري من الشمال إلى الجنوب، وإن هذا النهر يجري من الجنوب إلى الشمال نبه عليها المقريزي في الخطط [1/ 112] ومنها أن منبع هذا النهر لم يزل مجهولًا طوال القرون، وقد ذكر في الموسوعة البريطانية أن المحقّقين لم يزالوا في حيرة في اكتشاف منبعه، قال باحث الموسوعة البريطانية: ليس في مسائل البحث الجغرافي مسألة سوى مسألة منبع النيل قد أثرت على التصورات البشرية هذا التأثير البالغ إلى مثل هذه المدة الطويلة فإن كان الباحثون قد عجزوا من الوصول إلى المنبع الظاهر لهذا النهر، فما بالك برابطته الخفية مع الجنَّة التي أشار إليها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة. وهذا الحديث مما انفرد الإمام مسلم بإخراجه من بين أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [2/ 289]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأوَّل منها: حديث أبي هريرة الأوَّل ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة، والثَّاني: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثامن: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

755 - (20) باب في ذكر أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير وكون أهل الجنة على صورة آدم، وفي ذكر شدة حر جهنم وبعد قعرها وما تأخذه من المعذبين وأنها مسكن الجبارين والجنة مسكن الضعفاء والمساكين وذبح الموت

755 - (20) باب في ذكر أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير وكون أهل الجنَّة على صورة آدم، وفي ذكر شدة حر جهنم وبعد قعرها وما تأخذه من المعذبين وأنها مسكن الجبارين والجنة مسكن الضعفاء والمساكين وذبح الموت 6989 - (2811) (171) حدَّثنا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيثِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، (يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ)، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 755 - (20) باب في ذكر أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير وكون أهل الجنَّة على صورة آدم، وفي ذكر شدة حر جهنم وبعد قعرها وما تأخذه من المعذبين وأنها مسكن الجبارين والجنة مسكن الضعفاء والمساكين وذبح الموت واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأوَّل من الترجمة وهو أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6989 - (2811) (171) (حدَّثنا حجاج) بن يوسف الثَّقفيُّ البغدادي المعروف بـ (ابن الشَّاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدَّثنا أبو النضر هاشم بن القاسم الليثي) مولاهم البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدَّثنا إبراهيم يعني ابن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريّ المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حدَّثنا أبي) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (14) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، هكذا وقع هذا السند في أغلب نسخ صحيح مسلم بدون ذكر الزُّهريّ، وكذا وقع عند ابن هامان، وكذا خرجه الدّمشقيُّ بدون ذكر الزهري، ووقع في بعضها بزيادة الزُّهريّ بين سعد بن إبراهيم وأبي سلمة، والصَّواب ما ها هنا كما عند ابن هامان بدون ذكر الزُّهريّ، وقال الدّمشقيُّ: لا أعلم لسعد رواية عن الزُّهريّ اهـ أبي. ثم ذكر الدارقطني في العلل أن هذا الحديث مرسل عن أبي سلمة، ولم يروه موصولًا عن أبي هريرة إلَّا أبو النضر، لكن ذكر النووي رحمه الله أن الحديث مروي مرسلًا وموصولًا ومتى روي الحديث موصولًا ومرسلًا كان محكومًا بوصله على المذهب الصَّحيح لأنَّ مع الواصل زيادة علو حفظها ولم يحفظها من أرسله.

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيرِ". 6990 - (2812) (172) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنَّة) أولًا وإلا فيدخل الجنَّة كل مؤمن (أقوام أفئدتهم) أي قلوبهم في الرقة والضعف أو في الخوف والهيبة أو في التوكل (مثل أفئدة الطير) أي مثل قلوبها في ذلك، قال القرطبي: يحتمل أن يقال إنما شبهها بها لضعفها ورقتها كما قال في أهل اليمن: "هم أرق قلوبًا، وأضعف أفئدة" رواه أحمد والشيخان والترمذي، ويحتمل أنَّه أراد بها أنَّها مثلها في الخوف والهيبة، والطير على الجملة أكثر الحيوانات خوفًا وحذرًا، حتَّى قيل احذر من غراب، وقد غلب الخوف على كثير من السلف حتَّى انصدعت قلوبهم فماتوا، وقيل المراد متوكلون والله أعلم اهـ من المفهم. وقال الطيبي: قد تقرر في علم البيان أن وجه الشبه إذا أضمر عم تناوله فيكون أبلغ مما لو صرح به فينبغي أن يحمل الحديث على المذكورات كلها ومن ثم خص الفؤاد بالذكر لأنَّه محل للصفات المذكورة دون القلب لأنَّه لحمة صنوبرية ليست محلًا لهذه الصفات كما بيناه في أول الكتاب نقلًا عن الحدائق. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنَّه شاركه أحمد في مسنده [2/ 331]. ثم استدل المؤلف على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو كون أهل الجنَّة على صورة آدم بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6990 - (2812) (172) حدَّثنا محمَّد بن رافع) القشيري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا عبد الرَّزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (قال هذا ما حدَّثنا به أبو هريرة عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال

وَقَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "خَلَقَ الله عَزَّ وَجلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا. فَلَمَّا خَلَقَهُ قَال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ. وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلائكَةِ جُلُوسٌ. فَاسْتَمِعَ مَا يُجِيبُونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. قَال: فَذَهَبَ فَقَال: السَّلامُ عَلَيكُمْ. فَقَالوا: السَّلامُ عَلَيكَ وَرَحْمَةُ الله. قَال فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): وهذا السند من خماسياته (خلق الله عزَّ وجل آدم) يوم خلقه في الجنَّة (على صورته) أي على صورة آدم التي كان عليها في الأرض إنسانًا كاملًا طويلًا سويًّا، قال القرطبي: هذا الضمير عائد على أقرب مذكور وهو آدم وهو أعم، وهذا هو الأصل في عود الضمائر ومعنى ذلك أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي كان عليها في الأرض طويلًا ستِّين ذراعًا لم ينتقل في النشأة أحوالًا ولا تردد في الأرحام أطوارًا إذ لم يخلقه صغيرًا فكبره ولا ضعيفًا فقواه بل خلقه رجلًا كاملًا سويًّا قويًّا بخلاف سنة الله في ولده، ويصح أن يكون معناه للإخبار عن أن الله تعالى خلقه يوم خلقه على الصورة التي كان عليها في الأرض وأنَّه لم يكن في الجنَّة على صورة أخرى ولا اختلفت صفاته ولا صورته كما تختلف صور الملائكة والجن والله تعالى أعلم. ولو سلمنا أن الضمير عائد على الله لصح أن يقال هنا إن الصورة بمعنى الصفة كصفة الكلام والفهم والعلم مثلًا وإن كانت ناقصة فانية مخالفة لصفة الله تعالى، وقد ذكرنا في قوله: (أول زمرة يدخلون الجنَّة على صورة القمر) فإن معناه على صفته من الإضاءة والجمال لا على صورته من الاستدارة اهـ من المفهم. قال النووي: والمراد أنَّه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض وتوفي عليها، وهي أنَّه (طوله ستون ذراعًا) ولم ينتقل أطوارًا كذريته، وكانت صورته في الجنَّة في الأرض لم تتغير (فلما خلقه) ونفخ فيه روحه (قال) الله له: (اذهب فسلم على أولئك النفر) والجماعة (وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع) منهم (ما يجيبونك) أي إجابة أجابوك بها (فإنها) أي فإن إجابتهم لك أي مثل ما أجابوك بها (تحيتك وتحية ذريتك) إلى يوم القيامة (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (فذهب) آدم إلى الملائكة (فقال) لهم: (السَّلام عليكم فقالوا) له: (السَّلام عليك ورحمة الله قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (فزادوه) أي فزادت الملائكة في الرد على آدم لفظة (ورحمة الله قال)

فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ. وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا. فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الآنَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (فكل من يدخل الجنَّة) يكون (على صورة آدم) وصفته وجماله وعلى قده (وطوله) أي ارتفاعه في السماء (ستون ذراعًا فلم يزل الخلق) يعني ذريته (ينقص) طولهم (عن طوله) أي عن طول آدم (بعده) أي بعد آدم (حتَّى الآن) إلى الآن. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الأنبياء باب خلق آدم وذريته [3326] وفي الاستئذان باب بدء السَّلام [6227]. قوله: (طوله ستون ذراعًا) قال العيني في عمدة القارئ [7/ 311] قال ابن التين: المراد ذراعنا لأن ذراع كل أحد مثل ربعه ولو كانت بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه كالإصبع والظفر، وروى أحمد من حديث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا: "كان طول آدم ستِّين ذراعًا في سبعة أذرع عرضًا" وروى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه "أن الله خلق آدم رجلًا طوالًا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق" وقال الكشميري في فيض الباري [4/ 17] في شرح قوله صَلَّى الله عليه وسلم: "ستون ذراعًا في السماء" أي في الطول، ويحتمل أن يكون مراد الحديث أنَّه كان قدر طولهم هذا في الجنَّة فإذا نزلوا في الجنَّة واستقروا فيها عادوا إلى القصر فإن الأحكام تتفاوت بتفاوت البلدان والأوطان كما أن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون فهو يوم في العالم العلوي وألف سنة في العالم السفلي هكذا يمكن أن تكون قاماتهم تلك في الجنَّة فإذا دخلوها عادوا إلى أصل قامتهم. قوله: (فقالوا: السَّلام عليك ورحمة الله) قال علي القاري في المرقاة [9/ 47]: هذا يدل على جواز تقديم السَّلام على عليكم في الجواب بل على ندبه لأنَّ المقام مقام التعليم، لكن الجمهور على أن الجواب بقوله: وعليكم السَّلام أفضل سواء زاد أم لا، ولعل الملائكة أيضًا أرادوا إنشاء السَّلام على آدم كما يقع كثيرًا فيما بين النَّاس لكن يشترط في صحة الجواب أن يقع بعد السَّلام لا أن يقعا معًا كما يدل عليه فاء التعقيب، وهذه المسألة أكثر النَّاس عنها غافلون فلو التقى رجلان وسلم كل منهم على صاحبه دفعة واحدة يجب على كل منهما الجواب اهـ. وذكر الرَّازي: أن الحكمة في تقديم: وعليكم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الجواب ما ذكره سيبويه من أن العرب يقدمون في الذكر ما هو الأهم عندهم، فلما قال المجيب: وعليكم السَّلام دل على شدة اهتمام المجيب بمخاطبه اهـ. قال القرطبي: (قوله: فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك النفر) إلخ، هذا الكلام إلى آخره دليل على تأكد حكم السَّلام فإنَّه مما شرع وكلف به آدم، ثم لم ينسخ في شريعة من الشرائع فإنَّه تعالى أخبره أنَّه تحيته وتحية ذريته من بعده، ثم لم يزل ذلك معمولًا به في الأمم على اختلاف شرائعها إلى أن انتهى ذلك إلى نبينا محمَّد صَلَّى الله عليه وسلم فأمر به وبإفشائه وجعله سببًا للمحبة الدينية ولدخول الجنَّة العلية، وهذا كله يشهد لمن قال بوجوبه، وهو أحد القولين للعلماء، وقد تقدم القول في ذلك اهـ مفهم. (قوله فلم يزل الخلق ينقص بعده حتَّى الآن) قال الحافظ في الفتح [6/ 367] أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة، واستقر على ذلك، وقال ابن التين: أي كما يزيد الشخص شيئًا فشيئًا ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين حتَّى إذا كثرت الأيَّام تبيّن ذلك فكذلك هذا الحكم في النقص، ثم قال الحافظ: ويشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه التَّرتيب السابق، ولا شك أن عهدهم قديم وأن الزمان الذي بينهم وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال. وقد حاول بعض العلماء في إزالة هذا الإشكال بذكر بعض الآثار التي وردت في أبناء قوم عاد، والتي تدل على أن قاماتهم كانت مفرطة في الطول، ولكن هذا لا يغني لأنَّ الله سبحانه وتعالى صرح بأن خلقتهم كانت ممتازة عن سائر النَّاس، فقال تعالى: ({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)} [الفجر: 7 - 8]) وكذلك ذكر الله تعالى مخاطبًا لقوم عاد (وزادكم في الخلق بسطة) وهذا يدل على أن زيادتهم في الخلق كانت صفة تميزهم عمن سواهم من النَّاس فلا تدل الآيات والآثار المتعلقة بعاد على أن جميع النَّاس في عهدهم كانت قاماتهم مفرطة في الطول فيعود الإشكال، وربما يخطر بالبال جوابًا عن هذا الإشكال أن قوله صَلَّى الله عليه وسلم: (لم يزل ينقص بعده حتَّى الآن) ليس معناه أن قامات النَّاس لم تزل تنتقص في كل قرن، بل المراد أن جسم الإنسان لم يزل ناقصًا بعده، ويؤخذ مما قدمناه عن الكشميري أن ستِّين ذراعًا إنَّما كانت مقدار قامة

6991 - (2813) (173) حدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ العَلاءِ بْنِ خَالِدٍ الكَاهِلِيِّ، عَنْ شَقِيق، عَنْ عَبْدِ الله، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَؤمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلفَ زِمَامٍ. مَعَ كُلّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكِ يَجُرُّونَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ آدم عليه السَّلام في الجنَّة فلما نزل عنها عاد إلى القصر، ولم يزل أبناؤه يولدون بقرب من هذه القامة إلى يومنا الآن، وإنَّما يرجعون إلى أصل قامتهم حيثما يعودون إلى الجنَّة فقوله عليه السَّلام: (لم يزل ينقص) أنَّه لم يزل يولد ناقصًا والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو شدة حر نار جهنم بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 6991 - (2813) (173) (حدَّثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النَّخعيُّ الكوفيّ، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدَّثنا أبي) حفص بن غياث النَّخعيُّ أبو عمر الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن العلاء بن خالد) بن وردان الأسدي (الكاهلي) أبي شيبة الكوفيّ، قال ابن أبي حاتم: بصري، وقال يَحْيَى بن معين: كوفي، روى عن أبي وائل شقيق في صفة النَّار، ويروي عنه (م ت) وحفص بن غياث وسفيان الثوري، قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو داود: ما عندي من علمه سوى أني أرجو أن يكون ثقة، وقال ابن معين: كوفي ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، وقال القطان: تركته عمدًا ثم كتبت عنه حديث "يؤتى بجهنم" عن سفيان عنه (عن شقيق) بن سلمة أبي وائل الأسدي الكوفيّ، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود وهذا السند من خماسياته، وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: رفعه وهم، رواه الثوري ومروان وغيرهما عن العلاء بن خالد موقوفًا. [قلت]: وحفص ثقة حافظ إمام فزيادته الرَّفع مقبولة كما سبق نقله عن الأكثرين والمحققين اهـ نووي (قال) عبد الله (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يؤتى بجهنم يومئذٍ) أي يوم إذ يوقف النَّاس في عرصات المحشر أي يؤتى بها يوم القيامة من الموضع الذي خلقت فيه (لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك) حالة كونهم (يجرونها) أي يسحبونها ويقودونها، والله أعلم بكيفية ذلك أعاذنا الله منها.

6992 - (2814) (174) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِي)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "نَارُكُمْ هَذِهِ، التِي يُوقِدُ ابْنُ آدمَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِن حَرِّ جَهَنَّمَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرمذيُّ في صفة جهنم باب ما جاء في صفة النَّار [2573]. قال القرطبي: قد تقدم أن جهنم اسم علم لنار الآخرة وكذلك سقر، ولها أسماء كثيرة أعاذنا الله منها بمنه وكرمه يعني أنَّها يجاء بها من المحل الذي خلقها فيه فتدار بأرض المحشر حتَّى لا يبقى للجنة طريق إلى الصراط كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، والزمام ما يزم به الشيء أي يشد ويربط به وهذه الأزمة التي تساق بها جهنم تمنع خروجها على أهل المحشر فلا يخرج منها إلَّا الأعناق التي أمرت بأخذ من شاء الله أخذه وملائكتها كما وصفهم الله تعالى: {غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم / 6] وأمَّا هذا العدد المحصور للملائكة فكأنه عدد رؤسائهم، وأمَّا جملتهم فالعبارة عنها ما قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ} [المدثر / 31]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6992 - (2814) (174) (حدَّثنا قتيبة بن سعيد حدَّثنا المغيرة يعني ابن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) منسوب إلى الجد المذكور، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: ناركم هذه) والإضافة فيه لأدنى ملابسة أي ناركم الدنيوية الملابسة بكم (التي يوقد) ويشعل بها (ابن آدم) في الدُّنيا (جزء) واحد (من سبعين جزءًا من حر جهنم) لو جزأناها إلى هذا العدد يعني أنَّه لو جمع كل ما في الوجود من النَّار التي يوقدها بنو آدم لكانت جزءًا واحدًا من أجزاء جهنم المذكورة وبيانه أنَّه لو جمع حطب الدُّنيا فأوقد كله حتَّى صار نارًا لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءًا أشد حرًّا من حر نار الدُّنيا كما بينه في آخر الحديث اهـ من المفهم.

قَالُوا: وَاللهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ الله. قَال: "فَإنهَا فُضِّلَتْ عَلَيهَا بِتِسعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا. كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا". 6993 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ. عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي رواية لأحمد "مائة جزء" والجمع بينها وبين رواية المؤلف بأن المراد في كل منهما المبالغة في الكثرة لا العدد الخاص أو بأن الحكم للزائد لأنَّه لا ينافي الأقل، وزاد التِّرمذيُّ من حديث أبي سعيد "لكل جزء منها حرها" كذا في فتح الباري [6/ 334] (قالوا) أي قال الحاضرون من الصّحابة (والله إن كانت) هذه الدنيوية (لكافية) في تعذيب الكفار (يا رسول الله) لو عذبوا بها، وإن مثل هذا الموضع مخففة من الثقيلة عند البصريين، وهذه اللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة وهي عند الكوفيين بمعنى ما النافية واللام بمعنى إلَّا الاستثنائية، والتقدير عندهم ما كانت هذه إلَّا كافية، وعند البصريين إنَّها أي إن الشأن والحال لكانت كافية (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جوابهم (فإنها) أي فإن نار جهنم (فضلت عليها) أي على نار الدُّنيا (بـ) نسبة (تسعة وستين جزءًا كلها) أي كل واحد من هذه الأجزاء التسعة والستين حرارتها (مثل حرها) أي مثل حرارة نار الدُّنيا يعني أنَّها كانت فضلت عليها في المقدار والعدد بتسعة وستين جزءًا فضلت عليها في شدة الحر بتسعة وستين ضعفًا أعاذنا الله منها وجميع المسلمين اهـ من المفهم. وحاصل المعنى إن هذه النَّار لكافية في إحراق الكفار وعقوبة الفجار فهلا اكتفى بها ولأي شيء زيدت في حرها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في بدء الخلق باب صفة النَّار وأنها مخلوقة [3265]، والترمذي في صفة جهنم باب ما جاء أن ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم [2589] وكذا أحمد [2/ 313]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6993 - (00) (00) (حدَّثنا محمَّد بن رافع حدَّثنا عبد الرَّزاق حدَّثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معمر لأبي الزناد، ولكنها متابعة ناقصة، وساق معمر (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم

بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ. غَيرَ أنَّهُ قَال: "كُلهُن مِثلُ حَرِّهَا". 6994 - (2815) (175) حدَّثنا يَحيَى بن أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: كُنا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. إِذ سَمِعَ وَجْبَةً. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَذرُونَ مَا هَذَا؟ " قَال: قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أعلَمُ. قَال: "هَذَا حَجَر رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنذُ سَبعِينَ خَرِيفًا ـــــــــــــــــــــــــــــ بمثل حديث أبي الزناد غير أنَّه) أي لكن أن معمرًا (قال) في روايته: (كلهن) بضمير جمع الإناث أي كل واحدة من تلك الأجزاء التسعة والستين أي حرارة كل واحدة منهن (مثل حرها) أي مثل حرارة نار الدُّنيا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 6994 - (2815) (175) (حدَّثنا يَحْيَى بن أيوب) المقابري البغدادي (حدَّثنا خلف بن خليفة) بن صاعد الأشجعي مولاهم الكوفيّ ثم الواسطيِّ ثم البغدادي، صدوق، من (8) روى عنه في (4) أبواب (حدَّثنا يزيد بن كيسان) اليشكري أبو إسماعيل الكوفيّ، صدوق، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفيّ، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: (كُنَّا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) يومًا (إذ سمع) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وسمعنا معه كما يدل عليه آخر الحديث (وجبة) أي سقطة من الأشياء الساقطة من علو إلى سفل، وإذ هنا فجائية حرف لا محل لها من الإعراب، والمعنى كُنَّا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يومًا ففاجأنا سماع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سقطة وهذه الأشياء الساقطة من علو إلى سفل، والوجبة الهدة، والهدة هي صوت وقع الشيء الثقيل (فقال) لنا (النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم): هل (تدرون) وتعلمون (مَّا هذا) الساقط الذي سمعنا صوته (قال) أبو هريرة (قلنا) له: (الله ورسوله أعلم) فـ (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (هذا) الساقط الذي سمعنا صوته (حجر رمي به في النَّار) الأخروي (منذ سبعين خريفًا) أي من سبعين

فَهُوَ يَهْوي فِي النَّارِ الآنَ، حَتّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا". 6995 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "هَذَا وَقَعَ فِي أَسْفَلِهَا، فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ سنة (فهو) أي فذلك الحجر (يهوي) ويسقط (في النَّار الآن) أي في هذا الزمن الحاضر (حتَّى انتهى) ووصل (إلى قعرها) وأسفلها، وفي قوله: (أتدرون ما هذا) دليل على أنهم حين سمعوا الوجبة خرق الله لهم العادة فسمعوا ما منعه غيرهم، وإلا فالعادة تقتضي مشاركة غيرهم في سماع هذا الأمر العظيم، ففيه دليل على أن النَّار قد خلقت وأعد فيها ما شاء الله تعالى مما يعذب به من يشاء من عباده وهو مذهب أهل السنة خلافًا للمبتدعة اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم، ولكنه شاركه أحمد [2/ 371]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 6995 - (00) (00) (وحدثناه محمَّد بن عباد) بن الزبرقان المكيِّ، نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (و) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ، ثقة، من (10) (قالا: حدَّثنا مروان) بن معاوية الفَزَاريُّ الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد بن كيسان) اليشكري الكوفيّ (عن أبي حازم عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مروان لخلف بن خليفة، وساق مروان (بهذا الإسناد) يعني عن أبي حازم عن أبي هريرة الحديث الذي ساقه خلف. وقوله: (بهذا الإسناد) حشو لا حاجة إليه كما هو معلوم من اصطلاحاته لأنَّه ذكر هنا تمام السند، فإلى أي شيء يرجع اسم الإشارة تأمل (و) لكن (قال) مروان في روايته (هذا) الصوت صوت حجر (وقع) أي سقط (في أسفلها) أي في أسفل النَّار (فسمعتم وجبتها) أي سقطتها أي صوت الوقعة الواقعة في النَّار. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال:

6996 - (2816) (176) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَال: قَال قَتَادَةُ: سَمِعْتُ أَبَا نَضرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَمُرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن مِنهُم مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعبَيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إلَي حُجْزَتِهِ. وَمِنهُم مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ". 6997 - (00) (00) حدّثني عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 6996 - (2816) (176) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا يونس بن محمَّد) بن مسلم البغدادي المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدَّثنا شيبان بن عبد الرحمن) التميمي مولاهم أبو معاوية البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (قال) شيبان (قال قتادة) بن دعامة البصري: (سمعت أبا نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (يحدث عن سمرة) بن جندب بن هلال الفَزَاريُّ حليف الأنصار أبي سعيد البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب وهذا السند من سداسياته (أنَّه سمع نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول إن منهم) أي إن من أهل النَّار (من تأخذه النَّار إلى كعبيه) أي تصل إلى كعبيه يغلي منه دماغه (ومنهم من تأخذه إلى حجزته) وهي معقد الإزار والسراويل أي تصل إلى حجزته (ومنهم من تأخذه إلى عنقه) أي تصل إلى عنقه. وهذا الحديث يدل على أن أهل النَّار يتفاوتون فيها ويصح مثل هذا في الكفار كما قلناه في حديث أبي طالب (إن أهون أهل النَّار عذابًا من في رجليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه) وهو أبو طالب، ولا شك في أن الكفار في عذاب جهنم متفاوتون كما قد علم من الكتاب والسنة ولأنا نعلم على القطع والثبات أنَّه ليس عذاب من قتل الأنبياء والمسلمين وفتك فيهم وأفسد في الأرض وكفر مساويًا لعذاب من كفر فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين، وهذا البحث ينبني على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ويصح أن يكون ذلك التفاوت فيمن يعذب من الموحدين إلَّا أن الله تعالى يميتهم إماتة كما صح في الحديث اهـ المفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لكنَّه شاركه أحمد [5/ 18]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه فقال: 6997 - (00) (00) (حدثني عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي النيسابوري

أَخْبَرَنَا عَبدُ الْوَهَّابِ، (يعنِي ابْنَ عَطَاءٍ)، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَال: سَمِعْتُ أبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ؛ أَن النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مِنهُم مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعبَيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيهِ. وَمِنْهُم مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى حُجزَتِهِ. وَمِنهُم مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرقُوتهِ". 6998 - (00) (00) حدّثناه مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا رَوحٌ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَجَعَلَ -مَكَانَ "حُجْزَتِهِ"- "حِقوَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المقرئ الحافظ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء) الخفاف العجلي مولاهم أبو نصر البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن سمرة بن جندب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشيبان بن عبد الرحمن (إنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال منهم) أي من أهل النَّار (من تأخذه النَّار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النَّار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النَّار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النَّار إلى ترقوته) قال في المرقاة: بفتح أوله وضم قافه وفتح الواو ومنهم إلى حلقه ففي الصحاح لا يضم أوله وفي النهاية هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين ووزنها فعلوة بالفتح، وفي الحديث تفاوت العقوبات في الضعف والشدة لا أن بعضًا من الشخص يعذب دون بعض آخر ويؤيده قوله في الحديث السابق وهو منتعل بنعلين يغلى منهما دماغه اهـ من النهاية. وقول النهاية ووزنها فعلوة بالفتح يعني بفتح التاء والواو مع تخفيفهما وضم القاف كذا ضبطه في محيط المحيط. ثم ذكره المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه فقال: 6998 - (00) (00) (حدثناه محمَّد بن المثني ومحمد بن بشار قالا: حدَّثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدَّثنا سعيد) بن أبي عروبة، غرضه بيان متابعة روح لعبد الوهاب بن عطاء، وساق روح (بهذا الإسناد) يعني عن قتادة، عن أبي نضرة، عن سمرة (وجعل) روح أي ذكر (مكان) قول عبد الوهاب (حجزته حقويه) أي ذكر روح لفظة حقويه تثنية حقو وهو موضع شد الإزار

6999 - (2817) (177) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "احتَجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ. فَقَالتْ هَذِهِ: يَدخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالت هَذِه: يَدْخُلُني الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ. فَقَال الله، عَزَّ وَجَلَّ، لِهذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الخاصرة اهـ مصباح، وقال النووي: قوله حقويه بفتح الحاء وكسرها وهما معقد الإزار، والمراد هنا ما يحاذي ذلك الموضع من جنبيه اهـ. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو كون النَّار مسكن الجبارين إلخ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6999 - (2817) (177) (حدَّثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدَّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: احتجت) أي اختصمت (النَّار والجنة) وتفاخرت كل منهما على الأخرى، قال النووي: هذا الحديث على ظاهره وإن الله تعالى جعل في النَّار والجنة تمييزًا تدركان به فتحاجتا ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التَّمييز دائمًا فيهما، وقال القرطبي: ظاهر هذه المحاجة أنَّها لسان مقال فيكون خزنة كل منهما هم القائلون بذلك ويجوز أن يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنَّة والنَّار، وقد قلنا فيما تقدم أنَّه لا يشترط عقلًا في الأصوات المقطعة أن يكون محلها حيًّا خلافًا لمن اشترط ذلك من المتكلمين، ولو سلمنا لكان من الممكن أن يخلق الله في بعض أجزاء الجنَّة والنَّار الجمادية حياة بحيث يصدر ذلك القول عنه، والأول أولى والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. والحاصل أن محاجة النَّار والجنة تحتمل أن تكون بلسان المقال وأن تكون بلسان الحال (فقالت هذه) أي النَّار (يدخلني الجبارون) على ضعفاء النَّاس ولا يبالون بهم (والمتكبرون) عن طاعة الله وعبادته أو المعظمون أنفسهم على غيرهم، قيل هما مترادفان لغة، فالثاني تأكيد لسابقه أو المتكبر هو المتعظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه أو الذي لا يكترث ضعفاء النَّاس وسقطهم (وقالت هذه) أي الجنَّة (يدخلني الضعفاء والمساكين) أي ضعفاء النَّاس الذين لا يلتفت إليهم لمسكنتهم فهما مترادفان، وقيل الضعف في الجسم كالزمن والمسكنة في المال (فقال الله عزَّ وجل لهذه) النَّار (أنت عذابي) وعقوبتي أي محل

أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ - (وَرُبَّمَا قَال: أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ) - وَقَال لِهَذهِ: أَنتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ. وَلكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنكُمَا مِلؤُهَا". 7000 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ. فَقَالتِ النَّارُ: أُوثرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لي لا يَدخُلُني إلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تعذيبي (أعذب بك من أشاء وربما قال أصيب بك من أشاء) أي قال الراوي لفظة أصيب بك من أشاء من عبادي بدل أعذب بك (وقال لهذه) الجنَّة (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء) من عبادي (وبكل واحدة منكما ملؤها) أي ما يملؤها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في تفسير سورة ق، باب وتقول هل من مزيد [485] وفي التَّوحيد باب ما جاء في قوله تعالى: (إن رحمت الله قريب من المحسنين) [7449]، والترمذي في صفة الجنَّة، باب ما جاء في احتجاج الجنة والنَّار [2561]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7000 - (00) (00) (وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري (حدَّثنا شبابة) بن سوار المدائني خراساني الأصل اسمه مروان أبو عمرو الفَزَاريُّ مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثني ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري الكوفيّ نزيل المدائن أصله من مرو، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ورقاء لسفيان بن عيينة (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: (تحاجت النَّار والجنة) أي تخاصمتا وتفاخرتا (فقالت النَّار أوثرت) أنا وخصصت (بالمتكبرين والمتجبرين) أي بسكناهم فأنا خير منك، قد مر تفسيرهما آنفًا (وقالت الجنَّة) لربها شاكية إليه (فما لي) أي فأي شيء ثبت لي يا رب (لا يدخلني) ويسكنني (إلَّا ضعفاء النَّاس) الذي لا يلتفت إليهم لمسكنتهم، قال القرطبي: والضعفاء جمع ضعيف يعني الضعفاء في أمر الدُّنيا، ويحتمل أن يريد به هنا الفقراء وحمله على الفقراء أولى من حمله على الأوَّل لأنَّه يكون معنى

وَسَقَطُهُم وَعَجَزُهُم. فَقَال الله لِلجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرحَمُ بِكِ مَنْ أشاءُ مِن عِبَادِي. وَقَال لِلنَّارِ: أنتِ عَذَابِي، أُعَذِّبُ بِكِ مَن أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَلِكُل وَاحِدَة مِنكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضعفاء معنى المعجزة المذكورين بعد (وسقطهم) أي سقط النَّاس بفتحتين أي المحتقرون بين النَّاس الساقطون من أعينهم لتواضعهم وخضوعهم لربهم وذلتهم له اهـ قسط، وقال القرطبي: السقط بفتحتين جمع ساقط وهو النازل القدر وهو الذي عبر عنه في الحديث الآخر بأنه لا يؤبه له، وأصله من سقط المتاع وهو رديئه (وعجزهم) أي عجز النَّاس، قال القاضي: هو بفتح العين والجيم جمع عاجز عن طلب الدُّنيا والتمكن فيها اهـ سنوسي، قال القرطبي: ويلزمه على ذلك أن يكون بالتاء ككاتب وكتبة وحاسب وحسبة وسقوط التاء في مثل هذا الجمع نادر، وإنَّما يسقطونها إذا سلكوا بالجمع مسلك اسم الجنس كما فعلوا ذلك في سقطهم، وصواب هذا اللفظ أن يكون (عجزهم) بضم العين وتشديد الجيم كنحو شاهد وشهد، وكذلك أذكر أني قرأته (وغرثهم) بفتح الغين المعجمة والثاء المثلثة جمع غرثان وهم الجيعان، والغرث الجوع وقد رواه الطبري غرتهم بكسر الغين المعجمة وبالتاء المثناة فوق وتشديد الراء أي غفلتهم وأهل البله منهم كما قال في الحديث الآخر (أكثر أهل الجنَّة البله) رواه البزار في مسنده وهو حديث ضعيف يعني به عامة أهل الإيمان الذي لم يتفطنوا ولم توسوس لهم الشياطين بشيء من ذلك فهم صحاح العقائد ثابتو الإيمان وهم أكثر المؤمنين، وأمَّا العارفون والعلماء والحكماء فهم الأقل وهم أصحاب الدرجات والمنازل الرفيعة اهـ من المفهم. وقوله: (إلَّا ضعفاء النَّاس وسقطهم) وإما كونهم ضعفاء ساقطين بالنسبة إلى ما عند الأكثر من النَّاس، أما بالنسبة إلى ما عند الله فهم عظماء رفعاء الدرجات وكذلك هم ضعفاء في أعين أنفسهم تواضعًا لله تعالى وخضوعًا له وهذا الوصف الأخير يصدق على جميع أهل الجنَّة، وأمَّا ضعفهم واحتقارهم في أعين النَّاس فيصدق على أكثرهم فإن هناك رجالًا من أهل الجنَّة عظمت رتبتهم في الدُّنيا أيضًا (فقال الله) عزَّ وجل (للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكم) جمع الضمير بالنظر إلى أبوابهما ودركاتهما أو بالنظر إلى خزنتهما وزبانيتهما وهو هكذا في أغلب النسخ، وفي بعض النسخ كنسخة القرطبي

مِلؤُهَا. فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمتَلِئُ. فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيهَا. فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ. وَيُروَى بَعضُهَا إِلَى بَعضٍ". 7001 - (00) (00) حدَّثنا عَبدُ الله بْنُ عَوْنٍ الْهِلاليُّ. حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، (يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيدٍ)، عَنْ مَعمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونسخة الأبي والسنوسي وكذا في رواية همام بن منبه الآتية (لكل واحدة منكما) بضمير التثنية وهو المناسب لسياق الكلام بل هو الصواب، وما في نسختنا هذه لعله تحريف من النساخ (ملؤها) أي ما يملؤها فأمَّا النَّار فلا تمتلئ فيضع سبحانه (قدمه) المقدسة (عليها) أي على النَّار، والقدم صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقال محيي السنة رحمه الله تعالى: القدم والرجل في هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزهة عن التكيف والتشبيه والتمثيل والتأويل فالإيمان بما فرض والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم والخائض فيها زائع والمنكر معطل والمكيف مشبه ليس كمثله شيء اهـ قسطلاني (فتقول) النَّار (قط قط) بكسر الطاء وسكونها فيهما ويجوز التنوين مع الكسر؛ والمعنى حسبي حسبي قد اكتفيت فهو إمَّا اسم صوت أو اسم فعل مضارع بمعنى يكفيني هذا (فهنالك) أي فعند وضع الله قدمه عليها (تمتلئ ويزوى) بضم أوله وفتح ثالثه على صيغة المبني للمجهول أي يضم ويجمع (بعضها إلى بعض) ولا يخلق لها خلق تملؤ به كالجنة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7001 - (00) (00) (حدَّثنا عبد الله بن عون) بن أمير مصر أبي عون عبد الملك بن يزيد (الهلالي) أبو محمَّد البغدادي الخراز بتقديم الراء المهملة آخره زاي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدَّثنا أبو سفيان يعني محمَّد بن حميد) اليشكري البصري نزيل بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (2) حق المملوك وصفة النَّار (عن معمر) بن راشد البصري (عن أيوب) السختياني (عن) محمَّد (بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أيوب لأبي

أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "احتَجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ"، وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ. 7002 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ. فَقَالتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لي لَا يَدخُلُني إلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغرَّتُهُمْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الزناد، ولكنها متابعة ناقصة ولو جعل المتابعة بين ابن سيرين والأعرج لكانت تامة واضحة (أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال: احتجت) أي اختصمت (الجنَّة والنَّار) وتنازعتا في أيهما أشرف (واقتصَّ) أي ذكر أيوب (الحديث بمعنى حديث أبي الزناد) لا بلفظه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7002 - (00) (00) (حدَّثنا محمَّد بن رافع حدَّثنا عبد الرَّزاق حدَّثنا معمر عن همام بن منبه قال) همام: (هذا ما حدَّثنا أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث منها) أي من تلك الأحاديث قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: كذا وكذا (وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: تحاجت) أي تخاصمت (الجنَّة والنَّار) وتنازعت في أيهما أشرف (فقالت النَّار) أنا أشرف منك لأني (أوثرت) وخصصت (بالمتكبرين والمتجبرين) أي بسكناهم أي آثرني الله واختارني لتعذيبهم (وقالت الجنَّة فما لي) أي فأي شيء ثبت لي (لا يدخلني إلَّا ضعفاء النَّاس وسقطهم وغرتهم) أي غفلتهم، قال النووي: روي على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في النسخ أحدها (غرثهم) بفتحتين وبالغين المعجمة والثاء المثلثة، قال القاضي: هذه رواية الأكثرين من شيوخنا ومعناها أهل الحاجة والفاقة والجوع، والغرث الجوع. والثَّاني (عجزتهم) بفتحات وبالعين المهملة وبالجيم وبالزاي جمع عاجز. والثالث (غرتهم) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وهذا هو الأشهر في نسخ بلادنا أي البله الغافلون الذين ليس لهم فتك وحذق في أمور الدُّنيا وهو نحو الحديث الآخر "أكثر أهل الجنَّة البله" قال

قَال الله لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَال لِلنَّارِ: إنَّمَا أنتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِن عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا. فَأمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ الله، تَبَارَكَ وَتَعَالى، رِجْلَهُ. تَقُولُ: قَطِ قَطِ قَطِ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ. ويُزْوَى بَعضُهَا إِلَى بعْضٍ. وَلَا يَظلِمُ الله مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا. وَأَمَّا الجَنَّةُ فَإنَّ اللهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلقًا". 7003 - (2818) (178) وحدّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ القاضي: معناه سواد النَّاس وعامتهم من أهل الإيمان الذي لا يفطنون للسنة فيدخل عليهم الفتنة أو يدخلهم في البدعة أو غيرها، فهم ثابتو الإيمان وصحيحو العقائد وهم أكثر المؤمنين وهم أكثر أهل الجنَّة، وأمَّا العارفون والعلماء العاملون والصالحون والمتعبدون فهم قليلون وهم أصحاب الدرجات العلى كما مر عن القرطبي (قال الله) عزَّ وجل (للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها، فأمَّا النَّار فلا تمتلئ حتَّى يضع الله) سبحانه (تبارك وتعالى رجله) المقدسة عليها، وفي الرّواية التي بعدها حتَّى يضع فيها (قدمه) وفي الرّواية الأولى فيضع (قدمه) عليها، وتقدم البحث عن قدم الله سبحانه ورجله آنفًا فراجعه، وزعم ابن الجوزي أن الرّواية التي جاءت بلفظ الرجل تحريف من بعض الرواة لظنه أن المراد بالقدم الجارحة فرواها بالمعنى فأخطأ ذكره الحافظ في الفتح [8/ 596] فـ (تقول) النَّار: (قط قط قط) أي يكفيني هذا، وفيه ثلاث لغات (قط) بالسكون (وقط) بالكسر بلا تنوين (وقط) بالتنوين (فهنالك تمتلئ ويزوى) أي يضم ويلف (بعضها إلى بعض) ولا تحتمل مزيدًا (و) لا ينشئ الله تعالى لها خلقًا يملؤها به لأنَّه (لا يظلم الله تعالى من خلقه أحدًا) لم يعمل سوءًا (وأمَّا الجنَّة فإن الله) تعالى (ينشئ لها خلقًا) لم يعمل خيرًا حتَّى تمتلئ فالثواب ليس موقوفًا على العمل. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 7003 - (2818) (178) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه.

قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "احتَجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ"، فَذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ. إِلَى قَوْلِهِ: "وَلِكِلَيكُمَا عَلَيَّ مِلؤُهَما" وَلَم يَذكُر مَا بَعدَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ. 7004 - (2819) (179 حدَّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَل مِن مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العِزَّةِ، تَبَارَكَ وَتَعَالى. قَدَمَهُ. فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ، وَعِزَّتِكَ. وَيُروَى بَعضُهَا إِلَى بعضٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: احتجت الجنَّة والنَّار فذكر) أبو سعيد (نحو حديث أبو هريرة إلى قوله) سبحانه لهما (ولكليكما عليَّ ملؤها) بدل قول أبي هريرة ولكل واحدة، وهذا متابعة في الشاهد (و) لكن (لم يذكر) أبو سعيد (ما بعده) أي ما بعد قوله ولكل واحدة منكما (من الزيادة) التي زادها أبو هريرة يعني قوله: (فأمَّا النَّار فلا تمتلئ) إلخ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 7004 - (2819) (179) (حدَّثنا عبد بن حميد) الكسي (حدَّثنا يونس بن محمَّد) بن مسلم البغدادي المؤدب ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدَّثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري ثم الكوفيّ، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة حدَّثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (إن نبي الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتَّى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه) المقدسة (فتقول) جهنم: (قط قط) أي حسبي حسبي أي كافيّ ما في (وعزتك) أي أقسمت لك بعزتك يا رب (وينزوي بعضها إلى بعض) قال الطبري: أن تنقبض على من فيها وتشتغل بعذابهم وتكف عن سؤال هل من مزيد، وقال الطبري أيضًا: جاء عن ابن مسعود ما في النَّار بيت ولا سلسلة ولا مقمعة ولا تابوت إلَّا وعليها اسم صاحبه فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره قالت: قط قط أي حسبنا اكتفينا وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها أي تجتمع وتنطبق اهـ أبي.

7005 - (00) (00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبدِ الوَارِثِ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بن يَزِيدَ العَطَّارِ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أنسِ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعنَى حَدِيثِ شَيبَانَ. 7006 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله الرُّزِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوهَابِ بْنُ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] فَأخْبَرَنَا عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في تفسير سورة ق، باب وتقول هل من مزيد [4848] وفي الأيمان والنذور باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته [6661] وفي التَّوحيد باب قول الله تعالى ملك النَّاس [7384]، والترمذي في تفسير سورة ق [3272] وكذا أحمد [3/ 134]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7005 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدَّثنا عبد الصَّمد بن عبد الوارث) العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدَّثنا أبان بن يزيد العطار) أبو يزيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدَّثنا قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبان لشيبان (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وساق أبان (بمعنى حديث شيبان) لا بلفظه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7006 - (00) (00) (حدَّثنا محمَّد بن عبد الله الرزي) بضم المهملة وكسر الزَّاي المشددة أبو جعفر البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدَّثنا عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف العجلي مولاهم البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (في) تفسير (قوله عزَّ وجل يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) [ق / 30] وقوله: (فأخبرنا) عبد الوهاب بن عطاء تأكيد لقوله حدَّثنا عبد الوهاب (عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشيبان بن

أَنَّهُ قَال: "لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَل مِن مَزِيدٍ. حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ. فَيَنزَوي بَعضُهَا إِلَى بعْضٍ وَتَقُولُ: قَطِ قَطِ. بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ. وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنشِئَ الله لَهَا خَلقًا، فَيُسكِنَهُمْ فَضلَ الجَنَّةِ". 7007 - (00) (00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعنِي ابنَ سَلَمَةَ)، أَخْبَرَنَا ثابِتٌ. قَال: سَمِعتُ أنَسًا يَقُولُ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَال: "يَبْقَى مِنَ الْجَنَّةِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَبْقَى. ثُمَّ يُنشِئُ الله تَعَالى لَهَا خَلقًا مِمَّا يَشَاءُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن (أنَّه) صَلَّى الله عليه وسلم (قال: لا تزال جهنم يلقى) أي يقذف ويرمي (فيها) أهلها (وتقول) هي (هل من مزيد حتَّى يضع رب العزة فيها قدمه) المقدسة (فيزوى) أي يطوى ويضم (بعضها إلى بعض وتقول قط قط) أي حسبي ما في أقسمت لك يا ربي (بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنَّة فضل) أي مكان فاضل ليس فيه أحد (حتَّى ينشئ الله) سبحانه أي حتَّى يخلق (لها) أي للجنة (خلقًا) جديدًا ليس لهم عمل خير (فيسكنهم) أي أولئك المستجدين (فضل الجنَّة) أي المكان الفاضل منها. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7007 - (00) (00) (حدثني زهير بن حرب) الحرشي النَّسائيّ (حدَّثنا عفَّان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري الصفار البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (حدَّثنا حماد يعني ابن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (أخبرنا ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابا (قال) ثابت: (سمعت أنسًا) بن مالك (يقول) ويحدث (عن النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لقتادة (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: (يبقى من الجنَّة ما شاء الله) سبحانه (أن يبقى) من الأمكنة الفاضلة بلا سكان (ثم ينشئ) ويخلق (الله تعالى لها) أي لسكنى ما فضل منها (خلقًا مما يشاء) من خلقه مما لا يعلمه إلَّا هو سبحانه. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو ذبح الموت بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:

7008 - (2820) (180) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ)، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يُجَاءُ بِالمَوتِ يَومَ القِيَامَةِ كَأنَّهُ كَبْش أَمْلَحُ - (زَادَ أَبُو كُرَيبٍ): فَيُوقَفُ بَينَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، (وَاتَّفَقَا فِي بَاقِي الْحَدِيثِ) فَيُقَالُ: يَا أَهلَ الْجَنَّةِ، هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنظُرُونَ ويقُولُونَ: نَعَمْ. هَذَا المَوْتُ. قَال: وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، هَل تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَال: فَيَشْرَئِبُّونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7008 - (2820) (180) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وتقاربا في اللفظ قالا: حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: يجاء) ويؤتى (بالموت يوم القيامة كأنه) أي كان الموت (كبش أملح) أي أبيض، والكبش ذكر الضأن وكأنه صورة مثالية للموت وكان من الممكن أن يعدم الله تعالى الموت بغير أن تذبح صورته المثالية، ولكن الحكمة في ذبحها أن يشاهد النَّاس ذلك فيزدادوا بذلك وثوقًا واطمئنانًا بأن الموت لا يأتيهم بعد ذلك، وقال القرطبي: الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنَّه حصل لهم الفداء به كما فدي ولد إبراهيم بالكبش، وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنَّة وأهل النَّار لأنَّ الأملح ما فيه بياض وسواد اهـ من فتح الباري في كتاب الرقاق [11/ 420]. قيل (الأملح) هو الأبيض الخالص قاله ابن الأعرابي، وقال الكسائي: الأملح هو الذي فيه بياض وسواد وبياضه أكثر من سواده اهـ نووي. (زاد أبو كريب) في روايته (فيوقف) الموت (بين الجنَّة والنَّار واتفقا) أي اتفق أبو بكر وأبو كريب (في باقي الحديث فيقال) أي يقول الملك الموكل بالنداء (يا أهل الجنَّة هل تعرفون هذا) الكبش (فيشرئبون) أي يرفعون رؤوسهم لينظروا إلى الكبش أو إلى المنادي (وينظرون) إلى الكبش (ويقولون نعم) نعرفه، وقولهم (هذا) الكبش هو (الموت) تفسير للجواب ولعلهم يعرفونه بعلامة يجعلها الله تعالى في الكبش تدل على أنَّه صورة للموت، وعرفوا ذلك بإلهام من الله (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (ويقال يا أهل النَّار هل تعرفون هذا) الكبش (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (فيشرئبون) أي

وَيَنْظُرُونَ ويقُولُونَ: نَعَم. هَذَا المَوْتُ. قال: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذبَحُ. قَال: ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوتَ. ويا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوتَ" قَال: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى الدُّنيَا. 7009 - (00) (00) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يرفعون رؤوسهم (وينظرون) إليه ليعرفوا ما عرض عليهم (ويقولون نعم) نعرفه (هذا) هو (الموت قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (فيؤمر به) أي بذبح ذلك الكبش (فيذبح قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (ثم يقال يا أهل الجنَّة) لكم (خلود) أي دوام الحياة (فلا موت) لكم (ويا أهل النَّار) لكم (خلود فلا موت) بعد (قال) أبو سعيد الخدري (ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصداق قوله قوله تعالى: (وأنذرهم) أي خوفهم يا محمَّد عذاب (يوم الحسرة) والندامة وهو يوم القيامة (إذ قضي الأمر) بينهم (وهم) في الدُّنيا (في غفلة) عن ذلك (وهم لا يؤمنون) ذلك [مريم / 39] وفي قراءة النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم هذه الآية إشارة إلى أن المراد بيوم الحسرة في الآية يوم يذبح فيه الموت. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في تفسير سورة مريم باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [4730]، والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في خلود أهل الجنَّة وأهل النَّار [2558]. (وأشار) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (بيده) الشريفة عند قوله: (وهم في غفلة) أي هؤلاء في غفلة (إلى) أهل (الدنيا) إذ الآخرة ليست دار غفلة يعني أنهم كانوا كذلك في الدُّنيا. قوله: (يا أهل الجنَّة خلود) أبد الآبدين فلا موت (ويا أهل النَّار خلود) أبد الآبدين فلا موت، ولفظ خلود إمَّا مصدر أي أنتم خلود ووصف بالمصدر للمبالغة كرجل عدل أو جمع أي أنتم خالدون نظير قولهم وهو جلوس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7009 - (00) (00) (حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفيّ (عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه.

قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أُدخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، قِيلَ: يَا أَهلَ الجَنَّةِ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعنَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: "فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجلَّ" وَلَم يَقُل: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَم يَذْكُرُ أَيضًا: وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنيَا. 7010 - (2821) (181) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَربٍ وَالحَسَنُ بن عَلِيٍّ الحُلوَانِيُّ وَعَبْدُ بن حُمَيدٍ. (قَال عَبدٌ: أَخبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. حَدَّثَنَا نَافِعٌ؛ أَن عَبدَ الله قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "يُدخِلُ الله أَهلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ. وَيُدخِلُ أَهلَ النَّارِ النَّارَ. ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّن بَينَهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: إذا أدخل أهل الجنَّة الجنَّة وأهل النَّار النَّار قيل) من جهة الله (يا أهل الجنَّة) الحديث (ثم ذكر) جرير (بمعنى حديث أبي معاوية) لا بلفظه (غير أنَّه) أي لكن أن جريرًا (قال) في روايته (فذلك) أي فشاهد ذلك الذي ذكرناه في الحديث (قوله عزَّ وجل) {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} الآية (ولم يقل) جرير في روايته لفظة (ثم قرأ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) إلخ (ولم يذكر) جرير (أيضًا) أي كما أنَّه لم يقل ثم قرأ أي لم يذكر جرير أيضًا لفظة (وأشار بيده إلى الدُّنيا). ثم استشهد المؤلف لحديث أبي سعيد الخدري بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: 7010 - (2821) (181) (حدَّثنا زهير بن حرب والحسن بن علي الحلواني) الخلال الهذلي المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد أخبرني وقال الآخران: حدَّثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزُّهريّ المدني، ثقة، من (9) (حدَّثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (10) أبواب (حدَّثنا نافع أن عبد الله) ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله: (إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: يدخل الله أهل الجنَّة الجنَّة ويدخل أهل النَّار النَّار ثم يقوم مؤذن) أي مناد من الملائكة (بينهم) أي بين

فَيَقُولُ: يَا أَهلَ الجَنَّةِ، لَا مَوتَ، وَيَا أَهلَ النَّارِ، لَا مَوتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ". 7511 - (00) (00) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَصَارَ أَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، أُتِيَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَينَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. ثُمَّ يُذْبَحُ. ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الفريقين أهل الجنَّة وأهل النَّار (فيقول) ذلك المؤذِّن (يا أهل الجنَّة) لكم خلود (لا موت) بعده (ويا أهل النَّار) لكم خلود (لا موت) بعده (كل) من الفريقين (خالد فيما) أي في مقر (هو) أي ذلك الفريق كائن (فيه) أي في ذلك المقر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6548]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 7511 - (00) (00) (حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (وحرملة بن يَحْيَى) بن عبد الله التجيبي المصري، صدوق، من (11) روى عنه في (20) بابا (قالا: حدَّثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (حدثني عمر بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) العدوي العمري المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (أن أباه) محمَّد بن زيد بن عبد الله العمري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (حدثه) أي حدث لعمر (عن) جده (عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن زيد لنافع مولى ابن عمر (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال إذا صار) أي رجع (أهل الجنَّة إلى الجنَّة) واستقروا فيها (وصار أهل النَّار إلى النَّار) ونزلوا فيها (أتي بالموت) على صورة كبش (حتَّى يجعل) الموت (بين الجنَّة والنَّار ثم يذبح) الموت (ثم ينادي مناد) من

يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، لَا مَوتَ، وَيَا أَهلَ النَّارِ، لَا مَوتَ. فَيَزدَادُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِم. وَيزدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزنِهِم" ـــــــــــــــــــــــــــــ الملائكة (يا أهل الجنَّة لا موت) بعد اليوم (ويا أهل النَّار لا موت) بعد اليوم (فيزداد أهل الجنَّة فرحًا) وسرورًا بذبح الموت منضمًا (إلى فرحهم) بدخول الجنَّة (ويزداد أهل النَّار حزنًا) بعدم الموت منضمًا (إلى حزنهم) بدخول النَّار. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أحد عشر حديثًا: الأوَّل: حديث أبي هريرة الأوَّل ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة، والثَّاني: حديث أبي هريرة الثَّاني ذكره للاستدلال على الجزء الثَّاني من الترجمة، والثالث: حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث سمرة بن جندب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والعاشر: حديث أبي سعيد الخدري الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. * * *

756 - (21) باب غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه، وعلامات أهل الجنة والنار، ورؤيته صلى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النار، وصنفين من أهل النار، وذكر فناء الدنيا والحشر يوم القيامة

756 - (21) باب غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه، وعلامات أهل الجنَّة والنَّار، ورؤيته صَلَّى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النَّار، وصنفين من أهل النَّار، وذكر فناء الدُّنيا والحشر يوم القيامة 7012 - (2822) (182) حدّثني سُرَيجُ بن يُونُسَ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "ضِرْسُ الْكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ. وَغِلَظُ جِلدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 756 - (21) باب غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه، وعلامات أهل الجنَّة والنَّار، ورؤيته صَلَّى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النَّار، وصنفين من أهل النَّار، وذكر فناء الدُّنيا والحشر يوم القيامة ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأوَّل من الترجمة وهو غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7012 - (2822) (182) (حدثني سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي النزول، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسي نسبة إلى رؤاس بطن من بطون العرب أبو علي الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن الحسن بن صالح) بن مسلم بن حيان الهمداني الثوري الكوفيّ، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن هارون بن سعد) العجلي الكوفيّ الأعور، روى عن أبي حازم سلمان الأشجعي في صفة النَّار، وأبي إسحاق السبيعي وأبي الضحى والأعمش وغيرهم، ويروي عنه (م) والحسن بن صالح في صفة النَّار، والثوري وشعبة وآخرون، قال ابن معين وأبو حاتم: ليس به بأس، له عند (م) فرد حديث، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة، وذكره ابن حبان في الثقات (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرس الكافر أو) قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أو أبو هريرة والشك من الراوي أو ممن دونه (ناب الكافر مثل) جبل (أحد) في العظم (وغلظ جلده) بكسر الغين المعجمة وفتح اللام أي عظمه وثخانته (مسيرة ثلاث) ليال، وعند أحمد من حديث ابن

7013 - (2823) (183) حدَّثنا أبُو كُرَيبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَرفَعُهُ قَال: "ما بَينَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ، مَسِيرَةُ ثَلاثةِ أَيَّامٍ. لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ". وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَكِيعِيُّ "فِي النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر مرفوعًا "يعظم أهل النَّار في النَّار حتَّى إن ما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" اهـ قسطلاني، قال القاضي: يزاد في مقدار أعضاء الكافر زيادة في تعذيبه بسبب زيادة المماسة للنار، قال النووي: وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق المصدوق به، والضرس من الأسنان الطاحونة التي يأكل عليها الإنسان وهي في أطراف الفم، والناب التي تلي الأضراس وهي التي يفترس بها السباع، قال القرطبي: إنَّما عظم خلقه ليعظم عذابه ويتضاعف وهذا إنَّما هو في بعض الكفار بدليل أنَّه قد جاءت أحاديث آخر تدل على أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يساقون إلى سجن في جهنم يُسمى (بولس) انظر إتحاف السادة المتقين [8/ 343]. وشارك المؤلف التِّرمذيُّ في باب ما جاء في عظم أهل النَّار [2577 إلى 2579]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأوَّل بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 7013 - (2823) (183) (حدَّثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفيّ (وأحمد بن عمر) بن حفص بن جهم بن واقد الكندي (الوكيعي) نسبة إلى وكيع لصحبته وكيع بن الجراح المحدث، أبو جعفر الكوفيّ، ثقة، من (10) روى عنه في (2) الصوم وصفة النَّار (قالا: حدَّثنا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم الكوفيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبيه) فضيل بن غزوان بن جرير الضبي الكوفيّ، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، حالة كون أبي هريرة (يرفعه) أي يرفع هذا الحديث إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ويسنده إليه لا يوقفه عليه (قال) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (ما بين منكبي الكافر في النَّار مسيرة ثلاثة أيَّام للراكب المسرع) في ركضه (ولم يذكر الوكيعي) لفظة (في النَّار) وقد يشكل على هذا الحديث ما

7014 - (2824) (184) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي مَعبَدُ بْنُ خَالِدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "أَلا أُخبِرُكُمْ بِأهْلِ الجَنَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَال صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا "أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال" وجمع بعض العلماء بينه وبين حديث الباب بأن كونهم كالذر في أول الأمر عند الحشر وهو كالعلامة على حقارتهم، وحديث الباب محمول على ما بعد الاستقرار في النَّار، وقيل: إن المراد في حديث عمرو بن شعيب المتكبرون من المؤمنين، وفي حديث أبي هريرة الكافرون، وقيل يتفاوت عذاب أهل النَّار فمنهم من يكون مثل الذر، ومنهم من يعظم جسمه على ما ذكر في حديث الباب والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6551]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو ذكر علامة أهل الجنَّة وعلامة أهل النَّار بحديث حارثة بن وهب رضي الله عنه فقال: 7014 - (2824) (184) (حدَّثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، من (9) (حدَّثنا شعبة حدثني معبد بن خالد) بن مرير بمهملتين مصغرًا الجدلي بفتح الجيم مكبرًا نسبة إلى جديلة قيس الكوفيّ القاص، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (أنَّه سمع حارثة بن وهب) الخزاعي الكوفيّ الصحابي الشَّهير رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب، وليس في مسلم من اسمه حارثة إلَّا هذا الصحابي الجليل (أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من خماسياته (ألا أخبركم بأهل الجنَّة) أي بعلامات أهل الجنَّة (قالوا) أي قال الحاضرون: (بلى) أخبرنا رسول الله فـ (قال) رسول الله (صَلَّى الله عليه وسلم): هم (كل ضعيف) في نفسه لتواضعه وضعف حاله في طلب الدُّنيا (متضعف) أي محقر عند النَّاس لخموله في الدُّنيا، قال النووي: ضبطوا متضعف بفتح العين وكسرها، والمشهور الفتح ولم يذكر الأكثر غيره؛ ومعناه يستضعفه النَّاس ويستحقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدُّنيا، يقال تضعفه واستضعفه، وفي رواية الإسماعيلي مستضعف بالسين والمعنى واحد، وأمَّا رواية

لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبَرَّهُ". ثُمَّ قَال: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّارِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَال: "كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ". 7015 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه، قال القاضي: وقد يكون الضعف هنا بمعنى رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان، والمراد أن أغلب أهل الجنَّة هؤلاء كما أن معظم أكثر أهل النَّار القسم الآخر وليس المراد الاستيعاب في الطرفين اهـ نووي. (لو أقسم على الله) أي لو حلف على وقوع شيء لم يكن باسم الله (لأبره) أي لأوقع الله ذلك الشيء إكرامًا له وصيانة له عن الحنث في يمينه أي لجعله الله بارًّا صادقًا في يمينه بإيقاع ذلك الشيء ولو كان النَّاس يزعمونه ضعيفًا وذلك لعلو منزلته، وقيل معناه لو دعا لأجيب، وقيل لو حلف يمينًا طمعًا في إكرام الله تعالى له بإبراره لأبره اهـ سنوسي. (ثم قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل النَّار) أي بعلامتهم (قالوا: بلى) أخبرنا (قال) هم (كل عتل) بضمتين وتشديد اللام أي كل فظ اللسان غليظ القلب شديد الخصومة بالباطل (جواظ) بفتح الجيم وتشديد الواو أي جموع للمال منوع عن أدائه في الحق، وقيل كثير اللحم المختال في مشيته، وقيل القصير البطين (مستكبر) أي صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط النَّاس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في تفسير سورة ن والقلم، باب عتل بعد ذلك زنيم [4718] وفي الأدب باب الكبر [6071]، والترمذي في صفة جهنم باب بدون ترجمة [2605]، وابن ماجة في الزهد باب من لا يؤبه له [4168]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه فقال: 7015 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن المثنى حدَّثنا محمَّد بن جعفر) غندر (حدَّثنا شعبة) غرضه بيان متابعة محمَّد بن جعفر لمعاذ بن معاذ، وساق محمَّد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن معبد عن حارثة (بمثله) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ (غير أنه) أي

قَال: "أَلا أَدُلُّكُمْ". 7016 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ. قَال: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبِ الْخُزَاعيِّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُل ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأبَرَّهُ. أَلا أخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ جَوَّاظٍ زَنيمٍ مُتَكَبِّرٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن أن محمَّد بن جعفر (قال) في روايته لفظة (ألا أدلكم) بدل قول معاذ بن معاذ "ألا أخبركم". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن وهب رضي الله تعالى عنه فقال: 7016 - (00) (00) (وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدَّثنا وكيع) بن الجراح (حدَّثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن معبد بن خالد قال: سمعت حارثة بن وهب الخزاعي يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة بن الحجاج (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأهل الجنَّة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النَّار) هم (كل جواظ زنيم) دعي في النسب ملصق بالقوم ليس منهم، سمي بذلك تشبيهًا له بزنمة الشَّاةِ وهما لحمتان نابتتان في حلق الشَّاةِ شبه الإصبع الصَّغير (متكبر) أي معظم لنفسه محقر لغيره، وقال الحافظ في الفتح [8/ 663] العتل هو الفظ الشديد من كل شيء، وقال الفراء: الشديد الخصومة، وقيل الجافي عن الموعظة، وقال عبد الرَّزاق: العتل الفاحش الآثم، وقال الخطابي: العتل الغليظ العنيف، وقال الداودي: السمين العظيم العنق والبطن، وقال الهروي: الجموع المنوع، وقيل القصير البطن، وجاء فيه حديث عند أحمد من طريق عبد الرحمن بن غنم، وهو مختلف في صحته قال: سئل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم، قال: هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للنَّاس الرحيب الجوف اهـ منه. قوله: (جواظ) هو الكثير اللحم المختال في مشيته حكاه الخطابي، وقال ابن فارس: هو الأكول، وقيل الفاجر.

7017 - (2825) (185) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "رُبَّ أَشْعَثَ مَدفُوعٍ بِالأبوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ". 7018 - (2826) (186) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَمْعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حارثة بن وهب بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7017 - (2825) (185) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي نسبة إلى الحرقات من جهنية مولاهم أبي شبل المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: رب) رجل (أشعث) أي متلبد الشعر مغبره؛ الذي لا يدهنه ولا يكثر غسله (مدفوع) أي ممنوع من الدخول على النَّاس، فلا يؤذن له بل يحجب ويطرد لحقارته عند النَّاس (بالأبواب) أي عند الأبواب، قال المناوي: قوله: (رب أشعث) أي ثائر شعر الرأس مغبره قد أخذ فيه الجهد حتَّى أصابه الشعث وعلته الغبرة (مدفوع بالأبواب) فلا يترك أن يلج الباب فضلًا من أن يقعد معهم ويجلس بينهم اهـ منه (لو أقسم) وحلف (على الله) أي على إيجاد شيء لم يوجد باسم الله (لأبره) الله تعالى أي لجعله بارًّا صادقًا في قسمه بإيجاد ذلك الشيء لكرامته عند الله تعالى. وهذا الحديث انفرد به المؤلف. ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث حارثة بن وهب بحديث عبد الله بن زمعة رضي الله عنهم فقال: 7018 - (2826) (186) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدَّثنا) عبد الله (بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) بن

قَال: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم، فَذَكَرَ النَّاقَةَ وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا. فَقَال: "إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا: انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ"، ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، الصحابي المشهور رضي الله عنه، وأمه أخت لأم سلمة أم المؤمنين، وكان تحته زينب بنت أم سلمة، وليس هو أخًا لسودة بنت زمعة أم المؤمنين كما توهمه بعضهم، سكن المدينة، وقتل يوم الدار مع عثمان سنة خمس وثلاثين (35) وقيل قتل يوم الحرة والله أعلم راجع الإصابة [2/ 303 و 304] اهـ من التكملة. روى عنه عروة بن الزُّبير في صفة النَّار، له حديث واحد متَّفقٌ عليه. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن زمعة: (خطب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) النَّاس يومًا من الأيَّام (فذكر) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في خطبته (الناقة) المذكورة في قوله تعالى: {فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)} وهي ناقة صالح عليه السَّلام (وذكر) الرجل (الذي عقرها) أي عقر الناقة أي ضرب قوائمها بالسيف فقطعها وهو قدار بن سالف وهو أحيمر ثمود كان أحمر أزرق أصهب (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في بيان معنى قوله تعالى (إذ انبعث) أي قام وأسرع (أشقاها) أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف، وقوله: (انبعث به رجل) مقول قال أي قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في تفسير (انبعث) أي قام وأسرع (بها) أي بعقر الناقة برضائهم واتفاقهم (رجل عزيز) أي ذو عزة وغلبة في قومه (عارم) بالعين والراء المهملتين؛ أي خبيث شرير مفسد، قال القاضي: العارم الجريء الحاذق اهـ، وفي النهاية عارم خبيث شرير، وفي التحفة: صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر، يقال قد عرم بفتح الراء وضمها وكسرها عرامة وعرامًا فهو عارم وعرم والعرام الشدة والقوة والشراسة (منيع) أي قوي ذو منعة أي صاحب رهط يمنعونه من الضيم (في رهطه) أي في قومه (مثل أبي زمعة) أي في عزته ومنعته في قومه يعني أن ذلك الرجل كان منيعًا في رهطه كما أن أبا زمعة منيع في رهطه، وأبو زمعة عم الزُّبير بن العوام وهو الأسود المذكور جد عبد الله بن زمعة، وكان الأسود أحد المستهزئين للنبي صَلَّى الله عليه وسلم ومات على كفره بمكة، وقتل ابنه زمعة يوم بدر كافرًا أيضًا كذا في فتح الباري، وفي رواية للبخاري: "مثل أبي زمعة عم الزُّبير بن العوام" قال الحافظ: هو عم الزُّبير مجازًا لأنه الأسود بن المطلب بن أسد

ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنَّ ثُمَّ قَال: "إِلامَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتهُ؟ ". فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ "جَلْدَ الأَمَةِ" وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ: "جَلْدَ الْعَبْدِ وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والعوام بن خويلد بن أسد فنزل ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عمًا بهذا الاعتبار كذا جزم الدمياطي باسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد اهـ تحفة الأحوذي. وذكر ابن إسحاق في المبتدأ وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السَّلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة لهم فآمن بعض وكفر بعض واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت وترد الماء يومًا بعد يوم، وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط، منهم قدار المذكور فباشر عقرها فلما بلغ ذلك صالحًا عليه السَّلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيَّام فوقع كذلك كما أخبر الله تعالى في كتابه، وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه أن الناقة كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب، وفي سنده إسماعيل بن عياض، وفي روايته عن غير الشاميين ضعف، وهذا منها كذا في الفتح اهـ من التحفة. (ثم) بعد هذه القصة (ذكر) النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم (النساء) أي ذكر ما يتعلق بهن استطرادًا (فوعظ) النَّاس (فيهن) أي في شأن النساء (ثم قال إلام) (إلى) حرف جر و (م) اسم استفهام في محل الجر بإلى مبني بسكون ظاهر على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة، الجار والمجرور متعلق بقوله: (يجلد) أي يضرب (أحدكم امرأته) أي زوجته جلدًا شديدًا وضربًا مبرحًا مع أنَّه لا يستغني عنها بل يجامعها في آخر يومه أي لأي شيء ضربها ضربًا شديدًا مع أنَّها حرة مستفرشة له، يقال جلدته بالسيف والسوط ونحوهما إذا ضربته (في رواية أبي بكر) بن أبي شيبة لفظة (جلد الأمة) أي لأجل ما يجلدها جلدًا كجلد الأمة اتقوا الله فلا تظلموهن (وفي رواية أبي كريب جلد العبد) بالنصب على المفعولية المطلقة أي مثل جلد العبد، وفي رواية البُخاريّ "بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل" أي ضرب فحل الإبل للناقة عند الضراب (ولعلّه) أي ولعل أحدكم الذي يجلدها أول اليوم الجلد المذكور (يضاجعها) أي يجامعها ويطؤها (من آخر

يَومِهِ"، ثُمَّ وَعَظَهُم فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ فَقَال: "إِلامَ يَضْحَكُ أَحَدُكُم مِمَّا يَفْعَلُ؟ ". 7019 - (2827) (187) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بنِ قَمَعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ يومه) أي في آخره، فكلمة من هنا بمعنى في (ثم) بعدما وعظهم في النساء (وعظهم في ضحكهم من الضرطة) الواقعة من بعضهم في المجامع، والضرطة بفتح الضَّاد المعجمة وسكون الراء المرة من الضراط بضمها وهو الصوت الخارج من المدبر مع الرِّيح (فقال) لهم في وعظهم (إلام) أي لأجل ما (يضحك أحدكم مما يفعل) أي من الضراط الذي يخرجه بنفسه فلا بدع ولا غرابة فيه، قال الأبي: ففي الحديث النَّهي عن ضرب النساء لغير ضرورة، والنهي عن الضحك مما يقع من الإنسان وإن ذلك ليس من خلق أهل الدين اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الأنبياء باب قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [3377] وفي تفسير سورة والشمس وضحاها [4942] وفي غيرهما، والترمذي في تفسير سورة والشمس وضحاها [3343]، وكذا النسائي، وأحمد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو رؤيته صَلَّى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النَّار بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7019 - (2827) (187) (حدثني زهير بن حرب حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن لحي) بضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء (بن قمعة) بفتحات ثلاث، وقيل بكسر القاف وتشديد الميم المفتوحة، قال النووي: ضبطوه على أربعة أوجه أشهرها قمعة بكسر القاف وتخفيف الميم المفتوحة، والثَّاني قمعة بكسر القاف مع تشديد الميم المفتوحة، والثالث قمعة بفتح القاف وسكون الميم، والرابع قمعة بفتحات، قال القاضي: وهذه

بْنِ خِنْدِفَ، أبا بَني كَعْبٍ هَؤلاءِ، يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ رواية الأكثرين (بن خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الدال لقب امرأة إلياس بن مضر وهي أم قبيلة فلا تصرَّف، واسمها ليلى بنت عمران بن إلحاف بن قضاعة وإنَّما لقبت بخندف لمشيتها، والخندفة الهرولة واشتهر بنوها بالنسبة إليها دون أبيهم لأنَّ إلياس لما مات حزنت عليه زوجته خندف حزنًا شديدًا حتَّى هجرت أهلها ودارها وساحت في الأرض حتَّى ماتت فكان من رأى أولادها الصغار يقول من هؤلاء فيقال بنو خندف إشارة إلى أنَّها ضيعتهم اهـ من فتح الباري [6/ 548 و 549]. وقوله: (أبا بني كعب) بن لؤي بالنصب بالألف بدل أو عطف بيان لعمرو بن لحي. وقوله: (هؤلاء) في محل الجر بدل أو صفة لبني يعني أن عمرو بن لحي كان أبًا وجدًا لبني كعب الحاضرين الآن أي المجودين في الدُّنيا. وقوله: (أبا بني كعب) هو الصَّحيح الصواب لأنَّ كعبًا أحد بطون خزاعة، ووقع في بعض الرِّوايات (أخا بني كعب) والصَّواب الأوَّل أي رأيت عمرو بن لحي جد بني كعب الموجودين الآن (يجر) أي يسحب (قصبه) بضم القاف وسكون الصاد، وهو مفرد الأقصاب وهي الأمعاء والمصارين (في النَّار) أي في عذاب جهنم لأنَّه أول من من سنة سيئة في العرب لأنَّه أول من غير دين إبراهيم عليه السَّلام فنصب الأوثان وسيب السوائب وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي كما رواه ابن إسحاق في سيرته الكبرى مرفوعًا، وذكر ابن إسحاق أن سبب عبادة عمرو بن لحي الأصنام أنَّه خرج إلى الشَّام وبها يومئذٍ العماليق وهم يعبدون الأصنام فاستوهبهم واحدًا منها، وجاء به إلى مكّة فنصبه إلى الكعبة وهو هبل، وكان عمرو بن لحي أبًا لخزاعة وكان أول من تولى أمر البيت بعد جرهم. وقوله: (يجر قصبه) القصب بالضم المعنى وجمعه أقصاب، وقيل القصب اسم للأمعاء كلها، وقيل هو ما كان في أسفل البطن (في النَّار) لكونه استخرج من باطنه بدعة جر بها الجريرة إلى قومه اهـ مناوي. وقوله: (أول من سيب) أي سن عبادة الأصنام بمكة وجعل ذلك دينًا وحملهم على التقريب إليها بتسييب السوائب أي إرسالها تذهب كيف شاءت اهـ مناوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الأنبياء باب قصة خزاعة

7020 - (00) (00) حدّثني عَمْرُو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: سَمِعتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: إِنَّ الْبَحِيرَةَ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَأَمَّا السَّائِبَةُ الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيهَا شَيءٌ. وَقَال ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لا رَأَيتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الخُزَاعيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السُّيُوبَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ [3520] وفي تفسير سورة المائدة باب ما جعل الله من بحيرة إلخ [4623]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7020 - (00) (00) (حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكر (الناقد) البغدادي (وحسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد أخبرني، وقال الآخران: حدَّثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزُّهريّ المدني (حدَّثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول) عن أبي هريرة كما سيصرحه قريبًا. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيب لأبي صالح السمان (إن البحيرة) بفتح الباء مكبرًا هي الناقة (التي يمنع درها) أي ينذر لبنها ويترك (للطواغيت) أي لأجل التقرب إلى الأصنام (فلا يحلبها أحد من النَّاس) لا مالكها ولا غيره (وأمَّا السائبة) وهي الناقة (التي كانوا يسيبونها) أي يعتقونها (لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء) من البضاعة ولا يركب عليها (وقال ابن المسيب) بالسند السابق (قال أبو هريرة قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) والمراد به عمرو بن لحي المذكور (يجر قصبه) أي يسحب أمعاءه (في النَّار وكان) عمرو (أول من سيب) أي من (السيوب) جمع سائبة أيضًا. قوله: (إن البحيرة التي يمنع درها للطواغيت) أي للأصنام أي لا يحلب لبنها أصلًا لأجل التقرب إلى الأصنام، وكلام أبي عبيدة يدل على أن المنفي إنَّما هو الشرب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخاص، قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء ويحلون ذلك للرجال وما ولدت فهو بمنزلتها وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمهما، وروى عبد الرَّزاق عن معمر عن قتادة قال: البحيرة من الإبل كانت إذا نتجت خمس بطون فإن كان الخامس ذكرًا كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى بتكت أذنها ثم أرسلت فلم يجزوا لها وبرًا ولم يشربوا لها لبنًا ولم يركبوا لها ظهرًا، وإن تكن ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، واشتقاقها من البحر وهو الشق يقال بحر ناقته إذا شق أذنها، واختلف فيها فقيل هي الناقة تنتج خمسة أبطن آخرها ذكر فتشق أذنها وتترك فلا تركب ولا تحلب ولا تطرد عن مرعى ولا ماء اهـ قسطلاني. قوله: (وأمَّا السائبة) بوزن فاعلة بمعنى مسبية كعيشة راضية هي (التي كانوا يسيبونها) أي يتركون الانتفاع بها (لآلهتهم) أي لأجل التقرب إليها تذهب حيث شاءت (فلا يحمل عليها شيء ولا تحبس عن مرعى ولا ماء) وذلك أن الرجل كان إذا مرض أو غاب له قريب نذر إن شفاه الله من مرضه أو قدم غائبه فناقته سائبة أي مسبية عتيقة فهي بمنزلة البحيرة إلَّا أنَّها لا يشق أذنها، وقيل إنَّها تكون من جميع الأنعام، والبحيرة لا تكون إلَّا من الإبل ولا تكون مشقوقة الأذن، وقيل إن السائبة هي الناقة التي إذا تتابعت اثنتي عشرة أنثى ليس بينها ذكر سيبت أي تركت لأجل التقرب إلى آلهتهم فلا تركب ولا يجز وبرها وما ولدت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها وخليت مع أمها وهي البحيرة بنت السائبة فالأم تسمى سائبة والبنت تسمى بحيرة هذا هو الفرق بينهما اهـ من الأبي بتصرف، وزيادة قوله: (رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزَّاي، وتقدم في باب إذا انفلتت الدابة وهو في الصَّلاة ورأيت فيها عمرو بن لحي بضم اللام وفتح الحاء المهملة، قال الكرماني: عامر اسم، ولحي لقب أو بالعكس أو أحدهما اسم الجد، وقال البرماوي: إنَّما هو عمرو بن لحي، ولحي اسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو اهـ، وعند أحمد من حديث ابن مسعود مرفوعًا إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر، وعند عبد الرَّزاق من حديث زيد بن أسلم مرفوعًا عمرو بن لحي أخو بني كعب، قال ابن كثير: فعمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم، وعند ابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأكتم بن الجون: "يا أكتم رأيت عمرو بن لحي بن

7021 - (2828) (188) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَم أَرَهُمَا. قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. وَنسَاء كَاسِيَات عَارِياتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قمعة بن خندف يجر قصبه في النَّار كان أول من سيب السوائب" اهـ قسطلاني. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ذكر صنفين من أهل النَّار بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7021 - (2828) (188) (حدثني زهير بن حرب حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: صنفان) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة قصد الإبهام خبره قوله كائنان (من أهل النار لم أرهما) أنا لعدم وجودهما في حياتي، قال الأبي: انظر هل المعنى لم أرهما في الدُّنيا ورأيتهما في النَّار، أو علمت أنَّهما من أهل النَّار، وعلى الأوَّل فانظر كيف يراهما وهما لم يوجدا بعد إلَّا أن يكون رأى مثاليهما أحدهما (قوم معهم سياط) جمع سوط وهو آلة الجلد كأذناب البقر) أي كأمثال ذنب البقر في الكبر أي سياط مثل أذناب البقر، قال النووي: فيه إشارة إلى الشرطة الظالمين وأعوان الأمراء الجبارين، والحديث من معجزاته صَلَّى الله عليه وسلم إذ قد وقع ما أخبر به (يضربون بها) أي بتلك السياط (النَّاس) ظلمًا، قال النووي: هم غلمان والي الشرطة، قال الأبي: ويتنزل منزلة المباشر للضرب الآمر به، وهذا في ضرب لا يباح وكذا يتنزل منزلة الضرب التضييق عليهم بالسجن والتكبيل وأخذ الأموال ظلمًا لأنَّ الجميع تعذيب بغير حق اهـ (و) ثانيهما (نساء كاسيات) من نعم الله تعالى (عاريات) من الشكر عليها أو عاريات بكشف شيء من جسدها إظهارًا لجمالها كأن يسدلن الخمر من ورائهن ويكشفن بعض جسدها أو تلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتهن أو كاسيات من الثياب عاريات من فعل الخير والاهتمام لآخرتهن والاعتناء بالطاعات، قال الأبي: ويدخل في ذلك ما عليه النساء اليوم من خروجهن ملتحفات بالأكسية والملاحف الحسنة وربما كان الكساء رقيقًا يظهر ما تحته من الثياب أو متسرولات ويظهر بعض حليهن، وكذا يدخل فيه ما أحدثن من سعة الأكمام التي يظهر

مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ. رُؤُوسُهُنَّ كَأسْنِمَةِ الْبُختِ الْمَائِلَةِ. لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا". 7022 - (2829) (189) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا زيدُ، (يَعْنِي ابْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بها بعض جسدها لمن لا يحل لها (مميلات) أكتافهن وأعطافهن (مائلات) متبخترات في مشيتهن، وقال المازري: (مائلات) عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن من حفظ فروجهن مميلات غيرهن إلى مثل فعلهن، وقيل: (مائلات) يمشطن المشطة الميلى وهي مشطة البغايا (مميلات) غيرهن إلى تلك المشطة (رؤوسهن كأسنمة) الإبل (البخت) مبتدأ وخبر، قال النووي: معناه يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرؤوس حتَّى تشبه أسنمة الإبل البخت (وفي اللسان البخت والبختية دخيل في العربيَّة أعجمي معرب وهي الإبل الخراسانية تنتج من بين عربية وفالج، والفالج البعير ذو السنامين وهو الذي بين البختي والعربي) والمراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنَّما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن وجمع عقائصها هنا وتكثرها بما يضفرنه حتَّى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام اهـ. [قلت]: يعني بالعمائم: العمائم الكبار بخلاف اليسير منها الذي تدعو الحاجة إليه ويجوز أن يكون ذلك كناية عن طمحهن للرجال ولا يغضضن أبصارهن ولا ينكسن رؤوسهن. وقوله: (المائلة) مبتدأ خبره (لا يدخلن الجنَّة) يعني أن النساء المائلة عن فعل الخير عما يلزمهن من حفظ فروجهن لا يدخلن الجنَّة أبدًا إن فعلن ذلك مستحلات له أو أولًا مع الفائزين إن فعلن ذلك معتقدات التحريم بغير استحلال له (ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة) أي من مسافة (كذا وكذا) كناية عن العدد المبهم نحو من مسيرة خمسمائة عام أو من مسيرة سبعين خريفًا، وتقول في إعرابه (مسيرة) مضاف (كذا) اسم لفظه مركب ومعناه مبهم مضاف إليها مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون البناء الأصل كما أشرنا إليه في شروحنا على الآجرومية في بعض مواضعها فراجعها. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث آخر له فقال: 7022 - (2829) (189) (حدَّثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدَّثنا زيد يعني ابن

حُبَابٍ)، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ، إِنْ طَالتْ بِكَ مُدَّةٌ، أَنْ تَرَى قَوْمًا فِي أَيدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَاب الْبَقَرِ. يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللهِ، ويرُوحُونَ فِي سَخَطِ الله". 7023 - (00) (00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ حباب) بضم المهملة وتخفيف الموحدة أبو الحسين العكلي نسبة إلى عكل بطن من تميم الكوفيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا أفلح بن سعيد) الأنصاري القبائي نسبة إلى قباء موضع بالمدينة وبه المسجد الذي أسس على التقوى أبو محمَّد المدني، صدوق، من (7) روى عنه في موضعين (2) الفضائل وصفة النَّار (حدَّثنا عبد الله بن رافع) المخزومي مولاهم (مولى أم سلمة) زوج النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) ابن رافع (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك) أي يقرب (إن طالت بك مدة) أي حياة (أن ترى قومًا في أيديهم) أسواط (مثل أذناب البقر) يضربون بها النَّاس ظلمًا (يغدون) أي يذهبون في أول النهار من بيوتهم (في) أعمال موجبات (غضب الله) عليهم (ويروحون) أي يذهبون آخر النهار (في) أعمال موجبات (سخط الله) عليهم، والسخط أشد الغضب وإنَّما اشتد الغضب في العصر لأنَّه وقت تجتمع فيه ملائكة الليل والنهار، وهذا من إطلاق الطرفين وإرادة الكل؛ يعني أنهم يظلمون النَّاس في جميع أوقاتهم ويضربونهم بسياطهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 7023 - (00) (00) (حدَّثنا عبيد الله بن سعيد) بن يَحْيَى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وأبو بكر) محمَّد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قالوا: حدَّثنا أبو عامر العقدي) عبد الملك بن

حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ رَافِعٍ. مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنْ طَالتْ بِكَ مُدَّةٌ، أَوْشَكْتَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللهِ، ويرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ. فِي أَيدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ". 7024 - (2830) (190) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا موسى بن أَعْيَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدَّثنا أفلح بن سعيد) الأنصاري المدني (حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي عامر لزيد بن حباب (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول إن طالت بك مدة) أي مدة الدُّنيا (أوشكت) أي قربت (أن ترى قومًا يغدون) أي يصبحون (في سخط الله) سبحانه وتعالى (ويروحون) أي يمسون (في لعنته في أيديهم) أسواط (مثل أذناب البقر) في كبرها يضربون بها النَّاس ظلمًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو بيان فناء الدُّنيا وصفة الحشر يوم القيامة بحديث المستورد رضي الله عنه فقال: 7024 - (2830) (190) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا أبي) عبد الله بن نمير (ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي، الكوفيّ، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثنا يَحْيَى بن يَحْيَى) بن بكر التميمي النيسابوري (أخبرنا موسى بن أعين) الجزري أبو سعيد الحراني، روى عن إسماعيل بن أبي خالد في صفة الدُّنيا في الآخرة، والأوزاعي ومالك ومعمر وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س ق) ويحيى بن يَحْيَى وابنه محمَّد وسعيد بن أبي أيوب ونافع بن يزيد والوليد بن مسلم وآخرون، وثقه أبو حاتم وأبو زرعة، وكان أحمد يحسن الثّناء عليه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الثامنة، مات سنة

ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا قَيسٌ. قَال: سَمِعْتُ مُسْتَوْرِدًا، أَخَا بَنِي فِهْرٍ، يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَاللهِ، مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ سبع وسبعين ومائة (177) (ح وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة عبد الله بن إدريس وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر وموسى بن أعين وأبي أسامة رووا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفيّ، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (واللفظ له حدَّثنا يَحْيَى بن سعيد) القطان البصري (حدَّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (حدَّثنا قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي الكوفيّ، أحد كبار التّابعين وأعيانهم، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (قال سمعت مستوردًا) بن شداد بن عمرو القرشي الفهري الحجازي نزيل الكوفة، الصحابي المشهور رضي الله عنه (أخا بني فهر يقول) وهذه الأسانيد كلُّها من خماسياته (قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: والله ما الدُّنيا في الآخرة) أي بالنسبة إلى الآخرة وبمقابلتها (إلَّا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه وأشار يَحْيَى) القطان (بالسبابة في اليم) متعلق بيجعل أي إلَّا قدر ما يعلى بالإصبع من الماء إذا جعل أحدكم إصبعه في اليم أي في البحر (فلينظر) أحدكم (بم يرجع) أي بم يأخذ بإصبعه من ماء البحر إذا رفع إصبعه من البحر، ومعناه لا يعلق بها كثير من الماء قال النووي: ومعنى الحديث ما الدُّنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ودوام الآخرة ودوام نعيمها ولذاتها إلَّا كنسبة الماء الذي يعلى بالإصبع إلى باقي البحر، وهذا التمثيل للتقريب إلى الأفهام وإلا فالآخرة أعظم وأجل من البحر لأنَّ البحر مهما كان واسعًا فإنَّه فإن متناه ونعيم الآخرة باق غير متناه، قال النووي: ضبطوا (بم يرجع) بالتاء المثناة فوق فضمير الفاعل يعود إلى الإصبع، وبالمثناة تحت فالضمير يرجع إلى أحدكم، والأول أظهر وأشهر، ويحتمل أنَّه تمثيل لنسبة مساحة الدُّنيا من مساحة الآخرة وبين ذلك حديث أدنى أهل الجنَّة منزلة من

وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا، غَيرَ يَحْيَى: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذلِكَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، أَخِي بَنِي فِهْرٍ. وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا: قَال: وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِالإِبْهَامِ. 7025 - (2831) (191) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَن حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ له مثل الدُّنيا وعشرة أمثالها، ويحتمل أنَّه تمثيل لقلة نعيم الدُّنيا وكثرة نعيم الآخرة، أو تمثيل لانقطاع نعيم الدُّنيا ودوام نعيم الآخرة ونسبة أمر الدُّنيا في ذلك كنسبة ما تعلق بالإصبع من الماء إلى ما بقي في البحر (وفي حديثهم جميعًا) أي وفي حديث هؤلاء الستة الذين رووا عن إسماعيل ابن أبي خالد (غير يَحْيَى) القطان لفظة (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول ذلك) الحديث أي قال المستورد: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ففي روايتهم جميعًا تصريح بسماع المستورد من النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم (وفي حديث أبي أسامة) وروايته عن إسماعيل بن أبي خالد لفظة (عن المستورد بن شداد أخي بني فهر) أي ففي روايته العنعنة (وفي حديثه) أي وفي حديث أبي أسامة وروايته عن إسماعيل (أيضًا) أي كما في حديثه العنعنة عن المستورد (قال) أبو أسامة (وأشار إسماعيل) بن أبي خالد (بالإبهام) بدل السبابة، قال القاضي: كذا لجميعهم، وعند السمرقندي (بالبهام) وهو خطأ، لأنَّ البهام جمع بهمة وهي صغار الضأن، والمعروف رواية السبابة في الأوَّل لأنَّها التي تقع بها الإشارة اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرمذيُّ في الزهد باب بلا ترجمة [2323]، وابن ماجة في الزهد باب مثل الدُّنيا [4160]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الحشر وهو الجزء السادس من الترجمة أيضًا بحديث عائشة رضي الله عنها فقال: 7025 - (2831) (191) (وحدثني زهير بن حرب حدَّثنا يَحْيَى بن سعيد) القطان (عن حاتم بن أبي صغيرة) مسلم أبو يونس البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثني) عبد الله بن عبد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التميمي

عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بعْضٍ؟ قَال صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بعْضٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو بكر المكيّ، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (عن القاسم بن محمَّد) بن أبي بكر الصِّديق التَّيميُّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة: (سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول يحشر) أي يجمع (النَّاس) في المحشر (يوم القيامة) حالة كونهم (حفاة) جمع حاف وهو من ليس في رجليه فعل أو حذاء، وحالة كونهم (عراة) جمع عار وهو من ليس على جسده لباس، وحالة كونهم (غرلًا) بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وهو الذي لم يختن وبقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر، قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يرد إليه حتَّى الأقلف، وقال أبو الوفا بن عقيل: حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون أرق فلما أزالوا تلك القطعة في الدُّنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله اهـ فتح الباري. (قوله عراة) وقد استشكل على هذا الحديث بحديث أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان أنَّه لما حضر أبا سعيد الخدري الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها وقال: سمعت النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يبعث يوم القيامة في ثيابه التي مات فيها" وجمع بعضهم بينهما بأن بعضهم يحشر عاريًا وبعضهم كاسيًا عملًا بالحديثين، أو بأنهم يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة، وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء، ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم، وقيل غير ذلك، وهذه التأويلات كلها خلاف الظاهر، ولعل أولاها بالقبول حمله على الشهداء فقط لأن ما جاء في حديث الباب مؤيد بقوله تعالى: ({كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}) اهـ فتح الباري باختصار [11/ 384]. قالت عائشة (قلت يا رسول الله النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى) عورة (بعض) حينئذٍ (قال صَلَّى الله عليه وسلم: يا عائشة الأمر) أي أمر يوم القيامة وهوله (أشد) أي أشغل (من أن ينظر بعضهم إلى بعض) أي من نظر بعضهم إلى عورة بعض.

7026 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمَرُ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ "غُرْلًا". 7027 - (2822) (192) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّكُمْ مُلاقو اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب الحشر [6527]، والنَّسائيُّ في الجنائز باب البعث [2083]، وابن ماجة في الزهد باب ذكر البعث [4330]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 7026 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدَّثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفيّ، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن حاتم بن أبي صغيرة) مسلم البصري (بهذا الإسناد) يعني عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر ليحيى القطان (و) لكن (لم يذكر) أبو خالد (في حديثه) أي في روايته لفظة (غرلًا). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 7027 - (2822) (192) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكي (قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخرون: حدَّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفيّ (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، وهذا السند من خماسياته، أنَّه (سمع النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يخطب) أي يعظ النَّاس (وهو) صَلَّى الله عليه وسلم (يقول) للنَّاس: (إنكم) أيها النَّاس (ملاقو الله) عزَّ وجل لا محالة يوم القيامة مشاة حفاة

مُشَاةً حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا"، وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيرٌ فِي حَدِيثِهِ: يَخطُبُ. 7028 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ماشين على أرجلكم إلى أرض المحشر جمع ماش (عراة) أي عارين عن اللباس (غرلًا) أي غير مختونين جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت عليه غرلته وهي قلفته وهي الجلدة تقطع في الختان، والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء حتَّى الغرلة تكون معهم اهـ نووي (و) لكن (لم يذكر زهير في حديثه) أي في روايته لفظة (يخطب). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في الرقاق باب الحشر [6524 إلى 6526]، والترمذي في تفسير سورة الأنبياء [3167]، والنَّسائيُّ في الجنائز باب ذكر أول من يكسى [2087]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال: 7028 - (00) (00) (حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا وكيع ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ (كلاهما) أي كل من وكيع ومعاذ بن معاذ رويا (عن شعبة ح وحدثنا محمَّد بن المثني ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثني قالا: حدَّثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (حدَّثنا شعبة عن المغيرة بن النُّعمان) النَّخعيُّ الكوفيّ، روى عن سعيد بن جبير في صفة الحشر والتفسير وأبي الزُّبير وطائفة، ويروي عنه (خ م د ت س) وشعبة والثوري ومسعر وعتبة بن سعيد وشريك وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال أبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، له عندهم حديثان، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلُّها من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة المغيرة بن النُّعمان لعمرو بن دينار (قال) ابن عباس (قام فينا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خطيبًا)

بِمَوْعِظَةٍ. فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا. {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أَلا وإنَّ أَوَّلَ الْخَلائقِ يُكْسَى، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِبْرَاهِيمُ، (عَلَيهِ السَّلامُ)، أَلا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ. فَأقُولُ: يَا رَبِّ، أَصحَابِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أي واعظًا (بموعظة) متعلق بخطيبًا وفائدة ذكره التأكيد أو متعلق بقام، والموعظة كل ما اشتمل على الترغيب والترهيب، والخطبة أعم منها (فقال) في خطبته (يا أيها الناس إنكم تحشرون) يوم القيامة في أرض المحشر راجعين (إلى الله) سبحانه للمحاسبة والمجازاة، حالة كونكم (حفاة) عن النعال (عراة) عن اللباس (غرلًا) أي غير مختونين، ومصداق ما ذكرته لكم قوله تعالى في كتابه العزيز ({كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]) قال الأبي: والأظهر أن مقام التكرمة عدم حشر الأنبياء كذلك. [فإن قلت] قوله أول من يكسى إبراهيم. فالجواب أنَّه يكسى عنه خروجه من القبر (ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السَّلام) والحكمة في كونه أول من يكسى أنَّه جرد حين ألقي في النَّار، وقيل لأنَّه أول من استن التستر بالسراويل، وقيل إنَّه لم يكن في الأرض (أي في زمنه) أخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانًا ليطمئن قلبه. قوله: (ألا وإن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) عبارة القرطبي هنا: هذا الحديث يدل على أن النَّاس كلهم الأنبياء وغيرهم يحشرون عراة كما قال في الحديث المتقدم وأن أهل السعادة يكسون من ثياب الجنَّة ولا شك في أن من كسي من ثياب الجنَّة فقد لبس جبة تقيه مكاره الحشر وعرقه وحر الشَّمس والنَّار وغير ذلك فظاهر عمومه يقتضي أن إبراهيم يكسى قبل نبينا محمَّد صَلَّى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون هذا من خصائص إبراهيم كما قد خص موسى عليه السَّلام بأن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يجده متعلقًا بساق العرش، مع أن النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكونا أفضل منه مطلقًا بل هو أفضل من وافى القيامة وسيد ولد آدم كما دللنا عليه فيما تقدم، ويجوز أن يراد بالنَّاس من عداه من النَّاس فلم يدخل تحت خطاب نفسه، والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. (ألا) أي انتبهوا واستمعوا (وإنَّه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم) أي يساق بهم (ذات الشمال) أي إلى جهة النَّار (فأقول يا رب) هم (أصحابي) أطلق عليهم لفظ

فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأقُولُ، كَمَا قَال الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 117 - 118] قَال: فَيُقَالُ لي: إِنَّهُم لَم يزَالُوا مُرتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِم مُنذُ فارَقتَهُم". وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ وَمُعَاذٍ "فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصحاب نظرًا إلى ما كانوا عليه في حياته صَلَّى الله عليه وسلم (فيقال) له من جهة الله (إنك لا تدري) ولا تعلم يا محمَّد (ما أحدثوا بعدك) من الارتداد (فأقول) حينئذٍ كما قال العبد الصالح) يعني عيسى عليه السَّلام: ({وَكُنْتُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 117 - 118]) (قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم) أي راجعين إلى دينهم الأوَّل الذي هو الشرك بالله (منذ فارقتهم) أي بعدما فارقتهم بالوفاة (وفي حديث وكيع ومعاذ) بن معاذ أي في روايتهما لفظة (فيقال) لي: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) بدل ما قال غيرهما لفظة (إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) والمعنى واحد. وقد بسطنا الكلام على معنى هذا الحديث في كتاب الفضائل باب إثبات حوض النَّبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وذكرنا هناك أن الراجح أن مصداق هؤلاء الرجال الذي طردوا عن الحوض هم الذين ارتدوا في عهد أبي بكر رضي الله عنه. (فإن قلت): قد دل هذا الحديث بقوله إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السَّلام على أن إبراهيم أفضل من نبينا صَلَّى الله عليه وسلم لأنَّه يكسى أول الخلائق. (قلت): هذا فضل جزئي حصل له لما ذكرنا من الحكمة السابقة فلا يستلزم أن يكون أفضل من النَّبيِّ الكريم صَلَّى الله عليه وسلم على الإطلاق. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:

7029 - (2833) (193) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغبِينَ رَاهِبِينَ. وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ. وَثَلاثةٌ عَلَى بَعِيرٍ. وَأَرْبَعَة عَلَى بَعِيرٍ. وَعَشَرَة عَلَى بَعِيرٍ. وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ. تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيثُ بَاتُوا. وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيثُ قَالُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيثُ أَضبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيثُ أَمْسَوْا" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7029 - (2833) (193) (حدثني زهير بن حرب حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم أبو إسحاق البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، صدوق، من (10) (حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) كلاهما (قالا جميعًا) يعني أحمد بن إسحاق وبهزًا (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الناس) يوم القيامة (على ثلاث طرائق) أي على ثلاثة أقسام من الكيفيات، والمراد بالطرائق الأحوال المختلفة والكيفيات المتنوعة، قسم منها من يحشر حالة كونهم (راغبين) في الثواب (راهبين) أي خائفين في العقاب وهم عامة المؤمنين وهم من خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا فيترددون بين الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيئاتهم ويرجون رحمة الله بأيمانهم وهم أصحاب الميمنة (و) قسم منها من يحشر راغبين (اثنان) منهم (على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير) وهم السابقون المقربون وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانًا، وقسم منها تحشرهم النار، وذكره بقوله: (وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) من القيلولة وهو الاستراحة في وسط النهار (وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا) وهم أصحاب المشامة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب الحشر [6522]، والنسائي في الجنازة [2585].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [تتمة]: - واختلف العلماء في معنى هذا الحديث فذكر بعضهم أن المراد من الحشر في هذا الحديث هو الحشر من القبور الذي سيقع في الآخرة والفرق الثلاثة المذكورة في الحديث نظير قوله تعالى في سورة الواقعة: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} فالمراد من قوله راغبين راهبين عامة المؤمنين وهم من خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا فيترددون بين الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيئاتهم ويرجون رحمة الله بإيمانهم وهؤلاء أصحاب الميمنة. وقوله: (واثنان على بعير وثلاثة على بعير إلى قوله وعشرة على بعير) يراد به السابقون المقربون وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانًا، وركوبهم يحتمل الحمل دفعة واحدة تنبيهًا على أن البعير المذكور يكون من بدائع فطرة الله تعالى حتى يقوى على ما لا يقوى عليه غيره من البعران، ويحتمل أن يراد به التعاقب وإنما سكت عن الواحد إشارة إلى أنه يكون لمن فوقهم في المرتبة كالأنبياء ليقع الامتياز بين النبي ومن دونه من السابقين في المراكب كما وقع في المراتب، وأما قوله: (وتحشر بقيتهم النار الخ) فإنما أراد به أصحاب المشأمة، والمراد من كون النار تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا أنها تلزمهم كل وقت ولا تفارقهم، وهذا معنى على القول بأن المراد من الحشر المذكور في الحديث هو الحشر من القبور إلى الآخرة وعلى هذا المعنى حلنا السابق آنفًا. وذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الحشر المذكور في هذا الحديث هو حشر يقع في الدنيا بقرب القيامة وهو من أشراط الساعة التي ستأتي في صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعًا "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات" فذكر الدخان والدجال إلى أن قال وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم "وعلى هذا القول نقول في حل معنى الحديث (عن أبي هريرة) " رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحشر الناس على ثلاث طرائق) أي على ثلاث فرق فرقة تحشر (راغبين راهبين) وهذه الفرقة هي التي اغتنمت الفرصة وسارت على فصحة من الظهر وشمرة من الزاد راغبة فيما تستقبله راهبة عما تستدبره (و) الفرقة الثانية تقاعدت حتى قل الظهر وضاق على أن يسعهم لركوبهم فردًا فردًا فاشتركوا فركب منهم (اثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة) يعتقبون (على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعير) ولم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة اكتفاء بما ذكر (وتحشر بقيتهم النار) لعجزهم عن تحصيل ما يركبونه وهي الفرقة الثالثة، والمراد بالنار هنا نار الدنيا لا نار الآخرة، وقيل المراد نار الفتنة وليس المراد نار الآخرة، قال الطيبي لقوله: وتحشر بقيتهم النار فإن النار هي الحاشرة ولو أريد ذلك المعنى لقال إلى النار، ولقوله: (تقيل) من القيلولة أي تستريح (معهم) حيث قالوا (وتبيت) من البيتوتة (معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا) فإنها جملة مستأنفة سيقت لبيان الكلام السابق فإن الضمير في تقيل راجع على النار الحاشرة وهو من الاستعارة فيدل على أنها ليست النار الحقيقية بل نار الفتنة كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} اهـ ولا يمتنع إطلاق النار على الحقيقية وهي التي تخرج من عدن، وعلى المجازية وهي الفتنة إذ لا تنافي بينهما، وفي حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة عند مسلم المذكور فيه الآيات الكائنة قبل قيام الساعة كطلوع الشمس من مغربها، وفيه وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس، وفي رواية له تطرد الناس إلى حشرهم، وفي حديث معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم رفعه إنكم تحشرون ونحا بيده نحو الشام رجالًا وركبانًا وتجرون على وجوهكم رواه الترمذي والنسائي بسند قوي، وعند أحمد بسند لا بأس به حديث ستكون هجرة بعد هجرة وينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ولا يبقى في الأرض إلا شرارها تلفظهم أرضوهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، وفي حديث أبي ذر عند أحمد والنسائي والبيهقي حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم .. الحديث، وفيه أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين فقال: يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب أي يشتري الناقة المسنة لأجل ركوبها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار على الذي عزم الرحيل عنه، وعزة الظهر الذي يوصله إلى مقصوده، وهذا لائق بأحوال الدنيا، لكن استشكل قوله فيه يوم القيامة. وأجيب بأنه مؤول على أن المراد بذلك أن يوم القيامة يعقب ذلك فيكون من مجاز المجاورة ويتعين ذلك لما وقع فيه أن الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة، وأن الرجل يشتري الشارف بالحديقة المعجبة فإن ذلك ظاهر جدًّا في أنه من أحوال الدنيا لا بعد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البعث ومن أين للذين يبعثون بعد الموت حفاة عراة حدائق يدفعونها في الشوارف اهـ من القسطلاني. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر حديثًا؛ الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث حارثة بن وهب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث عبد الله بن زمعة ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والثامن: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث المستورد بن شداد ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والعاشر: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي هريرة السابع ذكره للاستشهاد. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهذا آخر ما يسر الله تعالى لي في آخر المجلد الخامس عشر من هذا التعليق المختصر الذي وضعته مساعدة لطلاب هذا العصر في معرفة اصطلاحات صحيح مسلم لأنهم دفنوها كما دفنت الموءودة لقلة اعتنائهم بها ولكلة هممهم فيها. وجملة ما شرحنا في هذا المجلد الخامس عشر من الأحاديث الغير المكررة استدلالًا واستشهادًا مائة وثلاث وتسعون (193) وجملة ما فيه من التراجم إحدى وعشرون ترجمة (21). وهذا آخر ما أولانا الله سبحانه بإتمامه بعدما وفقنا بابتدائه فله الحمد على هذه المنة والشكر له على كل النعمة، ونسأله العفو والعافية والمعافاة الدائمة لنخدم بها أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم كل الخدمة بقدر فهمنا السقيم وطاقتنا البشرية وسائر العلوم الدينية وجميع ما يتعلق بها من العلوم العربية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان الفراغ منه في أواخر يوم الجمعة بعد صلاة العصر الوسطى اليوم الثامن والعشرين من الشهر السادس 28/ 6 / 1428 هـ من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة والصلات وأزكى التحيات، وكان الشروع فيه أواخر ليلة الجمعة قبيل صلاة الفجر الليلة العشرين من الشهر الثاني في تاريخ 20/ 2 / 1428 هـ ـ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية وعلى آله وأصحابه ذوي المقامات السنية وعلى التابعين لهم إلى يوم القيامة، وكانت مدة كتابته أربعة أشهر وستة عشر يومًا تقريبًا. ولله در من قال: كرر علي حديثهم يا حادي ... فحديثهم فيه الشفا لفؤادي كرر علي حديثهم فلربما ... لان الحديد بضربة الحداد والحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد الخليقات، وعلى آله وأصحابه السادات القادات، وتابعيهم بإحسان إلى يوم القيامات يوم الحشر والمجازات. تم المجلد الخامس عشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى ويليه المجلد السادس عشر وأوله باب في صفة يوم القيامة (1). أعاذنا الله سبحانه من جميع أهوالها بمنه وكرمه وجوده وإحسانه وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أكمل ألف ألف آمينا * * * ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

شرح صحيح مسلم المسمى الكوكب الوهاج والروض البهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج جمع وَتأليف مُحمد الأَمِين بن عبد الله الأرمي العَلَوي الهَرَريّ الشافِعيّ نزيل مكة المكرمة والمجاور بها مراجعة لجنة من العلماء برئاسة البروفسور هاشم علي مهدي المستشار برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة الجزء السادس والعشرون دار المنهاج دار طوق النجاة

الطبعَة الأولى 1430 هـ - 2009 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المنهاج جدة- السعودية دار طوق النجاة بيروت- لبنان

شرح صحيح مسلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفرج بالروض البهاج ... واستضيء بالكوكب الوهاج فإنه وصلة المحتاج ... إلى صحيح مسلم بن الحجاج وقد نظم بعضهم قول لقمان الحكيم لولده إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك فقال: الصمت زين والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثارًا ما إن ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مرارًا قال الزمخشري: قضاة زماننا صاروا لصوصًا ... عمومًا في القضايا لا خصوصًا خشينا منهمو لو صافحونا ... للصوا من خواتمنا فصوصًا وبعضهم: ألم تر أن الدهر يوم وليلة ... يكران من سبت عليك إلى سبت فقل لجديد العيش لا بد من بلى ... وقل لاجتماع الشمل لا بد من شت

757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس 7030 - (2834) (1) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْب وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله المتفرد بجلاله وجماله، المتصف بالكمال في ذاته وصفاته وأفعاله، والشكر له على نواله، شكرا يوافي محصوله، ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، شهادة عبد أقر بربوبيته، وقام بعبوديته، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود، وعلى آله وصحبه ذوي التقا والكرم والجود، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين، صلاة تحل بها العقد، وتفك بها الكرب، وتبلغ بها العبد غاية ما طلب، من رضاك الأدوم نهاية الأرب، صلاة أرقى بها مراقي الإخلاص، وأنال بها غاية الاختصاص، صلاتك التي صليت عليه دائمة بدوامك، باقية ببقائك، عدد ما أحاط به علمك، وجرى به قلمك، أنت الإله الأعز الأكرم. أما بعد: فإني لما فرغت من تسطير المجلد الخامس عشر تفرغت لتسويد المجلد السادس عشر بما عندي من نفائس العلوم الناقلة وعرائس الفيوض الهاطلة، مستمدًا من فيض الله الكريم، ومستمطرًا من سحائب جوده العميم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، فقلت وقولي هذا: 757 - (1) باب قيام الناس في عرقهم على قدر أعمالهم ودنو الشمس إليهم وخطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو قيامهم في عرقهم ودنو الشمس إليهم بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 7030 - (2834) (1) (حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيد الله

ابْنُ سَعِيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيى، (يَعْنُونَ ابْنَ سَعِيدٍ)، عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ (6)} [المطففين: 6] قَال: "يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشحِهِ إِلَى أنصَافِ أُذُنَيهِ"، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ المُثَنَّى قَال: "يَقُومُ النَّاسُ" لَمْ يَذكُرْ يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالوا حدثنا يحيى يعنون ابن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان، ثقة، من (9) (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا المسند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم) في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالمِينَ (6)} [المطففين: 6] (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقوم أحدهم) أي أحد من أهل الموقف (في رشحه) أي في عرقه، والرشح بفتح الراء وسكون الشين العرق، واصلًا (إلى أنصاف أذنيه) عدل إلى جمع النصف دون تثنيه بقوله إلى نصفي أذنيه نظرًا إلى أفراد الناس أو فرارًا من ثقل إضافة تثنية إلى تثنية (وني رواية ابن المثنى) لفظة (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (يقوم الناس) بدل يقوم أحدهم (لم يذكر) ابن المثنى في روايته لفظة (يوم) يقوم الناس لرب العالمين، وفي رواية موسى بن عقبة وصالح الآتية (حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه) وهذا في موقف الحشر، وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة في مصنفه، واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال: تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم ترتفع حتى يغرغر الرجل، وزاد ابن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومئذ مؤمنًا ولا مؤمنة، وسمي العرق رشحًا لأنه يخرج من بدنه شيئًا فشيئًا كما يترشح الإناء المتحلل الأجزاء، قال الطبري: العرق هو للزحام ولدنو الشمس حتى يغلي منها الرأس وحرارة الأنفاس وحرارة النار التي تحدق بالمحشر فترشح رطوبة بدن كل أحد، فإن قيل يلزم أن يسبح الجميع فيه سبحًا واحدًا ولا يتفاضلون في القدر، قيل يزول هذا الاستبعاد بأن يخلق الله تعالى في الأرض التي تحت كل واحد ارتفاعًا بقدر عمله فيرتفع العرق بقدر ذلك، وفيه جواب ثان وهو أن يحشر الناس جماعات متفرقة فيحشر من بلغ كعبيه في جهة ومن بلغ حقويه في جهة وهكذا اهـ سنوسي.

7031 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسحَاقَ المُسَيَّبِيُّ. حَدَّثَنَا أَنسٌ، (يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ). ح وَحَدَّثَنِي سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ. كِلاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. ح وَحَدَّثَنِي عَبدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ بْنِ يَحْيَى. حَدَّثَنَا مَعْنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة ويل للمطففين باب يوم يقوم الناس لرب العالمين [4938] وفي الرقاق باب قوله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)} [6531]، والترمذي في تفسير سورة ويل للمطففين [3336]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر البعث [4332]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 7031 - (00) (00) (حدثنا محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن بن المسيب المخزومي (المسيبي) نسبة إلى الجد المذكور أبو عبد الله المدني نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أنس يعني ابن عياض) بن ضمرة بفتح فسكون بن عبد الرحمن الليثي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني صنعاء الشام أو صنعاء اليمن ثم العسقلاني، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب كلاهما) أي كل من أنس وحفص بن ميسرة رويا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبر شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (وعيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا، كلاهما (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبي عون البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى) بن خالد بن برمك البرمكي البصري ثم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معن) بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب

حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. كُل هَؤُلاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَصَالِحٍ: "حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيهِ". 7032 - (2835) (2) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيثِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (ح وحدثني أبو نصر التمار) القشيري عبد الملك بن عبد العزيز النسائي من أهل نسأ سكن بغداد، ثقة، من (9) روى عنه في (2) بابين (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني البصري، ثقة، من (5) (ح وحدثنا) الحسن بن علي (الحلواني) الخلال الهذلي المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) (كل هولاء) الخمسة المذكورين من موسى بن عقبة وابن عون ومالك وأيوب وصالح رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لعبيد الله بن عمر، وساقوا (بمعنى حديث عبيد الله عن نافع غير أن) أي لكن أن (في حديث موسى بن عقبة وصالح) بن كيسان لفظة (حتى يغيب أحدهم) ويستتر (في رشحه) وعرقه (إلى أنصاف أذنيه) أي إلى نصفي أذنيه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7032 - (2835) (2) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي المدني (عن ثور) بن زيد الديلي المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي الغيث) سالم المدني مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي

عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْعَرَقَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيَذهَبُ فِي الأَرْضِ سَبعِينَ بَاعًا. وَإِنهُ لَيَبلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ أَو إِلَى آذَانِهِمْ" يَشُكُّ ثَوْرٍ أَيَّهُمَا قَال. 7033 - (2836) (3) حدَّثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ العدوي، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن العرق) وهو رشحات البدن (يوم القيامة ليذهب في) عمق (الأرض سبعين باعًا) وهو ما بين أطراف أصابع اليدين إذا مدت اليدان من الجانبين وهو قدر أربعة أذرع (وإنه) أي وإن العرق (ليبلغ) ارتفاعًا (إلى أفواه الناس أو) قال لي أبو الغيث ليبلغ (إلى آذانهم يشك ثور أيهما) أي أي اللفظين (قال) أبو الغيث أي شك هل قال أبو الغيث لفظة إلى أفواه الناس أو لفظة إلى آذانهم، وفي رواية البخاري يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم، وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن الذي يلجمه العرق الكافر، أخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عنه قال: يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون، قال على الكراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام، وبسند قوي عن أبي موسى قال: الشمس فوق رؤوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب قول الله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [6532]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنهم فقال: 7033 - (2836) (3) (حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (أبو صالح) القنطري نسبة إلى القنطرة موضع ببغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد الرحمن) بن يزيد (بن جابر) الأزدي

حَدَّثَنِي سُلَيمُ بْنُ عَامِرٍ. حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: طتُدْنَى الشَّمْسُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنَ الْخَلْقِ، حَتى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ". قَال سُلَيمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَينُ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الشامي الدمشقي الداراني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثني سليم بن عامر) الكلاعي الخبائري نسبة إلى الخبائر بطن من الكلاع أبو يحيى الحمصي، روى عن المقداد بن الأسود في صفة الحشر، وعوف بن مالك وأبي الدرداء وطائفة، ويروي عنه (م عم) وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ومعاوية بن صالح وثور بن يزيد وصفوان بن عمر، وثقه النسائي، وقال العجلي: شامي تابعي، ثقة، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة مشهور، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وغلط من قال أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة ثلاثين ومائة (130) (حدثني المقداد بن الأسود) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود البهراني الكندي حلفًا، وكان في حجر الأسود بن يغوث الزهري، فنسب إليه الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه (ع) ويروي عنه في (4) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) المقداد (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تدنى) بالبناء للمجهول أي تقرب (الشمس يوم القيامة من الخلق) فوق رؤوسهم (حتى تكون منهم كمقدار) أي مثل قدر (ميل) ارتفاعًا منه، قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (قال) لنا (سليم بن عامر) الكلاعي الحمصي (فوالله ما أدري) ولا أعلم (ما يعني) ويقصد المقداد (بالميل) أي ما أدري (أ) قصد المقداد بالميل المذكور في الحديث (مسافة الأرض) التي هي أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير (أم) قصد به (الميل) أي العود (الذي تكتحل به العين) أي العود الصغير الذي يؤخذ به الكحل من المكحلة، ثم يمسح به على أجفان العين لأن لفظ الميل اسم مشترك بين المسافة المعروفة وبين ميل المكحلة الذي يكتحل به ولكون الميل لفظًا مشتركًا بين المعنيين أشكل على سليم بن عامر، والأولى به ها هنا معنى مسافة الأرض لأنها إذا كان بينها وبين الرؤوس مقدار المرود فهي متصلة بالرأس لقلة مقدار المرود اهـ أبي. فـ (قال) النبي صلى

"فَيَكُونُ الناسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعبَيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكبَتَيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيهِ. وَمِنهُم مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا". قَال: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم معطوف بعاطف مقدر على تدني (فيكون الناس على قدر أعمالهم) الصالحة كثرة وقلة (في) شأن (العرق) خفة وشدة (فمنهم من يكون) عرقه واصلا (إلى كعبيه) في الارتفاع من الأرض (ومنهم من يكون) عرقه واصلًا (إلى ركبتيه ومنهم من يكون) عرقه واصلًا (إلى حقويه) العظمان اللذان يعقد عليهما الإزار في وسط البدن من الجانبين كما مر (ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا) أي يدخل فمه كلجام الفرس (قال) المقداد (وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده) الشريفة (إلى فيه) أي إلى فمه الشريف عندما ذكر إلجام العرق إيضاحا لمعنى الحديث بالإشارة. قوله (فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق) وتفصيله فيما أخرجه الحاكم من حديث عقبة بن عامر رفعه "تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ نصف ساقه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ منكبه، ومنهم من يبلغ فاه -وأشار بيده فألجمها فاه- ومنهم من يغطيه -وضرب بيده على رأسه-". وهذا ظاهر في أن العرق يحصل لكل شخص من نفسه، وقال عياض: ويحتمل أن يريد عرقه وعرق غيره فيشدد على بعض، ويخفف على بعض، وهذا كله بتزاحم الناس، وانضمام بعضهم إلى بعض حتى صار العرق يجري سائحا في وجه الأرض كالماء في الوادي بعد أن شربت منه الأرض وغاص فيها سبعين ذراعًا. واستشكل هذا الحديث بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة كانت تغطية الماء لهم على حد سواء لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر تفاوتوا، ولكن الظاهر أن تفاوت الناس في القامة ليس بمثابة أن يبلغ العرق أرجل بعض ورؤوس الآخرين. والجواب أن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة ولا تقاس أحوال الآخرة بمقياس الدنيا، ثم اختلف أقوال العلماء هل يعم هذا العرق المؤمن والكافر أو يخص الكافر فقط، وقد مر من الأحاديث ما يؤيد الثاني وأن المؤمن يكون محفوظًا من حر الشمس لكن قال القرطبي: المراد من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون كامل الإيمان لما يدل عليه حديث المقداد وغيره أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب الأعمال، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الأكثر، ويستثنى الأنبياء والشهداء، ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار، ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم، والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار اهـ فتح الباري [11/ 394]. قال القرطبي: قوله حقويه بفتح الحاء وكسرها مع سكون القاف فيهما تثنية حقو كذلك وهما الخصران اللينان، وقيل هما طرفا الوركين، والأول هو المعروف والعرق هو إنما هو لشدة الضغط وحر الشمس التي على الرؤوس بحيث تغلي منها الهام جمع هامة وهي أم الرأس عظم الدماغ وحرارة الأنفاس وحرارة النار المحدقة بأرض المحشر ولأنها تخرج منها أعناق تلتقط الناس من الموقف نعوذ بالله منها ومن جميع أهوال يوم القيامة آمين. فترشح رطوبة الأبدان من كل إنسان بحسب عمله ثم يجمع عليه ما يرشح منه بعد أن يغوص عرقهم في الأرض مقدار لسبعين باعا أو ذراعا أو عاما على اختلاف الروايات، فإن قيل فعلى هذا يكون الناس في مثل البحر من العرق فيلزم أن يسبح الكل فيها سبحًا واحدًا فكيف يكونون متفاضلين بعضهم إلى عقبيه، وبعضهم إلى فمه وما بينهما. قلنا يزول هذا الاستبعاد بأوجه أقربها وجهان، أحدهما: أن يخلق الله تعالى ارتفاعًا في الأرض التي تحت قدم كل إنسان بحسب عمله فيرتفع عن الأرض بحسب ارتفاع ما تحته. وثانيهما: أن يحشر الناس جماعات في تفرقة فيحشر كل من يبلغ عرقه إلى كعبيه في جهة، وكل من يبلغ حقويه في جهة، وهكذا والقدرة صالحة لأن تمسك عرق كل إنسان عليه بحسب عمله فلا يتصل بغيره وإن وإن بإزاثه كما قد أمسك جرية البحر لموسى - عليه السلام - حيث طلب لقاء الخضر ولبني إسرائيل حين أتبعهم فرعون والله تعالى أعلم بالواقع من هذه الأوجه. والحاصل أن هذا المقام مقام هائل لا تفي بسهولة عبارات، ولا تحيط به الأوهام ولا الإشارات، وأبلغ ما نطق به الناطقون في ذلك {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في صفة القيامة باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص [2421].

7034 - (2837) (4) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ بْنِ عُثْمَانَ (وَاللَّفْظُ لأَبِي غَسَّانَ وَابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال، ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي، يَوْمِي هَذَا. كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا، حَلالٌ. وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو خطبته صلى الله عليه وسلم وتعليمه الناس بحديث عياض بن حمار رضي الله عنه فقال: 7034 - (2837) (4) (حدثني أبو غسان المسمعي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار بن عثمان) العبدي البصري (واللفظ لأبي غسان وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري (حدثني أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير) العامري الحرشي البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن عياض) بكسر أوله وتخفيف التحتانية آخره معجمة (ابن حمار) بكسر المهملة وتخفيف الميم، ويقال عياض بن حماد بن سفيان بن مجاشع التميمي (المجاشعي) البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه له ثلاثون حديثًا، انفرد له مسلم بحديث واحد، ويروي عنه (م عم) ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وعاش إلى حدود الخمسين، وكان صديقًا له صلى الله عليه وسلم قديمًا. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم) أي يومًا من الأيام، فلفظ ذات مقحم (في خطبته) أي في عظته للناس (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني) الله (يومي هذا) ظرف لأعلمكم أي أمرني أن أعلمكم في يومي هذا أي الحاضر. وقوله (كل مال نحلته) أي أعطيته (عبدًا) من عبادي فهو له (حلال) مقول لمحذوف تقديره أي قال الله تعالى فيما أمرني بتعليمه إياكم كل مال أعطيته عبدًا من عبادي فهو له حلال، والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك وأنها لا تصير حرامًا بتحريمكم، وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق الله أو حق آدمي (وإني خلقت عبادي حنفاء) أي مسلمين (كلهم) أي مستعدين لقبول الحق، وقيل طاهرين من المعاصي والشرك، وقيل مستقيمين،

وَإِنَّهُمْ أتتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ. وَحَرَّمَتْ عَلَيهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ. وَأَمَرَتْهُمْ أَنَّ يُشرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنزِل بِهِ سُلْطَانًا. وَإنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل منيبين لقبول الهداية، وقيل المراد حين أخذ عليهم العهد في الذر، وقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى اهـ نووي (وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم) أي أضلتهم وصرفتهم وخطفتهم (عن دينهم) الحق، قال النووي: هكذا هو في نسخ بلادنا (فاجتالتهم) وكذا نقله القاضي في رواية الأكثرين أي استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطل، وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به واجتال أموالهم ساقها وذهب بها (وحرمت عليهم) تلك الشياطين (ما أحللت) أنا (لهم) من البحيرة والسائبة وغيرهما (وأمرتهم) تلك الشياطين (أن يشركوا بي) في العبادة معي (ما) أي معبودا (لم أنزل) أنا (به) أي بعبادته (سلطانًا) أي حجة وبرهانًا، وهذا قيد لا مفهوم له كما هو مقرر في محله، سمي البرهان سلطانًا لتسلطه على القلوب بالقهر والغلبة، والمعنى ما ليس على إشراكه دليل عقلي ولا نقلي، وما اسم موصول في محل النصب مفعول به ليشركوا، وقوله (وإن الله نظر إلى أهل الأرض) معطوف على قوله ألا إن ربي أمرني، والمعنى ألا وإن الله نظر وأبصر إلى أهل الأرض نظرًا يليق به ليس كمثله شيء (فمقتهم) أي بغضهم وسخط عليهم، والمقت أشد البغض والمراد بهذا المقت والنظر ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم (عربهم وعجمهم) والمراد بالعجم هنا من لا يتكلم بكلام العرب، والمعنى أن الله تعالى أبغضهم لسوء صنيعهم وخبث عقيدتهم واتفاقهم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على الشرك سواء كان بعبادة الأصنام كما وقع لمعظم جاهلية العرب أو بعبادة عيسى - عليه السلام - كما وقع للنصارى أو بعبادة عزير - عليه السلام - كما وقع لليهود (إلا بقايا) جمع بقية وهم الذين بقوا على دين نبيهم بلا تحريف ولا تبديل أي ألا بقية (من أهل الكتاب) أي اليهود والنصارى بقوا على دين نبيهم، والظاهر أن المراد بهم هنا أتباع عيسى - عليه السلام - الذين بقوا على دينه وشريعته بدون أن يرتكبوا فيه تحريفًا إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ولا اعتبار ببقايا اليهود لأن دين موسى رفع بدين عيسى عليهما السلام ولا ينفعهم البقاء عليه، قال القرطبي: (قوله إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم) إلخ، وذلك أن كلًّا

وَقَال: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ. وَأنزَلتُ عَلَيكَ كِتَابًا لَا يَغسِلُهُ الْمَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الفريقين كان يعبد غير الله أو يشرك معه غيره فكان الكل ضلالًا عن الحق خارجين عن مقتضى العقول والشرائع فأبغضهم الله لذلك أشد البغض لكن لم يعاجلهم بالانتقام منهم حتى أعذر إليهم بأن أرسل إليهم رسولًا وأنزل عليهم كتابًا قطعًا لمعاذيرهم وإظهارًا للحجة عليهم، وإنما استثنى البقايا من أهل الكتاب لأنهم كانوا متمسكين بالحق الذي جاءهم به نبيهم، ويعني بذلك والله أعلم من كان في ذلك الزمان متمسكًا بدين المسيح لأن من كفر من اليهود بالمسيح لم يبق على دين موسى ولا متمسكًا بما في التوراة ولا دخل في دين عيسى فلم يبق أحد من اليهود متمسكًا بدين حق ألا من آمن بالمسيح واتبع الحق الذي كان عليه، وأما من لم يؤمن به فلا تنفعه يهوديته ولا تمسكه بها لأنه قد ترك أصلًا عظيمًا مما فيها وهو العهد الذي أخذ عليهم في الإيمان بعيسى - عليه السلام - وكذلك نقول كل نصراني بلغه أمر نبينا وشرعنا فلم يؤمن به لم تنفعه نصرانيته لأنه قد ترك ما أخذ عليه من العهد في شرعه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار "رواه مسلم في كتاب الإيمان [153] اهـ من المفهم. (وقال) الله لي عزَّ وجلَّ (إنما بعثتك) إليهم (لأبتليك) أي لأمتحنك بتبليغ الرسالة والصبر على معاناة أهل الجاهلية وإيذاء الكفرة والمشركين لك (و) لـ (أبتلي) أي أمتحن (بك) غيرك هل يصدقونك أو يكذبونك أي فمن آمن بك واتبعك أثبته، ومن كذبك وخالفك انتقمت منه وعاقبته (وأنزلت عليه كتابًا لا يغسله الماء) وهو القرآن، يعني أنه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على ممر الزمان، والمعنى أي كتابًا يسرت تلاوته وحفظه فخف على الألسنة ووعته القلوب فلو غسلت المصاحف لما انغسل من الصدور ولما ذهب من الوجود ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 32] وفي الإسرائيليات أن موسى - عليه السلام - قال: يا رب إني أجد أمة تكون أناجيلها في صدورها فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة محمد "قال الطيبي: والمراد من هذا الكلام أن القرآن الكريم لا يبقى محفوظًا في الصحف والزبر فقط، بل يبقى محفوظًا في صدور المؤمنين فمن أراد محوه من الصحف والزبر والعياذ بالله لم تنعدم نسخه لبقائه في صدور الحفاظ وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وقيل معناه أنه يبقى كتابًا مستمرًا متداولًا

تَقْرَؤُهُ نَائِمًا ويقْظَانَ. وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيشًا. فَقُلْتُ: رَبِّ، إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ بين الناس لا ينسخ ولا ينسى بالكلية وعبر عن إبطال حكمه وترك قراءته والإعراض عنه بغسل أوراقه بالماء على سبيل الاستعارة أو كتابًا واضحا آياته بينا معجزاته لا يبطله جور جائر، ولا يدحضه شبهة مناظر، فمثل الإبطال معنى بالإبطال صورة، وقيل كنى به عن غزارة معناه وكثرة جدواه من قولهم مال فلان لا يفنيه الماء والنار اهـ منه. (تقرأه نائمًا ويقظان) قال الطيبي: أي يصير لك ملكة بحيث يحضر في ذهنك وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال فلا تغفل عنه نائمًا ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به هو يفعله نائمًا، وقال الشيخ علي القاري: أقول لا احتياج إلى التأويل بالنسبة إلى قلبه الشريف لأنه صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد شوهد كثير من الناس صغيرًا وكبيرًا أنهم يقرؤون وهم نائمون اهـ. قال القرطبي: وقد شاهدنا المديمين على تكرار القرآن يقرؤون منه الكثير وهم نيام، وذلك قبل استحكام غلبة النوم عليهم (و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (أن الله أمرني أن أحرق قريشًا) أي أمرني أن أهلكهم أي الكفار منهم، وفي رواية الطبراني في المعجم الكبير [17/ 359] "وإن الله أمرني أن أغزو قريشًا" ومن طريق معمر عنده أيضًا "إن الله أوحى إلي أن أغزو قريشًا" (فقلت) يا (رب إذا) بالتنوين حرف جواب وجزاء لمحذوف ينصب المضارع بعده أي إن حرقتهم إذًا (يثلنوا) بفتح اللام أي يشدخوا (رأسي) ويشجوه كما يشدخ الخبز ويكسر (فيدعوه) أي فيتركوا رأسي (خبزة) مشدوخة أي مثل خبزة، ومعنى هذا أنه شبه الرأس إذا شدخ بالخبزة إذا شدخت لتثرد. قال القرطبي: قوله: (إن الله أمرني أن أحرق قريشًا) أي أن أغيظهم بما أسمعهم من الحق الذي يخالف أهواءهم وأولم قلوبهم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلام آبائهم وقتالهم ومغالبتهم حتى كأني أحرق قلوبهم بالنار ولا يصح أن يحمل ذلك على حقيقته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح عنه أنه حرق أحدًا من قريش بالنار، بل قد نهى عن التعذيب بالنار، وقال: "لا يعذب بالنار إلا الله" رواه البخاري وأبو داود والترمذي. قال القرطبي: وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم من نحو ما قاله موسى - عليه السلام - حين أمر بتبليغ الرسالة إلى فرعون فـ {قَال رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ

قَال: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخرَجُوكَ. وَاغزُهُمْ نُغْزِكَ. وَأَنْفِقْ فَسَنُتفِقَ عَلَيكَ. وَابْعَثْ جَيشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)} [الشعراء: 12 - 14] فهذا صريح في أنهما خافا غير الله وحينئذ يعارضه قوله تعالى في صفة الرسل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلا اللَّهَ} وهذا نص في أن الرسل لا تخشى أحدًا ألا الله وهذا هو المناسب لمعرفتهم بالله وأنه ليس في الوجود فاعل ولا خالق ألا هو وخصوصا لأولي العزم من الرسل وخصوصًا لمحمد وموسى صلى الله وسلم عليهما ويرتفع التعارض من وجهين: أحدهما أن ذلك الخوف كان منهما في بدايتهم قبل تمكنهم وإعلامهم بحميد عواقب أحوالهم وقبل تأمينهم فلما مكنوا وأمنوا لم يخشوا ألا الله ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره يحرس وهو في منزله فلما أنزل الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أخرج رأسه إليهم فقال: اذهبوا فقد عصمني ربي" رواه الترمذي [3046]. وثانيهما على تسليم: أن يكون ذلك منهم غير بدايتهم لكن ذلك الخوف هو الذي لا ينفك البشر عن فجأته ووقوع بادرته حتى إذا راجع الإنسان عقله وتدبر أمره اضمحل ذلك الخوف أي اضمحلال وحمل لي من معرفة الله وخشيته ما يستحقر معه رسوخ الجبال والله تعالى أعلم. (قال) الله لي (استخرجهم) أي أخرج قريشًا من مكة (كما استخرجوك) أي كما أخرجوك منها فالسين والتاء زائدتان كما يقال استجاب بمعنى أجاب وقد رواه العذري: "كما أخرجوك" وهذا يدل على أن هذا القول صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد الهجرة فإن أهل مكة هم الذين أخرجوه من مكة حتى هاجر إلى المدينة اهـ مفهم. وفي هذا إشارة إلى ما وقع من الإعلان يوم البراءة أن كفار جزيرة العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف (واغزهم) أمر من غزا الثلاثي أي اعزم على غزوهم واشرع فيه (نغزك) بضم النون وسكون الجن وكسر الزاي مضارع من أغزى الرباعي مجزوم بالطلب السابق يقال أغزيته إذا جهزته للغزو وهيأت له أسبابه أي واشرع فيه نعنك على غزوهم وننصرك عليهم (وأنفق) أي واصرف ما عندك من المال في سبيل الله والجهاد (فسننفق عليك) أي نخلف لك بدله في الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} (وابعث جيشًا) لجهادهم (نبعث خمسة مثله) يعني نبعث

وَقَاتِل بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ. قَال: وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ. وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى، وَمُسْلِمٍ. وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ. قَال: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ لنصرك خمسة أمثال جيشك من الملائكة كما فعل ببدر ويدل هذا على أن هذا القول وقع قبل غزوة بدر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم بدر في ثلاثمائة من أصحابه ونيف وقيل ثلاثة عشر، وقيل سبعة عشر فأمده الله تعالى بخمسة آلاف من الملائكة كما نطق به القرآن الكريم (وقاتل بمن أطاعك) أي آمن بك واتبعك (من عصاك) أي من كفر بك وخالفك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأهل الجنة) أي المتأهلون لدخولها الصالحون له (ثلاثة) أنفار أحدها رجل (ذو سلطان) أي صاحب سلطنة وولاية (مقسط) أي عادل في رعيته أي يقيم فيها العدل والحق، قال الأبي: ويدخل فيه الرجل في أهله لحديث "كل راع مسؤول عن رعيته" وحديث "لا يؤمن من الرجال في سلطانه" وقوله مقسط وما بعده مرفوع على أنها صفات لذو وهي بمعنى صاحب (متصدق) أي معط للصدقات (موفق) بصيغة اسم المفعول أي مسدد لفعل الخيرات (و) ثانيها (رجل رحيم) أي كثير الرحمة والإحسان (رقيق القلب) أي لينه عند التذكر والموعظة ويصح أن يكون بمعنى الشفيق (لكل ذي قربى) أي لكل صاحب قرابة (و) لكل (مسلم) ومسلمة وهو بالجر لكونه معطوفًا على ذي قربى، والمعنى رحيم لكل ذي قربى ولكل مسلم (و) ثالثها رجل (عفيف) أي متصف بالعفة طبيعة (متعفف) أي متكلف بالعفة مكتسب لها، والعفيف من كانت العفة سجية وطبيعة له، والمتعفف من يكلف نفسه بالعفة ويكتسبها بعد أن لم تكن، والعفة التوقي عن الحرام، والمعنى عفيف عن الحرام في نفسه طبيعة متعفف (ذو عيال) أي متعفف عن كسب الحرام وإن كان ذا عيال، وفي رواية للطبراني "ورجل غني عفيف متصدق" و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (وأهل النار خمسة) أنواع أحدها (الضعيف الذي لا زبر) ولا عقل (له) يزبره ويمنعه مما لا ينبغي شرعًا وعقلًا من المحرمات وخارم المروءات، وقيل هو الذي لا مال له، وقيل هو الذي ليس عنده ما يعتمده ويتوكل عليها (والزبر) بفتح الزاي وسكون الباء ما يزبر الإنسان أي يمنعه عما لا ينبغي ويطلق عمومًا على العقل لأنه يكف الإنسان عما لا ينبغي، فالمعنى الضعيف الذي لا عقل له يمنعه من المحرمات، وقيل المراد من لا مال عنده، ورده القرطبي: وقال لا

الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يتْبَعُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء، وقال الطيبي في شرح المشكاة [9/ 174] المعنى لا تماسك له عند مجيء الشهوات فلا يرتدع عن فاحشة ولا يتورع عن حرام، قال القرطبي: وسمي العقل زبرًا لأن الزبر في أصله هو المنع والزجر يقال زبره يزبره من باب نصر زبرًا وزبرًا إذا انتهره ومنعه ولما كان العقل هو المانع لمن اتصف به من المفاسد والزاجر عنها سمي بذلك وأفرد الموصول في قوله الذي لا زبر له نظرًا للفظ الضعيف وجمعه في قوله (الدين هم فيكم تبعًا) مع كونه صفة ثانية للضعيف نظرًا إلى معناه لأن المراد به الجنس الصادق بالقليل والكثير لأن المعنى أحدها هم الضعفاء الذين لا زبر ولا عقل لهم الذين هم كانوا فيكم تبعًا لا قادة ولا رؤساء (لا يتبعون) ولا يطلبون ولا يريدون (أهلًا) يتعففون بهم عن الفاحشة (ولا مالًا) يتكففون به عن مسألة الناس، قال القرطبي: وهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لقوله أولًا الضعيف الذي لا زبر له يعني بذلك أن هؤلاء القوم ضعفاء العقول فلا يسعون في تحصيل مصلحة دنيوية ولا فضيلة نفسية ولا دينية بل يهملون أنفسهم إهمال الأنعام ولا يبالون بما يثبون عليه من الحلال والحرام اهـ من المفهم. قوله (الذي هم فيكم تبعًا) كذا وقع منصوبًا في نسخ صحيح مسلم، وفي رواية الطبراني (هم فيكم تبع) بالرفع وهو أوفق بالقياس، وأما كونه منصوبًا فيمكن تأويله على أنه حال من فعل محذوف كأنه قال: هم يعيشون فيكم تبعًا، وفي رواية أحمد "هم فيكم تبعًا أو تبعاء" شك يحيى، وعلى تقدير الأخير هم جمع تابع كفاضل وفضلاء والله أعلم. وقوله (لا يتبعون أهلًا ولا مالًا) روي لا يتبعون بتشديد التاء وتخفيفها كليهما فعلى الأول فهو مضارع اتبع الخماسي، وعلى الثاني فمضارع تبع الثلاثي، ووقع في بعض النسخ (لا يبتغون) أي لا يطلبون، وهذه الجملة تفسير (للضعيف الذي لا زبر له) كما مر آنفًا، ومعناه أنهم لا يسعون في تحصيل منفعة دينية أو دنيوية بل يهملون أنفسهم إهمال الأنعام فلا يطلبون أهلًا ولا مالًا بطريقة معروفة بل هم تبع لقادتهم يسيرون معهم حيث ساروا وإنما استحقوا النار لأنهم لم يستعملوا ما وهبهم الله تعالى من العقل والفكر لتمييز الكفر من الإيمان فوقعوا في الكفر تبعًا لقادتهم، وقال علي القاري في المرقاة [9/ 22] (لا يبغون أهلًا) أي لا يطلبون زوجة ولا سرية فأعرضوا عن الحلال وارتكبوا الحرام (ولا مالًا) أي ولا يطلبون مالًا حلالًا من طريق الكد والكسب الطيب فقيل هم

وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ. وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ". وَذَكَرَ الْبُخلَ أَو الْكَذِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخدم الذين يكتفون بالشبهات والمحرمات التي سهل عليهم أخذها عما أبيح لهم وليس لهم داعية إلى ما وراء ذلك من أهل ومال، وقيل هم الذين يدورون حول الأمراء ويخدمونهم ولا يبالون من أي وجه يأكلون ويلبسون أمن الحلال أم من الحرام ليس لهم ميل إلى أهل ولا إلى مال بل قصروا أنفسهم على المأكل والمشرب اهـ. (و) ثانيها (الخائن) فيما أؤتمن عليه كالوديعة (الذي لا يخفى) أي لا يظهر (له طمع) فيما أؤتمن عليه. وقوله (وإن دق) وقل ذلك الذي طمع فيه (إلا خانه) وكلمة ألا مقحمة أو بمعنى ثم أو بمعنى الفاء وإن غائية مؤخرة، والمعنى والخائن الذي لا يظهر له طمع في الوديعة مثلًا عند الإيداع ثم خان الذي ائتمنه في أمانته فأخذ منها شيئًا لينتفع به وإن دق وقل ذلك الذي أخذه فهو من أهل النار لخيانته، قال القرطبي: والخائن هو الذي يأخذ مما أؤتمن عليه بغير إذن مالكه ويخفى هنا بمعنى يظهر فهو من الأضداد يقال خفيت الشيء أي أظهرته وسترته اهـ. وهذا هو القسم الثاني من أهل النار والطمع هنا مصدر بمعنى المفعول أي لا يخفى عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه وإن دق بحيث لا يكاد أن يدرك ألا وهو يسعى في التفحص عنه والتطلع إليه حتى يجده فيخونه وهذا هو الإغراق في الوصف بالطمع والخيانة، وذكر أهل اللغة أن كلمة خفي من الأضداد فتأتي بمعنى ظهر كما تأتي بمعنى استتر وجاءت هنا بمعنى لا يظهر أي لا يظهر له طمع وإن دق إلا سعى في تحصيله وإن كان بطريق الخيانة والله أعلم اهـ من التكملة. وما قلنا أولًا هو أوضح من جهة العربية. (و) ثالثها (رجل لا يصبح) أي لا يدخل في الصباح (ولا يمسي) أي لا يدخل في المساء (إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك) فهو من إطلاق الطرفين وإرادة الكل، والمعنى ورجل لا يمر عليه زمن من الأزمان ليلًا ونهارًا إلا والحال أنه يريد خداعك في أهلك وزوجتك بفعل الفاحشة بها وفي مالك يأخذه ظلمًا سرقة أو غضبًا أو نهبًا فعن بمعنى في. ورابعها ما أشار إليه الراوي بقوله (وذكر) النبي صلى الله عليه وسلم (البخل) أي صاحب البخل عن الواجبات في أهل النار (أو) ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (الكذب)

"وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ"، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو غَسَّانَ فِي حَدِيثِهِ: "وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أي صاحب الكذب في أهل النار، وقال التوربشتي: أي البخيل والكذاب أقام المصدر مقام اسم الفاعل، وقال الطيبي: ولعل الراوي نسي ألفاظًا ذكرها صلى الله عليه وسلم في شأن البخيل أو الكذاب فعبر بهذه الصيغة، ووقع في أكثر النسخ البخل أو الكذب بالترديد، وفي بعض النسخ البخل والكذب بالواو وحينئذ تتم الأقسام الخمسة بالكذب ويكون الشنظير تفسيرًا للقسم الثالث الذي هو "رجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهله ومالك، ونقول على الرواية المشهورة ورابعها (البخل) أي البخيل عن أداء الواجبات فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم ورابعها الكذاب بالشك من الراوي في أي الكلمتين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (و) خامسها (الشنظير) وفسره بقوله وهو (الفحَّاش) أي السيء الخلق، وقال الطيبي: الشنظير السيء الخلق والفحاش نعت للشنظير وليس بتفسير له أي يكون مع سوء خلقه فحاشًا اهـ، وقال النووي: إنه تفسير للشنظير كما ذكرناه أولًا (ولم يذكر أبو غسان في حديثه) لفظة (وأنفق فسننفق عليك) وعبارة القرطبي هنا قوله (وذكر البخل والكذب) هكذا الرواية المشهورة فيه بالواو الجامعة، وقد رواه ابن أبي جعفر عن الطبري بأو التي للشك، قال القاضي: ولعلها الصواب، وبه تصح القسمة لأنه ذكر أن أصحاب النار خمسة الضعيف الذي وصف والخائن الذي وصف، والرجل المخادع الذي وصف، قال: وذكر البخل والكذب ثم ذكر الشنظير الفحاش فرأى هذا القائل أن الرابع هو صاحب أحد الوصفين، وقد يحتمل أن يكون الرابع من جمعهما على رواية واو العطف كما جمعهما في الشنظير الفحاش وكذلك قوله "أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسكين، وعفيف متعفف ذو عيال" كذا قيدناه بخفض مسلم عطفًا على ما قبله، وفي رواية أخرى ومسلم عفيف بالرفع وحذف الواو [قلت] العفيف هو الكثير العفة وهي الانكفاف عن الفواحش وعما لا يليق، والمتعفف المتكلف للعفة، والشنظير السيء الخلق، وفي الصحاح رجل شنظير وشنظيرة أي سيء الخلق قالت امرأة من العرب: شنظيرة زوجنيه أهلي ... من حمقه يحسب رأسي رجلي كأنه لم ير أنثى قبلي وربما قالوا: شنذيرة بالذال المعجمة لقربها من الظاء لغة أو لثغة، والفحاش الكثير

7035 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذكُرْ فِي حَدِيثِهِ "كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبدًا، حَلالٌ". 7036 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِّيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ الفحش، وقيل الشنظير هو الفحاش، قال صاحب العين: يقال شنظر بالقوم شتم أعراضهم، والشنظير الفحاش من الرجال الغلق وكذلك من الإبل اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الزهد مختصرًا باب في البراءة عن الكبر والتواضع [4232] وأحمد [4/ 162]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فقال: 7035 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى العنزي حدثنا محمد) بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة البصري (عن قتادة) بن دعامة، غرضه بيان متابعة سعيد لهشام الدستوائي، وساق سعيد (بهذا الإسناد) يعني عن مطرف عن عياض مثله (و) لكن (لم يذكر) سعيد (في حديثه) لفظة (كل مال نحلته عبدًا) فهو له (حلال). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عياض رضي الله عنه فقال: 7036 - (00) (00) (حدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) أبو محمد النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي القطان البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر الربعي أبي بكر البصري (صاحب الدستوائي) بفتح الدال والمثناة بينهم مهملة ساكنة وبالمد نسبة إلى دستواء من كور الأهواز، وكان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا قتادة عن مطرف) بن عبد الله (عن عياض بن حمار) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَال فِي آخِرِهِ: قَال يَحْيَى: قَال شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَال: سَمِعْتُ مُطَرِّفًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. 7037 - (00) (00) وحدّثني أَبُو عَمَّارٍ، حُسَينُ بْنُ حُرَيثٍ. حَدَّثَنَا الفَضلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الحُسَينٍ، عَنْ مَطَرٍ. حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا. فَقَال: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثلِ حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ يحيى القطان لمعاذ بن هشام (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم وساق) يحيى القطان (الحديث) السابق مثله (و) لكن (قال) عبد الرحمن بن بشر (في آخره) أي في آخر الحديث (قال) لنا (يحيى) القطان (قال شعبة) أي حدثنا شعبة كما حدثنا هشام (عن قتادة قال) قتادة (سمعت مطرفًا) بن عبد الله (في هذا الحديث) أي سمعته يحدث بهذا الحديث، وفي روايته عن شعبة تصريح سماع قتادة عن مطرف فانزاح ما أوهمت العنعنة فيه من التدليس لأنه مدلس. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عياض رضي الله عنه فقال: 7037 - (00) (00) (وحدثني أبو عمار حسين بن حريث) بالتصغير فيهما بن الحسن بن ثابت الخزاعي مولاهم مولى عمران بن الحصين المروزي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الفضل بن موسى) الرازي السيناني بكسر السين نسبة إلى سينان قرية من خراسان، وقيل إحدى قرى مرو، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن الحسين) بن ذكوان المعلم المكتب العوذي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن مطر) بن طهمان الوراق أبي رجاء السلمي الخراساني ثم البصري، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثني قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار أخي بني مجاشع) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة مطر لهشام الدستوائي (قال) عياض (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيبًا فقال إن الله أمرني وساق) مطر (الحديث) السابق (بمثل حديث

هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَزَادَ فِيهِ: "وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ". وَقَال فِي حَدِيثِهِ: "وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْغُونَ أَهْلا وَلَا مَالًا". فَقُلْتُ: فَيَكُونُ ذلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَال: نَعَمْ، وَاللهِ، لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيةِ. وَإِن الرَّجُلَ لَيَرْعَى عَلَى الْحَيِّ، مَا بِهِ إِلَّا وَلِيدَتُهُمْ يَطَؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ هشام عن قتادة و) لكن (زاد فيه) مطر على هشام لفظة (وإن الله أوحى إلي) بـ (أن تواضعوا) وتخضعوا لله تعالى (حتى لا يفخر) ويتكبر (أحد) منكم (على أحد) آخر منكم (و) حتى (لا يبغي) من باب رمى ولا يتعدى (أحد على أحد) ولا يظلمه (وقال) مطر أيضًا (في حديثه) أي في روايته لفظة (وهم فيكم) بزيادة الواو (تبعًا لا يبنون أهلًا ولا مالًا) بالغين المعجمة أي لا يطلبونهما على طريق الحلال. قال قتادة (فقلت) لمطرف بن عبد الله: (أفيكون) ويوجد (ذلك) الضعفاء الذين لا يتبعون أهلًا ولا مالًا بل يكتفون بالفواحش والمحرمات (يا أبا عبد الله) كنية مطرف، والكلام على تقدير همزة الاستفهام الاستخباري (قال) مطرف (نعم) يوجد ذلك الضعفاء الذي لا زبر لهم ويكتفون بالمحرمات ولا يطلبون لأنفسهم حلالًا (والله لقد أدركتهم) ورأيتهم (في) أواخر زمن (الجاهلية) وآثارهم وأنا صغير (وإن الرجل) من أولئك الضعفاء (ليرعى) المواشي (على الحي) أي للحي والقبيلة (ما به) أي ما لذلك الرجل الراعي لهم شيء من الأجرة (إلا وليدتهم) أي إلا أمتهم، حالة كونه (يطرها) في مقابلة الرعي لهم بلا نكاح والله سبحانه وتعالى أعلم. قال المازري: أبو عبد الله هو مطرف، والقائل له ذلك قتادة وهو يدل على صحبة مطرف لإدراكه الجاهلية، ولم يذكره أبو عمر وحقه أن يذكره لمقتضى شرطه لأنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ابن قتيبة أن مطرفا ولد في حياته صلى الله عليه وسلم ومات عمر وهو ابن عشرين، وتوفي سنة سبع وثمانين اهـ من الأبي. قوله (وإن الرجل ليرعى على الحي) الظاهر أن معناه أن رجلًا في الجاهلية ربما كان يرعى غنم الحي بأجمعه ولا يأخذ على ذلك أجرًا معينًا ألا أنه كان يطأ وليدة لهم وهذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم: "وهم فيكم تبع لا يبتغون أهلًا ولا مالًا" فإن مثل ذلك الراعي كان خادمًا لأهل حيه تابعًا لهم لا يبتغي زوجة حلالًا ولا مالًا حلالًا وإنما يفعل ذلك لأجل جارية يطأها اهـ من التكملة.

758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت

758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت 7038 - (2838) (5) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِن أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ. يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبعَثَكَ اللهُ إِلَيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث المقداد بن الأسود ذكره للاستشهاد، والرابع حديث عياض بن حمار ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والله أعلم. 758 - (2) باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر، وسماع الميت قرع النعال، وفي إثبات الحساب، والأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو عرض مقعد المرء عليه عند الموت بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 7038 - (2838) (5) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم) أيها الناس (إذا مات عرض عليه مقعده) أي مقره ومنزله في الآخرة (بالغداة والعشي) أي في الصباح والمساء (إن كان من أهل الجنة فمن) مقاعد (أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن) مقاعد (أهل النار) ثم (يقال) له (هذا) القبر (مقعدك) ومقرك (حتى ببعثك الله) تعالى (إليه) أي إلى ذلك المقعد الأخروي (يوم القيامة) أي لا تصل إليه إلى يوم البعث. قال القرطبي: قوله (إذا مات أحدكم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عرض عليه مقعده) الخ هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن غير الشهداء، فإنه قد تقدم أن أرواحهم في حواصل طير تسرح في الجنة وتأكل من ثمارها، وغير الشهداء إما مؤمن وإما غير مؤمن فغير المؤمن هو الكافر فهذا يرى مقعده من النار غدوًا وعشيًّا، وهذا هو المعني بقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 46] وأما فإما أن لا يدخل النار أو يدخلها بذنوبه فالأول يرى مقعده من الجنة لا يرى غيره رؤية خوف، وأما المؤمن المؤاخذ بذنوبه فله مقعدان مقعد في النار زمن تعذيبه ومقعد في الجنة بعد إخراجه فهذا يقتضي أن يعرضا عليه بالغداة والعشي إلا إن قلنا إنه أراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيف كان فلا يحتاج إلى ذلك التفسير والله أعلم. وهذا الحديث وما في معناه يدل على أن الموت ليس بعدم وإنما هو انتقال من حال إلى حال ومفارقة الروح للبدن ويجوز أن يكون هذا العرض على الروح وحده ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن والله أعلم بحقيقة ذلك، والمراد بالغداة والعشي وقتهما وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء اهـ من المفهم. قال النووي: والغرض من ذكر هذه الأحاديث إثبات عذاب القبر على مذهب أهل السنة وقد تظاهرت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد ويعذبه وإذا لم يمنعه العقل وورد الشرع به وجب قبوله واعتقاده اهـ بأدنى تصرف والتفصيل فيه. قوله (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة) قال العيني: يعني إن كان الميت من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه كما أشرنا إليه في حلنا أولًا. قال الطيبي: يجوز أن يكون المعنى إن كان من أهل الجنة فسيبشر بما لا يكتنه كنهه لأن هذا المنزل الطليعة تباشير السعادة الكبرى لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الفخامة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 113]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الجنائز باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي [1379]، والترمذي

7039 - (00) (00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ عُرِضَ عَلَيهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. إِن كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَالْجَنَّةُ. وَإنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَالنَّارُ" قَال: "ثُمَّ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إِلَيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 7040 - (2839) (6) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَأَبُو بَكرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ. قَال: وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر [1072]، والنسائي في الجنائز باب وضع الجريدة على القبر [2071]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر القبر والبلى [4324]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 7039 - (00) (00) (حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن سالم عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (قال) ابن عمر (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات الرجل عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فالجنة) تعرض عليه (وإن كان من أهل النار فالنار) تعرض عليها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يقال) له و (هذا) المقعد الذي عرض عليك (مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو إثبات عذاب القبر بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: 7040 - (2839) (6) (حدثنا يحيى بن أيوب) البغدادي المقابري (وأبو بكر بن أبي شيبة جميعًا) أي كلاهما رويا (عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية قال) يحيى (ابن أيوب: حدثنا ابن علية) بصيغة السماع (قال) ابن علية: أخبرنا غير الجريري (وأخبرنا) سعيد بن إياس (الجريري) البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي نضرة) العبدي العوقي -بفتح المهملة والواو ثم القاف-

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَال أَبُو سَعِيدٍ: وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيدُ بْنُ ثَابِتٍ قَال: بَينَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذ حَادَتْ بِهِ فَكَادَت تُلْقِيهِ. وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَو خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ (قَال: كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيرِيُّ) فَقَال: "مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذهِ الأَقْبُرِ"؟ فَقَال رَجُلٌ: أَنَا. قَال: طفَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟ " قَال: مَاتُوا فِي الإِشرَاكِ. فَقَال: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبتَلَى فِي قُبُورِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ المنذر بن مالك بن قطعة البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه (عن زيد بن ثابت) بن الضحاك الأنصاري النجاري المدني كاتب الوحي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال أبو سعيد) الخدري (ولم أشهده) أي لم أشهد هذا الحديث الآتي ولم أسمعه (من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن حدثنيه) أي حدثني هذا الحديث الآتي (زيد بن ثابت) عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) زيد بن ثابت (بينما النبي صلى الله عليه وسلم) ماش (في حائط) أي في بستان (لبني النجار) راكبًا (على بغلة) مملوكة (له) صلى الله عليه وسلم (ونحن) معاشر الأنصار ماشون (معه) صلى الله عليه وسلم (إذ حادت) ومالت البغلة (به) صلى الله عليه وسلم عن الطريق ونفرت، قال في المصباح: حاد يحيد حيدة وحيددًا تنحى وبعد اهـ، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي بينا أوقات مشينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب على بغلة له فاجأنا ميل بغلته وحيدتها عن الطريق ونفورها لسماعها عذاب القبر (فكادت) البغلة أي قربت أن (تلقيه) صلى الله عليه وسلم عن ظهرها وتسقطه على الأرض (وإذا) بالألف فجائية أيضًا معطوفة على إذ، أي وإذا (أقبر) جمع قبر (ستة أو خمسة أو أربعة) بالشك مرئية لنا أي وفاجأنا أيضًا رؤية أقبر معدودة بالعدد المذكور (قال) ابن علية (كذا كان يقول) لنا سعيد (الجريري) بالشك والتشكيك في عدد الأقبر (فقال) لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يعرف) منكم (أصحاب هذه الأقبر فقال رجل) منا لم أر من ذكر اسمه (أنا) أعرف أصحابها فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمتى مات هؤلاء) أي أصحاب هذه القبور (قال) الرجل (ماتوا في الإشراك) أي ماتوا مشركين (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذه الأمة) المحمدية (تبتلى) وتمتحن (في قبورها) بسؤال الملكين وغيره

فَلَوْلا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَاب الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ" ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَينَا بِوَجْهِهِ، فَقَال: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النارِ. فَقَال: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْرِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَال: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. قَال: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ" قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتنَةِ الدَّجَّالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلولا) مخافة (أن لا تدافنوا) أصله تتدافنوا فحذفت إحدى التاءين، وفي الكلام حذف كما قدرناه أي فلولا مخافة عدم دفن بعضكم بعضًا إذا سمعتم عذاب القبر أي فلولا مخافتي ذلك موجودة (لدعوت الله) سبحانه (أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه) أي أن أسمعكم صوت من يعذب فيه، يعني أنكم لو سمعتم صوت العذاب الذي يعذب به الموتى في القبر لأمسكتم عن دفن الموتى في القبور فلولا هذه الخشية لدعوت الله أن يسمعكم صوت العذاب لتعرضوا عن الدنيا وتقبلوا إلى آخرتكم. قوله (من عذاب القبر) بيان مقدم للموصول المتأخر وهو قوله (الذي أسمع منه) ليس المعنى أنهم لو سمعوا تركوا التدافن لئلا يصيب موتاهم العذاب كما زعمه بعضهم بأن المخاطبين وهم الصحابة كانوا عالمين أن عذاب الله ليس مردودًا بحيلة بل معناه أنهم لو سمعوه لتركوا دفنه استهانة به أو لعدم قدرتهم عليه لدهشتهم وحيرتهم منه أو ألقوهم في الصحاري البعيدة حذرًا من الفضيحة اللاحقة بهم اهـ مبارق. (ثم أقبل علينا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بوجهه) الشريف (فقال) لنا (تعوذوا) واستجيروا (بالله) العظيم (من عذاب النار قالوا) أي قال الحاضرون معه، ففي الضمير التفات من التكلم إلى الغيبة، أي قلنا (نعوذ بالله من عداب النار فقال) لنا ثانيًا (نعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا) أي قلنا (نعوذ بالله من عذاب القبر) ثم (قال) لنا ثالثًا (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها) كالقتل والعذاب (وما بطن) منها كالعداوة والبغضاء والحسد (قالوا) أي قلنا (نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن) ثم (قال) لنا رابعًا (تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا) أي قلنا (نعوذ بالله من فتنة الدجال) وشره. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد في مسنده [5/ 190]، والطبراني في المعجم الكبير [5/ 122].

7041 - (2840) (7) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبرِ". 7042 - (2841) (8) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَوْنٍ بْنِ أَبِي جُحَيفَةَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ثابت بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 7041 - (2840) (7) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن لا تدافنوا) أي لولا مخافة عدم تدافنكم (لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الجنائز باب عذاب القبر [2058]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث زيد بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 7042 - (2841) (8) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر كلهم) أي كل من وكيع ومعاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر رووا (عن شعبة عن عون بن أبي جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي بضم المهملة الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وابن بشار جميعًا عن يحيى) بن سعيد بن فروخ التميمي البصري (القطان واللفظ لزهير حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (حدثنا شعبة حدثني عون بن أبي جحيفة عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد

عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ. فَسَمِعَ صَوْتًا. فَقَال: "يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا". 7043 - (2842) (9) حدَّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله السوائي الكوفي مشهور بكنيته، ويقال له وهب الخير الصحابي المعروف من صغار الصحابة رضي الله عنه مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبلغ الحلم، روى عنه في (3) أبواب (عن البراء) بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبي عمارة الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب (عن أبي أيوب) الأنصاري خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة النجاري المدني رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب. وهذه الأسانيد كلها من سباعياته، ومن لطائفه أن فيه ثلاثة من الصحابة روى بعضهم عن بعض (قال) أبو أيوب (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) يومًا من بيته أو من المسجد (بعدما غربت الشمس فسمع صوتًا فقال) هذا صوت عذاب (يهود تعذب في قبورها). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز [1375] والنسائي في الجنائز [2059]. قوله (يهود تعذب في قبورها) وقد وقعت هذه القصة عند الطبراني بشيء من التفصيل ولفظه: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس، ومعي كوز من ماء فانطلق لحاجته حتى جاء فوضأته، فقال: "ألم تسمع؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "أسمع أصوات اليهود يعذبون في قبورهم". وقال الكرماني: صوت الميت من العذاب يسمعه غير الثقلين فكيف سمع ذلك، ثم أجاب بقوله هو في الضجة المخصوصة وهذا غيرها، أو سماع رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة اهـ من عمدة القاري [4/ 229]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث زيد بن ثابت بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 7043 - (2842) (9) (حدثنا عبد بن حميد حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا شيبان بن

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَال: قَال نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِن الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ" قَال: "يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ " قَال: "فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ" قَال: "فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ. قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مقْعَدا مِنَ الْجَنَّةِ" قَال نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الرحمن) التميمي أبو معاوية البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا وُضع في قبره) قال الأبي: خرج القبر مخرج الغالب وإلا فالغريق ومن في الفلاة ومن ترك في بيت حتى صار له كالقبر يسألون أيضًا (وتولى) أي أدبر وذهب (عنه) أي عن قبره (أصحابه) الدافنون له (أنه) أي إن ذلك الميت (ليسمع قرع نعالهم) أي صوتها عند المشي والدوس بها لو كان حيًّا فإنه قبل أن يقعده الملك لا حس فيه (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأتيه ملكان فيقعدانه) أي يجلسانه حقيقة بأن يوسع اللحد حتى يقعد فيه أو مجاز عن الإيقاظ والتنبيه بإعادة الروح إليه اهـ مناوي، قال القاضي: هذا مما يشكك به من ينكر التعذيب ويقول نحن لا نشاهده ونحن نقول إنه مختص بالمقبور دون المنبوذ، وصفة إقعاده مغيبة عن العيون وكذلك ضربه بالمطارق فلا يبعد التوسيع له في قبره وإقعاده اهـ. (فيقولان له ما كنت تقول) وتعتقد (في هذا الرجل) الظاهر فيكم يعني بالرجل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يحاورانه بهذه العبارة التي ليس فيها تعظيم امتحانًا للمسؤول لئلا يتلقى تعظيمه من عبارة السائل ثم يثبت الله الذين آمنوا اهـ نووي. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأما المؤمن فيقول) في جواب سؤاله (أشهد أنه) أي أن هذا الرجل الظاهر بيننا (عبد الله ورسوله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقال له) أي للميت من جهة الملكين (انظر إلى مقعدك من النار) أي لو لم تؤمن ولم تقم بحجتك (قد أبدلك الله به) قد عوض الله لك عنه (مقعدًا من الجنة) لما قمت بحجتك (قال نبي الله صلى الله عليه وسلم فيراهما) أي فيرى المقعدين (جميعًا) من الجنة ومن

قَال قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا. ويمْلأُ عَلَيهِ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ النار (قال قتادة وذكر لنا) بالبناء للمجهول (أنه يفسح) أي يوسع (له في قبره سبعون ذراعًا) يحتمل أن يكون هذا على ظاهره ويكون معناه أنه ترفع الموانع عن بصره فيبصر مما يجاوره مقدار سبعين ذراعًا حتى لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه متى رد روحه فيه إليه، ويحتمل أن يكون ذلك كله استعارة عن سعة رحمة الله تعالى له وإكرامه إياه كما يقال: برد الله مضجعه ووسع قبره، والأول أولى والله أعلم. (ويملأ عليه خضرًا إلى يوم يبعثون) أي يملأ الله له في قبره خضرًا أي نعمًا غضة ناعمة، وأصله من خضرة الشجر، والخضر بكسر الضاد اسم جنس للنبات الرطب الأخضر اهـ مفهم، والمعنى يملأ له قبره نعمًا خضرًا إلى يوم القيامة. قوله (انظر إلى مقعدك من النار) قال العيني: وفي رواية أبي داود فيقال له هذا بيتك كان في النار ولكن الله عزَّ وجلَّ عصمك ورحمك فأبدلك به بيتًا في الجنة فيقول لهم دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له اسكت اهـ. قوله (إنه يفسح له في قبره) هكذا في البخاري، قال العيني: كلمة في زائدة إذ الأصل يفسح له قبره اهـ. قوله (ويملأ) قبره (عليه) أي له (خضرًا) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي ريحانًا ونحوه ويستمر كذلك (إلى يوم يبعثون) اهـ مناوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز باب الميت يسمع خفق النعال [1338] وباب ما جاء في عذاب القبر [1374]، وأبو داود في الجنائز باب المشي في النعل بين القبور [3231] وفي السنة باب في المسألة في القبر وعذاب القبر [1374]، والنسائي في الجنائز باب المسألة في القبر [2050] وباب مسألة الكافر [2051]. قوله صلى الله عليه وسلم (إن العبد إذا وُضع في قبره) وزاد أبو داود في السنة [4/ 238] قبله من طريق سعيد عن قتادة عن أنس إن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلًا لبني النجار فسمع صوتًا ففزع فقال: "من أصحاب هذه القبور؟ " قالوا: يا رسول الله أناس ماتوا في الجاهلية، فقال: "تعوذوا بالله من عذاب النار ومن فتنة الدجال" قالوا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما ذاك يا رسول الله؟ قال: "إن المؤمن إذا وُضع في قبره .. " فذكر الحديث فأفاد هذا الطريق سبب هذا الحديث قوله (إنه ليسمع قرع نعالهم) هذا الحديث حجة لمن أثبت السماع للموتى وهو مذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها ذهبت إلى نفي سماع الموتى وتأولت في حديث قليب بدر ووافقها طائفة من العلماء على ذلك ورجحه القاضي أبو يعلى من أكابر الحنابلة، وذكر ابن الهمام أن أكثر مشايخ الحنفية على أن الميت لا يسمع استدلالًا بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} ولذلك قالوا لو حلف لا يكلم فلانًا فكلمه ميتًا لا يحنث، وقد دل حديث الباب صريحًا على أن الميت يسمع قرع نعال أصحابه وكذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما سيأتي قريبًا إنه خاطب الكفار من قتلى بدر وقال للصحابة: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" أخرجه الشيخان، وقال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الروم [3/ 438] والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححًا له عن ابن عباس مرفوعًا "ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم وإن يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد - عليه السلام - "وثبت عنه صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه، فيقول المسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له. قوله (إنه ليسمع قرع نعالهم) قال العيني في عمدة القاري [4/ 163] فيه جواز لبس النعل لزائر القبور الماشي بين ظهرانيها، وذهب أهل الظاهر إلى كراهة ذلك وبه قال يزيد بن زريع وأحمد بن حنبل، وقال ابن حزم في المحلى: ولا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين وهما اللذان لا شعر عليهما فإن كان فيهما شعر جاز ذلك، واحتج هؤلاء بحديث بشير بن الخصاصية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يمشي بين القبور في نعلين فقال: "ويحك يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك" رواه الطحاوي وأخرجه أبو داود وابن ماجه بأتم منه وأخرجه الحاكم وصححه، وقال الجمهور: بجواز ذلك وهو قول الحسن وابن سيرين والنخعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجماهير الفقهاء من التابعين ومن بعدهم، وأجيب عن حديث ابن الخصاصية بأنه إنما اعترض عليه وأمره بالخلع احترامًا للمقابر، وقيل لاختياله في مشيه، وقال الطحاوي: إن أمره صلى الله عليه وسلم بالخلع لا لكون المشي بين القبور بالنعال مكروهًا ولكن لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قذرًا فيهما يقذر القبور أمر بالخلع، وقال الخطابي: يشبه أن يكون إنما كره ذلك لأنه فعل أهل النعمة والسعة فأحب أن يكون دخول المقبرة على التواضع. قوله (يأتيان ملكان) ووقع في حديث أبي هريرة عند الترمذي وحسّنه "أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير" وفي رواية لابن حبان يقال لهما منكر ونكير، وزاد الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن أبي هريرة "أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد" وذكر بعض الفقهاء أن اسم اللذين يسألان المذنب منكر ونكير، وأن اسم اللذين يسألان المطيع مبشر وبشير اهـ فتح الباري [3/ 237]. قوله (فيقعدانه) به استدل الجمهور على أن سؤال الميت وعذابه في القبر يكون على روحه مع الجسد لا على الروح فقط وإن أحاديث هذا الباب تدل على ثبوت عذاب القبر، وفيه مذاهب؛ الأول: مذهب الخوارج وهو إنكار عذاب القبر مطلقًا، وبه قال بعض المعتزلة، مثل ضرار بن عمرو وبشر المريسي ومن وافقهما وهو قول مردود بالنصوص المتواترة معنى، وقد فصلها العلامة العيني في عمدة القاري [4/ 116 و 162]، والتفتازاني في شرح المقاصد [5/ 111 - 116] والشريف الجرجاني في شرح المواقف [8/ 317] ورد كل منهم على ما استدل به المنكرون لعذاب القبر. (الثاني: أن عذاب القبر إنما يقع على الكفار دون المؤمنين وهو مذهب بعض المعتزلة كالجياني حكاه عنهم الحافظ في فتح الباري [3/ 233]. وحديث عذاب القبر لمن كان لا يستتر من بوله ولمن كان يمشي بالنميمة يرد عليهم وكذلك بعض الأحاديث الأخرى. (الثالث: إن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد وهو مذهب ابن حزم وابن هبيرة كما نقل عنهما الحافظ في الفتح [3/ 235] وحديث الباب حجة عليهم

7044 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لا معنى لإقعاد الروح وإنما يقع الإقعاد على الجسد. (الرابع: أن السؤال في القبر يقع على البدن فقط وأن الله تعالى يخلق فيه إدراكًا بحيث يسمع ويعلم ويلذ ويألم وهو قول ابن جرير وجماعة من الكرامية كما نقل عنهم الحافظ. (الخامس: أن الميت لا يشعر بالتعذيب ولا بغيره إلا بين النفختين وحاله كحال النائم والمغشي عليه لا يحس بالضرب ولا بغيره إلا بعد الإفاقة وهذا مذهب أبي الهذيل ومن تبعه حكاه الحافظ أيضًا ورد عليه بحديث الباب. (السادس: مذهب جمهور أهل السنة وهو أنه تعاد الروح إلى الجسد أو إلى بعضه عند السؤال أو العذاب كما ثبت في الحديث ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه لأن الله تعالى قادر على أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه. وقال الحافظ: والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة لا أثر فيه من إقعاد ولا غيره ولا ضيق في قبره ولا سعة وكذلك غير المقبور كالمصلوب والمثلج وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وألمًا لا يدركه جليسه بل اليقظان قد يدرك ألمًا أو لذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك ويستره عنهم إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله تعالى. قال الحافظ: وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور كقوله (أنه ليسمع خفق نعالهم) وقوله (وتختلف أضلاعه لضمة القبر) وقوله (يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق) وقوله (يضرب بين أذنيه) وقوله (فيقعدانه) وكل ذلك من صفات الأجساد اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7044 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن منهال الضرير) أبو عبد الله التميمي

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا". 7045 - (00) (00) حدّثني عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا عَبدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ)، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِنَّ الْعَبدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ" فَذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ شَيبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ. 7046 - (2843) (10) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ المجاشعي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي أبو معاوية البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لشيبان بن عبد الرحمن (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت إذا وُضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم) أي صوت دوسها (إذا انصرفوا) ورجعوا من عند قبره. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7045 - (00) (00) (حدثني عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء) الخفاف العجلي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. غرضه بيان متابعة عبد الوهاب ليزيد بن زريع (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى) وأدبر (عنه أصحابه فذكر) عبد الوهاب عن سعيد (بمثل حديث شيبان عن قتادة). ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث زيد بن ثابت بحديث البراء بن عازب رضي الله عنهما فقال: 7046 - (2843) (10) (حدثنا محمد بن بشار بن عثمان العبد) البصري (حدثنا

مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلَّقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِب، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] قَال: "نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبرِ. فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: ربِّيَ اللهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَز وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] ـــــــــــــــــــــــــــــ محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (عن علقمة بن مرثد) الحضرمي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن سعد بن عبيدة) مصغرًا السلمي أبو حمزة الكوفي زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (6) أبواب. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم توكيد لفظي لقال الأول أو قال البراء كما تدل عليه الرواية الآتية (نزلت) هذه الآية (في عذاب القبر) وسؤاله (فيقال له) أي للميت بعد الدفن (من ربك) أي مالكك ومعبودك (فيقول) المؤمن في الجواب (ربي الله ونبيّي محمد صلى الله عليه وسلم فذلك) أي فمصداق ذلك (قوله عزَّ وجلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} أي على القول الحق وهي كلمة التوحيد (في الحياة الدنيا) بإقرارها واعتقاد معناها (وفي الآخرة) عند السؤال عنها قاله الطبري، وقال العيني: والقول الثابت هو كلمة التوحيد لأنها راسخة في قلب المؤمن، وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لا إله إلا الله {وَفِي الْآخِرَةِ} قال المسألة في القبر، قال القرطبي: والمعنى أي يثبتهم في هذه الدار على التوحيد والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى يميتهم عليها وفي الآخرة عند المساءلة في القبر كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو المقصود وإن كان من قول البراء فهذا لا يقوله أحد من قبل نفسه ورأيه فهو محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، وسكت البراء عن رفعه لعلم المخاطب بذلك والله تعالى أعلم، وقد قيل عن البراء أنه قال هما سؤال القبر وسؤال القيامة يعني يُرشد المؤمن فيهما إلى الصواب ويُصرف الكافر عن الجواب اهـ من المفهم.

7047 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَأَبُو بَكرٍ بْنُ نَافِعٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ، (يَعْنُونَ ابْنَ مَهْدِيٍّ)، عَنْ سُفْيَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ قال العيني في عمدة القاري [4/ 228] (فإن قلت) المساءلة هل هي عامة على جميع الأمم أم على أمته صلى الله عليه وسلم فذهب الحكيم الترمذي إلى أنها تختص بهذه الأمة، وقال: كانت الأمم قبل هذه الأمة تأتيهم الرسل فإن أطاعوا فذاك وإن أبوا اعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب فلما أرسل الله محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب وقبل الإسلام ممن أظهر سواء أسر الكفر أم لا فلما ماتوا قيض الله لهم فتان القبر ليستخرج سرهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب ويثبت الذين آمنوا ويضل الظالمين، ثم قال العيني: ويؤيده حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعًا "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها الحديث أخرجه مسلم، ويؤيده أيضًا قول الملكين: ما تقول في هذا الرجل محمد، وحديث عائشة أيضًا عند أحمد بلفظ: وأما فتنة القبر فبي يفتنون وعني يسألون. وذهب ابن القيم إلى عموم المساءلة وقال: ليس في الأحاديث ما نفى المساءلة عمن تقدم من الأمم وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكيفية امتحانهم في القبور لا أنه نفي ذلك عن غيرهم، قال: والذي يظهر أن كل نبي مع أمته كذلك فيعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة عليهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر [1369] وفي تفسير سورة إبراهيم باب يثبت الله الذين آمنوا [4699]، والترمذي في تفسير سورة إبراهيم [3120]، وأبو داود في السنة باب في المسألة في القبر وعذاب القبر [4750]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر القبر والبلى [4323]، والنسائي [6/ 101]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7047 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (قالوا حدثنا عبد الرحمن يعنون بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام حجة، من (7) روى عنه في

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]، قَال: نَزَلتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ. 7048 - (2844) (11) حدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا بُدَيلٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: "إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَكَانِ يُصْعِدَانِهَا". قَال حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا، وَذَكَرَ الْمِسْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (24) بابًا (عن أبيه) سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة خيثمة لسعد بن عبيدة قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} قال: البراء (نزلت) هذه الآية (في عذاب القبر). ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث زيد بن ثابت بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7048 - (2844) (11) (حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم (القواريري) البصري، ثقة، من (10) (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا بديل) بن ميسرة العقيلي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي مصغرًا البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة فيه حذف من الراوي تقديره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا خرجت روح المؤمن) من جسده وأخذت (تلقاها) أي استقبلها (ملكان يصعدانها) أي يطلعانها إلى السماء (قال حماد فذكر) لنا بديل بالسند إلى أبي هريرة مرفوعًا (من طيب ريحها) أي من طيب رائحتها ما يتعجب منه (وذكر) بديل أيضًا في شبه رائحتها (المسك) قال الطيبي في شرح المشكاة [3/ 344] يحتمل أن يكون فاعل فذكر؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابي يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف طيب ريحها (وذكر المسك) ولكن لم يُعلم أن ذلك كان على طريقة التشبيه أو الاستعارة أو غير ذلك.

قَال: "وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَة جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. صَلَّى اللهُ عَلَيكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَز وَجَلَّ. ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ". قَال: "وَإنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ -قَال حَمَّادٌ: وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا، وَذَكَرَ لَعْنًا- وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَث مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَال فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصل المعنى قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرجت روح المؤمن من جسدها تلقاها ملكان فيصعدانها إلى السماء" قال حماد بسنده إلى أبي هريرة فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدحها طيب رائحتها وذكر في شبه رائحتها المسك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويقول أهل السماء) إذا طلعت إليهم (روح طيبة) أي صالحة (جاءت) وطلعت (من قبل الأرض) وجهتها (صلى الله) تعالى (عليك) أيتها الروح الطيبة وأنعم عليك (و) أنعم (على جسد كنت) أنت (تعمرينه) أي جعلتيه معمورًا بالعمل الصالح بضم الميم يعني الجسد الذي كنت مقيمة فيه فصار معمورًا بك ففيه استعارة تصريحية تبعية شبه تدبيرها البدن بالعمل الصالح بعمارة من يتولى مدينة وعمرها بالعدل (فينطلق به) أي بذلك المؤمن، وحق العبارة أن يقال فينطلق بها أي بتلك الروح ولكن ذكره نظرًا إلى كونها بمعنى المؤمن (إلى ربه عزَّ وجلَّ) انطلاقًا يليق به سبحانه وتعالى نثبته ونعتقده لا نكيفه ولا نمثله ليس كمثله شيء (ثم يقول) الرب جل جلاله للملائكة (انطلقوا به) أي بهذا المؤمن إلى عليين مسكن الأبرار (إلى آخر الأجل) أي إلى نهاية مدة الدنيا، قال علي القاري في المرقاة [4/ 21] والمراد بالأجل هنا مدة البرزخ، وقال الطيبي: يُعلم من هذا أن لكل أحد أجلين أولًا وآخرًا ويشهد له قوله تعالى: {قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} أي أجل الموت وأجل القيامة، والحاصل أن الملائكة يؤمرون بإمساكها إلى القيامة حتى تدخل الجنة اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإن الكافر إذا خرجت روحه، قال حماد) بسنده إلى أبي هريرة (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نتنها) أي من نتن روح الكافر وعفونتها ما يُتعجب منه وذكر الخراء في شبهها (وذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعنًا) لها من أهل السماء (ويقول أهل السماء روح خبيثة) أي خسيسة (جاءت من قبل الأرض، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقال) للملائكة من جهة الرب (انطلقوا) أي اذهبوا

بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَيْطَةً، كَانَتْ عَلَيهِ، عَلَى أَنْفِهِ، هَكَذَا. 7049 - (2845) (12) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ الْهُذَلِيُّ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ. قَال: قَال أَنَسٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (به) أي بهذا الكافر إلى سجين مسكن الفجار (إلى آخر الأجل) أي إلى نهاية مدة الدنيا (قال أبو هريرة) رضي الله عنه (فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين ذكر روح الكافر (ريطة) أي ملاءة (كانت عليه) أي على جسده الشريف أي جعل ريطة عليه (على أنفه) الشريف (هكذا) أي أخذ طرفها وجعله على أنفه لئلا تدخل نتن تلك الروح الخبيثة أنفه كأنه يرى رائحتها، قال النووي: والريطة ثوب رقيق، وقيل هي الملاءة التي ليست لفقتين بل هي من لفقة واحدة، واللفق شقة من شقتي الملاءة اهـ مفهم، قال النووي: وكان سبب ردها على أنفه بسبب ما ذكر من نتن ريح الكافر والله أعلم اهـ. قوله (وذكر من نتنها وذكر لعنًا) قال القاضي: كذا هو في كل النسخ وكان الوقشي يقول: لعله وذكر الخراء ويكون في مقابلة قوله وذكر المسك، قال: ويدل عليه رده صلى الله عليه وسلم الريطة على أنفه وهذا إنما ذهب إليه لمقابلة الطيب بالنتن وهو مرجح لو ساعدته الرواية وإنما الرواية ما ذكرنا وتكون لفظة لعنًا صحيحة وتكون في مقابلة قول الملائكة صلى الله عليك إلى آخره وليس من شرط المقابلة أن تكون في كل الألفاظ اهـ من الأبي. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث زيد بن ثابت بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم فقال: 7049 - (2845) (12) (حدثني إسحاق بن عمر بن سليط) بوزن أمير (الهذلي) أبو يعقوب البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابا (قال) ثابت (قال أنس) بن

كُنْتُ مَعَ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَينَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَتَرَاءَينَا الهِلالَ. وَكُنْتُ رَجُلًا حَدِيدَ الْبَصَرِ. فَرَأَيتُهُ. وَلَيسَ أَحَدٌ يَزعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيرِي. قَال فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَلَ لَا يَرَاهُ. قَال: يَقُولُ عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُستَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي. ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِينَا مَصَارعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالأَمْسِ. يَقُولُ: "هَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مالك رضي الله عنه كنت مع عمر) بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي بفتح المهملة والموحدة مولاهم أبو محمد الأبلي بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (واللفظ له) أي لشيبان (حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال كنا مع عمر) بن الخطاب (بين مكة والمدينة فتراءينا) أي فطلبنا (الهلال) لنراها (وكنت رجلًا حديد البصر) أي قوي البصر نافذه، ومنه قوله تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} قال أنس (فرأيته) أي رأيت الهلال (وليس أحد) من رفقتنا (يزعم) ويقول (أنه رأه) أي رأى الهلال، وقوله (غيري) صفة لأحد مرفوع بضمة مقدرة أي ليس أحد غيري يزعم أنه رآه (قال) أنس (فجعلت) أي شرعت (أقول لعمر أما تراه) أي أما ترى الهلال في موضع كذا وكذا يا أمير المؤمنين (فجعل) أي فكان عمر (لا يراه، قال) أنس (يقول) لي (عمر سأراه) أي سأرى الهلال إذا كبر (وأنا) أي والحال أني (مستلق) أي مضطجع بظهري (على فراشي) بلا كلفة (ثم أنشأ) أي شرع عمر (يحدثنا عن) قصة قتلى (أهل بدر) من المشركين أي أراد إنشاء حديث قصتهم (فقال) معطوف على أنشأ بهذا التأويل لئلا يلزم علينا عطف شيء على نفسه (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُرينا) أي يُبصرنا (مصارع) أي مساقط قتلى (أهل بدر) من المشركين (بالأمس) أي في الأمس من اليوم الذي قتلوا والأمس اسم لليوم الذي قبل يومك الذي كنت فيه، حالة كونه (يقول) في إراءتنا له (هذا) المكان (مصرع فلان غدًا إن شاء الله) تعالى أي مسقطه ومقتله بإذن الله تعالى هذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم الظاهرة يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراهم قبل غزوة بدر بيوم المواضع التي يقتل فيها

قَال فَقَال عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، مَا أَخطَؤُوا الْحُدُودَ التِي حَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتى انْتَهَى إِلَيهِمْ فَقَال: "يَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ، ويا فُلانَ بْنَ فُلانٍ، هَل وَجَدتُم مَا وَعَدَكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللهُ حَقًّا". قَال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ تُكَلِّمُ أَجسَادًا لَا أَروَاحَ فِيهَا؟ قَال: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. غَيرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ رؤساء المشركين في اليوم التالي (قال) أنس (فقال عمر) رضي الله عنه (فوالذي) أي فأقسمت بالإله الذي (بعثه بالحق) أي بالدين الحق (ما أخطئوا) أي ما أخطأ قتلى المشركين وما خالفوا في مصارعهم (الحدود) أي الأماكن المحددة (التي حد) ها وعينها (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمصرعهم وقتلهم يعني أنهم قتلوا في عين تلك المواضع التي أرانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها قبل يوم وهذا من معجزاته الباهرة والبراهين الساطعة على كونه رسولًا مبلغًا من رب العالمين (قال) عمر (فجعلوا) أي جعل أولئك القتلى وطرحوا (في بئر) بدر وقليبه، حالة كونهم مرميًا (بعضهم على بعض) آخر (فانطلق) أي ذهب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من مركزه (حتى انتهى) ووصل (إليهم) أي إلى أولئك القتلى بعدما طُرحوا في البئر (فقال) مخاطبًا لهم (يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان) بنصب فلان في الموضعين على أنه منادي شبيه بالمضاف ونصب ابن فيهما على أنه صفة للمنادى (هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقًّا) أي صدقًا من تعذيبكم على شرككم (فإني قد وجدت ما وعدني الله) من النصر على المشركين (حقًّا) أي صدقًا فـ (قال عمر) لرسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تكلم) وتخاطب (أجسادًا لا أرواح فيها، قال): رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر (ما أنتم) أيها الحاضرون (بأسمع) أي بأكثر سماعًا (لما أقول) وأتكلم به (منهم) متعلق بأسمع أي من هؤلاء الأجساد التي لا أرواح فيها (غير أنهم) أي لكن أن هؤلاء الأجساد (لا يستطيعون) ولا يقدرون (أن يردوا على شيئًا) من الجواب، قال المازري: قال بعض الناس: الميت يسمع عملًا بظاهر هذا الحديث، ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص بهؤلاء القتلى، ورد عليه القاضي عياض وقال: يُحمل

7050 - (2846) (13) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قَتلَى بَدْرٍ ثَلاثًا. ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيهِمْ فَنَادَاهُم فَقَال: "يَا أَبا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيسَ قَدْ وَجَدْتُم مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا" ـــــــــــــــــــــــــــــ سماعهم على ما يُحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها وذلك بإحيائهم أو بإحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريد الله تعالى هذا كلام القاضي وهو الظاهر المختار الذي تقتضيه أحاديث السلام على القبور اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 299]، وأبو داود [2681]، والنسائي في الجنائز باب أرواح المؤمنين [2074]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث زيد بن ثابت بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال: 7050 - (2846) (13) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر) من المشركين في مصارعهم (ثلاثًا) من الليالي (ثم أتاهم) وهم في مصارعهم (فقام عبيهم فناداهم فقال يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة) بنصب المنادى في الكل لأن المختار في العلم الموصوف بابن مضاف إلى علم آخر فتحه كما قاله في الكافية (أليس فد وجدتم ما وعد ربكم حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا). قوله (ترك قتلى بدر ثلاثًا) وفي حديث أبي طلحة عند البخاري في المغازي رقم [3976] أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه

فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيفَ يَسْمَعُوا وَأَنى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنَّ يُجِيبُوا" ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا. فَأُلقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آباءهم. قوله (يا أمية بن خلف) استشكل بأن أمية بن خلف لم يكن في القليب لأنه كان ضخما فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيبه وستره، أخرج ذلك ابن إسحاق من حديث عائشة لكن يجمع بينهما بأنه كان قريبًا من القليب فنودي فيمن نودي لكونه كان من جملة رؤسائهم اهـ فتح الباري [7/ 302]. (فسمع عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (قول النبي صلى الله عليه وسلم) ونداءه إياهم (فقال يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا) لك، قال النووي: هكذا هو في عامة النسخ المعتمدة كيف يسمعوا وأنى يجيبوا من غير نون وهي لغة صحيحة وإن كانت قليلة الاستعمال وسبق بيانها في هذا الكتاب مرات (و) الحال أنهم (قد جيفوا) بفتح الجيم وتشديد الياء أي أنتنوا وصاروا جيفًا يقال جيف الميت وجاف وأجاف وأروح وأنتن بمعنى اهـ من النووي والأبي. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده ما أنتم) أيها الحاضرون (بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا) لي فبهذا استدل من قال بسماع الموتى وتأولته عائشة رضي الله تعالى عنها بقولها ما قال إنهم ليسمعون ما أقول إنما قال إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق أخرجه البخاري في المغازي برقم [3979] وقال قتادة: أحياهم الله تعالى حتى أسمعهم قوله توبيخًا وتصغيرًا ونقيمة وحسرة وندمًا أخرجه البخاري أيضًا برقم [3976] باب قتل أبي جهل في المغازي. (ثم أمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بهم) أي بسحبهم وجرهم إلى القليب (فسحبوا) أي جروا من مصارعهم (فألقوا في قليب بدر) قال النووي: وفي الرواية الأخرى في طوى من أطواء بدر، والقليب والطوى بمعنى وهي البئر المطوية بالحجارة، قال أصحابنا: وهذا السحب إلى القليب ليس دفنا لهم ولا صيانة وحرمة بل لدفع رائحتهم المؤذية اهـ والقليب يؤنث ويجمع على أقلبة وقلب وقُلُب كما في القاموس وهي

7051 - (2847) (14) حدّثني يُوسُفُ بْنُ حَمَّاد المَعْنِيُّ. حَدَّثَنَا عَبدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ. ح وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. قَال: ذَكَرَ لَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ البئر الغير المطوية بالحجارة وهي الركى أيضًا وقد تسامح من أطلق على القليب طويًا اهـ ط. وظاهر هذا الحديث أنهم ألقوا في القليب بعد مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم ويعارضه ما ذكر في حديث أبي طلحة الآتي بعد هذا حيث ذكر قذفهم في طوى قبل المخاطبة، وكذلك أخرج البخاري عن ابن عمر (وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: (هل وجدتم .. ) الخ، وظاهره أنهم كانوا في القليب حين خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم أر أحدًا من الشراح تعرض لهذا التعارض ويمكن أن يجُمع بينهما بأن بعضهم كان مقذوفًا في القليب قبل المخاطبة وبعضهم كان خارجها فألقي فيها بعد المخاطبة كما قدمنا عن الحافظ في أمية بن خلف والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 299]، وأبو داود [2681]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث زيد بن ثابت بحديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما فقال: 7051 - (2847) (14) (حدثني يوسف بن حماد المعنى) بفتح الميم وسكون العين المهملة ثم نون وتشديد الياء نسبة إلى معن أحد أجداده أبو يعقوب البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن أبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل بن الأسود بن حرام النجاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته وفيه رواية صحابي عن صحابي (ح وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة)

قَال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَظَهَرَ عَلَيهِمْ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا. (وَفِي حَدِيثِ رَوْحٍ، بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا) مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيشٍ. فَأُلْقُوا فِي طَويٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري زوج أم سليم أم أنس رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته أيضًا، غرضه بيان متابعة روح لعبد الأعلى (قال) أبو طلحة (لما كان) وحصل (يوم) وقعة (بدر وظهر) أي غلب (عليهم) أي على المشركين (نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر) نبي الله صلى الله عليه وسلم أصحابه (بـ) سحب (بضعة) بكسر الباء كلمة تصدق على ما بين العقود من الآحاد من واحد إلى تسعة أي بسحب أربعة (وعشرين رجلًا) من المشركين، هذا رواية عبد الأعلى عن سعيد (وفي حديث روح) بن عبادة وروايته عن سعيد لفظة (بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش) ورؤسائهم وساداتهم جمع صنديد بمعنى الرئيس والسيد (فأُلقوا) أي قذفوا (في طويّ) بفتح الطاء وكسر الواو وتشديد الياء أي في بئر مطوية بالحجارة، قال القرطبي: الطوي البئر المطوية كائنة (من أطواء بدر) من آبار بدر (وساق) قتادة أي ذكر (الحديث) عن أبي طلحة (بمعنى حديث ثابت عن أنس) المذكور قبل هذا الحديث، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت ولكنها متابعة في الشاهد. قوله (بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش) فالمذكور في حديث أنس السابق أربعة منهم وسمى الحافظ الباقين في الفتح [7/ 302] على سبيل الاحتمال فذكر فيهم عبيدة بن العاص والد أبي أُحيحة، وسعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن أبي سفيان، والوليد بن عتبة، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، ونوفل بن خويلد، وزمعة بن الأسود، وأخاه عقيلًا، والعاص بن هشام أخا أبي جهل، وأبا قيس بن الوليد أخا خالد بن الوليد، ونبيه ومنبه ابني الحجاج السهمي، وعلي بن أمية بن خلف وعمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة المبشرة، ومسعود بن أبي أمية أخا أم سلمة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، والأسود بن عبد الأسود أخا أبي سلمة وأبا العاص بن قيس السهمي، وأميمة بن رفاعة فهؤلاء العشرون تضم إلى الأربعة المذكورة في حديث أنس فتكمل العدة أربعة وعشرين رجلًا اهـ والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب من غلب العدو

7052 - (2848) (10) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شيبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حُوسِبَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عُذِّبَ" فَقُلْتُ: أَلَيسَ قَدْ قَال اللهُ عَز وَجَلَّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ فأقام على عرصتهم ثلاثًا [3065] وفي المغازي باب قتل أبي جهل [3976]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو إثبات الحساب بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 7052 - (2848) (10) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (قال أبو بكر حدثنا ابن علية) بصيغة السماع (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله) بن عبيد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، قال النووي: هذا السند مما استدرك به الدارقطني على البخاري ومسلم وقال: اختلفت الرواية فيه عن ابن أبي مليكة، فروي عنه عن عائشة، ورُوي عنه عن القاسم عنها وهذا استدراك ضعيف لأنه محمول على أنه سمعه من القاسم عن عائشة وسمعه أيضًا منها بلا واسطة فرواه بوجهين وقد سبقت نظائر هذا (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حوسب يوم القيامة) حساب مناقشة ومطالبة واستقصاء فيه كما قال في اللفظ الآخر (من نوقش المحاسبة) والمناقشة الاستقصاء في المطالبة بالجليل والحقير والصغير والكبير وترك المسامحة في شيء من ذلك، قال الهروي: انتقشت منه حقي أي استقصيته منه، وأصل المناقشة من نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه يقال قد نقشها وانتقشها اهـ قسط (عذب) ظاهره عذب عذاب النار جزاء عن سيئات ما أظهره حسابه ويدل على ذلك قوله في الآخر (هلك) أي بالعذاب في النار، ويحتمل أن يكون عذاب من يناقش نفس المناقشة وما يلازمها من التوبيخ واللوم ثم يغفر الله تعالى له، قالت عائشة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (أليس) الشأن (قد قال الله عزَّ وجلَّ) في كتابه العزيز {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} [الانشقاق: 8]، أي

{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} [الانشقاق: 8]؟ فَقَال "لَيسَ ذَاكِ الْحِسَابُ. إِنَّمَا ذَاكَ الْعَرْضُ. مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حسابًا سهلًا هينًا بأن يُجازى على الحسنات ويتجاوز عن السيئات (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس ذاك) بكسر الكاف لأنه خطاب مؤنث أي ليس الحساب المذكور في الآية (الحساب) مع المناقشة فاسم الإشارة اسم ليس ولفظ الحساب بالنصب على أنه خبر ليس وبالرفع على أنه خبر اسم الإشارة وهو مبتدأ وليس اسمها ضمير الشأن على مذهب من يجوز ذلك والأول أوضح (إنما ذاك) الحساب المذكور في الآية هو (العرض) أي عرض أعمال المؤمن عليه بأن تعرض عليه أعماله فيعرف الطاعة منها والمعصية ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز عن المعصية ولا يطالب بالعذر فيه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة لأنه (من نوقش) واستقصي (الحساب) بضم النون وكسر القاف مبنيًّا للمفعول والحساب نصب بنزع الخافض أي من استقصي أمرُهُ في الحساب (يوم القيامة عذب) بالبناء للمجهول خبر المبتدأ الذي هو من الموصولة أي من استقصي في محاسبته وحوقق عذب في النار أو أن نفس عرض الذنوب عليه والتوقيف على قبح ما سلف منه والتوبيخ عليه عذاب. والحاصل أن الحساب المذكور في الآية هو الحساب بمعنى عرض الأعمال على المؤمن وإثابته على حسناته ومسامحته عن سيئاته فيدخل الجنة، والحساب المذكور في الحديث بمعنى المناقشة والتشديد عليه ليعذب على سيئاته ولو صغيرة ما لم يتب عنها في الدنيا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير إذا السماء انشقت باب فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا [4939] وفي الرقاق باب من نوقش الحساب عُذّب [6437 و 6536]، وأبو داود في الجنائز باب عيادة النساء [3093]، والترمذي في صفة القيامة باب من نوقش عُذّب [2426] وفي سورة إذا السماء انشقت [3337]، وكذا النسائي في التفسير. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

7053 - (00) (00) حدّثني أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 7054 - (00) (00) وحدّثني عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشرٍ بْنِ الْحَكَم الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ)، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ الْقُشَيرِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلَّا هَلَكَ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَيسَ اللَّهُ يَقُولُ: حِسَابا يَسِيرًا؟ قَال: "ذَاكَ الْعَرْضُ. وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7053 - (00) (00) (حدثني أبو الربيع العتكي) سليمان بن داود الزهراني البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا أيوب) السختياني البصري، غرضه بيان متابعة حماد لابن علية، وساق حماد (بهذا الإسناد) يعني عن ابن أبي مليكة عن عائشة (نحوه) أي نحو ما حدّث إسماعيل بن علية. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 7054 - (00) (00) (وحدثني عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي) أبو محمد النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا (حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان حدثنا أبو يونس القشيري) حاتم بن أبي صغيرة مسلم البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا ابن أبي مليكة عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي يونس لأيوب السختياني (عن النبي صلى الله عليه وسليم ليس أحد) من الناس (يُحاسب) أي يُناقش ويستقصى في حسابه (إلا هلك) أي ألا عُذب بالنار، قالت عائشة (قلت يا رسول الله أليس الله يقول) في كتابه العزيز (حسابًا يسيرًا، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ذاك) الحساب اليسير المذكور في الآية هو (العرض) أي عرض الأعمال على المؤمن وإثابته على حسناته والمسامحة له عن سيئاته إدخاله الجنة (ولكن من نوقش) واستقصي في (الحساب هلك) بالعذاب فلا ينجو من النار ولكن الله يعفو ويغفر مما دون الشرك لمن يشاء.

7055 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنِي يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُثمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ" ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي يُونُسَ. 7056 - (2849) (16) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاثٍ، يَقُولُ: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 7055 - (00) (00) (وحدثني عبد الرحمن بن بشر) بن الحكم العبدي (حدثني يحيى وهو القطان عن عثمان بن الأسود) بن موسى بن باذان الجمحي مولاهم، روى عن ابن أبي مليكة في عذاب القبر وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد، ويروي عنه (ع) ويحيى القطان والثوري والفضل بن موسى وخلق، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وابن سعد وقال: كثير الحديث، وقال العجلي: ثقة، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من كبار السابعة، مات سنة خمسين ومائة (150) أو قبلها (عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نوقش الحساب هلك) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عثمان بن الأسود لأبي يونس القشيري (ثم) بعد هذه الكلمات (ذكر) عثمان بن الأسود (بمثل حديث أبي يونس) القشيري. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو حسن الظن بالله تعالى عند الموت بحديث جابر رضي الله عنه فقال: 7056 - (2849) (16) (حدثنا يحيى بن يحيى) النيسابوري (أخبرنا يحيى بن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الوادعي أبو سعيد الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكي ثم الواسطي، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث) ليال (يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن) من الإحسان (بالله) تعالى (الظن) قال العلماء: هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة، وقد

7057 - (00) (00) وحدّثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو مُعَاوَيةَ. كُلُهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 7058 - (00) (00) وحدّثني أَبُو دَاوُدَ، سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سبق في الحديث الآخر قوله سبحانه وتعالى: "أنا عند ظن عبدي بي" قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا ويكونان سواء، وقيل يكون الخوف أرجح فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له ويؤيده الحديث المذكور بعده كل يبعث كل عبد على ما مات عليه" ولهذا عقبه مسلم للحديث الأول اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الجنائز باب ما يستحب منه حسن الظن بالله عند الموت [3113]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 7057 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابا (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (وأبو معاوية كلهم) أي كل من جرير وأبي معاوية وعيسى بن يونس رووا (عن الأعمش) غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة ليحيى بن زكرياء وساقوا (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر (مثله) أي مثل ما روى يحيى بن زكرياء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 7058 - (00) (00) (وحدثني أبو داود سليمان بن معبد) بن كوسجان بجيم بعد

حَدَّثَنَا أبُو النعْمَانِ، عَارِمٌ. حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا وَاصِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأنَصَارِيِّ، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَبلَ مَوتِهِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ عَز وَجَلَّ". 7059 - (2850) (17) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَعُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُبعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ المهملة المروزي السنجي بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو النحوي، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو النعمان) وقيل أبو الفضل محمد بن الفضل السدوسي (عارم) البصري لقبه، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا مهدي بن ميمون) الأزدي أبو يحيى البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا واصل) بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي البصري، صدوق، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزبير لأبي سفيان (قال) جابر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول لا يموتن أحدكم (لا وهو يُحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 7059 - (2855) (17) (وحدثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع (عن جابر) بن عبد الله. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يُبعث) أي يُحشر يوم القيامة (كل عبد) أي كل إنسان (على ما) أي على العمل الذي (مات عليه) يوم موته خيرًا كان أو شرًّا أي يُبعث على الحالة التي مات عليها، قال القاضي عياض: ولله در مسلم في ذكر هذا الحديث عقب الذي قبله ويدل على سعة فهمه وعلمه لأنه أورده كالتفسير له ثم جاء بعده بآخر لقوله فيه بُعثوا على

7060 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ نَافِع، حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَن الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَقَال: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَقُل: سَمِعْتُ. 7061 - (2851) (18) وحدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ أعمالهم ليُفهم أن هذا الحديث وإن كان مفسرًا لما قبله فليس مقصورًا عليه وإنما هو عام فيه وفي غيره بدليل هذا الآخر الآتي ثم وصل به ابتداء أحاديث الفتن وقدم فيها حديث الجيش الذي يُخسف بهم ثم قال يبعثهم الله تعالى على نياتهم اهـ من الأبي. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [3/ 133 و 366]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7060 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لجرير بن عبد الحميد، وساق سفيان (مثله) أي مثل حديث جرير (و) لكن (قال) سفيان في روايته لفظة (عن النبي صلى الله عليه وسلم) بالعنعنة (ولم يقل) سفيان لفظة (سمعت) كما قالها جرير. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنه فقال: 7061 - (2851) (18) (وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب العدوي أبو عمارة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته

"إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعَمَالِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (إذا أراد الله بقوم عذابًا) أي هلاكًا في الدنيا لسوء صنيعهم وشدة مخالفتهم لرسولهم (أصاب) ذلك (العذاب) أي عمَّ جميع (من كان فيهم) أي في أولئك القوم من المطيع والعاصي (ثم بُعثوا) عند النفخة الثانية أي حُشروا إلى موقف القيامة (على أعمالهم) أي كل على عمله وحالته التي كان عليها في الدنيا. قوله (أصاب العذاب من كان فيهم) المراد من العذاب الدنيوي فإنه يعم المطيع والعاصي وهو معنى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} فالعذاب يصيب المطيع أيضًا إما لكونه لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر على ما ينبغي وإما لتعجيل ثوابه في الآخرة. قوله (ثم بعثوا على أعمالهم) معناه أن العذاب الدنيوي وإن عمّ المطيع والعاصي ولكن المجازاة في الآخرة إنما تكون على حسب الأعمال فيستحق العاصي العقوبة والمطيع الثواب والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم أيضًا من بين أصحاب الأمهات. وصلنا إلى هذا المحل بعون الله تعالى وتوفيقه في تاريخ يوم الثلاثاء العاشر من شهر رجب الفرد 10/ 7 / 1428 هـ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة عشر: الأول حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث زيد بن ثابت ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد، والرابع حديث أبي أيوب ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث البراء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد، والثامن حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد، والتاسع حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد، والعاشر حديث أبي طلحة ذكره للاستشهاد، والحادي عشر حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني عشر حديث جابر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث عشر حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع عشر حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

كتاب الفتن وأشراط الساعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 33 - كتاب الفتن وأشراط الساعة ـــــــــــــــــــــــــــــ 33 - كتاب الفتن وأشراط الساعة والفتن بكسر الفاء وفتح التاء المثناة فوق على وزن قرب وقربة، من الفتن بفتح الفاء وسكون التاء، وأصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته ويُطلق في إدخال الإنسان في النار كما في قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)} ويُطلق على العذاب كقوله تعالى: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} وعلى الاختبار كقوله {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} والفتنة الشدة تأخذ الإنسان في نفسه أو في أهله أو في ماله من القتل والأمراض والآفات وغير ذلك وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يُستعملان فيما يُدفع إليه الإنسان من شدة أو رخاء وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالًا وفيهما استعمل قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيرِ فِتْنَةً} وقال الراغب في المفردات (ص 379) بعد نقل هذه المعاني والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة، ومتى كان من الله تعالى يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله تعالى يكون بضد ذلك، ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة في كل مكان كقوله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}. والمقصود من كتاب الفتن المدرج في كثير من كتب الحديث ذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخبر فيها عن الفتن الكائنة في المستقبل إلى يوم القيامة وحذر المسلمين عنها وبين وجه العمل فيه وطريق التخلص منها. وأما الأشراط فجمع شرط بفتحتين بمعنى العلامة كما في القاموس وأما بسكون الراء ما يلزم من عدمه عدم المشروط له ولا يلزم من وجوده وجود المشروط له وهو الذي يذكره الفقهاء في كتبهم كشروط العبادات والمعاملات والمناكحات وغيرها فيكون الطرد لا العكس، وأما لغة فهو تعليق وجود شيء أو عدمه بآخر كذلك. والمراد من أشراط الساعة علامتها التي تدل على قرب قيامها.

759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر

759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر 7062 - (2852) (19) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اسْتَيقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــ 759 - (3) باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج، والخسف بالجيش الذي يوم البيت، ونزول الفتن كمواقع القطر وقوله (اقتراب) هو افتعال بمعنى القرب لأن باب افتعل يأتي بمعنى الثلاثي أي باب في قرب وقوع الفتن التي تدل على قرب الساعة التي منها فتح ردم يأجوج ومأجوج أي فتح سدهما الذي سده عليهما ذو القرنين، وعطف ردم يأجوج ومأجوج على الفتن من عطف الخاص على العام لغرض الاهتمام به أو من عطف المفصل على المجمل أي باب قرب الفتن وقرب فتح ردم يأجوج ومأجوج. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو فتح ردم يأجوج ومأجوج بحديث زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها فقال: 7062 - (2852) (19) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) ربيبته صلى الله عليه وسلم وبنت أبي سلمة الصحابية المخزومية رضي الله تعالى عنها (عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، روى عنها في (3) أبواب (عن زينب بنت جحش) بن رئاب بن يعمر الأسدية أم المؤمنين رضي الله عنها، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لها أحد عشر حديثًا، ويروي عنها (ع) وابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش وزينب بنت أبي سلمة ومولاها مذكور وجماعة، ماتت سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أنه اجتمع فيه ثلاث صحابيات ربيبته صلى الله عليه وسلم وزوجتاه يروي بعضهم عن بعض اهـ أبي (أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ) أي انتبه يومًا (من نومه وهو) أي والحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول لا إله إلا

اللهُ. وَيلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ. فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلُ هَذِهِ". وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ الله ويل للعرب) أي هلاك لهم (من شر قد اقترب) أي قرُب وقوعه عليهم، هذا الكلام ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن شر وفتنة اقترب إصابتها للعرب ولم يبيّن صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك ولا عيّن تلك الفتنة، وقد اختلف الشراح في تعيينها فمنهم من ذهب إلى أنه إشارة إلى قتل عثمان رضي الله عنه حيث تتابعت بعد ذلك الفتن، وقال القرطبي: هذا تنبيه على الاختلاف والفتن والهرج الواقع في العرب وأول ذلك قتل عثمان رضي الله عنه ولذلك أخبر عنه بالقرب ثم لم يزل كذلك إلى أن صارت العرب بين الأمم كالقصعة الواقعة بين الأكلة كما قال في الحديث الآخر "أوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها" رواه أحمد وأبو داود عن ثوبان قال ذلك مخاطبًا للعرب كما خاطبهم بقوله أيضًا "إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر" كما سيأتي اهـ من المفهم. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم (فُتح) أي فرج (اليوم) أي الآن (من ردم) أي من سد (يأجوج ومأجوج مثل) أي قدر (هذه الفرجة التي ترونها بين إبهامي وسبابتي (وعقد سفيان) بن عيينة (بيده) أي عد سفيان بعقد أصابعه الأربعة غير السبابة (عشرة) أي أشار بها إلى عشرة من العدد لأنه جعل طرف السبابة على باطن نصف الإبهام فالأصابع الثلاثة الخنصر والبنصر والوسطى لكل منها ثلاث عقد فتكون إشارة إلى تسعة ويحسب من الإبهام العقدة العليا لأن السفلى مقبوضة مع السبابة فلا تُحسب فإذا ضممت العقدة العليا من الإبهام إلى عقد الأصابع الثلاثة تكون جملة العقد عشرة فتكون كل واحدة منها إشارة إلى واحد. والردم هو السد الذي بناه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج سدًّا لطريق خروجهم إلى ما وراء الجبلين، والردم هو سد الثلمة بالحجر والردم هو بمعنى المردوم، ويأجوج ومأجوج يهمزان ولا يهمزان قبيلتان من ولد يافث بن نوح - عليه السلام - والصحيح أنهم أمة من بني آدم وما رُوي من خلاف هذا فإنه لا أصل له في الروايات الصحيحة وإنما هو منقول من بعض أهل الكتاب. فمن همزهما جعلهما من أجيج النار وهو ضوءها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحرارتها، وقيل من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة وسُموا بذلك لكثرتهم وشدتهم، وقيل هما اسمان أعجميان غير مشتقين، أما كثرتهم فقد ذكر القزويني في كتابه المسمى بعيون المعاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذلك مأجوج، لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده وكذلك مأجوج، وإذا خرجوا فمقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية ويأكلون كل فيل وخنزير ومن مات منهم أكلوه، وأما شدتهم فصنف منهم كالأرز طول أحدهم مائة وعشرون ذراعًا وصنف منهم في طول شبر لهم مخالب وأنياب كأنياب السباع وتداعى الحمام وتسافد البهائم وعواء الذئب وشعور تقيهم الحر والبرد، وآذان عظام أحدها وبرة يشتون فيها وأخرى جلدة يصيفون فيها فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس، يحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان حتى يقولوا ننقبه غدًا إن شاء الله فينقبون ويخرجون ويتحصن الناس بالحصون فيرمون السهام إلى السماء فترد إليهم ملطخًا بالدم ثم يهلكهم الله بالنغف في رقابهم وهو الدود" قاله علي رضي الله عنه اهـ من المفهم والله أعلم. ويحتمل أن يكون قوله (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) محمولًا على الحقيقة على أن سد ذي القرنين كان سالمًا إلى ذلك اليوم فحدثت فيه ثلمة يومئذ، ويحتمل أن يكون محمولًا على المجاز فيكون كناية عن ظهور أمارات الفتن، ويحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام ذلك السد بعينه ورأى أنه قد انكسر بمقدار حلقة وكان تعبير ذلك الرؤيا أن العرب تصيبهم مصيبة ويشكل على الاحتمال الأول ما رواه الترمذي في تفسير سورة الكهف [رقم / 3153] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في السد قال: "يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغ مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا إن شاء الله واستثنى قال فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس" الحديث. وهذا يدل على أن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم ولا يزالون يفعلون ذلك إلى حين خروجهم بقرب القيامة ويمكن الجواب عنه بأن هذه الرواية وإن حسنّها الترمذي، ولكنه قال: حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَال: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ [3/ 105] وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته ولكن هذا قد رُوي عن كعب الأحبار أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه ويقولون غدًا نفتحه ويُلهمون أن يقولوا إن شاء الله فيصبحون وهو كما فارقوه فيفتحونه وهذا متجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كان كثيرًا ما كان يجالسه ويحدّثه فحدّث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه، وقال الحافظ ابن كثير أيضًا في البداية والنهاية [2/ 112] فإن لم يكن رفع هذا الحديث محفوظًا وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار كما قاله بعضهم فقد استرحنا من المؤنة وإن كان محفوظًا فيكون محمولًا على أن صنيعهم هذا يكون في آخر الزمان عند اقتراب خروجهم كما هو المروي عن كعب الأحبار أو يكون المراد بقوله: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي نافذًا منه فلا ينفوا أن يلحسوه ولا ينفذوه والله أعلم. وعلى هذا فيمكن الجمع بين هذا وبين ما في الصحيحين عن أبي هريرة "فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد تسعين" أي فُتح فتحًا نافذًا فيه والله أعلم. قالت زينب (قلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون) بفتح النون وكسر اللام على البناء للفاعل وكان زينب رضي الله تعالى عنها فهمت من فتح القدر المذكور من الردم أن الأمر إن تمادى على ذلك اتسع الخرق بحيث يخرجون فكان عندها علم أن في خروجهم على الناس إهلاكًا عامًّا لهم فسألت عن ذلك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) تهلكون (إذا كثُر الخبث) بفتح الخاء والباء وفسروه بالزنا وبأولاد الزنا وبالفسوق والفجور وهو أولى لأنه قابله بالصلاح، قال ابن العربي: فيه الدلالة على أن الخير يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه وكذلك إذا غيّر عليه لكن حيث لا يجدي ذلك ويصر الشرير على عمله السيء ويفشو ذلك ويكثر حتى يعم الفساد فيهلك حينئذ القليل والكثير نعم يُحشر كل أحد على نيته اهـ فتح الباري [13/ 109] وهو في معنى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [7/ 428]، والبخاري في مواضع منها في الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "ويل للعرب من شر قد اقترب، [7059] وباب يأجوج ومأجوج [7135]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في خروج

7063 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشعَثِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُقيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذا الإِسْنَادِ، وَزَادُوا فِي الإِسْنَادِ عَنْ سُفْيَانَ، فَقَالُوا: عَنْ زَينَبَ بِنتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَينَبَ بِنتِ جَحْشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ مأجوج [2187]، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن [4001]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها فقال: 7063 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب، انفرد بالرواية عنه (م) (وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الأربعة (حدثنا سميان عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن زينب عن أم حبيبة عن زينب (وزادوا) أي زاد هؤلاء الأربعة (في) سلسلة (الإسناد عن سفيان) حبيبة بنت عيد الله بن جحش (فقالوا) في زيادتها عن عروة (عن زينب بنت أم سلمة عن حبيبة) بنت عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة أولًا الذي كان قد تنصر في الحبشة فهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم (عن أم حبيبة) أم المؤمنين (عن زينب بنت جحش) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهن. فهذا الإسناد من ثمانياته، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة لعمرو الناقد، وقد اجتمع في هذا الإسناد لطائف الأول منها أن فيه أربعة من النساء الصحابيات تروي كل منهن عن الأخرى، والثاني أن زينب بنت أم سلمة وحبيبة بنت عبيد الله كلتاهما ربيبتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأم حبيبة وزينب بنت جحش كلتاهما زوجتان له صلى الله عليه وسلم، والثالث أن حبيبة تروي هذا الحديث عن أمها عن عمتها لأن زينب بنت جحش أخت لأبيها عبيد الله بن جحش، وقد جمع الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي جزءا في الأحاديث المسلسلة بأربعة من الصحابة وجملة ما فيه أربعة أحاديث، وبلغها الحافظ عبد القادر الرهاوي والحافظ يوسف بن خليل إلى تسعة أحاديث وأصحها حديث الباب اهـ من فتح الباري. قال النووي: ولا يعلم حديث اجتمع فيه أربع صحابيات بعضهن عن بعض غير هذا ثم إن بعض العلماء زعم أن هذه الرواية التي وقعت بزيادة (حبيبة) في الإسناد تؤذن بانقطاع

7064 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ زَينَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخبَرَتهَا؛ أَنَّ زَينَبَ بِنْتَ جَحشٍ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَزِعًا، مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ. وَيلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ. فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمأجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ" وَحَلَّقَ بإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الطريق السابق الذي ليس فيه ذكر (حبيبة) ولكن الصحيح أن زينب بنت أبي سلمة سمعت هذا الحديث مرة عن أم حبيبة بلا واسطة وأخرى بواسطة حبيبة، والدليل على ذلك ما سيأتي عن المؤلف في طريق يونس عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها وكذلك ما أخرجه البخاري في باب علامات النبوة رقم [3598] من طريق شعيب عن الزهري قال: حدثني عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها .. الخ، وفيه تصريح بأن أم حبيبة حدثت زينب بنت أبي سلمة بلا واسطة فكلا الطريقين صحيح والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث زينب رضي الله تعالى عنها فقال: 7064 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن زبنب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة يونس لسفيان بن عيينة (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من عندي (فزعًا) أي خائفًا (محمرًا وجهه) لفزعه حالة كونه (يقول لا إله إلا الله وبل للعرب من شر) وفتن (قد اقترب) وقوعها فيهم (فُتح اليوم من ردم) وسد (يأجوج ومأجوج مثل هذه) الحلقة (وحلّق بأصبعه الإبهام والتي تليها) يعني السبابة فتكون الإشارة إلى تسعة بعقد الأصابع الثلاثة المرسلة فكل عقدة لها لواحد فتكون

قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَال: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ". 7065 - (00) (00) وحدَّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. بِمِثلِ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الإشارة إلى تسعة (قالت) زينب (فقلت) له (يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث) والفجور والزنا والفواحش. قوله (بأصبعه الإبهام والتي تليها) قال القرطبي: هذا إخبار وتفسير من الصحابة التي شاهدت إشارة النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن الرواة بعدهم عبّروا عن ذلك بإصطلاح الحُسّاب، فقال بعضهم: وعقد سفيان بيده عشرة كما مر، وقال بعضهم: وعقد وهيب بيده تسعين كما سيأتي وهذا تقريب في العبارة، والحاصل أن الذي فتحوا من السد قليل وهم مع ذلك لم يلهمهم الله أن يقولوا غدًا نفتحه إن شاء الله تعالى فإذا قالوها خرجوا والله أعلم اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث زينب رضي الله تعالى عنها فقال: 7065 - (00) (00) (وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري أبو عبد الله، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (عن جدي) ليث بن سعد (حدثني عقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل مكبرا الأموي المصري، ثقة، من (6) (ح وحدثني عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) كلاهما) أي كل من عقيل بن خالد وصالح بن كيسان رويا (عن ابن شهاب) وهذان السندان من تساعياته، غرضه بيان متابعة عقيل وصالح ليونس بن يزيد وساقا (بمثل حديث يونس) بن يزيد (عن الزهري بإسناده) أي بإسناد يونس يعني عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة .. الخ.

7066 - (2853) (20) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأَجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ" وَعَقَدَ وُهَيبٌ بِيَدِهِ تِسْعِينَ. 7067 - (2854) (21) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَأَبُو بَكرٍ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرانِ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث زينب بنت جحش بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7066 - (2853) (20) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم أبو إسحاق البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (6) (عن أبيه) طاوس بن كيسان، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فُتح اليوم من ردم) أي من سد (يأجوج ومأجوج مثل هذه) الحلقة (وعقد وهيب) بن خالد (بيده) أي أشار بعقد أصابع يده الثلاثة الخنصر والبنصر والوسطى أي عدَّ بعقدها عند إرسالها مع قبض السبابة والإبهام (تسعين) من العدد لأن الأصابع الثلاثة لكل منها ثلاث عقد وجملة عقدها تسع وكل عقدة تدل على عشرة فالجملة تسعون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب قصة يأجوج ومأجوج [3347] وفي الفتن باب يأجوج ومأجوج [7136]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو الخسف بالجيش الذي يؤم البيت بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 7067 - (2854) (21) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لقتيبة قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا جرير) بن عبد الحميد

عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ. قَال: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ وَعَبدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَنَا مَعَهُمَا، عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. فَسَأَلاهَا عَنِ الجَيشِ الَّذِي يُخسَفُ بِهِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيرِ. فَقَالت: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيتِ فَيُبْعَثُ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الضبي الكوفي، ثقة، من (8) (عن عبد العزيز بن رفيع) مصغرًا الأسدي أبي عبد الله المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن عبيد الله بن القبطية) الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (2) بابين الصلاة والفتن (قال) عبيد الله (دخل الحارث) بن عبد الله (بن أبي ربيعة) الحجازي، صدوق، من (2) كان قليل الحديث، روى عن أم سلمة في الفتن (وعبد الله بن صفوان) بن أمية بن خلف الجمحي أحد الأشراف أبو صفوان المكي، قُتل مع ابن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة سنة ثلاث وسبعين (73) ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين، روى عن حفصة وأم سلمة في الفتن، ثقة، من (1) روى عنه في (1) باب، قال عبيد الله بن القبطية دخلا (وأنا معهما) أي مع ابن أبي ربيعة وابن صفوان (على أم سلمة أم المرمنين) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (فسألاها) أي سألا أم سلمة (عن الجيش الذي يُخسف به) الأرض (وكان ذلك) أي سؤالهما لأم سلمة (في أيام) خلافة عبد الله (بن الزبير) رضي الله عنه اعترض على هذا أبو الوليد الكتاني بأن أم سلمة توفيت في خلافة معاوية قبل موته بسنتين سنة تسع وخمسين ولم تدرك أيام ابن الزبير، وأجاب عنه القاضي والنووي بأن هناك قولًا يقول أنها توفيت في أوائل أيام يزيد بن معاوية ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وأبو بكر بن أبي خيثمة وعلى هذا يستقيم ما ذُكر في هذا الحديث لأن ابن الزبير نازع يزيد أول ما بلغته بيعته عند وفاة معاوية ذكر ذلك الطبراني وغيره، وقد ذكر مسلم هذا الحديث بعد هذه الرواية من رواية حفصة وقال بعد ذلك أيضًا عن أم المؤمنين ولم يسمها، قال الدارقطني: هي عائشة، قال: ورواه سالم بن أبي الجعد عن حفصة أو أم سلمة قال: والحديث محفوظ عن أم سلمة وهو أيضًا محفوظ عن حفصة هذا آخر كلام القاضي اهـ نووي. (فقالت) أم سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ عائذ بالبيت) أي سوف يستجير ويلوذ ويلتجئ بالكعبة ويلوذ بها رجل من المسلمين لا منعة له ولا قوة، وقد صرح في حديث عائشة الآتي بأنه سيكون من قريش (فيبعث إليه) أي إلى ذلك

بَعْثٌ. فَإِذَا كَانُوا بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، خُسِفَ بِهِمْ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَال: "يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ. وَلَكِنَّهُ يُبعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ". وَقَال أَبُو جَعْفَرٍ: هِيَ بَيدَاءُ الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل المستجير بالبيت (بعث) أي جيش أي فيبعث إليه عدوه بعثًا ليهجم عليه وينتهك حرمة البيت والعياذ بالله من ذلك (فإذا كانوا) أولئك البعث (ببيداء) أي بمفازة (من الأرض) في طريقهم إلى البيت، والبيداء الأرض الملساء التي لا شيء فيها وهي المفازة، يُجمع على بيد كبيضاء يُجمع على بيض، وسيأتي أن أبا جعفر الباقر فسرها ببيداء المدينة وهو الموضع المشرف قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة، ويمكن أن يكون عنده خبر معين وإلا فلفظ الحديث نكرة يصدق على آية بيداء كانت (خسف بهم) الأرض قالت أم سلمة (فقلت يا رسول الله فكيف) الحكم (بمن كان) معهم أي مع أولئك الجيش حالة كونه (كارهًا) لعملهم أو مكرهًا على عملهم فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم هو (يُخسف به) الأرض (معهم ولكنه يُبعث يوم القيامة على نيته) أي على برائته من عملهم (وقال أبو جعفر) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (4): تلك البيداء التي يُخسف فيها الجيش (هي بيداء المدينة) المكان المشرف قدام ذي الحليفة كما مر آنفًا. قوله (خُسف بهم) يعني أن الله عزَّ وجلَّ سوف يخسف بهم عقوبة لهم على عملهم الذي أرادوا به من الهجوم على الكعبة وعلى من لجأ إليها، وقال الأبي: الأظهر في هذا الخسف أنه لم يقع بعد وأنه لا بد منه لوجوب صدق خبره صلى الله عليه وسلم وحاول بعضهم أن يحمل هذا الحديث على من غزا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وهو مستعيذ بمكة ولكن سيأتي أن عبد الله بن صفوان رد على من زعم ذلك فقال: أما والله ما هو بهذا الجيش وقد ثبت صدقه بأن الجيش الذي هجم على ابن الزبير رضي الله عنه لم يُخسف به فظهر أن المراد في الحديث جيش آخر ولم أطلع في التاريخ على جيش يمكن أن يجعل مصداق هذا الحديث فالظاهر كما قال الأبي أنه سوف يكون في المستقبل والله أعلم. قوله (فكيف بمن كان كارهًا) أي رافقهم من غير أن يكون منه رضًا بعملهم فكأنها تعجبت من كون مثله يُخسف به مع المعذبين مع أنه لم يرض بفعلهم. قوله (يُخسف به معهم) .. الخ يعني أنه يصيبه العذاب العام في الدنيا ولكنه ينجو من عذاب الآخرة إن

7068 - (00) (00) حدّثناه أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيعٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِهِ قَال، فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ، فَقُلْتُ: إِنَّهَا إِنَّمَا قَالت: بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ. فَقَال أَبُو جَعْفَرٍ: كَلَّا. وَاللهِ، إِنَّهَا لَبَيدَاءُ الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت نيته صالحة وهذا موافق لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنزل الله بقوم عذابًا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم" أخرجه البخاري في الفتن رقم [2108] وقال الحافظ في الفتح [4/ 341] وفي هذا الحديث دلالة على أن الأعمال تعتبر بنية العامل والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم ألا لمن اضطر إلى ذلك ويتردد النظر في مصاحبة التاجر لأهل الفتنة هل هي إعانة لهم على ظلمهم أو من ضرورة البشرية ثم يعتبر عمل كل أحد بنيته وعلى الثاني يدل ظاهر الحديث أي حديث عائشة وسيأتي متنه قريبًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الفتن باب بدون ترجمة [2171]، وأبو داود في المهدي [4289]، وابن ماجه في الفتن باب جيش البيداء [4115]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 7068 - (00) (00) (حدثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن عبد الله التميمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حُديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا عبد العزيز بن رفيع) الأسدي المكي، ثقة، من (4) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة زهير لجرير، وساق زهير (بهذا الإسناد) يعني عن ابن القبطية عن أم سلمة مثله (و) لكن (في حديثه) أي في حديث زهير وروايته لفظة (قال) عبد العزيز بن رفيع اهـ مفهم (فلقيت أبا جعفر) الهاشمي محمدًا الباقر بن علي (فقلت) له (إنها) أي إن أم سلمة (إنما قالت) لفظة (بيداء من الأرض) ولم تعينها ولم تعرّفها ببيداء مخصوصة (فقال) لي (أبو جعفر كلا) حرف ردع وزجر عما لا يليق أي ارتدع عن اعتقادك وانزجر عما قلت (والله أنها) أي إن البيداء التي يُخسف بهم فيها (لـ) هي (بيداء المدينة) التي قدام ذي الحليفة من جهة مكة، فاختلف عبد العزيز وأبو جعفر في المراد بالبيداء اهـ (ط).

7069 - (2855) (22) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو). قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ. سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ صَفْوَانَ يَقُولُ: أَخبَرَتْنِي حَفْصَةُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَيَؤُمَّنَّ هَذَا الْبَيتَ جَيشٌ يَغزُونَهُ. حَتَّى إِذَا كَانوا بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوْسَطِهِمْ ويُنَادِي أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ. ثُمَّ يُخسَفُ بِهِمْ. فَلَا يَبقى إِلَّا الشَّرِيدُ الَّذِي يُخبِرُ عَنْهُمْ". فَقَال رَجُلٌ: أَشْهَدُ عَلَيكَ أَنَّكَ لَمْ تَكذِبْ عَلَى حَفْصَةَ. وَأَشهَدُ عَلَى حَفْصَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكذِبْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم سلمة بحديث حفصة بنت عمر رضي الله عنهم فقال: 7069 - (2855) (22) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لعمرو) الناقد (قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن أمية بن صفوان) بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي المكي، روى عن جده عبد الله بن صفوان في الفتن وأبي بكر بن أبي زهير، ويروي عنه (م س ق) وسفيان بن عيينة ونافع بن عمر، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (سمع جده عبد الله بن صفوان) الجمحي المكي (يقول أخبرتني حفصة) بنت عمر أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (يقول) والله (ليؤمن) أي ليقصدن (هذا البيت) المشرف يعني الكعبة المشرفة زادها الله تعالى شرفًا (جيش) في مستقبل الزمان موصوف بكونهم (يغزونه) أي يغزون أهل هذا البيت أي يريدون غزو أهله ومقاتلتهم وانتهاك حرمته ويسيرون إليه (حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض) أي بمفازة من الأرض (يُخسف بأوسطهم) وقلبهم الأرض (وينادي أولهم) ومقدمتهم (آخرهم) وساقتهم ليرجع آخرهم إلى ورائهم (ثم يُخسف بهم) جميعًا أي بأولهم وآخرهم كما خُسف بأوسطهم (فلا يبقى منهم إلا الشريد الذي) يشرد عن موضع الخسف أي يفر فـ (يخبر) الناس (عنهم) أي عن خبرهم أي عن خبر ما وقع بالجيش من الخسف (فقال رجل) من الحاضرين لعبد الله بن صفوان (أشهد عليك أنك لم تكذب على حفصة وأشهد على حفصة أنها لم تكذب على

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 7070 - (2856) (23) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ أبِي أُنَيسَةَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ. أَخبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "سَيَعُوذُ بِهَذَا الْبَيتِ - ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الحج باب حرمة الحرم [2880]، وابن ماجه في الفتن باب جيش البيداء [4113]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أم سلمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال: 7070 - (2856) (23) (وحدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا الوليد بن صالح) النخاس بنون ومعجمة ثم مهملة بياع الدقيق الضبي أبو محمد الجزري الفلسطيني، نزيل بغداد، روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي والحمادين والليث وغيرهم، ويروي عنه (خ م) ومحمد بن حاتم بن ميمون ويعقوب الدورقي وغيرهم، وثقة الدورقي وأبو حاتم وأبو عوانة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من صغار التاسعة، روى عنه في (1) باب واحد باب الفتن (حدثنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الجزري الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا زيد بن) زيد (أبي أنيسة) مصغرًا كنية أبيه زيد لأنه زيد بن زيد الغنوي أبو أسامة الجزري شيخ الجزيرة، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الملك) بن ميسرة الهلالي (العامري) الزراد نسبة إلى صنعة الدروع والزرد أبي زيد الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء والكاف غير منصرف للعلمية والعجمية بن بهزاد بضم الموحدة وسكون الهاء بعدها زاي الفارسي المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الوضوء والفتن (أخبرني عبد الله بن صفوان) الجمحي المكي (عن أم المومنين) عائشة رضي الله تعالى عنها كذا فسره الدارقطني كما مر آنفًا. وهذا السند من ثمانياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيعود) ويستجير ويلتجئ (بهذا البيت) المشرف

يَعني الْكَعْبَةَ- قَوْمٌ لَيسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا عَدَدٌ وَلَا عُدَّةٌ. يُبعَثُ إلَيهِمْ جَيشٌ. حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِم". قَال يُوسُفُ: وَأَهْلُ الشَّأمِ يَوْمَئِذٍ يَسِيرُونَ إِلَى مَكَّةَ. فَقَال عَبدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ: أَمَا وَاللهِ، مَا هُوَ بِهَذَا الجَيشِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يعني) به (الكعبة) المشرفة (قوم ليست لهم منعة) أي عشيرة تحميهم عمن يظلمهم ويبغي عليهم بفتح النون وبكسرها وهي العشيرة التي تمنع عنهم الأعداء وهو بتحريك النون جمع مانع ككتبة جمع كاتب وبالسكون مصدر منع اهـ مفهم، أي ليس لهم من يحميهم ويمنعهم (ولا عدد) كثير يمنع عنهم العدو (ولا عدة) أي ولا أسلحة يدفعون بها عن أنفسهم (يُبعث إليهم) أي إلى هؤلاء الضعفاء اللاجئين إلى البيت (جيش) تقاتلهم وتأخذهم أي يبعث إليهم عدوهم جيشًا تقاتلهم وتنتهك حرمة البيت فيذهبون إلى البيت لقتالهم (حتى إذا كانوا) أي كان أولئك الجيش (ببيداء) أي بمفازة (من الأرض خُسف بهم) أي خسف الله بهم الأرض (قال يوسف) بن ماهك (وأهل الشام) يعني جيش يزيد بن معاوية (يومئذ) أي يوم إذا وقعت فتنة ابن الزبير (يسيرون إلى مكة) لقتال ابن الزبير الملتجئ إلى الحرم المكي (فقال عبد الله بن صفوان) الجمحي المكي (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (والله ما هو) أي ما الجيش الذي يُخسف به (بهذا الجيش) الذي أرسله يزيد بن معاوية إلى مكة لأخذ ابن الزبير كما قد ظهر أن هذا الجيش لم يُخسف به والذي أثار هذا الحديث في وقت عبد الله بن الزبير أن عبد الله بن الزبير لجأ إلى البيت عندما طالبه يزيد بن معاوية بأن يبايعه ففر من المدينة إلى مكة واستجار بالبيت ووافقه على رأيه ذلك جماعة على خلاف يزيد فجهز يزيد جيشًا من أهل الشام إلى مكة فحدّث الناس أن ذلك الجيش يُخسف به وذكروا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ قال لهم عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش! كما ظهر أن ذلك الجيش لم يُخسف به اهـ من المفهم. وعبد الله بن صفوان هذا أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أشراف قريش وكان ممن يقوي أمر عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ولما حوصر بابن الزبير أذن له ابن الزبير بأن يخرج من حزبه ليصون نفسه وقال: قد أذنت لك وأقلتك بيعتي، فأبى عبد الله بن صفوان أن يتركه في هذه الحالة حتى قُتل معه وهو متعلق بأستار الكعبة حكاه الزبير بن بكار كما في تهذيب

قَال زَيدٌ: وَحَدَّثَنِي عَبدُ المَلِكِ الْعَامِرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤمِنِينَ. بِمِثلِ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ. غَيرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجَيشَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ. 7071 - (2857) (24) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ التهذيب [5/ 266] من حسن إنصافه رضي الله عنه أنه مع كونه من أنصار عبد الله بن الزبير أنكر أن يكون الجيش الذي غزا ابن الزبير مصداقًا لهذا الحديث. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات والله أعلم كما ذكره القرطبي في التلخيص. (قال زيد) بن أبي أنيسة بالسند السابق (وحدثني عبد الملك) بن ميسرة (العامري) الكوفي (عن عبد الرحمن بن سابط) بكسر الموحدة الجمحي المكي، ويقال عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط وهو الصحيح، ويقال ابن عبد الله بن عبد الرحمن ذي مراسيل أرسل عن أبي بكر وعمر ومعاذ، روى عن الحارث بن أبي ربيعة في الفتن، ويروي عنه (م دت ق) وعبد الملك العامري وعلقمة بن مرثد وابن جريج والليث وخلق، روى عن عائشة بواسطة في (م) فرد حديث في الفتن، وثقه ابن معين، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، له في مسلم فرد حديث في الفتن، وقال ابن حبان في الثقات: تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة كثير الإرسال، روى عنه في (1) باب واحد في الفتن، أي قال زيد: حدثني عبد الملك العامري عن ابن سابط كما حدثني عن يوسف بن ماهك (عن الحارث بن أبي ربيعة) الحجازي (عن أم المومنين) عائشة رضي الله تعالى عنها، غرضه بيان متابعة ابن سابط ليوسف ابن ماهك ولكنها متابعة ناقصة وساق ابن سابط (بمثل حديث يوسف بن ماهك غير أنه) أي لكن أن ابن سابط (لم يذكر فيه) أي في حديثه (الجيش الدي ذكره عبد الله بن صفوان) بقوله (أما والله ما هو بهذا الجيش) وهذا السند من ثمانياته أيضًا والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أم سلمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 7071 - (2857) (24) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد) بن

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالت: عَبِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَنَعْتَ شَيئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. فَقَال: "الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيشٍ. قَدْ لَجَأ بِالْبَيتِ. حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ" فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الطرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلم البغدادي أبو محمد، المؤدّب الحافظ، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا القاسم بن الفضل) بن معدان الأزدي (الحداني) بضم الحاء والدال المشددة منسوب إلى بني حدان ولم يكن من أنفسهم بل كان نازلًا فيهم وهو من بني الحارث بن مالك اهـ نووي أبو المغيرة البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم أبي الحارث المدني ثم البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي أبي خبيب مصغرًا المكي ثم المدني الصحابي رضي الله عنه، قُتل بمكة سنة (73) ثلاث وسبعين في ذي الحجة (أن) خالته (عائشة) رضي الله عنها (قالت) وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابية (عبث) قال القرطبي: وجدته مقيدًا بفتح الباء أي أتى بكلمات كانها مختلطة يقال عبث الشيء يعبث إذا اختلطه بفتح الباء في الماضي وكسرها في المضارع من باب ضرب، فأما عبث بكسر الماضي وفتح المضارع فمعناه لعب اهـ من المفهم، وقال النووي: أي اضطرب بجسمه في مرقده وحرك أطرافه كمن يأخذ شيئًا أو يدفعه عن نفسه اهـ نووي، وفي النهاية: إنه عبث في منامه أي حرك يديه كالدافع أو الآخذ اهـ (رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه) قالت عائشة (فقلنا) له (يا رسول الله صنعت) وفعلت (شيئًا في منامك لم تكن) قط (تفعله فقال) عبث بي (العجب) أي الأمر الغريب الذي يتعجب منه وذلك (إن ناسًا من أمتي يؤمون) أي يقصدون (بالبيت) أي بهتك حرمة بيت الله والكعبة، وقال القرطبي: أشرب أي ضمن يؤمون معنى ينزلون فعداه أي بالباء وهو مما يتعدى بنفسه، وقوله (برجل) بدل من الجار والمجرور قبله أي يقصدون بخطف رجل مسلم (من قريش) لا منعة له (قد لجأ) ذلك الرجل منهم (بالبيت) أي لاذ والتجأ واستجار منهم بالبيت (حنى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم) أي خسف الله بهم الأرض، قالت عائشة (فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس) المختلفين الصالح والطالح

قَال: "نَعَمْ. فِيهِمُ الْمُسْتَبصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ. يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا. وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى. يَبْعَثُهُمُ اللهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ". 7072 - (2858) (25) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المطيع والعاصي فكيف يخسف الله بهم لأن فيهم الصالح والمطيع تعني إنه قد يلحق بالجيش رجال في الطريق ليسوا منهم ولا يريدون ما يريده الجيش فكيف بهم، وفي رواية نافع بن جبير عند البخاري قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) يجمع الطريق الأناس المختلفين عملًا وقصدًا (فيهم المستبصر) أي العارف لما يقصده الجيش العامد معهم مثل ما قصدوه من انتهاك حرمة بيت الله تعالى، وقال النووي: (المستبصر) المستبين لذلك القاصد له عمدًا اهـ (و) فيهم (المجبور) أي المكره الذي لم يخرج معهم عن اختيار وإنما أكرهوه على ذلك يقال أجبرته فهو مجبر هذه هي اللغة المشهورة، ويقال أيضًا فهو مجبور حكاها الفراء وغيره وجاء هذا الحديث على هذه اللغة (و) فيهم (ابن السبيل) فهو الذي يسلك الطريق معهم وليس منهم فكلهم (يهلكون مهلكًا واحدًا) أي يقع الهلاك على جميعهم معًا (ويصدرون) أي يبعثون ويرجعون إلى ربهم (مصادر) أي مراجع (شتى) أي مختلفة باختلاف نياتهم ومقاصدهم الحسن أو السيء فيجازون بحسبها كما ذكره بقوله (يبعثهم الله) تعالى (على نياتهم) أي يبعثهم الله ويجازيهم على حسب نياتهم المختلفة خيرًا أو شرًّا، وقال القرطبي (المستبصر) البصير بالأمور (والمجبور) المكره الذي لا حيلة له في دفع ما يُحمل عليه وهو من جبرت الرجل على الشيء يفعله فهو مجبور ثلاثيًّا ويقال أجبرته رباعيًّا وهو الأصح والأكثر فهو مجبر بفتح الباء (والمهلك) الهلاك ويصدرون يرجعون وأصل الصدر الرجوع عن موضع الماء (وشتى) أي مختلفين بحسب نياتهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في البيوع باب ما ذُكر في الأسواق [2118]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو نزول الفتن كمواقع القطر بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه فقال: 7072 - (2858) (25) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أبِي عُمَرَ -وَاللَّفْظُ لابْنِ أبِي شَيبَةَ- (قَال إِسْحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَغ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطُم مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ قَال: "هَل تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلال بُيُوتكُمْ، كَمَوَاقِعِ الْقَطرِ". 7073 - (00) (00) وحدّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر واللفظ لابن أبي شيبة قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن أسامة) بن زيد بن حارثة الكلابي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبّه رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف) أي علا وارتفع (على أطم) بضم الهمزة والطاء وهو القصر أو الحصن وجمعه آطام أي علا وارتفع على حصن (من آطام المدينة) وحصونها (ثم قال هل ترون ما أرى) أي هل تبصرون ما أبصر (إني لأرى) وأبصر (مواقع الفتن) أي مواضع وقوع الفتن (خلال بيوتكم) أي وسط بيوتكم أي أرى مواقع كمواقع القطر) أي في الكثرة والعموم والانتشار يعني أنها كثيرة وتعم الناس لا تختص بها طائفة وهذه إشارة إلى الحروب الجارية بينهم كوقعة الجمل وصفين والحرة ومقتل عثمان ومقتل الحسين رضي الله عنهما وغير ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم والمواقع جمع موقع وهو مكان وقوع الشيء فهو اسم مكان ويصح كونه مصدرًا ميميًّا والقطر بفتح القاف وسكون الطاء المطر، وقوله (خلال بيوتكم) أي بينها كأنه إشارة إلى قتل عثمان في الدار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في فضائل المدينة [1878] وفي المظالم [2467] وفي المناقب [3597] وفي الفتن [7060]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة رضي الله عنه فقال: 7073 - (00) (00) (وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري) غرضه بيان متابعة معمر لأبي عيينة، وساق معمر (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن أسامة (نحوه) أي نحو ما حدّث سفيان.

7074 - (2859) (26) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُسَيَّب وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي. مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَستَشرِفُهُ. وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسامة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7074 - (2859) (26) (حدثني عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (والحسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد أخبرني وقال الآخران حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري، ثقة، من (4) (عن ابن شهاب حدثني) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) (وأبو سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري، ثقة، من (3) (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال) وهذا السند من سباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون) أي ستقع فيكم أيتها الأمة (فتن) كثيرة تموج كموج البحر (القاعد فيها) أي في تلك الفتن أي القاعد في مكانه في حالة وقوعها (خير) أي أقل ضررًا بها (من القائم) في مكانه في تلك الحالة (والقائم فيها خير) أي أقل ضررًا (من الماشي والماشي فيها) أي إليها برجله (خير من الساعي) أي من المسرع إليها (من تشرف) أي من انتصب وتطلع وتعرض (لها تستشرفه) أي تقلبه وتسقطه وتهلكه (ومن وجد فيها) أي في تلك الفتنة أي من وجد (ملجأ) ومنجًا عنها وموضعًا يلتجئ إليه منها (فليعُذ به) أي فليلذ بذلك الملجأ ويستجر به ويعتزل فيه عنها، أي ليذهب إليه ليعتزل فيه ومن لم يجد ملجأ فليتخذ سيفًا من خشب اهـ مناوي. قوله (من تشرف لها تستشرفه) أي من تعاطاها أو تشوف إليها صرعته وأهلكته وهو مأخوذ من أشرف المريض على الهلاك إذا أشفى عليه، ورُوي (من يتشرف إليها) على أنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل مضارع مجزوم بمن الشرطية، والأول على أنه فعل ماض في موضع الجزم بها اهـ مفهم. قوله (القاعد فيها خير من القائم) وفي رواية آتية (النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القائم) قال الداودي: الظاهر أن المراد من يكون مباشرًا لها في الأحوال كلها يعني أن بعضهم في ذلك أشذ من بعض فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببًا لإثارتها ثم من يكون قائمًا بأسبابها وهو الماشي ثم من يكون مباشرًا لها وهو القائم ثم من يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد ثم من يكون مجتنبًا لها ولا يباشرها ولا ينظر إليها وهو المضطجع اليقظان ثم من لا يقع منه شيء من ذلك ولكنه راض وهو النائم والمراد بالأفضلية وهذه الخيرية من يكون أقل شرًّا ممن فوقه على التفصيل المذكور اهـ فتح الباري [13/ 30 و 31]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المناقب في علامات النبوة [3601] وفي الفتن باب فتنة القاعد فيها خير من القائم [3081 و 7082]. والمقصود من الحديث حث الناس على اعتزال الفتن فكل من كان أكثر اعتزالًا وإن أبعد من الشر وإن درجات النائم واليقظان والقاعد تشير على درجات مختلفة من الاعتزال لا إلى درجات من الوقوع في الفتنة، والحاصل أن الإنسان ينبغي له أيام الفتنة أن يلزم بيته ما أمكن لأنه وإن لم يخرج لقصد الفتنة فإنها ربما تدركه فيقع فيها. قوله (من تشرف لها تستشرفه) أما لفظة تشرف فقد رُوي بفتح التاء والشين من تفعل الخماسي نظير تكلم، ورُوي أيضًا (من يشرف) بضم الياء وسكون الشين وكسر الراء من باب أفعل الرباعي من الإشراف للشيء وهو الانتصاب والتطلع إليه والتعرض له (وأما تستشرفه) فهو بمعنى أنها تعلو عليه وتغلبه يقال استشرفت الشيء علوته وأشرفت عليه وقيل إنه من الإشراف بمعنى الإشفاء على الهلاك ومنه أشفى المريض على الموت وأشرف والمعنى أنها تجعله يشرف على الهلاك والحاصل أن من تطلع إلى هذه الفتنة لمجرد النظر إليها فإنها ربما تخطفه وتغلبه وتهلكه فلا ينبغي لإنسان أن يخرج إليها ولو لمجرد النظر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

7075 - (2860) (27) حدَّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَالحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبدٌ: أَخبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكرٍ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاويةَ، مِثلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ هَذَا، إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكرٍ يَزِيدُ: "مِنَ الصَّلاةِ صَلاةٌ، مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7075 - (2860) (27) (حدثنا عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (والحسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد أخبرني وقال الآخران حدثنا يعقوب) بن إبراهيم (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام القرشي المدني، كان أحد الفقهاء السبعة في المدينة، قبل اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن اسمه وكنيته واحد، ثقة فقيه عابد، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الرحمن بن مطيع) بضم الميم (بن الأسود) بن حارثة القرشي العدوي المدني أخي عبد الله بن مطيع، روى عن نوفل بن معاوية في الفتن، ويروي عنه (خ م) وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وقال في التقريب: يقال له صحبة، وذكره أبو نعيم في التابعين، له عندهما حديث واحد مقرونًا (عن نوفل بن معاوية) بن عروة بن صخر الديلي بكسر المهملة وسكون الياء أبي معاوية المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه له أحاديث شهد الفتح وحنينًا والطائف، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ويروي عنه (خ م س) وابن أخته عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود في الفتن، وفيه (من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله) وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة أبي بكر بن عبد الرحمن لسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ولكنها متابعة ناقصة لأنها متابعة في الشاهد لأن أبا بكر بن عبد الرحمن روى عن نوفل بن معاوية بواسطة عبد الرحمن بن مطيع، وأما ابن المسيب وأبو سلمة فرويا عن أبي هريرة بلا واسطة، وساق أبو بكر بن عبد الرحمن عن نوفل بن معاوية (مثل حديث أبي هريرة هذا) المذكور في السند السابق في قوله ستكون فيه .. الخ (إلا أن أبا بكر يزيد) في حديثه عن نوفل لفظة (من الصلاة صلاة) وسطى (من فاتته) تلك الصلاة (فكأنما وتر) أي سُلب وأُخذ (أهله وماله).

7076 - (00) (00) حدّثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَكُونُ فِتنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ. وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْقَائِمِ. وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي. فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (ألا أن أبا بكر) الضرير شيخ الزهري (يزيد) زيادة مرسلة أو بالسند السابق عن عبد الرحمن بن مطيع إلى آخره وتلك الزيادة هي قوله (من الصلاة صلاة) هي صلاة العصر اهـ قسطلاني قوله (وتر أهله وماله) بنصبهما على أنه مفعول ثان أي نُقص هو أهله وماله وسلبهما فبقي بلا أهل ولا مال، وبرفعهما بمعنى أنهما أصيبا بمكروه اهـ قسطلاني بزيادة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7076 - (00) (00) (حدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي المروزي ثم النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا أبو داود الطيالسي) سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (8) (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، من (5) (عن) عمه (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعد بن إبراهيم للزهري (قال) أبو هريرة (قال النبي صلى الله عليه وسلم تكون فتنة) أي توجد فيكم (فتنة) شديدة متتابعة منتشرة مستمرة (النائم فيها خير) أي أسلم (من اليقظان واليقظان) المضطجع (فيها خير) أي أسلم (من القائم) في مكانه لم يتحرك عن مكانه (والقائم فيها خير) أي أسلم (من الساعي) المسرع إليها (فمن وجد ملجأ) أي مخبأ وملاذًا ومهربًا ومفرًا فليلذ إليه وليفر (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة فمن وجد (معاذًا) بفتح الميم والذال المعجمة أي محل استعاذة وتحصن منها (فليستعد) أي فليتحصن ويستجر به، والشك من الراوي أو ممن دونه، وقال العيني: وفيه الحث على تجنب الفتن والهرب منها وإن شرها يكون بحسب التعلق بها اهـ.

7077 - (2861) (28) حدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ قَال: انْطَلَقْتُ أَنَا وَفَرْقَدْ السَّبَخِيُّ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكرَةَ، وَهُوَ فِي أَرْضِهِ. فَدَخَلنَا عَلَيهِ فَقُلْنَا: هَل سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ فِي الْفِتَنِ حَدِيثًا؟ قَال: نَعَمْ. سَمِعْتُ أَبَا بَكرَةَ يُحَدِّثُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ. أَلا ثُمَّ تَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أسامة بن زيد بحديث أبي بكرة رضي الله عنهما فقال: 7077 - (2861) (28) (حدثني أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين) البصري (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عثمان) بن عبد الله، وقيل ابن ميمون، وقيل ابن مسلم (الشحام) أي بائع الشحم أو السمين العدوي أبو سلمة البصري، روى عن مسلم بن أبي بكرة في الفتن، وأبي رجاء العطاردي وعكرمة وعدة من التابعين، ويروي عنه (م د ت س) وحماد بن زيد ووكيع وابن أبي عدي، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو داود، وقال أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسًا، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال: مرة ليس به بأس، وقال في التقريب: لا بأس به، من السادسة (قال) عثمان (انطلقت أنا وفرقد) بن يعقوب (السبخي) منسوب إلى سبخة البصرة والسبخة أرض ذات نز وملح كما في القاموس، والنز ما يتحلب من الماء في الأرض، وهو من صالحي أهل البصرة، قليل الحديث، ضعّفه أكثر نقاد الحديث راجع التهذيب [8/ 262] (إلى مسلم بن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي البصري، روى عن أبيه في الفتن، ويروي عنه (م دت س) وعثمان الشحام وسعيد بن جهمان وغيرهم، وثقه ابن حبان، وقال في التقريب: صدوق، من الثالثة، مات في حدود سنة (90) تسعين، وأتينا به (وهو) أي والحال أن مسلمًا (في أرضه) ومزرعته (فدخلنا عليه فقلنا) له (هل سمعت أباك) أبا بكرة (يحدّث في الفتن) التي ستكون في المسلمين (حديثًا) عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) مسلم (نعم سمعت) والدي (أبا بكرة) نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي البصري رضي الله عنه (يحدّث) فيها حديثًا. وهذا السند من خماسياته فـ (قال) أبو بكرة في حديثها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها) أي إن القصة (ستكون) وتوجد فيكم بعد وفاتي (فتن) كثيرة مهلكة (ألا ثم تكون

فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا. وَالْمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيهَا. أَلا، فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبلِهِ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضْهِ" قَال: فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَال: "يَعْمِدُ إِلَى سَيفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ. ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فتنة) عظيمة (القاعد فيها) أي في حالة وقوعها لا يتحرك عن محله (خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها) فالحديث إلى آخره كله تضمن الإخبار عن وقوع فتن هائلة عظيمة بعده والأمر بالكف عنها والفرار منها (ألا) حرف استفتاح وتنبيه كسابقتها ألا (فإذا نزلت) بكم فتن (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي فإذا (وقعت) فيكم فتن، والشك من الراوي أو ممن دونه (فمن كان له إبل) في البوادي (فليلحق بإبله) أي فليذهب إليها فرارًا من الوقوع فيها (ومن كانت له كنم) ترعى في البادية (فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض) أي بساتين ومزارع في البوادي (فليلحق بأرضه قال) أبو بكرة (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض) فأي شيء يفعل في السلامة والنجاة منها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعمد) من باب ضرب أي يقصد ذلك الذي ليس له مفر ولا ملحق (إلى سيفه فيدق على حده بحجر) أي فيأخذ بحجر ويضعه على حده أي على طرفه الحاد فيدقه أي فيكسر طرفه الحاد بحجر، قال القرطبي: هذا محمول على ظاهره وذلك أنه إذا فعل ذلك لم يكن له شيء يستعين به على الدخول فيها فيفر منها أو سلم اهـ مفهم، قال النووي: وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال والأول أصح (ثم لينج) أي ليفر ويسرع هربًا حتى لا تصيبه الفتن (إن استطاع النجاء) أي الإسراع هو من نجا ينجو نجاء ونجاة بمعنى الخلاص منها والسلامة عنها، والمعنى أي ليسرع إن وجد إلى ذلك سبيلًا. قال القرطبي: وقد قال بظاهر هذه الأحاديث جماعة من السلف فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال منهم أبو بكرة وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد فأما عبد الله بن عمر فندم على تخلفه عن نصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال عند موته: ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية يعني فئة معاوية، وأما محمد بن مسلمة فاتخذ سيفًا من خشب وقال: إن رسول الله صلى الله عليه

اللَّهُمَّ هَل بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ، هَل بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَل بَلَّغتُ" قَال: فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِنَّ أُكرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّينِ، أَوْ إِحْدَى الفِئَتَينِ، فَضَرَبَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم أمره بذلك وأقام بالربذة، فمن هؤلاء من تمسك بمثل هذه الأحاديث فانكف، ومنهم من أشكل عليه الأمر فانكف لذلك كعبد الله بن عمر إلى أن اتضح له الحق فندم، قال القاضي: ويتوجه في هذا الحديث الكلام في دماء الصحابة وقتالهم وللناس في ذلك غلو وإسراف واضطراب من المقالات واختلاف، والذي عليه جماعة أهل السنة والحق حُسن الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وطلب أحسن التأويل لفعلهم وأنهم مجتهدون غير قاصدين للمعصية والمجاهرة بذلك وطلب حب الدنيا بل كل عمل على شاكلته وبحسب ما أداه إليه اجتهاده، لكن منهم المخطئ في اجتهاده ومنهم المصيب، وقد رفع الله تعالى الحرج عن المجتهد المخطئ في فروع الدين وضغف الأجر للمصيب، وقد توقف الطبري وغيره عن تعيين المحق منهم، وعند الجمهور أن عليًّا وأشياعه مصيبون في ذبهم عن الإمامة وقتالهم من نازعهم فيها إذ كان أحق الناس بها وأفضل من على الأرض حينئذ وغيره تأول وجوب القيام بتغيير المنكر في طلب قتلة عثمان الذين في عسكر علي رضي الله عنهما وأنهم لا يعطون بيعة ولا يعقدون إمامة حتى يقضوا ذلك ولم يطلبوا سوى ذلك ولم ير هو دفعهم إذا الحكم فيهم إلى الإمام وكانت الأمور لم يستقر استقرارها ولا اجتمعت الكلمة بعد وفيهم عدد ولهم شوكة ومنعة ولو أظهر تسليمهم أولًا أو القصاص لاضطرب الأمر وانبث الحيل، ومنهم جماعة لم يروا الدخول في شيء من ذلك محتجين بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التلبس بالفتن والنهي عن قتال أهل الدعوة كما احتج به أبو بكرة رضي الله عنه في ذا الحديث على الأحنف وعذروا الطائفتين بتأويلهم ولم يروا إحداهما باغية فيقاتلوها اهـ من المفهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت قال) أبو بكرة (فقال رجل) من الحاضرين (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إن كُرهت) وأجبرت على الدخول في الفتنة (حتى ينطلق) ويذهب (بي إلى إحدى الصفين) أي الطائفتين لأقاتل معها، قال الراوي أو من دونه (أو) قال الرجل السائل لفظة حتى يُنطلق بي إلى (إحدى الفئتين) والشك من الراوي أو ممن دونه (فضربني) معطوف على

رَجُلٌ بِسَيفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَال: "يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثمِكَ. وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ". 7078 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلاهُمَا عَنْ عُثمَانَ الشَّحَّامِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. حَدِيثُ ابْنِ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أكرهت أي إن أكرهت على الدخول فيها فدخلت فيها فضربني (رجل) من إحدى الطائفتين (بسيفه أو يجيء سهم) منهم (فيقتلني) ذلك السهم فهل عليّ ذنب قتلي أو على من أكرهني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يبوء) أي يرجع الذي أكرهك (بإثمه) في إكراهك وفي دخوله في الفتنة (وبإثمك) في قتلك غيره ويتحمل الإثمين (ويكون) الذي أكرهك (من أصحاب النار) في الآخرة بسبب إثمك وإثمه وأنت من الناجين قتلت أو قُتلت فمعنى (يبوء بإثمه) أي يلزمه ويرجع به ويتحمله من باب يبوء بواءًا ومباءة إذا رجع والمباءة المرجع يعني أنه يبوء بإثمه فيما دخل فيه وبإثمك بقتلك غيره أو لإكراهه إياك على ما أكرهك عليه والمكره هنا هو الذي لا يملك من نفسه شيئًا لقوله أرأيت إن أكرهت حتى يُنطلق بي ولم يقل إنه انطلق من قبل نفسه ولم يختلفوا أن الإكراه على القتل لا يعذر به أحد اهـ من المفهم. وقال الحافظ في الفتح [3/ 131] والمراد بالفتنة هنا ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحق من المبطل أما إذا اتضح الحق فالواجب نصر المحق بإزاء المبطل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الفتن والملاحم باب النهي عن السعي في الفتنة [4256]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 7078 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدثني محمد بن المثنى حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) محمد السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب كلاهما) أي كل من وكيع وابن أبي عدي رويا (عن عثمان الشحام) غرضه بيان متابعتهما لحماد بن زيد وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن مسلم عن أبي بكرة مثله، ولكن (حديث ابن أبي

عَدِيٍّ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادٍ إِلَى آخِرِهِ. وَانْتَهَى حَدِيثُ وَكِيعٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: "إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ" وَلَمْ يَذكُرْ مَا بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عدي) بالرفع مبتدأ، وفي بعض النسخ وحديث بالواو (نحو حديث حماد إلى آخره) أي إلى آخر حديث حماد برفع نحو على أنه خبر المبتدأ، وأما نصبه كما هو في أغلب النسخ فتحريف من المشكل فلا معنى له (وانتهى حديث وكيع عند قوله إن استطاع النجاء ولم يذكر) وكيع (ما بعد) قوله (4) إن استطاع النجاء من قوله اللهم هل بلغت .. إلخ. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث تسعة: الأول حديث زينب بنت جحش ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث حفصة ذكره للاستشهاد، والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والسادس حديث آخر لعائشة ذكره للاستشهاد، والسابع حديث أسامة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين متابعة في شاهده ومتابعة في نفسه، والتاسع حديث أبي بكرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر

760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر 7079 - (2862) (29) حدّثني أَبُو كَامِلٍ، فُضَيلُ بْنُ حُسَينٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ ويونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ. قَال: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكرَةَ فَقَال: أَينَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ؟ قَال قُلْتُ: أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. يَعْنِي عَلِيًّا. قَال فَقَال لِي: يَا أَحْنَفُ، ارْجِعْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 760 - (4) باب ذكر حكم تواجه المسلمين بسيفيهما، وهلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وإخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة، وذكر الفتنة التي تموج كموج البحر ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو تواجه المسلمين بسيفيهما بحديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 7079 - (2862) (29) (حدثني أبو كامل) البصري (فضيل بن حسين الجحدري حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (ويونس) بن عبيد بن دينار العبدي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا كلاهما رويا (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار الأنصاري مولاهم أبي سعيد البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن الأحنف بن قيس) بن معاوية بن حصين التميمي البصري، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (3) أبواب (قال) الأحنف (خرجت) من بيتي يومًا (وأنا أريد) نصر (هذا الرجل) وفي رواية للبخاري في الإيمان ذهبت لأنصر هذا الرجل، وقد فسره في الحديث نفسه بأنه أراد بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان الأحنف أراد أن يخرج بقومه إلى علي رضي الله عنه ليقاتل معه يوم الجمل فنهاه أبو بكرة فرجع (فلقيني) أي رآني (أبو بكرة) رضي الله عنه (فقال) لي (أين تريد) وتقصد (يا أحنف قال) الأحنف (قلت أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحسن (يعني) الأحنف بابن عم الرسول (عليًّا) ابن أبي طالب (قال) الأحنف (فقال لي) أبو بكرة (يا أحنف ارجع) إلى

فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيفَيهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" قَال فَقُلْتُ، أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ. فَبمَا بَالُ الْمَقتُولِ؟ قَال: "إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ". 7080 - (00) (00) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ عَبدَةَ الضَّبِّيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيتك ولا تنصره (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته (إذا تواجه) وتقابل (المسلمان) بوجهيهما وتضاربا (بسيفيهما) أي ضرب كلل واحد منهما وجه صاحبه أي ذاته وجملته (فالقاتل والمقتول في النار) يعني أنهما مستحقان لها أما القاتل فبالقتل الحرام وأما المقتول فبالقصد الحرام والمستحق للشيء قد يُعفى عنه وإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأما من اعتقد استحلال دم المسلم بغير سبب ولا تأويل فهو كافر، وقال القاضي: وعند العذري (توجه) بإسقاط الألف فإن لم يكن تغيير فله وجه أي استقبل كل واحد منهما وجه صاحبه أو قصده، وقال النووي: وهذا أي كونهما في النار محمول على من لا تأويل له ويمكن قتالهما عصبية ونحوها وليس المراد خلودهما في النار وإنما المراد دخولها فيها لارتكابهما معصية المقاتلة بغير مجوز شرعي اهـ (قال) أبو بكرة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (أو قيل) له صلى الله عليه وسلم، والشك من الراوي والمعنى إما سألته أو سأله غيري فقلت له (يا رسول الله هذا القاتل) فاستحقاقه النار ظاهر معلوم لكونه باشر قتل أخيه (فما بال المقتول) أي فما شأنه وذنبه يستحق به النار (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن المقتول (قد أراد قتل صاحبه) أي عزم وصمم عى قتل صاحبه لو تمكن منه فالقاتل يستحق النار بالقصد والفعل والمقتول بالقصد فقط، قال القاضي: فيه حجة للقاضي أبي بكر يعني ابن الطيب على أن العزم على الذنب معصية يؤاخذ بها بخلاف الهم ومن يخالفه يقول هذا أكثر من العزم وهو المواجهة والقتال اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الفتن باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما [7083]، وأبو داود في الفتن باب النهي عن القتال في الفتنة [4268]، والنسائي في تحريم الدم باب تحريم القتل [4120 إلى 4123]، وابن ماجه في الفتن باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما [4013]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7080 - (00) (00) (وحدثناه أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) أبو عبد الله

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ ويونُسَ وَالمُعَلَّى بْنِ زِيادٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيسٍ، عَنْ أَبِي بَكرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بسَيفَيهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ". 7081 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ مِنْ كِتَابِهِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حماد) بن زيد بن درهم (عن أيوب) السختياني (ويونس) بن عبيد (والمعلى بن زياد) القردوسي نسبة إلى بطن من الأزد تُسمى القرادس، واسم محلة لهم بالبصرة أبو الحسن البصري، صدوق، من (7) روى عنه في (2) بابين الجهاد والفتن (عن الحسن) البصري (عن الأحنف بن قيس) هذا لقبه واسمه الضحاك بن قيس (عن أبي بكرة) رضي الله عنه. وهذ السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أحمد بن عبدة لأبي كامل الجحدري (قال) أبو بكرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى) وتقاتل (المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). قال النووي: واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله وكان بعضهم مصيبًا وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطا لأنه لاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب هذا مذهب أهل السنة وكانت القضايا مشتبهة حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا الصواب ثم تأخروا عن مساعدته اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 7081 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) أي حدثنا عبد الرزاق (من كتابه) لا من حفظه، قال (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن أيوب) السختياني، غرضه بيان متابعة حجاج

بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ حَمَّادٍ. إِلَى آخِرِهِ. 7082 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "إِذَا الْمُسْلِمَانِ، حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلاحَ، فَهُمَا عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ. فَإذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صاحِبَهُ، دَخَلاهَا جَمِيعًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ لأبي كامل، وساق حجاج (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة (نحو حديث أبي كامل عن حماد إلى آخره) أي إلى آخر حديث أبي كامل. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقال: 7082 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري (عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب بمثلثة الكوفي، ثقة، من (5) (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي بكرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ربعي بن حراش لأحنف بن قيس، قال النووي: وهذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال: لم يرفعه الثوري عن منصور. [قلنا] هذا الاستدراك غير مقبول فإن شعبة إمام حافظ فزيادته مقبولة اهـ (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا المسلمان حمل أحدهما) أي كل منهما (على أخيه السلاح) ليقتله (فهما) أي فكل منهما (على جرف جهنم) أي على طرف جهنم (فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها) أي دخلا جهنم (جميعًا) أي كلاهما. قوله (في جرف جهنم) كذا في معظم النسخ بالجيم والراء المضمومتين وقد تسكن، وفي بعضها (في حرف جهنم) بالحاء المهملة وهما متقاربان في المعنى والصورة أي على طرفها قريب من السقوط فيها اهـ سنوسي ورواه ابن ماهان (في حر) بالحاء المهملة والراء المشددة بغير فاء مصدر حرت النار تحر حرًّا وحرارة من باب حن.

7083 - (2863) (30) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ. وَتَكُونُ بَينَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ. وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي بكرة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7083 - (2863) (30) (وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سريج اليماني، ثقة، من (3) (قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدثنا أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته (فدكر) أبو هريرة (أحاديث منها) قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان) أي طائفتان (عظيمتان وتكون بينهما مقتلة عظيمة) أي شديدة (ودعواهما) أي وكلمتهما التي يدعوان إليها (واحدة) يعني كلمة التوحيد، قال النووي: وهذا من المعجزات وقد جرى ذلك في العصر الأول اهـ يعني عصر الصحابة ولعلها ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما. قال القرطبي: قوله (فئتان عظيمتان) يعني بهما فئة علي ومعاوية، قوله (دعواهما واحدة) أي دينهما واحد إذ الكل مسلمون يدعون بدعوة الإسلام عند الحرب وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. وقد ذكر جمع من الشراح أن المراد من هاتين الفئتين جيشا علي ومعاوية فإنهما تقاتلا بصفين حتى قُتل منهم آلاف، قوله (ودعواهما واحدة) قال العيني في عمدة القاري [11/ 368] أي يدعيان الإسلام ويتأول كل منهما أنه محق فإن كان المراد بالفئتين فئتا علي ومعاوية فإن كون دعواهما واحدة يدل على أن كلا منهما من جماعة المسلمين وأن كلا منهما متأول فيما اختاره من الطريق، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق زياد بن الحارث قال: كنت إلى جنب عمار أي بصفين فقال رجل: كفر أهل الشام أي أصحاب معاوية فقال

7084 - (2864) (31) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يَكثُرَ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "الْقَتلُ. الْقَتْلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمار: لا تقولوا ذلك نبينا واحد، ولكنهم قوم حادوا عن الحق، فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا. ذكره الحافظ في الفتح [13/ 86] وقد أخرج ابن عساكر في ترجمة معاوية من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي أي إلى أبي زرعة فقال له: إني أبغض معاوية قال له: لِمَ؟ قال: لأنه قاتل عليًّا بغير حق، فقال له أبو زرعة: رب معاوية رب رحيم وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك بينهما. ذكره الحافظ أيضًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في استتابة المرتدين باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان .. " الخ [6935] وفي الفتن باب بعد باب خروج النار [7121]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي بكرة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7084 - (2864) (31) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري بتشديد الياء المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى يكثر الهرج) أي القتل (قالوا) أي قالت الصحابة له (وما الهرج يا رسول الله؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الهرج بفتح الهاء وسكون الراء هو (القتل القتل) وهو خبر لمبتدأ محذوف جوازًا كما قدرناه، وأصل الهرج الاختلاط يقال هرج القوم إذا اختلطا وسمي القتل بالهرج لأنه لا يكون غالبا ألا عن الاختلاط، قال ابن منظور في اللسان [3/ 212] الهرج الاختلاط يقال هرج الناس يهرجون بالكسر هرجًا من باب ضرب من الاختلاط أي اختلطوا وأصل الهرج الكثرة في المشي والاتساع والهرج الفتنة في آخر الزمان والهرج شدة القتل وكثرته وكذا قد يكون

7085 - (2865) (32) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ وقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيدٍ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ)، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ. فَرَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا. وَإِن أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُويَ لِي مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ الهرج بمعنى الجماع يقال هرج جاريته أي جامعها كما في القاموس ومنه الحديث المعروف "يتهارجون تهارج الحمر" أي يتسافدون. وفي الحديث إخبار عن كثرة القتل بقرب الساعة وهو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون قتل المسلم كقتل نملة كما هو الواقع الآن في جزيرة العرب خصوصًا في العراق وفي فلسطين حتى صار دم الإنسان أهون على المعتدين المجرمين من دم البعوض والذباب والعياذ بالله العظيم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في باب أشراط الساعة [4096]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض بحديث ثوبان رضي الله عنه فقال: 7085 - (2865) (32) (حدثنا أبو الربيع العتكي) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد كلاهما عن حماد بن زيد واللفظ لقتيبة) قال قتيبة (حدثنا حماد) بن زيد بصيغة السماع (عن أيوب عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أبي أسماء) الرحبي بفتح المهملتين، نسبة إلى رحبة دمشق قرية بينها وبين دمشق ميل عمرو بن مرثد الدمشقي، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ثوبان) بن بجدد أبي عبد الله الشامي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه روى عنه، له عشرة أحاديث في (م) كما في الخلاصة. وهذا السند من سداسياته (قال) ثوبان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله) عزَّ وجلَّ (زوى) من باب رمى أي طوى (لي الأرض) كلها مشارقها ومغاربها حتى كان أبعدها أقرب إليّ من أقربها (فرأيت مشارقها ومغاربها) وزوي بمعنى ضم وجمع أي جمعها الله لأجلي، قال التوربشتي: يقال زويت الشيء جمعته وقبضته يريد تقريب البعيد منها إليه حتى اطلع عليه اطلاعه على القريب منها كهيئة مرآة في كف ناظرها فلذا قال فرأيت مشارقها ومغاربها أي جميعها اهـ من المرقاة [11/ 50] (وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها) قال القرطبي: أي زوي حتى أبصرت ما

وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَينِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها، وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن الله تعالى قوى إدراك بصره ورفع عنه الموانع المعتادة فأدرك البعيد من موضعه كما أدرك بيت المقدس من مكة وأخذ يخبرهم عن آياته وهو ينظر إليه، ويحتمل أن يكون مثلها الله له فرآها، والأولى أولى، وقوله (وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) هذا الخبر قد وجد مخبره كما قال صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من دلائل نبوته وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى بحر طنجة الذي هو منتهى عمارة المغرب إلى أقصى المشرق مما وراء خراسان والنهر وكثير من بلاد الهند والسند والصغد والعين ولم يتسع ذلك الاتساع من جهة الجنوب والشمال ولذلك لم يذكر صلى الله عليه وسلم أنه أُريه ولا أخبر أن ملك أمته يبلغه اهـ من المفهم. وقال الطيبي نقلا عن الخطابي: توهم بعض الناس أن (من) في منها للتبعيض وليس ذلك كما توهمه بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة والمعنى أن الأرض زُويت لي جملتها مرة واحدة فرأيت مشارقها ومغاربها ثم هي تُفتح لأمتي جزءًا فجزءًا حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها، قال علي القاري في المرقاة: ولعل وجه من قال بالتبعيض هو أن ملك هذه الأمة ما بلغ جميع الأرض فالمراد بالأرض أرض الإسلام وأن منها عائد إليها على سبيل الاستخدام والله أعلم بالمراد، ويحتمل أن يقال لا يلزم من كون هذه الأمة لم يبلغ ملكها الآن إلى جميع الأرض أن لا يقع ذلك في المستقبل فقد يؤخذ من الروايات الصحيحة أن الإسلام سيكون مستوليًا على جميع بقاع الأرض في آخر الزمان وعلى هذا فلا حاجة إلى القول بالتبعيض والله أعلم. (وأُعطيت الكنزين) يعني به كنز كسرى وهو ملك الفرس في العراق وملك قيصر وهو ملك الروم في الشام وقصورهما وبلادهما، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر حين أخبر عن هلاكهما "لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" رواه أحمد ومسلم والترمذي. وقوله (الأحمر والأبيض) بدل عن الكنزين وعبّر بالأحمر عن كنز قيصر لأن الغالب في نقودهم كان الدنانير، وبالأبيض عن كنز كسرى لأن الغالب في نقودهم كان الدراهم والجواهر، وقد ظهر ذلك ووجد كذلك في زمان الفتوح في خلافة عمر رضي

وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى نفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيضَتَهُمْ. وَإِنَّ رَبِّي قَال: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيتُ قَضَاء ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عنه فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله وجميع ما حوته مملكته على سعتها وعظمتها وكذلك فعل الله بقيصر لما فتحت بلاده اهـ من المفهم. (وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة) لجميع بلدان المسلمين، والسنة القحط والجدب والمراد أن لا يصيب المسلمين قحط عام يشمل جميع بلاد المسلمين في وقت واحد، وهكذا وقع فلم يصب المسلمين قحط عام حتى الآن بل إذا وقع بأرض اقتصر بها ولم يعم بلاد المسلمين قاطبة، قال القرطبي: أراد بالسنة الجدب العام الذي يكون به الهلاك ويُسمى الجدب والقحط سنة ويُجمع على سنين كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130] أي بالجدب المتوالي (و) سألته (أن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم) الجار والمجرور صفة عدوًا أي عدوًا كائنًا من غير أنفسهم وإنما قيده بهذا القيد لما سيأتي في حديث سعد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم وإن قد دعا الله تعالى أن لا يجعل بأس أمته فيما بينهم فمُنع من ذلك (فيستبيح) ذلك العدو المذكور (بيضتهم) أي جماعتهم، قال القرطبي: وبيضة المسلمين معظمهم وجماعتهم، وفي الصحاح بيضة كل شيء حوزته وبيضة القوم ساحتهم وعلى هذا فيكون معنى الحديث أن الله تعالى لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح ويأخذ جميع ما حازوه من البلاد والأرض ولو اجتمع عليهم كل من بين أقطار الأرض وهي جوانبها اهـ من المفهم، وقال القاضي: هي مأخوذة من بيضة الطير لتحضينها ما فيها واجتماعها عليه، والبيضة أيضًا هي العز، وقيل المُلك اهـ من الأبي، وقال الطيبي: إنه مأخوذ من بيضة الدار وهي وسطها ومعظمها وإن بيضة الدار مجتمع لأهلها فالمراد من استباحة البيضة أن يسيطر العدو على مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دولتهم فيستأصلهم ويهلكهم جميعًا والاستباحة أن يجعلها مباحة لنفسه ثم إن النفي منصب على السبب والمسبب معًا فيفهم منه أنه قد يُسلط عليهم عدو لكن لا يستأصل شأفتهم اهـ من المرقاة، قوله (ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) يعني ولو اجتمع أعداء المسلمين من أنحاء الأرض قاطبة لم يتمكنوا من استئصال شأفة المسلمين، والأقطار جمع قطر بضم القاف وهي الناحية (وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء

فَإنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإنِّي أَعطَيتُكَ لأُمتِكَ أَن لَا أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامةٍ. وَأَن لَا أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أنفُسِهِم. يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم. وَلَو اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأقطَارِهَا -أَو قَال: مَن بَينَ أقطَارِهَا- حَتى يَكُونَ بَعْضُهُم يُهلِكُ بَعضًا، وَيَسبِي بَعضُهُم بَعضًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه) أي فإن قضائي (لا يرد) ولا يدفع بل ينفذ لا محالة، قال القرطبي: يستفاد منه أنه لا يستجاب من الدعاء إلا ما وافقه القضاء وحينئذ يشكل بما قد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" رواه الترمذي من حديث سلمان رضي الله عنه [2139] ويرتفع الإشكال بأن يقال إن القضاء الذي لا يرده دعاء ولا غيره هو الذي سبق علم الله تعالى بأنه لا بد من وقوعه والقضاء الذي يرده الدعاء أو صلة الرحم هو الذي أظهره الله بالكتابة في اللوح المحفوظ الذي قال الله تعالى فيه {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] والله أعلم (وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) ونواحيها (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي لفظة ولو اجتمع عليهم (من بين أقطارها) والشك من الراوي أو مِمن دونه (حتى يكون بعضهم) أي بعض المسلمين (يهلك) أي يقتل (بعضًا) آخر منهم (ويسبي) أي يأسر (بعضهم) أي بعض المسلمين (بعضًا) آخر منهم. وهذه الجملة تحتمل معنيين: الأول أن يكون الضمير في بعضهم عائدا على المسلمين فالمراد أن أعداء المسلمين لا يستطيعون أن يستبيحوا بيضتهم ولكن قد يكون المسلمون أنفسهم يتقاتلون فيما بينهم فيهلك بعضهم بعضًا ويأسر بعضهم بعضًا وبهذا التفسير جزم الطيبي، والاحتمال الثاني أن يكون الضمير في قوله بعضهم عائدًا على أعداء المسلمين فيكون المراد أنهم كلما اجتمعوا لاستئصال المسلمين لم يتمكنوا من ذلك حتى تصير عاقبتهم إلى المقاتلة فيما بينهم والله أعلم، قال القرطبي (حتى يكون) .. الخ ظاهر (حتى) الغاية فيقتضي ظاهر هذا الكلام أنه لا يُسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض وسبي بعضهم لبعض وحاصل هذا أنه إذا كان من المسلمين ذلك تفرقت جماعتهم واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو فقويت شوكة العدو واستولى عليهم كما شاهدناه في أزماننا هذه في المشرق والمغرب وذلك أنه لما اختلف ملوك الشرق وتجادلوا استولى كفار الترك على جميع عراق العجم، ولما اختلف ملوك المغرب وتجادلوا استولت الأفرنج على جميع بلاد

7086 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَربٍ وَإِسحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بن المُثَنَّى وَابنُ بَشَّارٍ. (قَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) مُعَاذُ بن هِشَامٍ. حَدثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أَبِي قِلابَةَ، عَن أَبِي أَسمَاءَ الرحَبِيِّ، عَن ثَوْبَان، أَن نَبِيَّ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "إِن اللهَ تَعَالى زَوَى لِيَ الأَرْضَ. حَتى رَأَيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا. وَأَعطَانِي الكَنْزَينِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ". ثُم ذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَن أَبِي قِلابَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأندلس والجزر القريبة منها وها هم قد طمعوا في جميع بلاد الإسلام فنسأل الله أن يتدارك المسلمين بالعفو والنصر واللطف ولا يصح أن يكون (حتى) هنا بمعنى كي لفساد المعنى فتدبره اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الفتن باب ذكر الفتن ودلائلها [4252]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا في أمته [2176]، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن [4000]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ثوبان رضي الله عنه فقال: 7086 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى وابن بشار قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أبي أسماء الرحبي) عمرو بن مرثد الدمشقي (عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة قتادة لأيوب السختياني (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى زوى لي) أي طوى لي وكشف (الأرض) وأرجاءها (حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطاني الكنزين الأحمر) يعني الذهب لقيصر ملك العراق (والأبيض) أي الفضة لكسرى ملك الشام (ثم ذكر) أبو قتادة (نحو حديث أيوب عن أبي قلابة). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ثوبان بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال:

7087 - (2866) (33) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، (وَاللفظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ. حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاويةَ، دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَينِ. وَصَلينَا مَعَهُ. وَدَعَا رَبَّهُ طَويلًا، ثُم انْصَرَفَ إِلَينَا. فَقَال صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "سَألْتُ رَبِّي ثَلاثًا". فَأعْطَانِي ثِنْتَينِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَألْتُ رَبي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمتِي بِالسنَةِ فَأعْطَانِيهَا. وَسَألْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتي بِالْغرَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7087 - (2866) (33) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف مصغرًا الأنصاري الأوسي أبو سهل المدني ثم الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (أخبرني عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب الزهري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل) أي جاء (ذات يوم من العالية) واحد من العوالي وعوالي المدينة معروفة (حتى إذا مر بمسجد بني معاوية) وهو المعروف بمسجد الإجابة كما ذكره السمهودي، وكان ابن النجار أدركه خرابًا وكان رمم في عهد السمهودي فذكر أنه في شمالي البقيع على يسار السالك إلى العريف (دخل) المسجد (فركع) أي صلى (فيه ركعتين وصلينا) معاشر الحاضرين (معه) صلى الله عليه وسلم (ودعا ربه) عزَّ وجلَّ دعاء (طويلًا ثم) بعد فراغه من الدعاء (انصرف) أي أقبل (إلينا) ونقل ابن شبة عن أبي غسان عن محمد بن طلحة قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني معاوية على يمين المحراب نحوًا من ذراعين نقله السمهودي في وفاء الوفاء [3/ 829] (فقال صلى الله عليه وسلم سألت ربي ثلاثًا) من الدعوات (فأعطاني) أي فأجابني (ثنتين) أي دعوتين منها (ومنعني واحدة) من الثلاث (سألت ربي أن لا يُهلك أمتي بالسنة) أي بالقحط والجدب (فأعطانيها) أي فأجابنيها (وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة) أي بالقحط والجدب (فأعطانيها) أي فأعطاني تلك الدعوة وأجابنيها (وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق) بالطوفان أي أن لا يهلك جميعهم بطوفان كطوفان نوح - عليه السلام - حتى يغرق

فَأعطَانِيهَا. وَسَألتُهُ أَن لَا يَجْعَلَ بَأسَهُمْ بَينَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا". 7088 - (00) (00) وحدثناه ابْنُ أبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَروَانُ بْنُ مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا عُثمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأَنْصَارِي. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أبِيهِ؛ أَنّهُ أقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَمَر بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوَيةَ. بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ جميعهم، وهذا فيه بُعد، ولعل هذا اللفظ كان بالعدو فتصحف على بعض الرواة لقرب ما بينهما في اللفظ ويدل على صحة ذلك أن هذا الحديث قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت وثوبان وغيرهما وكلهم قال بدل الغرق المذكور في هذا الحديث عدوًا من غير أنفسهم. والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (فأعطانيها) أي فأجابني تلك الدعوة (وسألته أن لا يجعل بأسهم) وحربهم (بينهم فمنعنيها) أي لم يجب لي هذه الدعوة لكونه مخالفًا لقضائه المبرم ومشيئته التي لا يسأل عنها، قال القرطبي: البأس الحروب والفتن مأخوذ من بئس بيأس من باب فرح إذا أصابه البؤس وهو الضر ويقال بأسًا وضرًّا. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [1/ 175]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد رضي الله عنه فقال: 7088 - (00) (00) (وحدثناه) محمد (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء الفزاري الكوفي نزيل مكة، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري) الأوسي (أخبرني عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مروان بن معاوية لعبد الله بن نمير (أنه) أي أن سعد بن أبي وقاص (أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من العالية حالة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم (في طائفة) أي مع جماعة (من أصحابه فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بمسجد بني معاوية) وساق مروان بن معاوية (بمثل حديث ابن نمير). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو إخباره

7089 - (2867) (34) حدثني حَرمَلَةُ بن يَحيَى التُّجِيبِي. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَن أَبَا إِدْرِيس الخَوْلانِيَّ كَانَ يَقُولُ: قَال حُذَيفَةُ بن اليَمَانِ: وَاللهِ، إِنِّي لأَعْلَمُ الناسِ بكُلِّ فِتنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ، فِيمَا بَينِي وَبَينَ الساعَةِ. وَمَا بِي إلا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَسَرَّ إِليَّ فِي ذَلِكَ شَيئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيرِي. وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال، وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم عما يكون إلى يوم القيامة بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال: 7089 - (2867) (34) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني) عائذ الله بن عبد الله بن عمرو العوذي بفتح المهملة آخره معجمة الشامي أحد الأئمة الأعلام، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب كان يقول قال حذيفة بن اليمان) واسم اليمان حسيل مصغرًا العبسي الكوفي، حليف الأنصار الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من سداسياته (والله) أي أقسمت بالله (إني لأعلم الناس) أي لأكثر الناس علمًا (بكل فتنة) وبلية (هي) أي تلك الفتنة (كائنة) أي واقعة (فيما) أي في زمن كان (بيني وبين الساعة) أي القيامة (وما بي) أي ومالي من عذر يمنعني من تحديث تلك الفتن كلها (إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي) أي أخبر إليَّ سرًّا (في ذلك) أي في الأمر الذي يكون بيني وبين الساعة (شيئًا لم يحدثه غيري) فإن ذلك الذي أسرَّ إليَّ لم أحدثه والمعنى ما لي عذر يمنعني من التحديث بجميعها إلا كون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسر إلي في ذلك الأمر الآتي بين يدي الساعة شيئًا لم يحدّثه غيري وذلك الأمر الذي أسر إلي فلا أحدثه لوجوب كتمانه عليَّ وأما ما لم يسرّه إليَّ بل حدّث به إياي وغيري فإني أحدثه للناس كلها لأنه لا مانع لي من تحديثه الذي هو إسراره إلي كما قال في هذا الحديث "وهو يحدث عن الفتن في مجلس وأنا فيه" (ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسًا) أي أهل مجلس (أنا فيه عن الفتن) متعلق بيحدث (فقال) توكيد لفظي لقال الأول (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) أي والحال أنه (يعد الفتن)

"مِنْهُنَّ ثَلاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرنَ شَيئًا. وَمِنْهُن فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيفِ. مِنْهَا صغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ". قَال حُذَيفَةُ: فَذَهَبَ أولَئِكَ الرَّهْطُ كلهُم غَيرِي ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقعة بين يدي الساعة ويذكرها، وقوله (منهن) .. الخ مقول قال، وما بينهما اعتراض أي فقال منهن (ثلاث لا يكدن) أي لا يقربن (يذرن) ويتركن، أي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحال أنه يذكر عددًا كثيرًا من الفتن الواقعة بين يدي الساعة ثلاث منهن أي من الفتن التي تقع بين يدي الساعة لا يكدن ولا يقربن أن يذرن ويتركن (شيئًا) مما في الأرض بل تعم كل الأشياء وتصيبها بفتنتها ولا يسلم منهن شيء من مخلوق الأرض ولم أر رواية تبين تلك الثلاثة العامة بعد البحث عنها ولعلها خروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة والله سبحانه وتعالى أعلم. (ومنهن) أي ومن الفتن التي ستقع بين يدي الساعة (فتن) أخرى كثيرة تضر من أصبنه ضررًا (كـ) ـضرر (رياح الصيف) ولعل التشبيه بها في كونها مؤذية لأن رياح الصيف حارة في الغالب وتعصف الرمال وتحرق النبات (منها) أي من تلك الفتن الأخرى فتن (صغار) أي قليل ضررها أو قليل من تصيبها (ومنها) فتن (كبار) بكثرة ضررها أو بكثرة من تصيبها (قال حذيفة) بالسند السابق (فذهب) الآن من الدنيا (أولئك الرهط) والقوم الذي سمعوا أحاديث الفتن معي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتوا (كلهم غيري) فلذلك قلت إني لأعلم الناس الآن بكل فتنة هي كائنة إلى يوم القيامة. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد في مسنده [5/ 407]، والبيهقي في دلائل النبوة [6/ 406]. قال القرطبي: أقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان الله تعالى قد أعلمه بتفاصيل ما يجري بعده لأهل بيته وأصحابه وبأعيان المنافقين وبتفاصيل ما يقع في أمته من كبار الفتن وصغارها وأعيان أصحابها وأسمائهم وأنه بث الكثير من ذلك عند من يصلح لذلك من أصحابه كحذيفة رضي الله عنه قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه وقبيلته رواه أبو داود [4243] وبهذا يعلم أن أصحابه كان عندهم من علم الكوائن الحادثة إلى يوم القيامة العلم الكثير والحظ الوافر لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث

7090 - (00) (00) وحدثنا عُثمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وإسحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. (قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعمَشِ، عَن شَقِيقٍ، عَن حُذَيفَةَ قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مَقَامًا. مَا تَرَكَ شَيئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذلِكَ إِلَى قِيَامِ الساعَةِ، إلا حَدَّثَ بِهِ. حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هؤُلاءِ. وإنهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشيءُ قَد نَسِيتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحكام وما كان فيها شيء من ذلك حدثوا به ونقضوا عن عهدته ولحذيفة في هذا الباب زيادة مزية وخصوصية لم تكن لغيره منهم لأنه كان كثير السؤال عن هذا الباب كما دلت عليه أحاديثه وكما دل عليه تخصيص عمر له بالسؤال عن ذلك دون غيره، وقد تقدم الكلام في حديث حذيفة رضي الله عنه في كتاب الإيمان اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 7090 - (00) (00) (وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال عثمان حدثنا وقال إسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي (عن حديفة) بن اليمان رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شقيق بن سلمة لأبي إدريس الخولاني (قال) حذيفة (قام فينا) معاشر الصحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا) أي قيامًا، وقوله (ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به)، قال القرطبي: الجار والمجرور في قوله (في مقامه) يجوز أن يتعلق بترك والأليق أن يكون متعلقًا بحدث لأن الظاهر من الكلام أنه أراد أنه ما ترك شيئًا يكون إلى يوم القيامة إلا حدث به في ذلك المقام وهذا المقام المذكور فيه هذا الحديث هو اليوم الذي أخبر عنه أبو زيد عمرو بن أخطب المذكور فيما بعد اهـ مفهم (حفظه) أي حفظ ذلك الشيء الذي أخبر عنه (من حفظه) أي من حفظ ذلك الحديث الذي سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتن من القوم الذين سمعوه معي (ونسيه من نسيه) بعدما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد علمه) أي قد علم الذي ذكرته من حفظ من حفظه ونسيان من نسيه (أصحابي هولاء) الذين سمعنا تلك الأخبار من رسول الله صلى الله عليه وسلم معًا (وإنه) أي وإن الشأن والحال (ليكون منه) أي من ذلك الحديث الذي سمعناه في الفتن وهو بيان مقدم لما بعده أي ليكون (الشيء) منه (قد نسيته) أنا أي قد ذهب من قلبي

فَأَرَاهُ فَأذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ. ثُم إِذَا رَآه عَرَفَهُ. 7091 - (00) (00) وحدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. 7092 - (00) (00) وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ (فأراه) أي فأرى ذلك الشيء الذي نسيته عيانًا بعيني (فأكره) بقلبي وأتيقنه (كما يذكر الرجل وجه الرجل) أي كما يتذكر الرجل الناسي زميله الذي نسي (إذا غاب عنه) زمانًا (ثم إذا رآه) عيانًا ببصره (عرفه) ويتذكر به، قال القاضي عياض: قوله (كما يذكر الرجل) قيل هذا الكلام فيه اختلال من تغيير الرواة وصوابه كما لا يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه أو كما ينسى الرجل وجه الرجل .. الخ اهـ من الأبي. قوله (وإنه ليكون الشيء منه قد نسيته) .. الخ يعني أنني ربما أنسى بعض الأمور التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ستكون ثم أذكرها حينما أراها تقع عيانًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 7091 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن الأعمش) غرضه بيان متابعة سفيان لجرير بن عبد الحميد وساق سفيان (بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن حذيفة (إلى قوله ونسيه من نسيه ولم يذكر) سفيان (ما بعده) أي ما بعد قوله ونسيه من نسيه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديثه فقال: 7092 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) (حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن عبد الله بن يزيد) بن زيد بن الحصين الأنصاري الأوسي الخطمي أبي موسى

عَن حُذَيفَةَ؛ أَنّهُ قَال: أَخبَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَن تَقُومَ الساعَةُ. فَمَا مِنهُ شَيءٌ إلا قَد سَألتُهُ. إلا أَنِّي لَمْ أَسْأَلهُ: مَا يُخرِجُ أَهلَ الْمَدِينَةِ مِنَ المَدِينَةِ؟ 7093 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بن الْمُثَنى. حَدثَنِي وَهْبُ بن جَرِيرٍ. أَخْبَرَنَا شُعبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحوَهُ. 7094 - (2868) (35) وحدثني يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقيُّ وَحَجَّاجُ ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني الصحابي الصغير رضي الله عنه روى عنه في (7) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن يزيد لمن روى عن حذيفة، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أنه) أي أن حذيفة (قال أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن) أي واقع من الفتن (إلى أن تقوم الساعة فما منه شيء) أي من الشيء الذي أخبرني (إلا قد سألته) صلى الله عليه وسلم عن شؤونه وسببه ومكانه وزمانه (إلا أني) أي لكن أني (لم أسأله) صلى الله عليه وسلم (ما يخرج) أي عن الأمر الذي يخرج (أهل المدينة من المدينة) حين أخبرني بخروجهم من المدينة يعني أنه سيأتي وقت يضطر فيه أهل المدينة إلى الخروج ولكني لم أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي يبعثهم على الخروج. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 7093 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى حدثني وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا شعبة) غرضه بيان متابعة وهب لمحمد بن جعفر، وساق وهب (بهذا الإسناد) يعني عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن حذيفة (نحوه) أي نحو ما حدّث محمد بن جعفر عن شعبة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث عمرو بن أخطب رضي الله عنهما فقال: 7094 - (2868) (35) (وحدثني يعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وحجاج) بن يوسف بن

ابنُ الشَّاعِرِ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. قَال حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. أَخبَرَنَا عَزْرَةُ بن ثَابِتٍ. أَخبَرَنَا عِلبَاءُ بن أَحمَرَ. حَدثَنِي أَبُو زَيدٍ، (يَعْنِي عَمرَو بنَ أَخْطَبَ)، قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ الفَجْرَ. وَصَعِدَ الْمِنبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ. فَنَزَلَ فَصَلى. ثُم صَعِدَ المِنبَرَ. فَخَطَبَنَا حَتى حَضَرَتِ العَصرُ. ثُمَّ نَزَلَ فَصَلى. ثُم صَعِدَ المِنبَرَ. فَخَطَبَنَا حَتى غَرَبَتِ الشمْسُ. فَأخبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ. فَأعلَمُنَا أَحفَظُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ حجاج الثقفي البغدادي، المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (جميعًا) أي حالة كونهما مجتمعين على الرواية (عن أبي عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (قال حجاج حدثنا أبو عاصم) بصيغة السماع (أخبرنا عزرة بن ثابت) بن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا علباء) بكسر أوله وسكون ثانيه بعده موحدة ومد (بن أحمر) اليشكري البصري، روى عن أبي زيد الأنصاري في الفتن وعكرمة، ويروي عنه (م ت س ق) وعزرة بن ثابت وحسين بن واقد، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: بصري، صدوق، من القراء، من (4) الرابعة، وليس من الرواة من اسمه علباء إلا هذا (حدثني أبو زيد يعني عمرو بن أخطب) بن رفاعة الأنصاري البصري الصحابي الجليل مشهور بكنيته رضي الله عنه، له أحاديث انفرد له (م) بحديث واحد، ويروي عنه (م عم) وعلباء بن أحمر في الفتن، وأبو قلابة وأنس بن سيرين ويزيد الرشك. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو زيد (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر) أي صلاة الصبح (وصعد المنبر فخطبنا) بذكر الوعد والوعيد (حتى حضرت الظهر) أي دخل وقتها (فنزل) من المنبر (فصلى) بنا الظهر (ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر) أي وقت صلاتها (ثم نزل فصلى) بنا العصر (ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان) ووُجد من أول الدنيا إلى وقتنا هذا (وبما هو كائن) أي واقع إلى يوم القيامة (فأعلمنا) معاشر الصحابة أي فأكثرنا علمًا وفهمًا هو (أحفظنا) أي أكثرنا حفظًا لهذا الحديث.

7095 - (2869) (36) حدثنا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ. قَال ابْنُ الْعَلاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيفَةَ. قَال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ. فَقَال: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَال؟ قَال: فَقُلْتُ: أنا. قَال: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (فخطبنا حتى غربت الشمس) ظاهره أن خطبته صلى الله عليه وسلم استمرت طول النهار فيحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون على سبيل التغليب فتكون بين الخطبات وقفة والله أعلم. قوله (فأعلمنا أحفظنا) يعني من كان أعلم منا حفظ تلك الأشياء أكثر من غيره أو المراد أن من حفظها أكثر اعتبر اليوم أعلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [5/ 341]، والطبراني في معجمه [17/ 28]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ذكر الفتنة التي تموج كموج البحر بحديث آخر لحذيفة رضي الله عنه فقال: 7095 - (2869) (36) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني (ومحمد بن العلاء) بن كريب (أبو كريب) الهمداني (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (قال ابن العلاء حدثنا أبو معاوية) بصيغة السماع (حدثنا الأعمش عن) أبي وائل (شقيق) بن سلمة الأسدي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) حذيفة (كنا) يومًا (عند عمر) بن الخطاب (فقال) عمر (أيكم) يا معشر الحاضرين (يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي حدّثه لنا (في) بيان (الفتنة) التي تكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقوله (كما قال) صفة لمصدر محذوف مؤكد ليحفظ أي أيكم يحفظ حفظًا كائنًا على الوجه الذي قاله بلا تغيير ولا تحريف (قال) حذيفة (فقلت) لعمر (أنا) الذي حفظه كما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم (قال) له عمر (أنك) يا حذيفة (لجريء) إذا بوزن فعيل من الجرأة أي جسور مقدام قاله على جهة الإنكار كأنه أنكر عليه هذا الادعاء فإن ذاكرة المرء تتعرض للذهول عن بعض الأشياء فالاحتياط أن يقول إني أذكر جوهر الكلام ولا أدعي أني أذكر كله بلفظه كذا في القسطلاني، وقيل إن عمر مدحه على جرأته في ادعاء أنه يحفظ من رسول

وَكَيفَ قَال؟ قَال قُلْتُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "فِتنَةُ الرجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ. يُكَفِّرُهَا الصيَامُ وَالصلاة وَالصدَقَةُ وَالأَمرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنهي عَنِ المُنكَرِ. فَقَال عُمَرُ: لَيسَ هَذَا أُرِيدُ. إِنَّمَا أُرِيدُ التِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صلى الله عليه وسلم حديث الفتن كما سمعه منه لأن ذلك يدل على اهتمامه وشدة اعتنائه بحفظ الحديث (وكيف قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإخبار عن الفتن، وهو من جزء كلام عمر (قال) حذيفة (قلت) لعمر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فتنة الرجل) أي افتتان المرء (في) شؤون (أهله) وزوجته (و) في شؤون (ماله و) شؤون (نفسه وولده وجاره) بانهماكه فيها بحيث يؤدي ذلك إلى الإخلال بطاعات الله أو بتقصيره في أداء حقوقها (يُكفّرها) أي يُكفّر ما صدر منه من الصغائر في حال افتتانه بهذه الأمور (الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وسار العبادات لأن الحسنات يذهبن السيئات وهذا الحديث وإن كان ظاهره عامًّا في الصغائر والكبائر جميعًا ولكنه مخصوص بالصغائر بدليل الآيات والأحاديث الأخرى التي تدل على أن الحسنات إنما تكفر الصغائر دون الكبائر وهو مذهب جمهور أهل السنة خلافًا للمرجئة القائلين إن الحسنات تُكفّر الصغائر والكبائر جميعًا نظرًا إلى ظاهر هذا الحديث (فقال) له (عمر) رضي الله عنه (ليس هذا) الذي ذكرته من افتتان الرجل في أهله وماله وغيرهما (أريد) وأقصد (إنما أريد) الفتنة (التي تموج) وتضطرب وتتحرك اضطرابًا (كـ) اضطراب (موج البحر) أي تموجه وهيجانه عندما عصفته الريح مثلًا من ماج البحر إذا اضطرب وتحرك. قوله (فتنة الرجل في أهله) قالوا فتنته فيهم أن يأتي من أجلهم ما لا يحل له من القول أو العمل مما لم يبلغ كبيرة أو المراد ما يعرض له معهن من شر أو حزن أو شبهة، وفتنته في ماله أن يأخذه من غير مأخذه ويصرفه في غير مصرفه وفتنته في نفسه وولده فرط محبته وشغله بهم عن كثير من الخير، وفتنته في جاره أن يتمنى أن يكون حاله مثل حاله إن كان متسعًا قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} كذا في النووي. قوله (إنما أريد التي تموج كموج البحر) أي إنما أريد الفتن العامة التي تموج وتتحرك وتنتشر موجا واضطرابا كموج البحر واضطرابه وتحركه يقال ماج البحر إذا تحرك ماؤه وارتفع، شبهها

قَال فَقُلتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ؟ إِن بَينَكَ وَبَينَهَا بَابًا مُغلَقًا. قَال: أفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَم يُفْتَحُ؟ قَال: قُلْتُ: لَا. بَل يُكْسَرُ. قَال: ذلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ أبَدًا. قَال: فَقُلْنَا لِحُذَيفَةَ: هَل كَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ البَابُ؟ قَال: نَعَم. كَمَا يَعْلَمُ أَن دُونَ غَدٍ الليلَةَ. إِنِّي حَدَّثتُهُ حَدِيثًا لَيسَ بِالأَغَالِيطِ. قَال: فَهِبْنَا أَن نَسألَ حُذَيفَةَ: مَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ بموج البحر في شدتها وتواليها وتدافعها وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ من ذلك من المشاتمة والمضاربة والمقاتلة والمسابقة. (قال) حذيفة (فقلت) له (ما لك ولها يا أمير المومنين) أي ما بينك وبينها علاقة لأنها لا تظهر في حياتك أي ليس لها علاقة بك ولا لك بها علاقة (إن بينك) يا عمر (وبينها) أي وبين الفتنة التي تموج كالبحر (بابًا مغلقًا) لأنها لا تظهر في حياتك أي بابا سُدّ بالغلق يعني أن بينها وبين حياتك بابًا مغلقًا فلا تقع وأنت حي، وكان حذيفة يعلم أن عمر رضي الله عنه هو الباب ولكن لم يصرح بذلك تأدبًا معه ولكن فهم عمر ذلك (قال) عمر (أفيكسر الباب) الذي بيني وبينها (أم يُفتح قال) حذيفة (قلت) لعمر (لا) يفتح الباب (بل يُكسر) وكأنه كنى بالكسر عن القتل، وبالفتح عن موته الطبيعي (قال) عمر (ذلك) الكسر (أحرى) وأحق (أن لا يغلق أبدًا) قال ابن بطال: إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يمكن في الصحيح أما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يُجبر ويُصلح، وقال وقال الحافظ في الفتح [6/ 606] وقد وافق حذيفة على معنى روايته هذه أبو ذر فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات: أنه لقي عمر فأخذ بيده فغمزها فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة، الحديث. وفيه أن أبا ذر قال: لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر، وروى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر: يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك؟ فقال: مررت ونحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش" اهـ (قال) شقيق بن سلمة (فقلنا لحذيفة هل كان عمر يعلم من) هو (الباب قال) حذيفة (نعم) يعلم عمر من هو الباب علما يقينًا له (كما يعلم) يقينًا (أن دون غد) وقبله (الليلة) أي مجيئها وإنما علم ذلك (أني) أي لأني (حدّثته) أي حدثت عمر (حديثًا) في ذلك صحيحًا (ليس بالأغاليط) أي بالأخطاء (قال) شقيق (فهبنا) أي خفنا واستحيينا من (أن نسأل حذيفة من)

الْبَابُ؟ فَقُلْنَا لِمسرُوقٍ: سَلهُ. فَسَألَهُ. فَقَال: عُمَرُ. 7096 - (00) (00) وحدثناه أبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكيعٌ. ح وَحَدثَنَا عُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. حَ وحَدثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بن يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا يَحيى بْنُ عِيسَى. كُلُّهُم ـــــــــــــــــــــــــــــ هو (الباب) إبقاء له (فقلنا لمسروق) بن الأجدع (سله) أي اسأل لنا حذيفة من هو الباب (فسأله) مسروق عن ذلك (فقال) حذيفة في جوابه الباب هو (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه والله أعلم. وقد مر هذا الحديث للمؤلف في كتاب الإيمان باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا ومر شرحه هناك مبسوطًا. وشاركه البخاري في مواضع منها في الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر [7096]، والترمذي في الفتن باب بدون ترجمة [2258]، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن [4003]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 7096 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا وكيع ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (حدثنا يحيى بن عيسى) بن عبد الرحمن التميمي النهشلي الفاخوري بضم المعجمة وبعد الواو مهملة، أبو زكرياء الجرار بجيم ورائين كوفي الأصل، نزيل رملة، حدث بالرملة فنُسب إليها فعرف بالرملي، روى عن الأعمش في الفتن، ومسعر وعبد الأعلى بن المساور ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم، ويروي عنه (م د ت ق) وابن أبي عمر وأبو بكر بن أبي شيبة وعيسى بن يونس الفاخوري وجماعة، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي: لا بأس به، وقال مسلمة: لا بأس به، وفيه ضعف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يُتابع عليه، وقال في التقريب: صدوق يخطئ، ورُمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة (201) إحدى ومائتين، وفي التهذيب: ضعفه ابن معين (كلهم) أي كل هؤلاء الأربعة المذكورين من وكيع وجرير

عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذا الإِسْنَادِ، نَحوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ، وَفِي حَدِيثِ عِيسى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَال: سَمِعتُ حُذَيفَةَ يَقُولُ. 7097 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ؛ وَالأَعمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَن حُذَيفَةَ قَال: قَال عُمَرُ: مَن يُحَدِّثُنَا عَنِ الْفِتْنَةِ؟ وَاقتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِهِم. 7098 - (2870) (37) وحدثنا مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى وَمُحَمدُ بن حَاتِم. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وعيسى بن يونس ويحيى بن عيسى رووا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن حذيفة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأبي معاوية، وساقوا (نحو حديث أبي معاوية و) لكن (في حديث عيسى) بن يونس لفظة (عن الأعمش عن شقيق قال) شقيق (سمعت حذيفة يقول) الحديث بالعنعنة في موضعين وتصريح السماع في موضع. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 7097 - (00) (00) (وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان) بن عيينة (عن جامع بن أبي راشد) الكاهلي الكوفي الصيرفي، ثقة، من (5) روى عنه في (2) بابين الإيمان والفتن (و) عن (الأعمش) بالجر معطوف على جامع، وفي بعض النسخ هنا تصحيف الشكل كلاهما رويا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن حذيفة قال) حذيفة (قال عمر من يحدثنا عن الفتنة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لمن روى عن الأعمش (واقتص) سفيان أي ذكر (الحديث) السابق (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث أولئك الخمسة المذكورين أبي معاوية ومن بعده. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حذيفة بحديث جندب وهو في الحقيقة لحذيفة رضي الله تعالى عنهما فقال: 7098 - (2870) (37) (وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (قالا حدثنا معاذ بن معاذ) العنبري البصري، ثقة، من (9) (حدثنا) عبد

ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمدٍ. قَال: قَال جُنْدَبٌ: جِئْتُ يَوْمَ الْجَرْعَةِ. فَإذَا رَجُلٌ جَالِسٌ. فَقُلْتُ: لَيُهَرَاقَنَّ الْيَوْمَ ههُنَا دِمَاءٌ. فَقَال ذَاكَ الرَّجُلُ: كَلا. وَاللهِ، قُلتُ: بَلَى. وَاللهِ، قَال: كَلا. وَاللهِ، قُلْتُ: بَلَى. وَاللهِ، قَال: كَلا. وَاللهِ، إِنهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ حَدَّثَنِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن محمد) بن سيرين الأنصاري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (16) بابا (قال) محمد (قال جندب) بضم الجيم والدال، وقيل بفتح الدال بن عبد الله بن سفيان البجلي الكوفي ثم البصري ثم المصري، الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حذيفة في الفتن. وهذا السند من خماسياته أو من سداسياته (جئت يوم الجرعة) بفتح الجيم وبفتح الراء وإسكانها والفتح أشهر وأجود وهي موضع بقرب الكوفة على طريق الحيرة، وأصل الجرعة الرمل الذي فيه سهولة يقال جرع وأجرع وجرعاء ويوم الجرعة يوم خرج فيه أهل الكوفة يتلقون واليًا ولاه عليهم عثمان فردوه، وسألوا عثمان أن يولي عليهم أبا موسى الأشعري فولاه اهـ نووي، وفي الأبي: وهو يوم قدم فيه سعيد بن العاص أميرًا على الكوفة واليا عليها من قبل عثمان فردوه وأمروا أبا موسى الأشعري وسألوا عثمان أن يقره فأقره اهـ منه، أي خرجت مع الناس إلى الجرعة لاستقبال الأمير الذي أمره عثمان على الكوفة (فإذا رجل) من الناس (جالس) قال جندب (فقلت) والله (ليهراقن اليوم ها هنا) أي في الجرعة (دماء) لعدم قبول الناس الأمير الذي أرسله عثمان وهو سعيد بن العاص لأنه رأى أهل الكوفة يزاحمون رجلا ولاه عثمان فخاف أن يكون بينهم في ذلك قتال (فقال ذاك الرجل) الجالس (كلا) أي ارتدع عما قلت فلا يراق الدم (والله)، قال جندب قلت (بلى والله) ليراقن الدماء لأن الناس لا يقبلون هذا الأمير فخرجوا مظاهرة لذلك فلعل حلفه على إمكان القتال لا على وقوعه (قال) الرجل (كلا والله) لا يراق الدم، قال جندب (قلت بلى والله) ليراقن الدم (قال) ذلك الرجل الجالس (كلا والله) لا يراق الدم (إنه) أي إن ما جزمت به وحلفت عليه من عدم وقوع القتال في هذا اليوم (لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مستند إلى حديث (حدثنيه) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله علم من خلال هذا الحديث أن مقاتلة المسلمين فيما بينهم لا تقع إلا بقتل عثمان رضي الله عنه والله أعلم.

قُلْتُ: بِئسَ الجَلِيسُ لِي أَنتَ مُنذُ اليَوْمِ. تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ وَقَد سَمِعتَهُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فَلَا تَنْهَانِي؟ ثُم قُلتُ: مَا لهذَا الغَضَبُ؟ فَأقبَلتُ عَلَيهِ وَأَسألُهُ. فَإِذَا الرجُلُ حُذَيفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال جندب (قلت) لذلك الرجل الجالس (بئس الجليس لي) أي ساء الرجل المجالس معي والمخصوص بالذم (أنت) وقوله (منذ اليوم) أي في هذا اليوم متعلق بالجليس أي ساء الرجل الجالس معي في هذا اليوم والمخصوص بالذم أنت (تسمعني أخالفك) رُوي بالخاء المعجمة وبالحاء المهملة من الحلف وهو اليمين وهو الصواب لتردد الأيمان بينهما اهـ سنوسي؛ أي تسمعني محالفتي على خلاف ما قلت (وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وقد سمعت ما قلت من عدم وقوع القتال اليوم أ (فلا تنهاني) عن مخالفتي لك أو محالفتي معك (ثم قلت) في نفسي (ما هذا الغضب؟ ) أي ما غضبي على هذا الرجل فلا فائدة فيه (فأقبلت عليه) أي على هذا الرجل (وأسأله) أي والحال أني أسأل الناس عنه (فإذا الرجل حذيفة) بن اليمان. قوله (بئس الجليس أنت) يعني أنه كان عندك في هذا الموضوع حديث وسمعتني أحلف على ما يخالفه فلم تخبرني بذلك الحديث في المرة الأولى حتى حلفت مرتين وكان المطلوب من الجليس الطيب أن يخبر به في أول مرة. قوله (تسمعني أخالفك) وقع في أكثر النسخ بالخاء المعجمة من المخالفة، وذكر القاضي عياض أن رواية شيوخه بالحاء المهملة من الحلف والمعنى سمعتني وأنا أحلف أمامك، وكلتا الروايتين معناهما صحيح اهـ نووي. قوله (ثم قلت ما هذا الغضب) يعني قلت في نفسي أنه لا معنى ولا سبب لغضبي على هذا الرجل، ولفظ أحمد في مسنده (ثم قلت ما لي وللغضب قال فتركت الغضب وأقبلت أسأله) الخ. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لكن شاركه أحمد [5/ 399]. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول منها حديث أبي بكرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع حديث ثوبان ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والسابع حديث أبي زيد عمرو بن أخطب ذكره للاستشهاد، والثامن حديث حذيفة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والتاسع حديث جندب بن عبد الله البجلي ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال 7099 - (2871) (38) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرحْمَنِ الْقَارِيَّ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَقُومُ الساعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 761 - (5) باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال، ونزول عيسى وقيام الساعة والروم أكثر الناس وإقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو عدم قيام الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب بحديث أبي هريرة الأول رضي الله عنه فقال: 7099 - (2871) (38) (حدثنا قتيبة بن سعيد) بن طريف الثقفي البلخي (حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاريّ) بتشديد التحتانية نسبة إلى قارة قبيلة من العرب المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح السمان، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى يحسر) بكسر السين المهملة من باب ضرب أي حتى ينكشف (الفرات) أي ماؤه ويذهب (عن جبل من ذهب). قوله (يحسر الفرات) بكسر السين على وزن يضرب أي ينكشف ومنه حسرت المرأة عن وجهها أي كشفت، والحاسر الذي لا سلاح معه وكان هذا إنما يكون إذا أخذت الأرض تقئ ما في جوفها كما تقدم في كتاب الزكاة اهـ مفهم، والفرات نهر مشهور في العراق والمراد من حسره أنه ينكشف لذهاب مائه فيظهر في محله جبل من ذهب، وفي رواية حفص بن عاصم الآتية عن كنز من ذهب فيحتمل أن يكون ما يظهر جبلًا حقيقة فيه كنز من ذهب، ويحتمل أن يكون كنزًا سمى في هذه الرواية جبلًا لكثرة ما فيه من ذهب، وأخرج ابن ماجه في خروج المهدي رقم [4584] عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال

يَقْتَتِلُ الناسُ عَلَيهِ. فَيُقتَلُ، مِن كُلِّ مِائَةٍ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، ويَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم: لَعَلِّي أكُونُ أَنا الذِي أَنْجُو" ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلًا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئًا لم أحفظه" فقال: "فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي" وقد ذكر البوصيري في زوائده على ابن ماجه أن إسناده صحيح رجاله ثقات فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي وذلك قبل نزول عيسى - عليه السلام - وقبل خروج النار جزمًا أفاده الحافظ في الفتح [13/ 81]. (يقتتل الناس عليه) أي على ذلك الذهب (فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون) والباقي واحد، وفي رواية أبي سلمة عند ابن ماجه رقم [4095] (فيُقتل من كل عشرة تسعة) وفي رواية شاذة والمحفوظ ما رواه المؤلف رحمه الله تعالى وسيأتي شاهده من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه ولو صحت رواية ابن ماجه حُملت على التقريب وإلغاء الكسر في نسبة المقتولين إلى العشرة لأن نسبة تسعة وتسعين في مائة حينما تذكر بالنسبة إلى العشرة تكون تسعة وكسرًا والعرب من عادتهم إلغاء الكسر وهذا التوجيه أولى مما ذكره ابن حجر من أنه يمكن الجمع باختلاف تقسيم الناس إلى قسمين (ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو) فيأخذ المال، مقتضى الظاهر ينجو بصيغة الغائب، قال في المبارق: هذا من قبيل قوله: أنا الذي سمتني أمي حيدرة. فنظر إلى المبتدأ وحمل الخبر عليه ولم ينظر إلى الموصول الذي هو غائب والمعنى يقاتل كل رجل راجيًا أن يكون هو الناجي من القتل فيأخذ المال اهـ منه، وعبارة القسطلاني والأصل أن يقول أنا الذي أفوز به فعدل إلى قوله أنجو لأنه إذا نجا من القتل تفرد بالمال وملكه اهـ والمعنى يقتحم كل رجل القتال مع ما يرى من شدته لأنه يرجو أن يكون هو الناجي فيفوز بالكنز دون غيره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن باب خروج النار [7119]، وأبو داود في الملاحم باب حسر الفرات عن كنز [4313 و 4314]، والترمذي في صفة الجنة بدون ترجمة [2569 و 2570]، وابن ماجه في الفتن باب أشراط الساعة [4095].

7100 - (00) (00) وحدثني أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيلٍ، بِهذَا الإِسنَادِ، نَحوَهُ. وَزَادَ: فَقَال أَبِي: إِن رَأَيتَهُ فَلَا تَقْرَبَنَّهُ. 7101 - (00) (00) حدثنا أَبُو مَسعُودٍ، سَهلُ بن عُثمَانَ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بن خَالِدٍ السَّكُونِيُّ، عَن عُبَيدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7100 - (00) (00) (وحدثني أمية بن بسطام) بن المنتشر العيشي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) مصغرا التيمي العيشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا روح) بن القاسم التميمي العنبري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة روح ليعقوب بن عبد الرحمن القاري، وساق روح (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة (نحوه) أي نحو حديث يعقوب (و) لكن (زاد) روح لفظة، قال سهيل (فقال) لي (أبي) أبو صالح السمان (أن) أدركت ذلك الكنز و (رأيته فلا تقربنه) أي فلا تقربن ذلك الكنز لأنه حرام عليك لأنه مال مشترك بين المسلمين فلا يحل إلا بإقطاع الإمام، قال القرطبي: النهي على أصله من التحريم لأنه ليس ملكا لأحد وليس بمعدن ولا ركاز فحقه أن يكون في بيت المال ولأنه لا يوصل إليه إلا بقتل النفوس فيحرم على كل أحد أخذه اهـ من المفهم، وفي رواية حفص الآتية (فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا) قيل والسبب في منع الأخذ من هذا الكنز ما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال كما تقدم في الرواية السابقة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7101 - (00) (00) (حدثنا أبو مسعود سهل بن عثمان) بن فارس الكندي العسكري نزيل الري، ثقة، من (10) لم يرو عنه غير (م) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عقبة بن خالد) بن عقبة (السكوني) بفتح السين وضم الكاف نسبة إلى سكون بوزن صبور بطن من كندة، وينسبون إلى السكون بن أشرس كما في الأنساب للسمعاني أبو مسعود الكوفي، صدوق، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص

عَن خُبَيبِ بنِ عَبدِ الرحْمَنِ، عَنْ حَفصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يُوشِكُ الفُرَاتُ أنْ يَحْسِرَ عَن كَنْزٍ مِن ذَهَبٍ. فَمَن حَضَرَهُ فَلَا يَأخُذ مِنْهُ شَيئًا". 7102 - (00) (00) حدثنا سَهْلُ بن عُثمَانَ. حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بن خَالِدٍ، عَن عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبدِ الرحمَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ: "يُوشِكُ الفُرَاتُ أَن يَحْسِرَ عَن جَبَلٍ مِن ذَهَبٍ فَمَن حَضَرَهُ فَلَا يَأخُذْ مِنهُ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ العمري المدني (عن خبيب بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف بفتح أوله وثانيه مخففًا الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة حفص بن عاصم لأبي صالح السمان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك) أي يقرب (الفرات أن يحسر) أي أن ينكشف (عن كنز من ذهب فمن حضره) أي حضر ذلك الكنز (فلا يأخذ منه شيئًا) بالجزم على النهي، وإنما نهى عن الأخذ منه لما ينشأ عن الأخذ من الفتنة والقتال عليه القسطلاني. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7102 - (00) (00) (حدثنا سهل بن عثمان) الكندي العسكري (حدثنا عقبة بن خالد) السكوني الكوفي (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) الهاشمي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لحفص بن عاصم (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الفرات أن يحسر) أي ينكشف (عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما فقال:

7103 - (2872) (39) حدثنا أَبُو كَامِلٍ، فُضَيلُ بن حُسَينٍ وَأبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ (وَاللفْظُ لأَبِي مَعْنٍ). قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَن سُلَيمَانَ بنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ. قَال: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. فَقَال: لَا يَزَالُ الناسُ مُختَلِفَةً أعنَاقُهُم فِي طَلَبِ الدُّنْيَا. قُلتُ: أَجَلْ. قَال: إِني سَمِعْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7103 - (2872) (39) (حدثنا أبو كامل) الجحدري (فضيل بن حسين) البصري (وأبو معن الرقاشي) زيد بن يزيد الثقفي البصري، ثقة، من (11) لم يرو عنه غير (م) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ لأبي معن قالا حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة ثبت، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم الأنصاري المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (أخبرني أبي) جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري الأوسي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة المدني أحد الفقهاء السبعة، ثقة، من (3) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الله بن الحارث بن نوفل) بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي أبي محمد المدني، أمير البصرة، له رؤية ولأبيه وجده صحبة، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة، من (2) روى عنه في (6) أبواب (قال) عبد الله (كنت واقفًا) يومًا (مع أُبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني سيد القراء وكاتب الوحي رضي الله عنه روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من سباعياته (فقال) أُبي (لا يزال الناس مختلفة أعناقهم) جمع عنق وهو ما بين الرأس والكتف أي مختلفة أعناقهم (في طلب الدنيا) قال النووي: قال العلماء المراد بالأعناق الرؤساء والكبراء وقبل الجماعات يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة، قال القاضي: وقد يكون المراد بالأعناق نفسها وعبّر بها عن أصحابها لا سيما وهي التي بها التطلع والتشوف للأشياء اهـ وكنى باختلافها عن تطلع أعناق الرجال وتشوفها لحطام الدنيا، ولفظ رواية الصلت بن عبد الله عند أحمد "ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا" وهو في التفسير الأخير أظهر اهـ. قال عبد الله بن الحارث (قلت) لأبي (أجل) أي نعم مختلفة أعناقهم في طلبها (قال) أُبي (سمعت

رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَإِذَا سَمِعَ بِهِ الناسُ سَارُوا إِلَيهِ. فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ تَرَكنَا الناسَ يَأخُذُونَ مِنْهُ لَيُذهبَنَّ بِهِ كُلِّهِ. قَال فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيهِ. فَيُقْتَلُ، مِنْ كُلِّ مِائَةٍ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ". قَال أَبُو كَامِلٍ فِي حَدِيثِهِ: قَال: وَقَفْتُ أنا وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي ظِلِّ أُجُمِ حَسانَ. 7104 - (2873) (40) حدثنا عُبَيدُ بْنُ يَعِيشَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللفْظُ لِعُبَيدٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ بنِ سُلَيمَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوشك الفرات) ويقرب (أن يحسر) وينكشف (عن جبل من ذهب فإذا سمع به) أي بإنكشافه عن ذهب (الناس ساروا) أي ذهبوا (إليه) أي إلى ذلك الذهب (فيقول من عنده) أي من عند ذلك الذهب والله (لئن تركنا الناس) حالة كونهم (يأخذون منه) أي من ذلك الذهب (ليذهبن به) بضم الياء على صيغة المبني للمجهول (كله) بالجر على كونه تأكيدًا للضمير المجرور العائد إلى الذهب يعني أن الكنز كله يذهب به الآخرون ولا يتركوا لنا شيئًا أي لئن تركنا الناس على أخذه ليأخذون كله ولا يبقون لنا شيئًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقتتلون عليه) أي على ذلك الكنز (فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون) رجلًا (قال أبو كامل) الجحدري (في حديثه) أي في روايته (قال) عبد الله بن الحارث (وقفت أنا وأُبي بن كعب في ظل أجم) أي حصن (حسان) بن ثابت، والأجم بضم الهمزة والجيم الحصن وجمعه آجام كأطم وآطام في الوزن، والمعنى يعني أن أُبي بن كعب رضي الله عنه حدّث بهذا الحديث حينما كنا واقفين في ظل حصن حسان. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [5/ 139]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 7104 - (2873) (40) (حدثنا عبيد بن يعيش) بفتح الياء وكسر العين المهملة على وزن المضارع المحاملي الكوفي، ثقة، من (15) روى عنه في (3) أبواب (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ لعبيد قالا حدثنا يحيى بن آدم بن سليمان)

مَولَى خَالِدِ بنِ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ، عَن سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَنَعَتِ العِرَاقُ دِرهَمَهَا وَقَفِيزَهَا. وَمَنَعَتِ الشَّأمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا. وَمَنَعَت مِصْرُ إِردَبَّهَا وَدِينَارَهَا. وَعُدْتُم مِن حَيثُ بَدَأْتُم. وَعُدْتُم مِن حَيثُ بَدَأتم. وَعُدتُمْ مِن حَيثُ بَدَأتم" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأموي مولاهم (مولى خالد بن خالد) أبو زكرياء الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سهيل بن أبي صالح) السمان، صدوق من (6) (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا (منعت العراق) أي أهلها (درهمها وقفيزها) أي أبت وامتنعت من صرف زكاة نقودهم وحبوبهم وثمارهم تتبعًا لليهود والنصارى لسيطرتهم واستيلائهم على المسلمين في كل البلدان لنشرهم نظامهم ورفض المسلمين شريعتهم، والقفيز مكيال معروف في العراق يسع اثني عشر صاعًا وهو ثمانية مكاكيك يعني أنهم أبوا عن صرف زكاتهم تتبعًا بنظام النصارى وعملًا به (ومنعت الشام) أي أهلها (مديها) أي عن أن يصرفوا مديها (ودينارها) في الزكاة تمسكًا بنظام النصارى لغلبتهم على المسلمين كما هو شأن أغلب المسلمين اليوم في صلواتهم، والمدي بضم الميم وسكون الدال على وزن قفل مكيال معروف لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكًا والمكوك صاع ونصف فيكون المدى اثنين وعشرين صاعًا ونصف صاع (ومنعت مصر) أي أهلها (إردبها) بكسر الهمزة وسكون الراء وفتح الدال وتشديد الباء مكيال معروف لأهل مصر يسع أربعة وعشرين صاعًا (ودينارها وعدتم) الواو زائدة في وجوب إذا المقدرة أي إذا أبيتم من صرف زكاة أموالكم في نقودها وحبوبها وثمارها ورفضتم أصول دينكم عدتم أي رجعتم (من حيث بدأتم) أي رجعتم إلى الحالة كنتم عليها حيث بدأتم هذا الدين من الغرابة أي رجع دينكم إلى الغرابة كما كان عليها في حال بدايته وهو بمعنى حديث "بدأ الدين غريبًا وسيعود غريبًا"، وقوله (وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم) مرتين توكيد لفظي للمرة الأولى، قال القاضي عياض: وهذا الحديث بمعنى "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا" قال الأبي: وقوله (وعدتم من حيث بدأتم) يحتمل أن يكون الجواب والواو زائدة كواو الثمانية عند الفقهاء، وواو وفتحت عند المفسرين، ويحتمل أن لا تكون زائدة بل عاطفة والجواب محذوف تقديره يكون كذا وكذا على حسب ما يقتضيه المقام من التقديرات

شَهِدَ عَلَى ذلِكَ لَحمُ أَبِي هُرَيرَةَ وَدَمُهُ. 7105 - (2874) (41) حدثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن مَنصُورٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بن بِلالٍ. حَدَّثَنَا سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ، أَوْ بِدَابِقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كأن يقال هنا إذا منعت العراق درهمها وقفيزها .. الخ اقتربت الساعة وقامت القيامة وانتهى أجل الدنيا اهـ من الأبي بزيادة وتصرف والله تعالى أعلم بكلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وحاصل معناه أن الإسلام بدأ في قلة من العدد والعُدد وسيعود إلى تلك الحالة في آخر الزمان. قال أبو هريرة مبالغة في تقرير هذا الحديث (شهد على) كون (ذلك) الحديث الذي حدثته لكم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (لحم أبي هريرة ودمه) وعظمه وعصبه وجميع أجزائه والله سبحانه وتعالى أعلم، وقال القرطبي: معناه أي صدق بهذا الحديث وشهد بصدقه كل جزء من أبي هريرة ومعناه أن هذا الحديث حق في نفسه ولا بد من وقوعه اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الخراج باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة [3035]، وأحمد في مسنده [2/ 262]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو فتح القسطنطينية مع ما معه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7105 - (2874) (41) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا معلى بن منصور) الحنفي أبو يعلى الرازي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (حدثنا سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو) قال: النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي حتى ينزل الروم (بدابق) والأعماق بفتح الهمزة وبالعين المهملة قال الحموي في معجم البلدان [1/ 222] إنها كورة قرب دابق بين حلب وأنطاكية والدابق بفتح الباء الموحدة وكسرها وهو الصحيح، قال الحموي في معجم البلدان [3/ 416] إنها قرية قرب حلب

فَيَخْرُجُ إِلَيهِمْ جَيشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. مِن خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ. فَإِذَا تَصَافُّوا قَالتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَينَنَا وَبَينَ الذِينَ سُبُوْا مِنَّا نُقَاتِلهُمْ. فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا. وَاللهِ، لَا نُخَلِّي بَينَكُمْ وَبَينَ إِخْوَانِنَا. فَيُقَاتِلُونَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ من أعمال عزاز بينها وبين حلب أربعة فراسخ عندها مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان إذا غزا الصائفة إلى ثغر مصيصة وبه قبر سليمان بن عبد الملك بن مروان، وفي صحاح الجوهري: الأغلب في الدابق التذكير والصرف لأنه في الأصل اسم نهر وقد يؤنث ولا يُصرف والشك من الراوي اهـ دهني؛ أي حتى ينزل الروم بأحد هذين الموضعين لقتال المسلمين في آخر الزمان (فيخرج إليهم) أي إلى الروم (جيش) من المسلمين لدفاع الروم (من المدينة) أي من مدينة حلب لأن الأعماق ودابقًا موضعان بقريب حلب وقيل المراد من المدينة دمشق وقال في الأزهار: وأما ما قيل من أن المراد بالمدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضعيف لأن المراد بالجيش الخارج إلى الروم جيش المهدي بدليل آخر الحديث ولأن المدينة المنورة تكون خرابًا في ذلك الوقت؛ أي يخرج إليهم جيش كائن (من خيار) وأفاضل (أهل الأرض يومئذ) أي في ذلك الوقت لأنهم جيش المهدي (فإذا تصافوا) أي تصاف كل من الفريقين وقاموا صفًّا صفًّا للقتال (قالت الروم) ونادوا بقولهم (خلوا بيننا) أي فضوا بيننا (وبين الذين سبوا منا) أولادنا أولًا (نقاتلهم) أي نقتلهم قتلًا ذريعًا فاشيًا. وقوله (سبوا) رواه بعضهم بفتح السين والباء على صيغة المبني للفاعل ومرادهم على هذه الرواية أننا لا نريد أن نقاتل إلا الرجال الذين غزوا بلادنا وسبوا ذرارينا وإنما يريدون بتلك المقالة مخاتلة المسلمين ومخادعة بعضهم عن بعض ويبغون بها تفريق كلمتهم فإنهم يظهرون الصداقة لمن لم يسب منهم أحدًا، ورواه الآخرون (سُبوا) بضم السين والباء على صيغة المبني للمجهول ومعناه أننا إنما نريد أن نقاتل الذين كانوا منا أولًا فسباهم المسلمون حتى أسلموا بعد إقامتهم بدار الإسلام وجعلوا يقاتلوننا من هناك، وصوّب القاضي رواية من بناه للفاعل لكن قال النووي: كلاهما صحيح لأنهم سبوا أولًا ثم سبوا الكفار وهذا موجود في زماننا بل معظم عساكر الإسلام في بلاد الشام ومصر سُبوا أولًا ثم هم اليوم بحمد الله تعالى يسبون الكفار وقد سبوا في زماننا مرارا كثيرا يسبون في المرة الواحدة من الكفار ألوفًا كثيرة (فيقول المسلمون لا) نخليكم (والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا) المسلمين (فيقاتلونهم) أي

فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيهِمْ أَبدًا. وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أَفْضَلُ الشهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ. وَيَفْتَتِحُ الثلُثُ. لَا يُفتنُونَ أَبدًا. فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ. فَبَينَمَا هُمْ يَقتَسمُونَ الْغَنَائِمَ، قَد عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيتُونِ، إذْ صَاحَ فِيهِمُ الشيطَانُ: إنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقاتل المسلمون الروم (فينهزم ثلث) من جش المسلمين (لا يتوب الله عليهم) أي على أولئك المنهزمين (أبدًا) يعني أن ثلثًا من جماعة المسلمين ينهزمون أمام أهل الروم الكفار فلا يلهمون التوبة عن فرارهم من الزحف ويموتون، وفي صحيفة أعمالهم هذا الذنب، قال القرطبي: لأنهم فروا من الزحف حيث لا يجوز لهم الفرار فلا يتوب الله عليهم أي لا يلهمهم إياها ولا يعينهم عليها بل يصرون على ذنبهم ذلك ولا يندمون عليه، ويجوز أن يكون معنى ذلك أنه تعالى لا يقبل توبتهم وإن تابوا ويكونون هؤلاء ممن شاء الله تعالى أن لا تقبل توبتهم لعظيم جرمهم اهـ من المفهم، وقال علي القاري في المرقاة [1/ 147] وهذا كناية عن موتهم على الكفر وتعذيبهم على التأبيد (ويُقتل ثلثهم) أي ثلث المسلمين هم (أفضل الشهداء عند الله) يوم القيامة (ويفتح) أي يغلب (الثلث) الباقي من المسلمين الكفار حالة كون أولئك الثلث (لا يفتنون) في دينهم (أبدًا) بالبناء للمفعول يعني أنهم لا يقعون في فتنة الكفر أبدا وتحسن عاقبتهم والله أعلم، وقيل لا تقع بينهم فتنة الاختلاف وغيره اهـ دهني (فيفتتحون) أي يفتح هذا الثلث الباقي مدينة (قسطنطينية) بضم القاف وسكون السين وضم الطاء الأولى وكسر الثانية بعدها ياء ساكنة ثم بعدها نون هذا هو المشهور في ضبطها، وضبطها بعضهم بزيادة ياء مشددة بعد النون وهي مدينة عظيمة من أعظم بلاد الروم ولعل المراد من الروم النصارى لأن أهل الروم كانوا يومئذ نصارى، قال ابن ملك: قيل في بعض النسخ (فيفتحون) بتاء واحدة وهو الأصوب لأن الافتتاح أكثر ما يُستعمل بمعنى الاستفتاح فلا يقع موقع الفتح اهـ دهني (فبينما هم) أي المسلمون (يقتسمون الغنائم) أي غنائم القسطنطينية، والحال أنهم (قد علقوا سيوفهم بالزيتون) أي بشجره (إذ صاح) ونادى (فيهم) أي في المسلمين (الشيطان) بقوله (أن المسيح قد خلفكم في أهليكم) أي في دياركم والمراد بالمسيح الدجال سُمي بذلك لأن عينه اليسرى ممسوحة اهـ مبارق، قال القرطبي: كذا الرواية الجيدة (خلفكم) مخففة اللام بغير ألف أي خلفكم بشر يقال خلفك الرجل في أهلك بخير أو بشر، وقد تقدم قوله

فَيَخْرُجُونَ. وَذلِكَ بَاطِلٌ. فَإذَا جَاؤُوا الشَّأمَ خَرَجَ. فَبَينَمَا هُم يُعِدُّونَ لِلقِتالِ، يُسَوُّونَ الصفُوفَ، إذْ أُقِيمَتِ الصلاة. فَينْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ (صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ)، فَأمَّهُمْ. فَإِذَا رَآه عَدُوُّ اللهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ. فَلَوْ تَرَكَهُ لانَذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ. وَلكِنْ يقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ. فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم "من خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا" متفق عليه، وقد رواه بعضهم خالفكم والأول أجود لأن خالف يتعدى بإلى وخلف يتعدى بفي ورد خالف إلى خلف يجوز اهـ من المفهم (فيخرجون) من القسطنطينية (وذلك) أي والحال أن خبر خروج الدجال (باطل) أي كذب (فإذا جاؤوا) أي جاء المسلمون من القسطنطينية (الشام) أي إلى الشام أي إلى إيلياء قرية بيت المقدس بدليل ما بعده (خرج) الدجال يحتمل أن يكون مجيئهم إلى الشام وخروج الدجال متصلًا بفتح القسطنطينية ويحتمل أن يكون ذلك بعد الفتح بكثير (فبينما هم) أي المسلمون (يُعدون) أي يستعدون ويتأهبون (للقتال) أي لقتال الدجال وأتباعه من اليهود والنصارى، وقد (يسوون الصفوف) أي لصلاة الصبح (إذ أقيمت الصلاة) أي أقام المؤذن لصلاة الصبح (فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم) من السماء في مطر خفيف ينزل وقتئذ (فأمهم) عيسى - عليه السلام - أي فاقتدى عيسى بإمام المسلمين وهو المهدي، وفي المبارق: أي قصد عيسى المسلمين الاقتداء بهم لأخذ سنة رسولهم منهم لا أنه يؤمهم ويقتدون به كذا قاله الطيبي، وقيل الضمير المنصوب في أمهم يعود إلى الدجال وأتباعه يعني قصدهم عيسى بعد فراغهم من صلاة الصبح بإهلاكهم كذا في المبارق، وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في كتاب الإيمان في شرحنا هذا فراجعه (فإذا رآه) أي رأى (عدو الله) وهو الدجال عيسى - عليه السلام - (ذاب) عدو الله واسترخى ولان جسمه (كما يذوب الملح في الماء فلو تركه) عيسى بلا قتل (لانذاب) عدو الله (حتى يهلك) ويموت (ولكن يقتله الله) تعالى أي يقتل الدجال (بيده) أي بيد عيسى - عليه السلام - (فيريهم) أي فيري المسلمين عيسى (دمه) أي دم الدجال (في حربته) أي في رمحه. قوله (فلو تركه لانذاب) .. الخ يعني أنه كان من الممكن أن يهلك الدجال من غير أن يقتله عيسى - عليه السلام - لكونه ينذاب أمامه كما ينذاب الملح في الماء ولكن أراد الله أن يقتله بيد عيسى - عليه السلام - فيريهم دمه في حربته ليزداد كونه ساحرًا في قلوب المؤمنين.

7106 - (2875) (42) حدثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ الليثِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي الليثُ بْنُ سَعدٍ. حَدثَنِي مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ، عَن أَبِيهِ، قَال: قَال الْمُسْتَوْرِدُ القُرَشِيُّ، عِندَ عَمرِو بنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "تَقُومُ الساعَةُ وَالرُّومُ أكثَرُ الناس". فَقَال لَهُ عَمْرٌو: أبصِرْ مَا تَقُولُ. قَال: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِن رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو قيام الساعة والروم أكثر الناس بحديث المستورد بن شداد رضي الله عنه فقال: 7106 - (2875) (42) (حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثني عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي المصري، ثقة، من (7) (حدثني موسى بن عُلي) بضم أوله مصغرًا بن رباح بالموحدة اللخمي المصري وُلي إمرة مصر للمنصور ست سنين، صدوق، من (7) روى عنه في (3) أبواب (عن أبيه) علي بن رباح بن قصير ضد الطويل اللخمي المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب، قيل سبب تسميته عُليًّا بالتصغير أن بني أمية إذا سمعوا بمولود يُسمى عليًّا قتلوه فبلغ ذلك رباحًا فقال هو علي بضم العين ذكره الحافظ في التهذيب (قال) عُلي بن رباح (قال المستورد) بن شداد (القرشي) الفهري رضي الله عنه (عند عمرو بن العاص) بن وائل بن سهم القرشي رضي الله عنه (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): وهذا السند من سداسياته (تقوم الساعة والروم أكثر الناس) ولعل المراد من الروم النصارى لأن أهل الروم يومئذ نصارى وقد تحقق ذلك باتساع دينهم في الآفاق ويكثرون بقرب من القيامة، قال القاضي عياض: هذا الحديث ظهر صدقه فإنهم اليوم أكثر إلا من يأجوج ومأجوج فإنهم عمروا من الشام إلى منقطع أرض الأندلس واتسع دين النصرانية اتساعًا لم تتسعه أمة اهـ (فقال له) أي للمستورد (عمرو) بن العاص (أبصر) أي تيقن بقلبك (ما تقول) يا مستورد وفكر فيه وتثبت، كأنه نبه المستورد ليتثبت في نقل الحديث (قال) المستورد (أقول) أنا (ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم أزد عليه (قال) عمرو لمستورد: والله

لَئِنْ قُلتَ ذلِكَ، إِن فِيهِمْ لَخِصَالًا أَربَعًا: إِنَّهُم لأَحْلَمُ الناسِ عِندَ فِتنَةٍ. وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعدَ مُصِيبَةٍ. وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ. وَخَيْرُهُمْ لِمسكِينٍ ويتِيمٍ وَضَعِيفٍ. وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (لئن قلت ذلك) الذي قلت فيهم وهو قيام الساعة وهم أكثر الناس فذلك أحق بهم، وذلك (إن فيهم لخصالًا أربعًا) محمودة فلذلك كانوا أكثر الناس، قال الأبي: وهو مدح لتلك الأوصاف لا أنها مدح لهم من حيث اتصافهم بها، ويحتمل أنه إنما ذكرها من حيث أنها سبب لكثرتهم، قال الطبري: وهذه الخلال الأربع الحميدة لعلها كانت في الروم التي أدرك وأما اليوم فهم أنجس الخليقة، وعلى الضد من تلك الأوصاف، ويستنبط منه أنه لا بأس بمدح الأوصاف الحسنة وإن وجدت في الكفار ويحسن ذكرها على سبيل الاعتبار ولحض المسلمين على الأخذ بها فإنهم أحق بها وأهلها والحكمة ضالة ثم فصل تلك الخصال بقوله (إنهم) أي إن الروم (لأحلم الناس عند فتنة) أي لأصبر الناس عند حصول شدة ومهلكة (وأسرعهم إفاقة) من الحزن (بعد) حصول (مصيبة) وتجرعها (وأوشكهم) أي أسرعهم (كرة) أي رجوعًا إلى العدو (بعد فرة) أي بعد فرار منهم. وقوله (وأوشكهم) اسم تفضيل من وشك بوزن كرم بمعنى أسرع، والكرة بعد الفرة رجوع الجيش وصولته بعد انهزامه، وفراره يعني أنهم يسرعون في الهجوم بعد فرارهم (وخيرهم) أي خير الناس وأرحمهم وأشفقهم (لمسكين) وفقير (و) و (يتيم) لا أب له بإصلاح أموره (و) و (ضعيف) في الخلقة كالزمن والأقطع والأعرج أو بالمرض (و) لهم أيضًا خصلة (خامسة) لهذه الأربع (حسنة جميلة) كأنه تذكر صفة خامسة بعدما عد الأربعة فذكرها وإنما وصف هذه الخصلة الخامسة بكونها حسنة جميلة مع أن ما قبلها كان حسنًا أيضًا لأنها في نظره أحسن الجميع أو المراد أنها حسنة أيضًا وبين تلك الخامسة بقوله (وأمنعهم) أي أمنع الناس (من ظلم الملوك) أي أنهم يمنعون الملوك من الظلم أو أنهم يحمون الناس من ظلم الملوك، وذكر أحمد في مسنده ولم يذكر (وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة) وجعل هذه الخامسة رابعة. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد في مسنده [4/ 230]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المستورد رضي الله عنه فقال:

7107 - (00) (00) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التجِيبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدثَنِي أَبُو شُرَيحٍ؛ أن عَبْدَ الْكَرِيم بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ؛ أن الْمُسْتَوْرِدَ الْقُرَشِيَّ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "تَقُومُ الساعَةُ وَالرُّومُ أكثَرُ الناسِ". قَال: فَبَلَغَ ذلِكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَال: مَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تُذكَرُ عَنْكَ أَنكَ تَقُولهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ؟ فَقَال لَهُ الْمُسْتَورِدُ: قُلْتُ الذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. قَال: فَقَال عَمْرٌو: لَئِنْ قُلْتَ ذلِكَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 7107 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا أبو شريح) عبد الرحمن بن شريح بن عبيد الله المعافري بفتح الميم والمهملة الإسكندراني، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (أن عبد الكريم بن الحارث) بن يزيد الحضرمي أبي الحارث المصري روى عن المستورد مرسلًا، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الجهاد والفتن (حدثه) أي حدّث لأبي شريح (أن المستورد) بن شداد (القرشي) الفهري الصحابي الشهير رضي الله عنه (قال) المستورد (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الكريم لعلي بن رباح، قال النووي: وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال: عبد الكريم لم يدرك المستورد فالحديث مرسل (قلت) لا استدراك على مسلم في هذا لأنه ذكر الحديث بحروفه في الطريق الأول من رواية عُلي بن رباح عن أبيه عن المستورد متصلًا وإنما ذكر الطريق الثاني متابعة وقد سبق أنه يحتمل في المتابعة ما لا يحتمل في الأصول، وقد سبق أيضًا أن مذهب الشافعي والمحققين أن الحديث المرسل إذا رُوي من جهة أخرى متصلًا احتج به وكان صحيحًا اهـ منه. أي قال المستورد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تقوم الساعة والروم أكثر الناس، قال) عبد الكريم (فبلغ ذلك) الحديث الذي قاله المستورد (عمرو بن العاص فقال) عمرو للمستورد (ما هذه الأحاديث التي تُذكر) بالبناء للمفعول أي تُروى (عنك أنك تقولها) وترويها (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) أي لعمرو (المستورد قلت) أي حدثت أنا الحديث (الذي سمعت) بأذني (من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا غيره وما كذبت عليه صلى الله عليه وسلم (قال) المستورد (فقال) لي (عمرو) والله (لئن قلت) وحدثت (ذلك)

إِنَّهُم لأَحْلَمُ النَّاسِ عِندَ فِتنَةٍ. وَأجبَرُ الناسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ. وَخَيرُ الناسِ لِمَسَاكِينِهِم وَضُعَفَائِهِمْ. 7108 - (2876) (43) حدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابنِ عُلَيَّةَ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ)، حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بن إِبْرَاهِيمَ، عَن أَيوبَ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ العَدَوي، عَن يُسَيرِ بْنِ جَابِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث الذي سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم حقيق بذلك أي بكونهم أكثر الناس وقت قيام الساعة وذلك (إنهم) أي إن الروم (لأحلم الناس) وأصبرهم (عند) وقوع (فتنة) وبلية (وأجبر الناس عند مصيبة) أي أنهم يجبرون ما أصابهم من نقص عند مصيبة ويتلافون ذلك، كذا رواية الجمهور وهو من جبرت العظم والرجل إذا شددت مقافره، وقد فُسّر معنى هذه الرواية في الرواية الأولى التي قال فيها (وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة) ووقع لبعضهم (أصبر الناس) بدل أجبر الناس، والأول أصح وأحسن لمطابقة الرواية الأولى يعني (وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة) وهذا بمعنى أخبر، ولبعضهم (أخبر الناس) بالخاء المعجمة بمعنى أنهم أخبر بعلاج المصيبة (وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 7108 - (2876) (43) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر) بن إياس السعدي المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (كلاهما) رويا (عن) إسماعيل (بن علية) الأسدي البصري (واللفظ لابن حجر) قال ابن حجر (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم المعروف بابن علية (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي قتادة العدوي) البصري مختلف في صحبته اسمه تميم بن نذير، ويقال ابن الزبير، وقيل نذير بن قنفذ، وقيل تميم بن يزيد، روى عن عمران بن حصين في الإيمان، ويسير بن جابر في الفتن، ويقال أسير بن جابر، ويروي عنه (م دس) وحميد بن هلال وإسحاق بن سويد، وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات، له عندهم حديثان (عن يسير بن جابر) ويقال فيه أسير أبو الخباز العبدي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب له رؤية، مات سنة (85)

قَال: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ. فَجَاءَ رَجُلٌ لَيسَ لَهُ هِجِّيرَى إلَّا: يَا عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتِ الساعةُ. قَال: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا. فَقَال: إِن الساعَةَ لَا تَقُومُ، حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ. ثُم قَال بِيَدِهِ هَكذَا - (وَنَحَّاهَا نَحوَ الشَّأمِ) - فَقَال: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإِسْلامِ ويجْمَعُ لَهُم أَهْلُ الإِسْلامِ. قُلْتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ خمس وثمانين (قال) يسير (هاجت) وعصفت (ريح) شديدة (حمراء بالكوفة) أحمرت بها السحاب ويبست بها الشجر وانكشفت الأرض فظهرت حمرتها (فجاء رجل) إلى عبد الله بن مسعود لم أر من ذكر اسمه (ليس له) أي لذلك الرجل (هجيري) بكسر الهاء وتشديد الجيم في آخرها ألف مقصورة، وضبطه أبو الفتح الشاشي التميمي هجيرًا على وزن فعيلًا بالتنوين، وضبطه العذري هجيرًا على وزن خمير (قلت) وكلاهما لغة صحيحة، قال الجوهري: الهجير مثل الفسيق الدأب والعادة والديدن وكذلك الهجِّيرى والإهجِيرى، يقال ما زال ذلك هجيراه وإهجيراه وإجرياه أي دأبه وعادته، قال غيره: وهجيرى أفصحها أي فجاء رجل إلى ابن مسعود ليس له دأب وعادة وديدن في محاورته مع ابن مسعود إذا استغرب شيئًا (إلا) قوله (يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة) وقامت القيامة يعني أن هذا الرجل كلما رأى شيئًا استغربه جاء إلى عبد الله بن مسعود، وقال: يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، فلما رأى الريح الحمراء تهيج زعم أن القيامة جاءت فأتى عبد الله بن مسعود وأخبره بزعمه. وهذا السند من سباعياته (قال) يسير (فقعد) ابن مسعود (وكان) عبد الله أولًا (متكئًا) أي معتمدًا على شيء (فقال) عبد الله (إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة) يعني أن القيامة لا تقوم حتى يقع قتال شديد يكثر فيه القتل بحيث لا يكون لمورث من يرث ماله ولا يفرح المنتصرون بما غنموا من الأموال لأن حزنهم على قتلاهم أشد من ذلك (ثم قال) عبد الله أي أشار (بيده هكذا) أي رفعها (ونحاهما) أي وجهها (نحو الشام) أي جهة الشام (فقال) عبد الله (عدو) مبتدأ خبره (يجمعون) وسوغ الابتداء بالنكرة قصد الإبهام أو وصفه بصفة محذوفة أي عدو عظيم يجمعون ها هنا أي في الشام جيشًا وسلاحًا (لأهل الإسلام) أي لقتالهم، وفي المشكاة لأهل الشام (ويجمع) أيضًا (لهم) أي لقتال الأعداء (أهل الإسلام) جيشًا وسلاحًا، قال يسير (قلت) لابن مسعود (الروم) بالنصب على أنه مفعول مقدم لـ (تعني)

قَال: نَعَمْ. وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ ردَّةٌ شَدِيدَةٌ. فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةَ. فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَينَهُمُ الليلُ. فَيَفِيءُ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ. كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ. وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ. ثُم يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ. لَا تَرْجِعُ إلا غَالِبَةً. فَيَقتَتِلُونَ. حَتَّى يَحْجُزَ بَينَهُمُ الليلُ. فَيَفِيءُ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ. كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي تعني وتقصد يا عبد الله بالعدو الذي يجمع الجيش والسلاح لقتال أهل الإسلام الروم (قال) عبد الله (نعم) أعني بالعدو الروم (و) قال عبد الله أيضًا (تكون عند ذاكم القتال) الواقع في الشام أي تقع من الجانبين (ردة شديدة) وكرة كثيرة وعطفة قوية، قوله (ردة شديدة) بفتح الراء وتشديد الدال أي عطفة قوية ورجوع قوي بعد الفر أو صولة شديدة كما في النهاية (فيشترط المسلمون) ضبطوه على وجهين إما من الافتعال أو من التفعل (شرطة) بضم الشين طائفة من الجيش تتقدم (للموت) أي للقتال أي يقتطع المسلمون من عسكرهم شرطة أي طائفة للموت والمراد من اشتراطها للموت أنهم يعزمون على أن هذه الطائفة (لا ترجع إلا غالبة) فإما أن تنتصر على عدوها أو تموت، قال القرطبي: والشُرطة بضم الشين وهي هنا أول طائفة من الجيش تقاتل، ومنه الشرطان نجمان من المنازل لتقدمهما أول الربيع وقيل إنهم سموا بذلك لعلامات تميزوا بها والأشراط العلامات وهذا هو الأعرف (فيقتتلون) أي فيقاتل الفريقان المسلمون والروم من أول النهار (حتى يحجز) ويحول (بينهم الليل) أي ظلامه أي يحول بينهم وبين القتال الليل بسبب ظلمته والحاجز هو الفاصل بين شيئين (فيفيء) يرجع (هولاء) الفريق من المسلمين من المعركة إلى معسكرهم (وهولاء) الفريق من الكفار إلى مركزهم أي يرجعون إلى معسكرهم (كل غير غالب) أي حالة كون كل فريق غير غالب لخصمه، واستشكل قوله كل غير غالب على ما سيأتي من قوله (وتفنى الشرطة) لأن الشرطة إذا فنيت صارت مغلوبة والأخرى غالبة، والجواب عنه بأن عدم الغلبة إنما هو بالنسبة على العسكرين جميعًا وإن هلاك الشرطة لا يستلزم كون العسكر كله مغلوبًا (ثم يشترط المسلمون) أي يقتطع المسلمون (شرطة) أي طائفة من الجيش (للموت) أي تتقدم للقتال حتى تموت (لا ترجع) إلى المعسكر (إلا غالبة فيقتتلون) أي فيقتتل الفريقان في اليوم الثاني من أوله إلى آخره (حتى يحجز) ويحول (بينهم) وبين القتال (الليل) أي ظلامه (فيفيء) أي فيرجع (هؤلاء) الفريق من المسلمين (وهولاء) الفريق من الكفار إلى معسكرهم (كل غير غالب)

وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ. ثُمَّ يَشْتَرِطُ المسلِمُونَ شُرطَةً لِلمَوتِ. لَا تَرْجِعُ إلا غَالِبَةً. فَيَقتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا. فَيَفِيءُ هؤُلاءِ وَهؤُلاءِ. كُلٌّ غَيرُ غَالِبٍ. وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ. فَإِذَا كَانَ يَومُ الرَّابع، نَهَدَ إِلَيهِم بَقِيَّةُ أهلِ الإِسلامِ. فَيَجْعَلُ اللهُ الدَّبَرَةَ عَلَيهِمْ. فَيَقْتُلُونَ مَقتَلَةً -إِمَّا قَال: لَا يُرَى مِثلُهَا، أمَّا قَال: لَم يُرَ مِثلُهَا- حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِم، فَمَا يُخَلِّفُهُم حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا ـــــــــــــــــــــــــــــ خصمه (وتفنى الشرطة) أي شرطة الطرفين في هذا اليوم الثاني أيضًا، قال الأبي انظر ما معنى وتفنى الشرطة فإن كان معناه وتنعدم فكيف الجمع بين ذلك وبني قوله ويرجع كل غير غالب إلا أن يكون المراد الجيش الذي هي منه إذ ليس من انعدام الشرطة أن يكون الجيشُ مغلوبًا اهـ منه كما مر آنفًا (ثم يشترط المسلمون) في اليوم الثالث أي يقطع المسلمون من الجيش (شرطة) أي طائفة منهم فيرسلون (للموت) أي للحرب حتى تموت (لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون) من أول النهار (حتى يمسوا) أي حتى يدخلوا في المساء (فيفيء هولاء وهولاء) إلى معسكرهم (كل) من الفريقين (غير غالب) لخصمه (وتفنى الشرطة) أي شرطة اليوم الثالث (فإذا كان اليوم الرابع) بإدخال أل على اليوم كما في نسخة القرطبي ليحصل التوافق بين الصفة والموصوف أي فإذا دخل اليوم الرابع من اليوم الأول (نهد) أي قام وتقدم (إليهم) أي إلى الكفار (بقية أهل الإسلام) والنهود في الأصل الارتفاع، ومنه نهود الثديين لأنه متقدم في الصدر أي بقيتهم من الأشراط الثلاثة التي هلكت أي هجموا على الكفار جملة (فيجعل الله الدبرة) أي الدائرة والهزيمة (عليهم) أي على الروم الكفار (الدبرة) بفتح الدال وسكون الموحدة كذا لكفافتهم، ورواه العذري (الدائرة) ومعناهما متقارب، قال الأزهري: الدائرة الدولة تدور على الأعداء والدبرة النصر والظفر يقال لمن الدبرة أي الدولة وعلى من الدبرة أي الهزيمة اهـ من المفهم، وقيل هي الحادثة (فيقتلون) أي فيُقتل المسلمون والروم (مقتلة) عظيمة، قال يسير بن جابر (إما قال) ابن مسعود فيقتتلون مقتلة عظيمة (لا يرى مثلها) أي نظيرها ومثيلها في المستقبل بلفظ لا (وإما قال) عبد الله فيقتتلون مقتلة عظيمة (لم ير مثلها) في الزمن الماضي بلفظ لم أي يتقاتلون قتلًا ذريعًا (حتى إن الطائر) من الطيور (ليمر بجنباتهم) أي بجوانب قتلاهم ونواحيهم (فما يخلّفهم) ذلك الطائر أي فما يقدر ذلك الطائر أن يجعل قتلاهم خلفه ووراءه بمروره عليهم مرة واحدة (حتى يخر) ويسقط ذلك الطائر (ميتًا)

فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ، كَانُوا مِائَةً. فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنهُمْ إلا الرَّجُلُ الوَاحِدُ. فَبِأيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ؟ أَوْ أيُّ مِيَراثٍ يُقَاسَمُ؟ فَبَينَمَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأسٍ، هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ لطول مصارعهم وبُعد مسافتها أو لنتن رائحتهم، وقوله (بجنباتهم) بفتح الجيم والنون هو رواية الجمهور جمع جنبة وهي الجانب، ووقع لبعضهم (بجثمانهم) أي بأشخاصهم والجثمان والآل والطلل والشخص كلها بمعنى فتُقال على الجالس والنائم، قوله (يخلفهم) من التخليف لأنه من فعل المضعف معناه يجعلهم خلفه أي يجاوزهم والمعنى أنه يكثر القتلى وتكون نعوشهم مبثوثة إلى مسافة بعيدة جدًّا بحيث لو أراد طائر أن يطير في سائر نواحيهم فإنه لا يستطيع ذلك في طيرانه الواحد ولو فعل ذلك خر ميتًا وذلك لكون الحرب تجاوزت إلى مسافة بعيدة مترامية الأطراف أو لعدم تحمله لنتن القتلى (فيتعاد) قال في المرقاة: بصيغة المعلوم وقيل بصيغة المجهول من باب تفاعل الخماسي أصله يتعادد أي فيعد (بنو الأب) الواحد من المسلمين كذا في الأبي، الذين (كانوا) أولًا (مائة) لمعرفة من قتل ومن بقي منهم (فلا يجدونه) قال في المرقاة: الضمير المنصوب عائد إلى مائة بتأويله بالمعدود أو العدد أي فلا يجدون عددهم (بقي منهم إلا الرجل الواحد) وقيل إن بني الأب بمعنى القوم، والقوم مفرد اللفظ جمع المعنى فيصح عود ضمير منهم إلى بني الأب نظرًا إلى المعنى وخلاصة المعنى أنهم يشرعون في عد أنفسهم فيشرع كل جماعة في عد أقاربهم فلا يجدون من مائة إلا واحدًا، وزبدته أنه لم يبق من مائة إلا واحد اهـ من المرقاة باختصار، يعني أن جماعة من الذين حضروا ذلك القتال وكانوا أبناء لأب واحد أو جد واحد وأرادوا أن يعدوا أنفسهم لمعرفة من قتل ومن بقي منهم فعدّوا لا يجدون ممن بقي منهم إلا واحدًا من مائة ويجدون باقيهم مقتولين، قال عبد الله أيضًا (فبأي غنيمة يفرح) على صيغة المبني للمفعول (أو) قال أي ميراث والثك من الراوي (أي ميراث يقاسم) لأن الباقي منهم واحد من مائة (فبينما هم) أي المسلمون كائنون (كذلك) أي متقاسمي الغنائم وعدَّ من بقي (إذ سمعوا ببأس) أي بحرب عظيم (هو أكبر) وأشد (من ذلك) الحرب الذي فرغوا منه وهو قتال الروم، والبأس ها هنا بمعنى الفتنة والمصيبة يعني أنهم سمعوا في تلك الحالة أنه نزلت عليهم مصيبة أعظم مما فرغوا منها وهي مصيبة خروج الدجال، قال النووي: هكذا هو في نسخ بلادنا (ببأس هو أكبر) وكذا حكاه القاضي عن محققي رواتهم، وللعذري وغيره (إذ سمعوا بناس هم أكثر) بنون وسين مهملة، والأول هو الصواب، وتؤيده رواية أبي داود (إذ سمعوا بأمر أكبر من

فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ؛ إِن الدَّجَّال قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ. فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيدِيهِمْ. ويُقْبِلُونَ. فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولهِمْ. هُم خَيرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأرضِ يَوْمَئذٍ. أَوْ مِنْ خَيرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئذٍ". قَال ابْنُ أَبِي شَيبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ أُسَيرِ بْنِ جَابِرٍ. 7109 - (00) (00) وحدَّثني مُحَمدُ بْنُ عُبَيدٍ الغُبَرِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك) أي بأمر هائل فظيع (فجاءهم الصريخ) فعيل من الصراخ وهو الصوت عند الأمر الهائل أي جاءهم صوت المستصرخ أي المستغيث يقول (إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم) أي قد أعقبهم في أولادهم وأهاليهم (فيرفضون) أي يرمون (ما في أيديهم) من مال الغنيمة ويتركونه ويلقونه فزعًا على الأهل والعيال (ويقبلون) أي يتوجهون بأنفسهم إلى جهة الدجال لقتاله (فيبعثون عشرة فوارس) جمع فارس راكب فرس أي عشرة من الفرسان حالة كونهم (طليعة) لهم وجاسوسًا على الدجال، والطليعة من يبعث ليتطلع على حال العدو كالجاسوس ويستكشفه فعيلة بمعنى فاعلة يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالسند السابق (إني لأعرف أسماءهم) أي أسماء أولئك الفوارس العشرة (وأسماء آبائهم وألوان خيولهم) جمع لون هل هي بياض أو سواد أو حمرة (هم) أي أولئك الفوارس (خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ) أي يوم إذ بعثوهم طليعة لهم على الدجال، وقوله (على ظهر الأرض) احتراز من الملائكة، وقوله (يومئذ) احتراز من العشرة المبشرة وأضرابهم اهـ دهني (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي (من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ) بالشك من الراوي أو ممن دونه بزيادة من، قال المؤلف (قال) لنا أبو بكر (بن أبي شيبة في روايته) لنا (عن أسير بن جابر) بالهمزة بدل الياء في يسير في رواية علي بن حجر. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد في مسنده [1/ 384 و 435]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7109 - (00) (00) (وحدثني محمد بن عبيد) بن حساب (الغبري) نسبة إلى غبر

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ، عَن أَيُّوبَ، عَن حُمَيدِ بنِ هِلالٍ، عَن أَبِي قَتَادَةَ، عَن يُسَيرِ بنِ جَابِرٍ قَال: كُنْتُ عِندَ ابنِ مَسعُودٍ فَهَبَّت رِيحٌ حَمرَاءُ. وَسَاقَ الحَدِيثَ بِنَحْوهِ. وَحَدِيثُ ابنِ عُلَيَّةَ أَتَمُّ وَأَشبَعُ. 7110 - (00) (00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ (يَعْنِي ابنَ الْمُغِيرَةِ). حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ (يَعْنِي ابنَ هِلالٍ) عَن أَبِي قَتَادَةَ، عَن أُسَيرِ بنِ جَابِر، قَال: كُنْتُ فِي بَيتِ عَبدِ اللهِ بْنِ مَسعُودٍ. وَالبَيتُ مَلآنُ. قَال: فَهَاجَت رِيحٌ حَمرَاءُ بِالْكُوفَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابنِ عُلَيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بن غنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن أيوب بن حميد بن هلال عن أبي قتادة) العدوي (عن يسير بن جابر قال كنت عند ابن مسعود) رضي الله عنه (فهبت) أي عصفت (ريح حمراء) شديدة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة حماد لابن علية (وساق) حماد (الحديث بنحوه) أي بنحو حديث ابن علية (و) لكن (حديث ابن علية أتم) سندًا وأصح (وأشبع) متنًا وأطول من حديث حماد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال: 7110 - (00) (00) (وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان يعني ابن المنيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا حميد يعني ابن هلال عن أبي قتادة عن أسير بن جابر قال كنت في بيت عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن المغيرة لابن علية ولكنها متابعة ناقصة (والبيت) أي والحال أن بيت عبد الله (ملان) أي مملوءة بالحاضرين عنده (قال) أسير (فهاجت) أي هبت وعصفت (ريح حمراء بالكوفة فذكر) سليمان (نحو حديث ابن علية) والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أبي بن كعب ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والخامس حديث المستورد ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان

762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان 7111 - (2877) (44) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ. قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ فِي غَزوَةٍ. قَال: فَأتَى النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ. عَلَيهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ. فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكَمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 762 - (6) باب فتوحات المسلمين قبل الدجال والآيات التي تكون قبل الساعة ولا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز وفي سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة وعدم إنبات الأرض مع كثرة المطر وكون الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو ذكر فتوحات المسلمين قبل الدجال بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 7111 - (2877) (44) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابا (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الفرسي أبو عمر القبطي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة بضم الجيم السوائي الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما (عن نافع بن عتبة) بن أبي وقاص القرشي الزهري ابن أخي سعد بن أبي وقاص، الصحابي الصغير، أسلم يوم الفتح رضي الله عنه، روى عنه جابر بن سمرة في الفتن، يروي عنه (م ق) وجابر بن سمرة، انفرد له (م) بحديث واحد وهو هذا الحديث الآتي. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) نافع بن عتبة كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة) غزاها ولم أر من عيّن هذه الغزوة باسمها، قال نافع (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب) أي من قبل مغرب المدينة (عليهم) أي على أولئك القوم (ثياب الصوف) هذا لباس أهل البادية (فوافقوه) أي فوافق أولئك القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي صادفوه (عند أكمة) أي عند تلة صغيرة والأكمة القطعة الغليظة

فَإِنَّهُم لَقِيَامٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَاعِدٌ. قَال فَقَالتْ لِي نَفْسِي: ائْتِهِم فَقُمْ بَينَهُمْ وَبَينَهُ. لَا يَغتَالُونَهُ. قَال: ثُمَّ قُلْتُ: لَعَلَّهُ نَجِيٌّ مَعَهُم. فَأتَيتُهُمْ فَقُمْتُ بَينَهُمْ وَبَينَهُ. قَال فَحَفِظْتُ مِنْهُ أربَعَ كَلِمَاتٍ. أَعُدُّهُنَّ فِي يَدِي. قَال: "تَغْزُونَ جَزِيرَةَ العَرَبِ، فَيَفْتَحُهَا اللهُ. ثُمَّ فَارِسَ، فَيَفْتَحُهَا اللهُ. ثُم تَغْزُونَ الرُّومَ، فَيَفتَحُهَا اللهُ. ثُم تَغْزُونَ الدَّجَّال، فَيَفْتَحُهُ اللهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ من الرمل، قال القرطبي: أي وقفوا أمامه فوقف لهم أو استدعوا منه ذلك أي الوقوف لهم يعني أنهم وصلوا إليه صلى الله عليه وسلم بقرب الأكمة والأكمة التل الصغير (فإنهم) أي فإن أولئك القوم (لقيام) أي لقائمون قدامه صلى الله عليه وسلم (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد) بينهم (قال) نافع (فقالت لي نفسي أئتهم) أي ائت هؤلاء القوم وجئهم (فقم بينهم وبينه) صلى الله عليه وسلم فـ (لا يغتالونه) أي لا يقتلون النبي صلى الله عليه وسلم غيلة وهي القتل في غفلة وخفاء وخديعة وهذا خطاب منه لنفسه يعني قلت في نفسي أنه ينبغي لي أن آتيهم وأذهب إليهم فأقوم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم أعراب جلف فلا يبعد منهم أن يكونوا أرادوا به سوءًا فيغتالوا النبي صلى الله عليه وسلم أي يقتلوه غيلة وخديعة (قال) نافع (ثم قلت) لنفسي (لعله) صلى الله عليه وسلم (نجي) أي متحدث (معهم) سرًّا، والنجي هو المناجي أي المتحدث مع غيره في خلوة، قال نافع (فأتيتهم) أي جئتهم (فقمت بينهم وبينه) صلى الله عليه وسلم كأنه احتاط فقام بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستطيع أن يدافع عنه على احتمال اغتيالهم وتبين له أنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر إليهم شيئًا لا يحب أن يظهره على غيرهم فإنه يمنعه عن القيام هناك فلما لم يمنعه ظهر أن الأمر ليس سرًّا (قال) نافع (فحفظت منه) صلى الله عليه وسلم (أربع كلمات أعدهن) لحفظهن (في) أصابع (يدي) فـ (قال): رسول الله صلى الله عليه وسلم (تغزون) أيتها الأمة (جزيرة العرب فيفتحها الله) تعالى عليكم لأن الخطاب للمسلمين من حيث كونهم أمة وليس للحاضرين فقط، قال القرطبي: هذا الخطاب وإن كان لأولئك القوم الحاضرين فالمراد هم ومن كان على مثل حالهم من الصحابة والتابعين الذين فتحت بهم تلك الأقاليم المذكورة ومن يكون بعدهم من أهل هذا الدين الذين يقاتلون في سبيل الله إلى قيام الساعة ويرجع معنى هذا الحديث إلى معنى الحديث الآخر الذي فيه "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على

قَال: فَقَال نَافِعٌ: يَا جَابِرُ، لَا نَرَى الدَّجَّال يَخرُجُ حَتى تُفْتَحَ الرُّومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة" رواه أحمد والترمذي اهـ من المفهم. والحاصل أن جزيرة العرب كلها ستفتح للمسلمين ووقع الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وجزيرة العرب أرضهم التي نشؤوا فيها وسميت جزيرة لأنها مجزورة بالبحار والأنهار أي مقطوعة بها من الجزر وهو القطع، وقيل لأنها جزرت بالبحار التي أحدقت بها اهـ مفهم، قال في المرقاة: وقد تقدم تفسيرها ومجمله على ما حُكي عن مالك مكة والمدينة واليمامة واليمن؛ والمعنى تغزون بقية جزيرة العرب أو جميعها بحيث لا يُترك فيها كافر والخطاب للصحابة أو للأمة اهـ منه. قال القاضي: قال الخليل: سُميت جزيرة لإحاطة البحار والأنهار بها عن فارس وبحر الحبشة ودجلة والفرات، وقال الأصمعي: جزيرة العرب ما لم يبلغه ملك فارس من أقصى عدن إلى ريف العراق، وعرضها من جدة إلى ساحل البحر إلى أطراف الشام، وقال الشعبي: هي في الطول ما بين قصر أبي موسى بالعراق إلى أقصى اليمن، وفي العرض ما بين رمل قبرص إلى منقطع السماوة، وعن مالك هي المدينة، وعن المغيرة هي مكة والمدينة واليمامة واليمن، وحكى إسماعيل القاضي عن مالك، وقال أيضًا: هي كل بلد لم تملكه الروم ولا فارس اهـ من الأبي. (ثم) تغزون (فارس فيفتحها الله) تعالى لكم (ثم تغزون الروم فيفتحها الله) تعالى لكم كما وقع ذلك حيث افتتح فارس والشام زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبقية بلاد الروم بعده (ثم تغزون الدجال فيفتحه الله) تعالى لكم، أما هذا الأمر الرابع فمنتظر إن شاء الله تعالى، قال النووي: ويروى (فيفتحها) بضمير المؤنث وضمير المذكر يحتمل أن يعود على الدجال، ومعنى فتحه قتله على يد عيسى - عليه السلام -، ويحتمل أن يعود على ملكه، وضمير المؤنث يعود على مملكته بأرضه التي يغلب عليها اهـ (قال) جابر (فقال) أبي (نافع يا جابر لا نرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الفتن باب الملاحم [4143]، وأحمد [4/ 237]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو ذكر الآيات

7112 - (12878) (45) حدثنا أَبُو خَيثَمَةَ، زُهَيرُ بن حَربٍ وَإِسحَاقُ بن إِبرَاهِيمَ وَابنُ أَبِي عُمَرَ المَكِّيُّ -وَاللفظُ لِزُهَيرٍ- (قَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ، عَن أَبِي الطُّفَيلِ، عَن حُذَيفَةَ بنِ أَسِيدٍ الغِفَارِي قَال: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَينَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ. فَقَال: "مَا تَذَاكَرُونَ؟ " قَالُوا: نَذكُرُ السَّاعَةَ. قَال: "إِنَّهَا لَن تَقُومَ حَتى تَرَونَ قَبلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ". فَذَكَرَ الدُّخَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ التي قبل الساعة بحديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه فقال: 7112 - (2878) (45) (حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر المكي) العدني (واللفظ لزهير قال إسحاق أخبرنا، وقال الآخران حدثنا سفيان بن عيينة عن فرات) بن أبي عبد الرحمن (القزاز) التميمي أبي محمد البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي المكي، وُلد عام أُحد، وأثبت مسلم وابن عدي صحبته ورؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم، الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (10) أبواب (عن حذيفة بن أسيد) بقح الهمزة (الغفاري) الكوفي رضي الله عنه روى عنه في بابين (2) القدر والفتن. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي، قال النووي: وهذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال الدارقطني: ولم يرفعه غير فرات عن أبي الطفيل من وجه صحيح قال: ورواه عبد العزيز بن رفيع وعبد الملك بن ميسرة موقوفًا هذا كلام الدارقطني (قلتُ) وقد ذكر مسلم رواية ابن نافع موقوفة كما قال، ولا يقدح هذا في الحديث فإن عبد العزيز بن رفيع ثقة حافظ متفق على توثيقه فزيادته الرفع مقبولة اهـ (قال) حذيفة (اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا) أي نظر إلينا (ونحن نتذاكر) العلم وهو في غرفة له ونحن أسفل منه كما سيأتي في الرواية الآتية (وقال) لنا (ما تذاكرون) أي في أي موضوع تذاكرون (قالوا) فيه التفات، ومقتضى السياق قلنا أي قال المتذاكرون: معنى نحن (ندكر الساعة) أي نتذاكر الساعة وأشراطها (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إنها) أي إن الساعة (لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات) أي علامات (فذكر) النبي صلى الله عليه وسلم في بيان تلك العشر (الدخان) وهذا الحديث يؤيد قول من قال إن الدخان

وَالدَّجَّال، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَريَمَ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ويأجُوجَ وَمَأجُوجَ. وَثَلاثةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَآخِرُ ذلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ اليَمَنِ، تَطرُدُ الناسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام وأنه لم يأت بعد وإنما يكون قريبًا من الساعة وفُسِّر به قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، على ما ذهب إليه غير ابن مسعود وهم جماعة من السلف وهو مروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة وابن عباس والحسن وابن أبي مليكة، وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن من أشراط الساعة دخان يمكث في الأرض أربعين يومًا" وأنكر هذا القول ابن مسعود وقال: إنه عبارة عما نال قريشًا من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان، وقد وافق ابن مسعود على هذا جماعة ويؤيد قول ابن مسعود قوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12]، وقوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 15]، ويمكن أن يجمع بين القولين بأنهما دخانان جمعًا بين هذه الآثار (و) ذكر (الدجال) أي الكذاب الذي يدعي الألوهية. وسيأتي بسط الكلام فيه في بابه (و) ذكر (الدابة) وهي المرادة في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} بكلام يفهمونه، وذكر المفسرون أنها دابة عظيمة تخرج من صدع في الصفا لا يفوتها أحد فتسم على المؤمن فينير وجهه وتكتب بين عينيه مؤمن، وتسم الكافر فيسود وجهه وتكتب بين عينيه كافر، وذكروا أنها آخر الآيات ويغلق عندها باب التوبة والعلم والعمل (و) ذكر منها (طلوع الشمس من مغربها) واعلم أن الأشياء العشرة معدودة هنا على غير ترتيبها ولذلك ذكر طلوع الشمس من مغربها قبل نزول عيسى ابن مريم وقبل خروج يأجوج ومأجوج ودلت الأحاديث الأخرى على أن طلوع الشمس من مغربها إنما سيكون قبل نفخة الصور وحينئذ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل اهـ مرقاة [1/ 185] (ونزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - و) خروج (يأجوج ومأجوج و) ذكر منها (ثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب) قال ابن الملك: قد وُجد الخسف في مواضع لكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرًا زائدًا على ما وُجد كان يكون أعظم مكانًا وقدرًا كذا في المرقاة (وآخر ذلك) المذكور من العلامات العشر (نار تخرج من اليمن تطرد الناس)

إِلَى مَحْشَرِهِم. 7113 - (00) (00) حدثنا عُبَيدُ اللهِ بن مُعَاذٍ العَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَن فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيلِ، عَن أبِي سَرِيحَةَ، حُذَيفَةَ بنِ أَسِيدٍ. قَال: كَانَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غُرفَةٍ وَنَحْنُ أَسفَلَ مِنهُ. فَاطَّلَعَ إِلَينَا فَقَال: "مَا تَذْكُرُونَ؟ " قُلْنَا: الساعَةَ. قَال: "إِن الساعَةَ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وتسوقهم (إلى محشرهم) وهو أرض الشام، وهذه النار غير النار التي سيأتي ذكرها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإنها تخرج من أرض الحجاز وتضيء أعناق الإبل ببصرى، وسيأتي الكلام عليها هناك، أما النار المذكورة هنا فتخرج من اليمن، ووقع في الرواية الآتية أنها تخرج من قعرة عدن، ووقع في حديث ابن عمر عند أحمد مرفوعًا "تخرج نار قبل يوم القيامة من حضرموت فتسوق الناس" وأما قوله (فتطرد الناس إلى محشرهم) فالمراد منه أن الناس يخرجون من بيوتهم فرارًا منها وهجرة إلى مواضع أخرى، والمراد من المحشر أرض يجتمع فيها معظمهم بعد الفرار منها وحمل بعضهم هذا الحديث على المجاز فقالوا هو كناية عن الفتنة الشديدة اهـ من التكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الملاحم باب أمارات الساعة [4311]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في الخسف [2183]، وابن ماجه في الفتن باب أشراط الساعة [4095]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه فقال: 7113 - (00) (00) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة عن فرات) بن أبي عبد الرحمن (القزاز) البصري ثم الكوفي (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة الليثي (عن أبي سريحة) بفتح السين (حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة الغفاري الكوفي رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان بن عيينة (قال) حذيفة كان النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة) أي علية له (ونحن أسفل منه فاطلع) أي نظر (إلينا) من فوق (فقال ما تذكرون) أي أي شيء تذكرونه وتتحدثون عنه (قلنا) نذكر (الساعة) أي القيامة (قال) لنا (إن الساعة لا

تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشرُ آيَاتٍ: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسفٌ بِالمَغرِب، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَالدُّخَانُ، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرضِ، ويأجُوجُ وَمَأَجُوجُ، وَطُلُوعُ الشمسِ مِن مَغرِبِهَا، وَنَارٌ تَخرُجُ مِنْ قَعرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ الناسَ". قَال شُعبَةُ: وَحَدَّثَنِي عَبدُ العَزِيزِ بن رُفَيعٍ، عَن أَبِي الطُّفَيلِ، عَن أَبِي سَرِيحَةَ، مِثلَ ذلِكَ. لَا يَذكُرُ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَقَال أحَدُهُمَا، فِي الْعَاشِرَةِ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. وَقَال الآخَرُ: وَرِيحٌ تُلقِي النَّاسَ فِي الْبَحرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون) أي لا تقع ولا تقوم (حتى تكون) وتحصل قبلها (عشرة آيات) أي علامات تدل على قربها وتلك الآيات (خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعرة عدن) بضم القاف وسكون العين، كذا وقع في بعض النسخ بتاء التأنيث وهو بضم القاف كما ذكرنا وهي الوهدة أي الأكمة، ووقع في أكثر النسخ قعر عدن بفتح القاف وبدون تاء التأنيث ويبدو أنه هو الصحيح، ومثله وقع في سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه أيضًا وقعر كل شيء أقصاه أي من أقصى عدن وآخره، وفي المشكاة من قعر عدن قال في المرقاة أي أقصى أرضها وهو غير منصرف باعتبار البقعة والبلدة، ومنصرف باعتبار الموضع، وفي المشارق عدن مدينة مشهورة باليمن، وفي القاموس محركة جزيرة باليمن اهـ (ترحل الناس) أي تسوق الناس، ضبطه أكثر الشراح بفتح التاء وسكون الراء من باب فتح يعني تأخذهم بالرحيل وتزعجهم عن مكانهم وتجعلهم يرحلون أمامها، وضبطه بعضهم (تُرحل) بضم التاء وتشديد الحاء من باب فعل المضعف وهو أوضح (قال شعبة) بالسند السابق (وحدثني عبد العزيز بن رُفيع) بفاء مصغرًا الأسدي المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب، وهو معطوف على فرات في المعنى (عن أبي الطفيل عن أبي سريحة) حذيفة بن أسيد. غرضه بيان متابعة عبد العزيز لفرات القزاز، وساق عبد العزيز (مثل ذلك) أي مثل ما روى فرات القزاز حالة كون عبد العزيز (لا يذكر) في سنده (النبي صلى الله عليه وسلم) أي لا يرفع الحديث إليه بل وقفه على حذيفة، قال شعبة (وقال) لي (أحدهما) أي أحد شيخي فرات وعبد العزيز (في) بيان الآية (العاشرة نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم وقال الآخر) منهما فيها (وريح تُلقي الناس) وترميهم (في البحر) يعني تهب ريح شديدة فتُلقي الناس في البحر فإما أن تكون علامة

7114 - (00) (00) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ. قَال: سَمِعْتُ أبَا الطُّفَيلِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غُرْفَةٍ. وَنَحْنُ تَحْتَهَا نَتَحَدَّثُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. بِمِثْلِهِ. قَال شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَال: تَنْزِلُ مَعَهُمْ إِذَا نَزَلُوا. وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيثُ قَالُوا. قَال شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ. وَلَمْ يَرْفَعْهُ. قَال: أحَدُ هذَينِ الرَّجُلَينِ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. وَقَال الآخَرُ: رِيحٌ تُلْقِيهِمْ فِي الْبَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مستقلة، وإما أن تكون مصحوبة بالنار التي سبق ذكرها، وإلى الثاني مال الشيخ علي القاري في المرقاة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة رضي الله عنه فقال: 7114 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر حدثنا شعبة عن فرات قال) فرات (سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة) حذيفة بن أسيد رضي الله تعالى عنهما. غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ (قال) أبو سريحة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن تحتها) أي تحت الغرفة حالة كوننا (نتحدث) أي نذاكر الحديث (وساق) محمد بن جعفر (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ (قال شعبة) بالسند المذكور (وأحسبه) أي أحسب فراتًا المذكور (قال تنزل) تلك النار (معهم) أي مع الناس (إذا نزلوا وتقيل معهم حيث قالوا) من القيلولة يعني أنها تلزمهم كل حين ولا تفارقهم (قال شعبة) بالسند المذكور (وحدثني رجل) نسيت اسمه (هذا الحديث عن أبي الطفيل) معطوف في المعنى على قوله عن فرات (عن أبي سريحة ولم يرفعه) أي لم يرفع هذا الرجل الحديث، قال شعبة (قال أحد هذين الرجلين) يعني هذا الرجل المبهم وفراتًا القزاز في بيان العاشرة (ونزول عيسى ابن مريم وقال الآخر) منهما (ريح تلقيهم في البحر).

7115 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بن المُثَنى. حَدَّثَنَا أَبُو النعمَانِ، الحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعِجلِي. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَن فُرَاتٍ. قَال: سَمِعتُ أَبَا الطُّفَيلِ يُحَدِّثُ، عَن أَبِي سَرِيحَةَ قَال: كُنا نَتَحَدَّثُ. فَأشرَفَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِنَحْو حَدِيثِ مُعَاذٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ. وَقَال ابنُ الْمُثَنَّى: حَديثَ أَبُو النُّعمَانِ، الْحَكَمُ بْنُ عَبدِ اللهِ. حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيلِ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ. بِنَحْوهِ. قَال: وَالعَاشِرَةُ نُزُولُ عِيسَى ابنِ مَريَمَ. قَال شُعْبَةُ: وَلَمْ يَرْفَعْهُ عَبْدُ العَزِيزِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه فقال: 7115 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله) القيسي أو الأنصاري أو (العجلي) البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (2) بابين التوبة والفتن (حدثنا شعبة عن فرات قال سمعت أبا الطفيل يُحدّث عن أبي سريحة) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي النعمان لمعاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر (قال) أبو سريحة (كنا نتحدث) أي نتذاكر الحديث (فأشرف) واطلع (علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) من فوقنا، وساق أبو النعمان (بنحو حديث معاذ وابن جعفر وقال ابن المثنى حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله) لم يذكر لفظة العجلي (حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن رُفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة) رضي الله تعالى عنهما. غرضه بيان متابعة عبد العزيز لفرات القزاز، وساق عبد العزيز (بنحوه) أي بنحو حديث فرات (قال) عبد العزيز (والعاشرة نزول عيسى ابن مريم قال شعبة ولم يرفعه) أي لم يرفع (عبد العزيز) الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل أوقفه على أبي سريحة والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو عدم قيام الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

7116 - (2879) (46) حدثني حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي ابْنُ المُسَيَّبِ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال. ح وَحَدَّثَنِي عَبدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ الليثِ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛ أَنّهُ قَال: قَال ابْنُ المُسَيَّبِ: أَخبَرَنِي أَبُو هُرَيرَةَ؛ أن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى تَخْرُجَ نَارٌ مِن أَرْضِ الْحِجَازِ، تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصرَى" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7116 - (2879) (46) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني) سعيد (بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند من سداسياته (ح وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) الفهمي المصري، ثقة، من (11) (حدثنا أبي) شعيب بن الليث، ثقة، من (10) (عن جدي) ليث بن سعد، ثقة عالم، قرين مالك، من (7) (حدثني عقيل) مصغرًا (بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي المصري، ثقة، من (6) (عن ابن شهاب أنه) أي أن ابن شهاب (قال قال) لنا سعيد (بن المسيب) المخزومي المدني (أخبرني أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عقيل ليونس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى) أي تكشف وتظهر لمن بالحجاز أعناقها هكذا الرواية (تضيء أعناق) وهو مفعول تضيء يقال أضاءت النار وأضاءت غيرها و (بصرى) مدينة معروفة بالشام وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل والله أعلم اهـ نووي، وبصرى أيضًا على ثلاث مراحل من المدينة المنورة والمقصود بالخبر أن هذه النار يبلغ ضوءها إلى بصرى حتى تنور أعناق الإبل القائمة هناك. والظاهر أن هذه العلامة قد وقعت فإنه ذكر غير واحد من المحدثين والمؤرخين أنها خرجت نار من المدينة المنورة بهذه الصفات في ليلة الأربعاء الثالث من جمادى الآخرة سنة (654) والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن باب خروج النار [7118]. قال القاضي: وفي الحديث الأول بقعر عدن، وفي الآخر من اليمن فلعلها ناران

7117 - (2880) (47) حدثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "تَبْلُغُ الْمَسَاكِنُ إِهَابَ، أَوْ يَهَابَ". قَال زُهَيْرٌ: قُلْتُ لِسُهَيلٍ: فَكْم ذلِكَ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ قَال: كَذَا وَكَذَا مِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ يجتمعان في اليمن ثم يمران على الحجاز فيكون ابتداء خروجها من اليمن وظهورها بالحجاز مقبلة إلى الشام فإذا قاربت الشام أضاءت ما بينها وبين بصرى حتى تُرى بسبب ضوءها أعناق الإبل ببصرى والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ذكر سكنى المدينة وعمارتها بحديث لآخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7117 - (2880) (47) (حدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (حدثنا الأسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن الملقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تبلغ المساكن) أي مساكن المدينة (إهاب) بكسر الهمزة (أو يهاب) بفتح الياء وقيل بكسرها، والشك من الراوي، اسم موضع بقرب المدينة يعني أن المدينة تتوسع جدًّا حتى تصل مساكنها إلى ذلك الموضع وهذا لا يكون إلا بكثرة رغبة الناس بالسكون فيها والله أعلم اهـ نووي، قال الأبي: وبلوغ المساكن إليها معجزة وقعت، وقال الطبري: وقعت في زمان بني أمية ثم تقاصرت حتى أقفرت الآن اهـ (قال زهير) بن معاوية بالسند السابق (قلت لسهيل) بن أبي صالح (فكم) مسافة (ذلك) الموضع المذكور من إهاب أو يهاب (من المدينة) المنورة (قال) سهيل مسافتها (كذا وكذا ميلًا) نحو ثلاثة عشر ميلا أو خمسة عشر ميلا والميل الواحد أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير، ولم أر في شيء من الكتب تعيين هذا المكان بالضبط ولا على تعيين جهته من المدينة، وإعراب هذا اللفظ كذا وكذا كناية عن العدد لفظه مركب ومعناه مبهم مرفوع على كونه خبرًا لمبتدأ محذوف كما قدرناه وعلامة رفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي، ميلًا تمييز له منصوب به لأنه من تمييز الذات، والجملة الاسمية في محل

7118 - (2881) (48) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابنَ عَبْدِ الرحْمَنِ)، عَن سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَيسَتِ السَّنَةُ بِأنْ لَا تُمْطَرُوا. وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمطَرُوا وَتُمطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الأَرضُ شَيئًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ النصب مقول قال، وقد ذكرنا هذا الإعراب في الدرر البهية في باب الكلام فراجعه. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى من بين الأئمة الستة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو عدم إنبات الأرض مع وجود المطر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7118 - (1 288) (48) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليست السنة) أي القحط والجدب الجيب (بأن لا تمطروا) من السماء أي ليس القحط العجيب عدم إمطار السماء بل هو قحط عادي لا يتعجب منه (ولكن السنة) أي القحط العجيب (أن تمطروا وتمطروا) مرات كثيرة (و) الحال أنه إلا تنبت الأرض شيئًا) من النبات يعني أن القحط العجيب قحط الأرض من النبات مع وجود المطر لا قحط السماء من المطر لأن هذا عادي، وفي رواية حماد بن سلمة عند أحمد "إن السنة ليس بأن لا يكون فيها مطر" والمراد بالسنة هنا القحط ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} وليس المراد نفي كونه سنة من حيث اللغة ولكن المراد أن عدم إنبات الأرض بسبب عدم المطر قحط عادي لا عجب فيه ولا غرابة وإنما العجب من قحط ينشأ من عدم إنبات الأرض بالرغم مع كون السماء تمطر وتمطر وفيه إشارة إلى أن مثل ذلك سيقع بقرب من القيامة. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف ولكنه شاركه أحمد [2/ 342 و 358 و 363]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو كون الفتنة من المشرق من حيث تطلع قرنا الشيطان بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

7119 - (2882) (49) حدثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمدُ بن رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا الليثُ، عَن نَافِعٍ. عَنِ ابنِ عُمَرَ؛ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، وَهُوَ مُستقْبِلُ المَشرِقِ يَقُولُ: "أَلا إِن الْفِتنَةَ ههُنَا. أَلا إِن الفِتْنَةَ ههُنَا، مِنْ حَيثُ يَطلُعُ قَرْنُ الشيطَانِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7119 - (2882) (49) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثني محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) بن سعد (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (أنه) أي أن ابن عمر (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل) بوجهه جهة (المشرق) أي سمعه (يقول ألا) أي انتبهوا واستمعوا مني ما أقول (إن الفتنة) والحروب واقعة (ها هنا) أي في هذه الجهة (ألا إن الفتنة) واقعة (ها هنا) أي في هذه الجهة بالتكرار مرتين تأكيدًا، وقوله (من حيث) يدل من اسم الإشارة (من حيث يطلُع) بضم اللام من باب قتل أي إن الفتنة والحروب واقعة في المكان الذي يطلع ويظهر ويقوى فيه (حزب) أي جماعة (الشيطان) وهم كفار مضر وربيعة لأنهم لم يؤمنوا في حياته صلى الله عليه وسلم، قال القسطلاني: وإنما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشرق لأن أهله يومئذ أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذا وقع فكان وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق وكان أصل ذلك كله وسببه قتل عثمان رضي الله عنه وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم اهـ منه، قال الداودي: للشمس قرن حقيقة، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال وهذا أوجه وقيل إن الشيطان يقرن بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له، قيل ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه اهـ فتح الباري [13/ 46] وذكر السيوطي أن المراد من قرن الشيطان حزبه وأعوانه يعني من هذا الجانب يعني المشرق يخرج أعوان الشيطان الذين يوقعون الفتنة للمسلمين اهـ مرقاة [11/ 456]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الفتن باب قوله صلى الله عليه وسلم الفتنة من قبل المشرق [7092 و 7093]، والترمذي في الفتن باب بدون ترجمة 22681]، وأحمد [2/ 22 و 92 و 11]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

7120 - (00) (00) وحدثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِي وَمُحَمدُ بْنُ المُثَنَّى. ح وَحَدثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. كُلُّهُمْ عَن يَحْيَى القَطَّانِ. قَال الْقَوَارِيرِي: حَدثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بنِ عُمَرَ. حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفصَةَ، فَقَال بِيَدِهِ نَحوَ الْمَشْرِقِ "الْفِتنَةُ ههُنَا مِنْ حَيثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشيطَانِ" قَالهَا مَرتَينِ أَوْ ثَلاثًا. وَقَال عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ عِنْدَ بَابِ عَائِشَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7120 - (00) (00) (وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة (القواريري) البصري (ومحمد بن المثنى ح وحدثنا عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن يحيى القطان قال القواريري حدثني يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني (حدثني نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عند باب) حجرة (حفصة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (فقال) أي أشار (بيده) الشريفة، عبّر عن الفعل بالقول وهو شائع في كلامهم (نحو المشرق) أي جهته، فقال (الفتنة) واقعة (ها هنا) أي في جهة المشرق واقعة (من حيث) أي من المكان الذي (يطلع) ويظهر فيه (قرن الشيطان) أي حزبه وأعوانه، قال ابن عمر (قالها) أي قال هذه الكلمة النبي صلى الله عليه وسلم يعني كلمة الفتنة ها هنا .. الخ (مرتين أو) قالها (ثلاثًا) بالشك من الراوي، وقال الحافظ في الفتح: كان المشرق يومئذ أهل كفر من ربيعة ومضر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية فكان الأمر كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سببًا للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة اهـ منه (وقال عبيد الله بن سعيد) اليشكري (في روايته قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب عائشة) رضي الله تعالى عنها، فلا تعارض لأن القيام عند البابين في زمن قريب ممكن لأن حجرتهما متصلتان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

7121 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بن يَحيَى. أخبَرَنَا ابنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ المَشرِق "هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ ههُنَا. هَا إِن الْفِتنَةَ ههُنَا. هَا إِنَّ الفِتنَةَ ههُنَا. مِن حَيثُ يَطلُعُ قَرْنُ الشيطَانِ". 7122 - (00) (00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَن عِكرِمَةَ بنِ عَمارٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِن بَيتِ عَائِشَةَ فَقَال: "رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ ههُنَا، مِن حَيثُ يَطلُعُ قَرْنُ الشيطَانِ" يَعْنِي المَشرِقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7121 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق ها) أي انتبهوا (أن الفتنة) واقعة (ها هنا) أي في هذه الجهة يعني جهة المشرق (ها إن الفتنة ها هنا ها إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع) أي في المحل الذي (يطلع) ويظهر فيه (قرن الشيطان) أي حزبه وأعوانه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 7122 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبي عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) (عن سالم) بن عبد الله (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عكرمة لابن شهاب (قال) ابن عمر (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال رأس الكفر) أي قوته ونشاطه (من ها هنا) أي صادرة من هذه الجهة (من حيث يطلع) ويظهر (قرن الشيطان) أي حزبه وأعوانه (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بههنا (المشرق) أي جانبه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

7123 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، (يَعْنِي ابْنَ سُلَيمَانَ)، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ قَال: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، يُشِيرُ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ويقُولُ "هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ ههُنَا. هَا إِن الْفِتْنَةَ ههُنَا! ثَلاثًا "حَيثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيطَانِ". 7124 - (00) (00) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبَانَ). قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7123 - (00) (00) (وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا إسحاق يعني ابن سليمان) القيسي الكوفي أبو يحيى الرازي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (قال) حنظلة (سمعت سالمًا) بن عبد الله (يقول سمعت ابن عمر) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حنظلة لعكرمة بن عمار وابن شهاب (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده) الشريفة (نحو المشرق) أي جهة المشرق، والإشارة لا تسمع فحقها التأخير لأن المسموع هو القول الذي ذكره بقوله (ويقول) وهذا التركيب فيه تقديم وتأخير فحقه أن يقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ها إن الفتنة ها هنا ها إن الفتنة ها هنا ثلاثًا حيث يطلع قرنا الشيطان) أي حزبا الشيطان يعني مضر وربيعة والحال أنه صلى الله عليه وسلم يشير بيده قبل المشرق وهذا نوع من البلاغة ليرد البليغ كل شيء إلى محله. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 7124 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عمر) بن محمد (بن أبان) بن صالح بن عمير الأموي مولاهم مولى عثمان المعروف بالجعفي أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وواصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وأحمد بن عمر) بن حفص بن جهم بن واقد الكندي (الوكيعي) ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب الصوم وصفة النار والفتن (واللفظ لابن أبان قالوا حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي،

عَن أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ سَالِمَ بن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ، وَأَرْكَبَكُم لِلْكَبِيرَةِ، سَمِعْتُ أَبِي، عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إن الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ ههُنَا" وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ "مِنْ حَيثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيطَانِ" وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. وَإِنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، خَطَأً فَقَال عَز وَجَل لَهُ: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّينَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (9) روى عنه في (25) بابا (عن أبيه) فضيل بن غزوان -بسكون الزاي مع فتح المعجمة- بن جرير الضبي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (قال) فضيل (سمعت سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (يقول) وهو يعظ أهل العراق. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة فضيل بن غزوان لمن روى عن سالم (يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة) بفتح اللام فعل تعجب وكذا قوله (وأركبكم للكبيرة) أي شيء عجيب أكثر سؤالكم عن الصغائر والهفوات مما يدل على ورعكم وخشيتكم من الله تعالى حتى تسألون عن الصغيرة وشيء عجيب أكثر ارتكابكم الكبائر واقترافكم للموبقات كإثارة الفتن والتفريق بين المسلمين والخروج على الأئمة وكان ذلك معروفًا من أهل العراق (سمعت أبي) ووالدي (عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الفتنة تجيء) أي تأتي (من ها هنا) أي من هذه الجهة (و) الحال أنه صلى الله عليه وسلم قد (أومأ) وأشار (بيده) الشريفة (نحو المشرق) أي جهته وتجيء (من حيث يطلع) ويظهر (قرنا الشيطان) أي حزبا الشيطان من كفار مضر وربيعة (وأنتم) أيها المسلمين سوف (يضرب بعضكم رقاب بعض) منكم أي يقتل بعضا منكم بتأويل باطل وظن مخطئ (وإنما قتل موسى) بن عمران - عليه السلام - الرجل (الذي قتل من آل فرعون) وقومه (خطأ) أي قتل خطأ من غير أن يقصد قتله (فقال الله عزَّ وجلَّ له) أي لموسى فيما حكاه عنه في كتابه الكريم {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّينَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] والمعنى أن موسى - عليه السلام - إنما قتل القبطي خطأ ولم يتعمد قتله ومع ذلك أخذه الغم من أجل ذلك كما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم وأنتم يا أهل العراق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقتلون المسلمين عن قصد وعمد بتأويل باطل وظن مخطئ ومع ذلك لا تغتمون على هذه المقاتلة ولا تمتنعون منها والواجب عليكم أن تكفوا عن هذه المقاتلة وترتدعوا عنها في مستقبلكم فيتوب الله عليكم. وفي نسخة: (قال أحمد بن عمر في روايته عن سالم لم يقل سمعت). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث نافع بن عتبة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث حذيفة بن أسيد ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والخامس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والسادس حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته

763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته 7125 - (2883) (50) حدثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تَقُومُ الساعَةُ حَتى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ، حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ". وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيةِ، بِتَبَالةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 763 - (7) باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، وحتى يمر الرجل على القبر فيتمنى أن يكون صاحبه، وأنه يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، وذكر القحطاني والجهجاه، وقتال الترك، وذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند قسمته واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو عبادة دوس ذا الخلصة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7125 - (2883) (50) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7) (عن الزهري عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تضطرب) وتتحرَّك (أليات) أي أعجاز (نساء دوس) قبيلة مشهورة في اليمن (حول ذي الخلصة) للطواف بها، قال الراوي (وكانت) ذو الخلصة (صنمًا تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة) اسم موضع باليمن. قوله (حتى تضطرب) أي حتى تتحرك عند الطواف بذلك الصنم وهو من باب افتعل الخماسي لأن أصله اضترب قلبت تاء الافتعال طاء ثلاثية ضرب وهو بمعنى ضرب الشيء بعضه بعضًا، قوله (أليات) بفتح الهمزة واللام جمع ألية بفتح الهمزة وسكون اللام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي بمعنى العجيزة وذكر الطيبي في شرحه على المشكاة [10/ 145] أنها في الأصل اللحمة في أصل المقعد (نساء دوس) وهي قبيلة معروفة في اليمن، ومنهم أبو هريرة والمعروف في (ذي الخلصة) الفتح في الخاء واللام هكذا قرأته ورويته في كتاب مسلم، وفي السيرة لابن إسحاق قال القاضي: يقال بفتح الخاء واللام وضمهما وبسكون اللام وجدته بخطي عن أبي بحر في الأم، وذو الخلصة بيت فيه صنم يسمى ذا الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة وكان يسمى الكعبة اليمانية بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله فحرّفه اهـ من المفهم، وقال ابن الملك: وذو الخلصة بفتحات جمع خالص وذو الخلصة بيت فيه أصنام لدوس وخثعم وبجيلة، وقيل هو اسم صنم سمي به زعمًا منهم أن من عبده وطاف حوله فهو خالص. ومعنى الحديث أن بني دوس سيرتدون ويرجعون إلى عبادة الأصنام فترمل نساؤهم بالطواف حول ذي الخلصة فتتحرك أكتافهن وعجيزتهن اهـ ابن الملك، قوله (كان صنمًا يعبدها دوس) وكذا خثعم وبجيلة (في الجاهلية بتبالة) بفتح التاء والباء اسم موضع باليمن، وليست هي بتبالة التي يضرب بها المثل ويقال فيها أهون على الحجاج من تبالة لأن تلك بالطائف اهـ نووي، والأصل في هذا المثل أن تبالة كانت أول عمل وليه الحجاج بن يوسف الثقفي الجائر المشهور فسار إليها فلما قرب منها قال للدليل أين تبالة (اسم قرية) فقال: ما يسترها عنك إلا هذه الأكمة فقال: لا أراني أميرا على موضع تستره عني هذه الأكمة أهون بها ولاية وكر مراجعًا ولم يدخلها فاتخذه الناس مثلا وقالوا: أهون على الحجاج من تبالة راجع معجم البلدان للحموي [2/ 9]. قال ابن التين: والمراد من اضطراب نساء دوس حول ذي الخلصة أن نساء دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور اهـ، وقال الحافظ في الفتح [13/ 76] ويحتمل أن يكون المراد أنهن يتزاحمن بحيث تضرب عجيزة بعضهن الأخرى عند الطواف حول الصنم المذكور وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال: "لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلصة". والظاهر من هذا الحديث ومن حديث عائشة الآتي أن جميع الناس يرتدون إلى الشرك ويعم الكفر جميع الأقطار بحيث لا يبقى على وجه الأرض مسلم، ولكن يرد عليه إشكالان: الأول أنه يبدو معارضًا لحديث جابر رضي الله عنه "إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب" وقد مر عن المؤلف في كتاب صفة القيامة باب تحريش

7126 - (2884) (51) حدثنا أبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي وَأَبُو مَعْنٍ، زيدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، (وَاللفظُ لأبَي مَعْنٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بن جَعْفَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيطان فإن ظاهره أن جزيرة العرب لا ترجع إلى الكفر والشرك بعدما هداها الله تعالى للإسلام. والثاني أنه يبدو معارضًا كذلك للحديث المعروف "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" أخرجه البخاري في الاعتصام عن المغيرة بن شعبة رقم [7311] ولحديث معاوية رضي الله عنهما: "ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة أو حتى يأتيهم أمر الله" ولحديث ثوبان رضي الله عنه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله" وهم كذلك، وقد مر هذا الحديث عند المؤلف في كتاب الإمارة. والجواب الصحيح عن الإشكالين أن المراد من أمر الله في حديث "لا تزال طائفة من أمتي .. " وقوع الآيات العظام التي يعقبها قيام الساعة ولا يتخلف عنها إلا شيئًا يسيرًا، ومنها أن الله يبعث ريحًا طيبة فتقبض روح كل مؤمن كما سيأتي في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فالإسلام لا يزال باقيًا إلى ذلك الوقت ولا تعود جزيرة العرب إلى عبادة الأوثان إلى أن يأتي ذلك الوقت ثم يرجع العالم كله إلى الكفر وتتابع الآيات بعد ذلك وتقوم الساعة على شرار الخلق فعلى هذا فالمراد من قوله "حتى تأتيهم الساعة" ساعتهم وهو قبض أرواحهم بهبوب الريح المذكورة والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن باب تغير الزمان حتى تُعبد الأوثان [7116]، وأحمد [2/ 271]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال: 7126 - (2884) (51) (حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (وأبو معن زيد بن يزيد) الثقفي (الرقاشي) البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ لأبي معن قالا حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب

عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لَا يَذْهَبُ الليلُ وَالنّهَارُ حَتى تُعْبَدَ الَّلاتُ وَالْعُزَّى" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [التوبة: 33] أَنَّ ذلِكَ تَامًّا. قَال: "إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذلِكَ مَا شَاءَ اللهُ. ثُم يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا طَيبَةً. فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ. فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيرَ فِيهِ. فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبائِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (عن الأسود بن العلاء) بن جارية بجيم الثقفي المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الحدود والفتن (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يذهب الليل والنهار) أي لا ينقطع الزمان ولا تأتي القيامة (حتى) يرتد الناس و (تعبد اللات والعزى) قالت (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها، واسمها ضمير الشأن محذوفًا أي إن الشأن والحال (كنت) أنا (لأظن حين أنزل الله) عزَّ وجلَّ قوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [التوبة: 33]، أي إني كنت لأظن (أن ذلك) المذكور في الآية من ظهوره على كل الأديان يكون (تامًّا) أي دائمًا مستمرًا إلى يوم القيامة تعني أنها فهمت من هذه الآية الكريمة أن المسلمين لا يُغلبون والكفر لا يعود بعدما أظهر الله الإسلام على جميع الأديان فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه) أي إن الشأن والحال (سيكون من ذلك) المذكور في الآية من ظهوره على الأديان كلها (ما شاء الله) ظهوره، قال الأبي: وحاصل الجواب أن ما دلت عليه الآية من ظهوره على الدين كله ليست قضية دائمة مستمرة (ثم يبعث الله) تعالى: (ريحًا طيبة) أي لينة (فتوفي) مضارع توفى من باب تفعل بحذف إحدى التاءين أي فتوفي تلك الريح وتميت (كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) أي تأخذ الأنفس وتجعلها وافية تامة (فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آباءهم) من الشرك وعبادة الأوثان. وهذا الحديث مما تفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

7127 - (00) (00) وحدثناه مُحَمَّدُ بن الْمُثَنى. حَدَّثَنَا أَبُو بَكرٍ (وَهُوَ الحَنَفِيُّ). حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، بِهَذَا الإِسنَادِ، نَحْوَهُ. 7128 - (2885) (52) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَن أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يَمُرَّ الرجُلُ بِقَبْرِ الرجُلِ فَيَقُولُ: يا ليتنِي مَكَانَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 7127 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا أبو بكر) عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله البصري (وهو الحنفي) ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد الحميد بن جعفر بهذا الإسناد) يعني عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة عن عائشة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي بكر الحنفي لخالد بن الحارث، وساق أبو بكر (نحوه) أي نحو حديث خالد بن الحارث. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو تمني الرجل أن يكون صاحب القبر بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7128 - (2885) (52) (حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني إمام الفروع (فيما قرئ عليه) وهو بمعنى أخبرنا (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني، ثقة، من (5) (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي المدني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول) الرجل المار (يا) قوم (ليتني) كنت (مكانه) أي مكان هذا الرجل المقبور يعني في قبره، قال القاضي عياض: لما يرى من تغيير الشريعة برفض المأمورات وارتكاب المنكرات وكثرة البدع والخرافات وتتبع اليهود والنصارى والمجوسات كما ابتلينا في عصرنا هذا بهذه الأمور نسأل الله تعالى العفو والعافية منها آمين. قال القرطبي: يعني يتمنى الموت من شدة المحن وكثرة الفتن والأنكاد اللاحقة للإنسان في نفسه وماله وولده ولذلك قال في الرواية الآتية "ليس به الدين إلا البلاء" وكان هذا إشارة إلى أن كثرة الفتن والمشقات

7129 - (00) (00) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعيُّ، (وَاللفْظُ لابْنِ أَبَانَ)، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيتَنِي كُنْتُ مَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والأنكاد قد أذهبت الدين من أكثر الناس أو قللت الاعتناء به من الذي يتمسك بالدين عند هجوم الفتن ولذلك عظم قدر العبادة في حالة الفتن حتى قد قال صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهرج كهجرة إلي" رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 236]، والبخاري في الفتن باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور [7115]، وابن ماجه في الفتن باب شدة الزمان [4586]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7129 - (00) (00) (حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح) بن عمير الأموي مولاهم مولى عثمان أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (15) روى عنه في (7) أبواب (ومحمد بن يزيد) بن محمد بن كثير بن رفاعة العجلي (الرفاعي) نسبة إلى الجد المذكور أبو هشام الكوفي، ضعيف، من صغار (15) روى عنه مقارنة في (2) بابين الزكاة والفتن، مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين (واللفظ لابن أبان قالا حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) (عن أبي إسماعيل) يزيد بن كيسان اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي حازم لعبد الرحمن الأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و) الله (الذي نفسي بيده) المقدسة (لا تذهب الدنيا) ولا تفنى ولا تقدم الساعة (حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ) أي يتقلب (عليه) أي على القبر أي يتقلب في ترابه ظهرًا وبطنًا، يقال تمرغ الرجل إذا تقلب وتلون من وجع يجده كما في القاموس (ويقال يا ليتني كنت مكان

صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ. وَلَيسَ بِهِ الدِّينُ إلا البَلاءُ". 7130 - (2886) (53) وحدَّثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ المَكِّيُّ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ، (وَهُوَ ابنُ كَيْسَانَ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيأتِيَنَّ عَلَى الناسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي القَاتِلُ فِي أَي شَيءٍ قَتَلَ. وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَي شَيءٍ قُتِلَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب هذا القبر و) الحال أنه (ليس به الدين) بكسر الدال وسكون الياء أي والحال أنه ليس به مصيبة الدين (إلا البلاء) أي إلا البلاء والمصيبة في الدنيا يعني أنه لا يتمنى الموت لحفظ دينه بكسر الدال وإنما يتمناه لبلاء أصابه في دنياه، وهذا في معرض الذم، والمراد أن الناس يتمنون الموت لضرر دنيوي أصابهم مع أنه منهي عنه في الشرع. قال في المرقاة: أي وليس الحامل له على التمني الدين أي مصيبة الدين بل الحامل له على التمني البلاء وكثرة المحن والفتن وسائر الضراء، قال المظهر: الدين هنا العادة، وجملة ليس في موضع الحال من الضمير المستتر في يتمرغ يعني يتمرغ على رأس القبر ويتمنى الموت في حال ليس التمرغ من عادته وإنما حمل عليه البلاء، وقال الطيبي: ويجوز أن يحمل الدين على حقيقته أي ليس ذلك التمرغ والتمني لأمر أصابه من جهة الدين بل من جهة الدنيا فيقيد البلاء المطلق بالدنيا بواسطة القرينة السابقة اهـ انتهى ذهني. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 7130 - (2886) (53) (وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر المكي) العدني (حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد وهو ابن كيسان) اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة رضي الله عنه (قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل) بالبناء للفاعل أي بأي سبب قتل المقتول، هل يجوز قتله أم لا؟ (ولا يدري المقتول على أي شيء قُتل) بالبناء للمجهول أي لا يدري المقتول نفسه أو ولده أو

7131 - (00) (00) وحدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتى يَأتِيَ عَلَى الناسِ يَوْمٌ، لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ. وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ" فَقِيلَ: كَيفَ يَكُونُ ذلِكَ؟ قَال: "الْهَرْجُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أهله بأي سبب صار مقتولًا هل هو بسبب شرعي أو بغيره؟ أي لا يدري القاتل والمقتول ذلك لكثرة القتل والقتال حتى يكون قتل الإنسان أهون من قتل نملة أو قملة كما رأينا كثرة ذلك في عصرنا هذا والعياذ بالله تعالى. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال: 7131 - (00) (00) (وحدثنا عبد الله بن عمر بن أبان) بن صالح الأموي الكوفي (وواصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب كلاهما (قالا حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي (عن أبي إسماعيل) يزيد بن كيسان (الأسلمي) الصواب اليشكري، وهو تغيير من الرواة أو تحريف من النساخ راجع كتب الرجال، الكوفي، صدوق، من (6) (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن فضيل لمروان بن معاوية في الرواية عن أبي إسماعيل اليشكري يزيد بن كيسان (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا) ولا تفنى (حتى يأتي على الناس يوم) أي زمان إلا يدري) ولا يعلم (القاتل) لغيره (فيم قتل) مقتوله أي بأي سبب قتل ذلك المقتول أبحق قتله أم بظلم؟ (ولا) يدري (المقتول فيم قُتل) أي على الحق أم بظلم (فقيل) له صلى الله عليه وسلم لم أر من ذكر اسم القائل (كيف يكون) ويوجد (ذلك) أي عدم علم القاتل فيم قتل والمقتول فيم قُتل (قال) صلى الله عليه وسلم في جواب السائل سبب ذلك (الهرج) والقتل أي الفتنة والاختلاط الكثير الموجبة للقتل المجهول والمعنى سببه ثوران الهرج بالكثرة وهيجانه بالشدة اهـ من المرقاة

الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النارِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبَانَ قَال: هُوَ يَزِيدُ بْنُ كَيسَانَ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ. لَمْ يَذْكُرِ الأسلَمِيَّ. 7132 - (2887) (54) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، (وَاللفْظُ لأبِي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو ـــــــــــــــــــــــــــــ (القاتل والمقتول في النار. وفي رواية) عبد الله بن عمر بن محمد (بن أبان قال) لنا محمد بن فضيل (هو يزيد بن كيسان عن أبي إسماعيل) فيه تقديم وتأخير، وصواب العبارة (أبو إسماعيل) الذي قلت لكم في الرواية عنه عن أبي إسماعيل (هو يزيد بن كيسان) (لم يذكر) ابن أبان في روايته لفظة (الأسلمي) بل إنما ذكرها واصل بن عبد الأعلى والصواب إسقاطها لأن أبا إسماعيل هو يزيد بن كيسان اليشكري فليس هو بالأسلمي كما في التقريب والتهذيب. قال النووي: قوله (وفي رواية ابن أبان قال عن أبي إسماعيل هو يزيد بن كيسان) ظاهر هذا اللفظ يوهم أن يزيد بن كيسان يرويه عن أبي إسماعيل وهذا غلط بل يزيد بن كيسان هو أبو إسماعيل اليشكري، ووقع في بعض النسخ (عن يزيد بن كيسان يعني أبا إسماعيل) وهذا يوضح التأويل الذي ذكرناه فتأمل. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو بيان من يخرب الكعبة في آخر الزمان بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7132 - (2887) (54) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) المكي (واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني أبي عبد الرحمن المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب (سمع) سعيد (أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته؛ أي سمعه حالة كونه (يقول) ويُحدث (عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (يُخرّب) من التخريب أي يهدم (الكعبة) المشرفة رجل يقال له (ذو

السُّوَيقَتَينِ مِنَ الْحَبَشَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ السويقتين) أي يُلقب بذي السويقتين تثنية سويقة مصغر ساق الإنسان، قال القاضي: صغرهما لرقتهما وهي صفة سوق السودان غالبًا، رجل (من الحبشة) زاد أبو داود في هذه الرواية ويخرج كنزها، هم جنس من السودان، قال القاضي: وقد وصفه في الحديث الآخر بقوله (كأني به أسود أفحج يقلعها حجرًا حجرًا) والفحج بُعد ما بين الساقين، وتخريبها ليس معارضًا لقوله تعالى: {حَرَمًا آمِنًا} لأن معناه آمنًا إلى قرب قيام الساعة أو أنه مخصص للآية أي آمنًا إلى ما قدر الله تعالى من أمر ذي السويقتين اهـ أبي، وعبارة القرطبي: ولا يعارض هذا الحديث قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] لأن تخريب الكعبة على يدي هذا الحبشي إنما يكون عند خراب الدنيا ولعل ذلك في الوقت الذي لا يبقى فيه إلا شرار الخلق فيكون حرمًا آمنًا مع بقاء الدين وأهله فإذا ذهبوا ارتفع ذلك المعنى [قلت] وتحقيق الجواب عن ذلك أنه لا يلزم من قوله تعالى: {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا} أن يكون ذلك دائمًا في كل الأوقات بل إذا حصلت له حرمة وأمن في وقت ما فقد صدق اللفظ وصح المعنى ولا يعارضه ارتفاع ذلك المعنى في وقت آخر فإن قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أحل لي مكة ساعة من نهار ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة" رواه مسلم [1355] قلنا: أما الحكم بالحرمة والأمن فلم يرتفع ولا يرتفع إلى يوم القيامة إذ لم يُنسخ ذلك بالإجماع، وأما وقوع الخوف فيها وترك حرمتها فقد وُجد ذلك كثيرًا ويكفيك بعوث يزيد بن معاوية وجيوش عبد الملك وقتال الحجاج لعبد الله بن الزبير وغير ذلك مما جرى لها وما فُعل فيها من إحراق الكعبة ورميها بحجارة المنجنيق اهـ من المفهم. وقال الحافظ في الفتح [3/ 461] قيل هذا الحديث يخالف قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} ولأن الله تعالى حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ولم تكن إذ ذاك قبلة فكيف يُسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة للمسلمين. وأُجيب بأن ذلك محمول على أنه يقع آخر الزمان قرب قيام الساعة حيث لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله كما ثبت في صحيح مسلم، لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله" ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان "ولا يعمّر بعده أبدًا" وقد وقع قبل ذلك من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية ثم من بعده وقائع كثيرة من أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يُحصى كثرة

7133 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيقَتَينِ مِنَ الْحَبَشَةِ". 7134 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيثِ، عَنْ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ وقلعوا الحجر الأسود وحولوه إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة ثم غزي مرارًا بعد ذلك وكل ذلك لا يعارض قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين فهو مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولن يستحل هذا البيت إلا أهله" فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو من علامات نبوته وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الحج باب قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [1591] وباب هدم الكعبة [1596]، وأخرجه النسائي في الحج باب بناء الكعبة [2904]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7133 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب عن) سعيد (بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لزياد بن سعد (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخرّب الكعبة) أي يهدّمها ويقلعها حجرًا حجرًا (ذو السويقتين من) ملوك (الحبشة) ولا تعاد أبدًا لأن هدمها إنما يكون بعد رفع القرآن ورفع كلمة الجلالة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7134 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد المدني (يعني الدراوردي عن ثور بن زيد) الديلي بكسر الدال مولاهم المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن) سالم (أبي الغيث) المدني القرشي العدوي مولاهم مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي

هُرَيرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "ذُو السُّوَيقَتَينِ مِنَ الحَبَشَةِ يُخَرِّبُ بَيتَ اللهِ عَز وَجَل". 7135 - (2888) (55) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنْ ثَورِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَقُومُ الساعَةُ حَتى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ بَسُوقُ الناسَ بِعَصَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي الغيث لسعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذو السويقتين من الحبشة يُخرب بيت الله عزَّ وجلَّ) يعني الكعبة المشرفة. كرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة في السياق. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ذكر القحطاني والجهجاه بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7135 - (2888) (55) (وحدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا عبد العزيز يعني ابن محمد) الدراوردي (عن ثور بن زيد) الديلي المدني (عن أبي الغيث) سالم القرشي مولاهم المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. هذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه). قوله (رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) أي يتصرف فيهم كما يتصرف الراعي في الماشية، قال الطبري: ولعله الرجل المسمى بجهجاه المذكور بعده اهـ سنوسي. قوله (من قحطان) بفتح القاف وسكون الحاء وهو أبو اليمن كما في المرقاة [1/ 143] وقيل قبيلة منهم، وذكر القرطبي أنه الرجل الذي ذُكر في الحديث الآتي أن اسمه جهجهاه والمراد من سوقه الناس بعصاه أنه يتصرف فيهم تصرف الراعي في غنمه، وقال الحافظ في [6/ 546] وهذا الحديث يدخل في علامات النبوة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد، وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضًا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعًا: "يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه وهذا الثاني

7136 - (2889) (56) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ العَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْحَكَمِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَذْهَبُ الأَيامُ وَالليَالِي، حَتى يَمْلِكَ رَجلٌ يُقَالُ لَهُ الجَهْجَاهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ مع كونه مرفوعًا ضعيف الإسناد والأول مع كونه موقوفًا أصلح إسنادًا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى ابن مريم لما تقدم أن عيسى - عليه السلام - إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين، وفي رواية أرطاة بن المنذر: أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنما هو لعيسى ويُجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائبًا عنه في أمور مهمة عامة اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المناقب باب ذكر قحطان [3517] وفي الفتن باب تغير الزمان حتى تُعبد الأوثان [7117]، وأحمد في مسنده [2/ 417]. ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 7136 - (2889) (56) (حدثنا محمد بن بشار العبدي) البصري (حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد) بن عبيد الله البصري (أبو بكر الحنفي) ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا عبد المجيد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم الأنصاري المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (قال) عبد الحميد (سمعت عمر بن الحكم) بن رافع الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (يُحدّث عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تذهب الأيام والليالي) ولا تنعدم بقيام الساعة (حتى يملك) العرب (رجل يقال له الجهجاه) بفتح الجيم وسكون الهاء، وفي بعض النسخ الجهجها بهائين، وفي بعضها الجهجا بحذف الهاء التي بعد الألف، والأول هو المشهور قاله الطيبي في شرح المشكاة، وأصل الجهجهة الصياح بالسبع ليكف، يقال جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح ويقال تجهجه عني أي انته ولعله هو القحطاني السابق اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الفتن باب بدون ترجمة وأحمد [2/ 329].

قَال مُسْلِمٌ: هُمْ أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ: شَرِيكٌ، وَعُبَيدُ اللهِ، وَعُمَيرٌ، وَعَبْدُ الْكَبِيرِ. بَنُو عَبْدِ المَجِيدِ. 7137 - (2890) (57) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمِرَ، (وَاللفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزهْرِي، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أن النَّبِيَّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَقُومُ الساعَةُ حَتى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ. وَلَا تَقُومُ الساعَةُ حَتى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال مسلم) بن الحجاج مؤلف الجامع رحمه الله تعالى (هم أربعة إخوة) جملة خبرية قدمت على المبتدأ، وقوله (شريك) بدل من أربعة بدل بعض من كل أو تفصيل من مجمل (وعبيد الله وعمير وعبد الكبير) معطوفات على شريك، وقوله (بنو عبد المجيد) مبتدأ أول مؤخر عن خبره لغرض الحصر، والتقدير بنو عبد المجيد هم أربعة إخوة لا غير شريك وعبيد الله وعمير وعبد الكبير، وهذا من كلام أبي إسحاق تلميذ المؤلف أو من كلام المؤلف على سبيل التجريد البياني وإنما ذكره المصنف استطرادًا لأن أحد رواة هذا الحديث عبد الكبير بن عبد المجيد فذكر أن له ثلاثة آخرين. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو قتال الترك بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7137 - (2890) (57) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني (واللفظ لابن أبي عمر قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن سعيد) بن المسيب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا كأن وجوههم المجان المطرقة) والمجان جمع المجن وهو الترس والمطرقة هي التي أُلبست طراقًا أي جلدًا يغشاها، شبه وجوههم بالترس لبسطتها وتدورها، وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها اهـ من المبارق (ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر) قيل يحتمل أن يراد به أن نعالهم تكون جلودًا مشعرة غير مدبوغة، قال النووي: وُجد قتال هؤلاء الترك الموصوفين بالصفات المذكورة مرات وهذه كلها معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى اهـ مبارق.

7138 - (00) (00) وحدثني حَرمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلَكُمْ أُمَّةٌ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ. وُجُوهُهُمْ مِثْلُ الْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: المجان بفتح الميم جمع مجن بكسر الميم وهو الترس، وقوله نعالهم الشعر يحتمل أن يراد بذلك أن شعورهم كثيفة طويلة فهي إذا سدلوها كاللباس وذوائبها لوصولها إلى أرجلهم كالنعال، وقال القاضي: أنهم يصنعون منها نعالًا وثيابًا يلبسونها اهـ وذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من هذا القوم هم الترك وسيأتي ذلك مصرحًا في الحديث وكانت بلادهم إذ ذاك ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وشمال الهند إلى أقصى المعمور، وقد وقع قتال المسلمين معهم مرارًا حتى أسلم معظمهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الجهاد باب قتال الترك [2928] وباب قتال الذين ينتعلون الشعر [2929]، وأبو داود في الملاحم باب في قتال الترك [4303]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في قتال الترك [2215]، والنسائي في الجهاد باب غزوة الترك والحبشة [3177]، وابن ماجه في الفتن باب الترك [4148 و 4149]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7138 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تقاتلكم أمة ينتعلون الشعر وجوههم مثل المجان المطرقة) بضم الميم وإسكان الطاء المهملة وتخفيف الراء المفتوحة من أطرق الرباعي على وزن أكرم هذا هو الفصيح المشهور في الرواية وفي كتب اللغة والغريب، وحُكي فتح الطاء وتشديد الراء من طرّق المضعف والمعروف الأول، قال العلماء: هي التي ألبست العقب وأطرقت به طاقة فوق طاقة، ومنه طارقت النعل إذا أطبقت طاقة فوق أخرى، قالوا ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها وتلون وجناتها بالترسة المطرقة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

7139 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "لَا تَقُومُ الساعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ. وَلَا تَقُومُ الساعَةُ حَتى تُقَاتِلُوا قَومًا صغَارَ الأَعْيُنِ، ذُلْفَ الآنُفِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7139 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه حالة كون أبي هريرة (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يصل بهذا الحديث ويسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوقفه على نفسه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لسعيد بن المسيب (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا صغار الأعين ذلف الأنف) جمع أذلف كأحمر وحمر ومعناه فطس الأنوف قصارها مع انبطاح وقيل هو غلظ في أرنبة الأنف وقيل تطامن فيها وكله متقارب اهـ نووي. وقال القرطبي: الأنف جمع أنف جمع قلة نظير فلس وأفلس ويروى ذلف الأنوف جمع أنف جمع كثرة نظير فلس وفلوس، ويجمع أيضًا على آناف، وأنف كل شيء أوله، والذلف بفتحتين وبالذال المعجمة في الإنسان صغر الأنف واستواء الأرنبة وقصرها، وقيل تطامن الأرنبة والأول أعرف وأشهر. وعبارة الدهني قوله ذلف الأنف الذلف بالذال المعجمة والمهملة لغتان المشهور المعجمة قال في النهاية الذلف بالتحريك قصر الأنف وانبطاحه وقيل ارتفاع طرفه مع صغر أرنبته والذلف بسكون اللام جمع أذلف كأحمر وحمر والآنف جمع قلة للأنف وضع موضع جمع الكثرة ويحتمل أنه قللها لصغرها اهـ وفي المصباح الأنف المعطس والجمع آناف على أفعال وأنوف وآنف مثل فلوس وأفلس اهـ. ولا شك في أن هذه الأوصاف هي أوصاف الترك غالبًا وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى فقال: "يقاتل المسلمون الترك" وهذا الخبر قد وقع على نحو ما أخبر فقد قاتلهم المسلمون في عراق العجم مع سلطان خوارزم رحمه الله تعالى وكان الله تعالى قد نصره عليهم ثم رجعت لهم الكرة فغلبوا على عراق العجم وغيرهم وخرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله ولا يردهم عن المسلمين إلا الله حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدمتهم فنسأل الله تعالى أن يهلكهم ويبدد جمعهم ولما علم

7140 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ، قَوْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلى الله عليه وسلم عددهم وكثرتهم وحدة شوكتهم قال صلى الله عليه وسلم: "اتركوا الترك ما تركوكم" رواه أبو داود والنسائي اهـ من المفهم. ثم الظاهر من هذا الحديث أن القوم الذين وجوههم كالمجان المطرقة غير الذين نعالهم الشعر لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر الطائفتين بكلام مستقل وتؤيده رواية صالح عن الأعرج عند البخاري رقم [292] ولفظها "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين ذلف الأنوف كأنَّ وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر" ولذلك ذكر بعض العلماء أن المراد من الأولين الترك ومن الآخرين أصحاب بابك الخرمي وكان من طائفة من الزنادقة استباحوا المحرمات وقامت لهم شوكة كبيرة في أيام المأمون وغلبوا على كثير من بلاد العجم كطبرستان والري إلى أن قتل الله بابك المذكور في أيام المعتصم، وكان خروجه سنة (201) وقتله سنة (222) وذكر الإسماعيلي من طريق محمد بن عبَّاد قال: بلغني أن أصحاب بابك كانت نعالهم الشعر اهـ فتح الباري [6/ 204] ولكن يظهر من الروايات الآتية عند مسلم أن الذين ينتعلون الشعر هم الذين وجوههم كالمجان المطرقة لا سيما رواية سهيل الآتية ولفظها (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قومًا وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر) ويمكن التوفيق بين الروايات أن لبس الشعر مشترك بين الترك وبين غيرهم فربما ذكر ذلك علامة للترك وربما ذكر علامة لقوم آخرين والله تعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7140 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لمن روى عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قومًا) بدل من الترك أو عطف

وُجُوهُهُم كَالمَجَانِّ الْمُطرَقَةِ، يَلبَسُونَ الشعرَ، وَيَمْشُونَ فِي الشعَرِ". 7141 - (00) (00) حدثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "تُقَاتِلُونَ بَينَ يَدَيِ الساعَةِ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشعَرُ. كأنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ. حُمْرُ الْوُجُوهِ، صِغارُ الأَعيُنِ". 7142 - (2891) (58) حدثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، (وَاللفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بيان له (وجوههم كالمجان المطرقة) جملة اسمية وقعت صفة لقومًا (يلبسون الشعر) أي ثيابه (ويمشون في) نعال (الشعر) أي ينتعلون الشعر كما صرح به في الرواية الأخرى (نعالهم الشعر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7141 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا وكيع وأبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكوفي كلاهما (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث بن عوف البجلي الأحمسي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قيس بن أبي حازم لمن روى عن أبي هريرة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتلون) أيها المسلمون (بين يدي الساعة) أي قدامها (قومًا نعالهم الشعر كان وجوههم المجان المطرقة) قال القاضي عياض: معناه أنهم يصنعون من الشعر حبالًا ويصنعون منها نعالًا وثيابًا يلبسونها، ويحتمل أن تكون شعورهم كثيفة طويلة فإذا سدلت فهي كالثياب ولوصولها إلى الأرض والأرجل كالنعال (حُمر الوجوه) أي بيض الوجوه مشربة بحمرة (صغار الأعين). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو ذكر الخليفة الذي لا يعد المال عند القسمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقال: 7142 - (2891) (58) (حدثنا زهير بن حرب وعلي بن حجر) السعدي المروزي،

لِزُهَيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ؛ قَال: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ فَقَال: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا: مِنْ أَينَ ذَاكَ؟ قَال: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ. يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَال: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأمِ أَن لَا يُجْبَى إِلَيهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ. قُلْنَا: مِن أَينَ ذَاكَ؟ قَال: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابًا (واللفظ لزهير قالا حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (قال) أبو نضرة (كنا عند جابر بن عبد الله) الأنصاري الخزرجي رضي الله عنهما يومًا. وهذا السند من خماسياته (فقال) جابر (يوشك) أي يقرب (أهل العراق) ويسرع (أن لا يجبى) ولا يجلب (إليهم قفيز ولا درهم) من خراج وزكاة، قال أبو نضرة (قلنا) معاشر الحاضرين لجابر بن عبد الله (من أين ذاك) أي من أي سبب ولأي شيء يكون ذاك أي عدم جباية قفيز ولا درهم إليهم (قال) جابر يكون ذاك أي عدم الجباية إليهم (من قبل العجم) أي من جهة حيلولة العجم والفرس ومنعهم عن وصول حقوق المسلمين إليهم لأنهم أي لأن العجم والفرس (يمنعون ذلك) أي يمنعون الشعوب والرعية عن دفع ذلك إلى أمراء المسلمين (ثم قال) جابر (يوشك أهل الشام) من أمراء المسلمين (أن لا يجبى) ولا يُدفع (إليهم دينار ولا مدى) من الخراج والزكاة، قال أبو نضرة (قلنا) لجابر (من أين) أي لأي سبب يكون (ذاك) أي عدم جباية الحقوق إليهم (قال) جابر يكون ذلك أي عدم جباية الحقوق إليهم (من قبل) أي من جهة حيلولة كفار (الروم) ومنعهم للرعية من دفع حقوق المسلمين إلى أمرائهم، وحاصل معنى ذلك أن معظم بلدان المسلمين سوف يسيطر عليها الكفار فيمنعون أشياء من حقوق المسلمين من وصولها إليهم في العراق والشام، وقد تقدم شرح هذا الحديث في حديث أبي هريرة في باب (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب). قوله (أن لا يجبى إليهم) بالبناء للمجهول في المصباح جبيت المال والخراج أجبيه جباية جمعته وجبوته أجبوه جباوة مثله في المعنى، والقفيز مكيال معروف لأهل العراق،

ثُم أَسْكَتَ هُنيَّةً، ثُم قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتي خَلِيفَةٌ يَحثي الْمَال حَثْيًا. لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا". قَال: قُلْتُ لأَبِي نَضرَةَ وَأَبِي الْعَلاءِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأزهري: هو ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف (والمدى) على وزن قفل مكيال معروف لأهل الشام يسع خمس عشر مكوكًا اهـ نووي. (ثم أسكت) جابر أسكت وسكت لغتان بمعنى صمت، وقيل أسكت بمعنى أطرق، وقيل بمعنى أعرض (هنية) أي قليلًا من الزمان وهو بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء المفتوحة تصغير هنة ويقال فيها هنيهة أيضًا أي سكت جابر زمنًا قليلًا (ثم) بعد سكوته (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) سوف (يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال) أي يصبه صبًّا من باب رمى أي يحفن بكفيه النقود عند قسمتها بين الناس (حثيًا) أي حفنًا لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات عنده مع سخاء نفسه وكرمه حالة كونه (لا يعده) أي لا يحسبه (عددًا) بالآحاد والعشرات والمئات والألوف عند قسمتها بين الناس، قال النووي: وفي رواية يحثو المال حثيًا يقال حثيت المال أحثي حثيًا من باب رمى فيكون ناقصًا يائيًّا وحثوت أحثو حثوًا من باب غزا فيكون ناقصًا واويًّا وجاء اللغتان في هذا الحديث وجاء مصدر الثانية على فعل الأول كما في الرواية الآتية وهو جائز، والحثو هو الحفن بالكفين وهذا الحثو الذي يفعله هذا الخليفة يكون لكثرة الغنائم والأموال والفتوحات عنده مع كونه سخيًّا لا يقتر. قوله (لا يعده عددًا) هكذا في كثير من النسخ، قال في المصباح: عددته عدًّا من باب قتل والعدد بمعنى المعدود، وفي بعضها عدًّا فحينئذ يكون مصدرًا مؤكدًا اهـ نووي، وفي الأبي ذكر الترمذي وأبو داود هذا الخليفة وسمياه بالمهدي، وفي الترمذي "لا تقوم الساعة حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي" وقال: حديث صحيح، وزاد أبو داود "يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا" اهـ. والمراد من حثي المال أنه يكثر عنده المال فيعطي الناس بكثرة لا يحصرها عد. (قال) الجريري بالسند السابق (قلت لأبي نضرة) المنذر بن مالك (وأبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير بكسر الشين وتشديد الخاء المعجمة العامري البصري، ثقة،

أَتَرَيَانِ أَنهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالا: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ من (2) روى عنه في (5) أبواب (أتريان) أي تظنان (أنه) أي أن ذلك الخليفة هو (عمر بن عبد العزيز) الأموي المدني أمير المؤمنين (فقالا) لي (لا) نظن أنه هو بل غيره لا هو سيأتي في آخر الزمان عند قرب الساعة. قال القرطبي: إن بعض العلماء جعل عمر بن عبد العزيز مصداق هذا الخبر ولكنه غير صحيح، وقد صرح أبو نضرة وأبو العلاء في آخر هذا الحديث بأنه ليس عمر بن عبد العزيز، وذهب جمع من العلماء إلى أن المراد منه خليفة الله المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان والله تعالى أعلم. وفي المفهم وإنما نفى أبو نضرة وأبو العلاء أن يكون هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز لقوله صلى الله عليه وسلم: "في آخر أمتي" وذلك لا يصدق على زمن عمر بن عبد العزيز إلا بالتوسع البعيد ولأنه لم يصب المال كما جاء في هذا الحديث وقد روى الترمذي وأبو داود أحاديث صحيحة في هذا الخليفة وسمياه بالمهدي فروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي" وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود وزاد فيه "يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا، رواه أبو داود [4282]، والترمذي [2230]، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي" رواه الترمذي [2231] وقال: حديث حسن صحيح، ومن حديث أبي سعيد قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألناه فقال: "إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسًا أو سبعًا أو تسعًا" زيد الشاك قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين، قال: فيجيء إليه الرجل فيقول: "يا مهدي أعطني يا مهدي أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله" رواه الترمذي [2232] وقال: هذا حديث حسن، وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدي في أمتي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا يملك سبع سنين" رواه أبو داود [4285]، وروى أيضًا أبو داود عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا

7143 - (00) (00) وحدثنا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهابِ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، (يَعْنِي الْجُرَيرِي)، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. 7144 - (2892) (59) حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِي. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من أهل الشام فيُخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثًا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون رواه أبو داود [4286] وفي رواية تسع سنين فهذه أخبار صحيحة ومشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على خروج هذا الخليفة الصالح في آخر الزمان وهو ينتظر إذ لم يسمع بمن كملت له جميع تلك الأوصاف التي تضمنتها تلك الأخبار والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [3/ 317]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 7143 - (00) (00) (وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (حدثنا سعيد) بن إياس (يعني) عبد الوهاب بسعيد الذي أبهمه سعيد (الجريري) البصري. غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبد الوهاب لإسماعيل بن إبراهيم، وساق عبد الوهاب (بهذا الإسناد) يعني عن أبي النضرة عن جابر (نحوه) أي نحو ما حدّث إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري. ثم استشهد المؤلف رضي الله عنه لحديث جابر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال: 7144 - (2892) (59) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر الأزدي البصري (الجهضمي) ثقة، من (10) (حدثنا بشر يعني ابن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري،

ح وَحَدثَنَا عَلِيُّ بن حُجرٍ السعدِيُّ. حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، (يَعْنِي ابنَ عُلَيَّةَ)، كِلاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "مِنْ خُلَفَائِكُمْ خَلِيفَةٌ يَحثُو الْمَال حَثيًا. لَا يَعُدهُ عَدَدًا". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: "يَحْثي المَال". 7145 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابًا (ح وحدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابًا (حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم (يعني ابن علية كلاهما) أي كل من بشر وابن علية رويا (عن سعيد بن يزيد) بن مسلمة الأزدي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي نضرة عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته (قال) أبو سعيد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفائكم) أيتها الأمة (خليفة يحثو) ويحفن بكفيه (المال حثيًا) عند قسمته بين الناس (لا يعده) أي لا يحسبه (عددًا) أي بقدر معدود أي معلوم حسابه لكثرة الأموال والفتوحات عنده ولسخائه وجوده، وقوله (يحثو) بالواو هكذا هو في رواية نصر بن علي من باب دعا وغزا (وفي رواية) علي (بن حجر يحثي المال) من باب رمى فهما لغتان فيه معناهما واحد. وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في كل من حديث جابر وحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنهما فقال: 7145 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك (عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك (وجابر بن عبد الله) بن عمرو رضي الله عنهم. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة داود بن أبي هند للجريري في حديث جابر وسعيد بن يزيد في حديث أبي سعيد كلاهما

قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "يَكُونُ فِي آخِرِ الزمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَال وَلَا يَعُدُّهُ". 7146 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاوَيةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أبِي هِندٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِمِثلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال) بين الناس حثوًا بلا حساب (ولا يعده) عدا أي لا يقسمه بالعد والتعداد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد فقط رضي الله عنه فقال: 7146 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الكوفي البصري (عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لعبد الوارث بن سعيد العنبري في الرواية عن داود بن أبي هند، وساق أبو معاوية (بمثله) أي بمثل حديث عبد الوارث عن داود. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث عشرة: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسابع حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد، والثامن حديث أبي هريرة السابع ذكره للاستدلال على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات والتاسع حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيهم متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى ... إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة

764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى ... إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة 7147 - (2893) (60) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيرٌ مِني؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال لِعَمَّارٍ، حِينَ جَعَلَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ويقُولُ: "بُؤْسَ ابْنِ سُمَيَّةَ. تَقْتُلُكَ فِئَةٌ بَاغِيَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 764 - (8) باب ذكر قتل عمار، وأغيلمة من قريش تكون فتنة لمن في زمنها، وإذا هلك كسرى ... إلخ، وفتح مدينة جانبها في البحر، وقتال اليهود حتى يقول الحجر: يا مسلم، وذكر دجالين بين يدي الساعة واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو ذكر من يقتل عمار بن ياسر بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: 7147 - (2893) (60) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي غندر (حدثنا شعبة عن أبي مسلمة) القصير البصري سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (قال) أبو مسلمة (سمعت أبا نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة (يحدّث عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (قال) أبو سعيد (أخبرني من هو خير) وأفضل (مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار) بن ياسر رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي، والجهالة في الصحابي لا يضر في السند لأنهم كلهم عدول وسيأتي في الرواية الآتية بيان هذا المجهول بأنه أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه أي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمار: قد تقدمت ترجمته في كتاب فضائل الصحابة (حين جعل) وشرع عمار (يحفر الخندق وجعل) أي وحين جعل وشرع النبي صلى الله عليه وسلم (يمسح رأسه) أي رأس عمار بيده عن الغبار (ويقول) أي وحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم له (بؤس ابن سمية) أي يا ويح ابن سمية اسم أمه أي قال له في الوقت المذكور (تقتلك) يا عمار (فئة) أي جماعة (باغية) أي خارجة عن أمر الإمام الحق مخالفة له واجتمع في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا التركيب قولان لهما مقول مختلف: الأول يقول فمقوله بؤس ابن سمية، والثاني لفظة قال المذكور أولًا فمقوله "تقتلك فئة باغية" ففيه من المحسنات البديعية اللفظية اللف والنشر المشوش وهو مما يزيد الحسن والبلاغة في الكلام أي قال له تقتلك فئة باغية حين حفره الخندق وحين مسحه رأسه وحين قوله له بؤس ابن سمية فمسح رأسه إيناس له وقوله بؤس ابن سمية توطئة لما بعده، قال النووي: البؤس والبأساء المكروه والشدة والضرر وناداه تنزيلًا له منزلة العاقل والمعنى يا بؤس ابن سمية ما أشدك وأعظمك أو تعال إلي لأتعجب منك فهو منصوب على أنه منادى مضاف حُذف منه حرف النداء تخفيفًا تقديره يا بؤس ابن سمية وسمية اسم لأم عمار بن ياسر رضي الله عنه. وفي الرواية الآتية: يا بؤس ابن سمية، وفي البخاري: يا ويح ابن سمية، وكلاهما بمعنى التفجع والترحم، والمعنى يا قوم أتفجع وأتحزن وأترحم على ابن سمية والويل بمعنى الهلكة هذا هو الصحيح اهـ / (ط). وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخبر أن عمارًا رضي الله عنه سيموت مقتولًا، ووقع كذلك وأنه تقتله فئة بغت على الإمام الحق ومن المعلوم تاريخيًّا أنه قُتل بصفين وهو من حزب علي رضي الله عنه وهو من أوضح الدلائل على أن عليًّا رضي الله عنه كان هو المحق المصيب في حروبه مع معاوية رضي الله عنه وإن كان معاوية وأصحابه معذورين في اجتهادهم وقد يستشكل موقف معاوية وأصحابه رضي الله عنهم بعدما قُتل عمار بأيديهم فإنه ظهر بهذا النص الصريح أن قتلته بغاة فكيف ثبتوا بعد ذلك على موقفهم وهل يُقبل اجتهاد بمعارضة نص صريح، والجواب أنه يمكن أنه قد بلغهم أن عمارًا رضي الله عنه إنما قُتل على يد بعض الناس الذين بغوا على عثمان رضي الله عنه وكان بعضهم في عسكر علي رضي الله عنه ولذلك قال معاوية رضي الله عنه إنما قتل عمارًا من جاء به ذكره الطبري في تاريخه [4/ 29] وابن كثير في البداية والنهاية [7/ 27] وهكذا اشتبه عليه الأمر ولم يخالف هذا النص الصريح بل زعم أنه مؤيد له لا لمخالفيه وكان هذا القتال أمرًا مقدرًا عليهم فظهرت أسباب ثبت كل من الفريقين لأجلها على موقفه ولا يليق بنا أن نتشاغل في تفصيل هذا القتال بأكثر من هذا امتثالًا لقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} [البقرة: 134].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال القرطبي: قوله صلى الله عليه وسلم لعمار "تقتلك فئة باغية، شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم على فئة معاوية بالبغي فإنهم هم الذين قتلوه فإنه كان في عسكر علي بصفين وأبلى في القتال بلاءً عظيمًا وحرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال معاوية وأصحابه، قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد يتبعونه كأنه علم لهم، قال: وسمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم تقدم الجنة تحت الأبارقة (السيوف) اليوم ألقى الأحبة محمدًا وحزبه والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا شغفات هجر لعلمنا أننا على الحق وأنهم على الباطل ثم قال: نحن ضربناكم على تنزيله ... فاليوم نضربكم على تأويله ضربًا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله قال: فلم أر أصحاب محمد قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ، وقال عبد الرحمن بن أبزى: شهدنا صفين مع علي رضي الله عنه في ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر، وروى الشعبي عن الأحنف بن قيس في خبر صفين قال: ثم حمل عمار بن ياسر فحمل عليه ابن جزء السكسكي وأبو الغادية الفزاري فأما أبو الغادية فطعنه وأما ابن جزء فاحتز رأسه وكان سنه حين قتل نيفًا على تسعين سنة، وكانت صفين في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين ودفنه علي رضي الله عنهما في ثيابه ولم يغسله كما فعل بشهداء أحد، ولما ثبت أن أصحاب معاوية قتلوا عمارًا صدق عليهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم أنهم البغاة وأن عليًّا رضي الله عنه كان على الحق ووجه ذاك واضح وهو أن عليًّا أحق بالإمامة من كل من كان على وجه الأرض في ذلك الوقت من غير نزاع من معاوية ولا من غيره وقد انعقدت بيعته بأهل الحل والعقد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل دار الهجرة فوجب على أهل الشام والحجاز والعراق وغيرهم مبايعته وحرمت عليهم مخالفته فامتنعوا عن بيعته وعملوا على مخالفته وكانوا له ظالمين وعن سبيل الحق ناكبين فاستحقوا اسم البغي الذي شهد به عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينجيهم عن هذا تأويلاتهم الفاسدة فإنها تحريفات

7148 - (00) (00) وحدثني مُحَمدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبَّادٍ الْعَنْبَرِي وَهُرَيمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ وَمُحَمدُ بْنُ قُدَامَةَ. قَالُوا: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، بِهذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عن سنن الحق حائدة، نقل الإخباريون أن معاوية تأول الخبر بتأويلين أحدهما أنه قال بموجب الخبر فقال: نحن الباغية لطلب دم عثمان رضي الله عنه أي الطالبة له، وثانيهما أنه قال إنما قتله من أخرجه للقتل وعرّضه له وهذان التأويلان فاسدان .. الخ ما ذكره القرطبي اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم وأخرجه أحمد [3/ 22]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد هذا رضي الله عنه فقال: 7148 - (00) (00) (وحدثني محمد بن معاذ بن عباد) بن معافـ (العنبري) البصري، روى عن خالد بن الحارث في الفتن والمعتمر وأبي عوانة وابن عيينة وغيرهم، ويروي عنه (م د) وموسى بن إسحاق الأنصاري وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وقال في التقريب: صدوق يهم من العاشرة، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين (وهريم بن عبد الأعلى) بن الفرات الأسدي أبو حمزة البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالا حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وإسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (ومحمود بن غيلان) العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي البغدادي، ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (ومحمد بن قدامة) بن إسماعيل السلمي البخاري المروزي، مقبول، من (11) روى عنه في (4) أبواب (قالوا) أي قال كل من هؤلاء الأربعة (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي النحوي، نزيل مرو وشيخها، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (كلاهما) أي كل من خالد بن الحارث والنضر بن شميل رويا (عن شعبة عن أبي مسلمة) سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي البصري، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة خالد بن الحارث والنضر بن شميل لمحمد بن جعفر، وساقا (بهذا

الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ، غَيرَ أَن فِي حَدِيثِ النَّضْرِ: أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنِّي، أَبُو قَتَادَةَ، وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ قَال: أُرَاهُ يَعْنِي أَبَا قَتَادَةَ. وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ: ويقُولُ: "وَيْسَ"، أَوْ يَقُولُ: "يَا وَيس ابْنِ سُمَيَّةَ". 7149 - (2894) (61) وحدثني مُحَمدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، (قَال عُقْبَةُ: حَدَّثَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا) غُنْدَر. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال: سَمِعْتُ خَالِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد) السابق يعني عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن من هو خير مني (نحوه) أي نحو ما حدّث محمد بن جعفر عن شعبة (غير أن) أي لكن أن (في حديث النضر) بن شميل وروايته لفظة (أخبرني من هو خير مني أبو قتادة) الأنصاري المدني الحارث بن ربعي السلمي بفتح السين واللام رضي الله عنه (وفي حديث خالد بن الحارث) وروايته لفظة (قال) أبو نضرة (أراه) أي أرى أبا سعيد الخدري وأظنه (يعني) ويقصد بمن هو خير منه (أبا قتادة) الأنصاري (وفي حديث خالد) بن الحارث وروايته لفظة (ويقول) النبي صلى الله عليه وسلم لعمار (ويس) ابن سمية أي أتفجع وأتحزن لابن سمية (أو يقول) له لفظة (يا ويس ابن سمية) أي يا تفجعي وتحزني على ابن سمية تعال إلي لأتعجب منك، وقد مر بيان معناه في أول الحديث، والشك من الراوي فيما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي سعيد الخدري بحديث أم سلمة رضي الله عنهما فقال: 7149 - (2894) (61) (وحدثني محمد بن عمرو بن جبلة) بن أبي روّاد العتكي البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي غندر (ح وحدثنا عقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول (العمي) بفتح العين المهملة وتشديد الميم نسبة إلى بني العم اسم قبيلة أبو عبد الملك البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (قال عقبة حدثنا وقال أبو بكر أخبرنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت خالدًا) بن مهران المجاشعي أبا المنازل البصري الحذاء، ثقة، من (5) روى عنه

يُحَدِّثُ، عَنْ سعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال لِعَمَّارٍ: "تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". 7150 - (00) (00) وحدثني إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِمَا، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِمِثْلِهِ. 7151 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ في (15) بابًا (يحدّث عن سعيد بن أبي الحسن) يسار أخي الحسن البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (2) اللباس والفتن، سعيد روى (عن أمه) خيرة أم الحسن البصري مولاة أم سلمة أم المؤمنين (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار) بن ياسر (تقتلك الفئة) أي الجماعة (الباغية) أي الخارجة عن أمر الإمام العدل وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات الست لكنه شاركه أحمد [6/ 300 و 311]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 7150 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج، ثقة، من (11) (أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا شعبة حدثنا خالد الحذاء عن سعيد بن أبي الحسن والحسن) بن أبي الحسن يسار البصريين (عن أمهما) خيرة مولاة أم سلمة (عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الصمد لمحمد بن جعفر، وساق عبد الصمد (بمثله) أي بمثل حديث محمد بن جعفر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال: 7151 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن

إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَن أُمِّ سَلَمَة، قَالتْ: قَال رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغيَةُ]. 7152 - (2895) (62) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يُهْلِكُ أُمَّتي هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيشٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (عن) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني مولاهم أبي عون البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابًا (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن أمه) خيرة (عن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لخالد الحذاء (قالت) أم سلمة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتل عمارًا الفئة الباغية) أي الخارجة عن أمر الإمام وهم أصحاب معاوية بن أبي سفيان. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو ذكر أغيلمة من قريش تكون سببًا لهلاك الأمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7152 - (2895) (62) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (حدثنا شعبة عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (قال) أبو التياح (سمعت أبا زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته (قال يهلك) أي يفتن (أمتي) أي من كان في ذلك الزمن (هذا الحي) أي أغيلمة هذا الحي والقبيل، حالة كون ذلك الحي (من قريش) قال القاضي: وفي البخاري "هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش" وهذا الهلاك بينه في حديث "أعوذ بالله من إمارة الصبيان إن أطعتموهم هلكتم وإن عصيتموهم أهلكوكم" قال الطبري: المراد بعض الحي وهم الأغيلمة وكان الهلاك على أيديهم لصغرهم وعدم تجربتهم للأمور ولم يرد جميعها بل من وجد في زمن الأغيلمة اهـ من الأبي، قال القرطبي: الحي القبيل بمعنى القبيلة وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبيل قريش وهو يريد بعضهم وهم الأغيلمة المذكورون في حديث البخاري كما أنه لم يرد بالأمة جميع أمته من أولها إلى آخرها بل من كان موجودًا من أمته في ولاية أولئك

قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَال: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُم" ـــــــــــــــــــــــــــــ الأغيلمة وكان الهلاك الحاصل من هؤلاء لأمته في ذلك العصر إنما سببه أن هؤلاء الأغيلمة لصغر أسنانهم لم يجربوا الأمور ولم يتحافظوا على أمور الدين وإنما تصرفهم على مقتضى غلبة الأهواء وحدَّة الشباب فظهر أن المراد بعض رجال من قريش وهو الأحداث منهم لا كلهم، قال الحافظ في الفتح [13/ 15] والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن وقد وقع الأمر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (فما) ذا (تأمرنا) به إن أدركنا ذلك الزمن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن الناس) الموجودين في ذلك الزمن (اعتزلوهم) أي لو أن الناس اعتزلوا أولئك الأمراء ولم يخالطوهم لكان خيرًا لهم، إن قلنا إن لو شرطية، فجوابهم محذوف كما قدرناه، والمراد باعتزالهم أن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا بدينهم من الفتن، ويحتمل أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب والمعنى حينئذ ليت الناس اعتزلوهم، وفيه دليل على إقرار أمراء الجور وترك الخروج عليهم والإعراض عن هنات ومفاسد تصدر عنهم، وهذا ما أقاموا الصلاة ولم يصدر منهم كفر بواح عندنا من الله فيه برهان كما مر في كتاب الإمامة، وهؤلاء الأغيلمة كان أبو هريرة رضي الله عنه يعرفهم بأسمائهم وأعيانهم ولذلك كان يقول: لو شئت قلت لكم هم بنو فلان وبنو فلان. لكنه سكت عن تعيينهم مخافة ما يطرأ على ذلك من المفاسد والفتن، وذلك لما أخرجه البخاري عنه في العلم رقم (12) أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وأخرج ابن أبي شيبة أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان، وفي هذا إشارة إلى أن الأغيلمة المذكورين في الحديث يزيد بن معاوية فإنه استخلف فيها، وفي القرطبي: وكأنهم والله تعالى أعلم يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية فقد صدر عنهم قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيهم وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة وبمكة وغيرهما، وغير خاف ما صدر عن الحجاج وسليمان بن عبد الملك وولده من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك خيار الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك.

7153 - (00) (00) وحدثنا أَحمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ. فِي مَعْنَاهُ. 7154 - (2896) (63) حدَّثنا عَمْرٌو الناقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، (وَاللفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وأغيلمة تصغير غلمة جمع غلام على غير مكبره فكانهم قالوا أغلمة ولم يقولوه كما قالوا أصيبية في تصغير صبية، وبعضهم يقول غليمة على القياس، وقد تقدم الكلام في الغلام وأن أصله فيمن لم يحتلم ثم قد يتوسع فيه، ويقال على الحديث السن وإن كان قد احتلم وعلى هذا جاء في هذا الحديث اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3012]، والبخاري في المناقب باب علامات النبوة في الإسلام [3654 و 3605] وفي الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء [7058]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 7153 - (00) (00) (حدثنا أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد البغدادي (الدورقي) نسبة إلى دورق اسم بلدة من بلاد فارس، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وأحمد بن عثمان) بن أبي عثمان عبد النور بن عبد الله بن سنان (النوفلي) نسبة إلى نوفل أحد أجداده، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب، كلاهما (قالا حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة) غرضه بيان متابعة أبي داود لأبي أسامة، وساق أبو داود (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن أبي التياح عن أبي زرعة عن أبي هريرة، ففي بمعنى الباء، وساق أبو داود (في معناه) أي بمعنى حديث أبي أسامة لا بلفظه، وفي أيضًا بمعنى الباء. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو قوله صلى الله عليه وسلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده .. الخ بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7154 - (2896) (63) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالا حدثنا سفيان)

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "قَدْ مَاتَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ. وَإِذَا هَلَكَ قَيصَرُ فَلَا قَيصَرَ بَعْدَهُ. وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عيينة (عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات كسرى) وهو لقب لكل من ملك فارس والعراق (فلا كسرى بعده) أي بعد الذي مات (وإذا هلك قيصر) وهو لقب لكل من ملك الروم والشام (فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما) وأموالهما المجموعة (في سبيل الله) تعالى. قوله (قد مات كسرى فلا كسرى بعده) .. الخ، قال النووي: قال الشافعي وسائر العلماء: معناه لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام كما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بانقطاع ملكهما في هذين الإقليمين فكان كما قال صلى الله عليه وسلم فأما كسرى فانقطع ملكه وزال بالكلية من جميع الأرض وتمزق ملكه كل ممزق واضمحل بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قيصر فانهزم من الشام ودخل أقاصي بلاده من القسطنطينية ورومة فافتتح المسلمون بلادهما واستقرت للمسلمين فلله الحمد، وحكى الحافظ في الفتح [6/ 626] عن الشافعي أنه قال: وسبب هذا الحديث أن قريشًا كانوا يأتون الشام والعراق تجارًا فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم تطييبا لقلوبهم وتبشيرًا بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين، وقال الطيبي في الكاشف [10/ 76] هلاك كسرى وقيصر كانا متوقعين فأخبر عن هلاك كسرى بالماضي دلالة على أنه كالواقع بناء على إخبار الصادق فكأنه أشار إلى أن ملك كسرى أسبق انقضاء من ملك قيصر ووقع كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله (قد مات كسرى) .. الخ كذا جاء هذا الحديث في الأم: قد مات كسرى بلفظ الماضي المحقق بقد، وقد وقع هذا اللفظ في كتاب الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعنه سعيد بن المسيب وعنه الزهري وعنه سفيان وبهذا السند رواه مسلم غير أن الترمذي قال: إذا هلك كسرى ولم يقل قد مات وبين اللفظين بون عظيم فلفظ مسلم يقتضي أن كسرى قد كان وقع موته فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل حديث أبي بكرة الذي خرجه البخاري قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" رواه البخاري [7099] يعني أنه لما مات كسرى ولّوا عليهم ابنته وعلى هذا فلا يصح أن يقال مكان قد مات إذا مات ولا إذا هلك لأن إذا للمستقبل ومات للماضي وهما متناقضان فلا يصح الجمع بينهما لاتحاد الراوي واختلاف المعنى إلا على تأويل بعيد وهو أن يقدّر أن أبا هريرة سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين فسمع أولًا إذا هلك كسرى وبعده قد هلك كسرى فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قال الحديث الأول قبل موت كسرى لأنه علم أنه يموت ويهلك ويكون النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا قال الحديث الثاني بعد موته، ويحتمل أن يفرق بين الموت والهلاك فيقال إن موت كسرى كان قد وقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر عنه بذلك وأما هلاك ملكه فلم يقع ذلك إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وموت أبي بكر وإنما هلك ملكه في خلافة عمر رضي الله عنه على يدي سعد بن أبي وقاص وغيره من الأمراء الذين ولاهم عمر حرب فارس فهزموا جموعه وفتحوا بلاده ونقلوا كنوزه إلى المدينة وذخائره وحليته حتى تاجه كما هو المعروف في كتب التواريخ وكان موت كسرى وتمزيق ملكه بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري [64] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه مزقه فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق فعجل الله تعالى موته ومزق بعد ذلك ملكه، وقد تقدم أن كل ملك للفرس يقال له كسرى وكل ملك للروم يقال له قيصر وكل ملك للحبشة يقال له النجاشي، ويقال كسرى بفتح الكاف وهو قول الأصمعي والكسر لغيره. قوله (فلا كسرى بعده ولا قيصر بعده) قال القاضي: معناه عند أهل العلم لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام فاعلم بانقضاء ملكهما وزواله من هذين القطرين فكان كما قال، وانقطع أمر كسرى بالكلية وتمزق ملكه واضمحل وتخلى قيصر عن الشام ورجع القهقرى إلى داخل بلاده واحتوى المسلمون على ملكهما وكنوزهما وأُنفقا في سبيل الله كما أخبر عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم.

7155 - (00) (00) وحدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنِي ابْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بن حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإِسْنَادِ سُفْيَانَ وَمَعْنَى حَدِيثِهِ. 7156 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "هَلَكَ كِسْرَى ثُم لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 313]، والبخاري في مواضع منها في الجهاد باب الحرب خدعة [3027]، والترمذي في الفتن باب ما جاء إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده [6/ 22]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7155 - (00) (00) (وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد (ح وحدثني) محمد (بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي كلاهما (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من يونس ومعمر رويا (عن الزهري) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة معمر ويونس لسفيان بن عيينة، وساقا الحديث (بإسناد سفيان) يعني عن سعيد عن أبي هريرة (و) بـ (معنى حديثه) أي وبمعنى حديث سفيان لا بلفظه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7156 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم (ما حدثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لسعيد بن المسيب (هلك كسرى ثم لا يكون كسرى) آخر (بعده) أي بعد الكسرى الذي

وَقَيْصَرُ لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ". 7157 - (2897) (64) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ"، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ سَوَاءً. 7158 - (00) (00) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ هلك (وقيصر) مبتدأ خبره قوله (ليهلكن) واللام حرف ابتداء (ثم لا يكون قيصر بعده ولتقسمن) بالبناء للمجهول أي ولتوزعن وتفرَّقن (كنوزهما) أي ذخائرهما المجموعة عندهم (في سبيل الله) تعالى كما الفيء، قال الأبي: وكانا في زمنه صلى الله عليه وسلم فأخبر بذهاب ملكهما وأنه إذا ذهب لا يرجع وهي معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم لأن الأمر قد وقع كذلك اهـ سنوسي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال: 7157 - (2897) (64) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابًا (عن جابر بن سمرة) السوائي الكوفي رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده فذكر) جابر (بمثل حديث أبي هريرة) رضي الله عنهم حالة كون الحديثين (سواء) أي مستويين لفظًا ومعنى وهذا متابعة في الشاهد والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 100]، والبخاري في فرض الخمس [3121] وفي المناقب [3619] وفي الأيمان والنذور [6629]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما فقال: 7158 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7)

عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَتَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (19) بابًا (عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته أيضًا، غرضه بيان متابعة سماك بن حرب لعبد الملك بن عمير (قال) جابر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) والله (لتفتحن) بالبناء للفاعل أي والله لتأخذن (عصابة) أي جماعة قليلة (من المسلمين أو) قال صلى الله عليه وسلم عصابة (من المؤمنين) بالشك من الراوي أو ممن دونه. قوله (عصابة من المسلمين) قال القرطبي: العصابة الجماعة من الناس والطير والوحش سموا بذلك لأنهم يشد بعضهم بعضًا، والعصب هو الشد والعصبة ما بين العشرين إلى الأربعين وإنما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على المفتتحين كنز كسرى عصابة وإن كانوا عساكر بالنسبة إلى عدد عدوهم وجيوشه فإنه كانوا بالنسبة إليهم قليلًا، ويحتمل أن يريد بالعصابة الجماعة السابقة لفتح القصر الأبيض دون الجيش كله فإن الله لما هزم الفرس وجيوشهم العظيمة على يدي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وعسكره وكان عدد من معه يوم فتح القادسية ستة آلاف أو سبعة آلاف على ما ذكر محمد بن جرير الطبري فر المنهزمة من الفرس إلى المدائن منزل كسرى فتبعهم المسلمون إلى أن وصلوا إلى دجلة وهي تقذف بالزبد فاقتحمها المسلمون فرسانًا ورجالة خائفين يتحدث بعضهم مع بعض فلما رأى ذلك الفرس هالهم ذلك فتخففوا بما أمكنهم من المال والذخائر النفيسة وفروا ولم يبق فيها إلا من ثقل عن الفرار ودخل المسلمون المدائن وفيها القصر الأبيض الذي فيه أيوان كسرى وأمواله وذخائره النفيسة التي لم يُسمع بمثلها، قال أهل التاريخ: كان في البيت الأبيض ثلاثة آلاف ألف ألف ألف ثلاث مرات غير أن رستمًا لما فر منهزمًا حمل معه نصف ما كان في بيوت الأموال وترك النصف الآخر فملكه الله المسلمين فأصاب الفارس منهم من فيء المدائن اثنا عشر ألفًا ولما دخل القصر الأبيض وجدوا فيه ملابس كسرى وحليته وبساطه الذي ما سمع في العالمين بمثله فجاؤوا بكل ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكان ذلك كله مظهرًا لصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم للعيان بحيث يضطر إليه كل إنسان والله أعلم اهـ من المفهم.

كَنْزَ آلِ كِسْرَى الَّذِي فِي الأَبْيَضِ". قَال قُتَيبَةُ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَم يَشُكّ. 7159 - (00) (00) حدثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ. 7160 - (2898) (65) حدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنْ ثَوْرٍ، (وَهُوَ ابْنُ زيدٍ الدِّيلِيُّ)، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (كنز آل كسرى الذي في) قصره (الأبيض) أو في قصورهم ودورهم البيض إن قلنا إن لفظ آل غير مقحم. قوله (كنز آل كسرى) الخ قال في المرقاة: بكسر الكاف من كسرى وبفتح والآل مقحم، والمراد به أهله أو أتباعه (الأبيض) قصر حصين كان في المدائن والآن بني مكانه مسجد المدائن وقد أخرج كنزه في أيام عمر رضي الله عنه وقيل هو الحصن الذي بهمدان بناه دار بن دار يقال له شهرستان اهـ دهني (قال قتيبة) بن سعيد في روايته عصابة (من المسلمين ولم يشك) قتيبة في أي اللفظين قال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 7159 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت جابر بن سمرة) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي عوانة (قال) جابر (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وساق شعبة (بمعنى حديث أبي عوانة) لا بلفظه. ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو قتال مدينة بعضها في البحر وبعضها في البر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7160 - (2898) (65) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد الدراوردي المدني (عن ثور وهو ابن زيد الديلي) المدني، ثقة، من (6) (عن أبي الغيث) سالم المدني مولى عبد الله بن مطيع، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) لمن عنده من

"سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحرِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوهَا سَبعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاؤُوهَا نَزَلُوَا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ. قَالُوا: لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَاللهُ أكبَرُ. فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيهَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابة هل (سمعتم بمدينة) أي ببلدة (جانب) أي نصف (منها في البر وجانب منها في البحر؟ قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (نعم) سمعناها (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يغزوها) أي حتى يجاهد تلك المدينة (سبعون ألفًا من بني إسحاق) قال القاضي: كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم (من بني إسحاق) بن إبراهيم عليهما السلام، قال بعضهم: المعروف المحفوظ من بني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه لأنه إنما أراد العرب وهذه المدينة هي القسطنطينية المذكورة فيما سبق (فإذا جاؤوها نزلوا) قريبًا منها (فلم يقاتلو) ها (بسلاح) من السيوف والرماح (ولم يرمو) ها (بسهم) ولا نبل ولا مقلاع بل (قالوا) أي ذكروا الله بقولهم (لا إله إلا الله والله أكبر فـ) ـإذا قالوها مرة (يسقط أحد جانبيها) أي يتهدم أو يسقط في البحر. قوله (سمعتم بمدينة جانب منها) .. إلخ أي هل سمعتم بتقدير همزة الاستفهام، قال الشارح: هذه المدينة في الروم، وقيل الظاهر أنها قسطنطينية، وفي القاموس هي دار ملك الروم وفتحها من أشراط الساعة وارتفاع سورها أحد وعشرون ذراعًا وكنسيتها مستطيلة وبجانبها عامود عالٍ في دور أربعة أنواع تقريبًا وفي رأسه فرس من نحاس وعليه فارس وفي إحدى يديه كرة من ذهب وقد فتح أصابع يده الأخرى مشيرًا بها وهو صورة قسطنطين بانيها اهـ، ويحتمل أنها مدينة غيرها بل هو الظاهر لأن قسطنطينية تفتح بالقتال الكثير وهذه المدينة تفتح بمجرد التهليل والتكبير اهـ مرقاة. قال الحاكم بعد إخراج هذا الحديث في المستدرك [4/ 476] يقال إن هذه المدينة هي القسطنطينية وليس المراد من هذا الفتح ما وقع بيد السلطان محمد فاتح في سنة (857) هـ وإنما يقع هذا الفتح المذكور في حديث الباب قبل خروج الدجال بقليل بجيش فيهم المهدي المنتظر والله أعلم. قوله (يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق) بن إبراهيم، قال المظهر من أكراد الشام

قَال ثَوْرٌ: لَا أعْلَمُهُ إِلَّا قَال: "الَّذِي فِي الْبَحْرِ. ثُم يَقُولُوا الثانِيَةَ: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أكبَرُ. فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هم من بني إسحاق النبي - عليه السلام - وهم مسلمون اهـ وهو يحتمل أن يكون معهم غيرهم من بني إسماعيل وهم العرب أو غيرهم من المسلمين واقتصر على ذكرهم تغليبًا لهم على من سواهم، ويحتمل أن يكون الأمر مختصًّا بهم قاله ملا علي اهـ من ذهني، ولكن ذكر القرطبي احتمالًا أن ما وقع في الرواية صحيح وإنما نُسب العرب في هذه الرواية إلى إسحاق - عليه السلام - لأنه عمهم وقد يُنسب الشخص إلى عمه كذا في الأبي. قوله (فلم يقاتلوهم بسلاح) .. إلخ ظاهره أن مدينة قسطنطينية لا تُفتح حينئذ بالأسلحة والقتال وإنما تُفتح بالتهليل والتكبير فقط، وقد يتعارض هذا مع ما مر في باب فتح القسطنطينية من حديث أبي هريرة حيث ذكر فيه فيُقاتلون فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا ويُقتل ثلثهم أفضل الشهداء ويفتح ثلث لا يفتنون أبدًا فيفتحون قسطنطينية، وحاول الأبي أن يجمع بين الحديثين وحاصل ما ذكره أن القتال المذكور في هذا الحديث الأخير إنما يقع قبل فتح القسطنطينية، وقد ذكر فيه أن الثلث من هؤلاء المقاتلين الذين يقدر لهم النصر في القتال يفتتحون القسطنطينية بعد هذا النصر ولم يذكر هناك طريقة افتتاحهم للقسطنطينية والمذكور هنا أنهم سيفتحونها بالتهليل والتكبير فلا تعارض بين الحديثين هذا ما ذكره الأبي رحمه الله تعالى فتأمل. وقال أبو الحسن السندي في حاشيته (ص 87) كأنهم يقاتلون الكفرة أولًا حتى إذا غلبوهم يقصدون البلدة فيدخلون فيها بلا قتال ثان عند دخولهم البلدة والله أعلم. قال القرطبي: وعلى هذا فالفتح الذي يكون مقارنًا لخروج الدجال هو الفتح المراد من هذه الأحاديث لأنها اليوم بأيدي الروم دمرهم الله تعالى. قوله (قالوا لا إله إلا الله والله أكبر) جملة مستأنفة أو حال بتقدير قد اهـ ذهني. (قال ثور) بن زيد بالسند السابق (لا أعلمه) أي لا أظن أبا هريرة (إلا قال) فيسقط أحد جانبيها (الذي في البحر ثم يقولوا) المرة (الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر) الذي في البر. قوله (ثم يقولوا الثانية ثم يقولوا الثالثة وقوله فيدخلوها فيغنموا بإسقاط نون الرفع في هذه الأفعال الأربعة في النسخ التي بأيدينا متونًا وشروحًا ولهذا أبقيناها على حالها ولكن لم يظهر لي وجه السقوط ثم وجدتها في المشكاة من غير إسقاط نونها اهـ دهني. (قلت) إسقاطها للتخفف على لغة من يسقطها للتخفيف اللفظي

ثُم يَقُولُوا الثالِثَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أكبَرُ. فَيفَرَّجُ لَهُمْ. فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا. فَبَينَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ، إذ جَاءَهُمُ الصرِيخُ فَقَال: إنَّ الدَّجَّال قَدْ خَرَجَ. فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيءٍ، ويرْجِعُونَ". 7161 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ مَرْزُوق. حَدَّثَنَا بِشرُ بْنُ عُمَرَ الزهْرَانِي. حَدثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلال. حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ زَيدٍ الدِّيلِي، فِي هَذَا الإِسنَادِ، بِمِثْلِهِ. 7162 - (2899) (66) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد بينا ذلك في كتاب الإيمان في حديث "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا" راجعه هناك، قوله (فيفرج لهم) بتشديد الراء المفتوحة أي فيفتح لهم، والجار والمجرور نائب فاعل كذا في المرقاة (ثم يقولوا) المرة (الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج) أي يفتح (لهم فيدخلوها فيغنموا) أي يأخذوا كنوزها (فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ) أي المستغيث المنادي (فقال أن الدجال قد خرج) وخلفكم في ذراريكم (فيتركون كل شيء) من الغنائم (ويرجعون) إلى بلدانهم بالشام. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7161 - (00) (00) (حدثني محمد) بن محمد (بن مرزوق) بن بكير بن بهلول الباهلي أبو عبد الله البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (4) (حدثنا بشر بن عمر) بن الحكم (الزهراني) الأزدي أبو محمد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثني سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا ثور بن زيد الديلي) المدني، ثقة، من (6) غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لعبد العزيز بن محمد، وساق سليمان بن بلال (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد السابق يعني عن أبي الغيث عن أبي هريرة (بمثله) أي بمثل حديث عبد العزيز بن محمد. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 7162 - (2899) (66) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن

بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ. فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ، فَتَعَال فَاقْتُلْهُ". 7163 - (. .) (. .) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) - رضي الله عنهما - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - والله (لتقاتلن) أيها المسلمون (اليهود) قال القاضي: هذا والله أعلم يكون بعد قتل الدجال لأنَّ اليهود أكثر أتباعه اهـ (فلتقتلنهم) قتلًا ذريعًا (حتى يقول الحجر يا مسلم هذا) الشخص الذي اختفى ورائي هو (يهودي فتعال) أي فأقبل إليه (فاقتله) قال الأبي: لا مانع من حمل قول الحجر على الحقيقة بإدراك يخلقه الله تعالى للحجر، ويحتمل المجاز وأنه كناية عن كمال استئصال قتلهم اهـ. يعني حينما يريد اليهودي أن يختفي وراء حجر فإنَّه ينطق ويخبر المسلمين بمكانه وذلك يقع بعدما يقتل عيسى - عليه السلام - الدجال، وقد وقع ذلك مفصلًا في حديث طويل لأبي أمامة أخرجه ابن ماجه رقم [4128] وفيه: قال عيسى - عليه السلام -: افتحوا الباب، فيُفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وشاج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربًا، ويقول عيسى - عليه السلام -: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله عَزَّ وَجَلَّ يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الجهاد باب قتال اليهود [2925] وفي المناقب [3593]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في علامات الدجال [2236]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7163 - (. .) (. .) (وحدثناه محمَّد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى

قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَال فِي حَدِيثِهِ: "هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي". 7164 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ. قَال: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "تَقْتَتِلُونَ أَنْتُمْ وَيَهُودُ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي، تَعَال فَاقْتُلْهُ". 7165 - (. .) (. .) حدَّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (قالا حدثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري المدني، غرضه بيان متابعة يحيى لمحمد بن بشر، وساق يحيى (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن ابن عمر (و) لكن (قال) يحيى (في حديثه) أي في روايته لفظة (هذا يهودي ورائي) تعال فاقتله. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 7164 - (. .) (. .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (أخبرني عمر بن حمزة) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ضعيف، من (6) ذكره (م) تبعًا روى عنه في (4) أبواب (قال) عمر بن حمزة (سمعت) عمي (سالمًا) بن عبد الله (يقول أخبرنا عبد الله بن عمر) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تقتتلون أنتم ويهود) أي تتقاتلون معهم (حتى يقول الحجر يا مسلم هذا) الشخص (يهودي) اختفى واستتر (ورائي) أي خلفي (تعال) أي أقبل إليه (فاقتله). ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 7165 - (. .) (. .) (حدثنا حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب حدثنا سالم بن عبد الله) بن عمر (أن

عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ". 7166 - (2900) (67) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ. فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ. حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَر والشَّجَرِ. فَيقُولُ الْحَجَرُ أَو الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي. فَتَعَال فَاقْتُلْهُ. إِلَّا الْغَرْقَدَ. فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عمر أخبره) أي أخبر سالمًا (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لعمر بن حمزة (تقاتلكم اليهود فتُسلطون) بالبناء للمجهول أي تسلطون أيها المسلمون (عليهم) أي على اليهود (حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله). ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - فقال: 7166 - (2900) (67) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) بن محمَّد بن عبد الله القاري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (عن أبيه) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) وهذا السند من خماسياته (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون) قتل استئصال (حتى يختبئ) ويستتر (اليهودي من وراء الحجر والشجر) من الاختباء وهو الاستتار بشيء أي حتى يستتر ويختفي اليهودي وراء الحجر، قال القاضي: هذا والله أعلم إنما يكون بعد قتل الدجال لأنَّ اليهود أكثر أتباعه اهـ (فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا) الشخص الذي ورائي (يهودي) اختفى (خلفي) أي ورائي (فتعال) أي فأقبل إليه (فاقتله) لأنه عدو الله (إلا الغرقد فإنَّه من شجر اليهود) قال القرطبي: الغرقد شجر معروف له شوك معروف

7167 - (2901) (68) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا) أَبُو الأَحْوَصِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ. كِلاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَال. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ". وَزَادَ فِي حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ببلاد بيت القدس وهناك يكون قتل الدجال واليهود، وحكى النووي عن أبي حنيفة الدينوري أن العوسجة إذا عظمت فهي غرقدة، وقال الطيبي في الكاشف [10/ 75] هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك والغرقدة واحدة ومنهن قيل لمقبرة أهل المدينة بقيع الغرقد لأنه كان فيه غرقد وقطع، وأما نسبة هذه الشجرة إلى اليهود فلم أعرف وجهها في شيء من الروايات، وذكر الشيخ علي القاري في المرقاة [10/ 143] أنها إضافة لأدنى ملابسة والله تعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجهاد باب قتال اليهود [2926]، وأحمد [2/ 217]. ثمَّ استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 7167 - (2901) (68) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة قال يحيى أخبرنا وقال أبو بكر حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) (كلاهما) أي كل من أبي الأحوص وأبي عوانة رويا (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) (عن جابر بن سمرة) رضي الله تعالى عنهما. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن بين يدي الساعة كذابين) أي دجالين، قال الطيبي في الكاشف [10/ 91] المراد منه كثرة الجهل وقلة العلم والإتيان بالموضوعات من الأحاديث وما يفترونه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمكن أن يراد به أدعياء النبوة لما كان في زمانه وبعد زمانه وأن يراد بهم جماعة يدعون إلى أهواء فاسدة وعقائد زائفة ويسندون اعتقادهم الباطل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأهل البدع كلهم اهـ (وزاد) الراوي يعني يحيى وأبا بكر (في حديث

أَبِي الأَحْوَصِ: قَال: فَقُلْتُ لَهُ: آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؟ قَال: نَعَمْ. 7168 - (. .) (. .) وحدّثني ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. قَال سِمَاكٌ: وَسَمِعْتُ أَخِي يَقُولُ: قَال جَابِرٌ: فَاحْذَرُوهُمْ. 7169 - (2902) (69) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبي الأحوص) وروايته لفظة (قال) سماك بن حرب (فقلت له) أي لجابر (آنت) أي هل أنت (سمعت هذا) الحديث (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) جابر (نعم) سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [5/ 86 و 88 و 94 و 101]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال: 7168 - (. .) (. .) (وحدثني) محمَّد (بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك) غرضه بيان متابعة شعبة لأبي الأحوص وأبي عوانة، وساق شعبة (بهذا الإسناد) يعني عن جابر بن سمرة (مثله) أي مثل ما روى أبو الأحوص وأبو عوانة، ومقتضى اصطلاحاته أن يقال (وزادا) وأن يقال (مثلهما) كما بيناه في حلنا، قال شعبة (قال) لنا (سماك وسمعت) أنا (أخي) لم أر من بين اسم هذا الأخ (يقول قال) لنا (جابر) بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (فاحذروهم) أي فاحذروا أيها المحدثون أخي وكل من يحدّث عن جابر فلا تأخذوا حديثهم ولا تنقلوه عنهم لأنهم غير مأمونين في ذلك. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بن سمرة بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - فقال: 7169 - (2902) (69) (حدثني زهير بن حرب وإسحاق بن منصور) بن بهرام

(قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ - عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ. قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ. كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوسج التميمي النيسابوري (قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا عبد الرحمن وهو ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا تقوم الساعة حتى يبعث) أي حتى يخرج ويظهر (دجالون كذابون قريب) عددهم (من ثلاثين) رجلًا (كلهم يزعم) ويدّعي (أنَّه رسول الله) ونبيه، وقد وجد من هؤلاء خلق كثير في الأعصار الأول فأهلكهم الله تعالى وقلع آثارهم وكذلك يفعل بمن بقي منهم، قال القرطبي: وقد تقدم القول في كتاب الإيمان في اشتقاق اسم الدجال أنَّه من الدجل وهو الكذب البحت والتمويه وأن معناه هو المموه بالكذب، قال القاضي أبو الفضل: هذا الحديث قد ظهر فلو عد من تنبأ من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن ممن اشتهر بذلك وعُرف واتبعه جماعة على ضلالة لوُجد هذا العدد فيهم ومن طالع في كتب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا ولولا التطويل لسردنا منهم هذا العدد اهـ مفهم. وقوله (دجالون) أيضًا من الدجل وهو التغطية والتمويه لأنه غطى الحق بالباطل وموّه الباطل بزينة الحق، والدجال صيغة مبالغة منه وهو من يكثر الدجل ويطلق على الكذب أيضًا فالدجالون بهذا المعنى كثير غير أن الدجال الذي يقتله عيسى - عليه السلام - أكبرهم والمراد من الدجالين هنا الذين يدعون لأنفسهم النبوة كذبًا وزورًا وقد خرج منهم خلق كثير لا يحصون ولكن غالبهم ينشأ لهم ذلك عن جنون أو سوداء فلم يعتد بهم في حديث الباب، وإنما المراد من الحديث من قامت له شوكة وبدت له شبهة وكانوا قريبًا من هذا العدد المذكور في الحديث. وقد ظهر مصداق ذلك في آخر زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج مسيلمة باليمامة والأسود العنسي باليمن ثمَّ خرج في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة وسجاح التميمية، وقُتل الأسود قبل وفاة النبي - صلى الله

7170 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: يَنْبَعِثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم-، ومسيلمة في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه -، وتاب طليحة ومات على الإِسلام في خلافة عمر - رضي الله عنه -، ونُقل أن سجاح أيضًا ثابت، ثمَّ خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي وقُتل سنة بضع وستين، وخرج الحارث الكذاب في خلافة عبد الملك بن مروان فقُتل وخرج في خلافة بني العباس جماعة، ثمَّ ظهر في هذه العصور الأخيرة مرزا غلام أحمد القادياني في الهند ولا يزال أتباعه مبثوثين في العالم اليوم وكل هؤلاء من الدجاجلة الذين أخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجهم فصدق ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - والحديث حجة، واضحة على كل من ادعى النبوة بعده - صلى الله عليه وسلم - وعلى أنَّه دجال كذاب أعاذنا الله تعالى من شرهم اهـ تكملة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المناقب باب علامات النبوة في الإِسلام [3609]، وأبو داود في الملاحم باب ما جاء في خبر ابن صائد [4333 و 4334]، والترمذي في الفتن باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون [2218]، وأحمد [2/ 237]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7170 - (. .) (. .) (حدثنا محمَّد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني (عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام للأعرج، وساق همام (بمثله) أي بمثل حديث الأعرج (غير أنَّه) أي لكن أن همامًا (قال) في روايته (ينبعث) بصيغة انفعل الخماسي فهو بمعنى الثلاثي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث: الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد، والتاسع حديث جابر بن سمرة ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد. ***

765 - (9) باب ذكر ابن صياد

765 - (9) باب ذكر ابن صياد 7171 - (2903) (70) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ -. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَمَرَرْنَا بِصِبْيَانٍ فِيهِمُ ابْنُ صَيَّادٍ. فَفَرَّ الصِّبْيَانُ وَجَلَسَ ابْنُ صَيَّادٍ. فَكَأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 765 - (9) باب ذكر ابن صياد 7171 - (2903) (70) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لعثمان قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يومًا (فمررنا) في مسيرنا ذلك (بصبيان فيهم ابن صياد ففر الصبيان) منا حين اطلعنا عليهم وهربوا منا هيبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وجلس ابن صياد فكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره ذلك) أي جلوس ابن صياد وعدم فراره منا أي كره بقاءه جالسًا وعدم فراره منا مع الصبيان وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحب أن يواجهه، قال النووي: يقال له ابن صياد وابن صائد وسُمي بهما في هذه الأحاديث واسمه صاف، قال العلماء: وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنَّه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ولا شك في أنَّه دجال من الدجاجلة. قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره وإنما أُوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ولهذا قال لعمر: "إن يكن هو فلن تستطيع قتله". . الخ، قال الطبري: كانت حاله في صغره حالة الكهان يصدق مرة ويكذب مرة، ثمَّ لما كبر أسلم وظهرت منه علامات الخير حج وجاهد مع المسلمين، ثمَّ ظهرت منه أحوال وسمعت منه مقالات تُشعر بأنه الدجال وأنه كافر ويأتي جميع ذلك في الأم اهـ. وقوله (بصبيان كان فيهم ابن صياد) وكان ابن صياد غلامًا وُلد في اليهود اسمه صاف، ويقال له ابن صائد أيضًا، وذكر القرطبي عن الواقدي أنَّه كان يُنسب إلى بني

فَقَال لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "تَرِبَتْ يَدَاكَ. أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ " فَقَال: لَا. بَلْ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ. فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ذَرْنِي. يَا رَسُولَ اللهِ، حَتَّى أَقْتُلَهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنْ يَكُنِ الَّذِي تَرَى، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النجار ولعله كان من اليهود الذين كانوا حلفاء لبني النجار فلذلك نُسب إليهم واشتبه أمره على المسلمين فوقع لهم شك أنَّه هو المسيح الدجال وسبب ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده [2/ 368] من حديث جابر: قال ولدت امرأة من اليهود غلامًا ممسوحة عينه والأخرى طالعة نائتة فأشفق النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون هو الدجال. (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - تربت يداك) أي افتقرت يداك والتصقتا بالتراب، قال ابن الأثير: ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب وأترب إذا استغنى وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به كما يقولون: قاتله الله، وقيل معناها لله درك، وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة اهـ نووي (أتشهد أني رسول الله فقال) ابن صياد (لا) أشهد بأنك رسول الله (بل تشهد) أنت يا محمد بـ (أني رسول الله فقال عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - (ذرني) أي اتركني (يا رسول الله حتى أقتله) أي كي أقتله (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لعمر بن الخطاب (إن يكن) ابن صياد هذا هو الدجال (الذي ترى) وتظن أنَّه يفتن الناس (فلن تستطيع) يا عمر، ولن تقدر (قتله) لأنك لست بقاتله بل قاتله عيسى ابن مريم عليهما السلام. وهذا الحديث مما تفرد به المؤلف عن الأئمة الستة لكنه شاركه أحمد [1/ 457]. وأخرج الترمذي في جامعه [رقم 2248] عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عامًا لا يولد لهما ولد ثمَّ يولد لهما غلام أعور أضر شيء وأقله منفعة تنام عينه ولا ينام قلبه" ثمَّ نعت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه فقال: "أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار وأمه فرضاخية" (وفسره في رواية أحمد بعظيمة الشدقين) فقال أبو بكرة فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهما فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عامًا لا يولد لنا ولد، ثمَّ ولد لنا

7172 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيبٍ. - وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ - (قَال ابْنُ نُمَيرٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَال: كُنَّا نَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَمَرَّ بِابْنِ صَيَّادٍ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا" فَقَال: دُخٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ غلام أضر شيء وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه، فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة له وله همهمة فتكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي. قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: 7172 - (. .) (. .) (حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قال ابن نمير حدثنا وقال الآخران أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق) بن سلمة أبي وائل الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير بن عبد الحميد (قال) عبد الله (كنا نمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر) النبي - صلى الله عليه وسلم - (بابن صياد فقال له) أي لابن صياد (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خبأت) وسترت (لك) أي لأجل اختبارك هل تعرفه أم لا في قلبي أو في يدي أو في كمي (خبيئًا) بزنة فعيلًا أي شيئًا مخبوءًا أي شيئًا مستورًا فما هو، قوله (خبيئًا) قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ وقد نقله القاضي هكذا عن جمهور رواة مسلم وفي بعض النسخ (خبئًا) على زنة مصدر بمعنى اسم مفعول وكلاهما صحيح، قال في المصباح: خبأت الشيء خبأ مهموزًا من باب نفع إذا سترته والذي أضمره النبي - صلى الله عليه وسلم - في قلبه للامتحان له قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] (فقال) ابن صياد هو أي الذي أضمرته لي في قلبك (دُخٌّ) بضم الدال وتشديد الخاء المضمومة وهو لغة في الدخان، وحكى صاحب نهاية الغريب فيه فتح الدال وضمها والمشهور في كتب اللغة والحديث ضمها فقط والجمهور على أن المراد بالدخ هنا الدخان وأنها لغة فيه

فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "اخْسَأْ. فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ" فَقَال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "دَعْهُ. فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ، لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وخالفهم الخطابي فقال لا معنى للدخان هنا لأنه ليس مما يخبأ في كف أو كم كما قال، بل الدخ نبت موجود بين النخيل والبساتين إلا أن يكون معنى خبأت أضمرت لك اسم الدخان فيجوز، والصحيح المشهور أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قال القاضي: وأصح الأقوال أنَّه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان لذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اخسأ فلن تعدو قدرك" أي القدر الذي يدرك الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء وما لا يتبين منه حقيقته ولا يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب اهـ نووي (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لابن صياد لما قال هو دخ (اخسأ) أي اسكت سكوت هوان وذل وحقارة، قال العيني: اخسأ كلمة زجر وإهانة أي اسكت صاغرًا ذليلًا (فـ) إنك (لن تعدو) أي لن تجاوز (قدرك) من حيرة الكهانة واختلاطها إلى درجة معرفة الغيب، وفي القاموس اخسأ مخصوص بزجر الكلب وطرده وتبعيده يقال عند طرده واخسأ ومنه قوله تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] قال القاضي: تغييره اسكتوا بسكوت هوان فإنها ليست مقام سؤال من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ اهـ (فقال عمر) - رضي الله عنه - (يا رسول الله دعني) أي اتركني (فأضرب عنقه) بالنصب بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الأمر أي ليكن منك تركي فضربي إياه (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لعمر (دعه) أي دع ابن صياد واتركه على حاله حيًّا (فإن يكن) ابن صياد الدجال (الذي تخافـ) ــه وتظنه فإنك (لن تستطيع) ولن تقدر (قتله) أي قتل ذلك الدجال الذي تخاف فإن قاتله عيسى ابن مريم - عليه السلام -، وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - ها هنا وفيما مر مختصر وقد ورد في حديث ابن عمر عند أبي داود في الملاحم رقم [4329] (إن يكن فلن تسلط عليه) يعني الدجال (وإلا يكن فلا خير في قتله) وكذلك وقع عند أحمد في مسنده ووقع في حديث جابر عند أحمد (إن يكن هو فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى ابن مريم - عليه السلام - وإلا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلًا من أهل العهد).

7173 - (2904) (71) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَال: لَقِيَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ " فَقَال هُوَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الخطابي في معالم السنن [6/ 181] وقد استشكل في ابن صياد فقيل فيه كيف أقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يدعي النبوة كاذبًا ويتركه بالمدينة يساكنه ويجاوره فيها وما معنى ذلك والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليهود وحلفاءهم وذلك أنَّه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتابًا صالحهم فيه على أن لا يهاجموا وأن يتركوا على أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلًا في جملتهم اهـ. وقال علي القاري في المرقاة [10/ 221] وإنما لم يقتله - صلى الله عليه وسلم - مع أنَّه ادعى بحضرته النبوة لأنه صبي وقد نُهي عن قتل الصبيان أو أن اليهود كانوا يومئذ معاقدين معه - صلى الله عليه وسلم - عقد الذمة على أن يتركوا على أمرهم وهو منهم أو من حلفائهم فلم تكن ذمة ابن صياد تنتقض بقوله الذي قال، وقال ابن الملك: وهذا يدل على أن عهد الوالد يجزئ عن ولده الصغير، وقيل إنه ما ادعى النبوة صريحًا لأنَّ قوله أتشهد استفهام لا تصريح فيه اهـ. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - فقال: 7173 - (2904) (71) (حدثنا محمَّد بن المثنى حدثنا سالم بن نوح) بن أبي عطاء العطار البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن) سعيد بن إياس (الجريري) البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (عن أبي سعيد) الخدري المدني - رضي الله عنه - (قال) أبو سعيد (لقيه) أي لقي ابن صياد، ولعله أتى بالضمير المنصوب لكونه مذكورًا في أثناء الكلام السابق اهـ (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة) وزقاقها (فقال له) أي لابن صياد (رسول الله أتشهد) يا ابن صياد (أني رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - (فقال هو) أي ابن صياد

أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "آمَنْتُ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ. مَا تَرَى؟ " قَال: أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "تَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ. وَمَا تَرَى؟ " قَال: أَرَى صَادِقَينِ وَكَاذِبًا أَوْ كَاذِبَينِ وَصَادِقًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لُبِسَ عَلَيهِ، دَعُوهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أتشهد) يا محمَّد (أني رسول الله) يريد ابن صياد نفسه (فقال) له (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آمنت بالله وملائكته وكتبه، ما ترى) أي أي شيء ترى أنت يا ابن صياد (قال) ابن صياد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أرى عرشًا) وسريرًا (على الماء) أي على ماء البحر (فقال) له (رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - لعلك (ترى عرش إبليس على البحر) قال الأبي: وانظر هل هذا العرش الذي يرى هو المذكور في حديث إن إبليس يضع عرشه على الماء ثمَّ يبعث سراياه (وما ترى) يا ابن صياد أي ما هو الشيء الذي تراه زائدًا على ما يراه العامة والذي تزعم أنَّه يخبرك عن المغيبات (قال) ابن صياد (أرى صادقين) بلفظ التثنية (وكاذبًا أو) قال (كاذبين) بلفظ التثنية أيضًا (وصادقًا، فقال رسول الله لبس عليه، دعوه). قوله (آمنت بالله وملائكته وكتبه) وفي حديث ابن عمر الآتي قريبًا (آمنت بالله ورسله) والمعنى إني آمنت برسل الله تعالى ولست منهم وقد بيَّن بعض الشراح السبب في عدم التصريح بالإنكار عليه في دعوى رسالته لأنَّ ابن صياد لم يُصرّح بدعوى الرسالة وإنما سأله على طريق الاستفهام كما مر بقوله (أتشهد أني رسول الله) وليس فيه صراحة بأنه يدّعى كونه رسولًا ويحتمل أيضًا أنَّه أعاد نفس السؤال الذي طرحه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهكمًا ولم يقصد دعوى الرسالة فاحتاط النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرد عليه والله أعلم. قوله (أرى صادقين وكاذبًا أو كاذبين وصادقًا) أي يأتيني شخصان يخبرانني بما هو صدق وشخص يخبرني بما هو كذب أو شخصان يخبرانني بالكذب وشخص واحد يخبرني بالصدق. والظاهر أن هذا التردد من ابن صياد نفسه وعليه مشى علي القاري في المرقاة [10/ 225] فقال: والشك من ابن الصياد في عدد الصادق والكاذب يدل على افترائه إذ المؤيد من الله لا يكون كذلك، وقد وقع في حديث ابن عمر الآتي قريبًا يأتيني

7174 - (2905) (72) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَال: سَمِعْتُ أَبِي. قَال: حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَال: لَقِيَ نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ صَائِدٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَابْنُ صَائِدٍ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْجُرَيرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ صادق وكاذب فذكر أن قد يأتيه من يخبره بالصدق وقد يأتيه من يخبره كاذبًا ولم يذكر عددًا. قوله (لُبِس عليه) بضم اللام وتخفيف الباء بالبناء للمجهول أي خُلط عليه أمره أي يأتيه به شيطان يخلط عليه الصدق مع الكذب، وذكر الأبي عن بعض المشايخ أن مراده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توقف وشك في أن ابن صياد بحالة التكليف وأن معنى لُبس خُلط تخليط المختلط لتناقضه التناقض الذي لا يُفهم معناه والله أعلم. قوله (دعوه) أي اتركوه على حالته ولا تكثروا عليه المسائل لأنه مختل النظر والعقل فلا نتيجة لسؤاله، والخطاب لمن معه من الصحابة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الفتن باب ما جاء في ذكر ابن صياد وأحمد [3/ 97]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في الشاهد في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مستشهدًا ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث جابر - رضي الله عنهم - فقال: 7174 - (2905) (72) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (قالا حدثنا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (9) (قال) معتمر (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (5) (قال) سليمان (حدثنا أبو نضرة) المنذر بن مالك (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري - رضي الله عنه - وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن طرخان لسعيد بن إياس الجريري ولكنها متابعة ناقصة لكونها في الشاهد (قال) جابر (لقي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ابن صياد ومعه) - صلى الله عليه وسلم - (أبو بكر وعمر وابن صائد مع الغلمان) والصبيان (فذكر) سليمان بن طرخان عن جابر (نحو حديث الجريري) عن أبي سعيد الخدري.

7175 - (2906) (73) حدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: صَحِبْتُ ابْنَ صَائِدٍ إِلَى مَكَّةَ. فَقَال لِي: أَمَا قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ. يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ. أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ" قَال: قُلْتُ: بَلَى. قَال: فَقَدْ وُلِدَ لِي. أَوَ لَيسَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ" قُلْتُ: بَلَى. قَال: فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ. وَهَذَا أَنَا أُرِيدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ وحديث جابر هذا مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - فقال: 7175 - (2906) (73) (حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة (القواريري) أبو شعيب الجشمي مولاهم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (ومحمد بن المثنى) البصري (قالا حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري، مولاهم أبو بكر المصري أو البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة (عن أبي سعيد الخدري) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (صحبت ابن صائد) من المدينة (إلى مكة فقال لي) ابن صائد (أما) حرف تنبيه واستفتاح أي استمع يا أبا سعيد ما أقول لك (قد لقيت) وصادفت (من) مصائب (الناس) أي من كلامهم في مقالات كثيرة وذلك أنهم (يزعمون) من الزعم وهو القول الفاسد (أني الدجال) الذي يأتي في آخر الزمان (ألست) أنت يا أبا سعيد (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) في وصف الذي يأتي في آخر الزمان (إنه) أي إن الدجال الذي يأتي في آخر الزمان (لا يُولد له) ولد (قال) أبو سعيد (قلت) له أي لابن صياد (بلى) سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك (قال) ابن صياد أما أنا (فقد وُلد لي) ولد فلست بدجال، قال أبو سعيد ثمَّ قال لي ابن صياد (أو ليس) الشأن (سمعت) أنت (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) أيضًا إن الدجال الذي يأتي في آخر الزمان (لا يدخل المدينة ولا مكة) قال أبو سعيد (قلت) له أي لابن صياد (بلى) سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك (قال) ابن صياد أما أنا (فقد ولدت بالمدينة وهذا) الذي يقولون فيه ذلك (أنا) والآن (أريد

مَكَّةَ. قَال: ثُمَّ قَال لِي فِي آخِرِ قَوْلِهِ: أَمَا، وَاللهِ، إِنِّي لأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ وَمَكَانَهُ وَأَينَ هُوَ. قَال: فَلَبَسَنِي. 7176 - (. .) (. .) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَال: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مكة، قال) أبو سعيد (ثمَّ قال لي) ابن صياد (في آخر قوله) وكلامه (أما) أي انتبه واستمع ما أقول لك (والله إني لأعلم مولده) أي مولد الدجال الذي يأتي في آخر الزمان أي زمان ولادته (ومكانه) أي مكان ولادته (وأين هو) أي ذلك الدجال الآن (قال) أبو سعيد (فلبسني) أي جعلني ألتبس في أمره وأشك فيه وذلك لأنَّ استدلاله المذكور كان قويًّا في الظاهر مما يقتضي أنَّه ليس الدجال المعهود ولكنه قال في آخر كلامه إنه يعلم مولد الدجال ومكانه وهذا مما أوقعني في الشك مرة أخرى، قال القاضي: أي خلط علي أمره لأنَّ احتجاجاته الأولى قد تلوح ثمَّ قوله أثرها إني لأعرفه وأعرف مولده كالنص في أنَّه هو، وقال السنوسي: ويحتمل أن الدجال أصيب في عقله حتى صار يتناقض التناقض الذي لا يفهم معناه اهـ. قال العلماء: استدل ابن صياد على نفي كونه هو الدجال المعهود بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنَّه لا يولد للدجال وإنه قد وُلد له وكذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الدجال لا يدخل مكة والمدينة وإن ابن صياد قد وُلد بالمدينة والآن ذاهب إلى مكة وقد رد بعض العلماء على استدلاله هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أخبر أحوال الدجال عند خروجه المعهود وأنه لا يكون له ولد في ذلك الزمان ولا يستطيع أن يدخل مكة والمدينة حينئذ فلا ينافي أن يكون له ولد في ابتداء حياته ولا أن يدخل الحرمين قبل خروجه المعهود ولكن يرد التأويل الأول ما سيأتي في رواية الجريري هو عقيم لا يولد ولكن لينظر فيه لأنه من رواية ابن صياد نفسه. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري هذا - رضي الله عنه - فقال: 7176 - (. .) (. .) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (ومحمد بن عبد الأعلى) السامي البصري (قالا حدثنا معتمر) بن سليمان (قال سمعت أبي) سليمان حالة كونه (يحدّث عن أبي نضرة) المنذر بن مالك (عن أبي سعيد الخدري)

قَال. قَال لِيَ ابْنُ صَائِدٍ، وَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ: هَذَا عَذَرْتُ النَّاسَ. مَا لِي وَلَكُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ؟ أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّهُ يَهُودِيٌّ" وَقَدْ أَسْلَمْتُ قَال: "وَلَا يُولَدُ لَهُ" وَقَدْ وُلِدَ لِي. وَقَال: "إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيهِ مَكَّةَ" وَقَدْ حَجَجْتُ. قَال: فَمَا زَال حَتَّى كَادَ أَنْ يَأْخُذَ فِيَّ قَوْلُهُ. قَال: فَقَال لَهُ: أَمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سليمان لداود بن أبي هند (قال) أبو سعيد (قال لي ابن صائد) وقوله (و) الحال أنَّه قد (أخذتني منه) أي من صحبة ابن صياد والمشي معه (ذمامة) أي استحياء وإشفاق من لوم الناس وذمهم لي على مشيي معه، جملة حالية من الياء في قوله لي لأنها من كلام أبي سعيد، وقوله (هذا) مفعول لمحذوف تقديره افهم مني ما سأذكره لك أو مبتدأ خبره محذوف تقديره هذا الآتي ما سأذكره لك ويسمى هذا عند البيانيين تخلصًا أو اقتضابًا وهو الانتقال من أسلوب من الكلام إلى آخر. والحاصل أني خشيت أن يلحقني عار أو لوم من الناس من مصاحبتي لابن صياد، افهم هذا الذي سأذكره لك وهو قوله (عذرت الناس) أي جعلت عامة الناس معذورين فيما يقولون في من أني دجال يأتي في آخر الزمان لأن عوامهم لا علم عندهم بحقيقة الدجال ولكن (ما لي ولكم يا أصحاب محمد) أي وأي شيء ثبت لكم في قولكم في إنه دجال، والحال أنكم تعرفون العلامات التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدجال وأنها لا توجد في فكيف تشكون في هذا الأمر أي في أني لست بدجال (ألم يقل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إنه) أي إن الدجال الذي يأتي في آخر الزمان (يهودي و) أنا (قد أسلمت) فلست بيهودي (قال) نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الدجال (ولا يُولد له و) أنا (قد وُلد لي) ولد فلست بدجال (وقال) نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الدجال (إن الله) عزَّ وجلَّ (قد حرّم عليه) أي على الدجال (مكة) أي دخولها (و) أنا (قد) دخلت مكة حين (حججت) فلست بدجال (قال) أبو سعيد (فما زال) ابن صياد يكرر عليّ الكلام (حتى كاد) وقرب (أن يأخذ) ويؤثر (في) بتشديد الياء أي أن يؤثر في قلبي (قوله) أي كلامه بتصديقه فيما يقول من نفي كونه دجالًا (قال) أبو سعيد (فقال له) أي فقال لي ابن صياد ففي الكلام التفات من التكلم إلى الغيبة (أما) أي انتبه واستمع ما

وَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ الآنَ حَيثُ هُوَ وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَال: وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَال: فَقَال: لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ. 7177 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ أقول لك يا أبا سعيد وهو قوله ولكن (والله إني لأعلم الآن) أي في هذا الزمن الحاضر (حيث هو) أي المكان الذي هو فيه أي الدجال الذي سيأتي في آخر الزمان (وأعرف) أيضًا (أباه وأمه، قال) أبو سعيد (وقيل له) أي لابن صياد في تلك المحاورة ولم أر من ذكر اسم هذا القائل (أيسرك) ويبشرك يا ابن صياد (أنك ذلك الرجل) أي كونك ذلك الدجال (قال) أبو سعيد (فقال) ابن صياد (لو عُرض علي) ذلك الدجال وظهر لي (ما كرهتـ) ــه ولا أنكرته. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: إن هذه الأشياء اتفقت له بعد أن كبر وبعد موته - صلى الله عليه وسلم - وأنه حج البيت وحفظ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكره الطبري وغيره في عداد الصحابة لكن ظهرت منه في هذه الأحاديث أمور بعضها كفر كقوله لو عُرض عليّ ما كرهت فإن من رضي لنفسه دعوى الألوهية وحالة الدجال فهو كافر، وبعضها يشعر أنه الدجال كقوله إني أعرفه وأعرف مولده وأين هو، زاد الترمذي وأين هو الساعة من الأرض فإن هذه كالنص على أنه هو وما لبس به من أنه أسلم فقد يكفر فيما يستقبل أو يكون إسلامه تقية وهو منافق اهـ من الأبي. قوله (حتى كاد أن يأخذ فيّ) بتشديد ياء فيّ و (قوله) مرفوعٌ على الفاعلية لقوله يأخذ أي يؤثر في قوله وأصدقه في دعواه. قوله (لو عرض عليّ ما كرهت) يعني لو عرض عليّ أن أكون الدجال المعهود لا أكره ذلك وإن قوله هذا مما جعل القاضي عياضًا رحمه الله يستيقن أنه لم يكن مسلمًا فإن من يرضى لنفسه أن يكون دجالًا لا يستحق أن يُسمى مسلمًا. وقوله (لو عرض عليّ) قال في المرقاة بصيغة المجهول أي لو عُرض عليّ ما جُبل في الدجال من الإغواء والخديعة والتلبيس (ما كرهت) أي بل أقبله ولا أرده. والحاصل رضي بكونه الدجال وهذا دليل واضح على كفره كذا ذكره المظهر وغيره من الشراح اهـ منه. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد هذا - رضي الله عنه - فقال: 7177 - (. .) (. .) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سالم بن نوح) بن أبي عطاء

أَخْبَرَنِي الْجُرَيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَال: خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ. قَال: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ. فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيهِ. قَال: وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي. فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَو وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ. قَال: فَفَعَلَ. قَال: فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ. فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ. فَقَال: اشْرَبْ. أَبَا سَعِيدٍ. فَقُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ العطار البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرني) سعيد بن إياس (الجريري) البصري، ثقة، من (5) (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الجريري لداود بن أبي هند وسليمان التيمي (قال) أبو سيعد (خرجنا) من المدينة حالة كوننا (حجاجًا) أي محرمين بالحج (أو) قال أبو سعيد حالة كوننا (عُمّارًا) بضم العين المهملة وتشديد الميم جمع عامر بمعنى معتمر، والشك من أبي نضرة أو ممن دونه (ومعنا ابن صائد قال) أبو سعيد (فنزلنا منزلًا) في الطريق للاستراحة (فتفرّق الناس) أي رفقتنا في الأشجار طلبًا لظلها، قال أبو سعيد (وبقيت أنا وهو) أي ابن صائد في ذلك المنزل (فاستوحشت) أنا (منه) أي من ابن صائد أي كنت مستوحشًا مقشعرًا من الجلوس معه (وحشة شديدة) أي كرهت الجلوس معه (مما يقال عليه) ويُنسب إليه من أنه الدجال أي استوحشت منه لأجل ما يقول الناس فيه (قال) أبو سعيد (وجاء) ابن صائد (بمتاعه فوضعه) أي فوضع متاعه (مع متاعي، فقلت) له (إن الحر شديد فلو وضعته) أي وضعت متاعك (تحت تلك الشجرة) مشيرًا له شجرة قريبة لكان أولى للأمتعة فلو شرطية جوابها محذوف أو هي للتمني فلا جواب لها أي ليت وضعها تحت تلك الشجرة، وأراد أبو سعيد بقوله (فلو وضعته تحت تلك الشجرة) أن لا يختلط متاعه بمتاعه ولكنه اعتذر بأن الحر شديد وأن اجتماع الأمتعة في مكان واحد ربما يمنع الهواء فيزيد في الحر (قال) أبو سعيد (ففعل) ابن صائد ما أمرته به من وضع متاعه تحت شجرة أخرى (قال) أبو سعيد (فرُفعت) أي كشفت وظهرت (لنا) أي لي وله ولرفقتنا (غنم فانطلق) أي ذهب ابن صائد إلى الغنم (فجاء) إليّ (بعُس) أي بقدح لبن من تلك الغنم، والعُس بضم العين المهملة والسين المهملة المشددة القدح الكبير أي جاء به وفيه لبن ليسقيني ذلك اللبن (فقال) لي ابن صائد (اشرب) يا (أبا سعيد) من هذا اللبن، قال أبو سعيد (فقلت) لابن صائد

إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ. مَا بِي إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ - أَوْ قَال: آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَال: أَبَا سَعِيدٍ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِيَ النَّاسُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ خَفِيَ عَلَيهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَا خَفِيَ عَلَيكُمْ، مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؟ أَلَيسَ قَد قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "هُوَ كَافِرٌ" وَأَنَا مُسْلِمٌ؟ أَوَ لَيسَ قَدْ قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "هُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ" وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ؟ أَوَ لَيسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتذارًا عن رد اللبن عليه (إن الحر شديد واللبن حار) فأكره اجتماع حرارتين عليّ لأنه مضر أي فقلت له ذلك والحال أنه (ما بي) أي ما لي عذر في الرد عليه (إلا أني أكره) أي إلا كراهتي (أن أشرب) ذلك اللبن آخذًا (عن يده) أي يد ابن صائد لما يقال عليه من أنه الدجال (أو قال) أبو سعيد إلا أني أكره (أن آخذ) اللبن (عن يده) فأشربه، والشك من أبي نضرة أو ممن دونه (فقال) لي ابن صائد يا (أبا سعيد) والله (لقد هممت) وقصدت الآن (أن آخذ حبلًا) من الحبال (فأعلقه) أي فأعلق ذلك الحبل وأربطه (بشجرة) من الأشجار (ثمَّ أختنق) أي أربط ذلك الحبل بعنقي فأموت خنقًا (مما يقول لي الناس) أي لأجل قول الناس لي إنه الدجال كأنه فهم من استنكاف أبي سعيد أنه إنما لا يريد أن يشرب لبنًا من يده لزعمه أنه الدجال فذكر لأبي سعيد أنه في ضيق شديد مما يقول فيه الناس فربما يهمّ بأن يقتل نفسه بالاختناق ثم قال ابن صائد (يا أبا سعيد من خفي) أي من الذي خفي (عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) مثل (ما خفي عليكم) يا (معشر الأنصار) فالاستفهام فيه للإنكار بمعنى النفي أي ليس في المسلمين من خفي عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل خفائه عليكم يا معشر الأنصار (ألست) أنت يا أبا سعيد (من أعلم الناس) أي من أكثر الناس علمًا (بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فيكف تشك في إسلامي (أليس) الشأن (قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -هو) أي الدجال الذي يأتي في آخر الزمان (كافر و) الحال (أنا مسلم) فكيف تتهموني بالدجال (أو ليس) الشأن (قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -هو) أي الدجال الذي يأتي في آخر الزمان (عقيم) أي عاقر (لا يُولد له) ولد (و) أما أنا فـ (قد) وُلد لي ولد و (تركت ولدي بالمدينة أو ليس)

قَدْ قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ" وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ؟ قَال أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ. ثُمَّ قَال: أَمَا، وَاللهِ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَينَ هُوَ الآنَ. قَال: قُلْتُ لَهُ: تَبًّا لَكَ، سَائِرَ الْيَوْمِ. 7178 - (2907) (74) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ الشأن (قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هو أي الدجال (لا يدخل المدينة ولا مكة و) أما أنا فـ (قد) ولدت و (أقبلت من المدينة) أي فقد وُلدت في المدينة وأقبلت منها الآن (وأنا أريد مكة) أي دخولها للحج أو للعمرة فأوصاف الدجال منفية عني فكيف تتهموني بكوني دجالًا (قال أبو سعيد الخدري) وقد كرر عليّ ابن صائد كلامه (حتى كدت) وقربت (أن أعذره) أي أن أقبل اعتذاره عما يقول فيه الناس وأصدّقه فيما يقول (ثم) بعدما ذكر لي أولًا (قال) ابن صائد (أما) أي انتبه يا أبا سعيد واسمع مني ما أقول لك يعني قوله (والله إني لأعرفه) أي لأعرف الدجال الذي يأتي في آخر الزمان (وأعرف مولده) أي مكان ولادته (وأين هو الآن) أي في هذا الزمن الحاضر (قال) أبو سعيد (قلت له) أي لابن صائد (تبًا لك) أي خسرانًا وهلاكًا لك (سائر اليوم) أي في باقي اليوم فهو منصوب بفعل محذوف وجوبًا لنيابته عنه تقديره تب الله لك تبًا أي قطع الله لك قطعًا عن كل خير في سائر أيامك، قال الطبري: أي خسارًا لك دائمًا لأن اليوم يراد به الزمان، وتبًا منصوب بفعل لا يظهر أي لقيت تبًا أي خسرانًا اهـ أبي وفي المصباح تبًا له أي هلاكًا له. ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - فقال: 7178 - (2907) (74) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة حارة في البصرة أبو عمر الأزدي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا بشر يعني ابن مفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه

عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لابْنِ صَائِدٍ: "مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟ " قَال: دَرْمَكَةٌ بَيضَاءُ، مِسْكٌ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَال: "صَدَقْتَ". 7179 - (. .) (. .) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ؟ فَقَال: "دَرْمَكَةٌ بَيضَاءُ، مِسْكٌ خَالِصٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ في (13) بابًا (عن أبي مسلمة) سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي نضرة) المنذر بن مالك (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري المدني وهذا السند من خماسياته (قال) أبو سعيد (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لابن صائد ما تربة الجنة) أي ما لونها وما رائحتها (قال) ابن صائد تربتها (در مكة) أي دقيقة (بيضاء) رائحتها (مسك يا أبا القاسم، قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (صدقت) يا ابن صائد فيما أخبرت أي كالمسك يعني أنها في اللون كالدقيق الأبيض وفي الرائحة كالمسك الأذفر، قال النووي: معناه أنها في البياض كالدر مكة وفي طيب الرائحة كالمسك والدر مسك بوزن جعفر هو الدقيق الحواري الخالص البياض اهـ. قال النووي: وذكر مسلم في هذا الحديث روايتين الأولى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ابن صائد عن تربة الجنة، والثانية أن ابن صائد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم-، قال القاضي: قال بعض أهل النظر: الرواية الثانية أظهر وأليق بجنابه - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم ولكنه شاركه أحمد [3/ 43]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7179 - (. .) (. .) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن) سعيد بن إياس (الجريري) البصري (عن أبي نضرة عن أبي سعيد) الخدري. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الجريري لأبي مسلمة (أن ابن صياد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تربة الجنة فقال) له النبي - صلى الله عليه وسلم - تربة الجنة (در مكة بيضاء مسك خالص).

7180 - (2908) (75) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَال: رَأَيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَحْلِفُ بِاللهِ؛ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ الدَّجَّالُ. فَقُلْتُ: أَتَحْلِفُ بِاللهِ؟ قَال: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. 7181 - (2909) (76) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث ابن مسعود بحديث جابر - رضي الله عنهما - فقال: 7180 - (2908) (75) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ (العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (5) (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا القرشي التيمي، ثقة، من (3) (قال رأيت جابر بن عبد الله) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته أي سمعت جابرًا (يحلف بالله) على (أن ابن صائد) هو (الدجال) الذي يخرج في آخر الزمان، قال ابن المنكدر (فقلت) لجابر (أتحلف بالله) على أنَّه الدجال فهل لك حجة على ذلك (قال) جابر نعم (إني سمعت عمر) بن الخطاب - رضي الله عنه - (يحلف على ذلك) أي على أن ابن صائد هو الدجال المنتظر (عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكره) أي فلم ينكر على عمر (النبي - صلى الله عليه وسلم -) حلفه على ذلك. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاعتصام [7355]، وأبو داود في الملاحم باب في خبر ابن صائد [4331]. استدل بعض العلماء بهذا الحديث على ابن صياد هو الدجال لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على عمر - رضي الله عنه - في حلفه وكذلك ورد عن جمع من الصحابة الجزم بكونه دجالًا. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث ابن مسعود بحديث ابن عمر - رضي الله عنهم - فقال: 7181 - (2909) (76) (حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن

عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالةَ. وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صيَّادٍ، يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ. فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لابْنِ صَيَّادٍ: "أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ " فَنَظَرَ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمران التجيبي) المصري، ثقة، من (10) (أخبرني) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري، ثقة، من (9) (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله) بن عمر (أخبره) أي أخبر سالم لابن شهاب (أن عبد الله بن عمر أخبره) أي أخبر سالمًا (أن عمر بن الخطاب انطلق) أي ذهب (مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رهط) أي حالة كون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع رهط أي مع جماعة من أصحابه (قِبل ابن صياد) أي جهته. وهذا السند من سباعياته (حتى وجده) أي فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن صياد (يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة) والأطم بضم الهمزة والطاء بناء بالحجارة كالحصن، وقيل هو الحصن وجمعه آطام، وبنو مغالة بفتح الميم وتخفيف العين بطن من الأنصار، وفي القسطلاني: الأطم بناء مرتفع ومغالة بطن من الأنصار أو حي من قضاعة، وذكر الزبير بن أبي بكر أن كل ما كان عن يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو لبني مغالة ومسجده - صلى الله عليه وسلم - في بني مغالة وما كان على يسارك فلبني جديلة كذا في عمدة القاري [4/ 189] والبلاط موضع مبلّط كان في شرقي المسجد وغربيه وشماله كما في وفاء الوفاء للسمهودي [1/ 737] ولعل المقصود في قول الزبير البلاط الغربي لأنه كان يسمى البلاط الأعظم وعليه فتكون أطم بني مغالة على يمين منه في جهة قباء، قال النووي: وذكر مسلم في رواية الحسن الحلواني التي بعد هذه أنه أطم بني معاوية، قال العلماء: المشهور المعروف هو ما في هذه الرواية يعني بني مغالة بالغين المعجمة وباللام (وقد قارب ابن صياد يومئذ) أي يوم إذ رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - (الحُلم) أي الاحتلام والبلوغ (فلم يشعر) أي لم يعلم ابن صياد حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - (حتى ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظهره بيده) الشريفة من ورائه (ثمَّ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن صياد أتشهد) يا غلام (أني رسول الله، فنظر إليه) - صلى الله

ابْنُ صَيَّادٍ فَقَال: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَال ابْنُ صَيَّادٍ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَرَفَضَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَقَال: "آمَنْتُ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ". ثُمَّ قَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَاذَا تَرَى؟ " قَال ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "خُلِّطَ عَلَيكَ الأَمْرُ". ثُمَّ قَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم (ابن صياد فقال) ابن صياد للنبي - صلى الله عليه وسلم - (أشهد أنك رسول الأميين) قال بعض الشافعية يريد العرب لأنها أكثرهم كان لا يكتب اهـ سنوسي (فقال ابن صياد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتشهد) يا محمَّد (أني رسول الله فرفضه رسول الله) أي ترك سؤاله الإِسلام وأعرض عنه ليأسه عن إسلامه حينئذ (وقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (آمنت بالله وبرسله) وأنت لست برسول، قال الكرماني: فإن قلت كيف طابق قوله آمنت بالله وبرسله جواب استفهام ابن صياد وأجاب بأنه لما أراد أن يُظهر للقوم حاله أرخى العنان حتى يبينه عند المغترّ به فلهذا قال آخرًا اخسأ اهـ، وقيل يحتمل أراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعوى النبوة ولما كان ذلك هو المراد أجابه بجواب منصف فقال آمنت بالله ورسله اهـ قسطلاني. قوله (فرفضه) كذا وقع عند الصدفي بضاد معجمة، قال القاضي: وهو وهم (قلت) ويحتمل أن يقال ليس بوهم ويكون معناه من الرفض وهو الرمي وكأنه أعرض عنه ولم يلتفت إليه لما سمع منه ما سمع فعل المغضب، وأبعد من هذه ما وقع في البخاري من رواية المروزي فرقصه بالقاف والصاد المهملة، وفي حديث كتاب الأدب من البخاري (فرضّه) بالضاد المعجمة من الرضّ، وقال بعضهم فيه (فرصّه) بالصاد المهملة أي ضغطه وهو من الرصّ بمعنى ضم بعض الشيء إلى بعض ومنه {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] ومعناه حينئذ ضغطه اهـ من المفهم. (ثم) شرع في سؤاله عما يرى فـ (قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماذا ترى) من كهانتك (قال ابن صياد يأتيني) خبر (صادق) أي موافق للواقع (و) خبر (كاذب) أي لا يوافق الواقع (فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خُلّط عليك الأمر) أي أمر كهانتك من الكذب والصدق، قال القاضي يريد أن ما يأتيك به شيطانك غير منضبط بخلاف ما يأتي به الملك من الوحي (ثم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني

قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا" فَقَال ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "اخْسَأْ. فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ" فَقَال عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: ذَرْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ، أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قد خبأت) وسترت في قلبي أو في يدي أو في كمي (لك) أي لأجل اختبارك هل تعرفه أم لا (خبيئًا) أي شيئًا مستورًا فأخبرني عنه إن كنت تعرف المغيبات (فقال ابن صياد هو) أي ذلك الخبيئ (الدخ) بضم الدال والخاء المشددة المضمومة، قال القسطلاني: فأدرك البعض على عادة الكهان في اختطاف بعض الشيء من الشياطين من غير وقوف على تمام البيان (فإن قلت) كيف اطلع ابن صياد أو شيطانه على ما في الضمير؟ أُجيب باحتمال أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدّث مع نفسه أو أصحابه بذلك فاسترق الشيطان ذلك أو بعضه (فإن قلت) ما وجه التخصيص بإخفاء هذه الآية أجاب أبو موسى المديني بأنه أشار بذلك إلى أن عيسى ابن مريم - عليه السلام - يقتل الدجال بجبل الدخان فأراد التعريض لابن صياد بذلك اهـ منه (فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اخسأ) أي اسكت ذليلًا حقيرًا (فلن تعدو) أي لن تجاوز (قدرك) ودرجتك التي هي درجة الكهانة إلى درجة النبوة التي تدعيها (فقال عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - (ذرني) أي دعني (يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضرب عنقه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي لعمر (إن يكنه) أي إن ابن صياد ذلك الدجال المنتظر (فلن تسلط) وتمكن وتقدر (عليه) أي على قتله لأن قاتله عيسى بن مريم (وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله) لأنه ربما يتوب ويؤمن بالله تعالى. وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (إن يكنه فلن تسلط عليه) هذا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتضح له شيء من أمر كونه هو الدجال أم لا وليس هذا نقصًا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لم يكن يعلم إلا ما علمه الله وهذا مما لم يعلمه الله تعالى به ولا هو مما ترهق إلى علمه حاجة لا شرعية ولا عادية ولا مصلحية ولعل الله تعالى قد علم في إخفائه مصلحة فأخفاه والذي يجب الإيمان به أنه لا بد من خروج الدجال يدعي الإلهية وأنه كذاب أعور كما جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي قد حصلت لمن عاناها العلم القطعي بذلك.

وَقَال سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ. حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَ، طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ. وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيئًا، قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ. فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله) أي لأنه صبي حينئذ وقيل لأنه كان لقومه عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عاهد يهود المدينة أو لأنه من حلفاء بني النجار كما سبق وهذا الضمير المتصل في يكنه هو خبرها وقد وضع موضع المنفصل واسمها مستتر فيها ونحوه قول أبي الأسود الدؤلي: خ الخمر تشربها الغواة فإنني ... رأيت أخاها مجزيًا بمكانها فإن لا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها أي فإن لا يكن هو إياها أو تكن هي إياه. (وقال سالم بن عبد الله) بن عمر (سمعت عبد الله بن عمر) - رضي الله عنه - (يقول) وهذه قصة ثانية وقعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ابن صياد وهو موصولة بالإسناد المذكور في القصة السابقة وقد أفردها أحمد عن عبد الرزاق كذا في فتح الباري [6/ 174] (انطلق) أي ذهب (بعد ذلك) اليوم الذي وجد فيه ابن صياد يلعب مع الصبيان (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأُبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد) فوصلوا إليها (حتى إذا دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النخل طفق) أي شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - (يتقي) أي يختفي ويستتر عن ابن صياد (بجذوع النخل) وأصولها (وهو) أي والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - (يختل) بكسر التاء أي يخدع ويستغفل ابن صياد لأجل (أن يسمع من ابن صياد شيئًا) من كلامه (قبل أن يراه ابن صياد) والختل طلب الشيء بحيلة والمعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخدع ابن صياد ويستغفله ليسمع شيئًا من كلامه ويعلم هو وأصحابه حاله من أنَّه كاهن أم ساحر أو نحوهما وفيه كشف أحوال من تخاف مفسدته وفيه كشف الإمام الأمور المهمة بنفسه اهـ نووي (فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو) أي والحال أن ابن صياد (مضطجع على فراش) له

فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ. فَقَالتْ لابْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ، (وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ)، هَذَا مُحَمَّدٌ. فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ". قَال سَالِمٌ: قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مغطيًا (في قطيفة) أي في كساء مخمل (له) أي لابن صياد (فيها) أي في تلك القطيفة (زمزمة) أي صوت خفي لا يكاد يُفهم أو لا يُفهم، والقطيفة كساء له خمل أي هدب، قوله (زمزمة) يقال زمزم يزمزم زمزمة من باب زلزل إذا صوت وقيل في شأن ماء زمزم سميت به لصوت كان من جبريل عندها يشبه الزمزمة، وذكر النووي أن هذا اللفظ وقع في أكثر نسخ مسلم بزايين معجمتين (زمزمة) ووقع في بعضها برائين مهملتين (رمرمة) ووقع في البخاري بالوجهين والرمرمة برائين الحركة (فرأت أم ابن صياد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو) أي والحال أنه - صلى الله عليه وسلم - (يتقي) أي يستتر (بجذوع النخل) وأصولها (فقالت) أمه ونادته (لابن صياد يا صاف وهو اسم ابن صياد) وهو منادى مرخم صافي بالضم على لغة من لا ينتظر وبالكسر على لغة من ينتظر (هذا محمد) يختلك (فثار ابن صياد) أي نهض من مضجعه ووثب وقام بسرعة، وفي رواية للبخاري في الشهادات (فتناهى ابن صياد) أي أمسك عما كان يقوله (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو تركته) أمه على حاله أي لو لم تخبره أمه ولم تعلمه بمجيئنا لـ (بين) لنا من حاله ما نعرف به حقيقة أمره وهذا يقتضي الاعتماد على سماع الكلام وإن كان السامع محتجبًا عن المتكلم إذا عرف صوته اهـ، قال الطبري: أي كان يعبّر عن حاله في نومه هل هو الدجال أم لا. وقد يشكل هذا مع قوله - صلى الله عليه وسلم - رفع القلم عن ثلاثة فذكر النائم حتى ينتبه والإجماع على أن النائم لا يؤاخذ بما صدر منه من قول أو غيره. ويجاب بأن هذا ليس من باب المؤاخذة وإنما هو من باب النظر في قرائن الأحوال فإن النائم الغالب عليه أنه يتكلم في نومه بما يكون له وعليه في حال اليقظة فلعله - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر أن يخرج منه في حال نومه ما يدل على حاله دلالة خاصة اهـ. و(قال سالم) بن عبد الله أيضًا بالسند السابق (قال) لنا (عبد الله بن عمر) - رضي الله عنهما - (فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) خطيبًا (في الناس فأثنى على الله بما هو

أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّال فَقَال: "إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ. مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ. لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ. وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ. تَعَلَّمُوا أَنَّهُ أَعْوَرُ. وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى لَيسَ بِأَعْوَرَ". قَال ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ؛ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال، يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّال: "إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أهله ثم ذكر) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الدجال) الذي يأتي في آخر الزمان (فقال إني لأنذركموه) أي لأنذركم من فتنته وأخوفكم عنها (ما من نبي) من الأنبياء (إلا وقد أنذره) أي أنذر وخوّف منه (قومه) أي أمته لشدة فتنته، قال الأبي: إنما أنذروه قومهم لعظم فتنته بما يظهر على يديه من الفتن ولما لم يتعين لواحد منهم زمن خروجه توقع كل منهم أن يخرج في زمن أمته فبالغ في التحذير منه فيجب الإيمان بخروجه والعزم على معاداته لو أدركه وصدق اللجأ إلى الله تعالى في الحفظ منه اهـ (لقد أنذره) أي أنذر وخوّف منه (نوح) - عليه السلام - (قومه) مع أنهم في أوائل الزمان (ولكن أقول لكم) أيتها الأمة (فيه) أي في الدجال أي في الإنذار منه (قولًا لم يقله نبي) من الأنبياء في إنذاره (لقومه) وذلك قولي هذا (تعلموا) قال النووي: اتفق الرواة على ضبطه بفتح العين واللام المشددة ومعناه اعلموا وتحققوا وأيقنوا يقال تعلم بفتح اللام المشددة بمعنى اعلم، وقال ذلك تنبيهًا على صفاته الدالة على الحدوث والنقص المنزه عنها الخالق تعالى وإنما هو تنبيه للعقول القاصرة لأن من عجز عن إزالة نقصه فهو عن غيره أعجز فلا يصلح للألوهية اهـ من الأبي، أي اعلموا وانتبهوا (أنه) أي أن الدجال الفتّان (أعور) إحدى عينيه اليمنى أو اليسرى على الخلاف المذكور فيه (وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور) وسيأتي تفصيل علامات الدجال في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى (قال ابن شهاب) بالسند السابق أخبرني غير عمر بن ثابت (وأخبرني) أيضًا (عمر بن ثابت الأنصاري) الخزرجي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الصوم والفتن (أنه) أي أن عمر (أخبره بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والجهالة في الصحابة لا تضر في السند (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حذر) وخوّف (الناس الدجال) أي فتنته (إنه) أي إن الشأن والحال (مكتوب بين عينيه كافر) أي حروف هذه الكلمة هكذا "كـ فـ ر" كما

يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ". وَقَال: "تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ سيأتي عن المؤلف في الباب التالي (يقرؤه) أي يقرأ ذلك المكتوب ويعرف قراءته (من كره عمله) وكذّبه (أو) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (يقرؤه كل مؤمن) بالله وكافر به، وزاد أبو أمامة عند ابن ماجه يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهذا إخبار بالحقيقة لأن الإدراك في البصر يخلقه الله تعالى للعبد كيف شاء ومتى شاء فهذا يراه المؤمن. بعين بصره ولو كان لا يعرف الكتابة ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة اهـ قسطلاني (وقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تعلموا) أي اعلموا (أنه لن يرى أحد منكم ربه عزَّ وجلَّ حتى يموت) وهذا نص جلي في أن الله تعالى لا يُرى في هذه الدار وهو موافق لقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] أي في الدنيا ولقوله تعالى لموسى - عليه السلام - {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] أي في الدنيا ولقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا} [الشورى: 51] وحاصل هذا أن الصادق قد أخبر أن الله تعالى لا يراه أحد في الدنيا والدجال يراه الناس فليس بإله اهـ مفهم، وقد زاد النبي - صلى الله عليه وسلم - إيضاحًا لم يذكره أحد غيره من الأنبياء في وصف هذا الخبيث من ثلاثة أوجه: أحدها بقوله: "ولكن أقول لكم فيه قولاٌ لم يقله نبي من الأنبياء لأمته إنه أعور وإن الله ليس بأعور" وهذا تنبيه للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصًا في ذاته عاجزًا عن إزالة نقصه لم يصلح لأن يكون إلهًا لعجزه وضعفه ومن كان عاجزًا عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره وعن مضرته، وثانيها قوله: "إنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب" وهذا أمر مشاهد للحس يشهد بكذبه وكفره. وثالثها قوله: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت" اهـ من المفهم بتصرف، والسر في تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - ببيان ذلك لأن الدجال إنما يخرج في أمته دون غيرها من الأمم وإنما خص نوحًا بالذكر لأنه مقدم المشاهير من الأنبياء كما خُصّ بالتقديم في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في كتاب الفتن ذكر الدجال [7127]، وأبو داود في الملاحم باب في خبر ابن صائد [4329]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في علامة الدجال [2235]، وأحمد [2/ 148]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال:

7182 - (. .) (. .) حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَال: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. حَتَّى وَجَدَ ابْنَ صَيَّادٍ غُلامًا قَدْ نَاهَزَ الْحُلُمَ. يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مُعَاويَةَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ. إِلَى مُنْتَهَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ يَعْقُوبَ، قَال: قَال أُبَيٌّ، (يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ)، قَال: لَوْ تَرَكَتْهُ أُمُّهُ، بَيَّنَ أَمْرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7182 - (. .) (. .) (حدثنا الحسن بن علي الحلواني) الهذلي المكي أبو علي الخلال، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قالا حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) (عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح ليونس بن يزيد (قال) ابن عمر (انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) إلى ابن صياد (ومعه) - صلى الله عليه وسلم - (رهط من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب حتى وجد) - صلى الله عليه وسلم - (ابن صياد غلامًا قد ناهز) وقارب (الحلم) أي البلوغ حالة كونه (يلعب مع الغلمان عند أطم) وحصن (بني معاوية) بالعين المهملة وبالواو وبالياء التحتانية. هذا بظاهره معارض لما تقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ابن صياد عند أطم بني مغالة وبنو معاوية هم بنو جديلة وكانوا في جهة مخالفة لبني مغالة كما تقدم عن عمدة القاري، وذكر النووي عن العلماء أن المشهور في حديث الباب أطم بني مغالة دون بني معاوية (وساق) صالح بن كيسان (الحديث) السابق (بمثل حديث يونس إلى منتهى) وآخر (حديث عمر بن ثابت) الأنصاري (و) لكن (في الحديث) والرواية (عن يعقوب) بن إبراهيم الزهري (قال) ابن عمر (قال أُبي) بن كعب (في قوله) أي بدل قوله أولًا (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو تركته بيّن، قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لو تركته أمه بيَّن أمره).

7183 - (. .) (. .) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِابْنِ صَيَّادٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أصْحَابِهِ. فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالةَ. وَهُوَ غُلامٌ، بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ وَصَالِحٍ. غَيرَ أَنَّ عَبْدَ بْنَ حُمَيدٍ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، فِي انْطِلاقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، إِلَى النَّخْلِ. 7184 - (2910) (77) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَال: لَقِيَ ابْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 7183 - (. .) (. .) (وحدثنا عبد بن حميد وسلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس وصالح بن كيسان (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بابن صياد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - ووقع في حديث جابر "ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعمر ونفر من المهاجرين والأنصار وأنا معهم" ولأحمد من حديث أبي الطفيل أنه حضر ذلك أيضًا كذا في فتح الباري [6/ 174] (وهو) أي والحال أن ابن صياد (يلعب مع الغلمان) أي مع الصبيان (عند أطم بني مغالة وهو) أي ابن صياد (غلام) أي صبي غير بالغ. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس وصالح، وساق معمر (بمعنى حديث يونس وصالح غير أن) أي لكن أن (عبد بن حميد لم يذكر حديث ابن عمر في انطلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أُبي بن كعب إلى النخل). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث ابن مسعود بحديث حفصة بنت عمر أم المؤمنين - رضي الله عنهم - فقال: 7184 - (2910) (77) (حدثنا عبد بن حميد حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا هشام) بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة، من (6) (عن أيوب) السختياني (عن نافع قال) نافع (لقي ابن

عُمَرَ ابْنَ صَائِدٍ فِي بعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ. فَقَال لَهُ قَوْلًا أَغْضَبَهُ. فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ. فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا. فَقَالتْ لَهُ: رَحِمكَ اللهُ، مَا أَرَدْتَ مِنِ ابْنِ صَائِدٍ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا"؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة فقال) ابن عمر (له) أي لابن صائد (قولًا) أي كلامًا (أغضبه) أي أغضب ابن صائد، وفي رواية حماد بن سلمة عن أيوب عند أحمد (فسبه ابن عمر ووقع فيه) أي وقع ابن عمر في عرضه، وسيأتي تفصيله في الرواية الآتية (فانتفخ) ابن صائد أي كبر حجمه من غضبه (حتى ملأ) ابن صائد بجسمه (السكة) أي الزقاق والسكة بكسر السين وفتح الكاف المشددة الطريق بين الدور يُجمع على سكك، قال أبو عبيد أصل السكة الطريق المصطفة بالنخل، قال: وسميت الأزقة سككًا لاصطفاف الدّور فيها اهـ نووي، وقال القرطبي: يعني أن ابن عمر قال لابن صياد قولًا غضب ابن صياد لأجله فانتفخ ابن صياد حتى ملأ السكة وهي الطريق وهذا الانتفاخ محمول على حقيقته وظاهره ويكون هذا أمرًا خارقًا للعادة في حق ابن صياد ويكون من علامات أنه الدجال لأن هذا موافق لما قالته حفصة رضي الله تعالى عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما يخرج من غضبة غضبها" ويحتمل أيضًا أن يكون ذلك من آثار سحره أو تخييله (فدخل ابن عمر على حفصة) أم المؤمنين - رضي الله عنهم - (وقد بلغها) أي والحال أنه قد بلغ ووصل إلى حفصة خبر ما جرى بين ابن عمر وابن صياد من المشاغبة والمغاضبة (فقالت) حفصة (له) أي لابن عمر (رحمك الله) تعالى يا شقيق نفسي (ما أردت) أي أي شيء قصدت وطلبت (من) المشاغبة مع (ابن صياد) وفي رواية حماد عند أحمد (ما يولعك به) والمعنى لماذا تتعرض له بدون حاجة فإنه كان دجالًا فربما يضرك كلامه وغضبه (أما علمت) يا أُخي (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إنما يخرج) من سجنه في البحر إلى الناس في آخر الزمان (من غضبة) أي لأجل غضبة (يغضبها) يتحلل بها عنه سلاسله. وقوله (يغضبها) ضميره مفعول به وفيه إشعار لشدة غضبه حيث أوقع غضبه على الغضبة وهي المرة من الغضب ويجوز أن يكون مفعولًا مطلقًا على قول من يجوز أن يكون ضميرًا اهـ ابن مالك. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن الأئمة الستة ولكنه أخرجه أحمد [6/ 283].

7185 - (. .) (. .) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا حُسَينٌ، (يَعْنِي ابْنَ حَسَنِ بْنِ يَسَارٍ)، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ. قَال: كَانَ نَافِعٌ يَقُولُ: ابْنُ صَيَّادٍ، قَال: قَال ابْنُ عُمَرَ: لَقِيتُهُ مَرَّتَينِ. قَال: فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: هَلْ تَحَدَّثُونَ أَنَّهُ هُوَ؟ قَال: لَا، وَاللهِ. قَال: قُلْتُ: كَذَبْتَنِي، وَاللهِ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُكُمْ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَكُمْ مَالًا وَوَلَدًا، فَكَذَلِكَ هُوَ زَعَمُوا الْيَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حفصة رضي الله تعالى عنها فقال: 7185 - (. .) (. .) (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا حسين يعني ابن حسن بن يسار) النصري مولاهم أي مولى بني نصر بن معاوية أبو عبد الله البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6) (عن نافع) عن ابن عمر عن حفصة - رضي الله عنهم -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن عون لأيوب السختياني (قال) ابن عون (كان نافع يقول ابن صياد) مبتدأ (قال: قال ابن عمر) قال الأول فعل ماضي والثاني توكيد لفظي للأول أو مقحم وابن فاعل لقال الأول، وجملة (لقيته مرتين) مقول لقال الأول، وجملة القول الأول خبر المبتدأ ولكنه خبر سببي، والتقدير قال ابن عون كان نافع يقول ابن صياد قائل فيه ابن عمر لقيته مرتين مرة حاورت فيها مع أصحابه ومرة حاورت فيها معه أي مع ابن صياد كما بينهما بقوله (قال) ابن عمر (فلقيته) أي فلقيت ابن صياد في أول مرة (فقلت لبعضهم) أي لبعض من عند ابن صياد أي قلت لبعض أصحاب ابن صياد، وفي رواية روح عند أحمد فأما مرة فلقيته ومعه بعض أصحابه فقلت لبعضهم (هل تحدّثون) بحذف إحدى التاءين كأنه مضارع تحدّث الخماسي أي قلت لبعض أصحابه هل تتحدثون فيما بينكم (أنه) أي أن ابن صياد (هو) أي رسول، قال ابن عمر (قال) لي ذلك البعض الذي سألته وخاطبت معه (لا والله) لا نتحدث بذلك ولا نقوله ولا نعتقده (قال) ابن عمر فـ (قلت) لذلك البعض الذي قال لا والله (كذبتني) أي أخبرتني بالكذب بقولك لا والله، قال ابن عمر (والله لقد أخبرني بعضكم) أي بعض أصحاب ابن صياد (أنه) أي أن ابن صياد (لن يموت) ابن صياد (حتى يكون أكثركم) أي أكثر أصحابه (مالاُ وولدًا) قوله (فكذلك هو زعموا اليوم) فيه تقديم وتأخير والتقدير فزعموا أنه كان كذلك اليوم أي

قَال: فَتَحَدَّثْنَا ثمَّ فَارَقْتُهُ. قَال: فَلَقِيتُهُ لَقْيَةً أُخْرَى وَقَدْ نَفَرَتْ عَينُهُ. قَال: فَقُلْتُ: مَتَى فَعَلَتْ عَينُكَ مَا أَرَى؟ قَال: لَا أَدْرِي. قَال: قُلْتُ: لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ؟ قَال: إِنْ شَاءَ اللهُ خَلَقَهَا فِي عَصَاكَ هَذِهِ. قَال: فَنَخَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فزعم أصحابه أن ابن صياد كان كذلك أي كان اليوم أكثر أصحابه مالًا وولدًا، ولعل مراده أن مثل هذا القول الجازم لا يقال إلا بالوحي فقولكم هذا يدل على أنكم تزعمون فيه أنه يُوحى إليه، وعبارة القرطبي مثل هذا الخبر لا يتوصل إليه إلا بالنقل ولم يكن عندهم شيء يعتمدونه إلا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مرفوع بالمعنى لا باللفظ فكأنه قال ابن عمر لبعض أصحاب ابن صياد: أخبرني بعضكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالًا وولدًا". (قال) ابن عمر (فتحدثنا) مع بعض أصحابه تلك اللقية أي في المرة الأولى (ثم فارقته) أي فارقت ابن صياد، قال الطبري: ولا يُتوهم أن الخطاب لابن صياد لأنه لم يتكلم معه في هذه اللقية وإنما تكلم معه في المرة الثانية المذكورة بقوله (قال) ابن عمر (فلقيته) أي لقيت ابن صياد (لقية أخرى) أي مرة أخرى، قال القرطبي: كذا وقع (لقية) بضم اللام لأكثرهم والصواب الفتح في اللام من لقية لأنه مرة من اللقاء ولم يحكه ثعلب إلا بضمها (وقد نفرت) بالنون والفاء المفتوحتين أي والحال أنه (قد نفرت) أي ورمت ونتأت أي خرجت وارتفعت (عينه) قال القاري في المرقاة [10/ 227] وكأن الجلد ينفر من اللحم للداء الحادث بينهما، وذكر القاضي عياض في ضبطه وجوهًا، والظاهر أنها كلها تصحيف (قال) ابن عمر (فقلت) لابن صياد (متى فعلت عينك ما أرى) عليها من الورم والنتوء أي متى تورمت عينك ونتأت (قال) ابن صياد لابن عمر (لا أدري) ولا أعلم متى تورمت ونفرت (قال) ابن عمر (قلت) لابن صياد (لا تدري وهي في رأسك) والكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي أفلا تدري ولا تعلم متى تورمت عينك، والحال أنها في رأسك (قال) ابن صياد لابن عمر (إن شاء الله خلقها) أي خلق الله هذه العلة الموجودة في عيني أو خلق الله هذه العين المعيبة (في عصاك) أي بسبب عصاك (هذه) الموجودة في يدك أي خلق الله هذه العلة الموجودة في عيني بسبب ضربك إياها بعصاك هذه الموجودة في يدك، قال في المرقاة: أي خلق هذه العلة أو هذه العين المعيبة في عصاك بحيث لا تدري وهي أقرب شيء إليك اهـ (قال) ابن عمر (فنخر) ابن

كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ. قَال: فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِيَ حَتَّى تَكَسَّرَتْ، وَأَمَّا أَنَا، فَوَاللهِ مَا شَعَرْتُ. قَال: وَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنينَ فَحَدَّثَهَا فَقَالتْ: مَا تُرِيدُ إِلَيهِ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قَال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صياد أي صوت بأنفه وصاح نخيرًا (كأشد نخير حمار سمعتـ) ــه ينخر وقد ضربه ابن عمر بعصًا له حتى انكسرت لشدة موجدته عليه، والنخير صوت الأنف يعني مد النفس في الخيشوم يقال نخر ينخر نخيرًا من بابي ضرب ونصر إذا صوّت بأنفه (قال) ابن عمر (فزعم) أي قال (بعض أصحابي) ورفقتي الذين كانوا معي في ذلك الوقت (أني ضربته) أي ضربت ابن صياد (بعصا كانت معي حتى تكسرت) تلك العصا، قال ابن عمر (وأما أنا فوالله ما شعرت) ولا علمت حين ضربته، وكون ابن عمر لم يشعر بضربه لابن صياد بالعصا حتى تكسرت كان ذلك لشدة موجدته عليه وكأنه تحقق منه أنه الدجال (قال) ابن عمر (وجاء) ابن صياد (حتى دخل على) حفصة (أم المؤمنين) رضي الله تعالى عنها (فحدّثها) أي فحدّث ابن صياد لحفصة خبر ما جرى بيني وبينه (فقالت) لي حفصة (ما تريد إليه) أي أي حاجة تريد منه حتى أوصلتك إلى ضربه (ألم تعلم) يا أخي (أنه قد قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن أول ما يبعثه) أي يبعث الدجال ويخرجه (على الناس) في آخر الزمان (غضب يغضبه) انفكت عنه بسببه سلسلته والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد، والرابع حديث أبي سعيد الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أبي سعيد الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أبي سعيد الرابع ذكره للاستشهاد، والسابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن

766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن 7186 - (2911) (78) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الدَّجَّال بَينَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ فَقَال: "إِنَّ اللهَ تَعَالى لَيسَ بِأَعْوَرَ. أَلا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّال أَعْوَرُ الْعَينِ الْيُمْنَى. كَأَنَّ عَينَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 766 - (10) باب ذكر الدجال وصفته وما معه من الفتن واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة أولًا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: 7186 - (2911) (78) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) (قالا حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (واللفظ له حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر) وهذا السند أيضًا من خماسياته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال) أي ذكر خروج المسيح الدجال لفتنة الناس في آخر الزمان أي ذكره جالسًا (بين ظهراني الناس) أي في وسط الناس للإنذار به وهو بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء أي جالسًا في وسط الناس والمراد أنه جلس بينهم مستظهرًا لا مستخفيًا، وهو مفرد المعنى مثنى اللفظ لأنه مثنى ظهر وزيدت فيه الألف والنون للتأكيد والمبالغة في المعنى (فقال) - صلى الله عليه وسلم - في وصفه (إن الله تعالى ليس بأعور) العين وناقصها ومعيبها وهذا توطئة لما بعده (ألا و) لكن (إن المسيح الدجال) الذي يدعي الألوهية (أعور العين اليمنى) أي ذاهب ضوءها مطموس نورها معيبة ذاتها. وقوله (كأن عينه) المذكورة يعني اليمنى (عنبة طافئة) تفسير لعورها إن قرأناه بالهمز أي كان عينه اليمنى حبة عنب طافئة أي سائل منها ماؤها لأكل الطيور مثلًا، وإن قرأنا بالياء فكلام مؤسس مستقل والمعنى كان عينه الأخرى يعني اليسرى عنبة طافية أي حبة عنب بارزة خارجة من بين أخواتها. قال النووي: قوله عنبة طافية روي بالهمز وتركه وكلاهما صحيح فالمهموز هي التي

7187 - (. .) (. .) حدّثني أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (وَهُوَ ابْنُ زَيدٍ)، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ)، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذهب نورها، وغير المهموز التي نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء وقد سبق في كتاب الإيمان بيان هذا كله وبيان الجمع بين الروايتين في أنه جاء في رواية وأعور العين اليمنى وفي رواية أعور العين اليسرى، وكلاهما صحيح، والعور في اللغة العيب وعيناه معيبتان عوراوان وأن إحداهما طافئة بالهمز لا ضوء فيها والأخرى طافية بلا همز ظاهرة ناتئة اهـ نووي. ثم إنه وقع في هذا الحديث أن العوراء هي عين الدجال اليمنى، ووقع في حديث حذيفة الآتي قريبًا أنه أعور العين اليسرى فذهب بعض العلماء إلى ترجيح حديث ابن عمر على حديث حذيفة بكثرة رواة حديث ابن عمر ولكن جمع القاضي القاضي عياض بينهما بأن كل واحدة من عيني الدجال معيبة عوراء فإحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب إدراكها والأخرى معيبة بنتوئها والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة جدًّا زهاء ثمانية أبواب منها في الفتن باب ذكر الدجال [7123 و 7127]، وأبو داود في السنة باب في الدجال [4757] والترمذي في الفتن باب ما جاء في علامة الدجال، وأحمد [2/ 37]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7187 - (. .) (. .) (حدثني أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد وهو ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل) العبدري مولاهم مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتانية ومعجمة الأسدي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (كلاهما) أي كل من أيوب وموسى رويا (عن نافع عن ابن عمر) - رضي الله عنهما - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أيوب وموسى لعبيد الله بن عمر وساقا (بمثله) أي بمثل حديث عبد الله بن عمر لفظًا ومعنى.

7188 - (2912) (79) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ ك ف ر". 7189 - (. .) (. .) حدَّثنا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أنس - رضي الله عنهم - فقال: 7188 - (2912) (79) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما من نبي) من الأنبياء (إلا وقد أنذر) وخوّف (أمته) المسيح (الأعور الكذاب) لادعائه الألوهية أي أنذرهم من فتنته (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنه أعور) والأعور هو الذي أصابه في عينه عور وهو العيب الذي يُذهب إدراكها (وإن ربكم ليس بأعور) ألا وإنه (مكتوب بين عينيه) كلمة كافر بهذه الحروف (كـ ف ر) المهجّاة وإنما اقتصر على وصف الدجال بالعور مع أن أدلة الحدوث كثيرة ظاهرة فيه لأن العور أثر محسوس يدركه كل أحد فدعواه الربوبية مع نقص خلقته علم كذبه لأن الإله يتعالى عن النقص اهـ قسطلاني. قوله (مكتب بين عينيه ك ف ر) قال الأبي: إن ذكر الحروف مما يدل على أن ذكر الكتب حقيقة لا مجاز ولا كناية اهـ. قال ملا علي: فيه إشارة إلى أنه داع إلى الكفر لا إلى الرشد فيجب اجتنابه وهذه نعمة عظيمة من الله تعالى في حق هذه الأمة حيث ظهر رقم الكفر بين عينيه اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن باب ذكر الدجال [7131]، وأبو داود في الملاحم باب خروج الدجال [4316 و 4317 و 4318] والترمذي في الفتن [2245]. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 7189 - (. .) (. .) (حدثنا ابن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا

مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "الدَّجَّالُ مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ ك ف ر، أَي كَافِرٌ". 7190 - (. .) (. .) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَينِ. مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ"، ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر. "يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لشعبة (أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال الدجال مكتوب بين عينيه ك ف ر أي كافر) أي مكتوب بين عينيه كلمة كافر حروفًا مقطعة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 7190 - (. .) (. .) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصَّفار البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن شعيب بن الحبحاب) الأزدي مولاهم ابن صالح البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة شعيب لقتادة (قال) أنس (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ممسوح العين) أي طافئة عينه بالهمز مطموسة لا ضوء فيها (مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجّاها) النبي - صلى الله عليه وسلم - أي قرأ حروف كلمة كافر مقطعة هكذا (ك ف ر يقرؤه) أي يقرأ حروف كافر بين عينيه (كل مسلم) كاتبًا كان أو غير كاتب، قال النووي: والصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها وإنها كتابة حقيقية جعلها الله تعالى آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب ويخفيها ممن أراد شقاوته وفتنته ولا امتناع في ذلك اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم - فقال:

7191 - (2913) (80) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَينِ الْيُسْرَى. جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7191 - (2913) (80) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (ومحمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (وإسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (عن شقيق) بن سلمة الأسدي أبي وائل الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال) حذيفة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال أعور العين اليسرى جُفال الشعر) بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثيره، قال ذو الرمة يصف شعر امرأة: وأسود كالأساود مسبكرًا. . . على المتنين منسدلًا جفالا مسبكرًا منسدلًا مسترسلًا، والأساود الحيات، وشعر الدجال مع كثرته جعد قطط وهو الشديد الجعودة الذي لا يمتد إلا باليد كشعور السودان (معه جنة ونار فناره جنة) لمن دخلها (وجنته نار) كذلك. قوله (معه جنة ونار) وفي الرواية الآتية (معه نهران يجريان. . الخ) وفي رواية عبد الملك بن عمير الآتية بعدها (إن معه ماء ونارًا) والله أعلم بحقيقتهما (فناره جنة وجنته نار) وزاد في حديث أبي أمامة عند ابن ماجه (فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردًا وسلامًا). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب ما ذكر من بني إسرائيل [3450] وفي الفتن باب ذكر الدجال [7130]، وأبو داود في الملاحم باب خروج الدجال [4315]، وابن ماجه في الفتن باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم [4122]، وأحمد [5/ 383 و 397]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة - رضي الله عنه - فقال:

7192 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّال مِنْهُ. مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ. أَحَدُهُمَا، رَأْيَ الْعَينِ، مَاءٌ أَبْيَضُ. وَالآخَرُ، رَأْيَ الْعَينِ، نَارٌ تَأَجَّجُ. فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7192 - (. .) (. .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبي مالك) سعيد بن طارق بن أشيم بن مسعود (الأشجعي) الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن ربعي بن حراش) العبسي أبي مريم الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ربعي بن حراش لشقيق بن سلمة (قال) حذيفة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والله (لأنا أعلم بما مع الدجال) مما يلبس به على الناس من الجنة والنار (منه) أي من الدجال وهو جواب لقسم محذوف كما قدرناه أي والله لأنا أعلم منه بما علمني ربي لأن الدجال لا يعلم حقيقة ما معه من الجنة والنار ولا من النهرين أي أنه يظنهما كما يراهما غيره فيظن جنته جنة وماءه ماء وحقيقة الأمر على الخلاف من ذلك فيكون قد لُبس عليه فيهما، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم حقيقة كل واحد منهما ولذلك بينه فقال "ناره ماء بارد" وفي اللفظ الآخر "فجنته نار وناره جنة" كما رواه مسلم عن حذيفة في هذا الطريق بهذا اللفظ (معه) أي مع الدجال (نهران يجريان أحدهما) أي أحد النهرين (رأي العين) منصوب بنزع الخافض أي في رأي العين ونظرها، وقوله أحدهما مبتدأ خبره قوله (ماء أبيض و) النهر (الآخر) في (رأي العين) ونظرها (نار تأجج) أي تتقد وتتلهب أصله تتأجج فحذفت التاء الأولى تخفيفًا لثقل توالي مثلين يقال تأججت النار إذا تلهبت وأججتها فتأججت والأجيج تلهب النار (فإما أدركن) كذا وقع في أكثر النسخ وهو خلاف القياس الصرفي لأن نون التوكيد مطلقًا لا تلحق الفعل الماضي، والصواب فإما يدركن أحد منكم ذلك التلبيس الدجالي اهـ من المفهم، وعبارة النووي هنا هكذا هو في أكثر النسخ (أدركن) وفي بعضها (فإما أدركه) وهذا الثاني ظاهر وأما الأول فغريب من حيث العربية لأن هذه النون لا تدخل على الفعل الماضي (قلت)

أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ. ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ. فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ. وَإِنَّ الدَّجَّال مَمْسُوحُ الْعَينِ. عَلَيهَا ظَفَرَةٌ غلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيرِ كَاتِبٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن هشام في المغني: ولا يؤكد بهما أي بنوني التوكيد الثقيلة والخفيفة الماضي مطلقًا وشذ قوله: دامن سعدك لو رحمت متيمًا. . . لولاك لم يك للصبابة جانحًا (أحد فليأت النهر الذي يراه نارًا) بفتح الياء أي يعلمه وبضمها أي يظنه نارًا (وليغمّض) من التغميض وهو تغطية العينين بالأجفان أي وليغلق عينيه (ثم ليطأطئ) أي ثم ليخفض (رأسه فيشرب منه) لئلا يلحقه خوف من التهاب النار (فإنه) أي فإن النهر الذي تراه نارًا (ماء بارد) وكل ما يظهره الله تعالى على يدي الدجال من الخوارق للعادة محن امتحن الله بها عباده وابتلاء ابتلاهم به ليتميز أهل التنزيه والتوحيد بما يدل عليه العقل السديد من استحالة الألوهية على ذوي الأجسام وإن أتوا على دعواهم بأمثال تلك الطوام أو ليغتر أهل الجهل باعتقاد التجسيم حتى يوردهم ذلك نار الجحيم وفتنة الدجال من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم فتقول لهم أنا ربكم فيقول المؤمنون نعوذ بالله منك كما تقدم في كتاب الإيمان (وإن الدجال ممسوح العين) أي مطموس ضوءها وإدراكها فلا يبصر بها شيئًا (عليها) أي على عينه (ظفرة) أي لحمة (غليظة) أي ثخينة، والظفرة بالظاء المعجمة والفاء المفتوحتين جلدة تغشى العين إن لم تقطع غشيت العين، وقال الأصمعي: الظفرة لحمة تنبت عند الماقي وأنشد: بعينها من البكاء ظفرة ... حل ابنها في السجن وسط الكفرة اهـ من الأبي. (مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب) يعني من يستطيع الكتابة ومن لا يستطيعها وقد تقدم أن ذلك على سبيل خرق العادة بحيث يخلق الله تعالى إدراكًا في بصر المؤمن ما يدرك به ذلك والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث حذيفة - رضي الله عنه - فقال:

7193 - (. .) (. .) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّهُ قَال، فِي الدَّجَّالِ: "إِنَّ مَعَهُ مَاءٌ وَنَارًا. فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ. فَلَا تَهْلِكُوا". قَال أَبُو مَسْعُودٍ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. 7194 - (2914) (81) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. حَدَّثَنَا شُعَيبُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7193 - (. .) (. .) (حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى واللفظ له حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير) الفرسي اللخمي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن ربعي بن حراش) العبسي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان العبسي الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الملك بن عمير لأبي مالك الأشجعي (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في) بيان شأن (الدجال إن معه ماء ونارًا فناره ماء بارد وماؤه نار) حار (فلا تهلكوا) أنفسكم باختيار مائه. (قال أبو مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الكوفي رضي الله عنه (وأنا سمعته) أي سمعت هذا الحديث (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) فصار الحديث من مسانيد أبي مسعود أيضًا وسيأتي أن ربعي بن حراش انطلق معه إلى حذيفة - رضي الله عنهم - فحدّث حذيفة بهذا الحديث فصدقه أبو مسعود - رضي الله عنه - وقائل هذه الجملة يعني قوله قال أبو مسعود ربعي بن حراش لأنه كان معهما، وغرضه بها بيان المتابعة في الشاهد. ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنهم - فقال: 7194 - (2914) (81) (حدثنا علي بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) (حدثنا شعيب بن صفوان) بن الربيع الثقفي الكوفي، مقبول، من (7) روى عنه في (2) بابين الجنائز والفتن (عن عبد الملك بن عمير) الفرسي الكوفي (عن ربعي بن حراش عن

عُقْبَةَ بْنِ عَمْروٍ، أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَال: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى حُذَيفَةَ بْنِ الْيَمَانِ. فَقَال لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّجَّالِ. قَال: "إِنَّ الدَّجَّال يَخْرُجُ. وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا. فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً، فَنَارٌ تُحْرِقُ. وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ. فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ نَارًا. فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ". فَقَال عُقْبَةُ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ. تَصْدِيقًا لِحُذَيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري) الكوفي - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال) ربعي بن حراش (انطلقت) أي ذهبت (معه) أي مع أبي مسعود الأنصاري (إلى حذيفة بن اليمان فقال له) أي لحذيفة (عقبة) بن عمرو (حدثني) بصيغة الأمر أي حدِّثني يا حذيفة (ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في) شأن (الدجال) قال حذيفة (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إن الدجال يخرج) من سجنه في البحر إلى الناس في آخر الزمان (و) الحال (إن معه ماء) أي وما يتولد منه من أسباب النعم بحسب الظاهر المعبّر عنه بالجنة فيما تقدم يرغب إليه من أطاعه (ونارًا) أي ما يكون ظاهره سببًا للعذاب والمشقة والألم يخوف به من عصاه (فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق) بضم التاء من الإحراق (وأما الذي يراه الناس نارًا فماء بارد عذب) أي حلو يكسر العطش، والمعنى إن الله تعالى يجعل ناره ماء باردًا عذبًا على من كذّبه وألقاه فيها غيظًا كما جعل نار نمروذ بردًا وسلامًا على إبراهيم - عليه السلام - ويجعل ماءه الذي أعطاه لمن صدّقه نارًا محرقة دائمة، ومجمله أن ما ظهر من فتنته ليس له حقيقة بل تخييل منه وشعبذة كما يفعله السحرة والمشعبذون مع احتمال أن الله تعالى يقلب ناره وماءه الحقيقيين فإنه على كل شيء قدير اهـ من المرقاة (فمن أدرك ذلك) الزمن (منكم فليقع) أي فليدخل (في الذي يراه نارًا فإنه ماء عذب طيب فقال عقبة) بن عمرو الأنصاري لحذيفة بن اليمان (وأنا) والله (قد سمعته) أي قد سمعت هذا الحديث الذي حدثنيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أي قال عقبة هذا الكلام (تصديقًا لحذيفة) فيما حدّثه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن [7130]، وأبو داود في الملاحم [4315]، وابن ماجه في الفتن [4122].

7195 - (. .) (. .) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لابْنِ حُجْرٍ -. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ نُعَيمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَال: اجْتَمَعَ حُذَيفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ. فَقَال حُذَيفَةُ: "لأَنَا بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ أَعْلَمُ مِنْهُ. إِنَّ مَعَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ وَنَهْرًا مِنْ نَارٍ. فَأَمَّا الَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ نَارٌ، مَاءٌ. وَأَمَّا الَّذِي تَرَوْنَ أَنَّهُ مَاءٌ، نَارٌ؛ فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَأَرَادَ الْمَاءَ فَلْيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ أَنَّهُ نَارٌ. فَإِنَّهُ سَيَجِدُهُ مَاءً". قَال أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ. 7196 - (2915) (82) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حذيفة وأبي مسعود - رضي الله عنهما - فقال: 7195 - (. .) (. .) (حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ لابن حجر قال إسحاق أخبرنا وقال ابن حجر حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن المغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن نعيم بن أبي هند) النعمان بن أشيم الأشجعي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن ربعي بن حراش قال) ربعي (اجتمع حذيفة وأبو مسعود) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة نعيم بن أبي هند لعبد الملك بن عمير (فقال حذيفة) والله (لأنا بما مع الدجال أعلم منه) أي من الدجال (إن معه نهرًا من ماء ونهرًا من نار فأما الذي ترون أنه نار) فهو (ماء) بارد (وأما الذي ترون أنه ماء) فهو (نار) محرقة (فمن أدرك ذلك) الزمن (منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يراه أنه نار فإنه يجده ماء، قال أبو مسعود) وأنا (هكذا سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - فقال: 7196 - (2915) (82) (حدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا حسين بن محمد) التميمي أبو محمد المروذي، نسبة إلى مروروذ مدينة من خراسان،

حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ. وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ، هِيَ النَّارُ. وَإِنِّي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ". 7197 - (2916) (83) حدَّثنا أَبُو خَيثَمَةَ، زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ، قَاضِي حِمْصَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري ثم الكوفي ثم البغدادي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3) (قال سمعت أبا هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا) أي انتبهوا واستمعوا (أخبركم عن) شأن (الدجال حديثًا) أي خبرًا (ما حدّثه نبي) من الأنبياء (قومه) وذلك الخبر قوله (إنه) أي إن الدجال (أعور) إحدى عينيه ومعيبها (وإنه يجيء معه) أي يأتي معه أشياء (مثل الجنة والنار) أي شبههما فيما يراه الناس (فالتي) أي فالصورة التي (يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذرتكم) وخوفتكم (به) أي بالدجال وفتنته (كما أنذر به نوح قومه) - عليه السلام -. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [2238]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا بحديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - فقال: 7197 - (2916) (83) (حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموري مولاهم الدمشقي عالمها، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي أبو عتبة الدمشقي الداراني، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن يحيى بن جابر) بن حسان (الطائي) أبي عمرو الحمصي (قاضي حمص) بكسر المهملة مع سكون الميم، مدينة

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ الْحَضْرَمِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلابِيَّ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّال ذَاتَ غَدَاةٍ. فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مشهورة في الشام (حدثني عبد الرحمن بن جبير) بن نفير بالتصغير فيهما الحضرمي أبو حميد الشامي، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي) الحمصي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (أنه) أي أن جبير بن نفير (سمع النوّاس) بفتح النون وتشديد الواو (بن سمعان) بفتح أوله أو بكسره (الكلابي) بكسر الكاف نسبة إلى بني كلاب قبيلة مشهورة في العرب، الشامي، الصحابي المشهور - رضي الله عنه -، روى عنه في (3) أبواب الصلاة والبر والصلة والفتن. وهذا السند من سباعياته (ح وحدثني محمد بن مهران) بكسر أوله وسكون ثانيه الجمّال بالجيم (الرازي) نسبة إلى بلدة في العجم، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (واللفظ له حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير عن النواس بن سمعان) الكلابي الشامي. وهذا السند من سباعياته أيضًا (قال) النواس (ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال) أي شأنه وفتنته (ذات غداة) فلفظ ذات إما مقحمة أي غداة من الغدايا أو من إضافة الشيء إلى نفسه أي في ذات هي غداة أو من إضافة المسمى إلى الاسم أي في ذات وزمن يسمى بالغداة وهي أول النهار (فخفض) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته تارة (فيه) أي في ذكره إبقاء على نفسه (ورفع) صوته فيه تارة ليسمع من بعد عنه أو المعنى فخفض فيه أي حقر في شأنه تارة ورفع فيه أي عظم فتنته أخرى. وعبارة القرطبي هنا قوله: (فخفض فيه ورفع) بتخفيف الفاء فيهما أي أكثر من الكلام فيه فتارة يرفع صوته ليسمع من بعد عنه وتارة يخفض ليستريح من تعب الإعلان، وهذه الحالة حالة المكثر من الكلام، وقيل معناه فحقّره وصغّره تارة كما قال هو أهون على الله من ذلك وتارة عظّمه كما قال ليس بين يدي الساعة خلق أكبر فتنة من الدجال، والأول أسبق إلى الفهم، وقد روي اللفظان فخفض فيه ورفع مشدد الفاء وهو للتضعيف

حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيهِ عَرَفَ ذلِكَ فِينَا. فَقَال: "مَا شَأْنُكُمْ؟ " قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّال غَدَاةً. فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ. حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَال: "غَيرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ والتكثير أي للمبالغة في كثرة ذلك اهـ من المفهم. قال النووي: وفي معناه قولان: الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر الكلام في شأنه فتارة رفع صوته ليسمعه كل أحد وأخرى خفض صوته ليستريح من تعب الجهر، والثاني أن المراد من التخفيض تصغير شأنه وتحقيره كما ذكر أنه أعور وأنه أهون على الله من ذلك وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل ثم يعجز عنه وأنه يضمحل أمره ويُقتل بيد عيسى - عليه السلام - والمراد من الترفيع تعظيم فتنته حيث تصدر منه أمور خارقة للعادة وأنه ليس بين يدي الساعة أحد أعظم فتنة من الدجال. أي أكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإنذار في الدجال (حتى ظنناه) أي حتى ظننا أن الدجال مختف (في طائفة) أي في قطعة من (النخل) قريبة إلينا يعني أنه - صلى الله عليه وسلم - وصفه بصفات كثيرة من الفتن حتى ظننا أنه مختف في مكان قريب إلينا (فلما رحنا) أي رجعنا (إليه) - صلى الله عليه وسلم - في الرواح أي في آخر النهار (عرف) - صلى الله عليه وسلم - (ذلك) الظن الهائل (فينا) أي عرف منا أنا ظننا وجوده في طائفة من النخل (فقال) لنا (ما شأنكم) وحالكم في الخوف من الدجال أشد الخوف حتى ظننتم أنه قريب إليكم فـ (قلنا) له (يا رسول الله) أنك (ذكرت) لنا (الدجال) وفتنته (غداة) أي في أول النهار (فخفضت فيه) أي في ذكره صوتك تارة (ورفعتـ) ــه أخرى (حتى ظنناه) أنه قريب إلينا مختف (في طائفة النخل) القريبة إلينا فلذلك خفنا منه خوفًا شديدًا (فقال) لنا (غير الدجال) من دعاة جهنم (أخوفني) أي أشد خوفًا (عليكم) عندي، والمعنى إني أخاف عليكم من غير الدجال أكثر مما أخافه عليكم منه أي غير الدجال أخوف عندي عليكم من الدجال فحُذف للعلم به. قوله (غير الدجال أخوفني عليكم) قال القاضي: رويناه عن الأكثر أخوفني بالنون بعد الفاء ورُوي عن أبي بحر أخوفي بغير نون وهي قليلة حكاها ثابت، وقد وقع في الترمذي أخوف لي، قال القرطبي: وهو الموافق لقاعدة العربية، قال أبو مروان بن سرّاج: أفعل التي للمفاضلة لا تُستعمل إلا مع من يقال زيد أفضل من عمرو، وضعتها

إِنْ يَخْرُجْ، وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ. وَإِنْ يَخْرُجْ، وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب موضع كلام أكثر منها طلبًا للاختصار والأصل في قولك أخوف من كذا أي كذا يزيد خوفه على كذا فتقدر بالمصدر والفعل ثم وُضعت أخوفني موضع أخوف مني ولما تضمنت معنى المصدر ووُضعت موضعه أظهر معها الضمير الذي يظهر مع المصدر، قال الأبي: النون المذكورة هي المسماة بنون الوقاية وحقها أن لا تدخل إلا في الأفعال المتعدية نحو أكرمني وإنما دخلت فيها لتقيها الكسر لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورًا والأفعال لا يدخلها الكسر فألحقت بها النون وجُعل فيها الكسر ولذلك سميت نون الوقاية ولهذه العلة فالأصل أن لا تلحق الأسماء لأن الأسماء يدخلها الكسر ولذلك قل دخولها على الأسماء لعدم الحاجة إليها ومنه قوله: وما أدري وظني كل ظن. . . أمسلمني إلى قومي شراحي يعني شراحيل فرخمه في غير النداء للضرورة فدخلت على مسلمي وهو اسم فاعل، ولما كان أفعل التفضيل أشبه الأشياء بالأفعال على ما هو مقرر في علم العربية لحقه النون كما في رواية الأكثر في هذا الحديث على الأصل في تركيب ما وقع في هذا الحديث. وأما معنى الحديث فذكر النووي عن شيخه ابن مالك في تقريره ثلاثة أوجه قال: أظهرها أن يكون التقدير أخوف مخوفاتي عليكم غير الدجال فحُذف المضاف إلى ياء المتكلم، ومنه "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون" أي إن الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن تخاف الأئمة المضلون، والثاني أن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف بتشديد الواو ومعناه غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم، والثالث أن يكون من وصف المعاني بما تُوصف به الأعيان على وجه المبالغة كقولهم في الشعر الفصيح شعر شاعر، وخوف فلان أخوف من خوفك، والمعنى هنا خوف غير الدجال أخوف خوفي عليكم، ثم حُذف المضاف الأول ثم الثاني اهـ من الأبي. (إن يخرج) الدجال ويظهر (وأنا) حي (فيكم فأنا حجيجه) أي محاجه ومخاصمه وقاطعه بالحجة بإظهار كذبه وإفساد قوله (دونكم) أي من غير افتقار وحاجه إلى محاجة شخص معين يدافعه عنكم أي فأنا كاف لكم في محاجته (وإن يخرج) ويظهر الدجال (و) أنا (لست فيكم فامرؤ) أي فكل امرئ منكم والدليل على عمومه قوله "والله خليفتي على

حَجِيجُ نَفْسِهِ. وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ. عَينُهُ طَافِئَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل مسلم" (حجيج نفسه) أي محاج ومدافع له عن نفسه والمعنى ليحتج كل امرئ منكم عن نفسه ويدافعه عنها بما أعلمته من صفته وبما يدل عليه العقل من كذبه في دعوى الإلهية وهو خبر بمعنى الأمر، وفيه التنبيه على النظر عند المشكلات والتمسك بالأدلة الواضحات اهـ مفهم. وهذا الكلام يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتبين له وقت خروجه غير أنه كان يتوقعه ويقربه وكذلك كان يقرب أمره حتى يظنوا أنه في النخل القريب منهم اهـ منه (والله) عزَّ وجلَّ (خليفتي على) دفع شره وفتنته عن (كل مسلم) ومسلمة يعني أن الله تعالى ولي كل مسلم وحافظه فيعينه عليه ويدفع شره بلا واسطة وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - تفويض إلى الله في كفاية كل مسلم من تلك الفتن العظيمة وتوكل عليه في ذلك ولا شك في أن من صح إسلامه في ذلك الوقت أنه يكفى تلك الفتن لصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في توكله وصحة ضمان الله تعالى كفاية من توكل عليه بقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أي كافيه مشقة ما توكل عليه فيه وموصله إلى ما يصلحه منه ومع هذا فقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يقرؤه على الدجال فيؤمن من فتنته وذلك عشر آيات من أول سورة الكهف أو من آخرها على اختلاف الرواية في ذلك والاحتياط والحزم يقتضي أن يقرأ عشرًا من أولها وعشرًا من آخرها على أنه قد روى أبو داود من حديث النواس "فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنه جوار لكم من فتنته" رواه أبو داود [4321]. ثم قال - صلى الله عليه وسلم - ألا (إنه) أي إن الدجال رجل (شاب) الجسم لا كهل ولا شيخ (قطط) بفتحتين وبكسر الطاء الأولى لغتان فيه أي شديد جعودة الشعر الذي لا يمتد إلا باليد كشعور السودان مباعد عن الجعودة المحبوبة كذا في النووي (عينه طافئة) أي منطفئة الضوء والنور لا ترى شيئًا، ذكره القاضي أبو الفضل بالوجهين طافئة بالهمز وطافية بالياء بلا همز وعلى الهمز اسم فاعل من طفئت النار تطفأ فهي طافئة وانطفئت فهي منطفئة وأطفأتها فهي مطفأة فكأن عينه كانت تنير كالسراج فانطفأت أي ذهب نورها وهذا المعنى في هذه الرواية التي لم يُذكر فيها عنبة واضح ويبعد فيها ترك الهمز، وأما الرواية التي هي فيها (كأنها عنبة طافية) فالأولى ترك الهمز فيها فإنه شبهها في استدارتها وبروزها بحبة العنب وهو اسم فاعل من طفا يطفو إذا علا غير مهموز فهي طافية أي

كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ. فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ. إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةَ بَينَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ. فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ قائمة ناتئة جاحظة عن موضعها (كأني أشبهه بعبد العزى ابن قطن) ولم يقل كأنه عبد العزى قيل إنه لم يكن جازمًا بتشبيهه به، وقيل إنه كان يهوديًّا، والظاهر كان مشركًا لأن العزى اسم صنم يؤيده ما جاء في بعض الحواشي هو رجل من خزاعة هلك في الجاهلية اهـ من الأبي، قال على القاري في المرقاة [10/ 162] قلت: لا شك في تشبيهه به إلا أنه لما كان معرفة المشبّه في عالم الكشف أو المنام عبّر عنه بكأني كما هو المعتبر في حكاية الرؤيا والله تعالى أعلم. ويمكن أن يقال لما لم يوجد في الكون أقبح صورة منه فلا يتم التشبيه من جميع الوجوه بل ولا من وجه واحد عدل عن صيغة الجزم وعبر عنه بما عبّر به عنه، ثم في صيغة الحال إشعار باستحضار صورة المآل (فمن أدركه) أي أدرك الدجال (منكم) أيها المسلمون (فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف) زاد أبو داود من طريق صفوان بن صالح (فإنها جواركم من فتنته) وهو بكسر الجيم بمعنى الأمان (إنه خارج خلّة) أي في خلة وطريق (بين الشام والعراق) وقيل للطريق، والسبيل خلة لأنه خل وفصل ما بين البلدتين اهـ من النهاية، قال النووي: خلة بفتح الخاء المعجمة وتنوين التاء اهـ هو منصوب بنزع الخافض كما أشار إليه في النهاية قاله ملا علي، قال القرطبي: وقد روى الترمذي من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أفواج كأن وجوههم المجان المطرقة" رواه الترمذي [2237] قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهما وهذا حديث حسن غريب ووجه الجمع بينه وبين الذي قبله: أن مبدأ خروج الدجال من خراسان ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق والشام اهـ من المفهم (فعاث) أي أفسد في الأرض (يمينًا) أي في يمينه (وعاث) أي أفسد في الأرض (شمالًا) أي في شماله وفي مشارقها ومغاربها وجنوبها، رُوي بالعين المهملة والثاء المثلثة مفتوحة غير منونة على أنه فعل ماض، وبكسرها وتنوينها على أنه اسم فاعل أي فهو عاث في الأرض يمينًا وشمالًا يقال عثا في الأرض يعثو أفسد وكذلك عثي بالكسر يعثى من باب رضي، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، والتعبير بالماضي عن المستقبل إشعار بأنه محقق الوقوع لا محالة

يَا عِبَادَ اللهِ، فَاثْبُتُوا" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَال: "أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا عباد الله فاثبتوا) على دينكم دين الإسلام ولا تؤمنوا به وهذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر من لقي الدجال أن يثبت ويصبر فإن لبثه في الأرض قليل على ما يأتي، وأما من سمع به ولم يلقه فليبعد عنه وليفر منه بنفسه كما أخرجه أبو داود من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - "قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سمع الدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات" رواه أبو داود [4319] قال النواس بن سمعان (قلنا) معاشر الحاضرين (يا رسول الله وما لبثه) أي وما قدر لبثه ومكثه (في الأرض قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدر لبثه في الأرض ومدته (أربعون يومًا يوم) أول منها طوله (كـ) طول (سنة ويوم) ثان منها طوله (كـ) طول (شهر ويوم) ثالث منها طوله (كـ) طول (جمعة) وأسبوع (وسائر أيامه كأيامكم) أي باقي أيامه أي قدرها كقدر أيامكم اثنتي عشرة ساعة، قال القرطبي: ظاهر هذا الكلام أن الله تعالى يخرق العادة في تلك الأيام فيبطئ بالشمس عن حركتها المعتادة في أول يوم من تلك الأيام حتى يكون أول يوم كمقدار سنة معتادة ويبطئ بالشمس في الثاني حتى يكون كمقدار شهر ويبطئ الشمس في الثالث حتى يكون كمقدار جمعة وهذا ممكن لا سيما وذلك الزمان تنخرق فيه العوائد كثيرًا لا سيما على يدي الدجال، وقد تأوله أبو الحسين بن المنادي على ما حكاه أبو الفرج الجوزي فقال: المعنى يهجم عليكم غم عظيم لشدة النبلاء وأيام النبلاء طوال، ثم يتناقص ذلك الغم في اليوم الثاني، ثم يتناقص في الثالث ثم يعتاد البلاء كما يقول الرجل اليوم عندي سنة كما قال: وليل المحب بلا آخر. قال أبو الفرج يرده قولهم "أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره" والمعنى قدروا الأوقات للصلاة غير أن أبا الحسين بن المنادي قد طعن في صحة هذه اللفظات أعني قولهم "أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره" قال: فهذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا قديمًا ولو كان ذلك صحيحًا لاشتهر على ألسنة الرواة كحديث الدجال فإنه قد رواه ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وحذيفة وعبادة بن الصامت وأُبي بن كعب وسمرة بن جندب وأبو هريرة وأبو الدرداء وأبو مسعود البدري وأنس بن مالك وعمران بن

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَال: "لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حصين ومعاذ بن جبل ومجمع بن جارية مع آخرين رضي الله عنهم أجمعين ولم يذكروا تلك اللفظات في الحديث ولو كانت تلك اللفظات في الحديث لقوي اشتهارها ولكانت أعظم وأقطع من طلوع الشمس من مغربها. [قلت] هذه الألفاظ التي أنكرها هذا الرجل صحيحة في حديث النواس خرّجها الترمذي من حديث النواس وذكر الحديث بطوله نحوًا مما خرّجه مسلم وقال في الحديث: حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وقد خرّجه أبو داود أيضًا من حديث عبد الرحمن بن يزيد المذكور وذكر طرفًا من الحديث ولم يذكره بطوله فصح الحديث عند هؤلاء الأئمة، وانفراد الثقة بالحديث لا يخرم الثقة به لأنه قد يسمع ما لم تسمعه الجماعة في وقت لا يحضر غيره، وقد يوجد ذلك في الأحاديث وقد رواه قاسم بن أصبغ من حديث جابر بن عبد الله على ما يأتي وتطرُّق إدخال المخالفين الدسائس على أهل العلم والتحرز والثقة بعيد لا يُلتفت إليه لأنه يؤدي إلى القدح في أخبار الآحاد وإلى خرم الثقة بها مع أن ما تضمنته هذه الألفاظ أمور ممكنة الوقوع في زمان خرق العادات كسائر ما جاء مما قد صح وثبت من خوارق العادات التي تظهر على يدي الدجال مما تضمّنه هذا الحديث وغيره ولا معنى لتخصيص هذه الألفاظ بالإنكار والكل ظنون مستندة إلى أخبار العدول والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور. (قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا) وتجزئنا (فيه صلاة يوم) واحد وهي خمس صلوات فقط (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا) تكفيكم فيه صلاة يوم بل (اقدروا له) أي لذلك اليوم (قدره) أي قدر اليوم من سائر الأيام، قال النووي رحمه الله تعالى: ومعنى اقدروا له قدره أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وهذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة في وقتها، وأما الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا إِسْراعُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَال: "كَالْغَيثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ. فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ. فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيهِمُ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فقياس اليوم الأول أن يقدّر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه والله أعلم، وقال القاضي عياض في قوله (اقدروا له) الخ: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام اهـ (قلنا يا رسول الله وما إسراعه) أي وما قدر إسراعه (في الأرض؟ قال كالغيث) الذي (استدبرته الريح) العاصفة، قال الأبي: علموا أن له إسراعًا فسألوا عن كيفيته لقولهم ما لبثه والمراد بالغيث الغيم إطلاقًا للسبب على المسبب أي يسرع في الأرض إسراع الغيم إذا استدبرته الريح وهو كناية عن سرعة سيره في الأرض وقطع المسافات البعيدة في أسرع وقت (فيأتي) أي يمر (على القوم فيدعوهم) إلى الإيمان به وتصديق ألوهيته (فيؤمنون به) أي بإلهيته (ويستجيبون له) أي يمتثلونه في جميع ما أمرهم به (فيأمر السماء) بأن تمطر لهم (فتمطر) لهم مجازاة لهم على الإيمان به وإجابتهم إلى دعوته (و) يأمر (الأرض) بأن تنبت لهم (فتُنبت) لهم مجازاة على إيمانهم به (فتروح) أي ترجع (عليهم) فيما بعد الزوال (سارحتهم) أي ماشيتهم التي تسرح أي تذهب أول النهار إلى المرعى والسارحة المواشي التي تخرج للسرح وهو الرعي كالإبل والبقر والغنم أي ترجع إليهم سارحتهم آخر النهار إلى مراحها، حالة كونها (أطول ما كانت) عليه (ذُرًا) أي سنامًا والذرى بضم الذال المعجمة جمع ذُروة بضمها أيضًا وهي الأسنمة جمع سنام وهي لحمة تنبت في وسط ظهر الإبل (و) حالة كونها (أسبغه) أي أملا ما كانت (ضروعًا) لكثرة اللبن (و) حالة كونها (أمدّه) أي أزيد ما كانت عليه (خواصر) لكثرة أكلها وخصب مرعاها والخواصر جمع خاصرة وامتدادها كناية عن شدة امتلائها بسبب الشبع والمراد أن من آمن بالدجال يكون في خصب فترجع ماشيته في المساء سمينة طويلة الأسنام. قال الخطابي رحمه الله تعالى في أعلام الحديث [4/ 2331] وقد يُسأل عن هذا فيقال كيف يجوز أن يُجري الله تعالى آياته على أيدي أعدائه وإحياء الموتى آية عظيمة من آيات أنبيائه فكيف مكن منه للدجال وهو كذاب مفتر على الله يدعي الربوبية لنفسه.

ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ. فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيهِ قَوْلَهُ. فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ. فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيسَ بِأَيدِيهِمْ شَيءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَينِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ فالجواب أن هذا جائز لله على سبيل الامتحان لعباده إذا كان منه ما يدل على أنه مبطل غير محق في دعواه وهو أن الدجال أعور عينه اليمنى مكتوب على جبهته كافر يقرؤه كل مسلم فدعواه داحضة مع رسم الكفر ونقص العور الشاهدين بأنه لو كان ربًا لقدر على رفع العور عن عينه ومحو السمة عن وجهه وآيات الله التي أعطاها لأنبيائه سليمة عما تعار به وعما يناقضها اهـ. (ثم) بعدما مر على الذين آمنوا به وأمدهم بنعمه (يأتي القوم) الآخرين (فيدعوهم) إلى الإيمان به (فيردون عليه قوله) وينكرونه (فينصرف) أي يرجع (عنهم فيُصبحون) أي فيصيرون في صباح ذلك اليوم (ممحلين) أي مصابين بالمحل، وفي بعض الروايات (آزلين) والمحل والأزل والقحط والجدب كلها بمعنى واحد، وفي القاموس المحل على وزن فعل الجدب والقحط والإمحال كون الأرض ذات جدب وقحط يقال أمحل البلد إذا أجدب بسبب انقطاع المطر ويبس الأرض (ليس بأيديهم شيء من أموالهم) أي مواشيهم (ويمر) الدجال (بالخربة) بفتح الخاء وكسر الراء المكان الخرب الذي ليس فيه بناء ولا زرع أي على الأرض الخالية عن النبات والأبنية التي ليس بها أنيس (فيقول لها أخرجي كنوزك) أي معادنك التي خلقها الله فيك (فتتبعه) أي فتتبع الدجال (كنوزها) أي كنوز تلك الخربة ومعادنها، حالة كون الدجال (كيعاسيب النحل) وأمرائها التي تتبعها سائر النحول واليعاسيب جمع يعسوب واليعسوب أمير النحل وسلطانه الذي إذا طار تبعته جماعته والمعنى أن كنوز الأرض تتبع الدجال كما تتبع النحل أميرها فشبه الدجال باليعسوب والكنوز بالنحل (ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا) وقوة (فيضربه بالسيف فيقطعه) به حتى يصير (جزلتين) أي قطعتين وفرقتين منفصلتين مثل (رمية الغرض) أي مثل قطعة منفصلة من الغرض والهدف إذا رميت بالسهم والغرض الهدف الذي يُرمى إليه والرمية مرة من الرمي والمراد أنه يفرق جسمه حتى يصير قطعتين بينهما مسافة بقدر رمية الغرض وهذا المعنى هو الذي رجحه أكثر الشراح ولكنه فيه بعد كما قاله القرطبي، قال

ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ. فَبَينَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ. فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ البَيضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ. بَينَ مَهْرُودَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القرطبي: والأولى فتح الجيم في جزلتين مع سكون الزاي لأن جزلتين هنا مصدر ملاق في المعنى ليقطعه فكأنه قال قطعه قطعتين أو جزله جزلتين وجزلة مصدر محدود بجزل جزلًا وجزلة ويجوز كسرها على أنه اسم يعني قسمه قطعتين وفرقتين، قوله (رمية الغرض) منصوب نصب المصدر أي كرمية الغرض في السرعة والإصابة وقيل جعل بين القطعتين مثل رمية الغرض وفيه بعد والأول أشبه اهـ من المفهم (ثم) بعد قتله بالسيف (يدعوه) الدجال ويناديه (فيُقبل) ذلك المقتول ويأتي إلى الدجال (ويتهلل) أي يضيء (وجهه) مثل ضوء الهلال والقمر أي يقبل إليه حالة كونه (يضحك) وهو حال من فاعل يقبل أي يقبل حالة كونه ضاحكًا بشاشًا اهـ من المرقاة، والمعنى يصير حيًّا بعدما كان ميتًا، وقد ذكرنا أن كل ما يظهر على يدي الدجال من الخوارق استدراج له (فبينما هو) أي الدجال كائن (كذلك) أي على ذلك من قتله وإحيائه أي فبينما أوقات كون الدجال على ذلك المذكور من قتله وإحيائه (إذ بعث الله) عزَّ وجلَّ وأرسل إليه (المسيح ابن مريم) أي عيسى بن مريم - عليه السلام - (فينزل) عيسى (عند المنارة) أي بفتح الميم أي عند المئذنة (البيضاء) الكائنة تلك المنارة في (شرقي) مدينة (دمشق) اسم مدينة مشهورة بالشام سُميت باسم أول من بناها وهو دمشق بن نمروذ عدو إبراهيم الخليل - عليه السلام - وولده دمشق آمن بإبراهيم وهاجر معه من العراق إلى دمشق وهو من صلحاء أتباعه كما بيناه في الحدائق وفي أوائل هذا الكتاب، وإذ فجائية رابطة لجواب بينما، وقوله (شرقي دمشق) بنصب شرقي على الظرفية وإضافته إلى دمشق أي فينزل عند المنارة البيضاء حالة كون عيسى (بين مهرودتين) أي لابسًا حلتين مصبوغتين بورس أو زعفران، والمهرودتين بالدال المهملة ويعجم أي حالة كون عيسى بينهما بمعنى لابسهما اهـ من المرقاة، والمهرود الثوب الذي يُصبغ بالورس ثم بالزعفران قاله في النهاية. قوله (عند المنارة البيضاء) قال النووي: وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق وظاهر هذا أن عيسى - عليه السلام - ينزل بدمشق، وهذا ما جزم به البرزنجي في كتاب الإشاعة (ص 145) وقال السيوطي في مصباح الزجاجة (ص 297) قال ابن كثير: هذا هو الأشهر في موضع نزول عيسى وقد جددت هذه المنارة في زماننا في سنة إحدى

وَاضِعًا كَفَّيهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَينِ. إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ. وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ. فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ. وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ. فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وأربعين وسبعمائة من حجارة بيض ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث فرض الله بناء هذه المنارة لينزل عيسى ابن مريم عليها، ثم قال الحافظ ابن كثير: وقد ورد في بعض الأحاديث أن عيسى ينزل ببيت المقدس، وفي رواية بالأردن، وفي رواية بمعسكر المسلمين فالله أعلم بمكان نزوله، قال السيوطي: وحديث نزوله ببيت المقدس مذكور عند ابن ماجه وهو عندي أرجح ولا ينافي سائر الروايات لأن بيت المقدس هو شرقي دمشق وهو معسكر المسلمين إذ ذاك والأردن اسم الكورة كما في الصحاح وبيت المقدس داخل فيه فاتفقت الروايات فإن لم يكن في بيت المقدس الآن منارة بيضاء فلا بد أن تحدث قبل نزوله وقد حدثت وما رجحه السيوطي من نزول عيسى بيت المقدس هو ما رجحه أكثر العلماء والله أعلم. قوله (بين مهرودتين) على زنة مفعولتين ورُوي بالذال المعجمة أيضًا أي ينزل في ثوبين مصبوغتين بورس ثم بزعفران فبين هنا بمعنى في الظرفية وهذا كناية عن جمال ملبسه - عليه السلام - أي ينزل في مهرودتين حالة كونه (واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ) وخفض (رأسه قطر) رأسه أي صب رأسه قطرات الماء (وإذا رفعه) أي رفع رأسه (تحدر منه) أي نزل من رأسه (جمان) أي حبوب من الماء (كاللؤلؤ) أي مثل جمان اللؤلؤ والفضة في صفائها ولمعانها يعني إذا خفض رأسه قطر منه ماء كثير وإذا رفعه تحدر منه أي نزل منه ماء ببطئ وتأخر شيئًا فشيئًا شبيه بجمان اللؤلؤ وحبوبه في الصفاء واللمعان وهذا كناية عن جمال ذات عيسى - عليه السلام - وحسن خلقته مع جمال لباسه المذكور آنفًا (فلا يحل) أي لا يمكن ولا يقع (لكافر يجد ريح نفسه) أي ريح نفس عيسى - عليه السلام - بفتح النون والفاء أي فلا يمكن لكافر وجد ريح نفس عيسى الحياة في حال من الأحوال (إلا مات) ذلك الكافر الذي شم ريح نفس عيسى - عليه السلام - (ونفسه) أي والحال أن نفس عيسى (ينتهي) ويحل (حيث ينتهي) ويصل (طرفه) بسكون الراء أي بصره، وقال القرطبي: معناه أن الكفار لا يقربونه وإنما يهلكون عند رؤيته ووصول نفسه إليهم حفظًا من الله تعالى له وإظهارًا لكرامته (فيطلبه) عيسى أي يطلب عيسى الدجال ويتتبعه (حتى يدركه) أي حتى يدرك عيسى الدجال (بباب

لُدٍّ. فَيَقْتُلُهُ. ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ. فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ. فَبَينَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ لد) بضم اللام وتشديد الدال وبصرفه اسم جبل بالشام وقيل اسم قرية من قرى بيت المقدس وقيل بلدة معروفة في فلسطين قريبة من بيت المقدس ولحكومة إسرائيل فيها اليوم مطار (فيقتله) أي فيقتل عيسى الدجال، قال العلامة علي القاري في المرقاة [10/ 198] قوله (فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات) يجوز كون الدجال مستثنى من هذا الحكم لحكمة إراءة دمه في الحربة ليزداد كونه ساحرًا في قلوب المؤمنين ويحتمل كون هذه الكرامة لعيسى أولًا حين نزوله ثم تكون زائلة حين يرى الدجال إذ دوام الكرامة ليس بلازم، وقيل النفس الذي يموت الكافر لأجله هو النفس المقصود به إهلاك الكافر لا النفس المعتاد فعدم موت الدجال لعدم النفس المراد وقيل المفهوم منه أن من وجد من نفس عيسى من الكفار يموت ولا يُفهم منه أن يكون ذلك أول وصول نفسه فيجوز أن يحصل ذلك بهم بعد أن يريهم عيسى - عليه السلام - دم الدجال في حربته للحكمة المذكورة، ثم قال علي القاري رحمه الله تعالى: من الغريب أن نفس عيسى - عليه السلام - تعلّق به الإحياء لبعض والإماتة لبعض ومقصوده أن عيسى - عليه السلام - قد أُوتي عند بعثته معجزة إحياء الموتى بنفسه وفي آخر حياته صار نفسه سببًا لموت الكفار اهـ من التكملة (ثم يأتي عيسى ابن مريم) بالنصب على المفعولية (قوم) بالرفع على الفاعلية أي يأتيه قوم من المسلمين (قد عصمهم) أي قد حفظهم (الله) تعالى (منه) أي من شر الدجال وفتنته (فيمسح) عيسى ابن مريم (عن وجوههم) أي يمسح عن وجوه أولئك القوم أي يزيل عن وجوههم بمسحه عليها ما أصابها من غبار سفر الغزو ووعثائه مبالغة في إكرامهم وفي اللطف بهم وقيل معناه يكشف ما نزل بهم من الخوف والمشقات والحزن والكآبة على وجوههم بما يسرهم من خبره بقتل الدجال فيكون المعنى الأول حقيقيًّا والثاني مجازيًا (ويحدّثهم) عيسى أي يخبرهم (بدرجاتهم في الجنة فبينما هو) أي عيسى كائن (كذلك) أي على ذلك من مسح وجوههم وإخباره بدرجاتهم (إذ أوحى الله) تعالى (إلى عيسى إني قد أخرجت) أي أوحى إليه بأني قد أخرجت (عبادًا لي) من مقرهم (لا يدان) أي لا طاقة (لأحد) من الناس ولا قدرة (بقتالهم) أي على قتال أولئك العباد واليدان كناية عن القوة

فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيرَةِ طَبَرِيَّةَ. فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهما مظهر القوة، قال الأبي: وعبّر باليد لأن الدفاع لا يكون إلا بها وثنيت مبالغة كأن يديه معدومتان للعجز عن دفعهم، وإعرابه يدان مثنى اللفظ مفرد المعنى في محل النصب اسم لا مبني على فتح مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الحكاية. وقوله (أخرجت عبادًا لي) أي أظهرت جماعة منقادة لقضائي وقدري والمراد بهم يأجوج ومأجوج والمعهود في الكتاب والسنة عمومًا أنه إذا قصد بالعباد الكفار والطغاة أضيفوا إلى الله سبحانه بواسطة اللام كما في قوله تعالى: في سورة الإسراء {بَعَثْنَا عَلَيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وأما إذا أُريد بهم المسلمون والصلحاء أُضيفوا إلى الله تعالى بلا واسطة كقوله: {يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16] وكقوله: هنا (فحرز عبادي) المؤمنين أي فاجمعهم (إلى الطور) أي إلى جبل الطور. وقوله (فحرز) بتشديد الراء مد التحريز مأخوذ من الحرز، والمراد بالعباد هنا المسلمون فأضيفوا إلى الله بدون واسطة اللام، والطور جبل معروف بالشام أي ضمهم إليه واجعله حرزًا لهم يقال أحرزت الشيء أحرزه إحرازًا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ أي ارتحل بهم إلى جبل يحرزون فيه أنفسهم، والطور الجبل بالسريانية فيعم كل جبل ويحتمل أن يكون ذلك هو طور سيناء (ويبعث الله) سبحانه وتعالى أي يرسل الله سبحانه (يأجوج ومأجوج) من مقرهم وهو ما وراء سد ذي القرنين على الناس أي على أهل الأرض مشارقها ومغاربها جنوبها وشمالها (وهم) أي والحال أن يأجوج ومأجوج (من كل) أي إلى كل (حدب) ومكان مرتفع (ينسلون) أي يسرعون وقد تقدم القول على يأجوج ومأجوج في أول كتاب الفتن فراجعه، والحدب بفتحتين المكان المرتفع من الآكام والكداء، وينسلون من النسلان وهي مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر قاله القتبي، وقال الزجاج: ينسلون يسرعون (فيمر أوائلهم) أي أوائل يأجوج ومأجوج جمع أول (على بحيرة طبرية) والبحيرة تصغير بحرة وبحيرة طبرية بفتح الطاء والباء بحيرة من أعمال الأردن في طرف الغور وفي طرف جبل وجبل الطور مطل عليها وتطل على هذه البحيرة مدينة طبرية وهي التي ينسب إليها الإمام الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة أما النسبة على طبرستان فطبري راجع معجم البلدان لياقوت الحموي [5/ 17 و 18] (فيشربون ما فيها) أي ما في البحيرة من الماء حتى

وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ، مَرَّةً، مَاءٌ. وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ. حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيرًا مِنْ مِئَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ. فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ. فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ينشفوها (ويمر آخرهم) على تلك البحيرة (فيقولون) أي يقول الأواخر بعضهم لبعض والله (لقد كان بهذه) البقعة (مرة) من الدهور أي زمنًا من الأزمان (ماء) فأين هو الآن يعني أن أوائلهم يشربون ماء البحيرة كله حتى لا يبقى للماء فيها إلا آثار فيمر عليها أواخرهم فيدركون بهذه الآثار أنه كان فيها ماء أولًا (ويحصر) أي يحبس (نبي الله عيسى) عليه السلام (وأصحابه) من المؤمنين أي يبقون محصورين على جبل الطور بلا طعام ولا شراب (حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم) يعني أنهم تشتد بهم الفاقة والمجاعة إلى حد نفاد أغذيتهم وطعامهم وهم محاصرون بيأجوج ومأجوج حتى لا يوجد رأس الثور وهو فحل البقر إلا بمائة دينار، وهذا مع كمال رخص البقر في تلك الديار الشامية ومع أن رأس الثور لا يرغب فيه الناس رغبتهم في لحم باقي أعضاء البقر، قال القاضي: لعل ذلك لما ينالهم من الحاجة إلى ما يأكلون وهم لا يحرثون لشدة حصرهم، قال الأبي: وإنما ذكر الرأس ليقاس البقية عليه في القيمة (فيرغب) أي يتضرع إلى الله تعالى ويدعوه (نبي الله عيسى وأصحابه) أي يدعونه الفرج من هذه المحاصرة والمجاعة، والرغبة ها هنا بمعنى الدعاء وزاد في بعض الروايات إلى الله (فيرسل الله) تعالى (عليهم) أي على يأجوج ومأجوج أي يسلط الله عليهم وينزل بهم (النغف) بفتحتين جمع نغفة وهي دود يكون في أنوف الإبل والغنم (في رقابهم) وهذا استجابة لدعاء عيسى وأصحابه - عليه السلام - (فيصبحون) أي يصبح يأجوج ومأجوج أي يكونون في صباح تلك الليلة التي دعوا عليهم فيها (فرسى) أي هلكى موتى دفعة (كموت نفس واحدة). وقوله (فرسى) كهلكى وزنًا ومعنى وهو جمع فريس كقتيل وقتلى مأخوذ من فرس الذئب الشاة إذا كسرها وقتلها ومنه فريسة الأسد. وقوله (كموت نفس واحدة) أي يهلكون جميعًا دفعة واحدة، قال التوربشتي رحمه الله: يعني أن القهر الإلهي الغالب على كل شيء يفرسهم دفعة واحدة فيصبحون قتلى وقد نبه بالكلمتين أعني النغف وفرسى على أنه سبحانه يهلكهم في أدنى ساعة بأهون شيء

ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ. فَلَا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ. فَيُرْسِلُ اللهُ طَيرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيثُ شَاءَ اللهُ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو النغف فيفرسهم فرس السبع فريسته بعد أن طارت ثغرة البغي في رؤوسهم فزعموا أنهم قاتلوا من في السماء اهـ من المرقاة. (ثم) بعد هلاكهم (يهبط) وينزل (نبي الله عيسى وأصحابه) من جبل الطور (إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر) أي قدر شبر (إلا ملأه زهمهم) بفتحتين أي دسمهم (ونتنهم) أي عفونتهم وهو عطف تفسير لما قبله والزهم بفتح الزاي والهاء النتن والدسومة يقال زهمت يدي بكسر الهاء من باب فرح أي دسمت ثم استعيرت الكلمة للنتن لأن الدسومة تنتن بعد قليل، وذكر التوربشتي أن الزهم بفتحتين معناه الدسومة والزهم بضم الزاي وسكون الهاء الريح المنتنة، وذكر في القاموس أن الزهمة ريح لحم سمين (فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه) أي يتضرعون (إلى الله) ويدعونه تصفية الأرض من نتنهم (فيرسل الله) تعالى على موتى يأجوج ومأجوج (طيرًا) طوال الأعناق وغلاظها (كأعناق البخت) والإبل أي كطول أعناق البخت والإبل والبخت بضم الباء وسكون الخاء نوع من الإبل غلاظ الأعناق عظام الأسنام قاله القرطبي، وقال في اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية أعجمي معرب وهي الإبل الخراسانية تنتج من عربية وفالج وهي جمال طوال الأعناق اهـ (فتحملهم) أي فتحمل موتى يأجوج ومأجوج تلك الطيور (فتطرحهم حيث شاء الله) أي في مكان شاء الله طرحهم فيه مما لا يعلمه إلا الله (ثم) بعد نقل الطيور موتاهم (يرسل الله) أي ينزل الله سبحانه (مطرًا) شديدًا، زاد الترمذي قبله (ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ثم يرسل الله مطرًا) والنشاب السهام والجعاب ظرف السهام، وقوله (لا يكن) بضم الكاف وتشديد النون من باب شد وهو من كننت الشيء إذا سترته وصنته عن الشمس وهو بمعنى أكننت الشيء إذا سترته والمفعول محذوف جملة فعلية صفة لمطر أي يرسل الله مطرًا شديدًا لا يستر ولا يحجز (منه) أي من ذلك المطر لكثرته (بيت) مبني من (مدر) أي من طين متحجر (ولا) بيت ممدود من (وبر) أي من نسيج شعر إبل والمراد أن هذا المطر يصيب

فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ. ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ. فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ. وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا. وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كل شيء سواء كان ذلك الشيء تحت سقف البيت أم لا لأن الماء يتقاطر من سقف البيت أيضًا لشدته، وقوله (بيت مدر ولا وبر) مرفوع على الفاعلية ليكن و (المدر) بفتحتين التراب المتحجر والمراد به هنا البيوت المحكمة المبنية من الأحجار والطوب واللبن كبيوت المدن والقرى و (الوبر) بفتح الواو وسكون الباء صوف الإبل والمراد به هنا البيوت المبنية من وبر الإبل وصوف الغنم وشعر البقر يعني غير المحكمة كبيوت أهل الريف والمواشي (فيغسل) ذلك المطر (الأرض) كلها شرقًا وغربًا أي ينزفها من آثار جيف يأجوج ومأجوج (حتى يتركها) أي يترك الأرض ويصيرها (كالزلفة) بفتح الزاي واللام أي كالمرآة في صفائها ونقائها، وقيل معناه كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء المملوء ماء، وقيل كالإجانة الخضراء، وقيل كالروضة ويُروى كالزلقة بالقاف بدل الفاء ومعناهما واحد (ثمَّ يقال للأرض) من جهة الله تعالى: (انبتي ثمرتك) أي أخرجي أشجارك وثمارك فتنبت ثمرتك (ورُدي بركتك) أي خيراتك من الثمار والحبوب والأعشاب والمياه (فيومئذ) أي فيوم إذ أمرت الأرض بإخراج خيراتها فأخرجتها وهو أيام نزول عيسى - عليه السلام - (تأكل العصابة) أي الجماعة من الناس (من الرمانة) أي من الحبة الواحدة من الرمان أي يشبعون منها لكبرها وذلك من بركة الأرض (ويستظلون) أي تستظل العصابة من حر الشمس (بقحفها) بكسر القاف وسكون الحاء أي بقشرها الذي أكلوا منه والقحف في الأصل عظم مستدير فوق دماغ الإنسان واستعير هنا لما يلي رأس الرمانة من القشر، وقيل ما انفلق من جمجمته وانفصل، والجمجمة هي العظم المحتوي على الدماغ والمراد أن الرمانة تكون كبيرة بحيث تستظل بقشرها العصابة (ويبارك في الرسل) أي في اللبن وهو بكسر الراء وسكون السين أي ينزل الله فيه البركة (حتى إن اللقحة من الإبل) واللقحة بكسر اللام وفتحها مع سكون القاف فيهما لغتان مشهورتان والكسر أشهر هي الناقة القريبة العهد بالولادة وجمعها لقح كبركة وبرك واللقوح ذات اللبن وجمعها لقاح أي حتى إن لبن اللقحة من الإبل (لتكفي الفئام) أي الجماعة (من الناس) وهمزة إن في قوله حتى إن اللقحة مكسورة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها، وحتى

وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ. وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ. فَبَينَمَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً. فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ. وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ. يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ اتبتدائية، وفتحها في تشكيل أغلب النسخ غلط ممن لا يعرف العربية، والفئام بكسر الفاء على وزن رجال الجماعة ولا واحد له من لفظه والمراد أن لبن الناقة الواحدة ليكفي جماعة من الناس والمراد من الفئام هنا جماعة أكثر من القبيلة (واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس) والقبيلة أكثر من الفخذ وأقل من الفئام (واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس) قال أهل اللغة: الفخذ الجماعة من الأقارب وهم دون البطن والبطن دون القبيلة اهـ نووي. قال الزبير بن بكار: العرب على ست طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة وما بينهما من الآباء فإنها يعرفها أهلها وسميت بالشعوب لأن القبائل تتشعب منها وسميت القبائل بذلك لأن العمائر تقابلت عليها فالشعب يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطون تجمع الأفخاذ، قال ابن فارس: لا يقال في فخذ النسب إلا بسكون الخاء بخلاف الجارحة تلك يقال فيها بكسر الخاء وسكونها وبكسر الفاء أيضًا اهـ من المفهم (فبينما هم) أي الناس كائنون (كذلك) أي مبسوطون عليهم من بركات الأرض (إذ بعث الله ريحًا طيبة) وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي بينا أوقات كونهم مبسوطين عليهم فاجأهم بعث الله تعالى عليهم ريحًا طيبة أي لينة (فتأخذهم) تلك الريح بألم يظهر (تحت آباطهم) جمع إبط وهو ما تحت مجتمع الكتف والعضد (فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم) قال النووي هكذا هو في جميع نسخ مسلم (وكل مسلم) بالواو المفيدة للجمع والصواب أن يقال (أو كل مسلم) بأو المفيدة للشك (ويبقى) على الأرض (شرار الناس) أي خبائثهم ورذائلهم ممن لا مروءة ولا حياء له وهم الكفار حالة كونهم (يتهارجون) أي يتجامعون (فيها) أي في الأرض أو في تلك الأزمنة تهارجًا كـ (تهارج الحمر) في الشوارع وبحضرة الناس والحمر بضمتين جمع حمار وهو ذكر الأتان أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون لذلك من الهرج بسكون الراء وهو الجماع يقال هرج زوجته إذا جامعها يهرجها بتثليث الراء، وفسره بعضهم بأن المراد من التهارج هنا التخاصم فإن الأصل في الهرج

فَعَلَيهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ". 7198 - (. .) (. .) حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. . قَال ابْنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الآخَرِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ "- لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ، مَرَّةً، مَاءٌ - ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ. وَهُوَ جَبَلُ بَيتِ الْمَقْدِسِ. فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــ القتل وسرعة عدو الفرس وهرج في حديثه أي خلط اهـ من المرقاة (فعليهم) أي فعلى هؤلاء الشرار (تقوم الساعة) وينفخ الصور. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الملاحم باب خروج الدجال [4321]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في فتنة الدجال [2240]، وابن ماجه في الفتن باب طلوع الشمس من مغربها [4126]، وأحمد [4/ 181]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - فقال: 7198 - (. .) (. .) (حدثنا علي بن حجر السعدي) المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي الدمشقي، لا بأس به (والوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (قال ابن حجر دخل حديث أحدهما في حديث الآخر) كلاهما رويا (عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي الدمشقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب. غرضه بيان متابعة علي بن حجر لزهير بن حرب، وساق علي بن حجر (بهذا الإسناد) يعني عن يحيى بن جابر عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن النواس (نحو ما ذكرنا) عن زهير بن حرب (و) لكن (زاد) علي بن حجر (بعد قوله) أي بعد قول الحديث (لقد كان بهذه مرة ماء) أي زاد لفظة (ثم يسيرون) أي يسير يأجوج ومأجوج (حتى ينتهوا) أي يصلوا (إلى جبل الخمر) بفتحتين وفسره الراوي بقوله (وهو جبل بيت المقدس) والخمر هو الشجر الملتف الذي يستر من فيه سُمي الجبل بذلك لكثرة شجره (فيقولون) أي يقول يأجوج ومأجوج بعضهم لبعض عندما وصلوا إلى ذلك الجبل (لقد قتلنا من في الأرض) كلهم

هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: "فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَي لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى استأصلناهم أي قد قتلنا من كان ظاهرًا فيها وقد مر أن عيسى - عليه السلام - وأصحابه يكونون محصورين مستورين (هلم) أي هلموا وأقبلوا إلى قتال من في السماء (فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم) أي بسهامهم واحده نشابة (إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دمًا) أي ملطخة به (وفي رواية ابن حجر) لفظة (فإني قد أنزلت) وأخرجت (عبادًا لي) من مقرهم (لا يدي) أي لا قدرة (لأحد) من الناس (بقتالهم) أي على قتالهم بدل قول زهير بن حرب في روايته (إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم). قوله (مخضوبة دمًا) استدراجًا لهم مع احتمال إصابة سهامهم لبعض الطيور فيكون فيه إشارة إلى إحاطة فسادهم بالسفليات والعلويات اهـ من المرقاة. قوله (لا يدي لأحد) يدي تثنية يد حذفت نونه للتخفيف أو لغة وإعرابه يدي في محل النصب اسم لا مبني على الياء نيابة عن الفتح لأن لفظه من المثنى الذي رفعه بالألف ونصبه وجره بالياء، وعبارة محمد الدهني (قوله لا يدي لأحد بقتالهم) وفي رواية غيره لا يدان لأحد كما سبق على كون لفظة لا: لا المشبهة بليس فهو مرفوع بالألف، وأما في هذه الرواية فهي لنفي الجنس تعمل عمل إن ولكن لم يظهر لي وجه سقوط نون التثنية من يدي اللهم إلا أن يقال وجهه على إجرائه مجرى الإضافة لأحد والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث حذيفة بن اليمان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث أبي مسعود الأنصاري ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والسادس حديث النواس بن سمعان ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عز وجل، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه

767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عزَّ وجلَّ، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه 7199 - (2917) (84) حدّثني عَمْروٌ النَّاقِدُ وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. وَالسِّيَاقُ لِعَبْدٍ. (قَال: حَدَّثَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ - وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا حَدِيثًا طَويلًا عَنِ الدَّجَّالِ. فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَال: "يَأْتِي، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 767 - (11) باب حرمة المدينة على الدجال وقتله المؤمن وإحيائه هناك، وكون الدجال أهون على الله عزَّ وجلَّ، وقدر مكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو حرمة دخول المدينة عليه. . إلخ بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: 7199 - (2917) (84) (حدثني عمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (والحسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (وألفاظهم متقاربة والسياق) أي واللفظ المسوق في بيان الحديث (لعبد) بن حميد (قال) عبد (حدثني وقال الآخران حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني، ثقة، من (4) (أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني، الفقيه الأعمى أحد السبعة، ثقة، من (3) (أن أبا سعيد الخدري) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سباعياته (قال) أبو سعيد (حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا) من الأيام المباركة (حديثًا طويلًا عن) شأن (الدجال فكان فيما حدثنا) فيه أنه (قال يأتي) الدجال المدينة (وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة) بكسر النون أي طرقها جمع نقب وهو الطريق بين جبلين أي ممنوع من دخول المدينة بالملائكة التي تحرسها على ما ذكر في

فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ. فَيَخْرُجُ إِلَيهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيرِ النَّاسِ. فَيَقُولُ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيتُهُ، أَتَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث أنس (قوله حديثًا طويلًا عن الدجال) وقد ورد عن أبي سعيد عدة أحاديث في صفة الدجال يمكن أن تكون مأخوذة من هذا الحديث الطويل الذي لم يذكره هنا بطوله فمنها ما مر في قصة ابن صياد أن الدجال يهودي وأنه لا يُولد له، ومنها ما ورد عنه عند أبي يعلى والبزار ومعه مثل الجنة والنار وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى كلما خرجا من قرية دخل أوائلها وهو عند أحمد بن منيع مطوّل وسنده ضعيف، وفي رواية أبي الودّاك عن أبي سعيد رفعه في صفة عين الدجال أيضًا وفيه (معه من كل لسان ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء وصورة النار سوداء تدخن) اهـ فتح الباري [3/ 102]. (فينتهي) أي يصل (إلى بعض السباخ التي تلي المدينة) وتتصل بها والسباخ جمع سبخة بفتحات وهي الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها وهذه صفة أرض خارج المدينة من غير جهة الحرة يعني أنه لا يُمكّن من دخول المدينة فينزل في هذه الأرض (فيخرج إليه) أي إلى الدجال (يومئذ) أي يوم إذ قارب المدينة (رجل هو خير الناس) أي أفضل المؤمنين علمًا وعملًا (أو) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (من خير الناس) والشك من الراوي أو ممن دونه (فيقول) ذلك الرجل للدجال (أشهد أنك الدجال الذي حدَّثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه) وخبره، وفي رواية عطية عند أبي يعلى والبزار "والمؤمنون متفرقون في الأرض فيجمعهم الله فيقول رجل منهم والله لأنطلقن فلأنظرن هذا الذي أنذرناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمنعه أصحابه خشية أن يفتتن به فيأتي حتى إذا أتى أدنى مسلحة من مسالحه أي في معسكر الدجال أخذوه فسألوه ما شأنه فيقول أريد الدجال الكذاب فيكتبون إليه بذلك فيقول: أرسلوا به إليّ فلما رآه عرفه" وعطية ضعيف وقد وُثّق (فيقول الدجال) وزاد عطية في روايته المذكورة قبل ذلك "فيقول له الدجال لتطيعني فيما آمرك به أو لأشقنك شقتين فينادي: يا أيها الناس هذا المسيح الكذاب فيقول الدجال" للناس (أرأيتم) أي أخبروني (إن قتلت هذا) الرجل المنكر لي (ثم أحييته أتشكون) أي هل تشكون (في الأمر) أي في ألوهيتي وربوبيتي (فيقولون) أي

لَا. قَال: فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ. فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللهِ، مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الآنَ. قَال: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيهِ". قَال أَبُو إِسْحَاقَ: يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عَلَيهِ السَّلامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقول الناس جوابًا للدجال (لا) أي لا نشك في ألوهيتك وربوبيتك ولعلهم قالوا ذلك خوفًا منه لا تصديقًا له، ويحتمل أنهم قصدوا لا نشك في كذبك ودجلك وكفرك فإن من شك في كذبه وكفره كفر وخادعوه بهذه التورية، ويحتمل أن الذين قالوا لا نشك هو مصدّقوه من اليهود وغيرهم ممن قدّر الله تعالى شقاوته اهـ من النووي. (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (فيقتله) أي فيقتل ذلك الرجل الدجال (ثم) بعدما قتله (يحييه) بإذن الله تعالى استدراجًا له (فيقول) الرجل (حين يحييه والله ما كنت فيك) أي في شأنك ودجلك (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (أشد بصيرة) وعلمًا ويقينًا (مني) أي من معرفتي دجلك (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر الذي أحييتني فيه (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيريد الدجال أن يقتله) ثانيًا (فلا يسلط) الدجال (عليه) أي على قتله ثانيًا ولا يقدر وبعجزه عن قتله ثانيًا يفتضح وسيأتي تفصيل ذلك في رواية أبي الودّاك الآتية وهذا أول دليل على أن ما فعله من قبل من إحياء الميت على سبيل الاستدراج فمن كان قد اغتر بفعلته الأولى ينكشف له دجله في آخر الأمر والله أعلم. (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن سفيان راوي هذا الجامع الصحيح عن مؤلفه الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما صرح به النووي، وذكر القرطبي أن المراد به أبو إسحاق السبيعي ولكن رده الحافظ في الفتح [13/ 104] لأنه لم يوجد له ذكر في إسناد هذا الحديث فالظاهر أنه وهم منه رحمه الله تعالى. (إن هذا الرجل) الذي أنكر الدجال وقتله (هو) نبي الله (الخضر - عليه السلام -) ولعل مستنده ما قاله معمر في جامعه بعد ذكر هذا الحديث "بلغني أن الرجل الذي يقتله الدجال الخضر" وكذا أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرزاق عن معمر قال: كانوا يرون أنه الخضر، وقال ابن العربي: سمعت من يقول إن الذي يقتل الدجال هو الخضر وهذه دعوى لا برهان لها، لكن قال الحافظ في الفتح (قلت) وقد تمسك من قاله بما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي عبيدة بن الجراح رفعه في ذكر الدجال "لعله أن يدركه بعض من رآني أو سمع كلامي" الحديث ووجه الاستدلال بهذا الحديث أنه لم يبق

7200 - (. .) (. .) وحدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. 7201 - (. .) (. .) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد اليوم ممن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو سمع كلامه إلا الخضر عليه السلام على قول من يقول بحياته وقد بسطنا الكلام على ذلك في باب فضائل الخضر - عليه السلام - وأن الأسلم في ذلك السكوت، وأما حديث أبي عبيدة الذي أشار إليه الحافظ فيمكن الإجابة عنه بعد ثبوته بأنه ليس فيه جزم ولا يقين بخلاف الأحاديث التي ورد فيها أن عيسى - عليه السلام - هو الذي يقتله والله أعلم اهـ من التكملة. ثمَّ ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - فقال: 7200 - (. .) (. .) (وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن الزهري) غرضه بيان متابعة شعيب لصالح بن كيسان، وساق شعيب (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن عبيد الله عن أبي سعيد (بمثله) أي بمثل حديث صالح بن كيسان. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - فقال: 7201 - (. .) (. .) (حدثني محمد بن عبد الله بن قهزاذ) المروزي (من أهل مرو) أي المنسوب إلى أهل مرو، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد الله بن عثمان) بن جبلة بن أبي رواد الأزدي المروزي الملقب بعبدان، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي حمزة) محمد بن ميمون المروزي السكري، سُمي بذلك لحلاوة كلامه قاله عباس بن محمد، روى عن قيس بن وهب في الفتن، وزياد بن علاقة وعاصم بن بهدلة وطائفة، ويروي عنه (ع) وعبد الله بن عثمان في الفتن يعني في قصة

عَنْ قَيسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ، مَسَالِحُ الدَّجَّالِ. فَيَقُولُونَ لَهُ: أَينَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ. قَال: فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا؟ فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدجال وابن المبارك والفضل بن موسى ونعيم بن حماد وغيرهم، وثقة أحمد وابن معين والنسائي، وقال في التقريب: ثقة فاضل، من السابعة، مات سنة (168) ثمان وستين ومائة (عن قيس بن وهب) الهمداني الكوفي، روى عن أبي الوداك في الفتن وأنس، ويروي عنه (م د ق) وأبو حمزة السكري والثوري وإسرائيل، وثقه ابن معين وأحمد والعجلي، له في (م) حديث واحد، وقال في التقريب: ثقة، من (5) (عن أبي الوداك) جبر بن نوف الهمداني البكالي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (2) بابين النكاح والفتن (عن أبي سعيد الخدري) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الوداك لعبيد الله بن عبد الله الهذلي (قال) أبو سعيد (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج الدجال) من سجنه في البحر (فيتوجه) أي يستقبل (قبله) أي جهة الدجال (رجل من المؤمنين فتلقاه) أي فتلقى ذلك الرجل (المسالح) بفتح الميم وكسر اللام، ولا وجه لما قاله السنوسي من كونه بفتح اللام وهم القوم ذوو السلاح يحفظون الثغور والمراكز العسكرية كالخفراء سُموا بذلك لحملهم السلاح. وقوله (مسالح الدجال) بدل من المسالح بدل كل من كل أي تلقته المسلحة للدجال، وقال رحمه الله تعالى: ولعل المراد بهم ها هنا مقدمة جيشه وأصلها موضع السلاح ثم استعمل للثغر لأنه يُعد فيه الأسلحة ثم للجند المترصدين ثم لمقدمة الجيش فإنهم من الجيش كأصحاب الثغور اهـ من المرقاة [10/ 203] (فيقولون) أي فتقول المسالح (له) أي للرجل المؤمن (أين تعمد) أي إلى أين تقصد (فيقول) الرجل (أعمد) أي أقصد (إلى) استقبال (هذا) الكذاب (الذي خرج) وظهر لفتنة المسلمين (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيقولون) أي فتقول المسالح (له) أي للرجل المؤمن (أ) تنكر (وما تؤمن) أي تصدّق (بـ) ألوهية (ربنا) يعنون به الدجال فإنهم يزعمونه إلهًا (فيقول) الرجل لهم (ما بربنا) أي ليس في ألوهية ربنا وخالقنا (خفاء) أي التباس وشك فإن صفاته ظاهرة لا تخفى على أحد حتى نحتاج إلى غيره والمعنى ليس يخفى علينا صفات ربنا عن غيره فنعدل عنه إلى غيره

فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ. فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ. قَال: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ. فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. قَال: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ. فَيَقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ. فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا. قَال: فَيَقُولُ: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بِي؟ قَال: فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ. قَال: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أو نترك الاعتماد عليه (فيقولون) أي تقول مسلحة الدجال بعضهم لبعض (اقتلوه) أي اقتلوا هذا الرجل المنكر لربنا (فيقول بعضهم) أي يقول البعض الآخر (لبعض) منهم الذين أرادوا قتله (أليس قد نهاكم ربكم) يعنون به الدجال (أن تقتلوا أحدًا) من الناس (دونه) أي قبل وصوله إليه يريدون بربهم الدجال ومرادهم أن الدجال قد نهاكم عن قتل أحد بغير أمره وإذنه فكيف تقتلوه (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فينطلقون) فتذهب قوته المسلحة (به) أي بذلك الرجل المؤمن (إلى الدجال فإذا رآه) أي فإذا رأى ذلك (المؤمن) الدجال (قال) ذلك المؤمن لمن حضره (يا أيها الناس هذا) الذي تعبدونه هو (الدجال الذي ذكر) وبيّن لنا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بصفاته (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيأمر الدجال به) بشبحه ومده وبسطه ليجلده (فيشبح) بضم الياء وسكون الشين وفتح الباء الموحدة على صيغة المجهول أي يمد ذلك الرجل على بطنه يقال شبح يشبح من باب فتح والشبح مدك الشيء بين أوتاد أو الرجل بين شيئين ويقال شبح المضروب إذا مد للجلد وشبحه إذا مده كالمصلوب كذا في لسان العرب [7/ 15] ومثله في تاج العروس [2/ 169] ويمكن أن يكون من التشبيح من باب التفعيل كما في أغلب النسخ، ورواه بعضهم فيشبج بالجيم في آخره، وفي المرقاة بتشديد الموحدة المفتوحة أي يمد ليضرب (فيقول) الدجال للمسلحة (خذوه) أي خذوا هذا الرجل (وشجوه) من الشج وهو الجرح في الرأس والوجه ويُروى (واشبحوه) (فيوسع ظهره وبطنه ضربًا) أي لأجل الضرب أو من جهة الضرب (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيقول) له الدجال (أ) تنكرني (وما تؤمن بي) أي بألوهيتي بهمزة الاستفهام التقريعي (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيقول) الرجل للدجال آمنت بخالقي وعرفتك (أنت المسيح الكذاب، قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيؤمر به) أي فيأمر الدجال به أي بشق ذلك الرجل بالمنشار (فيؤشر) أي يشق الرجل (بالمنشار من مفرقه) أي من

بَينَ رِجْلَيهِ. قَال: ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَينَ الْقِطعَتَينِ. ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ. فَيَسْتَوي قَائِمًا. قَال: ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً. قَال: ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ. قَال: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذبَحَهُ. فَيجْعَلَ مَا بَينَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا، فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيهِ سَبِيلًا ـــــــــــــــــــــــــــــ وسط رأسه إلى رجليه (حتى يُفرّق) ويفصل (بين رجليه) قوله (فيؤشر بالمنشار) هكذا الرواية بالهمزة فيهما وهو الأفصح ويجوز تخفيف الهمزة فيهما فتُجعل في الأول واوًا وفي الثاني ياء ويجوز المنشار بالنون فيقال نشرت الخشبة وعلى الأول يقال أشرتها والمنشار آلة تشق بها الخشبة (من مفرقه) والمفرق موضع فرق الشعر من الرأس إلى القرنين وإلى القفا والناصية وهو وسطه، قوله (حتى يفرّق بين رجليه) بالبناء للمجهول مخففًا ومشددًا اهـ ملا علي (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثم) بعد شقه (يمشي الدجال بين القطعتين) أي بين الشقتين (ثم يقول) الدجال (له) أي للرجل (قم) حيًّا (فيستوي) أي فينتصب الرجل (قائمًا) أي مستويًا (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثم يقول) الدجال (له) أي للرجل (أتؤمن بي) أي هل تصدق بربوبيتي (فيقول) الرجل للدجال (ما ازددت فيك) أي في شأنك أيها الدجال بما فعلت بي من الإماتة والإحياء (إلا بصيرة) أي معرفة ويقينًا بأنك دجال كذاب (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثم يقول) الرجل للناس وينادي فيهم بقوله (يا أيها الناس إنه) أي إن الدجال (لا يفعل بعدي) أي بعدما فعل بي ما فعل (بأحد من الناس) شيئًا من الإحياء والإماتة (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيأخذه) أي فيأخذ (الدجال) ذلك الرجل (ليذبحه فيُجعل) بالبناء للمفعول أي فيجعل الله تعالى (ما بين رقبته) أي ما بين رقبة ذلك الرجل وما يليها (إلى ترقوته) أي ترقوة ذلك الرجل (نحاسًا) وحديدًا (فلا يستطيع) الدجال أي لا يجد (إليه) أي إلى قطعه (سبيلًا) أي طريقًا، والترقوة بفتح التاء وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق ولكل إنسان ترقوتان، قال علي القاري في المرقاة: قوله يُجعل (نحاسًا) المعنى أن الله تعالى يجعل ما بين رقبته إلى ترقوته صلبًا كالنحاس لا يعمل فيه السيف ولا السكين بناء على أنه مبني للمجهول وما بين رقبته نائب فاعل له ونحاسًا مفعول ثان، ورُوي بفتح الياء على البناء للفاعل وفاعله

قَال: فَيَأْخُذُ بِيَدَيهِ وَرِجْلَيهِ فَيَقْذِفُ بِهِ. فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ. وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ". فَقَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالمِينَ". 7202 - (2918) (85) حدَّثنا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيدٍ الرُّؤَاسِيُّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف للعلم به وهو الله تعالى والمفعولان على حالهما (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيأخذ) الدجال (يديه) أي يدي ذلك الرجل (ورجليه فيقذف) الدجال (به) أي بذلك الرجل (فيحسب) أي فيظن (الناس) الذين آمنوا به (إنما قذفه) ورماه (إلى النار وإنما أُلقي في الجنة) بالبناء للمجهول أي إنما أُوقع في الجنة واللام في الجنة للعهد أي في بستان من بساتين الدنيا ويمكن أن يرميه في النار التي معه ويجعلها الله تعالى له جنة وتصير تلك النار له روضة وجنة، وعلى كل تقدير فلم يحصل له موت على يده سوى ما قبل ذلك، قال أبو سعيد (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا) أي هذا الرجل الذي قتله الدجال (أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) أي أكثر الناس أجرًا على شهادته عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، قال علي القاري: فالمراد بها قتله الأول فتأمل اهـ مرقاة. ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو كون الدجال أهون على الله تعالى بحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فقال: 7202 - (2918) (85) (حدثنا شهاب بن عباد العبدي) أبو عمر الكوفي، روى عن إبراهيم بن حميد الرؤاسي في الفتن، ويروي عنه (خ م ت ق) وأحمد وابن المديني وأبو حاتم ووثقه، وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال عبد الرحمن الجزري: ثقة، وقال ابن سعيد وابن عدي: كان من خيار الناس، وقال في التقريب: ثقة، من (10) مات سنة (224) أربع وعشرين ومائتين، وليس في مسلم من اسمه شهاب إلا هذا (حدثنا إبراهيم بن حميد) بن عبد الرحمن (الرؤاسي) نسبة إلى رؤاس بطن من قيس غيلان، يدعى رؤاس أبو إسحاق الكوفي، روى عن إسماعيل بن أبي خالد في الفتن، والأعمش وهشام بن عروة، ويروي عنه (خ م ت س) وشهاب بن عباد وإسحاق بن منصور ويحيى بن آدم، وثقه أحمد وأبو حاتم والنسائي وأبو داود والعجلي وابن معين وقال: لم

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَال: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ. قَال: "وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ" قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالأَنْهَارَ. قَال: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أدركه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب ثقة، من الثامنة، مات سنة (178) ثمان وسبعين ومائة (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث بن عوف البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن مغيرة بن شعبة) بن أبي عامر الثقفي الكوفي، الصحابي الشهير - رضي الله عنه - روى عنه في (9) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) المغيرة (ما سأل أحد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال) سؤالًا (أكثر مما سألت) أي أكثر من سؤالي إياه عنه (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وما ينصبك) أي وما يتعبك (منه) أي من أمر الدجال وشأنه وهو بضم الياء من أنصب الرباعي قال ابن دريد: يقال أنصبه المرض وغيره ونصبه، والأول أفصح وهو تغير الحال من مرض أو تعب (إنه) أي إن الدجال (لا يضرك) أي لا يصل ضرره إليك لعلك ما تدرك زمنه (قال) المغيرة (قلت يا رسول الله إنهم) أي إن الناس (يقولون إن معه) أي إن مع الدجال (الطعام والأنهار) فينعم بذلك من آمن به ومعه أيضًا النار فيُعذب من كفر به بتلك النار (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (هو) أي الدجال (أهون) وأحقر (على الله) تعالى أي عند الله تعالى (من ذلك) أي من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مضلًا للمؤمنين ومشككًا لقلوبهم بل إنما جعل الله تعالى ذلك على يده ليزداد الذين آمنوا إيمانًا بالله تعالى ولتثبت الحجة على الكافرين بالله تعالى والمنافقين وليس معناه أنه ليس معه شيء من الجنة والنار اللتين جعلهما الله على يديه ابتلاء لعباده وامتحانًا لهم اهـ عيني، وفي القسطلاني (هو أهون على الله من ذلك) معناه هو أهون وأحقر وأضعف من أن يجعل شيئًا من ذلك آية على صدقه لا سيما وقد جعل الله فيه آية ظاهرة على كذبه وكفره يقرؤها من قرأ ومن لم يقرأ زيادة على شواهد كذبه من حدوثه ونقصه بالعور وليس المراد ظاهره وأنه لا يجعل على يديه شيئًا من ذلك بل هو على التأويل المذكور اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الفتن باب ذكر الدجال

7203 - (. .) (. .) حدَّثنا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ عن إسماعيل، عَنْ قَيسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَال: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ. قَال: "وَمَا سُؤَالُكَ؟ " قَال: قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَنَهَرٌ مِنْ مَاءٍ. قَال: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ [7122]، وابن ماجه في الفتن باب طلوع الشمس من مغربها [4124]، وأحمد [4/ 248]، والبغوي في شرح السنة [15/ 53]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة - رضي الله عنه - فقال: 7203 - (. .) (. .) (حدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) بن أبي حازم (عن المغيرة بن شعبة) غرضه بيان متابعة هشيم لإبراهيم بن حميد (قال) المغيرة (ما سأل أحد) من الصحابة (النبي - صلى الله عليه وسلم - عن) شأن (الدجال) سؤالًا (أكثر مما سألته) أي من سؤالي إياه - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال (قال) قيس بن أبي حازم قلت للمغيرة (وما سؤالك) للنبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن الدجال (قال) المغيرة (قلت) له - صلى الله عليه وسلم - (إنهم) أي إن الناس (يقولون) فيما بينهم (معه) أي مع الدجال (جبال من خبز ولحم) يطعمه من آمن به (و) معه (نهر من ماء) يسقيه من آمن به فـ (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - (هو) أي الدجال (أهون) وأضعف (على الله) أي عند الله تعالى (من ذلك) أي من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مضلًا للمؤمنين ومشككًا لقلوبهم بل أجرى ذلك على يده ليزدادوا به إيمانًا. قال القرطبي: قوله (هو أهون على الله من ذلك) أي الدجال على الله أهون من أن يجعل الله ما يخلقه على يديه من الخوارق مضلًا للمؤمنين ومشككًا لهم بل ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم وليرتاب الذين في قلوبهم مرض والكافرون كما قال له الذي قتله ثم أحياه: ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن، وقد تضمنت تلك الأحاديث المتقدمة أن عيسى - عليه السلام - ينزل ويقتل الدجال وهو مذهب أهل السنة والذي دل عليه قوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ} [النساء: 158]، والأحاديث الكثيرة الصحيحة المنتشرة وليس في العقل ما يحيل ذلك ولا يرده فيجب الإيمان به والتصديق بكل ذلك ولا يُبالي بمن خالف في ذلك

7204 - (. .) (. .) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ من المبتدعة ولا حجة لهم في اعتمادهم في نفي ذلك على التمسك بقوله: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وبما ورد في السنة من أنه لا نبي بعده ولا رسول ولا بإجماع المسلمين على ذلك ولا على أن شرعنا لا يُنسخ وهو ثابت إلى يوم القيامة لأنا نقول بموجب ذلك كله إن عيسى - عليه السلام - إنما ينزل لقتل الدجال ولإحياء شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وليعمل بأحكامها وليقيم العدل على مقتضاها وليقهر الكفار وليظهر للنصارى ضلالتهم ويتبرأ من إفكهم فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ويأتم بإمام هذه الأمة كما تقدم في كتاب الإيمان. والحاصل أنه لم يأت برسالة مستأنفة ولا شريعة مبتدأة وإنما يأتي عاضدًا لهذه الشريعة وملتزمًا أحكامها غير مغير لشيء منها والمنفي بالأدلة السابقة إنما هو رسول يزعم أنه قد جاء بشرع مبتدأ أو برسالة مستأنفة فمن ادعى ذلك كان كاذبًا كافرًا قطعًا اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المغيرة - رضي الله عنه - فقال: 7204 - (. .) (. .) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قالا حدثنا وكيع) بن الجراح (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني الكوفي (حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (20) بابا (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل هؤلاء الخمسة المذكورين من وكيع وجرير وسفيان ويزيد وأبي أسامة رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة لإبراهيم بن حميد، وساقوا

بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيدٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ: فَقَال لِي: "أَي بُنَيَّ". 7205 - (2919) (86) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، قَال: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْروٍ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَال: مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ؟ تَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَقَال: سُبْحَانَ اللهِ، أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (بهذا الإسناد) يعني عن قيس بن أبي حازم عن مغيرة (نحو حديث إبراهيم بن حميد، و) لكن (زاد) أبو بكر (في حديث يزيد) بن هارون لفظة قال المغيرة (فقال لي) قيس بن أبي حازم (أي بني) أي يا بني عن أبي شيء سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن الدجال وهو تصغير ابن، تصغير شفقة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو بيان قدر مكثه في الأرض ونزول عيسى وقتله بحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - فقال: 7205 - (2919) (86) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم) الثقفي الطائفي، ثقة، من (4) روى عنه في (2) الصلاة والفتن (قال) النعمان (سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي) الطائفي، مقبول، من (3) روى عنه في (2) الشعر والفتن، حالة كون يعقوب (يقول سمعت عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرشي السهمي الشامي - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته (و) الحال أنه قد (جاءه) أي جاء عبد الله بن عمرو (رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (فقال) ذلك الرجل لعبد الله بن عمرو (ما هذا الحديث الذي تحدث به) حالة كونك (تقول) في حديثك (إن الساعة) أي القيامة (تقوم إلى) أي عند (كذا وكذا) كناية عن الشيء المبهم (فقال) عبد الله للرجل (سبحان الله أو) قال عبد الله (لا إله إلا الله أو) قال عبد الله (كلمة نحوهما) أي شبههما في استعمالها في التعجب مع كونها من ذكر الله تعالى كقولهم الله أكبر أي قال عبد الله هذه الكلمات تعجبًا من اتهام الرجل له بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال

لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيئًا أَبَدًا. إِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا: يُحَرَّقُ الْبَيتُ، وَيَكُونُ، وَيَكُونُ. ثُمَّ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - (لَا أَدْرِي: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا) - فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله والله (لقد هممت) وقصدت وعزمت اليوم على (أن لا أحدّث أحدًا) من الناس (شيئًا) من الحديث (أبدًا) أي ما عشت، ولفظ أبدًا ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمان وإنما قال ذلك عبد الله بن عمرو لأنهم نسبوا إليه ما لم يقله فشق ذلك عليه ثم إنه لما علم أنه لا يجوز له ذلك ذكر ما عنده من علم ذلك اهـ مفهم (إنما قلت) لكم (إنكم سترون بعد قليل) من الزمن (أمرًا عظيمًا) أي فظيعًا يدل على قرب الساعة فمنه أنه (يحرق البيت) أي بيت الله تعالى يعني الكعبة وقد وقع تحريقه ورميه بالمنجنيق على يد جيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان خليفة الوقت في الشام أو على يد جيش حجاج بن يوسف الثقفي الجائر نائب يزيد، قوله (يحرق) وعبارة القرطبي هنا قد كان تحريق البيت في عهد ابن الزبير وذلك أن يزيد بن معاوية وجه من الشام مسلم بن عقبة المدني في جيش عظيم لقتال ابن الزبير فنزل بالمدينة وقاتل أهلها وهزمهم وأباحها ثلاثة أيام وهي وقعة الحرة وقد قدمنا ذكرها ثم سار يريد مكة فمات بقديد وولي الجيش الحصين بن نمير وسار إلى مكة فحاصر ابن الزبير وأحرقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها وجاء الخبر بموت يزيد فرجعوا اهـ من المفهم، وكان عبد الله بن عمرو إذ ذاك حيًّا، ورُوي أنه توفي أيام تلك الفتنة، (ويكون) كذا من الفتن (ويكون) كذا من الفتن الواقعة بين المسلمين يعني كنت ذكرت أشياء أخرى من الفتن التي ستقع قبل قيام الساعة (ثم قال) عبد الله - رضي الله عنه - (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج الدجال في أمتي فيمكث) الدجال في الأرض (أربعين) من كذا، قال عبد الله بن عمرو ولكن (لا أدري) ولا أعلم هل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أربعين يومًا أو) قال (أربعين شهرًا أو) قال (أربعين عامًا) والشك من عبد الله بن عمرو وقد ارتفع بالأخبار السابقة أنه أربعون يومًا على التفصيل المتقدم اهـ من المفهم. قال القاضي: ويرفع هذا الشك ما تقدم من أنها أربعون يومًا اهـ (فيبعث الله) سبحانه، معطوف على قوله يخرج الدجال أي فيُنزل الله (عيسى ابن مريم) من السماء لقتل الدجال حالة كون عيسى (كأنه عروة بن

مَسْعُودٍ. فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ. ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ. لَيسَ بَينَ اثْنَينِ عَدَاوَةٌ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ. فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ. حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيهِ، حَتَّى تَقْبِضَهُ". قَال: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. قَال: "فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيرِ وَأَحْلامِ السِّبَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مسعود) أي مشابهًا بعروة بن مسعود في صورته واضعًا يديه على أجنحة ملكين وعروة هذا هو عروة بن مسعود بن معتّب بالمهملة والمثناة المشددة بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي وهو عم والد المغيرة بن شعبة وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف أخت آمنة كان أحد الأكابر من قومه، قيل إنه المراد بقوله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وهو صحابي مشهور - رضي الله عنه - وفيه قصة طويلة راجع الإصابة [2/ 477] (فيطلبه) أي فيطلب عيسى الدجال (فيهلكه) زاد أحمد ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسد مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات (ثم) بعد قتله الدجال (يمكث) أي يجلس (الناس سبع سنين ليس بين اثنين) منهم (عداوة) ومحاقدة (ثم يرسل الله) أي ثم بعد سبع سنين يُرسل الله سبحانه (ريحًا باردة من قبل الشام) أي من جهته (فلا يبقى على وجه الأرض) أي على ظاهرها (أحد في قلبه مثقال ذرة) أي وزن نملة صغيرة (من خير أو) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الراوي من (إيمان) بالشك من الراوي أو ممن دونه (إلا قبضته) أي إلا قبضت تلك الريح روح ذلك المؤمن أي إلا تكون تلك الريح سببًا في قبض روحه (حتى لو أن أحدكم) أيها المؤمنون (دخل في كبد جبل) أي في وسطه وداخله وكبد كل شيء وسطه اهـ نووي، وفي المصباح كبد القوس مقبضها وكبد الأرض باطنها اهـ (لدخلته) أي لدخلت تلك الريح الجبل (عليه) أي على ذلك الأحد (حتى تقبضه) أي حتى تكون تلك الريح سببًا في قبض روحه (قال) عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - (سمعتها) أي سمعت هذه القصة أو تلك الريح الباردة (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيبقى) على الأرض بعد موت كل مؤمن بتلك الريح (شرار الناس) وخبائثهم ورذائلهم حالة كونهم (في خفة الطير وأحلام السباع) جمع حلم بضم الحاء وهو العقل، قال النووي: قال العلماء: معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء

لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا. فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيطَانُ فَيَقُولُ: أَلا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ. وَهُمْ فِي ذلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيشُهُمْ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ. فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا. قَال: وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهوات والفساد أي حالة كون سرعتهم إلى المفاسد كسرعة طيران الطير وحالة كونهم في المعاداة وظلم بعضهم بعضًا في أخلاق السباع العادية بعضها على بعض أي يبقى هؤلاء الشرار على الأرض حالة كونهم (لا يعرفون معروفًا) أي لا يمتثلون مأمورًا من مأمورات الشرع (ولا ينكرون منكرًا) أي لا يجتنبون منهيًا من مناهي الشرع (فيتمثل) أي يتصور (لهم الشيطان) بصورة إنسان (فيقول) لهم (ألا تستجيبون) إلى ما دعوتكم إليه (فيقولون) أي أولئك الشرار للشيطان (فما) ذا (تأمرون) به قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيأمرهم) الشيطان (بعبادة الأوثان) والأصنام (وهم) أي والحال أن أولئك الشرار (في ذلك) الوقت أي في وقت عبادتهم الأوثان (دار) أي نازل عليهم (رزقهم) بكثرة كدرور الضرع اللبن الغير المنقطع والسماء المطر الغزير. وقوله (رزقهم) بضم القاف فاعل لدار لأنه اسم فاعل من دريدر، وفي المصباح در اللبن وغيره درًا من بابي ضرب وقتل أي أكثر أي كثير رزقهم يعني لا ينقطع عنهم بسبب كثرة مفاسدهم (حسن) أي واسع (عيشهم) أي معاشهم من مطعم ومشرب وملبس وعافية (ثم ينفخ) عليهم أي على أولئك الشرار النفخة الأولى (في الصور) وهي المسماة نفخة الصعق أي الإماتة، والصور قرن ينفخ فيه كما جاء في الحديث (فلا يسمعه) أي فلا يسمع نفخ الصور (أحد) من الناس (إلا أصغى) وأمال (ليتًا) أي جانبًا واحدًا من جانبي عنقه للسقوط على الأرض للموت (ورفع ليتًا) أي جانبًا واحدًا من جانبي عنقه لاستماع نفخ الصور، والليت بكسر اللام وسكون الياء آخره مثناة فوقانية صفحة العنق أي جانبه، والإصغاء الإمالة يعني أن كل من يسمع نفخة الصور فإنه يصغي جانبًا من عنقه للسقوط على الأرض ويرفع الجانب الآخر لاستماع النفخة وهو كناية عن سقوط رأسه على أحد الشقين بسبب الصعقة التي تأخذه عند ذلك فلا تمهله (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وأول من يسمعه) أي يسمع نفخ الصور (رجل يلوط) من باب قال أي يطيّن ويصلح (حوض إبله) وينظفه من الغثاء ليسقيها فيه الماء، يقال لاط الحوض يلوط لوطًا ولاطه يليطه ليطًا من باب باع إذا

قَال: فَيَصْعَقُ، وَيَصْعَقُ النَّاسُ. ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ -أَوْ قَال: يُنْزِلُ اللهُ- مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَو الظِّلُّ، نُعْمَانُ الشَّاكُّ، فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ أصلحه ونظفه، وأصل اللوط اللصوق وألاط الشيء بالشيء ألصقه وألاط الولد بأبيه نسبه إليه والملتاط اللاحق بالقوم في النسب (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فيصعق) ذلك الرجل الذي يلوط الحوض عند سماعه أي يموت (ويصعق) أي يموت (الناس) كلهم، قال القاضي: أي يموت أهل الدنيا وكل حيوان لشدة الفزع وهول الصوت إلا من شاء الله وهو جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام ثم يأمر الله تعالى ملك الموت أن يقبض روح جبريل وميكائيل وإسرافيل ثم يأمر الله سبحانه ملك الموت أن يموت فيموت اهـ من المعلم (ثم) بعدما صعق الناس كلهم (يرسل الله) سبحانه أي يمطر (أو قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ينزل الله مطرًا) والشك من عبد الله بن عمرو أي يمطر مطرًا ثخينًا (كأنه الطل) بفتح الطاء المهملة أي مني الرجال (أو) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه (الظل) بكسر الظاء المثالة (نعمان الشاك) في أي الكلمتين قال يعقوب بن عاصم، قال القرطبي: والأصح أنه الطل بالطاء المهملة لقوله في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (ثم ينزل من السماء ماء) وفي حديث آخر كمني الرجال، قال النووي: قال القاضي: الأشبه بالطاء المهملة وهو ما ينزل في آخر الليل من الرطوبة لا بالظاء المثالة لأن الظل لا معنى له هنا (فتنبت منه) أي من ذلك المطر (أجساد الناس) وأجسامهم (ثم) بعد ذلك المطر، وثم حرف وُضعت للترتيب مع التراخي أي ثم بعد مدة من النفخة الأولى قيل هي أربعون سنة كما في الحديث الآخر (ينفخ فيه) أي في الصور نفخة (أخرى) أي نفخة ثانية وهي للبعث والنشور (فإذا) أي فإذا نفخ في الصور نفخة أخرى (هم) أي الناس (قيام) أي قائمون من قبورهم (ينظرون) أي ينظر بعضهم إلى بعض يقولون من بعثنا من مرقدنا (ثم) بعد قيامهم من قبورهم (يقال) للناس ويُنادي المنادي لهم وهو إسرافيل بقوله (يا أيها الناس هلم) أي أقبلوا (إلى) محشر (ربكم) واحضروه (و) للملائكة (قفوهم) أي قفوا الناس في موقف القيامة لـ (أنهم مسؤولون) عن أعمالهم خيرًا أو شرًّا ليجازوا عليها (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ. فَيُقَالُ: مِنْ كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ، تِسْعَمِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. قَال: فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْولْدَانَ شِيبًا. وَذلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (ثم يقال) للناس أو للملائكة (أخرجوا) أي ميزوا وافصلوا من أهل الموقف (بعث النار) أي حظها ونصيبها، وقد مر في آخر كتاب الإيمان في حديث أبي سعيد الخدري أن هذا القول يخاطب به آدم - عليه السلام - ولفظه (يقول الله عزَّ وجلَّ: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال: فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) الحديث، قال القرطبي: والجمع بينهما بأن المأمور أولًا آدم وهو يأمر الملائكة بالإخراج ومعنى الإخراج ها هنا بتمييز بعضهم عن بعض وإلحاق كل طائفة بما أُعد لها من الجنة أو النار (فيقال من كم) أي يقول المخاطبون بالإخراج من كم نخرج بعث النار أي بأية نسبة نُخرج أهل النار من بين سائرهم (فيقال) من جهة الرب جل جلاله أخرجوا (من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) بنصب تسعمائة وما عطف عليه على المفعولية بفعل محذوف كما قدرناه في الحل (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فذاك) اليوم الذي يقال فيه ذلك هو (يوم يجعل الولدان) أي يصير الصبيان (شيبًا) جمع أشيب أي أصحاب شيب والشيب الشعر الأبيض والولدان جمع وليد وهو الصغير يقال عليه من حين الولادة إلى أن يرجع جفرًا، و (شيبًا) جمع أشيب أي يجعلهم شيبًا لشدة أهوال ذلك اليوم وقيل هذا على سبيل التهويل والتمثيل كما قال أبو تمام: "خطوب تُشيّب رأس الوليد" (وذلك) اليوم هو (يوم يكشف) فيه (عن ساق) أي يوم يكشف الله فيه عن ساقه ويتجلى لعباده ويكشف الحجاب بينه وبينهم، وساق الله صفة ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقد بسطنا الكلام على هذه الصفة في تفسيرنا حدائق الروح والريحان بما لا مزيد عليه فراجعه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الملاحم باب أمارات الساعة [4310]، وابن ماجه في الفتن باب طلوع الشمس من مغربها [4120]، وأحمد [2/ 166]، والحاكم في المستدرك [4/ 543]، والبغوي في شرح السنة [15/ 93]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - فقال:

7206 - (. .) (. .) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَال: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَال: سَمِعْتُ رَجُلًا قَال لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ: إِنَّكَ تَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا. فَقَال: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَكُمْ بِشَيءٍ. إِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ تَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا. فَكَانَ حَرِيقَ الْبَيتِ - (قَال شُعْبَةُ: هَذَا، أَوْ نَحْوَهُ) قَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْروٍ: قَال رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي"، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَال فِي حَدِيثِهِ: "فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ". قَال مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرَّاتٍ، وَعَرَضْتُهُ عَلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7206 - (. .) (. .) (وحدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شبعة عن النعمان بن سالم قال سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال) يعقوب (سمعت رجلًا) من المسلمين، لم أر من ذكر اسمه (قال) ذلك الرجل (لعبد الله بن عمرو إنك) يا عبد الله (تقول إن الساعة تقوم إلى كذا) أي في وقت كذا (وكذا) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ، فغضب عبد الله من قول الرجل (فقال) والله (لقد هممت) وعزمت على (أن لا أحدثكم بشيء) سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف نسبت إليّ ما لم أقله (إنما قلت) لكم (إنكم) سـ (ترون بعد) زمن (قليل أمرًا عظيمًا) أي فظيعًا (فكان) أي فوقع (حريق البيت) أي تحريق الكعبة، قال محمد بن جعفر (قال شعبة هذا) اللفظ المذكور (أو) قال شعبة (نحوه) أي لفظًا قريبًا من المذكور ثم (قال عبد الله بن عمرو قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج) أي يظهر (الدجال) الذي أنذر منه كل نبي أمته حتى نوح - عليه السلام - (في أمتي، وساق) أي ذكر محمد بن جعفر (الحديث) السابق (بمثل حديث معاذ) بن معاذ (و) لكن (قال) ابن جعفر (في حديثه) أي في روايته لفظة (فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته) تلك الريح بلا ذكر شك كما ذكره معاذ بقوله (مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته) ثم (قال محمد بن جعفر حدثني شعبة بهذا الحديث مرات وعرضته) أي وعرضت هذا الحديث (عليه) أي على شعبة مرات فكنت متثبتًا في هذا الحديث.

7207 - (2920) (87) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ، قَال: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحىً. وَأَيُّهُمَا مَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن عمرو المذكور بحديث آخر له - رضي الله عنهما - فقال: 7207 - (2920) (87) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (عن أبي حيان) يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي المدني، من تيم الرّباب، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنهما -. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن عمرو (حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لم أنسه بعد) أي الآن ثم بيَّن ذلك الحديث بقوله (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إن أول الآيات) والأمارات التي تدل على قرب الساعة أي إن أولها (خروجًا) أي ظهورًا (طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى) فإن قيل كل منهما ليس بأول الآيات لأن بعض الآيات وقعت قبله قلت الآيات إما أمارات دالة على قربها فأولها بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -أو أمارات متتالية دالة على وقوعها وحصولها، والآيات المذكورة في هذا الحديث من هذا القسم قاله في المبارق، وأجاب عنه المناوي بقوله يعني الآيات الغير المألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج قبلها لأنها مألوفة اهـ وقال الطيبي في شرح المشكاة [10/ 106] فإن قيل طلوع الشمس من مغربها ليس بأول الآيات لأن الدخان والدجال قبله أجيب بأن الآيات إما أمارات دالة على قرب قيام الساعة، وإما أمارات دالة على قيام الساعة وحصولها بالفعل، ومن الأول الدخان وخروج الدجال ونحوهما ومن الثاني ما نحن فيه من طلوع الشمس من مغربها والرجفة وبس الجبال وخروج النار وطردها إلى المحشر إنما سُمي ما هنا أولًا لأنه مبدأ القسم الثاني اهـ (وأيهما) أي أي هاتين العلامتين (ما)

كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا". 7208 - (. .) (. .) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَال: جَلَسَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بِالْمَدِينَةِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنِ الآيَاتِ: أَنَّ أَوَّلَهَا خُرُوجًا الدَّجَّالُ. فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْروٍ: لَمْ يَقُلْ مَرْوَانُ شَيئًا. قَدْ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة (كانت) أي وقعت (قبل صاحبتها فالأخرى) أي المتأخرة منهما واقعة (على إثرها) أي على عقبها (قريبًا) غير متأخرة عنها، وقوله (وأيهما ما كانت) لفظة ما زائدة وتذكير أي باعتبار معنى كل منهما وتأنيث كانت باعتبار كونه علامة وهذا القول مشعر بأن طلوع الشمس ليس بأول على التعيين ولعل الواو في قوله (وخروج الدابة) بمعنى أو يؤيده ما جاء في رواية أخرى بلفظ (أو خروج الدابة). وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه بقوله: 7208 - (. .) (. .) (وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا أبو حيان) يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن عبد الله البجلي الكوفي (قال) أبو زرعة (جلس إلى مروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية أبي عبد الملك الأموي المدني أميرها، ثقة، من (2) أي جلس جنبه (بالمدينة ثلاثة نفر من المسلمين) لم أر من ذكر أسماءهم (فسمعوه) أي فسمعوا أولئك النفر مروان بن الحكم (وهو) أي والحال أن مروان بن الحكم (يحدّث) ويخبر (عن الآيات) أي عن الأمارات التي تدل على قرب الساعة فيحدّث (أن أولها خروجًا) أي ظهورًا (الدجال، فقال عبد الله بن عمرو) بن العاص - رضي الله عنه - حين سمع حديث مروان (لم يقل مروان) في حديثه (شيئًا) صحيحًا موافقًا لكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني أن مروان قد أخطأ في قوله إن خروج الدجال أول الآيات وإنما أول الآيات طلوع الشمس من مغربها ولعل سياق الكلام كان في القسم الثاني من الآيات التي جزء من حوادث الساعة وليست أمارات دالة على قربها فقط والله أعلم. فإني (قد حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لم أنسه بعد) أي الآن ثم بيّن

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. 7209 - (. .) (. .) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَال: تَذَاكَرُوا السَّاعَةَ عِنْدَ مَرْوَانَ. فَقَال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْروٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ ضُحىً ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) الحديث. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن نمير لمحمد بن بشر (فذكر) عبد الله بن نمير (بمثله) أي بمثل حديث محمد بن بشر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث عبد الله بن عمرو هذا - رضي الله عنه - فقال: 7209 - (. .) (. .) (وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصري (الجهضمي) ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن أبي حيان عن أبي زرعة قال) أبو زرعة (تذاكروا) أي تذاكر بعض الحاضرين (الساعة) أي في أحاديث أشراطها (عند مروان) بن الحكم (فقال عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) إن أول الآيات خروجًا الحديث. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لمحمد بن بشر وعبد الله بن نمير، وساق سفيان (بمثل حديثهما و) (لم يذكر) سفيان في حديثه لفظة (ضحى). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أربعة: الأول حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث المغيرة بن شعبة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عبد الله بن عمرو الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال

768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال 7210 - (2921) (88) حدَّثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ ابْنُ الشَّاعِرِ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، (وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ)، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ الْحُسَينِ بْنِ ذَكْوَانَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيدَةَ. حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ، شَعْبُ هَمْدَانَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ 768 - (12) باب في ذكر حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال الجساسة بفتح الجيم وتشديد السين الأولى، قيل سمت نفسها بذلك كما سيأتي في الحديث لتجسسها الأخبار للدجال لأن الدجال كان موثقًا في دير في جزيرة بحر الشام وكانت الجساسة في تلك الجزيرة كما في حديث المشارق في الباب الثامن اهـ من الحدائق، مأخوذة من التجسس بالجيم وهو الفحص عن الأخبار والبحث عنها ومنه الجاسوس وقد رُوي عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن هذه الدابة هي دابة الأرض التي تخرج للناس في آخر الزمان فتكلمهم اهـ من المفهم. واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الترجمة بحديث فاطمة بنت قيس - رضي الله عنهما - فقال: 7210 - (2921) (88) (حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث) العنبري البصري، صدوق، من (11) (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (كلاهما) رويا (عن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد) قال عبد الوارث (حدثنا أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري البصري، صدوق، من (9) (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن الحسين بن ذكوان) المعلّم المكتب العوذي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (حدثني عامر بن شراحيل) الهمداني (الشعبي شعب همدان) بفتح الباء على كونه منصوبًا بفعل مقدر تقديره أعني وهو تفسير لنسبة الشعبي يعني أنه منسوب إلى شعب همدان لأن شعبًا بطن من همدان كما في الأنساب للسمعاني [8/ 106] وذكر ابن الأثير في جمهرة

أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيسٍ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيسٍ. وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ. فَقَال: حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيرِهِ. فَقَالتْ: لَئِنْ شِئْتَ لأَفْعَلَنَّ. فَقَال لَهَا: أَجَلْ. حَدِّثِينِي. فَقَالتْ: نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ. وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيشٍ يَوْمَئِذٍ. فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنساب (ص 406) أنه من حمير ولا يبعد أن يكون هناك شعبان شعب همدان وشعب حمير فأراد الراوي أن يبين أن عامر بن شراحيل الشعبي من شعب همدان لا من شعب حمير (أنه) أي أن عامرًا (سأل فاطمة بنت قيس) بن خالد القرشية الفهرية (أخت الضحاك بن قيس) الصحابية المشهورة (وكانت من المهاجرات الأول فقال) الشعبي لفاطمة معطوف على قوله فسأل. وهذا السند من ثمانياته (حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والجملة الفعلية صفة أولى لحديثًا. وقوله: (لا تسنديه إلى أحد غيره) - صلى الله عليه وسلم - صفة ثانية لحديثًا. وقوله (فقالت) معطوف على قوله فقال أي فقالت فاطمة للشعبي والله (لئن شئت) أن أحدّثك حديثًا موصوفًا بما ذكرته (لأفعلن) ما طلبته مني من تحديثه لك (فقال) الشعبي (لها) أي لفاطمة (أجل) أي نعم (حدثيني، فقالت) فاطمة للشعبي (نكحت) أي تزوجت عبد الحميد بن حفص (بن المغيرة) وهو ابن عم لخالد بن الوليد بن المغيرة القرشي (وهو) أي ابن المغيرة (من خيار شباب قريش) وأعيانهم وأشرافهم (يومئذ) أي يوم إذ تزوجني (فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ظاهر هذا الكلام أنه استشهد في الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس الأمر كذلك فإنه لم يستشهد في غزوة غزاها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأول بعض العلماء هذا الحديث بأن المراد من قولها (أُصيب) أنه أُصيب بجراحات لا أنه مات في الجهاد وإنما ذكرت فاطمة إصابته في الجهاد لبيان فضائله لا لبيان بينونتها منه، وذكر الحافظ في الفتح [9/ 478] أنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه مع علي إلى اليمن وذكر جماعة من أهل السير أنه مات هناك فيصدق أنه أُصيب في الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي في طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يلزم من هذا أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطلاق السابق على الموت ولكن هذا التأويل لا يلتئم مع قولها في أول الجهاد لأن

فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَوْلاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَال: "مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ" فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ: أَمْرِي بِيَدِكَ. فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ. فَقَال: "انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ذهابه إلى اليمن لا يصدق عليه أنه أول الجهاد ثم إنه مخالف لقولها تأيمت فإن ظاهره أنها تأيمت بشهادة زوجها في الجهاد، وذكر جماعة من أهل السير أنه لم يمت في اليمن وأنه بقي إلى خلافة عمر - رضي الله عنه - والجواب الصحيح عن هذا الإشكال أن قولها (فأُصيب في أول الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهم من بعض الرواة فلا يصح لما تقدم من الإشكال وذلك لأنه روى هذا الحديث سيار بن وردان أبو الحكم العنزي الواسطي عن الشعبي كما سيأتي في الرواية الآتية فلم يذكر فيه إصابته في الجهاد وإنما ذكر قول فاطمة: طلقني بعلي ثلاثًا، فلعلها ذكرت بعض فضائل زوجها ومن جملتها كونه أُصيب بجهاد معه - صلى الله عليه وسلم - فلعل أحد الرواة زعم أن تأيمها كان بسبب موت زوجها في الجهاد فذكره بالسياق المذكور، وقد ذكر الحافظ في الفتح احتمال كونه وهمًا (فلما تأيمت) أي كنت أيمًا أي غير ذات زوج بطلاق زوجي إياي لا بموته كذا فسره النووي وهو الصواب (خطبني عبد الرحمن بن عوف) الزهري (في نفر) أي مع نفر (من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقد مر في الطلاق أنه خطبها أيضًا معاوية وأبو جهم -رضي الله عنهما-، وقد مر هناك أيضًا أن هذه الخطبة كانت بعد انقضاء عدتها لا قبله كما يوهم كون الخطبة قبل انقضاء العدة ظاهر هذه الرواية ففي هذه شيء من التقديم والتأخير (وخطبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مولاه) أي لمولاه (أسامة بن زيد) بن حارثة - رضي الله عنه - (وكنت قد حُدِّثت) وأُخبرت (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من أحبني فليحب أسامة) بن زيد (فلما كلمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي خطبني لأسامة (قلت) له - صلى الله عليه وسلم - (أمري بيدك) يا رسول الله أي جعلت أمر زواجي بيدك ورأيك أي فوضته إليك وفية دلالة على صحة وكالة المرأة رجلًا أجنبيًّا في النكاح اهـ مفهم (أنكحني من شئت) أي زوجني لمن شئت فالأمر أمرك. قوله (فقال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (انتقلي إلى) بيت (أم

شَرِيكٍ" وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ، مِنَ الأَنْصَارِ. عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ. يَنْزِلُ عَلَيهَا الضِّيفَانُ. فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ. فَقَال: "لَا تَفْعَلِي. إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ. فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيكِ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ. وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ، عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ" - ـــــــــــــــــــــــــــــ شريك) قبله محذوف كما في المبارق تقديره قالت طلقني زوجي ثلاثًا وكان بيتي في مكان خال فخفت أن اعتد فيه فرخص لي النبي - صلى الله عليه وسلم - في النقلة إلى موضع آخر فقال لي "انتقلي" أي تحولي من بيتك إلى بيت أم شريك الأنصارية كُنيت باسم ابنها شريك قيل اسمها غزية بنت العكر وقيل غزيلة، قالت فاطمة بنت قيس (وأم شريك) هذه (امرأة غنية) ذات مال (من الأنصار) قال النووي: قد أنكر بعض العلماء كونها من الأنصار، فقال أبو الوليد: ليست منهم إنما هي قرشية من بني عامر بن لؤي واسمها غزية وقيل غزيلة، وقال آخرون: هما ثنتان قرشية وأنصارية وتقدم في الطلاق أن المراد هنا الأنصارية (عظيمة النفقة) أي كثيرة الإنفاق (في سبيل الله) وطاعته (ينزل عليها الضيفان) كثيرًا لإطعامها، وجملة قوله (فقلت) له - صلى الله عليه وسلم - (سأفعل) الانتقال إلى بيت أم شريك قريبًا معطوفة على جملة قوله فقال "انتقلي إلى أم شريك" وما بينهما جملة معترضة من كلام فاطمة ساقته لبيان أم شريك، وقوله (فقال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تفعلي) الانتقال إلى بيت أم شريك معطوف على محذوف تقديره فأمرني أن أعتد في بيت أم شريك ثم رجع - عليه السلام - من ذلك فقال لي (إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره) أي أخاف (أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم) الداخلون عليها يعني الضيفان (منك) أي من بشرتك وعورتك (بعض ما تكرهين) إطلاع الناس عيه، وفيه دليل على أن أطراف شعر الحرة وساقيها عورة فيجب عليها سترها في الصلاة كما سبق في كتاب الصلاة اهـ مفهم (ولكن انتقلي) أي تحولي (إلى) بيت (ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم) هكذا هو في جميع النسخ، وقوله ابن أم مكتوم يكتب بالألف لأنه صفة لعبد الله لا لعمرو فنسبه إلى أبيه عمرو وإلى أمه أم مكتوم فجمع نسبه إلى أبويه كما في عبد الله بن مالك ابن بحينة وعبد الله بن أبي ابن سلول ونظائره كثير في كلامهم، قال القاضي: المعروف أنه ليس بابن عمها ولا من

(وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ، فِهْرِ قُرَيشٍ وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ) - فَانْتَقَلْتُ إِلَيهِ. فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ. فَصَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَكُنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ البطن الذي هي منه بل هي من بني محارب بن فهر وهو من بني عامر بن لؤي هذا كلام القاضي، والصواب أن ما جاءت به الرواية صحيح والمراد بالبطن هنا القبيلة لا البطن الذي هو أخص منها والمراد أنه ابن عمها مجازًا لكونه من قبيلتها فالرواية صحيحة ولله الحمد (وهو) أي عبد الله (رجل من بني فهر فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) وفي القاموس والفهر بكسر الفاء وسكون الهاء قبيلة من قريش وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وقريش كلهم يُنسبون إليه خرج به فهر بمعنى الحجر وفهر بمعنى مدرسة اليهود ولم أر فهرًا بمعنى القبيلة إلا من قريش والتقييد بقريش بيان للمعلوم فلا مفهوم له والله أعلم (فانتقلت إليه) أي إلى بيت ابن أم مكتوم وكنت معه حتى انقضت عدتي وحللت للأزواج. وقوله (فلما انقضت عدتي) شرط جوابه محذوف تقديره فلما انقضت عدتي وحللت للأزواج زوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسامة بن زيد وكنت معه في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و (سمعت) يومًا (نداء المنادي) في المسجد النبوي (منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بدل من الأول أو عطف بيان منه (ينادي) ذلك المنادي بقوله (الصلاة جامعة) ليجتمع الناس لخطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال الأبي: الأظهر أنه ليس دعاء للصلاة وإنما المراد به الاجتماع لأمر مهم كما يقتضيه الحديث ولكنه يخالفه ظاهر الحديث إلا أن يقال إن المراد بهذا النداء الآذان لا خصوص هذه الكلمة لأن القصة بعد ما شرع الآذان وليس ينادى بها للفرائض فلم أر من ذكر اسم تلك الصلاة هل هي الظهر أم العصر؟ والله أعلم. وقول المنادي (الصلاة جامعة) فيه من أوجه الإعراب أربعة رفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني ونصب الأول ورفع الثاني، وقد بسطنا الكلام في إعرابها بما لا مزيد عليه في حاشيتنا على كشف النقاب فراجعها إن شئت، قوله (فخرجت) معطوف على سمعت والمعنى قالت فاطمة وسمعت يومًا نداء المنادي في المسجد فخرجت (إلى المسجد) النبوي تعني أني سمعت الآذان فخرجت إلى المسجد (فصليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنت

فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صَلاتَهُ، جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَال: "لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ". ثُمَّ قَال: "أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "إِنِّي، وَاللهِ، مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ. وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ، كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ. وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في صف النساء التي تلي ظهور القوم) من الرجال (فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته جلس على المنبر وهو) - صلى الله عليه وسلم - (يضحك فقال: ليلزم كل إنسان) منكم (مصلاه) أي الموضع الذي صلّى فيه (ثم قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أتدرون) أي هل تعلمون (لم جمعتكم) ومنعتكم من القيام (قالوا الله ورسوله أعلم) فـ (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إني والله ما جمعتكم لرغبة) فيكم لغرض من الأغراض كبعث البعوث وإطعام المحاويج (ولا لرهبة) عليكم أي لخوف عليكم من هجوم الأعداء لتستعدوا لهم. وهذا الكلام يؤيد كلام الأبي المذكور آنفًا (ولكن جمعتكم) لأخبركم خبرًا عجيبًا سمعته من تميم الداري وذلك (لأن تميمًا الداري كان) أولًا (رجلًا نصرانيًّا فجاء) إليّ (فبايعـ) ــني على الإسلام (وأسلم وحدثني حديثًا) عجيبًا (وافق) الحديث (الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال) أي في شؤون مسيح الدجال وخروجه في أمتي. "وأما ترجمة تميم" فهو تميم بن أوس بن خارجة الداري نسبة إلى الدار بن هانئ من بني لخم كان راهب عصره وعابد أهل فلسطين وقيل نسبه إلى جده الدار بن هانئ بن حبيب وقيل نسبه إلى دارين وهو اسم موضع في بلاد البحرين تُجلب إليه العطور من بلاد الهند، والأول أصح، أبو رقية بقاف وتحتانية مصغرًا الصحابي المشهور - رضي الله عنه - وكان راهب أهل فلسطين، أسلم سنة تسع هو وأخوه نعيم، ولهما صحبة، قدم المدينة وغزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أول من أسرج السراج في المسجد رواه الطبراني من حديث أبي هريرة وأول من قصَّ - من العظة - وذلك في عهد عمر رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وكذا رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة أنه كان يعظ الناس قبل صلاة الجمعة انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان وسكن فلسطين وكان النبي - صلى

حَدَّثَنِي؛ أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مَعَ ثَلاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ. فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ. ثُمَّ أَرْفَؤُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ. فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ. فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ. فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الله عليه وسلم - أقطعه بها قرية عينون قبل أن تفتح فأقره عمر - رضي الله عنه - وكان كثير التهجد مات بالشام سنة أربعين وقبره ببيت جبرين من بلاد فلسطين كذا في الإصابة [1/ 186]. قوله (وحدثني حديثًا) قال النووي: هذا معدود في مناقب تميم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - روى عنه هذه القصة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول ورواية المتبوع عن تابعه وهو جواب لغز من ألغز بقوله من الذي حدّث عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ. وذلك أنه (حدثني أنه ركب في سفينة بحرية) قال بعضهم: قيده بالبحرية إشارة إلى ما سيقع في آخر أمته من سفينة برية وجوية من السيارات والطائرات (مع ثلاثين رجلًا من لخم) بالصرف لخفته بسكون الوسط (وجذام) بمنعه للعلمية والتأنيث المعنوي، وقوله لخم بفتح اللام وسكون الخاء قبيلة من قبائل العرب مشهورة وكذا جذام بضم الجيم (فلعب بهم الموج شهرًا) كاملًا (في البحر ثم أرفؤوا) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الفاء وضم الهمزة لمناسبة واو الضمير لأنه ماض على وزن أكرموا أي لجؤوا (إلى جزيرة في البحر) وقربوا سفنهم إليها، قال صاحب الأفعال: أرفأت إلى الشيء ألجأت إليه وأرفأت السفينة قربتها إلى موضعها حيث تصلح، وقال صاحب العين: أرفأت السفينة قربتها من الشط، وقال غيره: مرفأ السفينة حيث ترسى وتوقف فيه (حتى مغرب الشمس) أي إلى غروبها (فجلسوا في أقرب السفينة) وأخرياتها وأطرافها، والأقرب بفتح الهمزة وضم الراء جمع قارب على غير قياس بكسر الراء وفتحها أشهر وأكثر، وحكي ضمها وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبير كالجنيبة في الفرس يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم، وقال الكسائي: المراد بأقرب السفينة أخرياتها وما قرب منها للنزول (فدخلوا الجزيرة فلقيتهم) أي استقبلتهم (دابة أهلب) أي غليظة الشعر والهلب بالتحريك ما غلظ من الشعر ومنه المهلب وهو شعر الخنزير الذي يخرز به، وذكر أهلب حملًا على المعنى وكأنه قال حيوان أهلب أو شخص ولو راعى اللفظ لقال دابة هلباء لأن قياس أهلب

كَثِيرُ الشَّعَرِ. لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ. مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ. فَقَالُوا: وَيلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيرِ. فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَال: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيطَانَةً. قَال: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا. حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيرَ. فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ هلباء كأحمر وحمراء اهـ مفهم، قال الأبي: هذا بناء على أن هذه الدابة تمشي على أربع وهو المناسب لقوله ما يعرف قبله من دُبره إذ لو كان منتصب القامة لم يخف ذلك ولكن مخاطبتهم لها وقولهم ما أنت يدل على أنها إنسان منتصب القامة وهو نص الطريق الآخر حيث قال فلقيهم إنسان اهـ من الأبي، وقوله (كثير الشعر) تفسير لقوله أهلب (لا يدرون) أي لا يعلمون (ما قبله من دُبره من كثرة الشعر، فقالوا) لتلك الدابة (ويلك) أي ألزمك الله الويل والهلاك (ما أنت) أي أي حنس أنت من الحيوان، قال القرطبي: اعتقدوا فيها أنها مما لا يعقل فاستفهموا عنها بـ (ما) ثم إنها بعد ذلك كلمتهم كلام من يعقل وعند ذلك رهبوا أن تكون شيطانة أي خافوا ذلك (فقالت) في جواب سؤالهم (أنا الجساسة) بفتح الجيم وتشديد السين الأولى على وزن علامة، قيل سمت نفسها بذلك لتجسسها أخبار الدجال، من التجسس وهو الفحص عن أخبار الشيء والبحث عنها كما سبق (قالوا) لها (وما) معنى قولك أنا (الجساسة؟ قالت) لهم (أيها القوم انطلقوا) أي اذهبوا (إلى هذا الرجل) الساكن (في الدير) بفتح الدال وهو في الأصل صومعة رهبان النصارى والمراد به هنا القصر كما سيأتي (فإنه) أي فإن ذلك الرجل (إلى خبركم) أي إلى استخباركم جار ومجرور متعلق بقوله (بالأشواق) وهو خبر إن والتقدير فإنه ملتبس بالشوق والعشق إلى استخباركم عن خبر أهل الأرض أي شديد العشق والمحبة إلى استخباركم، قال السنوسي: قوله (فإنه إلى خبركم بالأشواق) أي شديد الشوق إليه حتى كأن الأشواق ملصقة به أو كأنه مهتم بها اهـ منه (قال) تميم الداري (لما سمت) تلك الدابة وذكرت (لنا رجلًا) لا نعرفه (فرقنا) بكسر الراء أي خفنا (منها أن تكون شيطانة) وغولًا، وجملة أن في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من ضمير منها أي خفنا من كونها شيطانة (قال) تميم (فانطلقنا) أي ذهبنا من عندها إلى الدير (سراعًا) أي مسرعين (حتى دخلنا) أي حتى وصلنا إلى (الدير) ودخلناها (فإذا فيه) أي في الدير (أعظم) أي

إِنْسَانٍ رَأَينَاهُ قَطُّ خَلْقًا. وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا. مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَينَ رُكْبَتَيهِ إِلَى كَعْبَيهِ، بِالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيلَكَ، مَا أَنْتَ؟ قَال: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي. فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ. رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ. فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ. فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا. ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ. فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا. فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ. فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أكبر (إنسان رأيناه قط) أي فيما مضى من الزمن (خلقًا) أي أكبره جثة أو أهيبه هيئة، وجملة رأيناه صفة إنسان احترز به عمن لم يروه ولما كان هذا الكلام في معنى ما رأينا مثله صح قوله قط الذي يختص بنفي الماضي، وقوله (وأشده وثاقًا) معطوف على قوله أعظم إنسان على كونه مبتدأ مؤخرًا خبره مقدم عليه أي وإذا فيه أشد إنسان وثاقًا، والوثاق بفتح الواو وقد يكسر القيد أي وإذا فيه أعجب إنسان مقيد بالسلاسل تقييدًا شديدًا، وإذا فجائية أي فلما دخلنا الدير فاجأنا رؤية أعظم إنسان خلقًا وأشده وثاقًا بالقيد، وقوله (مجموعة يداه إلى عنقه) بالرفع صفة لأعظم أي فإذا فيه أعظم إنسان مغلولة يداه إلى عنقه أي مربوطة يداه إلى عنقه بالغل والسلسلة، وقوله (ما بين ركبتيه إلى كعبيه) بدل اشتمال من يداه، وقوله (بالحديد) متعلق بمجموعة أي مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد مجموع ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد يعني كانت يداه وساقاه مجموعة إلى عنقه بالحديد فـ (قلنا) له (ويلك) أي ألزمك الله الويل (ما أنت) أي أي جنس أنت هل أنت من الإنس أم من الجن أم من الشيطان؟ فـ (قال) لنا ذلك الرجل (قد قدرتم على خبري) أي قد وصلتم أنتم إلى حال تمكنتم فيه من الاطلاع على خبري لأني سأخبركم بذلك (فأخبروني ما أنتم) أي من أنتم؟ فيه استعمال ما في العاقل أي من أي جنس أنتم من بني آدم؟ أمن العرب أم من الفرس أم من الروم أم من غيرهم؟ فـ (قالوا) فيه التفات مقتضى السياق أن يقال فقلنا له (نحن) معاشر الحاضرين عندك (أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر) أي وافقناه (حين اغتلم) أي حين هاج موجه وارتفع وجاوز حده المعتاد، والاغتلام في الأصل أن يتجاوز الإنسان ما حُدّ له من الخير والمباح اهـ نووي (فلعب بنا الموج شهرًا) أي منعنا من الوصول إلى المقصد ومن الرجوع إلى الوطن (ثم أرفأنا) أي التجأنا وخرجنا (إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها) أي في أقرب السفينة وأخرياتها فنزلنا منها (فدخلنا الجزيرة فلقيتنا) أي استقبلتنا (دابة

أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ. لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ. فَقُلْنَا: وَيلَكِ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالتِ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيرِ. فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيكَ سِرَاعًا. وَفَزِعْنَا مِنْهَا. وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً. فَقَال: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَال: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أهلب) أي غليظة الشعر (كثير الشعر لا يُدرى) ولا يُعلم (ما) هو (قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا) لها (ويلك ما أنت) أيتها الدابة (فقالت) لنا (أنا الجساسة) فـ (قلنا) لها (وما الجساسة) فـ (قالت) لنا (اعمدوا) أي اقصدوا وانطلقوا (إلى هذا الرجل) الجالس (في الدير) أي في هذا القصر (فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا) أي توجهنا (إليك سراعًا) أي مسرعين (و) قد (فزعنا) أي فجعنا (منها ولم نأمن من أن تكون) تلك الدابة (شيطانة، فقال) لنا ذلك الرجل (أخبروني عن نخل بيسان) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء، ذكر الطيبي أنها قرية بالشام وزاد ابن الملك وقال الحموي في معجم البلدان [2/ 526] مدينة بالأردن بالغور الشامي ويقال هي لسان الأرض وهي بين حوران وفلسطين وبها عين الفلوس يقال إنها من الجنة وهي عين فيها ملوحة يسيرة جاء ذكرها في حديث الجساسة وتُوصف بكثرة النخل وقد رأيتها مرارًا فلم أر فيها غير نخلتين حائلتين وهو من علامات خروج الدجال وهي بلدة وبئة حارة أهلها سُمر اللون جعد الشعور لشدة الحر الذي عندهم، ثم ذكر في الأخير أن هناك موضعًا آخر اسمه بيسان وهو باليمامة ثم قال: والذي أراه أن هذا الموضع هو الموصوف بكثرة النخل لأنهم إنما احتجوا على كثرة نخل بيسان بقول أبي دؤاد الأيادي: نخلات من نخل بيسان أينعـ ... ــن جميعًا ونبتهن تؤام وتدلّت على مناهل برد ... وفليج من دونها وسنام والله سبحانه وتعالى أعلم. فـ (قلنا) له (عن أبي شأنها) أي عن أبي شأن نخلها وحالها (تستخبر) فـ (قال أسألكم عن نخلها هل يُثمر) الآن أم لا (قلنا له نعم) يثمر نخلها (قال) ذلك الرجل (أما) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (إنه) أي إن الشأن والحال (يوشك) أي يقرب (أن لا

تُثْمِرَ. قَال: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيرَةِ الطَّبَرِيَّةِ. قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ. قَال: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَال: أَخْبِرُونِي عَنْ عَينِ زُغَرَ. قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: هَلْ فِي الْعَينِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَينِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَال: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَال: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ تثمر) أي أن لا تخرج ثمرها (قال) الرجل (أخبروني عن بحيرة الطبرية) هي بحر صغير معروف بالشام اهـ من المبارق، وقد تقدمت في باب حديث النواس (قلنا) له (عن أبي شأنها تستخبر؟ قال) الرجل (هل فيها) أي في تلك البحيرة (ماء؟ قالوا) فيه التفات أيضًا أي قلنا له نعم (هي كثيرة الماء، قال أما) أي انتبهوا واسمعوا (إن ماءها يوشك أن يذهب) وينعدم (قال أخبروني عن عين زغر) بزاي معجمة مضمومة ثم غين معجمة مفتوحة ثم راء بوزن زفر بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام اهـ نووي، وهي لا تنصرف اهـ مبارق، وقال الحموي في معجم البلدان [4/ 143] هي قرية بمشارف الشام وقيل زغر اسم بنت لوط - عليه السلام - نزلت بهذه القرية فسُميت باسمها وجاء ذكر زغر في حديث الجساسة وحدثني الثقة أن زُغر هذه في طرف البحيرة المنتنة في واد هناك بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام وهي من ناحية الحجاز ولهم هناك زروع، قال ابن عباس - رضي الله عنه - لما هلك قوم لوط مضى لوط - عليه السلام - وبناته يريدون الشام فماتت الكبرى من بناته وكان يقال لها رية فدفنت عند عين هناك فسُميت باسمها عين رية ثم ماتت بعد ذلك الصغرى وكان اسمها زغر فدُفنت عند عين فسُميت عين زغر وهذه في واد وخم رديء في أسأم بقعة إنما يسكنه أهله لأجل الوطن (قالوا) أي قلنا له (عن أبي شأنها تستخبر؟ قال هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها، قال أخبروني عن نبي الأميين ما فعل) مع الناس ونبي الأميين هو سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - والأميون هم العرب لأن الغالب منهم لا يكتب ولا يحسب كما قال - صلى الله عليه وسلم "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" فكأنهم باقون على أصل ولادة الأم لهم فنُسب الأمي إليها هذا أولى ما قيل فيه اهـ من المفهم (قالوا) أي قلنا له (قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال) الرجل (أقاتله) أي هل قاتله (العرب) أم

قُلْنَا: نَعَمْ. قَال: كَيفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ. قَال لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَال: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ. وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي. إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ. وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ. فَأَخْرُجُ فَأَسِيرُ فِي الأَرْضِ فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيلَةً. غَيرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ. فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ. كِلْتَاهُمَا. كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيفُ صَلْتًا. يَصُدُّنِي عَنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ أطاعوه وآمنوا به (قلنا) له (نعم) قاتلوه (قال) الرجل (كيف صنع بهم) في المقاتلة معهم (فأخبرناه أنه قد ظهر) وغلب (على من يليه من العرب وأطاعوه) أي امتثلوا فيما أمر ونهى (قال) الرجل (لهم) أي لتميم وأصحابه (قد كان) ووقع (ذلك) الامتثال له والإيمان به منهم (قلنا) له (نعم) أطاعوه وآمنوا به (قال) الرجل (أما) أي انتبهوا (إن ذاك) الإيمان به (خير لهم) أي للعرب من أن ينكروه، وجملة قوله (أن يطيعوه) في تأويل مصدر منصوب على كونه بدلًا من اسم إن بدل كل من كل أي إن ذاك إطاعتهم إياه خير لهم من مخالفته (وإني مخبركم عني) أي عن حقيقتي وشأني (إني أنا المسيح) أي الدجال هكذا وجدنا إني بكسر الهمزة في نسخ متعددة ولذا أبقيناه على حاله، ولعله وقع في موقع الاستئناف والله أعلم، ثم وجدت في المرقاة حيث قال (عنِّي إني) بكسر الهمزة وفتحها (وإني) بالوجهين (أوشك) أي أقرب (أن يؤذن لي في الخروج) عن هذه الجزيرة (فأخرج) منها (فأسير في) نواحي (الأرض) مشارقها ومغاربها (فلا أدع) أي لا أترك (قرية) من قرى الأرض ولا بلدة من بلدانها (إلا هبطتها) ونزلت فيها بالنصب في الأفعال الثلاثة (فأخرج، فأسير، فلا أدع) وجوّز رفعها اهـ دهني أي إلا هبطتها وعممتها (في أربعين ليلة غير مكة وطيبة) بفتح الطاء وسكون الياء وهي المدينة ويقال لها أيضًا طابة وأن كل ذلك مأخوذ من الطيب لطيبها بطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فهما) أي مكة وطيبة (محرمتان عليّ) دخولهما (كلتاهما) توكيد لضمير المبتدأ (كلما أردت أن أدخل واحدة) منهما (أو) قال كلما أردت أن أدخل (واحدًا منهما) بالتذكير بالشك من الراوي (استقبلني) أي قابلني وجاءني (ملك) من الملائكة (بيده السيف) حالة كون السيف (صلتًا) أي مسلولًا مجردًا من الغمد (يصدني) ذلك الملك ويمنعني (عنها) أي عن دخول كل واحدة منهما، والصلت قال ابن السكيت: فيه لغتان فتح الصاد وضمها

وَإنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلائكَةً يَحرُسُونَهَا. قَالتْ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنبَرِ: "هَذِهِ طَيْبَةُ. هَذِهِ طَيْبَةُ. هَذِهِ طَيْبَةُ" يَعْنِي الْمَدِينَةَ "أَلا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُم ذلِكَ؟ " فَقَال الناسُ: نَعَمْ. "فَإنهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أنَّهُ وَافَقَ الذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ المدِينَةِ وَمَكَّةَ. أَلا إنهُ فِي بَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ مع سكون اللام فيهما، يقال أصلت السيف إذا جرده من الغمد، وجملة يصدني صفة ثانية لملك (وإن على كل نقب) وطريق بفتح النون وسكون القاف الطريق أو الباب (منها) أي من كل واحدة منهما أو من المدينة (ملائكة يحرسونها) أي يحفظون كل واحدة منهما أو المدينة من دخول الدجال وأصحابه (قالت) فاطمة بنت قيس ثم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه قد (طعن) ودق (بمخصرته في المنبر) النبوي، والمخصرة على وزن مكنسة يعني بكسر الميم وسكون الخاء اسم الآلة التي يتكأ عليها مثل عصا وعكازة كذا في القاموس، وفي القرطبي: المخصرة بكسر الميم عصا أو قضيب كانت تكون مع الملك إذا تكلم اهـ، وذكر المقول بقوله (هذه) البلدة يعني المدينة المنورة (طيبة) أي هي الموضع الذي سماه الرجل طيبة والذي ذكر فيه أنه لا يستطيع أن يدخلها وقال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم افتخارًا على مدينته ومسرة على موافقة الخبر بما أخبر به، وقوله (هذه طيبة هذه طيبة) توكيد لفظي لما قبله (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذه (المدينة) المنورة، قوله (طيبة) قال القاضي: هو بفتح الطاء ويقال أيضًا طابة سمى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المدينة من الطيب وهو الطهارة، وفي المصنف والطاب أولى بها وقيل لطيب العيش بها وقيل لطيب أرضها اهـ. قال الأبي: وإخبار الدجال بما أخبر به يحتمل أنه علم ذلك من كتب سابقة أو من نبي أو غير ذلك اهـ (ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (هل كنت) أنا (حدثتكم) أولًا (ذلك) الخبر الذي حدثنا به تميم الداري في شأن الدجال ومكة والمدينة (فقال الناس) الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (نعم) حدثتنا به ذلك أولًا يا رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنه) أي فإن الشأن والحال (أعجبني حديث تميم) الداري، وجملة قوله (أنه وافق) بدل اشتمال من فاعل أعجبني أي أعجبني موافقة حديث تميم الحديث (الذي كنت أحدثكم) به (عنه) أي عن الدجال (وعن) شأن (المدينة ومكة، ألا) بالتخفيف حرف تنبيه أي انتبهوا واستمعوا (إنه) أي إن المسيح الدجال (في بحر

الشَّأمِ أَو بَحرِ اليَمَنِ. لَا بَل مِنْ قِبَلِ المشرِقِ، مَا هوَ. مِن قِبَلِ المشرِقِ، مَا هوَ. مِن قِبَلِ الْمَشرِقِ، مَا هُوَ" وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى المشرِقِ. قَالت: فَحَفِظتُ هَذا مِن رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الشام) أراد ببحر الشام ما يلي الجانب الشامي من البحر (أو) في (بحر اليمن) أراد به ما يلي الجانب اليمني من البحر، والبحر واحد وإنما ردد بينهما إما لأن الوحي لم يكن نازلًا بالتصريح بمحله بل قاله على ظن ثم عرض له ظن آخر وإما لتنقل الدجال من بعضها إلى بعض، قال القرطبي: هذا كله كلام ابتدئ على الظن ثم عرض له الشك أو قصد الإبهام ثم بقي ذلك كله وأضرب عنه بالتحقيق بقوله لا بل في المشرق، وقال الطيبي: لما تيقن صلى الله عليه وسلم بالوحي أنه من قبل المشرق نفى الأولين بقوله (لا) أي ليس في بحر الشام ولا في بحر اليمن وأثبت كونه في قبل المشرق بقوله (بل من قبل المشرق ما هو) وبل حرف إضراب، الإضراب الإبطال من قبل المشرق، جار ومجرور خبر مقدم، ما زائدة لتأكيد الكلام، هو مبتدأ مؤخر، والمعنى ليس هو في بحر الشام ولا في بحر اليمن بل هو في قبل المشرق، فالمراد إثبات أنه في جهة المشرق ثم أكد ذلك بما الزائدة وبالتكرار اللفظي مرتين، فقال (من قبل المشرق ما هو) أي بل هو في جهة المشرق (من قبل المشرق ما هو) أي بل هو في جهة المشرق (وأومأ) أي أشار (بيده) الشريفة في المرات الثلاث (إلى) جهة (المشرق) تأكيدًا لكلامه، فلا نافية لكونه في الأولين، وما زائدة، لا نافية، من قبل المشرق خبر مقدم، وهو مبتدأ مؤخر كما مر آنفًا، قال القرطبي: وهذا المعنى لا بعد فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يظن ويشك كما يسهو وينسى إلا أنه لا يتمادى ولا يقر على شيء من ذلك بل يرشد إلى التحقيق واليقين ويسلك به سواء الطريق. والحاصل من هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن الدجال المذكور في بحر الشام لأن تميمًا إنما ركب في بحر الشام ثم عرض له أنه في بحر اليمن لأنه يتصل ببحر متصل بالشام فيجوز ذلك ثم أطلعه العليم الخبير على تحقيق ذلك فحقق وأكد والله سبحانه أعلم اهـ من المفهم (قالت) فاطمة بنت قيس بالسند السابق (فحفظت هذا) الحديث من أوله إلى هنا (من رسول الله صلى الله عليه وسلم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الملاحم باب في خبر

7211 - (00) (00) حدثنا يَحيَى بْنُ حَبِيبٍ الحارِثِي. حَدَّثَنَا خَالِدُ بن الْحَارِثِ الْهُجَيمِيُّ، أَبُو عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا قُرَّةُ. حَدَّثَنَا سَيارٌ، أَبُو الحكَمِ. حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَال: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيسٍ فَأتْحَفَتْنَا بِرُطَبٍ يُقَالُ لَهُ: رُطَبُ ابنِ طَابٍ. وَأَسقَتْنَا سَويقَ سُلْتٍ. فَسَألتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا أَينَ تَعْتَدُّ؟ قَالتْ: طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلاثًا. فَأذِنَ لِيَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَنْ أَعْتَدَّ فِي أهْلِي. قَالتْ: فَنُودِيَ فِي الناسِ: إِنَّ الصَّلاة جامِعَةً. قَالتْ: فَانطَلَقتُ فِيمَنِ انْطَلَقَ مِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الجساسة [4325]، والترمذي في الفتن باب طلوع الشمس من مغربها [4125]، وابن ماجه في الفتن [4074]، وأحمد [6/ 373]. ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث فاطمة رضي الله تعالى عنها فقال: 7211 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم (الهجيمي) نسبة إلى هجيم بن عمرو (أبو عثمان) البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا قرة) بن خالد السدوسي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سيار) بن وردان (أبو الحكم) العنزي الواسطي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا الشعبي) عامر بن شراحيل (قال دخلنا على فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سيار لعبد الله بن بريد (فأتحفتنا) أي ضيفتنا وأكرمتنا وقربت إلينا (برطب يقال له رطب بن طاب) نوع من أنواع رطب المدينة المنورة وتمر المدينة مائة وعشرون نوعًا (وأسقتنا) أي أشربتنا (سويق سلت) والسلت بضم السين وسكون اللام حب يشبه القمح ويشبه الشعير اهـ من الأبي، أي يشبه لبها القمح وسنبلتها الشعير، وجعلها في القاموس نوعًا من الشعير، قال الشعبي (فسألتها) أي سألت فاطمة (عن المطلقة ثلاثًا أين تعتد) هي، هل في سكن المطلق أم عند أهلها (قالت) فاطمة (طلقني بعلي) عبد الحميد بن المغيرة (ثلاثًا) فشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بيتي خال فأخاف على نفسي (فأذن لي النبي صلى الله عليه وسلم) في (أن أعتد في) بيت (أهلي) وأقاربي فلما انقضت عدتي أنكحني لأسامة بن زيد فكان منزلنا قريبًا من المسجد (قالت) فاطمة (فنُودي في الناس) بلفظ (إن الصلاة جامعة، قالت) فاطمة (فانطلقت) إلى المسجد (فيمن) أي مع من (انطلق) إليه (من

النَّاسِ. قَالت: فَكُنتُ فِي الصف المقَدَّمِ مِنَ النسَاءِ. وَهُوَ يَلِي المؤَخَّرَ مِنَ الرِّجَالِ. قَالت: فَسَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخطُبُ فَقَال: "إِن بَنِي عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِي رَكِبُوا فِي البَحْرِ"، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيه: قَالتْ: فَكَأنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وَأهوَى بِمِخصَرَتِهِ إِلَى الأَرضِ، وَقَال: "هذِهِ طَيْبَةُ" يَعْنِي المدِينَةَ. 7212 - (00) (00) وحدثنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحلوَانِيُّ وَأَحمدُ بن عُثمَانَ النَّوفَلِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعتُ غَيلانَ بْنَ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الشُّعْبِي، عَن ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس، قالت) فاطمة (فكنت في الصف المقدم) أي الأول (من) صفوف (النساء وهو) أي الصف المقدم من صفوف النساء الصف الذي (يلي) الصف (المؤخر من) صفوف (الرجال قالت) فاطمة رضي الله تعالى عنها (فسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر) حالة كونه (يخطب) ويعظ الناس (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته (إن بني عم لتميم) بن أوس (الداري) أي إن تميمًا وبني عمه (ركبوا) السفينة الجارية (في البحر، وساق) سيار بن وردان (الحديث) السابق بمثل حديث أبي بريدة (و) لكن (زاد) سيار (فيه) أي في الحديث لفظة (قالت) فاطمة (فكأنما أنظر) الآن (إلى النبي صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه قد (أهوى) وأشار (بمخصرته إلى الأرض وقال هذه) البلدة (طيبة) قيل سماها بذلك لطيب أرضها أو لطيب عقائد سكانها وصفاء قرائحهم (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم باسم الإشارة (المدينة) المنورة بنوره صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث فاطمة بنت في رضي الله عنها فقال: 7212 - (00) (00) (وحدثنا الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (وأحمد بن عثمان) بن أبي عثمان (النوفلي) البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (قالا حدثنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبي) جرير بن حازم، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (قال) جرير (سمعت غيلان بن جرير) الأزدي البصري ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (يحدّث عن الشعبي عن

فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالتْ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ. فَأَخْبَرَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ؛ أَنهُ رَكِبَ البَحْرَ. فَتَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ. فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ. فَخَرَجَ إِلَيهَا يَلتَمِسُ الْمَاءَ. فَلَقِي إِنْسَانًا يَجَرُّ شَعَرَهُ. وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ. وَقَال فِيهِ: ثُمَّ قَال: أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوج، قَدْ وَطِئْتُ الْبِلادَ كُلَّهَا، غَيرَ طَيْبَةَ. فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ إِلَى النَّاس فَحَدَّثَهُمْ قَال: "هَذِهِ طَيبَةُ. وَذَاكَ الدَّجَّالُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فاطمة بنت قيس) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة غيلان بن جرير لابن بريدة وسيار بن وردان (قالت) فاطمة (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم) بن أوس (الداري فأخبر) تميم (رسول الله) بالنصب على المفعولية (صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به) أي ضلَّت به (سفينته) عن الطريق، يقال تاهت السفينة إذا صارت على غير اهتداء وطريق في سيرها في البحر لعارض هيجان الموج (فسقط) أي وصل (إلى جزيرة) من جزائر البحر (فخرج إليها) أي إلى تلك الجزيرة حالة كونه (يلتمس) أي يطلب (الماء) الصالح للشرب (فلقي) تميم في تلك الجزيرة أي رأى (إنسانًا يجر) أي يسحب (شعره) على الأرض لطوله (واقتص) أي ذكر غيلان بن جرير (الحديث) السابق (و) لكن (قال) غيلان وزاد (فيه) أي في الحديث (ثم قال) ذلك الإنسان الذي يجر شعره (أما) أي انتبهوا (أنه) أي إن الشأن والحال (لو قد أذن لي في الخروج) من هذه الجزيرة، وفي بعض النسخ (لو أذن لي) بغير لفظ قد، وقوله (قد وطئت البلاد كلها) جواب لو، ولكنه بمعنى الاستقبال والمعنى أما إنه لو قد أذن لي في الخروج من هذه الجزيرة فسأطأ وأمشي في البلاد كلها (غير طيبة) والمدينة، والأحسن هنا جعل لو للتمني، وجملة وطئت معطوفة على مدخول لو والمعنى حينئذ أتمنى الإذن لي والوطء في جميع البلاد، وقوله (فأخرجه) فأخرج تميمًا (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدَّثهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث تميم هذا للناس معطوف على قوله قدم تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية (هذه) البلدة (طيبة وذاك) الإنسان الذي يجر شعره المسيح (الدجال) أي الكذاب. قوله (وذاك الدجال) هذا تصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه دجالًا ولم يقع هذا التصريح إلا في هذا الطريق وهو يدل على أن الدجال لا يزال مشدودًا

7213 - (00) (00) حدّثني أَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَاقَ. حَدَّثَنَا يَحيَى بن بُكَيْرٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعنِي الْحِزَاميَّ)، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الشَّعْبِي، عَن فَاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ؛ أَن رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَال: "أَيُّهَا الناسُ، حدّثني تَمِيمٌ الدارِي؛ أَنَّ أُناسًا مِنْ قَومِهِ كانُوا فِي البحرِ، فِي سَفِينَةٍ لَهُمْ. فَانْكَسَرَت بِهِمْ. فَرَكِبَ بَعضُهُمْ عَلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السفِينَةِ. فَخَرَجُوا إلَى جَزِيرَةِ فِي الْبَحْرِ". وَسَاقَ الْحَدِيثَ. 7214 - (2922) (89) حدثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ بجزيرة إلى أن يخرج في آخر الزمان أما كون الناس لم يصلوا إليه حتى الآن فلم يثبت أن الناس قد وصلوا إلى كل مكان من الجزائر، ويحتمل أيضًا أن الله تعالى قد جعله مخفيًا عن أعين الناس وإنما أظهره مرة على تميم الداري رضي الله عنه لتصديق أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فقط والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث فاطمة رضي الله عنها فقال: 7213 - (00) (00) (حدثني أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا يحيى) بن عبد الله (بن بكير) نُسب إلى جده لشهرته به القرشي المخزومي مولاهم أبو زكرياء المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حزام (يعني الحزامي) نسبة إلى هذا الجد، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (9) أبواب (عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي الزناد لمن روى عن الشعبي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر) أي جلس على المنبر النبوي (فقال أيها الناس حدثني تميم) بن أوس (الداري أن أناسًا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم) السفينة أي تكسرت (فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة فخرجوا إلى جزيرة في البحر وساق) أبو الزناد (الحديث) السابق بنحوهم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث فاطمة بنت قيس بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 7214 - (2922) (89) (حدثني علي بن حجر السعدي) المروزي، ثقة، من (9)

حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. حدّثني أبُو عَمرٍو، (يَعنِي الأَوزَاعِيَّ)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ. حدّثني أنسُ بن مَالِكٍ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لَيسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ. إلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ. وَلَيسَ نَقْبٌ مِنْ أنْقَابِهَا إلا عَلَيهِ الملائكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا، فَيَنْزِلُ بِالسَّبَخَةِ. فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ. يَخرُجُ إلَيهِ مِنهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي مولاهم الدمشقي، ثقة، من (8) (حدثني أبو عمرو) عبد الرحمن بن عمرو (يعني الأوزاعي) الشامي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري أبي يحيى المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (حدثني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من بلد) من بلدان الأرض، فمن زائدة في النفي تفيد العموم (إلا سيطؤه) أي إلا سيَدْخُلُه (الدجال إلا مكة والمدينة) قيل وكذا في بيت المقدس كما مر (وليس نقب) أي طريق (من أنقابها) أي من طرق المدينة (إلا عليه الملائكة) حالة كونهم (صافين) عليه حالة كون الملائكة (تحرسها) أي تحرس المدينة من الدجال. قوله: (إلا سيطؤه الدجال) أي يدخله ويدوسه ويفسده، قال الحافظ في الفتح [4/ 96] هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذ ابن حزم فقال: المراد إلا يدخله بَعْثُه وجنودُه وكأنه استَبْعدَ إِمكانَ دخولِ الدجال جميع البلاد لقصر مدته وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قَدْرَ السنة (فينزل) الدجال (بالسبخة) أي بسبخة المدينة، وفي القاموس السبخة محركة ومسكنة أرض ذات نَزّ ومِلْحٍ يقال فيها سبَخَة وسَبْخَة اهـ، قال علي القاري في المرقاة [6/ 34] السَّبِخة بكسر الباء صفة وهي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تُنبت إلا بعض الشجر، وبفتحها اسم وهو موضع قريب من المدينة (قلت) ويؤيد الأول حديث أبي سعيد عند البخاري في الفتن "ينزل السباخ التي في المدينة" (فترجف) أي تضطرب (المدينة) وتزلزل (ثلاث رجفات) أي ثلاث اضطرابات أي تصيبها زلازل وليس ذلك من رعب الدجال وإنما هو لإخراج الكفار والمنافقين منها كما قال فـ (يخرج إليه) أي إلى الدجال (كل كافر ومنافق). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها باب في ذكر

7215 - (00) (00) وحدثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال. فَذَكَرَ نَحْوَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَيَأتِي سَبَخَةَ الْجُرُفِ فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ. وَقَال: فَيَخْرُجُ إِلَيهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الدجال [7124]، والترمذي في الفتن باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة [2242]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7215 - (00) (00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدِّب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني، ثقة، من (4) (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة حماد بن سلمة لأبي عمرو الأوزاعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر) حماد بن سلمة (نحوه) أي نحو حديث الأوزاعي (غير أنه) أي لكن أن حمادًا (قال) في روايته (فيأتي) الدجال (سبخة الجرف) بضم الجيم والراء وهو موضع معروف بقرب المدينة في جهة الشام، وأخرج الحاكم وأحمد عن محجن بن الأردع مرفوعًا "يجيئ الدجال فيصعد أحدًا فيتطلع فينظر إلى المدينة فيقول لأصحابه ألا ترون إلى هذا القصر الأبيض هذا مسجد أحمد ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب من نقابها ملكًا مصلتًا سيفه فيأتي سبخة الجرف" (فيضرب) أي يمد ويبني (رواقه) أي خيمته وفسطاطه هناك أي في سبخة الجرف، والرواق بضم الراء وكسرها بيت كالفسطاط أو سقف في مقدم البيت يُجمع في القلة على أروقة وفي الكثرة على روق اهـ مفهم والمراد هنا أنه ينزل فيها ويضع ثقله وأحماله ويمد خيامه هناك (وقال) حماد أيضًا في روايته (فيخرج إليه) أي إلى الدجال من المدينة (كل منافق ومنافقة) بدل رواية الأوزاعي (كل كافر ومنافق). وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان: الأول حديث فاطمة بنت قيس ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة. ***

769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقرب الساعة وذكر ما بين النفختين

769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين 7216 - (2923) (90) حدَّثنا مَنْصُورُ بن أبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا يَحيَى بن حَمْزَةَ، عَنِ الأَوزَاعي، عَن إِسحَاقَ بنِ عَبْدِ الله، عَن عَمِّهِ، أنسِ بنِ مَالِكٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَتْبَعُ الدجال، مِن يَهُودِ أَصبَهَانَ، سَبعُونَ أَلْفًا. عَلَيهِمُ الطَّيَالِسَةُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 769 - (13) باب في بقية أحاديث الدجال وفضل العبادة في الهرج وقُرب الساعة وذكر ما بين النفختين واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو ذكر بقية أحاديث الدجال بحديث أنس رضي الله عنه فقال: 7216 - (2923) (90) (حدثنا منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي الدمشقي، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي) ثقة، من (7) (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة الأنصاري (عن عمه أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلي وسلم قال يتبع الدجال) يمكن أن يكون ثلاثيًّا من باب فتح أي يسير خلفه وأن يكون بتشديد التاء من باب افتعل بمعنى أنهم يطيعونه (من يهود أصبهان) قال في المرقاة: بفتح الهمزة وبكسرها وبالباء أو الفاء المفتوحتين بلدة معروفة من بلاد العجم، وذكر في المرقاة أن أصبهان اثنان أحدهما في العراق وهو المراد هنا، وثانيهما في الغرب (سبعون ألفًا) وفي رواية (تسعون ألفًا) والصحيح المشهور هو الأول والثاني هو رواية ابن ماهان ذكره ابن الملك (عليهم الطيالسة) بفتح الطاء وكسر اللام جمع طيلسان بفتح اللام ولا تكسره العرب في المشهور، وحكاه البكري بكسر اللام وهو كساء معروف مثل الرداء أو العباءة وهو أعجمي معرب والهاء في جمعه للعجمة ويدل هذا الحديث على أن أكثر أتباع الدجال اليهود ومن يعنقد التجسيم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3450]، وأبو داود [4315].

7217 - (2924) (91) حدثني هَارُونُ بن عَبدِ الله. حَدَّثَنَا حَجاجُ بن مُحَمدٍ قَال: قَال ابنُ جُرَيجٍ: حدّثني أَبُو الزبَيرِ؛ أَنهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: أَخبَرَتنِي أم شَرِيكٍ؛ أَنهَا سَمِعَتِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "لَيَفِرَّنَّ الناسُ مِنَ الدجالِ فِي الجبَالِ". قَالت أُمُّ شَرِيكٍ: يَا رَسُولَ الله، فَأينَ العَرَبُ يَومَئِذٍ؟ قَال: "هُمْ قَلِيلٌ". 7218 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمدُ بن بَشارٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أم شريك رضي الله عنهما فقال: 7217 - (2924) (91) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزاز المعروف بالحمال، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (قال) الحجاج (قال) عبد الملك (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (6) (حدثني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله تعالى عنهما (يقول أخبرتني أم شريك) غزية أو غزيلة بنت دودان بن عمرو بن عامر العامرية الصحابية المشهورة رضي الله عنها، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في (2) بابين قتل الوزغ والفتن. وهذا السند من سداسياته (أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول) والله (ليفرن الناس) أي ليهربن المؤمنون (من) فتنة (الدجال في) شغف (الجبال) ورؤوسها (قالت أم شريك يا رسول الله فأين) يكون (العرب يومئذ) أي يوم إذ خرج الدجال، قال الطيبي: والفاء في قوله (فأين العرب) رابطة لجواب شرط مقدر تقديره أي إذا كان هذا حال الناس فأين المجاهدون في سبيل الله الذابُّون عن حريم الإسلام المانعون عن أهله صولة أعداء الله فكنى عنهم بها (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم) أي العرب (قليل) فلا يقدرون عليه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في المناقب باب فضل العرب، وأحمد [6/ 462]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7218 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن بشار وعبد بن حميد) الكسي (قالا حدثنا

أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. 7219 - (2925) (92) حدثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ)، حَدَّثَنَا أَيوبُ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ رَهْطٍ، مِنْهُم أَبُو الدَّهْمَاءِ وَأَبُو قَتَادَةَ. قَالُوا: كُنا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، نَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عاصم) النبيل الشيباني الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج) غرضه بيان متابعة أبي عاصم لحجاج بن محمد، وساق أبو عاصم (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الزبير عن جابر عن أم شريك مثله. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث هشام بن عامر رضي الله عنه فقال: 7219 - (2925) (92) (حدثني زهير بن حرب حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق (الحضرمي) بفتح الحاء والراء بينهما ضاد ساكنة نسبة إلى حضرموت بلدة بأقصى اليمن أبو إسحاق البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار) الأنصاري مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أيوب) السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (17) بابا (عن حميد بن هلال) العدوي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن رهط) أي عن جماعة (منهم أبو الدهماء) قرفة بكسر أوله وسكون الراء بعدها فاء بن بهيس بموحدة ومهملة مصغرًا العدوي البصري، روى عن هشام بن عامر في الفتن، وعمران بن حصين، ويروي عنه (م عم) وحميد بن هلال، وثقه ابن معين، وقال العجلي: بصري تابعي، ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من (3) (وأبو قتادة) العدوي البصري مختلف في صحبته اسمه نذير بن قنفذ، روى عن عمران بن حصين وعمر، ويروي عنه (م دس) وحميد بن هلال وإسحاق بن سويد، وثقه ابن معين، له عندهم حديثان في الإيمان والفتن (قالوا) أي قال أولئك الرهط (كنا نمر على هشام بن عامر) بن أمية الأنصاري النجاري البصري ابن عم أنس بن مالك، له ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منها في الفتن، ويروي عنه (م عم) وحميد بن هلال وأبو قتادة العدوي وأبو الدهماء وأبو قلابة وغيرهم، حالة كوننا (نأتي

عِمْرَانَ بنَ حُصَينٍ. فَقَال ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّكُمْ لَتُجَاوزُوني إِلَى رِجَالٍ، مَا كَانُوا بِأَخضَرَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مِنِّي. وَلَا أعلَمَ بِحَدِيثِهِ مِني. سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "مَا بَين خَلقِ آدَمَ إِلى قِيَامِ الساعَةِ خَلق أكبَرُ مِنَ الدَّجَّال" ـــــــــــــــــــــــــــــ عمران بن حصين) العدوي (فقال) لنا هشام بن عامر (ذات يوم إنكم) أيها الرهط (لتجاوزوني) أي لتمرون عليّ ماشين (إلى رجال) من الصحابة لأخذ الحديث منهم (ما كانوا بأحضر) أي أكثر حضورا (لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا) بـ (أعلم بحديثه مني) فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال) وسند هذا الحديث من سباعياته. قوله (فقال ذات يوم) أي قال هشام بن عامر رضي الله عنه فالحديث المرفوع الآتي مروي عنه وتوهم الخطيب التبريزي رحمه الله تعالى صاحب مشكاة المصابيح أن قائله عمران بن حصين فجعل الحديث من مرويات عمران بن حصين، والحق أن الحديث مروي عن هشام بن عامر كما يظهر من مسند أحمد ومن مستدرك الحاكم ولفظ الحاكم عن حميد بن هلال قال: كان الناس يمرون على هشام بن عامر ويأتون عمران بن حصين، فقال هشام: إن هؤلاء يجتازون إلى رجل قد كنا أكثر مشاهدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه وأحفظ عنه لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر الحديث. قوله (ما كانوا بأحضر) إشارة إلى أن عمران بن حصين رضي الله عنه لم يكن أكثر إتيانا لمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه يعني من هشام بن عامر والذي حمله على هذا الكلام شدة حرصه على تبليغ ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لينال أجره. قوله (ما بين خلق آدم) - عليه السلام - ما نافية (بين خلق آدم) ظرف اعتباري متعلق بمحذوف خبر مقدم (إلى قيام الساعة) متعلق بما تعلق به الظرف (خلق أكبر) مبتدأ مؤخر وصفته وسوغ الابتداء بالنكرة تقدم الخبر الظرفي عليه أو وصفه بنكرة لإفادته التخصيص والتقدير ما خلق أكبر من الدجال موجودين بين خلق آدم إلى قيام الساعة، والمعنى ليس بينهما خلق أعظم فتنة من الدجال لعظم فتنته وبليته ولشدة تلبيسه ومحنته. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف ولكن شاركه أحمد [4/ 19]، والحاكم في المستدرك [4/ 528].

7220 - (00) (00) وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أيوبَ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ ثَلاثةِ رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالُوا: كُنا نَمرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، إِلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مخْتَارٍ. غَيرَ أَنهُ قَال: "أَمرٌ أكبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ". 7221 - (2926) (93) حدَّثنا يَحيَى بن أَيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسماعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث هشام بن عامر رضي الله عنهما فقال: 7220 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن غيلان الأموي مولاهم (الرقي) ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبي وهب الجزري الرقي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال عن ثلاثة رهط من قومه فيهم أبو قتادة) العدوي (قالوا) أي قال أولئك الرهط (كنا نمر على هشام بن عامر إلى عمران بن حصين) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبيد الله بن عمرو لعبد العزيز بن المختار، وساق عبيد الله بن عمرو (بمثل حديث عبد العزيز بن مختار) عن أيوب (غير أنه) أي لكن أن عبيد الله بن عمرو (قال) في روايته (أمر أكبر) فتنة وشوكة (من الدجال) بدل قول عبد العزيز (خلق أكبر) والمعنى واحد. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثا لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7221 - (2926) (93) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي المروزي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني،

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَو الدُّخَانَ، أَو الدَّجَّال، أَو الدابةَ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكم، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بادروا بالأعمال ستًّا) أي سابقوا ست آيات دالة على وجود القيامة قبل وقوعها وحلولها فإن العمل بعد وقوعها وحلولها لا يُقبل ولا يُعتبر، وعبارة القرطبي قوله (بادروا) أي سابقوا بالأعمال الصالحة واغتنموا التمكن منها قبل أن يحال بينكم وبينها بداهية من هذه الدواهي المذكورة فيفوت العمل للمانع أو تعدم منفعته لعدم القبول. وقوله (طلوع الشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة) بالنصب في جميعها بدل من قوله ستًّا بدل تفصيل من مجمل. وقد تقدم الكلام على أكثر هذه الست. وقوله (أو خاصة أحدكم) يعني به الموانع التي تخصه مما يمنعه العمل كالمرض والكبر والفقر المنسي والغنى المطغي والعيال والأولاد والهموم والأنكاد والفتن والمحن إلى غير ذلك مما لا يتمكن الإنسان مع شيء منه من عمل صالح أو لا يسلم له، وهذا المعنى هو الذي فصله في حديث آخر حيث قال "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك" رواه الحاكم [4/ 306]. وقوله (أو أمر العامة) يعني الاشتغال بهم فيما لا يتوجه على الإنسان غرضه فإنهم يفسدون من يقصد إصلاحهم ويهلكون من يريد حياتهم لا سيما في مثل هذه الأزمان التي قد مرجت فيها عهودهم وخانت أماناتهم وغلبت عليهم الجهالات والأهواء وأعانتهم الظلمة والسفهاء وعلى هذا فعلى العامل أن يهتم بخصوصية نفسه والإعراض عن أبناء جنسه إلى حلول رمسه أعاننا الله تعالى على ذلك بفضله وكرمه وجوده. وقد جاءت هذه الستة في هذه الرواية معطوفة بـ (أو) فيجوز أن تكون للتنويع أي اتقوا أن يصيبكم أحد هذه الأنواع ويصح أن تكون بمعنى الواو كما جاءت في الرواية الأخرى اهـ من المفهم. والمعنى بادروا بالأعمال الصالحة وسارعوا إلى الإتيان بها قبل أن تظهر هذه

7222 - (00) (00) حدَّثنا أُميَّةُ بْنُ بَسْطَامَ العَيشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيعٍ. حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَن قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَن زَيادِ بنِ رِيَاحٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، قَال: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّال، وَالدُّخَانَ، وَدَابةَ الأرض، وَطُلُوعَ الشمْسِ مِن مَغْرِبِهَا، وَأَمرَ الْعَامة، وَخُوَيصَةَ أَحَدِكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ العلامات الست إذ يعسر العمل فيما بعدها أو لا يقبل عندها. وقوله (أو خاصة أحدكم) يعني العلامة التي تخص أحدكم والمراد منها الموت فإن من مات قامت قيامته، وقيل هو ما يختص به الإنسان من الشواغل المتعلقة بنفسه أو ماله أو ما يهتم به، ووقع في الرواية الآتية (خويصة) بالتصغير لاستصغارها في جنب الحوادث التي قبلها (أو أمر العامة) ذكر النووي أن المراد به القيامة لأنها تعم الناس كلهم، وقال علي القاري في المرقاة: أي الفتنة التي تعم الناس أو الأمر الذي يستبد به العوام ويكون من قبلهم دون الخواص اهـ. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات الست لكنه شاركه أحمد في مسنده [2/ 337]، والبغوي في شرح السنة [15/ 44]، والحاكم في المستدرك [4/ 516]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7222 - (00) (00) (حدثنا أمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي العيشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا شعبة عن قتادة عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن زياد بن رياح) بالكسر والمثناة التحتية وبفتح الراء مع الموحدة اهـ سنوسي. القيسي البصري أو المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الجهاد والفتن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة زياد بن رياح لعبد الرحمن بن يعقوب (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بادروا بالأعمال ستًّا) أي سارعوا بالأعمال الصالحة قبل حصول واحد من ستة أمور (الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها و) قبل حيلولة الاشتغال بـ (أمر العامة) إياك عن العمل الصالح (و) قبل حيلولة الاشتغال بـ (خويصة أحدكم) عن العمل الصالح أي الاشتغال بأمر خاص بك أي بنفسك أو بأهلك أو بولدك .. إلخ كما مر بيانها عن القرطبي.

7223 - (00) (00) وحدثناه زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَن قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. 7224 - (2927) (94) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا حَمادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوَيةَ بْنِ قُرةَ، عَنْ مَعْقِل بْنِ يَسَارٍ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، رَدَّهُ إِلَى مُعَاويةَ بْنِ قُرَّةَ. رَدَّهُ إِلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7223 - (00) (00) (وحدثناه زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (20) بابا، غرضه بيان متابعة همام لشعبة وساق همام (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن زياد عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما حدث شعبة عن قتادة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو فضل العبادة في الهرج بحديث معقل بن يسار رضي الله عنه فقال: 7224 - (2927) (94) (حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن معلى بن زياد) القردوسي البصري، صدوق، من (7) روى عنه في (2) بابين الجهاد والفتن (عن معاوية بن قرة) بن إياس المزني البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن معقل بن يسار) المزني البصري الصحابي الشهير رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا حماد) بن زيد (عن المعلى بن زياد رده) أي رد المعلى هذا الحديث ونسبه وأسنده (إلى معاوية بن قرة رده) أي رد معاوية بن قرة هذا الحديث (إلى معقل بن يسار رده) أي رد معقل بن يسار هذا الحديث (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته

قَال: "العِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إليَّ". 7225 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا حَمادٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَه. 7226 - (2928) (95) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ، (يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضًا، غرضه بيان متابعة قتيبة ليحيى بن يحيى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (العبادة في الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء أصله الاختلاط والقتل والمراد منه هنا الفتنة، قال النووي: المراد بالهرج الفتنة واختلاط أمور الناس وحكمة كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا الأفراد من الناس اهـ (كهجرة إلي) والهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات. وعبارة القرطبي هنا: قد تقدم أن الهرج الاختلاط والارتباك ويراد به هنا الفتن والقتل واختلاط الناس بعضهم في بعض، والمتمسك بالعبادة في ذلك الوقت والمنقطع إليها المعتزل عن الناس أجره كأجر المهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يناسبه من حيث إن المهاجر قد فر بدينه عمن يصده عنه إلى الاعتصام بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المنقطع للعبادة فر من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربه فهو على التحقيق قد هاجر إلى ربه وفر من جميع خلقه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه فقال: 7225 - (00) (00) (وحدثنيه أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا حماد) بن زيد، غرضه بيان متابعة أبي كامل ليحيى بن يحيى، وساق أبو كامل (بهذا الإسناد) السابق يعني عن معلى بن زياد إلى آخره، وساق أبو كامل (نحوه) أي نحو حديث يحيى بن يحيى. وشارك المؤلف في هذا الحديث الترمذي في الفتن [2201]، وابن ماجه باب الوقوف عند الشبهات [3985]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو قرب الساعة بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 7226 - (2928) (95) (حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن يعني

ابْنَ مَهْدِيٍّ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الأَقمَرِ، عَن أَبِي الأَحوَصِ، عَن عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، قَال: "لَا تَقُومُ الساعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الناسِ". 7227 - (2929) (96) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ وَعَبدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ، (وَاللفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (حدثنا شعبة عن علي بن الأقمر) بن عمرو بن الحارث الهمداني الوادعي بكسر الدال المهملة وبالعين المهملة أبي الوازع الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (2) بابين الصلاة والفتن (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي مشهور بكنيته، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) وخبائثهم ورذائلهم وهو لكع بن لكع لما سبق من أن أهل الإيمان تقبض أرواحهم قبل ذلك. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد في مسنده [1/ 435]، والحاكم في المستدرك [4/ 494]، والبغوي في شرح السنة [15/ 98]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن مسعود بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال: 7227 - (2929) (96) (حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني نزيل مكة، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (وعبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني، الفقيه، صدوق، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من رباعياته (قال) سهل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا قتيبة بن سعيد واللفظ

لَهُ)، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ؛ أَنهُ سَمِعَ سَهْلًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ التِي تَلِي الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَي، وَهُوَ يَقُولُ: "بُعِثْتُ أَنا وَالساعَةُ هَكَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ له حدثنا يعقوب) بن عبد الرحمن القاري (عن أبي حازم أنه سمع سهلًا) بن سعد رضي الله عنه (يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته، حالة كونه (يشير بأصبعه) الشريفة (التي تلي الإبهام) وهي المسبحة (والوسطى) معطوف على إصبعه أي يشير بالمسبحة وبالوسطى (وهو يقول) بلسانه (بُعثت) إلى الخلق كافة (أنا والساعة) متقاربان (هكذا) أي تقاربا مثل تقارب هاتين الإصبعين يعني ليس بيني وبين الساعة فصل كبير كما أنه لا فصل بين هاتين الإصبعين، وهو كناية عن قرب القيامة، وإن فصل ألف سنة أو ألفين أو أكثر كلا فصل بالنسبة إلى مدة الدنيا كلها، قال النووي: قيل المراد بينهما شيء يسير كما أنه بين الإصبعين شيء يسير في الطول والقصر، وقيل هو إشارة إلى قرب المجاورة اهـ. قال القرطبي: قوله (بُعثت أنا والساعة هكذا) رويته بضم الساعة عطفًا على ضمير الفاعل بعد تأكيده بالضمير المنفصل، وهكذا جار ومجرور حال من الفاعل وما عطف عليه تقديره حالة كوننا مقترنين، ورويته بنصب الساعة على أنه مفعول معه والعامل فيه بُعثت والتقدير بُعثت أنا مع الساعة متصلين هكذا فعلى النصب يقع التشبيه بالضم، وعلى الرفع يحتمل هذا ويحتمل أن يقع بالتفاوت الذي بين السبابة والوسطى فتأمله. ويدل عليه قول قتادة في بعض روايات حديث أنس "كفضل إحداهما على الأخرى" وحاصله تقريب أمر الساعة التي هي القيامة وسرعة مجيئها، وهذا كما قال تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]، قال الحسن: أول أشراطها محمد صلى الله عليه وسلم اهـ من المفهم. قال القاضي: وقد حاول بعض الناس أن يجعل نسبة ما بينهما كنسبة ما بقي من عمر الدنيا مما مضى في أخبار لا تصح لكن أبو داود ذكر تأخير هذه الأمة بنصف يوم وفسره بخمسمائة عام فيأتي من حساب أيام الدنيا نصف سبع وهو قريب مما بين الإصبعين المذكورين اهـ من الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الرقاق باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "بُعثت أنا والساعة كهاتين" [6503]، وأحمد [5/ 330]، والبغوي [15/ 98].

7228 - (2930) (97) حدَّثنا مُحَمدُ بن الْمُثَنَّى وَمُحَمدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعتُ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أنسُ بْنُ مَالِكِ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "بُعِثتُ أَنا وَالساعَةُ كَهَاتَينِ". قَال شُعْبَةُ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى. فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَهُ عَن أَنَسٍ، أَوْ قَالهُ قَتَادَةُ. 7229 - (00) (00) وحدثنا يَحْيى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 7228 - (2930) (97) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة قال سمعت قتادة حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعثت أنا والساعة) متصلين أو متقاربين (كهاتين) الإصبعين السبابة والوسطى تقدم ما فيه، في الحديث قبله (قال شعبة) بالسند السابق (وسمعت قتادة يقول) أي يزيد (في قصصه) وروايته لهذا الحديث في بعض الأحيان لفظة (كفضل إحداهما على الأخرى) أي متفاضلين في الطول والقصر كتفاضل إحدى هاتين على الأخرى في الطول، قال شعبة (فلا أدري) ولا أعلم (أذكره) أي هل ذكر قتادة هذا اللفظ الزائد راويًا (عن أنس أو قاله) أي أو قال هذا الزائد (قتادة) من عند نفسه تفسيرًا للحديث، وقوله (كفضل إحداهما على الأخرى) هذا أحد التفاسير المحتملة لقوله صلى الله عليه وسلم: "بُعثت أنا والساعة هكذا" ومعناه أن الفرق بيني وبين القيامة كالفرق فيما بين السبابة والوسطى في الطول وهو قدر أنملة تقريبًا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق [6504]، والترمذي في الفتن [2214]، وأحمد [3/ 124 و 130]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7229 - (00) (00) (وحدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة،

حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، حَدَّثَنَا شُعبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ وَأَبَا التَّيَّاحِ يُحَدِّثَانِ؛ أَنَّهُمَا سَمِعَا أنسًا يُحَدِّثُ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "بُعِثْتُ أَنا وَالساعَةَ هَكَذَا". وَقَرَنَ شُعْبَةُ بَينَ إِصْبَعَيهِ. الْمُسَبحَةِ وَالْوُسْطَى، يَحْكِيهِ. 7230 - (00) (00) وحدثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعفَرٍ قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. بِهذَا. 7231 - (00) (00) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد الهجيمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا شعبة) غرضه بيان متابعة خالد بن الحارث لمحمد بن جعفر (قال) شعبة (سمعت قتادة وأبا التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (7) أبواب (يحدثان أنهما سمعا أنسًا يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بُعثت أنا والساعة) أي بُعثت أنا مع الساعة متقارنين متصلين (هكذا) أي مثل اتصال هاتين مع التفاضل (وقرن شعبة بين إصبعيه المسبحة والوسطى) وضم إحداهما إلى الأخرى حالة كون شعبة (يحكيه) أي يحكي التشبيه المذكور في الحديث ويصفه ويفسره بالقرن بين إصبعيه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7230 - (00) (00) (وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي العامري البصري الملقب بحمدان، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن جعفر قالا) أي قال معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر (حدثنا شعبة عن أبي التياح) يزيد بن حميد البصري (عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ ومحمد بن جعفر لخالد بن الحارث، وساقا (بهذا) الحديث الذي ذكر خالد بن الحارث. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7231 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن بشار حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي

عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَمْزَةَ، (يَعْنِي الضَّبِّيَّ)، وَأبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ. 7232 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو غَسانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْبَدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "بُعِثْتُ أَنا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَينِ". قَال: وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالوُسْطَى ـــــــــــــــــــــــــــــ عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن شعبة عن حمزة) بن عمر العائذي (يعني الضبي) نسبة إلى عائذ الله بن ضبة أبي عمر البصري، روى عن أنس بن مالك في الفتن وعلقمة بن وائل، ويروي عنه (م دس) وشعبة وابنه عمر، قال النسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من الرابعة، قال ابن حبان: وهم من ضبطه بالجيم والراء (و) عن (أبي التياح) يزيد بن حميد (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي عدي لمحمد بن جعفر وخالد بن الحارث ومعاذ بن معاذ في رواية هذا الحديث عن شعبة، وساق ابن أبي عدي (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديثهم) أي بمثل حديث هؤلاء الثلاثة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7232 - (00) (00) (وحدثنا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (9) (عن أبيه) سليمان بن طرخان، ثقة، من (5) (عن معبد) بن هلال العنزي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن أنس) بن مالك. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معبد لمن روى عن أنس (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعثت أنا والساعة كهاتين، قال) أنس (وضم) النبي صلى الله عليه وسلم (السبابة والوسطى). ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن مسعود مع عائشة رضي الله عنهما فقال:

7233 - (2931) (98) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَن أَبِيهِ، عَن عَائِشَةَ، قَالتْ: كَانَ الأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَألُوهُ عَنِ الساعَةِ: مَتَى الساعَةُ؟ فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَقَال: "إِنْ يَعِشْ هَذَا، لَمْ يُدْرِكهُ الْهَرَمُ، قَامَتْ عَلَيكُمْ سَاعَتُكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7233 - (2931) (98) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (كان الأعراب) أي سكان البوادي (إذ قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة) أي عن وقت قيامها بقولهم له (متى الساعة) أي في أي وقت قيام الساعة (فنظر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى أحدث إنسان منهم) أي إلى أصغرهم سنا، ووقع في الرواية الآتية أنه كان غلامًا من الأنصار اسمه محمد، وفي أخرى بعدها أنه كان من أزد شنوءة، وفي أخرى بعدها أنه كان غلامًا للمغيرة بن شعبة وكان من أقران أنس وكان أنس حينئذ بنحو سبع عشرة سنة اهـ فتح الباري [11/ 363] (فقال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن يعش) من باب باع أي إن يعش (هذا) الغلام (لم يدركه الهرم) أي الشيخوخة حتى (قامت عليكم ساعتكم) أي موتكم فهو على حذف حتى كما قدرناه كذا فسره هشام بن عروة عند البخاري والدليل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضاف الساعة إلى المخاطبين والقيامة لا تختص ببعض دون بعض وهو نظير قوله - عليه السلام - "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها الآن أحد" ووقع الأمر كذلك فإن آخر من بقي ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أبو الطفيل عامر بن واثلة كما جزم به مسلم وغيره وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة وذلك عند تمام مائة سنة من وقت تلك المقالة اهـ فتح الباري. وفي بعض الرواية من حديث أنس التالي "إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" وفي بعضها "إن عُمِّر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" وفي بعضها "إن يؤخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" قال القاضي: هذه الروايات

7234 - (2933) (99) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن رَجُلًا سَألَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: مَتَى تَقُومُ الساعَةُ؟ وَعِنْدَهُ غُلامٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ مُحَمدٌ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغلامُ، فَعَسَى أَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ، حَتى تقُومَ الساعَةُ". 7235 - (00) (00) وحدثني حَجاجُ بْنُ الشاعِرِ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلها محمولة على معنى الأول والمراد بساعتكم موتكم ومعناه بموت ذلك الفرد أو أولئك المخاطبين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب سكرات الموت [6511]. ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث آخر لأنس رضي الله عنهما فقال: 7234 - (2933) (99) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (عن حماد بن سلمة) الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة) ولم أو من ذكر اسم هذا الرجل (وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يعش هذا الغلام) ولم يمت (فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة). وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [3/ 228]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال: 7235 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة نسبة إلى واشح بطن من الأزد أبو أيوب البصري، ثقة، من

حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، (يَعْنِي ابنَ زيْدٍ)، حَدَّثَنَا مَعبَدُ بن هِلالٍ العَنَزِيُّ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ أن رَجُلًا سَأَلَ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: مَتَى تَقُومُ الساعَةُ؟ قَال: فَسَكَتَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ هُنَيهَةً. ثُم نَظَرَ إِلَى غُلام بَينَ يَدَيهِ مِن أَزدِ شَنُوءَةَ. فَقَال: "إِنْ عُمِّرَ هذَا، لَمْ يُدْرِكْهُ الهرَمُ حَتى تَقُومَ الساعَةُ". قَال: قَال أَنَسٌ: ذَاكَ الْغُلامُ مِن أَتْرَابِي يَوْمئِذٍ. 7236 - (00) (00) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الله. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسلِمٍ. حَدَّثَنَا هَمامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا معبد بن هلال العنزي) البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معبد لثابت (أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل كما مر (قال متى تقوم الساعة؟ قال) أنس (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة) تصغير هنة أي زمنًا يسيرًا فلم يجبه لعله لانتظار الوحي (ثم نظر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة) بفتح الشين، قبيلة مشهورة باليمن، ولعل هذا الغلام هو المذكور في الرواية الأولى الذي سماه بمحمد (فقال إن عُمِّر هذا) الغلام (لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة) قال النووي: يحتمل أنه علم أن ذلك الغلام لا يبلغ الهرم ولا يُعمّر ولا يؤخر اهـ (قال) معبد (قال) لنا (أنس) بالسند السابق (ذاك الغلام من أترابي) أي من أقراني (يومئذ) أي يوم إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث، والأتراب جمع ترب بكسر التاء وهو متحد السن، مشتق من التراب لأن الأتراب يلعبون في التراب معًا وقد سبق أن أنسًا كان يومئذ ابن نحو سبع عشرة سنة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال: 7236 - (00) (00) (حدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي البزاز، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عفان بن مسلم) بن عبد الله الصّفار الأنصاري أبو عثمان البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (15) (حدثنا همام) بن يحيى بن

حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَن أَنَسٍ، قَال: مَرَّ غُلامٌ لِلمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ مِن أَقرَانِي. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن يُؤَخَّر هَذا، فَلَنْ يُدرِكَهُ الهرَمُ، حَتى تَقُومَ الساعَةُ". 7237 - (2933) (100) حدّثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "تَقُومُ الساعَةُ وَالرجُلُ يَحْلُبُ اللِّقْحَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت ومعبد (قال) أنس (مر غلام للمغيرة بن شعبة) بن أبي عامر الثقفي الكوفي رضي الله عنه، ولم أر من ذكر اسم الغلام (وكان) ذلك الغلام (من أقراني) أي من أترابي وتقدم لك بيان معنى الترب (فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن يؤخر هذا) الغلام وعُمر (فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة) وبين هذه الرواية والرواية الأولى معارضة من حيث نسبة الولد لأنه قال في الأول غلام من الأنصار وفي هذه قال غلام للمغيرة فيُجمع بينهما بترجيح رواية ثابت على رواية قتادة لأن قتادة مدلس فروى عن أنس بالعنعنة والله أعلم. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا الحديث ابن مسعود بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7237 - (2933) (100) (حدثني زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، حالة كون أبي هريرة (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفع ويسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (تقوم الساعة) أي القيامة (والرجل) أي والحال أن الرجل من الناس (يحلب) من باب نصر (اللقحة) قال في النهاية: اللقحة بالكسر والفتح مع سكون القاف فيهما الناقة القريبة العهد بالنتاج والجمع لقح نظير قربة وقرب يقال لقحت لقحًا ولقاحًا وناقة لقوح إذا كانت غزيرة اللبن اهـ وفي المصباح: اللقحة بالكسر الناقة ذات لبن والجمع لقح مثل سدرة وسدر أو مثل قصعة وقصع أي يحلب لبن الناقة

فَمَا يصِلُ الإِنَاءُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تقُومَ. وَالرَّجُلانِ يَتَبايَعَانِ الثَّوْبَ، فَمَا يَتَبَايَعَانِهِ حَتَّى تَقُومَ. وَالرَّجُلُ يلِطُ فِي حَوْضِهِ، فَمَا يَصْدُرُ حَتَّى تَقُومَ". 7238 - (2934) (101) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "مَا بَينَ النفْخَتَينِ ـــــــــــــــــــــــــــــ في الإناء ليشربه (فما يصل الإناء) الذي حلب فيه اللبن ليشربه (إلى فيه) أي إلى فمه (حتى تقوم) الساعة (والرجلان) من الناس (يتبايعان الثوب) أي يريدان أن يتعاقدا عقد البيع على الثوب بالإيجاب والقبول (فما يتبايعان) أي فما يتمان عقد البيع على الثوب (حتى تقوم) الساعة (والرجل يلط في حوضه) أي يريد أن يصلح حوضه بالتطيين والتنظيف ليسقي فيه إبله (فما يصدر) أي فما يفرغ من إصلاحه فضلًا عن سقي إبله فيه (حتى تقوم) الساعة. قوله (يلط في حوضه) هكذا هو في معظم النسخ بفتح الياء وكسر اللام وتخفيف الطاء، وفي بعضها يليط بزيادة ياء، وفي بعضها يلوط، ومعنى الجميع واحد وهو أنه يطيِّنه ويصلحه اهـ نووي. ورُوي (يلط) بتشديد الطاء كما ذكره القاضي عياض ومعنى الجميع واحد وهو الإصلاح والتطيين. قوله (فما يصدر) بضم الدال من باب قعد أي يرجع. وحاصل هذا الحديث أن الساعة تقوم بغتة كما قال تعالى: {لَا تَأْتِيكُمْ إلا بَغْتَةً} [الأعراف: 187] اهـ مفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن الجميع والله أعلم. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ذكر ما بين النفختين بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7238 - (2934) (101) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين النفختين) نفخة الصعق والإماتة، ونفخة

أَرْبَعُونَ". قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، أَرْبَعُونَ يَومًا؟ قَال: أَبيتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهرًا؟ قَال: أَبَيْتُ. قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَال: أَبَيتُ: "ثُم يُنْزِلُ الله مِنَ السمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ". قَال: "وَلَيسَ مِنَ الإنْسَانِ شَيءٌ إِلا يَبْلَى. إِلا عَظمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذنَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البعث والإحياء أي مدة ما بينهما (أربعون، قالوا) أي قال الحاضرون عند أبي هريرة (يا أبا هريرة) ما بينهما (أربعون يومًا؟ قال) أبو هريرة (أبيت) أي امتنعت عن تعيينه باليوم (قالوا أربعون شهرًا؟ قال أبيت، قال أربعون سنة؟ قال أبيت) عن ذلك، والمعنى أبيت أن أجزم بأن المراد أربعون يومًا أو شهرًا أو سنة بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة، وقد جاءت مفسرة من رواية غيره في غير مسلم أربعون سنة، ولابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش في هذا الحديث قال: أعييت من الإعياء وهو التعب، وكأنه أشار إلى كثرة من يسأله عن تبيين ذلك فلا يجيبه، وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن الصلت عن الأعمش في هذا الحديث أربعون سنة وهو شاذ، وأخرج من وجه ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما بين النفخة والنفخة أربعون سنة ووقع في جامع ابن وهب أربعون جمعة وسنده منقطع اهـ فتح الباري [8/ 552]. وهذا الحديث يشير إلى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68]، وقول أبي هريرة (أبيت أبيت لما سُئل عن الأربعين ما هي) يدل على أنه كان عنده من ذلك علم وامتنع من بثه لأنه لا ترهق إليه حاجة ولا يتعلق به عمل، ويحتمل أن لا يكون عنده علم من ذلك، وقوله (أبيت أبيت) يعني أبيت أن أسأل عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بُعد اهـ مفهم (ثم) بعد نفخة الصعق والإماتة (يُنزل الله) عزَّ وجلَّ (من السماء ماء) كمني الرجال فتتكون فيه الأجسام بقدرة الله تعالى وعن ذلك عبر بقوله (فينبتون كما ينبت البقل) أي ينبت الخلائق من ذلك الماء كما ينبت البقل والخضروات من المطر أي فإذا تهيأت الأجسام وكمُلت نُفخ في الصور نفخة البعث فخرجت الأرواح من المحال التي هي فيها، قال بعضهم: فتأتي كل روح إلى جسدها فيحييه الله بها، كل ذلك في لحظة بدليل قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68]، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وليس من) أجزاء (الإنسان شيء إلا يبلى) ويفنى (إلا عظمًا واحدًا وهو عجب الذنب) بفتح العين وسكون

وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الجيم ويقال فيه بالباء وبالميم وهو عظم لطيف في أسفل الصلب، وقيل هو رأس العصعص بضم العينين بينهما صاد ساكنة وهو مكان رأس الذنب بفتح النون من ذوات القوائم الأربع، وأخرج الحاكم وأبو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه قيل: يا رسول الله ما عجب الذنب؟ قال: "مثل حبة خردل" قال ابن الجوزي: قال ابن عقيل: لله في هذا سر لا يعلمه إلا هو لأن من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى شيء يبني عليه، ويحتمل أن يكون ذلك جُعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره ولا يحصل العلم بذلك للملائكة إلا بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها ولولا إبقاء شيء منها لجوزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد لا إلى نفس الأجساد اهـ فتح الباري، وفي رواية "كل ابن آدم تأكله الأرض" أي تبليه وتصيره إلى أصله الذي هو التراب وهذا عام مخصص بقوله صلى الله عليه وسلم: "حرم الله تعالى على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" رواه ابن عساكر [3/ 157] وبقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤذن المحتسب كالمتشحط في دمه وإن مات لم يُدوّد في قبره" رواه الطبراني في الكبير [12/ 13554] وانظره في الترغيب والترهيب [377] وظاهر هذا أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء والمؤذنين المحتسبين وقد شوهد هذا فيمن اطلع عليه من الشهداء فوُجدوا كما دُفنوا بعد آماد طويلة كما ذكر في السير وغيرها اهـ من المفهم. (ومنه) أي ومن عجب الذنب (يُركّب الخلق) الجديد (يوم القيامة) والمعنى أي أن أول ما خُلق من الإنسان هو ثم إن الله تعالى يبقيه إلى أن يركب الخلق منه تارة أخرى اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في تفسير سورة الزمر باب ونفخ في الصور [4814]، وفي تفسير سورة عم يتساءلون باب يوم ينفخ في الصور [4935]، وأبو داود في السنة باب في ذكر البعث والصور [4743]، والنسائي في الجنائز باب أرواح المؤمنين [2077]، وابن ماجه في الزهد باب ذكر القبر والبلى [4320]، والبغوي في شرح السنة في الفتن [4300]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

7239 - (00) (00) وحدثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي الْحِزَاميَّ)، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "كلُّ ابْنِ آدمَ يَأكلُهُ الترَابُ إِلا عَجْبَ الذنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ". 7240 - (00) (00) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "إِن فِي الإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأكلُهُ الأَرْضُ أَبدًا، فِيهِ يُرَكَّبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7239 - (00) (00) (وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا المغيرة) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام (يعني) القرشي الأسدي (الحزامي) المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي صالح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل) أجزاء جسم (ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه) أي من عجب الذنب (خلق) أي بدء خلقه في البداية (وفيه) أي وفي عجب الذنب (يركب) خلقه عند الإعادة، قال الباجي: وهو أول ما خُلق من بني آدم وهو الذي يبقى ليعاد تركيب الخلق عليه اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7240 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حدثنا معمر) بن راشد (عن همام بن منبه قال) همام (هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في) جسم (الإنسان عظمًا) لطيفًا (لا تأكله) ولا تبليه (الأرض أبدًا) أي في جميع ما يُستقبل من الزمان (فيه) أي في ذلك العظم أي عليه (يركب)

يَومَ الْقِيَامَةِ" قَالُوا: أَيُّ عَظمٍ هُوَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: "عَجْبُ الذَّنَبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الإنسان أي جسمه إذا أراد الله تعالى إعادته (يوم القيامة، قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي عظم) من عظام الإنسان (هو) أي ذلك العظم الذي يُركّب عليه الإنسان (يا رسول الله؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم هو (عجب الذنب) أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب وهو رأس العصعص كما مر البحث عنه والله أعلم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر حديثا: الأول حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث هشام بن عامر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث معقل بن يسار ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والسابع حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد، والثامن حديث أنس الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه أربع متابعات، والتاسع حديث عائشة رضي الله عنها ذكره للاستشهاد، والعاشر حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والثاني عشر حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلت إلى هنا يوم الأربعاء 23/ 8 / 1428 هـ. ***

كتاب الزهد

بسم الله الرحمن الرحيم 34 - كتاب الزهد 770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا 7241 - (2935) (102) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدرَاوَردِيَّ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 34 - كتاب الزهد 770 - (14) باب كون الدنيا سجن المؤمن وهوانها عند الله تعالى وما للمرء من ماله وما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها والنهي عن النظر إلى من فوقك في الدنيا والزهد لغة: الإعراض عن الشيء، وشرعًا: الإعراض عما فوق قدر الحاجة من الدنيا والرغبة فيما عند الله تعالى من الآخرة، قال ابن القيم: الفرق بين الزهد والورع أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة، يقال زهد فيه من باب فتح وسمع وكرم زهدًا وزهادة. واستدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة وهو كون الدنيا سجن المؤمن بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7241 - (2935) (102) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (يعني الدراوردي) الجهني المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم أبي شبل المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من

قَال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "الدُّنْيَا سِجنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ". 7242 - (2936) (103) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) قال النووي رحمه الله تعالى: أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من هذه وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة من المنغصات وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكدره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم والشقاء المؤبد اهـ نووي. قال القرطبي: وإنما كانت الدنيا كذلك لأن المؤمن فيها مقيد بقيود التكاليف فلا يقدر على حركة ولا سكون إلا أن يفسح له الشرع فيفك قيده ويمكنه من الفعل أو الترك مع ما هو فيه من توالي أنواع البلايا والمحن والمكابدات من الهموم والغموم والأسقام والآلام ومكابدة الأنداد والأضداد والعيال والأولاد وعلى الجملة "وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل بحسب دينه" رواه الحاكم [3/ 343] كما قاله صلى الله عليه وسلم: "وأي سجن أعظم من هذا" ثم هو في هذا السجن على غاية الخوف والوجل إذ لا يدري بماذا يُختم له من عمل؟ كيف وهو يتوقع أمرًا لا شيء أعظم منه ويخاف هلاكًا لا هلاك فوقه فلولا أن يرتجي الخلاص من هذا السجن لهلك مكانه لكنه لطف به فهون عليه ذلك كله بما وُعد على صبره وبما كشف له من حميد عاقبة أمره. والكافر منفك عن تلك القيود الحاصلة بالتكاليف آمن من تلك المخاويف مقبل على لذاته منهمك في شهواته معتز بمساعدة الأيام يأكل ويستمتع كما تأكل الأنعام وعن قريب يستيقظ من هذه الأحكام ويحصل في السجن الذي لا يرام فنسأل الله السلامة من أهوال يوم القيامة اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الزهد [2324]، وابن ماجه في الزهد باب مثل الدنيا [4165]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو كون الدنيا أهون على الله تعالى بحديث جابر رضي الله عنه فقال 7242 - (2936) (103) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) التميمي الحارثي

حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، (يَعنِي ابنَ بِلالٍ)، عَنْ جَعفَرٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مَرَّ بِالسوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعضِ العَالِيَةِ، وَالناسُ كَنَفَتَهُ. فَمَرَّ بِجَدْيٍ أسَكَّ مَيِّتٍ. فَتَنَاوَلَهُ فَأخَذَ بِأذُنِهِ، ثُم قَال: "أَيُّكُمْ يُحبُّ أَن هَذا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ " فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيءٍ. وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ المدني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان يعني ابن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن جعفر) الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) محمد الباقر، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق) أي سوق المدينة (داخلًا) فيها (من بعض العالية) يعني كان قد ذهب إلى بعض عوالي المدينة فرجع منها ودخل السوق (والناس) مبتدأ خبره متعلق الظرف المذكور بقوله (كنفته) وهو منصوب على الظرفية المكانية بمعنى جانبه أي والحال أن الناس ماشون بجانبه، وفي بعض النسخ كنفتيه بالتثنية أي جانبيه (فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بجدي) بفتح الجيم وسكون الدال أي بولد معز (أسك) صفة على وزن أفعل أي صغير الأذنين (ميت) أي زائل الحياة بغير ذكاة شرعية، قال في المصباح (الجدي) قال ابن الأنباري: هو الذكر من أولاد المعز لم يتم له سنة والأنثى عناق (أسك) أي صغير الأذنين ضيق الصماخين، وقيل الذي لا يسمع، وقال الهروي: الاستكاك الصمم يقال استكت أسماعهم أي صمت، قال ثابت: السكك صغر الأذن مع لصوقها وقلة إشرافها اهـ (فتناوله) أي فتناول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الجدي وأصابه بيده (فأخد) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك بيده الشريفة (بأذنه) أي بأذن الجدي (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيكم) أيها الحاضرون (يحب أن هذا) الأسك يكون (له بدرهم) واحد أي أيكم يغبط ويتمنى أن يكون هذا الجدي الأسك مأخوذًا له بدرهم (فقالوا) أي فقال المخاطبون (ما نحب) ولا نتمنى (أنه) مأخوذ (لنا بشيء) أي بعوض ولا مقابل (ومما نصنع به) أي وأي شيء نفعل به إن أخذناه لأنه ميت لا ينتفع به ولا يؤكل، ثم (قال) لهم رسول الله

"أتُحبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ " قَالُوا: وَاللهِ، لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لأَنهُ أَسَكُّ. فَكَيفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَال: "فَوَاللهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله، مِنْ هَذَا عَلَيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صلى الله عليه وسلم (أتحبون أنه) أي أن هذا الأسك (لكم) أي أن يكون هذا الأسك لكم حيًّا (قالوا والله لو كان حيًّا) لـ (كان) السكك القائم به (عيبًا) أي شينًا (فيه) أي في هذا الجدي (لأنه أسك) أي صغير الأذن قبيح في رأي العين (فكيف) السكك فيه (وهو ميت) فهو أحق وأحرى بالعيب إذا كان ميتًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالله) الذي لا إله غيره (للدنيا) بفتح اللام رابطة لجواب القسم (أهون) أي أحقر (على الله) أي عند الله تعالى أي للدنيا أشد حقارة عند الله تعالى (من) حقارة (هذا) الأسك (عليكم) أي عندكم. قال القرطبي: الدنيا وزنها فعلى وألفها للتأنيث وتُمنع من الصرف وهي من الدنو بمعنى القرب وهي صفة لموصوف محذوف كما قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، غير أنه قد كثر استعمالها استعمال الأسماء فاستغنى عن موصوفها كما جاء في هذا الحديث، والمراد الدار الدنيا أو الحياة الدنيا التي تقابلها الدار الأخرى أو الحياة الأخرى ومعنى هوان الدنيا على الله تعالى أن الله تعالى لم يجعلها مقصودة لذاتها بل جعلها طريقًا موصلًا إلى ما هو المقصود لذاته وأنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار رحلة وبلاء وأنه ملكها في الغالب الكفرة والجهال وحماها الأنبياء والأولياء، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" رواه ابن ماجه [4110] وحسبك بها هوانًا أن الله قد صغرها وحقرها وذمها وأبغضها وأبغض أهلها ومحبيها ولم يرض لعاقل فيها إلا بالتزود منها والتأهب للارتحال عنها ويكفيك من ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم"رواه الترمذي [2322] من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن غريب، ولا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقًا لما رويناه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر، إنه إذا قال العبد: لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه" رواه ابن عدي في الكامل

7243 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ المُثَنَّى الْعَنَزِي وإبراهِيمُ بن مُحَمدِ بنِ عَرعَرَةَ السامي. قَالا: حَدَّثَنَا عَبدُ الوَهَّابِ، (يَعنِيَانِ الثَّقَفِيَّ)، عَن جَعْفَرٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثلِهِ. غَيرَ أنَّ فِي حَدِيثِ الثقَفِي: فَلَو كَانَ حَيًّا كَانَ هَذَا السَّكَكُ بِهِ عَيبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 304] خرّجه الشريف أبو القاسم زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها، ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدًا من الله وشاغلًا عنه كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من مال وولد فهو عليك مشؤوم وهو الذي نبه الله على ذمه بقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: 20]، وأما ما كان من الدنيا يقرِّب إلى الله تعالى ويعين على عبادة الله تعالى فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال: "إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم" وهو المصرح به في قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر" وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين والله أعلم اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات الخمس لكنه شاركه أحمد في [3/ 365]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 7243 - (00) (00) (حدثني محمد بن المثنى العنزي) البصري (وإبراهيم بن محمد بن عرعرة) بن اليزيد القرشي (السامي) بمهملة البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعنيان الثقفي) البصري، ثقة، من (8) (عن جعفر) بن محمد الباقر (عن أبيه) محمد (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بيان متابعة الثقفي لسليمان بن بلال، وساق الثقفي (بمثله) أي بمثل حديث سليمان (غير أن) أي لكن أن (في حديث الثقفي) وروايته لفظة (فلو كان) هذا الجدي (حيًّا كان هذا السكك) والصغر القائم (به) أي بإذنه (عيبًا) فيه فلا نحبه لأنه يعاب الإنسان باتخاذه عرفًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو بيان ما للمرء من ماله بحديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه فقال:

7244 - (2937) (104) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا هَمامٌ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: أَتَيتُ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ وَهُوَ يَقْرَأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]. قَال: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي. مَالِي. (قَال): وَهَلْ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ، مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أكلْتَ فَأفْنَيتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأبْلَيتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيتَ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ 7244 - (2937) (104) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا قتادة عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن الشخير العامري البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ) سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} يعني شغلكم الإكثار من الدنيا ومن الالتفات إليها عما هو الأولى بكم من الاستعداد للآخرة، وهذا الخطاب للجمهور إذ جنس الإنسان على ذلك مفطور كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)} [القيامة: 20 - 21]، وكما قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: 14] فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من قراءة السورة (يقول ابن آدم: مالي مالي) أي يا مالي ويا مالي أو هذا مالي وهذا مالي يعني يفرح بنسبة المال إلى نفسه ويفتخر به فيكثر في كلامه من ذكر المال أي يغتر بنسبة المال إليه وكونه في يديه حتى ربما يعجب به ويفخر به ولعله ممن تعب هو في جمعه ويصل غيره إلى نفعه ثم أخبر بالأوجه التي ينتفع بالمال فيها فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلتـ) ـه (فأفنيتـ) ـه أي أعدمته بالأكل (أو) إلا ما (لبستـ) ـه (فأبليتـ) ـه أي فأخلقته (أو) إلا ما (تصدقتـ) ـه (فأمضيتـ) ـه أي أنفذت التصدق به وأعطيته وأوصلته إلى المحتاج وأكملت عطاءك له وأتممته لينتفع به يعني هل يحصل لك من ذلك المال وينفعك في المآل إلا ما كان داخلًا في هذه الثلاثة إما أن يكون طعامًا لك فانتفعت به بالأكل أو أن يكون لباسًا لك فتمتعت بلبسه حتى يبلى أي يخلق من كثرة اللبس أو يكون صدقة أمضيتها لتكون ذخرًا لك في الآخرة، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام البليغ إلى أن القسمين الأولين وإن كانا نافعين في الجملة ولكن نفعهما محدود

7245 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وَقَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كُلهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: انْتَهَيتُ إِلَى النبِي صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ، فَذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثِ هَمامٍ. 7246 - (2938) (105) حدثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى أن يفنيا أو يبليا أما نفع القسم الثالث فهو النفع الدائم المستمر لكونه مدخرًا للإنسان في حياته الأبدية أما ما سوى هذه الأقسام الثلاثة من المال الذي يدخره الإنسان من غير حاجة فلا يعود نفعه إليه لا في الدنيا ولا في الآخرة لأنه يصير إلى ورثته. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة التكاثر [3354]، والنسائي في الوصايا باب الكراهية في تأخير الوصية [3613]، وأحمد [4/ 24 و 26]، والحاكم في المستدرك [4/ 322]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7245 - (00) (00) حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة وقالا) أي وقال محمد بن المثنى ومحمد بن بشار (جميعًا) أي كلاهما (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) (عن سعيد) بن أبي عروبة اليشكري البصري، ثقة، من (6) (ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبي) هشام بن سنبر الدستوائي (كلهم) أي كل من الثلاثة المذكورين يعني شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشامًا الدستوائي رووا (عن قتادة عن مطرف عن أبيه قال انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم) غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لهمام بن يحيى (فذكر) كل من الثلاثة (بمثل حديث همام). ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن الشخير بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال: 7246 - (2938) (105) (حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم

حدَّثني حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ العَلاءِ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ قَال: "يَقُولُ العَبْدُ: مَالِي، مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِن مَالِهِ ثَلاثٌ: مَا أكلَ فَأفْنَى. أَو لَبِسَ فَأبْلَي. أَوْ أَعطَى فَاقْتَنَى. وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلناسِ". 7247 - (00) (00) وَحَدثَنِيهِ أَبُو بَكرِ بن إِسحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الحدثاني نسبة إلى الحديثة بلد آخر على الفرات، صدوق، من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني، صدوق، من (5) (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول العبد) أي المرء (مالي) ما أكثره (مالي) ما أحسنه يغتر بنسبة المال إليه وكونه في يديه فيعجب به ويفتخر به، ثم أخبر بالأوجه التي ينتفع بالمال فيها وافتتح الكلام بـ (إنما) التي للحصر والتحقيق فقال (إنما له من ماله ثلاث) أحدها (ما أكل) وشرب (فأفنى) أي أعدم، وذكر الثاني بقوله (أو لبس) أو فرش (فأبلى) أي أخلق وجعله باليًا خلقًا، وذكر الثالث بقوله (أو) ما (أعطى) للمحتاج وتصدق عليه (فاقتنى) بالقاف ثم التاء ثم النون أي فادخر ثوابه عند الله للآخرة من الاقتناء وهو الادخار، هكذا هو في معظم النسخ عند جمهرة الرواة، ووقع في بعض النسخ (فأقنى) بالقاف والنون أي فأرضى الله تعالى به من القنى بكسر القاف وبالنون وبالألف المقصورة في آخره وهو الرضا، وهذه رواية ابن ماهان (وما سوى ذلك) المذكور من الأوجه الثلاثة؛ كاقتنائه وادخاره بلا صرف، وإنفاق في الخيرات، وإخراج حقوق الله تعالى عنه وكإنفاقه في المحرمات والمكروهات والاعتداء به على الغير (فهو) أي فالعبد (ذاهب) عنه بالموت (وتاركه للناس) أي لورثته فلم يحصل له في جمعه فائدة والعياذ بالله من ذلك. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [2/ 368]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7247 - (00) (00) (وحدثنيه أبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني البغدادي،

أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَريَمَ. أَخْبَرَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخبَرَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. مِثْلَهُ. 7248 - (2939) (106) حدَّثنا يَحْيَى بنُ يَحْيَى التمِيمِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبي بَكْرٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ: "يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاثةٌ. فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ويبقَى وَاحِدٌ. يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ. فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ. وَيَبْقَى عَمَلُهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي مولاهم المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا محمد بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (أخبرني العلاء بن عبد الرحمن) الجهني المدني. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لحفص بن ميسرة، وساق محمد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما حدّث حفص بن ميسرة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عبد الله بن الشخير بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: 7248 - (2939) (106) (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي) النيسابوري (وزهير بن حرب كلاهما عن) سفيان (بن عيينة قال يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (قال) عبد الله (سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من رباعياته (يتبع الميت) إلى القبر (ثلاثة) من أصحابه (فيرجع اثنان) من قبره (ويبقى واحد) منهم معه في قبره (يتبعه أهله وماله وعمله) كل من الثلاثة (فيرجع) من عنده (أهله وماله ويبقى) عنده (عمله) ملازمًا له خيرًا أو شرًّا، وفي هذا حث على تحسين الأعمال لتكون معينة له في المآل. قوله (يتبعه أهله وماله) أي بعض ماله كعبيده وإمائه ودابته وسريره وخيمته، قال الطيبي في الكاشف [9/ 295] متابعة الأهل على الحقيقة وأما متابعة المال والعمل فعلى الاتساع فإن المال حينئذ له نوع تعلق بالميت من التجهيز والتكفين ومؤونة الغسل والحمل والدفن فإذا دفن انقطع تعلقه بالكلية اهـ.

7249 - (2940) (107) حدثني حَرْمَلَةُ بن يَحيَى بنِ عَبدِ الله، (يَعْنِي ابْنَ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيَّ)، أَخبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِيِ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ؛ أَن المسوَرَ بْنَ مَخرَمَةً أخْبَرَهُ؛ أن عَمْرَو بْنَ عَوْف، وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرٍ بنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدرًا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، أخْبَرَه؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (ويبقى عمله) أي معه في صورة الثواب أو العقاب وقد رُوي في بعض الأحاديث أن العمل يأتيه في القبر في صورة آدمي فقد أخرج في حديث طويل عن البراء بن عازب رضي الله عنه "ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، وقال في حق الكافر ويأتيه رجل قبيح الوجه، الحديث وفيه "أبشر بالذي يسوءك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث"اهـ فتح الباري [11/ 366]. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب سكرات الموت [6514]، والترمذي في الزهد باب ما جاء في مثل ابن آدم وأهله وماله .. إلخ [2379]، والنسائي في الجنائز باب النهي عن سب الأموات [1937]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ما يُحذر من بسط الدنيا ومن التنافس فيها بحديث عمرو بن عوف رضي الله عنه فقال: 7249 - (2940) (107) (حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله يعني ابن حرملة بن عمران التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي مولاهم المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة) بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري المكي الصحابي الشهير رضي الله عنه، روى عنه في (6) أبواب (أخبره) أي أخبر لعروة (أن عمرو بن عوف وهو حليف بني، عامر بن لوي) وكان مولى سهيل بن عمرو، وقيل اسمه عمير بن عوف (وكان شهد بدرًا) وما بعدها (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وسكن المدينة حتى مات في خلافة عمر فصلى عليه، ولم يُخلف عقبًا كما في الإصابة [3/ 10] الصحابي المعروف رضي الله عنه، له حديث واحد في الزهد، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عنه (خ م ت س ق) والمسور بن مخرمة أي أن عمرو بن عوف (أخبره) أي أخبر للمسور بن

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيدَةَ بْنَ الجرَّاحِ إِلَى البحْرَينِ. يَأتِي بِجِزْيَتِهَا. وَكَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلمَ هُوَ صَالحَ أهْلَ البَحرَينِ. وَأمرَ عَلَيهِمُ العَلاءَ بْنَ الْحَضرَميِّ. فَقَدِمَ أَبُو عُبَيدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحرَين. فَسَمِعَتِ الأَنصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيدَةَ. فَوَافَوْا صَلاةَ الفَجرِ مَعَ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ. فَتَعَرَّضُوا لَهُ. فَتَبَسَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ مخرمة. وهذا السند من سباعياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة) عامر بن عبد الله (بن الجراح) رضي الله عنه (إلى البحرين) اسم للبلد المشهور بلفظ التثنية، وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس، وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى عامل البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية اهـ فتح الباري [6/ 262] حالة كون أبي عبيدة (يأتي بجزيتها) أي يأخذ جزية أهل البحرين منهم ويأتي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين) على أداء الجزية للمسلمين وكانوا مجوسًا (و) كان صلى الله عليه وسلم (أمر) وولى (عليهم) أي على أهل البحرين (العلاء بن الحضرمي) الصحابي المشهور رضي الله عنه واسم الحضرمي عبد الله بن مالك بن ربيعة، وكان من أهل حضرموت فقدم مكة فخالف بني مخزوم ويقال إن أصله من أهل فارس فأسر حتى اشتراه رجل من حضرموت ثم افتداه رجل وقدم به إلى مكة فعتق وأقام بها حتى وُلد له أولاد، وتزوج أبو سفيان ابنته الصعبة، ثم تزوجها عبيد الله بن عثمان والد طلحة، أحد العشرة، فولدت له طلحة اهـ فتح الباري (فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين) أي بجزية أهلها (فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة) بمال البحرين (فوافوا) أي فوافت الأنصار (صلاة الفجر) أي حضروا صلاة الصبح (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاؤوا فاجتمعوا عند صلاة الصبح معه صلى الله عليه وسلم ليقسم بينهم ما جاء به أبو عبيدة لأنهم أرهقتهم الحاجة والفاقة التي كانوا عليها لا الحرص على الدنيا ولا الرغبة فيها ولذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا وأملوا ما يسركم" وهذا تهوين منه عليهم ما هم فيه من الشدة وبشارة لهم بتعجيل الفتح عليهم اهـ مفهم (فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح أي فرغ منها (انصرف) أي قام وذهب من مصلاه (فتعرضوا له) أي استقبلوه في عرضه وقاموا قدامه (فتبسم

رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ. ثُم قَال: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَن أَبا عُبَيدَةَ قَدِمَ بِشَيءٍ مِنَ الْبَحْرَينِ؟ " فَقَالُوا: أَجَلْ. يَا رَسُولَ الله. قَال: "فَأبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللهِ، مَا الْفَقْرَ أَخشَى عَلَيكُمْ. وَلَكِني أَخْشَى عَلَيكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال لهم أظنكم) أنكم (سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء) من المال (من البحرين فقالوا أجل) أي نعم سمعنا قدومه (يا رسول الله) فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأبشروا) بنيل مرادكم (وأملوا) من التأميل أي اقصدوا (ما يسركم) ويبشركم، قال الحافظ في الفتح: قوله (فوافوا صلاة الفجر) .. الخ يؤخذ منه أنهم كانوا لا يجتمعون في كل الصلوات إلا لأمر يطرأ وكانوا يصلون في مساجدهم إذ كان لكل قبيلة مسجد يجتمعون فيه فلأجل ذلك عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اجتمعوا لأمر ودلت القرينة على تعيين ذلك الأمر وهو احتياجهم إلى المال للتوسعة عليهم أفاده الحافظ في الفتح (فوالله) الذي لا إله غيره (ما الفقر) والعدم (أخشى) وأخاف (عليكم) أيها الأصحاب بعد وفاتي، بنصب الفقر على أنه مفعول مقدم لأخشى، وقال الطيبي في الكاشف [9/ 293]: (فإن قلت) ما الفائدة في تقديم المفعول في الفقرة الأولى دون الثانية يعني في قوله (ولكني أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم) (قلت) فائدته الاهتمام بشأن الفقر لأن الأب المشفق إذا احتضر إنما يكون اهتمامه بشأن الولد ضياعه وإعدامه المال كأنه صلى الله عليه وسلم يقول حالي معكم خلاف حال الوالد فإني لا أخشى الفقر كما يخشاه الوالد على الولد ولكن خوفي عليكم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد للولد. (ولكني أخشى) وأخاف (عليكم أن تُبسط) وتوسع (الدنيا) وزخارفها (عليكم كما بسطت) ووُسعت (على من كان قبلكم) من الأمم ككسرى وقيصر (فتنافسوها) بفتح التاء والفاء لأنه مضارع تنافس الخماسي من باب تفاعل، والأصل فتنافسوا فيها فحُذفت إحدى التاءين لتوالي الأمثال؛ وهو مضارع معطوف على تبسط منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، قال القرطبي: (فتنافسوها) .. الخ أي تتحاسدون فبها فتختلفون وتتقاتلون فيهلك بعضكم بعضًا كما قد ظهر ووُجد، وقد سمى في هذا الحديث التحاسد تنافسًا توسعًا لقرب ما بينهما اهـ كما سيأتي الفرق بينهما اهـ مفهم (كما تنافسوها) بتاء واحدة لأنه ماض أُسند إلى واو الجماعة أي فترغبوا فيها كما رغب فيها من كان قبلكم

وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتهُمْ". 7250 - (00) (00) حدَّثنا الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَن صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبْدِ الرحْمنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأمم (وتهلككم) بالنصب معطوف على تنافسوا الأول أي وتحجزكم عن التزود بالآخرة (كما أهلكتهم) أي كما أهلكت الأمم السابقة وحجزتهم عن الآخرة والتنافس والمنافسة معناهما واحد وهو الرغبة في الشيء النفيس وحب الانفراد به والشيء النفيس هو الجيد في نوعه. وفي هذا الحديث طلب العطاء من الإمام لا غضاضة فيه، وفيه أيضًا البشرى من الإمام لأتباعه وتوسيع أملهم، وفيه من أعلام النبوة إخباره صلى الله عليه وسلم بما يُفتح عليهم، وفيه أيضًا أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين اهـ من العيني. قال علي القاري في المرقاة: والظاهر أن المراد بالفقر فقدان جميع ما يحتاج إليه من ضروريات الدين والبدن، وبالغنى الزيادة على مقدار الكفاية الموجبة للطغيان وشغل الإنسان عن طاعة الرحمن؛ فالمعنى كما قال الطيبي ترغبون فيها فتشتغلون بجمعها وتحرصون على إمساكها فتطغون فيها فتهلكون بها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها [6425]، والترمذي في صفة القيامة باب بدون ترجمة [6462]، وابن ماجه في الفتن باب فتنة المال [4045]، وأحمد [4/ 137]، والبغوي [14/ 256]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه فقال: 7250 - (00) (00) (حدثنا الحسن بن علي) بن محمد (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (جميعًا) رويا (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني، ثقة، من (4) (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام

الدَّارِميُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِي. بِإسْنَادِ يُونُسَ وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. غَيرَ أن فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: "وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتهُمْ". 7251 - (2941) (108) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِي. أَخبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحارِثِ؛ أَن بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أن يَزِيدَ بْنَ رَبَاحٍ، (هُوَ أَبُو فِرَاسٍ، مَوْلَى عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ)، ـــــــــــــــــــــــــــــ (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (كلاهما) أي كل من صالح وشعيب رويا (عن الزهري) وهذان السندان الأول منهما من ثمانياته، والثاني من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة ليونس بن يزيد، وساقا (وإسناد يونس) يعني عن عروة عن مسور عن عمرو (و) بـ (مثل حديثه) أي حديث يونس المذكور، ولو أسقط هذه الواو ونصب مثل لكان أوفق وأوضح (غير أن) أي لكن أن (في حديث صالح) وروايته لفظة (وتلهيكم) معطوف أيضًا على قوله أن تبسط فهو منصوب بالفتحة الظاهرة من الإلهاء أي وتشغلكم الدنيا عن الآخرة وتجعلكم غافلين عن أعمالها (كما ألهتهم) أي كما ألهت الدنيا من قبلكم وشغلتهم عن الآخرة. ثم استشهد المؤلف لحديث عمرو بن عوف بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم فقال: 7251 - (2941) (108) (حدثنا عمرو بن سواد) بتشديد الواو بن الأسود بن عمرو (العامري) المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا عبد الله بن وهب) المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكر بن سوادة) بن ثمامة الجذامي المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (حدثه) أي حدث بكر لعمرو بن الحارث (أن يزيد بن رباح) بموحدة السهمي مولاهم (هو أبو فراس) بكسر الفاء (مولى عبد الله بن عمرو بن العاص) المصري لقبه مشفر بالفاء، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الزهد، وابن عمر وأم سلمة، ويروي عنه (م ق) وبكر بن سوادة والزهري وآخرون، قال

حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ قَال: "إِذَا فُتِحَتْ عَلَيكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟ " قَال عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ. قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "أَوَ غيرَ ذَلِكَ. تَتَنَافَسُونَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ العجلي: تابعي مصري ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (حدثه) أي حدث لبكر (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا فُتحت عليكم فارس والروم) أي غُلبت لكم ونصرتم عليهما فـ (أي قوم أنتم) أي كيف يكون حالكم وماذا تصنعون في رخاء العيش، قال القرطبي: هذا استفهام يشوبه إخبار منه صلى الله عليه وسلم عن أمر قبل وقوعه وقع على نحو ما أخبر عنه فكان ذلك من أدلة صحة نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم وكم له صلى الله عليه وسلم منها وكم، ومعنى أي قوم أنتم على أي حال تكونون فكأنه قال أتبقون على ما أنتم عليه أو تتغير بكم الحال، فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما قد أمرنا الله تعالى، أي نقول قولًا مثل القول الذي أمرنا الله به وكان هذا منه إشارة إلى قول الله تعالى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]، وذلك أنه فهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف عليهم الفتنة من بسط الدنيا عليهم فأجابه بذلك فكأنه قال نستكفي الفتن والمحن بالله تعالى ونقول كما أمرنا الله وهذا إخبار منهم عما يقتضيه حالهم في ذلك الوقت فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يبقون على تلك الحال وأنها تتغير بهم اهـ من المفهم، وفي المبارق قوله (أي قوم أنتم) معناه هل أنتم من الشاكرين على تلك النعمة العظيمة أو من غيرهم، وفي هذا الاستفهام تلويح إلى التهديد على وقوع المنهيات منهم اهـ منه (قال عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه (نقول) حينئذ قولًا (كما أمرنا الله) تعالى به أي قولًا كالقول الذي أمرنا الله سبحانه به أي نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو) بسكون الواو عاطفة على كلام عبد الرحمن، وقوله (غير ذلك) رُوي منصوبًا على تقدير وتفعلون غير ذلك الذي قلته من الشكر له يعني به التحاسد، ومرفوعًا على تقدير أو حالكم غير ذلك، وفيه إشارة إلى أن كونهم على تلك الصفة غير متيقن لهم لعدم إطلاعهم على المغيبات قاله ابن الملك، وقوله (تتنافسون) أي تتراغبون إلى الدنيا .. الخ تفسير لقوله (أو غير

ثُم تَتَحَاسَدُونَ. ثُم تَتَدَابَرُونَ. ثُم تَتَبَاغضُونَ. أَو نَحْوَ ذَلِكَ. ثُم تَنطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ المهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعضٍ". 7252 - (2942) (109) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحيَى وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. (قَال قُتَيبَةُ: حَدَّثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك) والمعنى أو تفعلون غير ذلك الذي قلته من الشكر وذلك الغير بأن تكونوا تتنافسون أي تتسابقون إلى أخذ الدنيا (ثم تتحاسدون) بعد الأخذ (ثم تتدابرون) أي تتقاطعون فيولي كل واحد منكم دبره إلى الآخر معرضًا عنه (ثم تتباغضون) أي يبغض بعضكم بعضًا أي ثم تثبت البغضاء في قلوبكم وتتراكم فيها حتى يكون عنها الخلاف والقتال والهلاك كما وُجد، ويحتمل كون قوله صلى الله عليه وسلم (تتنافسون) .. الخ جوابًا لسؤال مقدر وقع من عبد الرحمن بن عوف تقديره: كيف نفعل غير ذلك؟ فقال له: تتنافسون في الدنيا .. الخ، قال النووي: قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه وهو أول درجات الحسد، وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، والتدابر التقاطع وقد يبقى مع التدابر شيء من المودة أو لا يكون مودة ولا بغض، وأما التباغض فهو بعد هذا ولهذا رتبت الحديث هكذا (أو) تفعلون (نحو ذلك) بأن تتقاتلوا أو تتضاربوا أو تنتهبوا أو تغصبوا إلى غير ذلك من الإذاية (ثم تنطلقون) وتتصرفون (في) شؤون (مساكين المهاجرين) وضعفائهم (فتجعلون بعضهم) أي تجعلون بعض مساكينهم أمراء (على رقاب بعض) آخر منهم والين عليهم، وحاصل المعنى أن الذين يعدّون اليوم من فقراء المهاجرين ومساكينهم سوف يكون بعضهم أميرًا على بعض فيقع التنافس في المال والجاه جميعًا والتعبير بالرقاب من التعبير بالبعض عن الكل، والمراد تجعلون بعضهم أمراء على بعض يعني أن مساكين المهاجرين تُفتح عليهم الدنيا إذ ذاك حتى يكون بعضهم أميرًا على بعض اهـ أبي بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الفتن باب فتنة المال [4044]، وابن حبان في صحيحه كما في ترتيبه لابن بليان [8/ 243]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو النهي عن النظر إلى من فوقه في الدنيا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7252 - (2942) (109) (حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد قال قتيبة حدثنا

وَقَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا) الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسلمَ قَال: "إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال يحيى أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) بكسر الحاء والزاي نسبة إلى الجد المذكور المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه) بالبناء للمجهول وأُعطي أكثر منه (في المال و) أزيد منه في (الخلق) والجمال (فلينظر إلى من هو أسفل منه) في المال والجمال، حالة كون ذلك السافل (ممن فُضل) هذا الناظر (عليه). قوله (والخلق) بفتح الخاء وسكون اللام أي في حسن الصورة وصحة الجسم، قوله (إلى من هو أسفل منه) أي إلى من هو أقل منه مالًا وأقبح منه صورة أو أضعف منه جسمًا، قال في المرقاة: وحاصله أنه إذا رأى أحدكم من هو أكثر منه حشمة وخدمًا ومالًا ولباسًا وجمالًا ولم يعرف أن له وبالًا في الآخرة (فلينظر إلى من هو أسفل منه) لأنه إذا نظر إليه يشكر الله على ما أنعم الله به عليه ويقل حرصه وإذا نظر إلى من هو أعلى منه في النعمة استصغر ما عنده وحرص على ازدياده اهـ من المبارق. وقد أخرج الترمذي في صفة القيامة باب 58 رقم [2512] معنى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا بسياق أتم من هذا ولفظه "خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب لينظر إلى من هو أسفل منه [6490]، والترمذي في صفة القيامة باب بدون ترحمة [2513]، وابن ماجه في الزهد باب القناعة [4194]، وأحمد [2/ 314]، والبغوي [14/ 292]، وابن حبان [2/ 48].

7253 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرزاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبِي صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ. سَوَاءً. 7254 - (00) (00) وحدثني زُهَيرُ بن حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، (وَاللفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ منِكُمْ. وَلَا تَنظُرُوا إِلَى مَنْ فَوْقَكُم. فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7253 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) اليماني، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معمر لأبي الزناد (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وساق معمر (بمثل حديث أبي الزناد) حالة كون حديثهما (سواء) أي متساويين لفظًا ومعنى فهو تأكيد لمعنى المماثلة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7254 - (00) (00) (وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح للأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا) أيها المسلمون (إلى من) هو (أسفل منكم) منزلة في المال والجمال والجاه مثلًا، وقوله (أسفل) بالنصب على الظرفية كسابقه، والظرف متعلق بمحذوف صلة لمن (ولا تنظروا إلى من هو فوقكم) منزلة في ذلك (فهو) أي

أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزدَرُوا نِعمَةَ الله". قَال أَبُو مُعَاويةَ: "عَلَيكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ فالنظر إلى من هو أسفل منكم فالضمير عائد إلى مصدر انظروا (أجدر) وأحق وأوجب بـ (أن لا تزدروا) ولا تستحقروا ولا تستصغروا (نعمة الله) التي أعطاكم (قال أبو معاوية) أي زاد لفظة (عليكم) بعد قوله نعمة الله أي بأن لا تزدروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم، من الازدراء وهو الاحتقار والانتقاص والتعييب وهو افتعال من زريت عليه زريًا وزرية وزراية بكسر أوله من باب رمى إذا عبت عليه وأصل ازدريت ازتريت فقُلبت تاء الافتعال دالًا لأجل الزاي كذا في الكاشف للخطابي [9/ 334]، وقال في المصباح: زرى عليه زريًا من باب رمى وزرية وزراية إذا عابه واستهزأ به اهـ والمعنى لا تحقروا نعمة الله والتزموا شكرها اهـ أبي. قال القرطبي: قوله (انظروا إلى من هو أسفل منكم) .. الخ أي اعتبروا بمن فُضِّلتم عليه في المال والخلق والعافية فيظهر عليكم ما أنعم الله به عليكم فتشكرونه على ذلك فتقومون بحق النعمة وذلك بخلاف ما إذا نظر إلى ما فُضِّل به عليه غيره من ذلك فإنه يضمل عنده ما أنعم الله عليه به من النعم ويحتقرها فلا يحسبها نعمًا فينسى حق الله فيها وربما حمله ذلك النظر إلى أن تمتد عينه إلى الدنيا فينافس أهلها ويتقطع لحسرة فوتها ويحسد أهلها وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة. وجملة ما ذكره المؤلف في هذ الباب ثمانية أحاديث: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث عبد الله بن الشخير ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد، والسادس حديث عمرو بن عوف ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد، والثامن حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها

771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها 7255 - (2943) (110) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا هَمام. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. حدّثني عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمرَةَ؛ أَن أَبَا هُرَيرَةَ حَدثَهُ؛ أَنهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إِنَّ ثَلاثةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى. فَأرَادَ الله أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 771 - (15) باب في الابتلاء بالدنيا وكيف يعمل فيها، والخمول فيها والتقلل منها، والتزهيد في الدنيا والاجتزاء بالخشن منها، ورؤية الله في الآخرة ومخاطبة الرب عبده فيها واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو الابتلاء بالدنيا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7255 - (2943) (110) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل أبو يحيى المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة) عمرو بن محصن الأنصاري النجاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب، يقال وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة (أن أبا هريرة حدّثه) أي حدّث لابن أبي عمرة (أنه) أي أن أبا هريرة رضي الله عنه (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته (أن ثلاثة) أنفار (في بني إسرائيل) أي من بني إسرائيل، وفي بمعنى من (أبرص) بالنصب بدل من ثلاثة بدل تفصيل من مجمل (وأقرع وأعمى) معطوفان على أبرص، والفاء في قوله (فأراد الله أن يبتليهم) ويمتحنهم ويختبرهم زائدة وللسمرقندي أن يبليهم أي يصيبهم ببلاء وأصل البلاء والابتلاء الاختبار اهـ أبي، والجملة الفعلية خبر إن ولكنه خبر سيئ، وقوله أبرص قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد المزاج يقال برص من باب فرح فهو أبرص وأبرصه الله إذا أصابه بالبرص اهـ، والأقرع هو الذي ذهب شعر رأسه لعلة وآفة

فَبَعَثَ إلَيهِمْ مَلَكًا. فَأتى الأبرَصَ فَقَال: أَي شَيءٍ أَحَبُّ إلَيكَ؟ قَال: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيذهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَني الناسُ. قَال: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنهُ قَذَرُهُ. وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا. قَال: فَأيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إلَيكَ؟ قَال: الإبِلُ، (أَوْ قَال: الْبَقَرُ. شَكَّ إسحَاقُ) -إلَّا أَنَّ الأَبرَصَ أَو الأقرَعَ قَال أَحَدُهُمَا: الإبِلُ. وَقال الآخَرُ: الْبَقَرُ- قَال: فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان لغير علة بل لطبيعة فيسمى أصلع، والأعمى من ذهب بصره (فبعث إليهم ملكًا) جملة مفسرة للابتلاء (فأتى) الملك في صورة آدمي (الأبرص فقال) الملك للأبرص (أي شيء) من أنواع النعم (أحب إليك قال) الأبرص أحب الأشياء إليَّ (لون حسن وجلد حسن ويذهب عني) بالنصب عطفًا على لون فهو على تقدير أن نظير قول الشاعر: ولُبْسُ عباءة وتقرَّ عيني قاله الشارح، وقال الطيبي: هو بالرفع بمعنى المصدر كقوله تسمع بالمعيدي .. الخ أي ويذهب عني المرض (الذي قد قذرني الناس) بسببه وهو البرص بفتح الباء وكسر الذال أي وأحب إليّ أن يذهب عني المرض الذي قد قذرني الناس من أجله أي عدّوني قذرًا ونفروا مني أي كرهني الناس واشمأزوا من رؤيتي وعدّوني مستقذرًا اهـ دهني، وفي رواية قد قذروني فهو على لغة أكلوني البراغيث (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فمسحه) أي فمسح الملك الأبرص بيده (فذهب عنه قدره) أي برصه (وأُعطي) الأبرص (لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا، قال) له الملك (فأي المال أحب إليك قال) الأبرص للملك أحب المال إليَّ (الإبل أو قال) الأبرص للملك أحب المال إلي (البقر) قال همام (شك إسحاق) بن عبد الله فيما قاله ابن أبي عمرة، وقوله (إلا) استدراكية بمعنى لكن استدرك بها على قوله (قال الإبل أو قال البقر) لأنه يوهم أن كلًّا منهما من كلام الأبرص فرفعه بقوله لكن (أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما) أحب المال إلي (الإبل وقال الآخر) منهما أحب المال إليّ (البقر، قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فأعطي) ذلك الأبرص (ناقة عشراء) أي حاملة قريبة الولادة، والعشراء بضم العين وفتح الشين والراء ممدودًا الحامل التي مضى عليها من يوم طرقها الفحل عشرة أشهر وهي من أنفس أموال العرب اهـ قسطلاني، قال القرطبي: لقُرب ولادتها ورجاء لبنها، وفي الصحاح العشار بالكسر جمع عشراء وهي الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر وزال عنها

فَقَال: بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا. قَال: فَأتى الأَقْرَعَ فَقَال: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: شَعَرٌ حَسَنٌ ويذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذرَني الناسُ. قَال: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ. وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قَال: فَأيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: الْبَقَرُ. فَأعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا. فَقَال: بَارَكَ اللهُ لَكَ فَيهَا. قَال: فَأتى الأَعْمَى فَقَال: أَيُ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: أَنْ يَرُدَّ الله إِليَّ بَصَرِي فَأبْصِرَ بِهِ الناسَ. قَال: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيهِ بَصَرَهُ. قَال: فَأيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَال: الْغَنَمُ. فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا. فَأُنْتِجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم المخاض ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعدما تضع أيضًا، يقال ناقتان عشروان ونوق عشار وعشروات يبدلون من همزة التأنيث واوًا وقد عُشرت الناقة تعشيرًا إذا صارت عشراء اهـ من المفهم (فقال) له الملك (بارك الله لك فيها) أي ناقتك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأتى) الملك (الأقرع، فقال) له (أي شيء) من أنواع النعم (أحب إليك) يا أقرع (قال) الأقرع أحب الأشياء إلي (شعر حسن ويذهب عني) بالرفع فقط على حد تسمع بالمعيدي، فلا يجوز النصب لعدم عطفه على مصدر خالص أي وذهاب (هذا) القرع (الذي قذرني الناس) من أجله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمسحه) أي فمسح الملك على رأسه (فذهب عنه) القرع (وأُعطي شعرًا حسنًا، قال) الملك للأقرع (فأي المال أحب إليك؟ قال) الأقرع أحبه إلي (البقر فأُعطي) الأقرع (بقرة حاملًا) أي حبلى وهو وصف مختص بالمؤنث كحائض فصح كونه صفة لبقرة وإنما لم يقل حاملة لأن هذا نعت لا يكون إلا للإناث، قال ابن السكيت: الحمل بفتح الحاء ما كانت في بطن أو على رأس شجرة وبكسرها ما كان على ظهر أو رأس كذا في الصحاح اهـ من المبارق اهـ دهني (فقال) الملك للأقرع (بارك الله لك فيها) أي في بقرتك (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فأتى) الملك (الأعمى فقال) الملك له (أي شيء) من أنواع النعم (أحب إليك) أيها الأعمى (قال) الأعمى أحب النعم إلي (أن برد الله) تعالى (إليّ بصري فأبصر به الناس) أي أنظر به إليهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمسحه) أي فمسح الملك الأعمى (فرد الله إليه) أي إلى الأعمى (بصره، قال) الملك للأعمى (فأي) أنواع (المال أحب إليك؟ قال) الأعمى أحبها إلي (الغنم فأعطي) الأعمى (شاة والدًا) أي ذات ولد، وظاهر معناه أنها كانت وضعت الولد وكان معها، وقيل معناه أنها كانت حاملة بالولد فقيل لها والد باعتبار ما ستؤول إليه (فأنتج) بهمزة مضمومة وهي لغة قليلة،

هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا. قَال: فَكَانَ لِهَذا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ. ولِهَذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ. وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ. قَال: ثُم إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ فَقَال: رَجُلٌ مِسْكِينٌ. قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ في سَفَرِي. فَلَا بَلاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلا بِاللهِ ثُم بِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشهور عند أهل اللغة نتج بضم النون من غير همزة اهـ قسطلاني، وقال النووي: وممن حكى اللغتين الأخفش ومعناه تولى الولادة (هذان) فنتج لهما بالبناء للمفعول أي حصل النتاج أي الولد لهما، وقوله (هذان) المراد منه صاحب الإبل والبقر يعني ولدت الإبل والبقر له أولادًا (وولد هذا) بفتح الواو وتشديد اللام أي تولى الولادة أي نُتج له والناتج للإبل والمولد للغنم وغيرها كالقابلة للإنسان. (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكان لهذا) الأبرص (واد) أي ملء واد (من الإبل ولهذا) الأقرع (واد) أي ملء واد (من البقر، ولهذا) الأعمى (واد) أي ملء واد (من الغنم، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد فترة طويلة (إنه أتى) الملك (الأبرص في صورته) أي في صورة الأبرص التي كان عليها يوم أتاه وهو أبرص ترقيقًا لقلبه (و) في (هيئته) أي في هيئة الأبرص وملبسه التي كان عليها الأبرص حين جاءه وهو أبرص ليكون أبلغ عليه في الحجة وأذكر لما مضى له، والفرق بين الصورة والهيئة أن الصورة صفة ذاته من بياض البرص والهيئة صفة لباسه من الحُسن والخشونة، أو الضمير عائد إلى الملك أي أتى الملك الأبرص في صورته التي جاء بها الأبرص أول ما جاءه (فقال) الملك للأبرص أنا (رجل مسكين) ليس لي مال ولا زاد (قد انقطعت بي) أي قد انعدمت وفنيت عني (الحبال) أي الأسباب التي توصلني (في سفري) إلى مقصدي من الزاد والراحلة وأنت رجل غني موسع عليه (فلا بلاغ لي) أي فلا مبلغ لي إلى مقصدي ووطني (اليوم إلا) إن بلغته (بـ) معونة (الله) تعالى (ثم بـ) معونتـ (ـك) أيها الغني الذي بسط الله تعالى عليه الإبل حتى ملأت الوادي، وثم للترتيب في التنزل لا في الترقي. قوله (قد انقطعت بي الحبال) بكسر الحاء جمع حبل أي الأسباب وانقطاع الأسباب كناية عن كونه لا طريق له في الحصول على الرزق فإن الطرق المعتادة فيه كلها فشلت عليّ، وفي رواية الحيال بالياء المثناة من تحت وهو جمع حيلة وهي رواية ابن الحذاء وفي بعضها الجبال بالجيم وهو تصحيف غلط وهي واقعة في البخاري، وقال ابن التين: قول الملك

أَسْألُكَ، بِالذِي أَعْطَاكَ اللونَ الحسَنَ وَالجلدَ الحسَنَ وَالْمَال، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيهِ فِي سَفَرِي. فَقَال: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ. فَقَال لَهُ: كَأنِّي أَعْرِفُكَ. أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقذَرُكَ الناسُ؟ فَقِيرًا فأعْطَاكَ الله؟ فَقَال: إِنمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَال كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَقَال: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ. قَال: وَأتى الأَقْرَعَ فِي صورَتهِ فَقَال لَهُ مِثْلَ مَا قَال لِهذَا. وَرَد عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا. فَقَال: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ له (رجل مسكين) أراد به أنك كنت هكذا وهو من المعاريض والمراد به ضرب المثل ليستيقظ به المخاطب اهـ (أسألك) أيها الغني الكريم (بـ) ـالله (الذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال) الكثير الذي ملأ الوادي يعني به الإبل أن تعطيني (بعيرًا) واحدًا (أتبلغ عليه) أي أبلغ مقصدي راكبًا عليه (في سفري) وأكتفي به في قضاء حوائجي من البلغة وهو الكفاية (فقال) الأبرص للملك (الحقوق) في مالي (كثيرة) يعني المؤونات والحوائج والمصارف كثيرة في مالي فلا يسع إعطاء بعير منه (فقال) الملك (له) أي للأبرص (كأني أعرفك) أولًا (ألم تكن) أنت أولًا (أبرص يقذرك الناس) أي يعدونك قذرًا ينفرون منك حالة كونك (فقيرًا فأعطاك الله) تعالى مالًا كثيرًا ملأ الوادي (فقال) الأبرص للملك لا أي ما كنت فقيرًا (إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر) منصوب ينزع الخافض يعني ورثت هذا المال عن كبير ورثه هو عن كبير آخر، قال النووي: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم كبيرًا عن كبير في العز والشرف والثروة اهـ، يعني ورثته من آبائي الذين كانوا كبراء قومهم (فقال) الملك للأبرص (إن كنت كاذبًا) فيما قلت لي (فصيّرك الله) أي رجعك تعالى (إلى ما كنت) عليه أولًا من الفقر والبرص (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأتى) الملك (الأقرع) الذي أُعطي واديًا من البقر (في صورته) أي في صورة الأقرع التي كانت عليها أولًا (فقال) الملك (له) أي للأقرع (مثل ما قال لهذا) الأبرص يعني قوله أنا رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري .. إلخ (ورد) الملك (عليه) أي على الأقرع (مثل ما رد على هذا) الأبرص بعدما اعتذر الأقرع وامتنع من العطاء له يعني قوله له: كأني أعرفك ألم تكن أقرع فقيرًا فأعطاك الله، قال ابن الملك: قوله - عليه السلام - (مثل ما رد على هذا) أي كرد الأبرص على هذا السائل بقوله الحقوق كثيرة اهـ منه (فقال) الملك له (إن كنت كاذبًا) فيما قلت لي (فصيرك الله)

إِلَى مَا كُنْتَ. قَال: وَأتى الأَعْمَى فِي صُورَتيِ وَهَيئَتِهِ فَقَال: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ. انْقَطَعَت بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي. فَلَا بَلاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلا بِاللهِ ثُم بِكَ. أَسْألُكَ، بِالذِي رَدَّ عَلَيكَ بَصَرَكَ، شَاةً أتبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. فَقَال: قَدْ كُنْت أَعْمَى فَرَدَّ الله إِليَّ بَصَرِي. فَخُذْ مَا شِئْتَ. وَدَعْ مَا شِئْتَ. فَوَاللهِ، لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيئًا أَخَذْتَهُ لِلهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالكَ. فَإِنَّما ابْتُلِيتُمْ. فَقَدْ رُضِي عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجعك (إلى ما كنت) عليه أولًا من القرع والفقر (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأتى) الملك (الأعمى في صورته) أي في صورة الأعمى من فقد البصر (وهيئته) أي في هيئة الأعمى وصفته من الملبس ليكون أذكر له لما كان عليه أولًا (فقال) الملك للأعمى أنا (رجل مسكين وابن سبيل) أي مسافر (انقطعت بي) أي انعدمت وفنيت عني (الحبال) أي الأسباب التي أستعين بها (في سفري) إلى مقصدي من الزاد والراحلة (فلا بلاغ لي) أي فلا مؤونة لي (اليوم) أتبلغ بها إلى مقصدي ووطني (إلا بـ) معونة (الله ثم بـ) معونتـ (ـك) لي (أسألك بـ) الله (الذي رد عليك بصرك) بعدما عميت أن تعطيني (شاة) واحدة (أتبلغ) أي أستعين (بها في) مؤونة (سفري) إلى مقصدي (فقال) الأعمى للملك (قد كنت) أنا (أعمى) أولًا (فرد الله) تعالى بفضله (إليّ بصري فخذ ما شئت) واحتجت إليه من شياهي (ودع) أي واترك لي (ما شئت) منها وفضل عن حاجتك (فوالله) أي فأقسمت لك بالله الذي وسع عليّ بهذه الشياه ورد علي بصري (لا أجهدك) ولا أكلفك (اليوم شيئًا) أي برد شيء (أخذته) من شياهي قليلًا ولا كثيرًا (لله) أي طلبًا لوجه الله ورضاه (فقال) الملك للأعمى (أمسك) عليك (مالك) مباركًا فيه (فإنما) أنتم أيها الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى (ابتليتم) أي اختبرتم من جهة ربكم (فقد رُضي عنك) من جهة ربك أيها الأعمى فيما فعلت (وسُخط على صاحبيك) الأبرص والأقرع فيما فعلا. وقوله (فقد رُضي وسُخط) بالبناء للمفعول فيهما أي رضي الله عنك وسخط عليهما. وقوله (لا أجهدك اليوم) بسكون الجيم وفتح الهاء هكذا في رواية الجمهور بالجيم والهاء أي لا أجعلك في جهد ومشقة وتعب برد ما أخذته وطلبته، وورد في أكثر روايات البخاري (لا أحمدك) بدل لا أجهدك أي لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من المال اهـ وهذه الرواية لابن ماهان، قال القرطبي: ومعناه لا أحمدك في أخذ شيء

7256 - (2944) (111) حدَّثنا إِسحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ وَعَباسُ بن عَبْدِ الْعَظِيمِ -وَاللفْظُ لإِسْحَاقَ- (قَال عَباس: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسحَاقُ: أَخبَرَنَا) أَبُو بَكْرٍ الحنَفِي. حَدَّثَنَا بُكَيرُ بْنُ مِسمَارٍ. حدّثني ـــــــــــــــــــــــــــــ أو إبقائه لطيب نفسي بما تأخذ كما قال المرقش: ليس على طول الحياة ندم ... ومن وراء المرء ما يعلم أي ليس على فوت الحياة ندم والمعنى إن أمام الإنسان عاقبة عمله أو أمامه الشيب والهرم والأمراض والعلل، انظر الشعر والشعراء [1/ 73]. وقوله (إنما ورثت هذا كابرًا عن كابر) أي كبيرًا عن كبير يعني أنه ورث ذلك المال عن أجداده الكبراء فحمله بخله على نسيانه منة الله تعالى وعلى جحد نعمه وعلى الكذب ثم أورثه ذلك سخط الله الدائم وكل ذلك بشؤم البخل، واعتبر بحال الأعمى لما اعترف بنعمة الله تعالى عليه وشكره عليها وسمحت نفسه بها ثبتها الله عليه وشكر فعله ورضي عنه فحصل على الرتب الفاخرة وجُمعت له نعم الدنيا والآخرة اهـ من المفهم. وفي هذا الحديث الحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم ما يطلبون مما يمكن، والحذر من كسر قلوبهم واحتقارهم، وفيه التحدث بنعمة الله تعالى وذم جحدها اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل [3464] وفي الإيمان والنذور [6653]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو الخمول في الدنيا بحديث سعد رضي الله عنه فقال: 7256 - (2944) (111) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعباس بن عبد العظيم) بن إسماعيل بن توبة العنبري البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (واللفظ لإسحاق قال عباس حدثنا وقال إسحاق أخبرنا أبو بكر الحنفي) الصغير عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله البصري، ثقة، من (9) مات سنة (204) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا بكير بن مسمار) الزهري مولاهم مولى عامر بن سعد أبو محمد المدني أخو مهاجر بن مسمار، صدوق، من (4) روى عنه في (3) أبواب (حدثني

عَامِرُ بن سَعْدٍ قَال: كَانَ سَعدُ بْنُ أَبِي وَقاصٍ فِي إِبِلِهِ. فَجَاءَهُ ابنُهُ عُمَرُ. فَلَما رَآهُ سَعْدٌ قَال: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ. فَقَال لَهُ: أَنَزَلتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكتَ الناسَ يَتَنَازَعُونَ المُلْكَ بَينَهُم؟ فَضَرَبَ سَعدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَال: اسكُتْ. سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِن اللهَ يُحِبُّ العَبدَ التَّقِيَّ، الغني، الْخَفِي" ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عامر كان) والدي (سعد بن أبي وقاس) الزهري المدني رضي الله عنه (في إبله) وغنمه في البادية في موضع يسمى بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، ومات هناك سنة (56) وحُمل إلى المدينة ودُفن بالبقيع (فجاءه ابنه عمر) بن سعد في ذلك الموضع يعني العقيق (فلما رآه سعد) أي فلما رأى سعد بن أبي وقاص ابنه عمر من بُعد وهو على مركوبه (قال) سعد (أعوذ بالله) أي أتحصن بالله (من شر) وفتنة (هذا الراكب) الذي جاء إلينا يعني ولده عمر (فنزل) عمر من مركوبه ودنا إلى أبيه (فقال) عمر (له) أي لأبيه سعد (أنزلت) بهمزة الاستفهام التوبيخي أي هل نزلت وسكنت يا والدي (في إبلك وغنمك) في البادية (وتركت الناس) في المدينة (يتنازعون) أي يتخاصمون ويتنافسون في (المُلك) فيما (بينهم) أيهم يأخذه، وفي رواية أحمد والبغوي: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابيًّا في غنمك والناس يتنازعون في المُلك بالمدينة وكان ذلك أيام الفتنة ومقصود عمر بن سعد أن اعتزال سعد بن أبي وقاص إلى الإبل والغنم لا يُناسب بل يجب أن يذهب إلى المدينة وينصر المحق أو مقصوده أن يطلب الملك لنفسه (فضرب سعد) بن أبي وقاص (في صدره) أي في صدر ولده عمر (فقال) سعد (اسكت) يا ولدي عما تأمرني به من الذهاب إلى المدينة لطلب المُلك فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من خماسياته (إن الله) سبحانه وتعالى (يحب) ويرضى (العبد التقي) أي الذي يتقي الله ويخشاه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (الغني) بقلبه عما في أيدي الناس ورضي بما قسم الله تعالى له ولا يطلب المُلك والإمارة، وهذا هو الغني المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم "ولكن الغنى غنى النفس" وقيل معناه هنا الغني بالمال وهو المناسب لكونه مشغولًا بالإبل والغنم (الخفي) جمهور الرواة قيدوه (الخفي) بالخاء المعجمة وهو الخامل الذي لا يريد العلو فيها ولا الظهور في مناصبها فيبقى خاملًا

7257 - (2945) (112) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِي. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. قَال: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمدُ بن عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَابْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيسٍ، قَال: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: وَاللهِ، إِني لأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَب رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ منقطعًا إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه وهذا نحو ما قال في حديث آخر في صفة ولي الله (وكان غامضًا في الناس) رواه أحمد والترمذي أي لا يعرف موضعه ولا يؤبه له، ورواه الدولابي (الحفي) بالحاء المهملة فقيل معناه العالم من قوله: {كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} [الأعراف: 187]، وقيل هو المتحفي بأهله الوصول لهم بماله الساعي في حوائجهم اهـ من المفهم، والصحيح أنه (الخفي) بالخاء المعجمة. ودل الحديث على فضيلة الاعتزال من الناس في الفتنة التي لا يتضح فيها الحق. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [1/ 168]، والبغوي في [15/ 21]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث سعد هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 7257 - (2945) (112) (حدثنا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا المعتمر) بن سليمان التميمي البصري، ثقة، من (9) (قال) المعتمر (سمعت إسماعيل) بن أبي خالد سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن سعد) بن أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (و) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (قالا حدثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) بن أبي حازم (قال) قيس (سمعت سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته أيضًا (يقول) سعد (والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في) إعلاء (سبيل الله) وكلمته كان ذلك في سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب في السنة الأولى من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم

وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُو مَع رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، مَا لَنَا طَعَامٌ نَأكُلُهُ إِلا وَرَقُ الْحُبْلَةِ، وَهذَا السَّمُرُ. حَتى إِن أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشاةُ. ثُم أَصبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ. لَقَدْ خِبْتُ، إِذًا، وَضَلَّ عَمَلِي. وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ نُمَيرٍ: إِذًا ـــــــــــــــــــــــــــــ ناسًا من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عبرًا لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم مسايفة، وكانوا ستين راكبًا من المهاجرين، وفيهم سعد وعُقد له اللواء وهو أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتقى عبيدة وأبو سفيان الأموي وكان هو على المشركين وهذا أول قتال جرى في الإسلام وأول من رمى إليهم سعد وفيه أنشد سعد: ألا هل جاء رسول الله أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رام من معد ... بسهم مع رسول الله قبلي اهـ عمدة القاري [7/ 645] قال قيس بن أبي حازم (و) سمعت سعدًا أيضًا يقول (لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) و (ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحُبلة وهذا السمر) ووقع في رواية السمر بفتح السين وضم الميم شجر معروف ذو شوك وكلاهما نوعان من شجر البادية وفيهما أشواك، ورواية البخاري أحسنها لأنه بين فيها أنهم يأكلون ثمر العضاه وورق شجر السمر، وفي الحديث بيان ما كانوا عليه من الزهد في الدنيا والصبر على المشاق في طاعة الله تعالى، قال النووي: فيه مدح الإنسان نفسه إذا احتاج إليه (حتى إن أحدنا) أي أحد المسلمين (ليضع) أي ليخرج فضلته كما تضع الشاة) أي مثل ما تخرج الشاة من البعر أي يخرجون عند قضاء حاجتهم فضلة كبعر الشاة في يبسها وعدم الغذاء المألوف، وزاد البخاري (ما له خلط) أي لا يختلط بعضه ببعض لجفافه (ثم) بعدما تحملنا المشاق في إقامة هذا الدين (أصبحت) أي صارت (بنو أسد تعزرني) أي تؤدبني وتعاقبني (على) تقصيري وتفريطي في شؤون هذا (الدين) المحمدي يعني في تضييع الصلاة وعدم حسنها، والله (لقد خبت) وخسرت (إذا) أي إذا كنت محتاجًا إليهم في معرفة الصلاة فقد خسرت (وضل عملي) فيما مضى حاشاه عن ذلك (ولم يقل ابن نمير) في روايته لفظة (إذا). وزعم بعضهم أن المراد ببني أسد بنو الزبير بن العوام وهو وهم، والصحيح أن المراد بهم بنو أسد بن خزيمة بن مدركة كما حققه الحافظ في الفتح [9/ 84] وكانت بنو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أسد هؤلاء ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبعوا طليحة بن خويلد ثم تاب طليحة فسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك أفاده الحافظ في الرقاق من الفتح [11/ 29] وكانوا ممن شكوا سعدًا إلى عمر فعزله عمر، وكان من جملة ما شكوا به أنه لا يُحسن الصلاة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الرقاق باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم [6453]، والترمذي في الزهد [2366]، وابن ماجه في المقدمة باب فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم [118]، وأحمد [1/ 181 و 186]. قوله (تعزرني على الدين) بتقديم الزاي على الراء من التعزير، قال الهروي: معناه توقفني، والتعزير التوقيف على الأحكام والفرائض، وقال ابن جرير: معناه تقومني وتعلمني، ومنه تعزير السلطان وهو تقويمه بالتأديب، وقال الجرمي: معناه اللوم والعتب، وقيل معناه توبخني على التقصير فيه اهـ نووي، قال القرطبي: هذه أقوال الشارحين في هذه الكلمة وفيها كلها بُعد عن معنى الحديث، والذي يظهر لي أن الأليق بمعناه أن التعزير معناه الإعظام والإكبار كما قال تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9]، أي تعظموه وتبرُّوه فيكون معناه على هذا أنه وصف ما كانت عليه حالتهم في أول أمرهم من شدة الحال وصعوبة العيش والجهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا وفُتحت عليهم الفتوحات وولوا الولايات فعظمهم الناس لشهرة فضلهم ودينهم وكأنه كره تعظيم الناس له وخص بني أسد بالذكر لأنهم أفرطوا في تعظيمه والله تعالى أعلم. وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به عتبة بن غزوان في الحديث الآتي بعد هذا حيث قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح منا اليوم أحد إلا أصبح أميرًا على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا، ويحتمل أن يكون هذا هو الذي عنى به سعد بن أبي وقاص والله تعالى أعلم. وأما ما فسرت به المشايخ ذلك الكلام فيقتضي تفسيرهم أن بني سعد كانوا عتبوا

7258 - (00) (00) وحدثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا وَكِيع، عَنْ إِسماعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الْعَنْزُ. مَا يَخْلِطُهُ بِشَيءٍ. 7259 - (2946) (113) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَروخَ. حَدَّثَنَا لسُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه أمورًا من الدين وعابوها عليه فرد عليهم قولهم ويعضد هذا ما أخرجه البخاري من حديث جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدًا حتى ذكروا أنه لا يُحسن أن يصلي فاستحضره عمر رضي الله عنه فقال: إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون عليه معروفًا حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقال رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسيرة ولا يعدل في القضية .. وذكر الحديث اهـ من المفهم. وقد أخرج البخاري في هذه القصة في الصلاة باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها رقم الحديث [755]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد هذا رضي الله عنه فقال: 7258 - (00) (00) (وحدثناه يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد) غرضه بيان متابعة وكيع لمعتمر بن سليمان، وساق وكيع (بهذا الإسناد) يعني عن قيس بن سعد نحوه (و) لكن (قال) وكيع في روايته لفظة (حتى إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي حتى إن الشأن والحال (كان أحدنا ليضع) أي ليخرج البعرة (كما تضع العنز) البعرة اليابسة (ما يخلطه) أي ما يخلط ذلك الأحد بعره (بشيء) من الرطوبة لشدة يبوسته. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو التزهيد في الدنيا والاجتزاء بالقليل الخشن منها في المطعم والملبس وغيرهما بحديث عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: 7259 - (2946) (113) (حدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) (حدثنا حميد بن هلال)

عَن خَالِدِ بنِ عُمَيرٍ العَدَويِّ. قَال: خَطَبَنَا عُتبَةُ بن غَزوَانَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثنَى عَلَيهِ ثُمَّ قَال: أَما بَعْدُ. فَإن الدُّنْيَا قَد آذَنَت بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ. وَلَمْ يَبْقَ مِنهَا إِلا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ. يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ العدوي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن خالد بن عمير العدوي) البصري أدرك الجاهلية، روى عن عتبة بن غزوان في الزهد، ويروي عنه (م س ق) وحميد بن هلال وغيرهم، وقال في التقريب: مقبول، من (2) يقال إنه مخضرم، ووهم من ذكره في الصحابة (قال) خالد بن عمير (خطبنا عتبة بن غزوان) بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان من بني مازن بن منصور السلمي حليف بني نوفل بن عبد مناف، وابن أخت لقريش كنيته أبو عبد الله، شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم والمشاهد كلها، أمره عمر رضي الله عنه على جيش فتوجه إلى العراق ففتح الأبلة والبصرة ووليها وبنى مسجدها الأعظم بالقصب، ثم إنه حج فاستعفى -تنازل- عمر عن ولاية البصرة فلم يعفه فقال: اللهم لا تردني إليها فسقط عن راحلته، فمات سنة (17) وهو منصرف من مكة إلى البصرة بموضع يقال له معدن بني سليم قاله ابن سعد، وقيل مات بالربذة قاله المدائني اهـ من المفهم. وهو أول من اختط البصرة ونزلها، ومات بالمدينة بالربذة سنة (17) سبع وعشرة، ويقال مات في طريق مكة بموضع يقال له معدن بني سليم، وكان له يوم مات (57) سبع وخمسون سنة، وكان من رواة الصحابة، ويروي عنه (م ت س ق) وخالد بن عمير وشويس أبو الرقاد، قال ابن سعد: هاجر إلى الحبشة، وأسلم بعد ستة رجال، له أربعة أحاديث، انفرد له (م) بحديث واحد رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (فحمد الله) تعالى بوصفه بالكمالات (وأثنى عليه) بتنزيهه من النقائص (ثم قال) عتبة (أما بعد فإن الدنيا قد آذنت) بهمزة ممدودة أي أعلمت وأشعرت (بصرم) أي بذهاب وانقطاع بتقلباتها على أهلها، والصرم بضم الصاد وسكون الراء الانقطاع اهـ سنوسي (وولت) من التولية أي أدبرت في الذهاب حالة كونها (حذاء) بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة وألف ممدودة أي سريعة خفيفة، ومنه قيل للقطاة حذاء أي منقطعة الذنب قصيرته ويقال حمار أحد إذا كان قصير الذنب حكاه أبو عبيدة، وهذا مثل لأن قصير الذنب أو مقطوعه لا يبقى وراءه شيء كأنه قال إن الدنيا قد انقطعت مسرعة (ولم يبق منها إلا صبابة) بضم الصاد أي بقية (كصبابة) أي كبقية ما في (الإناء) من الشراب (يتصابها) أي يريد صبها على الأرض (صاحبها) أي صاحب تلك الصبابة وشاربها لقلة مائها

وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَال لَهَا. فَانْتَقِلُوا بِخَيرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ. فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أن الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ. فَيَهْوي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا. وَوَاللهِ، لَتُمْلأَنَّ. أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أن مَا بَينَ مِصْرَاعَينِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَلَيَأتِيَنَّ عَلَيهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ووسخها، قال المازري: الصبابة بضم الصاد البقية اليسيرة من الشراب في أسفل الإناء يتصابها أي يشربها صاحبها أي الشارب منها أولًا، قال القرطبي: والصبابة بفتح الصاد رقة الشوق ولطيف المحبة و (يتصابها) أي يروم صاحبها صبها على قلة الماء وضعفه اهـ مفهم. وفي القاموس تصابيت الماء شربت صبابته (وإنكم منتقلون منها) أي مرتحلون من الدنيا (إلى دار لا زوال) ولا فناء (لها) وهي الآخرة (فانتقلوا) أي فارتحلوا من الدنيا إلى الآخرة ملتبسين (بخير) أي بأفضل (ما بحضرتكم) أي بأفضل ما عندكم من الأعمال الصالحة، قال القرطبي: أي ارتحلوا إلى الآخرة بخير ما يحضركم من أعمال البر جعل الخير المتمكن منه كالحاضر (فإنه) أي فإن الشأن والحال (قد ذُكر لنا أن الحجر يُلقى) أي يُرمى (من شفة جهنم) أي من طرفها الأعلى (فيهوي) أي يسقط ذلك الحجر (فيها) أي في جهنم أي يمشي إلى قعرها مدة (سبعين عمامًا لا يُدرك) ولا يصل (لها قعرًا) أي لا يصل إلى قعر جهنم وأسفلها لبُعد قعرها (ووالله) أي وأقسمت لكم بالله الذي لا إله غيره (لتملأن) جهنم بالبناء للمجهول أي لتكونن جهنم مملوءة منكم أيها الناس ومن الجن مع كون بُعد قعرها مسافة سبعين عامًا (أ) تنكرون ذلك (فعجبتم) منه يعني أنه قد ذكر له ذلك عن رسول الله لأن مثل هذا لا يُعرف إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يسمعه هو من النبي صلى الله عليه وسلم بل سمعه من غيره فسكت عنه إما نسيانًا وإما لأمر يسوغ له ذلك، ويحتمل أن يكون سمعه هو من النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن رفعه للعلم بذلك وهكذا يقال فيما بعده اهـ من المفهم (ولقد ذُكر لنا) أيضًا (أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة) أي مسافة سير (أربعين سنة) ومصراع الباب ما بين عضادتيه، وجمعه مصاريع وهو ما يسده الغلق والعضادتان الخشبتان المركوزتان في جانبي الباب يُركب عليها ألواح الباب (و) والله (ليأتين عليها) أي على مصاريع الجنة (يوم وهو) أي والحال أن كل مصراع منها (كظيظ) أي ممتلئ (من الزحام) من كثرة داخليها، قال القاضي: يقال كظه الشراب (كظيظ)، وفي حديث الحسن حين ذكر الموت كظ ليس كالكظ أي هو يملأ الجوف ليس كغيره من الهموم ويقال كظني الأمر أي ملأني

وَلَقَدْ رَأَيتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَع رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ. مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقُ الشَّجَرِ. حَتى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا. فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَينِي وَبَينَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا. فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنا أَحَدٌ إِلا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الأمصَارِ. وَإنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفسِي عَظِيمًا وَعِنْدَ الله صَغِيرًا. وَإنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلا تَنَاسَخَتْ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَاقِبَتِها مُلْكًا. فَسَتَخبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الأمُرَاءَ بَعْدَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ وشغلني (ولقد رأيتني) أي رأيت نفسي (سابع سبعة) أي واحدًا من سبعة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر) نأكل منه (حتى قرحت) بكسر الراء أي انقرحت وانجرحت (أشداقنا) أي شقوق فمنا أي صار فيها قروح وجراح من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته، والأشداق جمع شدق بكسر الشين وهو طرف الفم عند ملتقى الشفتين (فالتقطت بردة) أي أخذت لقطة بردة (فشققتها) أي قسمتها شقتين نصفين (بيني وبين سعد بن مالك) وهو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما (فاتزرت) أنا أي جعلت (بنصفها) إزاري (واتزر) أي جعل (سعد بنصفها) إزاره (فما أصبح اليوم منا أحد) أي فما دخل في الصباح اليوم أحد منا (إلا أصبح) أي إلا كان فيه (أميرًا) أي واليًا (على مصر) وبلدة (من الأمصار) والبلدان لكثرة الفتوح وشدة إقبال الناس على الدنيا (وإني أعوذ) وأتحصن (بالله) سبحانه من (أن أكون في نفسي) وظني (عظيمًا) أي رفيع القدر (و) الحال أني كنت (عند الله) تعالى (صغيرًا) أي خسيس القدر ووضيعه (وإنها) أي وإن القصة (لم تكن نبوة) من نبوءات الأنبياء (قط) أي في زمن من الأزمنة الماضية (إلا تناسخت) وارتفعت وزالت وانمحت (حتى يكون آخر عاقبتها) أي عاقبة النبوة (ملكًا) أي سيطرة وميلًا عن الحق واتباع الهوى يعني لا يزال الأمر يتناقص عما كان عليه في الصدر الأول حتى لا يبقى منه شيء من معالم الدين (فستخبرون) يفتح التاء وضم الباء أي فستعلمون ما قلت لكم قريبا من صيرورة النبوة وأمورها ملكا (وتُجرّبون) أي تبحثون (الأمراء بعدنا) وتجدونهم بدلوا أمور النبوة وأحكامها سيطرة ونظامًا ويتتبعون نظام من قبلهم من اليهود والنصارى حتى في دينهم كما أخبره المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي: قوله (وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى يكون آخرها ملكًا) يعني أن زمان النبوة يكون الناس فيه يعملون بالشرع ويقومون بالحق ويزهدون في الدنيا

7260 - (00) (00) وحدّثني إِسْحَاقُ بن عُمَرَ بنِ سَلِيطٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، عَن خَالِدِ بْنِ عُمَيرٍ. وَقَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيةَ. قَال: خَطَبَ عُتْبَةُ بن غَزْوَانَ، وَكَانَ أمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ شَيبَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ويرغبون في الآخرة ثم إنه بعد انقراضهم وانقراض خلفائهم يتغير الحال وينعكس الأمر ثم لا يزال الأمر في تناقص وإدبار إلى أن لا يبقى على الأرض من يقول: الله الله، فيرتفع ما كان الصدر الأول عليه وهذا هو المعبّر عنه هنا بالتناسخ فإن النسخ هو الرفع والإزالة. وهذا الحديث نحو قوله: "ما من نبي بعثه الله تعالى في أمة قبل إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون" الحديث أخرجه مسلم (50). وقوله (حتى يكون عاقبة أمرها مُلكًا) يعني أنهم يعدلون عن سنن النبيين وخلفائهم إلى الإقبال على الدنيا واتباع الهوى وهذه أحوال أكثر الملوك وأغلبهم بل كلهم الآن فأما من سلك سبيل الصدر الأول الذي هو زمان النبوة والخلافة من العدل واتباع الحق والإعراض عن الدنيا فهو من خلفاء الأنبياء وإن تأخر زمانه كعمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إذ لم يكن بعد الخلفاء من سلك سبيلهم واقتدى بهم في غالب أحوالهم غيره لا جرم هو معدود منهم وداخل في زمرتهم إن شاء الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في صفة جهنم [5275]، وابن ماجه في الزهد [4208]، وأحمد [4/ 174 و 5 17]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7260 - (00) (00) (وحدثني إسحاق بن عمر بن سليط) بفتح السين وكسر اللام بوزن أمير الهذلي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن خالد بن عمير وقد أدرك الجاهلية قال خطب عتبة بن غزوان وكان أميرًا على البصرة فذكر) إسحاق بن عمر (نحو حديث شيبان) بن فروخ فالمتابعة في مشايخ المؤلف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال:

7261 - (00) (00) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ. مُحَمدُ بن الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ قُرةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيرٍ قَال: سَمِعْتُ عُتبَةَ بْنَ غَزْوَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَع رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ. مَا طَعَامُنَا إِلا وَرَقُ الْحُبلَةِ. حَتى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا. 7262 - (2947) (114) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَال: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظهِيرَةِ، لَيسَت فِي سَحَابَةٍ؟ " قَالُوا: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 7261 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا وكيع عن قرة بن خالد) السدوسي أبي خالد المصري، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن حميد بن هلال عن خالد بن عمير) العدوي (قال سمعت عتبة بن غزوان يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قرة لسليمان بن المغيرة؛ والله (لقد رأيتني سابع سبعة) أي واحدًا من سبعة (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما) نافية مهملة لانتقاض نفيها بإلا أي ليس (طعامنا) وقوتنا (إلا ورق الحبلة) أي ورق العضاه (حتى قرحت) وتشدقت وانجرحت (أشداقنا) أي أطراف فمنا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو رؤية المولى سبحانه ومخاطبته لعبده بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 7262 - (2947) (114) (حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قالوا) أي قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تضارون) بتشديد الراء مع ضم التاء على أنه من باب المفاعلة أو فتحها على أنه من باب التفاعل بحذف إحدى التاءين مشتق من الضرر أي هل يحصل لكم ضرر وتزاحم وتنازع يتضرر به بعضكم من بعض اهـ من المرقاة [1/ 266] (في رؤية الشمس في الظهيرة) أي في وقت الظهيرة وهو وقت وقوفها في وسط السماء (ليست) تلك الشمس (في سحابة) وغيم (قالوا لا) نضار في رؤيتها ولا

قَال: "فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ البدْرِ، لَيسَ فِي سَحَابَةٍ؟ " قَالُوا: لَا. قَال: "فَوَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ رَبِّكُمْ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤيةِ أَحَدِهِمَا. قَال: فَيَلقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَي فُلْ، أَلَمْ أكرِمْكَ، وَأُسَوِّدكَ، وَأُزَوِّجكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبلَ، وَأَدركَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَال فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ نشك فيه فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر) أي في ليلة أربع عشرة (ليس) ذلك القمر (في سحابة؟ قالوا لا) أي لا نضار في رؤيته فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوالذي نفسي بيده) المقدسة (لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون) أي إلا ضررًا كضرركم (في رؤية أحدهما) إن كان الضرر عليكم في رؤية أحدهما (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فـ) ـذلك أن الله تعالى (يلقى العبد) بالنصب على المفعولية (فيقول) الله له (أي) حرف نداء (فل) أي يا فلان وهو ترخيم فلان ترخيمًا شاذًّا لأنه ليس بعلم، وقيل هو لغة في فلان ويجوز فيه وجهان الضم على لغة من لا ينتظر والفتح على لغة من ينتظر (ألم كرمك) وأُحسن إليك بنعمي (وأُسودك) أي أجعلك سيدًا على غيرك (وأُزوجك) أي أجعل لك زوجة (وأُسخر لك الخيل والإبل) لتركبهما (و) ألم (أذرك) أي ألم أدعك (ترأس) القوم أي تصير رئيسًا لهم (وتربع) أي وتأخذ منهم ربع الغنيمة وكان ملوك الجاهلية يأخذونه لأنفسهم. وقوله (تربع) بفتح التاء والباء من باب فتح أي تأخذ منهم المرباع، وقال القاضي عياض: معناه تستريح وهو من قولهم اربع على نفسك أي ارفق بها، ورواه بعضهم (ترتع) بتاءين أي تتنعم وتأكل في سعة، وقال في المرقاة (أي فل) بسكون اللام وتفتح وتضم (وأُسوّدك) أي أجعلك سيدًا على غيرك (وأذرك ترأس) أي ألم أتركك تكون رئيس القوم وكبيرهم (وتربع) أي وتأخذ المرباع الذي كانت الملوك في الجاهلية تأخذه لنفسها وهو ربع الغنيمة، ويقال ربعه إذا أخذ ربع أمواله والمعنى ألم أجعلك ربعيًا مطاعًا، قال القاضي: والأوجه عندي أن معناه تركتك مستريحًا لا تحتاج إلى كلفة وطلب من قولهم اربع على نفسك أي ارفق بها كما مر آنفًا اهـ. (فيقول) العبد (بلى) يا رب أكرمتني وسودتني وزوجتني وسخرت لي وجعلتني رئيسًا ربعيًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) له الرب جل وجلاله (أفظننت)

أنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: فَإنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُم يَلْقَى الثانِي فَيَقُولُ: أَي فُلْ أَلَمْ أُكرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. أَي رَب. فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِي؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ: فَإِني أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي. ثُمَّ يَلْقَى الثالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصلَّيتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ. وَيُثْنِي بِخَيرِ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: ههُنَا إِذًا. قَال: ثُم يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلمت في الدنيا (أنك ملاقيّ) أي ملاق أنت إياي في الآخرة (فيقول) العبد للرب (لا) أي ما ظننت أني ملاق إياك في الآخرة للمجازاة (فيقول) الرب له (فإني) اليوم (أنساك كما نسيتني) في الدنيا ونسيان الله لعبده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نمثلها ولا نكيفها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، أثرها قطع الرحمة (ثم يلقى) الرب جل جلاله العبد الآخر (الثاني) أي غير الأول (فيقول) له هذا الثاني (أي فل) أي يا فلان (ألم أكرمك وأُسودك وأزوجك وأُسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول) هذا العبد الثاني للرب جل جلاله (بلى) جعلتني كذلك وحصلت لي جميع ما ذُكر (أي رب) أي يا ربي (فيقول) الرب له أي لهذا العبد الثاني (أفظننت) في الدنيا (أنك ملاقيّ؟ فيقول) العبد الثاني (لا) أي ما ظننت لقائي إياك (فيقول) الرب له (فإني أنساك) اليوم (كما نسيتني) في الدنيا (ثم يلقى) المولى العبد (الثالث، فيقول) الله (له) أي لهذا العبد الثالث (مثل ذلك) أي مثل ما قال للعبدين الأوليين (فيقول) هذا العبد الثالث كذبًا (يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت) لك (وصمت وتصدقت) مالي يعني يقول هذا الثالث ذلك كذبًا فيدعي أنه كان مؤمنًا وهو كاذب (ويثني) هذا الثالث على نفسه (بخير) أي بعمل صالح بقدر (ما استطاع) الثناء عليها أي بما يستطيع من الكلمات الحسنة (فيقول) الرب له قف (ها هنا) أي في هذا الموقف (إذًا) أي إذ كذبت لنفسك ودافعت عنها وأنكرت كفرك حتى يشهد عليك جوارحك، قال الأبي: أي إذ جئت بهذه الدعوات فاثبت في مكانك حتى تفتضح في دعواك اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يقال له) أي لهذا الثالث من جهة الله تعالى أي تقول له الملائكة (الآن) أي في هذا الزمن الحاضر (نبعث) أي نحضر ونقيم (شاهدنا عليك) أي شاهدًا يشهد لنا على

ويتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الذِي يَشهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ. وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي. فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ. وَذَلِكَ لِيُعذِرَ مِن نَفْسِهِ. وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ. وَذَلِكَ الذِي يَسْخَطُ الله عَلَيهِ". 7263 - (2948) (115) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النضْرِ، حدّثني أَبُو النَّضْرِ، هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ الله الأَشجَعِي، عَنْ سُفْيَانَ الثوْرِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ عملك السيء (ويتفكر) هذا الثالث (في نفسه) أي في قلبه (من ذا الذي) أي من هذا الذي (يشهد عليّ) بعملي (فيُختم) أي يبكم (على فيه) أي على فمه ويخرس على لسانه فلا يقدر على الكلام والإنكار لعمله (ويقال) من جهة الله تعالى أي تقول الملائكة (لفخذه ولحمه وعظامه) أي لأعضاء هذا الثالث (انطقي) واشهدي بعمله السيء (فتنطق فخذه ولحمه وعظامه) أي تشهد عليه (بعمله) السيء (وذلك) الإشهاد عليه بعمله السيء (ليُعذر) الله أي ليقطع الله اعتذاره (عن نفسه) في عمله السيء، من الإعذار وهو إقامة الحجة على أحد بحيث لا يبقى له عذر، والهمزة فيه لسلب المأخذ والمعنى ليزيل الله تعالى عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذرًا يعتذر ويستمسك به اهـ نووي، وقيل المعنى ليصير ذا عذر في تعذيب نفس العبد اهـ مرقاة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وذلك) العبد الذي يشهد عليه جوارحه هو (المنافق) الخارج عن طاعة الله تعالى (وذلك) العبد الثالث اهـ دهني، هو (الذي يسخط الله عليه) ولا يعفو له لكذبه وكفره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في السنة باب في الرؤية [4730]، وأحمد [2/ 293 و 5/ 534]، وابن حبان [9/ 259]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال: 7263 - (2948) (115) (حدثنا أبو بكر) محمد أو أحمد (بن النضر بن أبي النضر) هاشم بن القاسم الليثي البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدثني) جدي (أبو النضر هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عبيد الله) بن عبد الرحمن (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سفيان) بن سعيد (الثوري)

عَن عُبَيدٍ الْمُكتِبِ، عَنْ فُضيلٍ، عَنِ الشَّعبِيِّ، عَن أَنسِ بنِ مَالِك قَال: كُنا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ فَضَحِكَ فَقَال: "هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ " قَال: قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: "مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ. يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرني مِنَ الظُّلْمِ؟ قَال: يَقُولُ: بَلَى. قَال: فَيَقُولُ: فَإني لَا أُجِيزُ عَلَى نَفسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي. قَال: فَيقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيكَ شَهِيدًا. وَبِالْكِرَامِ الكَاتبِينَ شُهُودًا. قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفي، ثقة إمام، من (7) (عن عبيد) بن مهران الكوفي (المكتب) بضم الميم وسكون الكاف وكسر التاء المخففة على صيغة اسم الفاعل من الإكتاب، وقيل بفتح الكاف وتشديد التاء المكسورة من التكتيب، روى عن فضيل بن عمرو في آخر الزهد، وأبي الطفيل وإبراهيم النخعي، ويروي عنه (م س) والسفيانان وفضيل بن عياض، وثقه أبو حاتم والنسائي وابن معين والعجلي، وقال في التقريب: ثقة، من (5) قليل الحديث (عن فضيل) بن عمرو الفقيمي مصغرًا أبي النضر الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن) عامر بن شراحيل الحميري (الشعبي) ثقة، من (3) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من ثمانياته (قال) أنس (كنا) يومًا (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك) أي تبسم (فقال هل تدرون) وتعلمون (مم أضحك) أي لأجل ما أضحك (قال) أنس فـ (قلنا) له صلى الله عليه وسلم (الله ورسوله أعلم) لأي شيء تضحك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحك (من مخاطبة العبد) من إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله لفظة (ربه) بالنصب حالة كون العبد (يقول) في مخاطبته لربه (يا رب ألم تجرني) بضم التاء وكسر الجيم من الإجارة وهي الأمان أي ألم تؤمني (من الظلم) والجور أي من أن تظلمني (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول) الرب له (بلى) آجرتك وأمنتك من ظلمي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) العبد لربه (فإني لا أجيز) ولا أقبل (على نفسي) أحدًا من الشهود (إلا شاهدًا) كان (من) نفسـ (ـي) وجوارحي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) الرب له (كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا) أي كفت نفسك وجوارحك اليوم من جهة كونها شهيدًا عليك (وبالكرام الكاتبين) أي وكفت الملائكة الكرام الكاتبون أعمالك (شهودًا) أي من جهة كونهم شهودًا على أعمالك، والجار والمجرور معطوف على قوله بنفسك والباء زائدة في فاعل كفى في الموضعين (قال) رسول

فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ. فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي. قَال: فَتَنْطِقُ بِأعْمَالِهِ. قَال: ثُم يُخَلَّى بَينَهُ وَبَينَ الْكَلامِ. قَال: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا. فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُناضِلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ الله صلى الله عليه وسلم (فيُختم على فيه) أي على فمه (فيقال لأركانه) أي لأعضائه (انطقي) أي أخبريني بأعماله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتنطق) أي فتخبر أعضاؤه (بأعماله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم يُخلى بينه) أي بين ذلك العبد (وبين الكلام) بلسانه أي يزال الختم عن فمه فيتكلم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيقول) ذلك العبد لأعضائه (بُعدًا لكُن) أي أبعدكن الله عن رحمته إبعادًا، وقوله (وسحقًا) أي هلاكًا أي أهلككن إهلاكًا معطوف على بُعدًا عطف رديف (فعنكن) أيتها الأعضاء كنت أناضل) أي أدافع وأجادل وأخاصم وأنتن تشهدن علي بعملي، من المناضلة وهو الرمي بالسهام يخاطب أعضاءه فيقول إنما كنت أريد أن أدفع عنكن النار وأنتن تشهدن علي باستحقاق النار. وفي النهاية: قوله (فبُعدا لكُنّ وسحقًا) أي هلاكًا ويجوز أن يكون من البُعد ضد القرب (وسحقًا) أي بُعدًا ومكان سحيق أي بعيد اهـ منه، وفي المرقاة: قوله (بُعدًا لكُن وسحقًا) بضم السين وسكون الحاء أي هلاكًا وهما مصدران ناصبهما مقدر والخطاب للأركان أي أبعدن وأسحقن، قوله (فعنكن) أي عن قبلكن ومن جهتكن ولأجل خلاصكن. قوله (ثم يخلى) أي يُرفع الختم من فمه اهـ منه. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث سعد الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عتبة بن غزوان ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والخامس حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسادس حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم

772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم 7264 - (2949) (116) حدثني زُهَيرُ بن حَربٍ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بن فُضَيلٍ، عَن أَبِيهِ، عَن عُمَارَةَ بنِ الْقَعْقَاعِ، عَن أَبِي زُرعَةَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: اللهُم اجعَل رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 772 - (16) باب ضيق معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم 7264 - (2949) (116) (حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبيه) فضيل بن غزوان، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا) أي كفافًا أي كفايتهم من غير إسراف، وقيل سد الرمق، قال القاضي: وفي الأحاديث فضل الزهد والتقلل ولا خلاف في فضيلة ذلك لقلة الحساب عليه اهـ، وقال الطبري: القوت ما يقوت الأبدان ويكف عن الحاجة وهو حجة لمن قال إن الكفاف أفضل لأنه صلى الله عليه وسلم إنما يدعو إلى الأفضل وأيضًا فإن الكفاف حالة متوسطة بين الفقر والغنى وخير الأمور أوسطها وأيضًا فإنها حالة يسلم معها من آفات الفقر وآفات الغنى اهـ حكاه الأبي، وفي المصباح: القوت ما يؤكل ليمسك الرمق قاله ابن فارس والأزهري، والجمع أقوات يقال قاته يقوته قوتًا من باب قال إذا أعطاه قوتًا اهـ. وفي التحفة: قوله (اللهم اجعل رزق آل محمد) أي أهل بيته (قوتًا) أي بقدر ما يُمسك الرمق من المطعم كذا في النهاية، وقال القرطبي: أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول يبعث على الترفه والتبسط في الدنيا، قال: ومعنى الحديث أنه طلب الكفاف فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة وفي هذه الحالة سلامة من حالات الغنى والفقر جميعًا اهـ، وقال ابن بطال: فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفير نعيم الآخرة وإيثارًا لما يبقى على ما يفنى فينبغي أن يقتدي به أمته في ذلك اهـ من تحفة الأحوذي.

7265 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو الناقِدُ وَزُهَيرُ بن حَربٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَن عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أبِي زُرعَةَ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "اللهُمَّ اجْعَلْ رِزقَ آلِ مُحَمدٍ قُوتًا". وَفِي رِوَايَةِ عَمْرٍو: "اللَّهُمَّ ارْزُقْ". 7266 - (00) (00) وحدثناه أَبُو سَعِيدٍ الأَشَج. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. قَال: سَمِعْتُ الأعمَشَ، ذَكَرَ عَنْ عُمَارَةَ بنِ الْقَعْقَاعِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَال: "كَفَافًا" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق [6460]، والترمذي في الزهد في باب القناعة [4191]، وابن ماجه [4139]، وأحمد [2/ 232]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7265 - (00) (00) (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب وأبو كريب قالوا حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لفضيل بن غزوان (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل رزق آل محمد) أي رزق أهل بيته (قوتًا) أي ما يقوت ويحيي أبدانهم أي وسطًا بين الغنى والفقر بحيث لا يؤديهم إلى الترفه والتبسط ولا يرهقهم إلى ذل المسألة (وفي رواية عمرو) الناقد لفظة (اللهم ارزق) آل محمد قوتًا والمعنى واحد. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 7266 - (00) (00) (وحدثناه أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (قال سمعت الأعمش) غرضه بيان متابعة أبي أسامة لوكيع بن الجراح (ذكر) الأعمش (عن عمارة بن القعقاع بهذا الإسناد) يعني عن أبي زرعة عن أبي هريرة (و) لكن (قال) أبو أسامة لفظة (كفافًا) أي بقدر ما يكفي لدفع الجوع وغيره. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

7267 - (2950) (117) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا) جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمدٍ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، مِنْ طَعَامِ بُرٍّ، ثَلاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا. حَتى قُبِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7267 - (2950) (117) (حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (18) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (21) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (ما شبع آل محمد) أي أهل بيته (صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة) أي بعد أن قدم المدينة المنورة (من طعام بر) أي من طعام صُنع من بر خبزًا كان أو غيره (ثلاث ليال) أي ثلاثة أيام بلياليها (تباعًا) بفوقية مكسورة وموحدة مخففة أي متوالية، قال الحافظ: والذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبًا كان بسبب قلة الشيء عندهم على أنهم كانوا قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم اهـ. وقوله (حتى قُبض) وتُوفي غاية لقوله ما شبع أي استمر عدم الشبع على الوجه المذكور حتى قُبض صلى الله عليه وسلم، قال القاري: وفيه رد على من قال صار صلى الله عليه وسلم في آخر عمره غنيًّا نعم وقع مال كثير في يده لكنه ما أمسكه بل صرفه في مرضاة ربه وكان دائمًا غني القلب بغنى الرب اهـ انتهى تحفة. قال الطبري: استشكل بعض الناس كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطوون الأيام جوعًا مع ما ثبت أنه كان يرفع لأهله قوت سنة وأنه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير مما أفاء الله عليه، وأنه ساق في حجه مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين وأنه أمر لأعرابي بقطيع من الغنم وغير ذلك؟ والجواب أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة لا لعوز وضيق بل تارة للإيثار وتارة لكراهة الشبع وكثرة الأكل ذكره الحافظ في الفتح [11/ 291] ثم قال: وما نفاه مطلقًا فيه نظر لما تقدم من الأحاديث نعم كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له كما أخرج الترمذي

7268 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ وإسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالت: مَا شَبعَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ ثَلاثةَ أيامٍ تِبَاعًا، مِنْ خُبز بُرٍّ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ. 7269 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ المثنَّى وَمُحَمدُ بْنُ بَشارٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ من حديث أبي أمامة "عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق [6454]، والترمذي في الزهد [2357]، وابن ماجه في الأطعمة [3387]، وأحمد [6/ 128 و 156]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 7268 - (00) (00) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور (قالت) عائشة (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعًا من خبز بر حتى مضى) ومر (لسبيله) أي في طريق ارتحاله إلى الآخرة يعني حتى مات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 7269 - (00) (00) حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (11) بابا (قال) أبو إسحاق (سمعت عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أبا بكر الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (يحدث عن الأسود عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن

أَنَّهَا قَالتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِن خُبْزِ شَعِيرٍ، يَومَينِ مُتَتَابِعَينِ، حَتى قُبِضَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. 7270 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمدٍ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ، فَوْقَ ثَلاثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ يزيد لإبراهيم النخعي (أنها قالت ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم). قوله (ما شبع آل محمد) صلى الله عليه وسلم أي أهل بيته من حرمه وخدمه من خبز شعير فمن البر من باب أولى. قوله (يومين متتابعين) أي بل إن حصل الشبع يومًا وقع الجوع يومًا بناء على ما اختاره - عليه السلام - حين عُرض عليه خزائن الأرض وأن يجعل له جبال مكة ذهبا فاختار الفقر قائلًا: "أجوع يومًا فأصبر، وأشبع يومًا فأشكر" لأن الإيمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر قاله ملا علي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 7270 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد الرحمن بن عابس) بن ربيعة النخعي الكوفي، روى عن أبيه في الزهد، ويروي عنه (خ م دس ق) وسفيان وشعبة ورقبة بن مصقلة، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والعجلي وابن نمير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة، مات سنة (119) تسع عشرة ومائة (عن أبيه) عابس بموحدة مكسورة ثم مهملة بن ربيعة النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (2) بابين الحج والزهد، روى عن عمر في الحج وعن عائشة في الزهد (عن عائشة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عابس بن ربيعة للأسود بن يزيد (قالت) عائشة (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز بر فوق ثلاث) من الليالي، وفي الرواية ثلاثة أيام، قال الأبي: ولا منافاة لإلغاء المفهوم مع النص أعني المفهوم من فوق ثلاث لأن مفهومه يعطي أنهم شبعوا دونها ونصّ في الآخر أنهم لم يشبعوا يومين فلم يقع شبع بحال وهو دليل "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا" والقوت ما دون الشبع، والشبع ما لا تدعو النفس معه إلى زيادة، قال القاضي عياض: وجاءت هذه

7271 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمدٍ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ، ثَلاثًا، حَتى مَضَى لِسَبِيلِهِ. 7272 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ حُمَيدٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمدٍ صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحاديث باختلاف هذه الألفاظ ففي بعضها من خبز بر ثلاثًا وهذا أصل في اختصاص هذا التوالي بالبر، وفي آخر من خبز وزيت وهذا أصل في توالي ذلك بإدام وعليه يُحمل ما لم يذكر فيه الإدام، قال القرطبي: أحاديث الباب وإن اختلفت ألفاظها فإنها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يديم الشبع ولا الترفه لا هو ولا أهل بيته بل كانوا يأكلون الخشن ويقتصرون منه على ما يقيم الرمق معرضين عن متاع الدنيا مؤثرين ما يبقى على ما يفنى مع إقبال الدنيا عليهم ووفورها لديهم حتى وصلوا إلى ما طلبوا اهـ من الأبي. ثم ذكر المؤلف رحمه تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 7271 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (قال) عروة (قالت عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة للأسود بن يزيد وعابس بن ربيعة (ما شبع آل محمد) أي أهل بيته من حرمه وخدمه (من خبز البر ثلاثًا) من الليالي تباعًا (حتى مضى) محمد صلى الله عليه وسلم (لسبيله) أي حتى مات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 7272 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن مسعر عن هلال بن حميد) الجهني مولاهم الصيرفي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الصلاة والزهد (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة هلال لهشام (قالت) عائشة (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم

يَومَينِ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ، إِلا وَأَحَدُهُمَا تَمرٌ. 7273 - (2951) (118) حدَّثنا عَمْرٌو الناقِدُ. حَدَّثَنَا عَبدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. قَال: ويحْيَى بْنُ يَمَانٍ، حَدَّثَنَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: إِنْ كُنَّا، آلَ مُحَمدٍ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يومين) تباعًا (من خبز بر إلا وأحدهما) أي وأحد الطعامين لهم (تمر). ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال: 7273 - (2951) (118) (حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (قال) عمرو الناقد (و) حدثنا أيضًا (يحيى بن يمان) العجلي من أنفسهم أبو زكرياء الكوفي، روى عن هشام بن عروة في الزهد والأعمش ومعمر وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وعمرو الناقد في الزهد، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة ويحيى بن معين، قال يعقوب بن شبة: كان صدوقًا كثير الحديث، وإنما أنكر عليه أصحابنا كثرة الغلط، وليس بحجة إذ خولف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ، وقال العجلي: كان ثقة جائز الحديث متعبدًا معروفًا بالحديث صدوقًا، وقال في التقريب: صدوق عابد، يخطئ كثيرًا وقد تغير، من كبار التاسعة، مات سنة (189) تسع وثمانين ومائة كلاهما أي كل من عبدة ويحيى (حدثنا عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها، وهذا السند من خماسياته. قال الأبي: قوله (حدثنا عمرو الناقد قال ويحيى بن يمان عن هشام) قال القاضي عياض: هكذا للجلودي ومعنى هذا الكلام أن عمرًا الناقد، روى هذا الحديث عن عبدة ويحيى كلاهما عن هشام، والقائل ويحيى هو عمرو، وفي نسخة بن الحذاء (عمرو عن عبدة قال حدثنا يحيى بن يمان عن هشام) وهو وهم لأن عبدة لا يروي عن يحيى، والصواب ما للجلودي اهـ من الأبي. (قالت) عائشة (إن) مخففة من الثقيلة بدليل ذكر اللام الفارقة بعدها أي إنه أي إن الشأن والحال (كنا) نحن أخص (آل محمد صلى الله عليه وسلم) بنصب آل على

لَنَمْكُثُ شَهْرًا مَا نَسْتَوْقِدُ بِنَارٍ. إِنْ هُوَ إِلا التَّمْرُ وَالْمَاءُ. 7274 - (00) (00) وحدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: إِنْ كُنا لَنَمْكُثُ. وَلَمْ يَذْكُرْ آلَ مُحَمدٍ. وَزَادَ أَبُو كُرَيبٍ في حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ نُمَيرٍ: إِلَّا أَنْ يَأْتِيَنَا اللُّحَيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الاختصاص بفعل محذوف وجوبًا كما قدرناه لجريانه مجرى المثل، وفيه دليل على أن لفظ الآل تدخل فيه الأزواج، وجملة قوله (لنمكث شهرًا) كاملًا خبر كان، وجملة كان خبر إن المخففة أي كنا جالسين شهرًا كاملًا حالة كوننا (ما نستوقد) أي ما نوقد (بنار) فالسين والتاء زائدان أي ما نطبخ شيئًا من الطعام والإدام لفقدان ما نطبخه (إن) نافية بمعنى ليس أي ما (هو) أي ما طعامنا (إلا التمر والماء) فما مهملة لانتقاض نفيها بإلا. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الرقاق باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه [6458 و 6459]، والترمذي في القيامة باب بدون ترجمة [2471]، وأحمد [6/ 50 و 71 و 86]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7274 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، من (9) (و) عبد الله (بن نمير) الهمداني أبو محمد الكوفي كلاهما رويا (عن هشام بن عروة) غرضه بيان متابعة أبي أسامة وعبد الله بن نمير لعبدة بن سليمان ويحيى بن يمان، وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة وقالا (إن كنا لنكث) شهرًا .. إلخ (و) لكن (لم يذكرا) أي لم يذكر كل من أبي أسامة وعبد الله بن نمير لفظة (آل محمد وزاد أبو كريب في حديثه) وروايته (عن ابن نمير) لفظة (إلا أن يأتينا اللحيم) تصغير تقليل أي ما نستوقد بنار إن هو إلا التمر والماء إلا أن يأتينا اللحم القليل ويُهدى لنا فنُوقد بنار لطبخه وسيأتي هذا الحديث مفصلًا بعد رواية واحدة. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال:

7275 - (2952) (119) حدَّثنا أَبُو كرَيبٍ، مُحَمدُ بن العَلاءِ بْنِ كرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ. إِلا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي. فَأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَال عَلَيَّ. فَكِلتُهُ فَفَنِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7275 - (2952) (119) (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة عن هشم عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (تُوفي) أي مات (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه (ما في رفي من شيء) أي من طعام (يأكله ذو كبد) رطبة (إلا شطر) أي إلا شيء قليل من (شعير) كذا فسره الترمذي هنا يعني فسر الشطر بالشيء، وقال القاضي: قال ابن أبي حازم: معناه نصف وسق من شعير كان (في رف لي فأكلت منه) أي من ذلك الشطر (حتى طال علي) زمن أكله (فأكلته) أي فقدرته بالكيل (ففني) أي فانتهى بسرعة بعدما كلته وعرفت قدره. وقوله (وما في رفي) والرف بفتح الراء وتشديد الفاء شبه الطاق في الحائط، وقال القاضي عياض: الرف خشب يرفع في البيت عن الأرض يوضع فيه ما يراد حفظه والأول أقرب إلى المراد، وقال غيره: هي الغرفة والشطر النصف وهو هنا نصف وسق شعير. قوله (فكلته ففني) يعني أني ما زلت أكل منه قبل أن أكيله فلما كلته تعجل نفاده، قال ابن بطال: فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره، وتعقبه الحافظ في الفتح [11/ 280] وقال: في تعميم كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم" قال القرطبي: سبب رفع النماء من ذلك عند العصر والكيل، والله أعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله تعالى ومواهب كراماته ورؤية المنة لله تعالى ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا اهـ. قوله (فكلته ففني) أيضًا قال القاضي: فيه أن البركة أكثر ما هي في المجهولات والمبهمات ولا يعارض

7276 - (2953) (120) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنهَا كانَتْ تَقُولُ: وَاللهِ، يَا ابنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلالِ ثُم الهلالِ ثُم الْهِلال. ثَلاثةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَينِ. وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا حديث "كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه" لأن المراد بالكيل المأمور به الكيل لإخراج النفقة منه بشرط أن يبقى الباقي مجهولا لأن في كيله للنفقة البركة لأنه يسلم من الجزاف وإخراج أكثر مما يحتاج إليه والكيل لإخراج النفقة أحد اليسارين اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فرض الخمس باب نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته [3097] وفي الرقاق باب فضل الفقر [6451]، والترمذي في القيامة باب بدون ترجمة [2467]، وابن ماجه في الأطعمة باب خبز الشعير [3388]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال: 7276 - (2953) (120) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي المدني، صدوق، من (8) (عن أبيه) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، القاص الحكيم، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد بن رومان) بضم الراء الأسدي مولاهم مولى آل الزبير أبي روح المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته (أنها كانت تقول والله) أقسمت لك (يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر الصديق (إن كنا) إن مخففة من الثقيلة أي إن الشأن والحال كنا معاشر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (لننظر إلى) استهلال (الهلال) وهو القمر أول طلوعه أي ننظر إلى طلوعه في أول الشهر الأول (ثم) بعد تمام الشهر الأول ننظر إلى (الهلال) أي إلى طلوعه في أول الشهر الثاني (ثم) بعد تمام الشهر الثاني ننظر إلى (الهلال) في أول الشهر الثالث ننظر (ثلاثة أهلة) جمع هلال (في) تمام (شهرين) لأن الهلال الثالث يُرى في آخر يوم من الشهر الثاني (و) الحال أنه (ما أوقد) أي ما اتقد وأشعل (في) جميع (أبيات)

رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ نَارٌ. قَال: قُلْتُ: يَا خَالةُ، فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ. إِلا أَنهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ. وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ. فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ مِنْ أَلْبَانِهَا، فَيَسْقِينَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أزواج (رسول الله صلى الله عليه وسلم) التسع (نار) لفقدان ما يطبخ فيها (قال) عروة (قلت) لعائشة (يا خالة) ببنائه على الضم بلا تنوين لأنه نكرة مقصودة (فما كان يُعيشكم) بضم الياء الأول وكسر الثانية المشددة بينهما عين مفتوحة من التعييش، وفي بعض النسخ المعتمدة (فما كان يقيتكم) اهـ نووي، وقال الحافظ: في الفتح بضم الياء الأولى وسكون الثانية بينهما عين مكسورة من الإعاشة، يقال أعاشه الله إذا أعطاه العيش والمعنى واحد أي فما هو الذي كنتم تعيشون به (تمالت) عائشة يعيشنا (الأسودان التمر والماء) هذا بتغليب التمر على الماء لأنه أسود والماء لا لون له فنعت الماء بالسواد لاقترانه بالتمر؛ والمراد شبعوا من الماء حين شبعوا من التمر وإلا فما زالوا شباعا من الماء (إلا أنه) أي لكن أن الشأن والحال (قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح) منحوها لهم إخوانهم الأنصاريون (فكانوا) آثروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم و (يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها) أي من ألبان تلك المنائح (فيسقيناه) أي فيسقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اللبن الذي أرسلوه له والمنائح جمع منحة ومنيحة فعيلة بمعنى مفعولة. قال في المصباح: المنحة بالكسر في الأصل الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلًا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن ثم كثر استعماله حتى أُطلق على كل عطاء، ومنحته منحًا من بابي نفع وضرب أعطيته والاسم المنيحة، وقال في المبارق: المنحة العطية وهي تتناول الهبة والعارية لكن العرب يستعملون لفظة المنحة كثيرًا في الهبة اهـ، وفي النهاية: منحة اللبن أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها اهـ؛ فالمراد ها هنا جيران لهم نوق وشياه ذات لبن يهدون للنبي صلى الله عليه وسلم من ألبانها لا إعطاؤها على طريق الهبة أو العارية والله أعلم اهـ دهني، والحاصل أنهم كانوا يمنحون شياههم لآخرين ويبعث أولئك الآخرون بألبانها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ تحفة الأشراف.

7277 - (2954) (121) حدثني أَبُو الطاهِرِ أَحْمَدُ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَن يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ قُسَيْطٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أخبَرَنِي أبُو صَخرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْج النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، قَالتْ: لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، وَمَا شَبعَ مِنْ خُبْزٍ وَزيتٍ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، مَرتَينِ. 7278 - (00) (00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرحمنِ الْمَكِّيُّ الْعَطَّارُ، عَنْ مَنْصُورٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لعائشة رضي الله عنهما فقال: 7277 - (2954) (121) (حدثني أبو الطاهر أحمد) بن عمرو بن سرح الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9) (أخبرني أبو صخر) حميد بن زياد الخراط المدني، صدوق، من (6) يروي عنه في (6) أبواب (عن يزيد بن عبد الله بن قسيط) مصغرا الليثي المدني الأعرج، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا ابن وهب أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من سداسياته (قالت) عائشة والله (لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز) أي وما أكل وشبع من خبز بر (و) إدام (زيت في يوم واحد مرتين) غداء وعشاء لضيق حالهم أو لترك الترفه والتبسط في الدنيا والزيت دهن الزيتون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5416]، والترمذي [2356]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا رضي الله عنها فقال: 7278 - (00) (00) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا داود بن عبد الرحمن المكي العطار) أبو سليمان، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (عن منصور) بن عبد

عَنْ أُمَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وحَدثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا دَاوُدُ بن عَبْدِ الرحْمَن الْعَطَّارُ. حدّثني مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَن الْحَجَبِي، عَنْ أُمِّهِ، صفِيةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، حِينَ شَبعَ الناسُ مِنَ الأسوَدَينِ: التمْرِ وَالْمَاءِ. 7279 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَن، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأسوَدَينِ: الْمَاءِ وَالتمْرِ. 7280 - (00) (00) وحدثنا أَبُو كُرَيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدري الحجبي المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنها في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابا (حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار حدثني منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه صفية) بنت شيبة (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته أيضًا، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة صفية بنت شيبة لعروة بن الزبير (قالت) عائشة (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شبع الناس من الأسودين التمر والماء) أي من مجموعهما وإلا فما زالوا شباعًا من الماء اهـ سنوسي كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 7279 - (00) (00) (حدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن منصور بن صفية عن أمه) صفية (عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لداود العطار (قالت) عائشة (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا) أهل بيته مع الناس (من الأسودين الماء والتمر). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 7280 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي

حَدَّثَنَا الأشجَعِي. ح وَحَدَّثَنَا نَصرُ بن عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ. كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، بِهذَا الإِسْنَادِ، غَيرَ أَن فِي حَدِيثِهِمَا عَنْ سُفْيَانَ: وَمَا شَبِعْنَا مِنَ الأسوَدَينِ. 7281 - (2955) (122) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، (يَعنِيَانِ الفَزَارِيَّ)، عَنْ يَزِيدَ، (وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ)، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (حدثنا) عبيد الله بن عبيد الرحمن (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة، من كبار (9) روى عنه في (6) أبواب (ح وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبو أحمد) الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري مولاهم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (كلاهما) أي كل من الأشجعي والزبيري رويا (عن سفيان) الثوري، غرضه بيان متابعتهما لعبد الرحمن بن مهدي، وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن منصور عن أمه عن عائشة مثله (غير أن في حديثهما) وروايتهما (عن سفيان) لفظة (وما شبعنا من الأسودين) بالنفي. وظاهر هذه الرواية معارض للروايات السابقة حيث ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي حين شبع الناس من التمر والماء وحيث قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء. والجواب أن الناس شبعوا بعدما افتتحت خيبر وشبع أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا من حيث إنهم قدروا على ذلك ولكنهم آثروا بذلك الفقراء فلم يشبعوا أيامًا متوالية اهـ من الأبي. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال: 7281 - (2955) (122) (حدثنا محمد بن عباد) بن الزبرقان المكي، صدوق، من (10) (و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا حدثنا مروان) بن معاوية بن الحارث بن أسماء (يعنيان الفزاري) نسبة إلى بني فزارة قبيلة مشهورة أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد وهو ابن كيسان) اليشكري الكوفي، صدوق، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.

قَال: وَالذِي نَفْسِي بيَدِهِ - (وَقَال ابْنُ عَبَّادٍ: وَالذِي نَفْسُ أبِي هُرَيرَةَ بِيَدِهِ) - مَا أَشبَعَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ أَهْلَهُ ثَلاثةَ أَيامٍ تِبَاعًا، مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ، حَتَّى فَارَقَ الدنيَا. 7282 - (00) (00) حدثني مُحَمدُ بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيسَانَ. حدّثني أَبُو حَازِمٍ. قَال: رَأَيتُ أَبَا هُرَيرَةَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ مِرَارًا يَقُولُ: وَالذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيرَةَ بِيَدِهِ، مَا شَبعَ نَبِيٌّ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَأَهْلُهُ، ثَلاثةَ أَيامٍ تِبَاعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (والذي نفسي بيده) أي أقسمت بالإله الذي روحي بيده المقدسة، وهذا لفظ ابن أبي عمر (وقال) محمد (بن عباد) في روايته لفظة (والذي نفس أبي هريرة بيده) والمعنى واحد (ما أشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله) أي أهل بيته (ثلاثة أيام) مع لياليها (تباعًا) أي متتابعة متوالية (من خبز حنطة حتى فارق الدنيا) أي حتى مات. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأطعمة باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون [5414]، والترمذي في الزهد باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله [2358]، وابن ماجه في الأطعمة باب خبز البر [3386]، وأحمد [2/ 434]، والبغوي في شرح السنة [14/ 284]. والذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبًا كان بسبب قلة ما عندهم من الطعام على أنهم كانوا قد يجدون كثيرًا منه ولكن يؤثرون الفقراء على أنفسهم اهـ من التحفة كما مر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7282 - (00) (00) (حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي البصري المعروف بالقطان، ثقة، من (9) (عن يزيد بن كيسان) اليشكري قال (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار المدني (قال) أبو حازم (رأيت أبا هريرة يشير بأصبعه) السبابة إلى وحدة الله تعالى (مرارًا) أي مرات كثيرة حالة كونه (يقول) بلسانه (والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأهله ثلاثة أيام تباعًا) أي متتابعة مع لياليها

مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ، حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. 7283 - (2956) (23 1) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ. قَال: سَمعْتُ النعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ؟ لَقَدْ رَأَيتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ، مَا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ (من خبز حنطة حتى فارق الدنيا) أي حتى مات لإعراضه عن التبسط والترفه فيها، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة يحيى القطان لمروان بن معاوية. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهم فقال: 7283 - (2956) (123) (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن سماك) بن حرب الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (قال) سماك (سمعت النعمان بن بشير) الأنصاري الخزرجي أبا عبد الله المدني رضي الله عنهما، وهو (يقول) وهذا السند من رباعياته، والخطاب في قوله (ألستم) للصحابة بعده صلى الله عليه وسلم أو للتابعين (في طعام وشراب ما شئتم) قال الطيبي: صفة مصدر محذوف أي ألستم منغمسين في طعام وشراب مقدار ما شئتم من التوسعة والإفراط فيه، فما موصولة ويجوز أن يكون مصدرية والكلام فيه تعيير وتوبيخ، ولذلك أتبعه بقوله (لقد رأيت نبيكم) محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وأضافه إليهم للإلزام حين لم يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في الإعراض عن الدنيا ومتلذاتها وفي التقليل لمشتهياتها من مأكولاتها ومشروباتها، ثم قوله رأيت إن كان بمعنى النظر فقوله (وما يجد من الدقل) حال، وإن كان بمعنى العلم فهو مفعول ثان وأدخل الواو تشبيهًا له بخبر كان وأخواتها على مذهب الأخفش والكوفيين كذا حققه الطيبي، قال القاري: والأول هو المعول، والدقل بفتحتين التمر الرديء ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثورًا على ما في النهاية، وفي المصباح: هو أردأ التمر والواحدة دقلة اهـ، ثم قوله (ما يملأ به بطنه) مفعول يجد وما موصوله أو موصوفة ومن الدقل بيان لما قدم

وَقُتَيبَةُ لَمْ يَذكُر: بِهِ. 7284 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمدُ بْنُ رافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدَمَ. حَدَّثَنَا زهَيْرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أخْبَرَنَا الْمُلائِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ. كِلاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. وَزادَ فِي حَدِيثِ زهَيْرٍ: وَمَا تَرْضَوْنَ دُونَ أَلْوَانِ التمْرِ وَالزبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه (وقتيبة لم يذكر) في روايته لفظة (به) اهـ من التحفة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الزهد باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [2372]، وأحمد [4/ 268]، والبغوي [14/ 372]، وابن حبان [8/ 86]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فقال: 7284 - (00) (00) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، صدوق، من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج، ثقة، من (7) (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) الفضل بن دكين (الملائي) أبو نعيم التميمي مشهور بكنيته الأحول الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي أبو يوسف الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (كلاهما) أي كل من زهير وإسرائيل رويا (عن سماك) بن حرب. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعتهما لأبي الأحوص، وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن سماك عن النعمان (نحوه) أي نحو ما حدّث أبو الأحوص عن سماك (و) لكن (زاد) يحيى بن آدم (في حديث زهير) وروايته لفظة ولقد رأيت نبيكم والحال أنه ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه (و) أنتم الآن (ما ترضون دون ألوان التمر والزبد) والحال أنكم الآن بسطت عليكم الدنيا وما تكتفون بطعام دون طعام اجتمع فيه أنواع التمر وأنواع الزبد، والمعنى أن نبيكم صلى الله عليه وسلم مضى لسبيله والحال أنه لم يشبع من الدقل وأنتم الآن تأكلون على سبعة أصحن وتشربون من الشراب أنواعًا عديدة، قال في المصباح: والزبد وزان قفل ما يستخرج بالمخض من لبن البقر والغنم، وأما لبن الإبل فلا يسمى ما يستخرج منه زبدًا بل يقال له حُباب اهـ.

7285 - (2957) (124) وحدثنا مُحَمدُ بْنُ المثنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللفْظُ لابنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ. قَال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يَخطُبُ قَال: ذَكَرَ عُمَرُ مَا أَصَابَ الناسُ مِنَ الدنْيَا. فَقَال: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوي، مَا يَجِدُ دَقَلًا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ. 7286 - (2958) (125) حدثني أَبُو الطاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ. سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرحْمَنِ الحبُلِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال: 7285 - (2957) (124) (وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي غندر (حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال) سماك (سمعت النعمان) بن بشير (يخطب) أي يعظ الناس (قال) النعمان (بهر عمر) بن الخطاب رضي الله عنه يومًا (ما أصاب الناس) أي ما فعلوه (من) التبسط في (الدنيا) والتوسع في ملاذها والإفراط في شهواتها. وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (فقال) عمر (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم) أي يكون طول اليوم (يلتوي) أي يتقلب على بطنه الشريف من الجوع، والحال أنه (ما يجد دقلًا يملأ به بطنه). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في باب معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم [4198]، وأحمد [1/ 24]، وابن حبان [8/ 86]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو سبق فقراء المهاجرين إلى الجنة ومن الفقير السابق بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: 7286 - (2958) (125) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني أبو هانئ) الخولاني حميد بن هانئ المصري، لا بأس به، من (5) روى عنه في (4) أبواب أنه (سمع أبا عبد الرحمن الحبلي) بضم الحاء

يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَال: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَال لَهُ عَبْدُ الله: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأوي إِلَيهَا؟ قَال: نَعَمْ. قَال: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَأنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ. قَال: فَإنَّ لِي خَادِمًا. قَال: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والباء عبد الله بن يزيد المعافري المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل القرشي السهمي الشامي رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (و) قد (سأله رجل) من المسلمين، لم أر من ذكر اسمه (فقال) ذلك الرجل لعبد الله (ألسنا) نحن (من فقراء المهاجرين) هو سؤال تقرير وكأنه سأل شيئا من الفيء الذي قال الله تعالى فيه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} فكأنه قال: ألسنا من الفقراء المهاجرين المستحقين أن يأخذوا من الفيء اهـ من المفهم (فقال له) أي للرجل (عبد الله) بن عمرو (ألك امرأة تأوي) وتسكن (إليها) أي عندها (قال) الرجل (نعم) لي امرأة (قال) عبد الله (ألك مسكن تسكنه؟ قال) الرجل (نعم) ليس مسكن أسكنه (قال) عبد الله للرجل (فأنت) أيها الرجل (من الأغنياء) لا من الفقراء. أفاد القرطبي ما حاصله أن عبد الله بن عمرو لم يرد أن من له زوجة ودار لا يستحق الأخذ من الفيء، ولم يرد أيضًا أن من له زوجة ودار لا يكون مهاجرا وإنما رد عليه تسمية نفسه فقيرا مهاجرا وإدخاله نفسه في الجماعة الذين تحملوا من المتاعب ما لم يتحمله السائل فذكر أن فضائل الفقراء المهاجرين إنما حصلت لأولئك الذين لم يكن لهم أهل ولا دار كما كان أصحاب الصفة في أول الأمر وكأنه آنس من السائل شيئًا من عدم الالتفات إلى النعم التي أنعم الله تعالى عليه به فأراد تذكيره بذلك وتوجيهه إلى ما يجب عليه من الشكر والله أعلم (قال) الرجل (فإن لي خادما) أيضًا (قال) عبد الله (فأنت) إذا (من الملوك) قال القرطبي: هو إغياء لا حقيقة إذ لا يسلبه الخادم اسم الفقر اهـ، قال القاري في المرقاة [10/ 20] ولعله اقتبس هذا الكلام من قوله تعالى: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} على ما رواه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} قال: الزوجة والخادم، وزاد ابن جرير عنه: وكان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار يسمى ملكًا اهـ.

قَال أَبُو عَبْدِ الرحمنِ: وَجَاءَ ثَلاثةُ نَفَرٍ إِلَي عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بنِ العَاصِ، وَأَنا عِنْدَهُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا مُحَمدٍ، إِنَّا وَاللهِ، مَا نَقْدِرُ عَلَى شَيءٍ. لَا نَفَقَةٍ، وَلَا دَابةٍ، وَلَا مَتَاعٍ. فَقَال لَهُمْ: مَا شِئتُم. إِنْ شِئْتُمْ رَجَعتم إِلَينَا فَأعْطَينَاكُمْ مَا يَسَّرَ الله لَكُم. وإنْ شِئْتُم ذَكَرْنَا أَمْرَكُمْ لِلسُّلطَانِ. وإنْ شِئْتُمْ صَبَرتُمْ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَقُولُ: "إنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (قال أبو عبد الرحمن الحُبُلي) عبد الله بن يزيد بالسند السابق (وجاء ثلاثة نفر) لم أر من ذكر أسماءهم (إلى عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما (وأنا عنده) أي عند عبد الله (فقالوا يا أبا محمد) كنية عبد الله بن عمرو (إنا والله ما نقدر على شيء) من المصارف التي تلزمنا وتجب علينا (لا) على (نفقة) عيال (ولا) على نفقة (دابة) مركوبة لنا (ولا) على تحصيل (متاع) وأثاث ومواعين لبيوتنا فنحن فقراء. قال القرطبي: هذه قضية أخرى غير القضية المتقدمة وإن كان راويهما واحدًا فإنهما من رواية أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص لأن هؤلاء ثلاثة وذلك واحد ولأن مقصوده من هذا الحديث غير مقصوده من الحديث الأول وذلك أن هؤلاء الثلاثة شكوا إليه شدة فاقتهم وأنهم لا شيء لهم فخيرهم بين الصبر على ما هم فيه حتى يلقوا الله تعالى فيحصلون على ما وعدهم الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من السبق إلى الجنة قبل الناس كلهم وبين أن يرفع أمرهم إلى السلطان فيُدفع إليهم ما يغنيهم وبين أن يواسيهم من ماله فاختار القوم البقاء على الحالة الأولى والصبر على مضض الفقر وشدته. ويُفهم من هذا الحديث أن مذهب عبد الله وهؤلاء الثلاثة أن الفقر المدقع والتجرد عن المكتسبات كلها أفضل ولكن في المسألة خلاف. (فقال) عبد الله (لهم) أي لهؤلاء النفر الثلاثة (ما شئتم) أي أي شيء شئتموه أي ماذا تشاؤون هل تشاؤون الصبر على هذا الفقر أو تشاؤون رفع أمركم إلى السلطان ليعطيكم حاجتكم، فما استفهامية ويمكن أن تكون موصولة على أنها مبتدأ خبره محذوف تقديره الذي أردتم من الأمور التي سنعرض عليكم فعلناه ثم بين تلك الأمور فقال (إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله) علينا في المساعدة (لكم وإن شئتم ذكرنا أمركم) وضيقكم (للسلطان) أي لوالي بيت المال (وإن شئتم صبرتم) على ضيقكم لتنالوا أجر الصبر (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فقراء المهاجربن يسبقون

الأَغنِيَاءَ، يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَى الجنةِ، بِأرْبَعِينَ خَرِيفًا". قَالُوا: فَإِنَّا نَصْبِرُ. لَا نَسْأَلُ شَيئًا ـــــــــــــــــــــــــــــ الأغنياء يوم القيامة إلى) دخول (الجنة بأربعين خريفًا) أي عامًا (قالوا) أي قال أولئك الثلاثة (فإنا) إذًا (نصبر لا نسأل شيئًا) ويحتمل أن يكون عدد أربعين خريفًا في حديث الباب لبيان طول مدة دخولهم قبلهم لا للتحديد ولعل سبب تقدم الفقراء إلى الجنة ما عانوه أي ذاقوه في الدنيا من المتاعب والمضايق وشدائد الفقر وسبب تأخر الأغنياء عنهم في الدخول أنه يطول حسابهم بحسب ما أوتوا في الدنيا من النعم والزخارف ولأن الغنى ربما يوقع الإنسان في الآثام والذنوب من الفخر والعجب والخيلاء أعاذنا الله تعالى منها. وقوله (أربعين خريفًا) والخريف فصل من الفصول الأربعة من السنة بين الصيف والشتاء كما جمعها بعضهم في بيت واحد فقال: ربيع صيف من الأزمان ... خريف شتاء فخذ بياني فهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل لأن فصل الخريف إنما يأتي مرة في السنة. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [2/ 169]، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان [2/ 34]. قال القرطبي: هذا الحديث اختلفت ألفاظ الرواة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الحديث المتقدم، وروى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام، رواه الترمذي [2351]، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وروى أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الفقراء الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام نصف يوم، رواه الترمذي [2353] وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي طريق أخرى "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام" رواه الترمذي [2354]، وقال: حديث حسن صحيح، وروى أيضًا عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا" رواه الترمذي [2355] وقال: هذا حديث حسن صحيح، فاختلفت هذه الأحاديث في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الفقراء هم السابقون، وفي مقدار المدة التي بها يسبقون، فهذان موضعان وقع فيهما الاختلاف ويرتفع الخلاف عن الموضع الأول بأن يرد مطلق حديث أبي هريرة إلى مقيد روايته الأخرى ورواية جابر رضي الله عنه فيُعنى بالفقراء فقراء المسلمين وحينئذ يكون حديث عبد الله بن عمرو وحديث أبي سعيد مخصوصًا بفقراء المهاجرين وحديث أبي هريرة وجابر يعم جميع فقراء قرون المسلمين فيدخل الجنة فقراء كل قرن قبل أغنيائهم بالمقدار المذكور وهذه طريقة حسنة ونزيدها وضوحًا بما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "أصحاب الجنة محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار يسألون عن فضول أموال كانت بأيديهم" رواه البخاري [6535] وهذا واضح. وأما الموضع الثاني فقد تقدم أن الخريف هو العام وأصل الخريف فصل من فصول السنة وهو الفصل الذي تخترف فيه الثمار أي تجتنى فسُمي العام بذلك ويمكن الجمع بين الأربعين وحديث الخمسمائة بأن سُبّاق الفقراء يدخلون قبل سُبّاق الأغنياء بأربعين عامًا وغير سُبّاق الأغنياء بخمسمائة عام إذ في كل صنف من الفريقين سُبّاق والله أعلم. وهذه الأحاديث واضحة على تفضيل الفقر على الغنى ويتقرر ذلك من أوجه: (أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا لجبر انكسار قلوب الفقراء وليهون عليهم ما يجدونه من مرارة الفقر وشدائده بمزية تحصل لهم في الدار الآخرة على الأغنياء عوضًا لهم عما حرموه من الدنيا وصبرهم ورضاهم بذلك. (وثانيها: أن السبق إلى الجنة ونعيمها أولى من التأخر عنها بالضرورة فهو أفضل. (وثالثها: أن السبق إلى الفوز من أهوال يوم القيامة والصراط أولى من المقام في تلك الأهوال بالضرورة فالسابق إلى ذلك أفضل بالضرورة وحينئذ لا يلتفت إلى قول من قال إن السبق إلى الجنة لا يدل على أفضلية السابق، وزخرف ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخليقة ومع ذلك فدخوله الجنة متأخر عن دخول هؤلاء الفقراء لأنهم يدخلون قبله وهو في أرض القيامة تارة عند الميزان، وتارة عند الصراط، وتارة عند الحوض، كما قد أخبر عن ذلك فيما صح عنه، وهذا قول باطل صدر عمن هو بما ذكرناه وبالنقل جاهل، فكأنه لم يسمع ما تقدم في كتاب الإيمان من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يقرع باب الجنة فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد، فيقول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخازن: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك" رواه مسلم [196] [331] وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول من يدخل الجنة ومعي فقراء المهاجرين" رواه الترمذي [6320]، وعلى هذا فيدخل الجنة ويتسلم ما أعد له فيها ويبوئ الفقراء منازلهم، ثم يرجع إلى أرض القيامة، ليخلص أمته بمقتضى ما جعل الله في قلبه من الحنو على أمته والشفقة عليهم والرأفة بهم فيلازمهم في أوقات شدائدهم ويسعى بما يمكنه في نجاتهم فيحضرهم عند وزن أعمالهم ويسقيهم عند ظمئهم ويدعو لهم بالسلامة عند جوازهم ويشفع لمن دخل النار منهم، وهو مع ذلك كله في أعلى نعيم الجنة الذي هو غاية القرب من الحق والجاه الذي لم ينله أحد غيره من الخلق ولذة النظر إلى وجه الله الكريم وسماع كلامه الحكيم بألطف خطاب وأكرم تكليم، كيف لا وهو يسمع "يا محمد قل يسمع لك سل تعط اشفع تشفع، فيقول: أمتي، أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن" رواه أحمد [1/ 5 و 2/ 436]، والبخاري [6565]، ومسلم [193]، وهذه خطوة لا تتسع لها العبارات ولا تحيط بها الإشارات حشرنا الله في زمرته ولا خيبنا من شفاعته. قال القاضي أبو الفضل: ويحتمل أن هؤلاء السابقين إلى الجنة يتنعمون في أفنيتها وظلالها ويتلذذون بما هم فيه إلى أن يدخل محمد صلى الله عليه وسلم بعد تمام شفاعته ثم يدخلونها معه على قدر منازلهم وسبقهم والله تعالى أعلم. (قلت) وهذا لا يحتاج إلى تقديره لأن الذي هو فيه من النعيم بما ذكرناه أعلى وأشرف مما هم فيه فلا يكون سبقهم لأدون النعيمين أشرف ممن سبق إلى أعظمهما وهذا واضح اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث عشرة؛ الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه خمس متابعات، والثالث حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عائشة الثالث ذكره للاستشهاد، والخامس حديث عائشة الرابع ذكره للاستشهاد، والسادس حديث عائشة الخامس ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث النعمان بن بشير ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث عمر بن الخطاب ذكره للاستشهاد، والعاشر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب

773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب 7287 - (2959) (126) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال ابْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَبْدُ الله بْنُ دِينَارٍ؛ أَنهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، لأَصْحَابِ الْحِجْر: ـــــــــــــــــــــــــــــ 773 - (17) باب النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا إلا أن يبكوا، وفضل الساعي على الأرامل والأيتام، والباني للمساجد، وفضل الصدقة على المساكين، وتحريم الرياء ونحوه، ووجوب حفظ اللسان، وعقوبة من يأمر ولا يفعل، والنهي عن هتك الستر عن نفسه، وندب التشميت عند العطاس وكراهية التثاؤب واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو النهي عن دخول مساكن الذين ظلموا أنفسهم بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال: 7287 - (2959) (126) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابًا (قال ابن أيوب) في روايته (حدثنا إسماعيل بن جعفر) بصيغة السماع، قال إسماعيل (أخبرني عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبو عبد الرحمن المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (7) أبواب (أنَّه سمع عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر) أي قال في شأنهم لا أنه خاطبهم، وكان هذا القول في غزوة تبوك، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم هي منازل ثمود مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند توجهه إلى غزوة تبوك وهي ما بين خيبر وتبوك يشاهد فيها آثارهم حتى اليوم، وثمود قبيلة من العرب الأولى وهم قوم صالح - عليه السلام - سميت بذلك لقلة مائها، والثمد الماء

"لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَومِ الْمُعَذَّبِينَ. إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ. فَإِنْ لَم تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُم". 7288 - (00) (00) حدثني حَرمَلَةُ بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهبٍ. أَخبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ الْحِجرَ، مَسَاكِنَ ثَمُودَ. قَال سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الله: إِن ـــــــــــــــــــــــــــــ القليل الذي لا مادة له، وقيل ثمود اسم رجل وكانت هذه القبيلة تنزل في وادي القرى إلى البحر والسواحل وأطراف الشام، وكانت أعمارهم طويلة وكانوا يبنون المساكن فتنهدم فاتخذوا من الجبال بيوتًا ينحتونها، ويقال كانت منازلهم أولا بأرض كوشي من بلاد عالج ثم انتقلوا إلى الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى اهـ عمدة القاري [7/ 377] (لا تدخلوا) أيها المؤمنون (على) منازل (هؤلاء القوم المعذبين) يعني قوم ثمود (لا أن تكونوا) معتبرين بهم (باكين) عند مشاهدة ما أصابهم من العذاب عند عصيانهم خوفًا من وقوع مثله عليكم، وزاد أحمد في رواية "فإن لم تكونوا باكين فتباكوا" ذكره الحافظ في الفتح [6/ 380] (فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم) أي في منازلهم (أن يصيبكم) بفتح الهمزة مفعول من أجله أي خشية أن يصيبكم أو كراهية أن يصيبكم (مثل ما أصابهم) من العذاب، قال الأبي: ومثال ديار ثمود منازل الظالمين لا تدخل إلا للاعتبار، قال عياض: ومن عرف تقصير نفسه وعظيم سلطان ربه لم يأمن فإنه لا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون، وفي هذا الحديث دلالة على أن منازل الأقوام المعذبة لا ينبغي أن يدخلها المرء إلا لضرورة أو للاعتبار اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في التفسير باب ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين [4702]، وأحمد [2/ 66 و 96]، والبغوي [14/ 361]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: 7288 - (00) (00) (حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب وهو) أي والحال أن ابن شهاب (يذكر الحجر) أي (مساكن ثمود) أي شأنها إذا دخلت فيها (قال) لنا (سالم بن عبد الله) بن عمر (إن

عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ قَال: مَرَرنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى الْحِجْرِ. فَقَال لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ: "لَا تَدخُلُوا مَسَاكِنَ الذينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُم، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ. حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ" ثُم زَجَرَ فَأسْرَعَ حَتى خَلَّفَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن عمر قال مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر) منازل قوم ئمود. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم بن عبد الله لعبد الله بن دينار (فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا مساكن) القوم (الذين ظلموا أنفسهم) بالكفر فعذبوا (إلا أن تكونوا باكين حذرًا) أي تجنبا وخشية من (أن يصيبكم مثل ما أصابهم) من العذاب (ثم زجر) وحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فسار سيرًا عجلًا (فأسرع) الخروج من الحجر (حتى خلفها) بتشديد اللام من التخليف أي حتى جعل الحجر خلفه خارجًا منها، قال القرطبي: قوله (حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم) أي خوفًا من أن تعاقبوا كما عوقبوا لأن أكثر المخاطبين والموجودين في ذلك الوقت كانوا ظالمين لأنفسهم إما بالكفر وإما بالمعاصي وإذا كان سبب العقوبة موجودًا فيهم تعين الخوف من وجود العقوبة فحق المار بموضع المعاقبين أن يجدد النظر والاعتبار ويكثر من الاستغفار ويخاف من نقمة العزيز الجبار وأن لا يطيل اللبث في تلك الديار (قوله ثم زجر فأسرع) أي زجر ناقته فأسرع بها في المشي، ويستفاد منه كراهة دخول أمثال تلك المواضع والمقابر فإن كان ولا بد من دخولها فعلى الصفة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتبار والخوف والإسراع وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ولا تدخلوا أرض بابل فإنها ملعونة" أخرجه أبو داود من حديث علي أنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة [490] قال النووي: ففي هذا الحديث الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين ومواضع العذاب ومثله الإسراع في وادي محسر لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء والاعتبار بهم وبمصارعهم وأن يستعيذ بالله من ذلك اهـ منه. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر هذا بحديث آخر له رضي الله عنهما فقال:

7289 - (2960) (127) حدَّثني الحكَمُ بْنُ مُوسَى، أَبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بن إِسحَاقَ. أَخبَرَنَا عُبَيدُ الله، عَن نَافِعٍ؛ أَن عَبدَ الله بنَ عُمَرَ أَخبَرَهُ؛ أَن النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَلَى الحِجْرِ، أَرْضِ ثَمُودَ. فَاسْتَقَوا مِن آبَارِهَا. وَعَجَنُوا بِهِ العَجِينَ. فَأمَرَهُم رَسُولُ الله صلى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا ويعلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ. وَأَمَرَهُم أَن يَستَقُوا مِنَ البئْرِ التِي كَانَت تَرِدُهَا النَّاقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7289 - (2960) (127) (حدثني الحكم بن موسى) بن أبي زهير (أبو صالح) البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري، ثقة، من (5) (عن نافع أن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أخبره أن الناس) من المسلمين (نزلوا) أي دخلوا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر) أي في الحجر (أرض ثمود) وديارهم عطف بيان للحجر (فاستقوا) أي أخذوا الماء (من آبارها) في أوانيهم، جمع بئر جمع قلة كحمل وأحمال، وسيأتي في الرواية الثانية بئارها جمع كثرة (وعجنوا) أي خلطوا (به) أي بالمأخوذ من آبارهم (العجين) التي أرادوا خبزها لأنفسهم (فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا) أي أن يريقوا من أراق الرباعي فقلبت الهمزة هاء في المضارع أي أن يريقوا على الأرض (ما استقوا) أي الماء الذي أخذوه في الأواني من تلك الآبار (ويعلفوا الإبل) أي يطعموها (العجين) الذي عجنوه بذلك الماء الذي استقوه من آبار ثمود (وأمرهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يستقوا) أي أن يأخذوا ما احتاجوا إليه في الأواني (من) ماء (البئر التي كانت تردها) أي تشرب منها (الناقة) أي ناقة صالح - عليه السلام -، قال الحافظ في الفتح [6/ 38] ويلتحق بها نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى إياه على كفره، واختلف في الكراهة المذكورة هل هي للتنزيه أو التحريم؟ وعلى التحريم هل يصح التطهر بذلك الماء أم لا؟ وقال العيني في عمدة القاري [7/ 381] والظاهر لا يمتنع وهذا النهي إنما يتأتى في الآبار والعيون التي تحقق فيها أن المعذبين كانوا يستقون منها، وليس المراد سائر الآبار والعيون التي كانت في تلك المنطقة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر

7290 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئَارِهَا وَاعْتَجَنُوا بِهِ. 7291 - (2961) (128) حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحابة أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة كما سيأتي اهـ من التكملة. قوله (ويعلفوا الإبل العجين) فإن الماء لم تكن فيه نجاسة ظاهرة وإنما منع من شربها لئلا يورث أخلاقهم الباطنة، والإبل غير مكلفة فلم يكن هناك بأس في أن تعلف الإبل ذلك العجين. قوله (أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة) قال الحافظ في الفتح: سئل شيخنا الإمام البلقيني من أين علمت تلك البئر؟ فقال: بالتواتر، إذ لا يشترط فيه الإسلام اهـ والذي يظهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمها بالوحي، ويحمل كلام الشيخ على من سيجيء بعد ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب وإلى ثمود أخاهم صالحًا [3378]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 7290 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثني عبيد الله) بن عمر، غرضه بيان متابعة أنس بن عياض لشعيب بن إسحاق، وساق أنس (بهذا الإسناد) يعني عن نافع عن عبد الله بن عمر (مثله) أي مثل ما روى شعيب بن إسحاق (غير أنه) أي لكن أن أنسًا (قال) في روايته لفظة (فاستقوا من بئارها واعتجنوا به) بدل قول شعيب من آبارها وعجنوا به العجين. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو فضل الساعي على الأرامل والأيتام ونحوهم بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7291 - (2961) (128) (حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي المدني البصري، ثقة، من (9) (حدثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني إمام الفروع،

عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَأَحْسِبُهُ قَال- وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ؛ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثقة، من (7) (عن ثور بن زيد) الديلي المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن) سالم (أبي الغيث) القرشي العدوي مولاهم مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الساعي) أي الكاسب العامل (على الأرملة والمسكين) القائم بمؤنتهما والمتكفل بحوائجهما (كالمجاهد) أي فضله كفضل المجاهد (في سبيل الله) لإعلاء كلمته ونشر دينه أي يثاب بما قام به ثواب القائم بالجهاد في سبيل الله، والأرملة من لا زوج لها سواء كانت تزوجت أولًا أم لا؟ وقيل هي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق، قال ابن قتيبة: سميت الأرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج يقال أرمل الرجل إذا فني زاده، قال المازري: قال ابن السكيت: الأرمل المسكين من رجل وامرأة، وقال ابن الأنباري: في الغالب أنه من النساء لا الرجال، ويقال لمن ماتت زوجته أيم ولا يقال له أرمل لأنه من أرمل الرجل إذا فني زاده، والمرأة هي التي يذهب زادها لفقدها ما كان الرجل ينفقه عليها فليس سبيل الرجل أن يذهب زاده ويفتقر بموتها، وقول جرير: هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر أراد الفقير الذي نفد زاده ثم بين المعنى بقوله الذكر وكونه كالمجاهد والصائم القائم لأنه يتصرف بذلك في طاعة ربه وامتثال أمره اهـ من الأبي. قال ابن مسلمة (وأحسبه) أي وأحسب مالكًا (قال) الساعي على الأرملة كالمجاهد (وكالقائم) بصلاة الليل الذي (لا يفتر) ولا ينقطع عن قيامه ولا يضعف عنه طول الليل (وكالصائم) صوم النفل في جميع أيامه (لا يفطر) عن صومه في بعض الأيام التي يجوز فيها الصوم. وقوله (وأحسبه قال) هذا الشك من عبد الله بن مسلمة القعنبي كما صرح به البخاري في الأدب. وقوله (لا يفتر) من باب نصر أي لا ينقطع عن قيام الليل ولا يتوانى عنه من الفتور بمعنى الانقطاع. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الأدب باب الساعي على الأرملة [6006] وباب الساعي على المسكين [6007]، والترمذي في البر

7292 - (2962) (129) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى. حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيدٍ الدِّيلِيِّ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا الْغَيثِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَافِلُ الْيَتِيمِ، لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَينِ فِي الْجَنَّةِ" وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ـــــــــــــــــــــــــــــ والصلة باب ما جاء في السعي على الأرملة واليتيم [1969]، والنسائي في الزكاة باب فضل الساعي على الأرملة [2577]، وابن ماجه في التجارات باب الحث على المكاسب [2156]، وأحمد [2/ 361]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له أيضًا - رضي الله عنه - فقال: 7292 - (2962) (129) (حدثني زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن عيسى) بن نجيح بوزن فصيح البغدادي، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا مالك) بن أنس (عن ثور بن زيد الديلي) المدني (قال سمعت أبا الغيث) سالمًا المدني العدوي مولاهم (يحدث عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافل اليتيم) أي القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك سواء كان ذلك الكافل قريبًا (له) أي لذلك اليتيم بأن يكون جده أو أمه أو جدته أو أخاه أو أخته أو عمه أو عمته أو خاله أو خالته أو غيرهم (أو) كان اليتيم (لغيره) أي لغير الكافل بأن يكون الكافل أجنبيًّا عن اليتيم أي ليس بينه وبينه قرابة فالمراد أن هذه الفضيلة تحصل له سواء كان اليتيم قريبًا له وتحت ولايته الشرعية كجده وعمه مثلًا أو كان أجنبيًّا عنه وإنما كفله في سبيل الله تعالى، قال النووي: هذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية (أنا وهو) أي ذلك الكافل (كهاتين) الإصبعين منزلة (في الجنة) يعني يكون قريبًا مني في الجنة كما أن السبابة قريبة إلى الوسطى، قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا منزلة أفضل من ذلك في الآخرة اهـ فتح الباري [10/ 336] قال إسحاق بن عيسى (وأشار مالك) بن أنس عندما حدثنا هذا الحديث (بالسبابة والوسطى) يعني الإصبعين المعروفين.

7293 - (2963) (130) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ) أَنَّ بُكَيرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيدَ اللهِ الْخَوْلانِيَّ يَذْكُرُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله (كهاتين) قال عياض: هذا إما تمثيل بالمجاورة وقرب المنازل كمجاورة السبابة والوسطى أو تمثيل للتفضيل بين المنزلتين وأن درجة كافل اليتيم تالية لدرجته - صلى الله عليه وسلم - كتدريج السبابة من الوسطى، وذكر في الرواية أن المشير بالسبابة والوسطى هو مالك، وجاء في الموطأ في الحديث وأشار بالسبابة والوسطى مدرجا ليس منسوبا لأحد، وفي موطأ ابن بكير وأشار أي النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسبابة والوسطى اهـ من الأبي. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من بين أصحاب الأمهات، ولكنه شاركه أحمد في مسنده 21/ 375، وأخرج البخاري مثله عن سهل بن سعد في الأدب [6005]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو فضل باني المسجد بحديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقال: 7293 - (2963) (0 13)) حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (10) روى عنه في (10) أبواب كلاهما (قالا حدثنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) (أن بكيرًا) بن عبد الله بن الأشج المخزومي المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأنصاري الأوسي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (حدثه) أي حدث لبكير (أنه) أي أن عاصمًا (سمع عبيد الله) بن الأسود (الخولاني) المدني ربيب ميمونة، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (يذكر أنه سمع عثمان بن عفان) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سباعياته (عند قول الناس فيه) أي في شأنه بيانه في الرواية الآتية أن الناس كرهوا من عثمان أن يغير هيئة المسجد النبوي عما كان عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الشيخين، وقد مر شرح هذا الحديث مبسوطا في كتاب

حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ. وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَال بُكَيرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَال- يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ". وَفِي رِوَايَةِ هَارُونَ: "بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا فِي الْجَنَّةِ". 7294 - (00) (00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. كِلاهُمَا عَنِ الضَّحَّاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ المساجد باب فضل بناء المسجد والحث عليها (حين بنى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -) وزاد فيه وغيره عما كان عليه أولًا أي سمع قوله لهم (إنكم) أيها الناس (قد أكثرتم) القول في تغيير بناء المسجد (وإني) إنما زدت فيه لأني (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من بنى مسجدًا) قال عمرو بن الحارث (قال) لنا (بكير) بن عبد الله عندما حدث لنا هذا الحديث (حسبت) أي ظننت (أنه) أي أن عاصمًا (قال) في الحديث لفظة (يبتغي) أي يطلب ذلك الباني (به) أي ببناء ذلك المسجد (وجه الله) تعالى ورضاه لا الرياء والسمعة والمحمدة أي حسبت أنه زاد هذه الجملة وهي معترضة بين الشرط وجوابه. وقوله (بنى الله له مثله في الجنة) جواب الشرط (وفي رواية هارون) بن سعيد لفظة (بنى الله له بيتًا في الجنة) بدل قول أحمد بن عيسى "مثله" قال النووي: قوله (بنى الله له مثله) الخ يحتمل مثله في القدر والمساحة ولكنه أنفس منه بزيادات كثيرة من عشرة إلى سبعمائة لأن الحسنة بعشرة أمثالها إلى ما فوق، ويحتمل مثله في مسمى البيت وإن كان أكبر منه مساحة وأشرف اهـ، قال الأبي: قلت: احتجاج عثمان بالحديث وهو إنما زاد في المسجد هو بناء على أن الزيادة في المسجد عند الحاجة إليها كبناء المسجد ابتداء اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الصلاة باب من بنى مسجدًا، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في فضل بناء المسجد [318]، وأحمد [1/ 61 و 70]، وابن حبان في صحيحه [3/ 68]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عثمان - رضي الله عنه - فقال: 7294 - (00) (00) حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى كلاهما عن الضحاك) بن مخلد بن الضحاك الشيباني أبي عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، من (9)

قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ؛ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ. فَكَرِهَ النَّاسُ ذلِكَ. وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيئَتِهِ. فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ". 7295 - (00) (00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَفِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (12) بابا (قال ابن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد) بلفظ السماع (قال أخبرنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم الأنصاري المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (9) أبواب (حدثني أبي) جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري الأوسي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (6) أبواب (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع بن امرئ القيس الأنصاري الأشهلي المدني صحابي صغير جل روايته عن الصحابة، روى عن عثمان في (2) ما بين الصلاة والزهد (أن عثمان بن عفان) - رضي الله عنه - (أراد بناء المسجد) النبوي وتغييره عما كان عليه بالتوسعة وغيرها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمود بن لبيد لعبيد الله الخولاني (فكره الناس) من الصحابة وغيرهم (ذلك) التغيير عن بنائه الأول (وأحبوا أن يدعه) ويتركه (على هيئته) الأولى (فقال) عثمان للناس (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من بنى مسجدًا) صغيرًا كان أو كبيرًا طلبًا (لـ) وجه (الله) تعالى لا للمحمدة (بنى الله) تعالى (له) أي لذلك الباني (في الجنة مثله) أي مثل ذلك المسجد من قصور الجنة، وتقدم بيان معنى المماثلة في الرواية الأولى فراجعه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عثمان - رضي الله عنه - فقال: 7295 - (00) (00) (وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المروزي (حدثنا أبو بكر) الصغير عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله (الحنفي) البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (وعبد الملك بن الصباح) المسمعي أبو محمد الصنعاني، نزيل البصرة، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (كلاهما) رويا (عن عبد الحميد بن

جَعْفَرٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا: "بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا فِي الْجَنَّةِ". 7296 - (2964) (131) حدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيدِ بْنِ عُمَيرٍ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "بَينَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ. فَتَنَحَّى ذلِكَ السَّحَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــ جعفر بهذا الإسناد) يعني عن جعفر بن عبد الله عن محمود بن لبيد عن عثمان، غرضه بيان متابعة أبي بكر الحنفي وعبد الملك بن الصباح للضحاك بن مخلد (غير أن) أي لكن أن (في حديثهما) أي في حديث أبي بكر وعبد الملك لفظة (بنى الله له بيتًا في الجنة) بدل قوله في رواية الضحاك: بنى الله له في الجنة مثله. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو فضل الصدقة على المساكين بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7296 - (2964) (131) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (20) بابا (حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله (بن أبي سلمة) الماجشون التيمي مولاهم أبو عبد الله المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن وهب بن كيسان) القرشي الأسدي مولاهم أبي نعيم المدني ثم المكي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن عبيد بن عمير) بن قتادة (الليثي) أبي عاصم المكي، ثقة مخضرم، من (2) مات قبل ابن عمر سنة (64) أربع وستين، روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بينا رجل) ممن قبلكم (بفلاة) أي بصحراء (من الأرض فسمع صوتًا في سحابة) في السماء، وجملة سمع جواب بينا والفاء رابطة لجوابها أي بينا أوقات كون رجل بفلاة فاجأه سماع صوت هاتف في سحابة يقول صاحب الصوت وهو الملك للسحابة (اسق) يا سحابة ماءك (حديقة فلان) أي بستان فلان كناية عن مالك الحديقة وأمطر عليها، والحديقة القطعة من النخيل وتطلق على الأرض ذات الشجر اهـ نووي (فتنحى) أي قصد (ذلك السحاب) وتحول عن موضعه الأول إلى قرب الحديقة يقال تنحيت الشيء وانتحيته ونحوته إذا

فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ. فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ. فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ. فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ. فَقَال لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا اسْمُكَ؛ قَال: فُلانٌ. لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ. فَقَال لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَال: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ قصدته، ومنه سمي علم النحو لأنه قصد كلام العرب (فأفرغ) ذلك السحاب أي أمطر وكب (ماءه في حرة) أي في أرض ذات حجارة سود كثيرة (فإذا شرجة) أي مسيل وساقية (من تلك الشراج) والمسايل الموجودة في تلك الحرة (قد استوعبت) وجمعت (ذلك الماء) النازل من السحاب (كله) وجرت به إلى تلك الحديقة وسقتها، والشرجة بفتح الشين وسكون الراء مسيل الماء وجمعها شراج بكسرها، ووقع في رواية أحمد في مسنده فإذا هو في أذناب شراج فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء ومثله لابن حبان، والمعنى أن الحرة كانت تخرج منها شراج وشرجة واحدة منها جمعت الماء الذي نزل من السحاب (فتتبع) ذلك الرجل الذي سمع الهاتف أي ذهب مع تلك الشرجة التي جمعت (الماء) ليعلم أين تذهب هذه الشرجة بالماء، وفي رواية أحمد (تبع الماء) فرآها دخلت حديقة في طرف الحرة (فإذا رجل قائم في حديقته) تلك (يحول الماء) أي ينقل الماء من مكان إلى آخر (بمسحاته) أي بمجرفته، قال في القاموس: سحا الطين يسحيه ويسحوه ويسحاه سحوًا إذا قشره وجرفه، والمسحاة ما يسحى به الطين أو التراب، وفي المبارق: المسحاة اسم لآلة عريضة من الحديد مأخوذة من السحو وهو الكشف والإزالة اهـ، وقال غيره: المسحاة بكسر الميم وسكون السين المجرفة من الحديد أو من غيره، وهي الآلة التي يقشر بها الطين، والمراد أنه كان يحول الماء في حديقته من مكان إلى آخر ويفعل ذلك بالمسحاة (فقال) الرجل الذي تتبع الماء (له) أي لصاحب الحديقة القائم فيها وينقل الماء من مكان إلى مكان (يا عبد الله ما اسمك) المخصوص بك (قال) صاحب الحديقة اسمي (فلان) ذاكرًا له (للاسم الذي سمع) هذا السائل مذكورًا (في السحابة) من الهاتف (فقال) صاحب الحديقة (له) أي لهذا السائل الذي سمع صوت الهاتف وهو بالفلاة (يما عبد الله لم تسألني عن اسمي فقال) هذا السائل الفلاني (إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا) الماء الذي تسقيه الحديقة (ماؤه) أي مطره (يقول)

اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ. لاسْمِكَ. فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَال: أَمَّا إِذ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب ذلك الصوت للسحاب (اسق) يا سحاب مطرك (حديقة فلان) وأمطر عليها ذاكرًا ذلك الآمر للسحاب (لاسمك) الذي ذكرت لي وبينت لي الآن فأمر الهاتف للسحاب بسقي حديقتك أمر عجيب وسببه غريب (فـ) بين لي (ما تصنع فيها) أي في ثمارها من الخير أي فبين أي شيء تنفق فيه ثمارها أي أي شيء تعمل فيها من الخير حتى تستحق هذه الكرامة (قال) صاحب الحديقة (أما إذ قلت هذا) فأما شرطية وإذ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بالجواب المحذوف، وقلت بمعنى سألت وهذا مفعوله والتقدير أما وقت سؤالك عن هذا الذي أصنع فيها (فـ) أقول لك (إني أنظر إلى ما يخرج منها) أي من هذه الحديقة من الثمار وأحسب قدره وأقسمه إلى ثلاثة أثلاث (فأتصدق بثلثه) على الفقراء والمساكين (فآكل أنا وعيالي ثلثًا) منها (وأرد) أي وأصرف (فيها) أي في هذه الحديقة أي وأنفق (ثلثه) أي ثلث ما يخرج منها في مؤنة عملها وهذا المصارف هي التي أصرف فيها ثمارها إذا حصلت لي. وقوله (فأتصدق بثلثه) فيه فضيلة الصدقة فوق مقدار الزكاة، وفيه استحباب أن يجعل المرء حصة معلومة من دخله للإنفاق في سبيل الله ويعزله عن استعماله فإنه يعينه على كثير عن أعمال البر والخير. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات، ولكنه شاركه أحمد في مسنده [2/ 296]، وابن حبان [5/ 147]. (تفسير المفردات) الفلاة من الأرض هي القفر (والحديقة) البستان، وسميت بذلك لأنها أحدق بها حاجز قالوا: وأصله كل ما أحاط به البناء، والحديقة أيضًا القطعة من النخل (تنحى ذلك السحاب) أي اعتمد وقصد والنحو في أصله هو القصد، والحرة أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار، والشرجة مسيل الماء وهي بفتح الشين وسكون الراء، وتجمع على شراج وشروج، ومن قال شرجة بفتح الراء فقد أخطأ المعروف من اللغة واستوعبت جمعت فتتبع الماء أي تبعه، وفي هذا الحديث دليل على صحة إثبات كرامات الأولياء، وأن الولي قد يكون له مال وضيعة ولا يناقض قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" أخرجه أحمد [1/ 377]، والترمذي [2328] لما قدمنا من أن المقصود بالنهي إنما هو لمن اتخذها مستكثرًا

7297 - (00) (00) وحدّثناه أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ كَيسَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: "وَأَجْعَلُ ثُلُثَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَالسَّائِلِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ". 7298 - (2965) (132) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَال ـــــــــــــــــــــــــــــ ومتنعمًا ومتمتعًا بزهرة الدنيا لما يخاف عليه من الميل إلى الدنيا والركون إليها، وأما من اتخذها معاشًا يصون بها دينه وعياله فاتخاذها بهذه النية من أفضل الأعمال وهي من أفضل الأموال اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7297 - (00) (00) وحدثناه أحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) نسبة إلى ضبة، بفتح الضاد وتشديد الباء المفتوحة، بن أن بن طابخة قبيلة مشهورة أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (15) بابا (حدثنا عبد العزيز) بن عبد الله (بن أبي سلمة) الماجشون (حدثنا وهب بن كيسان بهذا الإسناد) يعني عن عبيد بن عمير عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة أبي داود لأبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب (غير أنه) أي لكن أن أبا داود (قال) في روايته لفظة (وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل). ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو حرمة الرياء والسمعة بحديث آخر لأبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7298 - (2965) (132) (حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية، ثقة، من (8) (أخبرنا روح بن القاسم) التميمي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب) الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال

اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ. مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ". 7299 - (2966) (133) حدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تبارك وتعالى) في الأحاديث القدسية (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) أي عن المشاركة وغيرها (من عمل عملًا) من الأعمال الصالحة (أشرك فيه) أي في ذلك العمل (معي) أي مع طلب رضائي (غيري) أي طلب رضاء غيري (تركته) أي تركت ذلكم العمل (وشركه) أي مع شريكه الذي أشرك بي أي تركته له فلا أقبل منه ذلك العمل. قوله (أشرك فيه معي غيري) إما أن يشركه في العمل صراحة وهو الشرك الجلي، وإما بأن يطلب من وراء العمل رضاء غير الله تعالى وإن لم يصرح بالشرك وهو الشرك الخفي الذي يسمى رياء أو سمعة أو محمدة. قوله (تركته وشركه) منصوب على أنه مفعول معه، والشرك ها هنا بمعنى الشريك يعني تركته مع الشريك الذي أراد هو رضاه، ولا أقبله لنفسي فيكون عمله باطلًا لا ثواب فيه، ويحتمل أن يكون الشرك على معناه المصدري يعني تركته على شركه استدراجًا له حتى يستحق العذاب أعاذنا الله منه، قال النووي: (قوله أنا أغنى الشركاء) الخ معناه أنا غني عن المشاركة وغيرها فمن عمل شيئًا لي ولغيري لم أقبله بل أتركه لذلك الغير، والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه ويأثم به اهـ نووي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الزهد باب الرياء والسمعة [4255]، وأحمد [2/ 301]، وابن خزيمة [2/ 67]، وابن حبان [1/ 307]، والبغوي [14/ 324]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس - رضي الله عنهم - فقال: 7299 - (2966) (133) (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر المعجمة آخره مثلثة بن الطلق النخعي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب، قال (حدثني أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن إسماعيل بن سميع) مصغرًا الحنفي الكوفي بياع السابري -بفتح المهملة وكسر الموحدة-

عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ. وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ والسابري ثوب رقيق جيد كما في القاموس، صدوق، من (4) روى عنه في (2) بابين البيوع والزهد (عن مسلم البطين) مكبرًا صفة له لكبر بطنه، ابن عمران ويقال ابن عبد الله أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي، الفقيه أحد الأئمة الأعلام، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن ابن عباس) - رضي الله عنهما -. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عباس (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سمع سمع الله به) بصيغة الماضي في الفعلين يعني من عمل عملًا من الأعمال الصالحة يقصد حسن سمعته وشهرته فيما بين الناس ليكرموه ويوقروه ويفضلوه على أقرانه ولم يقصد بعمله ذلك رضا الله سبحانه والتقرب إليه سمع الله به على رؤوس الأشهاد يوم القيامة أي فضحه الله تعالى على سمعته أي على قصده السمعة بعمله لا رضا الله تعالى وعاقبه عليها أو المعنى من أراد بعمله السمعة والشهرة بين الناس في الدنيا أظهر الله عيوبه في عرصات القيامة على رؤوس الأشهاد أو المعنى من سمع وأظهر وأشاع عيوب أخيه في الدنيا أظهر الله عيوبه في عرصات القيامة وأشاعها على رؤوس الأشهاد (ومن راءى راءى الله به) بلفظ الماضي أيضًا فيهما أي من عمل عملًا صالحًا بقصد أن يراه الناس ويصفوه ويمدحوه راءى الله الناس بعيوبه أي أرى الله تعالى الناس عيوبه في الآخرة ليفتضح أمامهم، وقيل أراه الله ثواب ذلك العمل من غير أن يعطيه إياه ليكون حسرة عليه يوم القيامة، وقيل المعنى من أراد بعمله إسماع الناس أسمع الله الناس وكان ذلك حظه منه ومن أراد بعمله إراءة الناس أراه الله الناس فلاحظ له عليه في الآخرة اهـ من الأبي. وهذا الحديث انفرد به المؤلف من بين أصحاب الأمهات الست، ولكنه شاركه ابن حبان في صحيحه [1/ 312]. ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جندب بن عبد الله - رضي الله عنهما - فقال:

7300 - (2967) (134) حدَّثنا أَبُو بَكٍرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، قَال: سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْعَلَقِيَّ قَال: قَال رِسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللهُ بِهِ. وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ". 7301 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا الْمُلائِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أحَدًا غَيرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7300 - (2967) (134) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (12) بابا (قال) سلمة (سمعت جندبًا) بن عبد الله بن سفيان البجلي ثم (العلقي) بفتحتين نسبة إلى علقة وهي بطن من بجيلة، الصحابي الشهير - رضي الله عنه -، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) جندب (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يسمع يسمع الله به) أي من يسمع الناس عمله ويظهره لهم ليقدروه ويوقروه ويعتقدوا قدره يسمع الله به أي يملأ أسماعهم مما انطوى عليه جزاء وفاقًا (ومن يرائي) أي يظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم وليس هو كذلك (يرائي الله به) أي يظهر سريرته على رؤوس الخلائق ليفتضح اهـ مناوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب الرياء والسمعة [6499]، وفي الأحكام باب من شاق شاق الله عليه [7152]، وابن ماجه في الزهد باب الرياء والسمعة [4260]، وأحمد [4/ 312]، والبغوي [14/ 323]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جندب - رضي الله عنه - فقال: 7301 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (حدثنا الملائي) بضم الميم وتخفيف اللام المفتوحة عبد السلام بن حرب بن سلمة النهدي الملائي أبو بكر الكوفي، ثقة، من صغار (8) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا سفيان) الثوري (بهذا الإسناد) يعني عن سلمة بن كهيل عن جندب، غرضه بيان متابعة الملائي لوكيع (وزاد) الملائي على وكيع لفظة قال سلمة بن كهيل (ولم أسمع أحدًا) من الصحابة (غيره) أي

يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 7302 - (00) (00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ حَرْبٍ - (قَال سَعِيدٌ: أَظُنُّهُ قَال: ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي مُوسَى) قَال: سَمِعْتُ لسَلَمَةَ بْنَ كُهَيلٍ قَال: سَمِعْتُ جُنْدُبًا (وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيرَهُ) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلَّم - يَقُولُ: بِمِثْلِ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــ غير جندب (يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) مسندًا لهذا الحديث إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ في الفتح (قوله ولم أسمع أحدًا) قائل هذا هو سلمة بن كهيل، ومراده أنه لم يسمع من أحد من الصحابة هذا الحديث مسندًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من جندب ثم حقق الحافظ أنه كان في الكوفة في زمن سلمة بن كهيل عدة من الصحابة، ولكنه لم يسمع من أحد منهم بعدما سمع هذا الحديث من جندب - رضي الله عنه - اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - فقال: 7302 - (00) (00) (حدثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن الوليد بن حرب قال سعيد) بن عمرو (أظنه) أي أظن سفيان بن عيينة (قال) أخبرنا الوليد (بن الحارث بن أبي موسى) بلا ذكر حرب، والصحيح الوليد بن حرب بن أبي موسى الأشعري الكوفي من ولد أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، لقبه ولاد كما سيأتي بيانه عن الأبي، روى عن سلمة بن كهيل في الزهد، ويروي عنه (م) فرد حديث في آخر صحيحه في باب تحريم الرياء وابن عيينة، وقال في التقريب: مقبول، من السادسة (قال) الوليد (سمعت سلمة بن كهيل قال: سمعت جندبًا) بن عبد الله - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الوليد لسفيان الثوري، قال سليمة بن كهيل (ولم أسمع أحدًا) من الصحابة (يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيره) أي غير جندب بن عبد الله، وأما جندب فقد سمعته (يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) من يسمع يسمع الله به .. الحديث، وساق الوليد بن حرب (بمثل حديث) سفيان (الثوري).

7303 - (00) (00) وَحدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا الصَّدُوقُ الأَمِينُ، الْوَلِيدُ بْنُ حَرْبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 7304 - (2968) (135) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ)، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله (وأظنه قال ابن الحارث) فسره الأبي بأن سفيان إنما سماه وليد بن الحارث، ولم يقل الوليد بن حرب، ولكن الصحيح الوليد بن حرب بن أبي موسى الأشعري لأنه ليس من الرواة أحد يسمى وليد بن الحارث يروي عن سلمة بن كهيل، أما الوليد بن حرب فهو كوفي معروف من ولد أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - كما ذكره ابن منجويه في رجال صحيح مسلم بهذا الاسم، ولكن يحتمل أن يكون مراد سعيد بن عمرو أنه يظن أن سفيان ذكر اسم جده مع اسم أبيه، فقال الوليد بن حرب بن الحارث بن أبي موسى فذكر اسم الحارث كاسم جده أبي موسى لا أنه سماه وليد بن الحارث بدل الوليد بن حرب ثم وجدت في تاريخ الإمام البخاري ما يعين هذا الاحتمال حيث قال: وقال مسلم بن إبراهيم هو الوليد بن حرب بن الحارث بن أبي موسى الأشعري، والحارث بن أبي موسى هو اسم لأبي بردة التابعي المشهور كما في التهذيب [12/ 18]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جندب - رضي الله عنه - فقال: 7303 - (00) (00) (وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (حدثنا الصدوق الأمين الوليد بن حرب) الأشعري الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن الوليد عن سلمة بن كهيل عن جندب، غرضه بيان متابعة ابن أبي عمر لسعيد بن عمر الأشعثي في الرواية عن ابن عيينة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو حفظ اللسان بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7304 - (2968) (135) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر يعني ابن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن أبي حسنة أبو محمد المصري، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5) روى

عنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَينَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه في (12) بابًا (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (11) بابا (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (أنه) أي أن أبا هريرة (سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن العبد ليتكلم بالكلمة) أي بالكلام المفيد فائدة تامة يحسن سكون المتكلم عليها بحيث لا ينتظر السامع كلامًا آخر لأنه هو المراد منها لأن الكلمة قول مفرد وضع لمعنى ذاتًا أو معنى كزيد وضرب فهي لا تفيد فهي هنا نظير قولهم (لا إله إلا الله) كلمة إيمان (ينزل) ويهوي (بها في) قعر (النار) وفي رواية البخاري "يزل بها" ومعناهما متقارب أي يسقط بها إلى أعماق جهنم بقدر مسافة كانت (أبعد) من (ما بين) أي من المسافة التي بين (المشرق والمغرب) ومعنى هذا الكلام إن الإنسان ليتكلم بكلمة لا يتدبرها ولا يتفكر في قبحها ولا يلقي إليها بالًا مع أنه بسببها يدخل النار، وفيه حض على التدبر والتفكر في الكلمة عند إرادة التكلم بها والله أعلم، وتلك الكلمة كالكلمة التي يتكلم بها عند والٍ جائر يرضيه بها وفيها سخط الله تعالى، وقيل هي كلمة الرفث والخنا، وككلمة التعريض بمسلم بفعل كبيرة أو بمجون، وقال ابن بطال: وهي التي يقولها عند السلطان الجائر بالبغي أو السعي على المسلم فتكون سببًا لهلاكه وإن لم يرد القائل ذلك لكنها ربما أدت إلى ذلك ويكتب على القائل إثمها. وعبارة التحفة هنا (إن العبد) أي إن الإنسان (ليتكلم بالكلمة) أي الواحدة (لا يرى بها بأسًا) فهو (يهوي بها) أي يسقط بسبب تلك الكلمة، يقال هوى يهوي من باب رمى هويًا بالفتح سقط إلى أسفل كذا في مختار الصحاح (أبعد ما بين المشرق والمغرب) لما فيها من الأوزار التي غفل عنها، والمراد أنه يكون دائمًا في صعود وهوي. وقال النووي: وفي هذا الحديث حث على حفظ اللسان كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت لا وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه فإن ظهرت مصلحته تكلم وإلا أمسك اهـ.

7305 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِن الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَينَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب حفظ اللسان [6477 و 6478]، والترمذي في الزهد باب فيمن تكلم بكلمة يُضحك بها الناس [2314]، وابن ماجه في الفتن باب كف اللسان في الفتنة [4018]، وأحمد [2/ 334 و 379]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7305 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن) يحيى (بن أبي عمر المكي) العدني (حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (الدراوردي) المدني (عن يزيد) عن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي المدني (عن محمد بن إبراهيم) التيمي المدني، ثقة، من (4) (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الدراوردي لبكر بن مضر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة) أي بجنس الكلمة الصادق بالواحدة وما فوقها، حالة كونه (ما يتبين) ولا يتأمل (ما فيها) من قبيح المعنى وسيئه فـ (يهوي بها) أي يسقط بسببها (في) قعر (النار) في مسافة (أبعد) من قدر (ما بين المشرق والمغرب) كالكلمة التي يترتب عليها إضرار المسلم وككلمة القذف به والإهانة له، قال في المبارق: قوله - عليه السلام - (في النار أبعد) أبعد صفة لمصدر محذوف أي نزولًا أبعد أو صفة لنار على تقدير أن يكون اللام فيه زائدة أي في نار أبعد (ما بين) ما موصولة، والظرف صلتها أي في نار أبعد قعرًا من البعد الذي حصل بين المشرق والمغرب، وفيه حض على قلة الكلام، قال حكيم: خلق الله تعالى أذنين ولسانًا واحدًا ليكون الرجل سماعه ضعف كلامه اهـ منه. قوله (ما يتبين ما فيها) قال القاضي: معناه لا يلقي لها بالًا ولا يتدبر قبحها كالكلمة عند السلطان الجائر يرضيه بها في ظلم الناس مثلًا. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة وهو تركُ الآمر المأمورَ به وارتكابُ الناهي المنهيَّ عنه بحديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - فقال:

7306 - (2969) (136) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيبٍ -وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ- (قَال يَحْيَى وإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) أَبُو مُعَاوَيَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ، قَال: قِيلَ لَهُ: أَلا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَال: أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7306 - (2969) (136) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (واللفظ لأبي كريب قال يحيى وإسحاق أخبرنا، وقال الآخرون حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التيمي الكوفي، ثقة، من (9) (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) بن سلمة أبي وائل الأسدي الكوفي (عن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي المدني حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاه رضي الله تعالى عنهما. وهذه الأسانيد من خماسياته (قال) شقيق بن سلمة (قيل له) أي قال قائل لأسامة بن زيد ولم أر من ذكر اسم القائل (ألا) حرف عرض وهو الطلب برفق ولين أي ألا (تدخل) يا أسامة (على عثمان) بن عفان - رضي الله عنه - (فتكلمه) أي فتكلم عثمان في بعض الأمور التي أنكرها الناس عليه أي ألا تطلب منه ترك مخالفتهم وموافقتهم فيها لئلا يحصل الافتراق بين المسلمين، والفاء في قوله فتكلمه عاطفة سببية، والفعل منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب العرض. وذكر المهلب أنهم قالوا ذلك عندما نُسب إلى الوليد بن عقبة أنه شرب الخمر فأرادوا أن يكلمه أسامة ليقيم عليه الحد، وكان أسامة من خواصه ولكن لم يبين المهلب مستنده في ذلك، وسياق الرواية الآتية يدفعه ولفظها (ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلمه فيما يصنع) وظاهره أنهم أرادوا الكلام فيما يتعلق بصنع عثمان - رضي الله عنه - نفسه لا في صنع غيره، وجزم الكرماني بأن المراد أن يكلمه فيما أنكره الناس على عثمان من تولية أقاربه وغير ذلك مما اشتهر وشاع منه. (فقال) أسامة للناس (أترون) بضم التاء بمعنى تظنون ويجوز بفتحها من رأى رأيًا أي أتظنون أيها الناس (أني لا أكلمه) أي لا أكلم عثمان (إلا) وأنا (أسمعكم) أي

وَاللهِ، لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَينِي وَبَينَهُ. مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ. وَلَا أَقُولُ لأَحَدٍ، يَكُونُ عَلَى أَمِيرًا: إِنَّهُ خَيرُ النَّاسِ بَعْدَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُلْقَى فِي النَّارِ. فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ. فَيَدُورُ بِهَا كمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى. فَيَجْتَمِعُ إِلَيهِ أَهْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أسمعكم تكليمي إياه من أسمع الرباعي أي هل تظنون أني أخبركم بكل ما أكلم به عثمان أو هل تظنون أني لا أكلمه إلا بمحضر ومسمع منكم، والاستفهام فيه للإنكار بمعنى النفي يعني ليس الأمر كما تظنون وإنما أكلمه في الخلوة، وقد حصل مني ذلك، قال القاضي عياض: أي أتظنون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون فقد كلمته فيما بيني وبينه دون أن أجهر لأن في الإنكار جهارًا فتح أمر لا أحب أن أكون أول من فتحه يعني الإنكار على الأمراء جهارًا لأن فيه ما يخشى عاقبته كما اتفق في الإنكار على عثمان جهارًا إذ نشأ عنه قتله واضطراب الأمر بعده، ففيه التأدب مع الأمراء وتبليغهم ما ينكر عليهم اهـ من الأبي (والله لقد كلمته) وأنكرت عليه (فيما) أي في الحالة التي (بيني وبينه) وهي حالة الخلوة معه (ما دون أن أفتتح) ولفظة ما زائدة أي كلمته من غير أن أفتح وأثير (أمرًا لا أحب أن كون أول من فتحه) وأظهره، والمراد بالأمر ها هنا الفتنة وافتتاحه إثارته وتحريكه، والمعنى أني أعظ الخليفة من غير أن أثير فتنة لا أريد أن أكون أول من أثارها فلا أجاهر بالإنكار على الخليفة في محضر من الناس، وإنما أنكر عليه سرًّا وخلوة وقد فعلت ذلك فلم يقبله مني، قال النووي: وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرًّا وتبليغهم ما يقول الناس فيهم ليكفوا عنه، وهذا كله إذا أمكن ذلك فإن لم يكن الوعظ والإنكار عليه سرًّا فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق اهـ. ثم قال أسامة أيضًا (ولا أقول) أنا (لأحد) من الناس (يكون علي أميرًا) أي كان علي أميرًا، وجملة الكون صفة لأحد (إنه خير الناس) وأفضلهم، قال القاضي عياض: فيه ذم المداهنة والمواجهة بما يبطن خلافه بخلاف أمره سرًّا لأنه من المداراة، والمداراة محمودة لأنه ليس فيها قدح في الدين وإنما هي ملاطقة في الكلام أي لا أقول ذلك (بعدما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق) أي فتخرج (أقتاب بطنه) أي أمعاء بطنه ومصارينه ويجرها (فيدور بها) أي يتجول ويطوف بها في النار (كما يدور الحمار بالرحى) أي بالطاحونة (فيجتمع إليه أهل

النَّارِ. فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، مَا لَكَ، أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ النار فيقولون) له (يا فلان ما لك) أي أي ذنب لك (ألم تكن) في الدنيا (تأمر) الناس (بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول) ذلك الرجل (بلى) أي ليس الشأن عدم أمري ونهيي بل (قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه) أي والحال أني لا أفعله (وأنهى عن المنكر و) الحال أني (آتيه) أي أفعل المنكر. قوله (فتندلق أقتاب بطنه) والاندلاق الخروج بسرعة يقال اندلق السيف من غمده إذا خرج من غير أن يسله أحد (والأقتاب) جمع قتب بكسر القاف وسكون التاء قاله الكسائي، وقال الأصمعي: جمع قتبة بكسر القاف وسكون التاء وبه سمي الرجل قتيبة لأنه تصغيرها فالأقتاب على كلا القولين الأمعاء، وقيل هي ما استدار من البطن وهي الحوايا، وأما الأمعاء فهي الأقصاب واحدها قصب بضم القاف وسكون الصاد، ويقال اندلق الشيء من باب انفعل الخماسي ثلاثية دلق، والاندلاق خروج الشيء بسرعة من مكانه فكل شيء يبرز خارجًا فقد اندلق، ومنه اندلق السيف إذا شق جفنه فخرج بسرعة ودلقت الخيل إذا خرجت بسرعة. (قوله كنت آمرًا بالمعروف ولا آتيه) إلخ إنما عذب على كونه لم يعمل بما علمه من الأمر والنهي، وإنما أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وإن لم يمتثل هو فذلك واجب أداؤه وطاعة يستحق الثواب عليها إذ لا يشترط عند أهل السنة في الأمر بالمعروف أن يعمل الآمر بذلك المعروف ولا من شرط النهي عن المنكر عندهم أن ينكف الناهي عن ذلك المنكر بل يجب عليه أن يأمر وإن لم يمتثل وينهى وإن لم ينته اهـ سنوسي. قال الأبي (فإن قلت) أسامة إنما سألوه أن ينهى عثمان فأخبرهم أنه قد فعل لكن سرًّا ولم يداهنه فما وجه إتيانه بالحديث واستدلاله به. (قلت) الحديث كم دل بالنص على عقوبة من نهى عن المنكر وفعله فهو أيضًا يدل باللزوم على عقوبة من لم ينه فكأنه قال لم لا أنهى وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الحديث، وقيل الأمر بالمعروف باليد على الأمراء، وباللسان على العلماء، وبالقلب على عوام الناس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في بدء الخلق باب صفة النار وأنها مخلوقة [3267] وفي الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر [7098]، وأحمد

7307 - (00) (00) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَال: كُنَّا عِنْدَ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ. فَقَال رَجُلٌ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فِيمَا يَصْنَعُ؟ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ. 7308 - (2970) (137) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ. قَال: قَال سَالِمٌ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُل أُمَّتِي مُعَافَاةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ [5/ 205 و 209]، والحاكم في المستدرك [4/ 89]، والبغوي [14/ 351]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسامة - رضي الله عنه - فقال: 7307 - (00) (00) (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (قال) أبو وائل (كنا عند أسامة بن زيد) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لأبي معاوية (فقال رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (ما يمنعك) يا أسامة (أن تدخل على عثمان) بن عفان - رضي الله عنه - وأنت من بطانته (فتكلمه) أي فتعظه (فيما يصنع) ويفعل من ترك إقامة الحد على الوليد بن عقبة وإيثار أقاربه بالولاية (وساق) جرير (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل ما روى أبو معاوية عن الأعمش. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثامن من الترجمة وهو النهي عن هتك الستر عن نفسه بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7308 - (2970) (137) (حدثني زهير بن حرب ومحمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد) بن حميد (حدثني وقال الآخران حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا) محمد (بن) عبد الله بن مسلم بن شهاب (أخي) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري الصغير المدني، صدوق، من (6) يروي عنه في (5) أبواب (عن عمه) الزهري الكبير محمد بن مسلم بن شهاب (قال) ابن شهاب (قال) لنا (سالم) بن عبد الله بن عمر (سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) وهذا السند من سداسياته (كل أمتي معافاة)

إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ. وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلانُ، قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النووي: كذا في معظم النسخ المعتمدة في مسلم (معافاة) بالتاء المثناة من فوق مراعاة للفظ الأمة، ووقع في رواية البخاري (معافى) بلا تاء التأنيث نظرًا إلى لفظ كل، وعلى كلا التقديرين هو اسم مفعول من المعافاة المشتقة من العافية وهي السلامة، وهي إما بمعنى عفا الله عنهم، أو بمعنى سلمهم الله وأعطاهم العافية من العذاب أي كلهم معفو لهم بالسلامة من العذاب (إلا المجاهرين) أي إلا المستهزئين بالذنوب يصبحون يخبرون بها ويتحدثون بمعاصيهم وقد سترهم الله تعالى عليها فاستثناهم الله من معافاته كذا في الأبي. وقوله (إلا المجاهرين) كذا وقع منصوبًا في أكثر الروايات عند البخاري ومسلم، ووقع في رواية النسفي للبخاري إلا المجاهرون بالرفع، وصوابه عند البصريين بالنصب لكون المستثنى منه مذكورًا وهو أمتي، وأول بعضهم رواية الرفع بأن إلا بمعنى لكن مخففة والمجاهرون مبتدأ خبره محذوف تقديره لكن المجاهرون لا يعافون، والمجاهر هو الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها لغير ضرورة ولا حاجة أو ارتكب المعصية علنًا بمحضر من الناس، ودل الحديث على كون المجاهرة بالمعصية أشد وأشنع من ارتكابها في الخلوات، قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها. قال السنوسي: والمجاهرون هم الذين جاهروا وأظهروا بمعاصيهم ولم يستتروا بستر الله تعالى فيها فاستثناهم الله تعالى من معافاته لكن فضله سبحانه وتعالى ورحمته وسعت كل شيء اهـ سنوسي (وإن من الإجهار) والإظهار بالمعاصي (أن يعمل العبد بالليل) أي في الليل في خلوته (عملًا) سيئًا (ثم يصبح) أي يدخل في الصباح و (قد ستره ربه) تبارك وتعالى على عمله السيء (فيقول) في الصباح مستهزئًا بعمله (يا فلان قد عملت البارحة) أي في هذه الليلة القريبة إلينا (كذا وكذا) من الذنوب كقوله زنيت ببنت فلان وسرقت مال فلان (وقد بات يستره ربه) أي وقد وإن ربه ساترًا له طول ليله، وجملة بات حال من فاعل يقول. وقوله (فيببت يستره ربه) جملة مستأنفة ذكرها توطئة لما بعدها وهو قوله (ويصبح يكشف ستر الله عنه)

قَال زُهَيرٌ: "وَإِنَّ مِنَ الْهِجَارِ". 7309 - (2971) (138) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا حَفْصٌ، (وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ)، عَنْ سُلَيمَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ويكون في الصباح كاشفًا ستر الله عن نفسه بإخباره للناس سخرية وأضحوكة (قال زهير) بن حرب في روايته (وإن من الهجار) بتقديم الهاء على الجيم، وفي هذه الكلمة خمس روايات: الأولى (وإن من الإجهار) وهذه رواية الفارسي من أجهر الرباعي. والثانية (وإن من الجهار) وهي رواية ابن ماهان من جهر الثلاثي. والثالثة (وإن من المجاهرة) وهي رواية للبخاري من جاهر الرباعي، وكل من هذه الألفاظ الثلاثة صحيح لأن جهر وأجهر وجاهر بمعنى واحد. والرابعة (وإن الهجار) وهي رواية مسلم عن زهير ذكرها في آخر الحديث من الهجر بضم الهاء وسكون الجيم بمعنى الفحش والخنا أي الكلام الباطل، قال النووي: قيل إنها خلاف الصواب وليس كذلك بل هو صحيح ويكون الهجار لغة في الإهجار الذي هو الفحش والخنا والكلام الذي لا ينبغي، ويقال في هذا أهجر إذا أتى به كذا قال الجوهري وغيره اهـ منه، والصحيح هو الأول يعني من الهجر بمعنى الفحش. والخامسة (وإن من المجانة) وهي رواية للبخاري أيضًا من المجون بمعنى الهذيان والكلام الفاضي، وقد اختارها صاحب المشكاة وأنكرها ابن بطال وزعم أنه تصحيف لكن قال الحافظ في الفتح [10/ 487] بل الذي يظهر رجحان هذه الرواية لأن الكلام المذكور بعده لا يرتاب أحد أنه من المجاهرة فليس في إعادة ذكره كبير فائدة، وأما الرواية بلفظ المجانة فتفيد معنى زائدًا وهو أن الذي يجاهر بالمعصية من جملة المجان (جمع مجنون) والمجانة مذمومة شرعًا وعرفًا اهـ منه، فالجملة خمس ثلاثة في مسلم واثنتان في البخاري. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب ستر المؤمن على نفسه [6069]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء التاسع من الترجمة وهو تشميت العاطس وكراهة التثاؤب بحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: 7309 - (2971) (138) (حدثني محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا حفص وهو ابن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (8) (عن سليمان) بن

التَّيمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلانِ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ. فَقَال الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ أَنَا فَلَمْ تُشَمِّتْنِي. قَال: "إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللهَ. وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللهَ". 7310 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، (يَعْنِي الأَحْمَرَ)، عَنْ سُلَيمَانَ التَّيمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ طرخان (التيمي) البصري، ثقة، من (5) (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (عطس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلان) من المسلمين لم أو من ذكر اسمهما (فشمت) أي شمت النبي - صلى الله عليه وسلم - (أحدهما) أي أحد الرجلين (ولم يشمت) النبي - صلى الله عليه وسلم - (الآخر فقال الذي لم يشمته) النبي - صلى الله عليه وسلم - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عطس فلان) يعني ذلك الأحد (فشمته) بتشديد الميم لأنه من التشميت وتشديد التاء بإدغام لام الكلمة في تاء الضمير أي فشمت فلانًا (وعطست أنا فلم تشمتني) فلم شمته وتركتني فـ (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أن هذا) الذي شمته (حمد الله) تعالى على عطاسه فاستحق التشميت والدعاء له (وإنك) عطست و (لم تحمد الله) على عطاسك فلم تستحق التشميت، إنما التشميت لمن حمد الله تعالى على عطاسه، قال الأبي: لم يذكر في الحديث أنه أرشده إلى الحمد. قال الطيبي: وعلى من سمعه أن يرشده إلى الحمد. قال مكحول: كنت إلى جانب عمر فعطس رجل من ناحية المسجد، فقال عمر: يرحمك الله إن حمدت. وقال الشعبي: إذا سمعت الرجل يعطس من وراء جدار فحمد الله فشمته. وقال إبراهيم: إذا كنت وحدك فعطست وحمدت فقل يغفر الله لي ولكم اهـ منه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس - رضي الله عنه - فقال: 7310 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو خالد يعني الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8) (عن سليمان التيمي عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي خالد لحفص بن غياث، وساق أبو خالد (بمثله) أي بمثل حديث حفص بن غياث. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب [6221]، وأبو داود

7311 - (2972) (139) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيبٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأدب [5039]، والترمذي في الأدب [2742]، وابن ماجه في الأدب [3757]، وأحمد [3/ 117]. وقد سبق للمؤلف في كتاب السلام برقم (5606) وقد بسطنا الكلام على العطاس هناك فراجعه. قال النووي: قوله (فشمت أحدهما) إلخ يقال شمت بالشين المعجمة والمهملة لغتان مشهورتان، المعجمة أفصح، قال ثعلب: معناه بالمعجمة أبعد الله عنك الشماتة أي فرح الأعداء بمصيبتك، وبالمهملة هداك الله إلى ما هو القصد والهدى من السمت وهو الاستواء والاستقامة والهداية، والعطاس هو خروج ما اختنق في الدماغ من الأبخرة، وأول من عطس آدم - عليه السلام - كما ذكرناه في الحدائق مع بيان سببه. قال القاضي: قال بعض شيوخنا: وإنما أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بالعطاس بخروج أبخرة فاسدة مضرة من دماغه بسبب العطاس التي تصاعدت من المعدة إلى الدماغ. وقد اختلف أهل المذاهب في حكم التشميت عند حمد العاطس فهو واجب على الكفاية عند الحنفية قاله العزيزي، وفرض كفاية عند مالك، وسنة عند الشافعي، وواجب عند الظاهرية قاله النووي. وفي العزيزي: الكافر لا يشمت بالرحمة بل يقال يهديكم الله ويصلح بالكم اهـ. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي موسى - رضي الله عنهما - فقال: 7311 - (2972) (139) (حدثني زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير واللفظ لزهير قالا حدثنا القاسم بن مالك) المزني أبو جعفر الكوفي، صدوق فيه لين، من صغار الثامنة، له في (خ) فرد حديث، وفي (م) حديثان في الصلاة وفي العطاس (عن عاصم بن كليب) بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، صدوق، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري، ثقة، من (2) روى عنه في (5)

قَال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى، وَهُوَ فِي بَيتِ بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي. وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا. فَلَمَّا جَاءَهَا قَالتْ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا. فَقَال: إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ، فَلَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلَمْ أُشَمِّتْهُ. وَعَطَسَتْ، فَحَمِدَتِ اللهَ، فَشَمَّتُّهَا. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلَا تُشَمِّتُوهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب (قال) أبو بردة (دخلت على) والدي (أبي موسى) الأشعري - رضي الله عنه - (وهو) أي أبو موسى (في بيت) زوجته (بنت الفضل بن عباس) - رضي الله عنهما -، وهذه البنت اسمها أم كلثوم بنت الفضل بن عباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة أبي موسى الأشعري تزوجها بعد فراق الحسن بن علي لها وولدت لأبي موسى ابنه موسى، ومات عنها فتزوجها بعده عمران بن طلحة ففارقها، وماتت بالكوفة، ودفنت بظاهرها اهـ نووي (فعطست) أنا (فلم يشمتني) والدي (وعطست) زوجته أم كلثوم (فشمتها فرجعت إلى) بيت (أمي) وهي ضرة لبنت الفضل بن عباس، ولعل اسم أمه أم عبد الله (فأخبرتها) أي أخبرت أمي بما جرى بيني وبين والدي من عدم التشميت لي مع تشميته لعطاس زوجته (فلما جاءها) أي فلما جاء والدي أبو موسى إياها في نوبتها (قالت) له أمي (عطس عندك ابني) أبو بردة (فلم تشمته وعطست) زوجتك بنت الفضل (فشمتها) فلم ميزت بينهما في التشميت فكأنها غارت لابنها (فقال) أبي في جواب أمي (إن ابنك عطس فلم يحمد الله) تعالى على نعمة العطاس (فلم أشمته) أنا فإنما التشميت لمن حمد الله بعد عطاسه. وهذا يدل على أن التشميت إنما هو بعد الحمد، ولهذا قال مالك: لا تشمته حتى تسمعه حمد وإن بعد منك، وإن رأيت من يليه شمته فشمته، واستحب له أن يرفع صوته بالحمد اهـ من الأبي (وعطست) بنت الفضل (فحمدت الله) بعد عطاسها (فشمتها) بتشديد الميم والتاء مع ضمها لأنها للمتكلم، وإنما فرقت بينهما بالتشميت لها وتركه في عطاسه لأني (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه).

7312 - (2973) (140) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيُرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَال لَهُ: "يَرْحَمُكَ اللهُ" ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم من بين أصحاب الأمهات، لكنه شاركه أحمد [4/ 412]، والبغوي [12/ 312]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنهما - فقال: 7312 - (2973) (140) (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي اليمامي أصله من البصرة، صدوق، من (5) روى عنه في (9) (عن إياس بن سلمة) بن عمر (بن الأكوع) الأسلمي أبي سلمة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) سلمة بن عمر بن الأكوع الأسلمي المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (واللفظ له حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي، ثقة، من (9) (حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي (حدثني إياس بن سلمة) بن عمر (بن الأكوع أن أباه) أي أن أبا إياس (حدثه) أي حدث لإياس (أنه) أي أن أبا إياس (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - و) قد (عطس رجل) لم أر من ذكر اسمه (عنده) - صلى الله عليه وسلم - (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (له) أي لذلك الرجل (يرحمك الله ثم عطس) ذلك الرجل مرة (أخرى فقال له) أي لذلك الرجل العاطس (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل مزكوم) أي لعل هذا الرجل مأخوذ بالزكام، قال النووي: يعني أنك لست ممن يشمت بعد هذا لأن هذا الذي بك مرض (فإن قيل) إذا وإن مريضًا فكان الأولى أن يدعى له لأنه أحق بالدعاء من غيره (فالجواب) أنه يستحب أن يدعى له بالعافية لا بدعاء العاطس (قلت) مذهب مالك من تكرر منه العطاس يشمته ثلاثًا ثم يمسك لحديث أبي داود شمت أخاك ثلاثًا فإن زاد فهو مزكوم، ووقع في الموطأ على الشك، قال: لا أدري

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أفي الثانية أو في الثالثة، وحديث أبي دواد هذا يرفع الشك، وأما حديث مسلم هذا فلم يذكر فيه أنه تكرر، وظاهره أنه متى عرف أن العاطس مزكوم أو تكرر فلا يشمته ولعل الراوي لم يحضر إلا بعد الثالثة أو لم يجعل باله إلا حينئذ اهـ من الأبي. قال القاضي عياض: لا خلاف أن العاطس مأمور بالحمد، واختلف في كيفية حمده فقيل يقول الحمد لله، وقيل يزيد رب العالمين، وقيل يقول الحمد لله على كل حال، وخيره الطبري فيما شاء من ذلك، وأما التشميت فاختلف في حكمه فمشهور مذهب مالك وهو قول جماعة أنه فرض كفاية كرد السلام، وقال ابن مزين وأهل الظاهر: هو فرض عين لحديث إذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وقال عبد الوهاب وجماعة هو مستحب قالوا: وقوله حق على كل مسلم معناه في حكم الأدب وكرم الأخلاق كقولهم حق الإبل أن تحلب على المار، واختلف في كيفية التشميت فقيل يقول: يرحمك الله، وقيل يقول: الحمد لله يرحمك الله، وقيل يقول: يرحمنا الله وإياكم اهـ من الأبي. وقال القاضي أيضًا: واختلف في صفة رد العاطس، فقيل يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، وقيل يقول: يغفر الله لنا ولكم. قال الأبي: هذا القول على التخيير حكاه ابن رشد عن مالك، واختار عبد الوهاب يهديكم الله ويصلح بالكم، قال ابن رشد: والذي أقول به أن يقول: يغفر الله لنا ولكم، إذ لا يعلم سلامة أحد من ذنب وصاحب الذنب محتاج إلى المغفرة، وإن جمع بينهما فقال: يغفر الله لنا ولكم، ويهديكم ويصلح بالكم كان أحسن إلا في الذمي فليقل يهديكم الله ولا يقول: يغفر الله لأن اليهود والنصارى لا يغفر لهما الذنوب إلا بعد الإيمان. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب كم مرة يشمت العاطس [5037]، والترمذي في الأدب باب ما جاء كم يشمت العاطس [2743]، وابن ماجه في الأدب باب تشميت العاطس [3758]، وأحمد [4/ 46 و 50]، وابن حبان [1/ 403]. ثم استدل المؤلف على الجزء العاشر من الترجمة وهي كراهية التثاؤب بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال:

7313 - (2974) (141) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ. فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7313 - (2974) (141) (حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي (وعلي بن حجر السعدي) المروزي (قالوا حدثنا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال التثاؤب من الشيطان) قال في المصباح: يقال تثاءب بالهمزة تثاؤبًا على وزن تقاتل تقاتلًا وتثاوب بالواو عامي، وفي المناوي: تثاءب بهمزة بعد الألف وبالواو غلط اهـ وهو التنفس الذي ينفتح منه الفم، قال بعض الشافعية: وإنما ينشأ عن امتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم، وكذلك كرهه الله تعالى وأحبه الشيطان وضحك منه، والعطاس لما وإن سببًا لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات وصفاء الروح وتقوية الحواس وإن أمره بالعكس، ولكونه من الشيطان، قيل إنه ما تثاءب نبي قط اهـ من الأبي. وفي المبارق: التثاؤب فتح الحيوان فمه لما عراه من ثقل وامتلاء طعام، وهذا يكودق سببًا للكسل عن الطاعات والحضور فيها، ولذا صار منسوبًا إلى الشيطان. قوله (من الشيطان) قال النووي: أي من كسله وتسببه، وقيل نسب إليه لأنه يرضيه، وفي البخاري "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب" قالوا: لأن العطاس يدل على النشاط وخفة البدن والتثاؤب بخلافه اهـ (فإذا تثاءب أحدكم) أيها الناس، قال النووي: وقع ها هنا في بعض النسخ تثاءب بالمد مخففًا، وفي أكثرها تثاوب بالواو، وكذا وقع في الروايات الثلاث بعد هذه تثاوب بالواو، قال القاضي: قال ثابت: ولا يقال تثاءب بالمد مخففًا بل تثأب بتشديد الهمزة، قال ابن دريد: أصله من تثأب الرجل بالتشديد فهو متثئب إذا استرخى وكسل، قال الجوهري: يقال تثاءبت بالمد مخففًا على وزن تفاعلت ولا يقال تثاوبت بالواو اهـ منه (فليكظم) بكسر الظاء من باب ضرب أي فليمنع ويرد تثاؤبه (ما استطاع) أي مدة استطاعة ردّه أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقدر استطاعته وقدرته على كظمه ورده بوضع يده على فمه لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وضحكه منه وأمره بالتفل ليطرح ما عسى أن يكون الشيطان ألقاه في فيه أو لما مسه من ريقه إن كان دخله، قال الأبي: وفي المدونة وكان مالك إذا تثاءب سد فاه بيده ونفث في غير الصلاة، وما أدري ما فعله في الصلاة اهـ. قوله (التثاؤب من الشيطان) والتثاؤب مهموز يقال ثئب الرجل بالبناء للمجهول وتثاءب إذا أصابه كسل وفترة كما في القاموس، ثم استعير للفعل المخصوص الذي يفتح فيه المرء فمه لإدخاله الهواء أو لإخراجه، والاسم ثوباء، قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة للرضا والإرادة أي إن الشيطان يحب أن يرى الرجل متثائبًا لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه وليس المراد أن الشيطان فعل التثاؤب اهـ والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المآكل والمشارب، ومعنى (إذا تثاءب أحدكم) أي إذا أراد أن يتثاءب أو كاد أن يتثاءب (فليكظم ما استطاع) أي فليأخذ في أسباب رده مثل أن يمسك شفته السفلى بثناياه أو بطريق آخر، والتجربة أن عدم الالتفات إلى التثاؤب والاشتغال بعمل ينافي الكسل يفيد في كظم التثاؤب، ومن أقوى طرق رد التثاؤب أن يستحضر هذا الحديث، وقال بعض الشافعية: ومن المجرب في دفع التثاؤب أن يضع ظهر كف يده اليسرى على الفم عند إرادة التثاؤب، ومن المجرب في دفع الضحك إذا غلبك أن تنظر إلى أظفار يدك، وقد بينوا حكمة ذلك فراجع إلى كتبهم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في كتاب الأدب باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب [6223]، وأبو داود في الأدب باب ما جاء في التثاؤب [5028]، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة [370] وفي الأدب باب ما جاء إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب [2746 و 2747]، وأحمد [2/ 428]، وابن خزيمة [2/ 61]، وابن حبان [1/ 401 و 4/ 44]، والبغوي [12/ 306]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - فقال:

7314 - (2975) (142) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا سُهَيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، قَال: سَمِعْتُ ابْنًا لأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يُحَدِّثُ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ. فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَدْخُلُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ 7314 - (2975) (142) (حدثني أبو غسان المسمعي مالك بن عبد الواحد) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا سهيل بن أبي صالح) السمان، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (قال) سهيل (سمعت ابنًا لأبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي المدني - رضي الله عنه -، اسم ذلك الابن عبد الرحمن بن أبي سعيد كما صرح به عبد العزيز بن محمد عن سهيل في الرواية الآتية، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (يحدث) ذلك الابن (أبي) أبا صالح السمان (عن أبيه) أبي سعيد الخدري (قال) أبوه أبو سعيد الخدري. وهذا السند من خماسياته، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه) أي فليغط فمه بكفه (فإن الشيطان يدخل) فمه عند انفتاحه سترًا على فعله المذموم الجالب للكسل والنوم، وفي المناوي: يضع ظهر كف يساره ندبًا اهـ، وفي الحفني: تحصل السنة بوضع الظهر أو البطن من اليمنى أو اليسرى اهـ. قال العلماء: الأمر بكظم التثاؤب ورده ووضع اليد على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله في فمه وضحكه منه قاله النووي. قوله (فليمسك بيده على فمه) قال الحافظ: يتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطي بالكف ونحوه، وما إذا وإن منطبقًا حفظًا له عن الانفتاح بسبب ذلك، وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود، ثم ذكر أن المصلي يفعل ذلك أيضًا وإنه يستثنى عن النهي من أن يغطي الرجل فاه في الصلاة، وهذا النهي مروي عند ابن ماجه رقم [953] في باب ما يكره في الصلاة اهـ. قوله (فإن الشيطان يدخل) أي من فمه إلى باطن بدنه مع التثاؤب يعني يتمكن على الوسوسة منه في تلك الحالة ويغلب عليه أو يدخله حقيقة ليشغله عن صلاته فيخرج منها أو يترك الشروع فيها، والأمر عام لكنه للمصلي آكد اهـ دهني. وقال الحافظ في الفتح [10/ 612] قوله (فإن الشيطان يدخل) يحتمل أن يراد به

7315 - (00) (00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَن أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِك بِيَدِهِ. فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَدْخُلُ". 7316 - (00) (00) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ـــــــــــــــــــــــــــــ الدخول حقيقة وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا لله تعالى، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة، ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه يعني بالوسوسة، وقد ورد عند البخاري في حديث أبي هريرة [6226] (فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان) وذلك لأنه يفرح بما يورث الكسل ويشوه صورة الإنسان، وورد عند ابن ماجه في باب ما يكره في الصلاة في حديث أبي هريرة "فليضع يده على فيه ولا يعوي فإن الشيطان يضحك" وهو نهي عن إخراج الصوت عند التثاؤب شبهه بعواء الكلب تنفيرًا عنه واستقباحًا له فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي، والمتثائب إذا أفرط في التثاؤب شابهه اهـ. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: 7315 - (00) (00) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد الدراوردي المدني (عن سهيل) بن أبي صالح (عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه) أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لبشر بن المفضل (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا تثاوب أحدكم فليمسك بيده) فمه ولا يفتح فمه (فإن الشيطان يدخلـ) ـه. ثم ذكر المتابعة ثانيًا فقال: 7316 - (00) (00) (حدثني أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن سهيل بن أبي صالح عن) عبد الرحمن (بن أبي سعيد الخدري عن أبيه) أبي سعيد الخدري (قال) أبو سعيد (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا

"إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ. فَإِن الشيطَانَ يَدْخُلُ". 7317 - (00) (00) حدّثناه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ ـــــــــــــــــــــــــــــ السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لبشر بن المفضل وعبد العزيز إلا أنه زاد لفظة "فليكظم ما استطاع" (إذا تثاوب أحدكم في الصلاة فليكظم) أي فليدفع تثاؤبه بـ (ما استطاع فإن الشيطان يدخل) فاه. ثم ذكر المتابعة ثالثًا فقال: 7317 - (00) (00) (حدثناه عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل عن أبيه) أبي صالح السمان (وعن) عبد الرحمن (بن أبي سعيد) الخدري كلاهما (عن أبي سعيد) الخدري (قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لبشر بن المفضل وعبد العزيز، وساق جرير (بمثل حديث بشر وعبد العزيز) بن محمد. ثم أحاديث هذا الباب مطلقة في الأمر بكظم التثاؤب سواء كان في حالة الصلاة أو في غيرها، وقد وردت بعض الأحاديث مقيدة بالصلاة كما أخرج الترمذي حديث أبي هريرة بلفظ "التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاؤب أحدكم فليكظم ما استطاع" وكذا أخرجه النسائي فحمل بعض العلماء الشافعية المطلق على المقيد، فزعم أن النهي منحصر في حالة الصلاة، ولكن ذهب أكثرهم إلى أن أصل الأمر مطلق ولكنه يتأكد في حالة الصلاة أكثر منه في غيرها، وقال الحافظ في الفتح: ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه لئلا يغير نظم قراءته، وأسند ابن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد وعكرمة والتابعين المشهورين، ومن الخصائص النبوية ما أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي - صلى الله عليه وسلم - قط، وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: ما تثاءب نبي قط، ومسلمة أدرك بعض الصحابة، وهو صدوق، ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان وهم معصومون منه، ووقع في الشفاء لابن سبع أنه - صلى الله عليه وسلم - وإن لا يتمطى لأنه من الشيطان والله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة عشر حديثًا، عشرة منها للاستدلال وسبعة للاستشهاد: الأول منها حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والخامس حديث عثمان ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس، والثامن حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والتاسع حديث جندب بن عبد الله ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والعاشر حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء السادس وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر حديث أسامة بن زيد ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستدلال به على الجزء الثامن، والثالث عشر حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء التاسع وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع عشر حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والخامس عشر حديث سلمة بن الأكوع ذكره للاستشهاد، والسادس عشر حديث أبي هريرة السابع ذكره للاستدلال به على الجزء العاشر من الترجمة، والسابع عشر حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

كتاب في أحاديث متفرقة

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ 35 - كتاب في أحاديث متفرقة 774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود 7318 - (2976) (143) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا) عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ؛ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 35 - كتاب في أحاديث متفرقة 774 - (18) باب خلق الملائكة والجان وآدم وأن الفأر مسخ ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والمؤمن أمره كله خير والنهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وتقديم الأكبر في مناولة الشيء وغيرها والتثبت في الحديث وحكم كتابة العلم وقصة أصحاب الأخدود واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو خلق الملائكة والجان وآدم بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 7318 - (2976) (143) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (11) بابا (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني، ثقة، من (9) (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خُلقت الملائكةُ من نور) أي من جواهر مضيئة نيرة فكانت خيرًا محضًا (قلت)

وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ". 7319 - (2977) (144) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيُّ. جَمِيعًا عَنِ الثَّقَفِيِّ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ والحديث يشهد القول بأن النور جوهر لا عرض وهو الصحيح اهـ من الأبي (وخُلق الجان) قيل المراد به إبليس، وقيل جنس الجن وقيل الجان اسم لأبي الجن كما أن آدم - عليه السلام - أب لنوع البشر (من مارج من نار) وهو اللهب المختلط بالدخان فكانوا شرًّا محضًا والخير فيهم قليل اهـ أبي، وقيل المارج هو اللهب المختلط بسواد دخان النار اهـ تكملة، وهو الموافق لظاهر الحديث (وخُلق آم) أبوكم (مما وُصف) وذُكر (لكم) أي من العنصر الذي ذكره الله تعالى في كتابه وبينه لكم يعني من تراب، قال القرطبي: أي من تراب ثم صُيِّر طينًا ثم صُيّر فخارًا، والفخار الطين اليابس أي مما وصفه الله تعالى بقوله: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران: 59] وبقوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)} وبقوله: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} وفي الحديث "إن الله لما أراد خلق آدم - عليه السلام - أمر جبريل بقبض قبضة من جميع أجزاء تراب الأرض فأخذ من حزنها وسهلها وأحمرها وأسودها فجاء ولده كذلك". وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من بين أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [6/ 153 و 168]، وابن حبان كما في الإحسان [8/ 9]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو أن الفأر مسخ من بني آدم بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7319 - (2977) (144) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن المثنى العنزي) البصري (ومحمد بن عبد الله الرزي) بضم المهملة وكسر الزاي المشددة نسبة إلى الرز لغة في الأرز حب مقتات معروف، نُسب إليه لبيعه، أبو جعفر البصري، نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (جميعًا عن) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري، ثقة، من (8) (واللفظ لابن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا خالد) بن مهران المجاشعي أبو المنازل الحذاء البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (15) بابا (عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو

قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ. وَلَا أُرَاهَا إِلَّا الْفَأْرَ. أَلا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْهُ. وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْهُ؟ ". قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ كَعْبًا ـــــــــــــــــــــــــــــ هريرة (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدت) أي مُسخت (أمة) أي جماعة (من بني إسرائيل لا يدرى) ولا يُعلم (ما فعلت) تلك الأمة أي لا يعلم أحد أين ذهبت هل ماتت أو مُسخت بحيوان آخر (ولا أُراها) بضم الهمزة أي ولا أظن تلك الأمة (إلا) أنها (الفأر) وهذا اللفظ صريح أنه كان ظنًّا منه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقر عليه كما سيأتي بيانها له بالوحي أن الفأر غير تلك الأمة المفقودة من بني إسرائيل، قال الأبي: ظاهره أنه لم يوح إليه بأنها هي وإنما قاله - صلى الله عليه وسلم - بظنه الصادق ولذلك استدل عليه بامتناع الفأر من شرب ألبان الإبل وشربها من لبن الغنم. قال (ط) لأن بني إسرائيل حُرمت عليهم لحوم الإبل وألبانها (قلت) وهو يدل على أن للممسوخ تمييزًا كما هو للقرد، ذكر الرشاطي أن قردًا اطلع على قرد مضطجع مع قردة فأتى بجماعة من القرود بيد كل واحد منها حجر فرجموا بها القرد والقردة حتى قتلوهما كرجم الزانيين اهـ من الأبي. واستدل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما ظنه أولًا بقوله (ألا ترونها) أي ألا ترون الفأرة (إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشربه) أي لم تشرب ما وُضع لها من الألبان والظاهر أن يقال لم تشربها بضمير المؤنث العائد إلى الألبان (وإذا وُضع لها ألبان الشاء شربته) أي شربت ما ذكر من ألبان الشاء وعدم شرب الفأر من ألبان الإبل جُعل علامة على كونها أمة ممسوخة من بني إسرائيل لأن بني إسرائيل كان قد حُرم عليهم لحوم الإبل وألبانها فاحتمل أن تكون الفأر تجتنب من شرب ألبانها لكونها أمة مُسخت من بني إسرائيل. وذكر الحافظ في الفتح [6/ 353] أن ذلك كان ظنًّا من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يعلم بالوحي أن الممسوخ لا نسل له ولا عقب كما ورد في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - (قال أبو هريرة) بالسند السابق (فحدّثت هذا الحديث كعبًا) بن ماتع الحميري المعروف بكعب الأحبار أدرك الجاهلية، وأسلم أيام أبي بكر كان على دين

فَقَال: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَال ذلِكَ مِرَارًا. قُلْتُ: أَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ قَال إِسْحَاقُ فِي رِوَايَتهِ: "لَا نَدْرِي مَا فَعَلَتْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يهود، فأسلم وقدم المدينة، ثم خرج إلى الشام فسكن حمص، حتى تُوفي بها سنة (32) هـ في خلافة عثمان - رضي الله عنه -، وقد بلغ مائة وأربع سنين، وقد أخرج ابن سعد قصة إسلامه راجع لها الإصابة [3/ 298] وكان عالمًا بكتب بني إسرائيل وقصصهم (فقال) لي كعب (آنت) أي هل أنت (سمعته) أي سمعت هذا الحديث (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت) له (نعم) سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال) لي كعب (ذلك) السؤال (مرارًا) أي مرات كثيرة يعني قوله آنت سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فـ (قلت) له لما أكثر السؤال عليّ (أأقرأ التوراة) بهمزة الاستفهام الإنكاري. وفي الرواية الآتية (أفأنزلت عليّ التوراة) أي لا علم عندي إلا ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ولم أقرأ التوراة ولا غيرها ولا أُنزلت عليّ حتى أحدثكم عنها إنما أحدثك ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلِمَ تكرر عليّ السؤال عن ذلك؟ قال القاضي عياض: قوله (أأقرأ التوراة) هو استفهام إنكار أجاب به كعبًا حين استفهمه هل سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمعنى لا علم عندي إلا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أنقله من التوراة ولا من غيرها من الكتب السابقة كما يُحدّث عنها كعب. واستدل الحافظ في الفتح على أن الصحابي إن ذكر خبرًا لا يُدرك بالقياس والعقل فهو في حكم المرفوع، وقد وقع في مسند أحمد [2/ 507] أن أبا هريرة ذكر أن الفأر مما مُسخ ولم ينسبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسبه إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد سؤال كعب اهـ. (قال إسحاق) بن إبراهيم (في روايته) لفظة (لا ندري) ولا نعلم (ما) ذا (فعلت) تلك الأمة المفقودة هل مُسخت أو أُهلكت بدل رواية غيره (لا يُدري ما فعلت). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في بدء الخلق باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال [3305]، وأحمد [2/ 234 و 507]، والبغوي [12/ 200]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال:

7320 - (00) (00) وحدّثني أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: "الْفَأْرَةُ مَسْخٌ. وَآيَةُ ذلِكَ أَنَّهُ يُوضَعُ بَينَ يَدَيهَا لَبَنُ الْغَنَمِ فَتَشْرَبُهُ. وَيُوضَعُ بَينَ يَدَيهَا لَبَنُ الإِبِلِ فَلَا تَذُوقُهُ"، فَقَال لَهُ كَعْبٌ: أَسَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَال: أَفَأُنْزِلَتْ عَلَيَّ التَّوْرَاةُ؟ 7321 - (2978) (145) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَال: "لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ 7320 - (00) (00) (وحدثني أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي (عن محمد) بن سيرين (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام الدستوائي لخالد الحذاء (قال) أبو هريرة (الفأرة مسخ) أي أمة ممسوخة من بني إسرائيل (وآية ذلك) أي علامة كونها ممسوخة (أنه) أي أن الشأن والحال (يُوضع بين يديها) أي قدامها (لبن الغنم فتشربه) أي فتشرب الموضوع لها من لبن الغنم (ويُوضع بين يديها) أي قدامها (لبن الإبل فلا تذوقه) أي فلا تذوق الموضوع لها من لبن الإبل ولا تشربه حتى جرعة (فقال له) أي لأبي هريرة (كعب) الأحبار (أسمعت) أي هل سمعت (هذا) الحديث الذي أخبرتني في شأن الفأرة (من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أم من عندك (قال) أبو هريرة فقلت له (أفأُنزلت عليّ التوراة) فأخبرك عنها إن لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنكارًا عليه سؤاله عن ذلك. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو كون المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7321 - (2978) (145) (حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن عقيل) بن خالد بن عقيل مكبرًا الأموي المصري (عن الزهري عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه -. وهذا السند من سداسياته (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يُلدغ المؤمن) .. الخ رُوي برفع الغين

مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ، مَرَّتَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ على الخبر على النفي، والمعنى لا يُخدع المؤمن المتيقظ الحازم (من جحر واحد) أي من جهة واحدة وفي سبب واحد (مرتين) أي مرة بعد أخرى أي لا يُخدع خداعًا ثانيًا بعدما خُدع أولًا بل يستيقظ من الخداع الأول فلا يستغفل ثانيًا، ورُوي بكسر الغين على النهي أي ليكن فطنًا كيسًا حاذقًا حازمًا لئلا يقع في مكروه مرتين، والأول أكثر وأصح وأوفق بما سيأتي من سبب الحديث، واللدغ في الأصل يكون من ذوات السموم كالحية والعقرب، واللذع يكون بالنار. قال الحكيم: وهذا في المؤمن الكامل البالغ في إيمانه فالمؤمن المخلط يُلدغ مرات وهو لا يشعر ولا يجد لوعة اللدغة، وقد عُمل فيه السم، ولو أفاق وعلم كان يجتهد في الحذر فالمؤمن الكامل يندم من خطيئة ويأخذه القلق ويتلوّى كاللديغ، قال: فقوله لا يُلدغ من جحر مرتين تمثيل ومعناه لا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه. قال القرطبي: ومعنى هذا المثل أن الذي لُدغ من جحر لا يعيد يده إليه أبدًا إذا كان فطنًا حذرًا ولا لما يشبهه فكذلك لكياسته وفطانته وحذره إذا وقع في شيء مما يضره في دينه ودنياه لا يعود إليه. وقال أيضًا: وهذا مثل صحيح وقول بليغ ابتكره النبي - صلى الله عليه وسلم - من فوره ولم يُسمع من غيره، وذلك أن السبب الذي أصدره عنه هو أن أبا عزيز بن عمير الشاعر أخا مصعب بن عمير كان يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويؤذيه ويؤذي المسلمين فأمكن الله تعالى منه يوم بدر فأُخذ أسيرًا أو جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يُمنّ عليه ولا يعود لشيء مما كان يفعله، فمن النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه فأطلقه، فرجع إلى مكة وعاد إلى أشد مما كان عليه، فلما كان يوم أحد أمكن الله منه، فأُسر فأُحضر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله أن يمن عليه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، والله لا تمسح عارضيك بمكة أبدًا" فأمر بقتله فقُتل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب لا يُلدغ المؤمن [6133]، وأبو داود في الأدب باب في الحذر من الناس [4862]، وابن ماجه في الفتن باب العزلة [4030]، وأحمد [2/ 115 و 379]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال:

7322 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِهِ. 7323 - (2979) (146) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 7322 - (00) (00) (وحدثنيه أبو الطاهر) أحمد بن عمرو (وحرملة بن يحيى) التجيبي (قالا أخبرنا ابن وهب عن يونس) بن يزيد (ح وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (قالا حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا) محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله (ابن أخي ابن شهاب) الزهري الصغير المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن عمه) محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري الكبير المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (23) بابا (عن ابن المسيب عن أبي هريرة) - رضي الله عنه - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة يونس وابن أخي الزهري لعقيل بن خالد، وساقا (بمثله) أي بمثل حديث عقيل، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وقيل سبب هذا الحديث ما ذكره ابن إسحاق في المغازي، وابن هشام في تهذيب سيرته: أن أبا عزة الجمحي الشاعر كان قد أُسر يوم بدر فمنّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير فداء لكونه محتاجًا ذا بنات وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدًا، ثم أُسر مرة أخرى في أُحد فقال: يا رسول الله أقلني؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول خدعت محمدًا مرتين: اضرب عنقه يا زبير" قال ابن هشام: وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين، اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت" فضرب عنقه. راجع الروض الأنف للسهيلي [3/ 175] اهـ من التكملة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو أن المؤمن أمره كله خير بحديث صهيب بن سنان الرومي - رضي الله عنه - فقال: 7323 - (2979) (146) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة (الأزدي)

وَشَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. جَمِيعًا عَنْ سُلَيمَانَ بنِ الْمُغِيرَةِ (وَاللَّفْظُ لِشَيبَانَ)، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ صُهَيبٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ. إِن أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ. وَلَيسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ. إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ. فَكَانَ خَيرًا لَهُ. وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيرًا لَهُ" ـــــــــــــــــــــــــــــ القيسي أبو خالد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (وشيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9) روى عنه في (10) أبواب (جميعًا عن سليمان بن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (واللفظ لشيبان) قال (حدثنا سليمان) بن المغيرة (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن صهيب) بن سنان الرومي الصحابي الشهير - رضي الله عنه - روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) صهيب (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أعجب (عجبًا لأمر المؤمن) وشأنه (أن أمره) وشأنه (كله) خيره وشره (خير وليس ذاك) أي خيرية جميع الأمور (لأحد إلا للمؤمن) الكامل (إن أصابته سراء) أي نعماء (شكر) عليها (فكان) ذلك الشكر (خيرًا له) لأنه يثاب عليه (وإن أصابته ضراءٌ) أي نقمة وضررٌ (صبر) عليها (فكان) ذلك الصبر (خيرًا له) لأنه يثاب عليه. ففي الحديث دلالة على فضيلة الشكر والصبر ولا ينبغي للمؤمن أن تخلو أوقاته عن واحد منهما. وقوله (عجبًا لأمر المؤمن) زاد حماد بن سلمة قبله عند الدارمي في سننه [2/ 226] "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وضحك فقال: ألا تسألوني مما أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: عجبًا" .. الخ وفي إسناده روح بن سلم، قال البخاري: يتكلمون فيه، ووثقه ابن حبان. وقوله (عجبًا لأمر المؤمن) .. الخ: المؤمن هنا هو العالم بالله الراضي بأحكامه العامل على تصديق موعوده وذلك أن المؤمن المذكور إما أن يبتلى بما يضره أو بما يسره فإن كان الأول صبر واحتسب ورضي فحصل على خير الدنيا والآخرة وراحتهما، كان كان الثاني عرت نعمة الله عليه ومنته فيها فشكرها وعمل بها فحصل على نعيم الدنيا ونعيم الآخرة. وقوله (وليس ذلك إلا للمؤمن) أي المؤمن الموصوف بما ذكرته لأنه إن لم يكن كذلك لم يصبر على المصيبة ولم يحتسبها

7324 - (2980) (147) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا، عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: فَقَال: "وَيحَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ. قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ" مِرَارًا "إِذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ بل يتضجر ويتسخط فينضاف إلى مصيبته الدنيوية مصيبته في دينه وكذلك لا يعرف النعمة ولا يقوم بحقها ولا يشكرها فتنقلب النعمة نقمة والحسنة سيئة نعوذ بالله تعالى من ذلك اهـ من المفهم. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من بين أصحاب الأمهات رواه أحمد في [4/ 332]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخاص من الترجمة وهو النهي عن الإفراط في المدح بحديث أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي البصري - رضي الله عنه - فقال: 7324 - (2980) (147) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي العيشي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن خالد) بن مهران (الحذاء) المجاشعي البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (15) بابا (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) الثقفي البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي البصري الصحابي المشهور - رضي الله عنه - روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو بكرة (مدح رجل رجلًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -) لم أر من ذكر اسم الرجلين (قال) أبو بكرة (فقال) النبي - صلى الله عليه وسلم - للمادح (ويحك) أي ألزمك الله الويح والرحمة أيها المادح (قطعت عنق صاحبك) يعني الممدوح أي أهلكته لأن مثل هذا المدح يورث في الممدوح إعجابًا بنفسه والعجب مهلكة له في دينه وربما يكون إهلاكًا له في دنياه أيضًا لأنه يحمله على التكبر والتعاظم فيصيبه بذلك ضرر، وقوله (قطعت عنق صاحبك مرارًا) أي مرات، تأكيد للأولى، وفي رواية (قطعتم ظهر الرجل) معناه أهلكتموه، وهذه استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك لكن هلاك هذا الممدوح في دينه وقد يكون من جهة الدنيا لما يشتبه عليه من حالة الإعجاب اهـ نووي. و (إذا كان

أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا. وَاللهُ حَسِيبُهُ. وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا. أَحْسِبُهُ، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ، كَذَا وَكَذَا" ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدكم مادحًا صاحبه) أي مريدًا مدحه (لا محالة) أي لا بد له من مدحه (فليقل أحسب) أي أظن (فلانًا) كذا وكذا (والله حسيبه) أي كافيه علمًا بحاله (ولا أزكي) وأطهر (على الله) أي عنده تعالى (أحدًا) من الناس من العيب، وقوله فليقل (أحسبه إن كان يعلم ذاك كذا وكذا) فيه تقديم وتأخير. والمعنى أي لا أقطع على عاقبة أحد ولا على ضميره لأن ذلك مغيب عني ولكن فليقل أحسب فلانًا كذا وكذا أي عالمًا كريمًا إن كان يعلم ذاك المدح من ظاهر حاله، قال النووي: ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث الواردة في النهي عن المدح، وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمدح في الوجه، قال العلماء: وطريق الجمع بينها أن النهي محمول على المجازفة والإطراء في المدح والزيادة في الأوصاف أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب وكبر ونحوهما إذا سمع المدح، وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشاطه لفعل الخير وازدياده منه أو دوامه عليه أو اقتداء الناس به كان مستحبًا والله سبحانه وتعالى أعلم، وقال القاضي عياض: وهذا النهي فيما يتغالى فيه من المدح ووصف الإنسان بما ليس فيه أوفيمن يخاف عليه الإعجاب والفساد وإلا فقد مُدح - صلى الله عليه وسلم - ومُدح بحضرته فلم ينكر بل حض كعب بن زهير على بعض هذا، وأما مع القصد في المدح فلا نهي واحتج لجواز القصد في المدح بحديث "إنه لا يقبل الثناء إلا من مكافئ أو مقتصد" وبحديث "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح" (ط) الإطراء تجاوز الحد في المدح اهـ من الأبي. قوله (لا محالة) مصدر ميمي من حال يحيل حيلة وحيلولة ومحالة أي لا حيلة له في ترك مدحه ولا غنى له عنه لتيقنه ذلك الوصف فيه بحسب ظاهر حاله. وقوله (أحسب فلانًا) من باب ضرب أي أظنه كذا وكذا (والله حسيبه) أي محاسبه على ما يظهر من حاله وعلى ما أضمره في باله، قال القاضي: وهذا أمر للمادح بأن يقول ذلك ولا يقطع بما فيه بل يمدحه بحسب ظاهره. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الأدب باب ما

7325 - (00) (00) وحدّثني مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ. قَال: شُعْبَةُ حَدَّثَنَا، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ. فَقَال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا مِنْ رَجُلٍ، بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا. فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيحَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ" مِرَارًا يَقُولُ ذلِكَ. ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ، لَا مَحَالةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ يكره من التمادح [6061]، وأبو داود في الأدب باب في كراهية التمادح [4805]، وابن ماجه في الأدب باب المدح [3789]، وأحمد [5/ 41 و 51]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - فقال: 7325 - (00) (00) وحدثني محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد) العتكي مولاهم أبو جعفر البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (11) (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي ربيب شعبة (ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (أخبرنا غندر) محمد بن جعفر (قال) غندر (شعبة) مبتدأ خبره (حدثنا عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهذا السندان من سداسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر ليزيد بن زريع (أنه) أي أن الشأن والحال (ذكر عنده) - صلى الله عليه وسلم - (رجل) من المسلمين بصفة مدح (فقال رجل) آخر، ولم أر من ذكر اسم الرجلين كما مر (يا رسول الله ما) نافية (من) زائدة (رجل) مبتدأ أي لا رجل (بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل منه) أي أكمل من هذا الرجل المذكور (في كذا وكذا) أي في صلاحه وشجاعته مثلًا (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) لذلك المادح (ويحك قطعت عنق صاحبك) حال كونه - صلى الله عليه وسلم - (مرارًا يقول ذلك) أي يكرر قوله قطعت عنق صاحبك مرات كثيرة مبالغة في الزجر عن مدحه (ثم) بعدما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للرجل المادح ما قال في زجره (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لمن حضر عنده خطابًا عامًّا لهم وغيرهم (أن كان أحدكم) أيها المؤمنون (مادحًا أخاه) المسلم أي مريدًا مدحه بما فيه (لا محالة) أي لا حيلة له في ترك مدحه ولا غنى له عنه

فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا، إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذلِكَ. وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا". 7326 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيعٍ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: فَقَال رَجُلٌ: مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَفْضَلُ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ لتيقنه وصفه بذلك الوصف في ظاهر حاله (فليقل) ذلك المادح (أحسب) أي أظن (فلانًا) يعني الممدوح كذا وكذا فيما يظهر لي من حاله (أن كان) ذلك المادح (يُرى) بضم الياء وفتحها أي يظن أو يعلم (أنه) أي أن ذلك الممدوح كائن (كذلك) أي موصوف بذلك الوصف الذي مدحه به (و) ليقل أيضًا (لا أزكي على الله أحدًا) أي لا أصف أحدًا بصفة التزكية والكمال عند الله تعالى أي لا أقطع عاقبة أحد عند الله ولا أجزم بحكم الله فيه لأن الله تعالى هو العالم بما في ضميره وسريرته والتزكية هي بمعنى تصديق كونه زكي السيرة وكاملها حقيقة. قوله (إن كان أحدكم مادحًا أخاه) .. الخ ظاهر هذا الكلام أنه لا ينبغي للإنسان أن يمدح أحدًا ما وجد من ذلك مندوحة فإن لم يجد بدًا مدح بما يعلم من أوصافه وبما يظنه ويتحرز من الجزم والقطع بشيء من ذلك بل يتحرز بأن يقول فيما أحسب أو أظن ويزيد على ذلك ولا أزكي على الله أحدًا أي لا أقطع بأنه كذلك عند الله فإن الله تعالى هو المُطلع على السرائر العالم بعواقب الأمور اهـ من المفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 7326 - (00) (00) (وحدثنيه عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثي البغدادي، ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار) الفزاري مولاهم أبو عمرو المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (كلاهما) أي كل من هاشم وشبابة رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن خالد عن عبد الرحمن عن أبي بكرة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعتهما ليزيد بن زريع، وساقا (نحو حديث يريد بن زريع وليس في حديثهما) أي في حديث هاشم وشبابة لفظة (فقال رجل ما من رجل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل منه).

7327 - (2981) (148) حدّثني أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ بُرَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَال: سَمِعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ، ويُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ. فَقَال: "لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ، أَوْ قَطَعْتُمْ، ظَهْرَ الرَّجُلِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي بكرة بحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - فقال: 7327 - (2981) (148) (حدثني أبو جعفر محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا ثم البغدادي البزاز صاحب السنن، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إسماعيل بن زكرياء) بن مرة الأسدي الكوفي الخلقاني، نسبة إلى بيع الخلقان من الثياب وغيرها، جمع خلق، صدوق، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري أبي بردة الصغير الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن) جده الأصل (أبي موسى) الأشعري - رضي الله عنه -. وهذا السند من رباعياته (قال) أبو موسى الأشعري (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يثني) ويمدح من الإثناء بمعنى الثناء (على رجل) آخر (ويطريه) أي يرفعه على قدره (في المدحة) والثناء عليه والإطراء مجاوزة الحد في المدح والمبالغة فيه، والمدحة بكسر الميم اسم من المدح أي يبالغ في مدحه بأن يصفه بما ليس فيه (فقال) معطوف على سمع أي سمع ذلك المادح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له ولمن معه والله (لقد أهلكتم) أيها المؤمنون صاحبكم الممدوح بمدحه في دينه ودنياه (أو) قال الراوي أو من دونه والله لقد (قطعتم ظهر الرجل) الممدوح وعنقه بوصفه بما ليس فيه وقد مر لك بيان معنى إهلاك الممدوح في حديث أبي بكرة. قوله (رجلًا يثني على رجل) قال الحافظ في الفتح [10/ 476] لم أقف على اسم الرجلين صريحًا، ولكن أخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث محجن بن الأدرع الأسلمي قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فذكر حديثًا قال فيه: فدخل المسجد فإذا رجل يصلي فقال لي: "من هذا؟ " فأثنيت عليه خيرًا، فقال: "اسكت لا تسمعه فتهلكه" وفي رواية له: فقلت: يا رسول الله هذا فلان وهذا وهذا، وفي أخرى له: هذا فلان وهو من أحسن أهل المدينة صلاة أو من أكثر أهل المدينة .. الحديث،

7328 - (2982) (149) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَال: قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنَ الأُمَرَاءِ. فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيهِ التُّرَابَ، وَقَال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي أثنى عليه محجن يشبه أن يكون هو عبد الله ذا البجادين المزني فقد ذكرت في ترجمته في الصحابة ما يقرب ذلك اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الشهادات باب ما يكره من الإطناب في المدح [2663]، وفي الأدب باب ما يكره من التمادح [6060]، وأحمد [4/ 412]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي بكرة بحديث المقداد بن عمرو - رضي الله عنهما - فقال: 7328 - (2982) (149) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى جميعًا عن) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9) (واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس أو هند بن دينار الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (15) بابا (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي المقرئ المفسر، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي معمر) الأسدي عبد الله بن سخبرة الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (قال) أبو معمر (قام رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (يثني) ويمدح (على أمير من الأمراء) وهو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كما سيأتي في الرواية اللاحقة (فجعل) أي شرع (المقداد) بن عمرو المعروف بالمقداد بن الأسود أبوه عمرو بن ثعلبة الكندي ولكن تبناه حليفه الأسود بن عبد يغوث القرشي الصحابي المشهور - رضي الله عنه - أسلم قديمًا وشهد بدرًا والمشاهد كلها. وهذا السند من سباعياته (يحثي) من باب رمى أي يحفن بكفيه (عليه) أي على ذلك الرجل المادح لعثمان (التراب، وقال) المقداد (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحثي) ونحفن (في وجوه المدّاحين) بفتح الميم وتشديد الدال (التراب) إنكارًا عليهم مدحهم الناس استطعامًا منهم.

7329 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب ما يكره من التمادح [4804]، والترمذي في الزهد باب ما جاء في كراهية المدحة والمدّاحين [2393]، وابن ماجه في الأدب باب المدح [3787]، وأحمد [6/ 5]، والبغوي في شرح السنة [13/ 150]. قال الخطابي: المدّاحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح فأما من مدح الرجل على الفعل الحسن والأمر المحمود يكون منه ترغيبًا له في أمثاله وتحريضًا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس بمدّاح، وقد استعمل المقداد الحديث على ظاهره في تناول عين التراب وحثيه في وجه المدّاح، وقد يتأول أيضًا على وجه آخر وهو أن يكون معناه الخيبة والحرمان أي من تعرض لكم بالثناء والمدح فلا تعطوه وأحرموه، كنى بالتراب عن الحرمان كقولهم ما في يده غير التراب وكقوله - صلى الله عليه وسلم - "إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابًا" أخرجه أبو داود في البيوع باب في أثمان الكلب [3482]، وأحمد [1/ 378] أنقله البغوي في شرح السنة [13/ 151] ثم قال: وفي الجملة المدح والثناء على الرجل مكروه لأنه قلما يسلم المادح عن كذب بقوله في مدحه، وقلما يسلم الممدوح من عجب يدخله، ورُوي أن رجلًا أثنى على رجل عند عمر فقال عمر: عقرت الرجل عقرك الله. والحاصل أن المدح بغرض تشجيع الممدوح على أفعال الخير جائز كما ذكره الخطابي لأن ذلك ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمناسبات كثيرة والمدح المكروه هو ما خيف فيه أن يُفتتن الممدوح بالعُجب أو ما قصد به التملق وأكل الأموال بالباطل وبما أن الفرق بينهما دقيق ربما لا يدركه المرء فالأحوط ما ذكره البغوي رحمه الله تعالى من الاجتناب عنه في كل موضع مشتبه والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المقداد - رضي الله عنه - فقال: 7329 - (00) (00) (وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (21) بابا (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن همام بن الحارث) بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي، ثقة، من (2)

أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ. فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ. فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيهِ. وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا. فَجَعَلَ يَحثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ. فَقَال لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِذَا رَأَيتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ". 7330 - (00) (00) وحدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُبَيدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ روى عنه في (4) أبواب (أن رجلًا) من المسلمين (جعل) أي شرع (يمدح عثمان) بن عفان - رضي الله عنه - (فعمد) أي قصد (المقداد) بن الأسود إلى ذلك الرجل لرميه بالتراب (فجثا) المقداد (على ركبتيه وكمان) المقداد (رجلًا ضخمًا) أي سمينًا عظيم الجسم ولعل الراوي ذكر ذلك لبيان أنه مع كونه جسيمًا تكبد مشقة الجثو على ركبتيه اهتمامًا بما زعمه من الامتثال بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (فجعل) المقداد (يحثو) أي يحفن ويرمي (في وجهه) أي في وجه الرجل (الحصباء) أي الرمال (فقال له) أي للمقداد (عثمان) بن عفان (ما شأنك؟ ) وشغلك يا مقداد ترمي الرجل بالحصباء (فقال) المقداد لعثمان (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا رأيتم) أيها المؤمنون (المدّاحين) جمع مدّاح جمع سلامة مبالغة مادح أي جنسهم (فاحثو) هم؛ أي فارموا (في وجوههم التراب) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة همام لأبي معمر. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث المقداد - رضي الله عنه - فقال: 7330 - (00) (00) (وحدثناه محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (عن سفيان) الثوري (عن منصور ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الأشجعي عبيد الله بن عبد الرحمن) الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن إبراهيم عن همام عن المقداد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) غرضه بيان متابعة سفيان لشعبة، وساق سفيان (بمثله) أي بمثل حديث شعبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [تتمة] قال القرطبي: (وقول همام إن رجلًا جعل يمدح عثمان فجعل المقداد يحثو في وجهه الحصباء) كأن هذا الرجل أكثر من المدح حتى صدق عليه أنه مدّاح ولذلك عمل المقداد بظاهر هذا الحديث فحثا في وجهه التراب، ولعل هذا الرجل كان ممن اتخذ المدح عادة وحرفة فصدق عليه وإلا فلا يصدق ذلك على من مدح مرة أو مرتين أو شيئًا أو شيئين، وقد بين الصحابي أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الحديث حمله على ظاهره فعاقب المدّاح برمي التراب في وجهه، وهو أقعد بالحال وأعلم بالمقال، وقد أوّله غير ذلك الصحابي بتأويلات لأن ذلك الغير رأى أن ظاهر هذا الحديث وهو الرمي بالحصى جفاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بالجفاء فقال إن معنى هذا الحديث خيبوهم ولا تعطوهم شيئًا لأن من أعطي التراب لم يُعط شيئًا كما قد جاء في الحديث الآخر "إذا جاء صاحب الكلب يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابًا" رواه أحمد [1/ 289] أي خيبه ولا تعطه شيئًا، وقيل إن معناه أعطه ولا تبخل عليه، فإن مآل كل ما يُعطى إلى التراب كما قال أبو فراس الحمداني: إذا صح منك الود فالكل هيّن ... وكل الذي فوق التراب تراب وقيل معناه التنبيه للممدوح على أن يتذكر أن المبدأ والمنتهى التراب فليعرضه على نفسه لئلا يعجب بالمدح وعلى المدّاح لئلا يفرط ويطري بالمدح وأشبه المحامل بعد المحمل الظاهر الوجه الأول وما بعده ليس عليه معول اهـ من المفهم. والحاصل أن في هذا الحديث ست تأويلات: الأول: أنه محمول على حقيقته فينبغي أن يحثى التراب على وجه المادح حقيقة وهو الذي استعمله المقداد - رضي الله عنه - راوي الحديث. والثاني: أن حثي التراب كناية عن تخييبه والمراد من المدّاحين من يتملق لأخذ المال والصلة وتخييبه أن لا يُعطى أو من يريد الفتنة بإلقاء العُجب في نفس الممدوح فتخييبه أن لا يعجب الإنسان بنفسه. والثالث: أن المراد أن يقول الممدوح للمادح بفيك التراب والعرب تستعمل ذلك لمن تكره قوله. والرابع: أن يأخذ الممدوح ترابًا فيبذره بين يديه ليتذكر أصله وأن مصيره إليه فلا

7331 - (2989) (149) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا صَخْرٌ، (يَعْنِي ابْنَ جُوَيرِيَةَ)، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ. فَجَذَبَنِي رَجُلانِ. أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ. فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأصْغَرَ مِنْهُمَا. فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ يطغى بالمدح الذي سمعه وعلى هذا فقوله في وجوه المدّاحين معناه بين أيديهم وفي مواجهتهم. والخامس: أن المراد بحثو التراب في وجه المادح إعطاؤه ما طلب لأن كل ما فوق التراب تراب وبهذا جزم البيضاوي، وقال: شبه الإعطاء بالحثي على سبيل الترشيح والمبالغة في الاستهانة والتقليل كذا في الفتح. والسادس: معنى الحديث أنه ينبغي للممدوح أن يقوم عن مجلس المادح ويثير -من أثار الرباعي بالمثلثة- بقيامه التراب عليه ذكره الأبي، وقال: إنه أبعد التأويلات. ويبدو أن أولى التأويلات هو الثاني كما ذكره القرطبي آنفًا، والمقصود الحث على منعه من المدح وعدم تشجيعه على ذلك وهو الذي اختاره أكثر السلف اهـ من التكملة. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو مناولة الأكبر أولًا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: 7331 - (2989) (149) (حدثنا نصر بن علي) بن نصر (الجهضمي) البصري أبو عمر الأزدي، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (17) بابا (حدثني أبي) علي بن نصر بن علي الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدثني صخر يعني ابن جويرية) مصغرًا التميمي مولاهم البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن نافع أن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما (حدّثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال) وهذا السند من خماسياته (أراني) بفتح الهمزة أي أرى نفسي (في المنام أتسوك بسواك فجذبني رجلان أحدهما كبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي كبر) أي ادفعه إلى الأكبر (فدفعته إلى الأكبر) منهما، قيل لعل تأويل دفعه - صلى الله عليه وسلم - للأكبر منهما هو منعه أصحابه مما فحش من الكلام وحثهم على السواك لأن

7332 - (2990) (150) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: كَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ، اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ، وَعَائِشَةُ تُصَلِّي. فَلَمَّا قَضَتْ صَلَاتَهَا قَالتْ لِعُرْوَةَ: أَلا تَسْمَعُ إِلَى هَذَا وَمَقَالتِهِ آنِفًا؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ السواك في المنام تطهير الفم من الغيبة ونحوها اهـ مبارق. والرجلان هما جبريل وميكائيل، والقائل كبّر هو جبريل عليهما السلام. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [246]. وهذا الحديث تقدم تخريجه وشرحه في كتاب الرؤيا باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم [5886] فراجعه إن شئت. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة وهو التثبت في الحديث بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال: 7332 - (2990) (150) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا به) أي بهذا الحديث الآتي فقط (سفيان بن عيينة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (قال) عروة (كان أبو هريرة يحدّث) لنا الحديث في المسجد النبوي جنب حجرة عاشة رضي الله تعالى عنها (ويقول) مخاطبًا لها في بداية كل حديث (اسمعي) لي حديثي لتردني عن الخطأ فيه (يا ربة) هذه (الحجرة) يعني حجرة عائشة: أي اسمعي حديثي يا صاحبة هذه الحجرة (اسمعي يا ربة الحجرة) ويا مالكتها كرره للتأكيد يعني بها عائشة ولم ينادها باسمها ولا بيا أم المؤمنين بل بكناية يشركها فيها غيرها من النساء إكرامًا للحرم اهـ أبي، ومراده بذلك تقوية الحديث بإقرارها ذلك وسكوتها عليه ولم تنكر عليه شيئًا من ذلك سوى الإكثار من الرواية في المجلس الواحد لخوفها أن يحصل بسببه سهو ونحوه اهـ نووي؛ أي كان أبو هريرة يحدّث ويقول ذلك الكلام (وعائشة) أي والحال أن عائشة (تصلي) أي تشتغل بالصلاة (فلما قضت) عائشة (صلاتها) وفرغت منها (قالت لعروة) بن الزبير وهو مع أبي هريرة (ألا تسمع) يا عروة (إلى هذا) الرجل تعني أبا هريرة (ومقالته) التي قالها لي (آنفًا) أي في الزمن القريب تعني قوله: اسمعي يا ربة الحجرة مستعجلًا في حديثه، وكيف أسمع له وأنا في الصلاة كأنها أنكرت أن يناديها أبو هريرة وهي تصلي ولعل العذر لأبي هريرة أنه لم

إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ حَدِيثًا، لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ. 7333 - (2991) (151) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لَا تَكتُبُوا عَنِّي. وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ يعرف أنها في الصلاة لكونها محتجبة في بيتها (إنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدّث حديثًا) مرتلًا غير مستعجل مكررًا ثلاث مرات ليُفهم غير متوان بحيث (لو عدّه العاد) وحسبه بعدد معلوم (لأحصاه) أي لحصره وضبطه في عدد معلوم تعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يكثر من الحديث في مجلس واحد وإنما كان يحدّث بأحاديث معدودة قليل عددها ليفهمها الناس ويحفظوها فلم تنكر عليه عائشة نفس التحديث بل إنما أنكرت عليه الإكثار منه في مجلس واحد لما مر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المناقب باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -[3567 و 3568]، وأبو داود في العلم باب في سرد الحديث [3654 و 3655]، والترمذي في المناقب باب في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -[3639]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثامن من الترجمة وهو النهي عن كتابة العلم بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: 7333 - (2991) (151) (حدثنا هدّاب بن خالد) بن الأسود بن هدبة (الأزدي) البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا همام) بن يحيى بن دينار الأزدي العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (13) بابا (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي سعيد الخدري) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا تكتبوا عني) الحديث (ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) أي فليمسحه لئلا يلتبس الحديث بالقرآن، قال القرطبي: كان هذا النهي متقدمًا وكان ذلك لئلا يختلط بالقرآن ما ليس منه، ثم لما أمن من ذلك أُبيحت الكتابة كما أباحها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي شاه في حجة الوداع حين قال: "اكتبوا لأبي شاه" فرأى علماؤنا حديث أبي شاه هذا ناسخًا لذلك النهي.

وَحَدِّثُوا عَنِّي، وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ -قَال هَمامٌ أَحْسِبُهُ قَال: مُتَعَمِّدًا- فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". 7334 - (2992) (152) حدَّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قلت) ولا يبعد أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهاهم عن كتب غير القرآن لئلا يتكلوا على كتابة الأحاديث ولا يحفظوها فقد يضيع المكتوب فلا يوجد في وقت الحاجة ولذلك قال مالك: ما كتبت في هذه الألواح قط، قال: وقلت لابن شهاب: أكنت تكتب الحديث؟ قال: لا اهـ من المفهم. وهذا النهي ظاهر في البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم حيث لم يكن مكتوبًا بصورة كتاب مدون، وإنما كان يكتب على العظام وجريد النخل والحجارة ونحوها فلو كتبت الأحاديث معها لوقع التباس القرآن بغيره فنهى عن ذلك في أول الأمر حيث يُخشى الالتباس، أما في حالة الأمن منه فقد أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتابة بنفسه لعدة من الصحابة مثل علي وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة ورافع بن خديج وأبي شاه وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم وقد كُتبت أحاديث كثيرة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في روايات كثيرة تجدها مجموعة في كتاب تقييد العلم للخطيب رحمه الله تعالى. (وحدّثوا عني) الحديث لغيركم (ولا حرج) ولا ذنب ولا لوم عليكم في نقل الحديث عني (ومن كذب عليّ) أي ومن نسب إليّ قولًا لم أقله ولا فعلًا لم أفعله (قال همام) بالسند السابق (أحسبه) أي أحسب زيد بن أسلم (قال) عند روايته لنا لفظة (متعمدًا) أي كذب عليّ متعمدًا (فليتبوأ) أي فليتخذ (مقعده) أي مقره ومنزله (من النار) أي من نار جهنم مخلدًا فيها إن استحل الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - لأنه كفر بذلك أو غير مخلد بقدر كذبه إن لم يستحل كما بسطنا الكلام عليه في أول الكتاب. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد في مسنده [1/ 98]، والدارمي في سننه في العلم [456]، والحاكم في المستدرك [1/ 127]، وابن حبان في صحيحه [1/ 142]، والبغوي [1/ 294]. ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء التاسع من الترجمة وهو قصة أصحاب الأخدود بحديث صهيب بن سنان - رضي الله عنه - فقال: 7334 - (2992) (152) (حدثنا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة الأزدي

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنْ صُهَيبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "كانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ. وَكانَ لَهُ سَاحِرٌ. فَلَمَّا كَبِرَ قَال لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كبِرْتُ. فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ. فَبَعَثَ إِلَيهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ. فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ، رَاهِبٌ. فَقَعَدَ إِلَيهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ. فَأَعْجَبَهُ. فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ البصري، ويقال له هدبة، ثقة، من (9) (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (حدثنا ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي الكوفي، ثقة، من (2) (عن صهيب) بن سنان الرومي المدني - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كان ملك فيمن كان قبلكم) من الأمم، ولم أقف على اسم هذا الملك وعلى تعيين مكانه غير أن الظاهر أنه كان في زمن الفترة بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام والظاهر على ما يفهم من كتب التفاسير أن ذو نواس اسمه زرعة بن حسان ملك حمير وما حولها وكان يسمى أيضًا يوسف بن شرحبيل في الفترة قبل أن يُولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعين سنة، وكانت له غدائر من شعر أي ذوائب تنوس أي تضطرب فسُمي ذا نواس وأن مكانه نجران بتقديم النون وتأخير الجيم موضع باليمن فُتح سنة عشر من الهجرة سُمي بنجران بن زيدان بن سأ (وكان له) أي لذلك الملك (ساحر) يسحر له أي يعمل السحر له وكان اسم الساحر دولعان اهـ تنبيه المعلم (فلما كبر) وأسن ذلك الساحر (قال للملك) أي لذي نواس (إني قد كبرت) أي قد كبر سني فأخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه (فابعث إليّ غلامًا) أي ولدًا مراهقًا فهمًا أو قال فطنًا لقنًا فـ (أعلمه) لكم علمي (السحر فبعث) الملك (إليه) أي إلى الساحر (غلامًا) موصوفًا بالصفات السابقة (يعلّمه) لهم السحر قيل اسمه عبد الله بن الثامر كما سيأتي (فكان في طريقه) أي على طريق الغلام (إذا سلك) وذهب إلى الساحر لتعلّم السحر (راهب) اسم كان مؤخر أي متعبدًا يتعبد ربه على دين عيسى في صومعة له، اسم الراهب فيميؤن، وقيل قيشمون (فقعد) الغلام (إليه) أي عنده أي عند الراهب (وسمع) الغلام (كلامه) أي كلام الراهب من عقائد التوحيد (فأعجبه) أي أعجب الغلام كلام الراهب فأحبه (فكان) الغلام (إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه) أي عنده ليسمع

فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ. فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ. فَقَال: "إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي. وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ. فَبَينَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلامه (فإذا أتى) الغلام (الساحر ضربه) الساحر لتأخره (فشكا) الغلام (ذلك) أي ضرب الساحر له (إلى الراهب) أي أخبره على سبيل الشكوى إليه (فقال) الراهب للغلام (إذا خشيت) وخفت (الساحر) أي ضربه (فقل) له (حبسني أهلي) أي أخزني أهلي عن الحضور إليك في أول الدوام (وإذا خشيت أهلك) أي ضربهم (فقل) لهم (حبسني الساحر) أخرّني الساحر لشغل الدراسة عنكم. قال القاضي عياض: في هذا الحديث جواز الكذب للضرورة لا سيما في الله تعالى والدفع عن الإيمان ومع من أراد أن يصد عنه، قال القرطبي: وجه الاستدلال به كونه - صلى الله عليه وسلم - ذكره في معرض الثناء على الراهب والغلام واستحسان فعلهما إذ لو كان غير جائز لبينه - صلى الله عليه وسلم - والبيان لا يؤخر عن وقت الحاجة، وقال الأبي ويحتمل أن يكون ذلك تورية لا كذبًا لأن الغلام لا يصل إلى أهله إلا بعد المُكث عند الساحر والراهب، والتورية في قوله حبسني أهلي أبين وأوضح لأنه الأهل حقيقة إنما هم المرشدون له إلى السعادة فأراد بهذا اللفظ يعني لفظ الأهل الراهب وكذلك قوله لأهله حبسني الساحر يُمكن تأويله على التورية بأنه لا يصل إلى أهله إلا بعد المُكث عند الساحر والراهب جميعًا فيصدق قوله حبسني الساحر لأنه كان أحد الحابسين له اهـ من الأبي بزيادة. (فبينما هو) أي ذلك الغلام كائن (كذلك) أي مترددًا بين أهله وبين الساحر والراهب مع كذبه بالأهل والساحر أو المعنى فبينما هو كائن كذلك أي ملازمًا للراهب مترددًا إليه، والراهب واحد رهبان النصارى وهو من اعتزل من الناس إلى دير طلبًا للعبادة، والصومعة على زنة جوهرة بيت للنصارى ينقطع فيه رهبانهم اهـ من التحفة (إذ) فجائية رابطة لجواب بينما أي فبينما أوقات تردده إلى الساحر ومروره على الراهب فاجأه أن (أتى) ومر (على دابة عظيمة) أي فاجأه إتيانه ومروره على دابة عظيمة أي شديدة الافتراس على الناس (قد حبست الناس) ومنعتهم عن المرور في الطريق أي تعرضت في الطريق فمنعت الناس من المرور ووقع في رواية الترمذي قول بعض الرواة أن الدابة

فَقَال: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَال: "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ. حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ. فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا. وَمَضَى النَّاسُ. فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَال لَهُ الرَّاهِبُ: أَي بُنَيَّ، أَنْتَ، الْيَوْمَ، أَفْضَلُ مِنِّي. قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى. وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى. فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلُّ عَلَيَّ. وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ. فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ. فَقَال: مَا ههُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيتَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت أسدًا (فقال) الغلام في نفسه (اليوم) أي في هذا اليوم الحاضر (أعلم) بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم (آلساحر) بزيادة همزة الاستفهام أي فقال اليوم أعلم جواب استفهام هل الساحر (أفضل) أي أنفع اتباعًا واقتداء به (أم الراهب أفضل) اقتداء به، قال الأبي: فليس هذا شكًّا منه وإنما هو استثبات واطمئنان منه (فأخذ) الغلام (حجرًا) من الأحجار (فقال) لربه (اللهم إن كان أمر الراهب) ودينه (أحب إليك) أي عندك (من أمر الساحر) ودينه (فاقتل) عنا (هذه الدابة) الضارية المانعة للناس عن المرور في الطريق (حتى يمضي الناس) ويمرون في طريقهم (فرماها) أي فرمى الغلام تلك الدابة (فقتلها) بحجره (ومضى الناس) أي مروا في طريقهم (فأتى) الغلام (الراهب فأخبره) أي أخبر الراهب بما قال وفعل بالدابة (فقال له) أي للغلام (الراهب أي بني) أي يا ولدي صغره تصغير شفقة (أنت اليوم) أي في هذا الوقت الحاضر (أفضل مني) أي أعظم درجة ومنزلة مني عند الله تعالى (قد بلغ) وحصل لك (من أمرك) ومنزلتك عند الله (ما أرى) وأعلم من المنزلة الرفيعة والكرامة العظيمة (و) لكن (إنك) يا بني (ستبتلى) وتختبر عند الملك (فإن ابتليت) واختبرت (فلا تدل) الناس (عليّ) فإنهم يقتلونني، وانتشر أمر الغلام في الناس (وكان الغلام يبرئ) ويشفي (الأكمه) أي من وُلد أعمى بدعائه (والأبرص) من برصه (ويداوي الناس) أي يعالجهم (من سائر الأدواء) أي من جميع الأمراض (فسمعـ) ـه أي فسمع علاج الغلام من كل الأدواء (جليس) أي صاحب (لـ) هذا (الملك) وقد كان) هذا الجليس (قد عمي) وفقد بصره (فأتاه) أي فأتى الغلام هذا الجليس الأعمى (بهدايا كثيرة) ليعالجه (فقال) الجليس للغلام (ما ها هنا لك أجمع) أي كل ما ها هنا لي من الأموال أجمعه كائن لك أيها الغلام (أن أنت شفيتني) ورددت لي بصري. وقوله (أجمع) بالرفع

فَقَال: إِنِّي لَا أَشفِي أَحَدًا. إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ. فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ. فَآمَنَ بِاللهِ. فَشَفَاهُ اللهُ. فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيهِ كَمَا كَانَ يَجلِسُ. فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيكَ بَصَرَكَ؟ قَال: رَبِّي. قَال: وَلَكَ رَبُّ غَيرِي؟ قَال: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلام. فَجِيءَ بِالْغُلام. فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: أَي بُنَيَّ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ. فَقَال: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا. إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ. فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ. فَقِيلَ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنه تأكيد لما الموصولة الواقعة مبتدأ خبره لك فالمعنى إن أنت شفيتني فإن هذا المال الذي هو موجود ها هنا أجمعه لك في مقابلة شفائي يعني به الهدايا الكثيرة التي أتى بها اهـ (فقال) الغلام (إني لا أشفي أحدًا) من الناس من مرضه ولا أرد بصرك (إنما يشفي الله) أي فإنما الشفاء ورد البصر من الله تعالى لا من أحد من الناس (فإن أنت آمنت) وصدقت (بالله) أي بوحدانية الله تعالى وأقررت بربوبيته (دعوت الله) تعالى لك بالشفاء (فشفاك) بقدرته ورد بصرك إليك (فآمن) الأعمى (بالله) تعالى فدعا له الغلام (فشفاه الله) تعالى ببركة الإيمان بالله تعالى (فأتى) الجليس (الملك فجلس إليه) أي عند الملك كعادته أي (كما كان يجلس) عنده وهو أعمى (فقال له الملك من رد بصرك) وشفاك (قال) الجليس شفاني (ربي) الذي خلقني ورباني (قال) الملك له أ (ولك رب غيري؟ قال) الجليس: نعم لي رب غيرك لأن (ربي وربك الله) أي المعبود الحق. وفي هذا دليل على أن الملك كان يدّعي الألوهية ففيه رد على من زعم أن هذا الملك كان يهوديًّا (فأخذه) أي فأخذ الملك جليسه الأعمى (فلم يزل) الملك (يعذبه حتى دل) الجليس الملك (على الغلام) فأرسل الملك إلى الغلام (فجيء بالغلام) بين يدي الملك (فقال له) أي للغلام (الملك أي بني) صغره تصغير إهانة وتحقير (قد بلغ) وحصل (من سحرك) الذي أمرتك بتعلمه (ما تبرئ) به (الأكمه والأبرص وتفعل) به كذا وكذا (وتفعل) به كذا وكذا من دعوة الناس إلى الإيمان (فقال) الغلام للملك (إني لا أشفي أحدًا) من الناس (إنما يشفيـ) ـهم (الله) تعالى ببركة الإيمان به (فأخذه) أي فأخذ الملك الغلام (فلم يزل) الملك (يعذبه) أي يعذب الغلام بأنواع التعذيب (حتى دل) الغلام الملك (على الراهب) فأرسل الملك إلى الراهب (فجيء بالراهب) إلى الملك (فقيل له)

ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى. فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ. فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ. فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ. ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى. فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ. فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ. ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلامِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَال: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا. فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ. فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلّا فَاطْرَحُوهُ. فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي للراهب (ارجع عن دينك) الذي هو التوحيد (فأبى) الراهب وامتنع عن الرجوع عن دينه (فإن قلت) كيف يجوز للغلام في شرعنا ما فعل بالراهب من دلالته عليه للقتل (قلت) إن الغلام غير مكلف لأنه لم يبلغ الحلم ولو سُلِّم أنه مكلف فيُعذر له عن ذلك بأنه لم يعلم أن الراهب يُقتل فلا يلزم من دلالته عليه قتله اهـ من المفهم (فدعا) الملك (بالمئشار) هو مهموز في رواية الأكثرين ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياءً، ورُوي المنشار بالنون وهما لغتان سبق بيانهما وهي آلة يُقطع بها الخشب ويُنشر، قال في التحفة (والمئشار) بكسر الميم آلة ذات أسنان يُنشر بها الخشب ونحوه، قوله (على مفرق أحدهما) والمفرق كمقعد ومجلس وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر اهـ منه (فوضع) الملك (المئشار) أي أمر بوضعه (في مفرق رأسه) أي في وسط رأس الراهب وهو موضع فرق الشعر (فشقه) نصفين طولًا (حتى وقع) وسقط (شقاه) أي جانباه من الجانبين (ثم جيء بجليس الملك فقيل له) أي للجليس (ارجع عن دينك) الذي هو دين التوحيد (فأبى) الجليس وامتنع من الرجوع عن دينه (فوضع) الملك (المئشار) أي أمر بوضعه (في مفرق رأسه فشقه) أي فشق الملك جليسه (به) أي بالمئشار (حتى وقع شقاه) على الأرض (ثم جيء بالغلام فقيل ارجع عن دينك فأبى) أي امتنع من الرجوع عنه (فدفعه) أي فدفع الملك الغلام (إلى نفر) أي إلى جماعة (من أصحابه) أي من خواصه وأعوانه (فقال) الملك لهم (اذهبوا به) أي بهذا الغلام (إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم) أي وصلتم به (ذروته) أي ذروة الجبل وأعلاه، وذروة كل شيء بتثليث الذال أعلاه (فإن رجع) أي الغلام (عن دينه) أي عن دين التوحيد إلى دين الشرك فاتركوه (وإلا) أي وإن لم يرجع عن دينه (فاطرحوه) أي فارموه من أعلى الجبل ليموت مترديًا فأخذ أولئك النفر الغلام من الملك (فذهبوا به) إلى الجبل (فصعدوا به الجبل) وطلبوا

فَقَال: اللَّهُمَّ اكفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَرجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا. وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ. فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَال: كَفَانِيهِمُ اللهُ. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَال: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَن دِينِهِ وَإِلّا فَاقْذِفُوهُ. فَذَهَبُوا بِهِ. فَقَال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ منه الرجوع عن دينه فتضرع إلى الله تعالى (فقال) في تضرعه (اللهم اكفنيهم) أي يا آلهي كن كافيًا لي ودافعًا عني شرّهم (بما شئت) من مكرك وحفظك (فرجف بهم الجبل) أي اضطرب وتحرك بهم حركة شديدة، قال الأبي: أي تحرك بهم الجبل وزلزل زلزلة شديدة، ومنه {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} قال القاضي: وهو عند الصدفي بالزاي والحاء المهملة والصواب الأول وإن كان الزحف بمعنى الحركة يقال زحف القوم إلى عدوهم أي نهضوا اهـ منه (فسقطوا) من الجبل وهلكوا (وجاء) الغلام (يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك) الذين ذهبوا معك فـ (قال) الغلام للملك (كفانيهم الله) أي كفاني شرهم ودافعه عني بحفظه وحوله (فدفعه) الملك (إلى نفر) آخرين (من أصحابه، فقال) لهم الملك (اذهبوا به) إلى جهة البحر (فاحملوه) أي فاحملوا هذا الغلام (في قرقور) وسفينة، والقرقور بضم القافين بينهما راء ساكنة، وذكر بعض العلماء أن القرقور سفينة كبيرة، وذكر بعضهم أنها سفينة صغيرة، والراجح في سياق الحديث أنها الصغيرة لأنها هي التي تستعمل في مثل هذه المواقع لا الكبيرة، وقال ابن دريد وصاحب العين: القرقور ضرب من السفن والمناسب للحال والحديث أنه الصغير لأنه هو الذي يستعمل في مثل هذا الحمل، وفي حديث قصة موسى - عليه السلام - فلما رأوا التابوت في اليم ركبوا القراقير حتى أتوا به، والكبير إنما يُستعمل في عظام الأمور، ولعل الملك قصد الكبير ليتوسطوا به البحر ويبعدوه اهـ من الأبي، وقال القرطبي: القرقور ضرب من السفن عربي معروف والمعروف عند الناس فيه استعماله فيما صغر منها وخف للتصرف فيه اهـ مفهم (فتوسطوا به البحر) أي فادخلوا به وسط البحر (فإن رجع عن دينه) فاتركوه وارجعوا به (وإلا) أي وإن لم يرجع عن دينه (فاقذفوه) أي فارموه في البحر، وفي رواية الترمذي "فانطلق به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه" (فذهبوا به) إلى البحر (فقال) الغلام (اللهم اكفنيهم بما شئت) من مكرك وحولك وقوتك (فانكفأت) أي فانقلبت (بهم) أي بأولئك النفر (السفينة) في البحر، يقال كفأه كمنعه وأكفأه إذا قلبه وكبه

فَغَرِقُوا. وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ. فَقَال لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَال: كَفَانِيهِمُ اللهُ. فَقَال لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ. قَال: وَمَا هُوَ؟ قَال: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ. وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ. ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي. ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلامِ. ثُمَّ ارْمِنِي. فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلْتَنِي. فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ. وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ. ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ. ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَال: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلامِ. ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ. فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغهِ فِي مَوْضِعِ السِّهْمِ. فَمَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ فانكفأ اهـ (فغرقوا) فماتوا في البحر (وجاء) الغلام حالة كونه (يمشي) على رجليه بعد نجاته بالسباحة أو بما شاء الله تعالى (إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك) الذين أرسلناهم معك (فقال) الغلام (كفانيهم الله) تعالى شرهم (فقال) الغلام (للملك إنك) أيها الملك (لست بقاتلي) أي بقادر على قتلي (حتى تفعل ما آمرك به) في قتلي (قال) الملك (وما هو) أي وما الأمر الذي تأمرني به (قال) الغلام للملك (تجمع الناس في صعيد واحد) أي في أرض بارزة واسعة (وتصلبني) أي تعلقني (على جذع) من جذوع النخل أي على خشب من الأخشاب (ثم خذ سهمًا) أي نبلًا (من كنانتي) أي من كيس سهامي (ثم ضع السهم في كبد القوس) أي في مقبضها عند الرمي (ثم قل باسم الله رب الغلام) أقتل هذا الغلام (ثم ارمني) بالسهم (فإنك إن فعلت ذلك) الفعل الذي أمرتك به (قتلتني) أي تقدر على قتلي وإلا فلا تقدر على قتلي (فجمع) الملك (الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من كنانته) أي من كيس سهام الغلام (ثم وضع السهم في كبد القوس) أي في مقبضه (ثم قال) الملك (باسم الله رب الغلام) أرميه (ثم رماه فوقع السهم في صدغه) أي في صدغ الغلام، والصدغ الموضع المنخفض بين اللحاظ، والأذن فوق العذار (فوضع) الغلام (يده في صدغه في موضع السهم فمات) الغلام، قال القاضي: سعيه أي تسببه في قتل نفسه إنما هو ليشهر أمر الإيمان في الناس ويروا برهانه كما وقع قال القرطبي ويجاب أيضًا بأنه غير بالغ أو علم أنه لا بد أن يقتل اهـ من الأبي، وعبارة التكملة: قوله (فمات) فإن قيل كيف أمر الغلام ذلك الملك بقتل نفسه وهو

فَقَال النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ. آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ. آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ. فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ، وَاللهِ، نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ. قَدْ آمَنَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِالأُخدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ. وَقَال: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ حرام؟ فالجواب أنه قد علم أنه لا بد أن يُقتل وإنما نجاته الآن بطريق الكرامة لإحقاق الحق فأمره بما يتضح به الحق على جميع الناس فيؤمنوا فيكون سببًا لهدايتهم وهذا كالمجاهد يقحم نفسه في معركة القتال لإعلاء كلمة الله تعالى اهـ منه. (فقال الناس) المجتمعون في الصعيد (آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام) بالتكرار ثلاثًا للتأكيد (فأتي الملك فقيل له) بالبناء للمجهول في الفعلين أي أتاه آت فقال له (أرأيت ما كنت تحذر) منه من إيمان الناس أي أخبرني عما كنت تحذر وتخاف منه من الإيمان بالله فإنه (قد والله نزل بك حذرك) أي قد وقع ما كنت تحذر وتخاف منه، فإنه (قد آمن الناس) كلهم، وفي رواية الترمذي "ثم مات، فقال أناس: لقد علم هذا الغلام علمًا ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام، قال: فقيل للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثة -أي الأعمى والراهب والغلام- فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال: فخدّ أخدودًا" الحديث (فأمر) الملك (بـ) شق (الأخدود) بضم الهمزة وسكون المعجمة الشق العظيم يُجمع على أخاديد (في أفواه السكك) أي على أبواب الطرق ومداخلها (فخُدّت) الأخدود وشقت وحُفرت على أفواهها بضم الخاء المعجمة على صيغة المبني للمجهول والسكك بكسر السين المهملة جمع سكة وهي الطريق وأفواهها أبوابها ومداخلها، وإنما شق الأخدود على مداخل الطريق لئلا يتمكن الناس من الهروب (وأضرم النيران) أي أوقدها وأشعلها (وقال) ذلك الملك (من لم يرجع عن دينه) دين التوحيد (فأحموه) أي فأحرقوه (فيها) أي في هذه النيران التي اضرمت في الأخدود، قوله (فأحموه فيها) بفتح الهمزة من الإحياء أي ارموه فيها من قولهم أُحميت الحديدة وغيرها إذا أدخلتها النار لتحمى أي لتصير حارة، قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ "فاحموه" بهمزة قطع بعدها حاء ساكنة، ونقل القاضي اتفاق النسخ على هذا، ووقع في بعض نسخ بلادنا (فأقحموه) بالقاف وهذا ظاهر ومعناه اطرحوه فيها كرهًا اهـ وبهذا اللفظ رواه النسائي (أو قيل له) أي لمن لا يرجع عن دينه (اقتحم) أي ادخل هذه النار فيدخل

فَفَعَلُوا. حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا. فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا. فَقَال لَهَا الْغُلامُ: يَا أُمَّهِ، اصْبِرِي. فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ" ـــــــــــــــــــــــــــــ إن لم يرجع (نفعلوا) أي ففعل أصحاب الملك ما أمرهم به الملك من قذف من لم يرجع عن دينه في تلك النار (حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها) فأمروها بدخول النار (فتقاعست) تلك المرأة لأجل ولدها أي توقفت وامتنعت عن دخولها ولزمت موضعها وكرهت الدخول في النار أي تباطأت وتأخرت عن (أن تقع) وتسقط (فيها) أي في النار (فقال لها الغلام) أي صبيها (يا أمه) بكسر الميم على حذف ياء المتكلم اجتزاء عنها بالكسرة وبهاء السكت وبفتح الميم مع هاء السكت على قلب ياء المتكلم ألفًا وحذفها اجتزاء عنها بالفتحة، وعلى كلا التقديرين حركت هاء السكت لالتقاء الساكنين أي يا أمي (اصبري) على هذه النار فادخليها (فإنك على الحق) الذي هو التوحيد، قيل إن هذا الغلام الذي كلم الأم أحد الستة الذين تكلموا في المهد كما في شرح الأبي وكونه في المهد ليس صريحًا في رواية المؤلف ولكن وقع عند النسائي في السنن الكبرى "فجاءت امرأة بابن لها ترضعه" وهو صريح في كون الصبي رضيعًا ولم أر من ذكر اسم هذا الغلام. وفي رواية الترمذي في آخر هذا الحديث زيادة وهي قال: "فأما الغلام فإنه دُفن، قال: فيذكر أنه أُخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قُتل" قال صاحب التحفة: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حُدّث أن رجلًا من أهل نجران كان زمن عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن الثامر تحت مقبرة دُفن فيها قاعدًا واضعًا يده على ضربة في رأسه ممسكًا عليها بيده فإذا أخذت يده عنها انبعث دمًا وإذا أُرسلت يده رُدّت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه: ربي الله، فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره، فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله، وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا اهـ من التحفة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة البروج [3340]، والنسائي في الكبرى [6/ 510]، وأحمد [6/ 17]، وابن حبان [2/ 116 و 117]. وهذا الحديث إنما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ليصبروا على ما يلقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الحق وتمسكه به وبذله نفسه في حق إظهار دعوته ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظيم صبره، وكذلك الراهب صبر عى التمسك حتى نُشر بالمنشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا عن دينهم وهذا كله فوق ما كان يفعل بمن آمن من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يكن فيهم من فُعل به شيء من ذلك لكفاية الله تعالى لهم ولأنه تعالى أراد إعزاز دينه وإظهار كلمته، على أني أقول: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أقوى الأنبياء في الله تعالى، وأصحابه أقوى أصحاب الأنبياء في الله تعالى فقد امتحن كثير منهم بالقتل وبالصلب وبالتعذيب الشديد ولم يلتفت إلى شيء من ذلك وتكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما وما لقي أصحابه من الحروب والمحن والأسر والحرق وغير ذلك فلقد بذلوا في الله نفوسهم وأموالهم وفارقوا ديارهم وأولادهم حتى أظهروا دين الله تعالى ووفّوا بما عاهدوا عليه الله فجازاهم الله تعالى أفضل الجزاء ووفّاهم من أجر من دخل في الإسلام بسببهم أفضل الإجزاء والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث أحد عشر: الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث صهيب الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والخامس حديث أبي بكرة ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسادس حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد به، والسابع حديث المقداد بن الأسود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثامن حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة، والتاسع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة، والعاشر حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستدلال به على الجزء الثامن من الترجمة، والحادي عشر حديث صهيب الثاني ذكره للاستدلال على الجزء التاسع من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء

775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء 7335 - (2993) (153) حدَّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، (وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ)، وَالسِّيَاقُ لِهَارُونَ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، أَبِي حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَال: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ 775 - (19) باب في حديث أبي اليسر وحديث جابر الطويل رضي الله تعالى عنهما وحديث الهجرة ويقال له حديث الرحل بالحاء ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الجزء الأول من الترجمة وهو حديث جابر مع قصة أبي اليسر رضي الله تعالى عنهما فقال: 7335 - (2993) (153) (حدثنا هارون بن معروف) المروزي البغدادي، ثقة، من (10) (ومحمد بن عبّاد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد، صدوق، من (10) (وتقاربا في لفظ الحديث والسياق) أي واللفظ المسوق أي المذكور فيما سيأتي (لهارون) وأما محمد بن عبّاد فروى معناه (قالا) أي قال كل من هارون ومحمد بن عبّاد (حدثنا حاتم بن إسماعيل) العبدري مولاهم أبو إسماعيل المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابًا (نحن يعقوب بن مجاهد) القرشي المخزومي مولاهم (أبي حزرة) بفتح المهملتين بينهما زاي ساكنة مشهور بكنيته المدني، صدوق، من (6) ويقال أبو حزرة، لقبه وكنيته أبو يوسف، روى عنه في (2) الصلاة وآخر الكتاب (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت) الأنصاري المدني، روى عن أبيه في الجهاد، وأبي اليسر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الكتاب، وجابر بن عبد الله في آخر الكتاب، ويروي عنه (خ م د س ق) ويعقوب بن مجاهد أبو حزرة وعبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن عجلان ويزيد بن الهاد، وثقه أبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (قال) عبادة بن الوليد (خرجت أنا وأبي) الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري أبو عبادة المدني، يقال إنه وُلد في آخر زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتُوفي في ولاية عبد الملك بالشام، روى عن أبيه في الجهاد، ويروي عنه (خ م ت س ق) وابنه عبادة، ثقة، من كبار (2) مات بعد السبعين (70) أي

نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا. فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَمَعَهُ غُلامٌ لَهُ. مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ. وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ. وَعَلَى غُلامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــ خرجت أنا وأبي من منزلنا حالة كوننا (نطلب العلم) أي تعلُّم العلم، والحديث (في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا) ويُقتلوا في حروب الفتن الواقعة بين المسلمين (فكان أول من لقينا) ورأينا من الأنصار بعد الخروج من منزلنا (أبا اليسر) خبر كان بفتح الياء والسين كعب بن عمرو بن عبّاد بن عمرو بن غزية بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي بفتح السين واللام، صحابي عقبي بدري جليل، له أحاديث، انفرد له (م) بحديث في آخر الكتاب، وكان رجلًا قصيرًا ذا بطن، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له وقال: "اللهم أمتعنا به" روى عنه عبادة بن الوليد بن الصامت آخر الكتاب، ويروي عنه (م عم) وابنه عمار، قال أبو حاتم: مات، سنة (55) خمس وخمسين، وهو آخر من مات بالمدينة من البدريين - رضي الله عنه -، وقد زاد على المائة (100) (صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) - رضي الله عنه -. وهذا السند من خماسياته؛ أي لقينا أبا اليسر (ومعه) أي مع أبي اليسر (غلام) أي عبد (له) أي لقيناه، والحال أنه معه عبد له (معه) أي مع غلامه (ضمامة) وملزمة (من صحف) أي من أوراق، والضمامة بكسر الضاد المعجمة الرزمة ومجموعة الشيء لأنها يضم بعضها إلى بعض، وقد وقع في بعض النسخ إضمامة بزيادة الهمزة المكسورة في أولها وهو المشهور في اللغة بهذا المعنى، والحاصل أنه كان عنده مجموعة من الصحف المدبسة المربوطة بالإبرة، وقال في النهاية: أن الضمامة لغة في الإضمامة والمشهور في اللغة إضمامة بالألف (وعلى أبي اليسر بردة) والبردة على وزن غرفة شملة مخططة، وقيل كساء مربع فيه صغر يلبسه الأعراب يُجمع على بُرد (ومعافري) بفتح الميم نوع من الثياب يُصنع بقرية في اليمن تسمى معافر، وذكر القاضي عياض أن أصل هذه التسمية أنها لقبيل من اليمن سموا بذلك وأراهم نزلوها أو أصل ما سُموا به جبل ببلادهم يقال له معافر، وقال ابن سرّاج: ويقال في القبيل معافر بضم الميم وأنكره يعقوب اهـ من الأبي (وعلى غلامه بردة ومعافري) مماثلتان لما يلبسه والمقصود من هذا الكلام التنبيه على أن أبا اليسر - رضي الله عنه - كان يلبس ما يلبسه غلامه وإن كان من الممكن أن يلبس معافريين ويلبس غلامه

فَقَال لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سُفْعَةً مِنْ غَضَبٍ. قَال: أَجَلْ، كَانَ لِي عَلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ الْحَرَامِيِّ مَالٌ. فَأَتَيتُ أَهْلَهُ فَسَلَّمْتُ. فَقُلْتُ: ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لَا. فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ. فَقُلْتُ لَهُ: أَينَ أَبُوكَ؟ قَال: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي ـــــــــــــــــــــــــــــ بردين أو على العكس ليصير لكل واحد منهما حلة متوافقة ولكنه فعل ذلك عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - "ألبسوهم مما تلبسون" كما سيأتي في كلامه، قال عبادة بن الوليد (فقال له) أي لأبي اليسر (أبي) أي والدي وليد بن عبادة (يا عم إني أرى) وأبصر (في وجهك سفعة) أي تغيرًا وعلامة (من غضب) فما شأنك والسفعة بفتح السين وضمها أيضًا في أصل اللغة السواد، قال ابن منظور في اللسان [6/ 271] ومنه حديث أبي اليسر (أرى في وجهك سفعة من غضب) أي تغيرًا إلى السواد، فما سببها (قال) أبو اليسر للوليد (أجل) أي نعم لي غضب تغير بسببه وجهي، وذلك أنه (كان لي على فلان بن فلان الحرامي) أي المنسوب إلى بني حرام بفتح الحاء والراء بطن من الأنصار، ورواه الطبري وغيره (الحزامي) بالزاي المعجمة مع كسر الحاء ورواه ابن ماهان (الجذامي) بجيم مضمومة ودال معجمة اسمه الحارث بن يزيد الجهني (مال) أي دين (فأتيت أهله) أي زوجته (فسلمت) عليهم (فقلت) لهم أ (ثم هو) أي أههنا فلان بتقدير همزة الاستفهام أي أهو ثمه أي في هذا المكان، وثم هنا مستعارة للإشارة إلى المكان القريب وإن كانت في أصلها للبعيد (قالوا) أي قال أهله لي (لا) أي ليس ها هنا (فخرج عليّ) من بيته (ابن له) أي لفلان (جفر) أي صغير، قال النووي: الجفر بضم الجيم وسكون الفاء هو الذي قارب البلوغ، وقيل هو الذي قوي على الأكل، وقيل ابن خمس سنين وهو في أصل اللغة ولد المعز الذي بلغ أربعة أشهر، وجفر جنباه وفصل عن أمه وأخذ في الرعي، والمؤنث منه جفرة اهـ من اللسان [6/ 304] (فقلت له) أي لابنه (أين أبوك) فـ (قال) لي (سمع صوتك فدخل أريكة أمي) أي حجلتها وستارتها، قال ثعلب: الأريكة هو السرير الذي في الحجلة والحجلة ستارة العروس ولا يُسمى السرير أريكة إلا إذا كان في الحجلة، وقال الزجّاج: الأرائك الفرش في الحجال، وقيل الأريكة سرير منجد مزين في قبة أو في بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة اهـ من اللسان، والحاصل أنه اختفى تحت أريكة أمه وسريرها لئلا تقع مواجهته لأبي اليسر - رضي الله عنه -، قال أبو اليسر

فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ. فَقَدْ عَلِمْتُ أَينَ أَنْتَ. فَخَرَجَ. فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اختَبَأْتَ مِنِّي؟ قَال: أَنَا، وَاللهِ، أُحَدِّثُكَ. ثُمَّ لَا أَكْذِبُكَ. خَشِيتُ، وَاللهِ، أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ. وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ. وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَكُنْتُ، وَاللهِ، مُعْسِرًا. قَال: قُلْتُ: آللهِ. قَال: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ. قَال: اللهِ. قُلْتُ: آللهِ. قَال: اللهِ. قَال: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ. فَقَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ (فقلت) له (اخرج إليّ فقد علمت أين أنت) أي في أي مكان أنت، قال أبو اليسر (فخرج) إليّ من أريكتها (فقلت) له (ما حملك) وبعثك (على أن اختبأت) واختفيت (مني) فـ (قال) لي (أنا والله أحدّثك) وأخبرك خبرًا صادقًا في بيان سبب اختفائي عنك (ثم) بعد بيان سبب اختفائي عنك (لا أكذبك) أي لا أخبرك الكذب في شأن قضاء دينك بالوعد لك في قضائه، وأنا لا أقدر على قضائه (خشيت والله أن أحدّثك) وأخبرك في شأن دينك بالوعد لك في قضائه (فكذبك) أي فأخبرك الكذب في قضائه (وأن أعدك) في قضائه (فأخلفك) أي فأخلف وعدك في قضائه، وهذه الجملة مفسرة لما قبلها (و) الحال أنك (كنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يعني أنني أصدقك الآن في بيان سبب اختفائي عنك وهو أني خشيت إن واجهتك أن أكذب في وعدي لك وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرفع من أن يكذب في مواجهتك أحد (وكنت) أنا (والله معسرًا) عن قضاء دينك (قال) أبو اليسر (قلت) لمديني (الله) أي أقسمت لك بالله هل كنت معسرًا عن قضاء ديني (قال) المدين (الله) أي والله كنت معسرًا عن قضاء دينك (قلت) له ثانيًا (والله) هل كنت معسرًا (قال) ثانيًا و (الله) كنت معسرًا (قلت) له ثالثًا (آلله) هل كنت معسرًا (قال) ثالثًا و (الله) كنت معسرًا، كرر القسم من الجهتين لمبالغة التأكيد، قوله (قلت آلله) بمد همزة الاستفهام الداخلة على همزة الوصل في الجلالة، ولفظ الجلالة مجرور بحرف قسم محذوف فكأنه قال أقسمت لك بالله هل كنت معسرًا عن قضاء ديني، وقوله (قال الله) بلا مد همزة لأنه جواب لسؤال استفهام الدائن فلا تصلح فيه همزة الاستفهام، ولفظ الجلالة مجرور بحرف قسم محذوف فكأنه قال أقسمت لك بالله كنت معسرًا عن قضاء دينك (قال) وليد بن عبادة (فأتى) أبو اليسر (بصحيفته) أي بضمامته ودفتره التي كتب فيها ديونه وآجالها (فمحاها) أي فمحى صحيفته أي محى دين هذا المدين الذي ادعى الإعسار (بيده) عن تلك الصحيفة (فقال) أبو اليسر

إِنْ وَجَدْتَ قَضاءً فَاقْضِنِي. وَإِلّا، أَنْتَ فِي حِلٍّ. فَأَشْهَدُ بَصَرُ عَينَيَّ هَاتَينِ (وَوَضَعَ إِصْبَعَيهِ عَلَى عَينَيهِ) وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَينِ، وَوَعَاهُ قَلبِي هَذَا (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــ للمدين (إن وجدت قضاء) أي ما تقضي به ديني (فاقضني) أي فاقض لي ديني بلا مطالبة مني لك (وإلا) أي وإن لم تجد ما تقضي به ديني فـ (أنت في حل) وإذن وبراءة من ديني، قوله (فمحاها بيده) كأنه كان قد كتب في صحيفته أن له دينًا على فلان فمحا هذه الكتابة لئلا يبقى الدين مسجلًا وإنما فعل ذلك لأنه عزم على أن لا يطالبه بالدين بعد ذلك إلا أن يجد سعة فيؤديه بنفسه. ثم قال أبو اليسر (فأشهد) مضارع بمعنى الماضي (بصر) بفتح الصاد وضم الراء فاعل شهد وإضافته إلى (عيني) من إضافة المصدر إلى فاعله (هاتين) بدل من عيني، وقوله (ووضع إصبعيه) السبابتين (على عينيه) جملة حالية من فاعل قال المحذوف ومفعول أشهد قوله (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالنصب لأنه مفعول أشهد، وقوله (وسمع أذني هاتين) بصيغة المصدر معطوف على قوله بصر عيني على كونه فاعل شهد بمعنى سمع؛ والمعنى قال أبو اليسر فأشهد أي شهد ورأى بصر أي نظر عيني هاتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وهو يقول من انظر معسرًا) .. الخ أي قال ذلك، والحال أنه قد وضع إصبعيه على عينيه، وقال أبو اليسر أيضًا: وشهد سمع أذنيّ هاتين أي سمع سمع أذنيّ هاتين مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول .. الخ، أي قال أبو اليسر ذلك والحال أنه قد أمسك أذنيه بيديه، وجملة قوله (ووعاه) أي وحفظ (قلبي هذا) ما سمع أذنيّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسم الإشارة بدل من قلبي جملة معترضة بين الفعل وهو أشهد ومفعوله وهو رسول الله، وجملة قوله (وأشار إلى مناط) أي إلى موضع (قلبه) وهو تحت الصدر حال من فاعل، قال المقدر أي قال أبو اليسر: ووعى قلبي هذا ما سمعت أذناي والحال أنه قد أشار إلى مناط قلبه وموضعه. وهذا المعنى على رواية الأكثرين وهي (بصر عيني هاتين) بفتح الصاد وضم الراء وكذلك (سمع أذني هاتين) بسكون الميم وضم العين مع فتح السين على كونهما مصدرين مضافين إلى فاعلهما وهو محاورة من محاورات العرب، قال سيبويه: العرب تقول سمع أذني زيدًا ورأى عيني يقول ذلك ويفعل ذلك وأنشدوا: ورأى عيني الفتى أخاكا ... يُعطي الجزيل فعليك ذاكا

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ وهما مصدران استعيرا لمعنى الفعل لزيادة التأكيد ومفعولهما (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولذلك نصب، وقبله جملة معترضة وهي (ووعاه قلبي) يعني وعى قلبي ما رأيته وسمعته منه والفصل بين الفاعل والمفعول بمثل هذه الجملة المعترضة فصل بغير أجنبي فإنه يفيد التأكيد. وقوله (أشهد) قبل هذا الكلام في معنى القسم، وأقول والأرجح الأوضح الأوفق للقاعدة النحوية في إعراب هذا الحديث لفظ (فأشهد) جملة قسمية بمعنى فأقسم (بصر عيني) مصدر مضاف إلى فاعله مرفوع على أنه مبتدأ خبره محذوف وجوبًا، والجملة الحالية وهي قوله (وهو يقول) ساد مسد الخبر وهذه الحال قد تكون اسمًا مفردًا كما في قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائمًا، وقد تكون جملة فعلية كما في البيت المذكور، وقد تكون جملة اسمية مع الواو كما في حديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وكما هنا والمعنى فأشهد أي أقسم بصر عيني هاتين ورؤيتهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصل وهو يقول (من أنظر معسرًا) .. إلخ وسمع أذنيّ هاتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصل وهو يقول (من أنظر معسرًا) ... إلخ وقس عليه إعراب الحديث الآتي. وفي رواية العُذري (بصر) بضم الصاد وفتح الراء على صيغة الماضي، و (عيناي) بالرفع على أنه فاعل، وكذلك (وسمع) بكسر الميم فعلًا ماضيًا (أذناي) بالرفع فاعل، وجملة (ووعاه قلبي) معترضة بين الفعل والمفعول وهو قوله بعد (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) والمعنى على هذه الرواية قال أبو اليسر: فأشهد على أنه بصرت عيناي هاتان وسمعت أذناي هاتان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول .. الخ وقد وعاه قلبي ما رأيته وسمعته منه - صلى الله عليه وسلم -، قال القاضي: وللعذري (وأشار إلى نياط قلبه) بالنون المكسورة، ولغيره (مناط قلبه) بالميم المفتوحة، قال صاحب العين: نياط القلب ومناطه حرف معلق به أي بالقلب اهـ، قال الأبي: الأصل في الترتيب تقديم الفعل ثم يليه الفاعل ثم يلي الفاعل المفعول، وقد يعرض ما يوجب الخروج عن هذا الأصل على ما هو مذكور في محله وليس في هذا الحديث إلا الفصل بين الفاعل والمفعول بما ليس بأجنبي بل بما يفيد توكيدًا وذاك خفيف اهـ منه. أي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وهو يقول من أنظر معسرًا) أي أمهله مع بقاء الدين بمقدار ما كان (أو وضع عنه) أي أو نقص عنه شيئًا من الدين أو عفا عن

أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ". (00) (2994) (154) قَال: فَقُلْتُ لَهُ أَنَا: يَا عَمِّ، لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلامِكَ وَأَعْطَيتَهُ مَعَافِرِيَّكَ، وَأَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيتَهُ بُرْدَتَكَ، فَكَانَتْ عَلَيكَ حُلَّةٌ وَعَلَيهِ حُلَّةٌ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَال: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ كله (أظله الله في ظله) يوم لا ظل إلا ظله، والضمير في قوله (في ظله) عائد إلى الله تعالى قيل المراد به ظل الجنة وإضافته إلى الله تعالى إضافة ملك، والأقوى منه أن يقال المراد به الكرامة والحماية من مكاره الموقف كما يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته اهـ من المبارق، والمذهب الصحيح أن يقال فيه ظل الله صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير اهـ. (فإن قلت) القاعدة أن ثواب الواجب أكثر من ثواب المندوب والأمر هنا بالعكس لأن الإنظار واجب والوضع مندوب، ومن المعلوم أن ثواب الوضع أكثر من ثواب الإنظار (قلت) أجيب بأن ثواب المندوب ها هنا إنما كان أكثر لاستلزامه الواجب لأن الوضع إنظار وزيادة وإنما يكون الأمر كما ذكرت لو لم يكن يستلزمه اهـ من الأبي. وحديث أبي اليسر هذا أخرجه ابن ماجه في الأحكام باب إنظار المعسر [2444]، وأحمد [3/ 427]. ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بالسند السابق لحديث أبي اليسر الأول بحديث آخر له - رضي الله عنه - فقال: (00) (2994) (154) (قال) عبادة بن الوليد بالسند السابق (فقلت له) أي لأبي اليسر (أنا) تأكيد لضمير الفاعل في قلت لأن الفصل بين المؤكد والمؤكد بالجار مغتفر (يا عم لو أنك) لو هنا للتمني لا جواب لها أو الجواب محذوف إن كانت شرطية أي أتمنى أنك (أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك وأخذت معافريه وأعطيته بردتك فكانت عليك حلة) متوافقة متحدة الجنس (و) كانت (عليه حلة) متحدة، والمعنى أتمنى كون ذلك لكما أو لكان أحسن لكما، قال وليد بن عبادة (فمسح) أبو اليسر (رأسي وقال) في الدعاء لي (اللهم بارك فيه) أي في الولد النجيب. قوله (وأخذت معافريه وأعطيته بردتك) هكذا وقع في جميع الروايات والنسخ بلفظ

يَا ابْنَ أَخِي، بَصَرُ عَينَيَّ هَاتَينِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَينِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا (وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ) رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: "أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ. وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ". وَكَانَ أَنْ أَعْطَيتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو في أول هذه الفقرة ولكنه لا يستقيم معنى فالصواب أو أخذت معافريه .. إلخ بلفظة أو وذلك لأنه يريد أن يكون على كل واحد منهما حلة متوافقة كما هو ظاهر من قوله فكانت عليه حلة وعليه حلة، وإنما يحصل ذلك إذا أخذ بردته وأعطاه معافريه حتى يكون عنده بردتان وعند غلامه معافريان أو بالعكس بأن يأخذ معافريه ويعطيه بردته حتى يصير عنده معافريان وعند غلامه بردتان، ولا يحصل ذلك المقصود بالجمع بين الأمرين بأن يأخذ بردته ويعطيه بردة نفسه ويأخذ معافريه ويعطيه معافري نفسه فإن ذلك لا يؤول إلا إلى تغيير الثياب بدون أن يجتمع عند أحد منهما حلة كاملة لأن الحلة ثوبان من جنس واحد أحدهما على الآخر وبذلك تسمى الحلة لحلول أحدهما على الآخر، وقال أبو عبيد: الحلة إزار ورداء ولا يكون حلة حتى يكونا ثوبين، وقيل لا يقال حلة إلا للثوب الجديد الذي حُلّ الآن من طيه لأن الحلة ثوب على ثوب، وسُميت حلة لحلول أحدهما على الآخر اهـ من الأبي. ثم قال أبو اليسر في جواب ما قلت له (يا ابن أخي بصر عيني هاتين) ورؤيتهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصل وهو يقول أطعموهم .. إلخ (وسمع أذنيّ هاتين) أي سماعهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصل وهو يقول .. إلخ (و) الحال أنه قد (وعاه) أي قد حفظ (قلبي هذا) ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (و) يقول ذلك وقد (أشار) بقوله هذا (إلى مناط) وموضع (قلبه) وقوله (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالنصب مفعول المصدرين اللذين هما بصر وسمع (وهو) - صلى الله عليه وسلم - (يقول) إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم (أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون) قال أبو اليسر (وكان أن أعطيته) أي وكان إعطائي إياه أي لغلامي (من متاع الدنيا) وزينتها (أهون) أي أسهل (عليّ من أن يأخذ) هو أي غلامي (من حسناتي يوم القيامة). وحمل أبو اليسر - رضي الله عنه - هذا الحديث على المساواة حتى في أصناف الثياب

(00) (2995) (155) ثُمَّ مَضَينَا حَتَّى أَتَينَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي مَسْجِدِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُشْتَمِلًا بِهِ. فَتَخَطَّيتُ الْقَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذلك لم يرض بأن تكون عليه حلة بردة وعلى غلامه حلة معافري أو بالعكس وذلك احتياط منه - رضي الله عنه - وورع، والجمهور على أن المقصود من الحديث المواساة لا المساواة ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة عند البخاري في العتق [رقم 2557] "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين" وحديث أبي هريرة مرفوعًا "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يُكلّف من العمل ما لا يطيق" وهو يقتضي الرد في ذلك إلى العرف فمن زاد عليه كان متطوعًا اهـ فتح الباري [5/ 174]. قوله (وألبسوهم مما تلبسون) قال الأبي: كان بعض شيوخنا يقول المراد مما تلبسون الاتحاد بالنوع لا بالصنف فإذا لبس السيد الملف ولبس المملوك ثوبًا من نسج الحائك صدق أنه كساه مما يلبس اهـ. وهذا الحديث من رواية أبي اليسر مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات وقد أخرجه البخاري في العتق [رقم 2545] من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - ولفظه "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الأول من أحاديث جابر - رضي الله عنه - فقال: (00) (2995) (155) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق (ثم) بعدما أخذنا الحديث من أبي اليسر (مضينا) أي ذهبنا من عنده (حتى أتينا جابر بن عبد الله) الأنصاري الخزرجي - رضي الله عنهما - (في مسجده) أي في مسجد جابر ومصلاه من المسجد النبوي (وهو) أي والحال أن جابرًا (يصلي في ثوب واحد مشتملًا) أي ملتحفًا ومتلففًا (به) أي بذلك الثوب الواحد اشتمالًا ليس باشتمال الصماء المنهي عنه وما عداه من الاشتمال كالاعتطاف والاضطباع فليس بمنهي عنه اهـ من الأبي، وفيه دليل على جواز الصلاة في ثوب واحد مع وجود الثياب لكن الأفضل أن يزيد على ثوب واحد عند الإمكان وإنما فعل جابر هذا للتعليم ولبيان الجواز كما بيّن ذلك في قوله الآتي، قال عبادة بن الوليد (فتخطيت) أنا (القوم) أي على رقاب القوم، قال القاضي: فعل ذلك وزاحم حرصًا على

حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَهُ وَبَينَ الْقِبْلَةِ. فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، أَتُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنْبِكَ؟ قَال: فَقَال بِيَدِهِ فِي صدْرِي هَكَذَا. وَفَرَّقَ بَينَ أَصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا: أَرَدْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الأَحْمَقُ مِثْلُكَ، فَيَرَانِي كَيفَ أصْنَعُ، فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِنَا هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ القرب منه لسماع العلم (حتى جلست بينه) أي بين جابر (وبين) جهة (القبلة) له (فقلت) له (يرحمك الله) تعالى (أتصلي) يا جابر (في ثوب واحد) مشتملًا به (ورداؤك) أي والحال أن رداءك موضوع (إلى جنبك) قريبًا منك (قال) جابر في جواب سؤالي عن صلاته في ثوب واحد ومقول قال سيأتي بقوله "أردت أن يدخل عليّ الأحمق .. إلخ" وجملة قوله (فقال) جابر أي ضربني (بيده) أي بظهر كفه (في صدري هكذا) أي مقوسًا أصابعه، وفسر اسم الإشارة بقوله (وفرّق بين أصابعه وقوّسها) أي ضربني بظهر كفه في صدري حالة كونه هكذا أي مفرّقًا بين أصابعه ومقوّسًا لها أي جاعلًا لها على صورة القوس يعني أنه بعد التفريق بين الأصابع لواها وثناها إلى باطن الكف معترضة بين قال الأول ومقوله أو الفاء في قال الثاني بمعنى واو الحال وجملته حال من فاعل قال الأول بتقدير قد أي قال جابر أردت أن يدخل عليّ .. إلخ وقد قال وضرب بيده في صدري، وفي قال الثاني استعمال القول بمعنى الفعل وهو سائغ شائع في كلامهم وذكر مقول قال الأول بقوله (أردت أن يدخل عليّ) أي قال جابر في جواب سؤالي عن صلاته في ثوب واحد وقد ضربني بكفه في صدري قصدت بصلاتي في ثوب واحد وعندي ردائي أن يدخل عليّ وأنا في صلاتي (الأحمق) أي الجاهل (مثلك فيراني) ذلك الأحمق (كيف أصنع) في صلاتي فيتعلم جواز الصلاة في ثوب واحد (فيصنع) ذلك الأحمق في صلاته (مثله) أي مثل ما أنا صنعته من الصلاة في ثوب واحد مشتملًا به، والمراد بـ (الأحمق) هنا الجاهل، وحقيقة الأحمق من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه كمن ترك الصلاة بلا عذر حتى خرج وقتها مثلًا، وفي هذا جواز إطلاق لفظ الأحمق على من استحق للتعزير والتأديب وزجر المتعلم وتنبيهه ولأن لفظ الأحمق والظالم قل من ينفك من الاتصاف بهما وهذه الألفاظ هي التي يؤدب بها المتقون والورعون من استحق التأديب اهـ نووي، قال السنوسي: وسماه الأحمق لعدم موافقة فعله الأدب، من تخطئة الناس وجلوسه بينه وبين القبلة، ثم قال جابر (أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجدنا هذا) يعني

وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنِ طَابٍ. فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِالْعُرْجُونِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَينَا فَقَال: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ لا قَال: فَخَشَعْنَا. ثُمَّ قَال: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قَال: فَخَشَعْنَا. ثُمَّ قَال: ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد النبوي، وهذا الحديث لا علاقة له بما قبله من جواز الصلاة في الثوب الواحد وإنما ذكره مستقلًا لكون عبادة بن الوليد وأبيه أتيا إليه طالبين للحديث (وفي يده) الشريفة (عرجون ابن طاب) والعرجون بضمتين بينهما راء ساكنة عود العنقود من النخل مشتمل على شماريخ كثيرة، والشماريخ جمع شمراخ والشمراخ الحبال التي تنفرد به كل حبة من حبوب الرطب وابن طاب نوع من أنواع التمر، قال القرطبي؛ والعرجون عود الكباسة والكباسة والعذق والعثكال والعثكول كله واحد وكل غصن من أغصان الكباس فيه شمراخ والشمراخ هو الذي عليه السير من خمس إلى ثمان، وابن طاب نوع من التمر طيب، قال ابن حمزة: ابن طاب عذق بالمدينة والعذق بفتح العين النخل نفسه اهـ من الأبي (فرأى) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (في قبلة المسجد) أي في الجهة التي يستقبلها المصلي في صلاته من المسجد (نُخامة) بضم النون وبالميم وهي ما يخرج من الصدر من الفضلة، والمخاط بالميم وبالطاء ما يخرج من الأنف، والنخاعة بضم النون وبالعين المهملة اسم مشترك بين ما يخرج من الصدر وما يخرج من الأنف اهـ من موهبة ذي الفضل للترمسي على بافضل (فحكها) أي حك تلك النخامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جدار المسجد ولكنها يبست عليه (بالعرجون) أي بعود الكياسة (ثم أقبل) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (علينا) معاشر الحاضرين في المسجد بوجهه الشريف (فقال) مخاطبًا لنا (أيكم) أيها المسلمون (يحب) لنفسه (أن يعرض الله) سبحانه (عنه) في صلاته بوجهه المقدس، وإعراض الله سبحانه عن عبده صفة ثابتة لله نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها عدم قبول عمله عنه (قال) جابر (فخشعنا) أي فزعنا لذلك أي لما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إعراض الله عنا يقال خشع له وتخشع إذا تذلل له، قال ابن سلام: الخشوع الخوف الثابت في القلب، وقال الليث: الخشوع قريب المعنى إلى الخضوع إلا أن الخضوع يكون في البدن والبصر والصوت، قال القاضي: كذا رويناه بالخاء المعجمة عن الأكثرين، ورويناه عن القاضي الشهيد (فجشعنا) بالجيم وكسر الشين ومعناهما صحيح فمعناه بالخاء الخوف والتذلل وبالجيم الفزع (ثم قال)

"أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قُلْنَا: لَا أَيُّنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى قِبَلَ وَجْهِهِ. فَلَا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ. ولا عَنْ يَمِينِهِ. وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ بِثَوْبِهِ هكَذَا" ثُمَّ طَوَى ثَوْبَهُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَال: "أَرُونِي عَبِيرًا" فَقَامَ فَتًى مِنَ الْحَيِّ يَشْتَدُّ إِلَى أَهْلِهِ. فَجَاءَ بِخَلُوقٍ فِي رَاحَتِهِ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة ثانية (أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؟ قال فخشعنا ثم قال) مرة ثالثة (أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؛ قلنا) له (لا) يحب (أينا) أي أحد منا (يا رسول الله) أن يُعرض الله عنه في صلاته، ثم (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه) أي في الجهة المقابلة لوجهه يعني جهة القبلة وكون الله قبل وجه العبد صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (فلا يبصقن) أي يبزقن أي لا يرمين بصاقه من فمه (قبل وجهه) أي في الجهة المقابلة لوجهه (ولا) يبصقن (عن يمينه) تعظيمًا لجهتها لأنها مرتفعة عن الأقذار قاله القاضي لأن فيها كاتب الحسنات التي منها الصلاة (وليبصق عن يساره) لعدم شرفها لأنها جهة الأقذار ولكن يبصق (تحت رجله اليسرى) لئلا يؤذي من على يساره، والبصاق وكذا البزاق ما يجري من الفم منبعها تحت أصل اللسان (فإن عجلت به) أي غلبت عليه بصقة أو نخامة (بادرة) أي مسرعة (فلـ) يبصق في طرف ثوبه و (يقل) أي يدلك ذلك البصاق (بثوبه) دلكًا شديدًا (هكذا) أي لافًا بعضه ببعض حتى ينعدم البصاق، أو المعنى فليفعل بثوبه هكذا، وفيه استعمال القول بمعنى الفعل (ثم طوى) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثوبه) أي لف طرفه (بعضه على بعض فقال) لمن عنده (أروني) أي أعطوني (عبيرًا) أي طيبًا مخلوطًا من أنواع، قال أبو عبيد: العبير عند العرب هو الزعفران وحده، وقال الأصمعي: هو أخلاط من الطيب تُجمع بالزعفران، قال ابن قتيبة: ولا أرى القول إلا ما قاله الأصمعي (فقام) من بين القوم (فتى) أي شاب (من الحي) أي من قبيل لقوم فمشى حالة كونه (يشتد) أي يسعى ويعدو عدوًا شديدًا (إلى أهله) وبيته (فجاء) ذلك الفتى من أهله (بخلوق في راحته) أي في كفه أي بطيب مخلوط من أنواع مختلفة يُجمع بالزعفران وهو العبير على تفسير الأصمعي فغلب عليه الحمرة والصفرة كانت تستعمله النماء (فأخذه) أي فأخذ (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ذلك

فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ الْعُرْجُونِ، ثُمَّ لَطَخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخَامَةِ. فَقَال جَابِرٌ: فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمُ الْخَلُوقَ فِي مَسَاجِدِكُمْ. (00) (2996) (156) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ. وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ الخلوق من الفتى (فجعله) أي فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الخلوق (على رأس العرجون) وطرف العنقود (ثم لطخ) أي مسح (به) أي بذلك الخلوق (على أثر النخامة) ومحلها إزالة لرائحتها الكريهة ومنظرها القبيح (فقال جابر فمن هناك) أي فمن ذلك اليوم (جعلتم الخلوق في مساجدكم). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب في كراهية البزاق في المسجد [485]، وأحمد [3/ 396]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الثاني من أحاديث جابر الذي سمعه منه عبادة بن الوليد فرواه مجموعًا مع أحاديث أخرى بالسند السابق فقال: (00) (2996) (156) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بطن بواط) بضم الباء وتخفيف الواو وهي رواية الأكثرين وفتح العذري الباء، وصححه عطية ابن سراج وهو جبل من جبال جهينة بناحية رضوى كما في معجم البلدان للحموي [2/ 503] وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا هذه الغزوة في السنة الثانية من الهجرة في شهر ربيع الأل قبل غزوة بدر يريد قريشًا، واستعمل على المدينة السائب بن مظعون وهو أخو عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنهما حتى بلغ بواط ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا راجع سيرة ابن هشام مع الروض الأنف للسهيلي [2/ 57]، وذكر الواقدي في مغازيه [1/ 12] أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج يعترض لعير قريش فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش وألفان وخمسمائة بعير، ثم رجع ولم يلق كيدًا فيمكن أن يكون المجدي بن عمرو الجهني المذكور في هذا الحديث من جملة أصحاب العير والله سبحانه أعلم (وهو) - صلى الله عليه وسلم - (يطلب المجدي بن عمرو الجهني) قال القاضي: هو لعامة الرواة بفتح الميم وسكون الجيم، وفي بعض النسخ النجدي بالنون وهو رئيس جهينة

وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ. فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ. فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ. ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ. فَقَال لَهُ: شَأْ. لَعَنَكَ اللهُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذَا اللّاعِنُ بَعِيرَهُ؟ " قَال: أَنَا. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "انْزِلْ عَنْهُ. فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ. لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (وكان الناضح) الواحد (يعقبه) أي يعتقبه ويتناوبه ويتداول على ركوبه (منا الخمسة) أي الخمسة منا أي من الأنصار ومن غيرهم (والستة) منا (والسبعة) منا، والناضح البعير الذي يستقى عليه الماء ثم استعمل في كل بعير مطلقًا، وقوله (يعقبه) بضم القاف من باب نصر فهو يعتقبه أي يتناوب الخمسة منا في ركوبه فيركب واحد عقب الآخر (فدارت) أي وصلت (عقبة رجل) أي نوبة ركوب رجل (من الأنصار على ناضح) كان له إليه، والعقبة بضم العين وسكون القاف النوبة والسيرة أي ركوب هذا نوبة وهذا أخرى حتى وصلت إلى الأخير أي دارت النوبة على الشركاء فيه حتى وصلت إلى صاحب الناضح ومالكه، قال صاحب العين: هي ركوب واحد منهم مقدار فرسخين أو ثلاثة مثلًا (فأناخه) أي فأناخ الرجل البعير فأضجعه ليركبه في نوبته (فركبه ثم بعثه) أي حثه على النهوض والقيام (فتلدّن) أي تلكأ وتباطأ وتوقف البعير (عليه) أي على الرجل (بعض التلدّن) أي بعض التوقف أي شيئًا من التأخر ولم يقم لعجزه وضعفه من السير (فقال) الرجل (له) أي للبعير (شأ) أي قم (لعنك الله) أي طردك الله من رحمته، وقوله (شأ) هكذا هو في نسخ بلادنا بالشين المعجمة، وفي بعض الروايات (سأ) بالسين المهملة وكلاهما صوت يزجر به البعير، يقال شأشأت البعير بالمعجمة وبالمهملة إذا زجرته بقولك شأ أو سأ ليقوم (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حين سمع لعن الرجل (من هذا اللاعن بعيره؟ قال) الرجل (أنا) اللاعن (يا رسول الله قال) رسول الله للرجل (انزل عنه) أي عن بعيرك (فلا تصحبنا) أي فلا تمش معنا (بـ) بعير (ملعون) لك، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيها الناس (لا تدعوا على أنفسكم) ولا تلعنوها (ولا تدعوا على أولادكم) ولا تلعنوهم (ولا تدعوا على أموالكم) ودوابكم ولا تلعنوها (لا توافقوا) أي لا تدعوا على أي شيء كان موافقين (من الله) سبحانه (ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب) الله (لكم)

(00) (2997) (157) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. حَتَّى إِذَا كَانَتْ عُشَيْشِيَةٌ وَدَنَوْنَا مَاءً مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ، قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَجُلٌ يَتَقَدَّمُنَا فَيَمْدُرُ الْحَوْضَ فَيَشْرَبُ وَيَسْقِينَا؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ بنصبه بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي أي لا يكن منكم موافقة لتلك الساعة فاستجابة الله لكم، وبرفعه على الاستئناف على تقدير مبتدأ أي فهو يستجيب لكم. والحديث يدل على عدم جواز لعن البعير وغيره من سائر الدواب وعلى عدم جواز الدعاء على نفسه وأهله. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب النهي عن أن يدعو الإنسان على نفسه وأهله وماله [1532]، وابن حبان [7/ 498]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الثالث من أحاديث جابر التي رواها عنه عبادة بن الوليد بالسند السابق فقال: (00) (2997) (157) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في بعض تلك الأيام أيام غزواته (حتى إذا كانت) ودخلت علينا (عشيشية) أي عشية بضم العين وفتح الشين الأولى وكسر الثانية وتخفيف الياء الثانية تصغير للعشية المصغرة على خلاف القياس لأن المصغر لا يصغر ثانيًا لأن قياس تصغيرها أن يقال عشية فأبدلوا إحدى الياءين شيئًا وأصلها قبل التصغير عشية بفتح العين المهملة وهو ما بين الزوال إلى نصف الليل ويقابلها البكرة ويقال لها الأصيل، فقوله (عشيشية) أصله عشييية بثلاث ياءآت فأبدلوا الثانية شيئًا لتوالي الأمثال فصار عشيشية (ودنونا) أي قربنا (ماءً) أي بئرًا (من مياه العرب) أي من آبارها لأن الأنهار والعيون ليست في بلادهم لشدة قربها إلى البحر (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) جواب إذا (من رجل يتقدمنا) بفتح الميم من من لأنها استفهامية، أي أي رجل يسبقنا ويمشي قدامنا (فيمدر) لنا (الحوض) أي يطينه ويصلحه لنا يقال يمدر مدرًا من باب نصر والمدر بسكون الدال تطيينك وجه الحوض بالطين الحر لئلا ينشف كما في لسان العرب [13/ 53] (فيشرب) هو بنفسه (ويسقينا) أي يسقي لنا

قَال جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ مَعَ جَابِرٍ؟ " فَقَامَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْبِئْرِ. فَنَزَعْنَا فِي الْحَوْضِ سَجْلًا أَوْ سَجْلَينِ. ثُمَّ مَدَرْنَاهُ. ثُمَّ نَزَعْنَا فِيهِ حَتَّى أَفْهَقْنَاهُ. فَكَانَ أَوَّلَ طَالِعٍ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَال: "أتأْذَنَانِ؟ " ـــــــــــــــــــــــــــــ دوابنا بإخراج الماء من البئر ونقله إلى الحوض (قال جابر فقمت) من بين القوم (فقلت هذا) القائم يريد نفسه (رجل) مستعد لهذا الأمر يعني التقدم (يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) للقوم (أي رجل) منكم يتقدم لنا (مع جابر فقام جبار بن صخر) الأنصاري ثم السلمي - رضي الله عنه - فقال: أنا مع جابر يا رسول الله، يكنى أبا عبد الله ذكره موسى بن عقبة عن ابن شهاب في أهل العقبة، وذكره أبو الأسود عن عروة في أهل بدر وكان يخرص نخيل خيبر بعد عبد الله بن رواحة ولا يعرف له حديث في غير هذه القصة اهـ من الإصابة [1/ 221] (فانطلقنا) أي فانطلقت أنا وجبار بن صخر (إلى البئر) الذي أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال جابر (فنزعنا) أي جبذنا وأخذنا الماء من البئر فصببناه وكببناه (في الحوض سجلًا أو سجلين) أي دلوًا أو دلوين، والسجل بفتح السين وسكون الجيم الدلو المملوءة ماء، قال المازري: قال ابن السكيت: يقال نزعت الدلو جبذبتها ونزعت في السهم رميت به ونزعت من كتاب الله قرأتها محتجًا بها، وقال الهروي: السجل الدلو الملأى (ثم مدرناه) أي مدرنا الحوض وطيبناه وأصحلناه (ثم نزعنا) الماء ونزحناه (فيه) أي في الحوض أي أخذنا الماء من البئر وصببناه فيه (حتى أفهقناه) أي أفهقنا الحوض وملأناه ماء، من الفهق وهو الامتلاء يقال أفهقت الإناء ففهق وبئر مفهاق أي كبيرة كذا ذكره القاضي من الجمهور، قال: ورواه السمرقندي (أضففناه) وهو صحيح المعنى قيل معناه ملأناه حتى بلغ ضفتيه وهما جانباه أي جمعنا الماء فيه وضفة الناس جماعتهم كله بفتح الضاد اهـ من الأبي. والحاصل أنه كان هناك بئر وحوض فنزعنا أولًا دلوًا أو دلوين لتحويل التراب إلى الطين ثم طيّنا الحوض لتنظف وتستقر فيه الماء الطيب ثم نزعنا من البئر وملأنا ذلك الحوض اهـ تكملة (فكان أول طالع) وقادم (علينا) بالنصب على أنه خبر لكان مقدمًا (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالرفع اسم كان مؤخرًا (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا (أتأذنان) لي أن أسقيه

قُلْنَا: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَشْرَعَ نَاقَتَهُ فَشَرِبَتْ. شَنَقَ لَهَا فَشَجَتْ فَبَالت. ثُمَّ عَدَلَ بِهَا فَأَنَاخَهَا. ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحَوْضِ فَتَوَضَّأَ مِنهُ. ثُمَّ قُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ مِنْ مُتَوَضَّإِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلِّيَ. وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ راحلتي (قلنا) له (نعم) أذنا لك (يا رسول الله) أن تسقيه إياها، قال القاضي: استئذانهما لأنهما أحق بالماء لسبقهما أو، وعملهما الحوض وإن كان يعلم أنهما يرضيان به ولو أرصداه ولكنه أخذ بأفضل الأخلاق ليُقتدى به، قال النووي: هو تعليم لأمته طريق الورع في مثل هذا (فأشرع) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ناقته) في الحوض أي أرسل رأسها في الماء لتشرب (فشربت) منه يقال شرعت الدابة في الماء شربت منه بفمها وأشرعتها أي جعلتها تشرب، ثم بعدما شربت (شنق لها) أي ضيق عليها زمامها وكفها بزمامها وهو راكب لها، قال ابن دريد: والشنق هو أن تجذب زمامها حتى تقارب رأسها قادمة الرحل ومقدمه لترجع عن شرب الماء وتتركه لشبعها من الماء فـ (فشجت) أي ففرجت بين رجليها (فبالت) أي أخرجت البول يقال شنقها وأشنقها إذا كفها من الماء بزمامها وهو راكب عليها لقضاء وطرها من الماء، وقوله (فشجت) والفاء فيه أصلية لأنها فاء الكلمة والشين عين الكلمة والجيم مخففة لامها على وزن فتح يقال فشج البعير إذا فرج بين رجليه وباعد بينهما ليبول وفثج مضعف فشج أبلغ منه قاله الأزهري وغيره، ووقع في بعض الروايات (فشجت) بتشديد الجيم والفاء على هذه الرواية عاطفة ليست جزء كلمة ومعنى (شجت) قطعت الشرب والأول أولى، وقوله (شنق لها) و (فشجت) يقدر قبل كل واحد منهما حرف العطف أي (وشنق لها) و (فشجت) (فبالت) (ثم عدل) ومال (بها) عن موضع الحوض (فأناخها) أي أضجعها وأبركها لتستريح (ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) نازلًا عنها (إلى الحوض فتوضأ منه) أي من ماء الحوض فقام وذهب، قال جابر (ثم قمت) أنا من مجلسي (فتوضأت من متوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي من المكان الذي توضأ منه من الحوض تبركًا بأثر وضوءه (فذهب جبار بن صخر) إلى البراز حالة كونه يريد أن (يقضي حاجته) حاجة الإنسان (فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي) سنة الوضوء بعدما ركز عنزته، قال جابر (وكانت عليّ بردة) قصير العرض

ذَهَبْتُ أَنْ أُخَالِفَ بَينَ طَرَفَيهَا فَلَمْ تَبْلُغْ لِي. وَكَانَت لَهَا ذَبَاذِبُ فَنَكَّسْتُهَا ثُمَّ خَالفْتُ بَينَ طَرَفَيهَا. ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيهَا. ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ. ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ. ثُمَّ جَاءَ فَقامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ غير واسعته وهي كساء مخطط من صوف تلبسه الأعراب فـ (ذهبت) أي قصدت (أن أخالف) وأعاكس (بين طرفيها) بجعل أحد الطرفين تحت الآخر لئلا تظهر البشرة (فلم تبلغ لي) أي لم تتسع لي للمخالفة لضيق عرضها (وكانت لها) أي لتلك البردة (ذباذب) أي أهداب وأطراف جمع ذبذب بكسر الذال سُميت بذلك لأنها تذبذب على صاحبها إذا مشى أي تتحرك وتضطرب، قال المازري: والمذبذب المضطرب الذي لا يبقى على حال واحدة، يقال تذبذب الشيء إذا اضطرب، ومنه قيل لأسافل الثوب ذباذب يعني أنه كانت عندي بردة واحدة لجميع بدني فأردت أن أغطي بها جميع بدني بأن أجعل طرفها الأيمن على نكبي الأيسر وطرفها الأيسر على منكبي الأيمن ولكني لم أستطع ذلك لصغر البردة فلم يبلغ طرفه إلى المنكب (فكان لها ذباذب) وأهداب يزيد في طولها (فنكستها) بتخفيف الكاف وتشديدها أي قلبتها فجعلت طولها عرضًا وعرضها طولًا وأعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها مثل التنكيس الذي ذكره الفقهاء في صلاة الاستسقاء في كيفيته لتقبل المخالفة بين طرفيها، قال في المصباح: نكسته نكًا من باب قتل قلبته، ومنه قيل ولد منكوس إذا خرج رجلاه قبل رأسه (ثم خالفت بين طرفيها ثم تواقصت) وأحنيت وطأطأت (عليها) بعنقي وأمسكتها بالعنق لئلا تسقط، زاد أبو داود (لا تسقط) أي إنما فعلت ذلك لئلا يسقط الرداء وذلك أن الرداء وإن بلغ إلى المنكب بفضل الذباب ولكنه مع ذلك كان بحيث لا يستقر على المنكب بنفسه فاحتاج إلى أن يمسكه فيما بين ذقنه وعنقه (شم) بعدما ترديت بالبردة (جئت) إلى مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (حتى قمت) أي فقمت لأن حتى بمعنى الفاء أي فقمت (عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بيدي) بالإفراد (فأدارني) أي فحولني عن يساره (حتى أقامني) أي فأقامني (عن يمينه ثم) بعد قضاء حاجته (جاء جبار بن صخر فتوضأ ثم جاء) إلى موضع النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقام) جبار في موضع قيامي أولًا (عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ) أي أمسك

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَينَا جَمِيعًا. فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْمُقُنِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ. ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ. فَقَال هَكَذَا، بِيَدِهِ. يَعْنِي شُدَّ وَسَطَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "يَا جَابِرُ" قُلْتُ: لَبَّيكَ. يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: "إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَينَ طَرَفَيهِ. وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدينا جميعًا) بصيغة التثنية أي بيد كل واحد منا (فدفعنا) أي أخرنا ورجعنا عن مكاننا إلى ورائه (حتى أقامنا خلفه) أي وراءه أي فأقامنا خلفه، وفي الحديث تعليمهما سنة الموقف للمقتدي في صلاة الجماعة إن كان واحدًا يقوم عن يمين الإمام لا عن يساره، وإن كانا اثنين قاما خلف الإمام، قال النووي: وفي الحديث دلالة على أنه لا يكره العمل اليسير في الصلاة إذا كان لحاجة فإن لم يكن لحاجة كُره، وفيه أن موقف الاثنين وراء الإمام وهو مذهب كافة العلماء، وقال ابن مسعود: يقفان بجانبيه اهـ (فجعل) أي شرع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقني) بضم الميم أي ينظر إليّ نظرًا متتابعًا من رمقت الشيء إذا أتبعته النظر اهـ نووي، وقال في المصباح: رمقه بعينه رمقًا من باب قتل أطال النظر إليه اهـ (وأنا) أي والحال أني (لا أشعر) ولا أعلم نظره إليّ أولًا (ثم فطنت) من بابي فرح ومنع أي انتبهت وعرفت (به) أي بنظره إلي أخيرًا (فقال هكذا بيده) أي أشار بيده هكذا أي يعني شده على وسطك، وقوله (يعني) النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإشارة (شد وسطك) تفسير لاسم الإشارة، قال القاضي عياض: وفي الحديث جواز الإشارة في الصلاة لا سيما لمصلحة الصلاة وكذلك العمل اليسير لرد جابر من يساره إلى يمينه وتقدم جميع ذلك في كتاب الصلاة (فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من صلاته (قال) لي (يا جابر، قلت: لبيك يا رسول الله) فـ (قال إذا كان) ثوبك (واسعًا فخالف) أي فالبسه مخالفًا (بين طرفيه) كهيئة الصبيان في بعض البلاد (وإذا كان) ثوبُك (ضيقًا) ينكشف عندما خالفت بين طرفيه (فأشدده) أي فاربطه (على حقوك) والحقو بفتح الحاء وكسرها مع سكون القاف معقد الإزار من الجسد وهو الخصر والمراد منه هنا ما فوق السرة وقد يُسمى الإزار حقوًا لكونه فيه، ومنه الحديث "فأعطاني حقوه" ودل الحديث على جواز الصلاة برداء واحد يتزر به الرجل بحيث يستر ما بين سرته وركبته فقط وأرشد النبي

(00) (2998) (158) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَكَانَ قُوتُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، فِي كُلِّ يَوْمٍ، تَمْرَةً. فَكَانَ يَمَصُّهَا ثُمَّ يَصُرُّهَا فِي ثَوْبِهِ. وَكُنَّا نَخْتَبِطُ بِقِسِيِّنَا وَنَأْكُلُ. حَتَّى قَرِحَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ - صلى الله عليه وسلم - إلى أنه إذا كان الرداء ضيقًا فإنه لا حاجة إلى أن يتكلف المرء إيصاله إلى المنكب بل يشدُّه فوق سرته ويصلي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الصلاة باب إذا كان الثوب ضيقًا [643] وأحمد [3/ 335]. وهذا الحديث يناسب لما سبق من أن عبادة بن الوليد رأى جابرًا يصلي في رداء واحد فسأله عبادة من ذلك فقال: أردت أن يدخل عليّ الأحمق مثلك، وقد ذكره أحمد في مسنده [3/ 335] بهذا السياق عن شرحبيل أبي سعيد "أنه دخل على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد وحوله ثياب فلما فرغ من صلاته قال: فلا غفر الله لك يا أبا عبد الله تُصلي في ثوب واحد وهذه ثيابك إلى جنبك، قال: أردت أن يدخُل عليّ الأحمق مثلك فيرى أني أصلي في ثوب واحد أوَكان لكل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبأن قال: ثم أنشأ جابر يحدثنا فقال) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذا ما اتسع الثوب فتعاطف به على منكبيك ثم صل وإذا ضاق عن ذلك فشدَّ به حقويك ثمَّ صل من غير رد له". ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الرابع من أحاديث جابر التي رواها عنه عبادة بن الوليد مجموعة فقال: (00) (2998) (158) قال عبادة بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) في بعض غزواته (وكان قوت كل رجل منا) معاشر الأصحاب (في كل يوم تمرة) أي حبة تمر (فكان) كل واحد منا (يمصها) بفتح الميم على اللغة المشهورة وحكى ضمها أي يمص تلك الحبة (ثم يصرها) بضم الصاد أي يلفها (في ثوبه) ويربطها وأصلُ الصر الجمع والشد، والمعنى أنه كان يعطى تمرة واحدة لسائر اليوم فيمص شيئًا منها ثم يلفها في ثوبه ليأكلها في وقت آخر (وكنا نختبط) أي نضرب الشجر (بقسينا) ليتحات ورقه فنأكله، والقسي جمع قوس وهي آلة لرمي السهام (ونأكل) ذلك الورق (حتى قرحت) بكسر الراء أي

أَشدَاقُنَا. فَأُقْسِمُ أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا. فَانْطَلَقْنَا بِهِ نَنْعَشُهُ. فَشَهِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا. فَأُعْطِيَهَا فَقَامَ فَأَخَذَهَا. (00) (2299) (159) سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ. فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي حَاجَتَهُ. فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـــــــــــــــــــــــــــــ تجرحت وورمت من خشونة الورق وحرارته (أشداقنا) أي أطراف فمنا، قال جابر (فأقسم) أي فأحلف بالله الذي لا إله غيره على أنه (أخطئها) أي حرمها ولم يُعط تلك التمرة المقسومة (رجل منا يومًا) من الأيام أي نسي القاسم بيننا إعطاء نصيبه له فضعف من فقد تلك التمرة وعجز عن القيام من الأرض (فانطلقنا) أي ذهبنا (به) إلى قاسم التمر حالة كوننا (ننعشه) بفتح العين أي نرفعه من الأرض ونقيمه من شدة الضعف، وقال القاضي: الأشبه عندي أن معناه نشد جانبه في دعواه ونشهد له (فشهدنا) له (أنه لم يعطها) أي لم يعط تلك التمرة (فأعطيها) أي فأعطي تلك التمرة (فقام فأخذها) ومصها فعادت له القوة، وقيل فيه تقديم وتأخير ومعناه فأعطيها فأخذها ومصها وقام يمشي. والحاصل أنه كان للتمر قاسم يقسمه بينهم كل صباح فيعطي كل إنسان تمرة تمرة كل يوم فقسم في بعض الأيام ونسي إنسانًا فلم يعطه تمرته وظن أنه أعطاه فتنازعا في ذلك وشهدنا أنه لم يعطها فأعطيها بعد الشهادة فأكلها فقام يمشي. وهذا الحديث من أفراد مسلم لم يخرجه أحد من الأئمة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث الخاص من أحاديث جابر - رضي الله عنه - التي رواها عنه عبادة بن الوليد بالسند السابق فقال: (00) (2299) (159) قال عباد بن الوليد بالسند السابق: قال لنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يومًا من أيام مغازيه (حتى نزلنا واديًا أفيح) أي أوسع خاليًا عما يستتر به من الأشجار والأحجار والبناء (فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) حالة كونه يريد أن (يقضي حاجته) حاجة الإنسان، قال جابر (فاتبعته) بتشديد التاء الأولى من باب افتعل الخماسي أي تبعته ولحقته (بإداوة) أي بمطهرة (من ماء فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) جهاته الأربع

فَلَمْ يَرَ شَيئًا يَسْتَتِرُ بِهِ. فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا. فَقَال: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ، الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ. حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى. فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا. فَقَال: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذلِكَ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَينَهُمَا، لأَمَ بَينَهُمَا، (يَعْنِي جَمَعَهُمَا)، فَقَال: "الْتَئِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلم ير شيئًا يستتر به) عن أعين الناس (فإذا شجرتان) كائنان (بشاطئ الوادي) أي بجانبه (فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال) للشجرة (انقادي) أي أطيعيني فيما أريد منك من كونك سترة (عليّ) من أعين الناس، وقوله (بإذن الله) تعالى متعلق بانقادي (فانقادت) الشجرة أي أطاعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ماشية (معه) إلى حيث أراد حالة كونها معه (كالبعير المخشوش) أي المجعول في أنفه خشاش وهو عود يُجعل في أنف البعير إذا كان صعبًا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وهو مع ذلك يتمانع وإذا شُدّ عليه العود ثانيًا وآلمه انقاد شيئًا، ولهذا زاد في وصف البعير بقوله (الذي يُصانع) أي يطيع (قائده) بصناعة العود في أنفه، وقوله (حتى أتى الشجرة الأخرى) غاية لقوله انقادت أي فانقادت معه حتى أتى بها منتصف ما بينها وبين الشجرة الأخرى فتركها في المنتصف فذهب إلى الشجرة الأخرى (فأخذ بغصن من أغصانها) أي من أغصان الشجرة الأخرى (فقال) للشجرة الأخرى (انقادي علي) أي أطيعيني فيما أريد منك من كونها سترة عليّ عن أعين الناس. وقوله (بإذن الله) متعلق بانقادي (فانقادت) أي فأطاعت له تلك الأخرى ذاهبة (معه) - صلى الله عليه وسلم - حالة كونها كائنة (كذلك) أي كالإبل المخشوش. وقوله (حتى إذا كان بالمنصف) بفتح الميم والصاد بينهما نون ساكنة غاية لقوله فانقادت أي فانقادت له حتى إذا كان ووصل بها منتصف المسافة التي كانت (مما بينهما) أي وصل منتصف المسافة التي بين الشجرتين (لأم) وضم (بينهما) أي بين الشجرتين (يعني جمعهما) أي جمع بين الشجرتين تفسير مدرج من بعض الرواة لقوله لأم، وقوله (لأم) كذا لأحمد بن عيسى مهموزًا ومقصورًا ولغيره (لاءم) بهمزة ممدودة وكلاهما صحيح أي جمع بينهما، وللعذري (فألام) رباعيًّا بغير همز وهو تغيير ليس بشيء (فقال) لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - (التئما) أي التصقا

عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَالْتَأَمَتَا. قَال جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ (وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَيَتَبَعَّدَ) فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي. فَحَانَت مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا برَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُقْبِلًا. وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا. فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ سترتين (علي) عن أعين الناس (بإذن الله) تعالى وارادته (فالتأمتا) أي التصقتا وانضمتا عليه لتكونا سترة له. (قال جابر) بالسند السابق (فخرجت) أي من ذلك المكان وبعدت منه حالة كوني (أُحضر) بضم الهمزة بوزن أُكرم من الرباعي المسند إلى ضمير المتكلم أي حالة كوني أجري وأعدو وأسعى سعيًا شديدًا (مخافة أن يُحسّ) بضم الياء وكسر الحاء وتشديد السين من أحس الرباعي ومنه {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أي مخافة أن يعلم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقربي) منه (فيبتعد) أي فيبعد عني لطلب سترة أخرى مضارع ابتعد الخماسي من باب افتعل (وقال محمد بن عبّاد) بن الزبرقان المكي ناسخ المؤلف أحد رواة هذا الحديث، صدوق، من العاشرة، أي قال في روايته (فيتبعد) مضارع تبعد الخماسي كلاهما بمعنى يبعد لأن الافتعال والتفعل هنا لمبالغة معنى الثلاثي، قال جابر (فجلست) بعيدًا منه - صلى الله عليه وسلم - انتظارًا لمجيئه حالة كوني (أحدّث نفسي) أي أتحدّث معها تعجبًا من معجزته هذه، وقوله (مخافة أن يحس) لأنه - صلى الله عليه وسلم - إن شعر بقربي منه فإنه لا يجلس لقضاء حاجته في ذلك المكان بل يذهب إلى مكان أبعد منه وذلك يشق عليه فابتعدت أنا منه لئلا يتعب هو بالمشي إلى مكان بعيد (فحانت) أي وقعت (مني لفتة) بفتح اللام وسكون الفاء، وفي بعض الروايات (فحالت) بدل قوله (فحانت) وكلاهما بمعنى واحد أي وقعت مني نظرة والتفاتة، قال القاضي (لفتة) أي نظرة وهي بفتح اللام، وعند الصدفي (فحالت) باللام وهما بمعنى فالحين والحال الوقت أي اتفقت ووقعت وكانت اهـ من الأبي (فإذا أنا) راء (برسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (مقبلًا) إليّ بعد قضاء حاجته (وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحد منهما على ساق) أي على أصلها. وحاصل الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد التستر لقضاء حاجته بما تيسر له ذلك بشجرة واحدة فأمر الشجرتين حتى انتقلتا إلى مكان متوسط بينهما ثم

فَرَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ وَقْفَةً. فَقَال بِرَأْسِهِ هَكَذَا، (وَأَشَارَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ بِرَأْسِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا)، ثُمَّ أَقْبَلَ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَال: "يَا جَابِرُ، هَلْ رَأَيتَ مَقَامِي؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "فَانْطَلِقْ إِلَيَّ الشَّجَرَتَينِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا. فَأَقْبِلْ بِهِمَا. حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يِمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ". قَال جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ. فَانْذَلَقَ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــ أمرهما حتى التأمتا بحيث صارتا كجسم واحد فتستر بهما وقضى حاجته ثم عادت الشجرتان إلى هيئتهما المستقلة ورجعت كل واحد منهما إلى مكانها وهذه معجزة من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال جابر - رضي الله عنه - (فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف) في طريقه إلي (وقفة) يسيرة وإنما وقف كذلك لما سيأتي أنه شعر أن هناك قبرين يُعذّب صاحباهما (فقال) أي أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وقف (برأسه هكذا) أي أشار برأسه وحرّكه يمينًا وشمالًا لأن أحد القبرين كان في جانب اليمين والآخر في جهة اليسار، قال المؤلف نقلًا عن شيخه محمد بن عبّاد بن الزبرقان (وأشار أبو إسماعيل) العبدري مولاهم المدني حاتم بن إسماعيل (برأسه يمينًا وشمالًا) تفسيرًا لقول جابر فقال برأسه هكذا، وفي بعض النسخ: وأشار ابن إسماعيل، وكلاهما صحيح لأن اسمه حاتم بن إسماعيل المدني، وكنيتُه أبو إسماعيل، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا قال جابر (ثم) بعدما وقف وقفة (أقبل) إليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - (فلما انتهى) ووصل (إليّ قال) لي (يا جابر هل رأيت مقامي) وموقفي الذي وقفت فيه وقفة يسيرة، قال جابر (قلت) له - صلى الله عليه وسلم - (نعم) رأيته (يا رسول الله) ثم قال لي (فانطلق) أي فاذهب (إلى الشجرتين) اللتين قضيت عندهما حاجتي (فاقطع من كل واحدة منهما غصنًا فأقبل) أي فاذهب (بهما) أي بالغصنين المقطوعين لك إلى جهة موقفي الذي وقفت فيه (حتى إذا) وصلت موقفي ذلك و (قمت مقامي فأرسل) أي فضع (غصنًا) واحدًا منهما (عن يمينك وغصنًا) آخر (عن يسارك، قال جابر فقمت) من مكاني (فأخذت حجرًا) من الأحجار لأقطع به الغصنين (فكسرته) أي فكسرت ذلك الحجر (وحسرته) أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث يمكن لي أن أقطع به الغصن (فانذلق) أي صار حادًّا يمكن (لي) القطع به ومعنى انذلق انحدّ وذلق كل شيء حده

فَأَتَيتُ الشَّجَرَتَينِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا. ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أَرْسَلْتُ غُصنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي. ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَال: "إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَينِ يُعَذَّبَانِ. فَأَحْبَبْتُ، بِشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا، مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَينِ" ـــــــــــــــــــــــــــــ وسنان مذلق أي محدود اهـ، وقوله (وحسرته) هو بالحاء والسين المهملتين مع تخفيف السين أي حددته وأزلت عنه ما يمنع حدته حتى أمكن قطع الأغصان به وهو معنى قوله (فانذلق) بالذال المعجمة أي صار حادًّا اهـ سنوسي، وأصل الحسر كشطك الشيء عن الشيء ونحته، ومنه حاسر الرأس وهو الذي ليس على رأسه قلنسوة أو عمامة كأنه كشطها عن رأسه، قال جابر (فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنًا ثم أقبلت) إلى موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - حالة كوني (أجرّهما) أي أجرّ الغصنين على الأرض (حتى) إذا (قمت مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وموقفه (أرسلت) أي وضعت (غصنًا) واحدًا (عن يميني وغصنًا) واحدًا (عن يساري ثم لحقته) - صلى الله عليه وسلم - (فقلت) له (قد فعلت) ما أمرتني به (يا رسول الله فعم) عن حرف جر (م) اسم استفهام في محل الجر بعن مبني على سكون ظاهر على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة الجار والمجرور خبر مقدم وجوبًا لكونه مما يلزم الصدارة (ذاك) مبتدأ مؤخر وجوبًا والمعنى فلأي سبب ولأي شيء ذلك الفعل الذي أمرتني به من وضع كل غصن في موضع فـ (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب ذلك (إني مررت بقبرين يُعذّبان) أي يُعذب صاحباهما (فأحببت بشفاعتي أن يُرفّه) بضم الياء وتشديد الفاء ونصب الهاء لأنه لام الكلمة على صيغة المبني للمجهول أي رجوت أن يخفف (عنهما) ما كانا فيه من العذاب بسبب شفاعتي (ما دام الغصنان رطبين) أي مدة دوام رطوبة الغصنين بسبب استغفارهما، ومعنى يرفه يخفف ويبعد ومنه ترفه عن كذا أي تنزه وتبعد اهـ سنوسي. وهذه القصة غير القصة المعروفة التي تقدمت قبيل كتاب الحيض رواها ابن عباس - رضي الله عنه - مر على قبرين فقال: "أما إنهما يعذبان وما يعذّبان من كبير ... " الحديث ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا لأن قصة حديث جابر هذه في بواط وقصة حديث ابن عباس تلك في المدينة، وقد ذكر الحافظ في الفتح [1/ 319] وجوه المغايرة بين حديث جابر هذا وحديث ابن عباس ذاك

(00) (2300) (160) قَال: فَأتَينَا الْعَسْكَرَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا جَابِرُ نَادِ بِوَضُوءٍ" فَقُلْتُ: أَلا وَضُوءَ؟ أَلا وَضُوءَ؟ أَلا وَضُوءَ؟ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكْبِ مِنْ قَطرَةٍ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَاءَ، فِي أَشْجَابٍ لَهُ، عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ. قَال: فَقَال لِيَ: "انْطَلِقْ إِلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ -رضي الله عنهم-، وأما حكم وضع الجريدة أو الغصن على القبر فقد تقدم الكلام عليه قبيل كتاب الحيض، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "بشفاعتي" في هذا الحديث ظاهر في أن التخفيف في العذاب إنما كان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن ذلك من خصائصه والحكم ليس بعام والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث السادس من أحاديث جابر - رضي الله عنه - التي رواها عنه عبادة بن الوليد بالسند السابق فقال: (00) (2300) (160) (قال) جابر (فأتينا العسكر) أي فلحقنا الجيش الذين تقدموا علينا (فقال) لي (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا جابر ناد) في العسكر (بـ) السؤال عن (وضوء) هل فيهم وضوء أم لا؟ والوضوء بفتح الواو الماء الذي يُتوضأ به يعني اسأل الناس هل عند أحدهم ماء للوضوء، قال جابر (فقلت) في ندائي فيهم (ألا وضوء ألا وضوء ألا وضوء) فيكم ثلاث مرات للتأكيد أي هل لا وضوء موجود عندكم (قال) جابر فسكتوا عني فلم يردوا جوابًا بالسؤال فـ (قلت يا رسول الله ما وجدت في الركب) والقافلة (من قطرة) ماء (وكان رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه (يُبرد لرسول إله - صلى الله عليه وسلم - الماء في أشجاب له) جمع شجب كأحمال وحمل وهو السقاء الذي قد أُخلق وبلي وصار شنًّا يابسًا من الشجب الذي هو الهلاك أي في أسقية له معلقة (على حمارة) وأعواد (من جريد) النخل والحمارة بكسر الحاء وتخفيف الميم والراء أعواد تعلق عليها أسقية الماء والجريد غصن النخل والمعنى أن رجلًا من الأنصار كان يضع الماء في شن يابس ويعلقه على أعواد من الجريد ليبرّد الماء فيشربه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يوجد منه بعض الماء (قال) جابر (فقال لي) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (انطلق) أي اذهب يا جابر (إلى فلان بن فلان

الأَنْصَارِيِّ، فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيءٍ؟ " قَال: فَانْطَلَقْتُ إِلَيهِ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلاءِ شَجْبٍ مِنْهَا. لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. قَال: "اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ" فَأَتَيتُهُ بِهِ. فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ. وَيَغْمِزُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ الأنصاري فانظر هل في أشجابه) وأسقيته (من شيء) أي شيء من الماء (قال) جابر (فانطلقت إليه فنظرت فيها) أي في أشجابه (فلم أجد فيها إلا قطرة) أي إلا بقية قليلة باقية (في عزلاء شجب) أي في فم قربة كائنة (منها) أي من تلك الأشجاب والقرب، والعزلاء بفتح العين وسكون الزاي فم القربة يعني كان هناك قطرة أي قليل من الماء باق في فم قربة من القرب التي كانت عنده (لو أني أفرغه) أي أصب ذلك القليل وحركته من محله (لشربه) أي لشرب ذلك القليل (يابسه) أي يابس الشجب وناشف القربة ومعنى هذا الكلام أنّ الماء الباقي في القربة قليل جدًّا فلقلته مع شدة يبس باقي الشجب وهو السقاء لو أفرغته وحركته من محله بالصب لاشتفه اليابس من الشجب ولم ينزل منه شيء اهـ نووي، يعني أن الماء من القلة بحيث لو سكبته في إناء ليبست القطرة قبل أن تبلغ الإناء لأن الشن اليابس يجذبه ويشربه، قال جابر (فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ورجعت إليه من عند الأنصاري صاحب الأشجاب (فقلت) له - صلى الله عليه وسلم - (يا رسول الله إني لم أجد فيها) أي في تلك الأشجاب (إلا قطرة) باقية (في عزلاء شجب) أي في فم قربة (منها) أي من تلك الأشجاب (لو أني أفرغه) أي أفرغ ذلك القليل وسكبته في إناء آخر (لشربه) أي لشرب ذلك القليل الباقي من الماء (يابسه) أي يابس الشجب وجافه قبل نزوله في إناء آخر فـ (قال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (اذهب) إلى الأنصاري (فأتني به) أي بذلك الشجب الذي فيه قطرة من ماء (فأتيته) - صلى الله عليه وسلم - (به) أي بذلك الشجب (فأخذه) أي فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الشجب الذي أتيت به (بيده) الشريفة (فجعل) أي شرع - صلى الله عليه وسلم - (يتكلم بشيء) من الكلام على ذلك الشجب (لا أدري) ولا أعلم أنا جواب استفهام (ما هو) أي ما ذلك الكلام الذي تكلم على الشجب هل هو دعاء أم لا (ويغمزه) من باب ضرب معطوف على يتكلم أي فجعل يتكلم على الشجب ويغمزه أي يعصره ويمرخه ويحرّكه

بِيَدَيهِ. ثُمَّ أَعْطَانِيهِ فَقَال: "يَا جَابِرُ، نَادِ بِجفْنَةٍ" فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ، فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ. فَوَضَعتُهَا بَينَ يَدَيهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ هَكَذَا. فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَينَ أَصَابِعِهِ. ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ. وَقَال: "خُذْ. يَا جَابِرُ، فَصُبَّ عَلَيَّ. وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ" فَصَبَبْتُ عَلَيهِ وَقُلْتُ: بِاسْمِ اللهِ. فَرَأَيتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَينِ أَصَابعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلأَتْ فَقَال: "يَا جَابِرُ، نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (بيديه) الشريفتين وكأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا عليه بكلمات لم يسمعها جابر - رضي الله عنه - وفي بعض النسخ بيده، والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل يغمز الشجب بيديه ليعصره ويُخرج ما فيه (ثم أعطانيه) أي أعطاني ذلك الشجب (فقال يا جابر ناد بـ) صاحب (جفنة) الركب ليحضر بها إليّ قال فناديتها (فقلت) في ندائي (يا جفنة الركب) أي يا صاحب جفنة الركب فحُذف المضاف للعلم بأنه المراد وأن الجفنة لا تنادى، والمعنى يا صاحب جفنة الركب التي تشبعهم أحضرها يعني من كان عنده جفنة بهذه الصفة فليحضرها، والجفنة وعاء وطست تسع ما يُشبع عشرة إنسان اهـ دهني، قال جابر (فأُتيت بها) بالبناء للمجهول أي أتاني آت بها أي بتلك الجفنة حالة كونها (تُحمل) بالبناء للمجهول يعني يحملها الناس، وفيه إشارة إلى كبرها وثقلها، قال جابر (فوضعتها) أي فوضعت تلك الجفنة (بين يديه) أي قدامه - صلى الله عليه وسلم - وقربه (فقال) أي وضع (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده) الشريفة (في الجفنة) أي في أعالي الجفنة وفمها (هكذا) أي مبسوطة أصابعها لا مقبوضة، وفسر الإشارة بقوله (فبسطها) أي فبسط أصابعها (وفرّق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة) أي وضع يده الشريفة في أسفل الجفنة وقعرها (وقال) لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (خذ) هذا الشجب الذي فيه قطرة ماء (يا جابر فصب) منه (عليَّ) ماء (وقل) عند صبه أصبك (باسم الله) قال جابر (فصببت عليه) - صلى الله عليه وسلم - (وقلت باسم الله فرأيت الماء يفور) ويخرج (من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم فارت) ونبعت (الجفنة) الماء (ودارت) الجفنة الماء أي دار الماء وطاف في جوانبها (حتى امتلأت) الجفنة ماء (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا جابر ناد) في الناس بقولك (من كان له حاجة بماء) فليأتنا ليأخذه

قَال فأَتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوُوا. قَال: فَقُلْت: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ مِنَ الْجَفْنَةِ وَهِيَ مَلأَى. (00) (2301) (161) وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْجُوعَ. فَقَال: "عَسَى اللهُ أَنْ يُطعِمَكُمْ" فَأَتَينَا سِيفَ الْبَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) جابر (فأتى الناس) كلهم (فاستقوا) الماء وأخذوه في أوانيهم (حتى رووا) وشبعوا منه (قال) جابر (فقلت) في الناس وناديتهم ثانيًا (هل بقي أحد) منكم (له حاجة) إلى الماء فسكتوا (فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده) الشريفة المباركة (من الجفنة وهي) أي والحال أن الجفنة (ملأى) أي مملوءة ماء، قال القاضي: هذه من باهر معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وقد روينا عنه هذه في مواطن متفقة المعنى وكذلك في معجزاته - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم من أمر الشجرتين وكذلك اكتفاؤهم بالتمرة ببركته - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الدابة التي ألقاها البحر وتقدمت في كتاب الجهاد في غزوة أبي عبيدة، ويظهر أنها قضية أخرى غير القضية الآتية، لأن هذه حضرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أن هذه الآتية تلك السابقة وأوردها جابر بعد ذكره ما شاهده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعطف هذه القضية عليها اهـ من الأبي. وهذا الحديث مما انفرد به مسلم عن أصحاب الأمهات. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى الحديث السابع من أحاديث جابر التي رواها عنه عبادة بن الوليد مجموعة بالسند السابق فقال: (00) (2301) (161) قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - (وشكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع) أي أخبروه شدة الجوع بهم على سبيل الشكوى (فقال) لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (عسى الله) أي حقق الله (أن يطعمكم) أي أن يرزقكم طعامًا يزيل عنكم ألم الجوع، قال جابر (فأتينا) معاشر الصحابة في سفرنا تلك (سيف البحر) بكسر السين وسكون الياء أي ساحل البحر وشاطئه، وتسمى هذه السرية سرية سيف البحر، وتسمى سرية الخبط أيضًا لأن الصحابة اضطروا فيها إلى أكل الخبط وهي ورق الشنجر وقد مضت قصة هذه السرية مبسوطة في كتاب الصيد والذبائح باب إباحة ميتة البحر، وذكرنا هناك أنها وقعت سنة ست من الهجرة أو قبلها وكان أميرهم أبو عبيدة بن الجراح، وكذلك وقع في روايات البخاري في المغازي [رقم 4360] وما

فَزَخَرَ الْبَحْرُ زَخْرَةً. فَأَلْقَى دَابَّةً. فَأَوْرَينَا عَلَى شِقِّهَا النَّارَ. فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوينَا، وأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا. قَال جَابِرٌ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلانٌ وَفُلانٌ، حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً، فِي حِجَاجِ عَينِهَا. مَا يَرَانَا أَحَدٌ. حَتَّى خَرَجْنَا. فَأَخَذْنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلاعِهِ فَقَوَّسْنَاهُ. ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدها (فزخر البحر) أي علا موجه وكثر ماؤه وامتدّ على الساحل (زخرة) أي هاج موجه وارتفع هيجة واحدة وحركة واحدة (فألقى) البحر (دابة) من دوابه إلى الساحل، وتقدم في كتاب الصيد أنه كان حوتًا عظيمًا يقُال له العنبر (فأورينا) أي أوقدنا (على شقها) أي على جانبها (النار) لنطبخه (فأطبخنا) ذلك الشق في القدور (واشتوينا) أي شويناه على الحديد المحماة (وأكلنا) منها (حتى شبعنا) منها (قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان) وعد جابر الداخلين معه (حتى عد خمسة) أنفار أي دخلنا (في حجاج عينها) أي عين تلك الدابة، وحجاج عينها بفتح الحاء وكسرها عظمها المستدير بها والحال أنه (ما يرانا) فيها (أحد) من الناس لبعد قعرها (حتى خرجنا) منها (فأخدنا ضلعًا من أضلاعه) أي من أضلاع ذلك الحيوان، والضلع عظام الجنب (فقوسناه) أي ركزناه على صورة القوس (ثم دعونا بأعظم رجل في الركب) وأطولهم (وأعظم جمل في الركب) بالجيم للعذري، ولغيره بالحاء المهملة، وهو الصواب وأشبه بسياق الحديث اهـ أبي (وأعظم كفل في الركب) بكسر الكاف وسكون الفاء، قال الجمهور: المراد بالكفل ها هنا هو الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط فيحفظ الكفل الراكب من السقوط، ويقال منه تكفلت البعير وأكفلته إذا أدرت ذلك الكساء حول سنامه ثم ركبته وهذا الكساء كفل، ورواه السمرقندي والصدفي بفتح الكاف والفاء معناه العجز، والصحيح الأول (فدخل) ذلك الرجل الأعظم الذي معه أعظمُ جمل الركب وأعظم كفل (تحته) أي تحت ذلك الضلع ومر تحته، والحال أنه (ما يطأطئ) ويخفض (رأسه) أي لم يحتج هذا الراكب إلى أن يخفض رأسه لعظم الضلع المقوس. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي [4360]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث الجزء الثاني من الترجمة وهو حديث الهجرة فقال:

7336 - (2302) (162) حدّثني سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ. فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا. فَقَال لِعَازِبٍ: ابْعَثْ مَعِيَ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي إِلَى مَنْزِلِي. فَقَال لِي أَبِي: احْمِلْهُ. فَحَمَلْتُهُ وَخَرَجَ أَبِي مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ. فَقَال لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي كَيفَ صَنَعْتُمَا لَيلَةَ سَرَيتَ مَع رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه ـــــــــــــــــــــــــــــ 7336 - (2302) (162) (حدثني سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو عليّ الحراني، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي، ثقة، من (7) (حدثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، ثقة، من (3) (قال) أبو إسحاق (سمعت البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبا عمارة الكوفي - رضي الله عنه - (يقول) وهذا السند من خماسياته (جاء أبو بكر الصديق إلى أبي) عازب بن الحارث (في منزله) أي في منزل أبي (فاشترى منه) أي من أبي (رحلًا) بفتح الراء وسكون الحاء وهو للناقة كالسرج للفرس (فقال) أبو بكر (لـ) والدي (عازب) بن الحارث (ابعث معي ابنك) البراء حالة كونه (يحمله) أي يحمل هذا الرحل (معي إلى منزلي) قال البراء (فقال لي أبي احمله) أي احمل هذا الرحل مع أبي بكر إلى منزله، قال البراء (فحملته) له إلى منزله (وخرج أبي معه) أي مع أبي بكر حالة كون أبي (ينتقد) أي يأخذ (منه) أي من أبي بكر (ثمنه) أي ثمن الرحل ويستوفيه منه، قال ابن سعد: قالوا وكان عازب قد أسلم ولم يُسمع له بذكر في المغازي، وقد سمعنا بحديثه في الرحل الذي اشتراه منه أبو بكر الصديق كذا في الإصابة [2/ 235] وأما ابنه البراء - رضي الله عنه - فقد ثبت أنه شهد أحدًا وما بعدها ولم يشهد بدرًا لصغره وناصر عليًّا - رضي الله عنه - في الجمل وصفين، وهو الذي افتتح الري سنة أربع وعشرين، وشهد غزوة تستر مع أبي موسى، ونزل الكوفة، ومات في إمارة مصعب سنة (72 هـ) روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الإصابة [1/ 147] قال البراء (فقال له) أي لأبي بكر (أبي) أي والدي عازب بن الحارث (يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريت) يقال سرى وأسرى لغتان بمعنى (مع رسول الله - صلى الله عليه

وسلم -. قَال: نَعَمْ. أَسْرَينَا لَيلَتَنَا كُلَّهَا. حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ. وَخَلا الطَّرِيقُ فَلَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ. حَتَّى رُفِعَتْ لَنَا صَخرَةٌ طَويلَةٌ لَهَا ظِلٌّ. لَمْ تَأْتِ عَلَيهِ الشَّمسُ بَعْدُ. فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا. فَأَتَيتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيتُ بِيَدِي مَكَانًا، يَنَامُ فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ظِلِّهَا. ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيهِ فَرْوَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ وسلم - قال) أبو بكر (نعم) أخبرك يا أخي (أسرينا) أي سرينا (ليلتنا كلها) ليلة خرجنا من الغار (حتى قام) وحصل ظل (قائم) أي واقف وقت (الظهيرة) أي وقت انتصاف النهار وهو ظل وقت استواء الشمس أي بلوغها وسط السماء، قال النووي (قائم الظهيرة) نصف النهار وهو حال استواء الشمس سُمي قائمًا لأن الظل لا يظهر حينئذ فكأنه واقف قائم، وقال القاضي عياض: الظهيرة الهاجرة وهي ساعة الزوال ومنه سُميت صلاة الظهر، قال يعقوب: الظهيرة نصف النهار وهي أن تكون الشمس بحيال رأسك وتركد حتى كأنها لا تبرح وهو معنى قوله - رضي الله عنه -: "قام قائم الظهيرة" أي كأنه وقف ولم يبرح وهي كناية إما عن وقوف الشمس أو وقوف الظل عن الزيادة حتى يتبين زوال الشمس اهـ من الأبي. والسرى وكذا الإسراء سير الليل أي أسرينا ومشينا ليلتنا ليلة إذ خرجنا من الغار (حتى) إذا (قام قائم الظهيرة) وإذا الشرطية مقدرة هنا (وخلا الطريق) عن المارة واشتد علينا السير وعجزنا عنه معطوف على قام (فلا يمر فيه أحد) من الناس لشدة الحر، وقوله (حتى رُفعت لنا) جواب إذا المقدرة وحتى هنا زائدة كما هي ساقطة في نسخ شرح الأبي وشرح السنوسي أي ظهرت لأبصارنا (صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه) أي على ذلك الظل أي لم تصل إلى ذلك الظل (الشمس) أي ضوءها (بعد) أي الآن أي وقت نزولنا قربها يعني كان لها ظل أول النهار من غدوة إلى الزوال وهذا الظل ليس بفيء وهو أبرد وأطيب هواء، والفيء ظل ما بعد الزوال ورجوعه من المشرق إلى المغرب فيما كانت الشمس أصابت أرضه اهـ من الأبي. وقوله (فنزلنا عندها) أي قربها، معطوف على رُفعت لنا أي رُفعت لنا صخرة فنزلنا قربها (فأتيت) أنا وحدي تحت (الصخرة فسويت) أي صلحت (بيدي مكانًا ينام فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظلها) بتسوية الرمل وإزالة ما ارتفع منه، والجار والمجرور في ظلها صفة ثانية لمكانًا (ثم بسطت) له (عليه) أي على ذلك المكان المسوّى (فروة) كانت عندنا، والفروة الجلد المدبوغ بلا إزالة شعر خفيف

ثُمَّ قُلْتُ: نَمْ. يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ. فَنَامَ. وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ. فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمِ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا. فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَال: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَال: نَعَمْ. قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ لِي؟ قَال: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً. فَقُلتُ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ لين في الأرميا (ماسي) (ثم قلت) له - صلى الله عليه وسلم - (نم يا رسول الله) في هذا المكان الذي سوّيت لك لتستريح من تعب السير. وقوله (نم) بتفح النون أمر من نام ينام من باب خاف، وبضمها أمر من نام ينوم كقال يقول (وأنا أنفض لك) أي أبحث وأفتش عنك (ما) يأتي (حولك) أي جانبك وقربك من العدو والطلب لئلا يفجعك في نومك أي نم على الراحة وأنا حارس لك متجسس عنك العدو ومنه النفيضة وهي الجماعة تتقدم العسكر تنفض أمامه كالطليعة (فنام) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وخرجت) أنا من عنده من الظل أي ذهبت من عنده حالة كوني (أنفض) وأبحث (ما حوله) من العدو والطلب لنا (فإذا أنا) راء (براعي غنم مقبل) أي ذاهب (بغنمه إلى الصخرة) الطويلة (يريد منها) أي يقصد منها الاستظلال (الذي أردنا) هـ منها (فلقيته) أي فاستقبلت ذلك الراعي (فقلت) له (لمن أنت) مملوك (يا غلام فقال) أنا مملوك (لرجل من أهل المدينة) يعني مكة والمراد بالمدينة هنا معناها اللغوي يعني معنى البلدة فالمراد بالبلدة مكة لأن المدينة المنورة كانت تُسمى يومئذ يثرب ولأنه لم تجر العادة من الرعاة أن يبعدوا في المراعي هذه المسافة البعيدة، ووقع في رواية إسرائيل في البخاري في مناقب أبي بكر [3652] "فقال لرجل من قريش سماه فعرفته" ولم يكن قريش يسكنون المدينة حينئذ، قال أبو بكر (قلت) للراعي (أفي غنمك لبن) بفتح اللام والباء يعني اللبن المعروف أي ذات لبن، وروي بضم اللام وسكون الباء أي شياه ذوات ألبان اهـ أبي (قال) الراعي (نعم) فيها ذات لبن، قال أبو بكر (قلت) له (أفتحلب) اللبن الي، قال) الراعي (نعم) أحلب لك، قال الحافظ في الفتح [6/ 623] الظاهر أن مراده من الاستفهام في قوله (أفتحلب لي) أمعك إذن في الحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة، وبهذا التقرير يندفع الإشكال الماضي في اللقطة وهو كيف استجاز أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير إذن مالك الغنم؟ ويحتمل أن يكون أبو بكر لما عرفه عرف رضاه بذلك بصداقته له أو إذنه العام لذلك اهـ، قال أبو بكر (فأخذ) الراعي (شاة) من غنمه وأمسكها ليحلب لي (فقلت له)

انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعَرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى (قَال: فَرَأَيتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ) فَحَلَبَ لِي، فِي قَعْبٍ مَعَهُ، كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ. قَال: وَمَعِي إِدَاوَةٌ أَرْتَوي فِيهَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ. قَال: فَأَتَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ. فَوَافَقْتُهُ اسْتَيقَظَ. فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْرَبْ مِنْ هَذا اللَّبَنِ. قَال: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ أي للراعي (انفض) من باب نصر أي انفض (الضرع) واضربه وامسحه وصفّه (من الشعر والتراب والقذى) أي القُمامة والأوساخ قبل الحلب لئلا تسقط هذه الأشياء في اللبن المحلوب (قال) أبو إسحاق (فرأيت البراء) بن عازب حين حدث لنا هذا الحديث (يضرب بيده على الأخرى) أي يمسح بها الأخرى حالة كونه يريد أن (ينفض) ويمسح بها اليد الأخرى عن الأوساخ حكاية ووصفًا لنا كيفية نفض الراعي ضرع الغنم، قال أبو بكر (فحلب لي) الراعي (في قعب) كان (معه) أي مع الراعي وهو قدح من خشب معروف أي حلب لي في القدح (كثبة) أي قليلًا (من لبن) والكثبة بضم الكاف وسكون المثلثة قدر الحلبة قاله ابن السكيت وهي القدر الذي يخرج من ضرع الماشية في مرة واحدة أي في حلبة واحدة، وقال ابن الأعرابي: هي القليل من اللبن (قال) أبو بكر (ومعي إداوة) أي مطهرة، وفي المنجد إناء صغير من جلد (أرتوي) أي إداوة أرتوى واستقي وآخذ (فيها) الماء (للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليشرب منها ويتوضأ) فيها (قال) أبو بكر (فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -) ورجعت إليه تحت الصخرة (و) كنت في العادة (كرهت أن أوقظه من نومه) حتى يستيقظ بنفسه لأنه ربما يأتيه الوحي في نومه (فـ) وصلت إليه وقد (وافقته استيقظ فصببت على اللبن) شيئًا (من الماء حتى برد أسفله) أي أسفل اللبن وبرد بفتح الراء من باب نصر على المشهور، وقال الجوهري: بضم الراء من باب كرم، قال أبو بكر (فقلت) له - صلى الله عليه وسلم - (يا رسول الله اشرب من هذا اللبن، قال) أبو بكر (فشرب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اللبن شربًا يزيل جوعته (حتى رضيت) وفرحت بشربه، قال النووي: فإن قيل كيف شربوا اللبن من الغلام وليس هو ملكه، فجوابه من أوجه: أحدها أنه محمول على عادة العرب أنهم يأذنون للرعاة إذا مرّ بهم ضيف أو عابر سبيل أن يسقوه اللبن ونحوه، والثاني أن اللبن كان لصديق لهم،

ثُمَّ قَال: "أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَال: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالتِ الشَّمْسُ. وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ. قَال: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُتِينَا. فَقَال: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا" فَدَعَا عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا. أُرَى فَقَال: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ. فَادْعُوا لِي. فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث أنه مال لحربي لا أمان له، الرابع لعلمهم أنهم كانوا مضطرين، والجوابان الأولان أجود اهـ منه (ثم) بعدما شرب اللبن (قال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ألم يأن) أي ألم يقرب آن أي وقت (للرحيل) أي لارتحالنا من هذا المنزل ولسيرنا إلى مقصدنا (قال) أبو بكر (قلت) له (بلى) آن وقرب الرحيل يا رسول الله (قال) أبو بكر (فارتحلنا) من ذلك المنزل (بعدما زالت الشمس) ومالت عن كبد السماء إلى جهة المغرب (واتَّبعنا) أي لحقنا بعدما ارتحلنا (سراقة بن مالك) بن جعشم المدلجي (قال) أبو بكر (ونحن) أي والحال أني أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معنا (في جلد من الأرض) بالجيم واللام المفتوحتين أي في أرض صلبة، ورُوي جدد بوزن جلد بالدال بدل اللام أي في أرض مستوية، قال ابن سرّاج: جدد الأرض الخشن منها، وقال ابن دريد وغيره: هو المستوي وإنما ذكر ذلك لبيان أن مثل هذه الأرض لا تسوخ فيها قوائم الدابة عادة ولكنه كان معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لو كانت الأرض دهسة لم يستغرب ذلك الرسوخ، قال أبو بكر (فقلت يا رسول الله أُتينا) بضم الهمزة على صيغة المجهول أي أتانا طالبنا (فقال) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تحزن إن الله معنا) بالحفظ والنصر، قال أبو بكر (فدعا عليه) أي على سراقة (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتطمت فرسه) أي غاصت قوائمها (إلى بطنها) في تلك الأرض الجلد يقال رطمه يرطمه من باب نصر إذا أدخله في أمر لا يخرج منه وارتطم في الطين وقع فيه فتخبط فيه كذا في اللسان [5/ 238] قال الراوي أو من دونه (أُرى) بضم الهمزة أي أظن أن أبا بكر قال (فقال) سراقة (إني قد علمت أنكما) خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر - رضي الله عنه - (قد دعوتما عليّ فادعوا لي) بخروج فرسي من الأرض (فالله) شاهد (لكما) عليّ على (أن أرد عنكما الطلب) أي من يطلبكما جمع طالب، قال محمد الدهني في تعليقه على مسلم: معناه فالله ينفعكم بردي عنكما الطلب والله أعلم، ويحتمل أن يكون

فَدَعَا اللهَ. فَنَجَى. فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَال: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا ههُنَا. فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ. قَال: وَوَفَى لَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ التقدير فالله شاهدي لكما على أن أرد عنكما الطلب والحاصل أنه أقسم بالله أنه إن نجا عن هذه المصيبة فإنه لا يدل أحدًا على مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يرد عنه من يطلبه (فدعا الله) له رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجاة فرسه (فنجى) سراقة مما أصابه من المصيبة في فرسه (فرجع) سراقة إلى الطلب وكان (لا يلقى أحدًا) من الطلب (إلا قال) لهم (قد كفيتكم) أي أغنيتكم عن الطلب في (ما ها هنا) أي في هذه الجهة فإني بحثت عنهما في هذا المكان فلا حاجة لكم إلى أن تبحثوا عنهما فيه مرة أخرى وذلك وفاء بوعده أنه يرد عنهما الطلب، قال أبو بكر (فـ) لما رجع (لا يلقى أحدًا) من الطلب (إلا رده، قال) أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ووفى) بفتح الفاء المخففة أي ووفى (لنا) سراقة ما وعد لنا من رد الطلب عنا. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد في مسنده [1/ 2]، وابن حبان في صحيحه [9/ 10]، والبيهقي في دلائل النبوة [2/ 483]، وأبو نعيم في الدلائل [2/ 325]. وقد تقدم للمؤلف بعض أطراف هذا الحديث في كتاب الأشربة باب شرب اللبن وغيره. "تتمة" سبب اتباع سراقة له صلى الله عليه وسلم على ما ذكره ابن إسحاق في السيرة قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا جعلت قريش لمن يرده مائة ناقة، قال سراقة: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا وقال: لقد رأيت ثلاثة مروا عليّ آنفًا وما أظنه إلا محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فأومأت إليه أن اسكت، وقلت: إنما هم بنو فلان يتبعون ضآلة ثم قمت ودخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقُدّم إليّ وخرجت من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي فاستسهمت فخرج لي السهم الذي أكره ولا: يضر، ثم لبست لأمتي وخرجت رجاء أن أرده وآخذ المائة ناقة، فكان من أمره ما ذُكر في الحديث، وقال غير ابن إسحاق: وكان سراقة شاعرًا مجيدًا فقال يخاطب أبا جهل بن هشام بعد انصرافه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبا حكم والله لو كنت شاهدًا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

7337 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ. كِلاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَال: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَبِي رَحْلًا بِثَلاثةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَسَاقَ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت ولم تشكك بأن محمدًا ... رسول من الله فمن ذا يقاومه عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أمره يومًا ستبدو معالمه بأمر يقود الناس فيه بأسرهم ... فإن جميع الناس طُرًّا تسالمه قال صاحب الإكتفاء: وسراقة هذا قد أظهر الله فيه آية أخرى من الآيات الدالة على أن الله سبحانه أطلعه من الغيب في حياته ما ظهر فيه صدقه بعد وفاته، ففي حديث عن سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة: "كيف بك إذا ألبست سواري كسرى" فلما أتى عمر رضي الله عنه بهما وبمنطقة كسرى وتاجه دعا سراقة وألبسه السوارين وكان كثير شعر الساعدين وقال له: ارفع يديك وقل الله أكبر والحمد لله الذي سلبهما كسرى الذي كان يقول أنا رب الناس وألبسهما سراقة أعرابيًّا من بني مدلج، ورفع بها عمر رضوان الله عليه صوته اهـ من الأبي، وقد أخرج البخاري حديث سراقة هذا بسياق أتم من سياق ابن إسحاق راجعه في المناقب رقم [6/ 390]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث البراء رضي الله عنه فقال: 7337 - (00) (00) (وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني البصري ثم الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (كلاهما) أي كل من عثمان والنضر رويا (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب الأنصاري الكوفي. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لزهير بن معاوية (قال) البراء (اشترى أبو بكر من أبي) عازب بن الحارث (رحلًا بثلاثة عشر درهمًا وساق) إسرائيل (الحديث) السابق

بِمَعْنَى حَدِيثِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَال فِي حَدِيثِهِ، مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ: فَلَمَّا دَنَا دَعَا عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَاخَ فَرَسُهُ فِي الأَرْضِ إِلَى بَطْنِهِ. وَوَثَبَ عَنْهُ. وَقَال: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَن هَذَا عَمَلُكَ. فَادْعُ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ. وَلَكَ عَلَيَّ لأعُمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي. وَهَذِهِ كِنَانَتِي. فَخُذْ سَهْمًا مِنْهَا. فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلِي وَغِلْمَانِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. قَال: "لَا حَاجَةَ لِي في إِبِلِكَ" ـــــــــــــــــــــــــــــ (بمعنى حديث زهير) بن معاوية (عن أبي إسحاق و) لكن (قال) إسرائيل (في حديثه) وروايته (من رواية عثمان بن عمر فلما دنا) وقُرب سراقة إلينا (دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخ) هو بمعنى ارتطمت أي غاص قوائم (فرسه في الأرض إلى بطنه ووثب) سراقة (عنه) بسرعة (وقال) سراقة (يا محمد قد علمت) أنا (أن هذا) الذي أصاب فرسي (عملك) أي دعاؤك (فادع الله) لي (أن يخلّصني) وينجيني (مما أنا فيه) من مصيبة فرسي (ولك عليّ لأعمّين) أي لأخفين أمركم (على من ورائي) ممن يطلبكم وألبسه عليهم حتى لا يتبعكم أحدًا منهم. قوله (ولك عليّ) جملة أراد بها القسم، وقوله (لأعمّين) جوابه أي ولك قسم عليّ على أن أعمّين أمرك على من ورائي وهو بضم الهمزة وفتح العين وكسر الميم المشددة من باب التفعيل يقال عمّى الرجل صيّره أعمى ولبّس الأمر عليه وكذلك أعماه، ويحتمل أن يكون (لأُعمين) بضم الهمزة وسكون العين وكسر الميم المخففة من الإعماء يعني أُضل عنكما من يأتي ورائي في طلبكم وأجعلهم عميًا عنكم (وهذه) الجعبة (كنانتي) أي كيس سهامي (فخذ سهمًا منها) أي من كنانتي لتكون علامة لك على إذني لك في أخذ ما شئت من إبلي (فإنك ستمر على إبلي وغلماني بمكان كذا وكذا فـ) إذا وصلت إليها فـ (خذ منها) أي من إبلي (حاجتك) أي قدر ما تحتاج إليه في سفرك فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا حاجة لي في إبلك) ووقع في حديث سراقة عند البخاري في المناقب "ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا "وفيه كمال استغناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متاع الدنيا مع حاجته إليه في السفر".

فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيلًا. فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَقَال: "أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ" فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنَّسَاءُ فَوقَ الْبُيُوتِ. وَتَفَرَّق الْغِلْمَانُ وَالْخَدمُ فِي الطُّرُقِ، يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللهِ. يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو بكر (فقدمنا المدينة ليلًا فتنازعوا) أي فتنازع الأنصار واختلفوا (أيهم ينزل) أي على أي منهم ينزل (عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنزل) أنا (علي بني النجار أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك) أي بنزولي عندهم (فصعد الرجال والنساء فوق البيوت) وسطوحها (وتفرق الغلمان والخدم في الطرق) والزقاق، حالة كونهم (ينادون يا محمد يا رسول الله يا محمد يا رسول الله) قال القاضي: وفي هذا إظهار ما وضع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من المحبة في القلوب وخص الله سبحانه به الأنصار رضي الله عنهم من التكرمة والخير في إعزازهم رسوله صلى الله عليه وسلم ونصرته اهـ من الأبي. قوله (فتنازعوا على أيهم ينزل) قال الأبي: ليس في السير أنهم تنازعوا وإنما فيها أنه لما سمعت الأنصار أنهم خرجوا من مكة فكانوا يتوقعون دخوله فيخرجون إذا صلوا الصبح إلى ظاهر الحرة ينتظرونه فما يبرحون منها حتى تغلبهم الشمس على الظلال فيدخلون بيوتهم وبقوا على ذلك أيامًا، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا حين دخلوا البيوت، وكان أول من رآه يهودي وكان قد رأى ما يصنعون من انتظاره فنادى بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجوا فوجدوه في ظل نخلة ومعه أبو بكر في مثل سنه وأكثرهم لم يكن رآه وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر رضي الله عنه فأظله بردائه فعرفوه عند ذلك فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف فأقام فيهم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم رحل فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلى عندهم ثم أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا: يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعُدد والمنعة فقال: "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة" لناقته، فانطلقت حتى أتت دار بني بياضة، فقالوا له مثل ذلك، فقال لهم مثل ذلك، فخلوا سبيلها، حتى وافت دار بني الحارث بن الخزرج فقالوا له مثل ذلك، فقال لهم مثل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، فخلوا سبيلها، حتى مرت بدار عدي بن النجار وهم أخواله صلى الله عليه وسلم دنيا أم جده عبد المطلب سلمى بنت عمرو النجارية فاعترضوه وقالوا: يا رسول الله هلم إلى أخوالك إلى العدد والعُدد، قال: "خلوا سبيلها" حتى أتت دار بني مالك بن النجار فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل وثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها ثم التفتت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرّانها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب رحله، فوضعه في بيته، ونزل صلى الله عليه وسلم عنده حتى بنى المسجد وانتقل عنه فإن عني بقوله فتنازعوا هذا التعرض فقد سمعت حديثه وإلا فلا نزاع. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث، اثنان منها لأبي اليسر، وسبعة لجابر بن عبد الله وواحد لبراء بن عازب، وفيه متابعة واحدة ذكره في الهجرة رضي الله عنهم أجمعين والله سبحانه أعلم. ***

كتاب التفسير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 36 - كتاب التفسير ـــــــــــــــــــــــــــــ 36 - كتاب التفسير والتفسير لغة مصدر فسر بتشديد السين يُفسر من باب فعل المضعف تفسيرًا إذا كشف المراد وبينه، وأصله من الفسر وهو البيان يقال فسرت الشيء أفسره بالكسر فسرًا من باب ضرب فالتفسير لغة الكشف والبيان، واصطلاحًا علم يعرف به معاني كلام الله تعالى بحسب الطاقة البشرية وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم النحو واللغة والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات، ويحتاج إلى معرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ اهـ قسط وط، والتأويل صرف الكلام إلى ما يؤول إليه من المعنى من آل إلى كذا إذا رجع إليه، وقد حدّه الفقهاء فقالوا: هو إبداء احتمال في اللفظ معضود بدليل خارج عنه، فالتفسير بيان اللفظ كقوله: {لَا رَيبَ فِيهِ} أي لا شك فيه، والتأويل بيان المعنى كقولهم لا شك فيه عند المؤمنين أو لأنه حق في نفسه فلا تقبل ذاته الشك، وإنما الشك وصف الشاك ونحو ذلك اهـ مفهم. وإنما قلل الإمام مسلم رحمه الله تعالى الأحاديث الواردة في التفسير لأن الأحاديث المرفوعة التي هي في صميم موضوع التفسير والتي تستجمع الشروط التي التزم بها قليلة عنده ولكن قد أخرج أحاديث كثيرة في الأبواب الأخرى التي لها علاقة بالتفسير، وإنما أكثر البخاري الأحاديث الواردة في التفسير في صحيحه لأنه يورد الأحاديث بأدنى مناسبة ولا يرى بالتكرار بأسًا ولأنه أدخل كثيرًا في تفسير غريب القرآن. ***

776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وادخلوا الباب سجدا}

أبواب متفرقة في تفسير آيات مختلفة 776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} 7338 - (2303) (163) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "قِيلَ لِبَني إِسْرَائِيلَ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ أبواب متفرقة في تفسير آيات مختلفة 776 - (20) باب في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} 7338 - (2303) (163) (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حدثنا معمر) الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني، ثقة، من (4) (قال) همام (هذا ما حدَّثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لبني إسرائيل) على لسان موسى - عليه السلام - عندما طلبوا لغذائهم غير المنّ والسلوى حين سئموا منهما مما تنبت الأرض من قثائها وفومها مثلًا فأُمروا أن يدخلوا قرية بيت المقدس متواضعين لله تائبين من ذنوبهم فيجدون فيها ما يشتهون (ادخلوا الباب) أي بابا من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب، والمراد الباب الثاني من بيت المقدس ويعرف الآن بباب حطة أو باب القبة التي كان يتعبد فيها موسى وهارون ويصليان مع بني إسرائيل إليها (سجدًا) أي ركعًا منحنين ناكسي رؤوسكم بالتواضع على أن يكون معناه الحقيقي أو ساجدين شكرًا لله تعالى على خلاصكم وإخراجكم من التيه على أن يكون المراد به معناه الشرعي (وقولوا) بألسنتكم مسألتنا يا ربنا (حطة) أي حط ذنوبنا عنا وغفرانها لنا بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا من الله أن يحط عنا ذنوبنا، أو بالنصب على المصدرية لفعل محذوف أي حُطّ عنا ذنوبنا

نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] فَبَدَّلُوا. فَدَخَلُوا الْبَاب يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ. وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ" ـــــــــــــــــــــــــــــ حطة وذلك أنهم أصابوا خطيئة بإبائهم على موسى دخول القرية (يغفر لكم خطاياكم) مجزوم بالطلب السابق وهو بالياء المضمومة مبنيًّا للمجهول على قراءة نافع وذلك الفعل لأن الخطايا مؤنث مجازي أو لوقوع الفعل أي يغفر الله لكم خطاياكم جمع خطيئة (فبدّلوا) الفعل الذي أُمروا به وهو الدخول سجدًا فعلًا غير الذي أُمروا به وهو الدخول زحفًا كما قال: (فدخلوا الباب يزحفون) أي ينجرون (على أستاههم) أي على أدبارهم وألياتهم فعل المقعد الذي يمشيء على أليته وبدّلوا القول الذي أُمروا به وهو قولهم حطة غير القول الذي أُمروا به (وقالوا حبة في شعرة). والمعنى أنهم غيروا تلك الكلمة التي أُمروا بها وقالوا قولًا غير الذي قيل لهم فقالوا حنطة بدل حطة كما في رواية غير مسلم وكذلك بدّلوا الفعل الذي أُمروا به من دخولهم سجدًا فدخلوا زاحفين على أدبارهم قائلين حنطة على شعيرة استخفافًا بأمر الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة البقرة باب {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} [4479]، والترمذي في تفسير سورة البقرة [2956]، وأحمد [2/ 318] ورُوي عن ابن عباس أن الباب الذي أُمروا بدخوله كان صغيرًا ضيقًا لا يتمكن الإنسان من الدخول فيه إلا بأن يكون راكعًا فكأنهم أعظموا أنفسهم من أن يدخلوا بهذه الهيئة المتواضعة فاختاروا هذه الهيئة التي فيها سخرية وتكبر. ***

777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم

777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم 7339 - (2304) (164) حدّثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيرٍ النَّاقِدُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: حَدَّثَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ - يَعْنُونَ ابْنَ إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ - وَهُوَ ابْنُ كَيسَانَ - عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: أَخبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ. حَتَّى تُوُفِّيَ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ الْوَحْيُ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 777 - (21) باب تتابع الوحي قرب وفاته صلى الله عليه وسلم 7339 - (2304) (164) (حدثنا عمرو بن محمد بن بكير) بن شابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) (والحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي (الحلواني) المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد حدثني وقال الآخران حدثنا يعقوب يعنون ابن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد، ثقة، من (8) (عن صالح وهو ابن كيسان) الغفاري، ثقة، من (4) (عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (أن الله عزَّ وجلَّ تابع الوحي) أي أكثر الوحي وإنزال القرآن (على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته) بسنة أو بسنتين (حتى توفي وأكثر ما كان الوحي) أي وأكثر أكوان الوحي (يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي زمن إذ قرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله (تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته) قال الحافظ في الفتح [9/ 8] أي أكثر إنزاله قرب وفاته صلى الله عليه وسلم والسر في ذلك أن الوفود بعد فتح مكة كثروا وكثر سؤالهم عن الأحكام فكثر النزول بسبب ذلك، ووقع لي سبب تحديث أنس بذلك من رواية الدراوردي عن الإمامي عن الزهري سألت أنس بن مالك: هل فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت؟ قال: أكثر ما كان وأجمه "أورده ابن يونس في تاريخ مصر في ترجمة محمد بن سعيد بن أبي مريم اهـ. قوله (وأكثر ما كان الوحي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الأبي:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم أر من تكلم على هذا لعله وقع له الإشكال بلفظ يوم توفي فإنه لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي كثيرًا يوم وفاته، والظاهر أن المراد بيوم وفاته آخر أيام حياته إذ قرب وفاته وليس خصوص ذلك اليوم الواحد ويؤيد ما قلنا لفظ البخاري "تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فضائل القرآن باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل [4982]، وأحمد [3/ 236]. وهذا الباب استطرادي لم يذكر المؤلف فيه إلا حديثًا واحدًا. ***

778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم}

778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 7340 - (2305) (165) حدّثني أَبُو خَيثَمَة، زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، (وَهُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ؛ أَن الْيَهُودَ قَالُوا لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ آيَةً. لَوْ أُنْزِلَتْ فِينَا لاتَّخَذْنَا ذلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. فَقَال عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ حَيثُ أُنْزِلَتْ. وَأَيَّ يَوْمٍ أُنْزِلَتْ. وَأَينَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَيثُ أُنْزِلَتْ. أُنْزِلَتْ بِعَرَفَةَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 778 - (22) باب بيان تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 7340 - (2305) (165) (حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا عبد الرحمن وهو ابن مهدي حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم أبي أبي عمرو الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، قال أبو داود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه صحابي أو ثقة، روى عنه في (4) أبواب (أن اليهود قالوا لعمر) بن الخطاب رضي الله عنه، وقد وقع في رواية قبيصة بن ذؤيب عند مسدد والطبري والطبراني في الأوسط أن القائل هو كعب الأحبار، ولعله كان معه رجال آخرون من اليهود وقت هذا السؤال ذكره الحافظ في الفتح [1/ 105] (إنكم) أيها المسلمون (تقرؤون آية) في كتابكم (لو أُنزلت) تلك الآية (فينا) أي في كتابنا التوراة (لاتخذنا) وجعلنا (ذلك اليوم) الذي أُنزلت فيه (عيدًا) أي يوم فرح وسرور (فقال عمر) رضي الله عنه (إني لأعلم حيث أنزلت وأي يوم أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث) أي حين فحيث بمعنى حين كما في الرواية (أنزلت بعرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة) وقول عمر رضي الله عنه (إني لأعلم حيث أُنزلت) .. إلخ ويتضح مطابقة هذا الجواب للسؤال برواية قبيصة المذكورة ولفظها "نزلت يوم الجمعة ويوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد" وكذا وقع عند الترمذي من

قَال سُفْيَانُ: أَشُكُّ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ أَمْ لَا. يَعْنِي: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]. 7341 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث ابن عباس (أن يهوديًّا سأله عن ذلك فقال: نزلت يوم عيدين يوم جمعة ويوم عرفة) قال الحافظ: فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدًا وهو يوم الجمعة واتخذوا يوم عرفة عيدًا لأنه ليلة العيد. قوله (لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا) أي لعظّمناه وجعلناه عيدًا لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من إكمال الدين (فقال عمر إني لأعلم) .. الخ فإن قيل كيف طابق الجواب للسؤال لأنهم قالوا لاتخذناه عيدًا، وأجاب عمر رضي الله عنه بمعرفة الوقت والمكان، ولم يقل جعلناه عيدًا، والجواب أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة وإلا فرواية إسحاق قد نصت على المراد، ولفظه: نزلت يوم الجمعة يوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد، ولفظ الطبري والطبراني وهما لنا عيدان وكذا عند الترمذي عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن يهوديًّا سأله عن ذلك فقال: (نزلت في يوم عيدين يوم جمعة ويوم عرفة) فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدًا وهو يوم الجمعة، واتخذوا يوم عرفة عيدًا لأنه ليلة العيد وهذا كما جاء في الحديث (شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة) وسُمي رمضان عيدًا لأنه يعقبه العيد قاله الحافظ اهـ من التحفة. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة المائدة باب {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [4606]، والترمذي في تفسير سورة المائدة [3043]، والنسائي في الإيمان باب زيادة الإيمان [5012]، وأحمد [1/ 28 و 39]. قال عبد الرحمن بن مهدي (قال) لنا (سفيان) الثوري (أشك) أنا أ (كان) ذلك اليوم الذي ذكر الله سبحانه (يوم جمعة أم لا) كان يوم جمعة أي أم لم يكن يوم جمعة (يعني) سفيان بقوله (كان يوم جمعة) {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7341 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء

(وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ)، قَال: حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَال: قَالتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: لَوْ عَلَينَا، مَعْشَرَ يَهُودَ، نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] نَعْلَمُ اليومَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَال: فَقَال عُمَرُ: فَقَدْ عَلِمْتُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ. وَالسَّاعَةَ. وَأَينَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ. نَزَلَتْ لَيلَةَ جَمْعٍ. وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ (واللفظ لأبي بكر قال حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (عن أبيه) إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب، وليس في مسلم من اسمه إدريس إلا هذا ثقة (عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر) بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إدريس بن يزيد لسفيان الثوري (لو) نزلت (علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية) فالكلام من باب الاشتغال يعنون قوله تعالى: ({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) أي أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام {وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي} بإكماله، وقيل بدخول مكة آمنين (ورضيت) أي اخترت ({لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}) حال أي اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه هو الدين المرضي وحده، قال الطبري: أي أعلمتكم برضاي له دينًا وإلا فهو سبحانه لم يزل راضيًا بذلك إذ لو حمل على ظاهره لم يكن للتقييد باليوم فائدة، ويحتمل أن يريد رضيته لكم دينًا باقيًا لا نسخ فيه اهـ (نعلم اليوم الذي أُنزلت فيه) معطوف بعاطف مقدر على فعل الشرط للو والمضارع بمعنى الماضي، والتقدير لو أنا نزلت علينا هذه الآية وعلمنا اليوم الذي أُنزلت فيه (لاتخذنا ذلك اليوم) الذي نزلت فيه (عيدًا) لنا (قال) طارق بن شهاب (فقال عمر) رضي الله عنه لليهود (فقد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والساعة) التي أنزلت فيه (و) علمت (أين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت) لأنها (نزلت ليلة جمع ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) واقفون (بعرفات). وقوله (ليلة جمع) هكذا الرواية (ليلة جمع) في بعض النسخ، وفي نسخة ابن ماهان (ليلة جمعة) وكلاهما صحيح فمن روى ليلة جمع فهي ليلة المزدلفة وهو المراد بقوله

7342 - (00) (00) وحدّثني عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيسٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ. فَقَال: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَها. لَوْ عَلَينَا نَزَلَتْ، مَعْشَرَ الْيَهُودِ، لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَال: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. فَقَال عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ. وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ. نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ. فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحن بعرفات في يوم جمعة لأن ليلة جمع هي عشية يوم عرفات ويكون المراد بقوله ليلة جمعة يوم جمعة ومراد عمر رضي الله عنه أنا قد اتخذنا ذلك اليوم عيدا من وجهين فإنه يوم عرفة ويوم جمعة وكل واحد منها عيد لأهل الإسلام اهـ نووي. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في أثر عمر رضي الله عنه فقال: 7342 - (00) (00) (وحدثني عبد بن حميد أخبرنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا أبو عميس) عتبة بن مسعود بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال) طارق (جاء رجل من اليهود) وهو كعب الأحبار (إلى عمر) بن الخطاب رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة أبي عميس لإدريس بن يزيد (فقال) ذلك الرجل (يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤنها لو) نزلت (علينا نزلت معشر اليهود لاتخدنا ذلك اليوم عيدًا قال) عمر للرجل (وأي آية) هي (قال) الرجل هي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (فقال عمر) للرجل (إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه) وهو يوم عرفة (و) أعلم (المكان الذي نزلت فيه) وهو أرض عرفة لأنها (نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة). ***

779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} الآية

779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية 7343 - (2306) (166) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، (قَال أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا) ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] قَالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ 779 - (23) باب تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية 7343 - (2306) (166) (حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) المصري (قال أبو الطاهر حدثنا وقال حرملة أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (عن) تفسير (قول الله) تعالى ({وَإِنْ خِفْتُمْ}) يا أولياء اليتامى وعلمتم من أنفسكم ({أَلَّا تُقْسِطُوا}) أي أن لا تعدلوا ({فِي الْيَتَامَى}) إذا نكحتموهن ({فَانْكِحُوا}) أي فاتركوهن وتزوجوا ({مَا طَابَ}) وحل ({لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}) الأجنبيات أي فتزوجوا من استطابتها وأحبتها أنفسكم ومالت إليها قلوبكم من الأجنبيات أو فانكحوا ما حل لكم من النساء لأنه منهن ما حرم الله عليكم كالآتي في آية التحريم، وقوله {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] بدل من ما في قوله: {مَا طَابَ لَكُمْ إلَيكُمْ} والواو فيه بمعنى أو التي للتخيير أي فانكحوا اثنين اثنين من النساء الأجنبيات أو ثلاثة ثلاثة منها أو أربعًا أربعًا منها ولا تزيدوا على أربع أي فيجوز لكل أحد أن يختار لنفسه قسمًا واحدًا من هذه الأقسام بحسب حاله يسارًا أو إعسارًا فإن قدر على نكاح اثنتين فاثنتان وإن قدر على ثلاث فثلاث وإن قدر على أربع فأربع لا أنه يضم عددًا منها إلى عدد آخر، وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن يزيد على أربع نسوة وأن الزيادة على أربع من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد من الأمة (قالت) عائشة

يَا بْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا. تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ. فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا. فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا. فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيرُهُ. فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ. ويَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ. وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ، سِوَاهُنَّ. قَال عُرْوَةُ: قَالتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ، فِيهِنَّ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ (يا بن أختي) أسماء هذه (هي اليتيمة) التي مات أبوها و (تكون في حجر وليها) القائم بأمورها (تشاركه في ماله فيعجبه) أي فيرغبه في نكاحها (مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط) أي من غير أن يعدل ويوفي لها حقها (في صداقها) وقوله (فيعطيها مثل ما يعطيها غيره) معطوف على معمول قوله (بغير) يعني يريد أن يتزوجها من غير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها، ويدل على ذلك قوله (فنهوا) بضم النون والهاء من (أن ينكحوهن) وفي رواية البخاري (فنهوا عن أن ينكحوهن) بزيادة عن الجارة قبل أن المصدرية (إلا أن يقسطوا) بضم الياء من الإقساط أي إلا أن يقسطوا ويعدلوا ويوفوا (لهن) حقها من الصداق (ويبلغوا بهن) وفي رواية البخاري لهن أي ويكملوا لهن (أعلى سنتهن) أي طريقتهن (من الصداق) وعادتهن في ذلك (وأمروا) وفي رواية البخاري فأمروا أي فأمر الأولياء (أن ينكحوا) ويتزوجوا (ما طاب) وحل (لهم من النساء سواهن) أي سوى اليتامى من النساء الأجنبيات، وقد تقرر أن (ما) لا تستعمل في ذوي العقول واستعملها لهن هنا نظرًا إلى معنى الصفة كأنه قيل فانكحوا النوع الطيب من النساء أي الحلال أو المشتهى، والثاني أرجح لاقتضاء المقام له ولأن الأمر بالنكاح لا يكون إلا في الحلال فوجب الحمل على شيء آخر أو إجراء لهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن كقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُنَّ} اهـ قسط. (قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (قالت عائشة ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي طلبوا منه الفتيا في أمر النساء (بعد) نزول (هذه الآية) وهي قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (فيهن) أي في يتامى النساء (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) معطوف على استفتوا أي أنزل في وسط هذه السورة ({وَيَسْتَفْتُونَكَ}) أي يستخبرك ويسألك يا محمد جماعة من الصحابة ما أشكل

فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]. قَالتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالى؛ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ، الآيَةُ الأُولَى الَّتِي قَال اللهُ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم ({فِي}) شؤون ({النِّسَاءِ}) وحقوقهن ويطلبونك ببيان ما غمض وخفي عليهم من أحكامهن من جهة حقوقهن المالية والزوجية كالعدل في المعاشرة وحين الفرقة والنشوز، والاستفتاء طلب الفتوى وهو إظهار ما أشكل من الأحكام الشرعية وكشفه وتبيينه، قال المفسرون: والذي استفتوه فيه هو ميراث النساء والصغار وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد فلما نزلت آية الميراث {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} [النساء: 11] قالوا: يا رسول الله كيف ترث المرأة والصغير؟ وكيف نعطي المال من لا يركب فرسًا ولا يحمل سلاحًا ولا يقاتل عدوًا؟ فأجابهم بهذه الآية، فقال ({قُلِ}) لهم يا محمد في جواب استفتائهم ({اللَّهُ}) سبحانه وتعالى ({يُفْتِيكُمْ}) أي يبين لكم ما أشكل عليكم ({فِيهِنَّ}) أي في حقوقهن وشؤونهن من الميراث والمعاشرة وغير ذلك بما يوحيه إليك من الأحكام المبينة في الأحاديث، وبما سيأتي من الآيات الكريمة المتعلقة بشؤون النساء يبين لكم أيضًا ({وَمَا يُتْلَى}) ويقرأ ({عَلَيكُمْ}) أيها المؤمنون ({فِي الْكِتَابِ}) [النساء: 127] أي في القرآن مما نزل في أول هذه السورة ({فِي يَتَامَى النِّسَاءِ}) أي في بيان حقوق اليتامى من النساء ({اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}) أي اللاتي لا تعطونهن ما وجب لهن من الميراث أو الصداق وذلك لأنهم يورثون الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار فإنهم لا يعطونهن ما كُتب لهن من الإرث إذا كان في أيديهم لولايتهم عليهن ({وَتَرْغَبُونَ}) أي تطمعون في ({أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) وتزوّجوهن لمالهن وجمالهن بأقل من صداقتهن أو ترغبون وتعرضون عن أن تنكحوهن وتتزوّجوهن لدمامتهن وتمسكونهن رغبة في مالهن فلا تنكحوهن بأنفسكم ولا تنكحوهن لغيركم حتى يبقى مالهن في أيديكم (قالت) عائشة (والذي ذكر الله تعالى أنه يُتلى عليكم في الكتاب) في يتامى النساء والموصول مبتدأ خبره (الآية الأولى التي قال الله تعالى فيها) أي في ذكرها أول السورة ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]،

قَالتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ فِي الآيَةِ الأُخرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]، رَغْبَةَ أَحَدِكُمْ عَنِ الْيَتِيمَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ، حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ. فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ. مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ (قالت عائشة وقول الله) عزَّ وجلَّ (في الآية الأخرى) أي في الآية الأخيرة ({وَتَرْغَبُونَ}) عن ({أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) يعني (رغبة أحدكم) وإعراضه (عن) تزوج (اليتيمة التي تكون في حجره) وولايته أي إعراضه عنها (حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا) عن (أن ينكحوا ما رغبوا) أي من رغبوا (في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط) والعدل في صداقهن (من أجل رغبتهم عنهن) أي عن زواجها حين كانت قليلة المال والجمال فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة ونكاح الفقيرة الدميمة على السواء في العدل. وحاصل كلام عائشة رضي الله تعالى عنها أن من ولي يتيمة من أبناء أعمامها كأن يظلمها في الجاهلية من ناحيتين فإن كانت اليتيمة ذات مال وجمال رغب في أن يتزوجها بنفسه دون أن يعطيها صداق مثلها فكان ينكحها بأقل من مهر المثل فأمره الله سبحانه وتعالى أن لا يتزوجها في هذه الحالة بل يتزوج غيرها من أحل الله له بما شاء من المهر لئلا يبخس اليتيمة حقها في المهر وهذا هو المراد من قوله سبحانه {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية. وأما إذا كانت اليتيمة قليلة الجمال ولها مال فلا يتزوجها الولي لعدم رغبته في جمالها ولا يزوّجها أحدًا غيره خشية أن يذهب الزوج بمالها فيمسكها عنده غير متزوجة ولا يخفى ما في ذلك من الظلم عليها فنهاه الله تعالى من هذا الظلم وأمره بأحد الأمرين إما أن يتزوجها بنفسه على مهر مثلها وإما أن ينكحها غيره وهذا هو المراد من قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ} الآية. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في تفسير سورة النساء باب {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [4573]، وأبو داود في النكاح باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء [2068]، والنسائي في النكاح باب القسط في الأصدقة [3346]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

7344 - (00) (00) وحدّثنا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ؛ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: مِنْ أَجْلِ رَغبَتِهِمْ عَنْهُنَّ، إِذَا كُنَّ قَلِيلاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ. 7345 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]. قَالت: أُنْزِلَت فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ وَهُوَ وَليُّهَا وَوَارِثُهَا. وَلَهَا مَالٌ. وَلَيسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 7344 - (00) (00) (وحدثنا الحسن بن علي الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري، ثقة، من (9) (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب أخبرني عروة أنه سأل عائشة) رضي الله تعالى عنها وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة صالح ليونس أي سألها (عن) سبب نزول (قول الله) عزَّ وجلَّ وعن تفسيره يعني قوله ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} وساق) صالح بن كيسان (الحديث بمثل حديث يونس عن الزهري و) لكن (زاد) صالح (في آخره) أي في آخر الحديث نُهوا عن نكاحها إذا كانت ذات جمال ومال (من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال) أي زاد لفظة إذا كن قليلات المال والجمال. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 7345 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري أي روى عنها (في) سبب نزول (قوله) تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أي سألها عنه فـ (قالت أنزلت) هذه الآية (في الرجل تكون له اليتيمة) وهي التي مات أبوها (وهو وليها) في النكاح (ووارثها) إذا ماتت كبنت عمه أو بنت ابن عمه (ولها مال وليس لها أحد) من الأولياء (يخاصمـ) ـه ويدافعه (دونها) أي عنها

فَلَا يُنْكِحُهَا لِمَالِهَا. فَيَضُرُّبِهَا ويسِيءُ صُحْبَتَهَا. فَقَال: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]. يَقُولُ: مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ. وَدَعْ هَذِهِ الَّتِي تَضُرُّ بِهَا. 7346 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] ـــــــــــــــــــــــــــــ (فلا ينكحها) بضم الياء من الإنكاح بمعنى التزويج أي لا يزوّجها ذلك الولي لغيره (لمالها) أي لأجل الرغبة في مالها (فيضر بها) أي فيضر ذلك الولي بها يقال ضره وأضر به فالثلاثي بحذف الباء والرباعي بإثباتها فكلاهما بمعنى واحد أي يضر بها بعد تزوجه بنفسه بأن لا يعطيها مهر مثلها (ويسيء صحبتها) أي معاشرتها إذا تزوجها بعدم الإنفاق وترك المبيت عندها (فقال) الله سبحانه في ذلك الولي (إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب) وحل (لكم من النساء) الأجنبيات (يقول) تعالى ويريد بذلك أي بقوله ما طاب لكم أي (ما أحللت لكم) غير المحرمات السابقة (ودع) أي واترك أيها الولي (هذه) اليتيمة (التي تضر بها) أي تريد إضرارها إذا تزوجتها ولا توفي لها حقها وتبادر إلى إسراف مالها، قال القرطبي: وقد اتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ليس له مفهوم إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة أو اثتين أو ثلاثًا أو أربعًا كمن خاف فدل ذلك على أن الآية نزلت جوابًا لمن خاف وأن حكمها أعم من ذلك اهـ مفهم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال: 7346 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبدة بن سليمان لأبي أسامة أي روى عنها عروة (في) بيان سبب نزول (قوله) تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ} وفرض ({لَهُنَّ}) من المهور أو الميراث لأنهم يورثون الرجال دون النساء كما مر آنفًا ({وَتَرْغَبُونَ}) أي

قَالت: أُنْزِلَتْ فِيِ الْيَتِيمَةِ. تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ. فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. ويكْرَهُ أَنْ يُزَوَّجَهَا غَيرَهُ. فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَعْضِلُهَا فَلَا يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا غَيرَهُ. 7347 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النساء: 127] الآيَةَ. قَالتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ. لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ. حَتَّى فِي الْعَذْقِ. فَيَرْغَبُ، يَعْنِي، أَنْ يَنْكِحَهَا. وَيَكْرَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ تطمعون في ({أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) [النساء: 127] وتزوّجوهن لمالهن وجمالهن بأقل من صداقهن أو ترغبون وتعرضون عن أن تنكحوهن لدمامتهن وتمسكوهن رغبة في مالهن فلا تنكحوهن ولا تنكحوهن غيركم حتى يبقى مالهن في أيديكم وقد كان الرجل منهم يضم اليتيمة ومالها إلى نفسه فإن كانت جميلة تزوّجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها (قالت) عائشة (أنزلت) هذه الآية (في اليتيمة تكون عند الرجل فتشركه) من باب سمع أي تشاركه (في ماله فيرغب عنها) أي يعرض عن (أن يتزوجها) لدمامتها، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور على كونه بدل اشتمال من الضمير المجرور بعن (وبكره أن يزوّجها غيره فيشركه) بفتح الراء أي فيشاركه ذلك الغير (في ماله) أي في مالها الذي في يده (فيعضلها) من بابين ضرب ونصر أي فيمنعها من الزواج (فلا يتزوجها) بنفسه (ولا يزوّجها غيره). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال: 7347 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا أسامة أخبرنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لعبدة بن سليمان أي روى عنها (في) سبب نزول (قوله) تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} الآية، قالت) عائشة هذه المقصودة في هذه الآية (هي اليتيمة التي) مات أبوها (تكون عند الرجل) الذي كان وليًّا لها كابن عمها (لعلها) أي لعل تلك اليتيمة يشفق منها (أن تكون قد شركته في ماله حتى في العذق) بفتح العين وسكون الذال حتى في النخل (فيرغب) أي يعرض (يعني) عن (أن ينكحها) ويزوّجها لقلة جمالها (ويكره أن

يُنْكِحَهَا رَجُلًا فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ. فَيَعْضِلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ ينكحها) ويزوّجها (رجلًا) غيره (فيشركه في ماله فيعضلها) بكسر الضاد وضمها يقال عضل الرجل المرأة إذا منعها من التزوج ظلمًا (قوله فيشركه في ماله) لأن اليتيمة إذا تزوجت غير وليها انقطع حق الولي من مالها وصار الزوج أحق بها فكأنه اقتطع نصيبًا من مال الولي وإلا فلا شركة له في مال الولي حقيقة أو المراد أن اليتيمة كانت شريكة في ماله حقيقة فيقوم زوجها على نصيبها فكأنه شارك الولي في ماله. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث عائشة وذكر فيه أربع متابعات. ***

780 - (24) باب قوله تعالى: {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف}

780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} 7348 - (2307) (167) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] قَالتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيهِ ويصْلِحُهُ. إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَأكُلَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 780 - (24) باب قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} 7348 - (2307) (167) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (في قوله {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قالت) عائشة إن هذه الآية (أُنزلت في والي مال اليتيم الذي يقوم عليه) أي على مال اليتيم بالحفظ عن الضياع (ويصلحه) بالاستثمار والاسترباح (إذا كان) ذلك الولي (محتاجًا) فقيرًا ليس له مال يكفيه فله (أن يأكل منه) أي من مال اليتيم في مقابلة قيامه عليه بالحفظ والاستثمار بقدر حاجته بحيث لا يتجاوز أجرة المثل ولا يرد ما أكل منه إذا أيسر على الصحيح عند الشافعية، وقيل يأخذ منه بالقرض لما رُوي عن ابن عباس وغيره نظيره، وعن ابن عباس يأكل من ماله بالمعروف حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم وقيل لا يأكل وإن كان فقيرًا لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} وأُجيب بأنه عام والخاص مقدم عليه اهـ قسط. قال القرطبي: والصحيح من هذه الأقوال أن مال اليتيم إن كان كثيرًا يحتاج إلى كثير قيام عليه بحيث يشغل الولي عن حاجاته ومهماته فُرض له فيه أجرة عمله، وإن كان قليلًا مما لا يشغله عن حاجاته فلا يأكل منه شيئًا غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن وأكل القليل من الطعام والتمر غير مُضرّ به ولا مستكثر له بل ما جرت به العادة بالمسامحة فيه، وما ذكرته من الأجرة ونيل القليل من التمر واللبن كل واحد منهما معروف فصلح حمل الآية على ذلك والله أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة النساء باب {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [4575].

7349 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] قَالتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ، أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ، إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا، بِقَدْرِ مَالِهِ، بِالْمَعْرُوفِ. 7350 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7349 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لعبدة بن سليمان، روى عنها (في) بيان سبب نزول (قوله تعالى ومن كان) من الأولياء (غنيًّا) عن مال اليتيم (فليستعفف) عنه ولا يأكل منه شيئًا (ومن كان) منهم (فقيرًا فليأكل بالمعروف قالت) عائشة إن هذه الآية (أُنزلت في ولي) مال (اليتيم) له (أن يصيب) ويأكل (من ماله) أي من مال اليتيم (إذا كان محتاجًا) إليه (بقدر) ما كان يأكل من (ماله) أي من مال نفسه لو كان له مال قليل في حالة الفقر فليأكل منه (بالمعروف) في أكله من مال نفسه فلا يتجاوز ذلك القدر في الأكل من مال اليتيم والله أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 7350 - (00) (00) (وحدثناه أبو كريب حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة (مثله) أي مثل ما حدّث عبدة بن سليمان، غرضه بيان متابعة ابن نمير لعبدة وأبي أسامة. وهذه المسألة أعني مسألة أكل الولي المحتاج من مال اليتيم خلافية فيها خمسة أقوال: الأول يجوز لولي اليتيم أن يأخذ من ماله قدر عمالته وهو قول عائشة وعكرمة والحسن وهو رواية عن ابن عباس، والثاني لا يجوز له أن يأكل من مال اليتيم إلا عند الحاجة فيصير كالنفقة التي يحتاج إليها وهو مروي عن الحسن وإبراهيم وعطاء ومكحول، والثالث لا يجوز له أن يأكل من مال اليتيم على كونه أجرة أو نفقة وإنما يجوز أن يأخذ منه مالًا على سبيل القرض ثم يقضيه عند اليسار وهو مروي عن عمر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبيدة السلماني وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، والرابع إن كان المال ذهبًا أو فضة لم يجز أن يأخذ منه شيئًا إلا على سبيل القرض وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة وهو أصح الأقوال عن ابن عباس وبه قال الشعبي وأبو العالية، والخامس أنه يأخذ أقل القدرين من أجرته ونفقته وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، وهذه الأقوال ملخصة من أحكام القرآن للجصاص [2/ 64]، وفتح الباري [5/ 392] وأقوى هذه الأقوال أنه يجوز له أن يأخذ بقدر نفقته إذا كان محتاجًا ولهذا أمر بالاستعفاف عند الغنى ولو كان الأكل على طريق الأجرة لم يكن هناك فرق بين الغني والفقير ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي يتيمًا له مال وليس عندي شيء أفآكل من ماله؟ قال: "بالمعروف" ذكره الحافظ في الفتح [8/ 241] وقال: إسناده قوي والله أعلم. ***

781 - (25) باب قوله تعالى: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم}

781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} 7351 - (2308) (168) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10] قَالتْ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ 781 - (25) باب قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} 7351 - (2308) (168) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) (عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، روى عنها (في) بيان سبب نزول (قوله عزَّ وجلَّ) اذكروا قصة (إذا جاؤوكم) أي إذ جاءكم الكفار (من فوقكم ومن أسفل منكم) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الذين جاؤوهم من فوقهم عيينة بن حصن، والذين جاؤوهم من أسفلهم أبو سفيان بن حرب، وذكر ابن إسحاق أن الذين جاؤوهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان ذكره الحافظ في الفتح [8/ 400] ولا منافاة بين القولين فإن عيينة بن حصن كان مع بني قريظة وأبا سفيان مع قريش وغطفان (و) اذكروا (إذ زاغت الأبصار) أي مالت عن سنن القصد فعل الفزع المرعوب، وقال قتادة: شخصت (وبلغت القلوب الحناجر) أي قاربت الخروج من الضيق والروع وشدة البلاء حتى نجم النفاق في كثير أنها (قالت كان ذلك) المذكور في الآية (يوم الخندق) أي في غزوة الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة برأي سلمان وتسمى غزوة الأحزاب لأن الكفار تحزبوا أحزابًا وتجمعوا جموعًا حتى اجتمع في عددهم خمسة عشر ألفًا من أهل نجد وتهامة ومن حولهم أو نحوهم وحاصروا المسلمين في المدينة شهرًا ولم يكن بينهم قتال إلا الرمي بالنبل والحصى، ونقضت قريظة ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد وحينئذ جاء المسلمين عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت الأبصار يعني مالت عن سنن القصد فعل المرعوب وبلغت القلوب الحناجر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي الحلقوم أي قاربت الخروج من الضيق والروع وشدة البلاء والجهد وكان وقت بلاء وتمحيص ولذلك نجم في كثير من الناس النفاق وظهر منهم الشقاق اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المغازي باب غزوة الخندق وهي الأحزاب [4103]. ***

782 - (26) باب قوله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا}

782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} 7352 - (2309) (169) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]. الآيَةَ. قَالتْ: أُنْزِلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ. فَتَطُولُ صُحْبَتُهَا. فَيُرِيدُ طَلاقَهَا. فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَمْسِكْنِي، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنِّي. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ 782 - (26) باب قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} 7352 - (2309) (169) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، أي روى عروة عنها في بيان سبب نزول قوله تعالى ({وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ}) أي علمت ({مِنْ بَعْلِهَا}) أي من زوجها ({نُشُوزًا}) أي بغضًا لها وتكبرًا عنها بأن يتجافى عنها ويمنعها نفقته ونفسه أو يؤذيها بشتم أو ضرب، وفي المصباح: نشزت المرأة من زوجها نشوزًا من بابي قعد وضرب عصت زوجها وامتنعت عليه ونشز الرجل من امرأته نشوزًا تركها وجفاها اهـ ({أَوْ إِعْرَاضًا}) عنها أي ميلًا عنها إلى غيرها بتقليل المحادثة معها والمؤانسة بها بسبب طعن في سن أو دمامة أو غيرهما (وامرأة) فاعل بفعل مضمر واجب الإضمار وهو من باب الاشتغال والتقدير وإن خافت امرأة خافت ولا يجوز رفعه على الابتداء لأن أداة الشرط لا يليها إلا الفعل عند جمهور البصريين (الآية) أنها (قالت أُنزلت) هذه الآية (في المرأة تكون عند الرجل فتطول) أي فطالت (صحبتها) معه حتى طعنت في السن (فيريد فراقها) أي طلاقها (فتقول) له (لا تطلقني وأمسكني) في نكاحك (وأنت في حل) وبراءة وإذن (مني) أي من حقوقي لا أطالبك بقسم المبيت لي ولا بالنفقة والكسوة وتنازلت لك من حقوقي عليك، وأخرج الترمذي وأبو داود وغيرهما ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يُطلّق سودة رضي الله عنها فوهبت نوبتها لعائشة رضي الله تعالى عنها (فنزلت هذه الآية) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة

7353 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]. قَالتْ: نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ. فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا، وَتَكُونُ لَهَا صحْبَةٌ وَوَلَدٌ. فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ يومين يومها ويوم سودة وترك سودة في جملة نسائه وفعل ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة النساء باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [4601]، وأبو داود في النكاح باب في القسم بين النساء [2135]، والنسائي في السنن الكبرى [329]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال: 7353 - (00) (00) (حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي كريب لأبي بكر بن أبي شيبة أي روى عروة عنها (في) بيان سبب نزول (قوله عزَّ وجلَّ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}) أنها (قالت نزلت) هذه الآية (في المرأة تكون عند الرجل فلعله) أي فلعل الرجل (أن لا يستكثر منها) أي من حبها أي لا يكثر حبه إياها وإعجابه بها. والجملة في محل الرفع خبر لعل أي فلعل الرجل غير مكثر من حبها، وجملة لعل معترضة بين المتعاطفين، وقوله (وتكون لها صحبة) أي طول معاشرة معه (وولد) لها منه معطوف على تكون الأول أي نزلت في المرأة التي كانت عند الرجل وكان لها صحبة وولد منه (فتكره أن يفارقها) الرجل ويطلّقها (فتقول له) اتركني في عصمتك و (أنت في حل) وإذن وبراءة (من شأني) والمطالبة به أي بريء من حقوقي غير مطالب بها من المبيت والنفقة والكسوة وغيرها. ***

783 - (27) باب قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}

783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} 7354 - (2310) (170) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: قَالتْ لِي عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي، أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَسَبُّوهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ 783 - (27) باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} 7354 - (2310) (170) (حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (قال) أبوه عروة بن الزبير (قالت لي عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (أُمروا) أي أُمر المسلمون (أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم) أي فسب المسلمون الآن أصحابه صلى الله عليه وسلم بدل الاستغفار لهم، قال القاضي: والظاهر أنها قالت هذا والله أعلم حين سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في عليّ ما قالوا، والحرورية في الجميع ما قالوا، وأما الأمر بالاستغفار الذي أشارت إليه فهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الآية [الحشر: 10] وبهذا احتج مالك رحمه الله تعالى بأنه لا حق في الفيء لمن سب الصحابة رضي الله عنه لأن الله تعالى إنما جعله لمن جاء بعدهم ممن يستغفر لهم والله أعلم، قال القرطبي: قد أحسن مالك رحمه الله في فهمه لأنه رأى هذه الآية معطوفة على قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} والمهاجرون والأنصار استحقوا الفيء من حيث إنهم مهاجرون وأنصار لا غير والذين جاؤوا من بعدهم قيدوا بقيد يقولون إلى آخره فإن لم يوجد هذا القيد لم يعطوا من الفيء والله أعلم اهـ سنوسي. وهذا الحديث من أفراد مسلم لم يذكره غيره من الأئمة الستة.

7355 - (00) (00) وحدّثناه أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 7355 - (00) (00) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لأبي معاوية، وساق أبو أسامة (مثله) أي مثل ما حدّث أبو معاوية. ***

784 - (28) باب قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم}

784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 7356 - (2311) (171) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِي. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، قَال: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] فَرَحَلْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَال: لَقَدْ أُنْزِلَتْ آخِرَ مَا أُنْزِلَ. ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ 784 - (28) باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 7356 - (2311) (171) (حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري (حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (2) بابين الحشر والتفسير (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (قال) سعيد (اختلف أهل الكوفة في هذه الآية) يعني قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية، أي اختلفوا هل تُقبل توبة القاتل المتعمد أم لا؟ (فرحلت) أي سافرت من الكوفة (إلى ابن عباس) وهو في البصرة، قال القاضي: كذا الصواب بالراء والحاء المهملة، وعند ابن ماهان فدخلت بالدال والخاء المعجمة اهـ من الأبي (فسألته) أي سألت ابن عباس (عنها) أي عن معنى هذه الآية فقلت له: هل لمن قتل مؤمنًا متعمدًا من توبة؟ (فقال) ابن عباس: لا توبة له لأنه (لقد أنزلت) هذه الآية حالة كونها (آخر مما أُنزل) في شأن الدماء وليس المراد أنها آخر ما نزل من القرآن الكريم ولذلك أعقبه بقوله (ثم ما نسخها شيء) من الكتاب والسنة فهي محكمة فلا توبة له، وهذا القول هو المشهور عن ابن عباس، وقد رُوي عنه أن توبته تُقبل وهذا هو قول أهل السنة والذي دل عليه الكتاب والسنة كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وكقوبه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا

7357 - (00) (00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رَحِيمًا (70)} [الفرقان: 68 - 70]، وكقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} [النساء: 110]. وأما السنة فكثيرة لحديث عبادة بن الصامت الذي قال فيه "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن أصاب شيئًا من ذلك فعُوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه" متفق عليه، وكحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الذي قتل مائة نفس، وكحديث جابر في الذي قتل نفسه بقطعه براجمه، وقد تقدم كل ذلك، ويجاب عن التعارض بين الآيتين بأنه يمكن الجمع بينهما بحيث لا يبقى بينهما تعارض وذلك بأن يُحمل مطلق آية النساء على مقيد آية الفرقان فيكون معناها فجزاؤه جهنم إلا من تاب، وقد يقال إن المتعمد المذكور في آية النساء المراد منه هو المستحل لقتل مسلم ومن كان كذلك كان كافرًا وقيل غير ذلك، وهذا الحديث سنده من السداسيات. وشارك المؤلف في روايته البخاري في مواضع منها في تفسير سورة النساء باب {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية، وأبو داود في الفتن باب في تعظيم قتل المؤمن [4273]، والنسائي في تحريم الدم [1/ 4401 و 4402]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 7357 - (00) (00) وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر) بن شميل المازني البصري ثم الكوفي، ثقة، عن (9) روى عنه في (9) أبواب (قالا جميعًا) أي قال محمد بن جعفر والنضر بن شميل (حدثنا شعبة) غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة محمد بن جعفر والنضر بن شميل لمعاذ بن معاذ، وساقا (بهذا الإسناد) يعني عن المغيرة عن سعيد بن جبير مثله،

فِي حَديثِ ابْنِ جَعْفَرٍ: نَزَلَت فِي آخِرِ مَا أُنْزِلَ. وَفِي حَدِيثِ النَّضْرِ: إِنَّهَا لَمِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَتْ. 7358 - (00) (00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ قَال: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى؛ أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَينِ الآيَتَينِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93]. فَسَأَلْتُهُ فَقَال: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيءٌ، وَعَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] قَال: نَزَلَت فِي أَهْلِ الشِّرْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن (في حديث) محمد (بن جعفر) لفظة (نزلت في آخر ما أُنزل وفي حديث النضر) وروايته (إنها لمن) بفتح اللام الابتدائية وكسر الميم الجارة (آخر ما أُنزلت). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 7358 - (00) (00) (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (21) بابا (عن سعيد بن جبير) الوالبي (قال) سعيد بن جبير (أمرني عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها زاي مفتوحة مقصورًا الخزاعي مولاهم الكوفي، الصحابي الصغير رضي الله عنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه، وكان في عهد عمر رجلًا، وكان على خراسان لعلي، له اثنا عشر حديثًا، روى عن عمار بن ياسر في الوضوء في (خ م) وعن أبي بكر وأُبي بن كعب، ويروي عنه (ع) وابنه سعيد بن عبد الرحمن والشعبي (أن أسأل ابن عباس) رضي الله عنهما (عن هاتين الآيتين) يعني قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} فسألته) هل هي محكمة أم منسوخة (فقال) ابن عباس هي محكمة (لم ينسخها شيء و) سألته أيضًا (عن هذا الآية) يعني قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ}) [الفرقان: 68] الآية (قال) ابن عباس (نزلت) هذه الآية (في أهل الشرك) خاصة، وذكر أبو جعفر النحاس أن للعلماء

7359 - (00) (00) حدّثني هَارُونُ بن عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ. هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيثِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، (يَعْنِي شَيبَانَ)، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: نَزَلَت هَذهِ الآيَةُ بِمَكَّةَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، إِلَى قَوْلِهِ {مُهَانًا} [الفرقان: 69] فَقَال الْمُشرِكُونَ: وَمَا يُغْنِي عَنَّا الإِسْلامُ وَقَدْ عَدَلْنَا بِاللهِ وَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ وَأَتَينَا الْفَوَاحِشَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ في هذه الآية أقوالًا: الأول: أن قاتل المؤمن لا توبة له رُوي ذلك عن ابن عباس وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري والضحاك فقالوا: الآية محكمة. والثاني: أن له توبة قاله جماعة من العلماء ورُوي أيضًا عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت. والثالث: أن أمره إلى الله تعالى تاب أو لم يتب وعليه الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن إدريس. والرابع: قال أبو مجلز لاحق بن حميد: المعنى جزاؤه إن جازاه، وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: هو جزاؤه إن جازاه هذا ملخص ما ذكره العيني في عمدة القاري [8/ 559 و 560]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 7359 - (00) (00) (حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10) (حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم (الليثي) مولاهم البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو معاوية يعني شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم البصري ثم الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن منصور بن المعتمر) بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شيبان لشعبة (قال) ابن عباس (نزلت هذه الآية بمكة) المكرمة يعني قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله {مُهَانًا} فقال المشركون وما يغني عنا) أي ما يدفع عنا العذاب (الإسلام) وما ينفعنا (و) الحال أنا (قد عدلنا) وأشركنا (بالله) عزَّ وجلَّ غيره (وقد قتلنا النفس التي حرم الله) قتلها (و) قد (أتينا) وفعلنا (الفواحش) كلها من الزنا

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَل: {إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَال: فَأمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ وَعَقَلَهُ. ثُمَّ قَتَلَ، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ. 7360 - (00) (00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ وَعَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ)، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، قَال: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسِ: أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَال: لَا. قَال: فَتَلَوْتُ عَلَيهِ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرقَانِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]، ـــــــــــــــــــــــــــــ والسرقة وغيرهما يعني كيف يدفع عنا العذاب الإسلام وقد فعلنا الكبائر والموبقات كلها (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) فيهم هذا الاستثناء يعني قوله {إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] إلى آخر الآية (قال) ابن عباس (فأما من دخل في الإسلام وعقله) بفتح القاف من باب ضرب أي علم أحكام الإسلام وتحريم القتل (ثم قتل) النفس التي حرم الله تعالى قتلها (فلا توبة له) فجزاؤه جهنم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال: 7360 - (00) (00) (حدثني عبد الله بن هاشم) بن حبان بتحتانية العبدي أبو عبد الرحمن الطوسي سكن نيسابور (وعبد الرحمن بن بشر) بن الحكم بن حبيب بن مهران (العبدي) النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (13) بابا كلاهما (قالا حدثنا يحيى وهو ابن سعيد) بن فروخ التميمي البصري (القطان) ثقة، من (9) (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز الأموي المكي، ثقة، من (6) (حدثني القاسم بن أبي بزة) اسمه نافع أو يسار المخزومي مولاهم المكي القاريء، ثقة، من (5) روى عنه في (2) بابين الضحايا والتفسير (عن سعيد بن جبير) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة القاسم لمنصور بن المعتمر (قال) سعيد (قلت لابن عباس ألمن) أي هل لمن (قتل مؤمنًا متعمدًا من توبة) أي توبة (قال) لي ابن عباس (لا) أي لا توبة له (قال) سعيد (فتلوت) أي قرأت (عليه) أي على ابن عباس (هذه الآية التي في) سورة (الفرقان) يعني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}

إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَال: هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ. نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا} [النساء: 93]. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ هَاشِمٍ: فَتَلَوْتُ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ: {إلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى آخر الآية) وتمامها متعلق بتلوت (قال) ابن عباس (هذه آية) التي تلوتها (مكية) منسوخة لأنها متقدمة في النزول (نسختها آية مدنية) لتأخرها نزولًا، وتلك المدنية قوله تعالى في سورة النساء {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا} (وفي رواية) عبد الله (بن هاشم) لفظة (فتلوت هذه الآية التي في الفرقان) إلى قوله (إلا من تاب) يعني قرأتها مع الاستثناء لأنه محمل الاستدلال. ***

785 - (29) باب في قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس} إلخ

785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ 7361 - (2312) (172) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيسٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيلٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَال: قَال لِيَ ابْنُ عَبَّاسِ: تَعْلَمُ (وَقَال هَارُونُ: تَدْرِي) آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قَال: صَدَقْتَ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيبَةَ: تَعْلَمُ أَيُّ سُورَةٍ. وَلَمْ يَقُلْ: آخِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 785 - (29) باب في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيتَ النَّاسَ} إلخ 7361 - (2312) (172) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزار، ثقة، من (10) (وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11) (قال عبد أخبرنا وقال الآخران حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو المخزومي الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (أخبرنا أبو عميس) عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن عبد المجيد بن سهيل) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبي وهب المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (3) أبواب، وذكر بعضهم أن اسمه عبد الحميد بن سهيل، وبهذا الاسم أخرج له مالك في الموطأ، وكلاهما صحيح (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني الأعمى، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عبيد الله (قال لي ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، هل (تعلم) آخر سورة نزلت دفعة (وقال هارون) بن عبد الله في روايته هل (تدري) بدل تعلم (آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جميعًا) أي كلًّا دفعة واحدة، قال عبيد الله (قلت) لابن عباس (نعم) أعلم آخر سورة نزلت دفعة هي سورة (إذا جاء نصر الله والفتح، قال) ابن عباس (صدقت) فيما أخبرت يا عبيد الله (وفي رواية ابن أبي شيبة) هل (تعلم) جواب (أي سورة) نزلت من القرآن دفعة (ولم يقل) ابن أبي شيبة لفظة (آخر) سورة نزلت كما

7362 - (00) (00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا أبُو عُمَيسٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ. وَقَال: آخِرَ سُورَةٍ. وَقَال: عَبْدِ الْمَجِيدِ، وَلَمْ يَقُلِ: ابْنِ سُهَيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ قاله هارون، وهذا بيان لمحل المخالفة بين الراويين. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. قوله (قلت: نعم، إذا جاء نصر الله) يعني أن هذه السورة آخر سورة نزلت دفعة واحدة نزلت بعد فتح مكة، ورُوي عن ابن عمر أنها نزلت بمنى في حجة الوداع، ثم أُنزلت {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وعاش بعدها ثمانين يومًا، ثم نزلت آية الكلالة، وعاش بعدها خمسين يومًا، ثم نزل {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} فعاش بعدها خمسًا وثلاثين يومًا، ثم نزل {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فعاش بعدها إحدى وعشرين يومًا، وقال مقاتل: سبعة أيام كذا في شرح الأبي نقلًا عن القرطبي، وورد في تفسير ابن جرير [30/ 335] أن هذه السورة نزلت بالمدينة، وذكر قتادة أنه صلى الله عليه وسلم عاش بعدها سنتين والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7362 - (00) (00) (وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم (حدثنا أبو عميس) عتبة بن عبد الله، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجعفر بن عون، وساق أبو معاوية (بهذا الإسناد) يعني عن عبد المجيد عن عبيد الله عن ابن عباس (مثله) أي مثل ما حدّث جعفر بن عون (وقال) أبو معاوية في روايته لفظة (آخر سورة وقال) أبو معاوية لفظة عن (عبد المجيد ولم يقل) أبو معاوية أي لم يذكر بعد عبد المجيد لفظة (ابن سهيل) والله أعلم. ***

786 - (30) باب قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}

786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} 7363 - (2313) (173) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ -وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي شَيبَةَ- (قَال: حَدَّثَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: لَقِيَ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمينَ رَجُلًا فِي غُنَيمَةٍ لَهُ. فَقَال: السَّلامُ عَلَيكُمْ. فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيمَةَ. فَنَزَلَتْ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]. وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّلامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 786 - (30) باب قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} 7363 - (2313) (173) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن عبدة) بن موسى (الضبي) أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (واللفظ لابن أبي شيبة قال) ابن أبي شيبة (حدثنا وقال الآخران أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عباس (لقي) أي رأى (ناس من المسلمين رجلًا في غنيمة له) تصغير غنم، وفي رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس عند الترمذي وأحمد: مر رجل من بني سليم بنفر من الصحابة وهو يسوق غنمًا له فسلّم عليهم (فقال) الرجل لهم (السلام عليكم فأخذوه) أي فأمسكوه (فقتلوه) زاد سماك في روايته (وقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا) (وأخذوا تلك الغنيمة) بالتصغير التي يسوقها، وفي رواية وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم (فنزلت) آية ({وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] وقرأها) أي قرأ هذه الآية (ابن عباس) رضي الله عنهما بلفظ (السلام) بالألف بعد اللام، والحاصل أن فيه ثلاث قراءآت (السلم) بفتحتين بمعنى الصلح و (السلام) بالألف بين اللام والميم بمعنى التحية و (السلم) بكسر السين وسكون اللام وهو أيضًا بمعنى الصلح لأنه لغة في السلم بفتحتين، فالأول قراءة نافع وابن عامر وحمزة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني قراءة الباقين، والثالث قراءة رُويت عن عاصم بن أبي النجود اهـ فتح الباري. وذكر الحافظ في الفتح [8/ 258] أنه روى البزار في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى من طريق حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير فقال: أشهد أن لا إله الله، فقتله المقداد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف لك بلا إله إلا الله غدًا" وأنزل الله هذه الآية، قال الحافظ: وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها يعني القصة المذكورة في المتن، ويستفاد منها تسمية القاتل، وأما المقتول فروى الشعبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه واللفظ للكلبي أن اسم المقتول مرداس بن نهيك من أهل فدك، وأن اسم القاتل أسامة بن زيد، وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الليثي، وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده وكان ألجأ غنمه بجبل فلما لحقوه قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد فلما رجعوا نزلت هذه الآية اهـ. ثم ذكر الحافظ أنه ورد في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى أيضًا أخرجها أحمد وابن إسحاق عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلّم بن جثامة فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلّم علينا فحمل عليه محكم فقتله فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل القرآن فذكر هذه الآية، وأخرجها ابن إسحاق من طريق ابن عمر أتم سياقًا من هذا وزاد أنه كان بين عامر ومحلّم عداوة في الجاهلية قال الحافظ: وهذه عندي قصة أخرى ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معًا اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة النساء باب {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} الآية [4591]، وأبو داود في الحروف والقراءات [3974]، والترمذي في التفسير باب ومن سورة النساء [3030]، وأحمد [1/ 229 و 272 و 324]، والنسائي في الكبرى [6/ 326]. ***

787 - (31) باب في قوله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} الآية

787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية 7364 - (2314) (174) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا، لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلَّا مِنْ ظُهُورِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ 787 - (31) باب في قوله تعالى: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية 7364 - (2314) (174) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله (قال سمعت البراء) بن عازب بن الحارث الأنصاري الكوفي رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته (يقول كانت الأنصار إذا حجوا) بيت الله تعالى (فرجعوا) من حجهم (لم يدخلوا البيوت) لهم من أبوابها، بل يعتقدون حرمة دخولها (إلا من ظهورها) وسقوفها لئلا يحول بينهم وبين السماء شيء، قال الطبري: إنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم كانوا إذا أحرموا يكرهون أن يحول بينهم وبين السماء سقف حتى يرجعوا إلى منازلهم فإذا رجعوا لا يدخلون البيوت إلا من ظهورها وسقوفها أو خلفها ويعتقدون أن ذلك من البر والقرب فنفى الله ذلك بقوله {وَلَيسَ الْبِرُّ .. } الآية اهـ من الأبي. قوله (كانت الأنصار) وسائر العرب غير الحمس وهم قريش (إذا حجوا) أي واعتمروا، ورواية البخاري (إذا أحرموا) أي بالحج أو العمرة (لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها) أي من نقب أو فرجة من ورائها لا من بابه وبيّن سبب ذلك الزهري فيما رواه عنه الطبري فقال: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك وكان الرجل يخرج مهلًا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعدما خرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة مخافة أن يحول سقف الباب بينه وبين السماء فيفتح الجدار من ورائه ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته اهـ من ابن جرير [2/ 187].

قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189] ـــــــــــــــــــــــــــــ (قال) البراء (فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه) أي من باب بيته، وقد ورد في حديث جابر عند ابن خزيمة والحاكم أن اسمه قطبة بضم القاف وسكون الطاء ابن عامر، وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قيس بن جبير النهشلي أن هذا الرجل يقال له رفاعة بن تابوت، وحقق الحافظ في الفتح [3/ 1 62 و 622] أن حديث جابر أقوى إسنادًا فيُرجح على حديث قيس إلا أن يحملا على تعدد القصة (فقيل له) أي لذلك الرجل (في ذلك) الدخول من الباب قول شديد أي وبخوه في ذلك وحرّجوه (فنزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: ({وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189]). وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في العمرة باب قوله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [1803] وفي تفسير سورة البقرة باب {وَلَيسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [4512]، والنسائي في السنن الكبرى [6/ 297]. ***

788 - (32) باب في قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}

788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} 7365 - (2315) (175) حدّثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَن عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَال: مَا كَانَ بَينَ إِسْلامِنَا وَبَينَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الآيَةِ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 788 - (32) باب في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} 7365 - (2315) (175) (حدثني يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص (الصدفي) أبو موسى المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني، صدوق، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن عون بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (1) التفسير (أن) عبد الله (بن مسعود قال) وهذا السند من سباعياته (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله) عزَّ وجلَّ ووبخنا ولامنا (بهذه الآية) يعني قوله تعالى ({أَلَمْ يَأْنِ}) ولم يقرب ولم يحضر يقال أنى الشيء يأني من باب رمى أنيًا وإني وأُني إذا حان وقرب حضوره أي ألم يحضر ({لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ}) وتلين ({قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}) سبحانه أي ألم يحضر لهم وقت خشوع قلوبهم لذكر الله وتأثيره فيها وما نزل من الحق يعني القرآن. وقوله (إلا أربع سنين) بالرفع اسم كان مؤخرًا، والاستثناء مفرغ [57 / الحديد / 16]. قوله (أن عاتبنا الله) قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة تقول عاتبته معاتبة، قال الشاعر: أعاتب ذا المودة من صديق ... إذا ما رابني منه اجتناب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقي العتاب وقوله (ألم يأن) أي ألم يحن قال الشاعر: ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا ... وأن يحدث الشيب المنير لنا عقلا وقوله (أن تخشع) أي تذل وتلين لذكر الله وتعظيمه، وقيل معناه تجزع من خشية الله تعالى. وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. ***

789 - (33) باب قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}

789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] " 7366 - (2316) (156) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ. فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا؟ تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا. وَتَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أحِلُّهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ـــــــــــــــــــــــــــــ 789 - (33) باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 7366 - (2316) (156) (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (واللفظ له حدثنا غندر) محمد بن جعفر (حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (12) بابًا (عن مسلم) بن عمران. (البطين) بفتح فكسر أبي عبد الله الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذان السندان من سباعياته (قال) ابن عباس (كانت المرأة) في الجاهلية (تطوف بالبيت) المشرف (وهي) أي والحال أنها (عريانة) أي خالية من اللباس (فتقول من يعيرني تطوافًا) أي ثوبًا تلبسه في الطواف و (تجعله في فرجها) وهو بكسر التاء المثناة فوق ثوب تلبسه المرأة تطوف به، وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض ولا يأخذونها أبدًا ويتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى ويسمى اللقاء حتى جاء الإسلام فأمر الله تعالى بستر العورة فقال: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يطوف بالبيت عريان" اهـ نووي (وتقول) شعرًا: (اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله) (فنزلت هذه الآية) يعني قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 31]) وكذلك نزل فيه أيضًا على بعض الروايات قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)} [الأعراف: 28] كما ذكره ابن جرير في تفسيره [8/ 154] عن مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وغيرهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الحديث النسائي باب قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [2956]. قوله (اليوم يبدو بعضه أو كله) الضمير للفرج والمعنى أنها إن وجدت خرقة تتوارى بها عورتها فإنها قد لا تكون كافية لستر العورة الغليظة كلها فيبدو بعض أجزائها وإن لم تجد خرقة ربما ظهرت العورة كلها، وأخرج الطبري عن ابن عباس قال: إن النساء كن يطفن بالبيت عراة، وقال في موضع آخر بغير ثياب إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله .. الخ، وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة يقولون: لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها وطافت ووضعت يدها على قبلها وقالت: اليوم يبدو بعضه أو كله .. الخ اهـ من الدر المنثور للسيوطي [3/ 78]. قوله (فما بدا منه فلا أحله) أي لا أبيح لأحد أن ينظر إليه أو يتمتع به المقصود أنني لا أُبدي عورتي بقصد الفحشاء وإنما أبديه لحاجة وهي أن لا أطوف بثياب أذنبت فيها وإن هذا الشعر منسوب إلى امرأة جميلة قيل هي ضباعة بنت عامر بن صعصعة كما ذكره السهيلي في الروض الأنف [1/ 134] ثم قال: ومما ذُكر من تعريهم في الطواف أن رجلًا وامرأة طافا كذلك فانضم الرجل إلى المرأة تلذذًا واستمتاعًا فلصق عضده بعضدها ففزعا عند ذلك وخرجا من المسجد وهما ملتصقان، ولم يقدر أحد على فك عضده من عضدها حتى قال لهما قائل: توبا مما كان في ضميركما وأخلصا لله التوبة ففعلا فانحل أحدهما من الآخر، ثم اختلفت الروايات في كيفية التعري في الطواف فذكر بعضهم أن طواف الطائف عريانًا إنما يكون في المرة الأولى، فإذا عاد فطاف بعد ذلك لبس ملابسه، وذكر بعضهم أنه إذا خلع ثيابه عند الطواف ألقاها على الأرض لا يلبسها أحد وتُترك كما هي تُداس بالأقدام إلى أن تتمزق وتتهرى وتُسمّى هذه الثياب اللِّقى اهـ لسان العرب [12/ 319] والله سبحانه وتعالى أعلم. ***

790 - (34) باب في قوله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}

790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} 7367 - (2317) (157) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوَيةَ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ)، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنُ سَلُولَ يَقُولُ لِجَارِيةٍ لَهُ: اذْهَبِي فَابْغِينَا شَيئًا. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ـــــــــــــــــــــــــــــ 790 - (34) باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} 7367 - (2317) (157) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقة، من (9) (واللفظ لأبي كريب) قال أبو كريب (حدثنا أبو معاوية) بصيغة السماع (حدثنا الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الإسكاف المكي نزيل واسط، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (كان عبد الله بن أُبي ابن سلول) بالرفع صفة ثانية لعبد الله، وسلول اسم أمه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي كزينب وتُكتب ألف ابن في الثاني لفصله عن العلم الموصوف به بعلم آخر كما مر البحث عنه في أوائل الكتاب وهو رئيس المنافقين (يقول لجارية له) يقال لها مسيكة مصغرًا فآجرها للزنا وأكرهها (اذهبي فابغينا) أي فاطلب لنا (شيئًا) من المال فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ}) أي إمائكم ({عَلَى الْبِغَاءِ}) أي على الزنا، والفتيات جمع فتاة، والفتيان جمع فتى، وهن المماليك، والبغاء بكسر الباء الزنا ({إِنْ أَرَدْنَ}) تلك الفتيات ({تَحَصُّنًا}) أي تحفظًا من الزنا، وهذا قيد لا مفهوم له، وأخرج الطبري عن الزهري مرسلًا (أن رجلًا من قريش أسره عبد الله بن أبي يوم بدر، وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة، فكان القرشي الأسير يريدها على نفسها، وكانت مسلمة فكانت تمتنع منه لإسلامها، وكان ابن أبي يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل للقرشي فيطلب فداء ولده، فقال الله عزَّ وجلَّ (ولا تكرهوا فتياتكم .. ) إلخ، وقال النووي رحمه الله تعالى: وقيل نزلت في ست جوار كانت له كان يكرههن على الزنا ويأخذ منهن أجورهن؛ معاذة، ومسيكة، وأميمة، وعمرة، وأروى،

لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} لَهُنَّ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33]. 7368 - (00) (00) وحدّثني أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَن جَارِيةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ يُقَالُ لَهَا: مُسَيكَةُ. وَ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقتيلة والله أعلم ({لِتَبْتَغُوا}) وتطلبوا لكم في مقابلة بضعها ({عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}) ومتاعها ({وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ}) لهن أي لتلك الفتيات لا لمكرههن ({غَفُورٌ رَحِيمٌ}) قل الطبري: أي لمن تاب بعد الإكراه، وكان الحسن يقول: غفور لهن والله لا لمكرههن، ويستدل بإضافة الإكراه إليهن اهـ أبي [24 / النور / 33 / الآية]. قال النووي: هكذا وقع قوله (من بعد إكراههن غفور رحيم) في النسخ كلها وهذا تفسير ولم يرد به أن لفظة لهن منزلة من عند الله تعالى فإنه لم يقرأ بها أحد، وإنما هي تفسير وبيان يريد أن المغفرة والرحمة لهن لكونهن مكرهات لا لمن أكرههن، ولكن قول النووي (لم يقرأ بها أحد) معترض (قلت) أخرج ابن جرير في تفسيره [18/ 133] عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ (لهن غفور رحيم) ولكن الظاهر أنه تفسير لا قراءة، وقد يطلق لفظ القراءة على التفسير أيضًا اهـ. ودلت الآية على أن المكرهة على الزنا إكراهًا ملجئًا معذورة عند الله تعالى، وذكر فقهاء الحنفية أنه لا يجوز ارتكاب الزنا للرجل وإن كان مكرهًا إكراهًا ملجئًا لأن فيه تضييعًا للولد بخلاف المرأة فإن الصبي يلحق بها والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطلاق باب تعظيم الزنا [2311]، والنسائي في الكبرى [6/ 419]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال: 7368 - (00) (00) (وحدثني أبو كامل الجدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع (عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي عوانة لأبي معاوية (أن جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال لها مسيكة و) أن جارية

أُخْرَى يُقَالُ لَهَا: أُمَيْمَةُ. فَكَانَ يُكرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَى. فَشَكَتَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] ـــــــــــــــــــــــــــــ (أخرى) له (يقال لها أميمة) والفاء في قوله (فكان) زائدة في خبر أن أي كان (يكرههما على الزنا فشكتا) أي شكت الجاريتان (ذلك) أي إكراهه إياهما على الزنا (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وأخبرتاه على سبيل الشكوى (فأنزل الله) تعالى في ذلك قوله ({وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}). ***

791 - (35) باب في قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} الآية

791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية 7369 - (2318) (158) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57] ـــــــــــــــــــــــــــــ 791 - (35) باب في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية 7369 - (2318) (158) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي (عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته (في) تفسير (قوله عزَّ وجلَّ: ({أُولَئِكَ}) مبتدأ ({الَّذِينَ}) اسم موصول في محل الرفع صفة للمبتدأ، وجملة ({يَدْعُونَ}) صلة الموصول، وجملة قوله ({يَبْتَغُونَ}) أي يطلبون ويقصدون خبر المبتدأ الذي هو اسم الإشارة، وقوله ({إِلَى رَبِّهِمُ}) متعلق بقوله ({الْوَسِيلَةَ}) وهي بمعنى القرب إلى الله تعالى، وقوله ({أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}) أي كل من المعبودين من الجن أو الملائكة أو عيسى وعزير يجتهد في التقرب إلى الله تعالى بعبادته يريد بذلك أن يكون أقرب إليه من كل أحد، والمعنى أولئك المعبودون الذين يعبدهم المشركون من الجن والملائكة وعزير وعيسى وأمه يطلبون الوسيلة والقرب إلى ربهم ويتمنون أن يكونوا جواب استفهام من سئل أي العباد أقرب إلى ربهم، والحاصل أن الجن الذين يعبدهم المشركون يطلبون التقرب إلى الله تعالى ويتنافسون فيما بينهم في كونهم أقرب إلى الله تعالى لأنهم أسلموا وهؤلاء العابدون لهم باقون على شركهم وهذا أحد الأقوال في تفسير هذه الآية، وقال بعض المفسرين: المراد بأولئك الذين يدعون الأنبياء الذين عبدوا من دون الله تعالى مثل عيسى وعزير عليهما السلام، وقال بعضهم: هم الملائكة الذين كان يعبدهم بعض العرب وعموم الآية يحتمل الجميع فكل من كان عبادًا لله وعبده غيره فقد دخل في عموم الآية فإن المقصود التنبيه على أن من زعمه هؤلاء المشركون إلهًا بريء من

قَال: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ أَسْلَمُوا. وَكَانُوا يُعْبَدُونَ. فَبَقِيَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ عَلَى عِبَادَتِهِمْ. وَقَدْ أَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الجِنِّ. 7370 - (00) (00) حدّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]. قَال: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ، وَاسْتَمْسَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ زعمهم هذا، بل هو عابد لله تعالى مستسلم له يطلب التقرب إليه تعالى والله أعلم. (قال) عبد الله بن مسعود (كان نفر من الجن أسلموا وكانوا) أي أولئك النفر من الجن (يعبدون) بالبناء للمجهول للإنس (فبقي) المشركون (الذين كانوا يعبدون) الجن (على عبادتهم) للجن (و) الحال أنه (قد أسلم النفر) المعبودون (من الجن) وعبدوا ربهم يعني كان بعض المشركين يعبدون الجن الذين أسلموا فأسلم الجن وبقي عابدوهم من الإنس على شركهم فنزلت فيهم هذه الآية. وشارك المؤلف في رواية الحديث البخاري في تفسير سورة الإسراء باب أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة [4715]، والنسائي في الكبرى [6/ 380]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال: 7370 - (00) (00) (حدثني أبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع العبدي) البصري، صدوق، من (10) (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (حدثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سفيان لعبد الله بن إدريس. أن عبد الله بن مسعود قال ({أُولَئِكَ}) الآلهة ({الَّذِينَ يَدْعُونَ}) أي يعبدهم المشركون من عيسى وعزير والملائكة ({يَبْتَغُونَ}) أي يطلبون ويقصدون ({إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}) أي يقصدون التقرب إلى ربهم وخالقهم عزَّ وجلَّ (قال) عبد الله بن مسعود في تفسير هذه الآية (كان نفر) أي جماعة (من الإنس يعبدون نفرًا من الجن فأسلم النفر) الذين كانوا (من الجن) ابتغاء وجه ربهم (واستمسك) أي استمر النفر الذين كانوا من

الإِنْسُ بِعِبَادَتِهِمْ. فَنَزَلَتْ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]. 7371 - (00) (00) وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. 7372 - (00) (00) وحدّثني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا حُسَينٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (الإنس بعبادتهم) أي على عبادة النفر الجنيين (فنزلت) هذه الآية يعني قوله تعالى: ({أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال: 7371 - (00) (00) (وحدثنيه بشر بن خالد) الفرضي نسبة إلى علم الفرائض أبو محمد العسكري البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا محمد يعني ابن جعفر) غندر (عن شعبة عن سليمان) بن مهران الأعمش، غرضه بيان متابعة شعبة لعبد الله بن إدريس وسفيان الثوري في الرواية عن الأعمش، وساق شعبة (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله (مثلهما). ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال: 7372 - (00) (00) (وحدثني حجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي البغدادي المعروف بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثني أبي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حسين) بن ذكوان المعلم المكتب العوذي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (25) بابًا (عن عبد الله بن معبد) البصري (الزماني) بكسر الزاي وتشديد الميم نسبة إلى زمان بن مالك بطن من ربيعة كما في اللباب، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الصوم والتفسير (عن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي، ثقة، من (2) له رؤية، روى عنه في (1) باب التفسير (عن عبد الله بن مسعود) الهذلي الكوفي رضي الله عنه.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]. قَال: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ. فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ. وَالإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشعُرُونَ. فَنَزَلَتْ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا السند من ثمانياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن عتبة لأبي معمر عبد الله بن سخبرة أنه قال {أُولَئِكَ} الآلهة ({الَّذِينَ يَدْعُونَ}) أي يعبدهم المشركون كعزير وعيسى وأمه ({يَبْتَغُونَ}) أي يطلبون ({إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}) أي التقرب إليه تعالى (قال) ابن مسعود (نزلت) هذه الآية (في نفر من العرب) هم قوم من خزاعة كما في القرطبي (كانوا يعبدون نفرًا من الجن فأسلم الجنيون) أي من غير أن يعلم الإنسيون إسلامهم كما قال (والإنس الذين كانوا يعبدونهم) أي يعبدون الجن (لا يشعرون) أي لا يعلمون إسلام الجنيين (فنزلت) الآية ({أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}) أي القربى إلى ربهم ولا يرضون عبادة الإنس لهم لكونهم أسلموا. ***

792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء

792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء 7373 - (2319) (159) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطِيعٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، قَال: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَال: آلتَّوْبَةِ؟ قَال: بَل هِيَ الْفَاضِحَةُ. مَا زَالتْ تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا. قَال: قُلْتُ: سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَال: تِلْكَ سُورَةُ بَدْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ 792 - (36) باب في بيان سبب نزول سورة براءة والأنفال والحشر، وبيان تسميتها بهذه الأسماء 7373 - (2319) (159) (حدثني عبد الله بن مطيع) بن راشد البكري أبو محمد النيسابوري نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عن هشيم في (2) بابين الإيمان والتفسير (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (17) بابا (عن أبي بشر) بيان بن بشر الأحمسي الكوفي، ثقة ثبت، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (قال) سعيد (قلت لابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (سورة التوبة) لم سميت بهذا الاسم أو ما اسمها أو كيف نزلت فهو على تقدير استفهام (قال) لي ابن عباس (آلتوبة) أي أتسميها بسورة التوبة فالاستفهام فيه إنكاري أي إنها ليست بسورة التوبة، ثم (قال) ابن عباس (بل) هذه السورة (هي الفاضحة) أي بل هي تسمى بالفاضحة لأنها فضحت الكفار والمنافقين ببيان مكايدهم وعزائمهم، وليس مراده أن تسميتها بسورة التوبة لا يجوز بل مراده أن أكثر ما فيها بيان فضائحهم لا بيان التوبة، ومن سماها بسورة التوبة نظر إلى أنه ذكر بها توبة كعب بن مالك وصاحبيه من المتخلفين عن تبوك، وإنما سميت فاضحة (لأنها) أي لأن هذه السورة (ما زالت تنزل) فيها لفظة (ومنهم) من يفعل كذا وكذا (ومنهم) من يقول كذا وكذا كقوله عزَّ وجلَّ فيها (ومنهم من عاهد الله)، (ومنهم من يلمزك في الصدقات)، (ومنهم الذين يؤذون النبي) وغير ذلك (حتى ظنوا) أي ظن الناس لكثرة فضائحها (أن لا يبقى منا) أي من المؤمنين ومن المنافقين ففيه التفات (أحد إلا ذكر فيها) فضائحه (قال) سعيد (قلت) لابن عباس (سورة الأنفال) لم سميت بهذا الإسم فهو على تقدير الاستفهام أيضًا (قال) ابن عباس (تلك سورة) نزلت في بيان ما وقع في غزوة (بدر) من الأنفال

قَال: قُلْتُ: فَالْحَشْرُ؟ قَال: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ والغنائم (قال) سعيد (قلت) لابن عباس (فـ) سورة (الحشر) لم سميت بهذا الإسم (قال) ابن عباس: سميت بذلك لأنها (نزلت في) حشر (بني النضير) وإجلائهم من مساكنهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة الحشر [4882 و 4883] وفي تفسير سورة الأنفال في فاتحتها [4645] وفي المغازي باب حديث بني النضير [4029]. ***

793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر

793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر 7374 - (2320) (160) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَال: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. ثُمَّ قَال: أَمَّا بَعْدُ، أَلا وَإِنَّ الْخَمْرَ نَزَلَ تَحْرِيمُهَا، يَوْمَ نَزَلَ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ. وَثَلاثَةُ أَشْيَاءَ وَدِدْتُ، أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــ 793 - (37) باب في نزول تحريم الخمر 7374 - (2320) (160) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابا (عن أبي حيان) يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي المدني، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) ابن عمر (خطب عمر) بن الخطاب رضي الله عنه قائمًا (على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله) تعالى (وأثنى عليه ثم قال) عمر (أما بعد ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي أما بعد انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (وإن الخمر) الواو مؤكدة لـ ألا أي أما بعد فأقول لكم إن الخمر (نزل تحريمها) ومنعها (يوم نزل) ذلك التحريم (وهي) أي والحال أنها مصنوعة (من خمسة أشياء) يعني في ذلك الوقت. وقوله (من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل) بدل تفصيل من مجمل من قوله من خمسة أشياء، قال القسطلاني: وفي هذا بيان حصول الخمر مما ذكر وليس للحصر لخلو التركيب عن أداته ولتعقيبه بقوله (والخمر ما خامر العقل) أي ستره وغطاه كالخمار يغطي رأس المرأة سواء كان مما ذكر أو غيره كانواع الحبوب والنبات كالأفيون والحشيش، ولا تعارض بين قول ابن عمر أولًا نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب، وبين قول عمر نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء ... إلخ لأن الأول أفاد أن التحريم نزل في حالة لم يكن شراب العنب فيها بالمدينة، والقول الثاني وهو قول عمر لا يقتضي أن شراب العنب كان بالمدينة إذ ذاك بوجه وحينئذ فلا تعارض كما لا يخفى اهـ منه. ثم قال عمر رضي الله عنه (وثلاثة أشياء وددت) أي أحببت وتمنيت (أيها الناس أن

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إِلَينَا فِيهَا: الْجَدُّ، وَالْكَلالةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا. 7375 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو كُرَيبٍ. أَخْبَرَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطابِ، عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد) وأوصى (إلينا) وأمرنا (فيها) بأحكام مفصلة واضحة لا مجال فيها للاختلاف والشبهات وإلا فإن كل واحد من هذه المسائل فيها نصوص من النبي صلى الله عليه وسلم (الجد) أي مقدار ما يرثه الجد من مال حفيده، وهل يشاركه الإخوة في الميراث أم لا؟ وقد اختلف فيه الصحابة اختلافًا كثيرًا (و) ميراث (الكلالة) وهو من ليس له أصل ولا فرع وارثان، وقد تقدمت كل من المسألتين في الفرائض مبسوطة (وأبواب من أبواب الربا) أي ونوع من أنواع الربا ولعله يشير إلى ربا الفضل لأن ربا النسيئة متفق عليه بين الصحابة، وسياق كلام عمر رضي الله عنه يدل على أنه كان عنده نص في بعض من أبواب الربا دون بعض فلهذا تمنى معرفة البقية فبطل ما قاله بعض أهل هذا العصر الفاسد الذي كان دينهم نظام اليهود والنصارى، وما توافق عليه أهل الشورى من أن حرمة الربا ليست قطعية لمكان الإجمال في تعريفه وأنواعه وتدرجوا بذلك إلى تحليل فائدة البنوك واستثمارها والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة المائدة باب إنما الخمر والميسر .. الخ [6419] وفي الأشربة، وفي الاعتصام، وأبو داود في الأشربة باب في تحريم الخمر [3669]، والنسائي في الأشربة [5578 و 5579]، وابن حبان [7/ 371]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال: 7375 - (00) (00) (وحدثنا أبو كريب أخبرنا) عبد الله (بن إدريس) الأودي (حدثنا أبو حيان) يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي (عن الشعبي عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (قال) ابن عمر (سمعت عمر بن الخطاب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة ابن إدريس لعلي

أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَب، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. وَثَلاثٌ، أَيُّهَا النَّاسُ، وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَهِدَ إِلَينَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلالةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا. 7376 - (00) (00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي حَيَّانَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِهمَا، غَيرَ أَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ بن مسهر (أما بعد أيها الناس فإنه نزل تحريم الخمر وهي) أي والحال أنها مصنوعة (من خمسة) أشياء (من العنب) أي من الزبيب بدليل ذكر التمر بعده بقوله: (والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل) قال القرطبي: والحديث دليل واضح يقارب القطع بأن النبيذ يسمى خمرًا، وإن اسم الخمر ليس مقصورًا على ما يعتصر من العنب، وأن الخمر كل ما خامر العقل فإن عمر رضي الله عنه قال بذلك ونص في معدن الفصاحة وبين خيار أهل البلاغة وهم من هم علمًا وفضلًا وقوة وعدلًا لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يبالون في الحق باقتحام العظائم فلو لم يكن ما قاله لسانهم ومعرفة ذلك شأنهم لبادروا بالإنكار ولما وجد منهم صحيح ذلك الإقرار اهـ من المفهم. ثم قال عمر رضي الله عنه (وثلاث) أمور (أيها الناس وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهن عهدًا ننتهي إليه) أي أوصى لنا في أحكامهن حكمًا نتفق عليه ونجزم به ولا نختلف فيه، وتلك الأمور (الجد) أي مقدار ميراثه من حفيده (والكلالة) أي ميراثه لمن (وأبواب) أي نوع (من أبواب الربا) وأنواعها، ولعله ربا الفضل كما مر آنفًا. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال: 7376 - (00) (00) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية (خ) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق (كلاهما) أي كل من إسماعيل وعيسى رويا (عن أبي حيان بهذا الإسناد) يعني عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر (بمثل حديثهما) أي بمثل حديث ابن مسهر وابن إدريس (غير أن ابن علية) قال (في

حَدِيثِهِ: الْعِنَبِ. كَمَا قَال ابْنُ إِدْرِيسَ، وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: الزَّبِيبِ كَمَا قَال ابْنُ مُسْهِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ حديثه العنب كما قال ابن إدريس، وفي حديث عيسى الزبيب كما قال ابن مسهر) والغرض بيان متابعتهما إياهما. ***

794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} الآية

794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية" 7377 - (2321) (161) حدَّثنا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ عُبَادٍ قَال: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] إِنَّهَا نَزَلَت في الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةُ وَشَيبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ 794 - (38) باب نزول قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية 7377 - (2321) (161) (حدثنا عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي أبو محمد النيسابوري المقرئ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (عن أبي هاشم) يحيى بن دينار الواسطي الرماني بضم الراء وتشديد الميم، كان نزل قصر الرمان، ويقال له يحيى بن الأسود، ويقال ابن أبي الأسود، روى عن أبي مجلز لاحق بن حميد في التفسير، وأبي وائل والحسن وإبراهيم وجماعة، ويروي عنه (ع) وهشيم والثوري، ثقة، من السادسة، رأى أنسًا، مات سنة (122) اثنين وعشرين ومائة، أو خمس وأربعين ومائة (145) (عن أبي مجلز) لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن قيس بن عباد) بضم أوله مخففًا الضبعي أبي عبد الله البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (3) أبواب (قال) قيس (سمعت أبا ذر) الغفاري جندب بن جنادة الربذي، وهذا السند من سداسياته (يقسم قسمًا) أي يحلف يمينًا على (إن) قوله تعالى: ({هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}) [الحج: 19]، أي يقسم على (إنها) أي إن هذه الآية (نزلت في) الفريقين من المسلمين والمشركين (الذين برزوا) أي تبارزوا وتنازلوا للمضاربة والمسابقة (يوم) غزوة (بدر) هم (حمزة) بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضيعه (وعلي) بن أبي طالب (وعبيدة بن الحارث) بن عبد المطلب وهؤلاء الثلاثة الفريق المؤمنون وهم من بني عبد مناف اثنان من بني هاشم والثالث وهو عبيدة من بني المطلب والثلاثة الباقية مشركون (و) هم (عتبة وشيبة ابنا ربيعة) بن عبد شمس (والوليد بن عتبة) بن ربيعة المذكور، وهؤلاء الثلاثة من بني عبد شمس بن عبد مناف والستة

7378 - (00) (00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيِعٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ عُبَادٍ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ، لَنَزَلَت: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج: 19] بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ كلهم من قريش ثلاثة منهم مسلمون، وثلاثة مشركون كما ذكرنا وقتل كل واحد من المسلمين من برز له من الكفار إلا عبيدة فإنه اختلف مع من بارز له بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة ومال حمزة وعلي إليه فأعانا على قتله واستشهد عبيدة من تلك الضربة بالصفراء عند رجوعهم اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في تفسير سورة الحج باب هذان خصمان [4743]، وابن ماجه في الجهاد باب المبارزة والسلب [2862]. ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال: 7378 - (00) (00) (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع (ح) وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (جميعًا) أي كل من وكيع وعبد الرحمن رويا (عن سفيان) الثوري (عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال سمعت أبا ذر) رضي الله عنه (يقسم) بقوله والله إنه (لنزلت) آية (هذان خصمان) غرضه بيان متابعة سفيان لهشيم، وساق سفيان (بمثل حديث هشيم) يعني قوله في الذين برزوا يوم بدر إلخ. قوله (هذان خصمان) أي هذان الفريقان المتنازلان من المؤمنين والمشركين خصمان أي متنازعان (اختصموا) أي تنازعوا (في) دين (ربهم) واختلفوا وتقاتلوا كل على نصر دينه، والخصم في الأصل مصدر فيوحد ويذكر غالبًا كقوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} ويجوز أن يثنى ويجمع ويؤنث كهذه الآية، ولما كان كل خصم فريقًا يجمع طائفة قال: اختصموا بصيغة الجمع كقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) فالجمع مراعة للمعنى، وقال في الكشاف: الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل هذان فوجان أو فريقان يختصمان، وقوله هذان نظرًا للفظ واختصموا نظرًا للمعنى، قال في الدر: إن عني بقوله إن الخصم صفة بطريق الاستعمال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المجازي فمسلم لأن المصدر يكثر الوصف به، وإن أراد أنه صفة حقيقة فخطؤه ظاهر لتصريحهم بأن رجل خصم مثل رجل عدل اهـ من القسطلاني. قال القرطبي: قوله (هذان خصمان) إشارة إلى الفريقين اللذين ذكرهما أبو ذر وهما علي وحمزة وعبيدة وهم المؤمنون، والفريق الآخر عتبة وشيبة والوليد بن عتبة التقيا يوم بدر في أول الحرب فافتخر المشركون بدينهم وانتسبوا إلى شركهم وافتخر المسلمون بالإسلام وانتسبوا إلى التوحيد ولما خرج المشركون ودعوا إلى البراز خرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة الأنصاري فلما انتسبوا لهم قالوا: أكفاء كرام ولكنا نريد من قومنا فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعلي رضي الله عنه فأما حمزة وعلي فلم يمهلا صاحبيهما فقتلاهما، واختلفت بين عبيدة وشيبة ضربتان كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه واحتملا صاحبيهما فمات من جرحه ذلك بالصفراء عند رجوعه، وقال قتادة: هم أهل الكتاب افتخروا بسبق دينهم وكتابهم، فقال المسلمون: كتابنا مهيمن على الكتب ونبينا خاتم الأنبياء، وقال مقاتل: هم أهل الملل في دعوى الحق اهـ من المفهم. ثم إن هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على البخاري ومسلم لإخراجهما إياه في صحيحيهما وزعم الدارقطني أن في إسناده اضطرابًا فمرة رواه قيس بن عباد عن أبي ذر، وأخرى روى عن علي قوله (أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن) ثم أضاف من عنده أن الآية نزلت فيهم، وفي رواية النسائي نسبه إلى علي نفسه، وقد ذكر البخاري من طريق جرير عن منصور عن أبي هاشم أنه قولُ أبي مجلز. وأجاب العلّامة النووي والحافظ ابن حجر في فتح الباري [8/ 444] عن هذا الاعتراض بأنه ليس اضطرابًا وإنما سمعه قيس بن عباد من أبي ذر وعلي رضي الله عنهما كليهما فمرة رواه عن أبي ذر وأخرى عن علي، واكتفى مرة في رواية عن علي بقوله (أنا أول من يجثو .. ) إلخ ورواه أخرى عنه بتمامه، وكذلك أبو مجلز رواه مرة عن قيس بن عباد عن أبي ذر وأخرى ذكر سبب النزول من عند نفسه فالراوي تارة يروي وتارة يفتي ولا منافاة بين الأمرين ولا يكون ذلك اضطرابًا ولا يقدح ذلك في صحة الحديث إذا كان الرواة في جميع الروايات ثقات حفاظًا ورجال كل واحد من هذه الروايات ثقات أثبات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والله سبحانه وتعالى أعلم وأكرم وكرمه أعم وأتم وبحكمته هو المؤخر والمقدم وهو المعز والمذل والقابض والباسط يختص بفضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم والمن الجسيم. وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد من الأحاديث غير المكررة من الأصول والشواهد (161) مائة وأحد وستون حديثًا، ومن الأبواب (38) ثمان وثلاثون بابا. وجملة أحاديث مسلم مع المكرر (7378) سبعة آلاف وثلاثمائة وثمان وسبعون، وبلا مكرر (2321) ألفان وثلاثمائة وأحد وعشرون كما حققناه بالعد والحساب بالأرقام. فالحمد لله على توفيقه في الابتداء، والثناء له على تيسيره إلى الانتهاء، والشكر له على ما أكرمنا به في هذا الجامع من الخدمات، والصلاة والسلام على من هو منبع الحكم والعلومات، سيدنا محمد وعلى آله وجميع الصحابات، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامات، ما تعاقبت الأيام والليالي والعصورات. وهذا آخر ما أكرمني الله به من هذا المجلد بإتمامه، وبتمامه تم هذا الشرح المبارك في أوائل ليلة الجمعة المباركة الحادية والعشرين من شهر شوال المبارك من تاريخ (21/ 10 / 1428 هـ) من الهجرة المصطفية، على صاحبها أفضل الصلاة والصلات والتحية، وعلى آله وصحبه وجميع الأمة المحمدية. وكان تاريخ ابتداء هذا الشرح منتصف ليلة الجمعة، الليلة الثامنة من شهر ربيع الآخر من شهور سنة ألف وأربعمائة وتسع عشرة تقريبًا من الهجرة المذكورة، وقد مكثت في تسويده زهاء عشر سنوات تقريبًا مع ما لازمني من الشواغل والعوائق، ولقد أجاد من قال: وقل من جد في أمر يحاوله ... واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر فالحمد لله على ما حبانا، والشكر له على ما أولانا، وأسأله أن يديم نفعه بين عباده، ويرد عنه جدل منكره وجاحده، ويطمس عنه أعين كائده وحاسده، ممن هدفه كشف العورات، وستر الحسنات، وإظهار السيئات، وإفشاء الوصمات، مع أن به أسوأ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العورات، وأقبح البسمات، وقد مليء بأمثاله هذا الزمان والعياذ بالله الرحيم الرحمن، من شرور هذا الفتان، والمرجو ممن صرف وجهه إليه، بعين القبول والرغبة لديه، أن يصلح خطأه وسقطته، ويزيل زلله وهفوته، بعد التأمل والإمعان، لا بمجرد النظر والعيان، لأن الإنسان مركز الجهل والنسيان، لا سيما حليف البلاهة والتوان، ليكون ممن يدفع السيئة بالحسنة لا ممن يجازي الحسنة بالسيئة، علمنا الله وإياكم علوم السالفين، وجنبنا وإياكم زيوف الخالفين، وأدبنا وإياكم بآداب الأخيار، وزيننا وإياكم بحلية الأبرار، وطهرنا وإياكم من دنس الفجار، وأذاقنا وإياكم كؤوس المعارف والأسرار، ورزقنا وإياكم منه صلى الله عليه وسلم شفاعة يوم الحسرة، جبرًا لما فاتنا وإياكم من بيعة الشجرة، مع مشرب العارفين، ومنسك العابدين، ولذة الواصفين، وخمرة العاشقين، سيدنا ومولانا محمد سيد الأولين والآخرين، عليه صلوات الله وسلامه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وآل كل وجميع الأولياء والمقربين، وعلينا وعلى سائر عباد الله الصالحين، والحمد لله رب العالمين، وما ألطف قول من قال في نداء ربه: يا رب يا رب يا من لا شريك له ... يا سامع الصوت يا من جل عن صمم يا رب يا رب يا ذا الجود يا أملي ... يا ذا الجلال ويا ذا اللطف في الأمم شعر مذيل: - وما من كاتب إلا سيفنى ... ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه آخر أجل ما كسبت يد الفتى قلم ... وخير ما جمعت يد الفتى كتب آخر لقد أتممته حمدًا لربي ... على ما قد أعان لي من الكتب أمانة الله حقًّا كاتبها ... محبًا لأصحاب النبي مع النبي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آخر حمدًا لربنا على جمعه ... ثم غفرانه لمؤلفه ولناشره ولطابعه ... ولقارئه ولسامعه ولوالديه وكل من ... أسدى له الإسعاف في تعلمه ثم صلاة الله على حبه ... محمد وآله وحزبه قال الزركلي في مناجاته للوطن: - العين بعد فراقها الوطنا ... لا ساكنًا ألفت ولا سكنا كانت ترى في كل سانحة ... حسنًا وباتت لا ترى حسنا والقلب لولا أنه صعدت ... أنكرته وشككت فيه أنا ليت الذين أحبهم علموا ... وهم هنالك ما لقيت هنا ما كنت أحسبني مفارقهم ... حتى تفارق روحي البدنا إن الغريب معذب أبدًا ... إن حل لم ينعم وإن ظعنا رسالة إلى كل مهموم: - إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست في مكامنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به اللطيف المستجيب وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها فرج قريب

§1/1